الكتاب: الأغاني المؤلف: علي بن الحسين بن محمد بن أحمد بن الهيثم المرواني الأموي القرشي، أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356هـ) عدد الأجزاء:25 مجلد الناشر: دار إحياء التراث العربي - بيروت الطبعة: الأولى/ 1415 ه [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع، وهو مذيل بالحواشي] أعده للشاملة: //محمود الجيزي - عفا الله عنه// |
الكتاب: الأغاني
المؤلف: علي بن الحسين بن محمد بن أحمد بن الهيثم المرواني الأموي القرشي، أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356هـ)
عدد الأجزاء:25 مجلد
الناشر: دار إحياء التراث العربي - بيروت
الطبعة: الأولى/ 1415 ه
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع، وهو مذيل بالحواشي]
أعده للشاملة: //محمود الجيزي - عفا الله عنه//
الجزء الأول
[مقدمة التحقيق]
قالوا في كتاب الأغاني ومؤلفه
1 - ومن الرواة المتسعين الذين شاهدناهم أبو الفرج علي بن الحسين الأصبهاني، فإنه كان يحفظ من الشعر والأغاني، والأخبار، والآثار، والحديث المسند، والنسب، ما لم أر قط من يحفظ مثله. وكان شديد الاختصاص بهذه الأشياء ويحفظ دون ما يحفظ منها علوما أخر.
الخطيب البغدادي «تاريخ بغداد» (11/ 399) 2 - كتاب «الأغاني» وقع الاتفاق على أنه لم يعمل في بابه مثله، يقال إنه جمعه في خمسين سنة وحمله إلى سيف الدولة ابن حمدان فأعطاه ألف دينار واعتذر إليه. وحكي عن الصاحب بن عباد أنه كان في أسفاره وتنقلاته يستصحب حمل ثلاثين جملا من كتب الأدب ليطالعها، فلما وصل إليه كتاب الأغاني لم يكن بعد ذلك يستصحب سواه استغناء به عنها.
ابن خلكان «وفيات الأعيان» (3/ 307 - 308) 3 - قال أبو علي التنوخيّ: كان أبو الفرج يحفظ من الشعر والأغاني والأخبار والمسندات والأنساب ما لم أر قطّ من يحفظ مثله، ويحفظ سوى ذلك من علوم أخر، منها اللغة والنحو والمغازي والسّير.
الحافظ شمس الدين الذهبي «تاريخ الإسلام» وفيات سنة (356 ه) الصفحة (144) 4 - وقد ألّف القاضي أبو الفرج الأصفهاني «كتابه في الأغاني» جمع فيه أخبار العرب وأشعارهم وأنسابهم وأيامهم ودولهم، وجعل مبناه على الغناء في المائة صوتا التي اختارها المغنون للرشيد، فاستوعب فيه ذلك أتمّ استيعاب وأوفاه.
ولعمري إنه ديوان العرب، وجامع أشتات المحاسن التي سلفت لهم في كل فنّ من فنون الشعر والتاريخ والغناء وسائر الأحوال، ولا يعدل به كتاب في ذلك فيما نعلمه، وهو الغاية التي يسمو إليها الأديب ويقف عندها، وأنّى له بها.
ابن خلدون «المقدمة» الصفحة (554) 5 - لعمري إن هذا الكتاب لجليل القدر، شائع الذّكر جمّ الفوائد، عظيم القلم، جامع بين الجدّ والبحت والهزل والنّحت.
ياقوت الحموي «معجم الأدباء» (13/ 98)
ملاحظة هامة
نلفت انتباه الباحث الكريم أنّ الإحالات في الحاشية من هذه الطبعة هي الموافقة لأرقام أجزاء وصفحات طبعة دار الكتاب المصرية التي كانت أساسا لهذه الطبعة والموجودة من جهة التحرير بين معكوفتين هكذا []. ويراجع فهرس الأعلام. فلينتبه لذلك واللّه الموفق.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ*
كلمة دار إحياء التراث العربي
مقدمة [1]
إن الحمد للّه، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ باللّه من شرور أنفسنا، من يهد اللّه فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران 3: 102].
(يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها، وَبَثَّ مِنْهُما رِجالًا كَثِيراً وَنِساءً، وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) [النساء 4: 1].
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيداً* يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ، وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ، وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فازَ فَوْزاً عَظِيماً) [الأحزاب 33: 70 - 71].
أما بعد،
فيسر مؤسسة دار إحياء التراث العربي أن تقدم لأهل العلم والأدب في العالم الإسلامي والعربي كتاب «الأغاني» [2] للعلامّة الأخباري، أبي الفرج، علي بن الحسين بن محمد القرشي، الأموي، الأصبهاني الكاتب (ت 356)، الذي يعدّ من أشهر كتب الأدب والتراجم وأجدرها بالثقة وقد اهتمّ به القدماء ولم يغفله المحدثون، ففيه ثروة أدبية واجتماعية وتاريخية وفنيّة لا تقدر بثمن.
وقد وضع المؤلف كتابه بالأصل لذكر الغناء والألحان، لكنه اتخذ ذلك ذريعة ليتوسع في ترجمة الشعراء والأدباء ويأتي بالعجب العجاب حتى عدّ كتاب الأغاني بحقّ من أمهات كتب الأدب العربي، فقد ترجم لأكثر شعراء العرب: من جاهليين ومخضرمين، ومحدثين، كما ترجم لكثير من المغنين في الدولتين الأموية والعباسية، وجمع فيه الأغاني العربية قديمها وحديثها.
فهو أوسع كتب التراجم إطلاقا، ترجم لعدد من الأدباء حتى نهاية القرن الثالث الهجري، وبلغ عدد تراجمه حوالي (500) شاعر وشاعرة عاشوا في الجاهلية وصدر الإسلام والعصر الأموي وأوائل العباسي، وجلّ هذه التراجم شديدة التفصيل، غزيرة المادة، مما يجعل هذا الكتاب سجلا للحضارة العربية والإسلامية في كثير من مظاهرها.
__________
[1] انظر «المصادر العربية والمعربة» للدكتور محمد ماهر حمادة الصفحة (261، 262)، و «مصادر الدراسات الإسلامية» للدكتور عبد الوهاب إبراهيم أبو سليمان الصفحة (550).
[2] طبع بالقاهرة مطبعة بولاق الأميرية عام 1868 م في طبعته الأولى، ثم طبع ثانيا في القاهرة، مطبعة التقدم عام 1905 م بتحقيق أحمد الشنقيطي وكلتا الطبعتين ينقصهما التحقيق العلمي، ثم طبع ثالثا في مصر بإشراف المؤسسة المصرية العامة للكتاب (1921 - 1948 م) في (24) جزءا وهي الطبعة التي اعتمدناها كأصل لنسختنا هذه مع الاستئناس بالطبعتين السابقتين.
بدأ بخبر أبي قطيفة ونسبه، وذكر معبد وبعض أخباره، ثم عمر بن أبي ربيعة ونسبه وهكذا ... حتى انتهى بأخبار المتلمس في آخر الكتاب.
وقد جعل المؤلف مبنا كتابه على مائة الصوت المختارة للرشيد، وبدأ فيه بذكر الأصوات الثلاثة المختارة من جميع الغناء، ونسب كل ما ذكره منها إلى قائل شعره وصانع لحنه وطريقته على شرح لذلك وتفسير للمشكل الغريب وبيان عروض الشعر وضربه.
وأتى بكل فصل من ذلك بنتف تشاكله، ولمع تليق به، وفقر إذا تأمّلها قارؤها لم يزل متنقّلا من فائدة إلى مثلها، ومتصرّفا فيها بين جدّ وهزل، وآثار وأخبار، وسير وأشعار متصلة بأيام العرب المشهورة وأخبارها المأثورة، وقصص الملوك في الجاهلية والخلفاء في الإسلام، تجمل بالمتأدبين معرفتها، وتحتاج الأحداث إلى دراستها، ولا يرتفع من فوقهم من الكهول عن الاقتباس منها، إذ كانت منتخلة من غرر الأخبار ومنتقاة من عيونها، ومأخوذة من مظانها، ومنقولة من أهل الخبرة بها.
فلا عجب أن يكون هذا الكتاب أكبر مرجع عربي في ذكر الغناء وتاريخه وقواعده والآلات الموسيقية التي كانت على عصره، أو سابقة عليه، ليس هذا فحسب بل إن الناحية الأدبية فيه أوسع وأشمل، فإنه ما يكاد يذكر صوتا أي لحنا حتى ينطلق منه إلى المغني وأخباره وأشعاره وإن كان متصلا بخليفة أو ملك تحدّث عن هذا الملك أو ذاك الخليفة، وعلى صفحاته تنتشر أخبار العرب وأيامهم، وأنسابهم، ومفاخرهم، ووصف لحياتهم الاجتماعية، ويركز على مراكز الغناء وخاصة المدينة ومكة وبغداد. هذا فضلا عن مئات التراجم وعديد السير، بالإضافة إلى المجموعة الهائلة من الصور الأدبية من شعر، وكتابة، وخطابة، وقصص ونوادر.
هذا وقد امتدح الكتاب غير واحد من أوعية العلم والأدب على ما ذكرناه في الصفحة (5) وصار مدار اهتمام وعناية العلماء فاختصره جماعة:
منهم ابن المغربي (ت 418 ه)، والأمير عز الملك المسبّحي الكاتب (ت 420 ه)، والقاضي ابن واصل الحموي (ت 697 ه)، وابن منظور صاحب لسان العرب (ت 711 ه) وغيرهم [1] مما هو مذكور في ترجمة أبي الفرج في الصفحات (14 - 24) من هذا الجزء.
لكن رغم مدح الكتاب فإن الإنصاف يدعونا إلى ذكر العلماء الذين قدحوا فيه وفي صحة روايته:
فقد ذكره الخطيب البغدادي (ت 463 ه) في «تاريخ بغداد» [2] فقال:
«كان أبو الفرج الأصبهاني من أكذب الناس، كان يدخل سوق الورّاقين وهي عامرة والدكاكين مملؤة بالكتب، فيشتري شيئا كثيرا من الصحف ويحملها إلى بيته ثم تكون رواياته كلها منها ... ».
وذكره الإمام ابن الجوزي، أبو الفرج عبد الرحمن بن علي (ت 597 ه) في تاريخه المسمى «المنتظم في تاريخ الملوك والأمم» [3] فقال: «إنه كان متشيعا، ومثله لا يوثق بروايته، فإنه يصرّح في كتبه بما يوجب عليه الفسق،
__________
[1] راجع مختصرات كتاب «الأغاني» في الصفحات (26 - 27) من هذا الجزء.
[2] الخطيب البغدادي «تاريخ بغداد» (11/ 398 - 400) ترجمة (6278).
[3] ابن الجوزي «المنتظم» (14/ 185) وفيات سنة (356 ه) ترجمة (2658).
ويهوى شرب الخمر وربما حكى ذلك عن نفسه، ومن تأمّل كتاب «الأغاني» رأى كل قبيح ومنكر».
وقال الحافظ شمس الدين الذهبي (ت 748 ه) في كتابه «تاريخ الإسلام» [1]: «قلت: رأيت شيخنا ابن تيمية يضعّفه ويتهمه في نقله ويستهول ما يأتي به، وما علمت فيه جرحا إلّا قول ابن أبي الفوارس: خلّط قبل أن يموت».
كما بيّن الحافظ الذهبي نسبه فقال في كتابه «سير أعلام النبلاء» [2]: «يذكر أنه من ذرّية الخليفة هشام بن عبد الملك، قاله محمد بن إسحاق النديم، بل الصواب أنه من ولد مروان الحمار».
ثم تابع الذهبي قائلا: والعجب أنه أمويّ شيعيّ، وكان وسخا زريّا، وكانوا يتقون هجاءه».
وأورده الحافظ ابن حجر العسقلاني (ت 852 ه) في كتابه «لسان الميزان» [3] فقال:
«صاحب كتاب الأغاني: شيعيّ وهذا نادر في أمويّ ... ».
وبين مادح وقادح، فإن الكتاب - كما لا يخفى على الناظر - يمثل على أي حال صورة حية للأدب واللغة والشعر، والكتابة، والخطابة والقصص والنوادر كما أنه بحق ديوان تراجم في عصره لا يستغني عنه الأديب.
ونظرا لأهميته، فقد رأت مؤسسة دار إحياء التراث العربي أن تعيد طبع الكتاب بحلّة قشيبة محقّقة على طبعاته السابقة، ملوّنة بعد ما رأت تآكل الحرف الحجري في نصوصه، والفهارس الجزئية التي يصعب على الباحث الحصول على طلبه منها بسهولة ويسر خدمة للعلم وأهله إذ ستصدر لهذه الطبعة بإذن اللّه فهارس شاملة جامعة تكون معينا لمقتنيه.
وإتماما للفائدة، يجد الباحث في تصدير هذه الطبعة من مقدمة هذا الجزء فصلا في صناعة الغناء عن العلامة ابن خلدون في الصفحة (10) من هذا الجزء إضافة لترجمة المؤلف (في الصفحات 14 - 24)، و «مختصرات كتاب الأغاني» ونقده في الصفحة (26)، وكتب الأغاني المؤلفة قبل هذا الكتاب الصفحة (27)، والكلمات الاصطلاحية الوارة في الكتاب الصفحة (28) مع وصف للنسخ الخطية المعتمدة في التحقيق الصفحة (30) وهي تسع، وطريقة تصحيح هذا الكتاب الصفحة (36)، إضافة إلى مقدمة أبي الفرج لكتابه ونهجه فيه وباعثه لتأليف كتابه ويجدها الباحث إنشاء اللّه في الصفحات (38 - 41).
كما نلفت انتباه القارىء الكريم أن هذه الطبعة حوت أرقام أجزاء وصفحات الطبعتين البولاقية وطبعة المؤسسة المصرية العامة للكتاب حتى تتم الفائدة، فالرقم الموجود بين معكوفتين هو رقم جزء وصفحة طبعة المؤسسة المصرية العامة للكتاب هكذا [] والرقم الخالي من المعكوفتين هو رقم صفحة الطبعة البولاقية.
وآخر دعوانا أن الحمد للّه ربّ العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه الأخيار الميامين.
مكتب التحقيق دار إحياء التراث العربي بيروت 20 رجب 1414 ه الموافق 1 كانون الثاني 1994 م
__________
[1] الحافظ شمس الدين الذهبي «تاريخ الإسلام» وفيات سنة (356 ه) الصفحة (144).
[2] الحافظ شمس الدين الذهبي «سير أعلام النبلاء» (16/ 201) ترجمة (140).
[3] الحافظ ابن حجر العسقلاني «لسان الميزان» (4/ 231 - 232) ترجمة (584).
فصل في صناعة الغناء عن العلامة ابن خلدون في «مقدمته»
وقد رأينا أن ننقل عن العلامة ابن خلدون فصلا قيما كتبه في مقدّمته عن صناعة الغناء وتاريخها لما له من الصلة بموضوع الكتاب. قال:
«هذه الصناعة هي تلحين الأشعار الموزونة بتقطيع الأصوات على نسب منتظمة معروفة، يوقع على كل صوت منها توقيعا [1] عند قطعه فتكون نغمة، ثم تؤلف تلك النغم بعضها إلى بعض على نسب متعارفة، فيلذ سماعها لأجل ذلك التناسب وما يحدث عنه من الكيفية في تلك الأصوات. وذلك أنه تبين في علم الموسيقى أن الأصوات تتناسب فيكون صوت نصف صوت وربع آخر وخمس آخر وجزءا من أحد عشر من آخر. واختلاف هذه النسب عند تأديتها إلى السمع يخرجها من البساطة إلى التركيب. وليس كل تركيب منها ملذوذا عند السماع، بل تراكيب خاصة هي التي حصرها أهل علم الموسيقى وتكلموا عليها، كما هو مذكور في موضعه. وقد يساوق [2] ذلك التلحين في النغمات الغنائية بتقطيع أصوات أخرى من الجمادات إما بالقرع أو بالنفخ في الآلات تتخذ لذلك، فيزيدها لذة عند السماع.
فمنها لهذا العهد بالمغرب أصناف: منها ما يسمونه الشّبّابة [3]، وهي قصبة جوفاء بأبخاش [4] في جوانبها معدودة ينفخ فيها فتصوّت، ويخرج الصوت من جوفها على سدادة من تلك الأبخاش، ويقطّع الصوت بوضع الأصابع من اليدين جميعا على تلك الأبخاش وضعا متعارفا حتى تحدث النسب بين الأصوات فيه وتتصل كذلك متناسبة، فيلتذ السمع بإدراكها للتناسب الذي ذكرناه. ومن جنس هذه الآلة المزمار الذي يسمى الزّلاميّ [5]، وهو شكل القصبة منحوتة الجانبين من الخشب جوفاء من غير تدوير لأجل ائتلافها من قطعتين منفردتين كذلك بأبخاش معدودة ينفخ فيها بقصبة صغيرة توصل فينفذ النفخ بواسطتها إليها، وتصوّت بنغمة حادّة ويجري فيها من تقطيع الأصوات من تلك الأبخاش بالأصابع مثل ما يجري في الشبّابة.
ومن أحسن آلات الزمر لهذا العهد البوق، وهو بوق من النحاس أجوف في مقدار الذراع يتسع إلى أن يكون انفراج مخرجه في مقدار دون الكف في شكل بري القلم، وينفخ بقصبة صغيرة تؤدّي الريح من الفم إليه، فيخرج الصوت ثخينا دويا، وفيه أبخاش أيضا معدودة، وتقطّع نغمه منها كذلك بالأصابع على التناسب فيكون ملذوذا.
ومنها آلات الأوتار، وهي جوفاء كلها إمّا على شكل قطعة من الكرة مثل البربط [6] والرباب، أو على شكل
__________
[1] يستعمل ابن خلدون «التوقيع» في الموسيقى. والصواب «الإيقاع».
[2] المساوقة: المتابعة.
[3] الشبابة: نوع من المزمار مولدة.
[4] يراد بالأبخاش الثقوب. ولم نجد مادة «بخش» في كتب اللغة، فلعلها مولدة.
[5] الزلاميّ: تصحيف الزنامي بلغة العامة. والزناميّ منسوب إلى زنام (كغراب) وهو زمار حاذق كان للرشيد. انظر «شرح القاموس».
مادة «زنم».
[6] البربط: طنبور ذو ثلاثة أوتار، كذا في «شفاء الغليل». وقال صاحب «اللسان»: البربط: العود، أعجميّ ليس من ملاهي العرب،
مربع كالقانون، توضع الأوتار على بسائطها مشدودة في رأسها إلى دساتين [1] جائلة ليأتي شدّ الأوتار وإرخاؤها عند الحاجة إليه بإدارتها، ثم تقرع الأوتار إما بعود آخر أو بوتر مشدود بين طرفي قوس، يمرّ عليها بعد أن يطلى بالشمع والكندر [2]، ويقطّع الصوت فيه بتخفيف اليد في إمراره أو بنقله من وتر إلى وتر. واليد اليسرى مع ذلك في جميع آلات الأوتار توقع بأصابعها على أطراف الأوتار فيما يقرع أو يحكّ بالوتر، فتحدث الأصوات متناسبة ملذوذة.
وقد يكون القرع في الطسوت بالقضبان أو في الأعواد بعضها ببعض على توقيع متناسب يحدث عنه التذاذ بالمسموع.
[3] ............... والحسن في المسموع أن تكون الأصوات متناسبة لا متنافرة. وذلك أن الأصوات لها كيفيات من الهمس والجهر والرخاوة والشدّة والقلقلة والضغط وغير ذلك، والتناسب فيها هو الذي يوجب لها الحسن. فأوّلا: ألا يخرج من الصوت إلى ضدّه دفعة بل بتدريج ثم يرجع كذلك، وهكذا إلى المثل، بل لا بدّ من توسط المغاير بين الصوتين. وتأمّل هذا من افتتاح أهل اللسان التراكيب من الحروف المتنافرة أو المتقاربة المخارج فإنه من بابه. وثانيا: تناسبها في الأجزاء، كما مر أوّل الباب، فيخرج من الصوت إلى نصفه أو ثلثه أو جزء من كذا منه على حسب ما يكون التنقل مناسبا على ما حصره أهل صناعة الموسيقى. فإذا كانت الأصوات على تناسب في الكيفيات، كما ذكره أهل تلك الصناعة، كانت ملائمة ملذوذة.
ومن هذا التناسب ما يكون بسيطا، ويكون الكثير من الناس مطبوعين عليه لا يحتاجون فيه إلى تعليم ولا صناعة، كما نجد المطبوعين على الموازين الشعرية وتوقيع الرقص وأمثال ذلك. وتسمي العامة هذه القابلية بالمضمار. وكثير من القرّاء بهذه المثابة يقرءون القرآن فيجيدون في تلاحين أصواتهم، كأنها المزامير، فيطربون بحسن مساقهم وتناسب نغماتهم. ومن هذا التناسب ما يحدث بالتركيب، وليس كل الناس يستوي في معرفته، ولا كل الطباع توافق صاحبها في العمل به إذا علم.
وهذا هو التلحين الذي يتكفل به علم الموسيقى، كما نشرحه بعد عند ذكر العلوم ...............
............ ............... ...
وإذ قد ذكرنا معنى الغناء فاعلم أنه يحدث في العمران إذا توافر وتجاوز حدّ الضروريّ إلى الحاجيّ ثم إلى الكماليّ، وتفننوا فيه، فتحدث هذه الصناعة؛ لأنه لا يستدعيها إلا من فرغ عن جميع حاجاته الضرورية والمهمة من المعاش والمنزل وغيره، فلا يطلبها إلا الفارغون عن سائر أحوالهم تفننا في مذاهب الملذوذات.
وكان في سلطان العجم قبل الملة منها بحر زاخر في أمصارهم ومدنهم، وكان ملوكهم يتخذون ذلك ويولعون به؛ حتى لقد كان لملوك الفرس اهتمام بأهل هذه الصناعة، ولهم مكان في دولتهم، وكانوا يحضرون مشاهدهم ومجامعهم ويغنّون فيها. وهذا شأن العجم لهذا العهد في كل أفق من آفاقهم ومملكة من ممالكهم.
وأما العرب فكان لهم أوّلا فنّ الشعر يؤلفون فيه الكلام أجزاء متساوية على تناسب بينها في عدّة حروفها
__________
فأعربته حين سمعت به.
[1] قال في «المخصص» ج 13 ص 12: «يقال للتي يسميها الفرس الدساتين العتب. قال الأعشى:
وثنى الكف على ذي عتب ... يصل الصوت بذي زير أبحّ»
[2] الكندر: اللبان.
[3] هذه النقط وضعت إشارة إلى ترك ما لا علاقة له بالغناء وتاريخه في هذا الفصل.
المتحرّكة والساكنة، ويفصّلون الكلام في تلك الأجزاء تفصيلا يكون كل جزء منها مستقلا بالإفادة لا ينعطف على الآخر، ويسمونه البيت، فيلائم الطبع بالتجزئة أوّلا، ثم بتناسب الأجزاء في المقاطع والمبادى ء، ثم بتأدية المعنى المقصود وتطبيق الكلام عليها، فلهجوا به، فامتاز من بين كلامهم بحظ من الشرف ليس لغيره، لأجل اختصاصه بهذا التناسب؛ وجعلوه ديوانا لأخبارهم وحكمهم وشرفهم، ومحكّا لقرائحهم في إصابة المعاني وإجادة الأساليب، واستمرّوا على ذلك.
وهذا التناسب الذي من أجل الأجزاء والمتحرّك والساكن من الحروف، قطرة من بحر من تناسب الأصوات، كما هو معروف في كتب الموسيقى؛ إلا أنهم لم يشعروا بما سواه؛ لأنهم حينئذ لم ينتحلوا علما. ولا عرفوا صناعة، وكانت البداوة أغلب نحلهم. ثم تغنّى الحداة منهم في حداء إبلهم، والفتيان في فضاء خلواتهم، فرجّعوا الأصوات وترنّموا. وكانوا يسمون الترنم إذا كان بالشعر غناء، وإذا كان بالتهليل أو نوع القراءة تغبيرا (بالغين المعجمة والباء الموحدة). وعللها أبو إسحاق الزجاج بأنها تذكّر بالغابر، وهو الباقي، أي بأحوال الآخرة [1].
وربما ناسبوا في غنائهم بين النغمات مناسبة بسيطة، كما ذكره ابن رشيق آخر «كتاب العمدة» وغيره. وكانوا يسمونه «السناد»، وكان أكثر ما يكون منهم في الخفيف الذي يرقص عليه ويمشي بالدف والمزمار، فيطرب ويستخف الحلوم، وكانوا يسمون هذا «الهزج». وهذا البسيط كله من التلاحين هو من أوائلها، ولا يبعد أن تتفطن له الطباع من غير تعليم، شأن البسائط كلها من الصنائع. ولم يزل هذا شأن العرب في بداوتهم وجاهليتهم.
فلما جاء الإسلام واستولوا على ممالك الدنيا وحازوا سلطان العجم وغلبوهم عليه، وكانوا من البداوة والغضاضة على الحال التي عرفت لهم، مع غضارة الدين وشدّته في ترك أحوال الفراغ وما ليس بنافع في دين ولا معاش، هجروا ذلك شيئا ما، ولم يكن الملذوذ عندهم إلا بترجيع القراءة والترنم بالشعر الذي كان ديدنهم ومذهبهم. فلما جاءهم الترف وغلب عليهم الرفه بما حصل لهم من غنائم الأمم، صاروا إلى نضارة العيش ورقّة الحاشية واستحلاء الفراغ، فافترق المغنّون من الفرس والروم فوقعوا إلى الحجاز، وصاروا موالي للعرب، وغنّوا جميعا بالعيدان والطنابير والمعازف [2] والمزامير، وسمع العرب تلحينهم للأصوات فلحّنوا عليها أشعارهم، وظهر بالمدينة نشيط الفارسيّ وطويس وسائب خاثر مولى عبد اللّه بن جعفر، فسمعوا شعر العرب ولحنوه وأجادوا فيه، وطار لهم ذكر، ثم أخذ عنهم معبد وطبقته وابن سريج وأنظاره.
وما زالت صناعة الغناء تتدرّج إلى أن كملت أيام بني العباس عند إبراهيم بن المهدي وإبراهيم الموصليّ وابنه إسحاق وابنه حمّاد، وكان من ذلك في دولتهم ببغداد ما تبعه الحديث به وبمجالسه لهذا العهد. وأمعنوا في اللهو واللعب، واتخذت الات الرقص في الملبس والقضبان والأشعار التي يترنم بها عليه، وجعل صنفا وحده. واتخذت آلات أخرى للرقص تسمى بالكرّج [3] - وهي تماثيل خيل مسرجة من الخشب معلّقة بأطراف أقبية يلبسها النسوان،
__________
[1] هذا رأي الزجاج. وقال الأزهري: سموا ما يطرّبون فيه من الشعر في ذكر اللّه تغييرا، كأنهم إذا تناشدوها بالألحان طربوا فرقصوا وأرهجوا (أثاروا الرهج وهو الغبار)، فسموا مغبّرة لهذا المعنى. قال الأزهري: وروينا عن الشافعي قال: أرى الزنادقة وضعوا التغيير ليصدّوا عن ذكر اللّه وقراءة القرآن.
[2] المعازف: الملاهي والملاعب التي يضرب بها، يقولون للواحد: عزف، والجمع معازق (على غير مقياس) فإذا أفرد المعزف فهو ضرب من الطنابير ويتخذه أهل اليمن. وغيرهم يجعل العود معزفا. «لسان العرب» (مادة «عزف»).
[3] الكرّج: فارسيّ معرب وهو ما يتخذ مثل المهر يلعب عليه؛ قال جرير:
لبست سلاحي والفرزدق لعبة ... عليها وشاحا كرج وجلاجله
ويحاكين بها امتطاء الخيل - فيكرّون ويفرّون ويثاقفون [1]، وأمثال ذلك من اللّعب المعدّة للولائم والأعراس وأيام الأعياد ومجالس الفراغ واللهو. وكثر ذلك ببغداد وأمصار العراق، وانتشر منها إلى غيرها. وكان للموصليين غلام اسمه زرياب أخذ عنهم الغناء فأجاد، فصرفوه إلى المغرب غيرة منه، فلحق بالحكم بن هشام بن عبد الرحمن الداخل أمير الأندلس، فبالغ في تكرمته وركب للقائه وأسنى له الجوائز والإقطاعات والجرايات، وأحلّه من دولته وندمائه بمكان، فأورث بالأندلس من صناعة الغناء ما تناقلوه إلى أزمان الطوائف، وطما منها بإشبيلية بحر زاخر، وتناقل منها بعد ذهاب غضارتها [2] إلى بلاد العدوة بإفريقية والمغرب، وانقسم على أمصارها. وبها الآن منها صبابة على تراجع عمرانها وتناقص دولها.
وهذه الصناعة آخر ما يحصل في العمران من الصنائع؛ لأنها كمالية في غير وظيفة من الوظائف إلا وظيفة الفراغ والفرح. وهي أيضا أوّل ما ينقطع من العمران عند اختلاله وتراجعه، واللّه أعلم».
__________
وقال أيضا:
أمسى الفرزدق في جلاجل كرج ... بعد الأخيطل ضرّة لجرير
[1] يثاقفون: يخاصمون ويجالدون، ومصدره الثقاف والمثاقفة وهي العمل بالسيف، ومنه:
وكأن لمع بروقها ... في الجوّ أسياف المثاقف
[2] غضارتها: بهجتها وجدّتها.
ترجمة أبي الفرج الأصفهاني مؤلف كتاب الأغاني [1]
نسبه:
هو أبو الفرج عليّ بن الحسين بن محمد بن أحمد بن الهيثم بن عبد الرحمن بن مروان بن عبد اللّه بن مروان بن محمد بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، القرشي الأمويّ الكاتب الأصبهانيّ صاحب «كتاب الأغاني». ومنه ترى أن نسبه ينتهي إلى مروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية.
مولده ومنشؤه:
ولد بأصبهان سنة 284 أربع وثمانين ومائتين، في خلافة المعتضد باللّه أبي العباس أحمد بن الموفق، وهي السنة التي مات فيها البحتري الشاعر. ونشأ ببغداد واستوطن بها، وكانت داره ببغداد واقعة على دجلة في المكان المتوسط بين درب سليمان ودرب دجلة وملاصقة لدار أبي الفتح البريدي.
شيوخه وتلاميذه:
روى أبو الفرج عن عالم كثير يطول تعدادهم، وسمع من جماعة لا يحصون: منهم أبو بكر [2] بن دريد وأبو بكر [3] بن الأنباري والفضل [4] بن الحباب الجمحي وعليّ [5] بن سليمان الأخفش، وإبراهيم [6] نفطويه
__________
[1] المصادر التي أخذنا منها هذه الترجمة هي:
«معجم الأدباء» لياقوت، «وفيات الأعيان» لابن خلكان، «عيون التواريخ» لابن شاكر، «الفهرست» لابن النديم، «الكامل» لابن الأثير، «نفح الطيب»، «مقدّمة ابن خلدون»، «النجوم الزاهرة في أعيان مصر والقاهرة»، «الجمهرة» لابن حزم، «المنتظم في تاريخ الملوك والأمم» لابن الجوزي، «يتيمة الدهر»، «كشف الظنون»، كتاب «رنّات الثالث والمثاني في روايات الأغاني».
[2] هو أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد إمام عصره في اللغة والأدب والشعر، ولد بالبصرة في سنة ثلاث وعشرين ومائتين ونشأ بها وتعلم فيها وانتقل إلى عمان ثم إلى فارس ثم إلى بغداد، وتوفي بها سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة. (انظر ابن خلكان ج 1 من ص 709 - 713 طبع بولاق).
[3] هو محمد بن القاسم بن محمد بن بشار الأنباري، روى عن أبيه عن أبي جعفر أحمد بن عبيد، وأخذ النحو عن أبي العباس ثعلب، وكان في نهاية الذكاء والفطنة وجودة القريحة وسرعة الحفظ وكان يضرب به المثل في حضور البديهة وسرعة الجواب، وأكثر ما كان يمليه من غير دفتر ولا كتاب، ولم يمت من سنّ عالية مات عن دون الخمسين وتوفي سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة ودفن بداره بالأنبار. («الفهرست» لابن النديم طبع ليبزج ص 75).
[4] هو أبو خليفة الفضل بن الحباب بن محمد بن شعيب بن صخر الجمحي البصري من رواة الأخبار والأشعار والأنساب، ولي قضاء البصرة، وتوفي سنة خمس وثلاثمائة. «الفهرست» ص 114).
[5] هو أبو الحسن علي بن سليمان بن الفضل المعروف بالأخفش الأصغر. قرأ على ثعلب والمبرد واليزيدي وأبي العيناء وروى عنه المرزبانيّ وكان ثقة. وهو غير الأخفش الأكبر أبي الخطاب عبد الحميد بن عبد المجيد من أهل هجر، والأخفش الأوسط أبي الحسن سعيد بن مسعدة صاحب سيبويه. وقد هجاه ابن الرومي بأهاج كثيرة لأنه كان كثير التطير منه. توفي ببغداد سنة خمس عشرة وثلاثمائة ويقال سنة ست عشرة. (ابن خلكان ص 472 ج 1 و «بغية الوعاة» للسيوطي).
[6] هو إبراهيم بن محمد بن عرفة بن سليمان بن المغيرة بن حبيب بن المهلب بن أبي صفرة الملقب بنفطويه لشبهه بالنفط لدمامته
ومحمد [1] بن جرير الطبري وأحمد [2] بن جعفر جحظة ومحمد [3] بن خلف المرزبان وجعفر [4] بن قدامة وأبي [5] أحمد يحيى بن علي بن يحيى المنجم وعمه الحسن [6] بن محمد وغيرهم، وروى عنه الدار قطنيّ [7] وغيره.
ثناء العلماء عليه
ذكره ياقوت في «معجمه» فقال: «العلامة النساب الإخباريّ الحفظة الجامع بين سعة الرواية والحذق في الدراسة، لا أعلم لأحد أحسن من تصانيفه في فنها وحسن استيعاب ما يتصدّى لجمعه، وكان مع ذلك شاعرا جيدا».
وذكره ابن خلكان في «الوفيات» فقال: «كان من أعيان أدبائها (بغداد) وأفراد مصنفيها. روى عن عالم كثير من العلماء يطول تعدادهم، وكان عالما بأيام الناس والأنساب والسير. قال التنوخي: ومن المتشيعين الذين شاهدناهم أبو الفرج الأصبهاني كان يحفظ من الشعر والأغاني والأخبار والآثار والأحاديث المسندة والنسب ما لم أر
__________
وأدمته. كان عالما بالعربية واللغة والحديث، أخذ عن ثعلب والمبرد وكان صادقا فيما يرويه حافظا للقرآن فقيها على مذهب داود الظاهريّ مسندا في الحديث حافظا للسير وأيام الناس والتواريخ. ولد بواسط سنة أربع وأربعين ومائتين وسكن بغداد وتوفي بها سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة. (ابن خلكان ج 1 ص 15 و «بغية الوعاة» للسيوطي).
[1] هو أبو جعفر محمد بن جرير بن يزيد بن خالد الطبري وقيل: يزيد بن كثير بن غالب، صاحب «التفسير الكبير والتاريخ الشهير»، كان إماما في فنون كثيرة: منها التفسير والحديث والفقه والتاريخ وكان إماما مجتهدا وكان ثقة في نقله أصح التواريخ وأثبتها. ولد سنة أربع وعشرين ومائتين بآمل طبرستان وتوفي ببغداد سنة عشر وثلاثمائة. (ابن خلكان ج 1 ص 651).
[2] هو أبو الحسن أحمد بن جعفر بن موسى بن يحيى بن خالد بن برمك. شاعر مغن مطبوع في الشعر حاذق بصناعة غناء الطنبور حسن الأدب بارع في معناه. وكان من ظرفاء عصره. وهو من ذريّة البرامكة. وقد جمع أبو نصر بن المرزبان أخباره وأشعاره. ولد سنة أربع وعشرين ومائتين وتوفي بواسط سنة ست وعشرين وثلاثمائة وقيل سنة أربع وعشرين وثلاثمائة. (ابن خلكان ج 1 ص 57 و «فهرست ابن النديم» ص 145).
[3] هو أبو عبد اللّه محمد بن خلف بن المرزبان. كان حافظا للأخبار والأشعار والملح. وله من الكتب كتاب «الحاوي في علوم القرآن» كبير سبعة وعشرون جزءا وكتاب «أخبار ابن قيس الرقيات» ومختار شعره وكتاب «المتيمين المعصومين» وغير ذلك. («فهرست ابن النديم» ص 149).
[4] هو أبو القاسم جعفر بن قدامة بن زياد الكاتب أحد مشايخ الكتاب وعلمائهم. وكان وافر الأدب حسن المعرفة. وله مصنفات في صنعة الكتابة وغيرها. حدّث عن أبي العيناء الضرير وحماد بن إسحاق الموصلي والمبرد ومحمد بن عبد اللّه بن مالك الخزاعي ونحوهم. وروى عنه أبو الفرج الأصبهاني. وله شعر جيد رواه ياقوت في «معجم الأدباء». مات سنة تسع عشرة وثلاثمائة (انظر الجزء الثاني من «معجم الأدباء» ص 412).
[5] هو أبو أحمد يحيى بن علي بن يحيى بن أبي منصور. ولد سنة إحدى وأربعين ومائتين ومات سنة ثلاثمائة. ونادم الموفق ومن بعده من الخلفاء. وكان متكلما معتزليّ المذهب، وكان له مجلس يحضره جماعة من المتكلمين بالحضرة. وله كتاب «الباهر في أخبار شعراء مخضرمي الدولتين» لم يتمه وأتمه من بعده ابنه أبو الحسن أحمد بن يحيى. («فهرست ابن النديم» ص 143).
[6] يروي أبو الفرج عن عمه كثيرا، وهو الحسن بن محمد، وكان من كبار الكتاب بسرّ من رأى، أدرك أيام المتوكل. ويروي كذلك عن عم أبيه عبد العزيز بن أحمد بن الهيثم وهو من كبار الكتاب أيضا أيام المتوكل. («الجمهرة» لابن حزم ص 103 من النسخة التيمورية).
[7] هو أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد بن مهدي البغدادي الدار قطني. كان عالما حافظا فقيها أخذ الفقه عن أبي سعيد الإصطخري الفقيه الشافعي. وقد انفرد بالإمامة في علم الحديث، وتصدّر في اخر أيامه للإقراء ببغداد. وكان عارفا باختلاف الفقهاء، ويحفظ كثيرا من دواوين العرب. وصنف كتاب «السنن» و «المختلف» و «المؤتلف» وغيرهما. وكان متفننا في علوم كثيرة، إماما في علم القرآن. ولد سنة ست وثلاثمائة وتوفي سنة خمس وثمانين وثلاثمائة ببغداد.
قطّ من يحفظ مثله، ويحفظ دون ذلك من علوم أخر: منها اللغة والنحو والخرافات والمغازي والسير، ومن آلة المنادمة شيئا كثيرا مثل علم الجوارح والبيطرة ونتف من الطب والنجوم والأشربة وغير ذلك، وله شعر يجمع إتقان العلماء وإحسان ظرفاء الشعراء».
وذكره أبو منصور الثعالبي في «يتيمة الدهر» فقال:
«و كان من أعيان أدبائها (بغداد) وأفراد مصنفيها. وله شعر يجمع إتقان العلماء وإحسان ظرفاء الشعراء».
وذكره ابن النديم في «الفهرست» فقال:
«كان شاعرا مصنفا أديبا، وله رواية يسيرة، وأكثر تعويله كان في تصنيفه على الكتب المنسوبة الخطوط أو غيرها من الأصول الجياد». ويؤيد هذا أنه في كتابه «الأغاني» يروي كثيرا من الأخبار بقوله: «نسخت من كتاب فلان».
قدح بعض العلماء في صحة روايته
ذكره ابن الجوزي في كتابه «المنتظم في تاريخ الملوك والأمم» فقال:
«إنه كان متشيعا ومثله لا يوثق بروايته فإنه يصرح في كتبه بما يوجب عليه الفسق، ويهوى شرب الخمر، وربما حكى ذلك عن نفسه، ومن تأمل كتاب «الأغاني» رأى كل قبيح ومنكر».
ونقل ابن شاكر في كتابه «عيون التواريخ» أن الشيخ شمس الدين الذهبيّ قال:
«رأيت شيخنا تقيّ الدين بن تيمية يضعفه ويتهمه في نقله ويستهول ما يأتي به، وما علمت فيه جرحا إلا قول ابن أبي الفوارس: خلط قبل ما يموت».
شيء من أوصافه
لم يكن لأبي الفرج الأصفهاني عناية بنظافة جسمه وثيابه؛ فقد حدّث الرئيس أبو الحسين هلال بن المحسن بن إبراهيم بن هلال الصابىء في الكتاب الذي ألفه في أخبار الوزير المهلبيّ قال: كان أبو الفرج الأصفهاني وسخا قذرا لم يغسل له ثوبا منذ فصّله إلى أن قطعه، وكان الناس على ذلك يحذرون لسانه ويتقون هجاءه ويصبرون في مجالسته ومعاشرته ومؤاكلته ومشاربته على كل صعب من أمره؛ لأنه كان وسخا في نفسه ثم في ثوبه وفعله، حتى إنه لم يكن ينزع درّاعة يقطعها إلا بعد إبلائها وتقطيعها، ولا يعرف لشيء من ثيابه غسلا ولا يطلب منه في مدّة بقائه عوضا.
وحكى القاضي أبو علي المحسن بن علي التنوخي في كتاب «نشوار» [1] المحاضرة «أن أبا الفرج كان أكولا نهما، وكان إذا ثقل الطعام في معدته تناول خمسة دراهم فلفلا مدقوقا ولا يؤذيه ولا تدمع منه عيناه، وهو مع ذلك لا يستطيع أن يأكل حمصة واحدة أو يصطبغ [2] بمرقة قدر فيها حمص، وإذا أكل شيئا يسيرا من ذلك شري [3] بدنه كله من ذلك، وبعد ساعة أو ساعتين يفصد وربما فصد لذلك دفعتين». قال: وأسأله عن سببه فلا يكون عنده علم منه.
__________
[1] النشوار في الأصل بكسر النون: ما تبقيه الدابة من علفها فارسي معرّب. وهذا الكتاب قد طبع بالقاهرة سنة 1921 م وقام بتصحيحه المستشرق الانكليزي المعروف د. س مرجليوث.
[2] يصطبغ: يأتدم.
[3] الشرى: شيء يخرج على الجسد أحمر كهيئة الدراهم، وقيل: هو شبه البثر يخرج في الجسد أو هو خراج صغار لها لذع شديد، يقال: شرى جلده شرى فهو شر.
ويقال: إنه لم يدع طبيبا حاذقا على مرور السنين إلا سأله عن سببه فلا يجد عنده علما ولا دواء. فلما كان قبل فالجه [1] بسنوات ذهبت عنه العادة في الحمص فصار يأكله ولا يضرّه، وبقيت عليه عادة الفلفل.
اتصاله بالوزير المهلبيّ
كان أبو الفرج منقطعا إلى الوزير المهلبيّ - وهو الحسن بن محمد بن هارون من ولد المهلّب بن أبي صفرة ووزير معز الدولة بن بويه الديلمي - ومن ندمائه الخصيصين به؛ وله فيه غرر ومدائح. ومع ما كان يصنعه الوزير بأبي الفرج لم يخل من هجوه، قال فيه:
أبعين مفتقر إليك رأيتني ... بعد الغنى فرميت بي من حالق
[2] لست الملوم أنا الملوم لأنني ... أمّلت للإحسان غير الخالق [3]
وحدّث أبو الفرج عن نفسه قال: سكر الوزير المهلبيّ ليلة ولم يبق بحضرته من ندمائه غيري فقال لي: يا أبا الفرج، أنا أعلم أنك تهجوني سرّا، فاهجني الساعة جهرا، فقلت: اللّه اللّه أيها الوزير فيّ! إن كنت قد مللتني انقطعت، وإن كنت تؤثر قتلي، فبالسيف إذا شئت؛ قال: دع ذا، لا بدّ أن تهجوني، وكنت قد سكرت فقلت:
أير بغل بلولب
فقال في الحال مجيزا:
في حر امّ المهلّبي
هات مصراعا آخر؛ فقلت: الطلاق لازم للأصفهانيّ إن زاد على هذا وإن كان عنده زيادة.
قال الرئيس أبو الحسين المهلبيّ: وحدّثني جدّي، وسمعت هذا الخبر من غيره لأنه متفاوض متعاود، أن أبا الفرج كان جالسا في بعض الأيام على مائدة أبي محمد المهلبيّ فقدّمت سكباجة [4] وافقت من أبي الفرج سعلة فبدرت من فمه قطعة من بلغم فسقطت وسط الغضارة [5]، فتقدّم أبو محمد برفعها، وقال: هاتوا من هذا اللون في غير هذه الصحفة؛ ولم يبن في وجهه إنكار ولا استكراه، ولا داخل أبا الفرج في هذه الحال استحياء ولا انقباض.
هذا إلى ما يجري هذا المجرى على مضيّ الأيام. وكان أبو محمد عزوف [6] النفس بعيدا من الصبر على مثل هذه الأسباب، إلا أنه كان يتكلف احتمالها لورودها من أبي الفرج. وكان من ظرفه في فعله ونظافته في مأكله أنه كان إذا
__________
[1] الفالج: داء معروف يسترخي منه أحد شقي البدن.
[2] الحالق: الجبل المرتفع.
[3] نقل ابن خلكان في كتابه «وفيات الأعيان» (طبع بولاق ج 1 ص 50): أن الشيخ تاج الدين الكندي روى للمتنبي هذين البيتين بالإسناد الصحيح المتصل به، وقال ابن خلكان: إنهما لا يوجدان في «ديوانه». ونقل ابن شاكر في «عيون التواريخ» كلام ابن خلكان ثم قال: والصحيح أن هذين البيتين لأبي الفرج الأصبهاني.
[4] قال في «شرح القاموس» (مادة سكبج): السكباج بالكسر: معرب سركه باچه، وهو لحم يطبخ بخل. وفي كتاب «الأطعمة» الفتوغرافي المحفوظ بدار الكتب المصرية تحت رقم 51 علوم معاشية في وصف صنع هذا الطعام ما نصه: «يؤخذ من اللحم قدر الحاجة ويقطع من الأوساط ويغسل نظيفا ويضاف إليه حوائجه مثل الجوز والبصل والكراث وشيء من اللفت ويعدّل بالخل والدبس ويصبغ بالزعفران ويعدل ملحه وأبازيره ويغطى رأس القدر ويجعل في التنور طول الليل على نار معتدلة إلى بكرة ثم يرفع».
[5] عبارة «اللسان»: «الغضار: الطين الحرّ. ابن سيده وغيره - الغضارة: الطين الحرّ. وقيل الطين اللازب الأخضر والغضار: الصحفة المتخذة منه».
[6] يقال: عزفت نفسه عن الشيء أي عافته وكرهته.
أراد أكل شيء بملعقة كالأرز واللبن وأمثاله، وقف من جانبه الأيمن غلام معه نحو ثلاثين ملعقة زجاجا مجرودا [1] - وكان يستعمله كثيرا - فيأخذ منه ملعقة يأكل بها من ذلك اللون لقمة واحدة ثم يدفعها إلى غلام آخر قام من الجانب الأيسر، ثم يأخذ أخرى فيفعل بها فعل الأولى حتى ينال الكفاية، لئلا يعيد الملعقة إلى فيه دفعة ثانية. فلما كثر على المهلبيّ استمرار ما قدّمنا ذكره جعل له مائدتين: إحداهما كبيرة عامة، وأخرى لطيفة خاصة، وكان يؤاكله عليها من يدعوه إليها.
وكانت صحبته للمهلبيّ قبل الوزارة وبعدها إلى أن فرّق بينهما الموت.
تشيّعه
كان أبو الفرج الأصبهانيّ، مع كونه من صميم بني أمية، على مذهب الشيعة. فقد قال التنوخيّ عنه: ومن المتشيعين الذين شاهدناهم أبو الفرج الأصفهاني. وقال ابن شاكر في «عيون التواريخ» عنه: إنه كان ظاهر التشيع.
وقال ابن الأثير في كتاب «الكامل»: وكان أبو الفرج شيعيا، وهذا من العجب.
شعره وأدبه
كان أبو الفرج كاتبا لركن الدولة حظيا عنده محتشما لديه. وكان يتوقع من الرئيس أبي الفضل بن العميد أن يكرمه ويبجّله ويتوفّر عليه [2] في دخوله وخروجه، وعدم ذلك منه فقال:
مالك موفور فما باله ... أكسبك التّيه على المعدم
ولم إذا جئت نهضنا وإن ... جئنا تطاولت ولم تتمم
وإن خرجنا لم تقل مثل ما ... نقول «قدّم طرفه قدّم»
إن كنت ذا علم فمن ذا الذي ... مثل الذي تعلم لم يعلم
ولست في الغارب من دولة ... ونحن من دونك في المنسم [3]
وقد ولينا وعزلنا كما ... أنت فلم نصغر ولم نعظم
تكافأت أحوالنا كلّها ... فصل على الإنصاف أو فاصرم
وكتب أبو الفرج إلى المهلبيّ يشكو الفأر ويصف الهرّ:
يا لحدب الظهور قصع الرقاب ... لدقاق الأنياب والأذناب
خلقت للفساد مذ خلق الخل ... ق وللعيث والأذى والخراب
ناقبات في الأرض والسقف والحي ... طان نقبا أعيا على النقّاب
آكلات كلّ المآكل لا تأ ... منها شاربات كلّ الشراب
آلفات قرض الثياب وقد يع ... دل قرض القلوب قرض الثياب
__________
[1] مجرودا: مجلوّا.
[2] توفر على صاحبه: رعى حرماته.
[3] الغارب: ما بين العنق والسنام من البعير. والمنسم: خفه.
زال [1]
همّي منهن أزرق ترك ... يّ السّبالين [2] أنمر [3] الجلباب
ليث غاب خلقا وخلقا فمن لا ... ح لعينيه خاله ليث غاب
ناصب طرفه إزاء الزوايا ... وإزاء السقوف والأبواب
ينتضي الظفر حين يطفر للصي ... د وإلا فظفره في قراب
لا ترى أخبثيه عين ولا يع ... لم ما جنّتاه [4] غير التراب
قرّطوه [5] وشنّفوه [6] وحلّو ... ه أخيرا وأوّلا بالخضاب
فهو طورا يمشي بحلي عروس ... وهو طورا يخطو على عنّاب
حبذا ذاك صاحبا هو في الصح ... بة أوفى من أكثر الأصحاب
وقال من قصيدة المهلّب عيديّة:
إذا ما علا في الصدر للنهي والأمر ... وبثّهما في النفع منه وفي الضر
وأجرى ظبا [7] أقلامه وتدفّقت ... بديهته كالمستمدّ من البحر
رأيت نظام الدرّ في نظم قوله ... ومنثوره الرقراق في ذلك النثر
ويقتضب المعنى الكثير بلفظة ... ويأتي بما تحوي الطوامير [8] في سطر
أيا غرّة الدهر ائتنف غرّة الشهر ... وقابل هلال الفطر في ليلة الفطر
بأيمن إقبال وأسعد طائر ... وأفضل ما ترجوه في أفسح العمر
مضى عنك شهر الصوم يشهد صادقا ... بطهرك فيه واجتنابك للوزر
فأكرم بما خطّ الحفيظان منهما ... وأثنى به المثنى وأطرى به المطرى
وزكّتك أوراق المصاحف وانتهى ... إلى اللّه منها طول درسك والذكر
وقبضك كفّ البطش عن كل مجرم ... وبسطكها بالعرف في الخير والبرّ
وله فيه:
وهذا الشتاء كما قد ترى ... عسوف [9] عليّ قبيح الأثر
__________
[1] زال: فرق.
[2] السبالان: الشاربان.
[3] الأنمر: ما فيه نمرة بيضاء وأخرى سوداء.
[4] جن الشي ء: أخفاه وستره.
[5] قرّطوه: ألبسوه القرط.
[6] شنفوه: جعلوا له شنفا وهو القرط.
[7] الظبا: جمع ظبة، وهي في الأصل حدّ. السيف أو السنان ونحوه.
[8] جمع طومار أو طامور وهو الصحيفة.
[9] العسوف: الجائر الظلوم.
يغادي بصرّ [1] من العاصفا ... ت أو دمق [2] مثل وخز الإبر
وسكّان دارك ممن أعو ... ل يلقين من برده كلّ شرّ
فهذي تحنّ وهذي تئنّ ... وأدمع هاتيك تجري درر [3]
إذا ما تململن تحت الظلام ... تعلّلن منك بحسن النظر
ولا حظن ربعك، كالممحلي ... ن شاموا البروق رجاء المطر
يؤمّلن عودي بما ينتظرن ... كما يرتجى آئب من سفر
فأنعم بإنجاز ما قد وعدت ... فما غيرك اليوم من ينتظر
وعش لي وبعدي فأنت الحيا ... ة والسمع من جسدي والبصر
وقال من قصيدة يهنئه بمولود من سرّية روميّة:
اسعد بمولود أتاك مباركا ... كالبدر أشرق جنح ليل مقمر
سعد لوقت سعادة جاءت به ... أمّ حصان [4] من بنات الأصفر
متبحبح [5] في ذروتي شرف العلا ... بين المهلّب منتماه وقيصر
شمس الضحى قرنت إلى بدر الدّجى ... حتى إذا اجتمعا أتت بالمشترى
ولما تولّى أبو عبد اللّه البريدي الوزارة هجاه أبو الفرج بقيصدة طويلة أوّلها:
يا سماء اسقطي ويا أرض ميدي ... قد تولّى الوزارة ابن البريدي
ومنها:
يا لقومي لحرّ صدري وعولي ... وغليلي وقلبي المعمود [6]
حين سار الخميس [7] يوم خميس ... بالبريديّ في ثياب سود
قد حباه بها الإمام اصطفاء ... واعتمادا منه لغير عميد
خلع تخلع العلا ولواء ... عقده حلّ عقدة المعقود
وقال أبو الفرج الأصبهانيّ: بلغ أبو الحسن جحظة أن مدرك بن محمد الشيباني الشاعر ذكره بسوء في مجلس كنت حاضره، فكتب إليّ:
__________
[1] ريح صرّ: شديدة الصوت أو البرد.
[2] الدمق: الريح والثلج.
[3] درر: جمع درّة، والدرّة في الأمطار أن يتبع بعضها بعضا.
[4] الحصان: العفيفة.
[5] متبحبح: متمكن.
[6] المعمود: من عمده أي أضناه وأوجعه.
[7] الخميس: الجيش لأنه خمس فرق: المقدّمة. والقلب والميمنة والميسرة والساقة.
أبا فرج أهجى لديك ويعتدى ... عليّ فلا تحمي لذاك وتغضب
فكتبت إليه:
لعمرك ما أنصفتني في مودّتي ... فكن معتبا إنّ الأكارم تعتب
عجبت لما بلّغت عنّي باطلا ... وظنّك بي فيه لعمرك أعجب
ثكلت إذا نفسي وعرسي وأسرتي ... بفقدي ولا أدركت ما كنت أطلب
فكيف بمن لا حظّ لي في لقائه ... وسيّان عندي وصله والتجنّب
فثق بأخ أصفاك محض مودّة ... تشاكل منها ما بدا والمغيّب
وقال من قصيدة يرثي بها ديكا وهي من أجود ما قيل في مراثي الحيوان:
خطب طرقت به أمرّ طروق ... فظّ الحلول عليّ غير شفيق
فكأنما نوب الزمان محيطة ... بي راصدات [1] لي بكلّ طريق
حتى متى تنحي [2] عليّ صروفها ... وتغصّني فجعاتها بالريق
ذهبت بكل مصاحب ومناسب ... وموافق ومرافق وصديق
حتى بديك كنت آلف قربه ... حسن إليّ من الديوك رشيق
ومنها:
لهفي عليك أبا النذير لو انّه ... دفع المنايا عنك لهف شفيق
وعلى شمائلك اللواتي ما نمت ... حتى ذوت من بعد حسن سموق [3]
لما بقعت [4] وصرت علق مضنّة [5] ... ونشأت نش ء المقبل الموموق [6]
وتكاملت جمل الجمال بأسرها ... لك من جليل واضح ودقيق
وكسيت كالطاوس ريشا لا معا ... متلألئا ذا رونق وبريق
من حمرة في صفرة في خضرة ... تخييلها يغنى عن التحقيق
عرض يجلّ عن القياس وجوهر ... لطفت معانيه عن التدقيق
وخطرت ملتحفا ببرد حبّرت [7] ... منه بديع الوشي كفّ أنيق
__________
[1] راصدات: راقبات.
[2] تنحى: تقبل.
[3] سموق: علو وارتفاع.
[4] يقال: بقع الطير: أي اختلف لونه فهو أبقع.
[5] العلق: النفيس من كل شيء. ويقال: هذا الشيء علق مضنة أي يضنّ به.
[6] الموموق: المحبوب.
[7] حبرت: حسنت.
كالجلّنارة [1] أو صفاء عقيقة ... أو لمع نار أو وميض بروق
أو قهوة [2] تختال في بلّورة ... بتألّق الترويق [3] والتصفيق [4]
وكأنّ سالفتيك [5] تبر سائل ... وعلى المفارق [6] منك تاج عقيق
وكأنّ مجرى الصوت منك إذا نبت ... وجفت عن الأسماع بحّ [7] حلوق،
ناي [8] دقيق ناعم قرنت به ... نغم مؤلّفة من الموسيقى
ومنها:
أبكي إذا أبصرت ربعك موحشا ... بتحنّن وتأسّف وشهيق
ويزيدني جزعا لفقدك صادح [9] ... في منزل دان إليّ لصيق
قرع [10] الفؤاد وقد زقا فكأنّه ... نادى ببين أو نعيّ شقيق
فتأسّفي أبدا عليك مواصل ... بسواد ليل أو بياض شروق
وإذا أفاق ذوو المصائب سلوة ... وتصبّروا أمسيت غير مفيق
قال أبو الفرج: كنت انحدرت إلى البصرة، ولمّا وردتها أصعدت إلى سكّة قريش أطلب منزلا أسكنه؛ لأني كنت غريبا لا أعرف أحدا من أهلها إلا من كنت أسمع بذكره، فاستأجرت بيتا في خان، وأقمت في البصرة أياما ثم خرجت عنها طالبا حصن مهدي؛ وكتبت هذه الأبيات على حائط البيت الذي أسكنه:
الحمد للّه على ما أرى ... من صنعتي من بين هذا الورى
أصارني الدهر إلى حالة ... يعدم فيها الضيف عندي القرى
بدّلت من بعد الغنى حاحة ... إلى كلاب يلبسون الفرا [11]
أصبح أدم السّوق لي مأكلا ... وصار خبز البيت خبز الشّرا
وبعد ملكي منزلا مبهجا ... سكنت بيتا من بيوت الكرا
فكيف ألفى لاهيا ضاحكا ... وكيف أحظى بلذيذ الكرى
__________
[1] الجلنار: زهر الرمان، معرّب كلنار.
[2] القهوة: الخمر.
[3] الترويق: التصفية.
[4] التصفيق يقال: صفق فلان الشراب إذا حوّله من إناء إلى إناء ليصفو.
[5] السالفتان: صفحتا العنق.
[6] المفارق: جمع مفرق، وأصله وسط الرأس الذي يفرق فيه الشعر. والمراد هنا أعالي الرأس.
[7] بح: جمع أبح من البحة وهي خشونة وغلظ في الصوت.
[8] الناي: من آلات اللهو أعجمي معرّب، وعربيه رمخر ومزمار.
[9] صادح: وصف، من قولهم: صدح الديك أي رفع صوته.
[10] قرع الفؤاد: فجأه.
[11] الفرا: مقصور الفراء جمع فروة، وهي جلود حيوان تدبغ وتخاط وتبطن بها الثياب فتلبس اتقاء البرد.
سبحان من يعلم ما خلفنا ... وبين أيدينا وتحت الثرى
والحمد للّه على ما أرى ... وانقطع الخطب وزال المرا
وقال من قصيدة:
وإذا رأيت فتى بأعلى رتبة ... في شامخ من عزّه المترفّع
قالت لي النفس العزوف بفضلها ... ما كان أولاني بهذا الموضع
قال:
الدهر يلعب بالفتى فيهيضه ... طورا ويجبر عظمه فيراش [1]
وكذا رأينا الدهر في إعراضه ... ينحى وفي إقباله ينتاش [2]
ومما قال في النسيب:
أدلّ [3] فيا حبّذا من مدلّ ... ومن ظالم لدمي مستحلّ
إذا ما تعزّز قابلته ... بذلّ وذلك جهد المقلّ
وقال من أبيات:
مرّت بنا تخطر في مشيها ... كأنما قامتها بانه
هبّت لنا ريح فمالت بها ... كما تثنّى غصن ريحانه
فتيّمت قلبي وهاجت له ... أحزانه قدما وأشجانه
قال ابن عبد الرحيم: حدّثني أبو نصر الزجاج قال: كنت جالسا مع أبي الفرج الأصبهاني في دكّان في سوق الورّاقين، وكان أبو الحسن علي بن يوسف بن البقّال الشاعر جالسا عند أبي الفتح بن الجزّار الورّاق وهو ينشد أبيات إبراهيم بن العبّاس الصّوليّ التي يقول فيها:
رأى خلّتي من حيث يخفى مكانها ... فكانت قذى عينيه حتى تجلّت
فلما بلغ إليه استحسنه وكرره؛ ورآه أبو الفرج فقال لي: قم إليه فقل له: قد أسرفت في استحسان هذا البيت، وهو كذلك، فأين موضع الصنعة فيه؟ فقلت له ذاك؛ فقال: قوله «فكانت قذى عينيه» فعدت إليه وعرّفته، فقال: عد إليه فقل له: أخطأت، الصنعة في قوله «من حيث يخفى مكانها». قال ياقوت: وقد أصاب كل واحد منهما حافة من الغرض؛ فإن الموضعين معا غاية في الحسن وإن كان ما ذهب إليه أبو الفرج أحسن.
مؤلفاته
__________
[1] يراش: أي يصير له ريش، والمراد اليسار وحسن الحال. ويقال: راشه يريشه إذا أحسن إليه؛ وأصله من الريش؛ لأن الفقير المملق لا ينهض كالمقصوص الجناح من الطير.
[2] ينتاش: ينقذ؛ يقال: انتاشني فلان من التهلكة، أي أنقذني.
[3] يقال: أدل عليه، إذا وثق بمحبته. فأفرط عليه. ويقال: هي تدلّ عليه أي تجترىء عليه.
لأبي الفرج الأصفهاني مصنفات كثيرة عدا كتاب «الأغاني»، منها: كتاب «مجرّد [1] الأغاني»، وكتاب «أخبار القيان»، وكتاب «الإماء الشواعر»، وكتاب «المماليك الشعراء»، وكتاب «أدب الغرباء»، وكتاب «الديارات»، وكتاب «تفضيل ذي الحجة»، وكتاب «الأخبار والنوادر»، وكتاب «مقاتل الطالبيين [2]»، وكتاب «أدب السماع»، وكتاب «أخبار الطفيليين»، وكتاب «مجموع الأخبار والآثار»، وكتاب «الخمّارين والخمّارات»، وكتاب «الفرق والمعيار في الأوغاد والأحرار [3]»، وهي رسالة عملها في هارون بن المنجم، وكتاب «دعوة التجار»، وكتاب «أخبار جحظة البرمكي»، وكتاب «نسب بني عبد شمس»، وكتاب «نسب بني شيبان»، وكتاب «نسب المهالبة»، وكتاب «نسب بني تغلب»، وكتاب «نسب بني كلاب»، وكتاب «الغلمان المغنّين»، وكتاب «مناجيب الخصيان» عمله للوزير المهلبي في خصيين مغنيين كانا له، وكتاب «الحانات»، وكتاب «التعديل والانتصاف في أخبار القبائل وأنسابها» [4] وهو كتاب «جمهرة أنساب العرب» [5]، وكتاب «أيام العرب»: ألف وسبعمائة يوم، وكتاب «دعوة الأطباء»، وكتاب «تحف الوسائد في أخبار الولائد». وجمع «ديوان أبي تمام» ولم يرتبه على الحروف بل على الأنواع كما هو الآن في نسخة مصر، وجمع «ديوان أبي نواس»، وجمع «ديوان البحتري» ولم يرتبه على الحروف بل على الأنواع كما فعل «بديوان أبي تمام». وله أيضا «كتاب في النغم» [6]، «و رسالة في الأغاني» [7].
وفاته
توفي أبو الفرج في 14 ذي الحجة سنة 356 ه في بغداد، وكان قد خلّط قبل أن يموت. ومات في هذه السنة عالمان كبيران، وثلاثة ملوك كبار. فالعالمان: أبو الفرج، وأبو عليّ القالي. والملوك: سيف الدولة بن حمدان، ومعز الدولة بن بويه، وكافور الإخشيدي. هذا ما عليه الأكثر في تاريخ وفاته، وقال ابن خلكان: إنه الأصح. وقيل توفي سنة 357 ه. وفي «الفهرست» لابن النديم أنه توفي سنة نيف وستين وثلاثمائة. وفي «معجم الأدباء» طبع مصر، بعد ذكر تاريخ وفاته سنة 356، حديث يقتضي أن أبا الفرج عاش إلى ما بعد سنة 362؛ وقد وضع هذا الحديث بين قوسين ونصه: [وجدت على الهامش بخط المؤلف تجاه وفاته ما صورته: وفاته هذه فيها نظر وتفتقر إلى تأمّل؛ لأنه ذكر في كتاب «أدب الغرباء» من تأليفه: حدّثني صديق قال: قرأت على قصر معزّ الدولة بالشماسيّة «يقول فلان بن فلان الهروي: حضرت هذا الموضع في سماط معزّ الدولة والدنيا عليه مقبلة وهيبة الملك عليه مشتملة، ثم عدت إليه في سنة 362 فرأيت ما يعتبر به اللبيب» يعني من الخراب. وذكر في موضع آخر من كتابه هذا قصة له مع صبي كان يحبه ذكرتها بعد هذا، يذكر فيه موت معز الدولة وولاية ابنه بختيار، وكان ذلك في سنة 356، ويزعم في تلك الحكاية أنه كان في عصر شبابه؛ فلا أدري ما هذا الاختلاف. آخر ما كان على الهامش].
__________
[1] أشار إلى هذا الكتاب في أوّل مقدّمته في كتاب «الأغاني» حيث قال في الصفحة الأولى: ولم يستوعب كل ما غنى في هذا الكتاب ولا أتى بجميعه؛ إذ كان قد أفرد لذلك كتابا مجرّدا من الأخبار ومحتويا على جميع الغناء المتقدّم والمتأخر.
[2] طبع هذا الكتاب بطهران في سنة 1307 ه.
[3] ذكر صاحب «الفهرست» هذا الكتاب، وذكر له كتابا آخر باسم كتاب «صفة هارون».
[4] كذا في «معجم الأدباء» و «تاريخ ابن شاكر». وفي «تاريخ ابن خلكان» في مآثر العرب ومثالبها».
[5] نبه على ذلك المؤلف في كتاب «الأغاني» جزء 19 ص 53 (طبعة بولاق).
[6] ورد ذكر هذا الكتاب في كتاب «الأغاني» ج 9 ص 49.
[7] ورد ذكر هذه الرسالة في كتاب «الأغاني» ج 5 ص 53 (طبعة بولاق).
كتاب الأغاني وثناء أهل العلم والأدب عليه
قال أبو محمد المهلبي: سألت أبا الفرج في كم جمعت هذا الكتاب؟ فقال: في خمسين سنة، وإنه كتبه مرة واحدة في عمره، وهي النسخة التي أهداها إلى سيف الدولة بن حمدان فأعطاه ألف دينار. وبلغ ذلك الصاحب بن عبّاد فقال: «لقد قصّر سيف الدولة، وإنه ليستحق أضعافها؛ إذ كان مشحونا بالمحاسن المنتخبة والفقر الغريبة، فهو للزاهد فكاهة، وللعالم مادّة وزيادة، وللكاتب والمتأدّب بضاعة وتجارة، وللبطل رجلة وشجاعة، وللمضطرب [1] رياضة وصناعة، وللملك طيبة ولذاذة. ولقد اشتملت خزانتي على مائة ألف وسبعة عشر ألف مجلد ما فيها سميري غيره. ولقد عنيت بامتحانه في أخبار العرب وغيرهم فوجدت جميع ما يعز [2] عن أسماع من قرفه [3] بذلك قد أورده العلماء في كتبهم، ففاز بالسبق في جمعه وحسن وضعه وتأليفه».
وذكر ابن خلكان أن الصاحب بن عباد كان يستصحب في أسفاره حمل ثلاثين جملا من كتب الأدب، فلما وصل إليه هذا الكتاب لم يكن بعد ذلك يستصحب غيره لا ستغنائه به عنها.
وقال أبو القاسم عبد العزيز بن يوسف كاتب عضد الدولة: لم يكن «كتاب الأغاني» يفارق عضد الدولة في سفره ولا حضره، وإنه كان جليسه الذي يأنس إليه وخدينه الذي يرتاح نحوه.
وقال ياقوت: ولعمري إن هذا الكتاب جم الفوائد عظيم العلم، جامع بين الجدّ البحت، والهزل النحت.
وقال أبو جعفر محمد بن يحيى بن شيرزاد: اتّصل بي أن مسوّدة «كتاب الأغاني»، وهي أصل أبي الفرج، أخرجت إلى سوق الورّاقين ببغداد لتبتاع، فأنفذت إلى ابن قرابة، وسألته إنفاذ صاحبها لا بتاعها منه لي، فجاءني وعرّفني أنها بيعت في النداء بأربعة آلاف درهم، وأن أكثرها في ظهور وبخط التعليق، وأنها اشتريت لأبي أحمد بن محمد بن حفص؛ فراسلت أبا أحمد، فأنكر أنه يعرف شيئا من هذا؛ فبحثت كل البحث فما قدرت عليها.
قال ياقوت: قرأت على ظهر جزء من نسخة «لكتاب الأغاني» لأبي الفرج: حدّث ابن عرس الموصلي، وكان المترسل بين عز الدولة وبين أبي تغلب بن ناصر الدولة وكان يخلف أبا تغلب بالحضرة، قال: قال كتب إليّ أبو تغلب يأمرني بابتياع «كتاب الأغاني» لأبي الفرج الأصبهاني، فابتعته له بعشرة آلاف درهم من صرف ثمانية عشر درهما بدينار، فلما حملته إليه ووقف عليه ورأى عظمة وجلالة ما حوى قال: لقد ظلم ورّاقه المسكين، وإنه ليساوي عندي عشرة آلاف دينار، ولو فقد لما قدرت عليه الملوك إلا بالرغائب، وأمر أن تكتب له نسخة أخرى ويخلد عليها اسمه، فابتدأ بذلك، فما أدري أتمت النسخة أم لا.
وروى صاحب «نفح الطيب»: أنّ الحكم المستنصر أحد خلفاء بني أمية بالأندلس بعث في «كتاب الأغاني» إلى مصنفه أبي الفرج الأصفهاني، وكان نسبه في بني أمية، وأرسل إليه فيه بألف دينار من الذهب العين، فبعث إليه نسخة منه قبل أن يخرجه بالعراق.
__________
[1] كذا بالأصل. وصوابه «و للمتظرف» عن «كتاب تجريد الأغاني».
[2] كذا بالأصل. ولعلها «يعزب» بمعنى يغيب ويخفى.
[3] قرفه بكذا: اتهمه به.
وقال ابن خلدون في «مقدّمته»: وقد ألّف القاضي أبو الفرج الأصبهاني، وهو ما هو، «كتابه في الأغاني»، جمع فيه أخبار العرب وأشعارهم وأنسابهم وأيامهم ودولهم، وجعل مبناه على الغناء في مائة الصوت التي اختارها المغنون للرشيد، فاستوعب فيه ذلك أتم استيعاب وأوفاه. ولعمري إنه ديوان العرب، وجامع أشتات المحاسن التي سلفت لهم في كل فن من فنون الشعر والتاريخ والغناء وسائر الأحوال، ولا يعدل به كتاب في ذلك فيما نعلمه، وهو الغاية التي يسمو إليها الأديب ويقف عندها، وأنّى له بها.
نقد «كتاب الأغاني»
قال ياقوت: وقد تأملت هذا الكتاب وعنيت به وطالعته مرارا وكتبت منه نسخة بخطي في عشر مجلدات، ونقلت منه إلى كتابي الموسوم «بأخبار الشعراء» فأكثرت، وجمعت تراجمه فوجدته يعد بشيء ولا يفي به في غير موضع منه؛ كقوله في أخبار أبي العتاهية: «و قد طالت أخباره ها هنا وسنذكر خبره مع عتب [1] في موضع آخر» ولم يفعل. وقال في موضع آخر: «أخبار أبي نواس مع جنان إذ كانت سائر أخباره قد تقدّمت [2]» ولم يتقدّم شيء، إلى أشباه لذلك. والأصوات المائة هي تسعة وتسعون، وما أظنّ إلا أن الكتاب قد سقط منه شيء أو يكون النسيان غلب عليه، واللّه أعلم.
«مختصرات كتاب الأغاني»
اختصر «كتاب الأغاني» جماعة: منهم الوزير الحسين بن علي بن حسين أبو القاسم المعروف بابن المغربي المتوفى سنة 418 ه.
ومنهم القاضي [3] جمال الدين محمد بن سالم المعروف بابن واصل الحموي المتوفى سنة 697 ه.
ومنهم أبو القاسم عبد اللّه المعروف بابن باقيا الكاتب الحلبي المتوفى سنة 485 ه. قال عنه ابن خلكان:
واختصر «الأغاني» في مجلد واحد.
ومنهم الأمير عز الملك محمد بن عبد اللّه بن أحمد الحرّاني المسبّحي الكاتب المتوفى سنة 420 ه.
ومنهم الإمام اللغوي جمال الدين محمد بن المكرم الأنصاري صاحب «لسان العرب» المتوفى سنة 711 ه «و مختاره» مرتب على حروف الهجاء سماه «مختار الأغاني في الأخبار والتهاني» [4]».
__________
[1] الذي في «الأغاني»: «و لم أذكر ها هنا مع أخبار أبي العتاهية أخباره مع عتبة وهي من أعظم أخباره لأنها طويلة وفيها أغان كثيرة وقد طالت أخباره ها هنا فأفردتها» (جزء 3 ص 183 طبعة بولاق).
[2] الذي في «الأغاني» جزء 18 ص 2: «إذا كانت أخباره قد أفردت خاصة».
[3] وسمي كتابه «تجريد الأغاني من ذكر المثالث والمثاني». وقال في مقدمته إنه جرد الأغاني من ذكر الأصوات وما احتوت عليه من أنواع النغم والإيقاعات مما لا فائدة من ذكره كما جرده من الأسانيد والمكرّرات والأخبار والأشعار المشتركة، واقتصر فيه على غرر فوائده ودرر فوائده، وأضاف إليه فوائد أخرى تتعلق به وشرح بعض المستغلق من ألفاظه. ويوجد منه بدار الكتب المصرية الجزء الأوّل في ثلاثة مجلدات برقم 5071 أدب مأخوذة بالتصوير الشمسي عن نسخة خطية محفوظة بمكتبة أيا صوفية بالآستانة برقم 1400 مكتوبة بخط محمد بن محمد النصيبي كتبها بمحروسة حماة وفرغ من كتابتها سنة 666 ه وجعلها برسم خزانة السلطانة أبي الفتح محمود بن الملك المنصور محمد بن الملك المظفر أبي الفتح عمر بن شاهنشاه بن أيوب.
[4] ويوجد منه بدار الكتب المصرية الجزء الثاني أوّله حرف الباء: وقعة بدر وينتهي إلى أثناء الكلام على ترجمة حمزة بن بيض الحنفي الشاعر من حرف الحاء، في ثلاثة مجلدات برقم 4646 أدب مأخوذة بالتصوير الشمسي من النسخة الخطية المحفوظة بمكتبة كوبريلي بالآستانة.
ومنهم الرشيدي أبو الحسين أحمد بن الرشيد بن الزبير.
وقد اختصر أيضا «كتاب الأغاني» حضرة أستاذنا الفاضل محمد الخضري بك المفتش بوزارة المعارف وحذف منه الأسانيد وما لم يستحسن ذكره من الفحش والمخل بالأدب، وروى الشعر كما قاله الشعراء لا كما غنى به المغنون فتمم بعض القصائد المنقوصة، ورتب بعض القطع المشوشة بعد الرجوع إلى أصولها، وجعله في قسمين:
في القسم الأوّل الشعراء، وفي الثاني المغنون. ورتب الشعراء ثلاث طبقات: الأولى طبقة الشعراء الجاهليين، والثانية طبقة الشعراء الإسلاميين، والثالثة طبقة الشعراء المحدثين، وجعل المخضرمين بين كل طبقتين مع الأولى منهما، ونظم في سلك شعراء كل قبيلة في كل طبقة، فبدأ بشعراء قحطان ثم ثنّى بشعراء عدنان، وبدأ بالأوّلين بشعراء حمير وأثنى بشعراء كهلان، وبدأ الآخرين بشعراء ربيعة وأثنى بشعراء مضر. وقد طبع الكتاب في ثمانية أجزاء: الأوّل والثاني في الطبقة الأولى من الشعراء الجاهليين والمخضرمين، والثالث والرابع في الطبقة الثانية من الشعراء الإسلاميين ومخضرمي الدولتين، والخامس والسادس في الطبقة الثالثة من الشعراء المحدثين، والسابع في المغنين وفيه مقدّمة في الغناء العربي، والثامن فيه الفهارس والملحوظات.
كتب الأغاني المؤلفة قبل هذا الكتاب والمسماة باسمه
ليس «كتاب الأغاني» لأبي الفرج الأصبهاني أوّل كتاب ألّف في هذا الفنّ؛ فقد ألّف قبله عدّة كتب في الغناء سميت باسمه. ونعرف من هذه الكتب:
(1) «كتاب أغاني إسحاق» التي غنى بها.
(2) «كتاب الأغاني الكبير» - وقد اختلف في نسبة هذا الكتاب إلى إسحاق. قال ابن النديم في «الفهرست» ص 141:
«قرأت بخط أبي الحسن علي بن محمد بن عبيد بن الزبير الكوفي الأسديّ، حدّثني فضل بن محمد اليزيديّ قال: كنت عند إسحاق بن إبراهيم الموصليّ فجاءه رجل فقال: يا أبا محمد، أعطني «كتاب الأغاني»؛ فقال: ما «كتاب الأغاني»: الذي صنفته أو الكتاب الذي صنّف لي؟ يعني بالذي صنفه كتاب أخبار المغنين واحدا واحدا، وبالكتاب الذي صنّف له أخبار «الأغاني الكبير» الذي في أيدي الناس.
ثم ذكر حكاية أخرى لتأييد ذلك وهي [1]:
حدّثني أبو الفرج الأصفهاني قال حدّثني أبو بكر محمد بن خلف وكيع قال سمعت حماد بن إسحاق يقول:
__________
ثم الجزء الثاني أيضا يبتدىء من بقية حرف الألف بترجمة أبي عطاء أفلح السندي وينتهي إلى أثناء حرف الجيم مأخوذ بالتصوير الشمسي عن النسخة المحفوظة بمكتبة المجلس البلدي بالإسكندرية المخطوطة بخط ولده عبد اللّه علي بن محمد بن المكرم، فرغ من كتابته في الرابع من شهر ربيع الأوّل سنة 683 ه في 175 لوحة وكل لوحة تشتمل على صفحتين في الربع في مجلدين، برقم 7421 أدب.
ثم ثلاثة مجلدات تبتدىء من أوّل حرف الحاء إلى حرف الميم آخره المغيرة الأقيشر مأخوذة بالتصوير الشمسي من نسخة خطية محفوظة بمكتبة الأزهر وهما برقم 5503 أدب.
وقد طبع منه الجزء الأوّل هذا العام بالمطبعة السلفية بمصر وينتهي إلى آخر أخبار إسحاق الموصلي.
[1] ستأتي هذه الحكاية في خطبة كتاب «الأغاني» على نحو ما حكاها صاحب «الفهرست».
ما ألّف أبي هذا الكتاب قط - يعني كتاب «الأغاني الكبير» - ولا رآه. والدليل على ذلك أن أكثر أشعاره المنسوبة إنما جمعت لما ذكر معها من الأخبار وما يجيء فيها إلى وقتنا هذا، وأن أكثر نسبه إلى المغنين خطأ. والذي ألّفه أبي من دواوين غنائهم يدلّ على بطلان هذا الكتاب؛ وإنما وضعه ورّاق كان لأبي بعد وفاته سوى «الرخصة» التي هي أوّل الكتاب، فإنّ أبي ألفها؛ لأن أخباره كلها من روايتنا. وقال أبو الفرج: هذا ما سمعته من أبي بكر وكيع حكاية فحفظته واللفظ يزيد وينقص. وأخبرني جحظة أنه يعرف الورّاق الذي وضعه، وكان يسمى سندي بن علي، وحانوته في طاق الزبل، وكان يورّق لإسحاق، فاتفق هو وشريك له على وضعه. وهذا الكتاب يعرف في القديم «بكتاب الشركة»، وهو أحد عشر جزءا لكل جزء أوّل يعرف به؛ فالجزء الأوّل من الكتاب: الرخصة، وهو تأليف إسحاق لا شك فيه ولا خلف.
(3) «كتاب الأغاني» لحسن بن موسى النصيبي، وهو مرتب على حروف المعجم. قال ابن النديم في كتاب «الفهرست» ص 145: «ألفه للمتوكل، وذكر في هذا الكتاب أشياء من الأغاني لم يذكرها إسحاق ولا عمرو بن بانة، وذكر من أسماء المغنين والمغنيات في الجاهلية والإسلام كل طريف وغريب».
(4) «كتاب الأغاني»، هو أيضا لحسن بن موسى المذكور آنفا. قال ابن النديم في «الفهرست» بعد أن عزا إليه الكتاب السالف: وله «كتاب الأغاني» على الحروف.
الكلمات الاصطلاحية الواردة في كتاب الأغاني
جاء في مقال نشر المجلد الخامس من مجلة المقتبس صفحة 208 تحت عنوان «مصطلحات آلات الطرب وأغاني العرب» بحث في اصطلاح الأصوات وأنواع الألحان الواردة في «كتب الأغاني». وهو مأخوذ من كتاب مخطوط اسمه «نيل السعود في ترجمة الوزير داود» كتب سنة 1232 ه كما ذكر في وصفه في المجلد الثاني من مجلة المقتبس ص 385. وعنوان البحث في هذا الكتاب: «العود ومصطلحاته».
وإذ كانت الأصوات الواردة أسماؤها في «كتاب الأغاني» غير معروفة على كثرة بحث العلماء عنها، رأينا نقل ما له تعلق ببيان اصطلاحها من هذا المقال إفادة للقرّاء. وهو.
قال صاحب الكتاب: «العود ومصطلحاته» في الصفحة 221 من المخطوط وما يليها:
«كثيرا ما كنت أطالع في «كتاب الأغاني» ألفاظا في مصطلح الغناء وما كنت أتوصل إلى فهمها، حتى ظفرت أخيرا برسالة لعبد القادر بن غيبي الحافظ المراغي المشهور بعلم الألحان، فأخذت عنه ما يتعلق بفتح مغلق الكلام الخاص بهذا العلم فأقول:
اعلم أن الألفاظ الواردة في «كتاب الأغاني» تتعلق كلها بالعود العربيّ، فإذا علمت تركيب هذه الآلة هان عليك فهم ما أشكل عليك من مصطلحها. فهذه الآلة طولها مثل عرضها مرّة ونصف مرة، وغورها كنصف عرضها، وعنقها كربع طولها في الراحة وثخن الورقة من خشب خفيف. ووجهها أصلب، وتمدّ عليه أربعة أوتار أغلظها البمّ بحيث يكون غلظه مثل المثلث الذي يليه مرة وثلثا، والمثلث إلى المثنى كذلك، والمثلث [1] مثل الزير كذلك. وقد ضبطوها بطاقات الحرير فقالوا:
__________
[1] كذا في المجلة المنقول عنها هذا الموضوع. ولعله والمثنى إلى الزير كذلك.
يجب أن يكون البم أربعا وستين طاقة، والمثلث ثمانيا وأربعين، والمثنى ستا وثلاثين، والزير سبعا وعشرين.
وتجعل رؤوسها من جهة العنق في ملاو، والأخرى كمشط فتتساوى أطوالها. ثم يقسم الوتر أربعة أقسام طولا ويشدّ على ثلاثة أرباعه مما يلي العنق، وهذا دستان الخنصر. ثم ينقسم الآخر تسعة ويشدّ على تسعه مما يلي العنق، وهذا دستان السبابة. ثم يقسم ما تحت دستان السبابة إلى المشط أتساعا متساوية ويشدّ على التسع مما يلي المشط، ويسمى دستان البنصر، فيقع فوق دستان الخنصر مما يلي دستان السبابة. ثم يقسم الوتر من دستان الخنصر مما يلي المشط ثمانية أقسام، وضعّف إليها جزءا مثل أحدها مما بقي من الوتر وشدّه فهو دستان الوسطى، ويكون وقوعه بين السبابة والبنصر. فهذه الاصطلاحات هي المصححة للنسب. فإذا جذب وتر منها إلى غاية معلومة سمي الزير، فيجذب المثنى على نسبة تليه في الانحطاط، وهذا مع الجنس [1] بالخنصر والضرب حتى يقع التساوي.
وتكلم بعد هذا على مناسبة أنواع الوتر للعناصر والطباع. ثم قال: قوانين الغناء لا تخرج عن ثمانية:
ثقيل أوّل، ورسمه:
تنّ تنّ تنّ. تنّ تنّ تنّ.
وهو مركب من تسع نقرات هي ثلاث متواليات وواحدة كالسكون فخمس مطوية الأوّل.
وثقيل ثان، وهذا رسمه:
تنّ تنّ تن. تنّ تنّ تن.
وهو مركب من إحدى عشرة وهي ثلاث متواليات فواحدة ساكنة فثقيلة فأربع مطوية الأوّل.
وخفيف الثقيل الثاني ويسمى الماخوري، وهذا رسمه:
تن تن تنّ تن تن تنّ.
وهو مركب من ست: ثلاث متواليات فسكون ثم ثلاث.
ورمل ويسمى ثقيل الرمل، وهذا رسمه:
تنّ تن تن. تنّ تن تن.
وهو مركب من سبع وهي ثقيلة أولى فمتواليتان فسكون وهكذا إلى آخره.
وخفيفه، وهذا رسمه:
تن تن. تن تن. تن تن. تن تن.
وهو مركب من ثلاث نقرات متوالية متحركة.
وخفيف الخفيف، ورسمه:
تن تن تن. تن تن تن.
وهو مركب من نقرتين بينهما سكون قدر واحدة.
وهزج، ورسمه:
تن تن تن تن. تن تن تن تن.
__________
[1] لعله «الجسّ».
وهو مركب من نقرة كالسكون ثم سكون قدر نقرة ثم بين كل اثنتين سكون.
فهذه أصول التراكيب وإنما تكرر بحسب استيفاء الأدوار.
وتكلم بعد هذا على أنواع أخرى من الأغاني ثم قال:
واعلم أن اللحن يسمى مطلقا إذا لم يكن مقيدا بلفظة تدل على وصفه كالثقيل والخفيف وخفيف الخفيف.
ويذكر بعد اللحن موقع الأصبع الذي يبتدأ به ليهتدي إلى قراره، فيقال مثلا: ثاني ثقيل مطلق أو ثاني ثقيل بالوسطى أو بالخنصر في مجرى البنصر أو خفيف رمل بالبنصر أو خفيف ثقيل أوّل بالبنصر إلى غير ذلك، وهو المعروف عند أصحاب هذا الفن بمواقع الأصابع من الدساتين.
نسخ الأغاني
نسخ الأغاني الموجودة بدار الكتب والتي روجعت عليها هذه الطبعة هي:
(1) نسخة ت
وهي النسخة التيمورية المرموز إليها بالحرف «ت». وليس لدينا منها سوى الجزء الأوّل استعرضناه من حضرة صاحب السعادة أحمد تيمور باشا عندما بدأنا في تصحيح «كتاب الأغاني». وقد أخبرنا سعادته أن ليس لديه من هذه النسخة سوى هذا الجزء. وهو جزء مخطوط يقع في 246 ورقة تنتهي بآخر المجنون (قيس بن الملوّح).
وقد كتب على الصفحة الأولى منه عنوان الكتاب واسن مؤلفه وفهرس لما فيه من التراجم، بخط واضح بيّن.
وفي أعلى الصفحة جملة لم يبن منها سوى هذه الكلمات: «في ملك .. العلي ... الحنبلي عفا اللّه عنه وعافاه».
وفي وسط الصفحة كتب بخط كبير كلمات شطب عليها ولم نتبيّن منها بعد الشطب بمنتهى الصعوبة سوى: «شرى من دار السلام أحد وعشرون جزءا من كتب العبد الفقير إلى اللّه تعالى ... بن يوسف بن عمر ... بن رسول عفا اللّه عنه». وفي جانبها الأيمن من الأسفل خط مشطوب لم نتبين منه بعد الجهد سوى هذه الكلمات: «حاز النسخة الشيخ العالم ... من تركة ... العبد الفقير إلى ربه الغنيّ الغفار سنة 937». وفي الجانب الآخر كتب بحبر أحمر لم نتبينه كله وهو: «هذا خط ملك اليمن ... الملك ... رحمة اللّه عليهم أجمعين ... وكل منهما ترجم عثمان وأنشد لشيخ الإسلام [1]:
مذ مدّ مجد الدّين في أيامه ... من بعض أبحر علمه القاموسا
نسخت صحاح الجوهريّ كأنها ... سحر المدائن حين ألقى موس
ويبلغ طول الصفحة منها 24 سنتيمترا وعرضها 16 سنتيمترا وطول ما رسم منها 19 سنتيمترا بعرض 11 سنتيمترا وفي كل صفحة 15 سطرا.
وليس بهوامشها سوى بعض كلمات أو جمل سقطت من الأصل فاستدركها الناسخ ويكتب في نهايتها كلمة «صح» إشارة إلى سقوطها من الأصل، أو روايات مختلفة عن نسخ أخرى، ويكتب فوقها الحرف «خ» إشارة إلى روايتها بهذا النص في نسخة أخرى.
__________
[1] نسب هذين البيتين السيد مرتضى في «شرح خطبة القاموس» لنور الدين علي بن محمد العفيف المكي المعروف بالعليفي.
أما خطها فهنو الخط النسخيّ، ويرجع عهده إلى ما قبل القرن العاشر بدليل تملكها في هذا التاريخ كما كتب في أوّل صفحة منها، وإن كنا لم نستطع الحكم بالضبط عن سنة نسخها؛ لأنه لم يتبين فيها سنة نسخها بالضبط ولا الخزانة التي كتبت برسمها ولا موضع كتابتها ولا مقابلتها بنسخة أخرى ولا شيء من ذلك.
والنسخة مضبوط أكثر كلماتها بالحركات، وتغلب عليها الصحة. وقد وجدنا بها زيادة نحو سبع صفحات ليست في نسخة أخرى فأثبتناها في هذه الطبعة، وهي الموجودة بين قوسين مربعين من ابتداء السطر الثالث من صفحة 156 إلى السطر الخامس من صفحة 163.
(2) نسخة أ
لم نجد بها مناسبة لحرف من الأحرف ولذلك اصطلحنا على تسميتها بالحرف «أ»، وهي نسخة مخطوطة بدار الكتب المصرية تحت رقم 1318 أدب، تقع في أربعة عشر مجلدا، ينقص منها الجزء الرابع والثامن والحادي عشر والثاني عشر مكتوبة بخطوط مختلفة.
والجزء الأوّل منها يقع في 231 ورقة وينتهي بآخر أخبار قيس بن الملوّح.
وليس في الصفحة الأولى منها سوى اسم الكتاب. وكتب في أحد جوانبها جملة لا علاقة لها بشيء من ذلك، وهي «عورك اسمه الحسن بن عتبة اللهبيّ في ترجمة معبد».
ويبلغ طول الصفحة منها 26 سنتيمترا وعرضها 18 سنتيمترا وطول ما رسم من الكتابة في الصفحات 16 سنتيمترا بعرض 11 سنتيمترا وفي كل صفحة 17 سطرا. وليس على هوامشها سوى بعض تعليقات سقطت من الأصل فاستدركها الناسخ ويكتب في نهايتها غالبا لفظ «صح» إشارة سقوطها من الأصل، أو روايات مختلفة عن نسخ أخرى ويكتب فوقها الحرف «خ» إشارة إلى روايتها بهذا النص في نسخة أخرى.
وفي أوّل هذا الجزء ورقتان مكتوبتان بخط مخالف لخط الكتاب، أما بقية الكتاب فمكتوب بخطين مختلفين:
أحدهما قديم كتب قبل سنة 693 ه إذ وجد في الجزأين الثاني والسابع عشر هذه العبارة في الورقة الأولى منهما وهي: «تملكه شرعا علي بن الأمير الدلقيدي» سنة 693 ه. وأما الخط الآخر فهو خط موسى الشعراني وقد كتب في سنة 1155 كما ورد في آخر الجزء المتم العشرين من الكتاب.
أما نوع الخط فهو في كلا الخطين الخط النسخي المعهود. والخط القديم مضبوط أكثر كلماته بالحركات، غير أنّنا لم نعتمد عليه في ضبط نسختنا هذه؛ لأن فيه كثيرا من الكلمات لم يضبط على وجهه الصحيح.
أما الخط الحديث فعار عن الضبط إلا قليلا، ولم نعتمد أيضا في نسختنا هذه عليه.
ولم تتبين في النسخة الخزانة التي كتبت برسمها ولا موضع كتابتها ولا مقابلتها بنسخة أخرى. وإن في آخر الكتاب ما يفيد أن الشيخ حسنا العطار طالعها، وناهيك بمقدار علمه وأدبه؛ فقد كان من أدباء عصره وله مؤلفات مشهورة.
(3) نسخة ج
لم نجد بها مناسبة لحرف من الأحرف فاصطلحنا على تسميتها بالحرف «ج». وهي نسخة في مجلدين كبيرين
بالمجلد الأوّل 636 ورقة وبالثاني 765 ورقة وهي كلها بخط موسى الشعراني، صرح بهذا في آخر الجزء الثاني وأنه تم نسخها في يوم الجمعة 20 شعبان سنة 1142 ه. وأما المجلد الأوّل فلم يذكر فيه اسم الناسخ وإنما ذكر أنه تم في يوم الخميس 18 محرّم الحرام سنة 1143 ه. ومكتوب بجانب هذا ما نصه: «تملكت هذه النسخة وطالعتها وصححتها بقدر استطاعتي وأنا الفقير عثمان المو رويّ عفا اللّه عنه وعن والديه». والصفحة الأولى من هذه النسخة ليس بها شيء خاص بعنوان الكتاب أو اسم مؤلفه، وليس بها سوى هذه الجملة مكتوبة بخط واضح وهي:
«استصحبه العبد الفقير شفيق الحسين أصلح اللّه تعالى شأنه، وصانه عما شانه في سنة 234». وهذه الجملة مكتوبة بشكل مثلث على رأس روايته الحرف «م». وفي الصفحة الثانية ختم «صالح نائلي». ويبلغ طول الصفحة منها 32 سنتيمترا تقريبا وعدد سطورها 45 سطرا. وبحواشيها بيان معاني بعض الكلمات اللغوية أو استدراك ما سقط من الأصل ويكتب في آخرها كلمة «صح» إشارة إلى ذلك، أو بيان بعض الروايات المختلفة عن نسخة أخرى ويكتب في آخرها الحرف «خ» والنسخة عارية عن الضبط إلا في الشعر فإنه مضبوط في كثير من كلماته.
ونوع الخط فيها هو الخط النسخيّ.
ولم نتبين في النسخة اسم الخزانة التي كتبت برسمها ولا موضع كتابتها ولا مقابلتها بنسخة أخرى.
(4) نسخة م
وهي نسخة في ثلاثة مجلدات، تشتمل على أكثر الكتاب. وهي إحدى نسخ المكتبة القيمة التي أهداها المرحوم مصطفى فاضل باشا لدار الكتب. وقد استحسنا أن نسميها بالحرف «م» تنبيها إلى ذلك ولأن كتبه بدار الكتب تعطي الرقم الخاص بها ملحقا بها هذا الحرف.
وبالمجلّد الأوّل 270 ورقة وبالثاني 237 ورقة وبالثالث 333 ورقة.
وليس في الصفحة الأولى ولا الأخيرة من هذه النسخة شيء خاص بعنوان الكتاب ولا اسم مؤلفه ولا من تملك هذه النسخة ولا الخزانة التي كتبت برسمها ولا سنة نسخها ولا اسم ناسخها ولا موضع كتابتها أو مقابلتها بنسخة أخرى. وطول صفحتها 33 سنتيمترا وعرضها 21 سنتيمترا. وطول ما رسم من الكتابة 26 سنتيمترا بعرض 16 سنتيمترا. وعدد الأسطر 25 سطرا. وليس بحواشيها شيء من التعليقات. وهي عارية عن الضبط. ولا يوثق بصحتها كثيرا لكثرة ما فيها من التحريف.
(5) نسخة د
وهي نسخة بها عشرة مجلدات، الثمانية الأولى بها من أول الجزء الأوّل إلى آخر الثامن وبالمجلدين التاسع والعاشر الجزآن الرابع عشر والخامس عشر.
ولم نجد مناسبة لتسميتها بحرف من الحروف فسميناها بالحرف «د». وبالجزء الأوّل 176 ورقة كتبها حسن بن محمد الشماوي، صرح بهذا في الجزء الرابع منها. وليس في هذه النسخة ما يدل على الخزانة التي كتبت برسمها ولا من تملكها ولا سنة نسخها ولا موضع كتابتها أو مقابلتها بنسخة أخرى.
وهذه النسخة تغلب عليها الجدّة. وهي عارية عن الضبط، ولا يوثق بها لكثرة ما فيها من التحريف.
وطول الصفحة منها 24 سنتيمترا وعرضها 17 سنتيمترا وطول ما رسم من الكتابة 18 سنتيمترا بعرض 10 سنتيمترات. وعدد سطورها 21 سطرا.
(6) نسخة ر
وهذه النسخة طبعت في أوربا (الجزء الأوّل) ولذلك سميناها بالحرف «ر»، وهي مطبوعة في مدينة جزيپيز فولد سنة 1840 م نقلها عن مخطوطات عربية ومعها ترجمة لاتينية وملاحظات «المسيو روز جارتن».
وينتهي هذا الجزء قبل آخر أخبار ابن محرز ونسبه. وكل كلماتها مضبوطة بالحركات.
(7) نسخة ب
وقد اصطلحنا على تسميتها بالحرف «ب» وهي نسخة كاملة رقمها بالدار 144 أدب ش في 20 جزءا مطبوعة بمطبعة بولاق الأميرية سنة 1285 ه وهي نسخة العلامة المرحوم الشيخ محمد محمود بن التلاميد التركزي الشنقيطي. وقد صحح بعض ما بها من تحريف تبينه أثناء مطالعة الكتاب، وكان أحيانا يكتب صواب الكلمة بالهامش وطورا يكشطها ثم يكتب صوابها بغاية الدقة في موضعها الأصليّ، أو يصلح الحرف المحرّف بالحرف الصحيح كالدال في موضع الراء، ومرة يكشط نقطة أو يضيف على الموجودة أخرى أو يعجم الحرف المهمل أو يهمل المعجم، وذلك كله في نفس الكلمة المطبوعة وبطريقة لا تكاد تظهر إلا بإنعام النظر وكثرة التأمل.
ولا يغيب عن القارىء أن الأستاذ الشنقيطيّ لم يتعمد تصحيح «كتاب الأغاني»، وإنما كان يعنّ له أثناء مطالعته في نسخته الخاصة بعض تحريفات فيصححها، وإلا فالكتاب مملوء تحريفا أكثر بكثير مما أصلحه لنسخته، كما يتبين ذلك من مراجعة هذه الطبعة ومقارنتها بطبعتي بولاق والساسي، وبعضه تحريف ظاهر. وعدم تنبه الأستاذ الشنقيطي لتصويبه في نسخته يدل على أنه لم يقرأه.
(8) نسخة س
وهي نسخة الساسي، وقد اصطلحنا على تسميتها بالحرف «س»، وهي نسخة طبعها المرحوم الحاج محمد أفندي ساسي المغربي وأضاف إليها الجزء الحادي والعشرين.
(9) نسخة ط
وقد اصطلحنا على تسميتها بالحرف «ط» لأن كاتبها هو محمد بن أبي طالب البدري وذلك في شهور سنة 614 ه. ولم نرمز لها بالحرف «م» من محمد أو «ب» من البدري، لأننا رمزنا بهذين الحرفين لنسختين أخريين.
أما هذه النسخة فالموجود منها بدار الكتب المصرية أربعة أجزاء في أربعة مجلدات وهي:
(1) الجزء الثاني، أوله في الصفحة الأولى ذكر عديّ بن زيد، ثم ما يلي هذه الصفحة مخروم، والخرم يستغرق كل أخبار عدي ثم جزءا من أخبار الحطيئة ويبلغ مقداره نحو 28 صفحة ونصف صفحة من طبعة بولاق.
وتبتدىء الصحف الموجودة بهذا البيت:
باستك إذ خلفتني خلف شاعر ... من الناس لم أكفىء ولم أتنحل
وتنتهي بآخر أخبار بشار بن برد الشاعر ونسبه.
ورسم بوجه الصفحة الأولى صورة ملوّنة بالأحمر والأخضر والأسود واللازوردي، وفيها بعض التذهيب، وهي تمثل مجلسا من مجالس الرقص والغناء وقد ضم عددا من الجواري والقيان. وفي هامش ظهر هذه الصفحة طبع خاتم لم يظهر منه إلا «أبو الحسن علي الشريف» وبدائرته «لا إله إلا اللّه وحده صدق وعده». ويقع هذا الجزء في 173 صفحة. ويبلغ طول الصفحة منه 32 سنتيمترا، وعرضها 23 سنتيمترا، وطول ما كتب منها 24 سنتيمترا بعرض 16 سنتيمترا، وفي كل صفحة 15 سطرا.
وليس بهوامشه سوى بعض كلمات أو جمل سقطت من الأصل فاستدركها الناسخ وكتب في نهايتها كلمة «صح» إشارة إلى سقوطها من الأصل، أو روايات مختلفة عن نسخ أخرى، ويكتب فوقها الحرف «خ» إشارة إلى روايتها بهذا النص في نسخة أخرى.
أما خط الجزء فهو النسخ المعهود. وهو واضح متقن، وأوله محلى بالذهب وتراجمه كذلك، وقد ضبطت ألفاظه بالحركات، وورد بآخره هذه العبارة:
«الحمد للّه وحده. طالعه الفقير حسن بن محمد العطار الأزهري، غفر اللّه له». وهو عالم جليل ومؤلف معروف، تولى مشيخة الأزهر الشريف سنة 1246 ه.
كما ورد أيضا: «طالعه الفقير درويش سنة 1016».
(2) الجزء الرابع، وأوله أخبار طويس ونسبه، وينتهي إلى آخر نسب إبراهيم الموصلي وأخباره. وفي أول هذا الجزء ورقة مكتوبة بخط مخالف لخط الكتاب تشمل أسماء من ترجم لهم صاحب «الأغاني» في هذا الجزء كما كتبت فيها هذه العبارة بخط مخالف لهذا النمط أيضا وهي: «الحمد للّه وحده. قد دخل هذا الجزء الذي هو الرابع من «الأغاني» في نوبة عبد اللّه ابن الفقير إليه محمد بن محمود الجزائري الشهير بابن العتابي - كان اللّه له - بثمن قدره تسع ريالات صغيرة جزائرية وربع واحدها، وذلك بتاريخ أواخر شعبان سنة خمس عشرة واثني (كذا) عشر (كذا) مائة أحسن اللّه عاقبتها بحمده إليه».
وقد رسم بوجه الصحيفة الأولى منه صورة بالألوان كالسابقة إلا أنها تخالفها في الوضع. وهي تمثل أميرا وحوله الغواني والقيان وفي أيديهنّ العود والدف والقيثارة.
وأوصافه من جهة الخط والمقياس تنطبق على أوصاف المجلد السابق لأنه مخطوط بخط الناسخ المتقدّم، ويقع في 205 صفحة، وبه خروم في الوسط.
وقد كتب بآخره: «الحمد للّه. طالعه الفقير حسن بن محمد العطار الأزهري سامحه اللّه. طالعه محمد أحمد السروجي المالكي في ثاني ذي العقدة سنة سبع وسبعين وثمانمائة غفر اللّه له وللمسلمين وصلّى اللّه على محمد وآله وسلّم».
(3) الجزء الحادي عشر، وأوله خبر أساقفة نجران مع النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، وينتهي إلى أخبار سويد بن أبي كاهل ونسبه، وهو مخطوط بخط الناسخ المتقدّم أيضا وأوصافه كأوصاف سابقيه ويقع في 208 صفحة.
وقد كتب بآخره: «الحمد للّه. طالعه الفقير حسن بن محمد العطار الأزهري سامحه اللّه» و «الحمد للّه.
طالعه فقير [إلى] رحمة ربه الغني محمد أحمد السروجي المالكي في حادي عشر محرم الحرام سنة ثمان وسبعين وثمانمائة ... وصلّى اللّه على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلّم» و «الحمد للّه وحده. وصلّى اللّه على سيدنا محمد، طالع في هذا الكتاب المبارك الفقير سليمان جاويش الشهير بالأخرس وبابن أزدمر غفر اللّه له بمنه. وذلك في أوائل شهر المحرم الحرام سنة ثلاثة (كذا) عشر بعد ألف» و «طالع في هذا الكتاب المفتقر إلى رحمة ربه ومغفرته ورضوانه الحقير رمضان أغا ابن المرحوم سليمان جاويش الخدم العالية غفر اللّه لهما ولوالديهما ولمن طالع فيه وأهدى ثواب لا إله إلا اللّه محمد رسول اللّه لهما مع الفاتحة في شهر ذي القعدة سنة 1015» و «الحمد للّه. تعلق به نظرا الفقير أحمد بن محمد بن محمد بن محمد الهواني».
(4) الجزء الثالث عشر وهو مخروم من الأول والأثناء والآخر، وأول ما فيه من أثناء أخبار عبد اللّه بن الزبير، وينتهي إلى أثناء أخبار عمرو بن بانة، وهو مخطوط بخط الناسخ المتقدّم أيضا، وأوصافه كأوصاف الأجزاء السبابقة. والموجود منه 172 صفحة.
الجزء الحادي والعشرون من الأغاني
طبع «كتاب الأغاني» بالمطبعة الأميرية في عشرين جزءا تنتهي بأخبار عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير بن عطية الخطفي، وبتمام هذه الترجمة تمام الجزء المتم العشرين وهو آخر «كتاب الأغاني». وقد نشر المستشرق رودلف برونو الأمريكي جزءا طبعه في مدينة ليدن سنة 1305 ه - 1888 م وقال عنه: إنه الجزء الحادي والعشرون من «الأغاني». ونحن نشك في أن هذا الجزء من الكتاب للأسباب الآتية:
(1) أنه لم يصدّره بمقدمة يبين فيها أصل النسخة التي نشره عنها ولا في أيّ المكتبات عثر على هذه الزيادة.
(2) أن أسلوبه ضعيف، لا يشبه أسلوب أبي الفرج في العشرين جزءا المتقدّمة.
(3) أنه يشرح في كثير من الأحيان الألفاظ الغريبة التي ترد في أبيات الشعر وهي طريقة غير معهودة في الكتاب، فالجزء الأوّل مثلا على كثرة ما فيه من الألفاظ الغريبة لم يشرح إلا القليل النادر، وقد لا يعدو ما شرح في هذا الجزء من هذا القبيل أربع كلمات أو خمس كلمات [1].
(4) أنه في هذا الجزء يشرح أحيانا المعاني التركيبية لبعض الأبيات ولم نعهد مثل ذلك في الأجزاء الماضية [2].
(5) أنه يكتب كثيرا كلمة «صوت» على شعر لم يغنّ فيه. وطريقة الكتاب ألا تكتب هذه الكلمة إلا على الشعر الذي يتحدّث بعد أنه وقع فيه غناء [3]. ولو لا خوف الإطالة لأتينا لك بجملة أمثلة تؤيد ما ذهبنا إليه.
__________
[1] انظر صفحات 56 و188 و192 و193 و198 و199 و200 و201.
[2] انظر صفحات 198 و199 و200 و201 و203.
[3] انظر صفحات 73 و112 و114.
طريقة تصحيح هذا الكتاب
روجعت هذه النسخة على هذه النسخ المبينة آنفا. وقد امتازت هذه الطبعة بهذه المميزات:
(1) ترقيم الكتاب - اتبعنا في ترتيب هذا الكتاب أن نضع كل ترجمة على حدتها، وقد قسمنا كل ترجمة منها إلى المسائل التي تكلم عليها أبو الفرج في هذه الترجمة، وعنونا لها بهامش الكتاب بعنوان حاولنا على قدر الجهد أن يكون وافيا للمعنون عنه في صلب الكتاب. ومن ذلك يتكوّن الفهرس الذي سميناه فهرس الموضوعات. وقد جعلنا كل مسألة مبتدئة بسطر جديد.
ووضعنا الأسانيد مبتدئة بلفظ «أخبرني» أو «حدّثني» أو «حدّثنا» أو «نسخت من كتاب فلان» أو غير ذلك، مكتوبة بخط أكبر من خط الكتاب ليميز القارىء هذه الأسانيد ويمرّ عليها مرا إن كان في غنية عنها. وقد أردنا بادىء بدء أن نكتب هذه الأسانيد بخط أصغر من خط الكتاب لو لا أنه حال دون ذلك أن المطبعة لم يتوفر فيها الشكل اللازم لضبط الأعلام من هذا الحجم الصغير. وضبط الأعلام لم نستطع الاستغناء عنه بحال، بل كان يأخذ منا مجهودا كبيرا. ويعلم اللّه كم قاسينا من العناء في ضبط الأعلام مستندين في ذلك إلى أوثق المصادر مع التنبيه على ذلك في الحاشية إن كان العلم غير مشهور أولا يتيسر لكثير من القرّاء الاهتداء إليه.
وبعد أن ينتهي ذكر السند نبتدىء الحكاية المروية من أوّل السطر حتى تنتهي، فاصلين جملها بعضها عن بعض بنقطة إن انتهت الجملة، أو بالعلامة (،) التي اصطلح على تسميتها بالشولة، في الجملة ذات المعاني الكثيرة المرتبط بعضها ببعض، أو بشولة تحتها نقطة بين الجملتين التي يكاد ينقطع المعنى بينهما ولم ينقطع تماما. وقد وضعنا الآيات القرآنية بين قوسين () كما وضعنا الأحاديث بين هاتين العلامتين ووضعنا الأمثال بين هاتين العلامتين «». ووضعنا الزيادات التي استحسنا وضعها عن إحدى نسخ الأغاني أو عن كتاب آخر بين قوسين مربعين هكذا [].
وفي ظننا أن هذا الترتيب يسهل على القرّاء كثيرا فهم تراكيب في الكتاب قد لا يتيسر فهمها لكثير من القرّاء بدونها.
(2) ضبط الأعلام - ضبطنا الأعلام الواردة في الكتاب. وقد وصلنا إلى ضبط أكثر أعلامه اللهم إلا القليل النادر الذي لم نتوصل إلى ضبطه بعد البحث عنه في المظانّ الكثيرة. على أنا نعتقد أنه ببحث أطول من بحثنا قد يوفق القارىء لضبطه أو قد يراه أحد القرّاء مضبوطا في كتاب لم نصل إليه أو لم يخطر لنا أنه مضبوط فيه. وإنا نرجو كل من يصل إلى ضبط علم من الأعلام لم نهتد إليه أن يكتب لنا عنه وعن المصدر الذي ضبطه منه، لنصدر ملحقا بذلك للكتاب أو لنضبطه في الأجزاء الآتية حين وروده فيها.
(3) ضبط الغريب والشعر - وقد ضبطنا أيضا ما ورد في الكتاب من الألفاظ الغريبة. وقد أردنا أن ينتفع بالكتاب طبقات كثيرة، فضبطنا كثيرا من ألفاظه، وتركنا الألفاظ الظاهرة التي لا تستعصى على كثير من الناس.
وكذلك ضبطنا الشعر ضبطا يكاد يكون كاملا بحيث لا يخطىء في قراءته من توافر له حظ قليل من العمل. وشرحنا الكلمات الغريبة في أسفل الصفحات ليكون القارىء مستغنيا عن الكشف في كتب اللغة أو الأدب أو غيرها وقد لا يصل إلى شرحها إلا بعد وقت غير قليل. وقد التزمنا كذلك شرح ما في الشعر من غريب وشرح معناه التركيبي إن ظننا أنه ليس في قدرة كثير من الناس فهمه أو إدراك كنهه.
(4) بيان الأماكن - وكذلك ضبطنا أسماء الأماكن والبلدان مع بيان مواقعها، مسترشدين في ذلك بالكتب المؤلفة في هذا الباب.
(5) بيان الألفاظ الاصطلاحية أو الدخيلة - وكذلك شرحنا ما ورد في الكتاب من أسماء مولدة أو معرّبة مما لا يوجد في كتب اللغة المقصورة على بيان ذكر الألفاظ العربية الفصيحة: كأسماء الأطعمة وغيرها من المعاني المحدثة في عهد الأمويين أو العباسيين فمن بعدهم.
(6) الروايات المختلفة في نسخ الأغاني - إذا اختلفت نسخ الأغاني الموصوفة آنفا ننظر إلى ما هو الصحيح أو الأنسب بالمقام فنضعه في الصلب، وننبه على باقي النسخ في أسفل الصفحة.
وربما وجدنا النسخ كلها متفقة على خطأ في بعض الكلمات ونجد صوابها في بعض كتب اللغة أو الأدب، فنضع الكلمة في الأصل على وجهها الصحيح وننبه في أسفل الصحيفة على مأخذها، ثم نذكرها بالحال التي وردت عليها في نسخ الأغاني.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ*
[مقدمة] نهج أبي الفرج في تأليف الكتاب
/ هذا كتاب ألّفه عليّ بن الحسين بن محمد القرشيّ الكاتب المعروف بالأصبهانيّ، وجمع فيه ما حضره وأمكنه جمعه من الأغاني [1] العربية قديمها وحديثها، ونسب كلّ ما ذكره منها إلى قائل شعره وصانع لحنه وطريقته من إيقاعه وإصبعه التي ينسب إليها من طريقته، واشتراك إن كان بين المغنّين فيه، على شرح لذلك وتلخيص وتفسير للمشكل من غريبه وما لا غنى عن علمه من علل إعرابه وأعاريض شعره التي توصّل إلى معرفة تجزئته وقسمة ألحانه.
ولم يستوعب كلّ ما غنّي به في هذا الكتاب ولا أتى بجميعه؛ إذ كان قد أفرد لذلك كتابا مجرّدا من الأخبار ومحتويا على جميع الغناء المتقدّم والمتأخّر. واعتمد في هذا [الباب] [2] على ما وجد لشاعره أو مغنّيه أو السبب الذي من أجله قيل الشعر أو صنع اللحن خبرا يستفاد ويحسن بذكره ذكر الصوت معه، على أقصر ما أمكنه وأبعده من الحشو والتكثير بما تقلّ الفائدة فيه. وأتى في كل فصل من ذلك بنتف تشاكله، ولمع تليق به، وفقر إذا تأمّلها قارئها لم يزل متنقّلا بها من فائدة إلى مثلها،/ ومتصرّفا فيها [3] بين جدّ وهزل، وآثار وأخبار، وسير وأشعار، متصلة بأيام العرب المشهورة وأخبارها المؤثورة، وقصص الملوك في الجاهلية والخلفاء في الإسلام، تجمل بالمتأدّبين معرفتها، وتحتاج الأحداث إلى دراستها، ولا يرتفع من فوقهم من الكهول عن الاقتباس منها؛ إذ كانت منتخلة [4] من غرر الأخبار، ومنتقاة من عيونها، ومأخوذة من مظانّها، ومنقولة عن أهل الخبرة بها. فصدّر كتابه هذا وبدأ فيه بذكر المائة الصوت المختارة لأمير المؤمنين الرشيد/ - رحمه اللّه تعالى - وهي التي كان أمر إبراهيم الموصليّ وإسماعيل بن جامع وفليح بن العوراء باختيارها له من الغناء كلّه؛ ثم رفعت [5] إلى الواثق باللّه - رحمة اللّه عليه - فأمر إسحاق بن إبراهيم بأن يختار له منها ما رأى أنه أفضل مما كان اختير متقدّما، ويبدل ما لم يكن على هذه الصفة بما [6] هو أعلى منه وأولى بالاختيار؛ ففعل ذلك. وأتبع هذه القطعة بما اختاره غير هؤلاء من متقدّمي المغنّين وأهل العلم بهذه الصناعة من الأغاني، وبالأصوات التي تجمع النّغم العشر المشتملة على سائر نغم الأغاني
__________
[1] الأغنية (بضم الهمزة وكسرها، وتشديد الياء وقد تخفف): ما يترنم ويتغنى به من الشعر ونحوه والجمع أغانيّ وأغان.
[2] زيادة في أ، ء، م.
[3] كذا في أ، م، ء. وفي ب، س، ح، ر: «متصرفا بها».
[4] كذا في ح. وقد صوّبه الأستاذ الشنقيطي في نسخته بوضع نقطة فوق الحاء. وفي الأصول كلها: «منتحلة» بالحاء المهملة، وهو تصحيف.
[5] كذا في أ، م، ء. وفي سائر النسخ: «وقعت».
[6] كذا في جميع النسخ بتعدية الفعل إلى المتروك بنفسه إلى غير المتروك بالباء، وهو على غير المعروف من أن الباء تدخل على المتروك.
والملاهي، وبالأرمال الثلاثة المختارة، وما أشبه ذلك من الأصوات التي تتقدّم غيرها في الشهرة كمدن معبد وهي سبعة أصوات، والسبعة التي جعلت بإزائها من صنعة ابن سريج وخيّر بينهما فيها، وكأصوات معبد المعروفة بألقابها، وزيانب يونس الكاتب؛ فإن هذه الأصوات من صدور الغناء وأوائله وما لا يحسن تقديم غيره أمامه. وأتبع ذلك بأغاني الخلفاء وأولادهم، ثم بسائر الغناء الذي عرف له قصة تستفاد وحديثا يستحسن؛ إذ ليس لكلّ الأغاني خبر [نعرفه] [1]، ولا في كلّ ما له خبر فائدة، ولا لكلّ ما فيه بعض الفائدة رونق يروق الناظر ويلهي السامع.
/ ووقّع على أوّل كلّ شعر فيه غناء صوتا [2] ليكون علامة ودلالة عليه يتبيّن بها ما فيه صنعة من غيره. وربما أتى في خلال هذه الأصوات وأخبارها أشعار قيلت في تلك المعاني وغنّي بها وليست من الأغاني المختارة ولا من هذه الأجناس المرتّبة، فلا يوجد من ذكرها معها بدّ؛ لأنها إذا أفردت عنها كانت إمّا منقطعة الأخبار غير مشاكلة لنظائرها أو معادة أخبارها؛ وفي كلتا الحالتين خلاف لما يجيء به هذا الكتاب. وقد يأتي أيضا منها الشيء الذي تطول أخباره وتكثر قصص شاعره مع غيره من الأصوات والأخبار، فلا يمكن شرحها جمعاء [3] في ذلك الموضع لئلّا تنقطع الأخبار المذكورة بدخوله [4] بينها، فيؤخّر ذكره إلى مواضع يحسن فيها، ونظائر له يضاف إليها، غير قاطع اتّساق غيره منها ولا مفرد للقرائن بتوسّطه لها، ويكون ذكره على هذه الحال أشكل وأليق.
عدم ترتيبه على طرائق الغناء أو طبقات المغنين
قال مؤلف هذا الكتاب: ولعلّ [بعض] [5] من يتصفّح ذلك ينكر تركنا تصنيفه أبوابا على طرائق الغناء أو على طبقات المغنّين في أزمانهم ومراتبهم أو على ما غنّي به من شعر شاعر. والمانع من ذلك والباعث على ما نحوناه علل:
منها: أنّا لمّا جعلنا ابتداءه الثلاثة الأصوات المختارة كان شعراؤها من المتأخرين [6]، وأوّلهم أبو قطيفة وليس من الشعراء المعدودين ولا الفحول، ثم عمر بن أبي ربيعة، ثم نصيب. فلما جرى أوّل الكتاب هذا المجرى ولم يمكن ترتيب الشعراء فيه، ألحق آخره بأوّله وجعل على حسب [7] ما حضر ذكره. وكذلك سائر المائة الصوت المختارة، فإنها جارية على غير ترتيب الشعراء والمغنين. وليس المغزى في الكتاب/ ترتيب الطبقات، وإنما المغزى فيه، ما ضمّنه من ذكر الأغاني بأخبارها، وليس هذا ممّا يضرّ فيها [8].
ومنها: أن الأغاني قلّما يأتي منها شيء ليس فيه اشتراك بين المغنّين في طرائق مختلفة لا يمكن معها ترتيبها على الطرائق؛ إذ ليس بعض الطرائق ولا بعض المغنّين أولى بنسبة الصوت إليه من الآخر.
ومنها:/ أن ذلك لو لم يكن كما ذكرنا لم يخل فيها - إذا أتينا بغناء رجل [رجل] [9] وأخباره وما صنّف إسحاق
__________
[1] زيادة في ت.
[2] كذا في ت. وفي سائر النسخ: «و وقّع ... صوت».
[3] في ت: «أجمع» وفي سائر النسخ: «جمعا».
[4] كذا في ت. وفي ب، س، ح، ر: «لدخوله فيها» وفي أ، م، ء «لدخولها فيها فيؤخر ذلك الخ».
[5] زيادة في ت.
[6] كذا في ت. وفي سائر النسخ: «المهاجرين والأنصار».
[7] كذا في ت. وفي ب، س، ح، ر: «على نسب» وفي أ، م، ء: «سبب».
[8] كذا في ت، ح، ر، ء. وفي سائر النسخ: «بها».
[9] زيادة عن ت. والمراد: بغناء واحد واحد.
وغيره - من أن نأتي بكلّ ما أتى به المصنّفون والرواة منها على كثرة حشوه وقلّة فائدته، وفي هذا نقض ما شرطناه من إلغاء الحشو، أو أن [1] نأتي ببعض ذلك فينسب الكتاب إلى قصور عن مدى غيره. وكذلك تجري أخبار الشعراء. فلو أتينا بما غنّي به شعر شاعر منهم ولم نتجاوزه حتى نفرغ منه، لجرى هذا المجرى، وكانت للنفس عنه نبوة، وللقلب منه ملّة، وفي طباع البشر محبة الانتقال من شيء إلى شيء، والاستراحة من معهود إلى مستجدّ.
وكلّ منتقل إليه أشهى إلى النفس من المنتقل عنه، والمنتظر [2] أغلب على القلب من الموجود. وإذا كان هذا هكذا، فما رتّبناه أحلى وأحسن، ليكون القارىء له بانتقاله من خبر إلى غيره، ومن قصة إلى سواها، ومن أخبار قديمة إلى محدثة، ومليك إلى سوقة، وجدّ إلى هزل، أنشط لقراءته وأشهى لتصفّح فنونه، لا سيّما والذي ضمّنّاه إيّاه أحسن جنسه، وصفو ما ألّف في بابه، ولباب ما جمع في معناه.
وكلّ ما ذكرنا فيه من نسب الأغاني إلى أجناسها فعلى مذهب إسحاق بن إبراهيم الموصليّ وإن كانت رواية النسبة عن غيره؛ إذ كان مذهبه هو المأخوذ به اليوم دون/ [مذهب] [3] من خالفه، مثل إبراهيم بن المهديّ، ومخارق وعلّوية وعمرو بن بانة ومحمد بن الحارث بن بسخنّر [4] ومن وافقهم؛ فإنهم يسمّون الثّقيل الأوّل وخفيفه الثقيل الثاني وخفيفه، ويسمّون الثقيل الثاني وخفيفه الثقيل الأوّل وخفيفه، وقد اطّرح ما قالوه الآن وترك، وأخذ الناس بقول إسحاق.
الباعث لأبي الفرج على تأليف الكتاب
قال مؤلف هذا الكتاب: والذي يعثني على تأليفه أنّ رئيسا من رؤسائنا كلّفني جمعه له، وعرّفني أنه بلغه أن الكتاب [5] المنسوب إلى إسحاق مدفوع أن يكون من تأليفه، وهو مع ذلك قليل الفائدة، وأنه شاكّ في نسبته [6]؛ لأن أكثر أصحاب إسحاق ينكرونه، ولأن ابنه حمّادا أعظم الناس إنكارا لذلك. وقد لعمري صدق فيما ذكره، وأصاب فيما أنكره.
أخبرني محمد بن خلف وكيع قال: سمعت حمّادا يقول: ما ألّف أبي هذا الكتاب قطّ ولا رآه. والدليل على ذلك أنّ أكثر أشعاره المنسوبة التي جمعت فيه إلى ما ذكر معها من الأخبار ما غنّى فيه أحد قطّ، وأنّ أكثر نسبه إلى المغنّين خطأ؛ والذي ألّفه أبي من دواوين الغناء [7] يدلّ على بطلان هذا الكتاب، وإنما وضعه ورّاق كان لأبي بعد وفاته، سوى الرّخصة [8] التي هي أوّل الكتاب؛ فإن أبي - رحمه اللّه - ألّفها؛/ لأن أخبارها كلّها من روايتنا. هذا ما سمعته من أبي بكر حكاية [فحفظته] [9] واللفظ يزيد وينقص.
__________
[1] في الأصول: «و أن» تحريف.
[2] في م، ء، أ: «و المبتكر».
[3] زيادة في ت.
[4] كذا يرد هذا الاسم في نسخة ط التي سيأتي وصفها في الجزء الثاني. وقد صححه كذلك بهذا الضبط الأستاذ الشنقيطي بهامش نسخته. وفي ت، ح، ر: «بشخير» وفي سائر النسخ: «شخير».
[5] هو كتاب «الأغاني الكبير» كما في «فهرست ابن النديم» طبع ليبزج ص 141.
[6] كذا في ب، س. وفي سائر النسخ: «نسبه».
[7] كذا في أ، م، ء وفيهما عن نسخة أخرى «الشعراء». وفي ت: «غنائهم». وفي باقي النسخ: «غنائه».
[8] قال في «الفهرست»: «و هذا الكتاب (يريد كتاب «الأغاني الكبير») يعرف في القديم بكتاب «الشركة»، وهو أحد عشر جزءا لكل جزء أوّل يعرف به؛ فالجزء الأول من الكتاب «الرخصة» وهو تأليف إسحاق لا شك فيه ولا خلف».
[9] هذه الكلمة ساقطة من ب، س، ح، ر.
وأخبرني أحمد بن جعفر جحظة أنه يعرف الورّاق الذي وضعه، وكان يسمّى بسند [1] الورّاق، وحانوته في الشّرقية في خان الزّبل [2]، وكان يورّق لإسحاق بن إبراهيم، فاتفق هو وشريك له على وضعه. وليست الأغاني التي فيه أيضا مذكورة الطّرائق، ولا هي بمقنعة من جملة ما في أيدي الناس من الأغاني، ولا فيها من الفوائد ما يبلغ الإرادة؛ فتكلّفت ذلك له على مشقّة احتملتها منه، وكراهة أن يؤثر عنّي في هذا المعنى ما يبقى على الأيام مخلّدا، وإليّ على تطاولها منسوبا، وإن كان مشوبا بفوائد جمّة ومعان من الآداب شريفة. ونعوذ باللّه/ مما أسخطه من قول أو عمل، ونستغفره من كلّ موبقة وخطيئة وقول لا يوافق رضاه، وهو وليّ العصمة والتوفيق، وعليه نتوكّل وإليه ننيب. وصلّى اللّه على محمد وآله عند مفتتح كل قول وخاتمته وسلّم تسليما. وحسبنا اللّه ونعم الوكيل كافيا ومعينا.
__________
[1] في «فهرست ابن النديم» طبع ليبزج: «سندي بن علي».
[2] في ت عن نسخة أخرى و «الفهرست»: «طاق الزبل». وأصل الطاق البناء المعقود. والخان: المكان الذي ينزله المسافرون.
ذكر المائة الصوت المختارة
إجماع المغنين على اختيار الأصوات الثلاثة الشاملة لجميع نغم الغناء
أخبرنا أبو أحمد يحيى بن عليّ بن يحيى المنجّم قال حدّثني أبي قال:
حدّثني إسحاق بن إبراهيم الموصليّ أنّ أباه أخبره أنّ الرشيد - رحمة اللّه عليه - أمر المغنّين، وهم يومئذ متوافرون، أن يختاروا له ثلاثة أصوات من جميع الغناء، فأجمعوا على ثلاثة أصوات أنا أذكرها بعد هذا إن شاء اللّه.
قال إسحاق: فجرى هذا الحديث يوما وأنا عند أمير المؤمنين الواثق باللّه، فأمرني باختيار أصوات من الغناء القديم، فاخترت له من غناء أهل كل عصر ما اجتمع علماؤهم على براعته وإحكام صنعته، ونسبته إلى من شدا به، ثم نظرت إلى ما أحدث الناس بعد ممّن شاهدناه في عصرنا وقبيل ذلك، فاجتبيت منه ما كان مشبها لما تقدّم أو سالكا طريقه، فذكرته ولم أبخسه ما يجب له وإن كان قريب العهد؛ لأن الناس قد يتنازعون الصوت في كلّ حين وزمان، وإن كان السّبق للقدماء إلى كل إحسان.
وأخبرني أحمد بن جعفر جحظة قال حدّثني هارون بن الحسن [1] بن سهل وأبو العبيس [2] بن حمدون وابن دقاق وهو محمد بن أحمد بن يحيى المعروف بابن دقاق بهذا الخبر، فزعم:
أن الرشيد أمر هؤلاء المغنّين أن يختاروا له مائة صوت فاختاروها، ثم أمرهم باختيار عشرة منها فاختاروها، ثم أمرهم أن يختاروا منها ثلاثة ففعلوا. وذكر نحو ما ذكره يحيى بن عليّ، ووافقه في صوت من الثلاثة الأصوات،/ وخالفه في صوتين. وذكر يحيى بن عليّ بإسناده المذكور أنّ منها لحن معبد في شعر أبي قطيفة وهو من خفيف الثّقيل الأوّل:
القصر فالنّخل فالجمّاء بينهما ... أشهى إلى القلب [3] من أبواب جيرون
ولحن ابن سريج في شعر عمر بن أبي ربيعة، ولحنه من الثّقيل الثاني:
تشكّى الكميت الجري لمّا جهدته ... وبيّن لو يسطيع أن يتكلّما
ولحن ابن محرز في شعر نصيب، وهو من الثّقيل الثاني أيضا:
أهاج هواك المنزل المتقادم؟ ... نعم، وبه ممّن شجاك [4] معالم
__________
[1] كذا في ت، ح، ر. وفي سائر النسخ: «الحسين». وقد صححه الشنقيطي بهامش نسخته، وهو الوزير المعروف في خلافة المأمون وصهره في ابنته بوران. (انظر «تاريخ ابن جرير الطبريّ» طبع مدينة ليدن قسم 3 ج 4 ص 29. 1 في حوادث سنة 202 ه).
[2] راجع الحاشية الرابعة ص 96.
[3] في ت، أ، م، ء: «النفس».
[4] في ت، ر: «مما شجاك».
وذكر جحظة عمن روى عنه أن من الثلاثة الأصوات لحن ابن محرز في شعر المجنون، وهو من الثقيل الثاني:
إذا ما طواك الدهر يا أمّ مالك ... فشأن المنايا القاضيات وشانيا
ولحن إبراهيم الموصليّ في شعر العرجيّ، وهو من خفيف الثقيل الثاني:
إلى جيداء قد بعثوا رسولا ... ليحزنها، فلا صحب الرسول
ولحن ابن محرز في شعر نصيب، وهو على ما ذكر هزج:
/ أهاج هواك المنزل المتقادم؟ ... نعم، وبه ممن شجاك معالم
وحكى عن أصحابه أنّ هذه الثلاثة الأصوات على هذه الطرائق لا تبقى نغمة في الغناء إلّا وهي فيها.
رواية أن المغنين أجمعوا على صوت واحد من هذه الثلاثة وتفنيد أبي الفرج لهذه الرواية
أخبرني الحسن بن عليّ الأدميّ [1] قال حدّثنا محمد بن القاسم بن مهروية قال حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد [2] الورّاق قال حدّثني أبو توبة صالح بن محمد قال حدّثني محمد بن جبر [3] المغنّي قال حدّثني إبراهيم بن المهديّ:
/ أنّ الرشيد أمر المغنّين أن يختاروا له أحسن صوت غنّي فيه، فاختاروا له لحن ابن محرز في شعر نصيب:
أهاج هواك المنزل المتقادم؟
قال: وفيه دور كثير، أي صنعة كثيرة. والذي ذكره أبو أحمد يحيى بن عليّ أصحّ عندي. ويدّل على ذلك تباين ما بين الأصوات التي ذكرها والأصوات الأخر في جودة الصنعة وإتقانها وإحكام مباديها ومقاطعها وما فيها من العمل، وأن الأخرى ليست مثلها ولا قريبة منها. وأخرى هي أن جحظة حكى عمن روى عنه أنّ فيها صوتا لإبراهيم الموصليّ، وهو أحد من كان اختار هذه الأصوات للرشيد، وكان معه في اختيارها إسماعيل بن جامع وفليح بن العوراء، وليس أحد منهما دونه إن لم يفقه، فكيف يمكن أن يقال: إنهما ساعدا إبراهيم على اختيار لحن من صنعته في ثلاثة أصوات اختيرت من سائر الأغاني وفضّلت عليها! ألم يكونا لو فعلا ذلك قد حكما لإبراهيم على أنفسهما بالتقدّم والحذق والرّياسة وليس هو كذلك عندهما؟
ولقد أخبرنا يحيى بن عليّ بن يحيى المنجّم عن حمّاد بن إسحاق عن أبيه:
أنه أتى أباه إبراهيم بن ميمون يوما مسلّما، فقال له أبوه: يا بنيّ، ما أعلم أحدا بلغ من برّ ولده ما بلغته من برّك، وإني لأستقلّ ذلك لك، فهل من حاجة أصير فيها إلى محبّتك؟ قلت: قد كان - جعلت فداك - كلّ ما ذكرت فأطال اللّه لي بقاءك، ولكنّي أسألك واحدة: يموت هذا الشيخ غدا أو بعد غد ولم أسمعه، فيقول الناس لي ماذا وأنا أحلّ منك هذا المحلّ. قال لي: ومن هو؟ قلت: ابن جامع. قال: صدقت يا بنيّ، أسرجوا [4] لنا. فجئنا
__________
[1] من يبيع الجلود، نسبة إلى الأدم وهو الجلد (انظر «تاج العروس» مادة «أدم»).
[2] في ح، ر: «سعيد».
[3] كذا في ت، ح. وفي ر: «جبير» وفي سائر النسخ: «جرير» وكلاهما تحريف. وقد ورد هذا الاسم في «الأغاني» طبع بولاق ج 14 ص 92 هكذا: «محمد بن جبر».
[4] أسرجوا لنا أي شدوا على الخيل سروجها لتركبها.
ابن جامع، فدخل عليه أبي وأنا معه، فقال: يا أبا القاسم، قد جئتك في حاجة، فإن شئت فاشتمني، وإن شئت فاقذفني، غير أنه لا بدّ لك من قضائها. هذا عبدك وابن أخيك أسحاق قال لي كذا وكذا، فركبت معه أسألك أن/ تسعفه فيما سأل. فقال: نعم، على شريطة: تقيمان عندي أطعمكما مشوشة [1] وقليّة [2] وأسقيكما من نبيذي التّمريّ وأغنّيكما، فإن جاءنا رسول الخليفة مضينا إليه وإلّا أقمنا يومنا. فقال أبي: السمع والطاعة، وأمر بالدوابّ فردّت. فجاءنا ابن جامع بالمشوشة والقليّة ونبيذه التمريّ فأكلنا وشربنا، ثم اندفع فغنّانا، فنظرت إلى أبي يقلّ في عيني ويعظم ابن جامع حتى صار أبي في عيني كلا شيء. فلما طربنا [3] غاية الطّرب جاء رسول الخليفة فركبا وركبت معهما. فلما كنا في بعض الطريق قال لي أبي: كيف رأيت ابن جامع يا بنيّ؟ قلت له: أو تعفيني جعلت فداك! قال: لست أعفيك فقل. فقلت له: رأيتك ولا شيء أكبر عندي منك قد صغرت عندي في الغناء معه حتى صرت كلا شيء. ثم مضيا إلى الرشيد، وانصرفت إلى منزلي؛ وذلك لأني لم أكن بعد وصلت إلى الرشيد. فلما أصبحت أرسل إليّ أبي فقال: يا بنيّ، هذا الشتاء قد هجم عليك وأنت تحتاج فيه إلى مؤنة [4]،/و إذا مال عظيم بين يديه، فاصرف هذا المال في حوائجك. فقمت فقبّلت يده ورأسه وأمرت بحمل المال واتّبعته، فصوّت بي:
يا إسحاق ارجع، فرجعت. فقال لي: أتدري لم وهبت لك هذا المال؟ قلت: نعم، جعلت فداك! قال: لم؟ قلت:
لصدقي فيك وفي ابن جامع. قال: صدقت يا بنيّ، امض راشدا. ولهما في هذا الجنس أخبار كثيرة تأتي في غير هذا الموضع متفرقة في أماكن تحسن فيها و [لا] يستغني بما ذكر ها هنا عنها. فإبراهيم يحلّ ابن جامع هذا المحلّ مع ما كان بينهما/ من المنافسة والمفاخرة ثم يقدم على أن يختار فيما هو معه فيه صوتا لنفسه يكون مقدّما على سائر الغناء، ويطابقه هو وفليح عليه! هذا خطأ لا يتخيّل. وعلى ما به فإنّا نذكر الصوتين اللذين رويناهما عن جحظة المخالفين لرواية يحيى بن عليّ، بعد ذكرنا ما رواه يحيى، ثم نتبعهما باقي الاختيار [5]. فأوّل ذلك من رواية أبي الحسن عليّ بن يحيى.
الكلام على أحد هذه الأصوات الثلاثة صوت فيه لحنان
القصر فالنّخل فالجمّاء بينهما ... أشهى إلى القلب من أبواب جيرون
إلى البلاط فما حازت قرائنه ... دور نزحن عن الفحشاء والهون
قد يكتم الناس أسرارا فأعلمها ... ولا ينالون حتى الموت مكنوني
عروضه من أوّل البسيط. القصر الذي عناه ها هنا: قصر سعيد بن العاص بالعرصة. والنخل الذي عناه: نخل كان لسعيد هناك بين قصره وبين الجمّاء وهي أرض كانت له، فصار جميع ذلك لمعاوية بن أبي سفيان بعد وفاة سعيد،
__________
[1] زيت يضرب مع بياض البيض فيصنع منه طعام دسم ا ه عن «قاموس ستينجاس» المطبوع في لندن.
[2] «القلية كغنية: مرقة تتخذ من أكباد الجزور ولحومها، وقد قليتها قليا: أنضجتها في المقلاة، والقلّاء: من حرفته ذلك». انظر «تاج العروس» للسيد مرتضى (مادة قلى) و «المخصص» لابن سيده ج 4 ص 126.
[3] في ت: «فلما طربنا عليه الطرب الكثير».
[4] كذا في ت، ح، ر. وفي سائر النسخ: «معونة».
[5] في ت: «الأخبار».
ابتاعه من ابنه عمر وباحتمال دينه عنه؛ ولذلك خبر يذكر بعد. وأبواب جيرون بدمشق. ويروى: «حاذت قرائنه» من المحاذاة. والقرائن: دور كانت لبني سعيد بن العاص متلاصقة؛ سمّيت بذلك لاقترانها. ونزحن: بعدن، والنازح: البعيد؛ يقال: نزح نزوحا. والهون: الهوان. قال الراجز:
لم يبتذل مثل كريم مكنون ... أبيض ماض كالسّنان المسنون
كان يوقّى نفسه من الهون
والمكنون: المستور الخفيّ، وهو مأخوذ من الكنّ. الشعر لأبي قطيفة المعيطيّ، والغناء لمعبد، وله فيه لحنان:
أحدهما خفيف ثقيل أوّل بالوسطى في مجراها من رواية إسحاق وهو اللحن المختار، والآخر ثقيل أوّل بالوسطى على مذهب إسحاق من رواية عمرو بن بانة.
[التراجم]
1 - خبر أبي قطيفة ونسبه
نسب أبي قطيفة
هو عمرو بن الوليد بن عقبة بن أبي معيط. واسم أبي معيط أبان بن أبي عمرو بن أميّة بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصيّ بن كلاب بن مرّة بن كعب بن لؤيّ بن غالب. هذا الذي عليه النسّابون.
وذكر الهيثم بن عديّ في «كتاب المثالب» أنّ أبا عمرو بن أميّة كان عبدا لأمية اسمه ذكوان فاستلحقه. وذكر أن دغفلا النّسّابة دخل على معاوية فقال له: من رأيت/ من علية قريش؟ فقال: رأيت عبد المطلب بن هاشم وأمية بن عبد شمس. فقال: صفهما لي. فقال: كان عبد المطلب أبيض مديد القامة حسن الوجه، في جبينه نور النبوّة وعزّ الملك، يطيف به عشرة من بنيه كأنهم أسد غاب. قال: فصف أميّة. فقال: رأيته شيخا قصيرا نحيف الجسم ضريرا يقوده عبده ذكوان. فقال: مه، ذاك ابنه أبو عمرو. فقال: هذا شيء قلتموه بعد وأحدثتموه، وأمّا الذي عرفت فهو الذي أخبرتك به. ثم نعود إلى سياقة النّسب من لؤيّ بن غالب بن فهر بن مالك بن النّضر بن كنانة. والنضر عند أكثر النسّابين أصل قريش، فمن ولده النضر عدّ منهم، ومن لم يلده فليس منهم. وقال بعض نسّابي قريش: بل فهر بن مالك [أصل] [1] قريش، فمن لم يلده فليس من قريش. ثم نعود للنسب إلى النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار. وولد إلياس يقال لهم خندف، سمّوا بأمّهم خندف وهو لقبها [2]، واسمها ليلى بنت حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة، وهي أمّ مدركة وطابخة وقمعة بني إلياس بن مضر بن نزار بن معدّ بن/ عدنان بن أدّ بن أدد بن الهميسع بن يشجب - وقيل: أشجب - بن نبت بن قيدار بن إسماعيل بن إبراهيم، هذا النسب الذي رواه نسّابو العرب وروي عن ابن شهاب الزّهريّ وهو من علماء قريش وفقهائها.
وقال قوم آخرون من النسّابين ممن أخذ - فيما يزعم - عن دغفل وغيره: معدّ بن عدنان بن أدد بن آمين [3] بن
__________
[1] التكلمة من ت.
[2] كان إلياس خرج في نجعة فنفرت إبله من أرنب، فخرج إليها عمرو فأدركها وخرج عامر فتصيّدها وطبخها وانقمع عمير في الخباء وخرجت أمهم تسرع، فقال لها إلياس: أين تخندفين (تسرعين) فقالت: ما زلت أخندف في أثركم؛ فلقّبوا مدركة وطابخة وقمعة وخندف. انظر «القاموس» (مادة خندف).
[3] في ب، س، ح: «أميق».
شاجيب بن نبت بن ثعلبة بن عنز بن سرائج [1] بن ملحم [2] بن العوّام بن المحتمل بن رائمة بن العقيان بن علّة [3] ابن شحدود [4] بن الضرب [5] بن عيفر [6] بن إبراهيم بن إسماعيل بن رزين [7] بن أعوج بن المطعم بن الطمح بن القسور ابن عتود [8] بن دعدع بن محمود بن الرائد [9] بن بدوان بن أمامة [10] بن دوس بن حصين [11] بن النّزّال بن الغمير [12] بن محشر بن معذر بن صيفيّ بن نبت بن قيدار بن إسماعيل ذبيح اللّه ابن إبراهيم خليل اللّه صلّى اللّه عليهما وعلى أنبيائه أجمعين وسلّم تسليما. ثم أجمعوا أن إبراهيم بن آزر وهو اسمه بالعربية كما ذكره اللّه تعالى في كتابه، وهو في التوراة بالعبرانية تارح بن ناحور، وقيل: النّاحر بن الشّارع [13] وهو شاروع بن أرغو وهو الرامح بن فالغ [14]- وهو قاسم الأرض الذي قسمها بين أهلها - بن عابر بن شالخ بن أرفخشذ وهو الرافد بن سام بن نوح صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ابن لامك وهو في لغة العرب ملكان ابن المتّوشلخ وهو المنوف بن أخنخ وهو إدريس نبيّ اللّه عليه السّلام بن يارد [15] وهو الرائد/ بن مهلايل بن قينان وهو قنان بن أنوش وهو الطاهر بن شيث وهو هبة اللّه. يقال له أيضا: شاث بن آدم أبي البشر صلى اللّه عليه وعلى سائر الأنبياء وعلى نبينا محمد خاصة وسلّم تسليما. هذا الذي في أيدي الناس من النّسب على اختلافهم فيه.
وقد روي عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله وسلّم تكذيب للنسّابين ودفع لهم. وروي أيضا خلاف لأسماء بعض الآباء. وقد شرحت ذلك في «كتاب النسب» شرحا يستغنى به عن غيره.
ذكر العنابس والأعياص من بني أمية وأن أبا قطيفة من الأوّلين
وأبو قطيفة وأهله من العنابس من بني أمية. وكان لأمية من الولد أحد عشر ذكرا، كلّ واحد منهم يكنى باسم صاحبه، وهم العاص وأبو العاص، والعيص وأبو العيص، وعمرو وأبو عمرو، وحرب وأبو حرب، وسفيان وأبو سفيان، والعويص لا كنى له [16]. فمنهم الأعياص فيما أخبرنا حرميّ بن أبي العلاء - واسمه أحمد بن محمد بن إسحاق.، والطّوسيّ - واسمه أحمد بن سليمان - قالا: حدّثنا الزّبير بن بكّار عن محمد بن الضّحّاك الحزاميّ عن أبيه قال: الأعياص: العاص وأبو العاص والعيص وأبو العيص والعويص. ومنهم العنابس وهم حرب
__________
[1] في ت، ح، ر: «بريح».
[2] في ء: «ملحم».
[3] في ت، م، ء: «عله» بالهاء.
[4] في ت، ح: «محدود».
[5] في ت: «الصريب».
[6] في ت، ح، ر: «عبقر».
[7] في ت، ح، ر: «رزن».
[8] في ت: «عبود» وفي ح: «عبدد».
[9] في م، ء، ر: «الزائد» وفي ت: «الرابد».
[10] في م، ء: «أسامة».
[11] في ح: خضر».
[12] في ت، م، ء، ر: «القمير».
[13] في أ: «الشارغ وهو شاروغ ... » ورواه في «سبائك الذهب» بالعين المهملة وبالخاء وبالغين.
[14] ويقال فيه فالخ بالخاء المعجمة، وفي ب، س: «قانع» وهو تحريف.
[15] في الأصول كلها: «برد» وهو تحريف.
[16] كذا في ت. وفي ح، ر: «لا كنى لهم». وفي سائر النسخ: «لا يكنى بهم».
وأبو حرب وسفيان وأبو سفيان وأبو عمرو. وإنما سمّوا العنابس لأنهم ثبتوا مع أخيهم حرب بن أمية بعكاظ وعقلوا أنفسهم وقاتلوا قتالا شديدا فشبّهوا بالأسد، والأسد يقال لها العنابس، واحدها عنبسة. وفي الأعياص يقول عبد اللّه بن فضالة الأسديّ:
من الأعياص أو من آل حرب ... أغرّ [1] كغرة الفرس الجواد
والسبب في قوله هذا الشعر ما أخبرنا به أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ قال: حدّثنا عمر بن شبّة، وحدّثنا محمد بن العباس اليزيديّ قال: حدّثنا أحمد بن الحارث الخرّاز [2]، قال: حدّثنا المدائنيّ وابن غزالة، قالوا:
خبر عبد اللّه بن فضالة مع ابن الزبير وما هجاه به من الشعر
أتى عبد اللّه بن فضالة بن شريك الوالبيّ ثم الأسديّ من بني أسد بن خزيمة عبد اللّه بن الزّبير، فقال له:
نفدت نفقتي ونقبت [3] راحلتي. قال: أحضرها، فأحضرها. فقال: أقبل بها، أدبر بها، ففعل. فقال: ارقعها بسبت [4] واخصفها بهلب وأنجد بها يبرد خفّها وسر البردين تصحّ. فقال ابن فضالة: إنيّ أتيتك مستحملا ولم آتك مستوصفا، فلعن اللّه ناقة حملتني إليك! قال ابن الزبير: إنّ وراكبها. فانصرف عنه ابن فضالة وقال [5]:
/أقول لغلمتي شدّوا ركابي ... أجاوز بطن مكة في سواد
فما لي حين أقطع ذات عرق ... إلى ابن الكاهليّة من معاد [6]
__________
[1] أغرّ صفة لسميدع في البيت السابق (انظر هذه القصيدة في التعليق رقم 3 ص 15).
[2] في ت: «الخزاز» بزايين معجمتين.
[3] نقب البعير بكسر القاف: رقّت أخفاف.
[4] السبت (بكسر السين وسكون الموحدة): جلود البقر المدبوغة بالقرظ تحذي منها النعال السبتية. والخصف: أن يظاهر الجلدين بعضهما إلى بعض ويخرزهما؛ ولذلك قيل للمخرز المخصف. والهلب بضم الهاء: شعر الخنزير الذي يخرز به، الواحد هلبه.
وأنجد: إذا أخذ في بلاد نجد؛ ونجد موصوف بالبرد. والبردان: الغداة والعشيّ (انظر «اللسان» في هذه المواد والبغداديّ في الخزانة طبع بولاق ج 2 ص 100 و101).
[5] نسب البغداديّ هذا الشعر لعبد اللّه بن الزّبير الأسديّ، ونقل عن الحصريّ في «زهر الآداب» ما يؤيده. وأورد الأصبهانيّ عن ابن حبيب أن هذا الشعر لفضالة بن شريك ورواه.
شكوت إليه أن تعبت قلوصى ... فردّ جواب مشدود الصفاد
يضنّ بناقة ويروم ملكا ... محال ذلكم غير السداد
وليت إمارة فبخلت لما ... وليتهم بملك مستفاد
فإن وليت أمية أبدلوكم ... بكل سميدع وارى الزناد
من الأعياص أو من آل حرب ... أغرّ كغرة الفرس الجواد
إذا لم ألقهم بمنى فإني ... ببيت لا يهش له فؤادي
سيد نيني لهم نصّ المطايا ... وتعليق الأداوي والمزاد
وظهر معبّد قد أعلمته ... مناسمهن طلاع النجاد
وعين الحمض حمض خناصرات ... وما بالعرف من سيل الفؤاد
فهن خواضع الأبدان قود ... كأن رءوسهن قبور عاد
كأن مواقع الغربان فيها ... منارات بنين على عماد
فلما ولى عبد الملك بعث إلى فضالة يطلبه فوجده قد مات، فأمر لورثته بمائة ناقة تحمل أوقارها برّا وتمرا. (انظر «البغدادي» ج 2 ص 100 - 103 و «الأغاني» طبع بولاق ج 10 ص 173).
[6] ذات عرق مهلّ أهل العراق وهو الحدّ بين نجد وتهامة (ياقوت). والكاهلية: زهراء بنت خثراء امرأة من بني كاهل بن أسد وهي أم
سيبعد بيننا نصّ المطايا ... وتعليق الأداوى والمزاد [1]
وكلّ معبّد قد أعلمته ... مناسمهن طلّاع النّجاد [2]
أرى الحاجات عند أبي خبيب ... نكدن ولا أميّة بالبلاد [3]
من الأعياص أو من آل حرب ... أغرّ كغرّة الفرس الجواد
أبو خبيب: عبد اللّه بن الزّبير، كان يكنى أبا بكر. وخبيب: ابن له هو أكبر ولده، ولم يكن يكنيه به إلا من ذمّه، يجعله كاللقب له [4]. قال: فقال ابن الزبير لمّا بلغه هذا الشعر: علم أنها شرّ أمّهاتي فعيّرني بها وهي خير عمّاته [5]. قال اليزيديّ: «إنّ» ها هنا بمعنى نعم، كأنه إقرار بما قال. ومثله قول ابن قيس الرّقيّات:
ويقلن شيب قد علا ... ك وقد كبرت فقلت إنّه [6]
عود إلى نسب أبي قطيفة
وأمّ أبي معيط آمنة بنت أبان بن كليب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن، ولها يقول نابغة بني جعدة:/
وشاركنا قريشا في تقاها ... وفي أنسابها [7] شرك العنان
بما ولدت نساء بني هلال ... وما ولدت نساء بني أبان
وكانت آمنة هذه تحت أميّة بن عب شمس، فولدت له العاص وأبا العاص وأبا العيص/ والعويص وصفيّة وتوبة وأروى بني أميّة. فلما مات أميّة تزوّجها بعده ابنه أبو عمرو - وكان أهل الجاهلية يفعلون ذلك، يتزوّج الرجل امرأة أبيه بعده - فولدت له أبا معيط، فكان بنو أميّة من آمنة إخوة أبي معيط وعمومته، أخبرني بذلك كلّه الطوسيّ عن الزّبير بن بكّار.
قال الزّبير: وحدّثني عمّي مصعب قال: زعموا أنّ ابنها أبا العاص زوّجها أخاه أبا عمرو، وكان هذا نكاحا تنكحه الجاهلية. فأنزل اللّه تعالى تحريمه، قال اللّه تعالى: (وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَمَقْتاً وَساءَ سَبِيلًا)
، فسمّي نكاح المقت.
مقتل عقبة بن أبي معيط والنضر بن الحارث وما قالته قتيلة بنت الحارث من الشعر ترثي أخاها
__________
خويلد بن أسد بن عبد العزّى (انظر «الأغاني» ج 10 ص 173 طبع بولاق).
[1] نص المطايا: استخراج أقصى ما عندها من السير. والأداوي: جمع إداوة وهي وعاء الماء. والمزاد: جمع مزادة وهي الراوية يحمل فيها الماء. قال أبو عبيدة: ولا تكون إلا من جلدين توصل بثالث بينهما لتتسع. (انظر «اللسان» في هذه المواد).
[2] المعبد: الطريق المذلل. وأعلمته مناسمهن: أثّرت فيه بأخفافها. والنجاد: جمع نجد وهو ما غلظ من الأرض وارتفع.
[3] يقال: نكده حاجته إذا منعه إياها ولم يقضها. وفي ب، ح: «نكرن» وهو تحريف.
[4] قال الثعالبيّ في «لطائف المعارف»: كان لابن الزبير ثلاث كنى: أبو خبيب وأبو بكر وأبو عبد الرحمن، وكان إذا هجى كنى بأبي خبيب. (انظر «الخزانة» ج 2 ص 101).
[5] روى البغداديّ أنه قال: لو علم أن لي أمّا أخس من عمته الكاهلية لنسبني إليها. (انظر «الخزانة» ج 2 ص 100).
[6] يرى سيبويه أن هذه الهاء للسكت، ويرى أبو عبيدة أنها اسم إن، أي إنه كذلك، (انظر «المغني» طبع بولاق ج 1 ص 51).
[7] في «اللسان»: «و في أحسابها». والأصل في شرك العنان وشركة العنان: اشتراك شخصين في شيء خاص دون سائر أموالهما، كأنه عنّ لهما شيء فاشتركا فيه. (انظر «اللسان» مادة عنّ).
وأسر عقبة بن أبي معيط في يوم بدر، فقتله رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم صبرا [1]. حدّثنا بذلك محمد بن جرير الطّبريّ قال حدّثنا محمد بن حميد الرّازيّ قال حدّثنا سلمة بن الفضل عن محمد بن إسحاق في خبر ذكره طويل، وحدّثني به أحمد بن محمد بن الجعد قال حدّثنا محمد بن إسحاق المسيّبي قال حدّثنا محمد بن فليح عن موسى بن عقبة عن ابن شهاب الزّهريّ، قالوا جميعا.
قتله رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم صبرا. فقال له - وقد أمر بذلك فيه - : يا محمد، أأنا خاصّة من قريش؟ قال نعم. قال:
فمن للصّبية بعدي؟ قال: النار./ فلذلك يسمّى بنو أبي معيط صبية النار. واختلف في قاتله، فقيل: إنّ عليّ بن أبي طالب - صلوات اللّه عليه - تولّى قتله. وهذا من رواية بعض الكوفيين، حدّثني به أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة [2] قال: أخبرني المنذر بن محمد اللّخميّ قال حدّثنا سليمان بن عبّاد قال حدّثني عبد العزيز بن أبي ثابت المدنيّ [3] عن أبيه عن محمد بن عبد اللّه بن حسن بن حسن [4] عن أبيه عن جدّه عن عليّ بن أبي طالب عليهم السّلام:
أنّ النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم أمر عليّا يوم بدر فضرب عنق عقبة بن أبي معيط والنّضر بن الحارث. وروى [5] ابن إسحاق أن عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح [6] الأنصاريّ قتله، وأنّ الذي قتله عليّ بن أبي طالب عليه السّلام النضر بن الحارث بن كلدة.
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثني الحسن بن عثمان قال حدّثني ابن أبي زائدة عن محمد بن إسحاق عن أصحابه، وحدّثنا محمد بن جرير قال حدّثنا [أحمد] [7] بن حميد قال حدّثنا سلمة عن ابن إسحاق عن أصحابه، قالوا:
قتل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم يوم بدر عقبة بن أبي معيط صبرا: أمر عاصم بن ثابت فضرب عنقه، ثم أقبل من بدر حتى إذا كان ب «الصّفراء» [8] قتل النّضر بن/ الحارث بن كلدة أحد بني عبد الدار، أمر عليّا عليه السّلام أن يضرب عنقه، قال عمر بن شبّة في حديثه ب «الأثيل» [9]، فقالت أخته [10] قتيلة بنت الحارث ترثيه:
يا راكبا إنّ الأثيل مظنّة ... من صبح خامسة وأنت موفّق
__________
[1] أي «حبسا». وفي الحديث: «أنه نهى عن قتل شيء من الدواب صبرا»، وكل من حبس لقتل أو يمين قيل له قتل صبرا وحلف صبرا.
[2] كذا في ب، ر، م. وفي أ، ء: «عقبة». وفي سائر النسخ «عفرة» بالفاء وكلاهما تحريف إذ هو لقب والد أبي العباس أحمد بن محمد بن سعيد بن عبد الرحمن المعروف بابن عقدة الحافظ الكوفيّ. (انظر «تاج العروس» في مادة «عقد»).
[3] في أ، م، ء: «المديني» وهو تحريف إذ هو عبد العزيز بن عمران بن عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف الزهريّ المدنيّ الأعرج المعروف بابن أبي ثابت (راجع «الخلاصة في أسماء الرجال» و «تهذيب التهذيب» و «تقريب التهذيب».
[4] في أ، م، ء: «حسين» وهو تحريف.
[5] في أ، م، ء: «و روى عن ابن إسحاق».
[6] كذا في ر. وفي سائر النسخ: «الأفلح» بالفاء وهو تحريف؛ إذ هو عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح بالقاف، وهو صحابيّ كان يضرب الأعناق بين يدي رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم. (انظر «تاج العروس» مادة «فلح»).
[7] زيادة في أ، م، ء، وهو أحمد بن حميد الطّريثيثيّ أحد حفّاظ الكوفة.
[8] الصفراء: واد من ناحية المدينة كثير النخل والزرع، وهو على مرحلة من بدر.
[9] الأثيل: موضع قرب المدينة بين بدر ووادي الصفراء.
[10] في ياقوت في مادة «الأثيل» أنها ابنته.
أبلغ به ميتا بأنّ تحيّة ... ما إن تزال بها النجائب تخفق [1]
منّي إليك وعبرة مسفوحة ... جادت بدرّتها وأخرى تخنق [2]
هل يسمعنّ النمضر إن ناديته ... إن كان يسمع هالك لا ينطق [3]
ظلّت سيوف بني أبيه تنوشه ... للّه أرحام هناك تشقّق
/ صبرا يقاد إلى المنيّة متعبا ... رسف المقيّد وهو عان موثق [4]
أ محمد ولأنت نسل نجيبة ... في قومها والفحل فحل معرق [5]
ما كان ضرّك لو مننت وربّما ... منّ الفتى وهو المغيظ المحنق
أو كنت [6] قابل فدية فليأتين ... بأعزّ ما يغلو لديك وينفق
والنضر أقرب من أخذت بزلّة ... وأحقّهم إن كان عتق يعتق [7]
فبلغنا أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله وسلّم قال: «لو سمعت هذا قبل أن أقتله ما قتلته». فيقال: إن شعرها أكرم شعر موتورة [8] وأعفّه وأكفّه وأحلمه. قال ابن إسحاق: وحدّثني أبو عبيدة بن محمد بن عمّار بن ياسر أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم لمّا كان بعرق/ الظّبية [9] قتل عقبة بن أبي معيط. قال حين أمر به أن يقتل: فمن للصّبية يا محمد؟ قال: النار. فقلته عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح أحد بني عمرو بن عوف.
حدّثني أحمد بن الجعد قال حدّثنا عبد اللّه بن محمد بن إسحاق الأدميّ قال حدّثنا الوليد بن مسلم قال حدّثني الأوزاعيّ قال حدّثني يحيى بن أبي كثير عن محمد بن إبراهيم التّيميّ قال حدّثني عروة بن الزّبير قال:
سألت عبد اللّه بن عمرو فقلت: أخبرني بأشدّ شيء صنعه المشركون برسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم، فقال: بينا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم يصلّي في حجر الكعبة إذ أقبل عقبة بن أبي معيط فوضع ثوبه في عنق رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم فخنقه به خنقا شديدا، فأقبل أبو بكر - رحمة اللّه عليه - حتى أخذ بمنكبه فدفعه عن رسول صلى اللّه عليه وآله وسلّم وقال: أتقتلون رجلا أن يقول ربّي اللّه!
ولاية الوليد بن عقبة الكوفة في خلافة عثمان ثم عزله عنها
وكان الوليد بن عقبة أخا عثمان بن عفّان لأمّه، أمّهما أروى بنت عامر بن كريز، وأمّها أمّ حكيم البيضاء بنت
__________
[1] في «ديوان الحماسة» وياقوت وأ: «بلغ به ميتا فإن تحية». وفي ت، ج، ر: «الركائب».
[2] في أ«ديوان الحماسة»: «مني إليه» ويروى فيه: «جادت لمائحها» تعنى أباها لأنه هو الذي يستبكيها ويستنزف دمعها.
[3] روى «فليسمعنّ النضر إن ناديته». وروى الشطر الثاني: «إن كان يسمع هالك أو ينطق».
[4] رسف المقيد: مشيه.
[5] روى: «أ محمد ولأنت ضن ء نجيبة» وروى «أ محمد يا خير ضن ء كريمة». والضن ء: النسل.
[6] صححه الشنقيطي: «لو كنت قابل فدية ... » وروى في ب: «إن كنت ... » وفي سائر النسخ كما في الصلب، وهو مستقيم وصحيح.
[7] روى: «و النضر أقرب من أصبت وسيلة». (انظر «شرح ديوان الحماسة» للتبريزيّ طبع بولاق ج 3 ص 14 و15).
[8] الموتور: من قتل له قتيل فلم يدرك بدمه.
[9] عرق الظبية (بضم الظاء وسكون الباء): موضع، قال الواقديّ هو من الرّوحاء على ثلاثة أميال مما يلي المدينة. وبه مسجد للنبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم. (ياقوت).
عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف. والبيضاء وعبد اللّه أبو رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم توءمان. وكان عقبة بن أبي معيط تزوّج أروى بعد وفاة عفّان، فولدت له الوليد وخالدا وعمارة وأمّ كلثوم، كلّ هؤلاء إخوة عثمان لأمّه. ووليّ عثمان الوليد بن عقبة في خلافته الكوفة، فشرب الخمر وصلّى بالناس وهو سكران فزاد في الصلاة، وشهد عليه بذلك عند عثمان فجلده الحدّ. وسيأتي خبره بعد هذا في موضعه.
وأبو قطيفة عمرو بن الوليد يكنى أبا الوليد. وأبو قطيفة لقب لقّب به. وأمّه بنت الرّبيع بن ذي الخمار من بني أسد بن خزيمة.
نفى ابن الزبير أبا قطيفة فيمن نقله عن المدينة في وقعة الحرّة
وقال أبو قطيفة هذا الشعر حين نفاه ابن الزّبير مع بني أميّة عن المدينة، مع نظائر [1] له تشوّقا إليها. حدّثني بالسبب في ذلك أحمد بن محمد بن شبيب بن أبي شيبة البزّار [2]، قال حدّثنا أحمد بن الحارث الخرّاز [3] عن المدائنيّ، وأخبرني ببعضه أحمد بن محمد بن الجعد قال حدّثنا أحمد بن زهير بن حرب قال حدّثني أبي قال حدّثني وهب بن جرير عن أبيه في كتابه المسمّى «كتاب الأزارقة»، ونسخت بعضه من كتاب منسوب إلى الهيثم بن عديّ. واللفظ للمدائنيّ في الخبر ما اتّسق، فإذا انقطع أو اختلف نسبت الخلاف إلى راويه. قال الهيثم بن عديّ أخبرنا ابن عيّاش عن مجالد عن الشّعبيّ وعن ابن أبي الجهم [4] ومحمد بن المنتشر:
خروج ابن الزبير على بني أمية ووفد يزيد بن معاوية له
أنّ الحسين بن عليّ بن أبي طالب - عليه وعلى أبيه السّلام - / لمّا سار إلى العراق، شمّر ابن الزبير للأمر الذي أراده ولبس المعافريّ [5] وشبر بطنه وقال: إنما بطني شبر، وما عسى أن يسع الشبر [6]! وجعل يظهر عيب بني أميّة ويدعو إلى خلافهم. فأمهله يزيد سنة، ثم بعث إليه عشرة من أهل الشام عليهم النّعمان بن بشير. وكان أهل الشام يسمّون أولئك العشرة النّفر الرّكب، منهم عبد اللّه بن عضاه الأشعريّ، وروح بن زنباع الجذاميّ، وسعد بن حمزة الهمدانيّ، ومالك بن هبيرة السّكوني [7]، وأبو كبشة السّكسكي، وزمل بن عمرو العذريّ، وعبد اللّه بن مسعود، وقيل: ابن مسعدة الفزايّ، وأخوه عبد الرحمن، وشريك بن عبد اللّه الكنانيّ، وعبد اللّه بن عامر الهمدانيّ، وجعل عليهم، النعمان بن بشير، فأقبلوا حتى قدموا مكة على عبد اللّه ابن الزّبير، وكان النعمان/ يخلو به في الحجر كثيرا. فقال له عبد اللّه بن عضاة يوما: يابن الزّبير، إنّ هذا الأنصاريّ واللّه ما أمر بشيء إلا وقد أمرنا بمثله إلا أنه قد أمّر علينا، إني واللّه ما أدري ما بين المهاجرين والأنصار. فقال ابن الزّبير: يابن عضاه، مالي ولك! إنما أنا
__________
[1] النظائر: الأشياء جمع نظيرة بالتاء؛ لأن فعائل يطرد في فعالة وشبهه بتاء أو بغير تاء، والمراد أنه قال هذا الشعر مع قصائد نظائر له.
وأما جمع النظير مذكرا بمعنى المناظر وهو المقابل والمماثل فنظراء.
[2] في ب، ح: «البزاز» بزايين معجمتين.
[3] في ب، ر: «الخزاز» بزايين معجمتين.
[4] في أ، م، ء: «أبي الجهم» بسقوط لفظة «ابن».
[5] نسبة إلى معافر: اسم قبيلة من اليمن تنسب إليها هذه الثياب.
[6] يريد أنه إنما يخرج على بني أمية لمصلحة الأمة لا لمطامع مادية.
[7] في جميع الأصول: «السلولي». والتصويب من «تهذيب التهذيب» و «الخلاصة في أسماء الرجال»، والطبري، و «الكامل» لابن الأثير. والسكوني: نسبة إلى سكون وهي قبيلة من كندة.
بمنزلة حمامة من حمام مكة، أفكنت قاتلا حماما من حمام مكة؟ قال: نعم، وما حرمة حمام مكة! يا غلام، ائتني بقوسي وأسهمي، فأتاه بقوسه وأسهمه، فأخذ سهما فوضعه في كبد القوس ثم سدّده نحو حمامة من حمام المسجد وقال: يا حمامة، أيشرب يزيد بن معاوية الخمر؟ قولي نعم، فو اللّه: لئن فعلت لأرمينّك. يا حمامة، أتخلعين يزيد بن معاوية وتفارقين أمّة محمد صلى اللّه عليه وآله وسلّم، وتقيمين في الحرم حتى يستحلّ بك؟ واللّه لئن فعلت لأرمينّك. فقال ابن الزّبير: ويحك! أو يتكلم الطائر؟ قال: لا! ولكنك يابن الزبير تتكلم. أقسم باللّه لتبايعنّ طائعا أو مكرها أو لتتعرّفنّ راية الأشعريّين في هذه البطحاء، ثم لا أعظّم من حقّها ما تعظّم [1]. فقال ابن الزبير: أو تستحلّ [2] الحرم! قال: إنما يستحلّه من ألحد فيه. فحبسهم شهرا ثم ردّهم إلى يزيد بن معاوية ولم يجبه إلى شيء. وفي رواية أحمد بن الجعد: وقال بعض الشعراء - وهو أبو العباس الأعمى، واسمه السائب بن فرّوخ يذكر ذلك وشبر ابن الزبير بطنه - :
ما زال في سورة الأعراف يدرسها ... حتى بدا [3] لي مثل الخزّ في اللّين
لو كان بطنك شبرا قد شبعت وقد ... أفضلت فضلا كثيرا للمساكين [4]
قال الهيثم: ثم إنّ ابن الزّبير مضى إلى صفيّة بنت أبي عبيد [5] زوجة عبد اللّه بن عمر، فذكر لها أنّ خروجه كان غضبا للّه تعالى ورسوله - عليه السّلام - والمهاجرين/ والأنصار من أثرة معاوية وابنه [و أهله] [6] بالفيء [7]، وسألها مسألته أن يبايعه. فلما قدّمت له عشاءه ذكرت له أمر ابن الزبير واجتهاده، وأثنت عليه وقالت: ما يدعو إلّا إلى طاعة اللّه جلّ وعزّ، وأكثرت القول في ذلك. فقال لها: أما رأيت بغلات معاوية اللواتي كان يحجّ عليهنّ [8] الشّهب، فإنّ ابن الزبير ما يريد غيرهنّ! قال المدائنيّ في خبره: وأقام ابن الزبير على خلع يزيد ومالأه [9] على ذلك أكثر الناس. فدخل عليه عبد اللّه بن مطيع وعبد اللّه بن حنظلة وأهل المدينة المسجد وأتوا المنبر فخلعوا يزيد.
فقال عبد اللّه بن أبي عمرو بن حفص بن المغيرة المخزوميّ:/ خلعت يزيد كما خلعت عمامتي، ونزعها عن رأسه وقال: إني لأقول هذا وقد وصلني وأحسن جائزتي، ولكنّ عدوّ اللّه سكّير خمّير. وقال آخر: خلعته كما خلعت نعلي. وقال آخر: خلعته كما خلعت ثوبي. وقال آخر: قد خلعته كما خلعت خفّي، حتى كثرت العمائم والنّعال والخفاف، وأظهروا البراءة منه وأجمعوا على ذلك، وامتنع منه عبد اللّه بن عمر ومحمد بن عليّ بن أبي طالب - عليهما السّلام - وجرى بين محمد خاصّة وبين أصحاب ابن الزبير فيه قول كثير، حتى أرادوا إكراهه على ذلك،
__________
[1] في أ، ت، م، ء: «ما يعظم».
[2] هكذا في ت. وفي سائر الأصول: «أو يستحل الحرم، قال إنما يحله الخ».
[3] كذا في أ، ء. وفي سائر النسخ: «فؤادي».
[4] في أ، ت، م، ء: «المساكين».
[5] كذا في ت، ح، ر. وفي سائر النسخ: «عبيد اللّه». والذي في «كتب التراجم» أن زوجة ابن عمر هي صفية بنت أبي عبيد بن مسعود الثقفية.
[6] زيادة في ب، س، ح.
[7] الفى ء: ما أفاء اللّه من أموال المشركين على المسلمين من غير حرب ولا جهاد مثل الجزية وما صولحوا عليه؛ إذ أصل الفىء الرجوع، كأنه كان لهم فرجع إليهم. والغنيمة: ما اغتنم في الحرب. والنّفل مثلها.
[8] في ت: «التي كان يحج عليها» وفي النسخ جميعا: «فإن ابن الزبير ما يريد غيرهن».
[9] كذا في ت. وفي سائر النسخ: «و ما لأ» بدون الضمير.
فخرج إلى مكة، وكان هذا أوّل ما هاج الشرّبينه وبين ابن الزبير.
وقعة الحرّة
قال المدائنيّ: واجتمع أهل المدينة لإخراج بني أمية عنها، فأخذوا عليهم العهود ألّا يعينوا عليهم الجيش، وأن يردّوهم عنهم، فإن لم يقدروا على ردّهم لا يرجعوا إلى المدينة معهم. فقال لهم عثمان بن محمد بن أبي سفيان: أنشدكم اللّه في دمائكم وطاعتكم! فإنّ الجنود تأتيكم وتطؤكم، وأعذر لكم ألّا تخرجوا أميركم،/ إنكم إن ظفرتم وأنا مقيم بين أظهركم فما أيسر شأني وأقدركم على إخراجي! وما أقول هذا إلّا نظرا لكم أريد به حقن دمائكم. فشتموه وشتموا يزيد، وقالوا: لا نبدأ إلّا بك، ثم نخرجهم بعدك. فأتى مروان [1] عبد اللّه بن عمر فقال:
يا أبا عبد الرحمن، إنّ هؤلاء القوم قد ركبونا بما ترى، فضمّ عيالنا. فقال: لست من أمركم وأمر هؤلاء في شيء.
فقام مروان وهو يقول: قبح اللّه هذا أمرا وهذا دينا. ثم أتى عليّ بن الحسين - عليهما السّلام - فسأله أن يضمّ أهله وثقله [2] ففعل، ووجّههم وامرأته أمّ أبان [3] بنت عثمان إلى الطائف ومعها ابناه: عبد اللّه ومحمد. فعرض حريث رقّاصة - وهو مولى لبني بهز [4] من سليم كان بعض عمّال المدينة قطع رجله فكان إذا مشى كأنه يرقص، فسمّي رقاّصة - لثقل مروان وفيه أمّ عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب، فضربته بعضا فكادت [5] تدقّ عنقه، فولّى ومضى. ومضوا إلى الطائف وأخرجوا بني أميّة. فحسّ [6] بهم سليمان بن أبي الجهم العدويّ وحريث رقّاصة، فأراد مروان أن يصلّي بمن معه فمنعوه، وقالوا: لا يصلّي [7] واللّه بالناس أبدا، ولكن إن أراد أن يصلّي بأهله فليصلّ، فصلّى بهم ومضى. فمرّ مروان بعبد الرحمن بن أزهر الزّهريّ، فقال له: هلمّ إليّ يا أبا عبد الملك، فلا يصل إليك مكروه ما بقي رجل من بني زهرة. فقال له: وصلتك رحم، قومنا على أمر [8] فأكره أن أعرّضك لهم.
وقال ابن عمر بعد ذلك - لمّا أخرجوا وندم على ما كان قاله لمروان - : لو وجدت/ سبيلا الى نصر هؤلاء لفعلت، فقد ظلموا وبغي عليهم. فقال ابنه سالم: لو كلّمت هؤلاء القوم! فقال: يا بنيّ، لا ينزع هؤلاء القوم عمّا هم عليه، وهم بعين اللّه، إن أراد أن يغيّر غيّر. قال: فمضوا «إلى ذي خشب» [9]، وفيهم عثمان بن محمد بن أبي سفيان والوليد بن عتبة بن أبي سفيان، واتّبعهم العبيد والصّبيان والسّفلة يرمونهم. ثم رجع حريث رقّاصة وأصحابه إلى المدينة، وأقامت بنو أميّة ب «ذي خشب» عشرة أيام، وسرّحوا حبيب بن كرة [10] إلى يزيد بن معاوية يعلمونه،
__________
[1] هو مروان بن الحكم وكان إذ ذاك في المدينة أخرجوه مع عثمان بن محمد بن أبي سفيان في وقعة الحرّة. (انظر «العقد الفريد» ج 2 ص 311).
[2] الثقل: متاع المسافر وحشمه.
[3] قال السيد مرتضى: أبان كسحاب مصروف، ثم قال: وأكثر النحاة والمحدّثين على منعه من الصرف للعلمية والوزن (انظر «تاج العروس» مادة أبن).
[4] في ت: «لبني نهد» وهو تحريف».
[5] في ت: «بعصا كادت».
[6] يقال: حس بالشيء وأحس به وأحسه إذا شعر به.
[7] كذا في ب، س، ح، ر: وفي ت: «لا تصلي واللّه بالناس أبدا» وفي أ، م، ء: «لا نصلي واللّه أبدا».
[8] أي بيت قومنا على أمر فأكره الخ، أو أن المراد الإمر بالكسر وهو الأمر العظيم الشنيع، ومنه قوله تعالى: (لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً)
[9] خشب كجنب: واد على مسيرة ليلة من المدينة له ذكر كثير في الحديث و «المغازي» (ياقوت) ويقال له ذو خشب (انظر «تاج العروس» مادة خشب).
[10] كذا في ب، س، ح، غير مضبوط. وفي سائر النسخ: «كره» بالهاء غير مضبوط أيضا، ولم نجد ضبطه في «كتب اللغة». وضبط
وكتبوا اليه يسألونه [1] الغوث. وبلغ أهل المدينة أنهم وجّهوا رجلا إلى يزيد، فخرج محمد بن عمرو بن حزم ورجل من بني سليم من بهز [2] وحريث رقّاصة وخمسون راكبا فأزعجوا/ بني أميّة منها، فنخس حريث بمروان [3] فكاد يسقط عن ناقته، فتأخّر عنها وزجرها وقال: اعلي واسلمي. فلما كانوا «بالسّويداء» [4] عرض لهم مولى لمروان، فقال: جعلت فداك! لو نزلت فأرحت وتغدّيت! فالغّداء حاضر كثير قد أدرك [5]. فقال: لا يدعني رقّاصة وأشباهه، وعسى أن يمكّن اللّه منه فتقطع يده. ونظر مروان إلى ماله ب «ذي خشب» فقال: لا مال إلا ما أحرزته العياب [6].
فمضوا فنزلوا «حقيلا» [7] أو «وادي القرى»، وفي ذلك يقول الأحوص:
/ لا ترثينّ لحزميّ رأيت به ... ضراّ ولو سقط الحزميّ في النار
الناخسين بمروان بذي خشب ... والمقحمين على عثمان في الدار
قال المدائنيّ: فدخل حبيب بن كرة على يزيد - وهو واضع رجله في طست لوجع كان يجده - بكتاب بني أميّة وأخبره الخبر. فقال: أما كان بنو أميّة ومواليهم ألف رجل؟ قال: بلى! وثلاثة آلاف. قال: أفعجزوا أن يقاتلوا ساعة من نهار؟ قال: كثرهم [8] الناس ولم تكن لهم بهم طاقة. فندب الناس وأمّر عليهم صخر بن أبي الجهم القينيّ، فمات قبل أن يخرج الجيش، فأمّر مسلم بن عقبة الذي يسمّى مسرفا. قال: وقال ليزيد: ما كنت مرسلا إلى المدينة أحدا إلا قصّر وما صاحبهم غيري، إنّي رأيت في منامي شجرة غرقد [9] تصيح: على يدى مسلم، فأقبلت نحو الصوت فسمعت قائلا يقول: أدرك ثأرك [10] أهل المدينة قتلة عثمان فخرج مسلم وكان من قصّة الحرّة ما كان على يده، وليس هذا موضعه. فقال أبو قطيفة في ذلك - لما أخرجوا عن المدينة - :
صوت من غير المائة فيه لحنان
شعر أبي قطيفة في تشوّقه إلى المدينة
بكى أحد لما تحمّل أهله ... فكيف بذي وجد من القوم آلف
من اجل أبي بكر جلت عن بلادها ... أميّة، والأيام ذات تصارف
__________
في «تاريخ ابن جرير الطبريّ» طبع ليدن قسم 2 ص 408 بضم الكاف وتشديد الراء المفتوحة. ولعل ضبطه «كرة» بفتح الكاف وتشديد الراء المفتوحة، سمّى بالمرة من الكّر.
[1] كذا في ب، س، ح، ر. وفي سائر النسخ: «و كتبوا إليه الغوث الغوث».
[2] في ب، س، ح، ر: «سليم بن بهز» وهو تحريف.
[3] في ت: «مروان» من غير باء.
[4] السويداء: موضع على ليلتين من المدينة على طريق الشام. (ياقوت).
[5] أي حان إناه وانتهى نضجه.
[6] العياب: جمع عيبة وهي وعاء من أدم يكون فيها المتاع.
[7] حقيل: موضع. ووادي القرى: واد بين المدينة والشام من أعمال المدينة كثير القرى، وإليه ينسب عمر الوادي (ياقوت).
[8] أي غلبوهم بكثرتهم.
[9] الغرقد: الشجر العظيم.
[10] ثأرك: الرجل الذي أصاب حميمك؛ ومنه:
قتلت به ثأري وأدركت تؤرتي
عروضه من الطويل، وفيه ثقيل أوّل [1]. والغناء لسائب خاثر، خفيف ثقيل أوّل بالوسطى، ذكر ذلك حمّاد عن أبيه، وذكر أن فيه لحنا آخر لأهل المدينة لا يعرف صاحبه. قال الهيثم في خبره: وقال أبو العباس الأعمى في ذلك:
/قد حلّ في دار البلاط [2] مجوّع ... ودار أبي العاص التّميميّ حنتف [3]
فلم أر مثل الحيّ حين تحمّلوا ... ولا مثلنا عن مثلهم يتنكّف [4]
وقال أبو قطيفة أيضا:
صوت من غير المائة فيه ثلاثة ألحان
بكى أحد لمّا تحمّل أهله ... فسلع فدار المال أمست تصدّع
وبالشأم إخواني وجلّ عشيرتي ... فقد جعلت نفسي إليهم تطلّع
عروضه من الطويل. غنّى فيه دحمان، ولحنه ثقيل أوّل بإطلاق الوتر في مجرى البنصر من رواية إسحاق.
وفيه لمعبد ثقيل أوّل بالوسطى من رواية حبش. وذكر إسحاق أن فيه لحنا في خفيف الثّقيل الأوّل بالخنصر في مجرى البنصر مجهول الصّانع. وقال أبو قطيفة أيضا:
صوت من غير المائة المختارة
ليت شعري: هل البلاط كعهدي ... والمصلّى إلى قصور العقيق؟
لا مني في هواك يا أمّ يحيى ... من [5] مبين بغشّه أو صديق
عروضه من الخفيف. غنّاه معبد ويقال دحمان، ولحنه ثقيل أوّل بالسّبّابة في مجرى الوسطى، وذكر إسحاق أنه لا يعرف صاحبه.
/ حدّثني أحمد بن عبيد اللّه بن عمّار قال حدّثني محمد بن يونس بن الوليد قال: كان ابن الزّبير قد نفى أبا قطيفة مع من نفاه من بني أميّة عن المدينة إلى الشأم، فلما طال مقامه بها قال:
__________
[1] كذا في الأصول.
[2] البلاط: موضع بالمدينة بين المسجد والسوق مبلّط «(قاموس».
[3] هو الحنتف بن السجف بن سعد بن عوف بن زهير بن مالك، كان يكنى أبا عبد اللّه وكان دينا شريفا، وله منزلة من عبيد اللّه بن زياد. ولما وقعت فتنة ابن الزبير سار حبيش بن دلجة القيني من قضاعة إلى المدينة يريد قتال ابن الزبير، فعقد الحارث بن عبد اللّه المخزومي وهو أمير البصرة للحنتف لواءه فسار في سبعمائة، وخرج إليه حبيش من المدينة فلقيهم بالربذة فقتل الحنتف حبيشا وعبد اللّه بن الحكم أخا مروان بن الحكم وانهزم الحجاج بن يوسف وأبوه يومئذ، ثم سار الحنتف نحو الشام، حتى إذا كان بوادي القرى سمّ بطعامه فمات هناك (انظر «المعارف» لابن قتيبة ص 212 - 213 وابن جرير الطبري طبع أوروبا قسم 2 ص 578 - 579 و «شرح القاموس» مادة حنتف).
[4] من نكف عن الشيء إذا عدل عنه. ولم نعثر على هذه الصيغة من هذه المادة في المظان. وفي ب، س: «يتكنف».
[5] قد تزاد «من» في الإثبات؛ وحمل عليه قوله تعالى: (يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ) *
، وقول عمر بن أبي ربيعة:
وينمي لها حبها عندنا ... فما قال من كاشح لم يضر
ألا ليت شعري هل تغيّر بعدنا ... قباء وهل زال العقيق وحاضره؟
وهل برحت بطحاء قبر محمد ... أراهط غرّ من قريش تباكره
لهم منتهى حبّي وصفو مودّتي ... ومحض الهوى منّي وللناس سائره
قال وقال أيضا:
صوت من غير المائة المختارة
ليت شعري وأين منّي ليت ... أعلى العهد يلبن فبرام؟
أم كعهدي العقيق أم غيّرته ... بعدي الحادثات والأيام؟
وبأهلي بدّلت عكّا ولخما ... وجذاما، وأين منّي جذام [1]!
وتبدّلت من مساكن قومي ... والقصور التي بها الآطام
كلّ قصر مشيّد ذي أواس ... يتغنّى على ذراه الحمام
إقر منّي السّلام إن جئت قومي ... وقليل لهم لديّ السّلام
عروضه من الخفيف، غنّاه معبد، ولحنه ثقيل أوّل بالخنصر في مجرى البنصر. و «يلبن» و «برام»:
موضعان [2]. والآطام: جمع أطم، وهي القصور والحصون. وقال الأصمعيّ: الآطام: الدّور المسطّحة السّقوف.
وفي رواية ابن عمار: «ذي أواش» بالشين معجمة، كأنه أراد به أنّ هذه القصور موشيّة أي منقوشة. ورواه إسحاق:
«أواس» بالسين غير معجمة، وقال: واحدها آسيّ، وهو الأصل. قال ويقال: فلان في آسيّه، أي في أصله. والآسيّ والأساس واحد. وذرا كلّ شي ء: أعاليه، وهو جمع، واحدته ذروة. ويروى:
أبلغنّ السّلام إن جئت قومي
/ وروى الزّبير بن بكّار هذه الأبيات لأبي قطيفة، وزاد فيها:
أقطع الليل كلّه باكتئاب ... وزفير فما أكاد أنام
نحو قومي إذ فرّقت بيننا الدا ... روحادت [3] عن قصدها الأحلام
خشية أن يصيبهم عنت الدّه ... ر وحرب يشيب منها الغلام
فلقد حان أن يكون لهذا الدّهر عنّا تباعد وانصرام
عفو ابن الزبير عن أبي قطيفة وعودته إلى المدينة وموته حين وصوله إليها
رجع الخبر إلى سياقته من رواية ابن عمّار. وأخبرنا بمثله من هذا الموضع الحسين بن يحيى عن حمّاد بن إسحاق عن أبيه عن الحزاميّ، وهو إبراهيم بن المنذر، عن مطرّف بن عبد اللّه
__________
[1] عك بفتح أوّله: قبيلة يضاف إليها مخلاف باليمن (ياقوت)، ولخم وجذام: قبيلتان معروفتان.
[2] يلبن: جبل قرب المدينة. ويرام (بفتح أوّله وكسره والفتح أكثر): جبل في بلاد بني سليم عند الحرّة من ناحية البقيع. (ياقوت).
[3] في ت: «و جارت».
/ المدنيّ [1] قالا: إن ابن الزّبير لمّا بلغه شعر أبي قطيفة هذا قال: حنّ [2] واللّه أبو قطيفة وعليه السّلام ورحمة اللّه، من لقيه فليخبره أنه آمن فليرجع. فأخبر بذلك فانكفأ إلى المدينة راجعا، فلم يصل إليها حتى مات. قال ابن عمّار:
فحدّثت عن المدائنيّ أنّ امرأة من أهل المدينة تزوّجها رجل من أهل الشأم، فخرج بها إلى بلده على كره منها، فسمعت منشدا ينشد شعر أبي قطيفة هذا، فشهقت شهقة وخرّت على وجهها ميّتة، هكذا ذكر ابن عمّار في خبره.
وأخبرني الحسين بن يحيى قال قال حمّاد: قرأت على أبي عن أيّوب بن عباية قال قال حدثني سعيد بن عائشة مولى آل المطّلب بن عبد مناف قال:
/ خرجت امرأة من بني زهرة في خفّ [3]، فرآها رجل من بني عبد شمس من أهل الشأم فأعجبته، فسأل عنها فنسبت له، فخطبها إلى أهلها فزوّجوه [إياها] بكره منها، فخرج بها إلى الشأم. [و خرجت مخرجا] [4]، فسمعت متمثّلا يقول:
صوت من غير المائة المختارة
ألا ليت شعري هل تغيّر بعدنا ... جبوب [5] المصلّى أم كعهدي القرائن؟
وهل أدؤر [6] حول البلاط عوامر ... من الحيّ أم هل بالمدينة ساكن؟
إذا برقت نحو الحجاز سحابة ... دعا الشوق منّي برقها المتيامن
فلم أتركنها رغبة عن بلادها ... ولكنّه ما قدّر اللّه كائن
- عروضه من الطويل، يقال: إن لمعبد فيه لحنا - قال: فتنفّست بين النساء فوقعت ميّتة. قال أيّوب [7]:
فحدّثت بهذا الحديث عبد العزيز بن أبي ثابت الأعرج فقال: أتعرفها؟ قلت لا. قال: هي واللّه عمّتي حميدة بنت عمر بن عبد الرحمن بن عوف.
أخبرنا محمد بن العبّاس اليزيديّ قال حدّثنا الرّياشيّ قال أخبرني ابن عائشة قال: لمّا أجلى ابن الزّبير بني أميّة عن الحجاز قال أيمن بن خريم الأسديّ:
كأنّ بني أميّة يوم راحوا ... وعرّي عن منازلهم صرار [8]
__________
[1] كذا في م، د. وفي سائر النسخ: «الهذلي» وهو خطأ؛ إذ الذي ورد في «كتب التراجم» أنه مطرّف بن عبد اللّه بن مطرف المدنيّ الفقيه شيخ البخاريّ، وأنه روى عنه إبراهيم بن المنذر.
[2] في ب، س: «أحسن».
[3] كذا في ب، س. وفي ر: «حي» وفي سائر النسخ: «حق» وكلاهما تحريف؛ يقال: خرج فلان في خف من أصحابه أي في جماعة قليلة.
[4] هذه العبارة ساقطة من أ، م، ء، والمراد أنها خرجت مرة.
[5] في جميع الأصول: «جنوب» بالنون وهو تصحيف. والتصويب عن ياقوت. والجبوب: الحجارة والأرض الصلبة.
[6] كذا في أ، س. وفي سائر النسخ من غير همز، وكلاهما صحيح.
[7] كذا في ت. وفي سائر النسخ: «أبو أيوب».
[8] في ب، س، م، أ: «صدار» بالدال. وصدار كغراب: موضع قرب المدينة. وصرار: جبل، وقد أورده. ياقوت وذكر فيه هذا الشعر.
شماريخ الجبال إذا تردّت ... بزينتها وجادتها القطار [1]
/و أخبرني الحسن بن عليّ الخفّاف قال حدّثنا محمد بن سعد الكرانيّ قال حدّثنا العمريّ عن العتبىّ [2] قال:
كتب أبو قطيفة عمرو بن الوليد بن عقبة إلى أبيه وهو متولّي الكوفة لعثمان بن عفّان:
من مبلغ عنّي الأمير بأنني ... أرق بلا داء سوى الإنعاظ
إن لم تغثني خفت إثمك أو أرى ... في الدار محدودا [3] بزرق لحاظ
يعني دار عثمان التي تقام فيها الحدود. فابتاع له جارية بالكوفة وبعث بها إليه. أخبرني عبد اللّه بن محمد الرّازي قال حدّثنا الخرّاز عن المدائنيّ قال:
كان أبو قطيفة من شعراء قريش، وكان ممن نفاه ابن الزبير مع بني أمية إلى الشأم، فقال في ذلك:
وما أخرجتنا رغبة عن بلادنا ... ولكنّه ما قدّر اللّه كائن
أحنّ إلى تلك الوجوه صبابة ... كأنّي أسير في السّلاسل راهن
/ وكان يتحرّق [4] على المدينة، فأتى عبّاد بن زياد ذات يوم عبد الملك فقال له: إنّ خاله أخبره أن العراقين قد فتحا. فقال عبد الملك لأبي قطيفة لما يعلمه من حبّه المدينة: أما تسمع ما يقوله عبّاد عن خاله؟ قد طابت لك المدينة الآن. فقال أبو قطيفة:
إنّي لأحمق [5] من يمشي على قدم ... إن غرّني من حياتي خال عبّاد
أنشا يقول لنا المصران قد فتحا ... ودون ذلك يوم شرّه بادي
قال: وأذن له ابن الزّبير في الرجوع، فرجع فمات في طريقه.
قصر سعيد بن العاص بالعرصة وشيء من أخباره
وأمّا خبر القصر الذي تقدّم ذكره وبيعه من معاوية، فأخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد عن أبيه قال ذكر مصعب بن عمّار [6] بن مصعب بن عروة بن الزّبير:
/ أنّ سعيد بن العاص لمّا حضرته الوفاة وهو في قصره هذا، قال له ابنه عمرو: لو نزلت الى المدينة! فقال:
يا بنيّ، إنّ قومي لن يضنّوا عليّ بأن يحملوني على رقابهم ساعة من نهار، وإذا أنا مت فآذنهم [7]، فإذا واريتني فانطلق الى معاوية فانعني له، وانظر في ديني، واعلم أنه سيعرض عليك قضاءه فلا تفعل، واعرض عليه قصري
__________
[1] شماريح الجبال: رؤوسها، وأحدها شمراخ. والقطار: جمع قطر وهو المطر.
[2] في ت، ح، س: «الضّبّي»:
[3] مقاما عليّ الحد.
[4] يتلهف شوقا إليها.
[5] في ت، أ، م، ح، ر: «لأجبن».
[6] كذا في أكثر النسخ. وفي ت، ح: «عثمان» وفي ر: «مصعب بن عثمان بن عروة». وعثمان بن عروة ذكره ابن قتيبة في «المعارف» ص 114.
[7] اذنهم: أعلمهم.
هذا، فإنّي إنما اتخذته نزهة وليس بمال. فلما مات آذن به الناس، فحملوه من قصره حتى دفن بالبقيع، ورواحل عمرو بن سعيد مناخة، فعزّاه الناس على قبره وودّعوه، فكان هو أوّل من نعاه لمعاوية [1]، فتوجّع له وترحّم عليه، ثم قال: هل ترك دينا؟ قال نعم. [قال: كم هو؟ قال] [2] ثلاثمائة ألف [درهم] [2]. قال: هي عليّ. قال: قد ظنّ ذلك وأمرني ألّا أقبله منك، وأن أعرض عليك بعض ماله فتبتاعه فيكون قضاء دينه منه. قال: فاعرض [عليّ] [3].
قال: قصره بالعرصة. قال: قد أخذته بدينه. قال: هو لك على أن تحملها إلى المدينة وتجعلها بالوافية [4]. قال:
نعم. فحملها له إلى المدينة وفرّقها في غرمائه، وكان أكثرها عدات [5]. فأتاه شابّ من قريش بصكّ فيه عشرون ألف درهم بشهادة سعيد على نفسه وشهادة مولى له عليه. فأرسل إلى المولى فأقرأه الصّكّ، فلما قرأه بكى وقال:
نعم هذا خطّه وهذه شهادتي عليه. فقال له عمرو: من أين يكون لهذا الفتى عليه عشرون ألف درهم وإنما هو صعلوك من صعاليك قريش؟
قال: أخبرك عنه، مرّ سعيد بعد عزله، فاعترض له هذا الفتى ومشى معه حتى صار إلى منزله، فوقف له سعيد فقال: ألك حاجة؟ قال: لا، إلّا أنّي رأيتك تمشي وحدك فأحببت أن أصل جناحك. فقال لي: ائتني بصحيفة، فأتيته بهذه، فكتب له على نفسه هذا الدّين وقال: إنك لم [6] تصادف عندنا شيئا فخذ هذا،/ فإذا جاءنا شيء فأتنا.
فقال عمرو: لا جرم واللّه لا يأخذها إلا بالوافية، أعطيه إيّاها، فدفع إليه عشرين ألف درهم وافية.
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثنا الصّلت بن مسعود قال حدّثنا سفيان بن عيينة قال حدّثنا هارون [7] المدائنيّ قال:
كان الرجل يأتي سعيد بن العاص يسأله فلا يكون عنده، فيقول: ما عندي، ولكن اكتب عليّ به، فيكتب عليه كتابا، فيقول: تروني [8] أخذت منه ثمن هذا؟ لا، ولكنه يجيء فيسألني فينزو [9] دم وجهه في وجهي فأكره ردّه.
فأتاه مولى لقريش بابن مولاه وهو غلام فقال: إنّ أبا هذا قد هلك وقد أردنا تزويجه. فقال: ما عندي، ولكن خذ ما شئت في أمانتي. فلما مات/ سعيد بن العاص جاء الرجل إلى عمرو بن سعيد فقال: إنّي أتيت أباك بابن فلان، وأخبره بالقصّة. فقال له عمرو: فكم أخذت؟ قال: عشرة آلاف. فأقبل عمرو على القوم فقال: من رأى أعجز من هذا! يقول له سعيد: خذ ما شئت في أمانتي فيأخذ عشرة آلاف! لو أخذت مائة ألف لأدّيتها عنك.
اعتداد أبي قطيفة بنسبه وهجوه عبد الملك بن مروان
أخبرني عمّي قال: حدّثنا الكرانيّ قال حدّثنا العمريّ عن ابن الكلبيّ قال: قال أبو قطيفة - وكانت أمّه وأمّ
__________
[1] في أ، م، ء، ب، س: «إلى معاوية» وكلاهما صحيح.
[2] زيادة في ت.
[3] زيادة في ب، س، ح، ر.
[4] الدرهم الوافي درهم وأربعة دوانق، والدانق: سدس الدرهم.
[5] عطايا وعد بها.
[6] كذا في ت، ح، ر. وفي سائر النسخ: «لن» وهو لا يناسب المقام.
[7] في ت، ح، ر: «أبو هارون» ولم نعثر في «كتب التراجم» على هارون أو أبي هارون المدائنيّ حتى نرجح إحدى الروايتين. وما عثرنا عليه فيها هو أن موسى بن أبي عيسى الغفاريّ أبا هارون المدنيّ الحنّاط روى عنه سفيان بن عيينة، وهو مشهور بكنيته؛ فلعله هو.
[8] في ب، س، ح، ر: «أتروني» بذكر همزة الاستفهام.
[9] كأن دم وجهه يثب في وجهي لشدّة احمراره خجلا من ذل السؤال. وفي ب، س: «فيتردّد وجهه في وجهي ... ».
خالد بن الوليد بن عقبة عمّة أروى بنت أبي عقيل بن مسعود بن عامر بن معتّب [1] -
/أنا ابن أبي معيط حين أنمى ... لأكرم ضئضىء [2] وأعزّ جيل
وأنمي للعقائل من قصيّ ... ومخزوم فما أنا بالضّئيل
وأروى من كريز قد نمتني ... وأروى الخير بنت أبي عقيل
كلا الحيّين من هذا وهذا ... لعمر أبيك في الشّرف الطويل
فعدّد مثلهن أبا ذباب ... ليعلم ما تقول ذوو العقول
فما الزّرقاء لي أمّا فأخزى ... ولا لي في الأزارق من سبيل
قال: يعني بأبي الذّباب عبد الملك. والزّرقاء: إحدى أمهاته من كندة، وكان يعيّر بها.
أخبرني الحسن بن عليّ قال أخبرني محمد بن زكريا قال حدّثنا قعنب بن المحرز قال حدّثنا المدائنيّ قال:
بلغ أبا قطيفة أنّ عبد الملك بن مروان يتنقّصه، فقال:
نبّئت أنّ ابن العملّس [3] عابني ... ومن ذا من الناس البريء المسلّم؟
من انتم من انتم خبّرونا من انتم [4] ... فقد جعلت أشياء تبدو وتكتم!
فبلغ ذلك عبد الملك فقال: ما ظننت أنّا نجهل، واللّه لو لا رعايتي لحرمته لألحقته بما يعلم، ولقطّعت جلده بالسّياط.
شعر أبي قطيفة في امرأته بعد طلاقها
أخبرني أحمد بن جعفر جحظة قال حدّثنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه عن العتبيّ قال:
/ طلّق أبو قطيفة امرأته، فتزوّجها رجل من أهل العراق، ثم ندم بعد أن رحل [5] بها الرجل وصارت له، فقال:
فيا أسفا لفرقة أمّ عمرو ... ورحلة أهلها نحو العراق
فليس إلى زيارتها سبيل ... ولا حتّى القيامة من تلاقي
وعلّ اللّه يرجعها إلينا ... بموت من حليل أو طلاق
فأرجع شامتا وتقرّ عيني ... ويجمع شملنا بعد افتراق
__________
[1] في ح، ر: «عمرو بن معتب» وفي ب، س: «عامر بن قعنب».
[2] الضئضئي: الأصل والمعدن.
[3] في ت، ر: «القلمس». والقلمس في اللغة: الرجل الداهية المفكر البعيد الغور. والعملس: الذئب الخبيث أو كلب الصيد الخبيث؛ وقد رجحناه لمناسبته لمقام الهجاء. وقد ورد هذا الشعر في «تاريخ ابن جرير الطبريّ» طبع ليدن قسم 2 ص 1175 «القلمس» وفي تعليقاته عن نسخة أخرى: «العملس».
[4] في «تاريخ ابن جرير الطبريّ» ص 1776
فمن أنتم ها خبّرونا من انتم
[5] كذا في ت. وفي سائر النسخ: «دخل».
مقتل سعيد بن عثمان بالمدينة
أخبرني عمّي ومحمد بن جعفر قالا حدّثنا الحسن بن عليل العنزيّ قال حدّثنا محمد بن عليّ بن أبي [1] حسّان عن هشام بن محمد [2] عن خالد بن سعيد عن أبيه قال:
استعمل معاوية سعيد بن عثمان على خراسان، فلمّا عزله قدم المدينة بمال وسلاح وثلاثين عبدا من السّغد [3]، فأمرهم أن يبنوا له دارا. فبينا هو جالس فيها ومعه ابن سيحان وابن زينة وخالد بن عقبة وأبو قطيفة إذ تآمروا [4] بينهم فقتلوه، فقال أبو قطيفة يرثيه - وقيل إنها لخالد بن عقبة - :
يا عين جودي بدمع منك تهتانا ... وابكي سعيد بن عثمان بن عفّانا
/ إن ابن زينة لم تصدق مودّته ... وفرّ عنه ابن أرطاة بن سيحانا [5]
2 - ذكر معبد وبعض أخباره
نسب معبد ونشأته ووفاته
هو معبد بن وهب، وقيل ابن قطنيّ [6] مولى ابن قطر [7]، وقيل ابن قطن مولى العاص بن وابصة المخزوميّ، وقيل بل مولى معاوية بن أبي سفيان.
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثني عبد الرحمن بن عبد اللّه الزّهريّ قال:
معبد المغنّي ابن وهب مولى عبد الرحمن بن قطر.
وأخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد عن أبيه قال قال ابن الكلبيّ: معبد مولى ابن قطر، والقطريون موالي معاوية بن أبي سفيان.
وأخبرني إسماعيل بن يونس قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثنا أبو غسّان قال: معبد بن وهب مولى ابن قطن وهم موالي آل وابصة من بني مخزوم، وكان أبوه أسود وكان هو خلاسيّا [8] مديد القامة أحول.
__________
[1] في أ، م، ء: «بن حسان» بسقوط لفظة «أبي».
[2] انفردت نسخة ت بزيادة «عن أبيه». وفي «كتب التراجم» أن هشام بن محمد يروى عن خالد بن سعيد. فلعل هذه الزيادة غير صحيحة.
[3] السغد (بضم أوّله وسكون ثانيه): ناحية كثيرة المياه نضرة الأشجار مؤنقة الرياض تمتد مسيرة خمسة أيام لا تقع الشمس على كثير من أراضيها ولا تبين القرى من خلال أشجارها، وقصبتها «سمرقند»، وربما قيلت بالصاد. (ياقوت).
[4] مرجع الضمير فيه هم هؤلاء العبيد. قال ابن قتيبة: كان سعيد بن عثمان أعور بخيلا وقتل، وكان سبب قتله أنه كان عاملا لمعاوية على خراسان فعزله معاوية فأقبل معه برهن كانوا في يديه من أولاد الصغد إلى المدينة وألقاهم في أرض يعملون له فيها بالمساحى «المجارف»، فأغلقوا يوما باب الحائط ووثبوا عليه فقتلوه، فطلبوا فقتلوا أنفسهم. (انظر «المعارف» لابن قتيبة طبع ألمانيا ص 101).
[5] في ح:
وفرّ عنه ابن سيحان بن أرطانا
[6] لعل ضبطه بفتح القاف والطاء والنون المكسورة والياء المشدّدة؛ إذ أنه سمّى كثيرا بقطن بهذا الضبط، ولعل ذلك نسبة إليه.
[7] لم نعثر له على ضبط ولعله بفتح القاف وإسكان الطاء.
[8] الخلاسيّ بالكسر: الولد بين أبوين أبيض وأسود.
وذكر ابن خرداذبه [1] أنه غنّى في أوّل دولة بني أمية، وأدرك دولة بني العباس، وقد أصابه الفالج وارتعش وبطل، فكان إذا غنّى يضحك منه ويهزأ به. وابن خرداذبه قليل التصحيح [2] لما يرويه ويضمّنه كتبه. والصحيح أن معبدا مات في أيام الوليد بن يزيد بدمشق وهو عنده. وقد قيل: إنه أصابه الفالج قبل موته وارتعش وبطل صوته.
فأمّا إدراكه دولة بني العباس فلم يروه أحد سوى ابن خرداذبه ولا قاله ولا رواه عن أحد، وإنما جاء به مجازفة.
/ أخبرني محمد بن العبّاس اليزيديّ قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثني أيّوب بن عمر أبو سلمة المدينيّ قال حدّثنا عبد اللّه بن عمران بن أبي فروة قال حدّثني كردم بن معبد المغنّي مولى ابن قطن قال:
مات أبي وهو في عسكر الوليد بن يزيد وأنا معه، فنظرت حين أخرج نعشه إلى سلّامة القسّ (جارية يزيد بن عبد الملك) وقد أضرب الناس عنه ينظرون إليها وهي آخذة بعمود السّرير، وهي تبكي [3] أبي وتقول:
قد لعمري بتّ ليلي ... كأخي الدّاء الوجيع
ونجيّ [4] الهمّ منّي ... بات أدنى من ضجيعي
كلّما أبصرت ربع ... خاليا فاضت دموعي
قد خلا من سيّدكا ... ن لنا غير مضيع
لا تلمنا إن خشعنا ... أو هممنا بخشوع
قال كردم: وكان يزيد أمر أبي أن يعلّمها هذا الصوت، فعلّمها إياه فندبته به يومئذ. قال: فلقد رأيت الوليد بن يزيد والغمر أخاه متجرّدين في قميصين ورداءين يمشيان بين يدي سريره حتى أخرج من دار الوليد، لأنه تولّى أمره وأخرجه من داره إلى موضع قبره.
فأمّا نسبة هذا الصوت، فإنّ الشعر للأحوص، والغناء لمعبد، ذكره يونس ولم يجنّسه. وذكر الهشاميّ أنه ثاني ثقيل بالوسطى، قال: وفيه لحبابة [5] خفيف ثقيل، ولابن المكّيّ ثقيل أوّل نشيد. وفيه لسلّامة القسّ عن إسحاق لحن من القدر الأوسط من الثّقيل الأوّل/ بالوسطى في مجراها.
/ أخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد عن أبيه قال قال أبو عبيدة:
ذكر مولى لآل الزّبير - وكان منقطعا إلى جعفر ومحمد ابني سليمان بن عليّ - : أنّ معبدا عاش حتى كبر وانقطع صوته، فدعاه رجل من ولد عثمان، فلمّا غنّى الشيخ لم يطرب القوم، وكان فيهم فتيان نزول [6] من ولد
__________
[1] كذا ضبط بالقلم في كتابه «المسالك والممالك» المطبوع في ليون سنة 1307 هجرية ص 3، وضبطه شارح «القاموس» بالعبارة مادة روم بقوله: «بضم الخاء وسكون الراء وفتح الدال بعدها ألف وكسر الذال المعجمة وسكون الياء التحتية وآخره هاء». وكذا وجد مضبوطا بالقلم في ت.
[2] في ت «التحصيل».
[3] في ت، ح، ر: «و هي تندب» أي تبكيه وتذكره بحسن فعاله وجميل خصاله.
[4] النجىّ: المناجي، من النجوى وهي الحديث سرّا.
[5] في م، ب، س: «لحنان» وهو تحريف.
[6] هذه الكلمة ساقطة من ت، ح، ر.
أسيد بن أبي العيص بن أميّة، فضحكوا منه وهزئوا به، فأنشأ يغنّي [1]:
فضحتم قريشا بالفرار وأنتم ... قمدّون [2] سودان [3] عظام المناكب
فأمّا القتال لا قتال لديكم ... ولكنّ سيرا في عراض المواكب
- وهذا شعر هجوا به قديما - فقاموا إليه ليتناولوه؛ فمنعهم العثمانيّ من ذلك وقال: ضحكتم منه حتى إذا أحفظتموه [4] أردتم أن تتناولوه، لا واللّه لا يكون ذلك! قال إسحاق: فحدّثني ابن سلّام قال أخبرني من رآه على هذه الحال فقال له: أصرت إلى ما أرى؟ فأشار إلى حلقه وقال: إنّما كان هذا؛ فلمّا ذهب ذهب كلّ شيء.
اعتراف المغنين لمعبد بالتفوق والسبق في صناعة الغناء
قال إسحاق: كان معبد من أحسن الناس غناء، وأجودهم صنعة، وأحسنهم حلقا [5]؛ وهو فحل المغنّين وإمام أهل المدينة في الغناء، وأخذ عن سائب خاثر، ونشيط مولى عبد اللّه بن جعفر، وعن جميلة مولاة بهز (بطن من سليم)، وكان زوجها مولى لبني الحارث بن الخزرج؛ فقيل لها مولاة الأنصار لذلك. وفي معبد يقول الشعر:
أجاد طويس والسّريجي بعده ... وما قصبات السّبق إلا لمعبد
/ قال إسحاق قال ابن الكلبيّ عن أبيه: كان ابن أبي عتيق خرج إلى مكة فجاء معه ابن سريج إلى المدينة، فأسمعوه غناء معبد وهو غلام، وذلك في أيام مسلم بن عقبة المرّيّ، وقالوا: ما تقول فيه؟ فقال: إن عاش كان مغنّي بلاده. ولمعبد صنعة لم يسبقه إليها من تقدّم، ولا زاد عليه فيها من تأخّر. وكانت صناعته التجارة في أكثر أيام رقّه، وربّما رعى الغنم لمواليه، وهو مع ذلك يختلف إلى نشيط الفارسيّ وسائب خاثر مولى عبد اللّه بن جعفر، حتى اشتهر بالحذق وحسن الغناء وطيب الصّوت. وصنع الألحان فأجاد واعترف له بالتقدّم على أهل عصره.
أخبرني الحسين بن يحيى قال قال حمّاد قرأت على أبي:
قال الجمحيّ: بلغني أن معبدا قال: واللّه لقد صنعت ألحانا لا يقدر شبعان ممتلىء ولا سقّاء يحمل قربة على الترنّم بها ولقد صنعت ألحانا لا يقدر المتّكىء أن يترنّم بها حتى يقعد مستوفزا [6]، ولا القاعد حتى يقوم.
قال إسحاق: وبلغني أن معبدا أتى ابن سريج وابن سريج لا يعرفه، فسمع منه ما شاء، ثم عرض نفسه عليه وغنّاه وقال له: كيف كنت تسمع جعلت فداءك؟ فقال له: لو شئت كنت قد كفيت بنفسك الطلب من غيرك. قال:
وسمعت من لا أحصي من أهل العلم بالغناء يقولون: لم يكن فيمن غنّى أحد أعلم بالغناء من معبد. قال: وحدّثني أيّوب بن عباية قال: دخلت على الحسن بن مسلم أبي العراقيب وعنده جاريته عاتكة، فتحدّث فذكر معبدا فقال:
__________
[1] كذا في ت، ح، ر. وفي سائر النسخ: «يقول».
[2] في جميع الأصول: «تمدّون» بالتاء وهو تحريف. والتصويب عن «خزانة الأدب» للبغداديّ. والقمدّ (بضم القاف والميم وتشديد الدال): القويّ الشديد.
[3] سودان: جمع سود وهو جمع أسود، من السيادة. والشعر للحارث بن خالد المخزوميّ. (انظر «البغدادي» طبع بولاق ج 1 ص 217).
[4] أغضبتموه.
[5] كذا في ت بالحاء المهملة، وفي سائر النسخ: «خلقا» بالخاء المعجمة.
[6] قعدة المستوفز، هي قعدة الجالس على هيئة كأنه يريد القيام.
أدركته يلبس ثوبين ممشّقين [1]، وكان إذا غنّى علا منخراه [2]. فقالت عاتكة: يا سيّدي أو أدركت معبدا؟ قال: إي واللّه وأقدم من معبد. فقالت: استحييت لك من هذا الكبر [3].
علوّ كعبه في صناعة الغناء
أخبرني الحسين بن يحيى قال نسخت من كتاب حمّاد: قرأت على أبي أخبرني محمد بن سلّام قال حدّثني جرير/ قال: قال معبد: قدمت مكة فقيل لي: إنّ ابن صفوان قد سبّق [4] بين المغنّين جائزة، فأتيت بابه فطلبت الدخول، فقال لي آذنه: قد تقدّم إليّ ألّا آذن لأحد عليه ولا أؤذنه [5] به. قال فقلت: دعني أدنو [6] من الباب فأغنّي صوتا. قال: أمّا هذا فنعم. فدنوت من الباب، فغنّيت [صوتا] [7]، فقالوا: معبد! وفتحوا لي، فأخذت الجائزة يومئذ.
أخبرني الحسين قال نسخت من كتاب حمّاد: قال أبي: وذكر عورك - وهو الحسن بن عتبة اللّهبيّ - أن الوليد بن يزيد كان يقول: ما أقدر على الحجّ. فقيل له: وكيف ذاك؟ قال: يستقبلني أهل المدينة بصوتي معبد:
القصر فالنخل فالجمّاء بينهما
و «قتيلة» [8] يعني لحنه:
يوم تبدي لنا قتيلة عن جي ... د تليع [9] تزينه الأطواق
قال إسحاق: قيل لمعبد: كيف تصنع إذا أردت أن تصوغ الغناء؟ قال: أرتحل قعودي وأوقع بالقضيب على رحلي وأترنّم عليه بالشّعر حتى يستوي لي الصوت. فقيل له: ما أبين ذلك في غنائك! / قال إسحاق: وقال مصعب الزّبيريّ قال يحيى [10] بن عبّاد بن حمزة بن عبد اللّه بن الزّبير حدّثني أبي قال:
قال معبد: كنت غلاما مملوكا لآل قطن مولى [11] بني مخزوم، وكنت أتلقّى الغنم بظهر الحرّة، وكانوا تجارا أعالج لهم التجارة في ذلك، فآرتي صخرة بالحرّة ملقاة بالليل فأستند إليها [12]، فأسمع وأنا نائم صوتا يجري في مسامعي، فأقوم من النوم فأحكيه، فهذا كان مبدأ غنائي.
__________
[1] مصبوغين بالمشق بالكسر والفتح، وهو المغرة وهي صبغ أحمر.
[2] المنخر: ثقب الأنف.
[3] في ت، ح، ر: «من هذه الكبرة».
[4] يقال: سبّق إذا أخذ السّبق أو أعطاه فهو من الأضداد. (انظر «اللسان» في مادة سبق).
[5] أي أمرني ألا أدخل عليه أحدا ولا أعلمه به.
[6] في ت، ح، ر: «أدن» بغير واو وكلاهما صحيح.
[7] زيادة في ت.
[8] كذا في ت. وفي ح، ر: «و قتيلة يعني لحنه في» وهو قريب من الأوّل. وفي سائر النسخ: «و قبيلة تغنّي في لحنه: في يوم تبدى لنا الخ» وهو تحريف ظاهر.
[9] تليع: طويل. والبيت للأعشى. (انظر «التاج» في مادة تلع).
[10] كذا في جميع النسخ. وقد ذكر في «تقريب التهذيب»: «يحيى بن عباد بن حمزة بن عبد اللّه بن الزبير. وصوابه: عن عباد بن حمزة، وما ليحيى مدخل في ذلك». يعني أن يحيى يروي عن عباد بن حمزة، وليس ابنا له.
[11] في ب، س: «موالي بني مخزوم».
[12] كذا في ت. وفي سائر النسخ: «بها».
إعتراف مالك بن أبي السمح لمعبد بالتفوّق عليه في صنعة الغناء
أخبرني الحسين بن يحيى قال: نسخت من كتاب حمّاد: قال أبي قال محمد بن سعيد الدّوسيّ عن أبيه ومحمد بن يزيد عن سعيد الدوسيّ عن الرّبيع بن أبي الهيثم قال:
كنّا جلوسا مع عبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب، فقال إنسان لمالك: أنشدك اللّه، أنت أحسن غناء أم معبد؟
فقال مالك: واللّه ما بلغت شراكه قطّ، واللّه لو لم يغنّ معبد إلا قوله:
لعمر أبيها لا تقول حليلتي ... ألا فرّ عنّي مالك بن أبي كعب
وهم [1] يضربون الكبش تبرق بيضه ... ترى حوله الأبطال في حلق شهب
لكان حسبه!. قال: وكان مالك إذا غنّى غناء معبد يخفّف [2] منه، ثم يقول: أطال الشعر معبد ومطّطه، وحذفته أنا. وتمام هذا الصوت:
صوت من غير المائة المختارة
لعمر أبيها لا تقول حليلتي ... ألا فرّ عنّي مالك بن أبي كعب
وهم يضربون الكبش تبرق بيضه ... ترى حوله الأبطال في حلق شهب
إذا أنفدوا الزّقّ الرّويّ وصرّعوا ... نشاوى فلم أقطع بقولي لهم حسبي
بعثت إلى حانوتها فسبأتها ... بغير مكاس في السّوام ولا غصب [3]
عروضه من الطويل. والشعر لمالك بن أبي كعب بن القين الخزرجيّ أحد بني سلمة. هكذا ذكر إسحاق، وغيره يذكر أنه من مراد. ولهذا الشعر خبر طويل يذكر بعد هذا. والغناء في البيتين الأوّلين لمعبد ثقيل أوّل بالوسطى، ومن الناس من ينسبه إلى ابن سريج. ولمالك في الثالث والرابع من الأبيات لحن من الثّقيل الأوّل بالسّبابة في مجرى البنصر عن إسحاق، ومن/ الناس من ينسب هذا اللحن إلى معبد ويقول: إنّ مالكا أخذ لحنه فيه فحذف بعض نغمه وانتحله، وإن اللحن لمعبد في الأبيات الأربعة. وقد ذكر أنّ هذا الشعر لرجل من مراد، وروي له فيه حديث طويل. وقد أخرج خبره في ذلك وخبر مالك بن أبي كعب الخزرجيّ أبي [4] كعب بن مالك صاحب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وآله في موضع آخر أفرد له، إذ كانت له أخبار كثيرة، ولأجله لا تصلح أن تذكر ها هنا.
رجع الخبر إلى معبد - أخبرني إسماعيل بن يونس قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثنا أبو غسّان عن يونس الكاتب قال:
__________
[1] الكبش: سيد القوم وقائدهم. والبيض: واحدتها بيضة وهي الخوذة توضع على الرأس وقت الحرب، وهي البيض بكسر الباء، جمع أبيض، وهي السيوف. والحلق: واحدته حلقة، وهي الدرع.
[2] في ب، م: «تخفّف منه».
[3] سبأ الخمر واستبأها: اشتراها. وماكسه مماكسة ومكاسا: شاحّه. والسوام (بالضم) كالسوم: عرض السلع وتقدير أثمانها من البائع أو من المشتري.
[4] في ب، س: «أبيّ بن كعب بن مالك» وهو تحريف ظاهر.
معبد وابن محرز
أقبلت من عند معبد، فلقيني ابن محرز ببطحان [1]، فقال: من أين أقبلت؟ قلت: من عند أبي [2] عبّاد.
فقال: ما أخذت عنه؟ قلت: غنّى صوتا فأخذته. قال: وما هو؟ قلت:
ماذا تأمّل واقف جملا ... في ربع دار عابه قدمه
- الشعر لخالد بن المهاجر بن خالد بن الوليد - فقال لي: ادخل معي دار ابن هرمة وألقه عليّ، فدخلت معه، فما زلت أردّده عليه حتى غنّاه، ثم قال: ارجع معي إلى أبي عبّاد، فرجعنا فسمعه منه، ثم لم نفترق [3] حتى صنع فيه ابن محرز لحنا آخر.
نسبة هذا الصوت
صوت
ماذا تأمّل واقف جملا ... في ربع دار عابه قدمه
أقوى وأقفر غير منتصب ... لبد الرّمادة ناصع حممه [4]
غنّاه معبد، ولحنه ثقيل أوّل بالسّبّابة في مجرى الوسطى. وفيه خفيف ثقيل أوّل بالوسطى ينسب إلى الغريض وإلى ابن محرز. وذكر عمرو بن بانة أنّ الثقيل الأوّل للغريض. وذكر حبش أن فيه لمالك ثاني ثقيل بالوسطى. وفيه رمل بالوسطى ينسب إلى سائب خاثر، وذكر حبش أنه لإسحاق.
قدوم ابن سريج والغريض المدينة ثم ارتدادهما عنها بعد سماعهما صوت معبد
أخبرني الحسين بن يحيى قال نسخت من كتاب حمّاد: قال أبي قال ابن الكلبيّ:
قدم ابن سريج والغريض المدينة يتعرّضان لمعروف أهلها، ويزوران من بها من صديقهما [5] من قريش وغيرهم. فلما شارفاها [6] تقدّما ثقلهما ليرتادا منزلا، حتى إذا كانا بالمغسلة [7] - وهي جبّانة على طرف المدينة يغسل فيها الثياب - إذا هما بغلام ملتحف بإزار وطرفه على رأسه، بيده حبالة يتصيّد بها الطير وهو يتغنّى ويقول:
القصر فالنخل فالجمّاء بينهما ... أشهى إلى النفس من أبواب جيرون
وإذا الغلام معبد. قال: فلمّا سمع ابن سريج والغريض معبدا مالا إليه واستعاداه الصوت فأعاده، فسمعا شيئا
__________
[1] بضم فسكون، كذا يقوله المحدّثون أجمعون. وحكى أهل اللغة: بطحان كقطران، وقيل فيه بطحان بفتح فسكون. وهو أحد أودية المدينة الثلاثة، وهي العقيق وبطحان وقناة. (انظر «التاج» مادة بطح).
[2] كذا في جميع النسخ. وفي ب، س: «من أين أقبلت؟ قلت من عند معبد، فلقيني ابن أبي عباد فقال الخ» وهي زيادة مخلة بالمعنى.
[3] كذا في ت، ح، ر. وفي سائر النسخ: «فسمعته منه ثم لم نعترف» وهو تحريف.
[4] لبد الرمادة: متلصّقها؛ يقال: تلبد الشعر والصوف إذا تلصّق، وتلبد التراب والرمل كذلك، ولبده المطر. وهو وصف لربع في البيت السابق. والحمم: واحدته حممة، وهي الرماد والفحم وكل ما احترق من النار.
[5] الصديق: يقال للواحد والجمع؛ قال تعالى: (فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ)
[6] شارف الشي ء: دنا منه وقرب.
[7] ضبطه في «القاموس» كمنزلة.
لم يسمعا بمثله قطّ. فأقبل أحدهما على صاحبه فقال: هل سمعت كاليوم قطّ؟ قال: لا واللّه! فما رأيك؟ قال ابن سريج: هذا غناء غلام يصيد الطير، فكيف بمن في الجوبة [1]! - يعني المدينة - قال: أمّا أنا فثكلته والدته إن لم أرجع. قال: فكراّ راجعين.
قدوم معبد مكة وما وقع بينه وبين الغريض
قال: وقال معبد: قدمت مكة، فذهب بي بعض القرشيّين إلى الغريض، فدخلنا عليه وهو متصبّح [2]، فانتبه من صبحته وقعد، فسلّم عليه القرشيّ، وسأله فقال له: هذا معبد قد أتيتك به، وأنا أحبّ/ أن تسمع منه. قال: هات، فغنّيته أصواتا. فقال بمدرى [3] معه في رأسه، ثم قال: إنك يا معبد لمليح الغناء. قال:/ فأحفظني ذلك، فجثوت على ركبتيّ، ثم غنّيته من صنعتي عشرين صوتا لم يسمع بمثلها قطّ، وهو مطرق واجم قد تغيّر لونه حسدا وخجلا.
ما وقع بين معبد وبين حكم الوادي
قال إسحاق: وأخبرت عن حكم الواديّ قال: كنت أنا وجماعة من المغنّين نختلف إلى معبد نأخذ عنه ونتعلّم منه، فغناّنا يوما صوتا من صنعته وأعجب به، وهو:
القصر فالنخل فالجمّاء بينهما
فاستحسنّاه وعجبنا منه. وكنت في ذلك اليوم أوّل من أخذه عنه واستحسنه منّي فأعجبتني نفسي. فلما انصرفت من عند معبد عملت فيه لحنا آخر وبكّرت على معبد مع أصحابي وأنا معجب بلحني. فلما تغنّينا أصواتا قلت له: إنّي قد عملت بعدك في الشعر الذي غنّيتناه لحنا، واندفعت فغنّيته صوتي، فوجم معبد ساعة يتعجّب منّي ثم قال: قد كنت أمس أرجى منّي لك اليوم، وأنت اليوم عندي أبعد من الفلاح. قال حكم: فأنسيت - يعلم اللّه - صوتي ذلك منذ تلك الساعة فما ذكرته إلى وقتي هذا.
ما وقع بين معبد وهو في طريقه إلى بعض أمراء الحجاز وبين العبد الأسود
قال إسحاق: وقال معبد: بعث إليّ بعض أمراء الحجاز - وقد كان جمع له الحرمان - أن اشخص إلى مكة، فشخصت. قال: فتقدّمت غلامي في بعض تلك الأيام، واشتدّ عليّ الحرّ والعطش، فانتهيت إلى خباء فيه أسود وإذا حباب [4] ماء قد برّدت، فملت إليه فقلت: يا هذا، اسقني من هذا الماء. فقال لا. فقلت: فأذن لي في الكنّ [5] ساعة. قال لا. فأنخت ناقتي ولجأت إلى ظلّها فاستترت به، وقلت: لو أحدثت لهذا الأمير شيئا من الغناء أقدم به
__________
[1] كذا في الأصل. وقد ذكر ياقوت للمدينة تسعة وعشرين اسما لم يذكر من بينها هذا الاسم. وأقرب الأسماء إليه «المحومة». فلعل ما هنا محرّف عنه، أو أنه هو الذي أطلق هذا الاسم على المدينة؛ لأن الجوبة هي الموضع ينجاب في الحرّة، والمدينة بين حرّتين تكتنفانها.
[2] التصبّح: النوم بالغداة.
[3] قال ابن الأثير: العرب تجعل القول عبارة عن جميع الأفعال وتطلقه على غير الكلام واللسان، فتقول: قال بيده أي أخذ، وقال برجله أي مشى
وقالت له العينان سمعا وطاعة
أي أو مأت؛ ومنه الحديث «قال بالماء على يده» أي قلب، و «قال بثوبه هكذا» أي رفعه، وكل ذلك على المجاز والاتّساع. فهو هنا من هذا القبيل. والمراد أنه حكّ رأسه بهذه المدرى، وهي حديدة يحكّ بها الرأس.
[4] جمع حب (بالضم) وهي الجرّة صغيرة كانت أو كبيرة.
[5] الكنّ: ما وقاك من حرّ أو برد، أي ائذن لي في أن أستظلّ بكنك ساعة من جهد الحرّ والعطش.
عليه، ولعلّي إن حرّكت لساني أن يبلّ حلقي اريقي فيخفّف عنّي بعض ما أجده من العطش! فترنّمت بصوتي:
القصر فالنخل فالجمّاء بينهما
/ فلما سمعني الأسود، ما شعرت به إلا وقد احتملني حتى أدخلني خباءه، ثم قال: أي، بأبي أنت وأمي! هل لك في سويق السّلت [1] بهذا الماء البارد؟ فقلت: قد منعتني أقلّ من ذلك، وشربة ماء تجزئني. قال: فسقاني حتى رويت، وجاء الغلام فأقمت عنده إلى وقت الرّواح. فلما أردت الرّحلة قال: أي، بأبي أنت وأمي! الحرّ شديد ولا آمن عليك مثل الذي أصابك، فأذن لي [في] [2] أن أحمل معك قربة من ماء على عنقي وأسعى بها معك، فكلّما عطشت سقيتك صحنا وغنّيتني صوتا! قال: قلت ذاك لك. فو اللّه ما فارقني يسقيني وأغنّيه حتى بلغت المنزل.
نسخت من كتاب جعفر بن قدامة بخطّه: حدّثني حمّاد بن إسحاق عن أبيه عن الزّبير [3] عن جرير قال:
معبد وابن سريج، التقاؤهما عفوا ببطن مرّ ثم تعارفهما بصوتيهما
كان معبد خارجا إلى مكة في بعض أسفاره، فسمع في طريقه غناء في «بطن مرّ» [4] فقصد الموضع، فإذا رجل جالس على حرف بركة فارق شعره حسن الوجه، عليه درّاعة [5] قد صبغها بزعفران، وإذا هو يتغنّى:
صوت
حنّ قلبي من بعد ما قد أنابا ... ودعا الهمّ شجوه فأجابا
ذاك من منزل لسلمى خلاء ... لابس من خلائه جلبابا
عجبت فيه وقلت للرّكب عوجوا [6] ... طمعا أن يردّ ربع جوابا
فاستثار المنسيّ من لوعة الحب وأبدى ... الهموم والأوصابا
// فقرع معبد بعصاه وغنّى:
منع الحياة من الرجال ونفعها ... حدق تقلّبها النساء مراض
وكأنّ أفئدة الرجال إذا رأوا ... حدق النساء لنبلها أغراض
فقال له ابن سريج: باللّه أنت معبد؟ قال: نعم، وباللّه [7] أنت ابن سريج؟ قال: نعم، وو اللّه لو عرفتك ما غنّيت بين يديك.
__________
[1] قال الليث: السّلت: شعير لا قشر له أجرد؛ زاد الجوهريّ كأنه الحنطة، يكون بالغور والحجاز، يتبرّدون بسويقه في الصيف.
والسويق: ما يتخذ من الحنطة والشعير.
[2] زيادة في ت. وفي أ، م، ء: «بأن».
[3] في ح، ر: «الزبيري».
[4] بطن مرّ (بفتح الميم وتشديد الراء): من نواحي مكة عنده يجتمع وادي النخلتين فيصيران واديا واحدا (ياقوت). وقال في «القاموس»: إنه موضع على مرحلة من مكة ويقال له: «مرّ الظهران».
[5] الدّرّاعة: جبة مشقوقة المقدّم.
[6] في «الديوان»:
ظلت فيه والركب حولى وقوف
وعجت فيه: وقفت به وأقمت
[7] في أ، ب، س، م، ء: «قال نعم، فسألته أأنت ابن سريج الخ».
نسبة هذين الصوتين وأخبارهما
صوت
حنّ قلبي من بعد ما قد أنابا ... ودعا الهمّ شجوه فأجابا
فاستثار المنسّي من لوعة الحبّ ... وأبدى [1] الهموم والأوصابا
ذاك من منزل لسلمى خلاء ... مكتس من عفائه جلبابا
عجت فيه وقلت للرّكب عوجوا ... طمعا أن يردّ ربع جوابا
ثانيا من زمام وجناء عنس ... قانيا لونها يخال خضابا [2]
جدّها الفالج الأشمّ من البخ ... ت وخالاتها انتخبن عرابا [3]
/الشعر لعمر بن أبي ربيعة. والغناء لابن سريج، وله فيه لحنان: رمل بالسّبّابة في مجرى البنصر عن إسحاق، وخفيف ثقيل أوّل [4] بالبنصر عن عمرو.
صوت
منع الحياة من الرجال ونفعها ... حدق تقلّبها النساء مراض
وكأنّ أفئدة الرجال إذا رأوا ... حدق النساء لنبلها أغراض
الشعر للفرزدق، والغناء لمعبد ثقيل أوّل عن الهشاميّ:
أخبرني محمد بن مزيد [5] بن أبي الأزهر قال حدّثنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه عن سياط قال حدّثني يونس الكاتب قال:
رحلة معبد إلى الأهواز وما وقع بينه وبين الجواري المغنيات بالسفينة
كان معبد قد علّم جارية من جواري الحجاز الغناء - تدعى «ظبية» [6] - وعني بتخريجها، فاشتراها رجل من أهل العراق فأخرجها إلى البصرة وباعها هناك، فاشتراها رجل من أهل الأهواز، فأعجب بها وذهبت به كلّ مذهب
__________
[1] في ح، ر: «و سوى» وفي ت: «و سر» وهما محرفان عن «شرى» التي في «الديوان».
[2] روى في «الديوان»:
ثانيا من زمام وجناء حرف ... عاتك لونها يحاكي الضبابا
والوجناء: الناقة الشديدة. واشتقاقه من الوجين وهي الأرض الصلبة أو الحجارة. والعنس هنا: الناقة الصلبة القوية. والحرف من الإبل: النجيبة الماضية التي أنضتها الأسفار، شبهت بحرف السيف في مضائها ونجائها ودقتها وقنأ كمنع قنوءا وقنا قنوّا: اشتدت حمرته، والعاتك: الأحمر، يقال: عتكت القوس إذا أحمرّت من القدم وطول العهد.
[3] قال الجوهريّ في «الصحاح»: الفالج: الجمل الضخم ذو السنامين يحمل من السند للفحلة. والبخت والبختية: الإبل الخراسانية تنتج من بين عربية وفالج. والعراب: العربية وهي خلاف البراذين والبخاتي، جمع عربي وهو جمع خاص بالخيل والإبل، يقال في الناس: عرب وأعراب، وفي الخيل والإبل: عراب. قال في «اللسان»: وقد قالوا: خيل أعرب وإبل أعرب. وقد روى في ت: «من النجب» وهي مستقيمة أيضا.
[4] هذه الكلمة ساقطة من ت، ح، ر.
[5] في ح، ب، س: «يزيد». ولم نعثر على هذا الاسم حتى نرجح إحدى الروايتين.
[6] في ت: «طيبة».
وغلبت عليه، ثم ماتت بعد أن أقامت عنده برهة [1] من الزمان وأخذ جواريه أكثر غنائها عنها، فكان لمحبّته إيّاها وأسفه عليها لا يزال يسأل عن أخبار معبد وأين مستقرّه، ويظهر التعصّب له والميل إليه والتقديم لغنائه على سائر أغاني أهل عصره إلى أن عرف ذلك منه. وبلغ معبدا خبره، فخرج من مكة حتى أتى البصرة، فلمّا وردها صادف الرجل قد خرج عنها في ذلك اليوم إلى الأهواز فاكترى سفينة. وجاء معبد يلتمس سفينة ينحدر فيها إلى الأهواز، فلم يجد غير سفينة الرجل، وليس يعرف أحد منهما صاحبه، فأمر الرجل الملّاح أن يجلسه معه في مؤخّر السفينة ففعل وانحدروا. فلما صاروا في فم نهر الأبلّة [2] /تغدّوا وشربوا، وأمر جواريه فغنّين، ومعبد ساكت وهو في ثياب السّفر، وعليه فرو وخفّان غليظان وزيّ جاف من/ زيّ أهل الحجاز، إلى أن غنّت إحدى الجواري:
صوت
بانت سعاد وأمسى حبلها انصرما ... واحتلّت الغور فالأجزاع من إضما [3]
إحدى بليّ وما هام الفؤاد بها ... إلّا السفاه وإلّا ذكرة حلما [4]
- قال حمّاد: والشعر للنابغة الذّبيانيّ. والغناء لمعبد، خفيف ثقيل أوّل بالبنصر، وفيه لغيره ألحان قديمة ومحدثة - فلم تجد أداءه، فصاح بها معبد: يا جارية، إنّ غناءك هذا ليس بمستقيم. قال: فقال له مولاها وقد غضب: وأنت ما يدريك الغناء ما هو؟ ألا [5] تمسك وتلزم شأنك! فأمسك. ثم غنّت أصواتا من غناء غيره وهو ساكت لا يتكلّم، حتى غنّت:
صوت
بابنة الأزديّ قلبي كئيب ... مستهام عندها ما ينيب
ولقد لاموا فقلت دعوني ... إنّ من تنهون عنه حبيب
إنّما أبلى عظامي وجسمي ... حبّها والحبّ شيء عجيب
__________
[1] قال ابن السكيت: البرهة بالفتح والضم: الزمان الطويل، وقال غيره: الزمان مطلقا.
[2] الأبلّة: بلدة على شاطىء دجلة البصرة العظمى في زاوية الخليج الذي يدخل إلى مدينة البصرة. ويقال فيه: الأبلة بفتح الهمزة والباء (ياقوت).
[3] كذا في ح، ر. وب، س: «الغور فالأجراع» بالراء المهملة. وفي أكثر النسخ الخطية: «الغور والأجزاع». و «الغور»: المطمئن من الأرض، و «الأجراع»: جمع جرع وهو مفرد أو هو جرعة، وهي الرملة الطيبة المنبت لا وعوثة فيها. و «إضم» بكسر ففتح:
واد بجبل تهامة، وهو الوادي الذي فيه المدينة. وقد ورد هذا البيت في «ديوان النابغة» المطبوع بباريس هكذا:
بانت سعاد وأمسى حبلها انجذما ... واحتلت الشّرع فالأجزاع من إضما
و «شرع»: قرية على شرقيّ ذرة مزارع ونخيل على عيون، وواديها يقال له: رخيم. و «الأجزاع»: جمع جزع بالكسر - وقال أبو عبيدة: اللائق به أن يكون مفتوحا - : منعطف الوادي. وفي «التاج» مادة «أضم»
واحتلت الشرع فالخبتين من إضما
والخبت: المتسع من بطون الأرض. (انظر ياقوت و «القاموس» و «شرحه» في هذه المواد).
[4] «بليّ» كغنيّ: اسم قبيلة. والسفاه: الطيش وخفة الحلم. والذكرة (بالكسر والضم): نقيض النسيان. وفي ت:
إلا السفاه وإلا ذكرها حلما
[5] في ت: «لم لا تمسك الخ».
أيّها العائب عندي هواها ... أنت تفدي من أراك تعيب
- والشعر لعبد الرحمن بن أبي بكر، والغناء لمعبد ثقيل أوّل بالسّبّابة في مجرى البنصر - قال: فأخلّت ببعضه.
فقال لها معبد: يا جارية، لقد أخللت بهذا الصوت إخلالا شديدا. فغضب الرجل وقال له: ويلك! ما أنت والغناء! ألا تكفّ عن هذا الفضول! فأمسك. وغنّى الجواري مليّا، ثم غنّت إحداهنّ:
صوت
خليليّ عوجا فابكيا [1] ساعة معي ... على الرّبع نقضي حاجة ونودّع
ولا تعجلاني أن ألمّ بدمنة ... لعزّة لاحت لي ببيداء بلقع
وقولا لقلب قد سلا: راجع الهوى ... وللعين: أذري من دموعك أو دعي
فلا عيش إلا مثل عيش مضى لنا ... مصيفا أقمنا فيه من بعد مربع
- الشعر لكثيّر، والغناء لمعبد خفيف ثقيل بالسبّابة في مجرى الوسطى، وفيه رمل للغريض - قال: فلم تصنع فيه شيئا. فقال لها معبد: يا هذه، أما تقوين [2] على أداء صوت واحد؟ فغضب الرجل وقال له: ما أراك تدع هذا الفضول بوجه ولا حيلة! وأقسم باللّه لئن عاودت لأخرجنّك من السفينة، فأمسك معبد، حتى إذا سكتت/ الجواري سكتة اندفع يغنّي الصوت الأوّل حتى فرغ منه، فصاح الجواري: أحسنت واللّه يا رجل! فأعده. فقال: لا واللّه ولا كرامة. ثم اندفع يغنّي الثاني، فقلن لسيدهنّ: ويحك! هذا واللّه أحسن الناس غناء، فسله أن يعيده علينا ولو مرّة واحدة لعلّنا نأخذه عنه، فإنه إن فاتنا لم نجد مثله أبدا. فقال: قد سمعتنّ سوء ردّه عليكنّ وأنا خائف مثله منه، وقد أسلفناه الإساءة، فاصبرن حتى نداريه. ثم غنّى الثالث، فزلزل عليهم الأرض. فوثب الرجل فخرج إليه وقبّل رأسه وقال: يا سيّدي/ أخطأنا عليك ولم نعرف موضعك. فقال له: فهبك لم تعرف موضعي، قد كان ينبغي لك أن تتثبّت ولا تسرع إليّ بسوء العشرة وجفاء القول. فقال له: قد أخطأت وأنا أعتذر إليك مما جرى، وأسألك أن تنزل اليّ وتختلط بي. فقال: أمّا الآن فلا. فلم يزل يرفق به حتى نزل إليه. فقال [3] له الرجل: ممن أخذت هذا الغناء؟ قال: من بعض أهل الحجاز، فمن أين أخذه جواريك؟ فقال: أخذنه من جارية كانت لي ابتاعها رجل من أهل البصرة من مكة، وكانت قد أخذت عن أبي عبّاد معبد وعني بتخريجها، فكانت تحلّ منّي محلّ الروح من الجسد، ثم استأثر اللّه عزّ وجلّ بها، وبقي هؤلاء الجواري وهنّ من تعليمها، فأنا إلى الآن أتعصّب لمعبد وأفضّله على المغنّين جميعا وأفضّل صنعته على كل صنعة. فقال له معبد: أو إنك [4] لأنت هو! أفتعرفني؟ قال لا. قال: فصكّ [5] معبد بيده صلعته ثم قال: فأنا واللّه معبد، وإليك قدمت من الحجاز، ووافيت البصرة ساعة نزلت السفينة لأقصدك بالأهواز، وو اللّه لا قصّرت في جواريك هؤلاء، ولأجعلنّ لك في كلّ واحدة منهنّ خلفا من الماضية. فأكبّ الرجل والجواري على يديه ورجليه يقبّلونها ويقولون: كتمتنا نفسك طول/ هذا
__________
[1] في جميع الأصول: «عوجا منكما». والتصويب من نسخة «مسالك الأبصار» المخطوطة بدار الكتب المصرية تحت رقم 99 تاريخ م.
[2] في أ، ت، ء، م: «أما تقومين».
[3] في ت: «فقال: أيها الرجل».
[4] في ت: «و إنك لأنت هو» بغير همزة الاستفهام.
[5] صكّ: ضرب.
[اليوم] [1] حتى جفوناك في المخاطبة، وأسأنا عشرتك، وأنت سيّدنا ومن نتمنّى على اللّه أن نلقاه. ثم غيّر الرجل زيّه وحاله وخلع عليه عدّة خلع، وأعطاه في وقته ثلاثمائة دينار وطيبا وهدايا بمثلها، وانحدر معه إلى الأهواز، فأقام عنده حتى رضي حذق جواريه وما أخذنه عنه، ثم ودّعه وانصرف إلى الحجاز.
غناء معبد للوليد بن يزيد
أخبرني الحسن بن عليّ الخفّاف وعبد الباقي بن قانع قالا: حدّثنا محمد بن زكريّا الغلابيّ [2] قال حدّثني مهديّ بن سابق قال حدّثني سليمان بن غزوان مولى هشام قال حدّثني عمر القاري [3] بن عديّ قال:
قال الوليد بن يزيد يوما: لقد اشتقت إلى معبد، فوجّه البريد إلى المدينة فأتى بمعبد، وأمر الوليد ببركة قد هيّئت له فملئت بالخمر والماء، وأتيّ بمعبد فأمر به فأجلس والبركة بينهما، وبينهما ستر قد أرخي، فقال له غنّني يا معبد:
صوت
لهفي على فتية ذلّ الزمان لهم ... فما أصابهم إلا بما شاءوا
ما زال يعدو عليهم ريب دهرهم ... حتى تفانوا وريب الدهر عدّاء
أبكى فراقهم عيني وأرّقها ... إنّ التفرّق للأحباب بكّاء
- الغناء لمعبد خفيف ثقيل، وفيه ليحيى المكّيّ رمل، ولسليمان هزج، كلّها رواية الهشاميّ - قال: فغنّاه إيّاه، فرفع الوليد السّتر ونزع ملاءة مطيّبة كانت عليه/ وقذف نفسه في تلك البركة، فنهل فيها نهلة، ثم أتي بأثواب غيرها وتلقّوه بالمجامر [4] والطّيب، ثم قال غنّني:
صوت
يا ربع مالك لا تجيب متيّما ... قد عاج نحوك زائرا ومسلّما
جادتك كلّ سحابة [5] هطّالة ... حتى ترى عن زهرة [6] متبسّما
- الغناء لمعبد ثاني ثقيل بالوسطى والخنصر عن آبن المكيّ. وفيه لعلّوية ثاني ثقيل/ آخر بالبنصر في مجراها
__________
[1] زيادة في ت.
[2] في ت: «العلائي» وهو تحريف؛ إذ هو أبو بكر محمد بن زكريا بن دينار الغلابيّ البصري. كذا أورده السيد مرتضى في مادة غلب في كلامه على من سمى بغلاب كسحاب. وضبطه السمعاني بفتح الغين المعجمة واللام. وأورده ابن النديم في «الفهرست» وقال: إنه أبو عبد اللّه محمد بن زكريا بن دينار الغلابي أحد الرواة للسّير والأحداث والمغازي وغير ذلك، وذكر له أسماء مؤلفات عدّة (انظر «الفهرست» طبع ليبزج ص 108).
[3] كذا في أ، ء. وفي ح، ر، ب، س: «عمرو بن القارىء بن عدي». وفي ت: «عمر بن القاري بن عدي» وفي م: «عمر القادري بن عدي». ولم نعثر على هذا الاسم حتى ترجح بعضها. وقد ورد هذا الاسم في الصفحة الآتية: «القارىء بن عدي».
[4] المجامر: جمع مجمرة (بكسر الميم) وهي المبخرة. والمجمر بحذف الهاء: ما يبخر به من عود وغيره، وقد يراد به ما يراد بالمجمرة أيضا.
[5] في ح: «سحية» بالحاء وهي محرّفة عن «سخيّة».
[6] الزّهرة: البهجة والنضارة والحسن. وقد صوّبه الشنقيطيّ:
حتى يرى عن زهره متبسما
بالالتفات من الخطاب إلى الغيبة.
عنه - قال: فغنّاه فدعا له بخمسة عشر ألف دينار فصبّها بين يديه، ثم قال: انصرف إلى أهلك واكتم ما رأيت.
وأخبرني بهذا الخبر عمّي فجاء ببعض معانيه وزاد فيه ونقص، قال: حدّثني هارون بن محمد بن عبد الملك الزّيات قال حدّثني سليمان بن سعد [1] الحلبيّ قال:
سمعت القاري بن عديّ يقول: إشتاق الوليد بن يزيد إلى معبد، فوجّه إليه إلى المدينة فأحضر. وبلغ الوليد قدومه، فأمر ببركة بين يدي مجلسه فملئت ماء ورد قد خلط بمسك وزعفران، ثم فرش للوليد في داخل البيت على حافة البركة، وبسط لمعبد مقابله على حافة البركة، ليس معهما ثالث، وجيء بمعبد فرأى سترا مرخى ومجلس رجل واحد. فقال له الحجّاب: يا معبد، سلّم على أمير المؤمنين واجلس في هذا الموضع؛ فسلّم فردّ عليه الوليد السّلام من خلف السّتر، ثم قال له: حيّاك اللّه يا معبد! أتدري لم وجّهت/ إليك؟ قال: اللّه أعلم وأمير المؤمنين.
قال: ذكرتك فأحببت أن أسمع منك. قال معبد: أأغنّي ما حضر أم ما يقترحه أمير المؤمنين؟ قال: بل غنّني:
ما زال يعدو عليهم ريب دهرهم ... حتى تفانوا وريب الدهر عدّاء
فغنّاه، فما فرغ منه حتى رفع الجواري السّجف، ثم خرج الوليد فألقى نفسه في البركة فغاص فيها ثم خرج منها، فاستقبله الجواري بثياب غير الثياب الأولى، ثم شرب وسقى معبدا، ثم قال له: غنّني يا معبد:
يا ربع مالك لا تجيب متيّما ... قد عاج نحوك زائرا ومسلّما
جادتك كلّ سحابة هطّالة ... حتى ترى عن زهرة متبسّما
لو كنت تدري من دعاك أجبته ... وبكيت من حرق عليه إذا دما
قال: فغنّاه، وأقبل الجواري فرفعن السّتر، وخرج الوليد فألقى نفسه في البركة فغاص فيها ثم خرج، فلبس ثيابا غير تلك، ثم شرب وسقى معبدا، ثم قال له: غنّني. فقال: بماذا يا أمير المؤمنين؟ قال غنّني:
عجبت لمّا رأتني ... أندب الربع المحيلا [2]
واقفا في الدار أبكي ... لا أرى إلا الطّلولا
كيف تبكي لأناس ... لا يملّون الذّميلا؟ [3]
كلّما قلت اطمأنّت ... دارهم قالوا [4] الرّحيلا
قال: فلمّا غنّاه رمى نفسه في البركة ثم خرج، فردّوا عليه ثيابه، ثم شرب وسقى معبدا، ثم أقبل عليه الوليد فقال له: يا معبد، من أراد أن يزداد عند الملوك حظوة/ فليكتم أسرارهم. فقلت: ذلك ما لا يحتاج أمير المؤمنين إلى إيصائي به. فقال: يا غلام، احمل إلى معبد عشرة آلاف دينار تحصّل [5] له في بلده وألفي دينار لنفقة طريقه،
__________
[1] في ت: «سعيد» وفي خ، ر: «سعيد الخير». ولم نعثر على هذا الاسم حتى نرجح إحدى ما في الأصول.
[2] المحيل: الذي أتت عليه أحوال فغيّرته.
[3] الذميل كأمير: السير اللّين ما كان أو هو فوق العنق.
[4] في ت: «صاحوا» وفي «نهاية الأرب» ج 4 ص 281: «جدّوا».
[5] أي تدفع وتسلّم.
فحملت إليه كّلها، وحمل على البريد [1] من وقته إلى المدينة.
خبر معبد مع الرجل الشاميّ الذي لم يستحسن غناءه
قال إسحاق: وقال معبد: أرسل إليّ الوليد بن يزيد فأشخصت إليه. فبينا أنا يوما في بعض حمّامات الشأم إذ دخل عليّ رجل له هيبة ومعه غلمان له، فاطّلى [2] واشتغل به صاحب الحمّام عن سائر الناس. فقلت: واللّه لئن لم أطلع هذا على بعض ما عندي لأكوننّ/ بمزجر الكلب؛ فاستدبرته حيث يراني ويسمع منّي، ثم ترنّمت، فالتفت إليّ وقال للغلمان: قدّموا إليه [جميع] [3] ما ها هنا، فصار جميع ما كان بين يديه عندي. قال: ثم سألني أن أسير معه إلى منزله فأجبته، فلم يدع من البرّ والإكرام شيئا إلا فعله، ثم وضع النبيذ، فجعلت لا آتي بحسن إلّا خرجت إلى ما هو أحسن منه وهو لا يرتاح ولا يحفل لما [4] يرى منّي. فلما طال عليه أمري قال: يا غلام، شيخنا شيخنا، فأتي بشيخ، فلما رآه هشّ إليه، فأخذ الشيخ العود ثم اندفع يغنّي.
سلّور في القدر ويلي علوه [5] ... جاء القطّ أكله ويلي علوه [5]
- /السّلّور: السّمك الجرّيّ [6] بلغة أهل الشأم - قال: فجعل صاحب المنزل يصفّق ويضرب برجله طربا وسرورا. قال: ثم غنّاه:
وترميني حبيبة بالدّراقن [7] ... وتحسبني حبيبة لا أراها
- الدّراقن: اسم الخوخ بلغة أهل الشأم - قال: فكاد أن يخرج من جلده طربا. قال: وانسللت منهم فانصرفت ولم يعلم بي. فما رأيت مثل ذلك اليوم قطّ غناء أضيع، ولا شيخا أجهل!
__________
[1] البريد: مسافة تقدّر باثني عشر ميلا، ويطلق على الرسول المرتب لنقل الرسائل. وقد قال الخليل بن أحمد: إنه عربيّ مشتق من بردت الحديد إذا أرسلت ما يخرج منه، أو من برد إذا ثبت لأنه يأتي بما تستقرّ عليه الأخبار. وذهب آخرون إلى أنه فارسيّ معرّب.
قال ابن الأثير في «النهاية»: إن أصله «بريده دم» ومعناه مقصوص الذنب. وذلك أن ملوك الفرس كان من عادتهم أنهم إذا أقاموا بغلا في البريد قصّوا ذنبه ليكون علامة على أنه من بغال البريد.
وقد كان البريد موجودا في عهد الأكاسرة من ملوك الفرس والقياصرة ملوك الروم. أما في الإسلام فقد ذكر أبو هلال العسكريّ في كتابه «الأوائل»: أن أوّل من وضعه في الإسلام معاوية بن أبي سفيان وأحكمه بعده عبد الملك بن مروان ا ه باختصار عن «صبح الأعشى» ج 14 ص 366 - 372.
[2] اطّلى: لطخ نفسه بنورة أو نحوها.
[3] زيادة في ت.
[4] الذي في «اللسان»: حفله وحفل به، مثل بالاه وبالى به.
[5] لعلّ هذه لهجة شامية إذا ذاك في كلمة «عليه».
[6] الجرّيّ كذّميّ: حوت يكون بنيل مصر طويل أملس ليس له فصوص ولا ريش وله رأس إلى الطول وفم مستطيل كالخرطوم، وسماه ديسقور يدوس «سلورس». وقال إسحاق بن سليمان: أهل مصر يسمون الجرّيّ «السّلّور» (انظر «مفردات ابن البيطار» مادة أرى).
وقد ضبطه صاحب «القاموس» في مادّة «صلور» بأنه كسّنور. وذكره ابن الأثير في «النهاية» في حديث عمّار: «لا تأكلوا السلور والأنقليس» وفسر الصلور بالجرّيّ، والأنقليس بالمار ماهي، وقال: إنهما نوعان من السمك كالحيات.
[7] الدّراقن كعلابط وقد تشدّد الراء، قال السيد مرتضى: وهو المشهور على الألسنة، وقد فسره صاحب «القاموس» بأنه المشمش.
وذكر السيد مرتضى قول ابن دريد: إن عرب الشأم يسمون الخوخ «الدراقن» وقال: إن تفسيره بالمشمش غير معروف. (انظر «تاج العروس» مادة دراقن).
معبد وابن عائشة
قال إسحاق: وذكر لي شيخ من أهل المدينة عن هارون بن سعد: أن ابن عائشة كان يلقي عليه وعلى ربيحة [1] الشّمّاسيّة، فدخل معبد فألقى عليهما صوتا، فاندفع ابن عائشة يغنّيه وقد أخذه منه؛ فغضب معبد وقال:
أحسنت يابن عاهرة [2] الدّار، تفاخرني! فقال: لا واللّه - جعلني اللّه فداءك يا أبا عبّاد - ولكنّي أقتبس منك،/ وما أخذته إلّا عنك، ثم قال: أنشدك [3] اللّه يابن شمّاس، هل قلت لك: قد جاء أبو عبّاد فاجمع بيني وبينه أقتبس منه؟ قال: اللّهم نعم.
أخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد عن أبيه [4] قال:
قيل لابن عائشة، وقد غنّى صوتا أحسن فيه فقال: أصبحت أحسن الناس غناء، فقيل له: وكيف أصبحت أحسن الناس غناء؟ قال: وما يمنعني من ذلك وقد أخذت من أبي عبّاد أحد عشر صوتا، وأبو عبّاد مغنّي أهل المدينة والمقدّم فيهم! [5] أخبرنا وكيع قال حدّثنا حمّاد بن إسحاق قال حدّثني أبي قال حدّثني أيّوب بن عباية عن رجل من هذيل قال:
قدومه مكة والتقاؤه بالمغنين بها
قال معبد: غنّيت فأعجبني غنائي وأعجب الناس وذهب لي به صيت [6] وذكر، فقلت: لآتينّ مكّة فلأسمعنّ من المغنّين بها ولأغنّينّهم ولأتعرّفنّ إليهم، فابتعت حمارا فخرجت عليه إلى مكّة. فلمّا قدمتها بعت حماري وسألت عن المغنّين أين يجتمعون؟ فقيل: بقعيقعان [7] في بيت فلان، فجئت إلى منزله بالغلس [8] فقرعت الباب، فقال:
من هذا؟ فقلت: انظر عافاك اللّه! فدنا وهو يسبّح ويستعيد كأنه يخاف، ففتح فقال: من أنت عافاك اللّه؟ قلت:
رجل من أهل المدينة. قال:/ فما حاجتك؟ قلت: أنا رجل أشتهي الغناء، وأزعم أني أعرف منه شيئا، وقد بلغني أنّ القوم [9] يجتمعون عندك، وقد أحببت أن تنزلني في جانب منزلك وتخلطني بهم، فإنه لا مئونة عليك ولا عليهم منّي [10]. فلوى [11] شيئا ثم قال: انزل على بركة اللّه. قال: فنقلت متاعي فنزلت في جانب حجرته. ثم جاء القوم حين أصبحوا واحدا بعد واحد [12] حتى اجتمعوا، فأنكروني وقالوا: من هذا الرجل؟ قال: رجل من أهل المدينة
__________
[1] لم نعثر على ضبطه وقد ضبطناه قياسا على تسميتهم «ربيح» بالتصغير.
[2] كذا في ر. وفي أم،: «يابن عائشة» وفي سائر النسخ: «يابن عاهة الدار».
[3] في ح، ر: «أنشدك باللّه» وكلاهما صحيح.
[4] في س: «أخبرني الحسين عن ابن حماد عن أبيه» وفي ب، ر: «أخبرني الحسين بن حماد عن أبيه» وفي ح: «أخبرني الحسن بن حماد عن أبيه» وكلها أسانيد مضطربة. وقد اعتمدنا ما أثبتناه في الصلب وقد تقدّم مرارا.
[5] كذا في ح، ر. وفي ت: «و متقدّمهم» وفي سائر النسخ: «و المقدّم منهم عليهم».
[6] في ت، ح، ر: «صوت». والصوت والصّات والصّيت: الذكر.
[7] قعيقعان: اسم قرية بها مياه وزروع ونخيل قرب مكة بينها وبين مكة اثنا عشر ميلا (ياقوت).
[8] الغلس: ظلمة آخر الليل إذا اختلطت بضوء الصباح.
[9] في ت: «المغنّين».
[10] في ت: «في ذلك».
[11] أي تمكّث قليلا.
[12] في ت «واحدا واحدا».
خفيف يشتهي الغناء ويطرب عليه، ليس عليكم منه عناء [1] ولا مكروه. فرحّبوا بي وكلّمتهم، ثم انبسطوا/ وشربوا وغنّوا، فجعلت أعجب بغنائهم وأظهر ذلك لهم ويعجبهم مني، حتى أقمنا أيّاما، وأخذت من غنائهم وهم لا يدرون أصواتا وأصواتا وأصواتا. ثم قلت لابن سريج: أي [2] فديتك! أمسك عليّ صوتك:
قل لهند وتربها [3] ... قبل شحط [4] النّوى غدا
قال: أو تحسن شيئا؟ قلت: تنظّر [5]، وعسى أن أصنع شيئا، واندفعت فيه فغنّيته، فصاح وصاحوا وقالوا: أحسنت قاتلك اللّه! قلت: فأمسك [6] عليّ صوت كذا فأمسكوه عليّ، فغنّيته، فآزدادوا عجبا وصياحا.
فما تركت واحدا منهم إلا غنّيته من غنائه أصواتا قد تخيّرتها. قال: فصاحوا حتى علت أصواتهم وهرفوا [7] بي وقالوا:/ لأنت أحسن بأداء غنائنا عنّا منّا. قال: قلت: فأمسكوا عليّ [و لا تضحكوا [8] بي حتى تسمعوا من غنائي [9]]، فأمسكوا عليّ؛ فغنّيت صوتا من غنائي فصاحوا بي، ثم غنّيتهم آخر وآخر فوثبوا إليّ وقالوا: نحلف باللّه إنّ لك لصيتا واسما وذكرا، وإنّ لك فيما ها هنا لسهما عظيما، فمن أنت؟ قلت: أنا معبد. فقبّلوا رأسي وقالوا: لفّقت [10] علينا وكنّا نتهاون بك ولا نعدّك شيئا وأنت أنت. فأقمت عندهم شهرا آخذ منهم ويأخذون منّي، ثم انصرفت إلى المدينة.
نسبة هذا الصوت
صوت
قل لهند وتربها ... قبل شحط النّوى غدا
إن تجوي فطالما ... بتّ ليلي مسهّدا
أنت في ودّ بيننا ... خير ما عندنا يدا
حين تدلي مضفّرا ... حالك اللّون أسودا
الشعر لعمر بن أبي ربيعة، والغناء لابن سريج عن حمّاد ولم يجنّسه. وفيه لمالك خفيف ثقيل أوّل بالبنصر في مجراها عن إسحاق. وقال الهشاميّ: فيه لابن محرز خفيف ثقيل بالوسطى.
__________
[1] في ت: «غبن» وفي بعض النسخ «عين أو غين» وهما مصحفان عنها.
[2] كذا في ت، ح، ر يريد: يا مولاي، أو يا سيدي، فأي للنداء، والمنادى محذوف وفي سائر الأصول: «إني فديتك».
[3] التّرب: الّلدة وهو من يماثلك في سنّك، وأكثر ما يستعمل التّرب في الإناث.
[4] الشّحط: البعد.
[5] تنظّر: تأنّ وتريّث.
[6] في ح، ر: «و أمسك».
[7] هرف بفلان (من باب ضرب) هنا: مدحه حتى جاوز القدر في الثناء والإطراء.
[8] يقال: ضحك به ومنه بمعنى.
[9] هذه الجملة ساقطة من ت، ح، ر.
[10] أي سترت علينا أمرك حتى لم نعرفك.
ومن الثلاثة الأصوات المختارة
صوت فيه أربعة ألحان من رواية عليّ بن يحيى
ثاني الثلاثة الأصوات المختارة
تشكّى الكميت الجري لمّا جهدته ... وبيّن لو يسطيع أن يتكلمّا
لذلك أدني دون خيلي [1] مكانه ... وأوصي به ألّا يهان ويكرما [2]
فقلت له: إن ألق للعين قرّة ... فهان علي أن تكلّ وتسأما
عدمت إذا وفري وفارقت مهجتي ... لئن لم أقل قرنا [3] إن اللّه سلّما
عروضه من الطويل. قوله: «لئن لم أقل قرنا»، يعني أنه يجدّ في سيره حتى يقيل بهذا الموضع، وهو قرن المنازل، وكثيرا ما يذكره في شعره.
الشعر لعمر بن أبي ربيعة المخزوميّ، والغناء في هذا اللّحن المختار لابن سريج، ثاني ثقيل مطلق في مجرى الوسطى. وفيه لإسحاق أيضا ثاني ثقيل بالبنصر عن عمرو بن بانة. وفيه ثقيل أوّل يقال إنه ليحيى المكّي. وفيه خفيف رمل يقال إنه لأحمد بن موسى المنجّم. وفيه للمعتضد ثاني ثقيل آخر في نهاية الجودة. وقد كان عمرو بن/ بانة صنع فيه لحنا فسقط لسقوط صنعته.
أخبرني جحظة قال حدّثني أبو عبد اللّه الهشاميّ قال:
صنع عمرو بن بانة لحنا في «تشكّي الكميت الجري» فأخبرني بعض عجائزنا بذلك، قالت فأردنا أن نعرضه على متيّم لنعلم ما عندها فيه، فقلنا لبعض من أخذه عن عمرو: غنّ «تشكّى الكميت الجري» في اللحن الجّديد، فقالت متيّم: أيش [4] هذا اللحن/ الجديد والكميت المحدث؟ قلنا: لحن صنعه عمرو بن بانة. فغنّته الجارية، فقالت متيّم لها: اقطعي اقطعي، حسبك حسبك هذا! واللّه لحمار حنين المكسور أشبه مه بالكميت.
__________
[1] في «ديوانه» «رباطه».
[2] ورد هذا البيت في «الديوان» بعد البيت: «عدمت إذا وفرى ... ».
[3] في «ديوانه» «إذا».
[4] منحوتة من «أيّ شي ء».
3 - ذكر خبر عمر بن أبي ربيعة ونسبه
نسب عمر بن أبي ربيعة
هو عمر بن عبد اللّه بن أبي ربيعة، واسم أبي ربيعة: حذيفة بن المغيرة بن عبد اللّه بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن مرّة بن كعب بن لؤيّ بن غالب بن فهر. وقد تقدّم باقي النسب في نسب أبي قطيفة. ويكنى عمر بن أبي ربيعة «أبا الخطّاب». وكان أبو ربيعة جدّه يسمّى «ذا الرّمحين»، سمّي بذلك لطوله، كان يقال: كأنه يمشي على رمحين.
أخبرني بذلك الحرميّ بن أبي العلاء قال حدثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثني عمّي ومحمد بن الضّحّاك عن أبيه الضّحّاك عن عثمان بن عبد الرحمن اليربوعيّ. وقيل: إنه قاتل يوم عكاظ برمحين فسمّي «ذا الرّمحين» لذلك.
وأخبرني بذلك أيضا عليّ بن صالح بن الهيثم قال حدّثني أبو هفّان عن إسحاق بن إبراهيم الموصليّ عن مصعب الزبيريّ والمدائنيّ والمسيّبيّ ومحمد بن سلّام [1]، قالوا: وفيه يقول عبد اللّه بن الزّبعرى:
/ ألا للّه قوم و ... لدت أخت بني سهم
هشام وأبو عبد ... مناف مدرة [2] الخصم
وذو الرّمحين أشباك [3] ... على القوّة والحزم
فهذان يذودان ... وذا من كثب يرمي
أسود تزدهي [4] الأقرا ... ن منّاعون للهضم
وهم يوم عكاظ م ... نعوا الناس من الهزم
وهم من ولدوا أشبوا [5] ... بسرّ الحسب الضّخم
فإن أحلف وبيت اللّ ... ه لا أحلف على إثم
__________
[1] قال في «كتاب المغني» المطبوع بهامش «تقريب التهذيب» طبع الهند: سلام كله بالتشديد إلا عبد اللّه بن سلام وأبا عبد اللّه محمد ابن سلام شيخ البخاريّ. ثم قال: وشدّده جماعة والمختار فيه التخفيف. أه بشيء من التصرّف. وقد جاء بعده في ب، س:
«و العسيبي» وهي زيادة لم تستند إلا إلى نسخة ح المخطوطة. ولعله ذكر فيها هذا الاسم محرّفا عن المسيبيّ لاتفاق أكثر النسخ على ذلك.
[2] المدره: زعيم القوم وخطيبهم والمتكلم عنهم، وقد أطلق تجوّزا الآن على المحامي.
[3] في جميع النسخ: «أشبال» وهو تحريف. والتصويب عن «أمالي القالي» طبع دار الكتب المصرية ج 3 ص 208 قال: ويقال أشباك بفلان كما يقال حسبك بفلان، وأنشد هذا البيت. وقد ضبطه الشنقيطي بهامش نسخته بضمتين فوق الكاف وهو خطأ.
[4] تزدهي الأقران: تستخفّ بهم وتتهاون.
[5] يقال: أشبى فلان إذا ولد له ولد كيّس.
لما من إخوة بين ... قصور الشأم والرّدم [1]
بأزكى من بني ريط ... ة أو أوزن في الحلم
أبو عبد مناف: الفاكه بن المغيرة. وريطة هذه التي عناها هي أمّ بني المغيرة، وهي بنت سعيد بن سعد بن سهم، ولدت من المغيرة هشاما وهاشما ربيعة والفاكه.
/ وأخبرني أحمد بن سليمان بن داود الطّوسيّ والحرميّ بن أبي العلاء قالا: حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثنا محمد بن يحيى عن عبد العزيز بن أبي ثابت قال أخبرني محمد بن عبد العزيز عن [2] ابن أبي نهشل عن أبيه قال:
قال لي أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام - وجئته أطلب/ منه مغرما - يا خال، هذه أربعة آلاف درهم وأنشد هذه الأبيات الأربعة وقل: سمعت حسّان ينشدها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم. فقلت: أعوذ باللّه أن أفتري على اللّه ورسوله، ولكن إن شئت أن أقول: سمعت عائشة تنشدها فعلت. فقال: لا، إلّا أن تقول: سمعت حسّان ينشدها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم ورسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم جالس، فأبى عليّ وأبيت عليه، فأقمنا لذلك لا نتكلّم عدّة ليال. فأرسل إليّ فقال: قل أبياتا تمدح بها هشاما - يعني ابن المغيرة - وبني أميّة. فقلت: سمّهم لي، فسمّاهم وقال: اجعلها في عكاظ واجعلها لأبيك. فقلت:
ألا للّه قوم و ... لدت أخت بني سهم
الأبيات. قال: ثم جئت فقلت: هذه قالها أبي. فقال: لا، ولكن قل: قالها ابن الزّبعري. قال: فهي إلى الآن منسوبة في كتب الناس إلى ابن الزّبعري.
قال الزبير: وأخبرني محمد بن الحسن [3] المخزوميّ قال: أخبرني محمد بن طلحة أنّ عمر بن أبي ربيعة قائل هذه الأبيات:
ألا للّه قوم و ... لدت أخت بني سهم
/ أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ وحبيب بن نصر المهلّبيّ قالا: حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثني محمد بن يحيى قال حدّثني عبد العزيز بن عمران قال حدّثني محمد بن عبد العزيز عن ابن أبي نهشل عن أبيه بمثل ما رواه الزّبير عنه. وزاد فيه عمر بن شبّة: قال محمد بن يحيى: و «أخت بني سهم التي عناها ريطة بنت سعيد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤيّ بن غالب، وهي أمّ بني المغيرة بن عبد اللّه بن عمر بن مخزوم وهم:
هشام وهاشم وأبو ربيعة والفاكه، وعدّة غيرهم لم يعقبوا [4]، وإيّاهم يعني أبو ذؤيب بقوله:
__________
[1] ورد هذا البيت والذي بعد في «الأمالي» هكذا:
ما إن إخوة بين ... قصور الشأم والردم
كأمثال بني ريط ... ة من عرب ولا عجم
وفي ب، س: «تبني ... قصور الشام» وهو تحريف.
[2] كذا في ت، وفي ب، س، ح: «عبد العزيز بن أبي نهشل» وفي م، ء، أ: «عبد العزيز عن أبي نهشل» وكلاهما تحريف وقد تكرر كما في الصلب قريبا في الصفحة التالية.
[3] كذا في ت، ح، ر. وفي سائر النسخ: «الحسين» وهو تحريف؛ إذ هو محمد بن الحسن بن زبالة المخزوميّ المدنيّ.
[4] لم يعقبوا: لم يجيئوا بنسل.
صخب الشّوارب لا يزال كأنه ... عبد لآل أبي ربيعة مسبع [1]
ضرب بعزّهم المثل. [قال] [2]: وكان اسم عبد اللّه بن أبي ربيعة في الجاهلية بحيرا [3]، فسمّاه رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم عبد اللّه، وكانت قريش تلقّبه «العدل»، لأنّ قريشا كانت تكسو الكعبة في الجاهلية بأجمعها من أموالها سنة، ويكسوها هو من ماله سنة، فأرادوا بذلك أنه وحده عدل لهم جميعا في ذلك.
وفيه يقول ابن الزّبعري:
بحير بن ذي الرّمحين قرّب مجلسي ... وراح عليّ خيره غير عاتم [4]
وقد قيل: إن العدل هو الوليد بن المغيرة.
وكان عبد اللّه بن أبي ربيعة تاجرا موسرا، وكان متجره إلى اليمن، وكان من أكثرهم مالا. وأمّه أسماء بنت مخرّبة [5]، وقيل: مخرّمة، وكانت عطّارة يأتيها/ العطر من اليمن. وقد تزوّجها هشام بن المغيرة أيضا، فولدت له إبا جهل والحارث ابني هشام، فهي أمّهما وأمّ عبد اللّه وعيّاش ابني أبي ربيعة.
أخبرني الحرميّ والطّوسيّ قال: حدّثنا الزّبير قال حدّثني عمّي عن الواقديّ قال:
كانت أسماء بنت مخرّبة تبيع العطر بالمدينة. فقالت الرّبيّع بنت معوّذ بن عفراء الأنصاريّة - وكان أبوها قتل أبا جهل بن هشام يوم بدر واحتزّ رأسه عبد اللّه بن مسعود - وقيل: بل عبد اللّه بن مسعود هو الذي قتله - فذكرت أنّ أسماء بنت مخرّبة دخلت عليها وهي تبيع عطرا لها في نسوة، قالت:/ فسألت عنّا، فانتسبنا لها. فقالت: أأنت ابنة قاتل سيّده؟ تعني أبا جهل. قلت: بل أنا بنت قاتل عبده. قالت: حرام عليّ أن أبيعك من عطري شيئا.
قلت: وحرام عليّ أن أشتري منه شيئا، فما وجدت لعطر نتنا غير عطرك، ثم قمت، ولا واللّه ما رأيت عطرا أطيب من عطرها، ولكنّي أردت أن أعيبه لأغيظها.
وكان لعبد اللّه بن أبي ربيعة عبيد من الحبشة يتصرّفون في جميع المهن، وكان عددهم كثيرا، فروي عن سفيان بن عيينة أنه قيل لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم حين خرج إلى حنين: هل لك في حبش بني المغيرة تستعين بهم؟
فقال: «لا خير في الحبش إن جاعوا سرقوا وإن شبعوا زنوا، وإنّ فيهم لخلّتين [6] حسنتين إطعام الطعام والبأس يوم البأس». واستعمل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم عبد اللّه بن أبي ربيعة على الجند ومخلفيها [7]، فلم يزل عاملا عليها حتى قتل
__________
[1] هذا وصف لحمار الوحش. وفي «لسان العرب»: يقال حمار صخب الشوارب: يردّد نهاقه في شواربه. والشوارب: مجاري الماء في الحلق. وعبد مسبع: مهمل جريء ترك حتى صار كالسبع. (انظر «اللسان» في مادتي صخب وسبع).
[2] زيادة عن ت.
[3] كذا في أ، ء. وفي سائر النسخ: «بجير» بالجيم وهو تحريف؛ إذ هو بجير بن أبي ربيعة المخزوميّ (انظر «تاج العروس» مادة بحر).
[4] عاتم: مبطى ء.
[5] مخرّبة كمحدّثة «قاموس».
[6] الخلة: الخصلة وزنا ومعنى.
[7] الجند (بالتحريك): ولاية إسلامية من ولايات اليمن الثلاث، وهي الجند وصنعاء وحضر موت. وبالجند مسجد بناه معاذ بن جبل رضي اللّه عنه. والمخاليف: جمع مخلاف، وهو الكورة والرستاق (القرية والسواد).
عمر بن الخطّاب/ رضي اللّه عنه. هذا من رواية الزّبير عن عمّه. قال: وحدّثني ابن الماجشون [1]. عن عمّه أنّ عثمان بن عفّان - رحمه اللّه - استعمله أيضا عليها.
أمّ عمر بن أبي ربيعة وأخوه الحارث الملقب بالقباع
وأمّ عمر بن أبي ربيعة أمّ ولد يقال لها «مجد»، سبيت من حضر موت، ويقال من حمير. قال أبو محلّم [2] ومحمد بن سلّام: هي من حمير، ومن هناك أتاه الغزل، يقال: غزل يمان، ودلّ حجازيّ.
وقال عمر بن شبّة: أمّ عمر بن أبي ربيعة أمّ ولد سوداء من حبش يقال لهم: فرسان [3]. وهذا غلط من أبي زيد [4]، تلك أمّ أخيه الحارث بن عبد اللّه الذي يقال له: «القباع»، وكانت نصرانيّة. وكان الحارث بن عبد اللّه شريفا كريما ديّنا وسيّدا من سادات قريش.
قال الزّبير بن بكّار: ذكره عبد الملك بن مروان يوما وقد ولّاه عبد اللّه بن الزّبير، فقال: أرسل عوفا وقعد [5]! «لا حرّ بوادي [6] عوف». فقال له يحيى/ بن الحكم: ومن الحارث ابن السّوداء! فقال له عبد الملك: ما ولدت واللّه أمة خيرا مما ولدت أمّه!.
وأخبرني عليّ بن صالح عن أبي هفّان عن إسحاق بن إبراهيم عن الزّبير والمدائنيّ والمسيّبيّ: أن أمّه ماتت نصرانيّة وكانت تسرّ ذلك منه. فحضر الأشراف جنازتها، وذلك في عهد عمر بن الخطّاب - رحمة اللّه عليه - فسمع الحارث من النساء لغطا [7]، فسأل عن الخبر، فعرّف أنها ماتت نصرانيّة وأنه وجد الصليب في عنقها، وكانت تكتمه ذلك. فخرج إلى الناس فقال: انصرفوا رحمكم اللّه، فإنّ لها أهل دين هم أولى بها منّا ومنكم فاستحسن ذلك منه وعجب الناس من فعله.
__________
[1] معرّب ماه كون أي لون القمر «قاموس». وهو مثلث الجيم كما في «تاج العروس». وقال السيد مرتضى: إن النوويّ في «شرح مسلم» والحافظ بن حجر في «التقريب» اقتصرا على كسر الجيم وضم الشين.
[2] لم نعثر له على ضبط. وقد جاء في «اللسان» في مادة حلم «محلّم اسم رجل ومن أسماء الرجال محلّم» فلعل ضبطه كذلك.
[3] في أ، م، ء. «مرسان» ولم نعثر عليه. وفي ياقوت: فرسان بالفتح والتحريك وآخره نون. ثم قال: وقال ابن الحائك: من جزائر اليمن جزائر فرسان. وفرسان قبيلة من تغلب كانوا قديما نصارى ولهم في جزائر فرسان كأس قد خربت ... ويحملون التجار إلى بلد الحبش ا ه.
[4] أبو زيد: كنية عمر بن شبة، واسم أبيه زيد. وإنما قيل له ابن شبة لأن أمه كانت ترقصه وتقول:
يا بابي يا شبّا ... وعاش حتى دبّا
شيخا كبيرا خبا
ا ه من «بغية الوعاة» للسيوطيّ.
[5] في ب، س: «أرسل عوفا وقعد وقال: لا حر بوادي عوف» الخ والمراد أنه اعتمد على عظيم واستراح.
[6] هو عوف بن محلم بن ذهل بن شيبان، وقد طلب منه عمرو بن هند أن يسلم إليه مروان القرظ وكان قد أجاره، فمنعه وأبى أن يسلمه؛ فقال الملك: «لا حرّ بوادي عوف» أي إنه يقهر من حلّ بواديه، فكلّ من فيه كالعبيد له لطاعتهم إياه. يضرب مثلا للرجل يسود الناس فلا ينازعه أحد منهم في سيادته. (انظر «أمثال الميدانيّ» ج 2 ص 157).
[7] في ب، س، ح: «لفظا» وهو تحريف.
نسبة ما في هذه الأخبار من الغناء
الغناء في «ألا للّه قوم» ... الأبيات
صوت
ألا للّه قوم و ... لدت أخت بني سهم
هشام وأبو عبد ... مناف مدرة الخصم
وذو الرّمحين أشباك ... على القوّة والحزم
فهذان يذودان ... وذا من كثب يرمي
عروضه من مكفوف الهزج [1]. الغناء لمعبد خفيف رمل من رواية حمّاد.
رأي يزيد بن عبد الملك في غناء معبد وابن سريج
أخبرني محمد بن خلف وكيع قال قال إسماعيل بن مجمّع أخبرنا المدائنيّ عن رستم ابن صالح قال:
/ قال يزيد بن/ عبد الملك يوما لمعبد: يا أبا عبّاد، أني أريد أن أخبرك عن نفسي وعنك، فإن قلت فيه خلاف ما تعلم فلا تتحاش أن تردّه عليّ، فقد أذنت لك. قال: يا أمير المؤمنين، لقد وضعك ربّك بموضع لا يعصيك إلا ضالّ، ولا يردّ عليك إلا مخطى ء. قال: إن الذي أجده في غنائك لا أجده في غناء ابن سريج: أجد في غنائك متانة، وفي غنائه انحناثا [2] ولينا. قال معبد: والذي أكرم أمير المؤمنين بخلافته، وارتضاه لعباده، وجعله أمينا على أمّة نبيّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم، ما عدا [3] صفتي وصفة ابن سريج، وكذا يقول ابن سريج وأقول، ولكن أن رأى أمير المؤمنين أن يعلمني هل وضعني [4] ذاك عنده فعل [5]. قال: لا واللّه، ولكنّي أوثر الطّرب على كلّ شيء.
قال: يا سيدي فإذا كان ابن سريج يذهب إلى الخفيف من الغناء وأذهب أنا إلى الكامل التامّ، فأغرّب أنا ويشرّق هو، فمتى نلتقي؟ قال: أفتقدر أن تحكي رقيق بن سريج؟ قال نعم، فصنع من وقته لحنا من الخفيف في:
ألا للّه قوم و ... لدت أخت بني سهم
الأربعة الأبيات. فغنّاه، فصاح يزيد: أحسنت واللّه يا مولاي! أعد فداك أبي وأمّي، فأعاد، فردّ عليه مثل قوله الأوّل، فأعاد. ثم قال: أعد فداك أبي وأمّي، فأعاد فاستخفّه الطّرب حتى وثب وقال لجواريه: افعلن كما أفعل، وجعل يدور في الدار ويدرن معه وهو يقول:
__________
[1] في جميع نسخ الأصل «مكفوف الرمل» وهو خطأ وصوابه «مكفوف الهزج». وتقطيع الهزج: مفاعيلن مفاعيلن مرتين. والكف:
حذف السابع الساكن. ومطلع هذه القصيدة وأكثر أبياتها حذفت فيها نون مفاعيلن الثانية، فصارت بذلك من مكفوف الهزج.
[2] في أ، م، ء: «ألحانا» وفي ب، س: «انحناء» وكلاهما تحريف.
[3] أي ما جاوز ما قلت صفتى وصفة ابن سريج.
[4] وضعني: حطّ من قدري.
[5] كذا في ت وفي سائر النسخ: «فليفعل».
يا دار دوّريني ... يا قرقر امسكيني
/ آليت منذ حين ... حقا لتصرميني
ولا تواصليني ... باللّه فارحميني
لم تذكري يميني!
قال: فلم يزل يدور كما يدور الصّبيان ويدرن معه، حتى خرّ مغشيا عليه ووقعن فوقه ما يعقل ولا يعقلن، فابتدره الخدم [فأقاموه [1]] وأقاموا من كان على ظهره من جواريه، وحملوه وقد جاءت نفسه أو كادت.
سيرة جوان بن عمر بن أبي ربيعة
رجع الخبر إلى ذكر عمر بن أبي ربيعة وكان لعمر بن أبي ربيعة بن [صالح [2]] يقال له «جوان»، وفيه يقول العرجيّ:
شهيدي جوان على حبّها ... أليس بعدل عليها جوان
فأخبرني الحرميّ قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثني يحيى بن محمد بن عبد اللّه بن ثوبان قال:
جاء جوان بن عمر بن أبي ربيعة إلى زياد بن عبد اللّه الحارثيّ وهو إذ ذاك أمير على الحجاز، فشهد عنده بشهادة، فتمثّل:
شهيدي جوان على حبها ... أليس بعدل عليها جوان
- وهذا الشعر للعرجيّ - ثم قال: قد أجزنا شهادتك، وقبله. وقال غير الزّبير: إنه جاء إلى العرجيّ فقال له: يا هذا! ما لي وما لك تشهّرني [3] في شعرك! متى أشهدتني على صاحبتك هذه! ومتى كنت أنا أشهد في مثل هذا! قال: وكان امرأ صالحا.
/ وأخبرني الحرميّ قال حدّثنا الزّبير قال حدّثني بكّار بن عبد اللّه قال: استعمل بعض ولاة مكة جوان بن عمر على تبالة [4]، فحمل على/ خثعم في صدقات أموالهم حملا شديدا، فجعلت خثعم سنة جوان تاريخا، فقال ضبارة بن الطّفيل:
أتلبسنا ليلى على شعث بنا ... من العام أو يرمى بنا الرّجوان [5].
__________
[1] زيادة في ت.
[2] زيادة في ب، س، ح.
[3] في ب، س، ح: «تشهدني» بالدال.
[4] تبالة: بلدة مشهورة من أرض تهامة في طريق اليمن. قال المهلّبيّ: تبالة في الإقليم الثاني عرضها تسع وعشرون درجة أه. بينها وبين مكة اثنان وخمسون فرسخا. وكانت أوّل عمل وليه الحجاج، فسار إليها، فلما قرب منها قال للدليل: أين تبالة؟ وعلى أيّ سمت هي؟ فقال: ما يسترها عنك إلا هذه الأكمة. فقال: لا أراني أميرا على موضع تستره عنّي هذه الأكمة. أهون بها ولاية! وكرّ راجعا. ولذلك قيل في مثل: «أهون من تبالة على الحجاج».
[5] يقال: لبست قوما، أي تمليت بهم دهرا، ولبست فلانة عمري أي كانت معي شبابي، والبس الناس على قدر أخلاقهم أي عاشرهم.
والرجوان: مثنّى رجا، وهو جانب البئر. وقد أورد الميدانيّ المثل: «حتى متى يرمي بي الرّجوان». ورمي به الرّجوان: استهين به كما يستهان بالدلو يرمي به رجوا البئر.
صوت
رأتني كأشلاء [1] اللّجام وراقها ... أخو غزل ذو لمّة ودهان
ولو شهدتني في ليال مضين لي ... لعامين مرّا قبل عام جوان
رأتنا كريمي معشر حمّ [2] بيننا ... هوى فحفظناه بحسن صيان
نذود النفوس الحائمات [3] عن الصّبا ... وهنّ بأعناق إليه ثواني
ذكر حبش أنّ الغناء في هذه الأبيات للغريض ثاني ثقيل بالبنصر، وذكر الهشاميّ أنه لقراريط.
أمة الواحد بنت عمر بن أبي ربيعة
قالوا: وكان لعمر أيضا بنت يقال لها: «أمه الواحد» وكانت مسترضعة في هذيل، وفيها يقول عمر بن أبي ربيعة - وقد خرج يطلبها فضلّ الطريق - :
/ لم تدر وليغفر لها ربّها ... ما جشّمتنا أمة الواحد
جشّمت الهول براذيننا [4] ... نسأل عن بيت أبي خالد
نسأل عن شيخ بني كاهل [5] ... أعيا خفاء نشدة الناشد
مولد عمر يوم قتل عمر بن الخطاب ووفاته وقد قارب السبعين
أخبرني بذلك محمد بن خلف بن المرزبان عن أبي بكر العامريّ أخبرنا أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ وحبيب بن نصر المهلّبيّ قالا: حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثني يعقوب بن القاسم [6] قال حدّثنا أسامة بن زيد بن الحكم بن عوانة عن عوانة بن الحكم - قال: أراه عن الحسن [7] - قال:
ولد عمر بن أبي ربيعة ليلة قتل عمر بن الخطّاب - رحمة اللّه عليه - فأيّ حقّ رفع، وأيّ باطل وضع!. قال عوانة: ومات وقد قارب السّبعين أو جاوزها.
أخبرني الجوهري والمهلّبيّ قالا: حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثني يعقوب بن القاسم قال حدّثني عبد اللّه بن الحارث عن ابن جريج عن عطاء قال: كان عمر بن أبي ربيعة أكبر منّي كأنّه ولد في أوّل الإسلام.
عمر بن أبي ربيعة في مجلس ابن عباس بالمسجد الحرام وإنشاده شعره
أخبرني الجوهريّ والمهلّبيّ قالا حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثني هارون بن عبد اللّه
__________
[1] أشلاء اللجام: حدائده بلا سيور.
[2] حمّ: قضي وقدّر.
[3] في أ، م، ء: «الحاميات».
[4] البراذين: جمع برذون وهو خلاف العراب من الخيل، وأكثر ما تجلب من بلاد الروم.
[5] كذا في «الديوان». وفي جميع الأصول: «أبي كاهل».
[6] في ت: «الهيثم» وقد ورد ذكره في السند الآتي بعد: «يعقوب بن القاسم» في جميع النسخ.
[7] في ت: «قال حدّثنا أسامة بن زيد بن الحكم قال أراه عن الحسن الخ» وفي م: «حدّثنا أسامة بن زيد بن الحكم بن عوانة بن الحكم قال أراه عن عوانة عن الحسن».
الزّهريّ [1] قال: حدّثنا ابن أبي ثابت، وحدّثني به عليّ [2] بن صالح بن الهيثم عن أبي هفّان عن إسحاق عن المسيّبيّ والزّبيريّ والمدائنيّ ومحمد بن سلّام، قالوا: قال أيّوب/ بن سيّار، وأخبرني به الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثني محمد بن الحسن المخزوميّ عن عبد العزيز بن عمران عن أيّوب بن سيّار عن عمر الركاء [3] قال: بينا ابن عبّاس في المسجد الحرام وعنده نافع بن الأزرق وناس من الخوارج يسألونه، إذ أقبل عمر بن أبي ربيعة في ثوبين مصبوغين مورّدين أو ممصّرين [4] حتى دخل وجلس، فأقبل عليه ابن عباس فقال أنشدنا فأنشده:
أمن آل نعم أنت غاد فمبكر ... غداة غد [5] أم رائح فمهجّر
حتى أتى على آخرها. فأقبل عليه نافع بن الأزرق فقال: اللّه يابن عبّاس! إنّا نضرب إليك أكباد الإبل [6] من أقاصي البلاد نسألك عن الحلال والحرام فتتثاقل عنّا، ويأتيك غلام [7] مترف من مترفي قريش فينشدك:
/ رأت رجلا أمّا إذا الشمس عارضت ... فيخزى وأمّا بالعشىّ فيخسر
فقال: ليس هكذا قال. قال: فكيف قال؟ فقال: قال:
رأت رجلا أمّا إذا الشمس عارضت ... فيضحى وأمّا بالعشىّ فيخصر [8]
فقال: ما أراك إلا وقد [9] حفظت البيت! قال: أجل! وإن شئت أن أنشدك القصيدة أنشدتك إيّاها. قال فإنّي أشاء، فأنشده القصيدة حتى أتى على آخرها. وفي غير رواية عمر بن شبّة: أنّ ابن عباس أنشدها من أوّلها إلى آخرها،/ ثم أنشدها من آخرها إلى أوّلها مقلوبة، وما سمعها قطّ إلا تلك المرّة صفحا [10]. قال: وهذا غاية الذكاء. فقال له بعضهم: ما رأيت أذكى منك قطّ. فقال: لكنّي ما رأيت قطّ أذكى من عليّ بن أبي طالب - عليه السّلام - . وكان ابن عباس يقول: ما سمعت شيئا قط إلا رويته، وإني لأسمع صوت النائحة فأسدّ أذنيّ كراهة أن أحفظ ما تقول. قال: ولامه بعض أصحابه في حفظ هذه القصيدة: «أمن آل نعم ... » فقال: إنّا نستجيدها [11].
وقال الزّبير في خبره عن عمّه: فكان ابن عباس بعد ذلك كثيرا ما يقول: هل أحدث هذا المغيريّ شيئا بعدنا؟.
قال: وحدّثني عبد اللّه بن نافع بن ثابت قال:
__________
[1] في ت: «الزبيري».
[2] في ب، س، ح، ر: «بن أبي صالح». وقد تكرر ذكره كثيرا «علي بن صالح».
[3] لم نعثر على هذا الاسم. ولعله مضاف إلى اسم موضع. وهو كما في ياقوت - بوزن كتاب - موضع عن ابن دريد، وابن فارس بفتح الراء. أو لعله وصف له من ركا الأرض ركوا إذا حفرها.
[4] قال أبو عبيد: الثياب الممصّرة: التي فيها شيء من صفرة ليست بالكثيرة.
[5] في م، ء، أ، ب: «أو».
[6] في ت، ح: «المطىّ».
[7] لم توجد هذه الكلمة إلا في ح، ب.
[8] يضحى: يظهر للشمس. وعارضت: قابلت. والضمير فيه محذوف أي عارضته. ويخصر: يبرد.
[9] كذا في ت. وفي سائر النسخ: «إلا قد كنت حفظت ... ».
[10] أي مرورا؛ يقال: صفحت الجيش على الأمير إذا أمررته عليه.
[11] كذا في ت: وفي سائر النسخ: «فقال: إنها أمن آل نعم، يستجيدها».
كان عبد اللّه بن الزّبير إذا سمع قول عمر بن أبي ربيعة:
فيضحى وأمّا بالعشيّ فيحضر
قال: لا، بل:
فيخزى وأمّا بالعشيّ فيخسر
قال عمر بن شبّة وأبو هفّان والزّبير في حديثهم: ثم أقبل على ابن أبي ربيعة فقال: أنشد، فأنشده:
تشطّ غدا دار جيراننا
وسكت، فقال ابن عباس:
وللدّار بعد غد أبعد
فقال له عمر: كذلك قلت - أصلحك اللّه - أفسمعته؟ قال: لا، ولكن كذلك ينبغي.
شعره وخلقه وشهادة الشعراء فيه
أخبرنا الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثني يعقوب بن إسحاق قال:
كانت العرب تقرّ لقريش بالتقدّم في كلّ شيء عليها إلا في الشعر، فإنها كانت لا تقرّ لها به، حتى كان عمر بن أبي ربيعة، فأقرّت لها الشعراء بالشعر أيضا ولم تنازعها شيئا.
قال الزّبير: وسمعت عمّي مصعبا يحدّث عن جدّي أنه قال مثل هذا القول. قال: وحدّثني عدّة من أهل العلم أن النّصيب قال: لعمر بن أبي ربيعة أوصفنا لربّات الحجال.
قال المدائنيّ قال سليمان بن عبد الملك لعمر بن أبي ربيعة: ما يمنعك من مدحنا؟ قال: إني لا أمدح الرجال، إنما أمدح النساء. قال: وكان ابن جريج يقول: ما دخل على العواتق [1] في حجالهنّ شيء أضرّ عليهنّ من شعر عمر بن أبي ربيعة.
قال الزّبير وحدّثني عمّي عن جدّي - وذكره أيضا إسحاق فيما رويناه عن أبي هفّان عنه عن المدائنيّ - قال قال هشام بن عروة: لا تروّوا [2] فتياتكم [3] شعر عمر بن أبي ربيعة لا يتورّطن في الزّنا تورّطا، وأنشد:
لقد أرسلت جاريتي ... وقلت لها خذي حذرك
وقولي في ملاطفة ... لزينب: نوّلي عمرك
/ أخبرنا عليّ بن صالح قال حدّثني أبو هفّان عن إسحاق عن الزّبيريّ [4] قال حدّثني أبي عن سمرة الدّومانيّ [5] من حمير قال:
__________
[1] جمع عاتق، وهي الفتاة التي قد أدركت فخدّرت في بيت أهلها ولم تتزوّج؛ سميت بذلك لأنها عتقت عن خدمة أبويها ولم يملكها زوج بعد.
[2] أي لا تحملوهنّ على روايته؛ يقال: روّيته الشعر وأرويته إياه، إذا حملته على روايته.
[3] في، ح، ر، م: «فتيانكم ... لا يتورّطوا».
[4] كذا في ب، س، ح، ر: وفي سائر النسخ: «الزبير» ولعله تحريف؛ إذ هو مصعب بن ثابت بن عبد اللّه الزبيريّ، وهو يروي عن أبيه.
[5] نسبة إلى «دومان» (بضم أوّله وميم مفتوحة بعدها ألف وفي آخره نون): بطن من همدان. وهمدان: قبيلة باليمن. كذا ضبطه -
إنّي لأطوف بالبيت فإذا أنا بشيخ في الطّواف، فقيل لي: هذا عمر بن/ أبي ربيعة. فقبضت على يده وقلت له:
يابن أبي ربيعة. فقال: ما تشاء؟ قلت: أكلّ ما قلته في شعرك فعلته؟ قال: إليك عنّي. قلت: أسألك باللّه! قال:
نعم وأستغفر اللّه.
قال إسحاق وحدّثني الهيثم بن عديّ عن حمّاد الرّاوية: أنه سئل عن شعر عمر بن أبي ربيعة فقال: ذاك الفستق [1] المقشّر.
أخبرني الحرميّ قال حدّثنا الزّبير عن عمّه قال:
سمع الفرزدق شيئا من نسيب [2] عمر فقال: هذا الذي كانت الشعراء تطلبه فأخطأته وبكت الديار، ووقع هذا عليه. قال: وكان بالكوفة رجل من الفقهاء تجتمع إليه الناس فيتذاكرون العلم، فذكر يوما شعر عمر بن أبي ربيعة فهجّنه. فقالوا له: بمن ترضى؟ ومرّ بهم حمّاد الراوية فقال: قد رضيت بهذا. فقالوا له:/ ما تقول فيمن يزعم أنّ عمر بن أبي ربيعة لم يحسن شيئا؟ فقال: أين هذا؟ اذهبوا بنا إليه. قالوا: نصنع به ماذا؟ قال: ننزو على أمّه لعلّها تأتي بمن هو أمثل من عمر.
قال إسحاق: وقال أبو المقوّم الأنصاريّ: ما عصى اللّه بشيء كما عصي بشعر عمر بن أبي ربيعة.
قال إسحاق: وحدّثني قيس بن داود [3] قال حدّثني أبي قال: سمعت عمر بن أبي ربيعة يقول: لقد كنت وأنا شابّ أعشق ولا أعشق، فاليوم صرت إلى مداراة الحسان إلى الممات. ولقد لقيتني فتاتان مرّة فقالت لي إحداهما:
أدن منّي يابن أبي ربيعة أسرّ إليك شيئا. فدنوت منها ودنت الأخرى فجعلت تعضّني، فما شعرت بعضّ هذه من لذّة سرار هذه.
قال إسحاق: وذكر عبد الصّمد بن المفضّل [4] الرّقاشيّ عن محمد بن فلان الزّهريّ - سقط اسمه - عن إسحاق عن عبد اللّه بن مسلمة [5] بن أسلم قال: لقيت جريرا فقلت له: يا أبا حزرة، إنّ شعرك رفع إلى المدينة وأنا أحبّ أن تسمعني منه شيئا. فقال: إنكم يأهل المدينة يعجبكم النّسيب، وإنّ أنسب الناس المخزوميّ. يعني ابن أبي ربيعة.
قال إسحاق: وذكر محمد بن إسماعيل الجعفريّ عن أبيه عن خاله عبد العزيز [6] بن عبد اللّه بن عيّاش بن أبي ربيعة قال: أشرف عمر بن أبي ربيعة على أبي قبيس، وبنو أخيه معه وهم محرمون، فقال لبعضهم: خذ بيدي فأخذ بيده، وقال/: وربّ هذه البنيّة [7] ما قلت لامرأة قطّ شيئا لم تقله لي، وما كشفت ثوبا عن حرام قطّ. قال:
__________
- السمعاني في «الأنساب». وقد ضبط بالقلم في «القاموس» في الطبعة الثالثة الأميرية «دومان» بفتح أوّله وسكون ثانيه.
[1] في أ، م، ء: «الفاسق المفسد» وهو تحريف؛ بدليل قول حماد نفسه في الحكاية التالية.
[2] في ب، س، م، ء، أ: «تشبيب»، والنسيب والغزل والتشبيب كلها بمعنى واحد.
[3] في ب، س، ح: «رافد» وفي ر: «راقد».
[4] في ب، س، م: «الفضل».
[5] في ت، ح، ر: «سلمة».
[6] في ت: «عن خاله عن عبد العزيز».
[7] في ت، أ، م، ء: «الكعبة» وهما اسمان لها.
ولمّا مرض عمر مرضه الذي مات فيه جزع أخوه الحارث جزعا شديدا. فقال له عمر: أحسبك إنما تجزع لما تظنّه بي، واللّه ما أعلم أنّي ركبت فاحشة قطّ! فقال: ما كنت أشفق عليك إلّا من ذلك، وقد سلّيت عنّي.
قال إسحاق: حدّثني مصعب الزّبيريّ قال قال مصعب بن عروة بن الزّبير: خرجت أنا وأخي عثمان إلى مكة معتمرين أو حاجّين، فلما طفنا بالبيت مضينا إلى الحجر نصلّي فيه، فإذا شيخ قد فرج بيني وبين أخي فأوسعنا له.
فلما قضى صلاته أقبل علينا فقال: من أنتما؟ فأخبرناه. فرحّب بنا وقال: يا ابني أخي، إني موكّل بالجمال أتبعه، وإني رأيتكما فراقني حسنكما وجمالكما، فاستمتعا بشبابكما قبل أن تندما عليه، ثم قام، فسألنا عنه فإذا هو عمر بن أبي ربيعة.
أخبرنا الحرميّ قال حدّثنا الزّبير قال حدّثني محمد بن الضّحّاك قال:
عاش عمر أبي ربيعة ثمانين سنة، فتك منها أربعين سنة، ونسك أربعين سنة.
قال الزّبير وحدّثني إبراهيم بن حمزة ومحمد بن ثابت عن المغيرة بن عبد الرحمن عن أبيه قال:
حججت/ مع أبي وأنا غلام وعليّ جمّة [1]. فلما قدمت مكة جئت عمر بن أبي ربيعة، فسلّمت عليه وجلست معه، فجعل يمدّ الخصلة من شعري ثم يرسلها فترجع على ما كانت عليه، ويقول: وا شباباه! حتى فعل ذلك مرارا.
ثم قال لي: يابن أخي، قد سمعتني أقول في شعري: قالت لي وقلت لها، وكلّ مملوك لي حرّ إن كنت كشفت/ عن فرج حرام قطّ! فقمت وأنا متشكّك في يمينه، فسألت عن رقيقه فقيل لي: أمّا في الحوك [2] فله سبعون عبدا سوى غيرهم.
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثتني ظبية [3] مولاة فاطمة بنت عمر بن مصعب قالت:
مررت بجدّك عبد اللّه بن مصعب وأنا داخلة منزله وهو بفنائه ومعي دفتر، فقال: ما هذا معك؟ ودعاني.
فجئته وقلت: شعر عمر بن أبي ربيعة. فقال: ويحك! تدخلين على النساء بشعر عمر بن أبي ربيعة! إنّ لشعره لموقعا من القلوب ومدخلا لطيفا، لو كان شعر يسحر لكان هو، فارجعي به. قالت: ففعلت.
[قال إسحاق] [4]: وأخبرني الهيثم بن عديّ قال:
قدمت امرأة مكة وكانت من أجمل النساء. فبينا عمر بن أبي ربيعة يطوف إذ نظر إليها فوقعت في قلبه، فدنا منها فكلّمها، فلم تلتفت إليه. فلما كان في الليلة الثانية جعل يطلبها حتى أصابها. فقالت له: إليك عنّي يا هذا، فإنك في حرم اللّه وفي أيام عظيمة الحرمة. فألّح عليها يكلّمها، حتى خافت أن يشهّرها. فلما كان في الليلة الأخرى قالت لأخيها: اخرج معي يا أخي فأرني المناسك، فإنّي لست أعرفها، فأقبلت وهو معها. فلما رآها عمر أراد أن يعرض لها، فنظر إلى أخيها معها فعدل عنها، فتمثّلت المرأة بقول النابغة [5]:
__________
[1] الجمة بالضم: مجتمع شعر الرأس.
[2] في ت: «الحول» وفي م، ء: «الخوك» ولم نعثر عليه. ولعله اسم موضع.
[3] في ت: «طيبة».
[4] هاتان الكلمتان ساقطتان من أ، م، ء.
[5] كذا في ت. وفي سائر النسخ: «جرير» تحريف. وقد ورد هذا البيت في كتاب «شرح الأشعار الستة» للأعلم الشنتمري المخطوط -
تعدو الذئاب على من لا كلاب له ... وتتّقي صولة المستأسد الحامي [1]
قال إسحاق: فحدّثني السّنديّ [2] مولى أمير المؤمنين أن المنصور قال - وقد حدّث بهذا الخبر - : وددت أنه لم تبق فتاة من قريش في خدرها إلّا سمعت بهذا الحديث.
قال إسحاق: قال لي الأصمعيّ: عمر حجّة في العربية، ولم يؤخذ عليه إلا قوله:
ثم قالوا تحبّها قلت بهرا [3] ... عدد الرّمل [4] والحصى والتّراب
وله في ذلك مخرج، إذ قد أتى به على سبيل الإخبار [5]. قال: ومن الناس من يزعم أنه إنما قال:
قيل لي هل تحبّها قلت بهرا
نسبة ما مضى في هذه الأخبار من الأشعار التي قالها عمر بن أبي ربيعة وغنّى فيها المغنّون إذ كانت لم تنسب هناك لطول شرحها
شعر عمر الذي غنى فيه المغنّون
منها ما يغنّى فيه من قوله:
صوت
أمن آل نعم أنت غاد فمبكر ... غداة غد أم رائح فمهجّر
لحاجة نفس لم تقل في جوابها [6] ... فتبلغ عذرا والمقالة تعذر
/ أشارت [7] بمدراها وقالت لأختها ... أهذا المغيريّ الذي كان يذكر؟
فقالت: نعم لا شكّ غيرّ لونه ... سر الليل يطوي نصّه [8] والتهجّر
__________
- بدار الكتب المصرية تحت رقم 81 أدب ش ضمن قصيدة ميمية للنابغة، مطلعها:
قالت بنو عامر خالوا بني أسد ... يا بؤس للجهل ضرّارا لأقوام
خالوا بني أسد: قاطعوهم، من خالاه مخالاة وخلاء: فارقه.
[1] في جميع الأصول: «الضاري» وهو من قصيدة ميمية، كما سبق. وأورده في «اللسان» (مادة ثفر) «المستثفر الحامي». يقال: استثفر الكلب، إذا أدخل ذنبه بين فخذيه حتى يلزقه ببطنه.
[2] في أ، م، ء: «المسندي».
[3] أي أحبها حبا بهرني بهرا أي غلبني غلبة. وقيل: معناه عجبا. عن «المغني».
[4] في ت: «القطر» وفي «ديوانه»: «النجم».
[5] وقد خرّج أيضا على أنه استفهام بتقدير الهمزة. والأخفش يجيز حذف الهمزة في الاختيار، وغيره لا يجيزه إلا في الضرورة (راجع المغني مع حاشية الأمير ج 1 ص 12).
[6] يريد: في جواب سؤالها، أي في جواب السؤال عنها. وتعذر هنا: تبدي العذر. يريد: لحاجة نفس كتمتها فلم تقل في جواب السؤال عنها شيئا يبلغ سائليك عذرك؛ فإن التصريح بما تنتويه، يكشف عذرك ويبديه.
[7] في «ديوانه»:
قفي فانظري أسماء هل تعرفينه
والمدرى والمدراة: حديدة يحك بها الرأس.
[8] نص السرى: إسراعه. وأصل النص: حث الدابة واستخراج أقصى ما عندها من السير.
رأت رجلا أمّا إذا الشمس عارضت ... فيضحى وأمّا بالعشيّ فيخصر
/ أخا سفر جوّاب أرض تقاذفت ... به فلوات فهو أشعث أغبر
وليلة ذي دوران [1] جشّمتني السّرى [2] ... وقد يجشم الهول المحبّ المغرّر
فقلت: أباديهم [3] فإمّا أفوتهم ... وإمّا ينال السيف ثأرا فيثأر
هذه الأبيات جمعت على غير توال؛ لأنه إنما ذكر منها ما فيه صنعة. غنّى في الأوّل والثاني من الأبيات ابن سريج خفيف رمل بالبنصر عن أحمد بن المكيّ وذكر حبش أن فيهما لمعبد لحنا من الثّقيل الأوّل بالبنصر.
وغنّى ابن سريج في الثالث والرابع أيضا خفيف ثقيل بالوسطى، وذكر حبش أن فيهما لحنا من الهزج بالوسطى لحكم [4]. وغنّى ابن سريج في الخامس والسادس لحنا من الرّمل بالوسطى عن عمرو بن بانه. وذكر يونس أن في السّابع والثامن لابن سريج لحنا ولم يذكر طريقته، وذكر حبش أن فيهما لمالك لحنا من الثقيل الثاني بالبنصر.
/ أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان [5] قال أخبرني محمد بن إسحاق قال أخبرني محمد بن حبيب [6] عن هشام بن الكلبيّ:
أنّ عمر بن أبي ربيعة أتى عبد اللّه بن عباس وهو في المسجد الحرام فقال: متّعني اللّه بك! إنّ نفسي قد تاقت إلى قول الشّعر ونازعتني إليه، وقد قلت منه شيئا أحببت أن تسمعه وتستره عليّ. فقال: أنشدني، فأنشده:
أمن آل نعم أنت غاد فمبكر
فقال له: أنت شاعر يابن أخي، فقل ما شئت. قال: وأنشد عمر هذه القصيدة طلحة بن عبد اللّه بن عوف الزّهريّ وهو راكب، فوقف وما زال شانقا [7] ناقته حتى كتبت له.
أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدّثني الحسين بن إسماعيل قال حدّثنا ابن عائشة عن أبيه قال:
__________
[1] ذو دوزان (بفتح أوّله وبعد الواو راء مهملة وآخره نون): موضع بين قديد والجحفة (ياقوت).
[2] أي كلّفتني السير ليلا.
[3] أجاهرهم وأظهر لهم ومرجع الضمير فيه ظاهر في قوله من القصيدة:
فلما تقضي الليل إلا أقله ... وكادت توالي نجمه تتغوّر
أشارت بأن الحيّ قد حان منهم ... هبوب ولكن موعد منك عزور
فما راعني إلا مناد: ترحّلوا ... وقد لاح معروف من الصبح أشقر
فلما رأت من قد تنبه منهم ... وأيقاظهم قالت: أشر كيف تأمر
[4] في ب، س: «عن الحكم».
[5] المرزبان، بفتح الميم وسكون الراء وضم الزاي وفتح الباء الموحدة وبعد الألف نون، وهو يطلق في اللغة الفارسية على الرجل العظيم القدر، ومعناه بالعربية حافظ الحدّ، قاله ابن الجواليقيّ في كتابه «المعرّب». (انظر ابن خلكان ج 1 ص 725).
[6] كذا في ت. وفي سائر النسخ: «محمد بن أبي حبيب» وهو تحريف؛ إذ هو محمد بن حبيب أبو جعفر. قال ياقوت: من علماء بغداد باللغة والشعر والأخبار والأنساب وكان ثقة مؤدّبا، ولا يعرف أبوه، وإنما نسب إلى أمّه. قال السيد مرتضى: «و محمد بن حبيب نسّابة، وحبيب هذه أمّه أو جدّته». وكتبه صحيحة، وله مصنفات في الأخبار، منها كتاب «المحبّر» و «الموشّى» وغيرهما. مات بسامرّا في ذي الحجة سنة 245 في أيام المتوكل (راجع ترجمته في «معجم الأدباء» لياقوت «و بغية الوعاة» للسيوطيّ).
[7] يقال: شنق البعير (من بابي ضرب ونصر) إذا جذبه بالشّناق حتى يرفع رأسه. والشناق كالزمام وزنا ومعنى.
كان جرير إذا أنشد شعر عمر بن أبي ربيعة قال: هذا شعر تهاميّ إذا أنجد [1] وجد البرد، حتى أنشد قوله:
/ رأت رجلا أمّا إذا الشمس عارضت ... فيضحى وأمّا بالعشيّ فيخصر
قليلا على ظهر المطيّة ظلّه ... سوى ما نفى عنه الرداء المحبّر [2]
وأعجبها من عيشها ظلّ غرفة ... وريّان ملتفّ الحدائق أخضر
ووال كفاها كلّ شيء يهمّها ... فليست لشيء آخر الليل تسهر
فقال جرير: ما زال هذا القرشيّ يهذي حتى قال الشعر.
أخبرني محمد بن خلف قال أخبرني أبو عبد اللّه اليماميّ قال حدّثني الأصمعيّ قال:
قال لي الرشيد: أنشدني أحسن ما قيل في رجل قد لوّحه [3] السّفر، فأنشدته قول عمر بن أبي ربيعة:
رأت رجلا أمّا إذا الشمس عارضت ... فيضحى وأمّا بالعشيّ فيخصر
أخا سفر جوّاب أرض تقاذفت ... به فلوات فهو أشعث أغبر
الأبيات كلّها. قال: فقال لي الرشيد: أنا واللّه ذلك الرجل. قال: وهذا بعقب قدومه من بلاد الرّوم.
أخبرني الفضل بن الحباب الجمحيّ أبو خليفة في كتابه إليّ: قال حدّثنا محمد بن سلّام قال أخبرني شعيب بن صخر قال:
كان بين عائشة بنت طلحة وبين زوجها عمر بن عبيد اللّه بن معمر كلام، فسهرت ليلة فقالت: إن ابن أبي ربيعة لجاهل بليلتي هذه حيث/ يقول:
ووال كفاها كلّ شيء يهمّها ... فليست لشيء آخر الليل تسهر
أخبرني عليّ بن صالح قال حدّثنا أبو هفّان قال حدّثني إسحاق عن المدائنيّ قال:
/ عرض يزيد بن معاوية جيش أهل الحرّة، فمرّ به رجل من أهل الشأم معه ترس [4] خلق سمج، فنظر إليه يزيد وضحك وقال له: ويحك! ترس عمر بن أبي ربيعة كان أحسن من ترسك. يريد قول عمر:
فكان مجنّي دون من كنت أتّقي ... ثلاث شخوص كاعبان ومعصر [5]
أخبرنا جعفر بن قدامة قال حدّثني محمد بن عبد اللّه بن مالك الخزاعيّ قال: سمع أبو الحارث جمّيز [6] مغنّية تغنّي:
__________
[1] كذا في ت، ح، ر، وكتاب «الموشح للمرزباني» المخطوط بدار الكتب المصرية تحت رقم 3293 أدب. وفي سائر النسخ «أنشد».
[2] المحبّر: المزيّن المحسّن.
[3] لوّحه السفر: غيره.
[4] الترس: صفحة من الفولاذ مستديرة تحمل للوقاية من السيف ونحوه. والخلق (بالتحريك): البالي، يقال للمذكر والمؤنث؛ يقال:
ثوب خلق وجبّه خلق. والمسج (بسكون الميم وكسرها): القبيح.
[5] المجن: الترس. وحذفت هاء التأنيث من العدد حملا على المعنى؛ لأنه أراد بالشخص المرأة. والكاعب: التي نهد ثديها.
والمعصر: التي دخلت في عصر شبابها.
[6] ورد في الأصول التي بأيدينا «جمين». قال في «القاموس» في مادة جمن: «و أبو الحارث جمين كقبّيط المدينيّ ضبطه المحدّثون بالنون، والصواب بالزاي المعجمة؛ أنشد أبو بكر بن مقسم:
أشارت
بمدراها وقالت لأختها ... أهذا المغيريّ الذي كان يذكر؟
فقال جمّيز: امرأته طالق إن كانت أشارت إليه بمدراها إلا لتفقأ بها عينه، هلّا أشارت إليه بنقانق [1] مطرف بالخردل [2]، أو سنبوسجة [3] مغموسة في الخلّ، أو لوزينجة [4] شرقة [5] بالدّهن! فإن ذلك أنفع له، وأطيب لنفسه، وأدلّ على مودّة صاحبته.
/ أخبرني الحرميّ قال: حدّثنا الزّبير قال حدّثني عبد العزيز بن أبي أويس عن عطّاف بن خالد الوابصيّ [6] عن عبد الرحمن بن حرملة قال:
أنشد سعيد بن المسيّب قول عمر بن أبي ربيعة:
وغاب قمير كنت أرجو [7] غيوبه ... وروّح رعيان ونوّم [8] سمّر
فقال: ما له قاتله اللّه! لقد صغّر ما عظّم اللّه! يقول اللّه عز وجلّ: (وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ [9] الْقَدِيمِ)
شعر عمر في فاطمة بنت محمد بن الأشعث الكندية
ومنها ما فيه غناء لم ينسب في موضعه من الأخبار فنسب ها هنا:
صوت
تشطّ [10] غدا دار جيراننا ... وللدّار بعد غد أبعد
إذا سلكت غمر [11] ذي كندة ... مع الصّبح [12] قصد لها الفرقد [13]
__________
-
إن أبا الحارث جمّيزا ... قد أوتي الحكمة والميزا»
وهو صاحب النوادر والمزاح (راجع «تاج العروس» مادة جمن).
[1] جاء في «شفاء الغليل»: لقانق (باللام بدل النون الأولى): اسم لأحد الأمعاء؛ وبه سمى معى الغنم المحشوّ المقليّ.
[2] لعل المراد أنه محسّن بالخردل يوضع عليه. ولم نجد في كتب اللغة ما يساعد على التثبت من هذا المعنى. والخردل: حب شجر معروف، كما في «القاموس». قال ابن البيطار: إذا دق كان داخله أصفر وفيه نداوة أه وهو المعروف باسم L) La moutarde (LL.
[3] السّنبوسج - وورد بالقاف والكاف بدل الجيم - : ما يحشى بقدر (قطع) اللحم والجوز ونحوه من الرّقاق المعجون بالسمن أو الشّيرج. «أقرب الموارد».
[4] اللّوزينج: من الحلواء شبه القطائف يؤدم بدهن اللوز. «أقرب الموارد».
[5] شرقة: غاصّة ممتلئة.
[6] في ب، س، ح، ر: «الواصبيّ». وفي ت: «الواقصيّ» وكلاهما تحريف؛ إذ هو عطاف بن خالد بن عبد اللّه بن العاص بن وابصة، كما في «تهذيب التهذيب».
[7] في «ديوانه»: «أهوى».
[8] نوّم: نام، والتضعيف فيه «للمبالغة».
[9] العرجون: أصل العذق الذي يعوّج وتقطع منه الشماريخ فيبقى على النخل يابسا؛ سمّى بذلك لانعراجه.
[10] تشط: تبعد.
[11] غمر ذي كندة: موضع وراء وجرة بينه وبين مكة مسيرة يومين.
[12] في «ديوانه»: «مع الركب».
[13] الفرقد: نجمان في السماء من نجوم الدب الأصغر وهي في الشمال، ويقال الفرقد بالأفراد، والفرقدان بالتثنية. ولعله يريد أنها تسير -
عراقيّة، وتهامي الهوى ... يغور بمكة أو ينجد [1]
وحثّ الحداة بها عيرها [2] ... سراعا إذا ما ونت تطرد [3]
/هنالك إمّا تعزّي الفؤاد ... وإمّا على إثرها تكمد
وليست ببدع [4] إذا [5] دارها ... نأت والعزاء إذا أجلد
صرمت وواصلت حتّى علم ... ت أين المصادر والمورد
وجرّبت من ذاك حتّى عرف ... ت ما أتوقّى وما أحمد
فلما دنونا لجرس [6] النّبا ... ح والضوء، والحيّ لم يرقدوا [7]
[نأينا [8] عن الحيّ حتّى إذا ... تودّع [9] من نارها الموقد]
بعثنا لها باغيا ناشدا [10] ... وفي الحيّ بغية من ينشد
أتتنا تهادى [11] على رقبة [12] ... من الخوف أحشاؤها ترعد
تقول وتظهر وجدا [13] بنا ... ووجدي وإن أظهرت أوجد
لممّا شقائي تعلّقتكم ... وقد كان لي عندكم [14] مقعد
وكفّت سوابق من عبرة ... على الخدّ يجري [15] بها الإثمد
__________
- جهته؛ لأن العراق التي تقصده في الشمال الشرقيّ من مكة. وفي ت: «القرقد» بقافين. ولعله تحريف؛ إذ لم نجد في هذه المادة سوى «قرقد» هكذا بدون أداة التعريف اسم جبل قرب مكة.
[1] يأتي الغور والنجد. والغور: المطمئن من الأرض. والنجد: ما غلظ وارتفع منها. والمراد أنه لا يزيم أغوار مكة ونجادها ومحبوبته عراقية لا يتمكن أن يصل إليها.
[2] العير: الإبل، ولا واحد له من لفظه.
[3] الحداة: جمع حاد، وأصله المغنّي للإبل لتنشط في السير، وقد يراد به الزاجر والسائق. وونت: ضعفت وتباطأت. وتطرد:
تساق.
[4] في ت «تروع».
[5] كذا في ت. وفي سائر النسخ و «الديوان»: «لئن».
[6] الجرس: الصوت.
[7] في «الديوان»:
فلما دنونا لجرس النباح ... إذا الضوء، والحيّ لم يرقدوا
[8] أثبتنا هذا البيت عن «ديوانه» لتوقف المعنى عليه؛ وليلاحظه مكانه في الألحان؛ فالتاسع صار به العاشر، وهكذا.
[9] تودّع: سكنت ناره وانطفأت.
[10] في «الديوان»:
وناموا بعثنا لها ناشدا
[11] تتهادى: تمشي في تمايل وسكون.
[12] الرقبة: التحفّظ والفرق.
[13] الوجد: الشغف والشوق الشديد.
[14] كذا في أكثر النسخ «و الديوان». والمراد: من شقائي أني تعلقتكم وقد كان لي عندكم مكانة ومنزلة. وفي ت: «عنكم». ومعناه:
وقد كان لي منأى عنكم.
[15] في «ديوانه» المطبوع بأوروبا: «جال». والإثمد: حجر الكحل. وقد ورد هذا البيت في «الديوان» بعد قوله «أتتنا تهادى ... البيت» والسياق يقتضيه. وقد أبقيناه كما هو في الأصل؛ لأن البيان الآتي بعد يتبع هذا الترتيب.
//
فإنّ الّتي شيّعتنا الغداة ... مع الفجر قلبي بها مقصد [1]
[كأنّ أقاحيّ موليّة [2] ... تحدّر من ماء مزن ندي] [3]
غنّى معبد في الأوّل والثاني والثالث من الأبيات خفيف ثقيل من أصوات قليلات الأشباه عن إسحاق. وغنّى فيها أشعب [المعروف [4] بالطامع] ثاني ثقيل بالوسطى عن الهشاميّ. وللغريض في الأبيات الأربعة الأول ثاني ثقيل [5] بالوسطى عن عمرو. ولابن سريج في الرابع عشر وهو:
وكفّت سوابق من عبرة
ثم الأوّل والتاسع رمل بالوسطى عن ابن المكيّ. ولمالك - ويقال إنه لمعبد - خفيف ثقيل في الرابع عشر والثالث عشر والأوّل عن الهشاميّ. وفي السابع والثامن والأوّل لابن جامع ثقيل أوّل بالوسطى عن الهشاميّ. وفي الأوّل والحادي عشر لابن سريج رمل بالبنصر في مجراها عن إسحاق، وفيهما [6] ثاني ثقيل بالسّبّابة في مجرى البنصر عن إسحاق ولم ينسبه إلى أحد، وذكر أحمد بن المكّيّ أنه لأبيه. وفي الرابع والخامس رمل لمعبد عن ابن المكيّ، وقيل: إنه من منحول أبيه إلى معبد. وفي الثالث عشر والسادس ليونس خفيف رمل عن الهشاميّ. وفي الأوّل والثاني عشر ثاني ثقيل تشترك فيه الأصابع عن ابن المكيّ، وقال أيضا: فيه للأبجر لحن آخر من الثّقيل الثاني. ولمعبد في الرابع والسادس ثاني ثقيل آخر عنه، وفيهما/ أيضا رمل لابن سريج عنه وعن حبش. ولإسحاق في الأوّل والثاني رمل من كتابه. ولعليّة بنت المهديّ في الثالث عشر والأوّل ثقيل أوّل. ولابن مسجح [7] في الثاني عشر والأوّل رمل، ويقال إنه للرّطّاب، وذكر حبش أنه لابن سريج. وفي الخمسة الأبيات الأولى متوالية خفيف رمل بالوسطى ينسب إلى معبد وإلى يحيى المكيّ، وزعم حبش أنّ فيها رملا بالوسطى لابن محرز. والذي ذكره يونس في كتابه أنّ في:
تشطّ غدا دار جيراننا
خمسة ألحان: اثنان لمعبد، واثنان لمالك، وواحد ليونس. وذكر أحمد بن عبيد أنّ الذي عرف صحته من الغناء فيه سبعة ألحان: ثقيل أوّل، وثاني ثقيل، وخفيف ثقيل، ورمل، وخفيفه [8].
أخبرني بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّه بن المرزبان أنّ الذي أحصي فيه إلى وقته ستة عشر لحنا. والذي
__________
[1] في «ديوانه»:
فتلك التي شيعتها الفتاة ... إلى الخدر قلبي بها مقصد
ومقصد: مقتول.
[2] وليت الأرض وليا إذا مطرت بالولّي أو الولي بالتسكين، وهو المطر يأتي بعد المطر؛ سمّى بذلك لأنه بلى الوسميّ. والوسميّ: مطر الربيع الأوّل.
[3] لم يرد هذا البيت بتلك القصيدة في «ديوانه». ولعله مدسوس على شعره لاختلاف رويّه.
[4] زيادة في ت.
[5] في ت: «ثاني خفيف بالبنصر» وفي ح، ر: «ثاني ثقيل بالبنصر».
[6] كذا في ت. وفي سائر النسخ: «و فيها».
[7] في ت «و لابن سريج ... وذكر حبش أنه لابن مسجح».
[8] كذا ورد في جميع النسخ عدا نسخة ت، م، ء. والمذكور منها خمسة ألحان لا سبعة، ولكن ورد في ت: «و ثانيا ثقيل» بدل «و ثاني ثقيل، وورد في م، ء: «و خفيفا ثقيل» بدل: «و خفيف ثقيل»؛ وبذلك تكون الألحان سبعة لا خمسة كما ورد في أكثر النسخ.
وجدته فيه مما جمعته ها هنا - سوى ما لم يذكر يونس طريقته - تسعة عشر لحنا: منها في الثقيل الأوّل لحنان، وفي خفيف الثقيل لحنان، وفي الثّقيل الثاني ستة، وفي الرّمل سبعة، وفي خفيف الرّمل لحنان.
وهذا الشعر يقوله عمر بن أبي ربيعة في امرأة من ولد الأشعث بن قيس حجّت فهويها وراسلها، فواصلته ودخل إليها وتحدّث معها وخطبها، فقالت: أمّا ها هنا فلا سبيل إلى ذلك، ولكن إن قدمت إلى بلدي خاطبا تزوّجتك، فلم يفعل.
أخبرني بهذا الخبر الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير قال حدّثنا محمد بن الحسن المخزوميّ عن محرز بن جعفر مولى أبي هريرة عن أبيه قال:/ سمعت بديحا يقول: حجّت بنت محمد بن الأشعث الكنديّة، فراسلها عمر بن أبي ربيعة ووعدها أن يتلقّاها مساء الغد، وجعل الآية بينه وبينها أن تسمع ناشدا ينشد - إن لم يمكنه أن يرسل رسولا - يعلمها بمصيره إلى المكان الذي وعدها. قال بديح: فلم أشعر به/ إلا متلثّما، فقال لي: يا بديح، ائت بنت محمد بن الأشعث فأخبرها أنّي قد جئت لموعدها، فأبيت أن أذهب وقلت: مثلي لا يعين على مثل هذا.
فغيّب بغلته عنّي ثم جاءني فقال لي: قد أضللت بغلتي فانشدها لي في زقاق [1] الحاجّ. فذهبت فنشدتها، فخرجت عليّ بنت محمد بن الأشعث وقد فهمت الآية، فأتته لموعده، وذلك قوله:
وآية ذلك أن تسمعي ... إذا جئتكم ناشدا ينشد
قال بديح: فلمّا رأيتها مقبلة عرفت أنه قد خدعني بنشدي البغلة، فقلت له: يا عمر، لقد صدقت الّتي قالت لك:
فهذا سحرك النّسوا ... ن، قد خبّرنني خبرك [2]
قد سحرتني وأنا رجل! فكيف برقّة قلوب النساء وضعف رأيهنّ! وما آمنك بعدها، ولو دخلت الطّواف ظننت أنك دخلته لبليّة. قال: وحدّثها بحديثي، فما زالا ليلتهما يفصلان حديثهما بالضحك منّي.
قال الزّبير: فحدّثني أبو الهندام [3] مولى الرّبعيّين عن أبي الحارث بن عبد اللّه الرّبعيّ قال:/ لقي ابن أبي عتيق بديحا فقال له: يا بديح، أخدعك [4] ابن أبي ربيعة أنه قرشيّ؟ فقال بديح: نعم! وقد أخطأه ذلك عند القسريّ [5] وصواحبه. فقال ابن أبي عتيق: ويحك يا بديح! أنّ من تغابى لك ليغبى عنك، فقد ضمّت عليه قبضتك إن كان لك ذهن، أما رأيت لمن كانت العاقبة؟ واللّه ما بالى ابن أبي ربيعة أوقع عليهنّ أم وقعن عليه!.
__________
[1] في ت، ح: «رقاق».
[2] يجوز أن يقرأ هذا البيت هكذا:
فهذا سحرك، النسوا ... ن قد خبرتني خبرك
[3] في ت: «الهيذام». وقد ذكر ابن النديم في «الفهرست» طبع ليبزج ص 82 أبا الهندام وقال إن اسمه كلاب بن حمزة من أهل حرّان وقد أقام بالبادية وقيل إنه كان معلما، وكان عالما شاعرا، وله من الكتب «كتاب النحو» و «كتاب ما تلحن فيه العامة» أه بتصرّف.
ولم ندر أهو هذا أم غيره. والهيذام في اللغة: الرجل الشجاع أو الأكول.
[4] كذا في ت. وفي ب، س، أ، م، ء: «أحدّثك» وفي ح، ر. «أخذك».
[5] يراد به - فيما يظن صاحب «الأغاني» - خالد بن عبد اللّه القسري المعروف بالخرّيت. وقد روى عنه أنه نشأ بالمدينة، وكان في حداثته يتخنّث ويتتبع المخنّثين والمغنّين ويمشي مع عمر بن أبي ربيعة ويترسل بينه وبين النساء (انظر ج 19 من «الأغاني» طبعة بولاق في أخبار خالد بن عبد اللّه).
أخبرني عمّي قال حدّثنا محمد بن سعد الكرانيّ قال حدّثنا العمريّ عن كعب بن بكر [1] المحاربيّ: أنّ فاطمة بنت محمد بن الأشعث حجّت، فراسلها عمر بن أبي ربيعة فواعدته أن تزوره، فأعطى الرسول الذي بشّره بزيارتها مائة دينار.
أخبرني عليّ بن صالح عن أبي هفّان عن إسحاق عن رجاله المذكورين، قالوا: حجّت بنت لمحمد بن الأشعث [ - هكذا قال إسحاق وهو عندي الصحيح - ] [2] وكانت معها أمّها وقد سمعت بعمر بن أبي ربيعة فأرسلت إليه، فجاءها فاستنشدته، فأنشدها:
تشطّ غدا دار جيراننا ... وللدّار بعد غد أبعد
وذكر القصة [3] بطولها. قال: وقد كانت لمّا جاءها أرسلت بينها وبينه سترا رقيقا تراه من ورائه ولا يراها، فجعل يحدثها حتى استنشدته، فأنشدها هذه القصيدة،/ فاستخفّها الشعر فرفعت السّجف، فرأى وجها حسنا في جسم ناحل، فخطبها وأرسل إلى أمّها بخمسمائة دينار، فأبت وحجبته وقالت للرسول: تعود [4] إلينا. فكأن الفتاة غمّها ذلك، فقالت لها أمّها: قد قتلك الوجد به فتزوّجيه. قالت: لا واللّه لا يتحدّث أهل العراق عنّي [5] أنّي جئت ابن أبي ربيعة أخطبه، ولكن إن أتاني إلى العراق تزوّجته. قال: ويقال: إنها راسلته وواعدته أن تزوره، فأجمر [6] بيته وأعطى المبشّر مائة دينار، فأتته وواعدته إذا صدر [7] الناس أن يشيّعها، وجعلت علامة ما بينهما أن يأتيها رسوله ينشدها ناقة له [8]. فلما صدر الناس فعل ذلك عمر. وفيه يقول وقد شيّعها:
صوت
/قال الخليط [9] غدا تصدّعنا [10] ... أو بعده [11]، أفلا تشيّعنا
أمّا الرّحيل فدون بعد غد ... فمتى تقول [12] الدار تجمعنا
لتشوقنا هند وقد علمت [13] ... علما بأنّ البين يفزعنا [14]
__________
[1] كذا في ت. وفي سائر النسخ: «بكير» ولعله تحريف؛ إذ الغالب أنه أخو لقيط بن بكر المحاربيّ الآتي بعد في صفحة 99 من هذا الجزء.
[2] هذه الجملة ساقطة في أ، م، ء.
[3] كذا في ب، ج، ر. وفي سائر النسخ: «القصيدة».
[4] في ت: «لا تعود إلينا».
[5] كذا في ت. وفي سائر النسخ: «خلفي».
[6] أجمر بيته: بخرّه بعود ونحوه.
[7] صدر الناس: انصرفوا ورجعوا.
[8] في ب، س: «ناقة له ضلت».
[9] الخليط: القوم المختلطون الذين أمرهم واحد. وقد كثرت هذه الكلمة في الشعر العربيّ؛ لأنهم كانوا ينتجعون أيام الكلأ فتجتمع منهم قبائل شتى في مكان واحد فيتآلفون ويتحابّون، فإذا افترقوا ساءهم ذلك، وقال شعراؤهم في هذا المقام ما شاءت لهم فصاحتهم وبلاغتهم.
[10] تصدّع القوم: تفرّقوا.
[11] في «ديوانه»، ت، أ، م، ء: «شيعه»؛ يقال: أقام فلان شهرا أو شيعه، أي مقداره أو قريبا منه.
[12] تقول هنا: تظن.
[13] في «ديوانه»: «قتلت».
[14] في ب، س، ح، «يقرعنا». وفي «ديوانه»، ت، أ، م، ء: «فاجعنا».
/
عجبا لموقفنا وموقفها ... وبسمع تربيها [1] تراجعنا!
ومقالها سر ليلة معنا ... نعهد [2] فإنّ البين فاجعنا [3]!
قلت العيون كثيرة معكم ... وأظنّ أنّ السّير مانعنا
لا بل نزوركم بأرضكم ... فيطاع قائلكم وشافعنا
قالت أشيء أنت فاعله ... هذا لعمرك أم تخادعنا؟
باللّه حدّث ما تؤمّله ... واصدق فإنّ الصّدق واسعنا
اضرب لنا أجلا نعدّ [4] له ... إخلاف موعده تقاطعنا [5]
الغناء لابن سريج ثقيل أوّل مطلق في مجرى البنصر عن إسحاق، وذكر عمرو أنه للغريض بالوسطى. وفيه لابن سريج خفيف رمل عن الهشاميّ، وذكر حبش أنه لموسى شهوات.
شعره في زينب بنت موسى الجمحية
ومنها ممّا لم ينسب أيضا
صوت
لقد أرسلت جاريتي ... وقلت لها: خذي حذرك
وقولي في ملاطفة ... لزينب: نوّلي عمرك
فهزّت رأسها عجبا ... وقالت: من بذا أمرك
أهذا سحرك [6] النّسوا ... ن، قد خبّرنني خبرك
/ غنّى فيها [7] ابن سريج خفيف رمل [8] بالبنصر عن عمرو، وقال قوم: إنه للغريض. وفيها لمالك خفيف ثقيل عن ابن المكّيّ. وفي هذا الشعر الحان كثيرة، والشعر فيها على غير هذه القافية، لأنّ هذه الأبيات لعمر من قصيدة رائيّة موصولة [9] الرّاءات بألف، إلّا أنّ المغنّين غيّروا هذه الأبيات في هذين الّلحنين،
__________
[1] في الأصول التي بأيدينا: «تربتها». والتصويب عن «الديوان».
[2] نأخذ عليك العهد والميثاق أن تلقانا بعد افتراقنا.
[3] في «ديوانه»، ت: «شائعنا» أي متعقبنا وملازمنا.
[4] أي نحسب الأيام والليالي في انتظاره. وفي ت: «يعدّ لكم» وفي أ، م، ء: «نعدّ لكم».
[5] كذا في ت، ح، ر. وفي سائر النسخ: «يقاطعنا».
[6] كذا في ح، ر، س. وفي سائر النسخ: «خدعك».
[7] في ح، ر، ب، س: «فيه»، والضمير عائد على الشعر أو الصوت، وهو في «فيها» عائد على الأبيات.
[8] كذا في ب، ح، ر. وفي سائر النسخ؛ «خفيف ثقيل».
[9] كذا في ت. وفي سائر النسخ: «مردفة». وحرف الوصل في اصطلاح علماء العروض هو الذي يقع بعد الرويّ، وهو على ضربين:
أحدهما ما كان بعده خروج (و هي الألف التي بعد الصلة في القافية) كقوله:
عفت الديار محلها فمقامها
والثاني ألّا يكون بعده خروج، كقوله:
فجعلوا مكان الألف كافا، وأنّما هي:
لقد أرسلت جاريتي ... وقلت لها: خذي حذرا
وأوّل القصيدة:
صوت
تصابى القلب وادّكرا ... صباه ولم يكن ظهرا
لزينب إذ تجدّلنا ... صفاء لم يكن كدرا
أليست بالتي قالت ... لمولاة لها ظهرا
أشيري يالسّلام له ... إذا هو نحونا خطرا [1]
/ [لقد أرسلت جاريتي ... وقلت لها: خذي حذرا [2]]
وقولي في ملاطفة ... لزينب: نوّلي عمرا [2]
فهزّت رأسها عجبّا ... وقالت: من بذا أمرا!
أهذا سحرك النسوا ... ن، قد خبّرنني الخبرا
غنّى ابن سريج في الثالث والرابع والخامس [3] والأوّل خفيف ثقيل أوّل بإطلاق الوتر/ في مجرى البنصر من رواية إسحاق. وذكر عمرو بن بانة في نسخته الأولى أنه لابن سريج، وأبو إسحاق ينسبه في نسخته الثانية إلى دحمان. وللغريض في الأوّل من الأبيات لحن من القدر الأوسط من الثقيل الأوّل بالوسطى في مجراها، وأضاف إليه بيتين ليسا من هذه القصيدة وهما:
طربت وردّ من تهوى ... جمال الحيّ فابتكروا
فقل للمالكيّة [4] لا ... تلومي القلب إن جهرا [5]
وذكر يونس أنّ لمعبد في هذا الشعر الذي أوّله:
تصابى القلب وادّكرا
__________
-
ألا طال هذا الليل وازورّ جانبه ... وأرّقني أن لا حبيب ألاعبه
وهو يقع بحروف اللين أو الهاء تأتي عقب الرويّ. والردف: حرف ساكن من حروف المدّ واللين يقع قبل حرف الرويّ ليس بينهما شيء. وهو إن كان ألفا لم يجز معها غيرها، وإن كان واوا جاز معه الياء (انظر «اللسان» في مادتي «وصل» و «ردف») وبذلك تكون النسخ صحيحة إذا أريد المعنى اللغويّ، وأما إذا أريد المعنى الاصطلاحيّ فلا تصح إلا نسخة ت.
[1] في «ديوانه»: «نظرا».
[2] نقلنا هذا البيت من «الديوان» ووضعناه في مكانه من ترتيب الشعر لتوقف السياق عليه.
[3] صار الآن السادس بالبيت الذي أثبتناه من «الديوان». وكلمة: «و الأوّل» بعده ليست في ت.
[4] في ت، أ، م، ء: «للبربرية».
[5] في ح، ر: «هجرا».
لحنين لم يذكر جنسيهما، وذكر الهشاميّ: أنّ أحدهما خفيف ثقيل [1] والآخر رمل. وفي الأبيات التي غنّى فيها الغريض رمل لدحمان عن الهشاميّ، قال: ويقال إنه لابنة الزّبير. وزينب التي ذكرها عمر بن أبي ربيعة ها هنا، يقال لها: زينب بنت موسى أخت قدامة بن موسى الجمحيّ.
/ أخبرني بذلك محمد بن خلف بن المرزبان عن أبي بكر العامريّ. وأخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثني عبد الرحمن بن عبد اللّه بن عبد العزيز الزّهريّ قال حدّثني عمّي عمران [2] بن عبد العزيز قال:
شبّب عمر بن أبي ربيعة بزينب بنت موسى الجمحيّة في قصيدته التي يقول فيها:
صوت
يا خليليّ من ملام [3] دعاني ... وألمّا الغداة بالأظعان
لا تلوما في آل زينب إنّ ال ... قلب رهن بآل زينب عاني
ما أرى ما بقيت [4] أن أذكر المو ... قف منها بالخيف [5] إلا شجاني
- غنّى في هذه الأبيات الغريض خفيف رمل بالبنصر عن عمرو -
لم تدع للنساء عندي حظّا [6] ... غير ما قلت [7] مازحا بلساني
هي أهل الصّفاء والودّ منّي ... وإليها الهوى فلا تعدلاني
حين قالت [8] لأختها [9] ولأخرى ... من قطين [10] مولّد: حدّثاني
كيف لي اليوم أن أرى عمر المر ... سل سرّا في القول أن يلقاني [11]؟
/قالتا: نبتغي رسولا إليه ... ونميت الحديث بالكتمان
إنّ قلبي بعد الذي نلت منها ... كالمعمّى عن سائر النّسوان [12]
__________
[1] هذه الكلمة ليست في ت، م، ء.
[2] كذا في ت، ح، وفي سائر النسخ: «حدّثني عمي أن عمران بن عبد العزيز»، وزيادة «أن» غير صحيحة كما هو ظاهر من السند نفسه.
[3] في ح: «ململام» بحذف نون «من».
[4] في «ديوانه» «ما حييت».
[5] الخيف: ما ارتفع عن مجرى السيل وانحدر عن غلظ الجبل.
[6] في «ديوانه» «نصيبا».
[7] في «ديوانه»: «كنت».
[8] في «ديوانه»: «ثم قالت».
[9] في «ديوانه»، ت، أ، م، ء: «لتربها».
[10] القطين: الخدم والأتباع والحشم. والمولد من العبيد والإماء: من ولد بين العرب ونشأ مع أولادهم.
[11] في «الديوان»: « ... المر
سل بالهجر قبل أن يلقاني»
[12] في «ديوانه»: «كالمّعنى» أي المأسور المبحوس عن غيرها.
قال: وكان سبب ذكره لها أنّ ابن أبي عتيق ذكرها عنده يوما فأطراها، ووصف من عقلها وأدبها وجمالها ما شغل قلب عمر وأماله إليها، فقال فيها الشعر وشبّب بها، فبلغ ذلك ابن أبي عتيق، فلامه فيه وقال له: أتنطق الشعر في ابنة عمّي؟ فقال عمر:
صوت
لا تلمني عتيق حسبي الذي بي ... إنّ بي يا عتيق ما قد كفاني
لا تلمني وأنت زيّنتها لي ... أنت مثل الشيطان للإنسان
إنّ بي داخلا من الحبّ قد أب ... لى عظامي مكنونه وبراني
/ لو بعينيك يا عتيق نظرنا ... ليلة السّفح قرّت العينان
إذ بدا الكشح والوشاح من الدّ ... رّ وفصل فيه من المرجان [1]
قد قلى قلبي النساء سواها ... غير ما قلت مازحا بلساني [2]
/و أوّل هذه القصيدة:
إنّني [3] اليوم عاد لي أحزاني ... وتذكّرت ما مضى من زماني
وتذكّرت ظبية أمّ رئم [4] ... هاج لي [5] الشوق ذكرها فشجاني
غنّى أبو العبيس [6] بن حمدون في «لا تلمني عتيق ... » لحنا من الثقيل الأوّل المطلق. وفيه رمل طنبوريّ مجهول.
__________
[1] لم يرد هذا البيت بتلك القصيدة في «ديوانه». والكشح: ما بين الحجبة - وهي رأس الورك الذي يشرف على الخاصرة - إلى الإبط.
والوشاح: شبه قلادة ينسج من أديم عريض يرصع بالجواهر تشدّه المرأة بين عاتقيها.
[2] ذكر في «ديوانه» صدر هذا البيت آخر وعجزه لبيت ثان هكذا:
لم تدع للنساء عندي نصيبا ... غير ما كنت مازحا بلساني
وقلى قلبي النساء سواها ... بعد ما كان مغرما بالغواني
[3] في «ديوانه»:
إنني اليوم عادني أحزاني ... وتذكّرت ميعتي في زماني
والميعة: أوّل الشباب وأنشطه.
[4] الرثم: ولد الظبية.
[5] في «ديوانه»:
صدع القلب ذكرها فشجاني
[6] كذا في ت، ح، ر. وفي سائر النسخ: «أبو العنبس». وقد تكرر ذكر هذين الاسمين كثيرا في «الأغاني» في أجزاء مختلفة، وذكرهما السنيور جويدي مرتب فهرس «الأغاني» على أنهما علمان لشخصين مختلفين، وذكر عمن ظنه أبا العبيس أنه غنى إبراهيم بن المدبّر، وعمن حسبه أبا العنبس أنه أثنى على ألحان عبد اللّه بن طاهر. والحقيقة أنهما علمان لشخص واحد ذكر في الأصل الذي نقلت عنه النسخة الأولى أبا العنبس ومرة أبا العبيس. ولا يبعد أن يكون اسمه أبا العبيس نودي به مصغرا تصغير ترخيم أبا العبيس. وكذلك تختلف النسخ التي بين أيدينا في أكثر المواضع التي ورد فيها هذا الاسم؛ ففي الموضع الواحد يذكره بعضها أبا العبيس وبعضها أبا العنبس كما هنا. ومما يدل على أنهما علمان لشخص واحد أنه ورد ذكره في «الأغاني» ج 9 في أخبار إبراهيم بن العباس ونسبه أبا العبيس وأنه غنى في هذين البيتين:
فلو كان للشكر شخص يبين ... إذا ما تأمله الناظر
لمثلته لك حى تراه ... فتعلم أنى أمرؤ شاكر
/ أخبرني الحرميّ قال حدّثنا الزّبير قال أخبرني عبد الملك بن عبد العزيز عن يوسف بن الماجشون قال:
أنشد عمر بن أبي ربيعة قوله:
يا خليلّي من ملام دعاني ... وألمّا الغداة بالأظعان
لا تلوما في آل زينب إنّ ال ... قلب رهن بآل زينب عاني
القصيدة. قال: فبلغ ذلك أبا وداعة السّهميّ فأنكره وغضب. وبلغ ذلك ابن أبي عتيق وقيل له: إنّ أبا وداعة قد اعترض لابن أبي ربيعة من دون زينب بنت موسى، وقال: لا أقرّ لابن أبي ربيعة أن يذكر امرأة من بني هصيص في شعره. فقال ابن أبي عتيق: لا تلوموا أبا وداعة أن ينعظ من سمرقند على أهل عدن! / قال الزّبير: وحدّثني عبد الرحمن بن عبد اللّه بن عبد العزيز الزّهريّ قال حدّثني عمّي عمران بن عبد العزيز قال: شبّب عمر بن أبي ربيعة بزينب بنت موسى في أبياته التي يقول فيها:
لا تلوما في آل زينب إنّ ال ... قلب رهن بآل زينب عاني
فقال له ابن أبي عتيق: أمّا قلبك فقد غيّب عنّا، وأمّا لسانك فشاهد عليك.
قال عبد الرحمن بن عبد اللّه قال عمران بن عبد العزيز: عذل ابن أبي عتيق عمر في ذكره زينب في شعره، فقال عمر:
لا تلمني عتيق حسبي الذي بي ... إنّ بي يا عتيق ما قد كفاني
لا تلمني وأنت زيّنتها لي قال: فبدره ابن أبي عتيق، فقال:
أنت مثل الشيطان للإنسان
__________
- قال أبو الفرج: «الغناء لأبي العبيس ثقيل أوّل وفيه لرذاذ ثاني ثقيل. حدّثني أبو يعقوب إسحاق بن يعقوب النوبختي قال: حدّثني جماعة من عمومتي وأهلنا أن رذاذا صنع في هذين البيتين لحنا أعجب به الناس واستحسنوه، فلما كثر ذلك صنع فيه أبو العبيس لحنا آخر فسقط لحن رذاذ واختار الناس لحن أبي العبيس» ا ه وذكر أبو الفرج في ج 12 في أخبار العتابي ونسبه هذين البيتين وذكر أن الغناء فيهما لأبي العنبس (هكذا) ابن حمدون ثقيل أوّل ولرذاذ خفيف ثقيل (هكذا)، وذكر القصة المتقدّمة بنصها أو قريب منه.
وما أشار إليه السنيور جويدي من أن أبا العبيس غنى إبراهيم بن المدبر وأن أبا العنبس أثنى على ألحان عبد اللّه بن طاهر لا ينهض دليلا على ما زعم؛ فقد كانا متعاصرين تقريبا. فأما عبد اللّه بن طاهر فقد كان في عصر المأمون، وكان المأمون كثير الاعتماد عليه حسن الالتفات إليه، وكان واليا على الدّينور ثم ولي الشام ومصر. وكان عبد اللّه أديبا ظريفا جيد الغناء، نسب إليه صاحب «الأغاني» أصواتا كثيرة أحسن فيها ونقلها أهل الصنعة عنه. وله شعر مليح ورسائل ظريفة. توفي بمرو في سنة 230 ه.
وأما إبراهيم بن المدبر فقد كان في عصر المتوكل، وكان كاتبا متقدّما من وجوه كتّاب أهل العراق ومتقدّميهم وذوي الجاه والمتصرّفين في كبار الأعمال، وكان المتوكل يقدّمه ويؤثره ويفضله. وكانت بينه وبين عريب حال مشهورة، كان يهواها وتهواه، ولهما في ذلك أخبار كثيرة وأشعار جيدة ذكرها صاحب «الأغاني» في أخبار عريب في ج 18 وفي أخبار ابن المدبر في ج 19.
وقد ورد هذا الاسم بهذا الاختلاف في «مسالك الأبصار»؛ فكان يذكر باسم أبي العنبس في سرد أحاديث الغناء، ولكنه حين أفرد بالترجمة ذكر باسم أبي العبيس. وقد يكون في هذا ترجيح لاختيار الاسم الأخير؛ لأن الناسخ عادة يكون أكثر تنبها عند تقييد التراجم؛ إذ كان يكتبها في سطر واحد وبلون خاص، وليست كذلك حاله وهو يسرد الأحاديث. وقد أثبتناه في هذه الطبعة «أبا العبيس» وسننبه في كل موضع يرد فيه على اختلاف النسخ في رسمه.
فقال ابن أبي ربيعة: هكذا وربّ البيت قلته. فقال ابن أبي عتيق: إنّ شيطانك وربّ القبر [1] ربّما ألمّ بي، فيجد عندي من عصيانه خلاف ما يجد عندك من طاعته، فيصيب منّي وأصيب منه.
أخبرني الحرميّ قال حدّثنا الزّبير قال حدّثني عبد الملك بن عبد العزيز قال حدّثني قدامة بن موسى قال:
خرجت بأختي زينب إلى العمرة، فلما كنت [2] بسرف [3] لقيني عمر بن أبي ربيعة على فرس فسلّم عليّ.
فقلت له: إلى أين أراك متوجّها يا أبا الخطّاب؟ فقال:/ ذكرت لي امرأة من قومي برزة الجمال، فأردت الحديث معها. فقلت: هل علمت أنها أختي؟ فقال: لا! واستحيا وثنى عنق فرسه راجعا إلى مكة.
أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدّثنا أحمد بن الهيثم قال حدّثنا العمريّ عن لقيط بن بكر [4] المحاربيّ/ قال:
أنشدني ابن أبي عتيق قول عمر:
صوت
من [5] لسقيم يكتم الناس ما به ... لزينب نجوى صدره والوساوس
أقول لمن يبغي الشّفاء متى تجيء ... بزينب تدرك بعض ما أنت لامس
فإنّك [6] إن لم تشف من سقمي بها ... فإنّي من طبّ الأطبّاء آيس
ولست بناس ليلة الدار مجلسا ... لزينب حتى يعلو الرأس رامس [7]
خلاء [8] بدت قمراؤه وتكشّفت ... دجنّته وغاب من هو حارس
وما نلت منها محرما غير أنّنا ... كلانا من الثوب المورّد [9] لابس
__________
[1] في ت: «البشر». ومن عادة أهل المدينة القسم بالقبر وصاحب القبر. يريدون قبر النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم.
[2] في الأصول: «فلما كانت».
[3] سرف ككتف: موضع على عشرة أميال من مكة قرب التنعيم وبه تزوّج رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم ميمونة بنت الحارث الهلالية رضي اللّه عنها سنة تسع من الهجرة في عمرة القضاء وهناك بنى بها وهناك توفيت وهو مصروف، وبعضهم ترك صرفه، جعله اسما للبقعة. (ياقوت «و شرح القاموس»).
[4] كذا في ت. وفي سائر النسخ: «بكير» وهو تحريف؛ إذ هو أبو هلال لقيط بن بكر المحاربيّ الكوفيّ، كان من الرواة للعلم المصنفين للكتب عاش إلى سنة 190 ه (انظر «فهرست ابن النديم» طبع مدينة ليبزج سنة 1872 ص 94).
[5] كذا في «الديوان»، ت. وفي سائر الأصول: «و من لسقيم» بالواو. وقد دخل عليه الخرم وهو حذف الفاء من فعولن؛ والخرم جائز في مطلع القصيدة.
[6] في «ديوانه»:
فإنك إلّا تأت يوما بزينب
[7] الرامس: الدافن في الرّمس وهو القبر.
[8] كذا في «ديوانه». وفي الأصول كلها: «فلما بدت».
[9] في ت، أ، م، ء: «و الثوب المطارف». والمطارف. جمع مطرف بالضم والكسر، وهو رداء. من خز مربع ذو أعلام. قال الفرّاء:
وأصله الضم لأنه في المعنى مأخوذ من أطرف أي جعل في طرفيه العلمان، ولكنهم استثقلوا الضمة فكسروه. والمورّد: الذي صبغ على لون الورد.
نجيّين نقضي اللهو في غير مأثم ... وإن رغمت م الكاشحين المعاطس
/ قال: فقال ابن أبي عتيق: أمنّا [1] يسخر ابن أبي ربيعة! فأيّ محرم بقي! ثم أتى عمر فقال له: يا عمر، ألم تخبرني أنّك ما أتيت حراما قطّ؟ قال بلى! قال: فأخبرني عن قولك:
كلانا من الثّوب المورّد لابس
ما معناه؟ قال: واللّه لأخبرنّك! خرجت أريد المسجد وخرجت زينب تريده، فالتقينا فاتّعدنا [2] لبعض الشّعاب، فلما توسّطنا الشّعب أخذتنا السماء، فكرهت أن يرى بثيابها بلل المطر، فيقال لها: ألا استترت بسقائف المسجد أن كنت فيه، فأمرت غلماني فسترونا بكساء خزّ كان عليّ؛ فذلك حين أقول:
كلانا من الثوب [3] المطارف لابس
فقال له ابن أبي عتيق: يا عاهر! هذا البيت يحتاج إلى حاضنة! الغناء في هذه الأبيات التي أوّلها:
من [4] لسقيم يكتم النّاس ما به
لرذاذ ثقيل أوّل، وكان بعض المحدثين ممن شاهدناه يدّعي أنه له، ولم يصدّق.
أخبرني الحرميّ قال حدّثنا الزّبير قال حدّثني عبد الملك بن عبد العزيز عن يوسف بن الماجشون قال:
قال عمر بن أبي ربيعة في زينب بنت موسى:
صوت
طال من آل زينب الإعراض ... للتعدّي وما بها الإبغاض [5]
ووليدين كان علّقها القل ... ب إلى أن علا الرءوس بياض
حبلها عندنا متين وحبلي ... عندها واهن القوى أنقاض [6]
الغناء في هذه الأبيات لابن محرز خفيف رمل بالبنصر عن عمرو. وقال الهشاميّ: فيه لابن جامع خفيف رمل آخر.
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير قال قال عبد الرحمن بن عبد اللّه وحدّثني إبراهيم بن محمد بن عبد العزيز عن أبيه قال:
لمّا قال عمر بن أبي ربيعة في زينب:
__________
[1] كذا في ت. وفي سائر النسخ: «أبنا سخر الخ». وفي «اللسان» في مادة سخر: «الجوهريّ، حكى أبو زيد سخرت به وهو أردأ اللغتين».
[2] اتعدنا: تواعدنا.
[3] في س: «من أثواب المطارف».
[4] كذا في ت. وفي سائر النسخ: «و من».
[5] كذا في «ديوانه»، ر، ب، أ. وفي ت، س، م: «للصغيرى وما بها الإبغاض» وهو تحريف. وفي سائر النسخ: «للمغيرى وما بها الإبغاض». وهذه رواية جيدة، غير أن «أعرض» إنما تتعدى بعن لا باللام.
[6] أنقاض: جمع نقض بالكسر، وهو الحبل الذي لم يجوّد فتله ولم يبرم.
لم تدع للنساء عندي نصيبا ... غير ما قلت مازحا بلساني
قال له ابن أبي عتيق: رضيت لها بالمودّة، وللنساء بالدّهفشة [1]. قال: والدّهفشة: التّجميش [2] والخديعة بالشيء اليسير. [و قال [3] غير الزّبير في هذا الخبر: الدهقشة [4]، مكان الدهفشة].
/ ومما قاله عمر في زينب وغنّي فيه قوله:
صوت
أيّها الكاشح المعيّر [5] بالصّر ... م تزحزح فما لها الهجران [6]
لا مطاع في آل زينب فارجع ... أو تكلّم حتّى يملّ [7] اللّسان
نجعل الليل موعدا حين نمسي ... ثم يخفي حديثنا الكتمان
كيف صبري عن بعض نفسي وهل يص ... بر عن بعض نفسه الإنسان!
ولقد أشهد المحدّث عند ال ... قصر فيه تعفّف وبيان [8]
في زمان من المعيشة لدن [9] ... قد مضى عصره [10] وهذا زمان
الغناء في هذه الأبيات لابن سريج رمل بالوسطى عن عمرو ودنانير. وذكر يونس أنّ فيه لحنا لابن محرز ولحنا لابن عباد الكاتب، أوّل لحن ابن عبّاد الكاتب:
لا مطاع في آل زينب ......
وأوّل لحن ابن محرز:
ولقد أشهد المحدّث ......
__________
[1] في ب، س، ح، ر، ء: «و للنساء الدهشنة». وفي ت: «و للنساء بالدهشنة» بالنون. وفي م، ء: «و للنساء الدهشنة». وكل ذلك محرّف عن «الدهفشة» بالفاء.
[2] التجميش: المداعبة والمغازلة.
[3] زيادة في ت.
[4] في هذه النسخة كذا: «الدهفشة مكان الدهنشة» وهو محرّف عما أثبتناه. قال السيد مرتضى: «و مما يستدرك عليه الدهفشة بالقاف لغة في الفاء، أورده صاحب «اللسان» وأهمله الجماعة».
[5] في «ديوانه»: «المعرّض».
[6] الكاشح: عدوّك الذي يولّيك كشحه ويعرض عنك بوجهه. والصرم: الهجر.
[7] في ت: «يكلّ».
[8] كذا في أكثر النسخ و «الديوان». ولعله يريد بالمحدّث مكان التحدّث أو التحدّث نفسه. يعني أنه وإياها كانت لهما عند القصر أحاديث فيها التعفف والبيان في زمان الخ. وفي ح:
ولقد أشهد المحدّث عنها ال ... قسّ فيه تعفف وبيان
والقس (بالفتح) هنا: رئيس من رؤساء النصارى في الدين والعلم. ولعله يريد أن القس إذا ذكرها أفصح في بيان محاسنها وعفّ في حديثه عن خلقها وفضائلها.
[9] كذا في أ، م، ء. واللدن: اللين. وفي سائر النسخ «لذّ» واللذ؛ اللذيذ؛ قال تعالى: (مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ)
[10] في ب، س: «عسره» وهو تحريف.
ومما غنّي فيه لابن محرز من أشعار عمر بن أبي ربيعة في زينب بنت موسى قوله:
صوت
يا من لقلب متيّم كلف ... يهذي بخود [1] مريضة النّظر
تمشي الهوينى إذا مشت فضلا [2] ... وهي كمثل العسلوج [3] في الشّجر
- للغريض في هذين البيتين خفيف رمل بالوسطى، ولابن سريج رمل بالبنصر عن الهشاميّ وحبش -
ما زال طرفي يحار إذ برزت [4] ... حتى رأيت النقصان في بصري
أبصرتها ليلة ونسوتها ... يمشين بين المقام والحجر
ما إن طمعنا بها ولا طمعت ... حتّى التقينا ليلا على قدر [5]
بيضا حسانا خرائدا قطفا [6] ... يمشين هونا كمشية البقر
قد فزن بالحسن والجمال معا ... وفزن رسلا [7] بالدّلّ والخفر
ينصتن يوما لها إذا نطقت ... كيما يشرّفنها على البشر
قالت لثرب لها تحدّثها ... لنفسدنّ الطّواف في عمر
قومي تصدّي له ليعرفنا ... ثم اغمزيه يا أخت في خفر
/ قالت لها قد غمزته فأبى ... ثم اسبطرّت [8] تسعى على أثري
من يسق بعد المنام ريقتها [9] ... يسق بمسك وبارد خصر [10]
[غنّى في هذا الشعر الغريض خفيف رمل بالوسطى عن عمرو. وغنّ فيه ابن سريج رملا بالبنصر عن الهشاميّ وحبش] [11].
[و منها] [12]:
__________
[1] الخود: الفتاة الحسنة الخلق النابة ما لم تصر نصفا وهي المرأة بين الحدثة والمسنة.
[2] كذا في «ديوانه»، ح، ر. والفضل بضمتين: المختالة التي تفضل من ذيلها. وفي سائر النسخ: «قطفا» تحريف.
[3] العسلوج: الغصن اللّين الأخضر.
[4] في «ديوانه»، ح، ر: «نظرت».
[5] على قدر: على غير موعد. يريد أن التقاءهما كان مقدّرا في الأزل لا علم له به ولا سعى إليه؛ كما قيل:
جاء الخلافة أو كانت له قدرا ... كما أتى ربه موسى على قدر
[6] جمع قطوف، وهي البطيئة في السير.
[7] الرسل بالكسر هنا: الرفق والتؤدة. والخفر: شدّة الاستحياء.
[8] اسبطرت: أسرعت.
[9] كذا في «الديوان». وفي جميع النسخ:
من يسق بعدي الكرى بريقتها
[10] كذا في «ديوانه». وفي الأصول:
يسق بكأس ذي لذة خصر
والكأس مؤنثة. والخصر: البارد.
[11] زيادة في ت.
[12] زيادة في ح، أ، ء، م. ومرجع الضمير فيه الأشعار التي قالها عمر في زينب بنت موسى وغنى فيها.
صوت
ألا يا بكر قد طرقا ... خيال هاج لي الأرقا
لزينب [1] إنها همّي ... فكيف بحبلها خلقا
خدلجّة [2] إذا انصرفت ... رأيت وشاحها قلقا [3]
وساقا تملأ الخلخا ... ل فيه تراه مختنقا
/ إذا ما زينب ذكرت ... سكبت الدمع متّسقا
كأنّ سحابة تهمي ... بماء حمّلت غدقا [4]
الغناء لحنين رمل عن الهشاميّ. وفيه لابن عبّاد [5] خفيف ثقيل، ويقال: إنه ليونس. ومما قاله [فيها [6]] أيضا وغنّي فيه:
صوت
ألمم بزينب إنّ البين قد أفدا [7] ... قلّ الثّواء لئن كان الرّحيل غدا
قد حلفت ليلة الصّورين [8] جاهدة ... وما على المرء إلا الحلف [9] مجتهدا
لأختها ولأخرى من مناصفها [10] ... لقد وجدت به فوق الذي وجدا
لو جمّع الناس ثم اختير صفوهم ... شخصا من الناس لم أعدل به أحدا
الغناء لابن سريج رمل بالسّبّابة والبنصر في الأوّل والثاني عن يحيى المكّيّ، وله فيه أيضا خفيف رمل بالوسطى في الثاني والثالث والرابع عن عمرو. ولمعبد ثقيل أوّل في الأوّل والثاني عن الهشاميّ [11]. وفيه خفيف ثقيل ينسب إلى الغريض ومالك.
أخبرني عليّ بن صالح قال حدّثنا أبو هفّان عن إسحاق عن مصعب الزّبيريّ قال:
إجتمع نسوة فذكرن عمر بن أبي ربيعة وشعره وظرفه ومجلسه وحديثه، فتشوّقن إليه وتمنّينه. فقالت سكينة:
__________
[1] كذا في ح، ر. وفي سائر النسخ و «الديوان»: «بزينب» بالباء.
[2] الخدلجة (مشدّدة اللام): المرأة الممتلئة الذراعين والساقين.
[3] كذا في «الديوان»، ت، أ، ء، م. وفي سائر النسخ: «ألفت السهد والأرقا».
[4] الغدق: الماء الكثير.
[5] هو محمد بن عباد أبو جعفر مولى بني مخزوم، مكيّ من كبار المغنين. ستأتي ترجمته في الجزء السادس (طبعة بولاق).
[6] زيادة في ت.
[7] أفد كفرح هنا: دنا وحضر.
[8] الصوران: موضع بالمدينة بالبقيع. وقد ذكره ياقوت واستشهد بالبيت.
[9] في «ديوانه»: «الصبر».
[10] المنصف (كمنبر ومقعد): الخادم، والأنثى بالهاء، جمعه مناصف.
[11] في ت: «و في الأبيات الأربعة خفيف ثقيل الخ».
أنا لكنّ به، فبعثت إليه رسولا أن يوافي الصّورين ليلة سمّتها، فوافاهنّ على رواحله، فحدّثهنّ حتى طلع الفجر وحان انصرافهنّ. فقال لهنّ: واللّه إني لمحتاج إلى زيارة قبر النبيّ صلى اللّه عليه وآله وسلّم والصلاة في مسجده، ولكنّي لا أخلط بزيارتكنّ شيئا [1]. ثم انصرف إلى مكة وقال في ذلك:
ألمم بزينب إنّ البين قد أفدا
وذكر الأبيات المتقدّمة.
عود إلى شهادة جرير والغريب وغيرهما في شعر عمر
أخبرني عمّي قال حدّثنا الكرانيّ قال حدّثنا العمريّ عن لقيط قال: أنشد جرير قول عمر بن أبي ربيعة:
الصوت
سائلا الربع بالبليّ [2] وقولا ... هجت شوقا لي [3] الغداة طويلا
أين حيّ حلّوك إذ أنت محفو ... ف بهم آهل أراك جميلا؟
قال ساروا فأمعنوا واستقلّوا [4] ... وبرغمي لو استطعت سبيلا
سئمونا وما سئمنا مقاما ... وأحبّوا دماثة وسهولا
فقال جرير: إنّ هذا الذي كّنا ندور [5] عليه فأخطأناه وأصابه هذا القرشيّ. وفي هذه الأبيات رملان: أحدهما لابن سريج بالسّبّابة في مجرى الوسطى، والآخر لإسحاق مطلق في مجرى البنصر جميعا من روايته. وذكر عمرو:
أن فيها رملا ثالثا بالوسطى، لابن جامع. وقال الهشاميّ: فيها [6] ثلاثة أرمال لابن سريج، وابن جامع، وإبراهيم.
ولأبي العبيس [7] بن حمدون فيها ثاني ثقيل. وفيها هزج لإبراهيم الموصليّ من جامع أغانيه.
أخبرني الحرميّ قال حدّثنا الزّبير قال: وجدت كتابا بخطّ محمد بن الحسن ذكر فيه أنّ فليح بن إسماعيل حدّثه عن معاذ [8] صاحب الهرويّ أن النصيب [9] قال:
عمر بن أبي ربيعة أوصفنا لربّات الحجال.
/ أخبرني الطّوسيّ: قال حدّثنا الزّبير قال حدّثتني ظمياء مولاة فاطمة بنت عمر [10] بن/ مصعب قالت: سمعت جدّك يقول - وقد أنشد قول عمر بن إبي ربيعه:
__________
[1] في ت: «غيرها».
[2] البليّ (بضم ففتح وياء مشدّدة): تل قصير أسفل حاذة بينها وبين ذات عرق (ياقوت).
[3] في «ديوانه»: «لنا».
[4] استقلوا: واصلوا السير وجدّوا في الارتحال.
[5] يقال: دار عليه وبه وحوله، إذا طاف. والمراد: أن هذا الذي كنا نبحث عنه لنصل إليه.
[6] في جميع النسخ: «فيه». وما أثبتناه هو المناسب لما ورد من الضمائر قبله وبعده.
[7] كذا في ت، ح، ر. وفي سائر النسخ: «و لأبي العنبس».
[8] في ح، ر، أ: «معاضد». وفي م، ء هكذا: «معاخر».
[9] سيأتي في ترجمته في هذا الجزء أن أهل البادية كانوا يدعونه النصيب (بزيادة أل) تفخيما له.
[10] كذا في ح، ر. وفي ت: «عم مصعب» وفي سائر النسخ: «عمرو بن مصعب».
صوت
يا ليتني قد أجزت الحبل نحوكم ... حبل المعرّف أو جاوزت ذا عشر [1]
إنّ الثّواء بإرض لا أراك بها ... فاستيقنيه ثواء حقّ ذي كدر
وما مللت ولكن زاد حبّكم ... وما ذكرتك إلا ظلت كالسّدر [2]
ولا جذلت بشيء كان بعدكم ... ولا منحت سواك الحبّ من بشر
الغناء في هذه الأربعة الأبيات لسلّام بن الغسّانيّ رمل بالسّبّابة في مجرى الوسطى عن إسحاق. وفيه لابن جامع وقفا [3] النجار لحنان من كتاب إبراهيم ولم يجنّسهما. وتمام الأبيات:
أذري الدموع كذى سقم يخامره ... وما يخامرني سقم سوى الذّكر
كم قد ذكرتك لو أجدى [4] تذكّركم ... يا أشبه الناس كلّ الناس بالقمر
- قالت: فقال جدّك: إن لشعر عمر بن أبي ربيعة لموقعا في القلب، ومخالطة للنفس ليسا لغيره، ولو كان شعر يسحر لكان شعره سحرا.
/ أخبرني الحرميّ قال حدّثنا الزّبير قال حدّثني عمامة بن عمر [5] قال: رأيت عامر بن صالح بن عبد اللّه بن عروة بن الزّبير يسأل المسور بن عبد الملك عن شعر عمر بن أبي ربيعة، فجعل يذكر له شيئا لا يعرفه، فيسأله أن يكتبه [6] إيّاه فيفعل، فرأيته يكتب ويده ترعد من الفرح.
المفاضلة بين شعره وبين شعر الحارث بن خالد.
أخبرني الحرميّ قال حدّثنا الزّبير قال حدّثني عبد الملك بن عبد العزيز بن الماجشون عن عمّه يوسف قال:
ذكر شعر الحارث بن خالد وشعر عمر بن أبي ربيعة عند ابن أبي عتيق في مجلس رجل من ولد خالد بن العاصي [7] بن هشام، فقال: صاحبنا - يعني الحارث بن خالد - أشعرهما. فقال له ابن أبي عتيق: بعض قولك
__________
[1] أجزت: جاوزت. والحبل: حبل عرفة، وهو موضع بعرفات. يقال عرّف القوم، إذا وقفوا بعرفة. والمعرّف: موضع الوقوف بها.
وذو عشر (بوزن زفر): واد بين البصرة ومكّة.
[2] السدر ككتف: المتحير.
[3] كذا في ت، ب، س، ح. وفي ر: «قفي النجار». وفي م: «مبشر النجار». وفي أ، ء: «بشر النجار». ولم نعثر على أحد هذه الأسماء علما لمغنّ. فلعل هذا الأخير محرّف عن «نقش النضار»، وهو لقب لنافع بن طنبورة المغنّي (و سيأتي ذكره في «الأغاني» في الجزء الثامن).
[4] في «ديوانه» و «الأمالي» (الطبعة الأميرية ج 1 ص 199): «أجزى بذكركم».
[5] في ت: «غمامة بن عمرو». وفي ر: «غمامة بن عمر».
[6] الإكتاب: الإملاء؛ يقال: أكتبني هذه القصيدة أي أملها عليّ.
[7] كذا في ح، ب، س. وفي سائر النسخ: «العاص» بحذف الياء. والمبرد يقول: هو العاصي بالياء لا يجوز حذفها وقد لهجت العامة بحذفها. وقال غيره: إنه من الأسماء المنقوصة يجوز فيها إثبات الياء وحذفها أه باختصار عن «شرح القاموس». وقال ابن دريد في «كتاب الاشتقاق» المطبوع في مدينة جوتنچن سنة 1854 ص 34 في الكلام على عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية ما نصه: «و العاص اشتقاقه من قولهم عصى يعصي عصيانا ومعصية، أو من قولهم فصيل عاص إذا لم يتبع أمه، واعتاصت الناقة إذا نفرت من الفحل، وكل مستصعب معتاص والمصدر الاعتياض الخ». وقد روى بالروايتين في ابن جرير الطبري أوروبا قسم 1 -
يا ابن أخي، لشعر عمر بن ربيعة نوطة [1] في القلب، وعلوق بالنفس، ودرك للحاجة ليست لشعر، وما عصي اللّه جلّ وعزّ بشعر أكثر ممّا عصي بشعر ابن أبي ربيعة، فخذ عنّي/ ما أصف لك: أشعر قريش من دقّ معناه، ولطف مدخله، وسهل مخرجه، ومتن حشوه، وتعطّفت حواشيه، وأنارت معانيه، وأعرب عن حاجته. فقال المفضّل للحارث: أليس صاحبنا الذي يقول:
إنّي وما نحروا غداة منّى ... عند الجمار يؤدها [2] العقل
لو بدّلت أعلى مساكنها ... سفلا وأصبح سفلها يعلو
فيكاد يعرفها [3] الخبير بها ... فيردّه الإقواء والمحل [4]
لعرفت مغناها بما احتملت ... منّي الضلوع لأهلها قبل
فقال له ابن أبي عتيق: يابن أخي، استر على نفسك، واكتم على صاحبك، ولا تشاهد المحافل بمثل هذا، أما تطيّر الحارث عليها حين قلب ربعها فجعل عاليه سافله! ما بقي إلا أن يسأل اللّه تبارك وتعالى لها حجارة من سجّيل [5]. ابن أبي ربيعة كان أحسن صحبة للربع من صاحبك، وأجمل مخاطبة حيث يقول:
سائلا الربع بالبليّ وقولا ... هجت شوقا لي الغداة طويلا
/ وذكر الأبيات الماضية. قال: فانصرف الرجل خجلا مذعنا.
شيىء من أخبار الحارث بن عبد اللّه بن أبي ربيعة الملقب بالقباع
أخبرني عليّ بن صالح قال حدّثني أبو هفّان عن إسحاق عن رجاله المسمّين، وأخبرني به الحرميّ عن الزّبير عن عمّه عن جدّه، قالوا:/ كان الحارث بن عبد اللّه بن أبي ربيعة أخو عمر بن أبي ربيعة رجلا صالحا ديّنا من سروات قريش، وأنما لقّب القباع لأن عبد اللّه بن الزّبير كان ولّاه البصرة، فرأى مكيالا. لهم فقال: إنّ مكيالكم هذا لقباع - قال: وهو الشيء الذي له قعر - فلقّب بالقباع.
وأخبرني محمد بن خلف بن المرزبان وأحمد بن عبد العزيز الجوهريّ وحبيب بن نصر المهلّبيّ قالوا حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثني عبد اللّه بن محمد الطائيّ قال حدّثنا خالد بن سعيد قال:
استعمل ابن الزّبير الحارث بن عبد اللّه بن أبي ربيعة على البصرة، فأتوه بمكيال لهم، فقال لهم: إنّ مكيالكم هذا لقباع، فغلب عليه. وقال أبو الأسود الدّؤليّ - وقد عتب عليه - يهجوه ويخاطب ابن الزّبير:
__________
- ص 3257 قوله:
لأصبحنّ العاصي بن العاصي ... سبعين ألفا عاقدي النواصي
مجنّبين الخيل بالقلاص ... مستحقبين حلق الدّلاص
هكذا بإثبات الياء، كما روى «لأصبحنّ العاص وابن العاص» بحذفها.
[1] النوطة: التعلّق. وفي ت، ح، ر: «لوطة بالقلب»؛ أي لصوق به.
[2] كذا في ت، ح، ر. ومعناه يثقلها. وفي سائر النسخ: «يؤدّها» من أدّه الأمر يؤدّه وشده إذا دهاه، والعقل: الحبس.
[3] في ت، أ، م، ء: «ينكرها». وهي لا تستقيم مع الشطر الثاني.
[4] أقوت الدار: أقفرت وخلت من أهلها. والمحسل: الجدب.
[5] السجيل: الطين المتحجر، وهو فارسي معرّب؛ وأصله سنك أي حجارة وكل أي طين.
أمير المؤمنين جزيت خيرا ... أرحنا من قباع بني المغيرة
بلوناه ولمناه فأعيا ... علينا ما يمرّ [1] لنا مريرة
على أنّ الفتى نكح أكول ... وولّاج مذاهبه كثيرة
شعر عمر في تشوقه إلى مكة بعد أن خرج منها إلى اليمن
قالوا: وكان الحارث ينهى أخاه عن قول الشعر فيأبى أن يقبل منه، فأعطاه ألف دينار على ألّا يقول شعرا، فأخذ المال وخرج إلى أخواله بلحج [2] وأبين مخافة أن يهيجه مقامه بمكة على قول الشعر، فطرب يوما فقال:
صوت
هيهات من أمة الوهّاب منزلنا ... إذا حللنا بسيف [3] البحر من عدن
واحتلّ أهلك أجيادا [4] وليس لنا ... إلا التذكّر أو حظّ من الحزن
لو أنها أبصرت بالجزع عبرته ... من أن يغرّد قمريّ على فنن [5]
إذا رأت غير ما ظنّت بصاحبها ... وأيقنت أنّ لحجا ليس من وطني
ما أنس لا أنس يوم الخيف موقفها [6] ... وموقفي وكلانا ثمّ ذو شجن
وقولها للثّريّا وهي باكية [7] ... والدمع منها على الخدّين ذو سنن [8]
باللّه قولي له في غير معتبة ... ماذا أردت بطول المكث في اليمن
إن كنت حاولت دنيا أو ظفرت [9] بها ... فما أخذت بترك الحج من ثمن
قال: فسارت القصيدة حتى سمعها أخوه الحارث، فقال: هذا واللّه شعر عمر، قد فتك وغدر. قال: وقال ابن جريج: ما ظننت أنّ اللّه عزّ وجلّ ينفع أحدا بشعر عمر بن أبي ربيعة حتى سمعت وأنا باليمن منشدا ينشد قوله:
__________
[1] كذا في ت. وفي سائر النسخ: «فأتمرّ فينا» وهو تحريف. والمريرة والمرير: الحبل الجيد الفتل. وأمره: أحكمه وأبرمه. والمراد أنه لا يحسن أن يسوسهم.
[2] لحج وأبين: مخلافان باليمن.
[3] سيف البحر: ساحله.
[4] أجياد: موضع بمكة؛ سمى بذلك لأن تبّعا لما قدم مكة ربط خيله فيه، فسمى بذلك. وهما موضعان: أجياد الكبير وأجياد الصغير.
[5] كذا في ت. وقد مزج هذا البيت والذي بعده في سائر النسخ بيتا واحدا هكذا:
لو أنها أبصرت بالجزع عبرته ... ظنت بصاحبها أن ليس من وطني
وهو تحريف شنيع. وفي «ديوانه».
فلو شهدن غداة البين عبرتنا ... لأن تغرد قمريّ على فنن
لا ستيقنت غير ما ظنت بصاحبها ... وأيقنت أن عكّا ليس من وطني
وعك: قبيلة يضاف إليها مخلاف باليمن:
[6] في «ديوانه»: بل ما نسيت ببطن الخيف موقفها. والخيف: موضع بمنى وبه سمى مسجد الخيف.
[7] في «ديوانه»: وقولها للثريا يوم ذي خشب.
[8] ذو سنن: ذو طرائق.
[9] كذا في ت. وفي «ديوانه»: «نعمت». وفي سائر النسخ: «رضيت».
/
باللّه قولي له في غير معتبة ... ماذا أردت بطول المكث في اليمن
إن كنت حاولت دنيا أو ظفرت بها ... فما أخذت بترك الحج من ثمن
فحرّكني ذلك على الرجوع إلى مكة، فخرجت مع الحاجّ وحججت.
غنّى في أبيات عمر هذه ابن سريج، ولحنه رمل بالبنصر في مجراها عن إسحاق. وفيها للغريض ثقيل أوّل بالوسطى/ عن عمرو.
طلب الوليد من يخبره عن الطائف فدل على عمر
أخبرني عليّ بن صالح قال حدّثنا أبو هفّان قال حدّثني إسحاق عن السّعديّ [1] قال: قدم الوليد بن عبد الملك مكة، فأراد أن يأتي الطائف فقال: هل [لي] [2] في رجل علم بأموال [3] الطائف فيخبرني عنها؟ فقالوا: عمر بن أبي ربيعة. قال: لا حاجة لي به. ثم عاد فسأل فذكروه له فردّه. ثم عاد فسأل فذكروه [له ثم ردّه. ثم عاد فسأل فذكروه له [4]]، فقال: هاتوه. فركب معه يحدّثه، ثم حرّك عمر رداءه ليصلحه على كتفه، فرأى على منكبه أثرا.
فقال: ما هذا الأثر؟ فقال: كنت عند جارية إذ جاءتني جارية برسالة من عند جارية أخرى، فجعلت تسارّني، فغارت التي كنت أحدّثها فعضّت منكبي، فما وجدت ألم عضّها من لذّة ما كانت تلك تنفث في أذني، حتى بلغت ما ترى، والوليد يضحك. فلما رجع عمر قيل له: ما الذي كنت تضحك أمير المؤمنين به [5]؟ فقال: ما زلنا في حديث الزّنا حتى رجعنا.
المفاضلة بينه وبين عبد اللّه بن قيس الرقيات
أخبرني الحرميّ قال حدّثنا الزّبير قال حدّثني محمد بن عبد اللّه [6] البكريّ وغيره عن عبد الجبّار بن سعيد المساحقيّ عن أبيه قال: دخلت مسجد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم مع نوفل بن مساحق، فإنه لمعتمد على يدي، إذ مررنا بسعيد بن المسيّب في مجلسه وحوله جلساؤه، فسلّمنا عليه فردّ علينا، ثم قال لنوفل: يا أبا سعيد، من أشعر: صاحبنا أم صاحبكم؟ يريد: عبد اللّه بن قيس، أو عمر بن أبي ربيعة [7]. فقال نوفل: حين يقولان ماذا يا أبا محمد؟ قال: حين يقول صاحبنا:
خليليّ ما بال المطايا كأنّما ... نراها على الأدبار بالقوم تنكص [8]
وقد قطعت أعناقهن صبابة ... فأنفسنا مما يلاقين شخّص
__________
[1] فيء، م، أ، ح: «السعيديّ».
[2] زيادة في ت. وفي ح، ر: «أن يأتي الطائف فقال: من يخبرني عنها فقالوا عمر الخ».
[3] كذا في الأصول. ولعله. «بأحوال».
[4] زيادة في ت.
[5] في ث: «ما الذي كنت تحدث به أمير المؤمنين فأضحكه».
[6] كذا في ت، أ، ء. وفي سائر النسخ: «محمد بن عمر بن عبد اللّه ... ».
[7] كذا في ح، ر. وفي ت: «يريد عبد اللّه بن قيس أم عمر بن أبي ربيعة». وفي سائر النسخ: «يريد عبد اللّه بن قيس أو عمر بن أبي ربيعة». وكله صحيح.
[8] تنكص: ترجع وتولّى وتحجم.
وقد أتعب الحادي سراهنّ وانتحى ... بهنّ فما يألو عجول مقلّص [1]
يزدن بنا قربا فيزداد شوقنا ... إذا زاد طول العهد والبعد ينقص
ويقول صاحبك ما شئت. فقال له نوفل: صاحبكم أشعر في الغزل، وصاحبنا أكثر أفانين شعر. فقال سعيد: صدقت. فلما انقضى ما بينهما من ذكر الشعر، جعل سعيد يستغفر اللّه ويعقد [2] بيده حتى وفّى مائة.
فقال البكريّ في حديثه عن عبد الجبّار: قال مسلم: فلما انصرفنا قلت لنوفل: أتراه استغفر اللّه من إنشاد الشعر/ في مسجد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم؟ فقال: كلا! هو كثير الإنشاد والاستنشاد للشعر فيه، ولكن أحسب ذلك للفخر بصاحبه.
المفاضلة بينه وبين جميل بن معمر العذري
أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدّثنا عمر بن شبّة قال قال أبو عبيدة حدّثنا عوانة بن الحكم وأبو يعقوب الثّقفيّ: أنّ الوليد بن يزيد بن عبد الملك قال لأصحابه ذات ليلة: أيّ بيت قالته العرب أغزل؟ فقال بعضهم: قول جميل:
يموت الهوى منّي إذا ما لقيتها ... ويحيا إذا فارقتها فيعود
وقال آخر: قول عمر بن أبي ربيعة:
كأنّني حين أمسي لا تكلّمني ... ذو بغية يبتغي ما ليس موجودا
فقال الوليد: حسبك واللّه بهذا! أخبرني الحرميّ قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثني محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن عبد الحميد [3] عن شيخ من أهله عن أبي الحارث مولى هشام/ بن الوليد بن المغيرة - قال: وهو الذي يقول فيه عمر بن أبي ربيعة:
يا أبا الحارث قلبي طائر ... فأتمر أمر رشيد مؤتمن [4] -
قال: شهدت عمر بن أبي ربيعة، وجميل بن عبد اللّه بن معمر العذريّ، وقد اجتمعا بالأبطح، فأنشد جميل قصيدته التي يقول فيها:
لقد فرح الواشون أن صرمت حبلي ... بثينة أو أبدت لنا جانب البخل
يقولون مهلا يا جميل وإنّني ... لأقسم مالي عن بثينة من مهل
/ حتى أتى على آخرها، ثم قال لعمر: يا أبا الخطّاب، هل قلت في هذا الرّويّ شيئا؟ قال نعم.
__________
[1] مقلص: مشمّر جادّ في السير.
[2] يعقد: يحسب؛ يقال: عقد الحاسب يعقد عقدا أي حسب.
[3] في ت: «محمد بن إسماعيل بن عبد الحميد». وفي ر: «محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن عبد اللّه بن عبد الحميد».
[4] كذا في ت. وفي سائر النسخ: «مؤتمر» بالراء وهو تحريف؛ إذ أن هذه القصيدة نونيّة مطلعها في «ديوانه»:
من رسوم باليات ودمن ... عاد لي همّي وعاودت ددن
وفي هذا الجزء ص 157:
أمن الرسم وأطلال الدمن ... عاد لي وجدي وعاودت الحزن
قال: فأنشدنيه، فأنشده قوله:
جرى ناصح بالودّ بيني وبينها ... فقرّبني يوم الحصاب [1] إلى قتلي
فطارت بحدّ من فؤادي [2] وقارنت [3] ... قرينتها حبل الصّفاء إلى حبلي
فلمّا تواقفنا عرفت الذي بها ... كمثل الذي بي حذوك النعل بالنعل
فقلن [4] لها هذا عشاء وأهلنا ... قريب ألمّا تسأمي مركب البغل
فقالت فما شئتنّ قلن لها انزلي ... فللأرض خير من وقوف على رحل [5]
نجوم دراريّ [6] تكنّفن صورة ... من البدر وافت غير هوج [7] ولا عجل
فسلّمت واستأنست خيفة أن يرى ... عدوّ مقامي أو يرى كاشح فعلي
فقالت وأرخت جانب السّتر إنّما ... معي فتكلّم غير ذي رقبة أهلي
فقلت لها ما بي لهم من ترقّب ... ولكنّ سرّي ليس يحمله مثلي
فلمّا اقتصرنا دونهنّ حديثنا ... وهنّ [8] طبيبات بحاجة ذي الشّكل
عرفن الذي تهوى [9] فقلن ائذني لنا ... نطف ساعة في برد ليل وفي سهل
/ فقالت فلا تلبثن قلن تحدّثي ... أتيناك، وانسبن انسياب مها الرّمل
وقمن [10] وقد أفهمن ذا اللّبّ أنّما ... أتين [11] الذي يأتين من ذاك من أجلي
فقال جميل: هيهات يا أبا الخطّاب! لا أقول واللّه مثل هذا سجيس الليالي [12]، واللّه ما يخاطب النساء مخاطبتك أحد. وقام مشمّرا.
قال أبو عبد اللّه الزّبير قال عمّي مصعب: كان عمر يعارض جميلا، فإذا قال هذا قصيدة قال هذا مثلها.
__________
[1] الحصاب كالمحصّب: موضع رمى الجمار.
[2] كذا في «ديوانه». وفي الأصول: «سهامى».
[3] في «ديوانه»: «و نازعت قريبتها». وفي ت، م، ء: «و قربت قرينتها».
[4] كذا في «ديوانه» وت. وفي سائر النسخ: «فقلت» وهو تحريف.
[5] كذا في «ديوانه» وأ، ر. وفي سائر النسخ: «رجل».
[6] دراري، ممنوعة من الصرف، ونوّنت لضرورة الشعر.
[7] هوج: جمع هوجاء وهي المتعجلة في السير كأن بها هوجا وحمقا.
[8] كذا في ت. وفي «ديوانه»: «و هنّ طبيبات بحاجة ذي التبل». وفي سائر النسخ:
وهنّ ظنينات بحاجة ذي الشكل
وهو تحريف. والشّكل: دلّ المرأة وغزلها. والتبل: أن يسقم الهوى صاحبه ويغلب عليه.
[9] في ت، ر، ح: «نهوى».
[10] في «الديوان»: «فقمن» بالفاء. وقد ذكره المؤلف بعد في هذه الصفحة كرواية «الديوان».
[11] في «ديوانه».
فعلن الذي يفعلن في ذاك من أجلي
[12] هذه كلمة تستعمل للتأبيد؛ يقل: لا آتيك سجيس اللبالي، أي لا آتيك أبدا.
فيقال: إنه في الرائيّة والعينيّة أشعر من جميل، وإنّ جميلا أشعر منه في اللّاميّة، وكلاهما قد قال بيتا نادرا ظريفا، قال جميل:
خليليّ فيما عشتما هل رأيتما ... قتيلا بكى من حبّ قاتله قبلي
وقال عمر:
فقالت وأرخت جانب السّتر إنّما ... معي فتكلّم غير ذي رقبة أهلي
كلمة الفرزدق وقد سمع شعر عمر
أخبرني عليّ بن صالح قال حدّثنا أبو هفّان عن إسحاق عن المدائنيّ قال: سمع الفرزدق عمر بن أبي ربيعة ينشد قوله:
جرى ناصح بالودّ بيني وبينها ... فقرّ بني يوم الحصاب إلى قتلي
ولمّا بلغ قوله:
فقمن وقد أفهمن ذا اللبّ أنما ... أتين الذي يأتين من ذاك من أجلي
/ صاح الفرزدق: هذا واللّه الذي أرادته الشعراء فأخطأته، وبكت على الديار.
نسبة ما في هذه الأشعار من الغناء
الغناء في قصيدتي جميل وعمر اللاميتين
منها في قصيدة جميل التي أنشدها عمر، واستنشده ما له في وزنها:
صوت
خليليّ فيما عشتما هل رأيتما ... قتيلا بكى من حبّ قاتله قبلي
أبيت مع الهلّاك [1] ضيفا لأهلها ... وأهلي قريب موسعون ذو وفضل
أفق أيها القلب اللّجوج عن الجهل ... ودع عنك «جملا» لا سبيل إلى جمل
فلو تركت عقلي معي ما طلبتها ... ولكن طلابيها [2] لما فات من عقلي
الغناء للغريض ثاني ثقيل بالوسطى عن عمرو في الأوّل والثاني من الأبيات.
وذكر الهشاميّ الأبيات كلّها ووصف أنّ الثّقيل الثاني الذي يغنّى به فيها لمعبد. وذكر يحيى المكّيّ: أن لابن محرز في الثالث وما بعده من الأبيات ثاني ثقيل بالخنّصر والبنصر. وفي هذه الأبيات التي أوّلها الثالث هزج بالبنصر يمان عن عمرو. وفي الرابع والخامس لابن طنبورة خفيف رمل عن الهشاميّ. وفيها لإسحاق ثقيل أوّل عن
__________
[1] الهلاك هنا: الصعاليك الذين ينتابون الناس ابتغاء معروفهم.
[2] طلابيها: مطالبتي إياها.
الهشاميّ أيضا. وذكر حمّاد عن أبيه: أن لنافع الخير مولى عبد اللّه بن جعفر في هذه الأبيات لحنا، ولم يجنّسه.
وذكر حبش أنّ الثقيل الأوّل لابن طنبورة. ومنها في شعر جميل أيضا:
صوت
لقد فرح الواشون أن صرمت حبلي ... بثينة أو أبدت لنا جانب البخل
فلو تركت عقلي معي ما طلبتها ... ولكن طلابيها لما فات من عقلي
الغناء لابن مسجح ثقيل أوّل بالوسطى عن الهشاميّ.
/ ومنها في شعر عمر بن أبي ربيعة المذكور في أوّل الخبر:
صوت
فقالت وأرخت جانب السّتر إنّما ... معي فتحدّث غير ذي رقبة أهلي
فقلت لها ما بي لهم من ترقّب ... ولكنّ سرّي ليس يحمله مثلي
جرى ناصح بالودّ بيني وبينها ... فقرّ بني يوم الحصاب إلى قتلي
غنّى في هذه الأبيات ابن سريج، ولحنه رمل مطلق [1] في مجرى البنصر عن إسحاق وعمرو [2]. وذكر يونس [3]: أنّ فيه لحنا لمالك لم يجنّسه، وذكر الهشاميّ: أنّ لحن مالك خفيف ثقيل. وذكر حبش [4]: أنّ لمعبد فيه لحنا من الثّقيل الأوّل بالبنصر، ولابن سريج ثاني ثقيل بالوسطى. [و ليس حبش ممن يعتمد في هذا على روايته [5]].
إستحسان الناس شعر عمر وتفضيله على شعراء عصره
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال:
أدركت مشيخة [6] من قريش لا يزنون بعمر بن أبي ربيعة شاعرا من أهل دهره في النّسيب، ويستحسنون منه ما كانوا يستقبحونه من غيره من مدح نفسه، والتّحلّي/ بمودّته، والأبتيار في شعره والابتيار: أن يفعل الإنسان الشيء فيذكره ويفخر به. والابتهار: أن يقول ما لم يفعل.
نقد ابن أبي عتيق أبيات عمر الرائية
أخبرني محمد بن خلف قال أخبرني عبد اللّه بن عمر [7] وغيره عن إبراهيم بن المنذر
__________
[1] في ت: «بإطلاق الوتر».
[2] هذه الكلمة ساقطة من ت.
[3] فيء، م، أ: «و ذكر عمر».
[4] في ت: «حبش بن موسى».
[5] هذه الجملة ساقطة من أ، م، ء.
[6] مشيخة: جمع لشيخ.
[7] في ح، ر: «عمرو».
الحزاميّ [1] عن عبد العزيز بن عمران قال: قال ابن أبي عتيق لعمر وقد أنشده قوله:
صوت
بينما ينعتنني أبصرنني ... دون قيد [2] الميل يعدو بي الأغر
قالت الكبرى أتعرفن الفتى ... قالت الوسطى نعم هذا عمر
قالت الصغرى وقد تيّمتها [3] ... قد عرفناه وهل يخفى القمر
- الغناء في هذه الأبيات لابن سريج خفيف رمل بالبنصر - فقال له ابن أبي عتيق: - وقد أنشدها - أنت لم تنسب بها، وإنما نسبت بنفسك، كان ينبغي أن تقول: قلت لها فقالت لي، فوضعت خدّي فوطئت عليه.
عود إلى سيرته وخلقه
أخبرني الحرميّ قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال:
لم يذهب على أحد من الرّواة أنّ عمر كان عفيفا يصف ولا يقف [4]، ويحوم ولا يرد.
أخبرني محمد بن خلف قال حدّثنا أحمد بن منصور عن ابن الأعرابيّ، وحدّثني عليّ بن صالح قال حدّثنا أبو هفّان عن إسحاق الموصليّ عن رجاله، قالوا: كان ابن أبي ربيعة قد حجّ في سنة من السنين. فلما انصرف من الحج ألفى الوليد بن عبد الملك وقد فرش له في ظهر الكعبة وجلس، فجاءه عمر فسلّم عليه وجلس إليه. فقال له: أنشدني شيئا من شعرك. فقال: يا أمير المؤمنين، أنا شيخ كبير وقد تركت الشعر، ولي غلامان هما عندي بمنزلة الولد، وهما يرويان كلّ ما قلت وهما لك. قال: ائتني بهما ففعل، فأنشداه قوله:
أمن آل نعم أنت غاد فمبكر
فطرب الوليد واهتزّ لذلك، فلم يزالا ينشدانه حتى قام، فأجزل صلته وردّ الغلامين إليه.
مميزات شعره
حدّثني عليّ بن صالح بن الهيثم الأنباريّ الكاتب الملقّب «كيلجة» [5] قال حدّثني أبو هفّان قال حدّثنا إسحاق بن إبراهيم الموصليّ عن مصعب بن عبد اللّه الزّبيري، وأخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير بن بكّار عن عمه مصعب أنه قال: راق عمر بن أبي ربيعة الناس وفاق نظراءه وبرعهم بسهولة الشعر وشدّة الأسر، وحسن الوصف، ودقّة المعنى وصواب المصدر، والقصد للحاجة، واستنطاق الربع، وإنطاق القلب، وحسن العزاء، ومخاطبة النساء، وعفّة المقال، وقلّة الانتقال، وإثبات الحجّة، وترجيح الشكّ في موضع اليقين، وطلاوة
__________
[1] في ت: «الحراميّ». وفي ب، س: «الخزاميّ» وكلاهما تصحيف؛ إذ هو إبراهيم بن المنذر بن عبد اللّه بن المنذر بن المغيرة بن عبد اللّه بن خالد بن حزام الأسدي الخزاميّ. (انظر «تقريب التهذيب»).
[2] قيد الميل: قدره.
[3] تيمتها: استوليت عليها وشغلت قلبها.
[4] في ت: «يصف ويقف» والمراد على روايتها أنه يقف عند الوصف لا يجاوزه.
[5] ورد في «تهذيب التهذيب» أنه لقب محمد بن صالح بن عبد الرحمن البغدادي أبي بكر الأنماطي. ثم قال: ويقال اسمه أحمد ا ه ولم يضبطه. ولعل كيلجة لقب لعلي بن صالح كما هو لقب لمحمد هذا. وفي «القاموس»: «كيلجة لقب محمد بن صالح» وضبطه بالفتح: وضبطه السيد محمد مرتضى بكسر الكاف وفتح اللام، ثم قال: ومثله في «المصباح» و«المغرب» و«شرح التقريب» للحافظ السخاوي.
الاعتذار، وفتح الغزل، ونهج العلل، وعطف المساءة [1] على العذّال، وأحسن التفجّع، وبخّل المنازل، واختصر الخبر، وصدق الصّفاء، إن قدح أورى، وإن اعتذر أبرا، وإن تشكّى أشجى، وأقدم عن خبرة ولم يعتذر بغرّة، وأسر النوم، وغمّ الطّير، وأغدّ السّير، وحيّر ماء الشباب، وسهّل وقوّل، وقاس الهوى فأربى، وعصى وأخلى، وحالف بسمعه وطرفه، وأبرم [2] نعت الرسل وحذّر، وأعلن الحبّ وأسرّ، وبطن به وأظهر، وألحّ وأسفّ، وأنكح النوم، وجنى الحديث، وضرب ظهره لبطنه، وأذلّ صعبه، وقنع بالرّجاء من الوفاء، وأعلى قاتله، واستبكى عاذله، ونفّض النوم، وأغلق رهن منّي وأهدر قتلاه، وكان بعد هذا/ كلّه فصيحا.
/ فمن سهولة شعره وشدّة أسره [3] قوله:
صوت
فلمّا تواقفنا وسلّمت أشرقت [4] ... وجوه زهاها الحسن أن تتقنّعا
تبالهن بالعرفان لمّا رأينني ... وقلن امرؤ باغ أكلّ وأوضعا [5]
الغناء لابن عبّاد رمل عن الهشاميّ، وفيه لابن جامع لحن غير مجنّس عن إبراهيم.
ومن حسن وصفه قوله:
لها من الرّيم عيناه وسنّته [6] ... ونخوة [7] السابق المختال إذ [8] صهلا
ومن دقة معناه وصواب مصدره قوله
صوت
عوجا نحيّ الطّلل المحولا [9] ... والرّبع من أسماء والمنزلا
بسابغ البوباة لم يعده [10] ... تقادم العهد بأن يؤهلا
__________
[1] في ت: «المسألة».
[2] في ر: «و أبرم وبعث». وفي ب، س: «و أبرص ينعت». وفي أ، ء، م: «و أنذر وبعث» وفي ت: «و أبرض نعت» وفي ح: «و أبرص وبعث»، وكلها تحريف. وقد أثبتنا ما في الصلب لما سيرد بعد في صفحة 139 نقلا عن نسخة ء: «و من إبرامه نعت الرسل قوله ... الخ».
[3] الأسر في كلام العرب: الخلق؛ وفي التنزيل العزيز: (نَحْنُ خَلَقْناهُمْ وَشَدَدْنا أَسْرَهُمْ)
أي شددنا خلقهم، كما في «اللسان».
والمراد من شدّة الأسر هنا إحكام النسج ومتانة التركيب.
[4] كذا في «الديوان»، ت. وفي ر، ح: «أقبلت». وفي بقية النسخ: «أشرفت» بالفاء.
[5] أكلّ: أعيا. وأوضع: أسرع في السير.
[6] سنته صورته. وفي النسخة المخطوطة التيمورية من «ديوانه»: «و لفتته».
[7] كذا في م، ء، أ، ت و «الديوان». وفي بقية النسخ: «و غرّة».
[8] في ح، ر: «إن».
[9] المحول والمحيل: الذي أتت عليه أحوال كثيرة فغيرته.
[10] البوباة: الفلاة واسم لصحراء بأرض تهامة إذا خرجت من أعالي وادي النخلة اليمانية، وهي بلاد بني سعد بن بكر بن هوازن (ياقوت). وفي «اللسان» (مادة («حول»):
بجانب البوباة لم يعفه
الغناء لابن سريج ثاني ثقيل بالسّبّابة في مجرى الوسطى عن إسحاق. قال إسحاق بن إبراهيم: يعني أنه لم يؤهل فيعدوه تقادم العهد. وقال الزبير: قال بعض المدنيّين: يحيّيه بأن يؤهل، أي يدعو له بذلك.
ومن قصده للحاجة قوله:
صوت
أيّها المنكح الثّريّا سهيلا [1] ... عمرك اللّه كيف يلتقيان
هي شاميّة إذا ما استقلّت ... وسهيل إذا استقلّ يماني
ويروى: «هي غوريّة» [2]. الغناء للغريض خفيف ثقيل بالبنصر عن عمرو وابن المكيّ.
ومن استنطاقه الربع قوله:
صوت
سائلا الرّبع بالبليّ وقولا ... هجت شوقا لي الغداة طويلا
أين حيّ حلّوك إذ أنت محفو [3] ... ف بهم آهل [4] أراك جميلا
قال ساروا فأمعنوا [5] واستقلّوا ... وبرغمي لو قد وجدت [6] سبيلا
ويروى:
وبكرهي لو استطعت سبيلا
سئمونا وما سئمنا جوارا [7] ... وأحبّوا دماثة [8] وسهولا
فيه رملان: أحدهما لابن سريج بالسّبّابة في مجرى الوسطى عن إسحاق، والآخر لإسحاق مطلق في مجرى البنصر، وفيه لأبي العبيس [9] بن حمدون ثاني ثقيل. وقد/ شرحت نسبته مع خبره في موضع آخر [10]. قال إسحاق: أنشد جرير هذه الأبيات فقال: إنّ هذا الذي كنّا ندور عليه فأخطأناه.
__________
[1] هي الثريا بنة علي بن عبد اللّه بن الحارث بن أمية الأصغر ابن عبد شمس بن عبد مناف الأموية. وقال السهيليّ في «الروض الأنف»: هي الثريا بنة عبد اللّه، ولم يذكر عليا. ثم قال: وقتيلة بنت النضر جدّتها؛ لأنها كانت تحت الحارث بن أمية، وعبد اللّه ولدها هو والد الثريا، تزوّجها سهيل بن عبد الرحمن بن عوف الزهريّ رضي اللّه عنه ونقلها إلى مصر، فقال عمر هذا الشعر يضرب المثل بالثريا وسهيل النجمين المعروفين (راجع ابن خلكان ج 1 ص 538).
[2] غوريّة: نسبة إلى غور الأردنّ بالشأم بين بيت المقدس ودمشق (ياقوت).
[3] كذا في «الديوان» وأكثر النسخ. وفي ر، ح: «مسرور».
[4] في «الديوان»، ت: «آهلا» أي أراك آهلا جميلا.
[5] في «الديوان»: «بأجمع» أي ساورا بأجمعهم.
[6] كذا في ر، ح. وفي سائر الأصول: «و لو وجدت».
[7] في ح، ر: «سقاما». وفي «ديوانه» «ببين».
[8] يقال: دمثت الأرض دماثه، إذا سهلت ولانت.
[9] كذا في ح، ت، ر. وفي سائر النسخ: «لأبي العنبس».
[10] في ت: «و لهذا الشعر أخبار قد كتبت في موضع آخر لئلا ينقطع ما هاهنا».
ومن إنطاقه القلب قوله:
قال لي فيها عتيق مقالا ... فجرت مما يقول الدموع
قال لي ودّع سليمى ودعها ... فأجاب القلب: لا أستطيع
الغناء للهذليّ ثاني ثقيل بالوسطى عن الهشاميّ. قال: وفيه ليحيى المكيّ ثقيل أوّل نسب إلى معبد وهو من منحوله.
ومن حسن عزائه قوله:
[صوت] [1]
/أ ألحقّ إن [2] دار الرّباب تباعدت ... أو انبتّ حبل أنّ قلبك طائر
أفق قد أفاق العاشقون وفارقوا ال ... هوى واستمرّت بالرّجال [3] المرائر
زع [4] النفس واستبق الحياء فإنّما ... تباعد أو تدني الرّباب المقادر
أمت حبّها واجعل قديم وصالها ... وعشرتها كمثل من لا تعاشر
وهبها كشيء لم يكن أو كنازح ... به الدار أو من غيّبته المقابر
وكالناس [5] علّقت الرّباب فلا تكن ... أحاديث من يبدو ومن هو حاضر [6]
الغناء في بعض هذه الأبيات وأوّله «زغ النفس» لابن سريج ثقيل أوّل بالبنصر عن عمرو. وفيه لعمر الواديّ رمل بالبنصر عن ابن المكّيّ. وفيه ل «قدار» [7] لحن من/ كتاب إبراهيم غير مجنّس. وهذه الأبيات يرويها بعض أهل الحجاز لكثيّر، ويرويها الكوفيون للكميت بن معروف الأسديّ، وذكر بعضها الزّبير بن بكّار عن أبي عبيدة لكثيّر في أخباره [8].
ومن حسن غزله في مخاطبة النساء
- قال مصعب الزّبيريّ: وقد أجمع أهل بلدنا ممن له علم بالشعر أنّ هذه الأبيات أغزل ما سمعوا - قوله:
__________
[1] زيادة في ت، ر.
[2] في «الديوان»: «أحقا لئن دار».
[3] كذا في «الديوان»، ح، ر. والمراد أنّ الرجال قد أفاقوا واستحكمت عزائمهم. ينصح قلبه أن يسلو سلوّهم. وفي سائر النسخ:
«بالرحيل».
[4] أي ازجرها وكفّها عن هواها.
[5] وفي «الديوان»: «فإن كنت علقت».
[6] أي من يقيم في البدو ومن يقيم في الحضر.
[7] في «القاموس» أنه سمّي بقدار كغراب. وفي م، ء: «قرار» براءين.
[8] كذا في ت. وفي سائر النسخ؛ وهذه الأبيات تنسب إلى كثير أيضا وإلى الكميت بن معروف الأسديّ، ولكلّهم فيها أخبار قد ذكرتها في مواضعها».
صوت
تقول غداة التقينا الرّباب ... أيا ذا أفلت أفول السّماك
وكفّت سوابق من عبرة ... كما ارفضّ [1] نظم ضعيف السّلاك
فقلت لها من يطع في الصّدي ... ق أعداءه يجتنبه [2] كذاك
أغرّك أنّي عصيت الملا ... م فيك وأنّ هوانا هواك
وألّا أرى لذّة في الحياة ... تقرّ بها العين حتى أراك
فكان من الذلنب لي عندكم ... مكارمتي واتّباعي رضاك
فليت الذي لام في حبّكم ... وفي أن تزاري [3] بقرن [4] وقاك
هموم الحياة وأسقامها ... وإن كان حتف جهيز [5] فداك
الغناء لابن سريج ثاني ثقيل بالوسطى. وذكر إبراهيم أنّ فيه لحنا لحكم. وقيل: إن فيه لحنا آخر لابن جامع.
ومن عفّة مقاله قوله:
صوت
طال ليلي واعتادني اليوم سقم ... وأصابت مقاتل القلب نعم
حرّة الوجه والشمائل والجو ... هر تكليمها لمن نال غنم
وحديث بمثله تنزل العص [6] ... م رخيم يشوب ذلك حلم
هكذا وصف ما بدا لي منها ... ليس لي بالذي تغيّب علم
إن تجودي أو تبخلي فبحمد ... لست يا نعم فيهما من يذمّ [7]
الغناء لابن سريج رمل عن الهشاميّ.
ومن قلة انتقاله قوله:
صوت
أيها القائل غير الصواب ... أمسك النّصح وأقلل عتابي
__________
[1] كذا في «ديوانه»، س بالراء. وفي سائر النسخ: «انفضّ» بالنون. والسلاك، لعله جمع سلك، ولم نجده في «كتب اللغة»؛ على أن القياس لا يأباه لأن فعالا يطرد في فعل كذئب وذئاب وقدح وقداح (انظر الأشموني طبع بولاق ج 3 ص 172).
[2] في ت: «نجتنبه» بالنون.
[3] في «الديوان»: تزارى برغم». وفي م، ء، ب، أ: «توازى».
[4] المراد به قرن المنازل، وكثيرا ما يذكره عمر في شعره.
[5] جهيز: سريع.
[6] العصم: جمع أعصم، وهو من الظباء والوعول ما في ذراعيه بياض، وهي تعتصم غالبا بقنن الجبال.
[7] في ت:
ليس فيما أتيته لك ذمّ
/
واجتنبني واعلمن أن ستعصى ... ولخير لك طول اجتنابي
إن تقل نصحا فعن ظهر غشّ ... دائم الغمر [1] بعيد الذّهاب
ليس بي عيّ بما قلت إنّي ... عالم أفقه [2] رجع الجواب
إنّما قرّة عيني هواها ... فدع اللّوم وكلني لما بي
/ لا تلمني في الرّباب وأمست ... عدلت [3] للنفس برد الشّراب
هي واللّه الذي هو ربّي ... صادقا أحلف غير الكذاب
أكرم الأحياء طرّا علينا ... عند قرب منهم واجتناب [4]
خاطبتني ساعة وهي تبكي ... ثم عزّت [5] خلّتي في الخطاب
وكفى [6] بي مدرهّا لخصوم ... لسواها عند حدّ تبابي [7]
الغناء لكردم ثقيل أوّل بالسّبّابة في مجرى الوسطى عن إسحاق في الأوّل والخامس ثم الثاني والثالث. وفيه لمعبد خفيف ثقيل بالبنصر عن يحيى المكيّ.
ومن إثباته الحجّة قوله:
خليليّ بعض اللوم لا ترحلا [8] به ... رفيقكما حتّى تقولا على علم
خليليّ من يكلف بآخر كالذي ... كلفت به يدمل [9] فؤادا على سقم
خليليّ ما كانت تصاب مقاتلي ... ولا غرّتي حتى وقعت [10] على نعم
خليليّ حتى لفّ حبلي [11] بخادع ... موقّى إذا يرمى صيود إذا يرمي
/ خليليّ لو يرقى خليل من الهوى ... رقيت بما يدني النّوار [12] منه العصم
__________
[1] الغمر (بالكسر): الحقد والغل.
[2] كذا في «ديوانه». وفي جميع النسخ:
ليس لي علم بما قلت إني ... عالم أفهم رجع الجواب
[3] عدلت: ساوت.
[4] في «الديوان»: «و اغتراب».
[5] عزّت هنا: غلبت؛ ومنه قوله تعالى: (وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ)
[6] كذا في ت. وفي سائر النسخ «و الديوان»: «و كفاني».
[7] كذا في الديوان. وقد اضطربت الأصول كلها في هذه الكلمة وهي محرّفة؛ ولذلك عدلنا عنها إلى ما في «الديوان». يريد: حسبي أن أكون غالبا لكل خصم سواها إلى حدّ هلاكي.
[8] يقال: رحل فلان فلانا بما يكره، إذا أثقله بأسماعه إياه. وفي ت: «لا توجعا».
[9] يدمل: يطوى. قال في «اللسان»: ويقال: ادمل القوم، أي اطوهم على ما فيهم.
[10] في «الديوان» «دللت».
[11] يكني بهذا عن الوقوع في شركها.
[12] النوار: النافرة. والعصم: الظباء التي في أذرعها بياض.
خليليّ إن باعدت لانت وإن ألن ... تباعد فلم أنبل بحرب ولا سلّم [1]
ومن ترجيحه الشكّ في موضع اليقين قوله:
صوت
نظرت إليها بالمحصّب من منى ... ولي نظر لو لا التّحرّج عارم [2]
فقلت: أشمس أم مصابيح بيعة ... بدت لك خلف السّجف أم أنت حالم
بعيدة [3] مهوى القرط إمّا لنوفل ... أبوها وإمّا عبد شمس وهاشم
ومدّ عليها السّجف يوم لقيتها ... على عجل تبّاعها والخوادم
فلم أستطعها غير أن قد بدا لنا ... عشيّة راحت وجهها والمعاصم
معاصم لم تضرب على البهم [4] بالضّحى ... عصاها ووجه لم تلحه السّمائم
نضار [5] ترى فيه أساريع [6] مائه ... صبيح تغاديه الأكفّ النّواعم
إذا ما دعت أترابها فاكتنفنها ... تمايلن أو مالت بهنّ المآكم [7]
طلبن الصّبا حتى إذا ما أصبنه ... نزعن وهنّ المسلمات الظّوالم
الغناء لمعبد ثقيل أوّل بالسبابة في مجرى [8] البنصر عن إسحاق وابن المكيّ. وفيها لابن سريج رمل بالسبابة في مجرى البنصر عن إسحاق أيضا. وفيها للغريض [خفيف [9]] ثقيل بالوسطى عن الهشاميّ.
ومن طلاوة اعتذاره قوله:
صوت
عاود القلب بعض ما قد شجاه ... من حبيب أمسى هوانا هواه
يا لقومي فكيف أصبر عمّن ... لا ترى النفس طيب عيش سواه
أرسلت إذ رأت بعادي ألّا ... يقبلن بي محرّشا [10] إن أتاه
__________
[1] لم أنبل: لم أصب، أو لم أحسن الرمي. وفي «ديوانه»: «فما ترجى لحرب ولا سلّم. وفي ح، ر: «فلم أبلل بحرب ولا سلّم».
وفي م: «فلم أبتل».
[2] عارم: شرس. وفي «الديوان»، أ، ب، م، ح: «عازم».
[3] هذا كناية عن طول العنق؛ وبه فسر في المثل السائر (طبع بولاق ص 383).
[4] البهم: جمع بهمة، وهي الصغير من أولاد الضأن والمعز والبقر.
[5] في «الديوان»: «نضير».
[6] أساريع الماء: طرائقه. والمراد أنه يترقرق فيه ماء الشباب.
[7] المآكم: جمع مأكمة وهي العجيزة.
[8] كذا في ر، ح، وفي سائر النسخ: «بالسبابة والبنصر».
[9] زيادة في ت، ح.
[10] المحرّش: المغري، من التحريش وهو الإغراء والإفساد.
دون أن
يسمع المقالة منّا ... وليطعني فإنّ عندي رضاه
لا تطع بي فدتك نفسي عدوّا ... لحديث على هواه افتراه
لا تطع بي من لو رآني [1] وإيّا ... ك أسيري ضرورة ما عناه
ما ضراري نفسي بهجري [2] من لي ... س مسيئا ولا بعيدا ثراه [3]
واجتنابي بيت الحبيب وما الخل ... د بأشهى إليّ من أن أراه
الغناء لمعبد خفيف ثقيل بالخنصر [4] في مجرى الوسطى عن إسحاق. وفيه لابن جامع ثاني ثقيل بالوسطى عن عمرو. وقال عمرو، فيه خفيف ثقيل بالوسطى للهذليّ. وفيه لابن محرز ثاني ثقيل بالوسطى عن عمرو، وابتداؤه نشيد أوّله: «ما ضراري نفسي». وقال الهشاميّ: وفيه لعليّة بنت المهديّ وسعيد بن جابر لحنان من الثقيل الثاني
ومن نهجه العلل قوله:
وآية ذلك أن تسمعي ... إذا جئتكم ناشدا ينشد [5]
فرحنا سراعا وراح الهوى ... دليلا إليها بنا يقصد
فلمّا دنونا لجرس النّبا ... ح والصوت، والحيّ لم يرقدوا
بعثنا لها باغيا ناشدا ... وفي الحيّ بغية من ينشد
وقد نسبت هذه الأبيات إلى من غنّى فيها مع:
تشطّ غدا دار جيراننا
ومن فتحه الغزل قوله:
إذا أنت لم تعشق ولم تدر ما الهوى ... فكنّ حجرا من يابس الصّخر جلمدا [6]
ومن عطفه المساءة على العذّال قوله:
صوت
لا تلمني عتيق حسبي الذي بي ... إنّ بي يا عتيق ما قد كفاني
__________
[1] كذا في ت. وفي سائر النسخ: «يراني».
[2] في ت، ح، ر و «الديوان»: «بهجرة».
[3] الثرى: الخير. وفي «الديوان»، ت: «نواه» والنوى هنا: الدار. وفي ح، ر: «ثواه» والثواء ممدودا وقصر لضرورة الشعر: الإقامة.
[4] في ت: «بالبنصر».
[5] في ب، س، م، ء: «منشدا ينشد».
[6] في ت، أ:
فكن حجرا بالحزن من صخرة أصم
وقد ورد هذا البيت في صفحة 230 موافقا لما في الصلب، وورد بيت مثله في صفحة 67 في قصيدته التي مطلعها «هجرت الحبيب اليوم من غير ما اجترم» هكذا:
إذا أنت لم تعشق ولم تتبع الهوى ... فكن صخرة بالحجر من حجر أصم
لا تلمني وأنت زيّنتها لي ... أنت مثل الشيطان للإنسان
الغناء لأبي العبيس [1] بن حمدون ثقيل أوّل مطلق من مجموع أغانيه. وفيه رمل طنبريّ محدث، وفيه هزج لأبي عيسى بن المتوكّل.
ومن حسن تفجّعه قوله:
صوت
هجرت الحبيب اليوم من غير ما اجترم ... وقطّعت من ذي ودّك الحبل فانصرم
أطعت الوشاة الكاشحين ومن يطع ... مقالة واش يقرع السّنّ من ندم
أتاني رسول [2] كنت أحسب أنه ... شفيق علينا ناصح كالذي زعم [3]
فلما تباثثنا [4] الحديث وصرّحت ... سرائره عن بعض ما كان قد كتم
/ تبيّن لي أنّ المحرّش [5] كاذب ... فعندي لك العتبى على رغم من رغم
فملآن [6] لمت [7] النفس بعد الذي مضى ... وبعد الذي آلت وآليت من قسم
ظلمت ولم تعتب وكان رسولها ... إليك سريعا بالرّضا لك إذ ظلم
/ الغناء لابن سريج رمل مطلق في مجرى البنصر عن إسحاق. وقال يونس: فيه لابن سريج لحنان، وذكر الهشاميّ أنّ لحنه الآخر ثقيل أوّل، وأن لعلّوية فيه رملا آخر.
ومن تبخيله المنازل قوله:
__________
[1] كذا في ح، ر، ب. وفي سائر النسخ: «العنبس».
[2] كذا في «ديوانه». وفي الأصول: «عدوّ».
[3] ترتيب هذه الأبيات في النسخة المخطوطة التيمورية من «ديوانه» هكذا:
أتاني رسول كنت أحسب أنه ... شفيق علينا ناصح كالذي زعم
فلما تناثثنا الحديث وبينت ... سريرته أبدى الذي كان قد كتم
تخبرني أن المحرّش كاذب ... من يطع الواشين أو زعم من زعم
يصرّم بظلم حبله من خليله ... وشيكا ويجذم قوّة الجبل ما جذم
وقلت لها لما خشيت لجاجة ... من الصرم منها تورث الحزن والألم
فإن كنت للعتبى عتبت لجاجة ... فعندي لك العتبى على رغم من رغم
ظلمت ولم تعتب وكان رسولها ... إليك سريعا بالرضا لك إذ ظلم
فملآن لمت النفس بعد الذي مضى ... وبعد الذي آلت وآليت من قسم
إذا أنت لم تعشق ولم تتبع الهوى ... فكن صخرة بالحجر من حجر اصم
وقد أثرنا أن ننقل هذه الأبيات كاملة من «ديوانه»؛ لأن المعنى المراد غير واضح في رواية الأصول ولا في رواية «الديوان» المطبوع.
[4] بثّ الحديث ونثه: أفشاه.
[5] المحرّش: المغري؛ يقال: حرّش بين القوم، إذا أفسد بينهم.
[6] أصله فمن الآن. ويرى الخليل أن «الآن» مبنيّ على الفتح. ويرى بعضهم أنه يجرّ بالكسرة؛ وأنشد:
كأنهما ملآن لم يتغيرا
[7] كذا في ديوانه، ت. وفي سائر النسخ: «فلم أر لوم النفس».
صوت
عرفت مصيف الحيّ والمتربّعا [1] ... ببطن حليّات [2] دوارس بلقعا
إلى السّرح [3] من وادي المغمّس [4] بدّلت ... معالمها وبلا ونكباء [5] زعزعا [6]
فيبخلن أو يخبرن بالعلم بعد ما ... نكأن [7] فؤادا كان قدما مفجّعا
الغناء للغريض ثاني ثقيل بالوسطى.
ومن اختصاره الخبر قوله:
صوت
أمن آل نعم أنت غاد فمبكر ... غداة غد أم رائح فمهجّر
بحاجة نفس لم تقل في جوابها ... فتبلغ عذرا والمقالة تعذر
أشارت بمدراها وقالت لتربها [8] ... أهذا المغيريّ الذي كان يذكر
لئن كان إيّاه لقد حال بعدنا ... عن العهد والإنسان قد يتغيّر
الغناء لابن سريج رمل بالسبّابة في مجرى البنصر، وله في بيتين آخرين من هذه القصيدة، وهما:
وليلة ذي دوران جشّمتني السّرى ... وقد يجشم الهول المحبّ المغرّر [9]
فقلت أباديهم [10] فإمّا أفوقهم ... وإمّا ينال السّيف ثأرا فيثأر
رمل آخر بالوسطى عن عمرو. قال الزّبير حدّثني إسحاق الموصلي قال: قلت لأعرابيّ ما معنى قول ابن أبي ربيعة:
__________
[1] الذي في «الديوان»:
ألم تسأب الأطلال والمتربعا
وما في «الديوان» أصح. قال أبو علي القالي في «أماليه» ج 2 ص 51 الطبعة الأميرية - بعد أن أورده بمثل ما في «الديوان» - : وأملى علينا أبو عبد اللّه: «عرفت مصيف الحيّ والمتربعا»، وهو غلط؛ لأن «عرفت مصيف الحيّ» أوّل قصيدة جميل.
[2] حليات (بضم الحاء المهملة وفتح اللام وتشديد الياء): اسم موضع ذكره البكري وياقوت ولم يبيناه. ولعله موضع قرب مكة بقرينة ذكره مع المغمس الوارد في البيت بعده.
[3] السرح: موضع.
[4] المغمّس (بتشديد الميم وفتحها كما في «ياقوت»، وضبطه البكري في «معجمه» بكسر الميم وتشديدها): موضع قرب مكة في طريق الطائف، مات فيه أبو رغال وقبره يرجم؛ لأنه كان دليل أبرهة صاحب الفيل. وفي ح: «إلى السرح من وادي العقيق تبدّلت». وفي «ديوانه»: إلى الشّري من وادي المغمس». والشري كما قال ياقوت: موضع يذكره ابن أبي ربيعة كثيرا في شعره. وسيرد في صفحة 176 من هذا الجزء. «إلى السفح من وادي المغمس ... » في جميع النسخ.
[5] النكباء: الريح التي تنكب عن مهابّ الرياح.
[6] يقال: ريح زعزع أي شديدة، وكذلك زعزاع وزعزوع.
[7] نكأ الجرح: قشره قبل أن يلتئم.
[8] في «ديوانه»:
قفي فانظري أسماء هل تعرفينه
[9] غرّر بنفسه: عرّضها للهلكة وحملها على غير ثقة.
[10] أباديهم: أجاهرهم وأظهر لهم.
بحاجة نفس لم تقل في جوابها ... فتبلغ عذرا والمقالة تعذر
فقال: قام كما جلس.
ومن صدقه الصفاء قوله:
كلّ وصل أمسى لديك لأنثى ... غيرها وصلها إليها أداء
كلّ أنثى وإن دنت لوصال ... أو نأت فهى للرّباب الفداء
/ وقوله:
صوت
أحبّ لحبّك من لم يكن ... صفيّا لنفسي ولا صاحبا
وأبذل ما لي لمرضاتكم ... وأعتب من جاءكم [1] عاتبا
وأرغب في ودّ من لم أكن ... إلى ودّه قبلكم راغبا
ولو سلك الناس في جانب ... من الأرض واعتزلت جانبا
ليمّمت طيّتها [2] إنّني ... أرى قربها العجب العاجبا
الغناء لابن القفّاص رمل عن الهشاميّ ويحيى المكّيّ، وفيه للرّبعيّ لحن من كتاب إبراهيم/ غير مجنّس.
ومما قدح فيه فأورى قوله:
صوت
طال ليلي وتعنّاني [3] الطّرب [4] ... واعتراني طول همّ ووصب
أرسلت أسماء في معتبة ... عتبتها وهي أحلى من عتب
أن أتى منها رسول موهنا [5] ... وجد الحيّ نياما فانقلب
ضرب الباب فلم يشعر به ... أحد يفتح بابا إذ ضرب [6]
قال: أيقاظ ولكن حاجة ... عرضت تكتم منّا فاحتجب
/ ولعمدا ردّني، فاجتهدت ... بيمين حلفة عند الغضب
__________
[1] في «ديوانه» المخطوط: «جاءني».
[2] طيتها: ناحيتها وقصدها.
[3] تعنّاني: أوقعني في العناء؛ قال الشاعر:
فقلت لها الحاجات يطرحن بالفتى ... وهمّ تعنّاني معنّى ركائبه
[4] الطرب: خفة تعتري الإنسان عند شدّة الفرح أو الحزن والهمّ.
[5] الموهن: نحو من نصف الليل.
[6] في «الديوان» وء، ت، م، أ...
أحد يفتح عنه إذا ضرب
يشهد [1]
الرحمن لا يجمعنا ... سقف بيت رجبا بعد رجب
قلت حلا فاقبلي معذرتي ... ما كذا يجري محبّ من أحبّ
إنّ كفّيّ لك رهن بالرّضا ... فاقبلي يا هند، قالت قد وجب
الغناء لمالك خفيف ثقيل بالسّبابة في مجرى الوسطى عن إسحاق. وفيه لدحمان ثقيل أوّل بالبنصر عن عمرو. وفيه لمعبد لحن من كتاب يونس لم يجنّسه، وذكر الهشاميّ أنه خفيف ثقيل. وفيه لابن سريج رمل عن الهشاميّ.
قال من حكينا عنه في صدر أخبار عمر روايته التي رواها عليّ بن صالح عن أبي هفّان عن إسحاق عن رجاله والحرميّ عن الزّبير عن عمّه:
كان عمر بن أبي ربيعة يهوى امرأة يقال لها «أسماء»، فكان الرسول يختلف [2] بينهما زمانا وهو لا يقدر عليها. ثم وعدته أن تزوره، فتأهّب لذلك وانتظرها، فأبطأت عنه حتى غلبته عينه فنام، وكانت عنده جارية له تخدمه، فلم تلبث أن جاءت ومعها جارية لها، فوقفت حجرة [3] وأمرت الجارية أن تضرب الباب، فضربته فلم يستيقظ. فقالت لها: تطلّعي فانظري ما الخبر؟ فقالت لها: هو مضطجع وإلى جنبه امرأة، فحلفت لا تزوره حولا، فقال في ذلك:
طال ليلي وتعنّاني الطّرب
قال أبو هفّان في حديثه: وبعث إليها امرأة كانت تختلف بينه وبين معارفه، وكانت جزلة [4] من النساء، فصدقتها عن قصّته وحلفت لها أنه لم يكن عنده إلا جاريته، فرضيت. وإيّاها يعني عمر بقوله:
/فأتتها طبّة [5] عالمة ... تخلط الجدّ مرارا باللّعب
تغلظ القول إذا لانت لها ... وتراخي عند سورات الغضب
لم تزل تصرفها عن رأيها ... وتأنّاها [6] برفق وأدب
قال إسحاق في خبره: وحدّثني ابن كناسة [7] قال أخبرني حمّاد الرواية قال: استنشدني الوليد بن يزيد، فأنشدته نحوا من ألف قصيدة، فما استعادني إلا قصيدة عمر بن أبي ربيعة:
طال ليلي وتعنّاني الطرب
__________
[1] في ت: «شهد». وفي ح، ر: «تشهد الرحمن».
[2] يختلف: يتردّد.
[3] حجرة: ناحية.
[4] الجزلة من النساء: العاقلة الأصيلة الرأي.
[5] طبة: حاذقة رفيقة.
[6] تأناها (بحذف إحدى تاءيه): تتمهل عليها؛ يقال: تأنيتك حتى لا أناة بي.
[7] هو أبو يحيى محمد بن عبد اللّه بن عبد الأعلى الأسدي، ويعرف بابن كناسة، قيل: إن كناسة لقب جدّه، وقيل: لقب أبيه؛ وهو ابن أخت إبراهيم بن أدهم من أهل الكوفة، كان عالما بالعربية وأيام الناس والشعر، سمع هشام بن عروة وسليمان الأعمش، وروى عنه أحمد بن حنبل ومحمد بن إسحاق الصاغاني. مات بالكوفة سنة سبع ومائتين (راجع «أنساب السمعاني» في مادة الكناسيّ).
فلما أنشدته قوله:
فأتتها طبّة عالمة ... تخلط الجدّ مرارا باللّعب
إلى قوله:
إنّ كفّي لك رهن بالرّضا ... فاقبلي يا هند قالت قد وجب
فقال الوليد: ويحك يا حمّاد! اطلب لي مثل هذه أرسلها إلى سلمى. يعني امرأته سلمى بنت/ سعيد بن خالد بن عمرو بن عثمان، وكان طلّقها ليتزوج أختها ثم تتبّعتها نفسه.
قال إسحاق وحدّثني جماعة منهم الحرميّ والزّبيريّ [1] وغيرهما: أنّ عمر أنشد ابن أبي عتيق هذه القصيدة، فقال له ابن أبي عتيق: الناس يطلبون خليفة [مذ قتل عثمان [2]] في صفة قوّادتك هذه يدبّر أمورهم فما يجدونه!.
/ رجع [3] إلى خبر عمر الطويل
قالوا: ومن شعره الذي اعتذر فيه فأبرأ قوله:
فالتقينا فرحّبت حين سلّم ... ت وكفّت دمعا من العين مارا [4]
ثم قالت عند العتاب رأينا ... منك عنّا تجلّدا وازورارا [5]
قلت كلّالاه [6] ابن عمّك بل خف ... نا أمورا كنّا بها أغمارا [7]
فجعلنا الصّدود لمّا خشينا ... قالة الناس للهوى أستارا
ليس كالعهد إذ عهدت [8] ولكن ... أو قد الناس بالنميمة نارا
فلذاك الإعراض عنك وما آ ... ثر قلبي عليك أخرى اختيارا
ما أبالي إذا النّوى قرّبتكم ... فدنوتم من حلّ أو من سارا
فاللّيالي إذا نأيت طوال ... وأراها إذا قربت قصارا
ومن تشكّيه الذي أشجى فيه قوله:
صوت
__________
[1] كذا في ت، ب، س. وفي سائر النسخ: «الزبير» وهو تحريف؛ إذ هو مصعب بن عبد اللّه الزبيريّ، وإسحاق بن إبراهيم الموصليّ يروى عنه كثيرا.
[2] زيادة في ت.
[3] في ج: «نرجع».
[4] مار: جرى وسال. وفي أ، ب، س، م، ء: «ثارا» أي هاج وانبعث.
[5] الازورار: الإعراض.
[6] لاه ابن عمك، أي للّه ابن عمك؛ ومنه قول ذي الإصبع العدواني:
لاه ابن عمك لا أفضلت في حسب ... عني ولا أنت دياني فتخزوني
[7] الغمر (بضم الغين وفتحها مع سكون الميم، وبفتحتين، وبفتح فكسر): الغر الجاهل الذي لم يجرب الأمور.
[8] أي ليس الأمر كما تعهدين من قبل.
لعمرك ما جاورت غمدان [1] طائعا ... وقصر شعوب أن أكون به صبّا
/ ولكنّ حمّى أضرعتني [2] ثلاثة ... مجرّمة [3] ثم استمرّت بنا غبّا [4]
وحتّى لو أن الخلد تعرض إن مشت ... إلى الباب رجلي ما نقلت لها إربا [5]
فإنّك لو أبصرت يوم سويقة [6] ... مناخي وحبسي العيس دامية جدبا [7]
ومصرع إخوان [8] كأنّ أنينهم ... أنين المكاكي [9] صادفت بلدا خصبا
إذا لا قشعرّ الرّأس [10] منك صبابة [11] ... ولا ستفرغت عيناك من سكبة غربا [12]
غنّى في الأوّل والثاني من هذه الأبيات معبد ولحنه خفيف ثقيل أوّل بالوسطى عن عمرو. وفيهما لمالك ثقيل أوّل عن الهشاميّ، ونسبه يونس إلى مالك ولم يجنّسه.
ومن إقدامه عن [13] خبرة ولم يعتذر بغرّة قوله:
صرمت وواصلت حتّى عرف ... ت أين المصادر والمورد
وجرّبت من ذاك حتّى عرف ... ت ما أتوقّى وما أعمد
ومن أسره النوم قوله:
نام صحبي وبات نومي أسيرا ... أرقب النّجم موهنا أن يغورا
__________
[1] غمدان كعثمان: قصر باليمن بناه «يشرخ بن يحصب» (و قال السيد مرتضى: وفي بعض النسخ بالمهملات وفي بعضها بزيادة اللام على التحتية) بأربعة وجوه: أحمر وأبيض وأصفر وأخضر، وبنى داخله قصرا بسبعة سقوف بين كل سقفين أربعون دراعا («قاموس» مادة «غمد»). وقصر شعوب: قصر عال مرتفع باليمن أيضا.
[2] أضرعتني: أضعفتني وأذلّتني.
[3] مجرّمة كمعظمة: تامة. يريد ثلاثة كاملة.
[4] الغبّ من الحمى: ما تأخذ يوما وتدع يوما.
[5] أي ما حرّكت لها عضوا. وفي الأصول: «يعرض».
[6] سويقة: موضع.
[7] حدبا: جمع أحدب وحدباء. وأصل الحدب: ما ارتفع من الأرض؛ ومنه قيل: حدب الإنسان حدبا من باب تعب، إذا خرج ظهره وارتفع من الاستواء، فهو أحدب والأنثى حدباء. يريد أنه أعياها السير فهي دامية متقوّسة الظهور هزالا. وفي أ، م، ء: «جربا» جمع أجرب وجرباء.
[8] كذا في ح، ر. وفي سائر النسخ: «إخواني» بياء المتكلم.
[9] كذا في الأصول. وهو يستقيم لو كان هكذا: «صادفت بلدا جدبا» وفي «ديوانه»: المطبوع بلييزج:
أنين مكاك فارقت بلدا خصبا
والمكاكي: جمع مكّاء. والأصل في الجمع تشديد الياء؛ إذ هو على وزن «فعاليل»، غير أنه حذفت الياء في الجمع هنا للتخفيف، كما يقال في مفاتيح مفاتح؛ ولذلك حذفت الياء في رواية «الديوان» لأنه صار منقوصا مثل جوار. والمكاء: طير يشبه القبّرة إلا أن في جناحيه بلقا، وهو حسن الصوت في تغريده.
[10] في ت: «الجلد».
[11] كذا في «الديوان». وفي جميع النسخ: «عجابة».
[12] في «الديوان»: «من عبرة سكبا».
[13] في ت: «على» وكلاهما صحيح.
ومن غمّه الطير قوله:
فرحنا وقلنا للغلام اقض حاجة ... لنا ثم أدركنا ولا تتغبّر
/
سراعا نغمّ [1] الطير إن سنحت لنا ... وإن تلقنا الرّكبان لا نتخبّر [2]
تتغبر، من قولهم: غبر فلان أي لبث.
ومن إغذاذه [3] السير قوله:
قلت سيرا ولا تقيما ببصرى [4] ... وحفير [5] فما أحبّ حفيرا
وإذا ما مررتما بمعان [6] ... فأقلّا به الثّواء وسيرا
إنّما قصرنا [7] إذا حسّر [8] السي ... ر بعيرا أن نستجدّ بعيرا
ومن تحييره ماء الشباب قوله:
صوت
أبرزوها مثل المهاة تهادى ... بين خمس كواعب أتراب
ثم قالوا تحبّها قلت بهرا [9] ... عدد القطر والحصى والتراب
وهي مكنونة تحيّر منها ... في أديم الخدّين ماء الشباب
الغناء لمحمد بن عائشة خفيف ثقيل بالبنصر. وفيه لمالك خفيف ثقيل آخر عن الهشاميّ، وقيل: بل هو هذا.
ومن تقويله وتسهيله قوله:
قالت على رقبة يوما لجارتها ... ما تأمرين فإنّ القلب قد تبلا [10]
__________
[1] لعله يريد: نحزنها بالسبق، أو نبهرها ونغلبها؛ من قولهم غمّ القمر النجوم، إذا بهرها وكاد يستر ضوءها. وفي هامش النسخة التيمورية المخطوطة من «ديوانه»: «و يروى نعيف الطير». وعيافة الطير: زجرها وهي التفاؤل أو التطيّر بأسمائها وأصواتها وممرّها.
وهي رواية جيدة يستقيم بها معنى البيت، ولو لا أن أبا الفرج اعتمد الرواية الأولى وعنون الشعر بها لأثبتناها في الأصل.
[2] التخبّر: السؤال عن الخبر.
[3] أغذ السير وأغذ فيه: أسرع.
[4] بصرى: بلد بالشام.
[5] حفير: نهر بالأردنّ ببلاد الشام.
[6] في ت: «مغان» بالغين، ولعله محرّف عن «معان» بالعين. ومعان (بالفتح، والمحدّثون يقولونه بالضم): مدينة في طرف بادية الشام تلقاء الحجاز من نواحي البلقاء. وفي سائر النسخ: «بعمان» ولعله تحريف لعدم اتفاقه مع أسماء المواضع في البيت السابق. وفي «ديوانه»:
فإذا ما مررتما بحفير
[7] قصرنا أي قصارانا وغايتنا.
[8] حسّر السير بعيرا: أجهده وأعياه.
[9] يزاد على ما في الحاشية الرابعة ص 79 أنه قيل: إن معنى «بهرا» هنا: جمّا أي كثيرا.
[10] المتبول: من أسقمه الهوى وغلبه الحب على أمره. وفي ديوانه: «شغلا».
وهل لي اليوم من أخت مواخية ... منكنّ أشكو إليها بعض ما فعلا
فراجعتها حصان [1] غير فاحشة ... برجع قول ولبّ لم [2] يكن خطلا
لا تذكري حبّه حتى أراجعه ... إنّي سأكفيكه إن لم أمت عجلا
فاقني [3] حياءك في ستر وفي كرم ... فلست أوّل أنثى علّقت رجلا
وأما ما قاس فيه الهوى فقوله:
وقرّبن أسباب الهوى لمتيّم ... يقيس ذراعا كلّما قسن إصبعا
ومن عصيانه وإخلائه قوله:
وأنصّ المطيّ يتبعن بالرّك ... ب سراعا نواعم الاظعان [4]
فنصيد الغرير [5] من بقر الوح ... ش ونلهو بلذّة الفتيان
/ في زمان لو كنت فيه ضجيعي ... غير شكّ عرفت لي عصياني
وتقلّبت في الفراش ولا تد ... رين إلا الظّنون أين مكاني
ومن محالفته بسمعه وطرفه قوله:
سمعي وطرفي حليفاها على جسدي ... فكيف أصبر عن سمعي وعن بصري
لو طاوعاني على ألّا أكلّمها ... إذا لقضّيت من أوطارها وطري
ومن إبرامه [6] نعت الرسل قوله:
فبعثت كاتمة الحدي ... ث رفيقة [7] بجوابها
وحشيّة إنسيّة ... خرّاجة من بابها
فرقت فسهّلت المعا ... رض من سبيل نقابها
ومن تحذيره قوله:
صوت
لقد أرسلت جاريتي ... وقلت لها خذي حذرك
__________
[1] حصان: عفيفة. والخطل: الفاسد المضطرب.
[2] كذا؟ وفي «الديوان»: «و أمر».
[3] اقنى حياءك: لا تفرطي فيه.
[4] في «ديوانه»:
وأنصّ المطيّ بالركب يطلب ... ن سراعا بواكر الأظعان
[5] الغرير هنا: الغافل.
[6] كذا فيء. وفي ر: «إبرامه ببعث». وفي ب، س، م، ت: «إبراصه بعث». وفي ح: «إبراضه ببعث». وإبرام النعت: إحكامه.
[7] في أ، ء، م: «رقيقة».
وقولي في ملاطفة ... لزينب نوّلي عمرك
فإن داويت ذا سقم ... فأخزى اللّه من كفرك
فهزّت رأسها عجبا ... وقالت من بذا أمرك
أ هذا سحرك النّسوا ... ن، قد خبّرنني خبرك
وقلن إذا قضى وطرا ... وأدرك حاجة هجرك
/ غنّى ابن سريج في هذه الأبيات، ولحنه خفيف ثقيل. ولابن المكّيّ فيها هزج بالوسطى. وفيها رمل ذكر ذكاء وجه [1] الرّزّة عن أحمد بن أبي العلاء عن مخارق أنه لابن جامع، وذكر قمريّ أنه له وأنّ ذكاء [2] أبطل في هذه الحكاية. قال الزّبير [3]: حدّثني عمّي قال حدّثني أبي قال: قال شيخ من قريش: لا تروّوا نساءكم شعر عمر بن أبي ربيعة لا يتورّطن في الزّنا تورّطا، وأنشد:
لقد أرسلت جاريتي ... وقلت لها خذي حذرك
الأبيات.
ومن إعلانه الحبّ وإسراره قوله:
شكوت إليها الحبّ أعلن بعضه ... وأخفيت منه في الفؤاد غليلا
ومما بطن به [4] وأظهر قوله:
حبّكم يا آل ليلى قاتلي ... ظهر الحبّ بجسمي وبطن
ليس حبّ فوق ما أحببتكم ... غير أن أقتل نفسي أو أجنّ
ومما ألحّ فيه وأسفّ قوله:
ليت حظّي كطرفة العين منها ... وكثير منها القليل المهنّا
أو حديث على خلاء يسلّي ... ما يجنّ الفؤاد منها ومنّا
كبرت ربّ نعمة منك يوما ... أن أراها قبل الممات ومنّا
ومن إنكاحه النوم قوله:
__________
[1] كذا في ت، أ، م، ء. وفي سائر النسخ: «وجه الررة» ولم نتثبت منه غير أنه غلام أحمد بن يوسف (انظر «الأغاني» 14 في ذكر هاشم بن سليمان وبعض أخباره). وذكاء: اسم للشمس.
[2] كذا في ت. وفي أ، م، ء: «و إن كان ذكاء أبطل الخ». وفي سائر النسخ: «و إن كان ذكاء أبطن الخ» وهو تحريف.
[3] كذا في ت. وفي ح: «ابن الزبير». وفي سائر النسخ: الزبيري» ولعلهما تحريف؛ إذ قد تكرر أن الزبير بن بكار يروي عن عمه، وعمه يروي عن أبيه.
[4] في كل النسخ هنا: «بطن فيه».
صوت
حتّى إذا ما الليل جنّ ظلامه ... ونظرت غفلة كاشح [1] أن يعقلا [2]
واستنكح النوم الذين نخافهم ... وسقى الكرى بوّابهم فاستثقلا [3]
خرجت تاطّر في الثياب كأنّها ... أيم يسيب على كثيب أهيلا [4]
الغناء لمعبد خفيف ثقيل مطلق في مجرى الوسطى عن إسحاق. وفيه ألحان لغيره وقد نسبت في غير هذا الموضع مع قوله [5]:
ودّع لبابة [6] قبل أن تترحّلا
ومن جنيه الحديث قوله:
وجوار مساعفات على اللّه ... وو مسرّات باطن الأضغان [7]
صيّد للرجال يرشقن بالمطّر ... ف حسان كخذّل [8] الغزلان
/ قد دعاني وقد دعاهنّ للّه ... وشجون مهمّة [9] الأشجان
فاجتنينا من الحديث ثمارا ... ما جنى مثلها لعمرك جاني
ومن ضربه الحديث ظهره لبطنه قوله:
في خلاء من الأنيس وأمن ... فبثثنا غليلنا واشتفينا
وضربنا الحديث ظهرا لبطن ... وأتينا من أمرنا ما اشتهينا [10]
فمكثنا بذاك عشر ليال ... في قضاء لديننا واقتضينا [11]
__________
[1] وفي ح، ر: «حارس».
[2] كذا في أ، ء. وفي سائر النسخ: «يغفلا» وفي «ديوانه»:
ورقبت غفلة كاشح أن يمحلا
من المحل وهو المكر والكيد.
[3] يقال: أثقله النوم فهو مستثقل، بصيغة المفعول. وفي «ديوانه»: فتخبلا».
[4] أصله تتأطر، فحذفت إحدى تاءيه، ومعناه تتثنى. والأيم: الأفعى. ويسيب: يمشي. والكثيب الأهيل: الرمل المنهال. وفي «ديوانه» المخطوط:
ريح تسيّب عن كثيب أهيلا
وفي «ديوانه» المطبوع: «تسنّت» وليس له معنى مناسب.
[5] هذه الجملة: «مع قوله ... تترحلا» غير موجودة في ح، ر. وفي ب، س، م: ذكرت هذه الجملة من غير لفظ «مع».
[6] كذا في س. وفي سائر النسخ: «لبانة» بالنون، وهو تحريف: إذ هي لبابة بنت عبد اللّه بن العباس امرأة الوليد بن عتبة بن أبي سفيان.
[7] في «ديوانه»:
فجوار مستقتلات إلى الله ... وحسان كناضر الأغصان
[8] الخذل: جمع خاذل، وهي الظبية تتخلف عن صواحباتها أو أولادها.
[9] أي مثيرة الأشجان. وفي ديوانه: «من أعجب الأشجان».
[10] كذا في «ديوانه». وفي الأصول: «هويتا». وفيه السّناد هو أن يخالف بين الحركات التي تلى الأرداف في الرويّ؛ كقوله:
شربنا من دماء بني تميم ... بأطواف القنا حتى روينا
أ لم تر أن تغلب بيت عز ... جبال معاقل ما يرتقينا
[11] في «ديوانه»:
فقضينا ديوننا واقتضينا
ومن إذلاله صعب الحديث قوله:
فلما أفضنا في الهوى نستبينه ... وعاد لنا صعب الحديث ذلولا
شكوت إليها الحبّ أظهر بعضه ... وأخفيت منه في الفؤاد غليلا
ومن قناعته بالرجاء من الوفاء قوله:
فعدي نائلا وإن لم تنيلي ... إنه ينفع [1] المحبّ الرجاء
قال الزّبير: هذا أحسن من قول كثيّر:
ولست براض من خليل بنائل ... قليل ولا أرضى له بقليل
ومن إعلائه قاتله قوله:
فبعثت جاريتي وقلت لها اذهبي ... فاشكي إليها ما علمت وسلّمي
قولي يقول تحرّجي [2] في عاشق ... كلف بكم حتّى الممات متيّم
/ ويقول إنّك قد علمت بأنّكم ... أصبحتم يا بشر أوجه [3] ذي دم
فكّي رهينته فإن لم تفعلي ... فاعلي [4] على قتل ابن عمّك واسلمي
فتضاحكت عجبا وقالت حقّه ... ألّا يعلّمنا بما لم نعلم
علمي به - واللّه يغفر ذنبه - ... فيما بدا لي، ذو [5] هوى متقسّم
طرف [6] ينازعه إلى الأدنى [7] الهوى ... ويبتّ خلّة ذي الوصال الأقدم
ومن تنفيضه النوم قوله:
فلمّا فقدت الصوت منهم وأطفئت ... مصابيح شبّت بالعشاء وأنور [8]
وغاب قمير كنت أرجو غيوبه ... وروّح رعيان ونوّم سمّر [9]
ونفّضت عنّي أقبلت مشية ال ... حباب وركني خشية القوم أزور [10]
__________
[1] كذا في جميع النسخ و «الديوان». ويحتمل أن يكون «يقنع».
[2] أي كفّي عن الحرج والإثم.
[3] أي أحقّ إنسان آخذ منه بدمى.
[4] يقال: علا يعلو كسما يسمو، وعلى يعلى كرضى يرضى.
[5] على تقدير: علمي به أنه ذو هوى متقسم.
[6] الطّرف: من لا يثبت على امرأة ولا صاحب.
[7] كذا في ت، ح، ر. وفي سائر النسخ: «أدنى» وهو تحريف.
[8] في «ديوانه»: «أنؤر» وكلاهما جمع نار، يهمز ولا يهمز، كما في «الكامل» للمبرّد طبع ليپزج ص 383.
[9] روّح: من الرواح وهو وقت العشيّ. والرعيان: جمع راع كالرّعاء والرّعاء والرعاء. ونوّم الرجل تنويما: مبالغة في نام.
[10] في ب، س، أ: «و لكن» بدل «و ركني». والحباب: الحية. وأزور: مائل. وفي «ديوانه»:
وشخصي خشية الحيّ أزور
ومن إغلاقه رهن منى وإهداره قتلاه قوله:
فكم من قتيل ما يباء [1] به دم ... ومن غلق [2] رهنا إذا لفّه [3] منى
/ ومن مالىء عينيه من شيء [4] غيره ... إذا راح نحو الجمرة البيض كالدّمى [5]
وكان بعد هذا كلّه فصيحا شاعرا مقولا [6].
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزبير قال حدّثني عمّي، وأخبرنا به عليّ بن صالح عن أبي هفّان عن إسحاق عن رجاله:
أنّ عمر بن أبي ربيعة نظر إلى رجل يكلّم امرأة في الطّواف، فعاب ذلك عليه وأنكره. فقال له: إنها/ ابنة عمّي. قال: ذاك أشنع لأمرك. فقال: إنّي خطبتها إلى عمّي، فأبى عليّ إلا بصداق أربعمائة دينار، وأنا غير مطيق ذلك، وشكا إليه من حبّها وكلفه بها أمرا عظيما، وتحمّل [7] به على عمّه. فسار معه إليه فكلّمه. فقال له: هو مملق، وليس عندي ما أصلح به أمره. فقال له عمر: وكم الذي تريده منه؟ قال: أربعمائة دينار. فقال له: هي عليّ فزوّجه، ففعل ذلك.
وقد كان عمر حين أسنّ حلف ألّا يقول بيت شعر ألّا أعتق رقبة. فانصرف عمر إلى منزله يحدّث نفسه، فجعلت جارية له تكلّمه فلا يردّ عليها جوابا. فقالت له: إنّ لك لأمرا، وأراك تريد أن تقول شعرا، فقال:
صوت
تقول وليدتي لمّا رأتني ... طربت وكنت قد أقصرت حينا
أراك اليوم قد أحدثت شوقا [8] ... وهاج لك الهوى داء دفينا
وكنت زعمت أنّك ذو عزاء ... إذا ما شئت فارقت القرينا
/ بربّك هل أتاك لها رسول ... فشاقك أم لقيت لها خدينا [9]
فقلت شكا إليّ أخ محبّ ... كبعض زماننا إذ تعلمينا
__________
[1] يقال: أباء القاتل بالقتيل، إذا قتله به. والمراد هنا: فكم من قتيل يطلّ دمه ولا يؤخذ له بثأر.
[2] يقال: غلق الرهن في يد المرتهن يغلق غلقا، إذا لم يقدر الراهن على افتكاكه في الوقت المشروط. يريد: وكم من قلوب أسيرة لا يقدر أصحابها على افتكاكها.
[3] في «الديوان»: «ضمه».
[4] في ر: «من سيء عبرة» يريد: من فيض عبرة.
[5] الدمى: جمع دمية وهي الصورة المنقّشة من العاج ونحوه.
[6] المقول: الحسن القول المفصح المبين.
[7] يقال: تحمل بفلان على فلان، إذا استشفع به لديه.
[8] في ح، ر: «أمرا».
[9] الخدين: الصديق الذي يخادنك فيكون معك في كل أمر ظاهر وباطن؛ ومنه خدن الجارية: محدّثها. وكان العرب في الجاهلية لا يمتنعون من خدن يحدّث الجارية، فجاء الإسلام بهدمه. وفي التنزيل العزيز: (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ)
إلى قوله: (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدانٍ)
الآية.
فقصّ عليّ ما يلقى بهند ... فذكّر بعض ما كنّا نسينا [1]
وذو الشّوق القديم وإن تعزّى [2] ... مشوق حين يلقى العاشقينا
وكم من خلّة [3] أعرضت عنها ... لغير قلى [4] وكنت بها ضنينا
أردت بعادها فصددت عنها [5] ... ولو جنّ الفؤاد بها جنونا
ثم دعا تسعة من رقيقه فأعتقهم لكلّ بيت واحد [6]. الغناء لابن سريج رمل بالبنصر عن عمرو والهشاميّ.
وفيه ثقيل أوّل يقال: إنه للغريض. وذكر عبد اللّه بن موسى أنّ فيه لدحمان خفيف رمل.
عمر بن أبي ربيعة وعروة بن الزبير
أخبرني الحرميّ قال حدّثنا أحمد بن عبيد أبو عصيدة [7] قال:
ذكر ابن الكلبيّ أنّ عمر بن أبي ربيعة كان يساير عروة بن الزّبير ويحادثه، فقال له: وأين زين المواكب؟ يعني ابنه محمد بن عروة، وكان يسمّى بذلك لجماله.
/ فقال له عروة: هو أمامك، فركض يطلبه. فقال له عروة: يا أبا الخطّاب، أولسنا أكفاء كراما لمحادثتك ومسايرتك؟ فقال: بلى بأبي أنت وأمي! ولكنّي مغرى بهذا الجمال أتبعه حيث كان. ثم التفت إليه وقال:
إنّي امرؤ مولع [8] بالحسن أتبعه ... لا حظّ لي فيه إلا لذّة النّظر
ثم مضى حتى لحقه فسار معه، وجعل عروة يضحك من كلامه تعجّبا منه.
عمر بن أبي ربيعة ومالك بن أسماء بن خارجة
أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدّثنا أحمد بن زهير قال حدّثنا مصعب ابن عبد اللّه قال:
رأى عمر بن أبي ربيعة رجلا يطوف بالبيت قد بهر الناس بجماله وتمامه، فسأل عنه فقيل له: هذا مالك بن أسماء بن خارجة. فجاءه فسلّم عليه وقال له: يابن أخي ما زلت أتشوّقك منذ بلغني قولك:
إنّ لي عند كلّ نفحة بستا ... ن من الورد أو من الياسمينا [9]
نظرة والتفاتة أتمنّى ... أن تكوني حللت فيما يلينا
ويروى:
« ... أترجّى ... أن تكوني حللت ... »
عمر وأبو الأسود الدؤلي وقد عرض لامرأته في الطواف
__________
[1] في ديوانه:
فوافق بعض ما قد تعرفينا
وفي ت:
فذكر ما كنا لقينا
[2] في «ديوانه»: «و ذو القلب المصاب ولو تعزى».
[3] الخلة: الخليلة.
[4] في «الديوان»: «من آجلكم».
[5] في «ديوانه»: «أردت فراقها وصبرت عنها».
[6] كذا في ت، وفي سائر النسخ: «واحدا» على تقدير: أعتق لكل بيت واحدا. وهذه الجملة: «لكل بيت واحد» ساقطة من أ، م، ء.
[7] كذا في ت، ح. وفي سائر الأصول: «أبو عبيدة» وهو تحريف؛ فإن الموجود في «كتب التراجم» أنّ أحمد بن عبيد يكنى أبا عصيدة.
[8] في ت: «موزع».
[9] في «المصباح»: الياسمين بكسر السين وبعضهم يفتحها.
أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدّثنا عبد اللّه/ بن محمد قال حدّثنا العباس بن هشام عن أبيه قال أخبرني مولى لزياد قال:
حجّ أبو الأسود الدّؤليّ [1] ومعه آمرأته وكانت جميلة. فبينا هي تطوف بالبيت إذ عرض لها عمر بن أبي ربيعة، فأتت أبا الأسود فأخبرته، فأتاه أبو الأسود/ فعاتبه. فقال له عمر: ما فعلت شيئا. فلما عادت إلى المسجد عاد فكلّمها، فأخبرت أبا الأسود، فأتاه في المسجد وهو مع قوم جالس فقال له:
وإنّي ليثنيني عن الجهل والخنا ... وعن شتم أقوام خلائق أربع
حياء وإسلام وبقيا [2] وأنّني ... كريم ومثلي قد يضرّ وينفع
فشتّان ما بيني وبينك إنّني ... على كل حال أستقيم وتظلع [3]
فقال له عمر: لست أعود يا عمّ لكلامها بعد هذا اليوم. ثم عاود [4] فكلّمها، فأتت أبا الأسود فأخبرته، فجاء إليه فقال له:
أنت الفتى وابن الفتى وأخو الفتى ... وسيّدنا لو لا خلائق أربع
نكول عن الجلّى وقرب من الخنا ... وبخل عن الجدوى وأنك تبّع [5]
ثم خرجت وخرج معها أبو الأسود مشتملا على سيف. فلما رآهما عمر أعرض عنها، فتمثّل أبو الأسود:
تعدو الذّئاب على من لا كلاب له ... وتتّقي صولة المستأسد الحامي [6]
رأي الفرزدق في شعر ابن أبي ربيعة
أخبرني ابن المرزبان قال حدّثنا أحمد بن الهيثم الفراسيّ [7] قال حدّثنا العمريّ [8] قال أخبرنا الهيثم بن عديّ قال:
__________
[1] في ح، ر: «الديلي». والنسبة إلى «الدئل» بضم الدال وكسر الهمزة، وهي قبيلة من كنانة «الدّؤليّ» بضم الدال وفتح الهمزة. وإنما فتحت الهمزة لئلا تتوالى الكسرات؛ كما قالوا في النسبة إلى نمرة نمريّ بالفتح، وهي قاعدة مطردة. ويقال فيها: الدّولي (بواو غير مهموزة)، والدّئلي (بضم الدال وكسرة الهمزة) وهي نادرة. وأما الديلي (بكسر الدال) والدولى (بضمها) فنسبتان لقبيلتين أخريين.
(انظر «القاموس» و «شرحه» مادة دأل).
[2] أبقيت عليه بقيا: أشفقت ورحمته.
[3] يقال: ظلع يظلع ظلعا من باب نفع، إذا عرج وعمز في مشيه.
[4] في ت، ح: «عاودت».
[5] يقال: هو تبع نساء وتبّعهنّ، إذا جدّ في طلبهنّ.
[6] كذا في ت، ح، ر. وفي سائر النسخ: «الضاري». (انظر الحاشية رقم 4 ص 78 والحاشية رقم 1 ص 79 من هذا الجزء).
[7] كذا في جميع النسخ عدا نسخة ت، ولم نعثر عليه. ولعله نسبة إلى بني فراس بن غنم بن مالك بن كنانة. وفي ت: «الفراشي» بالشين المعجمة، ولعله نسبة إلى فراشة بفتح الفاء والراء: قرية بين بغداد والحلّة، أو موضع بالبادية، كما في «القاموس». ويجوز أن يكون «الفراشي» بكسر الفاء وفتح الراء نسبة إلى بني فراشة بن سلمة بن عبد اللّه المروزي الفراشيّ، كما في أنساب السمعاني و «شرح القاموس». (انظر «القاموس» و «شرحه» وأنساب السمعاني في هاتين المادتين).
[8] كذا في ت، ح. وفي سائر النسخ: «الغمري» بالغين المعجمة، وهو تصحيف؛ إذ لم نجد هذه النسبة في كتب «الأنساب»، على أنه قد ورد ذكره كثيرا في الأسانيد العمري» بالعين المهملة.
/ قدم الفرزدق المدينة وبها رجلان يقال لأحدهما صريم [1]، وللآخر ابن أسماء، وصفا له فقصدهما، وكان عندهما قيان [2]، فسلّم عليهما وقال لهما: من أنتما؟ فقال أحدهما: أنا فرعون، وقال الآخر: أنا هامان.
قال: فأين منزلكما في النار حتى أقصدكما؟ فقالا: نحن جيران الفرزدق الشاعر! فضحك ونزل، فسلّم عليهما وسلّما عليه وتعاشروا مدّة. ثم سألهما أن يجمعا بينه وبين عمر بن أبي ربيعة ففعلا، واجتمعا وتحادثا وتناشدا إلى أن أنشد عمر قصيدته التي يقول فيها:
فلمّا [3]
التقينا واطمأنت بنا النّوى ... وغيّب عنّا من نخاف ونشفق
حتى انتهى إلى قوله:
فقمن لكي يخليننا [4] فترقرقت ... مدامع عينيها وظلّت تدفّق
وقالت أما ترحمنني! لا تدعنني ... لدى غزل جمّ الصّبابة يخرق [5]
فقلن اسكتي عنّا فلست مطاعة ... وخلّك منّا - فاعلمي - بك أرفق [6]
فصاح الفرزدق: أنت واللّه يا أبا الخطّاب أغزل الناس! لا يحسن واللّه الشعراء أن يقولوا مثل هذا النّسيب ولا أن يرقوا مثل هذه الرّقية! وودّعه وانصرف.
عمرو وعبد الرحمن بن الحارث بن عبد اللّه بن عياش بن أبي ربيعة
أخبرني الحرميّ قال حدّثنا الزّبير قال حدّثني عبد الجبّار بن سعيد [7] المساحقيّ عن المغيرة بن عبد الرحمن عن أبيه:
أنه حجّ مع أبيه [8] الحارث بن عبد اللّه بن عيّاش بن أبي ربيعة، فأتى عمر بن أبي ربيعة وقد أسنّ وشاخ، فسلّم عليه وساء له ثم قال له: أيّ شيء أحدثت بعدي يا أبا الخطّاب؟ فأنشده:
يقولون [9]: إنّي لست أصدقك الهوى ... وإنّي لا أرعاك حين أغيب
/ فما بال طرفي [10] عفّ عما تساقطت ... له أعين من معشر وقلوب
__________
[1] كذا في ت. ح، ر. وفي سائر النسخ: «صويم» بالواو. ولم نرجحه إذ لم نقف على أنه سمي به.
[2] في ت: «فتيان».
[3] في «ديوانه» المطبوع والمخطوط: «لما» بدون الفاء. وهو الصواب؛ لأن هذا البيت مطلع هذه القصيدة، وقد دخله الخرم.
[4] يخليننا: يجعلننا في خلوة منهنّ.
[5] يخرق: يحمق. والبيت في «ديوانه»:
وقالت أما ترحمنني أن تدعنني ... لديه وهو فيما علمتنّ أخرق
[6] في ديوانه:
...... فغير مطاعة ... لهو بك منا - فاعلمي ذاك - أرفق
[7] كذا في ت، ح، ر. وفي سائر النسخ: «سعد» وهو تحريف. (انظر «أنساب السمعاني» في مادة المساحقي).
[8] في جميع النسخ عدا نسخة ت: «معه ابنه». وفي ت: «مع ابنه» وكلاهما تحريف. ولعل الأخيرة محرّفة عن «مع أبيه»؛ إذ أن أبا عبد الرحمن هو الحارث بن عبد اللّه بن عياش بن أبي ربيعة. (انظر «تقريب التهذيب» فيمن اسمه المغيرة).
[9] في ت: «تقولين».
[10] في ت: «قلبي».
عشيّة لا يستنكف القوم أن يروا ... سفاه امرىء ممن [1] يقال لبيب
ولا فتنة من ناسك أو مضت [2] له ... بعين الصّبا كسلى القيام لعوب
تروّح يرجو أن تحطّ ذنوبه ... فآب وقد زيدت عليه ذنوب
وما النّسك أسلاني ولكنّ [3] للهوى ... على العين منّي والفؤاد رقيب
عمرو والنسوة اللاتي واعدهنّ بالعقيق
أخبرني هاشم بن محمد الخزاعيّ قال حدّثنا عيسى بن إسماعيل عن القحذميّ قال: واعد عمر بن أبي ربيعة نسوة من قريش إلى العقيق ليتحدّثن معه، فخرج إليهنّ ومعه الغريض، فتحدّثوا مليّا ومطروا، فقال عمر والغريض وجاريتان للنسوة فأظلّوا/ عليهنّ بمطرفه وبردين له حتى استترن من المطر إلى أن سكن، ثم انصرفن. فقال له الغريض: قل في هذا شعرا حتى أغنّي فيه، فقال عمر:
صوت
ألم تسأل المنزل المقفرا ... بيانا فيكتم أو يخبرا
ذكرت به بعض ما قد شجاك [4] ... وحقّ لذي الشّجو أن يذكرا
مقام المحبّين [5] قد ظاهرا [6] ... كساء وبردين أن يمطرا
وممشى الثلاث به موهنا ... خرجن إلى زائر زوّرا
إلى مجلس من وراء القبا ... ب سهل الرّبا طيّب أعفرا [7]
غفلن عن اللّيل حتّى بدت ... تباشير من واضح أسفرا [8]
فقمن يعفّين آثارنا ... بأكسية الخزّ أن تقفرا [9]
مهاتان شيّعتا جؤذرا [10] ... أسيلا مقلّده [11] أحورا [12]
__________
[1] كذا في «الديوان». وفي الأصول: «مما».
[2] أو مضت له: سارقته النظر.
[3] كذا في جميع النسخ و «الديوان». ولعل اسم «لكن» ضمير الشأن والجملة بعده خبر. على أنه يستقيم لو كان: «و لكنه الهوى» أو «و لكنما الهوى».
[4] في «الديوان»:
ذكرت به بعض ما قد مضى
[5] في «الديوان»: «مبيت الحبيبين».
[6] يقال: ظاهر بين الثوبين، إذا لبس أحدهما على الآخر.
[7] أعفر: ذي رمل أحمر.
[8] في «ديوانه»: «أشقرا».
[9] يقال: قفر الأثر قفرا، إذا اقتفاه وتبعه.
[10] كذا في «الديوان». وفي الأصول: «ربربا». والجؤذر (بضم أوّله وضم الذال وفتحها): ولد البقرة. والربرب: القطيع من بقر الوحش وقيل من الظباء، ولا واحد له من لفظه.
[11] المقلد: موضع القلادة، ويراد به الجيد.
[12] ورد هذا البيت في «ديوانه» بعد قوله: «و ممشى الثلاث» البيت.
و
قمن وقلن لو انّ النها ... ر مدّ له اللّيل فاستأخرا
قضينا به بعض أشجاننا [1] ... وكان الحديث به أجدرا
/ ذكر ابن المكيّ أنّ الغناء في الخمسة الأبيات الأولى لابن سريج ثاني ثقيل بالسبابة في مجرى البنصر، وذكر الهشاميّ أنّ هذا اللحن للغريض، وأنّ لحن ابن سريج رمل بالوسطى. قال: ولدحمان فيه أيضا ثاني ثقيل آخر بالوسطى. وفيها لابن الهربذ خفيف رمل بالسبابة في مجرى الوسطى. وقال حبش: فيها لمعبد خفيف ثقيل بالوسطى.
عمرو ابن أبي عتيق
أخبرنا محمد بن خلف بن المرزبان قال حدّثني أبو العبّاس المدينيّ [2] قال أخبرنا ابن عائشة قال:
حضر ابن أبي عتيق عمر بن أبي ربيعة وهو ينشد قوله:
ومن كان محزونا بإهراق عبرة ... وهي غربها [3] فليأتنا نبكه غدا
نعنه على الإثكال إن كان ثاكلا ... وإن كان [4] محروبا وإن كان مقصدا [5]
قال: فلّما أصبح ابن أبي عتيق أخذ معه خالدا الخرّيت وقال له: قم بنا إلى عمر. فمضيا [6] إليه، فقال له ابن أبي عتيق: قد جئناك لموعدك. قال: وأيّ موعد بيننا؟ قال: قولك: «فليأتنا نبكه غدا». قد جئناك، واللّه لا نبرح أو تبكي إن كنت صادقا في قولك، أو ننصرف على أنك غير/ صادق. ثم مضى وتركه. قال ابن عائشة: خالد الخرّيت هو خالد بن عبد اللّه القسري.
عود إلى خلق عمر
أخبرني هاشم بن محمد الخزاعيّ قال حدّثنا دماذ [7] عن الهيثم بن عديّ عن عبد اللّه [8] بن عيّاش الهمدانيّ قال:
__________
[1] في «ديوانه»:
لقينا به بعض ما نشتهي
[2] كذا في أكثر النسخ المخطوطة. وفي ح، ر: «المدنيّ». وفي ب، س: «المدائنيّ».
[3] وهي غربها، يريد: ضعف دمعها. ونبكه هنا نعنه في البكاء، مثل أحلبه، إذا أعانه في الحلب. ولم نجد «أبكاه» بهذا المعنى في «كتب اللغة».
[4] كذا في «الديوان». والمحروب: من سلب ماله. وفي الأصول: «محزونا».
[5] المقصد: من طعن أو رمي بسهم فلم يخطىء مقاتله.
[6] في جميع الأصول: «فمضينا».
[7] في ت: «ذماد». وفي ح: «دمارذ». وفي م: «دماد». وفي أ، ء: «دمار». وفي ر: «حماد» ولعلها محرّقة عن «دماذ» ولم نعثر على ضبطه. وقد ورد ذكره في «الأمالي» الطبعة الأميرية ج 3 ص 18 و108 و189، وضبط في الصفحة الأخيرة بالقلم بفتح الدال والميم، وذكر فيها أنه رفيع بن سلمة العبدي المعروف بدماذ وذكر له قصيدة. وذكره ابن النديم في «الفهرست» طبع أوروبا ص 54 وضبط هكذا «دمّاد» وذكر أن كنيته أبو غسان واسمه رفيع بن سلمة بن مسلم بن رفيع العبدي، روى عن أبي عبيدة وكان يورّق كتبه وأخذ عنه «الأنساب» و «الأخبار» و «المآثر». وذكره أبو الفرج في «الأغاني» ج 3 ص 55 وج 12 ص 33 طبعة بولاق، وقال عنه في الأخيرة: إنه من رواة البصرة. وذكره السيوطي في «بغية الوعاة» ص 248 طبع مصر سنة 1326 ه، فقال: إنه رفيع بن سلمة المعروف بدماث (هكذا) ولعله محرّف عن دماذ - ونقل أنه كان كاتب أبي عبيدة وأوثق الناس عنه، ومنه سمع المازنيّ.
[8] في م، ء: «عبيد اللّه بن العباس». وفي ت: «عبد اللّه بن عباس». وفي أ: «عبد اللّه بن العباس».
لقيت عمر بن أبي ربيعة فقلت له: يا أبا الخطّاب، أكلّ ما قلته في شعرك فعلته؟ قال: نعم، وأستغفر اللّه.
قدوم عمر الكوفة ونزوله على عبد اللّه بن هلال
أخبرني عليّ بن صالح عن أبي هفّان عن إسحاق عن عبد اللّه بن مصعب قال:
قدم عمر بن أبي ربيعة الكوفة، فنزل على عبد اللّه بن هلال الذي كان يقال له صاحب إبليس، وكان له قينتان حاذقتان، وكان عمر يأتيهما فيسمع منهما، فقال في ذلك:
يأهل بابل ما نفست [1] عليكم ... من عيشكم إلّا ثلاث خلال
ماء الفرات وطيب ليل بارد ... وغناء مسمعتين لابن هلال
وصف الشعراء للبرق وما قاله عمر في ذلك
أخبرني عليّ بن صالح عن أبي هفّان عن إسحاق عن رجاله:
أن عمر بن أبي ربيعة والحارث بن خالد وأبا ربيعة المصطلقيّ ورجلا من بني مخزوم وابن أخت الحارث بن خالد، خرجوا يشيّعون بعض خلفاء بني أمية. فلمّا انصرفوا نزلوا «بسرف» فلاح لهم برق؛ فقال الحارث: كلّنا شاعر، فهلمّوا نصف البرق. فقال أبو ربيعة:
أرقت لبرق آخر الليل [2] لامع ... جرى من سناه ذو الرّبا فينابع [3]
فقال الحارث:
أرقت له ليل التّمام [4] ودونه ... مهامه موماة وأرض بلاقع [5]
فقال المخزوميّ:
يضيء عضاه [6] الشّوك حتّى كأنّه ... مصابيح أو فجر من الصّبح ساطع
فقال عمر:
أيا ربّ لا آلو المودّة جاهدا ... لأسماء فاصنع بي الذي أنت صانع
ثم قال: مالي وللبرق والشوك!
بقية خبر اجتماع عمر والنسوة اللاتي واعدهنّ بالعقيق
أخبرني عمّي قال حدّثنا الكرانيّ قال حدثنا العمريّ عن الهيثم بن عديّ قال:
__________
[1] نفس عليه كذا: جسده عليه.
[2] في ح، ر: «لاح في الليل».
[3] كذا في ت. و«ينابع»: اسم مكان أو جبل أو واد في بلاد هذيل. وفي سائر النسخ: «فيتابع» بالتاء، وهو تصحيف.
[4] ليل التمام: أطول ليالي الشتاء.
[5] المهامة: جمع مهمة وهو المفازة البعيدة. والموماة: الفلاة الواسعة الملساء. والبلاقع: جمع بلقع وهي الأرض القفراء؛ قال في «اللسان» (مادة «بلقع»): وأرض بلاقع، جمعوا لأنهم جعلوا كل جزء منها بلقعا.
[6] العضاه: كل شجر يعظم وله شوك، وهو كثير الأنواع.
كان عمر بن أبي ربيعة وخالد القسريّ معه - وهو خالد الخرّيت - ذات يوم يمشيان، فإذا هما بهند وأسماء اللتين كان يشبّب بهما عمر بن أبي ربيعة تتماشيان،/ فقصداهما وجلسا معهما مليّا، فأخذتهم السماء ومطروا. ثم ذكر مثل خبر تقدّم، ورويته آنفا عن هاشم بن محمد الخزاعيّ، وذكر الأبيات الماضية، ولم يذكر فيها خبر الغريض. وحكى أنه قال في ذلك:
صوت
أفي [1] رسم دار دمعك المترقرق [2] ... سفاها! وما استنطاق ما ليس ينطق!
بحيث التقى «جمع» ومفضى «محسّر» ... مغاني قد كادت على العهد تخلق [3]
ذكرت به ما قد مضى من زماننا ... وذكرك رسم الدار ممّا يشوّق [4]
مقاما لنا عند [5] العشاء ومجلسا ... به لم يكدّره علينا معوّق [6]
وممشى فتاة بالكساء تكنّنا [7] ... به تحت عين برقها يتألّق
يبلّ أعالي الثوب قطر وتحته ... شعاع بدا يعشي العيون ويشرق
فأحسن شيء بدء أوّل ليلنا [8] ... وآخره حزن إذا نتفرّق
// ذكر يحيى بن المكيّ أنّ الغناء في ستة أبيات متوالية من هذا الشعر لمعبد خفيف ثقيل بالسبابة والوسطى، وذكر الهشاميّ أنه من منحول يحيى.
عمر وليلى بنت الحارث البكرية وما قاله فيها من الشعر
[أخبرنا [9] الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال أخبرني مصعب قال:
__________
[1] في «ديوانه»: «أمن».
[2] ترقرق الدمع: سال.
[3] في ج: «و مفضى مجمر».
و «مغاني» نصب على القطع. ولعل صوابه: «مغانيه قد كادت ... ». ورواية البيت في «الديوان»:
بحيث التقى جمع وأقصى محسّر ... معالمه كادت على العهد تخلق
وجمع: المزدلفة. ومحسر: موضع بين منى والمزدلفة. والمجمّر: موضع رمي الجمار. ويقال: خلق الشيء (من بابي كرم وفرح) وأخلق واخلولق، كل ذلك بمعنى بلي.
[4] في «ديوانه»:
ذكرت به ما قد مضى وتذكر ال ... حبيب ورسم الدار مما يشوّق
[5] في «ديوانه»: «ذات العشاء».
[6] معوّق: عائق ومانع. وقيل هذا البيت في «ديوانه»:
ليالي من دهر إذا الحيّ جيرة ... وإذ هو مأهول الخميلة مؤنق
[7] كذا «بالديوان». وفي الأصول: «يكنها».
والعين هنا: السحاب.
[8] كذا في «ديوانه» وفي الأصول:
فأحسن شيء بدء أوّل ليلة
[9] هذه الزيادة المبدوءة بهذا القوس والمختومة بمثله في صفحة 163 لم توجد إلا في النسخة التيمورية فأثبتناها عنها.
لقي عمر بن أبي ربيعة ليلى بنت الحارث بن عمرو البكريّة وهي تسير على بغلة لها، وقد كان نسب بها، فقال: جعلني اللّه فداك! عرّجي ها هنا أسمعك بعض ما قلته فيك. قالت: أو قد فعلت؟ قال نعم! فوقفت وقالت:
هات. فأنشدها:
صوت
ألا يا ليل إنّ شفاء نفسي ... نوالك إن بخلت فنوّلينا
وقد حضر الرّحيل وحان منّا ... فراقك فانظري ما تأمرينا [1]
فقالت: آمرك بتقوى اللّه وإيثار طاعته وترك ما أنت عليه. ثم صاحت ببغلتها ومضت.
وفي هذين البيتين لابن سريج خفيق ثقيل بالوسطى عن يحيى المكيّ، وذكر الهشاميّ أنه من منحوله إلى ابن سريج. وفيهما رمل طنبوري لأحمد بن صدقة.
/ أخبرني بذلك جحظة عنه. وأخبرني بهذا الخبر عبد اللّه بن محمد الرّازيّ قال: حدّثنا أحمد بن الحارث الخرّاز عن ابن الأعرابيّ: أنّ ليلى هذه كانت جالسة في المسجد الحرام، فرأت عمر بن أبي ربيعة، فوجّهت إليه مولى لها فجاءها به. فقالت له: يابن أبي ربيعة، حتّى متى لا تزال سادرا [2] في حرم اللّه تشبّب بالنساء وتشيد بذكرهنّ! أما تخاف اللّه! قال: دعيني من ذاك واسمعي ما قلت. قالت: وما قلت؟ فأنشدها الأبيات المذكورة.
فقالت له القول الذي تقدّم أنها أجابته به. قال: وقال لها: اسمعي أيضا ما قلت فيك، ثم أنشدها قوله:
أمن الرّسم وأطلال الدّمن ... عاد لي وجدي وعاودت الحزن [3]
إنّ حبّي آل ليلى قاتلي [4] ... ظهر الحبّ بجسمي [5] وبطن
يا أبا الحارث قلبي طائر [6] ... فأتمر أمر رشيد مؤتمن
التمس للقلب وصلا عندها [7] ... إنّ خير الوصل ما ليس يمنّ [8]
__________
[1] في «ديوانه» المطبوع بليپزج ذكر هذا البيت بعد بيت آخر هكذا:
أحنّ إذا رأيت جمال سعدى ... وأبكي إن رأيت لها قرينا
وقد أفد الرحيل فقل لسعدى ... لعمرك خبّري ما تأمرينا
[2] السادر: الذي لا يهتم ولا يبالي ما صنع.
[3] رواية هذا البيت في «ديوانه»:
من رسوم باليات ودمن ... عاد لي همّي وعاودت ددن
والددن كبدن: اللهو واللعب، ومثله الدّد.
[4] كذا في «ديوانه»، وفي الأصل:
حبكم يا آل نعم قاتلي
[5] في الأصل: «بقلبي». وقد تقدّمت روايته في صفحة 140 كما أثبتناه.
[6] في «ديوانه»:
يا أبا الخطاب قلبي هائم
[7] في «ديوانه»:
اطلبن لي صاح وصلا عندها
[8] كذا في «الديوان». ومعناه ما ليس يقطع؛ ومنه قوله تعالى: (وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ)
علق القلب، وقد كان صحا، ... من بني بكر غزالا قد شدن [1]
أحور المقلة كالبدر، إذا ... قلّد الدّرّ فقلبي ممتحن [2]
/ليس حبّ فوق ما أحببتكم ... غير أن أقتل نفسي أو أجنّ
خلقت للقلب منّي فتنة ... هكذا يخلق معروض الفتن
قال: وفيها يقول:
إنّ ليلى وقد بلغت المشيبا ... لم تدع للنساء عندي نصيبا
هاجر بيتها لأنفي عنها ... قول ذي العيب إن أراد عيوبا
نسبة ما في هذين الشعرين من الغناء
الغناء في الأبيات الأولى النونية لابن سريج ثاني ثقيل بالوسطى عن عمرو. وفيها لابن عائشة ثقيل أوّل، يقال: إنه أوّل ثقيل غنّاه، كان يغنّي الخفيف، فعيب بذلك فصنع هذا اللحن. وفيه لعبد اللّه بن يونس الأبلّي رمل عن الهشاميّ.
والغناء في:
إنّ ليلى وقد بلغت المشيبا
لابن سريج رمل بالوسطى عن عمرو. وفيه لكردم ثقيل أوّل بالوسطى عن عمرو أيضا. وذكر إبراهيم أنّ فيه لحنا لعطرّد، ولم يجنّسه.
حديثه مع النوار وما قاله فيها من الشعر
أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدثني محمد بن منصور الأزديّ قال حدثني أبي عن الهيثم بن عديّ قال:
بينما عمر بن أبي ربيعة منصرف من المزدلفة يريد منى إذ بصر بامرأة في رحالة [3] ففتن، وسمع عجوزا معها تناديها: يا نوار استتري لا يفضحك ابن أبي ربيعة. فاتّبعها عمر وقد شغلت قلبه حتى نزلت بمنى في مضرب [4] قد ضرب لها، فنزل إلى/ جنب المضرب، ولم يزل يتلطّف حتى جلس معها وحادثها، وإذا أحسن الناس وجها وأحلاه [5] منطقا، فزاد ذلك في إعجاب عمر بها. ثم أراد معاودتها فتعذّر ذلك عليه، وكان آخر عهده، فقال فيها:
__________
- وفي الأصل: «يعنّ».
[1] رواية هذا البيت في «ديوانه»:
علق القلب غزالا شادنا ... يا لقوم لغزال قد شدن
وشدن: شبّ وترعرع.
[2] ممتحن: واقع في محنة.
[3] الرحالة: مركب للنساء يوضع على البعير.
[4] ضبطه السيد مرتضى شارح «القاموس» كمنبر، قال: وضبطه شيخنا كمجلس، والعامة ينطقون به كمقعد، وهو الفسطاط العظيم.
[5] في «لسان العرب» (مادة «حنا»): «و روى أبو هريرة: أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم قال: «خير نساء ركبن الإبل خيار نساء قريش أحناه على ولد في -
صوت
علق النّوار فؤاده جهلا ... وصبا فلم تترك له عقلا
وتعرّضت لي في المسير فما ... أمسى الفؤاد يرى لها مثلا [1]
ما نعجة [2] من وحش ذي بقر [3] ... تغذو بسقط صريمة طفلا [4]
بألذّ منها إذ تقول لنا ... وأردت كشف قناعها: مهلا
دعنا فإنك لا مكارمة ... تجزي ولست بواصل حبلا
وعليك من تبل الفؤاد وإن [5] ... أمسى لقلبك ذكره شغلا
فأجبتها إنّ المحب مكلّف [6] ... فدعي العتاب وأحدثي بذلا
/ الغناء لابن محرز خفيف ثقيل بالسبابة في مجرى البنصر عن إسحاق. وفيه ثاني ثقيل بالبنصر ينسب إلى ابن عائشة.
حديثه مع أم الحكم وما قاله فيها من الشعر
أخبرني محمد بن خلف قال حدّثني أبو عبد اللّه السّدوسي عن عيسى بن إسماعيل العتكيّ عن هشام بن الكلبيّ عن أبيه قال:
حجّت امرأة من بني أمية يقال لها أمّ الحكم، فقدمت قبل أوان الحج معتمرة. فبينا هي تطوف على بغلة لها إذ مرّت على عمر بن أبي ربيعة في نفر من بني مخزوم وهم جلوس يتحدثون وقد فرعهم [7] طولا وجهرهم [8] جمالا وبهرهم شارة وعارضة [9] وبيانا، فمالت إليهم ونزلت عندهم، فتحدّثت معهم طويلا ثم انصرفت. ولم يزل عمر
__________
- صغره وأرعاه على زوج في ذات يده». قوله أحناه أي أعطفه. وقوله أرعاه على زوج: إذا كان لها مال واست زوجها. قال آبن الأثير: «و إنما وحّد الضمير ذهابا إلى المعنى، تقديره أحنى من وجد ومن خلق أو من هناك؛ ومنه أحسن الناس خلقا وأحسنه وجها، يريد أحسنهم، وهو كثير من أفصح الكلام». ا ه.
[1] في «ديوانه»: «شكلا».
[2] في «الديوان» و «ياقوت»: «ما ظبية».
[3] ذو بقر: موضع.
[4] سقط الصريمة: منتهاها.
والصريمة: الرملة المنصرمة من الرمال ذات الشجر.
[5] كذا في الأصول و «الديوان». ولعلها: «و من أمسى ... ».
[6] مكلّف لهج بالحب؛ يقال: كلف بالشيء كلفا أي لهج به فهو كلف ومكلّف. والأبيات من الكامل الأحذّ، وهو ما حذف من عروضه وضربه الوتد المجموع «علن» من «متفاعلن». وقد جاء عروض هذا البيت تاما على خلاف بقية الأبيات. وظاهر أن حذف الوتد في اصطلاح علماء العروض علة. والعلة إذا لحقت بعروض أو ضرب لزم استعمالها في سائر الأبيات.
ولو كان:
فأجبتها إني بكم كلف ... لخلت القصيدة من هذا العيب
[7] فرعهم طولا: علاهم وطالهم.
[8] جهرهم: راعهم جماله وهيئته.
[9] العارضة: قوّة الحجة.
يتردّد إليها إلى أن انقضت أيّام الحج، فرحلت إلى الشأم. وفيها يقول عمر:
تأوّب ليلى بنصب [1] وهمّ ... وعاودت ذكرى لأمّ الحكم
فبتّ أراقب ليل التّما ... م، من نام من عاشق لم أنم
فإما ترينني على ما عزا ... ضعيف القيام شديد السّقم
كثير القلب قوق الفرا ... ش ما إن تقلّ قيامي قدم [2]
بالمديحة طيّب نشرها ... هضيم الحشا [3] عذبة المبتسم
في أول الأبيات الثلاثة غناء. وقبلها وهو أوّل الصوت:
صوت
وفتيان صدق صباح الوجو ... ه لا يجدون لشيء ألم
من آل المغيرة لا يشهدو ... ن عند المجازر لحسم الوضم [4]
الغناء في هذه الأبيات لمالك خفيف ثقيل الثاني بالبنصر وهو الذي يقال له الماخوريّ، عن عمرو. وفيه ثاني ثقيل ينسب إلى ابن سريج والعريض ودحمان. وفيه لابن المكيّ خفيف رمل.
حديثه مع سكينة بنت الحسين وما قاله فيها من الشعر
أخبرني عليّ بن صالح قال حدّثنا أبو هفّان عن إسحاق عن أبي عبد اللّه الزّبيريّ قال:
اجتمع نسوة من أهل المدينة من أهل الشرف، فتذاكرن عمر بن أبي ربيعة وشعره وظرفه وحسن حديثه، فتشوّقن إليه وتمنّينه، فقالت سكينة بنت الحسين عليهما السّلام: أنا لكنّ به. فأرسلت إليه رسولا وواعدته الصّورين، وسمّت له الليلة والوقت، وواعدت صواحباتها، فوافاهنّ عمر على راحلته، فحّدثهنّ حتى أضاء الفجر وحان انصرافهنّ. فقال لهنّ: واللّه إني لمحتاج إلى زيارة قبر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم والصلاة في مسجده، ولكن لا أخلط بزيارتكنّ شيئا. ثم انصرف إلى مكة وقال:
صوت
قالت سكينة والدموع ذوارف ... منها على الخدّين والجلباب [5]
__________
[1] النصب (بالفتح والضم وبضمتين): البلاء والشر.
[2] في هامش ت عن نسخة أخرى: «ما تستقل بساقي قدم».
[3] الحشا: الحضن وهو ظاهر البطن هضيم الحشا: هيفاء لطيفة الخصر.
[4] الوضم: ما وقي به اللحم عن الأرض من خشب وحصير. قال أبو منصور: إن من عادة العرب في باديتها إذا نحر بعير لجماعة الحيّ يقتسمونه أن يقلعوا شجرا كثيرا ويوضم (يوضع) بعضه على بعض، ويغضّى (يقطع) اللحم ويوضع عليه، ثم يلقى لحمه من عراقه (عظامه) ويقطع على الوضم هبرا للقسم، وتؤجج نار؛ فإذا سقط جمرها اشتوى من شاء من الحيّ شواءة بعد أخرى على جمر النار لا يمنع أحد من ذلك. فإذا وقعت فيه المقاسم وحاز كل شريك في الجزور مقسمة حوّله عن الوضم إلى بيته ولم يعرض له أحد.
والمراد وصفهم بالترفّع عن شهود اللحم يقتسمه الناس.
[5] الجلباب: القميص أو هو الخمار، وهو ما تغطي به المرأة رأسها.
ليت المغيريّ الذي لم أجزه ... فيما أطال تصيّدي وطلابي
كانت تردّ لنا المنى أيّامنا ... إذ لا نلام على هوى وتصابي
خبّرت ما قالت فبتّ كأنّما ... ترمي [1] الحشا بنوافذ النّشّاب [2]
أسكين [3] ما ماء الفرات وطيبه ... منّي على ظمأ وفقد شراب [4]
بألذّ منك وإن نأيت وقلّما ... ترعى النساء أمانة الغيّاب
الغناء للهذليّ رمل بالوسطى عن الهشاميّ. وفيه للغريض خفيف ثقيل بالوسطى عن حبش. قال وقال فيها:
صوت
أحبّ لحبّك من لم يكن ... صفيّا لنفسي ولا صاحبا
وأبذل نفسي [5] لمرضاتكم ... وأعتب من جاءكم عاتبا
وأرغب في ودّ من لم أكن ... إلى ودّه قبلكم راغبا
ولو سلك الناس في جانب ... من الأرض واعتزلت جانبا
ليمّمت طيّتها، إنّني ... أرى قربها العجب العاجبا
/ فما نعجة [6] من ظباء الأرا ... ك تقرو [7] دميث [8] الرّبا عاشبا
بأحسن منها غداة الغميم [9] ... وقد [10] أبدت الخدّ والحاجبا
غداة تقول على [11] رقبة ... لخادمها: [12] يا احبسي الراكبا
فقالت لها: فيم هذا الكلام ... وأبدت لها عابسا قاطبا [13]
__________
[1] كذا في الأصل و «الديوان» المخطوط. وفي «الديوان» المطبوع: «رمى».
[2] النّشّاب: النّبل.
[3] في «أمالي القالي» الطبعة الأميرية ج 1 ص 31: «أعليّ». وفي ج 2 ص 26: «أسكين».
[4] كذا في «الأمالي» في الموضعين السابقين. وفي «ديوانه»: «و حب شراب». وفي الأصل: «و برد شراب».
[5] بهامش ت عن نسخة أخرى: «مالي».
[6] في «الديوان»: «فما ظبية».
[7] قراه يقروه: تتّبعه.
[8] دميت الربا: سهلها ولينها. وفي «ديوانه»: «دماث». والظاهر أنه تحريف؛ لأن دماثا: جمع دمث أو دمثة أو دميث، وقوله «عاشبا» إنما يناسب أن يكون حالا من المفرد لا من الجمع.
[9] الغميم كأمير: موضع بين مكة والمدينة.
[10] في «الديوان» «إذا».
[11] الخادم: واحد الخدم غلاما كان أو جارية.
[12] أي وجها عابسا. وهذا البيت وما بعده في «ديوانه» هكذا:
غداة تقول على رقبة ... لقيمها: احبس الراكبا
فقال لها فيم هذا الكلا ... م في وجهها عابسا قاطبا
[13] قاطبا: من القطوب، وهو تزوّي ما بين العينين من العبوس.
فقالت كريم أتى زائرا ... يمرّ بكم هكذا جانبا
شريف أتى ربعنا زائرا ... فأكره رجعته خائبا [1]
] غنّى في الأوّل والثاني والرابع والخامس [2] من هذه الأبيات ابن القفّاص [3] المكيّ، ولحنه رمل من رواية الهشاميّ.
بغوم ابن أبي ربيعة
وحدّثني [4] وكيع وابن المرزبان وعمّي قالوا حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد قال حدّثنا إبراهيم بن المنذر الحزاميّ قال حدّثنا محمد بن معن الغفاريّ قال حدّثني سفيان بن عيينة قال:
/ بينا أنا ومسعر بن كدام مع إسماعيل بن أميّة بفناء الكعبة إذا [5] بعجوز قد صلعت علينا عوراء متكئة على عصا يصفّق أحد لحييها على الآخر، فوقفت على إسماعيل فسلّمت عليه، فردّ عليها السّلام، وساءلها فأحفى [6] المسألة، ثم انصرفت. فقال إسماعيل: لا إله إلا اللّه! ماذا تفعل الدنيا بأهلها! ثم أقبل علينا فقال: أتعرفان هذه؟
قلنا: لا واللّه، ومن هي؟ قال: هذه «بغوم» [7] ابن أبي ربيعة التي يقول فيها:
حبّذا أنت يا بغوم وأسما ... ء وعيص [8] يكنّنا وخلاء
انظرا [9] كيف صارت، وما كان بمكة امرأة أجمل منها. قال: فقال له مسعر: لا وربّ هذه البنيّة، ما أرى أنه كان عند هذه خير قطّ. وفي هذه الأبيات يقول عمر:
صوت
صرمت حبلك البغوم وصدّت ... عنك في غير ريبة أسماء
والغواني إذا رأينك كهلا ... كان فيهنّ عن هواك التواء
حبّذا أنت يا بغوم وأسما ... ء وعيص يكنّنا وخلاء
ولقد قلت ليلة الجزل لمّا ... أخضلت ريطتي عليّ السماء [10]
__________
[1] إلى هنا انتهت الزيادة عن النسخة التيمورية.
[2] في ت: «في الأوّل والرابع والخامس ... وفي أ: «غنى في الأول والثاني والخامس».
[3] في م، ء: «ابن العقاص» وقد تقدّم في صفحة 133 «ابن القفاص» في جميع النسخ.
[4] الجملة الموضوعة بين هذين القوسين المربعين والتي أوّلها في هذه الصفحة وتنتهي في صفحة 168 غير موجودة في نسختي ح، ر.
[5] في الأصول: «و إذا» بزيادة الواو.
[6] كذا في ت، أ، م. ومعناه ردّد المسألة وبالغ فيها. وفي سائر النسخ: «فأخفى» وهو تصحيف.
[7] في ت: «هذه بغوم جارية عمر بن أبي ربيعة».
[8] كذا في «الديوان». والعيص: الشجر الكثير الملتفّ. وفيء، أ، ت: «و عيش يكفّنا». وفي سائر النسخ: «و عيس يكفّنا» تحريف.
[9] كذا في ت، وفي سائر النسخ: «انظر» تحريف.
[10] الجزل: موضع قرب مكة.
وأخضل: بلّ. والربطة: ملاءة كلها نسج واحد وقطعة واحدة.
/ ليت شعري -
وهل يردّنّ ليت - ... هل لهذا عند الرّباب جزاء
كلّ وصل أمسى لديّ لأنثى ... غيرها وصلها إليها أداء
كل خلق وإن دنا لوصال ... أو نأى فهو للرّباب الفداء
فعدي نائلا وإن لم تنيلي ... إنّما [1] ينفع [2] المحب الرجاء
لمعبد في: «و لقد قلت ليلة الجزل ... » والذي بعده خفيف ثقيل مطلق في مجرى الوسطى عن يونس وإسحاق ودنانير، [و هو من مشهور غنائه [3]].
أخبرني الحرميّ قال حدّثنا الزّبير قال حدّثني ظبية [4] مولاة فاطمة بنت عمر بن مصعب عن ذهيبة [5] مولاة محمد بن مصعب بن الزّبير قالت:
كنت عند أمة الواحد أو أمة المجيد [6] بنت عمر بن أبي ربيعة في الجنبذ [7] الذي في بيت سكينة بنت خالد بن مصعب أنا وأبوها عمر وجاريتان له تغنّيان، يقال لأحداهما البغوم، والأخرى أسماء. وكانت أمة المجيد بنت عمر تحت محمد بن مصعب بن الزبير.
/ قالت: فقال عمر بن أبي ربيعة وهو معهم في الجنبذ [8] هذه الأبيات. فلما انتهى إلى قوله:
ولقد قلت ليلة الجزل لمّا ... أخضلت ريطتي عليّ السماء
/ خرجت البغوم ثم رجعت إليه فقالت: ما رأيت أكذب منك يا عمر! تزعم أنك بالجزل وأنت في جنبذ [8] محمد بن مصعب، وتزعم أنّ السماء أخضلت ريطتك وليس في السماء قزعة [9]! قال: هكذا يستقيم هذا الشأن.
وأخبرني عليّ بن صالح عم أبي هفّان عن إسحاق عن المسيّبيّ ومحمد بن سلّام. أنّ عمر أنشد ابن أبي عتيق قوله:
__________
[1] في ت «إنه».
[2] تقدّم في صفحة 143 في الحاشية رقم 3 احتمال أنه «يقنع».
[3] زيادة عن ت.
[4] في ت: «طيبة».
[5] في ت: «ذهبية».
[6] في ت.: «كنت عند أمة الحميد بنت عمر ... وكانت أمة الحميد الخ». وقد تقدّم أن لعمر بن أبي ربيعة ابنة يقال لها أمة الواحد، وفيها يقول:
لم تدر وليغفر لها ربها ... ما جشمتنا أمة الواحد
[7] في الأصول: «الجنيد» تحريف. والجنبذ، كما في «شرح القاموس» (مادة جنبذ) كل مرتفع مستدير من الأبنية والآزاج كالقبة. وفي «القاموس» و «شرحه» مادة جبذ و «اللسان» وابن الأثير مادة جنبذ: أن الجنبذة (هكذا بالتاء) القبة عن ابن الأعرابي. وفي الحديث في صفة أهل الجنة: «وسطها من جنابذ من ذهب وفضة يسكنها قوم من أهل الجنة كالأعراب في البادية». وفي حديث آخر: «فيها جنابذ من لؤلؤ». قال السيد محمد مرتضى: وهو فارسيّ معرب، وأصله كنبد. وقال «ياقوت» في مادة حنبذ: حنبذ من قرى نيسابور، العجم تقول كنبذ بالكاف، معناها عندهم الأزج المدوّر كالقبة، ونحوها.
[8] انظر الحاشية رقم 7 في الصفحة السابقة.
[9] القزعة: قطعة الغيم.
حبّذا أنت يا بغوم وأسما ... ء وعيص يكنّنا وخلاء
فقال له: ما أبقيت شيئا يتمنّى يا أبا الخطّاب إلا مرجلا يسخّن لكم فيه الماء للغسل.
عمرو وأم محمد بنت مروان بن الحكم
أخبرني ابن المرزبان قال حدّثني إسماعيل بن جعفر عن محمد بن حبيب عن ابن الأعرابيّ قال:
حجّت أمّ محمد بنت مروان بن الحكم، فلمّا قضت نسكها أتت عمر بن أبي ربيعة وقد أخفت نفسها [1] في نسوة، فحدّثها مليّا. فلما انصرفت أتبعها عمر رسولا عرف موضعها وسأل عنها حتى أثبتها [2]، فعادت إليه بعد ذلك فأخبرها بمعرفته إيّاها.
/ فقالت: نشدتك [3] اللّه أن تشهّرني بشعرك! وبعثت إليه بألف دينار، فقبلها وابتاع بها حللا وطيبا فأهداه إليها، فردّته. فقال لها: واللّه لئن لم تقبليه لأنهبنّه [4]، فيكون مشهورا، فقبلته ورحلت. فقال فيها:
صوت
أيّها الراكب [5] المجدّ ابتكارا ... قد قضى من تهامة الأوطارا
من يكن قلبه صحيحا سليما ... ففؤادي بالخيف أمسى معارا
ليت ذا الدهر كان حتما علينا ... كلّ يومين حجّة واعتمارا
الغناء لابن محرز ولحنه من القدر الأوسط من الثّقيل الأوّل بالخنصر في مجرى الوسطى عن إسحاق، وفيه أيضا له خفيف ثقيل بالوسطى عن ابن المكّيّ. وفيه لذكاء وجه الرّزّة [6] المعتمديّ ثقيل أوّل من جيّد الغناء وفاخر الصّنعة ليس لأحد من/ طبقته وأهل صنعته مثله. وأنشد ابن أبي عتيق قول عمر هذا، فقال: اللّه أرحم بعباده أن يجعل عليهم ما سألته ليتمّ لك فسقك.
__________
[1] كذا في ت. وفي ب، س: «بيتها».
[2] أثبتها: عرفها وتحققها.
[3] يقال: نشدتك اللّه ونشدتك باللّه وناشدتك اللّه أن تفعل كذا، أي سألتك به برفع نشيدي أي صوتي. والمراد هنا سألتك باللّه ألا تشهرني في شعرك. وقد تحذف «لا» النافية إذا دل عليها سياق الكلام. وقد حمل على ذلك آيات من القرآن الكريم؛ قال صاحب «اللسان» (مادة لا): « ... عن أبي زيد في قول اللّه عزّ وجلّ: (يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا)
قيل في تفسيره مخافة أن تضلوا أو حذار أن تضلوا. ثم قال: ولو كان: يبين اللّه لكم أن لا تضلوا، لكان صوابا. ومنه قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا)
يريد: أن لا تزولا. وقوله تعالى: (أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ)
يريد: أن لا تحبط». وقد تحذف «لا»، وهذا مقيس، فيكون حذفها وذكرها سواء؛ وذلك إذا وقعت قبل المضارع في جواب القسم، فيكون عدم توكيد الفعل دليل حذفها. ومن حذفها قوله تعالى: (قالُوا تَاللَّهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ)
أي لا تفتأ؛ وقول الشاعر:
وآليت آسي على هالك ... وأسأل نائحة مالها
أي لا آسي ولا أسأل.
[4] لأنهبنه: لأبيحنّه لمن شاء نهبا.
[5] في «الديوان»، ت: «الرابح».
[6] كذا في ت، ب، س. وفي سائر النسخ هكذا: «وجه الررة» (انظر الحاشية رقم 1 ص 141 من هذا الجزء).
عمر وحميدة جارية ابن تفاحة
أخبرني ابن المرزبان قال أخبرني أحمد بن يحيى القرشيّ عن أبي الحسن الأزديّ عن جماعة من الرّواة:
أنّ عمر كان يهوى حميدة جارية ابن تفّاحة [1]، وفيها يقول:
صوت
حمّل القلب من حميدة ثقلا ... إنّ في ذاك للفؤاد لشغلا
إن فعلت الذي سألت فقولي ... حمد خيرا وأتبعي [2] القول فعلا
وصليني فأشهد [3] اللّه أنّي ... لست أصفي سواك ما عشت وصلا
الغناء لمعبد خفيف ثقيل بالوسطى عن يحيى المكيّ والهشاميّ. وفيها يقول:
صوت
يا قلب هل لك عن حميدة زاجر ... أم أنت مدّكر الحياء فصابر
فالقلب من ذكرى حميدة موجع ... والدّمع منحدر وعظمي [4] فاتر
قد كنت أحسب أنّني قبل الذي ... فعلت على ما عند حمدة قادر
حتّى بدا لي من حميدة خلّتي [5] ... بين وكنت من الفراق أحاذر
/ [الغناء لمعبد خفيف ثقيل بالسبابة في مجرى البنصر عن إسحاق [6]].
حديث عمر مع بعض جواري بني أمية في موسم الحج
/ أخبرني الحسن بن عليّ الخفّاف [7] قال حدّثني محمد بن القاسم بن مهروية قال حدّثني أبو مسلم المستملي [8] عن ابن أخي زرقان [9] عن أبيه قال:
أدركت مولى لعمر بن أبي ربيعة شيخا كبيرا، فقلت له: حدّثني عن عمر بحديث غريب، فقال: نعم! كنت معه ذات يوم، فاجتاز به نسوة من جواري بني أمية قد حججن، فتعرّض لهنّ وحادثهنّ وناشدهنّ مدّة أيام حجّهنّ، ثم قالت له إحداهنّ: يا أبا الخطّاب، إنّا خارجات في غد فابعث مولاك هذا إلى منزلنا ندفع إليه تذكرة تكون عندك تذكرنا بها. فسرّ بذلك ووجّه بي إليهنّ في السّحر، فوجدتهنّ يركبن، فقلن لعجوز معهن: يا فلانة، ادفعي إلى مولى
__________
[1] في ب، س: «ابن ماجه» ولم نوفق لترجيح أحد الاسمين.
[2] كذا في ت. وفي سائر النسخ و «الديوان»: «أو اتبعي».
[3] في ت: «وصليني وأشهد».
[4] كذا في ت. وفي سائر النسخ و «الديوان»: «و دمعي».
[5] خلتي: صديقتي.
[6] في ت: «الغناء لمعبد ذكره له إسحاق ولم يجنسه وذكر الهشاميّ أنه ثقيل أوّل». وإلى هنا انتهى الكلام الساقط من نسختي ح، ر.
[7] الخفّاف: بائع الخفاف.
[8] في ء: «المشتمل» وفي: ح «المستهلي» وكلاهما تحريف؛ لأن الاستملاء صناعة من كانوا كتبة لما يملى عليهم من الأكابر والعلماء، وبه لقّب كثير من العلماء.
[9] في ب، س، م، أ، ء: «ذروان» وزرقان وذروان كلاهما مسمّى به. ولم نعثر على ما يرجح أحدهما.
أبي الخطّاب التّذكرة التي أتحفناه بها. فأخرجت إليّ صندوقا لطيفا مقفلا مختوما، فقلن: ادفعه إليه وارتحلن.
فجئته به وأنا أظنّ أنه قد أودع طيبا أو جوهرا. ففتحه عمر فإذا هو مملوء من المضارب (و هي الكير نجات [1])، وإذا على كلّ واحد منها اسم رجل من مجّان مكّة، وفيها اثنان كبيران عظيمان، على أحدهما الحارث بن خالد وهو يومئذ أمير مكة. وعلى الآخر عمر بن أبي ربيعة. فضحك وقال: تماجنّ عليّ ونفذ [2] لهنّ. ثم أصلح مأدبة.
/ ودعا كلّ واحد ممن له اسم في تلك المضارب. فلما أكلوا واطمأنوا للجلوس قال: هات يا غلام تلك الوديعة، فجئته بالصندوق، ففتحه ودفع إلى الحارث الكيرنج الذي عليه اسمه. فلما أخذه وكشف عنه غطغاءه فزع وقال: ما هذا أخزاك اللّه! فقال له: رويدا، اصبر حتّى ترى. ثم أخرج واحدا واحدا فدفعه إلى من عليه اسمه حتّى فرّقها فيهم ثم أخرج الذي باسمه وقال: هذا لي. فقالوا له: ويحك! ما هذا؟ فحدّثهم بالخبر فعجبوا منه، وما زالوا يتمازحون بذلك دهرا طويلا ويضحكون منه.
قصة عمر مع البنات اللاتي أبصرنه من وراء المضرب
قال وحدّثني هذا المولى قال: كنت مع عمر وقد أسنّ وضعف، فخرج يوما يمشي متوكئا على يدي حتّى مرّ بعجوز جالسة، فقال لي: هذه فلانة وكانت إلفا لي، وعدل [3] إليها فسلّم عليها وجلس عندها وجعل يحادثها، ثم قال: هذه التي أقول فيها:
صوت
أبصرتها ليلة ونسوتها ... يمشين بين المقام والحجر
بيضا حسانا نواعما [4] قطفا ... يمشين هونا كمشية البقر
قالت لترب لها تلاطفها ... لنفسدنّ الطّواف في عمر
قومي تصدّي له ليعرفنا ... ثم اغمزيه يا أخت في خفر
قالت لها قد غمزته فأبى ... ثم اسبطرّت [5] تشتدّ في أثري
بل يا خليليّ عادني ذكري ... بل اعترتني الهموم بالسّهر [6]
/ - الغناء لابن سريج في السادس والأوّل والثاني خفيف ثقيل بالوسطى عن عمرو. وفيها لسنان الكاتب رمل بالوسطى عنه وعن يونس. وفيها للأبجر خفيف رمل بالوسطى عنه. وفي:
__________
[1] الكيرنجات: جمع الكيرنج، وهي كلمة فارسية مركبة من كلمتين هما «كير» بمعنى عضو التناسل و«رنج» وهو بالفارسية رنك ومعناه الشكل واللون. وذلك مثل «نيرنج» المركب من كلمتين الأولى «نو» أو «ني» بمعنى الجديد، ورنج أي اللون والشكل؛ وذلك مجاز عن المكر والخديعة، فمعناه البدعة الجديدة. والمضارب: جمع مضرب، ولعله يريد آلة الضراب وهو السفاد؛ يقال: ضرب الفحل الناقة يضربها ضرابا، إذا نزا عليها.
[2] أي نفذ لهنّ تماجنهنّ وتم لهنّ ما أردن.
[3] في ب، س، ح، ر: «فعدل».
[4] في «ديوانه»: «خرائدا»: جمع خريدة وهي البكر التي لم تمسس قط، أو الحيّية الطويلة السكوت الخافضة الصوت الخفرة المتسترة.
[5] اسبطرّت: أسرعت. وفي ت: «استطيرت»؛ يقال استطير الفرس، إذا أسرع في الجري فهو مستطار. وتشتدّ: تعدو.
[6] لم يذكر هذا البيت بتلك القصيدة في «ديوانه»: وإنما ذكر بعد البيت الذي قبله بيتان آخران هما:
من يسق بعد المنام ريقتها ... يسق بمسك وبارد خصر
حوراء ممكورة محبّبة ... عسراء للشكل عند مجتمر
قالت لترب لها تلاطفها
لعبد اللّه بن العباس خفيف رمل بالبنصر عن الهشاميّ، وفيه للدّلال خفيف ثقيل عنه أيضا. ولأبي سعيد مولى فائد [1] في الأوّل والثاني ثقيل أوّل/ عن الهشاميّ أيضا، ومن الناس من ينسب لحنه إلى سنان الكاتب وينسب لحن سنان إليه - قال: وجلس معها يحادثها، فأطلعت رأسها إلى البيت وقالت: يا بناتي، هذا أبو الخطّاب عمر بن أبي ربيعة عندي، فإن كنتنّ تشتهين أن ترينه فتعالين. فجئن إلى مضرب [2] قد حجزن [3] به دون بابها فجعلن يثقبنه ويضعن أعينهن عليه يبصرن. فاستسقاها عمر، فقالت له: أيّ الشراب أحبّ إليك؟ قال: الماء. فأتي بإناء فيه ماء، فشرب منه، ثم ملأ فمه فمجّه عليهنّ. في [4] وجوههنّ من وراء الحاجز، فصاح الجواري وتهاربن وجعلن يضحكن. فقالت له العجوز: ويلك! لا تدع مجونك وسفهك مع هذه السنّ! فقال: لا تلوميني، فما ملكت نفسي لمّا سمعت من حركاتهن أن فعلت ما رأيت.
حديث عمر مع المرأة التي رآها في الطواف وارتحل معها إلى العراق
أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدّثني أحمد بن منصور بن أبي العلاء [5] الهمدانيّ [6] قال حدّثني عليّ بن طريف [7] الأسديّ قال:
/ سمعت أبي يقول: بينما عمر بن أبي ربيعة يطوف بالبيت إذ رأى امرأة من أهل العراق فأعجبه جمالها، فمشى معها حتّى عرف موضعها، ثم أتاها فحادثها وناشدها وناشدته [8] وخطبها. فقالت: إنّ هذا لا يصلح ها هنا، ولكن إن جئتني إلى بلدي وخطبتني إلى أهلي تزوّجتك. فلما ارتحلوا جاء إلى صديق له من بني سهم وقال له: إنّ لي إليك حاجة أريد أن تساعدني عليها، فقال له نعم. فأخذ بيده ولم يذكر له ما هي، ثم أتى منزله فركب نجيبا له وأركبه نجيبا [آخر [9]]، وأخذ معه ما يصلحه، وسارا لا يشكّ السّهميّ في أنه يريد سفر يوم أو يومين، فما زال يحفد [10] حتّى لحق بالرّفقة، ثم سار بسيرهم يحادث المرأة طول طريقه ويسايرها وينزل عندها إذا نزلت حتّى ورد العراق. فأقام أيّاما، ثم راسلها يتنجّزها وعدها، فأعلمته أنها كانت متزوجة ابن عمّ [11] لها وولدت منه أولادها ثم
__________
[1] في ت: «قائد».
[2] المضرب (كمنبر ومقعد): الفسطاط العظيم.
[3] في ت، أ، ء، م: «حجرت به».
[4] كذا في ت. وفي سائر النسخ: «و في وجوههن».
[5] في ت، ح، ر: «ابن العلاء» بدون «أبي».
[6] في ت، ب، س: «الهمذاني» بالذال المعجمة.
[7] كذا في ت، ر. وفي سائر النسخ: «ظريف». ولم نعثر على أنه سمّى به.
[8] كذا في ت. وفي سائر النسخ: «و أنشدته». ولم توجد هذه الكلمة في ح.
[9] زيادة في ت.
[10] حفد (من باب ضرب): خفّ وأسرع. وفي ت: «يحثّ»؛ يقال: حثه واستحثّه واحتثه فاحتثّ، أي استعجله وحضّه على السير.
وفي أ، م، ء: «يخبّ» والخبب: ضرب من العدو، وقيل هو الرمل وهو الهرولة في السير.
[11] كذا في ت. وفي سائر النسخ: «متزوّجة بابن عم». قال في «اللسان» نقلا عن «التهذيب»: وليس من كلامهم تزوّجت بامرأة ولا زوّجت منه امرأة. وقوله تعالى: (وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ) *
أى قرنّاهم بهنّ. وقال الفراء: تزوّجت بامرأة لغة في أزد شنوءة.
مات وأوصى بهم وبماله إليها ما لم تتزوج، وأنها تخاف فرقة أولادها وزوال النعمة، وبعثت إليه بخمسة آلاف درهم واعتذرت، فردّها عليها ورحل إلى مكة، وقال في ذلك قصيدته التي أوّلها:
صوت
نام صحبي ولم أنم ... من خيال بنا ألمّ
/ طاف بالركب موهنا ... بين خاخ [1] إلى إضم [2]
ثم نبّهت صاحبا ... طيّب الخيم [3] والشّيم
أريحيّا مساعدا ... غير نكس ولا برم [4]
قلت يا عمرو شفّني ... لا عج الحبّ والألم
ايت هندا فقل لها ... ليلة الخيف ذي السّلم [5]
الغناء لمالك خفيف رمل بالسّبابة في مجرى الوسطى عن إسحاق ويونس. وفيه لعبد اللّه بن العبّاس الرّبيعيّ خفيف رمل من رواية عمرو بن بانة، وذكر حبش أنّ لحن عبد اللّه بن العباس رمل آخر عن الهشاميّ.
عود إلى شهادة جرير في شعر عمر
أخبرني محمد بن خلف قال حدّثنا الحسين بن إسماعيل عن ابن عائشة عن أبيه قال:
كان جرير إذا أنشد شعر عمر بن أبي ربيعة قال: شعر تهاميّ/ إذا أنجد وجد البرد، حتّى أنشد قوله:
رأت رجلا أمّا إذا الشمس عارضت ... فيضحى وأمّا بالعشيّ فيخصر
الأبيات. فقال: ما زال هذا يهذي حتى قال الشعر.
حنين عمر إلى ذكر الغزل بعد أن كبرت سنه
أخبرني حبيب بن نصر المهلّبيّ قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثني عمّي عن عثمان بن إبراهيم الخاطبيّ،
__________
[1] خاخ: موضع بين الحرمين، ويقال له: روضة خاخ، بقرب حمراء الأسد من المدينة، يصرف باعتبار المكان ولا يصرف باعتبار البقعة مع العلميّة.
[2] إضم: واد بجبل تهامة، وهو الوادي الذي فيه المدينة؛ قال الأحوص:
يا موقد النار بالعليا من إضم ... أوقد فقد هجت شوقا غير مضطرم
إلى قوله:
وما طربت بشجو أنت نائله ... ولا تنوّرت تلك النار من إضم
ليست لياليك من خاخ بعاهدة ... كما عهدت ولا أيام ذي سلّم
بعاهدة: بوافية كما وفيت؛ من عهد فلان وعده: وفاه. ويجوز أن تكون «بعائدة» بمعنى راجعة كما عرفت. وفي ت، ح، ر:
بين خاخ إلى عظم
وذو عظم بضمتين: عرض من أعراض خيبر فيه عيون جارية ونخيل عامرة. ويروى عظم بفتحتين.
[3] الخيم: الطبيعة والسجية.
[4] النكس: الضعيف. والبرم: الذي لا نفع فيه.
[5] في «الديوان»، ح، ر:
ليلة الخيف بالسلم
وأخبرني به محمد بن خلف بن المرزبان [1] قال حدّثني إسحاق بن إبراهيم عن محمد بن أبان قال أخبرني العتبيّ عن أبي زيد الزّبيريّ عن عثمان بن إبراهيم الخاطبيّ قال:
أتيت عمر بن أبي ربيعة بعد أن نسك بسنين وهو في مجلس قومه من بني مخزوم، فانتظرت حتى تفرّق القوم، ثم دنوت منه ومعي صاحب لي ظريف وكان قد قال لي: تعال حتى نهيجه على ذكر الغزل، فننظر هل بقي في نفسه منه شيء. فقال له صاحبي: يا أبا الخطّاب، أكرمك اللّه! لقد أحسن العذريّ وأجاد فيما قال. فنظر عمر إليه ثم قال له: وماذا قال؟ قال: حيث يقول:
لو جدّ بالسّيف رأسي في مودّتها ... لمرّ يهوي سريعا نحوها راسي [2]
/قال: فارتاح عمر إلى قوله وقال: هاه! لقد أجاد وأحسن! فقلت: وللّه درّ جنادة العذريّ! فقال عمر حيث يقول ماذا ويحك؟ فقلت: حيث يقول:
سرت لعينك سلمى بعد مغفاها ... فبتّ مستنبها [3] من بعد مسراها
وقلت أهلا وسهلا من هداك لنا ... إن كنت تمثالها أو كنت إيّاها
من حبّها أتمنّى أن يلاقيني ... من نحو بلدتها ناع فينعاها
كيما أقول فراق لا لقاء له ... وتضمر النفس يأسا ثم تسلاها
ولو تموت لراعتني وقلت ألا ... يا بؤس للموت ليت الموت أبقاها
قال: فضحك عمر ثم قال: وأبيك لقد أحسن وأجاد وما أبقى [4]! ولقد هيّجتما عليّ ساكنا، وذكّرتماني ما كان عنّي غائبا، ولأحدّثنّكما حديثا حلوا:
قصة عمر مع هند بنت الحارث المرّيّة وما قاله فيها من الشعر
__________
[1] كذا في ب، ح، ر. وفي سائر النسخ: «الحاطبيّ» بالحاء المهملة وهو تصحيف. وقد ذكره السيد مرتضى في مادة خطب وقال عنه: إنه من أئمة اللغة.
[2] في بعض الأصول: «لو جز». وبقية هذا الشعر في «زهر الآداب» المطبوع بالمطبعة الرحمانية سنة 1925 الجزء الأوّل ص 229:
ولو بلى تحت أطباق الثرى جسدي ... لكنت أبلى وما قلبي لكم ناسي
أو يقبض اللّه روحي صار ذكركم ... روحا أعيش به ما عشت في الناس
لو لا نسيم لذكراكم يروّحني ... لكنت محترقا من حرّ أنفاسي
وقد روى فيه الخبر على غير هذا الوجه؛ فقد روى فيه أنه قيل لعمر: أيعجبك قول الفرزدق:
سرت لعينك سلمى بعد مغفاها
الأبيات؛ فلم يهش لها. فقيل له: أيعجبك قول العذري: «لو جذ بالسيف الخ» فنحرّك ثم قال: يا ويحه!! أبعد ما يحزّ رأسه يميل إليها!.
وفي «الأمالي» الطبعة الأميرية ج 2 ص 50 أن القائل للشعر الأوّل هو رسبان العذري (هكذا)، وللشعر الثاني نحبة بن جنادة العذري (هكذا). وفي النسختين المخطوطتين المحفوظتين بدار الكتب المصرية تحت رقمي 61 أدب ش و62 أدب ش أن الأوّل هو ريسان العذري بتقديم الياء المثناة على السين، وأن الثاني هو نجبة ابن جنادة العذريّ بالجيم المعجمة لا بالحاء المهملة.
وقد أردنا أن نتحقق نسبة هذا الشعر للفرزدق فلم نعثر عليه في «ديوانه» المطبوع بباريس سنة 1875.
[3] استنبه من نومه: استيقظ. وفي ح، ر: «مستلهيا».
[4] كذا في ح، ر. وفي سائر النسخ: «و ما أساء».
بينا أنا منذ أعوام جالس، إذ أتاني خالد الخرّيت، فقال لي: يا أبا الخطّاب، مرّت بي أربع نسوة قبيل [1] العشاء يردن موضع كذا وكذا لم أر مثلهن في بدو ولا حضر، فيهنّ هند بنت الحارث المرّيّة، فهل لك أن تأتيهنّ متنكّرا فتسمع من حديثهنّ وتتمتّع بالنظر إليهنّ ولا يعلمن من أنت؟ فقلت له: ويحك! وكيف لي أن أخفي نفسي؟
قال: تلبس لبسة أعرابيّ ثم تجلس على قعود [ثم ائتهنّ فسلّم عليهنّ [2]]، فلا يشعرن إلّا بك قد هجمت [3] عليهنّ. ففعلت ما قال، وجلست على قعود، ثم أتيتهنّ فسلّمت عليهنّ ثم وقفت بقربهنّ. فسألنني أن أنشدهنّ وأحدّثهنّ، فأنشدتهنّ لكثيّر وجميل والأحوص ونصيب وغيرهم. فقلن لي: ويحك يا أعرابيّ! ما أملحك وأظرفك! لو نزلت فتحدّثت معنا/ يومنا هذا! فإذا أمسيت انصرفت في حفظ اللّه. قال: فأنخت بعيري ثم تحدّثت معهنّ وأنشدتهنّ، فسررن بي وجذلن بقربي وأعجبهنّ حديثي. قال: ثم أنهنّ تغامزن وجعل بعضهنّ يقول لبعض: كأنّا نعرف هذا الأعرابيّ! ما أشبهه بعمر بن أبي ربيعة! فقالت إحداهنّ: فهو [4] واللّه عمر! فمدّت هند يدها فانتزعت عمامتي فألقتها عن رأسي ثم قالت لي: هيه [5] يا عمر! أتراك خدعتنا منذ اليوم! / بل نحن واللّه خدعناك واحتلنا عليك بخالد، فأرسلناه إليك لتأتينا في أسوأ هيئة ونحن كما ترى. قال عمر: ثم أخذنا في الحديث، فقالت هند: ويحك يا عمر! اسمع منّي، لو رأيتني منذ أيام وأصبحت عند أهلي، فأدخلت رأسي في جيبي، فنظرت إلى حري فإذا هو ملء الكفّ ومنية المتمنّي، فناديت يا عمراه يا عمراه! قال عمر: فصحت يا لبّيكاه يا لبّيكاه! ثلاثا ومددت في الثالثة صوتي، فضحكت. وحادثتهنّ ساعة، ثم ودّعتهنّ وانصرفت.
فذلك قولي:
صوت
عرفت مصيف الحيّ والمتربّعا [6] ... ببطن حليّات دوارس بلقعا
إلى السّفح [7] من وادي المغمّس بدّلت ... معالمه وبلا ونكباء زعزعا
لهند وأتراب لهند إذ الهوى ... جميع وإذ لم نخش أن يتصدّعا
وإذ نحن مثل الماء كان مزاجه ... كما [8] صفّق [9] الساقي الرحيق المشعشعا
وإذا لا نطيع الكاشحين [10] ولا نرى ... لواش لدينا يطلب الصّرم موضعا [11]
__________
[1] كذا في م، أ، وفي ت، ح، ر: «قبيل». وفي باقي النسخ: «قبل العشاء».
[2] زيادة في ت، أ، ء، م.
[3] في ت: «قد نجمت»؛ يقال: نجم بمعنى طلع وظهر.
[4] في ت: «هو».
[5] كذا في ب، س، ء. وفي ت: «هية باللّه يا عمر». وفي ح، ر: «باللّه يا عمر».
[6] راجع الحاشية رقم 1 ص 131.
[7] ورد هذا البيت في ص 131: «إلى السرح» في جميع النسخ.
[8] كذا في «ديوانه». وفي الأصول كلها: «إذا».
[9] صفق الشراب: مزجه.
[10] في «ديوانه»: «العاذلين».
[11] في «الديوان»، ح، ت، ر،: «مطعما».
/ الغناء للغريض ثاني ثقيل بالوسطى عن الهشاميّ ومن نسخة عمرو الثانية [1]. وفيه لابن جامع وابن عبّاد لحنان من كتاب إبراهيم. وفيها يقول - وفيه غناء - :
صوت
فلمّا تواقفنا وسلّمت أشرقت ... وجوه زهاها الحسن أن تتقنّعا
تبالهن بالعرفان لمّا رأينني [2] ... وقلن امرؤ باغ أكلّ وأوضعا [3]
وقرّبن أسباب الهوى لمتيّم ... يقيس ذراعا كلّما قسن إصبعا
الغناء لابن عبّاد رمل عن الهشاميّ. وفيه لابن جامع لحن من كتاب إبراهيم غير مجنس. [هذه الأبيات مقرونة بالأولى، والصنعة في جميعها مختلفة، يغنّي المغنّون بعض هذه وبعض تلك ويخلطونها، والصنعة لمن قدّمت ذكره] [4]. وهي قصيدة طويلة، ذكرت منها ما فيه صنعة.
ومما قاله في هند هذه وغنّي فيه قوله:
صوت
ألم تسأل الأطلال والمنزل الخلق ... ببرقة ذي ضال [5] فيخبر إن نطق؟
ذكرت به [6] هندا فظلت كأنّني ... أخو نشوة لاقى الحوانيت [7] فاغتبق [8]
/الغناء لعطرّد ولحنه من القدر الأوسط من الثقيل الأوّل بالخنصر في مجرى البنصر عن إسحاق. وفيه لمعبد ثقيل أوّل بالوسطى عن الهشاميّ. وذكر حبش أنّ فيه للغريض ثاني ثقيل بالوسطى. ومنها:
صوت
أسبح القلب مهيضا [9] ... راجع الحبّ الغريضا [10]
__________
[1] في ح، ر: «الثالثة».
[2] كذا في ح، ر. وفي سائر الأصول: «عرفني».
[3] أكلّ: أعيا. وأوضع: أسرع في سيره.
[4] زيادة في ح، ر. وفي ت ذكرت هذه الزيادة بعد الشعر مباشرة.
[5] الضال، السّدر البرّيّ. والسدر: شجر النبق. ولم نعثر في «ياقوت» ولا في «البكريّ» على «برقة ذي ضال» هكذا علما على موضع خاص. وقد ورد فيهما «برقاء ذي ضال»، ونقل البكريّ عن ابن الأعرابيّ أنها هضبة ذات رمل في ديار عذرة، واستشهد بقول جميل العذريّ:
فمن كان في حبّي بثينة يمتري ... فبرقاء ذي ضال عليّ شهيد
وفي «الديوان»: «ببرقة أعواء»، وهو محرّف عن «ببرقة أعيار» بالراء وقد ذكر ياقوت برقة أعيار، واستشهد بالنصف الثاني من البيت هكذا:
ببرقة أعيار فخبر إن نطق
[6] كذا في «الديوان»، ت، ح. وفي سائر النسخ: «بها».
[7] الحوانيت: بيوت الخمارين، واحدها حانوت.
[8] الاغتباق: شرب العشيّ.
[9] كذا في «الديوان» أ، ت، ء، م. وفي سائر النسخ: «مريضا». والمهيض: المكسور.
[10] الغريض: الغض الطريّ، وصف الحب به على سبيل المجاز.
وأجدّ [1] الشوق وهنا ... أن رأى برقا [2] وميضا [3]
ثم بات الرّكب نوّا ... ما ولم أطعم غموضا
ذاك من هند قديما ... تركها [4] القلب مهيضا
وتبدّت ثم أبدت ... واضح اللّون نحيضا [5]
/و عذاب [6] الطّعم غرّا ... كأقاحي [7] الرّمل بيضا
الغناء لابن محرز خفيف ثقيل بالسبّابة في مجرى البنصر. وفيه لحكم هزج بالوسطى عن عمرو، وقيل: إنه يمان. ومن الناس من ينسب لحن ابن محرز إلى ابن مسجح. ومنها:
صوت
أربت [8] إلى هند وتربين مرّة ... لها إذ تواقفنا بفرع [9] المقطّع
[لتعريج [10] يوم أو لتعريس [11] ليلة ... علينا بجمع الشّمل قبل التّصدّع
فقلن لها لو لا ارتقاب صحابة ... لنا خلفنا عجنا ولم نتورّع]
وقالت [12] فتاة كنت أحسب أنّها ... مغفّلة [13] في مئزر لم تدرّع [14]
لهنّ - وما شاورنها - ليس ما أرى ... بحسن جزاء للحبيب المودّع
__________
[1] أجدّ هنا: جدّد. الوهن: نحو من نصف الليل، كالموهن.
[2] في «ديوانه»: «وجها».
[3] يقال. ومض البرق يمض ومضا ووميضا، إذا لمع لمعا خفيا ولم يعترض في نواحي الغيم.
[4] في أ، ح، ر: «رجعها» وفي «الديوان»: «ودّع القلب».
[5] النحيض: يراد به البضّ الممتلى ء. وفي النسخة التيمورية المخطوطة من «ديوانه»: «محيضا» وفسّر في الهامش بأنه فعيل من المحض وهو الخالص. غير أنا لم نجد هذه الصيغة من هذه المادة فيما بين أيدينا من كتب اللغة.
[6] يريد بها الأسنان.
[7] الأقاحىّ: جمع أقحوان وهو القرّاص عند العرب والبابونج أو البابونك عند الفرس، وهو كما قال الجوهريّ: نبت طيب الريح حواليه ورق أبيض ووسطه أصفر، وكثير ما تشبّه به الأسنان.
[8] أرب بكذا: كلف به، وأرب إلى كذا: احتاج إليه. ولعل المراد: عاني الشوق إليهنّ. وفي ت: «أريت» بالياء المثناة يقال: أرت الدابة إلى الدابة تأرى، إذا انضمّت إليها وألفت معها معلفا واحدا. وفي الحديث أنه دعا لامرأة كانت تفرك زوجها (تبغضه) فقال:
«اللهم أرّ بينهما» أي ألف وأثبت الودّ بينهما. والمعنى عليها أنه اتصل بهنّ وانضم إليهن.
[9] في ب، س: «بفرغ المقطع» بالغين المعجمة. وفي «ديوانه»: «بقرن المقطع». ولم نعثر في «ياقوت» على أحد هذه الأسماء علما لموضع خاص.
[10] زيادة من «الديوان» يتوقف عليها السياق.
[11] التعريس، قيل: هو نزول القوم في السفر آخر الليل يستر يحون قليلا ثم يرحلون مع الصبح، وقيل: هو النزول أوّل الليل، وقيل:
النزول في أي وقت كان من ليل أو نهار.
[12] في «الديوان»: «فقالت».
[13] كذا في «ديوانه». وفي ر: «معقلة». وفي سائر النسخ: «معلقة» وكلاهما تحريف.
[14] لم تدرّع: لم تلبس الدرع؛ يقال: درّعت الصبية إذا ألبست الدرع. والدرع: جبة مشقوقة المقدّم.
فقلن لها لا شبّ [1] قرنك فافتحي ... لنا باب [2] ما يخفى من الأمر نسمع
/ وهي أبيات. الغناء للغريض ولحنه من القدر الأوسط من الثّقيل الأوّل بالخنصر في مجرى البنصر عن إسحاق، وذكر ابن المكّيّ أنه لابن سريج. ومنها:
صوت
لمّا ألمّت بأصحابي وقد هجعوا ... حسبت وسط رحال القوم عطّارا
فقلت من ذا المحيّى وانتبهت له ... ومن محدّثنا هذا الذي زارا؟
ألا انزلوا نعمت دار بقربكم ... أهلا وسهلا بكم من زائر زارا [3]
/فبدّل الرّبع ممّن كان يسكنه ... عفر [4] الظّباء به يمشين أسطارا [5]
__________
[1] كذا في «الديوان»، ت. وفي سائر النسخ: «لا شاب فرنك». قال الأصمعي: يقال: أشبه اللّه وأشبّ اللّه قرنه بمعنى واحد، وهو الدعاء له بأن يشبّ ويكبر. والقرن زيادة في الكلام ه. والقرن: الضفيرة. والمراد التعجب من حديثها؛ كما يقال في مقام التعجب: قاتلك اللّه.
[2] كذا في أكثر النسخ. وفي «الديوان»، ء: «بابه تخفى». والبابة هنا: الوجه والطريق؛ قال تميم بن مقبل:
بني عامر ما تأمرون بشاعر ... تخير بابات الكتاب هجائيا
أي تخبّر هجائي من وجوه الكتاب، كما فسره صاحب «اللسان». وللبابة معان أخرى لا بأس من إيرادها، وهي القبيل والنوع كما قال الجاحظ في «كتاب الحيوان» ج 2 ص 45: «فليس الديك من بابة الكلب لأنه إن ساوره قتله قتلا ذريعا». وقال أيضا في ج 7 ص 43: «و قد أيقنا أنهما ليسا من بابته». وقال في كتاب «البخلاء» ص 45، 143: «أنت من ذي البابة ... وأما سائر حديث هذا الرجل فهو من هذه البابة». ومثل ذلك (في «نفخ الطيب» ج 1 ص 559 طبع ليدن، ج 1 ص 398 طبع بولاق سنة 1279 ه) قول القاضي محمد بن بشير الأندلسي:
إنما أزرى بقدري أنني ... لست من بابة أهل البلد
وإذا قال الناس: «من بابتي» فمعناه من الوجه الذي أريده ويصلح لي.
والشرط - ومثله ما في «تاج العروس»: هذا بابته أي شرطه.
والغاية - ويستعمل ذلك في الحساب والحدود. وفي «شفاء الغليل» إنهم يقولون للعب خيال الظل بابة، فيقولون: بابات خيال الظل؛ وعلى ذلك قول ابن إياس المؤرّخ المصري: فكانوا مثل بابات خيال الظل، فشيء يجيء وشيء يروح. «بدائع الزهور في وقائع الدهور» ج 1 ص 347).
ويجوز أن يسمى به كل فصل من فصول التمثيل المسماة الآن فصول الرواية. (انظر كتاب «التاج» للجاحظ ص 38 و39).
[3] وردت هذه الأبيات الثلاثة في «الديوان» مع بيت آخر بهذا الترتيب:
قلن انزلوا نعمت دار بقربكم ... أهلا وسهلا بكم من زائر زارا
لمّا ألمّت بأصحابي وقد هجعوا ... حسبت وسط رحال القوم عطارا
من طيب نشر التي تامتك إذ طرقت ... ونفحة المسك والكافور إذ ثارا
فقلت من ذا المحي وانتبهت له ... أم من محدّثنا هذا الذي زارا
وفي الشعر إيطاء على كلتا الروايتين، وهو أن تتفق قافيتان على كلمة واحدة معناهما واحد. قال الأخفش: وهو عيب عند العرب لا يختلفون فيه، وقد يقولونه مع ذلك. قال ابن جنّى: ووجه استقباح العرب الإيطاء أنه يدل على قلة مادة الشاعر ونزارة ما عنده حتّى يضطرّ إلى إعادة القافية الواحدة في القصيدة بلفظها ومعناها، فيجري هذا عندهم لما ذكرنا مجرى العيّ والحصر. وقال أبو عمرو بن العلاء: الإيطاء ليس يعيب في الشعر عند العرب. وروى عن ابن سلّام الجمحيّ أنه قال: إذا كثر في الشعر فهو عيب. (راجع «لسان العرب» مادة وطأ).
[4] عفر: جمع اعفر وعفراء. والعفر من الظباء ما يعلو بياضها حمرة.
[5] الأسطار: جمع سطر، وهو الصفّ من كل شيء.
الغناء لابن سريج رمل بالخنصر في مجرى البنصر عن إسحاق. وفيه ليونس خفيف ثقيل. وفيه لأبي [1] فارة هزج بالبنصر. وأوّل هذه القصيدة التي فيها ذكر هند قوله:
يا صاحبيّ قفا نستخبر الدارا ... أقوت وهاجت لنا بالنّعف [2] تذكارا
وقد أرى مرّة سربا بها حسنا ... مثل الجآذر لم يمسسن أبكارا [3]
فيهنّ هند وهند لا شبيه لها ... فيمن أقام من الأحياء أو سارا
تقول ليت أبا الخطّاب وافقنا [4] ... كي نلهو اليوم أو ننشد [5] أشعارا
فلم يرعهنّ إلّا [6] العيس طالعة ... بالقوم [7] يحملن ركبانا وأكوارا [8]
/و فارس يحمل البازي فقلن لها ... ها هم أولاء وما أكثرن إكثارا [9]
لما وقفنا وعنّنّا [10] ركائبنا ... بدّلن بالعرف بعد الرّجع [11] إنكارا
ومنها:
__________
[1] كذا في أكثر النسخ. وفي ت، ر: «لابن فارة». وفي ح: «لابن فادة». وقد سمّي بفأرة، وممن عرف بابن فأرة أحمد بن عبد الكريم بن عليّة المصري (راجع «تاج العروس» مادة فأر).
[2] النعف: ما انحدر عن غلظ الجبل وارتفع عن مجرى السيل كالخيف. ولعله يريد بالنعف هنا «نعف مياسر» وهو موضع بين الدّوداء وبين المدينة. والدّوداء كما في «ياقوت»: موضع قرب المدينة.
[3] في «الديوان»:
مثل الجآذر أثيابا وأبكارا
ولم نعثر على أثياب جمعا لثيب. ولعله محرّف عن أنياب جمعا لناب وهي الناقة المسنة. وفي هامش النسخة المخطوطة التيمورية من الديون: «و يروى أثناء». والثنى من النوق: ما ولدت بطنين، وولدها الثاني:
ثنيها، والجمع أثناء. واستعاره لبيد للمرأة فقال:
ليالي تحت الخدر ثنى مصيفة
[4] وافقنا: صادفنا؛ يقال: وافقت فلانا في موضع كذا، إذا صادفته فيه.
[5] كذا في «الديوان». وفي ب، س: «أو ينشدنا». وفي سائر النسخ: «أو ينشدن» وكلاهما تحريف.
[6] في ح، ر: «غير».
[7] في ح، ر: «بالغور». وفي «الديوان»:
يحملن بالنعف ركّابا وأكوارا
والأكوار: جمع كور وهو هنا رحل الناقة بأداته.
[8] في ح، ر: «أوقارا». والأوقار: جمع وقر وهو الحمل الثقيل.
[9] كذا في «الديوان». وفي ح، ر:
وفارس يحمل البازي فقلن له ... ها من أولاء وما أكبرن إكبارا»
وفي أ:
«فقلن لها ... ها من أولاء ولم يكبرن إكبارا»
وفي سائر النسخ:
«فقلن له ... من هؤلاء وما أكبرن إكبارا»
وقوله: يحمل البازي، يشير به إلى خروجهم للصيد.
[10] كذا في النسخة المخطوطة التيمورية من «الديوان». وعنّن الفرس: حبسه بعناية. وفي ت: «و عيتنا ركائبنا». وفي ر: «و عييّنا مراكبنا».
وفي ح: «و غيبنا مراكبنا». ولعلّ كل ذلك محرّف عن «و عنّنا» أو «و عنينا» من التعنية وهي الحبس. وفي سائر النسخ: «و ريعنا ركائبنا» ولم نعثر له على معنى مناسب.
[11] الرجع هنا: ترديد النظر؛ قال تعالى: (ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ)
يريد أنهن بعد أن تأمّلن فيّ أنكرنني بعد أن عرفنن.
صوت
ألم تربع [1] على الطّلل ... ومغنى الحيّ كالخلل [2]
لهند إنّ هندا حبّ ... ها قد كان من شغلي
[فلمّا [3] أن عرفت الدا ... ر عجت لرسمها جملي
وقلت لصحبتي عوجوا ... فعاجوا هزّة الإبل]
وقالوا قف ولا تعجل ... وإن كنّا على عجل
قليل في هواك اليو ... م ما نلقى من العمل
/ الغناء لابن سريج ثاني ثقيل مطلق في مجرى الوسطى عن إسحاق، وفيه [له] [4] أيضا رمل عن الهشاميّ وحبش. ومنها:
صوت
هاج ذا القلب منزل ... بالبليّين [5] محول
غيّرت آيه الصّبا [6] ... وجنوب وشمأل
إنّ هندا قد ارسلت ... وأخو الشوق مرسل [7]
__________
[1] ألم تربع: ألم تقف عليه محتبسا نفسك عنده.
[2] الخلل: جمع خلّة وهي بطانة يغشّى بها جفن السيف تنقش بالذهب وغيره، ويشبه بها الطلل. قال الشاعر:
لمية موحشا طلل ... يلوح كأنه خلل
وقال عبيد بن الأبرص الأزدي:
دار حيّ مضى بهم سالف الده ... ر فأضحت ديارهم كالخلال
[3] زيادة من «الديوان» يتوقف عليها المعنى.
[4] زيادة في ت.
[5] البليّين: كأنه تثنية بليّ، والشعراء يثنونه كأنه مضموم إلى موضع آخر أو لوزن الشعر. وقد قاله بالإفراد عمر بن أبي ربيعة في قوله:
سائلا الربع بالبلىّ وقولا ... هجت شوقا لنا الغداة طويلا
(انظر الحاشية رقم 1 صفحة 106). وفي «ديوانه»:
دارس الآي محول
[6] الصبا: ريح تأتي من المشرق إلى المغرب؛ سميت بذلك لأن النفوس تصبو إليها لطيب نسيمها وروحها. والعرب تحب الصبا لرقتها ولأنها تجىء بالسحاب، والمطر فيها والخصب، وهي عندهم اليمانية. (انظر نهاية «الأرب» ج 1 ص 97).
[7] كذا في جميع النسخ و «ديوانه» المخطوط. وقد آثرنا أن ننقل من «ديوانه» هذه القصيدة ليتبين مقدار الحلاف في الرواية بينه وبين ما في الأصول:
ولقد كان آهلا ... فيه ظبي مبتّل
طيب النشر واضح ... أحور العين أكحل
فلئن بان أهله ... فبما كان يؤهل
قد أرانا بغبطة ... فيه نلهو ونجذل
بجوار خرائد ... ذاك والودّ يبذل
إذ فؤادي بزينب ... أمّ يعلى موكّل
وهي فينا ولا تبا ... ليه تلحى وتعذل
/
أرسلت تستحثّني ... وتفدّي وتعذل
أيّنا بات ليله [1] ... بين غصنين يوبل [2]
تحت عين، يكنّنا ... برد عصب مهلهل [3]
في هذه الأبيات خفيف ثقيل مطلق قي مجرى البنصر، ذكر إسحاق أنه لمالك، وذكر عمرو أنه لابن محرز.
وذكر يونس أنّ فيها لحنا لابن محرز ولحنا لمالك. وقال عمرو في نسخته الثانية: إنه لابن زرزر [4] الطّائفيّ خفيف ثقيل بالوسطى، وروت مثل ذلك دنانير عن فليح [5]. وفيها لابن سريج رمل بالسبابة في مجرى البنصر عن/ إسحاق. وفيها لعبد اللّه بن موسى الهادي ثاني ثقيل من مجموعه ورواية الهشاميّ [6] وفيه [7] لحكم هزج
__________
-
قبل أن يستفزها ... قول واش يحمل
حين أرسلت تهللا ... وأخو الودّ مرسل
باعتذار من سخطها ... علّ أسماء تقبل
فأتتني بما هوي ... ت من القول تهلل
حين قالت تقول زي ... نب إنا سنفعل
أنا من ذاك آيس ... غير أني أعلل
وأخ يستحثني ... وينادي ويبذل
كلما قال لي انطلق ... قلت اربع سأفعل
[1] في ت، ر و «ديوانه» المخطوط: «ليلة».
[2] يوبل: يمطر وابلا، وفي ب، س: «يذبل» وهو تحريف.
[3] العين هنا: السحاب. وكنّه يكنّه: صانه؛ وفي التنزيل العزيز: (كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ)
والعصب: ضرب من البرود، لا يثني ولا يجمع، وإنما يثني ويجمع ما يضاف إليه؛ فيقال بردا عصب وبرود عصب. والمهلهل: الرقيق النسج. وهو في جميع النسخ هكذا «يكننا» ولعله «يكنه». وقد أورده في «اللسان» في مادة كنن:
تحت عين كناننا ... ظل برد مرحّل
قال ابن بري: وصاب إنشاده
برد وصواب مرحل
ثم قال: وأنشده ابن دريد:
تحت ظل كناننا ... فضل برد يهلل
وقد ورد في النسخة التيمورية المخطوطة من «الديوان»:
تحت غصن سماؤه ... برد عصب مهلل
وفسر في الهامش بقوله: أي هلّ عليه السحاب بالمطر. وقد راجعنا مادة «هلل» في «كتب اللغة» فلم نعثر على هذه الصيغة بهذا المعنى، وإنما يقال: هلّ السحاب إذا قطر قطرا له صوت، وأهلّه اللّه، وانهل المطر واستهلّ. ومن أجل ذلك تترجح الرواية التي أثبتناها في الأصل. والبرد المرحل: ضرب من برود اليمن؛ سمّي بذلك لأن عليه تصاوير رحل.
[4] في ب، س، ح، ر: «زرزور».
[5] هذا الكلام الذي أوّله: في هذه الأبيان خفيف ثقيل ... إلى هنا ورد مكانة في ت هكذا: «الغناء لمالك خفيف ثقيل بإطلاق الوتر في مجرى البنصر عن إسحاق، وفيه خفيف ثقيل آخر بالسبابة في مجرى الوسطى لابن زرزر الطائفي عن ابن المكيّ وعمرو ودنانير وفليح».
[6] كذا في جميع النسخ الخطية عدا نسختي م، ء؛ ففي أولاهما: «و فيها لابن سريج رمل بالسبابة في مجرى البنصر عن إسحاق، وفيه لعبد اللّه بن موسى الهادي ثاني ثقيل، وفيه لحكم الخ». وفي الثانية: «و فيها لابن سريج رمل بالسبابة في مجرى البنصر عن إسحاق من مجموعة ورواية الهشاميّ، وفيه لعبد اللّه بن موسى الهادي ثاني ثقيل وفيه لحكم الخ» وفي ب، س المطبوعتين: «و فيه لابن سريج رمل من مجموعة ورواية الهشاميّ بالسبابة في مجرى البنصر عن إسحاق، وفيه لعبد اللّه بن موسى الهادي ثاني ثقيل وفيه لحكم الخ».
[7] ورد الضمير هنا وفيما بعده مذكرا باعتبار المعنى وهو الشعر.
بالخنصر والبنصر عن ابن المكّيّ. وفيه للحجبيّ رمل عن الهشاميّ [1] وفيه ثقيل أوّل نسبه ابن المكّي إلى ابن محرز، وذكر الهشاميّ أنه منحول. وفيه خفيف رمل ذكر الهشاميّ أنه لحن ابن محرز. ومنها:
صوت
يا صاح هل تدري وقد جمدت [2] ... عيني بما ألقى [3] من الوجد
لمّا رأيت ديارها درست ... وتبدّلت أعلامها بعدي [4]
وذكرت مجلسها ومجلسنا [5] ... ذات العشاء بمهبط [6] النّجد
ورسالة منها تعاتبني ... فرددت [7] معتبة على هند
الغناء ليحيى المكّيّ رمل [8] بالوسطى. وفيه لغيره ألحان أخر. ومنها:
صوت
ليت هندا أنجزتنا ما تعد ... وشفت أنفسنا مما تجد
واستبدّت مرّة واحدة ... إنّما العاجز من لا يستبدّ
ولقد قالت لجارات لها ... ذات يوم وتعرّت تبترد [9]
- ويروى:
زعموها سألت جاراتها -
أكما ينعتني تبصرنني ... عمر كنّ اللّه أم لا يقتصد
فتضاحكن [10] وقد قلن لها ... حسن في كلّ عين من تودّ
حسدا حمّلنه من أجلها ... وقديما كان في الناس الحسد
الغناء لابن سريج رمل بالخنصر في مجرى البنصر عن إسحاق. وفيه لحن لمالك من كتاب يونس غير
__________
[1] وردت هذه الجملة في ح، ر آخر الجمل كلها بعد قوله: «ذكر الهشاميّ أنه لحن ابن محرز» هكذا: «و ذكر غيره أنه للحجبيّ رمل عن الهشاميّ وحبش».
[2] في «ديوانه» المخطوط: «و قد جهدت نفسي».
[3] كذا في «الديوان»، ح. وفي سائر النسخ: «أخفى».
[4] في «ديوانه» المخطوط:
وتبدّلت من أهلا بعدي
وفي «ديوانه» المطبوع بليپرزج:
وتبدّلت أهلا بها بعدي
[5] في «ديوانه» المخطوط:
وذكرت من هند مجالسها
[6] في «ديوانه»: «بمسقط».
[7] في «ديوانه» المخطوط: «فازددت».
[8] في ت: «ثقيل أوّل عن الهشاميّ».
[9] تبترد: تغتسل بالماء البارد.
[10] في «الكامل» للمبرّد طبع ليپزج ص 594: «فتهانفن». والتهانف كالإهناف والمهانفة: ضحك فيه فتور كضحك المستهزى ء. وهي رواية جيدة تؤدّي المعنى المراد خير أداء.
مجنّس. وفيه لابن سريج خفيف رمل بالبنصر عن عمرو، وذكره إسحاق في خفيف الثقيل بالخنصر في مجرى البنصر ولم ينسبه إلى أحد. وفيه ثاني ثقيل يقال/ إنه لحن لمالك، ويقال إنه لمتيّم [1]. ومنها:
صوت
هاج القريض [2] الذّكر ... لمّا غدوا فانشمروا [3]
على بغال شحّج [4] ... قد ضمّهنّ السّفر
فيهنّ هند ليتني ... ما عمّرت أعمّر [5]
حتّى إذا ما جاءها ... حتف أتاني القدر
لابن سريج فيه لحنان: رمل مطلق في مجرى البنصر عن إسحاق، وخفيف رمل عن الهشاميّ. ومنها:
صوت
يا من لقلب دنف مغرم ... هام [6] إلى هند ولم يظلم
هام إلى ريم [7] هضيم الحشى ... عذب الثّنايا طيّب المبسم
/ لم أحسب الشمس بليل بدت ... قبلي لذي لحم ولا ذي دم [8]
__________
[1] هذه الجملة: «الغناء لابن سريج ...... إنه لمتيم» هكذا في جميع النسخ عدا نسخة ت. وفيها: «الغناء لابن سريج رمل بالخنصر في مجرى البنصر عن إسحاق، وله فيه أيضا خفيف رمل بالخنصر في مجرى البنصر عن ابن المكيّ وعمرو، وذكره إسحاق في هذه الطريقة ولم ينسبه إلى أحد. وفيه لمالك ثقيل أوّل عن الهشاميّ ويونس. وفيه لمتيم ثاني ثقيل».
[2] كذا في «ديوانه» وأكثر النسخ. وفي ب، س، ح: «الغريض» بالغين. وسيرد في الجزء الثاني من «الأغاني» في أخبار الغريض المغنى هذا الشعر منسوبا إلى عمر بن أبي ربيعة:
هاج القريض الذكر
بالقاف، فجعله الغريض لما غنى فيه «الغريض» بالغين، يعني نفسه.
[3] في ديوانه: فابتكروا». وانشمر: مرّ جادّا مسرعا.
[4] شحج: جمع شاحج، والشّحاج: صوت البغل. وفي «ديوانه»: «وشّج». ووسج الإبل ووسيجها ووسجائها: إسراعها.
[5] هذا البيت والذي بعده من قصيدة أخرى في «ديوانه» مطلعها:
قد هاج قلبي محضر ... أقوى وربع مقفر
[6] هام تتعدى بالباء. وقد ضّمنت هنا معنى صبا؛ ولهذا تعدّت بإلى. وفي ح، ر: «هاج».
[7] في «ديوانه»: «رئم» بالهمز. والرئم: الظبي الأبيض الخالص البياض، وقيل ولد الظبي، يهمز ولا يهمز.
[8] بين هذا البيت والذي قبله في «ديوانه»:
كالشمس بالأسعد إذا أشرقت ... في يوم دجن بارد مقتم
يريد بالأسعد هنا سعود النجوم، وهي عشرة: أربعة منها في برج الجدي والدلو ينزلها القمر، وهي سعد الذابج وسعد بلع وسعد الأخبية وسعد السعود وهو كوكب منفرد نيّر. وأما الستة التي ليست من المنازل فسعد ناشرة وسعد الملك وسعد البهام وسعد الهمام وسعد البارع وسعد مطر. وكل سعد من هذه الستة كوكبان بين كل كوكبين في رأي العين قدر ذراع وهي متناسقة. وأما سعد الأخبية فثلاثة أنجم كأنها أثافيّ ورابع تحت واحد منهن. انظر «المرتضى» و «المقاصد النحوية في شرح شواهد شروح الألفية» للإمام العيني المطبوع بهامش «الخزانة» ج 1 ص 508 في الكلام على البيت:
إذا دبران منك يوما لقيته ... أؤمّل أن ألقاك غدوا بأسعد
وقال في «اللسان» (مادة «سعد») بعد أن ذكر هذه السعود: فأحسن ما تكون الشمس والقمر والنجوم في أيامها لأنك لا ترى فيها -
قالت ألا إنّك ذو ملّة ... يصرفك الأدنى عن الأقدم [1]
قلت لها بل أنت معتلّة ... في الوصل يا هند لكي تصرمي
الغناء لابن سريج رمل بالسّبّابة في مجرى الوسطى عن إسحاق. وفيه لبديح [2] لحن قديم. وقيل: إن فيه رملا آخر لعمّارة مولاة عبد اللّه بن جعفر. ومنها:
صوت
تصابى وما بعض [3] التّصابي بطائل ... وعاود من هند جوى غير زائل
عشيّة قالت صدّعت غربة النّوى [4] ... فما من تلاق قد أرى دون قابل [5]
وما أنس م الأشياء لا أنس مجلسا [6] ... لنا مرّة منها بقرن المنازل [7]
بنخلة بين النّخلتين [8] يكنّنا ... من العين عند العين [9] برد المراجل
/ الغناء للغريض ثقيل [10] أوّل بالبنصر عن عمرو. وفيه للعمانيّ [11] خفيف ثقيل عن دنانير والهشاميّ. ومنها:
__________
- غيرة. وقد ذكرها النابغة الذبياني فقال:
قامت تراءى بين سجفي كلة ... كالشمس يوم طلوعها بالأسعد
وقد ضبط خطأ في اللسان بفتح العين. وقال:
بيضاء كالشمس وافت يوم أسعدها ... لم تؤذ أهلا ولم تفحش على جار
[1] روى هذا البيت والذي بعده في «ديوانه» هكذا:
قالت وقد جدّ رحيل بها ... والعين إن تطرف بها تسّجم
إن ينسنا الموت ويؤذن لنا ... نلقك إن عمّرت بالموسم
إن لم تحل إنك ذو ملّة ... يصرفك الأدنى عن الأقدم
قلت لها بل أنت معتلة ... في الوصل يا هند لكي تصرمي
[2] كذا في ت. وفي ب، س: «لابن سريج». وفي ء: «لسريج». وفي أ، م: «لشريح». وهذه الجملة غير موجودة في ح، ر.
[3] في ب، س، ح، ر: «و ما كل التصابي».
[4] غربة النوى: بعدها. والنوى: المكان الذي تنوي أن تأتيه في سفرك.
[5] دون قابل، أي دون عام قابل.
[6] كذا في «الديوان»، ت. وفي سائر النسخ: «قولها».
[7] قرن المنازل: جبل مطلّ على عرفات، وهو ميقات أهل اليمن.
[8] النخلتان هما الشامية واليمانية، وهما واديان على ليلتين من مكة كما في «ياقوت»، أو ليلة كما في «القاموس». وأحدهما يصب من الغمير، والآخر يصب من قرن المنازل. وقال الأزهري: في بلاد العرب واديان يعرفان بالنخلتين: أحدهما باليمامة ويأخذ إلى قرى الطائف، والآخر يأخذ إلى ذات عرق. ونخلة: موضع بين مكة والطائف ا ه. من شرح «القاموس».
[9] كذا في النسخة التيمورية المخطوطة من «ديوانه». وفسر في الهامش بأن العين الأولى الباصرة والثانية عين الماء. وفي «ديوانه» المطبوع بليپزج:
من العين خوف العين برد المراجل
وفي أكثر النسخ:
من الغيث عند العين برد المراجل
والمرجل كمبنر ومقعد - الفتح عن ابن الأعرابيّ وحده والكسر عن الليث - ضرب من برود اليمن، والجمع مراجل. وقد ورد ق م، ء: «برد المراحل» بالحاء المهملة. والمراحل: جمع مرحّل كمعظّم، وهو برد فيه تصاوير رحل.
[10] في ح، ر: «ثاني ثقيل أوّل».
[11] في ت: «للغمامي».
صوت
لجّ قلبي في التّصابي ... وازدهى عنّي [1] شبابي
ودعاني لهوى هن ... د فؤاد غير نابي
/ قلت لمّا فاضت العي ... نان دمعا ذا انسكاب
إن جفتني اليوم هند ... بعد ودّ واقتراب
فسبيل الناس طرّا ... لفناء وذهاب
الغناء لأهل مكة [2] رمل بالوسطى.
قصة عمر مع فاطمة بنت عبد الملك بن مروان
أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدّثني أبو عليّ الأسديّ - وهو بشر ابن موسى بن صالح - قال حدّثني أبي موسى بن صالح عن أبي بكر القرشيّ قال:
كان عمر بن أبي ربيعة جالسا بمنى في فناء مضربه وغلمانه حوله، إذ أقبلت امرأة برزة [3] عليها أثر النّعمة فسلّمت، فرد عليها عمر السّلام، فقالت له:؛ أنت عمر بن أبي ربيعة؟ / فقال لها: أنا هو، فما حاجتك؟ قالت له: حيّاك اللّه وقرّبك! هل لك في محادثة أحسن الناس وجها، وأتمّهم خلقا، وأكملهم أدبا، وأشرفهم حسبا؟
قال: ما أحبّ إليّ ذلك! قالت: على شرط. قال: قولي. قالت: تمكنني من عينيك حتى أشدّهما [4] وأقودك، حتى إذا توسّطت الموضع الذي أريد حللت الشّدّ، ثم أفعل ذلك بك عند إخراجك حتى أنتهى بك إلى مضربك.
قال: شأنك، ففعلت ذلك به. قال عمر: فلمّا انتهت بي إلى المضرب الذي أرادت كشفت عن وجهي، فإذا أنا بامرأة على كرسيّ لم أر مثلها قطّ جمالا وكمالا، فسلّمت وجلست. فقالت: أأنت عمر بن أبي ربيعة؟ قلت: أنا عمر. قالت: أنت الفاضح للحرائر؟ قلت: وما ذاك جعلني اللّه فداءك؟ قالت: ألست القائل:
صوت
قالت وعيش أخي ونعمة [5] والدي ... لأنبّهنّ الحيّ إن لم تخرج [6]
__________
[1] كذا في الأصول. ولعله: «مني».
[2] في ب، س، ح، ر: «لإسحاق».
[3] البرزة من النساء: البارزة الجمال أو التي تبرز للقوم يجلسون إليها ويتحدّثون معها.
[4] في ت: «فأشدّهما».
[5] في ح، ر: «و حرمة والدي». وفي ت: «و تربة والدي». وفي «الديوان»: «و عيش أبي وحرمة إخوتي». وفي «الكامل» للمبرد طبع ليپزج ص 165:
قالت وعيش أبي وأكبر إخوتي
وفي العيني على هامش «الخزانة» ج 3 ص 279:
قالت وعيش أبي وعدّة إخوتي
[6] نست هذه الأبيات إلى جميل بن معمر العذريّ فيما نقله ابن عساكر عن أبي بكر محمد بن القاسم الأنباري (راجع ترجمة جميل في «وفيات الأعيان» ج 1 ص 161 - 164). وقد عزى البيت الثالث في «اللسان» و «شرح القاموس» في مادة سنج لجميل أيضا.
ورويت الأبيات الثلاثة الأخرى في مادة حشرج في «اللسان» لعمر بن أبي ربيعة، وقال ابن برّي: إنها لجميل وليست لعمر، وقد -
فخرجت خوف [1]
يمينها فتبسّمت ... فعلمت أنّ يمينها لم تحرج [2]
فتناولت رأسي لتعرف مسّه ... بمخضّب الأطراف غير مشنّج [3]
فلثمت [4] فاها آخذا بقرونها ... شرب [5] النّزيف [6] ببرد ماء الحشرج
/ - الغناء لمعبد ثقيل أوّل بالبنصر عن يونس وعمرو - .
ثم قالت: قم فاخرج عنّي، ثم قامت من مجلسها. وجاءت المرأة فشدّت عينيّ، ثم أخرجتني حتى انتهت بي إلى مضربي، وانصرفت وتركتني. فحللت عينيّ وقد دخلني من الكآبة والحزن ما اللّه به أعلم. وبتّ ليلتي، فلما أصبحت إذا أنا بها، فقالت: هل لك في العود؟ فقلت: شأنك، ففعلت بي مثل فعلها بالأمس، حتى انتهت بي إلى الموضع. فلما دخلت إذا بتلك الفتاة على كرسيّ. فقالت [7]: إيه يا فضّاح الحرائر! قلت: بماذا جعلني اللّه فداءك؟ قالت: بقولك:
صوت
وناهدة الثديين قلت لها اتّكي ... على الرمل من جبّانة [8] لم توسّد
فقالت على اسم اللّه أمرك طاعة ... وإن كنت قد كلّفت ما لم أعوّد
فلمّا دنا الإصباح قالت فضحتني ... فقم غير مطرود وإن شئت فازدد
- الغناء لأهل مكة ثقيل أوّل عن الهشاميّ [9] - ثم قالت قم فاخرج عنّي، فقمت فخرجت ثم رددت. فقالت
__________
- رويت الأبيات في «الكامل» للبرد طبع ليپزج ص 165 قال المبرد: وأنشدني أبو العالية قال: قيل إن الشعر لعروة بن أذنية. وفي شرح العيني بهامش «خزانة البغدادي» ج 3 ص 279 - 282 في الكلام على البيت «فلثمت فاها .. »: أن قائل هذا الشعر هو عمر بن أبي ربيعة، وقيل هو جميل وهو الأصح. وكذا قاله الجوهري. وفي «الحماسة البصرية»: قائله عبيد بن أوس الطائي في أخت عديّ بن أوس الطائي.
[1] في ت: «خيفة حلفها».
[2] لم تحرج: لم تضق ولم تكن جادّة هي في حلفها فلا تأثم إذا لم تبرّ فيها. وتجوز روايته: «لم تحرج» أي لم توقعها في الحرج والإثم. وروى في «وفيات الأعيان» لابن خلكان وفي العيني بهامش «خزانة الأدب» ج 3 ص 280: «لم تلجج» أي لم تعتزم؛ يقال:
لج في الأمر، إذا تمادى عليه وأبى أن ينصرف عنه.
[3] مشنّج: متقبّض.
[4] لثم يلثم من باب فرح بمعنى قبّل، ولثم يلثم من باب ضرب بمعنى تلثّم. وربما قيل الأوّل بالفتح؛ روى ابن كيسان أنه سمع المبرد ينشد هذا البيت: «فلثمت فاها الخ» (انظر «اللسان» مادة لثم).
[5] نصب «شرب» على المصدر المشبه به، لأن في اللثم معنى امتصاص الريق، فكأنه قال: شربت ريقها شرب النزيف من ماء الحشرج البارد.
[6] النزيف كالمنزوف: من عطش حتى يبست عروقه وجف لسانه، أو هو المحموم الذي منع الماء. والحشرج: النقرة في الجبل يجتمع فيها الماء فيصفوا، أو هو كوز صغير لطيف. (راجع «اللسان» مادتي نزف وحشرج والعيني بهامش «الخزانة» ج 3 ص 281).
[7] إيه: كلمة استزادة واستنطاق، وهي مبنية على الكسر وقد تنوّن؛ تقول لرجل إذا استزدته من حديث أو عمل: إيه بكسر الهاء. وقال ابن السّريّ: إذا قلت: إيه يا رجل فإنما تأمره بأن يزيدك من الحديث المعهود بينكما كأنك قلت: هات الحديث، وإن قلت: إيه بالتنوين فكأنك قلت: هات حديثا ما. وفي ح، ر: «إيها» بالتنوين. وإيه بالفتح وإيها بالتنوين: أمر بالسكوت والكفّ.
[8] الجبّانة ومثله الجبّان: الصحراء، وتسمى بهما المقابر لأنها تكون بها. وفي ت: «من ديمومة لم تمهد». والديمومة: الفلاة الواسعة يدوم السير فيها لبعدها. ولم تمهد: لم تذلل ولم تصلح ولم تسوّ.
[9] في ت كتبت هذه الجملة بهامشها وكتب بعدها كلمة «صح». وفي الصلب. «فيه هزج يمان بالبنصر عن يحيى المكي».
لي: لو لا وشك الرّحيل، وخوف الفوت، ومحبّتي لمناجاتك والاستكثار من محادثتك، لأقصيتك، هات الآن كلّمني وحدّثني وأنشدني.
/ فكلّمت آدب الناس وأعلمهم بكلّ شيء. ثم نهضت وأبطأت العجوز وخلا لي البيت، فأخذت أنظر، فإذا أنا بتور [1] فيه خلوق [2]، فأدخلت يدي فيه ثم خبأتها في ردني [3]. وجاءت تلك العجوز فشدّت عينيّ ونهضت بي تقودني، حتى إذا صرت على باب المضرب أخرجت يدي فضربت بها على المضرب، ثم صرت إلى مضربي، فدعوت غلماني فقلت: أيّكم يقفني على باب مضرب عليه خلوق كأنه أثر كفّ فهو حرّ وله خمسمائة درهم [4].
فلم ألبث أن جاء بعضهم فقال: قم. فنهضت معه،/ فإذا أنا بالكفّ طريّة، وإذا المضرب مضرب فاطمة بنت عبد الملك بن مروان. فأخذت في أهبة الرّحيل، فلمّا نفرت نفرت معها، فبصرت في طريقها بقباب ومضرب وهيئة جميلة، فسألت عن ذلك، فقيل لها: هذا عمر بن أبي ربيعة، فساءها أمره وقالت للعجوز التي كانت ترسلها إليه: قولي له نشدتك اللّه والرّحم أن تصحبني [5]، ويحك! ما شأنك وما الذي تريد؟ انصرف ولا تفضحني وتشيط [6] بدمك [7]. فسارت العجوز إليه فأدّت إليه ما قالت لها فاطمة. فقال: لست بمنصرف أو توجّه إليّ بقميصها الذي يلي/ جلدها، فأخبرتها ففعلت وجّهت إليه بقميص من ثيابها، فزاده ذلك شغفا. ولم يزل يتبعهم لا يخالطهم [8]، حتى إذا صاروا على أميال من دمشق انصرف وقال في ذلك:
ضاق الغداة بحاجتي صدري ... ويئست بعد تقارب الأمر
وذكرت فاطمة التي علّقتها [9] ... عرضا [10] فيا لحوادث [11] الدّهر
وفي هذه القصيدة مما يغنّى فيه قوله:
__________
[1] التور: إناء صغير؛ سمّى بذلك لأنه يتعاور ويردّد، أو سمى بالتور وهو الرسول الذي يتردّد ويدور بين العشاق. قال الشاعر:
والتور فيما بيننا معمل ... يرضى به المأتّى والمرسل
ومأخذه من التارة؛ لأنه تارة عند هذا وتارة عند هذا. (راجع أساس «البلاغة» مادة تور).
[2] الخلوق: نوع من الطيب.
[3] الردن: الكمّ.
[4] في ح، ر: «دينار».
[5] كذا في ت. تريد: ألا تصحبني. (و انظر الحاشية رقم 1 صفحة 167). وفي سائر النسخ: «أن فضحتني».
[6] هذه الواو ينصب بعدها الفعل، والشرط فيها أن يتقدّم الواو نفي أو طلب كقوله تعالى: وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ
، وكقول الشاعر:
لا تنه عن خلق وتأتي مثله
وسمّى الكوفيون هذه الواو واو الصرف؛ وذلك لأنها لا يستقيم عطف ما بعدها على ما قبلها. (انظر «المغنى» طبع مصر ج 2 ص 35 و «اللسان» مادة «وا»).
[7] أشاط دمه وبدمه: أهدره وعرّض نفسه «القتل». وف ب، س: «و انشط بدمك» أي فز به مسرعا ولا تهدره.
[8] في ت، م، أ، ء: «و لا يخالطهم» بالواو.
[9] راجع الحاشية رقم 7 في صفحة 159 من هذا الجزء.
[10] في «ديوانه»: «غرضا». والغرض هنا: الشوق.
[11] هذه اللام يجوز فيها الفتح على أنها داخلة على المتعجب منه، والكسر على أنها داخلة على المستغاث من أجله والمستغاث محذوف؛ كأنه قال: يا للناس لحوادث الدهر.
صوت
ممكورة [1] ردع [2] العبير بها ... جمّ [3] العظام لطيفة الخصر
وكأنّ فاها عند رقدتها [4] ... تجري عليه سلافة الخمر
الغناء لإبراهيم بن المهديّ ثاني ثقيل من جامعه. وفيه لمتيّم رمل من جامعها أيضا. وتمام الأبيات وليست فيه صنعة:
[فسبت [5] فؤادي إذ عرضت لها ... يوم الرّحيل بساحة القصر
بمزيّن ودع العبير به ... حسن التّرائب [6] واضح النّحر]
/ وبجيد [7] آدم [8] شادن [9] خرق [10] ... يرعى الرّياض ببلدة قفر
لمّا رأيت مطيّها حزقا [11] ... خفق الفؤاد وكنت ذا صبر
وتبادرت [12] عيناي بعدهم ... وانهلّ دمعهما على الصّدر
ولقد عصيت ذوي القرابة [13] فيكم ... طرّا وأهل الودّ والصّهر
حتى لقد قالوا وما كذبوا ... أجننت أم بك داخل السّحر
شعره في فاطمة بنت عبد الملك بن مروان دون التصريح باسمها خوفا من عبد الملك ومن الحجاج
أخبرنا محمد بن خلف بن المرزبان قال حدّثني إسحاق عن [14] محمد بن أبان قال حدّثني الوليد بن هشام القحذميّ عن أبي معاذ القرشيّ قال:
__________
[1] الممكورة: الحسناء المرتوية الساقين المدمجة الخلق.
[2] الردع: أثر الخلوق والطيب في الجسد. والعبير: ضرب من الطيب ذو لون يجمع من أخلاط.
[3] جمّ العظام: دقيقتها مكتنزة اللحم. والمعروف وفي وصف المؤنث من هذه المادة جماء. فلعل الأصل «جمّا العظام» مقصورة لضرورة الوزن.
[4] في «الديوان»، ت، ر، ح: «بعد ما رقدت».
[5] زيادة عن «الديوان».
[6] الترائب: عظام الصدر، وأحدتها تريبة.
[7] في «الديوان»: «و بعين».
[8] الأدمة: السمرة، وقيل: في الإنسان السمرة، وفي الظباء لون مشرب بياضا.
[9] شدن الظبي: شبّ وترعرع.
[10] الخرق: الخائف المتحير.
[11] كذا في «الديوان»، ح. وفي ت، أ، ر «خرقا» والخرقة والحزقة: الجماعة من كل شيء. وفي ء: «خرفا». وفي ب، س: «حزبا» وكلاهما تحريف.
[12] تبادرت عيناي: سألت دموعها. وفي حديث اعتزال النبيّ صلى اللّه عليه وآله وسلّم نساءه قال عمر: «فابتدرت عيناي» أي سالتا بالدموع.
[13] كذا في «الديوان». وفي الأصول. «ذوي أقاربها» والإضافة فيه غير صحيحة. ولعلها: «ذوي قرابتها». لتصح الإضافة ويستقيم الوزن. (و راجع الحاشية رقم 7 ص 159 من هذا الجزء).
[14] كذا في ر. وفي سائر النسخ: «إسحاق بن محمد بن أبان».
لمّا قدمت فاطمة بنت عبد الملك بن مروان مكة جعل عمر بن أبي ربيعة يدور حولها ويقول فيها الشعر ولا يذكرها باسمها فرقا من عبد الملك بن مروان ومن الحجّاج، لأنه كان كتب إليه يتوعّده إن ذكرها أو عرّض باسمها. فلما قضت حجّها وارتحلت أنشأ يقول:
صوت
كدت يوم الرّحيل أقضي حياتي ... ليتني متّ قبل يوم الرّحيل
لا أطيق الكلام من شدّة الخو ... ف ودمعي يسيل كلّ مسيل
/ ذرفت عينها وفاضت دموعي ... وكلانا يلقى [1] بلبّ أصيل
/ لو خلت خلّتي أصبت نوالا ... أو حديثا يشفي من التّنويل [2]
ولظلّ الخلخال فوق الحشايا ... مثل أثناء [3] حيّة مقتول
فلقد قالت الحبيبة لولا ... كثرة الناس جدت بالتّقبيل
غنّى فيه ابن محرز ولحنه ثقيل أوّل من أصوات قليلة الأشباه عن أسحاق وفيه لعبادل خفيف ثقيل بالبنصر عن عمرو، ويقال إنه للهذليّ [4]. وفيه لعبيد اللّه بن أبي غسّان ثاني ثقيل عن الهشاميّ.
أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال أخبرني أبو عليّ الحسن [5] بن الصّبّاح عن محمد بن حبيب أنه أخبره: أن عمر بن أبي ربيعة قال في فاطمة بنت عبد الملك بن مروان:
صوت
يا خليلي شفّني الذّكر ... وحمول الحيّ إذ صدروا
ضربوا حمر القباب لها ... وأديرت حولها الحجر
سلكوا شعب النّقاب [6] بها ... زمرا تحتثّها [7] زمر
__________
[1] في نسخة «الديوان» المخطوطة التيمورية: «يأتي بوجد». وفي ح، ر: «يأتي بوجه أصيل» وهو محرّف عن «بوجد».
[2] «من» هنا، للبدل. أي أو حديثا يشفى بدل التنويل. والتنويل: إعطاء النوال، وقد يراد به هنا التقبيل؛ وبه فسر في قول وضاح اليمن:
إذا قلت يوما نوّليني تبسمت ... وقالت معاذ اللّه من نيل ما حرم
فما نوّلت حتى تضرعت عندها ... وأنبأتها ما رخص اللّه في اللّمم
وفي نسخة «الديوان» المخطوطة التيمورية:
وحديثا يشفي مع التنويل
[3] أثناء الحية: مطاويها وتضاعيفها إذا تثّنت. والحية: يطلق على الذكر والأنثى.
[4] في ح، ر: «لإبراهيم بن المهديّ».
[5] في ح، ر: «الحسين» وهو تحريف؛ إذ هو الحسن بن الصباح بن محمد البزّار أبو علي الواسطيّ البغداديّ، روى عن أحمد بن حنبل وروى عنه البخاريّ والترمذيّ مات سنة 249 ه (انظر «تهذيب التهذيب» فيمن اسمه الحسن).
[6] النقاب: موضع من أعمال المدينة يتشعب منه طريقان إلى وادي القرى ووادي المياه. «ياقوت». وفي «ديوانه»:
سلكوا خلّ الصّفاح لهم ... زجل أحداجهم زمر
والصفاح: موضع بين حنين وأنصاب الحرم على يسرة الداخل إلى مكة. والخلّ: الطريق في الرمل. والزجل: الجلبة ورفع الصوت.
[7] تحتثها: تستعجلها وتحضّها على السير.
وطرقت الحيّ مكتتما [1] ... ومعي عضب [2] به أثر [3]
وأخ لم أخش نبوته ... بنواحي [4] أمرهم خبر [5]
فإذا ريم على فرش ... في حجال [6] الخزّ مختدر [7]
حوله الأحراس ترقبه ... نوّم من طول ما سهروا
شبه [8] القتلى وما قتلوا ... ذاك إلّا أنهم سمروا
فدعت بالويل، ثم دعت ... حرّة من شأنها الخفر [9]
ثم قالت للّتي معها ... ويح نفسي قد أتى عمر
ماله قد جاء يطرقنا ... ويرى الأعداء قد حضروا
لشقائي كان علّقنا ... ولحيني ساقه القدر
/ قلت عرضي [10] دون عرضكم ... ولمن ناواكم الحجر [11]
هذا البيت الأخير مما فيه غناء مع:
وطرقت الحيّ مكتتما
للغريض وفي [12]: يا خليلي شفّني الذّكر وفي: قلت عرضي دون عرضكم وفي: ثمّ قالت للتي معها
__________
[1] في ح، ر:
فطرقت الحيّ ملتمثا
[2] العضب: السيف القاطع.
[3] أثر السيف: فرنده.
[4] في ح، ر، ب، س: «يتوخّى أمرهم».
[5] خبر: خبير.
[6] الحجال: جمع حجلة، وهي قبة تزيّن بالستور والثياب.
[7] في «ديوانه»
فإذا ريم على مهد ... في حجال الخز مستتر
[8] كذا في «ديوانه» وأكثر النسخ. وفي ح، ر، ب، س: «أشبهوا القتلى».
[9] في «ديوانه»:
فدعت بالويل آونة ... حين أدناني لها النظر
ودعت حوراء آنسة ... حرّة من شأنها الخفر
[10] العرض هنا: النفس والجسد؛ قال حسان:
فإن أبي ووالده وعرضي ... لعرض محمد منكم وقاء
ومنه الحديث: «يجري من أعراضهم مثل ريح المسك».
[11] في «ديوانه»: «و لمن عاداكم جزر». والجزر: كل شيء مباح للذبح. يريد: أبذل نفسي لمن عاداكم فداء لكم.
[12] في ت، أ، ء، م: «في» من غير واو؛ وبذلك تبتدىء الجملة من قوله «للغريض في ...... إلى قوله عن عمرو».
وفي: ماله قد جاء يطرقنا [ثاني ثقيل بالوسطى عن عمرو [1]] وفي: ضربوا حمر القباب لها وما بعده أربعة متوالية خفيف رمل بالوسطى للهذليّ وفي: «و طرقت» وبعده: «فإذا ريم» وبعده: «حوله الأحراس» والبيتين اللذين بعده لابن سريج خفيف ثقيل بالوسطى عن عمرو. وفيها بعينها ثقيل أوّل يقال إنه للأبجر، وينسب إلى غيره عن الهشاميّ.
عمر وعائشة بنت طلحة بن عبد اللّه وما قاله فيها من الشعر
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال أخبرني عبد الملك بن عبد العزيز عن رجل من قريش قال:
/ بينا عمر بن أبي ربيعة يطوف بالبيت، إذ رأى عائشة بنت طلحة بن عبيد اللّه، وكانت من أجمل أهل دهرها، وهي تريد الرّكن تستلمه، فبهت لمّا رآها ورأته، وعلمت أنها قد وقعت في نفسه، فبعثت إليه بجارية لها وقالت: قولي له اتّق اللّه/ ولا تقل هجرا، فإنّ هذا مقام لا بدّ فيه مما رأيت. فقال للجارية: أقرئيها السّلام وقولي لها: ابن عمّك لا يقول إلا خيرا [2]. وقال فيها:
صوت
لعائشة ابنة التّيميّ عندي ... حمى في القلب ما يرعى حماها [3]
يذكّرني ابنة التّيميّ ظبي ... يرود بروضة سهل رباها
فقلت له - وكاد يراع قلبي - ... فلم أر قطّ كاليوم اشتباها
سوى حمش [4] بساقك مستبين ... وأن شواك [5] لم يشبه شواها
وأنّك عاطل عار وليست ... بعارية ولا عطل يداها [6]
وأنّك غير أفرغ [7] وهي تدلي ... على المتنين أسحم [8] قد كساها
ولو قعدت ولم تكلف بودّ ... سوى ما قد كلفت به كفاها
أظلّ إذا أكلّمها كأنّي ... أكلّم حية غلبت رقاها
__________
[1] هذه الجملة ساقطة من ح، ر.
[2] كذا في ت. وفي سائر النسخ: «حسنا».
[3] في ح، ر: «لا يرعى حماها».
[4] الحمش: دقة الساقين.
[5] الشوى: الأطراف.
[6] في ح، ر: «براها» وهو تحريف.
[7] الأفرع: طويل شعر الرأس.
[8] الأسحم: الأسود. يريد به الشعر.
تبيت إليّ بعد النوم تسري ... وقد أمسيت لا أخشى سراها
/ الغناء في البيتين الأوّلين من هذه الأبيات لأبي فارة [1] ثقيل أوّل. وفيهما [2] لعبد اللّه بن العبّاس الرّبيعيّ [3] خفيف ثقيل جميعا عن الهشاميّ. وذكر إسحاق أنّ هذا الصوت مما ينسب إلى معبد، وهو يشبه غناءه إلا أنه لم يروه عن ثبت [4] ولم يذكر طريقته. قال: وقال فيها أشعارا كثيرة، فبلغ ذلك فتيان بني تيم، أبلغهم إيّاه فتى منهم وقال لهم: يا بني تيم بن مرّة، هاللّه ليقذفنّ بنو مخزوم بناتنا بالعظائم وتغفلون! فمشى ولد أبي بكر وولد طلحة بن عبيد اللّه إلى عمر بن أبي ربيعة فأعلموه بذلك وأخبروه بما بلغهم. فقال لهم: واللّه لا أذكرها في شعر أبدا. ثم قال بعد ذلك فيها - وكنى عن اسمها - قصيدته التي أوّلها:
صوت
يا أمّ طلحة إنّ البين قد أفدا [5] ... قلّ الثّواء لئن كان الرّحيل غدا
أمسى العراقيّ لا يدري إذا برزت ... من ذا تطوّف بالأركان أو سجدا
- الغناء لمعبد ثقيل أوّل بالبنصر عن عمرو ويونس - قال ولم يزل عمر ينسب بعائشة أيّام الحج ويطوف حولها ويتعرض لها وهي تكره أن يرى وجهها، حتى وافقها وهي ترمي الجمار سافرة، فنظر إليها فقالت: أما واللّه لقد كنت لهذا منك كارهة يا فاسق! فقال:
صوت
إنّي وأوّل ما كلفت بذكرها [6] ... عجب وهل في الحبّ [7] من متعجّب
نعت النساء فقلت لست بمبصر ... شبها لها أبدا ولا بمقرّب
فمكثن حينا ثم قلن توجّهت ... للحجّ، موعدها لقاء الأخشب [8]
أقبلت أنظر ما زعمن وقلن لي ... والقلب بين مصدّق ومكذّب
فلقيتها تمشي تهادى موهنا [9] ... ترمي الجمار عشيّة في موكب
__________
[1] في ر: «لابن فارة».
[2] كذا في ت. وفي سائر النسخ: «و فيها».
[3] في ت: «الربعي» وهو تحريف؛ إذ هو عبد اللّه بن العباس بن الفضل بن الربيع. والنسبة إلى الربيع ربيعي بالياء. وستأتي ترجمته في الجزء السابع عشر من «الأغاني».
[4] الثبت: الراوي الحجّة الثقة. قال في «شرح القاموس»: «الثبت محركة وهو الأقيس، وقد يسكّن وسطه». وفي المصباح: «و قيل الحجة ثبت بفتحتين إذا كان عدلا ضابطا، والجمع الأثبات كسبب وأسباب».
[5] أفد هنا: دنا وحضر.
[6] في «الديوان»: «بحبّها».
[7] في أ، م، ح، ر: «في الدهر». وفي «ديوانه»: «و ما بالدهر». وفي ب، س: «في الحيّ» وهو تحريف.
[8] الأخشب: أحد الأخشبين، وهما جبلان بمكة: أحدهما أبو قبيس والاخر قعيقعان، ويقال: هما أبو قبيس والجبل الأحمر المشرف هنالك. وقد يقال لكل واحد منهما: الأخشب بالإفراد؛ قال ساعدة بن جؤيّة:
ومقامهن إذا حبسن بمأزم ... ضيق ألفّ وصدّهنّ الأخشب
[9] في «ديوانه»:
فلقيتها تمشي بها بغلاتها
/
غرّاء يعشي الناظرين بياضها ... حوراء في غلواء [1] عيش معجب
إنّ الّتي من أرضها وسمائها ... جلبت لحينك ليتها لم تجلب
الغناء لمعبد في الأوّل والثاني والرابع والسابع ثقيل أوّل بالوسطى [2] عن عمرو. وفيها للغريض خفيف ثقيل [3] عن الهشاميّ، يبدأ فيه بالثالث.
أخبرني عليّ بن صالح قال حدّثنا أبو هفّان عن إسحاق قال أخبرني مصعب الزّبيريّ: أن عمر بن أبي ربيعة لقي عائشة بنت طلحة بمكة وهي تسير على بغلة لها، فقال لها: قفي حتى أسمعك ما قلت فيك. قالت: أو قد قلت [4] يا فاسق؟ قال: نعم! فوقفت فأنشدها:
صوت
يا ربّة البغلة الشّهباء هل لك في ... أن تنشري ميّتا لا ترهقي [5] حرجا
- [و يروى هل لكم ... في عاشق دنف [6]] -
قالت بدائك مت أو عش تعالجه ... فما نرى لك فيما عندنا فرجا
قد كنت حمّلتنا غيظا نعالجه ... فإن تقدنا [7] فقد عنّيتنا حججا
حتّى لو اسطيع مما قد فعلت بنا ... أكلت لحمك من غيظ وما نضجا
- الغناء لابن سريج ثقيل أوّل مطلق في مجرى البنصر عن إسحاق. وفيه لابن سريج ثلاثة ألحان ذكرها إسحاق ولم يجنّس منها إلا واحدا، وذكر الهشاميّ أنّ أحدها خفيف رمل بالوسطى، [و ذكر عمرو [8] أنّ الثالث هزج بالوسطى]. ولإسحاق فيها هزج من مجموع صنعته - فقالت: لا وربّ هذه البنيّة! ما عنّيتنا طرفة عين قطّ. ثم قالت لبغلتها: عدس [9]، وسارت. وتمام هذه الأبيات:
__________
[1] في غلواء عيش: في أنضره وأرغده.
[2] في ح، ر: «بالسبابة بالوسطى».
[3] في ت: «خفيف ثقيل أوّل».
[4] في ت، ح، ر: «أوقد فعلت».
[5] أرهقه حرجا أو عسرا: أغشاه إياه. يريد: لا تحمّليه حرجا ولا تكلفيه أكثر من طاقته.
[6] هذه الجملة ساقطة من النسخ ت، أ، م، ء. وفي «الديوان» المطبوع:
« ... هل لكم ... أن ترحمى عمرا ... »
وفي «ديوانه» المخطوط:
...... هل لكم ... أن تنجحوا غير إلّا ترهقوا حرجا
وكتب في هامشه: «تنجحوا أي تسرعوا، من السير النجيح وهو السريع».
[7] القود: القصاص: يقال: أقدت القاتل بالقتيل، إذا قتلته به. والمراد: فإن ترد القصاص منا على هذا الهجر فقد عنّيتنا وجشمتنا أعواما طوالا.
[8] مكان هذه الجملة في م، ء، أ: «و لإسحاق فيها الثالث هزج بالوسطى». وفي ب، س: «و لإسحاق فيها هزج بالوسطى.
ولإسحاق ... ». وقد سقطت الجملتان من ح، ر.
[9] عدس: كلمة تزجر بها البغال.
/
فقلت لا والذي حجّ الحجيج له ... ما محّ حبّك من قلبي ولا نهجا [1]
ولا رأى القلب من شيء يسرّ به ... مذبان منزلكم [2] منّا ولا ثلجا
ضنّت بنائلها عنه فقد تركت ... في غير ذنب أبا الخطّاب مختلجا [3]
قال: فلم تزل عائشة تداريه وترفق به خوفا من أن يتعرّض لها حتى قضت حجّها وانصرفت إلى المدينة. فقال في ذلك:
إنّ من تهوى مع الفجر ظعن ... للهوى والقلب متباع الوطن
بانت الشمس وكانت كلّما ... ذكرت للقلب عاودت الدّدن [4]
صوت
يا أبا الحارث [5] قلبي طائر [6] ... فأتمر أمر رشيد مؤتمن
نظرت عيني إليها نظرة ... تركت قلبي لديها مرتهن
ليس حبّ فوق ما أحببتها ... غير أن أقتل نفسي أو أجنّ
فيها ثاني ثقيل بالوسطى نسبه عمرو بن بانة إلى ابن سريج، ونسبه ابن المكّي إلى الغريض. وفيها رمل لأهل مكة.
ومما يغنّي فيه من أشعاره في عائشة بنت طلحة قوله في قصيدته التي أوّلها:
/ صوت
من لقلب أمسى رهينا [7] معنّى ... مستكينا قد شفّه [8] ما أجنّا
إثر شخص نفسي فدت ذاك شخصا ... نازح الدّار بالمدينة عنّا
ليت حظّي كطرفة العين منها ... وكثير منها القليل المهنّا
__________
[1] محّ الثوب يمح (كضرب ونصر) محا ومحوحا، ويمحّ (كفرح) مححا: أخلق وبلي. وكذلك نهج الثوب (مثلثة الهاء). وقال أبو عبيد: ولا يقال: نهج الثوب (بالفتح) ولكن نهج (بالكسر). وفي «ديوانه» المخطوط: «ما باد حبّك الخ».
[2] في «ديوانه» المخطوط: «من بعد نأيكم عنّا».
[3] مختلج: مضظرب.
[4] الدّدن: اللهو واللعب. وفي «ديوانه» المخطوط:
ذكرت للقلب عادت دنّ دن
وكتب في هامش النسخة: «قوله دن دن: حكاية صوت النحل والذباب واستعاره لتغنّي الطربان لأنه غالبا يتغنى». يريد بالطربان الطروب.
[5] كذا في ت، ب. وفي سائر النسخ و «الديوان»: «يا أبا الخطاب».
[6] في س: و «الديوان»: «هائم».
[7] كذا في أ، ء، ب، س: وفي سائر النسخ و «الديوان»: «حزينا».
[8] شفّه يشفّه: هزله وأسقمه.
الغناء لإبراهيم خفيف ثقيل بالسبابة في مجرى البنصر عن إسحاق.
عمر وكلثم بنت سعد المخزومية
أخبرني الحسن بن علىّ الخفّاف ومحمد بن خلف قالا حدّثنا محمد بن زكريّا الغلابيّ قال حدّثني محمد بن عبد الرحمن التّيميّ عن هشام بن سليمان بن [1] عكرمة بن خالد المخزوميّ قال:
كان عمر بن أبي ربيعة يهوى كلثم بنت سعد [2] المخزوميّة، فأرسل إليها رسولا [3] فضربتها وحلقتها [4] وأحلفتها ألّا تعاود، ثم أعادها ثانية ففعلت بها مثل ذلك، فتحاماها رسله. فابتاع أمة سوداء لطيفة رقيقة وأتى بها منزله، فأحسن إليها وكساها وآنسها وعرّفها خبره وقال لها: إن أوصلت لي رقعة إلى كلثم فقرأتها فأنت حرّة ولك معيشتك ما بقيت. فقالت اكتب لي مكاتبة [5] واكتب حاجتك في آخرها، ففعل ذلك. فأخذتها ومضت بها إلى باب كلثم فاستأذنت، فخرجت إليها أمة لها فسألتها عن أمرها؛ فقالت: مكاتبة لبعض أهل مولاتك جئت أستعينها في مكاتبتي، وحادثتها/ وناشدتها حتى ملأت قلبها؛ فدخلت إلى كلثم وقالت: إنّ بالباب مكاتبة لم أر قطّ أجمل منها ولا أكمل ولا آدب. فقالت: ائذني لها، فدخلت. فقالت: من كاتبك؟ قالت: عمر بن أبي ربيعة الفاسق! فاقرئي مكاتبتي. فمدّت يدها لتأخذها. فقالت لها: لي عليك عهد اللّه أن تقرئيها؛ فإن كان منك إليّ شيء مما أحبّه وإلّا لم يلحقني منك مكروه؛ فعاهدتها [6] وفطنت. وأعطتها الكتاب، فإذا أوّله:
من عاشق صبّ يسرّ الهوى ... قد شفّه الوجد إلى كلثم
رأتك عيني فدعاني الهوى ... إليك للحين ولم أعلم
قتلتنا، يا حبّذا أنتم، ... في غير ما جرم ولا مأثم
واللّه قد أنزل في وحيه ... مبيّنا في آيه المحكم
من يقتل النفس كذا ظالما ... ولم يقدها نفسه يظلم
وأنت ثأري فتلافى دمي ... ثم اجعليه نعمة تنعمي
وحكّمي عدلا يكن بيننا ... أو أنت فيما بيننا فاحكمي
وجالسيني مجلسا واحدا ... من غير ما عار ولا محرم [7]
وخبّريني ما الذي عندكم ... باللّه في قتل امرىء مسلم
قال: فلمّا قرأت الشعر قالت لها: إنّه خدّاع ملق، وليس لما شكاه أصل. قالت: يا مولاتي! فما عليك من
__________
[1] في ح، ر، ت: «عن عكرمة» وهو تحريف لورود هذا الاسم في «كتب التراجم» كما أثبتناه.
[2] في ت، م، ء: «سعيد».
[3] رسول: فعول بمعنى مفعول، ويجوز استعماله للذكر والمؤنث والمثنى والجمع.
[4] حلقتها، لعل المناسب من معاني هذه الكلمة هنا: أوجعتها في حلقها.
[5] المكاتبة: أن يكاتب الرجل عبده على مال يؤدّيه إليه منجّما (مقسّطا)، فإذا أدّاه صار حرا؛ سميت كذلك لأن العبد يكتب على نفسه لمولاه ثمنه، ومولاه يكتب له عليه عتقه.
[6] في ت: «فقالت هاتي».
[7] كذا في «الديوان»، ر، ح. والمحرم: الحرام. وفي ت: «مأثم». وفي سائر النسخ: «مجرم» بالجيم المعجمة.
امتحانه؟ قالت: قد أذنت له، وما زال حتى ظفر ببغيته؛ فقولي له: إذا كان المساء فليجلس في موضع كذا وكذا حتى يأتيه رسولي. فانصرفت الجارية فأخبرته؛/ فتأهّب لها. فلمّا جاءه رسولها مضى معه حتّى/ دخل إليها وقد تهيّأت أجمل هيئة، وزيّنت نفسها ومجلسها وجلست له من وراء ستر، فسلّم وجلس. فتركته حتى سكن، ثم قالت له: أخبرني عنك يا فاسق! ألست القائل:
هلّا استحيت [1] فترحمي صبّا ... صديان [2] لم تدعي له قلبا
جشم الزيارة في مودّتكم ... وأراد ألّا ترهقي ذنبا [3]
ورجا مصالحة فكان لكم [4] ... سلما وكنت ترينه حربا
يأيّها المعطي [5] مودّته ... من لا يراك مساميا خطبا [6]
لا تجعلن أحدا عليك إذا ... أحببته وهويته ربّا
وصل الحبيب إذا شغفت [7] به ... واطو الزيارة دونه غبّا
فلذاك أحسن [8] من مواظبة ... ليست تزيدك عنده قربا
لا بل يملّك عند دعوته ... فيقول هاه [9] وطالما لبّى
__________
[1] في «ديوانه»: «ارعويت».
[2] في «الديوان»:
هذيان لم تذري له قلبا
[3] في «ديوانه»:
فأراد ألّا تحقدي ذنبا
[4] كذا في «الديوان». وفي «الأصول»: فردّكم».
[5] في «ديوانه»: «المصفى».
[6] هكذا في ح، ر. والخطب: الخاطب. وفي «الديوان»، ت، م، ء:
من لا يزال مساميا خطبا
وفي سائر النسخ:
من لا يزال مسامتا خطبا
[7] في «ديوانه»: «كلفت».
[8] في «الديوان»: «خير».
[9] كذا في «الديوان».
وهاه: كلمة وعيد، وحرّك لضرورة الشعر. والبيت في «ديوانه»:
لا بل يملّك ثم تدعو باسمه ... فيقول هاه وطالما لبى
وفي ح، ر: «فيقول هاك» وهاك: اسم فعل بمعنى خذ. ولا يستقيم به المعنى. وفي سائر النسخ: «فيقول هاء» بالهمزة، وهاء، كما في «القاموس» وشرحه مفتوح الهمزة: تلبية، ثم استشهد بالبيت هكذا:
لا بل يجيبك حين تدعو باسمه ... فيقول هاء وطالما لبّى
وهذه الرواية انفرد بها «اللسان» و «شرح القاموس»، وهي لا تتفق مع البيتين السابقين وإن كان البيت في نفسه مستقيم المعنى.
وفي نسخة أ: كتب فوق كلمة «هاء» كلمة «أف» وفوقها «خ» إشارة إلى أنها نسخة أخرى؛ وهي رواية يستقيم بها المعنى أيضا.
/ فقال لها: جعلت فداك! إنّ القلب إذا هوي نطق اللسان بما يهوى. فمكث عندها شهرا لا يدري أهله أين هو. ثم استأذنها في الخروج. فقالت له: بعد أن فضحتني! لا واللّه لا تخرج إلا بعد أن تتزوّجني. ففعل وتزوّجها؛ فولدت منه ابنين أحدهما جوان؛ وماتت عنده.
عمر ولبابة بنت عبد اللّه بن العباس امرأة الوليد بن عتبة بن أبي سفيان
أخبرني حبيب بن نصر المهلّبيّ قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثني عبد الجبّار بن سعيد [1] قال حدّثني إبراهيم بن يعقوب بن أبي عبد اللّه عن أبيه عن جدّه:
أنّ عمر رأى لبابة بنت عبد اللّه بن العباس امرأة الوليد بن عتبة بن أبي سفيان تطوف بالبيت، فرأى أحسن خلق اللّه، فكاد عقله يذهب، فسأل عنها فأخبر بنسبها؛ فنسب بها وقال فيها:
صوت
ودّع لبابة قبل أن تترحّلا ... واسأل فإنّ قلاله [2] أن تسألا
البث بعمرك ساعة وتأنّها ... فلعلّ ما بخلت به أن يبذلا
قال ائتمر [3] ما شئت غير مخالف ... فيما هويت فإنّنا لن نعجلا
لسنا نبالي حين تقضي [4] حاجة ... ما بات أو ظلّ المطيّ معقّلا
حتى إذا ما الّليل جنّ ظلامه ... ورقبت غفلة كاشح أن يمحلا [5]
/خرجت تأطّر [6] في الثياب كأنّها ... أيم [7] يسيب على كثيب أهيلا
رحّبت حين رأيتها فتبسّمت [8] ... لتحيّتي لمّا رأتني مقبلا
وجلا القناع سحابة مشهورة ... غرّاء تعشي الطّرف أن يتأمّلا
فلبثت أرقيها بما لو عاقل ... يرقى به ما استطاع ألّا ينزلا
__________
[1] في م: «سعد» وهو تحريف. (انظر الحاشية رقم 1 صفحة 150 من هذا الجزء).
[2] كذا في ت. والقلال كغراب وسحاب: القليل. وفي «ديوانه»: «قليله». وفي سائر النسخ: «قلالة» بالتاء، ولم نجده في كتب اللغة.
[3] ائتمر ما شئت: افعل ما شئت فإننا لا نعصي لك أمرا.
[4] كذا في م. وفي أكثر النسخ: «نقضي» وفي «ديوانه»: «تدرك». وفي ح، ر: «ندرك».
[5] كذا في «ديوانه». وفي «الأصول»:
ونظرت غفلة حارس أن يغفلا
[6] (تأطر محذوفة إحدى تاءيه) هنا: تتثنى.
[7] كذا في «الأصول». والأيم: الحية. وفي النسخة المخطوطة من «ديوانه»:
ريح تسيّب عن كثيب أهيلا
وفي النسخة المطبوعة منه: «تسنت» بدل «تسيب» وهو تصحيف.
[8] في «ديوانه»:
سلمت حين لقيتها فتهللت
[9] عقل الوعل يعقل عقولا: امتنع في الجبل؛ وبه سمى الوعل عاقلا، على حدّ التسمية بالصفة؛ ومنه المثل: «إنما هو كبارح الأروى قليلا ما يرى». والأروى: (جمع أرويّة) وهي تيوس الجبل البرية، ومساكنها في قنان الجبال ولا يكاد الناس يرونها سانحة ولا بارحة إلا في الدهر مرّة. (انظر «اللسان» مادة عقل وبرح).
غنّى في هذه الأبيات معبد خفيف ثقيل مطلق في مجرى الوسطى عن إسحاق، ابتداؤه نشيد. وفيها لابن سريج ثقيل أوّل بالوسطى في مجراها عن إسحاق أيضا. وفيها لابن سريج في الأوّل والرابع من الأبيات رمل عن ابن المكيّ، ولأبي دلف [1] القاسم بن عيسى في هذين/ البيتين خفيف ثقيل بالسبابة والبنصر، وابتداؤه نشيد من رواية ابن المكيّ. وفيه لمحمد بن الحسن بن مصعب هزج.
أخبرني محمد بن مزيد بن أبي الأزهر قال حدّثنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه قال: لمّا حجّ الغمر بن يزيد بن عبد الملك دخل إليه معبد فغنّاه:
ودّع لبابة قبل أن تترحّلا
فلم يزل يردّده عليه، ثم أخرجه معه لمّا رحل عن المدينة، فغنّاه في المنزل به حتى أراد الرّحيل، فحمله على بغلة له وذهب غلام له يتبعه؛ فقال: إلى أين؟ فقال: أمضي/ معه حتى أجيء بالبغلة. فقال: هيهات! ارجع يا بنيّ، ذهبت واللّه لبابة ببغلة مولاك. وقد روي هذا الخبر لغير الغمر بن يزيد.
عمر والثريا بنت عليّ بن عبد اللّه بن الحارث بن أمية الأصغر
وهذه الأبيات التي فيها الغناء المختار وهو:
تشكّى الكميت الجري لمّا جهدته
يقولها عمر بن أبي ربيعة في الثّريّا بنت عليّ بن عبد اللّه بن الحارث بن أميّة الأصغر بن عبد شمس بن عبد مناف، وهم الذين يقال لهم العبلات؛ سمّوا بذلك لجدّة لهم يقال لها عبلة بنت عبيد بن خالد بن خازل [2] بن قيس بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم، وهي من بطن من تميم يقال لهم البراجم، غير براجم بني أسد.
نسب الثريا بنت عليّ بن عبد اللّه بن الحارث
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ قال حدّثنا عمر بن شبّه قال:
كانت عبلة بنت عبيد بن خالد بن خازل بن قيس بن حنظلة، عند رجل من بني جشم بن معاوية، فبعثها بأنحاء [3] سمن تبيعها له بعكاظ، فباعت السمن وراحلتين كان عليهما، وشربت بثمنها الخمر. فلما نفذ ثمنها [4] رهنت ابن أخيه وهربت، فطلّقها. وقالت في شربها الخمر:
شربت براحلتي محجن ... فيا ويلتي، محجن قاتلي
وبابن أخيه على لذّة ... ولم أحتفل عذل [5] العاذل
__________
[1] في ت: «و فيها لأبي دلف القاسم بن عيسى خفيف ثقيل بالسبابة في البنصر .. ولمحمد بن الحسن بن مصعب هزج». وستأتي ترجمة أبي دلف هذا في الجزء الثامن من هذه الطبعة.
[2] كذا في أكثر النسخ. وفي ت: «عبلة بنت عبيد اللّه بن خالد بن حازل وقيل حاذل بالذال». وبعده بقليل: «عبيد بن خالد بن جازل».
وفي ح، ر: «عبيد بن خارك بن قيس». وفي «شرح القاموس» مادة عبل: «قال الدار قطني: هي عبلة بنت عبيد بن جازل بن قيس إلخ. وقال غيره: هي عبلة بنت نافذ بن قيس بن حنظلة».
[3] أنحاء: جمع نحي وهو الزقّ أو ما كان للسمن خاصّة.
[4] في الأصول: «ثمنه».
[5] في ب، س: «عذلة». وفي ح، ر: «لومة».
/ قال: فتزوّجها عبد شمس بن عبد مناف؛ فولدت له أميّة الأصغر وعبد أميّة [1] ونوفلا، وهم العبلات.
وقد ذكر الزّبير بن بكّار عن عمّه: أنّ الثّريّا بنت عبد اللّه بن محمد بن عبد اللّه بن الحارث بن أمية الأصغر، وأنها أخت محمد بن عبد اللّه المعروف بأبي جراب العبليّ الذي قتله داود بن عليّ؛ وهو الذي يقول فيه ابن زياد المكّيّ:
ثلاث حوائج [2] ولهنّ جئنا ... فقم فيهنّ يا بن أبي جراب
فإنّك ماجد في بيت مجد ... بقيّة معشر تحت التراب
قال: وله يقول ابن زياد المكّي أيضا:
إذا متّ لم توصل بعرف قرابة ... ولم يبق في الدنيا رجاء لسائل
قال الزبير: وهذا أشبه من أن تكون بنت عبد اللّه بن الحارث، وعبد اللّه إنما أدرك سلطان معاوية وهو شيخ كبير، وورث بقعدده [3] في النّسب دار عبد شمس/ بن عبد مناف، وحجّ معاوية في خلافته، فجعل [4] ينظر إلى الدار، فخرج إليه عبد اللّه بن الحارث بمحجن [5] ليضربه به وقال: لا أشبع اللّه بطنك! أما تكفيك الخلافة حتى تطلب هذه الدار! فخرج معاوية يضحك.
قال مؤلّف هذا الكتاب: وهذا غلط من الزّبير عندي، والثّريّا أن تكون بنت عبد اللّه بن الحارث أشبه من أن تكون أخت الذي قتله داود بن عليّ؛ لأنها ربّت الغريض/ المغنّي وعلّمته النّوح بالمراثي على من قتله يزيد بن معاوية من أهلها يوم الحرّة. وإذا كانت قد ربّت الغريض حتى كبر وتعلّم النّوح على قتلى الحرّة [و هو رجل] [6] - وهي وقعة كانت بعقب موت معاوية - فقد كانت في حياة معاوية امرأة كبيرة، وبين ذلك وبين من قتله داود بن عليّ من بني أميّة نحو ثمانين سنة، وقد شبّب بها عمر بن أبي ربيعة في حياة معاوية، وأنشد عبد اللّه بن عباس شعره فيها، فكيف تكون أخت الذي قتله داود بن عليّ وقد أدركت عبد اللّه بن عباس وهي امرأة كبيرة! وقد اعترف الزّبير أيضا في خبره بأن عبد اللّه بن الحارث أدرك خلافة معاوية وهو شيخ كبير؛ فقول من قال: إنها بنته، أصوب من
__________
[1] في ر: «عبد اللّه».
[2] قال في «اللسان»: وجمع الحاجة حاج وحاجات، وحوائج على غير قياس، كأنهم جمعوا حائجة. وكان الأصمعيّ ينكره ويقول هو مولد ... قال ابن بري: إنما أنكره الأصمعيّ لخروجه عن قياس جمع حاجة، والنحويون يزعمون أنه جمع لواحد لم ينطق به وهو حائجة. قال: وذكر بعضهم أنه سمع حائجة لغة في الحاجة. وأما قوله إنه مولد فإنه خطأ منه؛ لأنه قد جاء ذلك في حديث سيدنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم: «إن للّه عبادا خلقهم لحوائج الناس يفزع الناس إليهم في حوائجهم أولئك الآمنون يوم القيامة». وقال الأعشى:
الناس حول قبابه ... أهل الحوائج والمسائل
وقال الشماخ:
تقطع بيننا الحاجات إلا ... حوائج يعتسفن مع الجري ء
(انظر «اللسان» مادة حوج ففيه كلام طويل تحسن مراجعته).
[3] بقعدده: بتمكنه في القرابة من الميت أي بكونه أقرب الطبقات إليه.
[4] كذا في ح، ر. وفي سائر النسخ: «و دخل ينظر».
[5] المحجن: عصا. معقّفة (منحنية) الرأس كالصولحان.
[6] زيادة في ت.
قول من قرنها بمن قتله داود بن عليّ. وهذا القول الذي قلته قول ابن الكلبيّ وأبي اليقظان، أخبرني به الحسن بن عليّ عن أحمد بن الحارث عن المدائنيّ عن أبي اليقظان، قال وحدّثني به جماعة من أهل العلم بنسب قريش.
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثني مسلمة بن إبراهيم بن هشام المخزوميّ عن أيّوب بن مسلمة، أنه أخبره أنّ عمر بن أبي ربيعة/ كان مسهبا [1] بالثّريّا بنت عليّ بن عبد اللّه بن الحارث بن أميّة الأصغر، وكانت عرضة [2] ذلك جمالا وتماما، وكانت تصيف [3] بالطّائف، وكان عمر يغدو عليها كلّ غداة إذا كانت بالطائف على فرسه، فيسأل [4] الرّكبان الذين يحملون الفاكهة من الطائف عن الأخبار قبلهم. فلقي يوما بعضهم فسأله عن أخبارهم؛ فقال: ما استطرفنا [5] خبرا؛ إلا أنّني سمعت عند رحيلنا صوتا وصياحا عاليا على امرأة من قريش اسمها اسم نجم في السماء وقد سقط [6] عني اسمه. فقال عمر: الثّريّا؟ قال نعم. وقد كان بلغ عمر قبل ذلك أنها عليلة، فوجّه فرسه على وجهه إلى الطائف يركضه ملء [7] فروجه وسلك طريق كداء [8] - وهي أخشن [9] الطّرق وأقربها - حتى انتهى إلى الثّريّا وقد توقّعته وهي تتشوّف له وتشرف، فوجدها سليمة عميمة [10] ومعها أختاها رضيّا [11] وأمّ عثمان [12]، فأخبرها الخبر؛ فضحكت وقالت: أنا واللّه أمرتهم لأختبر مالي عندك. فقال عمر في ذلك هذا الشعر:
/تشكّى الكميت الجري لمّا جهدته ... وبيّن لو يسطيع أن يتكلّما
فقلت له إن ألق للعين قرّة ... فهان عليّ [13] أن تكلّ وتسأما
لذلك أدني دون خيلي رباطه ... وأوصي به ألّا يهان ويكرما
عدمت إذا وفري وفارقت مهجتي ... لئن لم أقل قرنا [14] إن اللّه سلّما
قال مسلمة بن إبراهيم: قلت لأيّوب بن مسلمة: أكانت الثريّا كما يصف عمر بن أبي ربيعة؟ فقال: وفوق
__________
[1] كذا في أكثر النسخ. والمسهب: من أسقمه الحب وأذهب عقله .. وفي ر: «مستهترا» أي مولعا. وفي ح: «مشتهرا». وفي ء:
«مشهبا» وهو مصحف عن «مسهبا».
[2] أي كانت أهلا لأن يشغف بها لجمالها وتمامها، كأنها متصدّية للناس بجمالها توقعهم في شركها فيهيمون بها وإن لم يريدوا؛ من قولهم: بعير عرضة للسفر أي قويّ عليه.
[3] تصيف بالطائف: أي تقيم به في الصيف.
[4] في ت، ر: «فيسائل».
[5] ما استطرفنا خبرا، أي ليس عندنا شيء طريف حادث نحدّثك به.
[6] في «الأصول»: سقط عليّ اسمه». يريد: ذهب وغاب عني فلا أذكره.
[7] الفروج: ما بين قوائم الفرس؛ يقال: ملأ قروج فرسه وسدّ فروجه، إذ ملأ قوائمه عدوا، كأن العدو ملأ قوائمه وسدّها.
[8] كداء (كسماء): جبل بأعلى مكة عند المحصّب، دار إليه النبيّ صلى اللّه عليه وآله وسلّم من ذي طوى. وقد دخل النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم مكة عام الفتح منه وخرج من كدي (مضموم مقصور)، وهو جبل بأسفل مكة. وأما كديّ بالتصغير فإنما هو لمن خرج من مكة إلى اليمن، وليس من هذين الطريقين في شيء.
[9] في ت: «أحسن».
[10] جارية عميمة وعمّاء: طويلة تامة القوام والخلق.
[11] في «تاج العروس»: «و من أسمائهنّ رضيّا كثريا، تصغير رضوي وثروي».
[12] في ت: «أم كلثوم».
[13] في «الديوان»، ح، ر: علينا».
[14] أقل: من القيلولة. والقرن: قرن المنازل، وكثيرا ما يذكره عمر في شعره. يريد: لئن لم أقل فيه.
الصّفة، كانت واللّه كما قال عبد اللّه بن قيس:
حبّذا الحجّ والثّريّا ومن بال ... خيف من أجلها وملقى الرّحال
يا سليمان إن تلاق الثريّا ... تلق عيش الخلود قبل الهلال [1]
درّة من عقائل [2] البحر بكر ... لم تشنها [3] مثاقب اللألّ [4]
/تعقد المئزر السّخام [5] من الخ [6] ... زّ على حقو بادن [7] مكسال
عمر بن أبي ربيعة ورملة بنت عبد اللّه بن خلف الخزاعية
/ قال إسحاق في خبره عمّن أسند إليه أخبار عمر بن أبي ربيعة، وذكر مثله الزّبير بن بكّار فيما حدّثنا عنه الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثني مؤمن [8] بن عمر بن أفلح مولى فاطمة بنت الوليد بن عبد شمس بن المغيرة بن عبد اللّه بن عمر بن مخزوم قال حدّثني بلال مولى ابن أبي عتيق:
أنّ الحارث بن عبد اللّه بن عيّاش بن أبي ربيعة قدم للحج، فأتاه ابن أبي عتيق فسلّم [9] عليه وأنا معه.
فلمّا قضى سلامه ومساءلته عن حجّه وسفره، قال له: كيف تركت أبا الخطّاب عمر بن أبي ربيعة؟ قال: تركته في بلهنية [10] من العيش. قال: وأنّى ذلك؟ قال. حجّت رملة بنت عبد اللّه بن خلف الخزاعيّة فقال فيها:
__________
[1] ورد هذا البيت في «ديوانه» قبل البيت الأوّل، وقبله بيتان هما مطلع هذه القصيدة وهما:
وسلاف مما يعتّق حلّ ... زاد في طيبها ابن عبد كلال
ذكرتني المخنّثات لدى الحج ... ر ينازعنني سجوف الحجال
يريد بالحجر حجر الكعبة، وبسجوف الحجال الخمر. ولعله يريد بالهلال المعروف. وربما كان الشاعر أتى به للتناسب بينه وبين الثريا، وهو ما يسميه علماء البديع مراعاة النظير. يقول: إن لقيتها لقيت عيش النعيم قبل أن يجيء موسم الحج وهو شوّال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة، وهذه يحرم فيها الرفث والفسوق؛ كما قال تعالى: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ)
أو لعله يريد بالهلال الدفعة من المطر، فيكون المعنى: إن تلق الثريا ينعم بالك ويخصب عيشك قبل أوان الخصب.
[2] كذا في ح، ر، أ. وفي سائر النسخ: «عقائد» وهو تحريف.
والعقائل: جمع عقيلة، وهي في الأصل: المرأة الكريمة المخدّرة، ثم استعمل في الكريم من كل شيء، ومنه عقائل البحر، وهي درره الكبيرة الصافية.
[3] في «ديوانه»: «لم تنلها».
[4] اللأل: بائع اللؤلؤ أو ثقّابه. قال الفراء: سمعت العرب تقول لصاحب اللؤلؤلّأ بالهمز، وكره قول الناس: لأل. وقال علي بن حمزة: خالف الفراء في هذا الكلام العرب والقياس؛ لأن المسموع لألّ، والقياس لؤلؤيّ، لأنه لا يبنى من الرباعي فعّال، ولألّ شاذ.
[5] السخام هنا: اللين.
[6] كذا في «الديوان»، ت. وفي سائر النسخ: «الحر» أو «الحز»، وكلاهما تصحيف.
[7] الحقو بالفتح والكسر: معقد الإزار وهو الخاصرة.
[8] كذا في ح، ر. وفي ت: «ميمون». وفي سائر النسخ: «موسى». وسيأتي في صفحة 222 من هذا الجزء أنه «مؤمن» في جميع النسخ.
[9] في ح، ر: «يسلم».
[10] البلهنية ومثله الرّفهنية والرّفغنية: سعة العيش؛ يقال: هو في بلهنية من العيش، وهو في عيش أبله، كأن صاحبه في غفلة عن الطوارق لا يحسب لها حسابا.
صوت
أصبح القلب في الحبال [1] رهينا ... مقصدا يوم فارق الظّاعنينا
/ قلت من أنتم فصدّت وقالت ... أمبدّ [2] سؤالك العالمينا [3]
نحن من ساكني العراق وكنّا ... قبله قاطنين مكة حينا [4]
قد صدقناك إذ سألت فمن أن ... ت عسى أن يجرّ شأن شؤونا
ونرى أننا عرفناك بالنّع ... ت بظنّ وما قتلنا يقينا
بسواد الثّنيّتين ونعت ... قد نراه [5] لناظر مستبينا
- غنّى معبد في البيتين الأوّلين خفيف ثقيل أوّل بالوسطى في مجراها عن إسحاق. وغنّى في الثاني وما بعده ابن سريج خفيف ثقيل أوّل بالسّبّابة في مجرى البنصر عنه أيضا. وذكر حبش أن فيه للغريض أيضا لحنا من الثقيل الأوّل بالبنصر - قال: فبلغ ذلك الثّريّا، بلّغتها إيّاه أمّ نوفل، وكانت غضبى عليه، وقد كان انتشر خبره عن الثّريا حتى بلغها من جهة أمّ نوفل وأنشدتها قوله:
/أصبح القلب في الحبال رهينا ... مقصدا يوم فارق الظاعنينا
فقالت: إنه لوقاح [6] صنع [7] بلسانه، ولئن سلمت له لأردّنّ من شأوه [8]، ولأثنينّ من عنانه، ولأعرّفنّه نفسه. فلمّا بلغت إلى قوله:
قلت من أنتم فصدّت وقالت ... أمبدّ سؤالك العالمينا
__________
[1] في «ديوانه» المطبوع بليپزج: «الجمال».
[2] مبدّ، من قولهم: أبددت القوم المال أو الطعام، إذا فرّقته بينهم وأعطيت كل واحد بدّته أي نصيبه وقال في «اللسان» (مادة بدد) بعد أن أورد هذا الشطر: «معناه أمقسم أنت سؤالك على الناس واحدا واحدا حتى تعمهم. وقيل: معناه أملزم أنت سؤالك الناس؛ من قولك: مالك منه بدّ».
[3] بين هذا البيت والذي قبله عدة أبيات، وقد نقلناها عن «ديوانه» لترتب البيت الثاني عليها، وهي:
عجلت حمّة الفراق علينا ... برحيل ولم نخف أن تبينا
لم يرعني إلا الفتاة وإلا ... دمعها في الرداء سحّا سنينا
ولقد قلت يوم مكة سرّا ... قبل وشك من بينكم نوّلينا
أنت أهوى العباد قربا ودلّا ... لو تنيلين عاشقا محزونا
قاده الطرف يوم مرّ إلى الحي ... ن جهارا ولم يخف أن يحينا
فإذا نعجة تراعى نعاجا ... ومها بهّج المناظر عينا
[4] بين هذا البيت والذي قبله في «ديوانه» بيتان هما:
قلت باللّه ذي الجلالة لما ... أن تبلت الفؤاد أن تصدقينا
أيّ من تجمع المواسم قولي ... وأبيني لنا ولا تكتمينا
[5] كذا في «الديوان»، ح. وفي سائر النسخ: «تراه».
[6] الوقاح: القليل الحياء.
[7] الصنع: الحاذق؛ يقال: رجل صنع اللسان وصنع بلسانه، إذا كان ذلق اللسان فصيحا.
[8] الشأو هنا: الزمام.
فقالت: إنه لسأّل ملحّ [1]، [قبحا [2] له!] ولقد أجابته إن وفت. فلمّا بلغت إلى قوله:
نحن من ساكني العراق وكنّا ... قبله قاطنين مكة حينا
قالت: غمزته [3] الجهمة [4]. فلمّا بلغت إلى قوله:
قد صدقناك إذ سألت فمن أن ... ت عسى أن يجرّ شأن شؤونا
قالت: رمته الورهاء [5] بآخر ما عندها في مقام واحد. وهجرت عمر.
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثني عمّي مصعب: أنّ رملة بنت عبد اللّه بن خلف حجّت، فتعرض لها عمر بن أبي ربيعة فقال فيها:
أصبح القلب في الحبال رهينا ... مقصدا يوم فارق الظاعنينا
/ وقال في هذه القصيدة:
/فرأت حرصي الفتاة فقالت ... خبّريه، من أجل من تكتمينا [6]؟
نحن من ساكني العراق وكنّا ... قبله قاطنين مكة حينا
قد صدقناك إذ سألت فمن أن ... ت عسى أن يجرّ شأن شؤونا
قال الزّبير: ورملة هذه أمّ طلحة بن عمر بن عبيد اللّه بن معمر التّيميّ، وهي أخت طلحة الطّلحات بن عبد اللّه بن خلف الخزاعيّ.
قصيدة كثير عزة التي أوّلها: ما عناك الغداة من أطلال
قال: فبلغت هذه الأبيات كثيّرا، فغضب لذلك وقال: وأنا واللّه لا أتمارى أن سيجرّ شأن شؤونا [7]. ثم ذكر نسوة من قريش فساقهنّ في شعره من الحج حتى بلغ بهنّ إلى ملل [8]، ثم أشفق فجاز [9]، ولم يزد على ذلك، وهو قوله في قصيدته التي أوّلها:
ما عناك الغداة من أطلال ... دارسات المقام مذ أحوال [10]
__________
[1] في ت، أ، م، ء: «متيح» والمتيح: من يعرض في كل شيء ويدخل فيما لا يعنيه، والأنثى بالهاء.
[2] زيادة في ح، ر.
[3] في أ، ء، ب: «غمرته». وفي ح، ر هكذا: «عمرت به الجهتان» وهو تحريف.
وأصل معنى الغمز الإشارة بالعين والحاجب والجفن.
[4] الجهمة: الضعيفة العاجزة. تريد أنها لضعفها لانت له بعد استعصائها.
[5] الورهاء: الحمقاء. تريد أنها رمت بنفسها بين يديه وأسلمت نفسها له.
[6] لم يوجد هذا البيت بتلك القصيدة في «ديوانه».
[7] في ت، ح، ر: «أنا واللّه أرى أيضا أن سيجرّ شأن شؤونا».
[8] ملل - ويقال له أملال - : موضع على طريق المدينة إلى مكة على ثمانية وعشرين ميلا من المدينة. قال كثير:
سقيا لعزة خلة سقيالها ... إذ نحن بالهضبات من أملال
وسيأتي «أملال» في هذه القصيدة أيضا.
[9] أي مرّ تاركا التعرّض لهنّ.
[10] كذا في ت. وفي سائر النسخ بعد هذا البيت قوله: «و قال فيها الخ». والسياق يأباه.
صوت
قم تأمّل فأنت أبصر منّي ... هل ترى بالغميم [1] من أجمال
قاضيات لبانة من مناخ ... وطواف وموقف بالجبال [2]
/قلن عسفان [3] ثم رحن سراعا ... هابطات عشيّة من غزال [4]
واردات الكديد [5] مجترعات [6] ... جزن وادي الحجون [7] بالأثقال
قصد لفت [8] وهنّ متّسقات [9] ... كالعدوليّ [10] لاحقات [11] التّوالي
طالعات الغميس [12] من عبّود [13] ... سالكات الخويّ [14] من أملال
فسقى اللّه منتوى [15] أمّ عمرو ... حيث أمّت [16] بها صدور الرّحال
حبّذا هنّ من لبانة قلبي ... وجديد الشّباب من سربالي
ربّ يوم أتيتهنّ [17] جميعا ... عند بيضاء رخصة [18] مكسال
غير أنّي امرؤ تعمّمت حلما ... يكره الجهل [19] والصّبا [20] أمثالي
/ غنّى ابن سريج في الثلاثة الأبيات الأول خفيف ثقيل بالوسطى عن عمرو ويونس. وذكر الهشاميّ أنّ فيها
__________
[1] الغميم كأمير: موضع قرب المدينة بين رابغ والجحفة.
[2] فيء، أ، ب، س: «الحبال». وفي ح: «الخبال» وهو مصحف عن الجبال أو عن الخيال بالباء وهي أرض لبني تغلب كما في «القاموس» و«ياقوت». وقد ذكر ياقوت البيتين (في مادة «الغميم») وفيه «الخيال» بالياء.
[3] عسفان (كعثمان): موضع على مرحلتين من مكة في طريق المدينة والجحفة.
[4] غزال - ويقال له قرن غزال - : أحد الأودية الثلاثة بين ثنية هر شي وبين الجحفة، وهو لخزاعة خاصة.
[5] الكديد: ماء بين الحرمين كما في «القاموس»، أو موضع على اثنين وأربعين ميلا من مكة بين عسفان ورابغ.
[6] اجترع الماء: ابتلعه.
[7] الحجون: جبل بمعلاة مكة عنده مدافن أهلها.
[8] كذا في أكثر النسخ. ولفت (بالكسر): واد قريب من هرشي (عقبة بالحجاز بين مكة والمدينة). وقد ذكر ياقوت فيه لغتين أخريين، هما لفت (بفتح فسكون) ولفت (بفتحتين). وفي ح، ر، ب، س: «مقبلات وهن».
[9] متسقات: منتظمات يسير بعضها وراء بعض.
[10] العدولي: جمع عدولية وهي السفينة منسوبة إلى عدولي: قرية بالبحرين.
[11] في «ياقوت» (مادة «لفت»): «اللاحقات التوالي» ولاحقات التوالي: يسير بعضها وراء بعض ويلحق تاليها الذي قبله.
[12] الغميس (بفتح أوّله وكسر ثانيه)، قال ابن إسحاق في غزاة بدر: مرّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله وسلّم على تربان ثم على ملل ثم على غميس الحمام. كذا في «ياقوت».
[13] عبود كتنور: جبل بين السيالة وملل. والسيالة: أرض في طريق الحاج، قيل: هي أوّل مرحلة لأهل المدينة إذا أرادوا مكة.
[14] كذا في ر. والخويّ: واد بناحية الحمى. وفي ت، ء، م، أ: «الحوى» وفي سائر النسخ: «الحوبى» وكلاهما تحريف.
[15] المنتوى: المكان الذي تنتوي أن تذهب إليه.
[16] أمت: قصدت.
[17] في ت، ح، ر: «رأيتهن».
[18] رخصة ناعمة البشرة رقيقتها.
[19] الجهل: الحمق.
[20] الصبا: جهله الفتوة.
للحجبيّ رملا بالبنصر.
شعر عمر حين هجرته الثريا
قالوا: فلمّا هجرت الثّريّا عمر قال في ذلك:
من رسولي إلى الثّريّا فإنّي [1] ... ضقت ذرعا [2] بهجرها والكتاب [3]
فبلغ ابن أبي عتيق قوله، فمضى حتى أصلح بينهما. وهذه الأبيات تذكر مع ما فيها من الغناء ومع خبر إصلاح ابن أبي عتيق بينهما بعد انقضاء خبر رملة التي ذكرها عمر في شعره.
قال مصعب بن عبد اللّه في خبره: وكانت رملة جهمة [4] الوجه، عظيمة الأنف، حسنة الجسم، وتزوّجها عمر بن عبيد اللّه بن معمر، وتزوّج عائشة بنت طلحة بن عبيد اللّه وجمع بينهما، فقال يوما لعائشة: فعلت في محاربة الخوارج مع أبي فديك [5] كذا، وصنعت كذا، يذكر لها شجاعته وإقدامه. فقالت له عائشة: أنا أعلم أنّك/ أشجع الناس، وأعرف لك يوما هو أعظم من هذا اليوم الذي ذكرته. قال: وما هو؟ قالت: يوم اجتليت [6] رملة وأقدمت على وجهها وأنفها.
قال مصعب وحدّثني يعقوب بن إسحاق قال: لمّا بلغ الثّريا قول عمر بن أبي ربيعة [في رملة [7]]:
/وجلا بردها وقد حسرته ... نور بدر يضيء للناظرينا
قالت: أفّ له ما أكذبه! أو ترتفع [8] حسناء بصفته لها بعد رملة! وذكر ابن أبي حسّان عن الرّياشيّ عن العبّاس بن بكّار عن ابن دأب: أن هذا الشعر قاله عمر في امرأة من بني جمح كان أبوها من أهل مكة، فولدت له جارية لم يولد مثلها بالحجاز حسنا. فقال أبوها: كأنّي بها وقد
__________
[1] في «ديوانه»: «بأني».
[2] الذرع: الطاقة؛ يقال: ضاق بالأمر ذرعه وضاق به ذرعا، إذا ضعفت طاقته عن احتماله ولم يجد منه مخلصا.
[3] في «الكامل» للمبرّد طبع ليپزج ص 379: «و قوله: ضقت ذرعا يهجرها والكتاب، قوله «و الكتاب» قسم». على أنه يحتمل أن يكون: ضقت ذرعا بهجرها ومكاتبتها.
[4] الوجه الجهم: الغليظ في سماجة.
[5] هو رأس من رؤوس الخوارج، واسمه عبد اللّه بن ثور بن قيس بن ثعلبة بن تغلب، غلب على البحرين في سنة اثنين وسبعين من الهجرة، وقتل نجدة بن عامر الحنفيّ أحد رؤوس الخوارج بعد أن كان بايعه، ثم كان ممن اختلفوا على نجدة لأمور نقموها عليه.
وبعث إليه خالد بن عبد اللّه القسري أخاه أمية بن عبد اللّه في جند كثيف فهزمه أبو فديك، فكتب خالد بذلك إلى عبد الملك بن مروان، فوجه عبد الملك عمر بن عبيد اللّه بن معمر لقتال أبي فديك وأمره أن يندب معه من أحب من أهل البصرة وأهل الكوفة، فندب منهم عشرة آلاف وسار إلى البحرين فقاتلوا أبا فديك وأصحابه وقتلوا أبا فديك واستباحوا عسكره، وقتلوا منهم نحوا من ستة آلاف وأسروا ثمانمائة، ثم انصرفوا إلى البصرة. (انظر «الكامل» لابن الأثير طبع أوربا ج 4 ص 281 وكتاب «الملل والنحل» للشهرستاني طبع مصر ص 45 و46 و «خزانة الأدب» للبغدادي ج 2 ص 97).
[6] اجتلى عروسه: نظر إليها مجلوّة ليلة زفافها. وفي «الأغاني» (ج 11 من هذه الطبعة في أخبار عائشة بنت طلحة ونسبها): أن عمر بن عبيد اللّه قال لعائشة بنت طلحة وقد أصاب منها طيب نفس: ما مرّ بي مثل يوم أبي فديك؛ فقالت له: اعدد أيامك واذكر أفضلها؛ فعدّ يوم سجستان ويوم قطريّ بفارس ونحو ذلك. فقالت عائشة: قد تركت يوما لم تكن في أيامك أشجع منك فيه. قال: وأيّ يوم؟
قالت: يوم أرخت عليها وعليك رملة الستر. تريد قبح وجهها.
[7] زيادة في ت.
[8] في ت: «لن ترتفع».
كبرت، فشبّب بها عمر بن أبي ربيعة وفضحها ونوّه باسمها كما فعل بنساء قريش، واللّه لا أقمت بمكة. فباع ضيعة له بالطائف ومكة ورحل بابنته إلى البصرة، فأقام بها وابتاع هناك ضيعة، ونشأت ابنته من أجمل نساء زمانها [1].
ومات أبوها فلم تر أحدا من بني جمح حضر جنازته، ولا وجدت لها مسعدا [2] ولا عليها داخلا. فقالت لداية [3] لها سوداء: من/ نحن؟ ومن أيّ البلاد نحن؟ فخبّرتها. فقالت: لا جرم واللّه لا أقمت في هذا البلد الذي أنا فيه غريبة! فباعت الضيعة والدار، وخرجت في أيام الحج. وكان عمر يقدم فيعتمر [4] في ذي القعدة ويحلّ [5]، ويلبس تلك الحلل والوشي، ويركب النّجائب المخضوبة بالحنّاء عليها القطوع [6] والدّيباج، ويسبل لمّته، ويلقّى العراقيّات فيما بينه وبين ذات عرق محرمات، ويتلقّى المدنيّات إلى مرّ، ويتلقّى الشاميات إلى الكديد. فخرج يوما للعراقيّات فإذا قبّة مكشوفة فيها جارية كأنها القمر، تعادلها [7] جارية سوداء كالسّبجة [8].
فقال للسوداء: من أنت؟ ومن أين أنت يا خالة؟ فقالت: لقد أطال اللّه تعبك، إن كنت تسأل هذا العالم من هم ومن أين هم. قال: فأخبريني عسى أن يكون لذلك شأن. قالت: نحن من أهل العراق، فأمّا الأصل والمنشأ [9] فمكة، وقد رجعنا إلى الأصل ورحلنا [10] إلى بلدنا، فضحك. فلما نظرت إلى سواد ثنيّتيه قالت: قد عرفناك.
قال: ومن أنا؟ قالت: عمر بن أبي ربيعة. قال: وبم عرفتني؟
قالت: بسواد ثنّيتيك وبهيئتك التي ليست إلّا لقريش، فأنشأ يقول:
قلت من أنتم فصدّت وقالت ... أمبدّ سؤالك العالمينا
وذكر الأبيات:
فلما يزل عمر بها حتى تزوّجها وولدت له.
خبر صلح الثريا وعمر ووساطة ابن أبي عتيق في ذلك
قال: فلما صرمت الثريّا عمر قال فيها:
__________
[1] في ت، ح، ر: «نساء أهل زمانها».
[2] المسعد: من تساعد المرأة في النوح على فقيدها من جاراتها أو ذوات قرابتها.
[3] الداية: المرضع، وقد تظل مع الطفلة تربيها حتى تشبّ؛ قال الفرزدق:
ربيبة دايات ثلاث رببنها ... يلقمنها من كل سخن ومبرد
[4] أصل معنى الاعتمار الزيارة في موضع عامر. وهي في الشرع زيارة البيت الحرام بالشروط المخصوصة المعروفة وهي الطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة. والعمرة تكون في السنة كلها بخلاف الحج فإنه لا يكون إلا في أشهره المعلومة ولا يصح إلا مع الوقوف بعرفة.
[5] يحل: يخرج من إحرامه في العمرة.
[6] القطوع: جمع قطع وهو الطنفسية يجعلها الراكب تحته وتغطى كتفي البعير.
[7] تعادلها: تركب معها في أحد شقي المحمل.
[8] السبجة: كساء أسود.
[9] في ح، ر: «و البيت».
[10] في ت: «و دخلنا».
صوت
من رسولي إلى الثريا فإنّي [1] ... ضقت ذرعا بهجرها والكتاب
سلبتني مجّاجة [2] المسك عقلي ... فسلوها ماذا أحلّ اغتصابي
وهي مكنونة تحيّر منها ... في أديم الخدّين ماء الشباب
أبرزوها مثل المهاة تهادى [3] ... بين خمس كواعب أتراب
ثم قالوا تحبّها قلت بهرا ... عدد القطر والحصى والتراب
الغناء لابن [4] عائشة خفيف ثقيل أوّل بالبنصر عن عمرو، وذكر حبش أنه لمالك.
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثني مؤمن بن عمر بن أفلح مولى فاطمة بنت الوليد قال أخبرني بلال مولى ابن أبي عتيق قال: أنشد ابن أبي عتيق قول عمر:
من رسولي إلى الثريّا فإني ... ضقت ذرعا بهجرها والكتاب
/ فقال ابن أبي عتيق: إيّاي أراد وبي نوّه! لا جرم واللّه لا أذوق أكلا [5] حتى أشخص [6] فأصلح بينهما، ونهض ونهضت معه، فجاء إلى قوم من بني الدّيل بن بكر لم تكن تفارقهم نجائب لهم فره [7] يكرونها [8]، فاكترى منهم راحلتين وأغلى [9] لهم. فقلت له:/ استوضعهم أو دعني أماكسهم، فقد اشتطّوا [10] عليك.
فقال: ويحك! أما علمت أنّ المكاس ليس من أخلاق الكرام! ثم ركب إحدهما وركبت الأخرى، فسار سيرا شديدا، فقلت: أبق على نفسك، فإنّ ما تريد ليس يفوتك. فقال: ويحك!
أبادر حبل الودّ أن يتقضّبا [11]
وما حلاوة الدنيا إن تمّ الصّدع [12] بين عمر والثريّا! فقدمنا ليلا غير محرمين، فدقّ على عمر بابه، فخرج إليه وسلّم عليه ولم ينزل عن راحلته، فقال له: اركب أصلح بينك وبين الثريّا، فأنا رسولك الذي سألت عنه. فركب معنا وقدمنا الطائف، وقد كان عمر أرضى أمّ نوفل فكانت تطلب له الحيل لإصلاحها فلا يمكنها. فقال ابن أبي عتيق
__________
[1] في «ديوانه»: «بأني».
[2] مجاجة المسك، يريد بذلك وصفها بطيب ريقها وبأنه كالمسك.
[3] تهادى، يريد يهدي بعضها بعضا في مشيتها («الكامل» للمبرد طبع ليپزج ص 379).
[4] في ح، ر: «لابن سريج».
[5] في ر: «أكالا». والأكل بالضم وبضمتين والأكال كسحاب: ما يؤكل.
[6] أشخص: أذهب. والشخوص: السير من بلد إلى بلد.
[7] في ت: «فرهة». والفره والفرهة بالضم، والفرّه والفرهة بضم الفاء وتشديد الراء، من جموع فاره. والفاره من الدواب: النشيط الحادّ القوي.
[8] يكرونها: يؤجرونها.
[9] أغلى لهم: بذل لهم أجرا غاليا.
[10] أي أسألهم أن يحطوا عنك بعض هذا الأجر، أودعني أشاحهم فقد جاوزوا القدر.
[11] يتقضب: يتقطع.
[12] أصل معنى الصدع الشق في الشيء الصلب كالزجاجة والحائط وغيرهما. والمراد به هنا التفرّق.
للثريّا: هذا عمر قد جشّمني السفر من المدينة إليك، فجئتك به معترفا لك بذنب لم يجنه، معتذرا إليك من إساءته إليك، فدعيني من التّعداد والتّرداد، فإنه من الشعراء الذين يقولون ما لا يفعلون، فصالحته أحسن صلح وأتمّه وأجمله، وكررنا إلى مكة، فلم ينزلها ابن أبي عتيق حتى رحل. وزاد عمر في أبياته:
أزهقت أمّ نوفل إذ دعتها ... مهجتي [1]، ما لقاتلي من متاب
حين قالت لها أجيبي فقالت ... من دعاني؟ قالت أبو الخطّاب
فاستجابت عند الدعاء كما لبّى رجال يرجون حسن الثواب/ قال الزّبير: وما دعتها أمّ نوفل إلا لابن أبي عتيق، ولو دعتها لعمر ما أجابت. قال: وسألت عمّي عن أمّ نوفل، فقال: هي أمّ ولد عبد اللّه بن الحارث أبي [2] الثريّا. وسألته عن قوله:
............ .. كما لبّى ... رجال يرجون حسن الثواب
فقال: كرّرت في التلبية كما يفعل المحرم، فقالت: لبّيك لبيك.
وأخبرني حبيب بن نصر قال حدّثنا الزّبير بن بكّار عن عمّه أنّ [3] بعض المكّيّين قال: كانت الثريّا تصبّ عليها جرّة ماء وهي قائمة فلا يصيب ظاهر فخذيها منه شيء من عظم عجيزتها.
وأخبرني حبيب بن نصر قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثنا أبو غسّان محمد بن يحيى بخبر الثريّا هذا مع عمر، فذكر نحوا مما ذكره الزّبير، وقال فيه: لمّا أناخ ابن أبي عتيق بباب الثريّا أرسلت إليه: ما حاجتك؟ قال: أنا رسول عمر بن أبي ربيعة وأنشدها الشعر. فقالت: ابن أبي ربيعة فارغ [4] ونحن في شغل، وقد تعبت فانزل بنا.
فقال: ما أنا إذا برسول. ثم كرّ راجعا إلى ابن أبي ربيعة بمكة فأخبره الخبر فأصلح بينهما.
حدّثني أحمد بن عبيد [5] اللّه بن عمار قال حدّثني يعقوب بن نعيم قال حدّثني إبراهيم بن إسحاق العنزيّ [6] قال حدّثني عبد اللّه بن إبراهيم الجمحيّ، وأخبرني به الحسين [7] /بن يحيى عن حمّاد عن أبيه عن أيّوب بن عباية، وأخبرني به الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير عن مؤمن بن عمر بن أفلح عن [8] عبد العزيز بن عمران، قالوا: قدم عمر بن أبي ربيعة المدينة، فنزل على ابن أبي عتيق - وهو عبد اللّه [بن محمد [9]] بن عبد الرحمن بن أبي بكر - فلمّا استلقى قال: أوّه!.
__________
[1] في «الكامل» للمبرد طبع ليپزج ص 379: «و قوله: أزهقت أم نوفل إذ دعتها مهجتي، تأويله: أبطلت وأذهبت؛ قال اللّه عز وجل:
(فيدمغه فإذا هو زاهق)». يريد: أذهبت أم نوفل نفسي إذ كنت أخشى ألا تجيبها الثريا لوصالي.
[2] كذا في ت، ح، ر. وفي سائر النسخ: «ابن الثريا» وهو تحريف.
[3] في ت، أ، م، ء: «عن بعض».
[4] فارغ: ليس عنده ما يشغله.
[5] في ح، ر: «عبد اللّه» وهو تحريف إذ تقدّم ذكره مرارا «عبيد اللّه».
[6] لا ندري أهو منسوب إلى عنزة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان أم إلى عنز بن وائل بن قاسط، وكلاهما أبو قبيلة.
وفي ت: «العمري». وفي ح، ر: «المقري».
[7] في ح، ر: «الحسن» وهو تحريف. وقد تقدّم ذكره مرارا «الحسين بن يحيى».
[8] كذا في ح، ر. وفي سائر النسخ: «أفلح بن عبد العزيز» وهو تحريف.
[9] زيادة ليست في الأصول؛ لأن اسم أبي عتيق محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، واسم ابن أبي عتيق عبد اللّه.
/
من رسولي إلى الثريّا فإنّي ... ضقت ذرعا بهجرها والكتاب
فقال ابن أبي عتيق: كلّ مملوك لي حرّ إن بلّغها ذاك غيري. فخرج، حتى إذا كان بالمصلّى مرّ بنصيب وهو واقف فقال: يا أبا محجن. قال لبّيك! قال: أتودع إلى سلمى [1] شيئا؟ قال: نعم. قال: وما ذاك؟ قال: تقول لها يابن الصّدّيق: إنك مررت بي فقلت لي أتودع إليها شيئا، فقلت:
أ تصبر عن سلمى وأنت صبور ... وأنت بحسن العزم منك جدير
وكدت ولم أخلق من الطير إن بدا ... سنى بارق نحو الحجاز أطير
قال: فمرّ بسلمى وهي في قرية يقال لها «القسريّة [2]»، فأبلغها الرّسالة، فزفرت زفرة كادت أن تفرّق [3] أضلاعها. فقال ابن أبي عتيق: كلّ مملوك لي حرّ إن لم يكن جوابك أحسن من رسالته، ولو سمعك الآن لنعق وصار غرابا. ثم مضى إلى الثريّا فأبلغ الكتاب. فقالت له: أما وجد رسولا أصغر منك! انزل فأرح [4]. فقال: لست/ إذا برسول! وسألها أن ترضى عنه، ففعلت. وقال الزّبير في خبره: فقال لها: أنا رسول ابن أبي ربيعة إليك، وأنشدها الأبيات، وقال لها: خشيت أن تضيع هذه الرسالة. قالت: أدّى اللّه عنك [5] أمانتك. قال: فما جواب ما تجشّمته إليك؟ قالت: تنشده قوله في رملة:
وجلا بردها وقد حسرته [6] ... ضوء بدر أضاء للناظرينا
فقال: أعيذك باللّه يابنة أخي أن تغلبيني بالمثل السائر. قالت: وما هو؟ قال: «حريص لا يرى عمله [7]».
قالت: فما تشاء؟ قال: تكتبين إليه بالرضا عنه كتابا يصل على يدي، ففعلت. فأخذ الكتاب ورجع من فوره حتى قدم مكة، فأتى عمر. فقال له: من أين أقبلت؟ قال: من حيث أرسلتني. قال: وأنّى ذلك؟ قال: من عند الثريّا،
__________
[1] سيأتي في أخبار نصيب ص 364 من هذا الجزء هذا الخبر بنص قريب من هذا وأن اسمها «سعدى»، وأن الشعر
أ تصبر عن سعدى وأنت صبور
البيتين.
[2] في أ، م، ء: «القشيرية» ولم نعثر عليهما في «ياقوت» و «البكري». على أن قسرا بطن من قيس، وقيسا بطن من بجيلة ينسب إليها خالد بن عبد اللّه القسري. والقشيرية: نسبة إلى قشير وهو أبو قبيلة من هوازن، ينسب إليه أبو الحسن مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري أحد أئمة الحديث، وصحيحه معروف مشهور.
[3] في ح، ر: «تفرّق بين أضلاعها».
[4] أي فأرح دابتك وأرح نفسك.
[5] في ح، ر، ب، س: «أدّى اللّه عن أمانتك».
[6] ورد هذا الشطر في ت هكذا:
وجلا برد بركة جنديّ
فإن كانت هذه الرواية صحيحة فالمراد من البركة نوع من برود اليمن، كما في «شرح القاموس» (مادة «برك»)؛ قال مالك بن الريب:
إنا وجدنا طرد الهوامل ... بين الرّسيسين وبين عاقل
والمشي في البركة والمراجل ... خيرا من التأنان في المسائل
وفي «اللسان» مادتي «أنن» و «همل»: «و المسائل». والجنديّ: نسبة إلى الجند وهو أحد مخاليف اليمن. وفي أ، م، ء: «و جلا بردها بركة جندي» وهو تحريف.
[7] قد يراد به ما يراد بالمثل الوارد في الميداني وهو: «الحريص محروم» أو «الحرص قائد الحرمان». يريد أن يقول لها: إنه لا يريد أن يحرم نتيجة عمله كما يحرم الحريص عادة.
أفرخ [1] روعك! هذا كتابها بالرضا عنك إليك.
تغنّي ابن عائشة بشعر عمر في مجلس حسن بن حسن بن عليّ
أخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد عن أبيه عن أيّوب بن عباية قال:
اجتمع ابن عائشة ويونس ومالك [2] عند حسن بن حسن بن عليّ - عليهم السّلام - فقال الحسن لابن عائشة:
غنّني «من رسولي إلى الثريا ... »؛ فسكت عنه فلم يجبه. فقال له جليس له: أيقول لك غنّني فلا تجيبه! فسكت.
فقال له الحسن: مالك؟ ويحك! أبك خبال [3]! كان واللّه ابن أبي عتيق أجود منك بما عنده؛ فإنّه لمّا سمع هذا الشعر قال لابن أبي ربيعة: أنا رسولك إليها، فمضى نحو الثريّا حتى أدّى رسالته، وأنت معنا في المجلس تبخل أن تغنّيه [4] لنا! فقال له: لم أذهب حيث ظننت، إنما كنت أتخيّر لك أيّ الصوتين أغنّي: أقوله:
من رسولي إلى الثريّا فإنّي ... ضافني الهمّ واعترتني الهموم
يعلم اللّه أنّني مستهام ... بهواكم وأنّني مرحوم
/ أم قوله:
من رسولي إلى الثريّا فإنّي ... ضقت ذرعا بهجرها والكتاب
فقال له الحسن: أسأنا بك الظّنّ أبا جعفر، غنّ بهما جميعا، فغنّاهما. فقال له الحسن: لو لا أنّك تغضب إذا قلنا لك: أحسنت، لقلت لك: أحسنت واللّه! قال: ولم يزل يردّدهما بقيّة يومه.
عمر وابن أبي عتيق وإنشاده شعره في الثريا
/ أخبرنا الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير قال حدّثني يعقوب بن إسحاق الرّبعيّ عن أبيه قال:
أنشد عمر بن أبي ربيعة ابن أبي عتيق قوله:
__________
[1] أفرخ روعك: سكّن جائشك وأمن. ويقال: ليفرخ روعك، أي ليذهب عنك رعبك وفزعك؛ فإن الأمر ليس على ما تحاذر. وهو مثل، وأصله لمعاوية كتب به إلى زياد. وذلك أنه كان على البصرة، وكان المغيرة بن شعبة على الكوفة فتوفى بها، فخاف زياد أن يولّى معاوية عبد اللّه بن عامر مكانه، فكتب إلى معاوية يخبره بوفاة المغيرة ويشير عليه بتولية الضحاك بن قيس مكانه؛ ففطن له معاوية وكتب إليه: قد فهمت كتابك فأفرخ روعك أبا المغيرة، وقد ضممنا إليك الكوفة مع البصرة. ويقال: ليفرخ فؤادك؛ قال الشاعر:
وقل للفؤاد إن نزا بك نزوة ... من الروع أفرخ أكثر الروع باطله
قال الأزهريّ: كل من لقيته من اللغويين يقول: أفرخ روعه، بفتح الراء، إلا ما أخبرني به المنذريّ عن أبي الهيثم أنه كان يقول: إنما هو أفرخ روعه بضم الراء. قال: ومعناه خرج الرّوع من قلبه ... والروع بالضم وهو القلب موضع الروع بالفتح؛ فالرّوع في الرّوع كالفرخ في البيضة؛ فكما يقال: أفرخت البيضة إذا انفلقت عن الفرخ فخرج منها، يقال: أفرخ فؤاد الرجل إذا خرج روعه منه؛ قال ذو الرمة وقد قلبه لوضوح المعنى:
جذلان قد أفرخت عن روعه الكرب
قال الأزهريّ: والذي قاله أبو الهيثم بيّن غير أني أستوحش منه لانفراده بقوله. وقد استدرك الخلف على السلف أشياء ربما زلوا فيها، فلا تنكر إصابة أبي الهيثم كان له حظ من العلم موفر رحمه اللّه.
[2] في ح، ر: «و خالد».
[3] كذا في ت، ح، ر. وفي سائر النسخ: «إنك بخيل».
[4] في ح، ر: «بأن»؛ وكلاهما صحيح.
لم تر العين للثريّا شبيها ... بمسيل التّلاع [1] يوم التقينا
فلما بلغ إلى قوله:
ثم قالت لأختها قد ظلمنا ... إن رددناه [2] خائبا واعتدينا
قال: أحسنت والهدايا [3] وأجادت. ثم أنشده ابن أبي عتيق متمثّلا قول الشاعر:
أريني [4] جوادا مات هزلا لعلّني ... أرى ما ترين أو بخيلا مخلّدا
فلمّا بلغ عمر إلى قوله في الشعر:
في خلاء من الأنيس وأمن
/ قال ابن أبي عتيق: أمكنت للشّارب [5] الغدر «من عال بعدها فلا انجبر» [6].
فلمّا بلغ إلى قوله:
فمكثنا كذاك عشرا تباعا ... في قضاء لديننا واقتضينا [7]
قال: أما واللّه ما قضيتها ذهبا ولا فضة ولا اقتضيتها إيّاه، فلا عرّفكما اللّه قبيحا! فلمّا بلغ إلى قوله:
كان ذا في مسيرنا إذ حججنا ... علم اللّه فيه ما قد نوينا
__________
[1] التلاع: جمع تلعة وهي مجرى الماء من أعلى الوادي إلى بطون الأرض.
[2] في «ديوانه»: «رجعناه».
[3] في ب، س: «ردّ الهدايا» وهو تحريف؛ إذ أن الواو هنا للقسم. والهدايا: جمع هدية وهي ما يهدى إلى البيت الحرام من النعم لتنحر.
[4] كذا فيء، س، أ، م.
وفي سائر النسخ: «أروني جوادا ... ما ترون». والبيت لحاتم الطائي يخاطب امرأته.
[5] في ت: «أمكنت الشاب العذر». وفي أ، م، ء: «أمكنت للشارب العذر». وورد في سائر النسخ هو وما بعده بيت شعر هكذا:
أمكنت السائب الغرر ... من عال بعدها فلا انجبر
وكل ذلك تحريف. والصواب:
مكنت للشارب الغدر
وهو مأخوذ من قول عمر بن أبي ربيعة في قصيدته التي أوّلها:
يا خليلي هاجني ذكر ... وحمول الحيّ إذ صدروا
ومنها:
سلكوا خلّ الصّفاح لهم ... زجل أحداجهم زمر
قال حاديهم لهم أصلا ... أمكنت للشارب الغدر
والغدر: جمع غدير وهو القطعة من الماء يغادرها السيل أي يتركها. قال ابن سيده: هذا قول أبي عبيد، فهو إذن فعيل في معنى مفعول على اطراح الزائد. وقد قيل: إنه من الغدر لأنه يخون ورّاده فينضب عنهم، ويغدر بأهله فينقطع عند شدة الحاجة إليه. يريد أن يقول له: قد أمكنتك الفرص فانتهزها وأنت مستكنّ وإياها في خلاء من الناس وفي مأمن منهم.
[6] هذا مثل أورده الميداني «و لسان العرب»: «من عال بعدها فلا اجتبر». يقال: جبرته فجبر وانجبر، أي استغنى. وعال: افتقر. وهو من قول عمرو بن كلثوم:
من عال منّا بعدها فلا اجتبر ... ولا سقى الماء ولا رعى الشجر
وفي «اللسان» مادة جبر:
ولا سقى الماء ولا راء الشجر
يضرب في اغتنام الفرصة عند الإمكان.
[7] في «ديوانه»:
فقضينا ديوننا واقتضينا
قال: إنّ ظاهر أمرك ليدلّ على باطنه، فأرود [1] التفسير، ولئن متّ لأموتنّ معك، أفّ للدنيا بعدك يا أبا الخطّاب! فقال له عمر: بل عليها بعدك العفاء يا أبا محمد! / قال: فلقي الحارث بن خالد ابن أبي عتيق فقال: قد بلغني ما دار بينك وبين ابن أبي ربيعة، فكيف لم تتحلّلا منّي [2]؟ فقال له ابن أبي عتيق: يغفر اللّه لك يا أبا عمرو، إن ابن أبي ربيعة يبرىء القرح [3]، ويضع الهناء مواضع النّقب [4]، وأنت جميل الخفض [5]. فضحك الحارث بن خالد وقال: «حبّك الشيء يعمي ويصمّ» [6]. فقال: هيهات أنا بالحسن عالم نظّار!
خبر السواد في ثنّيتي عمر
وأمّا خبر السّواد في ثنيّتي عمر فإن الزبير بن بكّار ذكره عن عمّه مصعب في خبره: أنّ امرأة غارت عليه فاعترضته بمسواك كان في يدها فضربت به ثنيّتيه فاسودّتا.
وذكر إسحاق الموصليّ عن أبي عبد اللّه [7] المسيّبيّ وأبي الحسن المدائنيّ: أنه أتى الثريّا يوما ومعه صديق له كان يصاحبه ويتوصّل بذكره في الشعر، فلمّا كشفت الثريّا السّتر وأرادت الخروج إليه، رأت صاحبه فرجعت. فقال لها: إنه ليس ممّن أحتشمه [8] ولا أخفي عنه شيئا؛ واستلقى فضحك - وكان النساء إذ ذاك يتختّمن في أصابعهنّ العشر - فخرجت إليه فضربته بظاهر كفّها، فأصابت الخواتيم ثنيّتيه/ العليين فنغضتا [9] وكادتا تسقطان، فقدم البصرة فعولجتا له، فثبتتا واسودّتا. فقال الحزين الكنانيّ يعيّره [10] بذلك - وكان عدوّه وقد بلغه خبره - :
ما بال سنّيك أم ما بال كسرهما [11] ... أهكذا كسرا في غير ما باس
__________
[1] في م، أ، ء: «فأورد بالتفسير». وفي سائر النسخ عدا نسخة ت: «فأورد التفسير». وأورد إنما يتعدّى بنفسه لا بالباء. ولعل المراد قد بان لنا أمرك ودل على باطنك ظاهرك فصرّح بما كان.
وفي ت: فأرود بالتفسير». يقال: أرود به إروادا إذا رفق؛ ومنه الحديث: «رويدك رفقا بالقوارير». وهو يتعدّى بالباء. ويقال: أرود إذا ترك، وهو يتعدّى بنفسه لا بالباء وهو الذي يقتضيه سياق الكلام. فلعل الباء هنا من زيادة الناسخ. والمراد: إن ظاهر أمرك ليدل على باطنه، فدع التفسير فلا حاجة إليه.
[2] لم تتحللا مني: لم تسألاني أن أجعلكما في حلّ.
[3] قال الليث: القرح: جرب شديد يأخذ الفصلان فلا تكاد تنجو. والفصلان: جمع فصيل وهو ولد الناقة. وقال الأزهريّ: الذي قاله الليث من أن القرح جرب شديد الخ غلط، إنما القرحة داء يأخذ البعير فيهدل مشفره منه.
[4] النّقب والنّقب: القطع المتفرقة من الجرب، الواحدة نقية؛ وقيل: هي أوّل ما يبدو من الجرب؛ قال دريد بن الصمة:
متبذلا تبدو محاسنه ... يضع الهناء مواضع النّقب
[5] الخفض: الدعة.
[6] أي يخفى عليك مساويه، ويصمّك عن سماع العذل فيه.
[7] في ت: «عبيد اللّه».
[8] قال في «اللسان» و «شرح القاموس» (مادة حشم): وقد احتشم عنه ومنه؛ ولا يقال: احتشمه، فأما قول القائل: ولم يحتشم ذلك فإنه حذف «من» وأوصل الفعل. وفي أساس البلاغة: «أنا أحتشمك وأحتشم منك، أي أستحي».
[9] كذا في ح، ر. وفي ت: «فنغضتا وخاف أن يسقطا». ونغضت سنه تنغض وتنغض: قلقت وتحرّكت. وفي سائر النسخ: «و كادت أن تقلعهما وخاف أن يسقطا».
[10] ستأتي ترجمته في الجزء الرابع عشر من «الأغاني».
[11] في ت: «أم ما شأن حسنهما».
أم نفحة [1] من فتاة [2] كنت تألفها ... أم نالها [3] وسط شرب [4] صدمة الكاس
قال: ولقيه الحزين الكنانيّ يوما فأنشده هذين البيتين؛ فقال له عمر: اذهب [5] اذهب، ويلك! فإنك لا تحسن أن تقول:
صوت
ليت هندا أنجزتنا ما تعد ... وشفت أنفسنا مما تجد
واستبدّت مرة واحدة ... إنّما العاجز من لا يستبدّ
/ لابن سريج في هذا الشعر [6] رمل بالخنصر في مجرى البنصر عن إسحاق، وخفيف رمل [أيضا] [7] في هذه الإصبع وهذا المجرى عن ابن المكيّ. ولمالك [فيه] [8] ثقيل أوّل عن الهشاميّ. ولمتّيم ثاني ثقيل عن ابن المعتزّ. وذكر أحمد [9] بن أبي العلاء عن مخارق أنّ خفيف الرّمل ليحيى المكيّ صنعه وحكى فيه لحن [هذا الصوت] [10]:
اسلمي يا دار من هند [11]
خبر الثريا مع الحارث بن عبد اللّه الملقب بالقباع
حدّثني عليّ بن صالح قال حدّثني أبو هفّان عن إسحاق الموصليّ عن رجاله المذكورين:
أنّ الثّريّا واعدت عمر بن أبي ربيعة أن تزوره، فجاءت في الوقت الذي ذكرته، فصادفت أخاه الحارث قد
__________
[1] كذا في ت. وفي سائر الأصول: «أنفحة». والنفحة: الضربة.
[2] في ر: «أناة» والأناة من النساء: التي فيها فتور عن القيام وتأنّ، والوهنانة نحوها.
[3] أعاد الضمير على المثنى مفردا بتأويل المذكور أو ذلك، مما يصح إطلاقه على الواحد والمتعدّد؛ ومثاله قوله تعالى: (وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ)
، وقول رؤبة:
فيها خطوط من سواد وبلق ... كأنه في الجلد توليع البهق
روى أن أبا عبيدة قال لرؤبة لما أنشد هذا البيت: إن أردت الخطوط فقل كأنها، أو السواد والبلق فقل كأنهما؛ فقال: أردت ذلك.
(انظر «المغنى» مع حاشية الدسوقي طبع بولاق ج 2 ص 392 و «تفسير الآلوسي» طبع بولاق الجزء الثالث ص 331). وقد يوجه بأنه جعل السنّين كالمثنى الذي حكمه حكم الواحد كالعينين والأذنين؛ فإنك تقول: رأته عيناي فما كذبتها. وعلى هذا لو كان «كسرت» بدل «كسرا» في البيت الأول لكان خيرا من تذكير الضمير.
[4] الشرب: الجماعة يشربون الخمر.
[5] لم تتكرر هذه الكلمة في ت، ح، ر.
[6] في ت: «في هذين البيتين».
[7] زيادة في ت.
[8] زيادة في ر.
[9] كذا في ت. وفي سائر النسخ: «و لأحمد بن أبي العلاء عن مخارق خفيف الرمل ليحيى المكيّ الخ».
[10] زيادة في ت.
[11] سيأتي في الجزء الخامس من «الأغاني» (ص 200 من هذه الطبعة) في نسب إبراهيم الموصليّ وأخباره هذا الشعر: «ليت هند الخ» وبعده: «الشعر لعمر بن أبي ربيعة ... إلى قوله: وفيه لمالك خفيف ثقيل بالخنصر والبنصر عن يحيى المكيّ، وذكره إسحاق في هذه الطريقة ولم ينسبه إلى أحد، وقال الهشاميّ: أدل شيء على أنه لمالك شبهه للحنة:
إسلمي يا دار من هند
الخ»
طرقه [1] وأقام عنده، ووجّه به في حاجة له ونام مكانه وغطّى وجهه بثوبه، فلم يشعر إلا بالثريّا قد ألقت نفسها عليه تقبّله، فانتبه وجعل يقول: اعزبي [2] عنّي فلست بالفاسق، أخزاكما اللّه! فلمّا علمت بالقصّة انصرفت. ورجع عمر فأخبره الحارث بخبرها؛ فاغتمّ لما فاته منها، وقال: أما واللّه لا تمسّك النار أبدا وقد ألقت نفسها عليك. فقال له الحارث: عليك وعليها لعنة اللّه.
/ وأخبرني بهذه القصّة الحرميّ بن أبي العلاء عن الزبير بن بكّار عن يعقوب بن إسحاق الربعيّ عن الثقة عنده عن ابن جريج عن عثمان بن حفص الثّقفيّ:
أنّ الحارث بن عبد اللّه زار أخاه، ثم ذكر نحوا من الذي ذكره إسحاق، وقال فيه: فبلغ عمر خبرها، فجاء إلى أخيه الحارث وقال له: جعلت فداءك! مالك ولأمة الوهّاب [ابنتك] [3]؟ أتتك مسلّمة عليك فلعنتها وزجرتها [4] وتهدّدتها، وها هي تيك [5] باكية. فقال: وإنها لهي! قال: ومن تراها تكون؟ قال: فانكسر [6] الحارث عنه وعن لومه.
تزوّج الثريا بسهيل في غيبة عمر وما قاله من الشعر في ذلك
أخبرني عليّ بن صالح قال حدّثني أبو هفّان عن إسحاق بن إبراهيم عن جعفر بن سعيد عن أبي سعيد مولى فائد [7] هكذا قال إسحاق، وأخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير قال حدّثني جعفر بن سعيد عن أبي عبيدة بن محمد بن عمّار [8]. ورواه أيضا حمّاد بن أسحاق عن أبيه عن جعفر بن سعيد [9] فقال فيه: عن أبي عبيدة العمّاريّ [10]، ولم يذكر أبا سعيد مولى فائد، قالوا [11]:
تزوّج سهيل بن عبد العزيز بن مروان الثريّا - وقال الزبير: بل تزوّجها أبو الأبيض سهيل بن عبد الرحمن بن عوف - فحملت إليه وهو بمصر. والصواب [12] /قول من قال: سهيل بن عبد العزيز؛ لأنه كان هناك منزله، ولم يكن لسهيل بن عبد الرحمن هناك موضع. فقال عمر:
__________
[1] طرقه: جاءه ليلا.
[2] في ت، ح، ر: «اغربي» وكلاهما بمعنى واحد وهو البعد.
[3] زيادة في ت.
[4] في ت: «فزبرتها ونهرتها». والزّبر والنّهر بمعنى واحد.
[5] في ت: «تلك».
[6] انكسر: انكفّ وانصرف.
[7] في. ت: «قائد».
[8] كذا في ت. وفي سائر الأصول: «عمارة» والموجود في «كتب التراجم»: «أبو عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر».
[9] كذا في ت، وهو الموافق لما تقدم في جميع النسخ. وفي سائر النسخ: «بن معبد».
[10] كذا في ت، ر، وهو الصواب، إذ هو أبو عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر المذكور قبله. وفي سائر النسخ: «العمري» وهو تحريف.
[11] في ت: «قال».
[12] الذي في ابن خلكان ج 1 ص 538: أنه سهيل بن عبد الرحمن بن عوف الزهري، ومثله ما في «خزانة الأدب» ج 1 ص 238، ثم قال: وزعم بعضهم أن سهيلا هذا هو ابن عبد العزيز بن مروان، والصحيح الأوّل أه.
صوت
أيّها المنكح الثريّا سهيلا ... عمرك اللّه [1] كيف يلتقيان
هي شاميّة إذا ما استقلّت [2] ... وسهيل إذا استقلّ يماني [3]
الغناء للغريض خفيف ثقيل بالبنصر. وفيه لعبد اللّه بن العباس ثاني ثقيل بالبنصر. وأوّل هذه القصيدة:
//
أيّها الطارق الذي قد عناني [4] ... بعد ما نام سامر [5] الرّكبان
زار من نازح [6] بغير دليل ... يتخطّى إليّ حتى أتاني
وذكر الرّياشيّ عن ابن [7] زكريّا الغلابيّ عن محمد بن عبد الرحمن التّيميّ عن أبيه عن هشام بن سليمان بن [8] عكرمة بن خالد المخزوميّ قال:
كان عمر بن أبي ربيعة قد ألحّ على الثريّا بالهوى، فشقّ ذلك على أهلها، ثم إنّ مسعدة بن عمرو أخرج عمر إلى اليمن في أمر عرض [9] له، وتزوّجت الثريّا وهو غائب، فبلغه تزويجها وخروجها إلى مصر، فقال:
أيّها المنكح الثريّا سهيلا ... عمرك اللّه كيف يلتقيان
وذكر الأبيات. وقال في خبره: ثم حمله الشوق على أن سار إلى المدينة فكتب إليها:
__________
[1] قال الجوهري: إذا قلت عمرك اللّه فكأنك قلت: بتعميرك اللّه أي بإقرارك له بالبقاء. وقول عمر بن أبي ربيعة:
عمرك اللّه كيف يجتمعان
يريد سألت اللّه أن يطيل عمرك؛ لأنه لم يرد القسم بذلك. وقال المبرد في قوله عمرك اللّه: إن شئت جعلت نصبه بفعل أضمرته، وإن شئت نصبته بواو حذفته فكأنك قلت وعمرك اللّه، وإن شئت كان على قولك عمّرتك اللّه تعميرا ونشدتك اللّه نشيدا، ثم وضعت «عمرك» في موضع التعمير؛ وأنشد فيه:
عمّرتك اللّه إلا ما ذكرت لنا ... هل كنت جارتنا أيام ذي سلّم
يريد ذكّرتك اللّه. والكسائيّ يرى أن عمرك اللّه نصب على معنى عمرتك اللّه أي سألت اللّه أن يعمرك؛ كأنه قال: عمّرت اللّه إياك.
(راجع «اللسان» مادة عمر).
[2] استقلّت: ارتفعت.
[3] بين الثريا وسهيل تورية لطيفة؛ فإن الثريا يحتمل المرأة المذكورة وهي المعنى البعيد المورّى عنه. وهو المراد، ويحتمل ثريا السماء وهي المعنى القريب المورّى به. وسهيل يحتمل الرجل المذكور وهو المعنى البعيد المورّى عنه وهو المراد، ويحتمل النجم المعروف بسهيل. فتمكن للشاعر أن ورّى بالنجمين عن الشخصين، ليبلغ من الإنكار على من جمع بينهما ما أراد. وهذه أحسن تورية وقعت في شعر المتقدّمين. وقد كانت الثريا مشهورة في زمانها بالحسن والجمال، وكان سهيل قبيح النظر، وهذا مراده بقوله:
عمرك اللّه كيف يلتقيان
أي كيف يلتقيان مع تفاوت ما بينهما في الحسن والقبح أه من «خزانة الأدب» للبغدادي ج 1 ص 239.
[4] عناني: قصدني.
[5] السامر: يطلق على الواحد والجمع؛ قال تعالى: (مستكبرين به سامرا تهجرون). قال أبو إسحاق في تفسيره: سامرا يعني سمّارا.
[6] من نازح: من مكان بعيد. وفي «ديوانه» المطبوع بليپزج، ضبط هكذا: «من نازح» يريد الذي هو نازح. وهو وجه بعيد.
[7] كذا في ر، وهو الصواب؛ إذ هو أبو بكر محمد بن زكريا بن دينار الغلابي (انظر الحاشية رقم 2 ص 52 من هذا الجزء). وفي ت، أهكذا: «ركويه». وفي ء: «زكوية» وكلاهما محرّف عن «زكرويه» وقد ورد في «أنساب السمعاني» فيمن نسبته الغلابي بالتخفيف في «ترجمة» ابن زكريا أنه عرف «بزكرويه». وفي سائر النسخ: «أبي زكريا» وهو تحريف.
[8] كذا في ت. وفي سائر النسخ: «عن عكرمة» وهو تحريف (انظر الحاشية رقم 3 صفحة 198 من هذا الجزء).
[9] في م، ء: «غرض» وهو تصحيف. وفي ت: «علق به عليه».
كتبت إليك من بلدي ... كتاب مولّه كمد
كئيب واكف [1] العيني ... ن بالحسرات منفرد
يؤرّقه لهيب الشّو ... ق بين السّحر [2] والكبد
فيمسك قلبه بيد ... ويمسح عينه بيد
/ وكتبه في قوهيّة [3] وشنفه [4] وحسّنه وبعث به إليها. فلّما قرأته بكت بكاء شديدا، ثم تمثّلت:
بنفسي من لا يستقلّ بنفسه ... ومن هو إن لم يحفظ [5] اللّه ضائع
وكتبت إليه تقول:
أتاني كتاب لم ير الناس مثله ... أمدّ [6] بكافور ومسك وعنبر
وقرطاسه قوهيّة ورباطه ... بعقد من الياقوت صاف وجوهر
وفي صدره: منّي إليك تحيّة ... لقد طال تهيامي بكم وتذكّري
وعنوانه من مستهام فؤاده ... ألى هائم صبّ من الحزن مسعر
قال مؤلف هذا الكتاب: وهذا الخبر عندي مصنوع، وشعره مضعّف يدلّ على ذلك، ولكنّي ذكرته كما وقع إليّ [7].
قال أبو سعيد مولى فائد ومن ذكر خبره مع الثّريّا: فمات عنها سهيل أو طلّقها، فخرجت إلى الوليد بن عبد الملك وهو خليفة بدمشق في دين عليها، فبينا هي عند/ أمّ البنين بنت عبد العزيز بن مروان، إذ دخل عليها الوليد فقال: من هذه؟ فقالت: الثريّا جاءتني، تطلب [8] إليك في قضاء دين عليها وحوائج لها. فأقبل عليها الوليد فقال: أتروين من شعر عمر بن أبي ربيعة شيئا؟ قالت: نعم، أما إنه يرحمه اللّه كان عفيفا عفيف الشّعر، أروي قوله:
__________
[1] في ت: «واكف العبرات»؛ يقال: وكفت العين، إذا سألت دموعها.
[2] السحر: الرئة.
[3] ثوب قوهيّ: منسوب إلى قوهستان، وهي كورة من كور فارس بين نيسابور وهراة، وقصبتها قاين. وهو ثوب أبيض، وكل ثوب يشبهه يقال له قوهيّ وإن لم يكن منها.
[4] اضطربت الأصول في هذه الكلمة ففيء، م: «و شقه». وفي ح: «و شافه». وفي ر: «و شأنه» وفي ت: «و سفنه»، وفي ب: س، أ: «و شنفه». يقال: شنف المرأة، إذا ألبسها الشّنف وهو الذي يلبس في أعلى الأذن وقيل هو والقرط سواء. فلعل المراد أنه حسّن الكتاب كما تحسّن المرأة بلبس الشنف، أو أنه محرف عن شنقه أي جعل له شناقا، وهو في الأصل كل خيط علقت به شيئا؛ يقال:
شنق القربة وأشنقها إذا أوكاها. فلعل المراد أنه أرسل لها كتابا مكتوبا على قماش من هذا النوع (و ربما زاد في حسنه أنه كان من الأنواع الثمينة من الحوير أو نحوه) وأطبقه وربطه بعقد من الياقوت بدل الخيط الذي يربط به في العادة كما سيأتي في الأبيات، أو أنه محرّف عن «مشقه» أو نمّقه» أو رقّنه» بمعنى زيّنه.
[5] في ح، ر: «إن لم يرحم اللّه».
[6] أي جعل مداده من هذه الأخلاط الثلاثة. وفي «الخزانة» ج 1 ص 239: «أبين».
[7] هذه الجملة: «قال مؤلف هذا الكتاب ... كما وقع إليّ» غير موجودة في ت.
[8] كذا في ت. وفي ح: «جاءتين إليك في قضاء دين عليها» وفي سائر النسخ: «جاءتني إليك أطلب في قضاء الخ». والمراد جاءتني ترغب إليك في قضاء دين عليها وحوائج لها.
صوت
ما على الرّسم بالبليّين لو ب ... يّن رجع السّلام [1] أو أجابا
فإلى قصر ذي العشيرة [2] فالصّا ... ئف [3] أمسى من الأنيس يبابا [4]
وبما قد أرى به حيّ صدق [5] ... ظاهري [6] العيش نعمة وشبابا
/ إذ فؤادي يهوى الرّباب وأنّي ال ... دّهر [7] حتّى الممات أنسى الرّبابا
وحسانا جواريا خفرات ... حافظات عند الهوى الأحسابا
/ لا يكثّرن في الحديث ولا يت ... بعن ينعقن [8] بالبهام [9] الظّرابا [10]
__________
[1] في «ديوانه»: «التسليم».
[2] قال الأزهري: هو موضع بالصّمّان معروف نسب إلى عشرة نابتة فيه، والعشر: من كبار الشجر وله ضمغ حلو يسمى العشر وغزا النبيّ صلى اللّه عليه وآله وسلّم ذا العشيرة، وهي من ناحية ينبع بين مكة والمدينة. وقال أبو زيد: حصن صغير بين ينبع وذي المروة يفضل تمره على سائر تمور الحجاز إلا الصّيحانيّ بخيبر والبرديّ والعجوة بالمدينة. قال عروة بن أذينة:
يا ذا العشيرة قد هجت الغداة لنا ... شوقا وذكرتنا أيامك الأولا
ما كان أحسن فيك العيش مؤتنقا ... غضّا وأطيب في آصالك الأصلا
[3] كذا في ت، أ، م، ء. والصائف كما في «ياقوت»: من نواحي المدينة. وقال نصر: الصائف: موضع حجازيّ قريب من ذي طوى.
وفي «ديوانه»: «الصالف» باللام، وهو كما في «ياقوت» جبل بين مكة والمدينة. وفي «اللسان»: «و في حديث ضميرة قال: يا رسول اللّه إني أحالف ما دام الصالفان مكانه. قال: «بل ما دام أحد مكانه». قيل: الصالف جبل كان يتحالف أهل الجاهلية عنده».
[4] يبابا: خرابا.
[5] يريد أنه حيّ جامع لصفات الخير. قال في «اللسان» يقال: رجل صدق مضاف بكسر الصاد، ومعناه نعم الرجل هو.
[6] كذا في أكثر النسخ. يريد أن أثر النعمة ظاهر فيهم.
وفي «ديوانه»: «كامل» بالإفراد، والحي يوصف بالجمع باعتبار معناه وبالمفرد باعتبار لفظه. وفي ت «طاهري». ولعله تصحيف.
[7] في ديوانه المطبوع بليپزج:
« ......... ويأبى الدهر حتى الممات ينسى الربابا»
[8] النعيق هنا: دعاء الراعي الشاء؛ يقال: نعق الراعي بالغنم ينعق نعقا ونعاقا ونعيقا ونعقانا، إذا صاح بها وزجرها، يكون ذلك في الضأن والمعز. قال الأخطل:
انعق بضأنك يا جرير فإنما ... منّتك نفسك في الخلاء ضلالا
وفي ح، ب، س: «يبغين» وهو تحريف.
[9] البهام: جمع بهمة وهي الصغير من أولاد الغنم: الضأن والمعز والبقر والوحش وغيرها، الذكر والأنثى في ذلك سواء. وقال أبو عبيد: يقال لأولاد الغنم ساعة تضعها من الضأن والمعز جميعا ذكرا كان أو أنثى: سخلة وجمعها سخال، ثم هي البهمة الذكر والأنثى. وقال ابن السكيت: إذا اجتمعت السخال والبهام قلت لها جميعا: بهام.
[10] الظراب: الروابي الصغار، واحدها ظرب ككتف. يريد أنها ليست من الرعاة للغنم؛ كما قال في قصيدة أخرى:
معاصم لم تضرب على البهم بالضحى ... عصاها ووجه لم تلحه السمائم
وقد آثرنا أن ننقل هذه القصيدة من «ديوانه» لا ختلاف ترتيب الأبيات في الأصول عما في «الديوان».
وهي بعد البيتين الأوّلين:
موحشا بعد ما أراه أنيسا ... من أناس يبنون فيه القبابا
أصبح الربع قد تغير منهم ... وأجالت به الرياح الترابا
فتعفّى من الرباب فأمسى ال ... قلب في إثرها عميدا مصابا
وبما قد أرى به حيّ صدق ... كامل العيش نعمة وشبابا
/ فقضى حوائجها وانصرفت بما أرادت منه. فلمّا خلا الوليد بأمّ البنين قال لها: للّه درّ الثريّا! أتدرين ما أرادت بإنشادها ما أنشدتني من شعر عمر؟ قالت: لا.
قال: إني لمّا عرّضت لها به عرّضت لي بأن أمّي أعرابيّة [1]. وأمّ الوليد وسليمان ولّادة بنت العبّاس بن جزيّ [2] بن الحارث بن زهير بن جذيمة العبسيّ.
الغناء في الأبيات التي أنشدتها الثريّا الوليد بن عبد الملك لمالك بن أبي السّمح خفيف ثقيل بإطلاق الوتر في مجرى البنصر. وفيها لابن سريج رمل بالخنصر في مجرى البنصر. وفيها لإبراهيم خفيف ثقيل بالسّبّابة في مجرى البنصر عن إسحاق. وذكر حبش أيضا أنّ فيها لابن مسجح خفيف رمل بالوسطى. وذكر عمرو بن بانة أن لابن محرز فيها خفيف ثقيل بالوسطى.
ومما يغنّى فيه من أشعار عمر بن أبي ربيعة التي قالها في الثريّا من القصيدة التي أوّلها «من رسولي» [3]:
صوت
وتبدّت حتّى إذا جنّ قلبي ... حال دوني ولائد [4] بالثّياب [5]
يا خليليّ فاعلما أنّ قلبي ... مستهام بربّة المحراب [6]
__________
-
وحسانا جواريا خفرات ... حافظات عند الهوى الأحسابا
لا يكثرن في الحديث ولا يت ... بعن ينعقن بالبهام الظرابا
طيبات الأردان والنشر عينا ... كمها الرمل بدّنا أترابا
إذ فؤادي يهوى الرباب ويأبى ال ... دهر حتى الممات ينسى الربابا
ضربت دوني الحجاب وقالت ... في خفاء فما عييت جوابا
قد تنكرت للصديق وأظهر ... ت لنا اليوم هجرة واجتنابا
قلت لا بل عداك واش فأصبح ... ت نوارا ما تقبلين عتابا
[1] الأعرابيّ: واحد الأعراب وهم سكان البادية الذين ينتجعون الكلأ ويتتبّعون مساقط الغيث، سواء أكانوا من العرب أم من مواليهم.
وأما العربيّ فهو خلاف العجميّ سواء أكان من سكان البادية أم الحاضرة. والأعرابيّ إذا قيل له: يا عربيّ فرح لذلك وهشّ له؛ والعربيّ إذا قيل له: يا أعرابي غضب له.
[2] كذا في أكثر النسخ، ولم نعثر على ضبطه. وفي «شرح القاموس» مادة «جزى»: أنه سمى بجزيّ كسمىّ وبجزيّ كعديّ. وفي ح، ر: «حزن» وفي ت: «حزين». وفي الطبري طبع مدينة ليدن رقم 2 ص 1174: «جزء» بالهمز. وفي «العقد الفريد» ج 2 ص 327:
«حربى». وقد ورد أنه سمى بكل ذلك.
[3] البيتان الآتيان والبيتان اللذان بعدهما من قصيدة أخرى له مطلعها:
شاق قلبي تذكر الأحباب ... واعترتني نوائب الأطراب
الأطراب: جمع طرب؛ قال ذو الرمة:
استحدث الركب عن أشياعهم خبرا ... أم راجع القلب من أطرابه طرب
[4] الولائد هنا: الإماء، واحدته وليدة.
[5] في «ديوانه»:
فتراءت حتى إذا جنّ قلبي ... سترتها ولائد بالثياب
[6] المحراب هنا: الغرفة؛ قال وضّاح اليمن:
ربة محراب إذا جئتها ... لم ألقها أو أرتقي سلّما
والغرفة لا تكون في الطبقة الأولى من الدار بل فيما بعدها.
الغناء لابن سريج ثاني ثقيل بالوسطى عن عمرو. ومنها:
صوت
أقتليني قتلا سريعا مريحا ... لا تكوني عليّ سوط عذاب [1]
شفّ عنها محقّق [2] جنديّ [3] ... فهي كالشمس من خلال السّحاب
الغناء للغريض ثاني ثقيل بالبنصر عن عمرو. ومنها:
صوت
قال لي صاحبي ليعلم ما بي ... أتحبّ البتول أخت الرّباب [4]
قلت وجدي بها كوجدك بالما ... ء إذا منعت برد الشّراب
الغناء لمالك رمل مطلق في مجرى الوسطى عن إسحاق. ومنها:
صوت
أذكرتني من بهجة الشمس لمّا ... برزت من دجنّة وسحاب
أزهقت أمّ نوفل إذ دعتها ... مهجتي، ما لقاتلي من متاب
حين قالت لها أجيبي فقالت ... من دعاني؟ قالت أبو الخطّاب
الغناء للغريض خفيف رمل عن الهشاميّ وحمّاد بن إسحاق.
ومنها:
صوت
مرحبا ثم مرحبا بالّتي قا ... لت غداة الوداع عند الرّحيل [5]
__________
[1] كذا في «ديوانه». وفي الأصول:
أقتليه قتلا سريحا مريحا ... لا تكوني عليه سوط عذاب
ورواية «الديوان» هي المناسبة لبقية الشعر؛ لأن البيت الذي قبله:
افعلي بالأسير إحدى ثلاث ... فأفهميهنّ ثم ردّي جوابي
وبعده: أو أقيدي فإنما النفس بالنف ... س قضاء مفصلا في الكتاب
أو صليه وصلا يقرّ عليه ... إن شرّ الوصال وصل الكذّاب
ولعله غنى فيه كما في الأصول. وسريحا: سريعا.
[2] محقق: ثوب عليه وشي على صورة الحقق، كما يقال: ثوب مرحّل: عليه تصاوير رحل، وثوب مرجل: عليه تصاوير رجل. وثوب ممرجل: فيه صور المراجل. أو هو الثوب المحكم النسج؛ قال الشاعر:
تسربل جلد وجه أبيك إنا ... كفيناك المحققة الرقاقا
[3] جنديّ: نسبة إلى الجند، وهو أحد مخاليف اليمن.
[4] هذا البيت هو مطلع القصيدة في «ديوانه».
[5] في «ديوانه»: «يوم الرحيل».
للثّريّا قولي له أنت همّي ... ومنى النّفس خاليا وخليلي [1]
الغناء لابن محرز ثقيل [2] مطلق في مجرى البنصر عن إسحاق. وفيه لابن سريج خفيف/ رمل بالوسطى عن عمرو.
/ ومنها:
صوت
زعموا بأنّ البين بعد غد ... فالقلب مما أزمعوا [3] يجف [4]
تشكو ونشكو ما أشتّ بنا [5] ... كلّ لوشك [6] البين يعترف [7]
حلفوا لقد قطعوا ببينهم ... وحلفت ألفا مثل ما حلفوا [8]
الغناء للغريض خفيف ثقيل بالوسطى.
ومنها:
صوت
فلوت رأسها ضرارا [9] وقالت ... لا وعيشي ولو رأيتك متّا [10]
حين آثرت بالمودّة غيري ... وتناسيت وصلنا ومللتا
قد وجدناك إذ خبرت [11] ملولا ... طرفا [12] لم تكن كما كنت قلتا
__________
[1] في «ديوانه» المخطوط: «و الخليل» معطوفا على النفس. وفي «ديوانه» المطبوع: «و الجليل» وهو تصحيف.
[2] في ت: «خفيف ثقيل مطلق».
[3] في «ديوانه»: «أحدثوا».
[4] وجف القلب يجف كوعد يعد: خفق واضطرب، قال تعالى: (قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ واجِفَةٌ)
[5] كذا في ت، ح. والمعنى: نشكو ما فرّق مذاهبنا بنا.
وفي ب، س: تشكو وأشكو ما أجد بنا.
وفي سائر النسخ: تشكو وأشكو ما أحلّ بنا.
وفي «ديوانه»: نشكو وتشكو بعض ما وجدت.
[6] وشك البين: قربه.
[7] في ديوانه: «معترف». ويعترف هنا: يصطبر، يقال عرف للأمر واعترف، إذا صبر، قال قيس بن ذريح:
فيا قلب صبرا واعترافا لما ترى ... ويا حبها قع بالذي أنت واقع
[8] لم يوجد هذا البيت بتلك القصيدة في «ديوانه».
[9] كذا في «ديوانه»، ر. وفي سائر النسخ: «ضراري» بياء المتكلم.
[10] في «ديوانه» المطبوع:
ولوت رأسها ضرارا وقالت ... إذ رأتني اخترت ذلك أنتا
ومثله ما في «ديوانه» المخطوط، غير أنه فيه: «و لوت رأسها ضراء ... ». وكتب بهامشه: «الضراء والضرر سواء. فقوله ضراء أي لتضرّني بذلك». ولم نجد في «كتب اللغة» ما يؤيد ذلك. فلعله محرّف عن «ضرارا» بالراء.
[11] في «ديوانه»: «فوجدناك إذ خبرنا».
[12] الطرف: من لا يثبت على امرأة ولا صاحب.
/ الغناء لمالك رمل ثقيل أوّل بالوسطى عن عمرو. وفيه لابن سريج خفيف ثقيل عن الهشاميّ، وكذا روته دنانير عن فليح، وقد نسب قوم لحن مالك إلى الغريض. ومنها:
صوت
يا خليليّ سائلا الأطلالا ... ومحلّا بالرّوضتين [1] أحالا
- ويروى:
بالبليّين إن أحرن [2] سؤالا
وسفاه لو لا الصّبابة حبسي ... في رسوم الدّيار ركبا عجالا
بعد ما أقفرت من آل الثريّا ... وأجدّت فيها النّعاج ظلالا
الغناء لابن سريج هزج خفيف مطلق في مجرى البنصر عن إسحاق. وفيه لحكم الواديّ ثقيل أوّل من جامع أغانيه. وذكر ابن دينار [3] أنّ فيه لابن عائشة لحنا لم يذكر طريقته. وذكر إبراهيم أنّ فيه لدحمان لحنا ولم يجنّسه.
وقال حبش: فيه لإسحاق ثقيل أوّل بالوسطى.
عمر والثريا وقد نقلها زوجها إلى الشأم بعد تزوّجه إياها
أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدّثنا أبو عبد اللّه التّميميّ [يعني أبا العيناء [4]] عن القحذميّ عن أبي صالح السّعديّ قال:
لمّا تزوّج سهيل بن عبد العزيز الثّريّا ونقلها إلى الشأم، بلغ عمر بن أبي ربيعة الخبر، فأتى المنزل الذي كانت الثريّا تنزله، فوجدها قد رحلت منه يومئذ، فخرج في أثرها فلحقها على مرحلتين، وكانت قبل ذلك مهاجرته لأمر أنكرته عليه. فلما أدركهم نزل عن فرسه ودفعه إلى غلامه ومشى متنكّرا حتى مرّ بالخيمة، فعرفته الثريّا وأثبتت [5] حركته ومشيته، فقالت لحاضنتها [6]: كلّميه، فسلّمت عليه وسألته عن حاله وعاتبته على ما بلغ الثريّا عنه، فاعتذر وبكى، فبكت الثريّا، فقالت: ليس هذا وقت العتاب مع وشك الرّحيل. فحادثها إلى وقت طلوع الفجر ثم ودّعها
__________
[1] كذا في أكثر النسخ. وقد أورد ياقوت أسماء روضات كثيرة في بلاد العرب وذكر أن عددها مائة وست وثلاثون روضة، وأنها ترد في الشعر مرة بالإفراد وأخرى بالتثنية والجمع، فيقال: روضة وروضتان وروضات ورياض، وكل ذلك للضرورة. ولم ندر أيّ الروضات أراد عمر بن أبي ربيعة في شعره، ولكنه يقرب أن تكون هذه الروضة بنواحي المدينة، فلا يبعد أن يكون أراد «روضة آجام» بالبقيع من نواحي المدينة، أو «روضة ذي الخزرج» أو «روضة ذي الغصن» بنواحي المدينة أيضا، أو «روضة ذات كهف» أو «روضة عرينة»، وكل هذه الروضات وكثير غيرها بنواحي المدينة. وفي ح، ر، م: «الرومتين» بالميم. وفي ت: «الروبتين» بالباء. ولعلهما تحريف، إذ لم نعثر فيما أورده «ياقوت» و «البكري» على هذين الاسمين.
[2] يقال: كلمته فما أحار إليّ جوابا، أي مارد جوابا، وكلمته فما أحار سؤالا مثله، قال الأخطل:
هلا ربعت فتسأل الأطلالا ... ولقد سألت فما أحرن سؤالا
وفي «ديوانه»: «إن أجزن». وفي م، أ، ء: «إن أجاروا» وكلاهما تحريف.
[3] في ت: «ابن هفان».
[4] زيادة في ت.
[5] أي عرفتهما حق المعرفة.
[6] لحاضنتها: لمربيتها.
وبكيا طويلا، وقام فركب فرسه ووقف ينظر إليهم وهم يرحلون [1]، ثم أتبعهم بصره حتى غابوا، وأنشأ يقول:
يا صاحبيّ قفا نستخبر الطّللا ... عن حال [2] من حلّه بالأمس ما فعلا
فقال لي الرّبع لمّا أن وقفت به ... إنّ الخليط أجدّ [3] البين فاحتملا [4]
وخادعتك النّوى [5] حتى [6] رأيتهم ... في الفجر يحتثّ [7] حادي عيسهم [8] زجلا [9]
// لمّا وقفنا نحيّيهم وقد صرخت ... هواتف البين واستولت بهم أصلا [10]
صدّت بعادا وقالت للّتي معها ... باللّه لوميه في بعض الذي فعلا
وحدّثيه بما حدّثت واستمعي ... ماذا يقول ولا تعيي به [11] جدلا
حتى يرى أنّ ما قال الوشاة له ... فينا لديه إلينا كلّه نقلا [12]
وعرّفيه به كالهزل واحتفظي ... في بعض [13] معتبة أن تغضبي [14] الرجلا
فإنّ عهدي به واللّه يحفظه ... وإن أتى الذنب ممن يكره العذلا
لو عندنا اغتيب أو نيلت نقيصته ... ما آب مغتابه من عندنا جذلا
قلت اسمعي فلقد أبلغت في لطف ... وليس يخفى على ذي اللّبّ من هزلا
__________
[1] يرحلون: يشدّون على إبلهم الرحال.
[2] في «ديوانه»: «عن بعض».
[3] أجدّ البين: اعتزمه.
[4] احتمل: ارتحل.
[5] النوى: الفراق والبعد.
[6] كذا في «ديوانه» وفي الأصول: «لما».
[7] يحتث: يسوق.
[8] في «الديوان»: «عيرهم».
[9] زجلا: رافعا صوته في حداء الإبل لتسرع في السير. وأصل الزجل الجلبة ورفع الصوت، وخص به التطريب، وأنشد سيبويه في وصف حمار وحش:
له زجل كأنّه صوت حاد ... إذا طلب الوسيقة أو زمير
وذكره في باب ما يحتمل الشعر من استباحة الضرورة، وهي هنا حذف الواو المبينة لحركة الهاء. في قوله «كأنه». والوسيقة: أنثاه التي يضمها ويجمعها، من وسقت الشي ء: جمعته.
[10] في «ديوانه»:
لما وقفنا نحييهم وقد شحطت ... نعامة البين فاستولت بهم أصلا
وشحطت نعامة البين: ارتحلوا وفرّقهم البين. وفي «اللسان» (مادتي نعم وشال): يقال للقوم إذا ارتحلوا عن منزلهم أو تفرّقوا: قد جفّت نعامتهم وشالت نعامتهم. والأصل: جمع أصيل وهو العشيّ، وقيل هو مفرد، أنشد ثعلب:
وتمذّرت نفسي ولم أزل ... بدلا نهاري كلّه حتى الأصل
فقوله «بدلا نهاري كله» يدل على أن الأصل ها هنا واحد.
[11] لا تعيي به جدلا: لا تعجزي في مجادلته.
[12] في «ديوانه» المخطوط:
في القول فينا وما قد أكثروا بطلا
[13] في «ديوانه»: «في غير».
[14] كذا في «ديوانه» وأكثر الضنسخ. وفي ب: «أن تخطى ء» وفي م، ء، أ: «أن تسخطي».
هذا أرادت به بخلا لأعذرها ... وقد أرى أنها لن تعدم العللا
ما سمّي القلب إلّا من تقلّبه ... ولا الفؤاد فؤادا غير أن عقلا [1]
/أمّا الحديث الذي قالت أتيت به ... فما عبأت [2] به إذ جاءني حولا [3]
ما إن أطعت [4] بها بالغيب قد علمت ... مقالة الكاشح الواشي إذا محلا [5]
إني لأرجعه فيها بسخطته ... وقد يرى أنّه قد غرّني زللا [6]
وهي قصيدة طويلة مذكورة في شعره.
وفاة الثريّا
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ وحبيب بن نصر ومحمد بن خلف بن المرزبان قالوا حدّثنا عمر بن شبّة قال أخبرنا محمد بن يحيى قال زعم [7] عبيد بن يعلى قال حدّثني كثير [8] بن كثير السّهميّ قال:
لمّا ماتت الثّريّا أتاني الغريض فقال لي: قل أبيات شعر أنح بها على الثّريّا فقلت:
صوت
ألا يا عين مالك تدمعينا ... أمن رمد بكيت فتكحلينا
أم انت حزينة تبكين شجوا ... فشجوك مثله أبكى العيونا
غنّى الغريض في هذين البيتين لحنا من خفيف الثّقيل الأوّل بالوسطى عن عمرو ويحيى المكيّ والهشاميّ وغيرهم.
وفاة عمر بن أبي ربيعة
/ أخبرني حبيب بن نصر المهلّبيّ قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثني عبد الجبّار بن سعيد المساحقيّ قال
__________
[1] قال في «اللسان»: والتفؤد: التوقد، والفؤاد: القلب لتفؤده وتوقده. وقال في «القاموس» و «شرحه»: والتفؤد: التحرّق والتوقد، ومنه الفؤاد: للقلب، لأنّ عقل الفؤاد للمعلومات نتيجة اشتغاله وتوقده وتحرّكه وجولته فيها حتى يمحصها ويميز الصحيح من الفاسد والحق من الباطل.
[2] كذا في «ديوانه» المخطوط. وفي «ديوانه» المطبوع: «عنيت» في الأصول: «غلبت».
[3] كذا في «ديوانه». والحول: الحيلة. يريد أن الحديث الذي أوصله إليّ الوشاة لم أعبأ به لأنه ليس إلا حيلة لصرف القلب عن حبها.
وفي الأصول: «تبلا» ولا معنى له.
[4] في «ديوانه»: «و ما أقر بالغيب الخ».
[5] محل به عند السلطان أو ذي جاه: كاده وسعى به عنده.
[6] أي يرى أنه قد أوقعني في الخطيئة والزلل.
[7] في ح، ر: «قال حدّثنا عمر بن عبيد بن يعلى». ولم نعثر على هذين الاسمين في «كتب التراجم». وقد تكرر هذا السند بعينه مرة أخرى في هذه الحكاية نفسها في الجزء الثاني في أخبار الغريض.
[8] هو كثير بن كثير بن المطلب بن أبي وداعة القرشيّ السهميّ المكيّ، كما في «تهذيب التهذيب» ولم يضبطه. وقد اعتمدنا في ضبطه على ما ورد في كتاب المغني المطبوع على هامش «تقريب التهذيب» في الكلام على يحيى بن كثير من أنه بكاف مفتوحة وكسر الثاء المثلثة، وقال: وكذا كثير بن كثير وجعفر بن كثير ا ه.
حدّثني إبراهيم بن يعقوب بن أبي عبد اللّه عن أبيه عن جدّه عن ثعلبة بن عبد اللّه بن صعير [1]:
أنّ عمر بن أبي ربيعة نظر في الطّواف إلى امرأة شريفة، فرأى أحسن خلق اللّه صورة، فذهب عقله عليها، وكلّمها فلم تجبه، فقال فيها:
الرّيح تسحب أذيالا وتنشرها ... يا ليتني كنت ممّن تسحب الريح
كيما تجرّبنا [2] ذيلا فتطرحنا ... على الّتي دونها مغبرّة [3] سوح [4]
أنّى بقربكم أم كيف لي بكم ... هيهات ذلك ما أمست لنا روح
فليت ضعف الذي ألقى يكون بها ... بل ليت ضعف الذي ألقى تباريح [5]
إحدى بنيّات عمّي دون منزلها ... أرض بقيعانها القيصوم [6] والشّيح
// فبلغها شعره فجزعت منه. فقيل لها: اذكريه لزوجك، فإنه سينكر عليه قوله. فقالت: كلّا واللّه لا أشكوه إلا إلى اللّه. ثم قالت: اللّهم إن كان نوّه باسمي ظالما فاجعله طعاما للريح. فضرب الدهر من ضربه [7]، ثم إنه غدا يوما على فرس فهبّت ريح فنزل فاستتر بسلمة [8]، فعصفت الريح فخدشه غصن منها فدمي وورم به ومات من ذلك.
__________
[1] كذا في «تهذيب التهذيب» و«تقريب التهذيب» و«شرح القاموس». وفيء، ح: «صقر». وفي م: «صفر». وفي ر: «صفوان» وفي سائر النسخ: «صعر» وكلها تحريف. قال في «تهذيب التهذيب»: ثعلبة بن صعير ويقال ابن عبد اللّه بن صعير ويقال ابن أبي صعير ويقال عبد اللّه بن ثعلبة بن صعير العذريّ. وقال الدار قطنيّ: الصواب فيه عبد اللّه بن ثعلبة بن أبي صعير، لثعلبة صحبه ولعبد اللّه رؤية ا ه.
[2] يجوز في الفعل الواقع بعد «كيما» وجهان الرفع على أن «ما» كافة لكي عن العمل، والنصب على أن «ما» زائدة وكي عاملة فيما بعدها. وقد روي بالوجهين:
إذا أنت لم تنفع فضرّ فإنما ... يرجّى الفتى كيما يضرّ وينفع
[3] مغبرة، يريد بها الفلاة المجدبة.
[4] سوح: جمع ساحة وهي الفضاء.
[5] تباريح الشوق: توهجه. قال السيد محمد مرتضى: قال شيخنا وهو من الجموع التي لا مفرد لها، وقيل: مفرده تبريح، واستعمله المحدثون وليس يثبت.
[6] قال في «اللسان»: القيصوم: ما طال من العشب، ثم قال: والقيصوم من نبات السهل. قال أبو حنيفة: القيصوم من الذكور ومن الأمرار، وهو طيب الرائحة من رياحين البر وورقة هدب وله نورة صفراء، وهي تنهض على ساق وتطول.
[7] يقال: ضرب الدهر ضربانه ومن ضربانه ومن ضربه، أي مر من مروره وذهب بعضه. والمراد أنه مرت مدّة من الدهر وقع فيها بعض حوادثه.
[8] السلم: شجر من العضاه وورقه القرظ الذي يدبغ به الأديم. وفي ت، ر: «بقفلة». والقفلة واحدة القفل، وهو الشجر اليابس ولا ينبت إلا بمنجاة من السيل. وفي ح: «بمقلة» والمقلة واحدة المقل وهو حمل الدوم، وهي شجرة تشبه النخلة، وهو غير مناسب، فلعله محرّف عن «قفلة».
4 - أخبار ابن سريج ونسبه
نسب ابن سريج وشيء من أوصافه
هو عبيد [1] بن سريج، ويكنّى أبا يحيى، مولى بني نوفل بن عبد مناف. وذكر ابن الكلبيّ عن أبيه وأبي مسكين أنه مولى لبني الحارث بن عبد المطّلب.
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثنا محمد بن يحيى أبو غسّان قال: ابن سريج مولى لبني ليث، ومنزله [2] مكة.
وأخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد بن إسحاق عن أبيه قال: سألت الحسن بن عتبة اللّهبيّ عن ابن سريج فقال: هو مولى لبني عائذ بن عبد اللّه بن عمر بن مخزوم. وفي بني عائذ يقول الشاعر:
فإن تصلح فإنّك عائذيّ ... وصلح العائذيّ إلى فساد
/ قال إسحاق: وقال سلمة بن نوفل بن عمارة: ابن سريج مولى عبد الرحمن بن أبي حسين بن الحارث بن نوفل، أو ابن عامر بن الحارث بن نوفل بن عبد مناف.
أخبرني أحمد بن عبد العزيز عن أبي أيّوب المدينيّ [3] قال: ذكر إبراهيم بن زياد بن عنبسة بن سعيد بن العاص:
أنّ ابن سريج كان آدم أحمر ظاهر الدّم سناطا [4] في عينيه قبل [5]، بلغ خمسا وثمانين سنة، وصلع فكان يلبس جمّة [6] مركّبة، وكان أكثر ما يرى مقنّعا [7]، وكان منقطعا إلى عبد اللّه بن جعفر.
وقال ابن الكلبيّ عن أبيه قال: كان ابن سريج مخنّثا أحول أعمش يلقّب «وجه الباب»، وصلع فكان يلبس جمّة، وكان لا يغنّي إلا مقنّعا يسبل القناع على وجهه.
وقال ابن الكلبيّ عن أبيه وأبي مسكين: كان ابن سريج أحسن الناس غناء، وكان يغنّي مرتجلا ويوقع بقضيب، وغنّى في زمن عثمان بن عفّان رضي اللّه عنه، ومات في خلافة هشام بن عبد الملك.
__________
[1] كذا في ح، ر، أ. وفي ب، س: «عبيد اللّه». وفي سائر النسخ: «عبد اللّه» وكذلك في ترجمته في الجزء الرابع من نهاية «الأرب» وسيأتي فيما بعد أن النسخ متفقة على «عبيد بن سريج».
[2] في ح، ر: «و ولد بمكة».
[3] في ح، ر: «المدني».
[4] السناط: الذي لا لحية له أو الخفيف العارض أو من لحيته بالذقن وليس بالعارضين شيء.
[5] القبل في العين: إقبال إحدى الحدقتين على الأخرى.
[6] الجمة: مجتمع شعر الرأس. والمراد أنه كان يلبس شعرا مصطنعا. وفي ح، ر: «كمة» والكمة: القلنسوة المدوّرة.
[7] مقنعا: لابسا القناع وهو ما يوضع على الرأس.
قال إسحاق: وكان الحسن بن عتبة اللّهبيّ يروي مثل ذلك فيه. وذكر أنّ قبره بنخلة [1] قريبا من بستان ابن عامر [2].
/قال إسحاق وحدّثني الهيثم بن عديّ عن صالح بن حسّان قال: كان عبيد بن سريج من أهل مكة وكان أحسن الناس غناء. قال إسحاق قال عمارة بن أبي طرفة الهذليّ: سمعت ابن جريج يقول: عبيد بن سريج من أهل مكة مولى آل خالد بن أسيد.
قال إسحاق وحدّثني إبراهيم بن زياد عن أيّوب بن سلمة المخزوميّ قال: كان في عين ابن سريج قبل حلو لا يبلغ أن يكون حولا، وغنّى في خلافة عثمان رضي اللّه عنه، ومات بعد قتل الوليد بن يزيد، وكان له صلع في جبهته، وكان يلبس جمّة مركّبة فيكون فيها أحسن شيء، وكان يلقّب «وجه الباب» ولا يغضب من ذلك، وكان أبوه تركيّا.
وقال أبو أيّوب المدينيّ: كان ابن سريج، فيما روينا عن جماعة من المكّيّين، مولى بني جندع بن ليث بن بكر، وكان إذا غنّى سدل قناعه على وجهه حتى لا يرى حوله [3]، وكان/ يوقع بقضيب وقيل: إنه كان يضرب بالعود، وكانت علّته التي مات منها الجذام.
ابن سريج أوّل من ضرب بالعود الفارسي على الغناء العربي
قال إسحاق وحدّثني أبي [4] قال: أخبرني من رأى عود ابن سريج وكان على صنعة عيدان الفرس، وكان ابن سريج أوّل من ضرب به على الغناء العربيّ بمكة. وذلك أنه رآه مع العجم الذين قدم بهم ابن الزّبير لبناء الكعبة، فأعجب أهل مكة غناؤهم. فقال ابن سريج: أنا أضرب به على غنائي، فضرب به فكان أحذق الناس.
أمّ ابن سريج
قال إسحاق وذكر الزّبيريّ: أنّ أمّ ابن سريج مولاة لآل المطلّب يقال لها «رائقة»، وقيل: بل أمّه هند أخت رائقة، فمن ثمّ قيل: إنه مولى بني المطلّب بن/ حنطب. وكان ابن سريج بعد وفاة عبد اللّه بن جعفر قد انقطع إلى الحكم بن المطّلب بن عبد اللّه بن المطلّب بن حنطب أحد بني مخزوم، وكان من سادة قريش ووجوهها. وأخذ ابن سريج الغناء عن ابن مسجح.
الأشخاص المعدودون أصولا للغناء العربيّ
قال إسحاق: وأصل الغناء أربعة نفر: مكّيّان ومدنيّان، فالمكّيان: ابن سريج وابن محرز، والمدنيان: معبد ومالك.
أوّل شهرة ابن سريج بالغناء
قال إسحاق: وقال سلمة بن نوفل بن عمارة: أخبرني بذلك من شئت من مشيختنا: أنّ يوما شهر فيه ابن
__________
[1] المراد بها نخلة اليمانية، وهي واد يصبّ فيه يدعان وبه مسجد لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وبه عسكرت هوازن يوم حنين.
[2] بستان ابن عامر، هو مجتمع النخلتين، وكذلك يسميه العامة. والصواب فيه بستان بن معمر، لأنه كان لعمر بن عبيد اللّه بن معمر.
[3] في ح، ر: «لا يؤبه له» وهو تحريف.
[4] كذا في ح، ر، ب، س. وفي سائر النسخ: «الأصمعيّ».
سريج بالغناء في ختان ابن مولاه عبد اللّه بن عبد الرحمن بن أبي حسين [1]. قال لأمّ الغلام: خفّضي عليك بعض الغرم والكلفة، فو اللّه لألهينّ نساءك حتى لا يدرين ما جئت به ولا ما عزمت عليه.
شهادة هشام بن المرّبة في ابن سريج
قال إسحاق: وسألت هشام بن المرّيّة، وكان قد عمّر، وكان عالما بالغناء فلا يبارى فيه، فقلت له: من أحذق الناس بالغناء؟ فقال لي: أتحبّ الإطالة أم الاختصار؟ فقلت: أحبّ الاختصار الذي يأتي على سؤالي. قال: ما خلق اللّه تعالى بعد داود النبيّ عليه الصلاة والسّلام أحسن صوتا من ابن سريج، ولا صاغ اللّه عزّ وجلّ أحدا أحذق منه بالغناء، ويدلّك على ذلك أن معبدا كان إذا أعجبه غناؤه قال: أنا اليوم سريجيّ.
شهادة يونس بن محمد الكاتب فيه
قال وأخبرني إبراهيم - يعنى أباه - قال: أدركت يونس بن محمد الكاتب فحدّثني عن الأربعة: ابن سريج وابن محرز والغريض ومعبد. فقلت له: من أحسن الناس غناء؟ فقال: أبو يحيى. قلت: عبيد بن سريج؟ قال نعم. قلت: وكيف ذاك؟
قال: إن شئت فسّرت لك، وإن شئت أجملت. قلت: أجمل. قال: كأنه خلق من كلّ قلب، فهو يغنّي لكل إنسان ما يشتهي.
شهادة إبراهيم الموصليّ فيه
أخبرني أحمد بن جعفر جحظة قال قال حمّاد بن إسحاق: أخبرني أبي عن الفضل بن يحيى بن خالد بن برمك قال: سألت إبراهيم الموصليّ ليلة وقد أخذ منه النبيذ: من أحسن الناس غناء؟ فقال لي: من الرجال أم من النساء؟
فقلت: من الرجال. فقال: ابن محرز. قلت: ومن النساء؟ قال: ابن سريج. ثم قال لي: إن [2] كان ابن سريج إلّا كأنّه خلق من كلّ قلب فهو يغنّي له ما يشتهي!
شهادة إسحاق الموصليّ فيه
أخبرني جحظة قال حدّثني عليّ بن يحيى المنجّم قال: أرسلني محمد بن الحسين [3] بن مصعب إلى إسحاق أسأله عن لحنه ولحن ابن سريج في:
تشكّى الكميت الجري لمّا جهدته أيّهما أحسن؟ فصرت إليه فسألته عن ذلك، فقال لي: يا أبا الحسن، واللّه لقد أخذت بخطام راحلته فزعزعتها [4] وأنختها وقمت بها فما بلغته. فرجعت إلى محمد ابن الحسين فأخبرته؛ فقال: واللّه إنه ليعلم أنّ لحنه/ أحسن من لحن ابن سريج، ولقد تحامل لابن سريج على نفسه، ولكن لا يدع تعصّبه للقدماء. وقد أخبرنا يحيى بن عليّ بن يحيى هذا الخبر عن أبيه، فذكر نحو ما ذكره جحظة في خبره ولم يقل: أرسلني محمد بن الحسين إلى إسحاق. وقال جحظة في خبره: قال عليّ بن يحيى: وقد صدق محمد بن الحسين؛ لأنه قلّما غنّي في صوت
__________
[1] في ت: «ابن أبي حسان» وهو تحريف، إذ هو عبد اللّه بن عبد الرحمن بن أبي حسين بن الحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف النوفليّ، المكيّ كما في «كتب التراجم».
[2] «إن» نافيه.
[3] في ت: «الحسن».
[4] كذا في ت، خ، ر ومعناه حرّكتها وسقتها سوقا عنيفا. وفي سائر النسخ: «فذعرتها». والذعر: الخوف. والمراد أني حثثتها وأخفتها فسارت سيرا شديدا.
واحد لحنان فسقط خيرهما، والذي في أيدي الناس الآن من اللحنين لحن إسحاق، وقد ترك لحن ابن سريج، فقلّ من يسمعه إلا من العجائز المتقدّمات ومشايخ المغنّين. هذا أو نحوه [1].
لحن إسحاق في تشكى الكميت ... مأخوذ من لحن الأبجر في يقولون. أبكاك البيت
وأخبرني يحيى بن عليّ قال حدّثنا أبو أيّوب المدينيّ عن إبراهيم بن عليّ بن هشام قال: يقولون: إنّ ابتداء غناء إسحاق الذي في [2]:
تشكّى الكميت الجري لمّا جهدته
أنّما أخذه من صوت الأبجر:
يقولون ما أبكاك [3] والمال غامر [4]
نسبة هذا الصوت
صوت
يقولون ما أبكاك والمال غامر ... عليك وضاحي [5] الجلد منك كنين [6]
فقلت لهم لا تسألوني وانظروا ... إلى الطّرب النّزّاع [7] كيف يكون
غنّاه الأبجر ثقيلا أوّل بالبنصر، عن عمرو ودنانير. وذكر الهشاميّ أنّ فيه لعزّة المرزوقيّة [8] ثاني ثقيل بالوسطى.
مولد ابن سريج ووفاته وكيف اشتغل بالغناء بعد أن كان نائحا
أخبرني رضوان بن أحمد الصّيدلانيّ قال حدّثنا يوسف بن إبراهيم قال حدّثني إبراهيم بن المهديّ قال حدّثني إسماعيل بن جامع عن سياط قال:
/ كان ابن سريج أوّل من غنّى الغناء المتقن بالحجاز بعد طويس، وكان مولده في خلافة عمر بن الخطّاب، وأدرك يزيد بن عبد الملك وناح عليه، ومات في خلافة هشام. قال: وكان قبل أن يغنّي نائحا ولم يكن مذكورا، حتى ورد الخبر مكة بما فعله مسرف [9] بن عقبة بالمدينة، فعلا على أبي قبيس وناح بشعر هو اليوم داخل في أغانيه، وهو:
__________
[1] يريد: قال هذا أو قريبا منه.
[2] في ت، ح، ر: «الذي فيه الصياح في ... الخ».
[3] كذا في ا، ء، م. وفي سائر النسخ: «أبلاك» أي ما الذي أصابك بهذا الشرّ وأوقعك في هذا البلاء.
[4] غامر: كثير. وأصله من غمره الماء إذا غطاه.
[5] ضاحي الجلد: عاريه الذي يتعرّض للشمس.
[6] كنين: مكنون مستور.
[7] نزعت نفسه إلى الشيء نزاعا ونزوعا: حنّ إليه واشتاق.
[8] في ح، ر: «عزة الميلاء». وعزة المرزوقية غير عزة الميلاء، وإن كنا لم نعثر لها على ترجمة خاصة. (انظر الكلام على الغناء في «لمن الديار عرفتها ... » البيت في الجزء الحادي عشر من «الأغاني» في أخبار محمد بن أميّة وأخيه على بن أميّة).
[9] هو لقب مسلم بن عقبة المرّي صاحب وقعة الحرّة الذي وجهه يزيد بن معاوية في جيش عظيم لقتال ابن الزبير بالمدينة، فقاتل أهلها وهزمهم وأباح المدينة ثلاثة أيام. وقد لقّب مسرفا لأنه أسرف في القتل في هذه الوقعة. قال عليّ بن عبد اللّه بن عباس:
وهم منعوا ذماري يوم جاءت ... كتائب مسرف وبنو اللكيعة
(و قد تقدمت الإشارة إلى هذه الوقعة في هذا الجزء ص 23 - 26).
يا عين
جودي بالدّموع السّفاح [1] ... وابكي على قتلى قريش البطاح [2]
/فاستحسن الناس ذلك منه، وكان أوّل ما ندب [3] به.
قال ابن جامع: وحدّثني جماعة من شيوخ أهل مكة أنهم حدّثوا: أنّ سكينة بنت الحسين عليهما السّلام بعثت إلى ابن سريج بشعر أمرته أن يصوغ فيه لحنا يناح به، فصاغ فيه، وهو الآن داخل في غنائه. والشعر:
يا أرض ويحك أكرمي أمواتي ... فلقد ظفرت بسادتي وحماتي
فقدّمه ذلك عند أهل الحرمين على جميع ناحة مكة والمدينة والطائف.
قال وحدّثني ابن جامع وابن أبي الكنّات [4] جميعا: أن سكينة [5] بعثت إليه بمملوك لها يقال له عبد الملك، وأمرته أن يعلّمه النّياحة، فلم يزل يعلّمه مدّة طويلة، ثم توفّي عمّها أبو القاسم محمد بن الحنفيّة عليه السّلام، وكان ابن سريج عليلا علّة صعبة فلم يقدر على النّياحة. فقال لها عبدها عبد الملك: أنا أنوح لك نوحا أنسيك به نوح ابن سريّج. قالت: أو تحسن ذاك؟ قال نعم. فأمرته/ فناح؛ فكان نوحه في الغاية من الجودة، وقال النساء: هذا نوح غريض؛ فلقّب عبد الملك الغريض. وأفاق ابن سريج من علّته بعد أيام وعرف خبر وفاة ابن الحنفيّة، فقال لهم:
فمن/ ناح عليه؟ قالوا: عبد الملك غلام سكينة. قال: فهل جوّز [6] الناس نوحه؟ قالوا: نعم وقدّمه بعضهم عليك. فحلف ابن سريج ألّا ينوح بعد ذلك اليوم، وترك النوح وعدل إلى الغناء، فلم ينح حتى ماتت حبابة [7]،
__________
[1] السفاح: جمع سافح من سفح الدمع سفحا وسفوحا وسفحانا: انصبّ. ويقال أيضا: سفحت العين الدمع سفحا وسفوحا، إذا أرسلته.
[2] البطاح: جمع بطحاء. والبطحاء: مسيل فيه دقاق الحصى. وقريش البطاح كما قال ابن الأعرابي: الذين ينزلون الشعب بين أخشبي مكة، وقريش الظواهر: الذين ينزلون خارج الشعب، وأكرمهما قريش البطاح. وقال الزبير بن أبي بكر: قريش البطاح بنو كعب بن لؤيّ، وقريش الظواهر ما فوق ذلك، سكنوا البطحاء والظواهر. وقبائل بني كعب منهم عديّ وجمح وسهم وتيم ومخزوم وزهرة وأسد وعبد مناف، كل هؤلاء قريش البطاح. وأما قريش الظواهر فهم بنو عامر بن لؤيّ؛ وإنما سموا بذلك لأن قريشا اقتسموا فأصاب الأوّلون البطحاء وأصاب الآخرون الظواهر. فهذا تعريف للقبائل لا للمواضع، فإن البطحاويين لو سكنوا الظواهر كانوا بطحاويين، وكذلك الظواهر لو كانوا سكنوا البطحاء كانوا ظواهر. وقد جمعا معا في قول الشاعر:
فلو شهدتني من قريش عصابة ... قريش البطاح لا قريش الظواهر
وقد قيل بصيغة الجمع وليس في مكة إلا بطحاء واحدة، لأن العرب تتوسع في كلامها وشعرها فتجعل الواحد جمعا ومثنى، وينقلون الألقاب ويغيرونها لتستقيم لهم الأوزان، قال أبو تمام يمدح الواثق:
يسمو بك السفاح والمنصور وال ... مهديّ والمعصوم والمأمون
وأراد بالمعصوم المعتصم. وقال ابن نباته:
فأقام باللورين حولا كاملا ... يترقب القدر الذي لم يقدر
وما في البلاد إلا اللور المعروفة. وإذا صح بإجماع أهل اللغة أن البطحاء الأرض ذات الحصى، فكل قطعة من تلك الأرض بطحاء.
(انظر «ياقوت» في مادة البطاح و «ديوان» أبي تمام طبع مصر ص 330).
[3] كذا في ب، س، ح، ر. وفي سائر النسخ: «فكان أوّل ما قدّم به».
[4] لم نعثر على ضبطه، وقد ورد ذكره في نهاية «الأرب» للنويري في الجزء الرابع في ترجمته: «الكبات» بالباء. والكنة: زوج الابن أو الأخ. وستأتي ترجمته في الجزء السابع عشر من «الأغاني».
[5] تقدم في ص 211 من هذا الجزء: أن الثريا بنت عليّ بن عبد اللّه بن الحارث هي التي ربّت الغريض المغنّي وعلمته النوح بالمراثي على من قتله يزيد بن معاوية من أهلها يوم الحرّة.
[6] أي أساغوا له ذلك وارتضوه.
[7] ضبط في «الكامل» لابن الأثير طبع بولاق جزء 5 صفحة 50 سطر 3 بتخفيف الباء الموحدة، إذ يقول: سلامة بتشديد اللام، وحبابة بتخفيف الباء الموحدة، وذلك في ذكره لسيرة يزيد بن عبد الملك. وفي ترجمة حبابة في الجزء الثالث عشر من «الأغاني» شعر يدل -
وكانت قد أخذت عنه وأحسنت إليه فناح عليها، ثم ناح بعدها على يزيد بن عبد الملك، ثم لم ينح بعده حتى هلك.
قال: ولمّا عدل ابن سريج عن النّوح إلى الغناء عدل معه الغريض إليه، فكان لا يغنّي صوتا إلا عارضه فيه.
ابن سريج وعطاء بن أبي رباح
أخبرني رضوان بن أحمد الصيدلانيّ قال حدّثنا يوسف بن إبراهيم قال:
حدّث [1] إسحاق بن إبراهيم الموصليّ أبا إسحاق إبراهيم بن المهديّ وأنا حاضر أنّ يحيى المكّيّ حدّثه أن عطاء بن أبي رباح لقي ابن سريج بذي طوىّ [2]، وعليه ثياب مصبّغة وفي يده جرادة مشدودة الرّجل بخيط يطيّرها ويجذبها به كلّما تخلّفت [3]؛ فقال له عطاء: يا فتّان، ألا تكفّ عما أنت عليه! كفى اللّه الناس مئونتك. فقال ابن سريج: وما على الناس من تلويني ثيابي ولعبي بجرادتي؟ فقال له: تفتنهم أغانيك/ الخبيثة. فقال له ابن سريج:
سألتك بحقّ من تبعته من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، وبحقّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم عليك، إلّا ما سمعت منّي بيتا من الشعر، فإن سمعت منكرا أمرتني بالإمساك عما أنا عليه. وأنا أقسم باللّه وبحقّ هذه البنيّة لئن أمرتني بعد استماعك منّي بالإمساك عما أنا عليه لأفعلنّ ذلك. فأطمع ذلك عطاء في ابن سريج، وقال: قل. فاندفع يغنّي بشعر جرير:
صوت
إنّ الذين غدوا بلبّك غادروا ... وشلا [4] بعينك لا يزال معينا [5]
غيّضن [6] من عبراتهنّ وقلن لي ... ماذا لقيت من الهوى ولقينا
- لحن ابن سريج هذا [7] ثقيل أوّل بالوسطى عن ابن المكّيّ والهشاميّ، وله أيضا فيه رمل. ولإسحاق فيه رمل آخر بالوسطى. وفيه هزج بالوسطى ينسب إلى ابن سريج والغريض - قال: فلمّا سمعه عطاء اضطرب اضطرابا شديدا ودخلته أريحيّة، فحلف ألّا يكلّم أحدا بقية يومه إلا بهذا الشّعر، وصار إلى مكانه من المسجد الحرام؛ فكان كلّ من يأتيه سائلا عن حلال أو حرام أو خبر من الأخبار، لا يجيبه إلا بأن يضرب إحدى يديه على الأخرى وينشد
__________
- على أنه بتخفيف الباء أيضا وهو:
أبلغ حبابة أسقى ربعها المطر ... ما للفؤاد سوى ذكراكم وطر
إن سار صحبي لم أملك تذكركم ... أو عرّسوا فهموم النفس والسهر
[1] كذا في ت، ح، ر. وفي سائر النسخ: «قال حدّثنا يوسف بن إبراهيم قال حدّثنا إسحاق الموصليّ أن أبا إسحاق إبراهيم بن المهديّ قال الخ» وهو من تحريف النساخ.
[2] ذو طوى: موضع عند مكة.
[3] في ت: «تحلقت» ولم نجد فيما بين أيدينا من «كتب اللغة» هذه الصيغة بمعنى حلق الطائر إذا ارتفع في الهواء واستدار كهيئة الحلقة. ويستأنس لذلك بما ورد في شعر مهيار الديلميّ في قوله:
وزاد عزا أنفسا تحلّقت ... فوق السها وما انتهت أقدارها
[4] الوشل: الماء والدمع القليل والكثير. والمراد هنا الدمع الكثير.
[5] المعين: الجاري السائل على وجه الأرض. وقد قيل في اشتقاقه إنه اسم مفعول من عان الماء: أساله. وقيل هو اسم مفعول لا فعل له، وقيل هو صفة مشبهة من معن الماء يمعن فهو معين إذا جرى وسال. (انظر «اللسان» مادتي عين ومعن).
[6] غيضن من عبراتهن: أرسلن دموعهن حتى نزفنها.
[7] كذا في ت، ح، ر. وفي سائر النسخ: «لحن ابن سريج هذا الصوت ثقيل أوّل الخ».
هذا الشّعر [1] حتى صلّى المغرب، ولم يعاود ابن سريج بعد هذا ولا تعرّض له.
آبن سريج ويزيد ابن عبد الملك
أخبرني جعفر بن قدامة قال حدّثني حمّاد بن إسحاق عن أبيه، وأخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثني الفضل بن محمد اليزيديّ قال حدّثني إسحاق عن ابن جامع عن سياط عن يونس الكاتب قال:
لمّا قال عمر بن أبي ربيعة:
نظرت إليها بالمحصّب من منى ... ولي نظر لو لا التّحرّج عارم
غنّى فيه ابن سريج.
قال: وحجّ يزيد بن عبد الملك في تلك السنة بالناس، وخرج عمر بن أبي/ ربيعة ومعه ابن سريج على نجيبين رحالتاهما [2] ملبستان بالدّيباج، وقد خضبا النجيبين ولبسا حلّتين، فجعلا يتلقّيان الحاجّ ويتعرّضان للنساء إلى أن أظلم الليل، فعدلا إلى كثيب مشرف والقمر طالع يضيء، فجلسا على الكثيب، وقال عمر لابن سريج: غنّني صوتك الجديد؛ فاندفع يغنّيه، فلم يستتمّه إلا وقد طلع عليه رجل راكب على فرس عتيق، فسلّم ثم قال: أيمكنك - أعزّك اللّه - أن تردّ هذا الصوت؟ قال: نعم ونعمة عين [3]، على أن تنزل وتجلس معنا. قال: أنا أعجل من ذلك، فإن أجملت وأنعمت أعدته! وليس عليك من وقوفي شيء ولا مئونة، فأعاده. فقال له: باللّه أنت ابن سريج؟ قال نعم. قال: حيّاك اللّه! وهذا عمر بن أبي ربيعة؟ قال نعم. قال: حيّاك اللّه يا أبا الخطّاب! فقال له: وأنت فحيّاك اللّه! قد عرفتنا فعرّفنا نفسك. قال: لا يمكنني ذلك. فغضب ابن سريج وقال: واللّه لو كنت يزيد بن عبد الملك لما زاد. فقال له: أنا يزيد بن عبد الملك. فوثب إليه عمر فأعظمه،/ ونزل ابن سريج إليه فقبّل ركابه؛ فنزع حلّته وخاتمه فدفعهما إليه، ومضى يركض حتى لحق ثقله. فجاء بهما ابن سريج إلى عمر فأعطاه إياهما، وقال له: إنّ هذين بك أشبه منهما بي. فأعطاه عمر ثلاثمائة دينار وغدا فيهما إلى المسجد، فعرفهما الناس وجعلوا يتعجّبون ويقولون: كأنهما واللّه حلّة يزيد بن عبد الملك وخاتمه، ثم يسألون عمر عنهما فيخبرهم أنّ يزيد بن عبد الملك كساه ذلك.
وأخبرني بهذا الخبر جعفر بن قدامة أيضا قال وحدّثني ابن عبد اللّه بن أبي سعيد قال حدّثني عليّ بن الصّبّاح عن ابن الكلبيّ قال:
غناء ابن سريج في طريق الحاج ووقفه الناس بحسن غنائه
حجّ عمر بن أبي ربيعة في عام من الأعوام على نجيب له مخضوب بالحنّاء مشهّر الرّحل بقراب [4]
__________
[1] في أ، م، ب، س: «هذا الصوت».
[2] الرحالة: سرج من جلود لا خشب فيه يتخذ للركض الشديد يكون للخيل والنجائب من الإبل. وفي ب، س: «راحلتاهما» وهو تحريف.
[3] نعمة عين: مثلثة النون. قال سيبويه: نصبوه على إضمار الفعل المتروك إظهاره أي أفعل ذلك كرامة لك وإنعاما لعينك (أي قرّة لها).
[4] قال الأزهريّ: قراب السيف: شبه جراب من أدم يضع الراكب فيه سيفه بجفنه وسوطه وعصاه وأداته. وقال ابن الأثير: هو شبه الجراب يطرح فيه الراكب سيفه بغمده وسوطه وقد يطرح فيه زاده من تمر وغيره.
مذهب [1]، ومعه عبيد بن سريج على بغلة له شقراء، ومعه غلامه جنّاد يقود فرسا له أدهم [2] أغرّ محجّلا، وكان عمر بن أبي ربيعة يسمّيه «الكوكب»، في عنقه طوق ذهب - وجنّاد هذا هو الذي يقول فيه:
صوت
فقلت لجنّاد خذ السيف واشتمل ... عليه برفق وارقب الشمس تغرب
وأسرج لي الدّهماء واعجل بممطري [3] ... ولا تعلمن خلقا من الناس مذهبي
الغناء لزرزر [4] غلام المارقيّ خفيف ثقيل وهو أجود صوت صنعه - قال: ومع عمر جماعة من حشمه وغلمانه ومواليه وعليه حلّة موشيّة يمانية، وعلى ابن سريج/ ثوبان هرويّان [5] مرتفعان، فلم يمرّوا بأحد إلّا عجب من حسن هيئتهم، وكان عمر من أعطر الناس وأحسنهم هيئة [6]، فخرجوا من مكة يوم التّروية بعد العصر يريدون منّى، فمرّوا بمنزل رجل من بني عبد مناف بمنى قد ضربت عليه فساطيطه وخيمه، ووافى الموضع عمر فأبصر بنتا للرجل قد خرجت من قبّتها، وستر جواريها دون القبّة لئلا يراها من مرّ. فأشرق عمر على النجّيب فنظر إليها، وكانت من أحسن النساء وأجملهنّ. فقال لها جواريها: هذا عمر بن أبي ربيعة. فرفعت رأسها فنظرت إليه، ثم سترتها الجواري وولائدها عنه وبطّنّ دونها بسجف القبّة حتى دخلت. ومضى عمر إلى منزله وفساطيطه بمنى، وقد نظر من/ الجارية إلى ما تيّمه ومن جمالها إلى ما حيّره، فقال فيها:
نظرت إليها بالمحصّب من منى ... ولي نظر لو لا التّحرّج عارم
فقلت أشمس أم مصابيح بيعة ... بدت لك خلف السّجف أم أنت حالم
بعيدة مهوى القرط إمّا لنوفل ... أبوها وإمّا عبد شمس وهاشم
ومدّ عليها السّجف يوم لقيتها ... على عجل تبّاعها والخوادم
فلم أستطعها غير أن قد بدا لنا ... على الرّغم منها كفّها والمعاصم
معاصم لم تضرب على البهم بالضّحى ... عصاها ووجه لم تلحه السّمائم
نضير ترى فيه أساريع مائه ... صبيح تغاديه الأكفّ النّواعم
إذا ما دعت أترابها فاكتنفنها ... تمايلن أو مالت بهنّ المآكم
طلبن الصّبا حتى إذا ما أصبنه ... نزعن وهنّ المسلمات الظّوالم
__________
[1] الإذهاب والتذهيب واحد وهو الطلاء بالذهب.
[2] في ح، ر: «أشقر».
[3] الممطر والممطرة: ثوب يتخذ لتوقي المطر.
[4] في ح، ر، ب، س: «زرزور».
[5] ثوب هرويّ: منسوب إلى هراة. ولم نعثر في «لطائف المعارف» للثعالبي ونهاية «الأرب» للنويري على ميزة خاصة لهذه الثياب، غير أنه قد يكون صبغها أصفر. قال في «القاموس» و «شرحه»: هريّ ثوبه تهرية: اتخذه هرويا أو صبغه وصفره. ثم قال: وكانت سادة العرب تلبس العمائم الصفر وكانت تحمل من هراة مصبوغة، ويقال لمن لبسها: قد هرّى عمامته.
[6] في ح، ر: «لبسة».
/ ثم قال عمر لابن سريج: يا أبا يحيى، إني تفكّرت في رجوعنا مع العشيّة إلى مكة مع كثرة الزّحام والغبار وجلبة الحاجّ فثقل عليّ، فهل لك أن نروح رواحا طيّبا معتزلا، فنرى فيه من راح صادرا إلى المدينة من أهلها، ونرى أهل العراق وأهل الشّأم ونتعلّل [1] في عشيّتنا وليلتنا ونستريح؟ قال: وأنّى ذلك يا أبا الخطّاب؟ قال: على كثيب أبي شحوة [2] المشرف على بطن يأجج [3] بين منى وسرف، فنبصر مرور الحاجّ بنا ونراهم ولا يرونا. قال ابن سريج: طيّب واللّه يا سيّدي. فدعا بعض خدمه فقال: اذهبوا إلى الدار بمكّة، فاعملوا لنا سفرة [4] واحملوها مع شراب إلى الكثيب، حتّى إذا أبردنا [5] ورمينا الجمرة [6] صرنا إليكم - قال: والكثيب على خمسة أميال من مكّة مشرف على طريق المدينة وطريق الشّأم وطريق العراق، وهو كثيب شامخ/ مستدق [7] أعلاه منفرد عن الكثبان - فصارا إليه فأكلا وشربا. فلمّا انتشيا أخذ ابن سريج الدّفّ [8] فنقره وجعل يغنّي وهم ينظرون إلى الحاجّ. فلمّا أمسيا رفع ابن سريج صوته يغنّي في الشّعر الذي قاله عمر، فسمعه الرّكبان فجعلوا يصيحون به: يا صاحب الصّوت أما تتّقي اللّه! قد حبست الناس عن مناسكهم! فيسكت قليلا، حتى إذا مضوا رفع صوته وقد أخذ فيه الشّراب فيقف آخرون، إلى أن مرّت [9] قطعة من الليل، فوقف عليه في الليل رجل على فرس عتيق [10] عربيّ مرح مستنّ [11] فهو كأنه ثمل، حتى وقف بأصل الكثيب وثنى رجله على قربوس [12] سرجه، ثم نادى: يا صاحب الصوت، أيسهل عليك أن تردّ شيئا مما سمعته؟ قال: نعم ونعمة عين، فأيّها تريد؟ قال: تعيد عليّ:
ألا يا غراب البين مالك كلمّا ... نعبت [13] بفقدان عليّ تحوم
أبالبين من عفراء أنت مخبّري ... عدمتك من طير فأنت مشوم
- قال: والغناء لابن سريج - فأعاده، ثم قال له ابن سريج: ازدد إن شئت. فقال: غنّني:
__________
[1] نتعلل: نتلهى ونتسلى.
[2] في ت: «أبي شجوة». وفي ا، ء، ب، س: «أبي سجرة». وفي سائر المنسخ: «أبي شجرة» وكل ذلك محرّف عن «أبي شحوة» بالشين المعجمة المفتوحة والحاء المهملة الساكنة ثم واو مفتوحة، ذكره ياقوت وعرّفه كما في الأصل.
[3] يأجج كيسمع وينصر ويضرب: موضع من مكة على ثمانية أميال، وكان من منازل عبد اللّه بن الزبير. (انظر «شرح القاموس» مادة يأجج).
[4] السفرة بالضم: طعام يتخذ للمسافر (كاللّهنة للطعام الذي يؤكل بكرة) وأكثر ما يحمل في جلد مستدير، فنقل اسم الطعام إليه وسمي به كما سميت المزادة راوية، وفي حديث عائشة: «صنعنا لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم ولأبي بكر سفرة في جراب (أي طعاما) لما هاجر هو وأبو بكر رضي اللّه عنه». وفي ح، ر: «سفرا» بصيغة الجمع.
[5] أبردنا: دخلنا في آخر النهار.
[6] الجمرة: واحدة جمرات المناسك وهي ثلاث جمرات ترمى بها الجمار، بين كل واحدة الأخرى غلوة (رمية) سهم. وسمي موضع رمي الجمار بمنى جمرة لأنه يرمى بالجمار (جمع جمرة وهي الحصاة) أو أنه سمي جمرة لأنه مجمع الحصى التي ترمى بها، من الجمرة وهي اجتماع القبيلة على من ناوأها.
[7] كذا في ح، ر. وفي سائر النسخ: «و هو كثيب شامخ مشيد وأعلاه مفرد عن الكثبان».
[8] الدف بالضم ويفتح، قال في «القاموس»: وبالضم أعلى، وحكى الجوهريّ أن الفتح فيه لغة.
[9] في ب، س: «سرت».
[10] العتيق من الخيل: الرائع الكريم الأصل.
[11] فرس مستنّ: نشيط.
[12] القربوس (بفتح الراء ولا يسكن إلا في ضرورة الشعر. وحكى أبو زيد أن السكون فيه لغة): مقدّم السرج ومؤخرة (و يقال لهما حنوا السرج) كل منهما قربوس.
[13] كذا في ب، س، وفي ح: «نعبت» بالياء المثناة. وفي سائر النسخ: «علوت».
/
أمسلم [1] إنّي يا بن كلّ خليفة ... ويا فارس الهيجا ويا قمر [2] الأرض
شكرتك إنّ الشكر حبل [3] من التّقى ... وما كلّ من أقرضته نعمة يقضي
/ ونوّهت لي باسمي وما كان خاملا ... ولكنّ بعض الذكر أنبه من بعض
فغنّاه، فقال له: الثالث ولا أستزيدك. فقال: قل ما شئت. فقال: تغنّيني
يا دار أقوت بالجزع [4] فالكثب [5] ... بين مسيل العذيب [6] فالرّحب [7]
لم تتقنّع [8] بفضل مئزرها ... دعد ولم تسق دعد في [9] العلب
/ فغنّاه. فقال له ابن سريج: أبقيت لك حاجة؟ قال: نعم، تنزل إليّ لأخاطبك شفاها بما أريد. فقال له عمر: انزل إليه، فنزل. فقال له: لو لا أنّي أريد وداع الكعبة وقد تقدّمني ثقلي وغلماني لأطلت المقام معك ولنزلت عندكم، ولكنّي أخاف أن يفضحني الصبح، ولو كان ثقلي معي لما رضيت لك بالهوينى، ولكن خذ حلّتي هذه وخاتمي ولا تخدع عنهما، فإن شراءهما ألف وخمسمائة دينار. وذكر باقي الخبر مثل ما ذكره حماد بن إسحاق.
__________
[1] يريد مسلمة بن عبد الملك. وسيأتي هذا الشعر في أخبار أبي نخيلة ونسبه في الجزء الثامن عشر من «الأغاني» وأن أبا نخيلة وفد على مسلمة بن عبد الملك فمدحه ولم يزل به حتى أغناه قال يحيى بن تميم: فحدّثني أبو نخيلة قال: وردت على مسلمة بن عبد الملك فمدحته وقلت له: أمسلم الخ». قال فقال لي مسلمة: ممن أنت؟ فقلت: من بني سعد. فقال: ما لكم يا بني سعد والقصيد! وإنما حظكم في الرجز. قال فقلت: أنا واللّه أرجز العرب. قال: فأنشدني من رجزك، فكأني واللّه لما قال ذلك لم أقل رجزا قط، أنسانية اللّه كله، فما ذكرت منه ولا من غيره شيئا إلا أرجوزة لرؤبه قد كان قالها في تلك السنة فظننت أنها لم تبلغ مسلمة فأنشدته إياها فنكس وتتعتعت، فرفع رأسه إليّ وقال: لا تتعب نفسك فأنا أروي لها منك. قال: فانصرفت وأنا أكذب الناس عنده وأخزاهم عند نفسي، حتى استضلعت بعد ذلك ومدحته برجز كثير فعرفني وقرّبني، وما رأيت ذلك فيه يرحمه اللّه ولا قرعني به حتى افترقنا.
[2] في ت، ا، م، ء: «و يا جبل الأرض».
[3] في ا، س، ء، م: «جزء».
[4] الجزع: منعطف الوادي. ولعله يريد به جزع الدواهي وهو موضع بأرض طيء.
[5] الكثب (بالتحريك ويسكن): واد في ديار طيء.
[6] العذيب: ماء بين القادسية والمغيثة. أو هو واد لبني تميم، وهو من منازل حاج الكوفة، وقيل هو حد السواد. وكتب عمر رضي اللّه عنه يوصي سعد بن أبي وقاص، وذكر في كتابه «عذيب الهجانات» و«عذيب القوادس» (راجع «معجم البلدان»).
[7] الرّحب بضم الراء وفتح الحاء المهملتين: موضع، ولم يذكره أبو عبيد ولا ياقوت، وقد ورد في هذا الشعر:
يا دار أسماء بين السفح فالرحب ... أقوت وعف عليها ذاهب الحقب
(انظر «خزانة الأدب» للبغدادي ج 1 ص 166).
[8] أي لم تجعل فضل مئزرها قناعا لها، والقناع والمقنع والمقنعة: ما تغطي به المرأة رأسها ومحاسنها. وفي «لسان العرب» مادة لفع و«شرح الأشموني» طبع بولاق ج 2 ص 475: «تتلفع». واللفاع واللفعة: ما تلفّع له.
[9] في «اللسان» مادة لفع وت، ح، ر: «بالعلب». والعلب: جمع علبة، وهي كما قال الأزهريّ: جلدة تؤخذ من جنب جلد البعير إذا سلخ وهو فطير، فتسوّى مستديرة ثم تملأ رملا سهلا ثم تضم أطرافها وتخل بخلال ويوكي عليها مقبوضة بحبل وتترك حتى تجفّ وتيبس، ثم يقطع رأسها وقد قامت قائمة لجفافها، تشبه قصعة مدوّرة كأنها نحتت نحتا أو خرطت خرطا، ويعلقها الراعي والراكب فيجلب فيها ويشرب بها، وللبدويّ فيها رفق خفتها وأنها لا تنكسر إذا حركها البعير أو طاحت إلى الأرض. (انظر «اللسان» مادة علب). يريد أنها ليست من البدويات الفقيرات التي تشتمل بفضل مئزرها ترفعه على رأسها، ولا ممن يشرب ألبان الإبل في هذه العلب، ولكنها ممن نشأ في نعمة وكسي أحسن كسوة.
نسبة ما في هذا الخبر من الأغاني
صوت
نظرت إليها بالمحصّب من منى ... ولي نظر لو لا التّحرّج عارم
فقلت أشمس أم مصابيح بيعة ... بدت لك خلف السّجف أم أنت حالم
بعيدة مهوى القرط إمّا لنوفل ... أبوها وإمّا عبد شمس وهاشم
الشعر لعمر بن أبي ربيعة. والغناء لمعبد ثقيل أوّل بالسّبّابة في مجرى البنصر عن إسحاق. وفيه لابن سريج رمل بالسبابة في مجرى البنصر عنه. وقد نسب في مواضع من هذا الكتاب.
صوت
ألا يا غراب البين مالك كلّما ... نعبت بفقدان عليّ تحوم
أبا لبين من عفراء أنت مخبّري ... عدمتك من طير فأنت مشوم
الشعر لقيس بن ذريح، وقيل: إنه لغيره. والغناء لابن سريج رمل بالوسطى عن الهشاميّ.
صوت
أمسلم إني يا بن كلّ خليفة ... ويا فارس الهيجا ويا قمر الأرض
شكرتك إنّ الشكر حبل من التّقى ... وما كلّ من أوليته نعمة يقضي
ونوهت لي باسمي وما كان خاملا ... ولكنّ بعض الذكر أنبه من بعض
الشعر لأبي نخيلة [1] الحمّانيّ [2]. والغناء لابن سريج ثاني ثقيل بالوسطى، وقد أخرج هذا الصوت مع سائر أخبار أبي نخيلة في موضع آخر.
إحلال المغنين لابن سريج وعلوّ كعبه في صنعة الغناء
حدّثني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير بن بكّار حدّثني محمد بن سلّام الجمحيّ قال حدّثني عمر [3] بن أبي خليفة قال:
كان أبي نازلا في علو، فكان المغنّون يأتونه. قال فقلت: فأيّهم كان أحسن غناء؟ قال: لا أدري، إلّا أنّي كنت أراهم إذا جاء ابن سريج سكتوا.
__________
[1] أبو نخيلة بضم النون وفتح الخاء، وستأتي ترجمته في الجزء الثامن عشر من «الأغاني»، وأن أبا نخيلة اسمه لا كنيته. وقال ابن قتية: اسمه يعمر، وكنى أبا نخيلة لأن أمه ولدته إلى جنب نخلة. (انظر «خزانة الأدب» البغدادي ج 1 ص 79 و «الأغاني» ج 18 في ترجمته).
[2] الحمانيّ (بكسر الحاء المهملة وفتح الميم المشدّدة وفي آخرها نون بعد الألف): نسبة إلى بني حمان، وهي قبيلة نزلت الكوفة.
[3] كذا في م. وفي سائر النسخ: «عمران» وهو تحريف؛ إذ لم نعثر في «كتب التراجم» على من تسمى بعمران بن أبي خليفة. والذي ورد فيها عمر بن أبي خليفة توفي سنة 189 وهو من شيوخ محمد بن سلام الجمحيّ.
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثني إسحاق بن إبراهيم الموصليّ قال حدّثني الزّبيريّ - يعني عبد اللّه بن مصعب - عن عمرو [1] بن الحارث، قال إسحاق: وحدّثنيه المدائنيّ ومحمد/ بن سلّام عن المحرز بن جعفر عن عمر [2] بن سعد مولى الحارث بن هشام قال:
/ خرج ابن الزّبير ليلة إلى أبي قبيس فسمع غناء، فلما انصرف رآه أصحابه وقد حال لونه، فقالوا: إنّ بك لشرّا. قال: إنه ذاك. قالوا: ما هو؟ قال: لقد سمعت صوتا إن كان من الجنّ [3] إنه لعجب، وإن كان من الإنس فما انتهى منتهاه شي ء! قال: فنظروا فإذا هو ابن سريج يتغنّى:
صوت
أمن رسم دار بوادي غدر [4] ... لجارية من جواري مضر
خدلّجة [5] السّاق ممكورة [6] ... سلوس [7] الوشاح كمثل القمر
تزين [8] النساء إذا ما بدت ... ويبهت [9] في وجهها من نظر
الشعر ليزيد بن معاوية. الغناء لابن سريج رمل بالبنصر عن يونس وحبش.
قال إسحاق: وذكر المدائنيّ في خبره أنّ عمر بن عبد العزيز مرّ أيضا فسمع صوت ابن سريج وهو يتغنّى:
بتّ الخليط قوى الحبل الذي قطعوا
فقال عمر: للّه درّ هذا الصوت لو كان بالقرآن! قال المدائنيّ: وبلغني من وجه آخر أنه سمعه يغنّي:
/قرّب جيراننا جمالهم ... ليلا فأضحوا معا قد ارتفعوا
ما كنت أدري بوشك بينهم ... حتى رأيت الحداة قد طلعوا
فقال هذه المقالة.
__________
[1] كذا في ت، ح، ر. وفي سائر النسخ: «عمر» بدون واو. ولم نعثر في «كتب التراجم» على من تسمى بعمر بن الحارث.
[2] في ت، ح، ر: «عمير».
[3] كذا في جميع النسخ بغير فاء الجزاء وعلى تقديرها، وجوّزه أبو الحسن الأخفش وخرّج عليه قوله تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ)
[4] كذا في ح، ر، ب، س. وفي سائر النسخ: «عذر». وغدر (بضم ففتح): من مخاليف اليمن وبه حصن ناعط (و هو حصن في رأس جبل بناحية اليمن قرب عدن). قيل هو مأخوذ من الغدر وهو الموضع الكثير الحجارة الصعب المسلك، ويصحف بعذر.
[5] الخدلجة: الرّيا الممتلئة الذراعين والساقين.
[6] الممكورة: المطوية الخلق المكتنزة اللحم.
[7] سلوس الوشاح: قلقة الوشاح لينته.
[8] تزين وتزون: لغتان، وكلاهما متعدّ بنفسه. قال في «اللسان»: قالت أعرابية لابن الأعرابيّ: «إنك تزوننا إذا طلعت كأنك هلال ... ».
[9] بهت كقرب وتعب وبهت مطاوع بهته فبهت: دهش وتحيّر وانبهر.
نسبة هذين الصوتين
صوت
بتّ الخليط قوى [1] الحبل الذي قطعوا ... إذ ودّعوك فولّوا ثم ما رجعوا [2]
وآذنوك [3] ببين من وصالهم ... فما سلوت ولا يسليك ما صنعوا
يا بن الطّويل وكم آثرت من حسن ... فينا وأنت بما حمّلت مضطلع [4]
نحظى ونبقى بخير ما بقيت لنا ... فإن هلكت فما في ملجأ طمع
الشعر للأحوص. والغناء لابن سريج [5] رمل بالسّبّابة في مجرى البنصر عن إسحاق وذكر حبش أنّ فيه رملا بالوسطى عن الهشاميّ.
نسبة الصوت الآخر
صوت
قرّب جيراننا جمالهم ... ليلا فأضحوا معا قد ارتفعوا
ما كنت أدري بوشك بينهم ... حتى رأيت الحداة قد طلعوا
/ على مصكّين [6] من جمالهم ... وعنتريسين [7] فيهما خضع [8]
يا قلب صبرا فإنه سفه ... بالحرّ أن يستفزّه الجزع
الغناء لابن سريج ثقيل أوّل من أصوات قليلة الأشباه عن إسحاق. وفيه رمل بالسّبابة/ في مجرى الوسطى ذكره إسحاق ولم ينسبه إلى أحد، وذكر أيضا فيه خفيف رمل بالسّبابة في مجرى الوسطى ولم ينسبه. وذكر الهشاميّ أنّ الرمل للغريض وخفيف الرّمل لابن المكّيّ وذكرت دنانير والهشاميّ أنّ فيه لمعبد ثاني ثقيل. وذكر عمرو بن بانة
__________
[1] القوى: جمع قوّة وهي الطاقة الواحدة من طاقات الحبل.
[2] في ت، أ: «ربعوا». وربعوا: وقفوا وانتظروا.
[3] آذنوك: أعلموك.
[4] اضطلع بالأمر: نهض به وقوى عليه.
[5] في ت، ر: «لابن عباد». وفي ح: «لأبي عباد». وأبو عباد كنية معبد المغنّى الذي تقدّمت ترجمته. وابن عباد هو محمد بن عباد مولى بني مخزوم ويكنى أبا جعفر، مكيّ من كبراء المغنّين. وستأتي ترجمته في الجزء السادس من «الأغاني».
[6] المصك كمجنّ: القويّ.
[7] العتريس: الناقة الصلبة الوثيقة الشديدة الكثيرة اللحم الجواد الجريئة، وقد يوصف به الفرس. قال سيبويه: هو من العترسة التي هي الشدّة، لم يحك ذلك غيره.
[8] الخضع: تطامن في العنق ودنوّ الرأس إلى الأرض. والمراد أنها جدّت في السير؛ وذلك أن الإبل إذا جدّ بها السير خضعت أعناقها.
قال الكمت:
خواضع في كل ديمومة ... يكاد الظليم بها يحل
وقال جرير:
ولقد ذكرتك والمطي خواضع ... وكأنهن قطا فلاة مجهل
أنّ الثقيل الأوّل للغريض. وذكر عبد اللّه بن موسى أن لحن ابن - سريج خفيف ثقيل.
عدد الأصوات التي غنّى فيها ابن سريج وحوار إبراهيم بن المهدي وإسحاق الموصليّ في ذلك
أخبرني رضوان بن أحمد الصّيدلانيّ قال حدّثني يوسف بن إبراهيم قال:
حضرت أبا إسحاق إبراهيم بن المهديّ وعنده إسحاق الموصليّ، فقال إسحاق: غنّى ابن سريج ثمانية وستّين صوتا. فقال له أبو إسحاق: ما تجاوز قطّ ثلاثة وستّين صوتا. فقال بلى. ثم جعلا ينشدان أشعار الصّحيح منها حتى بلغا ثلاثة وستين صوتا وهما يتّفقان على ذلك، ثم أنشد إسحاق بعد ذلك أشعار خمسة أصوات أيضا.
فقال أبو إسحاق: صدقت، هذا من غنائه، ولكنّ لحن هذا الصوت نقله من/ لحنه في الشعر الفلانيّ، ولحن الثاني من لحنه الفلانيّ، حتى عدّ له الخمسة الأصوات. فقال له إسحاق: صدقت. ثم قال له إبراهيم: إن ابن سريج كان رجلا عاقلا أديبا، وكان يغنّي [1] الناس بما يشتهون، فلا يغنّيهم صوتا مدح به أعداؤهم ولا صوتا عليهم فيه عار أو غضاضة، ولكنّه يعدل بتلك الألحان إلى أشعار في أوزانها، فالصّوتان واحد لا ينبغي أن نعدّهما [2] اثنين عند التحصيل منّا لغنائه، فصدّقه إسحاق. فقال له إبراهيم: فأيّها أولى عندك بالتّقدمة [3]؟ فقال:
وإذا ما عثرت في مرطها [4] ... نهضت باسمي وقالت يا عمر
فقال له إبراهيم: أحسبك [5] يا أبا محمد - متّعت بك - ما أردت إلّا مساعدتي [6]. فقال: لا، واللّه ما إلى هذا قصدت، وإن كنت أهوى كلّ ما قرّبني من محبّتك.
فقال له: هذا أحبّ أغانيه إليّ، وما أحسبه في مكان أحسن منه عندي، ولا كان ابن سريج يتغنّاه أحسن مما يتغنّاه جواريّ، ولئن كان كذلك فما هو عندي في حسن التّجزئة والقسمة وصحّتهما مثل لحنه في:
صوت من المائة المختارة من رواية جحظة
حيّيا أمّ يعمرا [7] ... قبل شحط من النّوى
أجمع الحيّ رحلة ... ففؤادي كذى الأسى
قلت لا تعجلوا الرّوا ... ح فقالوا ألا بلى
/ - الغناء لابن سريج من القدر الأوسط من الثّقيل الأوّل مطلق في مجرى الوسطى. وفيه للهذليّ خفيف ثقيل بالبنصر عن ابن المكّيّ. وفيه لمالك ثقيل أوّل البنصر عن عمرو. وفيه لحنان من الثقيل الثاني: أحدهما لإسحاق والآخر لأبيه [8]، ونسبه قوم إلى ابن محرز، ولم يصحّ ذلك - قال: فاجتمعا معا على أنه أوّل أغانيه وأحقّها
__________
[1] في ت، ح، «يعاشر».
[2] في ت، ح: «لا ينبغي أن يعتدّ بهما اثنين».
[3] في ح، ر: «بالتقديم».
[4] المرط بالكسر: كساء من خز أو صوف أو كتان.
[5] كذا في ح، ر. وفي سائر النسخ: «حسبك يا أبا محمد».
[6] في ت، أ، م، ء: «أردت مساعدتي».
[7] كذا في «الديوان»، ح، ر، ت، س. وفي سائر النسخ: «أم معمر».
[8] في ب، س، م: «لابنه»، وهو تصحيف.
بالتقديم. وأمرني أبو إسحاق بتدوين ما يجري بينهما ويتّفقان عليه، فكتبت هذا الشعر. ثم اتّفقا على أن الذي يليه:
وإذا ما عثرت في مرطها ... نهضت [1] باسمي وقالت يا عمر
فأثبتّه أيضا. ثم تناظرا في الثالث فاجتمعا على أنّه:
/ فتركته جزر [2] السّباع ينشنه [3] ... ما بين قلّة [4] رأسه والمعصم [5]
فقال إسحاق: لو قدّمناه على الأغاني التي تقدّمته كلّها لكان يستحقّ ذلك. فقال أبو إسحاق: ما سمعته منذ عرفته إلا أبكاني، لأنّي إذا سمعته أو ترنّمت به وجدت غمرا على فؤادي [6] لا يسكن حتى أبكي. فقال إسحاق: إنّ مذهبه فيه ليوجب ذلك، فدوّنته ثالثا. ثم اتّفقا على الرابع وأنه:
فلم أر كالتّجمير [7] منظر ناظر ... ولا كليالي الحجّ أفتنّ ذا هوى
وتحدّثا بأحاديث لهذا الصوت مشهورة. ثم تناظرا في الخامس، فاتّفقا على أنه:
عوجي علينا ربّة الهودج ... إنّك إلّا تفعلي تحرجي [8]
فأثبتّه. ثم تناظرا في السادس واتفّقا على أنه:
ألا هل هاجك الأظعا ... ن إذ جاوزن مطّلحا [9]
فأثبتّه. ثم تناظرا في السابع فاتّفقا على أنه:
غيّضن من عبراتهنّ وقلن لي ... ما ذا لقيت من الهوى ولقينا
فأثبتّه. وتناظرا في الثامن فاتّفقا على أنه:
تنكر الإثمد لا تعرفه ... غير أن تسمع منه بخبر
فأثبتّه. وتناظرا في التاسع فاتّفقا على أنه:
__________
[1] في ح، ر، ب، س: «هتفت».
[2] جزر السباع: اللحم الذي تأكله؛ يقال: تركوهم جزرا (بالتحريك) إذا قتلوهم وقطعوهم إربا إربا وجعلوهم معرّضين للسباع والطير.
[3] ينشنه: يتناولنه.
[4] قلة كل شي ء: أعلاه.
[5] في «ديوان» عنترة.
يقضمن حسن بنانه والمعصم
والقضم: الأكل بمقدّم الأسنان.
[6] في ح، ر: «على قلبي».
[7] التجمير: رمى الجمار.
[8] تحرجى: تأثمي.
[9] مطلع، قال ياقوت: هو موضع في قوله: «و قد جاوزن مطّلحا»، ولم يبينه. وقال في «الأغاني» (ج 2 ص 214 من هذه الطبعة) في أخبار ابن عائشة بعد أن ذكر سبعة أبيات منها هذا البيت: الشعر ترويه الرواة جميعا لعمر بن أبي ربيعة سوى الزبير بن بكار فإنه رواه عن عمه وأهله لجعفر بن الزبير بن العوّام، م قال: ورواه الزبير: «إذ جاوزن من طلحا»، وقال: ليس على وجه الأرض موضع يقال له مطلح» ا ه وطلح: كل وأعيا. وفي هذا الجزء نفسه (ص 255) في أخبار ابن أرطأة بعد أن روى أبياتا لابن سيحان قال قال:
«أبو عمر: وابن سيحان الذي يقول:
ألا هل هاجك الأظعا ... ن إذ جاوزن مطلحا
والناس يروونه لعمر بن أبي ربيعة لغلبته على أهل الحجاز جميعا» ا ه.
ومن أجل ذات الخال أعملت ناقتي ... أكلّفها سير الكلال مع الظّلع [1]
نسبة هذه الأصوات وأجناسها
منها:
صوت
وإذا ما عثرت في مرطها ... نهضت باسمي وقالت يا عمر
الشعر لعمر بن أبي ربيعة. والغناء لابن سريج خفيف رمل بالوسطى عن الهشاميّ.
ومنها:
صوت
فتركته جزر السّباع ينشنه ... ما بين قلّة رأسه والمعصم
الشعر لعنترة بن شدّاد العبسيّ. والغناء لابن سريج ثقيل أوّل بالوسطى عن عمرو [2].
/و منها:
صوت
فلم أر كالتّجمير منظر ناظر ... ولا كليالي الحجّ أفتنّ ذا هوى
الشعر لعمر بن أبي ربيعة. والغناء لابن سريج رمل بالوسطى عن عمرو [3].
ومنها:
صوت
عوجي علينا ربّة الهودج ... إنّك إلّا تفعلي تحرجي
الشعر للعرجيّ. والغناء لابن سريج ثقيل بالوسطى عن عمرو.
ومنها:
صوت
/ ألا هل هاجك الأظعا ... ن إذ جاوزن مطّلحا [4]
الشعر لعمر. والغناء لابن سريج ثقيل أوّل [5] مطلق في مجرى البنصر عن إسحاق. وفيه للغريض لحنان:
__________
[1] كذا في ت، ح، ر، ء. وفي سائر النسخ:
وكلّفتها سير الكلال على الظلع
[2] في ت، ح، ر: «عن الهشامي».
[3] في ت: «ثاني ثقيل بالوسطى عن عمرو». وفي ح، ر: «ثاني ثقيل بالوسطى عن الهشاميّ».
[4] انظر الكلام عليه في الصفحة السابقة.
[5] في ح، ر: «ثقيل أوّل ثالث بالخنصر في مجرى البنصر».
ثقيل أوّل بالوسطى في مجراها عن إسحاق، وخفيف ثقيل بالوسطى عن عمرو. وفيه لمعبد ثقيل أوّل ثالث بالخنصر في مجرى الوسطى عن إسحاق.
ومنها:
صوت
غيّضن من عبراتهنّ وقلن لي ... ما ذا لقيت من الهوى ولقينا
الشعر لجرير. والغناء لابن سريج رمل بالبنصر. وفيه لإسحاق رمل بالوسطى. وفيه للهذليّ ثاني ثقيل [1] بالوسطى عن الهشامي.
ومنها:
صوت
تنكر الإثمد لا تعرفه ... غير أن تسمع منه بخبر
الشعر لعبد الرحمن بن حسّان. والغناء لابن سريج رمل بالوسطى.
ومنها:
صوت
ومن أجل ذات الخال أعملت ناقتي ... أكلّفها سير الكلال مع الظّلع
الشعر لعمر بن أبي ربيعة. والغناء لابن سريج رمل بالبنصر. وفيه لإسحاق رمل بالوسطى [2].
تنافر معبد ومالك بن أبي السمح إلى ابن سريج في صوتين غنياهما
أخبرني رضوان بن أحمد قال حدّثنا يوسف بن إبراهيم قال حدّثني أبو إسحاق إبراهيم بن المهديّ قال حدّثني الزّبير بن دحمان أنّ أباه حدّثه:
أنّ معبدا تغنّى:
آب ليلي بهموم وفكر [3] ... من حبيب هاج حزني والسّهر
يوم أبصرت غرابا واقعا ... شرّ ما طار على شرّ الشّجر
فعارضه مالك فغنّى في أبيات من هذا الشعر، وهي:
وجرت [4] لي ظبية يتبعها ... ليّن الأظلاف [5] من حور [6] البقر
__________
[1] في ح، ر: «و فيه للهذليّ ثقيل بالوسطى».
[2] في أ، ء: «و الغناء لابن سريج رمل بالوسطى وفيه لإسحاق رمل بالبنصر».
[3] في ت، ح، ر: «و ذكر» بالذال المعجمة.
[4] في ح، ر، م: «و جنت».
[5] الظلف للبقرة والشاة والظبي وشبهها: بمنزلة القدم للإنسان.
[6] حور: جمع أحور وحوراء. والحور: اشتداد بياض العين واشتداد سوادها.
كلّما كفكفت [1] منّي عبرة ... فاضت العين بمنهلّ درر [2]
/قال: فتلاحيا جميعا فيما صنعاه من هذين الصّوتين، فقال كلّ واحد منهما لصاحبه: أنا أجود صنعة منك.
فتنافرا [3] إلى ابن سريج فمضيا إليه بمكة. فلمّا قدماها سألا عنه، فأخبرا أنه خرج يتطرّف [4] بالحنّاء في بعض بساتينها. فاقتفيا أثره، حتى وقفا عليه وفي يده الحنّاء، فقالا له: إنّا خرجنا إليك من المدينة لتحكم بيننا في صوتين صنعناهما. فقال لهما: ليغنّ كلّ واحد منكما صوته. فابتدأ معبد يغنّي لحنه. فقال له: أحسنت واللّه على سوء اختيارك للشّعر! يا ويحك! ما حملك على أن ضيّعت هذه الصّنعة الجيّدة في حزن وسهر وهموم وفكر! أربعة ألوان من الحزن في بيت واحد، وفي البيت الثاني شرّان في مصراع واحد، وهو قولك:
شرّ ما طار على شرّ الشّجر
ثم قال لمالك: هات ما عندك، فغنّاه مالك. فقال له: أحسنت واللّه ما شئت! فقال له مالك: هذا وإنّما هو ابن شهره، فكيف تراه يا أبا يحيى يكون إذا حال عليه الحول! قال دحمان: فحدّثني معبد أنّ ابن سريج غضب عند ذلك غضبا/ شديدا، ثم رمى بالحنّاء من يديه وأصابعه وقال له: يا مالك، أليّ تقول ابن شهره! اسمع منّي ابن ساعته، ثم قال: يا أبا عبّاد أنشدني القصيدة التي تغنّيتما فيها. فأنشدته القصيدة حتى انتهيت إلى قوله:
تنكر الإثمد لا تعرفه ... غير أن تسمع منه بخبر
فصاح بأعلى صوته: هذا خليلي وهذا صاحبي، ثم تغنّى فيه، فانصرفنا مفلولين مفضوحين من غير أن نقيم بمكة ساعة واحدة.
نسبة هذه الأغاني كلها
صوت
آب ليلي بهموم وفكر ... من حبيب هاج حزني والسّهر
يوم أبصرت غرابا واقعا ... شرّ ما طار على شرّ الشّجر
ينتف الرّيش على عبريّة [5] ... مرّة المقضم من روح العشر [6]
__________
[1] كفكف دمع العين: ردّه.
[2] درر: جمع درّة. والدرّة في الأمطار: أن يتبع بعضها بعضا؛ قال النمر بن تولب:
سلام الإله وريحانه ... ورحمته وسماه درر
أي ذات درر. وهو يريد بمنهل ذي درر. وقيل: الدرر: الدارّ؛ كقوله تعالى: (دِيناً قِيَماً)
أي قائما.
[3] تنافرا: تحاكما. قال أبو عبيد: المنافرة: أن يفتخر الرجلان كل واحد منهما على صاحبه ثم يحكّما بينهما رجلا.
[4] يتطرّف بالحناء: يخضب أطراف أصابعه به.
[5] قال صاحب «اللسان» في مادة عبر: العبرية واحدة العبريّ وهو من السّدر (شجر النبق) ما نبت على عبر النهر وعظم، منسوب إلى العبر بالكسر على غير قياس. وقال يعقوب: العبري والعمري منه ما شرب الماء والذي لا يشرب يكون بريا وهو الضال. وقال أبو زيد: العبري السدر وما عظم من العوسج (و العوسج شجر من شجر الشوك وله تمر أحمر مدوّر كأنه خرز العقيق). وليس شيء من هذه المعاني يتفق وقوله في آخر البيت «من دوح العشر». فلعله يريد سنا: على عبرية بكسر العين أي على شجرة من شجر العشر نابتة على عبر النهر.
[6] قال أبو حنيفة: العشر من العضاه وهو من كبار الشجر له صمغ حلو وهو عريض الورق ينبت صعدا في السماء وله سكّر يخرج من -
الشّعر لعبد الرحمن بن حسّان بن ثابت يقوله في رملة بنت معاوية بن أبي سفيان، وله معها ومع أبيها وأخيها في تشبيبه بها أخبار كثيرة ستذكر في موضعها إن شاء اللّه. ومن الناس من ينسب هذا الشعر إلى عمر بن أبي ربيعة، وهو غلط. وقد بيّن ذلك مع أخبار عبد الرحمن في موضعه.
والغناء لمعبد خفيف ثقيل أوّل بالوسطى عن يحيى المكّيّ، وذكر عمرو بن بانة أنه للغريض، وله لحن آخر في هذه الطريقة.
صوت
وجرت لي ظبية يتبعها ... ليّن الأظلاف [1] من حور البقر
خلفها أطلس [2] عسّال [3] الضّحى ... صادفته يوم طلّ وحصر [4]
/الغناء لمالك خفيف ثقيل بالبنصر في مجراها عن إسحاق.
صوت
إنّ عينيها لعينا جؤذر ... أهدب الأشفار من حور البقر
تنكر الإثمد لا تعرفه ... غير أن تسمع منه بخبر
الغناء لابن سريج رمل بالسّبّابة [5]، عن عمرو ويحيى المكّيّ.
مضادة ابن سريج للغريض ومعارضة الغريض له
أخبرني الحسين بن يحيى قال قال حمّاد قال أبي قال محمد بن سعيد:
لمّا ضادّ ابن سريج الغريض وناوأه، جعل ابن سريج لا يغنّي صوتا ألا عارضه فيه الغريض فغنّى فيه لحنا غيره، وكانت ببعض أطراف مكة دار يأتيانها في كل جمعة ويجتمع لهما ناس كثير، فيوضع لكل واحد منهما كرسيّ يجلس عليه ثم يتناقضان [6] الغناء ويترادّانه. قال: فلمّا رأى ابن سريج موقع الغريض وغنائه من الناس لقربه من النّوح وشبهه به، مال إلى الأرمال والأهزاج فاستخفّها الناس. فقال له الغريض: يا أبا يحيى، قصرت الغناء وحذفته وأفسدته. فقال له: نعم يا مخنّث، جعلت تنوح على أبيك وأمّك، ألى تقول هذا! واللّه لأغنّينّ غناء ما غنّى أحد أثقل منه ولا أجود. ثم تغنّى:
تشكّى الكميت الجري لمّا جهدته
__________
- شعبة ومواضع زهره يقال له سكر العشر. وفي سكره شيء من مرارة، ويخرج له نفّاخ كأنها شقاشق الجمال التي تهدر فيها، وله نور مثل نور الدّفلى مشرب مشرق حسن المنظر وله ثمر.
[1] كذا في ح، ر. وفي سائر والنسخ: «الأطراف».
[2] الأطلس من الذئاب: ما في لونه غبرة إلى السواد.
[3] عسل الذئب يعسل عسلا وعسلانا: مضى مسرعا واضطرب في عدوه وهزّ رأسه.
[4] الخصر: البرد.
[5] في ت، ح، ر: «بالوسطى».
[6] يتناقضان الغناء: ينقض كل منهما غناء الآخر، بأن يصنع أحدهما لحنا، ويصنع الآخر لحنا آخر يكون نقيضا له.
تقدير ابن أبي عتيق لابن سريج
قال حمّاد: وقرأت على أبي عن/ هشام بن المرّيّة قال: كان ابن عتيق يسوق في كلّ عام عن ابن سريج بدنة وينحرها عنه، ويقول: هذا أقلّ حقّه علينا.
اعتراف معبد لابن سريج بالسبق عليه في صنعة الغناء
قال حمّاد: قال أبي وقال مخلد بن خداش المهلّبيّ: كنّا بالمدينة في مجلس لنا ومعنا معبد، فقدم من مكة إلى المدينة فدخل علينا ليلا، فجلس معبد يسائله عن/ الأخبار وهو يخبره ولا نسمع ما يقول. فالتفت إلينا معبد فقال: أصبحت أحسن الناس غناء. فقيل له: أو لم تكن كذلك؟ قال: لا [1] حيث كان ابن سريج حيّا، إنّ هذا أخبرني أنّ ابن سريج قد مات. ثم كان بعد ذلك إذا غنّى صوتا فأعجبه غناؤه قال: أصبحت اليوم سريجيّا.
أبو السائب المخزوميّ وأغاني ابن سريج
قال حمّاد: حدّثني أبي قال حدّثني أبو الحسن المدائنيّ قال: قال معبد: أتيت أبا السّائب - المخزومي وكان يصلّي في كل يوم وليلة ألف ركعة - فلمّا رآني تجوّز [2] وقال: ما معك من مبكيات ابن سريج؟ قلت قوله:
ولهنّ بالبيت العتيق لبانة ... والبيت يعرفهنّ لو يتكلّم
لو كان حيّا قبلهن ظعائنا ... حيّا الحطيم وجوههنّ وزمزم
لبثوا ثلاث منى [3] بمنزل غبطة ... وهم على سفر لعمرك ما هم
متجاورين بغير دار إقامة ... لو قد أجدّ [4] تفرّق لم يندموا
فقال لي: غنّه، فغنّيته. ثم قام يصلّي فأطال، ثم تجوّز إليّ فقال: ما معك من مطرباته ومشجياته؟
فقلت: قوله:
لسنا نبالي حين ندرك حاجة ... ما بات أو ظلّ المطيّ معقّلا
فقال لي: غنّه، فغنّيته. ثم صلّى وتجوّز إليّ وقال: ما معك من مرقصاته؟ فقلت:
فلم أر كالتّجمير منظر ناظر ... ولا كليالي الحجّ أفتنّ ذا هوى
فقال: كما أنت حتى أتحرّم لهذا بركعتين.
تغني ابن سريج والغريض بمسمع من عطاء بن أبي رباح وتفضيله ابن سريج على الغريض
قال حمّاد: وأخبرني أبي عن إبراهيم بن المنذر الحزاميّ، وذكر أبو أيّوب المدينيّ عن الحزاميّ قال حدّثني عبد الرحمن بن إبراهيم المخزوميّ قال:
__________
[1] في ح، ر: «قال: لا، لم أكن كذلك حيت كان ابن سريج حيا».
[2] تجوّز في صلاته: خفّف فيها.
[3] يريد ثلاث ليالي التشريق وهي التي يبيت فيها الحاجّ بمنى.
[4] أجدّ يستعمل لازما ومتعدّيا؛ يقال: أجدّ الرجل في الأمر إذا كان فيه ذا جدّ، وأجدّ الرجل السير أو الرحيل: اعتزمه.
أرسلتني أمّي وأنا غلام أسأل عطاء بن أبي رباح عن مسألة، فوجدته في دار يقال لها دار المعلّى - وقال أبو أيّوب في خبره: دار المقلّ [1] - وعليه ملحفة معصفرة، وهو جالس على منبر وقد ختن ابنه والطعام يوضع بين يديه وهو يأمر به أن يفرّق في الخلق [2]، فلهوت مع الصّبيان ألعب بالجوز حتى أكل القوم وتفرّقوا وبقي مع عطاء خاصّته، فقالوا: يا أبا محمد لو أذنت لنا فأرسلنا إلى الغريض وابن سريج! فقال: ما شئتم، فأرسلوا إليهما. فلمّا أتيا قاموا معهما وثبت عطاء في مجلسه فلم يدخل، فدخلوا بهما بيتا في الدار، فتغنّيا وأنا أسمع. فبدأ ابن سريج فنقر بالدفّ وتغنّى بشعر كثيّر:
بليلى [3] وجارات لليلى كأنّها ... نعاج الملا [4] تحدى بهن الأباعر
أمنقطع يا عزّ ما كان بيننا ... وشاجرني يا عزّ فيك الشّواجر [5]
إذا قيل هذا بيت عزّة قادني ... إليه الهوى واستعجلتني البوادر [6]
أصدّ وبي مثل الجنون لكي يرى ... رواة الخنا أنّي لبيتك هاجر
فكأن القوم قد نزل عليهم السّبات [7]، وأدركهم الغشي فكانوا كالأموات [8]، ثم أصغوا/ إليه بآذانهم وشخصت إليه أعينهم [9] وطالت أعناقهم. ثم غنّى الغريض بصوت أنسيته/ بلحن آخر. ثم غنّى ابن سريج وأوقع بالقضيب، وأخذ الغريض الدّفّ فغنّى بشعر الأخطل:
فقلت اصبحونا [10] لا أبا لأبيكم ... وما وضعوا الأثقال إلا ليفعلوا
وقلت اقتلوها عنكم بمزاجها ... فأكرم بها مقتولة حين تقتل
أناخوا فجرّوا شاصيات [11] كأنها ... رجال من السّودان لم يتسربلوا
فو اللّه ما رأيتهم تحرّكوا ولا نطقوا إلا مستمعين لما يقول. ثم غنّى الغريض بشعر آخر وهو:
هل تعرف الرّسم والأطلال والدّمنا ... زدن الفؤاد على ما عنده [12] حزنا
دار لصفراء [13] إذ كانت تحلّ بها ... وإذ ترى الوصل فيما بيننا حسنا
__________
[1] في ح، ر: «و قال أبو أيوب في حجرة دار المعلى».
[2] في ح: «الخلق» جمع حلقه وهي حلقة القوم. قال أبو عبيد: أختار في حلقة القوم إسكان اللام ويجوز التحريك، بعكس حلقة الحديد.
[3] في ح، ر: «لليلى» باللام.
[4] الملا: الصحراء. وفي ح، ر: «الفلا».
[5] الشواجر: جمع شاجرة؛ يقال: شجرة عن الأمر، إذا صرفه عنه. يريد: أينقطع ما بيننا وقد نازعتى فيك الصوارف.
[6] البوادر: الدموع.
[7] السبات: نوم خفيّ كالغشية.
[8] في ت، ح، ر: «نزل عليهم السبات فما تسمع حسّا وأصغوا الخ».
[9] في ت، ح، ر: «أحداقهم».
[10] أصبحونا: إيتونا بالصبوح وهو ما يشرب في الغداة إلى القائلة.
[11] الشاصيات، أنظر شرح المؤلف لها في صفحة 285.
[12] في «ديوان عمر»: «على علّاته».
[13] في «ديوان عمر بن أبي ربيعة» المطبوع بلبيزج والنسخة المخطوطة التيمورية: «دار لأسماء».
إذ تستبيك بمصقول عوارضه [1] ... ومقلتي جؤذر لم يعد أن شدنا
ثم غنّيا جميعا بلحن واحد، فلقد خيّل لي أن الأرض تميد، وتبيّنت ذلك في عطاء أيضا. وغنّى الغريض في شعر عمر بن أبي ربيعة، وهو قوله:
كفى حزنا تجمع الدار شملنا ... وأمسي قريبا لا أزورك كلثما
دعي القلب لا يزدد خبالا مع الذي ... به منك أو داوى جواه المكتّما
/ ومن كان لا يعدو هواه لسانه ... فقد حلّ في قلبي هواك وخيّما
وليس بتزويق [2] اللسان وصوغه ... ولكنّه قد خالط اللحم والدّما
وغنّى ابن سريج أيضا:
خليليّ عوجا نسأل اليوم منزلا ... أبى بالبراق [3] العفر [4] أن يتحوّلا
ففرع النّبيت [5] فالشّرى [6] خفّ أهله ... وبدّل أرواحا جنوبا وشمألا
أرادت فلم تسطع كلاما فأومأت ... إلينا ولم تأمن رسولا فترسلا
بأن بت عسى أن يستر الليل مجلسا ... لنا أو تنام العين عنّا فتقبلا [7]
وغنّى الغريض أيضا:
يا صاحبيّ قفا نقضّ لبانة ... وعلى [8] الظّعائن قبل بينكما اعرضا
__________
[1] العوارض: الثنايا؛ سميت بذلك لأنها في عرض الفم، وقيل: هي الأسنان التي تبدو من الفم عند الضحك؛ قال كعب:
تجلو عوارض ذي ظلم إذا ابتسمت ... كأنه منهل بالراح معلول
وقال جرير:
أتذكر يوم تصقل عارضيها ... بفرع بشامة سقى البشام
[2] الترويق: التحسين والتزين وأصله من الزاووق وهو الزئبق (و كذلك يسميه أهل المدينة) وهو يدخل في التصاوير؛ ولذلك قيل لكل مزّين مزوّق، ثم استعمل في كل مزين وإن لم يكن فيه زئبق.
[3] البراق: جمع برقة، وهي الأرض الغليظة مختلطة بحجارة ورمل، فإذا اتسعت البرقة فهي الأبرق وجمعه أبارق. وإنما سميت كذلك لرقة رملها.
[4] العفر: جمع عفراء. والعفرة: بياض ليس بالناصع الشديد.
[5] لم نعثر على هذا الموضع هكذا بالإضافة اسما لموضع خاص. وإنما الفرع (بضم فسكون كما في «ياقوت»): قرية من نواحي الربذة عن يسار السقيا بينها وبين المدينة ثمانية برد على طريق مكة وقيل أربع ليال، بها منبر ونخل ومياه كثيرة، وهي قرية غناء كبيرة وهي لقريش الأنصار (كذا بالأصل ولعل كلمة قريش هنا زائدة) ومزينة، وبينها وبين المريسيع ساعة من نهار، وهي كالكورة، وفيها عدّة قرى ومنابر ومساجد لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم. والنبيت، قال في ا «لقاموس» (مادّة نبت): والنبيت أبو حي باليمن. وفي «كتاب ما يعوّل عليه في المضاف والمضاف إليه» المخطوط المحفوظ بدار الكتب المصرية تحت رقم 78 أدب م: بنو النبيت بطن من الأوس من الأزد.
وفي «النوادر» لأبي على القالي الطبعة الأولى الأميرية ج 3 ص 156 ما يفيد أن النبيت قبيلة. فلعل هذه القرية المعروفة بالفرع كانت تسكنها هذه القبيلة.
[6] الشرى: اسم لمواضع كثيرة، فالشرى: مأسدة بجانب الفرات. وقال نصر: الشرى جبل بنجد في ديار طيء، وجبل بتهامة موصوف بكثرة اسباع. والشرى: موضع عند مكة. والشرى: واد من عرفة على ليلة بين كبكب ونعمان. والظاهر أن الشاعر أراد أحد هذين الأخيرين.
[7] في ت، أ، ء، س: «فتغفلا».
[8] كذا في «ياقوت» في الكلام على محسر وأكثر النسخ. وفي أ، م، ء: «عن». والظعائن هنا: جمع ظعينة وهي المرأة في الهودج.
/
لا تعجلاني أن أقول بحاجة [1] ... رفقا [2] فقد زوّدت زادا مجرضا [3]
ومقالها بالنّعف نعف محسّر [4] ... لفتاتها هل تعرفين المعرضا [5]
هذا الذي أعطى مواثق عهده ... حتى رضيت وقلت لي لن ينقضا
وأغانيّ أنسيتها، وعطاء يسمع على منبره [6] ومكانه، وربما رأيت رأسه قد مال وشفتيه تتحرّكان حتّى بلغته الشمس، فقام يريد منزله. فما سمع السامعون شيئا أحسن منهما وقد رفعا أصواتهما وتغنّيا بهذا. ولمّا بلغت [7] الشمس عطاء قام وهم على طريقة واحدة في الغناء، فاطّلع في كوّة البيت. فلما رأوه قالوا: يا أبا محمد، أيّهما أحسن غناء؟ قال: الرّقيق الصوت. يعني ابن سريج.
نسبة ما في هذه الأخبار من الأصوات
صوت
ولهنّ بالبيت العتيق لبانة ... والبيت يعرفهنّ لو يتكلّم
لو كان حيّا قبلهنّ ظعائنا ... حيّا الحطيم وجوههنّ وزمزم
وكأنهنّ وقد حسرن [8] لواغبا [9] ... بيض بأكناف الحطيم مركّم
/ لبثوا ثلاث منى بمنزل غبطة ... وهم على سفر لعمرك ما هم
متجاورين بغير دار إقامة ... لو قد أجدّ رحيلهم لم يندموا
عروضه من الكامل. الشعر لابن أذينة. والغناء لابن سريج ثاني ثقيل مطلق في مجرى البنصر عن إسحاق.
وأخبار ابن أذينة تأتي بعد هذا في موضعها إن شاء اللّه.
ومنها الصوت الذي أوّله في الخبر:
لسنا نبالي حين ندرك حاجة
__________
- يريد: أعرضا حاجتكما على الظعائن قبل فراقكما.
[1] كذا في ت، ح، ر. أي أنطق بها وأصرّح. وفي سائر النسخ. «لحاجة» باللام.
[2] كذا في ح، ر. وفي سائر النسخ: «وقفا».
[3] كذا في ت بالجيم؛ يقال: أجرضه بريقه، إذا أغصّه. وفي أ، م، ء: «محرضا» يقال: أحرضه المرض» إذا أشفى منه على الموت.
وفي سائر النسخ: «ممرضا».
[4] محسر: موضع بين مكة وعرفة، وقيل بين منى وعرفة، وقيل بين منى والمزدلفة، وليس من منى ولا مزدلفة بل هو واد برأسه.
والنعف: ما انحدر عن السفح وغلظ وكان له صعود وهبوط.
[5] قبل هذا البيت في «ديوانه»:
ما أنس لا أنس الذي بذلت لنا ... منها على عجل الرحيل لتمرضا
[6] كذا في ت، ح، ر. وفي سائر النسخ: «سريره».
[7] في ت، ح، ر: «و بلغت الشمس عطاء والبيت الذي هم فيه على طريقه فاطلع في كوّة الباب فلما رأوه الخ».
[8] حسر كضرب هنا: كشف.
[9] لواغبا: جمع لاغبة. واللغوب: التعب والإعياء.
صوت
ودّع لبابة قبل أن تترحّلا ... واسأل فإن قليله أن تسألا
وانظر بعينك ليلة وتأنّها ... فلعلّ ما بخلت به أن يبذلا
لسنا نبالي حين ندرك حاجة ... ما راح أو ظلّ المطيّ معقّلا
حتّى إذا ما الليل جنّ ظلامه ... ورجوت غفلة حارس أن يعقلا
خرجت تأطّر في الثياب كأنّها ... أيم يسيب على كثيب أهيلا [1]
الشعر لعمر بن أبي ربيعة. والغناء لابن سريج ثقيل أوّل بالوسطى في مجراها. وفيه لمعبد لحن من خفيف الثّقيل الأوّل بإطلاق الوتر في مجرى الوسطى، وهو من مختار أغانيه ونادرها وصدور صنعته وما يقدّم على كثير منها.
الغمر بن يزيد وشعر عمر بن أبي ربيعة
أخبرني أحمد بن محمد بن إسحاق الحرميّ قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثني عبد الرحمن بن عبد اللّه الزّهريّ عن عبد اللّه بن عمران بن أبي فروة قال:
كنت أسير مع الغمر بن يزيد، فاستنشدني فأنشدته لعمر بن أبي ربيعة:
ودّع لبابة أن تترحّلا ... واسأل فإنّ قليله أن تسألا
/ قال ائتمر ما شئت غير مخالف ... فيما هويت فإنّنا لن نعجلا
نجري أيادي كنت تبذلها لنا ... حق علينا واجب أن نفعلا
حتّى إذا ما الليل جنّ ظلامه ... ورجوت غفلة حارس أن يعقلا
خرجت تأطّر في الثياب كأنّها ... أيم يسيب على كثيب أهيلا
رحّبت لمّا أقبلت فتعلّلت [2] ... لتحيّتي لمّا رأتني مقبلا
فجلا القناع سحابة مشهورة ... غرّاء تعشي الطّرف أن يتأمّلا
فظللت أرقيها بما لو عاقل ... يرقى به ما اسطاع ألّا ينزلا
تدنو فأطمع ثم تمنع بذلها ... نفس أبت للجود أن تتبخّلا
قال: فأمر غلامه فحملني على بغلته التي كانت تحته. فلمّا أراد الانصراف طلب الغلام منّي/ البغلة، فقلت: لا أعطيكها، هو أكرم وأشرف من أن يحملني عليها ثم ينتزعها منّي. فقال للغلام: دعه يا بنيّ، ذهبت واللّه لبابة ببغلة مولاك.
__________
[1] تقدّمت هذه القصيدة مع شرحها في صفحتي 207 و208 من هذا الجزء.
[2] في «الديوان»:
سلّمت حين لقيتها فتهللت
إذا أعجزك أن تطرب القرشي فغنه غناء ابن سريج في شعر ابن أبي ربيعة
أخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد عن أبيه، وأخبرنيه الحسن بن عليّ عن هارون بن الزّيّات عن حمّاد عن أبيه قال حدّثني عثمان بن حفص الثّقفيّ عن إبراهيم بن عبد السّلام بن أبي الحارث عن ابن تيزن [1] المغنّى قال/ قال أبو نافع الأسود - وكان آخر من بقي من غلمان ابن سريج - : إذا أعجزك أن تطرب القرشيّ فغنّه غناء ابن سريج في شعر عمر بن أبي ربيعة فإنك ترقصه. قال: وأبو نافع هذا أحذق [2] غلمان ابن سريج ومن أخذ عنه، وكان أحسن رواتة موتا [3].
ومنها:
صوت
بليلى وجارات لليلى كأنّها ... نعاج الملا تحدى بهنّ الأباعر
أمنقطع يا عزّ ما كان بيننا ... وشاجرني يا عزّ فيك الشّواجر
إذا قيل هذا بيت عزّة قادني ... إليه الهوى واستعجلتني البوادر
أصدّ وبي مثل الجنون لكي يرى ... رواة الخنا أنيّ لبيتك هاجر
ألا ليت حظّي منك يا عزّ أنّني ... إذا بنت باع الصبر لي عنك تاجر
عروضه من الطويل. الشعر لكثيّر. والغناء لمعبد ثقيل أوّل بالبنصر على مذهب إسحاق من رواية عمرو. وفيه لابن سريج لحن أوّله: «أصدّ وبي مثل الجنون» خفيف رمل بالخنصر في مجرى الوسطى عن إسحاق.
ومنها:
صوت
أنا خوا فجرّوا شاصيات كأنّها ... رجال من السّودان لم يتسربلوا
فقلت اصبحوني لا أبا لأبيكم ... وما وضعوا الأثقال إلا ليفعلوا
تمرّ بها الأيدي سنيجا وبارحا [4] ... وترفع باللّهمّ حيّ وتنزل
__________
[1] اختلفت النسخ ففي هذه الكلمة، ففي م، ء، س: «ابن أبي مزن». وفي أ، ت، هكذا: «ابن أبي نيزن» من غير نقط. وفي ب: «ابن أبي نيزن». وفي ح، ر: «ابن بنون». ولعل كل ذلك محرّف عن ابن تيزن؛ فقد ورد في الجزء السادس من «الأغاني» في أخبار ابن جامع عن داود المكّي: «قال كنا في حلقة ابن جريج وهو يحدّثنا وعنده ابن المبارك وجماعة من العراقيين إذ مر به ابن تيزن - قال حماد: ويقال ابن بيرن - وقد أئتزر بمئزره على صدره ...... ثم قال له (يعني ابن جريج): غني الصوت الذي أخبرتني أن ابن سريج غناه في اليوم الثالث من أيام مني على جمرة العقبة فقطع الطريق على الذاهب والجائي حتى تكسرت المحامل فغناه الخ».
[2] في ت، ح، ر: «أحد غلمان ... ».
[3] كذا في ح، ر: وفي سائر النسخ: «و كان آخر رواته موتا».
[4] السنيح: ما جاء عن يمينك يريد شمالك، والبارح بعكسه. يريد أنها تدار عليهم من يمين إلى شمال، ومن شمال إلى يمين.
/ قال: عروضه من الطويل. الشاصيات: الشّائلات قوائمها من امتلائها، يعني الزّقاق، يقال: شصا يشصو وشصا ببصره إذا رفعه كالشاخص، وأنشد:
وربرب خماص ... يطعن بالصّياصي [1]
ينظر من خصاص [2] ... بأعين شواصي
كفلق الرّصاص ... تسمو إلى القنّاص
الشعر للأخطل، وذكره يأتي في غير هذا الموضع، من قصيدة يمدح بها خالد بن عبد اللّه بن أسيد بن أبي العيص بن أميّة. والغناء لمالك وله فيه لحنان: أحدهما في الأوّل والثاني رمل بالبنصر في مجراها عن إسحاق، والآخر في الثالث والأوّل والثاني خفيف رمل بالوسطى عن عمرو. وفيه لابن سريج رمل بالوسطى عن عمرو. وفيه لابن محرز خفيف ثقيل أوّل بالبنصر في مجراها. وفيه رمل آخر لإبراهيم عن عمرو أيضا.
ومنها:
صوت
/ هل تعرف الرسم والأطلال والدّمنا
وذكر الأبيات الثلاثة وقد تقدّمت. عروضه من البسيط. الشعر لذي الإصبع العدوانيّ. والغناء لابن عائشة ثاني ثقيل بالبنصر.
ومنها:
صوت
كفى حزنا أن تجمع الدار شملنا
صوت
وهو من المائة المختارة في رواية جحظه عن أصحابه
دعي القلب لا يزدد خبالا مع الذي ... به منك أو داوي جواه المكتّما
ومن كان لا يعدو هواه لسانه ... فقد حلّ في قلبي هواك وخيّما
وليس بتزويق اللسان وصوغه ... ولكنّه قد خالط اللّحم والدّما
- عروضه من الطّويل. الشعر للأحوص، وقيل: إنه لسعيد بن عبد الرحمن بن حسّان. والغناء لمعبد ثقيل أوّل
__________
[1] الربرب: القطيع من بقر الوحش. وخماص: جمع خمصان وخمصانة. والمخمصة: خلاء، البطن من الطعام جوعا. والصياصي:
قرون البقر جمع صيصية بتخفيف الياء.
[2] الخصاص، واحدته خصاصة وهي شبه كوّة في قبة أو نحوها إذا كانت واسعة قدر الوجه. وبعضم يجعل الخصاص الواسع والضيق، حتى قالوا الخروّق المصفاة والمنخل والباب والبرقع: خصاص.
بإطلاق الوتر في مجرى البنصر. وذكر يونس أنّ لمالك لحنا فيه -
أكلثم فكّي عانيا بك مغرما ... وشدّي قوى حبل لنا قد تصرّما
فإن تسعفيه مرّة بنوالكم ... فقد طالما لم ينج منك مسلّما
كفى حزنا أن تجمع الدار شملنا ... وأمسي قريبا لا أزورك كلثما
وبعده هذه الأبيات التي مضت.
اتفاق المغنين على تفضيل لحن ابن سريج «و ليس بتزويق اللسان ... الخ»
أخبرني الحسين بن يحيى قال قال حمّاد وذكر الثّقفيّ عن دحمان قال: تذاكرنا ونحن في المسجد أنا والرّبيع بن أبي الهيثم الغناء أيّه أحسن، فجعل يقول وأقول فلا نجتمع على شيء. فقلت: اذهب بنا إلى مالك بن أبي السّمح.
فذهبنا إليه فوجدناه في المسجد، فقال: ما جاء بكما؟ فأخبرناه. فقال: قد جرى هذا بيني وبين معبد وقال وقلت، فجاءني معبد يوما وأنا في المسجد وقال: قد جئتك بشيء لا تردّه. فقلت: وما هو؟ قال: لحن ابن سريج:
وليس بتزويق اللسان وصوغه ... ولكنّه قد خالط اللحم والدّما
/ ثم قال لي معبد: أسمعكه؟ قلت: نعم، وأريته أنّي لم أسمعه قبل، فقال: اسمعه منّي؛ فغنّى فيه ونحن في المسجد، فما سمعت شيئا قطّ أحسن منه، فافترقنا وقد اجتمعنا عليه.
وقرأت في فصل لإبراهيم بن المهديّ إلى إسحاق الموصليّ. «و كتبت رقعتي هذه وأنا في غمرة [1] من الحمّى تصدف [2] عن المفترضات. ولو لا خوفي من تشنيعك وتجنّيك لم يكن فيّ للإجابة فضل، غير أنّي قد تكلّفت الجواب على ما اللّه به عالم من صعوبة علّتي وما أقاسيه من الحرارة الحادثة بي.
وليس بتزويق اللّسان وصوغه ... ولكنّه قد خالط اللّحم والدّما»
تفضيل غناء ابن سريج على غناء معبد ومالك بن أبي السمح
وقال إسحاق حدّثني شيخ من موالي المنصور قال: قدم علينا فتيان من بني أميّة [3] يريدون مكّة، فسمعوا معبدا ومالكا فأعجبوا بهما، ثم قدموا مكّة فسألوا عن ابن سريج فوجدوه مريضا، فأتوا صديقا [4] له فسألوه أن يسمعهم غناءه، فخرج معهم حتى دخلوا عليه. فقالوا: نحن فتيان من قريش، أتيناك مسلّمين عليك، وأحببنا أن نسمع منك. فقال: أنا/ مريض كما ترون. فقالوا: إنّ الذي نكتفي منك به يسير - وكان ابن سريج أديبا طاهر الخلق عارفا بأقدار الناس - فقال: يا جارية، هاتي جلبابي [5] وعودي، فأتته خادمه بخامة [6] فسدلها على وجهه
__________
[1] غمرة: شدّة.
[2] في ت، ح، ر: «تصدّ ذويها عن المفترضات».
[3] في ب، ر، م، ء: «من موالي بني أمية».
[4] كذا في ت، ح، ر. وفي سائر النسخ: «صديقا لهم».
[5] الجلباب: الرداء والإزار.
[6] لم نجد هذا اللفظ في «كتب اللغة» إلا بمعنى خامة الزرع، وهي أوّل ما ينبت منه عل ساق واحدة أو الطاقة الغضة منه أو الشجرة كذلك. وقال ابن الأعرابي: الخامة: السنبلة. والخامة: الفجلة. وليس من هذه المعاني شيء يناسب السياق. ولعل ذلك كان اصطلاحا في ذلك العصر على أنها القناع الذي يتقنع به، أو لعله محرّف عن الحملة وهي الثوب الذي له خمل (هدب). وقد تقدّم
- وكان يفعل ذلك إذا/ تغنّى لقبح وجهه - ثم أخذ العود فغنّاهم، فأرخى ثوبه على عينيه وهو يغنّي، حتى إذا اكتفوا ألقى عوده وقال: معذرة. فقالوا: نعم، قد قبل اللّه عذرك فأحسن اللّه إليك، ومسح [1] ما بك، وانصرفوا يتعجّبون مما سمعوا. فمرّوا بالمدينة منصرفين، فسمعوا من معبد ومالك، فجعلوا لا يطربون لهما ولا يعجبون بهما كما كانوا يطربون. فقال أهل المدينة: نحلف باللّه لقد سمعتم بعدنا ابن سريج! قالوا: أجل! لقد سمعناه فسمعنا ما لم نسمع مثله قطّ، ولقد نغّص [2] علينا ما بعده.
تغني رقطاء الحبطية برمل ابن سريج في شعر ابن عمارة السلميّ
وذكر العتّابيّ [3] أنّ زكريّا بن يحيى حدّثه قال حدّثني عبد اللّه بن محمد بن عثمان العثمانيّ عن بعض أهل الحجاز قال: التقى قنديل الجصّاص وأبو الجديد [4] بشعب الصّفراء [5]، فقال قنديل لأبي الجديد: من أين وإلى أين؟ قال: مررت برقطاء الحبطيّة [6] رائحة تترنّم برمل ابن سريج في شعر ابن عمارة السّلميّ:
صوت
/سقى مأزمي [7] نجد إلى بئر خالد ... فوادي نصاع [8] فالقرون [9] إلى عمد [10]
وجادت بروق الرائحات بمزنة ... تسحّ شآبيبا [11] بمرتجز [12] الرّعد
__________
- في ص 249 من هذا الجزء أن ابن سريج كان يلبس جمة وكان لا يغني إلا مقنعا مسبل القناع على وجهه.
[1] في ح، ر: «مصح» بالصاد، وكلاهما بمعنى أذهب اللّه علتك واستأصلها. وفي حديث الدعاء للمريض «مسح اللّه عنك ما بك».
وقال ابن سيده: يقال مصح اللّه ما بك: أذهبه. وقال الهرويّ في «الغريبين»: إن مصح لا يتعدّى بنفسه وإنما يتعدّى بالباء أو الهمزة؛ يقال: مصح اللّه بما بك أو أمصح اللّه ما بك بمعنى أذهبه.
[2] في ح، ر: «لقد بغّض إلينا ما بعده».
[3] في ت: «الغياثي».
[4] في ت، ح، ر: «و أبو الحديد» بالحاء المهملة.
[5] الصفراء: واد بناحية المدينة كثير النخل والزرع والخير في طريق الحاج، وسلكه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم غير مرة، وبينه وبين بدر مرحلة.
والشعب: مسيل الماء في بطن الأرض.
[6] في ت: «الحنطية». والحبطية: نسبة إلى الحبط ككنف وسبب، وهو الحارث بن مازن بن مالك بن عمرو بن تميم. وسمى الحبط لأنه كان في سفر فأصابه مثل الحبط (انتفاخ البطن) الذي يصيب الماشية. وقال ابن الكلبيّ: كان أكل طعاما فأصابته منه هيضة.
وقال ابن دريد: كان أكل صمغا فحبط عنه، وتسمى بنوه الحبطات. وما لحنطبية: نسبة إلى حنطب. وممن اشتهر بهذا الاسم «المطلب بن عبد اللّه بن حنطب».
[7] المأزم: الطريق الضيق بين الجبال. وفي ح، ر: «مأزمي فج». وفي «ياقوت» (مادة «نصاع»): «سقى مأزمي فخ» بالخاء المعجمة.
وفج: موضع أو جبل في ديار سليم بن منصور. وفخ: واد بمكة وماء أقطعه النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم عظيم بن الحارث المحاربيّ. وبئر خالد، لم نعثر عليها في «معجمات البلدان».
[8] كذا في «ياقوت» مادة «نصاع». وفي ت، م، ء، أ: «فوادي نطاع» وفي ج، ر: «فوادي قطاع». وفي ب، س: «غوادي قطاع» وكلها محرّفة. وقد ذكر ياقوت وادي نصاع وقال عنه: إنه موضع في قول الشاعر، واستشهد بالبيت ولم يبيّنه.
[9] لم نعثر على ما يسمى بالقرون إلا قرون البقر، وهو موضع في ديار بني عامر، وكان به يوم من أيام العرب. وفي ح، ر:
«الفروق». والفروق بضم الفاء: موضع في ديار بني سعد. والفروق بالفتح: عقبة دون هجر إلى نجد بين هجر ومهب الشمال، وكان فيه يوم من أيامهم لبني عبس على بني سعد بن زيد مناة بن تميم.
[10] قال في «تاج العروس»: وادي عمد، بحضر موت اليمن.
[11] الشآبيب: جمع شؤبوب وهو الدفعة من المطر.
[12] ارتجز الرعد: سمع له صوت متتابع.
منازل هند إذ تواصلني بها ... ليالي تسبيني [1] بمستطرف [2] الودّ
ينير ظلام الليل من حسن وجهها ... وتهدي بطيب الرّيح من جاء من نجد
- الغناء لابن سريج رمل بالبنصر عن الهشاميّ - فزففت [3] خلفها زفيف النّعامة، فما انجلت غشاوتي إلا وأنا بالمشاش [4] حسير [5]، فأودعتها قلبي وخلّفته لديها، وأقبلت أهوي كالرّخمة [6] بغير قلب. فقال لي قنديل:
ما دفع أحد من المزدلفة أسعد منك، سمعت شعر ابن عمارة في غناء ابن سريج من رقطاء الحبطيّة؛ لقد أوتيت/ جزءا من النبوّة. قال: وكانت رقطاء هذه من أضرب الناس؛ فدخل رجل من أهل المدينة منزلها فغنّته صوتا.
فقال له بعض من حضر: هل رأيت قطّ أو ترى أفصح من وتر هذه؟ فطرب المدنيّ وقال: عليّ العهد إن لم يكن وترها من معي بشكست [7] النّحويّ، فكيف لا يكون فصيحا! وبشكست هذا كان نحويّا بالمدينة، وقتل مع الشّراة [8] الخارجين مع أبي حمزة صاحب عبد اللّه بن يحيى الكنديّ الشّاري المعروف بطالب الحقّ.
غناء ابن سريج مخلوق من قلوب الناس جميعا
قال محمد بن الحسن وحدّث [9] عن إسحاق عن أبيه أنه كان يقول:
غناء كلّ مغنّ مخلوق من قلب رجل واحد، وغناء ابن سريج مخلوق من قلوب الناس جميعا. وكان يقول:
الغناء على ثلاثة أضرب، فضرب مله [10] مطرب يحرّك ويستخفّ، وضرب ثان له شجا ورقّة، وضرب ثالث حكمة وإتقان صنعة.
قال: وكل هذا مجموع في غناء ابن سريج.
التقاء ابن سلمة الزهريّ والأخضر الجدّي ببئر الفصح وتغني ابن سلمة بغناء ابن سريج
قال العتّابيّ [11] وحدّثني زكريّا بن يحيى عن عبد اللّه بن محمد العثمانيّ قال: ذكر بعض أصحابنا الحجازيّين قال:
التقى ابن سلمة الزّهريّ والأخضر الجدّيّ [12] ببئر الفصح [13]، فقال ابن سلمة: هل لك في الاجتماع نستمتع
__________
[1] في ب: «تشبيني» تصحيف.
[2] مستطرف الودّ: مستحدثة.
[3] زففت: أسرعت.
[4] في «ياقوت»: المشاش بالضم، قال عرّام: ويتصل بجبال عرفات جبال الطائف وفيها مياه كثيرة أو شال وعظائم قنيّ منها المشاش، وهو الذي يجري بعرفات ويتصل إلى مكة.
[5] حسير: كالّ معى.
[6] الرخمة: طائر أبقع يشبه النسر في الخلقة، ويقال له لأنوق.
[7] كذا ضبط في ر. ولم نعثر على ضبطه في موضع آخر.
[8] الشراة: الخوارج؛ سموا بذلك لقولهم: إن شرينا أنفسنا في طاعة اللّه أي بعناها بالجنة حين فارقنا الأئمة الجائزة، والواحد شار.
[9] في ح، ر: «قال محمد بن الحسين وحدّثنا محرز عن إسحاق الخ».
[10] كذا في ت، ح، ر. وفي سائر النسح: «منه».
[11] في ت: «الغياثي».
[12] لا ندري أهو منسوب إلى جدّه البلدة المعروفة أم إلى الجدّ بفتح الجيم وكسرها، وكلاهما قد نسب إليه. ولم نطلع على نص يرجح أحد الاحتمالين.
[13] في ت: «الفصيح». ولم نعثر عليه ولم نهتد إلى ضبطه.
بك؟ فقال له الأخضر: لقد كنت إلى/ ذلك مشتاقا،/ قال: فقعدا يتحدّثان، فمرّ بهما أبو السائب، فقال:
يا مطربي الحجاز، ألشيء كان اجتماعكما؟ فقالا: لغير موعد كان ذلك، أفتؤنسنا؟ قال: فقعدوا يتحدّثون. فلما مضى بعض الليل قال الأخضر لابن سلمة: يا أبا الأزهر، قد ابهارّ الليل [1] وساعدك القمر، فأوقع بقهقهة [2] ابن سريج وأصب معناك [3]. فاندفع يغنّي:
صوت
تجنّت بلا جرم وصدّت تغضّبا ... وقالت لتربيها مقالة عاتب
سيعلم هذا أنّني بنت حرّة ... سأمنع نفسي من ظنون كواذب
فقولي له عنّا تنحّ فإنّنا ... أبيّات فحش طاهرات المناسب
- الغناء لابن سريج ولم يذكر طريقته - قال: فجعل أبو السّائب يزفن [4] ويقول: أبشر حبيبي؛ فلأنت أفضل من شهداء قزوين [5]. قال: ثم قال ابن سلمة للأخضر: نعم المساعد على همّ الليل أنت! فأوقع بنوح ابن سريج ولا تعد معناك [6]. فاندفع يغنّي:
صوت
فلمّا التقينا بالحجون [7] تنّفست ... تنفّس محزون الفؤاد سقيم
وقالت وما يرقا [8] من الخوف دمعها ... أقاطنها أم أنت غير مقيم
/ فإنّا غدا تحدى بنا العيس بالضّحى ... وأنت بما نلقاه غير عليم
فقطّع قلبي قولها ثم أسبلت ... محاجز [9] عيني دمعها بسجوم [10]
قال: فجعل أبو السّائب يتأفّف ويقول: أعتق ما أملك إن لم تكن فردوسيّة الطّينة، وإنّها بعلمها لأفضل من آسية امرأة فرعون.
__________
[1] ابهارّ الليل: انتصف؛ وهو مأخوذ من بهرة الشيء وهو وسطه، وقيل: ابهارّ: ذهبت عامته وأكثره وبقى نحو من ثلثه.
[2] القهقهة: مدّ الصوت وترجيعه.
[3] كذا في أكثر الأصول. ولعله يريد: ليكن غناؤك ممثلا لمعنى ما تغنيه. وفيء، ب، س: «مغناك» وهذا إن صح فهو بالضم والفتح وتشديد النون، مصدر ميمي بمعنى الغناء من «غنى».
[4] يزفن: يرقص.
[5] لعله يريد الإشارة إلى الأحاديث الواردة في فضل قزوين وفضل المرابطة بها والقتال فيها. وهي أحاديث موضوعة أضربنا صفحا عن ذكرها. (انظر «ياقوت» في الكلام على قزوين و «الآلىء المصنوعة في الأحاديث الموضوعة» للسيوطى طبع المطبعة الأدبية بمصر سنة 1317 ه في الكلام على مناقب البلاد من ص 239 - 341).
[6] في ب، س: «مغناك» بالمعجمة.
[7] الحجون: جبل بأعلى مكة عنده مدافن أهلها.
[8] وما يرقأ: ما يجف وما يسكن.
[9] المحاجر: جمع محجر كمجلس، وهو ما دار بالعين من جميع جوانبها.
[10] سجمت العين الدمع سجما وسجوما: أسالته.
تغني الذلفاء بلحن ابن سريج
أخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد عن أبيه عن الهيثم بن عدي قال:
بلغني أنّ أبا دهبل الجمحيّ قال: كنت أنا وأبو السّائب المخزوميّ عند مغنّية بالمدينة يقال لها «الذّلفاء»، فغنّتنا بشعر جميل بن معمر العذريّ، واللحن لابن سريج:
صوت
لهنّ الوجى [1] لم كنّ عونا على النّوى ... ولا زال منها ظالع وكسير [2]
كأنّي سقيت السّمّ يوم تحمّلوا ... وجدّ بهم حاد وحان مسير
فقال أبو السائب: يا أبا دهبل، نحن واللّه على خطر من هذا الغناء، فنسأل اللّه السّلامة وأن يكفينا كلّ محذور، فما آمن أن يهجم بي على أمر يهتكني [3]. قال: وجعل يبكي.
تأثير غناء ابن سريج في الحاج في موسم الحج
أخبرني محمد بن خلف وكيع [4] قال حدّثنا الزّبير بن بكّار عن بكّار بن رباح [5] عن إسحاق بن مقمّة [6] عن أمّه قالت: سمعت ابن سريج على أخشب [7] منى غداة النّفر [8] وهو يغنّي:
جدّدي الوصل يا قريب [9] وجودي ... لمحبّ فراقه قد ألمّا [10]
ليس بين الحياة [11] والموت إلّا ... أن يردّوا [12] جمالهم فترمّا [13]
- ونسبة هذا الصوت تأتي بعد هذه الأخبار - قالت: فما تشاء أن تسمع من خباء ولا مضرب/ حنينا ولا أنينا إلّا سمعته.
__________
[1] الوجى: الحفا؛ يقال: وجيت الدابة توجى وجى، إذا حفيت.
[2] في ت، أ، ء: «و حسير».
[3] في ت: «يهلكني».
[4] كذا في ح، ر. وفي سائر النسخ: «أخبرنا محمد بن خلف وكيع قال حدّثني عبد اللّه بن شبيب قال حدّثنا الزبير بن بكار الخ». ولم نعثر في «كتب التراجم» على من تسمى بعبد اللّه بن شبيب، على أنه قد تقدّم كثيرا أن محمد بن خلف وكيعا يروي عن الزبير بن بكار.
[5] في ت: «رياح».
[6] في ح، ر: «عن إسحاق يرفعه عن أمه».
[7] أخشب مني: أحد الأخشبين، وهما جبلان يضافان تارة إلى مكة وتارة إلى منى وهما واحد: أحدهما أبو قبيس والآخر قعيقعان، ويقال: بل هما أبو قبيس والجبل الأحمر المشرف هنا لك.
[8] نفر الحاج من منى كضرب نفرا ونفورا خرجوا وارتحلوا، وهو يوم النّفر والنّفر.
[9] كذا في الأصول. وقد ضبط في ح، ر، أمصغرا بضم القاف وفتح الراء وأهمل ضبطها في الباقي. وقد سمى بقريبة بضم القاف وقريبة بفتحها، كما في «القاموس». وفي «ديوان» عمر بن أبي ربيعة المطبوع بلييزج: «جدّدي الوصل لي سكين».
[10] في «ديوانه»: «قد أحما». وأحمّ: دنا وحان وقته. وألم: نزل.
[11] كذا في ح، ر، ب، س. وفي سائر النسخ: «الرحيل».
[12] في ح، ر: «يزمّوا رحالهم».
[13] يقال: زمّ الناقة يزمّها زمّا، إذا وضع فيها الزمام. والزمّ أيضا: الشدّ
مذاكرة إبراهيم بن المهدي وإسحاق بن إبراهيم الموصلي في تفضيل ابن سريج على معبد
وذكر يوسف بن إبراهيم أنه حضر إسحاق بن إبراهيم الموصليّ ليلة وهو يذاكر [1] إبراهيم بن المهديّ، إلى أن قال إسحاق في بعض مخاطبته إيّاه: هذا صوت قد تمعبد فيه ابن سريج. فقال له إبراهيم: ما ظننت أنّك يا أبا محمد مع علمك وتقدّمك تقول مثل هذا في ابن سريج، فكيف يجوز أن تقول: تمعبد ابن سريج، وإنما معبد إذا أحسن قال: أصحبت سريجيّا! قد أغنى اللّه ابن سريج عن هذا ورفع/ قدره عن مثله، وأعيذك باللّه أن تستشعر مثله في ابن سريج. قال: فما رأيت إسحاق دفع ذلك ولا أباه، ولا زاد على أن قال: هي كلمة يقولها الناس، لم أقلها اعتقادا لها فيه، وإنما تكلّمت بها على العادة.
اعتراف معبد لابن سريج بالتفوّق عليه في صنعة الغناء
أخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدّثنا محمد بن إسماعيل قال حدّثنا محمد بن سلّام قال: قال لي شعيب بن صخر: كان معبد إذا غنّى فأجاد قال: أنا اليوم سريجيّ.
كان المغنون يغنون فإذا جاء ابن سريج سكتوا
حدّثني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثني محمد بن سلّام قال حدّثنا شعيب بن صخر قال: كان نعمان المغنّي عندي نازلا، وكان يغنّي، وكنت أراه يأتيه قوم. قال أبو عبد اللّه: فقلت له: فأيّهم كان أحذق؟ قال: لا أدري، إلّا أنّهم كانوا إذا جاء ابن سريج سكتوا.
الأحوص وابن سريج
أخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد عن أبيه قال حدّثني الهيثم [2] بن عيّاش قال حدّثني عبد الرحمن بن عيينة [3] قال: بينما نحن بمنى ونحن نريد الغدوّ إلى عرفات، إذ أتانا الأحوص فقال: أبيت بكم الليلة؟ قلنا:
بالرّحب والسّعة. فلما جنّه الليل لم يلبث أن غاب عنّا ثم عاد ورأسه يقطر ماء. قلت: مالك؟ قال:
صوت
تعرّض سلماك لمّا حرم ... ت [4] ضلّ ضلالك [5] من محرم!
تريد به البرّيا ليته ... كفافا من البرّ والمأثم [6]
/ - الغناء لابن سريج ولم يجنّسه - قال قلت: زنيت وربّ الكعبة! قال: قل ما بدا لك. ثم لقي ابن سريج فقال: إنّي قد قلت بيتين حسنين أحبّ أن تغنّيني بهما. قال: ما هما؟ فأنشده إيّاهما؛ فغنّى بهما من ساعته، ففتن من حضر ممّن سمع صوته.
__________
[1] كذا في ت، ر. وفي سائر النسخ: «يذكر» وهو تحريف.
[2] في ح، ر: «الهيثم عن ابن عياش».
[3] في ح، ر: «عنبسة».
[4] حرم الحاج وأحرم: دخل الحرم.
[5] يريد: ضللت ضلالا بعيدا.
[6] يريد: يا ليتك تعادل إثمك وبرّك، فتخرج لا أنت آثم ولا بارّ.
ارتحال جرير من المدينة إلى مكة ليسمع غناء ابن سريج في سفره
أخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد عن أبيه قال حدّثني إسحاق بن يحيى بن طلحة قال:
قدم جرير بن الخطفى المدينة ونحن يومئذ شباب نطلب الشّعر، فاحتشدنا له ومعنا أشعب. فبينا نحن عنده إذ قام لحاجة وأقمنا لم نبرح. وجاء الأحوص بن محمد الشاعر من قباء على حمار فقال: أين هذا؟ فقلنا: قام لحاجة، فما حاجتك إليه؟ قال: أريد واللّه أنّ أعلمه أنّ الفرزدق أشعر منه وأشرف. قلنا: ويحك! لا تعرض له وانصرف، فانصرف وخرج. فجاء جرير فلم يكن بأسرع من أن أقبل الأحوص الشاعر فأقبل عليه، فقال: السّلام عليك يا جرير. قال جرير: وعليك السّلام. فقال الأحوص: يا بن الخطفى، الفرزدق أشرف منك وأشعر. قال جرير: من هذا أخزاه اللّه! قلنا: الأحوص بن محمد بن عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح. فقال: نعم! هذا الخبيث ابن الطيب، أأنت القائل:
يقرّ بعيني ما يقرّ بعينها ... وأحسن شيء ما به العين قرّت
/ قال نعم. قال: فإنه يقرّ بعينها أن يدخل فيها مثل ذراع البكر، أفيقرّ ذلك بعينك؟! قال: وكان الأحوص يرمى بالحلاق [1] فانصرف، فبعث إليهم بتمر وفاكهة. وأقبلنا على جرير نسائله، وأشعب عند الباب وجرير في مؤخّر البيت، فألحّ عليه أشعب/ يسأل. فقال: واللّه إنّي لأراك أقبحهم [2] وجها وأراك ألأمهم حسبا؛ فقد أبرمتني [3] منذ اليوم. قال: إنّي واللّه أنفعهم وخيرهم لك. فانتبه جرير وقال: ويحك! كيف ذاك؟ قال: إني أملّح شعرك وأجيد مقاطعه ومبادئه. فقال: قل، ويحك! فاندفع أشعب فنادى بلحن ابن سريج:
يا أخت [4] ناجية السّلام عليكم ... قبل الرّحيل وقبل عدل [5] العذّل
لو كنت أعلم أنّ آخر عهدكم ... يوم الرّحيل [6] فعلت ما لم أفعل
فطرب جرير وجعل يزحف نحوه حتى ألصق بركبته ركبته، وقال: لعمري لقد صدقت، إنك لأنفعهم لي وقد حسّنته وأجدته وزيّنته، أحسنت واللّه، ثم وصله وكساه. فلمّا رأينا إعجاب جرير بذلك الصوت، قال له بعض أهل المجلس: فكيف لو سمعت واضع هذا الغناء؟ قال: أو إن له لواضعا غير هذا؟ فقلنا نعم. قال: فأين هو؟ قلنا:
بمكّة قال: فلست بمفارق حجازكم حتى أبلغه. فمضى ومضى معه جماعة ممن يرغب في طلب الشعر في صحابته وكنت فيهم، فأتيناه جميعا، فإذا هو في فتية من قريش كأنّهم المها مع ظرف كثير، فأدنوا ورحّبوا وسألوا عن الحاجة، فأخبرناهم الخبر، فرحّبوا بجرير وأدنوه وسرّوا بمكانه، وأعظم عبيد بن سريج موضع جرير وقال: سل ما تريد جعلت فداءك! قال: أريد أن تغنّيني لحنا سمعته بالمدينة أزعجني إليك. قال: وما هو؟ قال:
__________
[1] الحلاق: صفه تنافي الرجولة، وقد أشار إليه ابن سيده بقوله: الحلاق بضم الحاء وفتح اللام: صفة سوء، كأن متاع الإنسان يفسد فتعود حرارته إلى هنا لك. (انظر «اللسان» مادّة حلق).
[2] في أ، م، ب، س: «اوقحهم».
[3] أبرمتني: أضجرتني.
[4] في «ديوان» جرير المطبوع بالمطبعة العلمية بمصر سنة 1313: «يا أم ناجية».
[5] في ت، ح، ر: «لوم العذل».
[6] كذا في «ديوانه» وأكثر النسخ. وفي ح، ر: «الوداع».
يا أخت
ناجية السّلام عليكم ... قبل الرّحيل وقبل عذل العذّل
فغنّاه ابن سريج وبيده قضيب يوقع به وينكت، فو اللّه ما سمعت شيئا قطّ أحسن/ من ذلك. فقال جرير: [للّه درّكم] [1] يا أهل مكّة، ما أعطيتم! واللّه لو أنّ نازعا نزع [2] إليكم ليقيم بين أظهركم فيسمع هذا صباح مساء لكان أعظم الناس حظّا ونصيبا، فكيف ومع هذا بيت اللّه الحرام، ووجوهكم الحسان، ورقّة ألسنتكم، وحسن شارتكم [3]، وكثرة فوائدكم! أخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد عن أبيه عن جدّه إبراهيم [4] قال:
الوليد بن عبد الملك وابن سريج
كتب الوليد بن عبد الملك إلى عامل مكة أن أشخص إليّ ابن سريج، فأشخصه. فلمّا قدم مكث أيّاما لا يدعو به ولا يلتفت إليه. قال: ثم إنه ذكره، فقال: ويلكم! أين ابن سريج؟ قالوا: هو حاضر. قال: عليّ به. فقالوا:
أجب أمير المؤمنين. فتهيّأ ولبس وأقبل حتى دخل عليه فسلّم. فأشار إليه أن اجلس، فجلس [بعيدا [4]]. فاستدناه [فدنا [5]] حتى كان منه قريبا، وقال: ويحك يا عبيد! لقد بلغني عنك ما حملني على الوفادة بك من كثرة أدبك وجودة اختيارك مع ظرف لسانك وحلاوة مجلسك. فقال: جعلت فداءك يا أمير المؤمنين! «تسمع بالمعيديّ خير من أن تراه». قال الوليد: إني لأرجو ألّا تكون أنت ذاك، ثم قال: هات ما عندك. فاندفع ابن سريج فغنّى بشعر الأحوص:
أ منزلتي سلمى على القدم اسلما ... فقد هجتما للشوق قلبا متيّما
وذكّرتما عصر الشّباب الذي مضى ... وجدّة وصل حبله قد تجذّما [6]
// وإني إذا حلّت ببيش [7] مقيمة ... وحلّ بوج [8] جالسا [9] أو تتهّما [10]
يمانية شطّت فأصبح نفعها ... رجاء وظنّا بالمغيب مرجّما
أحبّ دنوّ الدار منها وقد أبى ... بها صدع شعب [11] الدار إلّا تثلّما
__________
[1] زيادة في ح، ر.
[2] نزع إليكم هنا: ذهب إليكم.
[3] الشارة: الهيئة واللباس.
[4] زيادة في ت.
[5] زيادة في ح، ر.
[6] تجذم: تقطع.
[7] لم نضبطه؛ لأنا لا ندري أهو بيش بفتح أوّله وسكون ثانيه وقد ذكره ياقوت وقال: إنه أحد مخاليف اليمن وفيه عدّة معادن، أم بيش بكسر أوّله من بلاد اليمن أيضا قرب دهلك.
[8] وج: اسم واد بالطائف بالبادية؛ سمى بوجّ بن عبد الحيّ من العمالقة.
[9] جالسا: آتيا الجلس وهو نجد؛ قال عبد اللّه بن الزبير:
قل للفرزدق والسفاهة كاسمها ... إن كنت تارك ما أمرتك فاجلس
أي ائت نجدا.
[10] تتهم: أتى تهامة.
[11] الشعب يطلق على التفرّق وعلى الاجتماع، يقال: التأم شعبهم إذا اجتمعوا بعد التفرّق، وتفرّق شعبهم إذا تفرّقوا بعد الاجتماع.
وفي ح، ر: «صدع شمل الدار».
بكاها وما يدري سوى الظّنّ من بكى ... أحيا يبكّى [1] أم ترابا وأعظما
فدعها وأخلف للخليفة مدحة ... تزل عنك بؤس أو تفيدك [2] أنعما
فإنّ بكفّيه مفاتيح رحمة ... وغيث حيا يحيا به الناس مرهما [3]
إمام أتاه الملك عفوا ولم يثب ... على ملكه مالا حراما ولا دما
تخيّره ربّ العباد لخلقه ... وليّا وكان اللّه بالناس أعلما
فلمّا قضاه [4] اللّه لم يدع مسلما ... لبيعته إلّا أجاب وسلّما
ينال الغنى والعزّ من نال ودّه ... ويرهب موتا عاجلا من تشأّما [5]
فقال الوليد: أحسنت واللّه وأحسن الأحوص! عليّ بالأحوص. ثم قال: يا عبيد هيه! فغنّاه بشعر عديّ بن الرّقاع العامليّ يمدح الوليد:
صوت
طار الكرى وألمّ [6] الهمّ فاكتنعا [7] ... وحيل بيني وبين النّوم فامتنعا
كان الشّباب قناعا أستكنّ به ... وأستظلّ زمانا ثمّت انقشعا
فاستبدل الرأس شيبا بعد داجية ... فينانة [8] ما ترى في صدغها نزعا [9]
فإن تكن ميعة [10] من باطل ذهبت ... وأعقب اللّه بعد الصّبوة الورعا
فقد أبيت أراعي الخود [11] راقدة ... على الوسائد مسرورا بها ولعا
برّاقة الثّغر تشفي القلب لذّتها ... إذا مقبّلها في ريقها كرعا [12]
كالأقحوان بضاحي الرّوض صبّحه ... غيث أرشّ بتنضاح [13] وما نقعا [14]
__________
[1] بكاه بكاء بالتخفيف وبكاه بالتشديد، كلاهما بكى عليه ورثاه.
[2] رفع الفعل هنا على توهم أن الأوّل مرفوع كأنه قيل: تزيل عنك بؤسي أو تفيدك أنعما، أو على أنه مستأنف كأنه قيل أو هي تفيدك أنعما. انظر «كتاب سيبوية» طبع المطبعة الأميرية ج 1 ص 429 و«المغني» مع حاشية الأمير (ج 2 ص 197 - 198)
[3] أرهمت السماء: أتت بالرّهام جمع رهمة، وهي المطر الضعيف الدائم.
[4] في ت: «ارتضاه».
[5] تشأم بمعنى تشاءم.
[6] ألم: نزل.
[7] اكتنع: دنا وحضر.
[8] فينانة: حسنة الشعر طويلته.
[9] النزع: انحسار مقدّم شعر الرأس عن جانبي الجبهة.
[10] ميعة كل شي ء: معظمه وحدّته.
[11] الخود: الفتاة الحسنة الخلق الشابة ما لم تصر نصفا.
[12] كرع في الماء (كمنع وسمع) كرعا وكروعا: تناوله بقيه من موضعه من غير أن يشرب بكفيه ولا بإناء.
[13] التنضاح: من النضح وهو الرش. يريد أنه يبله بقليل من المطر.
[14] ما نقعا، أي ما أروى.
صلّى الذي الصّلوات الطّيّبات له ... والمؤمنون إذا ما جمّعوا الجمعا
على الذي سبق الأقوام ضاحية ... بالأجر والحمد حتى صاحباه معا
هو الذي جمع الرحمن أمّته ... على يديه وكانوا قبله شيعا [1]
عذنا بذي العرش أن نحيا ونفقده ... وأن نكون لراع بعده تبعا
إنّ الوليد أمير المؤمنين له ... ملك عليه أعان اللّه فارتفعا
لا يمنع الناس ما أعطى الذين هم ... له عباد ولا يعطون ما منعا
فقال له الوليد: صدقت يا عبيد! أنّى لك هذا؟ قال: هو من عند اللّه. قال الوليد: لو غير هذا قلت لأحسنت أدبك. قال ابن سريج: ذلك فضل اللّه يؤتيه/ من يشاء. قال الوليد: يزيد في الخلق ما يشاء. قال ابن سريج: هذا من فضل ربّي ليبلوني أأشكر أم أكفر. قال الوليد: لعلمك واللّه أكبر وأعجب إليّ من غنائك! غنّني. فغنّاه بشعر عديّ بن الرّقاع/ العامليّ يمدح الوليد:
عرف الدّيار توهّما فاعتادها [2] ... من بعد ما شمل البلى أبلادها [3]
ولربّ واضحة العوارض [4] طفلة [5] ... كالرّيم قد ضربت بها أوتادها
إنّي إذا ما لم تصلني خلّتي [6] ... وتباعدت منّي اغتفرت بعادها
صلّى الإله على امرىء ودّعته ... وأتمّ نعمته عليه وزادها
وإذا الرّبيع تتابعت أنواؤه [7] ... فسقى خناصرة [8] الأحصّ فجادها
نزل الوليد بها فكان لأهلها ... غيثا أغاث أنيسها وبلادها
أو لا ترى أنّ البريّة كلّها ... ألقت خزائمها إليه فقادها
ولقد أراد اللّه إذ ولّاكها ... من أمّة إصلاحها ورشادها
__________
[1] شيعا: فرقا
[2] اعتادها هنا: أعاد النظر إليها مرة بعد أخرى لدروسها حتى عرفها.
[3] أبلادها: آثارها جمع بلد وهو الأثر.
[4] العوارض: الثنايا؛ سميت بذلك لأنها في عرض الفم.
[5] في ت، أ، م، ء: «حرة» والطفلة: الرخصة الناعمة.
[6] خلتي: صديقتي.
[7] أنواء: جمع نوء وهو النجم إذا مال للمغيب، وقيل: معناه سقوط نجم من المنازل في المغرب مع الفجر وطلوع رقيبه وهو نجم آخر يقابله من ساعته في المشرق. وإنما سمي نوءا لأنه إذا سقط الغارب ناء الطالع وذلك الطلوع هو النوء. وبعضهم يجعل النوء السقوط كأنه من الأضداد. وكانت العرب في الجاهلية إذا سقط نجم وطلع آخر قالوا: لا بدّ من أن يكون عند ذلك مطرا أو رياح، فينسبون كل غيث يكون عند ذلك إلى ذلك النجم فيقولون: مطرنا بنوء الثريا والدبران والسماك الخ. والأنواء ثمانية وعشرون، وهي منازل القمر التي أشار إليها الكتاب الكريم في قوله تعالى: (وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ)
وقد ذكرها صاحب «اللسان» بأسمائها فراجعها في مادة نوأ.
[8] خناصرة: بليدة من أعمال حلب تحاذي قنّسرين نحو البادية، وهي مدينة كان ينزلها عمر بن عبد العزيز، وهي صغيرة، وقد خربت الآن إلا اليسير منها، وهي قصبة كورة الأحص، وهي كورة كبيرة مشهورة ذات قرى ومزارع بين القبلة وبين الشمال في مدينة حلب.
(أنظر «ياقوت» مادتي الأحص وخناصرة).
/
أعمرت أرض المسلمين فأقبلت ... وكففت عنها من يروم فسادها
وأصبت في أرض العدوّ مصيبة ... عمّت أقاصي غورها ونجادها
ظفرا ونصرا ما تناول مثله ... أحد من الخلفاء كان أرادها
فإذا نشرت له الثناء وجدته ... جمع المكارم طرفها وتلادها
فأشار الوليد إلى بعض الخدم، فغطّوه بالخلع ووضعوا بين يديه كيسا من الدّنانير وبدرا من الدّراهم، ثم قال الوليد بن عبد الملك: يا مولى بني نوفل بن الحارث، لقد أوتيت أمرا جليلا. فقال ابن سريج: يا أمير المؤمنين! لقد آتاك اللّه ملكا عظيما وشرفا عاليا، وعزّا بسط يدك فيه فلم يقبضه عنك ولا يفعل إن شاء اللّه. فأدام اللّه لك ما ولّاك، وحفظك فيما استرعاك، فإنك أهل لما أعطاك، ولا نزعه منك إذ رآك له موضعا. قال: يا نوفليّ، وخطيب أيضا! قال ابن سريج: عنك نطقت، وبلسانك تكلّمت، وبعزّك بيّنت [1]. وقد كان أمر بإحضار الأحوص بن محمد الأنصاريّ وعديّ بن الرّقاع العامليّ. فلمّا قدما عليه أمر بإنزالهما حيث ابن سريج، فأنزلا منزلا إلى جنب ابن سريج. فقالا: واللّه لقرب أمير المؤمنين كان أحبّ إلينا من قربك يا مولى بني نوفل، وإنّ في قربك لما يلذّنا [2] ويشغلنا عن كثير مما نريد. فقال لهما ابن سريج: أو قلّة شكر! فقال له عديّ: كأنّك يا بن اللّخناء تمنّ علينا! عليّ وعليّ إن جمعنا وإيّاك سقف بيت أو صحن دار [إلا [3]] عند أمير المؤمنين. وأمّا الأحوص فقال: أو لا تحتمل [4] لأبي يحيى الزّلّة والهفوة! وكفّارة [5] يمين خير من عدم المحبّة، وإعطاء النّفس سؤلها خير/ من لجاج [6] في غير منفعة! فتحوّل عديّ، وبقي عنده الأحوص. وبلغ الوليد ما جرى بينهم، فدعا ابن سريج وأدخله بيتا وأرخى دونه سترا، ثم أمره إذا فرغ الأحوص وعديّ من كلمتيهما أن يغنّى. فلما دخلا وأنشداه مدائح فيه، رفع ابن سريج صوته من حيث لا يرونه وضرب بعوده. فقال عديّ: يا أمير المؤمنين، أتأذن لي أن أتكلّم؟ فقال: قل يا عامليّ. قال: أمثل هذا عند أمير المؤمنين، ويبعث إلى ابن سريج يتخطّى به رقاب قريش والعرب من تهامة إلى الشأم، ترفعه أرض وتخفضه أخرى فيقال: من هذا؟ فيقال: عبيد بن سريج/ مولى بني نوفل بعث أمير المؤمنين إليه، ليسمع غناءه! فقال: ويحك يا عديّ! أو لا تعرف هذا الصوت [7]؟ قال: لا، واللّه ما سمعته قطّ ولا سمعت مثله حسنا، ولو لا أنه [8] في مجلس أمير المؤمنين لقلت: طائفة من الجنّ يتغنّون. فقال: اخرج عليهم، فخرج فإذا ابن سريج. فقال عديّ: حقّ لهذا أن يحمل! حقّ لهذا أن يحمل! - ثلاثا - ثم أمر لهما بمثل ما أمر لهما بمثل ما أمر به لابن سريج، وارتحل القوم. وكان الذي غنّاه ابن سريج من شعر عمر بن أبي ربيعة:
باللّه يا ظبي بني الحارث ... هل من وفى بالعهد كالنّاكث
__________
[1] في ح، ر: «أثنيت».
[2] كذا في أكثر النسخ. ولم نجد هذا الفعل في «كتب اللغة» متعدّيا بنفسه؛ إذ لا يقال: لذني الشيء بل لذ لي الشيء ولذذته ولذذت به.
وفي ر، ح: «بلدنا»، ولعله مصحف عن «يلدّنا» بمعنى يحبسنا وهي لغة هذلية.
[3] التكملة عن أ، ح، ر.
[4] كذا في ح، ر. وفي سائر النسخ: «أو لا تحمل».
[5] في ح، ر: «كفارة» بدون الواو.
[6] اللجاج: التمادي في الخصومة، أو هو أن يحلف على شيء ويرى أن غيره خير منه فيقيم على يمينه ولا يحنث، فذلك آثم.
[7] في ب، س، ء، م بعد قوله: «أولا تعرف هذا الصوت» هذه الجملة: «فهذا عبيد بن سريج» وهي لا يقتضيها السياق.
[8] في ر «أني».
لا تخدعنّي بالمنى باطلا ... وأنت بي تلعب كالعابث
حتّى متى أنت لنا هكذا [1] ... نفسي فداء لك يا حارثي
يا منتهى همّي ويا منيتي ... ويا هوى نفسي ويا وارثي
عتاب الناس لابن سريج في صنعة الغناء ثم رجوعهم بعد أن يسمعوا صوته
قال: وبلغني أنّ رجلا من الأشراف [2] من قريش من موالي ابن سريج عاتبه يوما على الغناء وأنكره عليه، وقال له: لو أقبلت على غيره من الآداب لكان أزين بمواليك وبك! فقال: جعلت فداك! امرأته طالق إن أنت لم تدخل الدار. فقال الشّيخ: ويحك! ما حملك على هذا؟ قال: جعلت فداك قد فعلت. فالتفت النوفليّ إلى بعض من كان معه متعجّبا مما فعل. فقال له القوم: قد طلقت امرأته إن أنت لم تدخل الدار. فدخل ودخل القوم معه.
فلمّا توسّطوا الدار قال: امرأته طالق إن أنت لم تسمع غنائي. قال: اعزب عنّى يا لكع! ثم بدر الشيخ ليخرج. فقال له أصحابه: أتطلّق امرأته وتحمل وزر ذلك؟! قال: فوزر الغناء أشدّ. قالوا: كلّا! ما سوّى اللّه عزّوجلّ بينهما.
فأقام الشيخ مكانه. ثم اندفع ابن سريج يغنّي في شعر عمر بن أبي ربيعة في زينب:
أ ليست بالّتي قالت ... لمولاة لها ظهرا [3]
أشيري بالسّلام له ... إذا هو نحونا خطرا
وقولي في ملاطفة ... لزينب نوّلي عمرا
أهذا سحرك النّسوا ... ن قد خبّرنني الخبرا
فقال للجماعة: هذا واللّه حسن! ما بالحجاز مثله ولا في غيره. وانصرفوا.
أخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد عن أبيه عن الأصمعيّ قال: قال عبد اللّه بن عمير [4] اللّيثيّ لابن سريج: لو تركت الغناء! وعاتبه على ذلك. فقال: جعلت فداك! لو سمعته ما تركته. ثم قال: امرأته طالق ثلاثا إن لم تدخل الدار حتّى تسمع غنائي. فالتفت عبد اللّه إلى رفيق له كان معه فقال: ما تنتظر؟ ادخل بنا وإلّا طلقت امرأة الرجل. فدخلا مع ابن سريج، فغنّى بشعر الأحوص:
صوت
لقد شاقك الحيّ إذ ودّعوا ... فعينك في إثرهم تدمع
وناداك للبين غربانه [5] ... فظلت كأنّك لا تسمع
ثم قال: امرأته طالق إن أنت لم تستحسنه لأتركنّه. فتبسّم عبد اللّه وخرج.
__________
[1] كذا في ر، ح و «الديوان». وفي سائر النسخ: هذا متى أنت لنا هكذا
[2] هذه الكلمة ساقطة في ت، ح، ر.
[3] يحتمل أن يكون «ظهرا» بالتحريك فعلا، وبالضم ظرفا.
[4] في ح، ز، م، ء: «ابن عمر».
[5] في ح، ر: وناداك بالبين غربانهم.
نسبة ما في هذه الأخبار من الأصوات
منها: الصوت الذي أوّله في الخبر:
جدّدي الوصل يا قريب وجودي
أوّله:
صوت
إنّ طيف الخيال حين ألمّا ... هاج لي ذكرة وأحدث همّا [1]
جدّدي الوصل يا قريب [2] وجودي ... لمحبّ فراقه قد ألمّا
ليس بين الحياة والموت ألّا ... أن يردّوا [3] جمالهم فتزمّا
ولقد قلت مخفيا لغريض ... هل ترى ذلك الغزال الأحمّا [4]
هل ترى مثله من الناس شخصا ... أكمل الناس [5] صورة وأتمّا
/ عروضه من الخفيف. الشعر لعمر بن أبي ربيعة، والغناء لابن سريج ثقيل أوّل بالوسطى عن الهشاميّ. وفيه للغريض أيضا ثقيل أوّل بالسّبّابة في مجرى البنصر عن إسحاق [6].
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا أحمد بن سعيد الدّمشقيّ قال حدّثنا الزّبير قال:
أنشد جعفر بن محمد بن زيد بن عليّ بن الحسين عليهم السّلام قول عمر:
ليس بين الحياة والموت إلّا ... أن يردّوا جمالهم فتزمّا
فطرب وارتاح وجعل يقول: لقد عجّلوا البين، أفلا يوكون [7] قربة! أفلا يودّعون صديقا! أفلا يشدّون رحلا! حتى جرت دموعه.
وحدّثنا الحرميّ بن أبي العلاء عن الزّبير فذكر مثله.
ومنها:
صوت
يا أخت ناجية السّلام عليكم ... قبل الرّحيل وقبل عذل العذّل
__________
[1] كذا في أكثر الأصول و «الديوان». وفي ر، ح: «سقما».
[2] في ح، ر: «جدّدي الوصل ياسكين».
[3] في ح، ر: «أن تداني».
[4] كذا في «الديوان» وأكثر النسخ. وفي أ، ء، س: «الأجما» وكلاهما بمعنى القريب.
[5] في ت، ح، ر: «أكمل اليوم». ولعلّه محرّف عن القوم.
[6] هذه الكلمة ساقطة من ت، ح، ر.
[7] أوكى القربة: شدّها بالوكاء وهو الرّباط الذي يشّد به رأسها.
لو كنت أعلم أنّ آخر عهدكم ... يوم الرّحيل فعلت ما لم أفعل
عروضه من الكامل. الشعر لجرير. والغناء لابن سريج ثقيل أوّل بالسّبّابة في مجرى الوسطى عن ابن المكّيّ، وذكره إسحاق في هذه الطريقة ولم ينسبه إلى أحد. وفيه للغريض ثاني ثقيل بالوسطى عن ابن المكيّ أيضا.
ومما يشكّ فيه/ أنه لمعبد أو لكردم ابنه في البيت الثاني والأوّل ثاني ثقيل. ولعريب [1] في هذين البيتين لحن من رواية ابن المعتزّ غير مجنّس.
ومنها:
صوت
أمنزلتي سلمى على القدم اسلما ... فقد هجتما للشوق قلبا متيّما
وذكرّتما عصر الشّباب الذي مضى ... وجدّة وصل حبله قد تجذّما
عروضه من الطّويل. والشعر للأحوص. والغناء لكردم ثاني ثقيل بالوسطى، وقيل: إنّ هذا الثقيل الثاني لمحمد الرّفّ [2]، وإنّ فيه لحنا من الثقيل الأوّل لكردم.
ومنها:
صوت
عرف الديار توهّما فاعتادها ... من بعد ما شمل البلى أبلادها
إلّا رواكد [3] كلّهن قد اصطلى ... حمراء أكثر [4] أهلها إيقادها
/ عروضه من الكامل. الشعر لعديّ بن الرّقاع العامليّ. والغناء لابن محرز ثقيل أوّل/ مطلق في مجرى البنصر عن إسحاق. وفيه لمالك ثقيل أوّل بالبنصر عن عمرو. وفيه لحن لإبراهيم، وفي هذه الأخبار أنه لابن سريج، وذكر حمّاد في كتاب ابن محرز أنه مما ينسب إلى ابن مسجح [أو إلى ابن محرز [5]].
ومنها:
__________
[1] ضبط هذا الأسم في الجزء الحادي والعشرين من «الأغاني» طبع ليدن ص 184 بالقلم بضم أوّله، وكذا ضبط في «المحاسن والأضداد» للجاحظ طبع أوروبا ص 197 بالقلم أيضا بضم أوّله وفتح ثانيه. وفي ترجمة عريب في الجزء الثامن عشر من «الأغاني» شعر يدل على ضبطه بفتح أوّله وكسر ثانيه وهو:
لقد ظلموك يا مظلوم لما ... أقاموك الرقيب على عريب
ولو أولوك إنصافا وعدلا ... لما أخلوك أنت من الرقيب
[2] كذا في جميع النسخ بالراء، وهو هكذا في ترجمته الآتية في الجزء الثالث عشر من «الأغاني». وقد ورد في الجزء الخامس من «الأغاني» في نسب إبراهيم الموصلي وأخباره هكذا «محمد الزف» بالزاي المعجمة. وقد يرجح هذا الرسم أن الزف في اللغة السرعة، وهو قويّ المناسبة بما سيأتي في «ترجمة» في الجزء الثالث عشر من «الأغاني» من أنه كان أروى خلق اللّه للغناء وأسرعهم أخذا لما سمعه منه، ليست عليه في ذلك كلغة وإنما يسمع الصوت مرة واحدة فيأخذه.
[3] الرواكد هنا: الأثافيّ، مشتق من الركود وهو الثبوت.
[4] في ت، ح، ر: «أشعل».
[5] هذه الكلمة غير موجودة في ح، ر.
صوت
باللّه يا ظبي بني الحارث ... هل من وفى بالعهد كالنّاكث
لا تخدعنّي بالمنى باطلا ... وأنت بي تلعب كالعابث
عروضه من السّريع. الشعر لعمر بن أبي ربيعة. والغناء لابن سريج ولحنه خفيف ثقيل أوّل بالوسطى، وذكر عمرو بن بانة أنه لسياط. وذكر الهشاميّ وبذل أنّ فيه لإبراهيم الموصليّ لحنا آخر. وفيه خفيف رمل بالبنصر ذكر حبش أنه لإبراهيم بن المهديّ، وغيره ينسبه إلى إسحاق.
ومنها:
صوت
- وهو الذي أوّله في الخبر:
أليست بالتي قالت ... لمولاة لها ظهرا
تصابى القلب فادّكرا ... هواه ولم يكن ظهرا
لزينب إذ تجدّ لنا ... صفاء لم يكن كدرا
أليست بالتي قالت ... لمولاة لها ظهرا
أشيري بالسّلام له ... إذا هو نحونا نظرا [1]
وقولي في ملاطفة ... لزينب نوّلي عمرا
/ فهزّت رأسها عجبا ... وقالت من بذا أمرا
أهذا سحرك النّسوا ... ن قد خبّرنني الخبرا
طربت وردّ من تهوى ... جمال الحيّ فابتكرا [2]
فقل للبربريّة لا ... تلومي القلب إن جهرا
بطرت وهكذا الإنسا ... ن ذو بطر إذا ظفرا
فأين العهد والميثا ... ق لا تخبر [3] بنا بشرا
عروضه من الوافر [4]. الشعر لعمر بن أبي ربيعة. والغناء لابن سريج في الثالث والرابع والخامس والأوّل
__________
[1] في ر: «خطرا».
[2] هذا البيت مطلع قصيدة أخرى في ديوانه، ومنها البيت الذي بعده ثم البيت الأخير، وقد وردا فيه هكذا:
فأين العهد والميثا ... ق لا تشعر بنا بشرا
وقولا في ملاطفة ... أزينب نوّلى عمرا
وقل للمالكية لا ... تلومي القلب إن هجرا
[3] في ب، س، ر: «لا تختر».
[4] هو من مجزوء الوافر، وهو ما حذف جزء من صدره وآخر من عجزه.
خفيف ثقيل أوّل مطلق في مجرى البنصر عن إسحاق. وللغريض في السابع والثامن والأوّل لحن من القدر الأوسط من الثّقيل الأوّل بالوسطى في مجراها عن إسحاق. ولمعبد في هذا الأبيات كلّها لحن عن يونس ودنانير ولم يجنّساه، وذكر الهشاميّ أنه خفيف ثقيل. وفي السابع والثامن والتاسع رمل لدحمان، ويقال إنه للزّبير ابنه.
ولمالك لحن أوّله:
صوت
لقد أرسلت جاريتي ... وقلت لها خذي حذرك
وقولي في ملاطفة ... لزينب نوّلي عمرك
/ فهزّت رأسها عجبا ... وقالت من بذا أمرك
أهذا سحرك النسوا ... ن قد خبّرنني خبرك
/ ولحن مالك هذا خفيف ثقيل بالوسطى من رواية ابن المكّيّ. وهذا يروي الشعر ويجعل قوافيه كلّها على الكاف. وفي هذا الأبيات بعينها على هذا القافية خفيف رمل ينسب إلى ابن سريج وإلى الغريض. وذكر حبش أنّ فيه لمعبد لحنا من الرّمل أوّله الثالث من الأبيات الأول المذكورة.
رجع الخبر إلى سياقه أحاديث ابن سريج
ابن سريج أحسن الناس غناء
أخبرنا يحيى [1] بن عليّ ووكيع وجحظة قالوا: حدّثنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه قال: قال لي الفضل بن يحيى: سألت أباك ليلة وقد أخذ منه الشراب عن أحسن النّاس غناء، فقال لي؛ من النّساء أم من الرجال؟ قلت: من الرجال. قال: ابن محرز. فقلت: فمن النّساء؟ قال: ابن سريج، قال إسحاق لي: ويقال أحسن الرجال غناء من تشبّه بالنساء، وأحسن النساء غناء من تشبّه بالرجال. قال يحيى بن عليّ خاصّة: ثم كان ابن سريج كأنه خلق من قلب كلّ واحد، فهو يغنّي له بما يشتهي.
ابن سريج ببعض أندية مكة
أخبرني الحسين بن يحيى قال قال حمّاد: قرأت على أبي عن الهيثم بن عديّ قال: قال ابن سريج: مررت ببعض أندية مكة وفيه جماعة، فحصرت [2] فقلت: كيف أجوزهم مع تعبي وما أنا فيه! فسمعتهم يقولون: قد جاء ابن سريج، فقال بعضهم ممّن لم يعرفني: ومن ابن سريج؟ فقال: الذي يغني:
ألا هل هاجك الأظعا ... ن إذ جاوزن مطّلحا
__________
[1] كذا في ح، ر. وفي سائر النسخ: «عليّ بن يحيى». وسيأتي قوله قريبا: «قال يحيى بن عليّ خاصة الخ»، واتفقت كل النسخ على ذلك.
[2] كذا في ح. ومعناه أحجمت عن المرور عليهم. وكل من امتنع من شيء لم يقدر عليه فقد حصر عنه. وفي سائر النسخ:
«فحضرت» وهو تصحيف.
/ قال ابن سريج: فلمّا سمعت ذلك قويت نفسي واشتدّت منّتي [1]، ومررت بهم أخطر في مصبّغاتي. فلمّا حاذيتهم قاموا بأجمعهم فسلّموا عليّ، ثم قالوا لأحداثهم: امشوا مع أبي يحيى.
ابن سريج مع فتية من بني مروان
وقد حدّثني عمّي بهذا الخبر فقال حدّثني أبو أيّوب المدينيّ قال حدّثني محمد بن سلّام عن جرير قال:
قال لي ابن سريج: دعاني فتية من بني مروان، فدخلت إليهم وأنا في ثياب الحجاز الغلاظ الجافية، وهم في القوهيّ [2] والوشي يرفلون كأنهم الدّنانير الهرقليّة [3]، فغنّيتهم وأنا محتقر لنفسي عندهم لحنا لي، وهو:
صوت
أبا لفرع لم تظعن مع الحيّ زينب ... بنفسي عن النّأي الحبيب المغيّب
بوجهك عن مسّ التّراب مضنّة [4] ... فلا تبعدي إذ كلّ حيّ سيعطب
- ولحن ابن سريج هذا رمل بالخنصر في مجرى البنصر - قال: فتضاءلوا في عيني حتى ساويتهم في نفسي لما رأيتهم عليه من الإعظام لي. ثم غنّيتهم:
ودّع لبابة قبل أن تترحّلا ... واسأل فإن قلاله أن تسألا
فطربوا وعظّموني وتواضعوا لي، حتى صرت في نفسي بمنزلتهم لما رأيتهم عليه، وصاروا/ في عيني [5] بمنزلتي. ثم غنّيتهم:
ألا هل هاجك الأظعا ... ن إذ جاوزن مطّلحا
/ فطربوا ومثلوا بين يديّ ورموا بحللهم كلّها عليّ حتى غطّوني بها، فمثّلت لي نفسي أنها نفس الخليفة وأنهم لي خول [6]، فما رفعت طرفي إليهم بعد ذلك تيها. وقد مضت نسبة «ودّع لبابة» في أخبار عمر بن أبي ربيعة وغيره. وأمّا:
ألا هل هاجك الأظعا ... ن .......
فنذكر نسبته.:
نسبة هذا الصوت
صوت
ألا هل هاجك الأظعا ... ن إذ جاوزن مطّلحا
__________
[1] منّتي: قوّتي.
[2] انظر الحاشية رقم 1 ص 236 من هذا الجزء.
[3] نسبة إلى هر قل أحد ملوك الروم وهو أوّل من ضرب الدنانير.
[4] المضنة بفتح الضاد وكسرها: البخل.
[5] كذا في ت. وفي م، ء، أ: «فطربوا وعظموني وتواضعوا لي واستخفوا في أنفسهم حتى وجدت في نفسي بشاشة لهم وصاروا في عيني أقل شيء ثم غنيتهم الخ» وفي سائر النسخ: «حتى صرت في نفسي كمنزلتهم وصاروا في نفسهم كمنزلتي».
[6] الخول: العبيد والإماء وغيرهم من الحاشية، الواحد والجميع والمذكر والمؤنث في ذلك سواء.
نعم ولو شك بينهم ... جرى لك طائر سنحا [1]
أجزن الماء من ركك [2] ... وضوء الفجر قد وضحا
/ فقلن مقيلنا قرن [3] ... نباكر ماءه صبحا [4]
تبعتهم بطرف العي ... ن حتّى قيل لي افتضحا
يودّع بعضنا بعضا ... وكلّ بالهوى جرحا
فمن يفرح ببينهم ... فغيري إذ غدوا فرحا
عروضه من الوافر [5]. الشّعر لأبي دهبل [6] الجمحيّ. والغناء لمالك وله فيه لحنان: ثقيل أوّل بالبنصر عن إسحاق، وخفيف ثقيل بالوسطى [عن عمرو [7]. ولمعبد فيه ثقيل أوّل بالخنصر في مجرى الوسطى]. ولابن سريج في الخامس وما بعده ثقيل أوّل مطلق في مجرى البنصر عن إسحاق. وفيه للغريض ثاني ثقيل بالوسطى عن حبش [8].
مدح جرير الشاعر لغناء ابن سريج
أخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد عن أبيه قال: قدم جرير المدينة أو مكة فجلس مع قوم، فجعلوا يعرضون عليه غناء رجل رجل من المغنّين، حتى غنّوه لابن سريج، فطرب وقال: هذا أحسن ما أسمعتموني من الغناء كلّه.
__________
[1] سنح الطائر: ولّاك ميامنه، وبرح: ولّاك مياسره. قال ابن بّري: العرب تختلف في العيافة يعني في التيمن والتشاؤم بالسانح بالبارح؛ فأهل نجد يتيمنون بالسانح، كقول ذي الرمة وهو نجديّ:
خليليّ لا لا قيتما ما حييّتما ... من الطير إلا السانحات وأسعدا
وقال النابغة وهو نجديّ فتشاءم بالبارح:
زعم البوارح أن رحلتنا غدا ... وبذاك تنعاب الغراب الأسود
وقال كثيّر وهو حجازيّ ممن يتشاءم بالسانح:
أقول إذا ما الطير مرّت مخيفة ... سوانحها تجري ولا أستثيرها
فهذا هو الأصل. ثم قد يستعمل النجديّ لغة الحجازيّ؛ فمن ذلك قول عمرو بن قميئة وهو نجديّ:
فبيني على طير سنيح تحوسه ... وأشأم طير الزاجرين سنيحها
(انظر «اللسان» مادة سنح).
[2] ركك: محلة من محالّ سلمى أحد جبلي طيء. قال الأصمعي: قلت لأعرابي: أين ركك؟ قال: لا أعرفه ولكن ها هنا ماء يقال له ر ك. وقد فكّ في الشعر للضرورة؛ كما قال زهير:
ثم استمرّوا وقالوا إن موعدكم ... ماء بشرقيّ سلمى فيد أو ركك
(انظر «معجم ياقوت»).
[3] المراد به قرن المنازل، وقد شرح فيما مضى مرارا.
[4] حرك هنا لضرورة الشعر؛ لأن القصيدة من مجزوء الوافر الضرب السالم والقافية فيها كلها مفاعلتن بالتحريك.
[5] يريد أنه من مجزوء الوافر.
[6] أبو دهبل الجمحيّ: نسبة إلى جمح. وبنو جمح من قريش وهم بنو جمح بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤيّ (انظر «شرح القاموس» مادة جمح).
[7] ما بين هذين القوسين غير موجود في ح، ر.
[8] كذا في أكثر النسخ. وفي ت: «و لابن سريج في الخامس وما بعده ثم الأوّل وما بعده ثقيل أوّل الخ». وفي ح، ر: «و لابن سريج في الخامس وما بعده ثقيل أوّل مطلق بالوسطى عن حبش».
قالوا: وكيف قلت ذاك يا أبا حزرة؟ قال: مخرج كلّ ما أسمعتموني من الغناء من الرأس، ومخرج هذا من الصّدر.
تحكيم الأفلح المخزوميّ في غناء رقطاء الحبطية وصفراء العلقمية
أخبرني الحسن [1] بن عليّ قال حدّثنا محمد بن القاسم بن مهروية قال حدّثني أبي قال حدّثني إبراهيم بن محمد الشافعيّ قال:
/ جاء سندة [2] الخيّاط المغنّي إلى الأفلح [3] المخزوميّ - وكان يوصف بعقل وفضل - فقال له: من أين أقبلت؟ وإلى أين تمضي؟ فقال: إليك قصدت من مجلس لبعض القرشيّين أقبلت محاكما إليك. قال: فيماذا؟ قال:
كنت عند هذا الرجل وحضرت مجلسه رقطاء الحبطيّين، [4] وصفراء العلقميّين، فتناولتا بينهما رمل ابن سريج:
ليت شعري كيف أبقى ساعة ... مع ما ألقى إذا الليل حضر
من يذق نوما ويهدأ ليله ... فلقد بدّلت بالنوم السّهر
قلت مهلا إنها جنّيّة ... إن نخالطها تفز منها بشرّ
/ فغنّتاه جميعا، واختلفنا في تقضيلهما، ففضّل كلّ فريق منّا إحداهما، فرضينا جميعا بحكمك، فاحكم بيننا وبينهما. قال: فوجم ساعة - وأهل الحجاز إذا أرادوا أن يحكموا تأمّلوا ساعة ثم حكموا، فاذا حكم المحكّم مضى حكمه كائنا ما كان، ففضّل من فضّله وأسقط من أسقطه، إذا تراضى الخصمان به - فكره الأفلح أن يرضي قوما ويسخط آخرين، فقال لسندة [2]: صفهما أنت لي كيف كانتا إذ غنّتاه واشرح لي مذهبهما فيه كما سمعت، وأنا أحكم بعد ذلك. فقال: سندة [2] أمّا جارية الحبطيين [4]، فإنها كانت تلوك لحنه كما يلوك الفرس العتيق لجامه، ثم تلقيه في هامة لدنة ثم تخرجه من منخر أغنّ [5]، واللّه ما ابتدأته فتوسّطته وأنا أعقل، ولا فرغت منه فأفقت إلا وأنا أظنّ أنّي رأيته في نومي. وأما صفراء العلقميّين، فإنها أحسنهما حلقا، وأصحّهما صوتا، وألينهما تثنّيا، واللّه ما سمعها أحد قطّ فانتفع بنفسه ولا دينه./ هذا ما عندي، فاحكم أنت يا أخا بني مخزوم. فقال: قد حكمت بأنهما بمنزلة العينين في الرأس، فبأيّهما نظرت أبصرت، ولو كان في الدنيا من عبيد بن سريج خلف لكانتا. قال: فانصرفوا جميعا راضين بحكمه.
ثناء جرير المدينيّ على ابن سريّج
أخبرني الحسين عن حمّاد عن أبيه عن محمد بن سلّام قال:
سألت جريرا المدينيّ [6] عن ابن سريج، فقال: أتذكره ويحك باسمه، ولا تقول: سيّد من غنّى وواحد من ترنّم!
__________
[1] في ح، ر: «الحسين» وهو تحريف؛ إذ هو الحسن بن عليّ الخفاف، وقد تقدّم كثيرا أنه يروي عن محمد بن القاسم بن مهرويه.
[2] لم نعثر على ضبطه.
[3] في ر: «الأقلح». وفي ت: «الأبلج». وفي أ، م، ء: «الأبلح». ولم نعثر عليه حتى نرجح إحداها.
[4] في ح، ر: «الحبطية». وفي ت، م، ء، أ: «الحنطبيين».
[5] في ت: «أرن» من الرنين وهو الصوت.
[6] في ح، ر: «المدنيّ».
ثناء الشعبيّ عليه
قال حمّاد وحدّثني أبي عن هارون بن مسلم [1] عن محمد بن زهير السّعديّ الكوفيّ عن أبي بكر بن عيّاش عن الحسن بن عمرو الفقيميّ قال:
دخلت على الشّعبيّ، فبينا أنا عنده في غرفته، إذ سمعت صوت غناء، فقلت: أهذا في جوارك؟ فأشرف بي على منزله، فإذا بغلام كأنه فلقة قمر وهو يتغنّى - قال إسحاق: وهذا الغناء لابن سريج - :
وقمير بدا ابن خمس وعشري ... ن له قالت الفتاتان قوما [2]
قال: فقال لي الشّعبيّ: أتعرف هذا؟ قلت لا. فقال: هذا الذي أوتي الحكم صبيّا، هذا ابن سريج.
ثناء ابن سريج على نفسه في تغنيه بشعر لعمر بن أبي ربيعة
وأخبرني يحيى بن عليّ بن يحيى قال حدّثني أبو أيّوب المدينيّ قال: حدّثني الهشاميّ الربعيّ عن إسحاق الموصليّ قال:
تغنّى ابن سريج في شعر لعمر بن أبي ربيعة وهو:
صوت
خانك من تهوى فلا تخنه ... وكن وفيّا إن سلوت عنه
واسلك سبيل وصله وصنه ... إن كان غدّارا فلا تكنه
عسى تباريح [3] تجيء منه ... فيرجع الوصل ولم تشنه
قال المكّيّون: قال ابن سريج: ما تغنّيت بهذا الشعر قطّ إلا طننت أنّي أحلّ محلّ الخليفة.
قال مؤلف هذا الكتاب أبو الفرج الأصفهانيّ: وجدت في هذا الشعر لحنين - أحدهما ثقيل أوّل والآخر رمل - مجهولين جميعا، فلا أدري أيّهما لحنه.
وصف ابن سريج للمصيب المحسن من المغنين
ونسخت من كتاب العتّابيّ: أخبرني عون بن محمد قال حدّثني عبد اللّه بن العباس بن الفضل بن الرّبيع عن جدّه الفضل عن ابن جامع عن سياط عن يونس الكاتب عن مالك بن أبي السّمح قال:
سألت ابن سريج عن قول الناس: فلان يصيب وفلان يخطى ء، وفلان يحسن وفلان/ يسي ء؛ فقال: المصيب المحسن من المغنّين هو الذي يشبع الألحان، ويملأ الأنفاس، ويعدّل الأوزان، ويفخّم الألفاظ، ويعرف الصواب،
__________
[1] في ح: «مروان بن سلمة». وفي ر: «هارون بن سلمة».
[2] أصله قومن بنون التوكيد الخفيفة ثم أبدلت ألفا؛ كقوله:
ولا تعبد الشيطان واللّه فاعبدا
[3] التباريح: توهج الشوق.
ويقيم الإعراب، ويستوفي النّغم الطّوال، ويحسّن مقاطيع النّغم القصار، ويصيب أجناس الإيقاع، ويختلس مواقع النّبرات، ويستوفي ما يشاكلها في الضرب من النّقرات. فعرضت ما قال على معبد، فقال: لوجاء في الغناء قرآن ما جاء إلا هكذا.
يزيد بن عبد الملك ومولى حبابة المغنية
أخبرني الحسن بن عليّ الخفّاف قال حدّثني أحمد بن سعيد الدّمشقيّ قال حدّثني الزّبير بن بكّار عن ظبية [1]:
/أنّ يزيد بن عبد الملك قال لحبابة يوما: أتعرفين أحدا هو أطرب منّي؟ قالت: نعم، مولاي الذي باعني.
فأمر بإشخاصه فأشخص إليه مقيّدا [2]، وأعلم بحاله فأذن في إدخاله، فمثل بين يديه وحبابة وسلّامة تغنّيان؛ فغنّته سلّامة لحن الغريض في:
تشطّ غدا دار جيراننا
فطرب وتحرّك في أقياده. ثم غنّته حبابة لحن ابن سريج المجرّد في هذا الشعر، فوثب وجعل يحجل [3] في قيده ويقول: هذا وأبيكما ما لا تعذلاني فيه، حتى دنا من الشّمعة فوضع لحيته عليها فاحترقت، وجعل يصيح:
الحريق الحريق يا أولاد الزّنا. فضحك يزيد وقال: هذا واللّه أطرب الناس حقّا، ووصله وسرّحه إلى بلده.
سماع عطاء وابن جريج لغناء ابن سريج
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا فضل اليزيديّ عن إسحاق:
أنّ ابن سريج كان جالسا، فمرّ به عطاء وابن جريح، فحلف عليهما بالطّلاق أن يغنّيهما، على أنهما إن نهياه عن الغناء بعد أن يسمعا منه تركه. فوقفا له وغنّاهما:
إخوتي لا تبعدوا أبدا ... وابلى [4] واللّه قد بعدوا
فغشي على ابن جريج، وقام عطاء فرقص. ونسبة هذا الصوت وخبره يذكر في موضع آخر.
غناء ابن سريج عند بستان ابن عامر ووقفه الحاج لاستماع غنائه
أخبرني الحسن قال حدّثنا الفضل عن إسحاق:
أنّ ابن سريج كان عند بستان ابن عامر يغنّي:
/لمن نار بأعلى الخي ... ف [5] دون البئر ما تخبو
__________
[1] في ت: «طيبة».
[2] في ب، س: «فأمر بإشخاصه إليه مقيدا». وفي ت: «فأمر فأشخص إليه مقيدا».
[3] حجل المقيد من بابي قتل وضرب حجلا وحجلانا: رفع رجلا وتريّث في مشيه على رجله الأخرى.
[4] كذا في ر. وواهنا: اسم لأعجب؛ كقوله:
وابأبي أنت وفوك الأشنب ... كأنما ذرّ عليه الزرنب
وفي سائر النسخ: «وبلي» بغير ألف. ولعلها سقطت من الناسخ.
[5] في ح، ر: «الخبت» وكلاهما اسم موضع. والخبت في الأصل: المطمئن من الأرض. والخفيف: ما انحدر عن غلظ الجبل وارتفع عن مسيل الماء.
أرقت لذكر موقعها ... فحنّ لذكرها القلب
إذا ما أخمدت ألقي ... عليها المندل [1] الرّطب
فجعل الحاجّ يركب بعضهم بعضا، حتى جاء إنسان من آخر القطرات [2] فقال: يا هذا! قد قطعت على الحاجّ وحبستهم، والوقت قد ضاق، فاتّق اللّه وقم عنهم! فقام وسار الناس.
استحقاق ابن سريج لجائزة سليمان بن عبد الملك للسابق من المغنين
أخبرني الحسن قال حدّثني محمد بن زكريّا قال حدّثني يزيد بن محمد عن إسحاق الموصليّ:
أنّ سليمان بن عبد الملك لمّا حجّ سبّق [3] بين المغنّين بدرة [4]. فجاء ابن سريج وقد أغلق الباب، فلم يأذن له الحاجب، فأمسك حتى سكتوا وغنّى:
سرى همّي وهمّ المرء يسري فأمر سليمان بدفع البدرة إليه.
نسبة هذا الصوت
صوت
سرى همّي وهمّ المرء يسري ... وغاب النّجم إلا قيس [5] فتر
/ أراقب في المجرّة [6] كلّ نجم ... تعرّض للمجرّة كيف يجري
لهمّ لا أزال له مديما ... كأنّ القلب أسعر حرّ جمر
على بكر أخي ولّى حميدا ... وأيّ العيش يصفو بعد بكر
الشعر لعروة بن أذينة، والغناء لابن سريج ثاني ثقيل بالوسطى. وفيه لأبي عبّاد [7] رمل بالوسطى، وذكر الهشاميّ أنّ هذا اللحن لصاحب الحرون [8].
__________
[1] المندل: العود.
[2] كذا في ر. والقطرات: جمع قطر وهو جمع لقطار. وفي سائر النسخ: «القطران» بالنون. ولم نجد هذا الجمع في «كتب اللغة» ولا هو قياسيّ في هذا المفرد.
[3] سبّق بين المغنين بدرة: جعلها سبقا بينهم، من غلب أخذها.
[4] كذا في ت، ح، ر. وفي سائر النسخ: «ببدرة». وقد استعمله الزمخشريّ في أساس البلاغة متعدّيا بنفسه لا بالباء. والبدرة: كيس فيه ألف درهم أو عشرة آلاف درهم أو سبعة آلاف دينار.
[5] القيس والقاس: القدر. والفتر: ما بين طرف الإبهام وطرف المشيرة.
[6] المجرّة: منطقة ضيقة بيضاء غير منتظمة تقسم الكرة السماوية قسمين متساويين تقريبا من الشمال الشرقيّ إلى الجنوب الغربيّ وعرضها متغير جدّا. ويرى «هرشل» أن عدد النجوم التي تشتمل عليها المجرّة لا تقلّ عن خمسين مليونا من النجوم ولا يمكن رؤية نجم منها على انفراده بالعين المجرّدة. وضوءها اللبنيّ الذي يرى في الليالي الخالية من القمر وعند ما يكون الجوّ صافيا ناشيء من اجتماعها وانضمام بعضها إلى بعض.
[7] كذا في ح، ر، ب، س. وفي سائر النسخ: «لابن عباد» وقد تقدّم غير مرة أن أبا عباد كنية معبد المغني وقد تقدمت ترجمته، وأن ابن عباد هو محمد بن عباد مولى بني مخزوم. وستأتي ترجمته في الجزء السادس من «الأغاني».
[8] كذا في أكثر النسخ. وفي ح، ر: «لحاجب الحزور». وقد ورد في ح، ر، ب، س بعد هذه الجملة قوله: «فقال سليمان: ينبغي
وفاة ابن سريج في خلافة سليمان بن عبد الملك أو في آخر خلافة الوليد
أخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد عن أبيه قال:
قال ابن مقمّة: دخلت على ابن سريج في مرضه الذي مات فيه، فقلت: كيف أصبحت يا أبا يحيى؟ فقال:
أصبحت واللّه كما قال الشاعر:
/ كأنّي من تذكّر ما ألاقي ... إذا ما أظلم الليل البهيم
سقيم ملّ منه أقربوه [1] ... وأسلمه المداوي والحميم
ثم مات.
قال إسحاق: قال ابن مقمّة: لمّا احتضر ابن سريج نظر إلى ابنته تبكي فبكى، وقال: إنّ من أكبر همّي أنت، وأخشى أن تضيعي بعدي. فقالت: لا تخف؛ فما غنّيت شيئا إلا وأنا أغنّيه. فقال: هاتي. فاندفعت تغنّي أصواتا وهو مصغ إليها، فقال: قد أصبت ما في نفسي، وهوّنت عليّ أمرك. ثم دعا سعيد بن مسعود الهذليّ فزوّجه إيّاها؛ فأخذ عنها أكثر غناء أبيها وانتحله؛ فهو الآن ينسب إليه. قال إسحاق: فقال كثير بن كثير [2] السّهمي يرثيه:
ما اللهو بعد عبيد حين يخبره ... من كان يلهو به منه بمطّلب
للّه قبر عبيد ما تضمّن من ... لذاذة العيش والإحسان والطرب
لولا الغريض ففيه من شمائله [3] ... مشابه [4] لم أكن فيها بذي أرب
قال إسحاق: وحدّثني هشام بن المريّة أنّ قادما قدم المدينة فسارّ معبدا بشيء، فقال معبد: أصبحت أحسن الناس غناء. فقلنا: أو لم تكن كذلك؟ فقال: ألا تدرون ما أخبرني به هذا؟ قالوا لا. قال: أعلمني أن عبيد بن سريج مات، ولم أكن أحسن الناس غناء وهو حيّ. وفي ابن سريج يقول عمر بن أبي ربيعة:
صوت
قالت وعيناها تجودانها ... صوحبت واللّه لك الرّاعي
يابن سريج لا تذع سرّنا ... قد كنت عندي غير مذياع
غنّى فيه ابن سريج من راوية يونس.
__________
- أن يكون ابن سريج، قالوا: هو هو. قال: أدخلوه فأدخل، فأمره بإعادة الصوت فأعاده. فقال: خذ البدرة، وأمر للمغنين بأخرى».
وظاهر أن هذه الجملة إنما يناسب أن تكون بعد قوله: وغنى:
سرى همى وهم المرء يسرى
ولا حاجة إذا إلى قوله فيما مضى: فأمر سليمان بدفع البدرة إليه».
[1] في «خزانة الأدب» للبغدادي: سليم بان عنه أقربوه
[2] في ح، ر: «كثير بن أبي كثير».
[3] كذا في ت، ح، ر. وفي سائر النسخ:
«ففيه من مشابهة ... شمائل»
[4] يقال: فيه مشابه من فلان أي أشباه (أشياء يتشابهان فيها) ولم يقولوا في واحدته مشبهة وقد كان قياسه ذلك، ولكنهم استغنوا بشبه عنه؛ فهو من باب ملامح ومحاسن ومساوىء ومقابح واحدها لمحة وحسن وسوء وقبح، استغنوا بها عن لفظ واحدها.
قال أبو أيّوب المديني: توفّي ابن سريج بالعلّة التي أصابته من الجذام بمكة، في خلافة سليمان بن عبد الملك أو في آخر خلافة الوليد، بمكة ودفن في موضع بها يقال له دسم [1].
وقفة على قبر ابن سريج بدسم
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال أخبرني هارون [2] بن أبي بكر قال حدّثني إسحاق بن يعقوب العثمانيّ مولى آل عثمان عن أبيه قال:
إنّا لبفناء دار عمرو [3] بن عثمان بالأبطح في صبح خامسة من الثّمان - يعني/ أيام الحجّ - قال: كنت جالسا أيام الحجّ، فما إن دريت إلا برجل على راحلة على رحل جميل وأداة حسنة، معه صاحب له على راحلة قد جنب إليها فرسا وبغلا، فوقفا عليّ وسألاني، فانتسبت لهما عثمانيّا. فنزلا وقالا: رجلان من أهلك لهما حاجة ونحبّ أن تقضيها قبل أن نشده [4] بأمر الحجّ. فقلت ما حاجتكما؟ قالا؟ نريد إنسانا يقفنا [5] على قبر عبيد بن سريج. قال:
فنهضت معهما حتى بلغت بهما محلّة بني أبي قارة [6] من خزاعة بمكة، وهم موالي عبيد بن سريج، فالتمست لهما إنسانا يصحبهما حتّى/ يقفهما على قبره بدسم، فوجدت ابن أبي دباكل [7] فأنهضته معهما. فأخبرني بعد: أنه لمّا وقفهما [8] على قبره نزل أحدهما عن راحلته فحسر عمامته عن وجهه، فإذا هو عبد اللّه بن سعيد بن عبد الملك بن مروان، فعقر ناقته واندفع يندبه بصوت شجيّ كليل حسن ويقول:
وقفنا على قبر بدسم فهاجنا ... وذكّرنا بالعيش إذ هو مصحب [9]
فجالت بأرجاء الجفون سوافح ... من الدّمع تستتلي الذي يتعقّب
إذا أبطأت عن ساحة الخدّ ساقها ... دم بعد دمع إثره يتصبّب
فإن تسعدا نندب عبيدا بعولة [10] ... وقلّ له منّا البكا والتّحوّب [11]
ثم نزل صاحبه فعقر ناقته، وقال له القرشيّ: خد في صوت أبي يحيى؛ فاندفع يتغنّى [12]:
__________
[1] دسم: موضع قرب مكة، كما في «ياقوت».
[2] كذا في ت، ح، ر. وفي سائر النسخ: «أخبرني أخي هارون بن أبي بكر».
[3] في ت، ر: «عمر».
[4] نشده أي نشغل.
[5] كذا في ت، ح، ر وفي سائر النسخ: «يوقفنا» وهما لغتان، والثلاثي أفصح، بل قيل إن الرباعي غير مسموع، وقيل إنه غير فصيح.
(انظر «القاموس» و«شرحه» للمرتضى مادة وقف).
[6] في ر: «بني قارة» وفي ب، أ، ء: «بني أبي فارة». وفي ت، ح: «بني فارة».
[7] كذا ضبطه في «شرح القاموس» (مادة دبكل) وقال: إنه شاعر خزاعيّ من شعراء الحماسة، ومعناه الغليظ الجلد السمج. وقال التبريزي في «شرح الحماسة» طبع أوروبا ص 594: إنه علم مرتجل وليس منقولا من جنس.
[8] كذا في ت، ح، ر، م. وفي سائر الأصول: «أوقفهما».
[9] المصحب: الذليل المنقاد بعد صعوبة.
[10] يقال: أعول وعوّل، إذا رفع صوته بالبكاء والصياح، والاسم منه العول والعولة والعويل.
[11] التحوّب: التوجع. وفي ح، ر، ب، س: «التنحب» من النحيب وهو أشدّ البكاء. ولم نجد هذه الصيغة من هذه المادة في «كتب اللغة».
[12] الشعر لكثير بن كثير بن الصلت السهمي، كما في «ياقوت» مادتي الحصاب والسباب.
أسعداني بعبرة أسراب [1] ... من دموع كثيرة التّسكاب
إنّ أهل الحصاب قد تركوني ... مولها مولعا بأهل الحصاب
أهل بيت تتابعوا [2] للمنايا ... ما على الموت بعدهم من عتاب
فارقوني وقد علمت يقينا ... ما لمن ذاق ميتة من إياب
/ كم بذاك الحجون [3] من أهل [4] صدق ... كهول أعفّة وشباب
سكنوا الجزع جزع بيت أبي مو ... سى إلى النّخل من صفيّ السّباب [5]
فلي الويل بعدهم وعليهم ... صرت فردا وملّني أصحابي
قال ابن أبي دباكل: فو اللّه ما تمّم صاحبه منها ثلاثا [6] حتى غشي على صاحبه، وأقبل يصلح السّرج على بغلته وهو غير معرّج عليه. فسألته من هو؟ فقال: رجل من جذام. قلت: بمن تعرف؟ قال: بعبد اللّه بن المنتشر.
قال: ولم يزل القرشيّ على حاله ساعة ثم أفاق، ثم جعل الجذاميّ ينضح الماء على وجهه ويقول كالمعاتب له:
أنت أبدا مصبوب [7] على نفسك! ومن كلّفك ما ترى! ثم قرّب إليه الفرس، فلمّا علاه استخرج الجذاميّ من خرج على بغل قدحا وإداوة ماء، فجعل في القدح ترابا من تراب قبر ابن سريج وصبّ عليه ماء من الإداوة، ثم قال: هاك فاشرب هذه السّلوة [8] فشرب، ثم فعل هو مثل ذلك، وركب على البغل وأردفني. فخرجا واللّه ما يعرّضان بذكر شيء مما كنا فيه، ولا أرى في وجوههما شيئا مما كنت أرى قبل/ ذلك. فلمّا اشتمل علينا أبطح مكة قالا: انزل يا خزاعيّ فنزلت. وأومأ الفتى إلى الجذاميّ بكلام، فمدّ يده إليّ وفيها شيء فأخذته، فإذا هو عشرون دينارا، ومضيا. فانصرفت إلى قبره/ ببعيرين، فاحتملت عليهما أداة الراحلتين اللتين عقراهما فبعتها [9] بثلاثين دينارا.
__________
[1] كذا في أكثر النسخ، وهو جمع سرب وهو الماء السائل. وفي ب، س، ح: «أترابي» ولعله تحريف.
[2] في س: «تتايعوا» بالياء المثناة. والتتايع: الوقوع في الشر من غير فكر ولا روية والمتابعة عليه والتهافت فيه، ولا يكون في الخير.
وقد قيل: إن التتابع في الشر كالتتابع في الخير.
[3] الحجون: جبل بأعلى مكة عنده مدافن أهلها.
[4] رواية ياقوت في الكلام على صفيّ السباب:
كم بذاك الحجون من حيّ صدق ... من كهول أعفّة وشباب
[5] قال الزبير: بيت أبي موسى الأشعري وصفي السباب: ما بين دار سعيد الحرشيّ التي تناوح بيوت أبي القاسم بن عبد الواحد التي في أصلها المسجد الذي صلّي عنده على أمير المؤمنين أبي جعفر المنصور، وكان به نخل وحائط لمعاوية فذهب، ويعرف بحائط خرمان. (انظر «معجم البلدان» لياقوت).
[6] كذا في ج، ر. وفي سائر النسخ: «ثالثا».
[7] كذا في ت، ح، ر، أي محثوث على اتباعها تستغويك فتسلس لها القياد. وفي سائر النسخ: «منصوب» ولعله تحريف.
[8] قال ابن سيده: والسّلوة والسّلوانة: خرزة شفافة إذا دفنتها في الرمل ثم بحثت عنها رأيتها سوداء يسقاها الإنسان فتسليه، وقيل: أن يؤخذ من تراب قبر ميت فيذرّ على الماء ويسقاه العاشق ليسلو؛ قال عروة بن حزام:
جعلت لعرّاف اليمامة حكمه ... وعرّاف نجد إن هما شفياني
فقالا نعم نشفي من الداء كله ... وقاما مع العوّاد يبتدران
فما تركا من رقية يعرفانها ... ولا سلوة إلا وقد سقياني
[9] في الأصول: «فبعتهما». ومرجع الضمير «أداة الراحلتين».
صوت من المائة المختارة
ثالث الثلاثة الأصوات المختارة
وهو الثالث من الثلاثة المختارة.
أهاج هواك المنزل المتقادم ... نعم وبه ممّن شجاك معالم
مضارب أوتاد وأشعث [1] داثر ... مقيم وسفع [2] في المحلّ جواثم
عروضه من الطّويل. الشعر لنصيب. والغناء في اللّحن المختار لابن محرز ثاني ثقيل بإطلاق الوتر في مجرى البنصر، وله فيه أيضا هزج بالسّبّابة في مجرى البنصر، وذكر جحظة عن أصحابه أنه هو المختار. وحكى عن أصحابه أنه ليس في الغناء كلّه نغمة إلا وهي في الثلاثة الأصوات المختارة التي ذكرها.
ومن قصيدة نصيب هذا مما يغنّى فيه قوله:
لقد راعني للبين نوح حمامة ... على غصن بان جاوبتها حمائم
هواتف أمّا من بكين فعهده ... قديم وأمّا شجوهنّ فدائم
الغناء لابن سريج ثاني ثقيل مطلق في مجرى البنصر عن يونس ويحيى المكّيّ وإسحاق، وأظنّه مع البيتين الأوّلين وأن الجميع لحن واحد، ولكنه تفرّق لصعوبة اللّحن وكثرة ما فيه من العمل. فجعلا صوتين.
__________
[1] الأشعث: الوتد. ودائر: قديم.
[2] السفع: الأثافي وهي التي أوقدت بينها النار فسوّدت صفاحها التي تلي النار. وجواثم: رواس.
5 - ذكر نصيب وأخباره
نسب نصيب ونشأته
هو نصيب بن رباح [1]، مولى عبد العزيز بن مروان، وكان لبعض العرب من بني كنانة السّكّان بودّان [2]، فاشتراه عبد العزيز منهم، وقيل: بل كانوا أعتقوه، فاشترى عبد العزيز ولاءه منهم، وقيل: بل كاتب مواليه، فأدّى عنه مكاتبته.
وقال ابن دأب: كان نصيب من قضاعة ثم من بليّ. وكانت أمّه سوداء فوقع عليها سيّدها فحبلت بنصيب، فوثب عليه عمّه بعد وفاة أبيه فباعه من عبد العزيز.
وقال أبو اليقظان: كان أبوه من كنانة من بني ضمرة. وكان شاعرا فحلا فصيحا مقدّما في النّسيب والمديح، ولم يكن له حظّ في الهجاء، وكان عفيفا، وكان يقال: أنه لم ينسب قطّ إلا بامرأته.
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال؛ كتب إليّ عبد اللّه [3] بن عبد العزيز بن محجن بن نصيب بن رباح يذكر عن عمّته غرضة [4] بنت النّصيب:
أنّ النّصيب كان ابن نوبيّين سبيّين كانا لخزاعة، ثم اشترت سلامة [5] أمّ نصيب امرأة من خزاعة ضمريّة حاملا بالنّصيب، فأعتقت ما في بطنها.
/ أخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد عن أبيه عن محمد بن كناسة قال:
كان نصيب من أهل ودّان عبدا لرجل من كنانة هو وأهل بيته. وكان أهل البادية يدعونه النّصيب تفخيما له، ويروون شعره. وكان عفيفا كبير النّفس مقدّما عند الملوك، يجيد مديحهم ومراثيهم.
أخبرني الحسين عن حمّاد عن أبيه عن ابن الكلبيّ قال:
كان نصيب من/ بليّ بن عمرو [6] بن الحاف بن قضاعة. وكانت أمّه أمة سوداء، وقع عليها أبوه فحملت ثم
__________
[1] في م، ء، ر: «رياح» بالياء المثناة. ويرجح الأولى أن رباحا بالباء معروف في أسماء العبيد والسودان. قال في كتاب «المشتبه في أسماء الرجال» للذهبي طبع ليدن ص 212: ورباح بالموحدة أكثرة في الموالي.
[2] ودّان بالفتح، ثلاثة مواضع: أحدها بين مكة والمدينة قرية جامعة من نواحي الفرع، بينها وبين هر شى ستة أميال وبينها وبين الأبواء نحو ثمانية أميال قريبة من الجحفة، وهي لضمرة وغفار وكنانة، وقد أكثر نصيب من ذكرها في شعره.
[3] في ح، ر: «كتب إلىّ عبد العزيز بن محجن الخ».
[4] في ت: «عرضة» بعين فراء. وفي كتاب «الموشح» للمرزباني المخطوط المحفوظ بدار الكتب المصرية تحت رقم 3293 أدب في الكلام على ابن أبي ربيعة: «عوضة» بالواو.
[5] قد سمى بسلامة بتخفيف اللام وبتشديدها. وقد عد المرتضى في «شرح القاموس» أسماء كثيرة من النوعين، ولم يذكر هذه ضمن واحد منهما.
[6] كذا في أكثر النسخ. وفي ت، ح، ر: «عمران». ويؤيد أنه عمرو ما في «شرح القاموس» مادّة بلى.
مات، فباعه عمّه أخو أبيه من عبد العزيز بن مروان.
مبدأ قوله الشعر واتصاله بعبد العزيز بن مروان بمصر
قال حمّاد وأخبرني أبي عن أيّوب بن عبابة، وأخبرنا الحرميّ عن الزّبير عن عمّه وعن إسحاق بن إبراهيم جميعا عن أيّوب بن عبابة قال حدّثني رجل من خزاعة من أهل [1] كليّة - وهي قرية كان فيها النّصيب وكثيّر - قال:
بلغني أنّ النّصيب قال: قلت الشّعر وأنا شابّ فأعجبني قولي، فجعلت آتي مشيخة من بني ضمرة بن بكر بن عبد مناة - وهم موالي النّصيب - ومشيخة من خزاعة، فأنشدهم القصيدة من شعري، ثم أنسبها إلى بعض شعرائهم الماضين، فيقولون: أحسن واللّه! هكذا يكون الكلام! وهكذا يكون الشّعر! فلمّا سمعت ذلك منهم علمت أني محسن، فأزمعوا وأزمعت [2] الخروج إلى عبد العزيز بن مروان، وهو يومئذ بمصر، فقلت لأختي أمامة وكانت عاقلة جلدة: أي أخيّة، إنّي قد قلت شعرا، وأنا أريد عبد العزيز بن مروان، وأرجو أن يعتقك اللّه عزّوجلّ به وأمّك،/ ومن كان مرقوقا من أهل قرابتي. قالت: إنّا للّه وإنّا إليه راجعون! يا بن أمّ، أتجتمع عليك الخصلتان: السّواد، وأن تكون ضحكة [3] للناس! قال: قلت فاسمعي، فأنشدتها فسمعت، فقالت: بأبي أنت! أحسنت واللّه! في هذا واللّه رجاء عظيم، فاخرج على بركة اللّه. فخرجت على قعود لي حتى قدمت المدينة، فوجدت بها الفرزدق في مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، فعرّجت إليه فقلت: أنشده وأستنشده وأعرض عليه شعري.
فأنشدته، فقال لي: ويلك! أهذا شعرك الذي تطلب به الملوك؟ قلت: نعم. قال: فلست في شيء. إن استطعت أن تكتم هذا على نفسك فافعل. فانفضخت عرقا [4]، فحصبني [5] رجل من قريش كان قريبا من الفرزدق، وقد سمع إنشادي وسمع ما قال لي الفرزدق، فأومأ إليّ فقمت إليه. فقال: ويحك! أهذا شعرك الذي أنشدته الفرزدق؟
قلت: نعم. فقال: قد واللّه أصبت، واللّه لئن كان هذا الفرزدق شاعرا لقد حسدك، فإنّا لنعرف محاسن الشعر، فامض لوجهك ولا يكسرنّك. قال: فسرّني قوله، وعلمت أنه قد صدقني فيما قال، فاعتزمت على المضيّ.
قال: فمضيت فقدمت مصر، وبها عبد العزيز بن مروان، فحضرت بابه مع الناس، فنحّيت عن مجلس الوجوه، فكنت وراءهم، ورأيت رجلا جاء على بغلة حسن الشّارة سهل المدخل، يؤذن له إذا جاء. فلمّا انصرف إلى منزله انصرفت معه أماشي بغلته. فلما رآني قال: ألك حاجة؟ قلت: نعم، أنا رجل من أهل الحجاز شاعر، وقد مدحت الأمير وخرجت إليه راجيا معروفه. وقد ازدريت فطردت من الباب ونحّيت عن الوجوه. قال: فأنشدني، فأنشدته.
فأعجبه شعري، فقال: ويحك! أهذا شعرك؟ فإيّاك أن تنتحل، فإنّ الأمير/ رواية عالم بالشّعر وعنده رواة، فلا تفضحني ونفسك. فقلت: واللّه ما هو إلا شعري. فقال: ويحك! فقل أبياتا تذكر فيها حوف [6] مصر وفضلها على غيرها، والقني بها غدا. فغدوت عليه من غد فأنشدته قولي:
__________
[1] كلية (بالضم والفتح وتشديد الياء): واد يأتي من شمنصير بقرب الجحفة. وبكلية على ظهر الطريق ماء آبار يقال لتلك الآبار كلية، وبها سمى الوادي، وكان النصيب يسكنها.
[2] في ت، ح، ر: «فأجمعوا وأجمعت».
[3] الضحكة (بضم فسكون): من يضحك منه الناس. والضّحكة (بضم ففتح): من يضحك من الناس كثيرا.
[4] فانفضخت عرقا: تدفقت عرقا.
[5] حصبني: رماني بالحصباء.
[6] الحوف بمصر: حوفان الشرقيّ والغربيّ وهما متصلان، أوّل الشرقيّ من جهة الشأم، وآخر الغربي قرب دمياط، يشتملان على بلدان وقرى كثيرة. وحوف رمسيس: موضع آخر بمصر.
سرى الهمّ تثنيني إليك طلائعه ... بمصر وبالحوف اعترتني روائعه
/ وبات وسادي ساعد قلّ لحمه ... عن العظم حتى كاد تبدو أشاجعه [1]
قال: وذكرت فيها الغيث فقلت:
وكم دون ذاك العارض البارق الذي ... له اشتقت من وجه أسيل مدامعه
تمشّى [2] به أفناء [3] بكر ومذحج ... وأفناء عمرو وهو خصب مرابعه [4]
فكلّ مسيل من تهامة طيّب ... دميث الرّبا تسقي البحار [5] دوافعه [6]
أعنّي على برق أريك وميضه ... تضىء دجنّات الظّلام لوامعه
إذا اكتحلت عينا محبّ بضوئه ... تجافت به حتّى الصّباح مضاجعه
هنيئا لأمّ البختريّ [7] الرّوي [8] به ... وإن أنهج الحبل الذي أنا قاطعه
/ وما زلت حتّى قلت إنّي لخالع ... ولائي من مولى نمتني قوارعه [9]
ومانح قوم أنت منهم مودّتي ... ومتّخذ مولاك مولى فتابعه
نصيب وأيمن بن خريم الأسدي
فقال: أنت واللّه شاعر! احضر بالباب حتّى أذكرك للأمير. قال: فجلست على الباب ودخل، فما ظننت أنه أمكنه أن يذكرني حتّى دعي بي. فدخلت فسلّمت على عبد العزيز، فصعّد فيّ بصره وصوّب، ثم قال: أنت شاعر؟ ويلك!.
قلت: نعم، أيّها الأمير. قال: فأنشدني. فأنشدته، فأعجبه شعري. وجاء الحاجب فقال: أيّها الأمير، هذا أيمن بن خريم [10] الأسديّ بالباب. قال: ائذن له، فدخل فاطمأنّ. فقال له الأمير: يا أيمن بن خريم، كم ترى ثمن هذا العبد؟ فنظر إليّ فقال: واللّه لنعم الغادي في أثر المخاض [11]، هذا أيها الأمير أرى ثمنه مائة دينار. قال: فإنّ له
__________
[1] الأشاجع: أصول الأصابع التي تتصل بعصب ظاهر الكف.
[2] أصله تتمشى حذفت إحدى تاءيه.
[3] في «اللسان»: أعناء الناس وأفناؤهم أي أخلاطهم؛ يقال: هؤلاء من أفناء القبائل أي نزّاع من ها هنا وها هنا. ورجل من أفناء القبائل أي لا يدري من أي قبيلة هو. وقيل: إنما يقال قوم من أفناء القبائل ولا يقال رجل أه.
[4] في ح، ر، ت: «مراتعه» بالتاء المثناة.
[5] في ح، ر: «النجاد». والبحار هنا: المدن والقرى والأراضي الواسعة، الواحدة بحرة (بالفتح).
[6] الدوافع: أسافل الميث حيث تدفع في الأودية، أسفل كل ميثاء دافعة، أو الدافعة: التلعة من مسايل الماء تدفع في تلعة أخرى إذا جرى في صبب وحدور من حدب، فترى له في مواضع قد انبسط شيئا واستدار ثم دفع في أخرى أسفل منها، فكل واحد من ذلك دافعة والجميع الدوافع، ومجرى ما بين الدافعتين مذنب.
[7] كذا في ر. وفي سائر النسخ: «البحتري» بالحاء المهملة. وربما رجح الرواية الأولى أن البحتري سمي به كثيرا. وأما البحتري فنسبة إلى بحتر بن عنود الطائي جدّ أبي عبادة البحتري الشاعر المعروف.
[8] الروى (بكسر ففتح): الماء الكثير المروي.
[9] كذا في جميع النسخ. ولعله «فوارعه» بالفاء، بمعنى أعاليه وأصوله التي تفرعه.
[10] كذا في أ. وفي سائر النسخ: «خزيم» وهو تصحيف. وستأتي ترجمته في الجزء الحادي والعشرين من «الأغاني».
[11] المخاض: الحوامل من النوق. وعبارة المحكم: التي أولادها في بطونها، واحدتها خلفة على غير قياس ولا واحد لها من لفظها، كما قيل لواحدة النساء امرأة، قال ابن سيده: وإنما سميت الحوامل مخاضا تفاؤلا بأنها تصير إلى ذلك. يريد: لنعم هذا العبد راعيا للإبل.
شعرا وفصاحة. فقال لي أيمن: أتقول الشّعر؟ قلت: نعم. قال: قيمته ثلاثون دينارا. قال: يا أيمن، أرفعه وتخفضه أنت! قال: لكونه أحمق أيّها الأمير! ما لهذا وللشّعر! أمثل هذا يقول الشّعر! أو يحسن شعرا! فقال: أنشده يا نصيب، فأنشدته. فقال له عبد العزيز: كيف تسمع يا أيمن؟ قال: شعر أسود، هو أشعر أهل جلدته. قال: هو واللّه أشعر منك. قال: أمنّي أيّها الأمير؟ قال: إي واللّه منك. قال: واللّه أيّها الأمير، إنك لملول طرف. قال: كذبت واللّه ما أنا كذلك! ولو كنت كذلك ما صبرت عليك! تنازعني التّحيّة وتؤاكلني الطّعام/ وتتّكيء على وسائدي وفرشي وبك ما بك! - يعني وضحا كان بأيمن - قال: ائذن لي [أن] أخرج إلى بشر بالعراق. واحملني على البريد.
قال: قد أذنت لك، وأمر به فحمل على البريد إلى بشر. فقال: أيمن بن خريم:
ركبت من المقطّم في جمادى ... إلى بشر بن مروان البريدا
ولو أعطاك بشر ألف ألف ... رأى حقّا عليه أن يزيدا
أمير المؤمنين أقم ببشر ... عمود الحق إنّ له عمودا
ودع بشرا يقوّمهم ويحدث ... لأهل الزّيع إسلاما جديدا
كأنّ التاج تاج بني هر قل ... جلوه لأعظم الأيّام عيدا
على ديباج خدّي وجه بشر ... إذا الألوان خالفت الخدودا
قال أيّوب يعني بقوله:
إذا الألوان خالفت الخدودا
أنّه عرّض بكلف كان في/ وجه عبد العزيز - .
وأعقب مدحتي سرجا مليحا [1] ... وأبيض جوزجانيّا [2] عقودا [3]
/و إنّا قد وجدنا أمّ بشر ... كأمّ الأسد مذكارا ولودا [4]
__________
[1] كذا في س. ولم يرد البيت كله في ح، ر، ب. وفي سائر النسخ: «خلنجا». والخلنج فارسي معرب: شجر تتخذ من خشبة الأواني، وقيل: هو كل جفنة وصحفة وآنية صنعت من خشب ذي طرائق وأساريع موشاة. وليس لشيء من هذا معنى مناسب في البيت.
[2] كذا في «الموشح» للمرزباني. وفي جميع النسخ: «خوزجانيا» بالخاء المعجمة. ولم نعثر في «معاجم البلدان» على خوزجان علما لموضع خاص. وجوزجان بالجيم: اسم كورة من كور بلخ بخراسان.
[3] يقال: جمل عقد بفتح القاف وكسرها، إذا كان قويا، وناقة معقودة القرا: موثقة الظهر. فلعل عقودا بمعنى قويا وإن كنا لم نجده بنصه في «كتب اللغة»، أو لعله محرّف عن عتود بالتاء، قال في «اللسان»: وفرس عتد بفتح التاء وكسرها: شديد تام الخلق سريع الوثبة معدّ للجري ليس فيه اضطراب ولا رخاوة، وقيل هو العتيد الحاضر المعدّ للركوب الذكر والأنثى فيهما سواء. ثم قال والعتود: الجدي الذي استكرش، وقيل هو الذي بلغ السفاد، وقيل هو الذي أجذع. ثم قال: والعتود أيضا: العريض. فلعله يريد بالعتود معنى العتد المتقدّم.
[4] قال المرزباني في «الموشح» في الكلام على أيمن بن خريم بعد أن ذكر البيت «و لو أعطاك ... الخ» ثم هذين البيتين بعده: فجميع هذا المدح على غير الصواب. وذلك أنه أومأ إلى المدح بالتناهي في الجود أولا ثم أفسده في البيت الثاني بذكر السرج وغيره، ثم ذكر في البيت الثالث ما هو إلى أن يكون ذما أقرب؛ وذلك أنه جعل أمه ولودا، والناس مجمعون على أن نتاج الحيوانات الكريمة يكون أعسر؛ ومنه قول الشاعر:
بغاث الطير أكثرها فراخا ... وأم الصقر مقلات نزور
قال: فأعطاه بشر مائة ألف درهم.
عبد اللّه بن أبي فروة أوّل من نوّه باسم نصيب ووصله بعبد العزيز بن مروان
أخبرني الحرميّ قال حدّثنا الزّبير قال حدّثني عبد الرحمن بن عبد اللّه الزّهريّ عن [1] عبد اللّه بن عمران بن أبي فروة قال:
أوّل من نوّه باسم نصيب وقدم به على عبد العزيز بن مروان عبد اللّه بن أبي فروة، قدم به عليه وهو وصيف [2] حين بلغ وأوّل ما قال الشّعر. قال: أصلح اللّه الأمير! جئتك بوصيف نوبيّ يقول الشعر - وكان نصيب ابن نوبيّين - فأدخله عليه، فأعجبه شعره، وكان معه أيمن بن خريم الأسديّ. فقال عبد العزيز: إذا دعوت بالغداء فأدخلوه عليّ في جبّة صوف محتزما بعقال، فإذا قلت قوّموه فقوّموه وأخرجوه وردّوه عليّ في جبّة وشي ورداء وشي. فلما جلس للغداء ومعه أيمن بن خريم أدخل نصيب في جبّة صوف محتزما بعقال، فقال: قوّموا هذا الغلام. فقالوا: عشرة، عشرون، ثلاثون دينارا. فقال: ردّوه، فأخرجوه ثم ردّوه في جبّة وشي ورداء وشي. فقال: أنشدنا، فأنشدهم. فقال: قوّموه، قالوا: ألف دينار. فقال أيمن: واللّه ما كان قطّ أقلّ في عيني منه الآن، وإنه لنعم راعي المخاض. فقال له: فكيف شعره؟
قال: هو أشعر أهل جلدته. فقال له عبد العزيز:/ هو واللّه أشعر منك. قال: أمنّي أيّها الأمير؟ قال أيمن: إنك لملول طرف. فقال له: واللّه ما أنا بملول وأنا أنازعك الطعام منذ كذا وكذا، تضع يدك حيث أضعها وتلتقي يدك مع يدي على مائدة، كلّ ذلك أحتملك! - وكان بأيمن بياض - فقال له أيمن: ائذن لي أخرج إلى بشر. فأذن له فخرج، وقال أبياته التي أوّلها:
ركبت من المقطّم في جمادى
وقد مضت الأبيات. قال: فلما جاز بعبد الملك بن مروان، قال: أين تريد؟ قال أريد أخاك بشرا.
قال: أتجوزني؟! قال: إي واللّه أجوزك إلى من قدم إلىّ وطلبني. قال: فلم فارقت صاحبك؟ قال: رأيتكم يا بني مروان [3]، تتّخذون للفتى من فتيانكم مؤدّبا، وشيخكم واللّه محتاج إلى خمسة مؤدّبين. فسرّ ذلك عبد الملك، وكان عازما على أن يخلعه ويعقد لابنه الوليد.
ابتاعه عبد العزيز بن مروان وأعتقه وقيل: أعتقته امرأة من ضمرة
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ قال حدّثنا عمر بن شبّة قال:
يقال: إن نصيبا أضلّ إبلا فخرج في بغائها [4] فلم يصبها، وخاف مواليه أن يرجع إليهم، فأتى عبد العزيز بن مروان فمدحه وذكر له قصته، فأخلف عليه ما ضلّ لمواليه وابتاعه وأعتقه.
أخبرنا الحرميّ قال حدّثنا الزّبير قال حدّثنا عبد اللّه بن إبراهيم الهلاليّ ثم الدّوسيّ [5] قال:
__________
[1] في ح، ر: «عن عبد الرحمن بن عبد اللّه بن عمران بن أبي فروة».
[2] الوصيف: الخادم غلاما كان أو جارية.
[3] في ت، ح، ر،: «يا بني أمية».
[4] البغاء بالضم والمدّ: الطلب؛ قال الشاعر:
لا يمنعنك من بغا ... ء الخير تعقاد التمائم
[5] كذا في ب، س. وفي ح، ر: «الدو أبيّ». وبنو دوأب قبيلة من غنى بن أعصر، كما في «القاموس» و «شرحه» (مادة دأب). وفي أ، ء، م: «الرومي». وفي ت: «الروسي» من غير إعجام.
/ أراد النّصيب الخروج إلى عبد العزيز بن مروان، وهو عبد لبني محرز الضّمريّ، فقالت أمّه له: إنّك سترقد ويأخذك ابن محرز يذهب بك، فذهب ولم يبال بقولها. حتى إذا كان بمكان ماء يعرف بالدّوّ [1]، فبينا هو راقد إذ هجم عليه ابن محرز، فقال حين رآه:
إنّي لأخشى من قلاص ابن محرز ... إذا وخدت بالدّوّ وخد [2] النّعائم
/ يرعن بطين [3] القوم أيّة روعة ... ضحيّا إذا استقبلنه غير نائم
فأطلقوه، فرجع فأتى أمّه. فقالت: أخبرتك يا بنيّ أنّه ليس عندك أن تعجز القوم. فإن كنت يا بنيّ قد غلبتني أنّك ذاهب فخذ بنت الفلانة [4]، فإنّي رأيتها وطئت أفحوص [5] بيضات قطاة فلم تفلقهنّ فركبها، فهي التي بلّغته ابن مروان.
قال أبو عبد اللّه بن الزّبير: عندنا أنّ الّتي أعتقته امرأة من بني ضمرة ثم من بني حنبل [6].
أوّل اتصال نصيب بعبد العزيز بن مروان
حدّثنا محمد بن العبّاس اليزيديّ قال حدّثنا الخليل بن أسد قال حدّثنا عبد اللّه بن صالح بن مسلم قال حدّثنا كليب بن إسماعيل مولى بني أميّة وكان حدثا [7] (أي حسن الحديث) قال:
/ بلغني أن نصيبا كان حبشيّا يرعى إبلا لمواليه، فأضلّ منها بعيرا، فخرج في طلبه حتى أتى الفسطاط، وبه إذ ذاك عبد العزيز بن مروان، وهو وليّ [عهد [8]] عبد الملك بن مروان، فقال نصيب: ما بعد عبد العزيز واحد أعتمده لحاجتي. فأتى الحاجب فقال: استأذن لي على الأمير، فإني قد هيّأت له مديحا. فدخل الحاجب فقال: أصلح اللّه الأمير! بالباب رجل أسود يستأذن عليك بمديح قد هيّأه لك. فظنّ عبد العزيز أنه ممن يهزأ به ويضحكهم، فقال: مره بالحضور ليوم حاجتنا إليه. فغدا نصيب وراح إلى باب عبد العزيز أربعة أشهر، وأتاه آت من عبد الملك فسرّه، فأمر بالسّرير فأبرز للناس، وقال: عليّ بالأسود، وهو يريد أن يضحك منه الناس. فدخل، فلما كان حيث يسمع كلامه، قال:
لعبد العزيز على قومه ... وغيرهم نعم غامره
فبابك ألين [9] أبوابهم ... ودارك مأهولة عامره
وكلبك آنس بالمعتفين ... من الأمّ بالإبنة الزائره
وكفّك حين ترى السائلي ... ن أندى من اللّيلة الماطره
__________
[1] الدوّ: أرض ملساء بين مكة والبصرة على الجادة مسيرة أربع ليال ليس فيها جبل ولا رمل ولا شيء. (انظر «ياقوت»).
[2] الوخد للبعير: الإسراع أو أن يرمي بقوائمه كمشي النعام.
[3] البطين: عظيم البطن، والبعيد. وفي ر: «بطى ء». وفي ب، س: «بطير».
[4] في «اللسان» (مادة فلن): فلان وفلانة كناية عن أسماء الآدميين، والفلان والفلانة كناية عن غير الآدميين؛ تقول العرب: ركبت الفلان وحلبت الفلانة.
[5] الأفحوص بوزن عصفور: مجثم القطاة وهو مبيضها الذي تبيض فيه؛ سمّي بذلك لأنها تفحصه.
[6] في ح، ر: «حبيك». وفي ت: «حنبك».
[7] ضبطه في «اللسان» ككتف وعضد وشبر.
[8] التكلمة في ت.
[9] في ر: «أيمن أبوابهم».
فمنك العطاء ومنّي الثّناء ... بكلّ محبّرة سائره
فقال: أعطوه أعطوه. فقال: إنّي مملوك. فدعا الحاجب فقال: اخرج فابلغ في قيمته، فدعا المقوّمين فقال: قوّموا غلاما أسود ليس به عيب. قالوا: مائة دينار. قال: إنه راع للإبل يبصرها ويحسن القيام عليها.
قالوا: حينئذ مائتا دينار. قال: إنه يبري القسيّ ويثقّفها ويرمي النّبل ويريشها. قالوا: أربعمائة دينار. قال: إنه رواية للشّعر بصير به. قالوا: ستّمائة دينار. قال: إنه/ شاعر لا يلحق حذقا [1]. قالوا: ألف دينار. قال عبد العزيز: ادفعوها إليه. قال: أصلح اللّه الأمير! ثمن بعيري الذي أضللت. قال: وكم ثمنه؟ قال: خمسة وعشرون دينارا. قال: ادفعوها إليه. قال: أصلح اللّه الأمير! جائزتي لنفسي عن مديحي إيّاك. قال: اشتر نفسك ثم عد إلينا. فأتى الكوفة وبها بشر بن مروان، فاستأذن عليه فاستصعب الدخول إليه. وخرج بشر بن مروان متنزّها فعارضه، فلما ناكبه (أي صار حذاء منكبه) ناداه:
يا بشر يا بن الجعفريّة ما ... خلق الإله يديك للبخل
جاءت به عجز [2] مقابلة [3] ... ما هنّ من جرم [4] ولا عكل
/ قال: فأمر له بشر بعشرة آلاف درهم. الجعفريّة التي عناها نصيب: أمّ بشر بن مروان، وهي قطيّة [5] بنت بشر بن عامر ملاعب الأسنّة بن مالك بن جعفر بن كلاب.
أم بشر بن مروان ابن الحكم
أخبرنا اليزيديّ عن الخرّاز عن المدائنيّ عن عبد اللّه بن مسلم وعامر بن حفص وغيرهما:
أنّ مروان بن الحكم مرّ ببادية بني جعفر، فرأى قطيّة بنت بشر تنزع بدلو على أبل لها، وتقول:
/ليس بنا فقر إلى التّشكّي ... جربّة [6] كحمر الأبكّ [7]
لا ضرع [8] فيها ولا مذكّي [9]
__________
[1] في ت، أ، م، ء: «لا يلحن حرفا».
[2] عجز: جمع عجوز. يريد بهن أمهاته وجداته.
[3] المقابلة: الكريمة النسب من قبل أبويها.
[4] جرم: بطن في طيء ومساكنهم صعيد مصر ومنهم بقية في نواحي غزة، وهم غير جرم بن زبّان بن حلوان بن عمران بن الحاف: بطن من قضاعة. وعكل: أبو قبيلة فيهم غباوة وقلة فهم؛ لذلك يقال لكل من فيه غفلة ويستحمق: عكليّ.
[5] في ت، ح، ر: «قطبة» بالباء الموحدة وقد سمى به، كما في «القاموس».
[6] وردت هذه الكلمة في ب، س، ر: «جونية» وفي ح: «لجونبة» وفي ء: «جرية». وفي م، أ: «جريه». وفي ت: «حرية». وكل ذلك محرّف عن «جربّة». والجربة في الأصل: جماعة الحمر. وقد يقال للأقوياء من الناس إذا كانوا جماعة متساوين، وهو المراد هنا. وقد ورد البيت في «اللسان» مادة صلم:
صلامة كحمر الأبك ... لا ضرع فيها ولا مذكّى
والصلامة: القوم المستوون في السنّ والشجاعة والسخاء.
[7] الأبك: الحمر التي يبكّ (يزحم) بعضها بعضا؛ ونظيره قولهم الأعم في الجماعة، والأمرّ لمصارين الفرث. والأبك: اسم موضع؛ قال في «اللسان» مادة بكك: والأبك: موضع نسبت الحمر إليه، فأما ما أنشده ابن الأعرابي «جربة كحمر الأبك» فزعم أنها الحمر يبكّ بعضها بعضا. قال: يضعف ذلك أن فيه ضربا من إضافة الشيء إلى نفسه وهذا مستكره. وقد يكون الأبك ها هنا الموضع فذلك أصح للإضافة.
[8] الضرع: الضعيف.
[9] المذكى: المسنّ من كل شيء، وخص بعضهم به ذوات الحافر وهو أن يجاوز القروح بسنة. قال الأزهريّ نقلا عن ابن الأعرابي: إذا سقطت رباعية الفرس ونبتت مكانها سنّ فهو رباع وذلك إذا استتم الرابعة، فإذا حان قروحه سقطت السن التي تلي رباعيتة ونبت -
ثم تقول:
عامان ترقيق [1] وعام تمّما [2] ... لم يتّرك [3] لحما ولم يترك دما
ولم يدع في رأس عظم ملدما [4] ... إلا رذايا [5] ورجالا رزّما [6]
فخطبها مروان فتزوّجها، فولدت له بشر بن مروان.
/ أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثنا أحمد بن معاوية عن إسحاق بن أيّوب عن خليل [7] بن عجلان في خبر النّصيب مثل ما ذكره الزّبير وإسحاق سواء.
كان نصيب إذا أصاب شيئا من المال قسمه في مواليه وكان فيه كأحدهم وظل كذلك حتى مات
أخبرني عمي قال حدّثنا الكرانيّ قال حدّثنا العمريّ عن العتبيّ قال:
دعا النّصيب مواليه أن يستلحقوه [8] فأبى، وقال: واللّه لأن أكون مولى لائقا [9] أحبّ إلىّ من أن أكون دعيّا لاحقا. وقد علمت أنكم تريدون بذلك مالي، وو اللّه لا أكسب شيئا أبدا إلا كنت أنا وأنتم فيه سواء كأحدكم، لا أستأثرو عليكم منه بشيء أبدا. قال: وكان كذلك معهم حتى مات، إذا أصاب شيئا قسمه فيهم، فكان فيه كأحدهم.
نصيب والفرزدق بحضرة سليمان بن عبد الملك
أخبرني الحرميّ قال حدّثنا [الزّبيري، وحدّثنا محمد بن العبّاس اليزيديّ قال حدّثنا أحمد بن أبي خيثمة قال حدّثنا الزّبير] [10] قال حدّثنا محمد بن إسماعيل الجعفريّ قال:
دخل النّصيب على سليمان بن عبد الملك وعنده الفرزدق، فاستنشد الفرزدق وهو يرى أنه سينشده مديحا له، فأنشده قوله يفتخر:
__________
- مكانها نابه وهو قارحه، وليس بعد القروح سقوط سنّ ولا نبات سنّ. قال: وإذا دخل الفرس في السادسة واستتم الخامسة فقد قرح.
[1] لعلها تريد وصف حالهم في هذين العامين برقة الحال والضعف والهزال، كأن الهزال ظل يأخذهم شيئا فشيئا حتى رقت حالهم، أو لعله محرّف عن ترميق، وتريد أنهم في هذين العامين لم يترك لهم الجدب إلا بمقدار ما يمسك رمقهم.
[2] تمم: أجهز.
[3] إتّرك بمعنى ترك.
[4] لعله محرّف عن مكدما. والكدم: تمشمش العظم وتعرّقه. تعني أنه لم يبق على العظم لحم.
[5] الرذايا: جمع رذيّة وهي المرأة المهزولة؛ قال لبيد:
يأوي إلى الأطناب كل رذية ... مثل البلية قالصا أهدامها
أراد كل امرأة أرذاها الجوع والسلال.
[6] رزم: جمع رازم، وهو الثابت على الأرض لا يستطيع النهوض هزالا.
[7] في ح، ر: «خليد».
[8] استلحق الولد: ادّعاه وألحقه بنسبه.
[9] لائقا: لاصقا.
[10] زيادة في ت، وكذا في ح، ر غير أن النص فيهما: أخبرني الحرميّ عن الزبير وحدّثني اليزيدي عن أبي خيثمة عن الزبير الخ.
وركب كأنّ الريح تطلب عندهم ... لها ترة من جذبها [1] بالعصائب [2]
/سروا يركبون الريح [3] وهي تلفّهم ... على [4] شعب الأكوار من كلّ جانب [5]
إذا استوضحوا نارا يقولون ليتها ... وقد خصرت أيديهم نار غالب
قال: وعمامته على رأسه مثل المنسف [6]؛ فغاظ سليمان وكلح [7] في وجهه، وقال لنصيب: قم فأنشد مولاك ويلك! فقام نصيب فأنشده قوله:
أقول لركب صادرين لقيتهم ... قفا [8] ذات أوشال ومولاك قارب [9]
قفوا خبّروني عن سليمان إنّني ... لمعروفه من أهل ودّان طالب
فعاجوا فأثنوا بالذي أنت أهله ... ولو سكتوا أثنت عليك الحقائب
وقالوا عهدناه وكلّ عشيّة ... بأبوابه من طالب العرف راكب
هو البدر والناس الكواكب حوله ... ولا تشبه البدر المضيء الكواكب
/ فقال له سليمان: أحسنت واللّه يا نصيب! وأمر له بجائزة ولم يصنع ذلك بالفرزدق. فقال الفرزدق وقد خرج من عنده:
وخير الشّعر أكرمه رجالا ... وشرّ الشعر ما قال العبيد
النصيب وعبد العزيز بن مروان بجبل المقطم
/ أخبرني الحرميّ قال حدّثنا الزّبير قال حدّثني عبد الرحمن بن عبد اللّه
__________
[1] كذا في ت، ح، وفي سائر النسخ: «جذبهم» بميم الجمع.
[2] العصائب هنا: العمائم. وفي «اللسان» (مادة عصب):
وركب كأن الريح تطلب منهم ... لها سلبا من جذبها بالعصائب
أي تنقض ليّ عمائمهم من شدّتها، فكأنها تسلبهم إياها. والبيت في «ديوانه» كما في الأصل.
[3] في «ديوانه» المطبوع بأوروبا: «يخبطون الليل».
[4] كذا في «ديوانه». وفي الأصول: «إلى».
[5] في ح، ر: «ذات الحقائب». وفي ت بعد هذا البيت ما نصه: «أنا أروى فيها بيتا رواه شيخي أبو زكريا رواه له أبو العلاء المعرّي بمعرّة النعمان:
يعضّون أطراف العصيّ كأنما ... يمسّون بالأطراف شوك العقارب
أي لا يستطيع السابق - لعلها: الراكب ونحوه - أن يمسّ العصا بيده فيعضّها ما سكا لها بسنّه.
إذا استوضحوا نارا يقولون ليتها ... وقد خصرت أيديهم نار غالب»
وقد وجد الناسخ هذه الزيادة بهامش بعض النسخ، فكتبها في الأصل كما هي؛ فإن المعروف أن أبا العلاء المعرّي ولد سنة 363 ه وأبا الفرج الأصفهاني مات سنة 356 ه.
[6] المنسف: «شيء طويل متصوّب الصدر أعلاه مرتفع ينفض به الحبّ. وفي «الأساس» المنسف الغربال الكبير.
[7] الكلح: التكشر في عبوس.
[8] قفا ذات أو شال: وراءها. والأوشال: جمع وشل وهو الماء القليل.
[9] في «اللسان»: القارب: طالب الماء ليلا، ولا يقال ذلك لطالب الماء نهارا. وفي «التهذيب»: القارب: الذي يطلب الماء، ولم يعين وقتا. ويريد بالمولى نفسه، والخطاب لسليمان بن عبد الملك.
الزّهريّ [1] عن عمّه موسى بن عبد العزيز قال:
حمل عبد العزيز بن مروان النّصيب بالمقطّم (مقطّم مصر) على بختيّ قد رحله بغبيط [2] فوقه، وألبسه مقطّعات [3] وشي، ثم أمره أن ينشد؛ فاجتمع حوله السّودان وفرحوا به، فقال لهم: أسررتكم؟ قالوا: إي واللّه.
قال: واللّه لما يسوءكم من أهل جلدتكم أكثر.
نصيب وجرير
أخبرنا أبو خليفة عن محمد بن سلّام قال حدّثني أبو العرّاف قال:
مرّ جرير بنصيب وهو ينشد، فقال له: اذهب فأنت أشعر أهل جلدتك. قال: وجلدتك يا أبا حزرة.
هشام بن عبد الملك ونصيب
أخبرنا الحسين بن يحيى عن حمّاد عن أبيه قال حدّثني أيّوب بن عباية قال:
بلغني أنّ النّصيب كان إذا قدم عل هشام بن عبد الملك أخلى له مجلسه واستنشده مراثي بني أميّة، فإذا أنشده بكى وبكى معه. فأنشده يوما قصيدة له مدحه بها، يقول فيها:
/إذا استبق الناس العلا سبقتهم ... يمينك عفوا ثم صلّت [4] شمالها
فقال له هشام: يا أسود، بلغت غاية المدح فسلني. فقال: يدك بالعطيّة أجود وأبسط من لساني بمسئلتك.
فقال: هذا واللّه أحسن من الشعر، وحباه وكساه وأحسن جائزته.
نصيب وإعتاقه ذوي قرابته
أخبرني الحسين بن يحيى قال أخبرنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه أيّوب بن عباية قال:
أصاب نصيب من عبد العزيز بن مروان معروفا، فكتمه ورجع إلى المدينة في هيئة بذّة [5]، فقالوا: لم يصب بمدحه شيئا. فمكث مدّة، ثم ساوم بأمّه فابتاعها وأعتقها، ثم ابتاع أمّ أمّه [6] بضعف ما ابتاع به أمّه فأعتقها. وجاءه ابن خالة له اسمه سحيم فسأله أن يعتقه، فقال له: ما معي واللّه شيء، ولكنّي إذا خرجت أخرجتك معي، لعل اللّه أن يعتقك. فلمّا أراد الخروج دفع غلاما له إلى مولى سحيم يرعى إبله وأخرجه معه، فسأل في ثمنه فأعطاه وأعتقه.
فمرّ به يوما وهو يزفن [7] ويزمر مع السّودان، فأنكر ذلك عليه وزجره. فقال له: إن كنت أعتقتني لأكون كما تريد فهذا واللّه ما لا يكون أبدا، وإن كنت أعتقتني لتصل رحمي وتقضي حقّي فهذا واللّه الذي أفعله هو الذي أريده،
__________
[1] في ح، ر: «الزبيريّ». وقد تقدّم مرارا أنه عبد الرحمن بن عبد اللّه الزهريّ.
[2] الغبيط: الرحل، وهو للنساء يشدّ عليه الهودج والجمع غبط.
[3] المقطعات من الثياب: شبه الجباب ونحوها من الخز وغيره؛ ومنه قوله تعالى: (قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ)
أي خيطت وسوّيت وجعلت لبوسا لهم. والمقطعات: واحدها مقطعة، وقيل لا واحد لها؛ فلا يقال للجبة مقطعة ولا للقميص مقطع، وإنما يقال لجملة الثياب مقطعات والواحد ثوب.
[4] صلّت شمالها؛ جاءت تالية لليمين؛ ومن ذلك المصلّى من خيل الحلبة، وهو الذي يجيء بعد السابق لأن رأسه يلي صلا المتقدّم.
[5] البذاذة: رثاثة الهيئة.
[6] في ب، س: «أم أمامة» وفي ح، ر: «أمامة» وفي م: «أم أبيه».
[7] يزفن: يرقص.
أزفن وأزمر وأصنع ما شئت. فانصرف النّصيب وهو يقول:
إنّي أراني لسحيم قائلا ... إنّ سحيما لم يثبني طائلا
نسيت إعمالي لك الرّواحلا ... وضربي الأبواب فيك سائلا!
/ عند الملوك أستثيب النائلا ... حتى إذا آنست عتقا عاجلا [1]
ولّيتني منك القفا والكاهلا ... أخلقا شكسا ولونا حائلا
استعجاله جائزة عند عبد العزيز بن مروان، وليلى أم عبد العزيز
قال إسحاق: وأبطأت جائزة النّصيب عند عبد العزيز، فقال:
وإنّ وراء ظهري يا بن ليلى ... أناسا ينظرون متى أؤوب
أمامة منهم ولمأقييها [2] ... غداة البين في أثري غروب [3]
تركت بلادها ونأيت عنها ... فأشبه ما رأيت بها السّلوب [4]
فأتبع بعضنا بعضا فلسنا ... نثيبك لكن اللّه المثيب
/ فعجّل جائزته وسرّحه. قال إسحاق: فحدّثني ابن كناسة قال: ليلى أمّ عبد العزيز كلبيّة. وبلغني عنه أنه قال: لا أعطي شاعرا شيئا حتى يذكرها في مدحي لشرفها [5]؛ فكان الشعراء يذكرونها باسمها في أشعارهم.
شرف نصيب لشعره
أخبرني الحسين عن حمّاد عن أبيه عن ابن عباية قال:
وقفت سوداء بالمدينة على نصيب وهو ينشد الناس، فقالت: بأبي أنت يا بن عمّ وأمّي! ما أنت واللّه عليّ بخزي. فضحك وقال: واللّه لمن يحزيك من بني عمّك أكثر ممّن يزينك.
خطبة ابن نصيب بنت سيده وما فعله نصيب في ذلك
قال إسحاق وحدّثني ابن عبابة وغيره أنّ ابنا لنصيب خطب بعد وفاة سيّده الذي أعتقه بنتا له من أخيه، فأجابه إلى ذلك، وعرّف أباه. فقال له: اجمع وجوه الحيّ/ لهذا [6] الحال فجمعهم. فلمّا حضروا أقبل نصيب على أخي سيّده فقال: أزوّجت ابني هذا من ابنة أخيك؟ قال نعم. فقال لعبيد له سود: خذوا برجل ابني هذا فجرّوه فاضربوه ضربا مبرّحا، ففعلوا وضربوه ضربا مبرّحا. وقال لأخي سيّده: لو لا أنّي أكره أذاك لألحقتك به. ثم نظر إلى شابّ من أشراف الحيّ، فقال: زوّج هذا ابنة أخيك وعليّ ما يصلحهما في مالي، ففعل.
__________
[1] في ح، ر: «باتلا» أي باتا.
[2] مأق العين ومؤقها وموقها ومؤقيها ومأقيها: حرفها الذي يلي الأنف.
[3] الغروب: الدموع حين تخرج من العين، واحدها غرب.
[4] ظبية سلوب وسالب: سلبت ولدها. يريد: لما تركتها رأيتها أشبه الأشياء بالسّلوب التي فقدت ولدها من حزنها عليّ.
[5] في ت: «و ليشرّفها». ولعل الواو زائدة من الناسخ.
[6] في ت، ح، ر: «لهذه الحال». والحال يذكر ويؤنث.
نصيب وعبد الملك بن مروان حين أراد منادمته
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا أحمد بن الحارث عن المدائنيّ قال:
دخل نصيب على عبد الملك فتغدّى معه، ثم قال: هل لك فيما نتنادم عليه؟ فقال: تؤمّنني [1] ففعل.
فقال: لوني حائل، وشعري مفلفل، وخلقتي مشوّهة، ولم أبلغ ما بلغت من إكرامك إيّاي بشرف أب أو أمّ أو عشيرة، وإنما بلغته بعقلي ولساني. فأنشدك اللّه يا أمير المؤمنين أن [2] تحول بيني وبين ما بلغت به هذه المنزلة منك فأعفاه.
سبب تسميته بهذا الاسم
أخبرني أبو الحسن الأسديّ قال حدّثني محمد بن صالح بن النّطّاح قال بلغني عن خلّاذ بن مرّة عن أبي بكر بن مزيد قال:
لقيت النّصيب يوما بباب هشام، فقلت له: يا أبا محجن، لم سمّيت نصيبا، ألقولك في شعرك عاينها [3] النّصيب؟ فقال: لا، ولكني ولدت عند أهل بيت من ودّان، فقال سيّدي: إيتونا بمولودنا هذا لننظر إليه. فلمّا رآني قال: إنه لمنصّب [4] الخلق؛ فسمّيت النّصيب، ثم اشتراني عبد العزيز بن مروان فأعتقني.
فصاحته وتخلصه إلى جيد الكلام
أخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد عن أبيه عن محمد بن كناسة أبي يحيى الأسديّ قال:
قال أبو عبد اللّه بن أبي إسحاق البصريّ: لئن وليت العراق لأستكتبنّ نصيبا لفصاحته وتخلّصه إلى جيّد الكلام.
صدق الحديث مع عبد العزيز بن مروان فأجازه
أخبرني الأسديّ قال حدّثني محمد بن صالح عن أبيه عن محمد بن عبد العزيز الزّهريّ [5] قال: حدّثني نصيب قال:
دخلت على عبد العزيز بن مروان، فقال: أنشدني قولك:
إذا لم يكن بين الخليلين ردّة [6] ... سوى ذكر شيء قد مضى درس الذّكر
فقلت: ليس هذا لي، هذا لأبي صخر الهذليّ، ولكنّي الذي أقول:
وقفت بذي دوران [7] أنشد ناقتي ... وما إن بها لي من قلوص ولا بكر
__________
[1] في ت، ح، ر: «تأمّلني».
[2] في ب، س: «ألّا تحول» وكلا التعبيرين صحيح (راجع الحاشية رقم 1 صفحة 167 من هذا الجزء).
[3] كذا! ولم نعثر عليه في شعر نصيب.
[4] كذا في أكثر النسخ. ومنصّب الخلق: مسوّاه مستقيمه. وفي ب، س: «لنصيب الخلق». وفي ح، ر: «لنصيب فسميت الخ».
[5] في ت: «الزبيري» تحريف.
[6] الردّة هنا: البقية.
[7] كذا في ح، وقد تقدّم الكلام على ذي دوران في الحاشية رقم 3 ص 80 وفي سائر النسخ ودان. وقد تقدم الكلام على ودان في الحاشية رقم 2 ص 324 وربما رجح الرواية الأولى أن ودان لم يرد في «معاجم البلدان» مصدرا بذي، على أنه تقدّم في أوّل ترجمته
فقال لي عبد العزيز: لك جائزة على صدق حديثك، وجائزة على شعرك؛ فأعطاني على صدق حديثي ألف دينار، وعلى شعري ألف دينار.
أوصاف نصيب الجسمية
أخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد عن أبيه عن عثمان بن حفص عن أبيه قال: رأيت النّصيب وكان أسود خفيف العارضين ناتىء الحنجرة.
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثني الزّبير قال حدّثني إبراهيم بن يزيد [1] /السّعديّ عن جدّته جمال بنت عون بن مسلم عن أبيها عن جدّها قال:
/ رأيت رجلا أسود مع امرأة بيضاء، فجعلت أعجب من سوداه وبياضها، فدنوت منه وقلت: من أنت؟ قال:
أنا الذي أقول:
ألا ليت شعري ما الذي تحدثين بي ... غدا غربة النأي المفرّق والبعد
لدى [2] أمّ بكر حين تقترب النّوى ... بنا [3] ثم يخلو الكاشحون بها بعدي
أتصرمني عند الألى هم لنا العدا [4] ... فتشمتهم بي أم تدوم على العهد
قال: فصاحت: بل واللّه تدوم على العهد. فسألت عنهما فقيل: هذا نصيب، وهذه أمّ بكر.
النصيب وعبد اللّه بن جعفر
أخبرني أبو الحسن الأسديّ قال حدّثنا محمد بن صالح بن النّطّاح قال حدّثني أبو اليقظان عن جويرية بن أسماء قال:
أتى النّصيب عبد اللّه بن جعفر فحمله وأعطاه وكساه. فقال له قائل: يا أبا جعفر، أعطيت هذا العبد الأسود هذه العطايا! فقال: واللّه لئن كان أسود إنّ ثناءه لأبيض، وإنّ شعره لعربيّ، ولقد استحقّ بما قال أكثر مما نال.
وما ذاك! إنما هي رواحل تنضى [5]، وثياب تبلى، ودراهم تفنى، وثناء يبقى، ومدائح تروى! أخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد عن أبيه عن المدائنّي قال قال أبو الأسود: امتدح نصيب عبد اللّه بن جعفر وذكر مثله.
نصيب والنسوة اللائي أردن يسمعن شعرك
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا الخرّاز عن المدائنيّ قال:
__________
- في الصفحة المشار إليها أنه من أهل ودّان.
[1] في ح، ر: «زيد».
[2] كذا في ت، ح، ر. وفي سائر النسخ: «أرى» وهو تحريف.
[3] كذا في ت، م، ء. وفي سائر النسخ «لنا».
[4] كذا في جميع النسخ، غير أنه في نخسة ت شطب لفظ الألى ووضع بدله الذين وشطبت كلمة «لنا» وهو بذلك مستقيم الوزن.
[5] تنضى: تهزل؛ يقال: أنضاه السفر أي هزله.
/ قيل لنصيب: إنّ ها هنا نسوة يردن أن ينظرن إليك ويسمعن منك شعرك. قال: وما يصنعن بي! يرين جلدة سوداء وشعرا أبيض، ولكن ليسمعن شعري من وراء ستر [1].
تغنى منقذ الهلالي بشعر نصيب
أخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد عن أبيه عن عثمان بن حفص عن رجل ذكره قال:
أتاني منقذ الهلاليّ ليلا، فضرب عليّ الباب. فقلت: من هذا؟ فقال: منقذ الهلاليّ. فخرجت إليه فزعا.
فقال: البشرى. فقلت: وأيّ بشرى أتتني بك في هذا الليل؟ فقال: خير، أتاني أهلي بدجاجة مشويّة بين رغيفين فتعشّيت بها، ثم أتوني بقنّينة من نبيذ قد التقى طرفاها صفاء ورقّة، فجعلت أشرب وأترنّم بقول نصيب:
بزينب ألمم قبل أن يظعن الرّكب
ففكّرت في إنسان يفهم حسنه ويعرف فضله، فلم أجد غيرك، فأتيتك مخبرا بذلك. فقلت: ما جاء بك إلا هذا؟! فقال: أولا يكفي! ثم انصرف.
عفة نصيب في شعره
أخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد عن أبيه قال:
قال مسلمة لنصيب: أنت لا تحسن الهجاء. فقال: بلى واللّه، أتراني لا أحسن أن أجعل مكان عافاك اللّه أخزاك اللّه؟! قال: فإنّ فلانا قد مدحته فحرمك فاهجه، قال: لا واللّه ما ينبغي أن أهجوه، وإنما ينبغي أن أهجو نفسي حين مدحته. فقال مسلمة: هذا واللّه أشدّ من الهجاء.
نصيب وعمر بن عبد العزيز في مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم
أخبرني الحسين قال قال حمّاد: قرأت على أبي عن ابن عباية عن الضّحّاك الحزاميّ [2] قال:
دخل نصيب مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، وعمر بن عبد العزيز رضي اللّه عنه يومئذ أمير المدينة، وهو جالس بين قبر النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ومنبره، فقال: أيّها الأمير، ائذن لي أن أنشدك من مراثي عبد العزيز. فقال: لا تفعل فتحزنني، ولكن أنشدني قولك. «قفا أخويّ»؛ فإنّ شيطانك كان لك فيها ناصحا حين [3] لقّنك إيّاها. فأنشده:
صوت
قفا أخويّ إن الدار ليست ... كما كانت بعهد كما تكون
ليالي تعلمان وآل ليلى ... قطين الدار فاحتمل القطين [4]
فعوجا فانظرا أتبين عمّا ... سألناها به أم لا تبين
__________
[1] في ت، ح، ر: «من وراء وراء».
[2] كذا في أكثر النسخ. وفي ب، س: «الخزامي» بمعجمتين وهو تصحيف؛ إذ هو الضحاك بن عثمان بن عبد اللّه بن خالد بن حزام الأسدي الحزاميّ أبو عثمان المدنيّ، كما في «الخلاصة في أسماء الرجال» و«المشتبه في أسماء الرجال» للذهبي.
[3] كذا في ح. وفي سائر النسخ: «حتى» والمقام للأولى.
[4] القطين: السكان في الدار، وهو كالخليط لفظ الواحد والجماعة فيه سواء.
فظلّا واقفين وظلّ دمعي ... على خدّي تجود به الجفون [1]
فلو لا إذ [2] رأيت اليأس منها ... بدا أن كدت ترشقك [3] العيون،
برحت [4] فلم يلمك الناس فيها ... ولم تغلق كما غلق الرّهين
/ في البيتين الأوّلين من هذه الأبيات والأخيرين لابن سريج خفيف رمل بالوسطى عن عمرو. وفيه للغريض خفيف ثقيل أوّل بالوسطى عن عمرو ويونس.
قصة نصيب مع امرأة عجوز بالجحفة كان يختلف إليها
أخبرني الحسين عن حمّاد عن أبيه عن أيّوب بن عباية قال:
كان نصيب ينزل على عجوز بالجحفة إذا قدم من الشأم، وكان لها بنيّة صفراء وكان يستحليها، فإذا قدم وهب لها دراهم وثيابا غير ذلك. فقدم عليهما قدمة وبات بهما، فلم يشعر إلا بفتى قد جاءها ليلا فركضها برجله، فقامت معه فأبطأت ثم عادت، وعاد إليها بعد ساعة فركضها برجله فقالت معه فأبطأت ثم عادت. فلمّا أصبح نصيب رأى أثر معتركهما ومغتسلهما. فلما أراد أن يرتحل قالت له العجوز وبنتها: بأبي أنت! عادتك. فقال لها:
أراك طموح العين ميّالة الهوى ... لهذا وهذا منك ودّ ملاطف
فإن تحملي ردفين لا أك منهما ... فحبّي فرد [5] لست ممن يرادف
ولم يعطها شيئا ورحل.
حديث النصيب مع امرأة من ملل كان الناس ينزلون عندها
قال أيّوب: وكانت بملل امرأة ينزل بها الناس، فنزل بها أبو عبيدة بن عبد اللّه [6] بن زمعة وعمران بن عبد اللّه بن مطيع ونصيب فلمّا رحلوا وهب لها القرشيّان ولم يكن مع نصيب شيء، فقال لها: اختاري إن شئت أن أضمن لك مثل ما أعطياك إذا قدمت، وإن شئت قلت فيك أبياتا تنفعك. قالت: بل الشّعر أحبّ إليّ. فقال:
/ ألا حيّ قبل البين أمّ حبيب ... وإن لم تكن منّا غدا بقريب
لئن لم يكن حبّيك حبّا صدقته ... فما أحد عندي إذا بحبيب
تهام [7] أصابت قلبه ملليّة ... غريب الهوى يا ويح كلّ غريب
__________
[1] في ت، ح، ر: «الشؤون» جمع شأن وهو مجرى الدمع في العين.
[2] كذا في ت، ح، ر. وفي سائر النسخ: «أن». والظاهر أن «لو لا» هنا للتحضيض، مثلها في قوله تعالى: (لَوْ لا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)
[3] ترشقك العيون: تحدّ النظر إليك كأنها ترميك بسهام لحظها.
[4] كذا في ت. وفي سائر النسخ: «ترحت». ولعل أصلها «نزحت».
[5] هكذا في جميع النسخ. وفي «الحماسة الصغرى» لأبي تمام المعروفة «بالوحشيات» النسخة الفتو غرافية المحفوظة بدار الكتب المصرية تحت رقم 2297 أدب ص 242 «فجبي بردف».
[6] كذا في أكثر النسخ، ومثله ما في ياقوت (مادة ملل) وفي ر، س: «عبد الملك».
[7] كذا في ح، ر وياقوت (مادة ملل). وتهامة ينسب إليها فيقال: رجل تهاميّ بالكسر وتهام بالفتح. وقال الجوهري: إذا فتحت التاء لم تشدّد الياء كما قالوا رجل يمان وشآم، إلا أن الألف في تهام من لفظها، والألف في يمان وشآم عوض من ياء النسبة (و هكذا في مادة تهم من «لسان العرب» و «شرح القاموس»). قال المرتضى: ووجدت بخط أبي زكريا ما نصه: الصواب من إحدى ياءي
فشهرها بذلك، فأصابت بقوله ذلك فيها خيرا.
النصيب وعمر بن عبد العزيز وقد نهاه عن التشبيب بالنساء
قال أيّوب: ودخل النّصيب على عمر بن عبد العزيز - رحمة اللّه عليه - بعد ما ولي الخلافة. فقال له: إيه يا أسود! أنت الذي تشهّر النساء بنسيبك! فقال: إنّي قد تركت ذلك يا أمير المؤمنين، وعاهدت اللّه عزّوجلّ الّا أقول نسيبا، وشهد له بذلك من حضر وأثنوا عليه خيرا. فقال: أمّا إذ كان الأمر هكذا فسل حاجتك. فقال: بنيّات لي نفضت عليهنّ سوادي فكسدن، أرغب بهنّ عن السّودان ويرغب عنهنّ البيضان. قال: فتريد ماذا؟ قال: تفرض لهنّ، ففعل. قال: ونفقة لطريقي. قال: فأعطاه حلية سيفه وكساه ثوبيه، وكانا يساويان ثلاثين درهما.
اجتماع النصيب والكميت ذي الرمّة وتناشدهم الشعر
أخبرني إسماعيل بن يونس قال حدّثنا/ عمر بن شبّة عن إسحاق الموصليّ عن ابن كناسة قال:/ اجتمع النّصيب والكميت وذو الرّمّة، فأنشدهما الكميت قوله:
هل أنت عن طلب الأيفاع [1] منقلب
حتى بلغ إلى قوله فيها:
أم هل ظغائن بالعلياء [2] نافعة ... وإن تكامل فيها الأنس والشّنب [3]
فعقد نصيب واحدة. فقال له الكميت: ما ذا تحصي؟ قال: خطأك، باعدت في القول، ما الأنس من الشّنب، ألا قلت كما قال ذو الرّمّة:
لمياء [4] في شفتيها حوّة [5] لعس [6] ... وفي اللّثات وفي أنيابها شنب
__________
- النسب. وفي «المحكم»: النسب إلى تهامة تهامي وتهام على غير قياس، كأنهم بنوا الاسم على تهمي أو تهمي، ثم عوّضوا الألف قبل الطرف من إحدى الياءين اللاحقتين بعدها، وهذا قول الخليل أه (راجع «اللسان» و «شرح القاموس» مادة تهم». وفي سائر النسخ: «سهام» وهو تحريف.
[1] كذا في أكثر النسخ. ويريد بالأيفاع الكواعب التي شارفت البلوغ. وفي ح، ء: «الإيقاع» وفي ر: «الإبقاع»، ولعلهما تصحيف.
وتمام البيت كما في «الأغاني» ج 15 في ترجمة الكميت:
أم كيف يحسن من ذي الشيبة اللعب
[2] العلياء: اسم بلد، كما في «اللسان» مادة سند في الكلام على السند في شعر النابغة
يا دارمية بالعلياء فالسند
ولم يذكره ياقوت والبكري في «معجميهما».
[3] الشنب: رقة وبرد وعذوبة في الأسنان. وقد روى هذا البيت في كتاب «الموشح» لأبي عبيد اللّه محمد بن عمران بن موسى المرزباني المخطوط المحفوظ بدار الكتب المصرية تحت رقم 3293 كما هنا، ثم رواه من طريق آخر قال: أخبرني محمد بن أبي الأزهر قال حدّثنا محمد بن يزيد النحوي قال: حدّثت أن الكميت بن زيد أنشد نصيبا فاستمع له، فكان فيما أنشده.
وقد رأينا بها حورا منعمة ... بيضا تكامل فيها الدّل والشنب
فثنى نصيب خنصره، فقال له الكميت: ما تصنع؟ قال: أحصي خطأك! تباعدت في قولك: تكامل فيها الدل والشنب، هلا قلت كما قال ذو الرمة:
لمياء في شفتيها حوّة لعس
الخ.
[4] اللمياء: بيّنة اللمى، وهو سمرة الشفتين واللثات.
[5] الحوّة: سمرة الشفة.
[6] اللعس: سواد اللثة والشفة في حمرة، وهو بدل مما قبله.
ثم أنشدهما قوله:
أبت هذه النفس إلّا ادّكارا
/ حتى بلغ إلى قوله:
إذا ما الهجارس [1] غنّينها ... تجاوبن بالفلوات الوبارا [2]
فقال له النّصيب: والوبار لا تسكن الفلوات. ثم أنشد حتى بلغ منها:
كأنّ الغطامط [3] من غليها ... أراجيز أسلم تهجو غفارا [4]
فقال النّصيب: ما هجت أسلم غفارا قطّ [5]، فانكسر الكميت وأمسك.
نصيب وعبد الرحمن بن الضحاك بن قيس الفهري
أخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد بن إسحاق عن أبيه عن ابن الكلبيّ:
أنّ نصيبا مدح عبد الرحمن بن الضّحّاك بن قيس الفهريّ، فأمر له بعشر قلائص [6]، وكتب بها إلى رجلين من الأنصار، واعتذر إليه وقال له: واللّه ما أملك إلّا رزقي، وإني لأكره أن أبسط يدي في أموال هؤلاء القوم.
فخرج حتّى أتى/ الأنصاريّين فأعطاهما الكتاب مختوما. فقرآه وقالا: قد أمر لك بثمان قلائص، ودفعا ذلك إليه.
ثم عزل وولّي مكانه رجل من بني نصر بن هوازن، فأمر بأن يتتبّع ما أعطى ابن الضّحّاك ويرتجع، فوجد باسم نصيب عشر قلائص، فأمر بمطالبته بها. فقال: واللّه ما دفع إليّ إلا ثماني قلائص فقال: واللّه ما تخرج من الدّار حتى تؤدّي عشر قلائص أو أثمانها، فلم يخرج حتى قبض ذلك منه. فلمّا قدم على هشام سمر عنده ليلة وتذاكروا النّصريّ، فأنشده قوله فيه:
أفي قلائص جرب [7] كنّ من [8] عمل ... أردى وتنزع من أحشائي الكبد
__________
[1] الهجارس: جمع هجرس وهو القرد والثعلب أو ولده، وهو الدب أيضا، أو هو من السباع كل ما يعسعس بالليل مما كان دون الثعلب وفوق اليربوع.
[2] الوبار: جمع وبر (بسكون الباء) وهو دويبّة على قدر السنور غبراء أو بيضاء من دواب الصحراء حسنة العينين شديدة الحياء تكون بالغور والأنثى وبرة. كذا في «اللسان» (مادة «وبر»)، وهو لا يتفق مع نقد نصيب أنّ هذه الدابة لا تسكن الفلوات. ولعل المناسب في بيانها هنا ما نقله صاحب «اللسان» عن الجوهري من أنها دابة طحلاء اللون (كلون الطحال) لا ذنب لها تدجن في البيوت.
[3] الغطامط بضم الغين: صوت غليان القدر، وقد قيل إن الميم زائدة. قال المرتضى نقلا عن العباب: والبيت للكميت يصف به قدور أبان بن الوليد البجلي.
[4] أسلم وغفار: قبيلتان.
[5] قد أورد ابن جني في الجزء الثاني ص 123 من كتاب «الخصائص» المخطوط المحفوظ بدار الكتب المصرية تحت رقم 5 نحوش هذا النقد وسكت عليه، وكذلك السيوطي في «المزهر» طبع بولاق ج 2 ص 250 ولكن السيد مرتضى في مادة غطمط من «شرح القاموس» نقل عن «العباب» ما نصه: وقيل وردت غفار وأسلم إلى النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، فلما صاروا في الطريق قالت غفار لأسلم: انزلوا بنا.
فلما حطت أسلم رحلها مضت غفار فلم تنزل فسبوهم، فلما رأت ذلك أسلم ارتحلوا وجعلوا يرجزون بهجائهم أه.
[6] في ت، أ، ء: «فرائض» جمع فريضة وهي القلوص التي تكون بنت سنة؛ وإنما سمت كذلك لأنها فرضت في خمس وعشرين من الإبل تؤخذ فيها زكاة، فهي مفروضة وفريضة، وأدخلت فيها الهاء لأنها جعلت اسما لا نعتا.
[7] في ت، أ، م، ى: «حور»: جمع حوراء وهي البيضاء.
[8] كذا في جميع النسخ. ولعله: «في عمل».
ثمانيا كنّ في أهلي وعندهم ... عشر فأيّ كتاب بعدنا وجدوا
أخانني أخوا الأنصار فانتقصا ... منها فعندهما الفقد [1] الذي فقدوا
وإنّ عاملك النّصريّ كلّفني ... في غير نائرة [2] دينا له صعد [3]
أذنب غيري ولم أذنب يكلّفني ... أم كيف أقتل لا عقل ولا قود
قال: فقال هشام: لا جرم واللّه، لا يعمل لي النّصريّ عملا أبدا، فكتب بعزله عن المدينة.
شعر لنصيب في الجفر من نواحي ضرية
أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال أخبرنا الزّبير بن بكّار إجازة عن هارون بن عبد اللّه الزّبيريّ عن شيخ من الجفر [4] قال:
/ قدم علينا النّصيب فجلس في هذا المجلس وأومأ إلى مجلس حذاءه، فاستنشدناه، فأنشدنا قوله:
ألا يا عقاب الوكر وكر ضريّة [5] ... سقتك [6] الغوادي من عقاب ومن وكر
/ تمرّ الليالي ما مررن ولا أرى ... مرور الليالي منسياتي ابنة النّضر
وقفت بذي دوران [7] أنشد ناقتي ... ومالي لديها من قلوص ولا بكر
وما أنشد الرّعيان إلا تعلّة ... بواضحة الأنياب طيّبة النّشر
أما والذي نادى من الطّور عبده ... وعلّم أيّام المناسك والنّحر
لقد زادني للجفر حبّا وأهله ... ليال أقامتهنّ ليلى على الجفر
نصيب وعبد الملك بن مروان
أخبرني الحرميّ قال حدّثنا الزّبير قال أخبرني عمر بن إبراهيم السّعديّ عن يوسف بن يعقوب بن العلاء بن سليمان عن [8] سلمة بن عبد اللّه بن أبي مسروح قال:
قال عبد الملك بن مروان لنصيب أنشدني، فأنشده قصيدته التي يقول فيها:
ومضمر الكشح يطويه الضّجيع به ... طيّ الحمائل لا جاف ولا فقر [9]
__________
[1] كذا في ت، ح، ر. ولعله هنا بمعنى المفقود. وفي سائر النسخ: «النقد الذي نقدوا».
[2] النائرة: الحقد والعداوة.
[3] كذا في أ، ب، ء، م. والصعد هنا: المشقة؛ ومنه قوله تعالى: (وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذاباً صَعَداً)
والصّعد أيضا:
الصعود. ولعله يشير بذلك إلى الزيادة في الدين الذي تقاضوه إياه، كما هو مبين بالقصة. وفي سائر النسخ: «صفد» والصفد:
القيد.
[4] الجفر: موضع بناحية ضرية من نواحي المدينة.
[5] ضرية: قرية عامرة قديمة على وجه الدهر في طريق مكة من البصرة ونجد.
[6] في «اللسان» مادة ضرا: «سقيت الغوادي».
[7] كذا في أكثر النسخ. وفي ت: «بذي ودّان» (انظر الحاشية رقم 3 ص 342 من هذا الجزء).
[8] كذا في ر. وفي سائر النسخ: «ابن سلمة».
[9] فقر من باب تعب: اشتكى فقاره.
وذي روادف لا يلغي الإزار بها ... يلوى ولو كان سبعا حين يأتزر
فقال له عبد الملك: يا نصيب، من هذه؟ قال: بنت عمّ لي نوبيّة، لو رأيتها ما شربت من يدها الماء. فقال له: لو غير هذا قلت لضربت الذي فيه عيناك.
رحلة نصيب إلى عبد العزيز بن مروان كل عام يستميخه العطاء
أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدّثنا الحارث بن محمد بن أبي أسامة قال حدّثنا المدائنيّ قال:
/ كان عبد العزيز بن مروان اشترى نصيبا وأهله وولده فأعتقهم، وكان نصيب يرحل إليه في كلّ عام مستميحا [1] فيجيزه ويحسن صلته. فقال فيه نصيب:
يقول فيحسن القول ابن ليلى ... ويفعل فوق أحسن ما يقول
فتى لا يرزأ [2] الخلّان إلّا ... مودّتهم ويرزؤه الخليل
فبشّر أهل مصر فقد أتاهم ... مع النّيل الذي في مصر نيل
نصيب وشاعر هجاه من أهل الحجاز
أخبرني هاشم بن محمد بن هارون بن عبد اللّه بن مالك الخزاعيّ أبو دلف قال حدّثنا عبد الرحمن ابن أخي الأصمعيّ عن عمّه قال:
كان نصيب يكنى أبا الحجناء، فهجاه شاعر من أهل الحجاز فقال:
رأيت أبا الحجناء في الناس حائرا ... ولون أبي الحجناء لون البهائم
تراه على ما لاحه من سواده ... وإن كان مظلوما له وجه ظالم
فقيل لنصيب: ألا تجيبه! فقال: لا، ولو كنت هاجيا لأحد لأجبته ولكن اللّه أوصلني بهذا الشعر إلى خير، فجعلت على نفسي ألّا أقوله في شرّ [3]، وما وصفني إلا بالسواد وقد صدق. أفلا أنشدكم ما وصفت به نفسي؟
قالوا بلى. فأنشدهم قوله:
ليس السواد بناقصي ما دام لي ... هذا اللسان إلى فؤاد ثابت
من كان ترفعه منابت أصله ... فبيوت أشعاري جعلن منابتي
كم بين أسود ناطق ببيانه ... ماضي الجنان وبين أبيض صامت
إنى ليحسدني الرفيع بناؤه ... من فضل ذاك وليس بي من شامت
ويروى مكان «من فضل ذاك»، «فضل البيان» وهو أجود.
/ أخبرني عمّي ومحمد بن خلف/ قالا حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد قال حدّثني سعيد بن يحيى الأمويّ قال
__________
[1] استماحه: سأله العطاء. وفي ر: مستمنحا».
[2] أي لا يصيب منهم إلا الودّ.
[3] في ر، ح: «في سوء».
حدّثني عمّي عن محمد بن سعد قال:
قال قائل للنّصيب: أيّها العبد، مالك وللشّعر؟! فقال: أمّا قولك عبد فما ولدت إلا وأنا حرّ، ولكن أهلي ظلموني فباعوني. وأمّا السواد فأنا الذي أقول:
وإن أك حالكا لوني فإنّي ... لعقل غير ذي سقط وعاء
وما نزلت بي الحاجات إلّا ... وفي [1] عرضي من الطّمع الحياء
شعر النصيب في جارية طلبت منه أن يشبب بها
أخبرني محمد بن مزيد [2] قال حدّثنا حمّاد عن أبيه قال حدّثت عن السّدوسيّ قال: وقف نصيب على أبيات فاستسقى ماء، فخرجت إليه جارية بلبن أو ماء فسقته، وقالت: شبّب بي. فقال: وما اسمك؟ فقالت: هند. ونظر إلى جبل وقال: ما اسم هذا العلم؟ قالت: قنا. فأنشأ يقول:
أحبّ قنا [3] من حبّ هند ولم أكن ... أبالي أقربا زاده اللّه أم بعدا
ألا إنّ بالقيعان من بطن ذي قنا ... لنا حاجة مالت إليه بنا عمدا
أروني قنا أنظر إليه فإنّني ... أحبّ قنا إنّي رأيت به هندا
قال: فشاعت هذا الأبيات، وخطبت هذه الجارية من أجلها، وأصابت بقول نصيب فيها خيرا كثيرا.
قصة نصيب مع جارية خطبها فأبت ثم تزوّجته
أخبرني هاشم بن محمد الخزاعيّ قال حدّثنا عيسى بن إسماعيل بن نبيه قال حدّثنا محمد بن سلّام قال:
/ دخل نصيب على يزيد بن عبد الملك، فقال له: حدّثني يا نصيب ببعض ما مرّ عليك. فقال: نعم، يا أمير المؤمنين! علّقت جارية حمراء، فمكثت [4] زمانا تمنّيني بالأباطيل، فلمّا ألححت عليها قالت: إليك عنّي، فو اللّه لكأنّك من طوارق [5] الليل. فقلت لها: وأنت واللّه لكأنّك من طوارق النهار. فقالت: ما أظرفك يا أسود! فغاظني قولها، فقلت لها: هل تدرين ما الظّرف؟ إنما الظّرف العقل. ثم قالت لي: انصرف حتّى أنظر في أمرك. فأرسلت إليها هذه الأبيات:
فإن أك حالكا فالمسك أحوى ... وما لسواد جلدي من دواء
ولي كرم عن الفحشاء ناء [6] ... كبعد الأرض من جوّ السّماء
ومثلي في رجالكم قليل ... ومثلك ليس يعدم في النّساء
__________
[1] كذا في جميع النسخ. ولعله محرّف عن «وقى» بالقاف.
[2] في ت: «يزيد».
[3] كذا في ت. وهو جبل لبني فزارة. وفي سائر النسخ: «قبا» بالباء وهو تصحيف.
[4] كذا في ت وهو أجود. وفي سائر النسخ: «فمكثت عندها زمانا».
[5] طوارق الليل: مصائبه التي تفجأ فيه. وفي الحديث: «أعوذ بك من طوارق الليل إلا طارقا يطرق بخير».
[6] في ت، ح، ر: «ناب».
فإن ترضي فردّي قول راض ... وإن تأبي فنحن على السّواء
قال: فلمّا قرأت الشّعر قالت: المال والشعر [1] يأتيان على غيرهما، فتزوّجتني.
استجادة الأصمعيّ شعرا لنصيب
أخبرنا هاشم بن محمد قال حدّثنا الرّياشيّ قال:
أنشدنا الأصمعيّ لنصيب وكان يستجيد هذه الأبيات ويقول إذا أنشدها: قاتل اللّه نصيبا ما أشعره!.
فإن يك من لوني السّواد فإنّني ... لكالمسك لا يروى من المسك ذائقه
وما ضرّ أثوابي سوادي وتحتها ... لباس من العلياء بيض بنائقه [2]
إذا المرء لم يبذل من الودّ مثل ما ... بذلت له فاعلم بأنّي مفارقه
نصيب وجرير
أخبرني الفضل بن الحباب أبو خليفة قال حدّثنا محمد بن سلّام عن خلف: أنّ نصيبا أنشد جريرا شيئا من شعره، فقال له: كيف ترى يا أبا حرزة؟ فقال له: أنت أشعر أهل جلدتك.
نصيب والوليد بن عبد الملك
/ أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثني محمد بن إسماعيل عن عبد العزيز بن عمران بن محمد [3] عن المسور بن عبد الملك قال:
قال نصيب لعبد الرحمن بن أزهر: أنشدت الوليد بن عبد الملك [4]، فقال لي: أنت أشعر أهل جلدتك، واللّه ما زاد عليها! فقال لي عبد الرحمن: يا أبا محجن، أفرضيت منه أن جعلك أشعر السّودان فقط؟ فقال له: وردت واللّه يا بن أخي أنه أعطاني أكثر من هذا، ولكنّه لم يفعل ولست بكاذبك.
نصيب ووصفه لشعره وشعر غيره من معاصريه
أخبرني محمد بن الحسن بن دريد [5] قال حدّثنا أبو حاتم قال أخبرنا أبو عبيدة قال:
قال لي محمد بن عبد ربّه: دخلت مسجد الكوفة، فرأيت رجلا لم أر قطّ مثله ولا أشدّ سوادا منه، ولا أنقى ثيابا منه، ولا أحسن زيّا. فسألت عنه، فقيل: هذا نصيب. فدنوت منه فحدّثته، ثم قلت له: أخبرني عنك وعن أصحابك. فقال: جميل إمامنا، وعمر بن أبي ربيعة أوصفنا لربّات الحجال، وكثيّر أبكانا على الدّمن وأمدحنا
__________
[1] في ح، ر: «و العقل».
[2] البنائق: جمع بنيقة وهي طوق الثوب الذي يضم النحر وما حوله وهو الجربّان، وتجمع أيضا على بنيق بحذف الهاء، قال الشاعر:
قد أغتدي والصبح ذو بنيق
قال في «اللسان»: جعل له بنيقا على التشبيه ببنيقة القميص لبياضها.
[3] هذه الكلمة «بن محمد» ساقطة من ت، ح، ر.
[4] كذا في ت، ح، ر. وفي سائر النسخ: «عن المسور بن عبد الملك عن النصيب قال: دخلت على عبد العزيز بن مروان فقال لي الخ».
[5] كذا في سائر النسخ. وفي ت: «ذويد» بذال معجمة فواو، وقد سمي به، كما في «القاموس».
للملوك، وأمّا أنا فقد قلت ما سمعت. فقلت له: إنّ الناس يزعمون أنك لا تحسن أن تهجو. فضحك ثم قال: أفتراهم يقولون: إنّي لا [1] أحسن أن أمدح؟ فقلت لا. فقال: أفما تراني أحسن أن أجعل مكان عافاك اللّه/ أخزاك اللّه؟ قال قلت بلى. قال: فإنّي رأيت الناس رجلين: إمّا رجل [2] لم أسأله شيئا فلا ينبغي أن أهجوه فأظلمه، وإمّا رجل سألته فمنعني فنفسي كانت أحقّ بالهجاء، إذ سوّلت لي أن سأله وأن أطلب ما لديه.
نصيب وكثير والأحوص في مجلس امرأة من بني أميّة
أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدّثني عبد اللّه بن إسماعيل بن أبي عبيد [3] اللّه كاتب المهديّ قال: وجدت في كتاب أبي بخطّه: حدّثني أبو يوسف التّجيبيّ [4] قال حدّثني إسماعيل بن المختار مولى آل طلحة وكان شيخا كبيرا قال:
حدّثني النّصيب أبو محجن أنه خرج هو وكثيّر والأحوص غبّ يوم أمطرت فيه السماء، فقال: هل لكم في أن نركب جميعا فنسير حتّى نأتي العقيق فنمتّع فيه أبصارنا؟ فقالوا نعم. فركبوا أفضل ما يقدرون عليه من الدّوابّ، ولبسوا أحسن ما يقدرون عليه من الثياب، وتنكّروا ثم ساروا حتّى أتوا العقيق، فجعلوا يتصفّحون [5] ويرون بعض ما يشتهون، حتّى رفع لهم سواد عظيم فأمّوه حتى أتوه، فإذا وصائف ورجال من الموالي ونساء بارزات، فسألنهم أن ينزلوا، فاستحيوا أن يجيبوهنّ من أوّل وهلة، فقالوا: لا نستطيع أو نمضي في حاجة لنا.
فحلّفنهم أن يرجعوا إليهنّ، ففعلوا وأتوهنّ، فسألنهم النزول فنزلوا. ودخلت امرأة من النساء/ فاستأذنت لهم، فلم تلبث أن جاءت المرأة فقالت: ادخلوا. فدخلنا على امرأة جميلة برزة على فرش لها، فرحّبت وحيّت، وإذا كراسيّ موضوعة، فجلسنا جميعا في صفّ واحد كلّ إنسان على كرسيّ. فقالت: إن أحببتم أن ندعو بصبيّ لنا فنصيّحه ونعرك [6] أذنه فعلنا، وإن شئتم بدأنا بالغداء [7]. فقلنا: بل تدعين بالصبيّ ولن يفوتنا الغداء. فأومأت بيدها إلى بعض الخدم، فلم يكن إلا كلا ولا [8] حتّى جاءت جارية جميلة قد
__________
[1] في ح، ر: «أفتراهم يقولون: إني أحسن أن أمدح فقلت: نعم».
[2] كذا في أكثر النسخ: «رجل» بالرفع على أنه خبر لمبتدأ ومحذوف والتقدير: هما إما رجل الخ وفي ح، ر: إما رجلا بالنصب على أنه بدل مما قبله.
[3] في ح، ر: «عبد اللّه بن أبي إسماعيل بن أبي عبد اللّه». وفي م، ء، أ: «عبد اللّه بن إسماعيل بن أبي عبيد». وكلاهما تحريف، إذ هو أبو عبيد اللّه الدمشقي الحافظ معاوية بن عبيد اللّه بن يسار الأشعريّ كاتب المهديّ. (انظر «تهذيب التهذيب» في ترجمة معاوية بن صالح بن الوزير، وابن جرير الطبريّ طبع أوروبا القسم الثالث ص 351 و352 و355).
[4] نسبة إلى تجيب، وهي قبيلة من كندة. والتجيبيون أمهم تجيب بنت ثوبان بن سليم بن رها من مذحج. وفي أ، ت: «الحسى» وفي م: «الحسيّ». وفي ء: «الحتبي». ولعل كل ذلك محرّف عن الحيني نسبة إلى مدينة حينة، ذكره الحافظ الذهبيّ وقال: لا أعرفه. (انظر «شرح القاموس» مادة حين).
[5] تصفحت الشي ء: نظرت إليه لأتعرّفه.
[6] عرك الأذن: دلكها. وهي تقصد العود.
[7] الغداء: طعام أوّل النهار ضدّ العشاء.
[8] قال في «اللسان» (مادة لا): والعرب إذا أرادوا تقليل مدة فعل أو ظهور شيء خفي قالوا: كان نعله كلا، وربما كرروا فقالوا: كلا ولا. ومن الأول قوله:
أصاب خصاصة فبدا كليلا ... كلا وانغلّ سائره انغلالا
ومن الثاني:
يكون نزول القوم فيها كلا ولا
سترت [1] بمطرف، فأمسكوه عليها حتى ذهب بهرها [2]، ثم كشف عنها وإذا جارية ذات جمال قريبة من جمال مولاتها، فرحّبت بهم وحيّتهم، فقالت لها مولاتها: خذي - ويحك - من قول النّصيب عافى اللّه أبا محجن [3]:
/ألا هل من البين المفرّق من بدّ ... وهل مثل أيّام بمنقطع السّعد [4]
تمنّيت أيّامي أولئك، والمنى ... على عهد عاد ما تعيد ولا تبدي [5]
/فغنّته، فجاءت به كأحسن ما سمعته قطّ بأحلى لفظ وأشجى صوت. ثم قالت لها: خذي أيضا من قول أبي محجن عافى اللّه أبا محجن:
أرق المحبّ وعاده سهده ... لطوارق الهمّ التي ترده
وذكرت من رقّت له كبدي ... وأبى فليس ترقّ لي كبده
لا قومه قومي ولا بلدي ... - فنكون حينا جيرة - بلده
ووجدت وجدا لم يكن أحد ... قبلي من اجل صبابة يجده [6]
إلّا ابن عجلان [7] الذي تبلت [8] ... هند ففات [9]. بنفسه كمده
قال: فجاءت به أحسن من الأوّل، فكدت أطير سرورا. ثم قالت لها: ويحك! خذي من قول أبي محجن عافى اللّه أبا محجن:
فيا لك من ليل تمتّعت طوله ... وهل طائف من نائم متمتّع [10]
نعم إنّ ذا شجو متى يلق شجوه ... ولو نائما مستعتب [11] أو مودّع
__________
[1] كذا في ح، ر. وفي سائر النسخ: «قد سترت عليها بمطرف».
[2] يريد حتى هدأ روعها واطمأنّت.
[3] في ر: «خذي العود ويحك وغنى من قول النصيب عافى اللّه أبا محجن».
[4] منقطع المكان: حيث ينقطع وينتهي. والسعد: موضع معروف قريب من المدينة بينهما ثلاثة أميال، كانت غزاة ذات الرقاع قريبة منه. وقال نصر: سعد: جبل بالحجاز بينه وبين الكديد ثلاثون ميلا، وعنده قصر ومنازل وسوق وماء عذب على جادّة طريق كان يسلك من فيد إلى المدينة. قال: والكديد على ثلاثة أميال من المدينة. وأورد ياقوت بيتي نصيب:
وهل مثل أيام بنعف سويقة ... عوائد أياما كما كنّ بالسعد
تمنيت أنا من أولئك والمنى ... على عهد عاد ما تعيد ولا تبدي
[5] ما تعيد ولا تبدي، أي لا تأتي بعائدة ولا بادئة. يريد أنه لا نفع فيها.
[6] كذا في ت، ح، ر. وفي سائر النسخ:
« ... لم يكن أحد ... من أجله بصبابة يجده».
[7] يريد عمرو بن العجلان بن عامر بن برد بن منبه أحد بني كاهل بن لحيان بن هذيل المعروف بعمرو ذي الكلب. قال محمد بن حبيب عن ابن الأعرابي: إنه سمي ذا الكلب لأنه كان له كلب لا يفارقه. وعن الأثرم عن أبي عبيدة أنه قال: لم يكن له كلب لا يفارقه، إنما خرج غازيا معه كلب يصطاد به، فقال له أصحابه: يا ذا الكلب، فثبتت عليه. قال: ومن الناس من يقول له: عمرو الكلب ولا يقول فيه «ذا». (راجع نسب عمرو ذي الكلب وأخباره في الجزء المتم العشرين من «الأغاني»).
[8] في «أمالي القالي» الطبعة الأولى الأميرية ج 2 ص 223 شعر لقيس بن ذريح:
وفي عروة العذريّ إن مت أسوة ... وعمرو بن عجلان الذي قتلت هند
[9] أي ذهب كمده بنفسه وأتى عليها فأهلكها.
[10] لعلها:
وهل نائم من طائف متمتع
[11] الاستعتاب: طلب العتبى، يقال: استعتبته فأعتبني أي استرضيته فأرضاني.
له حاجة قد طالما قد أسرّها ... من الناس في صدر بها يتصدّع
/ تحمّلها طول الزمان لعلّها ... يكون لها يوما من الدهر منزع
وقد قرعت في أمّ عمرو لي [1] العصا ... قديما كما كانت لذي الحلم تقرع [2]
قال: فجاءت [3] واللّه بشيء حيّرني وأذهلني طربا لحسن الغناء وسرورا باختيارها الغناء في شعري، وما سمعت فيه من حسن الصّنعة وجودتها وإحكامها. ثم قالت لها: خذي أيضا من قول أبي محجن، عافى اللّه أبا محجن:
يأيّها الرّكب إنّي غير تابعكم ... حتى تلمّوا وأنتم بي ملمّونا
فما أرى مثلكم ركبا كشكلكم ... يدعوهم ذو هوى إلّا يعوجونا
أم خبّروني عن دائي [4] بعلمكم ... وأعلم النّاس بالداء الأطبّونا [5]
قال نصيب: فو اللّه لقد زهيت [6] بما سمعت زهوا خيّل إليّ أنيّ من قريش، وأنّ الخلافة لي. ثم قالت:
حسبك يا بنيّة! هات الطعام يا غلام! فوثب الأحوص وكثيّر وقالا: واللّه لا نطعم لك طعاما ولا نجلس لك في مجلس؛ فقد أسأت عشرتنا واستخففت بنا، وقدّمت شعر هذا على أشعارنا، واستمعت [7] الغناء فيه، وإن في أشعارنا لما يفضل شعره، وفيها من الغناء ما هو أحسن من هذا. فقالت: على معرفة كلّ ما كان منّي، فأيّ شعركما أفضل من شعره؟ أقولك يا أحوص:
(يقرّ بعيني ما يقرّ بعينها ... وأحسن شيء ما به العين قرّت
أو قولك يا كثيّر في عزّة:
وما حسبت ضمريّة جدويّة [8] ... سوى التّيس ذي القرنين أنّ لها بعلا
أم قولك فيها:
إذا ضمريّة عطست فنكها ... فإن عطاسها طرف السّفاد
/ قال: فخرجا مغضبين واحتبستني، فتغدّيت عندها، وأمرت لي بثلاثمائة دينار وحلّتين وطيب، ثم دفعت إليّ مائتي دينار وقالت: ادفعها إلى صاحبيك؛ فإن قبلاها وإلا فهي لك. فأتيتهما منازلهما فأخبرتهما القصّة. فأمّا
__________
[1] في ت، ح، ر: «لك العصا».
[2] يشير بذلك إلى المثل المعروف: «إن العصا قرعت لذي الحلم». وأصله أن حكما من حكام العرب عاش حتى أهتر، فقال لابنته: إذا أنكرت من فهمي شيئا عند الحكم فآقرعي لي المجنّ بالعصا لأرتدع. وهذا الحكم هو عمرو بن حممة الدوسيّ.
وقيل: أوّل من قرعت له العصا عامر بن الظرب العدواني أحد حكماء العرب وحكامهم. والمثل يضرب لمن إذا نبّه انتبه. يريد أنه ليم في حبّها قديما.
[3] كذا في ت، ح، ر. وفي سائر النسخ: «فجاءني واللّه شي ء».
[4] كذا في ت. وفي سائر النسخ: «داء» بغير ياء. وفي ح، ر: «أم خبروني بداء لي بعلمكم».
[5] الأطبون: البارعون في الطب.
[6] كذا في ح، ر. وفي سائر النسخ: «زهوت».
[7] كذا في ح، ر. وفي سائر النسخ: «و أسمعت».
[8] نسبة إلى جديّ بن ضمرة بن بكر من كنانة.
الأحوص فقبلها، وأمّا كثيّر فلم يقبلها، وقال: لعن اللّه صاحبتك وجائزتها ولعنك معها! فأخذتها وانصرفت.
فسألت النّصيب: ممن المرأة؟ فقال: من بني أميّة ولا أذكر اسمها ما حييت لأحد.
رثاء نصيب عبد العزيز بن مروان وقد مات بسكر من قرى الصعيد
أخبرني عيسى بن يحيى الورّاق عن أحمد بن الحارث الخرّاز قال حدّثنا المدائنيّ قال:
وقع الطّاعون بمصر في ولاية عبد العزيز بن مروان إيّاها، فخرج هاربا منه فنزل بقرية من الصعيد يقال لها «سكر» [1]. فقدم عليه حين نزلها رسول لعبد الملك، فقال له عبد العزيز: ما اسمك؟ فقال: طالب بن مدرك.
فقال: أوّه، ما أراني راجعا إلى الفسطاط أبدا! ومات في تلك القرية. فقال نصيب يرثيه:
أصبت يوم الصعيد من سكر ... مصيبة ليس لي بها قبل
تاللّه أنسى [2] مصيبتي أبدا ... ما أسمعتني حنينها الإبل
/ ولا التّبكّي عليه أعوله [3] ... كلّ المصيبات بعده جلل
لم يعلم النّعش ما عليه من ال ... عرف ولا الحاملون ما حملوا
حتى أجنّوه في ضريحهم ... حين انتهى من خليلك [4] الأمل
غنّى في هذه الأبيات ابن سريج، ولحنه رمل بالسبابة في مجرى الوسطى عن إسحاق، وذكر الهشاميّ أنّ له فيه لحنا من الهزج، وذكر ابن بانة أن الرّمل لابن الهربذ [5].
أخبرني محمد بن مزيد بن أبي الأزهر قال حدّثنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه عن مصعب الزّبيري عن مشيخة من أهل الحجاز:
أنّ نصيبا دخل على عبد الملك بن مروان، فقال له: أنشدني بعض ما رثيت به أخي؛ فأنشده قوله:
عرفت وجرّبت الأمور فما أرى ... كماض تلاه الغابر [6] المتأخّر
ولكنّ أهل الفضل من أهل نعمتي ... يمرّون أسلافا أمامي وأغبر
فإن أبكه [7] أعذر وإن أغلب الأسى ... بصبر فمثلي عند ما اشتدّ يصبر
__________
[1] سكر بوزن زفر: موضع بشرقية الصعيد بينه وبين مصر يومان كان عبد العزيز بن مروان يخرج إليه كثيرا.
[2] يريد: تاللّه لا أنسى مصيبتي أبدا. وحذف لا يطرد في جواب القسم إذا كان المنفيّ مضارعا، نحو قوله تعالى: (تَاللَّهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ)
وقول الشاعر:
فقلت يمين اللّه أبرح قاعدا
[3] أعول إعوالا: رفع صوتع بالبكاء والصياح.
[4] في ياقوت (مادة سكر): «من خليله».
[5] كذا في أكثر النسخ. وفي ب، س: «لابن الهزبر» وهو تحريف، إذ المغني هو إسماعيل بن الهزبذ مولى آل الزبير بن العوّام. وستأتي له ترجمة مستقلة في الجزء السادس من «الأغاني».
[6] الغابر هنا: الباقي، ويستعمل أيضا في الماضي.
[7] كذا في ب، س. وفي سائر الأصول: «أبكهم».
وكانت ركابي كلّما شئت تنتحي ... إليك فتقضي نحبها وهي ضمّر [1]
ترى الورد يسرا [2] والثّواء غنيمة ... لديك وتثنى بالرّضا حين تصدر
فقد عريت بعد ابن ليلى فإنمّا ... ذراها لمن لاقت من الناس منظر
/ ولو كان حيّا لم يزل بدفوفها [3] ... مراد لغربان الطريق ومنقر
فإن كنّ قد نلن ابن ليلى فإنّه ... هو المصطفى من أهله المتخيّر
فلمّا سمع عبد الملك قوله:
فإن أبكه أعذر وإن أغلب الأسى ... بصبر فمثلي عندما اشتدّ يصبر
قال له: ويلك! أنا كنت أحقّ بهذ الصفة في أخي منك! فهلّا وصفتني بها! وجعل يبكي.
نصيب وعبد اللّه بن إسحاق البصري
أخبرني محمد بن مزيد قال حدّثنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه عن أبي يحيى [4] محمد بن كناسة/ قال:
قال لي عبد اللّه بن إسحاق البصريّ [5]: لو وليت العراق لاستكتبت نصيبا. قلت: لماذا؟ قال لفصاحته وحسن تخّلصه إلى جيّد الكلام، ألم تسمع قوله:
فلا النفس ملّتها ولا العين تنتهي ... إليها سوام [6] الطّرف عنها فترجع
رأتها فما ترتدّ عنها سآمة ... ترى [7] بدلا منها به النّفس تقنع
نصيب وإبراهيم بن هشام
أخبرني الحرميّ عن الزّبير عن محمد بن الحسن قال:
دخل نصيب على إبراهيم بن هشام فأنشده مديحا له. فقال إبراهيم: ما هذا بشي ء! أين هذا من قول أبي دهبل لصاحبنا ابن الأزرق حيث يقول:
__________
[1] في ب، س:
جماحا فتقضي نحبها وهي تضمر
[2] كذا في ت. وفي ح، ر: «بشرى». وفي م: «بشرا». ولهله مصحف عن «بسرا» والبسر (بضم الباء وفتحها): الماء الطريّ الحديث العهد بالمطر ساعة ينزل من المزن. وفي سائر النسخ: «يشرى» وهو تحريف.
[3] الدفوف: جمع دف، وهو هنا صفحة الجنب.
[4] كذا في ت. وفي سائر النسخ: «أبو أيوب» وهو خطأ، إذ هو محمد بن عبد اللّه بن عبد الأعلى بن عبد اللّه بن خليفة بن زهير بن نضلة بن معاوية بن مازن الأسديّ أبو يحيى ويقال أبو عبد اللّه الكوفيّ المعروف بابن كناسة، ولد سنة 123 ومات سنة 207 (انظر ترجمته في «تهذيب التهذيب» لابن حجر العسقلاني).
[5] تقدم في ص 342 س 3 «أبو عبد اللّه بن أبي إسحاق البصريّ». ولم نهتد إليه.
[6] كذا في ت، م. وفي سائر النسخ: «سوى في». ولعل صوابه: «سوامي الطرف منها» أي إذا انتهت إليها نظرات الطرف التي تسمو إليها من العين، تعلقت بها فلم ترجع عنها.
[7] الجملة حال من فاعل «فما ترتد» فهي نفي.
إن تغد من منقلي [1] نخلان [2] مرتحلا ... يرحل من اليمن المعروف والجود
/ قال: فغضب نصيب ونزع عمامته وبرك عليها، وقال: لئن تأتونا برجال مثل ابن الأزرق نأتكم بمثل مديح أبي دهبل أو أحسن؛ إن المديح واللّه إنما يكون على قدر الرجال. قال: فأطرق ابن هشام، وعجبوا من إقدام نصيب عليه، ومن حلم ابن هشام وهو غير حليم [3].
نصيب وأم بكر الخزاعية
أخبرني الحرميّ قال حدّثنا الزّبير قال حدّثني عبد الرحمن بن عبد اللّه الزّهريّ: أنّ نصيبا كان ربما قدم من الشأم فيطرح في حجر أمّ بكر الخزاعيّة أربعمائة دينار، وأنّ عبد الملك بن مروان ظهر على تعلّقه بها ونسيبه فيها، فنهاه عن ذلك حتى كفّ.
حديث نصيب عن نفسه أنه كان يستعصى عليه أحيانا قول الشعر، وشيء من أوصافه الخلقية
أخبرني محمد بن يزيد قال حدّثنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه عن عثمان بن حفص الثّقفيّ عن أبيه قال:
رأيت النّصيب بالطائف، فجاءنا وجلس في مجلسنا وعليه قميص قوهيّ ورداء وحبرة [4]، فجعل ينشدنا مديحا لابن هشام، ثم قال: إنّ الوادي مسبعة، فمن أهل المجلس؟ قالوا: ثقيف؛ فعرف أنّا نبغض ابن هشام ويبغضنا، فقال: إنّا للّه! أبعد ابن ليلى أمتدح ابن جيداء! [5] فقال له أهل المجلس: يا أبا محجن، أتطلب القريض/ أحيانا فيعسر عليك؟ فقال: إي والله لربّما فعلت، فآمر براحلتي فيشدّ بها رحلي، ثم أسير في الشّعاب الخالية، وأقف في الرّباع المقوية، فيطربني ذلك ويفتح لي الشعر. واللّه إنيّ على ذلك ما قلت بيتا قطّ تستحي الفتاة الحييّة من إنشاده في ستر أبيها. قال إسحاق قال عثمان بن حفص فوصفه أبي وقال: كأنّي أراه صدعا [6] خفيف العارضين ناتىء الحنجرة.
نصيب وابن أبي عتيق
أخبرني محمد بن مزيد قال حدّثنا حمّاد عن أبيه عن محمد بن كناسة قال: أنشد نصيب قوله:
وكدت ولم أخلق من الطير إن بدا ... لها بارق نحو الحجاز [7] أطير
__________
[1] هو مثنى منقل. قال في «اللسان»: والمنقل: الطريق في الجبل، وهو أيضا طريق مختصر.
[2] كذا في ت. ونخلان، كما في ياقوت، من نواحي اليمن، واستشهد بالبيت. وفي سائر النسخ: «نجران».
[3] بعد هذا في جميع النسخ عدا نسخة ت: «أخبرني الحرمي عن الزبير عن إبراهيم بن يزيد السعديّ قال حدّثتني جدّتي جمال بنت عون بن مسلم عن أبيها عن جدّها قال: رأيت رجلا أسود ومعه امرأة بيضاء حسناء الخ». وقد تقدّمت هذه الحكاية بنصها في ص 342 و343 ولم تتكرر هذه الحكاية في ت.
[4] في ت: «ورداء حبرة» من غير واو. قال في «اللسان»: يقال برد حبرة وبرد حبرة بالوصف أو بالإضافة. والحبرة: ضرب من برود اليمن.
[5] جيداء: أمّ محمد بن هشام خال بن عبد الملك، وقد ولاه مكة وكتب إليه أن يحج بالناس، فهجاه العرجيّ بأشعار كثيرة منها:
كأن العام ليس بعام حج ... تغيرت المواسم والشكول
إلى جيداء قد بعثوا رسولا ... ليخبرها فلا صحب الرسول
ولها ذكر في أخبار العرجي الشاعر الآتي في هذا الجزء.
[6] الصدع (بالتحريك وبالفتح) الرجل الخفيف اللحم.
[7] في ت، ح، «العراق».
/ فسمعه ابن أبي عتيق، فقال: يابن أمّ، قل غاق فإنك تطير. يعني أنه غراب أسود.
أخبرني الحرميّ قال حدّثنا الزّبير قال أخبرني أحمد بن محمد الأسديّ أسد قريش قال:
قال ابن أبي عتيق لنصيب: إنّي خارج، أفترسل إلى سعدى بشي ء؟ قال: نعم، بيتي شعر. قال: قل؛ فقال:
أتصبر عن سعدى وأنت صبور ... وأنت بحسن الصبر منك جدير
وكدت ولم أخلق من الطير إن بدا ... سنى [1] بارق نحو الحجاز أطير
/ قال: فأنشد ابن أبي عتيق سعدى البيتين، فتنفّست تنفّسة شديدة. فقال ابن أبي عتيق: أوّه! أجبته [2] واللّه بأجود من شعره، ولو سمعك خليلك لنعق وطار إليك.
نصيب والحكم بن المطلب
أخبرني عليّ بن صالح بن الهيثم الكاتب قال حدّثني أبو هفّان [3] عن إسحاق الموصليّ عن المسيّبيّ قال:
قال أبو النّجم: أتيت الحكم بن المطّلب فمدحته، وخرج إلى السّعاية [4] فخرجنا معه ومعه عدّة من الشعراء.
فبينا هو مع أصحابه [5] يوما واقف [6]، إذا [7] براكب يوضع [8] في السّراب [9] وإذا هو نصيب، فتقدّم إليه فمدحه فأمر بإنزاله، فمكث أياما حتى أتاه فقال: إنّي قد خلّفت صبية صغارا وعيالا ضعافا. فقال له: ادخل الحظيرة [10] فخذ منها سبعين فريضة [11]. فقال له: جعلني اللّه فداك قد أحسنت! ومعي ابن لي أخاف أن يثلمها [12] عليّ. قال:
فادخل فخذ له سبعين فريضة أخرى؛ فانصرف بمائة وأربعين فريضة.
/ أخبرنا الحرميّ بن أبي العلاء عن الزّبير عن محمد بن الضّحّاك عن عثمان عن أبيه قال:
قيل لنصيب: هرم شعرك. قال: لا! واللّه ما هرم، ولكن العطاء هرم، ومن يعطيني مثل ما أعطاني الحكم بن المطّلب! خرجت إليه وهو ساع على بعض صدقات المدينة، فلمّا رأيته قلت:
أبا مروان لست بخارجيّ [13] ... وليس قديم مجدك بانتحال
__________
[1] في ت، م،:
«إن بدا ... لها بارق»
[2] في ب، س: «أجبنيه» بياء بعد تاء المخاطبة، وكلاهما صحيح، وقد استشهد للثاني بقول الشاعر:
رميتيه فأقصدت ... وما أخطأت في الرمية
بسهمين مليحين ... أعارتكيهما الظبيه
(انظر «خزانة الأدب» للبغدادي ج 2 ص 401).
[3] هفان بفتح الهاء وكسرها وتشديد الفاء: اسم مرتجل غير منقول، مشتق من الهفيف وهو سرعة السير.
[4] يقال: سعي سعاية، إذا باشر عمل الصدقات.
[5] كذا في ت، م. وفي سائر النسخ: «فبينما هو في موضع أضحى به يوما واقفا» وهو تحريف.
[6] كذا في ت، م. وفي سائر النسخ: «واقفا» وكلاهما صحيح.
[7] كذا في ت. وفي سائر النسخ: «إذ» وكلاهما للمفاجأة.
[8] الإيضاع: الإسراع في السير.
[9] في ح، ر: «في السير».
[10] الحظيرة: ما أحاط بالشيء وهي تكون من قصب وخشب.
[11] انظر الحاشية رقم 6 ص 349 من هذا الجزء.
[12] أي يأخذ منها فينقصها.
[13] الخارجي هنا: الذي يخرج ويشرف بنفسه من غير أن يكون له قديم. واستشهد صاحب «اللسان» على هذا بالبيت، ولكنه نسبه إلى كثيّر.
أغرّ إذا الرّواق [1] انجاب [2] عنه ... بدا مثل الهلال على المثال [3]
تراءاه العيون كما تراءى ... عشيّة فطرها وضح الهلال
قال: فأعطاني أربعمائة ضائنة ومائة لقحة [4]، وقال: ارفع فراشي؛ فرفعته فأخذت من تحته مائتي دينار.
نصيب وكثير عند أبي عبيدة بن عبد اللّه بن زمعة
أخبرني عيسى بن الحسين الورّاق قال حدّثنا الزّبير قال حدّثني أسعد [5] بن عبد اللّه المريّ عن إبراهيم بن سعيد بن بشر بن عبد اللّه بن عقيل [6] الخارجيّ عن أبيه قال:
/ واللّه إنّي لمع أبي عبيدة بن عبد اللّه بن زمعة في حواء [7] له، إذ جاءه كثيّر فحيّاه، فاحتفى به، ودعا بالغداء فشرعنا فيه وشرع معنا كثيّر؛ وجاء رجل فسلّم فرددنا عليه السّلام واستدنيناه، فإذا نصيب في بزّة جميلة قد وافى الحجّ قادما من الشأم، فأكبّ على أبي عبيدة فعانقه وسأله ثم دعاه إلى الغداء، فأكل مع القوم، فرفع كثيّر يده وأقلع عن الطعام، وأقبل عليه أبو عبيدة والقوم جميعا يسألونه أن يأكل، فأبى فتركوه. وأقبل كثيّر على نصيب فقال:
واللّه يا أبا محجن، إنّ أثر أهل الشأم عليك لجميل، لقد رجعت هذه الكرّة ظاهر الكبر قليل الحياء. فقال له نصيب: لكنّ أثر الحجاز عليك يا أبا صخر غير جميل. [لقد رجعت] [8] وإنك لزائد النقص، كثير الحماقة. فقال كثيّر: أنا واللّه أشعر العرب حيث أقول لمولاتك:
/ إذا أمسيت بطن مجاح [9] دوني ... وعمق [10] دون عزّة فالبقيع
__________
[1] قال أبو زيد: رواق البيت بالضم والكسر: سترة مقدّمه من أعلاه إلى الأرض، ضد الكفاء وهو سترة مؤخرة من أعلاه إلى أسفله.
وقال ابن الأعرابي: من الأخبية ما يروّق ومنها مالا يروّق. فإذا كان بيتا ضخما جعل له رواق وكفاء. وقد يكون الرواق من شقة وشقتين وثلاث شقق.
[2] انجاب: انكشف.
[3] المثال هنا: الفراش. وفي الحديث أنه دخل على سعد وفي البيت مثال رثّ أي فراش خلق. وقال الأعشى:
بكلّ طوال الساعدين كأنما ... يرى بسرى الليل المثال الممهدا
[4] اللقحة (بكسر اللام ويفتح): الناقة الحلوب الغزيرة اللبن، ولا يوصف بها فلا يقال ناقة لقحة، ولكن يقال لقحة فلان، وإنما يوصف بلقوح فيقال: ناقة لقوح.
[5] في ت، م: «سعد بن عبيد اللّه المزني». وفي س: «أسعد بن عبد اللّه المزني».
[6] قال المرتضى: «و في «شرح مسلم» للنووي أن عقيلا كله بالفتح إلا ابن خالد عن الزهري ويحيى بن عقيل وأبا قبيلة فبالضم» وذكر أسماء أخرى مضمومة العين ليس هذا منها.
[7] الحواء ككتاب: جماعة البيوت المتدانية.
[8] زيادة في ت.
[9] في أكثر النسخ: «بطن صحاح» وفي ت «بطن محاح» وكلاهما محرّف، والصواب بطن مجاح بالمعجمة. قال ياقوت: ومجاح:
موضع من نواحي مكة. وقد ضبط في ياقوت بفتح الميم والجيم، وضبطه المرتضى في مادة مجح ككتاب. وجاء في حديث الهجرة عن ابن إسحاق أن دليلهما أجاز بهما مدلجة لقف ثم استوطن بهما مدلجة محاج، كذا ضبطه بفتح الميم وحاء مهملة وآخره جيم.
قال ابن هشام. ويقال مجاج (بجيمين وكسر الميم). قال ياقوت: «و الصحيح عندنا فيه غير ما روياه، جاء في شعر ذكره الزبير بن بكار وهو مجاح بفتح الميم ثم جيم وآخره حاء مهملة. والشعر هو قول محمد بن عروة بن الزبير:
لعن اللّه بطن لقف مسبلا ... ومجاحا وما أحب مجاحا
وأنا أحسب أن هذه هي رواية ابن إسحاق، وإنما انقلب على كاتب الأصل فأراد تقديم الجيم فقدّم الحاء». (انظر ياقوت والمرتضى مادة مجح).
[10] عمق (بفتح أوله وسكون ثانيه): واد من أودية الطائف نزله رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم لما حاصر الطائف، وفيه بئر ليس بالطائف أطول رشاء منها.
فليس بلائمي أحد يصلّي ... إذا أخذت مجاريها الدموع
/ فقال له نصيب: أنا واللّه أشعر منك حيث أقول لابنة عمّك:
خليليّ إن حلّت كليّة [1] فالرّبا [2] ... فذا أمج [3] فالشّعب [4] ذا الماء [5] والحمض
فأصبح من حوران [6] رحلي بمنزل ... يبعّده من دونها نازح الأرض
وأيأستما أن يجمع الدهر بيننا ... فخوضا لي [7] السمّ المصرّح بالمحض [8]
ففي ذاك من بعض الأمور سلامة ... وللموت خير من حياة على غمض
قال: فاقتحم [9] إليه كثيّر، وثبت له النّصيب. فلما نالته رجلاه رمحه [10] نصيب بساقه رمحة طاح منها بعيدا عنه، فما زال راقدا حتى أيقظناه عشيّا لرمي الجمار.
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء عن الزّبير عن محمد بن موسى بن طلحة [11] عن عبد اللّه بن عمر بن عثمان النّحويّ عن أنيس [12] بن ربيعة الأسلميّ أنه قال:
/ غدوت يوما إلى أبي عبيدة بن عبد اللّه بن زمعة وهو محتلّ [13] بالرّحبة [14]، فألفيت عنده جماعة منا ومن غيرنا، فأتاه آت فقال له: ذاك النّصيب منذ ثلاث بالفرش [15] من ملل [16] متلدّد [17] كأنّه واله في أثر قوم ظاعنين. فنهض أبو عبيدة
__________
[1] كذا في ت، ح، ر: وكلية (بالضم ثم بالفتح وتشديد الياء): واد يأتي من شمنصير بقرب الجحفة. وفي سائر النسخ: «كليبة» وهو تحريف.
[2] كذا في م وياقوت في الكلام على كلية، بالفاء .. وفي سائر النسخ: «بالربا» والربا كما في ياقوت: موضع بين الأبواء والسقيا من طريق الجادة بين مكة والمدينة.
[3] كذا في ت، م. وفي سائر النسخ: «فذي أمج» بعطفه على الربا المجرورة بالباء. وذو أمج: بلد من أعراض المدينة.
[4] الشعب: اسم لجملة أماكن بين مكة والمدينة.
[5] كذا في ت، م. وفي سائر النسخ: «ذي الماء».
[6] حوران: كورة واسعة من أعمال دمشق من جهة القبلة ذات قرى كثيرة ومزارع وحرار، ولها ذكر كثير في الشعر وقصبتها بصرى، وحوران أيضا: ماء بنجد، قال نصر: أظنه بين اليمامة ومكة.
[7] في الأصول: «بي» تحريف .. والخوض هنا: الخلط.
[8] في ت: «المصرح بالمخض». والمصرح: الذي انجلى عنه زبده فخلص. وفي أكثر الأصول: «المضرج بالمحض». تصحيف.
[9] اقتحم إليه: تقدم إليه.
[10] رمحه: رفسه.
[11] كذا في ح، ر. وفي ت: «قال حدّثنا عبد اللّه بن عثمان النحوي». وفي سائر النسخ: «طلحة بن عبد اللّه بن عمر بن عثمان النحوي».
[12] في ت: «عن أنس بن زمعة». وفي م: «عن أنيس بن زمعة».
[13] كذا في ت، م. وفي سائر النسخ: «و معه محمد بالرحبة».
[14] الرحبة (بالفتح والسكون وبفتحتين): البقعة المتسعة بين أفنية القوم.
[15] الفرش: واد بين غميس الحمام وملل.
[16] كذا في ت، م. وملل: اسم موضع في طريق مكة بين الحرمين. وفي سائر النسخ: «متململ» وهو تحريف.
[17] تلدد: تلفت يمينا وشمالا وتحيّر متبلّدا.
ونهضنا معه، فإذا نصيب على المنحر [1] من صفر [2]. فلمّا عايننا وعرف أبا عبيدة هبط؛ فسأله عن أمره، فأخبره أنه تبع قوما سائرين وأنه وجد آثارهم ومحلّهم بالفرش فاستولهه ذلك. فضحك به أبو عبيدة والقوم، وقالوا له:
إنما يهتر [3] إذا عشق من انتسب عذريّا، فأمّا أنت فما لك ولهذا؟! فاستحيا وسكن. وسأله أبو عبيدة: هل قلت في مقامك شعرا؟ قال: نعم! وأنشد:
لعمري لئن أمسيت بالفرش مقصدا ... ثويّاك [4] عبّود [5] وعدنة [6] أو صفر
/ ففرّع [7] صبّا أو تيمّم مصعدا ... لربع قديم العهد ينتكف [8] الأثر
دعا أهله بالشأم برق فأوجفوا ... ولم أر متبوعا أضرّ من المطر
لتستبدلن قلبا عينا سواهما ... وإلا أتى قصدا حشاشتك [9] القدر
خليليّ فيما عشتما أو رأيتما ... هل اشتاق مضرور إلى من به أضرّ
نعم ربّما كان الشّقاء متيّحا [10] ... يغطّي على سمع ابن آدم والبصر
قال: فانصرف به [أبو عبيدة] [11] إلى منزله، وأطعمه وكساه وحمله [12]، وانصرف وهو يقول:
أصاب دواء علّتك الطبيب ... وخاض [13] لك السّلوّ ابن الرّبيب [14]
__________
[1] كذا في النسخ. ولعله محرّف عن «المنجى» وهو الموضع الذي لا يبلغة السيل.
[2] صفر: جبل أحمر من جبال ملل قرب المدينة. وقال الأديبيّ: صفر: جبل بفرش ملل، كان عنده منزل أبي عبيدة بن عبد اللّه بن زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى جد ولد عبد اللّه بن الحسن بن علي بن أبي طالب، وبه صخرات تعرف بصخرات أبي عبيدة.
[3] أهتر الرجل - بالباء للمفعول وأهتر بالبناء للفاعل نادر - : ذهب عقله من كبر أو مرض أو حزن.
[4] كذا في ت، م. وفي سائر النسخ:
وبرّح بي وهج بقلبي أو صفر
والثويان: مثنى ثويّ وهو المقيم معك في مكان واحد.
[5] في ياقوت، عبود: جبل بين السّيالة وملل له ذكر في «المغازي». وقيل إنه البريد الثاني من مكة في طريق بدر.
[6] في م، ت: «وعدته» بالتاء وهو مصحف عن عدنه. وعدنه (بضم أوّله وسكون ثانيه): ثنيّة قرب ملل لها ذكر في «المغازي».
[7] كذا في ت. وفرّع في الجبل وأفرع: انحدر، قال الشماخ:
فإن كرهت هجائي فاجتنب سخطي ... لا يدركنك إفراعي وتصعيدي
وصبا، الظاهر أنها هنا مصدر من صب اللازم، لا وصف من الصبابة، يقال: صب في الوادي، إذا انحدر فيه. وفي ر: «يفزع صبا أو سقيما مصعدا». وفي م: «يفرع صبا أو هما مصعدا». ويظهر أن كليهما محرّف عن الأوّل. وفي سائر النسخ:
وجمت شجوني واستهلت مدامعي
يريد: كثرت أحزاني وتتابعت دموعي.
[8] انتكف الأثر: تتبّعه في مكان سهل، وذلك لأن الأثر لا يتبين في الأرض الغليظة الصلبة.
[9] الحشاشة: رمق بقية من حياة.
[10] متيحا: مقدّرا. ولم نجد هذه الصيغة من هذه المادة، وإنما الموجود أتاحه له اللّه: قدّره، وتاح له الأمر: قدر عليه. وفي ت: «موكلا».
[11] زيادة في ت، م، ر.
[12] حمله هنا: أتى له بما يركبه في سفره، قال تعالى: (وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ)
[13] خاض الشراب: خلطه وحرّكه. وانظر الكلام على السلوة في الحاشية رقم 6 ص 322 من هذا الجزء.
[14] يريد بابن الربيب أبا عبيدة بن عبد اللّه بن زمعة.
وأبصر من رقاك منفّثات [1] ... وداؤك كان أعرف بالطّبيب
نصيب ويزيد بن عبد الملك
أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال حدّثنا أبو حاتم عن الأصمعيّ قال:
دخل نصيب على يزيد بن عبد الملك ذات يوم، فأنشده قصيدة امتدحه بها، فطرب لها يزيد واستحسنها، فقال له: أحسنت يا نصيب! سلني ما شئت. فقال:
/ يدك يا أمير المؤمنين بالعطاء أبسط من لساني بالمسألة! فأمر به فملىء فمه جوهرا، فلم يزل به غيّا حتى مات.
نصيب وإبراهيم بن هشام
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير قال حدّثنا أبو غزيّة [2] عن عبد الرحمن بن أبي الزّناد قال:
دخل نصيب على إبراهيم بن هشام وهو وال على المدينة، فأنشده قوله:
/ يابن الهشامين [3] لا بيت كبيتهما [4] ... إذا تسامت إلى أحسابها مضر
فقال له إبراهيم: قم يا أبا محجن إلى تلك الراحلة المرحولة فخذها برحلها. فقام إليها نصيب متباطئا والناس يقولون: ما رأينا عطيّة أهنأ من هذه ولا أكرم ولا أعجل ولا أجزل. فسمعهم نصيب فأقبل عليهم وقال: واللّه إنكم قلّما صاحبتم الكرام! وما راحلة ورحل حتى ترفعوهما فوق قدرهما!
نصيب وهشام بن عبد الملك
أخبرني الحرميّ وعيسى بن الحسين قالا حدّثنا الزّبير عن عبد اللّه بن محمد بن [عبد اللّه [5] بن] عمرو بن عثمان بن عفّان عن أبيه قال:
استبطأ هشام بن عبد الملك حين ولي الخلافة نصيبا ألّا يكون جاءه وافدا عليه مدحا له ووجد عليه. وكان نصيب مريضا، فبلغه ذلك حين برأ، فقدم عليه وعليه أثر المرض وعلى راحلته أثر النّصب، فأنشده قصيدته التي يقول فيها:
/ حلفت بمن حجّتّ قريش لبيته [6] ... وأهدت له بدنا [7] عليها القلائد
__________
[1] لعله يريد: وعرف رقي منفثات من رقاك، أي رقى ذات نفث، أي ينفث فيها.
[2] كذا في م. وفي ت: «قال حدّثنا أبو عونة». وفي سائر النسخ: « ... الحرمي عن أبي الزبير عن غزبة»، وكلاهما تحريف. وقد تكرر هذا السند نفسه في «الأغاني» في الجزء الثالث في ذكر نسب أبي العتاهية وأخباره، وهو أبو غزية الأنصاري، وكان قاضيا على المدينة.
[3] يريد بالهشامين هشام بن عبد الملك بن مروان أباه، وهشام بن إسماعيل المخزوميّ جدّ أبيه لأمه. وفي ب، س: «الهشاميّ» تحريف.
[4] في ب، س: «كبيتكم».
[5] زيادة في ت.
[6] في ت، ح، ر، م: «لبرّه».
[7] بدنا: جمع بدنة وهي ناقة أو بقرة تنحر بمكة، سميت بذلك لأنهم كانوا يسمنونها. ويجمع على بدن أيضا بضمتين.
لئن كنت طالت غيبتي عنك إنّني ... بمبلغ حولي في رضاك لجاهد
ولكنّني قد طال سقمي وأكثرت ... عليّ العهاد [1] المشفقات العوائد
صريع فراش لا يزلن يقلن لي ... بنصح وإشفاق متى أنت قاعد
فلمّا زجرت العيس أسرت بحاجتي ... إليك وذلّت للّسان القصائد
وإنّي فلا تستبطني [2] بمودّتي ... ونصحي وإشفاقي إليك لعامد [3]
فلا تقصني حتى أكون بصرعة [4] ... فييأس ذو قربي ويشمت حاسد
أنلني وقرّبني فإنّي بالغ ... رضاك بعفو من نداك وزائد [5]
أبت نائما أمّا فؤادي فهمّه ... قليل وأمّا مسّ جلدي فبارد
وقد كان لي منكم إذا ما لقيتكم ... ليان [6] ومعروف وللخير قائد
إليك رحلت العيس حتّى كأنّها ... قسيّ السّرى ذبلا [7] برتها الطّرائد [8]
/و حتى هواديها [9] دقاق وشكوها [10] ... صريف وباقي النّقي [11] منها شرائد [12]
وحتّى ونت ذات المراح [13] فأذعنت ... إليك وكلّ الرّاسمات [14] الحوافد
قال: فرقّ له هشام وبكى، قال له: ويحك يا نصيب! لقد أضررنا بك وبرواحلك. ووصله وأحسن صلته واحتفل به.
نصيب وعبد الواحد النصري أمير المدينة:
أخبرنا الحرميّ عن الزّبير عن عمّه عن أيّوب بن عبابة قال:
قدم نصيب على عبد الواحد النصريّ وهو أمير المدينة بفرض من أمير المؤمنين يضعه في قومه من بني ضمرة، فأدخلهم عليه ليفرض لهم وفيهم أربعة غلمة لم يحتلموا، فردّهم النصريّ. فكلّمه نصيب كلاما غليظا إدلالا
__________
[1] العهاد: جمع عهد وعهدة بفتح العين وكسرها، وهي مطر بعد. مطر يدرك آخره بلل أوّله، سمي بذلك لأن الأوّل عهد بالثاني.
والمراد بالعهاد هنا الدموع.
[2] يريد: لا تستبطئني، سهّلت الهمزة ياء، ثم حذفت الياء للجزم.
[3] كذا في م. وفي ت: «إليك لعائد». وفي سائر النسخ: «لديك لعامد».
[4] أي حتى يحلّ بي الموت.
[5] كذا في ت، م. وفي سائر النسخ:
أنلني وقرّبني فإنك بالغ ... رضاي بعفو من نداك وزائد
[6] الليان بالفتح: نعمة العيش.
[7] كذا في ت، م، وهو جمع ذبلاء. وفي سائر النسخ: «ذبلى» كقتلى.
[8] الطرائد: جمع طريدة، وهي قصبة فيها حزّة توضع على المغازل والعود والقداح فتنحت عليها وتبرى بها.
[9] الهوادي: الأعناق: ودقاق: جمع دقيق.
[10] شكوها: شكواها. والصريف: صرير الأنياب.
[11] النقى: مخّ العظم.
[12] كذا في ت، م. والشرائد: جمع شريد على غير قياس، وهو: البقية من الشيء. وفي سائر النسخ: «الصرائد» وليس له معنى مناسب.
[13] المراح: النشاط.
[14] الراسمات: ذوات الرسيم، وهو ضرب من السير سريع مؤثر في الأرض. والحوافد: المسرعات.
بمنزلته عند الخليفة، فأشار إليه إبراهيم بن عبد اللّه بن مطيع أن اسكت وكفّ واخرج، فإنّي كافيك. فلمّا خرج إبراهيم لقيه نصيب، فقال له: أشرت إليّ فكرهت أن أغضبك، فما كرهت لي من مراجعته والصّلابة له ومن ورائي المستعتب من أمير المؤمنين؟ فقال إبراهيم: هو رجل عربيّ حديد غلق [1]، وخشيت إن جاذبته شيئا ألّا يرجع عنه وأن يمضي عليه ويلجّ [2] فيه، وهو مالك للأمر وله فيه [3] سلطان،/ فأردت أن تخرج قبل أن يلجّ ويظهر منه ما لا يرجع عنه فيمضي عليه ويلجّ فيه، فتنتظر لتصادف منه طيب نفس فتكلّمه ونرفدك [4] عنده. فقال نصيب:
/ يومان يوم لرزيق [5] فسل ... ويومه الآخر سمح فضل
أنا - جعلت فداءك - فاعل ذلك، فإذا رأيت القول فأشر إليّ حتى أكلّمه.
قال: ودخل إليه نصيب عشيّات، كلّ ذلك يشير إليه ابن مطيع ألّا يكلّمه، حتى صادف عشيّة من العشيّات منه طيب نفس، فأشار إليه أن كلّمه. فكلّمه نصيب فأصاب مختله [6] بكلامه، ثم قال: إنّي قد قلت شعرا فاسمعه أيّها الأمير وأجزه، ثم قال:
أهاج البكا ربع بأسفل ذي السّدر [7] ... [8] عفاه اختلاف العصر بعدك والقطر
نعم فثناني الوجد فاشتقت للّذي ... ذكرت وليس الشوق إلا مع الذّكر
حلفت بربّ الموضعين [9] لربّهم ... وحرمة ما بين المقام إلى الحجر
لئن حاجتي يوما قضيت ورشتني [10] ... بنفحة عرف من يديك أبا بشر [11]
لتعترفنّ [12] الدّهر منّي مودّة ... ونصحا على نصح وشكرا على شكر
سقى اللّه صوب المزن أرضا عمرتها [13] ... بريّ وأسقاها [14] بلاد بني نصر
__________
[1] الغلق هنا: الضيق الخلق العسر الرضا.
[2] يلجّ فيه: يتمادى عليه، يقال: لجّ في الأمر، إذا تمادى عليه وأبى أن ينصرف عنه.
[3] في ح، ر: «و له فينا سلطان».
[4] رفده وأرفده: أعانه.
[5] في ت، ح: «لزريق». والفسل: الرديء الرذل من كل شيء.
[6] في ح: «نخيلة كلامه».
[7] ذو السدر: اسم موضع بعينه، كذا ذكره ياقوت ولم يبينه.
[8] عفت الرّيح الدار كعفّتها: جعلتها دارسة بالية.
[9] الموضعين: المسرعين في السير، من الإيضاع وهو سير مثل الخبب.
[10] يقال: رشت فلانا، إذا قوّيت جناحه بالإحسان فارتاش وتريّش، قال الشاعر:
فرشني بخير طالما قد بريتني ... وخير الموالي من يريش ولا يبري
[11] في ت: «أبا بكر».
[12] في ت: «ليعترفن». وفي م، ح: «لتعرفن» وكلاهما تحريف. وفي سائر الأصول: «إذا تعرفن». واعترف هنا بمعنى عرف، ومثله قول أبي ذؤيب يصف نعاما:
مرته النعامى فلم يعترف ... خلاف النعامى من الشام ريحا
والنعامى: من أسماء ريح الجنوب.
[13] كذا في أكثر النسخ. وفي ت: «حللتها بريّ». وفي ح، ر: «حللتها رهاما». والرهام: جمع رهمة وهي المطر الضعيف الدائم.
[14] كذا في ح، ر. وفي سائر النسخ: «فأسقاها».
بوجهك فاستعملت ما دمت خائفا ... لربّك تقضي راشدا آخر الدّهر
/ لتنقذ أصحابي وتستر عورة ... بدت لك من صحبي فإنك ذو ستر
فما بأمير المؤمنين إلى الّتي ... سألت فأعطاني لقومي من فقر
وقد خرجت منه إليك فلا تكن ... بموضع بيضات الأنوق [1] من الوكر
قال: فقال عثمان بن حيّان المرّيّ وهو عنده - وكان قد جاءه بالقود من ابن حزم - : قد احتلم الأن القوم أيّها الأمير، واستوجبوا الفرض. ورفده [2] ابن مطيع فأحسن، واشتدّ عليه أن شركه ابن حيّان في رفده وتشييعه وقال النّصريّ لابن مطيع وابن حيّان: صدقتما قد احتلموا واستوجبوا الفرض، افرض لهم يا فلان - لكاتب من كتّابه - ففرض لهم.
حديث نصيب عن نفسه أنه عشق أمة لبني مدلج وشعره فيها
أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدّثني جعفر بن عليّ اليشكريّ قال حدّثني الرّياشيّ عن العتبيّ قال:
دخل نصيب على عبد العزيز بن مروان، فقال له عبد العزيز وقد طال الحديث بينهما: هل عشقت قطّ؟
قال: نعم، أمة لبني مدلج. قال: فكنت تصنع ماذا؟ قال: كانوا يحرسونها منّي، فكنت أقنع أن أراها في الطّريق وأشير إليها بعيني أو حاجبي، وفيها أقول:
وقفت لها كيما تمرّ لعلّني ... أخالسها التّسليم إن لم تسلّم
ولمّا رأتني والوشاة تحدّرت ... مدامعها خوفا ولم تتكلّم
مساكين أهل العشق ما كنت أشتري ... جميع حياة العاشقين بدرهم
/ فقال عبد العزيز: ويحك! فما فعلت؟ قال: بيعت فأولدها سيّدها. قال: فهل في نفسك منها شي ء؟
قال: نعم، عقابيل [3] أحزان.
حمل عبد العزيز بن مروان دينا عن نصيب في إبل ابتاعها
أخبرني الحرميّ قال حدّثنا الزّبير قال حدّثني بهلول بن سليمان بن قرضاب البلويّ:
أنّ إبلا لنصيب أجدبت وحالت [4]، وكان لرجل من أسلم عليه ثمانية/ الاف درهم قال: فأخبرني أبي وعمّي أنه وفد على عبد العزيز بن مروان، فقال له: جعلني اللّه فداءك! إنّي حملت دينا في إبل ابتعتها مجدبات حيال [5]، وقد قلت فيها شعرا.
قال: انشده، فأنشده:
__________
[1] الأنوق: الرخمة أو ذكر الرخم، ويضاف البيض إليه لأنه كثيرا ما يحضنها وإن كان ذكرا كما يحضن الظليم بيضه. وقال عمارة: الأنوق عندي: العقاب، وقيل غير ذلك. وفي المثل: «أعز من بيض الأنوق»، لأنها تحرزه فلا يكاد يظفر به، لأن أوكارها في رءووس الجبال والأماكن الصعبة البعيدة. وهو يضرب للشيء العزيز البعيد المنال.
[2] في ت: «و وصله».
[3] عقابيل أحزان: بقايا أحزان.
[4] الحائل من النوق: التي حمل عليها ولم تلقح، أو التي لم تلقح سنة أو سنتين أو سنوات، وكذلك كل حامل ينقطع عنها الحمل سنة أو سنوات حتى تحمل.
[5] جمع حائل.
فلمّا حملت الدّين فيها وأصبحت ... حيالا مسنّات [1] الهوى كدت أندم
على حين أن راث [2] الرّبيع ولم يكن ... لها بصعيد من تهامة مقضم
ثمانية للأسلميّ وما دنا ... لفحش ولا تدنو إلى الفحش أسلم
فقال له عبد العزيز: فما دينك؟ ويحك! قال: ثمانية آلاف، فأمر له بثمانية آلاف درهم. فلمّا رجع أنشد الأسلميّ الشعر فترك ماله عليه، قال: الثمانية الآلاف لك.
نصيب والنسوة الثلاث اللاتي كنّ يتناشدن الشعر في المسجد الحرام
أخبرني محمد بن مزيد قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثني الموصليّ عن ابن أبي عبيدة قال:
/ أتى نصيب مكة فأتى المسجد الحرام ليلا. فبينما هو كذلك إذ طلع ثلاث نسوة فجلسن قريبا منه وجعلن يتحدّثن ويتذاكرن الشعر والشعراء، وإذا هنّ من أفصح النساء وآدابهنّ. فقالت إحداهنّ: قاتل اللّه جميلا حيث يقول:
وبين الصّفا والمروتين ذكرتكم ... بمختلف ما بين ساع وموجف
وعند طوافي قد ذكرتك ذكرة ... هي الموت بل كادت على [3] الموت تضعف
فقالت الأخرى: بل قاتل اللّه كثيّر عزّة حيث يقول:
طلعن علينا بين مروة والصّفا ... يمرن [4] على البطحاء مور السحائب
فكدن لعمر اللّه يحدثن فتنة ... لمختشع من خشية اللّه تائب
فقالت الأخرى: قاتل اللّه ابن الزّانية نصيبا حيث يقول:
ألام على ليلى ولو أستطيعها ... وحرمة ما بين البنيّة والسّتر
لملت على ليلى بنفسي ميلة ... ولو كان في يوم التّحالق والنّحر
فقام نصيب إليهنّ فسلّم عليهنّ، فرددن عليه السّلام. فقال لهنّ: إنّي رأيتكنّ تتحادثن شيئا عندي منه علم.
فقلن: ومن أنت؟ فقال: اسمعن أوّلا. فقلن: هات. فأنشدهنّ قصيدته التي أوّلها:
ويوم ذي سلّم شاقتك نائحة ... ورقاء في فنن والريح تضطرب
فقلن له: نسألك باللّه وبحقّ هذه البنيّة، من أنت؟ فقال: أنا ابن المظلومة المقذوفة بغير جرم «نصيب».
فقمن إليه فسلّمن عليه ورحّبن به، واعتذرت إليه القائلة، وقالت: واللّه ما أردت سوءا، وإنّما حملني الاستحسان لقولك على ما سمعت. فضحك وجلس إليهنّ، فحادثهنّ إلى أن انصرفن.
__________
[1] مسنات الهوى: انقطع منها الغرض، فلا يرغب فيها أحد لكبرها.
[2] راث: أبطأ.
[3] كذا في ت، ح، ر. وفي سائر النسخ: «عن» وتضعف بمعنى تزيد إنما تتعدّى بعلي، وفي الحديث: «تضعف صلاة الجماعة على صلاة الفذ خمسة وعشرين درجة» أي تزيد عليها. و «عن» هنا بمعنى «على» وفي الشعر إقواء.
[4] يمرن: يتمايلن جائيات ذاهبات.
6 - أخبار ابن محرز ونسبه
نسب ابن محرز
هو مسلم بن محرز. فيما روى ابن المكّيّ، ويكنّى أبا الخطّاب، مولى بني عبد الدّار ابن [1] قصيّ. وقال ابن الكلبيّ: اسمه سلّم. قال ويقال: اسمه عبد اللّه. وكان أبوه من سدنة [2] الكعبة، أصله من الفرس، وكان أصفر أحنى [3] طويلا.
وأخبرني الحرميّ قال حدّثنا الزّبير قال حدّثني/ أخي هارون عن عبد الملك بن الماجشون قال:
اسم ابن محرز سلّم، وهو مولى بني مخزوم. وذكر إسحاق أنه كان يسكن المدينة مرّة ومكّة مرّة، فإذا أتى المدينة أقام بها ثلاثة أشهر يتعلّم الضّرب من عزّة الميلاء، ثم يرجع إلى مكّة فيقيم بها ثلاثة أشهر. ثم شخص [4] إلى فارس فتعلّم ألحان الفرس وأخذ غناءهم، ثم صار إلى الشأم فتعلّم ألحان الرّوم وأخذ غناءهم، فأسقط من ذلك ما لا يستحسن من نغم الفريقين، وأخذ محاسنها فمزج بعضها ببعض وألّف منها الأغاني التي صنعها في أشعار العرب، فأتى بما لم يسمع مثله. وكان يقال له صنّاج [5] العرب.
ابن محرز أوّل من غنى الرمل
أخبرني عمّي قال حدّثني أبو أيّوب المديني عن حمّاد بن إسحاق عن أبيه قال: قال أبي: أوّل من غنّى الرّمل ابن محرز وما غنّي قبله. فقلت له: ولا بالفارسية؟ قال: ولا بالفارسية، وأوّل [6] من غنّى رملا بالفارسية سلمك [7] في أيّام الرشيد، استحسن لحنا من ألحان ابن محرز، فنقل لحنه إلى الفارسية وغنّى فيه.
__________
[1] كذا في ت. وفي ح، ر: «مولى أبي الخطاب بن قصيّ». وفي سائر النسخ: «مولى بني عبد الدار من قصيّ» وكلاهما محرّف. قال في «شرح القاموس»: «و الدار صنم، وبه سمي عبد الدار بن قصيّ بن كلاب أبو بطن».
[2] السدنة: جمع سادن، وهو خادم الكعبة. وكانت السّدانة واللواء لبني عبد الدار في الجاهلية، فأقرّها النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم لهم في الإسلام.
[3] كذا في أ، م، ر: ومعناه محدودب الظهر، يقال: رجل أحنى الظهر إذا كان في ظهره إحديداب. وفي سائر النسخ: «أجنى» بالجيم المعجمة. ولعل الأصل «أجنأ» بالهمز ومعناه أحدب الظهر أيضا، ويقال: جنىء الرجل يجنأ جنأ وهو أجنأ إذا أشرف كاهله على صدره.
[4] كذا في أ، ت، ح، ر. وفي سائر النسخ: «ثم يشخص إلى فارس فيتعلم الخ».
[5] الصنج: صفيحة مدوّرة من الصّفر يضرب بها على أخرى مثلها للطرب، وهو أيضا ما يجعل في إطار الدف من الهنات المدوّرة.
وأما الصنج ذو الأوتار الذي يلعب به فمختص بالعجم معرّب، واللاعب به يقال له صنّاج وصناجة، وكان أعشى بكر يسمى صنّاجة العرب، لجودة شعره.
[6] وفي ت: «أوّل» بغير واو.
[7] في ح: «سملك».
كان ابن محرز بعيد عن الناس حمل ذكره فما يذكر منه إلا غناؤه
قال أبو أيّوب وقال إسحاق: كان ابن محرز قليل الملابسة للناس، فأحمل ذلك ذكره فما يذكر منه إلّا غناؤه، وأخذت أكثر غنائه جارية كانت لصديق له من أهل مكة كانت تألفه، فأخذه الناس عنها. ومات بداء كان به. وسقط إلى فارس فأخذ غناء الفرس، وإلى الشأم فأخذ غناء الروم، فتخيّر من نغمهم ما تغنّى به غناءه. وكان يقدم بما يصيبه فيدفعه إلى صديقه ذاك فينفقه كيف شاء، لا يسأله عن شيء منه، حتّى إذا كاد أن [1] ينفد جهّزه وأصلح من أمره، وقال له: إذا شئت فارحل، فيرحل ثم يعود. فلم يزل كذلك حتى مات.
ابن محرز أوّل من غنّى بزوج من الشعر واقتدى به المغنون في ذلك
[قال [2]]: وهو أوّل من غنّى بزوج من الشّعر، وعمل ذلك بعده المغنّون اقتداء به. وكان يقول: الأفراد لا تتمّ بها الألحان. وذكر أنه أوّل ما أخذ الغناء أخذه عن ابن مسجح. قال إسحاق: وكانت العلّة التي مات بها الجذام، فلم يعاشر الخلفاء ولا خالط الناس لأجل ذلك.
قال أبو أيّوب قال إسحاق: قدم ابن محرز يريد [3] العراق، فلمّا نزل القادسيّة [4] لقيه حنين، فقال له: كم منّتك نفسك من العراق؟ قال: ألف دينار. قال: فهذه خمسمائة دينار فخذها وانصرف واحلف ألّا تعود.
علو كعبه في صنعة الغناء
وقال إسحاق: وقلت ليونس: من أحسن الناس غناء؟ قال: ابن محرز. قلت: وكيف قلت [5] ذاك؟ قال: إن شئت فسّرت، وإن شئت أجملت. قلت: أجمل. قال: كأنه خلق من كلّ قلب، فهو يغنّي لكل إنسان بما يشتهي.
وهذه الحكاية بعينها قد حكيت في ابن سريج، ولا أدري أيّهما الحقّ.
قال إسحاق: وأخبرني الفضل بن يحيى بن خالد أنه سأل بعض من يبصر الغناء: من أحسن الناس غناء؟
فقال: أمن الرجال أم من النساء؟ فقلت: من الرجال. فقال: ابن محرز. فقلت: فمن النساء؟ فقال: ابن سريج.
قال: وكان إسحاق يقول: الفحول ابن سريج، ثم ابن محرز، ثم معبد ثم الغريض، ثم مالك.
أخبرني الحسين بن يحيى قال قال حمّاد: قرأت على أبي حدّثنا بعض أهل المدينة، وأخبرني بهذا الخبر الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثني أخي هارون عن عبد الملك بن الماجشون قال:
كان ابن محرز أحسن الناس غناء، فمرّ بهند بنت كنانة بن عبد الرحمن بن نضلة بن صفوان بن أمية بن محرّث [6] الكنانيّ حليف/ قريش، فسألته أن يجلس لها ولصواحب لها، ففعل وقال: أغنّيكنّ صوتا أمرني
__________
[1] كذا في أكثر النسخ، وهو غير الفصيح في كاد من عدم اقتران خبرها بأن. وفي ح، ر: «كان ينفد» بالنون. وهو تحريف.
[2] زيادة في ت، ح، ر.
[3] في ت، ح، ر: «بلد العراق».
[4] القادسية: بلدة قرب الكوفة بينها وبين الكوفة خمسة عشر فرسخا وبينها وبين العذيب أربعة أميال، وكانت بها وقعة القادسية المعروفة بين المسلمين والفرس في عهد عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه سنة 16 من الهجرة.
[5] في ت: «قلت دع وكيف ذاك».
[6] كذا في ت، أ، م، ء. وفي سائر النسخ: «محرز». قال في «القاموس» و «شرحه»: وسموا محرّثا كمحمد، قال ابن الأعرابيّ: هو اسم جدّ صفوان بن أميّة بن محرّث، وصفوان هذا أحد حكام كنانة ا ه.
الحارث بن خالد بن العاص بن هشام أن أغنّيه عائشة بنت طلحة بن عبيد اللّه في شعر له قاله فيها وهو يومئذ أمير مكة؟ قلن نعم. فغنّاهنّ:
صوت
فوددت إذ شحطوا وشطّت دارهم ... وعدتهم عنّا عواد تشغل
أنّا نطاع وأن تنقّل أرضنا ... أو أنّ أرضهم إلينا تنقل
لتردّ من كثب إليك رسائلي ... بجوابها ويعود ذاك المرسل [1]
عروّضه من الكامل. الغناء في هذه الأبيات خفيف رمل مطلق في مجرى البنصر، ذكر عمرو بن بانة أنه لابن محرز، وذكر إسحاق أنه لابن سريج.
ابن محرز وحنين الحيري
وقال أبو أيّوب المدينيّ في خبره: بلغني أنّ ابن محرز لمّا شخص يريد العراق لقيه حنين فقال له: غنّني صوتا من غنائك. فغنّاه:
صوت
وحسن [2] الزّبرجد في نظمه ... على واضح اللّيت [3] زان العقودا
يفصّل ياقوته درّه ... وكالجمر أبصرت فيه الفريدا [4]
عروضه من المتقارب. الشعر لعمر بن أبي ربيعة. والغناء لابن محرز ثاني ثقيل بالسّبّابة في مجرى البنصر - قال: فقال له حنين حينئذ: كم أمّلت من العراق؟ قال: ألف دينار. فقال له: هذه خمسمائة دينار فخذها وانصرف. ولمّا شاع ما فعل لامه أصحابه عليه؛ فقال: واللّه لو دخل العراق لما كان لي معه فيه خبز آكله، ولا طّرحت وسقطت إلى آخر الدهر. وهذا الصوت أعنى:
وحسن الزبرجد في نظمه
/ من صدور أغاني ابن محرز وأوائلها وما لا يتعلّق بمذهبه فيه ولا يتشبّه به أحد. ومما يغنّى فيه من قصيدة نصيب التي أوّلها:
أهاج هواك المنزل المتقادم
صوت
لقد راعني للبين نوح حمامة ... على غصن بان جاوبتها حمائم
__________
[1] كذا في ح، ر وفي سائر النسخ: «الدخلل» رد خلل الرجل بضم اللام وفتحها: الذي يداخله في أموره كلها ويعرف سرّه.
[2] كذا في «ديوانه» وأكثر النسخ. وفي ت: «و حرّ». وفي ح، ر: «و جرى» ولعله محرّف عن «و حر».
[3] الليت: صفحة العنق.
[4] الفريد: الدرّ إذا نظم وفصل بغيره.
هواتف أمّا من بكين فعهده ... قديم وأمّا شجوهنّ فدائم
الغناء لابن سريج من رواية يونس وعمرو وابن المكيّ، وهو ثاني ثقيل بالبنصر، وهو من جيّد الألحان وحسن الأغاني، وهو مما عارض ابن سريج فيه ابن محرز وانتصف منه.
ذكر الأصوات التي رواها جحظة عن أصحابه وحكى أنها من الثلاثة المختارة
صوت
إلى جيداء قد بعثوا رسولا ... ليحزنها فلا صحب الرّسول
كأنّ العام ليس بعام حجّ ... تغيّرت المواسم والشكول [1]
/الشعر للعرجيّ، والغناء لإبراهيم الموصليّ، ولحنه المختار ماخوريّ بالوسطى. وهو من خفيف الثّقيل الثاني على مذهب إسحاق. وفيه لابن سريج ثاني ثقيل بالسّبّابة. في مجرى البنصر، وذكر عمرو بن بانة أنّ الماخوريّ لابن سريج.
__________
[1] الشكول: جمع شكل.
7 - أخبار العرجيّ ونسبه
نسب العرجي من قبل أبويه
هو عبد اللّه بن عمر [1] بن عمرو بن عثمان بن عفّان بن أبي العاصي بن أميّة بن عبد شمس. وقد شرح هذا النسب في نسب أبي قطيفة. وأمّ عفّان وجميع بني أبي العاصي آمنة بنت عبد العزّى بن حرثان [2] بن عوف بن عبيد بن عويج بن عديّ بن كعب. وأمّ عثمان أروى بنت كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس. وأمّها البيضاء أمّ حكيم بنت عبد المطّلب بن هاشم بن عبد مناف، وهي أخت عبد اللّه بن عبد المطّلب أبى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم، لأمّه [و أبيه] [3] ولدا في بطن واحد. وأمّ عمرو بن عثمان أمّ أبان بنت جندب الدّوسيّة.
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء والطّوسيّ قالا حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثني عليّ بن صالح عن يعقوب بن محمد عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز قال حدّثني محرز بن جعفر عن أبيه عن جدّه قال:
قدم جندب بن عمرو بن حممة الدّوسيّ المدينة مهاجرا في خلافة عمر بن الخطاب، ثم مضى إلى الشأم وخلّف ابنته أمّ أبان عند عمر، وقال له: يا أمير المؤمنين،/ إن وجدت لها كفئا فزوّجه بها ولو بشراك نعله [4]، وإلا فأمسكها حتى تلحقها بدار قومها بالسّراة [5]. فكانت عند عمر، واستشهد أبوها، فكانت تدعوا عمر أباها ويدعوها ابنته. قال: فإنّ عمر على المنبر يوما يكلّم الناس في بعض الأمر [6] إذ خطر على قلبه ذكرها، فقال: من له في الجميلة الحسيبة بنت جندب بن عمرو بن حممة، وليعلم امرؤ من هو! فقام عثمان فقال: إنا يا أمير المؤمنين. فقال أنت لعمر اللّه! كم سقت إليها؟ قال: كذا وكذا. قال: قد زوّجتكها، فعجّله؛ فإنها معدّة. قال: ونزل عن المنبر.
فجاء عثمان رضي اللّه عنه بمهرها، فأخده عمر في ردنه [7] فدخل به عليها، فقال: يا بنيّة، مدّي حجرك، ففتحت حجرها، فألقى فيه المال، ثم قال: يا بنيّة، قولي اللّهمّ بارك لي فيه. فقالت: اللهم بارك لي فيه، وما هذا يا أبتاه؟
__________
[1] كذا في أكثر النسخ. في ت: «هو عبد اللّه بن عمرو بن عمرو بن عثمان بن عفان». وفي ح، م: «عبد اللّه بن عمرو بن عثمان بن عفان» ومثله ما في «القاموس» في الكلام على العرج قال: «و منزل بطريق مكة منه عبد اللّه بن عمرو بن عثمان بن عفان العرجيّ الشاعر». ويظهر أن هذا ناقص؛ فإن المعروف بعبد اللّه بن عمرو بن عثمان بن عفان شخص آخر محدّث ذكره صاحب «تهذيب التهذيب» وقال: إنه المعروف بالمطرف مات سنة 96 ه، ولهذا يظهر أن في قول شارح «القاموس»: «و في بعض النسخ عبد اللّه بن عمر بن عمرو بن عثمان ولم يتابع عليه». نظرا. وقد ذكره ياقوت في «معجمة» فقال «إنه عبد اللّه بن عمر بن عبد اللّه بن عمرو بن عثمان بن عفان».
[2] كذا في أ، ت. وفي ب، س: «حريان». وفي ء: «حربان». وفي ح: «حدثان». وفي م: «حربان» من غير نقط.
[3] تكملة يقتضيها الكلام.
[4] شراك النعل: سيرها الذي على ظهر القدم. وهو مثل في القلة.
[5] سراة كل شي ء: أعلاه وهي مضافة إلى عدّة قبائل ومواضع وهي كثيرة. قال أبو عمرو بن العلاء: أفصح الناس أهل السروات وهي ثلاث، وهي الجبال المطلة على تهامة مما يلي اليمن: أوّلها هذيل وهي تلي السهل من تهامة، ثم بجبلة وهي السراة الوسطى وقد شركتهم ثقيف في ناحية منها، ثم سراة الأزد أزد شنوءة وهم بنو كعب بن الحارث بن كعب بن عبد اللّه بن مالك بن نصر بن الأزد.
[6] في ح، ب، س: «الأمور».
[7] في ت: «يده». والردن: الكم.
قال: مهرك. فنفحت به [1] وقالت: واسوأتاه! فقال: احتبسي منه لنفسك ووسّعي منه لأهلك، وقال لحفصة:
يا بنتاه، أصلحي من شأنها وغيّري بدنها [2] واصبغي ثوبها، ففعلت. ثم أرسل بها مع نسوة إلى عثمان. فقال عمر لمّا فارقته: إنها أمانة في عنقي أخشى/ أن تضيع بيني وبين عثمان، فلحقهنّ فضرب على عثمان بابه، ثم قال: خذ أهلك بارك اللّه لك فيهم. فدخلت على عثمان، فأقام عندها مقاما طويلا لا يخرج إلى حاجة. فدخل عليه سعيد بن العاص فقال له: يا أبا عبد اللّه، لقد أقمت عند هذه الدّوسيّة مقاما ما كنت تقيمه عند النساء. فقال: أما إنه ما بقيت خصلة كنت أحبّ أن تكون في امرأة إلا صادفتها فيها ما خلا خصلة واحدة. قال: وما هي؟ قال: إنّي رجل قد دخلت في السّنّ، وحاجتي في النساء الولد، وأحسبها حديثة لا ولد فيها/ اليوم. قال: فتبسّمت. فلمّا خرج سعيد من عنده قال لها عثمان: ما أضحكك؟ قالت: قد سمعت قولك في الولد، وإني لمن نسوة ما دخلت امرأة منهنّ على سيّد قطّ فرأت حمراء [3] حتى تلد سيّد من هو منه. قال: فما رأت حمراء حتى ولدت عمرو بن عثمان. وأمّ عمر بن عمرو بن عثمان وأمّ ولد. وأمّ العرجيّ آمنة بنت عمر بن عثمان؛ وقال إسحاق: بنت سعيد بن عثمان، وهي لأمّ ولد.
سبب تلقبه بالعرجي ونحوه نحو عمر بن أبي ربيعة في شعره
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثني عمّي:
أنه إنما لقّب العرجيّ لأنه كان يسكن عرج [4] الطائف. وقيل: بل سمّي بذلك لماء كان له ومال عليه بالعرج.
وكان من شعراء قريش، ومن شهر بالغزل منها، ونحا نحو عمر بن أبي ربيعة في ذلك وتشبّه به فأجاد. وكان مشغوقا باللّهو والصّيد حريصا عليهما قليل المحاشاة [5] لأحد فيهما. ولم يكن له نباهة في أهله، وكان أشقر أزرق جميل الوجه. وجيداء التي شبّب بها هي أمّ محمد بن هشام بن إسماعيل/ المخزوميّ، وكان ينسب بها ليفضح ابنها لا لمحبّة كانت بينهما؛ فكان ذلك سبب حبس محمد إيّاه وضربه له، حتى مات في السّجن.
وأخبرني محمد بن مزيد إجازة عن حمّاد بن إسحاق فذكر أن حمادا حدّثه عن إسحاق عن أبيه عن بعض شيوخه:
أنّ العرجيّ كان أزرق كوسجا [6] ناتىء الحنجرة، وكان صاحب غزل وفتوّة [7]، وكان يسكن بمال له في الطائف يسمّى العرج؛ فقيل له العرجيّ ونسب إلى ماله. وكان من الفرسان المعدودين مع مسلمة بن عبد الملك بأرض الروم، وكان له معه بلاء حسن ونفقة كثيرة.
__________
[1] كذا في أ، م، ت، ح. ونفحت به: رمت به وردّته. وفي ب، س: «فنفخت فيه» ومعناه رمته وردته كما تنفخ الشيء إذا دفعته عنك. قال في «اللسان» (مادة نفخ): وفي الحديث «رأيت كأنه وضع في يديّ سواران من ذهب فأوحى إليّ أن انفخهما» أي ارمهما والقهما كما تنفخ الشيء إذا دفعته عنك. وإن كانت بالحاء المهملة فهو من نفحت الشيء إذا رميته أه. وفي ء: «فتعجبت به».
[2] البدن: شبه درع إلا أنه قصير قدر ما يكون على الجسد فقط قصير الكمين، وبه فسر ثعلب قوله تعالى: (فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً)
[3] فرأت حمراء، كناية عن الحيض. تريد أنها تلد من يفوق أباه.
[4] عرج الطائف: قرية جامعة في واد من نواحي الطائف وهي أوّل تهامة، وبينها وبين المدينة ثمانية وسبعون ميلا، وهي في بلاد هذيل.
[5] أي قليل المبالاة والاكتراث بأحد فيهما.
[6] الكوسج: الأثطّ وهو الخفيف شعر اللحية أو الخفيف شعر العارضين.
[7] في ت: «و فتوّة ومروءة».
قال إسحاق: قد ذكر عتبة بن إبراهيم اللّهبيّ [1]: أنّ العرجيّ فيما بلغه باع أموالا عظاما كانت له وأطعم ثمنها في سبيل اللّه حتى نفد ذلك كلّه. وكان قد اتّخذ غلامين، فإذا كان الليل نصب قدره [2] وقام الغلامان يوقدان، فإذا نام واحد قام الآخر، فلا يزالان كذلك حتى يصبحا، يقول: لعلّ طارقا يطرق.
أخبرني حبيب بن نصر قال حدّثنا أحمد بن أبي خيثمة قال حدّثني مصعب، وأخبرنا الحرميّ عن الزّبير عن عمّه مصعب، وعن محمد بن الضّحّاك بن عثمان عن أبيه قال، دخل حديث بعضهم في بعض، وأخبرني محمد بن مزيد عن حمّاد عن أبيه عن مصعب قال:
العرجيّ خليفة عمر بن أبي ربيعة
كانت حبشيّة من مولدّات مكة ظريفة صارت إلى المدينة، فلمّا أتاهم موت عمر بن أبي ربيعة اشتدّ جزعها وجعلت تبكي وتقول: من لمكة وشعابها وأباطحها ونزهها ووصف نسائها وحسنهنّ وجمالهنّ ووصف ما فيها! فقيل لها: خفّضي عليك؛ فقد نشأ فتى من ولد عثمان رضي اللّه عنه يأخذ مأخذه ويسلك مسلكه. فقالت: أنشدوني من شعره، فأنشدوها؛ فمسحت عينها وضحكت وقالت: الحمد للّه الذي لم يضيّع حرمه.
العرجيّ وكلابة مولاة عبد اللّه بن القاسم العبلى
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثني الزّبير بن بكّار قال حدّثني عمّي مصعب، وأخبرني محمد بن مزيد قال حدّثنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه عن عورك [3] الّلهبيّ:
أنّ مولاة لثقيف يقال لها كلابة [4] كانت عند عبد اللّه بن القاسم الأمويّ العبليّ [5]، وكان يبلغها تشبيب العرجيّ بالنساء وذكره لهنّ في شعره، وكانت كلابة تكثر أن تقول: لشدّ ما اجترأ العرجيّ على نساء قريش حين [6] يذكرهنّ في شعره! ولعمري/ ما لقي أحدا فيه خير،/ ولئن لقيته لأسوّدنّ وجهه! فبلغه ذلك عنها. قال إسحاق في خبره: وكان العبليّ نازلا على ماء لبني نصر بن معاوية يقال له الفتق [7] على ثلاثة أميال من مكّة على طريق من جاء
__________
[1] لا ندري أهو منسوب إلى أبي لهب عم النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، أم إلى لهب وهي قبيلة من الأزد، وقد نسب لهما جميعا. وممن نسب إلى الأوّل إبراهيم بن أبي حميد اللهبي وإبراهيم بن أبي خداش اللهبي من أهل مكة. ولا ندري أعتبة هذا ابن أحدهما أم لا.
[2] في ت: «قدوره».
[3] تقدّم هذا الإسم في صفحة 40 من هذا الجزء وقال عنه صاحب «الأغاني»: إنه الحسن بن عتبة. وسيرد في الجزء الثامن من «الأغاني» في ذكر الحارث بن خالد ونسبه وخبره وقال عنه: إنه المعروف بفورك بالفاء.
[4] كذا في الأصول عارية عن الضبط غير أنه في نسخة ت ضبطت في هذا الموضع بضم الكاف وفتح اللام. وفي أحين ذكرت في الشعر الآتي بعد ضبطت بضم الكاف فقط. ولم نعثر في «كتب اللغة والتراجم» على التسمية بهذا الإسم، غير أن وزن الشعر يحتم تخفيف اللام. ويغلب على الظن أن وزنها فعالة بضم ففتح؛ وقد سمّي به كثيرا كقحافة وثمامة وأمامة وغيرها.
[5] هو بفتح العين وإسكان الباء نسبة إلى عبلة أم قبيلة من قريش يقال لهم العبلات من بني أمية الصغرى، والنسبة إليهم عبلى بفتح فسكون؛ لأن النسبة إلى الجمع يراعي فيها المفرد. وقال ابن ماكولا: النسبة إليهم عبلى بفتح العين والباء. قال المرتضى:
والتحريك خطأ كما حققه البلبيسي في «الأنساب». وأما العبل - بفتح العين والباء - بن عمر بن مالك بن زيد بن رعين فأبو قبيلة أخرى.
[6] كذا في ت، ب، ح. وفي سائر النسخ: «حتى».
[7] في الأصول: «الفنق» بفاء فنون. وهو مصحف عن الفتق بفاء فتاء. قال في ياقوت: «الفتق قرية بالطائف. وفي كتب «المغازي» أن النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم سيّر قطبة بن عامر بن حديدة إلى تبالة ليغير على خثعم في سنة تسع، فسلك على موضع يقال له فتق. وقرأت بخط بعض الفضلاء: الفتق من مخاليف الطائف بفتح الفاء وسكون التاء. وفي «كتاب الأصمعي» في ذكر نواحي الطائف فقال: و «قرية الفتق» أه.
من نجران أنو تبالة إلى مكّة، والعرج أعلاها قليلا ممّا يلي الطائف. فبلغ العرجيّ أنه خرج إلى مكّة، فأتى قصره فأطاف [1] به، فخرجت إليه كلابة وكان خلّفها في أهله، فصاحت به: إليك، ويلك! وجعلت ترميه بالحجارة وتمنعه أن يدنو من القصر. فاستسقاها ماء فأبت أن تسقيه، وقالت: لا يوجد واللّه أثرك عندي أبدا فيلصق بي منك شرّ. فانصرف وقال: ستعلمين! وقال:
صوت
حور بعثن رسولا في ملاطفة ... ثقفا [2] إذا غفل [3] النّسّاءة [4] الوهم [5]
إليّ أن إيتنا هدأ [6] إذا غفلت ... أحراسنا وافتضحنا إن هم علموا
فجئت أمشي على هول أجشمه ... تجشّم المرء هولا في الهوى كرم
إذا تخوّفت من شيء أقول له ... قد جفّ فامض بشيء قدّر القلم
أمشي كما حرّكت ريح يمانية ... غصنا من البان رطبا طلّه [7] الدّيم
/ في حلّة من طراز السّوس [8] مشربة [9] ... تعفو [10] بهدّابها ما أثّرت قدم
خلّت سبيلي كما خلّيت ذا عذر [11] ... إذا رأته عتاق الخيل ينتجم [12]
وهنّ في مجلس خال وليس له ... عين عليهنّ أخشاها ولا ندم [13]
حتى جلست إزاء الباب مكتتما ... وطالب الحاج تحت الليل مكتتم
أبدين لي أعينا نجلا كما نظرت ... أدم هجان أتاها مصعب [14] قطم
__________
[1] في ت: «فطاف» وكلاهما فصيح.
[2] يقال: رجل ثقف وثقف وثقف، إذا كان حاذقا فهما.
[3] كذا في ت. وفي ح: «استيقظ». وفي سائر النسخ: «عقل» وكلاهما ظاهر التحريف.
[4] النساءة: صيغة مبالغة في الناسي، والتاء فيه للمبالغة.
[5] الوهم: الكثير الوهم وهو السهو والغلط.
[6] الهدء: الثلث الأوّل من الليل، وذلك ابتداء سكونه وانقطاع الناس عن المشي والاختلاف في الطرق.
[7] طله هنا: أمطره. والديم: جمع ديمة، وهي مطر يدوم في سكون بلا رعد وبرق.
[8] السوس: بلدة بخوزستان فيها قبر دانيال النبي عليه السّلام. قال في كتاب «لطائف المعارف» للثعالبي طبع أوروبا ص 107 في ذكر خصائص البلاد: «و منها السوس التي بها طراز الخزوز الثمينة الملوكية».
[9] الإشراب: أن تخلط لونا بلون آخر، كأن أحد اللونين سقي الآخر؛ يقال: أشرب الأبيض حمرة إذا علاه ذلك. وفي ت: «معلمة».
والمعلم: الثوب الذي جعلت فيه علامة.
[10] في ت: «أعفو».
[11] العذر: جمع عذار، وهو من الافرس كالعارض للإنسان، ثم سمى السير الذي يكون عليه من اللجام عذرا باسم موضعه. وقيل:
عذار اللجام السيران اللذان يجتمعان عند القفا.
[12] كذا في أكثر النسخ. وفي ت: «تنتجم». ولعله مصحف عن تنتحم. والنحيم: صوت يخرج من صدر الفرس كالزحير أو هو فوقه.
[13] كذا في أكثر النسخ، وهو هنا بمعنى الأثر. وفي ح: «و لا قدم» وهو هنا مجاز عن الشخص الذي يسعى بالشرّ. وبهذا ينتفي الإيطاء لأختلاف المعنى.
[14] المصعب: الفحل الذي يودع من الركوب والعمل للفحلة. والقطم: المشتهى للضراب.
قالت كلابة من هذا؟ فقلت لها ... أنا الذي أنت من أعدائه زعموا
أنا امرؤ جدّ بي حبّ فأحرضني [1] ... حتى بليت وحتى شفّني السّقم
لا تكليني إلى قوم لو انّهم ... من بغضنا أطعموا الحمى إذا طعموا
وأنعمي نعمة تجزي بأحسنها ... فطالما مسّني من أهلك النّعم
ستر المحبّين في الدنيا لعلّهم ... أن يحدثوا توبة فيها إذا [2] أثموا
هذي يميني رهن بالوفاء لكم ... فارضي بها ولأنف الكاشح الرّغم [3]
/قالت رضيت ولكن جئت في قمر ... هلّا [4] تلبّثت حتى تدخل الظّلم
فبتّ أسقي بأكواس [5] أعلّ بها ... من بارد طاب منها الطّعم والنّسم [6]
حتّى بدا ساطع للفجر نحسبه ... سنى حريق بليل حين يضطرم
كغرّة الفرس المنسوب [7] قد حسرت [8] ... عنه الجلال [9] تلالا وهو يلتجم [10]
ودّعتهنّ ولا شيء يراجعني ... إلا البنان وإلا الأعين السّجم [11]
إذا أردن كلامي عنده اعترضت ... من دونه عبرات فانثنى الكلم
تكاد إذ رمن نهضا للقيام معي ... أعجازهنّ من الأنصاف تنقصم
قال: فسمع ابن القاسم العبليّ بالشّعر يغنّى به، وكان العرجيّ قد أعطاه جماعة من المغنّين/ وسألهم أن يغنّوا فيه، فصنعوا في أبيات منه عدّة ألحان، وقال: واللّه لا أجد لهذه الأمة شيئا أبلغ من إيقاعها تحت التّهمة عند ابن القاسم ليقطع مأكلتها من ماله. قال: فلمّا سمع العبليّ بالشعر يغنّى به أخرج كلابة واتّهمها، ثم أرسل بها بعد زمان على بعير بين غرارتي بعر، فأحلفها بمكّة بين الرّكن والمقام إنّ العرجيّ كذب فيما قاله. فحلفت سبعين يمينا، فرضي عنها وردّها. فكان بعد ذلك إذا سمع قول العرجيّ:
فطالما مسّني من أهلك النّعم
/ قال: كذب واللّه ما مسّه ذلك قطّ. وقال إسحاق: وقد قيل: إنّ صاحب هذه القصيدة [و القصة] [12] أبو
__________
[1] في ت: «فأجرضني» بالجيم. وقد تقدّم الكلام عليهما في الحاشية رقم 3 ص 281 من هذا الجزء.
[2] في ت، م، ء،: «و إن».
[3] الرغم (مثلثة الراء مع سكون الغين): الذل والقسر؛ وأصله أن يلتصق أنفه بالرغام وهو التراب. وقد حرّك في الشعر للضرورة.
[4] في م، ء: «ألّا» وهي بمعنى «هلّا».
[5] كذا في الأصول. والموجود في «كتب اللغة» جمعا لكأس أكؤس وكئاس وكؤوس وكأسات. فلعله محرّف عن «أكواب».
[6] النسم والنسيم: الريح الطليبة.
[7] المنسوب: الأصيل الكريم.
[8] حسر الشيء عن الشيء يحسره ويحسره فانحسر هنا: كشفه.
[9] الجلال: جمع جلّ، وهو ما تلبسه الدابة لتصان به.
[10] ألجمت الفرس فالتجم أي ألبسته اللجام فلبسه.
[11] السجم: جمع سجوم. والسجوم من العيون: الكثيرة سيلان الدمع.
[12] زيادة في ت.
حراب [1] العبليّ، وإنّ كلابة كانت أمة لسعدة بنت عبد اللّه بن عمرو [2] بن عثمان، وكان العرجيّ قد خطبها وسمّيت [3] به، ثم خطبها يزيد بن عبد الملك أو الوليد بن [4] يزيد فزوّجته [5]، فقال العرجيّ هذا الشعر فيها. غنّى في قوله:
أمشي كما حرّكت ريح يمانية
عليّ بن هشام هزجا مطلقا بالبنصر، وفيه للمسدود [6] هزج آخر طنبوريّ، ذكر ذلك جحظة. وفي:
لا تكليني إلى قوم لو انهم
رمل لابن سريج عن ابن المكّيّ وإسحاق [7] بالسّبّابة في مجرى الوسطى. وفي «قالت كلابة» والذي بعده لعبيد [8] اللّه بن أبي غسّان لحن من خفيف الرّمل. ولنبيه [9] في «أنا امرؤ جدّبي» وما بعده، هزج بالوسطى.
ولدحمان في «حور بعثن» وما بعده، هزج بالوسطى، وروى عنه الهشاميّ فيه ثقيلا أوّل [10]. ولأبي عيسى بن المتوكّل في «و أنعمي نعمة» وبيتين بعده، ثقيل أوّل.
/ وأخبرني بخبر العرجيّ وكلابة هذه الحرميّ بن أبي العلاء عن الزّبير بن بكّار عن عمّه مصعب، وأخبرني به وكيع عن أبي أيّوب المدينيّ عن مصعب وذكر نحوا مما ذكره إسحاق؛ وزعما أن كلابة كانت قيّمة لأبي حراب العبليّ وهو محمد بن عبد اللّه بن محمد بن عبد اللّه بن الحارث بن أميّة الأصغر بن عبد شمس.
أيوب بن مسلمة وأشعب يتذكران شعر للعرجيّ
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال أخبرني مسلمة بن إبراهيم بن هشام قال:
كنت عند أيّوب بن مسلمة ومعنا أشعب، فذكر قول العرجيّ:
سأين ما قلت متّ قبلك أينا ... أين تصديق ما وعدت [11] إلينا
فلقد خفت منك أن تصرمي الحب ... ل وأن تجمعي مع الصّرم بينا
__________
[1] كذا بالحاء في أكثر النسخ. وفي ب: «أبو جراب» بالجيم وقد سمى بهما. وقد تقدّم في ص 210 من هذا الجزء أنه محمد بن عبد اللّه المعروف بأبي جراب العبلى (بالجيم) الذي قتله داود بن علي وأنه أخو الثريا.
[2] في ب، س: «عبد اللّه بن عمر بن عمرو بن عثمان» وهو خطأ (راجع «المعارف» لابن قتيبة ص 99 و100).
[3] الضمير فيه لسعدة بنت عبد اللّه بن عمرو بن عثمان بن عفان، وقد كانت ابنة عم العرجي. ويريد بقوله: وسميت به أنه عرف عند الناس أنها خطيبته.
[4] في «تاريخ ابن جرير الطبري» طبع أوروبا قسم 2 ص 1464 و1465: أن سعدة امرأة يزيد بن عبد الملك، وقد ذكر قصتها مع يزيد في شراء حبابة المغنية، فراجعها.
[5] في ب، س: «فتزوّجته».
[6] هو مغنّ ستأتي ترجمته في الجزء الحادي والعشرين من «الأغاني».
[7] في ت، ح: «و لإسحاق».
[8] في ت، ء: «عبد اللّه».
[9] كان نبيه في أوّل أمره شاعرا لا يغني، ثم هوى قينة ببغداد فتعلم الغناء من أجلها، ولم يزل يتزيد حتى جاد غناؤه وعدّ في المحسنين. ولم نعثر له على ضبط خاص. وقد سمى بنبيه كأمير ونبيه كزبير.
[10] كذا في أكثر النسخ. وفي ح: «ولدحمان في حور بعثن وما بعده ثقيل أوّل عن الهشاميّ».
[11] في ت، ح: «عهدت».
ما تقولين في فتى هام إذ ها ... م بمن لا ينال جهلا وحينا
فاجعلي بيننا وبينك عدلا ... لا تحيفي ولا يحيف علينا
واعلمي أنّ في القضاء شهودا ... أو يمينا فأحضري شاهدينا
خلّتي لو قدرت منك على ما ... قلت لي في الخلاء حين التقينا
ما تحرّجت من دمي علم اللّ ... ه ولو كنت قد شهدت حنينا
قال فقال أيّوب لأشعب: ما تظنّ أنّها وعدته [1]؟ قال: أخبرك يقينا لا ظنّا أنّها وعدته أن تأتيه في شعب من شعاب العرج يوم الجمعة إذا نزل الرجال إلى الطائف للصّلاة، فعرض لها عارض [2] شغل فقطعها عن موعده. قال: فمن كان الشاهدان؟ / قال: كسير وعوير، وكلّ غير خير [3]: فند [4] أبو زيد مولى عائشة بنت سعد، وزور [5] الفرق مولى الأنصار. قال: فمن العدل الحكم؟ قال:/ حصين بن غرير [6] الحميريّ. قال: فما حكم به؟ قال: أدّت إليه حقّه وسقطت المؤنة عنه. قال: يا أشعب، لقد أحكمت صناعتك! قال: سل علّامة عن علمه.
شعر العرجي في عاتكة زوجة طريح بن إسماعيل الثقفيّ
أخبرني محمد بن مزيد قال حدّثنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه عن عورك [7] اللّهبيّ قال:
قال العرجيّ في امرأة من بني حبيب (بطن من بني نصر بن معاوية) يقال لها عاتكة، وكانت زوجة طريح بن إسماعيل الثّقفيّ:
يا دار عاتكة التي بالأزهر ... أو فوقه بقفا الكثيب الأحمر [8]
لم ألق أهلك بعد عام لقيتهم ... يا ليت أنّ لقاءهم لم يقدر
__________
[1] كذا في م، ء، س. وفي ح: «ما نظنها وعدته». وفي سائر النسخ: «ما نظن أنها وعدته».
[2] في ب. س: «أعرض لها شغل».
[3] في «مجمع الأمثال» للميداني: أن أوّل من قال هذا المثل أمامة بنت نشبة بن مرة، تزوّجها رجل من غطفان أعور، فمكثت عنده ثم نشزت عليه فطلقها، فزوّجت من حارثة بن مرة من بني سليم وكان أعرج مكسور الفخذ. فلما دخل بها ورأته كذلك قالت هذا المثل. وفي ياقوت في الكلام على كسير: كسير وعوير: جبلان عظيمان مشرفان على أقصى بحر عمان صعبا المسلك وعرا المصعد وأورد المثل: «كسير وعوير وثالث ليس فيه خير». (انظر «مجمع الأمثال» للميداني و «ياقوت» و «شرح القاموس»).
[4] هو فند مولى عائشة بنت سعد بن أبي وقاص، وكان أحد المغنّين المجيدين، وكان يجمع بين الرجال والنساء، وله يقول ابن قيس الرقيات:
قل لفند يشيّع الأظعانا ... طالما سرّ عيشنا وكفانا
وكانت عائشة أرسلته يأتيها بنار، فوجد قوما يخرجون إلى مضر فخرج معهم فأقام بها سنة، ثم قدم فأخذ بنار وجاء يعدو فقال:
«تعست العجلة» فصارت مثلا. ولهذا قيل في المثل: «أبطأ من فند».
[5] كذا في ب، س، ح. وفي م، أ، ت، د: «وزرّ الفرق». وفي معاهد التنصيص طبع بولاق ص 321: «وزرّ العذق» ولم نعثر عليه.
[6] سيأتي هكذا بعد في صفحة 403 من هذا الجزء وفي ب، س، أ، م: «عرير» وفي ت: «عوير». وفي ح، ء: «عزير».
[7] تقدّم هكذا في صفحة 40 من هذا الجزء. وفي ت، ح: «غورك». وفي سائر النسخ: «عون». (و انظر الحاشية رقم 1 ص 387) من هذا الجزء.
[8] في «معجم ياقوت» في مادّة الأزهر: «الأعفر».
صوت
/ بفناء بيتك وابن مشعب حاضر ... في سامر [1] عطر وليل مقمر
مستشعرين [2] ملاحفا [3] هرويّة ... بالزّعفران صباغها والعصفر
فتلازما عند الفراق صبابة ... أخذ الغريم بفضل ثوب المعسر
الأزهر: على ثلاثة أميال من الطّائف [4]. وابن مشعب الذي عناه مغنّ من أهل مكّة كان في زمن ابن سريج. والغناء في هذه الأبيات له رمل بالوسطى. قال إسحاق: كان ابن مشعب من أحسن الناس وجها وغناء [5]، ومات في تلك الأيام، فأدخل الناس غناءه في غناء ابن سريج والغريض. قال: وهذا الصوت ينسبه من لا يعلم إلى ابن محرز، يعني:
بفناء بيتك وابن مشعب حاضر
قال: وهو الذي غنّى:
أقفر ممّن يحلّه السّند [6] ... فالمنحنى [7] فالعقيق فالجمد [8]
ويحي [9] غدا إن غدا عليّ بما ... أحذر من فرقة الحبيب غد
والناس ينسبونه إلى ابن سريج.
حكاية يرويها ابن مخارق عن العرجي
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزبير قال حدّثنا محمد بن ثابت بن إبراهيم الأنصاريّ قال حدّثني ابن مخارق قال:
واعد العرجيّ هوى [10] له شعبا من شعاب عرج الطائف إذا نزل رجالها يوم الجمعة إلى مسجد الطائف.
فجاءت على أتان لها معها جارية لها، وجاء العرجيّ على حمار معه غلام له، فواقع المرأة، وواقع الغلام الجارية، ونزا الحمار على الأتان. فقال العرجيّ: هذا يوم قد غاب عذّاله:
غنى العرجي
أخبرني عمّي قال حدّثنا الكرانيّ قال حدّثنا النّضر بن عمرو عن ابن داحة قال:
__________
[1] السامر: مجلس السّمار. والسامر أيضا: اسم جمع بمعنى السمار، كالحاج بمعنى الحجاج.
[2] مستشعرين: لابسين؛ يقال: استشعر الثوب أي لبسه، وأصله من الشعار وهو ما يلبس تحت الدثار.
[3] الملاحف: جمع ملحف ومثله الملحفة واللّحاف، وهو كل ما التحف به.
[4] في ت: «من مكة». وعبارة ياقوت: «الأزهر موضع على أميال من الطائف».
[5] في ت، ح: «أحسن الناس غناء».
[6] في «معجم ياقوت»: سند في قول النابغة:
يا دار مية بالعلياء فالسند
بلد معروف في البادية. ثم قال وقال الأديبي: سند بفتحتين: ماء معروف لبني سعد.
[7] المنحنى: موضع قرب مكة، كما في «شرح القاموس».
[8] الجمد: جبل لبني نصر بنجد، كما في ياقوت.
[9] في ت: «ويلي».
[10] هوى بمعنى مهويّ أي محبوبة، كما في قول الشاعر:
هواي مع الركب اليمانين مصعد
كان العرجيّ يستقي على إبله في شملتين [1]، ثم يغتسل ويلبس حلّتين بخمسمائة دينار، ثم يقول:
يوما لأصحابي ويوما للمال ... مدرعة [2] يوما ويوما سربال [3]
أخبرني محمد بن مزيد قال حدّثنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه عن بعض رجاله: أنّ العرجيّ كان غازيا فأصابت الناس مجاعة، فقال للتجار: أعطوا الناس وعليّ ما تعطون، فلم يزل يعطيهم ويطعم الناس حتى أخصبوا [4]، فبلغ ذلك عشرين ألف دينار، فألزمها [5] العرجيّ نفسه. وبلغ الخبر عمر بن عبد العزيز فقال: بيت المال أحقّ بهذا، فقضى التّجّار ذلك المال من بيت المال.
العرجيّ وأم الأوقص وهو محمد بن عبد الرحمن المخزومي القاضي
أخبرني الحرميّ قال حدّثنا الزّبير عن عمّه، وأخبرني محمد بن مزيد قال حدّثنا حماد بن إسحاق عن أبيه عن الزبيري [6] وغيره:
أنّ العرجيّ خرج إلى جنبات [7] /الطائف متنزّها [8]، فمرّ ببطن النّقيع [9] فنظر إلى أمّ الأوقص، وهو محمد بن عبد الرحمن المخزوميّ القاضي، وكان يتعرّض لها، فإذا رآها رمت بنفسها وتستّرت منه، وهي امرأة من بني تميم، فبصر بها في نسوة جالسة وهنّ يتحدّثن، فعرفها وأحبّ أن يتأملّها من قرب، فعدل عنها ولقي أعرابيّا من بني نصر على بكر له ومعه وطبا [10] لبن، فدفع إليه دابّته وثيابه وأخذ قعوده ولبنه ولبس ثيابه، ثم أقبل على النسوة فصحن به: يا أعرابيّ، أمعك لبن؟ قال: نعم، ومال إليهنّ وجلس يتأمّل أمّ الأوقص، وتواثب من معها إلى الوطبين، وجعل العرجيّ يلحظها وينظر أحيانا إلى الأرض كأنه يطلب شيئا وهنّ يشربن من اللّبن. فقالت له امرأة منهنّ: أيّ شيء تطلب يا أعرابيّ في الأرض؟ أضاع منك شي ء؟ قال: نعم قلبي. فلمّا سمعت التّميميّة كلامه نظرت
__________
[1] الشملة: كساء مخمل دون القطيفة يشتمل به. قال أبو منصور: الشملة عند العرب: مئزر من صوف أو شعر يؤتزر به، فإذا لفّق لفقين فهي مشملة يشتمل بها الرجل إذا نام بالليل.
[2] قال في «اللسان»: والمدرع: ضرب من الثياب التي تلبس، وقيل جبة مشقوقة المقدم. والمدرعة: ثوب آخر ولا تكون إلا من الصوف خاصة.
[3] السربال: القميص أو الدرع، وقيل: كل ما لبس فهو سربال.
[4] في ح: «حتى أحصى».
[5] في ح: «فالتزمها العرجيّ». وفي ب: «فالتزمها العرجيّ نفسه».
[6] كذا في ب، س. وفي ح: «الزبير». وفي سائر النسخ: «الزهري».
[7] جنبات: جمع جنبة وهي الناحية.
[8] قال ابن سيده: تنزه الانسان: خرج إلى الأرض النزهة (و هي الأرض البعيدة النائية من الأنداء والمياه والغمق). قال: والعامة يضعون الشيء في غير موضعه ويغلطون فيقولون: خرجنا نتنزه، إذا خرجوا إلى البساتين فيجعلون التنزه الخروج إلى البساتين والخضر والرياض، وإنما التنزه: التباعد عن الأرياف والمياه حيث لا يكون ماء ولا ندى ولا جمع ناس، وذلك شق البادية، ومنه قيل: فلان يتنزه عن الأقذار وينزه نفسه عنها أي يباعد نفسه عنها. قال المرتضى: قال شيخنا نقلا عن الشهاب: لا يخفى أن العادة كون البساتين في خارج القرى غالبا، ولا شك إن الخروج إليها تباعد. (راجع «لسان العرب» و«شرح القاموس» مادّة نزه).
[9] كذا في معاهد التنصيص طبع بولاق في ترجمة العرجيّ ص 422، والنقيع كما في «القاموس»: موضع بجنبات الطائف. وفي الأصول: «البقيع» بالباء وهو تصحيف.
[10] الوطب: سقاء اللبن.
إليه وكان أزرق فعرفته، فقالت: العرجيّ بن عمر وربّ الكعبة! ووثبت وسترها نساؤها وقلن: انصرف عنّا لا حاجة بنا إلى لبنك. فمضى منصرفا، وقال في ذلك:
أقول لصاحبيّ ومثل ما بي ... شكاه المرء ذو الوجد الأليم ش
/ إلى الأخوين مثلهما إذا ما ... تأوّبه مؤرّقه الهموم
لحيني والبلاء لقيت ظهرا ... بأعلى النّقع [1] أخت بني تميم
فلمّا أن رأت عيناي منها ... أسيل الخدّ في خلق عميم [2]
وعيني جؤذر خرق [3] وثغرا ... كلون الأقحوان وجيد ريم
حنا أترابها دوني عليها ... حنوّ العائدات على السّقيم
قال إسحاق في خبره: فقال رجل من بني جمع يقال له ابن عامر للأوقص وقضى عليه بقضيّة فتظلّم منه: [4] واللّه لو كنت أنا عبد اللّه بن عمر العرجيّ لكنت قد أسرفت عليّ. فضربه الأوقص سبعين سوطا.
أبو السائب المخزومي وشعر العرجي
أخبرني حبيب بن نصر المهلّبيّ قال حدّثنا أحمد بن زهير قال حدّثنا مصعب بن عبد اللّه عن أبيه قال:
أتاني أبو السّائب المخزوميّ ليلة بعد ما رقد السّامر فأشرفت عليه. فقال: سهرت وذكرت أخا لي أستمتع به، فلم أجد سواك. فلو مضينا إلى العقيق فتناشدنا وتحدّثنا! فمضينا، فأنشدته في بعض ذلك بيتين للعرجي:
باتا بأنعم ليلة حتّى بدا ... صبح تلوّح كالأغرّ الأشقر
فتلازما عند الفراق صبابة ... أخذ الغريم بفضل ثوب المعسر
فقال: أعده عليّ، فأعدته. فقال: أحسن واللّه! امرأته طالق إن نطق بحرف غيره حتّى يرجع إلى بيته.
قال: فلقينا عبد اللّه بن حسن بن حسن، فلمّا صرنا إليه وقف [5] بنا وهو منصرف من ماله يريد المدينة، فسلّم ثم قال: كيف أنت يا أبا السائب؟ فقال:
/ فتلازما عند الفراق صبابة ... أخذ الغريم بفضل ثوب المعسر
فالتفت إليّ فقال: متى أنكرت صاحبك؟ فقلت: منذ الليلة. فقال: إنّا للّه! وأيّ كهل أصيبت منه قريش! ثم مضينا، فلقينا محمد بن عمران التّيميّ قاضي المدينة يريد مالا له على بغلة له ومعه غلام على عنقه مخلاة فيها قيد البغلة، فسلّم ثم قال: كيف أنت يا أبا السائب؟ فقال:
/ فتلازما عند الفراق صبابة ... أخذ الغريم بفضل ثوب المعسر
__________
[1] النقع: موضع قرب مكة في جنبات الطائف.
[2] عميم: تامّ.
[3] يقال: خرق الظبي فهو خرق، إذا دهش من فزع.
[4] كذا في ح. وفي سائر النسخ: «فتظلم منه وقال له الخ». وكلمة «و قال له» مكررة لا داعي إليها.
[5] كذا في ت. وفي سائر النسخ: «و وقف»؛ بالواو. وقد تزاد الواو في جواب «لما».
فالتفت إليّ فقال: متى أنكرت صاحبك؟ قلت: آنفا. فلمّا أراد المضيّ قلت: أفتدعه هكذا؟ وللّه ما آمن أن يتهوّر [1] في بعض آبار العقيق! قال: صدقت، يا غلام قيد البغلة، فأخذ القيد فوضعه في رجله وهو ينشد البيت ويشير بيده إليه يري أنه [2] يفهم عنه قصّته. ثم نزل الشيخ وقال لغلامه: يا غلام، احمله على بغلتي وألحقه بأهله.
فلمّا كان بحيث علمت أنه فاته أخبرته بخبره، فقال: قبّحك اللّه ماجنا! فضحت شيخا من قريش وغررتني.
ابن أبي عتيق وشعر العرجي
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثني عروة بن عبد اللّه بن عروة بن الزبير عن عروة بن أذينة [3] قال:
/ أنشد ابن جندب الهذليّ ابن أبي عتيق قول العرجيّ:
وما أنس م الأشياء لا أنس قولها ... لخادمها قومي اسألي لي عن الوتر
فقالت يقول الناس في ستّ عشرة ... فلا تعجلي منه فإنّك في أجر
فما ليلة عندي وإن قيل جمعة ... ولا ليلة الأضحى ولا ليلة الفطر
بعادلة الإثنين عندي وبالحرى ... يكون سواء منهما ليلة القدر
فقال ابن أبي عتيق: أشهدكم أنّها حرّة من مالي إن أجاز ذلك أهلها، هذه واللّه أفقه من ابن شهاب.
شعر العرجيّ في زوجته أم نعمان بنت بكير بن عمرو بن عثمان بن عفان
أخبرني حبيب بن نصر قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثنا إسحاق بن إبراهيم الموصليّ قال:
تزوّج العرجيّ أمّ عثمان بنت بكير بن عمرو بن عثمان بن عفّان، وأمّها سكينة بنت مصعب بن الزّبير، فقال فيها:
إنّ عثمان والزّبير أحلّا ... دارها باليفاع [4] إذ ولداها
إنّها بنت كلّ أبيض قرم [5] ... نال في المجد من قصيّ ذراها
__________
[1] يتهوّر هنا: يسقط.
[2] لعلها: «يريد أن يفهم عنه قصته».
[3] كذا في ح. وفي ت: «حدّثني عمرو بن الزبير عن عروة بن أذينة». وفي سائر النسخ: «حدّثني عروة بن عبد اللّه بن عروة بن الزبير بن عروة بن أذينة». وهذه الرواية ظاهرة التحريف؛ فإن عروة بن الزبير بن العوّام ليس ابنا لعروة بن أذينة. ويظهر أن نسخة ح أقرب للصواب، غير أنه يلاحظ أن فيها عروة بن عبد اللّه بن عروة بن الزبير، ولم يرد هذا الاسم في «كتب التراجم»، ولم يعرف أن لعبد اللّه بن عروة بن الزبير ابنا اسمه عروة، وإنما ابنه عمر بن عبد اللّه بن عروة بن الزبير، والمعروف أنه روى عن أبيه وجده ولم يعرف أنه روى عن عروة بن أذينة. فلعل الصواب في هذه النسخة: «حدّثني عمر بن عبد اللّه عن عروة بن الزبير عن عروة بن أذينة»؛ لأن رواية عروة بن الزبير عن عروة بن أذينة وإن لم يرد في «كتب التراجم» ما يثبتها، أقرب من رواية عمر بن عبد اللّه بن عروة بن الزبير عنه. وأما نسخة ت فلم نستطع التثبت من صحتها؛ لأنه لم يرد في «كتب التراجم» من تسمى بعمرو بن الزبير، حتى نعلم أروى عن عروة بن أذينة أم لا.
[4] اليفاع: المشرف من الأرض والجبل.
[5] القرم من الرجال: السيد المعظم.
سكن الناس بالظّواهر منها ... وتبوّا لنفسه بطحاها [1]
قال إسحاق: ولمّا تزوّج الرشيد زوجته العثمانيّة أعجب بها، فكان كثيرا ما يتمثّل بهذه الأبيات.
العرجي وأبو عدي العبلي
أخبرني محمد بن مزيد قال حدّثنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه قال:
/ حدّثت أنّ أبا عديّ العبليّ خرج يريد واديا نحو الطائف يقال له جلدان [2]، فمرّ بعبد اللّه بن عمر العرجيّ وهو نازل هناك بواد يقال له العرج، فأرسل إليه غلاما له فأعلمه بمكانه، فأتاه الغلام فقال له: هذا أبو عديّ، فأمر أن ينزله في مسجد الخيف [3]، فأنزله وأبطأ عليه في الخروج. فقال للغلام: ويحك! ما يحبس مولاك؟ قال: عنده ابن وردان مولى معاوية، وهما يأكلان القسب [4] والجلجلان [5]. ثم بعث إليه بخبز ولبن، وبعث لرواحله بحمض [6] وقدّم إلى رواحل ابن وردان القتّ [7] والشّعير. فكتب أليه أبو عديّ:
أبا عمر لم تنزل الركب إذ أتوا ... منازلهم والرّكب يحفون [8] بالرّكب
رفعت لئام الناس فوق كرامهم ... وآثرتهم بالجلجلان والقسب
فأمّا بعيرانا فبالحمض غذّيا [9] ... وأوثر عبّاد بن وردان بالقضب [10]
فكتب إليه العرجيّ:
أتانا فلم نشعر به غير أنّه ... له لحية طالت على حمق القلب
/ كراية بيطار [11] بأعلى حديدة [12] ... إذا نصبت لم تكسب الحمد بالنّصب
أتانا على سغب [13] يعرّض بالقرى ... وهل فوق قرض من قرى صاحب السّغب
قال: فارتحل أبو عديّ مغضبا وقال: مزحت معه فهجاني، وأنشأ يقول في العرجيّ:
__________
[1] انظر الكلام على قريش الظواهر وقريش البطاح في الحاشية رقم 3 ص 254 من هذا الجزء.
[2] قال ياقوت: جلدان - بكسر الجيم وسكون اللام، واختلف في الدال فمنهم من رواها مهملة ومنهم من رواها معجمة - : موضع قرب الطائف يسكنه بنو نصر بن معاوية من هوزان.
[3] كذا في ب، س، ح. والظاهر من سياق الحكاية أنه غير مسجد الخيف المعروف بمنى. وفي سائر النسخ: «الضيف» ولم تترجح عندنا إحدى الروايتين.
[4] القسب: التمر اليابس يتفتت في الفم صلب النواة.
[5] الجلجلان: السمسم.
[6] الحمض: ما ملح وأمرّ من النبات وهو كفاكهة الإبل تأكله عند سآمتها من الخلة. وهي ما حلا من النبات.
[7] في «المصباح»: القت: الفصفصة إذا يبست. وقال الأزهري: القت: حب بريّ لا ينبته الآدمي، فإذا كان عام قحط وفقد أهل البادية ما يقتاتون به من لبن وتمر ونحوه، دقوه وطبخوه واجتزءوا به على ما فيه من الخشونة.
[8] حفي به يحفى حفاوة وحفاية: بالغ في إكرامه.
[9] في ت، أ، م، ء: «ففي الحمض عديا».
[10] تقدّم أن الذي قدّم لرواحل ابن وردان هو القت والشعير. فلعله يريد بالقضب هنا القت وهو أحد معانيه؛ لأن أهل مكة يسمون القت القضب.
[11] البيطار: معالج الدواب، من البطر وهو الشقّ. وراية البيطار يضرب بها المثل في الشهرة فيقال: «أشهر من راية البيطار».
[12] في ح: «جريدة».
[13] السغب بسكون الغين وتحريكها: الجوع. وفي ت، أ، ء، م: «سقب» بالقاف وهو تحريف.
سرت ناقتي حتّى إذا ملّت السّرى ... وعارضها عرج الجبانة [1] والخصب
طواها الكرى بعد السّرى بمعرّس ... جديب [2] وشيخ بئس مستعرض الرّكب
وهمّت بتعريس فحلّت قيودها ... إلى رجل بالعرج ألأم من كلب
تمطّى [3] قليلا ثم جاء بصربة [4] ... وقرص شعير مثل كركرة السّقب [5]
فقلت له أردد قراك مذمّما ... فلست إليه بالفقير ولا صحبي
جزى اللّه خيرا خيرنا عند بيته ... وأنحرنا للكوم في اليوم ذي السّغب
لقد علمت فهر بأنّك شرّها ... وآكل فهر للخبيث من الكسب
وتلبس للجارات إتبا [6] ومئزرا ... ومرطا [7] فبئس الشيخ يرفل في الإتب
/ يدخّنّ بالعود اليلنجوج [8] مرّة ... وبالضّرو [9] والسّوداء [10] والمائع [11] الرّطب
فإن قلت عثمان بن عفّان والدي ... فقد كان عثمان بريئا من الوشب [12]
وقدما يجيء الحيّ بالنّسل ميّتا ... ويأتي كريم الناس بالوكل [13] الثّلب [14]
له لحية قد مزّقت فكأنّها ... مقمّة [15] حشّاش محالفة العشب [16]
فلمّا بلغ ذلك العرجيّ أتى عمّه عليّ [17] بن عبد اللّه بن عليّ العبليّ فشقّ قميصه بين يديه وشكاه إليه. فبعث
__________
[1] كذا في ب، س. وفي ت، ح، م: «الخيانة» وفي ء: «الحبابة» وفي أهكذا من غير نقط: «ال؟؟؟».
[2] كذا في ح، ت. وفي سائر النسخ: «و شيخ جديب الخ».
[3] تمطى: تمدّد وتبختر في مشيته وتطاول.
[4] الصربة بسكون الراء وتحريكها: واحدة الصرب هو اللبن الذي حبس في السقاء أياما حتى اشتدّ حمضه.
[5] السقب: ولد الناقة. والكركرة بالكسر: زور البعير الذي إذا برك أصاب الأرض، وهي ناتئة عن جسمه كالقرصة.
[6] الإتب: ثوب يشق في وسطه ثم تلقيه المرأة في عنقها من غير جيب ولا كمين.
[7] المرط: كساء من خز أو صوف أو كتان، وقيل: هو الثوب الأخضر وجمعه مروط.
[8] اليلنجوج والألنجوج: عود طيب الريح يتبخر به. (انظر «اللسان» مادة: لنج).
[9] في «اللسان»: الضرو بكسر الضاد وفتحها: شجر طيب الريح يستاك به ويجعل ورقة في العطر. ثم قال: والضرو: المحلب، ويقال الحبة الخضراء. قال أبو حنيفة: وأكثر منابت الضرو باليمن، وقال: إنه من شجر الجبال وهو مثل شجر البلّوط العظيم، له عناقيد كعناقيد البطم غير أنه أكبر حبا، ويطبخ ورقة حتى ينضج، فإذا نضج صفّي ورقه ورد الماء إلى النار فيعقد ويصير كالقبيّطي يتداوى به من خشونة الصدر ووجع الحلق.
[10] السوداء: هي الحبة المعروفة، واسمها بالفارسية الشونيز.
[11] المائع الرطب: ضرب من الطيب.
[12] الوشب بالكسر: واحد الأوشاب، وهم أوباش الناس وأخلاطهم.
[13] الوكل (بفتح الكاف وكسرها): العاجز البليد الذي يكل أمره إلى غيره.
[14] كذا في ت. والثلب: الرجل المعيب المنثلم الذي يتنقصه الناس. وفي ح: «الحلب». وفي سائر النسخ: «الوثب».
[15] المقمة: المكنسة. والحشاش: الذي يحتش الحشيش وهو اليابس من الكلأ.
[16] كذا فيء وهي أنسب النسخ. وفي م: «مخالفة العشب» ولعلها مصحفة عن سابقتها. وفي ح، أ: «محالفة القشب». وفي سائر النسخ: «مخالفة القشب» وقشب الطعام: ما يلقى منه مما لا خير فيه.
[17] في ت، ح: «أتى عمه عبد اللّه بن علي».
إلى أبي عديّ فنهاه عنه وقال: لئن عدت لا كلّمتك أبدا، فكفّ عنه.
كان العرجي من أفرس الناس وأرماهم وأبراهم لسهم
أخبرني محمد بن مزيد قال حدّثنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه عن سليمان بن عثمان بن يسار: رجل من أهل مكة وكان هيّبا [1] أديبا قال:
كان للعرجيّ حائط يقال له العرج في وسط بلاد بني نصر بن معاوية، فكانت إبلهم وغنمهم تدخل فيه فيعقر كلّ ما دخل منها، فكانت تضرّ به ويضرّ/ بأهلها ويشكونه ويشكوهم. وكان من أفرس الناس وأرماهم وأبراهم لسهم، فكان ربّما برى مائة سهم من الرّمّان، ثم يقول: واللّه لا أنقلب حتى أقتل بها مائة خلفة [2] من إبل بني نصر، فيفعل ذلك.
حبس العرجي
قال إسحاق: فحدّثني ابن غرير [3] قال: لمّا حبس العرجيّ وضرب وأقيم على البلس [4] قال:
معي ابن غرير واقفا في عباءة ... لعمري لقد قرّت عيون بني نصر
فقال فتى من بني نصر يجيبه - وكان حاضرا لضربه وإقامته - :
أجل قد أقرّ اللّه فيك عيوننا ... فبئس الفتى والجار في سالف الدّهر
وقال إسحاق في خبره: قال رجل للعرجيّ: جئتك أخطب إليك مودّتك. قال: بل خذها زنا، فإنها أحلى وألذّ!
تمثل امرأة بشعر العرجيّ وقد ليمت على رفثها في الحج
أخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدّثنا إسماعيل بن مجمّع عن المدائنيّ عن عبد اللّه بن سلّم [5] قال:
قال عبد اللّه بن عمر العمريّ: خرجت حاجا، فرأيت امراة جميلة تتكلّم بكلام أرفثت [6] فيه، فأدنيت ناقتي منها، ثم قلت لها: يا أمة اللّه، ألست حاجّة! أما تخافين اللّه! فسفرت عن وجه يبهر الشمس حسنا، ثم قالت: تأمّل يا عمّ! فإنّني ممّن غنا العرجيّ بقوله:
صوت
أماطت كساء الخزّ عن حرّ وجهها ... وأدنت على الخدّين [7] بردا مهلهلا
من اللّاء لم يحجحن يبغين حسبة ... ولكن ليقتلن البريء المغفّلا
__________
[1] الهيب: المهيب ..
[2] الخلفة: الناقة الحامل، وجمعها خلف بكسر اللام، وقيل جمعها مخاض على غير قياس، كما قالوا لواحدة النساء: امرأة.
[3] كذا في ح، ر. وفي ت: «ابن عزير». وفي سائر النسخ: «عرير».
[4] كذا في س. وفي م، أ: «البليس» وفي ء: «التليس» وهما محرّفان عنها. وفي سائر النسخ: «على الناس». والبلس: غرائر كبار من مسوح يجعل فيها التين ويشهر عليها من ينكل به وينادي عليه. ومن دعائهم: «أرانيك اللّه على البلس».
[5] في ب، س: «سلام».
[6] كذا في أكثر النسخ. وفي ب، س: «رفثت» وكلاهما صحيح.
[7] ويروى: «و أرخت على المتنين».
قال فقلت لها: فإنّي أسأل اللّه ألّا يعذّب هذا الوجه بالنّار. قال: وبلغ ذلك سعيد بن المسيّب فقال: أما واللّه لو كان من بعض بغضاء [1] العراق لقال لها: اعزبي قبّحك اللّه! ولكنّه ظرف عبّاد أهل الحجاز. وقد رويت هذه الحكاية عن أبي حازم الأعرج وهو سلمة بن دينار، وقد روى أبو حازم عن أبي هريرة وسهل بن سعد وغيرهما، وروى عنه مالك وابن أبي أيّوب. والحكاية عنه في هذا أصحّ منها عن عبد اللّه العمري، حدّثنا بهذا وكيع. والغناء في هذه الأبيات لعرار المكّيّ ثاني ثقيل. وفيه خفيف ثقيل لمعبد، وفيها لعبد اللّه بن العبّاس الرّبيعيّ ثقيل أوّل، ويقال إنّ خفيف الثقيل لابن سريج، ويقال للغريض.
غناء عبد اللّه بن العباس الربيعي في شعر العرجيّ
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد قال حدّثني أبو ثوبة قال: قال عبد اللّه [2] بن العبّاس: دعاني المتوكّل، فلمّا جلست مجلس المنادمة قال لي: يا عبد اللّه، تغنّ، فغنّيته في شعر مدحته به، فقال: أين هذا من غنائك في:
أماطت كساء الخزّ عن حرّ وجهها
/ ومن صنعتك في:
أقفر ممّن يحلّه [3] سرف [4]
فقلت: يا أمير المؤمنين، إنّ صنعتي حينئذ كانت وأنا شابّ عاشق، فإن استطعت ردّ شبابي وعشقي صنعت مثل تلك الصنعة. فقال هيهات! وقد لعمري [5] صدقت، ووصلني. والأبيات التي فيها الغناء المذكور من شعر العرجيّ يقوله في جيداء أمّ محمد بن هشام بن إسماعيل المخزوميّ، وكان يهجوه ويشبّب بأمه وبامرأته، وكان محمد تيّاها شديد الكبر جبّارا، فلم يزل يتطلّب عليه العلل حتى حبسه وقيّده بعد أن ضربه بالسّوط وأقامه على البلس للناس. واختلف الرّواة في السبب الذي اعتلّ به عليه، وقد ذكرت ذلك في رواياتهم:
هجاء العرجيّ محمد بن هشام بن إسماعيل المخزومي وتشبيبه بأمه
أخبرني بخبره أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ وحبيب بن نصر المهلّبيّ قالا حدّثنا عمر بن شبّة، وأخبرنا أحمد بن محمد بن إسحاق قال أخبرنا الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثني عمّي مصعب ومحمد بن الضّحاك الحزاميّ [6] عن الضّحاك بن عثمان، وذكره حمّاد بن إسحاق عن أبيه عن أيّوب بن عباية،
__________
[1] يريد بهم المتزمتين المتغالين في الورع.
[2] كذا في ت، ح. وفي سائر النسخ: «أبو عبد اللّه بن العباس». ولفظ «أبو» زيادة من الناسخ؛ إذ هو عبد اللّه بن العباس الربيعي، وكان شاعرا مطبوعا ومغنيا محسنا جيد الصنعة نادرها حسن الرواية، حلو الشعر ظريفة، ليس من الشعر الجيد الجزل ولا من المرذول ولكنه شعر مطبوع ظريف مليح المذهب من أشعار المترفين وأولادهم النعم. وترجمته في الجزء السابع عشر من «الأغاني» طبع بلاق.
[3] كذا في أكثر النسخ. وفي ت: «من بعد حلة». والحلة بالكسر: القوم النزول. وفي ح: «من بعد خلة» والخلة: الصديقة.
[4] سرف ككتف: موضع على ستة أميال من مكة، وقيل سبعة وتسعة وعشرة واثني عشر، تزوّج به رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ميمونة بنت الحارث وهناك بني بها وهناك توفيت.
[5] في ت: «هيهات قد صدقت».
[6] كذا في ت. وفي ب، س: «الخزاميّ». وفي أ، م، ء: «الحراميّ». ولم تذكر هذه الكلمة في ح. وما في ت هو الصحيح؛ قال الذهبيّ في «المشتبه في أسماء الرجال» في الكلام على الحزامي: وبزاي الضحاك ابن عثمان الحزامي مشهور وابنه محمد بن الضحاك أه.
ونسخته أيضا من رواية محمد بن حبيب قالوا:
كان محمد بن هشام خال هشام بن عبد الملك، فلمّا ولي الخلافة ولّاه مكة، وكتب إليه يحجّ بالناس، فهجاه العرجيّ بأشعار كثيرة.
/ منها قوله فيه:
كأنّ العام ليس بعام حجّ ... تغيّرت المواسم والشّكول
إلى جيداء قد بعثوا رسولا ... ليخبرها فلا صحب الرّسول
ويروى: «ليحزنها» وهكذا يغنّي.
ومنها قوله:
ألا قل لمن أمسى بمكة قاطنا ... ومن جاء من عمق [1] ونقب المشلّل [2]
دعوا الحجّ لا تستهلكوا نفقاتكم ... فما حجّ هذا العام بالمتقبّل
وكيف يزكّي حجّ من لم يكن له ... إمام لدى تجميره غير دلدل [3]
يظلّ يرائي بالصّيام نهاره ... ويلبس في الظّلماء سمطى [4] قرنفل
فلم يزل محمد يطلب عليه العلل حتى وجدها فحبسه.
قال الزّبير في خبره عن عمّه ومحمد الضّحّاك، وقال إسحاق في خبره عن أيّوب بن عباية: كان العرجيّ يشبّب بأمّ محمد بن هشام، وهي من بني الحارث بن كعب، ويقال لها جيداء:
صوت
[5]
عوجي علينا ربّة الهودج ... إنّك إن لا تفعلي تحرجي
إنّي أتيحت لي يمانية ... إحدى بني الحارث من مذحج
/ نلبث حولا كاملا كلّه ... ما نلتقي إلا على منهج
في الحجّ إن حجّت وماذا منى ... وأهله إن هي لم تحجج
أيسر ما نال محبّ لدى ... بين حبيب قوله عرّج
__________
[1] عمق: واد من أودية الطائف نزله رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم لما حاصر الطائف، وفيه بئر ليس بالطائف أطول رشاء منها.
[2] المشلل: جبل يهبط منه إلى قديد من ناحية البحر. والنقب: الطريق في الجبل.
[3] الدلدل: شبه القنفذ، وهي دابة تنتفض فترمي بشوك كالسهام، وفرق ما بينهما كفرق ما بين الفئرة والجرذان والبقر والجواميس والعراب والبخاتيّ. ولعله شبهه بالقنفذ لأنه أكثر ما يظهر بالليل.
[4] السمط: الخيط ما دام فيه الخرز وإلّا فهو سلك.
[5] هذه الكلمة موجودة في جميع النسخ عدا نسخة ت ولم يذكر بعد أنه غنى فيه.
نقض إليكم حاجة أو نقل ... هل لي ممّا بي من مخرج
قال إسحاق في خبره: فحدّثني حمزة بن عتبة اللّهبيّ قال: أنشد عطاء بن أبي رباح قول العرجيّ.
في الحجّ إن حجّت وماذا مني ... وأهله إن هي لم تحجج
فقال: الخير واللّه كلّه بمنى وأهله حجّت أو [1] لم تحجّ. قال: ولقي ابن سريج عطاء وهو راكب [بمنى] [2] على بغلته، فقال له: سألتك باللّه إلّا وقفت لي حتى أسمعك شيئا. قال: ويحك! دعني [3] فإنّي عجل. قال: امرأته طالق لئن لم تقف مختارا للوقوف لأمسكنّ بلجام بغلتك ثم لا أفارقها ولو قطعت يدي حتى أغنّيك وأرفع صوتي لا أسرّه. قال: هات وعجّل؛ فغنّاه:
في الحجّ إن حجّت وماذا منى ... وأهله إن هي لم تحجج
قال: الخير كلّه واللّه بمنى، لا سيّما وقد غيّبها اللّه عن [4] مشاعره! خلّ سبيل البغلة.
أخبرنا محمد بن خلف وكيع قال حدّثني عبد اللّه بن أبي سعد قال حدّثنا إبراهيم بن المنذر قال حدّثني حمزة بن عتبه اللّهبيّ عن عبد الوهاب [5] بن مجاهد أو غيره قال:
/ كنت مع عطاء بن أبي رباح فجاءه رجل فأنشده قول العرجيّ:
إنّي أتيحت لي يمانية ... إحدى بني الحارث من مذحج
نلبث حولا كاملا كلّه ... لا نلتقي إلا على منهج
في الحجّ إن حجّت وماذا منى ... وأهله إن هي لم تحجج
فقال عطاء: خير كثير بمنى إذ غيّبها اللّه عن مشاعره.
تشبيبه بجبرة المخزومية زوجة محمد بن هشام
قال: وقال في زوجته جبرة المخزوميّة (يعني زوجة محمد بن هشام):
صوت
عوجي عليّ فسلّمي جبر ... فيم الصدود [6] وأنتم سفر
ما نلتقي إلا ثلاث منى ... حتى يفرّق بيننا النّفر
__________
[1] في ت، ح: «أم لم» تحريف.
[2] زيادة في ح، ب، س.
[3] في ب، س، م: «ويحك عني فإني عجل».
[4] في ب، س: «من».
[5] كذا في ت، ح. وفي سائر النسخ: «عبد اللّه». ولم نعثر في «كتب التراجم» على من تسمى بعبد اللّه بن مجاهد. وأما عبد الوهاب بن مجاهد فقد ذكره صاحب «تهذيب التهذيب» وذكر أنه روى من عطاء.
[6] كذا في ح. وفي ب، س: «فيم الصدور» وظاهر تحريفه عن الصدود. وفي سائر النسخ: «فيم الوقوف».
الحول بعد الحول يتبعه [1] ... ما الدهر إلا الحول والشهر
قال حمّاد بن إسحاق في خبره: حدّثني ابن [2] أبي الحويرث الثّقفيّ عن ابن عمّ لعمارة ابن حمزة قال حدّثنا سليمان الخشّاب [3] عن داود المكّيّ [4] قال: كنّا في حلقة ابن جريج وهو يحدّثنا وعنده جماعة فيهم عبد اللّه بن المبارك وعدّة من العراقيّين، إذ مرّ به ابن تيزن [5] المغنّي وقد ائتزر بمئزر على صدره، وهي إزرة الشّطّار [6] عندنا، فدعاه ابن جريج/ فقال له: أحبّ أن تسمعني. قال: إنّي [7] مستعجل، فألحّ عليه؛ فقال: امرأته طالق إن غنّاك أكثر من ثلاثة أصوات. فقال له: ويحك! ما أعجلك إلى اليمين! غنّني الصوت الذي غنّاه ابن سريج في اليوم الثاني من أيام منى على جمرة العقبة [8] فقطع طريق الذاهب والجائي حتى تكسّرت المحامل. فغنّاه:
عوجي عليّ فسلّمي جبر
فقال له ابن جريج: أحسنت واللّه! (ثلاث مرات)، ويحك! أعده. قال: من الثلاثة فإني قد حلفت. قال:
أعده، فأعاده. فقال: أحسنت! فأعده من الثلاثة، فأعاده وقام ومضى، وقال: لو لا مكان هؤلاء الثّقلاء عندك لأطلت معك حتى تقضي وطرك. فالتفت ابن جريج إلى أصحابه فقال: لعلّكم أنكرتم ما فعلت! فقالوا: إنا لننكره عندنا بالعراق ونكرهه. قال: فما تقولون في الرّجر؟ (يعني الحداء). قالوا: لا بأس به عندنا: قال: فما الفرق بينه وبين الغناء؟!
اضطغان محمد بن هشام على العرجي من هذه الأشعار وحبسه حتى مات في الحبس
قال إسحاق في خبره: بلغني أنّ محمد بن هشام كان يقول لأمّه جيداء [بنت عفيف] [9]: أنت غضضت منّي بأنك أمّي، وأهلكتني وقتلتني. فتقول له: ويحك! وكيف ذاك؟ قال: لو كانت أمّي من قريش ما ولي الخلافة غيري. قالوا: فلم يزل محمد بن هشام مضطغنا على العرجيّ من [10] هذه الأشعار التي يقولها فيه ومتطلّبا [11] سبيلا عليه حتى وجده فيه، فأخذه وقيّده وضربه وأقامه للناس، ثم حبسه وأقسم: لا يخرج من الحبس مادام لي [12]
__________
[1] في ت: «يجمعنا».
[2] في ت: «ابن الحويرث» بدون أبي.
[3] في ت، ح: «سليم الخشاب».
[4] في ت، س: «الثقفي».
[5] انظر الحاشية رقم 2 ص 283 من هذا الجزء.
[6] في «القاموس» و«شرحه»: الشاطر: من أعيا أهله خبثا. قال أبو إسحاق: فلان شاطر معناه أنه أخذ في نحو غير الاستواء؛ ولذلك قيل له شاطر لأنه تباعد عن الاستواء. والمراد من الشطار هنا طائفة من أهل الدعارة كانوا يمتازون بملابس خاصة وزي خاص. ففي «أخبار أبي نواس» ج 1 ص 235 طبع مصر ما نصه: «زي الشطار طرّة مصففة وكان واسعان وذيل مجرور وفعل مطبق». وتختلف أسماؤهم باختلاف البلاد؛ ففي «رحلة ابن بطوطة» ج 1 ص 235 طبع مصر: «الشطار بمعنى الفتاك من اصطلاح العراقيين، ويعرفون في خراسان بسر ابداران وفي المغرب بالصقورة». وذكر تفشيهم في أيامه واجتماعهم على قطع الطرق. وفي «نفح الطيب» ج 2 ص 766 طبع بولاق: «و لشطار الأندلس من النوادر والتنكيت والتركيبات وأنواع المضحكات ما تملأ الدواوين كثرته» ا ه.
[7] كذا في ت، ح. وفي سائر النسخ: «أنا».
[8] في ت: «فغنى فقطع ... ».
[9] زيادة في ت.
[10] في ت: «مضطغنا على العرجيّ هذه الأشعار» بدون من.
[11] كذا في ت. وفي سائر النسخ: «متطلبا» بغير واو.
[12] كذا في ت، ح. وفي سائر النسخ: «ما دام له».
سلطان. فمكث في حبسه نحوا من تسع سنين حتى مات فيه.
روايات أخرى في سبب الخصومة بين محمد بن هشام والعرجيّ
وذكر إسحاق في خبره عن أيّوب بن عباية ووافقه عمر بن شبّة ومحمد بن حبيب: أن السبب في ذلك أنّ العرجيّ لاحى [1] مولى كان لأبيه فأمضّه [2] العرجيّ، فأجابه المولى بمثل ما قاله له. فأمهله حتى إذا كان الليل أتاه مع جماعة من مواليه وعبيده فهجم عليه في منزله وأخذه وأوثقه كتافا [3]، ثم أمر عبيده أن ينكحوا امرأته بين يديه ففعلوا، ثم قتله وأحرقه بالنار. فاستعدت امرأته على العرجيّ محمد بن هشام فحبسه.
وذكر الزبير في خبره عن الضّحّاك بن عثمان: أنّ العرجيّ كان وكلّ بحرمه [4] مولى له يقوم بأمورهنّ، فبلغه أنه يخالف إليهنّ، فلم يزل يرصده حتى وجده يحدّث بعضهنّ، فقتله وأحرقه بالنار. فاستعدت عليه امرأة المولى محمد بن هشام المخزوميّ وكان واليا على مكة في خلافة هشام، وكان العرجيّ قد هجاه قبل ذلك هجاء كثيرا لمّا ولّاه هشام الحجّ فأحفظه. فلّما وجد عليه سبيلا ضربه وأقامه على البلس للناس [5]، وسجنه حتى مات في سجنه.
وذكر الزّبير أيضا في خبره عن عمّه وغيره أنّ أشعب كان حاضرا للعرجيّ وهو يشتم مولاه هذا، وأنه طال شتمه إيّاه. فلما أكثر ردّ المولى عليه، فاختلط من [6] ذلك، فقال لأشعب: اشهد على ما سمعت. قال أشعب:
وعلام أشهد، قد شتمته ألفا وشتمك واحدة. واللّه لو أنّ أمّك أمّ الكتاب، وأمّة حمّالة الحطب مازاد على هذا!
تعذيب محمد بن هشام للعرجيّ وما كان يقوله العرجي من الشعر في ذلك
قال الزّبير وحدّثني حمزة بن عتبة اللّهبيّ قال:
/ لمّا أخذ محمد بن هشام المخزوميّ العرجيّ أخذه وأخذه معه الحصين بن غرير [7] الحميريّ، فجلدهما، وصبّ على رءوسهما الزيت، وأقامهما في الشمس على البلس [8] في الحنّاطين بمكة؛ فجعل العرجيّ ينشد:
سينصرني الخليفة بعد ربّي ... ويغضب حين يخبر عن مساقي
عليّ عباءة بلقاء [9] ليست ... مع البلوى تغيّب نصف ساقي
وتغضب لي بأجمعها قصيّ ... قطين البيت والدّمث [10] الرّقاق
__________
[1] لا حاه: خاصمه وشاتمه.
[2] أمضه: آلمه وأوجعه.
[3] الكتاف: الوثاق وهو الحبل الذي يكتف به.
[4] الحرم: النساء.
[5] كذا فيء. وفي ت: «و أقامه على الناس». وفي ح: «و أقامه للناس». وفي سائر النسخ: وأقامه على البلس».
[6] اختلط هنا: فسد عقله. يريد غضب غضبا شديدا حتى فسد عقله.
[7] كذا في أكثر النسخ. وفي أ، م: «عزيز». وفي ت: «عزيز».
[8] في ت: «و أقامهما على الناس في الحناطين».
[9] في ت، ح: «برقاء» والبلقاء والبرقاء كلاهما: ما اجتمع فيه اللونان السواد والبياض.
[10] الدمث: جمع دمثاء، وهي الأرض اللينة السهلة.
ثم يصيح: يا غرير أجياد [1]، يا غرير أجياد! فيقول له الحميريّ المجلود معه: ألا تدعنا! ألا ترى ما نحن فيه من البلاء! يعني بقوله: يا غرير، الحصين بن غرير الحميريّ المجلود معه، وكان صديقا للعرجيّ وخليطا. وذكر إسحاق تمام هذه الأبيات وأوّلها:
وكم من كاعب حوراء بكر ... ألوف السّتر واضحة التّراقي [2]
بكت جزعا وقد سمرت [3] كبول [4] ... وجامعة [5] يشدّ بها خناقي
/ على دهماء مشرفة سموق [6] ... ثناها [7] القمح مزلقة [8] التّراقي
عليّ عباءة بلقاء ليست ... مع البلوى تغيّب نصف ساقي
كأنّ على الخدود وهنّ شعث ... سجال [9] الماء يبعث في السّواقي
فقلت تجلّدا وحلفت صبرا ... أبالي اليوم [10] ما دفعت [11] مآقي [12]
سينصرني الخليفة بعد ربّي ... ويغضب حين يخبر عن مساقي
وتغضب لي بأجمعها قصيّ ... قطين البيت والدّمث الرّقاق
بمجتمع السّيول إذ تنحّى ... لئام الناس في الشّعب العماق
قال: فكان إذا أنشد هذا البيت التفت إلى ابن غرير فصاح به: يا غرير أجياد، يا غرير أجياد! يعني بني مخزوم، وكانت منازلهم في أجياد، فعيرّهم بأنهم ليسوا من أهل الأبطح.
وقال الزّبير في خبره ووافقه إسحاق فذكر أنّ رجلا مرّ بالعرجيّ وهو واقف على البلس ومعه ابن غرير وقد جلدا وحلقا وصبّ الزيت على رءوسهما وألبسا عباءتين واجتمع الناس ينظرون إليهما. قال: وكان الرجل صديقا
__________
[1] قال أبو القاسم الخوارزمي: أجياد: موضع بمكة يلي الصفا. وقد تقدّم في الحاشية (رقم 2 ص 111) من هذا الجزء أنه إنما سمى بذلك لأن تبّعا لما قدم مكة ربط خيله فيه فسمّى بذلك. وقال السهيليّ: إنه لم يسم بأجياد الخيل لأن جياد الخيل لا يقال فيها أجياد، وإنما أجياد جمع جيد. وذكر أصحاب الأخبار: أن مضاضا ضرب في ذلك الموضع أجياد مائة رجل من العمالقة؛ فسمى ذلك الموضع بأجياد لذلك. وردّ ذلك بأن الجوهريّ حكى أن العرب تجمع جوادا على أجياد.
[2] التراقي: جمع ترقوة وهي مقدّم الحلق في أعلى الصدر حيثما يترقى فيه النفس.
[3] سمرت: شدّت.
[4] الكبول: جمع كبل وهو القيد. وفي ت: «كبولى».
[5] الجامعة هنا: الغل.
[6] كذا في أكثر النسخ، وهو صيغة مبالغة من سمق الشيء فهو سامق إذا علا وارتفع. وفي م، ء: «بسوق» وبسق الشيء من هذا المعنى أيضا. وفي ت: «سبوق».
[7] في م، ء: «بناها القمح».
[8] في ت: «مولعة التراقي». وفي أ، ب، س: «مزلفة التراقي». وفي م، ء: «مزلفة البراقي». وفي ح: «ثناها عن مولعة البراق». ولم يظهر لنا فيها معنى نطمئن إليه.
[9] كذا في أكثر النسخ. والسجال: جمع سجل وهو الدلو العظيمة مملوءة. وفي ت: «سجال الدمع».
[10] في ب، س، ح: «إلى ذا اليوم».
[11] كذا في ت. وفي أ، ء، م: «دمعت». يريد لا أبالي اليوم بما دفعته أو دمعته عيناي من الدموع. وفي ب، س، ح: «رفعت».
[12] المآقي: جمع مؤق بوزن مؤت، ومؤقى العين كمؤقها ومأقها: حرفها الذي يلي الأنف.
للعرجيّ، وكان/ فأفاء، فوقف عليه فأراد أن يتوجّع لما ناله ويدعو له، فلجلج لما كان في لسانه كما يفعل الفأفاء [1]. فقال له ابن غرير: عنّي، لا خرجت من فيك أبدا! فقال له الرجل: فمكانك [2] إذا لا برحت منه أبدا.
قال: ومرّ به صبيان يلقطون النّوى، فوقفوا ينظرون إليه، فالتفت إلى ابن غرير وقال له: ما أعرف في الدنيا سخلين أشأم منّي ومنك! إنّ هؤلاء الصّبيان لأهلهم عليهم في كلّ يوم على كلّ واحد منهم مدّ نوى، فقد تركوا لقطهم للّنوى، وقد وقفوا ينظرون إليّ وإليك وينصرفون بغير شيء فيضربون، فيكون شؤمنا قد لحقهم.
قال: وقال العرجيّ في حبسه:
صوت
أضاعوني وأيّ فتى أضاعوا ... ليوم كريهة وسداد [3] ثغر
وصبر [4] عند معترك المنايا ... وقد شرعت أسنّتها بنحري
أجرّر في الجوامع [5] كلّ يوم ... فيا للّه مظلمتي [6] وصبري [7]
كأنّي لم أكن فيهم وسيطا [8] ... ولم تك نسبتي في آل عمرو [9]
أبو حنيفة وجار له كان يغني بشعر العرجيّ
أخبرني محمد بن زكريّا الصّحّاف [10] قال حدّثنا قعنب بن المحرز الباهليّ عن الأصمعيّ قال:
/ كان لأبي حنيفة جار بالكوفة يغنّي، فكان إذا انصرف وقد سكر يغنّي في غرفته، ويسمع أبو حنيفة غناءه فيعجبه. وكان كثيرا ما يغنّي:
أضاعوني وأيّ فتى أضاعوا ... ليوم كريهة وسداد ثغر
فلقيه العسس ليلة [11] فأخذوه وحبس. ففقد أبو حنيفة صوته تلك الليلة، فسأل عنه من غد فأخبر، فدعا بسواده [12]
__________
[1] كذا في أكثر النسخ. وفي ب، س: «الفأفاءة» ولعل التاء زيدت فيه للمبالغة.
[2] في ت: «مكانك» من غير فاء.
[3] سداد الثغر بالكسر: ما يسد به الثغر من خيل ورجال وغير ذلك من عدد الحرب.
[4] في ت: «فصبرا عند معترك المنايا».
[5] الجوامع: جمع جامعة وهي هنا الغل.
[6] المظلمة بكسر اللام: الظلم.
[7] الصبر: الحبس.
[8] يقال: فلان وسيط في قومه، إذا كان أوسطهم نسبا وأرفعهم مجدا.
[9] يريد عمرو بن عثمان بن عفان.
[10] الصحاف كشدّاد: بائع الصحف أو الذي يعملها.
[11] العسس: جمع عاسّ، وهو الذي يطوف بالليل يحرس الناس ويكشف أهل الريبة.
[12] كان السواد شعارا لبني العباس، وكان أشياعهم يرتدونه؛ ولذلك سمّوا المسوّدة (بكسر الواو المشدّدة). وقد روى أبو الفرج في الجزء التاسع من «الأغاني»، طبع بلاق، في أخبار أبي دلامة ونسبه أن أبا جعفر المنصور أمر أصحابه بلبس السواد وقلانس طوال تدعم بعيدان من داخلها، وأن يعلقوا السيوف في المناطق ويكتبوا على ظهورهم: «(فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)
فدخل عليه أبو دلامة في هذا الزي، فقال له أبو جعفر: ما حالك؟ قال: شرّ حال، وجهي في نصفي وسيفي في استي وكتاب اللّه وراء
وطويلته [1] فلبسهما، وركب إلى عيسى بن موسى فقال له: إنّ لي جارا أخذه عسسك البارحة فحبس، وما علمت منه إلا خيرا. فقال عيسى: سلّموا إلى أبي حنيفة كلّ من أخذه العسس البارحة، فأطلقوا جميعا. فلمّا خرج الفتى دعا به أبو حنيفة وقال له سرّا: ألست كنت تغنّي يا فتى كلّ ليلة:
أضاعوني وأيّ فتى أضاعوا
فهل أضعناك؟ قال: لا واللّه أيّها القاضي، ولكن أحسنت وتكرّمت، أحسن اللّه جزاءك. قال: فعد إلى ما كنت تغنّيه، فإنّي كنت آنس به، ولم أر به بأسا. قال: أفعل.
عبد اللّه بن علي كان كثير التمثل في حبسه بقول العرجيّ أضاعوني البيت
وقال إسحاق في خبره: لمّا حبس المنصور عبد اللّه بن عليّ، كان يكثر التّمثّل بقول العرجيّ:
أضاعوني وأيّ فتى أضاعوا ... ليوم كريهة وسداد ثغر
/ فبلغ ذلك المنصور، فقال: هو أضاع نفسه بسوء فعله، فكانت أنفسنا عندنا آثر من نفسه.
حكاية الأصمعيّ من كناس بالبصرة كان يتمثل بهذا البيت
قال إسحاق: وقال الأصمعيّ: مررت بكنّاس بالبصرة يكنس كنيفا ويغنّي:
أضاعوني وأيّ فتى أضاعوا ... ليوم كريهة وسداد ثغر
فقلت له: أمّا سداد الكنيف فأنت ملىء به [2]. وأما الثغر فلا علم لي بك كيف أنت فيه - وكنت حديث السنّ فأردت العبث به - فأعرض عنّي مليا، ثم أقبل عليّ فأنشد متمثّلا:
وأكرم نفسي إنّني إن أهنتها ... وحقّك لم تكرم على أحد بعدي
قال فقلت له: واللّه ما يكون من الهوان شيء أكثر مما بذلتها له، فبأيّ شيء أكرمتها؟ فقال: بلى! واللّه إنّ من الهوان لشرّا مما أنا فيه. فقلت: وما هو؟. فقال: الحاجة إليك وإلى أمثالك من الناس. فانصرفت عنه أخزى الناس. قال محمد بن مزيد: فحدّثني حمّاد قال قال لي أبي: اختصر الأصمعي - فيما أرى - الجواب، وستر أقبحه على نفسه، وإلا فكنّاس كنيف قائم يكنسه ويعبث به هذا العبث، فيرضى بهذا الجواب الذي لا يجيب بمثله الأحنف بن قيس لو كانت المخاطبة له!.
اقتصاص الوليد بن يزيد من محمد بن هشام وأخيه إبراهيم بن هشام
وقال إسحاق في خبره: كان الوليد بن يزيد مضطغنا على محمد بن هشام لأشياء [3] كانت تبلغه عنه في حياة هشام، فلمّا ولي الخلافة قبض عليه وعلى أخيه إبراهيم بن هشام وأشخصا إليه إلى الشام، ثم دعا بالسّياط. فقال له
__________
- ظهري، وقد صبغت بالسواد ثيابي؛ فضحك منه وأعفاه من ذلك وقال له: إياك أن يسمع هذا منك أحد.
[1] الطويلة: القلنسوة العالية المدعومة بعيدان، كما يستفاد من عبارة «الأغاني» المتقدّمة. ويظهر من البيهقي في المحاسن والمساوي طبع ليپزج ص 213 أنها كانت لباس القضاة.
[2] ملىء به: مضطلع به.
[3] في ت، ح: «أشياء» من غير لام.
محمد: أسألك بالقرابة. قال: وأيّ قرابة بيني وبينك! وهل أنت إلا من أشجع! قال: فأسألك بصهر عبد الملك.
قال: لم تحفظه. فقال له: يا أمير المؤمنين، قد نهى رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم أن يضرب قرشيّ بالسّياط إلا في حدّ. قال: ففي حدّ أضربك وقود، أنت/ أوّل من سنّ ذلك على العرجيّ، وهو ابن عمّي وابن أمير المؤمنين عثمان، فما رعيت حقّ جدّه ولا نسبه بهشام، ولا ذكرت حينئذ هذا الخبر، وأنا وليّ ثأره، اضرب يا غلام، فضربهما ضربا مبرّحا، وأثقلا بالحديد، ووجّه بهما إلى يوسف بن عمر بالكوفة، وأمره باستصفائهما [1] وتعذيبهما حتى يتلفا، وكتب إليه: احبسهما مع ابن النّصرانيّة - يعني خالدا القسريّ - ونفسك نفسك إن عاش أحد منهم.
فعذّبهم عذابا شديدا، وأخذ منهم مالا عظيما حتى لم يبق فيهم موضع للضّرب. فكان محمد بن هشام مطروحا، فإذا أرادوا أن يقيموه أخذوا بلحيته فجذبوه بها. ولمّا اشتدّت عليهما الحال، تحامل [2] إبراهيم لينظر في وجه محمد، فوقع عليه فماتا جميعا، ومات خالد القسريّ معهما في يوم واحد. فقال الوليد بن يزيد لمّا حملهما إلى يوسف بن عمر:
قد راح نحو العراق مشخلبه [3] ... قصاره السّجن بعده الخشبه [4]
يركبها صاغرا بلا قتب ... ولا خطام وحوله جلبه
فقل لدعجاء إن مررت بها ... لن يعجز اللّه هارب طلبه
قد جعل اللّه بعد غلبتكم ... لنا عليكم يا دلدل الغلبه
لست إلى هاشم ولا أسد ... ولا إلى نوفل ولا الحجبه [5]
لكنّما أشجع أبوك سل ال ... كلبيّ [6] لا ما يزوّق الكذبه
الرشيد وإسحاق حين غناه قول العرجيّ أضاعوني البيت
قال إسحاق في خبره: غنيت الرشيد يوما في عرض الغناء:
أضاعوني وأيّ فتى أضاعوا ... ليوم كريهة وسداد ثغر
فقال لي: ما كان سبب هذا الشعر حتى قاله العرجيّ؟ فأخبرته بخبره من أوّله إلى أن مات، فرأيته يتغيظ كلّما مرّ منه شيء. فأتبعته بحديث مقتل ابني هشام، فجعل وجهه يسفر وغيظه يسكن. فلمّا انقضى الحديث، قال لي: يا إسحاق! واللّه لولا ما حدّثتني به من فعل الوليد لما تركت أحدا من أماثل بني مخزوم إلا قتلته بالعرجيّ.
__________
[1] كذا في ت، ح. ومعناه أخذ أموالهما. وفي سائر النسخ: «باستصعابهما» وهو تحريف.
[2] أي تكلف التحرّك بعض الشيء ليرى حالة أخيه.
[3] كذا في أكثر النسخ. قال في «اللسان»: والمشخلبة: كلمة عراقية ليس على بنائها شيء من العربية، وهي تتخذ من الليف والخرز أمثال الحلي، وقد تسمى الجارية مشخلبة لما يرى عليها من الخرز كالحليّ. وفي ت: «مخشلبة» بتقديم الخاء المعجمة على الشين المعجمة، ومعناهما واحد.
[4] أي غايته السجن بعده الصلب.
[5] يريد حجبة الكعبة. وكانت الحجابة في بني قصيّ وقد بعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وحجابة البيت في يد شيبة بن عثمان بن طلحة بن عبد الدار بن قصى، فأبقاها واختص بها أولاده من بعده، فهي فيهم إلى الآن.
[6] يريد بالكلبي محمد بن السائب بن بشر بن عمرو الكلبيّ النّسابة المعروف.
والصوت الآخر من رواية جحظة عن أصحابه:
صوت
إذا ما طواك الدّهر يا أمّ مالك ... فشأن المنايا القاضيات وشانيا
تمرّ الليالي والشهور وتنقضي ... وحبّك ما يزداد إلا تماديا
خليليّ إن دارت على أمّ مالك ... صروف الليالي فابغيا لي ناعيا
ولا تتركاني لا لخير معجّل ... ولا لبقاء تنظران بقائيا
الشعر للمجنون، ومن الناس من يروي البيت الأوّل منها لقيس بن الحداديّة [1] وهو جاهليّ. والغناء لابن محرز ثاني ثقيل بالوسطى. وذكر حبش وابن المكيّ أنّ فيه لإسحاق لحنا آخر من الثقيل الثاني بالخنصر والبنصر.
إلى هنا انتهى الجزء الأوّل من كتاب «الأغاني»، ويليه الجزء الثاني منه، وأوّله (أخبار مجنون بني عامر ونسبه).
__________
[1] ترجمة قيس في أوّل الجزء الثالث عشر من «الأغاني»، طبع بولاق، والحدادية اسم أمه، وهي منسوبة إلى حداد (بكسر الحاء المهملة) ابن بلادة بن ذهل بن طريف بن خلف بن محارب بن قيس بن عيلان بن مضر (راجع «أنساب السمعاني» في هذه المادة).
فهرس موضوعات الجزء الأول
الموضوع الصفحة
- كلمة دار إحياء التراث العربي 7
- فصل في صناعة الغناء عن العلامة ابن خلدون في «مقدمته» 10
- ترجمة المؤلف 14
- كتاب الأغاني وثناء أهل العلم والأدب عليه ونقده ومختصراته 25
- كتب الأغاني المؤلفة قبل هذا الكتاب والمسماة باسمه 27
- الكلمات الاصطلاحية الواردة في كتاب الأغاني 28
- وصف النسخ الخطية للكتاب 30
- طريقة تصحيح الكتاب 36
- مقدمة المؤلف 38
- ذكر المائة الصوت المختّارة 42
التراجم
1 - خبر أبي قطيفة ونسبه 45
2 - ذكر معبد وبعض أخباره 61
3 - ذكر خبر عمر بن أبي ربيعة ونسبه 78
4 - أخبار ابن سريح ونسبه 206
5 - ذكر نصيب وأخباره 258
6 - أخبار ابن محرز ونسبه 294
7 - أخبار العرجي ونسبه 298 - 321
الجزء الثاني
[مقدمة]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ*
بيان
(أ) روجع هذا الجزء على النسخ التي روجع عليها الجزء الأوّل ما عدا النسخة الأوروبية التي اصطلحنا على تسميتها بالحرف (ر) لأن طابعها اقتصر على طبع بعض الجزء الأوّل وانتهى، كما قلنا فيما كتبناه عنها في تصدير الجزء الأوّل، قبل آخر أخبار ابن محرز ونسبه، وما عدا النسخة التيمورية التي اصطلحنا على تسميتها بالحرف (ت) وقد قلنا فيما كتبناه عنها هناك إنه لا يوجد منها سوى الجزء الأوّل، كما روجع هذا الجزء على نسخة خطية محفوظة بدار الكتب المصرية تحت رقم 579 أدب تبتدىء من الجزء الثاني، وإليك وصفها:
نسخة ط
وقد اصطلحنا على تسميتها بالحرف «ط» لأن كاتبها هو محمد بن أبي طالب البدري وذلك في شهور سنة 614 ه. ولم نرمز لها بالحرف «م» من محمد أو «ب» من البدري، لأننا رمزنا بهذين الحرفين لنسختين أخريين.
أما هذه النسخة فالموجود منها بدار الكتب المصرية أربعة أجزاء في أربعة مجلدات وهي:
(1) الجزء الثاني، أوله في الصفحة الأولى ذكر عديّ بن زيد، ثم ما يلي هذه الصفحة مخروم، والخرم يستغرق كل أخبار عدي ثم جزءا من أخبار الحطيئة ويبلغ مقداره نحو 28 صفحة ونصف صفحة من طبعة بولاق.
وتبتدىء الصحف الموجودة بهذا البيت:
باستك إذ خلفتني خلف شاعر ... من الناس لم أكفىء ولم أتنحل
وتنتهي بآخر أخبار بشار بن برد الشاعر ونسبه.
ورسم بوجه الصفحة الأولى صورة ملوّنة بالأحمر والأخضر والأسود واللازوردي، وفيها بعض التذهيب، وهي تمثل مجلسا من مجالس الرقص والغناء وقد ضم عددا من الجواري والقيان. وفي هامش ظهر هذه الصفحة طبع خاتم لم يظهر منه إلا «أبو الحسن علي الشريف» وبدائرته «لا إله إلا اللّه وحده صدق وعده». ويقع هذا الجزء في 173 صفحة. ويبلغ طول الصفحة منه 32 سنتيمترا، وعرضها 23 سنتيمترا، وطول ما كتب منها 24 سنتيمترا بعرض 16 سنتيمترا، وفي كل صفحة 15 سطرا.
وليس بهوامشه سوى بعض كلمات أو جمل سقطت من الأصل فاستدركها الناسخ وكتب في نهايتها كلمة «صح» إشارة إلى سقوطها من الأصل، أو روايات مختلفة عن نسخ أخرى، ويكتب فوقها الحرف «خ» إشارة إلى روايتها بهذا النص في نسخة أخرى.
أما خط الجزء فهو النسخ المعهود. وهو واضح متقن، وأوله محلى بالذهب وتراجمه كذلك، وقد ضبطت ألفاظه بالحركات، وورد بآخره هذه العبارة:
«الحمد للّه وحده. طالعه الفقير حسن بن محمد العطار الأزهري، غفر اللّه له». وهو عالم جليل ومؤلف معروف، تولى مشيخة الأزهر الشريف سنة 1246 ه.
كما ورد أيضا: «طالعه الفقير درويش سنة 1016».
(2) الجزء الرابع، وأوله أخبار طويس ونسبه، وينتهي إلى آخر نسب إبراهيم الموصلي وأخباره. وفي أول هذا الجزء ورقة مكتوبة بخط مخالف لخط الكتاب تشمل أسماء من ترجم لهم صاحب الأغاني في هذا الجزء كما كتبت فيها هذه العبارة بخط مخالف لهذا الخط أيضا وهي: «الحمد للّه وحده. قد دخل هذا الجزء الذي هو الرابع من الأغاني في نوبة عبد اللّه ابن الفقير إليه محمد بن محمود الجزائري الشهير بابن العتابي - كان اللّه له - بثمن قدره تسع ريالات صغيرة جزائرية وربع واحدها، وذلك بتاريخ أواخر شعبان سنة خمس عشرة واثني (كذا) عشر (كذا) مائة أحسن اللّه عاقبتها بحمده إليه».
وقد رسم بوجه الصحيفة الأولى منه صورة بالألوان كالسابقة إلا أنها تخالفها في الوضع. وهي تمثل أميرا وحوله الغواني والقيان وفي أيديهنّ العود والدف والقيثارة.
وأوصافه من جهة الخط والمقياس تنطبق على أوصاف المجلد السابق لأنه مخطوط بخط الناسخ المتقدّم، ويقع في 205 صفحة، وبه خروم في الوسط.
وقد كتب بآخره: «الحمد للّه. طالعه الفقير حسن بن محمد العطار الأزهري سامحه اللّه «و الحمد للّه طالعه محمد أحمد السروجي المالكي في ثاني ذي القعدة سنة سبع وسبعين وثمانمائة غفر اللّه له وللمسلمين وصلى اللّه على محمد وآله وسلّم».
(3) الجزء الحادي عشر، وأوله خبر أساقفة نجران مع النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم، وينتهي إلى أوّل أخبار سويد بن أبي كاهل ونسبه، وهو مخطوط بخط الناسخ المتقدّم أيضا وأوصافه كأوصاف سابقيه ويقع في 208 صفحة.
وقد كتب بآخره: «الحمد للّه. طالعه الفقير حسن بن محمد العطار الأزهري سامحه اللّه» و «الحمد للّه.
طالعه فقير [إلى] رحمة ربه الغني محمد أحمد السروجي المالكي في حادي عشر محرم الحرام سنة ثمان وسبعين وثمانمائة ... وصلى اللّه على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم» و «الحمد للّه وحده. وصلى اللّه على سيدنا محمد، طالع في هذا الكتاب المبارك الفقير سليمان جاويش الشهير بالأخرس وبابن أزدمر غفر اللّه له بمنه.
وذلك في أوائل شهر المحرم الحرام سنة ثلاثة (كذا) عشر بعد ألف» و «طالع في هذا الكتاب المفتقر إلى رحمة ربه ومغفرته ورضوانه الحقير رمضان أغا ابن المرحوم سليمان جاويش الخدم العالية غفر اللّه لهما ولوالديهما ولمن طالع فيه وأهدى ثواب لا إله إلا اللّه محمد رسول اللّه لهما مع الفاتحة في شهر ذي القعدة سنة 1015» و «الحمد للّه. تعلق به نظر الفقير أحمد بن محمد بن محمد بن محمد الهواني».
(4) الجزء الثالث عشر وهو مخروم من الأول والأثناء والآخر، وأول ما فيه من أثناء أخبار عبد اللّه بن الزبير، وينتهي إلى أثناء أخبار عمرو بن بانة، وهو مخطوط بخط الناسخ المتقدّم أيضا، وأوصافه كأوصاف الأجزاء السابقة. والموجود منه 172 صفحة.
(ب) لم نراع في فهرس هذا الجزء وضع الحرف (ت) بجانب الرقم ليدّل على عدد السطر في التعليقات المكتوبة أسفل الصحف، بل رأينا لسهولة المراجعة الاقتصار على رقم الصفحة وعدد السطر فقط سواء كان في صلب الكتاب أو حواشيه.
(ح) نبهنا حضرة الباحث المحقق الأب أنطون صالحاني اليسوعي إلى أن نضع في هامش كل صفحة إزاء السطر الخامس والعاشر والخامس عشر إلخ الأعداد 5 و10 و15 وهكذا ليقف المطالع بسرعة وبدون عناء على
السطر المطلوب الذي عينه الفهرس دون أن يلتجىء إلى عدّ الأسطر لتعيين السطر المطلوب وفي ذلك شيء من الإعنات للقراء لا نود لهم أن يتورطوا فيه، كما نبهنا أيضا إلى أن نضع أرقام صحف النسخة المطبوعة ببولاق وهي المنتشرة غالبا في أيدي الناس كما أنها النسخة التي يشير إليها الباحثون والمستشرقون في مؤلفاتهم حين ينقلون عن كتاب الأغاني، لكي يسهل على من يريد الرجوع إلى عبارة منبه عليها بصفحتها في هذه الطبعة (طبعة بولاق) الرجوع إليها بلمحة بصر في طبعتنا هذه، وقد ابتدأنا ذلك من الصفحة 113 من هذا الجزء ووضعنا رقم الصفحة وتحته مفصولا عنه بشرطة أفقيه رقم الجزء فمثلا 2/ 125 يدل على الصفحة 125 من الجزء الثاني وهكذا.
وسنراعي ذلك في جميع أجزاء الكتاب إن شاء اللّه مع تقديم جزيل الشكر له على هذه الملاحظات القيمة.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ*
(الجزء الثاني من كتاب الأغاني)
[تتمة التراجم]
8 - أخبار مجنون بني عامر ونسبه
نسبه وتصحيح اسمه
هو - على ما يقوله من صحّح نسبه وحديثه - قيس، وقيل: مهديّ، والصحيح [أنه] [1] قيس بن الملوّح [2] بن مزاحم بن عدس [3] بن ربيعة بن جعدة بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة. ومن الدليل على أنّ اسمه قيس قول ليّلى صاحبته فيه:
ألا ليت شعري والخطوب كثيرة ... متى رحل قيس مستقلّ فراجع
/ وأخبرني الحسن [4] بن عليّ قال حدّثنا أحمد بن زهير قال: سمعت من لا أحصي يقول: اسم المجنون قيس بن الملوّح.
قيل كانت به لوثة ولم يكن مجنونا
وأخبرني هاشم بن محمد الخزاعيّ قال حدّثنا الرّياشيّ، وأخبرني الجوهريّ عن عمر بن شبّة أنهما سمعا الأصمعيّ يقول - وقد سئل عنه -: لم يكن مجنونا ولكن كانت به لوثة [5] كلوثة أبي [6] حيّة النّميريّ.
اختلاف الرواة في وجوده
وأخبرني حبيب بن نصر المهلّبيّ وأحمد بن عبد العزيز الجوهريّ عن [7] ابن شبّة عن الحزاميّ قال حدّثني أيّوب بن عباية قال: سألت بني عامر بطنا بطنا عن مجنون بني عامر فما وجدت أحدا يعرفه.
__________
[1] جاءت هذه الكلمة في ح، وليست في سائر النسخ.
[2] لم نقف على ضبط هذا الاسم بخصوصه ولكن العرب سمّوا ملوّحا بفتح الواو وهو الذي ذكره صاحب «القاموس» ولم يذكر أنه سمّي بملوّح بكسرها.
[3] كذا في أغلب الأصول. وفي ت، ح: «ابن مزاحم بن قيس بن عدي بن ربيعة». وقد نقل صاحب «اللسان» في مادة «عدس» عن ابن الأنباري: أنّ كل ما في العرب «عدس» فإنه بفتح الدال إلا عدس بن زيد فإنه بضمها وهو عدس بن زيد بن عبد اللّه بن دارم، وكذلك نص عليه أبو عليّ القالي في «النوادر» ج 3 ص 209 طبع دار الكتب المصرية.
[4] كذا في أغلب الأصول. وفي نسخة ح: «و أخبرني الحرميّ عن أحمد بن زهير».
[5] في «القاموس» وشرحه و «لسان العرب»: اللوثة بالضم: الحمق ويفتح وذكر الوجهين ابن سيده في «المحكم» عن ابن الأعرابيّ.
وعبارة المصباح: اللوثة بالفتح: الحماقة وبالضم: الاسترخاء والحبسة في «اللسان».
[6] له ترجمة في الجزء الخامس عشر من «الأغاني» طبع بولاق.
[7] في ت: «قالا حدّثنا عمر بن شبة».
وأخبرني عمّي قال حدّثنا أحمد بن الحارث عن المدائنيّ عن ابن دأب [1] قال: قلت لرجل من بني عامر:
أتعرف المجنون وتروي من شعره شيئا؟ قال: أو قد فرغنا من شعر العقلاء حتى نروي أشعار المجانين! إنهم لكثير! فقلت: ليس هؤلاء أعني، إنما أعني مجنون بني عامر الشاعر الذي قتله العشق، فقال: هيهات! بنو عامر أغلظ/ أكبادا من ذاك، إنما يكون هذا في هذه اليمانية الضّعاف قلوبها، السّخيفة عقولها، الصّعلة [2] رؤوسها، فأما نزار فلا.
أخبرني هاشم بن محمد قال حدّثنا الرّياشيّ قال سمعت الأصمعيّ يقول: رجلان ما عرفا في الدنيا قطّ إلا بالاسم [3]: مجنون بني عامر، وابن القرّيّة [4]، وإنما [5] وضعهما الرّواة.
وأخبرنا أحمد بن عبد العزيز قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثني عبد اللّه بن أبي سعد عن الحزاميّ قال: ولم أسمعه من الحزاميّ فكتبته عن ابن أبي سعد قال أحمد: وحدّثنا به ابن أبي سعد عن الحزاميّ قال حدّثنا عبد الجبّار بن سعيد بن سليمان بن نوفل بن مساحق عن أبيه عن جدّه قال: سعيت [6] على بني عامر فرأيت المجنون وأتيت به وأنشدني.
أخبرني عليّ بن سليمان الأخفش قال حدّثنا أبو سعيد السّكّريّ قال حدّثنا إسماعيل بن مجمّع عن المدائنيّ [7] قال: المجنون المشهور بالشعر عند الناس صاحب ليلى قيس بن معاذ من بني عامر، ثم من بني عقيل [8]، أحد بني نمير بن عامر بن عقيل،/ قال: ومنهم رجل آخر يقال له: مهديّ بن الملوّح من بني جعدة بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة.
قيل إن فتى من بني أمية وضع حديثه وشعره ونسبه إليه
وأخبرني عمّي عن الكرانيّ قال حدّثنا ابن أبي سعد عن عليّ بن الصّبّاح عن ابن الكلبيّ قال: حدّثت أن حديث المجنون وشعره وضعه فتى من بني أميّة كان يهوى ابنة عمّ له، وكان يكره أن يظهر ما بينه وبينها، فوضع حديث المجنون وقال الأشعار التي يرويها الناس للمجنون ونسبها إليه.
أخبرني الحسين بن يحيى وأبو الحسن الأسديّ قالا: حدّثنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه قال: اسم المجنون
__________
[1] هو عيسى بن يزيد بن بكر بن دأب، كان عالما بأخبار العرب وأشعارهم وكان فوق ذلك شاعرا، وكان يضع بالمدينة الشعر وأحاديث السمر وكلاما ينسب إلى العرب، وكان من أكثر أهل الحجاز أدبا وعلما وعذوبة ومعرفة بأخبار الناس وأيامهم، وكان لذيذ المفاكهة طيب المسامرة كثير النادرة جيد الشعر حسن الانتزاع له، وهو من نقلة الأخبار ونقاد الأشعار، حظي عند الهادي حظوة لم تكن لأحد قبله (انظر ترجمته في التعليقات على كتاب «التاج» للجاحظ ص 116 - 117).
[2] كذا في ت، ح، ومعناه الصغيرة رؤوسها. وفي حديث أم معبد في صفة النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم: «لم تزر به صعلة» قال أبو عبيد: الصعلة: صغر الرأس. وفي م: «الصعبة» بالباء. وفي سائر النسخ: «الصعلة» بتقديم اللام على العين وكلاهما تحريف.
[3] كذا في ت، م. وفي ح: إلا باسم مجنون بني عامر» وفي باقي النسخ: «إلا باسم مجنون مجنون بني عامر» والصواب ما أثبتناه.
[4] انظر الكلام عليه في ص 9 بالحاشية رقم 4 من هذا الجزء.
[5] كذا في ت. وفي ب، س: «فإنهما». وفي باقي النسخ: «إنما وضعهما».
[6] أي خرجت عاملا على قبض الزكاة منهم.
[7] كذا في ت، ح. وفي سائر النسخ: «عن المدائني قال قال الخ».
[8] في «شرح مسلم» للنووي: أن عقيلا كله بالفتح إلا ابن خالد عن الزهريّ ويحيى بن عقيل وأبا القبيلة فبالضم. انظر «شرح القاموس» مادة «عقل».
قيس بن معاذ أحد بني جعدة بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة.
وأخبرني أبو سعد الحسن بن عليّ بن زكريّا العدويّ قال حدّثنا حمّاد [1] بن طالوت بن عبّاد: أنه سأل الأصمعيّ عنه، فقال: لم يكن مجنونا، بل كانت به لوثة أحدثها العشق فيه، كان يهوى امرأة من قومه يقال لها ليلى، واسمه قيس بن معاذ.
وذكر عمرو بن أبي عمرو الشّيبانيّ عن أبيه أن اسمه قيس بن معاذ.
وذكر شعيب بن السّكن عن يونس النّحويّ أن اسمه قيس بن الملوّح، قال أبو عمرو الشّيبانيّ: وحدّثني رجل من أهل اليمن أنه رآه ولقيه وسأله عن اسمه ونسبه، فذكر [2] أنه قيس بن الملوّح.
/ وذكر هشام بن محمد الكلبيّ أنه قيس بن الملوّح، وحدّث أن أباه مات قبل اختلاطه [3]، فعقر على قبره ناقته وقال في ذلك.
عقرت على قبر الملوّح ناقتي ... بذي السّرح [4] لما أن جفاه الأقارب
وقلت لها كوني عقيرا [5] فإنني ... غدا راجل أمشي وبالأمس راكب
فلا يبعدنك اللّه يا بن مزاحم ... فكلّ بكأس الموت لا شكّ شارب [6]
وذكر إبراهيم بن المنذر الحزاميّ وأبو عبيدة معمر بن المثنّى أنّ اسمه البحتريّ بن الجعد.
وذكر مصعب الزّبيريّ والرّياشيّ وأبو العالية أن اسمه الأقرع بن معاذ. وقال خالد بن كلثوم: اسمه مهديّ ابن الملوّح.
وأخبرني الأخفش عن السّكّريّ عن أبي زياد [7] الكلابيّ، قال: ليلى صاحبة المجنون هي ليلى بنت سعد بن مهديّ بن ربيعة بن الحريش بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة.
/ أخبرني محمد بن خلف وكيع، قال حدّثنا أبو قلابة الرّقاشيّ [8]، قال حدّثني عبد الصّمد بن المعذّل، قال:
سمعت الأصمعيّ وقد تذاكرنا مجنون بني عامر يقول: لم يكن مجنونا وإنما كانت به لوثة، وهو القائل:
__________
[1] كذا في ب، س، ح. وفي باقي النسخ: «عثمان».
[2] في ت، ح: «فعرّفه».
[3] يقال: اختلط عقله إذا تغير وفسد.
[4] ذو السرح: واد بأرض نجد.
[5] عقيرا أي معقورة. وأصل العقر: قطع القوائم ثم أطلق بمعنى النحر. قال ابن الأثير: كانوا يعقرون الإبل على قبور الموتى أي ينحرونها ويقولون: إن صاحب القبر كان يعقر للأضياف أيام حياته فنكافئه بمثل صنيعه بعد وفاته. وإنما أطلق العقر على النحر لأنهم كانوا إذا أرادوا نحر البعير عقروه لئلا يشرد عند النحر أه من «اللسان» مادة عقر.
[6] كذا في أغلب النسخ. وفي ت، ح: «لا بدّ شارب».
[7] اسمه يزيد بن عبد اللّه بن الحارث قال عنه ابن النديم في «الفهرست» طبع ليبزج ص 44: «إنه قدم بغداد أيام المهديّ وكان شاعرا من بني عامر بن كلاب وله مصنفات ذكرها». وقال في «تهذيب التهذيب» لابن حجر العسقلاني في ترجمته: «و كان إماما في اللغة وقال عليّ بن حمزة البصريّ في كتاب «التنبيه» على أغلاط الرواة: إنما بدأت بنوادر أبي زياد لشرف قدرها ونباهة مصنفها».
[8] كذا في أغلب النسخ. وفي ت، ح: «الرياشيّ» بالياء مكان القاف وهو تحريف، لأن أبا قلابة، وهو عبد الملك بن محمد، يعرف بالرقاشيّ نسبة إلى رقاش: قبيلة من قيس عيلان (انظر «الأنساب» للسمعانيّ في مادة الرقاشي و «الخلاصة في أسماء الرجال» في ترجمته و «تهذيب التهذيب» لابن حجر العسقلانيّ).
أخذت محاسن كلّ ما ... ضنّت محاسنه بحسنه
كاد الغزال يكونها ... لو لا الشّوى [1] ونشوز قرنه
لقب بالمجنون كثير غيره وكلهم كان يشبب بليلى
وأخبرني عمر بن عبد اللّه بن جميل العتكيّ قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثنا الأصمعيّ قال:
سألت أعرابيا من بني عامر بن صعصعة عن المجنون العامريّ فقال: عن أيّهم تسألني؟ فقد كان فينا جماعة رموا بالجنون، فعن أيّهم تسأل؟ فقلت: عن الذي كان يشبّب بليلى، فقال: كلّهم كان يشبّب بليلى، قلت: فأنشدني لبعضهم، فأنشدني لمزاحم بن الحارث المجنون:
ألا أيّها القلب الذي لجّ هائما ... بليلى [2] وليدا لم تقطّع تمائمه
أفق قد أفاق العاشقون وقد أنى [3] ... لك اليوم أن تلقى طبيبا تلائمه
أجدّك [4] لا تنسيك ليلى ملمّة ... تلمّ ولا عهد يطول تقادمه
/ قلت: فأنشدني لغيره منهم، فأنشدني لمعاذ بن كليب [5] المجنون:
ألا طالما لاعبت ليلى وقادني ... إلى اللّهو قلب للحسان تبوع
وطال امتراء [6] الشّوق عيني [7] كلّما ... نزفت دموعا تستجدّ دموع
فقد طال إمساكي على الكبد التي [8] ... بها من هوى ليلى الغداة صدوع
قلت: فأنشدني لغير هذين ممن ذكرت، فأنشدني لمهديّ بن الملوّح:
لو أنّ لك الدنيا وما عدلت به ... سواها وليلى بائن عنك بينها [9]
لكنت إلى ليلى فقيرا وإنما ... يقود إليها ودّ نفسك حينها
قلت له: فأنشدني لمن بقي من هؤلاء، فقال: حسبك! فو اللّه إنّ في واحد من هؤلاء لمن يوزن بعقلائكم اليوم.
__________
[1] الشوي: الأطراف.
[2] كذا في ت. وفي باقي النسخ: «وليدا بليلى».
[3] أنى: حان وقرب. وفي ت «و تزيين الأسواق» لداود الأنطاكيّ: «أبى».
[4] قال أبو عمرو: أجدّك لا تفعل بفتح الجيم وكسرها والكسر أفصح. ومعناه مالك أجدّا منك! وهو منصوب على المصدر. وقال ثعلب: ما أتاك في الشعر من قولك أجدّك فهو بالكسر فإذا قلت بالواو وجدّك فتحت وإنما وجب الفتح لأنه صار قسما، فكأنه حلف بجدّه والد أبيه.
[5] كذا في ب، س وسيأتي قريبا مصغرا في جميع النسخ عدا نسخة ت.
[6] الامتراء: الاستدرار.
[7] في ب، س، ح: «عنى» وهو تحريف.
[8] في م، ء: «الذي» والكبد مؤنثة وقد اقتصر ابن جني فيها على التأنيث وكذلك قال اللحيانيّ: هي مؤنثة فقط وذكر صاحب «القاموس» الوجهين حيث قال: وقد يذكر ونسب شارحه وجه التذكير إلى الفرّاء وغيره.
[9] بينها معناه وصلها لأنه من أسماء، الأضداد، يطلق على الوصل والفراق، وربما كان من اسناد الفعل إلى مصدره كجن جنونه وجدّ جدّه وضلّ ضلاله. وفي ب، س، ح: «حائن» وهو تحريف.
أخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدّثنا أحمد بن الحارث الخرّاز قال قال ابن الأعرابيّ: كان معاذ بن كليب [1] مجنونا، وكان يحبّ ليلى، وشركه في حبها مزاحم بن الحارث العقيليّ، فقال مزاحم يوما للمجنون:
كلانا يا معاذ يحبّ ليلى ... بفيّ وفيك من ليلى التّراب
شركتك في هوى من كان حظّي ... وحظّك من مودّتها العذاب
لقد خبلت فؤادك ثم ثنّت ... بقلبي [2] فهو مخبول مصاب
قال فيقال: إنه لما سمع هذه الأبيات التبس وخولط في عقله.
/ وذكر أبو عمرو الشّيبانيّ: أنه سمع في الليل هاتفا يهتف بهذه الأبيات، فكانت سبب جنونه.
وذكر إبراهيم بن المنذر الحزاميّ عن أيّوب بن عباية: أن فتى من بني مروان كان يهوى امرأة منهم فيقول فيها الشعر وينسبه إلى المجنون، وأنه عمل له أخبارا وأضاف إليها ذلك الشعر، فحمله الناس وزادوا فيه.
إنكار وجوده والقول بأن شعره مولد عليه
وأخبرني عمّي عن الكرانيّ عن العمريّ عن العتبيّ عن عوانة أنه قال: المجنون اسم مستعار لا حقيقة له، وليس له في بني عامر أصل ولا نسب، فسئل من قال هذه الأشعار؟ فقال: فتى من بني أمية.
وقال الجاحظ: ما ترك الناس شعرا مجهول القائل قيل في ليلى إلا نسبوه إلى المجنون [3]، ولا شعرا هذه سبيله قيل في لبنى إلا نسبوه إلى قيس بن ذريح.
وأخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدّثنا هارون بن محمد بن عبد الملك قال حدّثني أبو أيّوب المديني [4] قال حدّثني الحكم بن صالح قال: قيل لرجل من بني عامر: هل تعرفون فيكم المجنون الذي قتله العشق؟ فقال:
هذا باطل، إنما يقتل العشق هذه اليمانية الضّعاف القلوب.
/ أخبرنا أحمد بن عمر بن موسى قال حدّثنا إبراهيم بن المنذر الحزاميّ قال حدّثني أيّوب بن عبابة قال حدّثني من سأل بني عامر بطنا بطنا عن المجنون فما وجد فيهم أحدا يعرفه.
أخبرني محمد بن مزيد بن أبي الأزهر قال حدّثنا أحمد بن الحارث عن ابن الأعرابي أنه ذكر عن جماعة من بني عامر أنهم سئلوا عن المجنون فلم يعرفوه، وذكروا أنّ هذا الشعر كلّه مولّد [5] عليه.
__________
[1] في ت: «كلب».
[2] في ب، س: «بعقلي».
[3] في ت: «قيس بن الملّوح».
[4] كذا في أغلب النسخ. وفي ب، س: المدائنيّ» والصواب ما أثبتناه. قال ابن النديم في «الفهرست» طبع ليبزج ص 148: أبو أيوب المدينيّ واسمه سليمان بن أيوب بن محمد من أهل المدينة أه. والأكثر في النسبة إلى مدينة الرسول صلى اللّه عليه وآله وسلّم «مدنيّ» قال السمعانيّ في «الأنساب»: أكثر ما ينسب إليها المدنيّ ونقل ياقوت عن محمد بن إسماعيل البخاريّ: أن المدينيّ هو الذي أقام بالمدينة ولم يفارقها، والمدنيّ هو الذي تحوّل عنها وكان منها ثم قال: والمشهور عندنا أنّ النسبة إلى مدينة الرسول مدنيّ مطلقا وإلى غيرها من المدن مدينيّ للفرق لا لعلة أخرى وربما ردّه بعضهم إلى الأصل فنسب إلى مدينة الرسول أيضا مدينيّ أه.
[5] كذا في أغلب النسخ، والمولد: المفتعل، يقال: جاء بكتاب مولد أي مفتعل. وفي ب، س: «مؤلف».
أخبرني أحمد بن عبيد اللّه [1] بن عمّار قال حدّثني أحمد بن سليمان بن أبي شيخ عن أبيه عن محمد ابن الحكم عن عوانة قال: ثلاثة لم يكونوا قطّ ولا عرفوا: ابن أبي العقب صاحب قصيدة الملاحم [2]، وابن القرّيّة [3]، ومجنون بني عامر.
/ أخبرني أبو الحسن الأسديّ قال حدّثنا الرّياشيّ قال سمعت الأصمعيّ يقول: الذي ألقي على المجنون من الشعر وأضيف إليه أكثر مما قاله هو.
أخبرني عيسى بن الحسين الورّاق قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثني إسحاق قال: أنشدت أيّوب بن عباية هذين البيتين
وخبّر تماني أنّ تيماء [4] منزل ... لليلى إذا ما الصّيف ألقى المراسيا
فهذي شهور الصّيف عنّا قد انقضت ... فما للنّوى ترمي بليلى المراميا
وسألته عن قائلهما، فقال: جميل، فقلت له: إنّ الناس يروونهما للمجنون، فقال: ومن هو المجنون [5]؟
فأخبرته، فقال: ما لهذا حقيقة ولا سمعت به.
وأخبرني عمّي عن عبد اللّه بن شبيب عن هارون بن موسى الفرويّ [6] قال:
سألت أبا بكر العدويّ عن هذين البيتين فقال: هما لجميل، ولم يعرف المجنون، فقلت: فهل معهما غيرهما؟ قال: نعم، وأنشدني:
وإنّي لأخشى أن أموت فجاءة ... وفي النفس حاجات إليك كما هيا
وإنّي لينسيني لقاؤك كلّما ... لقيتك يوما أن أبثّك ما بيا
وقالوا به داء عياء أصابه ... وقد علمت نفسي مكان دوائيا
__________
[1] في ت: «عبد اللّه» وقد تقدّم غير مرة كما أثبتناه في الأصل.
[2] الملاحم: جمع ملحمة وهي الواقعة العظيمة في الفتنة ولها علم خاص يبحث فيه عن معرفة أوقات الفتن بالدلائل النجومية، قال صاحب كتاب «مدينة العلوم»: وقد عرفت أن علم أحكام النجوم من أضعف العلوم دلالة فلا تعويل عليه أصلا أ. ه من كتاب «أبجد العلوم» لصديق حسن خان طبع الهند ص 636.
[3] هو أيوب بن زيد بن قيس، والقرّية أمه وهو من بني هلال بن ربيعة وكان لسنا خطيبا، قتله الحجاج لاتّهامه بالميل إلى ابن الأشعث، وقد عرف به ابن خلكان في «تاريخه» فقال: «هذا ابن القرّية الذي يذكره النحاة في أمثالها فيقولون: ابن القرّية زمان الحجاج، ثم أورد عبارة صاحب «الأغاني» هذه وقال: «ابن القرّية يعني هذا المذكور وابن أبي العقب الذي تنسب إليه الملاحم واسمه يحيى بن عبد اللّه بن أبي العقب واللّه أعلم».
وقد ذكر صاحب «كشف الظنون» يحيى هذا باسم يحيى بن عقب ووصفه بأنه معلم الحسن والحسين رضي اللّه عنهما وملحمته منظومة لاميّة أوّلها:
رأيت من الأمور عجيب حال ... لأسباب يسطرها مقالي
[4] تيماء بالفتح والمدّ: بلد صغير في أطراف الشأم بين الشأم ووادي القرى والأبلق الفرد، حصن السموءل بن عاديا اليهودي مشرف عليها فلذلك كان يقال لها: تيماء اليهوديّ أه من «معجم البلدان» لياقوت.
[5] كذا في ت وفي ب، س: «و ما المجنون» وفي باقي النسخ: «و ما هو المجنون».
[6] في ت، ب، س، ح: «القروي». وفي سائر النسخ: «الهروي» والموجود في كتب «التراجم» «هارون بن موسى بن أبي علقمة الفروى» بالفاء فلعل القروي أو الهروي محرّفة عنها.
/ وأنا أذكر [1] مما وقع إليّ من أخباره جملا مستحسنة، متبرّئا من العهدة فيها، فإن أكثر أشعاره المذكورة في أخباره ينسبها بعض الرّواة إلى غيره وينسبها من حكيت عنه إليه، وإذا قدّمت هذه الشريطة برئت من عيب طاعن ومتتبّع [2] للعيوب.
بدء تعشقه ليلى
أخبرني بخبره في شغفه بليلى جماعة من الرّواة، ونسخت ما لم أسمعه من الروايات وجمعت ذلك في سياقة خبره ما اتّسق ولم يختلف، فإذا اختلف نسبت كلّ رواية إلى راويها.
فممن أخبرني بخبره أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ وحبيب بن نصر المهلّبيّ، قالا: حدّثنا عمر بن شبّة عن رجاله وإبراهيم بن أيوب عن ابن قتيبة، ونسخت أخباره من رواية خالد بن كلثوم وأبي عمرو الشّيباني وابن دأب وهشام بن محمد الكلبيّ وإسحاق بن الحصّاص وغيرهم من الرّواة.
قال أبو عمرو الشّيبانيّ وأبو عبيدة: كان المجنون يهوى ليلى بنت مهديّ بن سعد بن مهديّ بن ربيعة ابن الحريش بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة وتكنى أمّ مالك، وهما حينئذ صبيان، فعلق كلّ واحد منهما صاحبه وهما يرعيان مواشي أهلهما، فلم يزالا كذلك حتى كبرا فحجبت [3] عنه، قال: ويدل على ذلك قوله:
صوت
تعلّقت ليلى وهي ذات ذؤابة [4] ... ولم يبد للأتراب من ثديها حجم
صغيرين نرعى البهم يا ليت أننا ... إلى اليوم لم نكبر ولم تكبر البهم
/ في هذين البيتين للأخضر الجدّيّ لحن من الثّقيل الثاني بالوسطى، ذكره هارون بن محمد بن عبد الملك الزيات والهشاميّ.
أخبرنا الحسين بن يحيى عن حمّاد بن إسحاق عن أبيه عن أيّوب بن عباية ونسخت هذا الخبر بعينه من خطّ هارون بن محمد بن عبد الملك الزيّات قال: حدّثنا عبد اللّه بن عمرو بن أبي سعد قال حدّثنا الحسن بن عليّ قال حدّثني أبو عتّاب [5] البصريّ عن إبراهيم بن محمد الشافعيّ قال:
بينا ابن مليكة يؤذّن إذ سمع الأخضر الجدّيّ يغنّي من [6] دار العاص بن وائل:
وعلّقتها غرّاء ذات ذوائب ... ولم يبد للأتراب من ثديها حجم
صغيرين نرعى البهم [7] يا ليت أننا ... إلى اليوم لم نكبر ولم تكبر البهم
__________
[1] في ا، م: «و أنا ذاكر».
[2] كذا في ح. وفي سائر النسخ: «و متبع».
[3] في ت: «و حجبت» بالواو.
[4] كذا في جميع النسخ، والذؤابة: شعر الناصية. وفي «ديوانه» وكتاب «الشعر والشعراء» في ترجمته: «و هي غرّ صغيرة». وفي «تزيين الأسواق»: «و هي ذات تمائم».
[5] كذا في ت، ب، س، ح. وفي سائر النسخ: «أبو غيّاث النصريّ».
[6] كذا في أغلب النسخ وفي ت: «في دار».
[7] البهم: جمع بهمة وهي الصغير من أولاد الضأن والمعز والبقر من الوحش وغيرها، والذكر والأنثى في ذلك سواء.
قال فأراد أن يقول: حيّ على الصلاة فقال: حيّ على البهم، حتى سمعه أهل مكة فغدا يعتذر إليهم.
وقال ابن الكلبيّ: حدّثني معروف المكيّ والمعلّى بن هلال [1] وإسحاق بن الجصّاص قالوا:
كان سبب عشق المجنون ليلى، أنه أقبل ذات يوم على ناقة له كريمة وعليه حلّتان من حلل الملوك، فمرّ بامرأة من قومه يقال لها: كريمة، وعندها جماعة نسوة يتحدّثن فيهنّ ليلى، فأعجبهنّ جماله وكماله، فدعونه إلى النزول والحديث [2]، فنزل وجعل يحدّثهنّ وأمر عبدا له كان معه فعقر لهنّ ناقته، وظلّ [3] يحدّثهنّ بقية/ يومه، فبينا هو كذلك، إذ طلع عليهم فتى عليه بردة [4] من برد [5] الأعراب يقال له: «منازل [6] يسوق معزى له، فلما رأينه أقبلن عليه وتركن المجنون، فغضب وخرج من عندهنّ وأنشأ يقول:
أأعقر من جرّا [7] كريمة ناقتي ... ووصلي مفروش [8] لوصل منازل
إذا جاء قعقعن الحليّ ولم أكن ... إذا جئت أرضى صوت تلك الخلاخل
متى ما انتضلنا [9] بالسّهام نضلته ... وإن نرم رشقا [10] عندها فهو ناضلي
قال: فلما أصبح لبس حلّته وركب ناقة له أخرى ومضى متعرّضا لهنّ، فألفى ليلى قاعدة بفناء بيتها وقد علق حبّه بقلبها وهويته، وعندها جويريات يتحدّثن معها، فوقف بهنّ وسلّم، فدعونه إلى النزول وقلن له: هل لك في محادثة من لا يشغله عنك منازل ولا غيره؟ فقال: إي لعمري [11]، فنزل وفعل مثل ما فعله بالأمس، فأرادت أن تعلم، هل لها عنده مثل ماله عندها، فجعلت تعرض عن/ حديثه ساعة بعد ساعة وتحدّث غيره، وقد كان علق بقلبه مثل حبها إياه وشغفته واستملحها، فبينا هي تحدّثه، إذ أقبل فتى من الحيّ فدعته وسارّته سرارا طويلا، ثم قالت له: انصرف، ونظرت إلى وجه المجنون قد تغيّر وانتقع [12] لونه وشقّ عليه فعلها، فأنشأت تقول:
كلانا مظهر للناس بغضا ... وكلّ عند صاحبه مكين
تبلّغنا العيون بما أردنا ... وفي القلبين ثمّ هوى دفين
__________
[1] في ت: «هليل» بالتصغير.
[2] في ت: «إلى النزول والحديث معهم» ولعل أصلها «معهنّ».
[3] هكذا في ب، س، م، أ. وفي سائر النسخ: «و جعل».
[4] كذا في أغلب النسخ وفي ت: «إذ طلع فتى عليهم في بردة الخ».
[5] كذا في ح، وفي بقية الأصول «برود» وقد رجحنا ما في ح، لأنّ الموجود في «كتب اللغة» أنّ بردة تجمع على برد ولم يذكروا أنها تجمع على برود، وجمع فعلة على فعول يتوقف على السماع نحو شعبة وشعوب انظر «شرح الأشموني على الخلاصة» في باب جمع التكسير.
[6] لم نقف لهذا الاسم على ضبط معين وقد ضبط بضم الميم في نسخة أ. وقد سمى العرب منازل كمساجد ومنازل كمساعد.
[7] أي من أجل، يقال: فعلت ذلك من جرّاك أي من أجلك ومما أنشد على هذا:
أمن جرّا بني أسد غضبتم ... ولو شئتم لكان لكم جوار
[8] كذا في أغلب النسخ ومعناه ممهد لوصله وسبيل إليه. وفي ت و «تزيين الأسواق»: «مقرون بوصل منازل».
[9] أي ترامينا بالسهام، ونضلته: غلبته.
[10] الرشق: رمي أهل النضال ما معهم من السهام في جهة واحدة.
[11] كذا في أغلب النسخ. وفي ت، ح: «إيه لعمري».
[12] يقال: انتقع لونه إذا تغير من هم أو فزع.
فلما سمع البيتين شهق شهقة شديدة وأغمي عليه، فمكث على ذلك ساعة، ونضحوا الماء على وجهه [حتى أفاق] [1] وتمكّن حبّ كل واحد منهما في قلب صاحبه حتى بلغ منه كلّ مبلغ.
خطبته لليلى واختيارها عليه وشعره في ذلك
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثني هارون بن محمد بن عبد الملك قال حدّثني عبد الرحمن بن إبراهيم عن هشام بن محمد بن موسى المكيّ عن محمد بن سعيد المخزوميّ عن أبي الهيثم العقيليّ قال:
لما شهر أمر المجنون وليلى وتناشد الناس شعره فيها، خطبها وبذل لها خمسين ناقة حمراء، وخطبها ورد بن محمد العقيليّ وبذل لها عشرا من الأبل وراعيها، فقال أهلها: نحن مخيّروها بينكما، فمن اختارت تزوّجته، ودخلوا إليها فقالوا: واللّه لئن لم تختاري وردا لنمثّلنّ بك، فقال المجنون:
ألا يا ليل إن ملّكت فينا ... خيارك فانظري لمن الخيار
ولا تستبدلي منّي دنيّا ... ولا برما [2] إذا حبّ [3] القتار [4]
يهرول في الصغير إذا رآه ... وتعجزه ملمّات كبار
فمثل تأيّم منه نكاح ... ومثل تموّل منه افتقار
فاختارت وردا فتزوّجته على كره منها.
حكاية أبيه عن جنونه بليلى
وأخبرني أحمد بن عبد العزيز وحبيب بن نصر قالا: حدثنا عمر بن شبّة قال ذكر الهيثم بن عديّ عن عثمان بن عمارة بن حريم [5] المرّي قال:
خرجت إلى أرض بني عامر لألقى المجنون، فدللت عليه وعلى محلّته، فلقيت أباه شيخا كبيرا وحوله إخوة للمجنون مع أبيهم رجالا؛ فسألتهم عنه فبكوه [6]، وقال الشيخ: أما واللّه لهو كان آثر عندي من هؤلاء جميعا، وإنه عشق امرأة من قومه واللّه ما كانت تطمع في مثله، فلما فشا أمره وأمرها كره أبوها أن يزوّجه إياها بعد ما ظهر من أمرهما، فزوّجها غيره، وكان أوّل ما كلف بها يجلس إليها في نفر من قومها فيتحدّثون كما يتحدّث الفتيان [7]، وكان أجملهم وأظرفهم وأرواهم لأشعار العرب، فيفيضون في الحديث فيكون أحسنهم فيه إفاضة، فتعرض عنه وتقبل على غيره، وقد وقع له في قلبها مثل ما وقع لها في قلبه، فظنّت به ما هو عليه من حبها، فأقبلت عليه يوما وقد خلت فقالت:
__________
[1] زيادة في ت، ح.
[2] البرم: اللئيم.
[3] في س: «حث» بالثاء.
[4] القتار: ريح اللحم المشوي.
[5] كذا في أ، م: «حريم» بالحاء والراء المهملتين وهو الموافق لما جاء في «تاريخ ابن جرير الطبريّ» ص 281 قسم 3 وفي ت: «عثمان بن عميرة بن جرير المريّ». وفي سائر النسخ: «عثمان بن عمارة بن خزيم المريّ».
[6] في ت، ح: «فبكوا».
[7] كذا في ت. وفي أ، س، م: «فيتحدّثان كما يتحدّث الفتيان إلى الفتيات» وفي ب: «فيتحدّثان كما يتحدّث الفتيان إلى الفتيان» وفي ح: «فيتحدّثان كما يتحدّث الفتيان».
صوت
كلانا مظهر للناس بغضا ... وكلّ عند صاحبه مكين
وأسرار الملاحظ ليس تخفي ... إذا نطقت بما تخفي العيون [1]
غنّت في الأوّل عريب خفيف رمل، وقيل: إنّ هذا الغناء لشارية [2]، والبيت الأخير ليس من شعره [3] - قال:
فخرّ مغشيّا عليه ثم أفاق فاقدا عقله، فكان لا يلبس ثوبا إلا خرّقه ولا يمشي إلا عاريا ويلعب بالتراب ويجمع العظام حوله، فإذا ذكرت له ليلى أنشأ يحدّث عنها عاقلا ولا يخطىء حرفا، وترك الصلاة، فإذا قيل له: مالك لا تصلّي! لم يردّ حرفا، وكنا نحبسه ونقيّده، فيعضّ لسانه وشفته، حتى خشينا عليه فخلّينا سبيله فهو يهيم.
قصته مع عمر بن عبد الرحمن بن عوف
قال الهيثم؛ فولّى مروان بن الحكم عمر بن عبد الرحمن بن عوف صدقات بني كعب وقشير وجعدة، والحريش وحبيب وعبد اللّه، فنظر إلى المجنون قبل أن يستحكم جنونه [4] فكلّمه وأنشده فأعجب به، فسأله أن يخرج معه، فأجابه إلى ذلك، فلما أراد الرّواح جاءه قومه فأخبروه خبره وخبر ليلى، وأنّ أهلها استعدوا السلطان عليه، فأهدر دمه إن أتاهم، فأضرب عما وعده [5] وأمر له بقلائص، فلما علم بذلك وأتي بالقلائص ردّها عليه وانصرف.
/ وذكر أبو نصر أحمد بن حاتم عن جماعة من الرّواة: أنّ المجنون هو الذي سأل عمر بن عبد الرحمن أن يخرج [6] به، قال له: أكون معك في هذا الجمع الذي تجمعه غدا، فأرى [7] في أصحابك، وأتجمل في عشيرتي [8] بك، وأفخر بقربك، فجاءه رهط من رهط ليلى [9] وأخبروه بقصّته، وأنه لا يريد التجمّل به، وإنما يريد أن يدخل عليهم بيوتهم ويفضحهم في امرأة منهم يهواها، وأنهم قد شكوه إلى السلطان فأهدر دمه إن دخل عليهم، فأعرض عما أجابه إليه من أخذه معه وأمر له بقلائص، فردّها وقال [في ذلك] [10]:
رددت قلائص القرشيّ لمّا ... بدا لي النقض منه للعهود
__________
[1] في ت، ح، و «تزيين الأسواق»: وقد تغري بذي اللحظ العيون». وفي «تزيين الأسواق» رواية أخرى وهي: «و قد تغري بذي اللحظ الظنون».
[2] سيأتي التعريف بها في الجزء الرابع عشر طبع بولاق ولم نعثر لها على ضبط، والأقرب أن يكون ضبطها بفتح الياء على زنة اسم الفاعل من شري.
[3] كذا في ب، س، م، أوفي ت. ح: «غنت في الأوّل عريب مع البيت الأخير وهو الثاني وليس هو من شعر المجنون خفيف رمل، وقيل: أن هذا الغناء لشارية قال: فخرّ مغشيا عليه الخ».
[4] كذا في أغلب النسخ وفي ت، ح: «حبه».
[5] كذا في أغلب النسخ. وفي ت، ح: «فانصرف عما وعده به وأمر له بقلائص».
[6] كذا في أغلب النسخ وفي ت: «أن يخرج معه وقال».
[7] كذا في ت. وفي ء: «فأرني». وفي باقي النسخ: «فأربي» ولا يظهر لهما معنى مناسب.
[8] كذا في أغلب النسخ. وفي ب، س: «عشيرتك».
[9] كذا في أغلب النسخ. وفي ت، ح: «فجاءه رهط ليلى».
[10] زيادة في ت.
وراحوا مقصرين وخلّفوني ... إلى حزن أعالجه شديد
قال: ورجع آيسا فعاد إلى حاله الأولى، قال: فلم تزل تلك حاله، إلا أنه غير مستوحش، إنما يكون في جنبات الحيّ منفردا عاريا لا يلبس ثوبا إلا خرّقه، ويهذي ويخطّط في الأرض ويلعب بالتراب والحجارة، ولا يجيب أحدا سأله عن شيء، فإذا أحبّوا أن يتكلّم أو يثوب عقله ذكروا له ليلى، فيقول: بأبي هي وأمّي، ثم يرجع إليه عقله فيخاطبونه ويجيبهم، ويأتيه أحداث الحيّ فيحدّثونه عنها وينشدونه الشعر الغزل، فيجيبهم جوابا صحيحا وينشدهم أشعارا قالها، حتى سعى [1] عليهم في السنة الثانية [2] بعد عمر بن عبد الرحمن نوفل بن مساحق، فنزل مجمعا من تلك/ المجامع فرآه يلعب بالتراب وهو عريان، فقال لغلام له: يا غلام، هات ثوبا، فأتاه به، فقال لبعضهم: خذ هذا الثوب فألقه على ذلك الرجل، فقال له: أتعرفه جعلت فداك؟ قال: لا، قال: هذا ابن سيّد الحيّ، لا واللّه ما يلبس الثياب ولا يزيد على ما تراه يفعله الآن، وإذا طرح عليه شيء خرّقه، ولو كان يلبس ثوبا لكان في مال أبيه ما يكفيه، وحدّثه عن أمره، فدعا به وكلّمه، فجعل لا يعقل شيئا يكلّمه به، فقال له قومه: إن أردت أن يجيبك جوابا صحيحا فاذكر له ليلى، فذكرها له وسأله عن حبّه إياها، فأقبل عليه يحدّثه بحديثها ويشكو إليه حبّه إياها وينشده شعره فيها، فقال له نوفل: الحبّ صيّرك إلىّ ما أرى؟ قال نعم، وسينتهي بي إلى ما هو أشدّ مما ترى، فعجب منه وقال له: أتحبّ أن أزوّجكها؟ قال: نعم، وهل إلى ذلك من سبيل؟ قال: انطلق معي حتى أقدم على أهلها بك وأخطبها عليك وأرغّبهم في المهر لها، قال: أتراك فاعلا؟ قال: نعم، قال: انظر ما تقول! قال: لك عليّ أن أفعل بك ذلك، ودعا له بثياب فألبسه إياها، وراح معه المجنون كأصحّ أصحابه [3] يحدّثه وينشدّه، فبلغ ذلك رهطها فتلقّوه في السلاح [4]، وقالوا له: يابن مساحق لا واللّه لا يدخل المجنون منازلنا أبدا أو يموت، فقد أهدر لنا السلطان دمه، فأقبل [5] بهم وأدبر، فأبوا، فلما رأى ذلك قال للمجنون: انصرف، فقال له المجنون: واللّه ما وفيت لي بالعهد، قال له: انصرافك بعد أن آيسني القوم من إجابتك أصلح من سفك الدماء، فقال المجنون:
صوت
أيا ويح من أمسى تخلّس [6] عقله ... فأصبح مذهوبا به كلّ مذهب
خليّا من الخلّان إلا معذّرا [7] ... يضاحكني [8] من كان يهوى تجنّبي
__________
[1] سعى عليهم: ولي جباية صدقاتهم.
[2] في ت: «الثالثة» ولعل كليهما محرّف عن التالية.
[3] كذا في أغلب النسخ. وفي ت: «وراح أصحابه معه والمجنون كأصح ما يكون».
[4] كذا في أغلب النسخ. وفي ب، س: «بالسلاح».
[5] يريد أنه بذل الجهد في إقناعهم أن يدخلوه معه وقلبهم على جميع الوجوه فلم يجده شيئا. قال في «لسان العرب» مادة قبل: «و قد أقبل الرجل وأدبره وأقبل به وأدبر فما وجد عنده خيرا».
[6] تخلس: سلب.
[7] هو المقصر الذي لا عذر له ولكنه يتكلف العذر، ومنه قوله تعالى: (وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ)
[8] كذا في جميع الأصول وهو الموافق لما في «الديوان» طبع بولاق. وسيأتي في جميع الأصول ص 39 من هذا الجزء «إلا مجاملا يساعدني».
الغناء [1] للحسين بن محرز ثقيل أوّل بالوسطى من جامع أغانيه:
إذا ذكرت ليلى عقلت وراجعت ... روائع [2] عقلي من هوى متشعّب
وقالوا صحيح ما به طيف جنّة [3] ... ولا الهمّ إلا بافتراء التكذّب [4]
وشاهد وجدي دمع عيني وحبّها ... برى اللحم عن أحناء [5] عظمي ومنكبي
صوت
تجنّبت ليلى أن يلجّ بك الهوى ... وهيهات كان الحبّ قبل التجنّب
ألا إنّما غادرت يا أمّ مالك ... صدى [6] أينما تذهب به الريح يذهب
/ الغناء لإسحاق خفيف ثقيل [7] أوّل بإطلاق الوتر في مجرى البنصر [8]، وفيه لابن جامع هزج من رواية الهشاميّ وهي قصيدة طويلة.
ومما يغنّى فيه منها قوله:
صوت
فلم أر ليلى بعد موقف ساعة ... بخيف منى ترمي جمار المحصّب
ويبدي الحصى منها إذا قذفت به ... من البرد أطراف البنان المخضّب
فأصبحت من ليلى الغداة كناظر ... مع الصبح في أعقاب نجم مغرّب
ألا إنما غادرت يا أمّ مالك ... صدى إينما تذهب به الريح يذهب
فيه ثقيل أوّل مطلق باستهلال، ذكر ابن المكيّ أنه لأبيه يحيى، وذكر الهشاميّ أنه للواثق، وذكر حبش أنه
__________
[1] في س، ء، م، أ: هذه الزيادة وهي: «غنى في هذين البيتين يحيى المكيّ خفيف رمل رواه عنه ابنه أحمد الغناء للحسين بن محرز الخ».
[2] كذا في جميع الأصول ما عدا نسخة ح، وهو الموافق لما في «الديوان» طبع بولاق. والروائع: جمع رائعة أي مرتاعة، قال في «اللسان» مادة روع: وقد يكون رائع فاعلا بمعنى المفعول، أنشد ابن الأعرابيّ:
شذّانها رائعة من هدره
أي مرتاعة. وفي نسخة ح: «عوازب» وسيرد كذلك في جميع النسخ ص 39 من هذا الجزء. والعوازب: جمع عازبة من عزب بمعنى غاب.
[3] طيف حنة: مسّ من الجنّ.
[4] في «ديوان الشعر والشعراء».
ولا لمم إلا افتراء التكذب
واللمم: الجنون، وقيل: طرف منه يلمّ الإنسان.
[5] الأحناء: جمع حنو وهو كل شيء فيه اعوجاج كعظم الحجاج (العظم الذي ينبت عليه الحاجب) واللحى والضلع.
[6] الصدى: الجسد من الآدمي بعد موته، ويطلق على الرجل النحيف الجسد، كما أنه يطلق على الصوت الذي يسمعه المصوّت عقب صياحه راجعا إليه من نحو الجبل والبناء المرتفع.
[7] في أ، م، ء: «ثاني ثقيل أوّل».
[8] في ت، ح: «في مجرى البنصر من روايته».
لابن محرز، وهو في جامع أغاني سليمان منسوب إليه.
أنشدني الأخفش عن أبي سعيد السّكّريّ عن محمد بن حبيب للمجنون
فو اللّه ثم اللّه إنّي لدائب ... أفكّر ما ذنبي إليها وأعجب
وواللّه ما أدري علام قتلتني ... وأيّ أموري فيك يا ليل أركب
أ أقطع حبل الوصل فالموت دونه ... أم اشرب رنقا [1] منكم ليس يشرب
أم اهرب حتى لا أرى لي مجاورا ... أم اصنع ماذا أم أبوح فأغلب
فأيّهما يا ليل ما ترتضينه ... فإنّي لمظلوم وإنّى لمعتب
حجه مع أبيه إلى مكة لسلوان ليلى ودعوته هو استزادة حبها ودوامه
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ وحبيب بن نصر المهلّبيّ قالا: حدّثنا عمر بن شبّة قال: ذكر هشام بن الكلبيّ ووافقه في روايته أبو نصر أحمد بن حاتم وأخبرنا الحسن بن عليّ قال حدّثنا ابن أبي سعد قال حدّثني عليّ ابن الصّبّاح عن هشام ابن الكلبيّ عن أبيه:
أن أبا المجنون وأمّه ورجال عشيرته اجتمعوا إلى ليلى فوعظوه وناشدوه اللّه والرحم، وقالوا له: إنّ هذا الرجل لهالك، وقبل ذلك ففي أقبح من الهلاك بذهاب عقله، وإنك فاجع به أباه وأهله، فنشدناك اللّه والرحم أن تفعل ذلك، فو اللّه ما هي أشرف منه، ولا لك مثل مال أبيه، وقد حكّمك في المهر، وإن شئت أن يخلع نفسه إليك من ماله فعل، فأبى وحلف باللّه وبطلاق أمّها [2] إنه لا يزوّجه إيّاها أبدا، وقال: أفضح نفسي وعشيرتي وآتي ما لم يأته أحد من العرب، وأسم ابنتي بميسم فضيحة فانصرفوا عنه، وخالفهم لوقته فزوّجها رجلا من قومها وأدخلها [3] إليه، فما أمسى إلا وقد بنى بها، وبلغه الخبر فأيس منها حينئذ وزال عقله جملة، فقال الحيّ لأبيه: أحجج به إلى مكة وادع اللّه عزّوجلّ له، ومره أن يتعلّق بأستار الكعبة، فيسأل اللّه يعافيه مما به ويبغّضها إليه، فلعل اللّه أن يخلّصه من هذا البلاء، فحجّ به أبوه، فلما صاروا بمنى سمع صائحا في الليل يصيح: يا ليلى، فصرخ صرخة ظنّوا أنّ نفسه قد تلفت وسقط مغشيّا عليه، فلم يزل كذلك حتى أصبح ثم أفاق حائل [4] اللون ذاهلا، فأنشأ يقول:
صوت
عرضت على قلبي العزاء فقال لي ... من الآن فاياس لا أعزّك من صبر
إذا بان من تهوى وأصبح نائيا ... فلا شيء أجدى من حلولك في القبر
وداع دعا إذ نحن بالخيف من منى ... فهيّج أطراب [5] الفؤاد وما يدري
__________
[1] رنقا: كدرا.
[2] كذا في أغلب النسخ. وفي ت: «بطلاق امرأته».
[3] كذا في أغلب النسخ. وفي ح: «و أخرجها إليه». وفي ت: وأرحلها إليه».
[4] حائل اللون: متغيره.
[5] كذا في جميع الأصول، والأطراب: جمع طرب وهو خفة تعتري الشخص من شدّة الفرح أو الحزن. والذي في «ديوانه» وكتاب «الشعر والشعراء»: «أحزان».
دعا باسم ليلى غيرها فكأنّما ... أطار بليلى طائرا كان في صدري
دعا باسم ليلى ظلّل اللّه سعيه ... وليلى بأرض عنه نازحة قفر
الغناء لعريب خفيف ثقيل - ثم قال له أبوه: تعلّق بأستار الكعبة واسأل اللّه أن يعافيك من حبّ ليلى، فتعلّق بأستار الكعبة وقال: اللهم زدني لليلى حبّا وبها كلفا ولا تنسني ذكرها أبدا، فهام [1] حينئذ واختلط فلم يضبط.
قالوا: فكان يهيم في البرّيّة مع الوحش ولا يأكل إلا ما ينبت في البرّيّة من بقل ولا يشرب إلا مع الظباء إذا وردت مناهلها، وطال شعر جسده ورأسه والفته الظباء والوحوش فكانت لا تنفر منه، وجعل يهيم حتى يبلغ حدود الشأم، فإذا ثاب إليه عقله سأل من يمرّ به من أحياء العرب عن نجد، فيقال له: وأين [2] أنت من نجد! قد شارفت الشأم! أنت في موضع كذا، فيقول: فأروني وجهة الطريق، فيرحمونه ويعرضون عليه أن يحملوه أن يكسوه فيأبي، فيدلّونه على طريق نجد فيتوجّه نحوه.
أخبرني عمّي قال حدّثني الكرانيّ قال حدّثنا العمريّ عن الهيثم بن عديّ وأخبرنا حبيب بن نصر المهلّبيّ وأحمد بن عبد العزيز الجوهريّ قالا حدّثنا عمر بن شبّة قال ذكر الهيثم بن عديّ عن أبي مسكين قال:
/ خرج منّا فتى حتى إذا كان ببئر ميمون [3] إذا جماعة فوق بعض تلك الجبال، وإذا [4] معهم فتى أبيض طوال [5] جعد [6] كأحسن من رأيت من الرجال على هزال منه وصفرة، وإذا هم متعلّقون به، فسألت عنه، فقيل لي: هذا قيس المجنون خرج به أبوه يستجير له بالبيت، وهو على أن يأتي به قبر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم ليدعو له هناك لعلّه يكشف ما به، فإنه يصنع بنفسه صنيعا يرحمه منه عدوّه، يقول: أخرجوني لعلّني أتنسّم صبا نجد، فيخرجونه فيتوجهون به نحو نجد، ونحن مع ذلك نخاف أن يلقي نفسه من الجبل، فإن شئت الأجر [7] دنوت منه فأخبرته أنك أقبلت من نجد، فدنوت منه وأقبلوا عليه فقالوا له: يا أبا المهديّ، هذا الفتى أقبل من نجد، فتنفّس تنفّسة [8] ظننت أن كبده قد انصدعت، ثم جعل يسألني [9] عن واد واد وموضع موضع، وأنا أخبره وهو يبكي أحرّ بكاء وأوجعه للقلب، ثم أنشأ يقول:
ألا ليت شعري عن عوارضتي قنا [10] ... لطول الليالي هل تغيّرتا بعدي
__________
[1] كذا في أغلب النسخ. وفي ت: «فهاج».
[2] في ت: «أين أنت» بدون واو.
[3] قال في ياقوت: وبئر ميمون بمكة، وقال البكريّ في «معجم ما استعجم» ص 569: هي بئر بمكة بين البيت والحجون بأبطح مكة، وهي منسوبة إلى ميمون بن الحضرميّ حفرها في الجاهلية، وعندها توفي أبو جعفر المنصور.
[4] كذا في ت، ح. وفي باقي النسخ: «فإذا» بالفاء.
[5] الطوال بالضم: المفرط الطول.
[6] كذا في ت، ح، والجعد: أن يكون الرجل معصوب الجوارح شديد الأسر والخلق غير مسترخ ولا مضطرب، وفي باقي النسخ: «جعدة» بالتاء ولم نجده في «كتب اللغة» التي بأيدينا وصفا لمذكر.
[7] زيادة في ب، س.
[8] في ت، ح: «تنفسا خلت أنّ كبده الخ».
[9] في ت، ح: «يسائلني».
[10] في ب، س: «قبا» بالباء وهو تحريف. انظر حاشية رقم 3 ص 353 من الجزء الأول من «الأغاني». وقنا وعوارضة: جبلان لبني فزارة.
وهل جارتانا بالبتيل [1] إلى الحمى ... على عهدنا أم لم تدوما على العهد
وعن علويّات [2] الرياح إذا جرت ... بريح الخزامى هل تهبّ على نجد
وعن أقحوان الرمل ما هو فاعل ... إذا هو أسرى ليلة بثرى جعد [3]
وهل أنفضنّ الدهر أفنان لمّتى ... على لاحق المتنين مندلق الوخد [4]
وهل أسمعنّ الدهر أصوات هجمة [5] ... تحدّر من نشز [6] خصيب إلى وهد
سؤاله زوج ليلى عن عشرته معها
أخبرني عمّي قال حدّثنا الكرانيّ قال حدّثنا العمريّ عن الهيثم بن عديّ والعتبيّ قالا:
مر المجنون [7] بزوج ليلى وهو جالس يضطلي في يوم شات، وقد أتى ابن عمّ له في حيّ المجنون لحاجة، فوقف عليه ثم أنشأ يقول:
صوت
بربّك [8] هل ضممت إليك ليلى ... قبيل الصبح أو قبّلت فاها [9]
وهل رفّت [10] عليك قرون ليلى ... رفيف الأقحوانة في نداها
/ فقال: اللهم إذ حلّفتني فنعم، قال: فقبض المجنون بكلتا يديه قبضتين من الجمر، فما فارقهما حتى سقط مغشيّا عليه، وسقط الجمر مع لحم راحتيه، وعضّ على شفته فقطعها، فقام زوج ليلى مغموما بفعله متعجّبا منه فمضى.
غنى في البيتين المذكورين في هذا الخبر الحسين بن محرز، ولحنه رمل [11] بالوسطى عن الهشاميّ.
__________
[1] كذا «بالديوان» وهو جبل بنجد. وفي ب، س: «النثيل». وفي ح، ء: «الثقيل». وفي م، أ: «القيل». وفي ت: «البتيك» ولعل ما في هذه النسخ تحريف فانا! نقف على واحد من هذه الألفاظ اسم موضع. وفي أنقلا عن نسخة أخرى: «العقيق».
[2] علويات: جمع علوية نسبة إلى العالية وهي ما فوق أرض نجد إلى تهامة وهذه النسبة نادرة والقياس عالي.
[3] يقال: تراب جعد أي ند.
[4] لاحق: ضامر من قولهم لحق الفرس لحوقا أي ضمر. والمتنان: جنبتا الظهر عن اليمين والشمال، والواحد متن يذكر ويؤنث، والمندلق: السريع، يقال: اندلقت الخيل إذا خرجت فأسرعت. والوخد: ضرب من سير الخيل والإبل وهو سعة الخطو في المشي.
[5] الهجمة: القطعة الضخمة من الإبل. والوهد: المكان المطمئن من الأرض.
[6] كذا في في س، أوالنشز: المكان المرتفع. وفي بقية النسخ: «نشر» بالراء المهملة وهو تحريف.
[7] في ت: «مر المجنون ذات يوم الخ».
[8] في «خزانة الأدب» للبغداديّ ج 4 ص 210: «بدينك».
[9] في «خزانة الأدب» للبغدادي ج 4 ص 211:
وهل قبلت قبل الصبح فاها
[10] قال البغداديّ في «خزانة الأدب» ج 4 ص 213: «رفت بفتح الراء المهملة من رف لونه يرف بالكسر رفيفا ورفا إذا برق وتلألأ، أراد شدّة سواد شعرها. وصحفه ابن الملا في «شرح المغني» بجعل المهملة معجمة فقال: الزفيف: إهداء العروس إلى بعلها، وغفل عن قوله: رفيف الأقحوانة وهي البابونج. والقرون: الذوائب جمع قرن بفتح القاف وسكون الراء» أه والظاهر أنه رفيف النبات وهو اهتزازه نضارة وحسنا.
[11] كذا في أغلب النسخ. وفي م، أ، ء: «خفيف».
مروره بجبلي نعمان ومكثه فيهما إلى هبوب الصبا وما قاله في ذلك من الشعر أخبرني أحمد بن عبد العزيز وحبيب بن نصر المهلّبيّ قالا: حدّثنا عمر بن شبّة قال قال محمد بن الحكم عن عوانة: إنه حدّثه ووافقه ابن نصر وابن حبيب قالوا:
إنّ أهل المجنون خرجوا به معهم إلى وادي القرى [1] قبل توحشه ليمتاروا [2] خوفا عليه [من] [3] أن يضيع أو يهلك، فمرّوا في طريقهم بجبلي نعمان [4]، فقال له بعض فتيان الحيّ: هذان جبلا نعمان، وقد كانت ليلى تنزل بهما، قال: فأيّ الرياح يأتي من ناحيتهما؟ قالوا: الصّبا، قال: فو اللّه لا أريم [5] هذا الموضع حتى تهبّ الصبا، فأقام ومضوا فامتاروا لأنفسهم، ثم أتو عليه فأقاموا معه ثلاثة أيام حتى هبّت الصّبا، ثم انطلق معهم فانشأ يقول:
صوت
أيا جبلي نعمان باللّه خلّيا ... سبيل [6] الصّبا يخلص إلي نسيمها
أجد بردها أو تشف منّي حرارة ... على كبد لم يبق إلا صميمها [7]
فإنّ الصّبا ريح إذا ما تنسّمت ... على نفس محزون [8] تجلّت همومها
ارتحال أهل ليلى عن منازلهم وما قاله في ذلك من الشعر
أخبرني عليّ بن سليمان الأخفش قال حدّثني محمد بن الحسين [9] بن الحرون قال حدّثني الكسرويّ [10] عن جماعة من الرواة [11] قال:
لما منع أبو ليلى المجنون وعشيرته من تزويجه بها، كان لا يزال يغشى بيوتهم ويهجم عليهم، فشكوه إلى السلطان فأهدر دمه لهم، فأخبروه بذلك فلم يرعه وقال: الموت أروح لي [12] فليتهم قتلوني، فلمّا علموا بذلك وعرفوا أنه لا يزال يطلب غرّة [13] منهم حتى إذا تفرّقوا دخل دورهم، فارتحلوا عنها وأبعدوا، وجاء المجنون عشية فأشرف
__________
[1] وادي القرى: واد بين الشأم والمدينة كانت به قرى منظومة، وبها سمي وادي القرى. قال ياقوت: وآثار القرى إلى الآن ظاهرة إلا أنها في وقتنا هذا كلها خراب ومياهها جارية تتدفق ضائعة لا ينتفع بها أحد. انظر «معجم ياقوت» في كلمة القرى.
[2] من الامتيار وهو جلب الطعام للبيع وغيره.
[3] زيادة في ت، ح.
[4] هو نعمان الأراك وهو واد بين مكة والطائف. وقيل واد لهذيل على ليلتين من عرفات.
[5] لا أريم: لا أبرح. وفي ت: «لا أريم من هذا الموضع» وكلاهما صحيح.
[6] كذا في ت و«تزيين الأسواق» في ترجمة المجنون ص 72 طبع بولاق. وفي سائر النسخ: «نسيم الصبا».
[7] صميمها: أصلها.
[8] كذا في أغلب النسخ و«الديوان» وفي ت، ح، و«تزيين الأسواق»: «مهموم».
[9] كذا في أغلب النسخ. وفي ت. ح: «الحسن».
[10] كذا في أغلب النسخ وفي ح: «الكردوسيّ».
[11] كذا في أغلب النسخ. وفي ت: «قالوا».
[12] في ت: «أروح إلى».
[13] غرّة: غفلة.
على دورهم فإذا هي منهم بلاقع [1]، فقصد منزل ليلى الذي كان بيتها فيه، فألصق صدره به وجعل يمرّغ خدّيه على ترابه [و يبكي] [2]، ثم أنشأ يقول، - وذكر هذه الأبيات ابن حبيب وأبو نصر له [بغير [3] خبر] - :
أيا حرجات [4] الحيّ حيث [5] تحمّلوا ... بذي سلم [6] لا جادكنّ ربيع
وخيماتك اللاتي بمنعرج اللّوى ... بلين بلّى لم تبلّنّ ربوع
ندمت على ما كان منّي ندامة ... كما يندم المغبون حين يبيع
فقدتك من نفس شعاع [7] فإنّني ... نهيتك عن هذا وأنت جميع [8]
فقرّبت لي غير القريب وأشرفت [9] ... إليك ثنايا [10] ما لهنّ طلوع [11]
حديثه مع نسوة فيهن ليلى
وذكر خالد بن جميل [12] وخالد بن كلثوم في أخبارهما التي صنعاها أن ليلى وعدته قبل أن يختلط أن تستزيره [13] ليلة إذا وجدت فرصة لذلك، فمكث مدّة يراسلها في الوفاء وهي تعده وتسوّفه [14]، فأتى أهلها ذات يوم والحيّ خلوف [15]، فجلس إلى نسوة من أهلها حجرة [16] منها بحيث تسمع كلامه، فحادثهنّ طويلا ثم قال:
ألا أنشدكنّ أبياتا أحدثها في هذه الأيام؟ قلن: بلى، فأنشدهنّ:
صوت
يا للرّجال لهم بات يعروني ... مستطرف [17] وقديم كاد يبليني
__________
[1] بلاقع: خوال، والواحد بلقع.
[2] زيادة في ت.
[3] زيادة في م، أ، ء.
[4] الحرجات: جمع حرجة وهي الغيضة، وسميت كذلك لضيقها، وقيل: الشجر الملتف، وهي أيضا الشجرة تكون بين الأشجار لا تصل إليها الآكلة وهي ما رعى من المال.
[5] كذا في ت. وفي سائر النسخ: «حين».
[6] ذو سلم: موضع بالحجاز.
[7] يقال: نفس شعاع إذا انتشر رأيها فلم تتجه لأمر جزم.
[8] الجميع: ضدّ المتفرّق.
[9] كذا في ت، ح، م و «ديوان المجنون» «و الأغاني» في ترجمة قيس بن ذريح ج 8 طبع بولاق. وفي سائر الأصول: «فأشرفت» بالفاء ومعناه ظهرت وارتفعت.
[10] الثنايا: جمع ثنية وهي العقبة وهي المرقى الصعب في الجبل يريد بذلك أن الوصول إلى ليلى صعب لا يستطيعه.
[11] ستأتي هذه الأبيات في قصيدة منسوبة إلى قيس بن ذريح في ترجمته بالجزء الثامن من «الأغاني» طبع بولاق.
[12] كذا في أغلب النسخ. وفي ت: «خالد بن حمل» بالحاء ولم نوفق لتصحيح هذا الاسم.
[13] كذا في أغلب النسخ. وفي ء: «أن تزوره».
[14] مأخوذ من كلمة سوف، كأن المماطل يقول مرة بعد مرة سوف أفعل.
[15] يقال: حيّ خلوف إذا غاب الرجال وأقام النساء.
[16] حجرة: ناحية.
[17] كذا في في أكثر النسخ. وفي ح: «مستطرفا وقديما بما كان يبكيني».
من عاذري من غريم غير ذي عسر [1] ... يأبى [2] فيمطلني ديني ويلويني
لا يبعد النقد من حقّي فينكره ... ولا يحدّثني أن سوف يقضيني
وما كشكرى شكر لو يوافقني ... ولا مناي سواه لو يوافيني [3]
أطعته وعصيت الناس كلّهم ... في أمره وهواه وهو يعصيني
قال [4]: فقلن له: ما أنصفك هذا الغريم الذي ذكرته! وجعلن يتضاحكن وهو يبكي، فاستحيت ليلى منهنّ ورقّت له حتى بكت، وقامت فدخلت بيتها وانصرف هو.
- في الثلاثة الأبيات الأولى من هذه الأبيات هزج طنبوريّ للمسدود - قالا في خبرهما هذا: وكان للمجنون ابنا عمّ يأتيانه فيحدّثانه ويسلّيانه ويؤانسانه، فوقف عليهما يوما وهما جالسان، فقالا له: يا أبا المهديّ ألا تجلس؟
قال: لا، بل أمضي إلى منزل ليلى فاترسّمه وأرى آثارها فيه، فأشفي بعض ما في صدري بها، فقالا له: فنحن معك، فقال: إذا فعلتما أكرمتما وأحسنتما، فقاما معه حتى أتى دار ليلى، فوقف بها طويلا يتتبّع آثارها ويبكي ويقف في موضع موضع منها ويبكي ثم قال:
صوت
يا صاحبيّ ألمّا بي بمنزلة ... قد مرّ حين عليها إيّما حين
إني أرى رجعات الحبّ تقتلني [5] ... وكان في بدئها ما كان يكفيني
لا خير في الحبّ ليست فيه قارعة ... كأنّ صاحبها في نزع موتون [6]
إن قال عذّاله مهلا فلان لهم ... قال الهوى غير هذا القول يعنيني [7]
ألقى من اليأس [8] تارات فتقتلني ... وللرجاء بشاشات فتحييني
الغناء لإبراهيم [9] خفيف ثقيل من جامع غنائه وقال هشام بن الكلبيّ عن أبي [10] مسكين: إن جماعة من بني عامر حدّثوه قالوا: كان رجل من بني عامر
__________
[1] العسر: لغة في العسر ضدّ اليسر. قال عيسى بن عليّ: كل اسم على ثلاثة أحرف أوّله مضموم وأوسطه ساكن فمن العرب من يثقله ومنهم من يخففه مثل عسر وعسر وحلم وحلم. انظر «اللسان» مادة عسر.
[2] في أ، ب، س: «يأتي» وهو تحريف.
[3] في ت، ح: «يواتيني».
[4] كذا في جميع النسخ، ولعله: «قالا» بالتثنية لأنّ الخبر مروي عن خالد بن جميل وخالد بن كلثوم.
[5] في ت: «قاتلتي».
[6] في ت: بين هذا البيت والذي بعده ما نصه: «الموتون مضروب على الوتين وهو عرق معلّق بنياط القلب» ولا ندري هل هو من أصل الكتاب أتى به المؤلف تفسيرا للموتون أو أن الناسخ وجده بهامش بعض النسخ فألحقه بالأصل. وتفسير الموتون بالمضروب على الوتين مطابق لقولهم في «كتب اللغة»: وتنه: أصاب وتينه، ونظيره مكلّى إذا أصبت كليته، ومكبود إذا أصبت كبده.
[7] كذا في ت، ح. وفي باقي النسخ: «يغنيني» بالغين المعجمة.
[8] كذا في «ديوان الشعر والشعراء» في ترجمة المجنون، طبع ليدن ص 358 وفي سائر النسخ: «من الحب».
[9] كذا في أغلب النسخ: وفي م، ء، أ: «لابن أميّة».
[10] كذا في ت، ح. وفي سائر النسخ: «ابن مسكين»، وقد سبق في ص 22 من هذا الجزء باسم «أبي مسكين» باتفاق النسخ، وسيأتي
ابن عقيل يقال له: قيس بن معاذ، وكان يدعى المجنون، وكان صاحب غزل ومجالسة للنساء، فخرج على ناقة له يسير، فمرّ بامرأة من بني عقيل يقال لها: كريمة، وكانت جميلة عاقلة، معها نسوة فعرفنه ودعونه إلى النزول والحديث، وعليه حلّتان له فاخرتان وطيلسان وقلنسوة، فنزل فظلّ يحدّثهنّ وينشدهنّ وهنّ أعجب شيء به فيما يرى، فلمّا أعجبه ذلك منهنّ عقر لهنّ ناقته،/ وقمّن إليها فجعلن يشوين [1] ويأكلن إلى أن أمسى، فأقبل غلام شابّ حسن الوجه من حيّهن فجلس إليهنّ، فأقبلن عليه بوجوههنّ يقلن له: كيف ظللت [2] يا منازل اليوم؟ فلما رأى ذلك من فعلهنّ غضب، فقام وتركهنّ وهو يقول:
أأعقر من جرّا كريمة ناقتي ... ووصلي مفروش لوصل منازل
إذا جاء قعقعن الحليّ ولم أكن ... إذا جئت أرضى صوت تلك الخلاخل [3]
قال: فقال له الفتى: هلمّ نتصارع أو نتناضل، فقال له: إن شئت ذلك فقم إلى حيث لا تراهنّ ولا يرينك، ثم ما شئت فافعل، وقال:
إذا ما انتضلنا في الخلاء نضلته ... وإن يرم رشقا عندها فهو ناضلي [4]
وقال ابن الكلبيّ في هذا الخبر: فلما أصبح لبس حلّته وركب ناقته ومضى متعرّضا لهنّ، فألفى ليلى جالسة بفناء بيتها، وكانت معهنّ يومئذ جالسة، وقد علق بقلبها وهويته، وعندها جويريات يحدّثنها، فوقف بهنّ وسلّم، فدعونه إلى النزول وقلن له: هل لك في محادثة من لا يشغله عنك منازل ولا غيره؟ قال: إي لعمري، فنزل وفعل فعلته بالأمس، فأرادت أن تعلم هل لها عنده مثل ما له عندها، فجعلت/ تعرض عن حديثه ساعة بعد ساعة وتحدّث غيره، وقد كان علق حبّها بقلبه وشغفه [5] واستملحها، فبينا هي تحدّثه إذ أقبل فتى من الحيّ فدعته فسارّته سرارا طويلا ثم قالت له انصرف، فانصرف، ونظرت إلى وجه المجنون قد تغيّر وامتقع [6] وشقّ عليه ما فعلت، فأنشأت تقول:
كلانا مظهر للناس بغضا ... وكل عند صاحبه مكين
تبلّغنا العيون مقالتينا ... وفي القلبين ثمّ هوى دفين
__________
- كذلك بالجزء الثالث عشر من «الأغاني» طبع بولاق ص 122.
[1] كذا في أغلب النسخ. وفي ت: «يشتوين» وكلاهما صحيح.
[2] في ت: «ظلت» وهي لغة فيها.
[3] جاء هذا الشطر في «تزيين الأسواق» ص 63 طبع بولاق هكذا:
إذا جئت بل أخفين صوت الخلاخل
وقال في تفسيره: يقول قد أظهرت صوت الحلّي حين جاء منازل، وهذه كناية عن قيامهن له، ولم يكن ذلك عند مجيئي.
[4] كذا في ت، ح، و «تزيين الأسواق». وفي باقي النسخ: «ناضل» بغير ياء المتكلم، وآثرنا ما أثبتناه بالأصل لأنه أتم مقابلة لقوله نضلته، ولأن قوله: «نضلته» هكذا بالضمير ظاهر في أنّ الشاعر أتى بهذا البيت في هيئة المتصل بالبيتين السابقين وهذا يستدعي كسر اللام حتى يكون على رويّهما كما تقدّم في صحيفة 13 من هذا الجزء.
[5] في ت: «و شغفته».
[6] كذا في أغلب النسخ وفي ب، س: «انتقع» وامتقع وانتقع وابتقع بمعنى واحد وهو أن يتغير من حزن أو فزع، قال صاحب «اللسان» في مادة نقع: وامتقع بالميم أجود.
[قد نسبت هذا الشعر متقدّما [1]] فلما سمع هذين البيتين شهق شهقة عظيمة وأغمي عليه فمكث [كذلك] [1] ساعة، ونضحوا الماء على وجهه حتى أفاق، وتمكّن حبّ كلّ واحد منهما في قلب صاحبه وبلغ منه كل مبلغ.
حدثني عمّي عن عبد اللّه بن أبي سعد عن إبراهيم بن محمد بن إسماعيل القرشي قال حدثنا أبو العالية عن أبي ثمامة الجعدي قال:
لا يعرف فينا مجنون إلا قيس بن الملوّح.
حديث اتصاله بليلى في صباه
قال: وحدّثني بعض العشيرة قال: قلت لقيس بن الملوّح قبل أن يخالط: ما أعجب شيء أصابك في وجدك بليلى؟ قال: طرقنا [2] ذات ليلة أضياف ولم يكن عندنا لهم أدم، فبعثني أبي منزل أبي ليلى وقال لي: اطلب [لنا] [1] منه أدما، فأتيته فوقفت على خبائه فصحت به، فقال: ما تشاء؟ / فقلت: طرقنا ضيفان ولا أدم عندنا لهم فأرسلني أبي نطلب [3] منك أدما، فقال: يا ليلى، أخرجي إليه ذلك النّحي [4]، فاملئي له إناءه من السمن، فأخرجته ومعي قعب [5]، فجعلت تصبّ السمن فيه ونتحدّث، فألهانا [6] الحديث وهي تصبّ السمن وقد امتلأ القعب ولا نعلم جميعا، وهو يسيل استنقعت أرجلنا في السمن، قال: فأتيتهم ليلة ثانية أطلب نارا، وأنا متلفّع ببرد لي، فأخرجت لي نارا في عطبة [7] فأعطتنيها ووقفنا نتحدّث، فلمّا احترقت العطبة خرقت من بردي خرقة وجعلت النار فيها، فكلما [8] احترقت خرقت أخرى وأذكيت بها النار حتى لم يبق عليّ من البرد إلا ما وارى عورتي، وما أعقل ما أصنع، وأنشدني:
أمستقبلي نفح الصّبا ثم شائقي ... ببرد ثنايا أمّ حسّان شائق
كأنّ على أنيابها الخمر شجّها [9] ... بماء الندى من آخر الليل عاتق [10]
وما شمته [11] إلا بعيني تفرّسّا ... كما شيم في أعلى السّحابة بارق
__________
[1] زيادة في ت.
[2] كذا في ت، ح. وفي سائر النسخ: «طرقتنا» بالتاء وكلاهما جائز لأنّ الفعل مسند إلى جمع تكسير وحذف التاء في مثل هذا أجود.
[3] كذا في أغلب النسخ. وفي ت: «أطلب».
[4] النّحي عند العرب: الزقّ الذي يوضع فيه السمن خاصة.
[5] القعب: القدح الضخم الغليظ، وقيل: قدح من خشب مقعرّ.
[6] كذا في ت. وفي سائر النسخ: «فألهي بالحديث».
[7] العطبة: خرقة تؤخذ بها النار، قال الكميت:
نارا من الحرب لا بالمرخ ثقبها ... قدح الأكف ولم تنفخ بها العطب
ويقال: «أجد ريح عطبة» أي قطنة أو خرقة محترقة.
[8] كذا في ت. وفي باقي النسخ: «فلما احترقت».
[9] شجها: مزجها.
[10] العاتق: البكر التي لم تبن عن أهلها. ويحتمل أن تكون كلمة «عاتق» محرّفة عن «غابق» وهو الساقي في الغبوق أي العشيّ.
[11] كذا في ت. وفي باقي النسخ: «ذقته» وشمته من الشيم وهو النظر إلى نحو النار والسحاب والبرق. يقال شام السحاب والبرق شيما أي نظر إليه أين يقصد وأين يمطر.
ومن الناس من يروي هذه الأبيات لنصيب، ولكن هكذا روي في [هذا] [1] الخبر.
حدّث الأصمعي أنه لم يكن مجنونا وروى من شعره
أخبرنا محمد بن خلف وكيع عن عبد الملك بن محمد الرّقاشيّ [2] عن عبد الصّمد بن المعذّل قال:
سمعت الأصمعيّ يقول - و [قد] [3] تذاكرنا مجنون بني عامر - قال: هو قيس ابن معاذ العقيليّ، ثم قال: لم يكن مجنونا إنما كانت به لوثة، وهو القائل:
أخذت محاسن كلّ ما ... ضنّت محاسنه بحسنه
كاد الغزال يكونها ... لو لا الشّوى ونشوز قرنه
قال: وهو القائل:
صوت
[2]
ولم أر ليلى بعد موقف ساعة ... بخيف منى ترمي جمار المحصّب
ويبدي الحصى منها إذا قذفت به ... من البرد أطراف البنان المخصّب
فأصبحت من ليلى الغداة كناظر ... مع الصبح في أعقاب نجم مغرّب
ألا إنّما غادرت يا أمّ مالك ... صدى إينما تذهب به الريح يذهب
في هذه الأبيات لحن من الثقيل الأوّل، ابتداؤه نشيد من صنعة الواثق وهو المشهور. وذكره ابن المكيّ لأبيه يحيى. وهو في جامع غناء سليم [4] بن سلام له. وذكره حبش في موضعين من كتابه فنسبه في طريقه الثقيل الأوّل في أحدهما إلى ابن محرز، والآخر إلى يحيى المكيّ. وزعم الهشاميّ أن فيه لسليم [4] بن سلام لحنا آخر من الثقيل الأوّل.
/ أخبرنا الحسن [5] بن عليّ قال حدّثنا أحمد بن عبد الجبّار الصّوفيّ قال حدّثني إبراهيم بن سعد الزّهريّ قال:
أتاني رجل من عذرة لحاجة، فجرى ذكر العشق والعشّاق، فقلت له: أنتم أرقّ قلوبا أم بنو عامر؟ قال: إنّا لأرقّ الناس قلوبا، ولكن غلبتنا بنو عامر بمجنونها.
شي من أوصافه
أخبرني أحمد بن عمر بن موسى بن زكويه [6] القطّان إجازة قال حدّثنا إبراهيم بن المنذر الحراميّ قال أخبرني عبد الجبار بن سليمان بن نوفل بن مساحق عن أبيه عن جدّه قال: أنا رأيت مجنون بني عامر، وكان جميل الوجه أبيض
__________
[1] زيادة عن ت.
[2] كذا في ت. وفي سائر الأصول «القرى» وما أثبتناه هو الصواب وانظر الحاشية رقم 1 ص 6 من هذا الجزء.
[3] زيادة في ت.
[4] كذا في ت سليم بن سلام بضم السين في الأوّل وفتح اللام المخففة في الثاني ولم نقف على ضبطه في غير هذه النسخة. وفي سائر النسخ «سليمان بن سلام» وهو تحريف إذ المغني هو سليم بن سلام، وستأتي له ترجمة مستقلة في ج 6 من «الأغاني» طبع بولاق.
[5] كذا في ت. وفي أغلب النسخ: «الحسين» وقد تقدّم مرارا «الحسن بن علي» باتفاق الأصول.
[6] كذا وقع هذا الاسم في جميع الأصول، ولم نقف له على ضبط بعينه.
اللون قد علاه شحوب [1]، واستنشدته فأنشدني قصيدته التي يقول فيها:
تذكّرت ليلى والسّنين الخواليا ... وأيام لا أعدي [2] على اللّهو [3] عاديا
أخبرني محمد بن الحسن الكندي خطيب مسجد القادسية قال حدّثنا الرّياشيّ قال: سمعت أبا عثمان المازنيّ يقول: سمعت معاذا وبشر بن المفضّل جميعا ينشدان هذين البيتين وينسبانهما لمجنون بني عامر:
طمعت بليلى أن تريع [4] وإنّما ... تقطّع [5] أعناق الرجال المطامع
وداينت ليلى في خلاء ولم يكن ... شهود على ليلى عدول مقانع [6]
/و حدّثني محمد بن يحيى الصّوليّ قال حدّثنا أبو خليفة [الفضل بن الحباب] [7] عن ابن سلّام قال: قضى عبيد [8] اللّه الحسن بن الحصين بن أبي الحرّ [9] العنبريّ على رجل من قومه قضيّة أوجبها الحكم عليه، وظنّ العنبريّ أنه تحامل عليه وانصرف مغضبا، ثم لقيه في طريق، فأخذ بلجام بغلته وكان شديدا أيّدا [10]، ثم قال له: إيه يا عبيد اللّه [11]!
طمعت بليلى أن تريع وإنّما ... تقطّع أعناق الرجل المطامع
فقال عبيد اللّه [8]:
وبايعت ليلى في خلاء ولم يكن ... شهود عدول عند ليلى مقانع
خلّ عن البغلة. قال الصّوليّ في خبره هذا: والبيتان للبعيث [12] هكذا، قال: فلا أدري أمن قوله هو أم حكاية عن أبي خليفة!.
زيارة ليلى له وحديثه معها
أخبرنا محمد بن القاسم الأنباريّ عن عبد اللّه بن خلف الدلّال قال حدّثنا زكريا بن موسى عن شعيب بن السّكن عن يونس النحويّ قال:
__________
[1] يقال: شحب لونه يشحب شحوبا إذا تغير لعارض مرض أو سفر ونحوه.
[2] لا أعدي: لا أعين ولا أنصر.
[3] كذا في ت. وفي سائر النسخ: «على الدهر». وقد جاء هذا الشطر في «الديوان» هكذا:
وأيام لا نخشى على اللهو ناهيا
[4] يقال: راع الشيء يريع ريعا أي رجع وعاد.
[5] كذا في جميع الأصول. ورواية «اللسان» في مادة ريع: «تضرّب».
[6] جمع مقنع بفتح الميم وهو العدل من الشهود يقال: فلان شاهد مقنع أي رضا يقنع به.
[7] زيادة في ت.
[8] كذا في ت. وفي سائر الأصول: «عبد اللّه» والصحيح ما اثبتناه فإنه عبيد اللّه بن الحسن بن حصين التميمي العنبري قاضي البصرة.
انظر كتاب «تهذيب التهذيب» و «الخلاصة في أسماء الرجال».
[9] كذا في «تهذيب التهذيب» و «تقريب التهذيب» و «الخلاصة في أسماء الرجال». وفي جميع «الأصول»: «ابن الحرّ».
[10] أيدا: قويا.
[11] كذا في ت وفي باقي النسخ «يا أبا عبد اللّه».
[12] استشهد صاحب «اللسان» في مادة «ريع» بالبيت الأوّل ونسبه للبعيث.
لما اختلط عقل قيس بن الملوّح وترك الطعام والشراب، مضت أمّه إلى ليلى فقالت لها: إنّ قيسا قد ذهب حبّك بعقله، وترك الطعام والشراب، فلو جئته وقتا لرجوت أن يثوب إليه [بعض] [1] عقله، فقالت ليلى: أمّا نهارا فلا [لأنّني لا] [1] /آمن قومي على نفسي ولكن ليلا، فأتته ليلا فقالت له: يا قيس، إنّ أمّك تزعم أنك جننت من أجلي وتركت المطعم والمشرب، فاتق اللّه وأبق على نفسك، فبكى وأنشأ يقول:
قالت جننت على أيش [2] فقلت لها ... الحبّ أعظم ممّا بالمجانين
الحبّ ليس يفيق الدهر صاحبه ... وإنما يصرع المجنون في الحين
قال: فبكت معه، وتحدّثا حتى كاد الصبح أن يسفر، ثم ودعته وانصرفت، فكان آخر عهده بها.
سبب جنونه بيت شعر قاله
أخبرنا ابن المرزبان قال قال القحذميّ: لمّا قال المجنون:
قضاها لغيري وابتلاني بحبّها ... فهلّا بشيء غير ليلى ابتلانيا
سلب عقله. الغناء لحكم ثقيل أوّل، وقيل إنه لابن الهربذ [3]. وفيه لمتيّم خفيف ثقيل أوّل من جامع أغانيها [4]. وحدّثني جحظة بهذا الخبر عن ميمون بن هارون أنه بلغه أنه لما قال هذا البيت برص.
سبب تسميته المجنون واختلاف الرواة في ذلك
أخبرني الحسن بن عليّ [قال حدّثنا محمد بن طاهر] [5] القرشيّ عن ابن عائشة قال: إنما سميّ المجنون بقوله:
ما بال قلبك يا مجنون قد خلعا ... في حبّ من لا ترى في نيله طمعا
الحبّ والودّ نيطا بالفؤاد لها ... فأصبحا في فؤادي ثابتين معا
حدّثنا وكيع عن ابن [6] يونس قال قال الأصمعيّ: لم يكن المجنون، إنما جنّنه العشق، وأنشد له:
__________
[1] زيادة في ت.
[2] كذا في أغلب النسخ. وقد ذكر الشهاب الخفاجيّ في «شفاء الغليل» أنها مخففة من أيّ شيء وقد قيل إنها سمعت من العرب وإنها وردت في شعر قديم، كما قيل إنها مولدة. ثم قال: وقول الشريف في «حواشي الرضي»: إنها كلمة مستعملة بمعنى أيّ شيء وليست مخففة منها ليس بشيء، وتخفيفها من أيّ شيء كما يقال: ويلمّه في معنى ويل لأمه لكثرة الاستعمال. وفي ت «على رأسي»، وكذلك ورد في كتاب «تزيين الأسواق» لداود الأنطاكي، فإنه قال في سوق الحكاية: «فسلمت عليه ثم قالت له:
أخبرت أنك من أجلي جننت وقد ... فارقت أهلك لم تعقل ولم تفق
فرفع رأسه إليها وأنشد:
قالت جننت على رأسي فقلت لها
الخ».
[3] كذا في أغلب النسخ: وفي ب، س «ابن الهزبر» وهو تحريف انظر الحاشية رقم 3 ص 361 من الجزء الأوّل من هذا الكتاب.
[4] كذا في أغلب النسخ وفي أ، ب، س «أغانيه» وهو تحريف إذ هي متيم الهاشمية. انظر ترجمتها مستقلة بالجزء التاسع من هذا الكتاب طبع بولاق.
[5] زيادة في ت.
[6] في ت: «حدّثنا وكيع قال حدّثنا محمد بن يونس».
يسمّونني
المجنون حين يرونني ... نعم بي من ليلى الغداة جنون
ليالي يزهى بي [1] شباب وشرّة [2] ... وإذ بي من خفض المعيشة لين
أخبرني محمد بن المرزبان عن إسحاق بن محمد بن أبان قال حدّثني عليّ بن سهل عن المدائنيّ: أنه ذكر عنده مجنون بني عامر فقال: لم يكن مجنونا، وإنما قيل له المجنون بقوله:
وإنّي لمجنون بليلى موكّل ... ولست عزوفا [3] عن هواها ولا جلدا
إذا ذكرت ليلى بكيت صبابة ... لتذكارها حتى يبلّ البكا الخدّا
أخبرني عمر بن جميل العتكيّ قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثنا عون بن عبد اللّه العامريّ أنه قال: ما كان واللّه المجنون الذي تعزونه إلينا مجنونا، إنما كانت به لوثة وسهو أحدثهما [4] به حبّ ليلى، وأنشد له:
/ وبي من هوى ليلى الذي لو أبثّه ... جماعة أعدائي بكت لي عيونها
أرى النفس عن ليلى أبت أن تطيعني ... فقد جنّ من وجدي [5] بليلى جنونها
أخبرني ابن المرزبان قال قال العتبيّ: إنما سميّ المجنون بقوله:
يقول أناس علّ مجنون عامر ... يروم سلوّا قلت أنّى لما بيا
وقد لا مني في حبّ ليلى أقاربي [6] ... أخي وابن عمّي وابن خالي وخاليا
يقولون ليلى أهل بيت عداوة ... بنفسي ليلى من عدوّ وماليا
ولو كان في ليلى شذا [7] من خصومة ... للوّيت أعناق المطيّ [8] الملاويا [9]
أخبرني هاشم [بن محمد] [10] الخزاعيّ عن عيسى بن إسماعيل قال قال ابن سلّام: لو حلفت أن مجنون بني عامر لم يكن مجنونا لصدقت، ولكن تولّه [11] لما زوّجت ليلى وأيقن اليأس منها، ألم تسمع إلى قوله:
__________
[1] في ت: «يزهاني شباب وشرّة» أي يطيش بي الشباب ويستخفني.
[2] كذا في ت، ح. والشرّة: حرص الشباب ونشاطه. وفي باقي النسخ: «شدّة» والظاهر أنه تحريف.
[3] كذا في ت وكتاب «تزيين الأسواق» طبع بولاق ص 81، وفي سائر الأصول: «من» وما أثبتناه بالأصل هو الموافق لما في «كتب اللغة» من تعدّي فعل عزف بعن، يقال: عزف عن الشيء عزوفا فهو عزوف أي انصرف عنه زهدا فيه أو كراهة له.
[4] في ت «فيه».
[5] في ت، ح: «من وجد» منكرا بغير ياء المتكلم.
[6] كذا في ت و «ديوانه» وفي سائر الأصول «قرابتي» وما أثبتناه أكثر في الاستعمال وأبعد عن الخلاف قال صاحب «اللسان»: تقول:
بيني وبينه قرابة وهو ذو قرابتي وهم أقربائي وأقاربي، والعامة تقول: هو قرابتي، ثم قال: ويقال: فلان ذو قرابتي وذو قرابة مني وذو مقربة، ومنهم من يجيز «فلان قرابتي» والأوّل أكثر، وفي حديث عمر: «إلا حامي على قرابته» أي أقاربه، سموا بالمصدر كالصحابة.
[7] كذا في أكثر النسخ بالذال المعجمة ومعناه الحدّ. وفي م: «شدا» بالدال المهملة وفسره ابن الأعرابيّ وابن خالويه بالبقية وفسره غيرهما بالحدّ وهما روايتان في البيت، قال صاحب «اللسان»: وأنشده الفرّاء بالدال المهملة وأنشده غيره بالذال المعجمة وأكثر الناس على الدال وهو الحدّ.
[8] كذا في «اللسان» في الموادّ «شدا، وشذا، ولوى». وفي جميع الأصول: «الخصوم».
[9] الملاوي: جمع ملوى وهو مصدر ميميّ من لوى بمعنى عطف.
[10] زيادة في ت، وقد تقدّم ذكر هاشم هذا غير مرّة منسوبا إلى أبيه محمد مكني بأبي دلف.
[11] كذا في أغلب النسخ، يقال: توله أي أصابه الوله وهو ذهاب العقل من شدّة الوجد وفقدان الحبيب. وفي ت، ح: «تدله» بالدال
/ أيا ويح من
أمسى تخلّس عقله ... فأصبح مذهوبا به كلّ مذهب
خليعا [1] من الخلّان إلا مجاملا [2] ... يساعدني من كان يهوى تجنّبي
إذا ذكرت ليلى عقلت وراجعت ... عوازب قلبي من هوى متشعّب
[أخبرني به الحسن بن علي عن دينار بن عامر التغلبيّ عن مسعود بن سعد عن ابن سلّام ونحوه.
أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال أنشدني صالح بن سعيد قال أنشدني يعقوب بن السّكّيت للمجنون.
يسمونني المجنون حين يرونني ... نعم بي من ليلى الغداة جنون] [3]
قال: وأنشدنا له أيضا:
صوت
وشغلت عن فهم الحديث سوى ... ما كان فيك فإنه [4] شغلي
وأديم لحظ محدّثي ليرى ... أن قد فهمت وعندكم عقلي
الحديث عن تكنيته ليلى بأم مالك
أخبرني ابن المرزبان عن محمد بن الحسن دينار الأحول عن عليّ بن المغيرة الأثرم عن أبي عبيدة:
/ أنّ صاحبة مجنون بني عامر التي كلف بها ليلى بنت مهديّ بن سعد بن مهديّ [بن ربيعة] [5] بن الحريش، وكنيتها أمّ مالك، وقد ذكر هذه الكنية المجنون في شعره فقال:
تكاد بلاد اللّه يا أمّ مالك ... بما رحبت يوما عليّ تضيق
وقال أيضا:
فإنّ الذي أمّلت من أمّ مالك ... أشاب قذالي [6] واستهام فؤاديا
خليليّ إن دارت على أمّ مالك ... صروف اللّيالي فابغيا لي ناعيا [7]
وقال أبو عمرو الشيبانيّ: علق المجنون ليلى بنت مهديّ بن سعد من بني الحريش، وكنيتها أمّ مالك، فشهر بها وعرف خبره فحجبت عنه، فشقّ ذلك عليه فخطبها إلى أبيها فردّه وأبى أن يزوّجه إياها، فاشتدّ به الأمر حتى جنّ
__________
- المهملة والتدله أيضا: ذهاب العقل من عشق أو نحوه.
[1] كذا في أغلب الأصول وهو الموافق لما في «الديوان» طبع بولاق. والخليع: المخلوع أي المنزوع. وفي ت «خليا» وهكذا ورد في جميع النسخ فيما تقدّم ص 19 من هذا الجزء.
[2] كذا في جميع الأصول وقد تقدّم في ص 19 من هذا الجزء في جميع الأصول «معذرا».
[3] ما بين القوسين زيادة في ت.
[4] كذا في أغلب الأصول. وفي ت و «الديوان» طبع بولاق: «و حبكم شغلي».
[5] زيادة في ت.
[6] القذال: جماع مؤخر الرأس.
[7] ناعيا: مناديا بموتي.
وقيل له: «مجنون بني عامر»، فكان على حاله [1] يجلس في نادي قومه فلا يفهم ما يحدّث به ولا يعقله [2] إلا إذا ذكرت ليلى. وأنشد له أبو عمرو:
صوت
الرائية
ألا ما لليلى لا ترى عند مضجعي ... بليل ولا يجري بذلك طائر
بلى إنّ عجم الطير تجري إذا جرت ... بليلى ولكن ليس للطير زاجر
أزالت عن العهد الذي كان بيننا ... بذي الأثل [3] أم قد غيّرتها المقادر
/ فو اللّه ما في القرب لي منك راحة ... ولا البعد يسليني ولا أنا صابر
وواللّه ما أدري بأيّة حيلة ... وأيّ مرام أو خطار [4] أخاطر
وتا للّه إنّ الدهر في ذات بيننا ... عليّ لها في كلّ حال لجائر
فلو كنت إذ أزمعت هجري تركتني ... جميع [5] القوى والعقل منّي وافر
ولكنّ أيامي بحقل [6] عنيزة ... وبالرّضم أيام جناها التّجاور
وقد أصبح الودّ الذي كان بيننا ... أمانيّ نفس والمؤمّل حائر
لعمري لقد رنّقت [7] يا أمّ مالك ... حياتي وساقتني إليك المقادر
قال أبو عمرو: وأخبرني بعض الشاميين قال: دخلت أرض بني عامر، فسألت عن المجنون الذي قتله الحبّ، فخبّروني عنه أنه كان عاشقا لجارية منهم يقال لها ليلى، ربا معها ثم حجبت عنه، فاشتدّ ذلك عليه وذهب عقله، فأتاه إخوان من إخوانه يلومونه على ما يصنع [8] بنفسه، فقال:
صوت
يا صاحبيّ ألمّا بي بمنزلة ... قد مرّ حين عليها أيّما حين
في كل منزلة ديوان معرفة ... لم يبق باقية ذكر الدواوين
__________
[1] في ت: «حالة».
[2] كذا في ت، ح وهو الموافق لقوله فيما تقدّم في ص 17 من هذا الجزء: «فإذا أحبوا أن يتكلم أو يثوب عقله ذكروا له ليلى». وفي سائر الأصول: «و لا ويعقله أحد» وهذا لا يستقيم إلا أن يقرأ ما قبله هكذا «فلا يفهم ما يحدّث به الخ».
[3] في ت وفي «تزيين الأسواق» طبع بولاق ص 79: «بذي الأيك».
[4] الخطار: مصدر خاطر بمعنى راهن.
[5] جميع: مجتمع.
[6] الحقل: المزرعة ويطلق على الموضع البكر الذي لم يزرع فيه قط. وعنيزة: موضع بين البصرة ومكة. والرضم: موضع على ستة أميال من زبالة، وزبالة: منزل معروف بطريق مكة من الكوفة.
[7] رنقت: كدرت، والترنيق كما يطلق على التكدير يطلق على ضدّه الذي هو التصفية.
[8] كذا في ت، ح. وفي سائر الأصول: «صنع».
إني أرى رجعات الحبّ تقتلني ... وكان في بدئها ما كان يكفيني
الغناء لا بن جامع خفيف ثقيل.
جنونه بليلى وهيامه على وجهه من أجلها
أخبرني هاشم الخزاعيّ عن [العباس [1] بن الفرج] الرّياشيّ قال:
ذكر العتبيّ عن أبيه قال: كان المجنون في بدء أمره يرى ليلى ويألفها ويأنس بها ثم غيّبت عن ناظره، فكان أهله يعزّونه عنها ويقولون: نزوّجك أنفس جارية في عشيرتك، فيأبى إلا ليلى ويهذي بها [2] ويذكرها [فكان ربّما استراح إلى أمانيّهم وركن إلى قولهم] [3]، وكان ربما هاج عليه الحزن والهمّ فلا يملك [4] ممّا هو فيه أن يهيم على وجهه، وذلك قبل أن يتوحّش مع البهائم في القفار، فكان قومه يلومونه ويعذلونه، فأكثروا عليه في الملامة والعذل يوما فقال:
صوت
ياللرّجال لهمّ بت يعروني ... مستطرف وقديم [5] كان يعنيني
على غريم [6] مليء غير ذي عدم [7] ... يأبى فيمطلني ديني ويلويني [8]
لا يذكر البعض من ديني فينكره [9] ... ولا يحدّثني أن سوف يقضيني
وما كشكري شكر لو يوافقني [10] ... ولا منى كمناه إذ يمنّيني
أطعته وعصيت الناس كلّهم ... في أمره ثم يأبى فهو يعصيني
خيري لمن يبتغي خيري ويأمله ... من دون شرّي وشرّي غير مأمون
وما أشارك في رأيي أخا ضعف [11] ... ولا أقول أخي من لا يواتيني [12]
__________
[1] زيادة في ت وفيها تصريح باسم الراوي واسم أبيه المعروفين في «كتب التراجم».
[2] كذا في أغلب النسخ. وفي ت: «و يهذي بذكرها».
[3] هذه الزيادة وقعت في هامش نسخة ت وعليها كلمة «صح».
[4] أي لا يمسك نفسه عن الهيام بها.
[5] كذا في ت. وفي سائر النسخ: «و قديما».
[6] مليء بالهمز أي ثقة غنيّ. قال صاحب «اللسان»: وقد أولع فيه الناس بترك الهمز وتشديد الياء.
[7] عدم أي فقر ومثله العدم بضم العين وسكون الدال. قال صاحب «اللسان»: إذا ضممت أوّله خففت فقلت: العدم وإذا فتحت أوّله ثقلت فقلت: العدم.
[8] يلويني: يمطلني، يقال: لواه دينه وبدينه: مطله.
[9] كذا في ب، س. وفي ت: «لا يبعد النقد من ديني فيذكره». وفي أ، ء، م: «لا ينكر البعض من ديني فينظره». وفي ح: «لا ينكر البعض من ديني فينكره».
[10] كذا في ب، س، ح. وفي باقي النسخ: «إذ يوافقني».
[11] الضعف هكذا بالتحريك: لغة في الضعف بالفتح والسكون. ويستعمل في ضعف الرأي والعقل، وأنشد عليه ابن الأعرابي هذا البيت. ويستعمل في ضعف الجسم وأنشد عليه:
ومن يلق خيرا يغمز الدهر عظمه ... على ضعف من حاله وفتور
[12] كذا في الأصول، ومعناه: يساعدني، ورواه صاحب «اللسان» هكذا:
في هذه الأبيات هزج طنبوريّ للمسدود من جامعه.
وقال أبو عمرو الشّيبانيّ: حدّثني رباح [1] العامريّ قال: كان المجنون أوّل ما علق [2] ليلى كثير الذّكر لها والإتيان بالليل إليها، والعرب ترى ذلك غير منكر أن يتحدّث الفتيان إلى الفتيات، فلما علم أهلها بعشقه لها منعوه من إتيانها وتقدّموا إليه [3]، فذهب لذلك عقله ويئس [4] منه قومه واعتنوا [5] بأمره، واجتمعوا إليه ولاموه وعذلوه على ما يصنع بنفسه، وقالوا: واللّه ما هي لك بهذه الحال، فلو تناسيتها رجونا أن تسلو قليلا، فقال لمّا سمع مقالتهم وقد غلب عليه البكاء:
صوت
فواكبدا [6] من حب من لا يحبّني ... ومن زفرات ما لهنّ فناء
أريتك [7] إن لم أعطك الحبّ عن يد [8] ... ولم يك عندي إذ أبيت إباء
أتاركتي للموت أنت فميّت ... وما للنفوس الخائفات بقاء
ثم أقبل على القوم فقال: إنّ الذي بي ليس بهيّن، فأقلّوا من ملامكم فلست بسامع فيها ولا مطيع لقول قائل.
قصة حبه ليلى في رواية رباح العامري
أخبرني عمّي ومحمد بن حبيب [9] وابن المرزبان عن عبد اللّه بن أبي سعد عن عبد العزيز صالح عن أبيه عن ابن دأب عن رباح [10] بن حبيب العامريّ:
أنه سأله عن حال المجنون وليلى، فقال: كانت ليلى من بني الحريش وهي بنت مهديّ بن سعيد [11] بن مهديّ بن ربيعة بن الحريش، وكانت من أجمل النساء وأظرفهنّ وأحسنهنّ جسما وعقلا وأفضلهنّ أدبا وأملحهن شكلا، وكان المجنون كلفا بمحادثة النساء صبّا بهنّ، فبلغه خبرها ونعتت له، فصبا إليها وعزم على زيارتها، فتأهب لذلك ولبس أفضل ثيابه ورجّل جمّته ومسّ طيبا كان عنده، وارتحل ناقة له كريمة برحل حسن وتقلّد سيفه وأتاها،
__________
-
ولا ألين لمن لا يبتغي ليني
[1] في ت، م: «رياح «و لم نعثر على ما يرجح أحدى الروايتين، وقد سبق التنبيه على قول الحافظ الذهبيّ: إن اسم رباح بالموحدة أكثره في الموالي. انظر الحاشية رقم 1 ص 324 من الجزء الأوّل من هذا الكتاب.
[2] في ت: «عشق».
[3] أمروه بألّا يعود إلى التحدّث إليها.
[4] في ت: «أيس».
[5] في ت، ح: «و اغتموا بأمره».
[6] كذا في ب، س، ت وهو مندوب متوجع له لحقته ألف الندبة بعد حذف ياء المتكلم وفي بقية النسخ: «فواكبدي» بياء المتكلم.
[7] أصله أرأيتك حذفت همزته، وهي كلمة تقولها العرب للاستخبار فهي بمعنى أخبريني.
[8] يقال: أعطاه كذا عن يد أي عن انقياد واستسلام.
[9] كذا في أغلب النسخ. وفي ت: «عمي وحبيب بن نصر».
[10] في ت: «رياح» بالياء.
[11] تقدّمت في ص 11 من هذا الجزء «ليلى بنت مهدي بن سعد».
فسلّم فردّت عليه السّلام وتحفّت في المسئلة [1]، وجلس إليها فحادثته وحادثها فأكثرا، وكلّ واحد منهما مقبل على/ صاحبه معجب به، فلم يزالا كذلك حتى أمسيا، فانصرف إلى أهله فبات بأطول ليلة شوقا إليها، حتى إذا أصبح عاد إليها فلم يزل عندها حتى أمسى، ثم انصرف إلى أهله فبات بأطول من ليلته الأولى واجتهد أن يغمض فلم يقدر على ذلك، فانشأ يقول:
نهاري نهار الناس حتى إذا بدا ... لي الليل هزّتني إليك المضاجع
أقضّي نهاري بالحديث وبالمنى ... ويجمعني والهمّ بالليل جامع
لقد ثبتت في القلب منك محبّة ... كما ثبتت في الراحتين الأصابع [2]
- عروضه من الطويل، والغناء لإبراهيم الموصليّ رمل بالوسطى عن عمرو - قال: وأدام زيارتها وترك من يأتيه فيتحدّث إليه غيرها، وكان يأتيها في كلّ يوم فلا يزال عندها نهاره أجمع حتى إذا أمسى انصرف، فخرج ذات يوم يريد زيارتها فلما قرب من منزلها لقيته جارية عسراء [3] فتطير منها، وأنشأ يقول:
وكيف يرجّى وصل ليلى وقد جرى ... بجدّ [4] القوى والوصل أعسر حاسر [5]
صديع [6] العصا صعب المرام إذا انتحى [7] ... لوصل امرىء جدّت عليه الأواصر [8]
/ثم سار إليها في غد فحدّثها بقصته وطيرته ممن لقيه، وأنه يخاف تغيّر عهدها وانتكاثه وبكى، فقالت:
لا ترع [9]، حاش للّه من تغيّر عهدي، لا يكون واللّه ذلك أبدا إن شاء اللّه، فلم يزل عندها يحادثها [10] بقية يومه، ووقع له في قلبها مثل ما وقع لها في قلبه، فجاءها يوما كما كان يجيء، وأقبل يحدّثها فأعرضت عنه، وأقبلت على غيره بحديثها، تريد بذلك محنته وأن تعلم ما في قلبه، فلما رأى ذلك جزع جزعا شديدا حتى بان في وجهه وعرف فيه، فلما خافت عليه أقبلت عليه كالمسرّة إليه فقالت:
كلانا مظهر للناس بغضا ... وكلّ عند صاحبه مكين
فسرّيّ [11] عنه وعلم ما في قلبها، فقالت له: إنما أردت أن أمتحنك والذي لك عندي أكثر من الذي لي
__________
[1] كذا في ت. وفي ح: «أحفت المسألة» ومعناهما بالغت في ملاطفته والسؤال عنه. وفي بقية النسخ: «أخفت المسألة» بالخاء المعجمة وهو تحريف.
[2] ستأتي هذه الأبيات في قصيدة منسوبة إلى قيس بن ذريح بالجزء الثامن من «الأغاني» طبع بولاق.
[3] أن شؤم.
[4] الجدّ: القطع. والقوى: جمع قوّة وهي الطاقة الواحدة من طاقات الحبل.
[5] الحاسر: الكاشف يوصف به الرجل والمرأة، يقال: امرأة حاسر بغيرها. إذا حسرت عنها درعها، وكل مكشوفة الرأس والذراعين:
حاسر.
[6] من الصدع بمعنى الشق وهو كناية عن الفراق. قال أبو الهيثم: العصا تضرب مثلا للاجتماع ويضرب انشقاقها مثلا للافتراق الذي لا يكون بعده اجتماع، وذلك لأنها لا تدعى عصا إذا انشقت (انظر «لسان العرب» مادّة صدع).
[7] انتحى: قصد.
[8] الأواصر: جمع آصرة وهي ما عطفك على رجل من رحم أو قرابة أو صهر أو معروف.
[9] لا ترع: لا تخف ولا يلحقك فزع.
[10] كذا في ت. وفي سائر النسخ: «يحدّثها».
[11] أي انجلى همه وانكشف.
عندك، وأعطي اللّه عهدا إن جالست بعد يومي هذا رجلا سواك حتى أذوق الموت إلا أن أكره على ذلك، قال:
فانصرفت [1] عنه وهو من أشدّ الناس سرورا وأقرّهم عينا، وقال:
أظنّ هواها تاركي بمضلّة [2] ... من الأرض لا مال لديّ ولا أهل
ولا أحد أفضي [3] إليه وصيّتي ... ولا صاحب إلا المطيّة والرّحل
محاحبّها حبّ الألى كنّ قبلها ... وحلّت مكانا لم يكن حلّ من قبل
شعره فيها بعد أن تزوّجت وأيس منها
أخبرني جعفر [4] بن قدامة عن أبي العيناء عن العتبيّ قال:
/ لما حجبت ليلى عن المجنون خطبها جماعة فلم يرضهم أهلها، وخطبها رجل من ثقيف [5] موسر فزوّجوه وأخفوا ذلك عن المجنون ثم نمي إليه طرف منه لم يتحقّقه، فقال:
دعوت إلهي دعوة ما جهلتها ... وربّي بما تخفي الصدور بصير [6]
لئن كنت تهدي [7] برد أنيابها العلا ... لأفقر منّي إنّني لفقير
فقد شاعت الأخبار أن قد تزوّجت ... فهل يأتينّي بالطلاق بشير
وقال أيضا:
ألا تلك ليلى العامريّة أصبحت ... تقطّع إلا من ثقيف حبالها
هم حبسوها محبس البدن وابتغى ... بها المال أقوام ألا قلّ مالها
إذا التفتت [8] والعيس صعر [9] من البرى ... بنخلة جلّت عبرة العين حالها
قال: وجعل يمرّ بيتها فلا يسأل عنها ولا يلتفت إليه [10]، ويقول إذا جاوزه:
__________
[1] في ت: «فانصرف عشا وهو الخ».
[2] المضلة بفتح الضاد وكسرها: الأرض التي يضل فيها.
[3] كذا في جميع الأصول. ولم نجد في «كتب اللغة» التي بين أيدينا أفضى متعدّيا بنفسه والوارد تعديه بالباء فيقال: أفضيت إليه بسرّي، ولعله في الأصل «أقضى» بالقاف تقول: قضيت إليه الأمر أي أنهيته إليه وأبلغته ذلك.
[4] كذا في ت وقد تقدّم كذلك غير مرّة. وفي النسخ: «أبو جعفر».
[5] كذا في ت. وفي باقي النسخ: من بني ثقيف وثقيف: أبو حيّ من قيس أو من هوازن، والأغلب عليه التذكير فيصرف. قال سيبويه:
أما قولهم: هذه ثقيف فعلى إرادة الجماعة. قال صاحب «اللسان»: إنما قال ذلك لغلبة التذكير عليه وهو مما لا يقال فيه من بني فلان، وكذلك كل مالا يقال فيه من بني فلان التذكير فيه أغلب، ولهذا أثبتنا ما في نسخة ت بالأصل إذ مقتضى عبارة «اللسان» أنه يقال: فلان من ثقيف ولايقال من بني ثقيف، كما يقال: فلان من قريش أو معدّ ولايقال: من بني قريش أو من بني معدّ.
[6] كذا في أغلب النسخ. وفي ت «خبير».
[7] في نسخة ت وكتاب «تزيين الأسواق» ص 66 طبع بولاق:
لئن كان يهدي برد أنيابها العلا
[8] كذا في «الديوان». وفي جميع الأصول: «إذا ما التقت».
[9] صعر: جمع أصعر من الصعر وهو ميل في العنق. والبري: جمع برة وهي الحلقة تجعل في أحد جانبي منخر البعير. ونخلة: اسم موضع.
[10] في ب، س، ح: «إليها».
صوت
ألا أيّها البيت الذي لا أزوره ... وإن حلّه شخص إليّ حبيب
هجرتك إشفاقا وزرتك خائفا ... وفيك عليّ الدهر منك رقيب
سأستعتب الأيام فيك لعلّها ... بيوم سرور في الزمان تؤوب
الغناء لعريب ثاني ثقيل بالوسطى. قال: وبلغه أن أهلها يريدون نقلها إلى الثّقفيّ فقال:
صوت
كأنّ القلب ليلة قيل يغدى ... بليلى العامريّة أو يراح
قطاة عزّها [1] شرك فباتت ... تجاذبه وقد علق الجناح
- عروضه من الوافر. الغناء لابن المكيّ خفيف ثقيل [أوّل] [2] بالوسطى في مجراها عن إسحاق، وفيه خفيف ثقيل آخر لسليمان مطلق في مجرى البنصر، وفيه لإبراهيم رمل بالوسطى في مجراها عن الهشاميّ - قال: فلما نقلت [ليلى] [2] إلى الثّقفيّ قال.
قصيدته العينية
طربت وشاقتك الحمول [3] الدّوافع ... غداة دعا بالبين أسفع [4] نازع
شحا [5] فاه نعبا [6] بالفراق كأنه ... حريب [7] سليب نازح الدار جازع
/ فقلت ألا قد بيّن [8] الأمر فانصرف ... فقد راعنا بالبين قبلك رائع
سقيت سموما [9] من غراب فإنّني ... تبيّنت ما خبّرت مذ أنت واقع [10]
أ لم تر أنّي لا محبّ ألومه ... ولا ببديل بعدهم أنا قانع
[أ لم تر دار الحيّ في رونق الضحى ... بحيث انحنت للهضبتين الأجارع] [11]
__________
[1] عزها: غلبها. وفي ب، س: «غرها» بالغين والراء، والأوّل أنسب بالتشبيه.
[2] زيادة في ت.
[3] الحمول: في الأصل الهوادج واحدها حمل ثم اتسع فيها وصارت تستعمل في الإبل التي عليها الهوادج. والدوافع: المندفعة في السير.
[4] كذا في أغلب النسخ و«تزييين الأسواق». وفي ب، س: «أسحم» والأسفع والأسحم معناهما واحد وهو الأسود. والنازع المسرع والمراد بالأسفع النازع «الغراب».
[5] شحافاه يشحوه ويشحاه: فتحه.
[6] نعبا: صياحا وتصويتا.
[7] الحريب: من سلب حريته وهي ماله الذي يقوم به أمره.
[8] بيّن بمعنى تبين، ومنه المثل: «قد بين الصّبح لذى عينين».
[9] كذا في أغلب النسخ. وفي ت، ح و«تزيين الأسواق» لداود الأنطاكي طبع بولاق: «سماما» وهو جمع لسم كسموم.
[10] وقع الطائر: نزل عن طيرانه على شجرة أو غيرها.
[11] زيادة في ت و«تزيين الأسواق» والهضبتان: مثنى هضبة وهي الرابية أو الجبل المنبسط على الأرض أو الجبل المخلوق من صخرة
وقد
يتناءى الإلف من بعد ألفة ... ويصدع ما بين الخليطين صادع
وكم من هوى [1] أو جيرة قد ألفتهم ... زمانا فلم يمنعهم البين مانع [2]
كأنّي غداة البين ميّت جوبة [3] ... أخو ظمإ سدّت عليه المشارع
تخلّس [4] من أوشال [5] ماء صبابة ... فلا الشّرب مبذول ولا هو ناقع [6]
وبيض تطلّى بالعبير كأنها ... نعاج الملا [7] جيبت [8] عليها البراقع
تحملّن من وادي [9] الأراك فأومضت [10] ... لهنّ بأطراف العيون المدامع
/ فما رمن [11] ربع الدار حتى تشابهت ... هجائنها [12] والجون منها الخواضع [13]
وحتى حلمن الحور [14] من كلّ جانب ... وخاضت سدول [15] الرّقم منها الأكارع [16]
فلما استوت تحت الخدور وقد جرى ... عبير ومسك بالعرانين رادع [17]
أشرن بأن حثّوا الجمال فقد بدا ... من الصيف يوم لافح الحرّ ماتع [18]
__________
- واحدة، والأجارع: جمع أجرع، والأجرع كالجرعاء: الأرض ذات الحزونة تشاكل الرمل أو الرملة السهلة المستوية أو القطعة من الرمل لا تنبت شيئا (انظر «اللسان» في مادّتي هضب وجرع).
[1] الهوى بمعنى المهوىّ وهو المحبوب، ومنه قول الشاعر:
هواي مع الركب اليمانين مصعد ... جنيب وجثماني بمكة موثق
[2] كذا في ت و «تزيين الأسواق». وفي باقي النسخ: «فلم يمنعه للبين مانع».
[3] الجوبه: فضاء أملس سهل بين أرضين.
[4] تخلس الشي ء: أنتهبه وأخذه خلسة.
[5] الأوشال: جمع وشل وهو الماء القليل. والصبابة: بقية الماء تبقى في الإناء والسقاء.
[6] هو من نقع بمعنى روى.
[7] الملا: الصحراء.
[8] أي قطعت.
[9] هو واد قرب مكة.
[10] في ت: «و أومضت» بالواو.
[11] كذا في ت، ح ومعناه ما برحن. يقال: ما رام المكان أي ما برحه. وفي باقي النسخ: «رضن» بالضاد لم يظهر له معنى.
[12] الهجائن: الإبل البيضاء الكريمة واحدها هجان. والجون: جمع جون بفتح الجيم وهو الأسود المشرب بحمرة، ويطلق على الأسود اليحمومي وعلى الأبيض فهو من أسماء الأضداد.
[13] الخواضع: الإبل وإنما يقال لها خواضع لأنها تخضع أعناقها حين يجدّ بها السير، قال جرير:
ولقد ذكرتك والمطيّ خواضع ... وكأنهنّ قطا فلاة مجهل
[14] الحور: جمع حوراء وهي البيضاء أو من في عينها حور وهو شدة سواد المقلة في شدّة بياضها.
[15] السدول: جمع سديل وهو ما يجلل به الهودج من الثياب.
[16] الأكارع: جمع أكرع والأكرع جمع كراع، أو الأكارع كما يقول سيبويه جمع كراع على غير قياس. والكراع من الإنسان: ما دون الركبة إلى الكعب، ومن الدابة قوائمها مطلقا.
[17] المراد بالرادع هنا المردوع به الجسد أو الثوب وهو العبير والمسك. وأصل الردع اللطخ بالطيب والزعفران، يقال: قميص رادع ومردوع أي فيه أثر الطيب والزعفران، وفي حديث ابن عباس رضي اللّه عنهما: «لم ينه عن شيء من الأدوية إلا عن المزعفرة، التي تردع الجلد» أي تنفض صبغها عليه.
[18] الماتع: الطويل.
فلّما لحقنا بالحمول تباشرت ... بنا مقصرات [1] غاب عنها المطامع [2]
يعرّضن [3] بالدّلّ المليح وإن يرد ... جناهنّ مشغوف فهنّ موانع
/ فقلت لأصحابي ودمعي مسبل ... وقد صدع الشمل المشتّت صادع
أليلى بأبواب الخدور تعرّضت ... لعيني أم قرن من الشمس طالع
مروره مع ابن عم له على حمامة تهدل وما قال في ذلك من الشعر
أخبرني عيسى بن الحسين الورّاق قال حدّثنا الهيثم بن فراس قال حدّثني العمريّ عن الهيثم بن عديّ:
أنّ أبا المجنون حجّ به ليدعو اللّه عزّوجلّ في الموقف أن يعافيه، فسار ومعه [4] ابن عمه زياد بن كعب بن مزاحم، فمرّ بحمامة تدعو [5] على أيكة فوقف يبكي، فقال له زياد: أيّ شيء هذا؟ ما يبكيك أيضا؟ سر بنا نلحق الرّفقة، فقال:
أ أن هتفت يوما بواد حمامة ... بكيت ولم يعذرك بالجهل عاذر
دعت ساق حرّ [6] بعد ما علت الضّحى ... فهاج لك الأحزان أن ناح طائر
تغنّي [7] الضّحى والصّبح في مرجحنة [8] ... كثاف الأعالي تحتها الماء حائر [9]
كأن لم يكن بالغيل [10] أو بطن أيكة [11] ... أو الجزع [12] من تول [13] الأشاءة حاضر
/ يقول زياد إذ [14] رأى الحيّ هجّروا [15] ... أرى الحيّ قد ساروا فهل أنت سائر
__________
[1] كذا في ت، ب، س وهو جمع مقصرة أي داخلة في القصر وهو العشيّ، يقال: أتيته قصرا أي عشيا، وأقصرنا أي دخلنا في قصر العشيّ، كما تقول أمسينا من المساء. وفي سائر النسخ: «معصرات» بالعين المهملة وهو جمع معصرة من أعصرت الجارية إذا بلغت عصر شبابها، أو من أعصرت أي دخلت في العصر (انظر «لسان العرب» مادتي قصر وعصر).
[2] كذا في جميع النسخ. وفي ت و«تزيين الأسواق»: «المطالع» باللام.
[3] كذا في ت. وفي ب، س: «تعرّضن». وفي أ، ح، م: «تعرّض».
[4] كذا في ت. وفي سائر النسخ: «فسار معه الخ».
[5] تدعو: تصوّت وتنوح.
[6] ساق حرّ: أصله صوت القمارى، ويطلق على الذكر من القمارى تسمية له باسم صوته وهو المراد هنا (انظر «اللسان» مادتي سوق وحرّ).
[7] كذا في ت و«تزيين الأسواق». وفي م: «يعني» هكذا بدون أعجام. وفي باقي النسخ هكذا: «نعيّ».
[8] كذا في أغلب الأصول، والمرجحنة: المهتزة المتمايلة.
[9] حائر: متردّد.
[10] الغيل: اسم لعدّة مواضع والظاهر أنّ المراد هنا واد لبني جعدة وهم قوم المجنون.
[11] الأيكة: الغيضة الملتفة الأشجار، ولم نجد في الكتب التي بأيدينا «أيكة» لا «بطن أيكة» اسما لموضع خاص
[12] الجزع - بالكسر، وقال أبو عبيدة: اللائق به أن يكون مفتوحا - : منعطف الوادي ولعله هنا اسم لموضع خاص، وقد يكون جزع بني جماز وهو واد باليمامة.
[13] كذا في ب، س. وفي بقية النسخ: «قول» بالقاف ولم يظهر لكلتا النسختين معنى. والأشاءة: موضع باليمامة فيه نخيل فلعل كلمة «تول» محرّفة عن «تال» والتال: صغار النخل واحدته تالة.
[14] كذا في ب، س، ت. وفي باقي النسخ: «أن رأى».
[15] هجروا: ساروا في وقت الهاجرة.
وإنّي وإن غال [1] التقادم حاجتي ... ملم على أوطان ليلى فناظر [2]
هيامه إلى نواحي الشام وما يقوله من الشعر عند عوده ورؤية التوباد
أخبرني [محمد بن مزيد] [3] بن أبي الأزهر عن الزّبير عن محمد بن عبد اللّه البكري عن موسى بن جعفر بن أبي كثير وأخبرني عمي عن [عبد اللّه] [3] بن شبيب عن [هارون بن موسى] [3] الفرويّ [4] عن موسى بن جعفر بن أبي كثير وأخبرني ابن المرزبان عن ابن الهيثم عن العمريّ عن العتبيّ قالوا جميعا:
كان المجنون وليلى وهما صبيّان يرعيان غنما لأهلها عند جبل في بلادهما يقال له التّوباد [5]، فلما ذهب عقله وتوحّش، كان يجيء إلى ذلك الجبل فيقيم به، فإذا تذكر أيام كان يطيف هو وليلى به جزع جزعا شديدا واستوحش فهام على وجهه حتى يأتى نواحي الشأم، فإذا ثاب إليه عقله رأى بلدا لا يعرفه فيقول للناس الذين يلقاهم: بأبي أنتم، أين التّوباد من أرض بني عامر؟ فيقال له: وأين أنت من أرض بني عامر! أنت بالشأم عليك بنجم كذا فأمّه، فيمضي على وجهه نحو ذلك النجم حى يقع بأرض اليمن، فيرى بلادا ينكرها وقوما لا يعرفهم فيسألهم عن التّوباد/ وأرض بني عامر، فيقولون:
وأين أنت من أرض بني عامر! عليك بنجم كذا وكذا، فلا يزال كذلك حتى يقع على التّوباد، فإذا رآه قال في ذلك:
أبياته النونية التي يصف فيها انصباب الدمع
وأجهشت [6] للتّوباد حين رأيته ... وكبّر [7] للرحمن حين رآني
وأذريت [8] دمع العين لمّا عرفته ... ونادى بأعلى صوته فدعاني
فقلت له قد كان حولك جيرة ... وعهدي بذاك الصّرم منذ زمان [9]
فقال مضوا واستودعوني بلادهم [10] ... ومن ذا الذي يبقى على الحدثان
__________
[1] غال الشي ء: ذهب به.
[2] كذا في ت، ح و «تزيين الأسواق». وفي باقي النسخ: «مناظر» بالميم.
[3] زيادة في ت.
[4] كذا في ت «الفروي» بالفاء وهو الموافق لما في «كتب التراجم» مثل «تهذيب التهذيب» و «الخلاصة» و «الأنساب» للسمعاني. وفي بقية النسخ: «الهروي» بالهاء وهو تحريف.
[5] كذا في جميع الأصول «التوباد» بالدال المهملة وهو الموافق لما في «معجم ما استعجم» للبكري إذ قال في ضبطه: هو بفتح أوّله وباء معجمة بواحدة ودال مهملة وأنشد عليه:
وأجهشت للتوباد حين رأيته
البيت. وضبطه ياقوت بالذال المعجمة فقال في «معجمه»: «توباذ» بالفتح ثم السكون والباء موحدة وآخره ذال معجمة: جبل بنجد.
[6] أجهشت: تهيأت للبكاء.
[7] كذا في جميع الأصول. وفي «الديوان»: «و هللّ».
[8] كذا في ت و «الديوان» و «تزيين الأسواق». وفي بقية الأصول: «و أذرفت» ولم نجد «أذرف» في «كتب اللغة» التي بأيدينا، وإنما يقال: ذرفت العين الدمع وذرّفته بالتضعيف أي أسالته.
[9] ورد بدل هذا البيت في «الديوان» بيت آخر وهو:
فقلت له أين الذين عهدتهم ... حواليك في خصب وطيب زمان
وجاءت القصيدة في «تزيين الأسواق» مشتملة على البيتين فأورد البيت الذي في الأصول ثم جاء بعده بالبيت الثاني هكذا:
وقلت له أين الذين عهدتهم ... بقربك في حفظ وطيب أمان
[10] كذا في أغلب النسخ و «الديوان». وفي ت و «تزيين الأسواق» لداود الأنطاكي: «ديارهم».
وإني لأبكي اليوم من حذري غدا ... فراقك والحيّان مجتمعان [1]
سجالا وتهتانا [2] ووبلا وديمة ... وسحّا وتسجاما [3] إلى هملان [4]
سبب ذهاب عقله
أخبرني [5] عمّي عن [عبد اللّه] [6] بن شبيب عن هارون بن موسى الفرويّ عن موسى بن جعفر بن أبي كثير قال: لما قال المجنون:
خليليّ لا واللّه لا أملك الذي ... قضى اللّه في ليلى ولا ما قضى ليا
قضاها لغيري وابتلاني بحبّها ... فهلّا بشيء غير ليلى ابتلانيا
سلب عقله.
وحدّثني جحظة عن ميمون بن هارون عن إسحاق الموصليّ أنه لما قالهما برص.
شعره حين توهم أن صائحا يصيح: يا ليلى
قال موسى بن جعفر في خبره المذكور: وكان المجنون يسير مع أصحابه فسمع صائحا يصيح: يا ليلى في ليلة ظلماء أو توهّم ذلك، فقال لبعض من معه: أما تسمع هذا الصوت؟ فقال: ما سمعت شيئا، قال: بلى، واللّه هاتف يهتف بليلى، ثم أنشأ يقول:
أقول لأدنى صاحبيّ كليمة ... أسرّت من الأقصى أجب ذا المناديا
إذا سرت في الأرض الفضاء رأيتني ... أصانع رحلي [7] أن يميل حياليا
يمينا إذا كانت يمينا وإن تكن ... شمالا ينازعني الهوى عن شماليا
شعر له في منّى وغيرها يرويه غرير بن طلحة
وقال ابن شبيب وحدّثني هارون بن موسى قال: قلت لغرير [8] بن طلحة المخزوميّ: من أشعر الناس ممن
__________
[1] كذا في أغلب الأصول و «الديوان». وفي ت و «تزيين الأسواق»: «مؤتلفان».
[2] يقال: هننت السماء تهتن هتنا وتهتانا أي صبت.
[3] يقال: سجّمت السحابة مطرها تسجيما وتسجاما إذا صبته.
[4] كذا في «الديوان»، والهملان: فيض العين بالدموع. وفي جميع الأصول «و تنهملان».
[5] جاء في صلب نسخة س بعد انتهاء القصيدة وقبل قوله «أخبرني» ما نصه: «الجهش: أن يفزع الإنسان إلى غيره وهو مع ذلك متهىء للبكاء كالصبي يفزع إلى أمه وقد تهيأ للبكاء، يقال: جهش إليه يجهش، وفي الحديث «طال بنا العطش فجهشنا إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم» وكذلك الإجهاش يقال: جهشت بنفسي وأجهشت» ولم نثق بصحة هذه الزيادة حتى نثبتها في الصلب لأنا وجدناها في نسخة م موضوعة في الصلب قبل القصيدة بل قبل البيت الأوّل التي هي شرح لبعض مفرداته ووجدناها بحاشية نسخة أفي صورة شرح لقوله «و أجهشت» ومعزّوة إلى الجوهريّ وهي نص عبارته في كتاب «الصحاح»، والظاهر أن بعض النساخ وجد هذا التعليق على حاشية إحدى نسخ الكتاب فظنه من الأصل وأدخله في الصلب.
[6] زيادة في ت.
[7] كذا في ب، س و «الديوان» والرحل: ما يوضع على البعير للركوب ثم يعبر به عن البعير وهو المراد هنا. وفي أغلب النسخ: «رجلي أن تميل حياليا».
[8] اختلفت النسخ في هذا الأسم فوقع في ب، ح: «عرير» بمهملات وفي س: «جرير» وفي ت: «عزيز» بعين مهملة وزايين وفي م،
قال شعرا في منى ومكة وعرفات؟ فقال: أصحابنا القرشيّون، ولقد أحسن المجنون حيث يقول:
وداع دعا إذ نحن بالخيف من منى ... فهيّج أحزان [1] الفؤاد وما يدري
دعا باسم ليلى غيرها فكأنما ... أطار بليلى طائرا كان في صدري
فقلت له: هل تروي للمجنون غير هذا؟ قال: نعم، وأنشدني له:
أما والذي أرسى ثبيرا مكانه ... عليه السّحاب فوقه يتنصّب [2]
وما سلك الموماة [3] من كلّ جسرة [4] ... طليح [5] كجفن السّيف تهوي فتركب
لقد عشت من ليلى زمانا أحبّها ... أخا الموت إذ بعض المحبين يكذب
/ أخبرني محمد بن مزيد عن حماد [بن إسحاق] [6] عن أبيه قال: كانت كنية ليلى أمّ عمرو، وأنشد للمجنون:
صوت
أبى القلب إلا حبّه عامريّة ... لها كنية عمرو وليس لها عمرو
تكاد يدي تندى إذا ما لمستها ... وينبت في أطرافها الورق الخضر
الغناء لعريب ثقيل أوّل، وقال حبش: فيه لإسحاق خفيف ثقيل.
خطبة ليلى برجل من ثقيف وما قاله المجنون في ذلك من الشعر
أخبرني هاشم [بن محمد] [6] الخزاعيّ عن دماذ [7] عن أبي عبيدة قال: خطب ليلى صاحبة المجنون جماعة من قومها فكرهتهم، فخطبها رجل من ثقيف موسر فرضيته، وكان جميلا فتزوّجها وخرج بها، فقال المجنون في ذلك:
ألا إنّ ليلى كالمنيحة [8] أصبحت ... تقطّع إلا من ثقيف حبالها
__________
- ء، أ: «شرير» بشين معجمة وراءين وقد اعتمدنا فيما أثبتناه بالصلب على ما جاء في «تاج العروس» حيث ذكر في مادة «غرر» من يسمون بغرير كزبير وعدّ منهم غرير بن طلحة القرشيّ.
وجاء هذا الاسم في الجزء الثالث عشر من «الأغاني» ص 117 طبع بولاق هكذا «غرير بن طلحة» بغين معجمة ثم مهملتين وجاء في «تاج العروس» في مادة رقم بعد ذكر أبي عبد اللّه الأرقم المخزومي ما نصه: «و من ولده عزيز بن طلحة بن عبد اللّه بن عثمان بن الأرقم» والظاهر أنه هو غرير بن طلحة وإنما وقعت نقطة الغين على الراء.
وفي كتاب «الأنساب» للسمعاني في اسم «الأرقمي»: «و المشهور بهذه النسبة عزيز بن طلحة بن عبد اللّه بن الأرقم من أهل مكة» هكذا بعين مهملة وزايين معجمتين والظاهر أنه «غرير» حتى يوافق ما ذكره صاحب «تاج العروس» في مادة غرر.
[1] كذا في أغلب الأصول و «ديوانه» و «كتاب الشعر والشعراء». وفي ت: «أطراب» وهو ما اتفقت عليه الأصول فيما تقدّم بصحيفة 22 من هذا الجزء.
[2] يتنصّب: يرتفع.
[3] كذا في أغلب الأصول. وفي ت: «البوباة» بالباء وكلاهما صحيح فإن الموماة والبوباة معناهما واحد وهو الفلاة.
[4] يقال: ناقة جسرة ومتجاسرة: ماضية في سيرها. وفي ت «نضوة» وهي التي هزلها السير.
[5] يقال: ناقة طليح إذا جهدها السير وهزلها.
[6] زيادة في ت.
[7] في ت: «قال حدّثنا أبو غسان دماذ». وأبو غسان كنية دماذ. انظر صحيفة 153 حاشية رقم 1 من الجزء الأوّل من «الأغاني».
[8] المنيحة في الأصل: الشاة أو الناقة يعطيها صاحبها رجلا يشرب لبنها ثم يردّها إذا انقطع اللبن، ثم كثر استعمالها في كل موهوب.
وفي ت «العامرية» بدل «كالمنيحة».
فقد حبسوها محبس البدن وابتغى ... بها الريح أقوام تساحت [1] مالها
خليليّ هل من حيلة تعلمانها ... يدنّي لنا تكليم ليلى احتيالها
فإن أنتما لم تعلماها فلستما ... بأول باغ حاجة لا ينالها
كأنّ مع الركب الذين اغتدوا بها ... غمامة صيف زعزعتها شمالها
/ نظرت بمفضى سيل جوشن [2] إذ غدوا [3] ... تخبّ بأطراف المخارم [4] آلها
بشافية [5] الأحزان هيّج شوقها ... مجامعة الألّاف ثم زيالها
إذا التفتت من خلفها وهي تعتلي ... بها العيس جلّى عبرة العين حالها
أخبرني عليّ بن سليمان الأخفش قال أنشدني أحمد بن يحيى ثعلب عن أبي نصر أحمد بن حاتم قال:
وأنشدناه المبرّد للمجنون فقال:
صوت
وأحبس عنك النفس والنفس صبّة ... بذكراك والممشى أليك قريب
مخافة أن تسعى الوشاة بظنّة ... وأحرسكم أن يستريب مريب
فقد جعلت نفسي - وأنت اجترمته ... وكنت أعزّ الناس - عنك تطيب
فلو شئت لم أغضب عليك ولم يزل ... لك الدهر منّي ما حييت نصيب
أما والذي يبلو [6] السرائر كلّها ... ويعلم ما تبدي به وتغيب
لقد كنت ممن تصطفي النفس [7] خلّة ... لها دون خلّان الصّفاء حجوب
/ ذكر يحيى المكّيّ أنه لابن سريح ثقيل أوّل، وقال الهشاميّ: إنه من منحول يحيى إليه.
__________
[1] كذا في أغلب الأصول يقال أسحت ماله: استأصله وأفسده، ومال مسحوت ومسحت أي مذهب. وأسحنت تجارته: خبثت وحرمت، ولم نجد في «كتب اللغة» «تساحت» على وزن تفاعل من هذه المادة وفي ت و «تزيين الأسواق» «ألا قلّ مالها» وهكذا جاءت في جميع النسخ كما تقدم في ص 47 من هذا الجزء.
[2] كذا في أغلب النسخ، ولم نجد في بلاد العرب ما يسمى جوشن ألا جبلا في غربيّ حلب. وفي ت: «جوشين» وهو مثنى جوش وهو جبل في بلاد بني القين بين أذرعات والبادية، وثنى مع جبل آخر لهم يقال له «جدد» فيقال: جوشان، قال البعيث:
تجاوزن من جوشين كلّ مفازة ... وهنّ سوام في الأزمة كالإجل
[3] كذا في نسختي ب، س. وفي باقي النسخ: «و الضحى».
[4] كذا في ت «المخارم» بالراء المهملة: جمع مخرم وهو الطريق في الجبل أو الرمل. وفي بقية النسخ: «المخادم» بالدال المهملة ولم نجد له معنى مناسبا.
[5] في ت و «تزيين الأسواق»: «بمنهلة الأجفان».
[6] كذا في ت و «الديوان». وفي سائر النسخ: «يبلى السرائر».
[7] كذا في ت و «الديوان». وفي باقي النسخ: «يصطفي الناس».
خبر أبي الحسن الببغاء والمرأة التي أحبت صديقا له من قريش
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثني الحسن [1] بن محمد بن طالب الدّيناري قال حدّثني إسحاق الموصليّ، وأخبرني به محمد بن مزيد والحسين بن يحيى عن حمّاد بن إسحاق عن أبيه قال حدّثني سعيد بن سليمان عن أبي الحسن الببّغاء قال:
بينا أنا وصديق لي من قريش نمشي بالبلاط [2] ليلا، إذا بظلّ نسوة في القمر، فسمعت إحداهنّ تقول: أهو هو؟ فقالت لها أخرى [3] معها: أي واللّه إنه لهو هو! فدنت منّي ثم قالت: يا كهل، قل لهذا الذي معك:
ليست لياليك في خاخ [4] بعائدة ... كما عهدت ولا أيام ذي سلم
فقلت: أجب فقد سمعت، فقال: قد واللّه قطع بي وأرتج عليّ فأجب عنّي، فقلت [5]:
فقلت لها يا عزّ كلّ مصيبة ... إذا وطّنت يوما لها النفس ذلّت
ثم مضينا حتى إذا كنا بمفرق طريقين مضى الفتى إلى منزله ومضيت إلى منزلي، فإذا أنا بجويرية تجذب ردائي فالتفتّ، فقالت لي: المرأة التي كلمتها تدعوك، فمضيت معها حتى دخلت دارا واسعة ثم صرت إلى بيت فيه حصير، وقد ثنت لي وسادة فجلست عليها، ثم جاءت جارية بوسادة مثنية فطرحتها، ثم جاءت المرأة فجلست حصير، وقد ثنت لي وسادة فجلست عليها، ثم جاءت جارية بوسادة مثنية فطرحتها، ثم جاءت المرأة فجلست عليها، فقالت لي: أنت المجيب؟ قلت: نعم، قالت: ما كان أفظّ لجوابك/ وأغلظه! فقلت لها: ما حضرني غيره، فسكتت، ثم قالت: لا، واللّه ما خلق اللّه خلقا أحبّ إليّ من إنسان كان معك! فقلت لها: أنا الضامن لك عنه ما تحبّين، فقالت: هيهات أن يقع بذلك وفاء، فقلت: أنا الضامن وعليّ أن آتيك به في الليلة القابلة فانصرفت، فإذا الفتى ببابي، فقلت: ما جاء بك؟ قال: ظننت أنها سترسل إليك وسألت عنك فلم أعرف لك خبرا، فظننت أنك عندها، فجلست أنتظرك، فقلت له: وقد كان الذي ظننت، وقد وعدتها أن آتيك فأمضي بك إليها في الليلة المقبلة، فلما أصبحنا تهيأنا وانتظرنا المساء، فلما جاء الليل رحلنا إليها، فإذا الجارية منتظرة لنا، فمضت أمامنا حين رأتنا حتى دخلت تلك الدار ودخلنا معها، فإذا رائحة طيبة ومجلس قد أعدّ ونضّد، فجلسنا على وسائد قد ثنيت [لنا] [6]، وجلست مليا ثم أقبلت عليه فعاتبته مليّا ثم قالت:
صوت
وأنت الذي أخلفتني ما وعدتني ... وأشمتّ بي من كان فيك يلوم
وأبرزتني للناس ثم تركتني ... لهم غرضا أرمى وأنت سليم
__________
[1] كذا في أغلب النسخ وفي ت، ح «الحسين بن محمد».
[2] البلاط: ضرب من الحجارة تفرش به الأرض ثم سمي المكان بلاطا اتساعا، وهو معروف بالمدينة وقد تكرر ذكره في الأحاديث.
انظر «النهاية» لابن الأثير في مادّة «بلط».
[3] كذا في ت بالتنكير. وفي باقي النسخ: «الأخرى».
[4] كذا في ب، س. وفي سائر النسخ: «جمع» وجمع هو المزدلفة.
[5] هذه الكلمة ساقطة من ب، س.
[6] زيارة في ت
فلو كان قول يكلم الجلد قد بدا ... بجلدي من قول الوشاة كلوم
هذه الأبيات لأميمة [1] امرأة ابن الدّمينة، وفيها غناء لإبراهيم الموصليّ ذكره إسحاق ولم يجنّسه. وقال الهشاميّ: هو خفيف رمل. وفيه لعريب خفيف ثقيل أوّل ينسب إلى حكم الوادي وإلى يعقوب. قال: ثم سكتت وسكت الفتى هنيهة ثم قال:
غدرت ولم أغدر وخنت ولم أخن ... وفي بعض هذا للمحبّ عزاء
جزيتك ضعف الودّ ثم صرمتني ... فحّبك من قلبي إليك أداء
/ فالتفتت إليّ فقالت: ألا تسمع ما يقول! قد خبرتك، فغمزته أن كفّ فكفّ، ثم أقبلت عليه وقالت:
صوت
تجاهلت وصلي حين جدّت [2] عمايتي ... فهلا صرمت الحبل إذ أنا أبصر
ولي من قوى الحبل الذي قد قطعته ... نصيب وإذ رأيي جميع موفّر
ولكنما آذنت بالصّرم بغتة ... ولست على مثل الذي جئت أقدر
- الغناء لإبراهيم ثقيل أوّل بالوسطى عن عمرو - فقال:
لقد جعلت نفسي - وأنت اجترمته ... وكنت أعزّ الناس - عنك تطيب
قال: فبكت، ثم قالت: أو قد طابت نفسك! لا، واللّه ما فيك بعدها خير، ثم التفتت إليّ وقالت: قد علمت أنك لا تفي بضمانك ولا يفي به عنك. وهذا البيت الأخير للمجنون، وإنما ذكر هذا الخبر هنا وليس من أخبار المجنون لذكره فيه.
رجع الخبر إلى سياقة أخبار المجنون
رأى المجنون أبيات أهل ليلى فقال شعرا
أخبرني عمّي قال حدّثنا الكرانيّ عن العمري عن الهيثم بن عديّ أن رهط المجنون اجتازوا في نجعة [3] لهم بحيّ ليلى، وقد جمعتهم نجعة فرأى أبيات أهل ليلى ولم يقدم [4] على الإلمام بهم وعدل أهله إلى جهة أخرى، فقال المجنون:
لعمرك إنّ البيت بالقبل [5] الذي ... مررت ولم ألمم عليه لشائق
__________
[1] كذا في ت «لأميمة» وهو الموافق لما سيأتي في ترجمة ابن الدمينة في ج 15 ص 151 «أغاني» طبع بولاق. وفي باقي النسخ:
«لآمنة» وهو تحريف.
[2] كذا في جميع النسخ، يقال: جدّ به الأمر أي اشتد. وفي ت: «لجت» وهو من لجّ به الشي ء: لزمه وأبى أن ينصرف عنه.
[3] النجعة عند العرب: الذهاب في طلب الكلا والعشب في موضعه.
[4] كذا في أغلب النسخ. وفي ت: «يقدر».
[5] القبل: الناحية. وفي ت: «بالظاهر الذي» والظاهر يطلق على المكان المرتفع، فيقال: ظواهر الأرض أي أشرافها وأعاليها.
وبالجزع [1] من أعلى الجنيبة [2] منزل ... شجا حزن صدري به متضايق
كأني إذا لم ألق ليلى معلّق ... بسبّين [3] أهفوا [4] بين سهل وحالق [5]
على أنني لو شئت هاجت صبابتي ... عليّ رسوم عيّ فيها التّناطق
لعمرك إن الحبّ يا أمّ مالك ... بقلبي براني اللّه منه للاصق
يضمّ عليّ الليل أطراف حبّكم ... كما ضمّ أطراف القميص البنائق
صوت
وماذا عسى الواشون أن يتحدّثوا ... سوى أن يقولوا إنني لك عاشق
نعم صدق الواشون إنت حبيبة ... إليّ وإن لم تصف منك الخلائق
الغناء لمتيّم ثقيل أوّل من جامعها. وفيه لدعامة رمل عن حبش.
حديث ليلى جارة لها من عقيل
أخبرني أحمد بن جعفر جحظة قال حدّثني أحمد بن الطّيّب قال قال ابن الكلبيّ: دخلت ليلى على جارة لها من عقيل وفي يدها مسواك تستاك به، فتنفّست ثم قالت: سقى اللّه من أهدى لي هذا/ المسواك؛ فقالت لها جارتها:
من هو [6]؟ قالت: قيس بن الملوّح، وبكت ثم نزعت ثيابها تغتسل؛ فقالت: ويحه! لقد/ علق منّى ما أهلكه من غير أن أستحقّ ذلك، فنشدتك اللّه، أصدق في صفتي أم كذب؟ فقالت: لا واللّه، بل صدق؛ قال: وبلغ المجنون قولها فبكى ثم أنشأ يقول:
نبئت ليلى وقد كنّا نبخّلها ... قالت سقى المزن [7] غيثا منزلا خربا
وحبّذا راكب كنّا نهشّ به ... يهدي لنا من أراك الموسم القضبا
قالت لجارتها يوما تسائلها ... لمّا استحمّت وألقت عندها السّلبا [8]
يا عمرك اللّه ألّا [9] قلت صادقة ... أصدقت صفة المجنون أم كذبا
ويروى: «نشدتك اللّه» ويروى: «أ صادقا وصف المجنون أم كذبا».
__________
[1] الجزع: منعرج الوادي ومنعطفه.
[2] كذا في أغلب النسخ. وفي ت: «الجنينة» وفي ياقوت الجنينة: روضة نجدية بين ضريّة وحزن بني يربوع وأنها صحراء باليمامة أيضا. ولم نجد الجنية اسما لموضع خاص ولعله تصغير جنبة بمعنى الناحية.
[3] السب: الحبل كالسبب أي يذهب في الهواء.
[4] أهفو: أذهب في الهواء.
[5] الحالق: الجبل المرتفع وفي هذا البيت إقواء وهو اختلاف حركة الرويّ.
[6] كذا في ت. وفي أغلب النسخ: «و من» بالواو.
[7] في ت: «سقى اللّه منه منزلا جدبا». وفي «تزيين الأسواق»: «قالت سقى اللّه منه منزلا خربا».
[8] السّلب: كلّ ما على الإنسان من الثياب.
[9] ألّا هنا للتحضيض بمعنى هلّا.
سمع المجنون بخروج ليلى مع زوجها فقال شعرا
وقال أبو نصر في أخباره: لما زوّجت ليلى بالرجل الثقفيّ سمع المجنون رجلا من قومها يقول لآخر: أنت ممن يشيّع ليلى؟ قال: ومتى تخرج؟ قال: غدا، ضحوة أو الليلة، فبكى [المجنون] [1] ثم قال:
صوت
كأنّ القلب ليلة قيل يغدى ... بليلى العامريّة أو يراح
قطاة عزّها شرك فباتت ... تجاذبه وقد علق الجناح
الغناء ليحيى المكيّ خفيف ثقيل بالوسطى عن عمرو، وفيه رمل ينسب إلى إبراهيم وإلى أحمد بن يحيى المكيّ؛ وقال حبش: فيه خفيف ثقيل [بالوسطى] [1] لسليم.
وعظه رجل من بني عامر فأنشده شعرا
وقال الهيثم بن عديّ في خبره. حدّثني عبد اللّه بن عيّاش الهمدانيّ [2] قال حدّثني رجل من بني عامر قال:
مطرنا مطرا شديدا في ربيع ارتبعناه، ودام المطر ثلاثا ثم أصبحنا في اليوم الرابع على صحو وخرج الناس يمشون على الوادي، فرأيت رجلا جالسا حجرة [3] وحده فقصدته، فإذا هو المجنون جالس وحده يبكي فوعظته وكلّمته طويلا وهو ساكت لم يرفع رأسه إليّ، ثم أنشدني بصوت حزين لا أنساه أبدا وحرقته.
صوت
جرى السّيل [4] فاستبكاني السيل إذ جرى ... وفاضت له من مقلتيّ غروب [5]
وما ذاك إلا حين أيقنت أنه ... يكون بواد أنت فيه [6] قريب
يكون أجاجا دونكم فإذا انتهى ... إليكم تلقّى طيبكم فيطيب
أظلّ غريب الدار في أرض عامر ... ألا كلّ مهجور هناك غريب
وإن الكثيب الفرد من أيمن الحمى ... إليّ وإن لم آته لحبيب
فلا خير في الدنيا إذا أنت لم تزر ... حبيبا ولم يطرب إليك حبيب
وأوّل هذه القصيدة - وفيه أيضا غناء - :
__________
[1] زيادة في ت.
[2] كذا في أغلب النسخ. وفي ت: «عبد اللّه بن عباس الهذليّ».
[3] حجرة: ناحية.
[4] كذا في أغلب النسخ. وفي ب، س، ح: «جرى الدمع فاستبكاني السيل» وهو تحريف.
[5] الغروب: جمع غرب وهو الدمع.
[6] في ت و «تزيين الأسواق»: «منه».
صوت
ألا أيّها البيت الذي لا أزوره ... وهجرانه منّى إليه ذنوب
هجرتك مشتاقا وزرتك خائفا ... وفيك عليّ الدهر منك [1] رقيب
/ سأستعطف الأيام فيك لعلّها ... بيوم سرور في هواك تثيب
/ هذه الأبيات في شعر محمد بن أميّة مروية [2]، ورويت ها هنا للمجنون [في هذه القصيدة] [3]. وفيها لعريب ثقيل أوّل. ولعبد اللّه بن العباس ثاني ثقيل. ولأحمد بن المكيّ خفيف ثقيل:
وأفردت إفراد الطريد وباعدت ... إلى النفس حاجات وهنّ قريب
لئن حال يأس [4] دون ليلى لربّما ... أتى اليأس دون الأمر فهو عصيب [5]
ومنّيتني حتى إذا ما رأيتني ... على شرف للناظرين يريب
صددت وأشمتّ العدوّ بصرمنا ... أثابك يا ليلى الجزاء مثيب
لقاؤه في توحشه ليلى فجأة وشعره في ذلك
أخبرني هاشم بن محمد الخزاعيّ قال حدّثنا محمد بن زكريا الغلّابيّ قال حدّثنا مهديّ بن سابق قال حدّثنا بعض مشايخ بني عامر أن المجنون مرّ في توحّشه فصادف حيّ ليلى راحلا ولقيها فجأة فعرفها وعرفته فصعق وخرّ مغشيّا على وجهه، وأقبل فتيان من حيّ ليلى فأخذوه ومسحوا التراب عن وجهه، وأسندوه إلى صدورهم وسألوا ليلى أن تقف له وقفة، فرقّت لما رأته به، وقالت: أمّا هذا فلا يجوز أن أفتضح به، ولكن يا فلانة - لأمة لها - اذهبي إلى قيس فقولي له: ليلى تقرأ عليك السلام، وتقول لك: أعزز عليّ بما أنت فيه، ولو وجدت سبيلا إلى شفاء دائك لوقيتك بنفسي منه، فمضت الوليدة إليه وأخبرته بقولها، فأفاق وجلس وقال: أبلغيها/ السلام وقولي لها هيهات! إنّ دائي ودوائي أنت، وإنّ حياتي ووفاتي لفي يديك، ولقد وكّلت بي شقاء لازما وبلاء طويلا. ثم بكى وأنشأ يقول:
أقول لأصحابي هي الشمس ضوءها ... قريب ولكن في تناولها بعد
لقد عارضتنا [6] الريح منها بنفحة ... على كبدي من طيب أرواحها برد
فما زلت مغشيّا عليّ وقد مضت ... أناة [7] وما عندي جواب ولا ردّ
__________
[1] كذا في ت و «تزيين الأسواق». وفي باقي النسخ: «و فيّ عليك الدهر منك رقيب».
[2] كذا وقعت هذه العبارة في أغلب النسخ. وفي ت ما نصه: «هذان البيتان الأوّلان في شعر محمد بن أميّة مدوّنان». وقد رجح صاحب «تزيين الأسواق»: أنّ البيت الأوّل للمجنون وأن الثاني والثالث ليسا له.
[3] زيادة في ت.
[4] كذا في أغلب النسخ. وفي ت و «تزيين الأسواق»: «لئن حال واش».
[5] كذا في «تزيين الأسواق». وقد ورد في جميع الأصول: «أتى اليأس دون الأمر وهو قريب» وبهذه الرواية يكون فيه الإيطاء وهو تكرير القافية مع اتحاد المعنى.
[6] كذا في أغلب النسخ. وفي ت:
لقد عارضتنا ريح ليلى بنفحة
[7] أناة: انتظار.
أقلّب بالأيدي وأهلي بعولة [1] ... يفدّونني لو يستطيعون أن يفدوا
ولم يبق إلا الجلد والعظم عاريا ... ولا عظم لي إن دام ما بي ولا جلد
أدنياي مالي في انقطاعي وغربتي [2] ... إليك ثواب منك دين ولا نقد
عديني - بنفسي أنت - وعدا فربّما ... جلا كربة المكروب عن قلبه الوعد
وقد يبتلى قوم ولا كبلّيتي ... ولا مثل جدّي [3] في الشقاء بكم جدّ
غزتني جنود الحبّ من كلّ جانب ... إذا حان من جند قفول [4] أتى جند
وقال أبو نصر أحمد بن حاتم: كان أبو عمرو المدنيّ [5] يقول قال نوفل بن مساحق: أخبرت عن المجنون أن سبب توحّشه أنه كان يوما بضريّة جالسا وحده إذ ناداه مناد من الجبل:
كلانا يا أخيّ يحبّ ليلى ... بفيّ وفيك من ليلى التراب
/ لقد خبلت فؤادك ثم ثنّت ... بقلبي فهو مهموم مصاب
شركتك في هوى من ليس تبدي ... لنا الأيام منه سوى اجتناب [6]
خبر نوفل بن مساحق مع المجنون
قال: فتنفّس الصّعداء وغشي عليه، وكان هذا سبب توحّشه فلم ير له أثر حتى وجده نوفل/ بن مساحق.
قال نوفل: قدمت البادية فسألت عنه، فقيل لي: توحّش وما لنا به عهد ولا ندري إلى أين صار، فخرجت يوما أتصيّد الأروى [7]، ومعي جماعة من أصحابي، حتى إذا كنت بناحية الحمى إذا نحن بأراكة [8] عظيمة قد بدا منها قطيع من الظباء، فيها شخص إنسان يرى من خلل تلك الأراكة، فعجب أصحابي من ذلك، فعرفته وأتيته وعرفت أنه المجنون الذي أخبرت عنه، فنزلت عن دابتي وتخفّفت من [9] ثيابي وخرجت أمشي رويدا حتى أتيت الأراكة فارتقيت حتى صرت على أعلاها وأشرفت عليه وعلى الظباء؛ فإذا به وقد تدلّى الشعر على وجهه، فلم أكد أعرفه إلا بتأمّل [10] شديد، وهو يرتعي في ثمر تلك الأراكة، فرفع رأسه فتمثّلت ببيت من شعره:
__________
[1] العولة كالعول: رفع الصوت بالبكاء.
[2] كذا في ت و «تزيين الأسواق». وفي سائر النسخ: «و رغبتي».
[3] الجدّ بالفتح: الحظ والنصيب.
[4] القفول: رجوع الجند بعد الغزو.
[5] كذا في أغلب الأصول. وفي ت: «قال ابن عمرو المرّي».
[6] كذا في جميع النسخ. وفيه إقواء وهو اختلاف حركة الرويّ بالرفع أو الجرّ. وقد تقدم البيتان الأوّلان في ص 7 من هذا الجزء وثالثهما هكذا:
شركك في هوى من كان حظي ... وحظّك من مودتها العذاب
[7] الأروى: الوعول وهي تيوس الجبل واحده أروية.
[8] الأراكة: واحدة الأراك وهو شجر كثير الورق والأغصان ينبت بالغور تتخذ منه المساويك. انظر «اللسان» مادة أرك.
[9] أي نزعت شيئا منها.
[10] في ت: «إلا بعد تأمل شديد».
أتبكي على ليلى [1] ونفسك باعدت ... مزارك من ليلى وشعباكما معا
قال: فنفرت الظباء، واندفع في باقي القصيدة ينشدها، فما أنسى حسن نغمته وحسن صوته وهو يقول:
فما حسن أن تأتي الأمر طائعا ... وتجزع أن داعي الصبابة أسمعا
بكت عيني اليسرى فلما زجرتها ... عن الجهل بعد الحلم اسبلتا معا
وأذكر أيام الحمى ثم أنثني ... على كبدي من خشية أن تصدّعا
فليست عشيّات الحمى برواجع ... عليك [2] ولكن خلّ عينيك تدمعا [3]
معي كلّ غرّ قد عصى عاذلاته ... بوصل الغواني من لدن أن ترعرعا
إذا راح يمشي في الرداءين أسرعت ... إليه العيون الناظرات التطلّعا
قال: ثم سقط مغشيا عليه، فتمثّلت بقوله:
يا دار ليلى بسقط [4] الحيّ قد درست ... إلا الثّمام [5] وإلا موقد النّار
ما تفتأ الدهر من ليلى تموت كذا ... في موقف وقفته أو على دار
أبلى عظامك بعد اللحم ذكركها ... كما ينحّت [1] قدح [7] الشّوحط الباري
فرفع رأسه إليّ وقال: من أنت حيّاك اللّه؟ فقلت: أنا نوفل بن مساحق، فحيّاني فقلت له: ما أحدثت بعدي في يأسك منها؟ فأنشدني يقول:
ألا حجبت ليلى وآلى أميرها ... عليّ يمينا جاهدا لا أزورها
وأوعدني فيها رجال أبوهم ... أبي وأبوها خشّنت لي صدورها
على غير جرم غير أني أحبّها ... وأنّ فؤادي رهنها وأسيرها
قال: ثم سنحت له ظباء فقام يعدو في أثرها حتى لحقها فمضى معها.
حدّثني الحسن بن عليّ قال حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد قال حدّثني علي بن الصّبّاح عن ابن الكلبيّ
__________
[1] كذا في جميع الأصول. وفي ترجمة الصمة القشيريّ في ج 5 ص 133 «أغاني» طبع بولاق: «حننت إلى ريا».
[2] كذا في أغلب النسخ و «ديوان الحماسة». وفي «تزيين الأسواق»: «إليك».
[3] هذا البيت والأبيات الأربعة قبله أوردها المؤلف على هذا الترتيب في ترجمة الصمة القشيري على أنها الصّمة ثم قال: وهذه الأبيات تروى لقيس بن ذريح ويروى بعضها للمجنون، والصحيح في البيتين الأوّلين أنهما لقيس بن ذريح وروايتهما أثبت وقد تواترت الروايات بأنهما له من عدّة طرق، والأخر مشكوك فيها أهي للمجنون أم للصمة. وأورد أبو عليّ القالي هذه الأبيات الخمسة في جملة أبيات نسبها إلى الصمة القشيري. انظر ج 1 ص 190 «أمالي القالي» طبع دار الكتب المصرية.
[4] السقط مثلث السين: حيث انقطع معظم الرمل ورقّ.
[5] الثمام: نبت في البادية، كان العرب يسدّون به خصاص البيوت، وهو من النبات الذي لا يطول، ولهذا كانوا يقولون للشيء الذي لا يعسر تناوله: «هو على طرف الثمام».
[6] كذا في جميع الأصول، ولم نجد في «كتب اللغة» التي بأيدينا «نحّت» هكذا مضعفا من هذه المادة، ولعلها ينجّب، يقال: نجّب الشجرة والعود إذا قشر ما عليهما من اللحاء.
[7] القدح: السهم. والشوحط: ضرب من النبع تتخذ منه القسيّ، وهو من أشجار الجبال.
قال: لما قال مجنون بني عامر:
قضاها لغيري وابتلاني بحبّها ... فهلّا بشيء غير ليلى ابتلانيا
نودي في الليل: أنت المتسخّط لقضاء اللّه والمعترض في أحكامه! واختلس عقله فتوحّش/ منذ تلك الليلة وذهب مع الوحش على وجهه. وهذه القصيدة التي قال فيها هذا البيت من أشهر أشعاره، والصوت المذكور بذكره أخبار المجنون ها هنا منها. وفيها أيضا عدّة أبيات يغنّى فيها، فمن ذلك:
صوت
قصيدته اليائية
أعدّ الليالي ليلة بعد ليلة ... وقد عشت دهرا لا أعدّ اللّياليا
أراني إذا صلّيت يمّمت نحوها ... بوجهي وإن كان المصلّى ورائيا
وما بي إشراك ولكنّ حبّها ... كعود [1] الشجا أعيا الطبيب المداويا
أحبّ من الأسماء ما وافق اسمها ... وأشبهه أو كان منه مدانيا
في هذه الأبيات هزج خفيف لمعان [2] معزفي:
صوت
وخبّرتماني أنّ تيماء منزل ... لليلى إذا ما الصيف القى المراسيا
فهذي شهور الصّيف عنّي [3] قد انقضت ... فما للنّوى ترمي بليلى المراميا
في هذين البيتين لحن من الرمل صنعته عجوز عمير الباذغيسي [4] على لحن إسحاق:
أماويّ إنّ المال غاد ورائح
وله حديث قد ذكر في أخبار إسحاق. وهذا اللحن إلى الآن يغنّى، لأنه أشهر في أيدي الناس، وإنما هو لحن إسحاق أخذ فجعل على هذه الأبيات وكيد بذلك:
صوت
فلو كان واش باليمامة بيته ... وداري بأعلى حضرموت اهتدى [5] ليا
__________
[1] في ت: «كمثل».
[2] كذا في ب، س، ح، وفي باقي النسخ هكذا: «لمان» بدون عين بعد اللام، ولم نهتد إلى تصحيح هذه الكلمة والتي بعدها.
[3] في ت و «تزيين الأسواق»: و «الديوان» «عنّا».
[4] نسبة إلى «باذغيس». بالغين المعجمة وهي ناحية تشتمل على قرى من أعمال هراة ومرو الروذ. انظر «معجم ياقوت».
[5] كذا في جميع الأصول. والنحويون يروونه كما جاء في «ديوانه» هكذا:
ولو أن واش باليمامة داره ... وداري بأعلى حضرموت اهتدى ليا
ويستشهدون به على أن من العرب من يسكن الياء من الاسم المنقوص في حالة النصب. انظر «شرح الأشموني» في باب المعرب والمبني.
وماذا لهم - لا أحسن اللّه حالهم [1] - من الحظّ تصريم ليلى حباليا
فأنت التي [2] إن شئت أشقيت عيشتي ... وإن شئت بعد اللّه أنعمت باليا
وأنت التي ما من صديق ولا عدا ... يرى نضو [3] ما أبقيت إلا رثى ليا
/ أمضروبة ليلى على أن أزورها ... ومتّخذ ذنبا لها أن ترانيا
إذا سرت في الأرض الفضاء رأيتني ... أصانع رحلي [4] أن يميل حياليا
يمينا إذا كانت يمينا وإن تكن ... شمالا ينازعني الهوى عن شماليا
أحبّ من الأسماء ما وافق اسمها ... وأشبهه أو كان منه مدانيا
هي السحر إلا أنّ للسحر رقية ... وإنّي لا ألفي لها الدهر راقيا
وأنشد أبو نصر للمجنون وفيه غناء:
صوت
تكاد يدي تندى إذا ما لمستها ... وينبت في أطرافها الورق الخضر
أبى القلب إلا حبّها [5] عامريّة ... لها كنية عمرو وليس لها عمرو
الغناء لعريب ثقيل أوّل، وذكر الهشاميّ أن فيه لإسحاق خفيف ثقيل.
رثاؤه لأبيه
أخبرني محمد/ بن مزيد بن أبي الأزهر قال حدّثنا حماد بن إسحاق عن أبيه عن الهيثم بن عديّ قال:
أنشدني جماعة من بني عقيل للمجنون يرثي أباه، ومات قبل اختلاطه وتوحّشه، فعقر على قبره ورثاه بهذه الأبيات:
عقرت على قبر الملوّح ناقتي ... بذي السّرح لمّا أن جفته [6] أقاربه
وقلت لها كوني عقيرا فإنّني ... غداة غد ماش بالأمس راكبه
/ فلا يبعدنك اللّه يا بن مزاحم ... وكلّ امرىء للموت [7] لا بدّ شاربه
__________
[1] كذا في «الديوان» و «تزيين الأسواق». وفي جميع النسخ: «حفظهم».
[2] كذا في ت و «الديوان» و «تزيين الأسواق»، وفي باقي النسخ: «الذي» وهو تحريف.
[3] أصل النضو: المهزول من الدواب ويطلق على المبلى من الثياب وقد يستعمل في الإنسان. ويريد الشاعر هنا جسمه الذي أضناه الحبّ وأبلاه.
[4] كذا في «الديوان» و «تزيين الأسواق». وفي جميع النسخ «أصانع رجلي أن تميل حياليا». وانظر فيما تقدّم ص 54 حاشية رقم 3 من هذا الجزء.
[5] كذا في أغلب النسخ. وفي ت: «حبة».
[6] كذا في أغلب النسخ. وفي ت: «جفاه» وكلاهما صحيح.
[7] كذا في ت. وفي سائر النسخ: «فالموت».
فقد كنت طلّاع [1] النّجاد ومعطى ال ... جياد وسيفا لا تفلّ مضاربه
وعظه رجل من بني جعدة فقال شعرا
أخبرني حبيب بن نصر المهلبيّ قال حدّثنا عبد اللّه بن شبيب عن الحزاميّ عن محمد بن معن قال: بلغني أنّ رجلا من بني جعدة بن كعب كان أخا وخلّا للمجنون، مرّ به يوما وهو جالس يخطّ في الأرض ويعبث بالحصى، فسلّم عليه وجلس عنده فأقبل يخاطبه ويعظه ويسلّيه، وهو ينظر إليه ويلعب [2] بيده كما كان وهو مفكّر قد غمره ما هو فيه، فلما طال خطابه إياه قال: يا أخي، أما لكلامي جواب؟ فقال له: واللّه يا أخي ما علمت أنك تكلّمني فاعذرني، فإني كما ترى مذهوب العقل [3] مشترك اللّبّ وبكى، ثم أنشأ يقول:
صوت
وشغلت عن فهم الحديث سوى ... ما كان منك فإنه شغلي
وأديم لحظ محدّثي ليرى ... أن قد فهمت وعندكم عقلي
شعره في حمام يتجاوب
الغناء لعلّوية. وقال الهيثم: مرّ المجنون بواد في أيام الربيع وحمامه يتجاوب فأنشأ يقول:
صوت
ألا يا حمام الإيك ما لك باكيا ... أفارقت إلفا أم جفاك حبيب
دعاك الهوى والشوق لما ترنّمت ... هتوف [4] الضحى بين الغصون طروب
تجاوب ورقا قد أذنّ [5] لصوتها ... فكلّ لكلّ مسعد [6] ومجيب
الغناء لرذاذ [7] ثقيل أوّل مطلق في مجرى الوسطى:
__________
[1] يقال: فلان طلّاع الثنايا وطلّاع أنجد إذا كان يعلو الأمور فيقهرها بمعرفته وتجاربه وجودة رأيه. والنجاد والأنجد: جمع نجد وهو الطريق في الجبل، وكذلك الثنية.
[2] كذا في أغلب النسخ. وفي ت: «و يعبث».
[3] كذا في أغلب النسخ. وفي ت، ح: «مذهوب بي».
[4] هتفت الحمامة هتفا: ناحت، فهي هتوف.
[5] أي استمعن لصوتها وأصغين إليه.
[6] من أسعدت المرأة المرأة إذا ساعدتها بالنياحة في مصيبتها. وكانت النساء في الجاهلية إذا أصيبت إحداهنّ بمصيبة فيمن يعزّ عليها بكت حولا وأسعدها على ذلك جاراتها وذوات قرابتها، فإذا أصيبت صواحباتها بعد ذلك بمصيبة أسعدتهنّ. وفي الحديث: «لا إسعاد ولا عقر في الإسلام».
[7] كذا وقع هنا هذا الاسم في ح بالذال المعجمة وهو الموافق لما اتفقت عليه النسخ فيما تقدّم بالجزء الأوّل ص 96 و100 وفي سائر النسخ لرداد بالدال المهملة.
خروج زوج ليلى وأبيها إلى مكة واختلاف المجنون إليها
قال خالد بن حمل [1]: حدّثني رجال من بني عامر أنّ زوج ليلى وأباها خرجا في أمر طرق الحيّ إلى مكة، فأرسلت ليلى بأمة لها إلى المجنون فدعته فأقام عندها ليلة فأخرجته في السّحر، وقالت له: سر [2] إليّ في كلّ ليلة ما دام القوم سفرا [3]، فكان يختلف إليها حتى قدموا. وقال فيها في آخر ليلة لقيها وودّعته:
تمتّع بليلى إنما أنت هامة [4] ... من الهام يدنو كلّ يوم حمامها
تمتّع إلى أن يرجع الركب إنهم ... متى يرجعوا يحرم عليك كلامها
مرض ولم تعده ليلى فقال شعرا
وقال الهيثم: مرض المجنون قبل أن يختلط فعاده قومه ونساؤهم ولم تعده ليلى فيمن عاده، فقال:
صوت
ألا ما لليلى لا ترى عند مضجعي ... بليل ولا يجري بها لي طائر
/ بلى إنّ عجم الطير تجري إذا جرت ... بليلى ولكن ليس للطير زاجر
أحالت عن العهد الذي كان بيننا ... بذي الرّمث [5] أم قد غيّبتها المقابر
الغناء لسليم ثاني ثقيل بالوسطى عن الهشاميّ.
فو اللّه ما في القرب لي منك راحة ... ولا البعد يسليني ولا أنا صابر
وواللّه ما أدري بأيّة حيلة ... وأيّ مرام أو خطار أخاطر
وواللّه إنّ الدهر في ذات بيننا ... عليّ لها في كل أمر لجائر
فلو كنت إذ أزمعت [6] هجري تركتني ... جميع [7] القوى والعقل منّي وافر
ولكنّ أيامي بحفل [8] عنيزة ... وذي الرّمث أيام جناها التجاور
فقد أصبح الودّ الذي كان بيننا ... أمانيّ نفس إن تخبّر خابر
__________
[1] كذا في أغلب النسخ بالحاء المهملة. وفي ح: «جمل» بالجيم المعجمة وفي ت: «جميل».
[2] كذا في أغلب النسخ. وفي ت: «صر» بالصاد المهملة.
[3] السفر: جمع سافر وهو من خرج إلى السفر.
[4] الهامة: أعلى الرأس واسم طائر، وكان العرب يزعمون أنّ عظام الموتى وقيل أرواحهم تصير هامة فتطير، ونشأ من هذا الزعم قولهم: «هذا هامة اليوم أو غد» أي يموت اليوم أو غدا.
[5] الرمث: شجر يشبه الغضا لا يطول وينبسط ورقه. وذو الرمث: واد لبني أسد. انظر «ياقوت».
[6] كذا في أغلب النسخ. وفي ت، ح: «إذ أجمعت» وهو بمعنى «أزمعت».
[7] أي مجتمع القوى.
[8] كذا في ب، ت بالفاء. والحفل: الاجتماع يقال: حفل الماء أي اجتمع، وحفل الوادي إذا جاء بملء جنبيه. والمراد هنا موضع الحفل. وعنيزة: بقعة ينتهي إليها ماء أودية، وهي لبني عامر. وفي ح، ء: «حقل» بالقاف، والحقل: المزرعة. وفي أ، م:
«جفل» بالجيم والفاء ولم يظهر له معنى مناسب.
لعمري لقد أرهقت يا أمّ مالك ... حياتي وساقتني إليك المقادر
خبر الظبي الذي ذكّره ليلى
أخبرني عمّي قال حدّثني محمد بن عبد اللّه الأصبهانيّ المعروف بالحزنبل عن عمرو بن أبي عمرو الشيبانيّ عن أبيه قال: حدّثني بعض بني عقيل قال: قيل للمجنون/ أيّ شيء رأيته أحبّ إليك؟ قال: ليلى، قيل: دع ليلى فقد عرفنا ما [1] لها عندك ولكن سواها، قال: واللّه ما أعجبني شيء قطّ فذكرت ليلى إلا سقط من عيني وأذهب ذكرها بشاشته عندي، غير أني رأيت ظبيا مرّة فتأملته وذكرت ليلى فجعل يزداد في عيني حسنا، ثم إنه عارضه ذئب وهرب منه فتبعته حتى خفيا عنّي فوجدت الذئب قد صرعه وأكل بعضه، فرميته بسهم فما أخطأت مقتله، وبقرت بطنه فأخرجت ما أكل منه، ثم جمعته إلى بقية شلوه [2]، ودفنته وأحرقت الذئب، وقلت في ذلك:
أبى اللّه أن تبقى لحيّ بشاشة ... فصبرا على ما شاء اللّه لي صبرا
رأيت غزالا يرتعي وسط روضة ... فقلت أرى ليلى تراءت لنا ظهرا
فيا ظبي كل رغدا هنيئا ولا تخف ... فإنك لي جار ولا ترهب الدهرا
وعندي لكم حصن حصين وصارم ... حسام إذا أعملته أحسن الهبرا [3]
فما راعني إلا وذئب قد انتحى [4] ... فأعلق في أحشائه الناب والظّفرا
ففوّقت [5] سهمي في كتوم [6] غمزتها ... فخالط سهمي مهجة الذئب والنّحرا [7]
فأذهب غيظي قتله وشفى جوى ... بقلبي إن الحرّ قد يدرك الوترا
بلغه أن زوج ليلى سبه فقال فيه شعرا
قال أبو نصر: بلغ المجنون قبل توحّشه أنّ زوج ليلى ذكره وعضهه [8] وسبّه وقال: أو بلغ من قدر قيس ابن الملوّح أن يدّعي محبة ليلى وينوّه باسمها! فقال ليغيظه بذلك:
فإن كان فيكم بعل ليلى فإنّني ... وذي العرش قد قبّلت فاها ثمانيا
وأشهد عند اللّه أنّي رأيتها ... وعشرون منها أصبعا من ورائيا
أليس من البلوى التي لا شوى لها [9] ... بأن زوّجت كلبا وما بذلت ليا
__________
[1] في ت: «حالها».
[2] الشلو: الجسد من كلّ شيء ويطلق على العضو من أعضاء اللحم.
[3] الهبر: القطع. ومنه قول عليّ عليه السّلام: «أنظروا شزرا واضربوا هبرا». وفي حديث الشّراة: «فهبرناهم بالسيوف».
[4] انتحى: اعترض.
[5] كذا في أغلب النسخ. وفي ت «و تزيين الأسواق»: «فبوّأت» أي سدّدت يقال: بوّأ الرمح نحوه إذا قابله به وسدّده.
[6] كذا في ت، ح والكتوم من القسيّ: التي لا ترنّ إذا أنبضت. وكانت قوس رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم تسمى الكتوم لا نخفاض صوتها إذا رمي عنها. وفي سائر النسخ: «كلوم».
[7] كذا في أغلب النسخ. وفي ت «و السّحرا» والسّحر: الرئة والكبد وسواد القلب ونواحيه وقيل: القلب.
[8] عضهه يعضهه عضها: قال فيه ما لم يكن.
[9] لا شوي لها أي لا بقيا لها. والمراد وصف البلوى بمنتهى الشدّة يقال: القتل الخطّة التي لا شوى لها أي لا بقيا لها، ومنه قول الهذليّ:
فإنّ من القول التي لا شوى لها ... إذا زلّ عن ظهر اللسان انفلاتها
خبر رفقة أبوا أن يعدلوا معه إلى جهة رهط ليلى
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا عبد اللّه بن عمرو بن أبي سعد قال حدّثنا عليّ بن الصباح/ عن ابن الكلبيّ قال: خرج المجنون في عدّة من قومه يريدون سفرا لهم، فمرّوا في طريق يتشعّب وجهتين: إحداهما ينزلها رهط ليلى وفيها زيادة مرحلة فسألهم أن يعدلوا معه إلى تلك الوجهة فأبوا، فمضى وحده وقال:
صوت
أ أترك ليلى ليس بيني وبينها ... سوى ليلة إني إذا لصبور
هبوني امرأ منكم أضلّ بعيره ... له ذمّة إنّ الذّمام كبير
وللصاحب المتروك أعظم حرمة ... على صاحب من أن يضلّ بعير
عفا اللّه عن ليلى الغداة فإنها ... إذا وليت حكما عليّ تجور
/ الغناء لابن سريج خفيف رمل بالوسطى عن [عمرو وفيه للغريض ثاني ثقيل بالوسطى عن [1]] حبش، وفيه لابن المارقيّ خفيف ثقيل عن الهشاميّ، وفيه لعلّويه رمل بالبنصر.
هتفت حمامة فقال شعرا
وذكر عمرو بن أبي عمرو الشيبانيّ عن أبيه: أن المجنون كان ذات ليلة جالسا مع أصحاب له من بني عمّه وهو وله يتلظّى ويتململ يعظونه ويحادثونه، حتى هتفت حمامة من سرحة [2] كانت بإزائهم، فوثب قائما وقال:
صوت
لقد غرّدت [3] في جنح ليل حمامة ... على إلفها تبكي وإني لنائم
كذبت وبيت اللّه لو كنت عاشقا ... لما سبقتني بالبكاء الحمائم [4]
ثم بكى حتى سقط على وجهه مغشيا عليه، فما أفاق حتى حميت الشمس عليه من غد [5]. الغناء في هذين
__________
- يريد بالقول الكلمة التي لا إبقاء لها أي القاتلة.
[1] زيادة في ت.
[2] السرحة: واحدة السرح، وهو كل شجر لا شوك فيه وقيل كل شجر طال.
[3] في الديوان: «هتفت».
[4] كذا ورد هذا البيت متصلا بالبيت الذي قبله في جميع النسخ وجاء بهامش ت بيتان كتب في آخرهما «صح» وأشير إلى أن محلهما بعد البيت الأوّل أعني قوله: لقد غرّدت في جنح ليل الخ. والبيتان هما:
فقلت اعتذارا عند ذاك وإنني ... لنفسي فيما قد رأيت للائم
أ أزعم أني عاشق ذو صبابة ... بليلي ولا أبكي وتبكي البهائم
والأبيات الأربعة وردت في الديوان على نحو ما جاء في ت إلا قوله «رأيت» في البيت الأول فقد جاء بدله في الديوان «أتيت».
والاقتصار على البيتين المثبتين في الأصل موافق لما ذكره المؤلف ...
[5] كذا في ت وفي باقي النسخ ....
البيتين لعبد اللّه بن ذحمان ثقيل أوّل مطلق في مجرى الوسطى.
مرور رجل به وهو برمل يبرين
وذكر أبو نصر عن أصحابه أن رجلا مرّ بالمجنون وهو برمل يبرين [1] يخطّط فيه، فوقف عليه متعجبا منه وكان لا يعرفه، فقال له: ما بك يا أخي؟ فرفع رأسه إليه وأنشأ يقول:
بي اليأس والداء الهيام [2] أصابني ... فإياك عنّي لا يكن بك ما بيا
كأنّ جفون العين تهمي [3] دموعها ... غداة رأت أظعان [4] ليلى غواديا
غروب أمرّتها نواضح بزّل ... على عجل عجم يروّين صاديا [5]
مرّبه نفر من اليمن فقال شعرا
قال خالد بن جمل [6]: ذكر حماد الرواية أن نفرا من أهل اليمن مرّوا بالمجنون، فوقفوا ينظرون إليه فأنشأ يقول:
ألا أيها الركب اليمانون عرّجوا ... علينا فقد أمسى هوانا يمانيا
نسائلكم هل سال نعمان بعدنا ... وحبّ إلينا بطن نعمان واديا
/ يقول في هذا القصيدة:
صوت
ألا يا حمامي قصر ودّان [7] هجتما ... عليّ الهوى لمّا تغنّيتما ليا
فأبكيتماني وسط صحبي ولم أكن ... أبالي دموع العين لو كنت خاليا
غنى في هذين البيتين علّويه غناء لم ينسب.
فو اللّه إنّي لا أحبّ، لغير أن ... تحلّ بها [8] ليلى البراق الأعاليا
__________
[1] يبرين - ويقال: أبرين بالألف - قرية كثيرة النخل والعيون العذبة وفيها رمل كثير، بينها وبين الأحساء مرحلتان. انظر «ياقوت» في يبرين. وجاء في «معجم ما استعجم» للبكري: وحدّ اليمن مما يلي المشرق رمل بني سعد الذي يقال له رمل يبرين، وهو منقاد من اليمامة حتى يشرع في البحر».
[2] كذا في أغلب النسخ. وفي ت و «الديوان» و «تزيين الأسواق» «أو داء الهيام» والهيام: شبه الجنون من العشق، يقال: هام الرجل هياما فهو هائم إذا ذهب على وجهه عشقا.
[3] كذا في أغلب النسخ. وفي ب، س: «تمشي» وهو تحريف.
[4] الأظعان: جمع ظعينة وهي الجمل يظعن عليه.
[5] الغروب: جمع غرب وهو الدلو الكبير الذي يستقي به على السانية. وأمرّتها: جعلتها تمرّ وتذهب. والنواضح: جمع ناضح، وهو ما يستقي عليه الماء من نحو البعير والثور وغيرهما من النضح وهو سقي الزرع وغيره بالسانية. والبزل: جمع بازل وهو البعير الذي استمل السنة الثامنة وطعن في التاسعة وفطر نابه.
[6] كذا في أغلب النسخ بالجيم. وفي ت، ح: «حمل» بالحاء المهملة، وهو الموافق لأغلب النسخ فيما تقدّم في ص 72 من هذا الجزء.
[7] سبق الكلام على «ودّان» بصفحة 324 بالجزء الأوّل.
[8] كذا في ت وفي باقي النسخ «به» والبراق: جمع برقة وهي أرض غليظة مختلطة بحجارة ورمل.
ألا يا خليلي حبّ ليلى مجشّمي ... حياض المنايا أو مقيدي [1] الأعاديا
ويا أيها القمريّتان تجاوبا ... بلحنيكما ثم اسجعا علّلانيا
فإن أنتما استطربتما [2] وأردتما ... لحاقا بأطراف [3] الغضى فاتبعانيا
بلغه أن زوج ليلى سيرحل بها فقال شعرا
قال أبو نصر: وذكر خالد بن كلثوم أنّ زوج ليلى لما أراد الرّحيل بها إلى بلده بلغ المجنون أنه غاد بها فقال:
صوت
أمزمعة للبين ليلى ولم تمت ... كأنك عما قد أظلّك غافل
ستعلم إن شطّت بهم غربة [4] النوى ... وزالوا بليلى أنّ لبك زائل
/ الغناء للزّبير بن دحمان ثقيل أوّل بالوسطى:
قال أبو نصر قال خالد: وحدّثني جماعة من بني قشير أنّ المجنون سقم سقاما [5] شديدا قبل اختلاطه حتّى أشفى على الهلاك، فدخل إليه أبوه يعلّله [6] فوجده ينشد هذه الأبيات ويبكي أحرّ بكاء وينشج [7] أحرّ نشيج:
ألا أيّها القلب الذي لجّ هائما ... بليلى وليدا لم تقطّع تمائمه
أفق قد أفاق العاشقون وقد أنى [8] ... لحالك [9] أن تلقى طبيبا تلائمه
فما لك مسلوب العزاء كأنّما ... ترى نأى ليلى مغرما أنت غارمه
أجدّك [10] لا تنسيك ليلى ملمّة ... تلمّ ولا ينسيك عهدا تقادمه
خبر نظره إلى أظعان ليلى وقد رحل بها زوجها
قال: وقف مستترا ينظر إلى أظعان ليلى وقد رحل بها زوجها وقومها، فلما رآهم يرتحلون بكى وجزع، فقال له أبوه: ويحك! إنما جئنا بك متخفيا ليتروّح بعض ما بك بالنظر إليهم، فإذا فعلت ما أرى عرفت، وقد أهدر السلطان دمك إن مررت بهم، فأمسك أو فانصرف، فقال: ما لي سبيل إلى النّظر إليهم يرتحلون وأنا ساكن غير جازع ولا باك فانصرف بنا، فانصرف وهو يقول:
__________
[1] أي يجعل قيادى في يد الأعداء، يقال: أقاده خيلا أعطاه إياها يقودها.
[2] استطربتما: طلبتما الطرب.
[3] كذا في أغلب النسخ. وفي ت و «الديوان» و «تزيين الأسواق»: «بأطلال».
[4] غربة النوى: بعدها.
[5] في ت «سقما» وكلاهما صحيح.
[6] يعلله: يحدّثه ويسليه.
[7] ينشج: من نشج الباكي أي غص بالبكاء في حلقه من غير انتخاب.
[8] كذا في أغلب الأصول، ووردت في أوّل هذا الجزء في ت «أبى» انظر ص 6 حاشية 4.
[9] كذا في ب، س. وفي ت «لمابك» وفي بقية الأصول «لمالك» ووردت في أوّل هذا الجزء: «لك اليوم» انظر ص 6.
[10] كذا في أغلب النسخ وفي ب: «وجدتك».
صوت
ذد الدّمع حتى يظعن الحيّ إنّما ... دموعك إن فاضت عليك دليل
كأنّ دموع العين يوم تحمّلوا [1] ... جمان على جيب [2] القميص يسيل
/ أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال أنشدني إسحاق بن محمد عن بعض أصحابه عن ابن الأعرابيّ للمجنون:
صوت
ألا ليت ليلى أطفأت حرّ زفرة ... أعالجها لا أستطيع لها ردّا
إذا الرّيح من نحو الحمى نسمت لنا ... وجدت لمسراها ومنسمها [3] بردا
على كبد قد كاد [4] يبدي بها الهوى ... ندوبا [5] وبعض القوم يحسبني جلدا
هذا البيت الثالث خاصّة يروى لابن هرمة في بعض قصائده، وهو من المائة المختارة التي/ رواها إسحاق، أوّله:
أفاطم إنّ النّأي يسلي من الهوى [6]
وقد أخرج في موضع آخر. غنّى في هذين البيتين عبد آل [7] الهذليّ، ولحنه المختار على ما ذكره جحظة ثاني ثقيل، وهما [8] في هذه القصيدة:
وإنّي يمانيّ الهوى منجد النّوى ... سبيلان ألقى من خلافهما جهدا
سقى اللّه نجدا من ربيع [9] وصيّف [10] ... وماذا يرجى من ربيع سقى نجدا
/ بلى إنّه قد كان للعيش قرة ... وللصّحب والرّكبان منزلة حمدا [11]
أبى القلب أن ينفكّ من ذكر نسوة ... رقاق ولم يخلقن شؤما [12] ولا نكدا
__________
[1] تحملوا: ارتحلوا.
[2] جيب القميص: ما ينفتح على النحر.
[3] كذا في ت، ح «و تزيين الأسواق»، وفي بقية الأصول «و مبسمها» وهو تصحيف.
[4] كذا في ت، ح «و تزيين الأسواق»، وفي بقية الأصول «كان».
[5] الندوب: جمع ندب، والندب: جمع ندبة، وهي أثر الجرح. وقيل: الندب واحد كالندبة والجمع أنداب وندوب.
[6] كذا في أغلب النسخ. وفي ت «يسلي ذوي الهوى».
[7] كذا في ت وهو الموافق لما سيأتي في ذكر الهذلي وأخباره في ج 4 طبع بولاق وهو عبد آل بن مسعود. وفي بقية الأصول «عبدان» بالنون وهو تحريف.
[8] كذا في أغلب النسخ. وفي ت: «و تمام هذه القصيدة».
[9] الربيع: المطر في الربيع.
[10] الصيف: المطر يجيء في الصيف أو بعد الربيع.
[11] حمدا أي محمودة يقال: رجل حمد ومنزل حمد أي محمود وهو من قبيل الوصف بالمصدر فيوصف به المذكر والمؤنث.
[12] في ت «و تزيين الأسواق»: «شوها»: جمع شوهاء.
إذا رحن يسحبن الذّيول عشيّة ... ويقتلن بالألحاظ أنفسنا عمدا
مشى عيطلات [1] رجّح بخصورها ... روادف [2] وعثات [3] تردّ الخطا ردّا
وتهتزّ ليلى العامريّة فوقها ... ولاثت [4] بسبّ [5] القزّذا غدر [6] جعدا
إذا حرّك المدرى [7] ضفائرها العلا ... مججن ندى الريحان والعنبر الوردا
وأخبار الهذليّين [8] تذكر في غير هذا الموضع إن شاء اللّه لئلا تنقطع أخبار المجنون، ولهما في المائة الصوت المختارة أغان تذكر أخبارها معا إن شاء اللّه.
خبر ظبية صادها رجلان فسألهما أن يطلقاها
أخبرني أحمد بن جعفر جحظة قال حدّثني ميمون بن هارون قال ذكر الهيثم بن عديّ، وأخبرني محمد ابن خلف [بن المرزبان] [9] عن أحمد بن الهيثم عن العمريّ عن الهيثم بن عديّ قال: مرّ المجنون برجلين قد صادا ظبية فربطاها بحبل وذهبا بها، فلما نظر إليها وهي تركض في حبالهما دمعت عيناه، وقال لهما: حلّاها وخذا مكانها/ شاة من غنمي - وقال ميمون في خبره: وخذا مكانها قلوصا من إبلي - فأعطاهما وحلّاها فولّت تعدو هاربة. وقال المجنون للرجلين حين رآها في حبالهما:
يا صاحبيّ اللّذين اليوم قد أخذا ... في الحبل شبها لليلى ثم غلّاها
إني أرى اليوم في أعطاف شاتكما ... مشابها أشبهت ليلى فحلّاها
قال: وقال فيها وقد نظر إليها [و هي] [10] تعدو أشدّ عدو هاربة مذعورة:
صوت
أيا شبه ليلى لا تراعي فإنّني ... لك اليوم من وحشيّة لصديق
ويا شبه ليلى لو تلبثت ساعة ... لعلّ فؤادي من جواه يفيق
تفرّ وقد أطلقتها من وثاقها ... فأنت لليلى لو علمت طليق
__________
[1] العيطلات: جمع عيطلة وهي الطويلة العتق في حسن، وتوصف به المرأة والناقة، والمراد بها هنا النياق.
[2] الروادف: الأعجاز. قال ابن سيدة: ولا أدري أهو جمع ردف على غير قياس أو هو جمع رادفة.
[3] الوعثات: اللينات.
[4] لاثت: لفت وعصبت، يقال: لاث العمامة على رأسه لوثا إذا لفها وعصبها.
[5] السبّ: الخمار.
[6] الغدر: جمع غديرة وهي الذؤابة.
[7] المدري: المشط وقيل: حديدة على شكل سنّ من أسنان المشط وأطول منه يسرّح بها الشعر المتلبد.
[8] هما سعيد وعبد آل ابنا مسعود، وقد ذكرا بالجزء الرابع من «الأغاني» طبع بولاق ص 152.
[9] زيادة في ت.
[10] زيادة في ت.
خبره مع نسوة عذلنه في حب ليلى
وذكر أبو نصر عن جماعة من الرواة وذكر أبو مسلم ومحمد بن الحسن الأحول أن ابن الأعرابيّ أخبرهما أنّ نسوة جلسن إلى المجنون فقلن له: ما الذي دعاك إلى أن أحللت بنفسك ما ترى [1] في هوى ليلى، وإنما هي امرأة من النساء، هل لك في أن تصرف هواك عنها إلى إحدانا فنساعفك ونجزيك بهواك ويرجع إليك ما عزب من عقلك وجسمك؟ فقال لهنّ: لو قدرت على صرف الهوى عنها إليكنّ لصرفته عنها وعن كلّ أحد بعدها وعشت في الناس سويّا مستريحا؛ فقلن له: ما أعجبك منها [2]؟ فقال: كلّ شيء رأيته وشاهدته وسمعته/ منها أعجبني، واللّه ما رأيت شيئا منها قطّ إلا كان في عيني حسنا وبقلبي علقا، ولقد جهدت أن يقبح منها عندي شيء أو يسمج أو يعاب لأسلو عنها فلم أجده؛ فقلن له: فصفها لنا، فأنشأ يقول:
بيضاء خالصة البياض كأنها ... قمر توسّط جنح ليل مبرد
موسومة بالحسن ذات حواسد ... إنّ الجمال مظنة للحسّد
وترى مدامعها ترقرق مقلة ... سوداء ترغب عن سواد الإثمد
خوّد [3] إذا كثر الكلام تعوذت ... بحمى الحياء وإن تكلّم تقصد [4]
قال: ثم قال ابن الأعرابيّ: هذا واللّه من حسن الكلام ومنقح [5] الشّعر.
وأنشد أبو نصر للمجنون أيضا، وفيه غناء، قال:
كأنّ فؤادي في مخالب طائر ... إذا ذكرت ليلى يشدّ بها [6] قبضا
كأنّ فجاج الأرض حلقة خاتم ... عليّ، فما تزداد طولا ولا عرضا
أودع رجلا شعرا ينشده على مسمع من ليلى
أخبرني الحسن بن علي قال حدّثنا محمد بن القاسم بن مهروية قال حدّثنا أبو مسلم عن القحذميّ قال: قال رجل من عشيرة المجنون له: إني أريد الإلمام بحيّ ليلى فهل تودعني إليها شيئا؟ فقال: نعم! قف بحيث تسمعك ثم قل:
صوت
اللّه يعلم أنّ النفس هالكة [7] ... باليأس منك ولكنّي أعنّيها [8]
__________
[1] كذا في أغلب النسخ. وفي م، أ: «نرى» بالنون.
[2] كذا في أغلب النسخ. وفي ب، س: «فيها».
[3] الخود: الفتاة الحسنة الخلق الشابة ما لم تصر نصفا.
[4] يقال: قصد في الأمر قصدا: توسط وطلب السداد ولم يجاوز الحدّ.
[5] في ت: «و مليح الشعر».
[6] كذا في أغلب النسخ. وفي «تزيين الأسواق»: «يشدّ به». وفي «الديوان»: «إذا ذكرتها النفس شدّت به قبضا».
[7] كذا في أغلب النسخ. وفي ت وتزيين الأسواق: «قد هلكت».
[8] أعنيها: أكلفها ما يشقّ عليها.
منيّتك النفس حتى قد أضرّبها ... واستيقنت خلفا ممّا أمنّيها
وساعة منك ألهوها وإن قصرت ... أشهى إليّ من الدنيا وما فيها
/ قال: فمضى الرجل، ولم يزل يرقب خلوة حتى وجدها، فوقف عليها ثم قال لها: يا ليلى لقد أحسن الذي يقول:
اللّه يعلم أنّ النفس هالكة ... باليأس منك ولكنّي أعنّيها
وأنشد الأبيات؛ فبكت بكاء طويلا ثم قالت: أبلغه السلام وقل له:
نفسي فداؤك، لو نفسي ملكت إذا ... ما كان غيرك يجزيها ويرضيها
صبرا على ما قضاه اللّه فيك على ... مرارة في اصطباري عنك أخفيها
قال: فأبلغه الفتى البيتين وأخبره بحالها؛ فبكى حتى سقط على وجهه مغشيّا عليه، ثم أفاق وهو يقول:
عجبت لعروة العذريّ أضحى ... أحاديثا لقوم بعد قوم
وعروة مات موتا مستريحا ... وها أنا ميّت في كلّ يوم
أخبرنا محمد بن يحيى الصّوليّ قال أنشدنا أحمد بن يحيى ثعلب عن أبي نصر للمجنون:
صوت
أيا زينة الدنيا التي لا ينالها ... مناي ولا يبدو لقلبي صريمها
بعيني قذاة من هواك لو انّها ... تداوى بمن تهوى [1] لصحّ سقيمها
/ وما صبرت عن ذكرك النفس ساعة ... وإن كنت أحيانا كثيرا ألومها
سأل أبو المجنون رجلا أن يبلغه أن ليلى تشتمه
أخبرني الحسن بن علي قال حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد قال حدّثنا عليّ بن الصّبّاح عن ابن الكلبيّ قال: سأل الملوّح أبو المجنون رجلا قدم من الطائف/ أن يمرّ بالمجنون فيجلس إليه فيخبره أنه لقي ليلى وجلس إليها، ووصف [2] له صفات منها ومن كلامها يعرفها المجنون، وقال له: حدّثه بها، فإذا رأيته قد اشرأب [3] لحديثك واشتهاه فعرّفه أنك ذكرته لها ووصفت ما به فشتمته وسبّته، وقالت: إنه يكذب عليها ويشهّرها بفعله، وإنها ما اجتمعت معه قط كما يصف؛ ففعل الرجل ذلك، وجاء إليه فأخبره بلقائه إياها؛ فأقبل عليه وجعل يسائله عنها [4]، فيخبره بما أمره به الملوّح، فيزداد نشاطا ويثوب إليه عقله، إلى أن أخبره بسبّها إياه وشتمها له؛ وقال وهو غير مكترث لما حكاه عنها:
__________
[1] كذا في ت. وفي سائر النسخ «أهوى».
[2] كذا في ت. وفي باقي النسخ «و يصف له».
[3] اشرأب: رفع رأسه لينظر.
[4] زيادة في ت.
صوت
تمرّ الصّبا صفحا بساكن ذي الغضى ... ويصدع قلبي أن يهبّ هبوبها
إذا هبّت الريح الشّمال فإنّما ... جواي بما تهدى إليّ جنوبها
قريبة عهد بالحبيب وإنما ... هوى كلّ نفس حيث كان حبيبها
وحسب الليالي أن طرحنك مطرحا ... بدار قلى تمسي وأنت غريبها
حلال لليلى شتمنا وانتقاصنا [1] ... هنيئا ومغفور لليلى ذنوبها
ذكر أبو أيوب المدينيّ [2] أن الغناء في هذا الشعر لابن سريج ولم يذكر طريقته. وفيه لمتّيم غناء ينسب. وذكر الهيثم بن عديّ أن المجنون قال - وفيه غناء - :
صوت
كأن لم تكن ليلى تزار بذي الأثل [3] ... وبالجزع [4] من أجزاع ودان فالنخل [5]
صديق [6] لنا فيما نرى غير أنها ... ترى أن حبّي قد أحلّ لها قتلي
وصف رجل المجنون لليلى فبكت وقالت شعرا
أخبرني عمّي قال حدّثني الكرانيّ قال حدّثنا العمريّ عن الهيثم بن عديّ عن عثمان بن عمارة بن حريم [7] عن أشياخ من بني مرّة قالوا: خرج منا رجل إلى ناحية الشام والحجاز وما يلي تيماء والسّراة [8] وأرض نجد، في طلب
__________
[1] كذا في أغلب النسخ. وفي ب، س، ح: «شمتها وانتقاصها».
[2] في أغلب النسخ: «المدني». وفي ت: «المدائني» وما أثبتناه هو الذي في أغلب النسخ في مواضع تقدّمت (انظر الحاشية رقم 2 ص 8 من هذا الجزء).
[3] الأثل: واحدته أثلة وهي شجرة مستقيمة تعمل منها القصاع والاقداح، ويقال لها: سمرة. ولم نجد في أسماء المواضع إلا «ذات الأثل» وهو موضع في بلاد تيم اللّه بن ثعلبة، وقد تجيء في الشعر باسم ذي الأثل كما قال الشاعر:
فإن ترجع الأيام بيني وبينكم ... بذي الاثل صيف مثل صيفي ومربعي
انظر «ياقوت» في مادة الأثل. ومن المحتمل أن يريد الشاعر بذي الأثل موضعا به شجر الأثل.
[4] كذا في أغلب النسخ، والجزع: منقطع الوادي. وفي ت: «و بالسدر من أجزاع» والسدر: النبق واحدته سدرة، والمراد موضع به هذا الشجر.
[5] كذا في أغلب النسخ. وفي ت: «فالنحل» بالحاء. قال ياقوت في الكلام على ودّان: وقرأت بخط كراع الهنائي على ظهر كتاب «المنضد» من تصنيفه: قال بعضهم: خرجت حاجا فلما جزت بودّان أنشدت:
أيا صاحب الخيمات من بعد أرثد ... إلى النخل من ودّان ما فعلت نعم
فقال رجل من أهلها: انظر هل ترى نخلا؟ فقلت: لا؛ فقال: هذا خطأ إنما هو النحل، ونحل الوادي: جانبه. ولم نجد في كتب اللغة التي بين أيدينا أن من معاني النحل جانب الوادي.
[6] الصديق يوصف به المذكر والمؤنث، قال كثير:
ليالي من عيش لهونا بوجهه ... زمانا وسعدى لي صديق مواصل
[7] كذا في ت، ء «ابن حريم» بالحاء والراء المهملتين، وهو الموافق لما جاء في «تاريخ ابن جرير الطبري» ص 281 قسم 3 طبع أوربا وفي ب، س، ح، م «عن حزيم» بالحاء المهملة والزاي المعجمة.
[8] السراة: الجبال والأرض الحاجزة بين تهامة ونجد.
بغية له، فإذا هو بخيمة قد رفعت له وقد أصابه المطر فعدل إليها وتنحنح، فإذا امرأة قد كلّمته فقالت: انزل، فنزل.
[قال] [1] /و راحت أبلهم وغنمهم فإذا أمر عظيم، فقالت: سلوا هذا الرجل من أين أقبل؛ فقلت: من ناحية تهامة ونجد؛ فقالت: ادخل أيها الرجل، فدخلت إلى ناحية من الخمية، فأرخت بيني وبينها سترا ثم قالت لي:
يا عبد اللّه، أيّ بلاد نجد وطئت؟ فقلت: كلّها؛ قالت: فبمن نزلت هناك؟ قلت: ببني عامر؛ فتنفّست الصّعداء ثم قالت: فبأيّ بني عامر نزلت؟ فقلت: ببني الحريش؛ فاستعبرت ثم قالت: فهل سمعت بذكر فتى منهم يقال له:
قيس بن الملوّح ويلقّب بالمجنون؟ قلت: بلى واللّه! وعلى أبيه نزلت، وأتيته فنظرت إليه يهيم في تلك الفيافي، ويكون مع الوحش لا يعقل [و لا يفهم] [2] إلا أن تذكر له امرأة يقال لها ليلى، فيبكي وينشد أشعارا قالها فيها. قال:
فرفعت الستر بيني وبينها، فإذا فلقة قمر/ لم تر عيني مثلها، فبكت حتى ظننت - واللّه - أن قلبها قد انصدع، فقلت:
أيّتها المرأة، اتّقي اللّه فما قلت بأسا، فمكثت طويلا على تلك الحال من البكاء والنحيب ثم قالت:
ألا ليت شعري والخطوب كثيرة ... متى رحل قيس مستقلّ فراجع
بنفسي من لا يستقلّ برحله ... ومن هو إن لم يحفظ اللّه ضائع
ثم بكت حتى سقطت مغشيّا عليها، فقلت لها: من أنت يا أمة اللّه؟ وما قصّتك؟ قالت: أنا ليلى [صاحبته] [2] المشئومة [و اللّه] [2] عليه غير المؤنسة [3] له؛ فما رأيت مثل حزنها ووجدها عليه [قطّ] [2].
خبر شيخ من بني مرة لقى المجنون وشهده ميتا في واد
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ، وحبيب بن نصر المهلبيّ قالا: حدّثنا عمر بن شبّة قال ذكر الهيثم ابن عديّ عن عثمان بن عمارة، وأخبرني [4] عثمان عن الكرانيّ عن العمريّ عن لقيط، وحدّثنا إبراهيم بن أيوب عن عبد اللّه بن مسلم قال ذكر الهيثم/ بن عديّ عن عثمان بن عمارة، وذكر أبو نصر أحمد بن حاتم صاحب الأصمعيّ وأبو مسلم المستملي عن ابن الأعرابيّ - يزيد بعضهم على بعض - أن عثمان بن عمارة المرّي أخبرهم أنّ شيخا منهم من بني مرّة حدّثه أنه خرج إلى أرض بني عامر ليلقى المجنون، قال: فدللت على محلّته فأتيتها، فإذا أبوه شيخ كبير وإخوة له رجال، وإذا نعم كثير [5] وخير ظاهر، فسألتهم عنه فاستعبروا جميعا، وقال الشيخ: واللّه لهو كان آثر في نفسي من هؤلاء وأحبّهم إليّ! وإنه هوي امرأة من قومه، واللّه ما كانت تطمع في مثله، فلمّا أن فشا أمره وأمرها كره أبوها أن يزوجها منه بعد ظهور الخبر فزوّجها من غيره، فذهب عقل ابني ولحقه خبل وهام في الفيافي وجدا عليها، فحبسناه وقيّدناه، فجعل [6] يعضّ لسانه وشفتيه حتى خفنا [عليه] [7] أن يقطعها [8] فخلّينا سبيله، فهو يهيم في [هذه] [7] الفيافي مع الوحوش يذهب إليه كلّ
__________
[1] زيادة في ت.
[2] زيادة في ت.
[3] في ت: «المواسية».
[4] في ت: «عمّي عن الكرانيّ».
[5] كذا في ب، س، ح. وفي باقي النسخ: «نعم كثيرة» بالتاء وكلاهما صحيح لأن النعم يذكر ويؤنث.
[6] في ت: «فكان».
[7] زيادة في ت.
[8] كذا في أغلب الأصول. وفي ت «يقطعهما».
يوم بطعامه فيوضع له حيث يراه، فإذا تنحّوا عنه جاء فأكل منه. قال: فسألتهم أن يدلّوني عليه، فدلّوني على فتى من الحيّ صديقا له وقالوا: إنه لا يأنس إلا به ولا يأخذ أشعاره عنه غيره، فأتيته فسألته أن يدلّني عليه؛ فقال: إن كنت تريد شعره فكلّ شعر قاله إلى أمس عندي، وأنا ذاهب إليه غدا فإن كان قال شئيا أتيتك به؛ فقلت: بل [أريد [1] أن] تدلّني عليه لآتيه؛ فقال لي: إنه إن نفر منك نفر منّي فيذهب شعره، فأبيت إلا أن يدلّني عليه؛ فقال اطلبه في هذه الصحاري [فإذا رأيته] [1] فادن [منه] [1] مستأنسا ولا تره أنك تهابه، فإنه يتهدّدك ويتوعّدك/ أن يرميك بشيء، فلا يروعنّك واجلس صارفا بصرك عنه والحظه أحيانا، فإذا رأيته قد سكن من نفاره فأنشده شعرا غزلا، وإن كنت تروي من شعر قيس بن ذريح شيئا فأنشده إياه فإنه معجب به؛ فخرجت فطلبته يومي إلى العصر فوجدته جالسا على رمل قد خطّ فيه بأصبعه خطوطا، فدنوت منه غير منقبض، فنفر منّي نفور الوحش من الإنس، وإلى جانبه أحجار فتناول حجرا فأعرضت عنه، فمكث ساعة كأنه نافر يريد القيام، فلمّا طال جلوسي سكن وأقبل يخطّ بأصبعه، فأقبلت عليه وقلت: أحسن واللّه قيس بن ذريح حيث يقول:
ألا يا غراب البين ويحك نبّني ... بعلمك في لبنى وأنت [2] خبير
فإن أنت لم تخبر بشيء علمته ... فلا طرت [3] إلا والجناح كسير
/ ودرت بأعداء حبيبك فيهم ... كما قد تراني بالحبيب أدور
فأقبل عليّ وهو يبكي فقال: أحسن واللّه، وأنا أحسن منه قولا حيث أقول:
كأنّ القلب ليلة قيل يغدى ... بليلى العامريّة أو يراح
قطاة عزّها شرك فباتت ... تجاذبه وقد علق الجناح
فأمسكت عنه هنيهة، ثم أقبلت عليه فقلت: وأحسن واللّه قيس بن ذريح حيث يقول:
وإني لمفن دمع عينيّ بالبكا ... حذارا لما قد كان أو هو كائن
وقالوا غدا أو بعد ذاك بليلة ... فراق حبيب لم يبن وهو بائن
وما كنت أخشى أن تكون منيّتي ... بكفّيك إلا أن من [4] حان حائن
/ قال: فبكى - واللّه - حتى ظننت أنّ نفسه قد فاضت، وقد رأيت دموعه قد بلّت الرمل الذي بين يديه، ثم قال: أحسن لعمر اللّه، وأنا واللّه أشعر منه حيث أقول:
صوت
وأدنيتني حتى إذا ما سبيتني ... بقول يحلّ العصم [5] سهل الأباطح
__________
[1] زيادة في ت.
[2] كذا في ت، ب. وفي سائر النسخ: «فأنت» بالفاء وقد اتفقت جميع النسخ في الروايات الآتية للبيت على الواو.
[3] كذا في أغلب النسخ. وفي س: «فلا عشت».
[4] كذا وقع هذا الشطر في جميع النسخ، وقد ورد في «الديوان» هكذا: «يكفّي إلا أن ما حان حائن».
[5] العصم: جمع أعصم وهو الوعل الذي في ذراعيه بياض. والوعل: تيس الجبل. يريد أن قولها يخلب العصم ويستنزلها من الجبال وهي مساكنها الى الأباطح السهلة.
تناءيّت عنّي حين لا لي حيلة ... وخلّفت ما خلّفت بين الجوانح [1]
- ويروى: «و غادرت ما غادرت [2] ... » - ثم سنحت له ظبية فوثب يعدو خلفها حتى غاب عنّي وانصرفت، وعدت من غد فطلبته فلم أجده، وجاءت امرأة كانت تصنع له طعامه [3] إلى الطعام فوجدته بحاله، فلما كان في اليوم الثالث غدوت وجاء أهله معي فطلبناه يومنا فلم نجده، وغدونا في اليوم الرابع نستقري أثره حتى وجدناه في واد كثير الحجارة خشن، وهو ميّت بين تلك الحجارة، فاحتمله أهله فغسّلوه وكفنوه ودفنوه.
الحزن على المجنون وندم أبي ليلى على عدم تزويجه بها
قال الهيثم: فحدّثني جماعة من بني عامر: أنه لم تبق فتاة من بني جعدة ولا بني الحريش إلا خرجت حاسرة صارخة عليه تندبه؛ واجتمع فتيان الحيّ يبكون عليه أحرّ بكاء، وينشجون عليه أشدّ نشيج، وحضرهم حيّ ليلى معزّين وأبوها معهم فكان أشدّ القوم جزعا وبكاء عليه، وجعل يقول: ما علمنا أن الأمر يبلغ كلّ هذا، ولكنّي كنت امرأ عربيّا أخاف من العار وقبح الأحدوثة ما يخافه مثلي، فزوّجتها/ وخرجت عن يدي، ولو علمت أن أمره يجري على هذا ما أخرجتها عن يده ولا احتملت ما كان عليّ في ذلك. قال: فما رئي يوم [4] كان أكثر باكية وباكيا على ميّت من يومئذ.
نسبة ما في هذا الخبر من الأغاني
[منها] [5] الصوت الذي أوّله:
ألا يا غراب البين ويحك نبّني ... بعلمك في لبنى وأنت خبير
الغناء لابن محرز [6] ثقيل أوّل بالوسطى عن الهشاميّ، وذكر إبراهيم أنّ فيه لحنا لحكم. وفي رواية ابن الأعرابيّ أنه أنشده مكان:
ألا يا عراب البين ويحك نبّني ... بعلمك في لبنى وأنت خبير
صوت
ألا يا غراب البين هل أنت مخبري ... بخير كما خبّرت بالنأي والشّرّ
وخبّرت [7] أن قد جدّ بين وقرّبوا ... جمالا لبين [8] مثقلات من الغدر
__________
[1] في ت «و غادرت ما غادرت بين الجوانح» وهو الموافق لما في «الديوان» و «تزيين الأسواق».
[2] كذا في جميع الأصول وفي ت «و يروي وخلّفت ما خلّفت».
[3] كذا في ت. وفي باقي النسخ طعاما.
[4] في جميع الأصول التي بين أيدينا «يوما» بالنصب وظاهر مخالفته للقواعد.
[5] زيادة في ت.
[6] في ت «الحسين بن محرز» وفيها تصريح باسمه.
[7] كذا في ت. وفي سائر النسخ: «أخبرت ...... ».
[8] في ت «للبني».
وهجت قذى عين بلبنى مريضة ... إذا ذكرت فاضت مدامعها تجري
وقلت [1] كذاك الدهر ما زال فاجعا ... صدقت وهل شيء بباق على الدهر
/ الشعر لقيس بن ذريح، والغناء لابن جامع، ثقيل أوّل بالسبّابة في مجرى البنصر عن إسحاق. وفيه لبحر ثقيل أوّل بالوسطى عن عمرو. وفيه لدحمان ثاني ثقيل عن الهشاميّ وعبد اللّه بن موسى.
ومنها الصوت الذي أوّله.
كأنّ القلب ليلة قيل يغدى ... بليلي العامريّة أو يراح
ومنها الصوت الذي أوّله:
وأدنيتني حتى إذا ما سبيتني ... بقول يحلّ العصم سهل الأباطح
الغناء لإبراهيم، خفيف ثقيل بالوسطى عن الهشاميّ
بكاء أبي ليلى على المجنون وشعر وجد بعد موت المجنون في خرقة
أخبرنا الحسين بن القاسم الكوكبيّ قال حدّثنا الفضل الرّبعيّ عن محمد بن حبيب قال:
لما مات مجنون بني عامر وجد أرض خشنة بين حجارة سود، فحضر أهله وحضر [معهم] [2] أبو ليلى - المرأة التي كان يهواها - وهو متذمّم [3] من أهله، فلما رآه ميتا بكى واسترجع وعلم أنه قد شرك في هلاكه، فبينما هم يقلّبونه إذ وجدوا خرقة فيها مكتوب:
ألا أيها الشيخ الذي ما بنا يرضى ... شقيت ولا هنّيت من عيشك الغضّا [4]
شقيت كما أشقيتني وتركتني ... أهيم مع الهلّاك لا أطعم الغمضا [5]
صوت
كأنّ فؤادي في مخالب طائر ... إذا ذكرت ليلى يشدّ بها قبضا
كأن فجاج الأرض حلقة خاتم ... عليّ فما تزداد طولا ولا عرضا
في هذين البيتين رمل ينسب إلى سليم وإلى ابن محرز، وذكر حبش والهشاميّ أنه لإسحاق.
عوتب على التغني بالشعر فقال شعرا
أخبرني محمد بن خلف قال حدّثني أبو سعيد السّكّريّ عن محمد بن حبيب قال حدّثني بعض
__________
[1] في ت «فقلت».
[2] زيادة في ت.
[3] أي مستنكف منقبض.
[4] كذا في أغلب النسخ. وفي ت و «تزيين الأسواق»: «الخفضا». وفي «ديوانه»: «و لا أدركت من عيشك الخفضا».
[5] كذا في ت و «تزيين الأسواق» و «الديوان». وفي أغلب النسخ ذكر بدل هذا البيت البيت الأخير:
كأن فجاج الأرض حلقة خاتم ... عليّ فما تزداد طولا ولا عرضا»
ثم كرر هذا البيت مرة ثانية بعد كلمة صوت.
القشيريّين [1] عن أبيه قال:
مررت بالمجنون وهو مشرف على واد في أيام الربيع، وذاك قبل أن يختلط، وهو يتغنّى بشعر لم أفهمه، فصحت به: يا قيس، أما تشغلك ليلى عن الغناء والطرب! فتنفّس تنفّسا ظننت أنّ حيازيمه [2] قد انقدّت، ثم قال:
صوت
وما أشرف الأيفاع [3] إلا صبابة ... ولا أنشد الأشعار إلا تداويا
وقد يجمع اللّه الشتيتين بعد ما ... يظنّان جهد [4] الظنّ أن لا تلاقيا
لحي [5] اللّه أقواما يقولون إنّني ... وجدت [6] طوال الدّهر للحبّ شافيا
التقاؤه بقيس بن ذريح وطلبه منه إبلاغ سلامه لليلى
/ أخبرني محمد بن مزيد قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثنا إسماعيل بن أبي أويس قال: اجتاز قيس بن ذريح بالمجنون وهو جالس وحده في نادي قومه، وكان/ كلّ واحد منهما مشتاقا إلى لقاء الآخر، وكان المجنون قبل توحّشه لا يجلس إلا منفردا ولا يحدّث أحدا ولا يردّ على متكلّم جوابا ولا على مسلّم سلاما، فسلّم عليه قيس بن ذريح فلم يردّ عليه السّلام؛ فقال له: يا أخي أنا قيس بن ذريح فوثب إليه فعانقه وقال: مرحبا بك يا أخي، أنا واللّه مذهوب [بي] [7] مشترك اللّب فلا تلمني، فتحدّثا ساعة وتشاكيا وبكيا، ثم قال له المجنون: يا أخي، إنّ حيّ ليلى منا قريب، فهل لك أن تمضي إليها فتبلّغها عني السلام؟ فقال له: أفعل. فمضى قيس بن ذريح حتى أتى ليلى فسلّم وانتسب؛ فقالت له: حيّاك اللّه، ألك حاجة؟ قال: نعم، ابن عمّك أرسلني إليك بالسلام؛ فأطرقت ثم قالت:
ما كنت أهلا للتحيّة لو علمت أنك رسوله، قل له عنّي: أرأيت قولك:
أبت ليلة بالغيل [8] يا أمّ مالك ... لكم غير حب صادق ليس يكذب
ألا إنما أبقيت يا أمّ مالك ... صدى [9] أينما تذهب به الريح يذهب [10]
أخبرني عن ليلة الغيل، أيّ ليلة هي؟ وهل خلوت معك في الغيل أو غيره ليلا أو نهارا؟ فقال لها قيس: يا بنة عمّ، إن الناس تأوّلوا كلامه على غير ما أراد، فلا تكوني مثلهم، إنما أخبر أنه رآك ليلة الغيل فذهبت بقلبه، لا أنه عناك بسوء؛ قال: فأطرقت طويلا ودموعها تجري وهي تكفكفها، ثم انتحبت حتى قلت تقطّعت حيازيمها، ثم قال: اقرأ
__________
[1] في ت: «القرشيين».
[2] الحيازيم: ضلوع الفؤاد. وفي ت: «قد انصدعت».
[3] الأيفاع: جمع يفع واليفع كاليفاع: ما أشرف وعلا من الرمل.
[4] كذا في أغلب النسخ. والجهد: الغاية. وفي ت و «تزيين الأسواق» و «الديوان»: «كلّ الظنّ».
[5] يقال لحاه اللّه: قبحه ولعنه وأبعده.
[6] كذا في أغلب النسخ. وفي ت و «تزيين الأسواق» و «الديوان» «إننا وجدنا».
[7] زيادة في ت.
[8] الغيل بالفتح ثم السكون: اسم واد لبني جعدة.
[9] انظر الكلام على معنى الصدى فيما تقدّم في ص 19 حاشية رقم 9 من هذا الجزء.
[10] في هذين البيتين أقواء لاختلافها بحركة الرويّ ضما وكسرا وقد ورد هذا البيت الأخير في جملة أبيات مكسورة الرويّ في ص 19 من هذا الجزء.
على ابن عميّ السلام، وقل له: بنفسي أنت! واللّه إنّ وجدي بك لفوق ما تجد، ولكن لا حيلة لي فيك؛ فانصرف قيس إليه ليخبره فلم يجده.
رأى ليلى فبكى ثم قال شعرا
أخبرني الحسن بن علي قال حدّثني محمد [1] بن القاسم بن مهرويه قال حدّثني عمّي عن ابن الصّباح عن ابن الكلبيّ عن أبيه قال: مرّ المجنون بعد اختلاطه بليلى [و هي] [2] تمشي في ظاهر البيوت بعد فقد لها طويل، فلما رآها بكى حتى سقط على وجهه مغشيا عليه، فانصرفت [3] خوفا من أهلها أن يلقوها عنده، فمكث كذلك مليّا ثم أفاق وأنشأ يقول:
بكى فرحا بليلى إذ رآها ... محبّ لا يرى حسنا سواها
لقد ظفرت يداه ونال [4] ونال ملكا ... لئن كانت تراه كما يراها
الغناء لابن المكيّ رمل بالبنصر. وفيه لعريب ثقيل أوّل عن الهشاميّ. وفيه خفيف رمل ليزيد حوراء [5]. وقد نسب لحنه إلى ابن المكيّ ولحن ابن المكيّ إليه.
صوت من المائة المختارة من رواية عليّ بن يحيى
ربّ ركب قد أناخوا عندنا ... يشربون الخمر بالماء الزّلال
عصف [6] الدهر بهم فانقرضوا ... وكذاك الدهر حالا بعد حال
الشعر لعديّ بن زيد العباديّ، والغناء لابن محرز ولحنه المختار خفيف [رمل [7] بإطلاق الوتر في مجرى الوسطى عن إسحاق. وفيه خفيف رمل] آخر بالبنصر ابتداؤه/ نشيد ذكر عمرو بن بانة أنه لابن طنبورة، وذكر أحمد بن المكيّ أنه لأبيه. وهذه/ الأبيات قالها عديّ بن زيد العباديّ على سبيل الموعظة للنّعمان بن المنذر، فيقال:
إنها كانت سبب دخوله في النصرانية.
عظة عديّ بن زيد للنعمان بن المنذر وتنصر النعمان
حدّثني بذلك أحمد [8] بن عمران المؤدّب قال حدّثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدّثنا عبد اللّه بن عمرو
__________
[1] كذا في ت، وهو ما اتفقت عليه النسخ في مواضع تقدّمت في الجزء الأوّل من «الأغاني» وفي هذا الجزء أيضا. وفي أغلب النسخ «موسى بن مهرويه».
[2] زيادة في ت.
[3] كذا في أغلب النسخ. وفي ب، س، ح: «فانصرف» وهو تحريف.
[4] في ت: «و طاب عيشا».
[5] كذا في أغلب النسخ وفي ب، س: «خورا» بالخاء المعجمة وهو تحريف وستأتي ترجمته، في الجزء الثالث من «الأغاني» طبع بولاق.
[6] أي ذهب بهم وأهلكهم.
[7] زيادة في ت.
[8] كذا في أغلب النسخ. وفي ت: «محمد».
قال حدّثني عليّ بن الصّبّاح عن ابن الكلبيّ قال: خرج النعمان بن المنذر إلى الصيد ومعه عديّ بن زيد فمروا بشجرة، فقال له عديّ بن زيد: أيّها الملك، أتدري ما تقول هذه الشجرة؟ قال: لا، قال تقول:
ربّ ركب قد أناخوا عندنا ... يشربون الخمر بالماء الزّلال
عصف الدهر بهم فانقرضوا ... وكذاك الدهر حالا بعد حال
قال: ثم جاوز الشجرة فمرّ بمقبرة، فقال له عديّ: أيّها الملك، أتدري ما تقول هذه المقبرة؟ قال: لا، قال تقول:
أيها الركب المخبّو ... ن على الأرض المجدّون
فكما أنتم كنّا ... وكما نحن تكونون
فقال له النعمان: إنّ الشجرة والمقبرة لا يتكلّمان [1]، وقد علمت أنك إنما أردت عظتي، فما السبيل التي تدرك بها النجاة؟ قال: تدع عبادة الأوثان وتعبد اللّه وتدين بدين المسيح عيسى ابن مريم؛ قال: أوفي [2] هذا النجاة؟ قال: نعم، فتنصر يومئذ. وقد قيل: إنّ هذه القصة كانت لعديّ مع النعمان الأكبر بن المنذر، وإنّ النعمان الذي قتله هو ابن المنذر بن النعمان الأكبر الذي تنصر. وخبر هذا [يأتي] [3] مع أحاديث عديّ.
__________
[1] كذا في أغلب النسخ وفي ت: «لم يتكلما».
[2] كذا في أغلب النسخ. وفي ت: «أفي» بدون واو.
[3] زيادة في ت.
9 - ذكر عديّ بن زيد ونسبه وقصته ومقتله
نسبه
هو عديّ بن زيد بن حمّاد [1] بن أيّوب بن محروف [2] بن عامر بن عصيّة بن امرىء القيس بن زيد مناة بن تميم بن مرّ بن أدّ بن طابخة بن إلياس بن مضر بن نزار.
عديّ بن زيد لا يعدّ في فحول الشعراء
وكان أيوب هذا فيما زعم ابن الأعرابيّ أوّل من سمّي من العرب أيوب، شاعر فصيح [3] من شعراء الجاهلية، وكان نصرانيا وكذلك كان أبوه وأمه وأهله، وليس ممن يعد في الفحول، وهو قرويّ. وكانوا قد أخذوا عليه [4] أشياء عيب فيها. وكان الأصمعيّ وأبو عبيدة يقولان: عديّ بن زيد في الشعراء بمنزلة سهيل في النجوم يعارضها ولا يجري معها مجراها. وكذلك عندهم أمية بن أبي الصّلت، ومثلهما كان عندهم من الإسلاميين الكميت والطّرمّاح. قال العجّاج: كانا يسألاني عن الغريب فأخبرهما به، ثم أراه في شعر هما وقد وضعاه في غير مواضعه؛ فقيل له: ولم ذاك؟ قال: لأنهما قرويّان يصفان ما لم يريا فيضعانه في غير موضعه، وأنا بدويّ أصف ما رأيت فأضعه في مواضعه. وكذلك عندهم عديّ وأمية.
سبب نزول آل عدي الحيرة
قال ابن الأعرابيّ فيما أخبرني به عليّ بن سليمان الأخفش عن السّكّريّ عن محمد بن حبيب عنه وعن هشام بن الكلبيّ عن أبيه قال [5]: سبب نزول آل عديّ بن زيد/ الحيرة أن جدّه أيوب بن محروف كان منزله اليمامة في بني امرىء القيس بن زيد مناة، فأصاب دما في قومه فهرب فلحق بأوس بن قلّام [6] أحد بني الحارث بن كعب بالحيرة. وكان بين أيّوب بن محروف وبين أوس بن قلّام هذا نسب/ من قبل النساء، فلما قدم عليه أيّوب بن محروف
__________
[1] كذا في أغلب النسخ و «معاهد التنصيص» ص 141 طبع بولاق سنة 1274 ه وفيء «حمار» بالراء واضطربت النسخ فيما يأتي في هذا الاسم، وسنجري في كتابته على ما أثبتناه هنا بالأصل. وجاء هذا الاسم في كتاب «الشعر والشعراء» لابن قتيبة مرة هكذا «حماد» بالدال ومرة «حماز» بالزاي. وفي «شعراء النصرانية» «حمار» بالراء، وكتب في التعليق عليه ويروى خمار وحماد وحماز.
[2] كذا في ب، س، ح. وفيء، أ، م «مجروف» بالجيم. واضطربت النسخ بعد هذا فمرّة يجيء بالجيم ومرة يجيء بالحاء المهملة.
وفي «شعراء النصرانية» «مجروف» بالجيم وكتب عليه في التعليق ويروى «محروف» أي بالحاء المهملة.
[3] كذا في ح، ء وفي باقي الأصول «شاعرا فصيحا».
[4] كذا في ح، ء، أ. وفي سائر النسخ: «أخذوا عليه في أشياء».
[5] كذا في ب، س، ح. وفيء، م، أ: «أنه كان سبب».
[6] جرينا في ضبط هذا الاسم على نحو ما جاء في «تاريخ ابن جرير الطبري» ص 850 قسم 1 طبع أوروبا، والقسم الرابع من «شعراء النصرانية» ص 439 طبع بيروت سنة 1890 م.
أكرمه وأنزله في داره، فمكث معه ما شاء اللّه أن يمكث، ثم إن أوسا قال له: يابن خال، أتريد المقام عندي وفي داري؟ فقال له أيّوب: نعم، فقد علمت أني إن أتيت قومي وقد أصبت فيهم دما لم أسلم، وما لي دار إلا دارك آخر الدهر؛ قال أوس: إني قد كبرت وأنا خائف أن أموت فلا يعرف ولدي لك من الحقّ مثل ما أعرف، وأخشى أن يقع بينك وبينهم أمر يقطعون فيه الرّحم، فانظر أحبّ مكان في الحيرة إليك فأعلمني به لأقطعكه أو أبتاعه لك؛ قال:
وكان لأيوب صديق في الجانب الشرقيّ من الحيرة، وكان منزل أوس في الجانب الغربيّ، فقال له: قد أحببت أن يكون المنزل الذي تسكننيه عند منزل عصام بن عبدة أحد بني الحارث بن كعب؛ فابتاع له موضع داره بثلاثمائة أوقية من ذهب وأنفق عليها مائتي أوقية ذهبا. وأعطاه مائتين من الإبل برعائها وفرسا وقينة؛ فمكث في منزل أوس حتى هلك، ثم تحوّل إلى داره التي في شرقيّ الحيرة فهلك بها. وقد كان أيوب اتصل قبل مهلكه بالملوك الذين كانوا بالحيرة وعرفوا حقّه وحقّ ابنه زيد بن أيوب، وثبت أيوب فلم يكن منهم ملك يملك إلا ولولد أيوب منه جوائز وحملان [1].
مقتل زيد بن أيوب
ثم إنّ زيد بن أيوب نكح امرأة من آل قلّام فولدت له حمّادا، فخرج زيد بن أيوب/ يوما من الأيام يريد الصيد في ناس من أهل الحيرة وهم منتدون [2] بحفير - المكان الذي يذكره عديّ بن زيد في شعره - فانفرد في الصيد وتباعد من أصحابه، فلقيه رجل من بني امرىء القيس الذين كان لهم الثأر قبل أبيه، فقال له - وقد عرف فيه شبه أيوب - : ممّن الرجل؟ قال: من بني تميم، قال: من أيّهم؟ قال: مرئيّ [3]؛ قال له الأعرابيّ: وأين منزلك؟
قال: الحيرة؛ قال أمن بني أيوب أنت؟ قال: نعم، ومن أين تعرف بني أيوب؟ واستوحش من الأعرابيّ وذكر الثأر الذي هرب أبوه منه؛ فقال له: سمعت بهم، ولم يعلمه أنه قد عرفه؛ فقال له زيد بن أيوب: فمن أيّ العرب أنت؟
قال: أنا امرؤ من طيء؛ فأمنه زيد وسكت عنه، ثم إن الأعرابيّ اغتفل [4] زيد بن أيوب فرماه بسهم فوضعه بين كتفيه ففلق قلبه، فلم يرم [5] حافر دابته حتى مات؛ فلبث أصحاب زيد حتى إذا كان الليل طلبوه وقد افتقدوه وظنّوا أنه قد أمعن في طلب الصيد، فباتوا يطلبونه حتى يئسوا منه، ثم غدوا في طلبه فاقتفوا أثره حتى وقفوا عليه ورأوا معه أثر راكب يسايره فاتبعوا الأثر حتى وجدوه قتيلا، فعرفوا أن صاحب الراحلة قتله، فاتبعوه وأغدّوا السير فأدركوه مساء الليلة الثانية، فصاحوا به وكان من أرمى الناس فامتنع منهم بالنّبل حتى حال الليل بينهم وبينه وقد أصاب رجلا منهم في مرجع [6] كتفيه بسهم فلما أجنّه الليل مات وأفلت الرامي، فرجعوا وقد قتل زيد بن أيوب ورجلا [7] آخر معه من بني الحارث بن كعب.
__________
[1] الحملان بالضم: ما يحمل عليه من الدواب في الهبة خاصة.
[2] انتدى القوم: اجتمعوا. وحفير: موضع بالحيرة ذكره البكري في «معجم ما استعجم» وأنشد عليه قول عديّ بن زيد:
قد أرانا وأهلنا بحفير ... نحسب الدهر والسنين شهورا
[3] نسبة إلى امرىء القيس، ويقال في النسبة إليه: «امرئىّ» أيضا.
[4] كذا في أغلب الأصول ولم نجد في معاجم اللغة التي بأيدينا اغتفل فلانا بمعنى تغفله أو استغفله. وفي م: «اعتقل».
[5] أي لم يبرح.
[6] مرجع كتفيه: أسفلهما.
[7] كذا في أغلب النسخ. وفي أ، م: «و قد قتل زيد بن أيوب ورجل آخر».
تولى حماد بن زيد الكتابة للنعمان الأكبر
فمكث حماد/ في أخواله حتى أيفع [1] ولحق بالوصفاء؛ فخرج يوما من الأيام يلعب مع غلمان بني لحيان، فلطم اللّحيانيّ عين حماد فشجّه حمّاد، فخرج أبو اللّحيانيّ فضرب حمادا، فأتى حماد أمّه يبكي، فقالت له: ما شأنك؟
فقال: ضربني فلان لأن ابنه لطمني فشججته، فجزعت من ذلك وحوّلته إلى دار زيد بن أيوب وعلّمته الكتابة في دار أبيه، فكان حماد/ أوّل من كتب من بني أيّوب، فخرج من أكتب الناس وطلب حتى صار كاتب الملك [2] النّعمان الأكبر، فلبث كاتبا له حتى ولد له ابن من امرأة تزوّجها من طيء فسماه زيدا باسم أبيه.
سبب اتصال زيد بن حماد بكسرى
وكان لحمّاد صديق من الدّهاقين [3] العظماء يقال له فرّوخ ماهان، وكان محسنا إلى حماد، فلما حضرت حمادا الوفاة أوصى بابنه زيد إلى الدّهقان، وكان من المرازبة، [4] فأخذه الدّهقان إليه فكان عنده مع ولده، وكان زيد قد حذق الكتابة والعربية قبل أن يأخذه الدّهقان، فعلّمه لمّا أخذه الفارسيّة فلقنها [5]، وكان لبييا فأشار الدّهقان على كسرى أن يجعله على البريد في حوائجه، ولم يكن كسرى يفعل ذلك إلا بأولاد المرازبة، فمكث يتولّى ذلك لكسرى زمانا.
تمليك زيد بن حماد على الحيرة
ثم إنّ النّعمان النّصري اللّخميّ هلك، فاختلف أهل الحيرة فيمن يملّكونه إلى أن يعقد كسرى الأمر لرجل ينصبّه، فأشار عليهم المرزبان بزيد بن حمّاد، فكان على الحيرة إلى أن ملّك كسرى المنذر بن ماء السماء/ ونكح زيد بن حمّاد نعمة بنت ثعلبة العدويّة فولدت له عدياّ، وملك المنذر وكان لا يعصيه في شيء، وولد للمرزبان ابن فسمّاه «شاهان مرد».
تعلم عديّ بن زيد الكتابة والكلام بالفارسية
فلما تحرّك عديّ بن زيد وأيفع طرحه أبوه في الكتّاب [6]، حتى إذا حذق أرسله المرزبان مع ابنه «شاهان مرد» إلى كتّاب الفارسية، فكان يختلف مع ابنه ويتعلّم الكتابة والكلام بالفارسيّة حتى خرج من أفهم الناس بها وأفصحهم بالعربية وقال الشعر، وتعلّم الرمي بالنّشّاب فخرج من الأساورة [7] الرّماة، وتعلّم
__________
[1] يقال: أيفع الغلام فهو يافع إذا شارف الاحتلام. والوصفاء: جمع وصيف وهو الغلام دون المراهق. ويقال: وصف الغلام إذا بلغ الخدمة فهو وصيف.
[2] كذا في أ، ح. وفي باقي النسخ: «ملك» بدون أل.
[3] الدهاقين: جمع دهقان وهو التاجر فارسيّ معرّب.
[4] المرزبان بضم الزاي: أحد مرازبة الفرس وهو الفارس الشجاع المقدّم على القوم دون الملك وهو فارسيّ معرّب.
[5] كذا في أغلب الأصول، ولقنها: فهمها. وفي ب، س: «فلقفها» بالفاء، يقال: لقف الشيء يلقفه لقفا أي تناوله بسرعة ويستعمل في سرعة الأخذ لما يرمى باليد أو باللسان ومنه رجل ثقف لقف أي سريع الفهم لما يرمي إليه من كلام باللسان، وسريع الأخذ لما يرمي إليه باليد، وقد يفرد لقف فيكون معناه ما تقدّم.
[6] الكتّاب: موضع تعليم الكتابة، يقال: سلّم ولده في الكتّاب أي المكتب. وأنكر المبرّد هذا المعنى وقال: من جعل الموضع الكتّاب فقد أخطأ. وقال الشهاب في «شرح الشفاء»: أن الكتّاب للمكتب وارد في كلامهم كما في الأساس وغيره ولا عبرة بمن قال: إنه.
مولد (انظر «تاج العروس» مادة كتب).
[7] الأساورة: جمع الأسوار بالضم أو الكسر وهو الجيد الرمي بالسهام. وقال أبو عبيد: أساورة الفرس: فرسانهم المقاتلون. وقال الخوارزمي في «مفاتيح العلوم»: العجم لا تضع اسم أسوار إلا على الرجل البطل الشجاع.
لعب العجم على الخيل بالصّوالجة [1] وغيرها.
اتصاله بكسرى وتوليه الكتابة في ديوانه
ثم إنّ المرزبان وفد على كسرى ومعه ابنه «شاهان مرد» فبينما هما واقفان بين يديه إذ سقط طائران على السّور فتطاعما كما يتطاعم الذكر والأنثى فجعل كلّ واحد منقاره في منقار الآخر، فغضب كسرى من ذلك [2] ولحقته غيرة، فقال للمرزبان وابنه: ليرم كلّ واحد منكما واحدا من هذين الطائرين، فإن قتلتماهما أدخلتكما بيت المال وملأت أفواهكما بالجوهر، ومن أخطأ منكما عاقبته؛ فاعتمد كلّ واحد منهما طائرا منهما ورميا فقتلاهما جميعا، فبعثهما إلى بيت المال فملئت أفواههما جوهرا، وأثبت «شاهان مرد» وسائر أولاد المرزبان في صحابته؛ فقال فرّوخ ماهان عند ذلك للملك: إنّ عندي غلاما من العرب مات أبوه وخلّفه في حجري [3] فربّيته، فهو أفصح الناس وأكتبهم بالعربيّة/ والفارسيّة، والملك محتاج إلى مثله، فإن رأى أن يثبته في ولدي فعل؛ فقال: ادعه، فأرسل إلى عديّ بن زيد، وكان جميل الوجه فائق الحسن وكانت الفرس تتبرّك بالجميل الوجه، فلما كلّمه وجده أظرف الناس وأحضرهم جوابا، فرغب فيه وأثبته مع ولد المرزبان.
عديّ أوّل من كتب بالعربية في ديوان كسرى
فكان عديّ أوّل من كتب بالعربية في ديوان كسرى، فرغب أهل الحيرة إلى عديّ ورهبوه، فلم يزل بالمدائن في ديوان كسرى يؤذن له عليه في الخاصّة وهو معجب به قريب منه، وأبوه زيد بن حماد يومئذ حيّ إلا أنّ ذكر عديّ قد ارتفع وخمل ذكر أبيه، فكان عديّ إذا دخل على المنذر قام جميع من عنده حتى يقعد عديّ، فعلا له بذاك صيت [4] عظيم، فكان إذا أراد المقام بالحيرة في منزله ومع أبيه وأهله استأذن كسرى فأقام فيهم الشهر والشهرين وأكثر وأقلّ.
إرسال كسرى له إلى ملك الروم
/ ثم إنّ كسرى أرسل عديّ بن زيد إلى ملك الروم بهديّة من طرف ما عنده، فلما أتاه عديّ بها أكرمه وحمله إلى عمّاله على البريد ليريه سعة أرضه وعظيم [5] ملكه - وكذلك كانوا يصنعون - فمن ثمّ وقع عديّ بدمشق، وقال فيها الشعر. فكان مما قاله بالشأم وهي [6] أوّل شعر قاله فيما ذكر:
ربّ دار بأسفل الجزع من دو ... مة [7] أشهى إليّ من جيرون [8]
__________
[1] الصوالجة: جمع صولجان وهو عصا يعطف طرفها يضرب بها الكرة على الدواب، وهو فارسيّ معرّب، فأما العصا التي اعوج طرفاها خلقة في شجرتها فهي المحجن.
[2] كذا في أغلب النسخ. وفي ح: «من تلك الحال».
[3] في ح: «و خلّفه عندي».
[4] في ح، أ، م: «صوت» كلاهما صحيح فإن الصوت لغة في الصيت.
[5] كذا في ب، س. وفي باقي النسخ: «و عظم ملكة».
[6] كذا في جميع النسخ والضمير عائد على الأبيات الثلاثة الآتية. وفي «معاهد التنصيص» ص 143 طبع بولاق سنة 1274 ه: «و هو أوّل شعر قاله».
[7] دومة: قرية من قرى غوطة دمشق، والظاهر أنها غير مرادة في هذا البيت، واسم لموضع بين الشأم والموصل. قال البكري في «معجم ما استعجم»: «و دومة هذه من منازل جذيمة الأبرش، وهذه دومة الحيرة أمّا دومة الجندل فهي على عشر مراحل من المدينة وعشر من الكوفة وثمان من دمشق وكان بها طائفة من النصارى».
[8] جيرون: بناء عند باب دمشق وهو سقيفة مستطيلة على عمد وسقائف وحولها مدينة تطيف بها، والمعروف اليوم أن بابا من أبواب
/ و
ندامى لا يفرحون بمانا ... لوا ولا يرهبون [1] صرف المنون
قد سقيت الشّمول في دار بشر ... قهوة مرّة [2] بماء سخين
ثم كان أوّل ما قاله بعدها قوله:
لمن الدار تعفّت بخيم [3] ... أصبحت غيّرها طول القدم
ما تبين العين من آياتها ... غير نؤي مثل خطّ بالقلم
صالحا قد لفّها فاستوسقت [4] ... لفّ بازيّ حماما في سلم [5]
تولية أهل الحيرة زيدا أبا عديّ على الحيرة وابقاء اسم الملك للمنذر
قال: وفسد أمر الحيرة وعديّ بدمشق حتى أصلح أبوه بينهم، لأن أهل الحيرة حين كان عليهم المنذر أرادوا قتله لأنه كان لا يعدل فيهم، وكان يأخذ من أموالهم ما يعجبه، فلما تيقّن أن أهل الحيرة قد أجمعوا على قتله بعث إلى زيد بن حماد بن زيد بن أيوب، وكان قبله على الحيرة، فقال له: يا زيد أنت خليفة أبي، وقد بلغني ما أجمع عليه أهل الحيرة فلا حاجة لي في ملككم، دونكموه ملّكوه من شئتم؛ فقال له زيد: إنّ الأمر ليس إليّ، ولكنّي أسبر [6] لك هذا الأمر ولا آلوك نصحا، فلما أصبح غدا إليه الناس فحيّوه تحيّة الملك، وقالوا له: ألا تبعث إلى عبدك الظالم - يعنون المنذر - فتريح منه رعيّتك؟ فقال لهم: أولا خير من ذلك! قالوا: أشر علينا؛ قال: تدعونه على حاله فإنه من أهل بيت ملك، وأنا آتيه فأخبره أنّ أهل الحيرة قد اختاروا رجلا يكون أمر الحيرة إليه إلا أن يكون غزو أو قتال،/ فلك اسم الملك وليس إليك سوى ذلك من الأمور؛ قالوا: رأيك أفضل. فأتى المنذر فأخبره بما قالوا؛ فقبل ذلك وفرح، وقال: إنّ لك يا زيد عليّ نعمة لا أكفرها ما عرفت حقّ سبد [7] - وسبد صنم كان لأهل الحيرة - فولّى أهل الحيرة زيدا على كل شيء سوى اسم الملك فإنهم أقرّوه للمنذر. وفي ذلك يقول عديّ:
نحن كنّا قد علمتم قبلكم ... عمد البيت وأوتاد الإصار [8]
__________
- الجامع بدمشق وهو بابه الشرقيّ يقال له: «باب جيرون» وقال قوم: جيرون هي دمشق نفسها. انظر «معجم ياقوت».
[1] في م، أ: «يتّقون».
[2] كذا بالأصول ولعلها مزّة والمزّة: الخمر اللذيذة الطعم وتفتح ميمها، سميت بذلك للذعها اللسان، قال الأعشي:
نازعتهم قضب الريحان متكأ ... وقهوة مزّة راووقها خضل
وقد ورد هذا البيت في «اللسان» بضم الميم في مادة مزز وفي «المخصص» في باب الخمر بفتحها.
[3] خيم: موضع.
[4] أي جمعها فاجتمعت.
[5] السلم: شجر ورقه القرظ الذي يدبغ به.
[6] سبر الأمر: اختبره واستخرج كنهه.
[7] لم نجد اسم هذا الصنم في «كتاب الأصنام» لابن الكلبيّ ولا في «كتب اللغة» التي بين أيدينا. وقد اطلعنا على مقالة للأب انستانس الكرملي نشرت في صحيفة دار السلام البغدادية في عدد تشرين الثاني سنة 1919 م وأورد صاحب المقالة المذكورة كلام «الأغاني» هذا وقال فيه: «و لعله مصريّ الأصل إذ كان عند أبناء وادي النيل إله يعرف باسم (سوبدو)».
[8] الإصار: الطنب وهو حبل الخباء والسرادق ونحوهما.
قدوم عديّ للحيرة وخروج المنذر للقائه
قال: ثم هلك زيد وابنه عديّ يومئذ بالشأم. وكانت لزيد ألف ناقة للحمالات [1] كان أهل الحيرة أعطوه إياها حين ولّوه ما ولّوه، فلما هلك أرادوا أخذها؛ فبلغ ذلك المنذر، فقال: لا، والّلات والعزّى لا يؤخذ مما كان في يد زيد ثفروق [2] وأنا أسمع الصّوت.
ففي ذلك يقول عديّ بن زيد لابنه النّعمان بن المنذر:
وأبوك المرء لم يشنأ [3] به ... يوم سيم الخسف منّا ذو الخسار
قال: ثم إنّ عديا قدم المدائن على كسرى بهديّة قيصر، فصادف أباه والمرزبان الذي ربّاه قد هلكا جميعا، فاستأذن كسرى في الإلمام بالحيرة فأذن له فتوجّه إليها، وبلغ المنذر خبره/ فخرج فتلقّاه في الناس ورجع معه.
وعديّ أنبل أهل الحيرة في أنفسهم، ولو أراد أن يملّكوه لملّكوه، ولكنه كان يؤثر الصيد واللّهو واللعب على الملك، فمكث/ سنين يبدو [4] في فصلي السنّة فيقيم في جفير [5] ويشتو بالحيرة، ويأتي المدائن في خلال ذلك فيخدم كسرى، فمكث كذلك سنين، وكان لا يؤثر على بلاد بني يربوع مبدى من مبادي العرب ولا ينزل في حيّ من أحياء بني تميم غيرهم، وكان أخلّاؤه من العرب كلّهم بني جعفر، وكانت إبله في بلاد بني ضبّة وبلاد بني سعد، وكذلك كان أبوه يفعل: لا يجاوز هذين الحيّين بإبله.
تزّوجه هند بنت النعمان
ولم يزل على حاله تلك حتى تزوّج هند [6] بنت النعمان بن المنذر، وهي يومئذ جارية حين بلغت أو كادت.
وخبره يذكر في تزويجها بعد هذا.
قال ابن حبيب وذكر هشام بن الكلبيّ عن إسحاق بن الجصّاص وحمّاد الرواية وأبي محمد بن السائب قال:
كان لعديّ بن زيد أخوان: أحدهما اسمه عمّار ولقبه أبيّ، والآخر اسمه عمرو ولقبه سميّ، وكان لهم أخ من أمهم يقال له عديّ بن حنظلة من طيء، وكان أبيّ يكون عند كسرى، وكانوا أهل بيت نصارى يكونون مع الأكاسرة، ولهم معهم أكل [7] وناحية، يقطعونهم القطائع ويجزلون صلاتهم.
جعل المنذر ابنه النعمان في حجر عديّ
وكان المنذر لما ملك جعل ابنه النعمان بن المنذر في حجر عديّ بن زيد، فهم الذين أرضعوه وربّوه، وكان
__________
[1] الحمالات: جمع حمالة بالفتح وهو الدية والغرامة التي يحملها قوم عن قوم.
[2] الثفروق: علاقة ما بين النواة والقمع من التمرة، وقال الأصمعيّ: الثفروق قمع البسرة والتمرة، ويكنى به عن القلة فيقال: ماله ثفروق أي ماله شيء، والذفروق بالذال لغة فيه. انظر «اللسان» في مادة «ثفرق».
[3] كذا في أغلبّ النسخ. وفي ح «لم نشق به».
[4] أي يخرج إلى البادية.
[5] كذا في جمع النسخ وجفير بفتح الجيم وكسر الفاء ذكره ياقوت في «معجمه» وقال: هو موضع في شعر حجر الملك آكل المرار.
وقال البكري في «معجم ما استعجم»: هو ماءة في ضرية، ومعلوم أن ضرية بنجد، أما جفير كزبير فقرية بالبحرين ذات رياض ومياه ومنازه.
[6] كذا في أ، م بالمنع من الصرف وفي ب، س، ح «هندا» بالصرف وكلاهما صحيح إلا أن المنع أكثر.
[7] الأكل: الرزق يقال: فلان ذو أكل إذا كان ذا رزق وحظ واسع في الدنيا.
للمنذر ابن آخر يقال له «الأسود» أمّه مارية بنت الحارث بن جلهم من تيم الرّباب،/ فأرضعه وربّاه قوم من أهل الحيرة يقال لهم بنو مرينا [1] ينتسبون إلى لخم وكانوا أشرافا. وكان للمنذر سوى هذين من الولد عشرة، وكان ولده يقال لهم «الأشاهب» [2] من جمالهم، فذلك قول أعشى بن قيس بن ثعلبة:
وبنو المنذر الأشاهب في الحي ... رة يمشون غدوة كالسيوف
سعي عديّ بن زيد في ولاية النعمان بن المنذر وسبب الخلاف بينه وبين عديّ بن مرينا
وكان النعمان من بينهم أحمر أبرش [3] قصيرا، وأمّه سلمى بنت وائل بن عطيّة الصائغ من أهل فدك [4]، فلما احتضر المنذر وخلّف أولاده العشرة، وقيل: بل كانوا ثلاثة عشر، أوصى بهم إلى إياس بن قبيصة الطّائيّ، وملّكه على الحيرة إلى أن يرى كسرى رأيه، فمكث عليها أشهرا وكسرى في طلب رجل يملّكه عليهم، وهو كسرى بن هرمز، فلم يجد أحدا يرضاه فضجر فقال: لأبعثنّ إلى الحيرة اثني عشر ألفا من الأساورة، ولأملّكنّ عليهم رجلا من الفرس، ولآمرنّهم أن ينزلوا على العرب في دورهم ويملكوا عليهم أموالهم ونساءهم، وكان عديّ بن زيد واقفا بين يديه، فأقبل عليه وقال: ويحك يا عديّ: من بقي من آل المنذر؟ وهل فيهم أحد فيه خير؟ فقال: نعم أيها الملك السعيد، إنّ في ولد المنذر لبقية وفيهم كلّهم خير، فقال: ابعث إليهم فأحضرهم، فبعث عديّ إليهم فأحضرهم وأنزلهم جميعا عنده، ويقال: بل شخص/ عديّ بن زيد إلى الحيرة حتى خاطبهم بما أراد [5] وأوصاهم، ثم قدم بهم على كسرى. قال: فلما نزلوا على عديّ بن زيد أرسل إلى النّعمان: لست أملّك غيرك فلا يوحشنّك ما أفضّل به إخوتك عليك من الكرامة فإني إنما أغترّهم بذلك، ثم كان يفضّل إخوته جميعا عليه في النّزل وإلاكرام والملازمة ويريهم تنقّصا للنّعمان وأنه غير طامع/ في تمام أمر على يده، وجعل يخلو بهم رجلا رجلا فيقول: إذا أدخلتكم على الملك فالبسوا أفخر ثيابكم وأجملها، وإذا دعا لكم بالطعام لتأكلوا فتباطئوا في الأكل وصغّروا اللّقم ونزّروا ما تأكلون، فإذا قال لكم: أتكفونني العرب؟ فقولوا: نعم، فإذا قال لكم: فإن شذّ أحدكم عن الطاعة وأفسد، أتكفوننيه؟ فقولوا: لا، إنّ بعضنا لا يقدر على بعض، ليهابكم ولا يطمع في تفرّقكم ويعلم أن للعرب منعة وبأسا فقبلوا منه، وخلا بالنعمان فقال له: البس ثياب السفر وادخل متقلّدا بسيفك، وإذا جلست للأكل فعظّم اللّقم وأسرع المضغ والبلع وزد في الأكل وتجوّع قبل ذلك، فإن كسرى يعجبه كثرة الأكل من العرب خاصّة، ويرى أنه لا خير في العربيّ إذا لم يكن أكولا شرها، ولا سيّما إذا رأى غير طعامه وما لا عهد له بمثله، وإذا سألك هل تكفيني العرب؟
فقل: نعم، فإذا قال لك: فمن لي بإخوتك؟ فقل له: إن عجزت عنهم فإني عن غيرهم لأعجز. قال: وخلا ابن مرينا بالأسود فسأله عما أوصاه به عديّ فأخبره، فقال: غشّك والصليب والمعموديّة وما نصحك، لئن أطعتني
__________
[1] بنو مرينا: قوم من أهل الحيرة من قبائل العباد، وهم الذين ذكرهم امرؤ القيس في قوله:
فلو في يوم معركة أصيبوا ... ولكن في ديار بني مرينا
وليس مرينا بكلمة عربية. (انظر «تاج العروس» و «اللسان» مادة مرن).
[2] الشهبة في الأصل: بياض يخالطه سواد وقيل البياض الذي يغلب على السواد، وقد يقال على مطلق البياض كما قالوا سنة شهباء أي بيضاء لكثرة الثلج وعدم النبات. وفي «القاموس» «و الأشاهب بنو المنذر لجمالهم» قال شارحه السيد مرتضى: سموا بذلك لبياض وجوههم.
[3] الأبرش: الأرقط الأنمر وهو الذي يكون فيه بقعة بيضاء وأخرى أيّ لون كان.
[4] فدك: قرية بالحجاز بينها وبين المدينة يومان.
[5] في ب، س: «أرادوا» والصواب ما أثبتناه.
لتخالفنّ كلّ ما أمرك به ولتملّكنّ، ولئن عصيتني ليملّكنّ النعمان ولا يغرّنك ما أراكه من الإكرام والتفضيل على النعمان، فإن ذلك دهاء فيه ومكر، وإن هذه المعدّيّة لا تخلو من مكر وحيلة، فقال له: إن عديا لم يألني نصحا وهو أعلم بكسرى منك، وإن خالفته أو حشته وأفسد عليّ/ وهو جاء بنا ووصفنا وإلى قوله يرجع كسرى، فلمّا أيس ابن مرينا من قبوله منه قال: ستعلم. ودعا بهم كسرى، فلما دخلوا عليه أعجبه جمالهم وكمالهم ورأى رجالا قلّما رأى مثلهم، فدعا لهم بالطعام ففعلوا ما أمرهم به عديّ، فجعل ينظر إلى النعمان من بينهم ويتأمّل أكله، فقال لعديّ بالفارسية: إن يكن في أحد منهم خير ففي هذا، فلما غسلوا أيديهم جعل يدعو بهم رجلا رجلا فيقول له: أتكفيني العرب؟ فيقول: نعم أكفيكها كلّها إلا إخوتي، حتى انتهى النعمان آخرهم فقال له: أتكفيني العرب؟ قال: نعم قال: كلّها؟ قال: نعم، قال: فكيف لي بإخوتك؟ قال: إن عجزت عنهم فأنا عن غيرهم أعجز، فملّكه وخلع عليه وألبسه تاجا قيمته ستون ألف درهم فيه اللؤلؤ والذهب.
توعد عديّ بن مرينا لعديّ بن زيد بأن يهجوه ويبغيه الغوائل ما بقي
فلما خرج وقد ملّك قال ابن مرينا للأسود: دونك عقبى خلافك لي!. ثم أن عديا صنع طعاما في بيعة وأرسل إلى ابن مرينا أن ائتني بمن أحببت فإنّ لي حاجة فأتى في ناس فتغدّوا في البيعة، فقال عديّ بن زيد لابن مرينا: يا عديّ، إنّ أحقّ من عرف الحقّ ثم لم يلم عليه من كان مثلك، وإني قد عرفت أنّ صاحبك الأسود بن المنذر كان أحبّ إليك أن يملّك من صاحبي النعمان، فلا تلمني على شيء كنت على مثله، وأنا أحبّ ألّا تحقد عليّ شيئا لو قدرت عليه ركبته، وأنا أحبّ أن تعطيني من نفسك ما أعطيك من نفسي، فإنّ نصيبي في هذا الأمر ليس بأوفر من نصيبك، وقام إلى البيعة فحلف ألّا يهجوه أبدا ولا يبغيه غائلة ولا يزوي عنه خيرا أبدا. فلما فرغ عديّ بن زيد، قام عديّ بن مرينا فحلف مثل يمينه ألّا يزال يهجوه أبدا ويبغيه الغوائل ما بقي. وخرج النعمان حتى نزل منزل أبيه بالحيرة، فقال/ عديّ بن مرينا لعديّ بن زيد:
/ ألا أبلغ عديّا عن عديّ ... فلا تجزع وإن رثّت [1] قواكا
هياكلنا تبرّ لغير فقر [2] ... لتحمد [3] أو يتمّ به غناكا [4]
فإن تظفر فلم تظفر حميدا ... وإن تعطب فلا يبعد سواكا
ندمت ندامة الكسعيّ [5] لمّا ... رأت عيناك ما صنعت يداكا
تدبير عديّ بن مرينا المكيدة لعديّ بن زيد
قال: ثم قال عديّ بن مرينا للأسود: أما إذا لم تظفر فلا تعجزنّ أن تطلب بثأرك من هذا المعدّيّ الذي فعل
__________
[1] رثّت: ضعفت.
[2] كذا في م «فقر» بالراء المهملة. وفي باقي النسخ «فقد» بالدال المهملة.
[3] كذا في ح و«شعراء النصرانية» «لتحمد» بالتاء وفي باقي النسخ «ليحمد» بالياء.
[4] كذا في ح بالغين المعجمة. وفي باقي النسخ «عناكا» بالعين المهملة.
[5] الكسعيّ: نسبة إلى كسع: حيّ من قيس عيلان وقيل هم حيّ من اليمن رماة. والكسعيّ هذا يضرب به المثل في الندامة وهو رجل رام رمى بعد ما أظلم الليل عيرا فأصابه وظنّ أنه أخطأه فكسر قوسه ثم ندم من الغد حين نظر إلى العير مقتولا وسهمه فيه، فصار مثلا لكل نادم على فعل يفعله. وإياه عني الفرزدق بقوله:
ندمت ندامة الكسعيّ لمّا ... غدت منّي مطلّقة نوار
(انظر «اللسان» مادة كسع).
بك ما فعل، فقد كنت أخبرك أن معدّا لا ينام كيدها ومكرها وأمرتك أن تعصيه فخالفتني، قال: فما تريد؟ قال: أريد ألّا تأتيك فائدة من مالك وأرضك إلا عرضتها عليّ ففعل. وكان ابن مرينا كثير المال والضّيعة، فلم يكن في الدهر يوم يأتي إلا على باب النعمان هدية من ابن مرينا، فصار من أكرم الناس عليه حتى كان لا يقضي في ملكه شيئا إلا بأمر ابن مرينا، وكان إذا ذكر عديّ بن زيد عند النعمان أحسن الثناء عليه وشيّع [1] ذلك بأن يقول: إن عديّ بن زيد فيه مكر وخديعة، والمعدّيّ لا يصلح إلا هكذا. فلما رأى من يطيف بالنعمان منزلة ابن مرينا عنده لزموه وتابعوه، فجعل يقول لمن يثق به من أصحابه: إذا رأيتموني أذكر عديّا عند الملك بخير فقولوا: إنه لكذلك، ولكنه لا يسلم عليه/ أحد وإنه ليقول: إنّ الملك - يعني النعمان - عامله، وإنه هو ولّاه ما ولّاه، فلم يزالوا بذلك حتى أضغنوه عليه، فكتبوا كتابا على لسانه إلى قهرمان [2] له ثم دسّوا إليه حتى أخذوا الكتاب منه وأتوا به النعمان فقرأه فاشتدّ غضبه، فأرسل إلى عديّ بن زيد:
حبس النعمان لعديّ بن زيد وما خاطب به عديّ النعمان من الشعر
عزمت عليك إلّا زرتني فإنّي قد اشتقت إلى رؤيتك، وعديّ يومئذ عند كسرى، فاستأذن كسرى فأذن له. فلما أتاه لم ينظر إليه حتى حبسه في محبس لا يدخل عليه فيه أحد، فجعل عديّ يقول الشعر وهو في الحبس، فكان أوّل ما قاله وهو محبوس من الشعر:
ليت شعري عن الهمام ويأتي ... ك بخبر الأنباء عطف السّؤال
أين عنّا إخطارنا [3] المال والأنف ... س إذ ناهدوا [4] ليوم المحال [5]
ونضالي في جنبك الناس يرمو ... ن وأرمي وكلّنا غير آلي [6]
فأصيب الذي تريد بلا غشّ ... وأربي عليهم وأوالي
ليت أنّي أخذت حتفي بكفّيّ ... ولم ألق ميتة الأقتال [7]
محلوا [8] محلهم لصرعتنا العا ... م فقد أوقعوا الرحا بالثّفال [9]
/و هي قصيدة طويلة. قالوا وقال أيضا وهو محبوس:
أرقت لمكفهرّ بات فيه ... بوارق يرتقين رؤوس بشيب
__________
[1] شيّع: اتبع.
[2] القهرمان: أمين الملك وخاصته فارسيّ معرّب، ويطلق في لغة الفرس على القائم بأمور الرجل كالخازن والوكيل.
[3] إخطار المال والنفس: بذلهما وجعلهما خطرا. قال صاحب «اللسان»: والمخطر: الذي يجعل نفسه خطرا لقرن فيبارزه ويقاتله، وساق في الاستشهاد على هذا المعنى بيت عديّ هذا «أين عنا إخطارنا» البيت.
[4] المناهدة في الحرب: المناهضة. وفي المحكم: المناهدة في الحرب: أن ينهد بعض إلى بعض وهو في معنى النهوض إلا أن النهوض قيام عن قعود، والنهود: نهوض على كل حال. (انظر «المخصص» لابن سيده في ج 6 و «اللسان» مادة نهد).
[5] المحال: الكيد أو المكر.
[6] أي غير مقصر.
[7] الأقتال: جمع قتل (بالكسر) وهو العدوّ.
[8] يقال: محل فلان بصاحبه (مثلثة الحاء) إذا سعى به إلى السلطان.
[9] الثفال بالكسر: الجلد الذي يبسط تحت رحا اليد ليقي الطحين من التراب، وقد يطلق الثفال على الحجر الأسفل من الرحا.
تلوح المشرفيّة ذراه ... ويجلو صفح دخدار قشيب
ويروي: تخال المشرفيّة. والدخدار: فارسية معرّبة وهو الثوب المصون. يقول فيها:
سعى الأعداء لا يألون شرّا ... عليّ [1] وربّ مكة والصليب
/ أرادوا كي تمهّل عن عديّ ... ليسجن أو يدهده [2] في القليب
وكنت لزاز [3] خصمك لم أعرّد [4] ... وقد سلكوك [5] في يوم عصيب
أعالنهم وأبطن كلّ سرّ ... كما بين اللّحاء [6] إلى العسيب
ففزت عليهم لمّا التقينا ... بتاجك فوزة القدح الأريب [7]
وما دهري [8] بأن كدّرت فضلا ... ولكن ما لقيت من العجيب
/ ألا من مبلغ النعمان عنّي ... وقد تهدى [9] النّصيحة بالمغيب
أحظّي كان سلسلة وقيدا ... وغلّا والبيان لدى الطبيب
أتاك بأنّني قد طال حبسي ... ولم تسأم بمسجون حريب [10]
وبيتي مقفر إلا نساء [11] ... أرامل قد هلكن من النّحيب
يبادرن الدموع على عديّ ... كشنّ [12] خانه خرز الرّبيب
يحاذرن الوشاة على عديّ ... وما اقترفوا عليه من الذّنوب
فإن أخطأت أو أوهمت أمرا ... فقديهم المصافي بالحبيب
وإن أظلم فقد عاقبتموني ... وإن أظلم فذلك من نصيبي
__________
[1] كذا في م، أوهو المناسب للمعنى. وفي ب، س، ح «عليك».
[2] دهده الشي ء: حدره من علو إلى سفل تدحرجا.
[3] أي لا أدع خصمك يخالف ويعاند، يقال: فلان لزاز لفلان أي لا يدعه يخالفه ويعانده.
[4] الذي في جميع الأصول و «شعراء النصرانية» «لم أعدّد» بالدال المهملة وهو تحريف وما أثبتناه هو الوارد في «لسان العرب» في مادة «سلك» والتعريد: الاحجام والنكول يقال: عرّد الرجل عن قرنه إذا أحجم ونكل وفرّ.
[5] سلكوك أي أدخلوك. وفي التنزيل: (كَذلِكَ سَلَكْناهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ)
أي أدخلناه.
[6] اللحاء: ما على العود من القشر. والعسيب: جريد النخل إذا نحى عنه خوصه. ولعل المراد أن الشرّ يبقى عنده مكتوما مستورا كما أن ما بين العصا ولحائها يكون مستورا عن أعين الناظرين.
[7] لم نجد للأريب معنى يناسب القدح ومن أسماء القداح «الرقيب» وبعضهم يسميه «الضريب» وكلاهما متفق مع هذه القافية ولم نجزم بالتحريف؛ وقد وجدنا آرب على القوم: فاز عليهم وفلج. وأرب عليه: قوى، وأرب الدهر يأرب إذا اشتدّ. فلعل وصف القدح بالأريب يرجع إلى معنى الفوز.
[8] يقال: ما دهري بكذا أي ما إرادتي وغايتي كذا. قال متمم بن نويرة:
لعمري وما دهري بتأبين هالك ... ولا جزعا مما أصاب فأوجعا
[9] كذا في م، أ. وفي ب، س، ح: «تهوي» بالواو وهو تحريف.
[10] الحريب: الذي سلب ماله وعقاره.
[11] كذا في جميع النسخ. وورد هذا الشطر في «شعراء النصرانية» هكذا: «و بيتي مقفر الأرجاء فيه».
[12] الشنّ: الخلق من كل آنية صنعت من جلد. والربيب: من رب الأمر إذا أصلحه، ومنه الربيبة للحاضنة لأنها تصلح الصبيّ وتقوم به.
وإن أهلك تجد فقدي وتخذل ... إذا التقت العوالي في الحروب
فهل لك أن تدارك ما لدينا ... ولا تغلب على الرأي المصيب
فإني قد وكلت اليوم أمري ... إلى ربّ قريب [1] مستجيب
قالوا: وقال فيه أيضا:
طال ذا الليل علينا واعتكر ... وكأني ناذر الصبح سمر
من نجيّ الهمّ عندي ثاويا ... فوق ما أعلن منه وأسر
وكأن اللّيل فيه مثله ... ولقد ما ظنّ بالليل القصر
/ لم أغمّض طوله حتى انقضى ... أتمنّى لو أرى الصّبح جشر [2]
غير ما عشق ولكن طارق ... خلس النوم وأجداني [3] السّهر
وفيها يقول:
أبلغ النّعمان عنّي مألكا [4] ... قول من قد خاف ظنّا فاعتذر
أنّني واللّه، فاقبل حلفي ... لأبيل [5] كلّما صلّى جأر
مرعد أحشاؤه في هيكل ... حسن لمته وافي الشّعر
ما حملت الغلّ من أعدائكم ... ولدى اللّه من العلم المسر
لا تكوننّ كآسي [6] عظمه ... بأسا حتى إذا العظم جبر
عاد بعد الجبر يبغي [7] وهنه ... ينحونّ المشي منه فانكسر
واذكر النّعمى التي لم أنسها ... لك في السّعي إذا العبد كفر
/ وقال له أيضا - وهي قصيدة طويلة - :
/ أبلغ النّعمان عنّي مألكا ... أنه [8] قد طال حبسي وانتظاري
__________
[1] في م، أ: «سميع مستجيب».
[2] كذا في ح وجشر: طلع، يقال: جشر الصبح يجشر جشورا أي طلع وانفلق. وفي أغلب النسخ: «حسر» بالسين المهملة.
[3] أجداني: أعطاني.
[4] المألك بفتح اللام وضمها: الرسالة لأنها تؤلك في الفم (تلاك)، قال ابن برّي: وقد يقال مألكة، وروى عن محمد بن يزيد أنه قال: مألك جمع مألكة. انظر «اللسان» مادة ألك. وقال البغدادي في «خزانة الأدب» ص 597 ج 3: والمألك بسكون الهمزة وضم اللام: الرسالة، وقال الزّجاج: مألك جمع مألكة.
[5] كذا في ب، س، ء و «شعراء النصرانية». وفي سائر النسخ: «بأبيل» والأبيل: الراهب. ولعله يريد على الرواية الأولى أنه يحلف باللّه كما يحلف الراهب إنه ما حمل الغل إلخ، وعلى الرواية الثانية يريد استحلافه باللّه أن يقبل حلفه بأبيل موصوف بهذه الصفات إنه ما حمل الغل إلخ، وقد أورد صاحب «اللسان» هذا البيت بالرواية الثانية هكذا:
إنني واللّه فاسمع حلفي ... بأبيل كلما صلى جأز
ثم قال: «كانوا يعظمون الأبيل فيحلفون به كما يحلفون باللّه».
[6] الآسي: المداوي. والأسا: العلاج والمداواة.
[7] كذا في ح، أ، م. وفي ب، س و «شعراء النصرانية»: «ينعي» بالنون والعين ولم يظهر له معنى مناسب.
[8] كذا في م، أو «شواهد التلخيص». وفي ب، س، ح: «أنني».
لو بغير الماء حلقي شرق ... كنت كالغصّان بالماء اعتصاري [1]
ليت شعري عن دخيل يفتري ... حيثما أدرك ليلي ونهاري
قاعدا يكرب [2] نفسي بثّها ... وحراما كان سجني واحتصاري [3]
أجل [4] نعمى ربّها [5] أوّلكم ... ودنوّي كان منكم واصطهاري [6]
/في قصائد كثيرة كان يقولها فيه، ويكتب بها إليه فلا تغني عنده شيئا. (هذه [7] رواية الكلبيّ).
رواية المفضل الضبي في سبب حبس النعمان عديّ بن زيد
وأما المفضّل الضّبّيّ فإنه ذكر أن عديّ بن زيد لما قدم على النعمان صادفه لا مال ولا أثاث ولا ما يصلح لملك، وكان آدم إخوته منظرا وكلّهم أكثر مالا منه، فقال له عديّ: كيف أصنع بك ولا مال عندك! فقال له النعمان: ما أعرف لك حيلة إلا ما تعرفه أنت، فقال له: قم بنا نمض إلى ابن قردس [8] - رجل من أهل الحيرة من دومة - فأتياه ليقترضا منه مالا، فأبى أن يقرضهما وقال: ما عندي شيء، فأتيا جابر بن شمعون وهو الأسقفّ أحد بني الأوس بن قلّام بن بطين بن جمهير [9] بن لحيان من بني الحارث بن كعب فاستقرضا منه مالا، فأنزلهما عنده ثلاثة أيام يذبح لهم ويسقيهم الخمر، فلما كان في اليوم الرابع قال لهما: ما تريدان؟ فقال له عديّ: تقرضنا أربعين ألف درهم يستعين بها النعمان على أمره عند كسرى، فقال: لكما عندي ثمانون ألفا، ثم أعطاهما إياها، فقال النعمان لجابر: لا جرم [10] لا جرى لي درهم إلّا على يديك إن أنا ملكت. قال: وجابر هو صاحب القصر الأبيض
__________
[1] قال الجوهري: الاعتصار: أن يغصّ الإنسان بالطعام فيعتصر بالماء، وهو أن يشربه قليلا قليلا ليسيغه، وأنشد هذا البيت. قال البغدادي في «الخزانة» ج 3 ص 596: وتحقيقه أن الاعتصار الالتجاء، كما قاله أبو القاسم على بن حمزة البصري فيما كتبه على النبات لأبي حنيفة الدينوري. وساق البغداديّ كلام أبي القاسم هذا بنصّه، ثم قال: وقد صار البيت مثلا للتأذي ممن يرجى إحسانه.
وقد أورد الميداني في «مجمع الأمثال» المثل: «لو بغير الماء غصصت» وقال: إنه يضرب لمن يوثق به ثم يؤتى الواثق من قبله، واستشهد بهذا البيت.
[2] يكرب نفسي بثها: يشتدّ عليها حزنها.
[3] كذا في أغلب النسخ و «شعراء النصرانية» طبع بيروت ص 454 و «معاهد التنصيص» شرح «شواهد التلخيص» طبع بولاق ص 143، والظاهر من سياق الشعر أن المراد الحصر بمعنى الحبس. ولم نجد في «كتب اللغة» هذه الصيغة بهذا المعنى سوى ما في قولهم:
احتصر البعير أي شدّة بالحصار وهو كساء يجعل حول سنامه، أو مركب يركب به الراضة، أو وسادة تلقى عليه ويرفع مؤخرها فتجعل كآخرة الرحل ويحشي مقدّمها فتكون كقادمة الرحل. وفي ح: «و احتقاري» بالقاف. ويحتمل أن تكون كلتا النسختين محرفتين عن: «و احتضاري» بمعنى موتي.
[4] أجل (بفتح الهمزة وكسرها): كلمة تستعمل للتعليل، وفي حديث المناجاة: «أجل أن يحزنه» أي من أجله ولأجله. وفي حديث آخر: «أن تقتل ولدك أجل أن يأكل معك».
[5] ربها: رباها ونماها وتعهدها.
[6] كذا في جميع النسخ والظاهر أن الشاعر يريد المصاهرة، وسيأتي هذا البيت بهذا النص بعد في صفحة 133 عقب رواية «الأغاني» أن عديّ بن زيد كان زوج هند أخت النعمان أو بنته، وأن عديا ذكر صهره هذا في قصائده. ولكننا لم نجد في «كتب اللغة» التي بأيدينا لاصطهر معنى سوى ما جاء في قولهم: اصطهره أي أذابه وأكله. ولو قال: «و صهارى» لصح المعنى واتّزن البيت أيضا.
[7] هذه الجملة وقعت في ب، س عقب الأبيات مباشرة وقبل قوله «في قصائد كثيرة».
[8] كذا وقع هذا الاسم في ب، س، ح بالقاف. وجاء في أ، م: «فردس» بالفاء. ولم نهتد إلى تصحيحه.
[9] كذا في ب، س. وفي ح، أ، م: «جميهير» بصيغة التصغير.
[10] تستعمل هذه الكلمة في الأصل بمعنى لا بدّ ولا محالة، وكثر استعمالها في هذا المعنى حتى تحوّلت إلى معنى القسم. قال صاحب «اللسان» في مادة جرم: والعرب تقول: لا جرم لآتينّك، ولا جرم لقد أحسنت، فتراها بمنزلة اليمين.
بالحيرة، ثم ذكر من قصة النعمان وإخوته وعديّ وابن مرينا مثل ما ذكره ابن الكلبيّ. وقال المفضّل خاصّة: إن سبب حبس النعمان عديّ بن زيد، أنّ عديا صنع ذات يوم طعاما للنعمان، وسأله أن يركب إليه ويتغدّى عنده هو وأصحابه، فركب النعمان إليه فاعترضه عديّ بن مرينا فاحتبسه حتى تغدّى عنده هو وأصحابه وشربوا حتى ثملوا،/ ثم ركب إلى عديّ ولا فضل فيه، فأحفظه [1] ذلك، ورأى في وجه عديّ الكراهة فقام فركب ورجع إلى منزله، فقال عديّ بن زيد في ذلك من فعل النعمان:
أحسبت مجلسنا وحس ... ن حديثنا يودي بمالك
فالمال والأهلون مص ... رعة لأمرك أو نكالك
ما تأمرن [2] فينا فأم ... رك في يمينك أو شمالك
قال: وأرسل النعمان ذات يوم إلى عديّ بن زيد فأبى أن يأتيه ثم أعاد رسوله فأبى أن يأتيه، وقد كان النعمان شرب فغضب وأمر به فسحب من منزله حتى انتهي به إليه، فحبسه في الصّنّين [3] ولجّ في حبسه وعديّ يرسل إليه بالشعر، فمما قاله له:
ليس شيء على المنون بباق ... غير وجه المسبّح الخلّاق
إن نكن آمنين فاجأنا شرّ مصيب ذا الودّ والإشفاق فبرىء صدري من الظلم للرّبّ وحنث بمعقد [4] الميثاق
ولقد ساءني زيارة ذي قر ... بى حبيب لودّنا مشتاق
ساءه ما بنا تبيّن في الأي ... دي [5] وإشناقها [6] إلى الأعناق
فاذهبي يا أميم غير بعيد ... لا يؤاتي العناق من في الوثاق [7]
/و اذهبي يا أميم إن يشأ اللّه ... ينفّس من أزم [8] هذا الخناق
أو تكن وجهة فتلك سبيل النا ... س لا تمنع الحتوف الرّواقي [9]
__________
[1] أحفظه: أغضبه.
[2] كذا في أغلب النسخ. وفي ح: «ما تأتمر فينا».
[3] الصّنّين: بلد كان بظاهر الكوفة من منازل المنذر، وبه نهر ومزارع.
[4] كذا في «شعراء النصرانية». وعقد الميثاق وعقده بالتشديد: أكده. ولم نجد في «كتب اللغة» أعقد الميثاق بالهمز. وليس هو من باب القاصر الذي يتعدى بالهمزة حتى يقال إن التعدية فيه قياسية ولعله «بمعقد الميثاق» على أنه مصدر، ميمي يراد به عقده.
[5] كذا في جميع الأصول و «لسان العرب» مادة شنق. وفي «اللسان» مادة يدي:
ساءها ما تأملت في أيادي ... نا وإشناقها إلى الأعناق
[6] الأشناق: أن تغل اليد إلى العنق.
[7] سيأتي هذا البيت في قصيدة منسوبة لمهلهل ابن ربيعة هكذا:
فاذهبي ما إليك غير بعيد ... لا يؤاتي العناق من في الوثاق
انظر ص 148 ج 4 من «الأغاني» طبع بولاق.
[8] الأزم: الشدّة.
[9] الرواقي: جمع راقية وصفا لامرأة أو وصفا لرجل والهاء للمبالغة وهو من رقي يرقى رقية إذا عوّذ ونفث في عوذته.
ويقول فيها:
وتقول العداة أودى عديّ ... وبنوه قد أيقنوا بغلاق [1]
يا أبا مسهر فأبلغ رسولا ... إخوتي إن أتيت صحن العراق
أبلغا [2] عامرا وأبلغ أخاه ... أنّني موثق شديد وثاقي [3]
في حديد القسطاس [4] يرقبني الحا ... رس والمرء كلّ شيء يلاقي
في حديد مضاعف وغلول ... وثياب منضّحات [5] خلاق
فاركبوا في الحرام فكّوا أخاكم ... إنّ عيرا [6] قد جهّزت لانطلاق
يعني الشهر الحرام. قالوا جميعا: وخرج النعمان إلى البحرين، فأقبل رجل من غسّان فأصاب في الحيرة ما أحب، ويقال: إنه جفنة [7] بن النعمان الجفنيّ، فقال عديّ بن زيد في ذلك:
سما صقر فأشعل جانبيها ... وألهاك المروّح والعزيب
المروّح: الإبل المروّحة إلى أعطانها. والعزيب: ما ترك في مراعيه.
وثبن لدى الثّويّة [8] ملجمات ... وصبّحن العباد [9] وهنّ شيب
ألا تلك الغنيمة لا إفال [10] ... ترجّيها مسوّمة ونيب [11]
__________
[1] كذا في ح بالغين المعجمة وهو اسم من إغلاق القاتل وهو إسلامه إلى وليّ المقتول فيحكم في دمه ما شاء. وقد أورد صاحب «اللسان» في مادة غلق هذا المعنى واستشهد عليه بالبيت. وفي سائر النسخ و «شعراء النصرانية»: «بعلاق» بالعين المهملة وليس له معنى إلّا أن يكون اسم مصدر لأعلق أي أورد عليه العلوق وهي الداهية، ومنه حديث البخاري: «علام تدغرن أولادكنّ بهذا العلاق» فقد حمل العلاق هنا على أنه اسم مصدر لأعلق أي أورد عليه العلوق. انظر «اللسان» و «تاج العروس» و «نهاية ابن الأثير» مادة علق و «شرح القسطلاني» للبخاري ج 8 ص 448 طبع بولاق.
[2] كذا في أغلب النسخ، وأصله أبلغن بنون التوكيد الخفيفة فأبدلت ألفا كقوله:
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل
على أحد الوجوه فيه. وفي ح: «أبلغن».
[3] في ح: «شديد الوثاق» بالتعريف.
[4] القسطاس: أعدل الموازين وأقومها، وقيل هو القبّان. وقد أورد صاحب «اللسان» هذا البيت ونقل عن الليث أنه قال مفسرا لقوله:
«في جديد القسطاس»: أراه حديد القبّان.
[5] كذا في جميع الأصول و «شعراء النصرانية» ولم نر لها معنى واضحا. ولعلها «منصحات» بالصاد المهملة من نصح الثوب إذا خاطه وإن كنا لم نجد في المصادر التي بين أيدينا «نصح» بالتشديد. ولعل الفعل ضعف للدلالة على كثرة ما بالثياب من ترقيع لبلاها وقدمها.
[6] العير: القافلة، وقيل العير: الإبل التي تحمل الميرة.
[7] كذا في ح، م و «تاريخ ابن جرير الطبري» قسم 1 ص 1021 وفي باقي الأصول: «جعبة» بالباء والعين.
[8] الثوبة بالفتح ثم الكسر وياء مشدّدة، ويقال: الثوية بالتصغير: موضع قريب من الكوفة أو بالكوفة، وقيل خريبة إلى جانب الحيرة على ساعة منها. ذكر العلماء أنها كانت سجنا للنعمان بن المنذر كان يحبس بها من أراد قتله، وكان يقال لمن حبس بها: ثوى أي أقام فسميت الثوية بذلك. انظر «معجم ياقوت» في اسم «الثوية». وفي ب، س: «المثوية» بالباء وهو تحريف.
[9] العباد - بكسر العين وقيل بفتحها - : قوم من قبائل شتى من بطون العرب اجتمعوا على النصرانية ونزلوا بالحيرة.
[10] الإفال: صغار الإبل، بنات المخاض ونحوها. وقال ابن سيدة: والأفيل: ابن المخاض فما فوقه. والأفيل: الفصيل والجمع إفال.
[11] النيب: جمع ناب وقيل نيوب، والناب والنيوب: الناقه المسنة، سموها بذلك حين طال نابها وعظم.
ترجّيها وقد صابت بقرّ [1] ... كما ترجو أصاغرها عتيب [2]
لما طال سجنه كتب إلى أخيه في ذلك شعرا فأجابه
وقالوا جميعا: فلما طال سجن عديّ بن زيد كتب إلى أخيه أبيّ وهو مع كسرى بهذا الشعر:
أبلغ أبيّا على نأيه ... وهل ينفع المرء ما قد علم
بأنّ أخاك شقيق الفؤا ... د كنت به واثقا [3] ما سلم
لدى ملك موثق في الحديد إمّا بحقّ وإمّا ظلم
فلا أعرفنك كذات [4] الغلام ... ما لم تجد عارما [5] تعترم [6]
فأرضك أرضك إن تأتينا ... ننم نومة [7] ليس فيها حلم
قال: فكتب إليه أخوه أبيّ:
إن يكن خانك الزمان فلا عا ... جز باع [8] ولا ألفّ [9] ضعيف
ويمين الإله لو أنّ جأوا ... ء [10] طحونا تضيء فيها السيوف
ذات رزّ [11] مجتابة غمرة المو ... ت صحيح سربالها مكفوف [12]
__________
[1] كذا في جميع الأصول. وصابت من الصوب وهو النزول. والقرّ: القرار أي نزل الأمر في قراره فلا يستطاع له تحويل. وفي «اللسان»: مادة قرر وعتب
ترجيها وقد وقعت بقرّ
والعرب يقولون: «صابت بقرّ» و «وقعت بقرّ» وهو مثل يضرب عند شدّة تصيب القوم، أي صارت الشدّة في قرارها.
[2] قال ياقوت في «المعجم» في الكلام على «عتيب» بعد أن ضبطه بفتح أوّله وكسر ثانيه: جفرة عتيب بالبصرة إحدى محالّها تنسب إلى عتيب بن عمرو من بني قاسط بن هنب، وكان قد أغار عليهم بعض الملوك فقتل جميع رجالهم فكانت النساء تقول: إذا كبر صبياننا أخذوا بثأر رجالنا فلم يكن ذلك فقال عديّ بن زيد هذا البيت.
[3] في أ، م: «والها».
[4] الذي في جميع الأصول: «كدأب» والصواب ما أثبتناه وهي رواية الأزهري في مادة عرم في «لسان العرب». وقال صاحب «اللسان»:
أراد بذات الغلام الأم المرضع. ورواية صاحب «اللسان» «فلا تلفعين كأم الغلام».
[5] عارما: راضعا يقال: عرم الصبيّ أمّه عرما: رضعها.
[6] تعترم يقال: اعترم الصبيّ ثدي أمه أي مصّه واعترمت هي أي تبغّت من يعرمها، وقد أورد صاحب «اللسان» البيت وقال في معناه:
إن لم تجد من ترضعه درّت هي فجلبت ثديها وربما رضعته ثم مجته من فيها. وقال ابن الأعرابي: إنما يقال هذا للمتكلف ما ليس من شأنه. وقال الأزهريّ: معناه لا تكن كمن يهجو نفسه إذا لم يجد من يهجوه. انظر «اللسان» مادة «عرم».
[7] كذا في ح، م، أو «تاريخ ابن جرير الطبري» قسم 1 ص 1021؛ وفي ب، س: و «شعراء النصرانية»: «ننم ليلة».
[8] في جميع الأصول: «باغ» بالغين المعجمة وهو تحريف.
[9] كذا في ح، م، أ، و «تاريخ ابن جرير الطبري» قسم 1 ص 1021، والألف: الثقيل البطيء، ويقال البطيء الكلام إذا تكلم ملأ لسانه فمه. وفي ب، س: «أليف» وهو تحريف.
[10] الجأواء: وصف للكتيبة يقال: كتيبة جأواء أي بيّنه الجأى وهي التي يعلو لونها السواد لكثرة الدروع. وفي ب، س: «لو أنهم جاءوا» وهو تحريف. والطحون: الكتيبة العظيمة تطحن ما لقيت.
[11] الرز: الصّوت يسمع من بعيد.
[12] كذا في م، أو «تاريخ ابن جرير الطبري» و «شعراء النصرانية». والسربال: القميص. والمكفوف من كففت الثوب إذا خطت حاشيته.
وفي ب، س «ملفوف» وهو تحريف.
كنت في حميها لجئتك أسعى ... فاعلمن لو سمعت إذ تستضيف [1]
أو بمال سألت [2] دونك لم يم ... نع تلاد لحاجة أو طريف
/ أو بأرض أسطيع آتيك فيها ... لم يهلني بعد بها [3] أو مخوف
/ إن تفتني واللّه إلفا فجوعا ... لا يعقّبك ما يصوب الخريف [4]
في الأعادي وأنت منّي بعيد ... عزّ [5] هذا الزمان والتعنيف
ولعمري لئن جزعت عليه ... لجزوع على الصديق أسوف
ولعمري لئن ملكت عزائي ... لقليل شرواك [6] فيما أطوف
أمر كسرى النعمان بإطلاق عديّ فقتله قبل وصول الرسول إليه
قالوا جميعا: فلما قرأ أبيّ كتاب عديّ قام إلى كسرى فكلمه في أمره وعرّفه خبره، فكتب إلى النعمان يأمره بإطلاقه، وبعث معه رجلا، وكتب خليفة النعمان إليه: إنه كتب إليك في أمره، فأتى النعمان أعداء عديّ من بني بقيلة [7] وهم من غسّان، فقالوا له: اقتله الساعة فأبى عليهم، وجاء الرسول، وقد كان أخو عديّ تقدّم إليه ورشاه وأمره أن يبدأ بعديّ فيدخل إليه محبوس بالصّنّين، فقال له: ادخل عليه فانظر ما يأمرك به فامتثله، فدخل الرسول على عديّ، فقال له: إنّي قد جئت بإرسالك، فما عندك؟ قال: عندي الذي تحبّ ووعده بعدة سنيّة، وقال له: لا تخرجنّ من عندي وأعطني الكتاب حتى أرسله إليه، فإنك واللّه إن خرجت من عندي لأقتلنّ، فقال: لا أستطيع إلا أن آتي الملك بالكتاب فأوصّله إليه، فانطلق بعض من كان هناك من أعدائه فأخبر النعمان أن رسول كسرى دخل على عديّ وهو/ ذاهب به، وإن فعل واللّه لم يستبق منّا أحدا أنت ولا غيرك، فبعث إليه النعمان أعداءه فغمّوه [8] حتى مات ثم دفنوه. ودخل الرسول إلى النعمان فأوصل الكتاب إليه، فقال: نعم وكرامة، وأمر له بأربعة آلاف مثقال ذهبا وجارية حسناء، وقال له: إذا أصبحت فادخل أنت بنفسك فأخرجه، فلما أصبح ركب فدخل السجن، فأعلمه الحرس أنه قد مات منذ أيام ولم نجترىء على إخبار الملك خوفا منه، وقد عرفنا كراهته لموته. فرجع إلى النعمان، وقال له: إنّي كنت أمس دخلت على عديّ. وهو حيّ، وجئت اليوم فجحدني [9] السّجّان وبهتني [10]، وذكر أنه قد مات منذ أيام.
فقال له النعمان: أيبعث بك الملك إليّ فتدخل إليه قبلي! كذبت، ولكنك أردت الرشوة والخبث، فتهدّده ثم زاده
__________
[1] تستضيف: تستجير.
[2] كذا في ب، س. وفي بقية النسخ و «تاريخ الطبري» و «شعراء النصرانية»: «سئلت» بالبناء للمجهول.
[3] كذا في أغلب النسخ و «شعراء النصرانية». وفي «تاريخ الطبري» قسم 1 ص 1022: «بعيدها أو مخوف».
[4] كذا في «تاريخ الطبري». وفي ب، س و «شعراء النصرانيّة»:
إن يعنّي واللّه إلف فجوع ... لا يعنيك ما يصوب الخريف
وقد اضطربت بقية الأصول في بعض كلمات من هذا البيت، وأقوم هذه الروايات ما أثبتناه في الأصل
[5] كذا في أغلب النسخ. وفي م، أ: «غرّ».
[6] شرواك: مثلك.
[7] كذا في ح و «تاريخ الطبري» قسم 1 ص 1023؛ وبقيلة: بطن من الحيرة. وفي باقي النسخ: «نفيلة» بالنون والفاء وهو تحريف.
[8] يريد أنهم غطوا وجهه بشيء حتى اختنق.
[9] كذا في م، أ، ح وفي بقية النسخ «فحجزني».
[10] بهت الرجل: قابله يكذب.
جائزة وأكرمه، وتوثّق منه ألّا يخبر كسرى إلا أنه قد مات قبل أن يقدم عليه. فرجع الرسول إلى كسرى، وقال: إنّي وجدت عديّا قد مات قبل أن أدخل عليه. وندم النعمان على قتل عديّ وعرف أنه احتيل عليه في أمره، واجترأ عليه وهابهم هيبة شديدة.
مدح النعمان لدى كسرى زيد بن عديّ فاتخذه كاتبا
ثم إنه خرج إلى صيده ذات يوم فلقي ابنا لعديّ يقال له زيد، فلما رآه عرف شبهه، فقال له: من أنت؟
فقال: أنا زيد بن عديّ بن زيد، فكلّمه فإذا غلام ظريف، ففرح به فرحا شديدا وقرّبه وأعطاه ووصله واعتذر إليه من أمر أبيه وجهّزه [1]، ثم كتب إلى كسرى: إنّ عديّا كان ممن أعين به الملك في نصحه ولبّه، فأصابه ما لا بدّ منه وانقطعت مدّته وانقضى أجله، ولم يصب به أحد أشدّ من مصيبتي، وأما الملك فلم يكن ليفقد رجلا إلا جعل اللّه له منه خلفا لما عظّم اللّه من ملكه وشأنه، وقد بلغ ابن له ليس بدونه، رأيته يصلح لخدمة الملك فسرّحته إليه، فإن رأى الملك أن يجعله مكان أبيه فليفعل وليصرف عمّه عن ذلك إلى عمل أخر. وكان هو/ الذي يلي/ المكاتبة عن الملك إلى ملوك العرب في أمورها وفي خواصّ أمور الملك. وكانت له من العرب وظيفة موظّفة في كل سنة: مهران أشقران يجعلان له هلاما [2]، والكمأة الرّطبة في حينها واليابسة والأقط والأدم وسائر تجارات العرب، فكان زيد بن عديّ يلي ذلك له وكان هذا عمل عديّ. فلما وقع زيد بن عديّ عند الملك هذا الموقع سأله كسرى عن النعمان، فأحسن الثناء عليه. ومكث على ذلك سنوات على الأمر الذي كان أبوه عليه. وأعجب به كسرى، فكان يكثر الدخول عليه والخدمة له.
كيد زيد بن عديّ للنعمان عند كسرى حتى غضب عليه فقتله
وكانت لملوك العجم صفة من النساء مكتوبة عندهم، فكانوا يبعثون في تلك الأرضين بتلك الصفة، فإذا وجدت حملت إلى الملك، غير أنهم لم يكونوا يطلبونها في أرض العرب ولا يظنونها عندهم. ثم إنه بدا للملك في طلب تلك الصفة، وأمر فكتب بها إلى النواحي، ودخل إليه زيد بن عديّ وهو في ذلك القول، فخاطبه فيما دخل إليه فيه، ثم قال: إني رأيت الملك قد كتب في نسوة يطلبن له وقرأت الصفة وقد كنت بآل المنذر عارفا، وعند عبدك النعمان من بناته وأخواته وبنات عمه وأهله أكثر من عشرين امرأة على هذه الصفة، قال: فاكتب فيهنّ، قال: أيها الملك، إنّ شرّ شيء في العرب وفي النعمان خاصّة أنهم يتكرّمون - زعموا في أنفسهم - عن العجم، فأنا أكره أن يغيبهنّ عمن تبعث إليه أو يعرض عليه غيرهنّ، وإن قدمت أنا عليه لم يقدر على ذلك، فابعثني وابعث معي رجلا من ثقاتك يفهم العربية حتى أبلغ ما تحبّه، فبعث معه رجلا جلدا فهما، فخرج به زيد، فجعل يكرم الرجل ويلطفه حتى بلغ الحيرة، فلما دخل عليه أعظم الملك وقال: إنه قد احتاج إلى نساء لنفسه وولده وأهل بيته، وأراد كرامتك بصهره فبعث إليك، فقال: ما هؤلاء النّسوة؟ / فقال: هذه صفتهنّ قد جئنا بها. وكانت الصفة أن المنذر الأكبر أهدى إلى أنوشروان جارية كان أصابها إذ أغار على الحارث الأكبر بن أبي شمر الغسّانيّ، فكتب إلى أنوشروان بصفتها، وقال: إني قد وجّهت إلى الملك جارية معتدلة الخلق، نقيّة اللون والثغر، بيضاء قمراء
__________
[1] جهزه: أعدّ له معدّات السفر.
[2] كذا في جميع الأصول و «شعراء النصرانية». والهلام كغراب: مرق السّكباج المبرّد المصفّى من الدهن: والسكباج: لحم يطبخ بخل.
وطفاء [1] كحلاء دعجاء [2] حوراء عيناء قنواء [3] شمّاء [4] برجاء [5] زجّاء [6] أسيلة الخدّ، شهيّة المقبّل، جثلة [7] الشّعر، عظيمة الهامة، بعيدة مهوى القرط، عيطاء [8]، عريضة الصدر، كاعب الثدي، ضخمة مشاش المنكب والعضد، حسنة المعصم، لطيفة الكفّ، سبطة البنان، ضامرة البطن، خميصة الخصر، غرثى [9] الوشاح، رداح [10] الأقبال، رابية الكفل، لفّاء [11] الفخذين، ريّا الروادف، ضخمة المأكمتين [12]، مفعمة [13] الساق، مشبعة [14] الخلخال، لطيفة الكعب والقدم، قطوف [15] المشي، مكسال [16] الضّحى، بضّة [17] المتجرّد، سموعا للسيّد، ليست بخنساء [18] ولا سفعاء [19]، رقيقة الأنف،/ عزيزة [20] النفس، لم تغذّ في بؤس، حييّة رزينة، حليمة ركينة، كريمة الخال، تقتصر على نسب أبيها دون فصيلتها، وتستغني بفصيلتها دون جماع قبيلتها، قد أحكمتها الأمور في الأدب، فرأيها رأي أهل الشرف، وعملها عمل أهل الحاجة، صناع الكفّين، قطيعة [21] اللسان ورهو [22] الصوت ساكنته، تزين الوليّ، وتشين العدوّ، إن أردتها اشتهت، وإن تركتها انتهت، تحملق [23] عيناها، وتحرّ وجنتاها، وتذبذب شفتاها، وتبادرك/ الوثبة إذا قمت، ولا تجلس إلا بأمرك إذا جلست. قال: فقبلها أنوشروان وأمر بإثبات هذه الصفة في دواوينه، فلم يزالوا يتوارثونها حتى أفضى ذلك إلى كسرى بن هرمز. فقرأ زيد هذه الصفة على النعمان، فشقت عليه؛ وقال لزيد والرسول يسمع: أما في مها السّواد وعين فارس ما يبلغ به كسرى حاجته! فقال
__________
[1] الوطفاء: غزيرة الأهداب وشعر الحاجبين.
[2] الدعج: شدّة سواد العين وشدّة بياض بياضها.
[3] القنواء: وصف من القنا وهو ارتفاع في أعلى الأنف واحديداب في وسطه وسبوغ في طرفه.
[4] الشمم في الأنف: ارتفاع القصبة وحسنها.
[5] البرجاء: الجميلة الحسنة الوجه.
[6] الزجاء: دقيقة الحاجبين في طول.
[7] الجثلة: كثيفة الشعر سوداؤه.
[8] العيطاء: الطويلة العنق.
[9] غرثى الوشاح: دقيقة الخصر.
[10] الرداح: العجزاء الثقيلة الأوراك التامّة الخلق. والأقبال: ما استقبلك من مشرف والواحد قبل.
[11] لفاء: ضخمة الفخذين مكتنزة.
[12] المأكمتان: اللحمتان اللتان على رؤوس الوركين، الواحدة مأكمة.
[13] مفعمة الساق: ممتلئتها.
[14] مشبعة الخلخال: كناية عن السمن، وفي «اللسان»: امرأة شبعى الخلخال: ملأى سمنا.
[15] القطوف: وصف من القطاف وهو تقارب الخطو.
[16] المكسال: المرأة التي لا تكاد تبرح مجلسها، وهو مدح لها مثل نؤوم الضحى.
[17] البضة: الناعمة، يقال: امرأة بضة المتجرّد بالفتح أي بضّة عند التجرّد، فالمتجرّد على هذا مصدر. ومن قال: بضّة المتجرّد بالكسر أراد الجسم.
[18] الخنساء من الخنس وهو تأخر الأنف إلى الرأس وارتفاعه عن الشفة وليس بطويل ولا مشرف، وقيل هو قريب من الفطس وهو لصوق القصبة بالوجنة وضخم الأرنبة.
[19] السفعاء من السفع وهو السواد، وفي الحديث: «أنا سفعاء الخدّين الحانية على ولدها يوم القيامة كهاتين» وضم أصابعه، أراد بسفعاء الخدّين أنها بذلت نفسها وتركت الزينة والترفه حتى شحب لونها واسود، إقامة على ولدها بعد وفاة زوجها.
[20] كذا في أغلب النسخ. وفي ح: «عزيزة النّفر» بالراء.
[21] كذا في جميع الأصول بهاء التأنيث، وجاء في «اللسان» و «القاموس:» وامرأة قطيع الكلام بغير هاء إذا لم تكن سليطة.
[22] كذا في م. ورهوة الصوت: رقيقته سهلته. وفي باقي النسخ: «زهوة» بالزاي ولم يظهر له معنى مناسب.
[23] في «اللسان»: والمحملق من الأعين: ما حول مقلتيها بياض لم يخالطه سواد.
الرسول لزيد بالفارسية: ما المها والعين؟ فقال له بالفارسية: كاوان أي البقر؛ فأمسك الرسول. وقال زيد للنعمان:
إنما أراد الملك كرامتك، ولو علم أنّ هذا يشقّ عليك لم يكتب إليك به. فأنزلهما يومين عنده، ثم كتب إلى كسرى:
إن الذي طلب الملك ليس عندي، وقال لزيد: اعذرني عند الملك. فلما رجعا إلى كسرى؛ قال زيد للرسول الذي قدم معه: اصدق الملك عما سمعت، فإني سأحدّثه بمثل حديثك ولا أخالفك فيه. فلما دخلا على كسرى، قال زيد: هذا كتابه إليك، فقرأه عليه. فقال له كسرى: وأين الذي كنت خبّرتني به؟ قال: قد كنت خبّرتك بضنّتهم بنسائهم على غيرهم، وإنّ ذلك من شقائهم واختيارهم الجوع والعري على الشّبع/ والرّياش، وإيثارهم السّموم والرياح على طيب أرضك هذه، حتى إنهم ليسمّونها السّجن، فسل هذا الرسول الذي كان معي عمّا قال، فإني أكرم الملك عن مشافهته بما قال وأجاب به. قال للرسول: وما يقال! أيها الملك، إنه قال: أما كان في بقر السواد وفارس ما يكفيه حتى يطلب ما عندنا، فعرف الغضب في وجهه، ووقع في قلبه منه ما وقع، لكنّه لم يزد على أن قال: ربّ عبد قد أراد ما هو أشدّ من هذا ثم صار أمره إلى التّباب. وشاع هذا الكلام حتى بلغ النعمان، وسكت كسرى أشهرا على ذلك.
استجارة النعمان بسادات العرب ثم تسليمه نفسه لكسرى
وجعل النعمان يستعدّ ويتوقّع حتى أتاه كتابه: أن أقبل فإن للملك حاجة إليك، فانطلق حين أتاه كتابه فحمل سلاحه وما قوي عليه، ثم لحق بجبلي طيء وكانت فرعة [1] بنت سعد بن حارثة بن لأم عنده، وقد ولدت له رجلا وامرأة، وكانت أيضا عنده زينب بنت أوس بن حارثة، فأراد النعمان طيّئا على أن يدخلوه الجبلين ويمنعوه فأبوا ذلك عليه، وقالوا له: لو لا صهرك لقتلناك، فإنه لا حاجة بنا إلى معاداة كسرى، ولا طاقة لنا به. وأقبل يطوف على قبائل العرب ليس أحد منهم يقبله، غير أنّ بني رواحة بن قطيعة بن عبس قالوا: إن شئت قاتلنا معك، لمنّة كانت له عندهم في أمر مروان [2] القرظ، قال: ما أحبّ أن أهلككم، فإنه لا طاقة لكم بكسرى. فأقبل حتى نزل بذي [3] قار في بني شيبان سرا، فلقي هانيء بن قبيصة، وقيل بل هانيء بن مسعود بن عامر بن عمرو بن أبي ربيعة بن ذهل/ بن شيبان، وكان سيدا منيعا، والبيت يومئذ من ربيعة في آل ذي الجدين لقيس بن مسعود بن قيس بن خالد [4] ذي الجدّين، وكان كسرى قد أطعم قيس بن مسعود الأبلّة [5]، فكره النعمان أن يدفع إليه أهله لذلك، وعلم أن هانئا يمنعه مما يمنع منه نفسه.
وقال حمّاد الرواية في خبره: إنه إنما استجار بهانيء كما استجار بغيره فأجاره، وقال له: قد لزمني ذمامك وأنا مانعك مما أمنع نفسي وأهلي وولدي منه ما بقي من عشيرتي الأدنين رجل، وإنّ ذلك غير نافعك لأنه مهلكي
__________
[1] كذا في «تاريخ الطبريّ» قسم 1 ص 1027 و «شعراء النصرانية» و «الأغاني» طبع بولاق ج 20 ص 13، وفي ا، م: «قرعة» بالقاف والراء. وفي ب، س: «قزعة» بالقاف والزاي.
[2] هو مروان بن زنباع العبسيّ، أضيف إلى القرظ لأنه كان يغزو اليمن وبها منبته، أو لأنه كان يحمي القرظ لعزته. ويضرب به المثل في العزة فيقال: «أعز من مروان».
[3] ذو قار: ماء لبكر بن وائل قريب من الكوفة بينها وبين واسط، وفيه كانت الوقعة المشهورة بين بكر بن وائل والفرس.
[4] كذا في في «تاج العروس» في مادة «جدد» و «تاريخ الطبريّ» قسم 1 ص 1208 و «الكامل» لابن الأثير ج 1 ص 356 وفي جميع الأصول: «خلد» بدون ألف.
[5] الأبلة: بلدة على شاطىء دجلة في زاوية الخليج الذي يدخل إلى مدينة البصرة، وهي أقدم من البصرة، وكانت مدينة فيها مسالح وقائد من قبل كسرى.
ومهلكك، وعندي رأي لك، لست أشير به عليك لأدفعك عما تريده من مجاورتي ولكنه الصواب؛ فقال:/ هاته؛ فقال: إن كلّ أمر يجمل بالرجل أن يكون عليه إلا أن يكون بعد الملك سوقة، والموت نازل بكل أحد، ولأن تموت كريما خير من أن تتجرّع الذلّ أو تبقى سوقة بعد الملك، هذا إن بقيت، فأمض إلى صاحبك وارسل إليه هدايا ومالا وألق نفسك بين يديه، فإما أن صفح عنك فعدت ملكا عزيزا، وإما أن أصابك فالموت خير من أن يتلعّب بك صعاليك العرب ويتخطّفك ذئابها وتأكل مالك وتعيش فقيرا مجاورا أو تقتل مقهورا؛ فقال: كيف بحرمي؟ قال: هنّ في ذمتي، لا يخلص إليهنّ حتى يخلص إلى بناتي؛ فقال: هذا وأبيك الرأي الصحيح، ولن أجاوزه. ثم اختار خيلا وحللا من عصب [1] اليمن وجوهرا وطرقا كانت عنده، ووجّه بها إلى كسرى وكتب إليه يعتذر ويعلمه أنه صائر إليه، ووجّه بها مع رسوله، فقبلها كسرى/ وأمره بالقدوم؛ فعاد إليه الرسول فأخبره بذلك وأنه لم ير له عند كسرى سوءا. فمضى إليه حتى إذا وصل إلى المدائن [2] لقيه «زيد بن عديّ على قنطرة ساباط [3]، فقال له: انج نعيم، إن استطعت النّجاء؛ فقال له: أفعلتها يا زيد! أما واللّه، لئن عشت لك لأقتلنّك قتلة لم يقتلها عربيّ قط ولألحقنّك بأبيك! فقال له زيد: امض لشأنك نعيم، فقد واللّه أخّيت لك أخيّة [4] لا يقطعها المهر الأرن [5].
وصول النعمان لكسرى وسجنه ثم موته
فلما بلغ كسرى أنه بالباب بعث إليه، فقيّده وبعث به إلى سجن كان له بخانقين [6]، فلم يزل فيه حتى وقع الطاعون هناك فمات فيه.
وقال حمّاد الرواية والكوفيون: بل مات بساباط في حبسه. وقال ابن الكلبيّ: ألقاه تحت أرجل الفيلة فوطئته حتى مات، واحتجّوا بقول الأعشى:
فذاك [7] وما أنجى من الموت ربّه ... بساباط حتى مات وهو محزرق [8]
/قال: المحزرق: المضيّق عليه. وأنكر هذا من زعم أنه مات بخانقين، وقالوا: لم يزل محبوسا مدّة طويلة، وإنه إنما مات بعد ذلك بحين قبيل الإسلام، وغضبت له العرب حينئذ، وكان قتله سبب وقعة ذي قار.
__________
[1] العصب: ضرب من برود اليمن يعصب غزله أي يجمع ويشدّ ثم يصبغ وينسج فيأتي موشيا لبقاء ما عصب منه أبيض لم يأخذه صبغ.
[2] المدائن: الموضع الذي كان مسكن الملوك من الأكاسرة، فكان كل واحد منهم إذا ملك بنى لنفسه مدينة إلى جنب التي قبلها وسماها باسم، فسميت المدائن بذلك. وكان فتحها في أيام عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه على يد سعد بن أبي وقاص في صفر سنة 16 ه.
[3] ساباط: موضع بالمدائن لكسرى أبرويز.
[4] الأخيّة كأبيّة ويقال أخية بتخفيف الياء وآخيّة بالمدّ والتشديد، وهي عود يعرض في الحائط ويدفن طرفاه فيه ويصير وسطه كالعروة تشدّ إليه الدابة. وقال ابن السكيت: الأخيّة: أن يدفن طرفا قطعة من الحبل في الأرض وفيها عصيّة أو حجير ويظهر منه مثل عروة تشدّ إليها الدابة وإنما تؤخى الأخيّة في مهواة الأرضين لأنها أرفق بالخيل من الأوتاد الناشزة عن الأرض.
[5] الأرن: النشيط، يقال أرن يأرن أرنا إذا مرح مرحا فهو أرن.
[6] خانقين: بلد بسواد بغداد كان النعمان خنق به عديّ بن زيد حتى قتله.
[7] كذا في ح و «تاريخ الطبريّ» قسم 1 ص 1028 و «تاج العروس» و «اللسان» مادة حزرق و «معجم ياقوت» في اسم ساباط. وفي باقي الأصول: «فداك» بالدال المهملة وهو تصحيف.
[8] كما يقال حزرق الرجل بمعنى حبسه وضيّق عليه، يقال: حرزقه أيضا بهذا المعنى. قال التوّزي: قلت لأبي زيد الأنصاريّ أنتم تنشدون قول الأعشى: «حتى مات وهو محزرق» وأبو عمرو الشيبانيّ ينشده «محرزق» بتقديم الراء على الزاي، فقال: إنها نبطيّة، وأم أبي عمرو نبطيّة فهو أعلم بها منا.
أحب عديّ بن زيد هند بنت النعمان ثم تزوّجها وقال فيها شعرا
أخبرني عمّي قال حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد قال حدّثنا عليّ بن الصّبّاح وأخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثني محمد بن القاسم بن مهروية قال قال عليّ بن الصبّاح حدّثني هشام بن الكلبيّ عن أبيه قال:
كان عديّ بن زيد بن حمّاد بن زيد بن أيوب الشاعر العباديّ يهوى هند بنت النعمان بن المنذر بن المنذر [1] بن امرىء القيس بن النعمان بن امرىء القيس بن عمرو بن عديّ بن نصر بن ربيعة بن عمرو بن الحارث بن مسعود بن مالك بن غنم بن نمارة بن لخم وهو مالك بن عديّ بن الحارث بن مرّة بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان، ولها يقول:
علق الأحشاء من هند علق [2] ... مستسرّ فيه نصب [3] وأرق
وهي قصيدة طويلة. وفيها أيضا يقول:
من لقلب دنف أو معتمد [4] ... قد عصى كلّ نصوح ومفد [5]
وهي طويلة. وفيها أيضا يقول:
يا خليليّ يسّرا التعسيرا ... ثم روحا فهجّرا تهجيرا
/ عرّجا بي على ديار لهند ... ليس أن عجتما المطيّ كبيرا
قصة تزوّجه بهند
قال ابن الكلبيّ: وقد تزوّجها عديّ. وقال ابن أبي سعد، وذكر ذلك خالد ابن كلثوم أيضا قالا: كان سبب عشقه إياها أن هندا كانت من أجمل نساء أهلها وزمانها، وأمّها مارية الكندية؛ فخرجت في خميس الفصح [6]، وهو بعد السّعانين بثلاثة أيام، تتقرّب في البيعة، ولها حينئذ إحدى عشرة سنة، وذلك في ملك المنذر؛ وقد قدم عديّ حينئذ بهديّة من كسرى إلى المنذر، والنعمان يومئذ فتى شابّ، فاتفق دخولها البيعة وقد دخلها عديّ ليتقرّب، وكانت مديدة القامة عبلة [7] الجسم، فرآها عديّ وهي غافلة فلم تنتبه له حتى تأمّلها، وقد كان جواريها رأين عديّا وهو مقبل فلم يقلن لها ذلك، كي يراها عديّ، وإنما فعلن هذا من أجل أمة لهند يقال لها مارية، وقد كانت أحبّت عديا فلم تدر كيف تأتي له. فلما رأت هند عديا ينظر إليها شقّ ذلك عليها، وسبّت جورايها ونالت بعضهنّ بضرب؛
__________
[1] هذه الكلمة ليست موجودة في ب، س، ح.
[2] العلق: العشق والهوى.
[3] النّصب والنّصب والنّصب: الداء والبلاء والشرّ.
[4] انظر فيما سيأتي الحاشية رقم 3 ص 152 من هذا الجزء.
[5] هو اسم فاعل من فداه يفدّيه إذا قال له: جعلت فداك.
[6] كذا في الأصول، والمعروف في أعياد النصارى «خميس العهد» وهو عيد يعمل قبل الفصح بثلاثة أيام، والفصح: عيدهم إذا أفطروا وأكلوا اللحم، وصومهم ثمانية وأربعون يوما، ويوم الأحد الذي يجيء يعد ذلك هو العيد. والسعانين: عيد لهم يعمل قبل الفصح بسبعة أيام (و المشهور الشعانين بالشين المعجمة عبرانيّة معرّبة)، فيكون عيد السعانين قبل خميس العهد بثلاثة أيام. (انظر «بلوغ الأرب» للآلوسيّ و «العقد الفريد» و «القاموس»).
[7] عبلة الجسم: ضخمته وتامّة خلقه.
فوقعت هند في نفس عديّ، فلبث حولا لا يخبر بذلك أحدا. فلما كان بعد حول وظنّت مارية أنّ هندا قد أضربت عمّا جرى وصفت لها بيعة دومة - وقال خالد بن كلثوم: بيعة توما [1] وهو الصحيح - ووصفت لها من فيها من الرواهب، ومن يأتيها من جواري الحيرة، وحسن بنائها وسرجها؛ وقالت لها: سلي أمّك الإذن لك في إتيانها، فسألتها ذلك فأذنت لها، وبادرت مارية إلى عديّ فأخبرته الخبر فبادر فلبس يلمقا [2] كان «فرخانشاه مرد» قد كساه إياه، وكان/ مذهبا لم ير مثله حسنا، وكان عديّ حسن الوجه، مديد القامة، حلو العينين، حسن المبسم، نقيّ الثّغر. وأخذ معه جماعة من فتيان الحيرة، فدخل البيعة؛ فلما رأته مارية قالت لهند: انظري إلى هذا الفتى! فهو واللّه أحسن من كلّ ما ترين من السرج وغيرها! قالت: ومن هو؟ قالت: عديّ بن زيد؛ قالت: أتخافين أن يعرفني إن دنوت منه لأراه من قريب؟ قالت: ومن أين يعرفك وما رآك قطّ من حيث يعرفك! فدنت منه وهو يمازح الفتيان الذين معه وقد برع عليهم بجماله، وحسن كلامه وفصاحته، وما عليه من الثياب، فذهلت لمّا رأته وبهتت [3] تنظر إليه. وعرفت مارية ما بها وتبيّنته في وجهها، فقالت لها: كلّميه، فكلّمته، وانصرفت وقد تبعته نفسها وهويته، وانصرف بمثل حالها. فلما كان الغد تعرّضت له مارية، فلما رآها هشّ لها، وكان قبل ذلك لا يكلّمها، وقال لها:
ما غدا بك؟ قالت: حاجة إليك، قال: اذكريها، فو اللّه لا تسأليني شيئا إلا أعطيتك إياه، فعرّفته أنها تهواه، وأن حاجتها الخلوة به على أن تحتال له في هند، وعاهدته على ذلك؛ فأدخلها حانوت خمّار في الحيرة ووقع عليها، ثم خرجت فأتت هندا، فقالت: أما تشتهين أن تري عديا؟ قالت: وكيف لي به؟ قالت: أعده مكان كذا وكذا في ظهر القصر وتشرفين عليه؛ قالت: افعلي، فواعدته إلى ذلك المكان، فأتاه وأشرفت هند عليه، فكادت تموت [4]، وقالت: إن لم تدخليه إليّ هلكت. فبادرت الأمة إلى النعمان فأخبرته خبرها وصدقته، وذكرت أنها قد شغفت به، وأن سبب ذلك رؤيتها إياه في يوم الفصح، وأنه إن لم يزوّجها به افتضحت في أمره أو ماتت؛ فقال لها: ويلك! وكيف أبدؤه/ بذلك! فقالت: هو أرغب في ذلك من أن تبدأه أنت،/ وأنا أحتال في ذلك من حيث لا يعلم أنك عرفت أمره. وأتت عديّا فأخبرته الخبر، وقالت: ادعه، فإذا أخذ الشراب منه فاخطب إليه فإنه غير رادّك؛ قال: أخشى أن يغضبه ذلك فيكون سبب العداوة بيننا؛ قالت: ما قلت لك هذا حتى فرغت منه معه؛ فصنع عديّ طعاما واحتفل فيه، ثم أتى النعمان بعد الفصح بثلاثة أيام، وذلك في يوم الإثنين، فسأله أن يتغدّى عنده هو وأصحابه، ففعل. فلما أخذ منه الشراب خطبها إلى النعمان، فأجابه وزوّجه وضمّها إليه بعد ثلاثة أيام.
ترهب هند بعد قتل عديّ
قال خالد بن كلثوم: فكانت [5] معه حتى قتله النعمان، فترهّبت وحبست نفسها في الدير المعروف بدير هند [6] في ظاهر الحيرة. وقال ابن الكلبيّ: بل ترهّبت بعد ثلاث سنين ومنعته نفسها واحتبست في الدير حتى
__________
[1] ذكر ياقوت في «معجم البلدان» دير توما ولم يذكر موقعه وإنما أورد فيه أبياتا للزار الفقعسيّ منها:
تصيح إذا هجعت بدير توما ... حمامات يزدن الليل طولا
[2] اليلمق: القباء، فارسيّ معرّب.
[3] كذا في ح، أ. وفي ب، س: «هبت».
[4] كذا في ح بدون أن وهو الأفصح. وفي باقي النسخ: «أن تموت».
[5] كذا في أغلب الأصول. وفي م، أ: «فمكثت».
[6] دير هند هذا هو المسمى بدير هند الصغرى، أما دير هند الكبرى فهو أيضا بالحيرة، وقد بنته هند أم عمرو بن هند، وهي هند بنت الحارث بن عمرو بن حجر آكل المرار الكنديّ. انظر «معجم البلدان» لياقوت في اسم «دير هند الصغرى» و «دير هند الكبرى».
ماتت، وكانت وفاتها بعد الإسلام بزمان طويل في ولاية المغيرة بن شعبة الكوفة، وخطبها المغيرة فردّته.
خطبها المغيرة بن شعبة فردّته
أخبرني عمي قال حدّثني ابن أبي سعد قال حدّثنا عليّ بن الصّبّاح عن هشام بن محمد بن [1] الكلبيّ عن أبيه والشّرقيّ بن القطاميّ قالا:
مرّ المغيرة بن شعبة لما ولاه معاوية الكوفة بدير هند، فنزله ودخل على هند بنت النعمان بعد أن استأذن عليها، فأذنت له وبسطت له مسحا [2] فجلس عليه، ثم قالت له: ما جاء بك؟ قال: جئتك خاطبا؛ قالت:
والصليب لو علمت أن فيّ خصلة/ من جمال أو شباب رغّبتك فيّ لأجبتك، ولكنّك أردت أن تقول في المواسم:
ملكت مملكة النعمان بن المنذر ونكحت ابنته، فبحقّ معبودك أهذا أردت؟ قال: إي واللّه؛ قال: فلا سبيل إليه؛ فقام المغيرة وانصرف وقال فيها:
أدركت ما منّيت نفسي خاليا ... للّه درّك يا بنة النعمان
فلقد رددت على المغيرة ذهنه ... إنّ الملوك نقيّة الأذهان
وفي رواية أخرى:
إنّ الملوك بطيّة الإذعان
يا هند حسبك قد صدقت فأمسكي ... فالصّدق خير مقالة الإنسان
حديث عشقها لزرقاء اليمامة
وقد روى عن ابن الكلبيّ غير عليّ بن الصّبّاح في هند أنها كانت تهوى زرقاء اليمامة، وأنها أوّل امرأة أحبّت امرأة في العرب، فإنّ الزرقاء كانت ترى الجيش من مسيرة ثلاثين ميلا؛ فغزا قوم من العرب اليمامة، فلما قربوا من مسافة نظرها قالوا: كيف لكم بالوصول، مع الزرقاء! فاجتمع رأيهم على أن يقتلعوا شجرا تستر كلّ شجرة منها الفارس إذا حملها؛ فقطع كلّ واحد منهم بمقدار طاقته وساروا بها؛ فأشرفت، كما كانت تفعل، فقال لها قومها: ما ترين يا زرقاء؟
وذلك في آخر النهار؛ قالت: أرى شجرا يسير؛ فقالوا: كذبت أو كذبتك عينك، واستهانوا بقولها؛ فلما أصبحوا صبحهم [3] القوم، فاكتسحوا [4] أموالهم وقتلوا منهم مقتلة عظيمة وأخذوا الزرقاء فقلعوا عينها فوجدوا فيها عروقا سوداء، فسئلت عنها فقالت: إني كنت أديم الاكتحال بالأثمد فلعلّ هذا منه، وماتت بعد ذلك بأيام؛ وبلغ هندا [5] خبرها/ فترهّبت ولبست المسوح وبنت ديرا يعرف بدير هند إلى الآن، فأقامت فيه حتى ماتت.
__________
[1] كذا في ح وفي باقي الأصول «عن هشام بن محمد عن ابن الكلبيّ». وكلمة «عن» هنا وقعت غلطا لأن عليّ بن الصباح يروي عن هشام بن محمد بن الكلبيّ ولأن المؤلف سيقول بعد: «و قد روى عن ابن الكلبيّ غير عليّ بن الصباح».
[2] المسح: كساء من الشعر.
[3] يقال: صبح القوم إذا أتاهم صباحا بخير أو شرّ، وصحبهم بتشديد الباء. إذا أتاهم صباحا.
[4] في م، ا: «فاستباحوا».
[5] حكى إسماعيل الموصليّ في «كتاب الأوائل» ما أورده أبو الفرج من أن هندا أحبّت الزرقاء وأنها أوّل امرأة أحبّت امرأة، ثم قال: وفيه نظر، فإن هند بنت النعمان ماتت في ولاية المغيرة بن شعبة على الكوفة وزرقاء اليمامة من جديس ولهم خبر مع طسم وكانوا في زمن ملوك الطوائف وبينهما زمان طويل، فما أعلم من أين وقع لأبي الفرج هذا!. (انظر «خزانة الأدب» للبغدادي ج 3 ص 182).
قيل إن النعمان أكره عديا على طلاق هند فطلقها
وروى ابن حبيب عن ابن الأعرابيّ: أنّ النعمان لما حبس عديّا أكرهه في أمرها على/ طلاقها ولم يزل به حتى طلّقها. قال ابن حبيب: وذكر عديّ بن زيد صهره هذا للنعمان في قصائده وكان زوج أخته - هكذا ذكر العلماء من أهل الحيرة. وقالت رواة العرب: إنه كان زوج ابنته هند - فمن ذلك قوله في قصيدته التي أوّلها:
أبصرت عيني عشاء ضوء نار
فقال فيها:
أجل نعمى ربّها أوّلكم ... ودنوّي كان منكم واصطهاري
نحن كنّا قد علمتم قبلها [1] ... عمد البيت وأوتاد الإصار
سبب تنصر النعمان وما وقع بينه وبين عديّ في ذلك
أخبرني محمد بن يحيى الصّوليّ قال حدّثنا إبراهيم بن فهد قال حدّثنا خليفة بن خيّاط شباب [2] العصفريّ قال حدّثنا هشام بن محمد قال حدّثني يحيى بن أيوب البجليّ قال حدّثنا أبو زرعة بن عمرو بن جرير بن عبد اللّه البجليّ قال: سمعت جدّي جرير بن عبد اللّه يقول، وأخبرني به عمّي قال حدّثنا أحمد بن عبيد اللّه قال أخبرنا محمد بن يزيد بن زياد الكلبيّ أبو عبد اللّه قال حدّثني معروف بن خرّبوذ [3] عن يحيى بن أيوب/ عن أبي زرعة بن عمرو قال: سمعت جدّي جرير بن عبد اللّه - ولفظ هذا الخبر لأحمد ابن عبيد اللّه وروايته أتم - قال:
كان سبب تنصّر النعمان - وكان يعبد الأوثان قبل ذلك، وقال أحمد بن عبيد اللّه في خبره: النعمان بن المنذر الأكبر - أنه كان قد خرج يتنزه بظهر الحيرة ومعه عديّ بن زيد، فمرّ على المقابر من ظهر الحيرة ونهرها؛ فقال له عديّ بن زيد: أبيت اللّعن، أتدري ما تقول هذه المقابر؟ قال: لا، وقال أحمد بن عبيد اللّه في خبره: فقال له تقول:
أيّها الركب المخبّو ... ن على الأرض المجدّون
كما أنتم كنّا [4] ... وكما نحن تكونون
__________
[1] كذا وقع هنا في جميع الأصول، وقد تقدّم في جميع الأصول في ص 134 من هذا الجزء: «قبلكم».
[2] كذا في ح، وفي ب، س، م: «خليفة بن خياط عن شباب العصفرى» والصواب ما أثبتناه إذ هو «خليفة بن خيّاط بن خليفة بن خيّاط العصفري الملقّب بشباب» (انظر «تهذيب التهذيب» و «الخلاصة في أسماء الرجال» في اسم خليفة).
[3] خرّبوذ بفتح الخاء وتشديد الراء أوبسكونها ثم ضم الموحدة هو محدّث لغويّ إخباريّ مكيّ من موالى آل عثمان. (انظر «تهذيب التهذيب» و «تاج العروس»).
[4] كذا في جميع الأصول، والشعر من مجزوء الرمل المسبغ، وتقطيعه:
فاعلاتن فاعلاتن ... فاعلاتن فاعلاتان
فيكون على هذا غير موزون. وجاء في «شعراء النصرانيّة» ج 2 ص 442 هكذا:
كما أنتم كذا كنّا
وهذا الشطر أيضا من بحر آخر يقال له: الهزج، وتقطيعه:
مفاعلين مفاعيلن
وقال الصّوليّ في خبره: فقال له تقول:
كنّا كما كنتم حينا فغيّرنا ... دهر فسوف كما صرنا تصيرونا
قال: فانصرف وقد دخلته رقّة، فمكث بعد ذلك يسيرا؛ ثم خرج خرجة أخرى فمرّ على تلك المقابر ومعه عديّ، فقال له: أبيت اللّعن، أتدري ما تقول هذه المقابر؟ قال: لا؛ قال: فإنها تقول:
من رآنا فليحدّث نفسه ... أنه موف على قرن [1] زوال
وصروف الدّهر لا يبقى لها ... ولما تأتي به صمّ الجبال
ربّ ركب قد أناخوا عندنا [2] ... يشربون الخمر بالماء الزّلال
/ والأباريق [3] عليها فدم [4] ... وجياد الخيل تردي [5] في الجلال
عمروا دهرا بعيش حسن ... آمني [6] دهرهم غير عجال
ثم أضحوا عصف الدّهر بهم ... وكذاك الدهر يودي بالرّجال [7]
وكذاك الدهر يرمي بالفتى ... في طلاب العيش حالا بعد حال
قال الصّوليّ في خبره وهو الصحيح: فرجع النعمان فتنصّر؛ وقال أحمد بن عبيد اللّه في خبره عن الزياديّ الكلبيّ:
فرجع النعمان من وجهه وقال لعديّ: ائتني الليلة إذا هدأت الرّجل لتعلم حالي، فأتاه فوجده قد لبس المسوح وتنصّر وترهّب وخرج سائحا/ على وجهه فلا يدرى ما كانت حاله، فتنصر ولده بعده، وبنوا البيع والصوامع، وبنت هند بنت النعمان بن المنذر [بن النعمان بن المنذر] [8] الدير الذي بظهر الكوفة ويقال له: «دير هند» فلما حبس كسرى النعمان الأصغر أباها ومات في حبسه ترهّبت هند ولبست المسوح وأقامت في ديرها مترهّبة حتى ماتت فدفنت فيه.
تصدر المؤلف لرواية أن النعمان هو الذي تنصر وتدليله على ذلك
قال مؤلف هذا الكتاب: إنما ذكرت الخبر الذي رواه الزياديّ على ما فيه من التخليط لأني إذا أتيت بالقصّة ذكرت [كلّ] [9] ما يروى في معناها. وهو خبر مختلط،/ لأن عديّ بن زيد إنما كان صاحب النعمان بن المنذر
__________
- ومن المحتمل أن يكون معطوفا بالواو على بيت قبله سقط حتى يصح الوزن.
[1] أي على طرف زوال.
[2] كذا في أغلب الأصول. وفي ح، و «الكامل» للمبرد ص 283 طبع أوروبا: حولنا».
[3] كذا في ح و «الكامل» للمبرد ص 283 طبع أوروبا و «شعراء النصرانيّة». وفي سائر النسخ: «و أباريق» بدون أل.
[4] فدم: جمع فدام بفتح الفاء وكسرها وهو ما يوضع في فم الإبريق لتصفية ما فيه من شراب، ولم ينص في «كتب اللغة» على جمعه ولكن ما كان على وزن فعال بكسر الفاء يجمع على فعل باطراد نحو كتاب وكتب، وكذلك ما كان على وزن فعال نحو قذال وقذل.
[5] تردى: تعدو وترجم الأرض بحوافرها يقال: ردت الخيل رديا ورديانا أي رجمت الأرض بحوافرها في سيرها وعدوها.
[6] كذا في جميع الأصول، وفي «شعراء النصرانيّة» و «الكامل» للمبرد ص 283: «قطعوا دهرهم».
[7] كذا في جميع النسخ وقد تقدّم هذا البيت في ص 95 من هذا الجزء هكذا:
عصف الدهر بهم فانقرضوا ... وكذلك الدهر حالا بعد حال
[8] زيادة في ح، وعليها يرد نقض أبي الفرج الآتي بعد.
[9] زيدت لفظة كل هكذا في نسختي أ، م. وفي ح، وقعت هذه الجملة هكذا: «إذا ذكرت القصة أتيت بكل ما يروى الخ».
وهو المحبوس والنعمان الأكبر لا يعرفه عديّ ولا رآه ولا هو جدّ النعمان الذي صحبه عديّ كما ذكر ابن زياد، وقد ذكرت نسب النعمان آنفا، ولعل هذا النعمان الذي ذكره عمّ النعمان بن المنذر الأصغر بن المنذر الأكبر، والمتنصّر السائح على وجهه ليس عديّ بن زيد أدخله في النصرانية، وكيف يكون هو المدخل له في النصرانية وقد ضربه مثلا للنعمان في شعره لمّا حبسه مع من ضربه مثلا له من الملوك السالفة!.
حكاية خالد بن صفوان مع هشام بن عبد الملك وتذكره قصة النعمان وتنصره
حدّثنا بخبر ذلك الملك جعفر بن محمد الفريابيّ وأحمد بن عبد العزيز بن الجعد الوشّاء قالا: حدّثنا إسحاق بن البهلول الأنباريّ قال حدّثني أبي البهلول بن حسّان التّنوخيّ قال حدّثني إسحاق بن زياد من بني سامة بن لؤيّ عن شبيب بن شيبة عن خالد بن صفوان بن الأهتم قال:
أوفدني يوسف بن عمر إلى هشام بن عبد الملك في وفد أهل العراق قال: فقدمت عليه وقد خرج بقرابته وحشمه وغاشيته [1] وجلسائه، فنزل في أرض قاع صحصح [2] منيف أفيح [3]، في عام قد بكّر وسميّه [4] وتتابع وليّه، وأخذت الأرض [فيه] [5] زينتها على اختلاف ألوان نبتها من نور ربيع مونق فهو في أحسن منظر، وأحسن مختبر، وأحسن مستمطر، بصعيد كأنّ ترابه قطع الكافور؛ قال: وقد ضرب له سرادق من حبرة [6] كان يوسف بن عمر صنعه له باليمن، فيه فسطاطّ فيه أربعة أفرشة من خزّ أحمر مثلها مرافقها، وعليه درّاعة من خزّ أحمر مثلها عمامتها، وقد أخذ/ الناس مجالسهم؛ قال: فأخرجت رأسي من ناحية السّماط [7] فنظر إليّ شبه المستنطق لي فقلت: أتمّ اللّه عليك يا أمير المؤمنين نعمة، وجعل ما قلّدك من هذا الأمر رشدا، وعاقبة ما يؤول إليه حمدا، وأخلصه لك بالتّقى، وكثّره لك بالنمّاء، ولا كدّر عليك منه ما صفا، ولا خالط سروره بالرّدى، فلقد أصبحت للمؤمنين ثقة ومستراحا، إليك يقصدون في مظالمهم، ويفزعون في أمورهم، وما أجد شيئا يا أمير المؤمنين هو أبلغ في قضاء حقك، وتوقير مجلسك، وما منّ اللّه جلّ وعز عليّ به من مجالستك من أن أذكّرك نعم اللّه عليك، وأنبّهك لشكرها، وما أجد في ذلك شيئا هو أبلغ من حديث من سلف قبلك من الملوك، فإن أذن أمير المؤمنين أخبرته به؛ قال: فاستوى جالسا وكان متّكئا ثم قال: هات يابن الأهتم، قال: قلت يا أمير المؤمنين إنّ ملكا من الملوك قبلك خرج في عام مثل عامك هذا إلى الخورنق والسّدير [8] في عام قد بكّر وسميّه، وتتابع وليّه، وأخذت الأرض [فيه] [9] زينتها على اختلاف ألوان نبتها في ربيع مونق، فهو في أحسن منظر، وأحسن مختبر، بصعيد كأن
__________
[1] غاشية الرجل: من ينتابه زوّاره وأصدقائه.
[2] الصحصح: الأرض الجرداء المستوية ذات حصى صغار.
[3] الأفيح: الواسع.
[4] الوسميّ: مطر الربيع الأوّل. والوليّ: المطر الذي يلي الوسميّ.
[5] زيادة في ح.
[6] الحبرة والحبرة: ضرب من منسوج اليمن منمّر (فيه نقط سود).
[7] السماط: جمع سمط وهو الصف من الناس وغيرهم.
[8] ذكر صاحب «القاموس» أن السدير نهر بالحيرة. قال شارحه: قيل السدير: قصر في الحيرة من منازل آل المنذر وأبنيتهم. وذكر الخلاف ياقوت في «معجم البلدان» فقال: السدير: نهر، وقيل: قصر قريب من الخورنق كان النعمان الأكبر اتخذه لبعض ملوك العجم. وسيتكلم المؤلف بعد قليل عن الخورنق.
[9] زيادة عن ح.
ترابه/ قطع الكافور، وقد كان أعطي فتاء السنّ مع الكثرة والغلبة والقهر، فنظر فأبعد النظر ثم قال لجلسائه: لمن مثل هذا، هل رأيتم مثل ما أنا فيه! وهل أعطي أحد مثل ما أعطيت! قال: وعنده رجل من بقايا حملة الحجّة، والمضيّ على أدب الحقّ ومنهاجه، قال: ولم تخل الأرض من قائم للّه بحجّة في عباده؛ فقال: أيها الملك إنك سألت عن أمر، أفتأذن في الجواب عنه؟ قال: نعم؛ قال: أرأيت هذا الذي أنت فيه، أشيء لم تزل فيه، أم شي ء/ صار إليك ميراثا وهو زائل عنك وصائر إلى غيرك كما صار إليك؟ قال: كذلك هو؛ قال: فلا أراك إلا عجبت [1] بشيء يسير تكون فيه قليلا وتغيب عنه طويلا، وتكون غدا بحسابه مرتهنا؛ قال: ويحك! فأين المهرب وأين المطلب؟ قال: إما أن تقيم في ملكك فتعمل فيه بطاعة اللّه ربّك على ما ساءك وسرّك، وأمضّك [2] وأرمضك [3]، وإما أن تضع تاجك، وتخلع [4] أطمارك، وتلبس أمساحك، وتعبد ربك حتى يأتيك أجلك؛ قال: فإذا كان السّحر فاقرع عليّ بابي فإني مختار أحد الرأيين، وربما قال إحدى المنزلتين، فإن اخترت ما أنا فيه كنت وزيرا لا يعصى، وإن اخترت فلوات الأرض وقفر البلاد كنت رفيقا لا يخالف؛ قال: فقرع عليه عند السّحر بابه فإذا هو قد وضع تاجه، وخلع [5] أطماره، ولبس أمساحه، وتهيأ للسياحة، فلزما واللّه الجبل حتى أتاهما أجلهما، وهو حيث يقول عديّ بن زيد أخو بني تميم:
أيّها الشّامت المعيّر بالدّهر أأنت المبرّأ الموفور أم لديك العهد الوثيق من الأيّام بل أنت جاهل مغرور
من رأيت المنون خلّدن [6] أم من ... ذا عليه من أن يضام خفير
أين كسرى كسرى الملوك أنوشر [7] ... وان أم أين قبله سابور [8]
وبنو الأصفر الكرام ملوك الر ... وم لم يبق منهم مذكور
وأخو الحضر إذ بناه وإذ دجلة تجبى إليه والخابور [9] شاده مرمرا وجلّله كلسا [10] فللطير في ذراه وكور
__________
[1] كذا في أغلب الأصول. وفي ح: «فلا أراك أعجبت إلا بشيء إلخ». وذكر في «المصباح»: أن التعجب على وجهين: تعجب على وجه الاستحسان وهذا يقال فيه: أعجبني بالألف. وتعجب بمعنى الإنكار وهذا يقال فيه: عجبت على وزان تعبت. ولكن في «القاموس» ما يدل على أن أعجب الثلاثي يستعمل في الاستحسان كقوله: وأعجب به: عجب وسرّ كأعجبه.
[2] كذا في م، أ. وفي باقي الأصول «و مضّك» هكذا بدون ألف وكلاهما صحيح عربية إلا أن ثعلبا يقدّم «أمضني» ومعناهما: أحرقني وشقّ عليّ.
[3] أرمضك: أو جعك، يقال: أرمضني الأمر أي أوجعني.
[4] كذا في أغلب النسخ. وفي ح: «و تضع أطمارك».
[5] في ح: «و وضع أطماره».
[6] كذا في جميع الأصول. وفي «لسان العرب» مادة «منّ» بدل خلدن: «عزين». والمنون: الموت وقيل الدهر. قال صاحب «اللسان»: وقد جعله عديّ بن زيد جمعا وأورد هذا البيت. وفي «معاهد التنصيص» طبع بولاق ص 141: «جازته» بدل خلدن.
[7] كذا في أغلب النسخ، وجاء في «لسان العرب» مادة «كلس»: «أبو ساسان» بدل «أنوشروان».
[8] سابور الجنود وهو ابن أردشير، وسابور ذو الأكتاف وهو سابور بن هرمز وكلاهما من ملوك العجم قبل كسرى أنوشروان.
[9] الخابور: اسم لنهر كبير بين رأس عين والفرات من أرض الجزيرة.
[10] الكلس: الصاروج وهو النورة وأخلاطها التي تصرّج (تطلي) بها النزل وغيرها وهو بالفارسيّة جاروف عرّب فقيل صاروج وربما قيل شاروق.
لم يهبه ريب المنون فباد الملك عنه فبابه مهجور وتذكّر [1] ربّ الخورنق إذ أشرف يوما وللهدى تفكير سرّه ماله [2] وكثرة ما يملك والبحر معرضا [3] والسدير فارعوى قلبه فقال وما غبطة حيّ إلى الممات يصير ثم بعد الفلاح والملك والإمّة [4] وارتهم هناك القبور ثم صاروا [5] كأنهم ورق جفّ فألوت [6] به الصّبا والدّبور/ قال: فبكى واللّه هشام حتى أخضل [7] لحيته، وبلّ عمامته، وأمر بنزع أبنيته، وبنقلان [8] قرابته وأهله وحشمه وغاشيته من جلسائه، ولزم قصره، فأقبلت الموالي والحشم على خالد بن صفوان فقالوا: ما أردت إلى أمير المؤمنين! أفسدت عليه لذّته، ونغّصت عليه مأدبته، فقال: إليكم عنّي فإني عاهدت اللّه عزّ وجلّ ألّا أخلو بملك إلا ذكّرته اللّه عزّوجلّ.
قصرا الحضر والخورنق
فأما خبر/ الحضر وصاحبه، والخورنق وصاحبه، فإني أذكر خبرهما ها هنا لأنه مما يحسن ذكره بعقب هذه الأخبار ولا يستغنى عنه، والشيء يتبع الشيء.
أخبرني بخبره إبراهيم بن السّريّ عن أبيه عن شعيب عن سيف، وأخبرني به الحسن بن علي قال حدّثنا الحارث بن محمد قال حدّثنا محمد بن سعد عن الواقديّ، وأخبرني به عليّ بن سليمان الأخفش في كتاب المغتالين عن السّكّريّ عن محمد بن حبيب عن ابن الأعرابيّ عن المفضّل بن سلمة الضّبّيّ، وهشام بن الكلبيّ عن أبيه، وإسحاق بن الجصّاص عن الكوفيّين:
أن الحضر كان قصرا بحيال تكريت بين دجلة والفرات، وأن أخا الحضر الذي ذكره عديّ بن زيد هو الضيزن بن معاوية بن العبيد بن الأجرام بن عمرو بن النّخع بن سليح من بني تزيد [9] بن حلوان بن عمران بن
__________
[1] كذا في جميع النسخ. وفي «معاهد التنصيص» ص 142 طبع بولاق سنة 1274 ه وكتاب «الشعر والشعراء» ص 111 طبع ليدن سنة 902 م «و تبين». وفي «شعراء النصرانيّة»: «و تفكّر».
[2] كذا في جميع النسخ وفي كتاب «الشعر والشعراء» ص 11 و«معاهد التنصيص» ص 142 طبع بولاق: «سرّه حاله».
[3] معرض بمعنى متسع ومنه أعرض الثوب أي اتسع وعرض.
[4] كذا في جميع النسخ، والإمّة بالكسر: النعمة. وفي «شعراء النصرانيّة»: «و النعمة».
[5] كذا في جميع النسخ. وفي «الشعر والشعراء» و«معاهد التنصيص»: «ثم أضحوا».
[6] ألوت به أي ذهبت به.
[7] في ا، م: «حتى أخضلت لحيته».
[8] كذا في جميع الأصول ولم نجد في «كتب اللغة» في هذه المادة النقلان مصدر النقل. وفي كتاب «الإمامة والسياسة» طبع مطبعة النيل سنة 1322 ه ص 203 ج 2 «ثم أمر بنزع أبنيته وانتقاله وأقبلت العامة من الموالي على ابن الأهتم الخ» ولم يذكر ما يتعلق بقرابته وأهله.
[9] كذا في م، أو«تاريخ الطبريّ». وفي ب، س: «يزيد» بالتحتيّة. وفي «القاموس»: «و تزيد بن حلوان أبو قبيلة» قال المرتضى في «شرحه»: «هكذا بالمثناة الفوقيّة، وفي نسختنا بالفوقيّة والتحتيّة، ثم نقل عن كتاب «الإيناس» للوزير المغربيّ: أن في قضاعة تزيد بن حلوان وفي الأنصار تزيد بن جشم، وسائر العرب غير هذين فبالياء المنقوطة من أسفل. ونقل عن السهيليّ في «الروض الأنف»: أنه لا يعرف تزيد إلا تزيد بن جشم وتزيد بن الحاف بن قضاعة وهم الذين تنسب إليهم الثياب التزيدية، قال المرتضى: وبه
الحاف بن قضاعة، وأمه جبهلة [1] امرأة/ من بني تزيد بن حلوان أخي سليح بن حلوان، وكان لا يعرف إلا بأمه هذه، وكان ملك تلك الناحية وسائر أرض الجزيرة، وكان معه من بني الأجرام [ثم من بني العبيد [2] ابن الأجرام] وسائر قبائل قضاعة ما لا يحصى، وكان ملكه قد بلغ الشام. فأغار الضيزن فأصاب أختا لسابور ذي الأكتاف [3] وفتح مدينة نهر شير [4] وفتك فيهم، فقال في ذلك عمرو بن السّليح بن [5] حديّ بن الدّها بن غنم بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة:
لقيناهم بجمع من علاف [6] ... وبالخيل الصّلادمة الذكور
فلاقت فارس منّا نكالا ... وقتّلنا هرابذ شهر زور [7]
دلفنا [8] للأعاجم من بعيد ... بجمع م الجزيرة كالسّعير
قالوا: ثم إن سابور ذا الأكتاف جمع لهم وسار إليهم، فأقام على الحضر أربع سنين لا يستغلّ منهم شيئا. ثم إن النّضيرة بنت [9] الضّيزن عركت - أي حاضت - فأخرجت/ إلى الرّبض [10]، وكانت من أجمل أهل دهرها، وكذلك كانوا يفعلون بنسائهم إذا حضن، وكان سابور من أجمل أهل زمانه، فرآها ورأته، وعشقها وعشقته، فأرسلت إليه: ما تجعل لي أن دللتك على ما تهدم به هذه المدينة وتقتل أبي؟ قال: أحكّمك وأرفعك على نسائي، وأخصّك بنفسي دونهنّ؛ قالت: عليك بحمامة مطوّقة ورقاء، فاكتب في رجلها بحيض جارية بكر تكون زرقاء، ثم أرسلها فإنها تقع على حائط المدينة فتتداعى المدينة، وكان ذلك طلّسمها [11] لا يهدمها إلا هو، ففعل وتأهّب لهم،
__________
- قال الدار قطنيّ والحق بيده ووافقه على ذلك أئمة النسب. (انظر «تاج العروس» في مادة زيد).
[1] كذا في جميع الأصول «جبهلة» بالجيم والباء. وفي «تاريخ الطبريّ» قسم 1 ص 827: «جيهلة» بالجيم والياء المثناة.
[2] زيادة في ح.
[3] كذا في جميع الأصول وقد نبّه ياقوت في «معجم البلدان» في اسم الحضر على أنّ صاحب القصة إنما هو سابور الجنود وهو سابور بن أردشير لا سابور ذو الأكتاف وهو سابور بن هرمز، وقال: إنما ذكرت ذلك لأن بعضهم يغلط ويروي أنه ذو الأكتاف.
[4] كذا في جميع الأصول ولم نجد هذا الاسم في «معجم ياقوت».
[5] كذا في جميع الأصول. وفي «تاريخ الطبريّ» قسم 1 ص 828: «الجديّ بن الدهاء». وفي «معجم ياقوت» في اسم الحضر: «الجديّ بن الدلهاث».
[6] هو علاف بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة وهو ربّان أبو جرم من قضاعة، وإليه تنسب الخيل العلافيّة. والخيل الصلادمة: القويّة الشديدة.
[7] كذا في ح، و«تاريخ الطبريّ» و«معجم البلدان»، وشهرزور: كورة واسعة بين أربل وهمذان، قال ياقوت: وأهل هذه النواحي كلهم أكراد ولأهلها بطش وشدّة. وفي بقية الأصول: «نهر شير» ولم نجده في أسماء الأماكن. والهرابذ: خدم نار المجوس وقومة بيت النار للهند (و هم البراهمة) وقيل: هم عظماء الهند أو علماؤهم. واحدة هربذ، فارسية. (انظر «القاموس» و«شرحه» مادة هربذ وعباد النار وسبب عبادتها وبيوت النيران في الجزء الأوّل من «نهاية الأرب» للنويريّ طبع دار الكتب ص 105 - 113).
[8] دلفنا: تقدّمنا.
[9] كذا في ح، أو«تاريخ الطبريّ» قسم 1، ص 229 و«معجم البلدان» في اسم الحضر. وفي ب، س: «النصيرة» بالصاد المهملة.
[10] الربض: ما حول المدينة من خارج.
[11] طلّسمها: سرّها المكتوم، قال المرتضى في «تاج العروس» في «المستدرك» بعد مادة «اطلخمّ»: والطّلسم كسبطر - وشدّد شيخنا اللام وقال: إنه أعجميّ وعندي أنه عربيّ - : اسم للسرّ المكتوم، وقد كثر استعمال الصوفيّة له في كلامهم فيقولون: سرّ مطلسم وحجاب مطلسم والجمع طلاسم. وذكر الشهاب الخفاجيّ في «شفاء الغليل»: أنّ الطّلسم لفظ يونانيّ ولكنه قال: لم يعرّبه من يوثق به، ثم نقل عن كتاب «السرّ المكتوم» أنه عبارة عن علم بأحوال تمزيج القوى الفعالة السماوية بالقوى المنفعلة الأرضية لأجل التمكن من إظهار ما يخالف العادة والمنع مما يوافقها.
وقالت له: أنا أسقي الحرس الخمر، فإذا صرعوا فاقتلهم وادخل المدينة، ففعل فتداعت المدينة، وفتحها سابور عنوة، فقتل الضيزن يومئذ، وأباد بني العبيد، وأفنى قضاعة الذين كانوا مع الضّيزن فلم يبق منهم باق يعرف إلى اليوم، وأصيبت قبائل حلوان وانقرضوا ودرجوا، فقال في ذلك عمرو بن آلة [1] وكان مع الضّيزن:
ألم يحزنك والأنباء تنمي [2] ... بما [3] لاقت سراة بني العبيد
ومصرع ضيزن وبني أبيه ... وأحلاس [4] الكتائب من تزيد
/ أتاهم بالفيول مجلّلات ... وبالأبطال سابور الجنود
فهدّم من أواسي [5] الحضر صخرا ... كأنّ ثقاله زبر الحديد
/ قال: فأخرب [6] سابور المدينة واحتمل النّضيرة بنت الضّيزن فأعرس بها بعين [7] التمر، فلم تزل ليلتها تتضوّر [8] من خشانة في فرشها وهي من حرير محشو بالقزّ، فالتمس ما كان يؤذيها فإذا هي ورقة آس ملتصقة بعكنة من عكنها قد أثّرت فيها. قال: وكان ينظر إلى مخّها من لين بشرتها. فقال لها سابور: ويحك! بأيّ شيء كان أبوك يغذّيك؟ قالت: بالزّبد والمخّ [9] وشهد الأبكار من النحل وصفوة الخمر فقال: وأبيك لأنا أحدث عهدا بمعرفتك، وآثر [10] لك من أبيك الذي غذّاك بما تذكرين! ثم أمر رجلا فركب فرسا جموحا وضفر غدائرها بذنبه، ثم استركضه فقطّعها قطعا، فذلك قول الشاعر:
أقفرا الحضر من نضيرة فالمر ... باع منها فجانب الثّرثار [11]
__________
[1] كذا في جميع الأصول. وفي «تاريخ الطبريّ» قسم 1 ص 828: «عمر بن إله» ونسب ياقوت في «معجم البلدان» في اسم الحضر هذه الأبيات لشاعر سماه «الجديّ بن الدلهاث».
[2] تنمى أي تشيع، وأصله من نمى الشيء إذا ارتفع وزاد.
[3] الباء هنا زائدة و «ما لاقت» فاعل لقوله «يحزنك».
[4] أحلاس الكتائب: الشجعان الملازمون لها، يقال: فلان من أحلاس الخيل أي هو في الفروسية ولزوم ظهر الخيل كالحلس اللازم لظهر الفرس.
[5] كذا في ح، م، أو «تاريخ الطبريّ» وهو جمع آسية وهي ما أسس من بنيان فأحكم أصله من سارية وغيرها. وفي ب، س: «رواسي» بالراء.
[6] الظاهر من السياق هنا أن أخرب بمعنى هدّم ودمّر وقد ذكر الفيوميّ في «المصباح المنير» والفيروز أبادي في «القاموس» والجوهريّ في «الصحاح» الكلمتين «أخرب وخرّب» ولم يذكروا بينهما فرقا إلا أن صاحب «اللسان» والمرتضى في «شرح القاموس» نقلا بينهما فرقا عن ابن عمرو بن العلاء فقالا: الأخراب: أن يترك الموضع خربا أي خاليا من السكان والتخريب: الهدم وخرجا عليه قوله تعالى: (يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ)
فمن قرأها بالتشديد فمعناه يهدمونها ومن قرأها يخربون (بضم الياء وتخفيف الراء) فمعناها يخرجون منها ويتركونها خالية ومثله ما في «النهاية» لابن الأثير في هذه المادة. وفي «روح المعاني» ذكر الآلوسيّ في تفسير هذه الآية هذا الفرق ثم قال: وقيل هما بمعنى واحد (انظر الكتب المتقدّمة في هذه المواد).
[7] عين التمر: بلدة قريبة من الأنبار غربيّ الكوفة.
[8] تتضوّر: تتلوى، يقال: تضوّر أي تلوّى وأظهر الضرر. وفي ب، س: «تتضرّر».
[9] في م، أ، ب: «المح» بالحاء وهو ما في جوف البيضة من أصفر، وقال ابن شميل: من أصفر وأبيض.
[10] كذا في «تاريخ الطبريّ» قسم 1 ص 830 وفي أغلب النسخ: «أوثر لك في أبيك». وفي ب، س: «و أثأر لك في أبيك» ولم يظهر لهما معنى.
[11] الثرثار واد عظيم بين سنجار وتكريت كان في القديم منازل بكر بن وائل، واختص بأكثره بنو تغلب منهم، ويمر بمدينة الحضر ثم يصب في دجلة أسفل تكريت.
قالوا: وكان الضّيزن صاحب الحضر يلقّب السّاطرون، وقال غيرهم: بل السّاطرون صاحب الحضر كان رجلا من أهل باجرمى [1] واللّه أعلم أيّ ذلك كان. هذا خبر صاحب الحضر الذي ذكره عديّ.
وأما صاحب الخورنق فهو النعمان بن الشّقيقة، وهو الذي ساح على وجهه فلم يعرف له خبر، والشقيقة أمه بنت أبي ربيعة بن ذهل بن شيبان. وهو النعمان بن امرىء القيس بن عمرو بن عديّ بن نصر بن ربيعة بن الضّخم اللّخميّ، وهو صاحب الخورنق، فذكر ابن الكلبيّ في خبره الذي قدّمنا ذكره ورواية عليّ بن الصبّاح أياه عنه: أنه كان سبب بنائه الخورنق أنّ يزدجرد بن سابور كان لا يبقى له ولد، فسأل عن منزل مريء صحيح من الأدواء والأسقام، فدلّ على ظهر الحيرة، فدفع ابنه بهرام جور بن يزدجرد إلى النعمان بن الشقيقة، وكان عامله على أرض العرب، وأمره بأن يبني الخورنق مسكنا له ولابنه وينزله إياه معه، وأمره بإخراجه إلى بوادي العرب، وكان الذي بنى الخورنق رجلا يقال له «سنمّار» فلما فرغ من بنائه عجبوا من حسنه وإتقان عمله، فقال: لو علمت أنكن توفوني أجرتي وتصنعون بي ما أستحقّه، لبنيته بناء يدور مع الشمس حيثما دارت، فقالوا: وإنك لتبني ما هو أفضل منه ولم تبنه! أمر به فطرح من أعلى الجوسق [2]. وقال: في بعض الروايات أنه قال له: إني لأعرف في هذا القصر موضع عيب إذا هدم تداعى القصر أجمع، فقال/ له: أما واللّه لا تدلّ عليه أحدا أبدا، ثم رمي به من أعلى القصر، فقالت الشعراء في ذلك أشعارا كثيرة منها قول أبي الطّمحان القينيّ:
جزاء سنمّار جزوها [3] وربّها ... وبالّلات والعزّى جزاء المكفّر
ومنها قول سليط بن سعد [4]:
جزى بنوه أبا الغيلان [5] عن كبر ... وحسن فعل كما يجزى سنمّار
وقال عبد العزّى بن امرىء القيس الكلبيّ - وكان أهدى إلى الحارث بن مارية الغسّانيّ أفراسا، ووفد إليه فأعجب به واختصّه، وكان للملك ابن مسترضع في بني عبد ودّ من كلب فنهشته حيّة، فظنّ الملك أنهم اغتالوه، فقال لعبد العزّى: جئني بهؤلاء القوم، فقال: هم قوم أحرار ليس لي عليهم فضل في نسب ولا فعل [6]، فقال:
لتأتينّى بهم أو لأفعلنّ وأفعلنّ، فقال له:/ رجونا من حبائك امرا حال دونه عقابك ودعا ابنيه شراحيل وعبد الحارث - فكتب معهما إلى قومه:
جزاني جزاه اللّه شرّ جزائه ... جزاء سنمّار وما كان ذا ذنب
سوى رصّه البنيان عشرين حجة ... يعلّى عليه بالقراميد [7] والسّكب
__________
[1] باجرمي: قرية من أعمال البليخ قرب الرقة من أرض الجزيرة.
[2] الجوسق: القصر، فارسيّ معرّب.
[3] كذا في أغلب النسخ و «خزانة الأدب» للبغدادي ج 1 ص 142. وفي ح، و «تاريخ الطبريّ» قسم 1 ص 851: «جزاها».
[4] كذا في ح، أو «شرح الأشمونيّ» ج 1 ص 407 طبع بولاق و «خزانة الأدب» للبغداديّ ج 1 ص 142 و «شرح الشواهد» للعينيّ الموجود بهامش «الخزانة». وفي ب، س: «سعيد».
[5] كذا في «شرح الأشمونيّ» و «خزانة الأدب» للبغداديّ و «شرح الشواهد» للعينيّ. وفي الأصول: «غيلان» بالتنكير.
[6] كذا في جميع الأصول. وفي «تاريخ الطبريّ» قسم 1 ص 853: «فعال» والفعال: ايم للفعل الحسن والكرم.
[7] القراميد: جمع قرمد وهو الآجرّ، وقيل حجارة له خروق يوقد عليها حتى إذا نضجت بنى بها وهو روميّ تكلمت به العرب قديما.
والسكب: النحاس أو الرصاص.
/ وهي أبيات، قال: فقتله النعمان، وكان أمره قد عظم وجعل معه كسرى كتيبتين: أحداهما يقال لها:
«دوسر» [1] وهي لتنوخ، والأخرى: «الشّهباء» وهي للفرس، وكانتا أيضا تسمّيان القبيلتين، وكان يغزو بهما بلاد الشأم، وكلّ من لم يدن له من العرب. فجلس يوما يشرف من الخورنق فأعجبه ما رأى من ملكه. ثم ذكر باقي خبره مثل ما ذكره خالد بن صفوان لهشام من مخاطبة الواعظ وجوابه وما كان من اختياره السياحة وتركه ملكه.
رثاء النابغة الذبياني للنعمان بن المنذر
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدّثني عبد اللّه بن عمرو قال ذكر ابن حمزة عن مشايخه:
أن النعمان بن المنذر لما نعي إلى النابغة الذّبيانيّ وحدّث بما صنع به كسرى قال: طلبه من الدهر طالب الملوك ثم تمثّل:
من يطلب الدهر تدركه مخالبه ... والدّهر [2] بالوتر ناج غير مطلوب
ما من أناس ذوى مجد ومكرمة ... إلا يشدّ شدّة الذّيب
حتى يبيد على عمد سراتهم ... بالنافذات من النّبل المصاييب
إني وجدت سهام الموت معرضة [3] ... بكلّ حتف من الآجال مكتوب
الغناء في شعر عديّ بن زيد
وفي سائر قصائد عديّ بن زيد التي كتب بها إلى النعمان يستعطفه ويعتذر إليه أغان.
/ منها:
صوت
لم أر مثل الفتيان في غبن ال ... أيام ينسون ما عواقبها
ينسون إخوانهم ومصرعهم ... وكيف تعتاقهم مخالبها
ماذا ترجّى النفوس من طلب الخير وحبّ الحياة كاربها تظنّ أن لن يصيبها عنت الدهر وريب المنون صائبها ويروى عقب [4] الدهر - يقول: الأيام تغبن الناس فتخدعهم وتختلهم مثل الغبن في البيع. وتعتاقهم:
تحبسهم، يقال: اعتاقه واعتقاه [5]. وكاربها ها هنا: غامّها، وهو في موضع آخر القريب منها، يقال كربه الأمر
__________
[1] كانت أخشن كتائب النعمان وأشدّها بطشا ونكاية، وكانوا من كل قبائل العرب، وأكثرهم من ربيعة. وسميت «دوسرا» اشتقاقا من الدسر وهو الطعن بالثقل لثقل وطأتها (انظر «بلوغ الأرب» للألوسيّ ج 2 ص 191 طبع بغداد سنة 1314 ه).
[2] الوتر بالفتح والكسر: الذحل والثأر.
[3] كذا في جميع النسخ بالعين المهملة ولعل معناه متعرضة ففي «اللسان» مادة عرض: والعرب تقول عرض لي الشيء وأعرض وتعرّض واعترض بمعنى واحد، ويحتمل أنه محرف عن مغرضه بالغين المعجمة بمعنى مصيبة الغرض وهو الهدف.
[4] عقب: جمع عقبة وهي الشدّة، يقال: لقي منه عقبة أي شدّة.
[5] اعتقاه: احتبسه. قال الأصمعيّ الاعتقاء: الاحتباس وهو مقلوب الاعتياق.
وكرثه [1] وبهضه وغنظه [2] إذا غمّ - الغناء في هذه الأبيات لابن محرز خفيف رمل بالوسطى عن عمرو بن بانة.
وفيها رمل بالنصر، نسبه حبش ودنانير إلى حنين، ونسبه الهشاميّ وابن المكيّ إلى الهذليّ.
ومنها:
صوت
يا لبينى أوقدي النّارا ... إنّ من تهوين قد حارا
ربّ ناربتّ أرمقها ... تقضم الهنديّ والغارا
عندها ظبي يؤرّثها ... عاقد في الجيد تقصارا
/ عروضه من المديد - حار يحير هنا: ضلّ، وحار في موضع آخر: رجع. والغار: شجر طيّب الريح، والغار أيضا: شجر السوس، والغار: الغيرة. ويؤرّثها: يوقدها ويكثر حطبها. والتقصار: المخنقة - الغناء لحنين خفيف ثقيل أوّل بالسبابة في مجرى الوسطى عن إسحاق. وفيه خفيف رمل يقال إنه لعريب.
أخبرني محمد بن مزيد بن أبي الأزهر قال حدّثنا حمّاد بن إسحاق، وأخبرنا به يحيى بن عليّ عن داود بن محمد عن حمّاد بن إسحاق عن أبيه عن ابن عائشة عن يونس النحويّ قال:
مات رجل من جند أهل الشام عظيم القدر، له فيهم عزّ [و عدد] [3]؛ فحضر الحجّاج جنازته وصلّى عليه وجلس على قبره وقال: لينزل إليه بعض إخوانه، فنزل نفر منهم، فقال أحدهم وهو يسوّي عليه: رحمك اللّه أبا قنان [4]، إن كنت ما علمت لتجيد الغناء، وتسرع ردّ الكأس، ولقد وقعت في موضع سوء لا تخرج منه واللّه إلى يوم القيامة [5]. قال: فما تمالك الحجّاج أن ضحك، وكان لا يكثر الضحك في جدّ ولا هزل. فقال له: أهذا موضع هذا لا أمّ لك! فقال: أصلح اللّه الأمير، فرسه حبيس في سبيل اللّه لو سمعه الأمير وهو يغنّي:
يا لبينى أوقدي النارا ... إن من تهوين قد حارا
لانتشر الأمير على سعنة [6]، وكان الميت يلقب بسعنة، فقال: إنّا للّه أخرجوه من القبر! ما أبين حجّة أهل العراق في جهلكم يا أهل الشام! قال: وكان سعنة هذا الميت/ من أوحش خلق اللّه كلّهم صورة، وأذمّهم قامة.
فلم يبق أحد حضر القبر إلا استفرغ ضحكا.
__________
[1] كذا في ح بالثاء المثلثة أي أشتدّ عليه وبلغ منه المشقة كما يقال أكرثه، وقال الأصمعيّ: لا يقال كرثه وإنما يقال أكرثه على أن رؤبة قد قال:
وقد تجلى الكرب الكوارث
انظر «اللسان» في مادة كرث. وفي باقي نسخ الأصول «كرّبه» وهو تحريف.
[2] كذا في ح، وغنظه الأمر: غمه وبلغ منه المشقة فهو بمعنى بهظه وبهضه. وفي باقي النسخ: «و غيظه» وهو تحريف.
[3] زيادة في ح.
[4] لم نهتد إلى ضبط هذا الاسم وقد سمي العرب قنانا وأبا قنان بفتح القاف وتخفيف النون كما ورد في «القاموس» مادة قنن.
[5] في ح: «يوم الدكة» وقد راجعنا في شرح «إحياء الغزالي» للسيد محمد مرتضى الزبيديّ ج 10 ص 462 أسماء يوم القيامة فلم نجد فيها هذا الاسم، وأقرب الأسماء إليه يوم الرجة، ترج فيه الأرض بأهلها فتميد الناس على ظهرها، فلعله محرّف عنه أو لعله اسم من أسمائها لم يذكره الغزالي بدليل قوله تعالى: (كَلَّا إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا)
[6] لم نقف على ضبط هذا الاسم، والعرب سموا سعنه بفتح السين وسعنه بضمها (انظر «القاموس» مادة سعن).
ومنها من قصيدته التي أوّلها:
لمن الدار تعفّت بخيم [1]
صوت
وثلاث كالحمامات بها ... بين مجثاهنّ توشيم الحمم [2]
أسأل الدار وقد أنكرتها ... عن حبيبي فإذا فيها صمم
- ويروى: توشيم العجم. والتوشيم أراد به آثار الوقود قد صار فيها كالوشم. والثلاث يعنى الأثافيّ التي تنصب عليها القدر - الغناء لإبراهيم خفيف ثقيل أوّل مطلق في مجرى البنصر عن عمرو وابن المكيّ. وفيه لحكم لحن من كتاب إبراهيم غير مجنّس. وهذه القصيدة التي أوّلها:
لمن الدار تعفّت بخيم ... أصبحت غيرّها طول القدم
ما تبين العين من آياتها ... غير نؤي [3] مثل خطّ بالقلم
وبعده.
وثلاث كالحمامات بها ... بين مجثاهنّ توشيم الحمم
وعلى هذا خفض قوله: وثلاث كالحمامات.
ومنها قوله:
كفى غير الأيام للمرء وازعا
صوت
بنات كرام لم يربن [4] بضرّة ... دمى شرقات [5] بالعبير روادعا [6]
يسارقن م الأستار طرفا مفتّرا ... ويبرزن من فتق الخدور الأصابعا
بنات كرام موضعه نصب وهو يتبع ما قبله وينصب به وهو قوله:
وأصبى ظباء في الدّمقس [7] خواضعا
بنات كرام هكذا في القصيدة على تواليها، وقد يجوز/ رفعه على الابتداء. ويروى: بضرّة وبضرّة جمعا بالضم
__________
[1] خيم: اسم جبل من عماية على يسار الطريق إلى اليمن.
[2] الحمم: جمع حممة وهي الفحم والرماد وكل ما احترق بنار.
[3] النؤي: حفرة تجعل حول الخباء لئلا يدخله ماء المطر.
[4] لم يربن: لم يسأن.
[5] شرقات: ممتلئات، يقال: شرق الجسد بالطيب: امتلأ.
[6] روادعا: جمع رادع، والرادع: ما فيه أثر الردع وهو الطيب.
[7] الدمقس: الديباج وقيل هو الحرير.
والفتح. والدّمى: الصّور، واحدتها دميّة. الغناء في هذين البيتين لابن قندح [1] ثقيل أوّل بالنبصر عن عمرو، وذكر الهشاميّ أنه لمحمد بن إسحاق بن عمرو بن بزيع، وذكر حبش أنه لإبراهيم.
ومنها:
صوت
أرقت لمكفهرّ بات فيه ... بوارق يرتقين رؤوس شيب
تروح المشرفيّة في ذراه ... ويجلو صفحة الذّيل القشيب
والمكرهفّ والمرهفّ: السحاب المتوالي المتراكب [2]. والشّيب: السحائب التي فيها فيها سواد وبياض شبّهها بالرؤوس الشيب، وقال قوم: بل شيب: جبل معروف. شبّه البرق في السحاب بلمعان السّيوف. ورواه ابن الأعرابيّ:
ويجلو صفح دخدار قشيب
/ وقال: الدّخدار: الثوب المصون، وهو أعجميّ معرّب أصله تخت دار. والقشيب: الجديد. الغناء لعريب ثقيل أوّل بالبنصر.
ومنها من قصيدته التي أوّلها:
ألا يا طال ليلي والنهار
صوت
ألا من مبلغ النعمان عنّي ... علانية فقد ذهب السّرار
بأنّ المرء لم يخلق حديدا ... ولا هضبا توقّاه [3] الوبار
ولكن كالشّهاب فثمّ يخبو ... وحادي الموت عنه ما يحار
فهل من خالد إما هلكنا ... وهل بالموت يا للنّاس عار
الهضب: الجبل. والوبار: جمع وبر [4]. والشّهاب: السراج. ويخبو: يطفأ. الغناء لبابويه [5] ثقيل أوّل بالبنصر عن حبش والهشاميّ.
ومنها:
__________
[1] ورد هذا الاسم هكذا في جميع الأصول ولم نقف له على ضبط في «كتب اللغة» أو غيرها.
[2] كذا في أغلب النسخ. وفي ح: «المتراكم» بالميم.
[3] كذا في ح وهو المناسب لما يذكرونه في الوبر من أنها دويبة تكون بالغور. وفي باقي النسخ: «ترقاه» بالراء.
[4] الوبر بالتسكين: دويّبة على قدر السنّور غبراء أو بيضاء من دوابّ الصحراء حسنة العينين شديدة الحياء تكون بالغور.
[5] كذا في ح وورد هكذا اسما لمغنّ في الجزء الرابع ص 36 وفي الجزء السابع ص 163 من «الأغاني» طبع بولاق. وفي باقي الأصول: «بابونة» بالنون.
صوت
ألا من مبلغ النعمان عنّي ... فبينا المرء أغرب [1] إذ أراحا [2]
أطعت بني بقيلة في وثاقي ... وكنا في حلوقهم ذباحا [3]
/منحتهم الفرات وجانبيه [4] ... وتسقينا الأواجن [5] والملاحا
الغناء لحنين خفيف ثقيل أوّل بالسبابة في مجرى الوسطى عن إسحاق.
ومنها:
صوت
من لقلب دنف أو معتمد ... قد عصى كلّ نصيح ومفدّ
لست إن سلمى نأتني دارها ... سامعا فيها إلى قول أحد
المعتمد: الذي عمده الوجع يعمده عمدا [6]. غنّاه ابن محرز ولحنه خفيف ثقيل بالسبابة في مجرى البنصر عن إسحاق. وفيه لمالك خفيف ثقيل آخر بالوسطى عن عمرو. وذكر يونس أن فيه لمالك لحنا، ولسنان الكاتب لحنا، وهو ثقيل أوّل بالوسطى عن حبش.
ومنها:
صوت
أرواح مودّع أم بكور ... لك فاعمد لأيّ حال تصير
ويقول العداة أودى عديّ ... وعديّ بسخط ربّ أسير
/ أيّها الشامت المعيّر الدهر أأنت المبرّأ الموفور أم لديك العهد الوثيق من الأيام بل أنت جاهل مغرور يريد: أرواح نودّعك فيه أم بكور؟ أيّهما تريد؟ فاعمد للذي تصير إليه من أمر آخرتك. والموفور: الذي لم تصبه نوائب الدهر. الغناء لحنين من كتاب يونس/ ولم يذكر طريقته، وذكر حمّاد بن إسحاق عن أبيه أن حنينا غنّاه خالدا القسريّ أيام حرّم الغناء، فرقّ له وقال: غنّ ولا تعاشر سفيها ولا معربدا. والخبر [في ذلك] [7] يذكر في أخبار حنين.
__________
[1] أغرب: من الإغراب وهو كثرة المال وحسن الحال.
[2] أراح: مات يقال أراح الرجل إذا مات كأنه استراح. قال العجاج:
أراح بعد الغمّ والتغمغم
[3] الذباح: وجع في الحلق.
[4] في ح: «و ما يليه».
[5] الأواجن: جمع آجن وهو الماء المتغير الطعم واللون.
[6] ذكر المؤلف هذا المعنى للمعتمد، ولم نجد في «كتب اللغة» التي بأيدينا ك «اللسان» و «القاموس» و «الصحاح» و «المصباح» اعتمد بهذا المعنى، وإنما جاء فيها عمده المرض بمعنى أضناه وأوجعه، وعمدت بمعنى وجعت.
[7] زيادة في ح.
ومما يغنّى فيه أيضا من شعر عديّ
صوت
ألا يا ربّما عزّ ... خليلي فتهاونت
ولو شئت على مقد ... رة منّي لعاقبت
ولكن سرّني [1] أن يعلموا قدري فأقلعت ألا لا فاسألوا الفتية ما قالوا وقد قمت الغناء لسياط رمل عن الهشاميّ. وفيه ليحيى المكيّ خفيف ثقيل نسبه إلى مالك وليس له. ولعريب في البيتين الأوّلين ثقيل أوّل. وبعدهما بيت ليس من العشر وهو:
ولكنّ حبيبي ... جلّ [2] عندي فتغافلت
ومما يغنّى فيه من شعره:
صوت
تعرف أمس من لميس الطّلل ... مثل الكتاب الدارس الأحول
الذي قد درس فلا يقرأ.
أنعم صباحا علقم بن عديّ أثويت اليوم أم ترحل
قد رحّل الفتيان عيرهم ... واللحم بالغيطان [3] لم ينشل [4]
/إذ هي تسبى الناظرين وتجلو واضحا كالأقحوان رتل [5] الرّتل: المستوي البنية [6].
عذبا كما ذقت الجنيّ من التفاح مسقيّا ببرد، الطّل هكذا يغنّى. والذي قاله عديّ: يسقيه برد الطّلّ. الغناء لحنين رمل بالوسطى عن عمرو.
أخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد عن أبيه عن ابن الكلبيّ أن عمرو بن امرىء القيس المكنّى بأبي سريح [7] وعلقمة بن عديّ - وقيل علقم بن عديّ بن كعب - وعمرو بن هند خرجوا إلى الصيد فأتوا قصر [8] ابن مقاتل فمكثوا
__________
[1] كذا في أغلب النسخ. وفي ح: «تعلموا».
[2] كذا في م، أ. وفي باقي النسخ: «حل» بالحاء المهملة.
[3] جمع غائط وهو المطمئن الواسع من الأرض، وقيل: المطمئن المنبت.
[4] ينشل: ينزع من القدر، يقال: نشلت اللحم من القدر أنشله وأنشله نشلا إذا انتزعته منها.
[5] في ب، س: «الرتل».
[6] كذا في جميع الأصول. ولعلها «النبتة» وهي شكل النبات وحالته التي ينبت عليها. وفي «اللسان»: ثغر رتل ورتل: حسن التنضيد مستوى النبات.
[7] كذا ورد هذا الاسم في أغلب النسخ. وفي ح: «شريح» بالشين.
[8] كذا في جميع الأصول. ولم نجد هذا الاسم في أسماء الأماكن. والذي ورد في «معجم البلدان» لياقوت «قصر مقاتل» وقال قصر كان بين عين التمر (بلدة غربي الكوفة) والشام وهو منسوب إلى مقاتل بن حسان بن ثعلبة، وخربه عيسى بن علي بن عبد اللّه ثم جدّد عمارته فهو له.
فيه يتصيّدون، فزعموا أن علقمة بن عديّ تبع حمارا فصرعه والشمس لم تطلع، ثم لحق آخر فطعنه فانقصف الرمح فيه ومرّ به فرسه يركض، فجال به العير فضربه فأصاب صدره فقتله، وقيل: إن الرمح المنقصف دخل في صدره فقتله، وذلك في أيام الربيع، وكان عديّ بن زيد معهم وإليه قصدوا، وكان نازلا في قصر ابن [1] مقاتل، فقال عديّ هذه القصيدة يرثيه بها [2].
صوت من المائة المختارة
عفا من سليمى مسحلان فحامره ... تمشّى به ظلمانه وجآذره
بمستأسد القريان عاف [3] نباته ... فنوّاره ميل [4] إلى الشمس زاهره
رأت عارضا جونا فقامت غريرة ... بمسحاتها قبل الظلام تبادره
فما برحت حتى أتى الماء دونها ... وسدّت نواحيه ورفّع دابره
عروضه من الطويل. عفا: درس. مسحلان: موضع. وحامره: موضع أضافه إلى مسحلان [5]. والظّلمان:
ذكور النعام واحدها ظليم. والجآذر: أولاد البقر واحدها جؤذر وجؤذر بضم الذال وفتحها. وتمشّى: تكثر المشي.
والقريان: مجاري الماء إلى الرّياض واحدها قريّ. والمستأسد: ما التفّ منها وطال. والنّوّار يقال: إنه يكون أبدا حيال الشمس يستقبلها بوجهه، فيقول: إن نوّار هذه الروضة يميل زاهره حيال الشمس. والعارض: السحاب.
والجون: الأسود. والغريرة: الناعمة التي/ لم تجرّب الأمور، يقول: لما رأت هذه المرأة السحابة السوداء قامت بمسحاتها تصلح النؤي حوالي بيتها وهو الحاجز بينه وبين الأرض المستوية. وقوله: رفّع دابره أي مؤخره الذي يلي الماء من النؤي. الشعر للحطيئة يهجو الزّبرقان بن بدر. والغناء لابن عائشة ولحنه المختار خفيف رمل بإطلاق الوتر في مجرى الوسطى عن إسحاق وذكر حبش أن له فيه لحنا آخر من الثقيل الثاني.
__________
[1] كذا في جميع الأصول. ولم نجد هذا الاسم في اسماء الأماكن. والذي ورد في «معجم البلدان» لياقوت «قصر مقاتل» وقال: هو قصر كان بين عين التمر (بلدة غربيّ الكوفة) والشام وهو منسوب إلى مقاتل بن حسان بن ثعلبة، وخربه عيسى بن علي بن عبد اللّه تم جدّد عمارته فهو له.
[2] كذا في ح. وفي أغلب النسخ بعد قوله يرثيه بها: «انقضت أخبار عديّ بن زيد».
[3] الذي في «ديوان الحطيئة» طبع ليبسك ص 62: «حوّنباته» وحوّ: جمع أحوى وهو الأسود.
[4] ميل هكذا بكسر الميم كما جاء وصفا للضّباب في قول ساعدة بن جؤيّة:
ضباب تنتحيه الريح ميل
قال ابن جني: الميل جمع وأجراه على الضباب وإن كان واحدا من حيث كان كثيرا، فذهب بالجمع إلى الكثرة كما قال الحطيئة:
فنوّاره ميل إلى الشمس زاهره
قال: ويجوز أن يكون ميل واحدا كنقض ونضو ومرط. (انظر «اللسان» مادة مبل).
[5] قال ابن السكيت: مسحلان وحامر واديان بالشأم (انظر «معجم ياقوت» في اسم حامر).
10 - خبر الحطيئة ونسبه والسبب الذي من أجله هجا الزبرقان بن بدر
نسبه
الحطيئة لقب لقّب به، واسمه جرول بن أوس بن مالك بن جؤيّة بن مخزوم بن مالك بن غالب بن قطيعة بن عبس بن بغيض بن الرّيث بن غطفان بن سعد بن قيس بن عيلان بن مضر بن نزار. وهو من فحول الشعراء ومتقدّميهم وفصحائهم، متصرّف في جميع فنون الشعر من المديح والهجاء والفخر والنّسيب، مجيد في ذلك أجمع، وكان ذا شرّ وسفه، ونسبه متدافع بين قبائل العرب، وكان ينتمي إلى كل واحدة منها إذا غضب على الآخرين وهو مخضرم أدرك الجاهلية والإسلام فأسلم ثم ارتد وقال في ذلك.
إسلامه وارتداده وشعره في ذلك
أطعنا رسول اللّه إذ كان بيننا ... فيا أحباد اللّه ما لأبي بكر
أ يورثها [1] بكرا إذا مات بعده ... وتلك لعمر اللّه قاصمة الظهر [2]
سبب لقبه الحطيئة
ويكنى الحطيئة أبا مليكة، وقيل: إن الحطيئة غلب عليه ولقّب به لقصره وقربه من الأرض وقال حماد الرواية قال أبو نصر الأعرابيّ: سمّي الحطيئة لأنه ضرط ضرطة بين قوم، فقيل له: ما هذا؟ فقال: إنما هو حطيئة [3]، فسمّي الحطيئة. وقال المدائنيّ قال أبو اليقظان: كان الحطيئة يدّعي أنه ابن عمرو بن علقمة أحد بني الحارث ابن سدوس، قال: وسمي الحطيئة لقربه من الأرض.
انتماؤه إلى بني ذهل ابن ثعلبة
أخبرني الفضل بن الحباب الجمحيّ أبو خليفة في كتابه إليّ بإجازته لي يذكر عن محمد بن سلّام: أنّ الحطيئة كان ينتمي إلى بني ذهل بن ثعلبة فقال:
إنّ اليمامة خير ساكنها ... أهل القريّة من بني ذهل
قال: والقريّة: منازلهم، ولم ينبت الحطيئة في هؤلاء.
تلوّنه في نسبه وانتسابه إلى عدّة قبائل
وأخبرني محمد بن الحسن بن دريد/ قال حدّثني عمّي عن ابن الكلبيّ قال: سمعت خراش بن إسماعيل
__________
[1] في أ، م، ب: «أيورثها بكر».
[2] هذان البيتان أوردهما ابن جرير الطبريّ في حوادث سنة 11 ه. في جملة أبيات عزاها للخطيل بن أوس أخي الحطيئة.
[3] كذا في نسخة م و «تاج العروس» «شرح القاموس» مادّة حطأ وحطيئة: تصغير حطأة فعلة من قولهم حطأ حطأ أذا ضرط. وفي أغلب الأصول: «حطأة».
وخالد بن سعيد يقولان: كان الحطيئة إذا غضب على بني عبس يقول: أنا من بني ذهل، وإذا غضب على بني ذهل قال: أنا من بني عبس.
أخبرني الحسين بن يحيى المرداسيّ قال قال حمّاد بن إسحاق قال أبي قال ابن الكلبيّ: كان الحطيئة مغموز النسب [1]، وكان من أولاد الزنا الذين شرفوا. قال إسحاق وقال الأصمعيّ: كان الحطيئة يضرب بنسبه إلى بكر بن وائل فقال في ذلك.
قومي بنو عوف [2] بن عمرو إن أراد العلم عالم
قوم إذا ذهبت خضا [3] ... رم منهم خلفت خضارم
لا يفشلون ولا تبيت على أنوفهم المخاطم [4] قال الأصمعيّ وقدم الحطيئة الكوفة فنزل في بني عوف بن عامر بن ذهل يسألهم وكان يزعم أنه منهم وقال في ذلك:
سيري أمام فإنّ المال يجمعه ... سيب الإله وإقبالي وإدباري
إلى معاشر منهم يا أمام أبي ... من آل عوف بدوء [5] غير أشرار [6]
نمشي على ضوء أحساب أضأن لنا [7] ... ما ضوّأت ليلة القمراء للسّاري
خبره مع أخويه من أوس بن مالك
وقال ابن دريد في خبره عن عمه عن ابن الكلبيّ عن أبيه، وحمّاد بن إسحاق عن أبيه عن ابن الكلبيّ عن أبيه قال: كان أوس بن مالك بن جؤيّة بن مخزوم بن مالك بن غالب بن قطيعة بن عبس تزوّج بنت رياح بن عمرو [8] بن عوف بن الحارث بن سدوس بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة، وكان له أمة يقال لها الضّرّاء فأعلقها بالحطيئة ورحل عنها. وكان لبنت رياح اخ يقال له: الأفقم، وكان طويلا أفقم [9]، صغير العينين، مضغوط اللّحيين، فولدت الضّراء الحطيئة فجاءت به شبيها بالأفقم، فقالت لها مولاتها: من أين هذا الصبيّ؟ فقالت لها: من أخيك، وهابت أن تقول لها من زوجك، فشبّهته بأخيها؛ فقالت لها: صدقت. ثم مات أوس وترك [10] ابنين من الحرّة، وتزوّج الضّرّاء
__________
[1] في ح: «كان الحطيئة مغموز النسب. قال أبي: وكان من أولاد الزنا الخ».
[2] كذا في جميع الأصول وفي نسخة «الديوان» التي بخط الشيخ محمود الشنقيطي والنسخة طبع أوروبا: «عمرو بن عوف».
[3] الخضارم: جمع خضرم وهو الجواد الكثير العطيّة وقيل السيّد الحمول.
[4] كذا بالأصول وهو جمع مخطم، والمخطم: موضع الخطام من ألأنف. وفي «ديوانه» طبع أوروبا ص 193: «الخواطم» وهو جمع خاطم، والخاطم: واضع الخطام في أنف البعير وهو حبل يوضع في أنف البعير ليقاد به وكلتا الروايتين لا تتمشى في البيت لأن الظاهر أن المراد الخطام نفسه.
[5] كذا في «الديوان» ص 192 طبع أوروبا، والبدوء: جمع بدء وهو السيد، وقيل: الشاب المستجاد الرأي المستشار. وفي جميع الأصول: «بدور» بالراء المهملة.
[6] كذا في «ديوانه». وفي الأصول: «أسرار» بالسين المهملة.
[7] كذا في «ديوانه». وفي ح، أ: «إلى ضوء أحساب أضأن لنا». وفي باقي الأصول: «إلى ضوء إحسان أضاء لنا».
[8] كذا في أغلب الأصول. وفي ح: «رياح بن عوف بن عمرو».
[9] الأفقم من الفقم، والفقم في الفم: أن تدخل الأسنان العليا، وقيل: أن يخرج أسفل اللحي ويدخل أعلاه، ويقال لكل معوج: أفقم.
[10] في ح، م، أ: «ثم مات الأفقم وترك ابنين من حرّة الخ».
رجل من بني عبس فولدت له رجلين فكانا أخوي الحطيئة من أمه. فأعتقت بنت رياح الحطيئة وربّته فكان كأنه أحدهما. وترك الأفقم نخلا باليمامة. فأتى الحطيئة أخويه من أوس بن مالك وقد كانت أمه لما أعتقتها بنت رياح/ اعترفت أنها اعتلقت من أوس بن مالك، فقال لهم: أفردوا إليّ من مالكم قطعة فقالا: لا، ولكن أقم معنا فنحن نواسيك فقال:
أ أمر تماني أن أقيم عليكما ... كلّا لعمر أبيكما الحبّاق
عبدان خيرهما يشلّ بضبعه ... شلّ الأجير قلائص الورّاق [1]
سأل أمه من أبوه فخلطت عليه فقال شعرا
قال: وسأل الحطيئة أمّه: من أبوه فخلطت عليه فقال:
تقول لي الضرّاء لست لواحد ... ولا اثنين فانظر كيف شرك أولئكا
وأنت امرؤ تبغي أبا قد ضللته ... هبلت [2] ألمّا تستفق من ضلالكا
خبره مع إخوته من بني الأفقم
قال: وغضب عليها فلحق بإخوته بني الأفقم فقال:
سيري أمام فإن المال يجمعه ... سيب الإله وإقبالي وإدباري
قال: فلم يدفعوه ولم يقبلوه فقال:
إنّ اليمامة خير ساكنها ... أهل القريّة من بني ذهل
وسألهم ميراثه من الأفقم فأعطوه نخلات من نخل أبيهم تدعى نخلات أمّ مليكة، وأمّ مليكة: امرأة الحطيئة، فقال:
ليهني [3] تراثي لامرىء غير ذلّة ... صنابير أحدان لهن حفيف [4]
__________
[1] كذا في ح، أويشلّ: يطرد. والضبع: وسط العضد بلحمه. والورّاق: صاحب الورق: المال من إبل ودراهم وغيرهما. وفي ب، س:
«عبدان سيرهما يسلّ بضبعه ... سلّ الأجير قلائص الورّاق»
[2] يقال هبلته أمه أي ثكلته والقياس في المسند للمخاطب أن يقال هبلت بالبناء للمفعول لأنه إنما يدعي عليه بأن تهبله أمه ولكن صاحب «اللسان» في مادة «هبل» نقل عن ابن الأعرابي أنه يقال في الدعاء: هبلت بالبناء للفاعل ولا يقال هبلت بالبناء للمفعول.
[3] كذا في ح، م، أليهني بياء ساكنة، وفي «اللسان» مادة «وحد» ليهنيء بجزم الهمز وكلاهما صحيح. وفي ب، س: «ليهن» وذكر صاحب «اللسان» أن ليهنك (أي بغير همز ولا ياء) تقوله العامة وهو غير جائز. ولكن ورد في «صحيح البخاريّ» في حديث توبة كعب بن مالك «ليهنك توبة اللّه عليك» انظر «تاج العروس» مادة «هنأ».
[4] كذا في ح، أو «لسان العرب» مادّة صنبر ومادّة وحد. غير أن كلمة صنابير رواها صاحب «اللسان» هكذا «صنابر» من غير ياء بعد الباء، وحكى أن ابن الأعرابي فسرها بالسهام الدقاق، وأن ابن سيدة قال: لم أجد هذا إلا عن ابن الأعرابيّ ولم يأت لها بواحد.
وأحدان: أفراد لا نظير لها. وفي ب، س:
صنانير أخدان لهن حفيف
وهو تصحيف.
قال: ثم لم تقنعه النّخيلات، وقد أقام فيهم زمانا فسألهم ميراثه كاملا من الأفقم فلم يعطوه شيئا وضربوه، فغضب عليهم وقال:
تمنّيت بكرا أن يكونوا عمارتي [1] ... وقومي وبكر شرّ تلك القبائل
إذا قلت بكريّ نبوتم [2] بحاجتي ... فيا ليتني من غير بكر بن وائل
فعاد إلى بني عبس وانتسب إلى أوس بن مالك. وقال الأصمعيّ في خبره: لما أتى أهل القريّة، وهم بنو ذهل، يطلب ميراثه من الأفقم مدحهم فقال:
إنّ اليمامة خير ساكنها ... أهل القريّة من بني ذهل
الضامنون لمال جارهم ... حتى يتمّ نواهض [3] البقل
قوم إذا انتسبوا ففرعهم ... فرعي وأثبت أصلهم أصلي
قال: فلم يعطوه شيئا، فقال يهجوهم:
إنّ اليمامة شرّ ساكنها ... أهل القريّة من بني ذهل
تزوّجت أمه فهجاها
وقال أبو اليقظان في خبره: كان الرجل الذي تزوّج أمّ الحطيئة أيضا ولد زنا اسمه الكلب بن كنيس [4] بن جابر بن قطن بن نهشل، وكان كنيس [4] زنى بأمة لزرارة يقال لها رشيّة، فولدت له الكلب ويربوعا، فطلبهم من زرارة فمنعه [5] منهم، فلما مات طلبهم من أبيه لقيط فمنعه؛ وقال لقيط في ذلك:
أفي نصف شهر ما صبرتم لحقّنا ... ونحن صبرنا قبل ذاك سنينا
وهي أبيات. فتزوّج الكلب الضّرّاء أمّ الحطيئة؛ فهجاه الحطيئة وهجا أمّه فقال:
ولقد رأيتك في النساء فسؤتني ... وأبا بنيك فساءني في المجلس
إنّ الذليل لمن تزور ركابه ... رهط ابن جحش في الخطوب الحوّس [6]
قبح الاله قبيلة لم يمنعوا ... يوم المجيمر [7] جارهم من فقعس [8]
__________
[1] العمارة بكسر العين وفتحها: أصغر من القبيلة، وترتيبها هكذا: الشعب أكثر من القبيلة ثم القبيلة ثم العمارة ثم البطن ثم الفخذ ثم العشيرة ثم الفصيلة ثم الرهط.
[2] نبوتم: تجافيتم وتباعدتم.
[3] نواهض البقل: ما استوى منه، يقال: نهض النبت إذا استوى.
[4] كذا في ب، س، ح. وفي م، أ: «الكبيش».
[5] كذا في ح. وفي سائر النسخ: «فمنعهم منه».
[6] كذا في أغلب النسخ. والحوّس: الأمور الشداد التي تنزل بالقوم وتغشاهم. وفي ح و «ديوانه» (النسخة المخطوطة الموجودة بدار الكتب المصرية تحت رقم 3 أدب ش هكذا:
رهط ابن جحش في مضيق المحبس
[7] قال ياقوت: المجيمر: جبل بأعلى مهل (ماء في ديار بني تميم) وقيل المجيمر: أرض لبني فزارة.
[8] فقعس: حي من بني أسد.
أبلغ بني جحش [1] بأنّ نجارهم [2] ... لؤم وأنّ أباهم كالهجرس [3]
وقال الحطيئة يهجو أمه:
جزاك اللّه شرّا من عجوز ... ولقّاك العقوق من البنين
فقد ملّكت [4] أمر بنيك حتى ... تركتهم أدقّ من الطّحين
/ فإن تخلى وأمرك لا تصولي ... بمشتدّ قواه ولا متين
لسانك مبرد لا [5] خير فيه ... ودرّك درّ جاذبة [6] دهين
/ وقال يهجو أمه أيضا:
تنحّي فاجلسي منّي بعيدا ... أراح اللّه منك العالمينا
أغر [7] بالا إذا استودعت سرّا ... وكانونا [8] على المتحدّثينا
حياتك ما علمت حياة سوء ... وموتك قد يسرّ الصالحينا
كان هجاء دنىء النفس فاسد الدين وذم نفسه
أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال أخبرني عبد الرحمن ابن أخي الأصمعيّ عن عمه قال:
كان الحطيئة جشعا سؤولا ملحفا، دنىء النفس، كثير الشرّ، قليل الخير، بخيلا، قبيح المنظر، رثّ الهيئة، مغموز النسب، فاسد الدّين، وما تشاء أن تقول في شعر شاعر من عيب إلّا وجدته، وقلّما تجد ذلك في شعره.
أخبرني ابن دريد قال أخبرنا أبو حاتم عن أبي عبيدة قال: بخلاء العرب أربعة: الحطيئة، وحميد الأرقط، وأبو الأسود الدّوليّ، وخالد بن صفوان.
أخبرنا ابن دريد قال حدّثنا أبو حاتم قال قال أبو عبيدة: كان الحطيئة بذيّا هجّاء، فالتمس ذات يوم إنسانا يهجوه فلم يجده، وضاق عليه ذلك فأنشأ يقول:
أبت شفتاي اليوم إلا تكلّما ... بشرّ فما أدري لمن أنا قائله
__________
[1] في «ديوانه» و «اللسان» مادة هجرس: «أبلغ بني عبس».
[2] النجار: الحسب والأصل.
[3] الهجرس: ولد الثعلب أو القرد، وقد يوصف به اللئيم.
[4] الذي في «الديوان» و «لسان العرب» مادة «سوس»:
لقد سوّست أمر بنيك حتى
يقال: سوّس الرجل أمور الناس (على ما لم يسمّ فاعله) إذا ملك أمرهم.
[5] كذا في أغلب النسخ. وفي ح و «اللسان»: «لا عيب فيه». وفي «الديوان»: «لسانك مبرد لم يبق شيئا».
[6] كذا في «الديوان» و «لسان العرب». والجاذبة: الناقة التي جذبت لبنها من ضرعها فذهب صاعدا. والدهين من الإبل: الناقة البكيئة القليلة اللبن التي يمرى ضرعها فلا يدرّ قطرة. وفي جميع النسخ: «جارية دهين».
[7] الغربال: النمام.
[8] الكانون: الثقيل الوخم من الناس.
/ وجعل يدهور هذا البيت في أشداقه ولا يرى إنسانا، إذ اطّلع في ركيّ [1] أو حوض فرأى وجهه فقال:
أرى لي وجها شوّه اللّه خلقه ... فقبّح من وجه وقبّح حامله
قدم المدينة فجمعت له قريش العطايا خوفا من شره
نسخت من كتاب الحرميّ بن أبي العلاء: حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثني عمّي قال:
قدم الحطيئة المدينة فأرصدت [2] قريش له العطايا خوفا من شرّه، فقام في المسجد فصاح: من يحملني على بغلين.
أخبرني أبو خليفة قال حدّثنا محمد بن سلّام وأخبرني الحسين بن يحيى المرداسي قال حدّثنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه قال قال أبو عبيدة والمدائنيّ ومصعب:
كان الحطيئة سؤولا جشعا، فقدم المدينة وقد أرصدت له قريش العطايا، والناس في سنة مجدبة وسخطة من خليفة، فمشى أشراف أهل المدينة بعضهم إلى بعض، فقالوا: قد قدم علينا هذا الرجل وهو شاعر، والشاعر يظنّ فيحقّق، وهو يأتي الرجل من أشرافكم يسأله، فإن أعطاه جهد نفسه بهرها [3]، وإن حرمه هجاه، فأجمع رأيهم على أن يجعلوا له شيئا معدّا يجمعونه بينهم له، فكان أهل البيت من قريش والأنصار يجمعون له العشرة والعشرين والثلاثين دينارا [4] حتى جمعوا له أربعمائة دينار، وظنوا أنهم قد أغنوه، فأتوه فقالوا له: هذه صلة آل فلان وهذه صلة آل فلان وهذه صلة آل فلان، فأخذها؛ فظنوا أنهم قد كفّوه عن المسئلة، فإذا هو يوم الجمعة قد استقبل الإمام ماثلا [5] ينادي: من يحملني على بغلين وقاه اللّه كبّة [6] جهنّم.
كان متين الشعر وليس في شعره مطعن
ووصف أبو عبيدة ومحمد بن سلّام شعر الحطيئة فجمعت متفرّق ما وصفاه به في هذا الخبر، أخبرنا به أبو خليفة عن محمد بن سلّام وابن دريد عن أبي حاتم عن أبي عبيدة قالا:
طلب من كعب بن زهير أن يقول شعرا يضعه فيه بعده فقال، وهجاه لذلك مزرد بن ضرار
كان الحطيئة متين الشعر، شرود [7] القافية، وكان دنىء النفس، وما تشاء أن تطعن في شعر شاعر إلا وجدت فيه مطعنا، وما أقلّ ما تجد ذلك في شعره. قالا: فبلغ من دناءة نفسه أنه أتى كعب بن زهير - وكان الحطيئة راوية زهير/ وآل زهير - فقال له: قد علمت روايتي لكم أهل البيت وانقطاعي إليكم، وقد ذهب الفحول غيري وغيرك، فلو
__________
[1] الركيّ: البئر.
[2] أرصدت: أعدّت.
[3] أي كلف نفسه فوق طاقتها.
[4] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «الدينار» بأل وهو خطأ عربية.
[5] من مثل يمثل إذا انتصب قائما.
[6] أورد ابن الأثير في «النهاية» في مادة كب وصاحب «اللسان» في مادتي كب وقلب قول معاوية حين احتضر وكان يقلّب على فراشه:
«إنكم لتقلبون حوّلا قلبا إن وقي كبة النار» ثم قالا: الكبة بالفتح: شدّة الشيء ومعظمه، وكبة النار: صدمنها.
[7] يقال: قافية شرود: سائرة في البلاد تشرد كما يشرد البعير.
قلت شعرا تذكر فيه نفسك وتضعني موضعا بعدك! - وقال أبو عبيدة: تبدأ بنفسك فيه ثم تثنّي بي - فإنّ الناس لأشعاركم أروى وإليها أسرع! فقال كعب:
فمن للقوافي شانها [1] من يحوكها ... إذا ما ثوى كعب وفوّر جرول
كفيتك لا تلقى من الناس واحدا ... تنخّل [2] منها مثل ما نتنخّل
نقول فلا نعيا بشيء نقوله ... ومن قائليها من يسيء ويجمل
نثقّفها [3] حتى تلين متونها ... فيقصر عنها كلّ ما يتمثّل [4]
/قال: فاعترضه مزرّد بن ضرار، واسمه يزيد وهو أخو الشّمّاخ، وكان عرّيضا أي شديد [5] العارضة كثيرها، فقال:
باستك [6] إذ [7] خلفتني خلف شاعر ... من الناس لم أكفىء [8] ولم أتنخّل
فإن تخشبا [9] أخشب وإن تتنخّلا ... وإن كنت أفتى منكما أتنخّل
فلست كحسّان الحسام ابن ثابت ... ولست كشمّاخ ولا كالمخبّل
أنشد عمر شعرا هجا به قومه ومدح إبله
نسخت من كتاب الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثني محمد بن الضحّاك قال:
أنشد الحطيئة عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه قصيدة نال فيها من قومه ومدح إبله فقال:
مهاريس [10] يروي رسلها ضيف أهلها ... إذا الريح [11] أبدت أوجه الخفرات
__________
[1] شأنها: جاء بها شائنة أي معيبة. وثوى: مات، وكذا فوّز. قال ابن برّي: وقد قيل: إنه لا يقال فوّز فلان حتى يتقدّم الكلام كلام فيقال: مات فلان وفوّز فلان بعده، يشبه بالمصلي من الخيل بعد المجلي.
[2] كذا في م، أ، ح و«الشعر والشعراء» بالخاء المعجمة، يقال تنخلت الشي ء: تخيرته واستقصيت أفضله. وفي ب، س: «تنحل» بالحاء المهملة وهو تصحيف.
[3] كذا في ح و«خزانة الأدب» للبغدادي ج 1 ص 411 بالنون. وفي باقي النسخ: «يثقفها» بالياء.
[4] يتمثل: يضرب مثلا، يقال: تمثل هذا البيت وتمثل به أي ضربه مثلا.
[5] كذا في جميع الأصول ولم نجد هذا المعنى الذي أورده أبو الفرج في «كتب اللغة» ك «اللسان» و«القاموس» والذي ذكرته في معنى العرّيض أنه الذي يتعرّض للناس بالشرّ.
[6] كذا في جميع الأصول وفي «طبقات الشعراء» لابن سلام طبع أوروبا صحيفة (21) سطر (18) «و باستك».
[7] في أ، ء، م: «أن».
[8] من الإكفاء المعدود في عيوب الشعر وهو المخالفة بين حركات الرويّ رفعا ونصبا وجرا، وله تعاريف أخرى (انظر «اللسان» مادة كفأ). والتنحل: أن يدعي الشعر لنفسه وهو لغيره.
[9] كذا في ح، ء، أ. يقال: خشب الشعر يخشبه خشبا أي يمرّه كما يجيئه ولم يتأنق فيه ولا تعمّل له، وهو يخشب الكلام والعمل إذا لم يحكمه ولم يجوّده. وفي باقي النسخ:
فإن تخشنا أخشن وإن تتنحلا ... وإن كنت أفتى منكما أتنحل
بالنون في «تخشنا وأخشن» وبالحاء المهملة في تتنحلا وأتنحل وهو تصحيف. وفي «طبقات الشعراء» لابن سلام «فإن تجشبا أجشب» بمعنى خشن.
[10] المهاريس من الإبل: التي تقضم العيدان إذا قل الكلأ وأجدبت البلاد، كأنها تهرسها بأفواهها أي تدقها. وقيل: الشداد، سميت بذلك لشدّة وطئها. والواحد مهراس. ورسلها: لبنها
[11] كذا في جميع الأصول. وفي «الديوان و«لسان العرب» مادّة هرس: «إذا النار».
يزيل القتاد جذبها بأصوله ... إذا أصبحت مقورّة [1] خرصات [2]
دخل في حفل عند سعيد بن العاص فأنكره الناس ثم عرف فكرّم
أخبرني عمّي قال حدّثنا الكرانيّ عن التّوّزيّ عن أبي عبيدة قال: بينا سعيد بن العاص يعشّي الناس بالمدينة والناس يخرجون أوّلا أوّلا، إذ نظر على بساطه إلى رجل قبيح المنظر، رثّ الهيئة، جالس [3] مع أصحاب سمره، فذهب الشّرط يقيمونه فأبى أن يقوم، وحانت من سعيد التفاتة فقال: دعوا الرجل، فتركوه؛ وخاضوا في أحاديث العرب وأشعاره مليّا؛ فقال لهم الحطيئة: واللّه ما أصبتم جيّد الشعر ولا شاعر العرب؛ فقال له سعيد: أتعرف من ذلك شيئا؟ قال: نعم؛ قال: فمن أشعر العرب؟ قال: الذي يقول:
لا أعدّ الإقتار عدما ولكن ... فقد من قد رزئته الإعدام
وأنشدها حتى أتى عليها؛ فقال له: من يقولها؟ قال: أبو داود الإياديّ؛ قال: ثم من؟ قال: الذي يقول:
أفلح [4] بما شئت فقد يدرك بال ... جهل [5] وقد يخدّع الأريب
ثم أنشدها حتى فرغ منها؛ قال: ومن يقولها؟ قال عبيد بن الأبرص؛ قال: ثم من؟ قال: واللّه لحسبك بي عند رغبة أو رهبة إذا رفعت إحدى رجليّ على الأخرى ثم عويت في أثر القوافي عواء الفصيل الصّادي؛ قال: ومن أنت؟ قال: الحطيئة؛ قال: فرحّب به سعيد، ثم قال: أسأت بكتماننا نفسك منذ الليلة؛ ووصله وكساه.
قدم على عتيبة بن النهاس فلم يكرمه ثم. عرّف به فأكرمه
ومضى لوجهه إلى عتيبة بن النّهّاس العجليّ فسأله؛ فقال له: ما أنا على عمل فأعطيك/ من عدده، ولا في مالي فضل عن قومي؛ قال له:/ فلا عليك، وانصرف. فقال له بعض قومه: لقد عرّضتنا ونفسك للشر! قال: وكيف! قالوا: هذا الحطيئة وهو هاجينا أخبث هجاء؛ فقال ردّوه: فردّوه إليه، فقال له: لم كتمتنا [6] نفسك كأنك كنت تطلب العلل علينا! اجلس فلك عندنا ما يسرّك؛ فجلس فقال له: من أشعر الناس؟ قال: الذي يقول:
ومن يجعل المعروف من دون عرضه ... يفرّه [7] ومن لا يتّق الشّتم يشتم
__________
[1] كذا في جميع الأصول و «الديوان». والمقورّة هنا: المهازيل، ويقال أيضا على السمان، فهو من أسماء الأضداد. وفي «اللسان» مادّة خرص «مقرورة» من القرّ وهو البرد.
[2] كذا في «الديوان»، والخرصة: الجائعة المقرورة. وفي جميع الأصول: «خورات» من الخور وهو الضعف.
[3] كذا في نسخة ط وهو وصف آخر لرجل، وفي سائر النسخ: «جالسا» وهو صحيح أيضا على أنه حال من رجل لأن النكرة إذا وصفت صح فيما يذكر بعد أن يكون حالا منها.
[4] كذا في أو «اللسان» ونسخة «المعلقات بشرح التبريزيّ». وأفلح من الفلاح وهو البقاء أي عش بما شئت من عقل وحمق، فقد يرزق الأحمق ويحرم العاقل، أو من الفلاح وهو الفوز والظفر. وفي م: «أفلج» بالجيم وهو بمعنى أفلح أي فز واظفر. وفي بقية الأصول: «أدرك».
[5] كذا في جميع الأصول. وفي «المعلقات»: «فقد يبلغ بالضعف». وفي «اللسان» مادّة فلح: «فقد يبلغ بالنوك».
[6] في م، ب، س: «كتمت نفسك».
[7] يفره: يتمه ولا ينقصه، ويستعمل وفر لازما فيقال: وفر عرضه وفرا ووفورا أي كرم ولم يبتذل. وقد يتعدّى لمفعولين فيقال وفره
فقال له عتيبة: إنّ هذا من مقدّمات أفاعيك؛ ثم قال لوكيله: اذهب معه إلى السّوق فلا يطلب شيئا إلا اشتريته له؛ فجعل يعرض عليه الخزّ ورقيق الثياب فلا يريدها ويومىء إلى الكرابيس [1] والأكسية الغلاظ فيشتريها له حتى قضى أربه ثم مضى؛ فلما جلس عتيبة في نادي قومه أقبل الحطيئة، فلما رآه عتيبة قال: هذا مقام العائذ بك يا أبا مليكة من خيرك وشرّك؛ قال: كنت قلت بيتين فاستمعهما ثم أنشأ يقول:
سئلت فلم تبخل ولم تعط طائلا ... فسيّان لا ذمّ عليك ولا حمد
وأنت امرؤ لا الجود منك سجيّة ... فتعطى ولا [2] يعدي على النائل الوجد [3]
ثم ركض فرسه فذهب.
ليس في شعره مطعن
أخبرني الحسين بن يحيى ومحمد بن مزيد البوشنجي [4] قالا حدّثنا حمّاد بن إسحاق قال حدّثني محمد بن عمرو الجرجرائيّ [5] عن أبي صفوان الأحوزيّ [6] قال:
ما من أحد إلا لو أشاء أن أجد في شعره مطعنا لوجدته إلا الحطيئة.
أنشد إسحاق من شعره وقال أنه أشعر الشعراء بعد زهير
وفتيان صدق من عديّ عليهم ... صفائح بصرى علّقت بالعواتق
إذا ما دعوا لم يسألوا من دعاهم ... ولم يمسكوا فوق القلوب الخوافق
وطاروا إلى الجرد العتاق فألجموا ... وشدّوا على أوساطهم بالمناطق
أولئك آباء الغريب وغاثة الصّ ... ريخ ومأوى المرملين الدّرادق [7]
أحلّوا حياض الموت [8] فوق جباههم ... مكان النّواصي من وجوه السّوابق
ويروى:
__________
- عرضه أي لم يشتمه كأنه أبقاه له كثيرا طيبا لم ينقصه بشتم
[1] الكرابيس: جمع كرباس وهو ثوب من القطن الأبيض، فارسيّ معرّب.
[2] في م، أ، ء و «خزانة البغدادي» (ج 1 ص 411) و «الديوان» و «لسان العرب» مادة «عدا»: «و قد يعدي». ويعدي: بعين.
[3] الوجد مثلث الواو: اليسار والسعة.
[4] نسبة إلى بوشنج: بليدة نزهة خصيبة في واد مشجر من نواحي هراة بينهما عشرة فراسخ.
[5] نسبة إلى جرجرايا: بلدة من أعمال النهروان الأسفل بين واسط وبغداد، والنسبة اليها جرجرائي كما في «تهذيب التهذيب» و «الخلاصة في أسماء الرجال» في الكلام على محمد بن الصباح الجرجرائي.
[6] كذا في ب، س. وفي أ، م: «الأجوزيّ». وفي ء: «الأحوذيّ» ولم نهتد لتصحيح هذا الاسم.
[7] الدرادق: الصبيان الصغار، واحده دردق.
[8] كذا فيء، أ، م. وفي باقي النسخ: «حياض المجد» وإضافة الحياض إلى الموت معروفة، ويكنى بها عن المنية كما في شعر كعب بن زهير:
لا يقع الطعن إلا في نحورهم ... وما لهم عن حياض الموت تهليل
وقد قال المحبّي في كتابه «ما يعول عليه في المضاف والمضاف إليه»: وقد شاع ذلك حتى صار كالحقيقة فيقال هو في الحياض كما يقال في النزع والغرغرة.
«إذا استلحموا» [1] ......... وإذا ركبوا لم ينظروا عن شمالهم ويروى: أولئك أبناء العزيف [2] - ثم قال: أما إني ما أزعم أن أحدا بعد زهير أشعر من الحطيئة.
وافقه ابن ميادة في شطر فعرف أنه شاعر
أخبرني الحسين بن يحيى حمّاد بن إسحاق عن أبيه قال: بلغني أنه لما قال ابن ميّادة:
تمشّي به ظلمانه وجآذره
قيل له: قد سبقك الحطيئة إلى هذا، فقال: واللّه ما علمت أنّ الحطيئة قال هذا قطّ، والآن علمت واللّه أني شاعر حين واطأت الحطيئة.
قال الأصمعيّ وقد أنشد شعره إنه أفسده بالهجاء
قال حمّاد: قال أبي: وقال لي الأصمعيّ وقد أنشدني شيئا من شعر الحطيئة: أفسد مثل هذا الشعر الحسن بهجاء الناس وكثرة الطمع.
سئل من أشعر الناس فأخرج لسانه يعني نفسه
قال حمّاد: قال أبي: وبلغني عن عبد الرحمن بن أبي بكرة [3] أنه قال: لقيت الحطيئة بذات [4] عرق فقلت له: يا أبا مليكة، من أشعر الناس؟ فأخرج لسانه كأنه لسان الحية ثم قال: هذا إذا طمع.
قابل حسان متنكرا وسمع من شعره
ونسخت من كتاب أحمد بن سعيد الدمشقي قال حدّثنا الزّبير قال حدّثني يحيى بن محمد بن طلحة وكان قد قارب ثمانين سنة قال:
أخبرني بعض أشياخنا أن أعرابيا وقف على حسّان بن ثابت/ وهو ينشد، فقال له حسّان: كيف تسمع [5] يا أعرابيّ؟ قال: ما أسمع بأسا؛ قال حسّان: أما تسمعون إلى الأعرابيّ! ما كنيتك أيها الرجل؟ قال: أبو مليكة، قال: ما كنت قطّ أهون عليّ منك حين أكتنيت بامرأة، فما اسمك؟ قال: الحطيئة، فأطرق حسّان ثم قال له: أمض بسلام.
كان بخيلا يطرد أضيافه
أخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد عن أبيه عن المدائنيّ قال:
مرّ ابن الحمامة بالحطيئة وهو جالس بفناء بيته، فقال: السلام عليكم؛ فقال: قلت ما لا ينكر؛ قال: إني
__________
[1] استلحموا: نشبوا في الحرب ودخلوا في غمارها. وهذه الرواية في البيت الثاني الذي أوّله: إذا ما دعوا ...
[2] العزيف: الصوت له دويّ ومنه عزيف الرعد لدويه وعزيف الريح لما يسمع من دويها وعزيف القوس تصويتها. ولعله يريد هنا صوت ما يستنهض به للحرب كالطبل ونحوه أو أصوات الأبطال في حومة الوغي.
[3] كذا في أغلب النسخ وهو الموافق لما في «الشعر والشعراء» لابن قتيبة، وفي أ، م «عبد الرحمن بن أبي بكر» وكلتا الروايتين محتملة لأن كلا من عبد الرحمن بن أبي بكرة وابن أبي بكر كان في عهد الحطيئة.
[4] ذات عرق: مهلّ أهل العراق وهو الحد بين نجد وتهامة.
[5] في ح: «كيف ترى يا أعرابي؟ قال: ما أرى بأسا».
خرجت من] عند [1] أهلي بغير زاد؛ فقال: ما ضمنت لأهلك قراك؛ قال: أفتأذن لي أن آتي ظلّ بيتك فأتفيّأبه؟
قال: دونك الجبل يفيء عليك؛ قال: أنا ابن الحمامة؛ قال: انصرف وكن ابن أيّ طائر شئت.
وأخبرنا بهذا الخبر اليزيديّ عن الخزّاز [2] عن المدائني فحكى ما ذكرناه من قول الحطيئة عن أبي الأسود الدّؤليّ.
وأخبرني الحسين عن حمّاد عن أبيه عن أبي عبيدة والمدائني قالا:
أتى رجل الحطيئة وهو في غنم له فقال له: يا صاحب الغنم، فرفع الحطيئة العصا وقال: إنها عجراء [3] من سلم؛ فقال الرجل: إني ضيف؛ فقال: للضّيفان أعددتها، فانصرف عنه. قال إسحاق: وقال غيرهما: إن الرجل قال له: السلام عليكم؛ فقال له: عجراء من سلم؛ فقال: السلام عليكم؛ فقال: أعددتها للطّرّاق؛ فأعاد السلام فقال له: إن شئت قمت بها إليك؛ فانصرف الرجل عنه.
كان يقول إنما أنا حسب موضوع
أخبرني عليّ بن سليمان الأخفش قال حدّثنا محمد بن يزيد قال: زعم الجاحظ أن الحطيئة كان يقول: إنما أنا حسب موضوع؛ فسمع عمرو بن عبيد رجلا يحكي ذلك عنه يقال له عبد الرحمن بن صدّيقة، فقال عمرو: كذب ترّحه [4] اللّه إنما ذلك التقوى.
كان يهجو أضيافه وقد ضافه صخر بن أعيى فتهاجيا
أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد بن إسحاق عن أبيه قال الأصمعيّ: لم ينزل ضيف قطّ بالحطيئة إلا هجاه، فنزل به رجل من بني أسد لم يسمّه الأصمعيّ، وذكر أبو عبيدة أنه صخر بن أعيى الأسدي أحد بني أعيى ابن طريف بن عمرو بن قعين، فسقاه شربة من لبن، فلما شربها قال:
لما رأيت أن من يبتغي القرى ... وأن ابن أعيى لا محالة فاضحي
شددت حيازيم ابن أعيى بشربة ... على ظمإ [5] سدّت أصول الجوانح [6]
وروى الأصمعيّ شدّت بالشين المعجمة.
ولم أك مثل الكاهليّ وعرسه ... بغى الودّ من مطروفة العين طامح [7]
__________
[1] زيادة في ح.
[2] كذا في م. وفي أغلب الأصول «الخرّاز» والصواب ما أثبتناه وهو «أحمد بن الحارث بن المبارك الخزاز» صاحب أبي الحسن المدائني وروايته وله ترجمة في «معجم الأدباء» لياقوت ج 1 ص 407 و «الفهرست» لابن النديم ص 104، ولم نهتد لتصحيح هذا الاسم في الجزء الأول فكنا نكتب ما في أغلب الأصول «الخرّاز» براء وزاي وننبه على أن في بعضها «الخزاز» بزايين. أنظر ص 14 س 20 وص 21 س 3 من الجزء الأوّل من هذه الطبعة.
[3] العجراء: العصا التي فيها عقد. والسلم: شجر معروف.
[4] ترّحه: أحزنه.
[5] كذا في جميع الأصول. وفي «الديوان»: «على فاقة».
[6] سدّت: ملأت. والجوانح: الضلوع واحدتها جانحة. وأصول الجوانح: خللها. والمراد أنها ملأت جوفه فسدّت خلل الضلوع.
[7] الكاهليّ: رجل من بني كاهل بني أسد، فركته (أبغضته) امرأته فاحتالت له حتى سقته سما فقتله. والمطروفة من النساء: التي قد طرفها حب الرجال أي أصاب طرفها فهي تطمح وتشرف لكل من أشرف لها ولا تغض طرفها كأنما أصاب طرفها طرفة (نقطة
غدا باغيا يبغي رضاها وودّها ... وغابت له غيب امرىء غير ناصح
دعت ربّها ألّا يزال بفاقة ... ولا يغتدي إلا على [1] حدّ [2] بارح [3]
قال فأجابه صخر بن أعيى فقال:
ألا قبّح الحطيئة إنه ... على كلّ ضيف ضافه هو سالح [4]
/دفعت إليه وهو يخنق كلبه ... ألا كلّ كلب لا أبا لك نابح
بكيت على مذق [5] خبيث قريته ... ألا كلّ عبسيّ على الزاد شائح [6]
قال أبو عبيدة وهجا الحطيئة أيضا رجلا من أضيافه فقال:
وسلّم مرّتين فقلت مهلا ... كفتك المرّة الأولى السّلاما
/ ونقنق [7] بطنه ودعا رؤاسا [8] ... لما قد نال من شبع وناما
أخبرني أبو خليفة عن محمد بن سلّام عن يونس أن الحطيئة خرج في سفر له ومعه امرأته أمامة وابنته مليكة، فنزل منزلا وسرح ذودا له ثلاثا، فلما قام للرّواح فقد إحداها فقال:
أذئب القفر أم ذئب أنيس ... أصاب البكر [9] أم حدث الليالي
ونحن ثلاثة وثلاث ذود [10] ... لقد جار الزمان على عيالي
أخبرني محمد بن خلف وكيع والحسين بن يحيى قالا حدّثنا حمّاد عن أبيه قال قال أبو عمرو بن العلاء: لم تقل العرب بيتا قطّ أصدق من بيت الحطيئة:
من يفعل الخير لا يعدم جوازيه [11] ... لا يذهب العرف بين اللّه والنّاس
__________
- حمراء تحدث في العين) أو عود. وهذه رواية أغلب الأصول. وفي ح: «مطروفة الودّ» وهي رواية الجوهريّ في «الصحاح». انظر «اللسان» (مادة طرف).
[1] كذا في «ديوانه». وفي جميع الأصول: «رأي».
[2] كذا في جميع النسخ ونحن وإن كنا لا نخليه من معنى (و هو ولا يغتدي إلا على جهة بارح وناحيته) إلا أنا نرى أن من المحتمل تحريفه عن الجدّ (بالجيم المعجمة) بمعنى الحظ.
[3] البارح: ما مر من الطير والوحش من يمينك إلى يسارك، والعرب تتطير به لأنه لا يمكنك أن ترميه حتى تنحرف، وضدّه السانح وهو ما مر بين يديك من جهة يسارك إلى يمينك، والعرب تتيمن به لأنه أمكن للرمي والصيد.
[4] كذا في ط. وفي باقي الأصول: «هو سانح» بالنون بدل اللام، وهو من سنح عليه إذا أحرجه وأصابه بشرّ.
[5] مذق: بمعنى ممذوق، يقال: لبن مذق أي مخلوط بالماء.
[6] شائح: حذر.
[7] كذا في ح و «الديوان»، ونقنق: قرقر. وفي ب، س: «و نفق» وهو تحريف. وجاءت في باقي الأصول خالية من الإعجام.
[8] رؤاس: من بني كلاب، يقول: حين شبع أشر ونادى: يا لبني رؤاس (انظر ص 222 من «شرح ديوان الحطيئة» طبع ليبسك رقم 1189 أدب بدار الكتب المصرية).
[9] البكر من الإبل بمنزلة الفتيّ من الناس، يقال على الذكر والأنثى. والبكر أيضا: الناقة التي ولدت بطنا واحدا.
[10] الذود: الثلاث من الإبل إلى العشر، وهي مؤنثة لا واحد لها من لفظها. وفي «اللسان» مادة ذود: وقد قالوا: «ثلاث ذود يعنون ثلاث أينق» كما يقال ثلاثة نفر وتسعة رهط يراد نفرهم ثلاثة ورهط هم تسعة.
[11] جوازيه: جمع جازية اسم مصدر للجزاء كالعافية.
/ فقيل له: فقول طرفة:
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا ... ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
فقال: من يأتيك بها ممن زوّدت أكثر، وليس بيت مما قالته الشعراء إلا وفيه مطعن إلا قول الحطيئة:
لا يذهب العرف بين اللّه والناس
قال إسحاق قال المدائنيّ قال سلم بن قتيبة: ما أعلم قافية تستغني عن صدرها وتدلّ عليه وإن لم ينشد مثل قول الحطيئة:
لا يذهب العرف بين اللّه والناس
كتب له الأصمعيّ أربعين قصيدة في ليلة
أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال حدّثنا الرّياشيّ قال سمعت الأصمعيّ يقول: كتبت للحطيئة في ليلة أربعين قصيدة.
قوله لا يذهب العرف البيت مكتوب في التوراة
أخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد عن أبيه عن أبي عبيدة قال:
بلغني أن هذا البيت في التوراة، ذكره غير واحد عن أبيّ بن كعب. يعني قول الحطيئة:
لا يذهب العرف بين اللّه والناس
قال إسحاق وذكر عبد اللّه بن مروان عن أيّوب بن عثمان الدّمشقيّ عن عثمان بن أبي عائشة قال: سمع كعب [1] الحبر رجلا ينشد بيت الحطيئة:
من يفعل الخير لا يعدم جوازيه ... لا يذهب العرف بين اللّه والناس
/ فقال: والذي نفسي بيده إنّ هذا البيت لمكتوب في التوراة. قال إسحاق قال العمريّ: والذي صح عندنا في التوراة «لا يذهب العرف بين اللّه والعباد».
أوصى عبيد اللّه بن شدّاد ابنه محمدا بشعره
أخبرني [2] الحسين عن حمّاد عن أبيه قال قال أبو عدنان: لما حضرت عبيد اللّه [3] ابن شدّاد الوفاة دعا ابنه محمدا فأوصاه وقال له: يا بنيّ أرى داعي الموت لا يقلع، وبحقّ [4] أنّ من مضى لا يرجع، ومن بقي فإليه ينزع. يا بنيّ، ليكن أولى الأمور بك تقوى اللّه في السرّ والعلانية، والشكر للّه، وصدق الحديث والنيّة، فإنّ للشكر مزيدا، والتقوى خير زاد، كما قال الحطيئة:
ولست أرى السعادة جمع مال ... ولكنّ التقيّ هو السعيد
__________
[1] يقال: كعب الحبر (بكسر الحاء) فمن جعله وصفا له نوّن كعبا، ومن جعله المداد لم ينوّن وأضافه إلى الحبر. وقد منع صاحب «القاموس» من أن يقال: كعب الأحبار، ونوزع في ذلك. (انظر «تاج العروس» للسيد مرتضى مادة حبر).
[2] ورد هذا الخبر في «الأمالي» (ج 2 ص 202 طبع دار الكتب المصرية) بتفصيل عما هنا فراجعه.
[3] كذا في جميع الأصول. وفي «الأمالي» لأبي عليّ القالي: «عبد اللّه بن شدّاد بن الهاد .. الخ».
[4] كذا في أ، ح، ء. وفي ب، س: «و يحق». وفي م: «و لحق».
وتقوى اللّه خير الزاد ذخرا ... وعند اللّه للأتقى مزيد
وما لا بدّ أن يأتي قريب ... ولكنّ الذي يمضي بعيد
روى حماد لبلال مدحه في أبي موسى الأشعري
أخبرني أبو خليفة عن محمد بن سلام قال أخبرني أبو عبيدة عن يونس قال: قدم حمّاد الراوية البصرة على بلال بن أبي بردة وهو عليها؛ فقال له: ما أطرفتني شيئا يا حمّاد؛ قال: بلى،/ ثم عاد إليه فأنشده للحطيئة في أبي موسى الأشعريّ يمدحه:
جمعت من عامر فيه [1] ومن جشم ... ومن تميم ومن حاء [2] ومن حام [3]
/مستحقبات [4] رواياها [5] جحافلها [6] ... يسمو بها أشعريّ طرفه سامي
فقال له بلال: ويحك! أيمدح الحطيئة أبا موسى الأشعريّ وأنا أروي شعر الحطيئة كلّه فلا أعرفها! ولكن أشعها تذهب في الناس.
وذكر المدائني أن الحطيئة قال هذه القصيدة في أبي موسى، وأنها صحيحة. قالها فيه وقد جمع جيشا للغزو فأنشده:
جمعت من عامر فيه [7] ومن أسد [8]
وذكر البيتين وبينهما هذا البيت وهو:
فما رضيتهم حتى رفدتهم ... بوائل رهط ذي الجدّين بسطام [9]
__________
[1] كذا في «ديوانه». والضمير يرجع إلى الجحفل في البيت الذي قبله وهو:
وجحفل كهيم الليل منتجع ... أرض العدوّ ببؤس بعد إنعام
وفي جميع الأصول: «فيها».
[2] كذا في ح، ط و «الديوان». وحاء: حيّ من مذحج. وفي ب، س: «سام».
[3] جاء في «شرح الديوان» أن حامّا من ناهس بن عفرس بن خلف بن أنمار وهم خثعم.
[4] مستحقبات: من استحقب الشيء إذا احتمله من خلف.
[5] الروايا: الإبل التي تحمل أزوادهم وأثقالهم.
[6] جحافلها: جمع جحفلة. وهي من الخيل والحمير والبغال والحافر بمنزلة الشفة للإنسان والمشفر للبعير. والضمير يعود إلى الخيل المذكور في الأبيات الواردة قبل هذا البيت وهي:
وما رضيت لهم حتى رفدتهم ... من وائل رهط بسطام بأصرام
فيه الرماح وفيه كل سابغة ... جدلاء مبهمة من نسج سلام
وكل أجرد كالسرحان أترزه ... مسح الأكف وسقى بعد إطعام
وكل شوهاء طوع غير آبية ... عند الصباح إذا همّوا بإلجام
والمعنى أن الخيل تجنب إلى الروايا فتضع جحافها على أعجاز الإبل. (انظر «شرح الديوان المخطوط» المحفوظ بدار الكتب تحت رقم 3 أدب ش).
[7] انظر الحاشية رقم 2 في الصفحة السالفة.
[8] هذه غير رواية حماد كما ذكر شارح «الديوان».
[9] كذا في الأصول. وبسطام هو بسطام بن قيس بن مسعود بن قيس بن خالد الشيباني ويسمى ذا الجدّين. وفي «الديوان»: «رهط بسطام بأصرام» والأصرام: البيوت المجتمعة، يقال للقطعة منها صرم (بالكسر).
فوصله أبو موسى؛ فكتب إليه عمر رضي اللّه عنه يلومه على ذلك؛ فكتب إليه: إني اشتريت عرضي منه بها؛ فكتب إليه عمر: إن كان هذا هكذا وإنما فديت عرضك من لسانه ولم تعطه للمدح [1] والفخر فقد أحسنت. ولما ولى بلال بن أبي بردة أنشده إياها حمّاد الرواية فوصله أيضا.
كذبه عمر في بيت قاله
ونسخت من كتاب لحمّاد بن إسحاق حدّثني به أبي وأخبرني به عمّي عن الكرانيّ عن الرّياشيّ قال حدّثني محمد بن الطّفيل عن أبي بكر بن عيّاش عن الحارث بن عبد الرحمن عن مكحول قال:
سبق رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم على فرس له فجثا على ركبتيه وقال: «إنه لبحر» [2]؛ قال عمر:
كذب الحطيئة حيث يقول:
وإنّ جياد الخيل لا تستفزّنا ... ولا جاعلات الرّيط [3] فوق المعاصم
لو ترك هذا أحد لتركه رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم.
أراد سفرا فاستعطفته امرأته بشعر فرجع
أخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد عن أبيه عن أبي عبيدة أن الحطيئة أراد سفرا فأتته امرأته وقد قدّمت راحلته ليركب، فقالت:
اذكر تحنّننا إليك وشوقنا ... واذكر بناتك إنهنّ صغار
فقال: حطّوا، لا رحلت لسفر أبدا.
يزعم رجل أنه ضاف قوما من الجنّ منهم صاحب الحطيئة
أخبرني محمد بن العبّاس اليزيديّ ومحمد بن الحسن بن دريد قالا حدّثنا عبد الرحمن ابن أخي الأصمعيّ عن عمه عن أبيه قال:
قال رجل: ضفت [4] قوما في سفر وقد ضللت [5] الطريق، فجاءوني بطعام أجد طعمه في فمي وثقله [6] في بطني، ثم قال شيخ منهم لشابّ: أنشد عمّك؛ فأنشدني:
عفا من سليمى مسحلان فحامره ... تمشّى به ظلمانه وجآذره
__________
[1] في ط: «للبذخ».
[2] أي واسع الجري. وفي «صحيح الإمام البخاريّ»: كان بالمدينة فزع فاستعار النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم فرسا لأبي طلحة يقال له «مندوب» فركبه وقال: «ما رأينا من فزع وإن وجدنا لبحرا». انظر (باب الركوب على الدابة الصعبة من كتاب «الجهاد»).
[3] الريط: جمع ربطة وهي كل ملاءة غير ذات لفقين كلها نسج واحد، أو كل ثوب لين رقيق.
[4] أي نزلت عليهم ضيفا.
[5] في جميع النسخ: «أضللت». وفي «اللسان» ضللت المسجد والدار إذا لم تعرف موضعهما. قال أبو عمرو بن العلاء إذا لم تعرف المكان قلت ضللته وإذا سقط من يدك شيء قلت أضللته، أو بعبارة أخرى تقول للشيء الزائل عن موضعه قد أضللته وللشيء الثابت في موضعه إلا أنك لم تهتد إليه ضللته.
[6] كذا في أغلب الأصول وفي ط «ثفله» والثّفل: ما سفل ورسب من كل شيء، ومن المحتمل أن يكون «و ثقلته» - بفتح الثاء وسكون القاف وفتحها - وهي ما يجده الرجل في جوفه من ثقل الطعام.
فقلت له: أليس هذا للحطيئة؟ فقال: بلى، وأنا صاحبه من الجن.
أنشد ابن شبرمة من شعره وقال هو من جيد الشعر
أخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد عن أبيه قال:
قال ابن عيينة: سمعت ابن شبرمة يقول: أنا واللّه أعلم بجيّد الشعر، لقد أحسن الحطيئة حيث يقول:
أولئك قوم إن بنوا أحسنوا البنى ... وإن عاهدوا أوفوا وإن عقدوا شدّوا
وإن كانت النّعماء فيهم جزوا بها ... وإن أنعموا لا كدّروها ولا كدّوا
وإن قال مولاهم على جلّ حادث ... من الدهر ردّوا فضل أحلامكم ردّوا
قال: وقال الأصمعيّ وقد سأله أبو عدنان عن هذا البيت: ما واحد البنى، قال: بنية؛ فقال له:/ أتجمع فعلة على فعل؟ قال: نعم مثل رشوة ورشى وحبوة وحبى [1].
نزل على بني مقلد بن يربوع فأحسنوا جواره ومدحهم
حدّثنا أحمد بن عبيد اللّه بن عمّار قال حدّثني محمد بن أحمد بن صدقة الأنباريّ قال حدّثنا ابن الأعرابيّ عن المفضّل:
أن الحطيئة أقحمته السنة [2]، فنزل ببني مقلّد بن يربوع، فمشى بعضهم إلى بعض وقالوا: إن هذا الرجل لا يسلم أحد من لسانه، فتعالوا حتى نسأله عما يحبّ فنفعله [3] وعما يكره فنجتنبه؛ فأتوه فقالوا له: يا أبا مليكة، إنك اخترتنا على سائر العرب/ ووجب حقّك علينا، فمرنا بما تحبّ أن نفعله وبما تحب أن ننتهي عنه؛ فقال:
لا تكثروا زيارتي فتملّوني، ولا تقطعوها فتوحشوني، ولا تجعلوا فناء بيتي مجلسا لكم، ولا تسمعوا بناتي غناء شبّانكم، فإن الغناء رقية الزنا. قال: فأقام عندهم. وجمع كلّ رجل منهم ولده وقال: أمّكم الطلاق، لئن تغنّى أحد منكم والحطيئة مقيم بين أظهرنا لأضربنّه ضربة بسيفي أخذت منه ما أخذت. فلم يزل مقيما فيما يرضى حتى انجلت عنه السّنة، فارتحل وهو يقول:
جاورت آل مقلّد فحمدتهم ... إذ ليس كلّ [4] أخي جوار يحمد
أيام [5] من يرد الصنيعة يصطنع ... فينا ومن يرد الزّهادة يزهد [6]
__________
[1] الذي ورد في «كتب اللغة» بنية بالكسر وبنية بالضم، وورد في جمعهما بنى بالكسر وبنى بالضم. وأنشد الفارسي بيت الحطيئة على ضم الباء في قوله «أحسنوا البنى». قال صاحب «اللسان»: ويروى «أحسنوا البنى» أي بالكسر. والرشوة أيضا جاءت بتثليث الراء وجمعت على «رشي» بضم الراء و «رشي» بكسرها، وكذلك الحبوة بمعنى الثوب الذي يحتبي به رويت بكسر الحاء وضمها وجمعت على حبي بالكسر وحبي بالضم.
[2] أقحمته: أوقعته في شدة ومشقة. والسنة: الجدب.
[3] كذا في ط. وفي سائر النسخ: «فنفعله به».
[4] كذا في أغلب الأصول. وفي «الديوان»، أ، ء، ط: «إذا لا يكاد أخو».
[5] في ط: «أزمان».
[6] القافية تقتضي رفع يزهد، ووقوعه جوابا للشرط يقتضي جزمه. ولكن رفع المضارع الواقع جوابا بفعل شرط مضارع يجوز ولو في غير الضرورة وإن كان خلاف الأفصح. وفي ط: «يزهد» بكسر الدال وهو اللغة الفصيحة وإن كان عليها قد دخله الإقواء وهو اختلاف حركة الرويّ رفعا وجرا.
خبره مع الزبرقان بن بدر وسبب هجائه إياه
فأما خبره مع الزّبرقان بن بدر والسبب في هجائه إياه، فأخبرني به أبو خليفة عن محمد بن سلّام ولم يتجاوزه به، وأخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد عن أبيه عن محمد بن سلّام عن يونس، وأخبرني محمد بن الحسن بن دريد عن أبي حاتم عن أبي عبيدة، وأخبرني اليزيديّ عن عمّه عبيد اللّه عن أبي حبيب [1] عن ابن الأعرابيّ وقد جمعت رواياتهم وضممت بعضها إلى بعض:
أن النبيّ صلى اللّه عليه وآله وسلّم كان ولّى الزّبرقان بن بدر بن امرىء القيس بن خلف بن بهدلة بن عوف بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم عملا، وذكر/ مثل ذلك الأصمعيّ، وقال: الزّبرقان: القمر، والزبرقان: الرجل الخفيف اللحية. قال:
وأقرّه أبو بكر رضي اللّه عنه بعد النبيّ صلى اللّه عليه وآله وسلّم على عمله، ثم قدم على عمر في سنة مجدبة ليؤدّي صدقات قومه، فلقيه الحطيئة بقرقرى [2] ومعه ابناه أوس وسوادة وبناته وامرأته؛ فقال له الزّبرقان وقد عرفه ولم يعرفه الحطيئة: أين تريد؟ قال: العراق، فقد حطمتنا هذه السنة؛ قال: وتصنع ماذا؟ قال وددت أن أصادف بها رجلا يكفيني مؤونة عيالي وأصفيه [3] مدحي أبدا؛ فقال له الزبرقان: قد أصبته، فهل لك فيه يوسعك لبنا وتمرا ويجاورك أحسن جوار وأكرمه؟ فقال له الحطيئة: هذا وأبيك العيش، وما كنت أرجو هذا كلّه؛ قال: فقد أصبته؛ قال: عند من؟ قال:
عندي؛ قال: ومن أنت؟ قال: الزّبرقان بن بدر؛ قال وأين محلّك؟ قال: اركب هذه الإبل، واستقبل مطلع الشمس، وسل عن القمر حتى تأتي منزلي. قال يونس: وكان اسم الزّبرقان الحصين بن بدر، وإنما سمّي الزّبرقان لحسنه، شبّه بالقمر. وقيل: بل لبس عمامة مزبرقة [4] بالزّعفران فسمّي الزّبرقان لذلك. وقال أبو عبيدة في خبره: فقال له:
سر إلى أم شذرة وهي أم الزّبرقان وهي أيضا عمة الفرزدق، وكتب إليها أن أحسني إليه، وأكثري له من التمر واللبن. وقال آخرون: بل وكله إلى زوجته. فلحق الحطيئة [5] بزوجته على رواية ابن سلّام،/ وهي بنت صعصعة بن ناجية المجاشعيّة، واسمها هنيدة، وعلى رواية أبي عبيدة: أنها أمّه، وذلك في عام صعب مجدب، فأكرمته المرأة وأحسنت إليه؛ فبلغ ذلك بغيض بن عامر بن شمّاس بن لأي بن جعفر وهو أنف الناقة بن قريع بن عوف [6] [بن كعب] [7] بن سعد بن زيد مناة بن تميم،/ وبلغ إخوته وبني عمه فاغتنموها. وفي خبر اليزيديّ عن عمه قال ابن حبيب عن ابن الأعرابيّ: وكانوا يغضبون من أنف الناقة، وإنما سمّي جعفر أنف الناقة لأن أباه قريعا نحر ناقة فقسمها بين نسائه، فبعثت جعفرا هذا أمّه، وهي الشّموس من وائل ثم من سعد هذيم، فأتى أباه ولم يبق من الناقة إلا رأسها وعنقها، فقال: شأنك بهذا؛ فأدخل يده في أنفها وجرّ ما أعطاه؛ فسمّي أنف الناقة. وكان ذلك كاللّقب لهم حتى مدحهم الحطيئة، فقال:
__________
[1] كذا في جميع النسخ ولعله: «ابن حبيب» وهو محمد بن حبيب المتقدّم ذكره كثيرا في «رجال السند» والذي ذكر ابن النديم في «الفهرست» صفحة 106 طبع ليبزج إنه يروى عن ابن الأعرابيّ وسيأتي في الصفحة التالية ذكر ابن حبيب هذا وأنه يروى عن ابن الأعرابيّ.
[2] قرقري: أرض باليمامة فيها قرى وزروع ونخيل كثيرة. (انظر «معجم ياقوت» في قرقري).
[3] أصفيه: أخلصه.
[4] مزبرقة: مصبوغة. يقال: زبرق ثوبه إذا صبغه بحمرة أو صفرة.
[5] في ح: «فرحل الحطيئة حتى لحق بزوجته».
[6] في أ، ب، س: «عمرو» بدل «عوف». وهو تحريف.
[7] زيادة في ط. ويؤيد صحة هذه الزيادة ما ورد في «شرح القاموس» للسيد مرتضى في مادة «أنف».
قوم هم الأنف والأذناب غيرهم ... ومن يسوّي بأنف الناقة الذنبا
فصار بعد ذلك فخرا لهم ومدحا، وكانوا ينازعون الزّبرقان الشرف - يعني بغيضا وإخوته وأهله - وكانوا أشرف من الزّبرقان، إلا أنه قد كان استعلاهم بنفسه. وقال أبو عبيدة في خبره: كان الحطيئة دميما سيّ ء [1] الخلق، لا تأخذه العين، ومعه عيال كذلك. فلما رأت أمّ شذرة حاله هان عليها وقصّرت [2] به، ونظر بغيض وبنو أنف الناقة إلى ما تصنع به أمّ شذرة، فأرسلوا إليه: أن ائتنا، فأبى عليهم وقال: إن من شأن النساء التقصير والغفلة، ولست بالذي أحمل على صاحبها ذنبها. فلما ألحّ عليه بنو أنف الناقة، وكان رسولهم إليه شمّاس بن لأي وعلقمة بن هوذة وبغيض بن شمّاس والمخبّل الشاعر، قال لهم: لست بحامل على الرجل ذنب غيره، فإن تركت وجفيت تحوّلت إليكم؛ فأطمعوه ووعدوه وعدا عظيما. وقال ابن سلّام في خبره: فلما لم يجبهم دسّوا إلى هنيدة زوجة الزّبرقان أنّ الزبرقان إنما يريد أن يتزوّج ابنته مليكة؛ وكانت جميلة كاملة، فظهرت من المرأة للحطيئة جفوة وهي في ذاك تداريه./ ثم أرادوا النّجعة [3]، قال أبو عبيدة: فقالت له أمّ شذرة - وقال ابن سلّام: فقالت له هنيدة - : قد حضرت النّجعة فاركب أنت وأهلك هذا الظّهر إلى مكان كذا وكذا، ثم اردده إلينا حتى نلحقك فإنه لا يسعنا جميعا؛ فأرسل إليها: بل تقدّمي أنت فأنت أحقّ بذلك؛ ففعلت وتثاقلت عن ردّها [4] إليه وتركته يومين أو ثلاثة، وألحّ بنو أنف الناقة عليه وقالوا له: قد تركت بمضيعة. وكان أشدّهم في ذلك قولا بغيض بن شمّاس وعلقمة بن هوذة، وكان الزّبرقان قد قال في علقمة:
لي إبن عمّ لا يزا ... ل يعيبني ويعين [5] عائب
وأعينه في النائبا ... ت ولا يعين على النوائب
تسري عقاربه إل ... ى ولا تدبّ له عقارب
لاه [6] ابن عمّك لا يخا ... ف المحزنات من العواقب
قال: فكان علقمة ممتلئا غيظا عليه. فلما ألحّوا على الحطيئة أجابهم وقال [7]: أما الآن فنعم، أنا صائر معكم. فتحمّل معهم، فضربوا له قبّة، وربطوا بكلّ طنب من أطنابها جلّة [8] هجريّة،
__________
[1] في ط: «شنىء الخلق» ولعله فعيل بمعنى مفعول من شنىء الرجل (بالبناء للمفعول) إذا أبغض. ولم نجد هذه الصيغة في «كتب اللغة» التي بين أيدينا أو لعله تحريف عن «مشيأ الخلق» والمشيأ: المختلف الخلق المخبله القبيح.
[2] قصرت به: لم تكرمه ولم تبلغ ما يرضيه.
[3] النجعة: طلب الكلأ في موضعه.
[4] كذا في جميع النسخ ولعله: «رده». أو أنه أنث الضمير باعتبار أن مرجعه الدابة وهي تقع على المذكر والمؤنث قال اللّه تعالى (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُها)
[5] كذا في ط وفي سائر الأصول «و يعيب» وعائب على هذه النسخة بمعنى ذي عيب يقال: عاب الشيء عيبا: صار ذا عيب.
[6] لاه: بمعنى للّه، ومثله قول ذي الأصبع العدوانيّ:
لاه ابن عمك لا أفضلت في حسب ... عني ولا أنت دياني فتخروني
[7] كذا في ط وهي أنسب. وفي سائر النسخ: «فقال».
[8] في «اللسان»: «الجلة: وعاء يتخذ من الخوص يوضع فيه التمر يكنز فيها». وقال في مادة «وزن»: «و الوزن: الفدرة من التمر لا يكاد الرجل يرفعها بين يديه تكون ثلث الجلة من جلال هجر». وفي ط: «حلة» ولعلها تصحيف «جلة». وفي باقي الأصول: «قلة» والسياق لا يساعد على تصويبه.
/ وأراحوا [1] عليه إبلهم، وأكثروا له من التمر واللبن، وأعطوه/ لقاحا [2] وكسوة. قال: فلمّا قدم الزّبرقان سأل عنه فأخبر بقصّته، فنادى في بني بهدلة بن عرف، وهم لأمّ دون قريع، أمّهم السّفعاء بنت غنم بن قتيبة من باهلة. فركب الزبرقان فرسه، وأخذ رمحه، وسار حتى وقف على نادي بني شمّاس القريعيّين، فقال: ردّوا عليّ جاري؛ فقالوا:
ما هو لك بجار وقد اطّرحته وضيّعته؛ فألمّ [3] أن يكون بين الحيّين حرب، فحضرهم [4] أهل الحجا من قومهم، فلاموا بغيضا وقالوا: اردد على الرجل جاره؛ فقال: لست مخرجه وقد آويته، وهو رجل حرّ مالك لأمره، فخيّروه فإن اختارني لم أخرجه، وإن اختاره لم أكرهه. فخيّروا الحطيئة فاختار بغيضا ورهطه؛ فجاء الزبرقان ووقف عليه وقال له: أبا ملكية، أفارقت جواري عن سخط وذمّ؟ قال: لا؛ فانصرف وتركه. هذه رواية ابن سلّام، وأما أبو عبيدة فإنه ذكر أنه كان بين الزّبرقان ومن معه من القريعيّين تلاح [5] وتشاحّ. وزعم غيرهما أن الزبرقان استعدى عمر بن الخطّاب على بغيض، فحكم عمر بأن يخرج الحطيئة حتى يقام في موضع خال بين الحيّين وحده ويخلّى سبيله، ويكون جار أيّهما اختار؛ ففعل ذلك به، فاختار القريعيّين. قال: وجعل الحطيئة يمدحهم من غير أن يهجو الزّبرقان، وهم يحضّونه على ذلك ويحرّضونه فيأبى ويقول: لا ذنب للرجل عندي؛ حتى أرسل الزبرقان إلى رجل من النّمر بن قاسط يقال له دثار بن شيبان، فهجا بغيضا فقال:
أرى إبلي بجوف الماء حلّت ... وأعوزها به الماء الرّواء
وقد وردت مياه بني قريع ... فما وصلوا القرابة مذ أساءوا
/ تحلأ [6] يوم ورد الناس إبلي ... وتصدر وهي محنقة [7] ظماء
ألم أك جار شمّاس بن لأي ... فأسلمني وقد نزل البلاء
فقلت تحوّلي يا أمّ بكر ... إلى حيث المكارم والعلاء
وجدنا بيت بهدلة بن عوف ... تعالى سمكه ودجا [8] الفناء [9]
وما أضحى لشمّاس بن لأي ... قديم في الفعال [10] ولا رباء [11]
سوى أن الحطيئة قال قولا ... فهذا من مقالته جزاء
__________
[1] إراحة الإبل: ردّها في العشيّ.
[2] اللقاح: جمع لقوح وهي الناقة الحلوب.
[3] ألم: قرب، يقال: ألم أن يذهب بصره أي قرب أن يذهب. ومنه الحديث: «و إن مما ينبت الربيع ما يقتل حبطا أو يلم» قال أبو عبيد: معناه أو يقرب من القتل.
[4] كذا في ط. وفي باقي الأصول: «فحضر أهل الحجا ... ».
[5] تلاح: تنازع.
[6] كذا في ح. وتحلّا: تمنع، يقال: حلأه عن الماء تحليئا وتحلئة طرده ومنعه. وفي باقي النسخ: «تخلى» وهو تحريف.
[7] محنقة: ضامرة.
[8] وردت دحا بمعنى بسط ووسّع، ولم تجيء في «كتب اللغة» التي بين أيدينا لازمة إلا في قولهم: دحا البطن أي عظم واسترسل إلى أسفل، فيصح أن يكون قوله «دحا الفناء» هنا بمعنى عظم واتسع. أو لعلها دجا (بالجيم المعجمة) بمعنى سبغ أي طال واتسع.
[9] فناء، الدار: ما اتسع من أمامها.
[10] الفعال بالفتح: اسم للفعل الحسن من الجود والكرم ونحوه.
[11] الرباء بالفتح: الطول والمنة والفضل.
فحينئذ قال الحطيئة يهجو الزّبرقان ويناضل عن بغيض قصيدته التي يقول فيها:
واللّه ما معشر لاموا امرأ جنبا ... في آل لأي بن شمّاس بأكياس
ما كان ذنب بغيض لا أبا لكم ... في بائس جاء يحدو آخر الناس
لقد مريتكم [1] لو أن درّتكم [2] ... يوما يجيء بها مسحي وإبساسي
وقد مدحتكم عمدا لأرشدكم ... كيما يكون لكم متحي وإمراسي
لما بدا لي منكم غيب [3] أنفسكم ... ولم يكن لجراحي فيكم آسي
أزمعت يأسا مبينا [4] من نوالكم ... ولن يرى [5] طاردا للحرّ كالياس
/ جار لقوم أطالوا هون منزله ... وغادروه مقيما بين أرماس
/ ملّوا قراه وهرّته كلابهم ... وجرّحوه بأنياب وأضراس
دع المكارم لا ترحل لبغيتها ... واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي
من يفعل الخير لا يعدم جوازيه ... لا يذهب العرف بين اللّه والناس
ما كان ذنبي أن فلّت معاولكم ... من آل لأي صفاة أصلها راسي
قد ناضلوك فسلّوا من كنائنهم ... مجدا تليدا ونبلا غير أنكاس [6]
- الجنب: الغريب. والإبساس: أن يسكّنها عند الحلب. والماتح: المستقي الذي يجذب الدلو من فوق.
والإمراس: أن يقع الحبل في جانب البكرة فيخرجه - .
استعدى الزبرقان عليه عمر فحبسه
فاستعدى عليه الزبرقان عمر بن الخطاب، فرفعه عمر إليه واستنشده فأنشده؛ فقال عمر لحسّان: أتراه هجاه؟
قال: نعم وسلح عليه، فحبسه عمر:
فصل زياد في حادثة قدمت له بنحو ما فصل عمر في أمر الزبرقان والحطيئة
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ وحبيب بن نصر المهلّبيّ قالا حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثني أحمد بن معاوية عن أبي عبد الرحمن الطائيّ عن عبد اللّه بن عيّاش عن الشّعبيّ قال:
شهدت زيادا وأتاه عامر بن مسعود بأبي علاثة التّيميّ، فقال: إنه هجاني؛ قال: وما قال لك؟ قال قال:
__________
[1] مريتكم من مري الناقة يمريها أي مسح ضرعها. والمراد مداراتهم ومدحهم ليدرّوا عليه بالعطاء.
[2] الدرّة: اللبن.
[3] كذا في ط وفي باقي الأصول «عيب» بالعين المهملة.
[4] كذا في ح، م و «الديوان»، وفي ب س: «متينا».
[5] في ط: «و لن ترى طاردا».
[6] أنكاس: جمع نكس وهو أضعف السهام. وقد أورد الأزهريّ هذا البيت في «اللسان مادة نكس ثم قال: ومعنى البيت أن العرب كانوا أذا أسروا أسيرا خيروه بين التخلية وجز الناصية، والأسر فإن اختار جز الناصية جزوّها وخلوا سبيله ثم جعلوا ذلك الشعر في كنائنهم، فإذا افتخروا أخرجوه وأروهم مفاخرهم (انظر «اللسان» مادة نكس).
وكيف أرجّي ثروها ونماءها ... وقد سار فيها خصية الكلب عامر
فقال أبو علاثة: ليس هكذا قلت؛ قال: فكيف قلت؟ قال قلت:
وإني لأرجو ثروها ونماءها ... وقد سار فيها ناجذ الحقّ عامر
/ قال زياد: قاتل اللّه الشاعر، ينقل لسانه كيف شاء، واللّه لو لا أن تكون سنّة لقطعت لسانك! فقام قيس بن فهد الأنصاريّ فقال: أصلح اللّه الأمير، ما أدري من الرجل، فإن شئت حدثتك عن عمر بما سمعت منه - قال:
وكان زياد يعجبه الحديث [1] عن عمر رضي اللّه عنه - قال: هاته، قال شهدته وأتاه الزّبرقان بن بدر بالحطيئة فقال:
إنه هجاني؛ قال وما قال لك؟ قال قال لي:
دع المكارم لا ترحل لبغيتها ... واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي
فقال عمر: ما أسمع هجاء ولكنّها معاتبة؛ فقال الزبرقان: أو ما تبلغ مروءتي إلّا أن آكل وألبس! فقال عمر:
عليّ بحسان، فجيء به فسأله؛ فقال: لم يهجه ولكن سلح عليه - قال ويقال: إنه سأل لبيدا عن ذلك فقال:
ما يسرّني أنه لحقني من هذا الشعر ما لحقه وأن لي حمر النّعم - فأمر به عمر فجعل في نقير [2] في بئر ثم ألقي عليه شيء، فقال:
ماذا تقول لأفراخ بذي مرخ [3] ... زغب [4] الحواصل [5] لا ماء ولا شجر
ألقيت كاسبهم في قعر مظلمة ... فاغفر عليك سلام اللّه يا عمر
أنت الإمام الذي من بعد صاحبه ... ألقى إليك مقاليد النّهى البشر
لم يؤثروك بها إذ قدّموك لها ... لكن لأنفسهم كانت بك الأثر [6]
/فأخرجه وقال له: إيّاك وهجاء الناس؛ قال: إذا يموت عيالي جوعا، هذا مكسبي ومنه معاشي؛ قال: فإياك والمقذع من القول؛ قال: وما المقذع؟ قال: أن تخاير بين الناس فتقول: فلان خير من فلان، وآل فلان خير من آل فلان؛ قال: فأنت واللّه أهجى منّي. ثم قال: واللّه لو لا أن/ تكون سنّة لقطعت لسانك، ولكن اذهب فأنت له، خذه يا زبرقان؛ فألقى الزبرقان في عنقه عمامة فاقتاده بها؛ وعارضته غطفان فقالوا له: يا أبا شذرة، إخوتك وبنو عمّك، هبه لنا؛ فوهبه لهم. فقال زياد لعامر بن مسعود: قد سمعت ما روي عن عمر، وإنما هي السّنن، فاذهب به فهو لك؛ فألقى في عنقه حبلا أو عمامة، وعارضته بكر بن وائل فقالوا له: أخوالك [7] وجيرانك؛ فوهبه لهم.
__________
[1] في ط: «و كان زياد يعجبه أن يسمع الحديث عن عمر».
[2] النقير: ما نقر من حجر أو خشب ونحوهما.
[3] في هامش ط: «و يروي بذي أمر» وقد ورد البيت فيها فيما يلي بهذه الرواية. وذكر صاحب «القاموس» في مادة «مرخ» أن ذا مرخ بالتحريك واد بالحجاز. قال ياقوت: هو واد بين فدك والوابشية كثير الشجر، وأورد هذا البيت، ثم قال: والرواية المشهورة «بذي أمر» وذو أمر: موضع بنجد من ديار غطفان.
[4] كذا في أغلب الأصول. وفي ح، و «الديوان»: «حمر الحواصل». والمراد من حمرتها خلو جلدها من الريش لقرب عهدها بالولادة.
[5] الحوصلة من الطائر والظليم بمنزلة المعدة في الإنسان.
[6] الأثر: جمع أثره وهي المكرمة. وفي ط: «كانت بك الخير» وفي «الديوان»: «كانت بها الخير».
[7] في ط: «إخوتك وجيرانك».
استعطف عمر بشعر فأطلقه
أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال أخبرنا أبو حاتم عن أبي عبيدة: أن الحطيئة لما حبسه عمر قال وهو أوّل ما قاله:
أعوذ بجدّك إنّي امرؤ ... سقتني الأعادي إليك السّجالا
فإنك خير من الزبرقان ... أشدّ نكالا وأرجى نوالا
تحنّن عليّ هداك المليك ... فإنّ لكلّ مقام مقالا
ولا تأخذنّي بقول الوشاة ... فإن لكلّ زمان رجالا
فإن كان ما زعموا صادقا ... فسيقت إليك نسائي رجالا [1]
حواسر لا يشتكين الوجا [2] ... يخفّضن آلا ويرفعن آلا
فلم يلتفت عمر إليه حتى قال أبياته التي أوّلها:
ماذا تقول لأفراخ بذي مرخ [3]
/أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء ومحمد بن العبّاس اليزيديّ وعمر بن عبد العزيز بن أحمد وطاهر بن عبد اللّه الهشاميّ [4] قالوا حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثني محمد بن الضحّاك بن عثمان الحزاميّ قال حدّثني عبد اللّه بن مصعب عن ربيعة بن عثمان عن زيد [5] بن أسلم عن أبيه قال:
أرسل عمر إلى الحطيئة وأنا جالس عنده وقد كلمه فيه عمرو بن العاص وغيره فأخرجه من السجن فأنشده قوله:
ماذا تقول لأفراخ بذي مرخ [6] ... زغب الحواصل لا ماء ولا شجر
ألقيت [7] كاسبهم في قعر مظلمة ... فاغفر عليك [8] سلام اللّه يا عمر
أنت الإمام الذي من بعد صاحبه ... ألقي إليك مقاليد النّهي البشر
لم يؤثروك بها إذ قدّموك لها ... لكن لأنفسهم كانت بك الأثر
فامنن على صبية بالرمل مسكنهم ... بين الأباطح تغشاهم بها القرر [9]
__________
[1] رجالا: جمع رجلة (بفتح الراء وضم الجيم). أي راجلة.
[2] الوجا: الحفا وقيل شدته.
[3] في ط: «بذي أمر».
[4] في ط: «الهاشمي».
[5] كذا في ط. وفي سائر النسخ: «يزيد» وقد أورد في «الخلاصة في أسماء الرجال» زيد بن أسلم هذا وقال: أنه يروي عن أبيه وأنه مولى لعمر بن الخطاب. وفي سائر النسخ: «يزيد بن أسلم» ولم نجده في «كتب التراجم».
[6] في ط: «بذي أمر».
[7] في ط: «غادرت».
[8] في ط: «فاغفر هداك عليك الناس».
[9] القرر: جمع قرّة بالكسر وهي البرد.
أهلي فداؤك كم بيني وبينهم ... من عرض داوية [1] تعمى بها الخبر
- قال فبكى حين قال:
ماذا تقول لأفراخ بذي مرخ
فقال عمرو بن العاص: ما أظلّت الخضراء ولا أقلّت الغبراء أعدل من رجل يبكي على تركه الحطيئة - فقال عمر: عليّ بالكرسيّ، فأتي به، فجلس عليه ثم قال: أشيروا/ عليّ في الشاعر، فإنه يقول الهجر [2] وينسب بالحرم ويمدح الناس ويذمّهم بغير ما فيهم، ما أراني إلّا قاطعا لسانه، ثم قال: عليّ بالطّست [3]، فأتي بها، ثم قال: عليّ بالمخصف [4]، عليّ بالسّكّين، لا بل عليّ بالموسى، فهو أوحى [5]؛ فقالوا لا يعود يا أمير المؤمنين، فأشاروا [6] إليه أن قل لا أعود؛ فقال: لا أعود يا أمير المؤمنين؛ فقال له: النّجاء. قال: فلما ولّى قال له عمر:
يا حطيئة، كأني بك عند فتى من قريش، قد بسط لك نمرقة [7] وكسر له/ أخرى وقال: غنّنا يا حطيئة فطفقت تغنّيه بأعراض الناس. قال ابن أسلم: فما انقضت الدنيا حتى رأيت الحطيئة عند عبيد اللّه بن عمر قد بسط له نمرقة وكسر له أخرى وقال: غنّنا يا حطيئة، فجعل يغنّيه، فقلت له: يا حطيئة، أتذكر قول عمر؟ ففزع وقال:
يرحم اللّه ذلك المرء، أما إنه لو كان حيّا ما فعلت. قال: وقلت لعبيد اللّه: سمعت أباك يقول كذا وكذا فكنت أنت ذلك الرجل.
اشترى منه عمر أعراض المسلمين بعطاء
وروي عن عبد اللّه بن المبارك أنّ عمر رضي اللّه عنه لما أطلق الحطيئة أراد أن يؤكد عليه الحجة فاشترى منه أعراض المسلمين جميعا بثلاثة آلاف درهم؛ فقال الحطيئة في ذلك:
وأخذت أطراف الكلام فلم تدع ... شتما يضرّ ولا مديحا ينفع
وحميتني عرض اللئيم فلم يخف ... دمّي وأصبح آمنا لا يفزع
شفع له عبد الرحمن بن عوف عند عمر
أخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد بن إسحاق عن أبيه قال حدّثني عبد الرحمن ابن أخي الأصمعيّ عن عمه عن نافع بن أبي نعيم:
/ أن عبد الرحمن بن عوف هو الذي استرضى عمر بن الخطاب وكلّمه في أمر الحطيئة حتى أخرجه من السجن. قال حمّاد وأخبرني أبي عن أبي عبيدة أن عمر رضي اللّه عنه لما أطلقه قال الشاعر النّمريّ الذي كان الزبرقان حمله على هجاء بغيض:
__________
[1] الداوية والدوّية: الفلاة الواسعة.
[2] كذا في ط. وفي سائر النسخ: «الهجو» بالواو.
[3] كذا في ط. وفي سائر النسخ: «عليّ بطست» بالتنكير.
[4] المخصف: مخرز الإسكافي وهو الإشفى.
[5] في ح: «فهي أوحى» والموسى يذكر ويؤنث. وأوجى: أسرع.
[6] كذا في جميع النسخ بالفاء. والمناسب للمقام هنا العطف بالواو.
[7] النمرقة: الوسادة.
دعاني الأثبجان [1] ابنا بغيض ... وأهلي بالعلاة [2] فمنّياني
وقالوا سر بأهلك فأتينّا ... إلى حبّ وأنعام سمان
فسرت إليهم عشرين شهرا ... وأربعة فذلك حجّتان
فلما أن أتيت ابني بغيض ... وأسلمني بدائي [3] الداعيان
يبيت الذئب والعثواء [4] ضيفا [5] ... لنا بالليل بئس الضائفان
أمارس منهما [6] ليلا طويلا ... أهجهج [7] عن بنيّ ويعروان
تقول حليلتي لما اشتكينا ... سيدركنا بنو القرم الهجان [8]
سيدركنا بنو القمر بن بدر ... سراج الليل للشمس الحصان
فقلت ادعي وأدعو إن أندى [9] ... لصوت أن ينادي داعيان
/ فمن يك سائلا عنّي فإنّي ... أنا النّمريّ جار الزّبرقان
طريد عشيرة وطريد حرب ... بما اجترمت يدي وجنى لساني
كأنّي إذ نزلت به طريدا ... نزلت على الممنّع من أبان [10]
أتيت الزّبرقان فلم يضعني ... وضيّعني بتريم [11] من دعاني
مكث في بني قريع إلى أن أخصبوا وأجازوه فرحل عنهم ومدحهم
أخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد بن إسحاق عن أبيه عن أبي عبيدة قال:
__________
[1] كذا في م، أ، و «مختارات أشعار العرب» لابن الشجريّ. والأثجبان: مثنى أثبج وهو الأحدب ويقال على الناتيء الصدر وعلى العظيم الجوف وعلى الناتيء الثبج وهو ما بين الكتفين والكاهل. وذكر صاحب «اللسان» في مادة ثبج أن بيت النمريّ هذا فسّر بهذه المعاني كلها. وفي أغلب النسخ «الانتجان» وهو تصحيف.
[2] كذا في جميع الأصول. والعلاة: جبل في ديار النمر بن قاسط. وفي «اللسان» مادة ثبج: «بالعراق». وفي «مختارات ابن الشجريّ:» «بالفلاة».
[3] في «مختارات ابن الشجريّ»: «لدائي».
[4] العثواء: الضبع.
[5] الضيف: يكون للواحد والجمع كعدل وخصم. وفي التنزيل العزيز (هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ)
[6] هكذا في «مختارات ابن الشجريّ» وهو الصواب. وفي الأصول: «منهم».
[7] يقال: هجهج السبع وهجهج به إذا صاح به وزجره ليكف.
[8] الهجان: الرجل الحسيب.
[9] كذا في جميع الأصول وهي رواية في البيت. وأدعو منصوب بعد واو المعية المسبوقة بالأمر، وتسمى واو الصرف كما ذكره أبو عبيد البكريّ في «التنبيه» على أوهام أبي عليّ. وفي كتاب «الأمالي» لأبي عليّ و «مختارت ابن الشجريّ»:
فقلت ادعى وأدع فإن أندى
وجزم «و أدع» على توهم اللام، كأنه قال ولأدع.
[10] أبان: جبل. والممنع: العالي الذي يمتنع من أن يبلغه أحد.
[11] تريم بكسر أوّله وفتح الياء: اسم واد بين المضايق ووادي ينبع.
لم يزل الحطيئة في بني قريع يمدحهم حتى إذا أحيوا [1] قال لبغيض: ف لي بما كنت تضمّنت؛ فأتى بغيض علقمة بن هوذة فقال له: قد جاء اللّه بالحيا، فف لي بما قلت - وكان قد ضمن له مائة بعير - وأبرئني مما تضمّنته عهدتي؛ فقال: نعم، سل في بني قريع فمهما فضل بعد عطائهم أن يتمّ مائة أتممته، ففعل فجمعوا له أربعين أو خمسين بعيرا، كان الرجل يعطيه على قدر ماله البعير/ والبعيرين؛ قال: فأتمّها علقمة له مائة وراعيين فدفعت إليه.
فلم يزل يمدحهم وهو مقيم بينهم حتى قال كلمته السينيّة واستعدى الزبرقان عليه عمر رضي اللّه عنه. فلما رحل عنهم قال:
لا يبعد اللّه إذ ودّعت أرضهم ... أخي بغيضا ولكن غيره بعدا
لا يبعد اللّه من يعطي الجزيل ومن ... يحبو الجليل وما أكدي ولا نكدا
ومن تلاقيه [2] بالمعروف مبتهجا ... إذا اجرهدّ [3] صفا المذموم أو صلدا
لاقيته ثلجا [4] تندى أنامله ... أن يعطك اليوم لا يمنعك ذاك غدا
إنّي لرافده ودّي ومنصرتي ... وحافظ غيبه إن غاب أو شهدا
أقبل على ابن عباس وسأله: أعليه جناح في هجاء الناس
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا محمد بن موسى قال حدّثنا أحمد [5] بن الحارث عن المدائنيّ عن ابن دأب عن عبد اللّه بن عيّاش المنتوف قال:
بينا ابن عباس جالس في مجلس [6] رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم بعد ما كفّ بصره وحوله ناس من قريش، إذا أقبل أعرابيّ يخطر وعليه مطرف وجبّة وعمامة خزّ، حتى سلّم على القوم فردّوا عليه السّلام، فقال: يا بن عمّ رسول اللّه، أفتني؛ قال: فيماذا؟ قال أتخاف عليّ جناحا إن ظلمني رجل فظلمته وشتمني فشتمته وقصّر بي فقصّرت به؟ فقال:
العفو خير، ومن انتصر فلا جناح عليه؛ فقال: يا بن عمّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم أرأيت امرأ أتاني فوعدني وغرّني ومنّاني ثم أخلفني واستخفّ بحرمتي، أيسعني أن أهجوه؟ قال: لا يصلح الهجاء، لأنه لا بدّ لك من أن تهجو غيره من عشيرته فتظلم من لم يظلمك، وتشتم من لم يشتمك، وتبغي على من لم يبغ عليك، والبغي مرتع وخيم، وفي العفو ما قد علمت من الفضل؛ قال: صدقت وبررت؛ فلم ينشب أن أقبل عبد الرحمن بن سيحان المحاربيّ حليف قريش، فلما رأى الأعرابيّ أجلّه وأعظمه وألطف في مسئلته، وقال: قرّب اللّه دارك يا أبا مليكة، فقال ابن عباس:
أجرول؟ قال: جرول؛ فإذا هو الحطيئة، فقال ابن عباس: للّه أنت! أيّ مردي [7] قذاف، وذائد عن عشيرة [8]،
__________
[1] أحيوا: أصابهم الحيا وهو المطر.
[2] كذا في أ، م بالتاء، وهو المناسب للسياق. وفي ب، س، ح، ط: «يلاقيه».
[3] يقال: أجرهدّت الأرض إذا لم يوجد فيها نبات ولا مرعى. والصفا: جمع صفاة وهي الصخرة الملساء.
[4] ثلجا: فرحا مبتهجا.
[5] كذا في ح. وفي سائر النسخ: «محمد» وقد تقدّم في صفحة 171 حاشية 1 من هذا الجزء أنه أحمد بن الحارث الخزاز صاحب المدائنيّ وروايته.
[6] أي في المكان الذي كان يجلس فيه النبيّ صلى اللّه عليه وآله وسلّم، لأن ابن عباس كفّ بصره بعد وفاته صلى اللّه عليه وآله وسلّم، وسياق الحكاية نفسها يدل على ذلك.
[7] المردي في الأصل: حجر يرمى، ويطلق على الرجل الشجاع فيقال: أنه لمردي حروب.
[8] كذا في ح. وفي سائر النسخ: «عشيرته».
ومثن بعارفة تؤتاها أنت يا أبا ملكية! واللّه لو كنت عركت [1] بجنبك بعض ما كرهت من أمر الزّبرقان كان خيرا لك،/ ولقد ظلمت من قومه من لم يظلمك، وشتمت من لم يشتمك؛ قال: إنّي واللّه بهم يا أبا العباس [2] لعالم؛ قال ما أنت بأعلم بهم من غيرك؛ قال: بلى واللّه! يرحمك اللّه! ثم أنشأ يقول:
أنا ابن بجدتهم [3] علما وتجربة ... فسل بسعد تجدني أعلم الناس
سعد بن زيد كثير إن عددتهم ... ورأس سعد بن زيد آل شمّاس
والزبرقان ذناباهم [4] وشرّهم ... ليس الذّنابى أبا العباس كالراس
فقال ابن عباس: أقسمت عليك ألّا تقول [5] إلّا خيرا، قال: أفعل. ثم قال ابن عباس: يا أبا مليكة، من أشعر الناس؟ قال: أمن الماضين أم من الباقين؟ قال: من الماضين؛ قال: الذي يقول:
ومن يجعل المعروف من دون عرضه ... يفره ومن لا يتّق الشتم يشتم
وما بدونه الذي يقول:
ولست بمستبق أخا لا تلمّه ... على شعث، أيّ الرجال المهذّب
/ ولكنّ الضراعة أفسدته كما أفسدت جرولا - يعني نفسه - واللّه يابن عمّ رسول اللّه لو لا الطمع والجشع لكنت أشعر [6] الماضين، فأما الباقون فلا تشكّ أنّي أشعرهم وأصردهم [7] سهما إذا رميت.
/ منع الزبرقان عبد اللّه بن أبي ربيعة ماءه فهجاه وهجاه لذلك بنو أنف الناقة
أخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن عمّار قال: روي لنا عن أبي عبيدة والهيثم بن عديّ وغيرهما:
أنّ عبد اللّه بن أبي ربيعة لما قدم من البحرين نزل على الزّبرقان بن بدر بمائه فحّلأه وهو الماء الذي يقال له بنيان [8]، فنزل على بني أنف الناقة بمائهم وهو الذي يقال له وشيع، فأكرموه وذبحوا له شاة وقالوا: لو كانت إبلنا منّا قريبة لنحرنا لك؛ فراح من عندهم يتغنّى فيهم بقوله:
وما الزبرقان يوم يمنع ماءه ... بمحتسب التّقوى ولا متوكّل
مقيم على بنيان يمنع ماءه ... وماء وشيع ماء ظمآن مرمل
__________
[1] عرك بجنبه ما كان من صاحبه: احتمله. وأنشدوا على هذا:
إذا أنت لم تعرك بجنبك بعض ما ... يريب من الأدنى رماك الأباعد
[2] كنية عبد اللّه بن عباس رضي اللّه عنه.
[3] البجدة: دخلة الأمر وباطنه. ومن الأمثال: «أنا ابن بجدتها» يقال ذلك للعالم بالشيء المتقن له. والهاء راجعة إلى الأرض.
[4] ذناباهم: ذنبهم.
[5] كذا في أ، م. وفي ب، س، ح، ط: «أن تقول» بدون لا وحذف لا النافية في مثل هذا الموضع جائز، انظر الحاشية رقم 1 ص 167 ج 1 من «الأغاني» طبع دار الكتب المصرية.
[6] في ب، س، ط: «لكنت أشعر الناس الماضين».
[7] أصردهم: أنفذهم.
[8] كذا في «معجم ياقوت»، وضبطه بالضم وقال: كذا وجدته في شعر الأعشى، ووجدته بخط الترمذيّ الذي نقله من خط ثعلب «بنيان» بالفتح في قول الحطيئة: مقيم على بنيان يمنع ماءه الخ. وقال: هي قرية باليمامة ينزلها بنو سعد بن زيد بن مناة بن تميم.
وفي جميع الأصول: «تبيان» وهو تحريف.
قال: فركب الزّبرقان إلى عمر رضي اللّه عنه فاستعداه على عبد اللّه وقال: إنه هجاني يا أمير المؤمنين؛ فسأل عمر عن ذلك عبد اللّه؛ فقال له: يا أمير المؤمنين، إني نزلت على مائه فحّلأني عنه؛ فقال عمر رضوان اللّه عليه:
يا زبرقان، أتمنع ماءك من ابن السبيل! قال: يا أمير المؤمنين ألا أمنع ماء حفر آبائي مجاريه ومستقره وحفرته أنا بيدي! فقال عمر: والذي نفسي بيده، لئن بلغني أنك منعت ماءك من أبناء السبيل لا ساكنتني بنجد أبدا! فقال بعض بني أنف الناقة يعيّر الزّبرقان ما فعله:
أتدري من منعت ورود حوض ... سليل خضارم منعوا البطاحا
أزاد الركب [1] تمنع أم هشاما ... وذا الرّمحين [2] أمنعهم سلاحا
/ هم منعوا الأباطح دون فهر ... ومن بالخيف والبدن اللّقاحا
بضرب دون بيضتهم [3] طلخف [4] ... إذ الملهوف لاذ بهم وصاحا
وما تدري بأيّهم تلاقي ... صدور المشرفيّة والرّماحا
وصيته عند موته بالشعراء والفقراء والأيتام
وللحطيئة وصية ظريفة يأتي كلّ فريق من الرواة ببعضها، وقد جمعت ما وقع إليّ منها في موضع واحد وصدّرت بأسانيدها.
أخبرني بها محمد بن العباس اليزيديّ قال حدّثنا أحمد بن يحيى ثعلب قال حدّثنا عيينة [5] بن المنهال عن الأصمعيّ، وأخبرني بها أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ قال حدّثنا عمر بن شبّة، وأخبرني إبراهيم بن أيّوب عن ابن قتيبة، ونسختها من كتاب محمد بن الليث عن محمد بن عبد اللّه العبديّ عن الهيثم بن عديّ عن عبد اللّه بن عبد الرحمن [ابن أبي عمرة] [6] عن أبيه، وأخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد بن إسحاق عن أبيه عن أبي عبيدة، وأخبرني هاشم بن محمد الخزاعيّ قال حدّثنا أبو غسّان دماذ عن أبي عبيدة قالوا:
لما حضرت الحطيئة الوفاة اجتمع إليه قومه فقالوا: يا أبا ملكية: أوص فقال: ويل للشّعر من راوية السوء؛ قالوا: أوص رحمك اللّه يا حطى ء؛ قال: من الذي يقول:
إذا أنبض [7] الرامون عنها ترنّمت ... ترنّم ثكلى أو جعتها الجنائز؟
/ قالوا: الشّمّاخ؛ قال: أبلغوا غطفان أنه أشعر العرب؛ قالوا: ويحك! أهذه وصيّة! أوص بما/ ينفعك! قال:
__________
[1] زاد الركب: لقب أبي أميّة بن المغيرة بن عبد اللّه بن عمرو بن مخزوم، وهو عمّ عبد اللّه بن أبي ربيعة. والملقبون بزاد الركب ثلاثة من قريش هذا أحدهم، والثاني مسافر بن أبي عمرو بن أمية، والثالث زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسيد بن عبد العزى. وإنما قيل لهم أزواد الركب لأنهم كانوا إذا سافروا يطعمون كل أحد يكون معهم ويكفونه الزاد.
[2] ذو الرمحين هو أبو ربيعة بن المغيرة والد عبد اللّه بن أبي ربيعة.
[3] بيضتهم: حوزتهم وساحتهم.
[4] طلخف: شديد.
[5] في ط: «عتيبة بن المنهال».
[6] زيادة في أ، م، ح، ء، ط.
[7] أنبض القوس وأنضبها: جذب وترها لنصوّت.
أبلغوا أهل ضابىء [1] أنه شاعر حيث يقول:
لكلّ جديد لذّة غير أنّني ... رأيت جديد الموت غير لذيذ
قالوا: أوص ويحك بما ينفعك! قال: أبلغوا أهل امريء القيس أنه أشعر العرب حيث يقول:
فيا لك من ليل كأنّ نجومه ... بكلّ مغار الفتل شدّت بيذبل [2]
قالوا: اتّق اللّه ودع عنك هذا؛ قال: أبلغوا الأنصار أنّ صاحبهم أشعر العرب حيث يقول:
يغشون حتّى ما تهرّ كلابهم ... لا يسألون عن السّواد المقبل
قالوا: هذا لا يغّني عنك شيئا، فقل غير ما أنت فيه؛ فقال:
الشّعر صعب وطويل سلّمه ... إذا ارتقى فيه الذي لا يعلمه
زلّت به إلى الحضيض قدمه ... يريد أن يعربه فيعجمه [3]
قالوا: هذا مثل الذي كنت فيه؛ فقال:
قد كنت أحيانا شديد المعتمد ... وكنت ذا غرب [4] على الخصم ألدّ
فوردت [5] نفسي وما كادت [6] ترد
/ قالوا: يا أبا ملكية، ألك حاجة؟ قال: لا واللّه، ولكن أجزع على المديح الجيّد يمدح به من ليس له أهلا.
قالوا: فمن أشعر الناس؟ فأومأ بيده إلى فيه وقال: هذا الحجير إذا طمع في خير (يعني فمه) واستعبر باكيا؛ فقالوا له: قل لا إله إلا اللّه؛ فقال:
قالت وفيها حيدة [7] وذعر ... عوذ بربّي منكم وحجر [8]
فقالوا له: ما تقول في عبيدك وإمائك؟ فقال: هم عبيد قنّ ما عاقب الليل النهار؛ قالوا: فأوص للفقراء بشي ء؛ قال: أوصيهم بالإلحاح في المسئلة فإنها تجارة لا تبور، واست [9] المسئول أضيق.
قالوا: فما تقول في مالك؟ قال: للأنثى من ولدي مثل [10] حظّ الذكر؛ قالوا: ليس هكذا قضى اللّه جلّ وعزّ لهنّ؛ قال: لكنّي هكذا قضيت.
__________
[1] هو ضابيء بن الحارث البرجميّ ثم اليربوعيّ الشاعر من بني تميم.
[2] مغار الفتل: محكمة، وهو اسم مفعول من أغار الحبل إغارة وغارة: شدّ فتلة. ويذبل: جبل لباهلة.
[3] الفاء هنا للاستئناف، والمعنى فإذا هو يعجمه ولا يصح نصبه عطفا على قوله يعر به لأنه لا يريد إعجامه.
[4] الغرب: الحدّ ومنه غرب السيف: حدّه.
[5] وردت: أشرفت، يقال: ورد فلان بلد كذا وماء كذا إذا أشرف عليه وأن لم يدخله. ولعله يريد من الورود الإشراف على الموت.
[6] كذا في أغلب النسخ. وفي أ، م، ط: «كانت» بالنون.
[7] حيدة: من حاد عن الشيء إذا صدّ عنه أو نفر خوفا منه.
[8] حجر، أي دفع ومنع، والعرب تقول عند الأمر تنكره: حجرا له بالضم، أي دفعا. قاله صاحب «اللسان» واستشهد عليه بالبيت.
[9] هذا كناية عن العجز، يقال للرجل يستضعف: استك أضيق من أن تفعل كذا، ويقال للجماعة: أنتم أضيق أستاها من أن تفعلوا كذا.
انظر «اللسان» و«تاج العروس» مادة «سته».
[10] في ب، س، ء، ط: «مثلا».
قالوا: فما توصي لليتامى؟ قال: كلوا أموالهم ونيكوا [1] أمّهاتهم؛ قالوا: فهل شيء تعهد فيه غير هذا؟ قال:
نعم، تحملونني على أتان وتتركونني راكبها حتى أموت فإنّ الكريم لا يموت على فراشه، والأتان مركب لم يمت عليه كريم قطّ؛ فحملوه على أتان وجعلوا يذهبون به ويجيئون عليها حتى مات وهو يقول:
لا أحد ألأم من حطيّه ... هجا بنيه وهجا المريّة
من لؤمه مات على فريّه
والفريّة: الأتان [2].
الغناء في شعر الحطيئة
ذكر ما غنّي فيه من القصائد التي مدح بها الحطيئة بغيضا وقومه وهجا الزبرقان وقومه
منها:
صوت
ألا طرقتنا بعد ما هجعوا هند ... وقد جزن [3] غورا واستبان لنا نجد
وإنّ التي نكّبتها [4] عن معاشر ... عليّ غضاب أن صددت كما صدّوا
الغناء لعلّويه ثقيل أوّل بالوسطى عن عمرو، وهذه القصيدة التي يقول فيها:
أتت آل شمّاس بن لأي وإنما ... أتاهم بها الأحلام والحسب العدّ [5]
فإنّ الشقيّ من تعادي صدورهم ... وذو الجدّ من لانوا إليه ومن ودّوا
يسوسون أحلاما بعيدا أناتها ... فإن غضبوا جاء الحفيظة والجدّ
أقلّوا عليهم لا أبا لأبيكم ... من اللوم أو سدّوا المكان الذي سدّوا
أولئك قوم إن بنوا أحسنوا البنى ... وإن عاهدوا أوفوا وإن عقدوا شدّوا [6]
وإن كانت النّعمى عليهم جزوا بها ... وإن أنعموا لا كدّروها ولا كدّوا
__________
[1] كذا في أغلب النسخ. وفي م: «و انكحوا».
[2] كذا في الأصول، ولم نجد في «كتب اللغة» التي بين أيدينا ما يدل على أن الفرية من أسماء الأتان. والتي بها من هذه المادة «الفرأ» (و قد يسهل ومنه «كل الصيد في جوف الفرا») وهو حمار الوحش ولعله أنث بالتاء وسهل مع تصغيره فصار فرية.
[3] كذا في جميع الأصول. وفي «ديوان الحطيئة و «مختارات ابن الشجري»: «و قد سرن خمسا واتلابّ بنا نجد» ومعنى اتلاب: انبسط.
[4] أراد المدحة التي عدل بها عن آل الزبرقان إلى بغيض وقومه، وبين هذا البيت وما قبله جملة أبيات فراجعها في «ديوانه».
[5] العدّ: القديم، ومنه قولهم: ماء عدّ أي قديم لا ينتزح، ونقل صاحب «اللسان» عن بعض المتحذلقين أنه فسر العدّ في قولهم: حسب عدّ بمعنى كثير: أخذا من قولهم: ماء عدّ أي كثير، ثم قال: وهذا غيري قويّ وأن يكون العدّ القديم أشبه واستشهد على هذا المعنى بالبيت.
[6] رواية «اللسان» مادة عقد: «و إن عاقدوا شدّوا».
وإن قال مولاهم على جلّ [1] حادث ... من الدهر ردّوا فضل أحلامكم ردّوا
مطاعين في الهيجا مكاشيف للدّجى ... بنى لهم آباؤهم وبنى الجدّ
/ ومنها:
صوت
وأدماء حرجوج [2] تعاللت [3] موهنا ... بسوطي فارمدّت نجاء الخفيدد
إذا آنست وقعا من السّئوط عارضت ... به الجور حتى يستقيم ضحى الغد [4]
وتشرب بالقعب [5] الصغير وإن تقد ... بمشفرها يوما إلى الحوض تنقد
الموهن: وقت من الليل بعد مضيّ صدر منه. وارمدّت: نجت، والارمداد: النّجاء [6]. والخفيدد:
الظّليم [7].
الغناء لابن محرز خفيف رمل بالسبّابة في مجرى البنصر عن إسحاق. وذكر الهشاميّ: أنّ فيه لإبراهيم خفيف رمل آخر، وهو في جامع إبراهيم غير مجنّس. وفيه خفيف ثقيل مجهول، وذكر حبش: أنه لمعبد؛ ويشبه أن يكون ليحيى المكيّ.
عدّه بعضهم أشعر الناس
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثني إبراهيم بن المنذر عن ابن عباية عن محمد بن مسلم الجوسق عن رجل من كعب قال:
__________
[1] كذا في أ، م. وفي باقي النسخ: «كل حادث» وظاهر أنه محرّف.
[2] الحرجوج: الناقة الطويلة على وجه الأرض، وقيل الضامرة، وقيل: الوقادة الحادة القلب.
[3] تعاللت: استخرجت علالة (بقية) سيرها.
[4] كذا ورد هذا البيت في الأصول. ورواية «الكامل» للمبرد ص 238 طبع أوروبا:
وإن آنست حسا من السوط عارضت ... بي الجور حتى يستقيم ضحى الغد
يريد أنها تحاذي به الجور (و هو الميل عن القصد في السير) أي تمشي معه على غير اهتداء حتى تستقيم في ضحوة الغد. ورواية «ديوان الحطيئة».
فإن آنست حسا من السوط عارضت ... بي القصد حتى تستقيم ضحى الغد
يريد أنها جانبت بي القصد ولم تسر فيه حتى تستقيم في ضحوة الغد. وفي «مختارات ابن الشجريّ»: (النسخة المخطوطة المحفوظة بدار الكتب تحت رقم 586 أدب).
وإن خاف جورا من طريق رمى بها ... سوى القصد حتى تستقيم ضحى الغد
وقال في شارحه: إن خاف أن تجور به عن الطريق اعتسف بها غير الطريق حتى تلقى الطريق ضحوة الغد لما فيها من العلالة والبقية، وورد البيت في «اللسان» مادة خزم هكذا:
إذا هو نحاها عن القصد خازمت ... به الجور حتى يستقيم ضحى الغد
ولكنه نسبه لابن فسوة وقال في تفسيره: ذكر ناقته أن راكبها إذا جار بها عن القصد ذهبت به خلاف الجور حتى تغلبه فتأخذ على القصد.
[5] القعب: القدح الضخم الغليظ الجافي.
[6] النجاء: السرعة في السير.
[7] الذي في «كتب اللغة»: الخفيدد: الخفيف من الظلمان.
جئت سوق الظّهر [1] فإذا بكثيّر، وإذا الناس متقصّفون [2] عليه، فتخلّصت حتى دنوت منه فقلت: أبا صخر؛ قال: ما تشاء؟ قلت: من أشعر الناس؟ قال: الذي يقول:
وآثرت إدلاجي على ليل حرّة ... هضيم الحشا حسّانة المتجرّد [3]
تفرّق بالمدرى أثيثا [4] نباته [5] ... على واضح الذّفرى [6] أسيل المقلّد
قال: قلت: هذا الحطيئة؟ قال: هو ذاك.
كذبه سيدنا عمر في شعر له
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا محمد بن موسى قال حدّثنا أحمد بن الحارث الخزّاز عن المدائنيّ عن عليّ ابن مجاهد عن هشام بن عروة:
أنّ عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه أنشد قول الحطيئة:
متى تأته تعشو [7] إلى ضوء ناره ... تجد نار عندها خير موقد
فقال عمر: كذب، بل تلك نار موسى نبيّ اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم.
/ أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه عن الهيثم بن عديّ عن حمّاد الرواية:
أنّ رجلا دخل على الحطيئة، وهو مضطجع على فراشه وإلى جانبه سوداء قد أخرجت رجلها من تحت الكساء، فقال له: ويحك! أفي رجلك خفّ؟ قال: لا واللّه ولكنها رجل سوداء، أتدري من هي؟ قال: لا؛ قال:
هي واللّه التي أقول فيها:
وآثرت إدلاجي على ليل حرّة
- وذكر البيتين - واللّه لو رأيتها/ يابن أخي لما شربت الماء من يدها؛ قال: فجعلت تسبّه أقبح سبّ وهو يضحك.
ومنها:
صوت
ما كان ذنب بغيض لا أبا لكم ... في بائس جاء يحدو أينقا شزبا [8]
__________
[1] لم نضبط هذه الكلمة ويحتمل أن تكون مضمومة الظاء وهو الوقت المعروف وفي نسخة أ، ط: ضبطت الظهر بفتح الظاء والظهر: الإبل.
[2] أي مزدحمون.
[3] الحسانة (بضم الحاء وتشديد السين): الشديدة الحسن والمتجرّد بالفتح مصدر بمعنى التجرّد وقد يكسر يراد به الجسم.
[4] أي شعرا كثيفا كثيرا.
[5] كذا في أغلب النسخ و «مختارات ابن الشجريّ». وفي ب، س، ط: «كأنه» وهو تحريف.
[6] الذفري: العظم الشاخص خلف الأذن. والأسيل: الطويل. والمقلد: العنق.
[7] تعشو: تقصد في الظلام. قال المرزوقي في «شرح الفصيح»: يقال عشا يعشو إذا سار في ظلمة تسمى عشوة. وقال ابن يعيش: عشوته أي قصدته في الظلام، ثم اتسع فقيل لكل قاصد عاش. وتعشو حال من ضمير المخاطب في قوله تأته. انظر «الخزانة» للبغدادي ج 3 ص 660 و661.
[8] شزبا: جمع شازبة وهي الضامرة. قال الأصمعيّ: سمعت أعرابيا يقول: ما قال الحطيئة: أينقا شزبا، إنما قال: «أعنزا شسبا»
طافت أمامة بالرّكبان آونة ... يا حسنها من خيال زار منتقبا
إذ تستبيك بمصقول عوارضه [1] ... حمش [2] اللّثات ترى في مائه شنبا
قد أخلقت عهدها من بعد جدّته ... وكذّبت حبّ ملهوف وما كذبا
الغناء لابن سريج رمل بالوسطى عن عمرو بن بانة.
/ ومنها:
صوت
جزى اللّه خيرا - والجزاء بكفّه - ... بأحسن ما يجزي الرجال بغيضا
فلو شاء إذ جئناه صدّ فلم يلم ... وصادف منأى [3] في البلاد عريضا
الغناء للهدليّ ثقيل أوّل بالبنصر عن الهشاميّ.
__________
- وشسبا: جمع شاسبة بالسين لغة في شازبة بالزاي.
[1] العوارض: الثنايا، سميت عوارض لأنها في عرض الفم، وقيل: هي أربع أسنان تلي الأنياب ثم الأضراس تلي العوارض وقيل: العوارض ما يبدو عند الضحك. قال كعب بن زهير:
تجلو عوارض ذي ظلم إذا ابتسمت ... كأنه منهل بالراح معلول
[2] حمش اللثات: دقيقها في حسن.
[3] المنأى: اسم مكان من النأي وهو البعد.
11 - أخبار ابن عائشة ونسبه
اسمه وكنيته ولم يعرف له أب فنسب إلى أمه
محمد بن عائشة ويكنى أبا جعفر، ولم يكن يعرف له أب فكان ينسب إلى أمّه، ويلقبه من عاداه أو أراد سبّه «ابن عاهة الدار». وكان هو يزعم أنّ اسم أبيه جعفر؛ وليس يعرف ذلك. وعائشة أمّه مولاة لكثير بن الصّلت الكنديّ حليف قريش. وقيل: إنها مولاة لآل المطّلب بن أبي وداعة السّهميّ، ذكر ذلك إسحاق عن محمد بن سلّام. وحكى ابن الكلبيّ القول الأوّل، وقال إسحاق: هو الصحيح، يعني قول ابن الكلبيّ. وقال إسحاق فيما رواه لنا الحسين بن يحيى عن حمّاد عن أبيه: إنّ محمد بن معن الغفاريّ ذكر له عن أبي السائب المخزوميّ أن ابن عائشة مولى المطّلب بن أبي وداعة السّهميّ وإنّه كان لغير رشدة [1]، فأدركت المشيخة وهم إذا سمعوا له صوتا حسنا قالوا:
أحسن ابن المرأة. قال إسحاق وقال عمران بن هند الأرقميّ: بل كان مولى لكثير بن الصّلت.
سأله الوليد بن يزيد عن نسبه لأمه فأجابه
قال إسحاق: قال عبيد اللّه بن محمد بن عائشة: قال الوليد بن يزيد لابن عائشة: يا محمد، ألغيّة أنت؟ قال:
كانت أمّي يا أمير المؤمنين ما شطة، وكنت غلاما، فكانت إذا دخلت إلى موضع قالوا: ارفعوا هذا لابن عائشة؛ فغلبت على نسبي.
كان يفتن كل من سمعه وأخذ عن معبد ومالك
قال إسحاق: وكان ابن عائشة يفتن كلّ من سمعه، وكان فتيان من المدينة قد فسدوا في زمانه بمحادثته ومجالسته. وقد أخذ عن معبد ومالك ولم يموتا حتّى ساواهما على تقديمه لهما واعترافه بفضلهما.
كان جيد الغناء دون الضرب
وقد قيل: إنه كان ضاربا ولم يكن بالجيّد الضرب؛ وقيل: بل كان مرتجلا لم يضرب قطّ.
كان يضرب بابتدائه المثل وكان أحسن المغنين بعد معبد
وابتداؤه بالغناء كان يضرب به المثل، فيقال للابتداء الحسن كائنا ما كان من قراءة قرآن، أو إنشاد شعر، أو غناء يبدأ به فيستحسن: كأنه ابتداء ابن عائشة. قال إسحاق: وسمعت علماءنا قديما وحديثا يقولون: ابن عائشة أحسن الناس ابتداء، وأنا أقول: إنه أحسن الناس ابتداء وتوسّطا وقطعا بعد أبي عبّاد معبد، وقد سمعت من يقول:
إنّ ابن عائشة مثله؛ وأمّا أنا فلا أجسر على أن أقول ذلك.
وكان ابن عائشة غير/ جيّد اليدين فكان أكثر ما يغنّي مرتجلا. وكان أطيب الناس صوتا.
قال إسحاق وحدّثني محمد بن سلّام قال قال لي جرير: لا تخدعنّ عن أبي جعفر محمد بن عائشة، فلو لا
__________
[1] لغير رشده: لغير نكاح صحيح. يقال: فلان ولد لرشده، أي لنكاح صحيح. وضدّه غيّة فيقال: ولد لغيّة أي لزنية.
صلف كان فيه لما كان بعد أبي عبّاد مثله.
أخبرني أحمد بن جعفر جحظة قال حدّثني محمد بن أحمد بن يحيى المكيّ عن أبيه عن جدّه قال: ثلاثة من المغنّين كانوا أحسن الناس حلوقا: ابن عائشة وابن تيزن [1] وابن أبي الكنّات.
ضرب ابن أبي عتيق رجلا خدش حلقه
حدّثني عمي قال حدّثنا محمد بن داود بن الجرّاح قال حدّثنا أحمد بن زهير قال حدّثني مصعب الزّبيريّ عن أبيه قال:
رأى ابن أبي عتيق حلق ابن عائشة مخدّشا فقال: من فعل هذا بك؟ قال: فلان، فمضى فنزع ثيابه وجلس للرجل على بابه، فلمّا خرج أخذ بتلبيبه [2] وجعل/ يضربه ضربا شديدا والرجل يقول له: مالك تضربني! أيّ شيء صنعت! وهو لا يجيبه حتى بلغ منه؛ ثم خلّاه وأقبل على من حضر فقال: هذا أراد أن يكسر مزامير داود: شدّ [3] على ابن عائشة فخنقه وخدش حلقه.
لو كان آخر غنائه كأوّله لفاق ابن سريج
قال إسحاق في خبره: وحدّثني أبي عن سياط عن يونس الكاتب قال: ما عرفنا بالمدينة أحسن ابتداء من ابن عائشة إذا غنّى، ولو كان آخر غنائه مثل أوّله لقدّمته على ابن سريج. قال إبراهيم: هو كذاك عندي، وقال إسحاق مثل قولهما. قال: وقال يونس: كان ابن عائشة يضرب بالعود ولم يكن مجيدا، وكان غناؤه أحسن من ضربه، فكان لا يكاد يمسّ العود إلّا أن تجتمع جماعة من الضّرّاب فيضربون عليه ويضرب هو ويغنّي، فناهيك به حسنا!.
كان يصلح لمنادمة الخلفاء والملوك
أخبرني الحسين عن حمّاد عن أبيه عن الهيثم بن عديّ عن صالح بن حسّان أنه ذكر يوما المغنّين بالمدينة، فقال: لم يكن بها أحد بعد طويس أعلم من ابن عائشة ولا أظرف مجلسا ولا أكثر طيبا؛ وكان يصلح أن يكون نديم خليفة أو سمير ملك. قال إسحاق: فأذكرني هذا القول قول جميلة له: وأنت يا أبا جعفر فمع الخلفاء تصلح أن تكون.
رآه الحسن بن الحسن بالعقيق فأكرهه على أن يغنيه مائة صوت فلم ير أحسن منه غناء في ذلك اليوم
قال إسحاق وحدّثني المدائنيّ قال حدّثني جرير قال: كان ابن عائشة تائها سيّىء الخلق، فإن قال له إنسان:
تغنّ، قال: ألمثلي يقال هذا! وإن قال له إنسان وقد ابتدأ هو بغناء: أحسنت، قال: ألمثلي يقال أحسنت! ثم يسكت، فكان قليلا ما ينتفع به. فسال العقيق مرّة فدخل عرصة سعيد بن العاصي الماء حتى ملأها، فخرج الناس إليها وخرج ابن عائشة فيمن خرج، فجلس على قرن البئر، فبينا هم/ كذلك إذ طلع [4] الحسن بن الحسن بن
__________
[1] انظر الكلام عليه في حاشية 2 صفحة 283 من الجزء الأوّل من «الأغاني» طبع دار الكتب المصرية.
[2] التلبيب من الإنسان ما في موضع اللبب من ثيابه، واللبب: موضع القلادة من الصدر، يقال: أخذ فلان بتلابيب فلان إذا جمع عليه ثوبه الذي هو لابسه عند صدره وقبض عليه يجرّه.
[3] كذا في م، أ. في أغلب النسخ: «و شدّ» بواو العطف.
[4] كذا في أغلب النسخ. وفي أ، م: «أقبل».
عليّ بن أبي طالب، عليهم السلام، على بغلة وخلفه غلامان أسودان كأنهما من الشياطين، فقال لهما: امضيا رويدا حتى تقفا بأصل القرن الذي عليه ابن عائشة، فخرجا حتى فعلا ذلك. ثم ناداه الحسن: كيف أصبحت يا بن عائشة؟
قال: بخير، فداك أبي وأمي، قال: انظر من إلى جنبك، فنظر فإذا العبدان، فقال له: أتعرفهما؟ قال: نعم، قال:
فهما حرّان لئن لم تغنّني مائة صوت لآمرنّهما بطرحك في البئر، وهما حرّان لئن لم يفعلا لأقطعنّ أيديهما، فاندفع ابن عائشة فكان أوّل ما ابتدأ به صوتا له وهو:
ألا للّه درّك من ... فتى قوم إذا رهبوا
ثم لم يسكت حتى غنّى مائة صوت، فيقال إن الناس لم يسمعوا من ابن عائشة أكثر مما/ سمعوا في ذلك اليوم، وكان آخر ما غنّى:
صوت
قل للمنازل بالظّهران [1] قد حانا ... أن تنطقي فتبيني القول تبيانا
قال جرير: فما رئي يوم أحسن منه، ولقد سمع الناس شيئا لم يسمعوا مثله، وما بلغني أن أحدا تشاغل عن استماع غنائه بشيء، ولا انصرف أحد لقضاء حاجة ولا لغير ذلك حتى فرغ. ولقد تبادر الناس من المدينة وما حولها حيث بلغهم الخبر لاستماع غنائه، فيقال: إنه ما رئي جمع في ذلك الموضع مثل ذلك الجمع، ولقد رفع الناس أصواتهم يقولون له: أحسنت واللّه، أحسنت واللّه، ثم انصرفوا حوله يزفّونه إلى المدينة زفّا.
نسبة ما في هذا الخبر من الأغاني
منها:
صوت
ألا للّه درّك من ... فتى قوم إذا رهبوا
وقالوا من فتى للحر ... ب يرقبنا ويرتقب
فكنت فتاهم فيها ... إذا تدعى لها تثب
ذكرت أخي فعاودني ... رداع [2] السّقم والوصب
كما يعتاد ذات البوّ بعد سلوّها الطّرب [3] على عبد بن زهرة بتّ طول الليل أنتحب [4]
__________
[1] الظهران: واد قرب مكة وعنده قرية يقال لها مرّ تضاف إلى هذا الوادي فيقال مرّ الظهران.
[2] الرداع: النكس.
[3] الطرب هنا: الحزن.
[4] ورد هذا الحديث في أ، م، ء، ط، هكذا:
الشعر لأبي العيال الهذليّ. والغناء لمعبد، وله فيه لحنان، أحدهما ثقيل أوّل بالخنصر في مجرى الوسطى عن إسحاق يبدأ فيه بقوله:
ذكرت أخي فعاودني ... رداع السقم والوصب
والآخر خفيف رمل بالوسطى عن عمرو بن بانة. وفيه لابن عائشة خفيف رمل آحر، وقيل: بل هو لحن معبد. وذكر حمّاد بن إسحاق أن خفيف الرّمل لمالك. البوّ: جلد يحشى تبنا ويجفّف لكيلا تحبث رائحته، ويدنى إلى الناقة التي قد نحر فصيلها أو مات لتشمّه فتدرّ عليه.
/ ومنها:
صوت
قل للمنازل بالظّهران قد حانا ... أن تنطقي فتبيني القول تبيانا
قالت ومن أنت قل لي قلت ذو شغف ... هجت له من دواعي الحبّ [1] أحزانا
الشعر لعمر بن أبي ربيعة. والغناء لابن عائشة خفيف ثقيل أوّل بالوسطى عن الهشاميّ وحبش.
غنى بالموسم فحبس الناس عن المسير
وقال هارون بن محمد بن عبد الملك الزيّات حدّثني عبد الرحمن بن سليمان عن عليّ بن الجهم الشاعر قال حدّثني رجل:
أن ابن عائشة واقفا بالموسم متحيّرا، فمرّ به بعض أصحابه فقال له: ما يقيمك ها هنا؟ فقال: إني أعرف رجلا لو تكلّم لحبس الناس ها هنا فلم يذهب أحد ولم يجي ء؛ فقال له الرجل: ومن ذاك؟ قال أنا، ثم اندفع يغنّي:
جرت سنحا فقلت لها أجيزي ... نوى مشمولة فمتى اللقاء
قال: فحبس الناس، واضطربت المحامل، ومدّت الأبل أعناقها، وكادت الفتنة أن تقع. فأتي به هشام بن عبد الملك، فقال له: يا عدوّ اللّه، أردت أن تفتن الناس! قال: فأمسك عنه وكان تيّاها، فقال له هشام: ارفق بتيهك، فقال: حقّ لمن كانت هذه مقدرته على القلوب أن يكون تيّاها، فضحك منه وخلّى سبيله.
نسبة هذا الصوت الذي غناه ابن عائشة
صوت
جرت سنحا فقلت لها أجيزي ... نوى مشمولة فمتى اللقاء
__________
-
على عبد بن زهرة طو ... ل هذا الليل أكتئب
[1] كذا في أغلب النسخ. وفي أ، م: «الشوق» بدل الحب.
بنفسي من تذكّره سقام ... أعانيه ومطلبه عناء
السانح: ما أقبل من شمالك يريد يمينك، والبارح ضدّه. وقال أبو عبيدة: سمعت يونس بن حبيب يسأل رؤبة عن السانح والبارح، فقال: السانح: ما ولّاك ميامنه، والبارح: ما ولّاك مشائمه. وقوله: أجيزي أي انفذي. قال الأصمعيّ: يقال: أجزت الوادي إذا قطعته وخلّفته، وجزته أي سرت فيه فتجاوزته، وجاوزته مثله. قال أوس بن مغراء:
ولا يريمون في التعريف موقفهم ... حتى يقال أجيزوا آل صوفانا [1]
ومشمولة: سريعة [2] الانكشاف. أخذه من السحابة المشمولة، وهي التي تصيبها الشّمال فتكشفها، ومن شأن الشمال أن تقطع السحاب، واستعارها ها هنا في النّوى لسرعة انكشافهم فيها عن بلدهم، وأجرى ذلك مجرى الذمّ للسانح لأنه يتشاءم به. البيت الأوّل من الشعر لزهير بن أبي سلمى، والثاني محدث ألحقه المغنّون به لا أعرف قائله. والغناء لابن عائشة، ولحنه خفيف ثقيل أوّل بالبنصر.
غنى الوليد بحضرة معبد ومالك فطرب الوليد من غنائه
أخبرني إسماعيل بن يونس قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثنا إسحاق وأخبرني به محمد [3] بن مزيد والحسين بن يحيى قالا حدّثنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه عن الهيثم بن عديّ عن حمّاد الرواية قال:
/ كتب الوليد بن يزيد إلى يوسف بن عمر: أما بعد، فإذا قرأت كتابي هذا فسرّح إليّ حمّادا الرواية على ما أحبّ من دوابّ البريد، وأعطه عشرة آلاف درهم يتهيّأ بها. قال: فأتاه الكتاب وأنا عنده فنبذه إليّ، فقلت:
السمع والطاعة، فقال: يا دكين، مر شجرة يعطيه عشرة آلاف درهم، فأخذتها. فلما كان اليوم الذي أردت الخروج فيه أتيت يوسف بن عمر، فقال: يا حمّاد، أنا بالموضع الذي قد عرفته من أمير المؤمنين، ولست مستغنيا عن ثنائك؛ فقلت: أصلح اللّه الأمير «إن العوان [4] لا تعلّم الخمرة» وسيبلغك قولي وثنائي. فخرجت حتى انتهيت إلى الوليد وهو بالبخراء [5]، فاستأذنت عليه فأذن لي، فإذا هو على سرير ممهّد، وعليه ثوبان أصفران: إزار ورداء يقيئان الزّعفران قيئا، وإذا عنده معبد ومالك بن أبي السّمح وأبو كامل مولاه، فتركني حتى سكن جأشي، ثم قال أنشدني:
أمن المنون وريبها تتوجّع
فأنشدته حتى أتيت على آخرها؛ فقال لساقيه: يا سبرة اسقه، فسقاني ثلاثة أكؤس خثّرن [6] ما بين الذّؤابة والنعل. ثم قال يا مالك، غنّني:
__________
[1] كذا في أغلب النسخ و «اللسان» مادة ريم. وفي ب س: «صفوان» بغير ألف الاطلاق.
[2] فسره في «اللسان» في مادة سنح وشمل بأنه أخذ بها ذات الشمال.
[3] كذا في أ، م. وفي باقي النسخ: «محمد بن جرير» والمؤلف يروي عن محمد بن جرير كما يروي عن محمد بن مزيد، ولكن النسخ، اتفقت فيما سيأتي على ذكر هذا الذي يروي عنه المؤلف وعن الحسين بن يحيى عن حماد باسم محمد بن مزيد.
[4] العوان من النساء: التي قد كان لها زوج، وقيل هي النصف في سنها أو هي الثيب. والخمرة: الهيئة من الاختمار أي لبس الخمار.
وهذا مثل يضرب للمجرّب الذي يعرف أمره ولا يحتاج إلى أن يعلم كيف يفعل.
[5] هي أرض بالشأم كما في «معجم ما استعجم» للبكريّ. وقال ياقوت في «معجم البلدان»: هي ماءة منتنة على ميلين من القليعة في طرف الحجاز، وذكر قصة يستفاد منها أن الوليد بن يزيد قتل وهو نازل بالبخراء.
[6] خثرن: جعلنه خاثرا فاترا منكسرا.
ألا هل هاجك الأظعا ... ن إذ جاوزن مطّلحا
ففعل. ثم قال له: غنّي:
جلا أميّة عنّي كلّ مظلمة ... سهل الحجاب وأوفى بالذي وعدا
/ ففعل. ثم قال له: غنّني
أ تنسى [1] إذ تودّعنا سليمى ... بفرع بشامة [2] سقي البشام
/ ففعل. ثم قال [3]: يا سبرة، أو يا أبا سبرة، اسقني بزبّ فرعون؛ فأتاه بقدح معوجّ فسقاه به عشرين، ثم أتاه الحاجب فقال: أصلح اللّه أمير المؤمنين، الرجل الذي طلبت بالباب؛ قال: أدخله، فدخل شابّ لم أر شابّا أحسن وجها منه، في رجله بعض الفدع [4]، فقال: يا سبرة اسقه، فسقاه كأسا؛ ثم قال له: غنّني:
وهي إذ ذاك عليها مئزر ... ولها بيت جوار من لعب
فغنّاه؛ فنبذ إليه الثوبين. ثم قال له: غنّني:
طاف الخيال فمرحبا ... ألفا برؤية زينبا
فغضب معبد وقال: يا أمير المؤمنين، إنا مقبلون عليك بأقدارنا وأسناننا، وإنك تركتنا بمزجر الكلب، وأقبلت على هذا الصبيّ! فقال: واللّه يا أبا عبّاد، ما جهلت قدرك ولا سنّك، ولكنّ هذا الغلام طرحني في مثل الطّناجير [5] من حرارة غنائه. قال حمّاد الرواية: فسألت عن الغلام فقيل لي هو ابن عائشة.
نسبة ما في هذا الخبر من الأغاني
صوت
جلا أميّة عنّي كل مظلمة ... سهل الحجاب وأوفى بالذي وعدا
إذا حللت بأرض لا أراك بها ... ضاقت عليّ ولم أعرف بها أحدا
الغناء لابن عبّاد الكاتب خفيف ثقيل بإطلاق الوتر في مجرى البنصر عن إسحاق. وذكر عمرو بن بانة أنه لعمر الواديّ. وذكر حبش أن فيه لمالك لحنا من خفيف الثقيل الأوّل بالوسطى.
ومنها:
__________
[1] هكذا في الأصول و «الديوان»، وفي «اللسان»: «أتذكر يوم تصقل عارضيها» وأورد صاحب «اللسان» لهذا الصدر رواية أخرى نسبها للتهذيب وهي «أتذكر إذ تودّعنا سليمى».
[2] بشامة: واحدة البشام، وهو شجر طيب الريح والطعم يستاك به، والمعنى أنها أشارت بسواكها تودّعه ولم تتكلم خيفة الرقباء.
[3] كذا في ح، م. وفي سائر النسخ: «ثم قال له يا سبرة» ولا موقع لكلمة «له» في الكلام.
[4] الفدع: عوج وميل في المفاصل خلقة أو داء، وأكثر ما يكون في الرسغ من اليد والقدم.
[5] الطناجير: جمع طنجير، والطنجير ذكره صاحب «القاموس» ولم يبين معناه، وإنما قال: إنه معرّب فارسيته باتيله، ويؤخذ من كلام شارحه أنه يقال على القدر من النحاس حيث قال: والطنجير كناية عن الجبان واللئيم، هكذا تستعمله العرب في زماننا وكأنهم يعنون به الحضري الملازم أكله في قدور النحاس وصحونه. وفي أقرب الموارد: والطنجرة: قدر من نحاس دخيلة والطنجير وعاء يعمل فيه الخبيص، معرّب. وفي ح: «الطياجين» جمع طيجن وهو الطاجن (المقلى) وهو بالفارسية تابه.
صوت
أتنسى إذ تودّعنا سليمى ... بفرع بشامة سقي البشام
متى كان الخيام بذي طلوح [1] ... سقيت الغيث أيتها الخيام
أتمضون [2] الخيام ولم نسلّم [3] ... كلامكم عليّ إذا حرام
/ بنفسي من تجنّبه عزيز ... عليّ ومن زيارته لمام
ومن أمسي وأصبح لا أراه ... ويطرقني إذا رقد [4] النّيام
الشعر لجرير. والغناء لابن سريج، وله في هذه الأبيات ثلاثة ألحان: أحدها في الأوّل والرابع ثقيل أوّل بالخنصر في مجرى البنصر عن إسحاق. والآخر في الثاني ثم الأوّل ثاني ثقيل بالبنصر عن عمرو، والآخر في الثالث وما بعده رمل بالبنصر عن الهشاميّ وحبش. وللدّلال في الثاني والثالث ثاني ثقيل بالسّبّابة في مجرى الوسطى عن إسحاق والمكّيّ. وللغريض في الأوّل والثاني والثالث خفيف رمل بالبنصر عن عمرو. وفيها لمالك ثقيل أوّل بالبنصر عن الهشاميّ. ولابن جامع في الأوّل والثاني والرابع والخامس هزج عن الهشاميّ. وفيها لابن جندب خفيف ثقيل بالبنصر.
ومنها الصوت الذي أوّله في الخبر:
وهي إذ ذاك عليها مئزر
وأوّله:
صوت
عهدتني ناشئا ذا غرّة ... رجل [5] الجمّة ذا بطن أقب [6]
__________
[1] ذو طلوح: موضع بين اليمامة ومكة كما في «القاموس» وشرحه». وقال ياقوت في «معجمه»: هو اسم موضع للضباب اليوم في شاكلة حمى ضريّة وهو في حزن بني يربوع بين الكوفة وفيد، ثم أنشد بيت جرير هذا.
[2] كذا في الأصول، وجاء هذا البيت في «ديوان جرير» الذي هو رواية محمد بن حبيب تابعا لبيت قبله والبيتان هكذا:
أقول لصحبتي لما ارتحلنا ... ودمع العين منهمر سجام
أ تمضون الرسوم ولا تحيا ... كلامكم عليّ إذا حرام
وجاء في التعليق على هذا البيت من النسخة المخطوطة المحفوظة بدار الكتب تحت رقم أأدب ش، أي تتركون يقال: مضيت فلانا إذا جاوزته ولم تسلم عليه وكذلك مضيت المنزل أه. ولم نجد هذا المعنى في «كتب اللغة» التي بين أيدينا. وجاء هذا الشطر في بعض «كتب الشواهد» من علم النحو هكذا: «تمرون الديار ولم تعوجوا» ونقل المبرد عن عمارة بن بلال بن جرير أنه قال: إنما قال جدّي: مررتم بالديار ولم تعوجوا» انظر «شرح الشواهد» للعينيّ الموجود بهامش «خزانة الأدب» ج 2 ص 560 طبع بولاق سنة 1299 ه.
[3] كذا في أغلب النسخ وفي ح: «تسلم».
[4] في ح و «ديوان جرير»: «هجع».
[5] رجل الجمة، أي أنّ جمته ما بين السبوطة والجعودة. والجمة: شعر الرأس الساقط على المنكبين. وفي صفته صلى اللّه عليه وآله وسلّم: كان شعره رجلا. أي لم يكن شديد الجعودة ولا شديد السبوطة بل بينهما.
[6] أقب: ضامر.
أتبع الولدان [1] أرخي مئزري ... إبن عشر ذا قريط من ذهب
وهي إذ ذاك عليها مئزر ... ولها بيت جوار من لعب
/ الشعر لامرىء القيس، ويقال: إنه أوّل شعر شبّب فيه بالنساء. والغناء لابن عائشة ثاني ثقيل بالبنصر عن الهشاميّ ودنانير [2] وحمّاد بن إسحاق. وفيه خفيف ثقيل بالبنصر ذكر حمّاد في أخبار جميلة أنه لها، وذكر حبش والهشاميّ أنه لابن سريج، وقيل: إنه لغيرهما.
ومنها:
صوت
ألا هل هاجك الأظعان إذ جاوزن مطّلحا [3]
نعم ولو شك بينهم ... جرى لك طائر سنحا
أخذن [4] الماء من ركك ... وضوء الفجر قد وضحا
يقلن [5] مقيلنا قرن ... نباكر ماءه صبحا
تبعتهم بطرف العين حتى قيل لي افتضحا
يودّع بعضنا بعضا ... وكلّ بالهوى جرحا
فمن يفرح ببينهم ... فغيري إذ غدوا فرحا
الشعر ترويه الرواة جميعا لعمر بن أبي ربيعة سوى الزّبير بن بكّار فإنه رواه عن عمه وأهله لجعفر بن الزّبير بن العوّام، وقد ذكر خبره في هذا [6] مع أخباره المذكورة في آخر الكتاب. ورواه الزّبير
إذ جاوزن من طلحا
وقال: ليس/ على وجه الأرض موضع يقال له: مطّلح. والغناء لمالك وله فيه لحنان: ثقيل أوّل بالبنصر [7] عن إسحاق، وخفيف ثقيل بالوسطى عن عمرو. وفيه لمعبد ثقيل أوّل بالخنصر في مجرى الوسطى عن إسحاق.
وفيه لابن سريج في الخامس - وهو تبعتهم بطرف العين إلى آخر الأبيات - ثقيل أوّل مطلق في مجرى البنصر عن إسحاق. وفيها للغريض ثاني ثقيل بالوسطى عن الهشاميّ، قال: وهو الذي فيه استهلال. وذكر ابن المكيّ أن الثقيل الثاني لمالك، وخفيف العقيل للغريض.
__________
[1] الولدان (بكسر الواو): جمع وليد وهو الغلام والجارية إذا استوصفا قبل أن يحطا.
[2] كذا فيء، ح. ودنانير معروفة برواية الغناء، وقد ذكرت في مواضع كثيرة من «الأغاني»، وترى أخبارها في «الأغاني» ج 16 طبع بولاق. وفي باقي النسخ: «دمانة» ولم نقف في رواة «الأغاني» أو المغنيات على من تسمى بهذا الاسم.
[3] تقدّمت هذه الأبيات مع التعليق على بعض كلماتها في ج 1 ص 311 - 312 من «الأغاني» طبع دار الكتب المصرية.
[4] كذا وردت هذه الكلمة في جميع الأصول هنا ووردت باتفاق الأصول في الجزء الأوّل من «الأغاني»، «أجزن» بالجيم والزاي.
[5] في الجزء الأوّل من «الأغاني»: «فقلن» بالفاء.
[6] كذا في ط. وفي باقي الأصول: «و قد ذكر خبره في هذا الكتاب» ويظهر أنها من زيادة النساخ.
[7] في ح: «بالخنصر».
ومنها:
صوت
طرق الخيال فمرحبا ... ألفا برؤية زينبا
أنّى اهتديت لفتية ... سلكوا السّليل [1] فعليبا [2]
طرب أبي جعفر الناسك لغناء ابن عائشة
أخبرني إسماعيل بن يونس قال حدّثنا عمر بن شبّة عن محمد بن سلّام قال حدّثني جرير قال:
أخذ بعض ولاة المدينة المغنّين والمخنّثين والسّفهاء بلزوم مسجد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم، وكان في المسجد رجل ناسك يكنى أبا جعفر مولى لابن عيّاش بن أبي ربيعة المخزوميّ يقرىء الناس القرآن، وكان ابن عائشة يلازمه، فخلا لابن عائشة يوما الموضع مع أبي جعفر فقرأ له فطرّب ورجّع، فسمع الشيخ صوتا/ لم يسمع مثله قطّ، فقال له:
يا بن أخي، أفسدت نفسك وضيّعتها، فلو أنك لزمت المسجد وتعلّمت القرآن لأقمت [3] للناس في مسجد/ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم في شهر رمضان، ولأصبت بذلك من الولاة خيرا، فو اللّه ما دخل أذني قطّ صوت أحسن من صوتك؛ فقال ابن عائشة: فكيف لو سمعت يا أبا جعفر صوتي في الأمر الذي صنع [4] له! قال وما هو؟ قال: انطلق معي حتى أسمعكه، فخرج معه إلى ميضأة [5] ببقيع [6] الغرقد عند دار المغيرة بن شعبة، وكان أبو جعفر يتوضأ عندها كلّ يوم، فاندفع ابن عائشة يغنّي:
ألآن أبصرت الهدى ... وعلا المشيب مفارقي
فبلغ ذلك من الشيخ كل مبلغ، وقال: يابن أخي، هذا حسن وأنا أشتهي أن أسمعه، ولكن لا أطلبه ولا أمشي إليه؛ قال ابن عائشة: فعليّ أن أسمعكه؛ فكان يرصده، فإذا خرج أبو جعفر يتوضأ خرج ابن عائشة في أثره حتى يقف خلف جدا الميضأة بحيث غناءه، فيغنّيه أصواتا حتى يفرغ أبو جعفر من وضوئه. فلم يزل يفعل ذلك حتى أطلقوا من لزوم المسجد.
__________
[1] السليل: اسم لواد بعينه، كما نقله ياقوت عن العمرانيّ. وذكر صاحب «القاموس» للسليل معاني منها أنه واد واسع غامض ينبت السلم.
[2] عليب (بضم أوّله وإسكان ثانيه، هكذا ذكره سيبويه. وحكى فيه غيره عليب بكسر أوّله): واد لهذيل بتهامة، وقيل: قرية بين مكة وتبالة. قال الزمخشريّ فيما حكاه عنه العمرانيّ: أظن أن قوما كانوا في هذا الموضع نزولا، فقال بعضهم لأبيه: عل يا أب، فسمى به المكان. وقال المرزوقيّ: كأنه فعيل من العلب وهو الأثر، والوادي لا يخلو من انخفاض وحزن. (انظر «معجم ما استعجم» للبكريّ و «معجم ياقوت» في اسم عليب).
[3] كذا في أ، م، ء. وفي ح: «لأممت الناس». وفي ب، س: «لأممت للناس» وكلاهما تحريف.
[4] في ح: «صيغ له».
[5] الميضأة (القصر وقد تمد): مطهرة كبيرة يتوضأ منها، وميمها زائدة والعامة تقول ميضة (انظر «شفاء الغليل» للخفاجي).
[6] بقيع الغرقد: مقبرة أهل المدينة المنوّرة.
نسبة هذا الصوت
صوت
طرق الخيال المعتري ... وهنا فؤاد العاشق
طيف ألمّ فهاجني ... للبين أمّ مساحق
ألآن أبصرت الهدى ... وعلا المشيب مفارقي
/ وتركت أمر غوايتي ... وسلكت قصد طرائقي
ولقد رضيت بعيشنا ... إذ نحن بين حدائق
وركائب تهوي بنا ... بين الدّروب فدابق [1]
الشعر للوليد بن يزيد، ويقال: إنه لابن رهيمة. والغناء لابن عائشة رمل بالبنصر عن عمرو، وذكره يونس أيضا له في كتابه. وفيه لأبي زكّار الأعمى خفيف رمل بالوسطى عن عمرو والهشاميّ. وذكر ابن خرداذبه [2] أنه لأبي زكّار الأعمى وهو قديم، وأنه وجد ذلك في كتاب يونس. وفيه لحكم الوادي لحن في كتاب يونس غير مجنّس، ولا أدري أيّها هو. وفي هذه الأبيات خفيف ثقيل متنازع فيه نسب إلى معبد وإلى مالك، ولم أجده لهما عن ثقة، وأظنّه لحن حكم.
أكرهه الحسن بن الحسن على الخروج معه إلى البغيبغة ليغنيه
أخبرني محمد بن مزيد بن أبي الأزهر البوشنجي والحسين [3] بن يحيى الأعور المرداسيّ قالا حدّثنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه عن محمد بن سلّام عن أبيه قال:
كان الحسن بن الحسن مكرما لابن عائشة محبّا له، وكان ابن عائشة منقطعا إليه، وكان من أتيه خلق اللّه وأشدّه [4] ذهابا بنفسه، فسأله الحسن أن يخرج معه إلى البغيبغة [5] /فامتنع ابن عائشة من ذلك؛ فأقسم عليه فأبى؛ فدعا بغلمان له حبشان وقال: نفيت من أبي لئن لم تسر معي طائعا لتسيرنّ كارها، ونفيت من أبي لئن
__________
[1] كذا في أ، ء. وفي ب، س: «فدائق» بالهمزة بدل الباء وهو تحريف. ودابق بكسر الباء - ويروى بفتحها - : قرية على أربعة فراسخ من حلب بها قبة سليمان بن عبد الملك بن مروان، وقد كان سليمان عسكر بها وعزم ألا يرجع حتى يفتح القسطنطينية أو تؤدي الجزية، فمات ودفن بها.
[2] انظر حاشية 4 ص 36 ج 1 من هذا الكتاب طبع دار الكتب المصرية فقد ورد هناك ضبط شارح «القاموس» له بكسر الذال وسكون الياء المثناة التحتية وآخره هاء.
[3] في ط: «الحسن».
[4] وحد الضمير ذهابا إلى المعنى. وفي «اللسان» مادة حنا: روى أبو هريرة أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم قال: «خير نساء ركبن الإبل خيار نساء قريش أحناه على ولد في صغره وأرعاه على زوج في ذات يده» قال ابن الأثير وإنما وحد الضمير ذهابا إلى المعنى وتقديره أحنى من وجد أو خلق أو من هناك، ومنه أحسن الناس خلقا وأحسنه وجها يريد أحسنهم، وهو كثير من أفصح الكلام أه.
[5] البغيبغة: ضيعة بالمدينة كانت لآل جعفر ذي الجناحين رضي اللّه عنه، قاله الخليل. ونقل الليث والأزهري أنها عين غزيرة الماء كثيرة النخل لآل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم. كذا في «القاموس» وشرحه» مادة «بغبغ». وذكر المبرد في «الكامل» ص 556 طبع أوروبا أن عليّ بن أبي طالب كرم اللّه وجهه وقف عين أبي نيروز والبغيبغة على فقراء أهل المدينة وابن السبيل، لسنتين من خلافته، وأورد نص ما كتبه الإمام علي في وقف هذين الموضعين.
لم ينفذوا أمري فيك لأقطعنّ أيديهم. فلما رأى ابن عائشة ما ظهر من الحسن علم أنه لا بد من الذهاب، فقال له:
بأبي أنت وأمّي، أنا أمضي معك طائعا لا كارها. فأمر الحسن بإصلاح ما يحتاج إليه وركب، وأمر لابن عائشة ببغلة/ فركبها ومضيا، حتى صارا إلى البغيبغة فنزلا الشّعب [1]، وجاءهم ما أعدّوا فأكلوا؛ ثم أمر الحسن بأمره وقال يا محمد؛ فقال له: لبّيك يا سيدي؛ قال: غنّني؛ فاندفع فغناه:
صوت
يدعو النبيّ بعمّه فيجيبه ... يا خير من يدعو النبيّ جلالا
ذهب الرجال فلا أحسّ رجالا ... وأرى الإقامة بالعراق ضلالا
وأرى المرجّي للعراق وأهله ... ظمآن هاجرة يؤمّل آلا [2]
وطربت إذ ذكر المدينة ذاكر ... يوم الخميس فهاج لي بلبالا [3]
فظللت أنظر في السماء كأنني ... أبغي بناحية السماء هلالا
- الشعر لابن المولى من قصيدة طويلة قالها وقد قدم إلى العراق لبعض أمره فطال مقامه بها واشتاق إلى بلده. وقد ذكر خبره في موضعه [4] من هذا الكتاب. والغناء لابن عائشة ثقيل أوّل بالبنصر عن حمّاد والهشاميّ وحبش. وقال الهشاميّ خاصة: فيه لحن لقراريط - فقال له الحسن: أحسنت واللّه يابن عائشة [5]! فقال ابن عائشة:/ واللّه لا غنّيتك في يومي هذا شيئا؛ فقال الحسن: فو اللّه لا برحت البغيبغة ثلاثة أيام! فاغتمّ ابن عائشة ليمينه وندم وعلم أنّه لا حيلة له إلا المقام، فأقاموا. فلمّا كان اليوم الثاني قال له الحسن:
هات ما عندك فقد برّت يمينك، وكانوا جلوسا على شيء مرتفع، فنظروا إلى ناقة تقدم جماعة إبل، فاندفع ابن عائشة فغنّى:
تمرّ كجندلة المنجني ... ق يرمى بها السور يوم القتال
فماذا تخطرف من قلّة ... ومن حدب وإكام توالي
ومن سيرها العنق المسبطرّ والعجر فيّة بعد الكلال فقال له الحسن: ويلك يا محمد! لقد أحسنت الصنعة؛ فسكت ابن عائشة؛ ثم قال له: غنني، فغنّاه:
إذا ما انتشيت طرحت اللّجا ... م في شدق منجرد [6] سلهب
__________
[1] لم نقف على أن الشعب اسم مكان بعينه بالبغيبغة، ولعل المراد معناه اللغوي وهو مسيل الماء في بطن من الأرض له حرفان مشرفان وعرضه بطحة رجل إذا انبطح.
[2] الآل: السراب، وقيل: الآل من الضحى إلى زوال الشمس. والسراب بعد الزوال إلى صلاة العصر.
[3] البلبال: شدّة الهم.
[4] ترجمة ابن المولى هذا في الجزء الثالث من «الأغاني» طبع بولاق ص 93.
[5] في ط: «أحسنت واللّه بابن عائشة أحسنت».
[6] المنجرد من الجياد: القصير الشعر. والسلهب: الطويل.
يبذّ [1] الجياد بتقريبه [2] ... ويأوي إلى حضر ملهب [3]
كميت كأنّ على متنه ... سبائك من قطع المذهب [4]
كأنّ القرنفل والزنجبيل ... يعلّ على ريقها الأطيب
فقال له الحسن: أحسنت يا محمد، فقال له ابن عائشة: لكنّك، بأبي أنت وأمّي، قد ألجمتني بحجر فما أطيق الكلام. فأقاموا باقي يومهم يتحدّثون؛ فلما كان اليوم الثالث قال الحسن: هذا آخر أيامك يا محمد؛ فقال ابن عائشة: عليه وعليه إن/ غنّاك إلّا صوتا واحدا حتّى تنصرف، وعليه وعليه إن حلفت ألّا أبرّ قسمك ولو في ذهاب روحه! فقال له الحسن: فلك الأمان على محبّتك؛ فاندفع فغناه:
صوت
أنعم اللّه لي بذا الوجه عينا ... وبه مرحبا وأهلا وسهلا
حين قالت لا تذكرنّ حديثي ... يابن عمّي أقسمت قلت أجل لا
لا أخون الصديق في السرّ حتّى ... ينقل البحر بالغرابيل نقلا
قال: ثم انصرف القوم، فما رأى الحسن بن الحسن ابن عائشة بعدها.
نسبة ما لم تمض نسبته في الخبر من هذه الأصوات
منها:
نسبة الغناء في الشعر الذي غنى به ابن عائشة ذلك اليوم
صوت
تمرّ كجندلة المنجنيق يرمى بها السور يوم القتال
فماذا تخطرف من قلّة ... ومن حدب وإكام توالي
ومن سيرها العنق المسبطرّ والعجر فيّة بعد الكلال
ألا يا لقوم لطيف الخيا ... ل أرّق من نازح ذي دلال
يثنّي التحيّة بعد السلا ... م ثمّ يفدّي بعمّ وخال
خيال لسلمى فقد عاد لي ... بنكس من الحبّ بعد اندمال
أما الذي قاله الشاعر في هذا الشعر فإنّه قال: يمر بالياء لأنه وصف به حمارا وحشيّا، ولكنّ المغنّين جميعا
__________
[1] يبذ: يغلب ويسبق.
[2] التقريب: أن يرفع الفرس يديه معا ويضعهما معا. ويقال: قرّب الفرس تقريبا إذا عدا عدوا دون الإسراع.
[3] الحضر (بالضم وحرك هنا للضرورة): العدو. وملهب: مثير للهب لشدّته. واللهب: الغبار الساطع كالدخان المرتفع من النار.
[4] المذهب: كل ما طلي بالذهب. ويستعمل المذهب وصفا للفرس، فيقال: كميت مذهب، أي تعلو حمرته صفرة.
يغنّونه بالتاء على لفظ المؤنث، وقد وصف في هذه القصيدة الناقة ولم يذكر من صفتها إلّا قوله:
ومن سيرها العنق المسبطرّ
/ ولكنّ المغنّين أخذوا من صفة العير شيئا ومن صفة الناقة شيئا فخلطوها وغنّوا فيهما. وقوله:
فماذا تخطرف من قلّة
يعني أنّه يمرّ بالموضع المرتفع فيطفره [1]. وروى الأصمعيّ:
فماذا تخطرف من حالق ... ومن قلّة وحجاب وجال
فالحالق: ما أشرف. والحجاب: ما حجب عنك ما بين يديك من الأرض.
والجال: حرف [2] الشيء، يقال له: جال وجول. والعنق المسبطرّ: المسترسل السهل.
والعجرفيّة: التعسف والإسراع. يقول: أذا كلّت وتعبت تعجرفت في السير من بقيّة نفسها وشدّتها. وروى الأصمعيّ فيها:
خيال لجعدة قد هاج لي ... نكاسا من الحبّ بعد اندمال
يقال: نكس ونكاس بمعنى واحد وهو عود المرض بعد الصحة. والاندمال: الإفاقة من العلّة، واندمال الجرح: برؤه. فأمّا الأبيات التي يصف فيها الناقة فقوله:
فسلّ الهموم بعيرانة [3] ... مواشكة [4] الرّجع بعد انتقال
/ ذمول [5] تزفّ زفيف الظّلي ... م شمّر [6] بالنّعف وسط الرّئال [7]
وترمدّ [8] هملجة [9] زعزعا [10] ... كما انخرط الحبل فوق المحال [11]
__________
[1] كذا في ح و «يطفره»: يثبه، يقال: طفر الحائط أي وثبه إلى ما وراءه. وفي سائر الأصول «فيظفره» بالظاء المعجمة وهو تحريف.
[2] كذا في ح وهو الموافق لما في «كتب اللغة و «شرح أشعار الهذليين» لأبي سعيد السكريّ طبع أوروبا (ص 195) من أن جال الشي ء: جانبه وحرفه، وهو المراد هنا، وفي سائر الأصول: «جوف» ولعله محرف عن جرف وهو ما أكلته السيول أو جانب النهر الذي يسقط كل ساعة جزء منه.
[3] العيرانة: الناقة الناجية في نشاط.
[4] مواشكة الرجع: سريعته، والرجع: ردّ يديها في السير. وقوله: بعد انتقال، رواية في البيت وقد اجتمعت عليها جميع النسخ. وفي «أشعار الهذليين» «بعد النقال» وقال شارحها: النقال والمناقلة: ضرب من السير. (انظر «شرح أشعار الهذليين» ص 183 طبع أوروبا).
[5] الذمول: وصف للناقة، من الذميل وهو ضرب من سير الإبل، قيل: هو السير اللين، وقيل: هو فوق العنق. قال أبو عبيد: إذا ارتقع السير عن العنق قليلا فهو التزيد، فإذا ارتفع عن ذلك فهو الذميل ثم الرسيم، والزفيف: الإسراع ومقاربة الخطو.
[6] شمر: جدّ مسرعا، والنعف: ما انحدر من حزونة الجبل وارتفع عن منحدر الوادي.
[7] كذا في أغلب النسخ و «شرح أشعار الهذليين» لأبي سعيد السكريّ طبع أوروبا. والرئال: جمع رأل وهو ولد النعام. وفي ب، س:
«الربال» بالباء الموحدة وهو تحريف.
[8] ترمّد: تسرع في العدو، يقال: ارمدّ إذا مضى على وجهه وأسرع.
[9] الهملجة كالهملاج: حسن سير الدابة في سرعة.
[10] زعزعا: شديدا، يقال سير زعزع أي شديد.
[11] المحال والمحالة: البكرة العظيمة التي يستقي عليها، وإنما سميت محالة لأنها تدور فتنقل من حالة إلى حالة.
ومن سيرها العنق المسبطرّ ... والعجرفيّة بعد الكلال
كأنّي ورحلي إذا رعتها [1] ... على جمزى [2] جازىء بالرمال
وأمّا صفة الحمار في هذه القصيدة فقوله فيه وفي الأتن:
فظلّ يسوّف [3] أبو الها ... ويوفي [4] زيازي حدب التّلال [5]
فطاف بتعشيره [6] وانتحى ... جوائلها [7] وهو كالمستجال
/ تهادى حوافرها جندلا [8] ... زواهق [9] ضرب قلات بقال [10]
رمى بالجراميز [11] عرض الوجي ... ن [12] وآرمدّ في الجريّ بعد انفتال [13]
بشأو [14] له كضريم الحري ... ق أو شقّة [15] البرق في عرض خال [16]
يمرّ كجندلة المنجني ... ق يرمى بها السور يوم القتال
فماذا تخطرف من حالق ... ومن حدب وحجاب وجال
الشعر لأمية بن أبي عائذ الهذليّ. والغناء لابن عائشة. ولحن ابن عائشة مشكوك فيه: أيّ الألحان المصنوعة في هذا الشعر هو، فيقال: إنّه خفيف الرمل، ويقال: إنّه هو الثقيل [17] الأوّل، ويقال: إنه الرمل. فأمّا خفيف الرمل
__________
[1] كذا في ب س و «أشعار الهذليين». ورعتها: ذعرتها. وفي م، ح: زعتها بالزاي المعجمة وهي رواية حكيت في شرح «أشعار الهذليين» عن الجمحي. وزعتها: حثثتها، يقال: زاع ناقته بالزمام يزوعها زوعا إذا هيجها وحركها بزمامها لتزداد في سيرها:
[2] جمزي: وثاب سريع، وهو وصف لحمار وحش شبه به ناقته. وجازى ء: مكتف بالرطب عن الماء.
[3] يسوّف: يشم، ولم نجد فيما بين أيدينا من «كتب اللغة «كاللسان وتاج العروس» «سوّف» مضعفا بمعنى شم، وإنما الموجود «ساف واستاف وساوف».
[4] يوفي: يشرف ويعلو، وعير ميفاء على الآكام إذا كان من عادته أن يوفى عليها ويعلوها:
[5] زيازي: جمع زيزاءة وهي الأرض الغليظة. وحدب التلال: صعابها، جمع حدباء وهي الصعبة.
[6] رواية «أشعار الهذليين»: «فصاح بتعشيره» وأشار شارحها إلى الرواية التي هنا. والتعشير: النهيق يقال: عشر الحمار إذا تابع النهيق عشر نهقات، فهو معشر، ثم قيل للنهيق: تعشير. وانتحى: اعتمد وقصد.
[7] فسره أبو سعيد السكري في شرحه على شعر «أشعار الهذليين» المطبوع بأوروبا بقوله: وانتحى أي اعتمد جوائلها أي ما جال منها حين حمل كالمستجال المستخف استجاله شيء فجال؛ ثم قال: والمستجال كأنما أصاب فرعا فاستجال.
[8] معنى تهادى الحوافر الجندل: أن تقذفه هذه إلى هذه أي ترمي به اليد إلى الرجل والرجل إلى اليد.
[9] زواهق: سابقات متقدّمان.
[10] تشبيه بحال لعبة من ألعاب العرب؛ والقلات: جمع قلة وهي الخشبة الصغيرة التي تنصب وقدرها ذراع، وهذه الخشبة تضرب بعود كبير يقال له: القال والمقلى.
[11] جراميز الوحش: قوائمه وجسده.
[12] الوجين: الغليظ من الأرض.
[13] كذا في ح، م؛ وفي سائر النسخ و «أشعار الهذليين» لأبي سعيد السكريّ طبع أوروبا «انتقال» وقد نبه أبو سعيد السكريّ في شرحه هذه الأشعار على الرواية التي اخترناها هنا وبين هذا البيت والذي قبله جملة أبيات تراجع في «الديوان».
[14] الشأو: الشوط.
[15] شقة البرق: لمح منه.
[16] الخال: السحاب المتهيء للمطر.
[17] كذا في ط. وفي سائر النسخ: «و يقال إنه هو الثقيل الأوّل».
فهو بالخنصر في مجرى الوسطى، وذكره إسحاق في موضع فتوقّف عنه ولم ينسبه، ونسبه في موضع آخر إلى ابن أبي يزن المكيّ. ونسبه عمرو بن بانة إلى معبد وقال: فيه خفيف رمل آخر لمالك. وذكره يونس في أغاني ابن أبي يزن المكيّ ونسبه ولم يجنّسه. وذكر ابن خرداذبه [1] والهشاميّ أنّ فيه لهشام بن المريّة لحنا من الثقيل الأوّل، ورأيت ذلك أيضا في بعض الكتب بخطّ عليّ بن يحيى المنجم كما ذكرا. وذكر إسحاق أنّ الرمل مطلق في مجرى الوسطى وأنّه لابن عائشة. وذكر أحمد بن المكيّ أنّه لأبيه، وذكر غيره/ أنّه غلط وأنّ لحن أبيه هو الثقيل الأوّل والرمل لابن عائشة. وقال حبش: فيه لابن سريج هزج خفيف بالوسطى.
ومنها، - وقد مضى تفسيره في الخبر واقتصر [2] على البيت الأوّل منه - :
صوت
إذا انتشيت طرحت اللّجا ... م في شدق منجرد سلهب
الشعر للنّابغة الجعديّ. والغناء لابن عائشة: خفيف ثقيل بالوسطى عن الهشاميّ وحمّاد.
ومنها الصوت الذي أوّله:
أنعم اللّه لي بذا الوجه عينا
وقد جمع مع سائر ما يغنّى فيه من القصيدة، وهو:
أثل [3] جودي على المتيّم أثلا ... لا تزيدي فؤاده أثل خبلا
أثل إنّي والراقصات [4] بجمع [5] ... يتبارين في الأزمّة فتلا [6]
سابحات يقطعن من عرفات ... بين أيدي المطيّ حزنا وسهلا
والأكفّ المطهّرات على الرّك ... ن لشعث [7] سعوا إلى البيت رجلا [8]
لا أخون الصديق في السرّ حتّى ... ينقل البحر بالغرابيل نقلا
أو تمور الجبال مور سحاب ... مرتق قد وعى من الماء ثقلا
/ أنعم اللّه لي بذا الوجه عينا ... وبه مرحبا وأهلا وسهلا
حين قالت لا تفشينّ حديثي ... يابن عمّي أقسمت قلت أجل لا
فاتقي اللّه واقبلي العذر منّي ... وتجافي عن بعض ما كان زلّا
__________
[1] انظر ما كتبناه عليه قريبا ص 217 حاشية رقم 2.
[2] كذا في ط. وفي باقي النسخ: «فاقتصر».
[3] كذا في نسخة ء وفيما سيأتي في ترجمة الحارث بن خالد المخزومي ص 113 ج 3 من «الأغاني» طبع بولاق. وفي سائر النسخ هنا:
«أيل» بالياء المثناة.
[4] أي المسرعات في سيرها يقال: رقص البعير يرقص رقصا إذا أسرع في سيره.
[5] يعني بجمع المزدلفة، وسميت المزدلفة بذلك لاجتماع الناس فيها.
[6] الفتل جمع فتلاء وهي الناقة التي في ذراعيها فتل وهو اندماج في مرفق الناقة.
[7] شعث: جمع أشعث وهو متلبّد الشعر مغبّره.
[8] رجلا: اسم جمع لراجل وهو خلاف الراكب.
إن [1]
أكن سؤتكم به فلك العت ... بى لدينا وحقّ ذاك وقلّا
لم أرحّب بأن سخطت ولكن ... مرحبا أن رضيت عنّا وأهلا
إنّ شخصا رأيته ليلة البد ... ر عليه ابتنى الجمال وحلّا
جعل اللّه كلّ أنثى فداء ... لك بل خدّها لرجليك نعلا
وجهك الوجه لو سألت به المز ... ن من الحسن والجمال استهلّا
الشعر للحارث بن خالد المخزوميّ. والغناء لمعبد في الأربعة الأبيات الأول: خفيف ثقيل أوّل بالوسطى عن عمرو بن بانة. ولابن هوبر [2] في الأوّل والثاني ثقيل أوّل عن إسحاق. ولابن سريج في الأوّل والثاني والخامس ثقيل أوّل، وآخر بالبنصر أوّله استهلال. وللغريض في الخامس وما بعده إلى التاسع خفيف ثقيل بالوسطى.
ولدحمان في التاسع والثالث عشر والرابع عشر خفيف ثقيل أوّل بالبنصر. ولمالك في التاسع إلى آخر الثاني عشر لحن من كتاب يونس ولم يقع إليّ من يجنّسه. ولابن سريج فيها بعينها رمل بالوسطى عن الهشاميّ. وفيها أيضا للغريض خفيف رمل بالبنصر. ولابن عائشة في السابع والثامن لحن ذكره حمّاد عن أبيه ولم يجنّسه.
غنى الوليد بن يزيد فطرب وقبل كل أعضائه وخلع عليه ثيابه
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ وإسماعيل بن يونس الشّيعيّ وحبيب بن نصر المهلّبيّ قالوا حدثنا عمر بن شبّة قال حدّثني محمد بن سلّام، وأخبرني محمد بن/ مزيد بن أبي الأزهر والحسين بن يحيى قالا حدّثنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه عن محمد بن سلّام عن أبيه عن شيخ من تنوخ، ولم يقل عمر بن شبّة في خبره: محمد بن سلّام عن أبيه، ورواه عن محمد عن شيخ من تنوخ، قال:
كنت صاحب ستر الوليد بن يزيد، فرأيت ابن عائشة عنده وقد غنّاه:
صوت
إنّي رأيت صبيحة النّفر ... حورا نفين عزيمة الصبر
مثل الكواكب في مطالعها ... بعد العشاء أطفن بالبدر
وخرجت أبغي الأجر محتسبا ... فرجعت موفورا من الوزر
- قال إسحاق في خبره: والشعر لرجل من قريش، والغناء لمالك. هكذا في خبر إسحاق. وما وجدته ذكره لمالك في جامع أغانيه. ووجدته في غناء ابن سريج خفيف رمل بالوسطى عن الهشاميّ - قال: فطرب الوليد حتّى كفر وألحد، وقال: يا غلام، اسقنا بالسماء الرابعة، وكان الغناء يعمل فيه عملا ضلّ عنه من بعده؛ ثم قال: أحسنت واللّه يا أميري! أعد بحقّ عبد شمس، فأعاد؛ ثم قال: أحسنت واللّه يا أميري! أعد بحقّ أميّة، فأعاد؛ ثم قال: أعد
__________
[1] في ط:
ما أكن سؤتكم به فلك العت ... بي وحق ذاك وجلا
[2] كذا في أغلب النسخ. وفي أ، م: «هوير» بالياء المثناة، وقد وردت في الجزء الثالث من «الأغاني» طبع بولاق ص 114 هذه القصيدة وعقبها الغناء فيها على النحو الذي هنا غير أنه ذكر هناك بدل ابن هوبر هذا ابن بيزن (هكذا) ولعله محرف عن ابن تيزن الذي ورد ذكره كثيرا في كتاب «الأغاني». انظر «الأغاني» طبع دار الكتب ج 1 ص 283، 408.
بحق فلان، أعد بحق فلان، حتّى بلغ من الملوك نفسه، فقال: أعد بحياتي؛ فأعاده. قال: فقام إليه فأكبّ عليه فلم يبق عضو من أعضائه إلّا قبّله وأهوى إلى هنه؛ فجعل ابن عائشة يضمّ فخذيه عليه؛ فقال: واللّه العظيم لا تريم حتّى أقبّله، فأبداه له فقبّل رأسه، ثم نزع ثيابه فألقاها عليه، وبقي مجرّدا إلى أن أتوه بمثلها، ووهب له ألف دينار، وحمله على بغلة وقال: اركبها - بأبي أنت - وانصرف، فقد تركتني على مثل المقلى من حرارة غنائك؛ فركبها على بساطه وانصرف.
أمر لمحتاج بمال فأبى إلا سماعه فحكى ذلك للوليد فجعله في ندمائه
وأخبرني إسماعيل بن يونس قال حدثنا عمر بن شبّة قال حدّثني محمد بن الحسن النّخعيّ قال/ حدّثني محمد بن الحارث بن كليب بن زيد الرّبعي قال:
خرج ابن عائشة المدنيّ من عند الوليد بن يزيد وقد غنّاه:
أبعدك معقلا أرجو وحصنا ... قد اعيتني المعاقل والحصون
- وهي أربعة أبيات، هكذا في الخبر، ولم يذكر غير هذا البيت منها - قال فأطربه فأمر له بثلاثين ألف درهم وبمثل كارة [1] القصّار كسوة. فبينا ابن عائشة يسير إذ نظر إليه رجل من أهل وادي القرى كان يشتهي الغناء ويشرب النبيذ، فدنا من غلامه وقال: من هذا الراكب؟ قال: ابن عائشة المغني؛ فدنا منه وقال: جعلت فداءك، أنت ابن عائشة أمّ المؤمنين؟ قال: لا، أنا مولى لقريش وعائشة أمّي وحسبك هذا فلا عليك أن تكثر؛ قال: وما هذا الذي أراه بين يديك من المال والكسوة؟ قال: غنّيت أمير المؤمنين صوتا فأطربته فكفر وترك الصلاة وأمر لي بهذا المال وهذه الكسوة؛ قال: جعلت فداءك، فهل تمنّ عليّ بأن تسمعني ما أسمعته إيّاه؟ فقال له: ويلك! أمثلي يكلّم بمثل هذا في الطريق! قال فما أصنع؟ قال: الحقني بالباب. وحرّك ابن عائشة بغلة شقراء كانت تحته لينقطع عنه؛ فعدا معه حتى وافيا الباب كفرسي رهان، ودخل ابن عائشة فمكث طويلا طمعا في أن يضجر فينصرف، فلم يفعل؛ فلمّا أعياه قال لغلامه: أخله؛ فلما دخل قال له: ويلك! من أين صبّك اللّه عليّ! قال: أنا رجل من أهل وادي القرى أشتهي هذا الغناء؛ فقال له: هل لك فيما هو أنفع لك منه؟ قال: وما ذاك؟ قال: مائتا دينار وعشرة أثواب تتصرف بها إلى أهلك؛ فقال له: جعلت فداءك، واللّه إنّ لي لبنيّة ما في أذنها - علم اللّه - / حلقة من الورق فضلا عن الذهب، وإنّ لي لزوجة ما عليها - يشهد اللّه - قميص. ولو أعطيتني جميع ما أمر لك به أمير المؤمنين على هذه الخلّة [2] والفقر اللذين عرّفتكهما وأضعفت لي ذلك، لكان الصوت أعجب إليّ - وكان ابن عائشة نائها لا يغنّي إلّا لخليفة أو لذي قدر جليل من إخوانه - فتعجّب ابن عائشة منه ورحمه، ودعا بالدّواة [3] وكان يغنّي مرتجلا، فغنّاه الصوت؛ فطرب له طربا شديدا، وجعل يحرّك رأسه حتى ظنّ أن عنقه سينقصف، ثمّ خرج من عنده ولم يرزأه شيئا، وبلغ الخبر الوليد بن يزيد فسأل ابن عائشة عنه، فجعل يغيب عن الحديث. ثم جدّ الوليد به فصدقه عنه، وأمر بطلب الرجل فطلب حتّى أحضر، ووصله صلة سنيّة، وجعله في ندمائه ووكّله بالسّقي، فلم يزل معه حتّى مات.
__________
[1] كارة القصار: الثياب التي يجمعها ويحملها، وسميت كارة لأن القصّار يكوّر الثياب في ثوب واحد ويحملها فيكون بعضها فوق بعض.
[2] الخلة: الحاجة والخصاصة.
[3] كذا في جميع النسخ، ولعلها محرفة عن الأداة: آلة من آلات الغناء، أو لعله دعا بدواة لينقر عليها في توقيعه.
سمع الشعبيّ غناءه فمدحه
أخبرني الحسن بن عليّ الخفّاف قال حدّثنا أحمد بن زهير بن حرب قال حدّثنا محمد بن سلّام قال حدّثني عمر بن أبي خليفة قال:
كان الشّعبي مع أبي في أعلى الدار، فسمعنا تحتنا غناء حسنا، فقال له أبي: هل ترى شيئا؟ قال: لا، فنظرنا فإذا غلام حسن الوجه حديث السنّ يتغنّى:
قالت عبيد تجرّما [1] ... في القول فعل المازح
فما سمعت غناء كان أحسن منه، فإذا هو ابن عائشة، فجعل الشّعبيّ يتعجّب من غنائه، ويقول: يؤتي الحكمة من يشاء.
نسبة هذا الصوت
صوت
قالت عبيد تجرّما ... في القول فعل المازح
أنجز بعمرك وعدنا ... فأظنّ حبّك فاضحي
فأجبتها لو تعلم ... ين بما تجنّ جوانحي
فيما أرى لرحمتني ... من خمل حبّ فادح
ما في البرية لي هوى ... فاسمع مقالة ناصح
أشكو إليه جفاءكم ... إلّا سلام مصافحي
زعم حبش أنّ الغناء لابن عائشة خفيف ثقيل بالبنصر.
حج ولقيه جماعة من قريش فاحتالوا عليه حتى غنى لهم
أخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد عن أبيه قال حدّثني بعض أهل المدينة قال: حدّثني من رأى ابن عائشة حاجّا وقد دعاه فتية من بني هاشم فأجابهم، قال: وكنت فيهم، فلمّا دخلنا جعلوا صدر المجلس لابن عائشة فجلس فتحدّثوا حتّى حضر الطعام؛ فلما طعموا دعا بشراب فشربوا، وكان ابن عائشة إذا سئل أن يغنّي أبى ذلك وغضب، فإذا تحدّث القوم بحديث ومضى فيه شعر قد غنّى فيه ابتدأ هو فغنّاه، فكان من فطن له يفعل ذلك به، فقال رجل منهم: حدّثني اليوم رجل من الأعراب ممّن كان يصاحب جميلا بحديث عجيب؛ فقال القوم: وما هو؟ فقال:
حدّثني أن جميلا بينما هو يحدّثه كما كان يحدّثه إذ أنكره ورأى منه غير ما كان يرى، فثار نافرا، مقشعرّ الشعر، متغيّر اللّون، إلى ناقة له مجتمعة [2] قريبة من الأرض، موثّقة [3] الخلق، فشدّ عليها رحله ثم أتاها بمحلب فيه لبن
__________
[1] أي تجنيا يقال: تجرّم عليه أي ادّعى عليه ذنبا لم يفعله.
[2] أي شديدة قويّة.
[3] كذا في ط، وناقة موثقة الخلق أي محكمة قوية وفي باقي الأصول «مؤنقة» أي معجبة لمن رآها لحسن منظرها. تقول: آنقني الشيء إيناقا أي أعجبني.
فشربته، ثم ثنّى فشربت حتّى/ رويت، ثم قال: اشدد أداة رحلك واشرب واسق جملك، فإني ذاهب بك إلى بعض مذاهبي، ففعلت، فجال [1] في ظهر ناقته وركبت ناقتي، فسرنا بياض يومنا وسواد ليلتنا، ثم أصبحنا فسرنا يومنا لا واللّه ما نزلنا إلا للصلاة؛ فلما كان اليوم الثالث دفعنا إلى نسوة فمال إليهنّ فوجدنا الرجال خلوفا [2]، وإذا قدر لبأ [3] وقد جهدت جوعا وعطشا، فلما رأيت القدر اقتحمت [4] عن بعيري وتركتهم جانبا، ثم أدخلت رأسي في القدر ما يثنيني حرّها حتى رويت، فذهبت أخرج رأسي من القدر فضاقت عليّ وإذا هي على رأسي قلنسوة، فضحكن منّي وغسلن ما أصابني. وأتي جميل بقرى فو اللّه ما التفتّ إليه؛ فبينا هو يحدّثهنّ إذا رواعي الإبل، وقد كان السلطان أحلّ لهم دمه إن وجدوه في بلادهم، وجاء الناس فقلن [5]: ويحك! أنج وتقدّم، فو اللّه ما أكبرهم ذلك الإكبار، فإذا بهم يرمونه، ويطردونه، فإذا غشوه قاتلهم ورمى فيهم، وقام بي جملي، فقال لي:
يسّر لنفسك مركبا خلفي، فأردفني خلفه، لا واللّه ما انكسر ولا انحلّ عن فرصته [6] حتى رجع إلى أهله، وقد سار ستّ ليال وستة أيام وما التفت إلى طعام وقال في ذلك:
إنّ المنازل هيجت أطرابي ... واستعجمت آياتها بجوابي
وهي قصيدة طويلة. وقال أيضا:
وأحسن أيامي وأبهج عيشتي ... إذا هيج بي يوما وهنّ قعود
قال فقال ابن عائشة: أفلا أغنّي لكم ذلك؟ فقلنا: بلى واللّه، فاندفع فغنّاه، فما سمع السامعون شيئا أحسن من ذلك [7]، وبقي أصحابنا يتعجبون من الحديث/ وحسنه والغناء وطيبه؛ فقال له أصحابنا: يا أبا جعفر، إنّا مستأذنوك، فإن أذنت لنا سألناك، وإن كرهت تركناك؛ فقال: سلوا، فقالوا: نحبّ أن تغنّينا في مجلسنا هذا ما نشطت هذا الصوت فقط؛ فقال لهم: نعم ونعمة عين وكرامة، فما زلنا في غاية السرور حتى انقضى المجلس.
نسبة هذا الغناء
صوت
إنّ المنازل هيّجت أطرابي ... واستعجمت آياتها بجوابي
__________
[1] كذا في أ، م، س بالجيم المعجمة، ولعل معناه أنه جاء وذهب على ظهر ناقته ليطمئن عليها ويستقر. وفي سائر النسخ: «فحال» بالحاء المهملة ولم يظهر له معنى.
[2] خلوفا: غائبين عن الحيّ.
[3] اللبأ: أوّل اللبن في النتاج.
[4] أي بادرت بالنزول عنه.
[5] كذا في ح. وفي سائر النسخ: «فقالوا».
[6] كذا في جميع النسخ ولعلها: «قرفصته».
[7] كذا في ط. وفي سائر النسخ: «أحسن من ذلك الغناء» والجملة بعده ترجح الرواية الأولى لأن عجب القوم من الحديث والغناء.
قفر تلوح بذي اللّجين [1] كأنها ... أنضاء [2] وشم [3] أو سطور كثاب
لمّا وقفت بها القلوص تبادرت ... منّي الدموع لفرقة الأحباب
وذكرت عصرا يا بثينة شاقني ... إذ فاتني وذكرت شرخ شبابي [4]
الشعر لجميل. والغناء للهذلي ثاني ثقيل بإطلاق الوتر في مجرى البنصر عن إسحاق.
أخبرني عمّي قال حدّثني عبد اللّه بن أبي سعد قال حدّثني أحمد بن يحيى المكيّ عن أبيه قال حدّثني عمرو [5] بن أبي الكنّات الحكميّ قال حدثني يونس الكاتب قال:
/ كنّا يوما متنزّهين بالعقيق أنا وجماعة من قريش، فبينا نحن على حالنا إذ أقبل ابن عائشة يمشي ومعه غلام من بني ليث وهو متوكّىء على يده، فلما رأى جماعتنا وسمعني أغنّي جاءنا فسلّم وجلس إلينا وتحدّث معنا، وكانت الجماعة تعرف سوء خلقه وغضبه إذا سئل أن يغنّي، فأقبل بعضهم على بعض يتحدّثون بأحاديث كثيّر وجميل وغيرهما من الشعراء، يستجرّون بذلك أن يطرب فيغنّي، فلم يجدوا عنده ما أرادوا، فقلت لهم أنا: لقد حدّثني اليوم بعض الأعراب حديثا يأكل الأحاديث، فإن شئتم حدّثتكم إياه؛ قالوا: هات؛ قلت: حدّثني هذا الرجل أنه مرّ بناحية الرّبذة [6] فإذا صبيان يتغاطسون [7] في غدير، وإذا شابّ جميل منهوك الجسم عليه أثر العلّة، والنحول في جسمه بيّن، وهو جالس ينظر إليهم، فسلّمت عليه فردّ عليّ السلام وقال: من أين وضح [8] الراكب؟ قلت: من الحمى؛ قال: ومتى عهدك به؟ قلت: رائحا؛ قال: وأين كان مبيتك؟ قلت: ببني فلان؛ فقال: أوّه! وألقى بنفسه على ظهره وتنفّس الصّعداء تنفّسا قلت إنه قد خرّق حجاب قلبه؛ ثم أنشأ يقول:
صوت
سقى بلدا أمست سليمى تحلّه ... من المزن ما يروى به ويسيم [9]
__________
[1] لم نقف في «معجم ياقوت» ولا «معجم ما استعجم» للبكريّ ولا في «لسان العرب» ولا «تاج العروس» على أن اللجين أو ذا اللجين اسم موضع.
[2] الأنضاء: جمع نضو وأصله البعير المهزول أو المهزول من جميع الدواب ويطلق على ما بقي من الرسم لقلته وأخذه في الذهاب، كما أطلق على ما بقي من النبات في قول الشاعر:
ترعى أناص من حريز الحمض
فأناض هنا جمع انضاء الذي هو جمع نضو.
[3] كذا في نسخة نص عليها بهامش نسخة أ. وفي جميع النسخ: «رسم» وقد رجحنا الرواية الأولى لما هو مألوف عند العرب من هذه التشبيهات، ومنها قول طرفة:
لخولة أطلال ببرقة ثهمد ... تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد
[4] شرخ الشباب: أوّله ونضارته وقوّته.
[5] كذا في ح و «نهاية الأرب» للنويري ج 4 ص 326 وفيما جاء في ترجمته من كتاب «الأغاني» ج 18 ص 126 طبع بولاق. وفي سائر الأصول هنا: «عمر» بدون واو.
[6] الربذة: قرية على ثلاثة أميال من المدينة وبها قبر أبي ذرّ الغفاريّ رضي اللّه عنه.
[7] في ح: «يتغامسون» ولم نجد هذه الصيغة في «كتب اللغة» والموجود منه المغامسة وهي المفاعلة من غمسه في الماء إذا غطه، وقد فسر صاحب «اللسان» قوله وهما يتغاطسان في الماء فقال أي يتقامسان فيه.
[8] أي من أين بدا وطلع.
[9] يقال: سامت الإبل إذا رعت وأسامها صاحبها، أي أرعاها، ولعله يريد بقوله: «و يسم» أن يكون صالحا للإسامة بما يكون فيه من
وإن لم
أكن من قاطنيه فإنّه ... يحلّ به شخص عليّ كريم
ألّا حبّذا من ليس يعدل قربه ... لديّ وإن شطّ المزار نعيم
ومن لامني فيه حميم وصاحب ... فردّ بغيظ صاحب وحميم
/ ثم سكن كالمغشيّ عليه، فصحت بالصّبية [1]، فأتوا بماء فصببته على وجهه، فأفاق وأنشأ يقول:
إذا الصّبّ الغريب رأى خشوعي ... وأنفاسي تزيّن بالخشوع
ولي عين أضرّ بها التفاتي ... إلى الأجزاع [2] مطلقة الدموع
إلى الخلوات يأنس فيك قلبي ... كما أنس الغريب إلى الجميع
فقلت له: ألا أنزل فأساعدك، أو أكرّ عودي على بدئي إلى الحمى في حاجة إن كانت لك حاجة أو رسالة؟
فقال: جزيت وصحبتك السلامة! امض لطيّتك [3]، فلو أني علمت أنك تغني عنّي شيئا لكنت موضعا للرغبة وحقيقا بإسعاف المسئلة، ولكنّك أدركتني في صبابة من حياتي يسيرة؛ فانصرفت وأنا لا أراه يمسي ليلته إلّا ميّتا، فقال القوم: ما أعجب هذا الحديث! واندفع ابن عائشة فتغنّى في الشعرين جميعا وطرب وشرب بقيّة يومه، ولم يزل يغنّينا إلى أن انصرفنا.
فأما نسبة هذين الصوتين فإنّ في الأوّل منهما لحنا من خفيف الرّمل الثقيل المطلق في مجرى الوسطى، نسبه يحيى المكّيّ إلى معبد، وذكر الهشاميّ أنه منحول. وفي هذا الخبر: أنّ ابن عائشة غنّاه، وهو يغنّي في البيت الأوّل والثاني من الأبيات. وفيه للضّيزنيّ [4] الملقب بنبيكة لحن جيّد من الثقيل [5] الأوّل. وكان نبيكة هذا من حذّاق المغنّين وكبارهم، وقد خدم المعتمد ثم شخص إلى مصر فخدم خمارويه بن أحمد، ثم قدم بغداد في أيام المقتدر، ورأيناه وشاهدناه، وكانت في يده صبابة قويّة من إفضال ابن طولون واستغنى بها حتى مات، وله صنعة جيّدة قد ذكرت ما وقع/ إليّ منها في «المجرّد» [6]. وذكرت ممّا وقع إليّ له في هذا الكتاب لحنا جيّدا في شعر سعد ذلفاء [7]، وهو:
ولمّا وقفنا دون سرحة مالك
في موضعه من أخباره [8].
وأمّا الشعر الثاني الذي ذكرت في هذا الخبر الماضي: أنّ ابن عائشة غنّاه فما رأيت له نسبة في كتاب ولا سمعت فيه صنعة من أحد، ولعله ممّا انطوى عنّي أو لم يشتهر فسقط عن الناس.
__________
- خصب وكلا.
[1] في ط: «بالأصيبية» بالتصغير.
[2] في ب، س، ء، ط: «الأجراع» بالراء بعد الجيم.
[3] أي لوجهتك، يقال: مضى لطيته، أي لوجهه الذي يريده ولنيته التي انتواها.
[4] كذا في أغلب الأصول. وفي ط: «النصيريّ».
[5] كذا في ح، وفي سائر النسخ «ثقيل الأوّل».
[6] اسم كتاب لأبي الفرج الأصبهاني (انظر الكلام على مؤلفاته في التصدير الذي كتبناه في الجزء الأوّل من «الأغاني» طبعة دار الكتب).
[7] كذا في ح. وفي سائر النسخ: «في شعر ذلفاء» بدون كلمة سعد.
[8] لم نعثر في كتاب «الأغاني» على بحث خاص لنبيكة الضيزنيّ أو لسعد ذلفاء.
غنى من قصر ذي خشب ورأى نسوة يمشين فاتجه نحوهن فسقط فمات
أخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد بن إسحاق عن أبيه، وأخبرني به الحسن بن عليّ عن هارون بن محمد بن عبد الملك الزيّات عن حمّاد عن أبيه عن يعقوب بن طلحة اللّيثيّ عن بعض مشايخه من أهل المدينة قال:
أقبل ابن عائشة من الشام حتى نزل قصر ذي خشب [1] ومعه مال وطيب وكسا [2] فشرب فيه، ثم تطرّقوا [3] إلى ظهر القصر فصعدوا، ثم نظر فإذا بنسوة يتمشّين في ناحية الوادي، فقال لأصحابه: هل لكم فيهنّ؟ قالوا:
وكيف لنا بهنّ؟ فنهض فلبس ملاءة [4] مدلوكة، ثم قام على شرفة [5] من شرفات القصر فتغنّى:
وقد قالت لأتراب ... لها زهر تلاقينا
تعالين فقد طاب ... لنا العيش تعالينا
فأقبلن إليه فطرب واستدار حتى سقط من السطح؛ وهذا الخبر يذكر على شرحه في خبر وفاته.
كان يغني بشعر الحطيئة ويقول أنا عاشق له
أخبرني الحسين بن يحيى قال قال حمّاد: قرأت على أبي عن محمد بن سلّام عن جرير أبي الحصين قال:
كان ابن عائشة إذا غنّى في [6] صوت له من شعر الحطيئة وهو:
عفا من سليمى مسحلان فحامره
نظر إلى أعطافه في كلّ رنّة، فسئل يوما - وقد دبّ فيه/ الشراب - عن ذلك، فقال: أنا عاشق لهذا الصوت، وعاشق لحديثه، وعاشق لغريبه، وعاشق لقول الحطيئة، إنّ الغناء رقية من رقى النّيك، ويعجبني فهم الحطيئة بالغناء وليس هو من أهله ولا بصاحب غناء، وكيف لا أعجب به ومحلّه منّي هذا المحلّ! وكان لا يسأله أحد إيّاه إلّا غنّاه، فمن فطن له أكثر سؤاله إيّاه. وكان جرير يقول: إنه أحسن صوت له وأرقّه وأجوده.
وفاة بن عائشة
توفي في خلافة الوليد بن يزيد
وتوفّي ابن عائشة فيما قيل في أيّام هشام بن عبد الملك، وقيل في أيّام الوليد. وما أظنّ الصحيح إلّا أنه توفّي في أيام الوليد، لأنه أقدمه إليه. وذكر من زعم أنّه توفّي في خلافة هشام: أنّه إنّما وفد على الوليد وهو وليّ عهد.
قيل إن الغمر بن يزيد أمره بالغناء فأبى فأمر برميه من السطح فمات
أخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد عن أبيه قال:
__________
[1] ذو خشب: واد على مسيرة ليلة من المدينة في طريق الشأم.
[2] كسا بالضم: جمع كسوة.
[3] تطرقوا: ابتغوا إليه طريقا.
[4] الملاءة: الملحفة، ومدلوكة: مصقولة رقيقة.
[5] كذا في ح والشرفة: ما يبنى على الحائط منفصلا بعضه عن بعض على هيئة معروفة. وفي سائر النسخ «شرافة» بالألف. وهو تحريف.
[6] كذا في ط. وفي باقي الأصول: «من».
ذكر عمران بن هند: أنّ الغمر بن يزيد خرج إلى الشام، فلما نزل قصر ذي خشب شرب على سطحه، فغنى ابن عائشة صوتا طرب له الغمر، فقال: اردده، فأبي، وكان/ لا يردّ [1] صوتا لسوء خلقه، فأمر به، فطرح من أعلى السّطح فمات. ويقال: بل قام من الليل وهو سكران ليبول فسقط من السطح فمات.
حكايات أخرى في سبب وفاته
قال إسحاق فحدثني المدائنيّ قال حدّثني بعض أهل المدينة قال: أقبل ابن عائشة من عند الوليد بن يزيد وقد أجازه وأحسن إليه فجاء بما لم يأت به أحد من عنده، فلمّا قرب من المدينة نزل بذي خشب على أربعة فراسخ من المدينة، وكان واليها إبراهيم بن هشام بن إسماعيل المخزوميّ، ولّاه هشام وهو خاله، وكان في قصر هناك، فقيل له: أصلح اللّه الأمير، هذا ابن عائشة قد أقبل من عند الوليد بن يزيد، فلو سألته أن يقيم عندنا اليوم فيطربنا وينصرف من غد! فدعا به فسأله المقام عنده فأجابه إلى ذلك، فلمّا أخذوا في شربهم أخرج المخزوميّ جواريه، فنظر إلى ابن عائشة وهو يغمز جارية منهنّ، فقال لخادمه: إذا خرج ابن عائشة يريد حاجته فارم به، وكانوا يشربون فوق سطح ليس له إفريز ولا شرفات، وهو يشرف على بستان، فلمّا قام ليبول رمى به الخادم من فوق السطح فمات، فقبره معروف هناك.
أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه وأخبرني به الحسن بن عليّ عن هارون بن محمد بن عبد الملك بن حمّاد بن إسحاق عن أبيه عن يعقوب بن طلحة الليثيّ عن بعض مشايخه من أهل المدينة قال:
أقبل ابن عائشة من الشام حتى نزل بقصر ذي خشب ومعه مال وطيب وكسا، فشرب فيه، ثم تطرّقوا [2] إلى ظهر القصر فصعدوا، ثم نظر فإذا بنسوة يتمشّين في ناحية/ الوادي، فقال لأصحابه: هل لكم فيهن؟
قالوا: وكيف لنا بهنّ؟ فنهض فلبس ملاءة مدلوكة، ثم قام على شرفة من شرف القصر فتغنّى في شعر ابن أذينة:
وقد قالت لأتراب ... لها زهر تلاقينا
تعالين فقد طاب ... لنا العيش تعالينا
فأقبلن إليه؛ وطرب فاستدار فسقط فمات. قال: وقال قوم: بل قدم المدينة فمات بها.
بكى عليه أشعب فأضحك الناس
قال: ولما مات قال أشعب: قد قلت لكم، ولكنّه لا يغني حذر من قدر: زوّجوا ابن عائشة ربيحة الشّمّاسية تخرج لكم بينهما مزامير داود فلم تفعلوا، وجعل يبكي والناس/ يضحكون منه.
__________
[1] كذا في أغلب النسخ وهو المناسب لقوله: «أردده». وفي ب، س، ح «يردد» وهو من الترديد الذي هو كثرة الردّ.
[2] في أ، ء: «تطرفوا» بالفاء ولعله محرف عن تطرقوا أي ابتغوا إليه طريقا. وقد مر في صحيفة 234 شرح 6 وفي سائر النسخ:
«نظروا» ولعله محرف كذلك عنه.
نسبة هذا الصوت الذي غناه ابن عائشة
صوت
[1]
سليمى أزمعت بينا ... فأين تقولها [2] أينا
وقد قالت لأتراب ... لها زهر تلاقينا
تعالين فقد طاب ... لنا العيش تعالينا
وغاب البرم [3] الليل ... ة والعين فلا عينا
فأقبلن إليها مس ... رعات يتهادينا
إلى مثل مهاة الرم ... ل تكسو المجلس الزّينا
إلى خود منعّمة ... حففن بها وفدّينا
تمنّين مناهن ... فكنّا ما تمنّينا
/ الشعر لعروة بن أذنية. والغناء لابن عائشة لحنان أحدهما رمل مطلق في مجرى الوسطى عن إسحاق، والآخر ثاني ثقيل بالوسطى عن حبش.
كان مالك بن أنس يكره الغناء
أخبرني الحسين بن يحيى ومحمد بن مزيد قالا حدّثنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه قال:
سمعت إبراهيم بن سعد يحلف للرشيد وقد سأله عمّن بالمدينة يكره الغناء، فقال: من قنّعه [4] اللّه بخزيه مالك بن أنس، ثم حلف له إنه سمع مالكا يغنّي:
سليمى أزمعت بينا ... فأين تقولها أينا
في عرس رجل من أهل المدينة يكنى أبا حنظلة.
مر ابن عائشة بابن أذنية وطلب إليه أن يقول له شعرا يغنيه
أخبرنا أحمد بن عبد العزيز وإسماعيل بن يونس قالا حدّثنا عمر بن شبة قال حدّثني أبو غسّان محمد بن يحيى عن بعض أصحابه قال:
مرّ ابن عائشة بابن أذنية فقال له: قل أبياتا هزجا أغن فيها؛ فقال له: اجلس فجلس؛ فقال:
سليمى أزمعت بينا
الأبيات. قال أبو غسّان: فحدّثت أن ابن عائشة رواها، ثم ضحك لما سمع قوله:
__________
[1] وردت هذه الكلمة في أ، م.
[2] كذا في ط. وتقول هنا بمعنى تظن. وفي باقي الأصول: «فأين بقولها» بالباء.
[3] البرم: الثقيل.
[4] قنعه: غطاه، ومنه الحديث «أتاه رجل مقنع بالحديد» أي مغطى بالسلاح.
تمنّين مناهنّ ... فكنّا ما تمنّينا
ثم قال له: يا أبا عامر، تمنّينك لمّا أقبل بخرك، وأدبر ذفرك [1]، وذبل ذكرك! فجعل يشتمه. هذا لفظ إسماعيل بن يونس.
/ أخبرني الجوهريّ وإسماعيل بن يونس قالا حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثني أبو غسّان قال فحدّثني حمّاد الخشبيّ [2] قال:
ذكر ابن أذينة عند عمر بن عبد العزيز، فقال: نعم الرجل أبو عامر، على [أنه] [3] الذي يقول:
وقد قالت لأتراب ... لها زهر تلاقينا
غنى للوليد بن يزيد بمكة فطرب وأجازه
أخبرني محمد بن مزيد والحسين بن يحيى قالا [4] حدّثنا حمّاد عن أبيه عن المدائنيّ عن إسحاق بن أيّوب القرشيّ قال:
كان هشام بن عبد الملك مكرما للوليد بن يزيد، وكان عبد الصمد بن عبد الأعلى مؤدّبا للوليد، وكان، فيما يقال، زنديقا، فحمل الوليد على الشراب والاستخفاف بدينه، فاتخذ ندماء وشرب وتهتّك، فأراد هشام قطعهم عنه، فولّاه الموسم في سنة عشر ومائة، فرأى الناس منه تهاونا واستخفافا بدينه، وأمر مولاه عيسى فصلّى بالناس، وبعث إلى المغنّين فغنّوه وفيهم ابن عائشة فغناه:
سليمى أجمعت [5] بينا
فنعر [6] الوليد نعرة أذن [7] لها أهل مكة. وأمر لابن عائشة بألف دينار، وخلع عليه عدّة خلع، وحمله [8].
فخرج ابن عائشة من عنده بأمر أنكره الناس،/ وأمر للمغنّين بدون ذلك، فتكلم أهل الحجاز وقالوا: أهذا وليّ عهد المسلمين! وبلغ ذلك هشاما فطمع في خلعه، وأراده على ذلك فأبى؛ وتنكّر هشام للوليد، وتمادى [9] الوليد في الشرب/ واللذات فأفرط، وتعبث [10] هشام بالوليد وخاصّته ومواليه، فنزل بالأزرق بين أرض بلقين [11] وفزارة على
__________
[1] الذفر: خبث الريح. قال ابن الأعرابي: الذفر: النتن ولا يقال في شيء من الطيب ذفر إلا المسك. وخص اللحيانيّ به رائحة الإبطين المنتنين. وقيل: إن الذفر يقع على الطيب والكريه، ويفرق بينهما بما يضاف إليه ويوصف به. والمراد هنا الرائحة الطيبة.
[2] في ح: «الحسنى».
[3] هذه الكلمة ساقطة من سائر النسخ إلا نسخة ح. وذكرها ضروريّ في الكلام.
[4] كذا في ح، أ. وهو الصواب. وفي سائر النسخ «قال» بغير ألف التثنية.
[5] الرواية في كل ما تقدّم «أزمعت».
[6] نعر: صاح وصوّت بخيشومه.
[7] أذن أي استمع.
[8] حمله: أعطى له ما يركبه.
[9] كذا في ح. وفي سائر النسخ: «فتمادى» بالفاء.
[10] كذا في ب، ء، ح ولم نجد في «كتب اللغة» التي بين أيدينا «تعبث». وعبارة الطبري في حوادث سنة 125: «و كان هشام يعيب الوليد ويتنقصه وكثر عبثه به وبأصحابه وتقصيره به» وفي س، م، أ: «بعث» والمعروف أن الوليد ومن معه خرجوا من تلقاء أنفسهم ونزلوا بالأزرق، فالظاهر أنها محرّفة عن «عبث».
[11] كذا ضبط في ط. ولم نوفق إلى مصدر آخر نعتمد عليه في ضبطه.
ماء يقال له الأغدق [1]، حتى مات هشام. [أنقضت أخباره] [2].
ومما في المائة الصوت المختارة من أغاني ابن عائشة
غناؤه في صوت من المائة الصوت المختارة
صوت
من رواية عليّ بن يحيى:
حنّت إلى برق فقلت لها قري ... بعض الحنين فإن شجوك شائقي
بأبي الوليد وأمّ نفسي كلّما ... بدت النجوم وذرّ قرن الشارق
أثوى فأكرم في الثّواء وقضّيت ... حاجاتنا من عند أروع باسق
لا تبعدنّ إداوة مطروحة ... كانت حديثا [3] للشّراب العاتق
/ ويروي: بالشراب العاتق. عروضه من الكامل. حنّت، يعني ناقته. وهذا البيت يتبع بيتا قبله وهو:
فإلى الوليد اليوم [4] حنّت ناقتي ... تهوي بمغبرّ المتون سمالق [5]
وبعده «حنت إلى برق ... ». وقوله: «قري» من الوقار، كأنها لما حنّت أسرعت ونازعت إلى الوطن أو المقصد، فقال يخاطبها: قري. وذرّ قرن الشارق: طلع قرن الشمس؛ يريد: بأبي الوليد وأمي في كل ليل ونهار أبدا. وأثوى: أنزل.
والثّواء: الإقامة؛ قال الأعشى:
لقد كان في حول ثواء ثويته ... تقضّى لبانات ويسأم سائم
والباسق: الطويل؛ قال اللّه عزوجل: (وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ)
* أي طوالا [6]. ويروي:
__________
[1] كذا في أغلب النسخ. وفي م: «الأعذق». وفي ح: «الأعذب»، وفي ط: «الأغدف» ولم نعثر على أحد هذه الأسماء اسما لموضع خاص غير أن الأعذق أورده البكريّ في «معجم ما استعجم» في صفحة 622 في شعر يدل على أنه جبل في نواحي المدينة وهو:
أحب الضّلضلين فبطن خاخ ... إلى بطن البلاط إلى البقيع
إلى قبر النبيّ فجانبيه ... إلى العنقاء قبر بني مطيع
إلى وادي صلاصل فالمصلّى ... إلى أكناف أعذق ذي منيع
منازل غبطة وديار أمن ... تكف عن المفاقر والقنوع
[2] زيادة في أ، م.
[3] كذا في أغلب النسخ. يريد أنها كانت إلى عهد قريب معدّة للشراب. وفي أ، م «خدينا» أي مصاحبة. وفي ح: «قديما».
[4] كذا في «اللسان» في مادة «سملق». وفي جميع الأصول: «إليه».
[5] السمالق: جمع سملق وهي الأرض المستوية الجرداء التى لا شجر بها. وإنما وصف مغبر المتون وهو مفرد بالسمالق وهو جمع لأنه أراد مغبرات المتون فوضع الواحد موضع الجمع ووصفه بالجمع، ويجوز أن يكون أراد سملقا فجعله سمالق كأن كل جزء منه سملق. (انظر «اللسان» مادة سملق).
[6] في جميع الأصول: «طوال» بغير ألف بعد اللام.
لا تبعدنّ إداوة مطروحة [1]
الشعر لعبد الرحمن بن أرطاة المحاربيّ. والغناء لابن عائشة. ولحنه المختار ثقيل أوّل بإطلاق الوتر في مجرى البنصر عن إسحاق. وفيه للهذليّ لحن آخر من الثقيل الأوّل عن الهشاميّ وابن المكيّ. فأوّل لحن الهذليّ استهلال في:
حنت إلى برق فقلت لها قري
وأوّل لحن ابن عائشة:
بأبي الوليد وأمّ نفسي كلّما ... بدت النجوم وذرّ قرن الشارق
__________
[1] لم يتبين وجه الاختلاف بين هذه الرواية والتي قبلها لأن رسم الكتابة فيهما واحد. ولعل اختلاف الروايتين بكسر الدال في قوله «تبعدن» ونصب قوله «أداوة مطروحة» كما جاء مضبوطا في الرواية الأولى في نسخة ط وبفتح الدال في قوله «تبعدن» ورفع «أداوة مطروحة» كما ضبط في هذه الرواية في نسخة ط أيضا، ومن المحتمل أن يكون اختلاف الروايتين في قوله «لا تبعدن» ببنائه للفاعل في إحداهما وبنائه للمفعول في الأخرى.
12 - أخبار ابن أرطاة ونسبه
نسبه
هو عبد الرحمن بن أرطاة، وقيل: عبد الرحمن بن سيحان بن أرطاة بن سيحان بن عمرو بن نجيد بن سعد [1] بن لاحب بن ربيعة بن شكم [2] بن عبد اللّه بن عوف بن زيد بن بكر بن عمير بن علي بن جسر بن محارب بن خصفة بن قيس بن غيلان بن مضر بن نزار. وأمّ جسر بن محارب كأس بنت لكيز بن أفصى بن عبد القيس، وأم عليّ بن جسر ماويّة بنت عليّ بن بكر بن وائل، هذه رواية أبي عمرو الشيبانيّ أخبرني بها عمّي والصّوليّ عن الحزنبل عن عمرو بن أبي عمرو عن أبيه، قال وشكم بن عبد اللّه أوّل محاربيّ ساد قومه وأبذّهم [3] رأسا بنفسه، وكانوا جيرانا في هوازن؛ وآل سيحان حلفاء حرب بن أميّة بن عبد شمس بن عبد/ مناف، وبمنزلة بعضهم عندهم خاصّة وعند سائر بني أميّة عامّة.
أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثنا محمد بن يحيى عن عبد العزيز بن عمران قال:
بنو سيحان من بني جسر بن محارب، وبنو مناف تقوّي حلفهم، وهم عندي أعزّاؤهم وليسوا بأحلافهم.
أخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن عمّار وأحمد بن عبد العزيز الجوهري قالا حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثنا محمد بن يحيى أبو غسّان قال:
/ لما قتل هشام بن الوليد أبا أزيهر، بعثت قريش أرطاة بن سيحان حليف حرب بن أمية إلى الشّراة [4] يحذّر من بها من تجّار قريش، وخرج حاجز الأزديّ ليخبر قومه، فسبقه أرطاة، وقال في ذلك وقد حذّرهم فنجوا:
مثل الحليف يشدّ عروته ... يثني العناج [5] لها مع الكرب [6]
__________
[1] في ح: «سعيد».
[2] كذا ضبطت هذه الكلمة في ط. ولم نجد في مصدر آخر ما يؤيده أو ينفيه.
[3] كذا في ح، أ. وفي ب، س: «و أفذهم» وفيء، ط: «و أفردهم».
[4] الشراة: صقع بالشأم بين دمشق والمدينة المنورة.
[5] قال في «اللسان»: العناج: خيط أو سير يشدّ في أسفل الدلو ثم يشد في عروتها أو في عرقوتها، (و عرقوتا الدلو: خشبتان تعرضان عليها كالصليب). وقيل العناج: عروة في أسفل الغرب من باطن تشدّ بوثاق إلى أعلى الكرب فإذا انقطع الحبل أمسك العناج الدلو أن يقع في البئر، وكل ذلك إذا كانت الدلو خفيفة وإذا كان في دلو ثقيلة حبل أو بطان يشدّ تحتها ثم يشدّ إلى العراقي فيكون عونا للوذم فإذا انقطعت الأوذام أمسكها العناج. قال الحطيئة يمدح قوما عقدوا لجارهم عهدا فوفوا به ولم يخفروه:
قوم إذا عقدوا عقدا لجارهم ... شدّوا العناج وشدّوا فوقه الكربا
[6] الكرب: الحبل الذي يشدّ على الدلو بعد المنين وهو الحبل الأوّل فإذا انقطع المنين بقي الكرب. وقال ابن سيدة: الكرب الحبل يشدّ على عراقي الدلو ثم يثنى ثم يثلث.
زلم [1] إذا يسروا [2] به يسر ... ومناضل يحمي عن الحسب
هل تشكرن فهر وتاجرها ... دأب السّرى بالليل والخبب
حتى جلوت لهم يقينهم ... ببيان لا ألس [3] ولا كذب
شاعر مقل إسلاميّ ليس من الفحول وكان حليفا لبني أمية ومدحهم
وكان عبد الرحمن شاعرا مقلّا إسلاميّا ليس من الفحول المشهورين ولكنّه كان يقول في الشراب والغزل والفخر ومدح أحلافه من بني أمية، وهو أحد المعاقرين للشراب والمحدودين فيه، وكان بني أميّة كواحد منهم إلا أنّ اختصاصه/ بآل أبي سفيان وآل عثمان خاصّة كان أكثر، وخصوصه بالوليد بن عثمان ومؤانسته إيّاه أزيد من خصوصه بسائرهم، لأنهما كانا يتنادمان على الشّراب.
وهذه الأبيات التي فيها الغناء يقولها في الوليد بن عثمان، وقيل: بل في الوليد بن عتبة. وخبره في ذلك يذكر بعد هذا.
أصابه خمار فداواه منه الوليد بن عثمان
أخبرنا محمد بن العباس اليزيديّ قال عتبة [4] بن المنهال المهلّبيّ حدّثني غير واحد من أهل الحجاز قالوا:
كان ابن سيحان حليفا لقريش ينزل بالمدينة، وكان نديما للوليد بن عثمان، فأصابه ذات يوم خمار [5]، فذهب لسانه وسكنت أطرافه وصرخ أهله عليه، فأقبل الوليد إليه فزعا، فلما رآه قال: أخي مخمور وربّ الكعبة، ثم أمر غلاما له فأتاه بشراب من منزله في إداوة فأمر به فأسخن ثم سقاه إيّاه وقيّأه، وصنع له حساء [6] وجعل على رأسه دهنا وجعل رجليه في ماء سخن، فما لبث أن انطلق [7] وذهب ما كان به. ومات الوليد بعد ذلك. فبينا ابن سيحان يوما جالس وبعض متاعه ينقل من بيت إلى بيت، إذ مرت الخادم بإداوة الوليد التي كان داواه بما فيها من الشراب وقد يبست وتقبّضت، فانتحب وقال:
لا تبعدنّ إداوة مطروحة ... كانت حديثا [8] للشراب العاتق
وذكر باقي الأبيات.
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ قال حدثنا عمر بن شبّة قال حدثنا أحمد بن معاوية عن الواقديّ قال حدثنا عبد اللّه بن أبي عبيدة عن أبيه قال:
__________
[1] الزلم (بالتحريك، وبضم ففتح): أصله القدح الذي لا ريش فيه، ويقال على القدح يستقسم به في الجاهلية، ويشبه به الرجل القصير الخفيف الظريف والغلام الشديد الخفيف، ومنه:
بات يقاسيها غلام كالزلم
[2] يسروا: لعبوا الميسر.
[3] كذا في أغلب الأصول، والألس: الخيانة والكذب. وفي نسخة أ: «لا لبس».
[4] كذا وقع هذا الاسم هنا في جميع الأصول، وقد تقدم قريبا باسم عتيبة أو عيينة بن المنهال.
[5] الخمار: ما يصيب الرجل من ألم الخمر وصداعها وأذاها.
[6] الحساء: طبيخ يتخذ من دقيق وماء ودهن وقد يحلى ويكون رقيقا يحسى.
[7] أي مشى بطنه. ولم نجد في «كتب اللغة» إلا استطلق بطنه وأطلقه الدواء.
[8] أنظر صفحة 240 حاشية رقم 5
/كان الوليد بن عثمان بن عفّان يشرب مع الوليد بن عتبة بن أبي سفيان وابن سيحان وكان يخمر [1] فأصابه من ذلك شيء شديد حتى خيف عليه وشقّ النساء عليه الجيوب، فدعي له ابن سيحان، فلما رآه قال: اخرجن عنّي وعن أخي، فخرجن، فقال له: الصّبوح أبا/ عبد اللّه، فجلس مفيقا؛ فذلك حيث يقول ابن سيحان:
بأبي الوليد وأمّ نفسي كلّما ... بدت النجوم وذرّ قرن الشارق
أثوى فأكرم في الثّواء وقضّيت ... حاجاتنا من عند أروع باسق
كم عنده من نائل وسماحة ... وفضائل معدودة وخلائق
وسماحة للمعتفين [2] إذا اعتفوا ... في ماله حقّا وقول صادق
لا تبعدنّ إداوة مطروحة ... كانت حديثا [3] للشراب العاتق
كان من ندماء الوليد بن عثمان المختصين به
أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد بن إسحاق عن أبيه قال:
كان الوليد بن عثمان يكنى أبا الجهم، وكان لابن سيحان صديقا ونديما، وكان صاحب شراب، فمرض فعاده الوليد وقال: ما تشتهي؟ قال: شرابا، فبعث فجاءه بشراب في إداوة. ثم ذكر باقي الخبر نحو الذي قبله.
قيل إنه خرج مع الوليد بن عثمان إلى الحجاز لجني تمره ولما عاد أعطاه إداوة شراب وذكره بها فمدحه
أخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدّثني حمّاد بن إسحاق عن أبيه عن أيّوب بن عباية قال:
كان الوليد بن عثمان ذا غلّة في الحجاز يخرج إليها في زمان التّمر بنفر من قومه، يجنون له ويعاونونه، فكان إذا حضر خروجهم دفع إليهم نفقات لأهليهم إلى رجعتهم، فخرج بهم مرّة كما كان يخرج وفيهم ابن سيحان، فأتى ابن سيحان كتاب من أهله يسألونه القدوم لحاجة لا بدّ منها، فاستأذنه فأذن له، فقال له ابن سيحان:/ زوّدوني من شرابكم هذا، فزوّدوه إداوة ملأها له من شرابهم، فكان يشربها في طريقه حتّى قدم على أهله، فألقاها في جانب بيته فارغة، فمكث زمانا لا يذكرها، ثم كنسوا البيت فرآها ملقاة في الكناسة فقال:
لا تبعدنّ إداوة مطروحة ... كانت حديثا [4] للشراب العاتق
إن تصبحي لا شيء فيك فربّما ... أترعت من كأس تلذّ لذائق
بأبي الوليد وأمّ نفسي كلّما ... بدت النجوم وذرّ قرن الشارق
كم عنده من نائل وسماحة ... وشمائل ميمونة وخلائق
وكرامة للمعتفين إذا اعتفوا ... في ماله حقّا وقول صادق
أثوى فأكرم في الثّواء وقضّيت ... حاجاتنا من عند أروع باسق
__________
[1] يخمر: يصاب بالخمار.
[2] جمع معتف وهو الضيف وكل طالب فضل أو رزق.
[3] أنظر صفحة 240 حاشية رقم 5.
[4] انظر الحاشية رقم 6 ص 234
لمّا أتيناه أتينا ماجد ال ... أخلاق سبّاقا لقرم [1] سابق
قال الوليد يدي لكم رهن ربما ... حاولتم من صامت أو ناطق
فإلى الوليد اليوم [2] حنّت ناقتي ... تهوي بمغبّر المتون سمالق
حنّت إلى برق فقلت لها قري ... بعض الحنين فإنّ شجوك شائقي
حدّه مروان بالخمر ومنع منه معاوية
أخبرني عمّي قال حدّثني محمد بن عبد اللّه التّميمي الأصبهانيّ المعروف بالحزنبل قال حدّثني عمرو ابن أبي عمرو الشّيباني عن أبيه وأخبرني الحسين بن يحيى المرداسيّ [3] قال قال حماد بن إسحاق: قرأت على أبي، قالا جميعا:
كان عبد الرحمن بن سيحان قد غاظ مروان بن الحكم أيّام كان معاوية يعاقب بينه وبين سعيد بن العاص في ولاية الحرمين، وأنكر عليه أشياء بلغته فغاظته: من مدحه سعيدا وانقطاعه إليه وسروره بولايته، فرصده حتى/ وجده خارجا من دار الوليد بن عثمان/ وهو سكران فضربه الحدّ ثمانين سوطا. وقدم البريد من المدينة على معاوية فسأله عن أخبار الناس فجعل يخبره بها، حتى انتهى به الحديث إلى ابن سيحان فأخبره أن مروان ضربه الحدّ ثمانين؛ فغضب معاوية وقال: واللّه لو كان حليف أبي العاص لما ضربه ولكنّه ضربه لأنه حليف حرب، أليس هو الذي يقول:
وإني آمرؤ حلف [4] إلى أفضل الورى ... عديدا إذا ارفضّت [5] عصا [6] المتحلّف [7]
كذب واللّه مروان، لا يضربه في نبيذ أهل المدينة وشكّهم وحمقهم؛ ثم قال لكاتبه: أكتب إلى مروان:
فليبطل الحدّ عن ابن سيحان، وليخطب بذلك على المنبر، وليقل إنه كان ضربه على شبهة ثم بان له أنه لم يشرب مسكرا، وليعطه ألفي درهم. فلما ورد الكتاب على مروان عظم ذلك عليه، ودعا بابنه عبد الملك فقرأه عليه وشاوره فيه؛ فقال له عبد الملك: راجعه ولا تكذّب نفسك، ولا تبطل حكمك؛ فقال مروان: أنا أعلم بمعاوية إذا عزم على شيء أو أراده، لا واللّه لا أراجعه. فلما كان يوم الجمعة وفرغ من الخطبة قال: وابن سيحان فإنا كشفنا أمره فإذا هو لم يشرب مسكرا، وإذا نحن قد عجّلنا عليه، وقد أبطلت عنه الحدّ. ثم نزل فأرسل إليه بألفي درهم.
رآه مروان سكران وشنع به فجلده الوليد بن عثمان الحد
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثني أحمد بن معاوية عن الواقديّ قال حدّثني عبد الرحمن بن أبي الزّناد عن أبيه قال:
__________
[1] القرم: السيد.
[2] انظر الحاشية رقم 1 ص 241.
[3] في ط: «المرادسي».
[4] في ط: «حلفي».
[5] ارفضت: انشقت وتفرقت. والعصا يراد بها الجماعة، يقال: شق فلان عصا المسلمين إذا فرق جماعتهم.
[6] في ط: «حصى».
[7] المتحلف: مصدر ميمي بمعنى المحالفة.
كان عبد الرحمن بن سيحان المحاربيّ شاعرا، وكان حلو الأحاديث، عنده أحاديث حسنة غريبة من أخبار العرب وأيامها وأشعارها، وكان على ذلك يصيب من الشراب، فكان كلّ من قدم من ولاة بني أميّة وأحداثهم ممّن يصيب الشراب يدعوه وينادمه، فلمّا ولي الوليد بن عتبة بن أبي سفيان وعزل مروان وجد مروان/ في نفسه وكان قد سبعه [1]، فحقد عليه مروان واضطغنه، وكان الوليد يصيب من الشراب ويبعث إلى ابن سيحان فيشرب معه، وابن سيحان لا يظنّ أنّ مروان يفعل به الذي فعله، وقد كان مدحه ابن سيحان ووصله مروان، ولكنّ مروان أراد فضيحة الوليد، فرصده ليلة في المسجد، وكان ابن سيحان يخرج في السّحر من عند الوليد ثملا فيمرّ في المقصورة من المسجد حتّى يخرج في زقاق عاصم، وكان محمد بن عمرو يبيت في المسجد يصلّي، وكذلك عبد اللّه بن حنظلة وغيرهما من القرّاء يبيتون في المسجد يتهجّدون، فلمّا خرج ابن سيحان ثملا من دار الوليد أخذه مروان وأعوانه، ثمّ دعا له محمد بن عمرو وعبد اللّه بن حنظلة فأشهدهما على سكره وقد سأله أن يقرأ أمّ القرآن فلم يقرأها، فدفعه إلى صاحب شرطته [2] فحبسه؛ فلمّا أصبح الوليد بلغه الخبر وشاع في المدينة وعلم أنّ مروان إنّما أراد أن يفضحه، وأنّه لو لقي ابن سيحان ثملا خارجا من عند غيره لم يعرض له، فقال الوليد: لا يبرّئني من هذا عند أهل المدينة إلّا ضرب ابن سيحان، فأمر صاحب شرطته [2] فضربه الحدّ ثم أرسله.
مكث في بيته استحياء فحمله عبد الرحمن بن الحارث على الخروج إلى المسجد
فجلس ابن سيحان في بيته لا يخرج حياء من الناس، فجاءه عبد الرحمن بن الحارث بن هشام في ولده وكان له جليسا فقال له: ما يجلسك في بيتك؟ قال: الاستحياء من الناس؛ قال: اخرج أيها/ الرجل، وكان عبد الرحمن قد حمل له معه كسوة، فقال له: البسها ورح معنا إلى المسجد فهذا أحرى أن يكذّب به مكذّب، ثم ترحل إلى أمير المؤمنين فتخبره بما صنع بك الوليد فإنّه يصلك ويبطل هذا الحدّ عنك؛ فراح مع عبد الرحمن في جماعة ولده متوسّطا لهم حتى دخل المسجد فصلّى ركعتين، ثم تساند مع عبد الرحمن إلى الأسطوانة؛ فقائل يقول: لم يضرب، وقائل/ يقول:
رحل إلى معاوية وشفع فيه يزيد فعفا عنه وكتب بذلك إلى الوليد
أنا رأيته يضرب، وقائل يقول: عزّر أسواطا. فمكث أياما ثم رحل إلى معاوية فدخل إلى يزيد فشرب معه، وكلّم يزيد أباه معاوية في أمره فدعا به فأخبره بقصّته وما صنعه به مروان، فقال: قبّح اللّه الوليد ما أضعف عقله! أما استحيا من ضربك فيما شرب! وأمّا مروان فإنّي كنت لا أحسبه يبلغ هذا منك مع رأيك فيه ومودّتك له، ولكنّه أراد أن يضع الوليد عندي ولم يصب، وقد صيّر نفسه في حدّ كنّا ننزّهه عنه، صار شرطيا! ثم قال لكاتبه: اكتب: «بسم اللّه الرحمن الرحيم، من عبد اللّه معاوية أمير المؤمنين إلى الوليد بن عتبة. أمّا بعد، فالعجب لضربك ابن سيحان فيما تشرب منه، ما زدت على أن عرّفت أهل المدينة ما كنت تشربه مما حرّم عليك، فإذا جاءك كتابي هذا فأبطل الحدّ عن ابن سيحان، وطف به في حلق المسجد وأخبرهم أنّ صاحب شرطك تعدّى عليه وظلمه، وأنّ أمير المؤمنين قد
__________
[1] كذا في ح. وسبعه: طعن عليه وعابه وشتمه ووقع فيه بالقول القبيح. وفي ب، س، ء، ط: «شعثه» ولم نجد لشعث مخففا أو مضعفا معنى يناسب المقام. وفي م: «سغنه» ولا معنى لها.
[2] في ط: «شرطه».
أبطل ذلك عنه، أليس ابن سيحان الذي يقول:
وإنّي امرء أنمى [1] إلى أفضل الورى ... عديدا إذا ارفضّت عصا المتحلّف
إلى نضد [2] من عبد شمس كأنّهم ... هضاب أجا [3] أركانها لم تقصّف
ميامين يرضون الكفاية إن كفوا ... ويكفون ما ولّوا بغير تكلّف
غطارفة [4] ساسوا البلاد فأحسنوا ... سياستها حتّى أقرّت لمردف [5]
/فمن يك منهم موسرا يفش فضله ... ومن يك منهم معسرا يتعفّف
وإن تبسط النّعمى لهم يبسطوا بها ... أكفّا سباطا [6] نفعها غير مقرف [7]
وإن تزو عنهم لا يضجّوا وتلفهم ... قليلي التشكّي عندها والتكلّف
إذا انصرفوا للحقّ يوما تصرّفوا ... إذا الجاهل الحيران لم يتصرّف
سموا فعلوا فوق البرية كلّها ... ببنيان عال من منيف ومشرف
قال: وكتب له بأن يعطى أربعمائة شاة وثلاثين لقحة مما يوطن السّيالة [8] وأعطاه هو خمسمائة دينار، وأعطاه يزيد مائتي دينار. ثمّ قدم بكتاب معاوية إلى الوليد، فطاف به في المسجد، وأبطل ذلك الحدّ عنه، وأعطاه ما كتب به له معاوية. وكتب معاوية إلى مروان يلومه فيما يفعله بابن سيحان، وما أراده بذلك. ودعا الوليد عبد الرحمن بن سيحان إلى أن يعود للشرب معه؛ فقال: واللّه لا ذقت معك شرابا أبدا.
ضربه مروان الحدّ فأبطله معاوية
أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثنا أبو مسلم الغفاريّ قال حدّثني موسى بن عبد العزيز قال:
أخذ ابن سيحان الجسريّ - هكذا قال وهو غلط - في شراب في إمارة مروان، وكان حليفا لأبي سفيان ابن حرب، فضربه مروان ثمانين سوطا على رؤوس الناس، فكتب إلى معاوية يشكوه، فكتب إليه/ معاوية: أمّا بعد فإنّك أخذت حليف حرب فضربته ثمانين على رؤوس الناس، واللّه لتبطلنّها عنه،/ أو لأقيدنّه منك؛ فقال مروان
__________
[1] مر في صحيفة 247 سطر 5 «حلف» بدل «أنمى».
[2] النضد: الأعمام والأخوال المتقدّمون في الشرف.
[3] أجا أصله أجأ بالهمز فأبدل الهمزة فقلبها حرف علة للضرورة كما في قوله: مثل خناذيذ أجا وصخره. وأجأ أحد جبلي طيء، والآخر يقال له سلمى.
[4] كذا في جميع الأصول وهو جمع غطريف، والغطريف: السيد الشريف السخيّ الكثير الخير. وفي «اللسان» مادة ردف، و «ياقوت» في الكلام على أجأ: «قلامسة» جمع قلمس وهو السيد العظيم، ويقال للداهية من الرجال.
[5] اسم فاعل من أردف بمعنى تبع.
[6] سباطا جمع سبط وهو السمح، يقال: فلان سبط الكفين أي سمحهما قال حسان:
رب خال لي لو أبصرته ... سبط الكفين في اليوم الخصر
[7] غير مقرف أي غير مشوب بما يشينه.
[8] السيالة: أرض يطؤها طريق الحاج، قيل هي أوّل مرحلة لأهل المدينة إذا أرادوا مكة. قال ابن الكلبي: مرّ تبع بها بعد رجوعه من قتال أهل المدينة وواديها يسيل فسماها «السيالة». انظر «معجم البلدان» لياقوت في اسم السيالة.
لابنه عبد الملك: ما ترى؟ قال: أرى واللّه ألّا تفعل؛ قال: ويحك! أنا أعلم بعزمات معاوية منك، فصعد المنبر فحمد اللّه وأثنى عليه، ثم قال: أيّها الناس، إنا كنا ضربنا ابن سيحان بشهادة رجل من الحرس ووجدناه غير عدل ولا رضا، فاشهدوا أني قد أبطلت ذلك الحدّ عنه.
أخبرني أحمد قال حدّثنا عمر قال حدّثني محمد بن يحيى قال حدّثني عبد العزيز بن عمران قال:
ضرب مروان عبد الرحمن بن سيحان في الخمر ثمانين سوطا، فكتب إليه معاوية: أمّا بعد، فإنّك ضربت عبد الرحمن في نبيذ أهل الشام الذي يستعملونه وليس بحرام، وإنّما ضربته حيث كان حلفه إلى أبي سفيان بن حرب، وايم اللّه لو كان حليفا للحكم ما ضربته، فأبطل عنه الحدّ قبل أن أضرب من أخذ معه: أخاك عبد الرحمن بن الحكم؛ فأبطل مروان عنه الحدّ؛ فقال ابن سيحان في ذلك يذكر حلفه:
إنّي امرؤ عقدي [1] إلى أفضل الورى ... عديدا إذا ارفضّت عصا المتحلّف
وقال الطّوسيّ: كان عبد الرحمن بن الحكم أخو مروان يشرب مع ابن سيحان، فلمّا ضربه مروان الحدّ كتب إليه معاوية: واللّه لتبطلنّه عنه أو لأبعثنّ إلى أخيك من يضرب ظهره بالسّوط في السّوق، أليس ابن سيحان الذي يقول:
سموت بحلفي للطّوال من الرّبى ... ولم تلقني قنّا لدى مبرك الجرب
إذا ما حليف الذّل أقمأ [2] شخصه ... ودبّ كما دبّ الحسير [3] على نقب [4]
/و هصت [5] الحصى لا أخنس [6] الأنف قابعا [7] ... إذا أنا راخى لي خناقي بنو حرب
كان مع سعيد بن عثمان حين قتله وهرب عنه ثم رثاه
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء وأحمد بن سليمان الطّوسيّ قالا حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثني عمّي مصعب وغيره قالوا:
قدم سعيد بن عثمان المدينة فقتله غلمان جاء بهم من الصّغد [8]، وكان معه عبد الرحمن بن أرطاة بن سيحان حليف بني حرب بن أمية، فهرب عنه لما قتلوه، فقال خالد بن عقبة بن أبي معيط يرثي سعيد بن عثمان - وعثمان أخوه لأمه - :
يا عين جودي بدمع منك تهتانا ... وابكى سعيد بن عثمان بن عفّانا
__________
[1] انظر الحاشية رقم 1 صفحة 249
[2] أقمأ: صغر وذلل.
[3] الحسير: المعي.
[4] النقب: رقة الأخفاف وهو من باب فرح يقال: نقب خف البعير نقبا إذا حفى حتى يتخرق فرسنه، وتسكين القاف هنا لضرورة الوزن.
[5] وهصت: دققت وكسرت.
[6] لا أخنس: من الخنس وهو انخفاض القصبة وعرض الأرنبة.
[7] أي مستخفيا، من القبوع وهو أن يدخل الإنسان رأسه في قميصه. ويسمى القنفذ القبع لأنه يقبع رأسه بين شوكه أي يخبؤه، ويقال:
فلان يقبع قبوع القنفذ إذا توارى.
[8] انظر ص 35 حاشية 4 من الجزء الأوّل من «الأغاني» طبع دار الكتب المصرية.
إنّ ابن زينة لم تصدق مودّته [1] ... وفرّ عنه ابن أرطاة بن سيحانا [2]
فقال ابن سيحان يعتذر من ذلك:
يقول رجال قد دعاك فلم تجب ... وذلك من تلقاء مثلك [3] رائع
فإن كان نادى دعوة فسمعتها ... فشلّت يدي واستكّ [4] منّي المسامع
وإلا فكانت بالذي قال باطلا ... ودارت عليه الدائرات القوارع
يلومونني أن كنت في الدار حاسرا ... وقد فرّ عنه خالد هو دارع [5]
/فقال بعض الشعراء يجيبه:
فإنك لم تسمع ولكن رأيته ... بعينيك إذ مجراك في الدار واسع
وأسلمته للصّغد تدمي كلومه ... وفارقته والصوت في الدار شائع
/ وما كان فيها خالد بمعذّر [6] ... سواء عليه صمّ أو هو سامع
فلا زلتما في غلّ سوء بعبرة ... ودارت عليكم بالشّمات القوارع
أخبرني عمّي قال حدّثنا الكرانيّ قال حدّثنا العمري عن العتبيّ قال:
لما قتل سعيد بن عثمان بن عفّان قالت أمّه: أشتهي أن يرثيه شاعر كما في نفسي حتى أعطيه ما يحتكم؛ فقال ابن سيحان:
إن كنت باكية فتى ... فابكي هبلت [7] على سعيد:
فارقت أهلك بغتة ... وجلبت حتفك من بعيد
أذري دموعك والدّما ... ء على الشّهيد ابن الشهيد
فقالت: هكذا كنت أشتهي أن يقال فيه، ووصلت ابن سيحان. وكانت تندبه بهذا الشعر.
وقال أبو عمرو في روايته التي ذكرتها عن عمّي عن الحزنبل عن عمرو بن أبي عمرو عن أبيه قال:
جلس ابن سيحان وخالد بن عقبة بعد مقتل سعيد بن عثمان يتحدّثان، فجرى ذكره فبكيا جميعا عليه، فقال ابن سيحان يرثيه:
__________
[1] في ط: «لم يصدق مودّته».
[2] تقدّم هذان البيتان مع خبرهما بالجزء الأوّل من «الأغاني» طبع دار الكتب ص 35 فانظره.
[3] في ح: «نفسك».
[4] أي صمت وضاقت، ومنه قول النابغة:
أتاني أبيت اللعن أنك لمتني ... وتلك التي تستك منها المسامع
[5] الدارع: لابس الدرع.
[6] المعذر: الذي لم يثبت له عذر.
[7] هبلت: ثكلت، يقال هبلته أمه هبلا أي ثكلته. وذكر صاحب «اللسان» أن هبلت يقال في الدعاء بالبناء للمفعول وإن كان هو القياس لأنه إنما يدعى عليه بأن تهبله أمه أي تثكله. وهذا أحد أفعال ثلاثة جاءت من باب فعل (بكسر العين) المتعدّي وجاء مصدرها على فعل بالتحريك، ثانيها عمل الشيء عملا، وثالثها زكنت الخبر زكنا.
ألا إنّ خير الناس إن كنت سائلا ... سعيد بن عثمان القتيل بلا ذحل [1]
تداعت عليه عصبة فارسية ... فأضحى سعيد لا يمرّ ولا يحلي
وقال خالد بن عقبة:
ألا إنّ خير الناس نفسا ووالدا ... سعيد بن عثمان قتيل الأعاجم
بكت عين من لم يبكه وسط يثرب ... مدى الدهر [2] منه بالدموع السّواجم
فإن تكن الأيام أردت صروفها ... سعيدا، فمن هذا عليها بسالم [3]
قال الحزنبل: أنشدني عمرو بن أبي عمرو عن أبيه لابن سيحان قال عمّي وأنشدني السّكّريّ عن ابن حبيب والطّوسيّ له:
صوت
رحم اللّه صاحبيّ ابني الحا ... رث إذا ينهيانني أن أبوحا
بالتي تيمّت فؤادي وأن أذ ... ري دموعي على ردائي سفوحا [4]
في مغاني منازل من حبيب ... باشرت بعده قطارا [5] وريحا
ولقد قلت للفؤاد ولكن ... كان قدما إلى هواه جموحا
قلت أقصر عن بعض حبّك أروى ... إن بعض الحباب [6] كان فضوحا
فعصاني، فليس يسمع قولا ... من حمام على الأراك، جنوحا
أمّ يحيى تقبّل اللّه يحيى ... بقبول كما تقبّل نوحا
أمّ يحيى لو لا طلابك قد سحت مع الوحش أو لبست المسوحا [7]
ولقد قلت لا أحدّث سرّا ... سرّ أخرى ما دمت أمشي صحيحا
/ الغناء لمعبد خفيف ثقيل أوّل بالسّبّابة في مجرى الوسطى عن إسحاق ويونس. وفيه للغريض ثقيل أوّل عن الهشاميّ. وفيه لزريق رمل.
قال أبو عمرو: وابن سيحان الذي يقول:
__________
[1] الذحل: الثأر.
[2] في ط «يد الدهر» ويد الدهر: كلمة يراد بها الدوام.
[3] في ط: «فمن هذا من الموت سالم» وعلى هذه الرواية يكون في البيت إقواء.
[4] سفح الدمع سفوحا: صبه.
[5] قطارا: جمع قطر وهو المطر.
[6] الحباب: المحابة والموادّة والحب، قال أبو ذؤيب:
فقلت لقلبي يا لك الخير إنما ... يدليك للخير الجديد حبابها
وفي أ، ء، ط: «الأحباب».
[7] المسوح: جمع مسح وهو الكساء من الشعر.
ألا هل هاجك الأظعا ... ن إذ جاوزن مطّلحا
جفاه بنو مطيع فذمهم ومدح بني عبد الرحمن بن الحارث
/ والناس يروونه لعمر بن أبي ربيعة لغلبته على أهل الحجاز جميعا. وقال أبو عمرو في خبره: كان ابن سيحان يحدّث قال: كنت آلف [1] من قريش أهل بيتين سوى من كنت منقطعا إليه من بني أمية: بني عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وبني مطيع، فلما ضربني مروان الحدّ جئت فجلست إلى بني مطيع كما كنت أجلس، فلما رأوني عرفت الكراهة في وجوههم، واللّه ما أقبلوا بوجوههم عليّ بحديثهم ولا وسّعوا لي، فانصرفت ورحت إلى بني عبد الرحمن، فلما رأوني أقبلوا بوجوههم عليّ وحيّوا ورحّبوا وسهّلوا ووسّعوا، ورفعوني إلى حيث لم أكن أجلس، وأقبلوا عليّ بوجوههم، يحدّثونني، وقالوا: لعلك خشعت للذي لحقك، أما واللّه لقد علم الناس أنك مظلوم، وظلّموا [2] مروان في فعله، ورأوا أنه قد أساء وأخطأ في شأنك، وقالوا: ما ضرّك ذلك ولا نقصك ولا زادك إلا خيرا، ولم يزالوا حتى بسطوني، فقلت أمدحهم وأذمّ بني مطيع:
لقد حرّمت ودّ بني مطيع ... حرام الدّهن للرجل الحرام [3]
وإن جنف [4] الزمان مددت حبلا ... متينا من حبال بني هشام
رطيب عودهم أبدا وريق ... إذا ما اغبرّ عيدان اللئام
لامته امرأته على مبيته خارج المنزل فقال شعرا
وقال أبو عمرو في خبره: كان عبد الرحمن بن سيحان ينادم الوليد بن عثمان على الشّراب فيبيت عنده خوفا من أن يظهر وهو سكران فيحدّ، فقالت له امرأته: قد صرت لا تبيت في منزلك وأظنّك قد تزوجت، وإلّا فما مبيتك عن أهلك! فقال لها:
لا تعدميني نديما ماجدا أنفا ... لا قائلا قاذفا خلقا ببهتان [5]
أغرّ راووقه [6] ملآن [7] صافية ... تنفي القذى عن جبين غير خزيان
سبيئة [8] من قرى بيروت صافية ... عذراء أو سبئت من أرض بيسان [9]
__________
[1] في ح: «أختص».
[2] ظلموه: نسبوه إلى الظلم.
[3] الحرام: المحرم بحج أو عمرة.
[4] جنف: جار ومال.
[5] في ح:
لا حالفا شائبا حلفا ببهتان
[6] الراووق: ناجود الشراب الذي يروّق به فيصفى. والشراب يتروّق منه من غير عصر.
[7] في ح: «أعرّ راووقه صهباء صافية».
[8] سبيئة أي مسبوءة من قولهم: سبأ الخمر أي اشتراها ليشربها كما في «الصحاح» أو اشتراها ليحملها إلى بلد آخر كما في غيره.
[9] بيسان: مدينة بالأردن وهي بين حوران وفلسطين، قال ياقوت في «معجم البلدان»: وإليها فيما أحسب ينسب الخمر، وأورد أبياتا لليلى الأخيلية في توبة، منها:
هو الذوب أو أرى الضحى لي شبته ... بدر ياقة من خمر بيسان قرقف
إنّا لنشربها حتى تميل بنا ... كما تمايل وسنان بوسنان [1]
رأى ابن عمه يشرب نبيذ الزبيب فحثه على شرب الخمر
أخبرني محمد بن مزيد بن أبي الأزهر قال حدّثنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه عن عاصم بن الحدثان قال:
كان ابن سيحان صاحب شراب، فدخل على ابن عم له يقال له الحارث بن سريع فوجده يشرب نبيذ زبيب، فجعل يعظه ويأمره بشرب الخمر، وقال له: يابن سريع، إن كنت تشربه على أن نبيذ الزبيب حلال فإنك أحمق، وإن كنت تشربه على أنه حرام تستغفر اللّه منه وتنوي التوبة فاشرب أجوده فإن الوزر واحد، ثم قال:
دع ابن سريع شرب ما مات مرة ... وخذها سلافا حية مزّة الطّعم
تدعك على ملك ابن ساسان قادرا ... إذا حرّمت قرّاؤنا حلب الكرم
فشتّان بين الحيّ والميت فاعتزم ... على مزّة صفراء راووقها يهمي [2]
فإنّ سريعا كان أوصى بحبّها ... بنيه وعمّي جاوز اللّه عن عمّي
ويا ربّ يوم قد شهدت بني أبي ... عليها إلى أن غاب تالية [3] النّجم
حسوها صلاة العصر والشمس حيّة ... تدار عليهم بالصغير وبالضّخم
/ فماتوا وعاشوا والمدامة بينهم ... مشعشعة [4] كالنجم توصف بالوهم
أخبرني محمد بن مزيد قال حدّثنا حمّاد عن أبيه عن عاصم بن الحدثان قال:
كان ابن سيحان حليف حرب بن أمية ينادم الوليد [5] بن عقبة بن أبي معيط، ويشرب معه الخمر، وهو القائل:
إصبح [6] نديمك من صهباء صافية ... حتى يروح كريما ناعم البال
واشرب هديت أبا وهب مجاهرة ... واختل فإنك من قوم أولى خال [7]
أنت الجواد أبا وهب إذا جمدت ... أيدي الرجال بما تحويه من مال
لو لا رجاؤك قد شمّرت مرتحلا ... عنسا [8] تعاقب تخويدا [9] بإرقال [10]
__________
[1] الوسنان: النائم الذي ليس بمستغرق في النوم.
[2] في ح:
وبادر إلى صهباء راووقها يهمى
[3] قال في «اللسان»: وتوالى كل شيء آخره وتاليات النجوم أخراها.
[4] مشعشعة: ممزوجة، يقال: شعشع الشراب: مزجه بالماء.
[5] كذا في ح. وفي سائر النسخ: «ينادم بني عقبة بن أبي معيط ويشرب معهم الخمر وهو القائل للوليد» وقد آثرنا ما ورد في ح لأنه وإن كان للوليد بن عقبة أخوان وهما عمارة بن عقبة وخالد بن عقبة فهما لم يعرفا بشرب الخمر كما اشتهر هو.
[6] أي اسقه صبوحا، قال طرفة:
متى تأتني أصبحك كأسا روية
[7] خال: الخيلاء والكبر.
[8] العنس في الأصل: الصخرة، ويقال على الناقة القوية تشبيها لها بالصخرة لصلابتها.
[9] التخويد: ضرب من السير، يقال: خوّد البعير: أسرع وزج بقوائمه، وقيل: هو أن يهتز كأنه يضطرب.
[10] الإرقال: ضرب من السير فوق الخبب.
لما تواصوا بقتلي قمت معتزما ... حتى حميت من الأعداء أوصالي
عمّ الوليد بمعروف عشيرته ... والأبعدون حظوا منه بإفضال
شعره في الوليد وقد حماه من أخواله ودفع عنه الدية
قال: وكان ابن سيحان قد ضرب رجلا من أخواله بالسيف فقطع يده ولم تقم عليه بيّنة، فتآمر به القوم ومنع منه ابن خال له منهم [1]؛ وخاف الوليد بن عقبة أن يرجع إلى المدينة هاربا منهم وخوفا من جنايته عليهم فيفارقه وينقطع عنه، فدعاهم وأرضاهم وأعطاهم دية صاحبهم. فلم يزل عند الوليد حتى عزل وهو نديمه وصفيّه. وهو القائل في الوليد - وفيه غناء - :
صوت
بات الوليد يعاطيني مشعشعة ... حتى هويت صريعا بين أصحابي
في الغناء: بات الكريم يعاطيني.
لا أستطيع نهوضا إن هممت به ... وما أنهنه [2] من [3] حسو وتشراب
حتى إذا الصبح لاحت لي جوانبه ... ولّيت أسحب نحو الفوم أثوابي
كأنني من حميّا كأسه جمل ... صحّت قوائمه من بعد أوصاب
ويروى:
كأنني من حميّا كأسه ظلع
الغناء ليحيى المكّيّ - وروي: ضلع [4] - خفيف ثقيل بالبنصر عن الهشاميّ وبذل: قالت [5] بذل: وفيه لحن آخر ليحيى، ولم تذكر طريقته.
قصة تبرئة لسعيد بن العاص من الشرب وما قاله في ذلك
أخبرني محمد بن مزيد قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثني أبو فهيرة [6] قال:
دخل عبد الرحمن بن أرطاة على سعيد بن العاص وهو أمير المدينة؛ فقال له: ألست القائل:
إنّا لنشربها حتى تميل بنا ... كما تمايل وسنان بوسنان
فقال له عبد الرحمن: معاذ اللّه أن أشربها وأنعتها، ولكنّي الذي أقول:
سموت بحلفي للطّوال من الذّرى ... ولم تلقني كالنّسر في ملتقى جدب
__________
[1] كذا في أ. وفي سائر النسخ: «و منع منه ابن خال منهم له».
[2] نهنهه عن الشي ء: زجره وكفه.
[3] كذا في جميع النسخ، والمعروف «أن نهنه» يتعدّى بعن.
[4] كذا في جميع النسخ وحق هذه الجملة التقديم، والضلع وصف من الضلع وهو كالظلع بالظاء: الميل في المشي.
[5] وردت هذه العبارة هكذا في ح، ووردت محرفة في سائر النسخ.
[6] في أ، م: «أبو فهرة». ولم نعثر عليه في كتب التراجم، غير أنه عرفت التسمية بفهيرة (انظر «شرح القاموس» مادة فهر).
إذا ما حليف القوم أقعى مكانه ... ودبّ كما يمشي الحسير [1] من النّقب
وهصت [2] الحصى لا أرهب الضيم قائما [3] ... إذا أنا راخى لي خناقي بنو حرب
وقام يجرّ مطرفه [4] بين الصّفين حتى خرج. فأقبل عمرو بن سعيد على أبيه فقال: لو أمرت بهذا الكلب فضرب مائتي سوط كان خيرا له؛ فقال: يا بنيّ، أضربه وهو حليف حرب بن أميّة ومعاوية خليفة بالشام! إذا لا يرضى! فلما حجّ معاوية لقيه بمنى، فقال: إيه يا سعيد! / أمرك أحمقك بأن تضرب حليفي مائتي سوط! أما واللّه لو جلدته سوطا لجلدتك سوطين! فقال له سعيد: ولم ذاك؟ أو لم تجلد أنت حليفك عمر بن جبلة! فقال له معاوية: هو لحمي آكله ولا أوكله. قال: وكان ابن سيحان قد قال:
/ لا يعدمنّي نديمي [5] ماجدا أنفا ... لا قائلا خالطا زورا ببهتان
أمسي أعاطيه كأسا لذّ مشربها ... كالمسك حفّت بنسرين وريحان
سبيئة من قرى بيروت صافية ... أو التي سبئت من أرض بيسان
إنا لنشربها حتى تميل بنا ... كما تمايل وسنان بوسنان
انقضت أخباره.
أحد الأصوات المائة المختارة
صوت من المائة المختارة من رواية علي بن يحيى
يا خليليّ هجّرا كي تروحا ... هجتما للرّواح قلبا قريحا
إن تريغا [6] لتعلما سرّ سعدى ... تجداني بسرّ سعدى شحيحا
إنّ سعدى لمنية المتمنّي ... جمعت عفّة ووجها صبيحا
كلّمتني وذاك ما نلت منها ... إنّ سعدى ترى الكلام ربيحا [7]
الشعر لابن ميّادة. والغناء لحنين، ولحنه المختار من الثقيل الأوّل بإطلاق الوتر في مجرى البنصر عن إسحاق.
وذكر عمرو بن بانة أن فيه لدحمان لحنا من الثقيل الأوّل بالبنصر، وأظنه هذا، وأنّ عمرا غلط في نسبته إلى دحمان.
__________
[1] كذا روى فيما تقدّم ص 251 من هذا الجزء وقد ورد هنا في ط: «كما يمشي الكسير على النقب». وفي سائر النسخ «كما يمشي الكسير من النقيب.
[2] وهصه: دقه وكسره.
[3] في أ، م: «قاعدا».
[4] المطرف: واحد المطارف وهي أردية من خز مربعة لها أعلام. وقال الفراء: المطرف من الثياب: ما جعل في طرفيه علمان، والأصل مطرف بالضم فكسروا الميم تخفيفا كما قالوا: مغزل وأصله مغزل من أغزل، أي أد.
[5] كذا في ط. وقد ورد تقدّم في صفحة 256 من هذا الجزء: «لا تعدميني نديما». وفي سائر النسخ هنا: «لا تعدميني نديمي».
[6] تريغا: تبغا: تبغيا وتريدا.
[7] ربحا: ذا ربح.
13 - أخبار ابن ميادة ونسبه
نسبه
اسمه الرّمّاح بن أبرد بن ثوبان [1] بن سراقة بن حرملة، هكذا قال الزبير بن بكّار في نسبه. وقال ابن الكلبيّ: ثوبان [1] بن سراقة بن سلمى بن ظالم ويقال سراقة بن قيس بن سلمى بن ظالم بن جذيمة بن يربوع بن غيظ بن مرّة بن عوف بن سعد بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس بن عيلان بن مضر.
كان يزعم أن أمّه فارسية ويفتخر بذلك
وأمه ميّادة أم ولد بربريّة، وروي أنها كانت صقلبيّة [2]. ويكنى أبا شرحبيل، وقيل بل يكنى أبا شراحيل.
وكان ابن ميّادة يزعم أن أمّه فارسيّة، وذكر ذلك في شعره فقال:
أنا ابن سلمى وجدّي ظالم ... وأمّي حصان أخلصتها [3] الأعاجم
أليس غلام بين كسرى وظالم ... بأكرم من نيطت عليه التمائم
كذبه موسى بن سيار أن أمه فارسية
أخبرني بذلك الحرميّ بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكّار قال حدثني أبو مسلمة مرهوب [4] بن سيد [5] وأخبرني الحرميّ [قال حدثنا الزبير] [6] قال حدثني موسى بن زهير الفزاريّ قال أخبرني موسى بن سيّار بن نجيح المزنيّ [7] قال: أنشدني ابن ميّادة أبياته التي يقول فيها:
أليس غلام بين كسرى وظالم ... بأكرم من نيطت عليه التمائم
فقلت له: لقد أشحطت بدار العجوز وأبعدت بها النّجعة، فهلّا غرّبت (يريد أنها صقلبيّة/ ومحلها بناحية
__________
[1] في ط: «ثريان».
[2] صقلب: بلد في الأندلس من أعمال سنترين، فلعل أم ابن ميادة تنسب إليه. وهذا يوافق ما سيأتي من أنها أشبانية نسبة إلى أشبان وهي الأندلس. ومن المحتمل القريب أن تكون منسوبة إلى الصقالبة وهم الجيل المعروف، فإن أمّة الأفرنج المتصلة بالأندلس كانوا يحاربون الصقالية المتصلين بأرضهم فيسبونهم ويبيعون رقيقهم بأرض الأندلس (انظر «معجم ياقوت» في اسم «صقلب» و «نفح الطيب» طبع أوروبا ج 1 ص 92).
[3] في ح: «حصنتها».
[4] كذا في ب، س، ء، ط. وفي أ، م: «موهوب» بالواو، وقد سمى العرب «مرهوبا» بالراء، ولم يذكر «القاموس» ولا «شارحه» في «المستدرك» أنهم سموا موهوبا بالواو.
[5] كذا في جميع الأصول وسيرد فيما يلي: «رشيد» (انظر الصحف 272 و279 و283 من هذا الجزء).
[6] زيادة في ط.
[7] في أ، ح، م: «المرى».
المغرب) فقال: إي بأبي أنت، إنه من جاع انتجع، فدعها تسر في الناس فإنه «من يسمع [1] يخل». قال الزبير قال ابن مسلمة [2]: ولمّا قال ابن ميّادة هذه الأبيات قال الحكم الخضريّ يردّ عليه:
رد عليه الحكم الخضري فخره بأمه وهجاه
ومالك فيهم من أب ذي دسيعة [3] ... ولا ولدتك المحصنات الكرائم
وما أنت إلّا عبدهم إن تربهم ... من الدهر يوما تستربك المقاسم
رمى نهبل في فرج أمّك رمية ... بحوقاء تسقيها العروق الثّواجم [4]
شاعر مخضرم وضعه ابن سلام في الطبقة السابعة
قال أبو مسلمة: ونهبل عبد لبني مرّة كانت ميّادة تزوّجته بعد سيّدها، وكانت صقلبيّة. وابن ميّادة شاعر فصيح مقدّم مخضرم من شعراء الدولتين. وجعله ابن سلّام [5] في الطبقة السابعة، وقرن به عمر [6] بن لجأ والعجيف [7] العقيلي والعجير [8] السّلوليّ.
/ كان يتعرّض للمهاجاة ويقول لأمه اصبري على الهجو
أخبرني عليّ بن سليمان الأخفش قال حدثنا الحسن بن الحسين السّكّري قال حدّثنا محمد بن حبيب عن ابن الأعرابيّ قال: كان ابن ميّادة عرّيضا للشرّ، طالبا مهاجاة الشعراء ومسابّة الناس. وكان يضرب بيده على جنب أمه ويقول:
اعرنزمي [9] ميّاد للقوافي
أي إني سأهجو الناس فيهجونك.
وأخبرنا يحيى بن عليّ عن أبي هفّان بهذه الحكاية مثله، وزاد فيها:
اعرنزمي ميّاد للقوافي ... واستسمعيهنّ [10] ولا تخافي
__________
[1] هذا مثل، قال في «اللسان» مادة خال نقلا عن أبي عبيدة: ومعناه من يسمع أخبار الناس ومعايبهم يقع في نفسه عليهم المكروه، وقد فسره بذلك أيضا الميداني في «معجم الأمثال».
[2] كذا في جميع الأصول ولكن الذي تقدّم في سند هذا الخبر وهو من روى عنه الزبير ذكر باسم أبي مسلمة، وسيذكر بعد قليل أيضا باسم أبي مسلمة في جميع الأصول.
[3] الدسيعة: كرم الفعل، وقيل: مائدة الرجل إذا كانت كريمة.
[4] الثواجم: جمع ثاجم، والثاجم: دائم الصب، من قولهم: ثجمت السماء إذا دام مطرها.
[5] اطلعنا على «طبقات الشعراء» لابن سلام فلم نجد فيها ذكرا لابن ميادة.
[6] عمر بن لجأ التيميّ من تيم الرباب عدّه ابن سلام في الطبقة الرابعة وذكر له شيئا من شعره. وورد ذكره في «الأغاني» (ج 7 ص 44 و48 و68 و72 و73 و74 وج 16 ص 115 وج 19 ص 22 طبع بولاق).
[7] العجيف العقيلي لم يرد ذكره في ابن سلام، وورد في «الأغاني» (ج 16 ص 124 و125 طبع بولاق).
[8] العجير بن عبد اللّه السلوليّ عدّه ابن سلام في الطبقة الخامسة وله ترجمة في «الأغاني» (ج 11 ص 152 - 159 طبع بولاق).
ولهذا لا يستبعد أن يكون أبو الفرج قد أخطأ الرواية في هذا النقل أو أنه روى ذلك مشافهة عن ابن سلام، وابن سلام لم يذكره في كتابه كما أخبره بأن يكون غير رأيه بعد حين تدوينه كتابه، أو أن أبا الفرج اطلع على نسخة أخرى من الطبقات دخلها النقص فيما بعد حتى وصلت إلينا كما هي الآن.
[9] أعرنزمي: اشتدّي، يقال: اعرنزم الشيء إذا اشتدّ وصلب.
[10] استسمع: سمع.
ستجدين ابنك ذا قذاف [1]
استنشد امرأة أمام أمه عما قيل في هجوها فأنشدته
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثنا داود بن علّفة الأسديّ قال: جاورت امرأة من الخضر: (رهط الحكم الخضريّ) أبيات ابن ميّادة، فجاءت ذات يوم تطلب رحى وثفالا [2] لتطحن، فأعاروها إيّاهما فقال لها ابن ميّادة: يا أخت الخضر، أتروين شيئا مما قاله الحكم الخضريّ لنا، يريد بذلك أن تسمع أمّه، فجعلت تأبى، فلم يزل حتى أنشدته:
أميّاد قد أفسدت سيف ابن ظالم ... ببظرك حتى عاد أثلم باليا
قال: وميّادة جالسة تسمع. فضحك الرّماح، وثارت ميّادة إليها بالعمود تضربها به وتقول: أي زانية! هيا زانية! أإيّاي تعنين! وقام ابن ميّادة يخلّصها، فبعد لأي [3] مّا أنقذها، وقد انتزعت منها الرّحى والثّفال.
كان معه شماطيط وورد عليه هجاء أمه فأسمعه إياه
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزبير بن بكّار قال حدّثني أبو حرملة منظور بن أبي عديّ الفزاريّ قال حدّثني شماطيط - وهو الذي يقول:
أنا شماطيط الذي حدّثت به ... متى أنبّه للغداء أنتبه [4]
حتى يقال [5] شره ولست به [6]
- قال: كنت جالسا مع ابن ميّادة فوردت عليه أبيات للحكم الخضريّ يقول فيها:
أأنت ابن أشبانيّة أدلجت به ... إلى اللؤم مقلات [7] لئيم جنينها
- أشبانية: صقلبيّة - قال: وأمه ميّادة تسمع فضرب جنبها وقال:
اعرنزمي ميّاد للقوافي
فقالت: هذه جنايتك يابن من خبث وشرّ، وأهوت إلى عصا تريد ضربه بها؛ ففرّ منها وهو يقول:
يا صدقها ولم تكن صدوقا
فصحت به: أيّهما المعنيّ؟ فقال: أضرعهما خدّين وألأمهما جدّين؛ فضربت جنبها الآخر وقلت: فهي إذا
__________
[1] ذا قذاف: ذا نضال ومراماة.
[2] الثفال: جلد يبسط تحت الرحى ليسقط عليه الدقيق.
[3] لأي: جهد وشدّة.
[4] يقال: أنبهه فآنتبه، ونبهه فتنبه. وكان حق الشاعر أن يقول: اتنبه لأنه قال: «أنبه» ومطاوع فعل إنما هو تفعل. لكن لما كان أنبه في معنى أنبه جاز له أن يأتي بمطاوعه وهو انتبه.
[5] روي برفع «يقال» لأنه أريد منه الحال، وإذا أريد من الفعل بعد حتى الحال رفع. انظر «لسان العرب» مادة شمط.
[6] ورد هذا الشعر في «لسان العرب» في مادة «شمط» وجاء فيه هذا الشطر عجزا لصدر لم يذكره المؤلف هنا. وأصل البيت:
ثم أنزّ حوله وأحتبه ... حتى يقال سيد ولست به
والهاء في قوله «و أحتبه» زائدة للوقف.
[7] امرأة مقلات: ليس لها إلا ولد واحد.
ميّادة، وخرجت أعدو في أثر الرّمّاح، وتبعتنا ترمينا بالحجارة وتفتري علينا حتى فتناها.
أصل أمه ميادة وقصة تزوجها أبرد
أخبرني يحيى بن عليّ بن يحيى/ قال حدّثنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه قال حدثني أبو داود الفزاريّ: أنّ ميّادة كانت أمة لرجل من كلب زوجة لعبد له يقال له نهبل،/ فاشتراها بنو ثوبان [1] بن سراقة فأقبلوا بها من الشأم، فلما قدموا وصبّحوا [2] بها المليحة (و هي ماءة لبني سلمى ورحل بن [3] ظالم بن جذيمة) نظر رجل من بني سلمى إليها وهي ناعسة تمايل على بعيرها، فقال: ما هذه؟ قالوا: اشتراها بنو ثوبان [1]؛ فقال: وأبيكم إنّها لميادة تميد وتميل على بعيرها، فغلب عليها «ميّادة». وكان أبرد ضلّة من الضلل [4] ورثّة [5] من الرّثث جلفا لا تخلص إحدى يديه من الأخرى، يرعى على [6] إخوته وأهله، وكانت إخوته كلهم ظرفاء غيره. فأرسلوا ميّادة ترعى الإبل معه فوقع عليها، فلم يشعروا بها إلّا قد أقعسها [7] بطنها، فقالوا لها: لمن ما في بطنك؟ قالت: لأبرد، وسألوه فجعل يسكت ولا يجيبهم، حتّى رمت بالرّمّاح فرأوا غلاما فدغما [8] نجيبا، فأقرّ به أبرد. وقالت بنو سلمى: ويلكم يا بني ثوبان [1]! ابتطنوه [9] فلعله ينجب؛ فقالوا: واللّه ما له غير ميّادة، فبنوا لها بيتا وأقعدوها فيه، فجاءت بعد الرمّاح بثوبان [1] وخليل وبشير بني أبرد، وكانت أوّل نسائه وآخرهنّ، وكانت امرأة صدق، ما رميت بشيء ولا سبّت إلا بنهبل. قال عبد الرحمن بن جهيم الأسديّ في هجائه ابن ميّادة:
هجاه عبد الرحمن بن جهيم الأسدي
لعمري لئن شابت حليلة نهبل ... لبئس شباب المرء كان [10] شبابها
ولم تدر حمراء العجان [11] انهبل ... أبوه أم المرّيّ تبّ تبابها
هجا بني مازن فردّ عليه رجل منهم
قال أبو داود: وكان ابن ميّادة هجا بني مازن وفزارة بن ذبيان، وذلك أنهم ظلموا بني الصارد - والصارد من مرّة - فأخذوا مالهم وغلبوهم عليه حتّى الساعة؛ فقال ابن ميّادة:
__________
[1] في ط: «ثريان».
[2] صبحوا بها المليحة: أتوها صباحا.
[3] في ط: «أبني».
[4] كذا في ط. والضلة: الذي لا خير فيه. وسائر النسخ: «ضلة من الضلال».
[5] الرثة: خشارة الناس (سفلتهم وضعفاؤهم، شبهوا بالرديء من المتاع.
[6] أي يرعى لهم ماشيتهم.
[7] كذا في أغلب النسخ. وفيء، ط: «أقسع» وفي أ، م «أقشع» وكلاهما تحريف. ولم نجد في «كتب اللغة» التي بين أيدينا أقعس متعدّيا، ولعله يريد أن بطنها لنتوئه بالحمل جعلها كالقعساء، وهي من يخرج صدرها ويدخل ظهرها، ومنه قولهم للقوس ينتأ بطنها ويدخل ظهرها: قعساء.
[8] الفدغم: الجسم الطويل في عظم.
[9] ابتطنوه: أي انتجوه واتخذوا منه ولدا، تقول: ابتطنت الناقة عشرة أبطن أي نتجتها عشر مرات.
[10] كان هنا زائدة وهي تزاد في هذا الموضع كقوله:
ولبست سربال الشباب أزورها ... ولنعم كان شبيبة المحتال
[11] العجان: الدبر، وقيل هو ما بين القبل والدبر. وهو سب كان يجري على ألسنة العرب يقال للأعجميّ: يا بن حمراء العجان.
فلأوردنّ على جماعة مازن ... خيلا مقلّصة الحصى ورجالا
ظلّوا بذي أرك [1] كأنّ رءوسهم ... شجر تخطّاه الربيع فحالا
فقال رجل من بني مازن يردّ عليه:
يا بن الخبيثة يابن طلّة [2] نهبل ... هلّا جمعت كما زعمت رجالا
أ ببظر [3] ميدة أم بخصيي نهبل ... أم بالفساة تنازل الأبطالا
ولئن وردت على جماعة مازن ... تبغي القتال لتلقينّ قتالا
قال: وبنو مرّة يسمّون الفساة لكثرة امتيارهم التمر، وكانت منازلهم بين فدك وخيبر فلقبوا بذلك لأكلهم التمر. وقال يحيى بن عليّ في خبره - ولم يذكره عن أحد - : وقال ابن ميّادة يفتخر بأمّه:
شعره في الفخر بنسبه
أنا ابن ميّادة تهوي نجبي ... صلت [4] الجبين حسن مركّبي [5]
ترفعني أمي وينميني [6] أبي ... فوق السحاب ودوين الكوكب
قال يحيى بن عليّ في خبره عن حمّاد عن أبيه عن أبي داود الفزاريّ: إنّ ابن ميّادة قال يفخر بنسب أبيه في العرب ونسب أمّه في العجم:
أليس غلام بين كسرى وظالم ... بأكرم من نيطت عليه التمائم [7]
لو انّ جميع الناس كانوا بتعلة ... وجئت بجدّي ظالم وابن ظالم
/ لظلّت رقاب الناس خاضعة لنا ... سجودا على أقدامنا بالجماجم
سمع الفرزدق شيئا من شعره فانتحله
فأخبرني هاشم بن محمد الخزاعيّ قال حدّثنا أبو غسّان دماذ [9] عن أبي عبيدة قال: كان ابن ميّادة واقفا في الموسم ينشد:
لو انّ جميع الناس كانوا بتلعة
وذكر تمام البيت والذي بعده. قال: والفرزدق واقف عليه في جماعة وهو متلثّم، فلما سمع هذين البيتين
__________
[1] ذوأرك (بضمتين): موضع بين تيماء والمدينة، كما في «معجم ما استعجم» للبكريّ طبع أوروبا ص 209
[2] طلة الرجل: امرأته.
[3] فيء، أ، م: «أ ببطن».
[4] صلت الجبين: واضحة. وفي صفة النبيّ صلى اللّه عليه وآله وسلّم أنه كان صلت الجبين.
[5] مركبي: يريد جسمي، ومن هذه المادة قوله تعالى: (فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ)
[6] ينميني: يرفعني.
[7] في هذا الشعر إقواء، وهو اختلاف حركة الرويّ في الأعراب.
[8] التلعة: ما ارتفع من الأرض وأشرف أو ما انهبط منها وانحدر، فهو من الأضداد. وقيل: التعلة مثل الرحبة.
[9] راجع الحاشية رقم 1 صحيفة 153 جزء أوّل من هذه الطبعة.
أقبل عليه ثم قال: أنت يابن أبرد صاحب هذه الصفة! كذبت واللّه وكذب من سمع ذلك منك فلم يكذّبك؛ فأقبل عليه فقال: فمه يا أبا فراس؛ فقال: أنا واللّه أولى بهما منك، ثم أقبل على راويته فقال: اضممهما إليك:
لو انّ جميع الناس كانوا بتلعة ... وجئت بجدّي دارم وابن دارم
لظلّت رقاب الناس خاضعة لنا ... سجودا على أقدامنا بالجماجم
قال: فأطرق ابن ميّادة فما أجابه بحرف، ومضى الفرزدق فانتحلهما.
كان له أخوان شاعران وقد أتاهم الشعر من قبل جدّهم زهير
أمّ بني ثوبان [1] - وهو أبرد أبو ابن ميّادة والعوثبان [2] وقريض [3] وناعضة، وكان العوثبان وقريض شاعرين - أمّهم جميعا سلمى بنت كعب بن زهير بن أبي سلمى [4].
مهاجاته لعقبة بن كعب بن زهير
ويقال: إن الشعر أتى ابن ميادة عن أعمامه من قبل جدّهم زهير. قال إسحاق في خبره هذا: وحدّثني حميد بن الحارث أن عقبة بن كعب بن زهير نزل المليحة [5] على بني سلمى بن ظالم فأكلوا له بعيرا، وبلغ ابن ميّادة أن عقبة قال في ذلك شعرا، فقال ابن ميّادة يردّ عليه:
ولقد حلفت بربّ مكة صادقا ... لو لا قرابة نسوة بالحاجر [6]
لكسوت عقبة كسوة مشهورة ... ترد المناهل من كلام عائر [7]
وهي قصيدة؛ فقال له عقبة:
ألوما [8] أنني أصبحت خالا ... وذكر الخال ينقص أو يزيد
لقد قلّدت من سلمى رجالا ... عليهم مسحة وهم العبيد
فقال ابن ميّادة:
أن تك خالنا فقبحت [9] خالا ... فأنت الخال تنقص لا تزيد
فيوما في مزينة أنت حرّ ... ويوما أنت محتدك العبيد
__________
[1] في ط: «ثريان».
[2] في «لسان العرب»: العوثبان اسم رجل. ونقل المرتضى هذا في «تاج العروس» وقال: «قلت وهو تصحيف صوابه عوبثان بتقديم الموحدة» وذكر في مادة عبث اسمين ليس هذا أحدهما.
[3] في ط: «قريض وناعصة». ولم نعثر على هذين الاسمين.
[4] ذكر صاحب «لسان العرب»: أنه ليس في العرب سلمى بوزن فعلى (بضم الفاء) غير أبي سلمى هذا.
[5] مليحة: موضع في بلاد بني تميم، وكان به يوم بين بني يربوع وبسطام بن قيس الشيبانيّ. ومليحة أيضا: اسم جبل في غربيّ سلمى أحد جبلي طي وبه آبار كثيرة.
[6] الحاجر: اسم مكان بطريق مكة وهو من منازل الحاج.
[7] عائر: سائر، يقال: قصيدة عائرة أي سائرة.
[8] كذا في أغلب الأصول، وفي ط: «لوما».
[9] كذا في ط وفي سائر النسخ: «قبحت» بتشديد الباء. وقد رجحنا الرواية الأولى لأنه دعاء يجب اقترانه بالفاء.
أحقّ الناس أن يلقى هوانا ... ويؤكل ماله العبد الطّريد
أوصاف ابن ميادة
قال إسحاق فحدّثني عجرمة [1] قال: كان ابن ميّادة أحمر سبطا [2] عظيم الخلق [3] طويل اللّحية، وكان لبّاسا عطرا، ما دنوت من رجل كان أطيب عرفا منه.
مقارنة بينه وبين النابغة
قال إسحاق: وحدّثني أبو داود قال: سمعت شيخا عالما من غطفان يقول: كان الرّمّاح أشعر غطفان في الجاهلية والإسلام، وكان خيرا لقومه من النابغة، لم يمدح غير قريش وقيس، وكان النابغة إنما يهذي باليمن مضلّلا حتى مات.
هو كثير السقط في شعره
قال إسحاق: وحدّثني أبو داود أن بني ذبيان تزعم أن الرّمّاح بن ميّادة كان آخر الشعراء. قال إسحاق:
وحدّثني أبو صالح الفزاريّ أن القاسم بن جندب الفزاريّ، وكان عالما، قال لابن ميّادة: واللّه لو أصلحت شعرك لذكرت به، فإنّي لأراه/ كثير السّقط [4]؛ فقال له ابن ميادة: يابن جندب، إنما الشعر كنبل في جفيرك [5] ترمى به الغرض، فطالع وواقع وعاصد [6] وقاصد.
كان في أيام هشام وبقي إلى خلافة المنصور
أخبرنا أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ قال حدّثنا عمر بن شبّة قال: كان ابن ميّادة حديث العهد لم يدرك زمان قتيبة بن مسلم، ولا دخل فيمن عناه حين قال: «أشعر قيس الملقّبون من بني عامر والمنسوبون إلى أمهاتهم من غطفان»، ولكنه شاعر مجيد كان في أيام هشام بن عبد الملك وبقي إلى زمن المنصور.
مدح بني أمية وبني هاشم
أخبرنا يحيى بن عليّ قال: كان ابن ميّادة فصيحا يحتجّ بشعره، وقد مدح بني أمية وبني هاشم: مدح من بني أمية الوليد بن يزيد وعبد الواحد بن سليمان، ومدح من بني هاشم المنصور وجعفر بن سليمان.
__________
[1] في ح وعلى هامش «أ»: «عكرمة».
[2] سبطا: طويلا حسن القدّر والاستواء؛ قال الشاعر:
فجاءت به سبط العظام كأنما ... عمامته بين الرجال لواء
[3] كذا في ح. وفي سائر النسخ: «عظيم الخلق طويل اللحية» ووصفه بالسبوطة مغن عن وصفه بالطول.
[4] في ط: «و اللّه لقد جددت بشعرك وذكرت به وإني لأراه كثيرا لسقط». والمجدود المحظوظ المبخوت.
[5] الجفير: ما توضع فيه السهام.
[6] كذا في أغلب النسخ، والعاصد: الملتوي الذي لا يصيب الهدف. وفي ط: «و قاصد وقاصر».
علم أنه شاعر حين وافق الحطيئة في بيت قاله
وأخبرني هاشم بن محمد الخزاعيّ قال حدّثنا الرّياشيّ عن الأصمعيّ قال أخبرني طمّاح ابن أخي الرّمّاح ابن ميّادة قال:
قال لي عمّي الرّمّاح: ما علمت أنّي شاعر حتى واطأت [1] الحطيئة، فإنه قال:
عفا مسحلان من سليمى فحامره ... تمشّى به ظلمانه وجآذره
/ فو اللّه ما سمعته ولا رويته فواطأته بطبعي فقلت:
فذو العشّ [2] والممدور [3] أصبح قاويا [4] ... تمشّى به ظلمانه وجآذره
فلما أنشدتها قيل لي: قد قال الحطيئة:
تمشّى به ظلمانه وجآذره
فعلمت أني شاعر حينئذ.
كان ينسب بأم جحدر وشعره فيها
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزبير بن بكّار قال حدّثني موسى بن زهير بن مضرّس قال: كان الرّمّاح بن أبرد المعروف بابن ميّادة ينسب بأمّ جحدر بنت حسّان المرّيّة إحدى نساء بني جذيمة، فحلف أبوها ليخرجنّها إلى رجل من غير عشيرته ولا يزوّجها بنجد؛ فقدم عليه رجل من الشام فزوّجه إياها؛ فلقي عليها ابن ميّادة شدّة، فرأيته وما لقي عليها، فأتاها نساؤها ينظرن إليها عند خروج الشاميّ بها. قال: فو اللّه ما ذكرن منها جمالا بارعا ولا حسنا مشهورا، ولكنّها كانت أكسب الناس لعجب. فلمّا خرج بها زوجها إلى بلاده اندفع ابن ميّادة يقول:
ألا ليت شعري هل إلى أمّ جحدر ... سبيل فأما الصبر عنها فلا صبرا [5]
إذا نزلت بصرى تراخى مزارها ... وأغلق بوّابان من دونها قصرا
/ فهل تأتينّي الريح تدرج موهنا ... بريّاك تعروري [6] بها جرعا عفرا
__________
[1] أي وافقته.
[2] ذو العش، ذكر ياقوت في «معجم البلدان»: أنه من أودية العقيق بنواحي المدينة. وذكر البكريّ في «معجم ما استعجم» ص 684:
أنه موضع ببلاد بني مرة دون حرة النار بليلة، وأنشد عليه قول ابن ميادة:
فلم ترعيني مربعا بعد مربع ... بذي العش لو كان النعيم يدوم
[3] الممدور: موضع في ديار غطفان.
[4] قاويا: مقفرا خاليا.
[5] هذا البيت أورده سيبويه شاهدا على أن الحجازيين ينصبون المفعول لأجله المعرّف كما ينصبون المنكر. والشاهد في قوله «الصبر» فإنه منصوب على المفعول له. وبنو تميم لا ينصبون المعرّف ويرفعون الصبر في البيت على أنه مبتدأ. (انظر «كتاب سيبويه» ج 1 ص 193 طبع بولاق).
[6] كذا فيء، أ. وتعرورى: تركب، يقال: اعرورى الفرس. أو البعير أي ركبه عريا واستعارة تأبط شرا للمهلكة فقال:
يظل بموماة ويمسي بغيرها ... جحيشا ويعرورى ظهور المهالك
ويقال: اعرورى مني أمرا قبيحا أي ركبه. ولم يجيء في الكلام افعوعل متعديّا ألا اعروريت واحلوليت المكان إذا استحليته. وفي باقي النسخ «تعروني» وهو تحريف وجرع (بالتحريك): جمع جرعة (بالتحريك أيضا)، وهي الأرض ذات الحزونة تشاكل الرمل، -
قال الزبير: وزادني عمّي مصعب فيها:
فلو كان نذر مدنيا أمّ جحدر ... إليّ لقد أوجبت في عنقي نذرا
ألا لا تلطّي [1] السّتر يا أمّ جحدر ... كفى بذرا الأعلام من دوننا سترا
لعمري لئن أمسيت يا أمّ جحدر ... نأيت لقد أبليت في طلب عذرا
فبهرا لقومي إذ يبيعون مهجتي ... بغانية [2] بهرا لهم بعدها بهرا
قال الزبير: بهرا ها هنا: يدعو عليهم أن ينزل بهم من الأمور ما يبهرهم، كما تقول: جدعا وعقرا. وفي أوّل هذه القصيدة - على ما رواه يحيى بن عليّ عن حمّاد بن إسحاق عن أبيه عن حميد بن/ الحارث - يقول:
ألا لا تعدلي لوعة مثل لوعتي ... عليك بأدمى والهوى يرجع الذّكرا
عشيّة ألوي بالرّداء على الحشا ... كأنّ ردائي مشعل دونه جمرا
تزوّج أم جحدر وما قاله ابن ميادة في ذلك
قال حميد بن الحارث: وأمّ جحدر امرأة من بني رحل بن ظالم بن جذيمة بن يربوع بن غيظ بن مرّة.
/ أخبرني يحيى بن عليّ قال حدّثنا حماد بن إسحاق عن أبيه وأخبرني الحرميّ بن أبي العلاء عن الزبير عن موهوب [3] بن رشيد عن جبر [4] بن رباط النّعاميّ: أن أمّ جحدر كانت امرأة من بني مرّة ثم من بني رحل، وأنّ أباها بلغه مصير ابن ميّادة إليها، فحلف ليزوّجنّها رجلا من غير ذلك البلد، فزوّجها رجلا من أهل الشام فاهتداها [5] وخرج بها إلى الشام، فتبعها ابن ميّادة، حتى أدركه أهل بيته فردّوه مصمتا [6] لا يتكلم من الوجد بها؛ فقال قصيدة أوّلها:
خليليّ من أبناء [7] عذرة بلّغا ... رسائل منّا لا تزيدكما وقرا [8]
ألمّا على تيماء نسأل يهودها ... فإنّ لدى تيماء من ركبها خبرا [9]
وبالغمر قد جازت وجاز مطيّها ... عليه فسل عن ذاك نيّان [10] فالغمرا
ويا ليت شعري هل يحلّنّ أهلها ... وأهلك روضات ببطن اللّوى خضرا
__________
- وقيل: الرملة السهلة المستوية.
[1] كذا فيء، ولا تلطي: لا ترخي، يقال: لط الستر إذا أرخاه وسدله. وفي باقي النسخ «لا تلظي» بالظاء المعجمة، وهو تحريف.
[2] في م، أ: «بجارية».
[3] كذا ورد هذا الاسم هنا في جميع النسخ وقد تقدّم قريبا باسم «مرهوب بن سيد». انظر الحاشية رقم 5 ص 261 من هذا الجزء.
[4] كذا في أغلب النسخ. وفيء، ط: «جزء».
[5] كذا في ط. واهتدى الرجل امرأته إذا جمعها وضمها إليه، من هداء العروس وهو زفها إلى زوجها. وفي سائر النسخ: «فأهداها».
[6] مصمتا: صامتا.
[7] كذا في أ، م. وفي سائر النسخ: «أفناء» وهو تحريف.
[8] الوقر (بالكسر): الثقل يحمل على الظهر.
[9] الخبر (بالضم والكسر): العلم بالشيء.
[10] نيان والغمر: موضعان ببادية الشأم قرب تيماء. وقد روى ياقوت في «معجمه» بيت ابن ميادة هكذا:
وبالغمر قد جازت وجاز حمولها ... فسقى الغوادي بطن نيان فالغمرا
قصة عشقه لها
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثني أبو سعيد (يعني عبد اللّه بن شبيب) قال حدّثني أبو العالية الحسن بن مالك وأخبرني به الأخفش عن ثعلب عن عبد اللّه بن شبيب عن أبي العالية الحسن بن مالك الرّياحيّ العذريّ قال حدّثني عمر بن وهب العبسيّ قال حدّثني زياد بن عثمان الغطفانيّ من بني عبد اللّه بن غطفان قال: كنّا بباب بعض ولاة المدينة فغرضنا [1] من طول الثّواء، فإذا أعرابيّ يقول:/ يا معشر العرب، أما منكم رجل يأتيني أعلّله إذ غرضنا من هذا المكان فأخبره عن أمّ جحدر وعنّي؟ فجئت إليه فقلت: من أنت؟ فقال: أنا الرّمّاح بن أبرد، قلت: فأخبرني ببدء أمركما؛ قال: كانت أمّ جحدر من عشيرتي فأعجبتني، وكانت بيني وبينها خلّة، ثم إني عتبت عليها في شيء بلغني عنها، فأتيتها فقلت: يا أمّ جحدر إنّ الوصل عليك مردود؛ فقالت: ما قضى اللّه فهو خير.
فلبثت على تلك الحال سنة، وذهبت بهم نجعة فتباعدوا، واشتقت إليها شوقا شديدا، فقلت لأمرأة أخ لي: واللّه لئن دنت دارنا من أمّ جحدر لآتينّها ولا طلبنّ إليها أن تردّ الوصل بيني وبينها، ولئن ردّته لا نقضته أبدا، ولم يكن يومان حتى رجعوا، فلمّا أصبحت غدوت عليهم فإذا أنا ببيتين نازلين إلى سند [2] أبرق طويل، وإذا امرأتان جالستان في كساء واحد بين البيتين، فجئت فسلّمت، فردّت إحداهما ولم تردّ الأخرى، فقالت: ما جاء بك يا رمّاح إلينا؟ ما كنّا حسبنا إلّا أنه قد انقطع ما بيننا وبينك؛ فقلت: إني جعلت عليّ نذرا لئن دنت بأمّ جحدر دار لآتينّها ولأطلبنّ منها أن تردّ الوصل بيني وبينها، ولئن هي فعلت لا نقضته أبدا، وإذا التي تكلّمني امرأة أخيها وإذا الساكتة أمّ جحدر؛ فقالت امرأة أخيها: فادخل مقدّم البيت فدخلت، وجاءت فدخلت من مؤخّره فدنت قليلا، ثم إذا هي قد برزت، فساعة برزت جاء غراب فنعب على رأس/ الأبرق فنظرت إليه وشهقت وتغيّر وجهها؛ فقلت: ما شأنك؟
قالت: لا شيء، قلت: باللّه إلّا أخبرتني؛ قالت: أرى هذا الغراب يخبرني أنّا لا نجتمع بعد هذا اليوم إلّا ببلد غير هذا البلد، فتقبضّت نفسي، ثم قلت: جارية واللّه ما هي/ في بيت عيافة [3] ولا قيافة [4]، فأقمت عندها، ثم تروّحت [5] إلى أهلي فمكنت عندهم يومين، ثم أصبحت غاديا إليها، فقالت لي امرأة أخيها: ويحك يا رمّاح! أين تذهب؟ فقلت: إليكم؛ فقالت: وماتريد؟ قد [6] واللّه زوّجت أمّ جحدر البارحة، فقلت: بمن ويحك؟ قالت:
برجل من أهل الشأم من أهل بيتها، جاءهم من الشام فخطبها فزوّجها وقد حملت إليه، فمضيت إليهم فإذا هو قد ضرب سرادقات، فجلست إليه فأنشدته وحدّثته وعدت إليه أياما، ثم إنه احتملها فذهب بها فقلت:
أجارتنا إنّ الخطوب تنوب ... علينا وبعض الآمنين تصيب
__________
[1] غرضنا: ضجرنا، يقال: غرض منه غرضا فهو غرض إذا ضجر منه وقلق.
[2] السند: ما ارتفع من الأرض من قبل الجبل أو الوادي، وقيل: السند: ما قابلك من الجبل وعلا عن السفح. والأبرق من الجبال: ما كان له لونان من سواد وبياض. وقال ابن الأعرابي: الأبرق: الجبل مخلوطا برمل.
[3] العيافة: زجر الطير والتفاؤل بأسمائها وأصواتها وممرّها. والمعروف بالعيافة من العرب بنو أسد وبنو لهب وهم حيّ من الأزد (انظر «اللسان» مادة عاف و«شرح الشواهد الكبرى» للعينيّ بهامش «خزانة الأدب» للبغداديّ ص 159 ج 1).
[4] القيافة: تتبع الآثار ومعرفتها. والقائف هو الذي يتتبع الآثار ويعرفها ويعرف شبه الرجل بأبيه وأخيه. والمعروف بالقيافة من العرب بنو مدلج قبيلة من كنانة.
[5] تروّحت: سرت.
[6] يفصل بين قد والفعل بالقسم كقوله:
أ خالد قد واللّه أوطأت عشوة ... وما قائل المعروف فينا يعنف
أجارتنا لست الغداة ببارح ... ولكن مقيم ما أقام عسيب [1]
فإن تسأليني هل صبرت فإنني ... صبور على ريب الزمان صليب
قال عليّ بن الحسين: هذه الأبيات الثلاثة أغار عليها ابن ميّادة فأخذها بأعيانها، أما البيتان الأوّلان فهما لامرىء القيس قالهما لمّا احتضر بأنقرة في بيت واحد وهو:
أ جارتنا إن الخطوب تنوب ... وإنّي مقيم ما أقام عسيب
والبيت الثالث لشاعر من شعراء الجاهلية، وتمثل به أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام في رسالة كتب بها إلى أخيه عقيل بن أبي طالب، فنقله ابن ميّادة نقلا. ونرجع إلى باقي شعر ابن ميّادة:
جرى بانبتات الحبل من أمّ جحدر ... ظباء وطير بالفراق نعوب
نظرت فلم أعتف وعافت فبيّنت ... لها الطير قبلي واللبيب لبيب
/ فقالت حرام أن نرى بعد هذه ... جميعين إلا أن يلمّ غريب
أجارتنا صبرا فيا ربّ هالك ... تقطّع من وجد عليه قلوب
رحل إلى الشأم لرؤيتها فردّته
قال: ثم انحدرت في طلبها، وطمعت في كلمتها: «إلّا أن نجتمع في بلد غير هذا البلد». قال: فجئت فدرت الشأم زمانا فتلقّاني زوجها فقال: مالك لا تغسل ثيابك هذه! أرسل بها إلى الدار تغسل، فأرسلت بها؛ ثم إنّي وقفت أنتظر خروج الجارية بالثياب، فقالت أمّ جحدر لجاريتها: إذا جاء فأعلميني؛ فلما جئت إذا أمّ جحدر وراء الباب فقالت: ويحك يا رمّاح! قد كنت أحسب أن لك عقلا! أما ترى أمرا قد حيل دونه وطابت أنفسنا عنه؟ انصرف إلى عشيرتك فإنّي أستحيى لك من هذا المقام؛ فانصرفت وأنا أقول:
صوت
عسى إن حججنا أن نرى أمّ جحدر ... ويجمعنا من نخلتين [2] طريق
وتصطكّ أعضاد المطيّ وبيننا ... حديث مسرّ دون كلّ رفيق [3]
في هذين البيتين لحن من الثقيل الثاني ذكر الهشاميّ أنه للحجبيّ [4].
شعره فيها
__________
[1] عسيب: اسم جبل بعالية نجد، يقال: لا أفعل كذا ما أقام عسيب، أي لا أفعله أبدا.
[2] النخلتان: واديان عن يمين بستان ابن عامر وشماله، ويقال لهما النخلة اليمانية والنخلة الشامية.
[3] في هذين البيتين إقواء وهو اختلاف حركة الروي. وقد نسب ياقوت في اسم «نخلتين» من «معجمة» هذين البيتين إلى الفأفاء بن برمة من بني عوف بن عمرو بن كلاب الكلابيّ.
[4] كذا فيء. وهو الموافق لما تقدّم في ج 1 ص 19، 185 من «الأغاني» طبع دار الكتب ولما سيأتي في ج 14 ص 175 «أغاني» طبع بولاق. وفي سائر النسخ: «للحجني» بالنون.
وقال حين خرج إلى/ الشام - هذه رواية ابن شبيب [1] - :
ألا حيّيا رسما بذي العشّ [2] مقفرا ... وربعا بذي الممدور [2] مستعجما قفرا
فأعجب دار دارها غير أنني ... إذا ما أتيت الدار ترجعني صفرا [3]
عشية أثني بالرّداء على الحشى ... كأنّ الحشى من دونه أسعرت جمرا [4]
يميل بنا شحط النّوى ثم نلتقي ... عداد الثّريّا [5] صادفت ليلة بدرا
وبالغمر قد جازت وجاز مطيّها ... فأسقى الغوادي بطن نيّان فالغمرا
خليليّ [6] من غيظ بن مرّة بلّغا ... رسائل منّي لا تزيد كما وقرا
ألا ليت شعري هل إلى أمّ جحدر ... سبيل [7]، فأما الصبر عنها فلا صبرا
فإن يك نذر راجعا أمّ جحدر ... عليّ لقد أوذمت [8] في عنقي نذرا
وإني لاستنشي [9] الحديث من اجلها ... لأسمع منها [10] وهي نازحة ذكرا
وإني لأستحيى من اللّه أن أرى ... إذا غدر الخلّان أنوي لها غدرا
/ أخبرني محمد بن مزيد قال حدثنا حمّاد عن أبيه قال أنشدني أبو داود لابن ميّادة وهو يضحك منذ أنشدني إلى أن سكت:
أ لم تر أن الصارديّة [11] جاورت ... ليالي بالممدور غير كثير
__________
[1] كذا في ط. وفي سائر النسخ: «ابن حبيب» ولم يتقدم لابن حبيب ذكر في هذا السند وإنما الذي تقدّم ذكره في سند هذا الخبر في صفحة 272 هو عبد اللّه بن شبيب.
[2] انظر الكلام عليهما في الحاشيتين 1 و2 بصفحة 270 من هذا الجزء.
[3] الصفر (مثلث الصاد): الشيء الخالي، يقال: بيت صفر من المتاع أي خال، ورجل صفر اليدين أي ليس فيهما شيء. وهو مأخوذ من الصفير وهو الصوت الخالي عن الحروف.
[4] تقدم هذا البيت في ص 271 برواية أخرى غير هذه الرواية.
[5] العرب تقول: ما يأتينا فلان إلا عداد القمر الثريا وإلا قران القمر الثريا أي ما يأتينا في السنة إلا مرة واحدة، أنشد أبو الهيثم لأسيد بن الحلاحل:
إذا ما قارن القمر الثريا ... لثالثه فقد ذهب الشتاء
قال أبو الهيثم: وإنما يقارن القمر الثريا ليلة ثالثة من الهلال وذلك أوّل الربيع وآخر الشتاء. وقيل هي ليلة في كل شهر تلتقي فيها الثريا والقمر. وفي «الصحاح»: وذلك أن القمر ينزل الثريا في كل شهر مرة. قال ابن برّي: صوابه أن يقول: لأن القمر يقارن الثريا في كل سنة مرة وذلك في خمسة أيام من آذار. قال ابن منظور: رأيت بخط القاضي شمس الدين أحمد بن خلكان: هذا الذي استدركه الشيخ علي الجوهريّ لا يرد عليه لأنه قال: إن القمر ينزل الثريا في كل شهر مرة، وهذا كلام صحيح لأن القمر يقطع الفلك في كل شهر مرة ويكون كل ليلة في منزلة والثريا من جملة المنازل فيكون القمر فيها في الشهر مرة.
[6] تقدّمت رواية هذا البيت قريبا:
خليليّ من أبناء عذرة
[7] كذا في ح، أ، م. وفي باقي النسخ «رسيل» والرسيل: الرسالة كما روي عن ثعلب.
[8] أوذمت: أوجبت، يقال: أو ذم على نفسه حجا أو سفرا أي أوجبه.
[9] استنشي الحديث: أتعرّفه وأبحث عنه، ومنه المستنشية للكاهنة، لأنها كانت تستنشي الأخبار أي تبحث عنها.
[10] كذا في جميع الأصول ولعله: «عنها».
[11] الصاردية: نسبة إلى بني صارد وهم حيّ من بني مرة بن عوف بن عطفان، ومنهم الشاعر حنش بن قراد الصارديّ.
ثلاثا فلمّا أن أصابت فؤاده ... بسهمين من كحل دعت بهجير
بأصهب [1] يرمي للزّمام برأسه ... كأنّ على ذفراه [2] نضخ [3] عبير
جلت إذ جلت عن أهل نجد حميدة ... جلاء غنى لا جلاء فقير
وقالت وما زادت على أن تبسمت ... عذيرك [4] من ذي شيبة وعذيري
عدمت الهوى ما يبرح الدهر مقصدا [5] ... لقلبي بسهم في اليدين طرير [6]
وقد كان قلبي مات للوجد موتة ... فقد همّ قلبي بعدها بنشور
قال: فقلت: ما أضحكك؟ فقال: كذب ابن ميّادة، واللّه ما جلت إلّا على حمار وهو يذكر بعيرا ويصفه وأنها جلت جلاء غنى لا جلاء فقير، فأنطقه الشيطان بهذا كلّه كما سمعت.
/ أخبرني الحرميّ قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثني موسى بن زهير قال: مكثت أمّ جحدر عند زوجها زمانا ثم مات زوجها [عنها] [7] ومات ولدها منه، [فقدمت نجدا على إخوتها وقد مات أبوها [8]].
قص على سيار خبره معها آخر عهده بها حتى تزوّجت
أخبرني سيّار بن نجيح [9] المزنيّ قال: لقيت ابن ميّادة وهو يبكي فقلت له: ويحك! مالك؟ قال: أخرجتني أمّ جحدر وآلت يمينا ألّا تكلّمني، فانطلق فاشفع لي عندها؛ فخرجت حتى غشيت رواق بيتها فوجدتها وهي تدمك [10] جريرا لها بين الصّلاية [11] والمدقّ تريد أن تخطم به بعيرا تحجّ عليه؛ فقالت: إن كنت جئت شفيعا لابن ميّادة فبيتي حرام عليك أن تلقي فيه قدمك. قال: فحجّت، ولا واللّه ما كلّمته ولا رآها ولا رأته. قال موسى قال سيّار: فقلت له: اذكر لي يوما ما رأيته منها؛ فقال لي: أما واللّه لأخبرنّك يا سيّار بذلك: بعثت إليها عجوزا منهم فقلت: هل ترين من رجال؟ فقالت: لا واللّه، ما رأيت من رجل؛ فألقيت رحلي على ناقتي ثم أرسلتها حتى أنختها بين أطناب بيتهم؛ ثم/ جعلت أقيّد الناقة، فما كان الإ ذاك حتى دخلت وقد ألقت لي فراشا مرقوما [12]
__________
[1] الصهبة في لون الإبل: أن يعلو الشعر حمرة وأصوله سود فإذا دهن خيّل إليك أنه أسود. وقيل: هي أن يحمرّ الشعر كله.
[2] الذفرى: الموضع الذي يعرق من البعير خلف الأذن.
[3] يقال: نضخت الثوب نضخا (من بابي ضرب ونفع) إذا بللته، كالنضح بالحاء. وقد اختلف في أيهما أكثر، والأكثر أن النضخ بالمعجمة أقل من النضح بالمهملة. وفرق الأصمعيّ بينهما فقال في النضخ: إنه لا يتصرف فلا يرد منه فعل ولا فاعل فلا يقال إلا أصابني نضخ من كذا.
[4] يقال: عذيرك من فلان بالنصب أي هات من يعذرك منه إذا جازيته بصنعه.
[5] مقصدا: مصيبا قاتلا، تقول: أقصدت الرجل إذا رميته أو طعنته بسهم فلم تخطيء مقاتله. وفي ط: «موفقا» يقال: أوفق السهم وبالسهم إيفاقا: وضع الفوق في الوتر ليرمي كأنه مقلوب أفوق، ولا يقال أفوق على الأصل إلا نادرا. وفي أ، م: «موشقا» يقال أوشق الشيء في الشيء إذا نشب فيه.
[6] السهم الطرير: المحدّد.
[7] الزيادة عن ح.
[8] هذه الزيادة في ح، س، م، أ.
[9] لم نعثر فيه على ضبط خاص. وقد سمي بنجيح كزبير وكأمير.
[10] تدمك: ترقق وتلين. والجرير: حبل من أدم ملين يخطم به البعير
[11] الصلاية: كل حجر عريض يدق عليه عطر أو حنظل.
[12] هذه الكلمة سقطت من ط.
مطموما [1]، وطرحت لي وسادتين على عجز الفراش وأخريين على مقدّمه؛ قال: ثم تحدّثنا ساعة وكأنما تلعقني بحديثها الرّبّ [2] من حلاوته، ثم إذا هي تصبّ في عسّ [3] مخضوب بالحنّاء والزعفران من ألبان اللّقاح، فأخذت منها ذلك/ العسّ وكأنه قناة فراوحته بين يديّ، ما ألقمته فمي ولا دريت أنه معي حتى قالت لي عجوز: ألا تصلّي يابن ميادة لا صلّى اللّه عليك فقد أظلّك صدر النهار [4]! ولا أحسب إلا أنّني في أوّل البكرة؛ قال: فكان ذلك اليوم آخر يوم كلّمتها فيه حتّى زوّجها أبوها، وهو أظرف [5] ما كان بيني وبينها.
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثني حكم [6] بن طلحة الفزاريّ ثم المنظوريّ قال:
قال ابن ميّادة: إنّي لأعلم أقصر يوم مرّ بي من الدهر، قيل له: وأيّ يوم هو يا أبا الشّرحبيل؟ قال: يوم جئت فيه أمّ جحدر باكرا فجلست بفناء بيتها فدعت لي بعسّ [7] من لبن فأتيت به وهي تحدّثني، فوضعته على يدي وكرهت أن أقطع حديثها إن شربت، فما زال القدح على راحتي وأنا أنظر إليها حتى فاتتني صلاة الظهر [8] وما شربت.
قال الزبير: وحدّثني أبو مسلمة [9] موهوب بن رشيد بمثل هذا، وزاد في خبره: وقال ابن ميّادة فيها أيضا:
ألم تر أن الصارديّة جاورت ... ليالي بالممدور غير كثير
ثلاثا فلما أن أصابت فؤاده ... بسهمين من كحل [10] دعت بهجير
بأحمر [11] ذيّال العسيب مفرّج [12] ... كأنّ على ذفراه نضخ عبير
حلفت بربّ الراقصات إلى منى ... زفيف القطا يقطعن بطن هبير [13]
لقد كان حبّ الصارديّة بعد ما ... علا في سواد الرأس نبذ قتير [14]
__________
[1] كذا في جميع الأصول ولعله محرّف عن «منضودا» أو نحو ذلك.
[2] الرب بالضم: دبس الرطب إذا طبخ. وفي ح: «و كأنما تلعقني الزبد».
[3] العس: القدح الضخم يروي الثلاثة والأربعة والعدّة. وفي الحديث أنه «كان يغتسل في عس حرز ثمانية أرطال أو تسعة».
[4] كذا في س، م، أ. وفي سائر النسخ: «الرجال» وهو تحريف.
[5] فيء، ط: «أطرف» بالطاء المهملة.
[6] في ح: «حكيم» ولم نعثر على ترجيح إحدى الروايتين.
[7] العس: القدح الضخم.
[8] فيء، ط: «حتى فاتتني الأولى وما شربت». والأولى هي صلاة الظهر. وفي الحديث: «أنه صلى اللّه عليه وآله وسلّم كان يصلي الهجير التي تدعونها الأولى حين تدحض الشمس»، وفسرها القسطلانيّ في ج 1 ص 620 بصلاة الظهر، وقال: لأنها أول صلاة في إمامة جبريل عليه السلام.
[9] كذا في ط وهو الموافق لما تقدّم باتفاق الأصول. وفي سائر النسخ: «أبو سلمة».
[10] كذا روي فيما تقدّم قريبا وفي أغلب الأصول «لغب» بالغين المعجمة ولم يظهر له معنى مناسب. وفي ء: «من لعب» بالعين المهملة.
[11] تقدم هذا البيت قريبا في ص 277 برواية أخرى.
[12] الذيال: طويل الذيل. والعسيب: عظم الذنب، وقيل منبت الشعر منه. والمفرج: ما بان مرفقه عن إبطه، قال الشاعر:
متوسدين زمام كل نجيبة ... ومفرّج عرق المقذ متوق
[13] الهبير: رمل زرود في طريق مكة.
[14] القتير: المشيب. وأصل القتير رؤوس مسامير حلق الدروع تلوح فيها، شبه بها الشيب إذا نقب في سواد الشعر. ونبذ القتير: الشي ء
يكون سفاها أو يكون ضمانة [1] ... على ما مضى من نعمة وعصور
عدمت الهوى لا يبرح الدهر مقصدا ... لقلبي بسهم في الفؤاد طرير
وقد كان قلبي مات للحبّ موتة ... فقد همّ قلبي بعدها بنشور
جلت إذ جلت عن أهل نجد حميدة ... جلاء غنّى لا جلاء فقير
ومما يغنّى فيه من أشعار ابن ميّادة في النّسيب بأمّ جحدر [قوله [2]]:
صوت
ألا يا لقومي للهوى والتذكّر ... وعين قذى إنسانها أمّ جحدر [3]
فلم تر عيني مثل قلبي لم يطر ... ولا كضلوع فوقه لم تكسّر
الغناء لإسحاق ثقيل أوّل بالوسطى.
جاءه سيار في حمالة فرأى جاريته وسمع شعره فيها
أخبرنا الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثنا حكيم [4] بن طلحة الفزاري عن رجل من كلب قال:
/ جنيت جناية فغرمت فيها، فنهضت إلى أخوالي بني مرّة فاستعنتهم فأعانوني، فأتيت سيّار بن نجيح أحد بني سلمى بن ظالم فأعانني، ثم قال: انهض بنا إلى الرمّاح بن أبرد - يعني ابن ميّادة - حتى يعينك، فدفعنا [5] إلى بيتين له، فسألنا عنه فقيل: ذهب أمس؛ فقال سيّار: ذهب إلى أمة [6] لبني سهيل، فخرجنا في طلبه/ فوقعنا [7] عليه في قرارة [8] بيضاء بين حرّتين، وفي القرارة غنم من الضأن سود وبيض، وإذا حمار مقيّد مع الغنم وإذا به معها، فجلسنا فإذا شابّة حلوة صفراء في درّاعة مورّسة [9]، فسلّمنا وجلسنا؛ فقال: أنشديهم مما قلت فيك شيئا؛ فأنشدتنا:
يمنّونني منك اللقاء وإنني ... لأعلم لا ألقاك من دون قابل
__________
- القليل منه، يقال: في اللحية نبذ من شيب، أي قليل.
[1] الضمانة: البلاء.
[2] الزيادة عن ح.
[3] لعل المراد أنّ أم جحدر سبب جريان دموعه كما أنّ القذى يقع في العين فتسيل دموعها.
[4] كذا في أغلب الأصول «حكيم» بالياء. وفي أ، م: «حكم» ولم نعثر على ترجيح إحدى الروايتين. وقد تقدم قريبا باسم حكم في أغلب النسخ.
[5] دفع إلى كذا: انتهى إليه.
[6] كذا في أ، م، ء. وفي ط: «أمة بني سهيل» بالإضافة. وفي باقي النسخ: «أمه» بالهاء وهو تحريف. وسياق الحكاية بعد يدل على ذلك.
[7] في أ، م، ء، ط: «فوقفنا» بالفاء.
[8] القرارة: المطمئن من الأرض. قال أبو حنيفة: القرارة: كل مطمئن اندفع إليه الماء فاستقرّ فيه.
[9] مورّسة: مصبوغة بالورس وهو نبت أصفر يكون باليمن.
إلى ذاك ما حارت أمورك وانجلت ... غياية [1] حبّيك انجلاء المخايل [2]
إذا حلّ أهلي بالجناب [3] وأهلها ... بحيث التقى الغلّان [4] من ذي أرائل [5]
أقل خلّة بانت وأدبر وصلها ... تقطّع منها باقيات الحبائل
وحالت شهور الصيف بين وبينها ... ورفع الأعادي كلّ حقّ وباطل
/ أقول لعذّاليّ لما تقابلا ... عليّ بلوم مثل طعن المعابل [6]
لا تكثرا [7] عنها السؤال فإنها ... مصلصلة [8] من بعض تلك الصّلاصل [9]
من الصّفر لا ورهاء [10] سمج [11] دلالها ... وليست من السّود القصار الحوائل [12]
ولكنّها ريحانة طاب نشرها ... وردت عليها بالضّحى والأصائل
ثم قال لها: قومي فاطرحي [عنك] [13] درّاعتك، فقالت: لا حتى يقول لي سيّار بن نجيح ذلك، فأبى سيّار؛ فقال له ابن ميادة: لئن لم تفعل لافضيت حاجتكما، فقال لها فقامت فطرحتها، فما رأيت أحلى منها. فقال له [سيّار] [14]: فمالك يا أبا الشّرحبيل لا تشتريها؟ فقال: إذا يفسد حبّها.
ابن ميادة وصخر بن الجعد الخضريّ
أخبرني الحرميّ قال حدّثنا الزّبير قال حدّثتني مغيرة بنت أبي عديّ بن عبد الجبّار بن منظور بن زبّان [15] ابن سيّار الفزازيّة قالت أخبرني أبي قال:
__________
[1] الغياية: كل ما أظلك من سحاب أو غبره أو نحوهما. وفي الأصول: «غيابة».
[2] المخايل: جمع مخيلة وهي السحابة التي إذا رأيتها حسبتها ماطرة.
[3] الجناب بكسر الجيم: أرض لغطفان كما نقل أبو حاتم عن الأصمعيّ، وقيل أرض بين فزارة وكلب، وقيل لفزارة وعذرة. ويدل على أن لعذرة فيه شركة قول جميل لبثينة: ما رأيت عبد اللّه بن عمرو بن عثمان يمرّ على البلاط إلا غرت عليك وأنت بالجناب. وكان عبد اللّه هذا فائق الجمال.
[4] الغلان بالضم: منابت الطلح، وهي أودية غامضة في الأرض ذات شجر واحدها غال وغليل.
[5] كذا في ب. وفي س، ح: «أرايل» بالياء من غير همز. وفي أ، م، ط: «أذابل» بالباء الموحدة، ولم نجد في «معجم ياقوت» ولا «معجم ما استعجم» للبكريّ ولا في «كتب اللغة» التي بين أيدينا موضعا يسمى بشيء مما جاء في هذه الأصول.
[6] كذا في ط المعابل جمع معبلة، والمعبلة: نصل طويل عريض، وفي باقي الأصول «المعاول».
[7] كذا فيء، ط. وفي أ، م: «فلا تكثرن» وفي سائر النسخ: «ألا تكثرا».
[8] مصلصلة: مصوّتة.
[9] قال الليث: الصلصل: طائر تسميه العجم الفاختة، ويقال: بل هو الذي يشبهها. وقال الأزهريّ: الصلصة والعكرمة والسعدانة: الحمامة.
[10] ورهاء: خرقاء بالعمل، من الوره وهو الحمق.
[11] السمج: الذي لا ملاحة فيه.
[12] الحوائل: جمع حائلة وهي المتغيرة اللون، يقال: رجل حائل اللون إذا كان أسود متغيرا وحال لونه أي أسودّ.
[13] الزيادة عن أ، م.
[14] الزيادة عن أ، ح.
[15] كذا في «شرح القاموس» للسيد مرتضى مادة «نظر» وكتاب «المعارف» لابن قتيبة ص 55 وفي ب، أ، ح: «زيان». وسيرد كذلك في مواضع متعدّدة من كتاب «الأغاني». وفي س: «ريان». والظاهر أنهما تحريف.
جمعني وابن ميّادة وصخر بن الجعد الخضريّ، مجلس، فأنشدنا ابن ميّادة قوله:
يمنّونني منك اللقاء وإنني ... لأعلم لا ألقاك من دون قابل
/ فأقبل عليه صخر فقال له: المحبّ المكبّ يرجو الفائت ويغمّ [1] الطير، وأراك حسن العزاء يا أبا الشّرحبيل؛ فأعرض عنه ابن ميّادة. قال أبو عديّ فقلت:
صادف درء [2] السّيل سيلا يردعه ... بهضبة تردّه وتدفعه
- ويروي: درء [3] السيل سيل - فقال [4] لي: يا أبا عديّ، واللّه لا أتلطّخ بالخضر مرّتين وقد قال أخو عذرة:
هو العبد أقصى همّه أن تسبّه ... وكان سباب الحرّ أقصى مدى العبد
قال الزبير: قوله يغمّ [1] الطير يقول: إذا رأى طيرا لم يزجرها مخافة أن يقع ما يكره.
قال: فلم يحر إليه صخر بن الجعد جوابا. يعني بقوله: «لا أتلطّخ بالخضر مرّتين» مهاجاته الحكم الخضريّ، وكانا تهاجيا زمانا ثم كفّ ابن ميّادة وسأله الصلح فصالحه الحكم.
ابن ميادة والحكم الخضريّ وبدء تهاجيهما
أخبرني الحرميّ [5] بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدثني أبو مسلمة موهوب [6] بن رشيد عن عبد الرحمن بن الأحول التغلبيّ ثم الخولانيّ قال:
كان أوّل ما بدأ الهجاء بين ابن ميّادة وحكم بن معمر الخضريّ أن ابن ميّادة مرّ بالحكم بن معمر وهو ينشد في مصلّى النبيّ صلى اللّه عليه وآله وسلّم في جماعة من الناس قوله:
لمن الديار كأنّها لم تعمر ... بين الكناس [7] وبين برق [8] محجّر [9]
__________
[1] في جميع النسخ: «يعم» بالعين المهملة، وهو تحريف (انظر الحاشية رقم 1 ص 138 من الجزء الأوّل من «الأغاني» طبع دار الكتب المصرية).
[2] كذا فيء يقال: درأ السيل درءا إذا اندفع. وفي بقية الأصول: «دبر». والدبر: آخر الشيء. وقد جاء هذا البيت في «تاج العروس» مادة «درأ» هكذا:
صادف درء السيل سيل يدفعه ... بهضبة طورا وطورا يمنعه
[3] كذا فيء. وفي ب: «و يروي درّ السيل فقال الخ». وفي أ، م: «و يروى درّ السيل سيل فقال إلخ».
[4] كذا في ط. وفي باقي الأصول: «له».
[5] كذا في أ، م، ء، وهو المعروف بالرواية عن الزبير بن بكار. وفي ب، س، ح: «الحكم بن أبي العلاء» وهو تحريف من النساخ.
[6] كذا في أغلب النسخ. وفي ح: «مرهوب» بالراء وقد تقدّم هذا الاسم مرارا.
[7] الكناس: موضع من بلاد غنّي. قال جرير:
لمن الديار كأنها لم تحلل ... بين الكناس وبين طلح الأعزل
كذا في «معجم ياقوت» في اسم «الكناس». وقال البكريّ في «معجم ما استعجم»: هو موضع ينسب إليه رمل الكناس في بلاد عبد اللّه بن كلاب، قاله ابن الأعرابيّ وأنشد للأعور بن براء من بني عبد اللّه بن كلاب:
رمتني وسرّ اللّه بيني وبينها ... عشية أحجار الكناس رميم
[8] البرق بضم ففتح (و سكنت الراء هنا للضرورة): جمع برقة وهي أرض غليظة مختلطة بحجارة ورمل. قال ابن شميل: الغالب على حجارتها البياض وفيها حجارة سود وحمر وترابها أبيض وأعفر وهو يبرق بلون حجارتها. ويحتمل أن يراد بالبرق واحدة وهي البرقة فإن برقة قد يذكرها الشاعر بلفظ برق. ولهذا الاستعمال شواهد كثيرة (انظرها في «تاج العروس» مادة برق).
[9] محجر (بكسر الجيم المشدّدة وروي بفتحها): اسم لمواضع كثيرة ذكرها ياقوت في اسم المحجر.
حتى انتهى إلى قوله:
يا صاحبيّ ألم تشيما بارقا ... نضح الصّراد [1] به فهضب المنحر [2]
قد بتّ أرقبه وبات مصعّدا ... نهض المقيّد في الدّهاس [3] الموقر [4]
/فقال [له] [5] ابن ميّادة: ارفع إليّ رأسك أيها المنشد، فرفع حكم إليه رأسه؛ فقال له: من أنت؟ قال: أنا حكم بن معمر الخضريّ؛ قال: فو اللّه ما أنت في بيت حسب، ولا في أرومة شعر؛ فقال له حكم: وماذا عبت من شعري؟ قال: عبت أنك أدهست وأوقرت؛ قال له حكم: ومن أنت؟ قال أنا ابن ميّادة؛ قال: ويحك! فلم رغبت عن أبيك وانتسبت إلى أمك؟ قبّح اللّه والدين خيرهما ميّادة، أما واللّه لو وجدت في أبيك خيرا ما انتسبت إلى أمك راعية الضأن. وأما إدهاسي وإيقاري فإني لم آت خيبر إلّا ممتارا لا متحاملا [6]، وما عدوت أن حكيت حالك وحال قومك، فلو [كنت] [7] سكتّ عن هذا لكان خيرا لك وأبقى عليك. فلم يفترقا إلا عن هجاء.
أخبرني الحرميّ قال حدّثنا الزّبير قال حدّثنا عبد اللّه بن إبراهيم الجمحيّ قال حدّثني عمير [8] بن ضمرة الخضريّ قال:
أوّل ما هاج الهجاء بين ابن ميّادة وبين حكم بن معمر بن قنبر بن جحاش بن سلمة بن ثعلبة بن مالك بن طريف بن محارب - قال: والخضر ولد مالك بن طريف، سمّوا بذلك لأن مالكا كان شديد الأدمة، وكذلك خرج ولده فسمّوا الخضر - أن حكما نزل بسمير [9] بن سلمة بن عوسجة بن أنس بن يزيد بن معاوية بن ساعدة بن عمرو وهو خصيلة بن مرّة. فأقبل ابن ميّادة إلى حكم ليعرض عليه شعره وليسمع [10] من شعره، وكان حكم أسنّهما، فأنشدا جميعا جماعة القوم، ثم قال ابن ميّادة: واللّه لقد أعجبني بيتان قلتهما يا حكم؛ قال: أو ما أعجبك من شعري إلا بيتان! فقال:
__________
[1] كذا في «معجم ما استعجم» للبكريّ في اسم الصراد وقد ضبطه بضم أوّله وتخفيف ثانيه وقال إنه موضع تلقاء يأجج ثم أنشد هذا البيت، وقال بعد أن أنشده: هكذا نقلته من خط يعقوب: بضم الصاد، ورواه القالي عن أبي عرفة بكسرها وأنشد للجعديّ:
أسدية ترعى الصراد إذا ... صافت وتحضر جانبي شعر
فذكر أنها من منازل بني أسد. وفي ب، س، ح، ا: «المزار». وفيء، م، ط: «المزاد».
[2] هضب المنحر: هضاب حمر في أرض بني ثعلبة ذكرها البكريّ في «معجم ما استعجم» ص 398 وأنشد عليها هذا البيت.
[3] الدهاس: المكان السهل اللين ليس برمل ولا تراب ولا طين لا ينبت شجرا وتغيب فيه القوائم ويثقل فيه المشي.
والموقر: المثقل، وهو صفة للمقيد.
[4] ورد هذا البيت في «معجم» البكريّ ص 398:
ركب السحاب وظل ينهض مصعدا ... نهض المعبد في الدهاس الموقر
والمعبد: البعير المذلل.
[5] الزيادة عن ح.
[6] يقال: تحامل، أي تكلف الحمل بالأجرة، ومنه الحديث: «كان إذا أمرنا بالصدقة انطلق أحدنا إلى السوق فتحامل». أي تكلف الحمل بالأجرة ليكسب ما يتصدق به.
[7] الزيادة عن ح.
[8] في ح: «عميرة».
[9] في أ، م: «شمير» بالشين المعجمة.
[10] كذا في ط. وفي باقي الأصول: «ليعرض عليه شعره أو يسمع إلخ».
/ واللّه لقد أعجباني، يردّد ذلك مرارا لا يزيده عليه؛ فقال له حكم: فأيّ بيتين هما؟ قال: حين تساهم بين ثوبيها وتقول:
فو اللّه ما أدري أزيدت ملاحة ... وحسنا على النّسوان أم ليس لي عقل
تساهم [1] ثوباها ففي الدّرع [2] غادة [3] ... وفي المرط لفّاوان [4] ردفهما عبل
فقال له حكم: أو ما أعجبك غير هذين البيتين؟ فقال له ابن ميّادة: قد أعجباني، فقال: أو ما في شعري ما أعجبك غيرهما؟ فقال: لقد أعجباني؛ فقال له حكم: فإنّي سوف أعيب عليك قولك:
ولا برح الممدور ريّان مخصبا ... وجيد [5] أعالي شعبه وأسافله
فاستسقيت لأعلاه وأسفله وتركت وسطه وهو خير موضع فيه؛ فقال: وأيّ شيء تريد! تركته لا يزال ريّان مخصبا. وتهاترا فغضب حكم فارتحل ناقته وهدر [6] ثم قال:
فإنّه يوم قريض ورجز
فقال رجل من بني مرّة لابن ميّادة: اهدركما هدر يا رمّاح، فقال: إنّما يغطّ [7] البكر. ثم قال الرّمّاح:
فإنّه يوم قريض ورجز ... من كان منكم ناكزا فقد نكر
وبيّن الطّرف النّجيب فبرز
/ قال الزّبير: يريد بقوله ناكزا: غائضا قد نزف. قال الزّبير: وسمعت رجلا من أهل البادية/ ينزع على أبل له كثيرة من قليب ويرتجز:
قد نكزت أن لم تكن خسيفا [8] ... أو يكن البحر لها حليفا
فضلت أم جحدر ابن ميادة على الحكم وعملس فهجواها
قال الزّبير قال الجمحيّ قال عمير بن ضمرة [9]: فهذا أوّل ما هاج التهاجي بينهما. قال الزّبير قال الجمحيّ: وحدّثني عبد الرحمن بن ضبعان المحاربيّ قال: كان ابن ميّادة وحكم الخضريّ وعملّس بن عقيل بن علّفة [10] متجاورين متحالّين، وكانوا جميعا يتحدّثون إلى أمّ جحدر بنت حسّان المرّيّة، وكانت أمّها مولاة، ففضّلت
__________
[1] تساهم: ثوباها: تقارعا وتقاسما.
[2] الدرع: الثوب الصغير تلبسه الجارية في بيتها.
[3] كذا في أغلب النسخ، والغادة: الفتاة الناعمة اللينة. وفي ط، ء، ح: «رأدة» والرأدة: الشابة الحسنة السريعة الشباب مع حسن غذاء.
[4] المرط: كساء يؤتزر به، ولفاوان: تثنية لفاء وهي الفخذ الضخمة.
[5] جيد: سقي مطرا جوادا أي غزيرا.
[6] هدر الفحل: صوّت في غير شقشقة. وفي «الصحاح»: ردّد صوته في حنجرته.
[7] يغط: يهدر في شقشقته. والبكر: الفتيّ من الإبل.
[8] الخسيف: البئر التي تحفر في الحجارة فلا ينقطع ماؤها كثرة.
[9] في ح: «عميرة بن ضمرة». وفي أ، م، ء، ط: «غيث بن ضمرة».
[10] كذا ورد في «القاموس» مادة علف بضم العين وفتح اللام المشدّدة في علفة هذا والد عقيل، وعلقة والد المستورد الخارجي، ولكن ابن الأثير في «تاريخه» طبع ليدن ج 3 ص 353 قال في ضبط علفة والد المستورد: إنه بضم العين المهملة وتشديد اللام المكسورة وفتح الفاء.
ابن ميّادة على الحكم وعملّس فغضبا. وكان ابن ميّادة قال في أم حجدر:
ألا ليت شعري هل إلى أمّ جحدر ... سبيل فأمّا الصّبر عنها فلا صبرا
ويا ليت شعري هل يحلّنّ أهلها ... وأهلك روضات ببطن اللّوى خضرا
وقال فيها [أيضا [1]]:
إذا ركدت شمس النهار ووضّعت [2] ... طنافسها ولّينها الأعين الخزرا
الأبيات؛ فقال عملّس بن عقيل وحكم الخضريّ يهجوانها - وهي تنسب إلى حكم - :
لا عوفيت [3] في قبرها أمّ جحدر ... ولا لقيت إلّا الكلاليب [4] والجمرا
كما حادثت عبدا لئيما وخلته ... من الزاد إلّا حشو ريطاته صفرا
/ فيا ليت شعري هل رأت أمّ جحدر ... أكشّك [5] أو ذاقت مغابنك [6] القشرا [7]
وهل أبصرت أرساغ [8] أبرد أو رأت ... قفا أمّ رمّاح إذا ما استقت [9] دفرا [10]
وبالغمر قد صرّت [11] لقاحا وحادثت [12] ... عبيدا فسل عن ذاك نيّان [13] فالغمرا
وقال عملّس بن عقيل بن علّفة ويقال: بل قالها علّفة بن عقيل:
فلا تضعا عنها الطنافس إنّما ... يقصّر بالمرماة [14] من لم يكن صقرا
وزاد يحيى بن عليّ مع هذا البيت عن حمّاد عن أبيه عن جرير [15] بن ربّاط وأبي داود قال: يعرّض بقوله: «من لم يكن صقرا» بابن ميّادة أي إنّه هجين ليس من أبوين متشابهين كما الصقر. وبعده بيت آخر من رواية يحيى [16] ولم يروه الزّبير معه:
__________
[1] الزيادة في ح.
[2] وضعت طنافسها: نضدتها ونظمتها.
[3] كذا في ط، وفي هذه الرواية وإن كان فيها خرم أظهر وأنسب بقوله «و لا لقيت» بعده وفي باقي الأصول «ألا عوقبت».
[4] الكلاليب: جمع كلوب وكلاب، وهو هنا الحديدة المعطوفة كالخطاف.
[5] لم نهتد إلى تحقيق هذه الكلمة، وقد بحثنا عن هذا الشعر في «الأمالي» و «الكامل» و «المفضليات» و «شرح الحماسة» فلم نجده، ولعلها «كثيثك» وهو الشعر الكثيف.
[6] المغابن: الآباط والأرفاع وهي بواطن الأفخاذ، واحدها مغبن.
[7] القشر: جمع أقشر وهو الشديد الحمرة أو الأبرص.
[8] الأرساغ: جمع رسغ وهو مفصل ما بين الكف والذراع وقيل مجتمع الساقين والقدمين وقيل هو مفصل ما بين الساعد والكف والساق والقدم.
[9] كذا في جميع الأصول ولعلها محرّفة عن: «اتقت».
[10] دفرا: دفعا، يقال: دفرته في قفاه دفرأ أي دفعته.
[11] تقول: صررت الناقة أي شددت عليها الصرار وهو خيط يشدّ فوق الخلف لئلا يرضعها ولدها.
[12] في ط: «و جاذبت» وهو تحريف.
[13] كذا فيء. وفي ب، س، ح: «زيان». وفي م: «تبيان» وانظر الحاشية رقم 8 ص 272 من هذا الجزء.
[14] المرماة: سهم يتعلم به الرامي. وفي ح: «بالموماة» وهي المفازة الواسعة.
[15] فيء، ط: «جبر بن رباط» وقد تقدّم هذا الاسم قريبا كذلك.
[16] كذا في أغلب النسخ. وفي س، ب، ط: «عليّ بن يحيى» وقد تقدّم في أوّل السند «يحيى بن عليّ» وفيما يأتي أيضا «يحيى بن عليّ».
منعّمة لم تلق بؤسا وشفوة ... بنجد ولم يكشف هجين لها سترا
قالوا جميعا: فقال ابن ميّادة يهجو علّفة:
أعلّف إنّ الصقر ليس بمدلج ... ولكنّه بالليل متّخذ وكرا
ومفترش بين الجناحين سلحه ... إذا الليل ألقى فوق خرطومه كسرا [1]
/فإن يك صقرا بعد ليلة أمّه ... وليلة جحّاف [2] فأفّ له صقرا
تشدّ بكفّيها على جذل أيره ... إذا هي خافت من مطيّها نفرا
يريد أنّ أمّ علّفة من بني أنمار، وكان أبوه عقيل بن علّفة ضربها، فأرسلت إلى رجل من بني أنمار يقال له جحّاف، فأتاها ليلا فاحتملها على جمل فذهب بها. وقال يحيى بن عليّ خاصّة في خبره عن حمّاد عن أبيه عن أبي داود: إنّ جحّاف بن إياد كان رجلا من بني قتال بن يربوع بن غيظ بن مرّة، وكان يتحدّث إلى امرأة عقيل بن علّفة - وهي أمّ ابنه علّفة بن عقيل - ويتّهم/ بها، وهي امرأة من بني أنمار بن [3] بغيض بن ريث بن غطفان يقال لها سلافة، وكانت من أحسن الناس وجها، وكان عقيل من أغير الناس، فربطها بين أربعة أوتاد ودهنها بإهالة [4]، وجعلها في قرية [5] نمل، فمرّ بها جحّاف بن إياد [ليلا] [6] فسمع أنينها، فأتاها فاحتملها حتى طرحها بفدك، فاستعدت واليها على عقيل. وقال عقيل من جوف الليل فأوقد عشوة [7] ونظرها فلم يجدها ووجد أثر جحّاف فعرفه وتبعه حتّى صبّح القرية، وخنس جحّاف عنها؛ فأتى الوالي فقال: إنّ هذه رأتني قد كبرت [سنّي] [8] وذهب بصري فاجترأت عليّ، وكان عقيل رجلا مهيبا فلم يعاقبه الوالي بما صنعه لموضعه من صهر بني مروان. قال: فعيّر ابن ميّادة علّفة بن عقيل بأمر جحّاف هذا في قوله:
فإن يك صقرا بعد ليلة أمّه ... وليلة جحّاف فأفّ له صقرا
/ قال: ولجّ [9] الهجاء بينهما. وقال فيه ابن ميّادة وفي حكم الخضريّ وقد عاون علّفة:
لقد ركب الخضريّ منّي وتربه ... على مركب من نابيات المراكب
__________
[1] الكسر في الأصل: الشقة السفلى من الخباء، ويراد هنا أن الليل غطاه وستره.
[2] كذا في ط، وقد نص في «القاموس» وشرحه» على التسمية به. وفي سائر النسخ: «حجاف بتقديم الحاء على الجيم ولم نعثر على أنه سمي به.
[3] في ب، س، ح: «بني أنمار من بعيض» وهو تحريف، لأن بغيضا ولد ذبيان وعبسا وأنمارا، كما في «المعارف» لابن قتيبة طبع أوروبا ص 39.
[4] الإهالة: الشحم المذاب.
[5] قرية النمل: ما يجمعه النمل من التراب.
[6] الزيادة عن أ، ء، م، ح.
[7] العشوة (بالضم والكسر): النار يستضاء بها، قال أبو زيد: ابغونا عشوة أي نارا نستضيء بها.
[8] الزيادة في ح. والذي في سائر الأصول: «كبرت».
[9] لج: تمادى واستمرّ.
وقال لعلّفة:
يابن عقيل لا تكن كذوبا ... أأن شربت الحزر [1] والحليبا
من شول [2] زيد وشممت الطّيبا ... جهلا تجنّيت لي الذنوبا
قال: ثم لم يلبثه ابن ميّادة أن غلبه، وهاج التهاجي بينه وبين حكم الخضريّ، وانقطع عنه علّفة مفضوحا.
قال: وماتت أمّ جحدر التي كان ينسب [3] بها ابن ميّادة على تفيئة [4] ما كان بينه وبين علّفة من المهاجاة، ونعيت له فلم يصدّق حتّى أتاه رجل من بني رحل يقال له عمّار فنعاها له؛ فقال:
ما كنت أحسب أنّ القوم قد صدقوا ... حتّى نعاها لي الرّحليّ عمّار
وقال يرثيها:
خلت شعب الممدور لست بواجد ... به غير بال من عضاه [5] وحرمل
تمنّيت أن تلقي به أمّ جحدر ... وماذا تمنّى من صدى تحت جندل
فللموت خير من حياة ذميمة ... وللبخل خير من عناء مطوّل
أخبرني الحرميّ قال حدّثنا الزّبير قال حدّثني عبد اللّه بن إبراهيم عن ساعدة ابن مرمىء [6]، وذكره إسحاق أيضا عن أصحابه:
/ أن ابن ميّادة وحكما الخضريّ تواعدا المدينة ليتواقفا [7] بها، وجاء نفر من قريش - أمهاتهم من مرّة - إلى ابن ميّادة فمنعوه من مواقفة حكم، وقالوا: أتتعرض له ولست بكفئه فيشتم أمهاتنا وأخوالنا وخالاتنا وهو رجل خبيث اللسان! - قال: وكان حكم يسجع سجعا كثيرا - فقال: واللّه لئن واقفته لأسجعنّ به قبل المقارضة سجعا أفضحه به فلم يلقه. وذكر الزّبير له سجعا طويلا غثّا لا فائدة فيه، لأنه ليس برجز منظوم ولا كلام فصيح ولا مسجّع سجعا مؤتلفا كائتلاف القوافي، إلا أن من أسلمه قوله: واللّه لئن ساجعتني سجاعا، لتجدنّي شجاعا، للجار منّاعا، ولأجدنّك هيّاعا [8]، للحسب مضياعا، ولئن باطشتك بطاشا، لأدهشّنك إدهاشا، ولأدقّنّ منك مشاشا [9]، حتى يجيء بولك/ رشاشا. وهذا من غثّ السّجع ورذله، وإنما ذكرته ليستدلّ به على ما هو دونه مما ألغيت ذكره. قال:
ورجز به فقال:
يا معدن اللؤم وأنت جبله ... وآخر اللؤم وأنت أوّله
__________
[1] كذا فيء، ح. والحزر من اللبن: ما كان فوق الحامض. وفي ب، س: «الجزر» بالجيم وهو تصحيف.
[2] الشول: النوق التي خفّ لبنها وارتفع ضرعها وأتى عليها سبعة أشهر أو ثمانية من يوم نتاجها، فلم يبق في ضروعها إلا شول من اللبن أي بقية منه مقدار ثلث ما كانت تحلب حدثان نتاجها. واحدتها شائلة وهو جمع على غير قياس.
[3] كذا في ط. وفي سائر النسخ: «يتشبب».
[4] على تفيئة: على حين، يقال: أتيته على تفيئة ذلك أي على حينه وزمانه.
[5] العضاه والحرمل: نوعان من الشجر.
[6] كذا في أغلب النسخ. وفي م، أهكذا: «مر ابن» ولم نهتد إليه. ولم تذكر هذه الكلمة في ط.
[7] التواقف كالمواقفة: أن يقف معك وتقف معه في حرب أو خصومة.
[8] هو صيغة مبالغة من هاع يهيع هيعا وهيوعا إذا جبن وفزع: وقد ورد في «كتب» اللغة من هذه المادة هائع وهاع.
[9] المشاش: رؤوس العظام مثل الركبتين والمرفقين والمنكبين.
جاريت سبّاقا بعيدا مهله ... كان إذا جارى أباك يفشله [1]
فكيف ترجوه وكيف تأمله ... وأنت شرّ رجل وأنذله
ألأمه في مأزق وأجهله ... أدخله بيت المخازي مدخله
فاللؤم سربال له يسربله ... ثوبا إذا أنهجه [2] يبدّله
/ فأجابه حكم [3]:
يا بن التي جيرانها كانت تضرّ [4] ... وتتبع الشّول وكانت تمتصر [5]
كيف إذا مارست حرّا تنتصر
ولهما أراجيز كثيرة طويلة جدّا أسقطتها لكثرتها وقلة فائدتها.
خرج الحكم إلى الرقم للقاء ابن ميادة ولما لم يلقه تهاجيا
أخبرني الحرميّ قال حدّثنا الزّبير عن عبد اللّه بن إبراهيم قال:
أخبرني بعض من لقيت من الخضر: أن حكما الخضريّ خرج يريد لقاء ابن ميّادة بالرّقم [6] من غير موعد فلم يلفه، إمّا لأنه تغيّب عنه وإمّا لأنه لم يصادفه، فقال حكم:
فرّ ابن ميّادة الرّقطاء من حكم ... بالصّغر [7] مثل الأعقد الدّهم [8]
أصبحت في أقر [9] تعلو أطاوله ... تفرّ منّي وقد أصبحت بالرّقم
وقال إسحاق في روايته عن أصحابه: قال ابن ميّادة يهجو حكما وينسب بأمّ جحدر:
يمنّونني منك اللقاء وإنني ... لأعلم لا ألقاك من دون قابل
/ وقد مضى أكثر هذه الأبيات متقدّما، فذكرت ها هنا منها ما لم يمض وهو قوله:
فيا ليت رثّ الوصل من أمّ جحدر ... لنا بجديد من أولاك البدائل
__________
[1] يفشله: يجعله فشلا أي ضعيفا ناكلا عن المجاراة، ولم نجد في «كتب اللغة» التي بين أيدينا «كاللسان» و «القاموس» أفشل متعدّيا ولكن دخول همزة النقل على الفعل اللازم قياسيّ كما حققه ابن هشام في «مغني اللبيب». (انظر حاشية «الصبان على شرح الأشمونيّ» في باب تعدّي الفعل ولزومه: أو لعله «يفسله» بمعنى يرذله أي يجعله مرذولا.
[2] أنهجه: أبلاه وأخلقه.
[3] في أ، ء م، ط: «و قال أيضا» والظاهر صحة الرواية المثبتة في الأصل.
[4] في ط: «يابن التي حياتها كانت تصر» وصرّ الناقة ربط أخلافها لئلا يرضعها ولدها.
[5] كذا في أ، ء، م. والامتصار: حلب الناقة أو الشاة بأطراف الأصابع الثلاث أو بالإبهام والسبابة. وفي سائر النسخ: «تمتضر» بالضاد وهو تصحيف.
[6] الرقم: جبال دون مكة بديار غطفان واسم ماء عندها أيضا، كذا قال ياقوت في «معجمه» في اسم «رقم». وقال البكريّ في «معجم ما استعجم» ص 42: الرقم: موضع بالحجاز قريب من وادي القرى كانت فيه وقعة لغطفان على عامر.
[7] كذا في أ، ء، م: والصغر كالصغار: الذل والهوان. وفي سائر النسخ: «الصعر» بالعين المهملة وهو تصحيف.
[8] الأعقد يقال على التيس الذي في قرنه أو ذنبه التواء. ويقال على الكلب والذئب لانعقاد ذنبهما وكل ملتوي الذنب فهو أعقد، ولم نجد في مادة «دهم» وصفا على وزن فعل أو فعل ولعله محرّف عن «الزهم» وهو ذو الرائحة المنتنة.
[9] أقر (بضمتين): واد لبني مرة.
ولم يبق مما كان بيني وبينها ... من الودّ إلا مخفيات الرسائل
وإني إذا استنبهت من حلو رقدة ... رميت بحبّيها كرمي المناضل
صوت
فما أنس م الأشياء لا أنس قولها ... وأدمعها يذرين حشو المكاحل
تمتّع بذا اليوم القصير فإنه ... رهين بأيام الدهور الأطاول
الغناء في هذين البيتين لعليّ بن يحيى المنجّم، ولحنه من الثقيل الثاني.
وكنت امرأ أرمي الزوائل [1] مرّة ... فأصبحت قد ودّعت رمي الزوائل
وعطّلت قوس اللهو من سرعانها [2] ... وعادت سهامي بين رثّ وناصل [3]
السّرعان: وتر يعمل من عقب [4] المتن، وهو أطول العقب.
إذا حلّ بيتي بين بدر ومازن ... ومرّة نلت الشمس كاهلي
يعني بدر بن عمرو بمن جؤيّة بن لوذان بن ثعلبة بن عديّ بن فزارة بن ذبيان، ومرّة بن عوف/ بن سعد بن ذبيان، ومرّة بن فزارة، ومازن بن فزارة. وهي طويلة.
/ قال أبو الفرج الأصبهانيّ: أخذ إسحاق الموصليّ معنى بيت ابن ميّادة في قوله: «نلت الشمس واشتدّ كاهلي» فقال:
عطست بأنف شامخ وتناولت ... يداي الثريّا قاعدا غير قائم
ولعمري لئن كان استعار معناه لقد اضطلع به وزاد فأحسن وأجاد.
وفي هذه القصيدة يقول:
فضلنا قريشا غير رهط محمد ... وغير بني مروان أهل الفضائل
ضربه إبراهيم بن هشام لدعواه أنه فضل قريشا
قال يحيى بن عليّ وأخبرني عليّ بن سليمان بن أيوب عن مصعب، وأخبرني به الحسن بن علي عن أحمد بن زهير عن مصعب قال:
قال إبراهيم بن هشام بن إسماعيل لابن ميّادة: أنت فضلت قريشا! وجرّده فضربه أسواطا.
__________
[1] الزوائل هنا: النساء على التشبيه بالوحش. ويقال: فلان يرمي الزوائل إذا كان طبا بإصباء النساء إليه.
[2] كذا في ح، و «اللسان» مادة «سرع» والمخصص (ج 6 ص 46) مع اختلاف في بعض كلمات الشطر الثاني وهو الذي يتفق مع تفسير المؤلف. وفي سائر النسخ: «من شرعاتها» بالشين المعجمة وقد أورد صاحب «اللسان» هذه الرواية أيضا في مادة «زول» وقال في تفسيرها: والشرعات: الأوتار، واحدها شرعة الخ.
[3] الناصل: السهم الذي خرج منه النصل.
[4] العقب (بالتحريك): العصب الذي تعمل منه الأوتار، الواحدة عقبة. والعقب من كل شي ء: عصب المتنين والساقين والوظيفين.
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال: لما قال ابن ميّادة:
فضلنا قريشا غير رهط محمد ... وغير بني مروان أهل الفضائل
قال له الوليد بن يزيد: قدّمت آل محمد قبلنا [1]، فقال: ما كنت يا أمير المؤمنين أظنّه يمكن غير ذلك. فلما أفضت الخلافة إلى بني هاشم وفد ابن ميّادة إلى المنصور ومدحه؛ فقال له أو جعفر لما دخل إليه: كيف قال لك الوليد؟ فأخبره بما قال، فجعل المنصور يتعجّب.
ابن ميادة والحكم الخضريّ بعريجاء
أخبرني الحرميّ قال حدّثنا الزبير قال حدّثني عبد اللّه بن إبراهيم الجمحيّ قال: حدّثني العباس بن سمرة بن عبّاد بن شمّاخ بن سمرة عن ريحان بن سويد الخضريّ، وكان رواية حكم بن معمر الخضريّ، قال:
/ تواعد حكم وابن ميّادة عريجاء - وهي ماءة [2] - يتواقفان عليها، فخرج كلّ واحد منهما في نفر من قومه، وأقبل صخر بن الجعد الخضريّ يؤمّ حكما، وهو يومئذ عدوّ لحكم لما فرط بينهما من الهجاء في أركوب [3] من بني مازن بن مالك بن طريف بن خلف بن محارب؛ فلما لقيه قال له: يا حكم، أهؤلاء [4] الذين عرّضت للموت! وهم وجوه قومك! فو اللّه ما دماؤهم على بني مرّة إلا كدماء جداية [5]، فعرف حكم أن قول صخر هو الحقّ فردّ قومه، وقال لصخر: قد وعدني ابن ميّادة أن يواقفني غدا بعريجاء لأن أناشده، فقال له صخر: أنا كثير الإبل - وكان حكم مقلّا - فإذا وردت [6] إبلي فارتجز، فإن القوم لا يشجعون [7] عليك وأنت وحدك، فإن لقيت الرجل نحر وأطعم فانحر وأطعم وإن أتيت على مالي كلّه. قال ريحان راويته: فورد يومئذ عريجاء وأنا معه فظلّ على عريجاء ولم يلق رمّاحا ولم يواف لموعده، وظلّ ينشد يومئذ حتّى أمسى، ثم صرف وجوه إبل صخر وردّها. وبلغ الخبر ابن ميّادة وموافاة حكم لموعده، فأصبح على الماء وهو يرتجز ويقول:
أنا ابن ميّادة عقّار الجزر ... كلّ صفيّ [8] ذات ناب منفطر
توافيهما بحمى ضرية وصلحهما
/ وظلّ على الماء فنحر [9] وأطعم. فلما بلغ حكما ما صنع ابن ميّادة من نحره وإطعامه شقّ عليه مشقّة
__________
[1] في أغلب النسخ بعد هذه الجملة: «صلى اللّه على محمد وعلى آله» وفي نسخة ط زيادة: «و لعنة اللّه على الوليد» وظاهر أن ذلك كله من زيادات النساخ.
[2] في «معجم ما استعجم» للبكريّ ص 653: «عريجاء»: ماءة معروفة بحمي ضرية وقد أقطعها ابن ميادة المرّيّ من بني ذبيان».
[3] الأركوب: كالركب والركبان.
[4] كذا في ح، ا، م. وفي سائر النسخ: «أهؤلاء الذين عرّضت للموت من أجلهم وهم وجوه قومك الخ» وليس لكلمة «من أجلهم» موقع.
[5] الجداية: الظيبة. وفي ب، س: «حدأة».
[6] في ط: «أوردت».
[7] كذا في أغلب الأصول، وفي ط: «لا يسجعون».
[8] يقال: ناقة صفيّ أي غزيرة اللبن، والجمع صفايا.
[9] في جميع الأصول: «فانتحر» وهو تحريف، فإن انتحر إنما يستعمل لازما، يقال: انتحر الرجل أي نحر نفسه وانتحر القوم على كذا أي تشاحوا عليه.
شديدة. ثم إنهما بعد توافيا بحمى ضريّة. قال ريحان بن سويد [1]: وكان ذلك العام عام جدب وسنة إلّا بقية كلإ بضريّة. قال: فسبقنا ابن ميادة يومئذ فنزلنا على مولاة لعكّاشة/ بن مصعب بن الزّبير ذات مال ومنزلة من السلطان.
قال: وكان حكم كريما على الولاة هناك يتّقى لسانه. قال ريحان: فبينا نحن عند المولاة وقد حططنا براذع دوابّنا إذا راكبان قد أقبلا، وإذا نحن برمّاح وأخيه ثوبان [2] - ولم يكن لثوبان [2] ضريب في الشجاعة والجمال - فأقبلا يتسايران، فلما رآهما حكم عرفهما، فقال: يا ريحان، هذان ابنا أبرد، فما رأيك؟ أتكفيني ثوبان [2] أم لا؟
قال: فأقبلا نحونا ورمّاح يتضاحك حتى قبض على يد [3] حكم وقال: مرحبا برجل سكتّ عنه ولم يسكت عنّي، وأصبحت الغداة أطلب سلمه يسوقني الذّئب [4] والسنة، وأرجو أن أرعى الحمى بجاهه وبركته، ثم جلس إلى جنب حكم وجاء ثوبان [2] فقعد إلى جنبي، فقال له حكم: أما وربّ المرسلين يا رمّاح لو لا أبيات جعلت تعتصم بهنّ وترجع إليهنّ - يعني أبيات ابن ظالم - لاستوسقت [5] كما استوسق من كان قبلك. قال ريحان: وأخذا في حديث أسمع بعضه ويخفى عليّ بعضه، فظللنا عند المرأة وذبح لنا وهما في ذلك يتحادثان، مقبل كلّ واحد منهما على صاحبه لا ينظران شدّنا، حتى كان العشاء فشددنا/ للرّواح نؤمّ أهلنا، فقال رمّاح لحكم: يا أبا منيع - وكانت كنية حكم - : قد قضيت حاجتك وحاجة من طلبت له من هذا العامل، وإن لنا إليه حاجة في أن يرعينا؛ فقال له حكم: قد واللّه قضيت حاجتي منه وإني لأكره الرجوع إليه، وما من حاجتك بدّ، ثم رجع معه إلى العامل، فقال له بعد الحديث معه: إن هذا الرجل من قد عرفت ما بيني وبينه، وقد سأل الصلح وأناب إليه، فأحببت أن يكون ذلك على يدك وبمحضرك. قال: فدعا به عامل ضريّة وقال: هل لك حاجة غير ذلك؟ قال: لا واللّه، ونسي حاجة رمّاح، فأذكرته إياها، فرجع فطلبها واعتذر بالنسيان. فقال العامل لابن ميّادة: ما حاجتك؟ فقال: ترعيني عريجاء لا يعرض لي فيها أحد، فأرعاه إيّاها. فأقبل رمّاح على حكم فقال: جزاك اللّه خيرا يا أبا منيع، فو اللّه لقد كان ورائي من قومي من يتمنّى أن يرعى عريجاء بنصف ماله. قال فلمّا عزما على الانصراف ودّع كلّ واحد منهما صاحبه وانصرفا راضيين.
استعدى قوم ابن ميادة السلطان على الحكم فأمر بطرده فرحل إلى الشام ومات هناك
وانصرف ابن ميّادة إلى قومه فوجد بعضهم قد ركب إلى ابن هشام فاستغضبه على حكم في قوله:
وما ولدت مرّيّة ذات ليلة ... من الدهر إلا زاد لؤما جنينها
فأطرده [6] وأقسم: لئن ظفر به ليسرجنّه وليحملنّ عليه أحدهم. فقال رمّاح - وساءه ما صنعوا - : عمدتم إلى رجل قد صلح ما بيني وبينه وأرعيت بوجهه فاستعديتم عليه وجئتم بإطراده! وبلغ الحكم الخبر فطار إلى الشام فلم يبرحها حتى مات.
__________
[1] في جيمع الأصول هنا: «سويد بن ريحان» وقد تقدم في أوّل السند كما أثبتناه هنا «ريحان بن سويد» ويؤيد هذا أنه إذا ذكره مجردا من الصفة قال: «ريحان».
[2] في ط: «ثريان».
[3] في ب، س: «على حكم».
[4] في أساس البلاغة مادة ذأب: وأكلتهم الضبع وأكلهم الذئب أي السنة، وأصابتهم سنة ضبع وسنة ذئب على الوصف، وأنشد النضر:
وقد ساق قبلي من معد وطيء ... إلى الشأم جوحات السنين وذبيها
[5] لاستوسقت: لأطعت وانقدت.
[6] أي أمر بإخراجه وطرده.
قال العباس بن سمرة: مات بالشام غرقا، وكان لا يحسن العوم فمات في بعض أنهارها. قال: وهو وجهه [1] الذي مدح فيه أسود بن بلال المحاربيّ ثم السّوائيّ في قصيدته التي يقول فيها:
/ واستيقنت أن لا براح [2] من السّرى ... حتى تناخ بأسود بن بلال
قرم إذا نزل الوفود ببابه ... سمت العيون إلى أشمّ طوال
مناقضات حكم وابن ميادة
ولحكم الخضريّ وابن ميّادة مناقضات كثيرة وأراجيز طوال طويت ذكر أكثرها/ وألغيته، وذكرت منها لمعا من جيّد ما قالاه لئلا يخلو هذا الكتاب من ذكر بعض ما دار بينهما ولا يستوعب سائره فيطول. فما قاله حكم في ابن ميّادة قوله:
خليليّ عوجا حيّيا الدار بالجفر [3] ... وقولا لها سقيا لعصرك من عصر
وماذا تحيّ من رسوم تلاعبت ... بها حرجف [4] تذري بأذيالها الكدر
ومن جيّد قوله فيها يفتخر:
إذا يبست عيدان قوم وجدتنا ... وعيداننا تغشى على الورق الخضر
إذا الناس جاءوا بالقروم [5] أتيتهم ... بقرم يساوي [6] رأسه غرّة البدر
لنا الغور والأنجاد والخيل والقنا ... عليكم وأيام المكارم والفخر
ومن جيّد هجائه قوله:
فيا مرّ قد أخزاك في كلّ موطن ... من اللؤم خلّات يزدن على العشر
فمنهنّ أنّ العبد حامي ذماركم ... وبئس المحامي العبد عن حوزة الثّغر
ومنهنّ أن لم تمسحوا وجه [7] سابق ... جواد [8] ولم تأتوا حصانا على طهر
ومنهنّ أن الميت يدفن منكم ... فيفسو على دفّانه وهو في القبر
/ ومنهنّ أن الجار يسكن وسطكم ... بريئا فيلقى بالخيانة والغدر
ومنهنّ أن عدتم بأرقط كودن [9] ... وبئس المحامي أنت يا ضرطة [10] الجفر
__________
[1] أي رحلته وسفره.
[2] في أ، م، ء، ط: «أن لا رواح».
[3] الجفر: موضع بناحية ضرية من نواحي المدينة.
[4] الحرجف: الريح الباردة الشديدة الهبوب.
[5] كذا في أ، ح، م: وفي باقي النسخ: «ناءوا».
[6] في ح: «يسامي» بالميم.
[7] كذا في أغلب النسخ. وفي أ، م: «خدّ».
[8] في أ، م: «كريم».
[9] الكودن: البرذون الهجين. يريد إنسانا كالبرذون.
[10] كذا في أ، م. وفي باقي النسخ: «ضرط» بدون تاء. والجفر: ولد المعزي إذا بلغ أربعة أشهر وفصل عن أمه وأخذ في الرعي والمعزي يضرب بها في ذلك المثل فيقال: «أضرط من عنز».
ومنهنّ أن الشيخ يوجد منكم ... يدبّ إلى الجارات محدودب الظهر
تبيت ضباب [1] الضّغن تخشى احتراشها [2] ... وإن هي أمست دونها ساحل البحر
فأجابه ابن ميّادة بقصيدة طويلة، منها قوله مجيبا له عن هذه الخصال التي سبّهم بها:
لقد سبقت بالمخزيات محارب ... وفازت بخلّات على قومها عشر
فمنهنّ أن لم تعقروا ذات ذروة ... لحقّ إذا ما احتيج يوما إلى العقر
ومنهنّ أن لم تمسحوا عربيّة ... من الخيل يوما تحت جلّ على مهر
ومنهنّ أن لم تضربوا بسيوفكم ... جماجم إلا فيشل [3] القرّح الحمر
ومنهنّ أن كانت شيوخ محارب ... كما قد علمتم لا تريش ولا تبري [4]
ومنهنّ أخزى [5] سوءة لو ذكرتها ... لكنتم عبيدا تخدمون بني وبر [6]
ومنهنّ أن الضأن كانت نساءكم ... إذا اخضرّ أطراف الثّمام من القطر
/ ومنهنّ أن كانت عجوز محارب ... تريغ [7] الصّبا تحت الصّفيح من القبر
ومنهنّ أن لو كان في البحر بعضكم ... لخبّث ضاحي [8] جلده حومة [9] البجر
ومما قاله ابن ميّادة في حكم قوله من قصيدة أوّلها:
ألا حيّيا الأطلال طالت سنينها ... بحيث التقت ربد [10] الجناب [11] وعينها [12]
ويقول فيها:
فلمّا أتاني ما تقول محارب ... تغنّت شياطيني وجنّ جنونها
__________
[1] الضباب: الأحقاد، يقال: في قلبه ضب، أي عل داخل كالضب الممعن في حجره.
[2] احترش الضب: أتى قفا حجره فقعقع بعصاه عليه واتلج طرفها في حجره فإذا سمع الصوت حسبه دابة تريد أن تدخل عليه فجاء يزحل على رجليه وعجزه مقاتلا ويضرب بذنبه فناهزه الرجل (بادره) فأخذ بذنبه فضبّ عليه (شدّ القبض) فلم يقدر أن يفلت منه.
[3] الفيشلة: طرف الذكر.
[4] أي لا تضر ولا تنفع.
[5] في جميع الأصول: «و منهن أخرى سوءة» بالراء.
[6] كذا في ب، س، ح، وبنو وبر: بطن. وفي باقي النسخ: «وفر» بالفاء ولم نجد قبيلة تسمى بهذا الاسم.
[7] كذا في أغلب النسخ. وتريغ: تطلب، يقال: ماذا تريغ، أي ما تريد وما تطلب. وفي أ، م: «تريع» بالعين المهملة، وهو تصحيف.
[8] ضاحى جلده: ظاهره.
[9] حومة البحر: أكثر موضع في البحر ماء وأغزره.
[10] ربد: جمع أربد أو ربداء، وصف من الربد، وهو في النعام سواد مختلط، وقيل هو أن يكون لونها كله أسود. وعن اللحيانيّ:
ظليم أربد ونعامة ربداء، أي لونها كلون الرماد. وفي ب، ح: «زبد» بالزاي، وهو تصحيف.
[11] الجناب: موضع بعواض خبير وسلاح ووادي القزي، وقيل: هو من منازل بني مازن. وقال نصر: الجناب من ديار بني فزارة بين المدينة وفيد.
[12] عين: جمع عيناء وهي واسعة العين.
ألم تر أنّ اللّه غشّى محاربا ... إذا اجتمع الأقوام لونا [1] يشينها
ترى بوجوه الخضر خضر محارب ... طوابع لؤم ليس ينفتّ [2] طينها
لقد ساهمتناكم [3] سليم وعامر ... فضمناهم إنّا كذلك ندينها
فصارت لنا أهل الضّئين [4] محارب ... وصارت لهم جسر [5] وذاك ثمينها
إذا أخذت خضريّة قائم الرحى ... تحرّك قنباها [6] فطار طحينها
وما حملت خضريّة ذات ليلة ... من الدهر إلّا ازداد لؤما جنينها
/ فقال حكم يجيبه عن هذه بقصيدته [7]:
لأنت ابن أشبانيّة أدلجت به ... إلى اللّؤم مقلات لئيم جنينها
فجاءت بروّاث كأنّ جبينه ... إذا صغا في خرقتيها جبينها
فما حملت مرّيّة قطّ ليلة ... من الدهر إلّا ازداد لؤما جنينها
وما حملت إلا لألأم [8] من مشى ... ولا ذكرت إلّا بأمر يشينها
تزوّج عثوان [9] الضّئين وتبتغي ... بها [10] الدّرّ لا درّت بخير لبونها [11]
أظنّت بنو عثوان أن لست شاتما ... بشتمي وبعض القوم حمقى ظنونها
مدانيس أبرام [12] كأنّ لحاهم ... لحى مستهبّات [13] طوال قرونها
قال الزبير: فحدّثني موهوب بن رشيد قال: فسمع هذه القصيدة أحد بني قتّال بن مرّة فقال: ما له أخزاه اللّه يهجو صبيتنا! قال: وهم أجفى قوم غضبا لصبيتهم وقد هجاهم بما هجاهم به.
قال: وبلغ إبراهيم بن هشام قوله في نساء بني مرّة إذ يقول:
وما حملت إلا لألأم من مشى
__________
[1] كذا في ط. وفي باقي الأصول «لؤما».
[2] الانفتات: الانكسار.
[3] كذا في جميع الأصول، ولم نجد في «كتب اللغة» التي بأيدينا أن ساهم يتعدّى لمفعولين، وهو بمعنى قارع، من القرعة.
[4] كذا فيء، والضئين: الضأن وهو خلاف الماعز من الغنم واحدة ضائن وفي باقي النسخ «الضنين» وهو تصحيف.
[5] جسر: اسم حيّ.
[6] تثنية قنب وهو البظر، والبظر: ما بين الاسكتين وهما جانبا الحياء.
[7] كذا في ط. وفي سائر النسخ: «بقصيدته التي أوّلها الخ» ولا موقع لها هنا.
[8] في م: «بألأم».
[9] يظهر من سياق الشعر أنها قبيلة ولم نعثر عليها.
[10] كذا في أ. وفي سائر النسخ: «به».
[11] اللبون: الكثيرة اللبن.
[12] جمع برم وهو الثقيل الجافي.
[13] هذا وصف للتيوس مأخوذ من الهباب وهو هياجها للسفاد، يقال: هب التيس هبا وهبابا، أي هاج. وفي ح «مستنبات» يقال: نب التيس ينب نبا ونبيبا ونبابا إذا صاح عند السفاد؛ ولم نجد في «كتب اللغة» التي بأيدينا استنب أو ما يشتق منها كمستنبات.
فغضب ثم نذر [1] دمه فهرب من الحجاز إلى الشأم فمات بها.
/ أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزبير قال حدّثني عبد الرحمن بن ضبعان الخضريّ قال:
لقي ابن ميّادة صخر بن الجعد الخضريّ فقال له: يا صخر، أعنت عليّ ابن عمّك الحكم بن معمر! فقال له صخر: لا واللّه يا أبا الشّر حبيل ما أعنته عليك، ولكن خيّل إليك ما كان يخيّل إليّ، ولقد هاجيته فكنت أظنّ أنّ شجر الوادي يعينه عليّ.
ومن جيّد قول ابن ميّادة في حكم قصيدته التي أوّلها:
صوت
لقد سبقتك اليوم عيناك سبقة ... وأبكاك من عهد الشباب ملاعبه
فو اللّه ما أدري أيغلبني الهوى ... إذا جدّ جدّ البين أم أنا غالبه
فإن أستطع أغلب وإن يغلب الهوى ... فمثل الذي لاقيت يغلب صاحبه
- في هذه الأبيات غناء ينسب - يقول فيها في هجاء حكم:
لقد طال حبس الوفد وفد محارب ... عن المجد لم يأذن لهم بعد حاجبه
وقال لهم كرّوا فلست بآذن ... لكم أبدا أو يحصي التّرب حاسبه
وهي قصيدة طويلة:
فضله الوليد بن يزيد على الشعراء وأجازه
أخبرني الحرميّ قال حدّثنا الزّبير قال حدّثني جلال [2] بن عبد العزيز المرّيّ ثم الصادريّ عن أبيه:
- قال جلال: وقد رأيت ابن ميّادة في بيت أبي، قال: قال لي ابن/ ميّادة: وصلت أنا والشعراء إلى الوليد بن يزيد وهو خليفة. وكان مولى من موالي خرشة/ يقال له شقران يعيب ابن ميّادة ويحسده على مكانه من الوليد، فلما اجتمعت الشعراء قال الوليد بن يزيد لشقران: يا شقران، ما علمك في ابن ميّادة؟ قال علمي فيه يا أمير المؤمنين أنّه:
لئيم يباري فيه أبرد نهبلا ... لئيم أتاه اللؤم من كلّ جانب
فقال الوليد: يا بن ميّادة، ما علمك في شقران؟ قال: علمي يا أمير المؤمنين أنّه عبد لعجوز من خرشة كاتبته على أربعين درهما ووعدها - أو قال: وعدته - أن تجيزه بعشرين درهما فقبّضته [3] إيّاها، فأغنه عنّي يا أمير المؤمنين، فليس له أصل [4] فأحتفره ولا فرع فأهتصره، فقال له الوليد: اجتنبه يا شقران فقد أبلغ إليك في الشّتيمة،
__________
[1] في أ، م: «هدر».
[2] كذا في أغلب النسخ وجاء هذا الاسم في ط مضبوطا هكذا «جلال» بفتح فتشديد. وفي ح «حلال» بالحاء المهملة. وفي أ، م:
«خلال» بالخاء المعجمة، ولم نعثر على ما يرجح إحدى هذه الروايات.
[3] في ح: «فنقصته».
[4] كذا في ح. وفي باقي النسخ: «فليس بأصل أحتفره ولا فرع أهتصره».
فقصر شقران صاغرا، ثم أنشدته، فأقيمت الشعراء جميعا غيري، وأمر لي بمائة لقحة وفحلها وراعيها وجارية بكر وفرس عتيق [1] فاختلت ذلك اليوم وقلت:
أعطيتني مائة صفرا مدامعها [2] ... كالنخل زيّن أعلى نبته الشّرب [3]
ويروى:
كأنها النخل روّى نبتها الشّرب [4]
/يسوقها يافع جعد مفارقه ... مثل الغراب غذاه الصّرّ والحلب
وذا سبيب [5] صهيبيّا له عرف ... وهامة ذات فرق نابها [6] صخب
ولم يذكر الزّبير في خبره غير هذه الأبيات الثلاثة، وهي من قصيدة للرّمّاح طويلة يمدح فيها الوليد بن يزيد، وقد أجاد فيها وأحسن؛ وذكرت من مختارها هاهنا طرفا، وأوّلها:
هل تعرف الدار بالعلياء غيّرها ... سافي الرّياح ومستنّ [7] له طنب
دار لبيضاء مسودّ مسائحها ... كأنّها ظبية ترعى وتنتصب
المسائح: ما بين الأذن إلى الحاجب من الشّعر: تقف إذا ارتاعت منتصبة تتوجّس [8].
تحنو لأكحل ألقته بمضيعة ... فقلبها شفقا من حوله يجب [9]
يقول فيها:
يا أطيب الناس ريقا بعد هجعتها ... وأملح الناس عينا حين تنتقب
ليست تجود بنيل حين أسألها ... ولست عند خلاء اللّهو أغتصب
في مرفقيها إذا ما عونقت جمم [10] ... على الضّجيع وفي أنيابها شنب
وليلة ذات أهوال كواكبها ... مثل القناديل فيها الزّيت والعطب [11]
__________
[1] في ط: «عربيّ».
[2] مدامعها: مآقيها وفي أطراف العين. ولعل مسايل الدمع من الناقة تصفرّ إذا رعت ما يخضر من الشجر. وقد نقل صاحب «اللسان» في مادة «صفر» عن أبي حنيفة «أن الماشية تصفرّ إذا رعت ما يخضرّ من الشجر تروي مغابنها ومشافرها وأوبارها صفرا».
[3] جمع شربة وهي ما يحفر حول النخلة والشجرة كالحويض ويملأ ماء فتتروّى منه.
[4] تكلم صاحب «اللسان» في مادة «شرب» عن الشرب، ثم قال: وأنشد ابن الأعرابي:
مثل النخيل يروّي فرعها الشرب
[5] السبيب هنا: شعر الذنب والناصية.
[6] في أ«ما بها صخب».
[7] يقال: استن المطر، أي انصب، ومنه قول عمر بن أبي ربيعة:
قد جرّت الريح بها ذيلها ... وأستن في أطلالها الوابل
[8] كذا في ط وتتوجس: تسمع وهي خائفة. وفي باقي الأصول: «تتوحش».
[9] يجب: يخفق ويضطرب.
[10] الجم: كثرة اللحم.
[11] العطب بضمة وبضمتين: القطن واحدة عطبة، ويريد هنا ذبالة المصباح التي تتخذ من القطن.
قد جبتها جوب ذي المقراض [1] ممطرة [2] ... إذا استوى مغفلات [3] البيد والحدب [4]
بعنتريس [5] كأن الدّبر [6] يلسعها ... إذا ترنّم حاد خلفها طرب
إلى الوليد أبي العبّاس [7] ما عجلت ... ودونه المعط [8] من لبنان [9] والكثب
وبعد هذا البيت قوله:
أعطيتني مائة صفرا مدامعها
الخ.
لمّا أتيتك من نجد وساكنه ... نفحت لي نفحة طارت بها العرب
إنّي امرؤ أعتفي [10] الحاجات أطلبها ... كما اعتفى سنق يلقى له العشب
/ السّنق: الذي قد شبع حتّى بشم، يقول: أطلب الحاجة بغير حرص ولا كلب، كما يعتفي هذا البعير البشم من غير شره ولا شدّة طلب.
ولا ألحّ على الخلّان أسألهم ... كما يلحّ بعظم الغارب القتب
ولا أخادع ندماني [11] لأخدعه ... عن ماله حين يسترخي به اللّبب [12]
/و أنت وابناك لم يوجد لكم مثل ... ثلاثة كلّهم [13] بالتاج معتصب
الطّيبون إذا طابت نفوسهم ... شوس [14] الحواجب والأبصار إن غضبوا
__________
[1] المقراض: المقص.
[2] الممطرة: ثوب من صوف يلبس في المطر يتوقى به منه.
[3] كذا في جميع الأصول و «اللسان» مادة «قرض» وكتب مصحح «اللسان» على هذه الكلمة ما نصه: «قوله مغفلات كذا فيما بأيدينا من النسخ ولعله معقلات جمع معقلة بفتح فسكون فضم وهي التي تمسك الماء» ولكننا لم نجد في «كتب اللغة» التي بأيدينا سوى أن معقلة خبراء الدهناء تمسك الماء وأنها سميت معقلة لأنها تمسك الماء كما يعقل الدواء البطن.
[4] الحدب: الغليظ المرتفع من الأرض.
[5] العنتريس: الناقة الغليظة الصلبة الوثيقة الشديدة الكثيرة اللحم.
[6] الدبر: الزنابير، وقيل: النحل.
[7] كنية الوليد بن يزيد وقد ورد في شعر بشار:
تقسم كسرى رهطة بسيوفهم ... وأمسى أبو العباس أحلام نائم
وقال أبو الفرج: إنه يعني الوليد بن يزيد (انظر «الأغاني» طبع بولاق ج 3 ص 29).
[8] المعط: جمع معطاء وفي الأرض التي لا نبات بها.
[9] لبنان: جبل بالشأم وفي «معجم البلدان» لياقوت في اسم لبنان هو جبل مطل على حمص يجيء من العرج الذي بين مكة والمدينة حتى يتصل بالشأم فما كان بفلسطين فهو جبل الحمل وما كان بالأردن فهو جبل الجليل وبدمشق سنير وبحلب وحماة وحمص لبنان. وفي ط: «نيان» وقد تقدم الكلام عليه في الحاشية رقم 8 ص 272 من هذا الجزء.
[10] أعتفى: أطلب.
[11] الندمان: المنادم على الشراب وربما توسع فيه فاستعمل لكل رفيق ومصاحب.
[12] اللبب: البال، والمراد أنه صار في رخاء وسعة، يقال: استرخت به الحال إذا صار في حال حسنة بعد ضيق وشدّة ويقال: فلان في بال رخيّ ولبب رخيّ أي في سعة وخصب وأمن، وأصل اللبب ما يشدّ على صدر الدابة أو الناقة يمنع الرسل أو السرج من الاستئخار.
[13] في ط: «كلكم» بالكاف.
[14] شوس: جمع أشوس من الشوس وهو النظر بمؤخر العين تكبرا أو تغيظا.
قسني إلى شعراء الناس كلّهم ... وادع الرّواة إذا ما غبّ [1] ما اجتلبوا [2]
إنّي وإن قال أقوام مديحهم ... فأحسنوه وما حابوا [3] وما كذبوا
أجري أمامهم جري امرىء فلج [4] ... عنانه حين يجري ليس يضطرب
سبب الهجاء بينه وبين شقران
أخبرني يحيى بن عليّ قال أخبرنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه قال أخبرني أبو الحسن - أظنّه المدائنيّ - قال أخبرني أبو صالح الفزاريّ قال:
أقبل شقران مولى بني سلامان بن سعد هذيم أخي عذرة بن سعدا بن هذيم [5]، قال: وهذيم عبد حبشيّ كان حضن سعدا فغلب عليه، وهو ابن زيد بن ليث بن سود بن أسلم بن الحاف بن قضاعة من اليمامة ومعه تمر قد امتاره - فلقيه ابن ميّادة فقال له: ما هذا معك؟ قال: تمر امترته لأهلي يقال له: زبّ ربّاح [6]، فقال له ابن ميّادة يمازحه:
كأنّك لم تقفل لأهلك [7] تمرة ... إذا أنت لم تقفل بزبّ رباح
/ فقال له شقران:
فإن كان هذا زبّه فانطلق به ... إلى نسوة سود الوجوه قباح
فغضب ابن ميّادة وأمضّه [8] وأنحى عليه بالسوط فضربه ضربات وانصرف مغضبا؛ فكان ذلك سبب الهجاء بينهما.
قال حمّاد عن أبيه وحدّثني أبو عليّ الكلبيّ قال:
اجتمع ابن ميّادة وشقران مولى بني سلامان عند الوليد بن يزيد، فقال ابن ميّادة: يا أمير المؤمنين، أتجمع بيني وبين هذا العبد وليس بمثلي في حسبي ولا نسبي ولا لساني ولا منصبي! فقال شقران:
لعمري لئن كنت ابن شيخي عشيرتي ... هرقل وكسرى ما أراني مقصّرا
__________
[1] كذا في أغلب النسخ. وغب: فسد. وفي ح: «غث» وهو بمعنى غب، يقال: غث حديث القوم أي فسد وردؤ.
[2] كذا في أغلب الأصول. واجتلاب الشعر: استمداه من آخر وقد فسر ابن الأعرابي قول الشاعر:
يا أيها الزاعم إني أجب
فقال: معناه أجتلب شعري من غيري أي أسوقه وأستمدّه، ومن هذا قول جرير:
أ لم تعلم مسرحي القوافي ... فلا عيا بهنّ ولا اجتلابا
وفي ب، س، ط «احتلبوا» بالحاء المهملة.
[3] كذا في ط. وفي أ، م: «خانوا». وفي سائر النسخ: «خابوا».
[4] الفلج: الظفر والفوز. والوصف منه فالج وفلج (بفتح الفاء وسكون اللام) وحرك هاهنا للضرورة.
[5] سقطت هذه الكلمة من ط وحذفها وإثباتها سواء، قال في «القاموس» و «شرحه»: وسعدا بن هذيم كزبير بإثبات الألف بين سعد وهذيم أبو قبيلة.
[6] هكذا جاء مضبوطا في «القاموس» و «اللسان» والمخصص بضم الراء وتشديد الباء ولعل تخفيف بائه في البيت الآتي لضرورة الوزن، وهو نوع من تمور البصرة.
[7] في ح: «لأمك».
[8] أمضه: آلمه وأوجعه.
وما أتمنّى أن أكون ابن نزوة [1] ... نزاها ابن [2] أرض لم تجد متمهّرا [3]
على [4] حائل تلوي الصّرار [5] بكفّها ... فجاءت بخوّار [6] إذا عضّ جرجرا [7]
أخبرني الحرميّ قال حدّثنا الزّبير بن بكّار وأخبرنا يحيى بن عليّ عن أبي أيّوب المدينيّ، عن زبير [8] قال حدّثني جلال بن عبد العزيز وقال يحيى بن خلّاد عن أبي أيّوب ابن عبد العزيز قال:
/ استأذن ابن ميّادة على الوليد بن يزيد وعنده شقران مولى قضاعة فأدخله في صندوق وأذن لابن ميّادة؛ فلمّا دخل أجلسه على الصّندوق واستنشده هجاء شقران فجعل ينشده، ثم أمر بفتح الصّندوق فخرج عليه شقران وجعل يهدر كما يهدر الفحل ويقول:
سأكعم [9] عن قضاعة كلب قيس ... على حجر فينصت للكعام
أسير أمام قيس كلّ يوم ... وما قيس بسائرة أمامي
/ وقال أيضا وهو يسمع:
إنّي إذا الشعراء لاقى بعضهم ... بعضا ببلقعة يريد نضالها
وقفوا لمرتجز الهدير [10] إذا دنت ... منه البكارة [11] قطّعت أبو الها
فتركتهم زمرا ترمّز [12] باللّحى ... منها عنافق [13] قد حلقت سبالها [14]
فقال له ابن ميّادة: يا أمير المؤمنين اكفف عنّي هذا الذي ليس له أصل فأحفره، ولا فرع فأهصره؛ فقال الوليد: أشهد أنّك قد جرجرت كما قال شقران:
__________
[1] كذا في ح، وم. والنزوة: الوثبة عند السفاد، يقال: نزا الذكر على الأنثى نزاء ونزوا إذا وثب عليها عند السفاد. وفي باقي الأصول: «ثروة» بالثاء المثلثة والراء وهو تحريف.
[2] ابن الأرض: كناية عن الغريب والمسافر والضيف والفقير (انظر كتاب «ما يعوّل عليه في المضاف والمضاف إليه» النسخة المخطوطة المحفوظة بدار الكتب المصرية تحت رقم 78 أدب م تأليف المحبي).
[3] كذا في جميع الأصول. ولم نجد في «كتب اللغة» التي بأيدينا لتمهر معنى سوى تمهر بكذا أو في كذا إذا صار به حاذقا، وهو لا يناسب المقام. وظاهر جدّا أن المراد هنا: لم تجد من يمهرها أو لم تجد مهرا.
[4] كذا في أ، م، ء. وفي سائر النسخ: «خلا حائل». والحائل: غير الحامل، يقال: حالت المرأة والناقة والنخلة وغيرهن إذا لم تحمل.
[5] الصرار: خيط يشدّ فوق خلف الناقة لئلا يرضعها ولدها.
[6] خوّار: ضعيف.
[7] جرجر: صوّت.
[8] هو الزبير بن بكار الذي تكرر ذكره كثيرا في رجال السند.
[9] الكعم: شدّ فم البعير لئلا يعض أو يأكل وشدّ فم الكلب لئلا ينبح، يقال: كعمه (من باب فتح) إذا شدّ فاه بالكعام. والكعام (وزان كتاب): ما يعكم به. يريد أنه سيلقمه بحجر. وعكم مثل كعم معنى ووزنه كضرب.
[10] الهدير: ترديد البعير صوته في حنجرته. والمرتجز: ما تسمع له صوتا متتابعا، يقال: ارتجز الرعد إذا سمع له صوت متتابع.
[11] كذا في م، ء،. وفي سائر النسخ: «البكار وقطعت». والبكارة كالبكار: جمع بكرة وهي الفتية من الإبل.
[12] ترمز: تتحرك.
[13] العنافق: جمع عنفقة وهي الشعرات التي بين الذقن وطرف الشفة السفلى.
[14] سبالها: جمع سبلة بالتحريك وهي الدائرة في وسط الشفة العليا، وقيل: ما على الشارب من الشعر، وقيل: مجتمع الشاربين.
فجاءت بخوّار إذا عضّ جرجرا
تفاخره مع عقال بالشعر
قال يحيى في خبره: واجتمع ابن ميّادة وعقال بن هاشم بباب الوليد بن يزيد، وكان عقال شديد الرأي في اليمن، فغمز [1] عقال ابن ميّادة واعتلاه؛ فقال ابن ميّادة:
فجرنا ينابيع الكلام وبحره ... فأصبح فيه ذو الرّواية يسبح
وما الشّعر إلّا شعر قيس وخندف ... وقول سواهم كلفة وتملّح [2]
فقال عقال يجيبه:
ألا أبلغ الرّمّاح نقض مقالة ... بها خطل الرّمّاح أو كان [3] يمزح
لئن كان في قيس وخندف ألسن ... طوال وشعر سائر ليس يقدح [4]
لقد خرق الحيّ اليمانون قبلهم ... بحور الكلام تستقى وهي تطفح [5]
وهم علّموا من بعدهم فتعلّموا ... وهم أعربوا هذا الكلام وأوضحوا
فللسابقين الفضل لا يجحدونه ... وليس لمخلوق عليهم تبجّح [6]
شعره في حنينه إلى وطنه وحوار الوليد إياه
أخبرني الحرميّ قال حدّثنا الزّبير قال حدّثنا الزّبير قال حدّثنا جلال بن عبد العزيز عن أبيه قال حدّثني ابن ميّادة قال:
قلت وأنا عند الوليد بن يزيد بأباين - وهو موضع كان الوليد ينزله في الربيع - :
لعمرك إني نازل بأباين ... لصوءر [7] مشتاق وإن كنت مكرما
أبيت كأنّي أرمد العين ساهر ... إذا بات أصحابي من الليل نوّما
/ قال: فقال لي الوليد: يابن ميّادة كأنّك غرضت [8] من قربنا، فقلت: ما مثلك يا أمير المؤمنين يغرض من قربه، ولكن:
__________
[1] كذا في أغلب النسخ. وغمزه: عابه وصغر من شأنه. وفي ط: «غمر» بالراء.
[2] تملح: تكلف الملاحة، يقال: فلان يتظرف ويتملح أي يتكلف الظرف والملاحة.
[3] في م، أ، ء: «كاد».
[4] كذا في أغلب النسخ ولعله بمعنى يعاب وإن كنا لم نعثر في «كتب اللغة» على أن قدح بهذا المعنى يتعدى بنفسه وإنما يتعدى بفي.
وفي ط: «يفرح» وهو تحريف.
[5] كذا في أغلب النسخ وفي ح، ء، ط «طفح» ولم نجد في «كتب اللغة» التي بين أيدينا نصا على أنّ طافحا يجمع على طفح ولكن علماء العربية يقولون: إن فعلا يطرد جمعا لفاعل متى كان وصفا صحيح اللام نحو عاذل وعذل وشاهد وشهد (انظر «شرح الأشموني للخلاصة»).
[6] تبجح: افتخار وتعظم.
[7] صوءر: ماء لكلب على مسافة يوم وليلة من الكوفة مما يلي الشأم. ويوم صوءر من أيامهم المشهورة.
[8] غرضت: ضجرت ومللت.
ألا ليت شعري هل أبيتنّ ليلة ... بحرّة [1] ليلى حيث ربّتني [2] أهلي
وهل أسمعنّ الدهر أصوات هجمة [3] ... تطالع من هجل [4] خصيب إلى هجل
بلادبها نيطت عليّ تمائمي ... وقطّعن عنّي حين أدركني عقلي
فإن كنت عن تلك المواطن حابسي ... فأيسر عليّ الرزق واجمع إذا شملي
فقال: كم الهجمة؟ قلت: مائة ناقة؛ فقال: قد صدرت بها كلّها عشراء [5]. قال ابن ميّادة: فذكرت ولدانا لي بنجد إذا استطعموا اللّه عزّ وجلّ أطعمهم وأنا، وإذا استسقوه سقاهم اللّه وأنا، وإذا استكسوه كساهم اللّه وأنا، فقال: يابن ميّادة، وكم ولدانك؟ فقلت: سبعة عشر، منهم عشرة نفر وسبع نسوة، فذكرت ذلك منهم فأخذ بقلبي؛ فقال: يابن ميّادة، قد أطعمهم اللّه/ وأمير المؤمنين، وسقاهم اللّه وأمير المؤمنين، وكساهم اللّه وأمير المؤمنين؛ أمّا النساء فأربع حلل مختلفات الألوان، وأمّا الرجال فثلاث حلل مختلفات الألوان، وأمّا السّقي فلا أرى مائة لقحة إلّا سترويهم، فإن لم تروهم زدتهم عينين من الحجاز؛ قلت: يا أمير المؤمنين، لسنا/ بأصحاب عيون يأكلنا بها البعوض، وتأخذنا بها الحمّيات؛ قال: فقد أخلفها اللّه عليك؛ كلّ عام لك فيه مثل ما أعطيتك العام: مائة لقحة وفحلها وجاريه بكر وفرس عتيق.
عارض ابن القتال وانتحل بيتا من شعره
وأخبرنا يحيى بن عليّ قال حدثنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه قال حدّثني شدّاد بن عقبة عن عبد السلام ابن القتّال قال:
عارضني ابن ميّادة فقال: أنشدني يابن القتّال، فأنشدته:
ألا ليت شعري هل أبيتنّ ليلة ... بصحراء ما بين التّنوفة [6] والرّمل
وهل أزجرنّ العيس شاكية الوجى [7] ... كما عسل [8] السّرحان بالبلد المحل
وهل أسمعنّ الدهر صوت حمامة ... تغنّي حمامات على فنن [9] جثل
__________
[1] الحرة أرض ذات حجارة سود. وفي ديار العرب حرّات كثيرة، وأكثرها حوالي المدينة إلى الشام، ومنها حرة ليلى هذه، وهي في ديار بني مرة بن عوف من غطفان، يطؤها الحاج في طريقهم إلى المدينة، وقال السكريّ: حرة ليلى معروفة في بلاد بني كلاب، وأورد قصة الوليد مع ابن ميادة وهذه الأبيات. (أنظر «معجم البلدان» لياقوت في اسم «حرة ليلى».
[2] ربتني: فعل رباعيّ، يقال: ربت الصبي تربيتا أي رباه تربية.
[3] الهجمة: القطعة الضخمة من الإبل، قيل أوّلها الأربعون فما زادت، وقيل هي ما بين الثلاثين إلى المائة.
[4] الهجل: المطمئن من الأرض.
[5] العشراء: الناقة التي أتى على حملها عشرة أشهر وجمعها عشار، وليس في الكلام فعلاء يجمع على فعال غير عشراء ونفساء.
[6] التنوفة: المفازة وقيل الفلاة التي لا ماء بها ولا أنيس وإن كانت معشبة.
[7] الوجي: الحفا وقيل شدّته.
[8] عسل: مضى مسرعا واضطرب في عدوه وهز رأسه، والسرحان: الذئب.
[9] الفنن: الغصن، والجثل: الضخم الكثير الورق.
وهل أشربنّ الدهر مزن [1] سحابة ... على ثمد [2] الأفعاة [3] حاضره أهلي
بلاد بها نيطت عليّ تمائمي ... وقطّعن عنّي حين أدركني عقلي
قال: فأتاني الرّواة بهذا البيت وقد اصطرفه [4] ابن ميّادة وحده.
جازه الوليد إبلا فأرادوا إبدالها فقال شعرا
أخبرني حبيب بن نصر المهلّبيّ قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثني إسحاق بن إبراهيم قال حدّثني رجل من كلب وأخبرني يحيى بن عليّ بن يحيى عن حمّاد [5] عن أبيه عن أبي عليّ الكلبيّ قال:
أمر الوليد بن يزيد لابن ميّادة بمائة من الأبل من صدقات بني كلب، فلمّا أتى الحول أرادوا أن يبتاعوها له من الطرائد، وهي الغرائب، وأن يمسكوا التّلاد [6]؛ فقال ابن ميّادة:
أ لم يبلغك أنّ الحيّ كلبا ... أرادوا في عطيّتك ارتدادا
وقالوا [7] إنّها صهب [8] وورق [9] ... وقد أعطيتها دهما [10] جعادا [11]
فعلموا أنّ الشعر سيبلغ الوليد فيغضبه؛ فقالوا له: انطلق فخذها صفرا جعادا.
شعره في رثاء الوليد
وقال يحيى بن عليّ في روايته: لما قتل الوليد بن يزيد قال ابن ميّادة يرثيه:
__________
[1] كذا في أغلب النسخ، والمزن: جمع مزنة وهي المطرة، وتقال على السحابة البيضاء أو السحابة ذات الماء. وفي ح، م: «صوب» والصوب: المطر.
[2] الثمد والثمد: الماء القليل.
[3] الموجود في أسماء الأماكن «أفعى» وقد ذكر في «القاموس» أنها هضبة لبني كلاب. وذكر البكريّ في «معجم ما استعجم» ص 718 أنها ماءة في ناحية هضب الوراق لبني الطماح من بني أسد. وقد يرد هذا الاسم في الشعر بالتاء فيقال أفعاة قال بعض الكلابيين:
هل تعرف الدار بذي النبات ... إلى البريقات إلى الأفعاة
قال الصاغاني: أدخل الهاء في الأفعاة لأنه رغب بها إلى الهضبة.
[4] كذا في أغلب الأصول بالصاد والطاء، ولم نجد لاصطرف في هذا الموضع معنى مناسبا. وفي س: «اسطرفه» بالسين والطاء ولعل أصله «استطرفه» أي عدّه طريفا أو اختاره يقال: استطرفت الإبل المرتع أي اختارته.
[5] كذا في أ، م، ح. وفي سائر النسخ: «عن حماد الراوية عن أبيه» وزيادة الراوية هنا من تشويه النساخ لأن الذي يروي كثيرا عن أبيه هو حماد بن اسحاق لا حماد الراوية، وقد تقدّم ذلك في أسانيد كثيرة ولم يعرف أن حمادا الراوية يروى عن أبيه، على أنه ليس في السند بين أبي الفرج الأصفهاني وبين حماد هذا إلا راو واحد، ومعروف أن حمادا الراوية عاش إلى خلافة المنصور ومات سنة 164 هجرية وصاحب «الأغاني» مات 356 فالمدّة بينهما طويلة، ولا يعقل لذلك أن يتوسطها راو واحد.
[6] التلاد: مال قديم ولد عندك أو نتج.
[7] يروى في كتاب «الشعر والشعراء» لابن قتيبة (ص 485): «أرادوا لي بها لونين شتى ... » الخ.
[8] صهب: جمع أصهب أو صهباء، والصهبة في الإبل: أن يكون في ظاهر الشعر حمرة وفي أصوله إسوداد.
[9] في أ، م، ء، ط «زرق». وورق: جمع أورق أو ورقاء. والورقة: سواد في غبرة وقيل سواد في بياض. قال أبو نصر النعاميّ: هجر بحمراء، واسر بورقاء وصبح القوم على صهباء، قيل له: ولم ذلك؟ قال: لأن الحمراء أصبر على الهواجر، والورقاء أصبر على طول السرى، والصهباء أشهر وأحسن حين ينظر إليها.
[10] الدهم: جمع أدهم أو دهماء، والدهمة: السواد.
[11] جعاد: جمع جعدة من الجعودة وهي في الإبل التواء وبرها وتقبضه وتقبضها السبوطة وهي الانبساط والاسترسال.
/ ألا يا لهفتيّ على وليد [1]
غداة أصابه القدر المتاح [2] ... ألا أبكي الوليد فتى قريش
وأسمحها إذا عدّ السّماح ... وأجبرها لذي عظم مهيض [3]
إذا ضنّت بدرّتها اللّقاح ... لقد فعلت بنو مروان فعلا
وأمرا ما يسوغ به القراح [4]
قال يحيى: وغنّى فيه عمر الوادي ولم يذكر طريقة غنائه.
ابن ميادة وعثمان بن عمرو بن عثمان بن عفان
أخبرنا الحرميّ قال حدّثنا الزّبير قال حدّثنا محمد بن زهير بن مضرّس [5] الفزاريّ عن أبيه قال:
أخصب جناب الحجاز الشاميّ فمالت لذلك الخصب بنو فزارة وبنو مرّة، فتحالّوا [6] جميعا به. قال: فبينا ذات يوم [7] أنا وابن ميّادة جالسان على قارعة الطريق عشاء إذا راكبان يوجفان [8] راحلتين حتّى وقفا علينا، فإذا أحدهما بحر [9] الريح وهو عثمان بن عمرو بن عثمان بن عفان معه مولى له، فنسبنا [10] وانتسب لنا، وقد كان ابن ميّادة/ يعلّلني [11] /بشعره، فلمّا انقضى كلامنا مع القرشيّ ومولاه/ استعدت ابن ميّادة ما كنّا فيه، فأنشدني فخرا له يقول فيه:
وعلى المليحة [12] من جذيمة فتية ... يتمارضون [13] تمارض الأسد
وترى الملوك الغتر تحت قبابهم ... يمشون في الحلقات والقدّ [14]
قال: فقال له القرشيّ: كذبت؛ قال ابن ميّادة: أفي هذا وحده! أنا واللّه في غيره أكذب؛ فقال له القرشيّ: إن
__________
[1] كذا في أغلب النسخ: بغير أل. وفي أ، م «الوليد» وقد نظر من رجح «وليد» إلى ضرورة تنوينها في صدر البيت ليتم به عروض «فعولن» ولا يبرر عدم تنوينها إلا وقوعها صدرا لمطلع قصيدة دالية من نوعها والحال هنا بخلاف ذلك.
[2] المتاح: المقدّر، يقال: أتاح اللّه له خيرا أو شرا أي قدّره.
[3] المهيض: المكسور يقال: هاض العظم يهيضه هيضا فانهاض أي كسره بعد الجبور أو بعد ما كاد ينجبر فهو مهيض.
[4] القراح: الماء الخالص الذي لم يخالطه شيء من سويق ولا غيره.
[5] لم نستند في ضبط هذا الاسم إلى نص صريح وإنما وجدنا العرب يسمون مضرسا كمحدّث ولم يذكر صاحب «القاموس» فيما سموا به غير هذه الصيغة.
[6] كذا في ح، وتحالوا في كذا أي حلوا متجّاورين، ومنه قيل للزوجة حليلة لأنها تحال زوجها في دار واحدة. وفي باقي النسخ:
«فتحالفوا» بفاء بعد اللام.
[7] كذا في ب، س. وفي سائر النسخ: «فإني ذات يوم الخ».
[8] يوجفان: يحثان.
[9] كذا في ب، س، ء. وفي ح «بخر الزنج»، وسيأتي هذا الاسم في ترجمة «أشعب وأخباره» في ج 17 ص 89 من «الأغاني» طبع بولاق هكذا: «خراء الزنج» وهو عثمان بن عمرو بن عثمان.
[10] فنسبنا: سألنا أن ننتسب، وفي ط: «فنسبنا فانتسب».
[11] يعللني: يشغلني ويلهيني، يقال: علله بالحديث أو الطعام إذا شغله به.
[12] الموجود في «معجم البلدان» لياقوت و «معجم ما استعجم» للبكريّ و «شرح القاموس» للسيد مرتضى «مليحة: بدون أل، وهو موضع في بلاد بني تميم، وكان به يوم بين بني يربوع وبسطام بن قيس الشيبانيّ. ومليحة: اسم جبل أيضا في غربيّ سلمى أحد جبلي طئ وبه آبار كثيرة وطلح.
[13] التمارض: أن يرى من نفسه المرض وليس به.
[14] القدّ (بالكسر): سيور تقدّ من جلد فطير غير مدبوغ يشدّ به الأسير.
كنت تريد في مديحك قريشا فقد كفرت بربّك ودفعت قوله، ثم قرأ عليه: (لِإِيلافِ قُرَيْشٍ)
حتّى أتى على آخرها، ونهض هو ومولاه وركبا راحلتيهما؛ فلمّا فاتا أبصارنا قال ابن ميّادة:
سمين قريش مانع منك نفسه ... وغثّ قريش حيث كان سمين
ابن ميادة وسنان بن جابر وهجاؤه بني حميس
أخبرنا يحيى بن عليّ عن حمّاد عن أبيه عن أبي الحارث المرّي قال:
كان ابن ميّادة قد هاجى سنان بن جابر أحد بني حميس بن عامر بن جهينة بن زيد بن ليث بن سود بن أسلم؛ فقال ابن ميّادة له فيما قال من هجائه:
لقد طالما علّلت حجرا وأهله ... بأعراض قيس يا سنان بن جابر
أأهجو قريشا ثم تكره ريبتي ... ويسرقني عرضي حميس بن عامر
/ قال: وقال فيهم أيضا:
قصار الخطى فرق [1] الخصى زمر اللّحى [2] ... كأنهم ظربى [3] اهترشن على لحم
ذكرت حمام القيظ لما رأيتهم ... يمشّون [4] حولي في ثيابهم الدّسم [5]
وتبدي الحميسيّات في كلّ زينة ... فروجا كآثار الصّغار من البهم
قال: ثم إنّ ابن ميّادة خرج يبغي إبلا له حتى ورد جبارا [6] - وهو ماء لحميس بن عامر - فأتى بيتا فوجد فيه عجوزا قد أسنّت، فنشدها إبله فذكرتها له وقالت: ممن أنت؟ قال: رجل من سليم بن منصور؛ فأذنت له وقالت:
ادخل حتى نقريك وقد عرفته وهو لا يدري؛ فلمّا قرته قال ابن ميّادة: وجدت ريح الطّيب قد نفح عليّ من البيت، فإذا [7] بنت لها قد هتكت السّتر، ثم استقبلتني وعليها إزار أحمر وهي مؤتزرة به، فأطلقته وقالت: انظر يابن ميّادة الزانية! أهذا كما نعتّ! فلم أر امرأة أضخم قبلا منها؛ فقالت: أهذا كما قلت!:
وتبدي الحميسيّات في كلّ زينة ... فروجا كآثار الصّغار من البهم
/ قال: قلت: لا واللّه يا سيّدتي، ما هكذا قلت ولكن قلت:
وتبدي الحميسيّات في كلّ زينة ... فروجا كآثار المقيسرة [8] الدّهم
__________
[1] جمع أفرق، من الفرق وهو تباعد ما بين الخصيتين ويقال للشاة البعيدة ما بين الخصيتين فرقاء.
[2] كذا في جميع الأصول، ولعله بمعنى «مجتمعو اللحى».
[3] الظربي: جمع ظربان وهي دوبية كالهرّة منتنة الرائحة. ويقال: إن أبا الطيب المتنبي لقي أبا عليّ الفارسيّ فقال له أبو عليّ: كم لنا من الجموع على فعلي (بالكسر). فقال أبو الطيب بديهة: حجلي وظربي ولا ثالث لهما. فمازال أبو عليّ يبحث هل يستدرك عليه ثالثا فلم يمكن إلا ذلك. واهترشن: تواثبن وتقاتلن.
[4] يمشون لازم كيمشون.
[5] الدسم: الوسخة.
[6] جبار: ماء لبني حميس ابن عامر بن ثعلبة بين المدينة وفيد.
[7] كذا بالفاء في أ، م. وفي سائر النسخ: «و إذا» بالواو.
[8] المقيسرة: الإبل المسان، يقال: هذه مقيسرة بني فلان، أي إبلهم المسانّ.
وانصرف يتشبّب [1] بها، فذلك حين يقول:
نظرنا فهاجتنا على الشّوق والهوى ... لزينب نار أوقدت بجبار
كأنّ سناها لاح لي من خصاصة ... على غير قصد والمطيّ سواري
حميسيّة بالرملتين محلّها ... تمدّ بحلف بيننا وجوار
قال أبو داود [2]: وكانت بنو حميس حلفاء لبني سهم بن مرّة، ثم للحصين بن الحمام. وتمدّ وتمتّ واحد.
رجع إلى الشعر
تجاور من سهم بن مرّة نسوة ... بمجتمع النقبين [3] غير عواري
نواعم أبكارا كأنّ عيونها ... عيون ظباء أو عيون صوار [4]
كأنّا نراها وهي منّا قريبة ... على متن عصماء [5] اليدين نوار [6]
تتبّع من حجر [7] ذرا متمنّع ... لها معقل في رأس كلّ طمار [8]
/يدور بها ذو أسهم لا ينالها ... وذو كلبات كالقسيّ ضواري [9]
كأنّ على المتنين منها وديّة [10] ... سقتها السواقي من وديّ دوار [11]
يظلّ سحيق المسك [12] يقطر حولها ... إذا الماشطات احتفنه [13] بمداري
وما روضة خضراء يضربها الندى ... بها قنّة من حنوة وعرار [14]
بأطيب من ريح القرنفل ساطعا ... بما التفّ من درع لها وخمار
__________
[1] في ح: «يشبب» وفي ط: «ينسب».
[2] في ط: «أبو دواد».
[3] كذا في أ، ء، م، ط. وفي ب، س: «النصفين». وفي ح: «الصفين». ولم نهتد لترجيح إحدى هذه الروايات.
[4] الصوار هنا: القطيع من البقر، ويقال أيضا على وعاء المسك وقد جمع الشاعر بينهما بقوله:
إذا لاح الصوار ذكرت ليلى ... وأذكرها إذا نفح الصوار
[5] العصماء: ما يكون في ذراعها بياض من الظباء والوعول.
[6] نوار: نفور.
[7] كذا في أغلب الأصول، وهو اسم لمواضع منها جبل في بلاد غطفان. وفي ح «حجز» بالزاي المعجمة.
[8] الطمار: اسم المكان المرتفع، يقال: انصب عليهم فلان من طمار أي من مكان عال.
[9] وصف للكلبات، وهو جمع ضارية أي المتعوّدة الصيد، يقال: ضري الكلب بالصيد ضراوة أي تعوّد وأضراه صاحبه أي عوده وأغراه به.
[10] الودية: واحدة الوديّ وهو فسيل النخل وصغاره، وهي هنا كناية عن الضفيرة من الشعر.
[11] كذا في أغلب الأصول. وفي ء: «درار» ولم نعثر على أنه اسم مكان خاص.
[12] كذا في أغلب الأصول. وفي ط: «سليخ البان» ولعل كلمة سليخ جمع لسليخة وهي دهن ثمر البان، قال في «اللسان»: وسليخة البان دهن ثمره قبل أن يربب بأفاويه الطيب.
[13] كذا في أغلب النسخ ولم نجد لها معنى مناسبا. وفي ح: «احتفته» وهو تحريف قطعا ولم نوفق إلى تقريبه من صوابه.
[14] القنة: الجبل الصغير. والحنوة: نبات سهليّ طيب الريح. وفي ب، س: «من جنوة» بالجيم المعجمة وهو تصحيف. والعرار:
بهار ناعم أصفر طيب الريح.
وما ظبية ساقت لها الريح نغمة [1] ... على غفلة فاستسمعت لخوار [2]
بأحسن منها يوم قامت فأتلعت [3] ... على شرك [4] من روعة ونفار
فليتك يا حسناء يابنة مالك ... يبيع لنا منك المودّة شاري [5]
ابن ميادة وزينب بنت مالك
وأخبرني بهذا الخبر الحرميّ قال حدّثنا الزّبير قال حدّثني أبو حرملة منظور بن أبي عديّ الفزاري ثم المنظوريّ عن أبيه قال حدّثني رمّاح بن أبرد قال:
/ خرجت قافلا من السّلع [6] إلى نجد حتى إذا كنت ببعض أهضام [7] الحرّة (هكذا [8] في نسختي، وأظنّه هضاب [9] الحرّة) رفع لي بيت كالطّراف [10] العظيم، وإذا بفنائه غنم لم تسرح، فقلت: بيت من بيوت بني مرّة وبي من العيمة [11] إلى اللبن ما ليس بأحد، فقلت: آتيهم فأسلّم عليهم وأشرب من لبنهم، فلما كنت غير بعيد سلّمت فردّت عليّ امرأة برزة [12] بفناء البيت، وحيّت ورحّبت واستنزلتني فنزلت، فدعت بلبن ولبأ ورسل [13] من رسل تلك الغنم، ثم قالت: هيا فلانة البسي شفّا [14] واخرجي، فخرجت عليّ جارية [15] كأنّها ثمعة ما رأيت في الخلق لها نظيرا قبل ولا بعد، فإذا شفّها ذاك ليس/ يواري منها شيئا وقد نبا عن ركبها [16] ما وقع عليه من
__________
[1] كذا في أغلب النسخ. وفي ح، أ«بغمة» بالباء الموحدة من بغمت الظبية والبقرة والناقة أي صوّتت.
[2] كذا في أ، ب نسخة الشيخ الشنقيطي بعد تصحيحه لها. والخوار: صوت البقر والغنم والظباء، وفي باقي النسخ: «حوار» بالحاء المهملة.
[3] أتلعت: مدّت عنقها متطاولة.
[4] الشرك: حبالة الصائد.
[5] شاري أي بائع، يقال: شراه إذا باعه، ومنه قول يزيد بن مفرّغ:
شريت بردا ولو لا ما تكنفني ... من الحوادث ما فارقته أبدا
[6] عرف باسم «سلع» جبل بقرب المدينة. وقد أورده الجوهريّ معرّفا فقال: السلع: جبل بالمدينة. وخطأه صاحب «القاموس» بحجة أنه علم والأعلام لا تدخلها اللام. ونقل السيد مرتضى في «تاج العروس» مادّة سلع منازعة شيخه لصاحب «القاموس» في هذه التخطئة. وسلع أيضا: جبل في ديار هذيل بين نجد والحجاز ويقال فيه: ذو سلع.
[7] الأهضام: جمع هضم (بالفتح والكسر) وهو المطمئن من الأرض.
[8] هذه العبارة المحصورة بين قوسين واردة في أغلب النسخ ما عدا نسخة ح. والظاهر أنها ليست من كلام أبي الفرج وإنما هي حاشية وجدت على بعض نسخ «الأغاني» فأدخلها الناسخ في أصل الكتاب لأن صاحب «الأغاني» روى هذا الخبر عن الحرميّ ولم يذكر أنه نقلها من كتاب.
[9] إنما رجح أن تكون في الأصل هضاب لأن المتبادر من قوله: «رفع لي بيت» أنه أطل عليه من هضبة.
[10] الطراف بيت من أدم ليس له كفاء (سترة تكون في مؤخر البيت من أعلاه إلى أسفله) وفي أ، م، ح: «الظرب» والظرب ككتف:
الرابية أو الجبل المنبسط.
[11] العيمة: شهوة اللبن، يقال: عام الرجل إلى اللبن يعام ويعيم عيما وعيمة إذا اشتهاه.
[12] البرزة: المرأة المتجاهرة تبرز للناس ويجلس إليها القوم وهي مع ذلك عفيفة عاقلة.
[13] اللبأ: أوّل اللبن عند النتاج. والرسل: اللبن.
[14] كذا في ح، والشف من الثياب: الرقيق، يقال: شف الثوب عن المرأة يشف شفوفا وشفيفا فهو شف أي رق حتى يرى ما خلفه، وفي باقي النسخ: «شقا» بالقاف وهو تصحيف.
[15] كذا في أغلب الأصول. وفي ب، س: «فخرجت عليّ امرأة جارية» بزيادة لفظة امرأة.
[16] الركب: ظاهر الفرج، وقيل: هو الفرج نفسه.
الثوب [1] فكأنّه قعب [2] مكفأ، ثم قالت: يابن ميّادة الخبيثة، أأنت القائل:
وتبدي الحميسيّات في كلّ زينة ... فروجا كآثار الصّغار من البهم؟
فقلت: لا واللّه جعلني اللّه فداك يا سيّدتي - ما قلت هذا قط، وإنمّا قلت:
وتبدي الحميسيّات في كلّ زينة ... فروجا كآثار المقيسرة الدهم
قال: وكان يقال للجارية الحميسيّة: زينب بنت مالك، وفيها قال ابن ميّادة قصيدته:
ألمّا فزورا اليوم خير مزار
أعطاه الوليد جارية فقال فيها شعرا
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير بن بكار قال حدّثني موهوب ابن رشيد الكلابيّ قال:
أعطى الوليد بن يزيد ابن ميّادة جارية طبريّة [3] أعجميّة لا تفصح، حسناء جميلة كاملة لو لا العجمة، فعشقها وقال فيها:
جزاك اللّه خيرا من أمير ... فقد أعطيت مبرادا سخونا
/ بأهلي ما ألذّك عند نفسي ... لو انّك بالكلام تعرّبينا
كأنّك ظبية مضغت أراكا ... بوادي الجزع حين تبغّمينا [4]
ملاحاته مع رجل من بني جعفر
أخبرني الحرميّ قال حدّثنا الزّبير قال حدّثني إسحاق بن شعيب بن إبراهيم بن محمد بن طلحة قال:
/ وردت على بني فزارة ساعيا [5]، فأتاني ابن ميّادة مسلّما عليّ، وجاءتني بنو فزارة ومعها رجل من بني جعفر بن كلاب كان لهم جارا وكان مخطّطا [6] موسوما بجمال، فلمّا رأيته أعجبني، فأقبلت على بني فزارة وقلت لهم: أي أخوالي هذا؟ فو اللّه إنّه ليسرّني أن أرى فيكم مثله؛ فقالوا: هذا - أمتع اللّه بك - رجل من بني جعفر بن كلاب وهو لنا جار. قال: فأصغى إليّ ابن ميّادة، وكان قريبا منّي، وقال: لا يغرنّك - بأبي أنت - ما ترى من جسمه فإنّه أجوف لا عقل له؛ فسمعه الجعفريّ فقال: أفيّ تقع يابن ميّادة وأنت لا تقري ضيفك؟ فقال له ابن ميّادة: إن لم أقره قراه ابن عمّي وأنت لا تقري ولا ابن عمّك. قال ابن عمران [7]: فضحكت مما شهد [8] به ابن ميّادة على نفسه.
__________
[1] في ب، س، ط بعد كلمة الثوب كلمة «شي ء» وهي زيادة لم يظهر لها معنى.
[2] القعب: القدح الضخم الغليظ الجافي، وقيل قدح من خشب مقعر. والمكفأ: المقلوب يقال أكفأ الشيء أي كبه وقلبه ككفأه.
[3] نسبة إلى طبرستان من بلاد الفرس وهي بلدان واسعة كثيرة يشملها هذا الاسم.
[4] التبغم: ترخيم الصوت.
[5] ساعيا: جابيا صدقاتهم.
[6] مخططا: جميلا.
[7] كذا في جميع الأصول ولم يتقدّم لهذا الاسم ذكر في السند.
[8] في ح: «مما باء ابن ميادة على نفسه».
كان بخيلا لا يكرم أضيافه
أخبرني الحرميّ قال حدّثنا الزّبير قال حدّثني محمد بن إسماعيل الجعفريّ عن المعلّى بن نوح [1] الفزاريّ قال حدّثني خال لي كان شريفا من سادات بني فزارة قال:
ضفت ابن ميّادة فأكرمني وتحفّى بي [2] وفرّغ لي بيتا فكنت فيه ليس معي أحد، ثم جاءني بقدح ضخم من لبن إبله فشربته ثم ولّى، فلم ينشب أن جاءني بآخر فتناولت منه شيئا يسيرا، فما لبثت حتّى عاد بآخر فقلت: حسبك يا رمّاح فلا حاجة لي بشي ء؛ فقال: اشرب بأبي أنت، فو اللّه لربّما بات الضيف عندنا مدحورا [3].
أخبرني الحرميّ قال حدّثنا الزّبير قال حدّثني عمّي مصعب عن جدّي عبد اللّه بن مصعب قال:
/ أتينا ابن ميّادة نتلقّى منه الشعر؛ فقال لنا: هل لكم في فضل شنّة؟ [4] فظنّناها تمرا، فقلنا له: هات، لنبسطه [5] بذلك، فإذا شنّة فيها فضلة من خمر قد شرب بعضها وبقي بعض، فلمّا رأيناها قمنا وتركناه.
دعي في وليمة فرجع لما رأى من ضرب الناس بالسياط
أخبرنا الحرميّ قال حدّثنا الزّبير قال حدّثني إبراهيم بن عبد الرحمن الكثيريّ قال حدّثني نعمة [6] الغفاريّ قال:
قدم ابن ميّادة المدينة فدعي في وليمة فجاء فوجد على باب الدار التي فيها الوليمة حرسا يضربون الزّلّالين [7] بالسّياط يمنعونهم من الدخول، فرجع وهو يقول:
ولمّا رأيت الأصبحيّة [8] قنّعت [9] ... مفارق شمط حيث تلوى العمائم
تركت دفاع الباب عمّا وراءه ... وقلت صحيح من نجا وهو سالم
جوابه حين سأله الوليد: من تركت عند نسائك
أخبرني يحيى بن عليّ عن أبيه عن إسحاق قال:
قال الوليد بن يزيد لابن ميّادة في بعض وفاداته عليه: من تركت عند نسائك؟ قال: رقيبين لا يخالفاني طرفة عين: الجوع والعري. وهذا القول والجواب يروى [10] أنّ عمر بن عبد العزيز وعقيل بن علّفة تراجعاهما، وقد ذكرا في أخبار عقيل.
__________
[1] كذا في أغلب النسخ. وفي ح: «برج» بدل «نوح».
[2] كذا في ط وتحفى بي أي بالغ في برّي والسؤال عن حالي. وفي باقي الأصول: «و أتحفني».
[3] مدحورا: مطرودا.
[4] الشنة: الخلق من كل آنية صنعت من جلد، ويقال للسقاء شنّ وللقربة شنّ.
[5] كذا في أغلب الأصول. وفي ط: «لننشطه».
[6] سموا «نعمة» بضم النون وبكسرها، ولم نوفق إلى تعيين ضبط هذا الاسم هنا. وفي ط: «نعمة العفاني».
[7] الزلالون: الطفيليون نقل ابن برّي عن ابن خالويه أن من أسماء الطفيلي الزلال (انظر «اللسان» مادة طفل).
[8] الأصبحية: السياط نسبة إلى ذي أصبح ملك من ملوك حمير.
[9] قنعت أي علت الرؤس، يقال: قنع فلان رأس الجبل أي غلاه، وقنعت فلانا بالسيف والسوط أي علوته به.
[10] في جميع الأصول: «يرويان» وهو تحريف.
/ مدحه لأبي جعفر المنصور
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثني عمّي مصعب وأخبرني محمّد بن مزيد قال: حدّثنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه عن الزّبير وأخبرنا يحيى بن عليّ قال: حدّثنا أبو أيّوب المدينيّ عن مصعب:
أنّ ابن ميّادة مدح أبا جعفر المنصور بقصيدته التي يقول فيها:
طلعت علينا العيس بالرّمّاح
ثم/ خرج من عند أهله يريده، فمرّ على إبله فحلبت له ناقة من إبله، وراح عليه راعيه بلبنها فشربه ثم مسح على بطنه ثم قال: سبحان اللّه! إنّ هذا لهو الشّره! يكفيني لبن بكرة وأنا شيخ كبير، ثم أخرج [1] وأغترب في طلب المال! ثم رجع فلم يخرج. هذه القصيدة من جيّد شعر ابن ميّادة، أوّلها:
وكواعب [2] قد قلن يوم تواعد [3] ... قول المجدّ وهنّ كالمزّاح
يا ليتنا [4] في غير أمر فادح [5] ... طلعت علينا العيس بالرّمّاح
بينا كذاك رأينني متعصّبا ... بالخزّ فوق جلالة سرداح [6]
فيهنّ صفراء المعاصم طفلة [7] ... بيضاء مثل غريضة [8] التّفّاح
/ فنظرن من خلل الحجال بأعين ... مرضى مخالطها السّقام صحاح
وارتشن [9] حين أردن أن يرمينني ... تبلا بلا ريش ولا بقداح
يقول فيها في مدح المنصور وبني هاشم:
فلئن بقيت لألحقنّ بأبحر ... ينمين لا قطع [10] ولا أنزاح [11]
ولآتينّ بني عليّ [12] إنّهم ... من يأتهم يتلقّ بالإفلاح
قوم إذا جلب الثناء إليهم ... بيع الثناء هناك بالأرباح
__________
[1] كذا في أغلب الأصول. وفي ب، س: «ثم قال أخرج» وهي هنا حشو لا فائدة فيها.
[2] كذا ورد هذا الشطر في جميع الأصول. وجاء في «الكامل» للمبرد طبع أوروبا ص 29 هكذا:
ونواعم قد قلن يوم ترحلي
[3] كذا في ح. وفي باقي الأصول: «يوم تواعدوا» ولا يصح أن تكون الواو ضميرا للنسوة.
[4] في «الكامل» للمبرّد»: «من غير».
[5] كذا في ح و «الكامل» للمبرّد. وفي أغلب الأصول: «ثائر». وفي ب. «بائر».
[6] الجلالة: الناقة العظيمة. والسرداح: الناقة الطويلة، وقيل: الكثيرة اللحم.
[7] الطفلة (بالفتح): الجارية الرقيقة البشرة الناعمة.
[8] الغريضة: الطرية.
[9] ارتشن نبلا: اتخذن لها ريشا.
[10] لا قطع: جمع أقطع وهو الذي انقطع ماؤه.
[11] أنزاح جمع نزح [بالتحريك] وهو ما نزح أكثر مائه، وهو أيضا الماء الكدر.
[12] كتب في هامش ط على هذا البيت (يعني عليّ بن عبد اللّه بن العباس أه) وهو أصغر أولاد عبد اللّه بن عباس ولكنه تقدمهم لشرفه ونبله وقد أنزله عبد الملك بن مروان الحميمة ببلاد الشأم فلبث فيها حتى مات (انظر «اليعقوبي» ص 314 و321 و348 و385).
ولأجلسنّ إلى الخليفة إنّه ... رحب الفناء بواسع نجباح
وهي قصيدة طويلة.
أصاب الحاج بمكة مطر شديد وصواعق فقال شعرا
أخبرني الحرميّ قال حدّثنا الزّبير قال حدّثنا إسحاق بن أيّوب بن سلمة قال: اعتمرت في رجب سنة خمس ومائة، فصادفني ابن ميّادة بمكة وقدمها معتمرا، فأصابنا مطر شديد تهدّمت منه البيوت وتوالت فيه الصواعق، فجلس إليّ ابن ميّادة الغد من ذلك اليوم [1]، فجعل يأتيني قوم من قومي وغيرهم فأستخبرهم عن ذلك الغيث فيقولون: صعق فلان وانهدم منزل فلان؛ فقال ابن ميّادة: هذا العيث [2] لا الغيث؛ فقلت: فما الغيث عندك؟
فقال:
سحائب لا من صيّب [3] ذي صواعق ... ولا محرقات ماؤهنّ حميم
إذا ما هبطن الأرض قد مات [4] عودها ... يكين بها حتّى يعيش هشيم
كان ينشد من شعره فيستحسنه الناس
أخبرني الحرميّ قال حدّثنا الزّبير قال حدّثني موسى بن زهير عن أبيه قال: جلست أنا وعيسى بن عميلة وابن ميّادة ذات يوم، فأنشدنا ابن ميّادة شعره مليّا، ثم أنشدنا قوله:
ألا ليت شعري هل أبيتنّ ليلة ... بحرّة ليلى حيث ربّتني أهلي
بلاد بها نيطت عليّ تمائمي ... وقطّعن عنّي حين أدركني عقلي
وهل أسمعنّ الدهر أصوات هجمة ... تطالع من هجل خصيب إلى هجل
صهيبيّة صفراء تلقي رباعها ... بمنعرج الصّمّان [5] والجرع [6] السهل
تلقى رباعها: تطرح أولادها. وواحد الرباع ربع.
وهل أجمعنّ الدهر كفّيّ جمعة ... بمهضومة الكشحين ذات شوى [7] عبل
/ محللّة لي لا حراما [8] أتيتها ... من الطيبات حين تركض في الحجل [9]
__________
[1] في ط: «المطر».
[2] العيث بالعين المهملة: الفساد.
[3] في ح، ء، ط «صيف» ورواية «الكامل» للمبرد ص 50 « ... صيف ... مخرفات .. ».
[4] في ط: «داء عودها» من داء الرجل (وزان شاء): أصل الداء.
[5] الصمان: أرض غليظة دون الجبل، ويطلق على جبل ينقاد ثلاث ليال وليس له ارتفاع بين البصرة ومكة، يخرج المسافر من البصرة إلى مكة فيسير إلى كاظمة ثلاثا ثم إلى الدوّ ثلاثا ثم إلى الصمان ثلاثا ثم إلى الدهناء ثلاثا. (انظر «معجم ما استعجم» للبكريّ ص 605 طبع أوروبا).
[6] الجرع: الرملة السهلة المستوية.
[7] الشوى: الأطراف: اليدان والرجلان والرأس. والعبل: الضخم.
[8] كذا في ح، أ: «حراما». وفي باقي النسخ: «حرام».
[9] الحجل بفتح الحاء المهملة وكسرها: الخلخال.
تميل إذا مال الضجيع بعطفها ... كما مال [1] دعص من ذرا عقد [2] الرمل
فقال له عيسى بن عميلة: فأين قولك يا أبا الشّرحبيل:
لقد حرّمت أمّي عليّ عدمتها ... كرائم قومي ثمّ قلّة ماليا
/ فقلت له: فاعطف إذا إلى أمة بني سهيل فهي أعند وأنكد، وقد كنت أظنّ أن ميّادة قد ضربت جأشك [3] على اليأس من الحرائر، وأنا أداعبه وأضاحكه؛ فضحك وقال:
ألم تر قوما ينكحون بمالهم ... ولو خطبت أنسابهم [4] لم تزوّج
أخبرني الحرميّ قال حدّثنا الزّبير قال حدّثني عمّي مصعب وغيره:
أنّ حسينة اليساريّة كانت جميلة - وآل يسار من موالي عثمان رضوان اللّه عليه يسكنون تيماء، ولهم هناك عدد وجلد، وقد انتسبوا في كلب إلى يسار بن أبي هند فقبلهم [5] بنو كلب - قال: وكانت عند رجل من قومها يقال له: عيسى بن إبراهيم بن يسار، وكان ابن ميّادة يزورها؛ وفيها يقول:
ستأتينا حسينة حيث شئنا ... وإن رغمت أنوف بني يسار
قال: فدخل عليها زوجها يوما فوجد ابن ميّادة عندها، فهمّ به هو وأهلها؛ فقاتلهم وعاونته عليهم حسينة حتى أفلت ابن ميّادة؛ فقال في ذلك:
لقد ظلّت تعاونني عليهم ... صموت الحجل كاظمة السّوار [6]
وقد غادرت عيسى وهو كلب ... يقطّع سلحه خلف الجدار
أخبرني يحيى بن عليّ بن يحيى قال حدّثني إبراهيم بن سعد [7] بن شاهين قال حدّثني عبد اللّه بن خالد بن دفيف التّغلبيّ عن عثمان بن عبد الرحمن بن نميرة العدويّ عن أبي العلاء بن وثّاب قال:
/ ابن ميادة وعبد الواحد بن سليمان بن عبد الملك ومدائحه فيه
قدم ابن ميّادة المدينة زائرا لعبد الواحد بن سليمان بن عبد الملك وهو أميرها وكان يسمر عنده في الليل، فقال عبد الواحد لأصحابه: إنّي أهمّ أن أتزوّج، فابغوني [8] أيّما؛ فقال له ابن ميّادة: أنا أدلّك، أصلحك اللّه أيها
__________
[1] الدعص (بالكسر): قطعة من الرمل مستديرة، أو الكثيب منه المجتمع، جمعه دعص (كعنب) وأدعاص ودعصة (كعنبة).
[2] العقد: المتراكم من الرمل.
[3] قال في «اللسان» (مادة جأش): «و قال مجاهد في قوله تعالى: (يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ):
هي التي أيقنت أن اللّه ربها وضربت بذلك جأشا. قال الأزهري: معناه: قرت يقينا واطمأنت كما يضرب البعير بصدره الأرض». والمعنى هنا: أنها جعلت قلبه على يأس من الأقران الحرائر لانحطاط نسبها.
[4] كذا في م، أ. وفي ب، ح، س، ط: «أمّاتهم». وفي ء: «أمهاتهم» وهو تحريف.
[5] كذا في أ، م، ء، ط.: وفي باقي النسخ: «قبيلتهم» وهو تحريف.
[6] كاظمة: من كظم أي صمت، والسوار من حليّ اليدين معروف. والمعنى أن خلخالها وسوارها لا يسمع لهما صوت لا متلائهما بمعصمها وساقها.
[7] في أ، م، ء، ط: «سعيد».
[8] بغي كما يتعدّى لمفعولين ومنه قوله تعالى: (يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ)
الأمير؛ قال: على من يا أبا الشّرحبيل؟ قال: قدمت عليك أيها الأمير فدخلت مسجدكم فإذا أشبه شيء به وبمن فيه الجنة وأهلها، فو الله لبينا أنا أمشي فيه إذ قادتني رائحة عطر رجل حتى وقفت بي عليه، فلمّا وقع بصري عليه استلهاني [1] حسنه فما أقلعت عنه حتّى تكلّم، فخلته لمّا تكلّم يتلو زبورا ويدرس إنجيلا أو يقرأ قرآنا حتّى سكت فلو لا معرفتي بالأمير لشككت أنّه هو، ثم خرج من مصلّاه إلى داره، فسألت: من هو؟ فأخبرت أنّه للحيّين وبين [2] الخليفتين، وأن قد نالته ولادة من رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم لها [نور] [3] ساطع من غرّته وذؤابته، فنعم المنكح ونعم حشو الرحل وابن العشيرة، فإن اجتمعت أنت وهو على ولد ساد العباد وجاب ذكره البلاد. فلمّا قضى ابن ميّادة كلامه قال عبد الواحد ومن حضره: ذاك محمد بن عبد اللّه بن عمرو بن عثمان، وأمّه فاطمة بنت الحسين، فقال ابن ميّادة:
لهم نبوة [4] لم يعطها اللّه غيرهم ... وكلّ قضاء اللّه فهو [5] مقسّم
/ قال يحيى بن عليّ: وممّا مدح به عبد الواحد لمّا قدم عليه قوله:
من كان أخطأه الربيع فإنما ... نصر [6] الحجاز بغيث عبد الواحد
إنّ المدينة أصبحت معمورة ... بمتوّج حلو الشمائل ماجد
/ ولقد بلغت بغير أمر تكلّف ... أعلى الحظوظ برغم أنف الحاسد
وملكت ما بين العراق ويثرب ... ملكا أجار لمسلم ومعاهد
ماليهما ودميهما من بعد ما ... غشّى الضعيف شعاع سيف المارد
التقاؤه في طريق مكة بجماعة يرتجزون بشعره
أخبرني الحرميّ قال حدّثنا الزبير قال حدّثني سعيد بن زيد السّلمي قال:
إنّا لنزول أنا وأصحاب لي قبل الفطر بثلاث ليال على ماء لنا، فإذا راكب يسير على جمل ملتفّ بثوب والسماء تغسله حتى أناخ إلى أجم عرفته، فلمّا رأيناه لثقا [7] قمنا إليه فوضعنا رحله وقيّدنا جمله، فلمّا أقلعت السماء عنّا وهو معنا قاعد قام غلمة منّا يرتجزون [8] والرّجل لم ينتسب لنا ولا عرفناه، فارتجز أحدهم فقال:
أنا ابن ميّادة لبّاس الحلل ... أمرّ من مرّ وأحلى من عسل
__________
[1] كذا في جميع النسخ. وفي نسخة بهامش ط: «استهالني».
[2] كذا في أغلب النسخ. وفي أ، م: «و ابن الخليفتين».
[3] الزيادة في أ، م.
[4] النبوة: ما ارتفع من الأرض، وهي هنا كناية عن العلوّ والارتفاع.
[5] في ح: «فضل».
[6] نصر: سقى، يقال: نصر الغيث الأرض نصرا، أي غاثها وسقاها وأعانها على الخصب والنبات، وقد أورد صاحب «اللسان» هذا المعنى واستشهد عليه بهذا البيت.
[7] كذا فيء، واللثق: المبتل، يقال: لثق الطائر من باب تعب فهو لثق إذا ابتل ريشه. وفي باقي الأصول: «لثغا بالغين المعجمة وهو تصحيف.
[8] كذا في أ، م وفي ء: «يختبزون» بالخاء المعجمة. وبذلك صحح الأستاذ الشنقيطي نسخته طبع بولاق. وفي ب، س، ح:
«يختبرون» بالراء المهملة وهو تصحيف.
طلب عبد الصمد له ودخوله عليه مع واحد ممن كانوا معه ومحاورة عبد الصمد لهما
حتى قال له الرّجل: يابن أخي، أتدري، من قال هذا الشعر؟ قال: نعم، ابن ميادة قال: فأنا [هو] [1] ابن ميّادة الرّمّاح بن أبرد، وبات يعلّلنا من شعره، ويقطع عنّا الليل بنشيده، وسرينا راحلين فصبّحنا مكة فقضينا نسكنا، ولقيه رجلان من قومه من بني مرّة فعرفهما وعرفاه، وأفطرنا بمكة، فلما انصرفنا من المسجد يوم الفطر إذا نحن بفارسين مسوّدين وراجلين مع المرّيّين يقولون: أين ابن ميّادة؟ فقلنا: ها هو وقد برزنا من خيمة كنّا فيها، فقلنا لابن ميّادة: ابرز؛ فلما نظر إلى المرّيّين قال:
إحدى عشيّاتك يا شميرج
/ - قال: وهذا رجز لبعض بني سليم يقوله لفرسه:
أقول والرّكبة فوق المنسج [2] ... إحدى عشيّاتك يا شميرج
ويروى: مشمرج - فقالوا لابن ميّادة: أجب الأمير عبد الصمد بن عليّ، وخذ معك من أصحابك من أحببت؛ فخرج وخرج معه منّا أربعة نفر أنا أحدهم حتى وقفنا على باب دار النّدوة [3]، فدخل أحد المسوّدين، ثم خرج فقال: ادخل يا أبا شجرة، فدخلت على عبد الصمد بن عليّ فوجدته جالسا متوشّحا بملحفة مورّدة [4]؛ فقال لي:
من أنت؟ قلت: رجل من بني سليم؛ فقال: مالك تصاحب المرّيّ وقد قتلوا معاوية بن عمرو! وقالت الخنساء:
ألا ما لعيني ألا ما لها ... لقد أخضل الدمع سربالها
فآليت آسى [5] على هالك ... وأسأل نائحة مالها
أبعد ابن عمرو من ال الشّري ... د حلّت [6] به الأرض أثقالها
فإن تك مرّة أودت به ... فقد كان يكثر تقتالها
/ أترويها؟ قلت: نعم أصلح اللّه الأمير، وما زال من المعركة حتى قتل به خفاف بن عمرو [7] المعروف
__________
[1] زيادة في ح، أ.
[2] منسج الدابة: ما بين العرف وموضع اللبد، وقيل: المنسج للفرس بمنزلة الكاهل من الإنسان والحارك من البعير.
[3] دار الندوة: دار أحدثها قصيّ بن كلاب بن مرة لما تملك مكة، وجعلها بعد وفاته لابنه عبد الدار بن قصيّ، ثم صارت إلى حكيم بن حزام، فاشتراها منه معاوية بن أبي سفيان بمائة ألف درهم، وقيل لم تزل في أيدي بني عبد الدار حتى اشتراها معاوية بن عكرمة بن عامر من بني عبد الدار وجعلها دار الإمارة، وسميت دار الندوة لأنهم كانوا يندون فيها أي يجتمعون للمشاورة (انظر «معجم ياقوت» في اسم دار الندوة و «شرح القاموس» في مادة ندى).
[4] موردة: لونها ورد، يقال: ورّدت الثوب أي جعلته وردا. والورد في الألوان: حمرة تضرب إلى صفرة حسنة.
[5] يريد لا آسي ولا أسأل وقد أورد صاحب «اللسان» هذا البيت شاهدا على حذف لا في جواب القسم (انظر مادة «لا»).
[6] حلت به الأرض أثقالها: زينت موتاها، وهو من التحلية. والأثقال: الموتى، وقد فسر بذلك قوله تعالى: (وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها)
أو حلت من حللت الشيء فانحل، ومعناه أن أخاها معاوية بن عمرو كان ثقيلا على الأرض لأنه كان هو وأصحابه ومن معه يركضون على الأرض ويقاتلون عليها فلما مات انحل ذلك الثقل الذي كان عليها (انظر «أنيس الجلساء شرح ديوان الخنساء» طبع بيروت ص 201، و «لسان العرب» مادة ثقل).
[7] كذا في جميع الأصول، وعمرو من جدود خفاف، وأما أبوه فاسمه عمير إذ هو خفاف بن عمير بن الحارث بن عمرو بن الشريد السلميّ وهو صحابيّ. وندبة أم خفاف كانت سوداء حبشية، فقولهم: خفاف بن ندبة نسبة إلى أمه، وكتب على هامش نسخة الأستاذ الشنقيطي عمير تصحيحا لقوله عمرو، وهو الموافق لما ذكر في ج 13 ص 139 و140 «أغاني» طبع بولاق. (انظر «تاج العروس» مادتي خفف وندب).
بابن ندبة كبش القوم مالك بن حمار [1] الفزاريّ ثم الشّمخيّ [2]، أما سمع الأمير قول خفاف بن ندبة في ذلك:
فإن تك خيلي قد أصيب صميمها ... فعمدا على عين [3] تيمّمت مالكا
تيمّمت كبش [4] القوم حين رأيته ... وجانبت شبّان الرّجال الصّعالكا
أقول له والرمح يأطر [5] متنه ... تأمّل خفافا إنّني أنا ذلكا [6]
وقد توسّط معاوية بن عمرو خيلهم فأكثر فيهم القتل، وقتل كبش القوم الذي أصيب بأيديهم؛ فقال: للّه درّك! إذا ولدت النساء فليلدن مثلك! وأمر لي بألف درهم، فدفعت إليّ وخلع عليّ. وأدخل ابن ميّادة فسلّم عليه بالإمرة؛ فقال له: لا سلّم اللّه عليك يا ماصّ كذا من [7] أمه: فقال ابن ميّادة: ما أكثر الماصّين! فضحك عبد الصّمد، ودعا بدفتر فيه قصيدة ابن ميّادة التي يقول فيها:
لنا الملك إلّا أنّ شيئا تعدّه ... قريش ولو شئنا لداخت [8] رقابها
ثم قال لابن ميّادة: أعتق ما أملك إن غادرت منها شيئا إن لم أبلغ غيظك، فقال ابن ميّادة: أعتق ما أملك إن أنكرت منها بيتا قلته أو أقررت ببيت لم أقله؛ فقرأها عبد الصّمد ثم قال له: أأنت قلت هذا؟ قال نعم؛ قال: أفكنت أمنت يابن ميّادة أن ينقضّ عليك باز [9] من قريش فيضرب رأسك! فقال: ما أكثر البازين! أفكان ذلك البازي آمنا أن يلقاه باز [9] من قيس [10] وهو يسير فيرميه فتشول [11] رجلاه! فضحك عبد الصمد ثم دعا بكسوة فكساهم.
تمثل بعض ولد الحسن بشعر ابن ميادة
أخبرني حبيب [12] بن نصر المهلبيّ قال حدّثنا عبد الصمد [13] بن شبيب قال قال أبو حذافة السّهميّ:
__________
[1] كذا في أغلب النسخ و «الكامل» للمبرد ص 569 طبع أوروبا. وفي م: «حماد» بالدال وهو الموافق لما ذكر في ج 13 ص 141 «أغاني» طبع بولاق.
[2] كذا في أغلب النسخ نسبة إلى شمخ بن فزارة: بطن، قال صاحب «القاموس» في مادة شمج: «و أما بنو شمخ بن فزارة فبالخاء المعجمة وسكون الميم، وغلط الجوهري» وقال في مادة شمخ: «شمخ بن فزارة بطن وصحف الجوهري في ذكره بالجيم» قال السيد مرتضى في شرحه: وذكر الخلاف الزبير بن بكار وغيره، ولكن الراجح ما ذكره المصنف. وفي أ، م «الشمجي» بالجيم على نحو ما في «الصحاح»، وقد عرفت أنه خلاف الراجح.
[3] كذا في ط. وفي سائر النسخ: «على عيني» باضافته إلى الياء، يريد أنه تميمه بجدّ ويقين، يقال: فعلت كذا عمدا على عين وفعلته عمد عين أي بجدّ ويقين.
[4] كبش القوم: رئيسهم وسيدهم.
[5] يأطر: يثنى ويعطف.
[6] أورد البغداديّ في «خزانة الأدب» ج 2 ص 470 هذه الأبيات مضافة إلى بقية القصيدة البالغة ثمانية أبيات مع شرح كلماتها.
[7] تقول العرب في السب: يا ماص بظر أمه، ولم يصرح به هنا لقبحه.
[8] داخت: ذلت وخضعت، وفي رواية أخرى في ص 333 سطر 4 من هذا الجزء: «ذلت».
[9] كذا في ط: وفي سائر النسخ «باز» قال في المصباح: البازي وزان القاضي، فيعرب إعراب المنقوص، والباز وزان الباب لغة فتعرب الزاي بالحركات الثلاثة، ويجمع على أبواز مثل باب وأبواب وبيزان مثل نار ونيران، وعلى هذه اللغة فأصله بوز.
[10] كذا في أ، م. وفي سائر النسخ: «قريش» وهو ظاهر التحريف.
[11] تشول: ترتفع، وهو كناية عن الموت.
[12] كذا في ح، أ، م وهو الموافق لما اتفقت عليه النسخ في مواضع تقدّمت (انظر ص 64 ج 1 «أغاني» طبع دار الكتب وص 15 من هذا الجزء) وفي ب، س، ء: «نصر بن حبيب».
[13] كذا في ب، س، ح. وفي أ، ء، م، ط: «عبد اللّه بن شبيب».
سبّ رجل من قريش في أيام بني أميّة بعض ولد الحسن [1] بن عليّ عليهما السلام، فأغلظ له وهو ساكت، والناس يعجبون من صبره عليه، فلما أطال أقبل الحسنيّ [2] عليه متمثّلا بقول ابن ميّادة:
أظنّت سفاها من سفاهة رأيها ... أنّ اهجوها لمّا هجتني محارب
فلا وأبيها إنّني بعشيرتي ... ونفسي عن ذاك المقام لراغب
فقام القرشيّ خجلا وما ردّ عليه جوابا.
/ مدحه لجعفر بن سليمان وهو أمير على المدينة
أخبرني أبو خليفة إجازة عن محمد بن سلّام قال:
مدح ابن ميّادة جعفر بن سليمان وهو على المدينة، فأخبرني مسمع بن عبد الملك أنه قام له بحاجته عند جعفر وأوصلها إليه. قال فقال [له] [3]: جزاك اللّه خيرا! ممّن أنت رحمك اللّه؟ قلت: أحد بني مسمع؛ قال: ممّن؟ قلت: من قيس بن ثعلبة؛ قال: ممّن؟ عافاك اللّه! قلت: من بكر بن وائل؛ قال: واللّه لو كنت سمعت ببكر بن وائل قط [4] أو عرفتهم [5] لمدحتك، ولكني ما سمعت ببكر قطّ ولا عرفتهم، ثم مدح جعفرا فقال:
لعمرك ما سيوف بني عليّ ... بنابية الظّباة [6] ولا كلال [7]
هم القوم الألى ورثوا أباهم ... تراث محمّد غير انتحال
وهم تركوا المقال لهم رفيعا ... وما تركوا عليهم من مقال
حذوتم قومكم ما قد حذوتم [8] ... كما يحذى المثال على المثال
فردّوا في جراحكم أساكم [9] ... فقد أبلغتم مرّ النّكال
يشير عليه بالعفو عن بني أميّة ويذكّره بأرحامهم.
/ أخبرنا بهذا الخبر يحيى بن عليّ عن سليمان المديني عن محمد بن سلّام، قال يحيى قال أبو الحارث المرّيّ فيما ذكره إسحاق من/ أخباره:
__________
[1] في ح: «الحسين».
[2] في ح: «الحسيني».
[3] الزيادة عن أ، م.
[4] كذا في جميع الأصول، والمعروف أن قط تختصّ بالنفي، وقد جاءت بعد المثبت في مواضع من «الجامع الصحيح» للإمام البخاريّ، منها: «الكسوف أطول صلاة صليتها قط» وفي «سنن أبي داود»: «توضأ ثلاثا قط» وأثبته ابن مالك في «الشواهد» لغة وحقق بحثه في التوضيح على مشكلات «الجامع الصحيح»، قال: وهي مما خفي على كثير من النحاة (انظر «القاموس» وشرحه» «تاج العروس» في مادة «قطط».
[5] كذا في ح، أ. وباقي النسخ: «و عرفتهم».
[6] الظباة: جمع ظبة وهي حدّ السيف والسنان والنصل.
[7] قال ابن سيده: يجوز أن يكون جمع كال كجائع وجياع ونائم ونيام أو جمع كليل كشديد وشداد وحديد وحداد.
[8] في ح. أ. م، ط: «ما قد حذوكم».
[9] الأسى: المداواة والعلاج.
قال جعفر بن سليمان لابن ميّادة: أتحبّ أن أعطيك مثل ما أعطاك ابن عمّك رياح [1] بن عثمان؟ فقال: لا، أيّها الأمير، ولكن أعطني كما أعطاني ابن عمّك الوليد بن يزيد.
قال يحيى وأخبرنا حماد عن أبيه عن أبي الحارث قال قال جعفر بن سليمان لابن ميّادة: أأنت الذي تقول:
بني أسد أن تغضوا ثمّ تغضبوا ... وتغضب قريش تحم قيسا غضابها
قال: لا واللّه! ما هكذا قلت؛ قال: فكيف قلت؟ قال: قلت:
بني أسد إن تغضبوا ثمّ تغضبوا ... وتعدل قريش تحم قيسا غضابها
هجا بني أسد وبني تميم
قال: صدقت هكذا قلت. وهذه القصيدة يهجو بها ابن ميّادة بني أسد وبني تميم، وفيها يقول بعد هذا البيت الذي ذكره له جعفر بن سليمان:
وأحقر محقور تميم أخوكم ... وإن غضبت يربوعها [2] وربابها [3]
/ألا ما أبالي أن تخندف [4] خندف ... ولست أبالي أن يطنّ [5] ذبابها
ولو أنّ قيسا قيس عيلان أقسمت ... على الشمس لم يطلع عليكم حجابها
ولو حاربتنا الجنّ لم نرفع القنا ... عن الجنّ حتى لا تهرّ كلابها
لنا الملك إلّا أنّ شيئا تعدّه ... قريش ولو شئنا لذلّت رقابها
وإن غضبت من ذا قريش فقل لها ... معاذ الإله أن أكون أهابها
وإن لقوّال الجواب وإنني ... لمفتجر [6] أشياء يعيي [7] جوابها
إذا غضبت قيس عليك تقاصرت ... يداك وفات الرّجل منك ركابها
__________
[1] كذا في أ: «رياح» بالياء المثناة وهو الموافق لما كتبه الأستاذ الشنقيطي بهامش نسخته طبع بولاق تصحيحا لها. وفي أغلب النسخ: «رماح» بالميم.
[2] يربوع بن حنظلة بن مالك بن عمرو بن تميم أبو حيّ من تميم منهم متمم بن نويرة اليربوعيّ الصحابيّ. ويربوع بن غيظ بن مرّة أبو بطن من مرّة بن عوف بن سعد بن ذبيان، منهم الحارث بن ظالم المرّيّ اليربوعيّ، نقله الجوهريّ.
[3] الرباب: قبائل، قال أبو عبيد: سموا بذلك لأنهم جاءوا برب فأكلوا منه وغمسوا فيه أيديهم وتحالفوا عليه وهم تيم وعديّ وعكل، وقريب منه قول الأصمعيّ وقال ثعلب: سموا ربابا لأنهم تربّبو أي تجمعوا ربة ربة وهم خمس قبائل تجمعوا فصاروا يدا واحدة وهم: ضبة وثور وعكل وتيم وعديّ. وقد قيل أيضا عكس ذلك وهو أنهم سموا بذلك لتفرقهم لأن الربة الفرقة ولذلك إذا نسبت الرباب قلت ربي بالضم ترده إلى واحدة. (انظر «لسان العرب» مادة ربب).
[4] تخندف: تهرول، يقال: خندف الرجل إذا هرول ومشى بسرعة.
[5] يطنّ: يصوّت.
[6] كذا في نسخة م، يقال: افتجر الكلام إذا اخترقه من غير أن يسمعه فيتعلمه. وفي باقي النسخ: «لمفتخر» وهي تتعدّى بالباء، ولذلك رجحنا ما جاء بنسخة م.
[7] كذا في ب، ح. وفي ط، ء: «يعيا». وفي أ: «يعمى». وفي م: «يعصى».
ابن ميادة وسماعة بن أشول
قال إسحاق في خبره فحدّثني جبر [1] بن رباط بن عامر بن نصر قال: فقال سماعة بن أشول [2] النعامي يعارض ابن ميّادة:
لعلّ ابن أشبانيّة عارضت [3] به ... رعاء الشّويّ [4] من مريح وعازب
يسامي فروعا من خزيمة أحرزت ... عليه ثنايا المجد من كل جانب
فقال ابن ميّادة: من هذا؟ لقد أغلق عليّ أغلق اللّه عليه! قالوا: سماعة بن أشول؛ فقال: سماعة يسمّع [5] بي، وأشول يشول [6] بي، واللّه لا أهاجيه أبدا، وسكت عنه.
هجاه عبد الرحمن بن جهيم الأسديّ
وقال عبد الرحمن بن جهيم الأسديّ أحد بني الحارث بن سعد بن ثعلبة بن دودان بن أسد يردّ على ابن ميّادة، وهي قصيدة طويلة ذكرت منها أبياتا:
لقد كذب العبد ابن ميادة الذي ... ربا وهي وسط الشّول تدمى كعابها
شرنبثة [7] الأطراف لم يقن [8] كفّها ... خضاب ولم تشرق بعطر ثيابها
أرمّاح إن تغضب صناديد خندف ... يهج لك حربا قصبها [9] واعتيابها
ويروى «اغتيابها» من الغيبة. و «اعتيابها» من العيب.
ولو أغضبت قيس قريشا لجدّعت ... مسامع قيس وهي خضع رقابها
لقد جرّ رمّاح ابن واهصة [10] الخصى ... على قومه حربا عظيما عذابها
وقد علم المملوح بالشؤم رأسه ... قتيبة أن لم تحم قيسا غضابها
ولم تحمها أيام قتل ابن حازم [11] ... وأيام قتلى كان خزيا مصابها
ولا يوم لا قينا نميرا فقتّلت ... نمير وفرّت كعبها وكلابها
__________
[1] كذا في ب، ح، س. وفي م، أ، ط: «جبر بن رياط النعامي أبو نصر». وفي ء: «جبر بن رباط النعامي أبو نصر» ولم نهتد لتصحيح هذا الاسم.
[2] كذا في جميع الأصول. وفي «شرح القاموس» مادة شول في «المستدرك»: «الأشول» بالتعريف.
[3] كذا في أغلب النسخ من المعارضة وهي المباراة والمفاخرة. وفي ب، س: «فارضت» ولم يظهر لها معنى.
[4] الشوي: اسم جمع، للشاة وقيل: هو جمع لها مثل كلب وكليب.
[5] أي يشهرني ويفضحني.
[6] يشول بي: يرفع من ذكري ويشهرني.
[7] أي غليظتها.
[8] كذا في أغلب النسخ وهو من قنا الشيء لغة في قنا، أي صبغه، وقوله بعد: «لم تشرق» ألخ. أي لم تمتلى ء، يقال: شرق الجسد بالطيب، أي امتلأ.
[9] قصبها: عيبها، يقال: قصبه يقصبه قصبا، أي عابه ووقع فيه.
[10] من الوهص وهو الغمز أو شدّ خصي الكبش، ويعير الرجل فيقال له: يابن واهصة الخصي إذا كانت أمه راعية
[11] في أ، م، ح: «خازم» بالخاء المعجمة.
وإن تدع قيسا لا تجبك وحولها ... خيول تميم سعدها وربابها
ولو أنّ قيسا قيس عيلان أصحرت [1] ... لأنواء غنم غرّقتها شعابها
ولو أنّ قرن الشمس كان لمعشر ... لكان لنا إشراقها واحتجابها
ولكنّها للّه يملك أمرها ... بقدرته إصعادها وانصبابها
لعمري لئن شابت حليلة نهبل ... لبئس شباب المرء كان شبابها
/ ولم تدر حمراء العجان [2] أنهبل ... أبوه أم المرّيّ تبّ تبابها
فإن يك رمّاح بن ميّادة التي ... يصنّ [3] إذا باتت بأرض ترابها
جرى جري موهون القوى قصّرت به ... لئيمة أعراق إليه انتسابها
فلن تسبق المضمار [4] في كلّ موطن ... من الخيل عند الجدّ إلّا عرابها
وواللّه لو لا أنّ قيسا أذلّة ... لئام فلا يرضى لحرّ سبابها
لالحقتها بالزّنج [5] ثم رميتها ... بشنعاء يعيي القائلين جوابها
ابن ميادة وأبان بن سعيد
أخبرني يحيى بن علي عن حمّاد عن أبيه قال:
وجدت في كتاب أبي عمرو الشّيباني فعرضته على أبي داود فعرفه أو عامّته، قال:
إنّا لجلوس على الهجم [6] في ظلّ القصر عشيّة، إذ أقبل إلينا ثلاثة نفر يقودون ناقة حتى جلسوا إلى أبان بن سعيد بن عيينة بن حصن وهو في جماعة من بني عيينة، قال: فرأيت أجلّة ثلاثة ما رأيتهم قطّ، فقلنا: من القوم؟
فقال أحدهم: أنا ابن ميّادة وهذان من عشيرتي؛ فقال أبان لأحد بنيه: اذهب بهذه الناقة فأطلق عنها عند بيت أمّك؛ فقال له ابن ميّادة: هذه يا أبا جعفر السّعلاة، أفلا أنشدك ما قلت فيها؟ قال: بلى فهات؛ فقال:
قعدت على السّعلاة تنفض مسحها [7] ... وتجذب مثل الأيم في برة الصّفر
/ تيمّم خير الناس ماء وحاضرا [8] وتحمل حاجات تضمّنها صدري
فإني على رغم الأعادي لقائل ... وجدت خيار الناس حيّ بني بدر
__________
[1] أصحرت: برزت إلى الصحراء لا يواريها شيء.
[2] حمراء العجان: هو سب كان يجري على ألسنة العرب يسب به الأعجميّ فيقال له: يابن حمراء العجان».
[3] يصنّ: ينتن.
[4] كذا في نسخة الأستاذ الشنقيطي طبع بولاق تصحيحا منه، وفي بقية الأصول: «الصمات» ولم نجد له في «كتب اللغة» التي بين أيدينا معنى مناسبا.
[5] في ط: «بالريح».
[6] الهجم: ماء لبني فزارة، ويقال: أنه حفر عاد.
[7] المسح: كساء من الشعر، والأيم: الحية. والبرة: الحلقة من صفر أو غيره تجعل في لحم أنف البعير.
[8] الحاضر: الحي العظيم أو القوم، كما يطلق الحاج والسامر والجامل على جماعة الحجاج والسمار وجماعة الإبل. وقال الأزهريّ: العرب تقول: حيّ حاضر بغير ماء إذا كانوا نازلين على ماء عد.
لهم حاضر بالهجم لم أر مثلهم ... من الناس حيّا أهل بدو ولا حضر
وخير معدّ مجلسا مجلس لهم ... يفيء عليه الظلّ من جانب القصر
أخصّ بها روقي عيينة إنه ... كذاك ضحاح [1] الماء يأوي إلى الغمر [2]
فأنتم أحقّ الناس أن تتخيّروا ال ... مياه وأن ترعوا ذرى البلد القفر
قال: فكان أوّل قائم من القوم ركضة بن عليّ بن عيينة، وهو ابن عمّ أبان وعبدة بنت أبان، وكانت إبله في العطن [3] وهي أكرم نعم بني عيينة وأكثره، فقال: ما سمعت كاليوم مديح قوم [قطّ] [4]، حكمك ماض في هذه الإبل؛ ثم قام آخر فقال مثل ذلك، وقام آخر وآخر؛ فقال ابن ميّادة:/ يا بني عيينة، إني لم آتكم لتتبارى لي شياطينكم في أموالكم، إنما كان عليّ دين فأردت أن تعطوني أبكرا أبيعها في ديني. فأقام عند أبان بن سعيد خمسة عشر يوما، ثم راح بتسع عشرة ناقة، فيها ناقة لابن أبان عشراء أو رباعية. قال يحيى في خبره: وقال يعقوب بن جعفر بن أبان بن سعيد بن عيينة:
إنّي على الهجم يوما إذا أقبل رجل فجعل يصرّف [5] راحلته في الحياض فيردّه الرجل بعد الرجل، فدعوته فقلت:
اشرع [6] في هذا الحوض؛ فلما شرع فسقى [7] قال: من هذا الفتى؟ فقيل: هذا جعفر بن أبان بن سعيد بن عيينة؛ فقال:
بنو الصالحين الصالحون ومن يكن ... لآباء سوء يلقهم حيث سيّرا [8]
فما العود إلا نابت في أرومه [9] ... أبي شجر العيدان أن يتغيّرا
قال إسحاق: سألت أبا داود عن قوله:
كذاك ضحاح [10] الماء يجري إلى الغمر
فقال: أراد أنّ الأمر كلّه والسؤدد يصير إليه، كما يصير الماء إلى الغمرة حيث كانت.
ابن ميادة وأيوب بن سلمة
أخبرنا يحيى بن عليّ قال حدثنا أبو أيوب المدينيّ قال أخبرني مصعب بن الزبير قال:
__________
[1] لم توجد هذه الصيغة في «كتب اللغة» التي بأيدينا وإنما الموجود «ضحضح» و «ضحضاح». ولعله «ضحال الماء تأوي» جمع ضحل وهو الماء القليل.
[2] الغمر: الماء الكثير كالغمرة.
[3] العطن للإبل: كالوطن للناس، وقد غلب على مبركها حول الحوض.
[4] زيادة في أ، م، ح.
[5] يصرف راحلته: يردّها ويصرفها من حوض إلى آخر.
[6] شرعت الدواب في الماء (وزان منع): دخلت فيه، وشرع فلان في الماء: تناوله بكفيه أو دخل فيه، وشرع إبله: أوردها شريعة الماء.
[7] في ط: «فلما أشرع يسقي». وأشرع كشرع.
[8] سير: ذكر سير الأوائل، ويحتمل أن يكون بمعنى «سار» وشدّد الفعل للمبالغة وإن لم توجد هذه الصيغة في «كتب اللغة» التي بأيدينا.
[9] الأروم: الأصل كالأرومة.
[10] انظر حاشية رقم 2 من الصفحة السابقة.
ضاف ابن ميّادة أيّوب بن سلمة فلم يقره، وابن ميّادة من أخوال أيوب بن سلمة، فقال فيه:
ظللنا وقوفا عند باب ابن أختنا ... وظلّ عن المعروف والمجد في شغل
صفا صلد [1] عند الندى ونعامة ... إذا الحرب أبدت عن نواجذها العصل [2]
ابن ميادة ورياح ابن عثمان
قال أبو أيوب وأخبرني مصعب قال:
قدم ابن ميّادة على رياح [3] بن عثمان، وقد ولي المدينة وهو جادّ في طلب محمد بن عبد اللّه بن حسن وإبراهيم أخيه، فقال له: اتخذ حرسا وجندا من غطفان واترك هؤلاء العبيد الذين تعطيهم دراهمك، وحذار من قريش؛ فاستخفّ بقوله ولم يقبل رأيه؛ فلمّا قتل رياح قال ابن ميّادة:
/ أمرتك يا رياح بأمر حزم ... فقلت هشيمة [4] من أهل نجد
وقلت له تحفّظ من قريش ... ورقّع كلّ حاشية وبرد [5]
فوجدا ما وجدت على رياح ... وما أغنيت شيئا غير وجدي
تشبيه بالنساء
أخبرني عمّي قال حدّثني أحمد بن أبي طاهر قال حدّثني أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل قال حدّثني أكثم بن صيفيّ [6] المرّيّ ثم الصارديّ عن أبيه قال:
كان ابن ميّادة رأى امرأة من بني جشم بن معاوية ثم من بني حرام يقال لها: أمّ الوليد، وكانوا ساروا عليه [7]، فأعجب بها وقال فيها:
ألا حبّذا أمّ الوليد ومربع [8] ... لنا ولها نشتو به [9] ونصيف
ويروي:
__________
[1] الصلد: الصلب الأملس والأصل فيه سكون اللام وحرّك هنا للضرورة.
[2] جمع أعصل أي بين العصل، والعصل في الناب إعوجاجه. قال أوس:
رأيت لها نابا من الشرّ أعصلا
[3] كذا في ح، أ، م. وهو الموافق لما في «اللسان» في مادة «هشم» ولما في «الكامل» للمبرد طبع أوروبا ج 1 ص 28، وفي باقي النسخ: «رباح» بالباء الموحدة وهو تحريف.
[4] هشيمة: ضعفة، وأصل الهشيم النبت إذا ولى وجف وتكسر فذرته الرياح يمينا وشمالا. والنجد: أعالي الأرض، عن «الكامل» للمبرد.
[5] روي في «الكامل» للمبرد:
نهيتك عن رجال من قريش ... على محبوكة الأصلاب جرد
وقال في «شرحه»: فالمحبوك الذي فيه طرائق، واحدها حباك، والجماعة حبك.
[6] في ط: «أكثم بن الغيض المرّيّ».
[7] في ط: «عليهم»، والمراد: الحيّ.
[8] المربع هنا: المنزل.
[9] في ط: «نثوي به».
........... ومربع [1] ... لنا ولها بالمشتوى [2] ومصيف
حراميّة أمّا ملاث إزارها ... فوعث [3] وأمّا خصرها فلطيف
/ كأنّ القرون السّود مقذّها [4] ... إذا زال عنها برقع ونصيف [5]
بها زرجونات [6] بقفر تنسّمت ... لها الريح حتى بينهنّ رفيف [7]
قال: فلما سمع زوجها هذه الأبيات أتاها فحلف بطلاقها: لئن وجد ابن ميّادة عندها ليدقنّ فخذها، ثم أعرض عنها واغترّها [8]، حتى وجده يوما عند بيتها فدّق فخذها، واحتمل/ فرحل ورحل بها معه؛ فقال ابن ميّادة:
أتانا عام سار بنو كلاب ... حراميّون ليس لهم حرام
كأنّ بيوتهم شجر صغار ... بقيعان تقيل بها النّعام
حراميّون لا يقرون ضيفا ... ولا يدرون ما خلق الكرام [9]
قال: ثم سارت عليهم بعد ذلك بنو جعفر بن كلاب، فأعجب بامرأة منهم يقال لها أمّ البختريّ، وكان يتحدّث إليها مدّة مقامهم، ثم ارتحلوا فقال فيها:
أرقت لبرق لا يفتّر لامعه ... بشهب الرّبى والليل قد نام هاجعه
أرقت له من بعد ما نام صحبتي ... وأعجبني إيماضه وتتابعه
يضيىء صبيرا [10] من سحاب كأنّه ... هجان أرنّت للحنين نوازعه
هنيئا لأمّ البختريّ الرّوي [11] به ... وإن أنهج الحبل الذي النأي قاطعه
لقد جعل المستبضع الغشّ بيننا ... ليصرم حبلينا تجوز بضائعه
فما سرحة تجري الجداول تحتها ... بمطّرد [12] القيعان عذب ينابعه
__________
[1] المربع: هنا المكان يقام فيه وقت الربيع.
[2] كذا في جميع الأصول ولم نجده اسما لمكان خاص، ولعله محرّف عن المستوى بالسين المهملة وكسر الواو وهو اسم موضع (انظر «معجم ياقوت» في اسم المستوى).
[3] ملاث الإزار: موضع لوثه وعصبه، وهو ما دون الخصر من الجسم. والوعث: السمين. ومن هذا المعنى قول الشاعر:
ثم قامت حولها أترابها ... وعثه الأرداف غرثى الملتزم
[4] المقذ (بالفتح): ما بين الأذنين من خلف ومنتهى قص الشعر من مؤخر الرأس.
[5] النصيف: الخمار.
[6] الزرجونة: شجرة العنب، وكل شجرة زرجونة، وهي فارسية معربة.
[7] يقال: رف النبات رفيفا إذا اهتز نضارة وحسنا. وفي ط: «نبتهن رفيف» ورفيف متندّ: ناعم، يقال: شجر رفيف إذا تندى.
[8] كذا في ط: ومعناه راقبها وطلب غرتها. وفي سائر النسخ: «و اعتزلها».
[9] في هذا البيت إقواء وهو اختلاف حركة الروي بالكسر والضم مع ما قبله.
[10] الصبير من السحاب: البيضاء أو الكثيفة التي فوق السحاب أو الذي يصير بعضه فوق بعض. والهجان من الإبل: البيض.
[11] الروي (بالكسر): الارتواء والماء الكثير المروي. وأنهج الحبل: أخلق وبلى.
[12] المطرد: الماء المتتابع السيلان.
بأحسن منها يوم قالت بذي الغضا ... أترعى جديد الحبل أم أنت قاطعه
خطب امرأة من بني سلمى بن مالك فلم يزوّجوه فقال شعرا
أخبرني عمّي قال حدّثني أحمد بن أبي طاهر قال حدّثني أحمد بن إبراهيم قال:
وذكر أبو الأشعث أنّ ابن ميّادة خطب امرأة من بني سلمى بن مالك بن جعفر ثم من بني البهثة - وهم بطن يقال لهم البهثاء - فأبوا أن يزوّجوه وقالوا: أنت هجين ونحن أشرف منك؛ فقال:
فلو طاوعتني آل سلمى بن مالك ... لأعطيت مهرا من مسرّة غاليا [1]
وسرب كسرب العين من آل جعفر ... يغادين بالكحل العيون السواجيا
إذا ما هبطن النّيل [2] أو كنّ دونه ... بسرو [3] الحمى ألقين ثمّ المراسيا
مات في صدر خلافة المنصور
قال أحمد بن إبراهيم: مات ابن ميّادة في صدر من خلافة المنصور، وقد كان مدحه ثم لم يفد [4] إليه ولا مدحه، لما بلغه من قلّة رغبته في مدائح الشعراء وقلّة ثوابه لهم.
__________
[1] كذا في ط: «غاليا» بالغين المعجمة. وفي سائر النسخ: «عاليا» بالعين المهملة.
[2] كذا في ب، س، ح: وهو بليدة في سواد الكوفة قرب حلة بني مزيد يخترقها خليج كبير يتخلج من الفرات الكبير حفره الحجاج بن يوسف وسماه بنيل مصر. (انظر «معجم ياقوت»). وفيء، أ، م، ط: «النير» بالراء وهو اسم موضع.
[3] كذا في أغلب النسخ وأشير إليه في هامش ط. وفي صلب ط: «بسوف الحمى». والسرو: ما ارتفع عن مجرى السيل وانحدر عن غلظ الجبل. والسوف (بالضم أيضا): جمع سوفة (بالضم أيضا) وهي الأرض بين الرمل والجلد. والحمى: موضع.
[4] كذا في ط. وفي باقي الأصول: «يعد» بالعين.
14 - أخبار حنين الحيري ونسبه
نسبه وكان شاعرا ومغنيا
حنين بن بلوع [1] الحيريّ مختلف في نسبه، فقيل: إنه من العباديّين من تميم، وقيل: إنه من بني الحارث بن كعب، وقيل من قوم بقوا من جديس وطسم فنزلوا في بني الحارث بن كعب فعدّوا فيهم، ويكنى أبا كعب، وكان شاعرا مغنّيا فحلا من فحول المغنّين، وله صنعة فاضلة متقدّمة، وكان يسكن الحيرة ويكري الجمال إلى الشأم وغيرها، وكان نصرانيّا. وهو القائل يصف الحيرة ومنزله بها:
صوت
أنا حنين ومنزلي النّجف [2] ... وما نديمي إلّا الفتى القصف [3]
أقرع بالكأس ثغر باطية [4] ... مترعة، تارة وأغترف
من قهوة باكر التّجار بها ... بيت يهود قرارها الخزف
والعيش غضّ ومنزلي خصب ... لم تغذني شقوة ولا عنف
الغناء والشعر لحنين، ولحنه خفيف رمل بالبنصر. وفيه لابن المكّيّ خفيف ثقيل قديم. ولعريب فيه خفيف ثقيل آخر عن الهشاميّ.
غنى هشام بن عبد الملك في الحج
أخبرنا وكيع قال قال حماد حدّثني أبي عن أبي الخطّاب قال وحدّثني ابن كناسة عن سليمان بن داود: مولى ليحيى، وأخبرني بهذا الخبر الحسن بن عليّ عن [5] ابن مهرويه عن قعنب بن المحرز الباهليّ عن المدائنيّ قالوا جميعا:
/ حجّ هشام بن عبد الملك وعديله [6] الأبرش الكلبيّ، فوقف له حنين بظهر الكوفة ومعه عوده وزامر له، وعليه قلنسية [7] طويلة، فلمّا مرّ هشام عرض له، فقال: من هذا؟ فقيل: حنين، فأمر به فحمل في محمل على
__________
[1] هكذا ورد مضبوطا في ط. ولم نجد في مصدر آخر ما يؤيد هذا الضبط أو ينفيه.
[2] النجف: موضع بظهر الكوفة، والكوفة قريبة من الحيرة.
[3] القصف: حليف اللهو واللعب. ولم ترد هذه الصيغة في «كتب اللغة» التي بأيدينا.
[4] الباطية: إناء الخمر.
[5] كذا في أ، م، ء، وهو الصواب، لأن الحسن بن عليّ يروي عن ابن مهرويه وهو محمد بن القاسم كما تقدّم في الجزء الأوّل من «الأغاني» طبع دار الكتب ص 8، وفي باقي النسخ: «الحسن بن عليّ بن مهرويه»، وهو تحريف.
[6] العديل: الذي يعادلك في المحمل.
[7] القلنسية: القلنسوة (بفتح القاف) فإن ضمت القاف كسرت السين وقلبت الواو ياء.
جمل وعديله زامره، وسير به أمامه وهو يتغنّى:
صوت
أمن سلمى بظهر الكو ... فة الآيات والطّلل
يلوح كما تلوح على ... جفون الصّيقل [1] والخلل [2]
- الصنعة في هذا الصوت لحنين ثاني ثقيل بالبنصر عن عمرو. وفيه خفيف ثقيل ينسب إلى حنين أيضا وإلى غيره - قال: فأمر له هشام بمائتي دينار، وللزامر بمائة. وذكر إسحاق في خبره عن أبي الخطّاب أنه غنّى هشاما:
صوت
صاح هل أبصرت بالخب ... تين من أسماء نارا
موهنا شبّت لعيني ... ك ولم توقد نهارا
كتلالي البرق في المز ... ن إذا البرق استطارا
أذكرتني الوصل من سع ... دى وأيّاما قصارا
/ - الشعر للأحوص، والغناء لابن سريج ثاني ثقيل بالسّبابة في مجرى الوسطى عن إسحاق. ونسبه ابن المكّيّ إلى الغريض. وقال يونس: فيه لحنان لمالك ولم يجنّسهما. وقال الهشاميّ: فيه لمالك خفيف رمل - قال: فلم يزل هشام يستعيده حتى نزل من النجف، فأمر له بمائتي دينار.
كان يغلي بغنائه الثمن
وقال إسحاق: قيل لحنين:
أنت تغنّي منذ خمسين سنة ما تركت لكريم مالا ولا دارا ولا عقارا إلّا أتيت عليه! فقال: بأبي أنتم، إنّما هي أنفاسي أقسمها بين الناس، أفتلومونني أن أغلي بها الثمن!.
غنى في الموسم فى ظل بيت أبي موسى الأشعريّ
أخبرني الحسين بن يحيى ومحمد بن مزيد قالا حدّثنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه ومصعب بن الزّبير عن بعض المكيّين، وأخبرني به الحرميّ بن أبي العلاء وحبيب بن نصر قالا حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثني عمّي مصعب قال حدّثني شيخ من المكّيّين يقال له شريس [3] قال:
إنّا لبالأبطح أيام الموسم نشتري ونبيع إذ أقبل شيخ أبيض الرأس واللحية على بغلة شهباء ما ندري أهو أشدّ
__________
[1] الصيقل: شحاذ السيوف وجلاؤها.
[2] الخلل: جمع خلة وهي بطانة يغشى بها جفن السيف ينقش بالذهب وغيره. ويشبه بها الطلل قال الشاعر:
لمية موحشا طلل ... يلوح كأنه خلل
وقال عبيد بن الأبرص الأزديّ:
دارحي مضى بهم سالف الده ... ر فأضحت ديارهم كالخلال
[3] لم نقف على ضبط هذا الاسم إلا في ط، فقد ضبط بكسر الراء، ولعله منقول من «الشريس» اسم للأسد.
بياضا أم بغلته أم ثيابه؛ فقال: أين بيت أبي موسى؟ فأشرنا له إلى الحائط؛ فمضى حتى انتهى إلى الظلّ من بيت أبي موسى، ثم استقبلنا ببغلته ووجهه ثم اندفع يغنّي:
صوت
أسعديني بدمعة أسراب [1] ... من دموع كثيرة التّسكاب
إنّ أهل الحصاب [2] قد تركوني ... مغرما مولعا بأهل الحصاب
فارقوني وقد علمت يقينا ... ما لمن ذاق ميتة من إياب
سكنوا الجزع جزع بيت أبي مو ... سى إلى النخل من صفيّ السّباب [3]
كم بذاك الحجون من حيّ صدق ... وكهول أعفّة وشباب
أهل بيت تتايعوا [4] للمنايا ... ما على الموت بعد هم من عتاب
فلي الويل بعدهم وعليهم ... صرت فردا وملّني أصحابي
- الشعر لكثير بن كثير [5] بن المطّلب بن أبي وداعة السّهميّ. والغناء لمعبد ثقيل أوّل بالسّبابة في مجرى الوسطى. وفيه لابن أبي دباكل [6] الخزاعيّ ثاني ثقيل بالوسطى عن ابن خرداذبة [7] - قال: ثم صرف الرجل بغلته وذهب، فتبعناه حتى أدركناه، فسألناه من هو، فقال: أنا حنين بن بلوع وأنا رجل جمّال أكري الأبل ثم مضى.
/ خاف أن يفوقه ابن محرز بالعراق فردّه عنه
أخبرني الحسين بن يحيى قال قال حمّاد على أبي عن المدائنيّ، قال:
كان حنين غلاما يحمل الفاكهة بالحيرة، وكان لطيفا في عمل التحيّات [8]، فكان إذا حمل الرياحين إلى بيوت
__________
[1] أسراب: جمع سرب، والسرب: الماء السائل.
[2] الحصاب (بكسر الحاء): موضع رمي الجمار بمنى.
[3] صفي السباب: موضع بمكة، وقال الزبير: إنه ماء بين دار سعيد الجرشيّ التي تناوح بيوت أبي القاسم بن عبد الواحد التي في أصلها المسجد الذي صلى عنده أمير المؤمنين أبي جعفر المنصور. والمراد بأبي موسى أبو موسى الأشعريّ (انظر «معجم البلدان» لياقوت).
[4] كذا في س. وفي سائر النسخ: «تتابعوا» بالباء، قال في «لسان العرب»: التتايع: الوقوع في الشرّ من غير فكرة ولا روية والمتابعة عليه ولا يكون في الخير، وقيل: التتايع في الشر كالتتايع في الخير.
[5] في ب، ح: «كثير بن أبي كثير» وهو تحريف والصواب ما أثبتناه تبعا لأغلب النسخ، وقد ورد ذكره في الجزء الأوّل من «لأغاني» طبع دار الكتب ص 246 (انظر الحاشية رقم 7 في هذه الصفحة من هذا الجزء).
[6] انظر الحاشية رقم 1 ص 321 من الجزء الأوّل طبع دار الكتب.
[7] ورد هذا الاسم بالباء الموحدة في «قاموس الأعلام التركي» لشمس الدين سامي بك ج 1 ص 260 وفي خطبة كتابه «المسالك والممالك»، والصفحة الأولى من كتاب «تقويم البلدان» لأبي الفدا إسماعيل و«معجم البلدان» لياقوت ج 1 ص 7 ج 4 ص 95 و602. وكتب الشيخ نصر الهوريني على هامش صفحة 162 ج 1 من كتاب «الخطط» للمقريزيّ طبع بولاق ما يأتي: خرذاذبه» بالخاء المعجمة والذال الثانية معجمة والهاء، وآخره باء موحدة، هكذا في «تقويم البلدان» للمؤيد أبي الفدا إسماعيل في كتابه، كذا في النسخة المطبوعة بفرنسا. ثم قال: وضبطه بضم الخاء المعجمة وكسر الذال المعجمة بعدها تحتيّة ساكنة، وضبطه بالياء الموحدة فانظره» ونحن أثبتناه فيما سبق بالياء المثنّاة اعتمادا على وروده في «القاموس» كذلك في مادة «روم» وعلى ضبط شارحه السيد مرتضى حيث قال: «بضم الخاء وسكون الراء وفتح الدال بعدها ألف وكسر الذال المعجمة وسكون الياء التحتية وآخره هاء».
[8] التحيات: جمع تحية وهي ما يحيا به من نحو السلام، ومن المحتمل أن يراد منه ما يقدّم عند التحية من باقات الرياحين، وقد كان
الفتيان ومياسير أهل الكوفة وأصحاب القيان والمتطرّبين إلى الحيرة ورأوا رشاقته وحسن قدّه وحلاوته وخفّة روحه استحلوه، وأقام عندهم وخفّ لهم، فكان يسمع الغناء ويشتهيه ويصغي إليه ويستمعه ويطيل الإصغاء إليه، فلا يكاد ينتفع به في شيء إذا سمعه، حتى شدا منه أصواتا فأسمعها الناس - وكان مطبوعا حسن الصوت - واشتهوا غناءه والاستماع منه وعشرته، وشهر بالغناء ومهر فيه، وبلغ منه مبلغا كبيرا، ثم رحل إلى عمر بن داود الواديّ وإلى حكم الواديّ، وأخذ منهما، وغنّى لنفسه في أشعار الناس، فأجاد الصّنعة وأحكمها، ولم يكن بالعراق غيره فاستولى [1] عليه في عصره. وقدم ابن محرز حينئذ إلى الكوفة فبلغ خبره حنينا، وقد كان يعرفه، فخشي أن يعرفه الناس فيستحلوه [2] ويستولي على البلد فيسقط هو، قال له: كم منّتك نفسك من العراق؟
قال: ألف دينار، قال: فهذه خمسمائة دينار عاجلة فخذها وانصرف واحلف لي أنك لا تعود إلى العراق؛ فأخذها وانصرف.
أخبرني عميّ وعيسى بن الحسين قالا حدّثنا أبو أيوب المدائنيّ [3] عن أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل قال:
/ كان ابن محرز قدم الكوفة وبها بشر بن مروان، وقد بلغه أنه يشرب الشراب ويسمع الغناء، فصادفه وقد [4] خرج إلى البصرة؛ وبلغ خبره حنين بن بلوع فتلطّف له حتى دعاه؛ فغنّاه ابن محرز لحنه - قال أحمد بن إبراهيم وهو من الثقيل الثاني من جيّد الأغاني - :
صوت
وحرّ الزّبرجد في نظمه ... على واضح اللّيت [5] زان العقودا
يفصّل ياقوته درّه ... وكالجمر أبصرت فيه الفريدا [6]
/قال: فسمع شيئا هاله وحيّره، فقال له حنين: كم منّتك نفسك من العراق؟ قال: ألف دينار، فقال: هذه خمسمائة دينار حاصلة عاجلة ونفقتك في عودتك وبدأتك ودع العراق لي وامض مصاحبا حيث شئت - قال: وكان ابن محرز صغير الهمّة لا يحبّ عشرة الملوك ولا يؤثر على الخلوة شيئا - فأخذها وانصرف.
خرج إلى حمص وغنّى بها فلم يستطعم أهلها غناؤه
وقال حمّاد في خبره قال أبي حدّثني بعض أهل العلم بالغناء عن حنين قال:
__________
- العرب في الجاهلية يفعلون ذلك في عيد لهم يقال له يوم السباسب قال النابغة:
يحيون بالريحان يوم السباسب
ويظهر أن هذه العادة ظلت إلى العهد الإسلامي، وسيأتي في هذه الترجمة في ص 352 أن حنينا حيا ضيوفه بالرياحين.
[1] في ح: «فاستوى» وكلاهما بمعنى واحد.
[2] كذا في ح. وفي سائر النسخ: «فيستحلونه» بإثبات النون وهو خطأ.
[3] في ح، أ: «المدنيّ» وفي م، ء، ط: «المدينيّ» وقد تقدّم الكلام عليه (انظر الحاشية رقم 2 ص 8 من هذا الجزء).
[4] في ب، ح، ء: «قد خرج» بدون واو وكلاهما مستقيم.
[5] الليت (بسكر اللام): صفحة العنق.
[6] الفريد: الدر إذا نظم وفصل بغيره.
خرجت إلى حمص ألتمس الكسب بها وأرتاد من أستفيد منه شيئا، فسألت عن الفتيان [1] [بها] [2] وأين يجتمعون، فقيل لي: عليك بالحمّامات فإنهم يجتمعون بها إذا أصبحوا/ فجئت إلى أحدها فدخلته، فإذا فيه جماعة منهم، فأنست وانبسطت، وأخبرتهم أني غريب، ثم خرجوا وخرجت معهم، فذهبوا بي إلى منزل أحدهم، فلما قعدنا أتينا بالطّعام فأكلنا وأتينا بالشراب فشربنا، فقلت لهم: هل لكم في مغنّ يغنّيكم؟ قالوا: ومن لنا بذلك؟
قلت: أنا لكم به، هاتوا عودا فأتيت به، فابتدأت في هنيّات [3] أبي عبّاد معبد، فكأنّما غنّيت للحيطان لا فكهوا لغنائي ولا سرّوا به، فقلت: ثقل عليهم غناء معبد لكثرة عمله وشدّته وصعوبة مذهبه، فأخذت في غناء الغريض فإذا هو عندهم كلا شيء، وغنّيت خفائف ابن سريج، وأهزاج حكم، والأغاني التي لي، واجتهدت في أن يفهموا، فلم يتحرّك من القوم أحد، وجعلوا يقولون: ليت أبا منبّه قد جاءنا، فقلت في نفسي: أرى أنّي سأفتضح اليوم بأبي منبّه فضيحة لم يفتضح أحد قطّ مثلها. فبينا نحن كذلك إذ جاء أبو منبّه، وإذا هو شيخ عليه خفّان أحمران كأنه جمّال، فوثبوا جميعا إليه وسلّموا عليه وقالوا: يا أبا منبّه أبطأت علينا، وقدّموا له الطّعام وسقوه أقداحا، وخنست [4] أنا حتى صرت كلا شيء خوفا منه، فأخذ العود ثم اندفع يغنّي:
طرب [5] البحر فاعبري يا سفينه ... لا تشقّي على رجال المدينه
فأقبل [6] القوم يصفّقون ويطربون ويشربون، ثم أخذ في نحو هذا من الغناء؛ فقلت في نفسي: أنتم ها هنا! لئن أصبحت سالما لا أمسيت في هذه البلدة. فلمّا أصبحت شددت رحلي على ناقتي واحتقبت [7] ركوة من شراب ورحلت متوجّها إلى الحيرة، وقلت:
ليت شعري متى تخبّ بي النا ... قة بين السّدير والصّنّين [8]
محقبا ركوة [9] وخبز رقاق ... وبقولا وقطعة من نون [10]
__________
[1] الفتيان: طائفة يدينون بالفتوة وخصال الرجولة وهم أشدّ الناس احتفالا بالغرباء من الناس وأسرع إلى إطعام الطعام وقضاء الحوائج، فيخدمون بالنهار ويشترون بما يتجمع معهم الفواكه والطعام فإن ورد في ذلك اليوم مسافر على البلد أنزلوه وكان ذلك ضيافته لديهم وإن لم يرد وارد اجتمعوا هم على طعامهم فأكلوا وغنوا ورقصوا وانصرفوا إلى صناعاتهم بالغدو وقد كان الخليفة الناصر العباسيّ المتوفى سنة 622، قد جعل نفسه رئيسا لهذه الطائفة وكتب سنة 607 إلى ملوك الأطراف الذين يعترفون بخلافته أن يشربوا كأس الفتوة ويلبسوا سراويلها وأن ينتسبوا إليه برمي البندق (انظر «رحلة ابن بطوطة» طبع باريس ج 2 ص 260 و«رحلة ابن جبير» طبع ليدن ص 282، و«تاريخ التمدن الإسلامي» لجرجي زيدان ج 5 ص 169).
[2] الزيادة عن أ، م.
[3] الهنيات: الأراجيز.
[4] خنس الرجل من القوم خنوسا: تأخر واختفى.
[5] في م، ء، ط: «طرف البحر فاضربي يا سفينة». وفي ا: «ظرف البحر الخ».
[6] في أ، م: «فأخذ».
[7] احتقب ركوة: احتملها خلفه. والركوة: إناء صغير من جلد يشرب فيه الماء. وفي ط: «زكرة». والزكرة (بالضم): زق صغير للشراب.
[8] راجع الحاشية رقم 3 من صفحة 116 من هذا الجزء. وفي هذا الشعر السناد وهو، كما فسره ابن سيدة المخالفة بين الحركات التي تلي الأرداف في الروي (انظر الجزء الأوّل من هذه الطبعة ص 143، حاشية رقم 1.
[9] في ط: «زكرة». وانظر الكلام عليها في الصفحة السابقة حاشية رقم 5.
[10] النون: الحوت.
لست أبغي زادا سواها من الشا ... م وحسبي علالة [1] تكفيني
فإذا أبت سالما قلت سحقا ... وبعادا لمعشر فارقوني
غنّى خالد القسريّ بعد ما حرم الغناء
أخبرني محمد بن مزيد والحسين بن يحيى عن حمّاد عن أبيه، وأخبرنا به وكيع في عقب أخبار رواها عن حمّاد بن إسحاق عن أبيه فقال: وقال لي إسحاق، فلا أدري [2] أأدرج الإسناد وهو سماعه أم ذكره مرسلا، قال إسحاق وذكر ابن كناسة:
أن خالد بن عبد اللّه القسريّ حرّم الغناء بالعراق في أيامه، ثم أذن للناس يوما في الدخول عليه [عامّة] [3]، فدخل إليه حنين ومعه عود تحت ثيابه، فقال: أصلح اللّه الأمير، كانت لي صناعة أعود بها على عيالي فحرّمها الأمير فأضرّ ذلك بي وبهم، فقال: وما صناعتك؟ فكشف عن عوده وقال: هذا؛/ فقال له خالد: غنّ، فحرّك أوتاره وغنّى:
صوت
أيها الشامت المعيّر بالده ... ر أأنت المبرّأ الموفور
أم لديك العهد الوثيق من الأيّ ... ام بل أنت جاهل مغرور
من رأيت المنون خلّدن أم من ... ذا عليه من أن يضام خفير
/ قال: فبكى خالد وقال: قد أذنت لك وحدك خاصّة فلا تجالسنّ سفيها ولا معربدا. فكان إذا دعي قال: أفيكم سفيه أو معربد؟ فإذا قيل له: لا، دخل.
شعر هذا الصوت المذكور لعديّ بن زيد، والغناء لحنين رمل بالوسطى عن عمرو. وقوله: المبرأ، يعني المبرأ من المصائب. والموفور: الذي لم يذهب من ماله ولا من حاله شيء، يقال: وفر الرجل يوفر. ولديك بمعنى عندك ها هنا.
غنّى بشر بن مروان بحضور الشعبيّ
أخبرني أبو صالح محمد بن عبد الواحد الصّحّاف الكوفيّ قال حدّثنا قعنب بن المحرز الباهليّ قال أخبرنا الهيثم بن عديّ عن عبد اللّه بن عيّاش وعن مجالد عن الشّعبيّ جميعا، وأخبرني محمد بن مزيد وحسين بن يحيى عن حمّاد عن أبيه عن الهيثم بن عديّ عن عبد اللّه بن عيّاش عن الشّعبيّ قال:
لما ولي بشر بن مروان الكوفة كنت على مظالمه، فأتيته عشيّة وحاجبه أعين (صاحب حمّام أعين) جالس، فقلت له: استأذن لي على الأمير! فقال لي: يا أبا عمرو، هو على حال ما أظنّك تصل إليه معها؛ فقلت: أعلمه - وخلاك ذمّ - فقد حدث أمر لا بدّ لي من إنهائه إليه - وكان لا يجلس بالعشيّ - فقال: لا، ولكن اكتب حاجتك في
__________
[1] العلالة بالضم: ما يتعلل به.
[2] يريد أنه لا يدري هل يجعل وكيع هذا الخبر من جملة ما رواه بسند حمّاد عن أبيه أم ذكره عن إسحاق مرسلا أي منقطعا.
[3] الزيادة عن ح.
رقعة حتى أوصّلها إليه؛ فكتبت رقعة، فما لبث أن خرج التوقيع على ظهرها: ليس الشعبيّ ممن يحتشم منه فأذن له، فأذن لي فقال: ادخل، فدخلت فإذا بشر بن مروان عليه غلالة [1] رقيقة صفراء وملاءة تقوم قياما من شدّة الصّقال، وعلى رأسه إكليل من ريحان، وعلى يمينه عكرمة بن ربعىّ، وعلى يساره خالد [2] بن عتّاب بن ورقاء، وإذا بين يديه حنين بن بلوع معه عوده، فسلمت فردّ [3] عليّ السلام ورحّب/ وقرّب، ثم قال: يا أبا عمرو، لو كان غيرك لم آذن له على هذه الحال، فقلت: أصلح اللّه الأمير، عندي لك الستر لكل ما أرى منك والدخول معك فيما لا يجمل، والشكر على ما توليني؛ فقال: كذلك الظنّ بك، ثم التفتّ إلى حنين وعوده في حجره وعليه قباء خشك [4] شوي - وقال إسحاق: خشكون [5] - ومستقة [6] حمراء وخفّان مكعّبان [7]، فسلم عليّ؛ فقلت له: كيف أنت أبا كعب، فقال: بخير أبا عمرو؛ فقلت: احزق [8] الزّير [9] وأرخ البمّ [10] ففعل؛ وضرب فأجاد؛ فقال بشر لأصحابه: تلومونني على أن آذن له في كل حال! ثم أقبل عليّ فقال: أبا عمرو، من أين وقع لك حزق الزير [11]؟
فقلت: ظننت أن الأمر هناك، فقال: فإن الأمر كما ظننت هناك كلّه. ثم قال: فمن أين تعرف حنينا؟ فقلت: هذا بطّة أعراسنا فكيف لا أعرفه! فضحك، وغنّى حنين فأجاد فطرب وأمر له بجائزة، ثم ودّعته وقمت بعد أن ذكرت له ما جئت فيه، فأمر لي بعشرة آلاف درهم وعشرة أثواب، فقمت مع الخادم حتى قبضت ذلك منه وانصرفت. وقد وجدت هذا الخبر بخط أبي سعيد السّكّريّ/ يأثره [12] عن محمد بن/ عثمان المخزوميّ عن أبيه عن جدّه: أنه كان عند بشر بن مروان يوم دخل عليه الشّعبيّ هذا المدخل وأن حنين بن بلوع غنّاه:
هم كتموني سيرهم حين أزمعوا [13] ... وقالوا اتّعدنا للرّواح وبكّروا
وهذا القول خطأ قبيح، لأن هذا الشعر للعبّاس بن الأحنف، والغناء لعلّويه رمل بالوسطى، وغنّي للمأمون فيه فقال: سخروا من أبي الفضل أعزّه اللّه.
__________
[1] الغلالة: شعار يلبس تحت الثوب.
[2] في أ، م، ء، ط: «خالد بن زياد بن ورقاء» والصواب ما أثبتناه (راجع «تاريخ ابن جرير الطبريّ» طبع أوروبا قسم 2 ص 961 و964 - 968 و1002.
[3] في ط: «فردّوا».
[4] كذا في الأصل. ونطقها بالفارسية: «خشك شقي» ومعناها: «القميص الخشن».
[5] كذا بالأصل وفي الفارسية مركبة من كلمتين: «خوش» بمعنى «زاهي» و «كو» بمعنى: «اللون» أي قباء زاهي اللون، ولعله المعنى المراد لأنه أنسب بالمقام.
[6] كذا في ح. وفيء، أ، م، ط: «منشفة» وفي باقي النسخ: «منشة» وهما محرّفان. والتصويب عن كتاب «المعرّب» للجواليقيّ قال: «و أصلها بالفارسية مشته فعرّب». والمستقة: فرو طويل الكم، وقيل: هي الجبة الواسعة. وعن أنس أن ملك الروم أهدى إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم مستقة من سندس فلبسها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم فكأني أنظر إلى يديها يذبذبان فبعث بها إلى جعفر فقال: ابعث بها إلى أخيك النجاشيّ. وأنشد:
إذا لبست مساتقها غنيّ ... فيا ويح المساتق ما لقينا
[7] مكعبان: موشيان.
[8] أحزق: أشدد.
[9] الزير: أرفع أوتار العود، وكانت أربعة في ذلك العهد.
[10] البمّ: أغلظ أو تار العود.
[11] في أ، م: «الوتر».
[12] يأثره: يرويه.
[13] في أ، م، ء، ط: «ثم فارقوا».
شيء من أوصاف الحيرة
أخبرني الحسين بن يحيى قال قال حمّاد بن إسحاق: قرأت على أبي، وقال أبو عبيد اللّه الكاتب حدّثني سليمان بن بشر بن عبد الملك بن بشر بن مروان قال:
وكان بعض ولاة الكوفة يذمّ الحيرة في أيام بني أميّة، فقال له رجل من أهلها - وكان عاقلا ظريفا - : أتعيب بلدة يضرب بها المثل في الجاهليّة والإسلام! قال: وبماذا تمدح؟ قال: بصحّة هوائها، وطيب مائها، ونزهة ظاهرها، تصلح للخفّ والظّلف، سهل وجبل، وبادية وبستان، وبرّ وبحر، محلّ الملوك ومزارهم [1]، ومسكنهم ومثواهم، وقد قدمتها - أصلحك اللّه - مخفّا فرجعت مثقلا ووردتها [2] مقلّا فأصارتك مكثرا، قال: فكيف نعرف ما وصفتها به من الفضل؟ قال: بأن تصير إليّ [3]، ثم ادع ما شئت من لذّات العيش، فو اللّه لا أجوز بك الحيرة فيه؛ قال: فاصنع لنا صنيعا واخرج من قولك؛ قال: أفعل، فصنع لهم طعاما وأطعمهم من خبزها وسمكها وما صيد من وحشها: من ظباء ونعام وأرانب وحبارى [4]، وسقاهم ماءها/ في قلالها، وخمرها في آنيتها، وأجلسهم على رقمها [5] - وكان يتّخذ بها من الفرش أشياء ظريفة - ولم يستخدم لهم حرّا ولا عبدا إلّا من مولّديها ومولّداتها من خدم ووصائف [و وصفاء] [6] كأنهم اللؤلؤ، لغتهم لغة أهلها، ثم غنّاهم حنين وأصحابه في شعر عديّ بن زيد شاعرهم وأعشى همدان لم يتجاوزهما، وحيّاهم برياحينها، ونقّلهم [7] على خمرها، وقد شربوا بفواكهها؛ ثم قال له: هل رأيتني استعنت على شيء مما رأيت وأكلت وشربت وافترشت وشممت وسمعت بغير ما في الحيرة؟ قال: لا واللّه، لقد أحسنت صفة بلدك ونصرته فأحسنت نصرته والخروج ممّا تضمّنته، فبارك اللّه لكم في بلدكم.
المغنون المشهورون بالحيرة غير حنين ونوع غنائهم
قال إسحاق: ولم يكن بالحيرة مذكور في الغناء سوى حنين إلّا نفرا من السّدريّين يقال لهم: عباديس، وزيد بن الطّليس، وزيد بن كعب، ومالك بن حممة، وكانوا يغنّون غناء الحيرة بين الهزج والنّصب [8] وهو إلى النصب أقرب ولم يدوّن [9] منه شيء لسقوطه وأنه ليس من أغاني الفحول. وما سمعنا نحن لأحد من هؤلاء خبرا إلا لمالك بن حممة، أخبرني به عمّي عن عبد اللّه بن أبي سعد.
__________
[1] في ط: «و مرادهم».
[2] كذا في أغلب النسخ. وفي س، ح: «وزرتها». وفي ب: «ودرتها» وهو تحريف.
[3] في ط: «اليها».
[4] الحباري: طائر قال في كتاب «الحيوان»: إنه طويل العنق رماديّ اللون في منقاره بعض طول وهو يقع على الذكر والأنثى واحده وجمعه سواء وإن شئت قلت في الجمع حباريات، وهو ممنوع من الصرف معرفا ومنكرا.
[5] الرقم: ضرب مخطط من الوشي أو الخز.
[6] زيادة في ط والوصائف: جمع وصيفة وهي الجارية البالغة حد الخدمة، والوصفاء: جمع وصيف وهو الغلام البالغ حدّ الخدمة أيضا. وقد يقال الوصيف للخادم غلاما كان أو جارية.
[7] نقلهم: أطعمهم النقل، والنقل: ما يتنقل به على الشراب من فستق وتفاح ونحوهما.
[8] النصب: غناء يشبه الحداء إلا أنه أرق.
[9] كذا في ط. وفي باقي الأصول: «يذروا منه شيئا» وهو تحريف.
عمره ونسبه
وقال وكيع في خبره عن إسحاق حدّثني أبو بشر الفزاريّ قال حدّثني بشر بن الحسين بن سليمان بن سمرة بن جندب قال:
عاش حنين بن بلوع مائة سنة وسبع سنين، وكان يقال أنه من جديس؛ قال وقيل أيضا: إنه من لخم، وكان هو يزعم أنه عباديّ وأخواله من بني الحارث بن كعب.
غنى حفيده لأبي اسحاق إبراهيم بن المهديّ وقص عليه خبر جده مع ابن سريج
أخبرني رضوان بن أحمد الصّيدلانيّ قال حدّثنا يوسف بن إبراهيم قال حدّثنا أبو إسحاق إبراهيم بن المهديّ قال:
كنت مع الرشيد في السنة التي نزل فيها على عون العباديّ، فأتاني عون بابن ابن حنين بن بلوع، وهو شيخ،/ فغنّاني عدّة أصوات لجدّه، فما استحسنتها، لأنّ الشيخ كان مشوّه [1] الخلق، طنّ الغناء [2]، قليل الحلاوة، إلا أنه كان لا يفارق عمود الصوت أبدا حتى يفرغ منه، فغنّاني صوت ابن سريج:
فتركته جزر [3] السّباع ينشنه [4] ... ما بين قلّة رأسه والمعصم
فما أذكر أني سمعته من أحد قطّ أحسن مما سمعته منه، فقلت له: لقد أحسنت في هذا الصوت، وما هو من أغاني جدّك، وإني لأعجب من ذلك! فقال لي الشيخ: والصليب والقربان ما صنع هذا الصوت إلا في منزلنا وفي سرداب لجدّي، ولقد كاد أن يأتي على نفس عمتي؛ فسألته عن الخبر في ذلك فقال:
ضافه ابن سريج متنكرا فأكرمه ثم بالغ في إكرامه لما عرفه
حدّثني أبي أن عبيد [5] بن سريج قدم الحيرة ومعه ثلاثمائة دينار. فأتى بها منزلنا في ولاية بشر بن مروان الكوفة، وقال: أنا رجل من أهل الحجاز من أهل مكة، بلغني طيب الحيرة وجودة خمرها وحسن غنائك في هذا الشعر:
حنتني حانيات الدهر حتّى ... كأنّي خاتل يدنو [6] لصيد
قريب الخطو يحسب من رآني ... ولست مقيّدا أنّي بقيد
/ فخرجت بهذه الدنانير لأنفقها معك وعندك ونتعاشر حتى تنفد وأنصرف إلى منزلي. فسأله جدّي عن اسمه
__________
[1] في أ، م، ء، ط: «مشنيّ الخلق». وفي ح: «مشتّو الخلق». ومشتّو الخلق: مكروهه. وقد ورد في هذا الوصف: مشنوء (بالهمز) ومشنوء ومشنىّ.
[2] طن الغناء: يدل السياق على أنه وصف من الطنين وهو صوت الشيء الصلب كالنحاس وغيره. ولم نجد هذه الصيغة من هذه المادة في «كتب اللغة» التي بأيدينا ولعله طان الغناء اسم فاعل من طنّ. وفيء، أ، م، ط: «كزّ الغناء».
[3] جزر السباع: اللحم الذي تأكله، يقال: تركوهم جزرا بالتحريك إذا قتلوهم وقطعوهم إربا إربا وجعلوهم معرّضين للسباع والطير.
[4] ينشته: يتناوله.
[5] كذا في ط. وفي سائر النسخ: «عبيد اللّه» انظر الحاشية رقم 3 ص 248 من الجزء الأوّل طبعة دار الكتب.
[6] في ط: «أدنو».
ونسبه فغيّرهما وانتمى إلى بني مخزوم، فأخذ جدّي المال منه وقال: موفّر مالك عليك ولك عندنا كلّ ما يحتاج إليه مثلك ما نشطت للمقام عندنا، فإذا دعتك نفسك إلى بلدك جهّزناك إليه ورددنا عليك مالك وأخلفنا ما أنفقته عليك [إلى] [1] أن جئتنا، وأسكنه دارا كان ينفرد فيها، فمكث عندنا شهرين لا يعلم جدّي ولا أحد من أهلنا أنه يغنّي، حتى انصرف جدّي من دار بشر بن مروان في يوم صائف مع قيام الظّهيرة، فصار إلى باب الدار التي كان أنزل ابن سريج فيها فوجده مغلقا فارتاب بذلك، ودقّ الباب فلم يفتح له ولم يجبه أحد، فصار إلى منازل الحرم فلم يجد فيها ابنته ولا جواريه [2]، ورأى ما بين الدار التي فيها الحرم ودار ابن سريج مفتوحا، فانتضى سيفه ودخل الدار ليقتل ابنته؛ فلمّا دخلها رأى ابنته وجواريه [2] وقوفا على باب السّرداب، وهنّ يومئن إليه بالسكوت وتخفيف الوطء، فلم يلتفت إلى إشارتهنّ لما تداخله، إلى أن سمع ترنّم ابن سريج بهذا الصوت، فألقى السيف من يده وصاح به - وقد عرفه من غير أن يكون رآه، ولكن بالنعت والحذق - : أبا يحيى، جعلت فداءك، أتيتنا بثلاثمائة دينار سوى ما جئت به معك، ثم دخل إليه فعانقه ورحّب به ولقيه بخلاف ما كان يلقاه به، وسأله عن هذا الصوت، فأخبره أنه صاغه في ذلك الوقت. فصار معه إلى بشر بن مروان فوصله بعشرة آلاف درهم أوّل مرّة، ثم وصله بعد ذلك بمثلها؛ فلمّا أراد الخروج ردّ عليه جدّي ماله وجهّزه ووصله بمقدار نفقته التي أنفقها/ من مكة إلى الحيرة، ورجع ابن سريج إلى أهله وقد أخذ جميع من كان في دارنا منه هذا الصوت.
استقدمه ابن سريج والغريض ومعبد إلى الحجاز فقدم وغنى فازدحم الناس فسقط عليه السطح فمات
أخبرني عمّي قال حدّثني عبد اللّه بن/ أبي سعد قال حدّثني حسّان بن محمد الحارثيّ قال حدّثنا عبد اللّه قال حدّثنا عبيد بن حنين [3] الحيريّ قال:
كان المغنّون في عصر جدّي أربعة نفر ثلاثة بالحجاز وهو وحده بالعراق، والذين بالحجاز: ابن سريج والغريض ومعبد، فكان يبلغهم أنّ جدّي حنينا قد غنّى في هذا الشعر:
هلّا بكيت على الشباب الذاهب ... وكففت عن ذمّ المشيب الآئب
هذا وربّ مسوّفين [4] سقيتهم ... من خمر بابل لذة للشارب
بكروا عليّ بسحرة فصبحتهم ... من ذات كوب [5] مثل قعب الحالب
بزجاجة ملء اليدين كأنّها ... قنديل فصح [6] في كنيسة راهب
قال: فاجتمعوا فتذاكروا أمر جدّي وقالوا: ما في الدنيا أهل صناعة شرّ منّا، لنا أخ بالعراق ونحن بالحجاز، لا نزوره ولا نستزيره. فكتبوا إليه ووجّهوا إليه نفقة وكتبوا يقولون: نحن ثلاثة وأنت وحدك فأنت أولى بزيارتنا،
__________
[1] زيادة في ط.
[2] كذا في ح. وفي سائر النسخ: «جواريها».
[3] كذا في جميع الأصول، ولعل الراوي نسب عبيدا إلى جدّه حنين لشهرته.
[4] قال في «اللسان»: السوف: الصبر، والمسوّف: الصبور، وأنشد للمفضل هذا البيت شاهدا بذلك.
[5] كذا فيء وهامش ط. وفي باقي النسخ: «من ذات كرنيب كقعب». والكرنيب: لبن حليب ينقع فيه تمر برنيّ. ولم يظهر لهذه النسخة معنى يلتئم به السياق.
[6] كذا في ط، والفصح من أعياد النصارى (انظر الحاشية رقم 1 ص 129 من هذا الجزء). وفي باقي الأصول: «صبح».
فشخص إليهم، فلمّا كان على مرحلة من المدينة بلغهم خبره فخرجوا يتلقّونه، فلم ير يوم كان أكثر حشرا [1] ولا جمعا من يومئذ، ودخلوا، فلمّا صاروا في بعض الطريق قال لهم معبد: صيروا إليّ؛ فقال له ابن سريج: إن كان لك من الشرف والمروءة مثل ما لمولاتي سكينة/ بنت الحسين عطفنا إليك؛ فقال: ما لي من ذلك شيء، وعدلوا إلى منزل سكينة. فلمّا دخلوا إليها أذنت للناس إذنا فغصّت الدار بهم وصعدوا فوق السطح، وأمرت لهم بالأطعمة فأكلوا منها، ثم إنهم سألوا جدّي حنينا أن يغنّيهم صوته الذي أوّله:
هلّا بكيت على الشباب الذاهب
فغنّاهم إيّاه بعد أن قال لهم: ابدءوا أنتم؛ فقالوا: ما كنّا لنتقدّمك ولا نغنّي قبلك حتى نسمع هذا الصوت؛ فغنّاهم إياه، وكان من أحسن الناس صوتا، فازدحم الناس على السطح وكثروا ليسمعوه، فسقط الرّواق على من تحته فسلموا جميعا وأخرجوا أصحّاء، ومات حنين تحت الهدم؛ فقالت سكينة عليها السلام: لقد كدّر علينا حنين سرورنا، انتظرناه مدّة طويلة كأنّا واللّه كنّا نسوقه إلى منيّته.
نسبة ما في الخبر الأول من الغناء
الغناء في الأصوات المتقدّمة
صوت
وتركته جزر السّباع ينشنه ... ما بين قلّة رأسه والمعصم
إن تغدفي دوني القناع فإنّني ... طبّ بأخذ الفارس المستلئم [2]
الشعر لعنترة بن شدّاد العبسيّ، والغناء فيه لحنين ثاني ثقيل [3].
ومنها:
صوت
حنتني حانيات الدهر حتّى ... كأنّي خاتل يدنو لصيد
قريب الخطو يحسب من رآني ... ولست مقيّدا أنّي بقيد
/ الغناء لحنين الحيريّ ثقيل أوّل. وفيه لابراهيم الموصليّ ما خوريّ جميعا عن ابن المكّيّ،/ ووافقه عمرو بن بانة في لحن إبراهيم [الموصلي] [4]. ونسبة الشعر الذي غنّاه حنين في منزل سكينة - عليها السلام - يقال: إنه لعديّ بن زيد، وقيل: إنّ بعضه له وقد أضافه المغنّون إليه. ولحنه خفيف ثقيل مطلق في مجرى البنصر عن إسحاق.
__________
[1] في أ، م، ء، ط: «حشدا».
[2] أغدفت المرأة قناعها: أرسلته على وجهها. والطب: الحاذق من الرجال الماهر بعلمه. والمستلئم: لابس اللأمة، وهي الدرع.
[3] في ط: «و الغناء لابن سريج ثقيل أوّل».
[4] الزيادة عن ح.
صوت من المائة المختارة
راع الفؤاد تفرّق الأحباب ... يوم الرحيل فهاج لي أطرابي [1]
فظللت مكتئبا أكفكف عبرة ... سحّا تفيض كواشل [2] الأسراب
لمّا تنادوا للرحيل وقرّبوا ... بزل الجمال لطيّة [3] وذهاب
كاد الأسى يقضي عليك صبابة ... والوجه منك لبين إلفك كابي
عروضه من الكامل. والشعر لعمر بن أبي ربيعة. والغناء للغريض، ولحنه المختار من الثقيل الأوّل بإطلاق الوتر في مجرى البنصر عن إسحاق. [و قال حبش: وفيه لأبي كامل ثاني ثقيل بالوسطى] [4]. وذكر حبش: أنّ للغريض أيضا فيه خفيف ثقيل بالوسطى. ولمالك ثقيل أوّل بالوسطى. وهذه الأبيات قالها عمر بن أبي ربيعة في بنت لعبد الملك بن مروان كانت حجّت في خلافته.
قصة ابن أبي ربيعة مع بنت عبد الملك بن مروان
أخبرني عليّ بن صالح بن الهيثم قال أخبرني أبو هفّان عن إسحاق بن إبراهيم عن الزّبيريّ والمدائنيّ ومحمد بن سلّام والمسيّبيّ:
/ أنّ بنتا لعبد الملك بن مروان حجّت، فكتب الحجاج إلى عمر بن أبي ربيعة يتوعّده إن ذكرها في شعره بكلّ مكروه؛ وكانت تحبّ أن يقول فيها شيئا وتتعرّض لذلك، فلم يفعل خوفا من الحجّاج. فلمّا قضت حجّها خرجت فمرّ بها رجل فقالت له: من [أين] [5] أنت؟ قال: من أهل مكّة؛ قالت: عليك وعلى أهل بلدك لعنة اللّه! قال: ولم ذاك؟ قالت: حججت فدخلت مكة ومعي من الجواري ما لم تر الأعين مثلهنّ، فلم يستطع الفاسق ابن أبي ربيعة أن يزوّدنا من شعره أبياتا نلهو بها في الطريق في سفرنا! قال: فإني لا أراه إلا قد فعل؛ قالت: فأتنا بشيء إن كان قاله ولك بكل بيت عشرة دنانير؛ فمضى إليه فأخبره؛ فقال: لقد فعلت، ولكن أحبّ أن تكتم عليّ؛ قال: أفعل؛ فأنشده:
راع الفؤاد تفرّق الأحباب ... يوم الرحيل فهاج لي أطرابي
وهي طويلة. وأنشده:
هاج قلبي تذكّر الأحباب ... واعترتني نوائب الأطراب [6]
وهي طويلة أيضا، يقول فيها:
__________
[1] راع الفؤاد: أفزعه. والأطراب: جمع طرب، والطرب يطلق على الفرح والحزن والشوق، والمراد هنا أحد المعنيين الأخيرين.
[2] واشل: سائل، من وشل الماء يشل (كوعد) إذا سأل وقطر، والأسراب: جمع سرب (بالتحريك) وهو الماء السائل من المزادة.
[3] يقال: مضى فلان لطيته أي لوجهه ونيته التي انتواها.
[4] الزيادة عن أ، م، ح.
[5] الزيادة عن أ، م.
[6] الأطراب هنا: الأحزان.
اقتليني قتلا سريعا مريحا ... لا تكوني عليّ سوط عذاب
شفّ عنها محقّق [1] جنديّ ... فهي كالشمس من خلال سحاب
- ذكر حبش: أنّ في هذه الثلاثة الأبيات للهذليّ ثاني ثقيل بالبنصر - قال: فعاد إليها الرجل فأنشدها هاتين القصيدتين فدفعت إليه ما وعدته به.
__________
[1] كذا في أ، م، ء، هو الموافق لما تقدّم في ص 240 من الجزء الأوّل من هذه الطبعة. وفي باقي النسخ: «مرفق حنديّ» بالحاء المهملة. وقد تقدّم تفسير هذا البيت في الصفحة المذكورة.
15 - ذكر الغريض وأخباره
اسمه وكنيته وسبب لقبه
/ الغريض لقب لقّب به، لأنه كان طريّ الوجه نضرا غضّ الشباب حسن المنظر، فلقّب بذلك. والغريض:
الطريّ من كل شيء. وقال ابن الكلبيّ: شبّه بالإغريض وهو الجمّار فسمّي به، وثقل ذلك على الألسنة فحذفت الألف منه، فقيل له: الغريض. واسمه: عبد الملك، وكنيته: أبو يزيد.
وأخبرنا إسماعيل بن يونس الشّيعيّ عن عمر بن شبّة عن أبي غسّان عن جماعة من المكّيين:
أنه كان يكنّى أبا مروان. وهو مولى العبلات، وكان مولّدا من مولّدي البربر. وولاؤه وولاء يحيى قيل [1] وسميّة للثريّا [2] (صاحبة عمر بن أبي ربيعة) وأخواتها: الرّضيّا وقريبة وأمّ عثمان بنات عليّ بن عبد اللّه بن الحارث بن أميّة الأصغر، وقد مضت أخبارهنّ في صدر الكتاب [3].
أخذ الغناء عن ابن سريج فلما رأى ابن سريج مخايل التفوّق فيه حده وطرده
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ قال حدّثني محمد بن نصر الضّبعيّ [4] قال حدّثني عبد الكريم بن أبي معاوية العلابيّ [5] عن هشام بن الكلبيّ عن أبيه وعن/ أبي مسكين [6]، وأخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدّثني عمر بن شبّة قال حدثني أبو غسّان محمد بن يحيى، وأخبرني الحسين بن يحيى ومحمد بن أبي الأزهر حدّثنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه عن الزّبيريّ والمدائنيّ ومحمد بن سلّام، وقد جمعت رواياتهم في قصّة الغريض، قالوا:
كان الغريض يضرب بالعود وينقر بالدفّ ويوقع بالقضيب، وكان جميلا وضيئا، وكان يصنّع [7] نفسه ويبرّقها [8]. وكان قبل أن يغنّي خيّاطا. وأخذ الغناء في أوّل أمره عن ابن سريج، لأنه كان يخدمه. فلما رأى
__________
[1] في ط، ء: «فيل» بالفاء، (انظر ترجمته بالجزء الثالث ص 11 من «الأغاني» طبع بولاق).
[2] فيء، أ، م، ط: «سهية» وقد سمى العرب بهما، ولم ندر أيهما أصح لوجوده مجردا.
[3] انظر الجزء الأوّل من هذه الطبعة ص 209 - 213.
[4] لم يرد هذا الاسم في فهارس الكتب التي تحت أيدينا. والضبعيّ بضم الضاد المعجمة وفتح الباء الموحدة كما في «شرح القاموس» و «المشتبه» للذهبيّ و «الاشتقاق» لابن دريد و «لسان العرب»، نسبة إلى ضبيعة بن قيس بن ثعلبة الذين نزلوا البصرة، وقيل إلى المحلة التي سكنها هؤلاء بالبصرة. وقد ضبطه السمعانيّ بالعبارة فقال إنه: «بفتح الضاد المعجمة وفتح الباء المنقوطة بواحدة وفي آخرها العين المهملة. هذه النسبة إلى ضبيعة بن قيس بن ثعلبة ... الخ». وهو كما ترى مخالف لكل المصادر المتقدّمة.
[5] كذا في ب، س، ح. وفيء، ط: «العبلانيّ» وفي أ، م: «الغيلانيّ» ولم يرد في كتب الأنساب «العلابيّ» بالعين المهملة، والذي ورد هو الغلابيّ بالغين المعجمة. ولم نهتد إلى هذا الاسم لتحقق من صحة هذه النسبة.
[6] كذا فيء. وفي أ، م، ح: «عن أبيه عن أبي مسكين». وفي ب، س: «عن أبيه مسكين» وهو خطأ. وقد أثبتنا رواية ء لأنها تقدّمت في ص 248 من الجزء الأوّل من هذه الطبعة وكتب «الأنساب» ترجحها.
[7] يصنع نفسه: يقوم على تحسينها وتزيينها.
[8] كذا في ط، ويبرقها: يزينها ويحسنها. يقال برّق منزله أي زينة وزوّقه. وفي باقي الأصول: «و يترفها» ومعناه يوسع عليها ويدللها
ابن سريج طبعه وظرفه وحلاوة منطقه خشي أن يأخذ غناءه فيغلبه عليه عند الناس ويفوقه بحسن وجهه وجسده؛ فاعتلّ عليه، وشكاه إلى مولياته، وهنّ كنّ دفعنه إليه ليعلّمه الغناء، وجعل يتجنّى عليه ثم طرده؛ فشكا ذلك إلى مولياته وعرّفهنّ غرض ابن سريج في تنحيته إيّاه عن نفسه، وأنه حسده على تقدّمه؛
تعلم النوح وكان ينوح للنساء في المآتم
فقلن له: هل لك في أن تسمع نوحنا على قتلانا فتأخذه وتغنّي عليه؟ قال: نعم فافعلن، فأسمعنه المراثي فاحتذاها وخرّج غناء عليها كالمراثي، وكان ينوح مع ذلك فيدخل المآتم وتضرب دونه الحجب ثم ينوح فيفتن كلّ من سمعه. ولما كثر غناؤه اشتهاه الناس وعدلوا إليه لما كان فيه من الشّجا [1]. فكان ابن سريج لا يغنّي صوتا إلا عارضه [2] الغريض فيه لحنا آخر. فلما رأى ابن سريج/ موقع الغريض اشتدّ عليه وحسده، فغنّى الأرمال والأهزاج فاشتهاها الناس؛ فقال له الغريض: يا أبا يحيى، قصّرت الغناء وحذفته؛ قال: نعم يا مخنّث حين جعلت تنوح على أمّك وأبيك.
قال إسحاق وحدّثني أبو عبيدة قال: لما غضب ابن سريج على الغريض فأقصاه وهجره لحق بحوراء وبغوم - جاريتين نائحتين كانتا في شعب ابن عامر بمكة، ولم يكن قبلهما ولا بعدهما مثلهما - فرأتاه يوما يعصر عينيه ويبكي؛ فقالتا له: ما لك تبكي؟ فذكر لهما ما صنع به ابن سريج؛ فقالتا له: لا أرقأ اللّه دمعك! ألزز رأسك [3] بين ما أخذته عنه وبين ما تأخذه منّا، فإن ضعت بعدها فأبعدك اللّه.
عدّه جرير ضمن الأربعة المشهورين في الغناء
قال إسحاق وحدّثني أبو عبد اللّه الزّبيريّ قال: رأيت جريرا في مجلس من مجالس قريش فسمعته يقول: كان المغنّون بمكة أربعة، فسيد مبرّز وتابع مسدّد؛ فسألناه/ عن ذاك، فقال: كان السيّد/ أبو يحيى بن سريج والتابع أبو يزيد الغريض [4]. وكان هناك رجل عالم بالصناعة فقال: كان الغريض أحذق أهل زمانه بمكة بالغناء بعد ابن سريج،
كان الناس لا يفرقون بينه وبين ابن سريج
وما زال أصحابنا لا يفرقون بينهما لمقاربتهما في الغناء. قال الزّبيريّ وقال بعض أهلي: لو حكّمت بين أبي يحيى وأبي يزيد لما فرّقت بينهما، وإنما تفضيلي أبا يحيى بالسّبق، فأمّا غير ذلك فلا، لأنّ أبا يزيد عنه أخذ ومن بحره اغترف وفي ميدانه جرى، فكان كأنّه هو؛ ولذلك قالت سكينة لما غنّى الغريض وابن سريج:
عوجي علينا ربّة الهودج
/ واللّه ما أفرّق بينكما، وما مثلكما عندي إلا كمثل اللؤلؤ والياقوت في أعناق الجواري الحسان لا يدرى أيّ ذلك أحسن.
__________
- ويعطيها شهواتها.
[1] الشجا: الحزن.
[2] أي ناقضة وباراه فيه بلحن آخر يغنيه. ولم نجد عارض يتعدّى لمفعولين إلا فيما ورد من الحديث من «أن جبريل عليه السّلام كان يعارضه القرآن في كل سنة مرة وأنه عارضه العام مرتين» أي كان يدارسه جميع ما نزل من القرآن، من المعارضة وهي المقابلة.
[3] أي اجعل رأسك بينهما: تريدان بذلك أن يجمع بين ما أخذه عن ابن سريج وما سيأخذه عنهما.
[4] يلاحظ أنه لم يذكر هنا إلا اثنين
قيل كان الغريض أشجى غناء من ابن سريج
قال إسحاق: وسمعت جماعة من البصراء عند أبي يتذاكرونهما، فأجمعوا على أن الغريض أشجى غناء، وأنّ ابن سريج أحكم صنعة.
غنّى الناس بجمع فحسبوه من الجنّ
قال إسحاق وحدّثني أبو عبد اللّه الزّبيريّ قال حدّثني بعض أهلي قال: حججنا فلمّا كنّا بجمع [1] سمعنا صوتا لم نسمع أحسن منه ولا أشجى، فأصغى الناس كلّهم إليه تعجّبا من حسنه، فسألت: من هذا الرجل؟ فقيل لي:
الغريض، فتتابع جماعة من أهل مكّة فقالوا: ما نعرف اليوم أحسن غناء من الغريض، ويدلّك على ذلك أنه يعترض بصوته الحاجّ وهم في حجّهم فيصغون إليه. فسألوا الغريض عن ذلك، فقال: نعم، فسألوه أن يغنّيهم فأجابهم، وخرج فوقف حيث لا يرى ويسمع صوته فترنّم ورجّع صوته وغنّى في شعر عمر بن أبي ربيعة:
أيّها الرائح المجدّ ابتكارا ... قد قضى من تهامة الأوطارا
فما سمع السامعون شيئا كان أحسن من ذلك الصوت، وتكلّم الناس فقالوا: طائفة من الجنّ حجّاج.
نسبة هذا الصوت
صوت
أيّها الرائح المجدّ ابتكارا ... قد قضى من تهامة الأوطارا [2]
من يكن قلبه الغداة خليّا ... ففؤادي بالخيف أمسى معارا [3]
ليت ذا الحجّ كان حتما علينا ... كلّ شهرين حجّة [4] واعتمارا
/ عروضه من الخفيف. الشعر لعمر بن أبي ربيعة. والغناء لابن محرز، ولحنه من القدر الأوسط من الثقيل الثاني بالخنصر في مجرى الوسطى. وفيه لحن للغريض من رواية حمّاد عن أبيه.
غنى هو ومعبد وابن سريج على أبي قبيس فعفا الوالي عنهم بعد الأمر بنفيهم
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ وإسماعيل بن يونس قالا حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثني إسحاق بن إبراهيم قال:
بلغني أن معبدا وابن سريج والغريض اجتمعوا بمكّة ذات ليلة فقالوا: هلمّ نبك أهل مكّة، ووجدت هذا الخبر بغير إسناد مرويّا عن يونس الكاتب: أنّ أميرا من أمراء مكّة أمر بإخراج المغنّين من الحرم، فلمّا كان في الليلة التي عزم بهم على النّفي في غدها اجتمعوا على أبي قبيس - وكان معبد قد زارهم - فبدأ معبد فغنّى - كذا روي عن يونس ولم يذكره الباقون:
__________
[1] جمع: المزدلفة وهو مبيت الحاج ومجمع الصلاة إذا صدروا من عرفات، وهو المشعر الحرام.
[2] تقدمت هذه الأبيات مع شرحها في الجزء الأول من «الأغاني» طبع دار الكتب ص 167.
[3] في ب، س، ح. «مطارا».
[4] الحجة (بالكسر): المرة من الحج وهو شاذ لأن قياس المرة على فعله بفتح الفاء.
صوت
أتربيّ من أعلى [1] معدّ هديتما ... أجدّا البكا إنّ التفرّق باكر
فما مكثنا دام الجميل عليكما ... بثهلان [2] إلّا أن تزمّ الأباعر
- عروضه من الطويل. هكذا ذكره ولم ينسبه ولا جنّسه - قال: فتأوّه أهل مكّة وأنّوا وتمخّطوا [3]. واندفع الغريض يغنّي:
أيّها الرائح المجدّ ابتكارا ... قد قضى من تهامة الأوطارا
فارتفع البكاء والنحيب. واندفع ابن سريج يغني:
جددي الوصل يا قريب وجودي ... لمحبّ فراقه قد ألمّا
ليس بين الحياة والموت إلّا ... أن يردّوا جمالهم فتزمّا
/ فارتفع الصّراخ من الدّور بالويل والحرب [4]. قال يونس في خبره: واجتمع الناس إلى الأمير فاستعفوه من نفيهم فأعفاهم. وذكر الباقون أنّ الغريض ابتدأ بلحنه:
أيّها الراكب المجدّ ابتكارا
وتلاه ابن سريج في «جدّدي الوصل». قال: وارتفع الصراخ فلم يسمع من معبد شيء ولم يقدر على أن يغنّي.
غنت شطباء المغنية علي بن جعفر فطرب
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال أخبرني عبد الرحمن بن محمد السّعديّ قال:
حضرت شطباء المغنّية جارية عليّ بن جعفر ذات يوم تغنّي:
ليس بين الرّحيل والبين [5] إلّا ... أن يردّوا جمالهم فتزمّا
فطرب عليّ بن جعفر وصاح [6]: سبحان اللّه العظيم! ألا يوكون [7] قربة! ألا يشدّون محملا! ألا يعلّقون سفرة [8]! ألا يسلّمون على جار! هذه واللّه العجلة.
__________
[1] في ح: «عليا».
[2] ثهلان: جبل بنجد.
[3] تمخطوا: اضطربوا.
[4] كذا فيء، أ، م أي قيل وا ويلاه ووا حرباه. والحرب (بالتحريك): أن يسلب الرجل ماله، ثم توسع فيه فعبر به عما يصيب المرء من مكروه. وفي باقي النسخ: «بالويل والحزن».
[5] في ح: «و الموت».
[6] كذا في ط. وفي سائر النسخ: «و قال».
[7] أوكي القربة: شدّها بالوكاء وهو رباطها، وفي الحديث: «أوكوا الأسقية». أي شدّوا رؤوسها بالوكاء لئلا يدخلها حيوان أو يسقط فيها شيء.
[8] السفرة في الأصل: طعام يتخذه المسافر، ومنه حديث عائشة: «صنعنا لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم ولأبي بكر سفرة في جراب» أي طعاما، ثم أطلق مجازا على جلد مستدير يحمل فيه هذا الطعام. وتطلق السفرة أيضا على ما يبسط ليؤكل عليه.
لما ماتت الثريا ناح عليها الغريض أخبرني أحمد بن عبد العزيز وإسماعيل بن يونس قالا حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثنا محمد بن يحيى قال زعم عبيد بن يعلى قال:
قال لي كثير بن كثير السّهميّ: لمّا ماتت الثّريّا أتاني الغريض فقال لي: قل لي شعرا أبك به عليها؛ فقلت:
صوت
ألا يا عين مالك تدمعينا ... أمن رمد بكيت فتكحلينا
أم انت مريضة [1] تبكين شجوا ... فشجوك مثله أبكى العيونا
فناح به عليها. قال: وأخبرني من رآه بين عمودي سريرها ينوح به. الغناء للغريض في هذين البيتين خفيف ثقيل بالوسطى عن ابن المكّيّ. وفيه ثقيل أوّل مجهول.
تحاكم هو وابن سريج إلى سكينة بنت الحسين فساوت بينهما
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثني محمد بن سلّام وأخبرنا وكيع قال: حدّثنا محمد بن إسماعيل عن محمد بن سلّام عن جرير، ورواه حمّاد عن أبيه عن ابن سلام عن جرير أيضا:
أنّ سكينة بنت الحسين عليه السلام حجّت فدخل إليها ابن سريج والغريض وقد استعار ابن سريج حلّة لامرأة من قريش فلبسها؛ فقال لها ابن سريج: يا سيّدتي، إني كنت صنعت صوتا وحسّنته وتنوّقت [2] فيه، وخبأته لك في حريرة في درج مملوء مسكا فنازعنيه هذا الفاسق - يعني الغريض - فأردنا أن نتحاكم إليك فيه. فأيّنا قدّمته فيه تقدّم؛ قالت: هاته، فغنّاها:
عوجي علينا ربّة الهودج ... إنّك إلّا تفعلي تحرجي [3]
/فقالت: هاته أنت يا غريض؛ فغنّاها إياه؛ فقالت لابن سريج: أعده، فأعاده، وقالت: يا غريض، أعده، فأعاده؛ فقالت: ما أشبّهكما إلا بالجديين [4]:/الحارّ والبارد لا يدرى أيّهما أطيب. وقال إسحاق في خبره:
ما أشبّهكما إلا باللؤلؤ والياقوت في أعناق الجواري الحسان لا يدرى أيّهما أحسن.
__________
[1] في الجزء الأول من هذه الطبعة ص 246: «حزينة».
[2] تنوّق: تجوّد في الشيء وبالغ فيه.
[3] تحرجي: تأثمي.
[4] كذا فيء. وورد في «المسعودي» ج 2 ص 56 في وصف معاوية: «ثم يؤتى بالغداء الأصغر وهو فضلة عشائه من جدي بارد».
وفي أ، م: «إلا بالحدّ بين الحارّ والبارد». وفي ح: «إلا بالجدّ بين الحارّ والبارد» وهما محرّفان عن الأوّل. وفي ب، س:
«بالجوزابين» ولعله محرّف عن الجوذابين: وهو مثنى جوذاب (بالضم) ويقال فيه ذوباج أيضا، وهو كما قال صاحب «اللسان»:
طعام يصنع بسكر وأرز ولحم. وفي كتاب «الأطعمة» (الموجود بدار الكتب المصرية تحت رقم 51 علوم معاشية): بيان لأنواع الجواذيب وكيفية صنع كل منها.
نسبة هذا الصوت
صوت
عوجي علينا ربّة الهودج ... إنك إلّا تفعلي تحرجي
إنّي أتيحت لي يمانيّة [1] ... إحدى بني الحارث من مذحج
نلبث حولا كاملا كلّه ... لا نلتقي إلا على منهج
في الحجّ إن حجّت وماذا منى ... وأهله إن هي لم تحجج
أيسر ما نال محبّ لدى ... بين حبيب قوله عرّج
عروضه من السريع. والشعر للعرجيّ. والغناء لابن سريج ثاني ثقيل بالوسطى عن عمرو. وفيه للغريض ثقيل أوّل بالوسطى عن حبس. ولإسحاق في الأوّل والثالث ثقيل أوّل بالبنصر عن عمرو. وللأبجر فيه ثاني ثقيل بالخنصر في مجرى البنصر عن ابن المكيّ. ولعلّويه خفيف ثقيل عن الهشاميّ. ولحكم خفيف رمل عنه أيضا.
غنى عطاء بشعر العرجيّ فردّه عليه
أخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدّثنا عبد اللّه بن عمرو [2] بن بشر قال حدّثني إبراهيم بن المنذر قال حدّثني حمزة بن عتبة اللّهبيّ عن عبد الوهاب بن مجاهد أو غيره قال:
/ كنت مع عطاء بن أبي رباح فجاءه رجل فأنشده قول العرجيّ:
إنّي أتيحت لي يمانية
وذكر الأبيات وختمها بقوله:
في الحجّ إن حجّت وماذا منى ... وأهله إن هي لم تحجج
قال فقال عطاء: بمنى واللّه وأهله خير كثير إذ غيّبها اللّه وإيّاه عن مشاعره.
قصة الأوقص المخزوميّ مع سكران يغني
أخبرني إسماعيل بن يونس قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثني إسحاق قال:
ولي قضاء مكّة الأوقص المخزوميّ فما رأى الناس مثله في عفافه ونبله، فإنّه لنائم ليلة في جناح [3] له إذ مر به سكران يتغنّى:
عوجي علينا ربّة الهودج
__________
[1] يمانية (بتشديد الياء) نسبة إلى اليمن، والمشهور في النسبة إلى اليمن: يمنى ويمان بالتخفيف والألف عوض عن ياء النسب، قال سيبويه: وبعضهم يقول يمانيّ بالتشديد. ومما جاء بالتشديد قول أمية بن خلف:
يمانيا يظل يشدّ كيرا ... وينفخ دائما لهب الشواظ
[2] في أ، م، ء، ط: «عمر» ولم نعثر على ما يرجح إحدى الروايتين.
[3] أي في ناحية خاصة به من البيت.
فأشرف عليه فقال: يا هذا شربت حراما! وأيقظت نياما! وغنّيت خطأ! خذه عنّي! فأصلحه له وانصرف.
عطاء بن رباح والأبجر المغني
أخبرني إسماعيل بن يونس قال حدثنا عمر بن شبّة قال حدّثني إسحاق عن حمزة بن عتبة اللهبيّ قال:
مرّ الأبجر بعطاء وهو سكران فعذله وقال: شهّرت نفسك بالغناء واطّرحتها وأنت ذو مروءة، فقال: امرأته طالق ثلاثا إن برحت أو أغنّيك صوتا، فإن قلت لي: هو قبيح تركته؛ فقال له عطاء: هات ويحك! فقد أضررت بي، فغنّاه:
في الحجّ إن حجّت وماذا منى ... وأهله إن هي لم تحجج
فقال له عطاء: الخير واللّه كلّه هناك حجّت أو لم تحج، فاذهب الآن راشدا فقد برّت يمينك.
ابن أبي عتيق والغريض
أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدّثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدّثني المغيرة بن محمد قال حدّثني هارون بن موسى الفرويّ [1] قال حدّثني بعض المدنيّين قال:
خرج ابن/ أبي عتيق على نجيب له من المدينة قد أوقره [2] من طرف المدينة المشارب [3] وغير ذلك، فلقي فتى من بني مخزوم مقبلا من بعض ضياعه، فقال: يابن أخي، أتصحبني؟ قال: نعم؛ قال المخزوميّ: فمضينا حتى إذا قربنا من مكّة جنبنا عنها حتّى جزناها فصرنا إلى قصر، فاستأذن ابن أبي عتيق فأذن له، فدخلنا فإذا رجل جالس كأنّه عجوز بربريّة مختضبة، لا أشكّ في ذلك، وإذا هو الغريض وقد كبر، فقال له ابن أبي عتيق: تشوّقنا إليك، وأهدى له ما كان معه، ثم قال له: نحبّ أن نسمع؛ قال: أدع فلانة - جارية له - فجاءت فغنّت، فقال: ما صنعت شيئا، ثم حل خضابه وغنّى:
عوجى علينا ربّة الهودج
فما سمعت أحسن منه قطّ، فأقمنا عنده أياما كثيرة وخبّازه وطعامه كثير.
ثم قال له ابن أبي عتيق: إني أريد الشّخوص، فلم يبق بمكّة تحفة عدنيّ ولا يمان ولا عود إلّا أوقر به راحلته.
فلمّا ارتحلنا وبرزنا صاح به الغريض: هيا هيا، فرجعنا إليه؛ فقال: ألم ترووا عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله وسلّم أنه قال: «يحشر من بقيعنا هذا سبعون ألفا على صورة القمر ليلة البدر»! فقال له ابن أبي عتيق: بلى،/ فقال: هذه سنّ لي انتزعت فأحبّ أن تدفنها بالبقيع، فخرجنا واللّه أخسر اثنين لم نعتمر ولم ندخل مكّة، حاملين سنّ الغريض حتّى دفنّاها بالبقيع.
غنى بعض أهل المدينة فطربوا لغنائه
أخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد بن إسحاق عن أبيه عن بعض أهل المدينة قال: خرج الغريض مع قوم فغنّاهم هذا الصوت:
__________
[1] في أغلب النسخ: «الصوري». وفيء، ط: «الصروي». وفي ح: «القروي» بالقاف، وكل ذلك محرف عن الفرويّ بالفاء وقد ورد كذلك في «المشتبه في أسماء الرجال» للذهبي ص 405 طبع أوروبا.
[2] أوقره: حمله.
[3] المشارب: جمع مشربة (بالكسر) وهي إناء يشرب به.
جرى ناصح بالودّ بيني وبينها ... فقرّ بني يوم الحصاب إلى قتلي
فاشتد سرور القوم، وكان معهم غلام أعجبه، فطلب إليهم أن يكلّموا الغلام في الخلوة معه ساعة ففعلوا، فانطلق مع الغلام حتّى توارى بصخرة، فلما قضى حاجته أقبل الغلام إلى القوم، وأقبل الغريض يتناول حجرا حجرا يقرع به الصخرة، ففعل ذلك مرارا، فقالوا له: ما هذا يا غريض؟ قال: كأنّي بها قد جاءت [1] يوم القيامة رافعة ذيلها تشهد علينا بما كان منّا إلى جانبها، فأردت أن أجرّح شهادتها عليّ ذلك اليوم.
نسبة هذا الصوت
صوت
جرى ناصح بالودّ بيني وبينها ... فقرّبني يوم الحصاب إلى قتلي
فقالت وأرخت جانب السّتر إنما ... معي فتحدّث غير ذي رقبة أهلي
فقلت لها ما بي لهم منه ترقّب ... ولكنّ سرّي ليس يحمله مثلي
عروضه من الطويل. الشعر لعمر بن أبي ربيعة. والغناء لابن سريج رمل بإطلاق الوتر مجرى البنصر عن إسحاق في الثلاثة الأبيات. وذكر يونس أن فيه لحنا لمالك، وفيه للغريض خفيف ثقيل أوّل بالوسطى عن حبش والهشاميّ وعليّ/ بن يحيى وحمّاد بن إسحاق. ولمعبد فيه ثقيل أوّل بالبنصر عن حبش. ولابن محرز ثاني ثقيل بالوسطى عنه.
كان عمر وجميل يتعارضان في قول الشعر
حدّثني عليّ بن صالح [2] بن الهيثم قال حدّثني أبو هفّان عن إسحاق بن إبراهيم عن المسيّبيّ والمدائنيّ وابن سلّام:
أنّ عمر بن أبي ربيعة كان يعارض جميلا، إذا قال هذا قصيدة قال هذا مثلها، فيقال: إنّ عمر في الرائيّة والعينيّة أشعر من جميل، وإنّ جميلا أشعر منه في اللاميّة. وقال/ الزّبير فيما أخبرني به الحرميّ بن أبي العلاء عنه:
من الناس من يفضّل قصيدة جميل اللاميّة على قصيدة عمر، وأنا لا أقول هذا، لأنّ قصيدة جميل مختلفة غير مؤتلفة، فيها طوالع النّجد وخوالد المهد، وقصيدة عمر بن أبي ربيعة ملساء المتون، مستوية الأبيات، آخذ بعضها بأذناب [3] بعض، ولو أنّ جميلا خاطب في قصيدته مخاطبة عمر لأرتج [4] عليه وعثر كلامه به.
أخبرني الحرميّ [5] قال حدّثنا الزّبير قال حدّثني محمد بن إسماعيل بن إبراهيم قال حدّثني شيخ من أهلي عن
__________
[1] كذا في ط. وفي سائر النسخ: «كأني بها قد جاءت به يوم القيامة الخ».
[2] كذا في ط. وفي سائر النسخ: «عن» وهو تحريف، إذ هو علي بن صالح بن الهيثم الملقب كيلجة، وقد ورد ذكره في الجزء الأول ص 120 من هذه الطبعة وكتبنا عنه كلمة في الحاشية رقم 1 من هذه الصفحة المذكورة.
[3] في ء: «بأذيال بعض».
[4] فيء، ط: «لأرتج عليه وعثر بكلامه وعثر كلامه به».
[5] كذا في ط. وفي سائر النسخ: «جدّي» ولم نعهد فيما تقدم لنا في رجال السند أن لأبي الفرج جدّا يروي عن الزبير بن بكار، وإنما الذي تكرر كثيرا إن الحرميّ بن أبي العلاء هو الذي يروي عنه.
أبي الحارث بن نابتة مولى هشام بن الوليد المخزوميّ وهو الذي يقول له عمر بن أبي ربيعة:
يا أبا الحارث قلبي طائر ... فاستمع [1] قول رشيد مؤتمن
/ قال: شهدت عمر بن أبي ربيعة وجميلا بالأبطح، فأنشد جميل قصيدته التي يقول فيها:
لقد فرح الواشون أن صرمت حبلي ... بثينة أو أبدت لنا جانب البخل
ثم قال: يا أبا الخطّاب، هل قلت في هذا الوزن شيئا؟ قال: نعم؛ فأنشده قوله:
جرى ناصح بالودّ بيني وبينها
فقال جميل: هيهات يا أبا الخطاب، واللّه لا أقول مثل هذا سجيس [2] الليالي، واللّه ما خاطب النساء مخاطبتك أحد! وقام مشمّرا.
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال:
رأيت علماءنا جميعا لا يشكّون في أنّ أحسن ما يروى في تعظيم [3] السرّ قول عمر:
ولكنّ سرّي ليس يحمله مثلي
قال الزبير: وحدّثني محمد بن إسماعيل قال حدّثني ابن أبي الزّناد قال: إنما اجتمع عمر بن أبي ربيعة وجميل بالجناب [4].
سمع الفرزدق شعر ابن أبي ربيعة فمدحه
أخبرني محمد بن أحمد الطّلّاس قال أخبرنا أحمد بن الحارث الخزّاز عن المدائنيّ:
أنّ الفرزدق سمع عمر بن أبي ربيعة ينشد هذه القصيدة، فلمّا بلغ إلى قوله:
فقمن وقد أفهمن ذا اللبّ أنما ... فعلن الذي يفعلن من ذاك من أجلي
صاح الفرزدق وقال: هذا واللّه الشعر الذي أرادته الشعراء فأخطأته وبكت الديار.
نسبة ما في قصيدة عمر وسائر هذه الأخبار من الأغاني سوى قصيدة جميل فإن لها أخبارا تذكر مع أخباره
فمن ذلك قصيدة عمر التي أوّلها:
جرى ناصح بالودّ بيني وبينها
__________
[1] في ط بعد ذكر البيت قوله: «الرواية فأتمر أمر رشيد» وهو الموافق لما في «ديوانه» ولما تقدّم في الجزء الأول من هذه الطبعة ص 114 و203
[2] يقال: لا أفعل ذلك سجيس الليالي أي لا أفعله أبدا.
[3] في ح وهامش ط: «في حفظ السر». وفي ء: «في تعظيم حفظ السر».
[4] الجناب: موضع بعراض خيبر وسلاح ووادي القرى، وقيل هو من منازل بني مازن. وقال نصر: الجناب: من ديار بني فزارة بين المدينة وفيد انظر «معجم ياقوت»).
صوت
قفي البغلة الشهباء باللّه سلّمي ... عزيزة [1] ذات الدّلّ والخلق الجزل
فلمّا تواقفنا عرفت الذي بها ... كمثل الذي بي حذوك النّعل بالنّعل
فقلن لها هذا عشاء وأهلنا ... قريب ألمّا تسأمي مركب البغل
عروضه من الطويل. الشعر لعمر بن أبي ربيعة. والغناء لمعبد في الأوّل والثاني ثقيل أوّل بالوسطى عن عمرو بن بانة وعليّ بن يحيى، وقيل إنه لمالك. ولابن محرز في الثاني والثالث خفيف ثقيل أوّل بالبنصر عن الهشاميّ.
ولابن سريج في الأوّل ثقيل والثاني خفيف آخر بالوسطى [2] وهو الذي فيه استهلال. ولمالك في الثاني والثالث ثاني ثقيل بالبنصر. ولإبراهيم فيهما [3] خفيف ثقيل بالسبابة في مجرى الوسطى عن ابن المكّيّ.
ومنها:
صوت
يا أبا الحارث قلبي طائر ... فاستمع [4] قول رشيد مؤتمن
ليس حبّ فوق ما أحببتكم ... غير أن أقتل نفسي أو أجن
حسن الوجه نقيّ لونه ... طيب النّشر لذيذ المحتضن
/ عروضه من الرّمل [5]. الشعر لعمر بن أبي ربيعة. والغناء لابن سريج ثاني ثقيل بالوسطى عن عمرو، وقيل: إنه لابن عائشة: وذكر ابن المكّيّ أنه للغريض في الثاني والثالث، وفيهما رمل يقال إنه لأهل مكة، ويقال: إنه لعبد اللّه بن يونس صاحب أيلة [6]. وفيه ثقيل أوّل ذكر حبش أنه لابن سريج، وذكر غيره [7] أنه لمحمد ابن السّنديّ المكّيّ، وأنه غنّاه بحضرة إسحاق فأخذه عنه.
أخبرني إسماعيل بن يونس قال حدثنا عمر بن شبّة قال حدّثنا أبو غسّان محمد بن يحيى قال:
كان ابن عائشة يغنّي الهزج والخفيف؛ فقيل له: إنك لا تستطيع أن تغنّي غناء شجيّا ثقيلا؛ فغنّى:
يا أبا الحارث قلبي طائر
__________
[1] في ح، ء، ط: «غريرة».
[2] كذا في ب، س. وفي ح: «في الأول والثاني خفيف ثقيل آخر بالوسطى». وفيء، أ، م: «في الأول والثاني خفيف آخر بالوسطى».
[3] في ط: «فيها».
[4] انظر الحاشية رقم 5 ص 370 من هذا الجزء.
[5] كذا في أ، م وهو الصواب. وفي سائر النسخ: «المديد» وهو خطأ.
[6] أيلة بالفتح: مدينة على ساحل بحر القلزم مما يلي الشام، وقيل: هي في أوّل الحجاز وآخر الشام. وقال أبو المنذر، سميت بأيلة بنت مدين بن إبراهيم عليه السّلام، وقد ورد هذا الاسم هكذا في جميع النسخ هنا، ولهذا نصحح ما ورد في الجزء الأول طبع الدار ص 158 فقد ورد هناك «الأبلي» نقلا عن النسخة التيمورية التي انفردت بذكر هذا العلم على نحو ما أثبت هناك.
[7] كذا في أغلب النسخ. وفي ط: «عمرو».
رجع الحديث إلى أخبار الغريض
قيل إنه كان يتلقى غناءه عن الجن
أخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد عن أبيه عن أيّوب بن عباية عن مولى لآل الغريض قال:
حدّثني بعض مولياتي وقد ذكرن الغريض فترحّمن عليه وقلن: جاءنا يوما يحدّثنا بحديث أنكرناه عليه ثم عرفنا بعد ذلك حقيقته، وكان من أحسن الناس وجها/ صغيرا وكبيرا، وكنّا نلقى من الناس عنتا بسببه، وكان ابن سريج في جوارنا فدفعناه إليه فلقن الغناء، وكان من أحسن الناس صوتا ففتن أهل مكة بحسن وجهه مع حسن صوته، فلمّا رأى ذلك ابن سريج نحّاه عنه، وكانت بعض مولياته تعلّمه النيّاحة فبرّز فيها، فجاءني يوما فقال: نهتني الجنّ أن أنوح وأسمعتني صوتا عجيبا فقد ابتنيت عليه لحنا فاسمعيه منّي، واندفع فغنّى بصوت عجيب في شعر المرّار الأسدي [1].
حلفت لها باللّه ما بين ذي الغضا ... وهضب القنان [2] من عيان ولا بكر [3]
أحبّ إلينا منك دلّا وما نرى ... به عند ليلى من ثواب ولا أجر
فكذّبناه وقلنا: شيء فكّر فيه وأخرجه على هذا اللحن [4]، فكان في كل يوم يأتينا فيقول: سمعت البارحة صوتا من الجنّ بترجيع وتقطيع قد بنيت عليه صوت كذا وكذا بشعر فلان، فلم يزل على ذلك ونحن ننكر عليه؛ فإنّا لكذلك ليلة وقد اجتمع/ جماعة من نساء مكة في جمع لنا سهرنا [5] فيه ليلتنا والغريض يغنّينا بشعر عمر بن أبي ربيعة:
أمن آل زينب جدّ البكور ... نعم فلأيّ هواها تصير
إذ سمعنا في بعض الليل عزيفا عجيبا وأصواتا مختلفة ذعرتنا وأفزعتنا، فقال لنا الغريض: إن في هذه الأصوات صوتا إذا نمت سمعته، وأصبح فأبني عليه غنائي، فأصغينا إليه فإذا نغمته نغمة الغريض بعينها فصدّقناه تلك الليلة.
__________
[1] هو المرار بن سعيد بن حبيب بن خالد بن فضلة بن الأشتر بن جحوان (بتقديم الجيم المفتوحة على الحاء المهملة الساكنة) بن فقعس بن طريف بن عمرو بن معين بن الحارث بن تغلب بن دودان بن أسد بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن نضر بن نزار. والمرار (بفتح الميم وتشديد الراء المهملة) ينسب تارة إلى فقعس وهو أحد آبائه الأقربين وتارة إلى أسد بن خزيمة بن مدركة وهو جدّه الأعلى، وله ترجمة في الجزء التاسع من «الأغاني» طبع بولاق ص 158 وفي «خزانة الأدب» للبغداديّ ج 2 ص 196؛ والمرارون (كما في «القاموس» و«شرحه» مادة مرر سنة): المرار الكلبي، والمرار بن سعيد الفقعسي (و هو هذا) والمرار بن منقذ التميمي، والمرار بن سلامة العجلي، والمرار بن بشير الشيباني، والمرار بن معاذ الحرشي وكلهم شعراء. ثم ذكر أسماء أخرى لمرارين آخرين كلهم شعراء.
[2] كذا في ح، ء. والقنان: جبل لبني أسد فيه ماء يدعى العسيلة. وفي باقي النسخ: «القيان» بالياء. ولم نجد هذا الاسم في أسماء المواضع.
[3] كذا في ح ها هنا، وهكذا إيضا وردت في أ، م فيما سيأتي عند إعادتها لبيان نسبة ما فيها من الغناء. وفي باقي الأصول: «و من بكر».
[4] في ح: «الحسن». وفي أ، م: «الجنس».
[5] في هامش ط وفي «نهاية الأرب» (ج 3 ص 286): «سمرنا».
نسبة ما في هذا الخبر من الغناء
صوت
حلفت لها ............... ... البيتان [1] عروضه من الطويل. غنّاه الغريض ولحنه من الثقيل الأوّل بالوسطى عن حبش. قال: ولعلّويه فيه ثقيل أوّل آخر بالبنصر ومنها:
صوت
أمن آل زينب جدّ البكور ... نعم فلأيّ هواها تصير
أبالغور [2] أم أنجدت دارها ... وكانت حديثا [3] بعهدي تغور
نظرت بخيف منى نظرة ... إليها فكاد فؤادي يطير
هي الشمس تسري بها بغلة [3] ... وما خلت شمسا بليل تسير
أ لم تر أنك مستشرف ... وأنّ عدوّك حولي حضور [4]
/عروضه من المتقارب. الشعر للنّميريّ، وقيل: إنه ليزيد بن معاوية. والغناء لسياط خفيف ثقيل أوّل بالوسطى عن عمرو. ولابن سريج فيه خفيف ثقيل بالوسطى، أوّله:
هي الشمس تسري بها بغلة
وفيه للغريض ثاني ثقيل بالبنصر عن الهشاميّ وحمّاد، وذكر غير هما أنه لابن جامع. وذكر حبش أن [5] فيها لابن محرز ثقيلا أوّل بالبنصر.
أرسله ابن أبي ربيعة إلى سكينة فغناها ونسوة معها بشعره
أخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد عن أبيه قال قال أبو عبد اللّه مصعب الزّبيريّ:
اجتمع نسوة فذكرن عمر بن أبي ربيعة وشعره وظرفه وحسن مجلسه وحديثه وتشوّقن إليه وتمنّينه؛ فقالت سكينة: أنا لكنّ به، فبعثت إليه رسولا ووعدته الصّورين [6] لليلة سمّتها، فوافاها على رواحله ومعه الغريض، فحدّثهنّ حتى وافى الفجر وحان انصرافهنّ، فقال لهنّ: إني واللّه لمشتاق إلى زيارة قبر النبيّ صلى اللّه عليه وآله وسلّم والصلاة في مسجده، ولكن لا أخلط بزيارتكنّ شيئا [7]، ثم انصرف إلى مكة وقال:
__________
[1] كذا في ب، س، ء، ط. وفي بقية الأصول: ذكر البيتين كاملين.
[2] في «ديوانه» طبع ليبسج ص 19: «أللغور ...... قديما».
[3] في «ديوانه»: «على بغلة».
[4] في ديوانه: «مستشهد ...... كثير».
[5] كذا في أغلب الأصول. وفي ط: «فيهما» أي البيتين اللذين إوّلهما «هي الشمس ... ».
[6] الصوران: موضع بالمدينة بالبقيع.
[7] كذا في أغلب الأصول. وفي ط: «زيارتكن بشي ء».
ألمم بزينب إنّ البين قد أفدا [1] ... قلّ الثّواء لئن كان الرحيل غدا
قال: وانصرف عمر بالغريض معه، فلما كان بمكة قال عمر: يا غريض، إني أريد أن أخبرك بشيء يتعجّل لك نفعه ويبقى لك ذكره، فهل لك فيه؟ قال: افعل من ذلك ما شئت وما أنت أهله، قال: إني قد قلت في هذه الليلة التي كنّا فيها شعرا فامض به إلى النّسوة فأنشدهنّ ذلك وأخبرهنّ أني وجّهت بك فيه قاصدا [2]؛/قال: نعم، فحمل الغريض الشعر ورجع إلى المدينة فقصد سكينة وقال لها: جعلت فداك يا سيّدتي ومولاتي، إن أبا الخطّاب - أبقاه اللّه - وجّهني إليك قاصدا، قالت: أو ليس في خير وسرور تركته؟ قال: نعم؛ قالت: وفيم وجّهك أبو الخطّاب حفظه اللّه؟ قال: جعلت فداك، إن ابن أبي ربيعة حمّلني شعرا وأمرني أن أنشدك إياه؛ قالت: فهاته، قال فأنشدها:
ألمم بزينب إن البين قد أفدا ... قلّ الثّواء لئن كان الرحيل غدا
الشعر كلّه، قالت: فيا ويحه! فما كان عليه ألّا يرحل في غده! فوجّهت إلى النّسوة فجمعتهنّ وأنشدتهنّ الشعر، وقالت للغريض: هل عملت فيه شيئا؟ قال: قد غنّيته ابن أبي ربيعة؛ قالت:/ فهاته، فغنّاه الغريض؛ فقالت سكينة: أحسنت واللّه وأحسن ابن أبي ربيعة، لو لا أنّك سبقت فغنّيته عمر قبلنا لأحسنّا جائزتك، يا بنانة، أعطيه بكلّ بيت ألف درهم، فأخرجت إليه بنانة أربعة آلاف درهم فدفعتها إليه وقالت سكينة: لو زادنا عمر لزدناك.
نسبة هذا الغناء
صوت
ألمم بزينب إنّ البين قد أفدا ... قلّ الثّواء لئن كان الرّحيل غدا
قد حلفت ليلة الصّورين جاهدة ... وما على الحرّ [3] إلا الصّبر مجتهدا
لأختها ولأخرى من مناصفها [4] ... لقد وجدت به فوق الذي وجدا
لعمرها ما أراني إن نوى [5] نزحت ... وهكذا الحبّ إلا ميّتا كمدا
/ عروضه من البسيط. الشعر لعمر بن أبي ربيعة. والغناء لابن سريج، وله فيه لحنان: أحدهما رمل بالسّبابة في مجرى البنصر عن إسحاق، والآخر خفيف رمل بالوسطى عن عمرو. وفيه لحن للغريض خفيف ثقيل بالبنصر عن الهشاميّ وحمّاد، وذكر عمرو: أنّه لمالك، أوّله الرابع ثم الأوّل، ومن الناس من ينسب هذا إلى معبد، وأوّله:
يا أمّ طلحة إن البين قد أفدا
__________
[1] أفد كفرح: دنا وحضر.
[2] في ط: «عامدا».
[3] في الجزء الأوّل من هذه الطبعة ص 105: «و ما على المرء إلا الحلف ... ».
[4] المناصف: جمع منصف (كمنبر ومقعد) وهو الخادم، والأنثى بالهاء.
[5] النوى هنا: الدار وهي مؤنثة. ونزحت: بعدت.
وذلك خطأ، اللحن الذي عمله معبد غير هذا هو:
صوت
يا أمّ طلحة إنّ البين قد أفدا ... قلّ الثّواء لئن كان الرحيل غدا
أمسى العراقيّ لا يدري إذا برزت ... من ذا تطوّف بالأركان أو سجدا
عروضه من البسيط. الشعر للأحوص، ويقال: إنه لعمر أيضا. والغناء لمعبد، ولحنه من الثقيل الأوّل بالبنصر عن عمرو والهشاميّ.
غنّى عائشة بنت طلحة فأجزلت صلته
أخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد عن أبيه عن محمد بن سلّام قال:
حجّت عائشة بنت طلحة بن عبيد اللّه فجاءتها الثّريّا وأخواتها ونساء أهل مكّة القرشيّات وغيرهنّ، وكان الغريض فيمن جاء، فدخل النّسوة عليها فأمرت لهنّ بكسوة وألطاف [1] كانت قد أعدّتها لمن يجيئها، فجعلت تخرج كلّ واحدة ومعها جاريتها ومعها ما أمرت لها به عائشة والغريض بالباب حتى خرج مولياته مع جواريهنّ الخلع والألطاف؛ فقال الغريض: فأين نصيبي من عائشة؟ فقلن له: أغفلناك/ وذهبت عن قلوبنا؛ فقال: ما أنا ببارح من بابها أو آخذ بحظّي منها فإنها كريمة بنت كرام، واندفع يغنّي بشعر جميل:
تذكّرت ليلى فالفؤاد عميد ... وشطّت نواها فالمزار بعيد
فقالت: ويلكم! هذا مولى العبلات بالباب يذكّر بنفسه هاتوه، فدخل، فلما رأته ضحكت وقالت: لم أعلم بمكانك، ثم دعت له بأشياء أمرت له بها، ثم قالت له: إن أنت غنّيتني صوتا في نفسي فلك كذا وكذا (شيء [2] سمّته له ذهب عن ابن سلّام) قال: فغنّاها في شعر كثيّر:
وما زلت من ليلى لدن طرّ شارب [3] ... إلى اليوم أخفي حبّها وأداجن
/ وأحمل في ليلى لقوم ضغينة ... وتحمل في ليلى عليّ الضغائن
فقالت له: ما عدوت ما في نفسي، ووصلته فأجزلت. قال إسحاق: فقلت لأبي عبد اللّه: وهل علمت حديث هذين البيتين؟ ولم سألت الغريض ذلك؟ قال: نعم.
الشعبيّ عند مصعب بن الزبير وزوجه عائشة
حدّثني أبي قال قال الشّعبيّ: دخلت المسجد فإذا أنا بمصعب بن الزّبير على سرير جالس والناس عنده، فسلّمت ثم ذهبت لأنصرف، فقال لي: ادن، فدنوت حتى وضعت يدي على مرافقه [4]، ثم قال: إذا قمت فاتّبعني، فجلس قليلا ثم نهض فتوجّه نحو دار موسى بن طلحة فتبعته، فلما طعن في الدار التفت إليّ فقال: ادخل، فدخلت
__________
[1] الألطاف: جمع لطف (بالتحريك) وهو من طرف التحف ما ألطفت به أخاك ليعرف به برك.
[2] في أ، م، ء، ط: «لشي ء».
[3] طرّ شارب الغلام من باب نصر فهو طارّ: طلع ونبت.
[4] جمع مرفق أو مرفقة وهي المخدة.
معه ومضى نحو حجرته وتبعته، فالتفت إليّ فقال: ادخل، فدخلت معه،/ فإذا حجلة [1]، وإنها لأوّل حجلة رأيتها لأمير [2]، فقمت ودخل الحجلة فسمعت حركة، فكرهت الجلوس ولم يأمرني بالانصراف، فإذا جارية قد خرجت فقالت: يا شعبيّ، إنّ الأمير يأمرك أن تجلس، فجلست على وسادة ورفع سجف الحجلة، فإذا أنا بمصعب بن الزّبير، ورفع السجف الآخر فإذا أنا بعائشة بنت طلحة، قال: فلم أر زوجا قطّ كان أجمل منهما: مصعب وعائشة، فقال مصعب: يا شعبيّ، هل تعرف هذه؟ فقلت: نعم أصلح اللّه الأمير، قال: ومن هي؟ قلت: سيدة نساء المسلمين عائشة بنت طلحة؛ قال: لا، ولكن هذه ليلى التي يقول فيها الشاعر:
وما زلت من ليلى لدن طرّ شاربي
وذكر البيتين. ثم قال: إذا شئت فقم، فقمت. فلما كان العشيّ رحت وإذا هو جالس على سريره في المسجد فسلّمت، فلما رآني قال لي: ادن، فدنوت حتى وضعت يدي على مرافقه، فأصغى [3] إليّ فقال: هل رأيت مثل ذلك لإنسان [4] قطّ؟ قلت: لا واللّه؛ قال: أفتدري لم أدخلناك؟ قلت: لا، قال: لتحدّث بما رأيت. ثم التفت إلى عبد اللّه بن أبي فروة فقال: أعطه عشرة آلاف درهم وثلاثين ثوبا، فما انصرف يومئذ أحد بمثل ما انصرفت به، بعشرة آلاف درهم وبمثل كارة [5] القصّار ثيابا وبنظرة من عائشة بنت طلحة.
عائشة بنت طلحة وأزواجها
قال: وكانت عائشة عند عبد اللّه بن عبد الرحمن بن أبي بكر وكان أبا عذرتها [6] ثم هلك، فتزوّجها مصعب فقتل عنها، ثم تزوّجها عمر/ بن عبيد اللّه بن معمر فبنى بالحيرة، ومهّدت له يوم عرسه فرش لم ير مثلها: سبع أذرع في عرض أربع، فانصرف تلك الليلة عن سبع مرّات؛ فلقيته مولاة لها حين أصبح فقالت: يا أبا حفص، كملت في كل شيء حتى في هذا. فلما مات ناحت عليه وهي قائمة، ولم تنح على أحد منهم قائمة - وكانت العرب إذا ناحت المرأة قائمة على زوجها علم أنّها لا تريد أن تتزوّج بعده - فقيل لها: يا عائشة، ما صنعت هذا بأحد من أزواجك! قالت: إنّه كان فيه خلال [7] ثلاث لم تكن في أحد منهم: كان سيّد بني تيم، وكان أقرب القوم بي قرابة، وأردت ألّا أتزوّج بعده!!.
وأخبرني بخبر مصعب والشّعبيّ وعائشة أحمد بن عبيد اللّه بن عمّار قال حدّثنا سليمان بن أبي شيخ قال أخبرنا محمد بن الحكم عن عوانة قال:
خرج مصعب بن الزّبير من دار الإمارة يريد دار موسى بن طلحة، فمرّ بالمسجد فأخذ بيد الشّعبيّ. ثم ذكر
__________
[1] الحجلة (بالتحريك): مثل القبة، وحجلة العروس: بيت يزين بالثياب والأسرة والستور.
[2] ولاه أخوه عبد اللّه العراقين فتولاهما حتى سار إليه عبد الملك بن مروان ووجه أخاه محمد بن مروان على مقدّمته فلقيه مصعب فقاتله حتى قتل.
[3] أصغى: أمال رأسه.
[4] في ط: «ذلك الانسان».
[5] الكارة من الثياب: ما يجمع ويشدّ، وكارة القصار سميت بذلك لأنه يكور ثيابه في ثوب واحد ويحملها فيكون بعضها فوق بعض.
[6] العذرة (بالضم): البكارة، يريد أنه أوّل من تزوّجها.
[7] في ح: «خصال».
باقي الحديث مثله، ولم يذكر شيئا من حديث المغنّين. قال ابن عمّار: وأخبرني به داود بن جميل بن [1] محمد بن جميل الكاتب عن ابن الأعرابيّ: قال ابن/ عمّار وأخبرني به أحمد بن الحارث الخزاز عن المدائنيّ أنّ الشّعبيّ قال:
دخلت المسجد وفيه مصعب بن الزبير فاستدناني فدنوت حتى وضعت يدي على مرافقه [2]، فأصغى إليّ وقال: إذا قمت فاتّبعني. ثم ذكر باقي الحديث أيضا مثل الذي تقدّمه.
نسبة هذا الصوت
صوت
وما زلت من [3] ليلى لدن طرّ شاربي ... إلى اليوم أخفي حبّها وأداجن
وأحمل في ليلى ضغائن معشر [4] ... وتحمل في ليلى عليّ الضغائن
عروضه من الطويل. والشعر لكثيّر بن عبد الرحمن. والغناء لمعبد ثقيل أوّل بالبنصر عن حبش. وفيه لحن للغريض.
كان الغريض إذا غنى بشعر لكثير قال أنا سريجيّ
أخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد عن أبيه قال:
كان الغريض إذا غنّى بيتين لكثيرّ قال: أنا السّريجيّ حقّا، ولم يكن يقول ذلك في شيء من غنائه وكان من جيّد غنائه.
قدم يزيد بن عبد الملك مكة فغناه الغريض
وقدم يزيد بن عبد الملك مكّة فبعث إلى الغريض سرّا فأتاه فغناه بهذا اللحن [و هو فيهما] [5]:
وإنّي لأرعى قومها من جلالها ... وإن أظهروا غشا نصحت لهم جهدي
ولو حاربوا قومي لكنت لقومها ... صديقا ولم أحمل على قومها حقدي
فأشير إلى الغريض أن اسكت؛ وفطن يزيد فقال: دعوا أبا يزيد حتى يغنّيني بما يريد، فأعاد عليه الصوت مرارا، ثمّ قال: زدني ممّا عندك فغنّاه بشعر عمرو [6] بن شأس الأسديّ:
فواندمي على الشباب وواندم ... ندمت وبان اليوم منّي بغير ذم
__________
[1] كذا في جميع الأصول. ويترجح لدينا أن كلمة «بن» ها هنا محرفة عن كلمة «عن» وقد ورد الاسمان في كتب «الأنساب» و «التاريخ متفرقين» من غير هذه الإضافة مما جعلنا نرجح أن كليهما من رجال الرواية، وقد ورد «داود بن جميل» في «تهذيب التهذيب» وضبطه في الهامش بفتح الجيم وكسر الميم نقلا عن «المغني» المطبوع بهامش «تقريب التهذيب» وبهذا الضبط أيضا ورد في ط في الموضعين هنا. وورد ذكر «محمد بن جميل الكاتب» في «الطبريّ» قسم ثالث ص 433 وضبطه بالقلم بضم الجيم وفتح الميم.
[2] كذا في أ، م وهو الموافق لما تقدم. وفي: ط، ء: «على مرفقه» وفي باقي النسخ: «مرفقيه».
[3] في ح: «و ما زلت في ليلى».
[4] في ط: «و أحمل في ليلى لقوم ضغينة».
[5] الزيادة عن أ، م، ء، ط.
[6] ستأتي ترجمته في هذا الكتاب في ج 10 ص 63 طبع بولاق، وله ترجمة في «الشعر والشعراء» لابن قتيبة ص 254
أرادت عرارا [1]
بالهوان ومن يرد ... عرارا لعمري بالهوان فقد ظلم
/ قال: فطرب يزيد وأمر له بجائزة سنيّة. قال إسحاق: فحدّثت أبا عبد اللّه هذا الحديث. وقد أخذنا في أحاديث الخلفاء ومن كان منهم يسمع الغناء أيضا، فقال أبو عبد اللّه: كان قدوم يزيد مكّة وبعثته إلى الغريض سرّا قبل أن يستخلف، فقلت له: فلم أشير إلى الغريض أن يسكت حين غنّاه بشعر كثيرّ:
وإني لأرعى قومها من جلالها
وما السّبب في ذلك؟ فقال أبو عبد اللّه: أنا أحدّثكه:
غضب عاتكة على زوجها عبد الملك بن مروان واحتيال عمر بن بلال على الصلح بينهما
حدّثني أبيّ قال: كان عبد الملك بن مروان من أشدّ الناس حبّا لعاتكة امرأته، وهي ابنة يزيد بن معاوية وأمّها أمّ كلثوم بنت عبد اللّه بن عامر بن كريز، وهي أمّ يزيد بن عبد الملك، فغضبت مرّة على عبد الملك، وكان بينهما باب فحجبته وأغلقت ذلك الباب، فشقّ غضبها على عبد الملك وشكا إلى رجل من خاصّته يقال له: عمر بن بلال الأسديّ، فقال له: ما لي عندك إن رضيت؟ قال: حكمك. فأتى عمر بابها وجعل يتباكى، وأرسل إليها بالسلام، فخرجت إليه حاضنتها ومواليها وجواريها فقلن: مالك؟ قال: فزعت إلى عاتكة ورجوتها، فقد علمت مكاني من أمير المؤمنين معاوية ومن أبيها بعده، قلن: ومالك؟ قال: ابناي لم يكن لي غير هما فقتل أحد هما صاحبه، فقال أمير المؤمنين: أنا قاتل الآخر به، فقلت: أنا الوليّ وقد عفوت؛ قال: لا أعوّد الناس هذه العادة، فرجوت أن ينجي [2] اللّه ابني هذا على يدها؛ فدخلن عليها فذكرن ذلك لها؛ فقالت: وكيف أصنع مع [3] غضبي/ عليه وما أظهرت له؟ قلن إذا واللّه يقتل، فلم يزلن حتى دعت بثيابها فأجمرتها [4] ثم خرجت نحو الباب، فأقبل/ حديج [5] الخصيّ قال أمير المؤمنين: هذه عاتكة قد أقبلت؛ قال: ويلك! ما تقول؟ قال: قد واللّه طلعت! فأقبلت وسلّمت فلم يردّ [عليها] [6]، فقالت: أما واللّه لو لا عمر ما جئت، إنّ أحد ابنيه تعدّى على الآخر فقتله فأردت قتل الآخر وهو الوليّ وقد عفا؛ قال: إني أكره أن أعوّد الناس هذه العادة؛ قالت: أنشدك اللّه يا أمير المؤمنين، فقد عرفت مكانه من أمير المؤمنين [7] معاوية ومن أمير المؤمنين يزيد، وهو ببابي؛ فلم تزل به حتى أخذت برجله فقبّلتها؛ فقال: هو لك، ولم يبرحا حتى اصطلحا؛ ثم راح عمر بن بلال إلى عبد الملك فقال: يا أمير المؤمنين، كيف رأيت؟ قال: رأينا أثرك، فهات حاجتك؛ قال: مزرعة بعدّتها وما فيها، وألف دينار وفرائض لولدي وأهل بيتي وعيالي؛ قال: ذلك لك. ثم اندفع عبد الملك يتمثّل بشعر كثيرّ:
وإني لأرعى قومها من جلالها
__________
[1] هو عرار بن عمرو بن شأس وضبط بالقلم في «اللسان» مادة «عرر» بفتح العين. وضبط في «ديوان الحماسة شرح التبريزي» طبع أوروبا ص 139 و140 «و الشعر والشعراء» ص 254 بالقلم أيضا بكسر العين. ولم نعثر على نص خاص في ضبط هذا الاسم.
[2] في ح: «أن ليحيى».
[3] كذا في أ، م، ح. وفي باقي النسخ: «من».
[4] أجمرتها: بخرتها.
[5] كذا في أغلب النسخ. وفي أ، م: «خديج» بالخاء والياء والجيم.
[6] الزيادة عن أ، م.
[7] في ط: «فقد عرفت مكانه كان من أمير المؤمنين» وكتب فوق كان كلمة صح.
البيتين؛ فعلمت عاتكة ما أراد. فلما غنّي يزيد بهذا الشعر كرهته مواليه إذ كان عبد الملك تمثّل به في أمّه، ولم يكرهه يزيد وقال: لو قيل هذا الشعر فيها ثمّ غنّي به لما كان عيبا، فكيف وإنما هو مثل تمثّل به أمير المؤمنين في أجمل العالمين!
حمل عرار بن عمرو بن شأس رأس ابن الأشعث إلى عبد الملك وإعجاب عبد الملك ببيانه
قال أبو عبد اللّه: وأما خبره لما غنّى بشعر عمرو بن شأس فإن ابن الأشعث لما قتل بعث الحجاج إلى عبد الملك برأسه مع عرار بن عمرو بن شأس، فلما ورد به وأوصل كتاب الحجّاج جعل عبد الملك يقرؤه، فكلما شكّ في شيء سأل عرارا عنه فأخبره، فعجب عبد الملك من بيانه وفصاحته من سواده، فقال متمثّلا:
وإنّ عرارا إن يكن غير واضح ... فإنّي أحبّ الجون ذا المنكب العمم [1]
/فضحك عرار من قوله ضحكا غاظ عبد الملك؛ فقال له: ممّ ضحكت ويلك [2]! قال: أتعرف عرارا يا أمير المؤمنين الذي قيل فيه هذا الشعر؟ قال: لا؛ قال: فأنا واللّه هو؛ فضحك عبد الملك وقال: حظّ وافق كلمة، ثم أحسن جائزته وسرّحه.
قال أبو عبد اللّه: وإنما أراد الغريض أن يغنّي يزيد بمتمثّلات عبد الملك في الأمور العظام، فلما تبيّن كراهة مواليه غناءه فيما تمثّل به في عاتكة أراد أن يعقبه ما تمثّل به في فتح عظيم كان لعبد الملك، فغنّاه بشعر عمرو بن شأس في عرار.
نسبة ما في هذا الخبر من الغناء
صوت
وإنّى لأرعى قومها من جلالها ... وإن أظهروا غشّا نصحت لهم جهدي
ولو حاربوا قومي لكنت لقومها ... صديقا ولم أحمل على قومها حقدي
عروضه من الطويل. الشعر لكثيّر. والغناء للغريض ثاني ثقيل بالسّبابة في مجرى البنصر عن إسحاق. وذكر حبش أن فيه لقفا [3] النّجار ثاني ثقيل بالوسطى، وفيه لعلّويه ثقيل أوّل.
خرج إليه معبد بمكة وسمع غناءه
وأخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد عن أبيه قال حدّثني إبراهيم عن يونس الكاتب قال حدّثني معبد قال:
خرجت إلى مكة في طلب لقاء الغريض وقد بلغني حسن غنائه في لحنه:
وما أنس الأشياء لا أنس شادنا ... بمكّة مكحولا أسيلا مدامعه
/ وقد كان بلغني أنه أوّل لحن صنعه وأن الجنّ نهته أن يغنّيه لأنه فتن طائفة منهم، فانتقلوا عن مكّة من أجل
__________
[1] يقال: رجل عمم، أي خير يعم بخيره وعقله. وقال في «اللسان» مادة «عمم»: «و منكب عمم: طويل» ثم ساق بيت عمرو بن شأس وهو: «فإن عرارا ... الخ».
[2] في ط: «و يحك».
[3] انظر حاشية 4 من صفحة 107 من الجزء الأوّل من هذه الطبعة.
حسنه، فلما قدمت مكّة سألت عنه فدللت على منزله، فأتيته فقرعت الباب فما كلّمني أحد، فسألت بعض الجيران فقلت: هل في الدار أحد؟ قالوا [1] لي: نعم، فيها الغريض، فقلت: إنّي قد أكثرت دقّ الباب، فما أجابني أحد! قالوا: إن الغريض هناك، فرجعت فدققت الباب فلم يجبني أحد، فقلت: إن نفعني غنائي يوما نفعني اليوم، فاندفعت فغنّيت لحني في شعر جميل:
علقت الهوى منها وليدا فلم يزل ... إلى اليوم ينمي ويزيد
فو اللّه ما سمعت حركة الباب، فقلت: بطل سحري [2] وضاع سفري وجئت أطلب ما هو عسير عليّ، واحتقرت نفسي وقلت: لم يتوهّمني [3] لضعف غنائي عنده، فما شعرت إلا بصائح يصيح: يا معبد المغنّي، افهم وتلق عني شعر جميل الذي تغنّي فيه يا شقيّ البخت، وغنّى:
صوت للغريض ولم تذكر طريقته
وما أنس من الأشياء لا أنس قولها ... وقد قرّبت نضوي [4] أمصر تريد
ولا قولها لو لا العيون التي ترى ... أتيتك فاعذرني فدتك جدود
خليليّ ما أخفي من الوجد باطن [5] ... ودمعي بما قلت الغداة شهيد
/ يقولون جاهد يا جميل بغزوة ... وأيّ جهاد غير هن أريد
لكلّ حديث عندهنّ [6] بشاشة ... وكلّ قتيل بينهنّ شهيد
عروضه من الطويل. قال: فلقد سمعت شيئا لم أسمع أحسن منه، وقصّر [7] إليّ نفسي وعلمت فضيلته عليّ بما أحسّ من نفسه، وقلت: إنه لحريّ بالاستتار من الناس تنزيها لنفسه وتعظيما لقدره، وإنّ مثله لا يستحقّ الابتذال، ولا أن تتداوله الرجال، فأردت الانصراف إلى المدينة راجعا، فلما كنت غير بعيد إذا بصائح يصيح بي: يا معبد، انتظر [8] أكلّمك، فرجعت، فقال لي: إن الغريض يدعوك؛ فأسرعت فرحا فدنوت من الباب؛ فقال لي: أتحبّ الدخول؟ فقلت: وهل إلى ذلك من سبيل؟ فقرع الباب ففتح، فقال لي: ادخل ولا تطل الجلوس؛ فدخلت فإذا شمس طالعة في بيت، فسلّمت فردّ السلام، ثم قال: اجلس فجلست، فإذا أنبل الناس وأحسنهم وجها وخلقا وخلقا، فقال: يا معبد، كيف طرأت [9] إلى مكّة؟ فقلت: جعلت فداءك! وكيف عرفتني؟ فقال: بصوتك؛
__________
[1] كذا في أ، م. وفي سائر النسخ: «فقال».
[2] بطل سحري: ضاعت حيلتي وخاب مكري.
[3] أي لم يتبيني ولم يعرفني.
[4] النضو: المهزول من الإبل وغيرها.
[5] رواية «الأمالي» (ج 2 ص 299 طبعة دار الكتب) «ظاهر».
[6] في أ، م، ء: «بينهن».
[7] أي صغرها في عيني.
[8] كذا في ح. وفي سائر النسخ: «انظر» وهي بمعناها.
[9] أي كيف أقبلت فجأة إلى مكة.
فقلت: وكيف وأنت لم تسمعه قط! قال: لمّا غنّيت عرفتك به وقلت: إن كان معبد في الدنيا فهذا؛ فقلت: جعلت فداءك، فكيف أجبتني بقولك:
وما أنس م الأشياء لا أنس قولها ... وقد قرّبت نضوي أمصر تريد
فقال: قد علمت أنك تريد أن أسمعك صوتي:
وما أنس م الأشياء لا أنس شادنا ... بمكّة مكحولا أسيلا مدامعه
ولم يكن إلى ذلك سبيل لأنّه صوت قد نهيت أن أغنّيه فغنّيتك هذا الصوت جوابا لما/ سألت وغنّيت، فقلت: واللّه ما عدوت وما أردت، فهل لك حاجة؟
/ فقال لي: يا أبا عبّاد، لو لا ملالة الحديث وثقل إطالة الجلوس لاستكثرت منك، فاعذر؛ فخرجت من عنده، وإنّه لأجلّ الناس عندي، ورجعت إلى المدينة فتحدّثت بحديثه وعجبت من فطنته وقيافته، فما رأيت إنسانا إلّا وهو أجلّ منه في عيني [1].
خبر جميل وبثينة وتوسيطه رجلا من بني حنظلة في لقائها
وذكرت جميلا وبثينة فقلت: ليتني عرفت إنسانا يحدّثني بقصّة جميل وخبر الشعر فأكون قد أخذت بفضيلة الأمر كلّه في الغناء والشعر. فسألت عن ذلك فإذا الحديث مشهور، وقيل لي: إن أردت أن تخبّر بمشاهدته فأت بني حنظلة، فإن فيهم شيخا منهم يقال له فلان يخبّرك الخبر؛ فأتيت الشيخ فسألته فقال: نعم، بينا أنا في إبلي في الربيع إذا أنا برجل منطو على رحله كأنّه جانّ فسلّم عليّ ثم قال: ممن أنت يا عبد اللّه؟ فقلت: أحد بني حنظلة؛ قال: فانتسب [2]، فانتسبت حتى بلغت إلى فخذي الذي أنا منه؛ ثم سألني عن بني عذرة أين نزلوا؛ فقلت له: هل ترى ذلك السّفح؟ فإنهم نزلوا من ورائه؛ قال: يا أخا بني حنظلة، هل لك في خير [3] تصطنعه إليّ؟ فو اللّه لو أعطيتني ما أصبحت تسوق من هذه الإبل ما كنت بأشكر منّي لك عليه؛ فقلت نعم، ومن أنت أوّلا؟
قال: لا تسألني من أنا ولا أخبرك غير أني رجل بيني وبين هؤلاء القوم ما يكون بين بني العم، فإن رأيت أن تأتيهم فإنّك تجد القوم في مجلسهم فتنشدهم [4] بكرة أدماء تجرّ خفّيها غفلا [5] من السّمة، فإن ذكروا لك شيئا فذاك، وإلا استأذنتهم في البيوت وقلت: إن المرأة والصبيّ قد يريان ما لا يرى الرجال، فتنشدهم ولا تدع أحدا تصيبه عينك ولا بيتا/ من بيوتهم إلّا نشدتها فيه؛ فأتيت القوم فإذا هم على جزور يقتسمونها، فسلّمت وانتسبت لهم ونشدتهم ضالّتي، فلم يذكروا لي شيئا؛ فاستأذنتهم في البيوت وقلت: إنّ الصبيّ والمرأة يريان ما لا ترى الرجال، فأذنوا؛ فأتيت أقصاها بيتا ثم استقريتها بيتا بيتا أنشدهم فلا يذكرون شيئا، حتى إذا انتصف النهار وآذاني حرّ الشمس وعطشت وفرغت من البيوت وذهبت لأنصرف حانت منّي التفاتة فإذا بثلاثة أبيات، فقلت: ما عند هؤلاء إلا ما عند
__________
[1] في ط: «في نفسي».
[2] في ط: «فنسبني فانتسبت» ونسبني: سألني أن أنتسب.
[3] في ح، أ، م: «معروف».
[4] تنشدهم بكرة: تناديهم وتسألهم عنها والبكرة: الفتية من الإبل، والأدماء: وصف من الأدمة، والأدمة في الناس: السمرة وفي الإبل والظباء: البياض. قال الأصمعي: الآدم من الإبل: الأبيض فإن خالطته حمرة فهو أصهب فإن خالطت الحمرة صفاء فهو المدمي.
[5] في ب: «عفلاء» وهو تحريف.
غيرهم، ثم قلت لنفسي: سوءة! وثق بي رجل وزعم أن حاجته تعدل مالي ثم آتيه فأقول: عجزت عن ثلاثة أبيات! فانصرفت عامدا إلى أعظمها بيتا، فإذا هو قد أرخي مؤخّرة ومقدّمه، فسلّمت فردّ عليّ السلام، وذكرت ضالّتي، فقالت جارية منهم: يا عبد اللّه، قد أصبت ضالّتك وما أظنّك إلّا قد أشتدّ عليك الحرّ واشتهيت الشراب؛ قلت: أجل، قالت: ادخل، فدخلت فأتتني بصحفة فيها تمر من تمر هجر، وقدح فيه لبن، والصّحفة مصريّة مفضّضة والقدح مفضّض لم أر إناء قطّ أحسن منه، فقالت: دونك، فتجمّعت [1] وشربت من اللبن حتى رويت، ثم قلت: يا أمة اللّه، واللّه ما أتيت اليوم أكرم منك ولا أحقّ بالفضل، فهل ذكرت من ضالّتي شيئا؟ فقالت: هل ترى هذه الشجرة فوق الشّرف [2]؟ قلت: نعم؛ قالت: فإن الشمس غربت أمس وهي تطيف حولها ثم حال الليل بيني وبينها؛ فقمت وجزيتها الخير وقلت: والله لقد تغذيت ورويت! فخرجت حتى أتيت الشجرة فأطفت بها فو اللّه ما رأيت من أثر، فأتيت صاحبي فإذا هو متّشح في الإبل/ بكسائه ورافع عقيرته [3] يغنّي، قلت: السلام عليك؛ قال:
/ وعليك السلام ما وراءك؟ قلت؛ ما ورائي من شي ء؛ قال: لا عليك! فأخبرني بما فعلت، فاقتصصت عليه القصّة حتى انتهيت إلى ذكر المرأة وأخبرته بالذي صنعت؛ فقال: قد أصبت طلبتك؛ فعجبت من قوله وأنا لم أجد شيئا، ثم سألني عن صفة الإناءين: الصّحفة والقدح فوصفتهما له، فتنفّس الصّعداء وقال: قد أصبت طلبتك ويحك! ثم ذكرت له الشجرة وأنّها [رأتها] [4] تطيف بها؛ فقال: حسبك! فمكثت حتى إذا أوت إبلي إلى مباركها دعوته إلى العشاء فلم يدن منه، وجلس منّي بمزجر الكلب، فلما ظنّ أنّي قد نمت رمقته فقام إلى عيبة [5] له فاستخرج منها بردين فأتزر [6] بأحدهما وتردّى بالآخر، ثم انطلق عامدا نحو الشجرة. واستبطنت الوادي فجعلت أخفي نفسي حتّى إذا خفت أن يراني انبطحت، فلم أزل كذلك حتّى سبقته إلى شجرات قريب من تلك الشجرة بحيث أسمع كلامهما فاستترت بهنّ، وإذا صاحبته عند الشجرة، فأقبل حتّى كان منها غير بعيد، فقالت: اجلس، فو اللّه لكأنّه لصق بالأرض، فسلّم عليها عن حالها أكرم سؤال سمعت به قطّ وأبعده من كل ريبة، وسألته مثل مسئلته، ثم أمرت جارية معها فقربت إليه طعاما، فلمّا أكل وفرغ، قالت أنشدني ما قلت، فأنشدها:
علقت الهوى منها وليدا فلم يزل ... إلى اليوم ينمي حبّها ويزيد
فلم يزالا يتحدّثان، ما يقولان فحشا ولا هجرا، حتّى التفتت التفاتة [7] فنظرت إلى الصبح، فودّع كلّ واحد منهما صاحبه أحسن وداع ما سمعت به قطّ [8] ثم انصرفا،/ فقمت فمضيت إلى إبلي فاضطجعت وكل واحد منهما يمشي خطوة ثمّ يلتفت إلى صاحبه، فجاء بعد ما أصبحنا فرفع برديه ثم قال: يا أخا بني تميم، حتّى متى تنام!
__________
[1] كذا في أ، م، ء. وفي باقي النسخ: «فهجعت» ويظهر أنه تحريف.
[2] الشرف: المكان العالي.
[3] عقيرة الرجل: صوته إذا غنى أو قرأ أو بكى. وقيل أصله أن رجلا عقرت رجله فوضع العقيرة على الصحيحة وبكى عليها بأعلى صوته فقيل: رفع عقيرته، ثم كثر ذلك حتى صير الصوت بالغناء عقيرة. (انظر «اللسان» مادة عقر).
[4] زيادة في ط.
[5] العيبة: وعاء من أدم يكون فيه المتاع.
[6] ضبط هذا الفعل في ط هكذا «فاتزر» بشدة على التاء، وهو صحيح عند من يرى إدغام الهمزة في التاء. وحمل عليه ما جاء في بعض الروايات: «كان النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم يباشر بعض نسائه وهي متزرة». وبعض اللغويين يمنع هذا الإدغام ويخطىء المحدّثين في هذه الرواية.
[7] كذا في ط. وفي باقي الأصول: «التفت».
[8] كذا في ب، س، أ، م. وفي باقي الأصول: «أحسن وداع سمعت به قط»، من غير ما النافية، وهو مستقيم وإن كان مجيء «قط» في الإثبات قليلا حتى منعه بعضهم. وقد اتفقت النسخ على الحذف في: «أكرم سؤال سمعت به قط» قبل هذه الجملة بأسطر.
فقمت وتوضّأت وصلّيت وحلبت إبلي وأعانني عليها وهو أظهر الناس سرورا، ثمّ دعوته إلى الغداء فتغدّى، ثم قام إلى عيبته فافتتحها فإذا فيها سلاح وبردان مما كسته الملوك، فأعطاني أحدهما وقال: أما واللّه لو كان معي شيء ما ذخرته عنك، وحدّثني حديثه وانتسب لي، فإذا هو [1] جميل بن معمر والمرأة بثينة، وقال لي: إني قد قلت أبياتا في منصرفي [2] من عندها، فهل لك إن رأيتها أن تنشدها [3]؟ قلت: نعم! فأنشدني:
وما أنس م الأشياء لا أنس قولها ... وقد قرّبت نضوي أمصر تريد
الأبيات، ثم ودّعني وانصرف، فمكثت حتّى أخذت الإبل مراتعها [4]، ثم عمدت إلى دهن كان معي فدهنت به رأسي، ثم ارتديت بالبرد وأتيت المرأة فقلت: السلام عليكم، إنّي جئت أمس طالبا واليوم زائرا، أفتأذنون؟
قالت: نعم، فسمعت جويرية تقول لها: يا بثينة، عليه واللّه برد جميل؛ فجعلت أثني على ضيفي وأذكر فضله، وقلت: إنّه ذكرك فأحسن [5] الذكر، فهل أنت بارزة لي حتّى أنظر إليك؟ قالت: نعم، فلبست ثيابها ثم برزت ودعت لي بطرف [6] ثم قالت: يا أخا بني تميم، واللّه ما ثوباك هذان بمشتبهين، ودعت بعيبتها فأخرجت لي ملحفة مرويّة [7] مشبعة/ من العصفر، ثم قالت: أقسمت عليك لتقومنّ إلى كسر البيت ولتخلعنّ مدرعتك [8] ثم لتأتزرنّ [9] بهذه الملحفة فهي [10] أشبه ببردك؛ ففعلت ذلك وأخذت مدرعتي بيدي فجعلتها إلى جانبي،/ وأنشدتها [11] الأبيات فدمعت عيناها، وتحدّثنا طويلا من النهار، ثم انصرفت إلى إبلي بملحفة بثينة وبرد جميل ونظرة من بثينة. قال معبد: فجزيت الشيخ خيرا وانصرفت من عنده وأنا واللّه أحسن الناس حالا بنظرة من الغريض واستماع لغنائه، وعلم بحديث جميل وبثينة فيما غنّيت أنا به وفيما غنّى به الغريض على حقّ ذلك وصدقه، فما رأيت ولا سمعت بزوجين قطّ أحسن من جميل وبثينة، ومن الغريض ومنّي.
نسبة هذه الأصوات التي ذكرت في هذا الخبر
وهي كلها من قصيدة واحدة.
منها:
__________
[1] كذا في أ، م، ح. وفي باقي النسخ: «و إذا هو ... الخ» بالواو.
[2] كذا في أغلب الأصول وفيء، هامش ط: «أبياتا في إتيانها بعد منصرفي» وكتب بجانبها كلمة «صح».
[3] في أ، م، ح، ط: «فهل لك أن تأتيها فتنشدها».
[4] كذا في أغلب النسخ. وفي أ، م: «مراعيها».
[5] في أ، م، ح: «بأحسن الذكر».
[6] كذا في أ، م، ح، ط. وفي باقي الأصول: «بمطرف».
[7] الملحفة (بالكسر): اللباس الذي فوق اللباس من دثار البرد ونحوه، ومروية: نسبة إلى «مرو»: بلدة بفارس. والنسبة إليها «مروى» (بالفتح وبالتحريك) و «مروزي» بزيادة الزاي. وفي ط: «ملحفة هروية». وهذه نسبة إلى هراة: مدينة من أعظم مدن خراسان حضارة وكثرة سكان.
[8] المدرعة: ضرب من الثياب، ولا تكون إلا من الصوف.
[9] في ط: «لتتزرن» انظر الحاشية رقم 3 ص 390 من هذا الجزء.
[10] كذا في أ، م، ح. وفي بقية الأصول: «و هي».
[11] في أ، م، ح: «ثم أنشدتها».
صوت
علقت الهوى منها وليدا فلم يزل ... إلى اليوم ينمي حبها ويزيد
وأفنيت عمري في انتظاري نوالها ... وأفنت بذاك الدهر وهو جديد
فلا أنا مردود بما جئت طالبا ... ولا حبّها فيما يبيد يبيد
وما أنس م الأشياء لا أنس قولها ... وقد قرّبت نضوي أمصر تريد
ولا قولها لو لا العيون التي ترى ... لزرتك فاعذرني فدتك جدود
إذا قلت ما بي يا بثينة قاتلي ... من الحبّ قالت ثابت ويزيد
وإن قلت ردّي بعض عقلي أعش به ... تولّت [1] وقالت ذاك منك بعيد
/ عروضه من الطويل. الشعر لجميل بن معمر. والغناء لمعبد في الأوّل والثاني والثالث والسادس والسابع. ولحنه ثقيل أوّل بالسّبابة في مجرى الوسطى عن إسحاق وعمرو بن بانة. وذكر عمرو والهشاميّ أنّ فيه ثقيلا أوّل آخر للهذليّ، وأنّ فيه خفيف ثقيل ينسب إلى معبد وإلى الغريض وإلى إبراهيم، أوّله: «و ما أنس م الأشياء». وفي الأربعة الأبيات الأول ثاني ثقيل بالبنصر لابن [2] أبي قباحة. ولإسحاق في الثالث والسادس ثاني ثقيل آخر بالوسطى عن الهشاميّ. وأوّل هذه القصيدة فيه غناء أيضا، وهو موصول بأبيات أخر:
صوت
ألا ليت ريعان [3] الشباب جديد ... ودهرا تولّى يا يا بثين يعود
فنغنى كما كنّا نكون وأنتم ... قريب وما قد تبذلين زهيد
ألا ليت شعري هل أبيتنّ ليلة ... بوادي القرى [4] إنّي إذا لسعيد
وهل ألقين سعدى من الدهر ليلة ... وما رثّ من حبل الصفاء جديد
فقد تلتقي الأهواء بعد تفاوت ... وقد تطلب الحاجات وهي بعيد
في البيتين الأوّلين خفيف ثقيل مطلق في مجرى البنصر، ذكر حبش أنّه لإسحاق؛ وليس يشبه أن يكون له.
وفي الثالث وما بعده لابن سريج ثاني ثقيل بالبنصر عن حبش أيضا.
قال ابن أبي ربيعة في شعر له القريض فغيره الغريض باسمه لما غناه
أخبرني إسماعيل بن يونس إجازة قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثني أبو غسّان قال حدّثني الوليد بن هشام عن
__________
[1] في أ، م وهامش ط: «مع الناس قالت الخ».
[2] كذا ورد هذا الاسم في جميع الأصول. ولم نقف عليه ولا على ضبطه بعد البحث عنه في المعاجم التي بأيدينا.
[3] ريعان الشباب: أوّله.
[4] وادي القرى: واد بين المدينة والشام وهو بين تيماء وخيبر، فيه قرى كثيرة. قال ياقوت في «معجم البلدان» في اسم «القرى»: «قال أبو المنذر: سمي وادي القرى لأن الوادي من أوّله إلى آخره قرى منظومة وكانت من أعمال البلاد، وآثار القرى إلى الآن بها ظاهرة، إلا أنها في وقتنا هذا كلها خراب ومياهها جارية تتدفق ضائعة لا ينتفع بها أحد».
محمد بن معن عن خالد بن سلمة [1] المخزوميّ قال:
خرجت مع أعمامي وأنا على نجيب ومعنا شيخ، فلمّا أسحرنا [2] قال لي أعمامي: انزل عن نجيبك [3] واحمل عليه هذا/ الشيخ واركب جمله، ففعلت؛ فإذا الشيخ قد أخرج عودا له من غلاف [4]، ثمّ ضرب به وغنّى:
هاج الغريض الذّكر ... لمّا غدوا فانشمروا [5]
فقلت لبعض أصحابنا: من هذا؟ قال: الغريض.
نسبة هذا الصوت
صوت
هاج الغريض الذّكر ... لمّا غدوا فانشمروا
على بغال شحّج [6] ... قد ضمّهنّ السفر
فيهنّ هند ليتني ... ما عمّرت أعمّر [7]
حتى إذا ما جاءها ... حتف أتاني القدر
عروضه من الرجز. الذي قال عمر:
هاج القريض الذّكر
/ بالقاف، فجعله الغريض لما غنّى فيه: «الغريض» يعني نفسه. الشعر لعمر بن أبي ربيعة. والغناء لابن سريج. ذكر يونس أنّ له فيه لحنين. وذكر إسحاق أنّ أحدهما رمل مطلق في مجرى البنصر ولم يذكر الآخر، وذكر الهشاميّ أنّ الآخر خفيف رمل. وفيه للغريض ثقيل أوّل بالبنصر، وقيل: إنه لحن ابن سريج، وإن خفيف الرمل للغريض. وأوّل هذا الصوت في كتاب يونس:
هاج فؤادي محضر [8] ... بذي عكاظ مقفر
حتّى إذا ما وازنوا ال ... مروة حين ائتمروا [9]
__________
[1] كذا في ط. وفي أغلب الأصول: «سلمى» ورجحنا نسخة ط لأن المعروف في «كتب التراجم» خالد بن سلمة بن العاص المخزومي المتوفي سنة 132 وهذا يصح أن يروي عنه محمد بن معن المتوفي سنة 198 (انظر «تهذيب التهذيب» ج 3 ص 95).
[2] أسحرنا: دخلنا في السحر.
[3] النجيب من الإبل: القويّ الخفيف السريع.
[4] الغلاف: ما يوضع فيه الشيء.
[5] فانشمروا: مرّوا جادّين مسرعين.
[6] شحج: جمع شاحج، والشحاج: صوت البغل (انظر ص 187 ج 1 من هذا الكتاب).
[7] هذا البيت وما بعده وردا في قصيدة من «ديوانه» مطلعها:
قد هاج قلبي محضر ... أقوى وريع مقفر
[8] المحضر عند العرب: المنهل الذي يجتمعون ويحضرون عليه، وسواء كان حاضرو المياه ممن يقرّون عليها للأبد، أم يحضرونها شهور القيظ ويفارقونها حين يقع ربيع في أرض فينتجعونه، وخلاف المحضر المنتجع والمبدي.
[9] كذا في ب، س، ح، والمراد من موازنتهم للمروة محاذاتهم لها ومقابلتهم إياها، والمروة: جبل بمكة وهو أحد شعائر الحج.
وائتمروا: تشاوروا. وفي سائر النسخ و «ديوان ابن أبي ربيعة»:
قيل انزلوا فعرّسوا ... من ليلكم وانشمروا
وقولها لأختها ... أمطمئنّ عمر
قدم الوليد بن عبد الملك مكة فصحبه ابن أبي ربيعة وحدّثه وغناه الغريض
أخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد عن أبيه قال وذكر السّعديّ [1]:
أنّ الوليد بن عبد الملك قدم مكّة، فأراد أن يأتي الطائف، فقال: هل من رجل عالم يخبرني عنها؟
فقالوا: عمر بن أبي ربيعة؛ قال: لا حاجة لي به، ثم عاد فسأل، فذكروه فأباه، ثم عاد فذكروه فقال: هاتوه، وركب معه فجعل يحدّثه، ثم حوّل عمر رداءه ليصلحه على نفسه، فرأى الوليد على ظهره أثرا، فقال: ما هذا الأثر؟
/ قال: كنت عند جارية لي إذ جاءتني جارية برسالة من عند جارية أخرى وجعلت تسارّني بها، فغارت التي كنت عندها فعضّت منكبي، فما وجدت ألم عضّتها من لذّة ما كانت تلك تنفث في أذني حتى بلغت ما ترى، والوليد يضحك. فلما رجع عمر قيل له: ما الذي كنت تضحك به أمير المؤمنين؟ قال: ما زلنا في حديث الزّنا حتى رجع.
وكان قد حمل الغريض معه، فقال له: يا أمير المؤمنين، إنّ عندي أجمل الناس وجها وأحسنهم حديثا، فهل لك أن تسمعه؟ قال: هاته، فدعا به فقال: أسمع أمير المؤمنين أحسن شيء قلته، فاندفع يغنّي بشعر عمر - ومن الناس من يرويه لجميل - :
صوت
إني لأحفظ سرّكم ويسرّني ... لو تعلمين بصالح أن تذكري
/ ويكون يوم لا أرى لك مرسلا ... أو نلتقي [2] فيه عليّ كأشهر
يا ليتني ألقى المنيّة بغتة ... إن كان يوم لقائكم لم يقدر
ما كنت والوعد الذي تعدينني ... إلّا كبرق سحابة لم تمطر
تقضى الدّيون وليس ينجز عاجلا ... هذا الغريم لنا وليس بمعسر
- عروضه من الكامل. وذكر حبش أنّ الغناء للغريض، ولحنه ثقيل أوّل بالبنصر - قال: فاشتدّ سرور الوليد بذلك وقال له: يا عمر، هذه رقيتك، ووصله وكساه وقضى حوائجه.
وصف نصيب لنفسه وللشعراء الثلاثة جميل وكثير وابن أبي ربيعة
أخبرني الحسن بن عليّ الخفّاف قال حدّثنا الحارث بن محمد عن المدائنيّ عن عوانة قال حدّثني رجل من أهل الكوفة قال:
__________
-
حتى إذا ما وازنوا ... بالمرختين ائتمروا
(و يلاحظ في هذه الرواية تعدي وازن بالباء وهو لا يتعدي بها). والمرختان: مثنى المرخة وهما المرخة القصوى اليمانية والمرخة الشامية (انظر «معجم ياقوت» في الكلام على المرختين).
[1] كذا في أغلب الأصول. وفي ط: «السعيدي» وقد تقدّم هذا الاسم وهذه القصة في الجزء الأوّل ص 112 من هذه الطبعة ونبهنا على اختلاف النسخ فيه هناك.
[2] في ط: «أن نلتقي».
/ قدم نصيب الكوفة، فأرسلني أبي إليه، وكان له صديقا، فقال: أقرئه منّي السلام وقل له: إن رأيت أن تهدي لنا شيئا مما قلت! فأتيته في يوم جمعة وهو يصلّي، فلما فرغ أقرأته السلام وقلت له: فقال قد علم أبوك أنّي لا أنشد في يوم الجمعة ولكن تلقاني في غيره فأبلغ ما تحبّ، فلمّا خرجت وانتهيت إلى الباب رددت إليه؛ فقال: أتروي شيئا من الشعر؟ قلت نعم؛ قال: فأنشدني، فأنشدته قول جميل:
إني لأحفظ غيبكم ويسرّني ... لو تعلمين بصالح أن تذكري
الأبيات المتقدّمة، فقال نصيب: أمسك! أمسك! للّه درّه! ما قال أحد إلا دون ما قال، ولقد نحت [1] للناس مثالا يحتذون عليه. ثم قال: أمّا أصدقنا في شعره فجميل، وأمّا أوصفنا لربّات الحجال فكثيّر، وأمّا أكذبنا فعمر بن أبي ربيعة، وأمّا أنا فأقول ما أعرف.
سمع أصوات رهبان في دير فصنع لحنا على مثالها
وقال هارون بن محمد الزيّات حدّثني حمّاد بن إسحاق عن أبيه:
أن الغريض سمع أصوات رهبان بالليل في دير لهم فاستحسنها، فقال له بعض من معه: يا أبا يزيد، صغ على مثل هذا الصوت لحنا؛ فصاغ مثله في لحنه:
يا أمّ بكر حبّك البادي ... لا تصرميني إنّني غادي
فما سمع بأحسن منه.
نسبة هذا الصوت
صوت
يا أمّ بكر حبك البادي ... لا تصرميني إنّني غادي
جدّ الرحيل وحثّني صحبي ... وأريد إمتاعا من الزّاد
/ عروضه من مزاحف الكامل [2]. الشعر لسعيد [3] بن عبد الرحمن بن حسّان بن ثابت الأنصاريّ. والغناء للغريض خفيف ثقيل أوّل بالوسطى. وفيه لابن المكّي ثاني ثقيل بالوسطى عن حبش. وفيه لإبراهيم بن أبي الهيثم هزج.
غناء إبراهيم بن أبي الهيثم والرجل الناسك
وأخبرني إسماعيل بن يونس قال حدّثنا عمر بن شبة عن أيوّب بن عباية عن عمرو بن عقبة - وكان يعرف بابن الماشطة - قال:
خرجت أنا وأصحاب لي فيهم إبراهيم بن أبي الهيثم إلى العقيق، ومعنا رجل ناسك كنا نحتشم منه، وكان محموما نائما، وأحببنا أن نسمع من معنا من المغّنين ونحن نهابه ونحتشمه، فقلت له: إنّ فينا رجلا ينشد الشعر
__________
[1] في ط: «و لقد لحب». ولحب: أوضح وبين.
[2] كذا في ط وهو الصواب إذ البيتان من الكامل الذي دخل عروضه وضربه الحذ وهو حذف الوتد المجموع من متفاعلن، والإضمار وهو إسكان ثانيه. وفي باقي الأصول: «مزاحف الرجز» وهو تحريف.
[3] انظر ترجمته في الجزء السابع ص 164 من «الأغاني» طبع بولاق.
فيحسن، ونحن نحبّ أن نسمعه، ولكنّا نهابك؛ قال: فما عليّ منكم! أنا محموم نائم،/ فاصنعوا ما بدا لكم، فاندفع إبراهيم بن [أبي] [1] الهيثم فغنّى:
يا أمّ بكر حبّك البادي ... لا تصرميني إنّني غادي
جدّ الرحيل وحثّني صحبي ... وأريد إمتاعا من الزاد
فأجاده وأحسنه. قال: فوثب الناسك فجعل يرقص ويصيح: أريد إمتاعا من الزاد، واللّه أريد إمتاعا من الزاد، ثم كشف عن أيره وقال: أنا أنيك أمّ الحمّى! قال: يقول لي ابن الماشطة: أعتقت ما أملك إن كان ناك أمّ الحمّى أحد قبله.
أخبرني به الحسين بن يحيى عن حمّاد عن أبيه عن أيّوب فذكر [2] الخبر ولم يذكر فيه كشف الناسك عن سوءته وما قاله بعد ذلك.
هروبه إلى اليمن خوفا من نافع بن علقمة وموته بها
وكانت وفاة الغريض في أيام سليمان بن عبد الملك أو عمر بن عبد العزيز لم يتجاوزها. والأشبه أنّه مات في خلافة سليمان، لأن الوليد كان ولّى نافع بن علقمة مكة فهرب منه الغريض وأقام باليمن واستوطنها مدّة ثم مات بها. وأخبرني بخبره الحسين بن يحيى عن حمّاد عن أبيه عن المسيّبي قال أخبرني بعض المخزوميين أيضا بخبره.
وأخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثني أبو غسّان: أن نافع بن علقمة لما ولّي مكّة خافه الغريض - وكان كثيرا ما يطلبه فلم يجئه [3] - فهرب منه واستخفى في بعض منازل إخوانه. قال: فحدّثني رجل من أهل مكّة كان يخدمه: أنّه دفع إليه يوما ربعة [4] له وقال له: صربها إلى فلان العطّار يملؤها لي طيبا، قال: فصرت بها إليه، فلقيني نافع بن علقمة فقال: هذه ربعة الغريض واللّه! فلم أقدر أن أكتمه، فقلت: نعم؛ قال: ما قصّته؟ فأخبرته الخبر؛ فضحك وقال: سر معي إلى المنزل ففعلت، فملأها طيبا وأعطاني دنانير، وقال: أعطه وقل له يظهر فلا بأس عليه؛ فسرت إليه مسرورا فأخبرته بذلك فجزع وقال: الآن ينبغي أن أهرب، إنما هذه حيلة احتالها عليّ لأقع في يده، ثم خرج من وقته إلى اليمن فكان آخر العهد به.
قال إسحاق فحدّثني هذا المخزوميّ: أنّ الغريض لمّا صار إلى اليمن وأقام [5] به اجتزنا به بعض أسفارنا؛ قال: فلما رآني بكى؛ فقلت له: ما يبكيك؟ قال: بأبي أنت وأمّي! وكيف يطيب لي أن أعيش بين قوم يرونني أحمل عودي فيقولون لي: يا هناه [6]، أتبيع آخرة [7] الرّحل! فقلت له: فارجع إلى مكّة ففيها أهلك، فقال: يا بن أخي،
__________
[1] الزيادة عن ح. وقد اتفقت الأصول على إيراده بهذه الزيادة في سند هذا الخبر.
[2] كذا في ط. وفي باقي الأصول: «يذكر».
[3] في ط: «فلا يجيئه».
[4] الربعة: جونة العطر.
[5] في أ، م، ء: «و أقام بها».
[6] الهن: كلمة يكنى بها عن اسم الإنسان. وقد تزاد في النداء الألف والهاء فيقال: يا هناه أو يا هناه أقبل بالضم والكسر، فالضم على أنها آخر الاسم والكسر لالتقاء الساكنين. (انظر «اللسان» مادة «هنا»).
[7] كذا في أغلب الأصول، وفي ط: «مؤخرة» وآخرة الرحل ومؤخرته: ما يستند إليه الراكب، وهي خلاف قادمته.
إنّما/ كنت أستلذّ مكّة وأعيش بها مع أبيك ونحوه، وقد أوطنت [1] هذا المكان ولست تاركه ما عشت؛ قلنا له: فغنّنا بشيء من غنائك فتأبّى، ثم أقسمنا عليه فأجاب، وعمدنا إلى شاة فذبحناها وخرطنا من مصرانها أوتارا، فشدّها على عوده واندفع فغنّى في شعر زهير:
جرى دمعي فهيّج لي شجونا ... فقلبي يستجنّ [2] به جنونا [3]
فما سمعنا شيئا أحسن منه؛ فقلنا [4] له: ارجع إلى مكّة، فكلّ من بها يشتاقك. ولم نزل نرغّبه في ذلك حتى أجاب إليه. ومضينا لحاجتنا ثم عدنا فوجدناه عليلا، فقلنا: ما قصّتك؟ قال: جاءني منذ ليال قوم، وقد كنت أغنّي في الليل، فقالوا: غنّنا؛ فأنكرتهم وخفتهم، فجعلت أغنّيهم، فقال لي بعضهم غنّني:
لقد حثّوا الجمال ليه ... ربوا منّا فلم يئلوا [5]
ففعلت، فقام إليّ [هن] [6] منهم أزبّ [7] فقال لي: أحسنت واللّه! ودقّ رأسي، حتى سقطت لا أدري أين أنا، فأفقت بعد ثالثة وأنا عليل كما ترى، ولا أراني إلا سأموت. قال: فأقمنا عنده بقيّة يومنا ومات من غد فدفنّاه وانصرفنا.
أخبرني إسماعيل بن يونس قال حدّثنا عمر بن شبّة عن أبي غسّان قال:
زعم المكّيّون أنّ الغريض خرج إلى بلاد عكّ [8] فغنّى ليلا:
هم ركب لقوا ركبا ... كما قد تجمع السّبل
/ فصاح به صائح: أكفف يا أبا مروان، فقد سفّهت حلماءنا، وأصبيت [9] سفهاءنا، قال: فأصبح ميّتا.
رواية أخرى في وفاته
أخبرني إسماعيل بن يونس قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثني محمد بن الخطّاب قال حدّثنا رجل من آل أبي قبيل - يقال له محرز - عن أبي قبيل قال: رأيت الغريض، وقال إسحاق في خبره المذكور: حدّثني محمد بن سلّام عن أبي قبيل - وهو مولى لآل الغريض - قال:
شهدت مجمعا لآل الغريض إما [10] عرسا أو ختانا، فقيل له: تغنّ؛ فقال: هو ابن زانية إن فعل؛ فقال له بعض مواليه: فأنت واللّه كذلك! قال: أو كذلك أنا؟ قال: نعم، قال: أنت أعلم بي واللّه! ثم أخذ الدّفّ فرمى به وتمشّى مشية لم أر أحسن منها، ثم تغنّى:
__________
[1] أي اتخذته وطنا.
[2] كذا في أغلب الأصول وهامش ط. واستجن به (بالبناء للمفعول): صار به مجنونا. وفي ط: «يستحنّ به» بالحاء المهملة.
[3] كذا في ب، س، ح. وهامش أ. وفيء ح، أ، م: «حنينا».
[4] كذا في ح وفي باقي الأصول: «فقلت».
[5] لم يئلوا: لم يجدوا موئلا وملجأ يعتصمون به.
[6] زيادة في ط، والهن: اسم يكنى به عن الشخص وجمعه «هنون» وفي حديث الجن: «فإذا هو بهنين كأنهم الزط».
[7] الأزب: الكثير الشعر.
[8] عك: قبيلة، والبلاد التي تضاف إليها: مخلاف باليمن.
[9] كذا في ط وأصبيت: دعوت إلى الصبا. وفي باقي النسخ: «أصبت».
[10] كذا في جميع الأصول، ولا بدّ من تكرار إما، وقد يستغنى عن إما الثانية بذكر ما يغني عنها نحو: إما أن تتكلم بخير وإلا فاسكت، ونحو قراءة أبيّ في قوله تعالى: (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ)
تشرّب لون الرّازقيّ [1] بياضه ... أو الزعفران خالط المسك رادعه
فجعل يغنّيه مقبلا ومدبرا حتى التوت عنقه وخرّ صريعا، وما رفعناه إلّا ميّتا، وظننّا أنّ فالجا عاجله. قال إسحاق وحدّثني ابن الكلبيّ عن أبي مسكين قال: إنما نهته الجنّ أن يتغنّى بهذا الصوت، فلمّا أغضبه مواليه تغنّاه فقتلته الجنّ في ذلك.
نسبة هذه الأصوات
صوت
منها:
جرى دمعي فهيّج لي شجونا ... فقلبي يستجنّ [2] به جنونا
أ أبكي للفراق وكلّ حيّ ... سيبكي حين يفتقد القرينا
فإن تصبح طليحة [3] فارقتني ... ببين فالرزيّة أن تبينا
فقد بانت بكرهي يوم بانت ... مفارقة وكنت بها ضنينا
الشعر لزهير، والغناء للغريض عن حبش. وقيل: إنه لدحمان. وفيه لأبي الورد خفيف رمل بالوسطى [عن حبش والهشاميّ] [4].
انقضت أخبار الغريض.
ومنها:
صوت من المائة المختارة في رواية جحظة
لقد حثّوا الجمال ليه ... ربوا منّا فلم يئلوا
على آثارهنّ مق ... لّص [5] السّربال معتمل
وفيهم قلبك المتبو ... ل بالحسناء مختبل [6]
مخفّفة بحمل حما ... ئل الدّيباج والحلل [7]
__________
[1] الرازقيّ: يقال على ثياب الكتان البيض، وقيل: الرازفيّ: الكتان نفسه، ويقال على ضرب من عنب الطائف أبيض اللون.
[2] في ط: «يستحنّ به حنينا» وقد تقدّمت الإشارة إلى ذلك في الحاشية رقم 2 ص 400 من هذا الجزء.
[3] في ط: «ظليمة».
[4] الزيادة عن ح.
[5] مقلص السربال: مشمره، يقال: قلص قميصه أي شمره ورفعه. والمعتمل: الذي يعمل بنفسه.
[6] المختبل: الذي اختبل عقله أي جنّ، وقد خبله الحزن واختبله.
[7] في هذا البيت إقواء، وهو اختلاف حركة الرويّ.
/ أسائل
عاصما في السّرّ [1] ... أين تراهم نزلوا
فقال هم قريب من ... ك لو نفعوك إذ رحلوا
الشعر للحكم بن عبدل الأسديّ. والغناء في اللحن المختار للغريض، ولحنه خفيف ثقيل [أوّل] [2] بإطلاق الوتر في مجرى الوسطى في الأوّل والثاني من الأبيات. وذكر الهشاميّ أن فيهما لحنا لمعبد من الثقيل الأوّل. وفي الثالث وما بعده من الأبيات لابن سريج رمل بالسّبابة في مجرى الوسطى عن إسحاق. وفيها لإبراهيم ثقيل أوّل بالوسطى عن حبش. وذكر أحمد بن عبيد أنّ الذي صحّ فيه أربعة ألحان: منها لحنان في خفيف الثقيل للغريض ومالك، ولحنان في الرمل لابن سريج ومخارق. وذكر ابن الكلبيّ [3] أنّ فيها لعريب رملا ثالثا، وذكر حبش أنّ فيها لابن سريج خفيف رمل بالبنصر، ولابن مسجح رملا بالبنصر، ولابن سريج ثاني ثقيل بالبنصر. هذه الألحان كلها في «لقد حثّوا» والذي بعده.
__________
[1] في ط: «في البين».
[2] الزيادة عن ح.
[3] في أ، م، ء، ط: «ابن المعتز».
16 - أخبار الحكم بن عبدل ونسبه
نسبه ونشأته
هو الحكم بن عبدل بن جبلة بن عمرو بن ثعلبة بن عقال بن بلال بن سعد بن حبال [1] بن نصر بن غاضرة بن مالك بن ثعلبة بن دودان [2] بن أسد بن خزيمة، شاعر مجيد مقدّم في طبقته، هجّاء خبيث اللسان، من شعراء الدولة الأمويّة؛ وكان أعرج أحدب. ومنزله ومنشؤه الكوفة.
كان أعرج ويكتب بحاجته على عصاه فلا تردّ
أخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن [3] عمّار قال حدثني يعقوب بن إسرائيل قال حدّثنا محمد بن إدريس القيسيّ بواسط قال حدّثنا العتبيّ قال:
كان الحكم بن عبدل الأسديّ أعرج لا تفارقه العصا، فترك الوقوف بأبواب الملوك، وكان يكتب على عصاه حاجته ويبعث بها مع رسله [4]، فلا يحبس له رسول ولا تؤخّر له حاجة؛ فقال في ذلك يحيى بن نوفل:
عصا حكم في الدار أوّل داخل ... ونحن على الأبواب نقصى ونحجب
وكانت عصا موسى لفرعون آية ... وهذي لعمر اللّه أدهى وأعجب
تطاع فلا تعصى ويحذر سخطها ... ويرغب في المرضاة منها وترهب [5]
/قال: فشاعت هذه الأبيات بالكوفة وضحك الناس منها؛ فكان ابن عبدل بعد ذلك يقول ليحيى: يابن الزانية! ما أردت من عصاي حتى صيّرتها ضحكة [6]؟ واجتنب أن يكتب عليها كما كان يفعل، وكاتب الناس بحوائجه في الرّقاع.
__________
[1] كذا ورد مضبوطا في ط. وفي «القاموس» و «شرحه»: أنه سمي بحبال ككتاب وحبال كشداد، وأورد لكل منهما أسماء ليس هذا أحدها، ولم نجد نصا خاصا في ضبط هذا الاسم غير ضبطه بالقلم في نسخة ط.
[2] في ب، أ، م: «ذودان» بالذال وهو تحريف.
[3] كذا في أ، م. وقد مرّ كثيرا في الجزء الأول والثاني من هذه الطبعة كذلك باتفاق الأصول. وفي ب، س: «أحمد بن أحمد بن عبيد اللّه». وفي ء: «أحمد بن عبد اللّه» وفي ح: «أحمد بن أبي أحمد بن عبيد اللّه».
[4] في ح، ء، ط: «مع رسوله».
[5]
[6] الضحكة (بضم الضاد وسكون الحاء): من يضحك الناس منه.
حبس هو وأبو علية صاحبه فقال في ذلك شعرا
أخبرني عمّي قال حدّثنا الكرانيّ، وأخبرني ابن عمّار قال حدّثني يعقوب بن نعيم قال حدّثنا أبو جعفر القرشيّ قال:
كان للحكم بن عبدل صديق أعمى يقال له أبو عليّة، وكان ابن عبدل قد أقعد [1]، فخرجا ليلة من منزلهما إلى منزل بعض إخوانهما، والحكم يحمل وأبو عليّة يقاد، فلقيهما صاحب العسس بالكوفة فأخذهما فحبسهما، فلمّا استقرّا في الحبس نظر الحكم إلى عصا أبي عليّة موضوعة إلى جانب عصاه، فضحك وأنشأ يقول:
حبسي وحبس أبي عليّ ... ة من أعاجيب الزمان
أعمى يقاد ومقعد ... لا الرّجل منه ولا اليدان
/ هذا بلا بصر هنا ... ك وبي يخبّ الحاملان
يا من رأى ضبّ الفلا ... ة قرين [2] حوت في مكان
طرفي وطرف أبي عليّ ... ة دهرنا متوافقان
من يفتخر بجواده ... فجيادنا [3] عكّازتان
طرفان لا علفا هما ... يشرى ولا يتصاولان
هبني وإيّاه الحري ... ق أكان يسطع بالدّخان
/ قال: وكان اسم أبي عليّة يحيى، فقال فيه الحكم أيضا:
أقول ليحيى ليلة الحبس سادرا [4] ... ونومي به نوم الأسير المقيّد
أعنّي على رعي النجوم ولحظها ... أعنك على تحبير شعر مقصّد [5]
ففي حالتينا عبرة وتفكّر ... وأعجب شيء حبس أعمى ومقعد
كلانا إذا العكّاز فارق كفّه ... ينيخ صريعا أو على الوجه يسجد [6]
فعكّازة تهدي [7] إلى السّبل أكمها ... وأخرى مقام الرّجل قامت مع اليد
ولي الشرطة والإمارة أعرجان ولقي سائلا أعرج فقال شعرا
أخبرني محمد بن عمران الصّيرفيّ قال حدّثنا الحسن بن عليل قال حدّثني أحمد بن بكير الأسديّ قال حدّثني
__________
[1] أقعد الرجل (بالبناء للمفعول): أصابه داء فلم يستطع المشي.
[2] في ب، س: «مرين حوت» وهو تحريف.
[3] كذا في ح، ط. وفي سائر النسخ: «فجوادنا».
[4] السادر: المتحير الواجم.
[5] شعر مقصد: مطوّل كثيرة أبياته.
[6] في هذا البيت إقواء وهو اختلاف حركة بالرويّ بالرفع والكسر.
[7] في جميع النسخ: «فعكازه يهدي الخ».
محمد بن أنس السّلاميّ الأسديّ عن محمد بن سهل راوية الكميت قال:
ولي الشّرطة بالكوفة رجل أعرج، ثم ولي الإمارة آخر أعرج، وخرج ابن عبدل وكان أعرج، فلقي سائلا أعرج وقد تعرّض للأمير يسأله، فقال ابن عبدل للسائل:
ألق العصا ودع التخامع [1] والتمس ... عملا فهذي دولة العرجان
لأميرنا وأمير شرطتنا معا ... يا قومنا لكليهما رجلان
فإذا يكون أميرنا ووزيرنا ... وأنا فإنّ الرابع الشيطان [2]
/فبلغت أبياته ذلك الأمير فبعث إليه بمائتي درهم وسأله أن يكفّ عنه. وحدّثنيه الأخفش عن عبيد اللّه اليزيديّ عن سليمان بن أبي شيخ عن محمد بن الحكم عن عوانة عن عمر بن عبد العزيز قال:
ولي عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطّاب الكوفة وضمّ إليه رجل من الأشعريّين يقال له سهل، وكانا جميعا أعرجين. ثم ذكر باقي الحديث مثل حديث يعقوب بن نعيم.
ابن عبدل وعبد الملك بن بشر بن مروان
أخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن عمّار قال حدّثني يعقوب بن إسرائيل عن قعنب بن المحرز الباهليّ عن الهيثم الأحمريّ قال:
كانت لابن عبدل الأسديّ حاجة إلى عبد الملك بن بشر بن مروان، فجعل يدخل عليه ولا يتهيأ له الكلام، حتى جاءه رجل فقال: إني رأيت لك رؤيا، فقال: هاتها، فقصّها عليه؛ فقال ابن عبدل: وأنا قد رأيت أيضا؛ قال:
هات ما رأيت؛ فقال:
أغفيت قبل الصبح نوم مسهّد ... في ساعة ما كنت قبل أنامها
فحبوتني فيما أرى بوليدة ... مغنوجة [3] حسن عليّ قيامها
وببدرة حملت إليّ وبغلة ... شهباء ناجية [4] يصلّ [5] لجامها
ليت المنابر يا بن بشر أصبحت ... ترقى وأنت خطيبها وإمامها
فقال له ابن بشر: إذا رأيت هذا في اليقظة أتعرفه؟ قال: نعم وإنما رأيته قبيل الصبح؛ قال: يا غلام، ادع فلانا، فجاء بوكيله، فقال: هات فلانة فجاءت،/ فقال: أين هذه مما رأيت؟ قال: هي هي؛ وإلّا فعليه وعليه؛ ثم دعا له ببدرة، فقال: مثل ذلك، وببغلة فركبها وخرج؛ فلقيه قهرمان [6] عبد الملك، قال: أتبيعها؟ قال: نعم، قال: بكم؟
__________
[1] كذا في ط. والتخامع: التظاهر بالخمع وهو العرج، يقال: خمعت الضع خمعا وخموعا وخمعانا إذا ظلعت في مشيتها كأنّ بها عرجا. وفي سائر الأصول: «التحامق».
[2] في هذا البيت إقواء وهو اختلاف حركة الرويّ بالرفع والكسر.
[3] لم نعثر على هذه الصيغة في معاجم اللغة والذي بها: «امرأة مغناج وغنجة»: حسنة الدل.
[4] ناجية: سريعة.
[5] يصل لجامها: يصوّت.
[6] القهرمان: الوكيل أو أمين الدخل والخرج.
قال: بستمائة، قال: هي لك؛ فأعطاه ستمائة، فقال له: أما واللّه لو أبيت إلا ألفا لأعطيتك؛ قال: إيّاي تندم! لو أبيت إلّا ستّة لبعتك.
هجاؤه محمد بن حسان وقد تزوّج امرأة قيسية
أخبرني [عمّي] [1] الحسن بن محمد قال حدّثنا الكرانيّ قال حدّثنا العمريّ عن الهيثم عن ابن عيّاش عن لقيط قال:
تزوّج محمد بن حسّان بن سعد التّيميّ امرأة من ولد قيس بن عاصم وهي ابنة مقاتل بن طلبة [2] بن قيس، زوّجها إيّاه رجل منهم يقال له زياد، فقال ابن عبدل:
أباع زياد سوّد اللّه وجهه ... عقيلة قوم سادة بالدراهم
وما كان حسّان بن سعد ولا ابنه ... أبو المسك من أكفاء قيس بن عاصم
ولكنّه ردّ الزمان على استه ... وضيّع أمر المحصنات الكرائم
خذي دية منه تكن لك عدّة ... وجيئي إلى باب الأمير فخاصمي
فلو كنت في روح [3] لما قلت خاصمي ... ولكنّما ألقيت في سجن عارم [4]
/قال: فلمّا بلغ أهلها شعره أنفوا من ذلك، فاجتمعوا على محمد بن حسّان حتى فارقها. قال: وكان محمد بن حسّان عاملا على بعض كور السّواد، فسأله ابن عبدل حاجة فردّه عنها، فقال فيه هذا الشعر وغيره [5] وهجاه هجاء كثيرا.
أخبرني بهذا الخبر محمد بن عمران الصّيرفيّ قال حدّثنا الحسن [6] بن عليل العنزيّ قال حدّثنا أحمد بن بكير الأسديّ عن محمد بن بشر السّلاميّ عن محمد بن سهل راوية الكميت، فذكر نحوا مما ذكره عمّي وزاد فيه قال:
وكانت المرأة التي تزوّجها معاذة بنت مقاتل بن طلبة، فلما سمعت ما قال ابن عبدل فيها نشزت على زوجها وهربت إلى أهلها، فتوسّطوا ما بينهما وافتديت منه بمال وفارقها.
سمع امرأة تنشد شعره فحادثها وأنشدها من شعره
أخبرني عمّي قال حدّثني الكرانيّ عن العمريّ عن عطاء عن يحيى بن نصر [7] أبي زكريّا قال:
سمع ابن عبدل الأسديّ امرأة وهي تتمشّى بالبلاط تتمثل بقوله:
__________
[1] الزيادة عن ء، ح. وفي أ، م: «أخبرني عمي قال حدّثنا الكرانيّ الخ».
[2] قال المبرد في ضبط هذا الاسم في كتابه «الكامل» ص 271 طبع لييسك: «الرواية المشهورة بإسكان اللام وتسامح ابن سراج في فتح اللام».
[3] الروح: الراحة، ومن معانيها أيضا الفرح والسرور والرحمة ومنه في القرآن الشريف: (وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ)
[4] قال ياقوت: «و سجن عارم حبس فيه محمد بن الحنفية، حبسه فيه عبد اللّه بن الزبير فخرج المختار بالكوفة ودعا إليه ثم كان بعد ذلك سجنا للحجاج ولا أعرف موضعه وأظنه بالطائف».
[5] كذا في ط. وفي باقي الأصول: «و عيره».
[6] كذا في ط، وهو الموافق لما تقدّم في ج 1 ص 35 من هذه الطبعة وفي هذا الجزء ص 406، وفي باقي الأصول «محمد».
[7] في ح: «منصور».
وأعسر أحيانا فتشتدّ عسرتي ... وأدرك ميسور الغنى ومعي عرضي
فقال لها ابن عبدل - وكان قريبا منها - : يا أخيّا، أتعرفين قائل هذا الشعر؟ قالت: نعم، ابن عبدل الأسديّ، قال: أفتثبتينه معرفة؟ قالت: لا؛ قال: فأنا هو، وأنا الذي أقول:
وأنعظ أحيانا فينقدّ جلده ... وأعذله [1] جهدي فلا ينفع العذل [4]
وأزداد نعظا حين أبصر جارتي ... فأوثقه كيما يثوب [2] له عقل
وربّتما لم أدر ما حيلتي له ... إذا هو آذاني وغرّ به الجهل
فآويته في بطن جاري وجارتي ... مكابرة قدما [3] وإن رغم البعل
فقالت له المرأة: بئس واللّه الجار للمغيبة [4] أنت، فقال: إي واللّه، وللتي معها زوجها وأبوها/ وابنها وأخوها.
قدم على ابن هبيرة مستجديا فأعطاه بعد إلحاح ما أراد
أخبرني محمد بن زكريّا الصّحّاف [5] قال حدّثنا قعنب بن المحرز الباهليّ قال حدّثنا الهيثم بن عديّ وأخبرني به حبيب بن نصر المهلّبيّ قال حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد قال حدّثني عليّ بن الحسن قال حدّثني أبو خالد الخزاعيّ الأسلميّ عن الهيثم بن عديّ عن ابن عيّاش قال:
قدم الحكم بن عبدل الشاعر الكوفيّ واسطا [6] على ابن هبيرة وكان بخيلا، فأقبل حتى وقف بين يديه ثم قال:
أتيتك في أمر من امر عشيرتي ... وأعيا [7] الأمور المفظعات [8] جسيمها
فإن قلت لي في حاجتي أنا فاعل ... فقد ثلجت نفسي وولّت همومها
قال: أنا فاعل إن اقتصدت، فما حاجتك؟ قال: غرم لزمني في حمالة [9]؛ قال: وكم هي؟ قال: أربعة آلاف، قال: نحن مناصفوكها، قال: أصلح اللّه الأمير،/ أتخاف عليّ التّخمة إن أتممتها؟ قال: أكره أن أعوّد الناس هذه العادة؛ قال: فأعطني جميعها سرّا وامنعني جميعها ظاهرا حتى تعوّد الناس المنع وإلّا فالضرر عليك واقع إن عوّدتهم نصف ما يطلبون؛ فضحك ابن هبيرة وقال: ما عندنا غير ما بذلناه لك؛ فجثا بين يديه وقال: امرأته طالق
__________
[1] كذا في أ، م، ح. وفي باقي النسخ: «و أعزله» بالزاي وهو تحريف.
[2] كذا في ط. وفي باقي الأصول: «يكون».
[3] القدم (بضمتين وسكنت الدال لضرورة الشعر): المضيّ الإقدام.
[4] المغيبة: التي غاب عنها زوجها.
[5] الصحاف كشدّاد: بائع الصحف أو صانعها.
[6] واسط: بلد خطه الحجاج بين البصرة والكوفة، يصرف ولا يصرف.
[7] كذا في أ، م. وفي ط: «أغنى». وفي باقي الأصول: «أعمى» وكلاهما تحريف.
[8] كذا في ط. وفي باقي الأصول: «المقطعات».
[9] الحمالة: الكفالة، أي الضمان.
لا أخذت أقلّ من أربعة آلاف أو أنصرف وأنا غضبان؛ قال: أعطوه إيّاها قبّحه اللّه فإنه - ما علمت - حلّاف مهين [1]؛ فأخذها وانصرف.
أفنى الطاعون قوما من بني غاضرة فرثاهم
أخبرني حبيب بن نصر المهلّبيّ قال حدّثنا العنزيّ قال حدّثني محمد بن معاوية الأسديّ قال حدّثني مشايخنا من بني أسد محمد بن أنس وغيره قالوا:
لمّا وقع الطاعون بالكوفة أفنى بني غاضرة ومات فيه بنو زرّ بن حبيش الغاضريّ صاحب عليّ بن أبي طالب عليه السّلام، وكانوا ظرفاء، وبنو عمّ لهم، فقال الحكم بن عبدل الغاضريّ يرثيهم:
أبعد بني زرّ وبعد ابن جندل ... وعمرو أرجّي لذّة العيش في خفض
مضوا وبقينا نأمل العيش بعدهم ... ألا إن من يبقى على إثر من يمضي
فقد كان حولي من جياد وسالم ... كهول مساعير [2] وكلّ فتى بضّ [2]
يرى الشّحّ عارا والسماحة رفعة ... أغرّ كعود البانة الناعم الغضّ
هجاؤه محمد بن حسان وقد سأله حاجة فلم يقضها
قال أبو الفرج: ونسخت من كتاب أبي محلّم قال: سأل الحكم بن عبدل أخو بني نصر بن قعين محمد بن حسّان بن سعد حاجة لرجل سأله مسألته إيّاها؛ فردّه ولم يقضها؛ فقال فيه ابن عبدل:
رأيت محمدا شرها ظلوما ... وكنت أراه ذا ورع وقصد
يقول أماتني ربّي خداعا ... أمات اللّه حسّان بن سعد
فلو لا كسبه لوجدت فسلا [3] ... لئيم الكسب شأنك شأن عبد
ركبت إليه في رجل أتاني ... كريم يبتغي المعروف عندي
فقلت له وبعض القول نصح ... ومنه ما أسرّ له وأبدي
توقّ دراهم [4] البكريّ إني ... أخاف عليك عاقبة التعدّي
أقرّب كلّ آصرة ليدنوا ... فما يزداد منّي غير بعد
فأقسم غير مستثن يمينا ... أبا بخر [5] لتتّخمنّ ردّي
/ أخبرني محمد بن عمران الصّيرفيّ قال حدّثنا الحسن بن عليل العنزيّ قال حدّثني أحمد بن بكير الأسديّ قال حدّثني [6] محمد بن أنس السّلاميّ قال حدّثني محمد بن سهل الأسديّ راوية الكميت:
__________
[1] مهين: فاجر.
[2] مساعير: جمع مسعار وهو موقد نار الحرب، وبض: رخص الجسم.
[3] الفسل: المسترذل الضعيف الذي لا مروءة له ولا جلد.
[4] كذا في ط. وفي باقي الأصول: «كرائم».
[5] كذا في أغلب الأصول. وفي ط: «بحر» بالحاء المهملة وهو تحريف.
[6] كذا فيء، ح، ط. وهو الموافق لما سيرد قريبا ص 417، وفي أ، م: «الأسديّ عن محمد بن بشر عن محمد بن أنس الخ».
أنّ الحكم بن عبدل الأسديّ أتى محمد بن حسّان بن سعد التّميميّ وكان على خراج الكوفة، فكلّمه في رجل من العرب أن يضع عنه ثلاثين درهما من خراجه؛ فقال: أماتني اللّه إن كنت أقدر أن أضع من خراج أمير المؤمنين شيئا؛ فانصرف ابن عبدل وهو يقول:
دع الثلاثين لا تعرض لصاحبها ... لا بارك اللّه في تلك الثلاثينا
لمّا علا صوته في الدار مبتكرا ... كأشتفان [1] يرى قوما يدوسونا [2]
أحسن فإنّك قد أعطيت مملكة ... إمارة صرت فيها اليوم مفتونا
لا يعطك اللّه خيرا مثلها أبدا ... أقسمت باللّه إلّا قلت آمينا
قال: فلم يضع له شيئا مما على الرجل؛ فقال فيه:
أيت محمدا شرها ظلوما ... وكنت أراه ذا ورع وقصد
يقول أماتني ربّي خداعا ... أمات اللّه حسّان بن سعد
فما صادفت في قحطان مثلي ... ولا [3] صادفت مثلك في معدّ
أقلّ براعة وأشدّ بخلا ... وألأم عند مسئلة وحمد
نحوت [4] محمدا ودخان فيه ... كريح الجعر [5] فوق عطين [6] جلد
فأقسم غير مستثن يمينا ... أبا بخر [7] لتتّخمنّ ردّي
فلو كنت المهذّب من تميم ... لخفت ملامتي ورجوت حمدي
نكهت عليّ نكهة أخدريّ ... شتيم أعصل الأنياب ورد [8]
/فما يدنو إلى فمه ذباب ... ولو طليت مشافره بقند [9]
فإن أهديت لي من فيك حتفا ... فإنّي كالذي أهديت مهدي
قال محمد بن سهل: وما زال ابن عبدل يزيد في قصيدته هذه الداليّة حتى مات وهي طويلة جدّا. قال: واشتهرت
__________
- وفي ب، س: «الأسديّ وعن ابن بشر عن محمد بن أنس الخ.
[1] كذا في أغلب الأصول. وفي ح: «كاستعار».
[2] كذا في أغلب الأصول. وفي ح: «يسوقونا».
[3] كذا في ح. وفي باقي الأصول: «كما».
[4] كذا في كتاب «الحيوان» للجاحظ طبع مطبعة السعادة ص 119، وفي جميع الأصول: «فقدت».
[5] الجعر: نجو كل ذات مخلب من السباع.
[6] العطين: الجلد المنتن من عطن الجلد يعطنه إذا وضعه في الدباغ وتركه حتى فسد وأنتن.
[7] كذا في أغلب الأصول. وفي ط: «أبا بحر» بالحاء. وهو تحريف.
[8] المراد من الأخدريّ الأسد، غير أن الوارد في «اللسان» و«تاج العروس» في وصف الأسد خادر ومخدر؛ يقال: خدر الأسد إذا لزم خدره أي عرينه فهو خادر، وأخدر أي اتخذ الأجمة خدرا فهو مخدر، وإنما جاء الأخدريّ لحمار الوحش نسبة إلى فحل يقال له أخدر، وجاء أيضا في وصف الليل كما قال العجاج: «و مخدر الأخدار أخدريّ». والشتيم: الأسد العابس وأعصل الأنياب: معوجها. والورد: الأحمر الضارب إلى الصفرة.
[9] القند: عسل قصب السكر إذا جمد.
حتى إن كان المكاري ليسوق بغله أو حماره فيقول: عد [1]
أمات اللّه حسّان بن سعد
فإذا سمع ذلك أبوه قال:
بل أمات اللّه ابني محمدا، فهو عرّضني لهذا البلاء في ثلاثين درهما.
ابن عبدل وأبو المهاجر
أخبرني أحمد بن محمد زكريّا الصّحّاف قال حدّثنا قعنب بن محرز قال أخبرنا الهيثم بن عديّ قال:
دعا أبو المهاجر الحكم بن عبدل ليشرب عنده وله جارية تغنّي فغنّت؛ فقال ابن عبدل:
يا أبا المهاجر قد أردت كرامتي ... فأهنتني وضررتني لو تعلم
عند التي لو مسّ جلدي جلدها ... يوما بقيت مخلّدا لا أهرم
أو كنت في أحمى جهنّم بقعة ... فرأيتها بردت عليّ جهنّم
قال: فجعل أبو المهاجر يضحك ويقول له: ويحك! واللّه لو كان إليها سبيل لو هبتها لك، ولكن لها/ منّي ولد.
ابن عبدل وعمر بن يزيد الأسدي
أخبرنا الحسن بن عليّ قال حدّثنا أحمد بن الحارث الخزّاز عن المدائنيّ قال: كان عمر بن يزيد الأسديّ مبخّلا، ووجده أبوه مع أمة له فكان يعيّر بذلك، وجاءه/ الحكم بن عبدل الأسديّ ومعه جماعة من قومه يسألونه حاجة، فدخلوا إليه وهو يأكل تمرا فلم يدعهم إليه، وذكروا له حاجتهم فلم يقضها؛ فقال فيه ابن عبدل:
جئنا وبين يديه التمر في طبق ... فما دعانا أبو حفص ولا كادا
علا على جسمه ثوبان من دنس ... لؤم وجبن ولو لا أيره سادا
ابن عبد: يقتضي ديون امرأة موسرة من الكوفة
أخبرني علي بن سليمان الأخفش قال أخبرنا محمد بن الحسن الأحول عن أبي نصر عن الأصمعيّ قال:
كانت امرأة موسرة بالكوفة وكانت لها على الناس ديون بالسّواد، فاستعانت [2] بابن عبدل في دينها، وقالت:
إني امرأة ليس لي زوج، وجعلت تعرّض بأنها تزوّجه نفسها؛ فقام ابن عبدل في دينها حتى اقتضاه؛ فلما طالبها بالوفاء كتبت إليه:
سيخطئك الذي حاولت منّي ... فقطّع حبل وصلك من حبالي
كما أخطاك معروف ابن بشر ... وكنت تعدّ ذلك رأس مال
قال: وكان ابن عبدل أتى ابن بشر بالكوفة فسأله؛ فقال له: أخمسمائة أحبّ إليك الآن عاجلة أم ألف في قابل؟
__________
[1] هذه الكلمة تقولها العامة لزجر البغال بدل «عدس». قال صاحب «اللسان» (مادة عدس): «و عدس وحدس زجر للبغال والعامة تقول عد».
[2] في ط: «فاستغاثت».
قال: ألف في قابل. فلما أتاه قال له: ألف أحبّ إليك أم ألفان في قابل؟ قال: ألفان؛ فلم يزل ذلك دأبه حتى مات ابن بشر وما اعطاه شيئا.
ابن عبدل وعبد الملك بن بشر بن مروان
أخبرني عمي قال حدّثنا الكرانيّ قال حدّثنا العمريّ عن لقيط قال:
دخل ابن عبدل على عبد الملك بن بشر [1]، فقال له: ما أحدثت بعدي؟ قال: خطبت امرأة من قومي فردّت عليّ جواب رسالتي ببيتي شعر؛ قال: وما هما؟
/ قال: قالت:
سيخطئك الذي حاولت مني ... فقطّع حبل وصلك من حبالي
كما أخطاك معروف ابن بشر ... وكنت تعدّ ذلك رأس مال
فضحك عبد الملك، ثم قال: لجاد [2] ما أذكرت بنفسك! وأمر له بألفي درهم.
ابن عبدل وبشر بن مروان
أخبرني أبو الحسن الأسديّ وحبيب بن نصر المهلّبيّ قالا حدّثنا الحسن بن عليل قال حدّثنا محمد بن معاوية الأسديّ قال حدّثني منجاب بن الحارث قال حدّثني عبد الملك بن عفّان قال:
كان الحكم بن عبدل الأسديّ ثم الغاضريّ صديقا لبشر بن مروان، فرأى منه جفاء لشغل عرض له، فغبر [3] عنه شهرا، ثم التقيا فقال: يا بن عبدل، مالك تركتنا وقد كنت لنا زوّارا؟ فقال ابن عبدل:
كنت أثني عليك خيرا فلمّا ... أضمر القلب من نوالك ياسا
كنت ذا منصب قنيت حيائي ... لم أقل غير أن هجرتك باسا
لم أطق ما أردت بي يا بن مروا ... ن ستلقى إذا أردت أناسا
يقبلون الخسيس منك ويثنو ... ن ثناء مدخمسا [4] دخماسا
فقال له: لا نسومك الخسيس ولا نريد منك ثناء مدخمسا، ووصله وحمله وكساه.
ابن عبدل وقد طلبه عمر بن هبيرة للغزو
أخبرني/ الأسديّ قال حدّثنا الحسن بن عليل العنزيّ قال وحدّثني محمد بن معاوية قال حدّثني منجاب بن الحارث عن عبد الملك بن عفّان قال:
__________
[1] كذا في أ، م، ط. وهذا يوافق ما تقدّم في هذه الصفحة من أن ابن عبدل أتى ابن بشر بالكوفة، والمراد عبد الملك بن بشر بن مروان، وقد كان مسلمة بن عبد الملك وجهه أميرا على البصرة (انظر «تاريخ ابن جرير الطبريّ» في حوادث سنة 102). وفي باقي الأصول: «عبد الملك بن مروان».
[2] كذا في ط، ء، ح. وفي سائر النسخ: «لحاك اللّه ما أذكرت بنفسك».
[3] كذا في أ، م، ط. وغبر عنه: ذهب ولم يره. وفي باقي الأصول: «فغيب عنه».
[4] يقال: ثناء مدخمس ودخماس أي ليست له حقيقة، وهو الذي لا يبين ولا يجدّ فيه. وقد ذكر صاحب «اللسان» في مادة «دخمس» هذا المعنى واستشهد له بهذا البيت.
أراد عمر بن هبيرة أن يغزي [1] الحكم بن عبدل الغاضريّ، فاعتلّ بالزّمانة [2] فحمل وألقي بين يديه فجرّده فإذا هو أعرج مفلوج، فوضع عنه الغزو وضمّه إليه وشخص به معه إلى واسط؛ فقال الحكم بن عبدل:
لعمري لقد جرّدتني فوجدتني ... كثير العيوب سيّىء المتجردّ [3]
فأعفيتني لمّا رأيت زمانتي ... ووفّقت منّي للقضاء المسدّد
فلما صار عمر إلى واسط شكا إليه الحكم بن عبدل الضّبعة [4]، فوهب له جارية من جواريه، فواثبها ليلة صارت إليه فنكحها تسعا أو عشرا طلقا [5]، فلما أصبحت قالت له: جعلت فداك من أيّ الناس أنت؟ قال: امرؤ من أهل الشام؛ قالت: بهذا العمل نصرتم.
أعفاء الحجاج من الغزو
أخبرني بهذا الخبر محمد بن عمران الصّيرفيّ، قال حدّثنا الحسن بن عليل قال حدّثنا أحمد بن بكير الأسديّ عن محمد بن أنس السّلاميّ عن محمد بن سهل رواية الكميت فقال فيه:
/ ضرب الحجاج البعث [6] على المحتلمين ومن أنبت [7] من الصّبيان، فكانت المرأة تجيء إلى ابنها وقد جرّد فتضمّه إليها وتقول له: «بأبي» جزعا عليه، فسمّي ذلك الجيش «جيش بأبي»، وأحضر ابن عبدل فجرّد فوجد أعرج فأعفي؛ فقال في ذلك:
لعمري لقد جرّدتني فوجدتني
البيتين، وزاد معهما ثالثا وهو:
ولست بذي شيخين يلتزمانه ... ولكن يتيم ساقط الرّجل واليد
تزوّج همدانية ولما كرهها قال فيها شعرا
أخبرني أبو الحسن الأسديّ قال حدّثنا العنزيّ قال حدّثنا محمد بن معاوية عن منجاب عن عبد الملك بن عفّان قال:
تزوّج ابن عبدل امرأة من همدان [8] فقالوا له: على كم تزوّجت؟ فقال:
تزوّجت همدانيّة ذات بهجة ... على نمط [9] عاديّة ووسائد
__________
[1] يقال: أغزاه إغزاء: بعثه إلى العدوّ غازيا.
[2] الزمانة: العاهة.
[3] سيء المتجرّد: يريد به أنه سيء الجسم. وفي صفته صلى اللّه عليه وآله وسلّم أنه كان أنور المتجرّد، أي ما جرّد عنه الثياب من جسده وكشف.
[4] الضبعة: شدّة شهوة الفحل، وهو المناسب للمقام. وفي ب، س، ح: «الضيعة» بالياء. وفي أ، ء، م، ط: «الضيقة».
[5] طلقا: شوطا واحدا.
[6] البعث: بعث الجند إلى الغزو.
[7] أنبت الغلام: راهق وبلغ مبلغ الرجال.
[8] كذا في أغلب الأصول. وفي ب، س: «همذان» بالذال المعجمة، وقوله في البيت الآتي: «تزوّجت همدانية ذات بهجة» يرجح ما أثبتناه في الأصل لأن همدان الساكنة الميم إنما هي بدال مهملة وهي اسم لقبيلة باليمن.
[9] كذا في جميع الأصول، والنمط: ضرب من البسط وجمعه أنماط، ولم يظهر لوصف النمط بقوله «عادية» وجه إذ لم نجده
لعمري لقد غاليت بالمهر إنه ... كذاك يغالى بالنساء المواجد [1]
قال: فلما دخل بها كرهها فقال:
أعاذلتيّ من لوم دعاني ... أقلّا اللوم إن لم تعذراني
فإني قد دللت على عجوز ... مبرقعة مخضّبة البنان
تغضّن جلدها واخضرّ إلا ... إذا ما ضرّجت بالزعفران
فلما أن دخلت وحادثتني ... أظلّتني بيوم أرونان [2]
تحدّثني عن الأزمان حتى ... سمعت نداء حرّ [3] بالأذان
فقالت قد نكحت اثنين شتّى ... فلما صاحباني [4] طلّقاني
وأربعة نكحتهم فماتوا ... فليت عريف حيّ [5] قد نعاني
وقالت ما تلادك قلت مالي ... حمار ظالع ومزادتان
وبوريّ [6] وأربعة [7] زيوف ... وثوبا مفلس متخرّقان
وقطعة جلّة [8] لا تمر فيها ... ودنّا عومة [9] متقابلان
/ فقالت قد رضيت فسمّ ألفا ... ليسمع ما تقول الشّاهدان
وما لك عندنا ألف عتيد ... ولا تسع تعدّ ولا ثمان
ولا سبع ولا ستّ ولكن ... لكم عندي الطويل من الهوان
كان منقطعا إلى بشر بن مروان فلما مات رثاه
أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال حدّثني عمّي عن أبيه ابن الكلبيّ قال:
كان الحكم بن عبدل الأسديّ منقطعا إلى بشر بن مروان، وكان يأنس به ويحبّه ويستطيبه، وأخرجه معه إلى البصرة لمّا وليها، فلما مات بشر جزع عليه الحكم وقال يرثيه:
__________
- فيما يؤنث من الأسماء. والعادية: نسبة إلى عاد، وهو كناية عن القدم، يقال: بئر عادية أي قديمة. فلعله محرّف عن «بسط».
[1] المواجد: جمع ماحدة، وهي المرأة السمحة الحسنة الخلق.
[2] أرونان: صعب.
[3] في أ، م: «آخر».
[4] كذا فيء وهامش ط مكتوبا بجانبها كلمة «صح». وفي أ، م، ط: «صادقاني». وفي باقي الأصول: «صابحاني» ولم نجد في «اللسان» ولا «تاج العروس» صيغة فاعل من هذه المادة.
[5] كذا في ط. وفي سائر النسخ: «عزيف جنّ».
[6] البوري: الحصير المنسوج من القصب، فارسيّ معرّب.
[7] أي أربعة دراهم زائفة.
[8] الجلة: قفة كبيرة للتمر.
[9] كذا في جميع النسخ ولم نفهم المراد منها.
أصبحت جمّ بلابل [1] الصّدر ... متعجّبا لتصرّف الدّهر
ما زلت أطلب في البلاد فتى ... ليكون لي ذخرا من الذّخر
ويكون يسعدني وأسعده ... في كلّ نائبة من الأمر
حتى إذا ظفرت يداي به ... جاء القضاء بحينه يجري
إنّي لفي هم يباكرني ... منه وهمّ طارق يسري
فلأصبرنّ وما [2] رأيت دوى [3] ... للهمّ غير [4] عزيمة الصبر
واللّه ما استعظمت [5] فرقته ... حتى أحاط بفضله خبري
خرج مع عمال بني أمية إلى الشام وكان يسمر عند عبد الملك فأنشده ليلة شعرا
أخبرني ابن دريد قال حدّثني عمّي عن أبيه عن ابن الكلبيّ قال:
لما ظفر ابن الزّبير بالعراق وأخرج عنها عمّال بني أميّة خرج ابن عبدل معهم إلى الشام، وكان ممّن يدخل إلى عبد الملك ويسمر عنده، فقال لعبد الملك ليلة:
يا ليت شعري وليت ربّما نفعت ... هل ابصرنّ بني العوّام قد شملوا
بالذّل والأسر والتشريد إنهم ... على البريّة حتف حيثما نزلوا
أم هل أراك بأكناف العراق وقد ... ذلّت لعزّك أقوام [6] وقد نكلوا
فقال عبد الملك - ويروى أنه قائل هذا الشعر - :
إن يمكن اللّه من قيس ومن جدس [7] ... ومن جذام ويقتل صاحب الحرم
نضرب جماجم أقوام على حنق ... ضربا ينكّل عنّا سائر [8] الأمم
يزيد بن عمر بن هبيرة وبنت ابن عبدل
أخبرني عليّ بن سليمان الأخفش قال حدّثني هارون بن [9] عليّ بن يحيى المنجّم عن أبيه قال حدّثني
__________
[1] البلابل: جمع بلبال وهو شدّة الهمّ الوسواس في الصدر.
[2] فيء، أ، م: «فما».
[3] الدوي بالياء مقصورا: الدواء، وقد أنشد عليه صاحب «اللسان» في مادة «دوا»:
إلا المقيم على الدوي المتأفن
[4] في هامش ط، أشير بازاء «غير عزيمة الصبر» إلى رواية أخرى وهي: «مثل عزيمة الصبر». وكلتا الروايتين مستقيمة.
[5] في ط، أ، م: «ما استطعمت» وقد أشير في هامش ط إلى الرواية المثبتة هنا أيضا.
[6] في ح: «أعداء».
[7] كذا في ب، س، ح. وجدس: بطن من كندة. وفي أ، م: «جرش» بالجيم وجرش (بضم ففتح): بطن من حمير. وفيء، ط: «حرش» بالحاء المهملة. وحرش: اسم لعدّة قبائل. ولا نستطيع ترجيح إحدى هذه الروايات.
[8] كذا فيء، ويشير إلى صحته ما بهامش ط. وفي باقي الأصول: «غابر الأمم». والغابر يطلق على الماضي والباقي، فهو من الأضداد.
[9] كذا في أ، م، ح. وفي باقي النسخ: «هارون بن يحيى المنجم».
محمد بن عمر الجرجانيّ عن رجل من بني أسد قال:
خرج يزيد بن عمر بن هبيرة يسير بالكوفة فانتهى إلى مسجد بني غاضرة، وأقيمت الصلاة، فنزل يصلّي، واجتمع الناس لمكانه في الطريق وأشرف النساء من السطوح، فلما قضى صلاته قال: لمن هذا المسجد؟ قالوا:
لبني غاضرة، فتمثل قول الشاعر:
ما إن تركن من الغواضر معصرا ... إلا فصمن [1] بساقها خلخالا
فقالت له امرأة من المشرفات:
ولقد عطفن على فزارة عطفة ... كرّ المنيح [2] وجلن ثمّ مجالا
فقال يزيد: من هذه؟ فقالوا: بنت الحكم بن عبدل؛ فقال: هل تلد الحيّة إلا حيّة! وقام خجلا.
ابن عبدل وصاحب العسس
/ أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدّثني أحمد بن الهيثم قال حدّثنا العمريّ عن عطاء بن مصعب عن عاصم بن الحدثان قال:
كان ابن عبدل الأسديّ أعرج أحدب، وكان من أطيب الناس وأملحهم، فلقيه صاحب العسس ليلة وهو سكران محمول في محفّة [3]؛ فقال له: من أنت؟ فقال له: يا بغيض، أنت أعرف بي من أن تسألني من أنا، فاذهب إلى شغلك، فإنّك تعلم أن اللصوص لا يخرجون بالليل للسّرقة محمولين في محفّة؛ فضحك الرجل وانصرف عنه.
ابن عبدل يعرض بابن هبيرة في شعر حتى أغضبه
أخبرني هاشم بن محمّد قال حدّثنا العبّاس [4] بن ميمون طائع قال حدّثني أبو عدنان عن الهيثم بن عديّ عن ابن عيّاش قال:
رأيت ابن عبدل الأسديّ وقد دخل على ابن هبيرة، فقال له: أنشدني شيئا فقال: أنشدك مقولة أيها الأمير؟
قال: هات؛ فأنشده هذه الأبيات - وهي قديمة وقد تمثّل بها ابن الأشعث حين خرج، ويروى أنها لأعشى همدان -
نجمّ [5] ولا نعطى وتعطى جيوشهم ... وقد ملئوا من مالنا ذا الأكارع
وقد كلّفونا عدّة وروائعا ... فقد وأبي رعناكم بالرّوائع
ونحن جلبنا الخيل من ألف فرسخ ... إليكم بمجمرّ من الموت ناقع
قال: فغضب ابن هبيرة من تعريضه به، وقال به: واللّه لو لا أنّي قد أمّنتك واستنشدتك لضربت عنقك.
__________
[1] كذا فيء، ط. وفي سائر النسخ: «قصمن» بالقاف، والفرق بين الفصم والقصم أن القصم كسر من غير بينونة، والقصم هو أن ينكسر الشيء فيبين.
[2] المنيح: اسم فرس قيس بن مسعود الشيبانيّ.
[3] المحفة: مركب من مراكب النساء كالهودج.
[4] في ح: «العباس بن محمد بن طائع».
[5] في ط. «نجمر لا نعطي الخ».
كانت له جارية سوداء فولدت ولدا فقال فيه شعرا
أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان أبو عبد [1] اللّه قال حدّثنا القاسم بن عبد الرحمن قال:
كانت للحكم بن عبدل جارية سوداء، وقد كان يميل إليها فولدت له ابنا أسود، فكان من أعرم [2] الصّبيان، فقال فيه:
يا ربّ خال لك مسودّ القفا ... لا يشتكي من رجله مسّ الحفا
كأنّ عينيه إذا تشوّفا ... عينا غراب فوق نيق [3] أشرفا
هجا عمر بن يزيد الأسدي لبخله
أخبرنا محمّد بن خلف بن المرزبان أبو عبد اللّه قال حدّثنا عبيد [4] اللّه بن محمد قال حدّثنا المدائنيّ قال:
كان عمر بن يزيد الأسديّ بخيلا على الطعام، فدخل عليه الحكم بن عبدل الشاعر وهو يأكل بطّيخا، فسلّم فلم يردّ عليه السّلام ولم يدعه إلى الطعام؛ فقال ابن عبدل يهجوه.
في عمر بن يزيد خلّتا دنس ... بخل وجبن ولو لا أيره سادا
جئناه يأكل بطّيخا على طبق ... فما دعانا أبو حفص ولا كادا
قال وكان عمر على شرطة الحجّاج وكان بخيلا جدا، فأصابه قولنج [5] فحقنه الطبيب بدهن كثير، فانحلّ ما في بطنه في الطّست، فقال للغلام: ما تصنع به؟ قال: أصبّه؛ قال: لا! ولكن ميّز منه الدّهن واستصبح به.
ابن عبدل ومحمد ابن عمير كاتب عبد الملك بن بشر
أخبرني عيسى بن الحسين الورّاق قال حدّثنا أبو هفّان قال:
كان لعبد الملك بن بشر بن مروان كاتب يقال له محمّد بن عمير وكان كلّما مدحه ابن عبدل بشيء وأمر له بجائزة دافعه بها وعارضه فيها، فدخل يوما إلى عبد الملك وكاتبه هذا يسارّه، فوقف وأنشأ يقول:
ألقيت نفسك في عروض [6] مشقّة ... وحصاد أنفك بالمناجل أهون
فبحقّ أمّك وهي غير حقيقة ... باللّين [7] واللّطف الذي لا يخزن [8]
__________
[1] كذا في أ، م. وفي سائر النسخ: «أبو بكر» وهو خطأ إذ أن كنيته في كتب «التراجم» أبو عبد اللّه، وسيأتي في هذه الصفحة «أبو عبد اللّه» باتفاق النسخ.
[2] من أعرم الصبيان: من أخبثهم يقال: عرم الصبيّ (بالفتح والضم والكسر) إذا خبث
[3] النيق بالكسر: أرفع موضع في الجبل.
[4] في ح: «عبد اللّه».
[5] القولنج: مرض معويّ مؤلم يعسر معه خروج الثفل والريح.
[6] العروض: الطريق في عرض الجبل في مضيق.
[7] في ح: «بالبر».
[8] كذا في ط. وفي أغلب الأصول: «لا يحزن».
لا تدن فاك إلى الأمير ونحّه ... حتى يداوي نتنه لك أهون [1]
إن كان للظّربان [2] حجر منتن ... فلجحر أنفك يا محمد أنتن
خطب امرأة فأبت فقال فيها شعرا يعيرها
أخبرني محمد بن عمران الصّيرفيّ قال حدّثنا العنزيّ قال حدّثني أحمد بن بكير الأسديّ عن محمد بن أنس السّلاميّ عن محمد بن سهل راوية الكميت قال:
خطب ابن عبدل امرأة من همدان [3] يقال لها: أمّ رياح [4] فلم تتزوّجه، فقال: أما واللّه لأفضحنّك ولأعيّرنك [5] فقال:
فلا خير في الفتيان بعد ابن عبدل ... ولا في الزواني بعد أمّ رياح
فأيري بحمد اللّه ماض مجرّب ... وأمّ رياح عرضة لنكاحي
ولد له ولد سماه بشرا تيمنا ببشر بن مروان
قال: فتحاماها الناس فما تزوّجت حتى أسنّت. وبهذا الإسناد عن محمد بن سهل قال: ولد للحكم بن عبدل ابن فسمّاه بشرا، ودخل على بشر بن مروان فأنشده:
سمّيت بشرا ببشر النّدى ... فلا تفضحنّي بتصداقها
إذا ما قريش البطا ... ح عند تجمّع آفاقها
تسامت قرومهم للنّدى ... تباري الرّياح بأوراقها [6]
فمالك أنفع أموالها ... وخلقك أكرم أخلاقها
فأمر له بألفي درهم، وقال: استعن بهذه على أمرك.
اقترض مالا فدفعه عنه عبد الملك ابن بشر
وبإسناده عن محمد بن سهل قال: اقترض ابن عبدل مالا من التّجار وحلف لهم بالطلاق ثلاثا أن يقضيهم المال عند طلوع الهلال، فلمّا بقي من الشهر يومان قال:
قد بات همّي قرنا أكابده ... كأنّما مضجعي على حجر
من رهبة أن يرى هلال غد ... فإن رأوه فحقّ لي حذري
__________
[1] كذا في أ، م، س. ولم نجد له في «كتب اللغة» التي بأيدينا معنى سوى أنه اسم رجل. وفي سائر النسخ: «أهرن» ولم نعثر له على معنى.
[2] الظربان: دويبة كالهرّة كثيرة الفسو منتنة.
[3] كذا في أغلب الأصول. وفي ب، س، ح: «همذان» بالذال المعجمة.
[4] كذا في ح بالياء المثناة. وفي سائر النسخ: «رباح» بالباء الموحدة (انظر الحاشية رقم 1 ص 324 من الجزء الأوّل).
[5] في ب، ء، ح، ط: «ولاعرنك». وعره: ساءه وسبه.
[6] أوراق جمع ورق وهو المال من إبل ودراهم وغيرها.
من فقد [1] بيضاء غادة كملت ... كأنها صورة من الصّور
أصبحت من أهلي الغداة ومن ... مالي على مثل ليلة الصّدر [2]
فبلغ خبره عبد الملك بن بشر فأعطاهم مالهم عليه وأضعفه له؛ فقال فيه:
لمّا أتاه الذي أصبت به ... وأنشدوه إيّاه في شعري
جاد بضعفي ما حلّ من غرمي ... عفوا فزالت حرارة الصّدر
لأشكرنّ الذي مننت به ... ما دمت حيّا وطال لي عمري
فضله الحجاج في الجائزة على الشعراء
وقال محمد بن سهل بهذا الإسناد: اجتمع الشعراء إلى الحجّاج وفيهم ابن عبدل، فقالوا للحجاج: إنما شعر ابن عبدل كلّه هجاء وشعر سخيف؛ فقال له: قد سمعت قولهم فاستمع منّي؛ قال هات فأنشده قوله:
وإنّي لأستغني فما أبطر [3] الغنى ... وأعرض ميسوري لمن يبتغي قرضي
وأعسر أحيانا فتشتدّ عسرتي ... فأدرك ميسور الغنى ومعي عرضي
حتى انتهى إلى قوله.
ولست بذي وجهين فيمن عرفته ... ولا البخل فاعلم من سمائي ولا أرضي
فقال له الحجاج: أحسنت! وفضّله في الجائزة عليهم بألفي [4] درهم.
أحد الاصوات المائة المختارة
صوت من المائة المختارة
أجدّ بعمرة غنيانها ... فتهجر أم شأننا شأنها
فإن تمس شطّت بها دارها ... وباح لك اليوم هجرانها
فما روضة من رياض القطا [5] ... كأنّ المصابيح حوذانها [6]
__________
[1] كذا في ح. وفي باقي الأصول: «و فقد» وهو تحريف.
[2] يقال: تركته على مثل ليلة الصدر، أي مضطربا كالناس حين يصدرون عن حجهم.
[3] البطر: الطغيان عند النعمة. ونصب الغنى على إسقاط الخافض، وبذلك أوّل قوله تعالى: (وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَها)
، قال صاحب «اللسان»: «و تأويله: بطرت في معيشتها، فحذف وأوصل. قال أبو إسحاق: نصب معيشتها بإسقاط في وعمل الفعل، وتأويله: «بطرت في معيشتها» ا ه.
[4] في ط: «بألف».
[5] ورد في «أشعار العرب» «رياض القطا» و «روض القطا» وقد ساق ياقوت في «معجم البلدان» عند اسم روضة القطا نبذة من هذه الأشعار، ثم نقل عن أبي جعفر محمد بن إدريس ما يدل على أنه من أرض اليمامة.
[6] الحوذان بالفتح: نبات سهليّ حلو طيب الطعم يرتفع قدر الذراع، له زهرة حمراء في أصلها صفرة وورقته مدوّرة.
بأحسن منها ولا مزنة ... دلوح تكشّف إدجانها
وعمرة من سروات النّسا ... ء تنفح بالمسك أردانها
أجدّ: أستمرّ. وغنيانها: استغناؤها. أم شأننا شانها: يقول أم هي على ما نحبّ. وشطّت: بعدت، قال ابن الأعرابيّ: يقال: شطّت وشطنت وشسعت وتشسّعت وبعدت ونأت وتزحزحت وشطرت؛ قال الشاعر:
لا تتركنّي فيهم شطيرا [1]
ومنه سمّي الشاطر [2]. وباح: ظهر؛ ومنه باحة الدار وأنشد:
أ تكتم حبّ سلمى [3] أم تبوح
والرّوضة: موضع فيه نبت وماء مستدير، وكذلك الحديقة. وقوله:
كأنّ المصابيح حوذانها
أراد كأنّ حوذانها المصابيح فقلب، والعرب تفعل ذلك؛ قال الأعشى:
كأنّ الجمر مثل ترابها
أراد كأنّ ترابها مثل الجمر. والمزنة: السحابة. والدّلوح: الثقيلة، يقال: مرّ يدلح بحمله إذا مرّ به مثقلا.
والدّجن: إلباس الغيم السحاب [4] برشّ وندى،/ يقال: أدجنت السماء؛ [و قوله: تكشّف إدجانها] [5] إذا انكشف السواد عنها، وذلك أحسن لها، وأراد مزنة بيضاء. والأردان: ما يلي الذراعين جميعا والإبطين من الكمّين.
الشعر لقيس بن الخطيم، والغناء لطويس خفيف ثقيل أوّل بإطلاق الوتر في مجرى الوسطى.
إلى هنا انتهى الجزء الثاني من كتاب الأغاني ويليه إن شاء الله تعالى الجزء الثالث منه، وأوّله:
ذكر قيس بن الخطيم وأخباره ونسبه
__________
[1] شطيرا: غريبا.
[2] الشاطر: هو من أعيا أهله خبثا. قال صاحب «اللسان»: وأراه مولدا، ووجه أخذه من شطر بمعنى بعد أنه يشطر عن أهله أي ينزح عنهم ويتركهم مراغما أو مخالفا.
[3] في ح: «ليلى».
[4] كذا في أغلب الأصول. وفي ط: «إلباس الغيم برش وندى» بدون كلمة السحاب وفي «اللسان» في مادة «دجن» والدجن: إلباس الغيم الأرض، وقيل: إلباسه أقطار السماء.
[5] زيادة فيء، ط. وهي تكملة يتطلبها السياق.
فهرس موضوعات الجزء الثاني
الموضوع الصفحة
1 - بيان 327
2 - أخبار مجنون بني عامر ونسبه 329
3 - ذكر عديّ بن زيد ونسبه وقصته ومقتله 393
4 - خبر الحطيئة ونسبه 431
5 - أخبار ابن عائشة ونسبه 463
6 - أخبار ابن أرطأة ونسبه 490
7 - أخبار ابن ميادة ونسبه 503
8 - أخبار حنين الحيريّ ونسبه 560
9 - ذكر الغريض وأخباره 573
10 - أخبار الحكم بن عبدل ونسبه 603 - 619
11 - فهرس الموضوعات 621
الجزء الثالث
تتمة التراجم
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ*
(الجزء الثالث من كتاب الأغاني)
17 - ذكر قيس بن الخطيم وأخباره ونسبه
نسبه:
هو قيس بن الخطيم [1] بن عديّ بن عمرو بن سود [2] بن ظفر، ويكنى قيس أبا يزيد.
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا محمد بن موسى بن حمّاد [قال حدّثنا حماد] [3] بن إسحاق عن أبيه قال:
أنشد ابن أبي عتيق قول قيس بن الخطيم:
بين شكول [4] النساء خلقتها ... حذوا [5] فلا جبلة [6] ولا قضف [7]
/فقال: لو لا أن أبا يزيد قال: حذوا ما درى الناس كيف يحشون [8] هذا الموضع.
أخذه بثأر أبيه وجدّه واستعانته في ذلك بخداش بن زهير:
وكان أبوه الخطيم قتل وهو صغير، قتله رجل من بني حارثة بن الحارث بن الخزرج، فلما بلغ قتل قاتل أبيه، ونشبت لذلك حروب بين قومه وبين الخزرج وكان سببها.
فأخبرني عليّ بن سليمان الأخفش قال أخبرني أحمد بن يحيى ثعلب عن ابن الأعرابيّ عن المفضّل قال:
كان سبب قتل الخطيم أنّ رجلا من بني حارثة بن الحارث بن الخزرج يقال له مالك اغتاله فقتله، وقيس يومئذ صغير، وكان عديّ أبو الخطيم أيضا قتل [قبله] [9]، قتله رجل من عبد القيس [10]، فلما بلغ قيس بن الخطيم وعرف أخبار قومه وموضع ثأره لم يزل يلتمس غرّة من قاتل أبيه وجدّه في/ المواسم حتى ظفر بقاتل أبيه بيثرب فقتله، وظفر
__________
[1] سمى أبوه الخطيم لضربة كانت خطمت أنفه كما في «ديوانه» طبع ليپزج سنة 1914 ص 1.
[2] في أ، م وهامش ط: «سعد». وفي «خزانة الأدب» للبغدادي ج 3 ص 168: «سواد».
[3] هذه الجملة في ط، أ، م، ء. وساقطة من باقي النسخ.
[4] الشكول: الضروب.
[5] الحذو: التقدير، ومنه حذو النعل بالنعل أي تقديرها على مثالها، يريد أنها بين ضروب النساء وسط لا هي بالسمينة ولا بالمهزولة.
وفي «ديوانه» و «اللسان» مادتي قضف وجبل: «قصد» وسيأتي بهذه الرواية في «الأغاني» غير مرة.
[6] كذا في «ديوانه» و «اللسان» مادتي قصف وجبل ونسختي ط، ء. والجبلة: الغليظة، من جبل كفرح فهو جبل وجبل. وفي ب، س:
«جثلة» والجثلة: الضخمة.
[7] القضف: دقة اللحم، وهو وصف بالمصدر.
[8] كذا في ى، ط، أ. وهي محرفة في سائر النسخ.
[9] زيادة في م، أ.
[10] كذا في أغلب النسخ. وفي ب، س، ح، «بني عبد القيس».
بقاتل جدّه بذي المجاز [1]، فلما أصابه وجده في ركب عظيم من قومه، ولم يكن معه إلا رهط من الأوس، فخرج حتى أتى حذيفة بن بدر الفزاريّ، فاستنجده فلم ينجده، فأتى خداش بن زهير فنهض معه ببنى عامر حتى أتوا قاتل عديّ، فإذا هو واقف على راحلته في السّوق، فطعنه قيس بحربة فقتله، ثم استمرّ. فأراده رهط الرجل، فحالت بنو عامر دونه؛ فقال في ذلك قيس بن الخطيم:
ثأرت عديّا والخطيم فلم أضع ... ولاية أشياخ جعلت [2] إزاءها
ضربت بذي الزّجّين [3] ربقة [4] مالك ... فأبت بنفس قد أصبت شفاءها
وسامحني [5] فيها ابن عمرو بن عامر ... خداش فأدّى نعمة وأفاءها
طعنت ابن عبد القيس طعنة ثائر ... لها نفذ لو لا الشّعاع [6] أضاءها
ملكت [7] بها كفّي فأنهرت [8] فتقها ... يرى قائم من دونها ما وراءها
هذه رواية ابن الأعرابيّ عن المفضّل. وأما ابن الكلبيّ فإنه ذكر أن رجلا من قريش أخبره عن أبي عبيدة أن محمد بن عمّار بن ياسر، وكان عالما بحديث الأنصار، قال:
كان من حديث قيس بن الخطيم أن جدّه عديّ بن عمرو قتله رجل من بني عمرو بن عامر بن ربيعة بن عامر بن صعصعة يقال له مالك، وقتل أباه الخطيم بن عديّ رجل من عبد القيس [9] ممن يسكن هجر؛ وكان قيس يوم قتل أبوه صبيا صغيرا، وقتل الخطيم قبل أن يثأر بأبيه عديّ؛ فخشيت أمّ قيس على ابنها أن يخرج فيطلب بثأر أبيه وجده فيهلك، فعمدت إلى كومة من تراب عند باب دارهم، فوضعت عليها أحجارا تقول لقيس: هذا قبر أبيك وجدّك، فكان قيس لا يشكّ أن/ ذلك على ذلك. ونشأ أيّدا شديد الساعدين، فنازع يوما فتى من فتيان بني ظفر، فقال له ذلك الفتى: واللّه لو جعلت شدّة ساعديك على قاتل أبيك وجدّك لكان خيرا لك من أن تخرجها عليّ؛ فقال: ومن قاتل أبي وجدي؟ قال: سل أمّك تخبرك؛ فأخذ السيف ووضع قائمه على الأرض وذبابه [10] بين ثدييه وقال لأمه:
أخبريني من قتل أبي وجدّي؟ قالت: ماتا كما يموت الناس وهذان قبراهما بالفناء؛ فقال: واللّه لتخبرينني [11] من قتلهما أو لأتحاملنّ على هذا السيف حتى يخرج من ظهري؛ فقالت: أمّا جدّك فقتله رجل من بني عمرو بن عامر بن
__________
[1] ذو المجاز: موضع بعرفة، وكانت تقام فيه في الجاهلية سوق من أسواق العرب.
[2] جعلت إزاءها: جعلت القيم عليها، يقال: هو إزاء مال أي يقوم عليه ويتعهده.
[3] في «ديوانه» وط، ء: «بذي الزرين». والزر: حد السيف. والزج: الحديدة في أسفل الرمح. وقد ذكرت في شرح ديوانه رواية أخرى:
«بذي الخرصين» وربما رجحها ما سيأتي بعد من حكاية قيس مع خداش وكيف كان قتله لمالك قاتل جده.
[4] الربقة: العروة، يريد موضعها.
[5] سامحني: تابعني ووافقني.
[6] النفذ: الثقب. والشعاع: حمزة الدم. ويروى: «الشعاع» بفتح الشين وهو انتشار الدم. يريد: لو لا الدم لأضاءها النفذ حتى تستبين.
[7] ملكت: شددت وضبطت.
[8] أنهرت: أوسعت.
[9] انظر الحاشية رقم 3 ص 2 من هذا الجزء.
[10] ذباب السيف: طرفه الذي يضرب به.
[11] كذا في الأصول: من غير توكيد وهذا الوجه يجيزه الكوفيون، والبصريون يوجبون توكيد الفعل في مثل هذا الموضع بالنون (انظر «الأشموني» ج 2 ص 437 طبع بولاق).
ربيعة يقال له مالك، وأما أبوك فقتله رجل من عبد القيس [1] ممن يسكن هجر؛ فقال: واللّه لا أنتهي حتى أقتل قاتل أبي وجدّي؛ فقالت: يا بنيّ إن مالكا قاتل جدّك من قوم خداش بن زهير، ولأبيك عند خداش نعمة هو لها شاكر، فأته فاستشره في أمرك واستعنه يعنك؛ فخرج قيس من ساعته حتى أتى ناضحه [2] وهو يسقي نخله، فضرب الجرير [3] بالسيف فقطعه، فسقطت الدلو في البئر، وأخذ برأس الجمل فحمل عليه غرارتين من تمر، وقال: من يكفيني أمر هذه العجوز؟ (يعني أمّه) فإن متّ أنفق عليها من هذا الحائط [4] حتى تموت ثم هو له، وإن عشت فمالي عائد إليّ وله منه ما شاء أن يأكل من تمره [5]؛ فقال رجل من قومه: أنا له، فأعطاه الحائط ثم خرج يسأل عن خداش بن زهير حتى دلّ عليه بمرّ الظّهران [6]،/فصار إلى خبائه فلم يجده، فنزل تحت شجرة يكون تحتها أضيافه، ثم نادى امرأة خداش: هل من طعام؟ فأطلعت إليه فأعجبها جماله، وكان من أحسن الناس وجها؛/ فقالت: واللّه ما عندنا من نزل [7] نرضاه لك إلا تمرا؛ فقال: لا أبالي، فأخرجي ما كان عندك؛ فأرسلت إليه بقباع [8] فيه تمر، فأخذ منه تمرة فأكل شقّها وردّ شقّها الباقي في القباع، ثم أمر بالقباع فأدخل على امرأة خداش بن زهير، ثم ذهب لبعض حاجاته. ورجع خداش فأخبرته امرأته خبر قيس، فقال: هذا رجل متحرّم [9]. وأقبل قيس راجعا وهو مع امرأته يأكل رطبا؛ فلما رأى خداش رجله وهو على بعيره قال لامرأته: هذا ضيفك؟ قالت: نعم؛ قال: كأن قدمه قدم الخطيم صديقي اليثربيّ؛ فلما دنا منه قرع طنب البيت بسنان رمحه واستأذن، فأذن له خداش فدخل إليه، فنسبه [10] فانتسب [11] وأخبره بالذي جاء له، وسأله أن يعينه وأن يشير عليه في أمره؛ فرحّب به خداش وذكر نعمة أبيه عنده، وقال: إن هذا الأمر ما زلت أتوقّعه منك منذ حين. فأمّا قاتل جدّك فهو ابن عم لي وأنا أعينك عليه، فإذا اجتمعنا في نادينا جلست إلى جنبه وتحدّثت معه، فإذا ضربت فخذه فثب إليه فاقتله. فقال قيس: فأقبلت معه نحوه حتى قمت على رأسه لمّا جالسه خداش، فحين ضرب فخذه ضربت رأسه بسيف يقال له: ذو الخرصين، فثار إليّ القوم ليقتلوني، فحال خداش بينهم وبيني وقال: دعوه فإنه واللّه ما قتل إلا قاتل جدّه. ثم دعا خداش بجمل من إبله فركبه، وانطلق مع قيس إلى العبدي الذي قتل أباه، حتى إذا كانا قريبا من هجر أشار عليه خداش أن ينطلق حتى يسأل عن قاتل أبيه، فإذا دلّ عليه قال له: إن لصّا من لصوص قومك عارضني فأخذ متاعا لي، فسألت من سيد قومه فدللت عليك، فانطلق معي حتى تأخذ متاعي منه؛ فإن اتّبعك وحده فستنال/ ما تريد منه، وإن أخرج [12] معه غيره فاضحك، فإن سألك ممّ ضحكت فقل: إن الشريف عندنا لا يصنع كما صنعت إذا دعي إلى اللص من قومه، إنما
__________
[1] انظر الحاشية رقم 3 ص 2 من هذا الجزء.
[2] الناضح: البعير يستقى عليه الماء.
[3] الجرير: الحبل.
[4] الحائط: البستان.
[5] في أ، م، ء: «ثمره» بالثاء المثلثة.
[6] الظهران: واد قرب مكة عنده قرية يقال لها «مر» تضاف إليه فيقال مر الظهران.
[7] النزل: ما يهيأ للضيف من قرى.
[8] القباع: المكيال الضخم.
[9] متحرّم: له عندنا حرمة وذمة.
[10] نسبه: طلب إليه أن ينتسب.
[11] في ب، س: «فانتسب إليه».
[12] كذا في ط، ء. وفي سائر النسخ: «معك» والسياق يرجح الأول.
يخرج وحده بسوطه دون سيفه، فإذا رآه اللص أعطى [1] كل شيء أخذ هيبة له، فإن أمر أصحابه بالرجوع فسبيل ذلك، وإن أبى إلّا أن يمضوا معه فأتني به، فإني أرجو أن تقتله وتقتل أصحابه. ونزل خداش تحت ظل شجرة، وخرج قيس حتى أتى العبديّ فقال له ما أمره خداش فأحفظه، فأمر أصحابه فرجعوا ومضى مع قيس؛ فلما طلع على خداش، قال له: اختر يا قيس إما أن أعينك وإما أن أكفيك؛ قال: لا أريد واحدة منهما، ولكن إن قتلني فلا يفلتنّك؛ ثم ثار إليه [2] فطعنه قيس بالحربة في خاصرته فأنفذها من الجانب الآخر فمات مكانه، فلما فرغ منه قال له خداش: إنا إن فررنا الآن طلبنا قومه، ولكن ادخل بنا مكانا قريبا من مقتله، فإن قومه لا يظنون أنك قتلته وأقمت قريبا منه [3]، ولكنهم إذا افتقدوه اقتفوا أثره، فإذا وجدوه قتيلا خرجوا في طلبنا في كل وجه، فإذا يئسوا رجعوا.
قال: فدخلا في دارات من رمال هناك، وفقد العبديّ قومه فاقتفوا أثره فوجدوه قتيلا، فخرجوا يطلبونهما في كل وجه ثم رجعوا، فكان من أمرهم ما قال خداش. وأقاما مكانهما أياما ثم خرجا، فلم يتكلما حتى أتيا منزل خداش، ففارقه عنده/ قيس بن الخطيم ورجع إلى أهله. ففي ذلك يقول قيس:
تذكّر ليلى حسنها وصفاءها ... وبانت فما إن يستطيع لقاءها
ومثلك قد أصبيت ليست بكنّة [4] ... ولا جارة أفضت إليّ خباءها [5]
/إذا ما اصطبحت أربعا خطّ مئزري [6] ... وأتبعت دلوي في السّماح رشاءها [7]
ثأرت عديّا والخطيم فلم أضع ... وصيّة [8] أشياخ جعلت إزاءها
وهي قصيدة طويلة.
استنشد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم شعره وأعجب بشجاعته:
أخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن عمّار قال حدّثني يعقوب بن إسرائيل قال حدّثنا زكريا بن يحيى المنقريّ قال حدّثنا زياد بن بيان [9] العقيليّ قال حدّثنا أبو خولة الأنصاريّ عن أنس بن مالك قال:
جلس رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في مجلس ليس فيه إلا خزرجيّ ثم استنشدهم قصيدة قيس بن الخطيم، يعني قوله:
أتعرف رسما كاطّراد [10] المذاهب ... لعمرة وحشا غير موقف راكب
فأنشده بعضهم إياها، فلما بلغ إلى قوله:
__________
[1] كذا في أغلب النسخ. وفي ب، س، ح: «أعطاه ... أخذه».
[2] في ط، ح، ء: «نازله».
[3] في أ، م: «منهم».
[4] الكنة: امرأة الابن أو الأخ.
[5] في «ديوانه»: «حياءها» يريد أنه ليس بينه وبينها ستر.
[6] يريد أنه إذا شرب أربعا اختال حتى جرّ ثوبه من الخيلاء.
[7] يريد أنه بلغ في السماح منتهاه. يقال: أتبع الدلو رشاءها وأتبع الفرس لجامها إذا بذل آخر مجهوده.
[8] رويت في صفحة 3 من هذا الجزء: «ولاية».
[9] في ط، ى: «بنان» بالنون.
[10] الأطراد: التتابع. والمذاهب: واحدها مذهب وهو جلد تجعل فيه خطوط مذهبة بعضها في أثر بعض.
أجالدهم يوم الحديقة [1] حاسرا ... كأن يدي بالسيف مخراق [2] لاعب
فالتفت إليهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: «هل كان كما ذكر»؛ فشهد له ثابت بن قيس بن شمّاس وقال له: والذي بعثك بالحق يا رسول اللّه، لقد خرج إلينا يوم سابع عرسه عليه غلالة وملحفة مورّسة [3] فجالدنا كما ذكر. هكذا في هذه الرواية.
/ وقد أخبرني الحسن بن علي قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثني عمي مصعب قال:
لم تكن بينهم في هذه الأيام حروب إلا في يوم بعاث [4] فإنه كان عظيما، وإنما كانوا يخرجون فيترامون بالحجارة ويتضاربون بالخشب.
قال الزّبير وأنشدت محمد بن فضالة قول قيس بن الخطيم:
أجالدهم يوم الحديقة حاسرا ... كأن يدي بالسيف مخراق لاعب
فضحك وقال: ما اقتتلوا يومئذ إلا بالرطائب والسّعف.
قال أبو الفرج: وهذه القصيدة التي استنشدهم إياها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من جيّد شعر قيس بن الخطيم، ومما أنشده نابغة بني ذبيان فاستحسنه وفضّله وقدّمه من أجله.
أنشد النابغة من شعره فاستجاده:
أخبرنا الحسن بن عليّ قال حدّثنا أحمد بن زهير قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال قال أبو غزيّة قال حسّان بن ثابت:
قدم النابغة المدينة فدخل السّوق فنزل عن راحلته، ثم جثا على ركبتيه، ثم اعتمد على عصاه، ثم أنشأ يقول:
عرفت منازلا بعريتنات [5] ... فأعلى الجزع للحيّ المبنّ [6]
/فقلت: هلك الشيخ ورأيته قد تبع قافية منكرة. قال ويقال: إنه قالها في موضعه، فما زال ينشد حتى أتى على آخرها، ثم قال: ألا رجل ينشد؟ فتقدّم قيس بن الخطيم فجلس بين يديه وأنشده:
أتعرف رسما كاطّراد المذاهب
حتى فرغ منها؛ فقال: أنت أشعر الناس يابن أخي. قال حسان: فدخلني منه، وإنّي في ذلك لأجد القوّة في نفسي عليهما [7]، ثم تقدّمت فجلست بين يديه؛ فقال: أنشد فو اللّه إنك لشاعر قبل أن تتكلّم، قال: وكان يعرفني قبل ذلك، فأنشدته؛ فقال أنت أشعر الناس. قال الحسن [8] بن موسى: وقالت الأوس: لم يزد قيس بن/ الخطيم النابغة على:
__________
[1] الحديقة: قرية من أعراض المدينة في طريق مكة، كانت بها وقعة بين الأوس والخزرج قبل الإسلام (كذا في ياقوت).
[2] المخراق: خرقة مفتولة يلعب بها الصبيان، وتسمى في مصر «بالطرة».
[3] مورّسة: مصبوغة بالورس وهو نبات أصفر تصبغ به الثياب ويتخذ منه طلاء للوجه.
[4] بعاث: موضع في نواحي المدينة، كانت به وقائع بين الأوس والخزرج في الجاهلية
[5] عريتنات: واد ذكره ياقوت في «معجمه»، واستشهد بأبيات لداود بن شكم أولها:
معرّسنا ببطن عريتنات ... ليجمعنا وفاطمة المسير
[6] المبن: المقيم.
[7] كذا في أ، م. وفي سائر النسخ: «عليهم».
[8] كذا في ح. وفي سائر النسخ: «حسين» وسيأتي قريبا «الحسن» باتفاق النسخ.
أتعرف رسما كاطّراد المذاهب
- نصف البيت - حتى قال أنت أشعر الناس.
صفاته الجثمانية:
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا أحمد بن زهير قال حدّثنا الزّبير قال قال سليمان بن داود المجمّعيّ:
كان قيس بن الخطيم مقرون الحاجبين أدعج [1] العينين أحمر الشفتين برّاق الثّنايا كأن بينها برقا، ما رأته حليلة رجل قطّ إلّا ذهب عقلها.
أمر حسان الخنساء بهجوه فأبت:
أخبرني الحسن قال حدّثنا محمد قال حدّثنا الزّبير قال حدّثني حسن بن موسى عن سليمان بن داود المجمّعيّ قال:
/ قال حسّان بن ثابت للخنساء: أهجي قيس بن الخطيم؛ فقالت: لا أهجو أحدا أبدا حتى أراه. قال:
فجاءته يوما فوجدته في مشرقة [2] ملتفّا في كساء له، فنخسته برجلها وقالت: قم، فقام؛ فقالت: أدبر، فأدبر؛ ثم قالت: أقبل، فأقبل. قال: واللّه لكأنها تعترض عبدا تشتريه، ثم عاد إلى حاله نائما؛ فقالت: واللّه لا أهجو هذا أبدا.
عرض عليه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الإسلام فاستنظره حتى يقدم المدينة:
قال الزّبير وحدّثني عمّي مصعب قال:
كانت عند قيس بن الخطيم حوّاء بنت يزيد بن سنان بن كريز بن زعوراء [3] فأسلمت، وكانت تكتم قيس بن الخطيم إسلامها، فلما قدم قيس مكة عرض عليه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الإسلام، فاستنظره قيس حتى يقدم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم المدينة؛ فسأله رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم أن يجتنب زوجته حواء بنت يزيد، وأوصاه بها خيرا، وقال له: إنها قد أسلمت؛ ففعل قيس وحفظ وصيّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم؛ فبلغ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال: «و في الأديعج».
قال أبو الفرج وأحسب هذا غلطا من مصعب، وأن صاحب هذه القصة قيس بن شمّاس، وأما قيس بن الخطيم فقتل قبل الهجرة.
قتله الخزرج بعد هدأة الحرب بينهم وبين الأوس:
أخبرني علي بن سليمان الأخفش النحويّ عن أبي سعيد السّكّريّ عن محمد بن حبيب عن ابن الأعرابيّ عن المفضّل:
/ أن حرب الأوس والخزرج لما هدأت، تذكرت الخزرج قيس بن الخطيم ونكايته فيهم، فتوامروا [4]
__________
[1] الدعج في العين: شدة سوادها مع سعتها.
[2] كذا في ط، ء، ح. والمشرقة مثلثة الراء: موضع القعود في الشمس بالشتاء. وفي سائر النسخ: «مشربة» وهي (بفتح الراء وضمها):
الغرفة التي يشرب فيها، وقيل: هي كالصفة بين يدي الغرفة.
[3] كذا في أغلب النسخ. وفي ب، س، ء. «زعواء» ولم نجد أنه سمي به.
[4] توامروا: لغة غير فصيحة في تامروا بمعنى تشاوروا. وفي هامش ط: «فتذامروا» بالذال المعجمة ومعناه تحاضّوا على القتال.
وتواعدوا قتله؛ فخرج عشيّة من منزله في ملاءتين يريد مالا له بالشّوط [1] حتى مرّ بأطم [2] بني حارثة، فرمي من الأطم بثلاثة أسهم، فوقع أحدها في صدره، فصاح صيحة سمعها رهطه، فجاؤوا فحملوه إلى منزله، فلم يروا له كفئا إلا أبا صعصعة يزيد بن عوف بن مدرك النّجّاريّ، فاندسّ إليه رجل حتى اغتاله في منزله، فضرب عنقه واشتمل على رأسه، فأتى به قيسا وهو بآخر رمق، فألقاه بين يديه وقال: يا قيس قد أدركت بثأرك؛ فقال: عضضت بأير أبيك إن كان غير أبي صعصعة! فقال: هو أبو صعصعة، وأراه الرأس! فلم يلبث قيس بعد ذلك أن مات.
مهاجاته حسان بن ثابت:
وهذا الشعر أعني:
أجدّ بعمرة غنيانها
فيما قيل يقوله قيس في عمرة بنت رواحة، وقيل: بل قاله في عمرة: امرأة كانت لحسّان بن ثابت، وهي عمرة بنت صامت بن خالد. وكان حسّان ذكر [3] ليلى بنت الخطيم في شعره، فكافأه قيس بذلك، وكان هذا في حربهم التي يقال لها يوم الرّبيع [4].
فأخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا أحمد بن زهير قال أخبرنا الزّبير قال حدّثني مصعب قال:
/ مرّ حسّان بن ثابت بليلى بنت الخطيم - وقيس بن الخطيم أخوها بمكة حين خرجوا يطلبون الحلف في قريش - فقال لها حسان: اظعني فالحقي بالحيّ فقد ظعنوا، وليت شعري/ ما خلّفك وما شأنك: أقلّ ناصرك أم راث رافدك [5]؟ فلم تكلّمه وشتمه نساؤها؛ فذكرها في شعره في يوم الربيع الذي يقول فيه:
لقد هاج نفسك أشجانها ... وعاودها اليوم أديانها [6]
تذكرت ليلى وأنّي بها ... إذا قطّعت منك أقرانها [7]
وحجّل [8] في الدار غربانها ... وخفّ من الدار سكّانها
وغيّرها معصرات الرّياح ... وسحّ الجنوب وتهتانها
مهاة من العين تمشي بها ... وتتبعها ثمّ غزلانها
وقفت عليها فساءلتها ... وقد ظعن الحيّ: ما شأنها
فعيّت وجاوبني دونها ... بما راع قلبي أعوانها
__________
[1] الشوط: بستان بالمدينة، كذا ذكره ياقوت في «معجمه» واستشهد بأبيات لقيس بن الخطيم منها:
وبالشوط من يثرب أعبد ... ستهلك في الخمر أثمانها
[2] الأطم: الحصن.
[3] في ب، س، ح: «يذكر».
[4] يوم الربيع: يوم من أيام الأوس والخزرج. والربيع موضع من نواحي المدينة.
[5] كذا في أ، م. ورفده: أعانه. وفي سائر النسخ: «وافدك» بالواو.
[6] الأديان: جمع دين وهو الداء، يريد داء حبه القديم.
[7] الأقران: جمع قرن وهو الحبل.
[8] حجل بالتشديد كحجل بالتخفيف. والحجل: أن يرفع رجلا ويقفز على الأخرى، ويكون برجلين جميعا، إلا أنه قفز وليس بمشي.
وهي طويلة. فأجابه قيس بن الخطيم بهذه القصيدة التي أوّلها:
أجدّ بعمرة غنيانها
وفخر فيها بيوم الرّبيع وكان لهم فقال:
ونحن الفوارس يوم الرّبي ... ع قد علموا كيف فرسانها
حسان الوجوه حداد السيو ... ف يبتدر المجد شبّانها
وهي أيضا طويلة.
غنت عزة الميلاء النعمان بن بشير بشعره:
أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدّثنا عمر بن شبّة قال أخبرنا الأصمعيّ قال حدّثني شيخ قدم من المدينة [1]، وأخبرني إسماعيل بن يونس قال حدّثنا عمر بن شبة قال حدّثنا أبو غسّان عن أبي السائب المخزوميّ، وأخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد عن أبيه قال ذكر لي عن جعفر بن محرز [2] السّدوسيّ، قالوا [3]:
دخل النّعمان بن بشير الأنصاريّ المدينة أيام يزيد بن معاوية وابن الزّبير، فقال: واللّه لقد أخفقت [4] أذناي من الغناء فأسمعوني؛ فقيل له: لو وجّهت إلى عزّة فإنها من [5] قد عرفت! قال: إي وربّ البيت، إنها [6] لمن يزيد النفس طيبا والعقل شحذا، ابعثوا إليها عن رسالتي، فإن أبت صرنا إليها؛ فقال له بعض القوم: إن النّقلة تشتدّ عليها لثقل بدنها وما بالمدينة دابة تحملها؛ فقال النعمان: وأين النجائب عليها الهوادج! فوجّه إليها بنجيب فذكرت علّة، فلما عاد الرسول إلى النعمان قال لجليسه أنت كنت أخبر بها، قوموا بنا؛ فقام هو مع خواصّ أصحابه حتى طرقوها، فأذنت وأكرمت واعتذرت، فقبل النعمان عذرها وقال: غنّيني، فغنته:
أجدّ بعمرة غنيانها ... فتهجر أم شأننا شأنها
فأشير إليها أنها أمّه فسكتت؛ فقال: غنّيني فو اللّه ما ذكرت إلا كرما وطيبا! لا تغنّيني سائر اليوم غيره؛ فلم تزل تغنّيه هذا اللحن فقط حتى انصرف.
وتذاكروا هذا الحديث عند الهيثم بن عديّ، فقال: ألا أزيدكم فيه طريفة [7]! قلنا بلى يا أبا عبد الرحمن؛ قال قال لقيط: كنت عند سعيد الزّبيريّ قال سمعت عامرا الشعبيّ/ يقول: اشتاق النّعمان بن بشير إلى الغناء فصار إلى منزل عزّة، فلما انصرف إذا امرأة بالباب منتظرة له، فلما خرج شكت إليه كثرة غشيان زوجها إياها؛ فقال لها النعمان بن بشير: لأقضينّ بينكما بقضية لا تردّ عليّ، قد أحلّ اللّه له/ من النساء مثنى وثلاث ورباع، فله امرأتان
__________
[1] في بعض النسخ: «شيخ قديم من أهل المدينة».
[2] في ح، ء: «محمد».
[3] في ب، س، ح: «قال».
[4] يريد: أوحشت أذناي من الغناء لطول عهدها به.
[5] في ب، س: «ممن».
[6] كذا فيء، ط. وفي سائر النسخ: «لمن».
[7] كذا في أ، ط، ء. وفي سائر النسخ: «طريقة» بالقاف.
بالنهار وامرأتان بالليل. فهذا يدلّ على أن المعنيّة بهذا الشعر عمرة بنت رواحة [1].
وأما ما ذكر أنه عنى عمرة امرأة حسان بن ثابت، فأخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا أحمد بن زهير قال حدّثنا الزّبير بن بكّار عن عمه:
أن قيس بن الخطيم لما ذكر حسّان أخته ليلى في شعره ذكر امرأته عمرة، وهي التي يقول فيها حسان:
أزمعت عمرة صرما فابتكر
حسان بن ثابت وزوجه عمرة بنت الصامت وما قاله فيها من الشعر بعد طلاقها:
أخبرني الحسن قال حدّثنا أحمد قال حدّثنا الزّبير قال حدّثني عمّي مصعب قال:
تزوّج حسّان بن ثابت عمرة بنت الصامت بن خالد بن عطية الأوسيّة ثم إحدى بني عمرو بن عوف، فكان كل واحد منهما معجبا بصاحبه، وإن الأوس أجاروا مخلّد بن الصامت الساعديّ فقال في ذلك أبو قيس بن الأسلت:
أجرت مخلّدا ودفعت عنه ... وعند اللّه صالح ما أتيت
فتكلم حسان في أمره بكلام أغضب عمرة، فعيّرته بأخواله وفخرت عليه بالأوس؛ فغضب لهم فطلقها، فأصابها من ذلك ندم وشدّة؛ وندم هو بعد فقال:
صوت
أزمعت [2] عمرة صرما فابتكر ... إنما يدهن [3] للقلب الحصر [4]
لا يكن حبّك حبّا ظاهرا ... ليس هذا منك يا عمر بسرّ
سألت حسّان من أخواله ... إنما يسأل بالشيء الغمر [5]
قلت أخوالي بنو كعب إذا ... أسلم الأبطال عورات الدّبر
يريد يدهن القلب، فأدخل اللام زائدة للضرورة. عمر: ترخيم عمرة. والسر: الخالص الحسن. غنّت في هذه الأبيات عزّة الميلاء ثاني ثقيل بالبنصر من رواية حبش.
وتمام القصيدة:
ربّ خال لي لو أبصرته ... سبط المشية في اليوم الخصر [6]
عند هذا الباب إذ ساكنه ... كلّ وجه حسن النّقبة [7] حرّ
__________
[1] لأنها أم النعمان بن بشير (انظر «طبقات ابن سعد» طبع أوروبا ج 8 ص 262 و «الإصابة» طبع مطبعة السعادة ج 8 ص 146).
[2] رواية «الديوان» وط، ء، أ: «أجمعت».
[3] يدهن: ينافق ويصانع.
[4] الحصر: الضيق.
[5] الغمر مثلثة: من لم يجرب الأمور والجاهل الأبله.
[6] الخصر: البارد. يريد أنه يسعى على الناس لا يقعد عنهم في اليوم البارد المجدب. وفي «اللسان» مادة سبط: «سبط الكفين» وهو السمح الجواد. وفي هذه القصيدة سناد التوجيه وهو تغير حركة ما قبل الرويّ المفيد (أي الساكن) بفتحة مع غيرها من ضمة أو كسرة، وهو أقبح أنواع السناد عند الخليل.
[7] النقبة بالضم: اللون، وبالكسر هيئة الانتقاب.
يوقد النار إذا ما أطفئت ... يعمل القدر بأثباج الجزر [1]
/من يغرّ الدهر أو يأمنه ... من قبيل [2] بعد عمرو وحجر [3]
ملكا من جبل الثلج إلى ... جانبي أيلة [4] من عبد وحرّ
ثم كانا خير من نال النّدى ... سبقا الناس بإقساط [5] وبرّ
فارسي خيل إذا ما أمسكت ... ربّة الخدر بأطراف السّتر
أتيا فارس في دارهم ... فتناهوا بعد إعصار [6] بقرّ
ثم نادوا يالغسّان اصبروا ... إنه يوم مصاليت [7] صبر
اجعلوا معقلها أيمانكم ... بالصّفيح المصطفى غير الفطر [8]
بضراب تأذن [9] الجنّ له ... وطعان مثل أفواه الفقر [10]
ولقد يعلم من حاربنا ... أننا ننفع قدما ونضرّ
صبر للموت إن حلّ بنا ... صادقو البأس غطاريف فخر
/ وأقام العزّ فينا والغنى ... فلنا فيه على الناس الكبر [11]
/منهم أصلي فمن يفخر به ... يعرف [12] الناس بفخر المفتخر
نحن أهل العزّ والمجد معا ... غير أنكاس [13] ولا ميل عسر
فاسألوا عنا وعن أفعالنا ... كلّ قوم عندهم علم الخبر
قال الزبير فحدّثني عمّي قال: ثم إن حسّان بن ثابت مرّ يوما بنسوة فيهن عمرة بعد ما طلّقها، فأعرضت عنه وقالت لامرأة منهنّ: إذا حاذاك هذا الرجل فاسأليه من هو وانسبيه وانسبي أخواله وهي متعرّضة له، فلما حاذاهنّ
__________
[1] أثباج الجزر: أوساطها، يقول: إذا أطفئت نيران الناس من الجدب أوقد ناره وأطعم.
[2] كذا فيء، ط، و «ديوان حسان بن ثابت» المطبوع بليدن. وفي سائر النسخ: «من قتيل» بالتاء.
[3] عمرو هو - كما في «شرح ديوان حسان» - : عمرو بن الحارث بن عمرو بن عديّ بن حجر بن الحارث. وحجر، كما في «اللسان» مادة حجر، هو حجر بن النعمان بن الحارث بن أبي شمر، وكلاهما من ملوك غسان.
[4] في «شرح ديوان حسان»: جبل الثلج بدمشق، وأيلة ما بين الحجاز والشام.
[5] الإقساط: العدل.
[6] الإعصار: الزوبعة. وفي «ديوانه»: «إعصام» وفسره بالاستمساك، والقر: الاستقرار. وفي م، ء، ط: «بعد ما صابت بقر». وصابت من الصوب وهو النزول. أي نزل الأمر في قراره فلا يستطاع له تحويل. وهو مثل يضرب للشدّة إذا نزلت بقوم.
[7] المصاليت: جمع مصلات وهو الشجاع.
[8] الفطر: جمع فطير، والفطير من السيوف: المتشلم.
[9] تأذن: تستمع.
[10] الفقر: جمع فقير وهو مخرج الماء من فم القناة.
[11] الكبر بضم فسكون أو كسر فسكون: الشرف، وقد حركت الباء هنا لضرورة الشعر، إذ للشاعر أن يحرك الساكن فيما قبل القافية بحركة ما قبله.
[12] يعرف: يقر ويعترف.
[13] النكس: الضعيف الدني ء: والميل: جمع أميل وهو الذي به ميل خلقة، وعسر جمع أعسر وهو الذي يعمل بشماله.
سألته من هو ونسبته فانتسب لها، فقالت: فمن أخوالك؟ فأخبرها، فبصقت عن شمالها وأعرضت عنه؛ فحدّد النظر إليها وعجب من فعلها وجعل ينظر إليها، فبصر بامرأته وهي تضحك فعرفها وعلم أن الأمر من قبلها أتى، فقال في ذلك:
قالت له يوما تخاطبه ... ريّا الروادف [1] غادة الصّلب
أما المروءة والوسامة أو ... حشم [2] الرجال فقد بدا، حسبي
فوددت أنك لو تخبّرنا ... من والدك ومنصب [3] الشّعب [4]
فضحكت ثم رفعت متّصلا [5] ... صوتي كرفع [6] المنطق الشّغب
/ جدّي أبو ليلى ووالده ... عمرو وأخوالي بنو كعب
وأنا من القوم الذين إذا ... أزم [7] الشتاء بحلقة الجدب
أعطى ذوو الأموال معسرهم ... والضاربين بموطن الرّعب
قال مصعب: وأبو ليلى الذي عناه حسّان: حرام بن عمرو بن زيد مناة.
ومما فيه صنعة من المائة المختارة من شعر قيس بن الخطيم:
صوت
حوراء ممكورة [8] منعّمة ... كأنما شفّ وجهها نزف [9]
تنام عن كبر شأنها فإذا ... قامت رويدا تكاد تنقصف
أوحش من بعد خلّة سرف ... فالمنحنى فالعقيق فالجرف [10]
الشعر لقيس بن الخطيم سوى البيت الثالث. والغناء لقفا النّجّار، ولحنه المختار ثاني ثقيل، هكذا ذكر
__________
[1] في «ديوانه»: نفج الحقيبة، والحقيبة: الردف.
[2] كذا في أغلب النسخ، والحشم كما في «اللسان»: الاستحياء. وقد كتب مصححه عليه أنه هكذا بدون ضبط وذكر أنه مضبوط بالتحريك في نسخة غير موثوق بها من «التهذيب». وفي ط، ح، ء: «جسم الرجال». وفي «ديوانه»: «رأي الرجال».
[3] المنصب: الأصل والمحتد.
[4] قال صاحب «الكشاف»: الشعب الطبقة الأولى من الطبقات الست التي عليها العرب وهي الشعب والقبيلة والعمارة والبطن والفخذ والفصيلة، فالشعب يجمع القبائل، والقبيلة تجمع العمائر، والعمارة تجمع البطون، والبطن يجمع الأفخاذ، والفخذ تجمع الفصائل.
[5] متصلا: منتسبا، من قولهم: اتصل إلى بني فلان: انتمى وانتسب.
[6] كذا في هامش ط. وفي «ديوانه»، ح: «أوان المنطق الشغب». وفي سائر النسخ: «و رفع المنطق الشغب».
[7] أزم: اشتدّ.
[8] الممكورة: المدمجة الخلق.
[9] النزف بضم فسكون وحرك هنا للضرورة: خروج الدم. وفي «شرح ديوان قيس بن الخطيم»: «قال العدوي: أراد أن في لونها مع البياض صفرة، وذلك أحسن».
[10] سرف: موضع على ستة أميال من مكة، وهو مصروف وبعضهم يمنع صرفه على أنه اسم للبقعة. والمنحنى والعقيق والجرف:
أسماء مواضع.
يحيى بن عليّ في الاختيار الواثقيّ. وهو في كتاب إسحاق لقفا النجّار ثقيل أوّل بإطلاق الوتر في مجرى البنصر، ولعلّه غير هذا اللحن المختار.
الحرب بين مالك بن العجلان وبني عمر بن عوف وسبب ذلك:
وهذا الشعر يقوله قيس بن الخطيم في حرب كانت بينهم وبين بني جحجبى وبني خطمّة، ولم يشهدها قيس ولا كانت في عصره، وإنما أجاب عن ذكرها شاعرا منهم يقال له: درهم بن يزيد. قال أبو المنهال عتيبة [1] بن المنهال: بعث رجل من غطفان من بني ثعلبة بن سعد بن ذبيان إلى يثرب بفرس وحلّة مع رجل من غطفان وقال:
ادفعهما إلى أعز أهل يثرب - قال وقيل: إن الباعث بهما عبد ياليل [2] بن عمرو الثّقفيّ. قال وقيل: بل الباعث بهما علقمة بن علاثة - فجاء الرسول بهما حتى/ ورد سوق بني قينقاع فقال ما أمر به، فوثب إليه رجل من غطفان كان جارا لمالك بن العجلان الخزرجيّ يقال له كعب الثّعلبيّ، فقال: مالك بن العجلان أعزّ أهل يثرب؛ وقام رجل آخر فقال: بل أحيحة بن الجلاح أعزّ أهل يثرب، وكثر الكلام؛ فقبل الرسول الغطفانيّ قول الثعلبيّ الذي كان جارا لمالك بن العجلان ودفعهما إلى مالك؛ فقال كعب الثعلبيّ: ألم أقل لكم: إن حليفي أعزّكم وأفضلكم! فغضب رجل من بني عمرو بن عوف يقال له سمير فرصد الثعلبيّ حتى قتله، فأخبر مالك بذلك، فأرسل إلى بني عوف بن عمرو بن مالك بن الأوس: إنكم قتلتم منّا قتيلا فأرسلوا إلينا بقاتله؛ فلما جاءهم رسول مالك تراموا به: فقالت بنو زيد: إنما قتلته بنو جحجبى، وقالت بنو جحجبى: إنما قتلته بنو زيد؛ ثم أرسلوا إلى مالك: إنه قد كان في السوق التي قتل فيها صاحبكم ناس كثير، ولا يدرى أيّهم قتله؛ وأمر مالك أهل تلك السوق أن يتفرّقوا، فلم يبق فيها غير سمير وكعب، فأرسل مالك إلى بني عمرو بن عوف بالذي بلغه من ذلك وقال: إنما قتله سمير، فأرسلوا به إليّ أقتله؛ فأرسلوا إليه: إنه ليس لك أن تقتل سميرا بغير بيّنة؛ وكثرت الرسل بينهم في ذلك: يسألهم مالك أن يعطوه سميرا ويأبون أن يعطوه إياه. ثم إن بني عمرو بن عوف كرهوا أن ينشبوا بينهم وبين مالك حربا، فأرسلوا إليه يعرضون عليه الدّية فقبلها؛ فأرسلوا إليه: إن صاحبكم حليف وليس لكم فيه إلا نصف الدية، فغضب مالك وأبى أن يأخذ فيه إلا الدية كاملة أو يقتل سميرا؛ فأبت بنو عمرو بن عوف أن يعطوه إلّا دية الحليف وهي نصف الدية، ثم دعوه أن يحكم بينهم/ وبينه عمرو بن امرىء القيس أحد بني الحارث بن الخزرج وهو جدّ عبد اللّه بن رواحة ففعل؛ فانطلقوا حتى جاءوه في بني الحارث بن الخزرج، فقضى على مالك بن العجلان أنه ليس له في حليفه إلّا دية الحليف، وأبى مالك أن يرضى بذلك وآذن بني عمرو بن عوف بالحرب، واستنصر قبائل الخزرج، فأبت بنو الحارث بن الخزرج أن تنصره غضبا حين ردّ قضاء عمرو بن امرىء القيس؛ فقال مالك بن العجلان يذكر خذلان بني الحارث بن الخزرج له وحدب بني عمرو بن عوف على سمير، ويحرّض بني النجّار على نصرته:
إن سميرا أرى عشيرته ... قد حدبوا دونه وقد أنفوا
إن يكن الظنّ صادقا ببني النّ ... جّار لا يطعموا الذي علفوا
لا يسلمونا لمعشر أبدا ... ما دام منّا ببطنها شرف [3]
__________
[1] كذا في ب، س، ط. وفي أ، م: «عيينة». وفي ء: «عتبة».
[2] عبد ياليل: رجل كان في الجاهلية، وياليل: صنم أضيف إليه كعبد يغوث وعبد مناة وعبد ودّ وغيرها.
[3] الشرف: الشريف، يقال هو شرف قومه وكرمهم أي شريفهم وكريمهم.
لكن مواليّ قد بدا لهم ... رأي سوى ما لديّ أو ضعفوا
[يقال: علفوا الضيم إذا أقرّوا به، أي ظنّي أنهم لا يقبلون الضيم] [1].
صوت
بين بني جحجبى وبين بني ... زيد فأنّى لجاري التّلف [2]
يمشون في البيض والدروع كما ... تمشي جمال مصاعب قطف [3]
كما تمشّى الأسود في رهج [4] ال ... موت إليه وكلّهم لهف
/ غنّى في هذه الأبيات معبد خفيف ثقيل عن إسحاق، وذكر الهشاميّ أن فيه لحنا من/ الثقيل الأوّل للغريض:
وقال درهم بن يزيد [5] بن ضبيعة أخو سمير في ذلك:
يا قوم لا تقتلوا سميرا فإ ... نّ القتل فيه البوار والأسف
إن تقتلوه ترنّ [6] نسوتكم ... على كريم ويفزع السّلف
إني لعمر الذي يحجّ له الن ... اس ومن دون بيته سرف
يمين برّ باللّه مجتهد ... يحلف إن كان ينفع الحلف
لا نرفع العبد فوق سنّته ... ما دام منّا ببطنها شرف
إنك لاق غدا غواة بني ... عمّي فانظر ما أنت مزدهف [7]
فأبد سيماك يعرفوك كما ... يبدون سيماهم فتعترف
معنى قوله «فأبد سيماك»: أن مالك بن العجلان كان إذا شهد الحرب يغيّر لباسه ويتنكّر لئلا يعرف فيقصد.
وقال درهم بن يزيد في ذلك:
يا مال لا تبغين ظلامتنا ... يا مال إنّا معاشر أنف
يا مال والحقّ إن قنعت به ... فيه وفينا لأمرنا نصف
إنّ بجيرا عبد فخذ ثمنا ... فالحقّ يوفى به ويعترف
ثم اعلمن إن أردت ضيم بني ... زيد فإنّي ومن له الحلف
__________
[1] هذه الزيادة في أ، م، ط: وساقطة من باقي النسخ.
[2] كذا في أ. وفي م، ط، وهامش أ: «فأنى لجارك التلف». وفي سائر النسخ: «فأنى تخاذل السلف».
[3] البيض: جمع بيضة وهي ما يلبس على الرأس من حديد كالخوذة للوقاية في الحرب، والمصاعب: جمع مصعب وهو الفحل الذي لم يركب ولم يمسه حبل حتى صار صعبا. والقطف: السريعة الخطو.
[4] الرهج: الغبار.
[5] كذا تقدّم هذا الاسم في ص 18 من هذا الجزء وسيذكر أخوه سمير باسم سمير بن يزيد في ص 40 من هذا الجزء. وفيء وهامش ط: «دلهم بن يزيد». وفي باقي النسخ: «درهم بن زيد».
[6] ترن نسوتكم: يرفعن أصواتهن بالبكاء.
[7] مزدهف: مقتحم، أي انظر ما أنت مقتحمه ومقدم عليه من الشر.
/
لأصبحن داركم بذي لجب ... جون له من أمامه عزف [1]
البيض حصن لهم إذا فزعوا ... وسابغات كأنها النّطف [2]
والبيض قد ثلّمت مضاربها ... بها نفوس الكماة تختطف
كأنها في الأكفّ إذ لمعت ... وميض برق يبدو وينكسف [3]
وقال قيس بن الخطيم الظّفريّ أحد بني النّبيت في ذلك، ولم يدركه وإنما قاله بعد هذه الحرب بزمان، ومن هذه القصيدة الصوت المذكور:
ردّ الخليط الجمال فانصرفوا ... ماذا عليهم لو أنهم وقفوا
لو وقفوا ساعة نسائلهم ... ريث يضحّي جماله السّلف [4]
فيهم لعوب العشاء آنسة ال ... دّل عروب يسوءها الخلف [5]
بين شكول النساء خلقتها ... قصد فلا جبلة ولا قضف
تنام عن كبر شأنها فإذا ... قامت رويدا تكاد تنغرف [6]
تغترق الطرف [7] وهي لاهية ... كأنما شفّ وجهها نزف
/ حوراء [8] جيداء يستضاء بها ... كأنها خوط بانة قصف [9]
قضى لها اللّه حين صوّرها ال ... خالق أن لا يكنّها سدف [10]
خود يغثّ الحديث ما صمتت [11] ... وهو بفيها ذو لذة طرف [12]
تخزنه وهو مشتهى حسن ... وهو إذا ما تكلمت أنف [13]
__________
[1] كذا في ب، س، ح. والعزف: الصوت وحرك للضرورة. وفي سائر النسخ: «عرف» بالراء المهملة.
[2] النطف: (بالتحريك أو بضم الأول وفتح الثاني): جمع نطفة (بالتحريك أو الضم) وهي اللؤلؤة الصافية اللون أو قطرة الماء.
وكلتاهما تشبه بها الدروع لصفائها.
[3] كذا في ط، ء. وفي سائر النسخ: «و ينكشف».
[4] الريث: مقدار المهلة من الزمان. ويضحي من الضحاء وهو أن يرعى الإبل ضحى، والسلف: القوم الذين يتقدّمون الظعن ينفضون الطرق.
[5] لعوب العشاء: تسمر مع السمار وتلهو. والعروب: الحسناء المتحببة إلى زوجها، وقيل: الضحاكة.
[6] تنغرف: تنقصف من دقة خصرها، وفي رواية مرت في ص 18 «تنقصف».
[7] يريد: من نظر إليها استغرقت طرفه وبصره وشغلته عن النظر إلى غيرها وهي لاهية غير محتفلة.
[8] الحوراء: ذات الحور، وهو سعة العين، أو شدّة سواد الحدقة مع شدّة بياضها. والجيداء: الطويلة الجيد، والخوط: الغصن.
[9] كذا في أغلب النسخ. ومعناه الخوار الناعم المتثنى. وفي ب، س، ح: «قضف» بالضاد المعجمة.
[10] كذا في أغلب النسخ، والسدف: الظلمة، والمراد أنها مضيئة لا تسترها ظلمة. وفي ء: «شدف» وهي بمعنى السدف. وفي ب، س:
«صدف».
[11] هذه رواية أبي عمرو كما في «شرح ديوانه». ورواية «ديوانه»:
ولا يغث الحديث ما نطقت
والخود: الشابة الناعمة ما لم تصر نصفا.
[12] الطرف: المستطرف المحبوب.
[13] الأنف: المستأنف الجديد.
وهي طويلة يقول فيها:
/أبلغ بني جحجبى وإخوتهم ... زيدا بأنّا وراءهم أنف [1]
إنا وإن قلّ نصرنا لهم ... أكبادنا من ورائهم تجف
لمّا بدت نحونا جباههم ... حنّت إلينا الأرحام والصّحف [2]
نفلي بحدّ الصّفيح هامهم ... وفلينا هامهم بها جنف [3]
يتبع آثارها إذا اختلجت ... سخن عبيط عروقه تكف [4]
إنّ بني عمّنا طغوا وبغوا ... ولجّ منهم في قومهم سرف
/ فردّ عليه حسّان بن ثابت ولم يدرك ذلك:
ما بال عينيك دمعها يكف [5] ... من ذكر خود شطّت بها قذف [6]
بانت بها غربة تؤمّ بها ... أرضا سوانا والشكل مختلف
ما كنت أدري بوشك بينهم ... حتى رأيت الحدوج تنقذف
دع ذا وعدّ القريض في نفر ... يرجون مدحي ومدحي الشرف
إن تدع قومي للمجد تلفهم ... أهل فعال يبدو إذا وصفوا
إن سميرا عبد طغى سفها ... ساعده أعبد لهم نطف [7]
قال: ثم أرسل مالك بن العجلان إلى بني عمرو بن عوف يؤذنهم بالحرب، ويعدهم يوما يلتقون فيه، وأمر قومه فتهيّئوا للحرب، وتحاشد [8] الحيّان وجمع بعضهم لبعض. وكانت يهود قد حالفت قبائل الأوس والخزرج، إلّا بني قريظة وبني النّضير فإنهم لم يحالفوا أحدا منهم، حتى كان هذا الجمع، فأرسلت إليهم الأوس والخزرج، كلّ يدعوهم إلى نفسه، فأجابوا الأوس وحالفوهم، والتي حالفت قريظة والنّضير من الأوس أوس اللّه وهي خطمة وواقف وأميّة ووائل، فهذه قبائل أوس اللّه. ثم زحف مالك بمن معه من الخزرج، وزحفت الأوس بمن معها من
__________
[1] أنف: ذوو أنفة ندفع الضيم عنهم وننصرهم. ورواية «الديوان»:
أبلغ بني جحجبى وقومهم ... خطمة أنا وراءهم أنف
[2] الصحف: العهود.
[3] يقال: فلاه بالسيف إذا علاه. والصفيح: جمع صفيحة وهي السيف العريض. والجنف: انحراف وميل عما توجبه القربى والرحم.
وفي ح وهامش ط «و الديوان»: «عنف» بدل «جنف» وقال في «شرحه»: «يريد أن قتلنا إياهم عنف منا لأنهم قومنا وبنو عمنا».
[4] اختلجت: انتزعت. وسخن عبيط: دم طري ساخن.
[5] في «ديوانه»:
ما بال عيني دموعها تكف
[6] قذف: بعيدة، يقال: نوى قذف ونية قذف: أي بعيدة تقذف بمنتويها.
[7] النطف بالتحريك: القرط، وغلام منطف ووصيفة منطفة بتشديد الطاء وفتحها أي مقرطة، قال الأعشى:
يسعى بها ذو زجاجات له نطف ... مقلص أسفل السربال معتمل
[8] في أ، م، ء، ط: «و تحاشد الحيان بعضهم لبعض».
حلفائها من قريظة والنضير، فالتقوا بفضاء كان بين بئر سالم [1] وقباء، وكان أوّل يوم التقوا فيه، فاقتتلوا قتالا شديدا، ثم انصرفوا وهم منتصفون جميعا، ثم التقوا مرة أخرى عند/ أطم بني قينقاع، فاقتتلوا حتى حجز الليل بينهم، وكان الظّفر يومئذ للأوس على الخزرج، فقال أبو قيس بن الأسلت في ذلك:
لقد رأيت بني عمرو فما وهنوا ... عند اللقاء وما همّوا [2] بتكذيب
ألا فدى لهم أمّي وما ولدت ... غداة يمشون إرقال المصاعيب
بكلّ سلهبة [3] كالأيم ماضية ... وكلّ أبيض ماضي الحدّ مخشوب
- أصل المخشوب: الحديث الطبع، ثم صار كل مصقول مخشوبا؛ فشبهها بالحية في انسلالها - قال: فلبث الأوس والخزرج متحاربين عشرين سنة في أمر سمير يتعاودون القتال في تلك السنين، وكانت لهم فيها أيام ومواطن لم تحفظ، فلما رأت الأوس طول الشرّ وأن مالكا لا ينزع [4]، قال لهم سويد بن صامت الأوسيّ - وكان يقال له الكامل في الجاهلية، وكان الرجل عند العرب [5] إذا كان شاعرا شجاعا كاتبا سابحا راميا سمّوه الكامل، وكان/ سويد أحد الكملة - : يا قوم، أرضوا هذا الرجل من حليفه، ولا تقيموا على حرب إخوتكم فيقتل بعضكم بعضا ويطمع فيكم غيركم، وإن حملتم على أنفسكم بعض الحمل. فأرسلت الأوس إلى مالك بن العجلان يدعونه إلى أن يحكم بينه وبينهم ثابت بن المنذر بن حرام أبو حسّان بن ثابت، فأجابهم إلى ذلك، فخرجوا حتى أتوا ثابت بن المنذر، وهو في البئر التي يقال لها سميحة [6]، فقالوا: إنا قد حكّمناك بيننا؛ فقال: لا حاجة لي في ذلك؛ قالوا:
ولم؟ قال: أخاف أن تردّوا حكمي/ كما رددتم حكم عمرو بن امرىء القيس؛ قالوا: فإنا لا نردّ حكمك فاحكم بيننا؛ قال: لا أحكم بينكم حتى تعطوني موثقا وعهدا لترضون بحكمي وما قضيت به ولتسلمنّ له؛ فأعطوه على ذلك عهودهم ومواثيقهم، فحكم بأن يودى حليف مالك دية الصريح ثم تكون السنّة فيهم بعده على ما كانت عليه:
الصريح [7] على ديته والحليف على ديته، وأن تعدّ القتلى الذين أصاب بعضهم من بعض في حربهم [ثم يكون بعض ببعض] [8] ثم يعطوا الدية لمن كان له فضل في القتلى من الفريقين، فرضي بذلك مالك وسلّمت الأوس وتفرّقوا على أنّ على بني النّجّار نصف دية جار مالك معونة لإخوتهم، وعلى بني عمرو بن عوف نصفها؛ فرأت بنو عمرو بن عوف أنهم لم يخرجوا إلا الذي كان عليهم، ورأى مالك أنه قد أدرك ما كان يطلب، وودي جاره دية الصريح.
ويقال: بل الحاكم المنذر أبو ثابت.
__________
[1] في أكثر النسخ «بني سالم» ولعلها محرفة عن بئر سالم التي أثبتناها في الأصل وفي ط، ء: «سالم».
[2] في أ، م: «و لا هموا».
[3] السلهبة من الخيل: الطويلة على وجه الأرض.
[4] ينزع: يكف وينتهي.
[5] كذا في أ، م، ط. وفي سائر النسخ: «و كان الرجل في الجاهلية».
[6] هي بئر بالمدينة وقيل بناحية قديد، قال السكري: يروي سميحة (بالتصغير) وسميحة (بفتح السين وكسر الميم) ومسيحة.
[7] كذا في أغلب الأصول. وفي ب، س، ح: «في الصريح ... » بزيادة «في».
[8] هذه الجملة ساقطة من ب، س، ح.
18 - ذكر طويس وأخباره [1]
اسمه وكنيته:
طويس لقب غلب عليه، واسمه عيسى بن عبد اللّه، وكنيته أبو عبد المنعم وغيّرها المخنّثون فجعلوها أبا عبد النّعيم، وهو مولى بني مخزوم. وقد حدّثني جحظة عن حمّاد بن إسحاق عن أبيه عن الواقديّ عن ابن أبي الزّناد: قال سعد بن أبي وقّاص: كني طويس أبا عبد المنعم.
أوّل من غنى بالعربية في المدينة وألقى الخنث بها:
أخبرنا الحسين بن يحيى عن حمّاد عن أبيه عن المسيّبي [2] ومحمد بن سلّام الجمحيّ، وعن الواقديّ عن ابن أبي الزّناد؛ وعن المدائني عن زيد بن أسلم عن أبيه، وعن ابن الكلبيّ عن أبيه وعن أبي مسكين.
قالوا: أوّل من غنّى بالعربيّ بالمدينة طويس، وهو أوّل من ألقى الخنث بها، وكان طويلا أحول يكنى أبا عبد المنعم، مولى بني مخزوم، وكان لا يضرب بالعود. إنما كان ينقر بالدفّ، وكان ظريفا عالما بأمر المدينة وأنساب أهلها، وكان يتّقى للسانه.
شؤمه:
قالوا [3]: وسئل عن مولده فذكر أنه ولد يوم قبض رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وفطم يوم مات أبو بكر، وختن يوم قتل عمر، وزوّج يوم قتل عثمان، وولد له يوم قتل عليّ رضوان اللّه عليهم أجمعين. قال وقيل: إنه ولد له يوم مات الحسن بن عليّ/ عليهما السلام. قال: وكانت أمي تمشي بين نساء الأنصار بالنّميمة. قالوا: وأوّل غناء غنّاه وهزج به [4]:
صوت
كيف يأتي من بعيد ... وهو يخفيه القريب
نازح بالشأم عنّا ... وهو مكسال هيوب
قد براني الحبّ حتى ... كدت من وجدي أذوب
__________
[1] تكررت ترجمة طويس في كتاب «الأغاني»، فقد ترجم له المؤلف هنا وأعاد ترجمته في الجزء الرابع. ولم نشأ أن نضم الترجمتين في باب واحد لأنا وجدنا النسخ المخطوطة في دار الكتب كالنسخ المطبوعة. ويغلب على ظننا أن ذلك من صنع أبي الفرج نفسه، ولعل ذلك راجع إلى أنه سها عن هذه الترجمة فترجم له الترجمة الثانية. وواجب الأمانة في النقل وفي مراعاة ترتيب الكتاب أن نترك الترجمتين كما هما كل على حدة كما وضعهما مؤلفهما أو كما وردا كذلك في نسخ «الأغاني».
[2] كذا في أ، م وهو محمد بن إسحاق بن محمد بن عبد الرحمن المخزومي المسيبي المدني نزيل بغداد توفي سنة 236 ه وكان معاصرا لإسحاق الموصلي الذي توفي سنة 235 ه. وفي سائر النسخ: «الشعبي» وهو تحريف لأنه توفي سنة 103 ه.
[3] في أكثر النسخ «قال». وفي ب، س، ح: «قالوا».
[4] في أ، م، ء، ط: «و هزج هزجه».
/ الغناء لطويس هزج بالبنصر.
قال إسحاق: أخبرني الهيثم بن عديّ قال قال صالح بن حسّان الأنصاريّ أنبأني أبي قال:
اجتمع يوما جماعة بالمدينة يتذاكرون أمر المدينة إلى أن ذكروا طويسا، فقالوا: كان وكان؛ فقال رجل منا:
أما لو شاهدتموه لرأيتم ما تسرّون به علما وظرفا وحسن غناء وجودة نقر بالدفّ، ويضحك كلّ ثكلى حرّى؛ فقال بعض القوم: واللّه إنه على ذلك كان مشؤوما؛ وذكر خبر ميلاده كما قال الواقدي، إلا أنه قال: ولد يوم مات نبيّنا صلّى اللّه عليه وسلّم، وفطم يوم مات صدّيقنا، وختن يوم قتل فاروقنا، وزوّج يوم قتل نورنا، وولد له يوم قتل أخو نبينا [1]؛ وكان مع هذا مخنّثا يكيدنا ويطلب عثراتنا؛ وكان مفرطا في طوله مضطربا في خلقه أحول. فقال رجل من جلّة أهل المجلس: لئن كان كما قلت لقد كان ممتعا فهما يحسن رعاية من حفظ له حقّ المجالسة، ورعاية حرمة الخدمة، وكان لا يحمل قول من لا يرعى له بعض ما يرعاه له.
كان يحب قريشا ويحبونه:
ولقد كان معظّما لمواليه بني مخزوم ومن والاهم من سائر قريش، ومسالما لمن عاداهم دون التّحكيك به؛ وما يلام من قال بعلم وتكلّم على فهم، والظالم/ الملوم، والبادىء أظلم. فقال رجل آخر: لئن كان ما قلت لقد رأيت قريشا يكتنفونه ويحدقون به ويحبّون مجالسته وينصتون إلى حديثه ويتمنّون غناءه، وما وضعه شيء إلا خنثه، ولو لا ذلك ما بقي رجل من قريش والأنصار وغيرهم إلا أدناه.
أخبرني رضوان بن أحمد الصّيدلاني قال حدّثنا يوسف بن إبراهيم قال حدّثني أبو إسحاق إبراهيم بن المهديّ قال حدّثني إسماعيل بن جامع عن سياط قال:
كان أوّل من تغنّى بالمدينة غناء يدخل في الإيقاع [2] طويس، وكان مولده يوم مات رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وفطامه في اليوم الذي توفّي فيه أبو بكر، وختانه في اليوم الذي قتل فيه عمر، وبناؤه بأهله في اليوم الذي قتل فيه عثمان، وولد له يوم قتل عليّ رضوان اللّه عليهم أجمعين، وولد وهو ذاهب العين اليمنى.
كان يلقب بالذائب وسبب ذلك:
وكان يلقّب بالذائب، وإنما لقّب بذلك لأنه غنى:
قد براني الحبّ حتى ... كدت من وجدي أذوب
أخبرني الحسين عن حمّاد عن أبيه قال أخبرني ابن الكلبيّ عن أبي مسكين قال:
مروان بن الحكم والنغاشي المخنث:
كان بالمدينة مخنّث يقال له النّغاشيّ، فقيل لمروان بن الحكم: إنه لا يقرأ من كتاب اللّه شيئا، فبعث إليه يومئذ، وهو على المدينة، فاستقرأه أمّ الكتاب؛ فقال: واللّه ما معي بناتها، أو ما أقرأ البنات فكيف أقرأ أمّهنّ!
__________
[1] كان أبو بكر يلقب بالصديق، وعمر بالفاروق، وعثمان بذي النورين، ويشير بقوله: «أخو نبينا» إلى عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنهم.
[2] الإيقاع: بناء ألحان الغناء على موقعها وميزانها.
فقال: أتهزأ لا أمّ لك! فأمر به فقتل في موضع يقال له بطحان [1]، وقال: من جاءني فمخنّث فله عشرة دنانير.
طلبه مروان في المخنثين ففر منه حتى مات:
فأتي طويس وهو في بني الحارث بن الخزرج من المدينة، وهو يغنّي بشعر حسّان بن ثابت:
/لقد هاج نفسك أشجانها ... وعاودها اليوم أديانها
تذكّرت هندا وما ذكرها ... وقد قطّعت منك أقرانها
وقفت عليها فساءلتها ... وقد ظعن الحيّ ما شأنها
فصدّت وجاوب من دونها ... بما أوجع القلب أعوانها
/ فأخبر بمقالة مروان فيهم؛ فقال: أما فضّلني الأمير عليهم بفضل حتى جعل فيّ وفيهم أمرا واحدا! ثم خرج حتى نزل السّويداء - على ليلتين من المدينة في طريق الشأم - فلم يزل بها عمره، وعمّر حتى مات في ولاية الوليد بن عبد الملك.
هيت المخنث وبادية بنت غيلان:
قال إسحاق وأخبرني ابن الكلبيّ قال أخبرني خالد بن سعيد عن أبيه وعوانة قالا:
قال هيت [2] المخنّث لعبد اللّه بن أبي أميّة: إن فتح اللّه عليكم الطائف فسل النبيّ صلّى اللّه عليه وسلم بادية بنت غيلان بن سلمة بن معتّب، فإنها هيفاء شموع [3] نجلاء، إن تكلّمت تغنّت، وإن قامت تثنّت، تقبل بأربع وتدبر بثمان [4]، مع ثغر كأنه الأقحوان، وبين رجليها كالإناء المكفوء [5]، كما قال قيس بن الخطيم:
تغترق الطرف وهي لاهية ... كأنما شفّ وجهها نزف
بين شكول النساء خلقتها ... قصد فلا جبلة ولا قضف
/ فقال النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «لقد غلغلت النظر يا عدوّ اللّه»، ثم جلاه عن المدينة إلى الحمى [6]. قال هشام: وأوّل ما اتّخذت النّعوش [7] من أجلها. قال: فلما فتحت الطائف تزوّجها عبد الرحمن بن عوف فولدت له بريهة. فلم يزل هيت بذلك المكان حتى قبض النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم؛ فلما ولي أبو بكر رضي اللّه عنه كلّم فيه فأبى أن يردّه؛ فلما ولي عمر رضي اللّه عنه كلّم فيه فأبى أن يردّه وقال: إن رأيته لأضربنّ عنقه؛ فلما ولي عثمان رضي اللّه عنه كلّم فيه فأبى أن
__________
[1] بطحان - بفتح أوله وكسر ثانيه كما ضبطه أهل اللغة - : واد بالمدينة وهو أحد أوديتها الثلاثة: العقيق وبطحان وقناة. والمحدّثون ينطقونه بضم أوله وسكون ثانيه.
[2] كذا فيء، ط، س. وفي ب: «هنب» وقد رواه أصحاب الحديث هكذا: «هيت» وبعضهم يقول: إن هذا تصحيف من الرواة وصوابه «هنب» بالنون والباء. والأزهري يرجح أن يكون «هيت» صوابا لأنه رواه كذلك الشافعي وغيره من كبار الأئمة (انظر «القاموس» و«شرحه» و«اللسان» في مادتي هنب وهيت).
[3] الشموع: اللعوب الضحوك.
[4] يريد أن عكن بطنها إذا أقبلت أربع وإذا أدبرت ثمان كما فسره ابن عبد ربه في «العقد الفريد» ج 1 ص 284 في باب صفات النساء.
[5] في ب، س: «و بين رجليها المكفأ كالإناء المكفوء». وكلمة «المكفأ» هنا مقحمة. مستغنى عنها في الكلام.
[6] في ط، ء: «الجماء» والجماء: جبل بالمدينة على ثلاثة أميال من العقيق.
[7] كذا صححه الأستاذ الشنقيطي بهامش نسخته، وهو جمع نعش وهو شبه المجفة يحمل عليها الملك إذا مرض. وفي جميع النسخ:
«النقوش» ولم يتبين لها معنى في هذا المقام.
يردّه؛ فقيل له: قد كبر وضعف واحتاج؛ فأذن له أن يدخل كلّ جمعة فيسأل ويرجع إلى مكانه. وكان هيت مولى لعبد اللّه بن أبي أميّة بن المغيرة المخزوميّ، وكان طويس له؛ فمن ثمّ قيل [1] الخنث.
وجلس يوما فغنّى في مجلس فيه ولد لعبد اللّه بن أبي أمية:
تغترق الطرف وهي لاهية
إلى آخر البيتين؛ فأشير إلى طويس أن اسكت؛ فقال: واللّه ما قيل هذان البيتان في ابنة غيلان بن سلمة وإنما هذا مثل ضربه هيت في أمّ بريهة؛ ثم التفت إلى ابن عبد اللّه فقال: يابن الطاهر، أوجدت عليّ في نفسك؟ أقسم باللّه قسما حقا لا أغنّي بهذا الشعر أبدا.
ضافه عبد اللّه بن جعفر فأكرمه وغناه:
قال إسحاق وحدّثنا أبو الحسن الباهليّ الراوية عن بعض أهل المدينة، وحدّثنا الهيثم بن عديّ والمدائنيّ، قالوا:
/ كان عبد اللّه بن جعفر معه إخوان له في عشيّة من عشايا الربيع، فراحت عليهم السماء بمطر جود فأسال [2] كلّ شي ء؛ فقال عبد اللّه: هل لكم في العقيق؟ - وهو متنزّه أهل المدينة في أيام الرّبيع والمطر - فركبوا دوابّهم ثم انتهوا إليه فوقفوا على شاطئه وهو يرمي بالزّبد مثل مدّ الفرات، فإنهم لينظرون إذ هاجت السماء، فقال عبد اللّه لأصحابه ليس معنا جنّة نستنجنّ بها وهذه سماء خليقة أن تبلّ ثيابنا، فهل لكم في منزل طويس فإنه قريب منا فنستكنّ فيه ويحدّثنا ويضحكنا؟ وطويس في النّظّارة يسمع كلام عبد اللّه بن جعفر؛ فقال له عبد الرحمن بن حسّان بن ثابت: جعلت فداءك! وما تريد من طويس عليه غضب اللّه: مخنّث شائن لمن عرفه؛ فقال له عبد اللّه: لا تقل ذلك، فإنه مليح خفيف لنا فيه أنس؛ فلما استوفى طويس كلامهم تعجّل إلى منزله فقال لامرأته: ويحك! قد جاءنا عبد اللّه بن جعفر سيد الناس، فما/ عندك؟ قالت: نذبح هذه العناق [3]، وكانت عندها عنيّقة قد ربّتها باللبن، واختبز خبزا رقاقا؛ فبادر فذبحها وعجنت هي. ثم خرج فتلقّاه مقبلا إليه؛ فقال له طويس: بأبي أنت وأمي؛ هذا المطر، فهل لك في المنزل فتستكنّ فيه إلى أن تكفّ السماء؟ قال: إياك أريد؛ قال: فامض يا سيدي على بركة اللّه، وجاء يمشي بين يديه حتى نزلوا، فتحدّثوا حتى أدرك الطعام، فقال: بأبي أنت وأمي، تكرمني إذ دخلت منزلي بأن تتعشّى عندي؛ قال: هات ما عندك؛ فجاءه بعناق سمينة ورقاق، فأكل وأكل القوم حتى تملّئوا [4]، فأعجبه طيب طعامه، فلما غسلوا/ أيديهم قال: بأبي أنت وأمي، أتمشّى معك وأغنّيك؟ قال: افعل يا طويس؛ فأخذ ملحفة فأتزر بها وأرخى لها ذنبين، ثم أخذ المربّع [5] فتمشّى وأنشأ يغنّي:
يا خليلي نابني سهدي ... لم تنم عيني ولم تكد
كيف تلحوني [6] على رجل ... آنس تلتذّه كبدي
__________
[1] كذا في ط، ء، ح. وفي سائر النسخ: «قيل الخنث».
[2] كذا في أغلب النسخ. وفي ب، س، ح: «فانسال» ولم نجد هذه الكلمة في كتب اللغة. ولعلها محرفة عن «فانثال» بمعنى تتابع وانصب.
[3] العناق وزان سحاب: الأنثى من ولد المعز.
[4] تملئوا: امتلئوا من كثرة الأكل.
[5] المربع: آلة من آلات الطرب، يريد دفه لتربيعه كما سيأتي وصفه بذلك بعد في ص 37 من هذا الجزء.
[6] لحاه يلحوه ويلحاه (من بابي نصر وفتح): لامه وعذله.
مثل ضوء البدر طلعته ... ليس بالزّمّيلة [1] النّكد
فطرب القوم وقالوا أحسنت واللّه يا طويس. ثم قال: يا سيدي، أتدري لمن هذا الشعر؟ قال: لا واللّه، ما أدري لمن هو، إلا أني سمعت شعرا حسنا؛ قال: هو لفارعة [2] بنت ثابت أخت حسّان بن ثابت وهي تتعشّق عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزوميّ وتقول فيه هذا الشعر؛ فنكّس القوم رؤوسهم، وضرب عبد الرحمن برأسه على صدره [3]، فلو شقّت الأرض له لدخل فيها [4].
عرّض بسعيد بن عبد الرحمن في شعر غناه فأغضبه:
قال وحدّثني ابن الكلبيّ والمدائنيّ عن جعفر بن محرز قال:
خرج عمر بن عبد العزيز، وهو على المدينة، إلى السّويداء وخرج الناس معه، وقد أخذت المنازل، فلحق بهم يزيد بن بكر بن دأب اللّيثيّ وسعيد بن عبد الرحمن بن حسّان بن ثابت الأنصاريّ، فلقيهما طويس فقال لهما:
بأبي أنتما وأمّي! عرّجا إلى منزلي؛ فقال يزيد لسعيد: مل بنا مع أبي عبد النّعيم [5]؛ فقال سعيد: أين تذهب/ مع هذا المخنّث! فقال يزيد: إنما هو منزل ساعة فمالا، واحتمل طويس الكلام على سعيد [6]، فأتيا منزله فإذا هو قد نضحه ونصّعه [7]، فأتاهما بفاكهة من فاكهة الماء [8]؛ ثم قال سعيد: لو أسمعتنا يا أبا عبد النّعيم! فتناول خريطة [9] فاستخرج منها دفّا ثم نقره وقال:
يا خليلي نابني سهدي ... لم تنم عيني ولم تكد
فشرابي ما أسيغ وما ... أشتكي ما بي إلى أحد
كيف تلحوني على رجل ... آنس تلتذّه كبدي
مثل ضوء البدر صورته ... ليس بالزّمّيلة النّكد
من بني آل المغيرة لا ... خامل نكس ولا جحد [10]
نظرت يوما فلا نظرت ... بعده عيني إلى أحد
ثم ضرب بالدفّ الأرض؛ فقال سعيد: ما رأيت [كاليوم] [11] قطّ شعرا أجود ولا غناء أحسن منه؛ فقال له
__________
[1] الزميلة: الرذل الجبان الضعيف، يزمل في بيته خوفا وجبنا.
[2] كذا في ء: وهي محرفة في سائر النسخ.
[3] ضرب برأسه على صدره: أطرق استحياء وخجلا، وهو يريد بعبد الرحمن عبد الرحمن بن حسان بن ثابت.
[4] في ب، س، ح: «فلو شقت الأرض لدخل فيها خالدا».
[5] في ب، س، ح: «مل بنا المنزل مع ... ».
[6] أي حفظه له واضطغن عليه من أجله.
[7] يريد أنه رشه بالماء ونظفه.
[8] لم نعثر على معنى خاص لهذه الكلمة. وأقرب الكلمات تحريفا لها هي: «فاكهة الشتاء» وهي النار ولكنها غير مناسبة في هذا المقام.
[9] الخريطة: وعاء من أدم.
[10] النكس: الضعيف الدنيء الذي لا خير فيه. والجحد: القليل الخير.
[11] هذه الكلمة ساقطة من ب، س، ح.
طويس: يابن الحسام، أتدري من يقوله؟ قال: لا؛ قال: قالته عمّتك خولة بنت ثابت تشبّب بعمارة بن الوليد بن المغيرة المخزوميّ؛ فخرج سعيد وهو يقول: ما رأيت كاليوم قطّ [1] مثل/ ما استقبلني به هذا المخنّث! واللّه لا يفلتني! فقال يزيد: دع هذا وأمته ولا ترفع به رأسا. قال أبو الفرج الأصبهاني: هذه الأبيات، فيما ذكر الحرميّ بن أبي العلاء عن الزّبير بن بكّار، لابن زهير المخنّث.
مدح ابن سريج غناءه:
قال إسحاق وحدّثني الهيثم بن عديّ عن ابن عيّاش، وابن الكلبيّ عن أبي مسكين، قالا:
قدم ابن سريج المدينة فغنّاهم، فاستظرف الناس غناءه وآثروه على كلّ من غنّى؛ وطلع عليهم طويس فسمعهم وهم يقولون ذلك [2]، فاستخرج دفّا من حضنه ثم نقر به وغنّاهم بشعر عمارة بن الوليد المخزوميّ في خولة بنت ثابت، عارضها بقصيدتها فيه:
يا خليلي نابني سهدي ... لم تنم عيني ولم تكد
وهو:
تناهى فيكم وجدي [3] ... وصدّع حبّكم كبدي
فقلبي مسعر حزنا ... بذات الخال في الخدّ
فما لاقى أخو عشق ... عشير [4] العشر من جهدي
فأقبل عليهم ابن سريج فقال: واللّه هذا أحسن الناس غناء.
أخبرني وكيع محمد بن خلف قال حدّثنا إسماعيل بن مجمّع قال حدّثني المدائنيّ قال:
قدم ابن سريج المدينة فجلس يوما في جماعة وهم يقولون: أنت واللّه أحسن الناس غناء، إذ مرّ بهم طويس فسمعهم وما يقولون: فاستلّ دفّه من حضنه ونقره وتغنّى:
إن المجنّبة [5] التي ... مرّت بنا قبل الصّباح
في حلّة موشيّة ... مكيّة غرثى الوشاح [6]
زين لمشهد فطرهم ... وتزينهم يوم الأضاحي
- الشعر لابن زهير المخنّث. والغناء لطويس هزج، أخبرنا بذلك الحرميّ بن أبي العلاء عن الزّبير بن بكّار - فقال ابن سريج: هذا واللّه أحسن الناس غناء لا أنا.
__________
[1] كذا في ط، أ، م. وفي سائر النسخ «ما رأيت قط كاليوم ولا مثل ما استقبلني به إلخ».
[2] كذا في ط، ء. وفي سائر النسخ: «و هم يقولون ذلك له».
[3] في هامش ط إشارة إلى رواية أخرى وهي:
خويلة شفني وجدي
[4] العشير: جزء من العشرة كالعشر.
[5] المجنبة: وصف من جنبه إذا أبعده. وفي ب، س، ح: «المخنثة».
[6] غرثى الوشاح: خميصة البطن دقيقة الخصر.
تبع جارية فزجرته ثم تغنى بشعر:
قال إسحاق حدّثني المدائنيّ قال: حدّثت أنّ طويسا تبع جارية فراوغته فلم ينقطع عنها، فخبّت [1] في المشي فلم ينقطع عنها؛ فلما جازت بمجلس وقفت ثم قالت: يا هؤلاء، لي صديق ولي زوج ومولى ينكحني، فسلوا هذا ما يريد منّي! فقال أضيّق ما قد وسّعوه. ثم جعل يتغنّى:
أفق يا قلب عن جمل ... وجمل قطّعت حبلي
أفق عنها فقد عنّي ... ت حولا في هوى جمل
وكيف يفيق محزون ... بجمل هائم العقل
براه الحبّ في جمل ... فحسبي الحبّ من ثقل [2]
وحسبي فيك ما ألقى ... من التّفنيد والعذل
وقد ما لامني فيها [3] ... فلم أحفل بهم أهلي
حديث طويس والرجل المسحور:
قال إسحاق وقال المدائنيّ قال مسلمة بن محارب حدّثني رجل من أصحابنا قال:
خرجنا في سفرة ومعنا رجل، فانتهينا إلى واد فدعونا بالغداء، فمدّ الرجل يده إلى الطعام فلم يقدر عليه، وهو قبل ذلك يأكل معنا في كلّ منزل، فخرجنا نسأل عن حاله/ فلقينا رجلا طويلا/ أحول مضطرب الخلق في زيّ الأعراب، فقال لنا: ما لكم؟ فأنكرنا سؤاله لنا، فأخبرناه خبر الرجل؛ فقال: ما اسم صاحبكم؟ فقلنا: أسيد؛ فقال:
هذا واد قد أخّذت [4] سباعه فارحلوا، فلو قد جاوزتم الوادي استمرّ [5] صاحبكم وأكل. قلنا في أنفسنا: هذا من الجنّ، ودخلتنا فزعة؛ ففهم ذلك وقال: ليفرخ [6] روعكم فأنا طويس. قال له بعض من معنا من بني غفار أو من بني عبس: مرحبا بك يا أبا عبد النّعيم، ما هذا الزّيّ! فقال: دعاني بعض أودّائي من الأعراب فخرجت إليهم وأحببت أن أتخطّى الأحياء فلا ينكروني. فسألت الرجل أن يغنّينا؛ فاندفع ونقر بدفّ كان معه مربّع، فلقد تخيّل لي أنّ الوادي ينطق معه حسنا، وتعجّبنا من علمه وما أخبرنا [به] [7] من أمر صاحبنا.
وكان الذي غنّى به في شعر عروة بن الورد في سلمى امرأته الغفاريّة حيث رهنها على الشراب:
سقوني الخمر ثم تكنّفوني ... عداة اللّه من كذب وزور
وقالوا لست بعد فداء سلمى ... بمفن ما لديك ولا فقير
__________
[1] خبت: أسرعت.
[2] كذا في أكثر النسخ. وفي ب، س، ح: «فحسب القلب من ثقل».
[3] في ط: «و قد وبخني فيها» وبهامشها ما بسائر النسخ.
[4] كذا في ط، ء، و «نهاية الأرب» ج 4 ص 264 طبع دار الكتب، وأخذت: سحرت. وفي سائر النسخ: «أخاف سباعه».
[5] استمر: قوي واستقام أمره.
[6] ليفرخ روعكم: ليذهب رعبكم وفزعكم. (انظر الحاشية رقم 4 ص 226 من الجزء الأول).
[7] زيادة في أ، م، ح.
فلا واللّه لو ملّكت أمري ... ومن لي بالتّدبّر في الأمور
إذا لعصيتهم في حبّ سلمى ... على ما كان من حسك [1] الصدور
فيا للنّاس كيف غلبت أمري ... على شيء ويكرهه ضميري
قصة عروة وامرأته سلمى الغفارية:
قال إسحاق وحدّثني الواقديّ قال حدّثني عبد الرحمن بن أبي الزّناد عن أبيه قال:
لما غزا النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بني النّضير وأجلاهم عن المدينة خرجوا يريدون خيبر يضربون بدفوف ويزمرون بالمزامير وعلى النساء المعصفرات وحليّ الذهب مظهرين لذلك تجلّدا، ومرّت في الظّعن [2] يومئذ سلمى امرأة عروة بن الورد [العبسي] [3]، وكان عروة حليفا في بني عمرو بن عوف، وكانت سلمى من بني غفار، فسباها عروة من قومها وكانت ذات جمال فولدت له أولادا وكان شديد الحب لها وكان ولده يعيّرون بأمّهم ويسمّون بني الأخيذة - أي السّبية - فقالت: ألا ترى ولدك يعيّرون؟ قال: فماذا ترين؟ قالت: أرى أن تردّني إلى قومي حتى يكونوا هم الذين يزوّجونك فأنعم [4] لها، فأرسلت إلى قومها أن ألقوه بالخمر ثم اتركوه حتى يسكر ويثمل فإنه لا يسأل حينئذ شيئا إلا أعطاه؛ فلقوه وقد نزل في بني النّضير فسقوه الخمر، فلما سكر سألوه سلمى فردّها عليهم ثم أنكحوه بعد.
ويقال: إنما جاء بها إلى بني النّضير، وكان صعلوكا يغير، فسقوه الخمر، فلما انتشى منعوه ولا شيء معه إلا هي فرهنها، ولم يزل يشرب حتى غلقت [5]؛ فلما قال لها: انطلقي قالت: لا سبيل إلى ذلك، قد أغلقتني. فبهذا صارت عند بني النّضير. فقال في ذلك:
سقوني الخمر ثم تكنّفوني ... عداة اللّه [6] من كذب وزور
/ هذه الأبيات مشهورة بأن لطويس فيها غناء، وما وجدته في شيء من الكتب مجنّسا فتذكر طريقته.
كان يغري بين الأوس والخزرج ويتغنى بالشعر الذي قيل في حروبهم:
قال إسحاق وحدّثني المدائنيّ قال: كان طويس ولعا بالشعر الذي قالته الأوس والخزرج في حروبهم، وكان يريد بذلك الإغراء، فقلّ مجلس اجتمع فيه هذان/ الحيّان فغنّى فيه طويس إلا وقع فيه شي ء؛ فنهي عن ذلك، فقال:
واللّه لا تركت الغناء بشعر الأنصار حتى يوسّدوني التراب؛ وذلك لكثرة تولّع القوم به، فكان يبدي السرائر ويخرج الضغائن، فكان القوم يتشاءمون به.
__________
[1] الحسك: الشوك، ويكنى به عن العداوة والحقد.
[2] الظعن: جمع ظعينة وهي المرأة في هودجها، وقد يقال للمرأة ظعينة وإن كانت في بيتها لأنها تصير ظعينة أي مظعونا بها. ويسمى الهودج أيضا ظعينة سواء كانت فيه امرأة أم لا.
[3] زيادة في أ، م.
[4] أنعم لها: قال لها نعم.
[5] غلق الرهن في يد المرتهن: استحقه، وذلك إذا لم يقدر الراهن على افتكاكه في الوقت المشروط.
[6] في أ، م، ء، ط:
ألا للّه من كذب وزور
وقد تقدم هذا البيت باتفاق الأصول كما في رواية الصلب.
وكان يستحسن غناؤه ولا يصبر عن حديثه ويستشهد على معرفته، فغنّى يوما بشعر قيس بن الخطيم في حرب الأوس والخزرج وهو:
ردّ الخليط الجمال فانصرفوا ... ماذا عليهم لو أنهم وقفوا
لو وقفوا ساعة نسائلهم ... ريث يضحّي جماله السّلف
فليت أهلي وأهل أثلة في ال ... دّار قريب من حيث نختلف
فلما بلغ إلى آخر بيت غنّى فيه طويس من هذه القصيدة وهو:
أبلغ بني جحجبى وقومهم ... خطمة أنّا وراءهم أنف
تكلّموا وانصرفوا وجرت بينهم دماء، وانصرف طويس من عندهم سليما لم يكلّم ولم يقل له شيء.
سبب الحرب بين الأوس والخزرج:
قال إسحاق فحدّثني الواقديّ وأبو البختريّ [1]، قالا:
قال قيس بن الخطيم هذه القصيدة لشغب أثاره القوم بعد دهر طويل [2]. ونذكر سبب أوّل ما جرى بين الأوس والخزرج من الحرب:
/ قال إسحاق قال أبو عبد اللّه اليزيدي [و أبو البختريّ] [3]، وحدّثني مشايخ لنا قالوا: كانت الأوس والخزرج أهل عزّ ومنعة وهما أخوان لأب وأمّ وهما ابنا حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر، وأمّهما قيلة بنت جفنة بن عتبة بن عمرو؛ وقضاعة تذكر أنها قيلة بنت كاهل بن عذرة بن سعد بن زيد بن سود بن أسلم بن الحاف بن قضاعة. وكانت أوّل حرب جرت بينهم في مولى كان لمالك بن العجلان قتله سمير بن يزيد بن مالك، وسمير رجل من الأوس ثم أحد بني عمرو بن عوف، وكان مالك سيد الحيّين [4] في زمانه، وهو الذي ساق تبّعا إلى المدينة وقتل الفطيون [5] صاحب زهرة [6] وأذلّ اليهود للحيّين جميعا، فكان له بذلك الذكر والشرف عليهم، وكانت دية المولى فيهم - وهو الحليف - خمسا من الإبل، ودية الصريح عشرا، فبعث مالك إلى عمرو بن عوف: ابعثوا إليّ سميرا حتى أقتله بمولاي فإنّا نكره أن تنشب بيننا وبينكم حرب؛ فأرسلوا إليه: إنّا نعطيك الرضا من مولاك فخذ منا
__________
[1] في ب، س: «أبو البحتري».
[2] في ب، س، ح: «قال قيس بن الخطيم شعرا أثار القوم وهو طويل».
[3] زيادة فيء، ط وهامش أ.
[4] في ح، أ، م: «الحضر».
[5] حدّث عنه «ياقوت» في الكلام على يثرب حيث قال في ج 4 ص 463: «و كان ملك بني إسرائيل يقال له الفيطوان. وفي «كتاب ابن الكلبي»: الفطيون بكسر الفاء والياء بعد الطاء، وكانت اليهود والأوس والخزرج يدينون له إلخ». وذكره ابن الأثير في «الكامل» ج 1 ص 492 طبع ليدن سنة 1866 م، وضبط فيه بالقلم بكسر أوله وإسكان ثانيه، فقال ما ملخصه: إنه كان عظيم اليهود بالمدينة وكان رجل سوء فاجرا، وكانت اليهود تدين لهذا الرجل إلى أن كانت لا تزوّج امرأة منهم حتى تدخل عليه قبل دخولها على زوجها، ويقال: إنه كان يفعل ذلك بنساء الأوس والخزرج، وكانت الغلبة يومئذ لليهود عليهم، حتى جاء زفاف أخت لمالك بن العجلان فأثارت في أخيها عوامل الحمية والغيرة، فتزيا مالك بزيّ امرأة وتقلد سيفه واندس فيمن كان معها من النساء وقتل الفطيون، ثم فر هاربا إلى الشأم حتى دخل على أبي جبيلة عبيد بن سالم بن مالك الخزرجي، وكان أثيرا عند ملوك غسان، فشكا إليه حاله، فأقسم أبو جبيلة ليذلنّ اليهود وليجعلن الغلبة للأوس والخزرج عليهم. وقد فعل اه بتصرف في العبارة.
[6] زهرة: القبيلة المعروفة التي ينتسب إليها عبد الرحمن بن عوف الزهري.
عقله [1]، فإنك قد عرفت/ أن الصريح لا يقتل بالمولى؛ قال: لا آخذ في مولاي دون دية الصريح، فأبوا إلا دية المولى. فلما رأى ذلك مالك بن العجلان جمع قومه من الخزرج، وكان فيهم مطاعا، وأمرهم بالتهيّؤ للحرب. فلمّا بلغ الأوس استعدّوا لهم وتهيّئوا للحرب واختاروا الموت على الذلّ؛ ثم خرج بعض القوم إلى بعض فالتقوا بالصّفينة بين بئر سالم [2] وبين قباء (قرية لبني عمرو بن عوف) فاقتتلوا قتالا شديدا حتى نال بعض القوم من بعض. ثم إنّ رجلا من الأوس نادى: يا مالك، ننشدك اللّه والرّحم [3] - وكانت أمّ مالك إحدى نساء بني عمرو بن عوف - فاجعل بيننا وبينك عدلا من قومك فما حكم علينا سلّمنا لك؛ فارعوى مالك عند ذلك، وقال نعم؛ فاختاروا عمرو بن امرىء القيس أحد بني الحارث بن الخزرج فرضي القوم به، واستوثق منهم، ثم قال: فإنّي أقضي بينكم: إن كان سمير قتل صريحا من القوم فهو به قود، وإن قبلوا العقل فلهم/ دية الصريح؛ وإن كان قتل مولى فلهم دية المولى بلا نقص، ولا يعطى فوق نصف الدية، وما أصبتم منا في هذه الحرب ففيه الدية مسلّمة إلينا، وما أصبنا منكم فيها علينا فيه دية مسلّمة إليكم. فلما قضى بذلك عمرو بن امرىء القيس غضب مالك بن العجلان ورأى أن يردّ عليه رأيه، وقال: لا أقبل هذا القضاء؛ وأمر قومه بالقتال، فجمع القوم بعضهم لبعض ثم التقوا بالفضاء [4] عند آطام بني قينقاع، فاقتتلوا قتالا شديدا، ثم تداعوا إلى الصلح فحكّموا ثابت بن حرام بن المنذر أبا حسّان بن ثابت النّجّاريّ، فقضى بينهم أن يدوا مولى مالك بن العجلان بدية الصّريح ثم تكون السّنّة فيهم بعده على مالك وعليهم كما كانت أوّل مرّة: المولى على ديته؛ والصّريح على ديته؛ فرضي مالك وسلّم الآخرون. وكان ثابت إذ حكّموه/ أراد إطفاء النائرة [5] فيما بين القوم ولمّ شعثهم، فأخرج خمسا من الإبل من قبيلته حين أبت عليه الأوس أن تؤدّي إلى مالك أكثر من خمس وأبى مالك أن يأخذ دون عشر. فلما أخرج ثابت الخمس أرضى مالكا بذلك ورضيت الأوس، واصطلحوا بعهد وميثاق ألا يقتل رجل في داره ولا معقله - والمعاقل: النخل - فإذا خرج رجل من داره أو معقله فلا دية له ولا عقل. ثم انظروا [6] في القتلى فأيّ الفريقين فضل على صاحبه ودى له صاحبه. فأفضلت الأوس على الخزرج بثلاثة نفر فودتهم الأوس واصطلحوا. ففي ذلك يقول حسّان بن ثابت لما كان أبوه أصلح بينهم ورضاهم بقضائه في ذلك:
وأبي في سميحة القائل الفا ... صل حين التفّت عليه الخصوم
وفي ذلك يقول قيس بن الخطيم قصيدته وهي طويلة:
ردّ الخليط الجمال فانصرفوا ... ماذا عليهم لو أنّهم وقفوا
أنشد عمر بن عبد العزيز شيئا من شعره وقال هو أنسب الناس:
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزبير بن بكّار قال حدّثني عبد الرحمن بن أبي الزّناد عن أبيه قال:
__________
[1] عقله: ديته.
[2] كذا في ط: وفي سائر النسخ: «بني سالم» انظر ص 24 من هذا الجزء.
[3] في ب، س، ح: «ننشدك باللّه والرحم».
[4] كذا في ط، ء: والفضاء كما في «ياقوت»: موضع بالمدينة، ولم يعينه. ولعله هو المراد هنا أو أنه أراد مطلق الفضاء المتسع.
[5] كذا في ط، ء. والنائرة: الفتنة القائمة المنتشرة. وفي باقي الأصول: «إطفاء الثائرة» بالثاء المثلثة.
[6] كذا في جميع الأصول. وكان الأولى بالسياق أن يقول: «ثم قال انظروا إلخ» أو «ثم أن ينظروا» على أن يكون معطوفا على معمول «فقضى» المتقدّمة.
كان عمر بن عبد العزيز ينشد قول قيس بن الخطيم:
بين شكول النساء خلقتها ... قصد فلا جبلة ولا قضف
تنام عن كبر شأنها فإذا ... قامت رويدا تكاد تنقصف
تغترق الطرف وهي لاهية ... كأنما شفّ وجهها نزف
ثم يقول: قائل هذا الشعر أنسب [1] الناس.
ومما في المائة المختارة من أغاني طويس صوت
أصوات من المائة المختارة:
يا لقومي قد أرّقتني الهموم ... ففؤادي مما يجنّ سقيم
أندب الحبّ في فؤادي ففيه ... لو تراءى للناظرين كلوم
يجنّ: يخفى، والجنّة من ذلك، والجنّ أيضا مأخوذ منه. وأندب: أبقى فيه ندبا وهو أثر الجرح؛ قال ذو الرّمّة:
تريك سنّة [2] وجه غير مقرفة ... ملساء ليس بها خال ولا ندب
الشعر لابن قيس الرّقيّات فيما قيل. والغناء لطويس، ولحنه المختار خفيف رمل مطلق/ في مجرى الوسطى، قال إسحاق: وهو أجود لحن غنّاه طويس، ووجدته في كتاب الهشاميّ خفيف رمل بالوسطى منسوبا إلى ابن طنبورة. قال وقال ابن المكيّ: إنه لحكم، وقال عمرو بن بانة: إنه لابن عائشة أوّله هذان البيتان، وبعدهما:
ما لذا الهمّ لا يريم فؤادي [3] ... مثل ما يلزم الغريم الغريم
إنّ من فرّق الجماعة منّا ... بعد خفض [4] ونعمة لذميم
انقضت أخبار طويس.
صوت من المائة المختارة من صنعة قفا النجار
حجب الألى كنّا نسرّ بقربهم ... يا ليت أنّ حجابهم لم يقدر
__________
[1] أنسب الناس: أرقهم غزلا ونسيبا بالنساء.
[2] سنة الوجه: صورته. وغير مقرفة: غير كريهة. والمراد وصف صورة وجهها بالحسن. وقد أورد صاحب «اللسان» هذا البيت شاهدا على أن مقرفا في قولهم: «وجه مقرف» بمعنى غير حسن. وقيل: إن «مقرفة» هنا بمعنى مدانية الهجنة، يقال: أقرف الرجل إذا دنا من الهجنة، وعلى هذا التفسير ذهب الصاغاني فقال: هو يقول: إنها كريمة الأصل لم يخالطها شيء من الهجنة.
[3] في أ، م، ط، ء: «لا يريم وسادي». ولا يريم: لا يبرح.
[4] الخفض: سعة العيش ولينه. والنعمة (بالفتح): النعيم ورغد العيش.
حجبوا ولم نقض الّلبانة منهم ... ولنا إليهم صبوة لم تقصر [1]
ويحيط مئزرها بردف كامل ... رابى المجسّة [2] كالكثيب الأعفر
وإذا مشت خلت الطريق لمشيها ... وحلا [3] كمشي المرجحنّ [4] الموقر
لم يقع إلينا قائل هذا الشعر. والغناء لقفا النجّار، ولحنه المختار من النقيل الثاني بإطلاق الوتر في مجرى الوسطى. ويقال: إن فيه لحنا لابن سريج. وذكر يحيى بن عليّ [ابن يحيى] [5] في الاختيار الواثقيّ أنّ لحن قفا النجّار المختار من الثقيل الأوّل.
صوت من المائة المختارة
أفق يا دارميّ فقد بليتا ... وإنك سوف توشك أن تموتا
أراك تزيد عشقا [6] كلّ يوم ... إذا ما قلت إنك قد بريتا
الشعر والغناء جميعا لسعيد الدارميّ، ولحنه المختار من خفيف الثقيل الأوّل بإطلاق الوتر في مجرى الوسطى.
__________
[1] لم تقصر: لم تكف ولم تنته.
[2] المجسة الموضع التي تقع عليه اليد عند الجس، فمعنى رابى المجسة: أنه عظيم سمين حيث يجس.
[3] وحلا: ذا وحل.
[4] المرججنّ: المائل من ثقله. والموقر: الذي يحمل حملا ثقيلا.
[5] زيادة في أ، م.
[6] في أ، م، ط، ء: «غشيا كل يوم». وغشي عليه (مجهولا غشيا بالفتح والضم وغشيانا): نابه ما غشي عقله.
19 - ذكر الدارميّ وخبره ونسبه
نسبه وكان من الشعراء وأرباب النوادر:
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثني هارون بن محمد بن عبد الملك الزيّات قال حدّثني أبو أيّوب المدينيّ قال حدّثني عبد الرحمن ابن أخي الأصمعيّ عن عمه قال:
الدارميّ من ولد سويد بن زيد الذي كان جدّه قتل أسعد بن عمرو بن هند، ثم هربوا إلى مكة فحالفوا بني نوفل بن عبد مناف.
وكان الدارميّ في أيّام عمر بن عبد العزيز، وكانت له أشعار ونوادر، وكان من ظرفاء أهل مكّة، وله أصوات يسيرة. وهو الذي يقول:
ولما رأيتك أوليتني ال ... قبيح وأبعدت عنّي الجميلا
تركت وصالك في جانب ... وصادفت في الناس خلّا بديلا
شيب بذات خمار أسود فنفقت الخمر السود ولم تبق فتاة إلا لبسته:
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزبير بن بكّار قال حدّثني إسحاق بن إبراهيم عن/ الأصمعيّ، وأخبرني عمّي قال حدّثنا فضل اليزيديّ عن إسحاق بن إبراهيم عن الأصمعيّ، وأخبرني عمّي قال حدّثنا أبو الفضل الرّياشيّ عن الأصمعيّ، قال وحدّثني به النّوشجانيّ عن شيخ له من البصريّين عن الأصمعيّ عن ابن أبي الزّناد، ولم يقل عن ابن أبي الزناد [غيره] [1]:
أنّ تاجرا من أهل الكوفة قدم المدينة بخمر [2] فباعها كلها وبقيت السود منها فلم تنفق [3]، وكان صديقا للدارميّ، فشكا ذاك إليه، وقد كان نسك [4] وترك الغناء وقول الشعر؛ فقال له: لا تهتمّ بذلك فإني سأنفقها لك حتى تبيعها أجمع؛ ثم قال:
صوت
قل للمليحة في الخمار الأسود ... ماذا صنعت براهب متعبّد
قد كان شمّر للصلاة ثيابه ... حتى وقفت له بباب المسجد
__________
[1] التكلمة من ط، ء، ح.
[2] الخمر: جمع خمار، وهو ما تغطي به المرأة رأسها.
[3] نفقت السلعة (وزان نصر) نفاقا: راجت ورغب فيها. وأنفقها ونفقها: روّجها.
[4] نسك (وزان ضرب): تعبد وتزهد وتقشف.
وغنّى فيه، وغنّى فيه أيضا سنان الكاتب، وشاع في الناس وقالوا: قد فتك [1] الدارميّ ورجع عن نسكه؛ فلم تبق في المدينة ظريفة إلا ابتاعت خمارا أسود حتى نفد ما كان مع العراقيّ منها؛ فلما علم بذلك الدارميّ رجع إلى نسكه ولزم المسجد.
فأما نسبة هذا الصوت فإنّ الشعر فيه للدارميّ والغناء أيضا، وهو خفيف ثقيل أوّل بالسبّابة في مجرى الوسطى عن إسحاق. وفيه لسنان الكاتب رمل بالوسطى عن حبش. وذكر حبش أن فيه لابن سريج هزجا بالبنصر.
أخبرني إسماعيل بن يونس قال حدّثني أبو هفّان قال: حضرت يوما مجلس بعض قوّاد الأتراك وكانت له ستارة فنصبت، فقال لها [2]: غنّي صوت الخمار الأسود المليح، فلم ندر ما أراد حتى غنّت:
قل للمليحة في الخمار الأسود
ثم أمسك ساعة ثم قال لها غنّي:
إني خريت وجئت أنتقله
فضحكت ثم قالت: هذا يشبهك! فلم ندر أيضا ما أراد حتى غنّت:
إنّ الخليط أجدّ منتقله
بخله وظرفه:
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا هارون بن محمد قال حدّثني محمد بن أخي سلّم [3] الخزاعيّ قال حدّثني الحرمازيّ قال زعم [لي] [4] ابن مودود قال:
/ كان الدارميّ المكيّ شاعرا ظريفا وكانت متفتّيات [5] أهل مكة لا يطيب لهن متنزّه إلّا بالدارمي، فاجتمع جماعة منهنّ في متنزّه لهنّ، وفيهنّ صديقة له، وكلّ واحدة منهنّ قد واعدت هواها [6]، فخرجن حتى أتين الجحفة [7] وهو معهنّ؛ فقال بعضهنّ لبعض: كيف لنا أن نخلو مع هؤلاء الرجال من الدارميّ؟ فإنّا إن فعلنا قطّعنا في الأرض [8]! قالت لهنّ صاحبته: أنا أكفيكنّه؛ قلن: إنا نريد ألّا يلومنا؛ قالت: عليّ أن ينصرف حامدا، وكان أبخل الناس، فأتته فقالت: يا دارميّ، إنّا قد تفلنا [9] فاجلب لنا طيبا [10]؛ قال نعم هو ذا، آتي سوق الجحفة آتيكنّ منها بطيب؛ فأتى المكارين فاكترى حمارا فصار عليه إلى مكة وهو يقول:
__________
[1] فتك: مجن.
[2] لم يتقدم لهذا الضمير مرجع ولكنه مفهوم من سياق الكلام أنه للجارية التي أمرت بالغناء.
[3] كذا في أغلب النسخ. وفي ب، س، ح: «محمد بن أبي سلمة الخزاعي».
[4] هذه الكلمة ساقطة من ب، س.
[5] متفتيات: وصف من تفتت الجارية إذا راهقت فخدّرت ومنعت من اللعب مع الصبيان.
[6] هواها: من تهواه وتحبه.
[7] الجحفة: قرية بطريق المدينة على أربع مراحل من مكة، وهي ميقات أهل مصر والشأم إن لم يمروا على المدينة، فإن مروا بالمدينة فميقاتهم ذو الحليفة.
[8] يريد أنه يمزق أعراضهن وينشر ذلك في الأرض بين الناس.
[9] تفل كفرح: تغيرت رائحته لطول عهده بترك الطيب.
[10] في ط، أ، م: «فاحتل لنا طيبا».
أنّا باللّه ذي العزّ ... وبالّركن وبالصّخره
من اللائي يردن الطّي ... ب في اليسر وفي العسره [1]
وما أقوى على هذا ... ولو كنت على البصره
فمكث النسوة ما شئن. ثم قدم من مكة فلقيته صاحبته ليلة في الطّواف، فأخرجته إلى ناحية المسجد وجعلت تعاتبه على ذهابه ويعاتبها، إلى أن قالت له: يا دارميّ، بحقّ هذه/ البنيّة [2] أتحبّني؟ فقال نعم، فبربّها أتحبّيني؟ قالت نعم؛ قال: فيا لك الخير فأنت تحبّيني وأنا أحبّك، فما مدخل الدراهم بيننا!.
الدارمي وعبد الصمد بن علي:
أخبرني حبيب بن نصر المهلّبي قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثني عمّي قال:
كان الدارميّ عند عبد الصمد بن عليّ يحدّثه، فأغفى عبد الصمد فعطس الدارميّ عطسة هائلة، ففزع عبد الصمد فزعا شديدا وغضب غضبا شديدا، ثم استوى جالسا وقال: يا عاضّ كذا من أمه [3] أتفزّعني! قال: لا واللّه ولكن هكذا عطاسي! قال: واللّه لأنقعنّك في دمك [4] أو تأتينّي ببيّنة على ذلك؛ قال: فخرج ومعه حرسيّ [5] لا يدري أين يذهب به، فلقيه ابن الريّان [6] المكيّ فسأله؛ فقال: أنا أشهد لك؛ فمضى حتى دخل على عبد الصمد؛ فقال له: بم تشهد لهذا؟ قال: أشهد أني رأيته مرّة عطس عطسة فسقط [7] ضرسه؛ فضحك عبد الصمد وخلّى سبيله.
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا هارون بن محمد قال حدّثنا الزبير قال:
قال محمد بن إبراهيم الإمام للدارميّ: لو صلحت عليك ثيابي لكسوتك؛ قال: فديتك! إن لم تصلح عليّ ثيابك صلحت عليّ دنانيرك.
الدارمي مع نسوة من الأعراب:
أخبرنا محمد بن العباس اليزيديّ قال حدّثنا أحمد بن زهير قال حدّثنا الزبير، ونسخت من كتاب هارون بن محمد: حدّثنا الزبير قال حدّثني يونس بن عبد اللّه الخيّاط قال:
/ خرج الدارميّ مع السّعاة [8]، فصادف جماعة منهم قد نزلوا على الماء فسألهم فأعطوه دراهم، فأتى بها في ثوبه، وأحاط به أعرابيّات فجعلن يسألنه وألححن عليه وهو يردّهن؛ فعرفته صبيّة منهنّ فقالت: يا أخواتي، أتدرين
__________
[1] في أ، م: «في اليسرة والعسرة».
[2] البنية: الكعبة.
[3] كذا في ط. وفي باقي الأصول: «يا عاض كذا وكذا من أمه».
[4] لأنقعنك في دمك: لأريقن دمك حتى تقرّ فيه كما يقرّ الشيء الجامد في الماء ونحوه.
[5] الحرس: الأعوان. قال في «المصباح»: جعل علما على الجمع هذه الحالة المخصوصة ولا يستعمل له واحد من لفظه، ولهذا نسب إلى الجمع، ولو جعل الحرس هنا جمع حارس لقيل حارسيّ. قالوا: ولا يقال حارسيّ إلا إذا ذهب به إلى معنى الحراسة دون الجنس.
[6] ابن الريان: هو أبو حامد محمد بن عبد الرحمن بن هشام المكيّ. وفي ط، ء: «أبو الزناد المكيّ».
[7] كذا في ح. وفي سائر النسخ: «سقط».
[8] السعاة: جمع ساع وهو العامل على الصدقات، يأخذها من الأغنياء ويردها على الفقراء.
من تسألن منذ اليوم؟ هذا الدارميّ السأل. ثم أنشدت:
إذا كنت لا بدّ مستطعما ... فدع عنك من كان يستطعم
فولّى الدارميّ هاربا منهنّ وهنّ يتضاحكن به.
الدارمي والأوقص القاضي:
أخبرني حبيب بن نصر المهلّبيّ قال أخبرني أحمد بن أبي خيثمة قال حدّثنا مصعب الزبيريّ قال:
أتى الدارميّ الأوقص القاضي بمكّة في شيء فأبطأ عليه فيه، وحاكمه إليه خصم له في حقّ، فحبسه به حتى أدّاه إليه. فبينا الأوقص يوما في المسجد الحرام يصلّي ويدعو ويقول: يا ربّ أعتق رقبتي من النار، إذ قال له الدارميّ والناس يسمعون: أولك رقبة تعتق! لا واللّه ما جعل اللّه، وله الحمد، لك من عتق ولا رقبة! فقال له الأوقص: ويلك! ومن أنت؟ قال: أنا الدارميّ، حبستني وقتلتني؛ قال: لا تقل ذلك وأتني فإني أعوّضك؛ فأتاه ففعل ذلك به.
نادرة له مع عبد الصمد بن علي:
أخبرني الحرميّ أحمد بن محمد بن إسحاق قال حدّثني الزّبير بن بكّار قال حدّثني عمّي قال:
مدح الدارميّ عبد الصمد بن عليّ بقصيدة واستأذنه في الإنشاد فأذن له؛ فلما فرغ أدخل إليه رجل من الشّراة [1]؛ فقال لغلامه: أعط هذا مائة دينار واضرب عنق/ هذا؛ فوثب الدارميّ فقال: بأبي أنت وأمي! برّك وعقوبتك جميعا نقد! فإن رأيت أن تبدأ بقتل هذا، فإذا فرغ منه أمرته فأعطاني! فإني لن أريم من حضرتك حتى يفعل ذلك؛ قال: ولم ويلك؟ قال: أخشى أن يغلط فيما بيننا، والغلط في هذا لا يستقال؛ فضحك وأجابه إلى ما سأل.
نادرة له في مرضه:
أخبرني الحرميّ قال حدّثنا الزّبير قال حدّثني عمّي قال:
أصابت الدارميّ قرحة في صدره، فدخل إليه بعض أصدقائه يعوده. فرآه قد نفث/ من فيه نفثا أخضر، فقال له: أبشر، قد اخضرّت القرحة وعوفيت؛ فقال: هيهات! واللّه لو نفثت كلّ زمرّدة في الدنيا ما أفلتّ منها.
صوت من المائة المختارة
يا ربع سلمى لقد هيّجت لي طربا ... زدت الفؤاد على علّاته وصبا
ربع تبدّل ممّن كان يسكنه ... عفر الظّباء وظلمانا به عصبا [2]
الشعر لهلال بن الأسعر المازنيّ، أخبرني بذلك وكيع عن حمّاد بن إسحاق عن أبيه. وهكذا هو في رواية عمرو بن أبي عمرو الشّيبانيّ. ومن لا يعلم ينسبه إلى عمر ابن أبي ربيعة وإلى الحارث بن خالد ونصيب، وليس
__________
[1] الشراة: الخوارج، سموا بذلك لقولهم: «إننا شرينا أنفسنا في طاعة اللّه» أي بعناها بالجنة.
[2] الظلمان (بالضم والكسر): جمع ظليم وهو ذكر النعام. والعصب: الجماعات.
كذلك. والغناء في اللحن المختار لعزّور [1] الكوفيّ، ومن الناس من يقول عزّون بالنون وتشديد الزاي، وهو رجل من أهل الكوفة غير مشهور ولا كثير الصنعة، ولا أعلم أنّي سمعت له بخبر ولا صنعة/ غير هذا الصوت. ولحن هذا المختار ثقيل أول بالبنصر في مجراها عن إسحاق، وهكذا نسبه في الاختيار الواثقيّ. وذكر عمرو بن بانة أنّ فيه لابن عائشة لحنا من الثقيل الأول بالبنصر. وفي أخبار الغريض عن حمّاد أنّ له فيه ثقيلا أول. وقال الهشاميّ: فيه لعبد اللّه بن العبّاس لحن من الثقيل الثاني. وذكر حبش أنّ فيه لحسين بن [2] محرز خفيف رمل [3] بالبنصر.
__________
[1] كذا في أكثر النسخ. وفي أ، م: «عزوز». وفي ح: «غزون».
[2] كذا في أكثر الأصول. وفي ب، س، ح: «الحسين بن محمد بن محرز».
[3] في أ، م: «خفيف ثقيل بالبنصر». وفي ح: «ثقيلا بالبنصر».
20 - أخبار هلال ونسبه
نسبه وهو شاعر أموي شجاع أكول:
هو، فيما ذكر خالد بن كلثوم، هلال بن الأسعر بن خالد بن الأرقم بن قسيم [1] بن ناشرة بن سيّار بن رزام بن مازن بن مالك بن عمرو بن تميم. شاعر إسلاميّ من شعراء الدولة الأموية، وأظنه قد أدرك الدولة العباسية، وكان رجلا شديدا عظيم الخلق أكولا معدودا من الأكلة. قال أبو عمرو: وكان هلال فارسا شجاعا شديد البأس والبطش أكثر الناس أكلا وأعظمهم في حرب غناء. هذا لفظ أبي عمرو. وقال أبو عمرو: وعمّر هلال بن أسعر عمرا طويلا ومات بعد بلايا عظام مرّت على رأسه. قال: وكان رجل من قومه من بني رزام بن مالك يقال له المغيرة بن قنبر يعوله ويفضل عليه ويحتمل ثقله وثقل عياله فهلك، فقال هلال يرثيه:
كان المغيرة بن قنبر يعوله فلما مات رثاه:
ألا ليت المغيرة كان حيّا ... وأفنى قبله الناس الفناء
ليبك على المغيرة كلّ خيل ... إذا أفنى عرائكها [2] اللّقاء
ويبك على المغيرة كلّ كلّ ... فقير كان ينعشه العطاء
ويبك على المغيرة كلّ جيش ... تمور [3] لدى معاركه الدّماء
فتى الفتيان فارس كلّ حرب ... إذا شالت [4] وقد رفع اللّواء
/ لقد وارى جديد [5] الأرض منه ... خصالا عقد عصمتها الوفاء
فصبرا للنوائب إن ألمّت ... إذا ما ضاق بالحدث الفضاء
هزبر تنجلي الغمرات عنه ... نقيّ العرض همّته العلاء
/ إذا شهد الكريهة خاض منها ... بحورا لا تكدّرها الدّلاء
جسور لا يروّع عند روع [6] ... ولا يثني عزيمته اتّقاء
__________
[1] سمي بقسيم كأمير وقسيم كزبير. وقد ضبط هذا الاسم بالقلم في ط كزبير.
[2] العرائك: جمع عريكة. وأصل العريكة سنام البعير، وتقال على النفس، وعلى القوّة والشدّة، ولعل هذا المعنى هو المراد في هذا البيت. وقد فسرت العريكة بمعنى الشدّة والقوّة في قول الأخطل:
من اللواتي إذا لانت عريكتها ... كان لها بعدها آل ومجهود
(أنظر «اللسان» مادة عرك).
[3] تمور: تجري وتسيل.
[4] شالت الحرب: تهيأت الآن يخوض الأبطال غمارها. وهو من شالت الناقة إذا رفعت ذنبها للقاح.
[5] يريد بجديد الأرض قبره الذي جدّ منها وحفر ليدفن فيه.
[6] في ط:
سحليم في مشاهده إذا ما ... حبا الحلماء أطلقها المراء [1]
حميد في عشيرته فقيد [2] ... يطيب عليه في الملأ الثناء
فإن تكن المنية أقصدته [3] ... وحمّ [4] عليه بالتلف القضاء
فقد أودى به كرم وخير [5] ... وعود بالفضائل وابتداء
وجود لا يضمّ إليه جودا ... مراهنه إذا جدّ الجراء [6]
كان عاديّ الخلق صبورا على الجوع:
وقال خالد بن كلثوم: كان هلال بن الأسعر، فيما ذكروا، يرد مع الإبل فيأكل ما وجد عند أهله ثم يرجع إليها ولا يتزوّد طعاما ولا شرابا حتى يرجع يوم ورودها، لا يذوق فيما بين ذلك طعاما ولا شرابا، وكان عاديّ الخلق [7] لا توصف صفته.
حكايات عن قوّته:
قال/ خالد بن كلثوم فحدّثنا عنه من أدركه: أنه كان يوما في إبل له، وذلك عند الظّهيرة في يوم شديد وقع الشمس محتدم الهاجرة وقد عمد إلى عصاه فطرح عليها كساءه ثم أدخل رأسه تحت كسائه من الشمس، فبينا هو كذلك إذ مرّ به رجلان أحدهما من بني نهشل والآخر من بني فقيم [8]، كانا أشدّ تميميّين في ذلك الزمان بطشا، يقال لأحدهما الهيّاج، وقد أقبلا من البحرين ومعهما أنواط [9] من تمر هجر [10]، وكان هلال بناحية الصّعاب [11]؛ فلما انتهيا إلى الإبل، ولا يعرفان هلالا بوجهه ولا يعرفان أن الإبل له، ناديا: يا راعي، أعندك شراب تسقينا؟ وهما يظنّانه عبدا لبعضهم؛ فناداهما هلال ورأسه تحت كسائه: عليكما الناقة [12] التي صفتها كذا في موضع كذا
__________
()
جسور لا يوزع منه روع
يريد أنه ثابت الجنان لا يفزع.
[1] حبا: جمع حبوة وهي الثوب الذي يحتبي به، واسم للاحتباء بالثوب أي الاشتمال به. وإطلاق الحبا يكنى به عن السفه والطيش.
والمراء: المجادلة والملاجة والمخاصمة.
[2] فقيد: يفتقده العافون ويطلبونه.
[3] أقصدته: أصابته.
[4] حم: قضى وقدر.
[5] الخير: (بالكسر) الشرف.
[6] مراهنه: مسابقه. والجراء: مصدر كالمجاراة وهي المسابقة والمفاخرة.
[7] عاديّ الخلق: عملاق ضخم الجسم، نسبة إلى عاد. والعرب تضرب المثل بأحلام عاد لما تتصور من عظم خلقها، وتزعم أن أحلامها على مقادير أجسامها. قال الشاعر:
كأنما ورثوا لقمان حكمته ... علما كما ورثوا الأحلام من عاد
[8] في ط، أ، م: «بني تيم».
[9] أنواط: جمع نوط، والنوط: الجلة الصغيرة فيها التمر ونحوه.
[10] هجر: مدينة وهي قاعدة البحرين، وقبل ناحية البحرين كلها هجر، وهو الصواب.
[11] الصعاب: اسم جبل بين اليمامة والبحرين، وقيل: رمال بين البصرة واليمامة صعبة المسالك.
[12] في ب، س، ح: «عليكما بالناقة». وهو كما يتعدى بنفسه يتعدى بالباء.
فأنيخاها [1] فإنّ عليها وطبين [2] من لبن، فاشربا منهما ما بدا لكما. قال فقال له أحدهما: ويحك! انهض يا غلام فأت بذلك اللبن! فقال لهما: إن تك لكما حاجة فستأتيانها فتجدان [3] الوطبين فتشربان؛ قال فقال أحدهما: إنك يابن اللّخناء لغليظ الكلام، قم فاسقنا، ثم دنا من هلال وهو على تلك الحال. وقال لهما، حيث قال له أحدهما:
«إنك يابن اللخناء لغليظ الكلام»، أراكما واللّه ستلقيان هوانا وصغارا؛ وسمعا ذلك منه، فدنا أحدهما فأهوى له ضربا بالسّوط على عجزه وهو مضطجع، فتناول هلال يده فاجتذبه إليه ورماه تحت فخذه ثم ضغطه ضغطة؛ فنادى صاحبه: ويحك أغثني قد قتلني! فدنا/ صاحبه منه، فتناوله هلال أيضا فاجتذبه فرمى به تحت فخذه الأخرى، ثم أخذ برقابهما فجعل يصكّ برؤوسهما [4] بعضا ببعض لا يستطيعان أن يمتنعا منه؛ فقال أحدهما: كن هلالا ولا نبالي [5] ما صنعت؛ فقال لهما: أنا واللّه هلال، ولا واللّه لا تفلتان منّي حتى تعطياني عهدا وميثاقا لا تخيسان [6] به: لتأتيانّ المربد [7] إذا قدمتما البصرة، ثم لتناديانّ بأعلى أصواتكما بما كان منّي ومنكما؛ فعاهداه وأعطياه نوطا من التمر الذي معهما، وقدما البصرة فأتيا المربد فناديا بما كان منه ومنهما.
وحدّث خالد عن كنيف [8] بن عبد اللّه المازنيّ قال: كنت يوما مع هلال ونحن نبغي إبلا لنا، فدفعنا إلى قوم من بكر بن وائل وقد لغبنا [9] وعطشنا، وإذا نحن بفتية شباب عند ركيّة [10] لهم/ وقد وردت إبلهم، فلما رأوا هلالا استهولوا خلقه وقامته، فقام رجلان منهم إليه فقال له أحدهما: يا عبد اللّه، هل لك في الصّراع؟ فقال له هلال: أنا إلى غير ذلك أحوج؛ قال: وما هو؟ قال: إلى لبن وماء فإنّني لغب ظمآن؛ قال: ما أنت بذائق من ذلك شيئا حتى تعطينا عهدا لتجيبنّنا إلى الصّراع إذا أرحت [11] ورويت؛ فقال لهما هلال: إنني لكم ضيف، والضيف لا يصارع [آهله [12] و] ربّ منزله، وأنتم مكتفون من ذلك بما أقول لكم: اعمدوا إلى أشدّ فحل في إبلكم وأهيبه صولة وإلى أشدّ رجل منكم ذراعا، فإن لم أقبض على هامة البعير وعلى يد صاحبكم فلا يمتنع الرجل ولا البعير حتى أدخل يد الرجل في فم البعير، فإن لم أفعل ذلك فقد صرعتموني، وإن فعلته علمتم أن صراع أحدكم أيسر من ذلك. قال: فعجبوا من مقالته تلك، وأومئوا إلى فحل في إبلهم هائج صائل قطم [13]؛ فأتاه هلال ومعه نفر من
__________
[1] فيء وإحدى روايتي ط: «فاقصداها». وفي ط: «فانتحياها».
[2] الوطب: سقاء اللبن خاصة.
[3] في ط، ء، ح: «فتحذران». وحدر الشي ء: أنزله من علو.
[4] الجمع في رؤوسهما دون التثنية لكراهة اجتماع تثنيتين مع ظهور المراد، وهو في مثل ذلك أكثر استعمالا من التثنية والإفراد، وفي القرآن الكريم: فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما
[5] كذا في ط، ء. وفي سائر النسخ: «و لا تبالي» بالتاء.
[6] لا تخيسان به: لا تغدران به ولا تنكثان.
[7] المربد: من أشهر محال البصرة، وكان يكون سوق الإبل فيه قديما ثم صار محلة عظيمة سكنها الناس وبه كانت مفاخرات الشعراء ومجالس الخطباء.
[8] كذا في كذا. وفي سائر النسخ: «كفيف» وفي «القاموس» وشرحه مادة كنف أنه سمى بكنيف كزبير. ولم نعثر على أنه سمي بكفيف.
[9] لغبنا: تعبنا وأصابنا الإعياء.
[10] الركية: البئر لأنها مركوة أي محفورة.
[11] أراح الرجل: رجعت إليه نفسه بعد الإعياء.
[12] زيادة في ط، أ، م، ء. والآهل: من قولهم أهل. إذا أنس به.
[13] كذا في ط والقطم: الهائج. وفي سائر النسخ: «فطم» بالفاء وهو تحريف.
أولئك القوم وشيخ لهم، فأخذ بهامة الفحل مما فوق مشفره فضغطها ضغطة جرجر الفحل [منها] [1] واستخذى ورغا، وقال: ليعطني من أحببتم يده أولجها في فم هذا الفحل. قال فقال الشيخ: يا قوم تنكّبوا هذا الشيطان، فو اللّه ما سمعت فلانا [2] (يعني الفحل) [3] جرجر منذ بزل [4] قبل اليوم، فلا تعرضوا لهذا الشيطان. وجعلوا يتبعونه وينظرون إلى خطوه ويعجبون من طول أعضائه حتى جازهم.
صارع في المدينة عبدا بأمر أميرها:
قال وحدّثنا من سمع هلالا يقول: قدمت المدينة وعليها رجل من آل مروان، فلم أزل أضع عن إبلي وعليها أحمال للتجار حتى أخذ بيدي وقيل لي: أجب الأمير. قال: قلت لهم: ويلكم! إبلي وأحمالي! فقيل: لا بأس على إبلك وأحمالك. قال: فانطلق بي حتى أدخلت على الأمير، فسلّمت عليه ثم قلت: جعلت فداك! إبلي وأمانتي! قال فقال: نحن ضامنون لإبلك وأمانتك حتى نؤدّيها إليك. قال فقلت/ عند ذلك: فما حاجة الأمير إليّ جعلني اللّه فداه؟ قال فقال لي - وإلى جنبه رجل أصفر، لا [5] واللّه ما رأيت رجلا قطّ أشدّ خلقا منه ولا أغلظ عنقا، ما أدري أطوله أكثر أم عرضه - : إن هذا العبد الذي ترى لا واللّه ما ترك بالمدينة عربيّا [6] يصارع إلا صرعه، وبلغني عنك قوّة، فأردت أن يجري اللّه صرع هذا العبد على يديك فتدرك ما عنده من أوتار العرب. قال فقلت: جعلني اللّه فداء الأمير، إني لغب نصب جائع، فإن رأى الأمير أن يدعني اليوم حتى أضع عن إبلي وأؤدّي أمانتي وأريح يومي هذا وأجيئه غدا فليفعل. قال فقال لأعوانه: انطلقوا معه فأعينوه على الوضع عن إبله وأداء أمانته وانطلقوا به إلى المطبخ فأشبعوه؛ ففعلوا جميع ما أمرهم به. قال: فظللت بقية يومي ذلك وبتّ ليلتي تلك بأحسن حال شبعا وراحة وصلاح أمر، فلما كان من الغد غدوت عليه وعليّ جبّة لي صوف وبتّ [7] وليس عليّ إزار إلا أني قد شددت بعمامتي وسطي، فسلّمت عليه فردّ عليّ السلام، وقال للأصفر: قم إليه، فقد أرى أنه أتاك اللّه بما يخزيك؛ فقال العبد: اتّزر يا أعرابيّ؛ فأخذت بتّي فاتّزرت به على جبّتي؛ فقال: هيهات! هذا لا يثبت، إذا قبضت عليه جاء في يدي؛ قال فقلت: واللّه ما لي من إزار؛ قال: فدعا الأمير بملحفة ما رأيت قبلها ولا علا جلدي مثلها، فشددت بها على حقوي [8] وخلعت الجبّة؛ قال: وجعل العبد يدور/ حولي ويريد ختلي وأنا منه وجل ولا أدري كيف أصنع به، ثم دنا مني دنوة فنقد [9] جبهتي بظفرة نقدة [حتى] [10] ظننت أنه قد شجّني وأوجعني،/ فغاظني ذلك، فجعلت أنظر
__________
[1] زيادة يقتضيها السياق. وجرجر: ردد صوته في حنجرته. واستخذى: خضع.
[2] كذا في جميع النسخ، ولكن الذي قاله أئمة اللغة أن فلانا وفلانة بغير أل يكنى بهما عن الآدميين، والفلان والفلانة بأل يكنى بهما عن غيرهم.
[3] كذا في أ، م. وفي بقية الأصول: «يعني هذا الفحل».
[4] في ط: «برك» وفي سائر النسخ: «نزل» بالنون بدل الباء، وكلتاهما محرفة عن «بزل». وبزل البعير: فطر نابه ودخل في سنته التاسعة.
[5] «لا» هذه زائدة، والعرب يزيدونها قبل القسم تمهيدا لنفي الجواب.
[6] كذا فيء، ط. وفي ح، وفي ح، ب: «عبدا». وفي س، أ، م: «عبدا عربيا».
[7] البت: كساء غليظ مهلهل مربع أخضر. وقيل: هو من وبر وصوف.
[8] الحقو: الخصر.
[9] كذا فيء، ط. ونقد الشي ء: نقره بإصبعه. وفي باقي النسخ: «فنفذ جبهتي بظفره نفذة» ونفذ الشيء الشي ء: خرقه. والمقام هنا يأباه.
[10] الزيادة عن أ، م.
في خلقه بم أقبض منه، فما وجدت في خلقه شيئا أصغر من رأسه، فوضعت إبهاميّ في صدغيه [1] وأصابعي الأخر في أصل أذنيه، ثم غمزته غمزة صاح منها: قتلتني! قتلتني! فقال الأمير: اغمس رأس العبد في التراب؛ قال فقلت له: ذلك لك عليّ؛ قال: فغمست واللّه رأسه في التراب ووقع شبيها بالمغشيّ عليه، فضحك الأمير حتى استلقى وأمر لي بجائزة [2] وكسوة وانصرفت.
قتل رجلا من بني جلان استجار بمعاذ فقبض عليه للثأر منه، ثم فر إلى اليمن وشعره في ذلك:
قال أبو الفرج: ولهلال أحاديث كثيرة من أعاجيب شدّته. وقد ذكره حاجب بن ذبيان [3] فقال لقوم من بني رباب من بني حنيفة في شيء كان بينهم فيه أربع ضربات بالسيف، فقال حاجب:
وقائلة وباكية بشجو ... لبئس السيف سيف بني رباب
ولو لاقى هلال بني رزام ... لعجّله إلى يوم الحساب
وكان هلال بن الأسعر ضربه رجل من بني عنزة ثم من بني جلّان يقال له عبيد بن جريّ [4] في شيء كان بينهما، فشجّه وخمشه [5] خماشة، فأتى هلال بني جلّان فقال: إن صاحبكم قد فعل بي ما ترون فخذوا لي بحقّي، فأوعدوه وزجروه [6]؛ فخرج من عندهم وهو يقول: عسى أن يكون لهذا جزاء حتى أتى بلاد قومه؛ فمضى/ لذلك زمن طويل حتى درس ذكره؛ ثم إن عبيد بن جريّ قدم الوقبي - وهو موضع من بلاد بني مالك - فلما قدمها ذكر هلالا وما كان بينه وبينه فتخوّفه؛ فسأل عن أعزّ أهل الماء، فقيل له: معاذ بن جعدة بن ثابت بن زرارة بن ربيعة بن سيّار بن رزام بن مازن؛ فأتاه فوجده غائبا عن الماء، فعقد عبيد بن جريّ طرف ثيابه إلى جانب طنب بيت معاذ - وكانت العرب إذا فعلت ذلك وجب على المعقود بطنب بيته للمستجير به أن يجيره وأن يطلب له بظلامته - وكان يوم فعل ذلك غائبا عن الماء، فقيل: رجل استجار بآل معاذ بن جعدة. ثم خرج عبيد بن جريّ ليستقي، فوافق قدوم هلال بإبله يوم وروده، وكان إنما يقدمها في الأيام، فلما نظر هلال إلى ابن جريّ ذكر ما كان بينه وبينه، ولم يعلم باستجارته بمعاذ بن جعدة، فطلب شيئا يضربه به فلم يجده، فانتزع المحور [7] من السّانية فعلاه به ضربة على رأسه فصرع وقيذا [8]، وقيل: قتل هلال بن الأسعر جار معاذ بن جعدة! فلما سمع ذلك هلال تخوّف بني جعدة الرّزاميّين، وهم بنو عمه، فأتى راحلته ليركبها. قال [9] هلال: فأتتني خولة بنت يزيد [10] بن ثابت أخي بني
__________
[1] كذا في ط، ء. وفي ب، س، ح: «فوضعت إبهامي في صدغه وأصابعي الأخر في أصل أذنه الأخرى». وفي أ، م: «في أصل أذنه» بدون الأخرى.
[2] كذا في أغلب النسخ. وفي ب، س: «بجائزة وصلة وكسوة». وفي ح: «بجائزة وصلة وكسوة ومئزرة ثم انحدرت إلخ».
[3] كذا فيء وهامش ط، وهكذا ورد في «تاريخ ابن جرير الطبري» في حوادث سنة 10 طبع أوروبا. وفي ح: «صاحب بن ذبيان» وفي باقي الأصول «حاجب بن دينار».
[4] كذا في أكثر النسخ. وفي ط، ح: «حرى» بالحاء المهملة.
[5] الخمش: الخدش في الوجه، وقد يستعمل للخدش في سائر الجسد.
[6] كذا في أ، م، س. وفي باقي النسخ: «زبروه».
[7] المحور الحديدة التي تجمع بين الخطاف والبكرة. والسانية: الدلو العظيمة مع أدواتها.
[8] الوقيذ: الدنف الذي أشفى على الموت.
[9] كذا في أ، م، ح. وفي سائر النسخ: «فقال» ولا موقع لهذه الفاء.
[10] في ط، ح، ء: «زيد».
جعدة بن ثابت، وهي جدّة أبي السّفّاح زهيد [1] بن عبد اللّه بن مالك أمّ أبيه، فتعلّقت بثوب هلال، ثم قالت: أي عدوّ اللّه قتلت جارنا! واللّه لا تفارقني حتى يأتيك رجالنا! قال هلال: والمحور في يدي لم أضعه؛ قال: فهممت أن أعلو به رأس خولة، ثم قلت في نفسي: عجوز لها سنّ وقرابة! قال: فضربتها برجلي ضربة رميت بها من بعيد، ثم أتيت/ ناقتي فأركبها [2] ثم أضربها هاربا. وجاء معاذ بن جعدة وإخوته - وهم يومئذ تسعة إخوة - وعبد اللّه بن مالك زوج لبنت معاذ [و] [3] يقال لها جبيلة، وهو مع/ ذلك ابن عمتهم خولة بنت يزيد بن ثابت، فهو معهم كأنه بعضهم؛ فجاؤوا من آخر النهار فسمعوا الواعية [4] على الجلّانيّ وهو دنف لم يمت، فسألوا عن تلك الواعية فأخبروا بما كان من استجارة الجلّانيّ بمعاذ بن جعدة وضرب هلال له من بعد ذلك؛ فركب الاخوة التسعة وعبد اللّه بن مالك عاشرهم، وكانوا أمثال الجبال في شدّة خلقهم مع نجدتهم، وركبوا معهم بعشرة غلمة لهم أشدّ منهم خلقا لا يقع لأحد منهم سهم في غير موضع يريده من رميّته، حتى تبعوا هلالا؛ وقد نسل [5] هلال من الهرب يومه ذلك كلّه وليلته، فلما أصبح أمنهم وظنّ أن قد أبعد في الأرض ونجا منهم؛ وتبعوه، فلما أصبحوا من تلك الليلة قصّوا [6] أثره، وكان لا يخفى أثره على أحد لعظم قدمه، فلحقوه من بعد الغد، فلما أدركوه وهم عشرون ومعهم النّبل والقسيّ والسيوف والتّرسة [7]، ناداهم: يا بني جعدة، إني أنشدكم اللّه! أن أكون قتلت رجلا غريبا طلبته بترة تقتلوني وأنا ابن عمّكم! وظنّ أنّ الجلّانيّ قد مات، ولم يكن مات إلى أن تبعوه وأخذوه؛ فقال معاذ: واللّه لو أيقنّا أنه قد مات ما ناظرنا بك [8] القتل من ساعتنا ولكنّا تركناه ولم يمت، ولسنا نحبّ قتلك إلّا أن تمتنع منا، ولا نقدم عليك حتى نعلم ما يصنع جارنا؛ فقاتلهم وامتنع منهم، فجعل معاذ يقول لأصحابه وغلمانه: لا ترموه/ بالنبل ولا تضربوه بالسيوف، ولكن ارموه بالحجارة واضربوه بالعصيّ حتى تأخذوه؛ ففعلوا ذلك، فما قدروا على أخذه حتى كسروا من إحدى يديه ثلاث أصابع ومن الأخرى إصبعين، ودقّوا ضلعين من أضلاعه وأكثروا الشّجاج في رأسه، ثم أخذوه وما كادوا يقدرون على أخذه، فوضعوا في رجله أدهم [9]، ثم جاءوا به وهو معروض على بعير حتى انتهوا به إلى الوقبى فدفعوه إلى الجلّاني ولم يمت بعد، فقالوا [10]: انطلقوا به معكم إلى بلادكم ولا تحدثوا في أمره شيئا حتى تنظروا ما يصنع بصاحبكم، فإن مات فاقتلوه وإن حيي فأعلمونا حتى نحمل لكم أرش [11] الجناية. فقال الجلّانيّون: وفت ذمّتكم يا بني جعدة، وجزاكم اللّه أفضل ما يجزي به خيار الجيران، إنّا نتخوّف أن ينزعه منّا قومكم إن خلّيتم عنّا وعنهم وهو في أيدينا؛ فقال لهم معاذ: فإني أحمله معكم وأشيّعكم حتى تردوا بلادكم، ففعلوا ذلك،
__________
[1] كذا في أكثر النسخ. وفي إحدى روايتي ط: «مهند». وفي ح: «و هي جدة أبي السفاح وهي بنت عبد اللّه إلخ».
[2] في ح: «فركبتها».
[3] هذه الواو ساقطة من ب، س، ح.
[4] الواعية: الصراخ على الميت.
[5] نسل: أسرع في سيره.
[6] قص أثره قصا وقصصا: تتبعه.
[7] الترسة: جمع ترس، وهو صفيحة من الفولاذ مستديرة تحمل للوقاية من السيف.
[8] ما ناظرنا بك القتل: ما أخرناه. ولم نجد هذه الصيغة بهذا المعنى في كتب اللغة التي بين أيدينا.
[9] الأدهم: القيد.
[10] كذا في أكثر النسخ. وفي ب، س، ح: «فقال».
[11] الأرش: دية الجراحات.
فحمل معروضا على بعير وركبت أخته جماء [1] بنت الأسعر معه، وجعل يقول: قتلتني بنو جعدة! وتأتيه أخته بمغرة [2] فيشربها فيقال: يمشي [3] بالدّم، لأن بني جعدة فرثوا [4] كبده في جوفه. فلمّا بلغوا أدنى بلاد بكر بن وائل قال الجلّانيّون لمعاذ وأصحابه: أدام اللّه عزّكم، وقد وفيتم فانصرفوا. وجعل هلال يريهم أنّه يمشي في اللّيلة عشرين مرّة. فلمّا ثقل الجلّانيّ وتخوّف هلال أن يموت من ليلته أو يصبح ميّتا، تبرّز هلال كما كان يصنع وفي رجله الأدهم كأنه يقضي حاجة، ووضع كساءه على عصاه في ليلة ظلماء، ثم اعتمد على الأدهم فحطمه، ثم طار تحت ليلته على رجليه، وكان أدلّ الناس فتنكّب الطّريق التي تعرف ويطلب فيها/ وجعل يسلك المسالك التي لا يطمع فيها. حتّى انتهى إلى رجل من بني أثاثة بن مازن يقال له السّعر بن يزيد بن طلق [5] بن جبيلة بن أثاثة بن مازن، فحمله السّعر على ناقة له يقال لها ملوة، فركبها ثمّ تجنّب بها الطريق/ فأخذ نحو بلاد قيس بن عيلان، تخوّفا من بني مازن أن يتبعوه أيضا فيأخذوه، فسار ثلاث ليال وأيّامها حتّى نزل اليوم الرّابع، فنحر الناقة فأكل لحمها كلّه إلا فضلة فضلت منها فاحتملها، ثم أتى بلاد اليمن فوقع بها، فلبث زمانا وذلك عند مقام [6] الحجاج بالعراق، فبلغ إفلاته من بالبصرة من بكر بن وائل، فانطلقوا إلى الحجّاج فاستعدوه وأخبروه بقتله صاحبهم؛ فبعث الحجاج إلى عبد اللّه بن شعبة بن العلقم، وهو يومئذ عريف بني مازن حاضرتهم وباديتهم، فقال له: لتأتينّي بهلال أو لأفعلنّ بك ولأفعلن؛ فقال له عبد اللّه بن شعبة: إن أصحاب هلال وبني عمّه قد صنعوا كذا وكذا: فاقتصّ عليه ما صنعوا في طلبه وأخذه ودفعه إلى الجلّانيّين وتشييعهم إيّاه حتّى وردوا بلاد بكر بن وائل؛ فقال له الحجّاج: ويلك! ما تقول؟
قال فقال بعض البكريّين: صدق، أصلح اللّه الأمير؛ قال فقال الحجّاج: فلا يرغم اللّه إلّا أنوفكم [7]، اشهدوا أنّي قد آمنت كلّ قريب لهلال وحميم وعريف ومنعت من أخذ أحد به ومن طلبه حتّى يظفر به البكريّون أو يموت قبل ذلك.
فلمّا وقع هلال إلى بلاد اليمن بعث إلى بني رزام بن مازن [8] بشعر يعاتبهم فيه ويعظّم عليهم حقّه ويذكر قرابته، وذلك أنّ سائر بني مازن قاموا ليحملوا ذلك الدّم، فقال معاذ:/ لا أرضى واللّه أن يحمل لجاري دم واحد حتى يحمل له دم ولجواري دم آخر، وإن أراد هلال الأمان وسطنا حمل له دم ثالث؛ فقال هلال في ذلك:
بني مازن لا تطردوني فإنّني ... أخوكم وإن جرّت جرائرها [9] يدي
ولا تثلجوا أكباد بكر بن وائل ... بترك أخيكم كالخليع المطرّد
ولا تجعلوا حفظي بظهر وتحفظوا ... بعيدا ببغضاء يروح ويغتدي [10]
فإنّ القريب حيث كان قريبكم ... وكيف بقطع الكفّ من سائر اليد
__________
[1] كذا في ب، س، ح. وفيء، أ، م «حماء» بالحاء المهملة والمد وفي ط: «حما» بالحاء المهملة مقصورا.
[2] المغرة (بالفتح وبالتحريك): طين أحمر يصبغ به.
[3] أمشى الرجل: استطلق بطنه من دواء تناوله.
[4] فرثوا كبده: ضربوها وهو حيّ.
[5] في ط، ء: «علق» وفي أ، م: «على».
[6] كذا في ب، س، ح. وفي باقي الأصول: «عند مقدم الحجاج العراق».
[7] كذا في أكثر الأصول، وفي س: «أنوفهم».
[8] كذا في ط، ح، ء. وفي سائر النسخ: «مالك» ومالك جد رزام لا أبوه (راجع أول هذه الترجمة).
[9] الجرائر: جمع جريرة وهي الذنب والجناية.
[10] كذا في ط، ء. وهو الأقرب إلى الصواب. وفي باقي النسخ: «تروح وتغتدي» بالتاء.
وإن البعيد إن دنا فهو جاركم ... وإن شطّ عنكم فهو أبعد أبعد
وإنّي وإن أوجدتموني [1] لحافظ ... لكم حفظ راض عنكم غير موجد
سيحمي حماكم بي وإن كنت غائبا ... أغرّ إذا ما ريع لم يتبلّد
وتعلم بكر أنّكم حيث كنتم ... وكنت من الأرض الغريبة محتدي
وأنّي ثقيل حيث كنت على العدا ... وأنّي وإن أوحدت لست بأوحد
وأنهم لمّا أرادوا هضيمتي ... منوا [2] بجميع القلب عضب مهنّد
حسام متى يعزم على الأمر يأته ... ولم يتوقّف للعواقب في غد
وهم بدءوا بالبغي حتّى إذا جزوا ... بأفعالهم قالوا لجازيهم [3] قد [4]
فلم يك منهم في البديهة [5] منصف ... ولم يك فيهم في العواقب مهتدي
/ ولم يفعلوا فعل الحليم فيجملوا [6] ... ولم يفعلوا فعل العزيز المؤيّد
فإن يسر لي إيعاد [7] بكر فربّما ... منعت الكرى بالغيظ من متوعّد
وربّ حمى قوم أبحت ومورد ... وردت بفتيان الصباح ومورد
/ وسجف دجوجيّ من الليل حالك ... رفعت بعجلي الرّجل موّارة اليد [8]
سفينة خوّاض بحور همومه ... قليل التياث [9] العزم عند التردّد
جسور على الأمر المهيب إذا ونى ... أخو الفتك ركّاب قرى [10] المتهدّد
وقال وهو بأرض اليمن:
أقول وقد جاوزت نعمى وناقتي ... تحنّ إلى جنبي [11] فليج [12] مع الفجر
سقى اللّه يا ناق البلاد التي بها ... هواك، وإن عنّا نأت، سبل [13] القطر
__________
[1] كذا في ط، ح، ء. وأوجدتموني: أغضبتموني، من وجد يجد وجدا وجدة وموجدة إذا غضب. وتعدية الفعل بالهمزة في مثل هذا قياسية على المختار. وفي باقي النسخ: «أوحدتموني» بالحاء، أي جعلتموني وحيدا منفردا.
[2] منوا: ابتلوا.
[3] في ط، ء: «لجاريهم» بالراء، والتحريف فيها واضح. وفي سائر النسخ: «لجارهم» وهو تحريف.
[4] قد: اسم فعل بمعنى يكفي.
[5] البديهة: أول الشيء.
[6] كذا في ط. وفي ب، س، ح: «فيحلموا».
[7] كذا في ح. وفي سائر النسخ: «إبعاد» بالباء الموحدة وهو تحريف.
[8] يريد بموّارة اليد: الناقة: أي أن يدها كثيرة التردد في عرض جنبها، يعني أنها سهلة السير سريعته.
[9] كذا في ط، ء. والالتياث: الإبطاء. وفي سائر النسخ: «ثبات».
[10] القرى (بالتحريك): الظهر، وقيل: وسطه.
[11] في ط، ء: «خيفي فليج».
[12] كذا في ط، ء: و «معجم ياقوت». وفي باقي النسخ: «فليح» بالحاء وهو تصحيف.
[13] السبل: المطر النازل من السحاب قبل أن يصل إلى الأرض.
فما
عن قلى منّا لها خفّت النّوى ... بنا عن مراعيها وكثبانها العفر
ولكنّ صرف الدّهر فرّق بيننا ... وبين الأداني، والفتى غرض الدهر
فسقيا لصحراء الإهالة [1] مربعا ... وللوقبى من منزل دمث [2] مثري
وسقيا ورعيا حيث حلّت لمازن ... وأيّامها الغرّ المحجّلة الزّهر
/ قال خالد بن كلثوم: ولما دفع هلال إلى أولياء الجلّانيّ ليقتلوه بصاحبهم جاء رجل يقال له: حفيد كان هلال قد وتره فقال: واللّه لأؤنّبنّه [3] ولأصغّرنّ إليه نفسه وهو في القيود مصبور [4] للقتل، فأتاه فلم يدع له شيئا مما يكره إلا عدّة عليه. قال: وإلى جنب هلال حجر يملأ الكفّ، فأخذه هلال فأهوى به للرجل فأصاب جبينه فاجتلف [5] جلفة من وجهه ورأسه، ثم رمى بها وقال: خذ القصاص منّي الآن، وأنشأ يقول:
أنا ضربت كربا وزيدا ... وثابتا مشّيتهم رويدا
كما أفدت [6] حينه عبيدا ... وقد ضربت بعده حفيدا
قال: وهؤلاء كلّهم من بني رزام بن مازن، وكلّهم كان هلال قد نكأ [7] فيهم.
أدى عنه ديسم الدية لبني جلان فمدحه:
قال خالد بن كلثوم: ولما طال مقام هلال باليمن نهضت بنو مازن بأجمعهم إلى بني رزام بن مازن رهط هلال ورهط معاذ بن جعدة جار الجلّانيّ المقتول، فقالوا: إنكم قد أسأتم بابن عمّكم وجزتم الحدّ في الطلب بدم جاركم، فنحن نحمل لكم ما أردتم، فحمل ديسم بن المنهال بن خزيمة [8] بن شهاب بن أثاثة [9] بن ضباب بن حجيّة [10] بن كابية بن حرقوص بن مازن الذي طلب معاذ بن جعدة أن يحمل لجاره، لفضل عزّه وموضعه في عشيرته، وكان الذي طلب ثلاثمائة بعير؛ فقال هلال في ذلك:
/إن ابن كابية المرزّأ [11] ديسما ... واري الزناد بعيد ضوء النار
من كان يحمل ما تحمّل ديسم ... من حائل فنق [12] وأمّ حوار
__________
[1] صحراء الإهالة: موضع ذكره «ياقوت» ولم يبينه واستشهد بهذا البيت.
[2] دمث: سهل لين. ومثر: كثير الثرى خصب.
[3] كذا في ط، ء. وفي سائر النسخ: «لآتينه».
[4] كذا في ط، ء. والمصبور: المحبوس للقتل. وفي سائر النسخ: «مصفود».
[5] اجتلف منه جلفة: بضع من لحمه بضعة.
[6] كذا في أ، م. وفي ب، س: «أفأت». وفي ط: «أقدت».
[7] نكأ فيهم: قتل فيهم وجرح وأثخن.
[8] كذا في أكثر النسخ. وفي ب، س: «جزيمة» بالزاي. وفي ح: «جذيمة» بالذال.
[9] في ط: «أمامة».
[10] كذا في ط، ء. وفي سائر النسخ. ولم نعثر على أنه سمي به.
[11] المرزأ: الكريم الذي يصاب في ماله كثرا.
[12] الفنق بضمتين: الناقة الفتية السمينة. والحوار بالضم ويكسر: الفصيل.
عيّت [1]
بنو عمرو بحمل هنائد [2] ... فيها العشار [3] ملابىء الأبكار
حتى تلافاها كريم سابق ... بالخير حلّ منازل الأخيار
حتى إذا وردت جميعا أرزمت [4] ... جلّان بعد تشمّس ونفار
ترعى بصحراء [5] الإهالة روبة [6] ... والعنظوان [7] منابت [8] الجرجار [9]
أعان قمير بن سعد على بكر بن وائل وقال في ذلك شعرا:
وقال خالد بن كلثوم: كان قمير بن سعد مصدّقا على بكر بن وائل، فوجد منهم رجلا قد سرق/ صدقته [10]، فأخذه قمير ليحبسه، فوثب قومه وأرادوا أن يحولوا بين قمير وبينه وهلال حاضر، فلما رأى ذلك هلال وثب على البكريّين فجعل يأخذ الرجلين منهم فيكنفهما [11] ويناطح بين رؤوسهما، فانتهى إلى قمير أعوانه فقهروا البكريّين؛ فقال هلال في ذلك:
/ دعاني قمير دعوة فأجبته ... فأيّ امرىء في الحرب حين دعاني
معي مخذم قد أخلص القين حدّه ... يخفّض عند الرّوع روع جناني
وما زلت مذ شدّت يميني حجزتي [12] ... أحارب أو في ظلّ حرب [13] تراني
أخبرني محمد بن عمران الصّيرفيّ قال حدّثنا الحسن بن عليل العنزيّ قال حدّثنا حكيم بن سعد عن زفر بن هبيرة قال:
__________
[1] كذا في ط، ء. وفي ب، س، أ: «عنيت».
[2] كذا في الأصول كلها، والظاهر أنه جمع هنيدة وهي المائدة من الإبل. والذي في «اللسان» و «شرح القاموس»: أن هنيدة مائة من الإبل معرفة لا تنصرف ولا يدخلها الألف واللام ولا تجمع ولا واحد لها من جنسها. وفي «الأساس»: «و أعطاه هنيدة: مائة من الإبل، وهندا: مائتين».
[3] العشار: جمع عشراء بضم العين وفتح الشين كنفساء ونفاس ولا ثالث لهما، والعشراء: الناقة التي أتى عليها عشرة أشهر من نتاجها.
ويقال عشار ملابىء إذا دنا نتاجها.
[4] أرزمت الناقة: حنت إلى ولدها. وفي المثل: «لا أفعله ما أرزمت أم حائل».
[5] صحراء الإهالة: اسم موضع ذكره «ياقوت» ولم يعينه واستشهد بشعر لهلال بن الأسعر.
[6] الروبة: مكرمة من الأرض كثيرة النبات والشجر وهي أبقى الأرض كلأ.
[7] العنظوان: ضرب من النبات إذا أكثر منه البعير وجع بطنه.
[8] كذا في جميع الأصول ولعلها «فنابت» بفاء العطف ليستقيم المعنى.
[9] الجرجار: نبت طيب الريح.
[10] في ب، س، ح: «بعض صدقته».
[11] يكنفهما: يضمهما.
[12] الحجزة: معقد الإزار.
[13] لم يقع في هذا البيت ما يسمى في العروض بالاعتماد. والاعتماد: سقوط الخامس من فعولن التي قبل القافية. وإثبات هذا الساكن فيما يكون ضربه محذوفا كما في هذا الشعر لم يقع إلا على قبح، ولم يأت في الشعر إلا شاذا قليلا، ومنه ما أنشده الخليل:
أقيموا بني النعمان عنا صدوركم ... وإلا تقيموا صاغرين الرؤوسا
وقول امرىء القيس:
أعني على برق أراه وميض ... يضيء حبيّا في شماريخ بيض
وتخرج منه لامعات كأنها ... أكف تلقى الفوز عند المفيض
حبسه بلال بن أبي بردة وأفنكه فيسم:
تقاوم هلال بن أسعر المازنيّ، وهو أحد بني رزام بن مازن، ونهيس [1] الجلّانيّ من عنزة وهما يسقيان إبلهما، فخذف [2] هلال نهيسا بمحور في يده فأصابه فمات، فاستعدى ولده بلال [3] بن أبي بردة على هلال فحبسه فأسلمه قومه بنو رزام وعمل في أمره ديسم بن المنهال [4] أحد بني كابية بن حرقوص فافتكّه بثلاث ديات، فقال هلال يمدحه:
تدارك ديسم حسبا ومجدا ... رزاما بعد ما انشقّت عصاها
همو حملوا المئين فألحقوها [5] ... بأهليها فكان لهم سناها
/ وما كانت لتحملها رزام ... بأستاه معقّصة لحاها
بكابية بن حرقوص وجدّ ... كريم لا فتى إلا فتاها
الحديث عن هلال في نهمه وكثرة أكله:
أخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن عمّار وأحمد بن عبد العزيز الجوهري قالا [6] حدّثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي قال حدّثني نصر بن عليّ الجهضميّ قال حدّثنا الأصمعيّ، وأخبرني أبو عبيد [7] محمد بن أحمد بن المؤمّل الصّيرفيّ قال حدّثنا فضل بن الحسن قال حدّثنا نصر بن عليّ عن الأصمعيّ قال حدّثنا المعتمر بن سليمان قال:
قلت لهلال بن أسعر: ما أكلة أكلتها بلغتني عنك؟ قال: جعت مرّة ومعي بعيري فنحرته وأكلته إلا ما حملت منه على ظهري، قال أبو عبيد في حديثه عن فضل [8]: ثم أردت امرأتي فلم أقدر على جماعها؛ فقالت لي:
ويحك! كيف تصل إليّ وبيني وبينك بعير! قال المعتمر: فقلت له: كم تكفيك هذه الأكلة؟ قال: أربعة أيام.
وحدّثني به ابن عمّار [9] قال حدّثني عبد اللّه بن أبي سعد قال حدّثني أحمد بن معاوية عن الأصمعيّ عن معتمر بن سليمان عن أبيه قال: قلت لهلال بن الأسعر - هكذا قال ابن أبي سعد: معتمر عن أبيه وقال في خبره: فقلت له؛ كم تكفيك هذه الأكلة؟ فقال: خمسا.
/ أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدّثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي قال حدّثنا نصر بن عليّ قال حدّثني الأصمعيّ قال حدّثني شيخ من بني مازن قال:
__________
[1] كذا في ط، ء. وفي سائر النسخ: «بهيس» ولم نعثر على أنه سمي به وإنما سمي ببيهس بتقديم الياء على الهاء.
[2] خذف بالحصاة والنواة ونحوهما: رمى بها من بين سبابتيه أو بمخذفة من خشب. ولعل المحرر كان في يد هلال لقوّته أشبه بالنواة، أو لعلها «فحذف» بالحاء المهملة.
[3] في ب، س: «فاستعدى ولده له بلال إلخ».
[4] كذا ورد هذا الاسم باتفاق النسخ فيما تقدم، وورد هنا في ب، س، م: «ميهال» ولم ترد في باقي النسخ.
[5] في ب، س، ح: «و ألحقوها».
[6] كذا في أ، م. وفي باقي النسخ: «قال» بدون ألف التثنية.
[7] في ء: «أبو عبيد بن محمد». وفي ح: «أبو عبيد أحمد بن محمد».
[8] في ب، س، ح: «فضل المضري».
[9] كذا في أكثر النسخ. وفي ب، س: «و حدّثني به ابن عمار قال قال المعتمد حدّثني عبد اللّه بن أبي سعد إلخ». والظاهر أن ما جاء في هاتين النسختين من زيادة قوله: قال المعتمد غير صحيح لأن أحمد بن عمار يروي عن عبد اللّه بن أبي سعد مباشرة كما سيجيء بعد أسطر، على أنا لم تجد في رواة «الأغاني» من اسمه المعتمد.
أتانا هلال بن أسعر المازنيّ فأكل جميع ما في بيتنا، فبعثنا إلى الجيران نقترض الخبز فلما رأى الخبز قد اختلف عليه قال: كأنكم أرسلتم إلى الجيران، أعندكم سويق [1]؟ قلنا: نعم، فجئته بجراب طويل فيه سويق وببرنيّة [2] نبيذ، فصبّ السويق كلّه وصبّ عليه النبيذ حتى أتى على السّويق والنبيذ كلّه.
أخبرني الحسن بن علي قال حدّثنا محمد بن موسى قال حدّثنا أحمد بن/ الحارث عن المدائنيّ:
أن هلال بن أسعر مرّ على رجل من بني مازن بالبصرة وقد حمل من بستانه رطبا في زواريق [3]، فجلس على زورق صغير منها وقد كثب [4] الرطب فيه وغطّي بالبواري [5]؛ قال له: يابن عمّ آكل من رطبك هذا؟ قال: نعم؛ قال: ما يكفيني [6]؟ قال: ما يكفيك؛ فجلس على صدر الزورق وجعل يأكل إلى أن اكتفى، ثم قام فانصرف، فكشف الزورق فإذا هو مملوء نوى قد أكل رطبه وألقى النوى فيه.
/ قال المدائنيّ وحدّثني من سأله عن أعجب شيء أكله، فقال: مائتي رغيف مع مكّوك [7] ملح.
أخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن عمّار قال حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد قال حدّثني الحسن بن عليّ بن منصور الأهوازيّ، وكان كهلا سريّا معدّلا، قال حدّثني شبان [8] النّيليّ عن صدقة بن عبيد المازنيّ قال:
أولم [9] عليّ أبي لما تزوّجت فعملنا عشر جفان ثريدا من جزور. فكان أوّل من جاءنا هلال بن أسعر المازنيّ، فقدّمنا إليه جفنة فأكلها ثم أخرى ثم أخرى حتى أتى على العشر، ثم استسقى فأتي بقربة من نبيذ فوضع طرفها في شدقه ففرّغها في جوفه، ثم قام فخرج؛ فاستأنفنا عمل الطعام.
حدّث أبو عمرو بن العلاء أنه لم ير أطول منه:
أخبرني الجوهريّ قال حدّثنا إسماعيل بن إسحاق قال حدّثنا نصر بن عليّ عن الأصمعيّ قال: حدّثني أبو عمرو بن العلاء قال: رأيت هلال بن أسعر ميتا ولم أره حيّا، فما رأيت أحدا على سرير [10] أطول منه.
غنى مخارق الرشيد فأعتقه:
أخبرني عليّ بن سليمان الأخفش قال حدّثني محمد بن يزيد قال حدّثني بعض حاشية السلطان قال:
__________
[1] السويق: دقيق الحنطة والشعير.
[2] البرنية: إناء من خزف.
[3] زواريق: جمع زورق أتبع الكسرة فتولدت منها ياء كما جاء في قوله:
تنفي يداها الحصى في كل هاجرة ... نفى الدراهيم تنقاد الصياريف
ومنه للمتنبي:
أفدى ظباء فلاة ما عرفن بها ... مضغ الكلام ولا صبغ الحواجيب
[4] كذا في ط، ح، ء، ومعناه جمع. وفي ب، س: «كتب». وفي أ، م: «كب» وكلاهما تحريف.
[5] البواري: الحصر المنسوجة من القصب.
[6] كذا في ط، ح، ء. وفي سائر النسخ: «فيه ما يكفيني؟ قال: ما يكفيك إلخ» والمعنى بهذه الزيادة غير المعنى المراد.
[7] المكوك: مكيال يسع صاعا ونصف صاع.
[8] كذا في أكثر النسخ، ولم نعثر على هذا الاسم، وقد سمى العرب شبان كرمان وشبان كشداد.
[9] أولم عليّ أبي: عمل لي وليمة زواجي.
[10] كذا في أكثر النسخ. وفي ب، س، ح: «سريره».
غنّى إبراهيم الموصليّ الرشيد يوما:
يا ربع سلمى لقد هيّجت لي طربا ... زدت الفؤاد على علّاته وصبا [1]
/ - قال: والصنعة فيه لرجل من أهل الكوفة يقال له عزّون [2] - فأعجب به الرشيد وطرب له واستعاده مرارا؛ فقال له الموصليّ: يا أمير المؤمنين فكيف لو سمعته من عبدك مخارق، فإنه أخذه عنّي وهو يفضل فيه الخلق جميعا ويفضلني، فأمر بإحضار مخارق، فأحضر فقال له غنّني:
يا ربع سلمى لقد هيّجت لي طربا ... زدت الفؤاد على علّاته وصبا
فغنّاه إياه؛ فبكى وقال: سل حاجتك! قال مخارق: فقلت: تعتقني يا أمير المؤمنين من الرقّ وتشرّفني بولائك، أعتقك اللّه من النار، قال: أنت حرّ لوجه اللّه، أعد الصوت؛ قال: فأعدته، فبكى وقال: سل حاجتك، فقلت: يا أمير المؤمنين ضيعة تقيمني غلّتها؛ فقال: قد أمرت لك بها، أعد الصوت؛ فأعدته فبكى وقال: سل حاجتك؛ فقلت: يأمر لي أمير المؤمنين بمنزل وفرشه وما يصلحه وخادم فيه؛ قال: ذلك لك، أعده؛ فأعدته فبكى وقال: سل حاجتك؛ قلت: حاجتي يا أمير المؤمنين أن يطيل اللّه بقاءك ويديم عزّك ويجعلني من كل سوء فداءك؛ قال: فكان إبراهيم الموصليّ سبب عتقه بهذا الصوت [3].
أخبرني بهذا الخبر محمد بن خلف وكيع قال حدّثني هارون بن مخارق، وحدّثني به الصّوليّ أيضا عن وكيع عن هارون بن مخارق قال:
كان أبي إذا غنّى هذا الصوت:
يا ربع سلمى لقد هيجت لي طربا ... زدت الفؤاد على علّاته وصبا
/ يقول: أنا مولى هذا الصوت؛ فقلت له يوما: يا أبت، وكيف ذلك؟ فقال: غنّيته مولاي الرشيد/ فبكى وقال: أحسنت، أعد فأعدت؛ فبكى وقال: أحسنت! أنت حرّ لوجه اللّه وأمر لي بخمسة آلاف دينار، فأنا مولى هذا الصوت بعد مولاي، وذكر [4] قريبا مما ذكره المبرّد [5] من باقي الخبر.
حدّثني الحسن بن علي قال حدّثنا ابن أبي الدّنيا قال حدّثني إسحاق النّخعيّ عن حسين بن الضّحّاك عن مخارق:
أن الرشيد أقبل يوما على المغنّين وهو مضطجع، فقال: من منكم يغني:
يا ربع سلمى لقد هيّجت لي طربا ... زدت الفؤاد على علّاته وصبا
قال: فقمت فقلت: أنا، فقال: هاته؛ فغنيته فطرب وشرب، ثم قال: عليّ بهرثمة، فقلت في نفسي: ما تراه يريد منه! فجاءوا بهرثمة فأدخل إليه وهو يجرّ سيفه، فقال: يا هرثمة، مخارق الشاري الذي قتلناه بناحية الموصل ما كانت كنيته؟ فقال: أبو المهنّا؛ فقال: انصرف فانصرف؛ ثم أقبل عليّ فقال: قد كنيتك أبا المهنّا لإحسانك، وأمر
__________
[1] في ط، ء: «نصبا».
[2] في أ، م، ح: «غزون» بالغين المعجمة وقد تقدم الكلام على هذا الاسم في الحاشية رقم 2 ص 50 من هذا الجزء.
[3] كذا في ط، ح، ء. وفي سائر النسخ: «فكان إبراهيم الموصليّ يقول: سبب عتقه بهذا الصوت».
[4] في ب، س، ح: «فذكر».
[5] المبرد هو محمد بن يزيد الذي تقدم ذكره في أول السند.
لي بمائة ألف درهم، فانصرفت بها وبالكنية.
صوت من المائة المختارة من رواية جحظة عن أصحابه
وخلّ كنت عين الرّشد منه ... إذا نظرت ومستمعا سميعا
أطاف بغيّه [1] فعدلت عنه ... وقلت له أرى أمرا فظيعا
الشعر لعروة بن الورد، والغناء في اللحن المختار لسياط ثاني ثقيل بالبنصر عن عمرو بن بانة. وفيه لإبراهيم ما خوريّ بالوسطى عن عمرو أيضا.
__________
[1] في ط، ح، ء: «بغية».
21 - أخبار عروة بن الورد ونسبه
نسبه، شاعر جاهلي فارس جواد مشهور:
عروة بن الورد بن زيد، وقيل: ابن عمرو بن زيد بن عبد اللّه بن ناشب بن هريم [1] بن لديم بن عوذ [2] بن غالب بن قطيعة بن عبس بن بغيض بن الرّيث بن غطفان بن سعد بن قيس بن عيلان بن مضر بن نزار، شاعر من شعراء الجاهلية وفارس من فرسانها وصعلوك [3] من صعاليكها المعدودين المقدّمين الأجواد.
كان يلقب بعروة الصعاليك وسبب ذلك
وكان يلقّب عروة [4] الصعاليك لجمعه إيّاهم وقيامه بأمرهم إذا أخفقوا في غزواتهم ولم يكن لهم معاش ولا مغزى، وقيل: بل لقّب عروة الصّعاليك لقوله:
لحى اللّه صعلوكا إذا جنّ ليله ... مصافي [5] المشاش آلفا كلّ مجزر
يعدّ الغنى من دهره كلّ ليلة ... أصاب قراها من صديق ميسّر [6]
وللّه صعلوك [7] صفيحة وجهه ... كضوء شهاب القابس المتنوّر
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ قال حدّثنا عمر بن شبّة قال بلغني أن معاوية [8] قال:
شرف نسبه وتمنى الخلفاء أن يصاهروه أو ينتسبوا إليه:
لو كان لعروة بن الورد ولد لأحببت أن أتزوّج إليهم.
/ أخبرني محمد بن خلف قال حدّثنا أحمد بن الهيثم بن فراس قال حدّثني العمريّ عن الهيثم بن عديّ، وحدّثنا إبراهيم بن أيّوب عن عبد اللّه بن مسلم قالا جميعا:
قال عبد الملك بن مروان: ما يسرّني أن أحدا من العرب ولدني [9] ممّن لم يلدني إلا عروة بن الورد لقوله:
__________
[1] في ط، ح، ء: «هرم» وضبط في ط بتشديد الراء.
[2] كذا في ط، ء. وهو الصواب كما في «شرح القاموس». وفي سائر النسخ: «عود» بالدال المهملة.
[3] الصعلوك: الفقير الذي لا مال له، وصعاليك العرب: لصوصها وفقراؤها.
[4] يقال: لقب بكذا، وقد اعتاد أبو الفرج إسقاط هذه الباء في أسلوبه.
[5] كذا في ط، ء، وهو موافق لما جاء في «ديوان الحماسة». ومصافي المشاس: آلفه وملازمه والمنكب عليه. وفي سائر النسخ: «مضى في المشاش» وهو تحريف. والمشاش: كل عظم هش دسم واحدته مشاشة. ولم تظهر الفتحة على الياء هنا للضرورة.
[6] يسر الرجل: سهلت ولادة إبله وغنمه ولم يعطب منها شيء.
[7] في «ديوان الحماسة»: «و لكن صعلوكا» وخبر لكن في البيت الثاني بعده (انظر «شرح التبريزي على الحماسة» ص 219 ج 1 طبع بولاق).
[8] كذا في ط، ء. وفي سائر النسخ: «ابن معاوية».
[9] في جميع النسخ: «أن أحدا من العرب ممن ولدني لم يلدني». وقد أثبتنا ما بالصلب لأنه هو الذي يؤدي المعنى المراد من التمدح بالنسب إلى عروة.
إنّي [1]
امرؤ عافي إنائي شركة ... وأنت امرؤ عافي إنائك واحد
/ أتهزأ منّي أن سمنت وأن ترى ... بجسمي مسّ [2] الحقّ والحقّ جاهد
أفرّق [3] جسمي في جسوم كثيرة ... وأحسو قراح الماء والماء بارد
قال الحطيئة لعمر بن الخطاب كنا نأتم في الحرب بشعره:
أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدّثني عمر بن شبّة قال:
بلغني أن عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه قال للحطيئة: كيف كنتم في حربكم؟ قال: كنّا ألف حازم، قال:
وكيف؟ قال: كان فينا قيس بن زهير وكان حازما وكنا لا نعصيه، وكنا نقدم إقدام عنترة، ونأتمّ بشعر عروة بن الورد، وننقاد لأمر الرّبيع بن زياد.
قال عبد الملك إنه أجود من حاتم:
أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدّثنا عمر بن شبة قال:
ويقال: إن عبد الملك قال: من زعم أن حاتما أسمح الناس فقد ظلم عروة بن الورد.
منع عبد اللّه بن جعفر معلم ولده من أن يرويهم قصيدة له يحث فيها على الاغتراب:
أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدّثنا عمر بن شبّة قال أخبرنا إبراهيم بن المنذر قال حدّثنا معن بن عيسى قال:
سمعت أن [4] عبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب قال لمعلّم ولده: لا تروّهم قصيدة عروة بن الورد التي يقول فيها:
دعيني للغنى أسعى فإنّي ... رأيت الناس شرّهم الفقير
ويقول: إن هذا يدعوهم إلى الاغتراب عن أوطانهم.
خبر عروة مع سلمى سبيته وفداء أهلها بها:
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ قال حدّثنا عمر بن شبة قال حدّثني محمد بن يحيى قال حدّثني عبد العزيز بن عمران الزّهريّ عن عامر بن جابر قال:
أغار عروة بن الورد على مزينة فأصاب منهم امرأة من كنانة ناكحا، فاستاقها ورجع وهو يقول:
تبغّ عديّا [5] حيث حلّت ديارها ... وأبناء عوف في القرون الأوائل
فإلّا أنل أوسا فإنّي حسبها ... بمنبطح الأدغال [6] من ذي السلائل [7]
__________
[1] كذا في أكثر النسخ، وبذا يكون قد دخله الخرم وهو حذف الأوّل من فعولن. وفي ب، س، ح: «و إني» بالواو.
[2] كذا في أكثر النسخ. وفي ب، س، ح: «شحوب» وفي «ديوان الحماسة» «بوجهي شحوب» إلخ.
[3] في «ديوان الحماسة» «أقسّم».
[4] كلمة «أن» ساقطة من أ، م.
[5] في ب، س، ح: «عداء».
[6] كذا في ط، ء. والأدغال: جمع دغل، وله معان كثيرة أنسبها هنا الوادي أو المنخفض من الأرض. وفي سائر النسخ: «الأوعال».
[7] كذا في أ، م وذو السلائل: واد بين الفرع والمدينة. وفي باقي النسخ: «الشلائل» بالشين المعجمة وهو تصحيف.
ثم أقبل سائرا حتى نزل ببني النّضير، فلما رأوها أعجبتهم فسقوه الخمر، ثم استوهبوها منه فوهبها لهم، وكان لا يمسّ النساء، فلما أصبح وصحا ندم فقال:
سقوني الخمر ثم تكنّفوني
الأبيات. قال: وجلاها [1] النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم مع من جلا من بني النضير.
/ وذكر أبو عمرو الشّيبانيّ من خبر عروة بن الورد وسلمى هذه أنه أصاب امرأة من بني كنانة بكرا يقال لها سلمى وتكنى أمّ وهب، فأعتقها واتّخذها لنفسه، فمكثت عنده بضع عشرة سنة وولدت له أولادا وهو لا يشكّ في أنها أرغب الناس فيه، وهي تقول له: لو حججت بي فأمرّ على أهلي وأراهم! فحجّ بها، فأتى مكة ثم أتى المدينة، وكان يخالط من أهل يثرب بني النّضير فيقرضونه إن احتاج ويبايعهم [2] إذا غنم، وكان قومها يخالطون بني النّضير، فأتوهم وهو عندهم؛ فقالت لهم سلمى: إنه خارج بي قبل أن يخرج الشهر الحرام، فتعالوا إليه وأخبروه أنكم تستحيون أن نكون امرأة منكم معروفة النسب صحيحته سبيّة، وافتدوني منه فإنه لا يرى أنّي أفارقه ولا أختار عليه أحدا، فأتوه فسقوه الشّراب، فلمّا ثمل قالوا له: فادنا بصاحبتنا فإنها وسيطة [3] النسب فينا معروفة، وإنّ علينا سبّة أن تكون سبيّة، فإذا صارت إلينا وأردت معاودتها فاخطبها إلينا فإننا ننكحك؛ فقال لهم: ذاك لكم، ولكن لي الشرط فيها أن تخيّروها، فإن اختارتني انطلقت معي إلى ولدها وإن اختارتكم انطلقتم/ بها؛ قالوا: ذاك لك؛ قال:
دعوني أله بها الليلة وأفادها [4] غدا، فلمّا كان الغد جاؤوه فامتنع من فدائها؛ فقالوا له: قد فاديتنا بها منذ البارحة، وشهد عليه بذلك جماعة ممّن حضر، فلم يقدر على الامتناع وفاداها، فلما فادوه بها خيّروها فاختارت أهلها، ثم أقبلت عليه فقالت: يا عروة أما إنّي أقول فيك وإن فارقتك الحقّ: واللّه ما أعلم امرأة من العرب ألقت سترها على بعل خير منك وأغضّ طرفا وأقلّ فحشا وأجود يدا وأحمى لحقيقة [5]؛ وما مرّ عليّ يوم منذ كنت عندك إلا والموت فيه أحبّ إليّ من الحياة بين/ قومك، لأنّي لم أكن أشاء أن أسمع امرأة من قومك تقول: قالت أمة عروة كذا وكذا إلا سمعته؛ وو اللّه لا أنظر في وجه غطفانيّة أبدا، فارجع راشدا إلى ولدك وأحسن إليهم. فقال عروة في ذلك:
سقوني الخمر ثم تكنّفوني
وأوّلها:
أرقت وصحبتي بمضيق عمق [6] ... لبرق من تهامة مستطير
سقى سلمى وأين ديار سلمى ... إذا كانت مجاورة السّرير [7]
__________
[1] كذا في ح. وجلا متعدّ ولازم كأجلى. وفي سائر النسخ «أجلاها».
[2] ويبايعهم: يعقد معهم البيع.
[3] وسيطة النسب: حسيبة في قومها كريمة.
[4] في جميع النسخ: «و أفاديها» بإثبات الياء.
[5] في ب، س، ح: «لحقيقته» والحقيقة: ما يجب على الرجل أن يحميه وما لزمه الدفاع عنه من أهل بيته.
[6] عمق: موضع قرب المدينة من بلاد مزينة.
[7] كذا في إحدى روايتي ط وهو الموافق لما ذكره ياقوت في «معجمه» من أن السرير موضع في بلاد بني كنانة مستشهدا بهذا البيت.
وفي سائر النسخ: «السدير» وهو تحريف.
إذا حلّت بأرض بني عليّ ... وأهلي بين إمّرة [1] وكير
ذكرت منازلا من أمّ وهب ... محلّ الحيّ أسفل من نقير [2]
وأحدث معهد [3] من أمّ وهب ... معرّسنا بدار بني النّضير
وقالوا ما تشاء فقلت ألهو ... إلى الأصباح آثر ذي أثير [4]
بآنسة الحديث رضاب فيها ... بعيد النوم كالعنب العصير
وأخبرني عليّ بن سليمان الأخفش عن ثعلب عن ابن الأعرابيّ بهذه الحكاية كما ذكر أبو عمرو، وقال فيها:
إنّ قومها أغلوا بها الفداء، وكان معه طلق وجبار أخوه وابن عمه، فقالا له: واللّه لئن قبلت ما أعطوك لا تفتقر أبدا، وأنت على النساء قادر/ متى شئت، وكان قد سكر فأجاب إلى فدائها، فلما صحا ندم فشهدوا [5] عليه بالفداء فلم يقدر على الامتناع. وجاءت سلمى تثني عليه فقالت: واللّه إنك ما علمت لضحوك مقبلا كسوب مدبرا خفيف على متن الفرس [6] ثقيل على العدوّ [7] طويل العماد كثير الرّماد راضي الأهل والجانب [8]، فاستوص ببنيك خيرا، ثم فارقته. فتزوّجها رجل من بني عمّها، فقال لها يوما من الأيام: يا سلمى، أثني عليّ كما أثنيت على عروة - وقد كان قولها فيه شهر - فقالت له: لا تكلّفني ذلك فإني إن قلت الحقّ غضبت ولا واللّات والعزّى لا أكذب؛ فقال: عزمت عليك لتأتيني في مجلس قومي فلتثنين عليّ بما تعلمين، وخرج فجلس في نديّ القوم، وأقبلت فرماها القوم بأبصارهم، فوقفت عليهم وقالت: أنعموا صباحا، إنّ هذا عزم عليّ أن أثني عليه بما أعلم. ثم أقبلت عليه فقالت:
واللّه إنّ شملتك لالتحاف، وإنّ شربك لاشتفاف [9]، وإنك لتنام ليلة تخاف، وتشبع ليلة تضاف، وما ترضي الأهل ولا الجانب، ثم انصرفت. فلامه قومه وقالوا: ما كان أغناك عن هذا القول منها.
كان يجمع الصعاليك ويكرمهم ويغير بهم:
أخبرني الأخفش عن ثعلب عن ابن الأعرابيّ قال حدّثني أبو فقعس قال:
كان عروة بن الورد إذا أصابت الناس سنة شديدة تركوا في دارهم المريض والكبير والضعيف، وكان عروة بن الورد يجمع أشباه هؤلاء من دون الناس من عشيرته في الشدّة ثم يحفر لهم الأسراب ويكنف عليهم الكنف [10] ويكسبهم [11]، ومن/ قوي منهم - إما مريض يبرأ من مرضه، أو ضعيف تثوب قوّته - خرج به معه فأغار، وجعل
__________
[1] كذا في ح، وهو الموافق لما في «معجم ياقوت» من أن إمرة منزل في طريق مكة من البصرة وهو منهل. وفي سائر الأصول:
«زامرة» وهو تحريف. وكير: جبلان في أرض غطفان.
[2] نقير: موضع بين هجر والبصرة. ورواية «ياقوت» «أسفل ذي النقير».
[3] كذا في ط، ء، ح. وفي سائر النسخ: «معهدا».
[4] آثر ذي أثير: أول كل شيء، يقال: افعل هذا آثرا ما وآثر ذي أثير أي قدّمه على كل عمل.
[5] في أ، م «فشهدا» بألف التثنية.
[6] كذا في ط، ء. وفي سائر النسخ: «الفراش».
[7] في ب، س، ح: «على ظهر العدوّ».
[8] الجانب: الغريب والمراد به الضيف.
[9] الاشتفاف: شرب كل ما في الإناء.
[10] يكنف عليهم الكنف: يتخذ لهم حظائر يؤويهم إليها، واحدها «كنيف».
[11] كذا في ط، ء، يقال كسب لأهله: طلب المعيشة ويتعدّى بنفسه إلى مفعول ثان كما هنا. وفي سائر النسخ: «يكسيهم» بالياء المثناة
لأصحابه الباقين في ذلك نصيبا، حتى إذا أخصب الناس وألبنوا وذهبت السّنة ألحق كلّ إنسان بأهله وقسم له نصيبه من غنيمة إن كانوا غنموها، فربما أتى الإنسان منهم أهله وقد استغنى، فلذلك سمّي عروة الصعاليك، فقال في ذلك [1] بعض السنين وقد ضاقت حاله:
لعلّ ارتيادي [2] في البلاد وبغيتي ... وشدّي حيازيم المطيّة بالرّحل
سيدفعني يوما إلى ربّ هجمة [3] ... يدافع عنها بالعقوق وبالبخل
أغار مع جماعة من قومه على رجل فأخذ إبله وامرأته ثم اختلف معهم فهجاهم:
فزعموا أن اللّه عزوجل قيّض له وهو مع قوم من هلّاك [4] عشيرته في شتاء شديد ناقتين دهماوين، فنحر لهم إحداهما وحمل متاعهم وضعفاءهم على الأخرى، وجعل ينتقل بهم من مكان إلى مكان، وكان بين النّقرة [5] والرّبذة [6] فنزل بهم ما بينهما بموضع يقال له: ماوان [7]. ثم إن اللّه عزوجل قيّض له رجلا صاحب مائة من الإبل قد فرّ بها من حقوق [8] قومه - وذلك أوّل ما ألبن الناس - فقتله وأخذ إبله وامرأته، وكانت من أحسن النساء، فأتى بالإبل أصحاب الكنيف فحلبها لهم وحملهم عليها، حتى إذا دنوا من عشيرتهم أقبل يقسمها بينهم وأخذ مثل نصيب أحدهم، فقالوا: لا [9] واللات/ والعزّى لا نرضى حتى تجعل المرأة نصيبا فمن شاء أخذها، فجعل يهمّ بأن يحمل عليهم فيقتلهم وينتزع الإبل منهم، ثم يذكر أنهم صنيعته وأنه إن فعل ذلك أفسد ما كان يصنع، فأفكر طويلا ثم أجابهم إلى أن يردّ عليهم الإبل إلا راحلة يحمل عليها المرأة حتى يلحق بأهله، فأبوا ذلك عليه، حتى انتدب رجل منهم فجعل له راحلة من نصيبه؛ فقال عروة في ذلك قصيدته التي أوّلها:
ألا إن أصحاب الكنيف وجدتهم ... كما الناس لمّا أمرعوا وتموّلوا
وإني لمدفوع إليّ ولاؤهم ... بماوان إذ نمشي وإذ نتململ
وإنّي وإيّاهم كذي الأمّ أرهنت [10] ... له ماء عينيها تفدّي وتحمل [11]
__________
() وهو تحريف.
[1] كذا في ط، ء. وفي سائر النسخ: «فقال في بعض السنين إلخ».
[2] في «ديوان الحماسة»:
لعل انطلاقي في البلاد ورحلتي
[3] الهجمة من الإبل: أوّلها أربعون إلى ما زادت أو ما بين السبعين إلى المائة أو إلى دوينها فإذا بلغت المائة فهي «هنيدة».
[4] كذا في أكثر النسخ والهلاك: الصعاليك. وفي ب، س، ح: «هلال» بلامين وهو تحريف.
[5] النقرة - بفتح أوّله وسكون ثانيه أو بفتح أوّله وكسر ثانيه - : من منازل حاج الكوفة بين أضاخ وماوان.
[6] الربذة: من قرى المدينة على ثلاثة أميال قريبة من ذات عرق على طريق الحجاز إذا رحلت من قيد تريد مكة، وبها قبر أبي ذر الغفاري.
[7] ماوان: قرية في أودية العلاة من أرض اليمامة.
[8] في «شرح الحماسة»: «عقوق» بالعين.
[9] كذا في ب، س، ح، بإثبات «لا» وقد سقطت من باقي النسخ.
[10] أرهنت: أدامت، وقد جاء في «ديوان الحماسة» ص 230 طبع أوروبا شرحا لهذا البيت ما نصه: وهذا مثل، تقول المرأة لولدها ربيتك ماء عيني فضلا عن كل شيء.
[11] في «ديوان الحماسة» «تجمل» أي ترفق.
فباتت بحدّ [1] المرفقين كليهما [2] ... توحوح ممّا نالها وتولول [3]
تخيّر من أمرين ليسا بغبطة ... هو الثّكل إلا أنّها قد تجمّل [4]
سبي ليلى بنت شعواء ثم اختارت أهلها فقال شعرا:
وقال ابن الأعرابيّ في هذه الرّواية أيضا: كان عروة قد سبى امرأة من بني هلال بن عامر بن صعصة يقال لها:
ليلى بنت شعواء، فمكثت عنده زمانا وهي معجبة له تريه أنّها تحبّه، ثم استزارته أهلها فحملها حتّى أتاهم بها، فلمّا أراد الرّجوع أبت أن ترجع معه، وتوعّده قومها بالقتل فانصرف عنهم، وأقبل عليها فقال لها: يا ليلى، خبّري صواحبك [5] عنّي كيف أنا؛ فقالت: ما أرى لك عقلا! أتراني قد اخترت عليك وتقول: خبّري عنّي! فقال في ذلك:
/تحنّ إلى ليلى بجوّ [6] بلادها ... وأنت عليها بالملا [7] كنت أقدرا
وكيف ترجّيها وقد حيل دونها ... وقد جاوزت حيّا بتيماء منكرا
/ لعلّك يوما أن تسرّي [8] ندامة ... عليّ بما جشّمتني يوم غضورا [9]
وهي طويلة. قال: ثمّ إن بني عامر أخذوا امرأة من بني عبس ثم من بني سكين يقال لها أسماء، فما لبثت عندهم إلّا يوما حتّى استنقذها قومها؛ فبلغ عروة أنّ عامر بن الطّفيل فخر بذلك وذكر أخذه إيّاها، فقال عروة يعيّرهم [10] بأخذه ليلى بنت شعواء الهلالية:
إن تأخذوا أسماء موقف ساعة ... فمأخذ ليلى وهي عذراء أعجب
لبسنا زمانا حسنها وشبابها ... وردّت إلى شعواء والرّأس أشيب
__________
[1] كذا في ط. وفي ب، س: «تحدّ». وفي ح: «لحدّ» والمراد أنها باتت متكئة على مرفقيها.
[2] في «ديوان الحماسة» «مكبة».
[3] بين هذا البيت والبيت الذي قبله بيت يتوقف عليه فهم الأبيات وهو:
فلما ترجت نفعه وشبابه ... أتت دونه أخرى جديد نكحل
[4] في ح: «أنها تتجمل» وفي ء: «قد تحمل».
[5] في أ، م، ط، ء: «صواحباتك» وهو صحيح أيضا، حكى الفارسي عن أبي الحسن: «هن صواحبات يوسف» جمعوا صواحب جمع السلامة.
[6] كذا في أكثر الأصول. وفيء، ط: «بحرّ» وحر البلاد (بضم الحاء): وسطها، يقال نزل في حرّ الدار أي في وسطها، وحرّ كل أرض وسطها.
[7] الملا: المتسع من الأرض.
[8] تسري: تكشف.
[9] غضور: مدينة فيما بين المدينة إلى بلاد خزاعة وكنانة، وبهذا شرح ابن السكيت غضور في قول عروة:
عفت بعدنا من أم حسان غضور ... وفي الرمل منها آية لا تغير
(انظر «معجم البلدان» لياقوت في اسم «غضور»).
[10] أنكر صاحب «القاموس» استعمال «عير» متعديا بالباء وقال: وعيره الأمر ولا تقل بالأمر. وقال صاحب «اللسان»: والعامّة تقول عيره بكذا. ولكن المرزوقي في «شرح الحماسة» صرح بأنه يتعدّى بالباء قال: و «المختار» تعديته بنفسه (انظر «شرح القاموس» للسيد مرتضى).
كمأخذنا حسناء كرها ودمعها ... غداة اللّوي معصوبة يتصبّب
خرج ليغير فمنعته امرأته فعصاها وقال في ذلك شعرا:
وقال ابن الأعرابيّ: أجدب ناس من بني عبس في سنة أصابتهم فأهلكت أموالهم وأصابهم جوع شديد وبؤس، فأتوا عروة بن الورد فجلسوا أمام بيته، فلمّا بصروا به صرخوا وقالوا: يا أبا الصّعاليك، أغثنا؛ فرقّ لهم وخرج ليغزو بهم/ ويصيب معاشا، فنهته امرأته عن ذلك لما تخوّفت عليه من الهلاك، فعصاها وخرج غازيا، فمرّ بمالك بن حمار الفزاريّ ثم الشّمخيّ [1]؛ فسأله: أين يريد؟ فأخبره، فأمر له بجزور فنحرها فأكلوا منها؛ وأشار عليه مالك أن يرجع، فعصاه ومضى حتّى انتهى إلى بلاد بني القين، فأغار عليهم فأصاب هجمة [2] عاد بها على نفسه وأصحابه؛ وقال في ذلك:
أرى أمّ حسّان الغداة تلومني ... تخوّفني الأعداء والنّفس أخوف
تقول سليمى لو أقمت لسرّنا ... ولم تدر أنّى للمقام أطوّف
لعلّ الذي خوّفتنا من أمامنا ... يصادفه في أهله المتخلّف
وهي طويلة.
وقال في ذلك أيضا:
أليس ورائي أن أدبّ على العصا ... فيشمت [3] أعدائي ويسأمني أهلي
رهينة قعر البيت كلّ عشيّة ... يطيف بي [4] الولدان أهدج [5] كالرّأل
أقيموا بني لبنى صدور ركابكم ... فكلّ منايا النّفس [6] خير من الهزل [7]
فإنكم لن تبلغوا كلّ همّتي ... ولا أربى [8] حتّى تروا منبت الأثل [9]
/لعلّ ارتيادي في البلاد وحيلتي [10] ... وشدّي حيازيم المطيّة بالرّحل
سيدفعني يوما إلى ربّ هجمة ... يدافع عنها بالعقوق وبالبخل
__________
[1] انظر الكلام عليه في الحاشيتين رقم 2، 3 ص 329 من الجزء الثاني من هذا الكتاب.
[2] انظر الكلام عليه في الحاشية رقم 3 ص 79 من هذا الجزء.
[3] في «ديوان الحماسة» «فيأمن».
[4] في «ديوان الحماسة»: «يلاعبني الولدان».
[5] أهدج: وصف من الهدج أو الهدجان، وهو اضطراب المشي من الكبر. ولهذا سموا مشية الشيخ هدجانا. والرأل: ولد النعام أو حوليه. وشبه الشيخ به في مشيته لأن في مشيته ارتعاشا، يقال: هدج الظليم يهدج هدجانا إذا مشى وعدا في ارتعاش.
[6] في ط: «فكل منايا القوم». وفي «ديوان الحماسة»:
فإن منايا القوم شر من الهزل
وهو لا يؤدّي المعنى المراد.
[7] الهزل: الضعف وقلة الشحم واللحم وهو نقيض السمن.
[8] في ط، ء، أ، م: «أربتي».
[9] يريد بلاد بني القين وفي «ديوان الحماسة»: «منبت النخل» وهو بيثرب.
[10] الرواية فيما تقدّم ص 79: «و بغيتي».
قصته مع هزلي أغار على فرسه:
نسخت من «كتاب أحمد بن القاسم بن يوسف» قال حدّثني حرّ [1] بن قطن أنّ ثمامة بن الوليد دخل على المنصور؛ فقال: يا ثمامة، أتحفظ حديث ابن عمّك عروة الصّعاليك بن الورد العبسيّ؟ فقال: أيّ حديثه يا أمير المؤمنين؟ فقد كان كثير الحديث حسنه؛ قال: حديثه مع الهذليّ الذي أخذ فرسه؛ قال: ما يحضرني ذلك فأرويه يا أمير المؤمنين؛ فقال المنصور: خرج عروة حتّى دنا من منازل هذيل فكان منها على نحو ميلين وقد جاع فإذا هو بأرنب فرماها ثم أورى نارا فشواها وأكلها ودفن النّار على مقدار ثلاث أذرع وقد ذهب اللّيل وغارت النّجوم، ثمّ أتى سرحة [2] فصعدها وتخوّف الطّلب، فلما تغيّب فيها إذ الخيل قد/ جاءت وتخوّفوا البيات [3]. قال:
فجاءت جماعة منهم ومعهم رجل على فرس فجاء حتى ركز رمحه في موضع النّار وقال: لقد رأيت النّار هاهنا؛ فنزل رجل فحفر قدر ذراع فلم يجد شيئا، فأكبّ القوم على الرّجل [4] يعذلونه ويعيبون أمره ويقولون: عنّيتنا في مثل هذه اللّيلة القرّة وزعمت لنا شيئا كذبت فيه؛ فقال: ما كذبت، ولقد رأيت النّار في موضع رمحي؛ فقالوا: ما رأيت شيئا ولكن تحذلقك [5] وتدهّيك [6] هو الذي حملك على هذا،/ وما نعجب إلّا لأنفسنا حين أطعنا أمرك واتّبعناك؛ ولم يزالوا بالرجل حتّى رجع عن قوله لهم. واتّبعهم عروة، حتّى إذا وردوا منازلهم جاء عروة فتكمّن [7] في كسر [8] بيت؛ وجاء الرّجل إلى امرأته وقد خالفه إليها عبد أسود، وعروة ينظر، فأتاها العبد بعلبة فيها لبن فقال: اشربي؛ فقالت لا، أو تبدأ، فبدأ الأسود فشرب؛ فقالت للرجل حين جاء: لعن اللّه صلفك [9]! عنّيت قومك منذ اللّيلة؛ قال: لقد رأيت نارا، ثمّ دعا بالعلبة ليشرب، فقال حين ذهب ليكرع: ريح رجل وربّ الكعبة! فقالت امرأته: وهذه أخرى، أيّ [10] ريح رجل تجده في إنائك غير ريحك! ثم صاحت، فجاء قومها فأخبرتهم خبره، فقالت: يتّهمني ويظنّ بي الظّنون! فأقبلوا عليه باللّوم حتّى رجع عن قوله؛ فقال عروة: هذه ثانية. قال ثم أوى الرجل إلى فراشه، فوثب عروة إلى الفرس وهو يريد أن يذهب به، فضرب الفرس بيده وتحرّك [11]، فرجع عروة إلى موضعه، ووثب الرجل فقال: ما كنت لتكذبيني [12] فمالك؟ فأقبلت عليه امرأته لوما وعدلا. قال: فصنع عروة ذلك
__________
[1] في ط، ء: «جزء». وفي أ، م: «جز» بدون همزة. والذي في «شرح القاموس» مادة: قطن «و قطن أبو حرب» وكلاهما محدّث، وورد له ذكر في الطبري قسم 2 ص 1980 طبع أوروبا، فلعل ما هاهنا تحريف عن «حرب».
[2] السرحة: واحدة السرح وهو شجر كبار عظام طوال لا ترعى وإنّما يستظل به، وقيل: السرح كل شجر طال.
[3] البيات: الإيقاع بالقوم ليلا من دون أن يعلموا، وهو اسم مصدر لبيت كالكلام من كلم، يقال: بيتنا القوم أي أوقعنا بهم ليلا وهم لا يعلمون.
[4] فيء، ح، ط: «فركب القوم الرجل يعذلونه» والمعنى علوه بعذلهم.
[5] التحذلق: إظهار الإنسان الحذق، أو ادعاؤه أكثر مما عنده.
[6] كذا في أكثر النسخ، والتدهي: أن يفعل الإنسان فعل الدهاة. وفي ب، س، ح: «تداهيك» ولم نجد في «اللسان» ولا في «القاموس» «تفاعل» من هذه المادة.
[7] كذا في أكثر الأصول. ولم نجد في «اللسان» ولا في «القاموس» «تفعّل» من هذه المادة، وإنما يقال: «كمن» و «اكتمن» أي اختفى.
وفي ط: «فتمكن».
[8] كسر البيت: جانبه.
[9] كذا في أكثر النسخ، والصلف: مجاوزة الرجل قدر الظرف وادعاؤه فوق ذلك إعجابا وتكبرا. وفي ب، س، ح: «صلبك» بالباء.
[10] كذا في أكثر النسخ. وفي ب، س، ح: «و أي ريح» بزيادة الواو.
[11] كذا في أ، م. وفي سائر النسخ: «و نخر».
[12] في ب، س: «لتكذبيني» وهو تحريف، والفرس يقع على الذكر والأنثى والمراد به هنا الذكر كما يدل عليه السياق فيما بعد.
ثلاثا وصنعه [1] الرجل، ثم أوى الرجل إلى فراشه وضجر من كثرة ما يقوم، فقال: لا أقوم إليك اللّيلة؛ وأتاه عروة فحال [2] في متنه وخرج ركضا، وركب الرجل/ فرسا عنده أنثى. قال عروة: فجعلت أسمعه خلفي يقول: الحقي فإنك من نسله. فلما انقطع عن البيوت، قال له عروة بن الورد: أيّها الرجل قف، فإنك لو عرفتني لم تقدم عليّ، أنا عروة بن الورد، وقد رأيت اللّيلة منك عجبا، فأخبرني به وأردّ إليك فرسك؛ قال: وما هو؟ قال: جئت مع قومك حتّى ركزت رمحك في موضع نار قد كنت أوقدتها فثنوك عن ذلك فآنثنيت وقد صدقت، ثم اتّبعتك حتّى أتيت منزلك وبينك وبين النار ميلان فأبصرتها منهما، ثم شممت رائحة رجل في إنائك، وقد رأيت الرجل حين آثرته زوجتك بالإناء، وهو عبدك الأسود وأظن أن بينهما ما لا تحبّ، فقلت: ريح رجل؛ فلم تزل تثنيك عن ذلك حتى انثنيت، ثم خرجت إلى فرسك فأردته فاضطرب وتحرّك فخرجت إليه، ثم خرجت وخرجت، ثم أضربت عنه، فرأيتك في هذه الخصال أكمل الناس ولكنك تنثني وترجع؛ فضحك وقال: ذلك لأخوال السّوء، والذي رأيت من صرامتي فمن قبل أعمامي وهم هذيل، وما رأيت من كعاعتي [3] فمن قبل أخوالي وهم بطن من خزاعة، والمرأة التي رأيت عندي امرأة منهم وأنا نازل فيهم، فذلك الذي يثنيني عن أشياء كثيرة، وأنا لا حق بقومي وخارج عن أخوالي هؤلاء ومخلّ سبيل المرأة، ولو لا ما رأيت من كعاعتي لم يقو على مناوأة قومي أحد من العرب. فقال عروة: خذ فرسك راشدا؛ قال: ما كنت لآخذه منك وعندي من نسله جماعة مثله، فخذه مباركا لك فيه./ قال ثمامة: إنّ له عندنا أحاديث كثيرة ما سمعنا له بحديث هو أظرف من هذا.
قصة غزوة لماوان وحديثه مع غلام تبين بعد أنه ابنه:
قال المنصور: أفلا أحدّثك له بحديث هو أظرف من هذا؟ قال: بلى يا أمير المؤمنين، فإن الحديث إذا جاء منك كان له فضل على غيره؛ قال: خرج عروة وأصحابه حتى أتى ماوان/ فنزل أصحابه وكنف عليهم كنيفا من الشجر، وهم أصحاب الكنيف الذي سمعته قال فيهم:
ألا إنّ أصحاب الكنيف وجدتهم ... كما الناس لمّا أمرعوا وتموّلوا
وفي هذه الغزاة يقول عروة:
أقول لقوم [4] في الكنيف تروّحوا ... عشيّة قلنا حول ماوان رزّح [5]
وفي هذه القصيدة يقول:
ليبلغ [6] عذرا أو يصيب غنيمة ... ومبلغ نفس عذرها مثل [7] منجح
__________
[1] في ب، س: «لتكذبيني» وهو تحريف، والفرس يقع على الذكر والأنثى والمراد به هنا الذكر كما يدل عليه السياق فيما بعد.
[2] كذا في أكثر النسخ. وفي ب، س، ح: «و منعه» بالميم وهو تحريف.
[3] الكعاعة: الجبن والضعف.
[3] كذا في أكثر النسخ. وفي «اللسان»: حال في متن فرسه حؤولا إذا وثب وركب. وفي ب، س: «فجال» بالجيم.
[4] كذا في ح. وفي باقي الأصول: «أقول لأصحاب الكنيف ... » وفي ط، ء، مع ذكرهما هذه الرواية الأخيرة، زيادة تؤيد رواية ح وهي: «الرواية أقول لقوم في الكنيف، ليكون رزح محمولا عليه». وفي «ديوان الحماسة».
وهي: «الرواية أقول لقوم في الكنيف، ليكون رزح محمولا عليه». وفي «ديوان الحماسة».
قلت لقوم في الكنيف تروّحوا ... عشية بتنا عند ماوان رزح
[5] ورزح جمع رازح، والرازح: الهالك هزالا.
[6] في الأصل: «لتبلغ، ونصيب» والصواب ما أثبتناه لقوله قبل هذا البيت:
ومن يك مثلى ذا عيال ومقترا ... من المال يطرح نفسه أي مطرح
[7] في ب، س: «منك منجح» وهو تحريف.
ثم مضى يبتغي لهم شيئا وقد جهدوا، فإذا هو بأبيات شعر وبامرأة قد خلا من سنّها وشيخ كبير كالحقاء [1] الملقى، فكمن في كسر بيت منها، وقد أجدب الناس وهلكت الماشية، فإذا هو في البيت بسحور ثلاثة مشويّة - فقال ثمامة: وما السّحور؟ قال: الحلقوم بما فيه - والبيت خال فأكلها، وقد مكث قبل ذلك يومين لا يأكل شيئا فاشبعته وقوي، فقال: لا أبالي من لقيت بعد هذا. ونظرت المرأة فظنّت أنّ الكلب أكلها فقالت للكلب: أفعلتها يا خبيث! وطردته. فإنه لكذلك/ إذا هو عند المساء بإبل قد ملأت الأفق وإذا هي تلتفت فرقا، فعلم أن راعيها جلد شديد الضرب لها، فلما أتت المناخ بركت، ومكث الراعي قليلا ثم أتى ناقة منها فمرى [2] أخلافها، ثم وضع العلبة على ركبتيه وحلب حتى ملأها، ثم أتى الشيخ فسقاه، ثم أتى ناقة أخرى ففعل بها ذلك [3] وسقى العجوز، ثم أتى أخرى ففعل بها كذلك فشرب هو، ثم التفع بثوب واضطجع ناحية، فقال الشيخ للمرأة وأعجبه ذلك: كيف ترين ابني؟ فقالت: ليس بابنك! قال: فابن من ويلك؟ قالت: ابن عروة بن الورد، قال: ومن أين؟ قالت: أتذكر يوم مرّ بنا يريد [4] سوق ذي المجاز فقلت: هذا عروة بن الورد، ووصفته لي بجلد فإني استطرفته [5]. قال: فسكت، حتى إذا نوّم [6] وثب عروة وصاح بالإبل فاقتطع منها نحوا من النصف ومضى ورجا ألّا يتبعه الغلام - وهو غلام حين بدا شاربه - فاتّبعه. قال: فاتخذا [7] وعالجه، قال: فضرب به الأرض فيقع قائما، فتخوّفه على نفسه، ثم واثبه فضرب به وبادره، فقال: إنّي عروة بن الورد، وهو يريد أن يعجزه عن نفسه. قال: فارتدع، ثم قال مالك ويلك! لست أشكّ أنك قد سمعت ما كان من أمّي؛ قال قلت نعم. فاذهب معي أنت وأمك وهذه الإبل ودع هذا الرجل فإنه لا ينهاك [8] عن شيء، قال: الذي بقي من عمر الشيخ قليل، وأنا مقيم معه ما بقي، فإن له حقّا وذماما، فإذا هلك فما أسرعني إليك، وخذ من هذه الإبل بعيرا؛ قلت: لا يكفيني، إنّ معي/ أصحابي [9] قد خلّفتهم؛ قال: فثانيا، قلت لا؛ قال: فثالثا، واللّه لا زدتك على ذلك [10]. فأخذها ومضى إلى أصحابه، ثم إنّ الغلام لحق به بعد هلاك الشيخ.
قال: واللّه يا أمير المؤمنين لقد زيّنته عندنا وعظّمته في قلوبنا؛ قال: فهل أعقب عندكم؟ قال لا، ولقد كنا نتشاءم/ بأبيه، لأنه هو الذي أوقع الحرب بين عبس وفزارة بمراهنته حذيفة، ولقد بلغني أنه كان له ابن أسنّ من عروة فكان يؤثره على عروة فيما يعطيه ويقرّبه، فقيل له: أتؤثر الأكبر مع غناه عنك على الأصغر مع ضعفه! قال: أترون هذا الأصغر! لئن بقي مع ما رأى ما شدّة نفسه ليصيرنّ الأكبر عيالا عليه.
__________
[1] كذا في أكثر النسخ. والحقاء: الإزار. وفي ب، س، ح: «كالخباء».
[2] مري أخلافها: مسح ضرعها لتدرّ.
[3] كذا في أكثر الأصول. وفي ب، س، ح: «كذلك».
[4] كذا في أ، م. وفي أكثر الأصول: «مرّ بنا ونحن نريد».
[5] كذا في ط، ء. واستطرفته: عددته طريفا. ولعلها: استظرفته. وفي باقي الأصول: «استطرقته» بالقاف.
[6] نوّم: مبالغة في نام.
[7] كذا في ط، ء. يقال اتخذ القوم إذا أخذ بعضهم بعضا في القتال. وفي ح: «فاتحدا». وفي باقي الأصول: «فانحدرا».
[8] كذا فيء وهامش ط. ومعنى لا ينهاك عن شيء أنه لا غناء فيه فلا ينهاك عن تطلب غيره. وفي ب، س: «لا يهنئك» وفي باقي الأصول «لا ينهيك» وكلاهما تحريف.
[9] في ح: «أصحابا».
[10] كذا في أكثر النسخ. وفي ب، س، ح: «و اللّه لا زدتك على ذلك شيئا» بزيادة كلمة شيء.
صوت من المائة المختارة
أزرى بنا أننا شالت نعامتنا ... فخالني دونه بل خلته دوني
فإن تصبك من الأيام جائحة ... لم أبك منك على دنيا ولا دين
الشعر لذي الإصبع العدوانيّ، والغناء لفيل [1] مولى العبلات هزج خفيف بإطلاق الوتر في مجرى البنصر.
معنى قوله أزرى بنا: قصّر بنا، يقال: زريت عليه إذا عبت عليه فعله، وأزريت به إذا قصّرت به في شيء. وشالت نعامتهم إذا انتقلوا بكلّيتهم، يقال: شالت نعامتهم، وزفّ رألهم، إذا انتقلوا [2] عن الموضع فلم يبق فيه منهم أحد ولم يبق لهم فيه شيء. وخالني: ظنني، يقال: خلت كذا وكذا فأنا أخاله إذا ظننته. والجائحة: النازلة التي تجتاح ولا تبقى على ما نزلت به.
__________
[1] كذا في ط، ء. وفي باقي النسخ «نفيل» بزيادة نون. وقد اضطربت فيه النسخ فيما سيأتي عند ذكر ترجمته، فذكر في ط، ء، «فيل» وفي باقي الأصول «قيل» بالقاف. وستأتي ترجمته في هذا الجزء.
[2] في ط، ء: «إذا استقلوا».
22 - ذكر ذي الإصبع العدوانيّ ونسبه وخبره
نسبه وهو شاعر فارس جاهلي:
هو حرثان بن الحارث بن محرّث بن ثعلبة بن سيّار [1] بن ربيعة بن هبيرة بن ثعلبة بن ظرب بن عمرو بن عباد [2] بن يشكر بن عدوان بن عمرو بن سعد [3] بن قيس بن عيلان بن مضر بن نزار، أحد بني عدوان وهم بطن من جديلة. شاعر فارس من قدماء الشعراء في الجاهلية وله غارات كثيرة في العرب ووقائع مشهورة.
فنيت عدوان فرثاها:
أخبرنا محمد بن خلف وكيع وابن عمّار والأسديّ، قالوا حدّثنا الحسن بن عليل العنزيّ قال حدّثنا أبو عثمان المازنيّ عن الأصمعيّ قال:
نزلت عدوان على ماء فأحصوا فيهم سبعين ألف غلام أغرل [4] سوى من كان مختونا لكثرة عددهم، ثم وقع بأسهم بينهم فتفانوا فقال ذو الإصبع:
صوت
عذير الحيّ من عدوا ... ن كانوا حيّة الأرض [5]
بغى بعضهم بعضا ... فلم يبقوا على بعض
فقد صاروا أحاديث ... برفع القول والخفض [6]
/و منهم كانت السّادا ... ت والموفون بالقرض
ومنهم من يجيز النا ... س بالسّنة والفرض
ومنهم حكم يقضي ... فلا ينقض ما يقضي
غنّى في هذه الأبيات مالك ثقيلا [7] أوّل بالوسطى على مذهب إسحاق من رواية عمرو.
__________
[1] كذا في جميع النسخ. والذي جاء في «شرح ابن الأنباري» على «المفضليات» للضبيّ ص 313 طبع بيروت: «شباث». وفي «الخزانة» للبغدادي ج 2 ص 408: «شبابة».
[2] كذا في جميع النسخ. والذي في «شرح المفضليات» و «الخزانة» للبغدادي: «عياذ».
[3] كذا في أكثر النسخ و «شرح المفضليات» و «الخزانة». وفي ب، س: «سعيد».
[4] الأغرل: الذي لم يختن.
[5] يقول: هات عذرا فيما فعل بعضهم ببعض من التباعد والتباغض والقتل بعد ما كانوا حية الأرض التي يحذرها كل أحد، والعرب تقول للرجل الصعب المنيع الجانب حية الأرض.
[6] يعني بقوله هذا: أنهم صاروا أحاديث للناس يرفعونها ويخفضونها، ومعنى يخفضونها: يسرونها.
[7] كذا في ب، س، ح وفي باقي النسخ: «ثقيل الأول» بالإضافة.
/ وأما قول ذي الإصبع:
ومنهم حكم يقضي
فإنه يعني عامر بن الظّرب العدوانيّ، كان حكما للعرب تحتكم إليه.
من قرعت له العصا:
حدّثنا محمد بن العبّاس اليزيديّ عن محمد بن حبيب قال:
قيس تدّعي هذه الحكومة وتقول: إنّ عامر بن الظّرب العدوانيّ هو الحكم وهو الذي كانت العصا تقرع له، وكان قد كبر فقال له الثاني من ولده: إنك ربّما أخطأت في الحكم فيحمل عنك؛ قال: فاجعلوا لي أمارة أعرفها فإذا زغت فسمعتها رجعت إلى الحكم والصواب، فكان يجلس قدّام بيته ويقعد ابنه في البيت ومعه العصا، فإذا زاغ [1] أو هفا قرع له الجفنة فرجع إلى الصواب. وفي ذلك يقول المتلمّس:
لذي الحلم قبل اليوم ما تقرع العصا ... وما علّم الإنسان إلا ليعلما
قال ابن حبيب: وربيعة تدّعيه لعبد اللّه بن عمرو بن الحارث بن همّام. واليمن تدّعيه لربيعة بن مخاشن، وهو ذو الأعواد، وهو أوّل من جلس على منبر أو سرير وتكلّم؛ وفيه يقول الأسود بن يعفر:
ولقد علمت لو أنّ علمي نافعي ... أنّ السبيل سبيل ذي الأعواد
/ أخبرني هاشم بن محمد الخزاعيّ أبو دلف قال أخبرنا الرّياشيّ قال حدّثنا الأصمعيّ قال:
زعم أبو عمرو بن العلاء أنه ارتحلت عدوان من منزل، فعدّ فيهم أربعون ألف غلام أقلف [2]. قال الرياشيّ وأخبرني رجل عن هشام بن الكلبيّ قال: وقع على إياد البقّ فأصاب كلّ رجل منهم بقتّان.
استعراض عبد الملك بن مروان أحياء العرب وسؤاله عن ذي الإصبع:
أخبرني أحمد بن عبيد [3] اللّه بن عمّار قال حدّثني يعقوب بن نعيم قال حدّثنا أحمد بن عبيد أبو عصيدة قال أخبرني محمد بن زياد الزّياديّ، وأخبرني به أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ قال حدّثني عمر بن شبة ولم يسنده إلى أحد وروايته أتمّ:
أنّ عبد الملك بن مروان لما قدم الكوفة بعد قتله مصعب بن الزبير جلس لعرض [4] أحياء العرب - وقال عمر بن شبة: إنّ مصعب بن الزبير كان صاحب هذه القصّة - فقام إليه معبد بن خالد الجدليّ، وكان قصيرا دميما، فتقدّمه إليه رجل منا حسن الهيئة؛ قال معبد: فنظر عبد الملك إلى الرجل وقال: ممن أنت؟ فسكت ولم يقل شيئا وكان منّا، فقلت من خلفه: نحن يا أمير المؤمنين من جديلة؛ فأقبل على الرجل وتركني، فقال: من أيّكم ذو الإصبع؟ قال الرجل: لا أدري؛ قلت: كان عدوانيّا؛ فأقبل على الرجل وتركني وقال: لم سمّي ذا الإصبع؟ قال الرجل: لا أدري؛ فقلت: نهشته حية في إصبعه فيبست؛ فأقبل على الرجل وتركني، فقال: وبم كان يسمّى قبل
__________
[1] في ح، ء: «زل».
[2] الأقلف: الذي لم يختن.
[3] تقدم هذا الاسم غير مرة «أحمد بن عبيد اللّه». وقد ذكر هنا باتفاق النسخ: «أحمد بن عبد اللّه».
[4] فيء، ط: «يعترض».
ذلك؟ قال الرجل: لا أدري؛ قلت: كان يسمّى حرثان؛ فأقبل على الرجل وتركني، فقال: من أيّ عدوان كان؟
فقلت من خلفه: من بني ناج الذين يقول فيهم الشاعر:
/و أما بنو ناج فلا تذكرنّهم ... ولا تتبعن عينيك ما كان هالكا
إذا قلت معروفا لأصلح بينهم ... يقول وهيب لا أسالم ذلكا
وروى عمر بن شبة: لا أسلّم.
فأضحى كظهر الفحل جبّ سنامه ... يدبّ إلى الأعداء أحدب باركا
/ فأقبل على الرجل وتركني وقال أنشدني قوله:
عذير الحيّ من عدوان
قال الرجل: لست أرويها؛ قلت: يا أمير المؤمنين إن شئت أنشدتك؛ قال: ادن منّي، فإني أراك بقومك عالما؛ فأنشدته:
وليس المرء في شيء ... من الإبرام والنقض
إذا أبرم أمرا خا ... له يقضي وما يقضي
يقول اليوم أمضيه ... ولا يملك ما يمضي
عذير الحيّ من عدوا ... ن كانوا حيّة الأرض
بغى بعضهم بعضا ... فلم يبقوا على بعض
فقد صاروا أحاديث ... برفع القول والخفض
ومنهم كانت السادا ... ت والموفون بالقرض
ومنهم حكم يقضي ... فلا ينقض ما يقضي
ومنهم من يجيز النا ... س بالسّنّة والفرض
وهم من ولدوا أشبوا [1] ... بسرّ الحسب المحض
وممّن ولدوا عام ... ر ذو الطول وذو العرض [2]
وهم بوّوا [3] ثقيفا دا ... ر لا ذلّ ولا خفض
/ فأقبل على الرجل وتركني وقال: كم عطاؤك؟ فقال: ألفان، فأقبل عليّ فقال: كم عطاؤك؟ فقلت:
خمسمائة؛ فأقبل على كاتبه وقال: اجعل الألفين لهذا والخمسمائة لهذا؛ فانصرفت بها.
وقوله: «و منهم من يجيز الناس» فإنّ إجازة الحج كانت لخزاعة فأخذتها منهم عدوان فصارت إلى رجل منهم
__________
[1] يقال: أشبى فلان إذا ولد له ولد كيس.
[2] كذا في ب، س. وفي أ، م: «و ممن ولدوا عامر ذا الطول إلخ». وفي ط، ء: «و هم من ولدوا عامر ذا الطول إلخ».
[3] بوّوا: أنزلوا، والأصل بوأوا، وحذف الهمز للتخفيف.
يقال له أبو سيّارة أحد بني وابش [1] بن زيد [2] بن عدوان. وله يقول الراجز:
خلّوا السبيل عن أبي سيّاره ... وعن مواليه بني فزاره
حتى يجيز سالما حماره ... مستقبل الكعبة يدعو جاره
قال: وكان أبو سيارة يجيز الناس في الحج بأن يتقدّمهم على حمار، ثم يخطبهم فيقول: اللهم أصلح بين نسائنا، وعاد بين رعائنا، واجعل المال في سمحائنا، أوفوا بعهدكم، وأكرموا جاركم، واقروا ضيفكم، ثم يقول:
أشرق [3] ثبير كيما نغير، وكانت هذه إجازته، ثم ينفر [4] ويتبعه الناس. ذكر ذلك أبو عمرو الشّيبانيّ والكلبيّ وغيرهما.
قصته مع بناته الأربع وقد أردن الزواج:
أخبرنا أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ قال حدّثنا عمر بن شبة قال حدّثنا أبو بكر العليميّ قال حدّثنا محمد بن داود الهشاميّ قال: كان لذي الإصبع أربع بنات وكنّ يخطبن إليه فيعرض ذلك عليهنّ فيستحين ولا يزوّجهنّ، وكانت أمّهنّ تقول: لو زوّجتهنّ! فلا يفعل. قال: فخرج ليلة إلى متحدّث لهنّ فاستمع عليهنّ وهنّ لا يعلمن فقلن:
تعالين نتمنّى ولنصدق، فقالت الكبرى:
ألا ليت زوجي من أناس ذوي غنى ... حديث الشباب [5] طيب الريح والعطر [6]
طبيب بأدواء النساء كأنه ... خليفة جان لا ينام على وتر
/ فقلن لها: أنت تحبّين رجلا ليس من قومك. فقالت الثانية:
ألا هل أراها ليلة وضجيعها ... أشمّ كنصل السيف غير مبلّد
لصوق بأكباد النساء وأصله ... إذا ما انتمى من سرّ أهلي ومحتدي
فقلن لها: أنت تحبّين رجلا من قومك. فقالت الثالثة:
ألا ليته يملا الجفان لضيفه [7] ... له جفنة يشقى بها النّيب [8] والجزر [9]
__________
[1] كذا في أ، ء، ط. وقد أورد صاحب «القاموس» هذا الاسم في مادة «وبش» قال: «و بنو وابش بن زيد بن عدوان بطن من قيس عيلان». وفي باقي النسخ: «قايش» وهو تحريف.
[2] كذا في ط، ء، ح وهو الصواب. وفي باقي النسخ: «يزيد» وهو تحريف.
[3] هذا مثل، ومعناه ادخل يا ثبير في الشروق وهو ضوء الشمس كما تقول: أشمل أي دخل في الشمال وأجنب أي دخل في الجنوب.
وكيما نغير أي كيما نسرع للنحر من قولهم أغار إغارة الثعلب أي أسرع ودفع في عدوه. وثبير: جبل بمكة. قال عمر رضي اللّه عنه:
كان المشركون يقولون ذلك ولا يفيضون، حتى تطلع الشمس فخالفهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. وهو يضرب في الإسراع والعجلة.
[4] في ط، ء: «ينفذ» بالذال المعجمة.
[5] في ب، س، ح: «حديث شباب».
[6] في ح: «و النشر».
[7] روي هذا الشطر في «الكامل» للمبرد طبع أوروبا ص 317 هكذا:
ألا ليته يعطي الجمال بديهة
[8] النيب جمع ناب وهي الناقة المسنة، وقيل لها ناب لطول نابها.
[9] الجزر بضم الزاي وسكن للضرورة جمع جزور، وهي الناقة المجزورة، وإنما عطفت على النيب لأن من الإبل ما يكون جزورا للنحر لا غير.
له حكمات [1]
الدّهر من غير كبرة ... تشين ولا الفاني ولا الضّرع الغمر [2]
/فقلن لها: أنت تحبّين رجلا شريفا. وقلن للصّغري: تمنّي؛ فقالت: ما أريد شيئا؛ قلن: واللّه لا تبرحين حتّى نعلم ما في نفسك؛ قالت: زوج من عود خير من قعود. فلمّا سمع ذلك أبوهنّ زوّجهنّ أربعتهنّ. فمكثن برهة ثم اجتمعن إليه، فقال للكبرى: يا بنيّة، ما مالكم؟ قالت: الإبل؛ قال: فكيف تجدونها؟ قالت: خير مال، نأكل لحومها مزعا [3]، ونشرب ألبانها جرعا، وتحملنا وضعيفنا معا؛ قال: فكيف تجدين زوجك؟ قالت: خير زوج يكرم الحليلة، ويعطي الوسيلة [4]؛ قال: مال عميم وزوج كريم. ثم قال للثانية: يا بنيّة ما مالكم؟ قالت: البقر؛ قال: فكيف تجدونها؛ قالت: خير مال، تألف الفناء، وتودّك [5] السّقاء، وتملأ الإناء، ونساء في نساء؛ قال:
فكيف تجدين زوجك؟ قالت: خير زوج يكرم أهله وينسى فضله؛ قال: حظيت ورضيت. ثم قال للثالثة: ما مالكم؟ قالت: المعزى؛ قال: فكيف تجدونها؟ قالت: لا بأس بها نولدها فطما [6]، ونسلخها أدما [7]؛ قال:
فكيف تجدين زوجك؟ قالت: لا بأس به ليس بالبخيل الحكر [8] ولا بالسّمح البذر، قال: جدوى [9] مغنية. ثم قال للرابعة: يا بنية، ما مالكم؟ قالت: الضّأن؛ قال: وكيف تجدونها؟ قالت: شرّ مال، جوف [10] لا يشبعن، وهيم [11] /لا ينقعن، وصمّ [12] لا يسمعن، وأمر مغويتهنّ يتبعن [13]؛ قال: فكيف تجدين زوجك؟ قالت: شرّ زوج، يكرم نفسه ويهين عرسه؛ قال: «أشبه امرأ بعض بزّه» [14].
وذكر الحسن بن عليل العنزي في خبر عدوان الذي رواه عن أبي عمرو بن العلاء أنه لا يصحّ من أبيات ذي الإصبع الضّاديّة إلّا الأبيات التي أنشدها وأنّ سائرها منحول.
__________
[1] كذا في «الكامل» للمبرد طبع أوروبا ص 317؛ والحكمات جمع حكمة وأصلها الحديدة في اللجام تمنع الفرس من مخالفة راكبه.
والمراد بها هنا التجارب لأنها تمنع من ارتكاب ما لا يليق. وفي أكثر الأصول: «به محكمات الشيب». وفي بعضها: «له حكمات الحي» وكلاهما تحريف.
[2] الضرع: الضعيف، والغمر مثلث الغين: من لم يجرب الأمور.
[3] مزعا جمع مزعة بضم الميم وكسرها وهي القطعة من اللحم.
[4] الوسيلة: ما يتقرّب به إلى الغير. وفي «الكامل» للمبرد: «و يقرب الوسيلة».
[5] تودّك السقاء: تجعل فيه الودك وهو الدسم.
[6] جمع فطيم وهو ما يفصل عن الرضاع.
[7] الأدم: اسم لجمع الأديم وهو الجلد أو الأحمر منه أو مدبوغه.
[8] الحكر: المستبد بالشيء.
[9] كذا في جميع النسخ والجدوى: الغناء والنفع. وفي «الكامل» للمبرد طبع أوروبا ص 318 روى: «جذو مغنية» وقال في تفسيره:
الجذو جمع جذوة وأصل ذلك في الخشب ما كان منه فيه نار.
[10] جوف: عظام الأجواف.
[11] الهيم: العطاش واحده أهيم أو هيماء، ولا ينقعن: لا يروين.
[12] هذا وارد على وجه التمثيل، وشبهت الضأن بما لا يسمع لبلادتها. والعرب يقولون: أبلد ما يرعى الضأن.
[13] قال عليّ بن عبد اللّه: قلت لأبي عائشة: ما قولها: «و أمر مغويتهن يتبعن» فقال: أما تراهن يمرون فتسقط الواحدة منهن في ماء أو وحل وما أشبه ذلك فيتبعنها إليه. انظر «الكامل» للمبرد طبع أوروبا ص 318.
[14] كذا في الأصول وهي إحدى روايتين، وثانيتهما «أشبه امرؤ بعض بزه» انظر «الكامل» للمبرد ص 318؛ وفيه: أنه أرسله مثلا ولم نجده في «مجمع الأمثال» للميداني ولا في «لسان العرب».
خرف وأهتر وقال في ذلك شعرا:
أخبرني عمّي قال حدّثني محمد بن عبد اللّه الحزنبل قال حدّثني عمرو بن أبي عمرو الشّيبانيّ عن أبيه قال: عمّر ذو الإصبع العدواني عمرا طويلا حتى خرّف [1] وأهتر وكان يفرّق ماله، فعذله أصهاره ولاموه وأخذوا على يده [2]؛ فقال في ذلك:
أهلكنا اللّيل والنّهار معا ... والدّهر يعدو مصمّما جذعا [3]
فليس فيما أصابني عجب ... إن كنت شيبا أنكرت أو صلعا
وكنت إذ رونق الشّباب به ... ماء شبابي تخاله شرعا
والحيّ فيه الفتاة ترمقني ... حتّى مضى شأو ذاك فانقشعا [4]
صوت
إنّكما صاحبيّ لم تدعا ... لومي ومهما أضق فلن تسعا
لم تعقلا جفوة عليّ ولم ... أشتم صديقا ولم أنل طبعا [5]
/إلّا بأن تكذبا عليّ وما ... أملك أن تكذبا وأن تلعا [6]
لابن سريح في هذه الأبيات لحنان: أحدهما ثاني ثقيل بالسبّابة والبنصر عن يحيى المكيّ، والآخر ثقيل أوّل عن الهشاميّ.
وإنّني سوف أبتدي بندى ... يا صاحبيّ الغداة فآستمعا
ثمّ سلا جارتي وكنّتها ... هل كنت فيمن أراب أو خدعا [7]
أو دعتاني فلم أجب، ولقد ... تأمن منّي حليلتي الفجعا [8]
آبى فلا أقرب الخباء إذا ... ما ربّه بعد هدأة هجعا
ولا أروم الفتاة زورتها ... إن نام عنها الحليل أو شسعا [9]
وذاك في حقبة خلت ومضت ... والدّهر يأتي على الفتى لمعا [10]
__________
[1] خرف بتثليث الراء: فسد عقله. وأهتر (بالبناء للمفعول فهو مهتر): فسد عقله من الكبر وصار خرفا، ويقال: أهتر بالبناء للفاعل أيضا، ولكن الوصف منه مهتر على صيغة اسم المفعول شذوذا.
[2] أخذوا على يده: حجروا عليه ومنعوه مما يريد أن يفعل.
[3] الجذع: الشاب الحدث.
[4] فيء، ح: «فانقطعا».
[5] الطبع: الدنس والعيب.
[6] تلعا: من الولع وهو الكذب، يقال: ولع يلع ولعا وولعانا أي كذب.
[7] كذا في أ. وفي ح: «قذعا» وقذع: رمى بالفحش وسوء القول. وفي باقي الأصول: «فدعا» وليس له معنى يناسب المقام.
[8] في ح: «الفزعا».
[9] شسع: بعد.
[10] لمعا: ألوانا لاختلاف ما يأتي به من خير وشر. واللمع: واحدته لمعة وهي كل لون خالف لونا آخر.
إن تزعما أنّني كبرت فلم ... ألف ثقيلا نكسا ولا ورعا [1]
إمّا تري شكّتي [2] رميح أبي ... سعد فقد أحمل السّلاح معا
/ أبو سعد: ابنه، ورميح: عصا كانت لابنه يلعب بها مع الصّبيان يطاعنهم بها كالرّمح، فصار يتوكّأ هو عليها ويقوده ابنه هذا بها [3].
السّيف والرّمح والكنانة قد ... أكملت فيها معابلا [4] صنعا [5]
والمهر صافي الأديم أصنعه [6] ... يطير عنه عفاؤه قزعا [7]
أقصر من قيده وأردعه ... حتّى إذا السّرب ريع أو فزعا
كان أمام الجياد يقدمها ... يهزّ لدنا وجؤجؤا تلعا [8]
فغامس [9] الموت أو حمى ظعنا [10] ... أو ردّ نهبا لأيّ ذاك سعى
وصيته لابنه عند موته:
قال أبو عمرو: ولمّا احتضر ذو الإصبع دعا ابنه أسيدا [11] فقال له: يا بنيّ، إن أباك قد فني وهو حيّ وعاش حتّى سئم العيش، وإنّي موصيك بما إن حفظته بلغت في قومك ما بلغته، فاحفظ عنّي: ألن جانبك لقومك يحبّوك، وتواضع لهم يرفعوك،/ وابسط لهم وجهك يطيعوك، ولا تستأثر عليهم بشيء يسوّدوك؛ وأكرم صغارهم كما تكرم كبارهم يكرمك كبارهم ويكبر على مودّتك صغارهم، واسمح بمالك، واحم حريمك، وأعزز جارك، وأعن من استعان بك، وأكرم ضيفك، وأسرع النّهضة [12] في الصّريخ، فإن لك أجلا لا يعدوك، وصن وجهك عن مسألة أحد شيئا، فبذلك يتم سوددك؛ ثم أنشأ يقول:
__________
[1] النكس: الرجل الضعيف الذي لا خير فيه. والورع: الضعيف لا غناء عنده.
[2] الشكة: السلاح.
[3] في «لسان العرب» مادة رمح: «و أخذ الشيخ رميح أبي سعد: اتكأ على العصا من كبره، وأبو سعد أحد وفد عاد، وقيل هو لقمان الحكيم، قال:
إما تري شكّتي رميح أبي ... سعد فقد أحمل السلاح معا
وقيل: «أبو سعد كنية الكبر». وفي «القاموس» مادة رمح مثل هذا الذي ذكره صاحب «اللسان» في تفسير «رميح أبي سعد». ولم يرد فيهما شيء مما ذكره أبو الفرج.
[4] كذا في أكثر الأصول. والمعابل: جمع معبلة وهي نصل عريض طويل. وفي ب، س، ح: «مقابلا» وهو تحريف.
[5] صنعا: جمع صنيع وهو المجرّب المجلوّ، يقال: سيف صنيع وسهم صنيع أي مجرب مجلوّ.
[6] أصنعه: أحسن القيام عليه، يقال: صنعت فرسي صنعا وصنعة أي أحسنت القيام عليه.
[7] العفاء: الشعر الطويل. والقزع: القطع المتفرقة، وكل شيء يكون قطعا متفرقة فهو قزع.
[8] اللدن: اللبن من كل شيء، ولعل المراد منه هنا الكفل. والجؤجؤ: الصدر. وتلع: منبسط.
[9] غامس الموت: ورده.
[10] ظعنا: جمع ظعينة وهي الزوجة، يقال: هي ظعينة فلان أي زوجته، وهؤلاء ظواعنه أي نساؤه، وسميت الزوجة ظعينة لأن الرجل يظعن بها.
[11] سمي بأسيد كزبير وبأسيد كأمير، ولم نعثر على نص خاص في هذا الاسم.
[12] استعمل ابن جني أسرع متعديا فقال: «و يسرع قبول ما يسمعه» قال صاحب «اللسان»: فهذا إما أن يكون يتعدى بحرف وبغير حرف، وإما أن يكون أراد إلى قبول فحذف وأوصل.
أأسيد إن مالا ملك ... ت فسر به سيرا جميلا
آخ الكرام إن استطع ... ت إلى إخائهم سبيلا
واشرب بكأسهم وإن ... شربوا به السّمّ الثّميلا [1]
أهن اللّئام ولا تكن ... لإخائهم جملا ذلولا
إنّ الكرام إذا توا ... خيهم وجدت لهم فضولا [2]
ودع الذي يعد العشي ... رة أن يسيل ولن [3] يسيلا
/ أبنيّ إن المال لا ... يبكي إذا فقد البخيلا
صوت
أأسيد إن أزمعت من ... بلد إلى بلد رحيلا
فاحفظ وإن شحط المزا ... ر أخا أخيك أو الزّميلا [4]
/واركب بنفسك إن همم ... ت بها الحزونة والسّهولا
وصل الكرام وكن لمن ... ترجو مودّته وصولا
الغناء للهذليّ خفيف ثقيل أوّل بالوسطى عن عمرو.
ودع التّوّاني في الأمو ... ر وكن لها سلسا ذلولا
وابسط يمينك بالنّدى ... وامدد لها باعا طويلا
وابسط يديك بما ملك ... ت وشيّد الحسب الأثيلا
واعزم إذا حاولت أم ... را يفرج الهمّ الدّخيلا
وابذل لضيفك ذات رح ... لك [5] مكرما حتّى يزولا
واحلل على الأيفاع لل ... عافين واجتنب المسيلا
وإذا القروم تخاطرت ... يوما وأرعدت الخصيلا [6]
فاهصر كهصر الليث خضّ ... ب [7] من فريسته التّليلا [8]
__________
[1] الظاهر أن الثميل هنا الناقع، ولكنا لم نجد في كتب اللغة التي بأيدينا الثميل بهذا المعنى، وإنما الوارد الثمال، بضم أوّله، والمثمل وهو السم المنقع أي الذي أنقع فبقي وثبت.
[2] كذا في ط، ء. والفضول: جمع فضل، وفي باقي الأصول: «قبولا».
[3] كذا في أكثر الأصول. وفي، ط، ء: «و لا».
[4] كذا في أكثر الأصول، والزميل: الرفيق في السفر الذي يعينك على أمورك. وفي ط، ء، أ: «النزيلا».
[5] الرحل: المثوى والمنزل.
[6] الخصيل: جمع خصيلة وهي كل لحمة فيها عصب.
[7] فيء، ط: «يخضب».
[8] كذا في أكثر النسخ. والتليل: العنق. وفيء، ط: «الغليلا» والغليل: الشعر المجتمع.
وانزل إلى الهيجا إذا ... أبطالها كرهوا النزولا
وإذا دعيت إلى المه ... مّ فكن لفادحه حمولا
استنشد معاوية قيسيا شعره وزاد في عطائه:
أخبرني عمّي قال حدّثنا الكرانيّ قال حدّثنا العمريّ عن العتبيّ قال:
جرى بين عبد اللّه بن الزّبير وعتبة بن أبي سفيان لحاء [1] بين يدي معاوية، فجعل ابن الزبير يعدل بكلامه عن عتبة ويعرّض بمعاوية، حتى أطال وأكثر [من ذلك] [2]، فالتفت إليه معاوية متمثّلا وقال:
/ورام بعوران [3] الكلام كأنها ... نوافر صبح نفّرتها المراتع
وقد يدحض [4] المرء الموارب بالخنا ... وقد تدرك المرء الكريم المصانع
ثم قال لابن الزّبير: من يقول هذا؟ فقال: ذو الإصبع؛ فقال: أترويه؟ قال لا؛ فقال: من هاهنا يروي هذه الأبيات؟ فقام رجل من قيس فقال: أنا أرويها يا أمير المؤمنين؛ فقال: أنشدني؛ فأنشده حتى أتى على قوله:
وساع برجليه لآخر قاعد ... ومعط كريم ذو يسار ومانع
وبان لأحساب الكرام وهادم ... وخافض مولاه سفاها ورافع
ومغض على بعض الخطوب [5] وقد بدت ... له عورة من ذي القرابة ضاجع
وطالب حوب باللسان وقلبه ... سوى [6] الحقّ لا تخفى عليه الشرائع
فقال له معاوية: كم عطاؤك؟ قال: سبعمائة؛ قال: اجعلوها ألفا، وقطع الكلام بين عبد اللّه وعتبة.
شعره في ابن عمه وقد عاداه:
قال أبو عمرو [7]: وكان لذي الإصبع ابن عمّ يعاديه فكان يتدسّس إلى مكارهه/ ويمشي [8] به إلى أعدائه ويؤلّب عليه ويسعى بينه وبين بني عمّه ويبغيه عندهم شرّا؛ فقال فيه - وقد أنشدنا الأخفش هذه الأبيات [أيضا] [9] عن ثعلب والأحول السّكري:
/يا صاحبيّ قفا قليلا ... وتخبّرا عنّي لميسا
__________
[1] اللحاء: المنازعة.
[2] الزيادة عن ط، ء.
[3] كذا في أكثر النسخ وكذلك أصلحه الأستاذ الشنقيطي بهامش نسخته طبع بولاق وورد كذلك في «اللسان» مادة عور. وعوران الكلام:
ما تنفيه الأذن، الواحدة عوراء (انظر «اللسان» مادة عور) وفي ب، س: «بعورات».
[4] كذا فيء، ط، أ: «و يدحض: يزلق ويزل». وفي سائر النسخ: «يرخص».
[5] في ب، س: «الخصوم».
[6] سوى الحق: وسطه، يعني أن قلبه ملازم الحق.
[7] كذا فيء، ط. وفي سائر النسخ: «ابن عمر».
[8] فيء، ط: «ويشي».
[9] الزيادة عن ط، ء.
عمّن أصابت قلبه ... في مرّها فغدا [1] نكيسا [2]
ولي ابن عمّ لا يزا ... ل إليّ منكره [3] دسيسا
دبّت له فأحسّ بع ... د البرء من سقم رسيسا [4]
إمّا علانية وإمّ ... ا مخمرا [5] أكلا [6] وهيسا
إني رأيت بني أبي ... ك يحمّجون [7] إليّ شوسا [8]
حنقا عليّ ولن ترى ... لي فيهم أثرا بئيسا [9]
أنحوا [10] على حرّ الوجو ... ه بحدّ مئشار [11] ضروسا
لو كنت [12] ماء لم تكن ... عذب المذاق ولا مسوسا [13]
ملحا بعيد القعر قد ... فلّت حجارته الفؤوسا
منّاع ما ملكت يدا ... ك [14] وسائل لهم نحوسا
/ وأنشدنا الأخفش عن هؤلاء الرواة بعقب هذه الأبيات - وليس من شعر ذي الإصبع ولكنه يشبه معناه - :
لو كنت ماء كنت غير عذب ... أو كنت سيفا كنت غير عضب
أو كنت طرفا كنت غير ندب [15] ... أو كنت لحما كنت لحم كلب
قال: وفي مثله أنشدنا:
__________
[1] في ب، س: «قعدا» وهو تحريف.
[2] النكيس: المريض.
[3] في ط، ء: «مئبره». والمئبر: اللسان.
[4] الرسيس: أول الحمى.
[5] من أخمر الشيء إذا ستره.
[6] كذا في ط، ء، والأكل الوهيس: الشديد. وفي باقي النسخ: «كهلا» وهو تحريف.
[7] كذا في ط، ح ومعناه يديمون النظر. وقد ورد هذا البيت في «اللسان» في مادة شوس هكذا:
أئن رأيت بني أبي ... ك محمجين إليك شوسا
وفي باقي النسخ:
يحمحمون إليّ سوسا
وهو تحريف.
[8] الشوس بالتحريك: النظر بمؤخر العين تكبرا أو تغيظا.
[9] البئيس: الشديد المكروه.
[10] كذا فيء، ط. وفي باقي النسخ: «أنحى».
[11] المئشار لغة في المنشار.
[12] في ط، ء: «لو كنت ماء كنت لا».
[13] المسوس: الماء بين العذب والملح.
[14] كذا في ط، ء: في باقي الأصول: «يداه».
[15] يقال: فرس ندب أي ماض نشيط.
لو كنت مخّا كنت مخّا ريرا [1] ... أو كنت بردا كنت زمهريرا
أو كنت ريحا كانت الدّبورا
سبب تفرق عدوان وتقاتلهم:
قال أبو عمرو، وكان السبب في تفرّق عدوان وقتال بعضهم بعضا حتى تفانوا: أن بني ناج بن يشكر بن عدوان أغاروا على بني عوف بن سعد بن ظرب بن عمرو بن عباد بن يشكر بن عدوان، ونذرت [2] بهم بنو عوف فاقتتلوا، فقتل بنو ناج ثمانية نفر، فيهم عمير بن مالك سيّد بني عوف، وقتلت بنو عوف رجلا منهم يقال له سنان بن جابر، وتفرّقوا على حرب. وكان الذي أصابوه من بني واثلة [3] بن عمرو بن عباد وكان سيّدا، فاصطلح سائر الناس على الديات أن يتعاطوها ورضوا بذلك، وأبى مرير بن جابر أن يقبل بسنان بن جابر دية، واعتزل هو وبنو أبيه ومن أطاعهم ومن [4] والاهم، وتبعه [5] على ذلك كرب بن خالد [6] أحد بني عبس بن ناج، فمشى إليهما ذو الإصبع وسألهما قبول الدية وقال: قد قتل منّا ثمانية نفر فقبلنا الدية وقتل/ منكم رجل فاقبلوا ديته؛ فأبيا ذلك وأقاما على الحرب، فكان ذلك مبدأ حرب بعضهم بعضا حتى تفانوا وتقطّعوا. فقال ذو الإصبع في ذلك:
ويا بؤس للأيّام والدّهر هالكا ... وصرف اللّيالي يختلفن كذلكا
/ أبعد بني ناج وسعيك فيهم ... فلا تتبعن عينيك ما كان هالكا
إذا قلت معروفا لأصلح بينهم ... يقول مرير لا أحاول ذلكا
فأضحوا كظهر العود جبّ سنامه ... تحوم [7] عليه الطير أحدب باركا
فإن تك عدوان بن عمرو تفرّقت ... فقد غنيت [8] دهرا ملوكا هنالكا
قصيدته النونية:
وقال أبو عمرو: وفي مرير بن جابر يقول ذو الإصبع - وهذه القصيدة هي التي منها [الغناء] [9] المذكور - وأوّلها:
يا من لقلب شديد [10] الهمّ محزون ... أمسى تذكّر ريّا أمّ هارون
أمسى تذكّرها من بعد ما شحطت ... والدّهر ذو غلظ [11] حينا وذو لين
__________
[1] يقال: مخ رير أي فاسد من الهزال.
[2] يقال: نذر بالشيء أي علمه فحذره.
[3] فيء، ط: «وائلة».
[4] كذا في أ. وفي باقي النسخ: «و ما».
[5] فيء، ط: «و تابعه».
[6] فيء، ط: «جبلة».
[7] كذا فيء، ط. وفي سائر النسخ: «يدب إلى الأعداء أحدب باركا».
[8] كذا فيء، ط. وفي سائر النسخ: «غيبت».
[9] التكملة من ط، ء.
[10] في «أمالي القالي» ج 1 ص 255 طبع دار الكتب: «طويل البث».
[11] كذا في ب، س، ح. وفي باقي النسخ و «أمالي القالي»: «ذو غلظة».
فإن يكن حبّها أمسى لنا شجنا ... وأصبح الولي [1] منها لا يواتيني
فقد غنينا [2] وشمل الدار يجمعنا ... أطيع ريّا وريّا لا تعاصيني
نرمي الوشاة فلا نخطي مقاتلهم ... بخالص [3] من صفاء الودّ مكنون
ولي ابن عمّ على ما كان من خلق ... مختلفان فأقليه [4] ويقليني
أزرى بنا أننا شالت نعامتنا ... فخالني دونه بل خلته دوني
/ لاه [5] ابن عمّك لا أفضلت في حسب ... شيئا ولا أنت ديّاني [6] فتخزوني
ولا تقوت عيالي يوم مسغبة ... ولا بنفسك في العزّاء [7] تكفيني
فإن ترد عرض الدنيا بمنقصتي ... فإنّ ذلك ممّا ليس يشجيني
ولا ترى فيّ غير الصّبر منقصة ... وما سواه فإنّ اللّه يكفيني
لو لا أواصر قربى لست تحفظها ... ورهبة اللّه في مولى يعاديني
إذا بريتك بريا لا انجبار له ... إنّي رأيتك لا تنفكّ تبريني
إنّ الذي يقبض الدنيا ويبسطها ... إن كان أغناك عنّي سوف يغنيني
اللّه يعلمكم واللّه يعلمني ... واللّه يجزيكم عنّي ويجزيني
ماذا عليّ وإن كنتم ذوي رحمي ... ألّا أحبّكم إن لم تحبّوني
لو تشربون دمي لم يرو شاربكم ... ولا دماؤكم جمعا تروّيني
ولي ابن عمّ لو أنّ الناس في كبدي ... لظلّ محتجزا [8] بالنّبل يرميني
يا عمرو إن لا [9] تدع شتمي ومنقصتي ... أضربك حتى تقول الهامة اسقوني [10]
كلّ امرىء صائر يوما لشيمته ... وإن تخلّق أخلاقا إلى حين
إنّي لعمرك ما بابي بذي غلق [11] ... عن [12] الصّديق ولا خيري بممنون
__________
[1] كذا فيء، ط. والولي: القرب. وفي سائر النسخ: «الوأي». والوأي: الوعد.
[2] غنينا: أقمنا.
[3] في «أمالي القالي» ج 1 ص 255 طبع دار الكتب: «بصادق».
[4] أقليه: أبغضه.
[5] أصله: للّه ابن عمك، حذفت منه اللام الخافضة.
[6] الديان: القائم بالأمر. وتخزوني: تسوسني وتقهرني.
[7] العزاء: الشدّة.
[8] كذا فيء، ط، والمحنجز: الشادّ مئزره على وسطه وهو كناية عن التهيؤ للأمر والتشمر له. وفي ب، س: «منحجزا».
[9] كذا في ح و «الأمالي» طبع دار الكتب ج 1 ص 256، وفي ط، ء: «إنك إن لا تدع إلخ». وفي أ، م: «يا عمرو إن لم تدع إلخ».
[10] هذا وارد على ما يزعمه العرب في جاهليتهم من أن روح القتيل الذي لم يدرك بثأره قصير هامة فتزقو عند قبره وتقول: اسقوني اسقوني، فإذا أدرك بثأره طارت.
[11] الغلق: ما يغلق به الباب.
[12] كذا في «المفضليات» ص 326 طبع بيروت. وفي جميع الأصول: «على الصديق».
/
ولا لساني على الأدنى بمنطلق ... بالمنكرات ولا فتكي بمأمون
لا يخرج القسر [1] منّي غير مغضبة [2] ... ولا ألين لمن لا يبتغي ليني
وأنتم معشر زيد على مائة ... فأجمعوا أمركم شتّى فكيدوني
فإن علمتم سبيل الرّشد فانطلقوا ... وإن غبيتم [3] طريق الرشد فأتوني
/ يا ربّ ثوب حواشيه كأوسطه ... لا عيب في الثوب من حسن ومن لين
يوما شددت على فرغاء [4] فاهقة ... يوما من الدّهر تارات تماريني
ماذا على إذا تدعونني فزعا ... ألّا أجيبكم إذ لا تجيبوني
وكنت [5] أعطيكم ما لي وأمنحكم ... ودّي على مثبت في الصدر مكنون
يا ربّ حيّ شديد الشّغب ذي لجب [6] ... ذعرت [7] من راهن منهم ومرهون
رددت باطلهم في رأس قائلهم ... حتى يظلّوا خصوما [8] ذا أفانين
يا عمرو لو كنت لي ألفيتني يسرا [9] ... سمحا كريما أجازي من يجازيني
قصيدته في رثاء قومه:
قال أبو عمرو: وقال ذو الإصبع يرثي قومه:
وليس المرء في شيء ... من الإبرام والنقض
إذا يفعل شيئا خا ... له يقضي وما يقضي
جديد العيش ملبوس ... وقد يوشك أن ينضى [10]
/و قد مضى بعض هذه القصيدة متقدّما في صدر هذه الأخبار، وتمامها:
وأمر اليوم أصلحه ... ولا تعرض لما [11] يمضي
__________
[1] كذا فيء، ط، ح و «المفضليات». وفي سائر النسخ: «لا تخرج النفس».
[2] في «المفضليات»: «مأبية» ومعناه: إذا أكرهت على شيء لم يكن عندي إلا الإباء له.
[3] كذا في ط، ء. وفي ب، س: «عييتم». وفي «المفضليات» و «أمالي القالي»: «جهلتم».
[4] كذا في س، والفرغاء: الواسعة والمراد طعنة واسعة، وفيء، ط: «فوهاء»، والفوهاء: الواسعة. والفاهقة: التي تفهق بالدم أي تصب.
[5] فيء، ط: «قد كنت».
[6] اللجب: ارتفاع الأصوات واختلاطها.
[7] كذا في ط، ء. وفي سائر النسخ: «دعوت».
[8] كذا فيء، ط و «المفضليات» ص 326 طبع بيروت، وفي باقي النسخ: «حصونا» وهو تحريف.
[9] اليسر: السهل الانقياد.
[10] كذا في ط، ء. وبذلك يكون في هذه الأبيات إقواء، والإقواء: اختلاف يقع في حركة القافية، وأكثر ما يكون ذلك بين الرفع والجر، وأما مخالطة النصب لواحد منهما - كما في هذه الأبيات - فقليل، وقد استشهد صاحب «اللسان» لهذا القليل بشواهد كثيرة. وفي سائر النسخ: «يغضي».
[11] كذا في «شعراء النصرانية» طبع بيروت. وفي جميع النسخ: «لمن».
فبينا المرء في عيش ... له من عيشة خفض
أتاه طبق [1] يوما ... على مزلقة دحض
وهم كانوا فلا تكذب ... ذوي القوّة والنّهض
وهم إن ولدوا أشبوا [2] ... بسرّ الحسب المحض
لهم كانت أعالي الأر ... ض فالسرّان فالعرض [3]
إلى ما حازه الحزن ... فما أسهل للحمض [4]
إلى الكفرين من نخل ... ة فالدّاءة [5] فالمرض
لهم كان جمام [6] الما ... ء لا المزجى [7] ولا البرض
فكان الناس إذا همّوا ... بيسر خاشع مغضي
تنادوا ثم ساروا ب ... رئيس لهم مرضي
/ فمن ساجلهم حربا ... ففي الخيبة والخفض
وهم نالوا على الشّنآ ... ن والشّخناء والبغض
معالي لم ينلها النّا ... س في بسط ولا قبض
شعر أمامة بنت ذي الإصبع في رثاء قومها:
قال أبو عمرو: قالت أمامة بنت ذي الإصبع وكانت شاعرة ترثي قومها:
كم من فتى كانت له ميعة [8] ... أبلج مثل القمر الزاهر
قد مرّت الخيل بحافاته [9] ... كمرّ غيث لجب [10] ماطر
__________
[1] الطبق: الشدة، وبه فسر قوله تعالى: لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ
[2] كذا في «اللسان» مادة «شبا» وفي جميع النسخ:
وهم من ولدوا أشبوا
يقال: أشبى فلان إذا ولد له ولد كيّس.
[3] لم نعثر على السران اسما لموضع خاص ولعله تثنية السر وهو اسم لمواضع في بلاد العرب (انظر «معجم ياقوت» في اسم السرّ).
والعرض: وادي اليمامة. ويقال لكل واد فيه قرى ومياه: عرض.
[4] كذا فيء، ط. وفي سائر النسخ: «للمحض».
[5] كذا فيء، ط والداءة (بوزن داعة): اسم للجبل الذي يحجز بين نخلتين الشامية واليمانية من نواحي مكة. وفي باقي النسخ:
«فالدارة» بالراء.
[6] الجمام: جمع جم وهو الكثير من كل شيء.
[7] المزجى: القليل، ومنه بضاعة مزجاة أي قليلة. والبرض: القليل أيضا، يقال: ماء برض، في مقابلة ماء غمر. وفي المثل: «برض من عدّ» أي قليل من كثير.
[8] الميعة: أوّل الشباب وأنشطه.
[9] كذا في ط، ء، وفي سائر النسخ: «بحافاتهم».
[10] يقال: غيث لجب أو سحاب لجب، لما فيه من قعقعة الرعد.
قد
لقيت فهم وعدوانها ... قتلا وهلكا آخر الغابر
كانوا ملوكا سادة في الذّرى [1] ... دهرا لها الفخر على الفاخر
/ حتى تساقوا كأسهم بينهم ... بغيا فيا للشّارب الخاسر
بادوا فمن يحلل بأوطانهم ... يحلل برسم مقفر داثر [2]
شعره في الكبر:
قال أبو عمرو: ولأمامة ابنته هذه يقول ذو الإصبع ورأته قد نهض فسقط [3] وتوكّأ على العصا فبكت فقال:
جزعت أمامة أن مشيت على العصا ... وتذكّرت إذ نحن م الفتيان
فلقبل ما رام الإله بكيده ... إرما وهذا الحيّ من عدوان
/ بعد الحكومة والفضيلة والنّهي ... طاف الزمان عليهم بأوان
وتفرّقوا وتقطّعت أشلاؤهم ... وتبدّدوا فرقا بكلّ مكان
جدب البلاد فأعقمت أرحامهم ... والدّهر غيّرهم مع الحدثان
حتى أبادهم على أخراهم ... صرعى بكلّ نقيرة ومكان
لا تعجبنّ أمامّ من حدث عرا ... فالدّهر غيّرنا مع الأزمان
__________
[1] في ب، س: «الورى».
[2] كذا في ط، والداثر: الدارس العافي. وفي سائر النسخ: «داسر» بالسين وهو تحريف.
[3] كذا في ط. وفي سائر النسخ: «و سقط» بالواو.
23 - ذكر قيل [1] مولى العبلات
ولاؤه وغناؤه:
قال هارون بن محمد بن عبد الملك: أخبرني حمّاد بن إسحاق عن أبيه قال:
كان يحيى قيل عبدا للثّريّا ورضيّا وأخواتهما بنات [عليّ بن] [2] عبد اللّه بن الحارث بن أمية الأصغر بن عبد شمس موليات الغريض.
قال وحدّثني حمّاد قال [حدّثني] [2] أبي قال حدّثني ابن أبي جناح قال حدّثنا مقاحف [3] بن ناصح مولى عبد اللّه بن عباس قال قال حدّثني هشام بن المرّيّة - وهي أمّه، وهو مولى بني مخزوم - قال:
كان يحيى قيل عبدا لامرأة من العبلات، وله من الغناء:
صوت
وأخرجتها من بطن مكة بعد ما ... أصات المنادي للصّلاة وأعتما [4]
فمرّت ببطن اللّيث [5] تهوي كأنما ... تبادر بالإصباح نهبا مقسّما
والشعر لأبي دهبل الجمحيّ. وأوّل هذه القصيدة:
ألا علق القلب المتيّم كلثما
أبو دهبل الجمحي:
وأخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثني الزّبير بن بكّار قال حدّثني يحيى بن المقداد الزّمعيّ قال حدّثني عمّي موسى بن يعقوب الزّمعيّ قال أنشدني أبو دهبل الجمحيّ لنفسه:
ألا علق القلب المتيّم كلثما ... لجوجا ولم يلزم من الحبّ ملزما
خرجت بها من بطن مكة بعد ما ... أصات المنادي للصّلاة وأعتما
__________
[1] تقدّم هذا الاسم في الجزء الثاني من هذا الكتاب واضطربت فيه النسخ فبعضها يذكره «قيل» بالقاف، وبعضها يذكره «فيل» بالفاء، ولم نقف على تحقيقه بالمراجع التي بأيدينا.
[2] التكملة عن ء، ط.
[3] كذا ورد هذا الاسم في أكثر النسخ. وفيء، ط ورد مرسوما هكذا: «معاحد» ولم نعثر فيما بين أيدينا من المراجع ولا في موالي ابن عباس على من تسمى بذلك، وقد وجد في موالي ابن عباس من اسمه «نافذ» بالفاء والذال المعجمة، فلعله محرّف عنه.
[4] أعتم: دخل في العتمة وهي ثلث الليل الأول بعد مغيب الشفق.
[5] كذا فيء، ط، وهو الموافق لما في معجم «ياقوت» من أن الليث (بكسر اللام): واد بأسفل السراة يدفع في البحر أو موضع بالحجاز. وفي باقي النسخ: «البيت».
فما نام من راع [1]
ولا ارتدّ سامر ... من الحيّ حتى جاوزت بي يلملما [2]
ومرّت ببطن اللّيث تهوي كأنها ... تبادر بالإدلاج نهبا مقسّما
أجازت على البزواء [3] واللّيل كاسر ... جناحين بالبزواء وردا [4] وأدهما
فما ذرّ قرن الشمس حتى تبيّنت ... بعليب [5] نخلا مشرفا ومخيّما
ومرّت على أشطان [6] دومة [7] بالضحى ... فما خزرت [8] للماء عينا ولا فما
/ وما شربت حتى ثنيت زمامها ... وخفت عليها أن تحزّ [9] وتكلما
/ فقلت لها قد تعت [10] غير ذميمة ... وأصبح وادي البرك [11] غيثا مديّما
قال فقلت [له] [12]: يا عمّ ما كنت إلا على الريح! فقال: يابن أخي إنّ عمّك كان إذا همّ فعل، وهي العجاجة، أما سمعت قول أخي ببني مرّة [13]:
إذا أقبلت قلت مشحونة ... أقلّت [14] لها الريح قلعا [15] جفولا
وإن أدبرت قلت مذعورة ... من الرّمد [16] تتبع هيقا [17] ذمولا
__________
[1] كذا في «ياقوت» (في الكلام على يلملم) وإحدى روايتي ط. وفي جميع النسخ: (داع).
[2] يلملم: موضع على ليلتين من مكة وهو ميقات أهل اليمن، وفيه مسجد معاذ بن جبل رضي اللّه عنه.
[3] كذا في «معجم ياقوت» في اسم البزواء واستشهد بهذا الشعر. والبزواء: موضع في طريق مكة قريب من الجحفة. وفي ط «النزواء» بالنون والتحريف فيها واضح. وفي باقي الأصول: «السرواء» وهو تحريف أيضا إذ لم نجد في الأماكن ما يسمى بهذا الاسم.
[4] الورد: وصف من الوردة وهي لون أحمر يضرب إلى صفرة، يقال: ورد الفرس يورد وردة وورودة إذا صار وردا أي كلون الورد وهو ما بين الكميت والأشقر، والمراد بالورد هنا الفجر عند انبثاقه، وبالأدهم آخر ما بقي من سواد الليل.
[5] كذا في أكثر الأصول، وعليب: موضع بتهامة. وفيء وإحدى روايتي ط: «بطيبة».
[6] الأشطان: جمع شطن وهو الحبل الطويل الشديد الفتل يستقى به.
[7] كذا في أكثر النسخ والظاهر أن المراد به الدومة وهو واد بين المدينة وخيبر به آبار. انظر «معجم ما استعجم» ص 331، وفيء، ط:
«روقة» بالراء والقاف ولم نجده في أسماء الأماكن.
[8] كذا فيء، ط، وفي باقي الأصول: «حدرت».
[9] كذا فيء، وإحدى روايتي ط. وفي باقي النسخ: «تجنّ».
[10] كذا في ط وتعت أسرعت في السير، من تاع الماء يتيع تيعا أي سال على وجه الأرض، وعلى هامش هذه النسخة «تاع يتيع: انقاد».
وفي ء: «نغت» بالنون والغين، ولم يظهر له معنى مناسب. وفي باقي الأصول: «بعت».
[11] كذا فيء، ط وهو كما في «معجم ياقوت»: ناحية باليمن بين ذهبان وحلي وهو نصف الطريق بين حلي ومكة، وفي باقي الأصول:
«البزل» وهو تحريف.
[12] الزيادة عن ء، ط.
[13] هو بشامة بن عمرو الغدير كما في «معجم ياقوت» والبكري في الكلام على «كشب».
[14] فيء، ط: «أطاعت».
[15] كذا فيء، ط. والقلع: شراع السفينة، وفي باقي النسخ: «خلعا» وهو تحريف.
[16] كذا فيء، ط و «المفضليات» للضبي ص 86 طبع بيروت، والرمد: جمع رمداء وهي النعامة التي فيها سواد منكسف كلون الرماد، وفي باقي النسخ: «الدبر» وهو النحل والزنابير.
[17] كذا فيء، ط. والهيق: الظليم وهو ذكر النعام. وفي باقي النسخ: «هيفا» بالفاء وهو تحريف، وذمولا: سريعا.
وإن أعرضت [1] خال فيها البصي ... ر ما لا يكلّفه أن يفيلا [2]
/يدا [3] سرحا مائرا [4] ضبعها ... تسوم [5] وتقدم رجلا زجولا
فمرّت على كشب [6] غدوة ... ومرّت فويق أريك [7] أصيلا
تخبّط بالليل حزّانه [8] ... كخبط القويّ العزيز الذّليلا
أخبرنا الحرميّ قال حدّثنا الزبير بن بكّار قال حدّثني ابن [9] أصبغ السلميّ قال: جاء إنسان يغنّي إلى عيّاش المنقريّ بالعقيق فجعل يغنّيه قول أبي دهبل:
ألا علق القلب المتيم كلثما
وجعل يعيده فلما أكثر قال له عيّاش: كم تنذر [10] بالعجوز عافاك اللّه! اسم أمي كلثم، قال: وتسمع العجوز، فقالت: لا واللّه ما كان بيني وبينه شيء. قال: ومن غنائه:
/أزرى بنا أننا شالت نعامتنا ... فخالني دونه بل خلته دوني
فإن تصبك من الأيام جائحة ... لا نبك [11] منك على دنيا ولا دين
[و أوّل هذه الأبيات فيما أنشدناه عليّ بن سليمان الأخفش عن ثعلب] [12].
صوت من المائة المختارة
لي ابن عمّ على ما كان من خلق ... مختلفان فأقليه ويقليني
__________
[1] أعرضت: رأيتها من عرضها وأحد جانبيها.
[2] كذا فيء، ط، ويفيل: يخطى ء، من فال رأيه إذا أخطأ، والمراد أنها إذا رؤيت لم يخطىء البصير في نجابتها. وفي باقي النسخ:
«يقيلا» بالقاف وهو تحريف.
[3] كذا فيء، ط و «المفضليات» للضبي ص 86 طبع بيروت. وفي باقي النسخ: «يد سرح مائر ضبعها».
[4] يقال: مارت الناقة تمور فهي مائرة إذا كانت نشيطة في سيرها. والضبع: العضد، وقيل: هو ما بين الإبط إلى نصف العضد.
[5] كذا في ط و «المفضليات» للضبي، وتسوم: تعدو على وجهها، وقيل: تمرّ مرا سهلا. وزجولا بالزاي والجيم من الزجل وهو الدفع، والمراد تدفع نفسها. وفي ب، س: «يسوم ويقدم».
[6] كذا في «معجم ياقوت» في مادة كشب والبكري، وقد اختلف ضبطه في «ياقوت» و «البكري» و «شرح القاموس» فقد روى بضم أوله وتشديد ثانيه المفتوح كما روى ككتب وككتف وهو جبل مما يلي حدود اليمن. وفي جميع النسخ و «ياقوت» في الكلام على أريك: «فمرت بذي خشب إلخ» وذو خشب: موضع قرب المدينة.
[7] أريك: جبل في بلاد بني مرة، قال جابر بن حني التغلبي:
تصعّد في بطحاء عرق كأنها ... ترقى إلى أعلى أريك بسلم
وقال الأخفش: إنما سمى أريكا لأنه جبل كثير الأراك.
[8] كذا في «المفضليات» و «شرح القاموس» «مادة أرك» والحزان بكسر الحاء وضمها: جمع حزين وهو المكان الغليظ الصلب من الأرض، وفي الأصول: «حزانة» بالتاء المنقوطة وهو تحريف.
[9] فيء، ط: «أبو الأصبغ».
[10] كذا في أكثر الأصول. وفيء، ط: «كم تنذرنا بالعجوز».
[11] فيء، ط: «لا أبك».
[12] هذه الزيادة عن ط.
لاه ابن عمّك لا أفضلت في حسب ... عنّي ولا أنت ديّاني فتخزوني
غنّى في هذين البيتين الهذليّ ثاني [1] ثقيل بالوسطى.
وقد عجبت وما في الدّهر من عجب ... يد تشجّ [2] وأخرى منك تأسوني
صوت من المائة المختارة
ارفع ضعيفك لا يحر بك ضعفه ... يوما فتدركه العواقب قد نما [3]
يجزيك أو يثنى عليك وإنّ من ... أثنى عليك بما فعلت فقد جزى [4]
/ [عروضه من الكامل] [5]. الشعر لغريض [6] اليهودي وهو السموءل [7] بن عادياء، وقيل إنه لابنه سعية [8] بن غريض، وقيل إنه لزيد [9] بن عمرو بن نفيل، وقيل إنه لورقة بن نوفل، وقيل إنه لزهير بن جناب [10]، وقيل إنه لعامر بن المجنون الجرميّ [11] الذي يقال له: مدرج الرّيح، والصحيح أنه لغريض أو لابنه.
__________
[1] كذا فيء، ط، ح. وفي باقي الأصول: «غنى في هذين البيتين للهذليّ».
[2] كذا فيء، ط. وفي باقي الأصول: «تشح» بالحاء وهو تحريف.
[3] انظر الشرح رقم 2 صحيفة 117.
[4] في ط. «كمن جزى».
[5] الزيادة عن ط، ء.
[6] كذا ورد هذا الاسم في جميع الأصول بالغين المعجمة وفي «شرح القاموس» مادة عرض ذكر ابنه سعية فقال: «و كزبير سعية بن عريض ويقال بالغين المعجمة أيضا» وقد جاء في «الإصابة» ج 3 ص 167 في الكلام على سعية أنه سعية بن غريض بفتح الغين المعجمة.
[7] ذكر أبو الفرج هذا الاسم هنا فقال: إن الغريض اليهوديّ هو السموءل بن عادياء وفي ترجمة السموءل ج 19 ص 18 طبع بولاق قال: إنه السموءل بن غريض بالغين المعجمة، وقال «صاحب معاهد التنصيص شرح شواهد» التلخيص «إنه السموءل بن عريض» بالعين المهملة.
[8] صحح الأستاذ الشنقيطي في نسخته طبع بولاق هذا الاسم هكذا: سعية بالسين والعين والياء وسعنة بالسين والعين والنون وكتب فوقه كلمة «معا» إشارة إلى أن كليهما صحيح، وقد ذكرهما كذلك ابن حجر في كتاب «الإصابة»، وجاء في «شرح القاموس» مادة سعى «و سعية بن عريض شاعر». وفي جميع الأصول: «شعبة بن غريض».
[9] كذا فيء، ط وهو الصواب، وفي باقي النسخ: «يزيد».
[10] كذا فيء، ط وهو الصواب. وفي ح: «خناب». وفي باقي النسخ: «خباب» وكلاهما تحريف.
[11] كذا فيء، ط بالجيم وهو الصواب كما في «حماسة البحتري» ص 113 طبعة ليدن و «شرح القاموس» مادة «درج». وفي باقي النسخ: «الحرمي» بالحاء وهو تحريف.
24 - [خبر غريض [1] اليهودي]
نسبه وأصل قومه:
وغريض هذا من اليهود من ولد الكاهن بن هارون بن عمران صلّى اللّه عليه وسلّم، وكان موسى عليه الصلاة والسلام وجّه جيشا إلى العماليق وكانوا قد طغوا [2] وبلغت غاراتهم إلى الشأم وأمرهم إن ظفروا بهم أن يقتلوهم أجمعين، فظفروا بهم فقتلوهم أجمعين سوى ابن لملكهم [3] كان غلاما جميلا فرحموه واستبقوه، وقدموا الشأم بعد وفاة موسى عليه السلام فأخبروا بني إسرائيل بما فعلوه؛ فقالوا: أنتم عصاة لا تدخلون الشأم علينا أبدا،/ فأخرجوهم عنها. فقال بعضهم لبعض: ما لنا بلد غير البلد الذي ظفرنا به وقتلنا أهله؛ فرجعوا إلى يثرب فأقاموا بها وذلك قبل ورود الأوس والخزرج إياها عند وقوع سيل العرم [4] باليمن، فمن هؤلاء اليهود قريظة والنّضير وبنو قينقاع وغيرهم، ولم أجد لهم نسبا فأذكره لأنهم ليسوا من العرب فتدوّن العرب أنسابهم إنما هم حلفاؤهم، وقد شرحت أخبارهم وما يغنّى به من أشعارهم في موضع آخر من هذا الكتاب.
والغناء في اللحن المختار لابن صاحب الوضوء واسمه محمد وكنيته أبو عبد اللّه، وكان أبوه على الميضأة [5] بالمدينة فعرف بذلك، وهو يسير الصناعة ليس ممن خدم الخلفاء/ ولا شهر عندهم شهرة غيره. وهذا الغناء ماخوري بالبنصر وفيه ليونس ثاني ثقيل بالبنصر.
نسب له شعر هو لورقة بن نوفل:
أخبرني محمد بن العباس اليزيديّ قال حدّثنا الرّياشيّ وعبد الرحمن ابن أخي الأصمعيّ عن الأصمعيّ عن ابن أبي الزّناد عن هشام بن عروة قال:
ارفع ضعيفك لا يحر بك ضعفه ... لغريض اليهودي
تمثلت عائشة أمام رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بشعر نزل بمعناه الوحي:
وأخبرنا أحمد بن عبد العزيز قال حدّثنا عمر بن شبة قال حدّثنا أحمد بن عيسى قال حدّثنا مؤمّل بن عبد الرحمن الثّقفيّ قال حدّثني سهل [6] بن المغيرة عن الزّهريّ عن عروة عن عائشة قالت:
__________
[1] الزيادة عن ء، ط.
[2] كذا فيء، ط وهو الصواب. وفي باقي النسخ: «قطعوا» وهو تحريف.
[3] كذا فيء، ط. وفي باقي النسخ: «ابن لملك لهم».
[4] كذا فيء، ط. وفي باقي النسخ: «السيل العرم» بالتعريف فيهما والعرم: اسم واد وقيل: السيل الذي لا يطاق، وقيل: المطر الشديد.
[5] الميضأة: مطهرة كبيرة يتوضأ منها، والعامة تقول: ميضة.
[6] في ب، س: «إسماعيل» ولم نجد في الرواة من اسمه سهل بن المغيرة ولا إسماعيل بن المغيرة والظاهر أنه سهل أبو حريز مولى المغيرة، قال عنه ابن حبان يروي عن الزهري العجائب، وله ترجمة في «ميزان الاعتدال» ج 1 ص 431 وفي «لسان الميزان» ج 3
دخل عليّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأنا أتمثّل بهذين البيتين:
ارفع ضعيفك لا يحر بك ضعفه ... يوما فتدركه العواقب قد نما [1]
يجزيك أو يثني عليك وإنّ من ... أثنى عليك بما فعلت فقد جزى
فقال صلّى اللّه عليه وسلّم: «ردّي عليّ قول اليهوديّ قاتله اللّه! لقد أتاني جبريل برسالة من ربي: أيّما رجل صنع إلى أخيه صنيعة فلم يجد له جزاء إلا الثناء عليه والدعاء له فقد كافأه».
/ قال أبو زيد: وقد حدّثني أبو عثمان محمد بن يحيى أن هذا الشعر لورقة بن نوفل، وقد ذكر الزّبير بن بكار أيضا أنّ هذا الشعر لورقة بن نوفل وذكر هذين البيتين في قصيدة أوّلها:
رحلت قتيلة عيرها قبل الضحى ... وأخال أن شحطت بجارتك [2] النوّى
أو كلّما رحلت قتيلة غدوة ... وغدت مفارقة لأرضهم بكى
ولقد ركبت على السّفين ملجّجا [3] ... أذر الصّديق وأنتحي دار العدا
ولقد دخلت البيت يخشى أهله ... بعد الهدوء وبعد ما سقط الندى
فوجدت فيه حرّة [4] قد زيّنت ... بالحلي تحسبه بها جمر الغضا
فنعمت بالا إذ أتيت [5] فراشها ... وسقطت منها حين جئت على هوى
فلتلك لذّات الشّباب قضيتها ... عنّي فسائل بعضهم ماذا [6] قضى
فرج [7] الرّباب فليس يؤدي فرجه ... لا حاجة قضّى ولا ماء بغى
فارفع ضعيفك لا يحر بك ضعفه ... يوما فتدركه العواقب قد نما
يجزيك أو يثني عليك وإنّ من ... أثنى عليك بما فعلت فقد جزى
__________
() ص 123.
[1] جاء في الجزء الثالث من «العقد الفريد» لابن عبد ربه صحيفة 119 في باب (فضائل الشعر):
«و سمع النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم عائشة وهي تنشد شعر زهير بن حباب - وصوابه جناب - تقول:
ارفع ضعيفك لا يحل بك ضعفه ... يوما فتدركه عواقب ما جنى
يجزيك أو يثني عليك فإن من ... أثنى عليك بما فعلت كمن جزى
فقال النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «صدق يا عائشة لا شكر اللّه من لا يشكر الناس» ويرى المتأمل أن في هذه الرواية والبيتين اختلافا عما هو وارد في «الأغاني».
[2] كذا فيء، ط، وفي ب، س، ح: «تجاريك». وفي أ، م: «تحاريك» بالحاء المهملة وكلاهما تحريف.
[3] ملججا: خائضا اللجة وهي معظم الماء.
[4] فيء، ط «طفلة» بفتح الطاء وهي المرأة الناعمة الرخصة.
[5] فيء، ط: «حين زرت فراشها».
[6] كذا فيء، ط. وفي سائر النسخ: «ما قد قضى».
[7] هذا البيت ساقط فيء، ط: وقد ورد هكذا في باقي النسخ وهو غير واضح.
25 - ذكر ورقة بن نوفل ونسبه
نسبه وهو جاهلي اعتزل عبادة الأوثان:
هو ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزّي بن قصيّ، وأمه هند بنت أبي كثير [1] بن عبد بن قصيّ./ وهو أحد من اعتزل عبادة الأوثان في الجاهلية وطلب الدّين وقرأ الكتب وامتنع من أكل ذبائح الأوثان.
نسبة ما في هذا الشعر من الغناء
غير
ارفع ضعيفك ...
صوت
ولقد طرقث البيت يخشى أهله ... بعد الهدوء وبعد ما سقط الندى
فوجدت فيه حرّة قد زيّنت ... بالحلي تحسبه بها جمر الغضا
الشعر لورقة بن نوفل [2]. والغناء لابن محرز من القدر الأوسط من الثقيل الأوّل بالخنصر في مجرى الوسطى عن إسحاق.
أخبرنا الطّوسيّ قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثنا عبد اللّه بن معاذ عن معمر عن الزّهريّ عن عروة بن الزّبير قال:
سئل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن ورقة بن نوفل كما بلغنا فقال: «قد رأيته في المنام كانّ عليه ثيابا بيضا فقد [3] أظنّ أن لو كان من أهل النار لم أر عليه البياض».
/ قال الزبير وحدّثنا عبد اللّه بن معاذ عن معمر عن الزّهريّ عن عائشة:
أنّ خديجة بنت خويلد انطلقت بالنبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزّي وهو ابن عمّ خديجة أخي أبيها، وكان امرأ تنصّر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب [4] العبرانيّ فيكتب بالعبرانيّة من الإنجيل ما شاء أن يكتب، وكان شيخا كبيرا قد عمي، فقالت خديجة: أي ابن عمّ، اسمع من ابن أخيك؛ قال ورقة: يابن أخي
__________
[1] فيء، ط: «ابن أبي كبير» بالباء الموحدة.
[2] ذكر في «شرح شواهد الرضى» أن هذه الأبيات لزيد بن عمرو بن نفيل، وقيل لأمية بن أبي الصلت.
[3] كذا فيء، ط. وفي باقي النسخ: «فقال» وقد ورد الحديث في ص 88 جزء خامس من «أسد الغابة في معرفة الصحابة» في حديث عائشة قالت: «سئل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن ورقة فقالت له خديجة: إنه كان صدقك وإنه مات قبل أن تظهر، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم رأيته في المنام وعليه ثياب بياض ولو كان من أهل النار لكان عليه لباس غير ذلك»، وقد روى قريبا من ذلك في الجزء السادس من هذا الكتاب ص 319.
[4] الكتاب: مصدر كالكتابة.
ماذا ترى؟ فأخبره رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم خبر ما رأى فقال ورقة: هذا الناموس [1] الذي أنزله اللّه تبارك وتعالى على موسى؛ يا ليتني فيها جذع [2]، ليتني أكون حيا إذ يخرجك قومك؛ قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «أو مخرجيّ هم» قال ورقة: نعم، لم يأت رجل قطّ بمثل [3] ما جئت به إلا عودي، وإن يدركني يومك لأنصرنّك نصرا مؤزّرا، ثم لم ينشب ورقة أن توفّي.
رأى بلالا يعذب لإسلامه فقال شعرا:
قال الزّبير حدّثني عثمان عن الضحّاك بن [4] عثمان عن عبد الرحمن بن أبي الزّناد قال قال عروة: كان بلال لجارية من بني جمح بن عمرو، وكانوا يعذّبونه برمضاء [5] مكة، يلصقون ظهره بالرّمضاء ليشرك باللّه؛ فيقول: أحد أحد؛ فيمرّ عليه ورقة/ بن نوفل وهو على ذلك يقول: أحد أحد، فيقول ورقة بن نوفل: أحد أحد واللّه يا بلال! واللّه لئن قتلتموه لاتّخذتّه حنانا [6] كأنه يقول: لأتمسّحنّ به. وقال ورقة بن نوفل في ذلك:
لقد نصحت لأقوام وقلت لهم ... أنا النذير فلا يغرركم أحد
لا تعبدنّ [7] إلها غير خالقكم ... فإن دعوكم فقولوا بيننا حدد [8]
سبحان ذي العرش سبحانا نعوذ به ... وقبل قد سبّح الجوديّ والجمد [9]
مسخّر كلّ ما تحت السماء له ... لا ينبغي أن يناوي ملكه أحد
لا شيء مما ترى تبقى بشاشته ... يبقى الإله ويودي المال والولد
لم تغن عن هرمز يوما خزائنه ... والخلد قد حاولت عاد فما خلدوا
ولا سليمان إذ دان الشّعوب له ... والجنّ والإنس تجري بينها البرد [10]
__________
[1] الناموس في الأصل: صاحب السر أو صاحب سر الوحي، والمراد به جبريل عليه السّلام.
[2] الجذع: الشاب الحدث، أي يا ليتني أكون شابا حين تظهر نبوّته حتى أبالغ في نصرته.
[3] كذا في «صحيح البخاريّ». وفي جميع الأصول: «بما جئت إلخ».
[4] كذا فيء، ط وسيذكر كذلك أكثر من مرة باتفاق الأصول، وفي أكثر الأصول هنا، «الضحاك عن عثمان عن عبد الرحمن ... » وهو تحريف. والضحاك بن عثمان إما أن يكون الضحاك بن عثمان بن الضحاك بن عثمان المتوفى سنة ثمانين ومائة وهو الذي وصفه الزبير بن بكار بأنه كان علامة قريش بأخبار العرب وأيامها وأشعارها وأحاديث الناس وهو الذي يروي الزبير بن بكار عن ابنه محمد كما سيأتي في ص 123، وإما أن يكون الضحاك بن عثمان جده المتوفى سنة ثلاث وخمسين ومائة، لأن كلا منهما عاصر عبد الرحمن بن أبي الزناد الذي ولد سنة مائة وتوفي سنة أربع وسبعين ومائة.
[5] الرمضاء: الأرض الحامية من شدة حر الشمس.
[6] شرح «اللسان» هذه العبارة في مادة «حنن» فقال: الحنان: الرحمة والعطف، والحنان: الرزق والبركة؛ أراد لأجعلن قبره موضع حنان أي مظنة من رحمة اللّه تعالى فأتمسح به متبركا كما يتمسح بقبور الصالحين الذين قتلوا في سبيل اللّه من الأمم الماضية فيرجع ذلك عارا عليكم وسبة عند الناس، وضعف هذا الحديث بأن ورقة مات قبل مبعث النبي صلّى اللّه عليه وسلّم وبلال ما عذب إلا بعد أن أسلم، وهو ضعيف الإسناد لأنه مرسل وعروة تابعي لم يدرك عصر النبوة.
[7] في ب، س، أ، م: «لا تعبدون».
[8] كذا في ط، و «اللسان» مادة «حدد»، والحدد (بالتحريك): المنع، يقال: دونه حدد أي منع. وفي باقي الأصول: «جدد» بالجيم وهو تحريف.
[9] في أ، م، ح: «نعود له» وهي رواية الرياشي: أي نعاوده مرة بعد أخرى، وفي «اللسان» في مادتي جود وجمد: «يعود له» وفي «معجم ياقوت»: «يدوم له» والجودي: جبل بالجزيرة استوت عليه سفينة نوح عليه السّلام، والجمد: جبل بنجد.
[10] البرد: جمع بريد وهو الرسول: وقد ورد البيت الثالث من هذه الأبيات في «كتاب سيبويه» غير معزو لأحد ذهب أكثر شراحه إلى أنه لأمية بن الصلت وقال بعضهم: إنه لزيد بن عمرو بن نفيل، وصوّب البغدادي في «الخزانة» ج 2 ص 39 أن هذا الشعر لورقة بن
مدح النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم له والنهي عن سبه:
قال الزبير حدّثني عمي قال حدّثنا الضحاك بن عثمان عن عبد الرحمن بن أبي الزّناد عن هشام بن عروة:
أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال لأخي ورقة بن نوفل أو لابن أخيه: «شعرت أنّي قد رأيت لورقة جنّة، أو جنّتين»، يشكّ هشام.
قال عروة: ونهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن سبّ ورقة.
وقال الزبير وحدّثني عمّي قال حدّثني الضحّاك عن عبد الرحمن بن أبي الزّناد عن هشام بن عروة عن أبيه:
أن خديجة كانت تأتي ورقة بما يخبرها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنه يأتيه، فيقول ورقة: لئن كان ما يقول حقّا إنه ليأتيه الناموس الأكبر ناموس عيسى ابن مريم الذي لا يجيزه أهل الكتاب إلا بثمن [1]، ولئن نطق وأنا حيّ لأبلينّ فيه للّه بلاء حسنا.
__________
() نوفل كما نسبه إليه السهيلي والحافظ الكلاعي في سيرته.
[1] هذه الكلمة محرفة في جميع الأصول ولها أشكال متباينة لم نتبين تصويبها. وفي «شرح المواهب اللدنيّة» للزرقاني ج 1 ص 259 طبع بولاق: «إنه ليأتيه ناموس عيسى الذي لا يعلّمه بنو إسرائيل أبناءهم».
26 - خبر زيد بن عمرو ونسبه
نسبه من قبل أبويه:
هو زيد بن عمرو بن نفيل بن عبد العزّي بن رياح [1] بن عبد اللّه بن قرط بن رزاح بن عديّ بن كعب بن لؤيّ بن غالب. وأمه جيداء بنت خالد بن جابر بن أبي حبيب بن فهم. وكانت جيداء عند نفيل بن عبد العزّي فولدت له الخطّاب أبا عمر بن الخطّاب وعبدنهم [2]، ثم مات عنها نفيل فتزوّجها [3] ابنه عمرو فولدت له زيدا، وكان هذا نكاحا ينكحه أهل الجاهليّة.
اعتزل عبادة الأوثان وكان يعيب قريشا:
وكان زيد بن عمرو أحد من اعتزل عبادة الأوثان وامتنع من أكل ذبائحهم، وكان يقول: يا معشر قريش، أيرسل اللّه قطر السماء وينبت بقل الأرض ويخلق السائمة فترعى فيه وتذبحوها [4] لغيره [5]! واللّه ما أعلم على ظهر الأرض أحدا على دين إبراهيم غيري.
أخرجه عن مكة خطاب بن نفيل وقريش لمخالفته دينهم:
أخبرنا الطّوسيّ قال حدّثنا الزّبير قال حدّثني عمّي مصعب بن عبد اللّه ومحمد بن الضحّاك عن أبيه، قالا:
كان الخطّاب بن نفيل قد أخرج زيد بن عمرو من مكة وجماعة من قريش ومنعوه أن يدخلها حين فارق أهل الأوثان، وكان أشدّهم عليه الخطّاب بن نفيل./ وكان زيد بن عمرو إذا خلص إلى البيت استقبله ثم قال [6]: لبّيك حقّا حقّا؛ تعبّدا ورقّا؛ البرّ [7] أرجو لا الخال [8]، وهل مهجّر [9] كمن قال [10]! [ثم يقول] [11]:
عدت بما عاذ به إبراهيم ... مستقبل الكعبة وهو قائم
__________
[1] كذا في «شرح القاموس» مادة روح فقد ذكر أسماء من تسموا برياح ككتاب وعدّ هذا منها. وفي ب، س، ء: «رباح» بالباء الموحدة.
وفي سائر النسخ: «دياح» بالدال وكلاهما تحريف.
[2] كذا في ط، ء، وهي محرّفة في سائر النسخ، ونهم بالضم: شيطان أو صنم لمزينة، وبه سموا «عبدنهم».
[3] في ط: «فتزوّجت ابنه عمرا».
[4] في ط، ء: «و تذبحونها».
[5] كذا في ط، ء. وفي سائر النسخ: «لغير اللّه».
[6] كذا في أكثر الأصول. وفي ب، س: «ثم قال: يا مولاي لبيك ... إلخ».
[7] البر: الطاعة والخير.
[8] الخال: الخيلاء.
[9] المهجر: السائر في الهاجرة.
[10] قال: أقام في القائلة.
[11] زيادة في ط، ء.
يقول أنفي [1] لك عان راغم ... مهما تجشّمني فإنّي جاشم [2]
ثم يسجد. قال محمد بن الضحّاك عن أبيه: [و] [3] هو الذي يقول:
لا همّ إنّي حرم لا حلّه [4] ... وإنّ داري أوسط المحلّه
عند الصّفا ليست بها مضلّه
شعره في ترك عبادة الأوثان:
قال الزبير وحدّثني مصعب بن عبد اللّه عن الضحاك بن عثمان عن عبد الرحمن بن أبي الزناد قال قال هشام بن عروة عن أبيه عن أسماء بنت أبي بكر أنها قالت: قال زيد بن عمرو بن نفيل:
عزلت الجنّ والجنّان عنّي [5] ... كذلك يفعل الجلد الصّبور
/ فلا العزّى أدين ولا ابنتيها ... ولا صنمي بني غنم [6] أزور [7]
/و لا هبلا [8] أدين وكان ربّا ... لنا في الدهر إذ حلمي صغير
أربّا واحدا أم ألف ربّ ... أدين إذا تقسّمت الأمور
ألم تعلم بأنّ اللّه أفنى ... رجالا كان شأنهم الفجور
وأبقى آخرين ببرّ قوم ... فيربو منهم الطفل الصغير
وبينا المرء يعثر ثاب [9] يوما ... كما يتروّح الغصن النّضير
فقال ورقة بن نوفل لزيد بن عمرو بن نفيل:
رشدت وأنعمت ابن عمرو وإنما ... تجنّبت تنّورا من النار حاميا
بدينك ربّا ليس رب كمثله ... وتركك جنّان [10] الجبال كما هيا
__________
[1] كذا في ط، وهي في بقية الأصول مضطربة ومحرفة.
[2] جاشم: وصف من جشم الأمر إذا تجشمه وتكلفه على مشقة.
[3] زيادة في ط، ء.
[4] كذا ورد «حرم» و «حله» مضبوطين في بعض الأصول، وهذا الضبط هو الذي يتزن به الشعر، فلعلهما مصدران وصف بهما، إذ الوصف الذي ورد في كتب اللغة من هذه المادة في هذا المعنى: «حرم» و «حل» بالكسر و «حرام» و «حلال».
[5] كذا في جميع الأصول؛ وفي «بلوغ الأرب في أحوال العرب» ج 2 ص 220 طبع مطبعة دار السلام ببغداد:
تركت اللات والعزى جميعا
[6] كذا في «كتاب الأصنام» لابن الكلبي ص 22 طبع المطبعة الأميرية و «بلوغ الأرب في أحوال العرب»، والذي في الأصول: «بني طسم» وطسم من القبائل البائدة فلم يكن لها في عهد زيد بن عمرو أصنام يهجرها.
[7] كذا في ط، ء و «كتاب الأصنام» و «بلوغ الأرب» ج 2 ص 220، والذي في بقية الأصول: «أدير».
[8] كذا في «كتاب الأصنام» لابن الكلبيّ، وهبل كصرد: صنم كان لقريش في الكعبة يعبدونه. وفي ط، ء: «و لا غنما». وفي باقي الأصول: «و لا غمّا»، ولم نجد لكليهما مسمى من الأصنام.
[9] كذا في ط، ء، ورسمت كلمة «ثاب» على وجه تقرأ به «ثاب» و «بات»، وفي بقية الأصول: «فبينا المرء يعثر ذات يوم»، وثاب: عاد إلى ما كان عليه من استقامة.
[10] جنّان الجبال: الذين يأمرون بالفساد من شياطين الإنس أو من الجنّ. (انظر «اللسان» مادة جنّ).
أقول إذا ما زرت أرضا مخوفة ... حنانيك لا تظهر عليّ الأعاديا
حنانيك إنّ الجنّ كانت رجاءهم ... وأنت إلهي ربّنا ورجائيا
أدين لربّ يستجيب ولا أرى ... أدين لمن لا يسمع الدهر داعيا
أقول إذا صلّيت في كلّ بيعة ... تباركت قد أكثرت باسمك داعيا
يقول: خلقت خلقا كثيرا يدعون باسمك.
/ قال الزّبير وحدّثني مصعب بن عبد اللّه قال حدّثني الضحّاك بن عثمان عن عبد الرحمن بن أبي الزّناد عن موسى بن عقبة قال سمعت من أرضى يحدّث:
امتناعه عن ذبائح قريش وقصته مع النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في ذلك:
أن زيد بن عمرو كان يعيب على قريش ذبائحهم ويقول: الشاة خلقها اللّه وأنزل من السماء ماء وأنبت لها من الأرض نباتا ثم تذبحونها على غير اسم اللّه! إنكارا لذلك وإعظاما له.
قال الزبير: وحدّثني مصعب بن عبد اللّه عن الضحّاك بن عثمان بن عبد الرحمن بن أبي الزّناد عن موسى بن عقبة عن سالم بن عبد اللّه أنه سمع عبد اللّه بن عمر يحدّث عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: أنه لقي زيد بن عمرو بن نفيل بأسفل بلدح [1]، وكان قبل أن ينزل على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الوحي، فقدّم إليه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم سفرة [2] فيها لحم، فأبى أن يأكل، وقال: إنّي لا آكل إلّا ما ذكر اسم اللّه عليه.
اجتمع بالشأم مع يهودي ونصراني فسألهما عن الدين واعتنق دين إبراهيم:
قال الزبير وحدّثني مصعب بن عبد اللّه عن الضحّاك بن عثمان عن عبد الرحمن بن أبي الزّناد عن موسى بن عقبة عن سالم بن عبد اللّه قال - قال موسى: لا أراه إلّا حدّثه عن عبد اللّه بن عمر - :
إن زيد بن عمرو خرج إلى الشّأم يسأل عن الدّين ويتّبعه، فلقي عالما من اليهود فسأله عن دينهم فقال: لعلّي أدين بدينكم فأخبرني بدينكم؛ فقال اليهوديّ: إنّك لا تكون على ديننا حتّى تأخذ بنصيبك من غضب اللّه؛ فقال زيد بن عمرو:/ لا أفرّ إلّا من غضب اللّه وما أحمل من غضب اللّه شيئا أبدا وأنا أستطيع، فهل تدلّني على دين ليس فيه هذا؟ قال: ما أعلمه إلا أن يكون [3] حنيفا؛ قال: وما الحنيف؟ قال: دين إبراهيم؛ فخرج من عنده وتركه.
فأتى عالما من علماء النّصارى فقال له نحوا ممّا قال لليهوديّ [4]، فقال له النّصرانيّ: إنك لن تكون على ديننا حتّى تأخذ بنصيبك من لعنة اللّه؛ فقال: إني لا أمل من لعنة اللّه ولا من غضبه شيئا أبدا وأنا أستطيع، فهل تدلّني على دين ليس فيه هذا؟ فقال له نحوا مما قال اليهوديّ:/ لا أعلمه إلا أن يكون حنيفا؛ فخرج من عندهما وقد رضي بما أخبراه واتّفقا عليه من دين إبراهيم، فلما برز رفع يديه وقال؛ اللّهم [إنّي] [5] على دين إبراهيم.
__________
[1] بلدح: واد قبل مكة من جهة الغرب. قال ابن قيس الرقيات:
فمني فالجمار من عبد شمس ... مقفرات فبلدح فحراء
[2] السفرة: جلد مستدير يحمل فيه المسافر طعامه، وهي في الأصل اسم لنفس الطعام ثم نقلت إلى الجلد لأنه يحمل فيها.
[3] كذا فيء، ط. وفي سائر الأصول: «تكون» وهو تصحيف.
[4] كذا فيء، ط. وفي سائر الأصول: «اليهودي» وهو تحريف.
[5] زيادة فيء، ط.
بلغته البعثة فخرج من الشأم فقتله أهل ميفعة:
قال الزبير وحدّثني مصعب بن عبد اللّه عن الضّحاك بن عثمان عن عبد الرحمن بن أبي الزّناد قال قال هشام بن عروة:
بلغنا أنّ زيد بن عمرو كان بالشأم، فلما بلغه خبر النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أقبل يريده فقتله أهل ميفعة [1].
قال عنه النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: إنه يأتي يوم القيامة أمة وحده:
قال الزّبير وحدّثني مصعب بن عبد اللّه عن الضّحاك بن عثمان عن عبد الرحمن ابن أبي الزّناد عن هشام بن عروة عن أبيه عن سعيد بن زيد بن عمرو قال:
سألت أنا وعمر بن الخطّاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن زيد فقال: «يأتي يوم القيامة أمّة وحده».
/ وأنشد محمد بن الضحّاك عن الحزاميّ عن أبيه لزيد بن عمرو:
أسلمت وجهي لمن أسلمت ... له المزن تحمل عذبا زلالا
وأسلمت وجهي لمن أسلمت ... له الأرض تحمل صخرا ثقالا
دحاها فلما استوت شدّها ... سواء وأرسى عليها الجبالا
زهير بن جناب وشعره في الكبر:
وأما زهير بن جناب الكلبيّ فإنّه أحد المعمّرين، يقال: إنه عمّر مائة وخمسين سنة وهو - فيما ذكر - أحد الذين شربوا الخمر في الجاهليّة حتّى قتلتهم؛ وكان قد بلغ من السنّ الغاية التي ذكرناها، فقال ذات يوم: إنّ الحيّ ظاعن، فقال عبد اللّه [ابن عليم] [2] بن جناب: إن الحي مقيم؛ فقال زهير: إن الحيّ مقيم؛ فقال عبد اللّه: إنّ الحيّ ظاعن؛ فقال: من هذا الذي يخالفني منذ اليوم! قيل: ابن أخيك عبد اللّه بن عليم؛ فقال: أو ما هاهنا أحد ينهاه عن ذلك! قالوا: لا؛ فغضب وقال: لا أراني قد خولفت، ثم دعا بالخمر فشربها [3] صرفا بغير مزاج وعلى غير طعام حتّى قتلته. وهو الذي يقول في ذمّ الكبر وطول الحياة:
الموت خير للفتى ... فليهلكن وبه بقيّة
من أن يرى الشّيخ [4] البجا ... ل إذا تهادى بالعشيّة
أبنيّ إن أهلك فقد ... أورثتكم مجدا بنيّه
/ وتركتكم أبناء سا ... دات زنادكم وريّه
__________
[1] كذا في «معجم ما استعجم» للبكري ص 569 و «شرح القسطلاني على البخاري» ج 6 ص 206 طبع بولاق، وهي قرية من أرض البلقاء من الشام، وقد وردت محرّفة في جميع الأصول.
[2] الزيادة عن كتاب «شعراء النصرانية» ج 1 ص 207 وقد جاء في «القاموس» وشرحه مادة علم «و كزبير اسم رجل وهو عليم بن جناب أخو زهير من بني كلب بن وبرة».
[3] كذا فيء، ط. وفي باقي الأصول: «يشربها».
[4] البجال: الكبير العظيم، ونقل صاحب «اللسان» في مادة يحل عن أبي عمرو: أنّ البجال: الرجل الشيخ السيّد واستشهد له بهذه الأبيات.
بل كلّ [1] ما نال الفتى ... قد نلته إلا التّحيّه [2]
مدرج الريح وسبب هذه التسمية:
وأمّا مدرج الرّيح فاسمه عامر بن المجنون الجرميّ، وإنما سمّي مدرج الريح بشعر قاله في امرأة كان يزعم أنّه يهواها من الجنّ وأنّها تسكن الهواء [3] وتتراءى له، وكان محمّقا؛ وشعره هذا:
صوت
لابنة الجنّيّ في الجوّ طلل ... دارس الآيات عاف كالخلل
درسته الرّيح من بين صبا ... وجنوب درجت حينا وطلّ
الغناء فيه لحنين ثقيل أوّل بالوسطى عن الهشاميّ وابن المكيّ، وذكر حبش أنّه لمعبد، وذكر عمرو بن بانة أنّ لحن حنين من خفيف الثّقيل الأوّل بالبنصر. وأخبار عامر بن المجنون تذكر في موضع آخر إن شاء اللّه تعالى.
سعية بن غريض وشعره وهو يحتضر:
وأما سعية بن غريض فقد كان ذكر خبر جدّه/ السّموءل بن غريض بن عاديا في موضع غير هذا. وكان سعية بن غريض شاعرا، وهو الذي يقول لمّا حضرته الوفاة يرثي نفسه:
صوت
يا ليت شعري حين يذكر صالحي [4] ... ماذا تؤبّنني به أنواحي [5]
أيقلن لا تبعد، فربّ كريهة ... فرّجتها ببشارة وسماح
وإذا دعيت لصعبة سهّلتها ... أدعى بأفلح تارة ونجاح
/ - غنّاه ابن سريج ثاني ثقيل بالبنصر على مذهب إسحاق من رواية عمرو - وأسلم [6] سعية وعمّر عمرا طويلا، ويقال: إنّه مات في آخر [7] خلافة معاوية.
سعية بن غريض ومعاوية بن أبي سفيان:
فأخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثني أحمد بن معاوية عن الهيثم بن عديّ قال:
__________
[1] كذا في الأصول. وفي «اللسان» مادة حيي: «و لكل».
[2] مما يطلق عليه التحية الملك والبقاء. قال ابن بري: والمراد هنا البقاء، لأن زهير بن جناب كان ملكا في قومه (انظر «اللسان» مادة حيي).
[3] كذا فيء، ط. وفي سائر النسخ: «و أنه يسكن إليها في الهواء».
[4] كذا في جميع الأصول. وفي هامشها: «حين أندب هالكا».
[5] الأنواح: النائحات.
[6] كذا فيء، ط. وفي باقي الأصول: «فاسلم» بالفاء.
[7] كذا في أكثر الأصول. وفيء، ط: «أوّل».
حجّ معاوية حجّتين في خلافته، وكانت له ثلاثون بغلة يحجّ عليها نساؤه وجواريه. قال: فحجّ في إحداهما فرأى شيخا [1] يصلّي في المسجد الحرام عليه ثوبان أبيضان، فقال: من هذا؟ قالوا: سعية بن غريض، وكان من اليهود، فأرسل إليه يدعوه، فأتاه رسوله فقال: أجب أمير المؤمنين؛ قال: أو ليس قد مات أمير المؤمنين! قيل:
فأجب معاوية؛ فأتاه فلم يسلّم عليه بالخلافة؛ فقال له معاوية: ما فعلت أرضك التي بتيماء؟ قال: يكسى منها العاري ويردّ فضلها على الجار؛ قال: أفتبيعها [2]؟ قال: نعم؛ قال: بكم؟ قال: بستّين ألف دينار، ولو لا خلّة أصابت الحيّ لم أبعها؛ قال: لقد أغليت! قال: أما لو كانت لبعض أصحابك لأخذتها بستمائة ألف دينار ثم لم تبل [3]! قال: أجل، وإذ بخلت بأرضك فأنشدني شعر أبيك يرثي [به] [4] نفسه؛ فقال: قال أبي:
/يا ليت شعري حين أندب هالكا ... ماذا تؤبّنني به أنواحي
أيقلن لا تبعد [5]، فربّ كريهة ... فرّجتها بشجاعة [6] وسماح
ولقد ضربت بفضل مالي حقّه ... عند الشّتاء وهبّة الأرواح
ولقد أخذت الحقّ غير مخاصم ... ولقد رددت الحقّ غير ملاحي
وإذا دعيت لصعبة سهّلتها ... أدعى بأفلح مرّة ونجاح
فقال: أنا كنت بهذا الشعر أولى من أبيك؛ قال: كذبت ولؤمت؛ قال: أما كذبت فنعم، وأمّا لؤمت فلم، قال: لأنك كنت ميّت الحقّ في الجاهلية وميّته في الإسلام، أمّا في الجاهلية فقاتلت النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم والوحي حتى جعل اللّه [عزّوجلّ] [7] كيدك المردود، وأمّا في الإسلام فمنعت ولد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الخلافة، وما أنت وهي! وأنت طليق [8] ابن طليق! فقال معاوية: قد خرف [9] الشيخ فأقيموه، فأخذ بيده فأقيم.
/ وسعية هذا هو الذي يقول:
صوت
يا دار سعدى بأقصى [10] تلعة [11] النّعم ... حيّيت دارا على الإقواء والقدم
وما بجزعك إلا الوحش ساكنة ... وهامد من رماد القدر والحمم
__________
[1] كذا فيء، ط و «الإصابة» لابن حجر طبع مصر ج 3 ص 167، وفي سائر الأصول: «شخصا».
[2] كذا في ب، س، وفي أ، م: «أتبيعها».
[3] كذا في أكثر الأصول. وفيء، ط: «لم تبال» وكلاهما صحيح تقول: «لم أبال» وهو الأصل «و لم أبل» حذفت منها الياء تخفيفا، ونزلت اللام منزلة النون من يكن فسكنت للجازم وحذفت الألف لالتقاء الساكنين.
[4] زيادة فيء، ط.
[5] كذا في أكثر الأصول. وفيء، ط: «لا يبعد» بالياء.
[6] كذا في أكثر الأصول. وفي ب، س: «ببشارة» وقد تقدّمت هذه الرواية في ص 129 من هذا الجزء.
[7] الزيادة عن ء، ط.
[8] أي من الطلقاء وهم الذين حاربوا النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم من قريش وآذوه، فلما غلبهم عام الفتح خطبهم فقال: «يا معشر قريش ما ترون أني فاعل فيكم؟» قالوا: خيرا، أخ كريم وابن أخ كريم، فقال: «اذهبوا فأنتم الطلقاء» (انظر «سيرة ابن هشام» ص 821 طبع أوروبا).
[9] كذا في أكثر الأصول. وفيء، ط: «خرق» بالقاف.
[10] فيء، ط و «ياقوت»: «بمفضي».
[11] تلعة النعم: موضع بالبادية استشهد له «ياقوت» بهذا البيت.
/
عجنا فما كلّمتنا الدار إذ سئلت ... وما بها عن جواب خلت من صمم
الشعر لسعية بن غريض، والغناء لابن محرز ثقيل أوّل بالسبابة في مجرى البنصر.
27 - أخبار ابن صاحب الوضوء ونسبه
نسبه وولاؤه وسبب تسمية أبيه:
اسمه محمد بن عبد اللّه، ويكنى أبا عبد اللّه، مولى بني أميّة، وهو من أهل المدينة؛ وكان أبوه على ميضأة المدينة فسمّي صاحب الوضوء. وهو قليل الصّنعة لم يذكر له إسحاق إلا صوتين كلاهما في خفيف الثقيل الثاني المعروف با الماخوريّ ولا ذكر له غير إسحاق سواهما إلا ما هو مرسوم في الكتاب الباطل المنسوب إلى إسحاق فإن له فيه شيئا كثيرا لا أصل له، وفي كتاب حبش [الصينيّ] [1]. وهو رجل لا يحصّل ما يقوله ويرويه.
مدح يونس الكاتب غناءه:
أخبرني محمد بن مزيد قال حدّثنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه [عن] [2] جدّه عن سياط عن يونس الكاتب قال:
غنيّ ابن صاحب الوضوء في شعر النابغة:
خطاطيف حجن [3] في حبال متينة ... تمدّ بها أيد إليك نوازع
وفي شعر بعض اليهود:
إرفع ضعيفك لا يحر بك ضعفه ... يوما فتدركه العواقب قد نما
فأجاد فيهما ما شاء وأحسن غاية الإحسان؛ فقيل له: ألا تزيد وتصنع شيئا [آخر] [4]؟ فقال: لا واللّه حتى أرى غيري قد صنع مثل ما صنعت وأزيد، وإلّا فحسبي هذا.
نقل أبو مسلمة لعبد اللّه بن عامر صوتا فغناه في المحراب:
أخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن عمّار وأحمد بن عبد العزيز الجوهريّ وإسماعيل بن يونس [5] الشّيعي، قالوا حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثنا عيسى بن عبد اللّه بن محمد بن عمر بن عليّ - قال ابن عمار في خبره: وكان يسمّى المبارك - قال حدّثنا أبو مسلمة [6] المصبحيّ قال:
قدم علينا أسود من أهل الكوفة فغنّى:
ارفع ضعيفك لا يحرّ بك ضعفه ... يوما فتدركه العواقب قد نما
قال: فمررت بعبد اللّه بن عامر الأسلميّ، وكان يؤمّنا وهو قائم يصلّي الظهر، فقلت [له] [7]: قدم علينا أسود من الكوفة يغنّي كذا وكذا [فأجاده] [8]؛ فأشار إليّ بيده أن اجلس؛ فلما قضى صلاته قال: أخذته عنه؟
__________
[1]، (2)، (4) الزيادة عن ء، ط.
[3] حجن: معوجة، جمع أحجن وحجناء.
[5] كذا فيء، ط وهو الموافق لما تقدّم في الجزء الأوّل من هذا الكتاب ص 36 طبعة الدار. وفي باقي الأصول: «يزيد».
[6] فيء، ط: «أبو سلمة».
[7]، (8) زيادة فيء، ط.
قلت [1]: نعم؛ قال: فأمرّه عليّ، ففعلت؛ قال: فلما كان بالليل صلّى بنا فأدّاه في المحراب.
صوت من المائة المختارة التي رواها عليّ بن يحيى
يا ليلتي [2] تزداد نكرا ... من حبّ من أحببت بكرا
حوراء إن نظرت إلي ... ك سقتك بالعينين خمرا
الشعر لبشّار، والغناء في اللحن الغناء ليزيد حوراء رمل بالبنصر عن عمرو ويحيى المكيّ وإسحاق. وفيه لسياط خفيف رمل بالوسطى عن عمرو وإبراهيم الموصليّ.
__________
[1] كذا فيء، ط وهو الموافق للسياق. وفي سائر النسخ: «قال».
[2] كذا فيء، ط وهو الموافق لما سيأتي بصفحة 155 في شعر بشار. وفي باقي النسخ: «يا ليتني أزداد».
28 - أخبار بشار [1] بن برد ونسبه
نسبه وكنيته وطبقته في الشعراء:
هو، فيما ذكره الحسن بن عليّ عن محمد بن القاسم بن مهرويه عن غيلان [2] الشّعوبيّ،/ بشّار بن برد بن يرجوخ بن أزدكرد بن شروستان بن بهمن بن دارا بن فيروز بن كرديه بن ماهفيدان بن دادان بن بهمن بن أزدكرد بن حسيس بن مهران بن خسروان بن أخشين بن شهر داد بن نبوذ بن ماخرشيدا نماذ بن شهريار بن بنداد سيحان بن مكرر بن أدريوس بن يستاسب [بن لهراسف] [3]. قال: وكان يرجوخ من طخارستان [4] من سبى المهلّب بن أبي صفرة. ويكنى بشّار أبا معاذ. ومحلّه في الشعر وتقدّمه طبقات المحدثين فيه بإجماع الرّواة ورياسته عليهم من غير اختلاف في ذلك يغني عن وصفه وإطالة ذكر محله [5]. وهو من مخضرمي شعراء الدولتين العبّاسية والأموية، قد شهر فيهما ومدح وهجا وأخذ [6] سنيّ الجوائز مع الشعراء.
أخبرنا يحيى بن عليّ بن يحيى المنجّم قال قال حميد بن سعيد.
كان بشّار من شعب أدريوس بن يستاسب الملك بن لهراسف الملك. قال: وهو بشّار بن برد بن بهمن بن أزدكرد بن شروستان بن بهمن بن دارا بن فيروز. قال: وكان يكنى أبا معاذ.
ولاؤه لبني عقيل:
وأخبرني يحيى بن عليّ ومحمد بن عمران الصّيرفيّ وغيرهما عن الحسن بن عليل العنزيّ عن خالد بن يزيد [7] بن وهب بن جرير بن حازم عن أبيه قال:
كان بشار بن برد بن يرجوخ وأبوه برد من قنّ [8] خيرة القشيريّة امرأة المهلّب بن أبي صفرة، وكان مقيما لها
__________
[1] قال ابن خلكان في ترجمته لبشار: «ذكر له أبو الفرج الأصبهاني في كتاب «الأغاني» ستة وعشرين جدّا أسماؤهم أعجمية، فأضربت عن ذكرها لطولها واستعجامها، وربما يقع فيها التصحيف والتحريف فإنه لم يضبط شيئا منها، فلا حاجة إلى الإطالة فيها بلا فائدة».
وقد حاولنا وجه الصواب في هذه الأسماء وضبطها فلم نوفق، فأثبتناها هنا كما وردت في «الأغاني» طبعة بولاق ونسخة ط وذلك لاختلافها واضطرابها في الأصول التي بين أيدينا والإطالة فيها بلا فائدة كما قال ابن خلكان.
[2] في ط، ء: «علان».
[3] الزيادة عن ط.
[4] ضبطها ابن خلكان في كتابه «وفيات الأعيان» في ترجمته لبشار ج 1 ص 125 بضم الطاء وضم الراء وضبطها «ياقوت» بفتح الطاء.
[5] في ط، ء: «و إطالة بذكر محله».
[6] كذا في ط، ء. وفي باقي الأصول: «فأخذ».
[7] فيء، ط: «خالد بن يزيد» وقد ذكره صاحب «لسان الميزان» في موضعين، فقد ذكره في خالد بن بريد بالباء الموحدة والراء المهملة، وفي خالد بن يزيد وقد ذكر أجداده في الموضعين كما هنا.
[8] كذا فيء، ط. وفي سائر النسخ «في ء».
في ضيعتها بالبصرة المعروفة «بخيرتان» [1] مع عبيد لها وإماء، فوهبت بردا بعد أن زوجته لامرأة من بني عقيل كانت متّصلة بها، فولدت له امرأته وهو في ملكها بشارا فأعتقته العقيليّة.
وأخبرني محمد [2] بن مزيد بن أبي الأزهر قال حدّثنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه قال: كان برد أبو بشار مولى أمّ الظّباء العقيليّة السّدوسية، فادّعى بشار أنه مولى بني عقيل لنزوله فيهم.
وأخبرني أحمد بن العبّاس العسكريّ قال حدّثنا العنزيّ قال حدّثني رجل من ولد بشار يقال له حمدان كان قصّارا [3] بالبصرة، قال: ولاؤنا لبني عقيل؛ فقلت: لأيّهم؟ فقال: لبني ربيعة بن عقيل.
وأخبرني وكيع قال حدّثني سليمان المدنيّ [4] قال قال أحمد بن معاوية الباهليّ: كان بشار وأمّه لرجل من الأزد، فتزوّج امرأة من بني عقيل، فساق إليها بشارا وأمّه في صداقها، وكان بشّار ولد مكفوفا [5] فأعتقته العقيليّة.
/ أخبرني محمد بن عمران الصّيرفيّ قال حدّثني الحسن [6] بن عليل العنزي قال حدّثنا قعنب بن المحرز الباهليّ قال حدّثني محمد بن الحجّاج قال:
باعت أمّ بشّار بشّارا على أمّ الظّباء السّدوسيّة بدينارين فأعتقته. وأمّ الظباء امرأة أوس بن ثعلبة أحد بن تيم اللّات بن ثعلبة، وهو صاحب قصر أوس بالبصرة؛ وكان أوس أحد فرسان بكر بن وائل بخراسان.
كان أبوه طيانا وقد هجاه بذلك حماد عجرد:
أخبرني الحسن بن عليّ الخفّاف قال حدّثنا العنزيّ قال حدّثنا محمد بن زيد العجليّ قال أخبرني بدر بن مزاحم:
أنّ بردا أبا بشّار كان طيّانا يضرب اللّبن، وأراني أبي بيتين [لنا] [7] فقال لي: لبن [8] هذين البيتين من ضرب برد أبي بشّار. فسمع هذه الحكاية حمّاد عجرد فهجاه فقال:
يا بن برد إخسأ إليك فمثل ال ... كلب في الناس أنت لا الإنسان
بل لعمري لأنت شرّ من الكل ... ب وأولى منه بكلّ هوان
/ ولريح الخنزير أهون من ري ... حك يابن الطيّان ذي التّبّان [9]
__________
[1] قال «ياقوت» عند الكلام على خطط البصرة وقراها: خيرتان منسوب إلى خيرة بنت ضمرة امرأة المهلب بن أبي صفرة. قال: ومن اصطلاح أهل البصرة أن يزيدوا في الاسم الذي تنسب إليه القرية ألفا ونونا: نحو قولهم: طلحتان: نهرب ينسب إلى طلحة بن أبي رافع (انظر «ياقوت» في اسم البصرة).
[2] كذا في ط، ء، ح وهو الصواب. وفي باقي النسخ: «عمرو» وهو تحريف.
[3] القصار: محوّر الثياب أي مبيضها.
[4] فيء، ط: «المديني».
[5] كذا فيء، ط وهو الصواب. وفي باقي النسخ: «و كان لبشار ولد مكفوف» وهو تحريف.
[6] كذا فيء، ط، وهو الصواب. وفي سائر النسخ: «أحمد» وهو تحريف.
[7] زيادة في ط، ء.
[8] كذا فيء، ط. وفي باقي النسخ: «فقال لي: هذان البيتان من ضرب برد ... إلخ».
[9] التبان (بالضم وتشديد الباء): سراويل صغير يكون للملاحين والمصارعين.
أنشد للمهدي شعرا في أنه عجمي بحضور أبي دلامة:
أخبرني يحيى بن عليّ قال حدّثنا أبو أيّوب المدينيّ عن أبي الصّلت البصريّ عن أبي عدنان قال حدّثني يحيى بن الجون العبديّ راوية بشّار قال:
/ قال: لما دخلت على المهديّ قال لي: فيمن تعتدّ يا بشّار؟ فقلت: أمّا اللّسان والزّيّ فعربيّان، وأمّا الأصل فعجميّ، كما قلت في شعري يا أمير المؤمنين:
ونبّئت قوما بهم جنّة ... يقولون من ذا وكنت العلم
ألا أيّها السائلي جاهدا [1] ... ليعرفني أنا أنف الكرم
نمت في الكرام بني عامر ... فروعي وأصلي قريش العجم
فإني لأغني مقام الفتى ... وأصبي الفتاة فما تعتصم
قال: وكان أبو دلامة حاضرا فقال: كلّا! لوجهك أقبح من ذلك ووجهي مع وجهك؛ فقلت: كلّا! واللّه ما رأيت رجلا أصدق على نفسه وأكذب على جليسه منك، واللّه إني لطويل القامة عظيم الهامة تامّ الألواح أسجح [2] الخدّين، ولربّ [3] مسترخي المذروين [4] للعين فيه مراد قد جلس من الفتاة حجرة [5] وجلست منها حيث أريد، فأنت مثلي يا مرضعان [6]! [قال] [7]: فسكت عنّي، ثم قال لي المهديّ: فمن أيّ العجم أصلك؟ فقلت: من أكثرها في الفرسان، وأشدّها على الأقران، أهل طخارستان [8]؛ فقال بعض القوم: أولئك الصّغد؛ فقلت: لا، الصّغد تجار؛ فلم يردد ذلك المهديّ.
كان كثير التلون في ولائه للعرب مرة وللعجم أخرى:
وكان بشّار كثير التلوّن في ولائه، شديد الشّغب [9] والتعصّب للعجم، مرّة يقول يفتخر بولائه في قيس:
أمنت مضرّة الفحشاء [10] أنى ... أرى قيسا تضرّ [11] ولا تضار
كأن الناس حين تغيب عنهم ... نبات الأرض أخطأه القطار [12]
__________
[1] فيء، ط: «جاهلا».
[2] يقال: سجح الخدّ: سهل ولان.
[3] فيء، ط: «أسجح الخدّين مسترخي المذروين للعين فيه مراد، ومثلك قد جلس إلخ».
[4] كذا فيء، ط، والمذروان: طرفا الأليتين أو طرفا كل شيء، ولعله يريد أنه بض سمين يجذب النظر إليه. وفي باقي الأصول:
«المزورين» بالزاي وتقديم الواو على الراء وهو تحريف.
[5] حجرة: ناحية.
[6] المرضعان: اللئيم، من الرضاعة وهي اللؤم.
[7] الزيادة عن ء، ط.
[8] انظر الحاشية رقم 3 ص 135.
[9] كذا فيء، ط. وفي سائر النسخ: «التشعب».
[10] الفحشاء: جمع فاحش كجاهل وجهلاء. والفاحش: السيء الخلق.
[11] كذا فيء وإحدى روايتي ط. وفي أ، م: «تسب». وفي باقي النسخ: «تشب» وهو تحريف.
[12] القطار: جمع قطر وهو المطر.
وقد كانت بتدمر خيل قيس ... فكان لتدمر فيها دمار
بحيّ من بني عيلان شوس [1] ... يسير الموت حيث يقال ساروا
وما نلقاهم إلا صدرنا ... بريّ منهم وهم حرار [2]
ومرّة يتبرّأ من ولاء العرب فيقول:
أصبحت مولى ذي الجلال وبعضهم ... مولى العريب فخذ [3] بفضلك فافخر
مولاك أكرم من تميم كلّها ... أهل الفعال [4] ومن قريش المشعر
فارجع إلى مولاك غير مدافع ... سبحان مولاك الأجلّ الأكبر
وقال يفتخر بولاء بني عقيل:
إنّني من بني عقيل بن كعب ... موضع السّيف من طلى [5] الأعناق
كان يلقب بالمرعث وسبب ذلك:
ويكنى بشّار أبا معاذ، ويلقّب بالمرعّث.
/ أخبرني عمّي ويحيى بن عليّ قالا حدّثنا أبو أيوب المدينيّ قال حدّثني محمد بن سلّام قال: بشّار المرعّث هو بشار بن برد، وإنما سمّي المرعّث بقوله:
/قال ريم مرعّث ... ساحر الطّرف والنّظر
لست واللّه نائلي ... قلت أو [6] يغلب القدر
أنت إن رمت وصلنا ... فانج، هل تدرك القمر
قال أبو أيّوب: وقال لنا ابن سلّام مرّة أخرى: إنّما سمّي بشّار المرعّث، لأنه كان لقميصه جيبان: جيب عن يمينه وجيب عن شماله، فإذا أراد لبسه ضمّه عليه من غير أن يدخل رأسه فيه، وإذا أراد نزعه حلّ أزراره وخرج منه، فشبّهت تلك الجيوب بالرّعاث لاسترسالها وتدلّيها، وسمّي من أجلها المرعّث.
أخبرنا يحيى بن عليّ قال حدّثنا عليّ بن مهديّ قال حدّثني أبو حاتم قال قال لي أبو عبيدة:
لقّب بشّار بالمرعّث لأنه كان في أذنه وهو صغير رعاث. والرّعاث: القرطة، واحدتها رعثة وجمعها رعاث، [و رعثات] [7]. ورعثاث الديك: اللحم المتدلّي تحت حنكه؛ قال الشاعر:
__________
[1] شوس: جمع أشوس وهو الذي ينظر بمؤخر عينيه.
[2] حرار: جمع حرّان وهو الشديد العطش.
[3] كذا فيء، ط. وفي باقي الأصول: «فجد». بالجيم والدال المهملة.
[4] الفعال (بالفتح): اسم للفعل الحسن من الجود والكرم ونحوه.
[5] الطلي: أصول الأعناق؛ واحدتها طلية أو طلاة.
[6] أو هنا بمعنى بل.
[7] زيادة في أكثر النسخ.
سقيت أبا المصرّع [1] إذ أتاني ... وذو الرّعثات منتصب يصيح
شرابا يهرب الذّبّان منه ... ويلثغ حين يشربه الفصيح
قال: والرّعث: الاسترسال والتساقط. فكأنّ اسم القرطة اشتقّ منه.
كان أشدّ الناس تبرما بالناس:
أخبرني محمد بن عمران قال حدّثني العنزيّ قال حدّثنا محمد [2] بن بدر العجليّ قال: سمعت الأصمعيّ يذكر أن بشّارا كان من أشدّ الناس تبرّما بالناس، وكان يقول: الحمد للّه الذي ذهب ببصري؛ فقيل له: ولم يا أبا معاذ؟
قال: لئلّا أرى من أبغض. وكان يلبس قميصا له لبنتان [3]، فإذا أراد أن ينزعه نزعه من أسفله، فبذلك سمّي المرعّث.
صفاته:
أخبرني هاشم بن محمد أبو دلف الخزاعيّ قال حدّثنا قعنب بن محرز عن الأصمعيّ قال:
كان بشّار ضخما، عظيم الخلق والوجه، مجدورا، طويلا، جاحظ المقلتين قد تغشّاهما لحم أحمر، فكان أقبح الناس عمى وأفظعه [4] منظرا، وكان إذا أراد أن ينشد صفّق بيديه وتنحنح وبصق عن يمينه وشماله ثم ينشد فيأتي بالعجب.
ولد أعمى وهجى بذلك وشعره في العمى:
أخبرنا يحيى بن عليّ عن أبي المدينيّ عن محمد بن سلّام قال:
ولد بشّار أعمى، وهو الأكمه. وقال في تصداق ذلك أبو هشام الباهليّ يهجوه:
وعبدي فقا [5] عينيك في الرّحم أيره ... فجئت ولم تعلم لعينيك فاقيا
أأمّك يا بشّار كانت عفيفة؟ ... عليّ إذا مشي إلى البيت حافيا
قال: ولم يزل بشّار منذ قال فيه هذين البيتين منكسرا.
/ أخبرنا هاشم بن محمد قال حدّثنا الرّياشيّ عن الأصمعيّ قال:
ولد بشّار أعمى فما نظر إلى الدنيا قطّ، وكان يشبّه الأشياء بعضها ببعض في شعره فيأتي بما لا يقدر البصراء أن يأتوا بمثله؛ فقيل له يوما وقد أنشد قوله:
كأنّ مثار النقع فوق رؤوسنا ... وأسيافنا ليل تهاوى كواكبه
__________
[1] كذا في أكثر النسخ، وفيء، ط: «المطوّح»، وفي ح: «المطرّح».
[2] هكذا وقع هذا الاسم هنا باتفاق جميع النسخ: «محمد بن بدر العجليّ»، وقد تقدّم في ص 137 من هذا الجزء باتفاق النسخ جميعها أيضا: «محمد بن زيد العجلي» مع اتحاد رجال السند في الموضعين. فلينظر.
[3] اللبنة: بنيقة القميص وهي زيقه الذي يفتح في النحر.
[4] كذا في جميع الأصول بإفراد الضمير. وهو استعمال عربيّ فصيح، يقال: أحسن الناس خلقا وأحسنه وجها، والمراد أحسنهم، وهو كثير من أفصح الكلام. انظر «اللسان» مادة «حنا».
[5] فقأ: قلع، والأصل فيه الهمز فسهل.
ما قال أحد أحسن من هذا التشبيه، فمن أين لك هذا ولم تر الدنيا قطّ ولا شيئا فيها؟ فقال: إن عدم النظر يقوّي ذكاء القلب ويقطع عنه الشغل بما ينظر إليه من الأشياء فيتوفّر حسّه وتذكو قريحته؛ ثم أنشدهم قوله:
/عميت جنينا والذكاء من العمى ... فجئت عجيب الظنّ للعلم موئلا
وغاض ضياء العين للعلم رافدا ... لقلب [1] إذا ما ضيّع الناس حصّلا
وشعر كنور الروض [2] لاءمت بينه ... بقول إذا ما أحزن الشعر أسهلا
أخبرنا هاشم قال حدّثنا العنزيّ عن قعنب بن محرز عن أبي عبد اللّه الشرادنيّ [3] قال: كان بشّار أعمى طويلا [ضخما] [4] آدم مجدورا.
وأخبرني يحيى بن عليّ عن أبيّ أيوب المدينيّ قال قال الحمرانيّ [5] قالت لي عمّتي: زرت قرابة لي في بني عقيل فإذا أنا بشيخ أعمى ضخم ينشد:
من المفتون بشّار بن برد ... إلى شيبان كهلهم ومرد
بأن [6] فتاتكم سلبت فؤادي ... فنصف عندها والنصف عندي
فسألت عنه فقيل لي: هذا بشّار.
كان يقول أزري بشعري الأذان:
/ أخبرني محمد بن يحيى الصّيرفي قال حدّثنا العنزيّ قال حدّثنا أبو زيد قال سمعت أبا محمد التّوزيّ يقول:
قال بشّار: أزري بشعري الأذان. يقول: إنه إسلاميّ.
قال الشعر وهو ابن عشر سنين:
وأخبرني حبيب بن نصر المهلّبيّ قال حدّثنا عمر بن شبّة قال قال أبو عبيدة:
قال بشّار الشعر ولم يبلغ عشر سنين، ثم بلغ الحلم وهو مخشيّ معرّة لسانه.
هجا جريرا فأعرض عنه استصغارا له:
قال: وكان بشّار يقول: هجوت جريرا فأعرض عنّي واستصغرني، ولو أجابني لكنت أشعر الناس.
كان الأصمعي يقول هو خاتمة الشعراء:
وأخبرنا يحيى بن عليّ بن يحيى وأحمد بن عبد العزيز الجوهريّ قالا حدّثنا عمر بن شبّة قال:
كان الأصمعيّ يقول: بشّار خاتمة الشعراء، واللّه لو لا أنّ أيّامه تأخّرت لفضّلته على كثير منهم.
__________
[1] كذا فيء، ط. وفي باقي الأصول: «بقلب» بالباء.
[2] كذا فيء، ط. وفي أكثر النسخ: «كنور الأرض».
[3] في ط، ء: «السرادار».
[4] زيادة في ط، ء.
[5] في أ، م: «الحمداني».
[6] كذا فيء، ط، وفي باقي الأصول: «فإنّ».
قال أبو زيد: كان راجزا مقصّدا [1].
جودة نقده للشعر:
أخبرني أبو الحسن الأسديّ قال حدّثنا محمد بن صالح بن النّطّاح [2] قال حدّثني أبو عبيدة: قال سمعت بشّارا يقول وقد أنشد [3] في شعر الأعشى:
وأنكرتني وما كان الذي نكرت ... من الحوادث إلا الشّيب والصّلعا
فأنكره، وقال: هذا بيت مصنوع ما يشبه كلام الأعشى؛ فعجبت لذلك. فلمّا كان بعد هذا بعشر سنين كنت جالسا عند يونس، فقال: حدّثني أبو عمرو بن العلاء أنه صنع هذا البيت وأدخله في شعر الأعشى:
/و أنكرتني وما كان الذي نكرت ... من الحوادث إلا الشيب والصلعا
فجعلت حينئذ أزداد عجبا من فطنة بشّار وصحّة قريحته وجودة نقده للشعر.
أخبرني عمّي قال حدّثني الكرانيّ قال حدّثني أبو حاتم عن أبي عبيدة قال:
له اثنا عشر ألف قصيدة:
قال بشار: لي اثنا عشر ألف بيت عين؛ فقيل له [4]: هذا ما لم يكن يدّعيه أحد قطّ سواك؛ فقال: لي اثنتا عشرة ألف قصيدة، لعنها اللّه ولعن قائلها إن لم يكن في كل واحدة منها بيت عين.
وأخبرنا يحيى بن عليّ قال حدّثنا عليّ بن مهديّ عن أبي حاتم قال:
رأى أبي عبيدة فيه وفي مروان بن أبي حفصة:
قلت لأبي عبيدة: أمروان عندك أشعر أم بشّار؟ فقال: حكم بشّار لنفسه بالاستظهار أنه قال ثلاثة عشر ألف بيت جيّد، ولا يكون عدد الجيّد من شعر شعراء الجاهليّة والإسلام هذا العدد، وما أحسبهم برّزوا في مثلها، ومروان أمدح للملوك.
أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثنا الأصمعيّ قال:
قال بشّار الشعر وله عشر سنين، فما بلغ الحلم إلّا وهو مخشيّ معرّة اللسان/ بالبصرة. قال: وكان يقول:
هجوت جريرا فاستصغرني وأعرض عنّي، ولو أجابني لكنت أشعر أهل زماني.
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدّثنا أبو العواذل زكريّا بن هارون قال:
/ قال بشّار: لي اثنا عشر ألف بيت جيّدة؛ فقيل له: كيف [5]؟ قال: لي اثنتا عشرة ألف قصيدة، أما في كلّ قصيدة منها بيت جيّد!.
__________
[1] يقال: قصد الشاعر وأقصد: أطال وواصل عمل القصائد.
[2] كذا في إحدى روايتي ط. وفي جميع النسخ: «محمد بن صالح النطاح» بدون كلمة «ابن» وقد تقدّم هذا الاسم غير مرّة في «الأغاني» كالرواية الأولى، (انظر ص 1؛ 3 ج 1 من هذه الطبعة).
[3] كذا فيء، ط. وفي باقي النسخ: «و قد أنشدني».
[4] كذا في ط. وفي باقي الأصول: «فقيل لي».
[5] كذا في ط، ء. وفي باقي الأصول: «قال فكيف» وهو تحريف.
كلام الجاحظ عنه:
وقال الجاحظ في كتاب البيان والتبيين وقد ذكره: كان بشّار [شاعرا] [1] خطيبا صاحب منثور ومزدوج [2] وسجع ورسائل، وهو من المطبوعين أصحاب الإبداع والاختراع المفتنّين [3] في الشعر القائلين في أكثر أجناسه وضروبه؛ قال الشعر في حياة جرير وتعرّض له، وحكي عنه أنه قال: هجوت جريرا فأعرض عنّي، ولو هاجاني لكنت أشعر الناس.
كان يدين بالرجعة ويكفر جميع الأمة:
قال الجاحظ: وكان بشّار يدين بالرّجعة [4]، ويكفّر جميع الأمّة، ويصوّب رأي إبليس في تقديم النار على الطّين، وذكر ذلك [5] في شعره فقال:
الأرض مظلمة والنار مشرقة ... والنار معبودة مذ كانت النار
هجا واصل بن عطاء فخطب الناس بالحادة وكان يتجنب في خطبه الراء:
قال: وبلغه عن أبي حذيفة واصل بن عطاء إنكار لقوله وهتف به، فقال يهجوه:
ما لي أشايع غزّالا [6] له عنق ... كنقنق الدّوّ [7] إن ولّى وإن مثلا
عنق الزّرافة ما بالي وبالكم ... تكفّرون رجالا كفّروا [8] رجلا!
/ قال: فلما تتابع على واصل منه ما يشهد على إلحاده [9] خطب به واصل، وكان ألثغ على الراء فكان يجتنبها في كلامه، فقال: أما لهذا الأعمى الملحد، أما لهذا المشنّف المكنيّ بأبي معاذ من يقتله؟ أما واللّه لو لا [أن] [10] الغيلة سجيّة من سجايا الغالية لدسست إليه من يبعج بطنه في جوف منزله أو في حفله [11]، ثم كان لا يتولّى ذلك إلا عقيليّ أو سدوسيّ! فقال أبا معاذ [12] ولم يقل بشّارا، وقال المشنّف ولم يقل المرعّث، وقال: من سجايا الغالية ولم يقل الرافضة، وقال: في منزله ولم يقل في داره، وقال: يبعج بطنه ولم يقل يبقر، للّثغة التي كانت به في الرّاء.
__________
[1] زيادة في ط، ء.
[2] المزدوج: ما أشبه بعضه بعضا في السجع أو الوزن.
[3] كذا في أكثر النسخ. وفي ب، س: «المتفننين»، وكلاهما صحيح.
[4] الرجعة: الإيمان بالرجوع بعد الموت إلى الدنيا وهو مذهب قوم من العرب في الجاهلية، ومذهب طائفة من أولى البدع والأهواء من المسلمين يقولون إن الميت يرجع إلى الدنيا ويكون فيها حيا (انظر «شرح القاموس» للسيد مرتضى و «اللسان» في مادة رجع).
[5] كذا في ط، ء وفي سائر الأصول: «و ذكر مثل ذلك». بزيادة كلمة «مثل».
[6] عرف واصل بن عطاء بالغزال لكثرة جلوسه في سوق الغزالين إلى أبي عبد اللّه مولى قطن اهلالي (عن «البيان والتبيين» للجاحظ ج 1 ص 20).
[7] النقنق: الظليم وهو ذكر النعام. والدوّ: الفلاة.
[8] كذا في ط، ء. وفي باقي الأصول: «أتكفرون رجالا أكفروا» بالهمزة في الفعلين، وكفره بالتضعيف، وأكفره بالهمز: نسبه للكفر.
[9] كذا في أكثر النسخ، وفي ب، س: «على إلحاد» بدون الهاء.
[10] زيادة في ط، ء، ح.
[11] الحفل: الجمع من الناس. وفي ط، ء: «في يوم حفله» بزيادة كلمة «يوم»، وفي أكثر النسخ: «في جفله» بالجيم وهو تحريف.
[12] في جميع الأصول: «فقال أبو معاذ ولم يقل بشار» ولا وجه لرفع أبي معاذ وبشار هنا، لأن القول ينصب المفرد إذا لم يكن في إسناد.
قال: وكان واصل قد بلغ من اقتداره على الكلام وتمكّنه من العبارة أن حذف الراء من جميع كلامه وخطبه وجعل مكانها ما يقوم مقامها.
هو أحد أصحاب الكلام الستة:
أخبرني يحيى بن عليّ قال حدّثني أبي عن عافية بن شبيب قال حدّثني أبو سهيل قال حدّثني سعيد بن سلّام قال:
كان بالبصرة ستّة من أصحاب الكلام: عمرو بن عبيد، وواصل بن عطاء، وبشّار الأعمى، وصالح بن عبد القدّوس، وعبد الكريم بن أبي العوجاء، ورجل من الأزد - قال أبو أحمد: يعني جرير بن حازم - فكانوا يجتمعون في منزل الأزديّ ويختصمون عنده. فأمّا عمرو وواصل فصارا إلى الاعتزال. وأمّا عبد الكريم/ وصالح فصحّحا التوبة. وأمّا بشّار فبقي متحيّرا مخلّطا. وأمّا الأزديّ فمال إلى قول السّمنيّة [1]، وهو مذهب من مذاهب الهند، وبقي ظاهره على ما كان عليه. قال: فكان عبد الكريم يفسد الأحداث؛ فقال له عمرو بن عبيد: قد بلغني أنّك تخلو بالحدث من أحداثنا فتفسده [و تستزلّه] [2] وتدخله في دينك، فإن خرجت من مصرنا وإلّا قمت فيك مقاما آتي فيه على نفسك؛ فلحق بالكوفة، فدلّ عليه محمد بن سليمان فقتله وصلبه بها. وله يقول بشّار:
/قل لعبد [3] الكريم يابن أبي العو ... جاء بعت الإسلام بالكفر موقا [4]
لا تصلّي ولا تصوم فإن صم ... ت فبعض النّهار صوما رقيقا
لا تبالي إذا أصبت من الخم ... ر عتيقا ألّا تكون عتيقا
ليت شعري غداة حلّيت في الجي ... د حنيفا حلّيت أم زنديقا
أنت ممّن يدور في لعنة الل ... ه صديق لمن ينيك الصديقا [5]
رأى الأصمعي فيه وفي مروان بن أبي حفصة:
أخبرني هاشم بن محمد قال حدّثني الرّياشيّ قال: سئل الأصمعيّ عن بشّار ومروان أيّهما أشعر؟ فقال:
بشّار؛ فسئل عن السبب في ذلك، فقال: لأنّ مروان سلك طريقا كثر من يسلكه فلم يلحق من تقدّمه، وشركه فيه من كان في عصره، وبشّار سلك طريقا لم يسلك وأحسن فيه وتفرّد به، وهو أكثر تصرّفا وفنون شعر وأغزر وأوسع بديعا، ومروان لم يتجاوز مذاهب الأوائل.
/ أخبرني هاشم بن محمد قال حدّثني العنزيّ عن أبي حاتم قال سمعت الأصمعيّ وقد عاد إلى البصرة من بغداد فسأله رجل عن مروان بن أبي حفصة، فقال: وجد أهل بغداد قد ختموا به الشّعراء وبشّار أحقّ بأن يختموهم به من
__________
[1] السمنية (بضم السين وفتح الميم): قوم من أهل الهند دهريون. وقال الجوهري: السمنية: فرقة من عبدة الأصنام تقول بالتناسخ وتنكر وقوع العلم بالأخبار، وهي نسبة إلى «سومنات» بلد بالهند؛ والدهريون: هم الذين ذهبوا إلى قدم الدهر وإسناد الحوادث إليه، وهم قوم ملحدون لا يؤمنون بالآخرة.
[2] زيادة في ط، ء. وتستزله: توقعه في الزلل.
[3] كذا فيء، ط. وفي باقي الأصول: «قلت عبد الكريم».
[4] موقا: حمقا وغباوة.
[5] في ب، س، ح: «صديقا» بالتنكير.
مروان؛ فقيل له: ولم؟ فقال: وكيف لا يكون كذلك وما كان مروان في حياة بشّار يقول شعرا حتّى يصلحه له بشّار ويقوّمه! وهذا سلّم الخاسر من طبقة مروان يزاحمه بين أيدي الخلفاء بالشعر ويساويه في الجوائز، وسلّم معترف بأنه تبع لبشّار.
مقارنته بامرىء القيس والقطامي:
أخبرني جحظة قال سمعت عليّ بن يحيى المنجّم يقول: سمعت من لا أحصي من الرّواة يقولون: أحسن الناس ابتداء في الجاهليّة امرؤ القيس حيث يقول:
ألا انعم صباحا أيّها الطّلل البالي
وحيث يقول:
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل
وفي الإسلام القطاميّ حيث يقول:
إنّا محيّوك فاسلم أيّها الطّلل
ومن المحدّثين بشّار حيث يقول:
صوت
أبى طلل بالجزع أن يتكلّما ... وماذا عليه لو أجاب متيّما
وبالفرع [1] آثار بقين وباللّوى [2] ... ملاعب لا يعرفن إلا توهّما
/ وفي هذين البيتين لابن المكّي ثاني ثقيل بالخنصر في مجرى الوسطى [3] من كتابه. وفيهما لابن جؤذر رمل.
مقارنة بينه وبين مروان بن أبي حفصة:
أخبرني عمّي عن الكرانيّ عن أبي حاتم قال:
كان الأصمعيّ يعجب بشعر بشّار لكثرة فنونه وسعة تصرّفه، ويقول: كان مطبوعا لا يكلّف طبعه شيئا متعذّرا لا كمن يقول البيت ويحكّكه أياما. وكان يشبّه بشّارا بالأعشى والنّابغة الذّبيانيّ، ويشبّه مروان بزهير والحطيئة، ويقول: هو متكلّف.
قال الكرانيّ: قال أبو حاتم: وقلت لأبي زيد: أيّما أشعر بشّار أم مروان؟ فقال: بشّار أشعر، ومروان أكفر.
__________
[1] كذا في ب، س، ح، وذكر «ياقوت» أن الفرع بالفتح ثم السكون: موضع من وراء الفرك، ولم يزد على هذا، والفرع بالضم والسكون: قرية بينها وبين المدينة ثمانية برد على طريق مكة. فيها نخل ومياه كثيرة، ومنهم من ضبط اسم هذه القرية بضم أوّله وثانية. (انظر «ياقوت» في اسم «فرع»)، وفيء وإحدى روايتي ط: «و بالقاع»، والقاع: منزل بطريق مكة بعد العقبة، وفي أ، م:
«و بالجزع».
[2] اللوى في الأصل: منقطع الرملة، وهو اسم موضع بعينه. قال «ياقوت»: «قد أكثر الشعراء من ذكره وخلطت بين ذلك اللوى والرمل فعز الفصل بينهما» ثم قال: «و هو واد من أودية بني سليم».
[3] كذا في أكثر الأصول. وفي أ، م، ح: «في مجرى البنصر».
قال أبو حاتم: وسألت أبا زيد مرّة أخرى عنهما فقال: مروان أجدّ وبشّار أهزل؛ فحدّثت الأصمعيّ بذلك؛ فقال: بشار يصلح للجدّ والهزل، ومروان لا يصلح إلّا لأحدهما.
كان شعره سيارا يتناشده الناس:
نسخت من كتاب هارون بن عليّ بن يحيى قال حدّثنا عليّ بن مهديّ قال حدّثنا نجم بن النّطّاح قال:
عهدي بالبصرة/ وليس فيها غزل ولا غزلة إلّا يروي من شعر بشّار، ولا نائحة ولا مغنّية إلّا لتكسّب به، ولا ذو شرف إلّا وهو يهابه ويخاف معرّة لسانه.
لم يأت في شعره بلفظ مستنكر:
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا محمّد بن القاسم بن مهرويه قال حدّثني أحمد بن المبارك قال حدّثني أبي قال:
قلت لبشّار: ليس لأحد من شعراء العرب شعر إلّا وقد قال فيه شيئا استنكرته العرب من ألفاظهم وشكّ فيه، وإنه ليس في شعرك ما يشكّ فيه؛ قال: ومن/ أين يأتيني الخطأ! ولدت هاهنا ونشأت في حجور ثمانين شيخا من فصحاء بني عقيل ما فيهم أحد يعرف كلمة من الخطأ، وإن دخلت إلى نسائهم فنساؤهم أفصح منهم، وأيفعت [1] فأبديت [2] إلى أن أدركت، فمن أين يأتيني الخطأ!.
أخبرني حبيب بن نصر المهلّبيّ وأحمد بن عبد العزيز ويحيى بن عليّ قالوا حدّثنا عمر بن شبّة قال:
كان الأصمعيّ يقول: إنّ بشّارا خاتمة الشعراء، واللّه لو لا أنّ أيّامه تأخّرت لفضّلته على كثير منهم.
هو أول الشعراء في جملة من أغراض الشعر:
أخبرنا يحيى بن عليّ قال حدّثني أبو الفضل المروزيّ قال حدّثني قعنب بن المحرز الباهليّ قال قال الأصمعيّ:
لقي أبو عمرو بن العلاء بعض الرّواة فقال له: يا أبا عمرو، من أبدع الناس بيتا؟ قال: الذي يقول:
لم يطل ليلي ولكن لم أنم ... ونفى عنّي الكرى طيف ألمّ
روّحي عنّي قليلا واعلمي ... أنّني يا عبد من لحم ودم
قال: فمن أمدح الناس؟ قال: الذي يقول:
لمست بكفّي كفّه أبتغي الغنى ... ولم أدر أنّ الجود من كفّه يعدي
فلا أنا منه ما أفاد ذوو الغنى ... أفدت وأعداني فأتلفت [3] ما عندي
/ قال: فمن أهجى الناس؟ قال: الذي يقول:
رأيت السّهيلين استوى الجود فيهما ... على بعد ذا من ذاك في حكم حاكم
__________
[1] يفع الغلام وأيفع إذا راهق البلوغ فهو يافع ولا يقال: موفع.
[2] أبديت (بالبناء للمفعول): أخرجت إلى البادية.
[3] فيء، ط. «فبذرت».
سهيل بن عثمان يجود بماله ... كما جاد بالوجعا [1] سهيل بن سالم
قال: وهذه الأبيات كلّها لبشّار.
نسبة ما في هذا الخبر من الأشعار التي يغنّى فيها صوت
لم يطل ليلي ولكن لم أنم ... ونفى عنّي الكرى طيف ألمّ
وإذا قلت لها جودي لنا ... خرجت بالصّمت عن لا ونعم
نفّسي [2] يا عبد عنّي واعلمي ... أنّني يا عبد من لحم ودم
إنّ في برديّ جسما ناحلا ... لو توكّأت عليه لانهدم
حتم الحبّ لها في عنقي ... موضع الخاتم من أهل الذّمم
غناه إبراهيم هزجا بالسّبابة في مجرى الوسطى عن ابن المكيّ والهشاميّ. وفيه لقعنب الأسود خفيف ثقيل.
فأما الأبيات التي ذكر أبو عمرو أنّه فيها أمدح الناس وأوّلها:
لمست بكفّي كفّه أبتغي الغنى
فإنه ذكر أنها لبشّار. وذكر الزّبير بن بكّار أنها لابن الخيّاط/ في المهديّ، وذكر له فيها معه خبرا طويلا قد ذكرته في أخبار ابن الخيّاط في هذا الكتاب [3].
هجا صديقه ديسما لأنه يروي هجاءه:
أخبرنا يحيى بن عليّ قال حدّثنا عليّ بن مهديّ الكسرويّ قال حدّثنا أبو حاتم قال:
/ كان بشار كثير الولوع بديسم العنزيّ وكان صديقا له وهو مع ذلك يكثر هجاءه، وكان ديسم لا يزال يحفظ شيئا من شعر حمّاد وأبي هشام الباهليّ في بشّار؛ فبلغه ذلك فقال فيه:
أديسم يابن الذئب من نحل زارع ... أتروي هجائي سادرا [4] غير مقصر
قال أبو حاتم: فأنشدت أبا زيد هذا البيت وسألته ما يقول فيه، فقال: لمن هذا الشعر؟ فقلت: لبشار [يقوله] [5] في ديسم العنزيّ؛ فقال: قاتله اللّه ما أعلمه بكلام العرب! ثم قال: الدّيسم: ولد الذئب من الكلبة، ويقال للكلاب: أولاد زارع. والعسبار: ولد الضّبع من الذئب [6]. والسّمع: ولد الذئب [7] من الضّبع. وتزعم
__________
[1] الوجعاء: الدبر.
[2] ورد فيما تقدم: «روّحي».
[3] (انظر ج 18 ص 94 «أغاني» طبع بولاق).
[4] السادر: الذي لا يهتمّ لشيء ولا يبالي ما صنع.
[5] زيادة في م، وهامش أ.
[6] أي إن أمه ضبع وأباه ذئب كما ذكره الدميريّ في «حياة الحيوان» في الكلام على الضبع.
[7] اتفقت كتب اللغة على هذا التفسير ولعله «الذئبة» بالتاء لأن الذئب لا يذكر ويؤنث كالضبع. وفي كتاب «الحيوان» للجاحظ جزء 6 ص 45 ما يؤيد ذلك حيث قال: «و الأعراب تزعم أن اللّه تعالى لم يدع ما كسا إلا أنزل فيه بلية وأنه مسخ منهم اثنين ضبعا وذئبا
العرب أن السّمع لا يموت حتف أنفه، وأنه أسرع من الريح وإنما هلاكه بعرض من [1] أعراض الدنيا.
مزاحه مع حمدان الخرّاط:
أخبرنا حبيب بن نصر المهلّبيّ قال حدّثنا عمر بن شبّة قال:
كان بالبصرة رجل يقال له: حمدان الخرّاط، فآتخذ جاما لإنسان كان بشّار عنده، فسأله بشار أن يتخذ له جاما فيه صور طير تطير، فاتخذه له وجاءه به، فقال له: ما في هذا الجام؟ فقال: صور طير تطير؛ فقال [له: قد] [2] كان ينبغي أن تتخذ فوق/ هذه الطير طائرا من الجوارح كأنه يريد صيدها، فإنه كان أحسن؛ قال: لم أعلم؛ قال: بلى قد علمت، ولكن علمت [3] أني أعمى لا أبصر شيئا! وتهدّده بالهجاء، فقال له حمدان: لا تفعل فإنك تندم؛ قال:
أو تهدّدني أيضا! قال: نعم؛ قال: فأيّ شيء تستطيع أن تصنع بي إن هجوتك! قال: أصوّرك على باب داري بصورتك هذه وأجعل من خلفك قردا ينكحك حتى يراك الصّادر والوارد؛ قال [4] بشار: اللّهمّ أخزه، أنا أمازحه وهو يأبى إلا الجدّ!.
مفاخرة جرير بن المنذر السدوسي له وما قاله فيه بشار من الشعر:
أخبرنا يحيى بن علي بن يحيى والحسن بن عليّ ومحمد بن عمران الصّيرفيّ قالوا: حدّثنا العنزيّ قال حدّثني جعفر بن محمد [العدويّ [5] عن محمد] بن سلّام قال حدّثني مخلد أبو سفيان قال:
كان جرير بن المنذر السّدوسيّ يفاخر بشّارا؛ فقال فيه بشّار:
أمثل بني مضر وائل ... فقدتك من فاخر ما أجنّ
أفي النوم هذا أبا منذر ... فخيرا رأيت وخيرا يكن
رأيتك والفخر في مثلها ... كعاجنة غير ما تطّحن
وقال يحيى في خبره: فحدّثني محمد بن القاسم قال حدّثني عاصم [6] بن وهب أبو شبل الشاعر البرجميّ قال حدّثني محمد بن الحجّاج السرادانيّ [7] قال:
/ كنّا عند بشّار وعنده رجل ينازعه في اليمانية والمضريّة إذ أذّن المؤذّن، فقال له بشار: رويدا، تفهّم هذا الكلام؛ فلما قال: أشهد أنّ محمدا رسول اللّه، قال له بشّار: أهذا الذي نودي باسمه مع اسم اللّه عزّوجلّ من مضرّ
__________
() فلهذه القرابة تسافدا وتناجلا وإن اختلفا في سوى ذلك، ومن ولدهما: السمع والعسبار وإنما اختلفتا لأن الأم ربما كانت ضبعا والأب ذئبا وربما كانت الأم ذئبة والأب ذيخا والذيخ: ذكر الضباع».
[1] هكذا فيء، ط، ح. وفي سائر النسخ: «بغرض من أغراض» بالغين وهو تصحيف.
[2] زيادة فيء، ط.
[3] فيء، ط: «و لكن قد عملت على أني أعمى».
[4] فيء، ط: «فقال» بالفاء.
[5] زيادة عن، ء، ط وبها يستقيم السند.
[6] كذا في ترجمته في ج 13 ص 22 «أغاني» طبع بولاق، وفي مواضع أخرى من هذا الكتاب. ووقع في هذا الموضع في أكثر النسخ «عصيم». وفيء، ط: «عصم» وهو تحريف.
[7] هكذا ورد هذا الاسم في جميع الأصول وفي «معاهد التنصيص شرح شواهد التلخيص» ص 131 طبع بولاق «السواديّ» ولم نعثر على تصحيحه.
هو أم من صداء وعكّ وحمير؟ فسكت الرجل.
نقده للشعر:
أخبرني هاشم بن محمد الخزاعيّ قال حدّثنا الرّياشيّ قال أنشد [1] بشار قول الشاعر:
وقد جعل الأعداء ينتقصوننا ... وتطمع فينا ألسن وعيون
ألا إنما ليلى عصا خيزرانة ... إذا غمزوها بالأكفّ تلين
/ فقال: واللّه لو زعم أنها عصا مخّ أو عصا زبد، لقد كان جعلها جافية خشنة بعد أن جعلها عصا! ألا قال كما قلت:
ودعجاء المحاجر من معدّ ... كأن حديثها ثمر الجنان
إذا قامت لمشيتها [2] تثنّت ... كأن عظامها من خيزران
اعتداده بنفسه:
أخبرني حبيب بن نصر المهلّبيّ قال حدّثنا عمر بن شبّة قال أخبرني محمد بن [صالح بن] [3] الحجاج قال:
قلت لبشار: إنّي أنشدت فلانا قولك:
إذا أنت لم تشرب مرارا على القذى ... ظمئت وأيّ الناس تصفو مشاربه
فقال لي: ما كنت أظنه إلا لرجل كبير؛ فقال لي بشار: ويلك! أفلا قلت له: هو واللّه لأكبر الجنّ والإنس!.
وعدته امرأة واعتذرت فعاتبها بشعر:
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدّثني أبو الشّبل عن محمد بن الحجاج قال:
كان بشّار يهوى امرأة من أهل البصرة فراسلها يسألها زيارته، فوعدته بذلك ثم أخلفته، وجعل ينتظرها ليلته حتى أصبح، فلما لم تأته أرسل إليها يعاتبها فاعتذرت بمرض أصابها؛ فكتب إليها بهذه الأبيات:
يا ليلتي تزداد نكرا ... من حبّ من أحببت بكرا
حوراء إن نظرت إلي ... ك سقتك بالعينين خمرا
وكأن رجع حديثها ... قطع الرياض كسين زهرا
وكأن تحت لسانها ... هاروت ينفث فيه سحرا
وتخال ما جمعت علي ... ه ثيابها ذهبا وعطرا
__________
[1] كذا فيء، ط. وفي باقي الأصول: «أنشدنا بشار».
[2] كذا في جميع الأصول وفي «كامل» المبرّد ج 2 ص 497 طبع أوروبا: «لسبحتها» والسّبحة: صلاة التطوّع والنافلة. والمشهور في رواية هذا البيت:
إذا قامت لحاجتها تثنت
[3] زيادة فيء، ط.
وكأنها برد الشرا ... ب صفا ووافق منك فطرا
جنّيّة إنسيّة ... أو بين ذاك أجلّ أمرا
وكفاك أنّي لم أحط ... بشكاة من أحببت خبرا
إلا مقالة زائر ... نثرت لي الأحزان نثرا
متخشّعا تحت الهوى ... عشرا وتحت الموت عشرا
كان إسحاق الموصلي لا يعتدّ به ويفضل عليه مروان:
حدّثني جحظة قال حدّثني عليّ بن يحيى قال:
كان إسحاق الموصليّ لا يعتدّ ببشار ويقول: هو كثير التخليط في شعره [1]، وأشعاره مختلفة، لا يشبه بعضها بعضا؛ أليس هو القائل:
/إنما عظم سليمى حبّتي [2] ... قصب السّكّر لا عظم الجمل
وإذا أدنيت منها بصلا ... غلب المسك على ريح البصل
لو قال كلّ شيء جيّد ثم أضيف إلى هذا لزيّفه. قال: وكان يقدّم عليه مروان ويقول: هذا هو أشدّ استواء شعر منه، وكلامه ومذهبه أشبه بكلام العرب ومذاهبها، وكان لا يعدّ أبا نواس البتة ولا يرى فيه خيرا.
أنشد إبراهيم بن عبد اللّه هجوه للمنصور ولما قتل غيرها وجعلها في هجو أبي مسلم:
حدّثنا محمد بن عليّ [3] بن يحيى قال حدّثنا محمد بن زكريّا قال حدّثنا محمد بن عبد الرحمن التّيميّ قال:
دخل بشّار إلى إبراهيم بن عبد اللّه بن حسن، فأنشده قصيدة يهجو فيها المنصور ويشير عليه برأي يستعمله في أمره، فلما قتل/ إبراهيم خاف بشار، فقلب الكنية، وأظهر أنه كان قالها في أبي مسلم وحذف منها أبياتا وأوّلها:
أبا جعفر ما طول عيش بدائم ... ولا سالم عمّا قليل بسالم
قلب هذا البيت فقال: «أبا مسلم».
على الملك الجبّار يقتحم الردى ... ويصرعه في المأزق المتلاحم
كأنك لم تسمع بقتل متوّج ... عظيم ولم تسمع بفتك [4] الأعاجم
تقسّم كسرى رهطه بسيوفهم ... وأمسى أبو العباس أحلام نائم
يعني الوليد بن يزيد.
وقد كان لا يخشى انقلاب مكيدة ... عليه ولا جري النّحوس الأشائم
مقيما على اللّذات حتى بدت له ... وجوه المنايا حاسرات العمائم
__________
[1] كذا في أكثر النسخ. وفي س، أ، م: «في نثره».
[2] كذا في أكثر النسخ. وفي أ، م، ح: «خلتي» وكلاهما بمعنى الصديقة والمحبوبة.
[3] كلمة «ابن علي» ساقطة في أ، م، ح.
[4] فيء، ط: «و لم تعلم بقتل الأعاجم».
/
وقد ترد الأيام غرّا وربّما ... وردن كلوحا باديات الشّكائم
ومروان [1] قد دارت على رأسه الرحى ... وكان لما أجرمت نزر الجرائم
فأصبحت تجري سادرا في طريقهم ... ولا تتّقي أشباه تلك النقائم
تجرّدت للإسلام تعفو [2] سبيله ... وتعري مطاه [3] للّيوث الضّراغم
فما زلت حتى استنصر الدين أهله ... عليك فعاذوا بالسّيوف الصوارم
فرم وزرا ينجيك يابن سلامة ... فلست بناج من مضيم وضائم
جعل موضع «يآبن سلامة» «يآبن وشيكة» [4] وهي أمّ أبي مسلم.
لحا اللّه قوما رأسوك عليهم ... وما زلت مرؤوسا خبيث المطاعم
أقول لبسّام عليه جلالة ... غدا أريحيّا عاشقا للمكارم
من الفاطميّين الدّعاة إلى الهدى ... جهارا ومن يهديك مثل ابن فاطم [5]
هذا البيت الذي [خافه و] [6] حذفه بشار من الأبيات.
سراج لعين المستضيء وتارة ... يكون ظلاما للعدوّ المزاحم
إذا بلغ الرأي المشورة فاستعن ... برأي نصيح أو نصيحة حازم
ولا تجعل الشّورى عليك غضاضة ... فإنّ الخوافي قوّة للقوادم
وما خير كفّ أمسك الغلّ [7] أختها ... وما خير سيف لم يؤيّد بقائم
/ وخلّ الهوينا للضّعيف ولا تكن ... نؤوما فإن الحزم ليس بنائم
وحارب إذا لم تعط إلا ظلامة ... شبا الحرب خير من قبول المظالم
قال محمد بن يحيى: فحدّثني الفضل بن الحباب قال سمعت أبا عثمان المازنيّ يقول سمعت أبا عبيدة يقول:
ميميّة بشار هذه أحب إليّ من ميميّتي جرير والفرزدق.
قال محمد: وحدّثني ابن الرّياشيّ قال حدّثني أبي قال:
حديث بشار في المشورة:
قال الأصمعيّ قلت لبشّار: يا أبا معاذ، إن الناس يعجبون من أبياتك في المشورة؛ فقال لي: يا أبا سعيد، إن
__________
[1] يريد به مروان الحمار آخر ملوك بني أمية الذي قتله أبو العباس السفاح بمصر.
[2] تعفو: تمحو، يقال: عفت الريح المنزل أي محته ودرسته.
[3] المطا: الظهر.
[4] كذا في أكثر الأصول: وهو الموافق لما في «وفيات الأعيان» لابن خلكان (ج 1 ص 397) في ترجمة أبي مسلم الخراساني. وفي ط: «وشيلة».
[5] أصله فاطمة فرخمه بحذف تاء التأنيث، والترخيم في غير النداء جائز للضرورة.
[6] زيادة في ط.
[7] الغل بالضم: الحديدة التي تجمع بين يد الأسير وعنقه، وتسمى الجامعة.
المشاور بين صواب يفوز بثمرته أو خطأ يشارك/ في مكروهه؛ فقلت له: أنت واللّه في قولك هذا أشعر منك في شعرك.
بشار والمعلى بن طريف:
حدّثني الحسن بن عليّ قال حدّثنا الفضل بن محمد اليزيديّ عن إسحاق وحدّثني به محمد بن مزيد بن أبي الأزهر عن حمّاد عن أبيه قال:
كان بشّار جالسا في دار المهديّ والناس ينتظرون الإذن، فقال بعض موالي المهديّ لمن حضر: ما عندكم في قول اللّه عزّوجلّ:
(وَ أَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ)
فقال له بشار: النّحل التي يعرفها الناس؛ قال هيهات يا أبا معاذ، النحل: بنو هاشم، وقوله: (يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ)
يعني العلم؛ فقال له بشّار: أراني اللّه طعامك وشرابك وشفاءك فيما يخرج من بطون بني هاشم، فقد أوسعتنا غثاثة؛ فغضب وشتم بشّارا؛ وبلغ المهديّ الخبر فدعا بهما فسألهما عن القصة، فحدّثه بشّار بها؛ فضحك حتى أمسك على بطنه، ثم قال للرجل: أجل! فجعل اللّه طعامك وشرابك مما يخرج من بطون بني هاشم، فإنك بارد غثّ. وقال/ محمد بن مزيد في خبره: إنّ الذي خاطب بشّارا بهذه الحكاية وأجابه عنها من موالي المهديّ المعلّى بن طريف.
بشار ويزيد بن منصور الحميري:
أخبرنا الحسين بن يحيى عن حمّاد بن إسحاق عن أبيه قال:
دخل يزيد بن منصور الحميريّ على المهديّ وبشّار بين يديه ينشده قصيدة امتدحه بها، فلما فرغ منها أقبل عليه يزيد بن منصور الحميريّ، وكانت فيه غفلة، فقال له: يا شيخ، ما صناعتك؟ فقال: أثقب اللؤلؤ؛ فضحك المهديّ ثم قال لبشّار: أعزب [1] ويلك؛ أتتنادر على خالي! فقال له: وما أصنع به! يرى شيخا أعمى ينشد الخليفة شعرا ويسأله عن صناعته!.
ترك جواب رجل عاب شعره للؤمه:
أخبرني الحسين عن حمّاد عن أبيه قال:
وقف على بشّار بعض المجّان وهو ينشد شعرا؛ فقال له: استر شعرك هذا كما تستر عورتك؛ فصفّق بشّار بيديه وغضب وقال له: من أنت ويلك؟ قال: أنا أعزّك اللّه رجل من باهلة [2]، وأخوالي [من] [3] سلول [4]، وأصهاري عكل [5]، واسمي كلب، ومولدي بأضاخ [6]، ومنزلي بنهر [7] بلال؛ فضحك بشّار ثم قال: اذهب
__________
[1] أعزب: أبعد. وفيء، ط، ح: «أغرب» بالغين المعجمة والراء المهملة وهي بمعناها.
[2] باهلة: قبيلة من قيس عيلان وهو اسم امرأة من همدان كانت تحت معن بن أعصر بن سعد بن قيس عيلان فنسب ولده إليها.
[3] زيادة فيء، ط.
[4] سلول: قبيلة من هوازن وهم بنو مرة بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن وسلول أمهم نسبوا إليها.
[5] عكل: قبيلة فيهم غباوة وقلة فهم، ولذلك يقال لكل من فيه غفلة ويستحمق: عكليّ.
[6] أضاخ: قرية من قرى اليمامة لبني نمير.
[7] كذا فيء، ط. ونهر بلال بالبصرة احتفره بلال بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري، وجعل على جنبيه حوانيت ونقل إليها السوق.
ويلك! فأنت عتيق لؤمك، قد علم اللّه أنك استترت منّي بحصون من حديد.
وصف قاص قصرا كبيرا في الجنة فعابه:
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدّثني الفضل بن سعيد قال حدّثني أبي قال:
مرّ بشار بقاصّ بالبصرة [1] فسمعه يقول في قصصه: من صام رجبا وشعبان ورمضان بنى اللّه له قصرا في الجنّة صحنه ألف فرسخ في مثلها وعلوه ألف فرسخ وكلّ باب من أبواب بيوته ومقاصره عشرة فراسخ في مثلها، قال: فالتفت بشار إلى قائده. فقال: بئست واللّه الدار هذه في كانون الثاني [2].
سمع صخبا في الجيران فقال كأن القيامة قامت:
قال الفضل بن سعيد وحدّثني رجل من أهل البصرة ممن كان يتزوّج بالنّهاريّات [3] قال: تزوّجت امرأة منهن فاجتمعت معها في علو بيت وبشّار تحتنا، أو كنا في أسفل البيت وبشار في علوه مع امرأة، فنهق حمار في الطريق فأجابه حمار في الجيران وحمار في الدار فارتجّت الناحية بنهيقها، وضرب الحمار الذي في الدار الأرض برجله وجعل يدقّها بها دقّا شديدا فسمعت بشّارا يقول للمرأة: نفخ - يعلم اللّه - في الصّور وقامت القيامة أما تسمعين كيف يدقّ على أهل القبور حتى يخرجوا منها! قال: ولم يلبث أن فزعت شاة كانت في السطح فقطعت حبلها وعدت فألقت طبقا وغضارة [4] /الى الدار فانكسرا، وتطاير حمام ودجاج كنّ في الدار لصوت الغضارة وبكى صبيّ في الدار؛ فقال بشّار: صحّ واللّه الخبر ونشر أهل القبور من قبورهم أزفت - يشهد اللّه - الآزفة وزلزلت الأرض زلزالها؛ فعجبت من كلامه وغاظني ذلك؛/ فسألت من المتكلم؟ فقيل لي: بشار، فقلت: قد علمت أنه لا يتكلّم بمثل هذا غير بشّار.
نكتة له مع رجل رمحته بغلة فشكر اللّه:
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا أحمد بن محمد جدار [5] قال حدّثني قدامة بن نوح قال:
مرّ بشار برجل قد رمحته [6] بغلة وهو يقول: الحمد للّه شكرا، فقال له بشّار: استزده يزدك. قال: ومرّ به قوم يحملون جنازة وهم يسرعون المشي بها، فقال: ما لهم مسرعين! أتراهم سرقوه فهم يخافون أن يلحقوا فيؤخذ منهم!.
مات ابن له فرثاه:
__________
() وفي ح: «ظهر بلال». وفي باقي الأصول: «ظفر بلال» وكلاهما تحريف.
[1] كذا فيء، ط. وفي باقي الأصول: «بالمدينة».
[2] كانون الأول وكانون الثاني: شهران شمسيان يقعان في قلب الشتاء، معربان عن الرومية.
[3] كذا في جميع الأصول ولعلها نسبة إلى بني النهاري: قبيلة من الأشراف باليمن.
[4] فيء، ط: «فألقت طبقا فيه غضارة» والغضارة: القصعة الكبيرة فارسية. وفي أ، م: «فألقت طبقا وغزارة».
[5] هكذا ورد هذا الاسم في أكثر الأصول. وفيء هكذا: «محمد بن حصار» وفي ط هكذا: «محمد بن صعار». وفي العرب من تسمى بجدار وحصار. ولم نوفق إلى تحقيقه في الكتب التي بأيدينا.
[6] رمحته: رفسته.
أخبرني يحيى بن عليّ بن يحيى عن أبيه عن عافية بن شبيب، وأخبرني به وكيع عن محمد بن عمر بن محمد بن عبد الملك عن الحسن بن جمهور، قالا [1]:
توفّى ابن لبشار فجزع عليه؛ فقيل له: أجر قدّمته، وفرط افترطته، وذخر أحرزته، فقال: ولد دفنته، وثكل تعجّلته، وغيب وعدته فانتظرته؛ واللّه لئن لم أجزع للنقص لا أفرح للزيادة. وقال يرثيه:
أجارتنا لا تجزعي وأنيبي ... أتاني من الموت المطلّ نصيبي
بنيّ على رغمي وسخطي رزئته ... وبدّل أحجارا وجال [2] قليب
وكان كريحان الغصون [3] تخاله ... ذوي بعد إشراق يسرّ وطيب
/ أصيب بنيّ حين أورق غصنه ... وألقى عليّ الهمّ كلّ قريب
عجبت لإسراع المنيّة نحوه ... وما كان لو ملّيته [4] بعجيب
نوادره:
أخبرني يحيى بن عليّ قال ذكر عافية بن شبيب عن أبي عثمان اللّيثيّ، وحدّثني به الحسن بن عليّ عن ابن مهرويه عن أبي مسلم، قالا:
رفع غلام بشّار إليه في حساب نفقته جلاء مرآة عشرة دراهم، فصاح به بشّار وقال: واللّه ما في الدنيا أعجب من جلاء مرآة أعمى بعشرة دراهم، واللّه لو صدئت عين الشمس حتى يبقى العالم في ظلمة ما بلغت أجرة من يجلوها عشرة دراهم.
أخبرنا محمد بن يحيى الصّوليّ قال حدّثني المغيرة بن محمد المهلّبيّ قال حدّثنا أبو معاذ النّميريّ قال: قلت لبشّار: لم مدحت يزيد بن حاتم ثم هجوته؟ قال: سألني أن أنيكه فلم أفعل؛ فضحكت ثم قلت: فهو كان ينبغي له أن يغضب، فما موضع الهجاء! فقال: أظنّك تحبّ أن تكون شريكه؛ فقلت: أعوذ باللّه من ذلك ويلك [5]!
سئل عن شعره الغث فأجاب:
حدّثني الحسن بن عليّ قال حدّثنا ابن مهرويه قال حدّثنا أحمد بن خلّاد، وأخبرنا يحيى بن عليّ ومحمد بن عمران الصّيرفيّ، قالا حدّثنا العنزيّ قال حدّثنا أحمد بن خلّاد قال حدّثني أبي قال قلت لبشّار: إنك لتجيء بالشي الهجين [6] المتفاوت، قال: وما ذاك؟ قال قلت: بينما تقول شعرا تثير [7] به النقع وتخلع به القلوب، مثل قولك:
إذا ما غضبنا غضبة مضريّة ... هتكنا حجاب الشمس أو تمطر الدما
__________
[1] كذا فيء، ط. وفي باقي الأصول: «قال» بالإفراد.
[2] الجال: الجانب، والقليب في الأصل: البئر لأنها قلبت الأرض بالحفر، والمراد هنا القبر.
[3] كذا فيء وإحدى روايتي ط. وفي أ، م ورواية في ط: «الغروس». وفي ب، س: «العروس».
[4] مليته: متعت به، يقال ملّاك اللّه حبيبك أي متعك به وأعاشك معه طويلا.
[5] كذا فيء، أ. وفي باقي النسخ: «و بك»، وهو تحريف.
[6] كذا في أكثر الأصول، وفيء، ط: «المهجن».
[7] كذا فيء، ط. وفي باقي الأصول: «يثير النقع».
إذا ما أعرنا سيّدا من قبيلة ... ذرى منبر صلّى علينا وسلّما
/ تقول:
ربابة ربّة البيت ... تصبّ الخلّ في الزّيت
لها عشر دجاجات ... وديك حسن الصّوت
فقال: لكلّ وجه وموضع، فالقول الأوّل جدّ، وهذا قلته في ربابة جاريتي، وأنا لا آكل البيض من السّوق، وربابة [هذه] [1] لها عشر دجاجات وديك فهي تجمع لي البيض [و تحفظه عندها] [1]، فهذا عندها من قولي أحسن من:
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل
عندك.
كان يحشو شعره بما لا حقيقة له تكميلا للقافية:
أخبرني الحسن [بن عليّ] [2] قال حدّثني أحمد بن محمد جدار قال حدّثني قدامة بن نوح قال:
كان بشّار يحشو شعره إذا أعوزته القافية والمعنى بالأشياء التي لا حقيقة لها، فمن ذلك أنه أنشد يوما شعرا له فقال فيه:
غنّني للغريض يا بن قنان
فقيل له: من ابن قنان هذا، لسنا نعرفه من مغنّي البصرة؟ قال: وما عليكم منه! ألكم قبله دين فتطالبوه به، أو ثأر تريدون أن تدركوه، أو كفلت لكم به فإذا غاب طالبتموني بإحضاره؟ قالوا: ليس بيننا وبينه شيء من هذا، وإنما أردنا أن نعرفه، فقال: هو رجل يغنّي لي ولا يخرج من بيتي؛ فقالوا له: إلى متى؟ قال: مذ يوم ولد وإلى يوم يموت. قال: وأنشدنا أيضا في هذه القصيدة:
............ .... [3] ووافا ... ني هلال السماء في البردان
/ فقلنا: يا أبا معاذ. أين البردان هذا؟ لسنا نعرفه بالبصرة، فقال: هو بيت في بيتي سميّته البردان، أفعليكم من تسميتي داري وبيوتها شيء فتسألوني عنه!.
حدّثني هاشم بن محمد الخزاعيّ قال حدّثني أبو غسّان دماذ - واسمه رفيع بن سلمة - قال حدّثني يحيى بن الجون العبديّ راوية بشّار قال:
كنا عند بشّار يوما فأنشدنا قوله:
وجارية خلقت وحدها ... كأن النساء لديها خدم
__________
[1] زيادة عن ء، ط.
[2] زيادة عن ء.
[3] بياض في جميع الأصول.
دوار [1] العذارى إذا زرنها ... أطفن بحوراء مثل الصّنم [2].
ظمئت إليها فلم تسقني ... بريّ ولم تشفني من سقم
وقالت هويت فمت راشدا ... كما مات عروة [3] غمّا بغمّ
فلما رأيت الهوى قاتلي ... ولست بجار ولا بابن عمّ
دسست إليها أبا مجلز ... وأيّ فتى إن أصاب اعتزم
فما زال حتى أنابت له ... فراح وحلّ لنا ما حرم
فقال له رجل: ومن أبو مجلز هذا يا أبا معاذ؟ قال: وما حاجتك إليه! لك عليه دين أو تطالبه بطائلة [4]! هو رجل يتردّد بيني وبين معارفي في رسائل. قال: وكان كثيرا ما يحشو شعره بمثل هذا.
شعره في قينة:
أخبرني محمد بن مزيد بن أبي الأزهر قال حدّثنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه قال:
كانت بالبصرة قينة لبعض ولد سليمان بن عليّ وكانت محسنة بارعة الظّرف، وكان بشّار صديقا لسيّدها ومدّاحا له، فحضر مجلسه يوما والجارية تغنّي؛ فسرّ بحضوره وشرب حتى سكر ونام، ونهض بشّار؛ فقالت: يا أبا معاذ، أحبّ أن تذكر يومنا هذا في قصيدة ولا تذكر فيها اسمي ولا اسم سيّدي وتكتب بها إليه؛ فانصرف وكتب إليه:
وذات دلّ كأن البدر صورتها ... باتت تغنّي عميد [5] القلب سكرانا:
/ (إنّ العيون التي في طرفها حور ... قتلننا ثم لم يحيين قتلانا)
فقلت أحسنت يا سؤلي ويا أملي ... فأسمعيني جزاك اللّه إحسانا:
(يا حبّذا جبل الرّيان [6] من جبل ... وحبّذا ساكن الريّان من كانا)
قالت فهلا، فدتك النفس، أحسن من ... هذا لمن كان صبّ القلب حيرانا:
(يا قوم أذني لبعض الحيّ عاشقة ... والأذن تعشق قبل العين أحيانا)
فقلت أحسنت أنت الشمس طالعة ... أضرمت في القلب والأحشاء نيرانا
فأسمعيني صوتا مطربا هزجا [7] ... يزيد صبّا محبّا فيك أشجانا
يا ليتني كنت تفّاحا مفلّجة [8] ... أو كنت من قضب الريحان ريحانا
__________
[1] كذا في جميع النسخ والدوار بضم الدال وفتحها مع تخفيف الواو وقد تشدّد: صنم كانت العرب تنصبه، يجعلون موضعا حوله يدورون به، وهو وارد هنا على وجه التشبيه؛ وفي «زهر الآداب» ج 2 ص 119 طبع المطبعة الرحمانية: «رواء».
[2] كذا في «زهر الآداب» وفي جميع الأصول: «الضمم» بالضاد المعجمة والميم، وهو تحريف.
[3] يشير إلى عروة بن حزام العذري صاحب عفراء، أحد العشاق المشهورين الذين قتلهم العشق.
[4] الطائلة: الذحل والثأر.
[5] عميد القلب: مريضه، يقال: قلب عميد إذا هدّه العشق وكسره.
[6] الريان: جبل في ديار طيء لا يزال يسيل منه الماء، وهو في مواضع كثيرة منها.
[7] الهزج: ضرب من ضروب الأغاني فيه تطريب بتدارك الصوت وتقاربه.
[8] مفلّجة: مقسمة، ويريد بذلك أنها إذا قسمت كانت أسطع نفحا وأضوع شذا وطيبا.
حتى إذا وجدت ريحي فأعجبها ... ونحن في خلوة مثّلث إنسانا
فحرّكت عودها ثم انثنت طربا ... تشدو به ثم لا تخفيه كتمانا:
(أصبحت أطوع خلق اللّه كلّهم ... لأكثر الخلق لي في الحبّ عصيانا)
/ فقلت أطربتنا يا زين مجلسنا ... فهات إنك بالإحسان أولانا
لو كنت أعلم أنّ الحبّ يقتلني ... أعددت لي قبل أن ألقاك أكفانا
فغنّت الشّرب صوتا مؤنقا [1] رملا ... يذكي السّرور ويبكي العين ألوانا:
(لا يقتل اللّه من دامت مودّته ... واللّه يقتل أهل الغدر أحيانا)
ووجّه بالأبيات إليها، فبعث إليه سيّدها بألفي دينار وسرّ بها سرورا شديدا.
أغضبه أعرابيّ عند مجزأة بن ثور فهجاه:
أخبرني أحمد بن العباس العسكريّ قال حدثني الحسن بن عليل قال حدثني عليّ بن منصور أبو الحسن الباهليّ قال حدّثني أبو عبد اللّه المقرىء الجحدريّ الذي كان يقرأ في المسجد الجامع بالبصرة، قال:
دخل أعرابيّ على مجزأة بن ثور السّدوسيّ وبشّار عنده وعليه بزّة الشعراء، فقال الأعرابيّ: من الرجل؟
فقالوا: رجل شاعر؛ فقال: أمولى هو أم عربيّ؟ قالوا: بل مولى؛ فقال الأعرابيّ: وما للموالي وللشعر! فغضب بشّار وسكت هنيهة، ثم قال: أتأذن لي يا أبا ثور؟ قال: قل ما شئت يا أبا معاذ؛ فأنشأ بشّار يقول:
خليلي لا أنام على اقتسار ... ولا آبى على مولى وجار
سأخبر فاخر الأعراب عنّي ... وعنه حين تأذن بالفخار
أحين كسيت بعد العري خزّا ... ونادمت الكرام على العقار
تفاخر يا ابن راعية وراع ... بني الأحرار حسبك من خسار
وكنت إذا طمئت إلى قراح ... شركت الكلب في ولغ الإطار [2]
تريغ [3] بخطبة كسر المواني ... وينسيك المكارم صيد فار
/ وتغدو [4] للقنافذ تدّريها [5] ... ولم تعقل [6] بدرّاج [7] الدّيار
وتتّشح [8] الشّمال للابسيها ... وترعى الضأن بالبلد القفار
__________
[1] مؤنقا: معجبا، يقال: آنقني الشيء فهو مؤنق وأنيق كما يقال مؤلم وأليم؛ والرمل: ضرب من الأغاني.
[2] من معاني الإطار: ما حول البيت فلعله المراد هنا وأن الكلب بلغ في المياه الراكدة حول الدور.
[3] تريغ: تريد وتطلب وهو المناسب لسياق الكلام، وفي جميع لأصول: «تريع» بالعين المهملة.
[4] كذا في أكثر الأصول بالغين المعجمة. وي ح: «تعدو» بالعين المهملة.
[5] تدّريها: تختلها لتصيدها.
[6] كذا في جميع النسخ، ولعله «تعلق»، يريد أنه يحاول صيد القنافذ ولا يلحقها.
[7] الدرّاج: القنفذ.
[8] كذا في جميع النسخ، ولعله «و تنتسج» بمعنى «تنسج»، والشمال: جمع شملة وهي الكساء يتشح به؛ وفي حديث عليّ قال للأشعث بن قيس: «إن أبا هذا كان ينسج الشمال باليمين»؛ ولا يخفى ما في هذه المقابلة من الحسن.
مقامك بيننا دنس علينا ... فليتك غائب في حرّ نار
/ وفخرك بين خنزير وكلب ... على مثلي من الحدث الكبار
فقال مجزأة للأعرابيّ: قبحك اللّه! فأنت كسبت هذا الشرّ لنفسك ولأمثالك!.
خشي لسانه حاجب محمد بن سليمان فأذن له بالدخول:
أخبرني أحمد بن العباس العسكريّ قال حدّثني العنزيّ عن الرّياشيّ قال:
حضر بشّار باب محمد بن سليمان، فقال له الحاجب: اصبر؛ فقال: إنّ الصبر لا يكون إلا على بليّة؛ فقال له الحاجب: إنّي أظنّ أنّ وراء قولك هذا شرّا ولن أتعرّض له، فقم فادخل.
بشار وهلال الرأي:
أخبرني وكيع قال حدّثنا أبو أيّوب المدينيّ عن محمد بن سلّام قال:
قال هلال الرأي [1] - وهو هلال بن عطية - لبشّار وكان له صديقا يمازحه: إنّ اللّه لم يذهب بصر أحد إلا عوّضه بشيء، فما عوّضك؟ قال: الطويل العريض؛ قال: وما هذا؟ قال: ألّا أراك ولا أمثالك من الثقلاء. ثم قال له: يا هلال أتطيعني/ في نصيحة أخصّك بها؟ قال نعم؛ قال: إنك كنت تسرق الحمير زمانا ثم تبت وصرت رافضيّا، فعد إلى سرقة الحمير، فهي واللّه خير لك من الرّفض [2].
قال محمد بن سلّام: وكان هلال يستثقل، وفيه يقول بشّار:
وكيف يخفّ لي بصري وسمعي ... وحولي عسكران من الثّقال
قعودا حول دسكرتي [3] وعندي ... كأنّ لهم عليّ فضول مال
إذا ما شئت صبّحني هلال ... وأيّ الناس أثقل من هلال
وأخبرني أبو دلف الخزاعيّ بهذا الخبر عن عيسى بن إسماعيل عن ابن عائشة، فذكر أنّ الذي خاطب بشّارا بهذه المخاطبة ابن سيّابة، فلما أجابه بشّار بالجواب المذكور، قال له: من أنت؟ قال: ابن سيّابة؛ فقال له: يا ابن سيّابة، لو نكح الأسد ما افترس؛ قال: وكان يتّهم بالأبنة.
ذم أناسا كانوا مع ابن أخيه:
قال أيوب وحدّثني محمد بن سلّام وغيره قالوا: مرّ ابن أخي بشّار به ومعه قوم؛ فقال لرجل معه: من هذا؟
فقال: ابن أخيك؛ قال: أشهد أن أصحابه أنذال؛ قال: وكيف علمت؟ قال: ليست لهم نعال.
__________
[1] في جميع الأصول «الرائي» وما أثبتناه هو الموجود في «كتب التراجم»، يذكرونه بهذا الاسم ويقولون: هو هلال بن يحيى بن مسلم البصري، أخذ الفقه عن أبي يوسف المتوفى سنة 182 وزفر المتوفى سنة 158، ويقولون مع هذا: إنه توفي سنة 245 انظر «الفوائد البهية في تراجم الحنفية» و «تاج التراجم في طبقات الحنفية» و «الفهرست» لابن النديم ص 205، وذكره ابن حجر في «لسان الميزان» ص 202 ج 6 وبعد أن ذكر أنه توفي سنة 245 قال: وفي «الأغاني» لأبي الفرج الأصبهاني «هلال الرأي هو هلال بن عطية» وذكر له قصة مع بشار بن برد، فهذا يدل على أنه متقدّم جدا لأن بشارا قتل في زمن المهدي.
[2] الرفض (بالكسر): مذهب الرافضة وهم فرقة من الشيعة بايعوا زيد بن عليّ ثم قالوا له: تبرّأ من الشيخين فأبى فرفضوه وانفضوا عنه فسموا الرافضة.
[3] الدسكرة: بناء كالقصر، وهي أيضا: الأرض المستوية.
كان دقيق الحس:
أخبرنا محمد بن عليّ قال حدّثني أبي قال حدّثني عافية بن شبيب عن أبي دهمان الغلابيّ [1]، قال:
مررت ببشّار يوما وهو جالس على بابه وحده وليس معه خلق وبيده مخصرة [2] يلعب بها وقدّامه طبق فيه تفّاح وأترجّ [3]، فلما رأيته وليس عنده أحد تاقت نفسي/ إلى أن أسرق ما بين يديه، فجئت قليلا قليلا وهو كافّ [يده] [4] حتى مددت يدي لأتناول منه، فرفع القضيب وضرب به يدي ضربة كاد يكسرها، فقلت [له] [1]: قطع اللّه يدك يابن الفاعلة، أنت الآن أعمى! فقال: يا أحمق، فأين الحسّ!.
حديثه مع نسوة أتينه يأخذن شعره لينحن به:
أخبرني يحيى بن عليّ قال حدّثني العنزيّ قال حدّثني خالد بن يزيد بن وهب بن جرير عن أبيه قال:
كان لبشّار في داره مجلسان: مجلس يجلس فيه بالغداة يسمّيه «البردان» ومجلس يجلس فيه بالعشيّ اسمه «الرّقيق»، فأصبح ذات يوم فاحتجم وقال لغلامه: أمسك عليّ بابي واطبخ لي من طيّب طعامي وصفّ نبيذي؛ قال:
فإنه لكذلك إذ قرع الباب قرعا عنيفا؛ فقال: ويحك يا غلام! انظر من يدقّ الباب دقّ الشّرط؛ قال: فنظر الغلام، فقال له: نسوة خمس بالباب يسألن أن تقول لهنّ شعرا ينحن به؛ فقال: أدخلهنّ، فلمّا دخلن نظرن إلى النبيذ مصفّى في قنانيّه/ في جانب بيته؛ قال: فقالت واحدة منهنّ: هو خمر، وقالت الأخرى: هو زبيب وعسل، وقالت الثالثة: نقيع زبيب؛ فقال: لست بقائل لكنّ حرفا أو تطعمن من طعامي وتشربن من شرابي؛ قال: فتماسكن ساعة، ثم قالت واحدة منهنّ: ما عليكنّ! هو أعمى فكلن [من] [5] طعامه واشربن من شرابه وخذن شعره؛ فبلغ ذلك الحسن البصريّ فعابه وهتف ببشّار؛ فبلغه ذلك - وكان بشّار يسمّي الحسن البصريّ القسّ - فقال:
لما طلعن من الرّقي ... ق عليّ بالبردان خمسا
وكأنهنّ أهلّة ... تحت الثياب زففن شمسا
باكرن عطر لطيمة [6] ... وغمسن في الجاديّ [7] غمسا
صوت
لمّا طلعن حففنها ... وأصخن ما يهمسن همسا
فسألنني من في البيو ... ت فقلت ما يؤوين إنسا
ليت العيون الطارفا [8] ... ت طمسن عنّا اليوم طمسا
__________
[1] كذا في أكثر النسخ وهو الصواب، وفي ب، س: «الغلال» وهو تحريف.
[2] المخصرة: ما اختصر الإنسان بيده فأمسكه من عصا أو قضيب، وقيل المخصرة: شيء يأخذه الرجل بيده ليتوكأ عليه.
[3] الأترج: ثمر شجر بستانيّ من جنس الليمون ناعم الورق والحطب.
[4] الزيادة عن «معاهد التنصيص شرح شواهد التلخيص» ص 133 طبع بولاق.
[5] زيادة في ح.
[6] اللطيمة: نافجة المسك.
[7] الجاديّ: الزعفران.
[8] في جميع الأصول: «الطارقات» بالقاف، وهو تحريف.
فأصبن من طرف الحدي ... ث لذاذة وخرجن ملسا [1]
لولا تعرّضهنّ لي ... يا قسّ كنت كأنت قسّا
غنّى في هذه الأبيات يحيى المكّي، ولحنه رمل بالبنصر عن عمرو.
نهاه مالك بن دينار عن التشبيب بالنساء فقال شعرا:
أخبرنا يحيى قال حدّثني العنزيّ قال حدّثنا عليّ بن محمد قال حدّثني جعفر بن محمد النوفليّ - وكان يروي شعر بشّار بن برد - قال: جئت بشّارا ذات يوم فحدّثني، قال: ما شعرت منذ أيّام إلا بقارع يقرع بابي مع الصّبح، فقلت: يا جارية انظري من هذا، فرجعت إليّ وقالت: هذا مالك بن دينار؛ فقلت: ما هو من أشكالي ولا أضرابي، ثمّ قلت: ائذني له، فدخل فقال: يا أبا معاذ، أتشتم أعراض الناس وتشبّب بنسائهم! فلم يكن عندي إلّا أن دفعت عن نفسي وقلت: لا أعود، فخرج عنّي، وقلت في أثره:
غدا مالك بملاماته ... عليّ وما بات من باليه
تناول خودا هضيم الحشي ... من الحور محظوظة [2] عاليه
/ فقلت دع اللّوم في حبّها ... فقبلك أعييت عذّاليه
وإنّي لأكتمهم سرّها ... غداة تقول لها الجاليه [3]
عبيدة مالك مسلوبة ... وكنت معطّرة حاليه
فقالت على رقبة [4]: إنّني ... رهنت المرعّث [5] خلخاليه
بمجلس يوم سأوفي به ... ولو أجلب الناس أحواليه [6]
شعره في محبوبته فاطمة:
أخبرنا يحيى بن عليّ قال حدّثنا العنزيّ قال حدّثني السّميدع [7] بن محمّد الأزديّ قال حدّثني عبد الرحمن بن
__________
[1] كذا في جميع النسخ والقلس: الشرب الكثير من النبيذ، فلعلها مصدر وقع موقع الحال، أو لعلها محرفة عن «ملسا» بمعنى أنهن ملس من العيب أي ليس فيهن عيب. قال العجاج:
وحاصن من حاصنات ملس
وقد فسره بذلك اللسان في مادة «قنس».
[2] كذا في جميع النسخ والمحظوظة ذات الحظ وربما كانت محرّفة عن محطوطة قال في «اللسان»: وجارية محطوطة المتنين:
ممدودتها وقال الأزهري: ممدودة حسنة مستوية وقد جاء ذلك في الشعر العربي كثيرا كقول الشاعر:
محطوطة المتن هضيم الحشي ... لا يطبيها الورع الواغل
وكقول القطامي:
بيضاء محطوطة المتنين بهكنة
ولا يخفى ما بين اللفظين «محطوطة وعالية» من المقابلة.
[3] الجالية: الماشطة التي تجلو المرأة وتزينها.
[4] على رقبة: على تحفظ واحتراس.
[5] لقب بشار كما تقدم.
[6] أحواليه: من حولي.
[7] كذا في أكثر الأصول، وفي ب، س: «السميذع» بالذال المعجمة. وقد ذكر صاحب «القاموس» أن هذا اللفظ مما سمى به الرجال
الجهم عن هشام بن الكلبيّ قال:
كان أوّل بدء بشّار أنّه عشق جارية يقال لها فاطمة، وكان قد كفّ وذهب بصره، فسمعها تغنّي فهويها وأنشأ يقول:
/درّة بحريّة مكنونة ... مازها التّاجر من بين الدّرر
عجبت فطمة من نعتي لها ... هل يجيد النّعت مكفوف البصر
أمتا [1] بدّد هذا لعبي ... ووشاحي حلّه حتّى انتثر
/ فدعيني معه يا أمتا [2] ... علّنا في خلوة نقضي الوطر
أقبلت مغضبة تضربها ... واعتراها كجنون مستعر
بأبي واللّه ما أحسنه ... دمع عين يغسل الكحل قطر
أيّها النّوّام هبّوا ويحكم ... واسألوني اليوم ما طعم السّهر
عبث به رجل من آل سوّار فلم يجبه:
أخبرني محمد بن عمران الصّيرفيّ قال حدّثنا العنزيّ قال حدّثني خالد بن يزيد بن وهب بن جرير قال حدّثني أبي عن الحكم بن مخلد بن حازم قال: مررت أنا ورجل من عكل من أبناء سوّار بن عبد اللّه بقصر أوس [3]، فإذا نحن ببشّار في ظلّ القصر وحده، فقال لي العكليّ: لا بدّ لي من أن أعبث ببشّار؛ فقلت: ويحك، مه لا تعرّض بنفسك وعرضك له؛ فقال: إنّي لا أجده في وقت أخلى منه في هذا الوقت؛ قال فوقفت ناحية ودنا منه فقال:
يا بشّار؛ فقال: من هذا الذي لا يكنيني ويدعوني باسمي؟ قال: سأخبرك من أنا، فأخبرني أنت عن أمّك: أولدتك أعمى أم عميت بعد ما ولدتك؟ قال: وما تريد إلى ذلك؟ قال: وددت أنّه فسح [4] لك في بصرك ساعة لتنظر إلى وجهك في المرآة، فعسى أن تمسك عن هجاء الناس وتعرف قدرك؛ فقال: ويحكم! من هذا؟ أما أحد يخبرني من هذا؟ فقال له: على رسلك، أنا رجل من عكل وخالي يبيع الفحم بالعبلاء [5] فما تقدر أن تقول لي؟ قال: لا شيء، اذهب، بأبي أنت، في حفظ اللّه.
__________
() والنساء. غير أنه ورد في بعض نسخ «القاموس» بالذال المعجمة بل جاء في هذه النسخ زيادة النص على أنه بمعجمة مفتوحة، ولكن شارحه نبه على أن هذه الزيادة ساقطة في أكثر النسخ، وأن ظاهر كلام الجوهري وابن سيدة والصاغاني إهمال الدال، بل صرح بعضهم بأن إعجام داله خطأ، وقد أورده صاحب «اللسان» بالدال المهملة ليس غير.
[1] كذا في الأصول وفي «زهر الآداب»: «أمتي»، وأمتا: أمة (و هي المملوكة) مضافة إلى ياء المتكلم المنقلبة ألفا، ويحتمل أن يكون أصلها يا أمي حذف منه حرف النداء ثم حذفت ياء المتكلم وعوض عنها التاء، ويجوز في هذه التاء الفتح والكسر وهو الأكثر، وإذا فتحت لا تلحقها الألف إلا للضرورة.
[2] كذا في الأصول وفي «زهر الآداب»: «أمتي».
[3] قصر أوس بالبصرة ينسب إلى أوس بن ثعلبة بن زفر بن وديعة، وكان قد ولي خراسان في عهد الدولة الأموية.
[4] في أ، م، ء: «فتح».
[5] ذكره ياقوت في «معجمه» فقال: العبلاء اسم علم لصخرة بيضاء إلى جنب عكاظ، وعندها كانت الوقعة الثانية من وقعات الفجار، ثم قال: والعبلاء وقيل العبلاة بلدة كانت لخثعم بها كان ذو الخلصة بيت وصنم. وذكره البكري في «معجمه» (ص 492، 641) فقال: العبلاء: قرية وتربة واد من أودية الحجاز، أسفله لبني هلال والضباب وسلول، وأعلاه لخثعم، وهناك كان ذو الخلصة بيتهم الذي يحجون إليه.
مدح خالد البرمكي:
أخبرني عليّ بن سليمان الأخفش قال حدّثني هارون بن عليّ بن يحيى المنجّم قال حدّثني عليّ بن مهديّ قال حدّثني العبّاس بن خالد البرمكيّ قال:
كان الزّوّار يسمّون في قديم الدّهر إلى أيّام خالد بن برمك السّؤّال؛ فقال خالد: هذا واللّه أستثقله [1] لطلّاب الخير، وأرفع قدر الكريم عن أن يسمّي به أمثال هؤلاء المؤمّلين، لأنّ فيهم الأشراف والأحرار وأبناء النّعيم ومن لعلّه خير ممن يقصد وأفضل أدبا، ولكنّا نسمّيهم الزّوّار؛ فقال بشّار يمدحه بذلك:
حذا خالد في فعله حذو برمك ... فمجد له مستطرف وأصيل
وكان ذوو الآمال يدعون قبله ... بلفظ على الإعدام فيه دليل
يسمّون بالسّؤّال في كلّ موطن ... وإن كان فيهم نابه وجليل
فسمّاهم الزّوّار سترا عليهم ... فأستاره في المجتدين [2] سدول
قال: وقال بشّار هذا الشعر في مجلس خالد في الساعة التي تكلّم خالد بهذا الكلام في أمر الزوّار، فأعطاه لكلّ بيت ألف درهم.
بشار وصديقه تسنيم بن الحواري:
أخبرني عمّي قال حدّثني محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدّثني أبو شبل عاصم [3] بن وهب قال: نهق حمار ذات يوم بقرب بشّار، فخطر بباله بيت فقال:
/ما قام أير حمار فامتلا شبقا ... إلا تحرّك عرق في است تسنيم
/ قال: ولم يرد تسنيما بالهجاء؛ ولكنه لمّا بلغ إلى قوله: «إلا تحرّك عرق» قال: في است من؟ ومرّ به تسنيم بن الحواري [4] وكان صديقه، فسلّم عليه وضحك، فقال: في است تسنيم علم اللّه؛ فقال له: أيش [5] ويحك!؟ فأنشده البيت؛ فقال له: عليك لعنة اللّه! فما عندك فرق بين صديقك وعدوّك، أيّ شيء حملك على هذا! ألا قلت: «في است حمّاد» الذي هجاك وفضحك وأعياك، وليست قافيتك على الميم فأعذرك! قال: صدقت واللّه في هذا كلّه، ولكن ما زلت أقول: في است من؟ في است من؟ ولا يخطر ببالي أحد حتّى مررت وسلّمت فرزقته؛ فقال له تسنيم: إذا كان هذا جواب السّلام عليك فلا سلّم اللّه عليك ولا عليّ حين سلّمت عليك؛ وجعل بشّار يضحك ويصفّق بيديه وتسنيم يشتمه.
أخبرنا عيسى بن الحسين قال حدّثنا عليّ بن محمّد النّوفليّ عن عمّه قال:
__________
[1] في جميع النسخ: «أستقبله»، ولكن السياق يعين ما أثبتناه.
[2] في ب، س: «المهتدين».
[3] كذا في ح. وفي سائر النسخ: «عاصب» بالباء وهو تحريف، (انظر الحاشية رقم 4: ص 153 من هذا الجزء).
[4] لم نعثر على هذا الاسم ولا على ضبطه، وقد سمى بالحواري بفتح أوّله وثانيه وفي آخره ياء مشددة، وبالحواري بضم أوّله وبعده واو مشددة مفتوحة وراء مفتوحة، ولم نستطع ترجيح أحد الضبطين.
[5] أيش: بمعنى أيّ شيء خفف منه كما يقال: ويلمه في معنى: ويل لأمه، على الحذف لكثرة الاستعمال. وقد قيل: إنه سمع من العرب كما قيل إنه مولد.
قالت امرأة لبشّار: ما أدري لم يهابك الناس مع قبح وجهك! فقال لها بشّار: ليس من حسنه يهاب الأسد.
الملاحاة بينه وبين عقبة بن رؤبة في حضرة عقبة بن سلّم:
أخبرني حبيب بن نصر المهلّبيّ قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثنا محمد بن الحجّاج قال:
دخل بشار على عقبة [1] بن سلّم، فأنشده بعض مدائحه فيه وعنده عقبة بن رؤبة ينشده رجزا يمدحه به، فسمعه بشّار وجعل يستحسن ما قاله إلى أن فرغ؛ ثم أقبل/ على بشّار فقال: هذا طراز لا تحسنه أنت يا أبا معاذ؛ فقال له بشّار: ألي يقال هذا! أنا واللّه أرجز منك ومن أبيك وجدّك؛ فقال له عقبة: أنا واللّه وأبي فتحنا للناس باب الغريب وباب الرّجز، وو اللّه إني لخليق أن أسدّه عليهم؛ فقال بشّار: ارحمهم رحمك اللّه! فقال عقبة: أتستخفّ بي يا أبا معاذ وأنا شاعر ابن شاعر! فقال له بشّار: فأنت إذا من أهل البيت الذين أذهب اللّه عنهم الرّجس وطهّرهم تطهيرا؛ ثمّ خرج من عنده عقبة مغضبا. فلما كان من غد غدا على عقبة بن سلّم وعنده عقبة بن رؤبة، فأنشده أرجوزته التي مدحه فيها:
يا طلل الحيّ بذات الصّمد [2] ... باللّه خبّر كيف كنت بعدي
أوحشت من دعد وترب دعد ... سقيا لأسماء ابنة الأشدّ
قامت تراءى إذ رأتني وحدي ... كالشّمس تحت الزّبرج [3] المنقدّ
صدّت بخدّ وجلت عن خدّ ... ثم انثنت كالنّفس المرتدّ
عهدي بها سقيا له من عهد ... تخلف وعدا وتفي بوعد
فنحن من جهد الهوى في جهد ... وزاهر من سبط وجعد
أهدى له الدّهر ولم يستهد [4] ... أفواف [5] نور الحبر المجدّ
يلقى الضّحى ريحانه بسجد ... بدّلت من ذاك بكى لا يجدي
وافق حظّا من سعى بجدّ ... ما ضرّ أهل النّوك ضعف الجدّ
الحرّ يلحى والعصا للعبد ... وليس للملحف مثل الردّ
/ والنّصف [6] يكفيك من التعدّي ... وصاحب كالدّمّل الممدّ [7]
/حملته في رقعة من جلدي ... أرقب منه مثل يوم الورد [8]
حتى مضى غير فقيد الفقد ... وما درى ما رغبتي من زهدي
__________
[1] كان عقبة واليا على البصرة من قبل أبي جعفر المنصور وكان عاتيا جبارا.
[2] في «معجم ما استعجم» للبكري: الصمد: موضع في ديار بني يربوع. وفي «معجم ياقوت»: الصمد: ماء للضباب.
[3] الزبرج: السحاب، والمنقد: المتقطع.
[4] استهدى فلان: طلب أن يهدي له.
[5] الأفواف: جمع فوف وهو نوع من برود اليمن تشبه به الأزهار. والحبر: جمع حبرة كعنبة وقصبة وهي ضرب من برود اليمن منمر.
[6] النصف: الإنصاف.
[7] يقال: أمد الجرح: حدثت فيه المدة فهو ممد.
[8] الورد: من أسماء الحمى.
اسلم وحيّيت أبا الملدّ ... مفتاح باب الحدث المنسدّ
مشترك النّيل وريّ الزّند ... أغرّ لبّاس ثياب الحمد
ما كان منّي لك غير الودّ ... ثم ثناء مثل ريح الورد
نسجته في محكمات النّدّ ... فالبس طرازي [1] غير مستردّ
للّه أيامك في معدّ ... وفي بني قحطان غير عدّ
يوما بذي طخفة [2] عند الحدّ ... ومثله أودعت أرض الهند
بالمرهفات والحديد السّرد [3] ... والمقربات المبعدات الجرد
إذا الحيا [4] أكدى بها لا تكدي ... تلحم أمرا وأمورا تسدي [5]
وابن حكيم إن أتاك يردي [6] ... أصمّ لا يسمع صوت الرعد
حيّيته [7] بتحفة المعدّ ... فانهدّ مثل الجبل المنهدّ
كلّ امرىء رهن بما يؤدّي ... وربّ ذي تاج كريم الجدّ
كآل كسرى وكآل برد ... أنكب [8] جاف عن سبيل القصد
فصلته عن ماله والولد
/ فطرب عقبة بن سلّم وأجزل صلته، وقام عقبة بن رؤبة فخرج عن المجلس بخزي، وهرب من تحت ليلته فلم يعد إليه.
وذكر لي أبو دلف هاشم بن محمد الخزاعيّ هذا الخبر عن الجاحظ، وزاد فيه الجاحظ قال: فانظر إلى سوء أدب عقبة بن رؤبة وقد أجمل بشّار محضره وعشرته، فقابله بهذه المقابلة القبيحة، وكان أبوه أعلم خلق اللّه به، لأنه قال له وقد فاخره بشعره: أنت يا بنيّ ذهبان [9] الشّعر إذا متّ مات شعرك معك، فلم يوجد من يرويه بعدك؛ فكان كما قال له، ما يعرف له بيت واحد ولا خبر غير هذا الخبر القبيح الإخبار عنه الدالّ على سخفه وسقوطه وسوء أدبه.
كان يهوى امرأة من البصرة وقال فيها الشعر لما رحلت:
__________
[1] الطراز: ما نسج للسلطان من الثياب.
[2] طخفة: موضع بعد النباج وبعد إمرة في طريق البصرة إلى مكة، وفيه يوم طخفة لبني يربوع على قابوس بن المنذر بن ماء السماء.
[3] السرد: اسم جامع للدروع وسائر الحلق.
[4] الحيا: المطر. وأكدى: بخل.
[5] تلحم: تنسج اللحمة وهي ما نسج في الثوب عرضا بخلاف السدي وهو ما مدّ من خيوطه طولا، وفي المثل: «ألحم ما أسديت» أي تمم ما بدأته.
[6] يردي: يعدو.
[7] في الأصول: «حبيته» بالباء الموحدة، وهو تحريف.
[8] الأنكب: المائل، يقال: رجل أنكب عن الحق وناكب عنه أي مائل.
[9] كذا في جميع الأصول والمعنى ظاهر، ولم نجد في كتب اللغة التي بأيدينا وصفا من «ذهب» على هذا الوزن.
أخبرني هاشم بن محمد قال حدّثنا أبو غسّان دماذ قال حدّثنا أبو عبيدة قال:
كان بشّار يهوى امرأة من أهل البصرة يقال لها عبيدة [1]، فخرجت عن البصرة إلى عمان [2] مع زوجها، فقال بشار فيها:
صوت
هوى صاحبي ريح الشّمال إذا جرت ... وأشفى لقلبي أن تهبّ جنوب
وما ذاك إلا أنها حين تنتهي ... تناهى وفيها من عبيدة طيب
عذيري من العذّال إذ يعذلونني ... سفاها وما في العاذلين لبيب
صوت
يقولون لو عزّيت قلبك لارعوى ... فقلت وهل للعاشقين قلوب
إذا نطق القوم الجلوس فإنّني ... مكبّ [3] كأني في الجميع غريب
بشار وأبو الشمقمق:
أخبرني هاشم قال حدّثني دماذ قال حدّثني رجل من الأنصار قال:
جاء أبو الشّمقمق إلى بشّار يشكو إليه الضّيقة [4] ويحلف له أنه ما عنده شي ء؛ فقال له بشّار: واللّه ما عندي شيء يغنيك ولكن قم معي إلى عقبة بن سلّم، فقام معه فذكر له أبا الشمقمق وقال: هو شاعر وله شكر وثناء، فأمر له بخمسمائة درهم؛ فقال له بشّار:
يا واحد العرب الذي ... أمسى وليس له نظير
لو كان مثلك آخر ... ما كان في الدنيا فقير
فأمر لبشّار بألفي درهم؛ فقال له أبو الشمقمق: نفعتنا ونفعناك يا أبا معاذ؛ فجعل بشّار يضحك.
بشار وأبو جعفر المنصور:
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدّثنا زكريّا بن يحيى أبو السّكين [5] الطائيّ قال حدّثني زحر بن حصن قال:
حجّ المنصور فاستقبلناه بالرّضم الذي بين زبالة [6] والشّقوق، فلما رحل من الشّقوق رحل في وقت الهاجرة
__________
[1] كذا في ح، س وهو الموافق لما في الأبيات الآتية. وفي سائر النسخ: «عبدة».
[2] اسم كورة عربيّة على ساحل بحر اليمن والهند.
[3] مكب: مطرق.
[4] الضيقة بالكسر ويفتح: الفقر وسوء الحال.
[5] كذا في «تهذيب التهذيب» و «الخلاصة في أسماء الرجال» وهو الصواب. وفي ب، س: «أبو مسكين». وفيء، أ، م: «أبو المسكين» وكلاهما تحريف.
[6] زبالة: منزلة معروفة بطريق مكة من الكوفة وهي قرية عامرة بها أسواق. والشقوق: منزل بطريق مكة بعد واقصة من الكوفة.
فلم يركب القبّة [1] وركب نجيبا فسار بيننا، فجعلت الشمس تضحك [2] بين عينيه، فقال: إني قائل بيتا فمن أجازه وهبت له جبّتي هذه؛ فقلنا: يقول أمير المؤمنين، فقال:
وهاجرة نصبت لها جبيني ... يقطّع ظهرها ظهر العظايه [3]
/فبدر بشار الأعمى فقال:
وقفت بها القلوص ففاض دمعي ... على خدّي وأقصر واعظايه
فنزع الجبّة وهو راكب فدفعها إليه. فقلت لبشّار بعد ذلك: ما فعلت بالجبّة؟ فقال بشّار: بعتها واللّه بأربعمائة دينار.
كان له شعر غث يعير به:
أخبرني أحمد بن العباس العسكريّ قال حدّثنا الحسن بن عليل العنزيّ قال حدّثني عليّ بن محمد النّوفليّ قال حدّثني عبد الرحمن بن العباس بن الفضل بن عبد الرحمن بن عيّاش بن أبي ربيعة [4] عن أبيه قال:
كان بشّار منقطعا إليّ وإلى إخوتي فكان يغشانا كثيرا، ثم خرج إبراهيم بن عبد اللّه فخرج معه عدّة منّا، فلما قتل إبراهيم توارينا، وحبس المنصور منّا عدّة من إخوتي، فلما ولي المهديّ أمّن الناس جميعا وأطلق المحبوسين، فقدمت بغداد أنا وإخوتي نلتمس أمانا من المهديّ، وكان الشعراء يجلسون بالليل في مسجد [5] الرّصافة ينشدون ويتحدّثون، فلم أطلع بشّارا على نفسي إلا بعد أن أظهر لنا المهديّ الأمان، وكتب أخي إلى خليفته بالليل، فصحت به: يا أبا معاذ من الذي يقول:
أحبّ الخاتم الأحم ... ر من حبّ مواليه
/ فأعرض عنّي وأخذ في بعض إنشاده شعره، ثم صحت: يا أبا معاذ من الذي يقول:
إنّ سلمى خلقت من قصب [6] ... قصب السكّر لا عظيم الجمل
وإذا أدنيت منها بصلا ... غلب المسك على ريح البصل
فغضب وصاح: من الذي يقرّعنا بأشياء كنا نعبث بها في الحداثة فهو يعيّرنا بها! فتركته ساعة ثم صحت به:
يا أبا معاذ من الذي يقول:
__________
[1] القبة: الهودج.
[2] تضحك: تتلألأ.
[3] العظاية: دويبة ملساء تعدو وتتردّد تشبه سام أبرص.
[4] في جميع النسخ: «ابن ربيعة» بدون كلمة «أبي».
[5] كذا فيء، أ، ح. وفي باقي النسخ: «سجن الرصافة» وهو تحريف، والرصافة: اسم لمواضع كثيرة والمرادة هنا هي «رصافة بغداد» بالجانب الشرقيّ، ذكرها ياقوت فقال: لما بنى المنصور مدينته بالجانب الغربيّ واستتمّ بناءها أمر ابنه المهديّ أن يعسكر في الجانب الشرقيّ وأن يبني له فيها دورا، وجعلها معسكرا له، فالتحق بها الناس وعمروها، فصارت مقدار مدينة المنصور وعمل المهديّ بها جامعا أكبر من جامع المنصور وأحسن. وكان فراغ المهدي من بناء الرصافة والجامع بها في سنة 159 ه وهي السنة الثانية من خلافته.
[6] كذا في الأصول وفي «زهر الآداب» ج 1 ص 206 طبع المطبعة الرحمانية.
إنما عظم سليمى خلتي ... قصب ............... ...
إلخ
/
أخشّاب حقّا أنّ دارك تزعج ... وأنّ الذي بيني وبينك ينهج [1]
فقال: ويحك! عن مثل هذا فسل، ثم أنشدها حتى أتى على آخرها، وهي من جيّد شعره، وفيه غناء:
صوت
فواكبدا قد أنضج الشوق نصفها ... ونصف على نار الصّبابة ينضج
وواحزنا منهنّ يحففن هودجا ... وفي الهودج المحفوف بدر متوّج
فإن جئتها بين النساء فقل لها ... عليك سلام مات من يتزوّج
بكيت وما في الدمع منك خليفة ... ولكنّ أحزاني عليك توهّج
الغناء لسليم بن سلّام رمل بالوسطى. ووجدت هذا الخبر بخط ابن مهرويه فذكر أنه قال هذه القصيدة في امرأة كانت تغشى مجلسه وكان إليها مائلا يقال لها خشّابة، فارسيّة، فزوّجت وأخرجت عن البصرة.
أنشده أبو النضير شعره فاستحسنه:
أخبرني عمّي قال حدّثني الكرانيّ قال حدّثني أبو حاتم:
/ قال أبو النّضير الشاعر: أنشدت بشّارا قصيدة لي، فقال لي: أيجيئك شعرك هذا كلّما شئت أم هذا شيء يجيئك في الفينة [2] بعد الفينة إذا تعمّلت [3] له؟ فقلت: بل هذا شعر يجيئني كلما أردته؛ فقال لي: قل فإنك شاعر؛ فقلت له: لعلّك حابيتني أبا معاذ وتحمّلت [4] لي؛ فقال: أنت أبقاك اللّه أهون عليّ من ذلك.
حاول تقبيل جارية لصديق له وقال شعرا يعتذر فيه عن ذلك:
أخبرني عمّي قال حدّثنا الكرانيّ عن العمريّ عن عبّاس بن عبّاس الزّناديّ عن رجل من باهلة، قال:
كنت عند بشّار الأعمى فأتاه رجل فسلّم عليه، فسأله عن خبر جارية عنده وقال: كيف ابنتي؟ قال: في عافية، تدعوك اليوم؛ فقال بشّار: يا باهليّ انهض بنا، فجئنا إلى منزل نظيف وفرش سريّ [5]، فأكلنا، ثم جيء بالنبيذ فشربنا مع الجارية، فلمّا أراد الانصراف قامت فأخذت بيد بشّار، فلما صار في الصحن أومأ إليها ليقبّلها، فأرسلت يدها من يده، فجعل يجول في العرصة [6]؛ وخرج المولى فقال: مالك يا أبا معاذ؟ فقال: أذنبت ذنبا ولا أبرح أو أقول شعرا، فقال:
أتوب إليك من السيئات ... وأستغفر اللّه من فعلتي
تناولت ما لم أرد نيله ... على جهل أمري وفي سكرتي
وواللّه واللّه ما جئته ... لعمد ولا كان من همّتي
__________
[1] ينهج: يبلى.
[2] الفينة: الحين.
[3] كذا في ح، وتعملت له: تكلفت وتعنيت واجتهدت. وفي باقي الأصول: «تعقلت».
[4] كذا في الأصول. ولعله «و تجملت لي» بالجيم أي تكلفت الجميل وتظاهرت لي به.
[5] سريّ: جيد.
[6] العرصة: ساحة الدار.
وإلا فمتّ إذا ضائعا ... وعذّبني اللّه في ميتتي
فمن نال خيرا على قبلة ... فلا بارك اللّه في قبلتي
كتب شعرا على باب عقبة يستنجزه وعده:
أخبرنا هاشم بن محمد الخزاعيّ قال حدّثنا الرّياشيّ عن الأصمعيّ قال:
لما أنشد بشّار أرجوزته:
يا طلل الحيّ بذات الصّمد
أبا الملدّ [1] عقبة بن سلّم أمر له بخمسين ألف درهم، فأخّرها عنه وكيله ثلاثة أيام، فأمر غلامه بشّار أن يكتب على باب عقبة عن يمين الباب:
ما زال ما منّيتني من همّي ... والوعد غمّ فأزح من غمّي
إن لم ترد حمدي فراقب ذمّي
فلما خرج عقبة رأى ذلك، فقال: هذه من فعلات بشّار، ثم دعا بالقهرمان [2]، فقال: هل حملت/ إلى بشّار ما أمرت له به؟ فقال: أيها الأمير نحن مضيقون [3] وغدا أحملها إليه؛ فقال: زد فيها عشرة آلاف درهم واحملها إليه الساعة؛ فحملها من وقته.
نهي المهدي له عن التشبيب بالنساء وسبب ذلك:
أخبرني هاشم قال حدّثنا أبو غسّان دماذ قال:
سألت أبا عبيدة عن السبب الذي من أجله نهى المهديّ بشّارا عن ذكر النساء قال: كان أوّل ذلك استهتار نساء البصرة وشبّانها بشعره، حتى قال سوّار بن عبد اللّه الأكبر ومالك بن دينار؛ ما شيء أدعى لأهل هذه المدينة إلى الفسق من أشعار هذا الأعمى؛ وما زالا يعظانه؛ وكان واصل بن عطاء يقول: إنّ من أخدع حبائل الشيطان وأغواها لكلمات هذا الأعمى الملحد. فلما كثر ذلك وانتهى خبره من وجوه كثيرة إلى المهديّ، وأنشد المهديّ ما مدحه به، نهاه عن ذكر النساء وقول التشبيب، وكان المهديّ من أشدّ الناس غيرة؛ قال: فقلت له: ما أحسب شعر/ هذا أبلغ في هذه المعاني من شعر كثيّر وجميل وعروة بن حزام وقيس بن ذريح وتلك الطبقة؛ فقال: ليس كلّ من يسمع تلك الأشعار يعرف المراد منها، وبشّار يقارب النساء حتى لا يخفى عليهنّ ما يقول وما يريد، وأيّ حرّة حصان تسمع قول بشّار فلا يؤثّر في قلبها، فكيف بالمرأة الغزلة والفتاة التي لا همّ لها إلا الرجال! ثم أنشد قوله:
قد لامني في خليلتي عمر ... واللّوم في غير كنهه ضجر [4]
قال أفق قلت لا فقال بلى ... قد شاع في الناس منكما الخبر
__________
[1] هكذا وردت هذه الكنية لعقبة المذكور في هذه الأرجوزة فيما تقدّم قريبا ص 176. وفي أ، م: «أبا المتلد» وهو تحريف. وفي ب، س: «أبا الملك».
[2] القهرمان: الوكيل أو أمين الدخل والخرج.
[3] مضيقون: ضيقو الحال.
[4] في ح: «ضرر».
قلت وإذ شاع ما اعتذارك ... ممّا ليس لي فيه عندهم عذر
ماذا عليهم وما لهم خرسوا ... لو أنّهم في عيوبهم نظروا
أعشق وحدي ويؤخذون به ... كالتّرك تغزو فتؤخذ الحزر
يا عجبا للخلاف يا عجبا ... بفي الذي لام في الهوى الحجر
حسبيّ وحسب الذي كلفت به ... منّي ومنه الحديث والنّظر
أو قبلة في خلال ذاك وما ... بأس إذا لم تحلّ لي الأزر
أو عضّة في ذراعها ولها ... فوق ذراعي من عضّها أثر
أو لمسة دون مرطها [1] بيدي ... والباب قد حال دونه السّتر
والساق برّاقة مخلخلها ... أو مصّ ريق وقد علا البهر [2]
واسترخت الكفّ للعراك وقا ... لت إيه عنّي والدّمع منحدر
انهض فما أنت كالذي زعموا ... أنت وربّي مغازل أشر
قد غابت اليوم عنك حاضنتي ... واللّه لي منك فيك ينتصر
/ يا ربّ خذ لي فقد ترى ضرعي ... من فاسق جاء ما به سكر
أهوى إلى معضدي [3] فرضّضه ... ذو قوّة ما يطاق مقتدر
ألصق بي لحية له خشنت ... ذات سواد كأنها الإبر
حتّى علاني وأسرتي غيب [4] ... ويلي عليهم لو أنّهم حضروا
/ أقسم باللّه لا نجوت بها ... فاذهب فأنت المساور الظّفر
كيف بأمّي إذا رأت شفتي ... أم كيف إن شاع منك ذا الخبر
قد كنت أخشى الذي ابتليت به ... منك فماذا أقول يا عبر [5]
قلت لها عند ذاك يا سكني ... لا بأس إني مجرّب [6] خبر
قولي لها بقّة لها ظفر ... إن كان في البقّ ما له ظفر
ثم قال له: بمثل هذا الشعر تميل القلوب ويلين الصّعب.
__________
[1] المرط: كساء من خز أو كتان يؤتزر به.
[2] البهر بسكون ثانية: تتابع النفس وانقطاعه من الإعياء وقد حرك للضرورة.
[3] المعضد: الدملج، وهو حلي يلبس في المعصم.
[4] غيب: جمع غائب.
[5] العبر (بتثليث العين وسكون الباء). الجريء القويّ الذي يشقّ ما مر به، فلعل هذا هو المراد هنا، وحركت الباء بحركة ما قبلها لضرورة الشعر.
[6] المجرّب بصيغة المفعول: من جرّبته الأمور وأحكمته؛ والمجرّب بصيغة الفاعل: من عرف الأمور وجرّبها، وكلاهما في هذا الموضع صحيح.
قال دماذ قال لي أبو عبيدة: قال رجل يوما لبشّار في المسجد الجامع يعابثه: يا أبا معاذ، أيعجبك الغلام الجادل [1]؟ فقال غير محتشم ولا مكترث: لا، ولكن تعجبني أمّه.
ورد على خالد البرمكيّ بفارس وامتدحه:
أخبرني عمّي قال حدّثنا العنزيّ قال حدّثني محمد بن سهل عن محمد بن الحجّاج قال:
ورد بشّار على خالد بن برمك وهو بفارس فامتدحه؛ فوعده ومطله؛ فوقف على طريقه وهو يريد المسجد، فأخذ بلجام بغلته وأنشده:
/أظلّت علينا منك يوما سحابة ... أضاءت لنا برقا وأبطا رشاشها [2]
فلا غيمها يجلي فييأس طامع ... ولا غيثها يأتي فيروى عطاشها
فحبس بغلته وأمر له بعشرة آلاف درهم، وقال: لن تنصرف السحابة حتى تبلّك إن شاء اللّه.
تظاهر بالحج وخرج لذلك مع سعد بن القعقاع:
أخبرني يحيى بن عليّ قال حدّثنا الحسن بن عليل قال حدّثني عليّ بن حرب الطائيّ قال حدّثني إسماعيل بن زياد الطائيّ قال:
كان رجل منا يقال له سعد بن القعقاع يتندّم [3] بشّارا في المجانة، فقال لبشّار وهو ينادمه: ويحك يا أبا معاذ! قد نسبنا الناس إلى الزنّدقة، فهل لك أن تحجّ بنا حجّة تنفي ذلك عنا؟ قال: نعم ما رأيت! فاشتريا بعيرا ومحملا وركبا، فلما مرّا بزرارة [4] قال له: ويحك يا أبا معاذ! ثلاثمائة فرسخ متى نقطعها! مل بنا إلى زرارة نتنعّم فيها، فإذا قفل الحاجّ عارضناهم بالقادسيّة [5] وجززنا رؤوسنا فلم يشكّ الناس أنّا جئنا من الحجّ؛ فقال له بشّار:
نعم ما رأيت لو لا خبث لسانك، وإني أخاف أن تفضحنا. قال: لا تخف. فمالا إلى زرارة فما زالا يشربان الخمر ويفسقان، فلما نزل الحاجّ بالقادسية راجعين، أخذا بعيرا ومحملا وجزّا رؤوسهما وأقبلا وتلقّاهما الناس يهنّئونهما؛ فقال سعد بن القعقاع:
/ألم ترني وبشّارا حججنا ... وكان الحجّ من خير التّجاره
خرجنا طالبي سفر بعيد ... فمال بنا الطريق إلى زراره
فآب الناس قد حجّوا وبرّوا ... وأبنا موقرين من الخساره
__________
[1] الغلام الجادل: اليافع الذي قوي واشتدّ.
[2] الرشاش (بكسر الراء): جمع رش (بالفتح) وهو المطر الخفيف.
[3] كذا في أكثر الأصول، وفي ب، س: «ينتدم» بتقديم النون على التاء، ولم نجد في كتب اللغة التي بين أيدينا صيغة من هاتين الصيغتين مستعملة في المعنى الذي يدل عليه سياق الكلام وهو كثرة المنادمة؛ ولعلها «يتقدّم بشارا في المجانة» أي أنه كان أكثر منه مجونا.
[4] زرارة (بضم أوّله): محلة بالكوفة.
[5] القادسية: بلدة بينها وبين الكوفة خمسة عشر ميلا، وبينها وبين العذيب أربعة أميال، كانت بها وقعة سعد بن أبي وقاص المشهورة مع الفرس في أيام عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه.
أنكر عليه داود بن رزين أشياء فأجابه:
أخبرنا يحيى بن عليّ قال حدّثني محمد بن القاسم الدّينوريّ قال حدّثني محمد بن عمران بن مطر الشاميّ قال حدّثني محمد بن الحسّان [1] الضّبّيّ قال حدّثني محمود الورّاق قال حدّثني داود بن رزين قال:
أتينا بشّارا فأذن لنا والمائدة موضوعة بين يديه فلم يدعنا إلى طعامه، فلما أكل دعا بطست فكشف عن سوءته فبال؛ ثم حضرت الظهر والعصر فلم يصلّ، فدنونا منه فقلنا: أنت أستاذنا وقد رأينا منك أشياء أنكرناها؛ قال: وما هي؟ قلنا: دخلنا والطعام بين يديك فلم تدعنا إليه؛ فقال: إنما أذنت لكم أن تأكلوا ولو لم أرد أن تأكلوا لما أذنت/ لكم [2]؛ قال: ثم ماذا؟ قلنا: ودعوت بطست ونحن حضور فبلت ونحن نراك؛ فقال: أنا مكفوف وأنتم بصراء وأنتم المأمورون بغضّ الأبصار، ثم قال: ومه [3]؛ قلنا: حضرت الظهر والعصر والمغرب فلم تصلّ؛ فقال: إن الذي يقبلها تفاريق يقبلها جملة.
أخبرنا يحيى قال حدّثني أبو أيّوب المدينيّ عن بعض أصحاب بشّار قال:
كنا إذا حضرت الصلاة نقوم ويقعد بشّار فنجعل حول ثيابه ترابا لننظر هل يصلّي، فنعود والتراب بحاله.
بشار والثقلاء:
أخبرنا يحيى قال أخبرنا أبو أيّوب عن الحرمازيّ قال:
قعد إلى بشّار رجل فاستثقله فضرط عليه ضرطة، فظنّ الرجل أنّها أفلتت منه، ثم ضرط أخرى، فقال:
أفلتت، ثم ضرط ثالثة [4]، فقال: يا أبا معاذ، ما هذا؟ قال: مه! أرأيت أم سمعت؟ قال: بل سمعت صوتا قبيحا، فقال: فلا تصدّق حتى ترى.
قال: وأنشد أبو أيّوب لبشّار في رجل استثقله:
ربّما يثقل الجليس وإن كا ... ن خفيفا في كفّة الميزان
كيف لا تحمل الأمانة أرض ... حملت فوقها أبا سفيان
وقال فيه أيضا:
هل لك في مالي وعرضي معا ... وكلّ ما يملك جيرانيه
واذهب إلى أبعد ما ينتوى [5] ... لا ردّك اللّه ولا ماليه
أنشد الوليد بن يزيد شعره في المزاج بالريق فطرب:
أخبرني عيسى بن الحسين الورّاق قال حدّثني محمد بن إبراهيم الجيليّ [6] قال حدّثني محمد بن عمران
__________
[1] في «تهذيب التهذيب»: «حسان» بدون الألف واللام.
[2] يريد «لما أذنت لكم بالدخول».
[3] ومه: أصله «و ما» فأبدلت الألف هاء للوقف والسكت.
[4] بالأصول: «ثالثا».
[5] ينتوى: يقصد.
[6] في ح: «الجبلي» بالباء.
الضّبّيّ قال أنشدنا الوليد بن يزيد قول بشّار الأعمى:
أيّها الساقيان صبّا شرابي ... واسقياني من ريق بيضاء رود [1]
إن دائي الظّما وإن دوائي ... شربة من رضاب ثغر برود
ولها مضحك كغرّ الأقاحي ... وحديث كالوشي وشي البرود
نزلت في السّواد من حبّة القل ... ب ونالت زيادة المستزيد
ثم قالت نلقاك بعد ليال ... والليالي يبلين كلّ جديد
عندها الصبر عن لقائي وعندي ... زفرات يأكلن قلب الحديد
/ قال: فطرب الوليد وقال: من لي بمزاج كاسي هذه من ريق سلمى فيروى ظمئي وتطفأ غلّتي! ثم بكى حتى مزج كأسه بدمعه، وقال: إن فاتنا ذاك فهذا.
هجا جاره أبا زيد فهجاه:
أخبرني عمّي قال حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد قال حدّثني محمد بن محمد بن سليمان الطّفاويّ قال حدّثني عبد اللّه بن أبي بكر - وكان جليسا لبشّار - قال: كان لنا جار يكنى أبا زيد وكان صديقا لبشّار، فبعث إليه يوما يطلب منه ثيابا بنسيئة [2] فلم يصادفها عنده، فقال يهجوه:
ألا إنّ أبا زيد ... زنى في ليلة القدر
ولم يرع، تعالى اللّ ... ه ربّي، حرمة الشّهر
وكتبها في رقعة وبعث بها إليه، ولم يكن أبو زيد ممن يقول الشعر، فقلبها وكتب في ظهرها:
ألا إن أبا زيد ... له في ذلكم عذر
/ أتته أمّ بشّار ... وقد ضاق بها الأمر
فواثبها فجامعها ... وما ساعده الصّبر
قال: فلما قرئت على بشّار غضب وندم على تعرّضه لرجل لا نباهة له، فجعل ينطح الحائط برأسه غيظا، ثم قال: لا تعرّضت لهجاء سفلة [3] مثل هذا أبدا.
شعره في قينة:
أخبرني عمّي قال حدّثنا ابن مهرويه قال حدّثني بعض ولد أبي عبيد اللّه وزير المهديّ، قال:
دخل بشّار على المهديّ وقد عرضت عليه [4] جارية مغنّية فسمع غناءها فأطربه وقال لبشّار: قل في صفتها شعرا؛ فقال:
__________
[1] الرود: الشابة الحسنة الشباب والأصل فيها الهمز وقد سهلت للضرورة.
[2] النسيئة: التأخير، يقال: باعه بنسيئة: إذا أخر له عن الشيء المبيع.
[3] سفلة النّاس وسفلتهم: أسافلهم وغوغاؤهم.
[4] في ح: «عرضت له».
/ ورائحة [1]
للعين فيها محيلة [2] ... إذا برقت لم تسق بطن صعيد
من المستهلّات السّرور على الفتى ... خفا [3] برقها في عبقر [4] وعقود
كأن لسانا ساحرا في كلامها ... أعين بصوت للقلوب صيود
تميت به ألبابنا وقلوبنا ... مرارا وتحييهنّ بعد همود
شعره في عقبة بن سلّم:
أخبرني عمّي قال حدّثنا أبو أيّوب المدينيّ قال قال أبو عدنان حدّثني يحيى بن الجون قال:
دخل بشّار يوما على عقبة بن سلّم فأنشده قوله فيه:
صوت
إنّما لذّة الجواد ابن سلّم ... في عطاء ومركب للّقاء
ليس يعطيك للرجاء ولا الخو ... ف ولكن يلذّ طعم العطاء
يسقط الطير حيث ينتثر الح ... بّ وتغشى منازل الكرماء
لا أبالي صفح اللئيم ولا تج ... ري دموعي على الحرون الصّفاء
فعلى عقبة السلام مقيما ... وإذا سار تحت ظلّ اللواء
فوصله [5] بعشرة آلاف درهم. وفي هذه الأبيات خفيف رمل مطلق في مجرى البنصر لرذاذ، وهو من مختار صنعته وصدورها ومما تشبّه فيه بالقدماء ومذاهبهم.
كان خلف الأحمر وخلف بن أبي عمرو يرويان عنه شعره:
أخبرني أحمد بن العباس العسكريّ قال حدّثنا الحسن بن عليل العنزيّ قال حدّثنا أحمد بن خلّاد عن الأصمعيّ، وأخبرني به الحسن بن عليّ قال حدّثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدّثني أحمد بن خلّاد عن الأصمعيّ قال:
/ كنت أشهد خلف بن أبي عمرو بن العلاء وخلفا الأحمر يأتيان بشّارا ويسلّمان عليه بغاية التعظيم ثم يقولان: يا أبا معاذ، ما أحدثت؟ فيخبرهما وينشدهما ويسألانه ويكتبان عنه متواضعين له حتى يأتي وقت الظهر ثم ينصرفان عنه، فأتياه يوما فقالا له: ما هذه القصيدة التي أحدثتها في سلّم [6] بن قتيبة؟ قال: هي التي بلغتكما؛
__________
[1] الرائحة: واحدة الروائح وهي السحب التي تجيء رواحا، ويقابلها «الغادية».
[2] المخيلة (بفتح الميم): الظنّ.
[3] خفا البرق يخفو خفوا وخفوّا: لمع وظهر.
[4] يريد ثيابها، وتنسب إلى قرية باليمن تسمى عبقر توشّى بها الثياب والبسط، وثيابها أجود الثياب.
[5] في الأصول: «و وصله».
[6] في ب، س، ح: «مسلم» وهو تحريف.
قالا: بلغنا أنك أكثرت فيها من الغريب؛ فقال: نعم، بلغني أنّ سلما يتباصر [1] بالغريب فأحببت أن أورد عليه ما لا يعرفه؛ قالا: فأنشدناها، فأنشدهما:
بكّرا صاحبيّ قبل الهجير ... إنّ ذاك النجاح في التّبكير
حتى فرغ منها؛ فقال له خلف: لو قلت يا أبا معاذ مكان «إن ذاك النجاح»:
بكّرا فالنجاح في/ التبكير
كان أحسن؛ فقال بشّار: بنيتها أعرابيّة وحشيّة، فقلت: «إنّ ذاك النجاح» كما يقول الأعراب البدويّون، ولو قلت: «بكّرا فالنجاح» كان هذا من كلام المولّدين ولا يشبه ذلك الكلام ولا يدخل في معنى القصيدة؛ فقام خلف فقبّل بين عينيه؛ وقال له خلف بن أبي عمرو يمازحه: لو كان علاثة [2] ولدك يا أبا معاذ لفعلت كما فعل أخي، ولكنّك مولى، فمدّ بشار يده فضرب بها فخذ خلف وقال:
أرفق بعمرو إذا حرّكت نسبته ... فإنه عربيّ من قوارير
فقال له: أفعلتها يا أبا معاذ! قال: وكان أبو عمرو يغمز في نسبه.
وأخبرني ببعض هذا الخبر حبيب بن نصر عن عمر بن شبّة عن أبي عبيدة، فذكر نحوه وقال فيه: إنّ سلما يعجبه الغريب.
قيل له إن فلانا سبك عند الأمير فهجاه:
أخبرني هاشم بن محمد الخزاعيّ قال حدّثنا عيسى بن إسماعيل تينة قال قال حدّثنا محمد بن سلّام قال قال لي خلف:
كنت أسمع ببشّار قبل أن أراه، فذكروه لي يوما وذكروا بيانه وسرعة جوابه وجودة شعره، فاستنشدتهم شيئا من شعره، فأنشدوني شيئا لم يكن بالمحمود عندي، فقلت: واللّه لآتينّه ولأطأطئنّ منه، فأتيته وهو جالس على بابه، فرأيته [3] أعمى قبيح المنظر عظيم الجثة، فقلت: لعن اللّه من يبالي بهذا، فوقفت أتأمّله طويلا، فبينما أنا كذلك إذ جاءه رجل فقال: إنّ فلانا سبّك عند الأمير محمد بن سليمان ووضع منك؛ فقال: أو قد فعل؟ قال: نعم؛ فأطرق، وجلس الرجل عنده وجلست، وجاء قوم فسلّموا عليه فلم يردد عليهم، فجعلوا ينظرون إليه وقد درّت [4] أوداجه، فلم يلبث إلا ساعة حتى أنشدنا بأعلى صوته وأفخمه:
نبّئت نائك أمّه يغتابني ... عند الأمير وهل عليّ أمير
ناري محرّقة وبيتي واسع ... للمعتفين ومجلسي معمور
ولي المهابة في الأحبّة والعدا ... وكأنني أسد له تامور [5]
__________
[1] يتباصر بالغريب: يظهر أنه بصير به.
[2] يريد أنه لو كان عربيا لقبله كما يدل على ذلك السياق. ويظهر أنه لا يريد بعلاثة اسما بعينه. ولكنه أتى بهذا الاسم لأنه خاص بالعرب.
[3] في أ، م، ء: «فرأيت».
[4] درت: امتلأت دما؛ والأوداج: جمع ودج وهو عرق في العنق يقطعه الذابح فلا تبقى معه حياة.
[5] التامور: عرين الأسد.
غرثت [1] حليلته وأخطأ صيده ... فله على لقم [2] الطريق زئير
قال: فارتعدت واللّه فرائصي واقشعرّ جلدي وعظم في عيني جدّا، حتى قلت في نفسي: الحمد للّه الذي أبعدني من شرّك.
شعر له في مدح خالد بن برمك:
نسخت من كتاب هارون بن عليّ بن يحيى قال حدّثني عليّ بن مهديّ قال حدّثنا العباس بن خالد قال:
مدح بشّار خالد بن برمك فقال فيه:
لعمري لقد أجدى عليّ ابن برمك ... وما كلّ من كان الغنى عنده يجدي
حلبت بشعري راحتيه فدرّتا ... سماحا كما درّ السّحاب مع الرّعد
إذا جئته للحمد أشرق وجهه ... إليك وأعطاك الكرامة بالحمد
له نعم في القوم لا يستثيبها ... جزاء وكيل التاجر المدّ بالمدّ
مفيد ومتلاف، سبيل تراثه [3] ... إذا ما غدا أو راح كالجزر والمدّ
أخالد إنّ الحمد يبقى لأهله ... جمالا ولا تبقى الكنوز على الكدّ
فأطعم وكل من عارة مستردّة ... ولا تبقها، إن العواري للرّدّ
فأعطاه خالد ثلاثين ألف درهم، وكان قبل ذلك يعطيه في كلّ وفادة خمسة آلاف درهم،/ وأمر خالد أن يكتب هذان البيتان [4] في صدر مجلسه الذي كان يجلس فيه. وقال ابنه يحيى بن خالد: آخر ما أوصاني به أبي العمل بهذين البيتين.
عمر بن العلاء ومدائح الشعراء فيه:
أخبرني عمّي قال حدّثنا عبد اللّه بن عمر بن أبي سعد قال حدّثني محمد بن عبد اللّه بن عثمان قال:
كان أبو الوزير مولى عبد القيس من عمّال الخراج، وكان عفيفا بخيلا، فسأل عمر [5] بن العلاء، وكان جوادا شجاعا، في رجل فوهب له مائة ألف درهم؛ فدخل/ أبو الوزير على المهديّ فقال له: يا أمير المؤمنين، إن عمر بن العلاء خائن؛ قال: ومن أين علمت ذلك؟ قال: كلّم في رجل كان أقصى أمله ألف درهم فوهب له مائة ألف درهم؛ فضحك المهديّ ثم قال: (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ)
[6]، أما سمعت قول بشّار في عمر:
__________
[1] غرثت: جاعت، ورواية «اللسان» في مادة لقم: «غابت حليلته».
[2] لقم الطريق: متنه ووسطه.
[3] كذا في الأصول. والتراث (بضم التاء): ما يخلفه الرجل لورثته وهو بهذا المعنى لا يتمشى مع كلمات البيت ولا المعنى الذي يريده الشاعر من أن الممدوح كسوب متلاف، فماله دائما لذلك يعتور، النقص والزيادة والظاهر أن كلمة «تراثه» محرّفة عن «ثرائه».
[4] يريد البيتين الأخيرين.
[5] كذا في أكثر الأصول و«تاريخ الطبري» (قسم 3 ج 1 ص 136) و«معجم ياقوت» في كلامه على طبرستان. وفي ب، س: «عمرو» وهو تحريف.
[6] سورة الإسراء آية: 84.
إذا دهمتك عظام الأمور ... فنبّه لها عمرا ثم نم
فتى لا ينام على دمنة [1] ... ولا يشرب الماء إلا بدم
أو ما سمعت قول أبي العتاهيّة فيه:
صوت
إنّ المطايا تشتكيك لأنها ... قطعت إليك سباسبا ورمالا
فإذا وردن بنا وردن مخفّة ... وإذا رجعن بنا رجعن ثقالا
- الغناء لإبراهيم ثاني ثقيل بالوسطى عن عمرو بن بانة - أو ليس الذي يقول فيه أبو العتاهية:
يابن العلاء ويابن القرم مرداس ... إني لأطريك في صحبي وجلّاسي
حتى إذا قيل ما أعطاك من نشب ... ألفيت من عظم ما أسديت كالناسي
ثم قال: من اجتمعت ألسن الناس على مدحه كان حقيقا أن يصدّقها بفعله.
شعره في جارية له سوداء كان يفترشها:
أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدّثني أبو بكر الرّبعيّ قال:
كانت لبشّار جارية سوداء وكان يقع عليها، وفيها يقول:
وغادة سوداء برّاقة ... كالماء في طيب وفي لين
كأنها صيغت لمن نالها ... من عنبر بالمسك معجون
ليم في مبالغته في مدح عقبة بن سلّم فأجاب:
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا ابن مهرويه قال حدّثني أبو الشّبل البرجميّ قال: قال رجل لبشّار: إنّ مدائحك عقبة بن سلّم فوق مدائحك كلّ أحد؛ فقال بشّار: إنّ عطاياه إيّاي كانت فوق عطاء كلّ أحد، دخلت إليه يوما فأنشدته:
حرّم اللّه أن ترى كابن سلّم ... عقبة الخير مطعم الفقراء
ليس يعطيك للرّجاء ولا الخو ... ف ولكن يلذّ طعم العطاء
يسقط الطير حيث ينتثر الح ... بّ وتغشى منازل الكرماء
فأمر لي بثلاثة آلاف دينار، وهأنا قد مدحت المهديّ وأبا عبيد اللّه وزيره - أو قال يعقوب بن داود - وأقمت بأبوابهما حولا فلم يعطياني شيئا، أفألام على مدحي هذا!.
طلب منه أبو الشمقمق الجزية فرده فهجاه فأعطاه:
ونسخت من كتاب هارون بن عليّ أيضا حدّثني [عليّ قال حدّثني] [2] عبيد اللّه بن أبي الشّيص عن دعبل بن عليّ قال:
__________
[1] الدمنة: الحقد، وقيل لا يكون الحقد دمنة حتى يأتي عليه الدهر.
[2] هذه الزيادة ساقطة من ب، س.
كان بشّار/ يعطي أبا الشّمقمق في كلّ سنة مائتي درهم، فأتاه أبو الشمقمق في بعض تلك السنين فقال له: هلمّ الجزية يا أبا معاذ؛ فقال: ويحك! أجزية هي! قال: هو ما تسمع؛ فقال له بشّار يمازحه: أنت أفصح منّي؟ قال:
لا؛ قال: فأعلم منّي بمثالب الناس؟ قال: لا؛ قال: فأشعر منّي؟ قال: لا؛ قال: فلم أعطيك؟ قال: لئلّا أهجوك؛ فقال له: إنّ هجوتني هجوتك؛ فقال له أبو الشمقمق: هكذا هو؟ قال: نعم، فقل ما بدالك؛ فقال أبو الشمقمق:
إني إذا ما شاعر هجانيه ... ولجّ في القول له لسانيه
أدخلته في است أمّه علانيه ... بشّار يا بشّار .........
/ وأراد أن يقول: «يابن الزانية»؛ فوثب بشّار فأمسك فاه، وقال: أراد واللّه أن يشتمني، ثم دفع إليه مائتي درهم ثم قال له: لا يسمعنّ هذا منك الصّبيان يا أبا الشمقمق.
أخبرني أحمد بن العباس العسكريّ قال حدّثني الحسن بن عليل العنزيّ قال حدّثني محمد بن بكر قال حدّثني الأصمعيّ قال:
أمر عقبة بن سلّم [الهنائيّ] [1] لبشّار بعشرة آلاف درهم، فأخبر أبو الشمقمق بذلك فوافى بشّارا فقال له:
يا أبا معاذ، إني مررت بصبيان فسمعتهم ينشدون:
هلّلينه هلّلينه ... طعن قثّاة لتينه [2]
إنّ بشّار بن برد ... تيس أعمى في سفينه
فأخرج إليه بشّار مائتي درهم فقال: خذ هذه ولا تكن راوية الصبيان يا أبا الشمقمق.
شعره في هجاء العباس بن محمد بن علي:
أخبرني أحمد قال حدّثنا أبو محمد الصّعتريّ قال حدّثنا محمد بن عثمان البصريّ قال:
استمنح بشّار بن برد العباس بن محمد بن عليّ بن عبد اللّه بن عباس فلم يمنحه، فقال يهجوه:
ظلّ اليسار على العباس ممدود ... وقلبه أبدا في البخل معقود
إنّ الكريم ليخفي عنك عسرته ... حتى تراه غنيّا وهو مجهود
وللبخيل على أمواله علل ... زرق العيون عليها أوجه سود
إذا تكّرهت أن تعطي القليل ولم ... تقدر على سعة لم يظهر الجود
أورق بخير ترجّى للنّوال فما ... ترجى الثمار إذا لم يورق العود
بثّ النّوال ولا تمنعك قلّته ... فكلّ ما سدّ فقرا فهو محمود
اجتمع بعباد بن عباد وسلّم عليه:
أخبرني أحمد قال حدّثنا العنزيّ قال حدّثني المغيرة بن محمد المهلّبيّ قال حدّثني أبي عن عبّاد بن عبّاد قال:
__________
[1] زيادة في أ، م، ء نسبة إلى هناءة بن مالك، وبنو هناءة هم رهط عقبة بن سلّم.
[2] في ح: «طعن قثاة بتينه».
مررت ببشّار فقلت: السّلام عليك يا أبا معاذ؛ فقال: وعليك السلام، أعبّاد؟ فقلت: نعم؛ قال: إني لحسن الرأي فيك؛ فقلت: ما أحوجني إلى ذلك منك يا أبا معاذ!.
جارى امرأ القيس في تشبيهه شيئين بشيئين:
أخبرني يحيى بن عليّ قال أخبرني محمد بن عمر الجرجانيّ عن أبي يعقوب الخريميّ [1] الشاعر أنّ بشّارا قال: لم أزل منذ سمعت قول امرىء القيس في تشبيهه شيئين بشيئين في بيت واحد حيث يقول:
كأنّ قلوب الطير رطبا ويابسا ... لدى وكرها العنّاب والحشف البالي
أعمل نفسي في تشبيه شيئين بشيئين في بيت حتى قلت:
/كأنّ مثار النّقع فوق رؤوسنا ... وأسيافنا ليل تهاوى كواكبه
قال يحيى: وقد أخذ هذا المعنى منصور النّمريّ فقال وأحسن:
ليل من النّقع لا شمس ولا قمر ... إلا جبينك والمذروبة الشّرع [2]
كان إسحاق الموصليّ يطعن في شعره ولما أنشد منه سكت:
أخبرني يحيى بن عليّ قال حدّثني أبي قال: كان إسحاق الموصليّ يطعن على شعر بشّار ويضع منه ويذكر أنّ كلامه مختلف لا يشبه بعضه بعضا؛ فقلنا: أتقول هذا القول لمن يقول:
صوت
إذا كنت في كلّ الأمور معاتبا ... صديقك لم تلق الذي لا تعاتبه
فعش واحدا أوصل أخاك فإنه ... مقارف [3] ذنب مرّة ومجانبه
إذا أنت لم تشرب مرارا على القذى ... ظمئت وأيّ الناس تصفو مشاربه
- لأبي العبيس بن حمدون في هذه الأبيات خفيف ثقيل بالبنصر - قال عليّ بن يحيى: وهذا الكلام الذي ليس فوقه كلام من الشعر ولا حشو فيه؛ فقال لي إسحاق: أخبرني أبو عبيدة معمر بن المثنّى أن شبيل بن عزرة [4] الضّبعيّ أنشده هذه الأبيات للمتلمّس، وكان عالما بشعره لأنهما جميعا من بني ضبيعة؛ فقلت له: أفليس قد ذكر أبو عبيدة أنه قال لبشّار: إن شبيلا أخبره أنها للمتلمّس؛ فقال: كذب واللّه شبيل، هذا شعري، ولقد مدحت به ابن هبيرة فأعطاني عليه أربعين ألفا. وقد صدق بشّار، قد [5] مدح في هذه القصيدة ابن هبيرة، وقال فيها:
__________
[1] هكذا أورد شارح «القاموس» هذا الاسم في «المستدرك» في مادة «خرم» وقال: «هو أبو يعقوب إسحاق بن حسان بن قوهي الخريميّ بالضم من شعراء الدولة العباسية، قيل له ذلك لاتصاله بخريم بن عامر بن الحارث المزي المعروف بالناعم، وقيل: لاتصاله بابنه عثمان بن خريم، وقيل: هو مولاهم» وفي جميع الأصول «الخزيمي» بالزاي وهو تحريف.
[2] المذروبة: المحدّدة، والشرع: المشروعة والمراد بها السيوف.
[3] مقارف ذنب: مخالطه ومرتكبه، من قارف الخطيئة إذا خالطها.
[4] ورد هذا الاسم في «القاموس» مادة شبل «عروة» بالراء والواو واستدرك عليه شارحه فقال: «شبيل بن عروة هكذا في النسخ والصواب ابن عزوة بالزاي» وكذلك ورد «عزرة» بالزاي في «تاريخ الطبريّ» (قسم 2 ج 6 ص 1913 طبع أوروبا).
[5] في ب، س: «وقد» بالواو.
رويد [1]
تصاهل بالعراق جيادنا ... كأنك بالضّحاك قد قام نادبه
وسام لمروان ومن دونه الشّجا ... وهول كلجّ البحر جاشت غواربه
أحلّت به أمّ المنايا بناتها ... بأسيافنا، إنّا ردى من نحاربه
وكنّا إذا دبّ العدوّ لسخطنا ... وراقبنا في ظاهر لا نراقبه
ركبنا له جهرا بكلّ مثقّف ... وأبيض تستسقي الدّماء مضاربه
/ ثم قلت لإسحاق: أخبرني عن قول بشّار في هذه القصيدة:
فلمّا تولّى الحرّ واعتصر الثّرى ... لظى الصّيف من نجم توقّد لاهبه
وطارت عصافير الشّقائق [2] واكتسى ... من الآل [3] أمثال المجرّة [4] ناضبه
غدت عانة تشكو بأبصارها الصّدى ... إلى الجأب إلا أنها لا تخاطبه
- العانة: القطيع من الحمير، والجأب: ذكرها. ومعنى شكواها الصدى بأبصارها أن العطش قد تبيّن في أحداقها فغارت - قال: وهذا من أحسن ما وصف به الحمار والأتن، أفهذا للمتلمّس أيضا! قال: لا؛ فقلت: أفما هو في غاية الجودة وشبيه بسائر الشعر، فكيف قصد بشّار لسرقة تلك الأبيات خاصّة! وكيف خصه بالسرقة منه وحده من بين الشعراء وهو قبله بعصر طويل! وقد روى الرّواة شعره وعلم بشّار أنّ ذلك لا يخفى، ولم يعثر على بشّار أنه سرق شعرا قطّ جاهليّا ولا إسلاميا. وأخرى فإنّ شعر المتلمّس يعرف في بعض شعر بشّار؛ فلم يردد/ ذلك بشيء.
وقد أخبرني بهذا الخبر هاشم بن محمد الخزاعيّ قال حدّثنا أبو غسّان دماذ عن أبي عبيدة أنّ بشّارا أنشده:
إذا كنت في كلّ الأمور معاتبا ... صديقك لم تلق [5] الذي لا تعاتبه
وذكر الأبيات. قال: وأنشدتها شبيل بن عزرة الضّبعيّ، فقال: هذا للمتلمّس؛ فأخبرت بذلك بشّارا، قال:
كذب واللّه شبيل، لقد مدحت ابن هبيرة بهذه القصيدة وأعطاني عليها أربعين ألفا.
لما صار طاهر إلى العراق في حرب الأمين سأل عن ولد بشار ليبرّهم:
أخبرنا يحيى بن عليّ قال حدّثنا عليّ بن مهديّ قال حدّثنا عليّ بن إبراهيم المروزيّ، وكان أبوه من قوّاد طاهر، قال حدّثني أبي قال:
لما خلع محمّد المأمون وندب له عليّ بن عيسى، ندب المأمون للقاء عليّ بن عيسى طاهر بن الحسين
__________
[1] في «اللسان» (مادة رود): وقال الليث: إذا أردت «برويدا» الوعيد نصبتها بلا تنوين، وأنشد:
رويد نصاهل بالعراق جيادنا
إلخ. وفي الأصول: «رويدا» بالتنوين.
[2] الشقائق: جمع شقيقة وهي أرض صلبة بين رياض تنبت الشجر والعشب.
[3] الآل: السراب.
[4] المجرة: نجوم كثيرة لا تدرك بمجرّد البصر وإنما ينتشر ضوءها فيرى كأنه بقعة بيضاء.
[5] في ح: «لم تلف» بالفاء.
ذا اليمينين [1] وجلس له لعرضه وعرض أصحابه، فمرّ به ذو اليمينين معترضا وهو ينشد:
رويد [2] تصاهل بالعراق جيادنا ... كأنك بالضحّاك قد قام نادبه
فتفاءل المأمون بذلك فاستدناه فاستعاده البيت فأعاد عليه؛ فقال ذو الرّياستين [3]: يا أمير المؤمنين هو حجر [4] العراق؛ قال: أجل. فلما صار ذو اليمينين إلى العراق سأل: هل بقي من ولد بشّار أحد؟ فقالوا: لا؛ فتوهّمت أنه قد كان همّ لهم بخير.
غضب على سلّم الخاسر لأنه سرق من معانيه:
أخبرنا يحيى قال حدّثنا أبي قال أخبرني أحمد بن صالح - وكان أحد الأدباء - قال:
غضب بشّار على سلّم الخاسر وكان من تلامذته ورواته، فاستشفع عليه بجماعة من إخوانه فجاؤوه في أمره؛ فقال لهم:
كلّ حاجة لكم مقضيّة/ إلا سلما؛ قالوا ما جئناك إلا في سلّم ولا بدّ من أن ترضى عنه لنا؛ فقال: أين هو الخبيث؟ قالوا: ها هو هذا؛ فقام إليه سلّم فقبّل رأسه ومثل بين يديه وقال: يا أبا معاذ، خرّيجك وأديبك؛ فقال: يا سلّم، من الذي يقول:
من راقب الناس لم يظفر بحاجته ... وفاز بالطيّبات الفاتك اللّهج
قال: أنت يا أبا معاذ، جعلني اللّه فداءك! قال: فمن الذي يقول:
من راقب الناس مات غمّا ... وفاز باللّذّة الجسور [5]
قال: خرّيجك يقول ذلك (يعني نفسه)؛ قال: أفتأخذ معانيّ التي قد عنيت بها وتعبت في استنباطها، فتكسوها ألفاظا أخفّ من ألفاظي حتى يروى ما تقول ويذهب شعري! لا أرضى عنك أبدا، قال: فما زال يتضرّع إليه، ويشفع له القوم حتى رضي عنه. وفي هذه القصيدة يقول بشّار:
لو كنت تلقين ما نلقى قسمت لنا ... يوما نعيش به منكم ونبتهج
صوت
لا خير في العيش إن كنّا [6] كذا أبدا ... لا نلتقي وسبيل الملتقى نهج [7]
__________
[1] ذكر ابن خلكان في «وفيات الأعيان» (ج 1 ص 335) طاهرا هذا وقال في سياق ترجمته: واختلفوا في تلقيبه بذي اليمينين لأيّ معنى كان فقيل: لأنه ضرب شخصا في وقعته مع عليّ بن ماهان فقدّه نصفين وكانت الضربة بيساره فقال فيه بعض الشعراء:
كلتا يديك يمين حين تضربه
وذكر أيضا في ترجمة الفضل بن سهل (ج 1 ص 589) أن الفضل كان أعلم الناس بعلم النجامة، فلما عزم المأمون على إرسال طاهر بن الحسين إلى محاربة أخيه الأمين، نظر الفضل في مسألته فوجد الدليل في وسط السماء وكان ذا يمينين، فأخبر المأمون بأن طاهرا يظفر بالأمين ويلقّب بذي اليمينين، فلقب المأمون طاهرا بذلك، وهو أشهر قوّاده.
[2] انظر الحاشية رقم 4 من ص 197 من هذا الجزء.
[3] هو الفضل بن سهل وزير المأمون، ولقب بذي الرياستين لأنه تقلد الوزارة والسيف.
[4] يريد أنه الركن الذي يعوّل عليه.
[5] هذا البيت وبيت بشار قبله يذكرهما علماء البلاغة شاهدا لحسن أخذ الشاعر الثاني من الأوّل، ويسمونه حسن الاتباع، لأن بيت سلّم أجود سبكا وأخصر لفظا (انظر «معاهد التنصيص» صفحة 506 طبع بولاق).
[6] كذا في الأصول. وفي «معاهد التنصيص»: «إن دمنا».
[7] النهج: البين الواضح.
قالوا حرام تلاقينا فقلت لهم ... ما في التّلاقي ولا في قبلة حرج
من راقب الناس لم يظفر بحاجته ... وفاز بالطّيّبات الفاتك اللّهج
أشكو إلى اللّه هما ما يفارقني ... وشرّعا [1] في فؤادي الدّهر تعتلج
أنشد الأصمعيّ شعره في هجو باهلة فغاظه فخره بنسبه:
/ أخبرنا محمد بن عمران الصيرفيّ قال حدّثنا الحسن بن عليل العنزيّ قال حدّثنا أحمد بن خلّاد قال: أنشدت الأصمعيّ قول بشّار يهجو باهلة:
/و دعاني معشر كلّهم ... حمق دام لهم ذاك الحمق
ليس من جرم ولكن غاظهم ... شرفي العارض قد سدّ الأفق
فاغتاظ الأصمعيّ فقال: ويلي على هذا العبد القنّ ابن [2] القنّ!.
حديثه مع امرأة في الشيب:
نسخت من كتاب هارون بن عليّ بن يحيى قال حدّثني عليّ بن مهدي. قال حدّثني عباس بن خالد قال سمعت غير واحد من أهل البصرة يحدّث:
أنّ امرأة قالت لبشّار: أيّ رجل أنت لو كنت أسود اللحية والرأس! قال بشّار: أما علمت أن بيض البزاة أثمن من سود الغربان؛ فقالت له: أمّا قولك فحسن في السّمع، ومن لك بأن يحسن شيبك في العين كما حسن قولك في السّمع! فكان بشّار يقول: ما أفحمني قطّ غير هذه المرأة.
أحب الأشياء إليه:
ونسخت من كتابه: حدّثني عليّ بن مهديّ قال حدّثني إسحاق بن كلبة قال قال لي أبو عثمان المازنيّ:
سئل بشار: أيّ متاع الدنيا آثر عندك؟ فقال: طعام مزّ [3]، وشراب مرّ، وبنت عشرين بكر.
دخل إليه نسوة وطلب من إحداهنّ أن تواصله فأبت فقال شعرا:
أخبرني عمي قال حدّثني عبد اللّه بن أبي سعد، وأخبرنا الحسن بن عليّ قال حدّثني أحمد بن أبي طاهر قال حدّثني عبد اللّه بن أبي سعد قال حدّثني أبو توبة عن صالح بن عطيّة قال:
كان النساء المتظرّفات يدخلن إلى بشّار في كلّ جمعة يومين، فيجتمعن عنده ويسمعن من شعره، فسمع كلام امرأة منهنّ فعلقها قلبه وراسلها يسألها أن تواصله؛/ فقالت لرسوله: وأيّ معنى فيك لي أو لك فيّ! وأنت أعمى لا تراني فتعرف حسني ومقداره، وأنت قبيح الوجه فلا حظّ لي فيك! فليت شعري لأيّ شيء تطلب وصال مثلى! وجعلت تهزأ به في المخاطبة؛ فأدّى الرّسول الرّسالة، فقال له: عد إليها فقل لها:
__________
[1] الشرع: الرماح والمراد بها هنا الخواطر وما إليها مجازا، وتعتلج: تتضارب ونتمارس.
[2] القن: عبد ملك هو وأبوه.
[3] المز: ما كان طعمه بين الحموضة والحلاوة.
أيرى له فضل على آيارهم ... وإذا أشظّ [1] سجدن غير أوابي
تلقاه بعد ثلاث عشرة قائما ... فعل المؤذّن شكّ يوم سحاب
وكأنّ هامة رأسه بطّيخة ... حملت إلى ملك بدجله جابي [2]
اعترض مروان بن أبي حفصة على بيت من شعره فأجابه:
أخبرني عليّ بن صالح بن الهيثم قال حدّثنا أبو هفّان قال أخبرني أحمد بن عبد الأعلى الشيبانيّ عن أبيه قال:
قال مروان لبشّار لما أنشده هذا البيت:
وإذا قلت لها جودي لنا ... خرجت بالصّمت من لا ونعم
جعلني اللّه فداءك يا أبا معاذ! هلا قلت: «خرست بالصّمت»؛ قال: إذا أنا في عقلك فضّ اللّه فاك! أأتطيّر على من أحبّ بالخرس!.
مدح خالدا البرمكي فأجازه:
نسخت من كتاب هارون بن عليّ بن يحيى: حدّثني بعض أصحابنا قال: وفد بشّار إلى خالد بن برمك وهو على فارس فأنشده:
أخالد لم أخبط [3] إليك بذمّة ... سوى أنّني عاف وأنت جواد
أخالد بين الأجر والحمد حاجتي ... فأيّهما تأتي فأنت عماد
فإن تعطني أفرغ عليك مدائحي ... وإن تأب لم يضرب عليّ سداد [4]
/ركابي على حرف وقلبي مشيّع [5] ... ومالي بأرض الباخلين بلاد
إذا أنكرتني بلدة أو نكرتها ... خرجت مع البازي عليّ سواد
قال: فدعا خالد بأربعة آلاف دينار في أربعة أكياس فوضع واحدا عن يمينه وواحدا عن شماله وآخر بين يديه وآخر خلفه، وقال: يا أبا معاذ، هل استقلّ العماد؟ فلمس الأكياس ثم قال: استقلّ واللّه أيّها الأمير.
مدح الهيثم بن معاوية وأخذ جائزته:
أخبرني حبيب بن نصر المهلّبيّ قال حدّثنا عمر بن شبّة قال قال محمد بن الحجّاج حدّثني بشّار قال:
دخلت على الهيثم بن معاوية وهو أمير البصرة، فأنشدته:
إنّ السّلام أيّها الأمير ... عليك والرّحمة والسّرور
فسمعته يقول: إنّ هذا الأعمى لا يدعنا أو يأخذ من دراهمنا شيئا؛ فطمعت فيه فما برحت حتّى انصرفت بجائزته.
__________
[1] أشظ: أنعظ، وأوابي: ممتنعات واحدتها «آبية».
[2] جاب: وصف من جبي الخراج يجبيه ويجباه أي جمعه.
[3] أي لم أسر إليك لطلب معروفك متوسلا بعهد؛ ورواية «الخزانة» للبغدادي ج 1 ص 540 طبع بولاق. «لم أهبط».
[4] السداد بالكسر: ما نسدّ به الثلمة ونحوها.
[5] الحرف: الناقة القوية، والمشيّع: الشجاع.
طلب رجلا من بني زيد للمفاخرة وهجاه فانقطع عنه:
أخبرني هاشم بن محمد قال حدّثنا عيسى بن إسماعيل عن محمد بن سلّام قال:
وقف رجل من بني زيد شريف، لا أحبّ أن أسمّيه، على بشّار، فقال له: يا بشّار قد أفسدت علينا موالينا، تدعوهم إلى الانتفاء منّا وترغّبهم في الرّجوع إلى أصولهم وترك الولاء، وأنت غير زاكي الفرع ولا معروف الأصل؛ فقال له بشار: واللّه لأصلي أكرم من الذّهب، ولفرعي أزكى من عمل الأبرار، وما في الأرض كلب يودّ أنّ نسبك له بنسبه، ولو شئت أن أجعل جواب كلامك كلاما [1] لفعلت، ولكنّ موعدك/ غدا بالمربد؛ فرجع الرجل إلى منزله وهو يتوهّم أنّ بشّارا يحضر معه المربد ليفاخره، فخرج من الغد يريد المربد فإذا رجل ينشد:
شهدت على الزّيديّ أنّ نساءه ... ضباع [2] إلى أير العقيليّ تزفر
فسأل عمّن قال هذا البيت؛ فقيل له: هذا لبشّار فيك؛ فرجع إلى منزله من فوره ولم يدخل المربد حتّى مات.
قال ابن سلّام: وأنشد رجل يوما يونس في هذه القصيدة وهي:
بلوت بني زيد فما في كبارهم ... حلوم ولا في الأصغرين مطهّر
فأبلغ بني زيد وقل لسراتهم ... وإن لم يكن فيهم سراة توقّر
لأمّكم الويلات إنّ قصائدي ... صواعق منها منجد ومغوّر
أجدّهم [3] لا يتّقون دنيّة ... ولا يؤثرون الخير والخير يؤثر
يلفّون [4] أولاد الزّنا في عدادهم ... فعدّتهم من عدّة الناس أكثر
إذا ما رأوا من دأبه مثل دأبهم ... أطافوا به، والغيّ للغيّ أصور [5]
ولو فارقوا من فيهم من دعارة [6] ... لما عرفتهم أمّهم حين تنظر
لقد فخروا بالملحقين [7] عشيّة ... فقلت افخروا إن كان في اللؤم مفخر
/ يريدون مسعاتي [8] ودون لقائها ... قناديل أبواب السّموات تزهر [9]
__________
[1] كذا في أكثر الأصول. وفي ح: «أن أجعل جواب كلانا شعرا لفعلت». ولعله «جواب كلامك شعرا».
[2] ضباع: جمع ضبعة وأصله الناقة تشتهي الفحل، يقال: ضبعت الناقة تضبع ضبعا وضبعة أي اشتهت الفحل، وقد يستعمل في النساء كما وقع في هذا البيت (انظر «اللسان» و «القاموس» مادة ضبع).
[3] يقال: أجدّك بكسر الجيم وأجدّك بفتحها ونصبهما على المصدر، قال الليث: من قال: أجدّك بكسر الجيم فإنه يستحلفه بجدّه وحقيقته وإذا فتح الجيم استحلفه بجدّه وهو بخته.
[4] يلفون: يجمعون.
[5] أصور: أميل، يقال: صور يصور صورا أي مال.
[6] أي لو فارقوا من انضم إليهم من طريق الدعارة.
[7] يريد بالملحقين: الذين استلحقوهم وألصقوهم بهم من أولاد الزنا.
[8] المسعاة: المكرمة والمعلاة في أنواع المجد والجود. وفي «اللسان»: «و العرب تسمى مآثر أهل الشرف والفضل «مساعي» واحدتها مسعاة لسعيهم فيها كأنها مكاسبهم وأعمالهم التي أعنوا فيها أنفسهم».
[9] تزهر: تتلألأ.
فقل في بني زيد كما قال معرب ... قوارير حجّام غدا تتكسّر
فقال يونس للذي أنشده: حسبك حسبك! من هيّج هذا الشيطان عليهم؟ قيل: فلان؛ فقال:/ ربّ سفيه قوم قد كسب لقومه شرّا عظيما.
ضمن مثلا في شعره عند عقبة بن سلّم واستحق جائزته:
أخبرني عمي قال حدّثنا ابن مهرويه قال حدّثني عبد اللّه بن بشر بن هلال قال حدّثني محمد بن محمد البصريّ قال حدّثني النضر بن طاهر أبو الحجاج قال:
قال بشار: دعاني عقبة بن سلّم ودعا بحمّاد عجرد وأعشى باهلة، فلما اجتمعنا عنده قال لنا: إنه خطر ببالي البارحة مثل يتمثّله الناس: «ذهب الحمار يطلب قرنين فجاء بلا أذنين» فأخرجوه من الشعر، ومن أخرجه فله خمسة آلاف درهم، وإن لم تفعلوا جلدتكم كلّكم خمسمائة؛ فقال حمّاد: أجّلنا أعزّ اللّه الأمير شهرا؛ وقال الأعشى:
أجّلنا أسبوعين؛ قال: وبشّار ساكت لا يتكلّم؛ فقال له عقبة: مالك [يا [1] أعمى] لا تتكلّم! أعمى اللّه قلبك! فقال:
أصلح اللّه الأمير، قد حضرني شيء فإن أمرت قلته؛ فقال قل؛ فقال:
شطّ بسلمى عاجل البين ... وجاورت أسد بني القين
ورنّت النفس لها رنّة ... كادت لها تنشقّ نصفين
يا بنة من لا أشتهي ذكره ... أخشى عليه علق الشّين
واللّه لو ألقاك لا أتّقي ... عينا لقبّلتك ألفين
/ طالبتها ديني فراغت به ... وعلّقت قلبي مع الدّين
فصرت كالعير غدا طالبا ... قرنا فلم يرجع بأذنين
قال: فانصرف بشّار بالجائزة.
قصته مع قوم من قيس عيلان نزلوا بالبصرة ثم ارتحلوا:
نسخت من كتاب هارون بن عليّ بن يحيى: حدّثنا عليّ بن مهديّ قال حدّثني عبد اللّه بن عطية الكوفيّ قال حدّثني عثمان بن عمرو الثقفيّ قال قال أبان بن عبد الحميد اللاحقيّ:
نزل في ظاهر البصرة قوم من أعراب قيس [2] عيلان وكان فيهم بيان وفصاحة، فكان بشّار يأتيهم وينشدهم أشعاره التي يمدح بها قيسا فيجلّونه لذلك ويعظّمونه، وكان نساؤهم يجلسن معه ويتحدّثن إليه وينشدهنّ أشعاره في الغزل وكنّ يعجبن به، وكنت كثيرا ما آتي ذلك الموضع فأسمع منه ومنهم، فأتيتهم يوما فإذا هم قد ارتحلوا، فجئت إلى بشّار فقلت له: يا أبا معاذ، أعلمت أنّ القوم قد ارتحلوا؟ قال: لا؛ فقلت: فاعلم؛ قال: قد علمت لا علمت! ومضيت، فلمّا كان بعد ذلك بأيام سمعت الناس ينشدون:
دعا بفراق من تهوى أبان ... ففاض الدّمع واحترق الجنان
__________
[1] زيادة في ح.
[2] في ح: «قيس بن عيلان» وكلتا الروايتين صحيحة (انظر «اللسان» و «القاموس» وشرحه في مادّة عيل).
كأن شرارة وقعت بقلبي ... لها في مقلتي ودمي استنان [1]
إذا أنشدت أو نسمت عليها ... رياح الصّيف هاج لها دخان
فعلمت أنها لبشّار، فأتيته فقلت: يا أبا معاذ، ما ذنبي إليك؟ قال: ذنب غراب البين؛ فقلت: هل ذكرتني بغير هذا؟ قال: لا؛ فقلت: أنشدك اللّه ألّا تزيد؛ فقال: امض لشأنك فقد تركتك.
بشار وجعفر بن سليمان:
ونسخت من كتابه: حدّثني عليّ بن مهديّ قال حدّثني يحيى بن سعيد الأيوزرذي [2] المعتزليّ قال حدّثني أحمد بن المعذّل عن أبيه قال:
أنشد بشّار جعفر بن سليمان:
أقلّي فإنّا لاحقون وإنّما ... يؤخّرنا أنّا يعدّ لنا عدّا
وما كنت إلا كالأغرّ ابن جعفر ... رأى المال لا يبقى فأبقى به حمدا
/ فقال له جعفر بن سليمان: من ابن جعفر؟ قال: الطيّار [3] في الجنة؛ فقال: لقد ساميت غير مسامى! فقال:
واللّه ما يقعدني عن شأوه بعد النسب، لكن قلّة النشب [4]، وإني لأجود بالقليل وإن لم يكن عندي الكثير، وما على من جاد بما يملك ألّا يهب البدور [5]؛ فقال له جعفر: لقد هززت أبا معاذ، ثم دعا له بكيس فدفعه إليه.
سئل عن ميله للهجاء دون المديح فأجاب:
ونسخت من كتابه: حدّثني عليّ بن مهديّ قال حدّثني أحمد بن سعيد الرازيّ عن سليمان بن سليمان العلويّ قال:
قيل لبشّار: إنك لكثير الهجاء! فقال: إني وجدت الهجاء المؤلم آخذ بضبع [6] الشاعر من المديح الرائع، ومن أراد من الشّعراء أن يكرم في دهر اللئام على المديح فليستعدّ للفقر وإلا فليبالغ في الهجاء ليخاف فيعطى.
بشار في صباه:
أخبرني هاشم بن محمد الخزاعيّ قال حدّثنا أبو غسّان دماذ عن أبي عبيدة قال:
كان برد أبو بشّار طيّانا حاذقا بالتّطيين، وولد له بشّار وهو أعمى، فكان يقول:/ ما رأيت مولودا أعظم بركة منه، ولقد ولد لي وما عندي درهم فما حال الحول حتى جمعت مائتي درهم. ولم يمت برد حتى قال بشّار الشّعر.
وكان لبشّار أخوان يقال لأحدهما: بشر، وللآخر: بشير، وكانا قصّابين وكان بشّار بارّا بهما، على أنه كان ضيّق
__________
[1] الاستنان: الجريان بشدّة.
[2] كذا في ب، س، أ، ء، وفي م: «الأيوزردي» وفي ح: «الأريوزذي».
[3] الطيار لقب جعفر بن أبي طالب، وسبب هذا اللقب أنه أخذ الراية في غزوة «موتة» بعد زيد بن حارثة فقاتل حتى قطعت يداه ومات، فأخبر النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بأنه يطير مع الملائكة في السماء، وكان ابن عمر إذا سلّم على عبد اللّه بن جعفر قال: السلام عليك يابن ذي الجناحين. (انظر «البخاري بشرح القسطلاني» ج 6 ص 143 طبع بولاق).
[4] كذا فيء، أ، ح وفي باقي النسخ: «النسب» وهو تصحيف.
[5] البدور: جمع بدرة وهي كيس فيه ألف أو عشرة الاف درهم أو سبعة آلاف دينار.
[6] الضبع: العضد.
الصدر متبرّما بالناس، فكان يقول: اللهمّ إني [1] قد تبرّمت بنفسي وبالناس جميعا، اللهم فأرحني منهم. وكان إخوته يستعيرون ثيابه فيوسّخونها وينتنون ريحها، فاتخذ قميصا له جيبان وحلف ألّا يعيرهم ثوبا من ثيابه، فكانوا يأخذونها بغير إذنه؛ فإذا دعا بثوبه فلبسه فأنكر رائحته فيقول [2] إذا وجد رائحة كريهة من ثوبه: «أينما أتوجّه ألق سعدا» [3]. فإذا أعياه الأمر خرج إلى الناس في تلك الثياب على نتنها ووسخها، فيقال له: ما هذا يا أبا معاذ؟
فيقول: هذه ثمرة صلة الرّحم. قال: وكان يقول الشّعر وهو صغير، فإذا هجا قوما جاؤوا إلى أبيه فشكوه فيضربه ضربا شديدا، فكانت أمّه تقول: كم تضرب هذا الصبيّ الضرير، أما ترحمه! فيقول: بلى واللّه إني لأرحمه ولكنه يتعرّض للناس فيشكونه إليّ؛ فسمعه بشّار فطمع فيه فقال له: يا أبت إنّ هذا الذي يشكونه منّي إليك هو قول الشعر، وإني إن ألممت عليه أغنيتك وسائر أهلي، فإن شكوني إليك فقل لهم: أليس اللّه يقول: (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ) *
[4]. فلما عاودوه شكواه قال لهم برد ما قاله بشّار؛ فانصرفوا وهم يقولون: فقه برد أغيظ لنا من شعر بشّار.
أعطاه فتى مائتي دينار لشعره في مطاولة النساء:
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثني محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدّثني محمد بن عثمان الكريزيّ قال حدّثني بعض الشعراء قال:
/ أتيت بشّارا الأعمى وبين يديه مائتا دينار [5]، فقال لي: خذ منها ما شئت، أو تدري ما سببها؟ قلت: لا؛ قال: جاءني فتى فقال لي: أنت بشّار؟ فقلت: نعم؛ فقال: إني آليت أن أدفع إليك مائتي دينار وذلك أني عشقت امرأة فجئت إليها فكلّمتها فلم تلتفت إليّ، فهممت أن أتركها فذكرت قولك:
لا يؤيسنّك من مخبّأة ... قول تغلّظه وإن جرحا
عسر النّساء إلى مياسرة ... والصّعب يمكن بعد ما جمحا
/ فعدت إليها فلازمتها حتى بلغت منها حاجتي.
عاب الأخفش شعره ثم صار بعد ذلك يستشهد به لما بلغه أنه همّ بهجوه:
أخبرني عمّي قال حدّثني الكرانيّ عن أبي حاتم قال:
كان الأخفش طعن على بشّار في قوله:
فالآن أقصر عن سميّة باطلي ... وأشار بالوجلى عليّ مشير
وفي قوله:
على الغزلى منّي السّلام فربّما ... لهوت بها في ظلّ مرءومة [6] زهر
__________
[1] كذا في ح وفي باقي الأصول: «إني كنت قد تبرمت».
[2] كذا بالأصول واقتران جواب الشرط الصالح للشرطيّة بالفاء خلاف الأصل (انظر «شرح الأشموني» ج 3 ص 60 طبع بولاق).
[3] هذا مثل يضرب لمن يلقى سوء المعاشرة في كلّ مكان، وأصله أن الأشموني بن قريع كان سيّد قومه فرأى منهم جفوة فرحل عنهم إلى آخرين فرآهم يصنعون بساداتهم مثل ذلك فقال هذا القول.
[4] سورة النور آية: 61.
[5] فيء، أ، م: «مائتا درهم»، وكذا فيما يأتي.
[6] مرءومة: محبوبة مألوفة.
وفي قوله في صفة سفينة:
تلاعب نينان البحور وربّما ... رأيت نفوس القوم من جريها تجري
وقال: لم يسمع من الوجل والغزل فعلى، ولم أسمع بنون ونينان [1]؛ فبلغ ذلك بشّارا فقال: ويلي على القصّارين [2]! متى كانت الفصاحة في بيوت القصارين! دعوني وإيّاه؛ فبلغ ذلك الأخفش فبكى وجزع؛ فقيل له: ما يبكيك؟ فقال: وما لي لا أبكي/ وقد وقعت في لسان بشّار الأعمى! فذهب أصحابه إلى بشار فكذّبوا عنه واستوهبوا منه عرضه وسألوه ألّا يهجوه؛ فقال: قد وهبته للؤم عرضه. فكان الأخفش بعد ذلك يحتجّ بشعره في كتبه ليبلغه؛ فكفّ عن ذكره بعد هذا.
قال: وقال غير أبي حاتم: إنما بلغه أنّ سيبويه عاب هذه الأحرف [3] عليه لا الأخفش، فقال يهجوه:
أسبويه يابن الفارسيّة ما الذي ... تحدّثت عن شتمي وما كنت تنبذ
أظلت تغنّي سادرا [4] في مساءتي ... وأمّك بالمصرين تعطي وتأخذ
قال: فتوقّاه سيبويه بعد ذلك، وكان إذا سئل عن شيء فأجاب عنه ووجد له شاهدا من شعر بشّار احتجّ به استكفافا لشرّه.
ذمّ بني سدوس باستعانة بني عقيل:
أخبرني محمد بن عمران الصّيرفيّ قال حدّثني الحسن بن عليل العنزيّ قال حدّثني أحمد بن عليّ بن سويد بن منجوف قال:
كان بشّار مجاورا لبني عقيل وبني سدوس في منزل الحيّين، فكانوا لا يزالون يتفاخرون، فاستعانت عقيل ببشّار وقالوا: له: يا أبا معاذ، نحن أهلك وأنت ابننا وربيت في حجورنا فأعنّا؛ فخرج عليهم وهم يتفاخرون، فجلس ثم أنشد:
كأنّ بني سدوس رهط ثور ... خنافس تحت منكسر الجدار
تحرّك للفخار زبانييها [5] ... وفخر الخنفساء من الصّغار
فوثب بنو سدوس إليه فقالوا: ما لنا ولك يا هذا! نعوذ باللّه من شرّك! فقال: هذا دأبكم إن عاودتم مفاخرة بني عقيل؛ فلم يعاودوها.
/ أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا ابن مهرويه قال حدّثني محمد بن إسماعيل عن محمد بن سلّام قال: قال يونس النحويّ: العجب من الأزد يدعون هذا العبد ينسب بنسائهم ويهجو رجالهم - يعني بشّارا - ويقول:
__________
[1] ورد هذا الجمع في كتب اللغة، فقد جاء في «لسان العرب» و «القاموس» وغيرهما في مادة «نون»: النون: الحوت والجمع أنوان ونينان.
[2] القصار: من يحوّر الثياب ويدقها.
[3] الأحرف: الكلمات.
[4] السادر: المتحير، والذي يتكلم غير متثبت في كلامه، وقيل: هو اللاهي الذي لا يهتم لشيء ولا يبالي ما صنع.
[5] كذا في ح، أ، م: تثنية زباني، وزبانيا العقرب: قرناها. وفي ب، س: «زبانتيها» وهو تصحيف.
ألا يا صنم الأزد ال ... ذي يدعونه ربّا
ألا يبعثون إليه من يفتق بطنه!.
ذم أناسا كانوا مع ابن أخيه:
أخبرني الحسن قال حدّثني ابن مهرويه عن أحمد [1] بن إسماعيل عن محمد بن سلّام قال:
مرّ ابن أخ لبشّار ببشّار ومعه قوم: فقال لرجل معه وسمع/ كلامه: من هذا؟ فقال: ابن أخيك؛ قال: أشهد أنّ أصحابه سفلة؛ قال: وكيف علمت؟ قال: ليس عليهم نعال.
سمع شعره من مغنية فطرب وقال: هذا أحسن من سورة الحشر:
أخبرني الحسن قال حدّثنا محمد بن القاسم قال حدّثني الفضل بن يعقوب قال:
كنّا عند جارية لبعض التّجار بالكرخ تغنّينا، وبشّار عندنا، فغنّت في قوله:
إنّ الخليفة قد أبى ... وإذا أبى شيئا أبيته
ومخضّب رخص البنا ... ن بكى عليّ وما بكيته
يا منظرا حسنا رأي ... ت [2] بوجه جارية فديته
بعثت إليّ تسومني ... ثوب الشّباب وقد طويته
فطرب بشّار وقال: هذا واللّه يا أبا عبد اللّه أحسن من سورة الحشر!. وقد روى هذه الكلمة عن بشّار غير من ذكرته فقال عنه: إنه قال: هي واللّه أحسن من سورة الحشر. الغناء في هذه الأبيات. وتمام الشعر:
/و أنا المطلّ على العدا ... وإذا غلا الحمد اشتريته
وأميل في أنس النّدي ... م من الحياء وما اشتهيته
ويشوقني بيت الحبي ... ب إذا غدوت وأين بيته
حال الخليفة دونه ... فصبرت عنه وما قليته
وأنشدني أبو دلف هاشم بن محمد الخزاعيّ هذه الأبيات وأخبرني أنّ الجاحظ أخبره أن المهديّ نهى بشّارا عن الغزل وأن يقول شيئا من النسيب، فقال هذه الأبيات. قال: وكان الخليل بن أحمد ينشدها ويستحسنها ويعجب بها.
سألته ابنته لماذا يعرفه الناس ولا يعرفهم فأجابها:
أخبرني هاشم بن محمد قال حدّثنا دماذ أبو غسّان عن محمد بن الحجّاج قال:
__________
[1] ورد هذا الاسم هنا «أحمد» وفيما تقدّم بنحو خمسة أسطر «محمد» باتفاق الأصول في الموضعين مع اتحاد السند ولم نهتد إلى معرفة ما هو الصواب.
[2] سيرد هذا البيت مرة أخرى في ترجمة بشار مصرعا هكذا:
يا منظرا حسنا رأيته ... من وجه جارية فديته
والتصريع تقفية المصراع الأوّل.
قالت بنت بشّار لبشّار: يا أبت، مالك يعرفك الناس ولا تعرفهم؟ قال: كذلك الأمير يا بنيّة.
سب عبد اللّه بن مسور أبا النضير فدافع عنه بشار:
أخبرني عبد اللّه بن محمد الرازيّ قال حدّثنا أحمد بن الحارث الخرّاز عن المدائنيّ قال:
قال عبد اللّه بن مسور الباهليّ يوما لأبي النّضير، وقد تحاورا في شي ء: يابن اللّخناء، أتكلّمني ولو اشتريت عبدا بمائتي درهم وأعتقته لكان خيرا منك! فقال له أبو النّضير: واللّه لو كنت ولد زنا لكنت خيرا من باهلة كلّها؛ فغضب الباهليّ؛ فقال له بشّار: أنت منذ ساعة تزنّي [1] أمّا ولا يغضب، فلما كلّمك كلمة واحدة لحقك هذا كلّه! فقال له: وأمّه مثل أمّي يا أبا معاذ! فضحك، ثم قال: واللّه لو كانت أمّك أمّ الكتاب ما كان بينكما من المصارمة هذا كلّه!.
طلب من يزيد بن مزيد أن يدخله على المهدي فسوّفه فهجاه:
نسخت من كتاب هارون بن عليّ بن يحيى: حدّثني عليّ بن مهديّ قال حدّثني سعيد بن عبيد الخزاعيّ قال:
ورد بشار بغداد فقصد يزيد بن مزيد، وسأله أن يذكره للمهديّ، فسوّفه أشهرا؛ ثم ورد روح [2] بن حاتم فبلغه خبر بشّار، فذكره للمهديّ من غير أن يلقاه، وأمر بإحضاره فدخل إلى المهديّ وأنشده شعرا مدحه به، فوصله بعشرة آلاف درهم ووهب له عبدا وقينة وكساه كسا كثيرة؛ وكان يحضر قيسا مرّة، فقال بشّار يهجو يزيد بن مزيد:
ولمّا التقينا بالجنينة [3] غرّني ... بمعروفه حتى خرجت أفوق [4]
/غرّني: أوجرني [5] كما يغرّ الصبيّ أو يوجر اللبن.
حباني بعبد قعسريّ [6] وقينة ... ووشي وآلاف لهنّ بريق
فقل ليزيد يلعص [7] الشهد خاليا ... لنا دونه عند الخليفة سوق
رقدت فنم يا بن الخبيثة إنها ... مكارم لا يسطيعهنّ لصيق
أبى لك عرق من فلانة أن ترى ... جوادا ورأس حين [8] شبت حليق
قصيدته التي مدح بها إبراهيم بن عبد اللّه فلما قتل جعلها للمنصور:
أخبرني هاشم بن محمد الخزاعيّ قال حدّثنا الرّياشيّ قال حدّثنا الأصمعيّ قال: كان بشّار كتب إلى إبراهيم بن عبد اللّه بن الحسن بقصيدة يمدحه بها ويحرّضه ويشير عليه، فلم تصل إليه حتى قتل، وخاف بشّار أن تشتهر فقلبها
__________
[1] زناه تزنية: نسبه إلى الزنا.
[2] كل من سمي بروح فهو بفتح الراء إلا روح بن القاسم فإنه بالضم (انظر «شرح القاموس» في مادة روح في «المستدرك»).
[3] كذا فيء، م وهو اسم موضع كما في ياقوت. وفي ب، س: «الخبيبة» وهو تحريف.
[4] فاق الرجل فؤوقا وفواقا: الفواق - ويسمى عند العامة بالزغطة - : ما يأخذ الإنسان من تشنج الحجاب الحاجز تشنجا فجائيا ويصدر من امتلاء المعدة بالطعام؛ وهو هنا كناية عما أثقله به من العطاء.
[5] أوجره اللبن ونحوه: جعله في فيه.
[6] القعسريّ: الصلب الشديد.
[7] يلعص: يلعق.
[8] في الأصول: «حيث».
وجعل التحريض فيها على أبي مسلم والمدح والمشورة لأبي جعفر المنصور، فقال:
أبا مسلم ما طيب عيش بدائم ... ولا سالم عما قليل بسالم
/ وإنما كان قال: «أبا جعفر ما طيب عيش» فغيّره وقال فيها:
إذا بلغ الرأي النصيحة فاستعن ... بعزم نصيح أو بتأييد حازم
ولا نجعل الشّورى عليك غضاضة ... مكان الخوافي نافع للقوادم
وخلّ الهوينى للضعيف ولا تكن ... نؤوما فإنّ الحزم ليس بنائم
وما خير كفّ أمسك الغلّ أختها ... وما خير سيف لم يؤيّد بقائم
وحارب إذا لم تعط إلا ظلامة ... شبا الحرب خير من قبول المظالم
وأدن على القربى المقرّب نفسه ... ولا تشهد الشّورى امرأ غير كاتم
فإنك لا تستطرد الهمّ بالمنى ... ولا تبلغ العليا بغير المكارم
إذا كنت فردا هرّك [1] القوم مقبلا ... وإن كنت أدنى لم تفز بالعزائم
وما قرع الأقوام مثل مسيّع [2] ... أريب ولا جلّى العمى مثل عالم
قال الأصمعيّ: فقلت لبشّار: إني رأيت رجال الرأي يتعجّبون من أبياتك في المشورة؛ فقال: أما علمت أنّ المشاورين إحدى الحسنيين: بين صواب يفوز بثمرته أو خطأ يشارك في مكروهه؛ فقلت: أنت واللّه أشعر في هذا الكلام منك في الشعر.
اعترض عليه رجل لوصفه جسمه بالنحول وهو سمين:
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا ابن مهرويه قال حدّثني عليّ بن الصبّاح عن بعض الكوفيين قال:
مررت ببشّار وهو متبطّح [3] في دهليزه كأنه جاموس، فقلت له: يا أبا معاذ، من القائل:
/في حلّتي جسم فتى ناحل ... لو هبّت الريح به طاحا
قال: أنا؛ قلت: فما حملك على هذا الكذب؟ واللّه إني لأرى أن لو بعث اللّه الرياح التي أهلك بها الأمم الخالية ما حرّكتك من موضعك! فقال بشّار: من أين أنت؟ قلت: من أهل الكوفة؛ فقال: يا أهل الكوفة لا تدعون ثقلكم ومقتكم على كل حال!.
عاتب صديقا له لأنه لم يهد له شيئا:
نسخت من كتاب هارون بن عليّ: قال حدّثني عافية بن شبيب قال:
قدم كرديّ بن عامر المسمعيّ من مكة، فلم يهد لبشّار شيئا وكان صديقه؛ فكتب إليه:
__________
[1] يقال: فلان هره الناس إذا كرهوا ناحيته، قال الأعشى:
أرى الناس هروني وشهّر مدخلي ... ففي كل ممشى أرصد الناس عقربا
[2] المشيع: الشجاع، كأنه قد شيع قلبه بما يركب من الأهوال، أو بقوّة قلبه.
[3] متبطح: ممتدّ على وجه الأرض بوجهه.
/
ما أنت يا كرديّ بالهشّ ... ولا أبرّيك من الغشّ
لم تهدنا [1] نعلا ولا خاتما ... من أين أقبلت؟ من الحشّ! [2]
فأهدى إليه هديّة حسنة وجاءه فقال: عجلت يا أبا معاذ علينا، فأنشدك اللّه ألّا تزيد شيئا على ما مضى.
أخبر أنه غنى بشعر له فطرب:
ونسخت من كتابه عن عافية بن شبيب أيضا قال حدّثني صديق لي قال:
قلت لبشّار: كنّا أمس في عرس فكان أوّل صوت غنّى به المغنّي:
هوى صاحبي ريح الشّمال إذا جرت ... وأشفى لنفسي أن تهبّ جنوب
وما ذاك إلا أنها حين تنتهي ... تناهى وفيها من عبيدة طيب
فطرب وقال: هذا [3] واللّه أحسن من فلج [4] يوم القيامة.
مدح المهدي فلم يجزه:
أخبرنا يحيى بن عليّ قال حدّثنا أبي عن عافية بن شبيب عن أبي جعفر الأسديّ قال:
/ مدح بشّار المهديّ فلم يعطه شيئا؛ فقيل له: لم يستجد شعرك؛ فقال: واللّه لقد قلت شعرا لو قيل في الدهر لم يخش صرفه على أحد، ولكنّا نكذب في القول فنكذب [5] في الأمل.
هجا روح بن حاتم فحلف ليضربنه ثم بزّ في يمينه فضربه بعرض السيف:
أخبرني عمّي قال حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد قال حدّثني يحيى بن خليفة الدارميّ عن نصر بن عبد الرحمن العجليّ قال:
هجا بشّار روح بن حاتم؛ فبلغه ذلك فقذفه وتهدّده؛ فلما بلغ ذلك بشّارا قال فيه:
تهدّدني أبو خلف ... وعن أوتاره ناما
بسيف لأبي صفر ... ة لا يقطع إبهاما
كأنّ الورس يعلوه ... إذا ما صدره قاما
- قال ابن أبي سعد: ومن الناس من يروي هذين البيتين لعمرو الظالمي - قال: فبلغ ذلك روحا فقال: كلّ مالي صدقة إن وقعت عيني عليه لأضربنّه ضربة بالسيف ولو أنه بين يدي الخليفة! فبلغ ذلك بشّارا فقام من فوره حتى دخل على المهديّ؛ فقال له: ما جاء بك في هذا الوقت؟ فأخبره بقصّة روح وعاذ به منه، فقال: يا نصير،
__________
[1] الوارد في كتب اللغة: أهدى له كذا وأهدي إليه، فما هاهنا قد حذف منه الجار ووصل الفعل بالمفعول.
[2] الحش (بتثليث الحاء): البستان وموضع قضاء الحاجة لأنهم كانوا يقضون حاجاتهم في البساتين.
[3] كذا في ح، وفي باقي الأصول: «هو واللّه».
[4] الفلج (بالضم): الفوز والظفر.
[5] في ب، س، ح: «فيكذب» بالياء بدل النون.
وجّه إلى روح من يحضره الساعة؛ فأرسل إليه في الهاجرة، وكان ينزل المخرّم [1]، فظنّ هو وأهله أنه دعي لولاية.
قال: يا روح، إني بعثت إليك في حاجة؛ فقال له: أنا عبدك يا أمير المؤمنين فقل ما شئت سوى بشّار فإني حلفت في أمره/ بيمين غموس [2]؛ قال: قد علمت وإيّاه أردت؛ قال له: فاحتل ليميني يا أمير المؤمنين؛ فأحضر القضاة والفقهاء فاتّفقوا على أن يضربه ضربة على جسمه بعرض السيف، وكان بشار وراء الخيش [3]، فأخرج وأقعد واستلّ روح سيفه فضربه ضربة بعرضه؛ فقال: أوّه باسم اللّه! فضحك المهديّ وقال له: ويلك! هذا وإنما ضربك بعرضه وكيف لو ضربك بحدّه!.
مدح سليمان بن هشام:
أخبرني حبيب بن نصر قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثنا أبو عبيدة قال:
مدح بشّار سليمان بن هشام بن عبد الملك وكان مقيما بحرّان وخرج إليه فأنشده قوله فيه:
نأتك على طول التجاور زينب ... وما شعرت أن النّوى سوف تشعب [4]
يرى الناس ما تلقى بزينب إذا نأت ... عجيبا وما تخفي بزينب أعجب
/ وقائلة لي حين جدّ رحيلنا ... وأجفان عينيها تجود وتسكب
أغاد إلى حرّان في غير شيعة ... وذلك شأو عن هواها مغرّب [5]
فقلت لها كلّفتني طلب الغنى ... وليس وراء ابن الخليفة مذهب
سيكفي فتى من سعيه حدّ سيفه ... وكور علافيّ ووجناء ذعلب [6]
/إذا استوغرت دار [7] عليه رمى بها ... بنات الصّوى [8] منها ركوب [9] ومصعب
فعدّي إلى يوم ارتحلت وسائلي ... بزورك والرّحّال من جاء يضرب
لعلك أن تستيقني [10] أن زورتي ... سليمان من سير الهواجر تعقب
__________
[1] المخرم (بضم الميم وفتح الخاء وكسر الراء المشدّدة): محلة كانت ببغداد بين الرصافة ونهر المعلى وفيها كانت الدار التي يسكنها السلاطين البويهية والسلجوقية، خربها في سنة 587 ه الإمام الناصر لدين اللّه أبو العباس أحمد.
[2] كذا في ح، وفي باقي الأصول: «حلفت يمين غموس» واليمين الغموس: التي لا استثناء فيها.
[3] الخيش: مراوح تعمل من نسج خشن من الكتان كشراع السفينة تعلق في سقف البيت ويعمل لها حبل تجرّ به وهي مبلولة بالماء فإذا أراد الرحل أن ينام جذب حبلها فيهب منها نسيم بارد يذهب أذى الحرّ، فلعل بشارا كان مختفيا وراء إحداها وهي مدلّاة.
[4] كذا في ح، وهو الصواب لأن النوى مؤنثة، وفي باقي الأصول: «يشعب» بالياء المثناة.
[5] مغرّب (بكسر الراء وفتحها): بعيد.
[6] الكور: الرحل. والعلافيّ: نسبة إلى علاف (وزان كتاب) ابن طوار لأنه أول من عملها. ووجناء: عظيمة الوجنتين أو صلبة قوية شبهت بالوجين وهو الصعب من الأرض. وذعلب (وزان زبرج): سريعة.
[7] يقال: وغرت الهاجرة تغر وغرا من باب ضرب إذا رمضت واشتدّ حرّها، فمعنى استوغرت حميت واتقدت غيظا، والمراد أنها ضاقت به. ولم ترد هذه الصيغة من هذه المادة في كتب اللغة التي بين أيدينا. وجاء في أقرب الموارد: «المستوغر: لقب عمرو بن ربيعة بن كعب، قلت وهذا دليل على وجود (استوغر) وإن لم يذكروه».
[8] الصوى: جمع صوّة، وهي حجارة مجموعة تجعل علما يهتدي بها في المفازة، وبناتها: صغارها.
[9] الركوب: المذلّل بالركوب، والمصعب: ما لم يركب ولم يمس من الإبل.
[10] الأصول مضطربة في رسم هذه الكلمة، وتكاد تجمع على «تستبعني» مع اختلاف في إعجام بعض الحروف.
أغرّ هشاميّ القناة إذا انتمى ... نمته بدور ليس فيهنّ كوكب
وما قصدت يوما مخيلين [1] خيله ... فتصرف إلّا عن دماء تصبّب
استقل عطاء سليمان فقال شعرا:
فوصله سليمان بخمسة آلاف درهم وكان يبخّل، فلم يرضها وانصرف عنه مغضبا فقال:
إن أمس منقبض اليدين عن النّدى ... وعن العدوّ مخيّس [2] الشيطان
فلقد أروح عن اللئام مسلّطا ... ثلج المقيل [3] منعّم النّدمان
في ظلّ عيش عشيرة محمودة ... تندى يدي ويخاف فرط لساني
أزمان جنّيّ الشباب مطاوع ... وإذ الأمير عليّ من حرّان
ريم بأحوية [4] العراق إذا بدا ... برقت عليه أكلّة [5] المرجان
/ فاكحل بعبدة مقلتيك من القذى ... وبوشك رؤيتها من الهملان
فلقرب من تهوى وأنت متيّم ... أشفى لدائك من بني مروان
فلما رجع إلى العراق برّه ابن هبيرة ووصله، وكان يعظّم بشّارا ويقدّمه، لمدحه قيسا وافتخاره بهم، فلما جاءت دولة أهل خراسان عظم شأنه.
مدح المهديّ بشعر فيه تشبيب حسن فنهاه عن التشبيب:
أخبرني حبيب بن نصر قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثني محمد بن الحجّاج قال:
قدم بشار الأعمى على المهديّ بالرّصافة فدخل عليه في البستان فأنشده مديحا فيه تشبيب حسن، فنهاه عن التشبيب لغيرة شديدة كانت فيه، فأنشده مديحا فيه، يقول فيه:
كأنما جئته أبشّره ... ولم أجيء راغبا ومحتلبا
يزيّن المنبر الأشمّ بعط ... فيه وأقواله إذا خطبا
تشمّ نعلاه في النّدى كما ... يشمّ ماء الرّيحان منتهبا [6]
فأعطاه خمسة آلاف درهم وكساه وحمله على بغل وجعل له وفادة في كلّ سنة ونهاه عن التشبيب البتّة، فقدم عليه في السنة الثالثة فدخل عليه فأنشده:
تجاللت [7] عن فهر وعن جارتي فهر ... وودّعت نعمى بالسّلام وبالبشر
__________
[1] كذا بالأصول ولم نعثر له على معنى مناسب.
[2] مخيس: مذلل.
[3] ثلج المقيل: بارده.
[4] أحوية: جمع حواء، والحواء (بالكسر): جماعة البيوت المتدانية.
[5] أكلّة: جمع إكليل، والإكليل: التاج وشبه عصابة تزيّن بالجواهر.
[6] منتهب: مأخوذ ومباح لمن شاء.
[7] تجاللت: ترفعت.
وقالت سليمى فيك عنّا جلادة [1] ... محلّك دان والزيارة عن عفر [2]
أخي في الهوى مالي أراك جفوتنا ... وقد كنت تقفونا على العسر واليسر
تثاقلت إلا عن يد أستفيدها ... وزورة أملاك أشدّ بها أزري
/ وأخرجني من وزر خمسين حجّة ... فتى هاشميّ يقشعر من الوزر
دفنت الهوى حيّا فلست بزائر ... سليمى ولا صفراء ما قرقر [3] القمري
ومصفرّة بالزعفران جلودها ... إذا اجتليت مثل المفرطحة الصّفر [4]
فربّ ثقال الرّدف هبّت تلومني ... ولو شهدت قبري لصلّت على قبري
تركت لمهديّ الأنام وصالها ... وراعيت عهدا بيننا ليس بالختر [5]
ولو لا أمير المؤمنين محمد ... لقبّلت فاها أو لكان بها فطري
لعمري لقد أوقرت نفسي خطيئة ... فما أنا بالمزداد وقرا على وقر
في قصيدة طويلة امتدحه بها، فأعطاه ما كان يعطيه قبل ذلك ولم يزده شيئا.
توفي ابن له فجزع عليه وتمثل بقول جرير:
أخبرني هاشم بن محمد الخزاعيّ قال حدّثنا عيسى بن إسماعيل العتكيّ عن محمد بن سلّام عن بعض أصحابه قال:
حضرنا جنازة ابن لبشّار توفّي، فجزع عليه جزعا شديدا، وجعلنا نعزّيه ونسلّيه فما يغني ذلك شيئا، ثم التفت إلينا وقال: للّه درّ جرير حيث يقول وقد عزّي بسوادة ابنه:
قالوا نصيبك من أجر فقلت لهم ... كيف العزاء وقد فارقت أشبالي
ودّعتني حين كفّ الدّهر من بصري ... وحين صرت كعظم الرّمّة البالي
أودى سوادة يجلو مقلتي لحم [6] ... باز يصرصر فوق المربأ [7] العالي
إلّا تكن لك بالدّيرين [8] نائحة ... فربّ نائحة بالرّمل معوال
__________
[1] الجلادة: الصلابة والصبر.
[2] العفر: الحين وطول العهد أو الشهر أو البعد أو قلة الزيارة، وبكل من هذه المعاني فسر قولهم فلان ما يأتينا إلا عن عفر (انظر «القاموس» و «شرحه» للمرتضى في مادة عفر).
[3] قرقر: صوّت وردّد صوته.
[4] يريد بها الدنانير.
[5] الختر: شبيه بالغدر والخديعة، وقيل: هو أسوأ الغدر وأقبحه.
[6] لحم: صفة لباز مقدّمة عليه، يقال: «باز لحم» أي يأكل اللحم أو يشتهيه، وكذلك «لاحم».
[7] المربأ: مكان البازي الذي يقف فيه، ويروي «المرقب» وهو بمعناه.
[8] لم نقف على الموضع الذي يعنيه جرير بالديرين هنا، ولكن شراح قوله:
لما تذكرت بالديرين أرقني ... صوت الدجاج وضرب بالنواقيس
يقولون: أراد دير الوليد بالشام، وقد ذكره ياقوت في «معجمه» وقال: لا أدري أين هو.
استنشده صديق له شيئا من غزله فاعتذر بنهي المهديّ له عنه:
أخبرني هاشم بن محمد قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثني خلّاد الأرقط قال:
لمّا أنشد المهديّ قول بشار:
لا يؤيسنّك من مخبّأة ... قول تغلّظه وإن جرحا
عسر النساء إلى مياسرة ... والصّعب يمكن بعد ما جمحا
فنهاه [1] المهديّ عن قوله مثل هذا، ثم حضر مجلسا لصديق له يقال له عمرو بن سمّان، فقال له: أنشدنا يا أبا معاذ شيئا من غزلك، فأنشأ يقول:
وقائل هات شوّقنا فقلت له ... أنائم أنت يا عمرو بن سمّان
أما سمعت بما قد شاع في مضر ... وفي الحليفين من نجر [2] وقحطان
قال الخليفة لا تنسب بجارية ... إيّاك إياك أن تشقى بعصيان
صدق ظنه في تقدير جوائز الشعر:
أخبرني عيسى بن الحسين الورّاق قال حدّثنا سليمان بن أيوب المدائنيّ قال:
قال مروان بن أبي حفصة: قدمت البصرة فأنشدت بشارا قصيدة لي واستنصحته فيها؛ فقال لي: ما أجودها! تقدم بغداد فتعطى عليها عشرة آلاف درهم؛ فجزعت من ذلك وقلت: قتلتني! فقال: هو ما أقول لك؛ وقدمت بغداد فأعطيت عليها عشرة آلاف درهم؛ ثم قدمت عليه قدمة أخرى فأنشدته قصيدتي:
طرقتك زائرة فحيّ خيالها
فقال: تعطى عليها مائة ألف درهم؛ فقدمت فأعطيت مائة ألف درهم، فعدت إلى البصرة فأخبرته بحالي في المرّتين،/ وقلت له: ما رأيت أعجب من حدسك [3]! فقال:/ يا بنيّ، أما علمت أنه لم يبق أحد أعلم بالغيب من عمّك!. أخبرنا بهذا الخبر محمد بن يحيى الصّولي قال: حدّثنا يزيد بن محمد المهلّبيّ عن محمد بن عبد اللّه بن أبي عيينة عن مروان أنه قدم على بشّار فأنشده قوله:
طرقتك زائرة فحيّ خيالها
فقال له: يعطونك عليها عشرة آلاف درهم، ثم قدم عليه فأنشده قوله:
أنّى يكون وليس ذاك بكائن ... لبني البنات وراثة الأعمام
فقال: يعطونك عليها مائة ألف درهم، وذكر باقي الخبر مثل الذي قبله.
__________
[1] كذا في الأصول، والمعروف أن الفاء لا تقع في جواب «لما».
[2] كذا في ب، س. وفي ح: «بحر» وفي باقي الأصول «نحر» ولم نعثر على هذه الكلمات في أسماء القبائل وإنما قال الجوهري:
نجر: علم أرضي مكة والمدينة وقد ورد في كتاب «مهذب الأغاني» ج 4 ص 273 «من بكر وقحطان».
[3] الحدس: الظن والتخمين، وفي الأصول: «من حديثك» فلعلّها محرّفة عنها.
امتحن في صلاته فوجد لا يصلي:
أخبرني عيسى قال حدّثنا سليمان قال:
قال بعض أصحاب بشّار: كنا نكون عنده فإذا حضرت الصلاة قمنا إليها ونجعل على ثيابه ترابا حتى ننظر هل يقوم يصلّي، فنعود والتراب بحاله وما صلّى.
جعل الحب قاضيا بين المحبين بأمر المهديّ:
أخبرني عيسى قال حدّثنا سليمان قال:
قال أبو عمرو: بعث المهدي إلى بشّار فقال له: قل في الحبّ شعرا ولا تطل واجعل الحبّ قاضيا بين المحبّين ولا تسمّ أحدا؛ فقال:
اجعل الحبّ بين حبّي وبيني ... قاضيا إنّني به اليوم راضي
فاجتمعنا فقلت يا حبّ نفسي ... إنّ عيني قليلة الإغماض
أنت عذّبتني وأنحلت جسمي ... فارحم اليوم دائم الأمراض
قال لي لا يحلّ حكمي عليها ... أنت أولى بالسّقم والإحراض [1]
قلت لمّا أجابني بهواها ... شمل الجور في الهوى كلّ قاضي
فبعث إليه المهديّ: حكمت علينا ووافقنا ذلك، فأمر له بألف دينار.
نسب إليه بعضهم أنه أخذ معنى في شعره من أشعب فردّ عليه:
أخبرني عيسى قال حدّثني سليمان المدنيّ قال حدّثني الفضل بن إسحاق الهاشميّ قال:
أنشد بشّار قوله:
يروّعه السّرار [2] بكلّ أرض ... مخافة أن يكون به السّرار
فقال له رجل: أظنك أخذت هذا من قول أشعب: ما رأيت اثنين يتسارّان إلا ظننت أنهما يأمران لي بشي ء؛ فقال: إن كنت أخذت هذا من قول أشعب فإنك أخذت ثقل الرّوح والمقت من الناس جميعا فانفردت به دونهم، ثم قام فدخل وتركنا. وأخذ أبو نواس هذا المعنى بعينه من بشار فقال فيه:
تركتني الوشاة نصب المسرّي ... ن وأحدوثة بكلّ مكان
ما أرى خاليين في السرّ إلّا ... قلت ما يخلوان إلا لشاني
__________
[1] كذا في أ، ء. م. والإحراض: إدناف الحب، ومنه قول العرجي:
إني امرؤ لجّ بي حب فأحرضني ... حتى بليت وحتى شفني السقم
وفي سائر النسخ: «الأمراض» وهو تحريف.
[2] السرار: المسارّة وهي الكلام في خفية.
استنشد هجوه في حماد عجرد وعمرو الظالمي فأنشد:
أخبرني عمّي [1] قال حدّثني سليمان قال قال لي أبو عدنان حدّثني سعيد - جليس كان لأبي زيد - قال:
أتاني أعشى سليم وأبو حنش فقالا لي: انطلق معنا إلى بشّار فتسأله أن ينشدك شيئا من هجائه في حمّاد عجرد أو في عمرو الظالميّ فإنه إن عرفنا لم ينشدنا، فمضيت معهما حتى دخلت على بشّار فاستنشدته فأنشد قصيدة له على الدال فجعل يخرج من واد في الهجاء إلى واد آخر وهما يستمعان وبشّار لا يعرفهما، فلما خرجا قال أحدهما للآخر: أما تعجب مما جاء به هذا الأعمى؟ فقال أبو حنش: أمّا أنا فلا أعرّض - واللّه - والديّ له أبدا؛ وكانا قد جاءا يزورانه، وأحسبهما أرادا أن يتعرّضا لمهاجاته.
مدح واصلا قبل أن يدين بالرجعة:
أخبرني/ هاشم بن محمد الخزاعيّ عن الجاحظ قال:
كان بشّار صديقا لأبي حذيفة واصل بن عطاء قبل أن يدين بالرجعة [2] ويكفّر الأمّة، وكان قد مدح واصلا وذكر خطبته التي خطبها فنزع منها كلّها الراء وكانت على البديهة، وهي أطول من خطبتي خالد بن صفوان وشبيب بن شيبة [3]، فقال:
تكلّفوا [4] القول والأقوام قد حفلوا ... وحبّروا خطبا ناهيك من خطب
فقام مرتجلا تغلي [5] بداهته ... كمرجل القين لمّا حفّ باللّهب
وجانب الراء لم يشعر به أحد ... قبل التصفّح والإغراق [6] في الطلب
قال: فلمّا دان بالرجعة زعم أن الناس كلّهم كفروا بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم؛ فقيل له: وعليّ بن أبي طالب؟ فقال:
وما شرّ الثلاثة أمّ عمرو ... بصاحبك الذي لا تصبحينا [7]
قال: ما كان الكميت شاعرا:
أخبرني هاشم بن محمد قال حدّثنا عيسى بن إسماعيل تينة قال قال لي محمد بن الحجّاج:
/ قال بشّار: ما كان الكميت شاعرا؛ فقيل له: وكيف وهو الذي يقول!:
أنصف امرىء من نصف حيّ يسبّني ... لعمري لقد لاقيت خطبا من الخطب
__________
[1] كذا في أكثر النسخ، وفي ح: «عيسى». وقد وردت الأخبار الثلاثة قبل هذا الخبر برواية عيسى عن سليمان.
[2] انظر الحاشية رقم 5 ص 145 من هذا الجزء.
[3] كذا في أ، ح، ء: وهو الصواب. وشبيب بن شيبة هو أبو معمر البصريّ أحد الفصحاء البلغاء والإخباريين. وفي باقي النسخ:
«شبة».
[4] كذا في «البيان والتبيين» للجاحظ، (ج 1 ص 14 طبع مصر) وهو الذي يقتضيه المقام، وفي الأصول: «تكلف».
[5] كذا في ح وهو الملائم لسياق الكلام. وفي باقي النسخ: «تلفى» بالفاء.
[6] كذا في ح، وفي باقي النسخ: «التفصح» بتقديم الفاء على الصاد وهو تحريف.
[7] في أ، ء، ح، ب: «لا تصحبينا» وهو تحريف، وتصبحينا: تسقينا الصبوح، وهو الشراب أوّل النهار. وهذا البيت لعمرو بن كلثوم من معلقته المشهورة التي يقول في مطلعها:
ألا هبّي بصحتك فاصبحينا ... ولا تبقي خمور الأندرينا
هنيئا لكلب أنّ كلبا يسبّني ... وأنّي لم أردد جوابا على كلب
فقال بشّار: لا بلّ [1] شانئك، أترى رجلا لو ضرط ثلاثين سنة لم يستحل من ضرطه ضرطة واحدة!
تمثل سفيان بن عيينة بشعر له:
نسخت من كتاب هارون بن عليّ بن يحيى: حدّثني عليّ بن مهديّ قال حدّثني حّجاج المعلّم قال سمعت سفيان بن عيينة يقول:
عهدي بأصحاب الحديث وهم أحسن الناس أدبا ثم صاروا الآن أسوأ الناس أدبا، وصبرنا عليهم حتى أشبهناهم [2]، فصرنا كما قال الشاعر:
وما أنا إلا كالزمان إذا صحا ... صحوت وإن ماق [3] الزمان أموق
وبخ من سأله عن منزل ففهمه ولم يفهم:
أخبرني حبيب بن نصر قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثني محمد بن الحجّاج قال:
كنّا مع بشّار فأتاه رجل فسأله عن منزل رجل ذكره له، فجعل يفهّمه ولا يفهم، فأخذ بيده وقام يقوده [4] إلى منزل الرجل وهو يقول:
أعمى يقود بصيرا لا أبا لكم ... قد ضلّ من كانت العميان تهديه
حتى صار به إلى منزل الرجل، ثم قال له: هذا هو منزله يا أعمى.
أنشده عطاء الملط شعرا فاستحسنه وأنشده شعرا على رويه:
أخبرني عمّي قال حدّثني أحمد بن أبي طاهر قال:
زعم أبو دعامة أن عطاء الملط [5] أخبره أنه أتى بشّارا فقال له: يا أبا معاذ، أنشدك شعرا حسنا؟ فقال: ما أسّرني بذلك، فأنشده:
أعاذلتيّ اليوم ويلكما مهلا ... فما جزعا م الآن أبكي ولا جهلا
فلما فرغ منها قال له بشّار: أحسنت [6]، ثم أنشده على رويّها ووزنها:
لقد كاد ما أخفي من الوجد والهوى ... يكون جوى بين الجوانح أو خبلا
صوت
/إذا قال مهلا ذو القرابة زادني ... ولوعا بذكراها ووجدا بها مهلا
__________
[1] لا بل: لا برأ. ويجوز بلّ بالبناء للمفعول أيضا بمعنى لا سقي ولا مطر.
[2] في جميع الأصول: «استهناهم» وظاهر فيها التحريف.
[3] ماق يموق موقا: حمق في غباوة.
[4] في جميع الأصول: «يقوّمه». والتصحيح للأستاذ الشيخ الشنقيطي مما كتبه بخطه على نسخته طبع بولاق.
[5] في أ، م، ء: «عطاء الملك».
[6] في الأصول: «أحسن» بدون تاء الخطاب.
فلا يحسب البيض الأوانس أنّ في ... فؤادي سوى سعدى لغانية فضلا
فأقسم إن كان الهوى غير بالغ ... بي القتل من سعدى لقد جاوز القتلا
فيا صاح خبّرني الذي أنت صانع ... بقاتلتي ظلما وما طلبت ذحلا [1]
سوى أنّني في الحبّ بيني وبينها ... شددت على أكظام [2] سرّ لها قفلا
- وذكر أحمد بن المكيّ أنّ لإسحاق في هذه الأبيات ثقيلا أوّل بالوسطى - فاستحسنت القصيدة وقلت: يا أبا معاذ، قد واللّه أجدت وبالغت، فلو تفضّلت بأن تعيدها! فأعادها على خلاف ما أنشدنيها في المرّة الأولى، فتوهّمت أنه قالها في تلك الساعة.
حاوره أحمد بن خلاد في ميله إلى الإلحاد:
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدّثني أحمد بن خلّاد [3] قال حدّثني أبي قال:
كنت أكلّم بشّارا وأردّ عليه سوء مذهبه بميله إلى الإلحاد، فكان يقول: لا أعرف إلا ما عاينته أو عاينت مثله؛ وكان الكلام يطول بيننا، فقال لي: ما أظنّ الأمر يا أبا خالد [4] إلا كما تقول، وأن الذي نحن فيه خذلان، ولذلك أقول:
طبعت على ما فيّ غير مخيّر ... هواي ولو خيّرت كنت المهذّبا
أريد فلا أعطي وأعطى [5] ولم أرد ... وقصّر علمي أن أنال المغيّبا
فأصرف عن قصدي وعلمي مقصّر ... وأمسي وما أعقبت إلا التعجّبا
عاتب بشعر فتى من آل منقر بعث إليه في الأضحية بنعجة عجفاء:
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثني ابن مهرويه قال حدّثني أحمد بن خلّاد بن المبارك قال حدّثني أبي قال:
كان بالبصرة فتى من بني منقر أمّه عجليّة، وكان يبعث إلى بشّار في كل أضحيّة بأضحيّة من الأضاحي التي كان أهل البصرة يسمّنونها سنة وأكثر للأضاحي ثم تباع الأضحيّة بعشرة دنانير، ويبعث معها بألف درهم؛ قال: فأمر وكيله في بعض السنين أن يجريه على رسمه، فاشترى له نعجة كبيرة غير سمينة وسرق باقي الثمن، وكانت نعجة عبدليّة من نعاج عبد اللّه بن دارم وهو نتاج مرذول، فلما أدخلت عليه قالت له جاريته ربابة: ليست هذه الشاة من الغنم التي كان يبعث بها إليك؛ فقال: أدنيها منّي فأدنتها ولمسها بيده ثم قال: اكتب يا غلام:
/وهبت لنا يا فتى منقر ... وعجل وأكرمهم أولا
__________
[1] الذحل: الثأر.
[2] كذا فيء، ح، وأكظام بالظاء: جمع كظم (بالفتح) وهو مخرج النفس. وفي باقي النسخ: «أكضام» بالضاد، وهو تحريف.
[3] هكذا ورد هذا الاسم في جميع الأصول فيما تقدّم في أخبار بشار وفيما سيأتي من أخباره بعد، وقد ورد في هذا الموضع في جميع الأصول «خالد»، فلعله محرّف عما أثبتناه إذ هو الذي يروي عنه ابن مهرويه في جميع المواضع التي ورد فيها.
[4] في ح: «يا أبا مخلد».
[5] في ب، س، ح: «فلم أرد» بالفاء.
وأبسطهم راحة في النّدى ... وأرفعهم ذروة في العلا
عجوزا قد آوردها عمرها ... وأسكنها الدهر دار البلى
سلوحا [1] توهّمت أن الرّعاء ... سقوها ليسهلها الحنظلا
وأضرط من أمّ مبتاعها ... إن اقتحمت بكرة حرملا [2]
فلو تأكل الزّبد بالنّرسيان [3] ... وتدّمج [4] المسك والمندلا
لما طيّب اللّه أرواحها ... ولا بلّ من عظمها الأقحلا [5]
وضعت يميني على ظهرها ... فخلت حراقفها [6] جندلا
/ وأهوت شمالي لعرقوبها ... فخلت عراقبها مغزلا
وقلّبت أليتها بعد ذا ... فشبّهت عصعصها [7] منجلا
فقلت أبيع فلا مشربا [8] ... أرجّي لديها ولا مأكلا
أم آشوي وأطبخ من لحمها ... وأطيب من ذاك مضغ السّلى [9]
إذا ما أمرّت على مجلس ... من العجب [10] سبّح أو هلّلا
/ رأوا آية خلفها سائق ... يحثّ وإن هرولت هرولا
وكنت أمرت بها ضخمة ... بلحم وشحم قد استكملا
ولكنّ روحا عدا طوره ... وما كنت أحسب أن يفعلا
فعضّ الذي خان في أمرها ... من است أمّه بظرها الأغرلا [11]
ولو لا مكانك قلّدته ... علاطا [12] وأنشقته الخردلا
ولو لا استحائيك خضّبتها ... وعلقت في جيدها جلجلا
__________
[1] سلوح: وصف من السّلح وهو للطير والبهائم كالتغوّط من الإنسان، وقد يستعمل للإنسان على وجه التشبيه.
[2] الحرمل: نبات كالسمسم يعيي آكله.
[3] النّرسيان: نوع من أجود التمر، وفي المثل: «أطيب من الزّبد بالنّرسيان» يضرب مثلا للأمر يستطاب ويستعذب. والمندل: العود الرّطب.
[4] كذا في جميع الأصول، وأدّمج في الشيء مثل اندمج: دخل فيه واستحكم. ولم نجد في كتب اللغة التي بين أيدينا ادّمج متعدّيا بنفسه، فلعلّ ما هنا من قبيل ما جرى فيه النصب على نزع الخافض.
[5] كذا في أكثر الأصول. والأقحل: وصف من قحل الشيء إذا يبس، وفي ب، س: «الأنحل».
[6] الحراقف: جمع حرقفة، والحرقفة: رأس الورك.
[7] العصعص: عجب الذئب.
[8] كذا في أ، م، ء، وفي باقي الأصول: «فلا مشتر».
[9] السلى: الجلدة التي يكون فيها الولد في بطن أمه.
[10] في أ، م، ء: «من العجف».
[11] الأغرل: ذو الغرلة أي لم يختن.
[12] العلاط (بالكسر): حبل يجعل في عنق البعير وسمة تكون في عرض عنقه.
فجاءتك حتى ترى حالها ... فتعلم أنّي بها مبتلى
سألتك لحما لصبياننا ... فقد زدتني فيهم عيّلا
فخذها وأنت بنا محسن ... وما زلت بي محسنا مجملا
قال: وبعث بالرقعة إلى الرجل؛ فدعا بوكيله وقال له: ويلك! تعلم أني أفتدي من بشّار بما أعطيه وتوقعني في لسانه! اذهب فاشتر أضحيّة، وإن قدرت أن تكون مثل الفيل فافعل، وابلغ بها ما بلغت وابعث بها إليه.
شعره في رثاء بنية له:
أخبرني هاشم بن محمد قال حدّثنا عبد الرحمن ابن أخي الأصمعيّ قال حدّثني عمّي قال أخبرنا أبو عمرو بن العلاء قال:
رأيت بشّارا المرعّث يرثي بنيّة له وهو يقول:
يا بنت من لم يك يهوى بنتا ... ما كنت إلا خمسة أو ستّا
حتّى حللت في الحشى وحتّى ... فتّتّ قلبي من جوى فانفتّا
/ لأنت خير من غلام بتّا [1] ... يصبح سكران ويمسي بهتا [2]
مدح نافع بن عقبة بن سلّم بعد موت أبيه:
أخبرني وكيع قال حدّثني أبو أيوب المدينيّ قال:
كان نافع بن عقبة بن سلّم جوادا ممدّحا، وكان بشّار منقطعا إلى أبيه، فلما مات أبوه وفد إليه وقد ولي مكان أبيه، فمدحه بقوله:
ولنافع فضل على أكفائه ... إن الكريم أحقّ بالتفضيل
يا نافع الشّبرات [3] حين تناوحت ... هوج الرياح وأعقبت بوبول
أشبهت عقبة غير ما متشبّه ... ونشأت في حلم وحسن قبول
ووليت فينا أشهرا فكفيتنا ... عنت المريب وسلّة التّضليل [4]
تدعى هلالا في الزمان ونافعا ... والسّلم نعم أبوّة المأمول
فأعطاه مثل ما كان أبوه يعطيه في كلّ سنة إذا وفد عليه.
__________
[1] بت: انقطع عن العمل، ومنه قولهم: سكران باتّ أي منقطع عن العمل بالسكر، ويقال أيضا: بتّ الرجل يبتّ بتوتا أي هزل فلم يقدر أن يقوم.
[2] البهت: الدهش والتحير أو التعب، واستعمال المصدر هنا مكان اسم الفاعل للمبالغة في الوصف.
[3] الشبرات: جمع شبرة، والشبرة (بالكسر): العطية.
[4] كذا بالأصول، وللسلة معان كثيرة، فلعل أقربها هنا: إخراج السيوف من أغمادها عند القتال، ويكون المراد بسلة التضليل: ظهور التضليل وانتشاره، ولعلها «سنة التضليل».
أجاز شعرا للمهدي في جارية:
أخبرني هاشم بن محمد قال حدّثنا الحسن بن عليل العنزيّ قال حدّثني إبراهيم بن عقبة الرفاعيّ قال حدّثني إسحاق/ بن إبراهيم التمّار البصريّ قال:
دخل المهديّ إلى بعض حجر الحرم فنظر إلى جارية منهن تغتسل، فلما رأته حصرت [1] ووضعت يدها على فرجها، فأنشأ يقول:
نظرت عيني لحيني
/ ثم أرتج عليه، فقال: من بالباب من الشعراء؟ قالوا: بشّار، فأذن له فدخل؛ فقال له: أجز:
نظرت عيني لحيني
فقال بشّار:
نظرت عيني لحيني ... نظرا وافق شيني
سترت لمّا رأتني ... دونه بالراحتين
فضلت منه فضول ... تحت طيّ العكنتين
فقال له المهديّ: قبّحك اللّه ويحك! أكنت ثالثنا! ثم ماذا؟ فقال:
فتمنّيت وقلبي ... للهوى في زفرتين
أنّني كنت عليه ... ساعة أو ساعتين
فضحك المهديّ وأمر له بجائزة؛ فقال: يا أمير المؤمنين أقنعت من هذه الصفة بساعة أو ساعتين؟ فقال:
أخرج عنّي قبّحك اللّه! فخرج بالجائزة.
أنشد شعرا على لسان حمار له مات:
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدّثنا أبو شبل عاصم بن وهب البرجميّ قال حدّثني محمد بن الحجّاج قال:
جاءنا بشّار يوما فقلنا له: ما لك مغتمّا؟ فقال: مات حماري فرأيته في النوم فقلت له: لم متّ؟ ألم أكن أحسن إليك! فقال:
سيّدي خذ بي أتانا ... عند باب الأصبهاني
تيّمتني ببنان ... وبدلّ قد شجاني
تيّمتني يوم رحنا ... بثناياها الحسان
وبغنج ودلال ... سلّ جسمي وبراني
__________
[1] حصرت: استحت، وفي حديث زواج فاطمة «فلما رأت عليا جالسا إلى جنب النبي حصرت وبكت» أي استحت وانقطعت كأن الأمر ضاق بها.
/
ولها خدّ أسيل ... مثل خدّ الشيفران [1]
فلذا متّ ولو عش ... ت إذا طال هواني
فقلت له: ما الشيفران؟ قال: ما يدريني! هذا من غريب الحمار، فإذا لقيته فاسأله.
رأيه فيما يكون عليه المجلس:
أخبرني الحسن قال حدّثني محمد بن القاسم قال حدّثني علي بن إياس قال حدّثني السّريّ بن الصبّاح قال:
شهد بشّار مجلسا فقال: لا تصيّروا مجلسنا هذا شعرا كلّه ولا حديثا كلّه ولا غناء كلّه، فإن العيش فرص، ولكن غنّوا وتحدّثوا وتناشدوا وتعالوا نتناهب العيش تناهبا.
وصفه غلام بذرب اللسان وسعة الشدق:
أخبرني عمّي قال حدّثني الكرانيّ عن ابن عائشة قال:
جاء بشّار يوما إلى أبي وأنا على الباب، فقال لي: من أنت يا غلام؟ فقلت: من ساكني الدار؛ قال: فكلّمني واللّه بلسان ذرب وشدق هريت [2].
أبطأ سهيل القرشي فيما كان يهديه له من تمر فكتب إليه يتنجزه:
أخبرني عمّي قال حدّثني الكرانيّ عن أبي حاتم قال:
كان سهيل بن عمر [3] القرشيّ يبعث إلى بشّار في كلّ سنة بقواصر [4] تمر، ثم أبطأ عليه سنة؛ فكتب إليه بشّار:
تمركم يا سهيل درّ وهل يط ... مع في الدرّ من يدي متعتّي [5]
فاحبني يا سهيل من ذلك التم ... ر نواة تكون قرطا لبنتي
/ فبعث إليه بالتمر وأضعفه له، وكتب إليه يستعفيه من الزيادة في هذا الشعر.
سأله بعض أهل الكوفة ممن كانوا على مذهبه أن ينشدهم شعرا ثم عابثوه:
ونسخت من كتاب هارون بن عليّ: عن عافية بن شبيب عن الحسن بن صفوان قال:
جلس إلى بشّار أصدقاء من أهل الكوفة كانوا على مثل مذهبه، فسألوه أن ينشدهم شيئا مما أحدثه، فأنشدهم قوله:
أنّى دعاه الشّوق فارتاحا ... من بعد ما أصبح جحجاحا [6]
__________
[1] في أ، ء: «الشيغران» بالغين.
[2] كذا في ح، وشدق هريت: واسع. وفي باقي الأصول «هرت».
[3] في م، أ، ء: «عمرو».
[4] القواصر: جمع قوصرة (بتخفيف الراء) وقوصرة (بتشديدها) وهي وعاء من قصب يرفع فيه التمر من البواريّ.
[5] متعت: مستكبر متجاوز الحد.
[6] الجحجاح: السيد المسارع في المكارم.
حتّى أتى على قوله:
في حلّتي جسم فتى ناحل ... لو هبّت الرّيح به طاحا [1]
فقالوا: يابن الزانية، أتقول هذا وأنت كأنّك فيل عرضك أكثر [2] من طولك! فقال: قوموا عنّي يا بني الزّناء؛ فإنّي مشغول القلب، لست أنشط اليوم لمشاتمتكم.
عشق امرأة وألح عليها فشكته إلى زوجها:
أخبرني يحيى بن عليّ بن يحيى عن أبيه عن عافية بن شبيب قال:
كان لبشّار مجلس يجلس فيه بالعشيّ يقال له البردان، فدخل إليه نسوة في مجلسه هذا فسمعن شعره، فعشق امرأة منهنّ، وقال لغلامه: عرّفها محبّتي لها، واتبعها إذا انصرفت إلى منزلها؛ ففعل الغلام وأخبرها بما أمره فلم تجبه إلى ما أحبّ، فتبعها إلى منزلها حتّى عرفه، فكان يتردّد إليها حتّى برمت [3] به، فشكته إلى زوجها، فقال لها:
أجيبيه وعديه إلى أن يجيئك إلى هاهنا ففعلت، وجاء بشّار مع امرأة وجّهت بها إليه، فدخل وزوجها جالس وهو لا يعلم، فجعل يحدّثها ساعة، وقال لها: ما اسمك بأبي أنت؟ فقالت: أمامة؛ فقال:
أمامة قد وصفت لنا بحسن ... وإنّا لا نراك فألمسينا
/ قال: فأخذت يده فوضعتها على أير زوجها وقد أنعظ، ففزع ووثب قائما وقال:
عليّ أليّة ما دمت حيّا ... أمسّك طائعا إلا بعود
ولا أهدي لقوم أنت فيهم ... سلام اللّه إلّا من بعيد
طلبت غنيمة فوضعت كفّي ... على أير أشدّ من الحديد
فخير منك من لا خير فيه ... وخير من زيارتكم قعودي
وقبض زوجها عليه وقال: هممت بأن أفضحك؛ فقال له: كفاني، فديتك، ما فعلت بي، ولست واللّه عائدا إليها أبدا، فحسبك ما مضى، وتركه وانصرف [4]. وقد روي مثل هذه الحكاية عن الأصمعيّ في قصّة بشّار هذه.
وهذا الخبر بعينه يحكى بإسناد أقوى من هذا الإسناد وأوضح عن أبي العبّاس الأعمى السائب بن فرّوخ، وقد ذكرته في أخبار أبي العباس بإسناده.
رثاؤه أصدقاءه:
نسخت من كتاب هارون بن عليّ: قال حدّثني عليّ بن مهديّ قال حدّثني حمدان الآبنوسيّ قال حدّثنا أبو نواس قال:
كان لبشّار خمسة ندماء فمات منهم أربعة وبقي واحد يقال له البراء، فركب في زورق يريد عبور دجلة
__________
[1] طاح: ذهب وهلك.
[2] كذا في ح، وفي باقي الأصول: «أثقل».
[3] برمت به: سئمته وضاقت به.
[4] كذا في ح، وفي باقي الأصول: «و تركه فانصرف».
العوراء [1] فغرق، وكان المهديّ قد نهى بشّارا عن ذكر النساء والعشق، فكان بشار يقول: ما خير في الدنيا بعد الأصدقاء؛ ثم رثى أصدقاءه بقوله:
/يابن موسى ماذا يقول الإمام ... في فتاة بالقلب منها أوام
بتّ من حبّها أوقّر بالكأ ... س ويهفو على فؤادي الهيام [2]
/ويحها كاعبا تدلّ بجهم ... كعثبيّ [3] كأنّه حمّام
لم يكن بينها وبيني إلّا ... كتب العاشقين والأحلام
يابن موسى اسقني ودع عنك سلمى ... إنّ سلمى حمى وفيّ احتشام
ربّ كأس كالسّلسبيل تعلّل ... ت بها والعيون عنّي نيام
حبست للشّراة في بيت رأس [4] ... عتّقت عانسا عليها الختام
نفحت نفحة فهزّت نديمي ... بنسيم وانشقّ عنها الزّكام
وكأنّ المعلول منها إذا را ... ح شج في لسانه برسام [5]
صدمته الشّمول حتّى بعيني ... ه انكسار وفي المفاصل خام [6]
وهو باقي الأطراف حيّت [7] به الكأ ... س وماتت أوصاله والكلام
وفتى يشرب المدامة بالما ... ل ويمشي [8] يروم ما لا يرام
أنفدت كأسه الدنانير حتّى ... ذهب العين واستمرّ السّوام [9]
تركته الصّهباء يرنو بعين ... نام إنسانها وليست تنام
/ جنّ من شربة تعلّ بأخرى ... وبكى حين سار فيه المدام
كان لي صاحبا فأودى به الدّه ... ر وفارقته عليه السّلام
بقي النّاس بعد هلك نداما ... ي وقوعا لم يشعروا ما الكلام [10]
__________
[1] دجلة العوراء: دجلة البصرة.
[2] الهيام: الجنون من العشق.
[3] الكعثب: الركب (الفرج) الضخم الناتى ء، والجهم: الغليظ.
[4] بيت رأس: اسم لقريتين، في كل واحدة منهما كروم كثيرة تنسب إليهما الخمر، إحداهما ببيت المقدس، والأخرى من نواحي حلب.
[5] البرسام: علة يهذى فيها، وهو ورم حاد يعرض للحجاب الحاجز ثم يتصل بالدماغ، فارسيّ معرب مركب من «بر» وهو الصدر و «سام» وهو الموت، ويقال لهذه العلة الموم، ولعله يريد بالبرسام هنا أثره وهو الهذيان.
[6] كذا وردت هذه الكلمة في جميع الأصول ولها معان في كتب اللغة لا تتفق والسياق إلا أن يكون قد أراد الكناية عن ارتخاء المفاصل فجعل ما بها من العظام لتثنّيها وتكّسرها كأنها خام أي طاقات زرع غضة رطبة.
[7] حيث بالإدغام لغة في حيي كرضى.
[8] كذا في أكثر الأصول. وفي ح: «و يمسي».
[9] العين: الذهب. واستمر: ذهب. والسوام: الإبل الراعية، والمراد بها هنا المال الراعي كالسائمة.
[10] في ح، ء وإحدى روايتي أ، م: «ما الكرام».
كجزور [1]
الأيسار لا كبد في ... ها لباغ ولا عليها سنام
يابن موسى فقد الحبيب العي ... ن قذاة وفي الفؤاد سقام
كيف يصفو لي النعيم وحيدا ... والأخلّاء في المقابر هام [2]
نفستهم [3] عليّ أم المنايا ... فأنامتهم بعنف فناموا
لا يغيض انسجام عيني عنهم ... إنّما غاية الحزين السّجام [4]
وفد على عمر بن هبيرة فمدحه:
أخبرني هاشم بن محمد الخزاعيّ قال حدّثنا الرياشيّ عن الأصمعيّ:
أن بشّارا وفد إلى عمر بن هبيرة وقد مدحه بقوله:
يخاف المنايا أن ترحّلت صاحبي ... كأنّ المنايا في المقام تناسبه
فقلت له إنّ العراق مقامه ... وخيم إذا هبّت عليك جنائبه
لألقى بني عيلان إنّ فعالهم [5] ... تريد على كلّ الفعال مراتبه
أولاك الألى شقّوا العمى بسيوفهم ... عن العين حتّى أبصر الحقّ طالبه
وجيش كجنح الليل يزحف بالحصا ... وبالشوك والخطّيّ حمرا ثعالبه [6]
/غدونا له والشّمس في خدر أمّها ... تطالعنا والطّلّ [7] لم يجر ذائبه
بضرب يذوق الموت من ذاق طعمه ... وتدرك من نجّى الفرار مثالبه
/ كأنّ مثار النّقع فوق رؤوسنا ... وأسيافنا ليل تهاوى [8] كواكبه
بعثنا لهم موت الفجاءة إنّنا ... بنو الموت خفّاق علينا سبائبه [9]
فراحوا فريق في الإسار ومثله ... قتيل ومثل لاذ بالبحر هاربه
إذا الملك الجبّار صعّر خدّه [10] ... مشينا إليه بالسّيوف نعاتبه
__________
[1] جزور الأيسار: الناقة التي تنحر للمقامرة عليها.
[2] هام: أموات، يقال: أصبح فلان هامة أي مات، وهذا هامة اليوم أو غد أي أنه مشف على الموت.
[3] نفستهم: حسدتهم عليّ.
[4] السجام (بالكسر): سيلان الدمع.
[5] الفعال (بالفتح): الجود والكرم.
[6] كذا في «معاهد التنصيص» ص 191 طبع بولاق. والثعالب: جمع ثعلب، وهو طرف الريح الداخل في السنان، وفي الأصول:
«تغالبه» وهو تحريف.
[7] كذا في «معاهد التنصيص» (طبع بولاق ص 191) وفي الأصول: «و الظل» بالظاء المعجمة وهو تحريف.
[8] كذا في «معاهد التنصيص» وأصله تتهاوى أي يتساقط بعضها في أثر بعض، وفي الأصول «تتهادى» بالدال وهو تحريف.
[9] السبائب: جمع سبيبة وهي شقة رقيقة من الكتان، والمراد بها هنا الرايات.
[10] صعر خده: أماله عن النظر إلى الناس تهاونا بهم وكبرا.
فوصله بعشرة آلاف درهم، فكانت أوّل عطيّة سنيّة أعطيها بشّار ورفعت من ذكره، وهذه القصيدة هي التي يقول فيها:
صوت
إذا كنت في كلّ الأمور معاتبا ... صديقك لم تلق الذي لا تعاتبه
فعش واحدا أوصل أخاك فإنه ... مقارف [1] ذنب مرّة ومجانبه
إذا أنت لم تشرب مرارا على القذى ... ظمئت وأيّ النّاس تصفو مشاربه
الغناء في هذه الأبيات لأبي العبيس بن حمدون خفيف ثقيل بالبنصر في مجراها.
شعره في العشق:
أخبرني يحيى بن عليّ بن يحيى قال ذكر أبو أيّوب المدينيّ عن الأصمعيّ قال:
كان لبشّار مجلس يجلس فيه يقال له البردان، وكان النساء يحضرنه فيه، فبينما هو ذات يوم في مجلسه إذ سمع كلام امرأة في المجلس فعشقها، فدعا غلامه فقال:/ إذا تكلّمت المرأة عرّفتك فاعرفها، فإذا انصرفت من المجلس فاتبعها وكلّمها وأعلمها أنّى لها محبّ؛ وقال فيها:
يا قوم أذني لبعض الحيّ عاشقة ... والأذن تعشق قبل العين أحيانا
قالوا: بمن لا ترى تهذي! فقلت لهم ... الأذن كالعين توفي [2] القلب ما كانا
هل من دواء لمشغوف بجارية ... يلقى بلقيانها روحا [3] وريحانا
وقال في مثل ذلك:
قالت عقيل بن كعب إذ تعلّقها ... قلبي فأضحى به من حبّها أثر
أنّى ولم ترها تهذي! فقلت لهم ... إنّ الفؤاد يرى ما لا يرى البصر
أصبحت كالحائم الحيران مجتنبا ... لم يقض وردا ولا يرجى له صدر
قال يحيى بن عليّ وأنشدني أصحاب أحمد بن إبراهيم عنه لبشّار في هذا المعنى وكان يستحسنه:
يزهّدني في حبّ عبدة معشر ... قلوبهم فيها مخالفة قلبي
فقلت دعوا قلبي وما اختار وارتضى ... فبالقلب لا بالعين يبصر ذو الحبّ
فما تبصر العينان في موضع الهوى ... ولا تسمع الأذنان إلّا من القلب
وما الحسن إلّا كلّ حسن دعا الصّبا ... وألّف بين العشق والعاشق الصّبّ
قال أبو أحمد: وقال في مثل ذلك:
__________
[1] مقارف: مخالط.
[2] توفي: تبلغ.
[3] الرّوح (بالفتح): نسيم الريح والراحة والسرور.
يا قلب مالي أراك لا تقر [1] ... إيّاك أعني وعندك الخبر
أذعت بعد الألى مضوا حرقا ... أم ضاع ما استودعوك إذ بكروا
/ قال أبو أحمد: وقال في مثل ذلك:
إنّ سليمى واللّه يكلؤها ... كالسّكر تزداده على السّكر
بلّغت عنها شكلا [2] فأعجبني ... والسّمع بكفيك غيبة البصر
أنشد المهديّ شعرا فلم يعطه شيئا فقال شعرا مداره الحكمة:
أخبرني محمد بن القاسم الأنباريّ قال حدّثني أبي قال:
زعم أبو العالية أنّ بشّارا قدم على المهديّ، فلمّا استأذن عليه قال له الربيع: قد أذن لك وأمرك ألّا تنشد شيئا من الغزل والتشبيب فأدخل على ذلك، فأنشده قوله:
يا منظرا حسنا رأيته ... من وجه جارية فديته
بعثت إليّ تسومني ... برد الشّباب وقد طويته
واللّه ربّ محمّد ... ما إن غدرت ولا نويته
أمسكت عنك وربّما ... عرض البلاء وما ابتغيته
إنّ الخليفة قد أبى ... وإذا أبى شيئا أبيته
ومخضّب رخص البنا ... ن بكى عليّ وما بكيته
ويشوقني بيت الحبي ... ب إذا ادّكرت وأين بيته
قام الخليفة دونه ... فصبرت عنه وما قليته
ونهاني الملك الهما ... م عن النّسيب [3] وما عصيته
لا بل وفيت فلم أضع ... عهدا ولا رأيا رأيته
وأنا المطلّ على العدا ... وإذا غلا علق [4] شريته
أصفي [5] الخليل إذا دنا ... وإذا نأى عنّي نأيته
/ ثم أنشده ما مدحه به بلا تشبيب، فحرمه ولم يعطه شيئا؛ فقيل له: إنّه لم يستحسن شعرك؛ فقال: واللّه لقد مدحته بشعر لو مدح به الدهر لم يخش صرفه على أحد، ولكنّه كذّب أملي لأنّي كذبت في قولي. ثم قال في ذلك:
__________
[1] لا تقر: لا ترزن ولا تستقر، من الوقار أي الرزانة.
[2] الشكل: غنج المرأة ودلالها.
[3] كذا في أ، م. وفي باقي الأصول: «النساء».
[4] كذا في أكثر الأصول، والعلق: النفيس من كل شيء، وفي أ«شي ء» وقد تقدّم في صفحة 212 من هذا الجزء:
وإذا غلا الحمد اشترتيه
[5] أصفى الخليل: أي أصفيه الودّ، يقال: أصفيت فلانا الود أي أخلصته له.
خليليّ إنّ العسر سوف يفيق ... وإنّ يسارا في غد لخليق
وما كنت إلا كالزّمان إذا صحا ... صحوت وإن ماق [1] الزّمان أموق
أأدماء [2] لا أستطيع في قلّة الثّرى ... خزوزا [3] ووشيا والقليل محيق [4]
خذي من يدي ما قلّ إنّ زماننا ... شموس [5] ومعروف الرجال رقيق [6]
لقد كنت لا أرضى بأدنى معيشة ... ولا يشتكي بخلا عليّ رفيق
خليليّ إنّ المال ليس بنافع ... إذا لم ينل منه أخ وصديق
وكنت إذا ضاقت عليّ محلّة ... تيمّمت أخرى ما عليّ تضيق
وما خاب بين اللّه والناس عامل ... له في التّقى أو في المحامد سوق
ولا ضاق فضل اللّه عن متعفّف ... ولكنّ أخلاق الرجال تضيق
أنشد المهديّ شعرا في النسيب فتهدده إن عاد إلى مثله:
أخبرني حبيب بن نصر قال حدّثني عمر بن شبّة قال:
بلغ المهديّ قول بشّار:
/قاس الهموم تنل بها نجحا ... والليل إنّ وراءه صبحا
/ لا يؤيسنّك من مخبّأة ... قول تغلّظه وإن جرحا
عسر النّساء إلي مياسرة ... والصّعب يمكن بعد ما جمحا
فلمّا قدم عليه استنشده هذا الشعر فأنشده إياه، وكان المهديّ غيورا، فغضب وقال: تلك أمّك يا عاضّ كذا من أمّه [7]! أتحضّ الناس على الفجور وتقذف المحصنات المخبّآت! واللّه لئن قلت بعد هذا بيتا واحدا في نسيب لآتينّ على روحك؛ فقال بشار في ذلك:
واللّه لو لا رضا الخليفة ما ... أعطيت ضيما عليّ في شجن
وربّما خير لابن آدم في ال ... كره وشقّ الهوى على البدن
فاشرب على أبنة الزّمان فما ... تلقى زمانا صفا من الأبن [8]
__________
[1] ماق: حمق.
[2] الأدماء: - لغة - الظبية التي أشرب لونها بياضا، ومن معانيها أيضا السمراء مؤنث آدم، وهي هنا علم، كلمياء وعفراء.
[3] الخزوز: جمع خز وهو نوعان: أحدهما ثياب تنسج من صوف وحرير، وثانيهما ثياب تنسج من الحرير وحده، والوشى: نوع من الثياب الموشية أي المنقوشة التي خلط فيه لون بلون.
[4] محيق: لا خير فيه وهو فعيل من «محقه اللّه» أي أذهب خيره وبركته.
[5] شموس: متنكر، ومنه فرس شموس: لا يمكن أحدا من ظهره، ورجل شموس: عسر في عداوته شديد الخلاف على من عانده.
[6] كذا في ح، وفي باقي الأصول «رفيق» بالفاء وهو تحريف.
[7] يريد «يا عاض بظر أمه» والبظر: هنة تقطعها الخافضة من فرج المرأة عند الختان، وفي حديث الحديبية «امصص ببظر اللات».
[8] الأبن: جمع أبنة وهي العداوة والحقد، والمراد هنا الكدر.
اللّه يعطيك من فواضله ... والمرء يغضي عينا على الكمن [1]
قد عشت بين الرّيحان والراح وال ... مزهر [2] في ظلّ مجلس حسن
وقد ملأت البلاد ما بين فغ ... فور [3] إلى القيروان فاليمن
قال عمر بن شبّة: فغفور: ملك الصين.
شعرا تصلّي له العواتق [4] وال ... ثّيب [5] صلاة الغواة للوثن
/ ثم نهاني المهديّ فانصرفت ... نفسي صنيع الموفّق اللّقن [6]
فالحمد للّه لا شريك له ... ليس بباق شيء على الزّمن
ثم أنشده قصيدته التي أوّلها:
تجاللت عن فهر وعن جارتي فهر
ووصف بها تركه التشبيب، ومدحه فقال:
تسلّى عن الأحباب صرّام خلّة ... ووصّال أخرى ما يقيم على أمر
وركّاض أفراس الصّبابة والهوى ... جرت حججا ثم استقرّت فما تجري
فأصبحن ما يركبن إلّا إلى الوغى ... وأصبحت لا يزرى عليّ ولا أزري
فهذا وإنّي قد شرعت [7] مع التّقى ... وماتت همومي الطارقات فما تسري
ثم قال يصف السفينة:
وعذراء لا تجري بلحم ولا دم ... قليلة شكوى الأين [8] ملجمة الدّبر
إذا ظعنت [9] فيها الفلول [10] تشخّصت ... بفرسانها لا في وعوث [11] ولا وعر
__________
[1] الكمن: جمع كمنة وهي جرب وحمرة تبقى في العين من رمد يساو علاجه، وقيل: ورم في الأجفان، وقيل: قرح في المآقي.
[2] في ح: «المزمر» ولم نجد في كتب اللغة التي بين أيدينا «مزمر» والوارد «مزمار»، وفي باقي الأصول: «و الراح والزهر» وهو غير مستقيم الوزن، والظاهر أن كلتا الكلمتين «المزمر»، «و الزهر» محرّفة عن «المزهر» وهو العود يضرب به أو الدف الكبير ينقر عليه.
[3] «فغفور» (وزان عصفور): لقب كل من ملك الصين، كالنجاشي للحبشة، وقيصر للروم، وخاقان للترك، وكسرى للفرس؛ وجاء في أقرب الموارد «و الفغفوريّ: الخزف الجيد يؤتى به من الصين نسبة إلى فغفور وهي بلاد الصين»، ولعلها المرادة في هذا الشعر.
وفي الأصول: «يغبور» ولعلها تحريف.
[4] العواتق جمع عاتق وهي الجارية أول ما أدركت.
[5] يريد بقوله: «و الثيب» الثيبات جمع ثيب وهي نقيض البكر؛ وهذا الجمع غير موجود في كتب اللغة ولا يكون كذلك إلا على توهم أن مفرده ثيباه، ولعله مما يقع في الشعر ضرورة، قال ابن الرومي:
الآن حين طلعت كل ثنية ... ووطئت أبكار الكلام وثيبه
[6] اللقن: سريع الفهم.
[7] شرعت مع التقي: أظهرت الحق وقمعت الباطل باصطحابي للتقي.
[8] الأين: الإعياء.
[9] كذا في «مختارات البارودي» (ج 4 ص 1) وفي جميع الأصول: «طعنت» بالطاء المهملة.
[10] الفلول: الجماعات.
[11] وعوث: جمع وعث وهو المكان السهل اللين.
وإن قصدت زلّت على متنصّب ... ذليل القوى لا شيء يفري كما تفري
تلاعب تيّار البحور وربّما ... رأيت نفوس القوم من جريها تجري
قال: وكان قال: «نينان البحور» فعابه بذلك سيبويه [1] فجعله «تيّار البحور».
/إلى ملك من هاشم في نبوّة ... ومن حمير في الملك في العدد الدّثر [2]
من المشترين الحمد تندى من النّدى ... يداه ويندي عارضاه من العطر
/ فألزمت حبلي حبل من لا تغبّه ... عفاة الندى من حيث يدري ولا يدري
بنى لك عبد اللّه بيت خلافة ... نزلت بها بين الفراقد والنّسر
وعندك عهد من وصاة [3] محمّد ... فرعت [4] به الأملاك من ولد النّضر
هجا المهدي بعد أن مدحه فلما بلغه ذلك أمر بقتله:
فلم يحظ منه أيضا بشيء، فهجاه فقال في قصيدته:
خليفة يزني بعمّاته ... يلعب بالدّبّوق [5] والصّولجان
أبدلنا اللّه به غيره ... ودسّ موسى في حر الخيزران [6]
وأنشدها في حلقة يونس النّحويّ، فسعي به إلى يعقوب بن داود، وكان بشّار قد هجاه فقال:
بني أميّة هبّوا طال نومكم ... إنّ الخليفة يعقوب بن داود
ضاعت خلافتكم يا قوم فالتمسوا ... خليفة اللّه بين الزّقّ والعود
فدخل يعقوب على المهديّ فقال له: يا أمير المؤمنين، إنّ هذا الأعمى الملحد الزنديق قد هجاك؛ فقال: بأيّ شي ء؟ فقال: بما لا ينطق به لساني ولا يتوهّمه فكري؛ قال له: بحياتي إلّا أنشدتني! فقال: واللّه لو خيّرتني بين إنشادي إياه وبين ضرب عنقي لاخترت ضرب عنقي؛ فحلف عليه المهديّ بالأيمان التي لا فسحة فيها أن يخبره؛ فقال: أمّا لفظا فلا، ولكنّي أكتب ذلك، فكتبه ودفعه إليه؛ فكاد/ ينشقّ غيظا، وعمد على الانحدار إلى البصرة للنّظر في أمرها، وما وكده [7] غير بشّار، فانحدر، فلما بلغ إلى البطيحة [8] سمع أذانا في وقت ضحى النّهار،
__________
[1] جمع نون على نينان أثبته صاحب «القاموس» وصاحب «اللسان» واستشهد له بحديث عليّ رضي اللّه عنه: «يعلم اختلاف النينان في البحار الغامرات»، وحكى السيد المرتضى في «شرح القاموس» تخطئة سيبويه لبشار، ثم قال: واستعمله المتنبي وغلطوه أيضا.
[2] الدثر: الكثير من كل شيء.
[3] الوصاة: الوصية.
[4] فرعت: علوت بالشرف، يقال: فرع فلان القوم أي علاهم بالشرف أو الجمال.
[5] الدبوق: لعبة يلعب بها الصبيان ذكرها صاحب «القاموس» وصاحب «اللسان» في مادة «دبق» وقالا: هي لعبة معروفة، ولم يبيناها.
قال صاحب السعادة أحمد تيمور باشا فيما كتبه في المجلة السلفية المجلد الثاني ص 94 عن لعب العرب في الكلام على هذه اللعبة بعد أن استشهد بهذا الشعر: «و لا ندري هل الصولجان من لوازمه ليكون شيئا كالكرة ونحوها أم هما لعبتان قرن بينهما في شعره».
[6] الخيزران: جارية من جواري المهديّ وهي أم ولديه موسى وهارون.
[7] كذا في ح. ووكده: قصده، وفي باقي الأصول «وكزه» بالزاي المعجمة.
[8] البطيحة: أرض واسعة بين واسط والبصرة.
فقال: انظروا ما هذا الأذان! فإذا بشّار يؤذّن سكران؛ فقال له: يا زنديق يا عاضّ بظر أمه، عجبت أن يكون هذا غيرك، أتلهو بالأذان في غير وقت صلاة وأنت سكران! ثم دعا بابن نهيك فأمره بضربه بالسّوط فضربه بين يديه على صدر الحرّاقة [1] سبعين سوطا أتلفه فيها، فكان إذا أوجعه السوط يقول: حسّ - وهي كلمة تقولها العرب للشيء إذا أوجع - فقال له بعضهم: انظر إلى زندقته يا أمير المؤمنين، يقول: حسّ، ولا يقول: باسم اللّه؛ فقال: ويلك! أطعام هو فأسمّي اللّه عليه! فقال له الآخر: أفلا قلت: الحمد للّه؛ قال: أو نعمة هي حتّى أحمد اللّه عليها! فلما ضربه سبعين سوطا بان الموت فيه، فألقي في سفينة حتّى مات ثم رمي به في البطيحة، فجاء بعض أهله فحملوه إلى البصرة فدفن بها.
أخبرني عمّي قال حدّثني أحمد بن أبي طاهر قال حدّثني خالد بن يزيد بن وهب بن جرير عن أبيه قال:
لما ولي صالح بن داود أخو يعقوب بن داود وزير المهديّ البصرة، قال بشّار يهجوه:
هم حملوا فوق المنابر صالحا ... أخاك فضجّت من أخيك المنابر
فبلغ ذلك يعقوب فدخل على المهديّ فقال: يا أمير المؤمنين، أبلغ من قدر هذا الأعمى المشرك أن يهجو أمير المؤمنين! قال: ويحك! وما قال؟ قال: يعفيني/ أمير المؤمنين من إنشاده، ثم ذكر باقي الخبر مثل الذي تقدّمه. فقال خالد بن يزيد بن وهب في خبره: وخاف يعقوب بن داود أن يقدم على المهديّ فيمدحه ويعفو عنه، فوجّه إليه من استقبله/ فضربه بالسّياط حتّى قتله ثم ألقاه في البطيحة في الخرّارة [2].
هجا يعقوب بن داود حين لم يحفل به:
أخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن عمّار قال حدّثنا عليّ بن محمد [3] النّوفليّ عن أبيه وعن جماعة من رواة البصريين، وأخبرنا يحيى بن عليّ عن أحمد بن أبي طاهر عن علي بن محمد، وخبره أتم، قالوا:
خرج بشّار إلى المهديّ، ويعقوب بن داود وزيره، فمدحه ومدح يعقوب، فلم يحفل به يعقوب ولم يعطه شيئا، ومرّ يعقوب ببشّار يريد منزله، فصاح به بشّار:
طال الثّواء على رسوم المنزل
فقال يعقوب:
فإذا تشاء أبا معاذ فارحل
فغضب بشّار وقال يهجوه:
بني أميّة هبّوا طال نومكم ... إنّ الخليفة يعقوب بن داود
ضاعت خلافتكم يا قوم فالتمسوا ... خليفة اللّه بين الزّقّ والعود
قال النوفليّ: فلما طالت أيام بشّار على باب يعقوب دخل عليه، وكان من عادة بشّار إذا أراد أن ينشد أو
__________
[1] الحراقة: واحدة الحراقات وهي سفن بالبصرة فيها مرامي نيران يرمي بها العدوّ.
[2] الخرّارة: موضع بالبطيحة، وسيذكر المؤلف ذلك في «ص 248» من هذا الجزء.
[3] كذا في ح وهو الموافق لما اتفقت عليه النسخ جميعا في هذا السند حين تكرر الإسناد إليه من راوية آخر. وفي باقي النسخ:
«حماد».
يتكلّم أن يتفل عن يمينه وشماله ويصفّق بإحدى يديه على الأخرى، ففعل ذلك وأنشد:
يعقوب قد ورد العفاة عشيّة ... متعرّضين لسيبك المنتاب [1]
فسقيتهم وحسبتني كمّونة ... نبتت لزارعها بغير شراب
/ مهلا لديك فإنّني ريحانة ... فاشمم بأنفك واسقها بذناب [2]
طال الثواء على تنظّر حاجة ... شمطت [3] لديك فمن لها بخضاب
تعطي الغزيرة [4] درّها فإذا أبت ... كانت ملامتها على الحلّاب
وفاة بشار:
يقول ليعقوب: أنت من المهديّ بمنزلة الحالب من الناقة الغزيرة التي إذا لم يوصل إلى درّها فليس ذلك من قبلها، إنّما هو من منع الحالب منها، وكذلك الخليفة ليس [5] من قبله لسعة معروفة، إنما هو من قبل السبب إليه.
قال: فلم يعطف ذلك يعقوب عليه وحرمه، فانصرف إلى البصرة مغضبا. فلمّا قدم المهديّ البصرة أعطى عطايا كثيرة ووصل الشعراء، وذلك كلّه على يدي يعقوب، فلم يعط بشّارا شيئا من ذلك، فجاء بشّار إلى حلقة يونس النّحويّ فقال: هل هاهنا أحد يحتشم [6]؟ قالوا له: لا؛ فأنشأ بيتا يهجو فيه المهديّ، فسعى به أهل الحلقة إلى يعقوب؛ فقال يونس [7] للمهديّ: إنّ بشارا زنديق وقامت عليه البيّنة عندي بذلك، وقد هجا أمير المؤمنين، فأمر ابن نهيك بأخذه، وأزف خروجهم فخرجوا وأخرجه ابن نهيك معه في زورق. فلما كانوا بالبطيحة ذكره المهديّ فأرسل إلى ابن نهيك يأمره أن يضرب بشّارا ضرب التلف ويلقيه بالبطيحة، فأمر به فأقيم على صدر السفينة وأمر الجلّادين أن يضربوه ضربا يتلفون فيه نفسه ففعلوا ذلك، فجعل يسترجع [8]؛ فقال بعض من حضر: أما تراه/ لا يحمد اللّه! فقال بشّار: أنعمة هي فأحمد اللّه عليها! إنّما هي بليّة أسترجع عليها، فضرب سبعين سوطا مات منها وألقي في البطيحة.
قال يحيى بن عليّ فحكى قعنب بن محرز الباهليّ قال حدّثني محمد بن الحجّاج قال:
لما ضرب بشار بالسّياط وطرح في السفينة قال: ليت عين أبي الشّمقمق رأتني حين يقول:
/إنّ بشّار بن برد ... تيس أعمى في سفينه [9]
__________
[1] المنتاب: الذي يأتي مرة بعد أخرى.
[2] ذناب: جمع ذنوب، والذنوب: الدلو الملأى.
[3] شمطت: تأخر قضاؤها وطال عليها الأمد، وأصل الشمط أن يخالط سواد الرأس بياض الشيب.
[4] الغزيرة: الكثيرة الدرّ.
[5] مرجع ضمير «ليس» المنع.
[6] يحتشم: يحذر ويهاب محضره، وقد أنكر صاحب «اللسان» مجيء «احتشم» متعديا فقال: ولا يقال: احتشمته، ثم نقل عن الليث في قول القائل: «و لم يحتشم ذلك» أنه من قبيل حذف من وإيصال الفعل إلى المجرور. وجاء في «أساس البلاغة»: «أنا أحتشمك وأحتشم منك: أي أستحي».
[7] تقدم في (ص 242) من هذا الجزء أن الذي أخبر المهدي هو يعقوب فلعل «يونس» هنا سبق قلم من الناسخ.
[8] يسترجع: يقول: إنا للّه وإنا إليه راجعون.
[9] كان العرب إذا هجوا إنسانا بالغباوة أو بالنتن قالوا: إنما هو تيس، فإذا أرادوا الغاية في الغباوة قالوا: ما هو إلا تيس في سفينة.
(انظر الحيوان للجاحظ طبع مطبعة التقدم ج 5 ص 136).
أخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن عمّار وحبيب بن نصر المهلّبي قالا حدّثنا عمر بن شبّة قال:
أمر المهديّ عبد الجبار صاحب الزنادقة فضرب بشّارا، فما بقي بالبصرة شريف إلا بعث إليه بالفرش والكسوة والهدايا ومات بالبطيحة. قال: وكانت وفاته وقد ناهز ستّين سنة.
قال عمر بن شبّة حدّثني سالم بن عليّ، قال: كنّا عند يونس فنعى بشّارا إلينا ناع، فأنكر يونس ذلك وقال: لم يمت؛ فقال الرجل: أنا رأيت قبره، فقال: أنت رأيته؟ قال: نعم، وإلا فعليّ وعليّ، وحلف له حتّى رضي، فقال يونس: «لليدين وللفم» [1].
قال أبو زيد وحدّثني جماعة من أهل البصرة منهم محمّد بن عون بن بشير [2]، وكان يتّهم بمذهب بشّار، فقال:
/ لمّا مات بشّار ألقيت جثّته بالبطيحة في موضع يعرف بالحرّارة، فحمله الماء فأخرجه إلى دجلة البصرة فأخذ فأتي به أهله فدفنوه، قال وكان كثيرا ما ينشدني:
سترى حول سريري ... حسّرا [3] يلطمن لطما
يا قتيلا قتلته ... عبدة الحوراء ظلما
قال: وأخرجت جنازته فما تبعها أحد إلّا أمة له سوداء سنديّة عجماء ما تفصح، رأيتها خلف جنازته تصيح:
وا سيّداه! وا سيّداه!.
شماتة الناس بموته وما قيل في ذلك من الشعر:
قال أبو زيد وحدّثني سالم بن عليّ [4] قال:
لمّا مات بشّار ونعي إلى أهل البصرة تباشر عامّتهم وهنّأ بعضهم بعضا وحمدوا اللّه وتصدّقوا، لما كانوا منوا [5] به من لسانه.
وقال أبو هشام الباهليّ فيما أخبرنا به يحيى بن عليّ في قتل بشّار:
يا بؤس ميت لم يبكه أحد ... أجل ولم يفتقده مفتقد
لا أمّ أولاده بكته ولم ... يبك عليه لفرقة ولد
ولا ابن أخت بكى ولا ابن أخ ... ولا حميم رقّت له كبد
بل زعموا أنّ أهله فرحا ... لمّا أتاهم نعيّه سجدوا
__________
[1] استعمل يونس هاتين الكلمتين في الشماتة بهلاك بشار، وهما في الأصل مثل يقال عند الشماتة بسقوط إنسان، والمراد أسقطه اللّه على يديه ورجليه، وفي الحديث أن عمر رضي اللّه عنه أتى بسكران في رمضان فتعثر بذيله فقال عمر: لليدين وللفم، أو لداننا صيام وأنت مفطر! ثم أمر به فحدّ (انظر «مجمع الأمثال» للميداني ج 2 ص 134 طبع بولاق).
[2] في ح: «بشر».
[3] حسر: جمع حاسر وهي المكشوفة الوجه أو الذراعين.
[4] كذا في أكثر الأصول، وفي ح: «سالم بن عبد اللّه».
[5] منوا: ابتلوا.
قال: وقال أيضا في ذلك:
قد تبع الأعمى قفا عجرد ... فأصبحا جارين في دار
قالت بقاع الأرض لا مرحبا ... بروح حمّاد وبشّار
/ تجاورا بعد تنائيهما ... ما أبغض الجار إلى الجار
صارا جميعا في يدي مالك ... في النّار والكافر في النار
قال أبو أحمد يحيى بن عليّ وأخبرنا بعض إخواني عن عمر بن محمّد عن أحمد بن خلّاد عن أبيه قال:
مات بشّار سنة ثمان وستين ومائة وقد بلغ نيّفا وسبعين [1] سنة.
ندم المهديّ على قتله:
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال:
لمّا ضرب المهديّ بشّارا بعث إلى منزله من يفتّشه، وكان يتّهم بالزندقة فوجد. في منزله طومار [2] فيه:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ*
إني أردت هجاء آل سليمان بن عليّ لبخلهم فذكرت قرابتهم من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم/ فأمسكت عنهم إجلالا له صلّى اللّه عليه وسلّم، على أنّي قد قلت فيهم:
دينار آل سليمان ودرهمهم ... كالبابليّين [3] حفّا بالعفاريت
لا يبصران ولا يرجى لقاؤهما ... كما سمعت بهاروت وماروت [4]
فلما قرأه المهديّ بكى وندم على قتله، وقال: لا جزى اللّه يعقوب بن داود خيرا، فإنّه لمّا هجاه لفّق عندي شهودا على أنّه زنديق فقتلته ثمّ ندمت حين لا يغني النّدم.
/ أخبرني محمّد بن خلف بن المرزبان قال حدّثنا عمر بن محمّد بن عبد الملك قال حدّثني محمد بن هارون قال:
لمّا نزل المهديّ البصرة كان معه حمدويه صاحب الزّنادقة فدفع إليه بشّارا وقال: اضربه ضرب التلف، فضربه ثلاثة عشر سوطا، فكان كلّما ضربه سوطا قال له: أوجعتني ويلك! فقال: يا زنديق، أتضرب ولا تقول: باسم اللّه! قال: ويلك! أثريد هو فأسمّي [5] [اللّه] عليه! قال: ومات من ذلك الضّرب.
ولبشّار أخبار كثيرة قد ذكرت في عدّة مواضع: منها أخباره مع عبدة فإنّها أفردت في بعض شعره فيها الذي
__________
[1] كذا في أكثر الأصول، وفي ح: «و تسعين» ومثل هذا ورد في «معاهد التنصيص» ص 137 طبع بولاق.
[2] الطومار كالطامور: الصحيفة، قال ابن سيدة: قيل هو دخيل، وأراه عربيا محضا لأن سيبويه قد اعتدّ به في الأبنية فقال: هو ملحق بفسطاط (انظر «لسان العرب» مادة «طمر»).
[3] نسبة إلى بابل وهي ناحية منها الكوفة والحلّة ينسب إليها السحر والخمر.
[4] هاروت وماروت: ملكان، وقد ورد ذكرهما في القرآن الكريم في قوله تعالى: (وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ هارُوتَ وَمارُوتَ)
[5] زيادة في ح.
غنّى فيه المغنّون، وأخباره مع حمّاد عجرد في تهاجيهما فإنّها أيضا أفردت، وكذلك أخباره مع أبي هاشم الباهليّ فإنّا لم نجمع جميعها في هذا الموضع، إذ كان كلّ صنف منها مستغنيا بنفسه حسبما شرط في تصدير الكتاب.
29 - أخبار يزيد حوراء
ولاؤه، وهو مغن من طبقة ابن جامع والموصلي:
يزيد حوراء رجل من أهل المدينة ثم من موالي بني ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة، ويكنى أبا خالد، مغنّ محسن كثير الصّناعة، من طبقة ابن جامع وإبراهيم الموصليّ، وكان ممن قدم على المهديّ في خلافته فغنّاه، وكان حسن الصّوت حلو الشمائل.
كان إبراهيم الموصلي يحسده فشاركه في جوار وتعلم إشارته منهن وأبطل عليه ما انفرد به:
وذكر ابن خرداذبه [1] أنه بلغه أن إبراهيم الموصليّ حسده على شمائله وإشارته في الغناء، فاشترى عدّة جوار وشاركه فيهنّ، وقال له: علّمهن فما رزق اللّه فيهن من ربح فهو بيننا، وأمرهن أن يجعلن وكدهنّ [2] أخذ إشارته [3] ففعلن ذلك، وكان إبراهيم يأخذها عنهن هو وابنه ويأمرهن بتعليم كلّ من يعرفنه ذلك حتى شهرها في الناس؛ فأبطل عليه ما كان منفردا به من ذلك.
كان صديقا لأبي العتاهية وغنى للمهدي من شعره في عتبة فأكرمه:
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا محمد بن موسى قال حدّثني جماعة من موالي الرشيد:
أن يزيد حوراء كان صديقا لأبي العتاهية، فقال أبو العتاهية أبياتا في أمر عتبة يتنجّز فيها المهديّ ما وعد إيّاه من تزويجها، فإذا وجد المهديّ طيّب النفس غنّاه بها، وهي:
ولقد تنسّمت الرياح حاجتي ... فإذا لها من راحتيك نسيم
أشربت نفسي من رجائك ما له ... عنق يخبّ إليك بي ورسيم [4]
/و رميت نحو سماء جودك [5] ناظري ... أرعى مخايل برقه وأشيم
ولربّما استيأست ثم أقول لا، ... إنّ الّذي ضمن النجاح كريم
فصنع فيها لحنا وتوخّى لها وقتا وجد المهديّ فيه طيّب النفس فغنّاه بها، فدعا بأبي العتاهية وقال له: أمّا عتبة فلا سبيل إليها لأن مولاتها منعت من ذلك. ولكن هذه/ خمسون ألف درهم فاشتر ببعضها خيرا من عتبة، فحملت إليه وانصرف.
__________
[1] (انظر الحاشية رقم 5 ص 344 ج 2 «أغاني» طبع دار الكتب المصرية).
[2] الوكد: القصد.
[3] في ب، س، ح: «إشاراته».
[4] العنق والرسيم: ضربان من ضروب السير.
[5] الجود (بفتح الجيم): المطر الغزير، ومن الجائز أن تكون بضم الجيم بمعنى الكرم. وفي «زهر الآداب»: «صوبك».
كان نظيفا ظريفا حسن الوجه جميل الخصال:
أخبرني عمّي قال حدّثني أحمد بن المرزبان قال حدّثنا شيبة بن هشام عن عبد اللّه بن العبّاس الرّبيعيّ [1] قال:
كان يزيد حوراء نظيفا ظريفا حسن الوجه شكلا [2]، لم يقدم علينا من الحجاز أنظف ولا أشكل منه، وما كنت تشاء أن ترى خصلة جميلة فيه لا تراها في أحد منهم إلا رأيتها فيه، وكان يتعصّب لإبراهيم الموصليّ على ابن جامع، فكان إبراهيم يرفع منه ويشيع ذكره بالجميل وينبّه على مواضع تقدّمه وإحسانه ويبعث بابنه إسحاق إليه يأخذ عنه.
رثاه صديقه أبو مالك حين مات:
وكان صديقا لأبي مالك الأعرج التّميميّ لا يكاد أن يفارقه، فمرض مرضا شديدا واحتضر، فاغتمّ عليه الرشيد وبعث بمسرور الخادم يسأل عنه، ثم مات؛ فقال أبو مالك يرثيه:
صوت
لم يمتّع من الشباب يزيد ... صار في التّرب وهو غضّ جديد
خانه دهره وقابله من ... ه بنحس ودابرته [3] السّعود
/ حين زفّت دنياه من كل وجه ... وتدانى إليه منه البعيد
فكأن لم يكن يزيد ولم يش ... ج نديما يهزّه التّغريد
وفي هذه الأبيات لحسين بن محرز لحن من الثقيل الثاني بالبنصر، من نسخة عمرو بن بانة.
توسط لأبي العتاهية حتى ذكره للمهديّ فكلّم فيه عتبة:
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدّثني أحمد بن أبي يوسف قال حدّثني الحسين بن جمهور بن زياد بن طرخان [4] مولى المنصور قال حدّثني أبو محمد عبد الرحمن بن عيينة بن شارية الدّؤليّ قال حدّثني محمد بن ميمون أبو زيد قال حدّثني يزيد حوراء المغنّي قال:
كلّمني أبو العتاهية في أن أكلّم له المهديّ في عتبة، فقلت له: إن الكلام لا يمكنني ولكن قل شعرا أغنّه به، فقال:
صوت
نفسي بشيء من الدنيا معلّقة ... اللّه والقائم المهديّ يكفيها
__________
[1] في جميع الأصول: «الربعي» بدون ياء بعد الباء وهو عبد اللّه بن العباس بن الفضل بن الربيع والنسبة إليه ربيعيّ بإثبات الياء، وله ترجمة في الجزء السابع عشر من «الأغاني» طبع بولاق.
[2] شكلا: ذا دل وغزل.
[3] دابرته: ولته دبرها ولم تقبل عليه.
[4] طرخان بفتح الطاء والمحدّثون يضمّونها ويكسرونها، وقد نبه على ذلك صاحب «القاموس» فقال: ولا تضمّ ولا تكسر وإن فعله المحدّثون؛ وهي كلمة خراسانية معناها «الرئيس الشريف» وجمعها «طراخنة».
إني لأيأس منها ثم يطمعني ... فيها احتقارك للدنيا وما فيها
قال: فعملت فيه لحنا وغنيّته به، فقال: ما هذا؟ فأخبرته خبر أبي العتاهية، فقال: ننظر فيما سأل، فأخبرت أبا العتاهية، ثم مضى شهر فجاءني وقال: هل حدث خبر؟ فقلت: لا، قال: فاذكرني للمهديّ، قلت: إن أحببت ذلك فقل شعرا تحرّكه وتذكّره وعده حتى أغنّيه به، فقال:
صوت
ليت شعري ما عندكم ليت شعري ... فلقد أخّر الجواب لأمر
ما جواب أولى بكلّ جميل ... من جواب يردّ من بعد شهر
قال يزيد: فغنّيت به المهديّ فقال: عليّ بعتبة فأحضرت، فقال: إنّ أبا العتاهية كلّمني فيك، فما تقولين، ولك وله عندي ما تحبّان مما لا تبلغه أمانيكما؟ فقالت له: قد علم أمير المؤمنين ما أوجب اللّه عليّ من حقّ مولاتي، وأريد أن أذكر لها هذا، قال: فافعلي؛ قال: وأعلمت أبا/ العتاهية، ومضت أيّام فسألني معاودة المهديّ، فقلت: قد عرفت الطريق فقل ما شئت حتى أغنّيه به، فقال:
صوت
أشربت قلبي من رجائك ما له ... عنق يخبّ إليك بي ورسيم
وأملت نحو سماء جودك ناظري ... أرعى مخايل برقها وأشيم
ولربّما استيأست ثم أقول لا ... إنّ الذي وعد النجاح كريم
قال يزيد: فغنّيته المهديّ، فقال: عليّ بعتبة فجاءت، فقال: ما صنعت؟ فقالت: ذكرت ذلك لمولاتي فكرهته وأبته، فليفعل أمير المؤمنين ما يريد، فقال: ما كنت لأفعل شيئا تكرهه، فأعلمت أبا العتاهية بذلك، فقال:
قطّعت منك حبائل الآمال ... وأرحت من حلّ ومن ترحال
ما كان أشأم إذ رجاؤك قاتلي [1] ... وبنات وعدك يعتلجن [2] ببالي
ولئن طمعت لربّ برقة خلّب ... مالت بذي [3] طمع ولمعة آل
مغازلته لجارية:
أخبرني محمد بن أبي الأزهر قال حدّثني حمّاد بن إسحاق عن أبيه قال:
قال يزيد حوراء: كنت أجلس بالمدينة على أبواب قريش، فكانت تمرّ بي جارية تختلف إلى الزرقاء تتعلّم منها الغناء، فقلت لها يوما: افهمي قولي وردّي جوابي وكوني عند ظنّي، فقالت: هات ما عندك، فقلت: باللّه ما
__________
[1] هكذا في جميع الأصول و «الديوان»، وفي كتاب «زهر الآداب»: «قادني».
[2] كذا في ح، ويعتلجن ببالي: يقعن ويخطرن، على المجاز من قولهم: اعتلج الموج إذا التطم. وفي باقي الأصول: «يعتجلن» وهو تحريف.
[3] في كل الأصول: «مالت به طمع»، وهو تحريف والتصويب عن «ديوان أبي العتاهية» و «كتاب زهر الآداب».
اسمك؟ فقالت: ممنّعة؛ فأطرقت طيرة [1] من اسمها مع طمعي فيها، فقلت: بل باذلة أو مبذولة إن شاء اللّه، فاسمعي منّي، فقالت وهي تتبسّم: إن كان عندك شيء فقل، فقلت:
ليهنك [2] منّى أنني لست مفشيا ... هواك إلى غيري ولو متّ من كرب
ولا مانحا خلقا سواك مودّتي ... ولا قائلا ما عشت من حبّكم حسي
قال: فنظرت إليّ طويلا، ثم قالت: أنشدك اللّه، أعن فرط محبّة أم اهتياج غلمة تكلّمت؟ فقلت: لا واللّه ولكن عن فرط محبّة، فقالت:
فو اللّه ربّ الناس لا خنتك الهوى ... ولا زلت مخصوص المحبّة من قلبي
فثق بي فإنّي قد وثقت ولا تكن ... على غير ما أظهرت لي يا أخا الحبّ
قال: فو اللّه لكأنما أضرمت في قلبي نارا، فكانت تلقاني في الطريق الذي كانت تسلكه فتحدّثني وأتفرّج [3] بها، ثم اشتراها بعض أولاد الخلفاء، فكانت تكاتبني وتلاطفني دهرا طويلا.
صوت من المائة المختارة
يا ليلة جمعت لنا الأحبابا ... لو شئت دام لنا النعيم وطابا
بتنا نسقّاها شمولا قرقفا [4] ... تدع الصحيح بعقله مرتابا
حمراء مثل دم الغزال وتارة ... عند المزاج تخالها زريابا [5]
من كفّ جارية كأنّ بنانها ... من فضّة قد قمّعت [6] عنّابا
/ وكأنّ يمناها إذا نقرت بها ... تلقي على الكفّ الشّمال حسابا
عروضه من الكامل. الشعر لعكّاشة العمّيّ، والغناء لعبد الرحيم الدّفّاف، ولحنه المختار هزج بإطلاق الوتر في مجرى الوسطى.
__________
[1] طيرة: شؤما.
[2] كذا في الأصول، وقد أنكر صاحب «اللسان» هذا الاستعمال فقال: والعرب تقول ليهنئك الفارس بجزم الهمزة وليهنيك الفارس بياء ساكنة ولا يجوز «ليهنك» كما تقول العامة؛ ولكن السيد المرتضى ذكر أنه ورد في «صحيح البخاري» (انظر في مادة هنأ).
[3] أتفرج بها: أصير بها ذا فرج نحو تأسف أي صار ذا أسف وتأهل أي صار ذا أهل، ولكنا لم نجد في «كتب اللغة» التي بأيدينا لتفرّج معنى سوى تفرج مطاوع فرج في نحو قولهم: فرّج اللّه الكرب فتفرّج وانفرج.
[4] الشمول من أسماء الخمر، سميت بذلك لأنها تشمل الناس بريحها، والقرقف من أسمائها أيضا لأنها تقرقف شاربها أي ترعده.
[5] الزرياب: الذهب وقيل ماؤه، معرب «زر» أي ذهب و «آب» أي ماء.
[6] قمعت عنابا: جعلت له أقماع من عناب، والأقماع: جمع قمع، وهو الغلاف الذي يكون على رأس التمرة أو البسرة، والعنّاب:
شجر له حب كحب الزيتون وأجوده الأحمر الحلو؛ ويقال: قمعت المرأة بنانها بالحناء أي خضبت به أطرافها فصار لها كالأقماع، وأنشد ثعلب على هذا:
لطمت ورد خدها ببنان ... من لجين قمعن بالعقيان
30 - أخبار عكّاشة العمّيّ ونسبه
أصل قومه بني العم مدفوع في العرب:
هو عكّاشة بن عبد الصّمد العمّيّ من أهل البصرة من بني العمّ. وأصل بني العمّ كالمدفوع، يقال: إنهم نزلوا ببني تميم بالبصرة في أيّام عمر بن الخطّاب فأسلموا وغزوا مع المسلمين وحسن بلاؤهم، فقال الناس: أنتم، وإن لم تكونوا من العرب، إخواننا وأهلنا وأنتم الأنصار والإخوان وبنو العمّ، فلقّبوا بذلك وصاروا في جملة العرب.
هجا كعب بن معدان بني ناجية وشبههم ببني العم:
وقال بعض الشعراء - وهو كعب بن معدان - يهجو بني ناجية ويشبّههم ببني العمّ:
وجدنا آل سامة في قريش ... كمثل العمّ بين بني تميم
ويروى: «في سلفي تميم».
أعانوا الفرزدق فهجاهم جرير:
أخبرني عيسى بن الحسين عن حمّاد بن إسحاق عن أبيه قال حدّثني أبو عبيدة قال:
لما تواقف [1] جرير والفرزدق بالمربد للهجاء اقتتلت بنو يربوع وبنو مجاشع، فأمدّت بنو العمّ بني مجاشع وجاءوهم وفي أيديهم الخشب فطردوا بني يربوع؛ فقال جرير: من هؤلاء؟ قالوا: بنو العمّ، فقال جرير يهجوهم:
ما للفرزدق من عزّ يلوذ به ... إلّا بني العمّ في أيديهم الخشب
سيروا بني العمّ فالأهواز [2] داركم ... ونهر تيري [3] ولم تعرفكم العرب
/ وعكّاشة شاعر مقلّ من شعراء الدولة العباسيّة، ليس ممّن شهر وشاع شعره في أيدي الناس ولا ممّن خدم الخلفاء ومدحهم.
ذكر لصديقه حميد الكاتب حبه لنعيم وشعره فيها:
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثني محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدّثني عليّ بن الحسن عن ابن الأعرابيّ قال حدّثني سعيد بن حميد الكاتب البصريّ قال قال أبي:
كان عكّاشة بن عبد الصّمد العمّيّ صديقا لي وإلفا، وكنّا نتعاشر ولا نكاد نفترق ولا يكتم أحدنا صاحبه شيئا،
__________
[1] تواقف: وقف أحدهما للآخر، قال في «اللسان» (مادة وقف): وواقفه مواقفة ووقافا: وقف معه في حرب أو خصومة. وفي الأصول: «توافق».
[2] الأهواز: سبع كور بين البصرة وفارس، لكل كورة منها اسم ويجمعها الأهواز.
[3] نهر تيري (بكسر التاء وياء ساكنة وراء مفتوحة مقصور): بلد من نواحي الأهواز حفره أردشير الأصغر بن بابك ووهبه «لتيري» من ولد جودرز الوزير فسمى به، وله ذكر في أخبار الفتوح والخوارج، (انظر «معجم ياقوت» في الكلام على نهر تيري).
فرأيته في بعض أيّامه متغير الهيئة عمّا عهدته مقسّم القلب والفكر غير آخذ ما كنّا فيه من الفكاهة والمزاح، فسألته عن حاله فكاتمنيها مليّا، ثم أخبرني أنه يهوى جارية لبعض الهشاميّين يقال لها نعيم، وأن مرامها عليه مستصعب لا يراها إلّا من جناح لدارهم، تشرف عليه في الفيئة [1] بعد الفيئة فتكلّمه كلاما يسيرا ثم تذهب، فعاتبته على ذلك فلم يزدجر وتمادى في أمره، ثم جاءني يوما، فقال: قد وعدتني الزيارة لأنّ شكواي إليها طالت، فقلت له: فهل حقّقت لك الوعد على يوم بعينه؟ قال: لا، إنما سألتها الزيارة فقالت: نعم أفعل، فقلت له: هذا واللّه أعجب من سائر ما مضى، وأيّ شيء لك في هذا من الفائدة بلا تحصيل وعد! فقال لي: يا أخي، إنّ لي في قولها: «نعم» فرجا كبيرا، فقلت: أنت أقنع الناس؛ ثم جاءني بعد يومين وهو كاسف البال مهموم، فقلت له: ما لك؟ فقال: مضيت إلى نعيم فتنجّزت وعدها، فقالت لي: إن لي صاحبة أستنصحها وأعلم أنها تشفق عليّ شفقة الأخت على أختها والأمّ على ولدها وقد/ نهتني عن ذلك، وقالت لي: إنّ في الرجال غدرا ومكرا، ولا آمن أن تفتضحي ثم لا تحصلي منه على شي ء؛ وقد انقطعت عنّي ثم أنشدني لنفسه:
/علام حبل الصفاء منصرم ... وفيم عنّي الصدود والصّمم
يا من كنينا عن اسمه زمنا ... نتبع مرضاته ويجترم [2]
قد عيل صبري وأنت لاهية ... عنّي وقلبي عليك يضطرم
من جذّ حبل الوفاء سيّدتي ... منك ومن سامني له العدم
فكم أتاني واش يعيبكم ... فقلت اخسأ لأنفك الرّغم
أنت الفدا والحمى لمن عبت فار ... جع صاغرا راغما لك الندم
صوت
يا ربّ خذ لي من الوشاة إذا ... قاموا وقمنا إليك نختصم
دبّوا إليها يوسوسون لها ... كي يستزلّوا حبيبتي زعموا
هيهات من ذاك ضلّ سعيهم ... ما قلبها المستعار يقتسم
يا حاسدينا موتوا بغيظكم ... حبلي متين بقولها نعم
باللّه لا تشمتي العداة بنا ... كوني كقلبي فلست أتّهم
زارته نعيم وغنته ثم ذهبت فقال شعرا في ذلك:
- الغناء في هذه الأبيات لعريب رمل. وقيل: إنه لغيرها - قال: ثم طال ترداده إليها واستصلاحه لها، فلم ألبث أن جاءتني رقعته في يوم خميس يعلمني أنها قد حصلت عنده ويستدعيني فحضرت، وتوارت عنّي ساعة وهو يخبرها أنّه لا فرق بيني وبينه ولا يحتشمني في حل البتّة إلى أن خرجت، فاجتمعنا وشربنا وغنّت غناء حسنا إلى وقت العصر ثم انصرفت، وأخذ دواة ورقعة فكتب فيها:
__________
[1] الفيئة: الحين، وفي بعض الأصول «العينة» ولعلها محرفة عن «الفينة» وهي بمعنى الفيئة.
[2] في الأصول: «و نجترم» بالنون والسياق يأباها.
/
سقيا لمجلسنا الذي كنّا به ... يوم الخميس جماعة أترابا
في غرفة مطرت سماوة [1] سقفها ... بحيا النعيم من الكروم شرابا
إذ نحن نسقاها شمولا قرقفا ... تدع الصحيح بعقله مرتابا
حمراء مثل دم الغزال وتارة ... بعد المزاج تخالها زريابا
من كفّ جارية كأنّ بنانها ... من فضّة قد قمّعت عنّابا
تزداد حسنا كأسها من كفّها ... ويطيب منها نشرها أحقابا
وإذا المزاج علا فشجّ جبينها ... نفثت [2] بألسنة المزاج حبابا
وتخال ما جمعت فأحدق سمطه ... بالطّوق ريق حبائب ورضابا
كفت المناصف [3] أن تذبّ أكفّها ... عنها إذا جعلت تفوح ذبابا
والعود متّبع غناء خريدة ... غردا يقول كما تقول صوابا
وكأنّ يمناها إذا نطقت به ... تلقي على يدها الشّمال حسابا
فهناك خفّ [4] بنا النعيم وصار من ... دون الثقيل لنا عليه حجابا
/ اليت لا ألحي على طلب الهوى ... متلذّذا حتى أكون ترابا
اشترى نعيم بغداديّ وسافر بها فأسف وقال شعرا:
قال: ثم قدم قادم من أهل بغداد فاشترى نعيم هذه من مولاتها ورحل إلى بغداد، فعظم أسف عكّاشة وحزنه عليها واستهيم بها طول عمره، فاستحالت صورته وطبعه وخلقه إلى أن فرّق الدهر بيننا، فكان أكثر وكده [5] وشغله أن يقول فيها الشعر وينوح به عليها ويبكي؛ قال حميد بن سعيد فأنشدني أبي له في ذلك:
/ألا ليت شعري هل يعودنّ ما مضى ... وهل راجع ما مات من صلة الحبل
وهل أجلسن في مثل مجلسنا الذي ... نعمنا به يوم السعادة بالوصل
عشيّة صبّت لذّة الوصل ظيبها ... علينا وأفنان الجنان جنى البذل
وقد دار ساقينا بكأس رويّة ... ترحّل أحزان الكئيب مع العقل
وشجّ شمولا بالمزاج فطيّرت ... كألسنة الحيّات خافت من القتل
فبتنا وعين الكأس سحّ دموعها ... لكلّ فتى يهتزّ للمجد كالنّصل
__________
[1] السماوة: السماء وهي كل ما علاك فأظلك.
[2] في أكثر النسخ: «نفشت» وفي بعضها: «نقشت» وظاهر أن كليهما محرف عما أثبتناه.
[3] المناصف: جمع منصف (بكسر الميم وقد تفتح، والأنثى منصفة) وهو الخادم.
[4] في ح: «حف» بالحاء المهملة.
[5] الوكد: الهم والقصد.
وقينتنا كالظبي تسمح بالهوى ... وبثّ تباريح الفؤاد على رسل [1]
إذا ما حكت بالعود رجع لسانها ... رأيت لسان العود من كفّها يملي
فلم أر كالّلذّات أمطرت الهوى ... ولا مثل يومي ذاك صادفه مثلي
ومما قاله فيها:
أنعيم حبّك سلّني وبلاني ... وإلى الأمرّ من الأمور دعاني
أنعيم لو تجدين وجدي والذي ... ألقى بكيت من الذي أبكاني
أنعيم سيّدتي عليك تقطّعت ... نفسي من الحسرات والأحزان
أنعيم قد رحم الهوى قلبي وقد ... بكت الثياب أسى على جثماني
أنعيم وانحدرت مدامع مقلتي ... حتّى رحمت لرحمتي إخواني
أنعيم مثّلك الهيام لمقلتي ... فكأنّني ألقاك كلّ مكان
أنعيم نظرة سحر عينك بالهوى ... معروفة بالقتل في إنسان
أنعيم [2] اشفي أو دعي من داؤه ... ودواؤه بيديك مقترنان
هذا وكم من مجلس لي مؤنق ... بين النعيم وبين عيش داني
نازعته أردانه فلبستها ... مع ظبية في عيشنا الفينان
/ تنسي الحليم من الرجال معاده ... بين الغناء وعودها الحنّان
حتى يعود كأنّ حبّة قلبه ... مشدودة بمثالث [3] ومثاني
ظلّت تغنّيني وتعطف كفّها ... بالعود بين الرّاح والرّيحان
فسمعت ما أبكى وأضحك سامعا ... وسكرت من طرب ومن أشجان
ومشيت في لجج الهوى متبخترا ... ومشى إليّ اللهو في الألوان
فعلمت أن قد عاد قلبي عائد ... من بين عود مطرب وبنان
/ ومما قاله أيضا فيها:
نعيم هل بكيت كما بكيت ... وهل بعدي وفيت كما وفيت
ألا يا ليت شعري كيف بعدي اص ... طبارك [4] إذ نأيت وإذ نأيت
فكم من عبرة ذرفت فلمّا ... خشيت عيون أهلي واستحيت
__________
[1] الرسل (بالكسر): التؤدة والرفق.
[2] التنوين هنا لضرورة الشعر.
[3] المثالث: جمع مثلث وهو ما كان على ثلاث قوى من الأوتار، وقيل هو الثالث منها، والمثاني: جمع مثنى وهو ما بعد الأول من أوتار العود.
[4] في ب، س: «كيف بعدي وصبرك ... ».
نهضت بها مكاتمة فلمّا ... خلوت ذرفتها حتّى اشتفيت
وقلت لصحبتي لمّا رماني ... هواك بدائه حتى انطويت
أراني من هموم النفس ميتا ... ولم أر في نعيم ما نويت
فليت الموت عجّل قبض روحي ... جهارا فاسترحت وأين ليت
وقال أيضا في فراقه إيّاها:
أنعيم في قلبي عليك شرار ... وعلى الفؤاد من الصّبابة نار
وعلى الجفون غشاوة وعلى الهوى ... داع دعته لحيني الأقدار
بمضلّة لبّ الحليم إذا رمت ... بالمقلتين كأنها سحّار
طالبتها حولين لا ليلي بها ... ليل ولا هذا النهار نهار
/ حتى إذا ظفرت يداي بكاعب ... كالشمس تقصر دونها الأبصار
وثلجت صدرا بالفتاة وصارتا ... كالنفس نفسانا وقرّ قرار
بلغ الشقاء أشدّ ما يسطيعه ... فينا وفرّق بيننا المقدار
ومما يغنّي فيه من شعر عكّاشة الذي قاله في هذه الجارية:
صوت
لهفي على الزمن الذي ... ولّى ببهجته القصير
قد كان يؤنقني الهوى ... ويقرّ عيني بالسرور
إذ نحن خلّان الهوى ... ريحاننا عبق العبير
وغناؤنا وصف الهوى ... نلتذّ بالحبّ اليسير
الغناء في هذه الأبيات لابن صغير العين من كتاب إبراهيم ولم يذكر طريقته. وفيه لأبي العبيس بن حمدون خفيف رمل. وتمام هذه الأبيات:
وجه التواصل بيننا ... في الحسن كالقمر المنير
إيماؤنا يحكي الكلا ... م وسرّنا فطن المشير
وحديثنا بحواجب ... نطقت بألسنة الضّمير
بل رسلنا الكتب التي ... تجري بخافية الصّدور
أنشد للمهديّ قوله في الخمر فأراد حدّه:
حدّثني الحسن بن عليل قال حدّثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدّثنا أبو مسلم عن المدائنيّ قال:
أنشد عكّاشة بن عبد الصّمد المهديّ قوله في الخمر:
حمراء مثل دم الغزال وتارة ... عند [1] المزاج تخالها زريابا
/ فقال له المهديّ: لقد أحسنت في وصفها إحسان من قد شربها، ولقد استحققت بذلك الحدّ، فقال:
أيؤمّنني أمير المؤمنين حتّى أتكلّم بحجّتي؟ قال: قد أمّنتك، قال: وما يدريك يا أمير المؤمنين أنّي أحسنت وأجدت صفتها إن كنت لا تعرفها؟ فقال له المهديّ: أعزب قبّحك اللّه.
سمع له مثل ذلك مع الهادي:
قال الحسن وأخبرني بهذا الخبر أحمد بن سعيد [2] الدمشقيّ قال حدّثنا الزبير بن بكّار أنّ عكّاشة أنشد موسى الهادي هذا الشعر ثم أنشده قوله:
كأنّ فضول الكأس من زبداتها [3] ... خلاخل شدّت بالجمان إلى حجل [4]
فقال له موسى: واللّه لأجلدنّك حدّ الخمر، قال: ولم يا أمير المؤمنين! إنّما نقول ولا نفعل، فقال: كذبت، قد وصفتها صفة عالم بها، قال: فاجعل لي الأمان حتّى أتكلّم بحجّتي، قال: تكلّم وأنت آمن، قال: أجدت وصفها أم لم أجد؟ قال: بلى قد أجدت، قال: وما يدريك أني أجدت إن كنت لا تعرفها! إن كنت وصفتها بطبعي دون امتحاني فقد شركتني في ذلك بطبعك، وإن كان وصفها لا يعلم إلا بالتجربة فقد شركتني أيضا فيها؛ فضحك موسى وقال له: قد نجوت بحيلتك منّي، قاتلك اللّه فما أدهاك!.
ما غنى فيه من شعره:
ومما وجدت فيه غناء من شعر عكّاشة قوله:
وجاؤوا إليه بالتّعاويذ [5] والرّقى ... وصبّوا عليه الماء من شدّة النّكس [6]
وقالوا به من أعين الجنّ نظرة ... ولو صدقوا قالوا به أعين الإنس
الغناء لعريب. ومنها:
طرفي يذوب وماء طرفك جامد ... وعليّ من سيما هواك شواهد
هذا هواك قسمته بين الورى ... ومنحتني أرقا وطرفك راقد
فعليّ منه اليوم تسعة أسهم ... وعلى جميع النّاس سهم واحد
الغناء لجحظة. ومنها:
__________
[1] الرواية فيما سبق ص 260: «بعد».
[2] كذا فيء، م ء أوهو الموافق لما تقدّم في ص 305 ج 1 «أغاني» من هذه الطبعة، وفي باقي الأصول: «سعد».
[3] الزبدات: جمع زبدة وهي الطائفة من الزبد الذي هو طفاوة الماء والجرة واللعاب ونحوها.
[4] الجمان: اللؤلؤ أو حب من فضة يعمل على شكل اللؤلؤ، والحجل (بالفتح والكسر): الخلخال.
[5] التعاويذ: جمع تعويذة وهو ما يرقى به من فزع أو جنون ونحوه، ويقال على ما يكتب ويعلق على الإنسان للحفظ من العين ونحوها من الآفات فيما يزعمون، وتسمى المعاذات، وقد ورد في الحديث النهي عن تعليقها.
[6] النكس: العود في المرض، يقال: نكس المريض إذا عاودته العلة بعد النقة، ويقال: تعسا له ونكسا بضم النون، وقد تفتح ازدواجا.
غاد [1] الهوى بالكأس بردا ... وأطع إمارة من تبدّى [2] ومنها:
كما اشتهت خلقت حتّى إذا اعتدلت ... تمّت قواما فلا طول ولا قصر
ومنها:
وزعفرانيّة في اللّون تحسبها ... إذا تأمّلتها في جسم كافور
تخال أنّ سقيط الطّلّ بينهما ... دمع تحيّر في أجفان مهجور
__________
[1] كذا في أ، م، ء، وهو فعل أمر من «غادي» بمعنى باكر. وفي باقي الأصول «عاد» بالعين المهملة.
[2] كذا بالأصول، ولعلها «تندّى» بمعنى تفضّل وتسخّى، يقال: «هو يتندى على إخوانه» أي يتفضل ويجود عليهم.
31 - أخبار عبد الرحيم الدفاف ونسبه
نسبه والخلاف في اسم أبيه:
عبد الرّحيم بن الفضل الكوفيّ، ويكنى أبا القاسم، وقيل: هو عبد الرحيم بن سعد، وقيل: عبد الرحيم بن الهيثم بن سعد، مولى لآل الأشعث بن قيس، وقيل: بل هو مولى خزاعة.
سمعه حماد الراوية يغني:
ذكر أبو أيّوب المدينيّ أنّ حمّادا الراوية حدّثه قال: رأيت عبد الرّحيم الدفّاف أيّام هارون الرشيد [1] بالرّقّة وقد ظهرت [2]، فحضرني وسمعته يغنّي يومئذ صوتا سئل عنه فذكر أنّه من صنعته، وهو:
فديتك لو تدرين كيف أحبّكم ... وكيف إذا ما غبت عنك أقول
كان منقطعا إلى عليّ بن المهديّ:
وكان عبد الرحيم منقطعا إلى عليّ بن المهديّ المعروف بأمّه ريطة بنت أبي العبّاس.
غنى في شعر عرّض فيه بالرشيد فجلده:
/ فأخبرني عليّ بن سليمان الأخفش قال حدّثنا محمد بن يزيد المبرّد قال حدّثني عبد الصّمد بن المعذّل قال:
غنّت جارية يوما بحضرة الرشيد:
قل لعليّ أيا فتى العرب ... وخير نام وخير مكتسب
أعلاك جدّاك يا عليّ إذا ... قصّر جدّ عن ذروة الحسب
/ فأمر بضرب عنقها، فقالت: يا سيّدي ما ذنبي! هذا صوت علّمته، واللّه ما أدري من قاله ولا فيمن قيل؛ فعلم أنّها صدقت، فقال لها: عمّن أخذته؟ فقالت: عن عبد الرحيم الدّفّاف، فأمر بإحضاره فأحضر، فقال له:
يا عاضّ بظر أمه، أتغنّي في شعر تفاخر فيه بيني وبين أخي! جرّدوه، فجرّدوه، ودعا له بالسياط، فضرب بين يديه خمسمائة سوط.
غنى لعليّ بن المهدي فأجازه:
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا ابن مهرويه قال حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد عن القطرانيّ عن محمد بن جبر قال:
__________
[1] كذا في جميع الأصول، والمعروف أن حمادا الراوية لم يبق إلى أيام هارون الرشيد، فإن حمادا توفي في خلافة المنصور سنة 155 ه. وقيل توفي في خلافة المهدي التي تنتهي بسنة 169 ه، وعلى كلتا الروايتين تكون وفاة حماد قبل خلافة الرشيد التي تبتدىء بسنة 170 ه.
[2] يشير حماد بقوله: «و قد ظهرت» إلى أنه كان مطّرحا مجفوّا حتى اختفى في أيام العباسيين بسبب تقدمه وإيثاره عند ملوك بني أمية ومنادمته لهم كما جاء في ترجمته في الجزء الخامس من «الأغاني» طبعة بولاق.
قال لي عبد الرحيم بن القاسم الدفّاف: دخلت على عليّ بن ريطة يوما وستارته منصوبة، فغنّت جاريته:
أناس أمنّاهم فنموا حديثنا ... فلما كتمنا السرّ عنهم تقوّلوا
فقلت: أرأيت إن غنّيتك هذا الصوت وفي تمامه زيادة بيت واحد، أيّ شيء لي عليك؟ قال: خلعتي التي عليّ، فغنّيته:
فلم يحفظوا الودّ الذي كان بيننا ... ولا حين همّوا بالقطيعة أجملوا [1]
قال: فنزع خلعته فخلعها عليّ، وأقمت عنده بقيّة يومي على عربدة كانت فيه.
الشعر لعباس بن الأحنف، والغناء لعبد الرحيم الدّفّاف هزج بالبنصر. وهذا أخذه العبّاس من قول أبي دهبل:
صوت
أمنّا أناسا كنت تأتمنينهم ... فزادوا علينا في الحديث وأوهموا
وقالوا لها ما لم نقل ثمّ أكثروا ... عليّ وباحوا بالذي كنت أكتم
/ وفي هذين البيتين أغانيّ قديمة: منها لحن لابن سريج رمل بالسبّابة في مجرى الوسطى عن إسحاق. ولابن زرزور [2] الطائفيّ خفيف ثقيل بالوسطى عن عمرو. وفيه خفيف رمل بالبنصر والوسطى لمتيّم وعريب.
صوت من المائة المختارة
بكرت سميّة غدوة فتمتّعي ... وغدت غدوّ مفارق لم يربع
وتعرّضت لك فاستبتك بواضح ... صلت كمنتصّ الغزال الأتلع
عروضه من الكامل. والشعر للحادرة الثّعلبيّ، والغناء في اللحن المختار لسعيد بن مسجح، وإيقاعه من خفيف الثقيل الأوّل بإطلاق الوتر في مجزى البنصر عن إسحاق، وذكر عمرو بن بانة أنه لابن محرز. وفيهما للغريض ثقيل أوّل بالبنصر عن عمرو وفيهما خفيف رمل بالوسطى لابن سريج عن حبش.
ومما يغنّى فيه من هذه القصيدة:
أسميّ ما يدريك كم من فتية ... بادرت [3] لذّتهم بأدكن مترع
/ بكروا عليّ بسحرة فصبحتهم ... من عاتق كدم الذبيح مشعشع
غنّاه مالك، ولحنه من الثقيل الأوّل بالبنصر عن عمرو. وفيه لمالك خفيف ثقيل آخر أيضا. وفيهما لعلّويه ثقيل أوّل صحيح من جيّد صنعته. قوله: فتمتّعي يخاطب نفسه، أي تمتّعي منها قبل فراقها. ولم يربع: لم يقم.
والواضح الصّلت:/ يعني عنقها، وأصل الصلت: الماضي، ومنه الناقة المصلات: الماضية، وشدّ عليه بالسيف
__________
[1] في جميع الأصول «أجمل» بدون ضمير الجماعة والصواب ما أثبتناه.
[2] هكذا ورد في جميع الأصول، وقد تقدّم في ص 259 ج 1 «أغاني» من هذه الطبعة اختلاف النسخ فيه ووروده في بعضها «زرزر» بغير واو.
[3] بادرت: عاجلت. وفي ب، س، ح: «باكرت».
صلتا أي خارجا من غمده. والصلت في هذا الشعر: الطويل الذي لا قصر فيه. والمنتصّ: المنتصب، يقال: انتصّ فلان أي انتصب، ومنصّه العروس مأخوذة من هذا، ومنه نصّ الحديث: رفعه إلى صاحبه. واستبتك: غلبتك على عقلك. والواضح: الخالص الأبيض. وأدكن مترع يعني الزّقّ. والمشعشع: المرقرق بالماء.
32 - أخبار الحادرة ونسبه
نسب الحادرة وسبب لقبه بذلك:
الحادرة لقب غلب عليه، والحويدرة أيضا؛ واسمه قطبة بن أوس بن محصن بن جرول بن حبيب بن عبد العزّي بن خزيمة بن رزام بن مازن بن ثعلبة بن سعد [1] بن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس بن عيلان [2] بن مضر بن نزار، شاعر جاهليّ مقلّ. أخبرني بنسبه هذا محمد بن العبّاس اليزيديّ عن عبد الرحمن بن عبد اللّه بن قريب ابن أخي الأصمعيّ عن عمّه. قال: وإنما سمّي الحادرة بقول زبّان [3] بن سيّار الفزاريّ له:
كأنك حادرة المنكبي ... ن رصعاء تنقض في حائر [4]
عجوز ضفادع محجوبة [5] ... يطيف بها ولدة الحاضر [6]
قال: والحادرة: الضخم.
وذكر أبو عمرو الشّيبانيّ أن الحادرة خرج هو وزبّان الفزاريّ يصطادان فاصطادا جميعا، فخرج زبّان يشتوي ويأكل في الليل وحده؛ فقال الحادرة:
تركت رفيق رحلك قد تراه ... وأنت لفيك في الظّلماء هادي
/ فحقدها عليه زبّان، ثم أتيا غديرا فتجرّد الحادرة، وكان ضخم المنكبين أرسح، فقال زبّان:
كأنك حادرة المنكبي ... ن رصعاء تنقض في حائر
فقال له الحادرة:
لحا اللّه زبّان من شاعر ... أخي خنعة [7] فاجر غادر
كأنك فقّاحة [8] نوّرت ... مع الصبح في طرف الحائر
__________
[1] يتصل في سعد هذا نسب الحادرة بنسب ابن ميادة الذي وردت ترجمته في الجزء الثاني من هذه الطبعة صفحة 261، وبمراجعة النسبين تجد أن بعض الأسماء سقط من نسب الحادرة هنا.
[2] في م: «قيس عيلان» بسقوط كلمة «ابن» وكلاهما وارد.
[3] ذكر صاحب «شرح القاموس» في مادة «زبب» أنه قد يكون مشتقا من «زبن» فيصرف أو من «زبب» فيمنع من الصرف. وكذلك ذكر ابن دريد في كتاب «الاشتقاق» (ص 126 طبع أوروبا).
[4] حادرة المنكبين: ممتلئتهما. والرصعاء: الرسحاء وهي خفيفة لحم العجيزة والفخذين. وتنقض: تنقّ، يقال: أنقضت الضفدع تنقض إنقاضا إذا صوّتت، (انظر «شرح ابن الأنباري للمفضليات» ص 50). والحائر: مجتمع الماء.
[5] كذا في الأصول، وفي «المفضليات» ص 49 طبع بيروت «قد حدرت».
[6] الحاضر: المقيم على الماء، ويقال: حي حاضر إذا كانوا نازلين على ماء عدّ.
[7] الخنعة: الريبة والفجرة.
[8] الفقاحة: واحدة الفقاح، وفقاح كل نبت زهره حين يتفتح على أيّ لون كان.
فغلب هذا اللقب على الحادرة.
كان حسان بن ثابت معجبا بقصيدته
بكرت سمية
:
حدّثني محمد بن العبّاس اليزيديّ قال حدّثنا عبد الرحمن ابن أخي الأصمعيّ قال حدّثني عمّي قال سمعت شيخا من بني كنانة من أهل المدينة يقول:
كان حسّان بن ثابت إذا قيل له: تنوشدت الأشعار في موضع كذا وكذا يقول: فهل أنشدت كلمة الحويدرة:
بكرت سميّة غدوة فتمتّعي
قال أبو عبيدة: وهي من مختار الشعر، أصمعيّة مفضّليّة.
سبب الهجو بينه وبين زيّان بن سيّار:
نسخت من كتاب ابن الأعرابيّ قال حدّثني المفضّل قال:
كان الحادرة جارا لرجل من بني سليم، فأغار زبّان بن سيّار على إبله فأخذها فدفعها إلى رجل من أهل وادي القرى يهوديّ، وكان له عليه دين فأعطاه إيّاها بدينه، وكان أهل وادي القرى حلفاء لبني ثعلبة؛ فلما سمع اليهوديّ بذلك قال: سيجعل الحادرة هذا سببا لنقض العهد الذي بيننا وبينه، ونحن نقرأ الكتاب/ ولا ينبغي لنا أن نغدر، فردّ الإبل على الحادرة فردّها على جاره، ورجع إلى زبّان فقال له: أعطني مالي الذي عليك، فأعطاه إياه زبّان، ووقع الهجاء بينه وبين الحادرة؛ فقال الحادرة فيه:
لعمرة بين الأخرمين [1] طلول ... تقادم منها مشهر [2] ومحيل
وقفت بها حتى تعالى لي الضّحى ... لأخبر عنها إنّني لسئول
يقول فيها:
فإن تحسبوها بالحجاب ذليلة ... فما أنا يوما إن ركبت ذليل
سأمنعها في عصبة ثعلبيّة ... لهم عدد واف وعزّ أصيل [3]
فإن شئتم عدنا صديقا وعدتم ... وإمّا أبيتم فالمقام زحول [4]
قال: ولجّ الهجاء بينهما بعد ذلك فكان هذا سببه.
غزوة بني عامر وما قاله الحادرة فيها من الشعر:
ونسخت من كتاب عمرو بن أبي عمرو الشّيبانيّ يذكر عن أبيه:
__________
[1] الأخرمان: مثنى أخرم وهو اسم لعدّة مواضع: منها جبل في ديار بني سليم وجبل قبل توز بأربعة أميال من أرض نجد وجبل في طرف الدهناء، وهو يأتي في الشعر بالإفراد بالتثنية، قال المسيّب بن علس:
ترعى بأرض الأخرمين له ... فيها موارد ماؤها غدق
[2] أي مرت عليه شهور وأحوال فغيرته. وفي ب، س: «مسهر» بالسين المهملة وهو تحريف.
[3] وقع في هذا البيت الاعتماد وهو عدم حذف الخامس من فعولن التي قبل القافية. انظر الحاشية رقم 2 ص 67 من هذا الجزء.
[4] زحول: بعيد.
أن جيشا لبني عامر بن صعصعة أقبل وعليهم ثلاثة رؤساء: ذؤاب بن غالب من عقيل ثم من بني كعب بن ربيعة، وعبد اللّه بن عمرو من بني الصّموت، وعقيل بن مالك من بني نمير [1]، وهم يريدون غزو بني ثعلبة بن سعد رهط الحادرة/ ومن معهم من محارب، وكانوا يومئذ معهم، فنذرت [2] بهم بنو ثعلبة، فركب قيس بن مالك المحاربيّ الخصفيّ وجؤيّة بن نصر الجرميّ أحد بني ثعلبة للنظر إلى القوم، فلما دنوا منهم عرف عقيل بن مالك النميريّ [3] جؤيّة بن نصر الجرميّ، فناداه: إليّ يا جؤيّة بن نصر فإنّ لي خبرا أسرّه إليك؛ فقال: إليك أقبلت لكن لغير ما ظننت، فقال له: ما فعلت قلوص؟ - يعني امرأته - ؛ فقال: هي في الظّعن أسرّ ما كانت قطّ وأجمله؛ ثم حمل كلّ واحد منهما على صاحبه واختلفا طعنتين [4] فطعنه جؤيّة طعنة دقّت صلبه، وانطلق قيس بن مالك المحاربيّ إلى بني ثعلبة فأنذرهم، فاقتتلوا قتالا شديدا، فهزمت بنو نمير وسائر بني عامر ومات عقيل النّميري وقتل ذؤاب بن غالب وعبد اللّه بن عمرو أحد بني الصّموت؛ فقال الحادرة في ذلك:
كأنّ عقيلا في الضّحى حلّقت به ... وطارت به في الجوّ عنقاء مغرب [5]
ويروى: «و طارت به في اللّوح»، وهو الهواء.
وذي كرم يدعوكم آل عامر ... لدى معرك سرباله يتصبّب
رأت عامر وقع السيوف فأسلموا ... أخاهم ولم يعطف من الخيل مرهب
وسلّم لمّا أن رأى الموت عامر ... له مركب فوق الأسنّة أحدب
/ إذا ما أظلّته عوالي رماحنا ... تدلّى به نهد [6] الجزارة منهب [7]
على صلويه [8] مرهفات كأنها ... قوادم نسر بزّ عنهنّ منكب
قال: وفي هذه الوقعة يقول خداش بن زهير:
أيا أخوينا من أبينا وأمّنا ... إليكم إليكم لا سبيل إلى جسر
/ جسر: قبيلة من محارب. قال: وهذا اليوم يعرف بيوم شواحط، قبيلة من محارب [9].
__________
[1] كذا في نسخة الشيخ الشنقيطي طبع بولاق مصححة بقلمه، ويؤيده ما يأتي في سياق الخبر من نسبة عقيل إلى بني نمير ولأن الظاهر من الخبر أن الرؤساء الثلاثة من بني عامر بن صعصعة، ونمير من بني عامر بن صعصعة ككعب بن ربيعة، وعامر بن صعصعة من قبائل قيس، ولا صلة لها بتميم. وفي جميع الأصول: «تميم».
[2] نذر بالشيء (كفرح): علمه.
[3] في ب، س، م: «النمريّ» وهو تحريف.
[4] أي اختلفت طعنتاهما فكانت إحدى الطعنتين في إثر الأخرى.
[5] يقال: عنقاء مغرب على النعت وعنقاء مغرب على الإضافة. والعنقاء: طائر معروف الاسم مجهول الجسم؛ والعرب إذا أخبرت عن هلاك شيء قالت: حلّقت به في الجوّ عنقاء مغرب.
[6] نهد الجزارة: ضخمها، والجزارة في الأصل: أطراف الجزور وهي اليدان والرجلان والرأس؛ والمراد هنا أطراف فرس، وإذا قالوا:
«فرس ضخم الجزارة» فإنما يراد غلظ اليدين والرجلين وكثرة عصبها، ولا يدخل الرأس في هذا لأن عظم الرأس هجنة في الخيل.
[7] المنهب: الفرس الفائق في العدو.
[8] الصلا: وسط الظهر من الناس ومن كل ذي أربع وما انحدر من الوركين، وقيل: الفرجة بين الجاعرة والذنب، وقيل: ما عن يمين الذئب وشماله، وهما «صلوان» والجمع: صلوات وأصلاء.
[9] هذه الكلمة (قبيلة من محارب) وردت هكذا في جميع الأصول، والظاهر أنها من زيادات النساخ لأن شواحطا جبل مشهور بين مكة والمدينة وهو الجبل الذي أغارت به سرية من بني عامر على إبل لبني محارب (انظر «معجم ياقوت» و «معجم ما استعجم» للبكري
يوم الكفافة وما قاله الحادرة فيه من الشعر:
وقال أبو عمرو: خرج خارجة بن حصن في جمع من بني فزارة ومن بني ثعلبة بن سعد وهو يريد غزو بني عبس بن بغيض، فلقوا جيشا لبني تميم على ماء يقال له «الكفافة» وتميم في جمع سعد والرّباب وبني عمرو، فقاتلوهم قتالا شديدا وهزمت تميم وأجفلت، وهذا اليوم يقال له: «يوم كفافة»، فقال الحادرة في ذلك:
ونحن منعنا من تميم وقد طغت ... مراعي الملا حتى تضمّنها نجد
كمعطفنا يوم الكفافة [1] خيلنا ... لتتبع أخرى الجيش إذ بلغ الجدّ
/ على حين شالت [2] واستخفّت رجالهم ... جلائب [3] أحياء يسيل بها الشدّ
إذا هي شكّ السّمهريّ نحورها ... وخامت [4] عن الأبطال أتعبها القدّ [5]
تكرّ سراعا في المضيق عليهم ... وتثنى بطاء ما تخبّ ولا تعدو
فأثنوا علينا لا أبا لأبيكم ... بإحساننا إن الثناء هو الخلد
__________
() في اسم «شواحط»).
[1] كفافة (بضم الكاف): اسم ماء صارت به وقعة بين فزارة وبني عمرو بن تميم كما تقدّم، وقد استشهد عليه ياقوت بهذا البيت هكذا:
كمحبسنا يوم الكفافة خيلنا ... لنورد أخرى الخيل إذ كره الورد
[2] شالت: رفعت ذنبها.
[3] كذا في أ، م، ء. وفي سائر النسخ: «حلائب» بالحاء وهو تحريف.
[4] خامت: نكصت وجبنت.
[5] القدّ: سير يقدّ من جلد يقيّد به.
33 - أخبار ابن مسجح ونسبه
ولاؤه، وهو مغن أسود متقن نقل غناء الفرس:
سعيد بن مسجح أبو عثمان مولى بني جمح، وقيل: إنه مولى بني نوفل بن الحارث بن عبد المطّلب. مكيّ أسود، مغنّ متقدّم من فحول المغنّين وأكابرهم، وأوّل من صنع الغناء منهم، ونقل غناء الفرس إلى غناء العرب، ثم رحل إلى الشأم وأخذ ألحان الروم والبربطيّة [1] والأسطو خوسيّة، وانقلب إلى فارس فأخذ بها غناء كثيرا وتعلّم الضرب، ثم قدم إلى الحجاز وقد أخذ محاسن تلك النّغم، وألقى منها ما استقبحه من النّبرات والنغم التي هي موجودة في نغم غناء الفرس والروم خارجة عن غناء العرب، وغنّى على هذا المذهب، فكان أوّل من أثبت ذلك ولحنّه وتبعه الناس بعد.
علّم ابن سريج والغريض الغناء:
أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان، والحسين بن يحيى قالا: حدّثنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه عن هشام بن المرّيّة: أنّ أوّل من غنّى هذا الغناء العربيّ بمكّة ابن مسجح مولى بني مخزوم، وذلك أنه مرّ بالفرس وهم يبنون المسجد الحرام،/ فسمع غناءهم بالفارسيّة فقلبه في شعر عربيّ؛ وهو الذي علّم ابن سريج والغريض، وكان ابن مسجح مولّدا أسود يكنى بأبي عيسى.
احتراق الكعبة في عهد ابن الزبير وبناؤه لها:
أخبرني محمد بن عبيد اللّه بن محمد الرازيّ قال حدّثنا أحمد [2] بن الحارث الخرّاز [3] عن المدائنيّ، وذكر إسحاق عن المدائنيّ عن أبي بكر الهذليّ قال:
كان سبب بناء ابن الزّبير الكعبة لما احترقت، أنّ أهل الشأم لما حاصروه سمع أصواتا بالليل فوق الجبل
__________
[1] كذا في الأصول. وقد رأى الأب أنستاس ماري الكرملي أن تكون هذه الكلمة محرفة عن «البزنطية» (بضم الباء الموحدة وفتح الزاي يليها نون ساكنة بعدها طاء مكسورة ثم ياء مثناة مشدّدة وفي الآخر هاء): نسبة إلى بزنطية وهي مدينة القسطنطينية قبل أن تبنى، ويراد بالبزنطية قوم من الروم الشرقيين عرفوا بهذا الاسم منذ عهد قسطنطين الكبير إلى سقوط القسطنطينية بيد الترك.
ثم قال: وأما الأسطوخوسية فيراد بهم قوم آخرون من أسطوخوس أو أسطوخادس، وهي جزيرة في جنوبيّ فرنسا كان أهلها معروفين بالقصف والغناء والأنس، كما هم عليه إلى هذا العهد، وكان سكانها خليطا من الروم واليونانيين والقلطيّين وبقايا الفلسطينيين.
(انظر المجلد الثاني من «مجلة الزهراء» ص 358 - 361).
[2] في جميع الأصول: «محمد»، وقد تقدّم في مواضع متعدّدة أنّ الذي يروى عن المدائنيّ هو أحمد بن الحارث الخرّاز وهو صاحبه وراويته.
[3] تقدم فيما كتبناه عن هذا الاسم في (ص 171 ج 2 حاشية رقم 2) أنه الخزاز بزايين معجمتين، اعتمادا على وروده كذلك في «فهرست ابن النديم». وقد ذكره الذهبي في «المشتبه في أسماء الرجال» (ص 98) الخراز بالراء المهملة وآخره زاي نسبة إلى خرز الحلود، وكذلك ذكره السمعاني في «الأنساب» (ورقة 191 في الوجه الثاني) وذكر كلاهما أنه راوية المدائني، وذكره شارح «القاموس» في مادة خرز وسماه خطأ أحمد بن خلف.
فخاف أن يكون أهل الشأم قد وصلوا إليه، وكانت ليلة ظلماء ذات ريح شديدة صعبة ورعد وبرق، فرفع نارا على رأس رمح لينظر إلى الناس فأطارتها الريح فوقعت على أستار الكعبة فأحرقتها واستطالت فيها، وجهد الناس في إطفائها فلم يقدروا، وأصبحت الكعبة تتهافت [1] وماتت امرأة من قريش، فخرج الناس كلّهم في جنازتها خوفا من أن ينزل العذاب عليهم، وأصبح ابن الزّبير ساجدا يدعو ويقول: اللهم إني لم أتعمّد ما جرى فلا تهلك عبادك بذنبي وهذه ناصيتي بين يديك؛ فلمّا تعالى النهار أمن وتراجع/ الناس، فقال لهم: اللّه اللّه أن ينهدم في بيت أحدكم حجر فيزول عن موضعه فيبنيه ويصلحه وأترك الكعبة خرابا؛ ثم هدمها مبتدئا بيده وتبعه الفعلة حتى بلغوا إلى قواعدها، ودعا ببنّائين من الفرس والروم فبناها.
نقل غناء الفرس من بنّائي الكعبة الذين استقدمهم ابن الزبير:
قال إسحاق: وأخبرني ابن الكلبيّ عن أبي مسكين قال:
كان سعيد بن مسجح أسود مولّدا يكنى أبا عيسى مولى لبني جمح، فرأى الفرس وهم يعملون الكعبة لابن الزّبير ويتغنّون بالفارسيّة فاشتقّ غناءه على ذلك.
/ قال إسحاق: وحدّثني محمد بن سلّام عن شعيب بن صخر وجرير قالا:
كان سعيد بن مسجح أسود وهو مولى بني جمح يكنى أبا عيسى.
كان ولاؤه هو وابن سريج لرجل واحد:
قال إسحاق: وحدّثني المدائني عن صخر بن جعفر عن أبي قبيل بمثل ذلك، وذكر أنه كان يكنى أبا عثمان.
قال: وهو مولى لبني نوفل بن الحارث كان هو وابن سريج لرجل واحد، ولذلك قبل عنه ابن سريج.
ابن مسجح في حداثته:
قال إسحاق: وحدّثني الهيثم بن عديّ عن صالح بن حسّان فذكر مثل ما ذكر أبو قبيل من كنيته وولائه، وقال:
كان ابن مسجح فطنا كيّسا ذكيّا، وكان أصفر حسن اللون، وكان مولاه معجبا به، وكان يقول في صغره: ليكوننّ لهذا الغلام شأن، وما منعني من عتقه إلا حسن فراستي فيه، ولئن عشت لأتعرّفنّ ذلك، وإن متّ فهو حرّ، فسمعه مولاه يوما وهو يتغنّى بشعر ابن الرّقاع العامليّ، وهو من الثقيل الأوّل بالسبّابة في مجرى الوسطى:
صوت
ألمم على طلل عفا متقادم ... بين اللّكيك [2] وبين غيب الناعم [3]
__________
[1] أي لتساقط حجرا حجرا.
[2] اللكيك كأمير ويقال له اللكاك، رواه ابن جبلة «اللكاك» كغراب، وضبطه الصاغانيّ بالكسر ككتاب وقال: هو موضع في ديار بني عامر، وقال غيره: بحزن بني يربوع؛ انظر «شرح القاموس»، وقد ضبطه ياقوت في «معجم البلدان» بالكسر ككتاب ولم يذكر اللكيك.
[3] غيب الناعم: موضع قال عنه ياقوت: إنه ورد في قول عديّ بن الرقاع وذكر البيت هكذا:
ألمم على طلل عفا متقادم ... بين الذؤيب وبين غيب الناعم
لو لا الحياء وأنّ رأسي قد عثا [1] ... فيه المشيب لزرت أمّ القاسم
/ فدعا به مولاه فقال له: يا بنيّ أعد ما سمعته منك عليّ، فأعاده فإذا هو أحسن مما ابتدأ به، فقال: إن هذا لمن بعض ما كنت أقول، ثم قال: أنّى لك هذا؟ قال: سمعت هذه الأعاجم تتغنّى بالفارسيّة فثقفتها [2] وقلبتها في هذا الشعر، قال له: فأنت حرّ لوجه اللّه، فلزم مولاه وكثر أدبه واتسع في غنائه ومهر بمكّة وأعجبوا به لظرفه وحسن ما سمعوه منه، فدفع إليه مولاه عبيد بن سريج، وقال له: يا بنيّ علّمه واجتهد فيه؛ وكان ابن سريج أحسن الناس صوتا، فتعلّم منه ثم برّز عليه حتى لم يعرف له نظير.
غناء نافع الخير عند رجل من قريش:
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثنا أخي هارون عن ابن الماجشون عن شيخ من أهل المدينة، وأخبرني محمد بن خلف بن المرزبان والحسين بن يحيى قالا أخبرنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه قال ذكر ابن الكلبيّ عن أبي مسكين عن شيخ من أهل المدينة قال:
دخلت على رجل من قريش بالمدينة وعنده رجل ساكن الطّرف نبيل تأخذه العين، لا أعرفه؛ فقال له القرشيّ:
أقسمت عليك إلّا ما غنّيت صوتا، فحوّل خاتمه من خنصره اليسرى إلى بنصره اليمنى، ثم تناول قدحا، فغنّاه لحن ابن سريج في شعر كعب بن جعيل:
إذا امتشطت [3] عالوا لها بوسادة ... ومدّت عسيب المتن أن يتعفّرا
ثوت نصف شهر تحسب الشهر ليلة ... تناغي [4] غزالا ساجي [5] الطرف أحورا
/ تزيّن حتى تسلب المرء عقله ... وحتى يحار الطرف فيها ويسكرا [6]
/ثم غنّى في شعر توبة بن الحميّر:
وغيّرني إن كنت لمّا تغيّري ... هواجر تكتنّينها وأسيرها
وأدماء [7] من سرّ المهارى [8] كأنها ... مهاة [9] صوار [10] غير ما مسّ كورها
__________
[1] كذا في «لسان العرب» في مادة «عثا» وعثا: أفسد، يقال: عثا فيه المشيب أي أفسد، وفي جميع الأصول «عسا» بالسين المهملة، ولم يظهر له معنى إلا أن يكون بمعنى اشتدّ، من قولهم: عسا النبات عسوّا أي غلظ واشتدّ.
[2] ثقف الشي ء: فهمه وأخذه.
[3] كذا في ح، وفي باقي النسخ: «إذا انتشطت» وهو تحريف.
[4] المناغاة: المغازلة.
[5] ساجي الطرف: فاتره ساكنه، والأحور: الأبيض الناعم.
[6] يقال: سكرت عينه تسكر (من باب نصر) إذا تحيرت وسكنت عن النظر. وفي الأصول: «و يشكرا» بالشين وهو تحريف.
[7] الأدماء: من الإبل التي أشرب لونها بياضا مع سواد المقلتين.
[8] السرّ: المحض، يقال: «هو في سر النسب» أي محضه وأفضله؛ والمهاري: جمع مهرية وهي إبل منسوبة إلى مهرة ابن حيدان، وقيل: هي منسوبة إلى بلد، وقال الأزهري: هي نجائب تسبق الخيل.
[9] المهاة: البقرة الوحشية.
[10] الصوار: قطيع البقر.
قطعت بها أجواز [1] كلّ تنوفة ... مخوف رداها كلّما استنّ [2] مورها
ترى ضعفاء القوم فيها كأنهم ... دعاميص [3] ماء نشّ [4] عنها غديرها
قال: فقلت له إني لأروي هذا الشعر وما أعرف هذه الأبيات فيه، فقال: هكذا رويتها عن عبد اللّه بن جعفر، قال: وإذا هو نافع الخير مولى عبد اللّه بن جعفر.
الغناء في هذين اللحنين لابن مسجح ولم أجد لهما طريقة في شيء من الكتب التي مرّت. وذكر حبش أن في أبيات كعب بن جعيل لإبراهيم خفيف رمل بالوسطى.
دور معاوية بمكة:
حدّثني جعفر بن قدامة بن زياد الكاتب وعمّي وحبيب بن نصر المهلّبيّ قالوا حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد قال حدّثني عبد اللّه بن محمد بن موسى الهاشميّ قال حدّثني أحمد بن موسى بن حمزة بن عمارة بن صفوان الجمحيّ عن أبيه قال:
/ أوّل من نقل الغناء الفارسيّ من الفارسيّ إلى الغناء العربيّ سعيد بن مسجح مولى بني مخزوم. قال: وقد يختلف في ولائه إلا أن الأغلب عليه ولاء بني مخزوم، وذلك أنّ معاوية بن أبي سفيان لما بنى دوره التي يقال لها:
«الرّقط» [5] - وهي ما بين الدارين إلى الرّدم [6]: أوّلها الدار البيضاء وآخرها دار الحمّام، وهي على يسار المصعد من المسجد إلى «ردم عمر» - حمل [7] لها بنّائين فرسا من العراق فكانوا يبنونها بالجصّ والآجر، وكان سعيد بن مسجح يأتيهم فيسمع من غنائهم على بنيانهم، فما استحسن من ألحانهم أخذه ونقله إلى الشعر العربيّ، ثم صاغ على نحو ذلك؛ وهو الذي علّم الغريض، فكان من قديم غنائه الذي صنعه على تلك الأغاني:
صوت
أسلام إنّك قد ملكت فأسجحي [8] ... قد يملك الحرّ الكريم فيسجح
منّي على عان أطلت عناءه ... في الغلّ عندك والعناة تسرّح
إنّي لأنصحكم وأعلم أنه ... سيّان عندك من يغشّ وينصح
__________
[1] الأجواز: جمع جوز وهو وسط الشيء ومعظمه، يقال: قطعوا جوز الفلاة وأجواز الفلا، والتنوفة: الفلاة التي لا ماء بها.
[2] استن: هاج وثار من استن الفرس في المضمار إذا جرى في نشاطه على سنن؛ والمور: الغبار تثيره الرياح.
[3] الدعاميص: دود أسود يكون في الغدران إذا نشّت، أو هو دود له رأسان يرى في الماء إذا قل.
[4] نش الغدير: يبس ماؤه ونضب.
[5] كذا في جميع الأصول، وقد تعرّض الأزرقيّ في «تاريخ مكة» لدور معاوية وذكر أنّ من بينها دارا تسمّى «الرقطاء» وسميت بذلك لأنها بنيت بالآجرّ الأحمر والجصّ الأبيض، ومنها «الدار البيضاء» وسمّيت بذلك لأنها بنيت بالجصّ ثم طليت به وكانت كلّها بيضاء، ثم ذكر بقيّة الدور بأسمائها ولم يذكر أنّ هناك دورا تسمّى الرقط (انظره في صفحتي 449 و450) طبع ليبسك.
[6] يريد به ردم عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه وقد ذكر في «تاريخ مكة» (ص 450) ولم يذكر ياقوت في «معجمه» إلا ردم بني جمح بن عمرو.
[7] كذا في ح. وفي أ، م: «فحمل» بالفاء وفي سائر النسخ: «فجعل» ولا موقع للفاء في سياق الكلام.
[8] الإسجاح: حسن العفو، ومنه المثل السائر في العفو عند المقدرة «ملكت فأسجح» وهو مرويّ عن عائشة قالته لعلي رضي اللّه عنهما يوم الجمل حين ظهر على الناس فدنا من هودجها ثم كلمهما بكلام، فأجابته: «ملكت فأسجح» أي ظفرت فأحسن وقدرت فسهل.
وإذا شكوت إلى سلامة حبّها ... قالت أجدّ منك ذا أم تمزح
أخذ عنه معبد:
- الشعر للأحوص. والغناء لابن مسجح ثقيل أوّل بالبنصر. ولد حمان فيه ثقيل أوّل بالبنصر. ولمالك فيه خفيف ثقيل عن الهشاميّ - قال: وهو أوّل من غنّى الغناء العربيّ المنقول عن الفارسيّ. وعاش سعيد بن مسجح حتى لقيه معبد وأخذ عنه في أيام الوليد بن عبد الملك.
نفاه دحمان الأشقر وإلى مكة إلى الشأم فتوصل إلى عبد الملك وغناه فعفا عنه وأمر يردّ ماله إليه:
حدّثني عمّي والحسين بن القاسم الكوفيّ قالا جميعا حدّثنا محمد بن سعيد الكرانيّ قال حدّثني النضر بن عمرو قال حدّثني أبو أميّة القرشيّ قال حدّثنا دحمان الأشقر قال:
كنت عاملا لعبد الملك بن مروان بمكة فنمي إليه أنّ رجلا أسود يقال له: سعيد بن مسجح أفسد فتيان قريش وأنفقوا عليه أموالهم، فكتب إليّ: أن اقبض ماله وسيّره، ففعلت./ فتوجّه ابن مسجح إلى الشأم فصحبه رجل له جوار مغنّيات في طريقه، فقال له: أين تريد؟ فأخبره خبره، وقال له: أريد الشأم، قال له: فتكون معي؟ قال: نعم، فصحبه حتى بلغا دمشق فدخلا مسجدها فسألا: من أخصّ الناس بأمير المؤمنين؟ فقالوا: هؤلاء النفر من قريش وبنو عمّه، فوقف ابن مسجح عليهم وسلّم ثم قال: يا فتيان، هل فيكم من نضيف رجلا غريبا من أهل الحجاز؟
فنظر بعضهم إلى بعض وكان عليهم موعد أن يذهبوا إلى قينة يقال لها: «برق الأفق» فتثاقلوا به إلا فتى منهم تذمّم [1] فقال: أنا أضيفك، وقال لأصحابه: انطلقوا أنتم وأنا أذهب مع ضيفي، قالوا: لا، بل تجيء أنت وضيفك، فذهبوا جميعا إلى بيت القينة، فلما أتوا بالغداء قال لهم سعيد: إني رجل أسود ولعلّ فيكم من يقذرني فأنا أجلس وآكل ناحية وقام، فاستحيوا منه وبعثوا إليه بما أكل، فلما صاروا/ إلى الشراب قال لهم مثل ذلك، ففعلوا به، وأخرجوا جاريتين فجلستا على سرير قد وضع لهما، فغنّتا إلى العشاء ثم دخلتا، وخرجت جارية حسنة الوجه والهيئة وهما معها فجلست على السرير وجلستا أسفل منها عن يمين السرير وشماله، قال ابن مسجح: فتمثّلت [2] هذا البيت:
فقلت أشمس أم مصابيح بيعة ... بدت لك خلف السّجف أم أنت حالم
فغضبت الجارية وقالت: أيضرب هذا الأسود بي الأمثال! فنظروا إليّ نظرا منكرا ولم يزالوا يسكّنونها، ثم غنّت صوتا، فقال ابن مسجح: أحسنت واللّه، فغضب مولاها وقال: أمثل هذا الأسود يقدم على جاريتي! فقال لي الرجل الذي أنزلني عنده: قم فانصرف إلى منزلي فقد ثقلت على القوم، فذهبت أقوم فتذمّم القوم وقالوا لي: بل أقم وأحسن أدبك فأقمت، وغنّت فقلت: أخطأت واللّه يا زانية وأسأت، ثم اندفعت فغنّيت الصوت فوثبت الجارية فقالت لمولاها: هذا واللّه أبو عثمان سعيد بن مسجح، فقلت: إني واللّه أنا هو، واللّه لا أقيم عندكم، فوثب القرشيّون فقال هذا: يكون عندي، وقال هذا: يكون عندي، وقال هذا: بل عندي، فقلت: واللّه لا أقيم إلا عند سيّدكم - يعني الرجل الذي أنزله منهم - ثم سألوه عما أقدمه فأخبرهم الخبر، فقال له صاحبه: إني أسمر الليلة مع
__________
[1] تذمم أي خشي الذمّ واللوم.
[2] يقال: تمثّلت هذا البيت وتمثّلت به إذا ضربته مثلا.
أمير المؤمنين فهل تحسن أن تحدو؟ قال: لا، ولكني أستعمل حداء، قال: فإن منزلي بحذاء منزل أمير المؤمنين فإن وافقت منه طيب نفس أرسلت إليك، ومضى إلى عبد الملك فلما رآه طيّب النفس أرسل إلى ابن مسجح وأخرج رأسه من وراء شرف القصر ثم حدا:
/إنك يا معاذ يابن الفضّل ... إن زلزل الأقدام لم تزلزل
عن دين موسى والكتاب المنزل ... تقيم أصداغ [1] القرون الميّل
للحقّ حتى ينتحوا للأعدل
فقال عبد الملك للقرشيّ: من هذا؟ قال: رجل حجازيّ قدم عليّ، قال: أحضره فأحضره له، وقال له: أحد مجدّا، ثم قال له: هل تغنّي غناء الركبان؟ قال: نعم، قال: غنّه، فتغنّى، فقال له: فهل تغنّي الغناء المتقن؟ قال:
نعم، قال: غنّه، فتغنّى فاهتزّ عبد الملك طربا، ثم قال له: أقسم إن لك في القوم لأسماء/ كثيرة، من أنت؟ ويلك! قال له: أنا المظلوم المقبوض ماله المسيّر عن وطنه سعيد بن مسجح، قبض مالي عامل الحجاز ونفاني، فتبسّم عبد الملك ثم قال له: قد وضح عذر فتيان قريش في أن ينفقوا عليك أموالهم، وأمّنه ووصله وكتب إلى عامله بردّ ماله عليه وألّا يعرض له بسوء.
صوت من المائة المختارة
سلا دار ليلى هل تبين فتنطق ... وأنّى تردّ القول بيداء سملق [2]
وأنّى تردّ القول دار كأنها ... لطول بلاها والتقادم مهرق [3]
عروضه من الطويل، الشّعر لابن المولى. وذكر يحيى بن عليّ بن يحيى عن إسحاق أن الشعر للأعشى؛ وذلك غلط، وقد التمسناه في شعر كل أعشى ذكر في شعراء العرب فلم نجده، ولا رواه أحد من الرّواة لأحد منهم، ووجدناه في شعر ابن المولى من قصيدة له طويلة جيّدة، وقد أثبتناها بعقب أخباره ليوقف على صحّة ما ذكرناه، إذ كان الغلط إذا وقع من مثل هذه الجهة احتيج إلى إيضاح الحجّة على ما خالفه والدّلالة على الصواب فيه. والغناء في اللحن المختار لعطرّد ثقيل أوّل بالسبّابة في مجرى البنصر عن إسحاق ويونس وعمرو، وفيه لأيّوب زهرة خفيف ثقيل بالوسطى عن الهشاميّ وأحمد بن المكيّ. وفي غناء أيّوب زهرة زيادة بيتين وهما:
وقال خليلي والبكا لي غالب ... أقاض عليك ذا الأسى والتشوّق
__________
[1] في جميع الأصول «أصداع» بالعين المهملة وهو تحريف، والصواب ما أثبتناه لأنه من صدغ يصدغ صدوغا وصدغا بمعنى مال ومنه «لأقيمن صدغك» أي ميلك.
[2] السملق: القاع المستوى الأملس الذي لا شجر فيه.
[3] المهرق: الصحيفة، ومن عادة العرب تشبيه الديار والمنازل إذا عفت وأقوت بالصحف والكتابة، قال امرؤ القيس:
أنت حجج بعدي عليها فأصبحت ... فخط زبور في مصاحف رهبان
وقال العجاج:
يا صاح ما هاج الدموع الذرفا ... من طلل أمسى تخال المصحفا
والمصحف: الصحيفة.
وقد طال توقاني [1]
أكفكف عبرة ... تكاد إذا ردّت لها النفس تزهق [2]
__________
[1] توقاني: اشتياقي وقد سكن لضرورة الشعر.
[2] في رواية أخرى ص 288 من هذا الجزء:
على دمنة كادت لها النفس تزهق
34 - أخبار ابن المولى ونسبه
نسبه وصفته وهو شاعر من مخضرمي الدولتين:
هو محمد بن عبد اللّه بن مسلم بن المولى مولى الأنصار ثم من بني عمرو بن عوف، شاعر متقدّم مجيد من مخضرمي الدولتين ومدّاحي أهلهما، وقدم على المهديّ وامتدحه بعدّة قصائد فوصله بصلات سنّية، وكان ظريفا عفيفا نظيف الثياب حسن الهيئة.
قدم على المهدي ومدحه فأجزل صلته:
أخبرني عمّي قال حدّثنا محمد بن عبد اللّه الحزنبل قال قال لي محمد بن صالح بن النّطّاح:
كان ابن المولى يسمّى محمدا مولى بني عمرو بن عوف من الأنصار، وكان مسكنه بقباء، وكان يقدم على المهديّ فيمدحه، فقدم عليه فأنشده قوله:
سلا دار ليلى هل تبين فتنطق ... وأنّى تردّ القول بيداء سملق
وأنّى تردّ القول دار كأنها ... لطول بلاها والتقادم مهرق
وقال خليلي والبكالي غالب ... أقاض عليك ذا الأسى والتشوّق
وإنسان عيني في دوائر لجّة ... من الدمع يبدو تارة ثم يغرق
يقول فيها:
إلى القائم المهديّ أعملت ناقتي ... بكل فلاة آلها [1] يترقرق
إذا غال [2] منها الركب صحراء برّحت ... بهم بعدها في السير صحراء دردق [3]
/رميت قراها [4] بين يوم وليلة ... بفتلاء [5] لم ينكب [6] لها الزّور مرفق
__________
[1] الآل: السراب.
[2] يقال: غالت الأرض السابلة أي قذفت بهم وأبعدتهم.
[3] كذا في الأصول. والدردق: الطريق، والصف من النخل، والصغير من كل شيء، وكل هذه المعاني لا تتفق والمعنى المراد، ولعلها مما لم يرد تفسيره في «المعاجم»، أو لعلّ المراد بها «فيهق» يقال: أرض فيهق، ومفازة فيهق أي واسعة.
[4] القرا: الظهر.
[5] يقال: ناقة فتلاء إذا كان في ذراعيها فتل وهو تباعدهما عن الجنبين كأنهما فتلتا عنهما.
[6] كذا في أكثر الأصول. وفي ح: «يركب».
مزمّرة [1]
سقبا كأن زمامها ... بجرداء من عمّ [2] الصّنوبر معلق
موكّلة بالفادحات كأنها ... وقد جعلت منها الثّميلة [3] تخلق
بقيّ [4] الملاهيق [5] أمام رئاله [6] ... أصمّ هجفّ [7] أقرع الرأس نقنق [8]
تراها إذا استعجلتها وكأنها ... على الأين يعروها من الرّوع أولق [9]
مورّكة [10] أرض العذيب [11] وقد بدا ... فسرّ به للآئبين الخورنق [12]
فاستحسنها المهديّ وأجزل صلته، وأمر فغنّي في نسيب القصيدة. فأمّا ما شرطت ذكره من تمام القصيدة فهو بعقب البيت الثاني منها:
عفتها الرياح الرامسات [13] مع البلى ... بأذيالها والرائح المتبعّق [14]
بكل شآبيب من الماء خلفها ... شآبيب ماء مزنها متألّق
/ إذا ريّق [15] منها هريقت سجاله ... أعيد لها كرفىء [16] ماء وريّق
فأصبح يرمي بالرّباب [17] كأنما ... بأرجله منه نعام معلّق
فلا تبك أطلال الديار فإنها ... خبال [18] لمن لا يدفع [19] الشوق عولق [20]
__________
[1] كذا في جميع النسخ بالزاي المعجمة ولعله مضعف من زمر الظليم بمعنى صوّت، وقد أصلحها الأستاذ الشنقيطي بهامش نسخته بالذال المعجمة، وربما أراد أن تكون من ذمر بمعنى حث فهو يصفها بأنها سريعة السير لأنها محثوثة عليه. والسقب: الطويل من كل شيء.
[2] العمّ: النخل الطوال، واستعير هنا لطول شجر الصنوبر.
[3] الثميلة: ما يبقى في بطن الدابة من العلف والماء وما يدخره الإنسان من طعام وغيره، وكل بقية ثميلة.
[4] القيّ: القفر.
[5] وردت هذه الكلمة في جميع النسخ هكذا «هين» وهو تحريف ظاهر والصواب ما أثبتناه، والهيق: الظليم.
[6] الرئال: أفراخ النعام واحدها رأل.
[7] الهجف: الظليم المسن، وقيل: الجافي الثقيل من النعام.
[8] النقنق: الظليم.
[9] الأولق: الجنون.
[10] موركة: مجاوزة.
[11] العذيب: ماء بين القادسية والمغيثة بينه وبين القادسية أربعة أميال.
[12] الخورنق: قصر بالحيرة.
[13] عفتها: محتها ودرستها، والرامسات: الدواقن للآثار.
[14] الرائح المتبعق: المطر المندفع، قال رؤبة:
جود كجود الغيث إذ تبعّقا
وفي ح، ب: المتعبق وهو غير مناسب.
[15] الريق: المطر اليسير يصيبك منه شيء.
[16] الكرفى ء: السحاب المرتفع وقد دخل على هذا الشطر «الكف» وهو حذف السابع الساكن من «مفاعيلن» الأولى وهو قبيح.
[17] الرباب: السحاب الأبيض.
[18] كذا في أ، ء: وفي سائر النسخ «خيال».
[19] في الأصول: «يرفع» بالراء.
[20] العولق: الغول، وهو صفة لخبال.
وإنّ سفاها أن ترى متفجّعا ... بأطلال دار أو يقودك معلق
فلا تجزعن للبين كلّ جماعة ... وجدّك مكتوب عليها التفرّق
وخذ بالتعزّي [1] كلّ ما أنت لابس ... جديدا على الأيام بال ومخلق
فصبر الفتى عما تولّى فإنه ... من الأمر أولى بالسّداد وأوفق
ويروى: «أدنى للذي هو أوفق».
وإنك بالإشفاق لا تدفع [2] الرّدى ... ولا الحين مجلوب فما لك تشفق
كأنّ لم يرعك الدهر أو أنت آمن ... لأحداثه فيما يغادي ويطرق
وقال خليلي والبكالى غالب ... أقاض عليك ذا الأسى والتشوّق
وقد طال توقاني أكفكف عبرة ... على دمنة كادت لها النفس تزهق
وإنسان عيني في دوائر لجّة ... من الماء يبدو تارة ثم يغرق
وللدّمع من عيني شريجا [3] صبابة ... مرشّ [4] الرّجا [5] والجائل المترقرق
وكنت أخا عشق ولم يك صاحبي ... فيعذرني ممّا يصبّ ويعشق
/ وقد يعذر الصبّ السقيم ذوي الهوى ... ويلحى المحبّين الصديق فيخرق
وعاب رجال أن علقت وقد بدا ... لهم بعض ما أهوى وذو الحلم يعلق
والقصيدة طويلة. وفي بعض ما ذكرته منها دلالة على صحّة ما قلته.
كان يشبب بليلى فسئل عنها فقال: ما هي واللّه إلا قومي:
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثني عبد الملك بن عبد العزيز قال:
خرجت أنا وأبو السائب المخزوميّ وعبيد اللّه بن مسلم بن جندب وابن المولى وأصبغ بن عبد العزيز بن مروان إلى قباء، وابن المولى متنكّب [6] قوسا عربية، فأنشد ابن المولى لنفسه:
/و أبكي فلا ليلى بكت من صبابة ... إليّ ولا ليلى لذي الودّ تبذل
وأخنع [7] بالعتبى إذا كنت مذنبا ... وإن أذنبت كنت الذي أتنصّل
فقال له أبو السائب وعبيد اللّه بن مسلم بن جندب: من ليلى هذه حتّى نقودها إليك؟ فقال لهما ابن المولى:
ما هي واللّه إلّا قوّسي هذه سمّيتها ليلى.
__________
[1] كذا فيء، أ، وفي سائر الأصول: «بالتعرّي» بالراء.
[2] في الأصول: «ترفع» بالراء.
[3] الشريجان: لونان مختلفان.
[4] المرش: الذي يقطر ماؤه.
[5] الرجا: ناحية البئر.
[6] يقال: تنكّب القوس إذا ألقاها على منكبه.
[7] أخنع: أخضع.
في هذين البيتين ثقيل أوّل مطلق في مجرى الوسطى لخزرج، ويقال: إنه لهاشم بن سليمان.
مدح يزيد بن حاتم فوهبه كل ما يملك:
أخبرني عمّي قال حدثنا أبو هفّان قال أخبرني أبو محلّم عن المفضّل الضّبيّ قال:
وفد ابن المولى على يزيد بن حاتم وقد مدحه بقصيدته التي يقول فيها:
يا واحد العرب الذي ... أضحى وليس له نظير
لو كان مثلك آخر ... ما كان في الدّنيا فقير
/ قال: فدعا بخازنه وقال: كم في بيت مالي؟ فقال له: من الورق [1] والعين بقيّة عشرون ألف دينار، فقال:
ادفعها إليه، ثم قال: يا أخي، المعذرة إلى اللّه وإليك، واللّه لو أنّ في ملكي أكثر لما احتجبتها [2] عنك.
كان مداحا لجعفر بن سليمان وقثم بن عباس ويزيد بن حاتم:
أخبرني الحسن بن عليّ ومحمد بن خلف بن المرزبان قالا حدثنا أحمد بن زهير [3] بن حرب قال حدّثنا مصعب الزّبيريّ عن عبد الملك بن الماجشون قال:
كان ابن المولى مدّاحا لجعفر بن سليمان وقثم بن العبّاس الهاشميّين ويزيد بن حاتم بن قبيصة بن المهلّب، واستفرغ مدحه في يزيد وقال فيه قصيدته التي يقول فيها:
يا واحد العرب الذي دانت له ... قحطان قاطبة وساد نزارا
إنّي لأرجو إن لقيتك سالما ... ألّا أعالج بعدك الأسفارا
رشت [4] النّدى ولقد تكسّر ريشه ... فعلا النّدى فوق البلاد وطارا
مرض عند يزيد ابن حاتم وأضعف يزيد صلته:
ثم قصده بها إلى مصر وأنشده إيّاها؛ فأعطاه حتّى رضي. ومرض ابن المولى عنده مرضا طويلا وثقل حتّى أشفى [5]، فلمّا أفاق من علّته ونهض، دخل عليه يزيد بن حاتم متعرّفا خبره، فقال: لوددت واللّه يا أبا عبد اللّه ألّا تعالج بعدي الأسفار حقا، ثم أضعف صلته.
كان يمدح يزيد دون أن يراه ثم رآه بالمدينة وأنشده فأعطاه ما أغناه:
أخبرني الحسن قال حدّثنا أحمد بن زهير قال حدّثني الزّبير بن بكّار عن عبد الملك بن عبد العزيز قال أخبرني ابن المولى قال:
__________
[1] الورق: الفضة، والعين: الذهب.
[2] كذا في الأصول، ولم نجد في «كتب اللغة» التي بين أيدينا «احتجب» متعديا بنفسه ولعلها «حجبتها».
[3] كذا في أ، ء، م وهو الموافق لما تقدم بإجماع الأصول في ص 21 ج 1 من «الأغاني» طبع الدار وفي الكلام على ترجمته في «لسان الميزان» ج 1 ص 174 طبع الهند، و«تذكرة الحفاظ» ج 2 ص 156 طبع الهند. وفي باقي الأصول: «إبراهيم» وهو خطأ.
[4] رشت الندى: جعلت له ريشا.
[5] أشفى: أشرف على الموت.
/ كنت أمدح يزيد بن حاتم من غير أن أعرفه ولا ألقاه، فلما ولّاه المنصور مصر أخذ على طريق المدينة فلقيته فأنشدته، وقد خرج من مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى أن صار إلى مسجد الشّجرة، فأعطاني رزمتي [1] ثياب وعشرة آلاف دينار فاشتريت بها ضياعا تغلّ [2] ألف دينار، أقوم في أدناها وأصيح بقيّمي ولا [3] يسمعني وهو في أقصاها.
عنفه الحسن بن زيد على ذكر ليلى فقال: إنها قوسه فضحك:
أخبرني عمّي قال حدّثنا الحزنبل عن عمرو بن أبي عمرو قال: بلغني أنّ الحسن ابن زيد دعا بابن المولى فأغلظ له وقال: أتشبّب بحرم المسلمين وتنشد ذلك في مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وفي الأسواق والمحافل ظاهرا! فحلف له بالطّلاق أنّه ما تعرّض لمحرّم قطّ ولا شبّب بامرأة مسلم ولا معاهد قطّ، قال: فمن ليلى هذه التي تذكر في شعرك؟ فقال له: امرأتي طالق إن كانت إلّا قوسي هذه، سمّيتها ليلى لأذكرها في شعري،/ فإن الشعر لا يحسن إلّا بالتشبيب، فضحك الحسن ثم قال: إذا كانت القصة هذه فقل ما شئت.
كان بالعراق وتشوّق إلى المدينة فقال شعرا في ذلك:
فقال [4] الحزنبل: وحدّثت عن ابن عائشة محمد بن يحيى قال: قدم ابن المولى إلى العراق في بعض سنيه [5] فأخفق وطال مقامه وغرض [6] به وتشوّق إلى المدينة فقال في ذلك:
صوت
ذهب الرجال فلا أحسّ رجالا ... وأرى الإقامة بالعراق ضلالا
وطربت إذ ذكر المدينة ذاكر ... يوم الخميس فهاج [7] لي بلبالا [8]
/فظللت أنظر في السماء كأنّني ... أبغي بناحية السماء هلالا
طربا إلى أهل الحجاز وتارة ... أبكي بدمع مسبل [9] إسبالا
غنّى في هذه الأربعة الأبيات ابن عائشة. ولحنه ثاني ثقيل عن الهشاميّ. وذكره حمّاد عن أبيه في أخباره ولم يذكر طريقته.
فيقال قد أضحى يحدّث نفسه ... والعين تذرف في الرّداء سجالا [10]
__________
[1] الرزمة من الثياب: ما شدّ في ثوب واحد.
[2] تغلّ: تعطي من الغلة.
[3] كذا في جميع النسخ، والمقام هنا للفاء.
[4] كذا في جميع النسخ والظاهر أن الفاء هنا من زيادات النساخ.
[5] في أ، ء، م: «سنيته» وكلتا الروايتين صحيحة.
[6] غرض: ضجر وقلق.
[7] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «وهاج».
[8] البلبال: شدّة الهم.
[9] أسبل يستعمل متعديا ولازما.
[10] السجال: جمع سجل وهو الدلو العظيمة إذا كان فيها ماء.
إنّ الغريب إذا تذكّر أوشكت ... منه المدامع أن تفيض علالا [1]
ولقد أقول لصاحبي وكأنّه ... ممّا يعالج ضمّن [2] الأغلالا
خفّض عليك فما يرد بك تلقه ... لا تكثرنّ وإن جزعت مقالا
قد كنت إذ تدع المدينة كالذي ... ترك البحار ويمّم الأوشالا [3]
فأجابني خاطر بنفسك لا تكن ... أبدا تعدّ مع العيال عيالا
واعلم بأنك لن تنال جسيمة ... حتّى تجشّم نفسك الأهوالا
إنّي وجدّك يوم أترك زاخرا ... بحرا ينفّل سيبه الأنفالا [4]
لأضلّ من جلب القوافي صعبة [5] ... حتّى أذل متونها إذلالا
مدح المهدي وعرّض بالطالبيين فأجازه:
قال الحزنبل: وحدّثني عمرو بن أبي عمرو عن أبيه قال حدّثني مولى للحسن بن زيد قال:
قدم ابن المولى على المهديّ وقد مدحه بقصيدته التي يقول فيها:
وما قارع الأعداء مثل محمّد ... إذا الحرب أبدت عن حجول [6] الكواعب
/ فتى ماجد الأعراق من آل هاشم ... تبحبح [7] منها في الذّرى والذّوائب
أشمّ من الرّهط الذين كأنّهم ... لدى حندس [8] الظّلماء زهر الكواكب
إذا ذكرت يوما مناقب هاشم ... فإنكم منها بخير المناصب
ومن عيب في أخلاقه ونصابه [9] ... فما في بني العبّاس عيب لعائب
وإنّ أمير المؤمنين ورهطه ... لأهل المعالي من لؤيّ بن غالب
أولئك أوتاد البلاد ووارثو الن ... بيّ بأمر الحقّ غير التّكاذب
ثم ذكر فيها آل أبي طالب فقال:
وما نقموا إلا المودّة منهم ... وأن غادروا فيهم جزيل المواهب
وأنهم نالوا لهم بدمائهم ... شفاء نفوس من قتيل وهارب
__________
[1] علالا: مرة بعد أخرى.
[2] ضمن الاغلالا أي قيّد بها.
[3] الأوشال: جمع وشل وهو الماء القليل.
[4] السيب: الجود والعطاء، والأنفال: جمع نفل وهو الهبة والعطية. ونفّل النفل: أعطاه.
[5] في جميع النسخ: «ضيعة» والتحريف فيه ظاهر.
[6] حجول: جمع حجل وهو الخلخال.
[7] تبحبح: تمكن.
[8] الحندس: الليل الشديد الظلمة، ويقال أيضا: ليلة ظلماء حندس على الصفة.
[9] النصاب: الأصل.
/
وقاموا لهم دون العدا وكفوهم ... بسمر القنا والمرهفات القواضب [1]
وحاموا على [2] أحسابهم وكرائم ... حسان الوجوه واضحات التّرائب
وإن أمير المؤمنين لعائد ... بإنعامه فيهم على كلّ تائب
إذا ما دنوا أدناهم وإذا هفوا ... تجاوز عنهم ناظرا في العواقب
شفيق على الأقصين أن يركبوا الرّدى ... فكيف به في واشجات [3] الأقارب
مدح الحسن بن زيد فعاتبه بالتعريض بأهله في مدائحه للمهديّ ثم أكرمه:
قال: فوصله المهديّ بصلة سنيّة، وقدم المدينة فأنفق وبنى داره ولبس ثيابا فاخرة، ولم يزل كذلك مدى حياته بعد ما حباه. ثم قدم [4] على الحسن بن زيد وكانت له عليه وظيفة في كلّ سنة فدخل عليه فأنشده قوله يمدحه:
/هاج شوقي تفرّق الجيران ... واعترتني طوارق الأحزان
وتذكّرت ما مضى من زماني ... حين صار الزمان شرّ زمان
يقول فيها يمدح الحسن بن زيد:
ولو أن امرأ ينال خلودا ... بمحلّ ومنصب ومكان
أو ببيت ذراه تلصق بالنج ... م قرانا في غير برج قران
أو بمجد الحياة أو بسماح ... أو بحلم أوفى على ثهلان [5]
أو بفضل لناله حسن الخي ... ر بفضل الرسول ذي البرهان
فضله واضح برهط أبي القا ... سم رهط اليقين والإيمان
هم ذوو النور والهدى ومدى الأم ... ر وأهل البرهان والعرفان [6]
معدن الحق والنبوّة والعد ... ل إذا ما تنازع الخصمان
وابن زيد إذا الرجال تجاروا ... يوم حفل وغاية ورهان
سابق مغلق جيز رهان ... ورث السّبق من أبيه الهجان [7]
قال: فلما أنشده إياها دعا به خاليا ثم قال له: يا عاضّ كذا من أمه، أمّا إذا جئت إلى الحجاز فتقول لي هذا، وأما إذا مضيت إلى العراق فتقول:
وإن أمير المؤمنين ورهطه ... لرهط المعالي من لؤيّ بن غالب
__________
[1] القواضب: القواطع.
[2] ضمن هنا «على» معنى «عن».
[3] الواشجات: جمع واشجة وهي الرحم المشتبكة المتصلة.
[4] في الأصول «دخل» والسياق يأباها.
[5] ثهلان: جبل ضخم بالعالية.
[6] في ح: «الفرقان».
[7] الهجان: الكريم الحسيب.
أولئك أوتاد البلاد ووارثو ال ... نبيّ بأمر الحقّ غير التّكاذب
فقال له: أتنصفني يابن الرسول أم لا؟ فقال: نعم، فقال: ألم أقل:
وإن أمير المؤمنين ورهطه
/ ألستم رهطه؟ فقال: دع هذا، ألم تقدر أن ينفق شعرك ومديحك إلا بتهجين أهلي والطعن عليهم والإغراء بهم حيث تقول:
وما نقموا إلا المودّة منهم ... وأن غادروا فيهم جزيل المواهب
وأنهم نالوا لهم بدمائهم ... شفاء نفوس من قتيل وهارب
فوجم ابن المولى وأطرق ثم قال: يابن الرسول إن الشاعر يقول ويتقرّب بجهده، ثم قام فخرج من عنده منكسرا، فأمر الحسن وكيله أن يحمل إليه وظيفته ويزيده فيها ففعل،/ فقال ابن المولى: واللّه لا أقبلها وهو عليّ ساخط، فأما إن قرنها بالرضا فقبلتها، وأما إن أقام وهو عليّ ساخط البتّة فلا؛ فعاد الرسول إلى الحسن فأخبره؛ فقال له: قل له: قد رضيت فاقبلها. ودخل على الحسن فأنشده قوله فيه:
سألت فأعطاني وأعطى ولم أسل ... وجاد كما جادت غواد [1] رواعد
فأقسم لا أنفكّ أنشد مدحه ... إذا جمعتني في الحجيج المشاهد
إذا قلت يوما في ثنائي قصيدة ... ثنيت بأخرى حيث تجزى القصائد
مدح يزيد بن حاتم بولايته الأهواز وغلبته على الأزارقة فأجازه:
قال الحزنبل: وحدّثني مالك بن وهب مولى يزيد بن حاتم المهلّبيّ قال:
لما انصرف يزيد بن حاتم من حرب الأزارقة [2] وقد ظفر، خلع عليه وعقد له لواء على كور الأهواز وسائر ما افتتحه، فدخل عليه ابن المولى وقد مدحه فاستأذن في الإنشاد فأذن له فأنشده:
صوت
ألا يا لقومي هل لما فات مطلب ... وهل يعذرن ذو صبوة وهو أشيب
يحنّ إلى ليلى وقد شطّت النوى ... بليلى كما حنّ اليراع المثقّب [3]
/غنّى في هذين البيتين عطرّد، ولحنه رمل بالوسطى عن عمرو بن بانة؛ وفيه ليونس لحن ذكره لنفسه في كتابه ولم يذكر طريقته.
تقرّبت [4] ليلى كي تثيب فزادني ... بعادا على بعد إليها التقرّب
__________
[1] الغوادي: جمع غادية وهي السحابة تنشأ غدوة.
[2] الأزارقة: فرقة من الخوارج وهم أصحاب نافع بن الأزرق.
[3] اليراع المثقب: المزمار.
[4] كذا في الأصول ولم نجد في «كتب اللغة» التي بأيدينا تقرّب متعديا بنفسه وإنما يقال: تقرّبت إليه، فلعله نصب على حذف الجار.
فداويت وجدي باجتناب فلم يكن ... دواء لما ألقاه [1] منها التجنّب
فلا أنا عند النّأي سال لحبها ... ولا أنا منها مشتف حين تصقب [2]
وما كنت بالراضي بما غيره الرّضا ... ولكنني أنوي العزاء فأغلب
وليل خداريّ [3] الرّواق جشمته ... إذا هابه السارون لا أتهيّب
لأظفر يوما من يزيد بن حاتم ... بحبل جوار ذاك ما كنت أطلب
بلوت وقلّبت الرجال كما بلا ... بكفّيه أوساط القداح مقلّب
وصعّدني همّي [4] وصوّب مرّة ... وذو الهمّ يوما مصعد ومصوّب
لأعرف ما آتى [5] فلم أر مثله ... من الناس فيما حاز شرق ومغرب
أكرّ على جيش وأعظم هيبة ... وأوهب في جود لما ليس يوهب
تصدّى رجال [6] في المعالي ليلحقوا ... مداك وما أدركته فتذّبذبوا
ورمت الذي راموا فأذللت صعبه ... وراموا الذي أذللت منه فأصعبوا [7]
/و مهما تناول من منال سنيّة ... يساعدك فيها المنتمى [8] والمركّب [9]
ومنصب [10] آباء كرام نماهم ... إلى المجد آباء كرام ومنصب
صوت
كواكب دجن كلّما انقضّ كوكب ... بدا منهم بدر منير وكوكب
أنار به آل المهلّب بعدما ... هوى منكب منهم بليل ومنكب
/ وما زال إلحاح الزمان عليهم ... بنائبة كادت لها الأرض تخرب [11]
فلو أبقت الأيام حيّا نفاسة ... لأبقاهم للجود ناب ومخلب
__________
[1] كذا في ح وهو المناسب. وفي باقي الأصول: «أبقاه».
[2] تصقب: تقرب.
[3] الخداريّ: المظلم.
[4] الهمّ: ما يهم به الرجل في نفسه وهو هنا كناية عن العزم.
[5] كذا في أ، ء، م. وفي باقي الأصول: «أتلى» وهو تحريف.
[6] كذا في جميع النسخ والذي في «كتب اللغة» أن «تصدّى» يتعدّى باللام.
[7] يقال: أصعب الرجل الشيء إذا وجده صعبا.
[8] في جميع الأصول: «المنتهي» وهو محرف عن المنتمى أي المنتمي إليه، يقال: انتمى فلان إلى حسب أي ارتفع إليه، وانتمى إلى فلان أي ارتفع في نسبه إليه، قال الفرزدق:
فصارت لذهل دون شيبان إنهم ... ذوو العز عند المنتمي والتكرم
[9] المركّب: المنبت، يقال: فلان كريم المركب أي كريم الأصل.
[10] المنصب: الأصل والمنبت.
[11] في ح وفي سائر الأصول: «تجرب» بالجيم المعجمة، والأرض الجرباء: الممحلة المقحوطة، ولم نجد في «كتب اللغة» التي بين أيدينا ورود فعل من هذه المادة بهذا المعنى، ومن المحتمل أن تكون «تجدب» وهي بمعناها.
وكنت ليومي نعمة ونكاية ... كما فيهما للنّاس كان المهلّب
ألا حبّذا الأحياء منكم وحبّذا ... قبور بها موتاكم حين غيّبوا
فأمر له يزيد بن حاتم بعشرة آلاف درهم وفرس بسرجه ولجامه وخلعة، وأقسم على من كان بحضرته أن يجيزوه كلّ واحد منهم بما يمكنه، فانصرف بملء يده.
كان عمرو بن أبي عمرو ينشد من شعره ويستحسنه:
قال الحزنبل: أنشدني عمرو بن أبي عمرو لابن المولى وكان يستحسنها:
صوت
حيّ المنازل قد بلينا ... أقوين [1] عن مرّ السنّينا
وسل الدّيار لعلّها ... تخبرك [2] عن أمّ البنينا
/ بانت وكلّ قرينة ... يوما مفارقة قرينا
وأخو الحياة من الحيا ... ة معالج غلظا ولينا
غنّى في هذه الأبيات نبية [3] خفيف ثقيل بالبنصر.
وترى الموكّل بالغوا ... ني راكبا أبدا فنونا
ومن البليّة أن تدا ... ن بما كرهت ولن تدينا
والمرء تحرم نفسه ... ما لا يزال به حزينا
وتراه يجمع ماله ... جمع الحريص لوارثينا
يسعى بأفضل سعيه ... فيصير ذاك لقاعدينا
لم يعط ذا النّسب القري ... ب ولم يجد للابعدينا
قد حلّ منزله الذمي ... م وفارق المتنصّحينا [4]
مدح المهدي بولايته الخلافة فأكرمه وفرض له لعياله ما يكفيه:
قال الحزنبل: وذكر أحمد بن صالح بن النّطّاح عن المدائنيّ: أن المهديّ لمّا وليّ الخلافة وحجّ فرّق في قريش والأنصار وسائر الناس أموالا عظيمة ووصلهم صلات سنيّة، فحسنت أحوالهم بعد جهد أصاب الناس في أيّام أبيه، لتسرّعهم [5] مع محمد بن عبد اللّه بن حسن، وكانت سنة ولايته سنة خصب ورخص، فأحبّه الناس وتبركّوا به، وقالوا: هذا هو المهديّ، وهذا ابن عمّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وسميّه، فلقوه فدعوا له وأثنوا عليه، ومدحته الشعراء، فمدّ
__________
[1] أقوين: أقفرن.
[2] سكّن «تخبرك» لضرورة الوزن.
[3] العرب يسمون بنبيه كزبير وبنبيه كأمير، ولم نستطع ترجيح أحد الضبطين في هذا الاسم.
[4] التنصح: كثرة النصح ومنه قول أدم بن صيفي: «إياكم والتنصح فإنه يورث التهمة».
[5] كذا في ح، وفي باقي الأصول: «لتسرحهم» بالحاء، والتسرّح الذهاب.
عينه في الناس فرأى ابن المولى فأمر بتقريبه فقرّب منه؛ فقال له: هات يا مولى الأنصار ما عندك، فأنشده [قوله فيه] [1]:
/يا ليل لا تنجلي يا ليل بالزاد ... واشفي بذلك داء الحائم الصادي
وأنجزي عدة كانت لنا أملا ... قد جاء ميعادها من بعد ميعاد
ما ضرّه غير أن أبدي مودّته ... إنّ المحبّ هواه ظاهر بادي
ثم قال فيها يصف ناقته:
/تطوي البلاد إلى جمّ منافعه ... فعّل خير لفعل الخير عوّاد
للمهتدين [2] إليه من منافعه ... خير يروح وخير باكر غادي
أغنى قريشا وأنصار النبيّ ومن ... بالمسجدين بإسعاد وإحفاد [3]
كانت منافعه في الأرض شائعة ... تترى [4] وسيرته كالماء للصّادي
خليفة اللّه عبد اللّه والده ... وأمّه حرّة تنمى لأمجاد
من خير ذي يمن في خير رابية ... من القبول إليها معقل [5] النّادي
حتى أتى على آخرها؛ فأمر له بعشرة آلاف درهم وكسوة، وأمر صاحب الجاري [6] بأن يجري له ولعياله في كلّ سنة ما يكفيهم، وألحقهم في شرف العطاء.
قال: وذكر ابن النطّاح عن عبد اللّه بن مصعب الزبيريّ قال:
وفدنا إلى المهديّ ونحن جماعة من قريش والأنصار، فلما دخلنا عليه سلّمنا ودعونا وأثنينا، فلما فرغنا من كلامنا أقبل على ابن المولى فقال: هات يا محمّد ما قلت، فأنشده:
صوت
نادى الأحبّة باحتمال ... إنّ المقيم إلى زوال
ردّ القيان [7] عليهم ... ذلل المطيّ من الجمال
فتحمّلوا بعقيلة ... زهراء آنسة الدّلال
__________
[1] زيادة في أ، ء، م.
[2] في أ، ح: «للمجمّدين».
[3] إحفاد: إسراع في مرضاتهم وقضاء حاجاتهم.
[4] تترى: متواترة.
[5] معقل: ملجأ، يقال: عقل إليه عقلا وعقولا أي لجأ، والنادي: مجتمع القوم، ويراد به القوم المجتمعون.
[6] الجاري: الجراية وهي ما يقدر من الرزق فيجري على صاحبه باتصال، قال صاحب «اللسان» في مادة جرى: «و الجراية الجاري من الوظائف».
[7] القيان: جمع قين وهو العبد أو القينة وهي الجارية. وقد قيل في قول زهير:
رد القيان جمال الحيّ فاحتملوا
إنّه أراد بالقيان الإماء أي أنهنّ رددن الجمال إلى الحيّ لشد أقتابها عليها، وقيل: أراد العبيد والإماء (انظر «اللسان» مادّة قين).
كالشمس راق جمالها ... بين النّساء على الجمال
لمّا رأيت جمالهم ... في الآل [1] تغرق باللآلي
يا ليت ذلك بعد أن ... أظهرت أنّك لا تبالي
ولمثل ما جرّبت من ... إخلافهنّ لذي الوصل
أسلاك عن طلب الصّبا ... وأخو الصّبا لا بدّ سالي
يابن الأطايب للأطا ... يب ذا المكارم والمعالي
وابن الهداة بنى الهدا ... ة وكاشفي ظلم الضّلال
أصبحت أكرم غالب ... عند التّفاخر والنّضل
وإذا تحصّل [2] هاشم ... يعلو بمجدك كلّ عالي
ويكون بيتك منهم ... في الشاهقات من القلال [3]
/هذا وأنت ثمالها [4] ... وابن الثّمال أخو [5] الثّمال
ومآلها بأمورها ... إنّ الأمور إلى مآل
قال: فأمر له خاصّة بعشرة آلاف درهم معجّلة، ثم ساواه بسائر الوفد بعد ذلك في الجائزة وأعطاه مثل ما أعطاهم، وقال: ذلك بحقّ المديح، وهذا بحقّ الوفادة.
سأل عنه عبد الملك لما قدم المدينة ثم تبعه ابن المولى وأنشده فأجازه:
أخبرني محمد بن عمران الصّيرفيّ أبو أحمد وعمّي قالا حدّثنا الحسن بن عليل العنزيّ قال حدّثني إبراهيم بن إسحاق بن عبد الرحمن بن طلحة بن عمر بن عبيد اللّه قال حدّثني عبد اللّه بن إبراهيم/ الجمحيّ قال:
قدم عبد الملك بن مروان المدينة، وكان ابن المولى يكثر مدحه، وكان يسأل عنه من غير أن يكونا التقيا - قال: وابن المولى مولى الأنصار - فلما قدم عبد الملك المدينة قدم ابن المولى، لما بلغه من مسألة عبد الملك عنه، فوردها وقد رحل عبد الملك عنها، فأتبعه [6] فأدركه بإضم بذي خشب بين عين مروان وعين الحديد، وهما جميعا لمروان، فالتفت عبد الملك إليه وابن المولى على نجيب متنكّبا قوسا عربية، فقال له عبد الملك: ابن المولى؟
قال: لبيّك يا أمير المؤمنين؛ قال: مرحبا بمن نالنا شكره ولم ينله منا فعل، ثم قال له: أخبرني عن ليلى التي تقول فيها:
__________
[1] الآل: السراب، وقيل الآل من الضحى إلى زوال الشمس، والسراب بعد الزوال إلى صلاة العصر.
[2] تحصل: تخلص ويماز بين بيوتها، وفي الحديث: «بذهب لم تحصل من ترابها» أي لم تخلص (و الذهب يذكر ويؤنث). ويقال للمرأة التي تميز الذهب من الفضة: محصله.
[3] القلال: جمع قلة وهي أعلى الجبل، وقلة كل شيء رأسه وأعلاه.
[4] الثمال: الغياث.
[5] كذا فيء، وفي باقي الأصول «أخي».
[6] فأتبعه: تبعه وذلك إذا كان سبقه فلحقه، وفي القرآن الكريم: (فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ)
وأبكى فلا ليلى بكت من صبابة ... إليّ ولا ليلى لذي الودّ تبذل
واللّه لئن كانت ليلى حرّة لأزوّجنّكها، ولئن كانت أمة لأبتاعنّها لك بما بلغت، فقال: كلّا يا أمير المؤمنين، واللّه ما كنت لأذكر حرمة حرّ أبدا ولا أمته، واللّه ما ليلى إلا قوسي هذه، سمّيتها ليلى لأشبّب بها، وإن الشاعر لا يستطاب إذا/ لم يتشبّب [1]؛ فقال له عبد الملك: ذلك واللّه أظرف لك، فأقام عنده يومه وليلته ينشده ويسامره، ثم أمر له بمال وكسوة، وانصرف إلى المدينة.
وقف لجعفر بن سليمان على طريقه وأنشده شعرا:
أخبرني حبيب المهلّبيّ عن الزّبير وغيره عن محمد بن فضالة النحويّ قال:
قدم ابن المولى البصرة، فأتى جعفر بن سليمان فوقف على طريقه وقد ركب فناداه:
كم صارخ يدعو وذي فاقة ... يا جعفر الخيرات يا جعفر
أنت الذي أحييت بذل الندى ... وكان قد مات فلا يذكر
سليل عبّاس وليّ الهدى ... ومن به في المحل يستمطر
هذا امتداحيك عقيد [2] الندى ... أشهد [3] بالمجد لك الأشقر
__________
[1] في أ، ء، م: «لم ينسب» بالسين وهي بمعناها.
[2] العقيد: المعاهد والحليف.
[3] في أ، ء، م: «أشهر».
35 - أخبار عطرّد ونسبه
ولاؤه وصفته وهو مغن مقبول الشهادة فقيه:
عطرّد مولى الأنصار، ثم مولى بن عمرو بن عوف، وقيل: إنه مولى مزينة، مدنيّ، يكنى أبا هارون، وكان ينزل قباء. وزعم إسحاق أنه كان جميل الوجه، حسن الغناء، طيّب الصوت، جيّد الصّنعة، حسن الرأي والمروءة، فقيها قارئا للقرآن، وكان يغنّي مرتجلا، وأدرك دولة بني أميّة، وبقي إلى أيام الرشيد، وذكر ابن خرداذبه فيما حدّثني به عليّ بن عبد العزيز عنه: أنه كان معدّل الشهادة بالمدينة؛ أخبره بذلك يحيى بن عليّ المنجم عن أبي أيّوب المدينيّ عن إسحاق.
جاءه عباد بن سلمة ليلا وطلب منه أن يغنيه:
وأخبرنا محمد بن خلف وكيع عن حمّاد بن إسحاق عن أبيه:
أن سلمة بن عبّاد ولي القضاء بالبصرة، فقصد ابنه عبّاد بن سلمة عطّردا وهو بها مقيم قد قصد آل سليمان بن عليّ وأقام معهم؛ فأتى بابه ليلا فدقّ عليه ومعه جماعة من أصحابه أصحاب القلانس، فخرج عطّرد إليه، فلما رآه ومن معه فزع؛ فقال: لا ترع.
إني قصدت إليك من أهلي ... في حاجة يأتي لها مثلي
فقال: وما هي أصلحك اللّه؟ قال:
لا طالبا شيئا إليك سوى ... «حيّ الحمول بجانب العزل» [1]
/فقال: انزلوا على بركة اللّه، فلم يزل يغنّيهم هذا وغيره حتى أصبحوا.
نسبة هذا الصوت
صوت
حيّ الحمول بجانب العزل ... إذ لا يوافق شكلها شكلي
اللّه أنجح ما طلبت به ... والبرّ خير حقيبة الرّحل
إني بحبلك واصل حبلي ... وبريش نبلك رائش نبلي
وشمائلي ما قد علمت وما ... نبحت كلابك طارقا مثلي
الشعر لامرىء القيس بن عابس الكنديّ، هكذا روى أبو عمرو الشّيبانيّ، وقال: إن من يرويه
__________
[1] العزل: موضع في ديار قيس، ذكره البكري في «معجم ما استعجم» (ج 2 ص 659)، واستشهد له بهذا الشطر من شعر امرىء القيس.
لامرىء القيس بن حجر يغلط. والغناء لعطّرد ثقيل أوّل بالبنصر عن عمرو بن بانة، وفيه لعمرو بن بانة ثقيل بالوسطى من روايته أيضا، وفيه لابن عائشة خفيف رمل بالبنصر، وفيه عنه وعن دنانير لمالك خفيف ثقيل أوّل بالوسطى، وفيه عنه أيضا لإبراهيم ثاني ثقيل بالبنصر.
غناء إبراهيم بن خالد المعيطي عند المهدي:
وأخبرني يحيى بن عليّ قال حدّثنا أبو أيّوب المدينيّ وأخبرني به الحسن بن عليّ قال:
كتب إليّ أبو أيّوب المدينيّ، وخبره أتمّ، قال: حدّثني عليّ بن محمد النّوفليّ عن أبيه عن إبراهيم بن خالد المعيطيّ [1] قال:
دخلت على المهديّ، وقد كان وصف له غنائي، فسألني عن الغناء وعن علمي به، فجاذبته من ذلك طرفا؛ فقال لي: أتغنّي النواقيس؟ قلت: نعم، وأغنّي الصّلبان يا أمير المؤمنين، فتبسّم. والنواقيس لحن معبد، كان معبد وأهل الحجاز يسمونه النواقيس، وهو:
سلا دار ليلى هل تبين فتنطق ... وأنّي تردّ القول بيداء سملق
/ قال: ثم قال لي المهديّ وهو يضحك: غنّه، فغنّيته فأمر لي بمال جزيل وخلع عليّ وصرفني، ثم بلغني أنه قال: هذا معيطيّ [2] وأنا لا آنس به، ولا حاجة لي إلى أن أدنيه من خلوتي وأنا لا آنس به. هكذا ذكر في هذا الخبر أن اللّحن لمعبد، وما ذكره أحد من رواة الغناء له، ولا وجد في ديوان من دواوينهم منسوبا إليه على انفراد به [3] ولا شركة فيه، ولعلّه غلط.
تنادر إبراهيم بن خالد المعيطيّ على ابن جامع:
وقد أخبرني هذا الخبر الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال:
كان إبراهيم بن خالد المعيطيّ يغنّي، فدخل يوما الحمّام وابن جامع فيه، وكان له شيء يجاوز ركبتيه، فقال له ابن جامع: يا إبراهيم أتبيع هذا البغل؟ قال: لا بل أحملك عليه يا أبا القاسم؛ فلما خرج ابن جامع من الحمّام رأى ثياب المعيطي رثّة فأمر له بخلعة من ثيابه، فقال له المعيطيّ: لو قبلت حملاني [4] قبلت خلعتك، فضحك ابن جامع وقال له: مالك أخزاك اللّه! ويلك! أما تدع ولعك وبطالتك وشرّك! ودخل إلى الرشيد فحدّثه حديثه؛ فضحك وأمر بإحضاره، فأحضر، فقال له: أتغنّي النواقيس؟ قال: نعم، وأغنّي الصلبان أيضا. ثم ذكر باقي الخبر مثل الذي تقدّمه.
__________
[1] هذا الخبر والذي بعده خاصان «بإبراهيم بن خالد المعيطيّ» ولم نجد أية مناسبة لذكرهما هنا في أخبار «عطرد» وقد ورد مثل ذلك كثيرا في «الأغاني» ولم نعرف له تعليلا.
[2] ذكر صاحب «القاموس» أبا معيط والد عقبة بن أبي معيط وذكر أن معيطا أبو حيّ من قريش ولم يذكر السمعاني في «الأنساب» عند اسم «المعيطي» إلا المنسوبين إلى أبي معيط إبما بالولادة وإما بالولاء؛ ولعل إبراهيم هذا منسوب إلى أبي معيط، ويكون المهديّ قد أنكره لما كان من عقبة بن أبي معيط من شدّة إيذائه للنبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم حتى إنه قذف على ظهره سلى جزور وهو ساجد عند الكعبة، وبنو أبي معيط يسمّون صبية النار، لأن عقبة حين أخذ يوم بدر وأراد النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قتله، قال: من للصبية بعدي؟ قال: النار (انظر «الأغاني» ج 1 ص 17 من هذه الطبعة).
[3] كذا في أ، ء، م، وفي باقي الأصول: «انفراده» بالإضافة وبدون «به».
[4] الحملان: ما يحمل عليه من الدواب في الهبة خاصة.
كان عطرّد منقطعا إلى آل سليمان بن عليّ:
أخبرني يحيى بن عليّ قال حدّثني أبو أيّوب المدينيّ عن إسحاق قال:
كان عطّرد منقطعا في دولة بني هاشم إلى آل سليمان بن عليّ لم يخدم غيرهم، وتوفّي في خلافة المهديّ.
قال: وكان يوما يغنّي/ بين يدي سليمان بن عليّ، فغنّاه:
صوت
أله فكم من ماجد قد لها ... ومن كريم عرضه وافر
- الغناء لعطرّد ثاني ثقيل عن الهشاميّ - فقيل له: سرقت هذا من لحن الغريض:
يا ربع سلّامة بالمنحنى ... فخيف [1] سلع جادك الوابل
فقال: لم أسرقه ولكنّ العقول تتوافق، وحلف أنه لم يسمعه قطّ.
نسبة هذا الصوت
صوت
يا ربع سلّامة بالمنحنى ... فخيف سلع جادك الوابل
إن تمس وحشا طالما قد ترى ... وأنت معمور بهم آهل
أيام سلّامة رعبوبة [2] ... خود لعوب حبّها قاتل
محطوطة [3] المتن هضيم الحشى ... لا يطّبيها [4] الورع [5] الواغل [6]
/الغناء للغريض ثاني ثقيل بالوسطى عن عمرو بن يحيى المكيّ. قال: ومن الناس من ينسبه إلى ابن سريج.
حبسه زبراء والي المدينة مع المغنين ثم أطلقه وأطلقهم:
أخبرني أحمد بن عليّ بن يحيى قال سمعت جدّي عليّ بن يحيى قال حدّثني أحمد بن إبراهيم الكاتب قال حدّثني خالد بن كلثوم قال:
كنت مع زبراء بالمدينة وهو وال عليها؛ وهو من بني هاشم أحد بني ربيعة بن الحارث بن عبد المطّلب، فأمر بأصحاب الملاهي فحبسوا وحبس عطرّد فيهم، فجلس ليعرضهم، وحضر رجال من أهل المدينة شفعوا لعطرّد، وأخبروه أنه من أهل الهيئة والمروءة والنّعمة والدّين، فدعا به فخلّى سبيله، وأمره برفع حوائجه إليه فدعا له، وخرج فإذا هو بالمغنّين أحضروا ليعرضوا، فعاد إليه عطرّد، فقال: أصلح اللّه الأمير، أعلى الغناء حبست هؤلاء؟
__________
[1] الخيف: الناحية أو ما انحدر عن غلظ الجبل وارتفع عن مسيل الماء. وسلع: اسم لمواضع كثيرة: منها جبال ومنها أودية.
[2] الرعبوبة: الناعمة.
[3] محطوطة المتن: ممدودته في حسن واستواء.
[4] لا يطبيها: لا يستميلها.
[5] الورع: الجبان الضعيف.
[6] الواغل: الداخل على القوم في طعامهم وشرابهم من غير دعوة.
قال: نعم؛ قال: فلا تظلمهم، فو اللّه ما أحسنوا منه شيئا قط! فضحك وخلّى سبيلهم.
استقدمه الوليد بن يزيد من المدينة فغناه فطرب وألقى نفسه في بركة خمر:
أخبرني محمد بن مزيد وجحظة قالا حدّثنا حمّاد بن إسحاق قال قرأت على أبي عن محمد بن عبد الحميد بن إسماعيل بن عبد الحميد بن يحيى عن عمّه أيّوب بن إسماعيل قال:
لما استخلف الوليد بن يزيد كتب إلى عامله بالمدينة يأمره بالشخوص إليه بعطرّد المغنّي؛ قال عطرّد: فأقرأني العامل الكتاب وزوّدني نفقة وأشخصني إليه، فأدخلت عليه وهو جالس في قصره على شفير بركة مرصّصة مملوءة خمرا ليست بالكبيرة ولكنها يدور الرجل فيها سباحة، فو اللّه ما تركني أسلّم عليه حتى قال:/ أعطّرد؟ قلت: نعم يا أمير المؤمنين؛ قال: لقد كنت إليك مشتاقا يا أبا هارون. غنّني:
حيّ الحمول بجانب العزل ... إذ لا يلائم شكلها شكلي
إني بحبلك واصل حبلي ... وبريش نبلك رائش نبلي
وشمائلي ما قد علمت وما ... نبحت كلابك طارقا مثلي
قال: فغنّيته إيّاه، فو اللّه ما أتممته حتى شقّ حلّة وشى كانت عليه لا أدري كم قيمتها، فتجرّد/ منها كما ولدته أمّه وألقاها نصفين، ورمى بنفسه في البركة فنهل منها حتى تبيّنت - علم اللّه - فيها أنها قد نقصت نقصانا بينا، وأخرج منها وهو كالمّيت سكرا، فأضجع وغطّي، فأخذت الحلّة وقمت، فو اللّه ما قال لي أحد: دعها ولا خذها، فانصرفت إلى منزلي متعجّبا مما رأيت من ظرفه وفعله وطربه؛ فلما كان من غد جاءني رسوله في مثل الوقت فأحضرني، فلما دخلت عليه قال لي: يا عطرّد، قلت: لبّيك يا أمير المؤمنين؛ قال غنّني:
أيذهب عمري هكذا لم أنل بها ... مجالس تشفي قرح قلبي من الوجد
وقالوا تداو إنّ في الطّبّ راحة ... فعلّلت نفسي بالدواء فلم يجد
فغنّيته إيّاه، فشقّ حلّة وشى كانت تلتمع عليه بالذهب التماعا احتقرت واللّه الأولى عندها، ثم ألقى نفسه في البركة فنهل فيها حتى تبيّنت - علم اللّه - نقصانها، وأخرج [منها] [1] كالميّت سكرا، وألقي وغطّي فنام، وأخذت الحلّة فو اللّه ما قال لي أحد: دعها ولا خذها، وانصرفت؛ فلما كان اليوم الثالث جاءني رسوله فدخلت إليه وهو في بهو قد ألقيت ستوره، فكلّمني من وراء الستور وقال: يا عطرّد/، قلت: لبيك يا أمير المؤمنين؛ قال: كأني بك الآن قد أتيت المدينة فقمت بي في مجلسها ومحفلها وقعدت وقلت: دعاني أمير المؤمنين فدخلت إليه فاقترح عليّ فغنّيته وأطربته فشقّ ثيابه وأخذت سلبه وفعل وفعل، واللّه يابن الزانية، لئن تحرّكت شفتاك بشيء مما جرى فبلغني لأضربنّ عنقك، يا غلام أعطه ألف دينار، خذها وانصرف إلى المدينة؛ فقلت: إن رأى أمير المؤمنين أن يأذن لي في تقبيل يده، ويزوّدني نظرة منه وأغنّيه صوتا! فقال: لا حاجة بي ولا بك إلى ذلك، فانصرف. قال عطرّد:
فخرجت من عنده وما علم اللّه أني ذكرت شيئا مما جرى حتى مضت من دولة بني هاشم مدّة.
__________
[1] الزيادة عن ء.
نسبة هذين الصوتين
الصوت الأوّل ممّا غنّاه عطرّد الوليد قد نسب في أوّل أخباره، والثاني الذي أوّله:
أيذهب عمري هكذا لم أنل بها
الغناء فيه لعطرّد ثاني ثقيل بالسبّابة [1] في مجرى البنصر عن إسحاق، وفيه ليونس من كتابه لحن لم يذكر طريقته؛ وذكر عمرو بن بانة أنّ فيه لإبراهيم ثاني ثقيل بالوسطى.
صوت من المائة المختارة
إن امرأ تعتاده ذكر [2] ... منها ثلاث منى لذو صبر
ومواقف بالمشعرين [3] لها ... ومناظر الجمرات [4] والنحر
وإفاضة الرّكبان خلفهم ... مثل الغمام أرذّ [5] بالقطر
حتى استلمن الركن في أنف [6] ... من ليلهنّ يطأن في الأزر [7]
يقعدن في التّطواف آونة ... ويطفن أحيانا على فتر [8]
/ففرغن من سبع وقد جهدت [9] ... أحشاؤهنّ موائل الخمر [10]
الشعر للحارث بن خالد المخزوميّ، والغناء في اللحن المختار للأبجر، وإيقاعه من الثقيل الأوّل بإطلاق الوتر في مجرى البنصر في الأوّل والثاني والسادس من الأبيات عن إسحاق. وفيه للغريض خفيف ثقيل أوّل بالوسطى عن عمرو. ولابن سريج في الثالث والرابع رمل بالسبّابة في مجرى البنصر عن إسحاق.
__________
[1] في أ، م، ء: «ثاني ثقيل بالوسطى».
[2] كذا فيء، أ، م، وفي باقي الأصول ذكرى.
[3] المشعر: موضع مناسك الحج.
[4] الجمرات: الحصى الذي يرمي به الحاجّ.
[5] أرذ: أمطر الرذاذ وهو المطر الضعيف.
[6] الأنف: أوّل زمان مستقبل.
[7] الأزر: جمع إزار.
[8] الفتر: الضعف.
[9] جهد (بضم الجيم على البناء للمفعول): صار مجهودا.
[10] الخمر: جمع خمار وهو ما تغطّي به المرأة رأسها.
36 - أخبار الحارث بن خالد المخزوميّ ونسبه
نسبه من قبل أبويه:
الحارث بن خالد بن العاص بن هشام بن المغيرة بن عبد اللّه بن عمرو بن مخزوم بن يقظة بن مرّة بن كعب بن لؤيّ بن غالب. وأمّه فاطمة بنت أبي سعيد بن الحارث بن هشام، وأمّها بنت أبي جهل بن هشام. وكان العاص بن هشام جدّ الحارث بن خالد خرج مع المشركين يوم بدر فقتله أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه.
قامر أبو لهب العاص بن هاشم على نفسه فاسترقه وأرسله بدله يوم بدر:
حدّثني أحمد بن عبيد اللّه بن عمّار قال حدّثنا سليمان بن أبي شيخ قال حدّثني مصعب بن عبد اللّه قال:
قامر أبو لهب العاص بن هشام في عشر من الإبل فقمره [1] أبو لهب، ثم في عشر فقمره، ثم في عشر فقمره، ثم في عشر فقمره، ثم في عشر فقمره، إلى أن خلعه من ماله فلم يبق له شيء، فقال له: إني أرى القداح قد حالفتك يابن عبد المطّلب فهلمّ أقامرك، فأيّنا قمر كان عبدا لصاحبه، قال: افعل، ففعل، فقمره أبو لهب فكره أن يسترقّه فتغضب بنو مخزوم، فمشى إليهم وقال: افتدوه منّي بعشر من الإبل؛ فقالوا: لا واللّه ولا بوبرة، فاسترقّه فكان يرعى له إبلا إلى أن خرج المشركون إلى بدر. وقال غير مصعب: فاسترقّه وأجلسه قينا [2] يعمل الحديد.
فلما خرج المشركون إلى بدر كان من لم يخرج أخرج بديلا، وكان أبو لهب عليلا فأخرجه وقعد، على أنه إن عاد إليه أعتقه، فقتله عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه يومئذ.
ذهابه مذهب ابن أبي ربيعة في الغزل، وحبه عائشة بنت طلحة وولايته مكة:
والحارث بن خالد أحد شعراء قريش المعدودين الغزليّين، وكان يذهب مذهب عمر بن أبي ربيعة لا يتجاوز الغزل إلى المديح ولا الهجاء، وكان يهوى عائشة بنت طلحة بن عبيد اللّه ويشبّب بها؛ وولّاه عبد الملك بن مروان مكّة، وكان ذا قدر وخطر ومنظر في قريش؛ وأخوه عكرمة بن خالد المخزوميّ محدّث جليل من وجوه التابعين، قد روى عن جماعة من الصحابة؛ وله أيضا أخ يقال له عبد الرحمن بن خالد، شاعر، وهو الذي يقول:
رحل الشباب وليته لم يرحل ... وغدا لطيّة [3] ذاهب متحمّل [4]
ولّى بلا ذمّ وغادر بعده ... شيبا أقام مكانه في المنزل
ليت الشباب ثوى لدينا حقبة ... قبل المشيب وليته لم يعجل
__________
[1] قمره: غلبه في المقامرة.
[2] القين: الحدّاد.
[3] الطية: المنتأى، والقصد، والنية التي تنتوي.
[4] المتحمل: الراحل.
فنصيب من لذّاته ونعيمه ... كالعهد إذ هو في الزمان الأوّل
وفيه غناء.
كان أبو عمرو بن العلاء يرسل إليه أخاه معاذا يسأله عن بعض الحروف:
حدّثني هاشم بن محمد الخزاعيّ قال حدّثنا الرياشيّ قال حدّثنا الأصمعيّ قال:
قال معاذ بن العلاء أخو أبي عمرو بن العلاء: كان أبو عمرو إذا لم يحجّ استبضعني [1] الحروف [2] أسأل عنها الحارث بن خالد بن العاص بن هشام بن المغيرة الشاعر وآتيه بجوابها؛ قال: فقدمت عليه سنة من السنين وقد ولّاه عبد الملك بن مروان مكة، فلما رآني قال: يا معاذ،/ هات ما معك من بضائع أبي عمرو، فجعلت أعجب من اهتمامه بذلك وهو أمير.
هو أحد شعراء قريش الخمسة المشهورين:
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزبير بن بكّار، وأخبرني به الحسن بن عليّ عن أحمد بن سعيد عن الزبير، ولفظه أتمّ، قال حدّثني محمد بن الضحّاك الحزاميّ قال:
كانت العرب تفضّل قريشا في كلّ شيء إلا الشعر، فلما نجم في قريش عمر بن أبي ربيعة والحارث بن خالد المخزوميّ والعرجيّ وأبو دهبل وعبيد [3] اللّه بن قيس الرّقيّات [4]، أقرّت لها العرب بالشعر أيضا.
تفاخر مولى له ومولى لابن أبي ربيعة بشعريهما:
أخبرني عليّ بن صالح بن الهيثم وإسماعيل بن يونس وحبيب بن نصر وأحمد بن عبد العزيز قالوا حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثني محمد بن يحيى أبو غسّان قال:
تفاخر مولى لعمر بن أبي ربيعة ومولى للحارث بن خالد بشعريهما، فقال مولى الحارث لمولى عمر: دعني منك فإنّ مولاك واللّه لا يعرف المنازل إذا قلبت، يعني قول الحارث:
إني وما نحروا غداة منى ... عند الجمار تؤودها [5] العقل
__________
[1] كذا في الأصول، ولم نجد في «كتب اللغة» التي بأيدينا ك «اللسان» و «القاموس» «استبضع» متعديا لمفعولين، والموجود «استبضع الشي ء» أي جعله بضاعته. والموجود متعديا من هذه المادة «أبضعني» فإنه يقال: أبضعني البضاعة أي أعطاني إياها.
[2] الحروف: الكلمات واحدها حرف.
[3] كذا ورد هذا الاسم في «الأغاني» في ترجمته ج 4 ص 155 طبع بولاق و «شرح القاموس» مادة «رقى» و «ولاة مصر» للكندي ص 52 و «الموشح» للمرزباني ص 150، 186، 221 وقد ورد في جميع الأصول: «عبد اللّه» وورد كذلك في «نقائض جرير والفرزدق» ص 598 وقد ورد في الطبري قسم 2 ص 790، 812، 828، 1173 باسم ابن قيس الرقيات فقط، وذكر البغدادي في «الخزانة»: أن لقيس ابنين عبيد اللّه وعبد اللّه واختلفوا في الشاعر منهما، فقال ابن قتيبة والمبرد في «الكامل»: هو عبد اللّه المكبر، وقال المرزبانيّ في «معجمه»: هو عبيد اللّه بالتصغير، قال: ومن الرواة من يقول الشاعر عبد اللّه وهو خطأ.
[4] ذكر البغدادي في «الخزانة» في ترجمته ج 3 ص 267 أنه يقال: الرقيات بالرفع على أنه صفة لعبد اللّه وبالجر على الإضافة لأنه قيل:
إن في جدّاته ثلاث نسوة يسمين بهذا الاسم أو أنهن زوجاته أو محبوباته.
[5] كذا في ح، ومعناه تثقلها. وفي سائر الأصول «تؤدّها» من أدّه الأمر يؤدّه ويئدّه إذا دهاه. والعقل: جمع عقال ويجوز في عين هذا الجمع التسكين كما هنا.
لو بدّلت أعلى [1] مساكنها ... سفلا وأصبح سفلها يعلو
/ فيكاد يعرفها الخبير بها ... فيردّه الإقواء [2] والمحل
لعرفت مغناها بما احتملت ... منّي الضلوع لأهلها قبل
- قال عمر بن شبّة: وحدّثني محمد بن سلّام بهذا الخبر على نحو ممّا ذكره أبو غسّان، وزاد فيه: - فقال مولى ابن أبي ربيعة لمولى الحارث: واللّه ما يحسن مولاك في شعر إلا نسب إلى مولاي.
قال ابن سلّام: وأنشد الحارث بن خالد عبد اللّه بن عمر هذه الأبيات كلّها حتى انتهى إلى قوله:
لعرفت مغناها بما احتملت ... منّي الضلوع لأهلها قبل
فقال له ابن عمر: قل: إن شاء اللّه؛ قال: إذا يفسد بها الشعر يا عمّ، فقال له: يا بن أخي، إنه لا خير في شيء يفسده «إن شاء اللّه». قال عمر: وحدّثني هذه الحكاية إسحاق بن إبراهيم في مخاطبته لابن عمر ولم يسندها إلى أحد، وأظنّه لم يروها إلا عن محمد بن سلّام. وأخبرني محمد بن خلف بن المرزبان عن أبي الفضل المرورّوذيّ عن إسحاق عن أبي عبيدة، فذكر قصّة الحارث مع ابن عمر مثل الذي تقدّمه.
فضّله كثيّر الشاعر في الشعر على نفسه وأنشد من شعره:
أخبرني عمّي قال حدّثنا الكرانيّ قال حدّثنا الرّياشيّ قال حدّثني أبو سلمة الغفاريّ عن يحيى بن عروة بن أذينة عن أبيه قال:
كان كثيّر جالسا في فتية من قريش إذ مرّ بهم سعيد الراس [3]، وكان مغنّيا، فقالوا لكثيّر: يا أبا صخر، هل لك أن نسمعك غناء هذا، فإنه مجيد؟ قال: افعلوا؛ فدعوا به فسألوه أن يغنّيهم:
صوت
هلّا سألت معالم الأطلال ... بالجزع من حرض [4] وهنّ بوالي
سقيا لعزّة خلّتي سقيا لها ... إذ نحن بالهضبات من أملال [5]
إذ لا تكلّمنا وكان كلامها ... نفلا [6] نؤمّله من الأنفال
فغنّاه، فطرب كثيّر وارتاح، وطرب القوم جميعا، واستحسنوا قول كثيّر، وقالوا له: يا أبا صخر ما يستطيع [7]
__________
[1] كذا في ح وفي باقي الأصول: «أعلام ساكنها» وهو تحريف.
[2] أقوت الدار إقواء: أقفرت، والمحل: الجدب.
[3] لم نوفق إلى ضبط هذا الاسم، فلعله «الرأس» وزان شداد وهو بائع الرؤوس.
[4] حرض: واد عند أحد.
[5] أملال ويقال له ملل: موضع على طريق المدينة إلى مكة على ثمانية وعشرين ميلا من المدينة، هكذا ذكره ياقوت في «معجمه» واستشهد بهذا البيت من شعر كثيّر.
[6] النفل: الغنيمة والعطية.
[7] كذا في جميع الأصول «ما يستطيع» بدون همزة الاستفهام، ولكن الجواب بكلمة «بلى» يدل على أن القصد من الجملة الاستفهام، وهمزة الاستفهام مما يجوز حذفه (انظر «المغني» لابن هشام في بحث الألف من الباب الأوّل). ويحتمل أن يكون «ما يستطيع» نفيا محضا وأن التحريف في «بلى» وأن أصلها «بل» الإضرابية.
أحد أن يقول مثل هذا؛ فقال: بلى، الحارث بن خالد حيث يقول:
صوت
إني وما نحروا غداة منى ... عند الجمار تؤودها العقل
لو بدّلت أعلى مساكنها ... سفلا وأصبح سفلها يعلو
لعرفت مغناها بما احتملت ... منّي الضلوع لأهلها قبل
نسبة ما في هذه الأخبار من «الأغاني» في أبيات كثيّر الأوّل
التي أوّلها:
هلّا سألت معالم الأطلال
لابن سريج منها في الثاني والثالث رمل مطلق في مجرى البنصر عن إسحاق. وللغريض في الأوّل والثاني ثقيل أوّل مطلق في مجرى البنصر عنه. وفيهما [1] لعلّويه/ رمل بالوسطى عن عمرو. وفي أبيات الحارث بن خالد لإبراهيم الموصليّ رمل بالسبّابة في مجرى الوسطى عن إسحاق أيضا.
تمثّل أشعب بشعره في علوّ الزبيريين على العلويين:
أخبرني عمّي قال حدّثنا الكرانيّ قال حدّثنا الخليل بن أسد عن العمريّ عن الهيثم بن عديّ قال:
دخل أشعب مسجد النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فجعل يطوف الحلق [2]، فقيل له: ما تريد؟ فقال: أستفتي في مسألة؛ فبينا هو كذلك إذ مرّ برجل من ولد الزبير وهو مسند إلى سارية [3] وبين يديه رجل علويّ، فخرج أشعب مبادرا؛ فقال له الذي سأله عن دخوله وتطوافه: أوجدت من أفتاك في مسألتك؟ قال: لا، ولكني علمت ما هو خير لي منها؛ قال:
وما ذاك؟ قال: وجدت المدينة قد صارت كما قال الحارث بن خالد:
قد بدّلت أعلى مساكنها ... سفلا وأصبح سفلها يعلو
رأيت رجلا من ولد الزبير جالسا في الصدر، ورجلا من ولد عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه جالسا بين يديه، فكفى هذا عجبا، فانصرفت.
كان مروانيا وكل بني مخزوم زبيرية:
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ قال حدّثنا عمر بن شبّة، وأخبرني هذا الخبر إسماعيل بن يونس الشّيعيّ قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثنا محمد بن يحيى أبو غسّان، وأخبرني به محمد بن خلف بن المرزبان قال حدّثنا
__________
[1] في ب، س، م: «و فيها».
[2] الحلق: جمع حلقة وهي دائرة القوم وحلقتهم؛ وهذا الجمع على النادر كهضبة وهضب.
[3] السارية: العمود.
عمر بن شبّة قال حدّثنا أبو [1] عبد اللّه بن محمد بن حفص عن أبيه قال قال محمد بن خلف أخبرني به/ أبو أيوب سليمان بن أيوب [2] المدنيّ قال حدّثنا مصعب الزّبيريّ، وأخبرني به أيضا الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزبير بن بكّار قال حدّثني عمّي، وقد جمعت رواياتهم في هذا الخبر:
أنّ بني مخزوم كلّهم كانوا زبيريّة سوى الحارث بن خالد فإنه كان مروانيا.
ذهب إلى الشأم مع عبد الملك فحجبه وجفاه فقال شعرا فقرّبه وولاه مكة:
فلما ولي عبد الملك الخلافة عام الجماعة وفد عليه في دين كان عليه وذلك في سنة خمس وسبعين؛ وقال مصعب في خبره: بل حجّ عبد الملك في تلك السنة فلما انصرف رحل معه الحارث إلى دمشق، فظهرت له منه جفوة، وأقام ببابه شهرا لا يصل إليه، فانصرف عنه وقال فيه:
صحبتك إذ عيني عليها غشاوة ... فلما انجلت قطّعت نفسي ألومها
وما بي وإن أقصيتني من ضراعة ... ولا افتقرت نفسي إلى من يضيمها
هذا البيت في رواية ابن المرزبان وحده:
عطفت عليك النفس حتى كأنما ... بكفّيك بؤسي أو عليك نعيمها
عزله عبد الملك لأنه أخر الصلاة حتى تطوف عائشة بنت طلحة:
/ وبلغ عبد الملك خبره وأنشد الشعر، فأرسل إليه من ردّه من طريقه؛ فلما دخل عليه قال له: حار [3]، أخبرني عنك: هل رأيت عليك في المقام ببابي غضاضة أو في قصدي دناءة؟ قال: لا واللّه يا أمير المؤمنين؛ قال:
فما حملك على ما قلت وفعلت؟ قال: جفوة ظهرت لي، كنت [4] حقيقا بغير هذا، قال: فاختر، فإن شئت أعطيتك مائة ألف درهم، أو قضيت دينك، أو ولّيتك مكّة سنة، فولّاه إياها، فحجّ بالناس وحجّت عائشة بنت طلحة عامئذ، وكان يهواها، فأرسلت إليه: أخّر/ الصلاة حتى أفرغ من طوافي، فأمر المؤذّنين فأخّروا الصلاة حتى فرغت من طوافها، ثم أقيمت الصلاة فصلّى بالناس، وأنكر أهل الموسم ذلك من فعله وأعظموه، فعزله وكتب إليه يؤنّبه فيما فعل؛ فقال: ما أهون واللّه غضبه إذا رضيت! واللّه لو لم تفرغ من طوافها إلى الليل لأخّرت الصلاة إلى الليل. فلمّا قضت حجّها أرسل إليها: يابنة عمّي ألمّي بنا أوعدينا مجلسا نتحدّث فيه؛ فقالت: في غد أفعل ذلك، ثم رحلت من ليلتها؛ فقال الحارث فيها:
صوت
ما ضرّكم لو قلتم سددا ... إنّ المطايا عاجل غدها
ولها علينا نعمة سلفت ... لسنا على الأيام نجحدها
لو تمّمت أسباب نعمتها ... تمّت بذلك عندنا يدها
__________
[1] كلمة «أبو» ساقطة في ح.
[2] في ح: أبو أيوب.
[3] حار: ترخيم حارث.
[4] كذا في الأصول ولعله «و كنت» بالواو.
لمعبد في هذه الأبيات ثقيل أوّل بالوسطى عن عمرو بن بانة ويونس ودنانير، وقد ذكره إسحاق فنسبه إلى ابن محرز ثقيلا أوّل في أصوات قليلة الأشباه؛ وقال عمرو بن بانة: من الناس من نسبه إلى الغريض.
نسبة ما في الأخبار من الغناء
صوت
وما بي وإن أقصيتني من ضراعة ... ولا افتقرت نفسي إلى من يهينها
بلى بأبي إني إليك لضارع ... فقير ونفسي ذاك منها [1] يزينها
/ البيت الأوّل للحارث بن خالد، والثاني ألحق به. والغناء للغريض ثقيل أوّل بالوسطى عن ابن المكيّ.
وذكر الهشاميّ أن لحن الغريض خفيف ثقيل في البيت الأوّل فقط، وحكى أن قافيته على ما كان الحارث قاله:
ولا افتقرت نفسي إلى من يضيمها
وأن الثقيل الأوّل لعليّة بنت المهديّ، ومن غنائها البيت المضاف. وأخلق بأن يكون الأمر على ما ذكره، لأن البيت الثاني ضعيف يشبه شعرها.
تزوّج مصعب بعائشة ورحل بها إلى العراق فقال الحارث شعرا:
أخبرني أحمد بن عبد العزيز وحبيب بن نصر وإسماعيل بن يونس قالوا حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثني أبو غسّان محمد بن يحيى قال:
لما تزوّج مصعب بن الزبير عائشة بنت طلحة ورحل بها إلى العراق، قال الحارث بن خالد في ذلك:
صوت
ظعن الأمير بأحسن الخلق ... وغدا بلبّك مطلع الشّرق
/ في البيت ذي الحسب الرفيع ومن ... أهل التّقى والبرّ والصّدق
فظللت كالمقهور مهجته ... هذا الجنون وليس بالعشق
أترجّة عبق العبير بها ... عبق الدّهان بجانب الحقّ
ما صبّحت أحدا برؤيتها ... إلا غدا بكواكب الطّلق [2]
وهي أبيات، غنّى ابن محرز في البيتين الأوّلين خفيف رمل بالسبابة في مجرى الوسطى عن إسحاق، وذكر عمرو بن بانة أن فيهما لمالك ثقيلا بالوسطى، وذكر/ حبش أن فيهما لمالك رملا بالوسطى، وذكر حبش أيضا أن فيهما للدّلال ثاني ثقيل بالبنصر، ولابن سريج ومالك رملين، ولسعيد بن جابر هزجا بالوسطى.
__________
[1] كذا في ب، س، ح، وفي سائر الأصول: «منك».
[2] يقال: يوم طلق أي مشرق لا برد فيه ولا حرّ ولا شيء يؤذي، ويقال أيضا: ليلة طلق وليلة طلقة. يريد: أن من تصبحه برؤيتها، يرى الزمان صافيا طيبا سعيدا، هاؤلا بطلعتها واستبشارا.
استأذن على عائشة بنت طلحة وكتب لها مع الغريض وأمره أن يغني لها من شعره فوعدته وخرجت من مكة:
أخبرني محمد بن مزيد بن أبي الأزهر والحسين بن يحيى عن حمّاد بن إسحاق عن أبيه عن محمد بن سلّام عن ابن جعدبة قال:
لما أن قدمت عائشة بنت طلحة أرسل إليها الحارث بن خالد وهو أمير على مكة: إني أريد السلام عليك، فإذا خفّ عليك أذنت، وكان الرسول الغريض، فقالت له: إنّا حرم، فإذا أحللنا أذنّاك، فلما أحلّت سرت على بغلاتها، ولحقها الغريض بعسفان [1] أو قريب منه، ومعه كتاب الحارث إليها:
ما ضرّكم لو قلتم سددا
- الأبيات المذكورة - ؛ فلما قرأت الكتاب قالت: ما يدع الحارث باطله! ثم قالت للغريض: هل أحدثت شيئا؟ قال: نعم، فاسمعي، ثم اندفع يغنّي في هذا الشعر؛ فقالت عائشة: واللّه ما قلنا إلا سددا، ولا أردنا إلا أن نشتري لسانه؛ وأتى على الشعر كلّه، فاستحسنته عائشة، وأمرت له بخمسة آلاف درهم وأثواب، وقالت: زدني، فغنّاها في قول الحارث بن خالد أيضا:
زعموا بأن البين بعد غد ... فالقلب مما أحدثوا يجف
والعين منذ أجدّ بينهم ... مثل الجمان دموعها تكف
/ ومقالها ودموعها سجم ... أقلل حنينك حين تنصرف
تشكو ونشكو ما أشتّ [2] بنا ... كلّ بوشك البين معترف
- إيقاع هذا الصوت ثقيل أوّل مطلق في مجرى الوسطى عن الهشاميّ، ولم يذكر له حماد طريقا - قال: فقالت له عائشة: يا غريض، بحقّي عليك أهو أمرك أن تغنّيني في هذا الشعر؟ فقال: لا، وحياتك يا سيدتي! فأمرت له بخمسة آلاف درهم، ثم قالت له: غنّني في شعر [3] غيره؛ فغنّاها [قول [4] عمر فيها]:
غناها الغريض بشعر ابن أبي ربيعة:
صوت
أجمعت خلّتي مع الفجر بينا [5] ... جلّل [6] اللّه ذلك الوجه زينا
أجمعت بينها ولم نك منها ... لذّة العيش والشباب قضينا
__________
[1] ذكر ياقوت في «معجمه» عسفان فقال: قال أبو منصور: عسفان منهلة من مناهل الطريق بين الجحفة ومكة، وقال غيره: عسفان بين المسجدين وهي من مكة على مرحلين، وقيل: عسفان قرية جامعة بها منبر ونخيل ومزارع على ستة وثلاثين ميلا من مكة وهي حدّتها.
[2] أشت بنا: فرّق أمرنا.
[3] في أ، ء، م: «في غير شعره».
[4] الزيادة عن أ، ء.
[5] البين: الفراق. وأجمعت بينا: اعتزمته وصممت عليه.
[6] جلل: عمّ، ومنه المجلل: للسحاب الذي يجلل الأرض بالمطر أي يعمها.
فتولّت حمولها واستقلّت ... لم ننل طائلا ولم نقض دينا
ولقد قلت يوم مكّة لمّا ... أرسلت تقرأ السلام علينا
أنعم اللّه بالرسول الذي أر ... سل والمرسل الرسالة عينا [1]
/ - الشعر لعمر بن أبي ربيعة، والغناء للغريض خفيف ثقيل بإطلاق الوتر في مجرى البنصر عن إسحاق، وغيره ينسبه إلى ابن سريج. وفيه لمعبد خفيف ثقيل بالوسطى [2] عن عمرو، وأظنه هذا اللحن - قال: فضحكت ثم قالت: وأنت يا غريض فأنعم اللّه بك عينا، وبابن أبي ربيعة عينا، لقد تلطّفت حتى أدّيت إلينا رسالته، وإن وفاءك/ له لممّا يزيدنا رغبة فيك وثقة بك. وقد كان عمر سأل الغريض أن يغنّيها هذا الصوت لأنه قد كان ترك ذكرها لمّا غضبت بنو تيم من ذلك، فلم يحبّ التصريح بها وكره إغفال ذكرها؛ وقال له عمر: إن أبلغتها هذه الأبيات في غناء فلك خمسة آلاف درهم.
غنى الغريض عاتكة بنت يزيد:
فوفى له بذلك، وأمرت له عائشة بخمسة آلاف درهم أخرى؛ ثم انصرف الغريض من عندها فلقي عاتكة بنت يزيد بن معاوية امرأة عبد الملك بن مروان، وكانت قد حجّت في تلك السنة، فقال لها جواريها: هذا الغريض؛ فقالت لهنّ: عليّ به، فجيء به إليها. قال الغريض: فلما دخلت سلّمت فردّت عليّ وسألتني عن الخبر، فقصصته عليها؛ فقالت: غنّني بما غنّيتها به، ففعلت فلم أرها تهشّ لذلك، فغنيّتها معرّضا لها ومذكّرا بنفسي في شعر مرّة بن محكان السّعديّ يخاطب امرأته وقد نزل به أضياف:
أقول والضّيف مخشيّ ذمامته [3] ... على الكريم وحقّ الضيف قد وجبا
صوت
يا ربّة البيت قومي غير صاغرة ... ضمّي إليك رحال القوم والقربا
في ليلة من جمادى ذات أندية [4] ... لا يبصر الكلب من ظلمائها الطّنبا
لا ينبح الكلب فيها غير واحدة ... حتى يلفّ على خيشومه الذّنبا
- الشعر لمرّة بن محكان السّعديّ، والغناء لابن سريج. ذكر يونس أن فيه ثلاثة ألحان، فوجدت منها واحدا في كتاب عمرو بن بانة رملا بالوسطى، والآخر في كتاب/ الهشاميّ خفيف ثقيل بالوسطى، والآخر ثاني ثقيل في كتاب أحمد بن المكيّ - قال: فقالت وهي متبسّمة: قد وجب حقّك يا غريض، فغنّني؛ فغنّيتها:
__________
[1] ورد هذا البيت في «اللسان» ج 16 ص 60 هكذا:
أنعم اللّه بالرسول وبالمر ... سل والحامل الرسالة عينا
والرسول في هذه الرواية: اسم بمعنى الرسالة، وأصله مصدر وفعله ممات.
[2] في ء: «و فيه لمعبد خفيف ثقيل بإطلاق الوتر في مجرى البنصر عن عمرو».
[3] الذمامة (بالفتح وتكسر): الذمة والعهد.
[4] أندية: جمع ثدي (وزان فتى)، وهو ما يسقط بالليل، وهذا الجمع شاذ، لأن أفعلة إنما يكون جمعا لما كان ممدودا مثل كساء وأكسية. وقد تمحل بعضهم لتصحيح هذا الجمع أوجها لا تخلو من التعسف. (انظر «اللسان» مادة ندى).
صوت
يا دهر قد أكثرت فجعتنا ... بسراتنا ووقرت [1] في العظم
وسلبتنا ما لست مخلفه ... يا دهر ما أنصفت في الحكم
لو كان لي قرن أناضله ... ما طاش عند حفيظة سهمي
لو كان يعطي النّصف [2] قلت له ... أحرزت سهمك فاله عن سهمي [3]
فقالت: نعطيك النّصف ولا نضيع سهمك عندنا، ونجزل لك قسمك، وأمرت لي بخمسة آلاف درهم وثياب عدنيّة [4] وغير ذلك من الألطاف، وأتيت الحارث بن خالد فأخبرته الخبر وقصصت عليه القصّة؛ فأمر لي بمثل ما أمرتا لي به جميعا، فأتيت ابن أبي ربيعة وأعلمته بما جرى، فأمر لي بمثل ذلك، فما انصرف واحد من ذلك الموسم بمثلي ما انصرفت به: بنظرة/ من عائشة ونظرة من عاتكة وهما من أجمل نساء عالمهما، وبما أمرتا لي به، وبالمنزلة عند الحارث وهو أمير مكّة، وابن أبي ربيعة، وما أجازاني به جميعا من المال.
لما حجت عائشة بنت طلحة استأذنها في زيارتها فوعدته ثم هربت:
أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدّثنا أبو الحسن المروزيّ قال حدّثنا محمد بن سلّام عن يونس قال:
/ لما حجّت عائشة بنت طلحة أرسل إليها الحارث بن خالد وهو أمير مكة: أنعم اللّه بك عينا وحيّاك، وقد أردت زيارتك فكرهت ذلك إلّا عن أمرك، فإن أذنت فيها فعلت؛ فقالت لمولاة لها جزلة [5]: وما أردّ على هذا السفيه؟ فقالت لها: أنا أكفيك، فخرجت إلى الرسول وقالت له: اقرأ عليه السّلام، وقل له: وأنت أنعم اللّه بك عينا وحيّاك، نقضي نسكنا ثم يأتيك رسولنا إن شاء اللّه، ثم قالت لها: قومي فطوفي واسعي واقضي عمرتك واخرجي في الليل، ففعلت؛ وأصبح الحارث فسأل عنها فأخبر خبرها، فوجّه إليها رسولا بهذه الأبيات، فوجدها قد خرجت عن عمل مكّة، فأوصل الكتاب إليها، فقالت لمولاتها: خذيه فإني أظنه بعض سفاهاته، فأخذته وقرأته وقالت له: ما قلنا إلا سددا [6] وأنت فارغ للبطالة [7]، ونحن عن فراغك في شغل.
سألت عنه عائشة بنت طلحة فأرسل إليها شعرا:
أخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن عمّار وأحمد بن عبد العزيز الجوهريّ وحبيب بن نصر المهلّبيّ وإسماعيل بن يونس الشّيعيّ قالوا حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثنا إسحاق بن إبراهيم الموصليّ قال: زعم كلثوم بن أبي بكر بن عمر بن الضّحّاك بن قيس الفهريّ قال:
__________
[1] وقر العظم: صدعه.
[2] النصف مثلثة: اسم بمعنى الانتصاف.
[3] السهم: النصيب والحظ، والسهم في البيت الذي قبله: ما يرمي به وهو واحد النبل.
[4] في أ، ء، م: «عربيّة».
[5] الجزلة: العاقلة الأصيلة الرأي.
[6] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «سدادا». والسدد والسداد في القول: أن يكون صوابا.
[7] البطالة (بفتح الباء): اتباع اللهو.
قدم المدينة قادم من مكّة فدخل على عائشة بنت طلحة، فقالت له: من أين أقبل الرجل؟ قال: من مكّة، فقالت: فما فعل الأعرابيّ؟ فلم يفهم ما أرادت، فلما عاد إلى مكّة دخل على الحارث، فقال له: من أين؟ قال: من المدينة، قال: فهل دخلت على عائشة بنت طلحة؟ قال: نعم، قال: فعمّاذا سألتك؟ / قال: قالت لي: ما فعل الأعرابيّ؟ قال له الحارث: فعد إليها ولك هذه الراحلة والحلة ونفقنك لطريقك وادفع إليها هذه الرقعة، وكتب إليها فيها:
صوت
من كان يسأل عنا أين منزلنا ... فالأقحوانة [1] منا منزل قمن [2]
إذ نلبس العيش صفوا ما يكدّره ... طعن الوشاة ولا ينبو بنا الزمن
قال إسحاق: وزادني غير كلثوم فيها:
ليت الهوى لم يقرّبني إليك ولم ... أعرفك إذ كان حظّي منكم الحزن
غنّى في هذه الأبيات ابن محرز خفيف ثقيل بإطلاق الوتر في مجرى البنصر عن إسحاق، وذكر يونس أن فيها لحنا ولم يجنّسه، وذكر عمرو أن فيه لبابويه ثاني ثقيل بالبنصر.
غضب على الغريض ثم رق له وغناه الغريض في شعره:
أخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد عن أبيه عن محمد بن سلّام، قال:
لما ولّى عبد الملك بن مروان الحارث بن خالد المخزوميّ مكّة بعث إلى الغريض فقال له: لا أرينّك في عملي [3]، وكان قبل ذلك يطلبه ويستدعيه فلا يجيبه، فخرج الغريض إلى ناحية الطائف، وبلغ ذلك الحارث فرقّ له فردّه وقال له: لم كنت تبغضنا وتهجر شعرنا ولا تقربنا؟ قال له الغريض: كانت هفوة من هفوات/ النفس، وخطرة من خطرات الشيطان، ومثلك وهب الذنب،/ وصفح عن الجرم، وأقال العثرة، وغفر الزّلّة، ولست بعائد إلى ذلك أبدا؛ قال: وهل غنيّت في شيء من شعري؟ قال: نعم، قد غنّيت في ثلاثة أصوات من شعرك، قال: هات ما غنّيت، فغنّيت:
صوت
بان الخليط فما عاجوا ولا عدلوا ... إذ ودّعوك وحنّت بالنوى [4] الإبل
__________
[1] الأقحوانة: موضع قرب مكة. قال الأصمعيّ: هي ما بين بئر ميمون إلى بئر ابن هشام.
[2] القمن (بالتحريك): الخليق والجدير كالقمن (بكسر الميم) إلا أن الأوّل لا يثني ولا يجمع ولا يؤنث، لأنه مصدر وصف به بخلاف الثاني فإنه نعت، ويعدّى بالباء ومن، يقال: هو قمن به ومنه، وهذا المنزل لك موطن قمن أي جدير أن تسكنه. ويحتمل أن يكون «قمن» في البيت بمعنى قريب.
[3] في عمل أي في البلد الذي تحت حكمي.
[4] في أ: «و راحت بالدمى».
كأن فيهم غداة البين إذ رحلوا ... أدماء [1] طاع [2] لها الحوذان [3] والنّفل [4]
- الغناء للغريض ثقيل أوّل بالوسطى عن الهشاميّ وحبش؛ قال حبش: وفيه لابن سريج خفيف رمل بالبنصر، ولإسحاق ثاني ثقيل بالبنصر - فقال له: أحسنت واللّه يا غريض، هات ما غنّيت فيه أيضا من شعري، فغنّاه في قوله:
صوت
يا ليت شعري وكم من منية قدرت ... وفقا وأخرى أتى من دونها القدر
ومضمر الكشح يطويه الضجيع له ... طيّ الحمالة [5] لا جاف ولا فقر [6]
له شبيهان [7] لا نقص يعيبهما ... بحيث كانا ولا طول ولا قصر
/ - لم أعرف لهذا الشعر لحنا في شيء من الكتب ولا سمعته - فقال له الحارث: أحسنت واللّه يا غريض، إيه، وماذا [8] أيضا؟ فغنّاه قوله:
عفت الديار فما بها أهل ... حزّانها [9] ودماثها [10] السهل
إني وما نحروا غداة منى ... عند الجمار تؤدها العقل
- الأبيات المذكورة وقد مضت نسبتها معها - فقال له الحارث: يا غريض لا لوم في حبّك، ولا عذر في هجرك، ولا لذّة لمن لا يروّح قلبه بك، يا غريض لو لم يكن لي في ولايتي مكّة حظّ إلا أنت لكان حظّا كافيا وافيا، يا غريض إنما الدنيا زينة، فأزين الزينة ما فرح [11] النفس، ولقد فهم قدر الدنيا على حقيقته من فهم قدر الغناء.
أنشدت سكينة بنت الحسين بيتا من شعره فنقدته:
أخبرني الحسن بن عليّ عن أحمد بن زهير عن مصعب الزّبيريّ قال:
أنشدت سكينة بنت الحسين قول الحارث بن خالد:
ففرغن من سبع وقد جهدت ... أحشاؤهن موائل الخمر
__________
[1] الأدماء: الظبية البيضاء يعلوها جدد فيها غبرة، وقيل هي البيضاء الخالصة البياض، وقيل: هي التي لونها كلون الجبال.
[2] يقال: طاع له المرتع: أي اتسع وأمكنه رعيه متى شاء.
[3] الحوذان: ثبت سهليّ حلو طيّب الطعم.
[4] النفل: نبت من أحرار البقول نوره أصفر طيّب الرائحة.
[5] الحمالة: علاقة السيف.
[6] الفقر: الكسير الفقار، والفقار: ما انتضد من عظام الصلب من لدن الكاهل إلى العجب.
[7] كذا بالأصول، ولسنا على يقين من المعنى المراد.
[8] في الأصول: «و ما ذلك أيضا».
[9] حزّان - بضم الحاء وكسرها وتشديد الزاي - : جمع «حزيز» وهو موضع من الأرض كثرت حجارته وغلظت كأنها السكاكين، أو هو ما غلظ وصلب من جلد الأرض مع إشراف قليل؛ وفي قصيدة كعب بن زهير:
ترمى الغيوب بعيني مفرد لهق ... إذا توقدت الحزّان والميل
[10] الدماث: السهول من الأرض.
[11] في ح: «فرّج» بالجيم.
فقالت: أحسن عندكم ما قال؟ قالوا: نعم، فقالت: وما حسنه! فو اللّه لو طافت الإبل سبعا لجهدت أحشاؤها.
قيل له ما يمنعك من عائشة وقد مات زوجها فأجاب:
أخبرني الحسين عن حمّاد عن أبيه عن كلثوم بن أبي بكر قال:
لما مات عمر بن عبد اللّه التّيميّ عن عائشة بنت طلحة وكانت قبله عند مصعب بن الزبير قيل للحارث بن خالد: ما يمنعك الآن منها؟ قال: لا يتحدّث واللّه رجال من قريش أنّ نسيبي بها كان لشيء من الباطل.
تنازع هو وأبان بن عثمان ولاية الحج فغلبه أبان فقال شعرا:
أخبرنا محمد بن العبّاس اليزيديّ قال حدّثني عمّي عبيد اللّه عن محمد بن حبيب عن ابن الأعرابيّ قال:
لما خرج ابن الأشعث على عبد الملك بن مروان شغل عن أن يولّي على الحجّ رجلا، وكان الحارث بن خالد عامله على مكّة، فخرج أبان بن عثمان من المدينة وهو عامله عليها، فغدا على الحارث بمكّة ليحجّ بالناس؛ فنازعه الحارث وقال له: لم يأتني كتاب أمير المؤمنين بتوليتك على الموسم، وتغالبا فغلبه أبان بن عثمان/ بنسبه، ومال إليه الناس فحجّ بهم؛ فقال الحارث بن خالد في ذلك:
فإن تنج منها يا أبان مسلّما ... فقد أفلت الحجّاج خيل شبيب
وكاد غداة الدّير [1] ينفد حضنه ... غلام بطعن القرن جدّ طبيب
وأنسوه وصف الدّير لما رآهم ... وحسّن خوف الموت كلّ معيب [2]
فلقيه الحجّاج بعد ذلك، فقال: ما لي ولك يا حارث! أينازعك أبان عملا فتذكرني! فقال له: ما اعتمدت مساءتك ولكن بلغني أنك أنت كاتبته، قال: واللّه ما فعلت، فقال له الحارث: المعذرة إلى اللّه وإليك أبا محمد.
قال هشام حين سمع شيئا من شعره: هذا كلام معاين:
نسخت من كتاب هارون بن محمد بن عبد الملك الزيّات: حدّثني عمرو [3] بن سلّم قال حدّثني هارون بن موسى الفرويّ قال حدّثني موسى بن جعفر أن يحيى قال حدّثني مؤدّب لبني هشام بن عبد الملك قال:
/ بينا أنا ألقي على ولد هشام شعر قريش إذ أنشدتهم شعر الحارث بن خالد:
إن امرأ تعتاده ذكر ... منها ثلاث منى لذو صبر
وهشام مصغ إليّ حتى ألقيت عليهم قوله:
ففرغن من سبع وقد جهدت ... أحشاؤهن موائل الخمر
فانصرف وهو يقول: هذا كلام معاين.
__________
[1] هو دير الجماجم، وفيه كانت الوقعة بين الحجاج بن يوسف وعبد الرحمن بن الأشعث.
[2] كذا في نسخة الشنقيطي طبع بولاق مصححة بخطه، وهو المناسب للسياق. وفي جميع الأصول «مغيب» بالغين المعجمة.
[3] كذا في ب، س، وفي أ، ء، م: «عمر بن مسلم».
قدمت عائشة بنت طلحة تريد العمرة فقال شعرا:
أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدّثني أبو عبد اللّه السّدوسيّ قال وحدّثنا أبو حاتم السجستانيّ قال أخبرنا أبو عبيدة قال:
قدمت عائشة بنت طلحة مكّة تريد العمرة، فلم يزل الحارث يدور حولها وينظر إليها ولا يمكنه كلامها حتى خرجت، فأنشأ يقول - وذكر في هذه الأبيات بسرة حاضنتها وكنى عنها - :
صوت
يا دار أقفر رسمها ... بين المحصّب [1] والحجون [2]
أقوت وغيّر آيها ... مرّ الحوادث والسّنين
واستبدلوا ظلف [3] الحجا ... زوسرّة [4] البلد الأمين
يا بسر إنّي فاعلمي ... باللّه مجتهدا يميني
ما إن صرمت حبالكم ... فصلي حبالي أو ذريني
/ في هذه الأبيات ثاني ثقيل لمالك بالبنصر عن الهشاميّ وحبش، قال: وفيها لابن مسجح ثقيل أوّل، وذكر أحمد بن المكيّ أنّ فيها لابن سريج رملا بالبنصر؛ فيها لمعبد ثقيل أوّل بالوسطى عن حبش.
شبب بزوجته أم عبد الملك:
أخبرني الطّوسيّ والحرميّ بن أبي العلاء قالا حدّثنا الزبير بن بكّار قال حدّثني مصعب بن عثمان بن مصعب بن عروة بن الزّبير، وأخبرني به محمد بن خلف بن المرزبان عن أحمد بن زهير عن مصعب الزّبيريّ قال:
كانت أمّ عبد الملك بنت عبد اللّه بن خالد بن أسيد عند الحارث بن خالد، فولدت منه فاطمة بنت الحارث، وكانت قبله عند عبد اللّه بن مطيع، فولدت منه عمران ومحمدا، فقال فيها الحارث وكنّاها بابنها عمران:
يا أمّ عمران ما زالت وما برحت ... بي الصبابة حتى شفّني الشّفق [5]
/القلب تاق إليكم كي يلاقيكم ... كما يتوق إلى منجاته الغرق
تنيل نزرا قليلا وهي مشفقة ... كما يخاف مسيس الحيّة الفرق [6]
قال مصعب بن عثمان: فأنشد رجل يوما بحضرة ابنها عمران بن عبد اللّه بن مطيع هذا الشعر، ثم فطن فأمسك؛ فقال له: لا عليك، فإنها كانت زوجته. وقال ابن المرزبان في خبره: فقال له: امض رحمك اللّه وما بأس
__________
[1] المحصب: موضع فيما بين مكة ومنى وهو إلى منى أقرب.
[2] الحجون: جبل بأعلى مكة، وقال السكريّ: مكان من البيت على ميل ونصف ميل (انظر «معجم البلدان» لياقوت في اسم الحجون).
[3] الظلف: ما لان من الأرض، وقيل: ما صلب وغلظ منها، وفي ذلك أقوال كثيرة، (انظر «اللسان» مادة «ظلف»).
[4] سرّة البلد: وسطه.
[5] الشفق: رقة من حب تؤدّي إلى خوف.
[6] الفرق: بكسر الراء ككتف وبضمها كرجل: للشديد الفزع، وقيل يقال: رجل فرق (بكسر الراء) إذا فزع من الشيء وليس من جبلته، ورجل فرق (بضمها) إذا فزع وكان منه الفزع جبلة.
بذلك، رجل تزوّج [1] بنت عمّه وكان لها كفئا كريما فقال فيها شعرا بلغ ما بلغ، فكان ماذا!.
شبّب بأم بكر بعد أن رآها ترمي الجمرة وحادثها:
أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدّثني أحمد بن عبد الرحمن التّميميّ عن أبي شعيب الأسديّ عن القحذميّ قال:
بينا الحارث بن خالد واقف على جمرة العقبة إذ رأى أمّ بكر وهي ترمي الجمرة فرأى أحسن الناس وجها، وكان في خدّها خال ظاهر، فسأل عنها فأخبر باسمها حتى عرف رحلها، ثم أرسل إليها يسألها أن تأذن له في الحديث، فأذنت له، فكان يأتيها يتحدّث إليها حتى انقضت أيام الحجّ، فأرادت الخروج إلى بلدها، فقال فيها:
ألا قل لذات الخال يا صاح في الخدّ ... تدوم إذا بانت على أحسن العهد
ومنها علامات بمجرى وشاحها ... وأخرى تزين الجيد من موضع العقد
وترعى من الودّ الذي كان بيننا ... فما يستوي راعي الأمانة والمبدي
وقل قد وعدت اليوم وعدا فأنجزي ... ولا تخلفي، لا خير في مخلف الوعد
وجودي عليّ اليوم منك بنائل ... ولا تبخلي، قدّمت قبلك في اللّحد
فمن ذا الذي يبدي السرور إذا دنت ... بك الدار أو يعنى بنأيكم بعدي
دنوّكم منّا رخاء نناله ... ونأيكم والبعد جهد على جهد
كثير إذا تدنو اغتباطي بك النوى ... ووجدي إذا ما بنتم ليس كالوجد
أقول ودمعي فوق خدّي مخضّل [2] ... له وشل [3] قد بلّ تهتانه خدّي
لقد منح اللّه البخيلة ودّنا ... وما منحت ودّي بدعوى ولا قصد
شبب بليلى بنت أبي مرّة لما رآها بالكعبة:
أخبرني محمد بن خلف قال وحدّثت عن المدائنيّ ولست أحفظ من حدّثني به قال:
/ طافت ليلى بنت أبي مرّة بن عروة بن مسعود وأمّها ميمونة بنت أبي سفيان ابن حرب بالكعبة، فرآها الحارث بن خالد فقال فيها:
أطافت بنا شمس النهار ومن رأى ... من الناس شمسا بالعشاء تطوف
أبو أمّها أوفى قريش بذمّة ... وأعمامها إمّا سألت ثقيف
وفيها يقول:
__________
[1] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «متزوّج».
[2] مخضّل: مندّ.
[3] الوشل: الماء الكثير أو القليل فهو من أسماء الأضداد، والمراد به هنا الكثير.
أمن طلل بالجزع من مكّة [1] السّدر ... عفا بين أكناف المشقّر [2] فالحضر [3]
ظللت وظلّ القوم من غير حاجة ... لدن غدوة [4] حتى دنت حزّة [5] العصر
يبكّون من ليلى عهودا قديمة ... وماذا يبكّي القوم من منزل قفر
الغناء في هذه الأبيات لابن سريج ثاني ثقيل بالخنصر والبنصر عن يحيى المكيّ، وذكر/ غيره أنه للغريض.
وفي ليلى هذه يقول - أنشدناه وكيع عن عبد اللّه بن شبيب عن إبراهيم بن المنذر الحزاميّ للحارث بن خالد، وفي بعض الأبيات غناء - :
صوت
لقد أرسلت في السرّ ليلى تلومني ... وتزعمني ذا ملّة طرفا [6] جلدا
وقد أخلفتنا كلّ ما وعدت به ... وو اللّه ما أخلفتها عامدا وعدا
/ فقلت مجيبا للرسول الذي أتى ... تراه، لك الويلات، من قولها جدّا؟
إذا جئتها فأقر السلام وقل لها ... دعي الجور ليلى واسلكي منهجا قصدا
أفي مكثنا عنكم ليال مرضتها ... تزيدينني ليلى على مرضي جهدا
تعدّين ذنبا واحدا ما جنيته ... عليّ وما أحصي ذنوبكم عدّا
فإن شئت حرّمت النساء سواكم ... وإن شئت لم أطعم نقاخا [7] ولا بردا
وإن شئت غرنا [8] بعدكم ثم لم نزل ... بمكة حتى تجلسي [9] قابلا نجدا
الغناء للغريض ثاني ثقيل بالسبّابة في مجرى الوسطى. وذكر ابن المكيّ أن فيه لدحمان ثاني ثقيل بالوسطى لا
__________
[1] كذا في جميع النسخ، ولم يظهر لنا وجه لإضافة مكة إلى السدر اللهم إلا أن يراد أنها تنبته، على أنه ذكر في ياقوت في الكلام على مكة: «إن ليس بها شجر مثمر إلا شجر البادية فإذا جزت الحرم فهناك عيون وآبار وحوائط وأودية ذات خضر ومزارع ونخيل، وأما الحرم فليس به شجر مثمر إلا نخيل يسيرة متفرقة». ويجوز أن تكون محرّفة عن كلمة «أيكة».
[2] المشقر، كما في «معجم ما استعجم» للبكري: سوق الطائف، وذكر أن الأخفش روى بيت أبي ذؤيب الهذليّ:
حتى كأني للحوادث مروة ... بصفا المشرق كل يوم تقرع
«بصفا المشقر»، وقد روى بيت أبي ذؤيب هذا بهذه الرواية (في كتاب «المنتقى في أخبار أم القرى» طبع أوروبا ص 3).
[3] الحضر: المراد به في هذا البيت: موضع بين مكة والمدينة وهو المذكور في شعر بعض الهذليين:
أيا ليت شعري هل تغير بعدنا ... أروم وآرام وشابة والحضر
[4] لدن من الظروف التي تجر ما بعدها، وقد سمع نصب غدوة بعدها وهو نادر.
[5] الحزة: الساعة والحين، قال ساعدة بن العجلان:
ورميت فوق ملاء محبوكة ... وأبنت للأشهاد حزّة أدعى
[6] الطرف: من لا يثبت على صاحب.
[7] النقاخ: الماء البارد العذب الصافي الخالص الذي يكاد ينقخ - أي يكسر - الفؤاد ببرده، هكذا ذكره صاحب «اللسان» واستشهد له بهذا البيت ونسبه إلى العرجيّ، وفسر البرد في قوله: «و لا بردا» بالريق.
[8] غار الرجل: أتى الغور.
[9] جلس الرجل: أتى نجدا، ومنه قول القائل:
قل للفرزدق والسفاهة كاسمها ... إن كنت تارك ما أمرتك فاجلس
أدري أهذا أم غيره. وفيه [1] ثقيل أوّل للأبجر عن يونس والهشاميّ. وفيه لابن سريج رمل بالبنصر. ولعرار خفيف ثقيل عن الهشاميّ وحبش.
غلبه أبان بن عثمان على الصلاة فقال فيه شعرا عرّض فيه بالحجاج:
أخبرني محمد بن خلف قال أخبرني محمد بن الحارث الخرّاز قال حدّثنا أبو الحسن المدائنيّ قال:
كان الحارث بن خالد واليا على مكّة، وكان أبان بن عثمان ربما جاءه كتاب الخليفة أن يصلّي بالناس ويقيم لهم حجّهم، فتأخّر عنه في سنة الحرب كتابه ولم يأت الحارث كتاب، فلما حضر الموسم شخص أبان من المدينة، فصلّى بالناس وعاونته بنو أميّة ومواليهم فغلب الحارث على الصلاة، فقال:
/فإن تنج منها يا أبان مسلّما ... فقد أفلت الحجّاج خيل شبيب
فبلغ ذلك الحجّاج فقال: مالي وللحارث! أيغلبه أبان بن عثمان على الصلاة ويهتف بي أنا! ما ذكره أيّاي! فقال له عبيد بن موهب: أتأذن أيها الأمير في إجابته وهجائه؟ قال: نعم؛ فقال عبيد:
أبا وابص ركّب علاتك [2] والتمس ... مكاسبها إن اللئيم كسوب
ولا تذكر الحجّاج إلا بصالح ... فقد عشت من معروفه بذنوب [3]
ولست بوال ما حييت إمارة ... لمستخلف إلا عليك رقيب
سأله عبد الملك عن أيّ البلاد أحب إليه فأجاب وقال شعرا:
قال المدائنيّ: وبلغني أن عبد الملك قال للحارث: أيّ البلاد أحبّ إليك؟ قال: حا حسنت فيه حالي وعرض وجهي، ثم قال:
لا كوفة أمّي ولا بصرة أبي ... ولست كمن يثنيه عن وجهه الكسل [4]
نسبة ما في هذا الخبر من الأغاني
الغناء في شعره:
منها في تشبيب الحارث بامرأته أمّ عمران:
صوت
بان الخليط الذي كنّا به نثق ... بانوا وقلبك مجنون بهم علق
تنيل نزرا قليلا وهي مشفقة ... كما يخاف مسيس الحيّة الفرق
يا أمّ عمران ما زالت وما برحت ... بي الصّبابة حتى شفّني الشّفق
__________
[1] في الأصول: «و قيل ثقيل أوّل».
[2] العلاة في اوصل: الزبرة التي يضرب عليها الحداد الحديد، وتطلق أيضا على الناقة تشبيها لها بالزبرة في صلابتها.
[3] الذنوب: الحظ والنصيب، وفي هذا البيت إقواء وهو اختلاف حركة الرويّ.
[4] دخل على هذا البيت الخرم وهو سقوط حركة من أوّله.
/ لا
أعتق اللّه رقّي من صبابتكم ... ما ضرّني أنني صبّ بكم قلق
ضحكت عن مرهف الأنياب ذي أشر [1] ... لا قضم [2] في ثناياه ولا روق [3]
يتوق قلبي إليكم كي يلاقيكم ... كما يتوق إلى منجاته الغرق
غنّى ابن محرز في الثالث ثم السادس ثم الخامس ثم الثاني، ولحنه من القدر الأوسط من الثقيل الأوّل بالسبابة في مجرى الوسطى عن إسحاق، وللغريض في الرابع والثاني والثالث والسادس خفيف ثقيل بالبنصر عن عمرو، ولسلسل في الأوّل والثاني ثقيل أوّل مطلق عن الهشاميّ، ولابن سريج في الثاني والأوّل والرابع والخامس رمل بالخنصر في مجرى البنصر عن إسحاق، وللهذليّ في الثاني ثم الأوّل هزج عن الهشاميّ. وذكر حبش أن فيها لابن سريج ثاني ثقيل بالوسطى، ولابن محرز ثاني ثقيل آخر بالبنصر. وذكر الهشاميّ أن لابن سريج في الأبيات خفيف رمل.
وممّا يغنّي فيه من شعر الحارث بن خالد في عائشة بنت طلحة تصريحا وتعريضا ببسرة جاريتها:
صوت
يا ربع بسرة بالجناب تكلّم ... وأبن لنا خبرا ولا تستعجم
مالي رأيتك بعد أهلك موحشا ... خلقا كحوض الباقر [4] المتهدّم
/ تسبي الضجيع إذا النجوم تغوّرت ... طوع الضجيع أنيقة المتوسّم
قبّ [5] البطون أوانس مثل الدّمى ... يخلطن ذاك بعفّة وتكرّم
الغناء لمعبد خفيف رمل بإطلاق الوتر في مجرى الوسطى. والأبيات أكثر من هذه إلا أني اعتمدت على ما غنّي فيه.
ومنها صوت قد جمعت فيه عدّة طرائق وأصوات في أبيات من القصيدة:
أعرفت أطلال الرّسوم تنكّرت ... بعدي وبدّل آيهنّ دثورا [6]
وتبدّلت بعد الأنيس بأهلها ... عفرا [7] بواغم [8] يرتعين وعورا
__________
[1] الأشر: حدّة ورقة تكون في الأسنان.
[2] كذا في م، ح. والقضم (بفتحتين): انصداع في السن وقيل: تثلم وتكسر في أطراف الأسنان، وفي ء: «لا قصم» بالصاد المهملة والقصم (بفتحتين): انشقاق السن عرضا، يقال: قصمت سنه قصما أي انشقت عرضا، ورجل أقصم الثنايا إذا كان متكسرها من النصف، وفي ب، س: «مقضم» وهو مصدر ميميّ من قضمت الأسنان أي تكسرت وتفللت. وفي هذا الشطر «الطي» وهو هنا ذهاب الرابع الساكن من «مستفعلن» الأولى.
[3] الروق: أن تطول الثنايا العليا على السفلى، وهو عيب في الأسنان.
[4] الباقر: جماعة البقر.
[5] القبّ: جمع قبّاء وهي الدقيقة الخصر الضامرة البطن.
[6] دثر الرسم دثورا: درس وبلي.
[7] العفر جمع عفراء وهي من الظباء التي يعلو بياضها حمرة.
[8] يقال: بغمت الظبية بغوما وبغمت بغاما: صاحت إلى ولدها بأرخم ما يكون من صوتها فهي باغمة وبغوم.
من كلّ مصبية الحديث ترى لها ... كفلا كرابية الكثيب وثيرا
دع ذا ولكن هل رأيت ظعائنا ... قرّبن أجمالا لهنّ بكورا
قرّبن كلّ مخيّس [1] متحمّل [2] ... بزلا [3] تشبّه هامهنّ قبورا
يفتن لا يألون كلّ مغفّل ... يملأنه بحديثهنّ سرورا
يا دار حسّرها [4] البلى تحسيرا ... وسفت عليها الريح بعدك بورا
دقّ التراب نخيله فمخيّم ... بعراصها ومسيّر تسييرا
/ يا ربع بسرة إن أضرّ بك البلى ... فلقد عهدتك آهلا معمورا
/ عقب الرّذاذ خلافهم [5] فكأنّما ... بسط الشّواطب [6] بينهنّ حصيرا
إن يمس حبلك بعد طول تواصل ... خلقا ويصبح بينكم [7] مهجورا
فلقد أراني، والجديد إلى بلى ... زمنا بوصلك قانعا مسرورا
جذلا بمالي عندكم لا أبتغي ... للنفس غيرك خلّة وعشيرا
كنت المنى وأعزّ من وطىء الحصا ... عندي وكنت بذاك منك وجديرا
غنّى في الأوّل والثاني من هذه الأبيات معبد، ولحنه ثقيل أوّل بالبنصر عن عمرو، مطلق في مجرى الوسطى عن إسحاق، وللغريض فيه [8] ثقيل أوّل بالبنصر عن عمرو، ولإسحاق فيهما ثاني ثقيل، ولإبراهيم فيهما وفي الثالث خفيف ثقيل بالسبابة والوسطى عن ابن المكّيّ، وغنّى الغريض في الثالث والسادس والرابع والخامس ثاني ثقيل بإطلاق الوتر في مجرى الوسطى عن إسحاق، وغنّى معبد في السابع والثامن والعاشر خفيف ثقيل بالسبّابة والوسطى عن يحيى المكّيّ؛ وفيها ثاني ثقيل ينسب إلى طويس وابن مسجح وابن سريج، ولمالك في التاسع والعاشر والحادي عشر والثاني عشر خفيف ثقيل بالسبابة والوسطى عن يحيى المكيّ، وفيها بأعيانها/ لابن سريج رمل بالسبّابة والوسطى عن يحيى أيضا، وليحيى المكّيّ في الحادي عشر وما بعده إلى آخر الأبيات ثاني ثقيل، ولإبراهيم فيها بعينها ثقيل أوّل عن الهشاميّ، وفيها لإسحاق رمل، وفي الثالث والرابع لحن لخليدة المكّيّة خفيف رمل عن الهشاميّ أيضا.
__________
[1] المخيس: المذلل.
[2] كذا في ح، وفي سائر النسخ: «متجمل» بالجيم.
[3] البزل: جمع بازل وهو البعير الذي فطرنا به بدخوله في السنة التاسعة.
[4] حسرها: أضرّ بها وأذهب بهجتها.
[5] كذا ورد في «اللسان» في مادّة «عقب» ومادّة «خلف» غير أنه ورد في مادّة «خلف» هكذا: «عقب الربيع» فذكر «الربيع» بدل «الرذاذ». وفي الأصول: «عفت الرذاذ خلافه»، فالظاهر أن كلمة «عفت» محرّفة عن «عقب» و «خلافه» محرّفة عن «خلافهم».
وخلافهم: بعدهم. وفي «اللسان» أيضا «نشط» بدل «بسط».
[6] الشواطب: جمع شاطبة، والشاطبة من النساء: التي تشق الجريد لتعمل منه الحصير، قال مالك بن خالد:
إذا أدركوهم يلحفون سراتهم ... بضرب كما جدّ الحصير الشواطب
[7] كذا في الأصول والبين: الصلة والقرابة، ويحتمل أيضا أن يكون «بيتكم» بالتاء.
[8] كذا في جميع النسخ، والمناسب للسياق «فيهما» بالتثنية كما هو ظاهر.
ومنها من أبيات قالها بالشأم عند عبد الملك أوّلها:
هل تعرف الدار أضحت آيها عجما ... كالرّقّ [1] أجرى عليها حاذق قلما
بالخيف هاجت شؤونا [2] غير جامدة ... فانهلّت العين تذري واكفا سجما
دار لبسرة أمست ما تكلّمنا ... وقد أبنت لها لو تعرف الكلما
واها لبسرة لو يدنو الأمير بها ... يا ليت بسرة قد أمست لنا أمما [3]
صوت
حلّت بمكّة لا دار مصاقبة [4] ... هيهات جيرون [5] ممّن يسكن الحرما
يا بسر إنكم شطّ البعاد بكم ... فما تنيلوننا وصلا ولا نعما
غنّى في هذين البيتين الهذليّ ثاني ثقيل بالوسطى، وفيهما ليحيى المكّيّ ثقيل أوّل بالبنصر، جميعا من روايته:
قد قلت بالخيف إذ قالت لجارتها ... أدام وصل الذي أهدى لنا الكلما
صوت
لا يرغم اللّه أنفا أنت حامله ... بل أنف شانيك فيما سرّكم رغما
إن كان رابك شيء لست أعلمه ... منّي فهذي يميني بالرضا سلما [6]
/أو كنت أحببت شيئا مثل حبّكم ... فلا أرحت إذا أهلا ولا نعما
لا تكليني [7] إلى من ليس يرحمني ... وقاك من تبغضين الحتف والسّقما
إن الوشاة كثير إن أطعتهم ... لا يرقبون بنا إلّا [8] ولا ذمما
غنى ابن محرز في:
لا يرغم اللّه أنفا أنت حامله
__________
[1] الرقّ: الصحيفة البيضاء، وهو أيضا جلد رقيق يكتب فيه.
[2] الشؤون: الدموع.
[3] أمما: قريبة.
[4] مصاقبة: مقاربة.
[5] جيرون: بناء عند باب دمشق يقال: إن الجن بنته في عهد سليمان بن داود، وهو سقيفة مستطيلة على عمد وصقائف وحوله مدينة تطيف به، وذكروا أن اسم الشيطان الذي بناه «جيرون» فسمى به. وقيل: إن أوّل من بنى دمشق جيرون بن سعد بن عاد بن إرم بن سام بن نوح وبه سمي «باب جيرون» وسميت المدينة (إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ)
وفي ذلك أقوال كثيرة غير هذه. (راجع «معجم البلدان» لياقوت في اسم «جيرون»).
[6] السلم: الاسم من التسليم.
[7] في هذا البيت «الطيّ» وهو هنا حذف الرابع الساكن من «مستفعلن» الأولى.
[8] الإلّ: العهد.
خفيف ثقيل [1] بالبنصر، ولابن مسجح فيه ثاني ثقيل عن حبش؛ وفي:
لا تكليني إلى من ليس يرحمني
لابن محرز ثقيل أوّل بالبنصر عن حبش والهشاميّ.
أخر الصلاة لعائشة بنت طلحة فعزله عبد الملك ولامه فقال شعرا:
أخبرني محمد بن مزيد والحسين بن يحيى قالا أخبرنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه عن الزّبيريّ قال:
أذّن المؤذّن يوما وخرج الحارث بن خالد إلى الصلاة، فأرسلت إليه عائشة ابنة طلحة: إنه بقي عليّ شيء من طوافي لم أتمّه، فقعد وأمر المؤذّنين فكفّوا عن الإقامة وجعل الناس يصيحون حتى فرغت من طوافها، فبلغ ذلك عبد الملك بن مروان، فعزله وولّى مكّة عبد الرحمن بن عبد اللّه بن خالد بن أسيد، وكتب إلى الحارث:/ ويلك، أتركت الصلاة لعائشة بنت طلحة! فقال الحارث: واللّه لو لم تقض طوافها إلى الفجر لما كبّرت؛ وقال في ذلك:
لم أرحّب بأن سخطت ولكن ... مرحبا أن رضيت عنّا وأهلا
إنّ وجها رأيته ليلة البد ... ر عليه انثنى الجمال وحلّا
وجهها الوجه لو يسال [2] به المز ... ن من الحسن والجمال استهلّا
إن عند الطّواف حين أتته ... لجمالا فعما وخلقا رفلّا [3]
وكسين الجمال إن غبن عنها ... فإذا ما بدت لهنّ اضمحلّا
الغناء في شعره:
في شعر الحارث هذا غناء قد جمع كلّ ما في شعره منه على اختلاف طرائقه، وهو:
صوت
أثل جودي على المتيّم أثلا ... لا تزيدي فؤاده بك خبلا
أثل إني والراقصات [4] بجمع ... يتبارين في الأزمّة فتلا [5]
سانحات يقطعن من عرفات ... بين أيدي المطيّ حزنا وسهلا
والأكفّ المضمّرات على الرك ... ن بشعث سعوا إلى البيت رجلي [6]
لا أخون الصديق في السرّ حتى ... ينقل البحر بالغرابيل نقلا
أو تمرّ الجبال مرّ سحاب ... مرتق قد وعى من الماء ثقلا
__________
[1] في ب، س: «خفيف ثقيل رمل بالبنصر».
[2] يسال: يسأل سهلت همزته، وفي رواية ستأتي في ص 341 «وجهك البدر لو سألت إلخ».
[3] الفعم: الممتلىء المستوي؛ والرفل: الواسع.
[4] الراقصات: النوق المسرعات في سيرها، وجمع: المزدلفة وهو المشعر الحرام، سمي جمعا لاجتماع الناس فيه.
[5] فتلا: جمع فتلاء، وهي الناقة الثقيلة المتأطرة الرجلين، أو هي الناقة التي في ذراعيها «فتل» وهو تباعدهما عن الجنبين كأنهما فتلا.
[6] رجلي: ماشين على أرجلهم، جمع رجلان كعجلان وعجلي.
أنعم اللّه لي بذا الوجه عينا ... وبه مرحبا وأهلا وسهلا
/ حين قالت لا تفشينّ حديثي ... يابن عمّي أقسمت قلت أجل لا [1]
اتقي اللّه واقبلي العذر منّي ... وتجافي عن بعض ما كان زلّا
لا تصدّي فتقتليني ظلما ... ليس قتل المحبّ للحبّ حلّا
ما أكن سؤتكم به فلك العت ... بى لدينا وحقّ ذاك وقلّا
لم أرحّب بأن سخطت ولكن ... مرحبا أن رضيت عنّا وأهلا
/ إنّ شخصا رأيته ليلة البد ... ر عليه انثنى الجمال وحلّا
جعل اللّه كلّ أنثى فداء ... لك بل خدّها لرجلك نعلا
وجهك البدر لو سألت به المز ... ن من الحسن والجمال استهلّا
غنّى معبد في الأبيات الأربعة الأولى خفيف ثقيل بالوسطى عن عمرو، ولابن تيزن [2] في الأوّل والثاني ثقيل أوّل عن إسحاق، ولابن سريج في الأوّل والثاني والخامس ثقيل أوّل عن الهشاميّ، وللغريض في الخامس إلى الثامن خفيف ثقيل بالوسطى عن عمرو، ولد حمان في التاسع والعاشر والثالث عشر والرابع عشر خفيف ثقيل بالبنصر عن عمرو، ولمالك في التاسع إلى آخر الثاني عشر لحن ذكره يونس ولم يجنّسه، ولابن سريج في هذه الأبيات بعينها رمل بالوسطى عن عمرو، وللغريض فيها أيضا خفيف رمل بالبنصر عن ابن المكيّ، ولابن عائشة في الخامس إلى آخر الثامن لحن ذكره حمّاد عن أبيه ولم يذكر طريقته.
/ ومنها:
صوت
أحقّا أن جيرتنا استحبّوا ... حزون الأرض بالبلد السّخاخ [3]
إلى عقر الأباطح من ثبير [4] ... إلى ثور [5] فمدفع [6] ذي مراخ [7]
فتلك ديارهم لم يبق فيها ... سوى طلل المعرّس والمناخ
وقد تغنى [8] بها في الدار حور ... نواعم في المجاسد [9] كالإراخ [10]
__________
[1] هكذا في ح وهو الصواب، وفي سائر النسخ: «أجلا»، وهي «لا» وصلت خطأ «بأجل». والمعنى. «نعم لا أفشي».
[2] في ب، س، ح: «ابن بيزن». وفي سائر النسخ: «ابن بيزق» (انظر حاشية 2 ص 283 من الجزء الأول من هذه الطبعة).
[3] السخاخ: الأرض اللينة الحرّة.
[4] ثبير: جبل بمكة.
[5] ثور: جبل بمكة.
[6] المدفع: أحد مدافع المياه التي تجري فيها.
[7] ذو مراخ: موضع قريب من المزدلفة، وقيل: هو من بطن كساب جبل بمكة.
[8] تغنى: تقيم، من غنى الرجل بالمكان إذا أقام.
[9] المجاسد: جمع مجسد وهو القميص الذي يلي البدن.
[10] الإراخ: بقر الوحش.
غنّي في هذه الأبيات الغريض، ولحنه من الثقيل الأوّل بالوسطى عن الهشاميّ.
جزعت سوداء لموت ابن أبي ربيعة فلما سمعت شعر الحارث طابت به نفسا:
وأخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدّثنا عبد اللّه بن محمد قال أخبرني محمد بن سلّام قال:
كانت سوداء بالمدينة مشغوفة بشعر عمر بن أبي ربيعة، وكانت من مولّدات مكّة، فلما ورد على أهل المدينة نعي عمر بن أبي ربيعة أكبروا ذلك واشتدّ عليهم، وكانت السوداء أشدّهم حزنا وتسلّبا [1] وجعلت لا تمرّ بسكّة من سكك المدينة إلا ندبته، فلقيها بعض فتيان مكّة، فقال لها: خفّضي عليك، فقد نشأ ابن عمّ له يشبه شعره شعره، فقالت: أنشدني بعضه، فأنشدها قوله:
إني وما نحروا غداة منى ... عند الجمار تؤودها العقل
الأبيات كلّها، قال: فجعلت تمسح عينيها من الدموع وتقول: الحمد للّه الذي لم يضيّع حرمه.
ناضل سليمان بن عبد الملك بينه وبين رجل من أخواله:
أخبرني اليزيديّ قال حدّثني عمّي (جدّ عبيد اللّه) عن ابن حبيب عن ابن الأعرابيّ قال:
ناضل [2] سليمان بن عبد الملك بين الحارث وبين رجل من أخواله من بني عبس، فرمى [3] [الحارث بن] خالد فأخطأ ورمى العبسيّ فأصاب، فقال:
أنا نضلت [4] الحارث بن خالد
ثم رمى العبسيّ فأخطأ ورمى الحارث فأصاب، فقال الحارث:
حسبت نضل الحارث بن خالد
ورميا فأخطأ العبسيّ وأصاب الحارث، فقال الحارث:
مشيك بين الزّرب [5] والمرابد [6]
ورميا فأخطأ العبسيّ وأصاب الحارث، فقال الحارث:
وإنك الناقص غير الزائد
فقال سليمان:/ أقسمت عليك يا حارث إلّا كففت عن القول والرّمي فكفّ.
__________
[1] التسلب: حداد المرأة على زوجها، وقد يكون على غير الزوج، وهو أيضا لبس المحدّ ثياب الحداد السود.
[2] يقال: ناضله مناضلة ونضالا ونيضالا فنضله: باراه في رمي السهام فغلبه، والمعنى المراد هنا أنه جعلهما يتباريان في الرمي بالسهام.
[3] في جميع الأصول «فرمى خالد» والصواب ما أثبتناه.
[4] كذا في ح وهامش ب بخط الشيخ الشنقيطي وهو الصواب، وفي س: «أناضلت» وهو تحريف.
[5] الزرب (بفتح الزاي وكسرها): موضع الغنم.
[6] المرابد: محابس الإبل، واحدها «مربد» (بكسر الميم).
37 - أخبار الابجر ونسبه
اسم الأبجر ولقبه وولاؤه:
الأبجر لقب غلب عليه، واسمه عبيد اللّه بن القاسم بن ضبية [1]، ويكنى أبا طالب، هكذا روى محمد بن عبد اللّه بن مالك عن إسحاق، وروى هارون بن الزيّات عن حمّاد عن أبيه: أن اسمه محمد بن القاسم بن ضبية، وهو مولى لكنانة ثم لبني بكر، ويقال: إنه مولى لبني ليث.
نشأته:
أخبرني عمّي قال حدّثني عبد اللّه بن أبي سعد قال حدّثنا محمد بن عبد اللّه بن مالك وأخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا ابن مهرويه وهارون بن الزّيات قالا [2] حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد عن محمد بن عبد اللّه بن مالك قال:
كنا يوما جلوسا عند إسحاق، فغنّتنا جارية يقال لها «سمحة»:
إنّ العيون التي في طرفها مرض [3] ... قتلننا ثم لم يحيين قتلانا
فهبت إسحاق أن أسأله لمن الغناء، فقلت لبعض من كان معنا: سله، فسأله فقال له إسحاق: ما كان عهدي بك في شبيبتك لتسألنا عن هذا، فقال: أحببته لمّا أسننت، فقال: لا ولكنّ هذا النّقب عمل هذا اللّص، وضرب بيده إلى/ تلابيبي، فقال له الرجل: صدقت يا أبا محمد، فأقبل عليّ فقال لي: ألم أقل لك إذا اشتهيت شيئا فسل عنه، أما لأعطينّك فيه ما تعابي [4] به من شئت منهم، أتدري لمن الشعر؟ فقلت: لجرير، فقال لي: والغناء للأبجر، وكان مدنيّا منشؤه بمكّة، أو مكيّا منشؤه بالمدينة، أتدري ما اسمه؟ قلت: لا، قال: اسمه عبيد اللّه بن القاسم بن ضبية، أتدري ما كنيته؟ قلت: لا، قال: أبو طالب، ثم قال: اذهب فعاي بهذا من شئت منهم فإنك تظفر به.
كان ولاؤه لبني كنانة وقيل لبني ليث وكان يلقب بالحسحاس:
وقال هارون: حدّثني حمّاد عن أبيه قال: الأبجر اسمه محمد بن القاسم بن ضبية وقال مرّة أخرى:
عبيد اللّه بن القاسم، مولى لبني بكر بن كنانة، وقيل: إنه مولى لبني ليث، يلقّب بالحسحاس.
ظرفه وحسن لباسه وفرسه ومركبه:
قال هارون: وحدّثني حماد عن أبيه قال حدّثني عورك اللّهبيّ قال:
__________
[1] كذا ورد هذا الاسم في هذا الموضع في جميع الأصول ولم نعثر على من تسمى بهذا الاسم، وقد ورد في ح في هذا الموضع هكذا: «ضيبة» وفيما سيأتي: «القاسم بن ضبة». وفي «نهاية الأرب» ج 4 ص 314 طبع دار الكتب المصرية «منبّه».
[2] في الأصول «قال» والسياق يقتضي ما أثبتناه.
[3] فيء، ح: «حور».
[4] عايا صاحبه معاياة: ألقى عليه كلاما لا يهتدي لوجهه.
لم يكن بمكّة أحد أظرف ولا أسرى ولا أحسن هيئة من الأبجر، كانت حلّته بمائة دينار وفرسه بمائة دينار ومركبه بمائة دينار، وكان يقف بين المأزمين [1] فيرفع صوته فيقف الناس له يركب بعضهم بعضا.
احتكم على الوليد بن يزيد في الغناء فأمضى حكمه:
أخبرني عليّ بن عبد العزيز الكاتب عن [عبيد اللّه [2] بن] عبد اللّه بن خرداذبه عن إسحاق، وأخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه، قالا [3]:
/جلس الأبجر في ليلة اليوم السابع من أيام الحجّ على قريب من التّنعيم [4] فإذا عسكر جرّار قد أقبل في آخر الليل، وفيه دوابّ تجنب وفيها فرس أدهم عليه سرج حليته ذهب فاندفع، فغنّى:
عرفت ديار الحيّ خالية قفرا ... كأن بها لمّا توهمتها سطرا
فلما سمعه من في القباب والمحامل أمسكوا، وصاح صائح: ويحك! أعد الصوت، فقال: لا واللّه! إلا بالفرس الأدهم بسرجه ولجامه وأربعمائة دينار، فإذا الوليد بن يزيد صاحب/ الإبل، فنودي: أين منزلك ومن أنت؟
فقال: أنا الأبجر ومنزلي على باب زقاق الخرّازين، فغدا عليه رسول الوليد بذلك الفرس وأربعمائة دينار وتخت من ثياب وشى وغير ذلك، ثم أتى به الوليد فأقام عنده، وراح مع [5] أصحابه عشيّة التّروية [6] وهو أحسنهم هيئة، وخرج معه أو بعده إلى الشأم.
خرج معه إلى الشأم:
قال إسحاق: وحدّثني عورك اللّهبيّ أن خروجه كان معه، وذلك في ولاية محمد بن هشام بن إسماعيل مكّة، وفي تلك السنة حجّ الوليد، لأن هشاما أمره بذلك ليهتكه عند أهل الحرم، فيجد السبيل إلى خلعه، فظهر منه أكثر مما أراد به من التّشاغل بالمغنّين واللهو، وأقبل الأبجر معه حتى قتل الوليد، ثم خرج إلى مصر فمات بها.
نسبة الصوت المذكور في هذا الخبر
صوت
عرفت ديار الحيّ خالية قفرا ... كأنّ بها لمّا توهّمتها سطرا
وقفت بها كيما تردّ جوابها ... فما بيّنت لي الدار عن أهلها خبرا
الغناء لأبي عبّاد ثقيل أوّل بالبنصر عن عمرو، وفيه لسياط خفيف رمل بالبنصر.
__________
[1] المأزمان كما في ياقوت: جبلا مكة؛ وقال أهل اللغة: هما مضيقا جبلين؛ وقيل: هو اسم موضع بمكة بين المشعر الحرام وعرفة، وفي ذلك أقوال غير هذه.
[2] الزيادة عن كتابه «المسالك والممالك».
[3] في جميع الأصول: «قال» بالإفراد.
[4] التنعيم: موضع بمكة في الحل، وهو بين مكة وسرف على فرسخين من مكة وقيل على أربعة، وسمى بذلك لأن جبلا عن يمينه يقال له نعيم وآخر عن شماله يقال له ناعم.
[5] في ء: «إلى».
[6] عشيّة التروية: عشية اليوم الثامن من ذي الحجة.
أخذ صوتا من الغريض فأكره عطاء بن أبي رباح على سماعه:
قال إسحاق: وحدّثت أنّ الأبجر أخذ صوتا من الغريض ليلا ثم دخل في الطواف حين أصبح، فرأى عطاء بن أبي رباح يطوف بالبيت، فقال: يا أبا محمد، اسمع صوتا أخذته في هذه الليلة من الغريض؛ قال له: ويحك! أفي هذا الموضع! فقال: كفرت بربّ هذا البيت لئن لم تسمعه منّي سرّا لأجهرنّ به؛ فقال: هاته، فغنّاه:
[صوت] [1]
عوجي علينا ربّة الهودج ... إنّك إلّا تفعلي تحرجي [2]
إنّي أتيحت لي يمانية ... إحدى بني الحارث من مذحج
نلبث حولا كاملا كلّه ... لا نلتقي إلا على منهج
في الحجّ إن حجّت وماذا منى ... وأهله إن هي لم تحجج
فقال له عطاء: الخير الكثير واللّه في منى وأهله حجّت أو لم تحجّ، فاذهب الآن. وقد مرّت نسبة هذا الصوت وخبره في أخبار العرجيّ والغريض.
ختن عطاء بنيه فاختلف إليهم ثلاثة أيام يغني لهم:
قال إسحاق: وذكر عمرو بن الحارث عن عبد اللّه [3] بن عبيد بن عمير قال: ختن عطاء بن أبي رباح بنيه أو بني أخيه، فكان الأبجر يختلف إليهم ثلاثة أيام يغنّي لهم.
نازع ابن عائشة في الغناء فتشاتما:
قال هارون بن محمد حدّثني حمّاد بن إسحاق قال نسخت من كتاب ابن أبي نجيح [4] بخطّه: حدّثني غرير بن طلحة الأرقميّ عن يحيى بن عمران عن عمر بن حفص بن أبي كلاب قال:
كان الأبجر مولانا وكان مكّيّا، فكان إذا قدم المدينة نزل علينا، فقال لنا يوما: أسمعوني غناء ابن عائشتيكم هذا، فأرسلنا فيه فجمعنا بينهما في بيت ابن هبّار فتغنّى ابن عائشة، فقال الأبجر: كلّ مملوك لي حرّ إن تغنّيت معك إلّا بنصف صوتي، ثم أدخل إصبعه في شدقه فتغنّى، فسمع صوته من في السّوق فحشر الناس علينا، فلم يفترقا حتى تشاتما؛ قال: وكان ابن عائشة حديدا [5] جاهلا.
غنى الوليد وقد عرف سرّه من خادمه فنشط له:
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا ابن مهرويه قال وحدّثني ابن أبي سعد قال حدّثني القطرانيّ المغنّي عن محمد/ بن جبر عن إبراهيم بن المهديّ قال حدّثني ابن أشعب عن أبيه قال:
__________
[1] الزيادة عن ح.
[2] تحرجي: تأثمي.
[3] في أ، م، ء: «عن عبد اللّه بن عمر».
[4] في ح: «ابن أبي نجاح» وقد سموا «نجيحا» (كأمير وزبير) ونجاحا.
[5] الحديد: الحادّ في الغضب، والجاهل: ضد الحليم.
دعي ذات يوم المغنّون للوليد بن يزيد، وكنت نازلا معهم، فقلت للرسول: خذني فيهم؛ قال: لم أومر بذلك وإنما أمرت بإحضار المغنّين وأنت بطّال [1] لا تدخل في جملتهم؛ فقلت: أنا واللّه أحسن غناء منهم، ثم اندفعت فغنّيته؛ فقال: لقد سمعت حسنا ولكنّي أخاف؛ فقلت: لا خوف عليك، ولك مع هذا شرط، قال: وما هو؟
/ قلت: كلّ ما أصبته فلك شطره؛ فقال للجماعة: اشهدوا عليه، فشهدوا، ومضينا فدخلنا على الوليد وهو لقس [2] النفس، فغنّاه المغنّون في كل فنّ من خفيف وثقيل، فلم يتحرّك ولا نشط، فقام الأبجر إلى الخلاء، وكان خبيثا داهيا، فسأل الخادم عن خبره، وبأيّ سبب هو خاثر [3]؟ فقال: بينه وبين امرأته شرّ، لأنه عشق أختها فغضبت عليه فهو إلى أختها أميل، وقد عزم على طلاقها وحلف لها ألّا يذكرها أبدا بمراسلة ولا مخاطبة، وخرج على هذا الحال من عندها؛ فعاد الأبجر إلينا وما حلس حتى اندفع فغنّى:
صوت
فبيني فإنّي لا أبالي وأيقني ... أصعّد باقي حبّكم أم تصوّبا
ألم تعلمي أنّي عزوف عن الهوى ... إذا صاحبي من غير شيء تغضّبا
فطرب الوليد وارتاح وقال: أصبت يا عبيد واللّه ما في نفسي، وأمر له بعشرة آلاف درهم وشرب حتى سكر، ولم يحظ بشيء أحد سوى الأبجر، فلما أيقنت بانقضاء المجلس وثبت فقلت: إن رأيت يا أمير المؤمنين أن تأمر من يضربني مائة الساعة بحضرتك! فضحك وقال: قبّحك اللّه! وما السبب في ذلك؟ فأخبرته بقصتي مع الرسول وقلت:
إنه بدأني من المكروه في أوّل يومه بما اتصل عليّ إلى آخره، فأريد أن أضرب مائة ويضرب بعدي مثلها، فقال له:
لقد لطفت، أعطوه مائة دينار وأعطوا الرسول خمسين دينارا من مالنا عوضا عن الخمسين التي أراد أن يأخذها؛ فقبضتها وما حظي أحد بشيء غيري وغير الرسول. والشعر الذي غنّى فيه الأبجر الوليد بن يزيد لعبد الرحمن بن الحكم أخي مروان بن الحكم، والغناء للأبجر ثقيل أوّل بالخنصر في مجرى الوسطى عن إسحاق. وفيه لغيره عدّة ألحان نسبت.
صوت من المائة المختارة من رواية جحظة
حمزة المبتاع بالمال الثّنا ... ويرى في بيعه أن قد غبن
فهو إن أعطى عطاء فاضلا ... ذا إخاء لم يكدّره بمنّ
وإذا ما سنة مجدبة ... برت الناس كبري بالسّفن [4]
__________
[1] البطال: الذي يهزل في حديثه.
[2] لقس النفس: وصف من لقست نفسه إذا غثت وخبثت.
[3] الخاثر: الذي غثت نفسه.
[4] السفن (بالتحريك): كل ما يبري وينحت به، قال زهير:
ضربا كنحت جذوع الأثل بالسفن
كان للناس ربيعا مغدقا ... ساقط الأكناف إن راح أرجحنّ [1]
نور شرق بيّن في وجهه ... لم يصب أثوابه لون الدّرن
عروضه من الرمل. الشعر لموسى شهوات. والغناء لمعبد خفيف ثقيل أوّل بإطلاق الوتر في مجرى البنصر عن إسحاق.
__________
[1] ارجحنّ: مال واهتز.
38 - أخبار موسى شهوات ونسبه وخبره في هذا الشعر
نسبه وسبب لقبه:
هو موسى بن يسار [1] مولى قريش، ويختلف في ولائه فيقال: إنه مولى بني سهم، ويقال: مولى بني تيم بن مرّة، ويقال: مولى بني عديّ بن كعب؛ ويكنى أبا محمد، وشهوات لقب غلب عليه.
وحدّثني أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ قال حدّثنا عمر بن شبّة قال:
إنما لقّب موسى شهوات لأنه كان سؤولا ملحفا، فكان كلّما رأى مع أحد شيئا يعجبه من مال أو متاع أو ثوب أو فرس [2]، تباكى، فإذا قيل له: ما لك؟ قال: أشتهي هذا؛ فسمّي موسى شهوات. قال: وذكر آخرون أنه كان من أهل أذربيجان وأنه نشأ بالمدينة وكان يجلب إليه القند [3] والسكّر، فقالت له امرأة من أهله: ما يزال موسى يجيئنا بالشهوات؛ فغلبت عليه.
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال:
كان محمد بن يحيى يقول: موسى شهوات مولى بني عديّ بن كعب، وليس ذاك بصحيح، هو مولى تيم بن مرّة. وذكر عبد اللّه بن شبيب عن الحزاميّ: أنه مولى بني سهم.
/ وأخبرني وكيع عن أحمد بن أبي خيثمة عن مصعب ومحمد بن سلّام قال: موسى شهوات مولى بني سهم.
عشق جارية فأعطى بها عشرة آلاف درهم:
وأخبرني محمد بن الحسن [4] بن دريد قال حدّثنا أبو حاتم عن أبي عبيدة قال:
هوي موسى شهوات جارية بالمدينة فاستهيم بها وساوم مولاها فيها فاستام [5] بها عشرة آلاف درهم، فجمع كلّ ما يملكه واستماح إخوانه فبلغ أربعة آلاف درهم، فأتى إلى سعيد بن خالد العثمانيّ فأخبره بحاله واستعان به، وكان صديقه وأوثق الناس عنده، فدافعه [6] واعتلّ عليه فخرج من عنده؛ فلما ولّى تمثّل سعيد قول الشاعر:
كتبت إليّ تستهدي الجواري ... لقد أنعظت من بلد بعيد
__________
[1] كذا في «شرح القاموس» مادة (شهو) وقد صححه على هامش نسخته كذلك الأستاذ الشيخ محمد بن محمود الشنقيطي، وفي الأصول: «بشار» وهو تحريف.
[2] في ح «فرش» بالشين المعجمة.
[3] القند: عسل تصب السكر إذا جمد.
[4] كذا في س، وهو الصواب، وفي باقي الأصول: «الحسين».
[5] الاستيام بالشي ء: ذكر ثمنه، تقول: استمت عليه بسلعتي إذا كنت أنت تذكر ثمنها، وتقول: استام مني بسلعتي إذا كان هو العارض عليك الثمن.
[6] دافعه: ماطله.
أتى سعيد بن خالد بن عبد اللّه بن أسيد يستعينه في ثمن الجارية فأعانه فمدحه:
فأتى سعيد بن خالد بن عبد اللّه بن خالد بن أسيد فأخبره بقصّته فأمر له بستة آلاف درهم، فلما قبضها ونهض قال له: اجلس، إذا ابتعتها بهذا المال وقد أنفدت كلّ ما تملك فبأيّ حال تعيشان! ثم دفع إليه ألفي درهم وكسوة وطيبا، وقال: أصلح بهذا شأنكما؛ فقال فيه:
أبا خالد أعني سعيد بن خالد ... أخا العرف لا أعني ابن بنت سعيد
ولكنّني أعني ابن عائشة الذي ... أبو أبويه خالد بن أسيد
عقيد [1] الندى ما عاش يرضى به النّدى ... فإن مات لم يرض النّدى بعقيد
دعوه دعوه إنكم قد رقدتم ... وما هو عن أحسابكم برقود
قتلت أناسا هكذا في جلودهم ... من الغيظ لم تقتلهم بحديد
رأى سعيد بن خالد العثماني في مدحه لسميه الذي أعانه هجوا له فشكاه:
قال: فشكاه العثمانيّ إلى سليمان بن عبد الملك، فأحصر موسى وقال له: يا عاضّ كذا وكذا، أتهجو سعيد بن خالد! فقال: واللّه يا أمير المؤمنين ما هجوته ولكنّي مدحت ابن عمّه فغضب هو، ثم أخبره بالقصّة؛ فقال للعثمانيّ: قد صدق، إنما نسب من مدحه إلى أبيه ليعرف. قال: وكان سليمان إذا نظر إلى سعيد بن خالد بن عبد اللّه يقول: لعمري واللّه ما أنت عن أحسابنا برقود.
وأخبرني محمد بن عبد اللّه اليزيديّ قال حدّثنا سليمان بن أبي شيخ/ قال حدّثنا مصعب بن عبد اللّه بهذا الحديث فذكر نحو ما ذكره أبو عبيدة وقال فيه:
وكان سعيد بن خالد هذا تأخذه الموتة [2] في كلّ سنة، فأرادوا علاجه، فتكلّمت صاحبته على لسانه وقالت:
أنا كريمة بنت ملحان سيّد الجنّ، وإن عالجتموه قتلتموه، فو اللّه لو وجدت أكرم منه لهويته.
أخبرني وكيع عن أبي حمزة أنس بن خالد الأنصاريّ عن قبيصة بن عمر بن حفص المهلّبيّ عن أبي عبيدة قال حدّثني الحارث بن سليمان الهجيميّ [3]، - وهو أبو خالد بن الحارث المحدّث - قال: وكان عنده رؤبة بن العجّاج، قال:
شهدت مجلس أمير المؤمنين سليمان بن عبد الملك وأتاه سعيد بن خالد بن عمرو بن عثمان بن عفّان، فقال:
يا أمير المؤمنين، أتيتك مستعديا، قال: ومن بك؟ قال: موسى شهوات، قال: وماله؟ قال: سمّع [4] بي واستطال في عرضي، فقال: يا غلام،/ عليّ بموسى فأتني به فأتي به، فقال: ويلك! أسمّعت به واستطلت في عرضه؟ قال:
ما فعلت يا أمير المؤمنين ولكنّي مدحت ابن عمّه فغضب هو، قال: وكيف ذلك؟ قال: علقت جارية لم يبلغ ثمنها
__________
[1] عقيد الندى: الكريم بطبعه.
[2] الموتة: ضرب من الجنون والصرع يعتري الإنسان فإذا أفاق عاد إليه كمال عقله كالنائم والسكران.
[3] كذا في «الخلاصة في أسماء الرجال» في اسم خالد بن الحارث، وفي ب، س: «الجهيمي» بتقديم الجيم على الهاء، وفي سائر النسخ «المجيمي» وكلاهما تحريف.
[4] سمع به في الناس: شهّره وفضحه.
جدتي [1]، فأتيته وهو صديقي فشكوت إليه ذلك، فلم أصب عنده شيئا، فأتيت ابن عمّه سعيد بن خالد بن عبد اللّه بن خالد بن أسيد فشكوت إليه ما شكوته إلى هذا، فقال: تعود إليّ، فتركته ثلاثا ثم أتيته فسهّل من إذني، فلما استقرّ بي المجلس قال: يا غلام، قل لقيّمتي: هاتي وديعتي، ففتح بابا بين بيتين وإذا بجارية، فقال لي: أهذه بغيتك [2]؟ قلت: نعم فداك أبي وأمّي! قال: اجلس ثم قال: يا غلام، قل لقيّمتي: هاتي ظبية [3] نفقتي، فأتي بظبية فنثرت بين يديه فإذا فيها مائة دينار ليس فيها غيرها فردّت في الظّبية، ثم قال: عتيدة [4] طيبي، فأتي بها، فقال:
ملحفة [5] فراشي، فأتي بها، فصيّر ما في الظبية وما في العتيدة في حواشي الملحفة، ثم قال: شأنك بهواك واستعن بهذا عليه؛ فقال له سليمان بن عبد الملك: فذلك حين تقول ماذا؟ قال: قلت:
ذكر طائفة من أبيات القصيدة التي مدح بها سعيد بن خالد:
أنا خالد أعني سعيد بن خالد ... أخا العرف لا أعني ابن بنت سعيد
ولكنني أعني ابن عائشة الذي ... أبو أبويه خالد بن أسيد
عقيد الندى ما عاش يرضى به الندى ... فإن مات لم يرض الندى بعقيد
دعوه دعوه إنكم قد رقدتم ... وما هو عن أحسابكم برقود
فقال سليمان: عليّ يا غلام بسعيد بن خالد، فأتي به، فقال: أحقّ ما وصفك به موسى؟ قال: وما ذاك يا أمير المؤمنين؟ فأعاد عليه، فقال: قد كان ذلك/ يا أمير المؤمنين، قال: فما طوّقتك هذه الأفعال؟ قال: دين ثلاثين ألف دينار؛ فقال له: قد أمرت لك بمثلها وبمثلها وبمثلها وبثلث مثلها، فحملت إليه مائة ألف دينار؛ قال:
فلقيت سعيد بن خالد بعد ذلك فقلت له: ما فعل المال الذي وصلك به سليمان؟ قال: ما أصبحت واللّه أملك منه إلا خمسين دينارا؛ قلت: ما اغتاله؟ قال: خلّة [6] من صديق أو فاقة من ذي رحم.
أخبرني وكيع قال حدّثنا أحمد بن أبي خيثمة عن مصعب الزبيريّ ومحمد بن سلّام قال:
عشق موسى شهوات جارية [7] بالمدينة فأعطى بها عشرة آلاف درهم؛ ثم ذكر باقي الحديث مثل حديث سليمان بن أبي شيخ؛ وقال/ وفيه: أما واللّه لئن مدحته وهو سميّك وأبوه سميّ أبيك ولم أفرّق بينكما ليقولن للناس:
أهذا أم هذا، ولكن واللّه لأقولنّ قولا لا يشكّ فيه. وتمام هذه الأبيات التي مدح بها سعيدا بعد الأربعة المذكورة منها:
فدى للكريم العبشميّ ابن خالد ... بنيّ ومالي طارفي وتليدي
على وجهه تلقى الأيامن واسمه ... وكلّ جواري طيره بسعود
__________
[1] الجدة: اليسار والسعة.
[2] البغية (بكسر الباء وضمها): ما ابتغى، يقال: فلان بغيتي وعند فلان بغيتي أي طلبتي.
[3] الظبية: حراب صغير من جلد ظبي.
[4] العتيدة: الحقة يكون فيها طيب الرحل أو العروس.
[5] الملحفة: الملاءة.
[6] الخلة: الحاجة والفقر.
[7] في ح: «مغنية».
أبان وما استغنى عن الثّدي خيره ... أبان به في المهد قبل قعود
دعوه دعوه إنكم قد رقدتم ... وما هو عن أحسابكم برقود
ترى الجند والجنّاب [1] يغشون بابه ... بحاجاتهم من سيّد ومسود
فيعطي ولا يعطى ويغشى ويجتدى ... وما بابه للمجتدي بسديد
/ قتلت أناسا هكذا في جلودهم ... من الغيظ لم تقتلهم بحديد
يعيشون ما عاشوا بغيظ وإن تحن ... مناياهم يوما تحن بحقود
فقل لبغاة العرف قد مات خالد ... ومات الندى إلا فضول سعيد
قال وكيع في خبره: أمّا قوله: «لا أعني ابن بنت سعيد» فإنّ أمّ سعيد بن خالد بن عمرو بن عثمان آمنة بنت سعيد بن العاصي، وعائشة أمّ عقيد الندى بنت عبد اللّه بن خلف الخزاعيّة أخت طلحة الطّلحات، وأمّها صفيّة بنت الحارث بن طلحة بن أبي طلحة من بني عبد الدار بن قصيّ، وأمّ أبي [2] عقيد الندى رملة بنت معاوية بن أبي سفيان.
أخبرنا أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ وحبيب بن نصر المهلبيّ قالا حدّثنا عمر بن شبّة قال:
لما أنشد موسى شهوات سليمان بن عبد الملك شعره في سعيد بن خالد قال له: اتّفق اسماهما واسما أبويهما، فتخوّفت أن يذهب شعري باطلا ففرّقت بينهما بأمّهما، فأغضبه أن مدحت ابن عمّه، فقال له سليمان: بلى واللّه لقد هجوته وما خفي عليّ ولكني لا أجد إليك سبيلا، فأطلقه.
عمل شعرا في مدح حمزة بن عبد اللّه بن الزبير وقبل معبد أن يغنيه له ويكون عطاؤه بينهما:
أخبرني وكيع قال حدّثني أحمد بن زهير قال حدّثنا محمد بن سلّام قال حدّثنا محمد بن مسلمة الثقفيّ قال:
قال موسى شهوات لمعبد: أأمدح حمزة بن عبد اللّه بن الزبير بأبيات وتغنّي فيها ويكون ما يعطينا بيني وبينك؟
قال: نعم؛ فقال موسى:
/حمزة المبتاع بالمال الثّنا ... ويرى في بيعه أن قد غبن
فهو إن أعطى عطاء فاضلا ... ذا إخاء لم يكدّره بمنّ
وإذا ما سنة مجحفة ... برت الناس كبري بالسّفن
حسرت [3] عنه نقيّا عرضه ... ذا بلاء عند مخناها [4] حسن
نور صدق بين في وجهه ... لم يدنّس ثوبه لون الدّرن
كنت للناس ربيعا مغدقا ... ساقط الأكناف إن راح ارجحنّ
__________
[1] الجناب: جمع جانب وهو الغريب.
[2] كذا صححه الأستاذ الشنقيطي بهامش نسخته، وفي الأصول: «و أم ابن عقيد الندى».
[3] حسرت: كشفت.
[4] مخناها: مصدر ميميّ من أخنى أي أهلك.
قال أحمد بن زهير: وأوّل هذه القصيدة عن غير ابن سلّام:
شاقني اليوم حبيب قد ظعن ... ففؤادي مستهام مرتهن
/ إنّ هندا تيمتني حقبة ... ثم بانت وهي للنفس شجن
فتنة ألحقها اللّه بنا ... عائذ باللّه من شرّ الفتن
عارض فاطمة بنت الحسين لما زفت إلى عبد اللّه بن عمرو بشعر فأجيز:
أخبرني حبيب بن نصر المهلّبي قال حدّثنا عمر بن شبّة قال أخبرني الطّلحي قال أخبرني عبد الرحمن بن حمّاد عن عمران بن موسى بن طلحة قال:
لما زفّت فاطمة بنت الحسين رضوان اللّه عليه إلى عبد اللّه بن عمرو بن عثمان بن عفّان، عارضها [1] موسى شهوات:
طلحة الخير جدّكم ... ولخير الفواطم
أنت للطاهرات من ... فرع تيم وهاشم
أرتجيكم لنفعكم ... ولدفع المظالم
فأمر له بكسوة ودنانير وطيب.
هجا داود بن سليمان لما تزوّج فاطمة بنت عبد الملك:
قال حدّثنا الكرانيّ قال حدّثنا العنزيّ عن العتبيّ قال:
كانت فاطمة بنت عبد الملك بن مروان تحت عمر بن عبد العزيز، فلما مات عنها تزوّجها داود بن سليمان بن مروان وكان قبيح الوجه، فقال في ذلك موسى شهوات:
أبعد الأغرّ ابن عبد العزيز ... قريع [2] قريش إذا يذكر
تزوّجت داود مختارة ... ألا ذلك الخلف الأعور [3]
فكانت إذا سخطت عليه تقول: صدق واللّه موسى، إنك لأنت الخلف الأعور، فيشتمه داود.
مدح يزيد بن خالد بن يزيد بن معاوية فأجازه:
أخبرني عمّي قال حدّثنا الكرانيّ قال حدّثنا العمريّ عن لقيط قال:
أقام موسى شهوات ليزيد بن خالد بن يزيد بن معاوية على بابه بدمشق، وكان فتى جوادا سمحا، فلما ركب وثب إليه فأخذ بعنان دابّته، ثم قال:
قم فصوّت إذا أتيت دمشقا: ... يا يزيد بن خالد بن يزيد
__________
[1] كذا في الأصول، والمراد أنه اعترضها في سيرها ومدحها بهذا الشعر.
[2] القريع: السيد والرئيس، يقال: فلان قريع الكتيبة أي رئيسها.
[3] الأعور: الرديء من كل شيء، ويقال على الضعيف الجبان البليد الذي لا خير فيه.
يا يزيد بن خالد إن تجبني ... يلقني طائري بنجم السّعود
فأمر له بخمسة آلاف درهم وكسوة، وقال له: كلما شئت فنادنا نجبك.
تزوّج بنت داود ابن أبي حميدة فلما سئل عن جلوتها قال شعرا:
أخبرنا وكيع قال حدّثني أحمد بن زهير قال حدّثنا مصعب الزّبيريّ قال:
زوّج موسى شهوات بنت مولى لمعن بن عبد الرحمن بن عوف يقال له: داود بن أبي حميدة، فلما جليت [1] عليه قال داود: ما للجلوة؟ فأنشأ يقول:
/تقول لي النساء غداة تجلى ... حميدة يا فتى للجلاء
فقلت لهم سمرقند [2] وبلخ [3] ... وما بالصين من نعم [4] وشاء [5]
أبوها حاتم إن سيل خيرا ... وليث كريهة عند اللقاء
هجا أبا بكر بن عبد الرحمن حين حكم عليه ومدح سعيد بن سليمان:
أخبرني وكيع قال حدّثنا أحمد بن زهير قال حدّثنا مصعب قال:
قضى أبو بكر بن عبد الرحمن بن أبي سفيان بن حويطب على موسى شهوات بقضيّة، وكان خالد بن عبد الملك [6] استقضاه في أيام هشام بن عبد الملك، فقال موسى يهجوه:
وجدتك فهّا [7] في القضاء مخلّطا [8] ... فقدتك من قاض ومن متأمّر
/ فدع عنك ما شيدته ذات رخة [9] ... أذى الناس لا تحشرهم كلّ محشر
ثم ولي القضاء سعيد بن سليمان بن زيد [10] بن ثابت الأنصاريّ، فقال يمدحه:
من سرّه الحكم صرفا لا مزاج له ... من القضاة وعدل غير مغموز
فليأت دار سعيد الخير إنّ بها ... أمضى على الحقّ من سيف ابن جرموز [11]
__________
[1] يقال: جليت العروس على زوجها جلوة (بتثليث الجيم) وجلاء (بكسر الجيم) إذا عرضت عليه مجلوّة، والجلوة (بالكسر): ما تعطاه العروس عند جلائها.
[2] سمرقند: مدينة عظيمة وهي عاصمة الصغد مبنية جنوبي وادي الصغد، قيل: هي من أبنية ذي القرنين.
[3] بلخ: مدينة مشهورة بخراسان.
[4] النعم: الإبل.
[5] الشاء: الغنم.
[6] هو خالد بن عبد الملك بن الحارث بن الحكم ولي المدينة لهشام بن عبد الملك.
[7] الفه: العييّ.
[8] يقال: خلط في كلامه إذا هذى.
[9] كذا في الأصول ولم نوفق إلى استجلاء ما غمض من معناه.
[10] كذا صححه الأستاذ الشيخ الشنقيطي على هامش نسخته، وفي الأصول: «يزيد» وهو تحريف.
[11] هو عمرو بن جرموز قاتل الزبير بن العوّام رضي اللّه عنه.
هجاؤه سعد بن إبراهيم والي المدينة:
قال: وكان سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، قد ولي المدينة واشتدّ على السفهاء والشعراء والمغنّين، ولحق موسى شهوات بعض ذلك منه، وكان قبيح الوجه، فقال موسى يهجوه:
/قل لسعد وجه العجوز لقد كن ... ت لما قد [1] أوتيت سعدا مخيلا [2]
إن تكن ظالما جهولا فقد كا ... ن أبوك الأدنى ظلوما جهولا
وقال يهجوه:
لعن اللّه والعباد ثطيط [3] ال ... وجه لا يرتجى قبيح [4] الجوار
يتّقي الناس فحشه وأذاه ... مثل ما يتّقون بول الحمار
لا تغرّنك سجدة بين عيني ... ه حذار [5] منها ومنه حذار
إنها سجدة بها يخدع النا ... س، عليها من سجدة بالدّبار [6]
مدح عبد اللّه بن عمرو بن عثمان حين نفحه بعطية:
أخبرني عمّي قال أخبرني ثعلب عن عبد اللّه بن شبيب قال:
ذكر الحزاميّ [7] أنّ موسى شهوات سأل بعض آل الزبير حاجة فدفعه عنها، وبلغ ذلك عبد اللّه بن عمرو بن عثمان، فبعث إليه بما كان التمسه من الزّبيريّ من غير مسألة؛ فوقف عليه موسى وهو جالس في المسجد، ثم أنشأ يقول:
ليس فيما بدا لنا منك عيب ... عابه الناس غير أنك فاني
أنت نعم المتاع لو كنت تبقى ... غير أن لا بقاء للإنسان
/ والشعر المذكور فيه الغناء، يقوله موسى شهوات في حمزة بن عبد اللّه بن الزبير، وكان فتى كريما جوادا على هوج كان فيه، وولّاه أبوه العراقين وعزل مصعبا لمّا تزوّج سكينة بنت الحسين رضي اللّه عنه وعائشة بنت طلحة وأمهر كلّ واحدة منهما ألف ألف درهم.
سبب عزل ابن الزبير لأخيه مصعب عن البصرة وتوليته ابنه حمزة:
أخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن عمّار قال حدّثنا سليمان بن أبي شيخ عن مصعب الزبيريّ، وأخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ قال حدّثنا عمر بن شبّة، وأخبرني عبيد اللّه بن محمد الرّازي والحسين بن علي: قال عبيد اللّه حدّثنا أحمد بن الحارث عن المدائنيّ، وقال الحسين حدّثنا الحارث بن أبي أسامة عن المدائنيّ عن أبي محنف:
__________
[1] كذا في ب، س. وفي أ، م، ح، ء: «لما أتيت» بغير «قد» والبيت لا يتزن بغيرها، وفي جميع النسخ «أتيت» والصواب ما رجحناه.
[2] كذا في ب، س، ح، وفي أ، م، ء: «بخيلا».
[3] ثطيط تصغير ثط، والثط والأثط: الكوسج وهو الذي عرى وجهه من الشعر إلا طاقات في أسفل حنكه. وفي أ، ء، م: «قبيح الوجه».
[4] في أ، م، ء: «شطيط» ولم نجد فعيلا وصفا من هذه المادة.
[5] دخل على هذا الشطر «الكف» وهو حذف الساكن السابع من «فاعلاتن الأولى».
[6] الدبار: الهلاك والعفاء، والظاهر أن الباء زائدة.
[7] كذا في أ، ء، م، وفي باقي النسخ «الحرامي» بالراء المهملة، وهو تحريف.
أن أنس بن زنيم اللّيثيّ كتب إلى عبد اللّه بن الزّبير:
أبلغ أمير المؤمنين رسالة ... من ناصح لك لا يريك خداعا
بضع [1] الفتاة بألف ألف كامل ... وتبيت قادات الجيوش جياعا
لو لأبي [2] حفص أقول مقالتي ... وأبثّ ما أبثثتكم لارتاعا
/ فلما وصلت الأبيات إليه جزع ثم قال: صدق واللّه، لو لأبي حفص يقول: إنّ مصعبا تزوج امرأتين بألفي ألف درهم لارتاع، إنّا بعثنا مصعبا إلى العراق فأغمد سيفه وسلّ أيره وسنعزله، فدعا بابنه حمزة، وأمّه بنت منظور بن زبّان الفزاريّ وكان لها منه محلّ لطيف، فولّاه البصرة وعزل مصعبا. فبلغ قوله عبد الملك في أخيه مصعب، فقال:
لكنّ أبا خبيب أغمد سيفه وأيره وخيره.
عزل ابن الزبير ابنه حمزة لهوجه وحمقه:
وأخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ قال حدّثنا عمر بن شبة قال: هذه الأبيات لعبد اللّه بن همّام [3] السّلوليّ.
قالوا جميعا: فلما ولي ابنه حمزة البصرة أساء السّيرة وخلّط تخليطا شديدا، وكان جوادا شجاعا أهوج، فوفدت إلى أبيه الوفود في أمره، وكتب إليه الأحنف بأمره وما ينكره الناس منه وأنه يخشى أن تفسد عليه طاعتهم؛ فعزله عن البصرة.
أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدّثنا المدائنيّ قال:
لما قدم حمزة بن عبد اللّه البصرة واليا عليها، وكان جوادا شجاعا مخلّطا: يجود أحيانا حتى لا يدع شيئا يملكه إلا وهبه ويمنع أحيانا ما لا يمنع من مثله، فظهرت منه بالبصرة خفّة وضعف. وركب يوما إلى فيض [4] البصرة، فلما رآه قال: إنّ هذا الغدير إن رفقوا به ليكفينّهم صيفتهم هذه، فلما كان بعد ذلك ركب إليه فوافقه جازرا [5] فقال: قد رأيته ذات يوم فظننت أن لن يكفيهم؛ فقال له الأحنف: إنّ هذا ماء يأتينا ثم يغيض عنّا ثم يعود. وشخص إلى الأهواز فرأى جبلها، فقال: هذا قعيقعان - وقعيقعان: جبل بمكّة - فلقّب ذلك الجبل بقعيقعان.
قال أبو زيد: وحدّثني غير المدائنيّ أنه سمع بذكر الجبل بالبصرة، فدعا بعامله فقال له: ابعث فأتنا بخراج الجبل؛ فقال له: إن الجبل ليس ببلد فآتيك بخراجه. وبعث إلى مردانشاه فاستحثّه بالخراج فأبطأ به، فقام إليه بسيفه فقتله؛ فقال له/ الأحنف: ما أحدّ سيفك أيّها الأمير! وهمّ بعبد العزيز بن شبيب [6] بن خيّاط أن يضربه بالسّياط؛
__________
[1] بضع: نكح.
[2] دخل على هذا الشطر «الوقص» وهو ما سكن ثانيه المتحرك وذهب رابعه الساكن من «متفاعلن».
[3] في الأصول: «هشام» وهو تحريف.
[4] فيض البصرة: نهرها.
[5] جازرا: من الجزر وهو نقصان مائه، وضدّه «المد» وهو زيادته.
[6] في «تاريخ الطبري» (طبع مدينة ليدن - القسم الثاني ص 752). وفي ابن الأثير ص 255 ج 4 «بعبد العزيز بن بشر». وقد ورد في الطبري في قسم 2 ص 802 هذا الاسم هكذا «عبد العزيز بن بشر بن حياط»، وفي ح: «بن بشير بن حياط» بالحاء المهملة. وفي أ، م، ء: «بن شبيب بن حياط» بالحاء المهملة أيضا.
فكتب [1] إلى ابن الزبير بذلك وقال له: إذا كانت لك بالبصرة حاجة فاصرف ابنك عنها وأعد إليها مصعبا؛ ففعل ذلك. وقال بعض الشعراء يهجو حمزة ويعيبه بقوله في أمر الماء الذي رآه قد جزر:
يا بن الزّبير بعثت حمزة عاملا ... يا ليت حمزة كان خلف عمان
أزرى بدجلة حين عبّ عبابها ... وتقاذفت بزواخر الطّوفان
نفار النوار من الفرزدق والتجاؤها لابن الزبير وشفاعة الفرزدق بابنه حمزة:
أخبرني هاشم بن محمد الخزاعيّ قال حدّثنا أبو غسّان دماذ عن أبي عبيدة قال:
خطب النّوار ابنة أعين المجاشعيّة رجل من قومها، فجعلت أمرها إلى الفرزدق، وكان ابن عمها دنية [2]، ليزوّجها منه، فأشهد عليها بذلك وبأنّ أمرها إليه شهودا عدولا؛ فلما أشهدتهم على نفسها قال لهم الفرزدق: فإني أشهدكم أنّي قد تزوّجتها، فمنعته النّوار نفسها وخرجت إلى الحجاز إلى عبد اللّه بن الزّبير، فاستجارت بامرأته بنت منظور بن زبّان، وخرج الفرزدق فعاذ بابنه حمزة، وقال يمدحه:
يا حمز هل لك في ذي حاجة، غرضت [3] ... أنضاؤه بمكان [4] غير ممطور
/ فأنت أولى قريش أن تكون لها ... وأنت بين أبي بكر ومنظور
/ فجعل أمر النّوار يقوى وأمر الفرزدق يضعف؛ فقال الفرزدق في ذلك:
أمّا بنوه فلم تنفع شفاعتهم ... وشفّعت بنت منظور بن زبّانا
ليس الشفيع الذي يأتيك مؤتزرا [5] ... مثل الشفيع الذي يأتيك عريانا
فبلغ ابن الزّبير شعره، ولقيه على باب المسجد وهو خارج منه فضغط حلقه حتى كاد يقتله، ثم خلّاه وقال:
لقد أصبحت عرس الفرزدق ناشزا [6] ... ولو رضيت رمح [7] استه لاستقرّت
ثم دخل إلى النّوار فقال لها: إن شئت فرّقت بينك وبينه ثم ضربت عنقه فلا يهجونا أبدا، وإن شئت أمضيت نكاحه فهو ابن عمّك وأقرب الناس إليك، وكانت امرأة صالحة، فقالت: أو ما غير هذا؟ قال: لا؛ قالت: ما أحبّ أن يقتل ولكني أمضي أمره فلعلّ اللّه أن يجعل في كرهي إيّاه خيرا؛ فمضت إليه وخرجت معه إلى البصرة.
غنى معبد حمزة بن عبد اللّه بشعره فأجازه:
أخبرني الحسين بن يحيى ومحمد بن مزيد بن أبي الأزهر قالا حدّثنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه عن الزّبيريّ:
أن حمزة بن عبد اللّه كان جوادا، فدخل إليه معبد يوما وقد أرسله ابن قطن مولاه يقترض له من حمزة ألف
__________
[1] في «تاريخ الطبري» قسم 2 ص 752 «كتب الأحنف».
[2] يقال: هو ابن عم دنية أي لاصق النسب.
[3] في الأصول «عرضت» وقد صححها الأستاذ الشنقيطي كما أثبتناه. و«غرضت»: ملّت وضجرت.
[4] كذا في «الأغاني» في ترجمة الفرزدق (ج 19 ص 11 طبعة بولاق) وفي الأصول هنا: «ببلاد» وهو لا يتفق مع الوصف.
[5] كذا في «ديوان» الفرزدق، وفي الأصول: «متزرا» بالإدغام. وإدغام الهمزة في تاء الافتعال بعضهم يجيزه والأكثر على منعه.
[6] في رواية أخرى:
ألا تلكم عرس الفرزدق جامحا
[7] يريد بقوله «رمح اسنه»: طعنه في دبره ورفسه بالأرجل، وهذا كناية عن امتهانه واحتقاره، والرمح: الضرب بالرجل.
دينار فأعطاه ألف الدينار، فلما خرج من عنده قيل له: هذا عبد ابن قطن وهو يروي فيك شعر موسى شهوات فيحسن/ روايته، فأمر بردّه فردّ، وقال له ما حكاه القوم عنه، فغنّاه معبد الصوت فأعطاه أربعين دينارا؛ ولما كان بعد ذلك ردّ ابن قطن عليه المال فلم يقبله، وقال له: إنه إذا خرج عنّي مال لم يعد إلى ملكي. وقد روي أنّ الداخل على حمزة والمخاطب في أمره بهذه المخاطبة [1] ابن سريج، وليس ذلك بثبت، هذا هو الصحيح، والغناء لمعبد.
أنشد حمزة بن عبد اللّه شعرا وغناه إياه معبد فأجازهما:
أخبرني إسماعيل بن يونس الشّيعيّ قال حدّثنا عمر بن شبّة عن محمد بن يحيى الغسّانيّ:
أن موسى شهوات أملق، فقال لمعبد: قد قلت في حمزة بن عبد اللّه شعرا فغنّ فيه حتى يكون أجزل لصلتنا؛ ففعل ذلك معبد وغنّى في هذه الأبيات، ثم دخلا على حمزة فأنشده إيّاها موسى ثم غنّاه فيها معبد، فأمر لكل واحد منهما بمائتي دينار.
كان من شعراء الحجاز وكان خلفاء بني أمية يحسنون إليه:
أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدّثنا أحمد بن الهيثم بن فراس قال حدّثنا العمريّ عن الهيثم بن عبد اللّه عن عبد اللّه بن عيّاش قال:
كان موسى شهوات مولى لسليمان بن أبي خيثمة بن حذيفة العدويّ، وكان شاعرا من شعراء أهل الحجاز، وكان الخلفاء من بني أميّة يحسنون إليه ويدرّون عطاءه وتجيئه صلاتهم إلى الحجاز.
هجا داود بن سليمان بن مروان الذي تزوّج فاطمة بنت عبد الملك بعد وفاة زوجها عمر بن عبد العزيز:
وكانت فاطمة بنت عبد الملك بن مروان تحت عمر بن عبد العزيز، فلما مات عنها تزوّجها داود بن سليمان بن مروان وكان دميما قبيحا، فقال موسى شهوات في ذلك:
أبعد الأغرّ ابن عبد العزيز ... قريع قريش إذا يذكر
تزوّجت داود مختارة ... ألا ذلك الخلف الأعور
فغلب عليه ذلك في بني مروان، فكان يقال له: الخلف الأعور.
صوت من المائة المختارة
عوجا خليليّ على المحضر [2] ... والربع من سلّامة المقفر
عوجا به فاستنطقاه فقد ... ذكّرني ما كنت لم أذكر
ذكّرني سلمى وأيامها ... إذ جاورتنا بلوى عسجر [3]
__________
[1] في م: «و المخاطب في هذه المخاطبة».
[2] المحضر: المنهل الذي يجتمع القوم فيه ويحضرون عليه (انظر الحاشية رقم 1 من ص 395 ج 2 أغاني من هذه الطبعة).
[3] عسجر: موضع قرب مكة. قال ياقوت في الكلام عليه بعد أن تكلم عن عسجد: «و لعله الذي قبله عير في قافية شعر» يريد «عسجدا» بالدال المهملة. وقد قال في الكلام عن عسجد إنه اسم موضع بعينه، واستشهد له بقول رزاح بن ربيعة العذري:
بالربع من ودّان مبدا [1] لنا ... ومحورا ناهيك من محور
في محضر كنّا به نلتقي ... يا حبّذا ذلك من محضر
إذ نحن والحيّ به جيرة ... فيما مضى من سالف الأعصر
الشعر للوليد بن يزيد، وقيل: إنه لعمر بن أبي ربيعة، وقيل: إنه للعرجيّ، وهو للوليد صحيح، والغناء واللحن المختار لابن سريج خفيف رمل بالبنصر في مجراها، وفيه لشارية [2] خفيف رمل آخر عن ابن المعتزّ، وذكر الهشاميّ أنّ فيه لحكم الواديّ خفيف رمل أيضا.
عتب عمرو بن عثمان على زوجه سكينة بنت الحسين فأرسلت إليه أشعب:
أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه عن المدائنيّ قال:
كان زيد بن عمرو بن عثمان قد تزوّج سكينة بنت الحسين رضي اللّه تعالى عنه، فعتب عليها يوما، فخرج إلى مال له، فذكر أشعب أن سكينة دعته فقالت/ له: إن ابن عثمان خرج عاتبا عليّ فاعلم لي حاله، قلت: لا أستطيع أن أذهب إليه الساعة، فقالت: أنا أعطيك ثلاثين دينارا، فأعطتني إياها فأتيته ليلا دخلت الدار، فقال: انظروا من في الدار، فأتوه فقالوا: أشعب، فنزل عن فرشه وصار إلى الأرض فقال: أشعيب [3]؟ قلت: نعم، قال: ما جاء بك؟
قلت: أرسلتني سكينة لأعلم خبرك، أتذكّرت منها ما تذكّرت منك؟ وأنا أعلم أنك قد فعلت حين نزلت عن فرشك وصرت إلى الأرض، قال: دعني من هذا وغنّني:
عوجا به فاستنطقاه فقد ... ذكّرني ما كنت لم أذكر
فغنّيته فلم يطرب، ثم قال: غنّني ويحك غير هذا، فإن أصبت ما في نفسي فلك حلّتي هذه وقد اشتريتها آنفا بثلاثمائة دينار، فغنّيته:
صوت
علق القلب بعض ما قد شجاه ... من حبيب أمسى هوانا هواه
ما ضراري نفسي بهجران [4] من لي ... س مسيئا ولا بعيدا نواه
واجتنابي بيت الحبيب وما الخل ... د بأشهى إليّ من أن أراه
فقال: ما عدوت ما في نفسي، خذ الحلّة، فأخذتها ورجعت إلى سكينة فقصصت عليها القصّة، فقالت: وأين الحلّة؟ قلت: معي، فقالت: وأنت الآن تريد أن تلبس حلّة ابن عثمان! لا واللّه ولا كرامة! فقلت: قد أعطانيها، فأي شيء تريدين منّي! فقالت: أنا أشتريها منك، فبعتها إياها بثلاثمائة دينار.
__________
()
فلمّا مررنّ على عسجد ... وأسهلن من مستناخ سبيلا
ثم قال: ويروى «عسجر».
[1] المبدا هنا: المبدأ سهلت همزته، أي المبتدأ، الذي كنا نبتدىء منه في الذهاب، ومحورا أي مرجعا نرجع إليه.
[2] في أ، ء، م: «لسارية» بالسين المهملة.
[3] شعيب: تصغير «أشعب» كما يقال في تصغير «أسود» «سويد»، ويسمى هذا «تصغير الترخيم».
[4] في ح: «بهجرة من» (انظر الحاشية رقم 3 ص 128 ج 1 «أغاني» من هذه الطبعة).
/ الشعر المذكور في هذا الخبر لعمر بن أبي ربيعة، والغناء للدارمي خفيف ثقيل بالخنصر في مجرى الوسطى، وذكر عمرو بن بانة أنه للهذليّ، وفيه لابن جامع ثاني/ ثقيل بالوسطى.
غاضب رجل جارية كان يهواها فغنت مغنية من شعره فاصطلحا:
أخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد عن أبيه أن رجلا كانت له جارية يهواها وتهواه فغاضبها يوما وتمادى ذلك بينهما، واتّفق أنّ مغنية دخلت فغنتهما:
ما ضراري نفسي بهجران من لي ... س مسيئا ولا بعيدا نواه
فقالت الجارية: لا شيء واللّه إلا الحمق، ثم قامت إلى مولاها فقبّلت رأسه واصطلحا.
صوت من المائة المختارة
يا ويح نفسي لو أنه أقصر [1] ... ما كان عيشي كما أرى أكدر
يا من عديري ممن كلفت به ... يشهد قلبي بأنه يسحر
يا ربّ يوم رأيتني مرحا ... آخذ في اللهو مسبل المئزر
بين ندامى تحثّ كأسهم ... عليهم كفّ شادن [2] أحور
الشعر لأبي العتاهية والغناء لفريدة خفيف رمل بالبنصر.
إلى هنا انتهى الجزء الثالث من كتاب الأغاني ويليه إن شاء اللّه تعالى الجزء الرابع منه، وأوّله:
ذكر نسب أبي العتاهية وأخباره سوى ما كان منها مع عتبة
__________
[1] أقصر فلان عن الشي ء: كف عنه وانتهى.
[2] الشادن من أولاد الظباء: الذي قد قوي وطلع قرناه واستغنى عن أمه. والأحور: أن يكون البياض في العين محدقا بالسواد كله، وإنما يكون هذا في البقر والظباء ثم يستعار للناس. (انظر في «اللسان» مادتي شدن وحور).
فهرس موضوعات الجزء الثالث
الموضوع الصفحة
ذكر قيس بن الخطيم وأخباره ونسبه 5
ذكر طويس وأخباره 21
ذكر الدارميّ وخبره ونسبه 33
أخبار هلال ونسبه 38
أخبار عروة بن الورد ونسبه 52
ذكر ذي الإصبع العداونيّ ونسبه وخبره 63
ذكر قيل مولى العبلات 78
خبر غريض اليهوديّ 82
ذكر ورقة بن نوفل ونسبه 84
خبر زيد بن عمرو ونسبه 87
أخبار ابن صاحب الوضوء ونسبه 93
أخبار بشار بن برد ونسبه 91
أخبار يزيد حوراء 171
أخبار عكاشة العميّ ونسبه 175
أخبار عبد الرحيم الدفاف ونسبه 182
أخبار الحادرة الثعلبي ونسبه 184
أخبار ابن مسجح ونسبه 188
أخبار ابن المولى ونسبه 195
أخبار عطرّد ونسبه 208
أخبار الحارث بن خالد المخزوميّ ونسبه 213
أخبار الأبجر ونسبه 235
أخبار موسى شهوات ونسبه 240
فهرس الموضوعات 257
الجزء الرابع
تتمة التراجم
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ*
39 - ذكر نسب أبي العتاهية وأخباره
سوى ما كان منها مع عتبة، فإنه أفرد لكثرة الصنعة في تشبيبه بها، وأنها اتسعت جدا فلم يصلح ذكرها هنا، لئلا تنقطع المائة الصوت المختارة، وهي تذكر في موضع آخر إن شاء اللّه تعالى.
اسمه ولقبه وكنيته ونشأته:
أبو العتاهية لقب غلب عليه. واسمه إسماعيل بن القاسم بن سويد بن كيسان، مولى عنزة. وكنيته أبو إسحاق. وأمّه أمّ زيد بنت زياد المحاربيّ مولى بني زهرة؛ وفي ذلك يقول أبو قابوس النّصرانيّ وقد بلغه أنّ أبا العتاهية فضّل عليه العتّابيّ:
قل للمكنّي نفسه ... متخيّرا بعتاهيه
والمرسل الكلم القبي ... ح وعته أذن واعيه
إن كنت سرّا سؤتني ... أو كان ذاك علانيه
فعليك لعنة ذي الجلا ... ل وأمّ زيد زانيه
مناحيه الشعرية:
ومنشؤه بالكوفة. وكان في أوّل أمره يتخنّث ويحمل زاملة المخنّثين، ثم كان يبيع الفخّار بالكوفة، ثم قال الشعر فبرع فيه وتقدّم. ويقال: أطبع الناس بشار/ والسيّد [1] وأبو العتاهية. وما قدر أحد على جمع شعر هؤلاء الثلاثة لكثرته. وكان غزير البحر، لطيف المعاني، سهل الألفاظ، كثير الافتنان، قليل التكلف، إلا أنه كثير الساقط المرذول مع ذلك. وأكثر شعره في الزهد والأمثال. وكان قوم من أهل عصره ينسبونه إلى القول بمذهب الفلاسفة ممن لا يؤمن بالبعث، ويحتجّون بأنّ شعره إنما هو في ذكر الموت والفناء دون ذكر النّشور والمعاد. وله أوزان طريفة [2] قالها مما لم يتقدّمه الأوائل فيها. وكان أبخل الناس مع يساره وكثرة ما جمعه من الأموال.
سبب كنيته:
حدّثني محمد بن يحيى الصّوليّ قال أخبرني محمد بن موسى بن حمّاد قال:
قال المهديّ يوما لأبي العتاهية: أنت إنسان متحذلق [3] معتّه [4]. فاستوت له من ذلك كنية غلبت عليه دون
__________
[1] يعني السيد الحميريّ؛ واسمه إسماعيل بن محمد أبو هاشم، وقد أورد له أبو الفرج ترجمة في (ج 7 ص 229 - 278 من هذه الطبعة).
[2] كذا فيء، م. وفي سائر النسخ: «ظريفة» بالظاء المعجمة.
[3] المتحذلق: المتكيس المتظرف.
[4] يقال: رجل معته، إذا كان مجنونا مضطربا في خلقه. وقد ذكر صاحب «اللسان» (في مادة عنه) هذا الخبر فقال: «و أبو العتاهية
اسمه وكنيته، وسارت له في الناس. قال: ويقال/ للرجل المتحذلق: عتاهية، كما يقال للرجل الطويل:
شناحية [1]. ويقال: أبو عتاهية، بإسقاط الألف واللام.
/ قال محمد بن يحيى وأخبرني محمد بن موسى قال أخبرني ميمون بن هارون عن بعض مشايخه قال: كني بأبي العتاهية أن كان [2] يحبّ الشهرة والمجون والتعتّه. وبلده الكوفة وبلد آبائه، وبها مولده ومنشؤه وباديته.
يقول ابنه إنها من عنزة:
قال محمد بن سلّام: وكان محمد بن أبي العتاهية يذكر أن أصلهم من عنزة، وأن جدّهم كيسان كان من أهل عين [3] التّمر، فلما غزاها خالد بن الوليد كان كيسان جدّهم هذا يتيما صغيرا يكفله قرابة له من عنزة، فسباه خالد مع جماعة صبيان من أهلها، فوجّه بهم إلى أبي بكر، فوصلوا إليه وبحضرته عبّاد بن رفاعة العنزيّ بن أسد بن ربيعة بن نزار، فجعل أبو بكر رضي اللّه عنه يسأل الصبيان عن أنسابهم فيخبره كلّ واحد بمبلغ معرفته، حتى سأل كيسان، فذكر له أنه من عنزة. فلما سمعه عبّاد يقول ذلك استوهبه من أبي بكر رضي اللّه عنه، وقد كان خالصا له، فوهبه له؛ فأعتقه، فتولّى عنزة [4].
استعداؤه مندل بن علي وأخاه علي سبه بأنه نبطي:
أخبرني محمد بن عمران الصّيرفيّ قال حدّثنا الحسن بن عليل العنزيّ قال حدّثنا أحمد بن الحجّاج الجلّانيّ الكوفيّ قال حدّثني أبو دؤيل مصعب بن دؤيل الجلّاني، قال: لم أر قطّ مندل بن عليّ العنزيّ وأخاه حيّان بن عليّ غضبا من شيء قطّ إلا يوما واحدا، دخل عليهما أبو العتاهية وهو مضمّخ بالدماء. فقالا له: ويحك! ما بالك؟ فقال لهما: من أنا؟ فقالا له: أنت أخونا وابن عمّنا ومولانا. فقال: إنّ فلانا الجزّار قتلني وضربني وزعم أنّي نبطيّ [5]، فإن كنت نبطيّا هربت على وجهي/ وإلّا فقوما فخذا لي بحقّي. فقام معه مندل بن عليّ وما تعلّق نعله [6] غضبا؛ وقال له: واللّه لو كان حقّك على عيسى بن موسى لأخذته لك منه؛ ومرّ معه حافيا حتى أخذ له بحقّه.
أخبرني الصّوليّ قال حدّثنا محمد بن موسى عن الحسن بن عليّ عن عمر [7] بن معاوية عن جبارة بن المغلّس [8] الحمّانيّ قال: أبو العتاهية مولى عطاء بن محجن العنزيّ.
__________
- الشاعر المعروف ذكر أنه كان له ولد يقال له عتاهية، وقيل: لو كان الأمر كذلك لقيل له أبو عتاهية بغير تعريف؛ إنما هو لقب لا كنية، وكنيته أبو إسحاق. ولقب بذلك لأن المهديّ قال له: أراك متخلطا متعتها. وكان قد تعته بجارية للمهديّ ... وقيل: لقب بذلك لأنه كان طويلا مضطربا، وقيل: لأنه يرمي بالزندقة».
[1] كذا في نسخة الشنقيطي، وهو الموافق لما «معاجم اللغة». وفي أكثر الأصول: «شناجية» بالجيم المعجمة، وهو تصحيف.
[2] في أ، ح، ء: «إذ كان».
[3] عين التمر: بلدة قريبة من الأنبار غربيّ الكوفة، غزاها خالد بن الوليد في أيام أبي بكر رضي اللّه عنه.
[4] تولى عنزة: اتخذهم أولياء له.
[5] النبطيّ: منسوب إلى النبط، وهم جبل ينزلون البطائح بين العراقين.
[6] ما تعلق نعله: ما لبسها.
[7] في ح: «عن محمد بن معاوية».
[8] كذا في «تهذيب التهذيب» و«الخلاصة في أسماء الرجال» و«أنساب السمعاني» و«شرح القاموس» مادة غلس. وفي أ، ح، ء:
«جنادة بن المغلس»، وفي ب، س: «جنادة بن الأفلس» وكلاهما تحريف.
أبي العتاهية وصنعة أهله:
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا محمد بن القاسم بن مهروية قال قال أبو عون أحمد بن المنجّم أخبرني خيار الكاتب قال:
كان أبو العتاهية وإبراهيم الموصليّ من أهل المذار [1] جميعا، وكان أبو العتاهية وأهله يعملون الجرار الخضر، فقدما إلى بغداد ثم افترقا؛ فنزل إبراهيم الموصليّ ببغداد، ونزل أبو العتاهية الحيرة. وذكر عن الرّياشيّ أنه قال مثل ذلك، وأن أبا العتاهية نقله إلى الكوفة.
قال محمد بن موسى: فولاء أبي العتاهية من قبل أبيه لعنزة، ومن قبل أمّه لبني زهرة، ثم لمحمد بن هاشم بن عتبة بن أبي وقّاص، وكانت أمّه مولاة لهم، يقال لها أمّ زيد.
/ أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا محمد بن مهروية؛ قال قال الخليل بن أسد:
كان أبو العتاهية يأتينا فيستأذن ويقول: أبو إسحاق الخزّاف. وكان أبوه حجّاما من أهل ورجة [2]؛ ولذلك يقول أبو العتاهية:
ألا إنّما التّقوى هو العزّ والكرم ... وحبّك للدّنيا هو الفقر والعدم
وليس على عبد تقيّ نقيصة ... إذا صحّح التّقوى وإن حاك أو حجم
فاخره رجل من كنانة فقال شعرا:
حدّثني محمد بن يحيى الصّوليّ قال حدّثنا الغلابيّ قال حدّثنا محمد بن أبي العتاهية قال:
/ جاذب رجل من كنانة أبا العتاهية في شيء، ففخر عليه الكنانيّ واستطال بقوم من أهله؛ فقال أبو العتاهية:
دعني من ذكر أب وجدّ ... ونسب يعليك سور المجد
ما الفخر إلا في التّقى والزّهد ... وطاعة تعطى جنان الخلد
لا بدّ من ورد لأهل الورد ... إمّا إلى ضحل [3] وإمّا عدّ [4]
آراؤه الدينية:
حدّثني الصّوليّ قال حدّثنا محمد بن موسى عن أحمد بن حرب قال:
كان مذهب أبي العتاهية القول بالتوحيد، وأنّ اللّه خلق جوهرين متضادّين لا من شيء، ثم إنه بنى العالم هذه البنية منهما، وأن العالم حديث العين والصّنعة لا محدث له إلا اللّه. وكان يزعم أنّ اللّه سيردّ كلّ شيء إلى الجوهرين المتضادّين قبل أن تفنى الأعيان جميعا. وكان يذهب إلى أن المعارف واقعة بقدر الفكر/ والاستدلال
__________
[1] كذا في أ، بالذال المعجمة. والمذار في ميسان بين واسط والبصرة، وهي قصبة ميسان بينها وبين البصرة مقدار أربعة أيام. وفي سائر النسخ: «المزار» بالزاي المعجمة؛ ولم نعثر عليه في أسماء البلدان.
[2] كذا في جميع الأصول التي بأيدينا، ولم نعثر عليه في «معاجم البلدان»، والذي في «اللسان» (مادة ودج) و «معجم ما استعجم» (ج 2 ص 622) أن «ودج» اسم موضع.
[3] الضحل: الماء القليل على الأرض لا عمق له.
[4] العدّ: الماء الجاري الذي له مادة لا تنقطع كماء العين.
والبحث طباعا. وكان يقول بالوعيد وبتحريم المكاسب، ويتشيّع بمذهب الزّيدية [1] البتريّة المبتدعة، لا يتنقّص أحدا ولا يرى مع ذلك الخروج على السّلطان. وكان مجبّرا [2].
مناظرته لثمامة بن أشرس في العقائد بين يدي المأمون:
قال الصّوليّ: فحدّثني يموت بن المزرّع قال حدّثني الجاحظ قال: قال أبو العتاهية لثمامة بين يدي المأمون - وكان كثيرا ما يعارضه بقوله في الإجبار - : أسألك عن مسألة. فقال له المأمون: عليك بشعرك. فقال: إن رأى أمير المؤمنين أن يأذن لي في مسألته ويأمره بإجابتي! فقال له: أجبه إذا سألك. فقال: أنا أقول: إنّ كلّ ما فعله العباد من خير وشرّ فهو من اللّه، وأنت تأبى ذلك، فمن حرّك يدي هذه؟ وجعل أبو العتاهية يحرّكها. فقال له ثمامة:
حرّكها من أمّه زانية. فقال: شتمني واللّه يا أمير المؤمنين. فقال ثمامة: ناقض الماصّ بظر أمه واللّه يا أمير المؤمنين! فضحك المأمون وقال له: ألم أقل لك أن تشتغل بشعرك وتدع ما ليس من عملك! قال ثمامة: فلقيني بعد ذلك فقال لي: يا أبا معن، أما أغناك الجواب عن السّفه؟! فقلت: إنّ من أتمّ الكلام ما قطع الحجة، وعاقب على الإساءة، وشفى من الغيظ، وانتصر من الجاهل.
قال محمد بن يحيى وحدّثني عون بن محمد الكنديّ قال:
سمعت العبّاس بن رستم يقول: كان أبو العتاهية مذبذبا في مذهبه: يعتقد شيئا، فإذا سمع طاعنا عليه ترك اعتقاده إيّاه وأخذ غيره.
اعترض عليه أبو الشمقمق في ملازمة المخنثين فأجابه:
حدّثني أحمد بن عبيد اللّه بن عمّار قال حدّثني ابن أبي الدّنيا قال حدّثني الحسين بن عبد ربه قال حدّثني عليّ بن عبيدة الرّيحانيّ قال حدّثني أبو الشّمقمق: أنه رأى أبا العتاهية يحمل زاملة المخنّثين، فقلت له [3]: أمثلك يضع نفسه هذا الموضع مع سنّك وشعرك وقدرك؟! فقال له: أريد أن أتعلّم كيادهم، وأتحفّظ كلامهم.
حاوره بشر بن المعتمر في صنعة الحجامة:
أخبرني عيسى بن الحسين الورّاق قال حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد قال:
ذكر أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل أنّ بشر بن المعتمر قال يوما لأبي العتاهية: بلغني أنك لمّا نسكت جلست تحجم اليتامى والفقراء للسبيل، أكذلك كان؟ قال نعم. قال له: فما أردت بذلك؟ قال: أردت أن أضع من نفسي حسبما رفعتني الدّنيا، وأضع منها ليسقط عنها الكبر، وأكتسب بما فعلته الثواب، وكنت أحجم اليتامى والفقراء خاصّة. فقال له بشر:/ دعني من تذليلك نفسك بالحجامة؛ فإنه ليس بحجّة لك أن تؤدّبها وتصلحها بما لعلّك تفسد به أمر غيرك؛ أحبّ أن تخبرني هل كنت تعرف الوقت الذي كان يحتاج فيه من تحجمه إلى إخراج الدّم؟ قال
__________
[1] الزيدية: فرقة نسبت إلى زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه، تقصر الإمامة على أولاد فاطمة ولا تجيز الإمامة في غيرهم. والبترية: طائفة منهم أصحاب كثير النوى الأبتر، توقفوا في أمر عثمان أهو مؤمن أم كافر، وفضلوا عليا على جميع الناس بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم (انظر الكلام على هذه الفرقة ببيان واف في كتاب «الملل والنحل» للشهرستاني طبع أوروبا ص 115 - 121).
[2] مجبرا: يقول بالجبر، وهو عند أهل الكلام إسناد إفعال إلى اللّه سبحانه إيجادا وتأثيرا. ويقول الجبرية إنه لا قدرة للعبد أصلا لا مؤثرة ولا كاسبة، فهو بمنزلة الجمادات فيما يوجد منها.
[3] كذا في جميع الأصول. ولعله: «فقال له».
لا. قال: هل كنت تعرف مقدار ما يحتاج كلّ واحد منهم إلى أن يخرجه على قدر طبعه، مما إذا زدت فيه أو نقصت منه ضرّ المحجوم؟ قال لا. قال: فما أراك إلا أردت أن تتعلّم الحجامة على أقفاء اليتامى والمساكين!
أراد حمدوية صاحب الزنادقة أخذه فتستر بالحجامة:
أخبرني محمد بن يحيى الصّوليّ قال حدّثنا أبو ذكوان قال حدّثنا العبّاس بن رستم قال: كان حمدويه صاحب الزّنادقة قد أراد أن يأخذ أبا العتاهية، ففزع من ذلك وقعد حجّاما.
/ أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا محمد بن القاسم بن مهروية قال قال أبو دعامة عليّ بن يزيد: أخبر يحيى بن خالد أنّ أبا العتاهية قد نسك، وأنه جلس يحجم النّاس للأجر تواضعا بذلك. فقال: ألم يكن يبيع الجرار قبل ذلك؟ فقيل له بلى. فقال: أما في بيع الجرار من الذّلّ ما يكفيه ويستغنى به عن الحجامة!
سئل عن خلق القرآن فأجاب:
أخبرني محمد بن يحيى قال حدّثني شيخ من مشايخنا قال حدّثني أبو شعيب صاحب ابن أبي دواد قال:
قلت لأبي العتاهية: القرآن عندك مخلوق أم غير مخلوق؟ فقال: أسألتني عن اللّه أم عن غير اللّه؟ قلت: عن غير اللّه، فأمسك. وأعدت عليه فأجابني هذا الجواب، حتى فعل ذلك مرارا. فقلت له: ما لك لا تجيبني؟ قال: قد أجبتك ولكنّك حمار.
أوصافه وصناعته:
أخبرني محمد بن يحيى قال حدّثنا شيخ من مشايخنا قال حدّثني محمد بن موسى قال:
كان أبو العتاهية قضيفا [1]، أبيض اللون، أسود الشعر، له وفرة [2] جعدة، وهيئة حسنة ولباقة وحصافة، وكان له عبيد من السّودان، ولأخيه زيد أيضا عبيد منهم يعملون الخزف في أتّون [3] لهم؛ فإذا اجتمع منه شيء ألقوه على أجير لهم يقال له أبو عباد/ اليزيديّ من أهل طاق [4] الجرار بالكوفة، فيبيعه على يديه ويردّ فضله إليهم. وقيل: بل كان يفعل ذلك أخوه زيد لا هو؛ وسئل عن ذلك فقال: أنا جرّار القوافي، وأخي جرّار التّجارة.
قال محمد بن موسى: وحدّثني عبد اللّه بن محمد قال حدّثني عبد الحميد بن سريع مولى بني عجل قال:
أنا رأيت أبا العتاهية وهو جرّار يأتيه الأحداث والمتأدّبون فينشدهم أشعاره، فيأخذون ما تكسّر من الخزف فيكتبونها فيها.
كان يشم أبا قابوس ويفضل عليه العتابيّ فهجاه:
حدّثني محمد بن يحيى الصّوليّ قال حدّثني عون بن محمد الكنديّ قال حدّثني محمد بن عمر الجرجانيّ قال:
__________
[1] كذا فيء، أ، م، والقضيف: الدقيق العظم القليل اللحم. وفي ب، س: «نظيفا». وفي ح: «قصيفا» بالصاد المهملة. والظاهر أنها مصحفة عن «قضيفا».
[2] الوفرة: الشعر المجتمع على الرأس أو ما سال على الأذنين أو ما جاوز شحمة الأذن. والجعدة: التي فيها التواء وتقبض.
[3] الأتون (بتشديد التاء): الموقد، والعامة تخففه.
[4] في ب، س: «طارق الجرار» وهو تحريف.
لمّا هاجى أبو قابوس النّصرانيّ كلثوم بن عمرو العتّابيّ، جعل أبو العتاهية يشتم أبا قابوس ويضع منه؛ ويفضّل العتّابيّ عليه؛ فبلغه ذلك فقال فيه:
قل للمكنّي نفسه ... متخيّرا بعتاهيه
والمرسل الكلم القبي ... ح وعته أذن واعيه
إن كنت سرّا سؤتني ... أو كان ذاك علانيه
فعليك لعنة ذي الجلا ... ل وأمّ زيد زانيه
- يعني أمّ أبي العتاهية، وهي أمّ زيد بنت زياد - فقيل له: أتشتم مسلما؟ فقال: لم أشتمه، وإنّما قلت:
فعليك لعنة ذي الجلا ... ل ومن عنينا زانيه
هجاه والبة بن الحباب:
قال: وفيه يقول والبة بن الحباب وكان/ يهاجيه:
كان فينا يكنى أبا إسحاق ... وبها الرّكب سار في الآفاق
فتكنّى معتوهنا [1] بعتاه ... يا لها كنية أتت باتّفاق
خلق اللّه لحية لك لا تن ... فكّ معقودة بداء الحلاق [2]
حصته مع النوشجاني:
أخبرنا محمد بن مزيد بن أبي الأزهر قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثنا النّوشجانيّ قال: أتاني البوّاب يوما فقال لي: أبو إسحاق الخزّاف بالباب؛ فقلت: ائذن له، فإذا أبو العتاهية قد دخل. فوضعت بين يديه قنو موز [3]؛ فقال: قد صرت تقتل العلماء بالموز، قتلت أبا عبيدة بالموز، وتريد أن تقتلني به! لا واللّه لا أذوقه. قال: فحدّثني عروة بن يوسف الثّقفيّ قال: رأيت أبا عبيدة قد خرج من دار النّوشجانيّ في شقّ محمل مسجّى، إلّا أنه حيّ، وعند رأسه قنو موز وعند رجليه قنو موز آخر، يذهب به إلى أهله. فقال النّوشجانيّ وغيره: لمّا دخلنا عليه نعوده قلنا: ما سبب علّتك؟ قال: هذا النّوشجانيّ جاءني بموز كأنه أيور المساكين، فأكثرت منه، فكان سبب علّتي. قال: ومات في تلك العلّة.
رأي مصعب بن عبد اللّه في شعره:
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا أحمد بن زهير قال:
سمعت مصعب بن عبد اللّه يقول: أبو العتاهية أشعر الناس. فقلت له: بأيّ شيء استحقّ ذلك عندك؟ فقال:
بقوله:
تعلّقت بآمال ... طوال أيّ آمال
__________
[1] كذا في أكثر النسخ و «ديوانه» طبع بيروت. وفي ب، س: «معتوتها».
[2] الحلاق: صفة سوء. وقد ورد هذا البيت في هامش «ديوانه» (ص 343) هكذا:
خلق اللّه لحية لك لا تن ... فك معقودة لدى الحلّاق
[3] القنو: الكباسة، وهي كالعنقود من العنب.
وأقبلت على الدّنيا ... ملحّا أيّ إقبال
/ أيا هذا تجهّز ل ... فراق الأهل والمال
فلا بدّ من الموت ... على حال من الحال
ثم قال مصعب: هذا كلام سهل حقّ لا حشو فيه ولا نقصان، يعرفه العاقل ويقرّ به الجاهل.
استحسن الأصمعيّ بعض شعره:
أخبرني هاشم بن محمد الخزاعيّ قال حدّثنا الرّياشيّ قال: سمعت الأصمعيّ يستحسن قول أبي العتاهية:
أنت ما استغنيت عن صا ... حبك الدهر أخوه
فإذا احتجت إليه ... ساعة مجّك فوه
أنشد سلّم الخاسر من شعره وقال: هو أشعر الجنّ والإنس:
حدّثنا محمد بن العبّاس اليزيدي إملاء قال حدّثني عمّي الفضل بن محمد قال حدّثني موسى بن صالح الشّهرزوريّ [1] قال:
أتيت سلما الخاسر فقلت له: أنشدني لنفسك. قال: لا، ولكن أنشدك لأشعر الجنّ والإنس، لأبي العتاهية، ثم أنشدني قوله:
صوت
سكن يبقى له سكن ... ما بهذا يؤذن الزّمن
نحن في دار يخبّرنا ... ببلاها ناطق لسن
دار سوء لم يدم فرح ... لامرىء فيها ولا حزن
في سبيل اللّه أنفسنا ... كلّنا بالموت مرتهن
كلّ نفس عند ميتتها ... حظّها من مالها الكفن
إنّ مال المرء ليس له ... منه إلّا ذكره الحسن
/ فأخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن عمّار قال حدّثني محمد بن القاسم قال حدّثني رجل من أهل/ البصرة أنسيت اسمه، قال حدّثني حمدون بن زيد قال حدّثني رجاء [2] بن مسلمة قال:
قلت لسلم الخاسر: من أشعر الناس؟ فقال: إن شئت أخبرتك بأشعر الجنّ والإنس. فقلت: إنما أسألك عن
__________
[1] الشهرزوريّ: نسبة إلى شهرزور، وهي كورة واسعة في الجبال بين إربل وهمذان.
[2] في ح: «رجاء بن سلمة».
الإنس، فإن زدتني الجنّ فقد أحسنت. فقال: أشعرهم الذي يقول:
سكن يبقى له سكن ... ما بهذا يؤذن الزّمن
قال: والشعر لأبي العتاهية.
مدح جعفر بن يحيى شعره بحضرة الفرّاء فوافقه:
حدّثني اليزيديّ قال حدّثني عمّي الفضل قال حدّثنا عبد اللّه بن محمد قال حدّثنا يحيى بن زياد الفرّاء قال:
دخلت على جعفر بن يحيى فقال لي: يا أبا زكريّا، ما تقول فيما أقول؟ فقلت: وما تقول أصلحك اللّه؟ قال:
أزعم أنّ أبا العتاهية أشعر أهل هذا العصر. فقلت: هو واللّه أشعرهم عندي.
مدح داود بن زيد وعبد اللّه بن عبد العزيز شعره:
حدّثني محمد بن يحيى الصّوليّ قال حدّثني محمد بن موسى قال حدّثني جعفر بن النّضر الواسطيّ الضّرير قال حدّثني محمد بن شيرويه [1] الأنماطيّ قال:
قلت لداود بن زيد بن رزين الشاعر: من أشعر أهل زمانه؟ قال: أبو نواس. قلت: فما تقول في أبي العتاهية؟
فقال: أبو العتاهية أشعر الإنس والجنّ.
/ أخبرني الصوليّ قال حدّثني محمد بن موسى قال قال الزّبير بن بكّار: أخبرني إبراهيم بن المنذر عن الضحّاك، قال:
قال عبد اللّه بن عبد العزيز العمريّ: أشعر النّاس أبو العتاهية حيث يقول:
ما ضرّ من جعل التّراب مهاده ... ألّا ينام على الحرير إذا قنع
صدق واللّه وأحسن.
مهارته في الشعر وحديثه عن نفسه في ذلك:
حدّثني الصّوليّ قال حدّثني محمد بن موسى قال حدّثني أحمد بن حرب قال حدّثني المعلّى بن عثمان قال:
قيل لأبي العتاهية: كيف تقول الشعر؟ قال: ما أردته قطّ إلا مثل لي، فأقول ما أريد وأترك ما لا أريد.
أخبرني ابن عمّار قال حدّثني ابن مهرويه قال حدّثني روح بن الفرج الحرمازيّ قال:
جلست إلى أبي العتاهية فسمعته يقول: لو شئت أن أجعل كلامي كلّه شعرا لفعلت.
حدّثنا الصّوليّ قال حدّثنا العنزيّ قال حدّثنا أبو عكرمة قال:
قال محمد بن أبي العتاهية: سئل أبي: هل تعرف العروض؟ فقال: أنا أكبر من العروض. وله أوزان لا تدخل في العروض.
نظم شعرا للرشيد وهو مريض فابلغه الفضل وقرّ به الرشيد:
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا العنزيّ. قال حدّثنا أبو عكرمة قال:
__________
[1] في أ، ء: «خروية» بالخاء المعجمة. وفي ب، ح، س: «سرويه». ولعل الجميع محرف عما أثبتناه.
حمّ الرّشيد، فصار أبو العتاهية إلى الفضل بن الرّبيع برقعة فيها:
لو علم النّاس كيف أنت لهم ... ماتوا إذا ما ألمت أجمعهم
/ خليفة اللّه أنت ترجح بال ... نّاس إذا ما وزنت أنت وهم
قد علم النّاس أنّ وجهك يس ... تغني [1] إذا ما رآه معدمهم
فأنشدها الفضل بن الربيع الرشيد؛ فأمر بإحضار أبي العتاهية، فما زال يسامره ويحدّثه إلى أن برئ [2]، ووصل إليه بذلك السبب مال جليل.
إعجاب ابن الأعرابيّ به وإفحامه من تنقص شعره:
قال: وحدّثت أنّ ابن الأعرابيّ حدّث بهذا الحديث؛ فقال له رجل بالمجلس: ما هذا الشعر بمستحق لما قلت. قال: ولم؟ قال: لأنه شعر ضعيف. فقال ابن الأعرابيّ - وكان أحدّ الناس - : الضعيف واللّه عقلك لا شعر أبي العتاهية، ألأبي العتاهية تقول: إنّه ضعيف الشعر! فو اللّه ما رأيت شاعرا قطّ أطبع ولا أقدر/ على بيت منه، وما أحسب مذهبه إلا ضربا من السحر، ثم أنشد له:
قطّعت منك حبائل الآمال ... وحططت عن ظهر المطيّ رحالي
ووجدت برد اليأس بين جوانحي ... فأرحت من حلّ ومن ترحال
يأيها البطر الذي هو من غد ... في قبره متمزّق الأوصال
حذف المنى عنه [3] المشمّر في الهدى ... وأرى مناك طويلة الأذيال
حيل ابن آدم في الأمور كثيرة ... والموت يقطع حيلة المحتال
قست السؤال فكان أعظم قيمة ... من كلّ عارفة جرت بسؤال
فإذا ابتليت ببذل وجهك سائلا ... فابذله للمتكرّم المفضال
/ وإذا خشيت تعذّرا في بلدة ... فاشدد يديك بعاجل التّرحال
واصبر على غير الزّمان فإنّما ... فرج الشّدائد مثل حلّ عقال
ثم قال للرجل: هل تعرف أحدا يحسن أن يقول مثل هذا الشّعر؟ فقال له الرجل: يا أبا عبد اللّه، جعلني اللّه فداءك! إني لم أردد عليك ما قلت، ولكنّ الزهد مذهب أبي العتاهية، وشعره في المديح ليس كشعره في الزّهد.
فقال: أفليس الذي يقول في المديح:
__________
[1] كذا في جميع النسخ و «الديوان»، وهي رواية جيدة وفيها المطابقة بين العدم والغنى. ومع هذا فمن المحتمل أن يكون «يستسقي»؛ قال أبو طالب:
وأبيض يستسقي الغمام بوجهه ... ثمال اليتامى عصمة للأرامل
[2] أهل العالية يقولون: برأت من المرض أبرأ برءا وبروءا. وأهل الحجاز يقولون: برأت من المرض برءا بالفتح. وسائر العرب يقولون: برئت من المرض. وبرؤ برءا من باب قرب لغة. (انظر «اللسان» مادة برأ و «المصباح المنير»).
[3] في ب، س، ح: «عند» وهو تحريف.
وهارون ماء المزن يشفى به الصّدى [1] ... إذا ما الصّدي بالرّيق غصّت حناجره
وأوسط بيت في قريش لبيته ... وأوّل عزّ في قريش وآخره
وزحف له تحكي البروق سيوفه ... وتحكي الرعود القاصفات حوافره
إذا حميت شمس النّهار تضاحكت ... إلى الشّمس فيه بيضه [2] ومغافره
إذا نكب الإسلام يوما بنكبة ... فهارون من بين البريّة ثائره
ومن ذا يفوت الموت والموت مدرك ... كذا لم يفت هارون ضدّ ينافره
قال: فتخلّص الرجل من شرّ ابن الأعرابيّ بأن قال له: القول كما قلت، وما كنت سمعت له مثل هذين الشعرين، وكتبهما عنه.
قال أبو نواس لست أشعر الناس وهو حي:
حدّثني محمد قال حدّثني أحمد بن أبي طاهر قال حدّثني ابن الأعرابيّ المنجّم قال حدّثني هارون بن سعدان بن الحارث مولى عبّاد قال:
حضرت أبا نواس في مجلس وأنشد شعرا. فقال له من حضر في المجلس: أنت أشعر الناس. قال: أمّا والشيخ حيّ فلا. (يعني أبا العتاهية).
أنشد لثمامة شعره في ذم البخاري فاعترض على بخاري فأجابه:
أخبرني يحيى بن عليّ إجازة قال حدّثني عليّ بن مهديّ قال حدّثني الحسين بن أبي السّريّ قال:
/ قال ثمامة بن أشرس أنشدني أبو العتاهية:
إذا المرء لم يعتق من المال نفسه ... تملّكه المال الذي هو مالكه
ألا إنّما مالي الذي أنا منفق ... وليس لي المال الذي أنا تاركه
إذا كنت ذا مال فبادر به الذي ... يحقّ وإلّا استهلكته مهالكه
فقلت له: من أين قضيت بهذا؟ فقال: من قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «إنما لك من مالك ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدّقت فأمضيت». فقلت له: أتؤمن بأنّ هذا قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأنه الحقّ؟ قال نعم. قلت:
فلم تحبس عندك سبعا/ وعشرين بدرة [3] في دارك، ولا تأكل منها ولا تشرب ولا تزكّي ولا تقدّمها ذخرا ليوم فقرك وفاقتك؟ فقال: يا أبا معن، واللّه إنّ ما قلت لهو الحقّ، ولكنّي أخاف الفقر والحاجة إلى الناس. فقلت: وبم تزيد حال من افتقر على حالك وأنت دائم الحرص دائم الجمع شحيح على نفسك لا تشتري اللحم إلا من عيد إلى عيد؟! فترك جواب كلامي كلّه، ثم قال لي: واللّه لقد اشتريت في يوم عاشوراء لحما وتوابله وما يتبعه بخمسة دراهم. فلما
__________
[1] الصدى: العطش.
[2] البيض (بفتح الباء): جمع بيضة وهي الخوذة تصنع من الحديد ليتقي بها في الحرب. والمغافر: جمع مغفر، وهو زرد ينسج من الدروع على قدر الرأس يلبس تحت القلنسوة، وقيل فيه غير ذلك.
[3] البدرة: عشرة آلاف درهم.
قال لي هذا القول أضحكني حتّى أذهلني عن جوابه ومعاتبته، فأمسكت عنه وعلمت أنه ليس ممن شرح اللّه صدره للإسلام.
بخله، ونوادر مختلفة في ذلك:
أخبرني يحيى بن عليّ إجازة قال حدّثني عليّ بن المهديّ قال قال الجاحظ: حدّثني ثمامة قال:
دخلت يوما إلى أبي العتاهية فإذا هو يأكل خبزا بلا شيء. فقلت: كأنك رأيته يأكل خبزا وحده؛ قال: لا! ولكنّي رأيته يتأدّم بلا شيء. فقلت: وكيف ذلك؟ فقال: رأيت قدّامه خبزا يابسا من رقاق فطير وقدحا فيه لبن حليب، فكان يأخذ/ القطعة من الخبز فيغمسها من اللبن ويخرجها ولم تتعلّق منه بقليل ولا كثير؛ فقلت له: كأنك اشتهيت أن تتأدّم بلا شيء، وما رأيت أحدا قبلك تأدّم بلا شيء.
قال الجاحظ: وزعم لي بعض أصحابنا قال: دخلت على أبي العتاهية في بعض المتنزّهات، وقد دعا عيّاشا صاحب الجسر وتهيّأ له بطعام، وقال لغلامه: إذا وضعت قدّامهم الغداء فقدّم إليّ ثريدة [1] بخلّ وزيت. فدخلت عليه، وإذا هو يأكل منها أكل متكمّش [2] غير منكر لشيء. فدعاني فمددت يدي معه، فإذا بثريدة بخلّ وبزر بدلا من الزّيت. فقلت له: أتدري ما تأكل؟ قال: نعم ثريدة بخلّ وبزر. فقلت: وما دعاك إلى هذا؟ قال: غلط الغلام بين دبّة [3] الزيت ودبّة البزر؛ فلمّا جاءني كرهت التجبّر وقلت: دهن كدهن، فأكلت وما أنكرت شيئا.
أخبرني يحيى بن عليّ قال حدّثني عليّ بن مهديّ قال حدّثنا عبد اللّه بن عطيّة الكوفيّ قال حدّثنا محمد بن عيسى الخزيميّ، وكان جار أبي العتاهية، قال:
كان لأبي العتاهية جار يلتقط النّوى ضعيف سيّ ء الحال متجمّل [4] عليه ثياب فكان يمرّ بأبي العتاهية طرفي النهار؛ فيقول أبو العتاهية: اللهم أغنه عمّا هو بسبيله، شيخ ضعيف سيّ ء الحال عليه ثياب متجمّل، اللهم أعنه، اصنع له، بارك فيه. فبقي على هذا إلى أن مات الشيخ نحوا من عشرين سنة. وو اللّه [5] إن تصدّق عليه بدرهم ولا دانق قطّ، وما زاد على الدعاء شيئا. فقلت له يوما: يا أبا إسحاق إني أراك تكثر الدعاء لهذا الشيخ وتزعم أنه فقير مقلّ، فلم لا تتصدّق عليه بشي ء؟ فقال: أخشى أن يعتاد الصّدقة، والصدقة أخر [6] كسب العبد، وإنّ في الدعاء لخيرا كثيرا.
/ قال محمد بن عيسى الخزيميّ هذا: وكان لأبي العتاهية خادم أسود طويل كأنه محراك أتّون، وكان يجري عليه في كل يوم رغيفين. فجاءني الخادم يوما فقال لي: واللّه ما أشبع. فقلت: وكيف ذاك؟ قال: لأنّي ما أفتر من الكدّ وهو يجري عليّ رغيفين بغير إدام. فإن رأيت أن تكلّمه حتى يزيدني رغيفا فتؤجر! فوعدته بذلك. فلمّا جلست معه مرّ بنا الخادم فكرهت إعلامه أنّه شكا إليّ ذلك، فقلت له: يا أبا إسحاق، كم تجري على هذا الخادم في كلّ
__________
[1] في ب، س: «ثردة» والثردة (بالضم): الاسم من ثرد الخبز أي فته ثم بلّه بمرق.
[2] تكمش الرجل: أسرع.
[3] الدبة: الوعاء للبزر والزيت.
[4] المتجمل: الفقير الذي لم يظهر على نفسه المسكنة والذل.
[5] في أ، ح، ء: «لا واللّه».
[6] أي أرذله وأدنؤه. ويجوز مد الألف.
يوم؟ قال/ رغيفين. فقلت له: لا يكفيانه. قال: من لم يكفه القليل لم يكفه الكثير، وكلّ من أعطى نفسه شهوتها هلك، وهذا خادم يدخل إلى حرمي وبناتي، فإن لم أعوّده القناعة والاقتصاد أهلكني وأهلك عيالي ومالي. فمات الخادم بعد ذلك فكفّنه في إزار وفراش له خلق. فقلت له: سبحان اللّه! خادم قديم الحرمة طويل الخدمة واجب الحق، تكفّنه في خلق، وإنما يكفيك له كفن بدينار! فقال: إنه يصير إلى البلى، والحيّ أولى بالجديد من الميّت.
فقلت له: يرحمك اللّه أبا إسحاق! فلقد عوّدته الاقتصاد حيّا وميّتا.
قال محمد بن عيسى هذا: وقف عليه ذات يوم سائل من العيّارين [1] الظّرفاء وجماعة من جيرانه حوله، فسأله من بين الجيران؛ فقال: صنع اللّه لك! فأعاد السّؤال فأعاد عليه ثانية، فأعاد عليه ثالثة فردّ عليه مثل ذلك، فغضب وقال له: ألست القائل:
كلّ حيّ عند ميتته ... حظّه من ماله الكفن
ثم قال: فباللّه عليك أتريد أن تعدّ مالك كلّه لثمن كفنك؟ قال لا. قال: فباللّه كم قدّرت لكفنك؟ قال: خمسة دنانير. قال: فهي إذا حظّك من مالك/ كلّه. قال نعم. قال: فتصدّق عليّ من غير حظّك بدرهم واحد. قال: لو تصدّقت عليك لكان حظّي. قال: فاعمل على أنّ دينارا من الخمسة الدنانير وضيعة [2] قيراط، وادفع إليّ قيراطا واحدا، وإلا فواحدة أخرى [3]. قال: وما هي؟ قال: القبور تحفر بثلاثة دراهم، فأعطني درهما وأقيم لك كفيلا بأنّي أحفر لك قبرك به متى متّ، وتربح درهمين لم يكونا في حسبانك، فإن لم أحتفر رددته على ورثتك أو ردّه كفيلي عليهم. فخجل أبو العتاهية وقال: اعزب لعنك اللّه وغضب عليك! فضحك جميع من حضر. ومرّ السائل يضحك؛ فالتفت إلينا أبو العتاهية فقال: من أجل هذا وأمثاله حرّمت الصدقة. فقلنا له: ومن حرّمها ومتى حرّمت! فما رأينا أحدا ادّعى أنّ الصدقة حرّمت قبله ولا بعده.
قال محمد بن عيسى هذا: وقلت لأبي العتاهية: أتزكّي مالك؟ فقال: واللّه ما أنفق على عيالي إلّا من زكاة مالي. فقلت: سبحان اللّه! إنما ينبغي أن تخرج زكاة مالك إلى الفقراء والمساكين. فقال: لو انقطعت عن عيالي زكاة مالي لم يكن في الأرض أفقر منهم.
سئل عن أحكم شعره فأجاب:
أخبرني عيسى بن الحسين الورّاق قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال:
قال سليمان بن أبي شيخ قال إبراهيم بن أبي شيخ قلت لأبي العتاهية: أيّ شعر قلته أحكم؟ قال قولي:
علمت يا مجاشع بن مسعده ... أنّ الشّباب والفراغ والجده
مفسدة للمرء أيّ مفسده
عاتب عمرو بن مسعدة على عدم قضاء حاجته بعد موت أخيه:
أخبرني عيسى قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثنا أبو غزيّة قال:
__________
[1] العيار: الكثير الطواف والذي يتردّد بلا عمل.
[2] الوضيعة: الحطيطة.
[3] في ب، س: «فواحدا آخر قال وما ذلك».
كان مجاشع بن مسعدة أخو عمرو بن مسعدة صديقا لأبي العتاهية، فكان يقوم بحوائجه كلّها ويخلص مودّته، فمات، وعرضت لأبي العتاهية حاجة إلى أخيه عمرو بن مسعدة فتباطأ فيها؛ فكتب إليه أبو العتاهية:
غنيت عن العهد القديم غنيتا ... وضيّعت ودّا بيننا ونسيتا
ومن عجب الأيّام أن مات مألفي ... ومن كنت تغشاني به وبقيتا
/ فقال عمرو: استطال أبو إسحاق أعمارنا وتوعّدنا، ما بعد هذا خير، ثم قضى حاجته.
فارق أبا غزية في المدينة وأنشده شعرا:
أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير قال حدّثنا أبو غزيّة قال:
كان أبو العتاهية إذا قدم من [1] المدينة يجلس إليّ؛ فأراد مرّة الخروج من المدينة فودّعني ثم قال:
إن نعش نجتمع وإلّا فما أش ... غل من مات عن جميع الأنام
طالبه غلام من التجار بمال فقال فيه شعرا أخجله:
أخبرني أحمد بن العبّاس العسكريّ قال حدّثنا الحسن بن عليل العنزيّ قال حدّثني عبد الرحمن بن إسحاق العذريّ قال:
كان لبعض التّجّار من أهل باب الطّاق [2] على أبي العتاهية ثمن ثياب أخذها منه. فمرّ به يوما، فقال صاحب الدّكّان لغلام ممن يخدمه حسن الوجه: أدرك أبا العتاهية فلا تفارقه حتى تأخذ منه مالنا [3] عنده؛ فأدركه على رأس الجسر،/ فأخذ بعنان حماره ووقفه [4]. فقال له: ما حاجتك يا غلام؟ قال: أنا رسول فلان، بعثني إليك لآخذ ماله عليك. فأمسك عنه أبو العتاهية؛ وكان كلّ من مرّ فرأى الغلام متعلّقا به وقف ينظر، حتى رضي أبو العتاهية جمع الناس وحفلهم، ثم أنشأ يقول:
واللّه ربّك إنّني ... لأجلّ وجهك عن فعالك
لو كان فعلك مثل وج ... هك كنت مكتفيا بذلك
فخجل الغلام وأرسل عنان الحمار، ورجع إلى صاحبه، وقال: بعثتني إلى شيطان جمع عليّ الناس وقال فيّ الشعر حتى أخجلني فهربت منه.
حجبه حاجب عمرو بن مسعدة فقال فيه شعرا:
أخبرني أحمد بن العبّاس قال حدّثنا العنزيّ قال قال إبراهيم بن إسحاق بن إبراهيم التّيميّ: حدّثني إبراهيم بن حكيم قال:
__________
[1] كذا في جميع النسخ. والسياق يقتضي حذف «من» كما هو ظاهر.
[2] باب الطاق: محلة كبيرة ببغداد بالجانب الشرقيّ تعرف بطاق أسماه.
[3] في س، ب: «ما كان عنده».
[4] حكى عن بعضهم أنه قال: ما يمسك باليد يقال فيه: أوقفت (بالألف)، وما لا يمسك باليد يقال فيه: وقفت (بغير ألف). والفصيح وقفت بغير ألف في جميع الباب إلا في قولك: ما أوقفك هاهنا؟ وأنت تريد: أيّ شأن حملك على الوقوف. (انظر «المصباح المنير» مادة وقف).
كان أبو العتاهية يختلف إلى عمرو بن مسعدة لود كان بينه وبين أخيه مجاشع. فاستأذن عليه يوما فحجب عنه، فلزم منزله. فاستبطأه عمرو؛ فكتب إليه: إنّ الكسل يمنعني من لقائك؛ وكتب في أسفل رقعته:
كسّلني اليأس منك عنك فما ... أرفع طرفي إليك من كسل
إنّي إذا لم يكن أخي ثقة ... قطّعت منه حبائل الأمل
حدّثني عليّ بن سليمان الأخفش قال حدّثني محمد بن يزيد النّحويّ قال:
استأذن أبو العتاهية على عمرو بن مسعدة فحجب عنه؛ فكتب إليه:
/ مالك قد حلت عن إخائك واس ... تبدلت يا عمرو شيمة كدره
إنّي إذا الباب تاه حاجبه ... لم يك عندي في هجره نظره
لستم ترجّون للحساب ولا ... يوم تكون السماء منفطره
لكن لدنيا كالظلّ بهجتها ... سريعة الانقضاء منشمره
قد كان وجهي لديك معرفة ... فاليوم أضحى حرفا من النّكره
قصيدته في هجو عبد اللّه بن معن وما كان بينهما:
أخبرني محمد بن القاسم الأنباريّ قال حدّثنا أبو عكرمة قال:
كان الرّشيد إذا رأى عبد اللّه بن معن بن زائدة تمثّل قول أبي العتاهية:
أخت بني شيبان مرّت بنا ... ممشوطة كورا [1] على بغل
/ وأوّل هذه الأبيات:
يا صاحبي رحلي لا تكثرا ... في شتم عبد اللّه من عذل
سبحان من خصّ ابن معن بما ... أرى به من قلّة العقل
قال ابن معن وجلا نفسه ... على من الجلوة يا أهلي
أنا فتاة الحيّ من وائل ... في الشّرف الشّامخ والنّبل
ما في بني شيبان أهل الحجا ... جارية واحدة مثلي
ويلي ويا لهفي على أمرد ... يلصق منّي القرط بالحجل [2]
صافحته يوما على خلوة ... فقال دع كفي وخذ رجلي
أخت بني شيبان مرّت بنا ... ممشوطة كورا على بغل
تكنى أبا الفضل ويا من رأى ... جارية تكنى أبا الفضل
/ قد نقّطت في وجهها نقطة ... مخافة العين من الكحل
__________
[1] الكور: الرحل.
[2] الحجل (بفتح الحاء وكسرها): الخلخال.
إن زرتموها قال حجّابها ... نحن عن الزّوّار في شغل
مولاتنا مشغولة عندها ... بعل ولا إذن على البعل
يا بنت معن الخير لا تجهلي ... وأين إقصار عن الجهل
أتجلد الناس وأنت امرؤ ... تجلد في الدّبر وفي القبل
ما ينبغي للنّاس أن ينسبوا ... من كان ذا جود إلى البخل
يبذل ما يمنع أهل الندى ... هذا لعمري منتهى البذل
ما قلت هذا فيك إلّا وقد ... جفّت به الأقلام من قبلي
قال: فبعث إليه عبد اللّه بن معن، فأتي به؛ فدعا بغلمان له ثم أمرهم أن يرتكبوا منه الفاحشة، ففعلوا ذلك، ثم أجلسه وقال له: قد جزيتك على قولك فيّ، فهل لك في الصّلح ومعه مركب وعشرة آلاف درهم أو تقيم على الحرب؟ قال: بل الصلح. قال: فأسمعني ما تقوله في الصلح؛ فقال:
ما لعذّالي ومالي ... أمروني بالضّلال
عذلوني في اغتفاري ... لابن معن واحتمالي
إن يكن ما كان منه ... فبجرمي وفعالي
أنا منه كنت أسوا ... عشرة في كلّ حال
قل لمن يعجب من حس ... ن رجوعي ومقالي
ربّ ودّ بعد صدّ ... وهوى بعد تقالي [1]
قد رأينا ذا كثيرا ... جاريا بين الرّجال
إنما كانت يميني ... لطمت منّي شمالي
حب سعدى التي كان يحبها ابن معن ثم هجاها:
/ حدّثني محمد بن يحيى الصّوليّ قال حدّثنا محمد بن موسى اليزيديّ قال حدّثنا أبو سويد عبد القويّ بن محمد بن أبي العتاهية ومحمد بن سعد قالا [2]:
كان أبو العتاهية يهوى في/ حداثته امرأة نائحة من أهل الحيرة لها حسن وجمال يقال لها سعدى؛ وكان عبد اللّه بن معن بن زائدة المكنّى بأبي الفضل يهواها أيضا، وكانت مولاة لهم، ثم اتّهمها أبو العتاهية بالنّساء، فقال فيها:
ألا يا ذوات السّحق في الغرب والشّرق ... أفقن فإنّ النّيك أشفى من السّحق
أفقن فإنّ الخبز بالأدم يشتهى ... وليس يسوغ الخبز بالخبز في الحلق
__________
[1] التقالى: التباغض.
[2] في جميع النسخ: «قال» بالإفراد.
أراكنّ ترقعن الخروق بمثلها ... وأيّ لبيب يرقع الخرق بالخرق
وهل يصلح المهراس [1] إلا بعوده ... إذا احتيج منه ذات يوم إلى الدّقّ
حدّثني الصّوليّ قال حدّثني الغلابيّ قال حدّثني مهديّ بن سابق قال:
تهدّد عبد اللّه بن معن أبا العتاهية وخوّفه ونهاه أن يعرض لمولاته سعدى؛ فقال أبو العتاهية:
ألا قل لابن معن ذا ال ... ذي في الودّ قد حالا
لقد بلّغت ما قال ... فما باليت ما قالا
ولو كان من الأسد ... لما صال ولا هالا
فصغ ما كنت حلّيت ... به سيفك خلخالا
وما تصنع بالسيف ... إذا لم تك قتّالا
ولو مدّ إلى أذني ... ه كفّيه لما نالا
قصير الطّول والطّيل ... ة [2] لا شبّ ولا طالا
أرى قومك أبطالا ... وقد أصبحت بطّالا
ضربه عبد اللّه بن معن فهجاه:
حدّثنا الصّوليّ قال حدّثنا محمد بن موسى قال حدّثني سليمان المدائنيّ قال:
احتال عبد اللّه بن معن على أبي العتاهية حتى أخذ في مكان فضربه مائة سوط ضربا ليس بالمبرّح غيظا عليه، وإنما لم يعنف في ضربه خوفا من كثرة من يعنى به؛ فقال أبو العتاهية يهجوه:
جلدتني بكفّها ... بنت معن بن زائده
جلدتني فأوجعت ... بأبي تلك جالده
وتراها مع الخص ... يّ على الباب قاعده
تتكنّى كنى الرجا ... ل بعمد مكايده
جلدتني وبالغت ... مائة غير واحده
اجلديني واجلدي ... إنّما أنت والده
وقال أيضا:
ضربتني بكفّها بنت معن ... أوجعت كفّها وما أوجعتني
ولعمري لو لا أذى كفّها إذ ... ضربتني بالسّوط ما تركتني
__________
[1] المهراس: الهاون.
[2] الطيلة هنا: العمر.
توعده يزيد بن معن لهجائه أخاه فهجاه:
قال الصّوليّ: حدّثنا عون بن محمد ومحمد بن موسى قالا:
لمّا اتصل هجاء أبي العتاهية/ بعبد اللّه بن معن وكثر، غضب أخوه يزيد بن معن من ذلك وتوعّد أبا العتاهية؛ فقال فيه قصيدته التي أوّلها:
بنى معن ويهدمه يزيد ... كذاك اللّه يفعل ما يريد
فمعن كان للحسّاد غمّا ... وهذا قد يسرّ به الحسود
يزيد يزيد في منع وبخل ... وينقص في العطاء ولا يزيد
مصالحته أولاد معن:
حدّثني الصّوليّ قال حدّثني جبلة بن محمد قال حدّثني أبي قال:
مضى بنو معن إلى مندل وحيّان ابني عليّ العنزيّين الفقيهين - وهما من بني عمرو بن عامر بطن من يقدم بن عنزة، وكانا من سادات أهل الكوفة - فقالوا لهما: نحن بيت واحد وأهل، ولا فرق بيننا، وقد أتانا من مولاكم هذا ما لو أتانا من بعيد الولاء لوجب أن تردعاه. فأحضرا أبا العتاهية، ولم يكن يمكنه الخلاف عليهما، فأصلحا بينه وبين عبد اللّه ويزيد ابني معن، وضمنا عنه خلوص النيّة، وعنهما ألّا يتبعاه بسوء، وكانا ممّن لا يمكن خلافهما، فرجعت الحال إلى المودّة والصّفاء. فجعل الناس يعذلون أبا العتاهية على ما فرط منه، ولامه آخرون في صلحه لهما؛ فقال:
ما لعذّالي ومالي ... أمروني بالضّلال
وقد كتبت متقدّمة.
رثاؤه زائدة بن معن:
حدّثني الصّوليّ قال حدّثنا محمد بن موسى قال:
كان زائدة بن معن صديقا لأبي العتاهية ولم يعن إخوته عليه، فمات؛ فقال أبو العتاهية يرثيه:
حزنت لموت زائدة بن معن ... حقيق أن يطول عليه حزني
فتى الفتيان زائدة المصفّى ... أبو العباس كان أخي وخدني
فتى قوم وأيّ فتى توارت ... به الأكفان تحت ثرى ولبن [1]
ألا يا قبر زائدة بن معن ... دعوتك كي تجيب فلم تجبني
سل الأيّام عن أركان قومي ... أصبن بهنّ ركنا بعد ركن
كان عبد اللّه بن معن يخجل إذا لبس السيف لهجوه فيه:
أخبرني الصّوليّ قال حدّثنا الحسن بن عليّ الرازيّ القارىء قال حدّثني أحمد بن أبي فنن قال:
__________
[1] اللبن (بكسر فسكون لغة في اللبن ككتف، ويقال فيه: اللبن بكسرتين مثل إبل): المضروب من الطين مربعا للبناء.
كنّا عند ابن الأعرابيّ، فذكروا قول ابن نوفل في عبد الملك بن عمير:
إذا ذات دلّ كلّمته لحاجة ... فهمّ بأن يقضي تنحنح أو سعل
وأن عبد الملك قال: تركني واللّه وإنّ السّعلة لتعرض لي في الخلاء فأذكر قوله فأهاب أن أسعل. قال: فقلت لابن الأعرابيّ: فهذا أبو العتاهية قال في عبد اللّه بن معن بن زائدة:
فصغ ما كنت حلّيت ... به سيفك خلخالا
وما تصنع بالسّيف ... إذا لم تك قتّالا
فقال عبد اللّه بن معن: ما لبست سيفي قطّ فرأيت إنسانا يلمحني إلا ظننت أنه يحفظ قول أبي العتاهية فيّ، فلذلك يتأمّلني فأخجل. فقال ابن الأعرابيّ: اعجبوا لعبد يهجو مولاه. قال: وكان ابن الأعرابيّ مولى بني شيبان.
ناظر مسلم بن الوليد في قول الشعر:
نسخت من كتاب هارون بن عليّ بن يحيى:/ حدّثني عليّ بن مهديّ قال حدّثني الحسين بن أبي السّريّ قال:
اجتمع أبو العتاهية ومسلم بن الوليد الأنصاريّ في بعض المجالس، فجرى بينهما كلام؛ فقال له مسلم: واللّه لو كنت أرضى أن أقول مثل قولك:
الحمد والنعمة لك ... والملك لا شريك لك
لبيك إنّ الملك لك
/ لقلت في اليوم عشرة آلاف بيت، ولكنّي أقول:
موف على مهج في يوم ذي رهج [1] ... كأنّه أجل يسعى إلى أمل
ينال بالرّفق ما يعيا الرجال به ... كالموت مستعجلا يأتي على مهل
يكسو السيوف نفوس الناكثين به ... ويجعل الهام تيجان القنا الذّبل
للّه من هاشم في أرضه جبل ... وأنت وابنك ركنا ذلك الحبل
فقال له أبو العتاهية: قل مثل قولي:
الحمد والنّعمة لك
أقل مثل قولك:
كأنّه أجل يسعى إلى أمل
تقارض هو وبشار الثناء على شعريهما:
حدّثني الصّوليّ قال حدّثنا الغلابيّ قال حدّثنا مهديّ بن سابق قال:
__________
[1] في يوم ذي رهج: أي في يوم ذي غبار من الحرب. وفي «ديوان مسلم» (طبع مدينة ليدن ص 9):
موف على مهج واليوم ذو رهج
قال بشّار لأبي العتاهية: أنا واللّه أستحسن اعتذارك من دمعك حيث تقول:
كم من صديق لي أسا ... رقه البكاء من الحياء
فإذا تأمّل لامني ... فأقول ما بي من بكاء
لكن ذهبت لأرتدي ... فطرفت عيني بالرّداء
فقال له أبو العتاهية: لا واللّه يا أبا معاذ، ما لذت إلّا بمعناك ولا اجتنيت إلا من غرسك حيث تقول:
صوت
شكوت إلى الغواني ما ألاقي ... وقلت لهنّ ما يومي بعيد
فقلن بكيت قلت لهنّ كلّا ... وقد يبكي من الشّوق الجليد
ولكنّي أصاب سواد عيني ... عويد قدى له طرف حديد
فقلن فما لدمعهما سواء ... أكلتا مقلتيك أصاب عود
لإبراهيم الموصليّ في هذه الأبيات لحن من الثّقيل الأوّل بالوسطى مطلق.
شكا إليه محمد بن الفضل الهاشميّ جفاء السلطان فقال شعرا:
أخبرني الحسن بن عليّ الخفّاف قال حدّثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدّثني محمد بن هارون الأزرقيّ مولى بني هاشم عن ابن عائشة عن ابن لمحمد بن الفضل الهاشميّ قال:
جاء أبو العتاهية إلى أبي فتحدّثا ساعة، وجعل أبي يشكو إليه تخلّف الصّنعة [1] وجفاء السلطان. فقال لي أبو العتاهية: اكتب:
كلّ على الدّنيا له حرص ... والحادثات أناتها غفص [2]
وكأنّ من واروه في جدث ... لم يبد منه لناظر شخص
تبغي من الدنيا زيادتها ... وزيادة الدنيا هي النّقص
ليد المنيّة في تلطّفها ... عن ذخر كلّ شفيقة فحص
حبسه الرشيد ثم عفا عنه وأجازه:
حدّثني عمرو قال حدّثني عليّ بن محمد الهشاميّ [3] عن جدّه ابن حمدون قال أخبرني مخارق/ قال:
لمّا تنسّك [4] أبو العتاهية ولبس الصوف، أمره الرشيد أن يقول شعرا في الغزل، فامتنع؛ فضربه الرشيد ستين عصا، وحلف ألّا يخرج من حبسه حتى يقول شعرا/ في الغزل. فلمّا رفعت المقارع عنه قال أبو العتاهية: كلّ
__________
[1] كذا في الأصول. ولعلها: «الصنيعة».
[2] الغفص: الختل.
[3] في جميع النسخ: «الشامي» وهو تحريف.
[4] في ح: «تقرّأ» ومعناه: تنسك.
مملوك له حرّ وامرأته طالق إن تكلّم سنة إلّا بالقرآن أو بلا إله إلّا اللّه محمد رسول اللّه. فكأنّ الرشيد تحزّن مما فعله، فأمر أن يحبس في دار ويوسّع عليه، ولا يمنع من دخول من يريد إليه. قال مخارق: وكانت الحال بينه وبين إبراهيم الموصليّ لطيفة، فكان يبعثني إليه في الأيام أتعرّف خبره. فإذا دخلت وجدت بين يديه ظهرا [1] ودواة، فيكتب إليّ ما يريد، وأكلّمه. فمكث هكذا سنة. واتّفق أنّ إبراهيم الموصليّ صنع صوته:
صوت
أعرفت دار الحيّ بالحجر ... فشدوريان فقنّة الغمر [2]
وهجرتنا وألفت رسم بلى ... والرسم كان أحقّ بالهجر
- لحن إبراهيم في هذا الشعر خفيف رمل بالوسطى. وفيه لإسحاق رمل بالوسطى - قال مخارق: فقال لي إبراهيم: اذهب إلى أبي العتاهية حتى تغنّيه هذا الصوت. فأتيته في اليوم الذي انقضت فيه يمينه، فغنّيته إيّاه. فكتب إليّ بعد أن غنّيته: هذا اليوم تنقضي فيه يميني، فأحبّ أن تقيم عندي إلى الليل؛ فأقمت عنده نهاري كلّه، حتى إذا أذّن الناس المغرب كلّمني، فقال: يا مخارق. قلت: لبّيك. قال: قل لصاحبك: يابن الزانية! أما واللّه لقد أبقيت للناس فتنة إلى يوم القيامة، فانظر أين أنت من اللّه غدا! قال مخارق: فكنت أوّل من أفطر على كلامه؛ فقلت: دعني من هذا، هل قلت شيئا للتخلّص من هذا الموضع؟ فقال: نعم، قد قلت في امرأتي شعرا. قلت: هاته؛ فأنشدني:
صوت
من لقلب متيّم مشتاق ... شفّه شوقه وطول الفراق
طال شوقي إلى قعيدة بيتي ... ليت شعري فهل لنا من تلاقي
هي حظّي قد اقتصرت عليها ... من ذوات العقود والأطواق
جمع اللّه عاجلا بك شملي ... عن قريب وفكّني من وثاقي
قال: فكتبتها وصرت بها إلى إبراهيم؛ فصنع فيها لحنا، ودخل بها على الرشيد؛ فكان أوّل صوت غنّاه إيّاه في ذلك المجلس؛ وسأله: لمن الشعر والغناء؟ فقال إبراهيم: أمّا الغناء فلي، وأما الشعر فلأسيرك أبي العتاهية.
فقال: أو قد فعل؟ قال: نعم قد كان ذلك. فدعا به، ثم قال لمسرور الخادم: كم ضربنا أبا العتاهية؟ قال: ستين عصا، فأمر له بستين ألف درهم وخلع عليه وأطلقه.
غضب عليه الرشيد وترضّاه له الفضل:
نسخت من كتاب هارون بن عليّ بن يحيى: حدّثني عليّ بن مهديّ قال حدّثنا الحسين بن أبي السّريّ قال:
قال لي الفضل بن العباس: وجد الرشيد وهو بالرّقّة على/ أبي العتاهية وهو بمدينة السّلام، فكان أبو العتاهية
__________
[1] لعله يريد بالظهر هنا الريش الذي يظهر من ريش الطائر وجمعه ظهار كعرق وعراق. ويظهر أنه كان من عادتهم الكتابة به كالأقلام.
[2] القنة: ذروة الحبل وأعلاه. والغمر: جبل بحذاء توّز. وتوز: من منازل طريق مكة من البصرة معدود في أعمال اليمامة. أما «شدوريان» فلم نهتد إليه.
يرجو أن يتكلّم الفضل بن الربيع في أمره، فأبطأ عليه بذلك؛ فكتب إليه أبو العتاهية:
أجفوتني فيمن جفاني ... وجعلت شأنك غير شأني
ولطالما أمّنتني ... ممّا أرى كلّ الأمان
حتّى إذا انقلب الزّما ... ن عليّ صرت مع الزمان
فكلّم الفضل فيه الرشيد فرضي عنه. وأرسل إليه الفضل يأمره بالشخوص. ويذكر له أنّ أمير المؤمنين قد رضي عنه؛ فشخص إليه. فلما دخل إلى الفضل أنشده قوله فيه:
/قد دعوناه نائيا فوجدنا ... ه على نأيه قريبا سميعا
فأدخله إلى الرشيد، فرجع إلى حالته الأولى.
كان يزيد بن منصور يحبه ويقربه فرثاه عند صوته:
أخبرنا يحيى بن عليّ بن يحيى إجازة قال حدّثني عليّ بن مهديّ قال حدّثني الحسين بن أبي السّريّ قال:
كان يزيد بن منصور خال المهديّ يتعصب لأبي العتاهية؛ لأنه كان يمدح اليمانية أخوال المهديّ في شعره؛ فمن ذلك قوله:
صوت
سقيت الغيث يا قصر السّلام ... فنعم محلّة الملك الهمام
لقد نشر الإله عليك نورا ... وحفّك بالملائكة الكرام
سأشكر نعمة المهديّ حتّى ... تدور عليّ دائرة الحمام
له بيتان بيت تبّعيّ ... وبيت حلّ بالبلد الحرام
قال: وكان أبو العتاهية طول حياة يزيد بن منصور يدّعي أنه مولى لليمن وينتفي من عنزة؛ فلمّا مات يزيد رجع إلى ولائه الأوّل. فحدّثني الفضل بن العبّاس قال: قلت له: ألم تكن تزعم أنّ ولاءك لليمن؟! قال: ذلك شيء احتجنا إليه في ذلك الزمن، وما في واحد ممّن انتميت إليه خير، ولكنّ الحقّ أحقّ أن يتّبع. وكان ادّعى ولاء اللّخميّين. قال: وكان يزيد بن منصور من أكرم النّاس وأحفظهم لحرمة، وأرعاهم لعهد، وكان بارّا بأبي العتاهية، كثيرا فضله عليه؛ وكان أبو العتاهية منه في منعة وحصن حصين مع كثرة ما يدفعه إليه ويمنعه من المكاره. فلمّا مات قال أبو العتاهية يرثيه:
/أنعى يزيد بن منصور إلى البشر ... أنعى يزيد لأهل البدو والحضر
يا ساكن الحفرة المهجور ساكنها ... بعد المقاصر والأبواب والحجر
وجدت فقدك في مالي وفي نشبي ... وجدت فقدك في شعري وفي بشري [1]
فلست أدري جزاك اللّه صالحة ... أمنظري اليوم أسوأ فيك أم خبري
__________
[1] في «ديوانه»: «شعري (بكسر الشين) وفي نثري».
استحسن شعره بشار وقد اجتمعا عند المهدي:
حدّثنا ابن عمّار قال حدّثنا محمد بن إبراهيم بن خلف قال حدّثني أبي قال:
حدّثت أنّ المهديّ جلس للشّعراء يوما، فأذن لهم وفيهم بشّار وأشجع، وكان أشجع يأخذ عن بشّار/ ويعظّمه، وغير هذين، وكان في القوم أبو العتاهية. قال أشجع: فلمّا سمع بشار كلامه قال: يا أخا سليم، أهذا ذلك الكوفيّ الملقّب؟ قلت نعم. قال: لا جزى اللّه خيرا من جمعنا معه. ثم قال له المهديّ: أنشد؛ فقال: ويحك! أو يبدأ فيستنشد أيضا قبلنا؟! فقلت: قد ترى. فأنشد:
ألا ما لسيّدتي ما لها ... أدلّا فأحمل إدلالها
وإلّا ففيم تجنّت وما ... جنيت سقى اللّه أطلالها
ألا إنّ جارية للإما ... م قد أسكن الحبّ سربالها
مشت بين حور قصار الخطا ... تجاذب في المشي أكفالها
وقد أتعب اللّه نفسي بها ... وأتعب باللّوم عذّالها
قال أشجع: فقال لي بشّار: ويحك يا أخا سليم! ما أدري من أيّ أمريه أعجب: أمن ضعف شعره، أم من تشبيبه بجارية الخليفة، يسمع ذلك بأذنه! حتى أتى على قوله:
أتته الخلافة منقادة ... إليه تجرّر أذيالها
ولم تك تصلح إلّا له ... ولم يك يصلح إلّا لها
/ ولو رامها أحد غيره ... لزلزلت الأرض زلزالها
ولو لم تطعه بنات القلوب [1] ... لما قبل اللّه أعمالها
وإنّ الخليفة من بغض لا ... إليه ليبغض من قالها
قال أشجع: فقال لي بشّار وقد اهتزّ طربا: ويحك يا أخا سليم! أترى الخليفة لم يطر عن فرشه طربا لما يأتي به هذا الكوفيّ؟
شنّع عليه منصور بن عمار ورماه بالزندقة:
أخبرني يحيى بن عليّ إجازة قال حدّثني ابن مهرويه قال حدّثني العبّاس بن ميمون قال حدّثني رجاء بن سلمة قال:
سمعت أبا العتاهية يقول: قرأت البارحة (عَمَّ يَتَساءَلُونَ)
، ثم قلت قصيدة أحسن منها. قال: وقد قيل: إنّ منصور بن عمّار شنّع عليه بهذا.
قال يحيى بن عليّ حدّثنا ابن مهرويه قال حدّثني أبو عمر القرشيّ قال:
لمّا قصّ منصور بن عمّار على الناس مجلس البعوضة [2] قال أبو العتاهية: إنما سرق منصور هذا الكلام من
__________
[1] بنات القلوب: النيات.
[2] يريد بذلك أنه قص ما يتعلق بالبعوضة من خلقها وصفتها وما أودعه اللّه فيها من الأسرار، فأطلق المكان - وهو المجلس - وأراد ما
رجل كوفيّ. فبلغ قوله منصورا فقال: أبو العتاهية زنديق، أما ترونه لا يذكر في شعره الجنة ولا النار، وإنما يذكر الموت فقط! فبلغ ذلك أبا العتاهية، فقال فيه:
يا واعظ الناس قد أصبحت متّهما ... إذ عبت منهم أمورا أنت تأتيها
كالملبس الثوب من عري وعورته ... للناس بادية ما إن يواريها
/ فأعظم الإثم بعد الشّرك نعلمه ... في كلّ نفس عماها عن مساويها
عرفانها بعيوب الناس تبصرها ... منهم ولا تبصر العيب الذي فيها
فلم تمض إلّا أيام يسيرة حتى مات منصور بن عمّار، فوقف أبو العتاهية على قبره وقال: يغفر اللّه لك أبا السّريّ ما كنت رميتني به.
وشى به إلى حمدويه صاحب الزنادقة فتحقق أمره وتركه:
أخبرني محمد بن يحيى قال حدّثنا محمد بن موسى قال أخبرني النّسائيّ عن محمد بن أبي العتاهية قال:
كانت لأبي العتاهية جارة تشرف عليه، فرأته ليلة يقنت، فروت عنه أنه يكلّم القمر، واتّصل الخبر بحمدويه صاحب الزنادقة،/ فصار إلى منزلها وبات وأشرف على أبي العتاهية ورآه يصلّي، ولم يزل يرقبه حتى قنت وانصرف إلى مضجعه، وانصرف حمدويه خاسئا.
قال شعرا يدل على توحيده ليتناقله الناس:
حدّثنا محمد بن يحيى قال حدّثنا محمد بن الرّياشيّ قال حدّثنا الخليل بن أسد النّوشجانيّ قال:
جاءنا أبو العتاهية إلى منزلنا فقال: زعم الناس أنّي زنديق، واللّه ما ديني إلى التّوحيد. فقلنا له: فقل شيئا نتحدّث به عنك؛ فقال:
ألا إنّنا كلّنا بائد ... وأيّ بني آدم خالد
وبدؤهم كان من ربّهم ... وكلّ إلى ربّه عائد
فيا عجبا كيف يعصى الإل ... ه أم كيف يجحده الجاحد
وفي كلّ شيء له آية ... تدلّ على أنه واحد
أرجوزته المشهورة وقوّة شعرها:
أخبرني أبو دلف هاشم بن محمد الخزاعيّ قال:
تذاكروا يوما شعر أبي العتاهية بحضرة الجاحظ؛ إلى أن جرى ذكر أرجوزته المزدوجة التي سمّاها «ذات الأمثال»؛ فأخذ بعض من حضر ينشدها حتى أتى على قوله:
يا للشّباب المرح التّصابي ... روائح الجنّة في الشّباب
__________
() يقع فيه. وهذا المجاز كثير الاستعمال. وقد تكلم الإمام الغزالي في «الإحياء» في باب المحبة على البعوضة (راجع ج 4 ص 247 طبع المطبعة الميمنية بمصر سنة 1306 ه) وتكلم عليها الدميريّ أيضا في «حياة الحيوان» (راجع ج 1 ص 159 - 166 طبع بولاق).
فقال الجاحظ للمنشد: قف، ثم قال: انظروا إلى قوله:
روائح الجنّة في الشّباب
فإنّ له معنى كمعنى الطّرب الذي لا يقدر على معرفته إلا القلوب، وتعجز عن ترجمته الألسنة إلا بعد التطويل وإدامة التفكير. وخير المعاني ما كان القلب إلى قبوله أسرع من اللسان إلى وصفه. وهذه الأرجوزة من بدائع أبي العتاهية، ويقال: إن [له] [1] فيها أربعة آلاف مثل. منها قوله:
حسبك ممّا تبتغيه القوت ... ما أكثر القوت لمن يموت
الفقر فيما جاوز الكفافا ... من اتّقى اللّه رجا وخافا
هي المقادير فلمني أو فذر ... إن كنت أخطأت فما أخطأ القدر
لكلّ ما يؤذي وإن قلّ ألم ... ما أطول اللّيل على من لم ينم
ما انتفع المرء بمثل عقله ... وخير ذخر المرء حسن فعله
إنّ الفساد ضدّه الصّلاح ... وربّ جدّ جرّه المزاح
من جعل النّمّام عينا هلكا ... مبلغك الشرّ كباغيه لكا
إنّ الشّباب والفراغ والجده ... مفسدة للمرء أيّ مفسده
/ يغنيك عن كلّ قبيح تركه ... يرتهن الرأي الأصيل شكّه
ما عيش من آفته بقاؤه ... نغّص عيشا كلّه فناؤه [2]
يا ربّ من أسخطنا بجهده ... قد سرّنا اللّه بغير حمده
ما تطلع الشمس ولا تغيب ... إلّا لأمر شأنه عجيب
لكلّ شيء معدن وجوهر ... وأوسط وأصغر وأكبر
/ من لك بالمحض وكلّ ممتزج ... وساوس في الصّدر منه تعتلج
وكلّ شيء لاحق بجوهره ... أصغره متّصل بأكبره
ما زالت الدنيا لنا دار أذى ... ممزوجة الصّفو بألوان القذى
الخير والشرّ بها أزواج ... لذا نتاج ولذا نتاج
من لك بالمحض وليس محض ... يخبث بعض ويطيب بعض
لكلّ إنسان طبيعتان ... خير وشرّ وهما ضدّان
إنّك لو تستنشق الشّحيحا ... وجدته أنتن شيء ريحا
والخير والشرّ إذا ما عدّا ... بينهما بون بعيد جدّا
__________
[1] الزيادة عن أ، م.
[2] في «ديوانه» ص 348: « ... عيشا طيّبا فناؤه».
عجبت حتى غمّني السكوت ... صرت كأنّي حائر مبهوت
كذا قضى اللّه فكيف أصنع ... الصمت إن ضاق الكلام أوسع
وهي طويلة جدّا، وإنما ذكرت هذا القدر منها حسب ما استاق الكلام من صفتها.
برمه بالناس وذمهم في شعره:
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا ابن مهرويه عن روح بن الفرج قال:
شاور رجل أبا العتاهية فيما ينقشه على خاتمه؛ فقال: انقش عليه: لعنة اللّه على الناس؛ وأنشد:
/برمت بالناس وأخلاقهم ... فصرت أستأنس بالوحده
ما أكثر الناس لعمري وما ... أقلّهم في حاصل العدّه
مدح عمر بن العلاء فأجازه وفضله على الشعراء:
حدّثنا الصّوليّ قال حدّثنا الغلابيّ قال حدّثنا عبد اللّه بن الضحّاك: أنّ عمر بن العلاء مولى عمرو بن حريث صاحب المهديّ كان ممدّحا، فمدحه أبو العتاهية، فأمر له بسبعين ألف درهم؛ فأنكر ذلك بعض الشعراء وقال:
كيف فعل هذا بهذا الكوفيّ! وأيّ شيء مقدار شعره! فبلغه ذلك، فأحضر الرجل وقال له: واللّه إنّ الواحد منكم ليدور على المعنى فلا يصيبه، ويتعاطاه فلا يحسنه، حتى يشبّب بخمسين بيتا، ثم يمدحنا ببعضها، وهذا كأنّ المعاني تجمع له، مدحني فقصّر التشبيب، وقال:
إنّي أمنت من الزمان وريبه ... لمّا علقت من الأمير حبالا
لو يستطيع الناس من إجلاله ... لحذوا له حرّ الوجوه نعالا
صوت
إنّ المطايا تشتكيك لأنّها ... قطعت إليك سباسبا [1] ورمالا
فإذا وردن بنا وردن مخفّة [2] ... وإذا رجعن بنا رجعن ثقالا
أخذ هذا المعنى من قول نصيب:
فعاجوا فأثنوا بالذي أنت أهله ... ولو سكتوا أثنت عليك الحقائب
رأى العتابي فيه:
حدّثنا الصّوليّ قال حدّثنا محمد بن عون قال حدّثني محمد بن النّضر كاتب غسّان بن عبد اللّه قال:
/ أخرجت رسولا إلى عبد اللّه بن طاهر وهو يريد مصر، فنزلت على العتّابيّ، وكان لي صديقا، فقال: أنشدني لشاعر العراق - يعني أبا نواس، وكان قد مات - فأنشدته/ ما كنت أحفظ من ملحه، وقلت له: ظننتك تقول هذا لأبي العتاهية. فقال: لو أردت أبا العتاهية لقلت لك: أنشدني لأشعر الناس، ولم أقتصر على العراق.
__________
[1] سباسب: جمع سبسب، وهو الأرض القفر البعيدة.
[2] مخفة: قليلة الحمل. وفي «ديوانه» (طبع بيروت): «خفائفا».
ملاحظته على سهولة الشعر لمن يعالجه:
أخبرني عمّي قال حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد قال حدّثني هارون بن سعدان عن شيخ من أهل بغداد قال:
قال أبو العتاهية: أكثر الناس يتكلّمون بالشعر وهم لا يعلمون، ولو أحسنوا تأليفه كانوا شعراء كلّهم. قال:
فبينما نحن كذلك إذ قال رجل لآخر عليه مسح [1]: «يا صاحب المسح تبيع المسح؟» [2]. فقال لنا أبو العتاهية: هذا من ذلك، ألم تسمعوه يقول:
يا صاحب المسح تبيع المسحا
قد قال شعرا وهو لا يعلم. ثم قال الرجل: «تعال إن كنت تريد الرّبح» [2]. فقال أبو العتاهية: وقد أجاز المصراع بمصراع آخر وهو لا يعلم، قال له:
تعال إن كنت تريد الرّبحا
وصف الأصمعيّ شعره:
حدّثنا الصّوليّ قال حدّثنا محمد بن موسى قال حدّثنا أحمد بن بشير [3] أبو طاهر الحلبيّ قال حدّثنا مزيد الهاشميّ عن السّدريّ قال:
/ سمعت الأصمعيّ يقول: شعر أبي العتاهية كساحة الملوك يقع فيها الجوهر والذهب والتراب والخزف والنّوى.
مدح يزيد بن منصور لشفاعته فيه لدى المهدي:
أخبرني محمد بن مزيد بن أبي الأزهر قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال:
لمّا حبس المهديّ أبا العتاهية، تكلّم فيه يزيد بن منصور الحميريّ حتى أطلقه؛ فقال فيه أبو العتاهية:
ما قلت في فضله شيئا لأمدحه ... إلّا وفضل يزيد فوق ما قلت
ما زلت من ريب دهري خائفا وجلا ... فقد كفاني بعد اللّه ما خفت
قدرته على ارتجال الشعر:
أخبرني يحيى بن عليّ إجازة قال حدّثني عليّ بن مهديّ قال حدّثني محمد بن يحيى قال حدّثني عبد اللّه بن الحسن قال:
جاءني أبو العتاهية وأنا في الديوان فجلس إليّ. فقلت: يا أبا إسحاق، أما يصعب عليك شيء من الألفاظ فتحتاج فيه إلى استعمال الغريب كما يحتاج إليه سائر من يقول الشعر، أو إلى ألفاظ مستكرهة؟ قال لا. فقلت [له] [4]: إنّي لأحسب ذلك من كثرة ركوبك القوافي السّهلة. قال: فاعرض عليّ ما شئت من القوافي الصعبة.
فقلت: قل أبياتا على مثل البلاغ. فقال من ساعته:
__________
[1] المسح: كساء من شعر كثوب الرهبان.
[2] في الأصول: «المسحا» و«الربحا» بالألف، وهو نثر لا داعي فيه لألف الإطلاق.
[3] في أ، ء، م: «ابن بشر».
[4] زيادة عن ح.
أيّ عيش يكون أبلغ من عي ... ش كفاف قوت بقدر البلاغ [1]
صاحب البغي ليس يسلم منه ... وعلى نفسه بغى كلّ باغي
ربّ ذي نعمة تعرّض منها ... حائل بينه وبين المساغ
أبلغ الدهر في مواعظه بل ... زاد فيهنّ لي على الإبلاغ
غبنتني الأيّام عقلي ومالي ... وشبابي وصحّتي وفراغي
/ أخبرنا يحيى إجازة قال حدّثنا عليّ بن مهديّ قال حدّثني أبو عليّ اليقطيني قال حدّثني أبو خارجة بن مسلم قال:
كان مسلم بن الوليد يستخف به فلما أنشده من غزله أكبره
قال مسلم بن الوليد: كنت مستخفّا بشعر أبي العتاهية، فلقيني يوما فسألني أن أصير إليه، فصرت إليه فجاءني بلون واحد فأكلناه،/ وأحضرني تمرا فأكلناه، وجلسنا نتحدّث، وأنشدته أشعارا لي في الغزل، وسألته أن ينشدني؛ فأنشدني قوله:
باللّه يا قرّة العينين زوريني ... قبل الممات وإلّا فاستزيريني
إنّي لأعجب من حبّ يقرّبني ... ممن يباعدني منه ويقصيني [2]
أمّا الكثير فما أرجوه منك ولو ... أطمعتني في قليل كان يكفيني
ثم أنشدني أيضا:
رأيت الهوى جمر الغضى غير أنّه ... على حرّه في صدر صاحبه حلو
صوت
أخلّاي بي شجو وليس بكم شجو ... وكلّ امرىء عن شجو صاحبه خلو
وما من محبّ نال ممن يحبّه ... هوى صادقا إلّا سيدخله زهو
بليت وكان المزح بدء بليّتي ... فأحببت حقّا والبلاء له بدو
وعلّقت من يزهو [3] عليّ تجبّرا ... وإنّي في كلّ الخصال له كفو
رأيت الهوى جمر الغضى غير أنّه ... على كل حال عند صاحبه حلو
__________
[1] البلاغ هنا: الكفاية.
[2] كذا في أ، ء، م. وفي سائر النسخ: «و يعصيني».
[3] يزهو: يترفع ويتكبر. والفصيح: «يزهى» بالبناء للمجهول.
- الغناء لإبراهيم ثقيل أوّل مطلق في مجرى الوسطى عن إسحاق، وله فيه أيضا خفيف ثقيل أوّل بالوسطى عن عمرو. ولعمرو بن بانة رمل بالوسطى من كتابه. ولعريب فيه خفيف ثقيل من كتاب ابن المعتزّ - قال مسلم: ثم أنشدني أبو العتاهية:
صوت
خليليّ مالي لا تزال مضرّتي ... تكون على الأقدار حتما من الحتم
يصاب فؤادي حين أرمي ورميتي ... تعود إلى نحري ويسلم من أرمي
صبرت ولا واللّه ما بي جلادة ... على الصبر لكنّي صبرت على رغمي
ألا في سبيل اللّه جسمي وقوّتي ... ألا مسعد حتى أنوح على جسمي
تعدّ عظامي واحدا بعد واحد ... بمنحى [1] من العذّال عظما على عظم
كفاك بحقّ اللّه ما قد ظلمتني ... فهذا مقام المستجير من الظّلم
- الغناء لسياط في هذه الأبيات، وإيقاعه من خفيف الثّقيل الأوّل بالسبّابة في مجرى البنصر عن إسحاق - قال مسلم: فقلت له: لا واللّه يا أبا إسحاق ما يبالي من أحسن أن يقول مثل هذا الشّعر ما فاته من الدنيا! فقال: يا بن أخي، لا تقولنّ مثل هذا؛ فإن الشعر أيضا من بعض مصايد الدنيا.
وفد مع الشعراء على الرشيد ومدحه فلم يجز غيره:
أخبرنا يحيى إجازة قال حدّثني عليّ بن مهديّ قال حدّثني عبد الرحمن بن الفضل قال حدّثني ابن الأعرابيّ قال:
اجتمعت الشعراء على باب الرشيد، فأذن لهم فدخلوا وأنشدوا؛ فأنشد أبو العتاهية:
يا من تبغّى [2] زمنا صالحا ... صلاح هارون صلاح الزمن
/ كلّ لسان هو في ملكه ... بالشكر في إحسانه مرتهن
قال: فاهتزّ [3] له الرشيد، وقال له: أحسنت واللّه! وما خرج في ذلك اليوم أحد من الشعراء بصلة غيره.
قال شعرا في المشمر فرس الرشيد فأجازه:
أخبرني يحيى بن عليّ إجازة قال حدّثنا عليّ بن مهديّ قال حدّثنا عامر بن عمران الضّبيّ قال حدّثني ابن الأعرابيّ قال:
أجرى هارون الرشيد الخيل، فجاءه فرس يقال له المشمّر سابقا، وكان الرشيد معجبا بذلك الفرس، فأمر الشعراء أن يقولوا فيه؛ فبدرهم أبو العتاهية فقال:
__________
[1] في ب، س: «نحني» بتقديم الحاء على النون. وهو تحريف.
[2] تبغي: تطلب.
[3] في ب، س: «فأدهش له».
جاء المشمّر والأفراس يقدمها ... هونا على رسله [1] وما انبهرا
وخلّف الريح حسرى [2] وهي جاهدة ... ومرّ يختطف الأبصار والنظرا
فأجزل صلته، وما جسر أحد بعد أبي العتاهية أن يقول فيه شيئا.
رثاؤه صديقه علي بن ثابت:
أخبرني يحيى إجازة قال حدّثني الفضل بن عبّاس بن عقبة بن جعفر قال:
كان عليّ بن ثابت صديقا لأبي العتاهية وبينهما مجاوبات كثيرة في الزهد والحكمة، فتوفّي عليّ بن ثابت قبله، فقال يرثيه:
مؤنس كان لي هلك ... والسبيل التي سلك
يا عليّ بن ثابت ... غفر اللّه لي ولك
كلّ حيّ مملّك ... سوف يفنى وما ملك
قال الفضل [3]: وحضر أبو العتاهية عليّ بن ثابت وهو يجود بنفسه، فلم يزل ملتزمه حتى فاض [4]؛ فلما شدّ لحياه بكى طويلا، ثم أنشد يقول:
يا شريكي في الخير قرّبك اللّ ... ه فنعم الشّريك في الخير كنتا
قد لعمري حكيت لي غصص المو ... ت فحرّكتني لها وسكنتا
/ قال: ولمّا دفن وقف على قبره يبكي طويلا أحرّ بكاء، ويردّد هذه الأبيات:
ألا من لي بأنسك يا أخيّا ... ومن لي أن أبثّك ما لديّا
طوتك خطوب دهرك بعد نشر ... كذاك خطوبه نشزا وطيّا
فلو نشرت قواك لي المنايا ... شكوت إليك ما صنعت إليّا
بكيتك يا عليّ بدمع عيني ... فما أغنى البكاء عليك [5] شيّا
وكانت في حياتك لي عظات ... وأنت اليوم أوعظ منك حيّا
اشتمال مرثيته في علي بن ثابت على أقوال الفلاسفة في موت الإسكندر:
قال عليّ بن الحسين مؤلّف هذا الكتاب: هذه المعاني أخذها كلّها أبو العتاهية من كلام الفلاسفة لمّا حضروا تابوت الإسكندر، وقد أخرج الإسكندر ليدفن: قال بعضهم: كان الملك أمس أهيب منه اليوم، وهو اليوم أوعظ منه
__________
[1] على رسله: على تؤدته وهينته، ومثله الهون (بالفتح).
[2] حسري: كالة معيية.
[3] في ب، س: «أبو الفضل» وهو تحريف.
[4] في م: «فاظ» وكلاهما بمعنى مات.
[5] في أ، م، ء: «على».
أمس. وقال آخر: سكنت حركة الملك في لذّاته، وقد حرّكنا اليوم في سكونه جزعا لفقده. وهذان المعنيان هما اللذان ذكرهما أبو العتاهية في هذه الأشعار.
سأله جعفر بن الحسين عن أشعر الناس فأنشده من شعره:
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثني جعفر بن الحسين المهلّبيّ قال:
لقينا أبو العتاهية فقلنا له: يا أبا إسحاق، من/ أشعر الناس؟ قال: الذي يقول:
اللّه أنجح ما طلبت به ... والبرّ خير حقيبة الرّحل [1]
فقلت: أنشدني شيئا من شعرك؛ فأنشدني:
يا صاحب الرّوح ذي الأنفاس في البدن [2] ... بين النهار وبين الليل مرتهن
لقلّما يتخطّاك اختلافهما ... حتى يفرّق بين الرّوح والبدن
/ لتجذبنّي [3] يد الدّنيا بقوّتها ... إلى المنايا وإن نازعتها رسني
للّه دنيا أناس دائبين لها ... قد ارتعوا في رياض الغيّ والفتن [4]
كسائمات رتاع [5] تبتغي سمنا ... وحتفها لو درت في ذلك السّمن
قال: فكتبتها، ثم قلت له: أنشدني شيئا من شعرك في الغزل؛ فقال: يا ابن أخي، إنّ الغزل يسرع إلى مثلك.
فقلت له: أرجو عصمة اللّه جل وعزّ. فأنشدني:
كأنّها من حسنها درّة ... أخرجها اليمّ إلى الساحل
كأن في فيها وفي طرفها ... سواخرا أقبلن من بابل
لم يبق منّي حبّها ما خلا ... حشاشة في بدن ناحل
يا من رأى قبلي قتيلا بكى ... من شدّة الوجد على القاتل
فقلت له: يا أبا إسحاق، هذا قول صاحبنا جميل:
خليليّ فيما عشتما هل رأيتما ... قتيلا بكى من حبّ قاتله قبلي
فقال: هو ذاك يا بن أخي وتبسّم.
شعره في التحسر على الشباب:
أخبرني محمد بن القاسم الأنباريّ قال حدّثني أبي قال حدّثني أبو عكرمة عن شيخ له من أهل الكوفة قال:
__________
[1] في ب، ء: «الرجل» بالجيم المعجمة.
[2] كذا في «ديوانه». وفي جميع الأصول: «و الأنفاس والبدن».
[3] كذا في «الديوان». وفي الأصول: «لتجذبن به الدنيا ... ».
[4] ورد هذا البيت في «الديوان» هكذا:
للّه درّ أناس عمرت بهم ... حتى رعوا في رياض الغيّ والفتن
[5] رتاع: جمع راتعة. وفي «الديوان»: «رواع» جمع راعية، وهما بمعنى.
دخلت مسجد المدينة ببغداد بعد أن بويع الأمين محمد بسنة، فإذا شيخ عليه جماعة وهو ينشد:
/لهفي على ورق الشباب ... وغصونه الخضر الرّطاب
ذهب الشباب وبان عنّ ... ي غير منتظر الإياب
فلأبكينّ على الشّبا ... ب وطيب أيّام التّصابي
ولأبكينّ من البلى ... ولأبكينّ من الخضاب
إنّي لآمل أن أخ ... لّد والمنيّة في طلابي
قال: فجعل ينشدها وإنّ دموعه لتسيل على خدّيه. فلمّا رأيت ذلك لم أصبر أن ملت فكتبتها. وسألت عن الشيخ فقيل لي: هو أبو العتاهية.
كان ابن الأعرابي يعيب شعره:
أخبرني محمد بن عمران الصّيرفيّ قال حدّثنا الحسن بن عليل العنزيّ قال حدّثني أبو العباس محمد بن أحمد قال:
كان ابن الأعرابيّ يعيب أبا العتاهية ويثلبه، فأنشدته:
كم من سفيه غاظني سفها ... فشفيت نفسي منه بالحلم
وكفيت نفسي ظلم عاديتي ... ومنحت صفو مودّتي سلمي [1]
ولقد رزقت لظالمي غلظا ... ورحمته إذ لجّ في ظلمي
أحب شعره إليه:
/ أخبرني محمد بن عمران قال حدّثني العنزيّ قال حدّثني محمد بن إسحاق قال حدّثني محمد بن أحمد الأزديّ قال:
قال لي أبو العتاهية: لم أقل شيئا قطّ أحبّ إليّ من هذين البيتين [في] [2] معناهما:
ليت شعري فإنّني لست أدري ... أيّ يوم يكون آخر عمري
وبأيّ البلاد يقبض روحي ... وبأيّ البقاع [3] يحفر قبري
راهن في أوّل أمره جماعة على قول الشعر فغلبهم:
أخبرني محمد بن العبّاس اليزيديّ قال حدّثني محمد بن الفضل قال حدّثنا محمد بن عبد الجبّار الفزاريّ قال:
اجتاز أبو العتاهية في أوّل أمره وعلى ظهره قفص فيه فخّار يدور به في الكوفة ويبيع منه، فمرّ بفتيان جلوس
__________
[1] سلمي: مسالمي؛ يقال: فلان سلّم لفلان، وحرب له، إذا كان بينهما سلام أو حرب.
[2] التكملة عن نسخة أ.
[3] في ب، س: «البلاد».
يتذاكرون الشعر ويتناشدونه، فسلّم ووضع القفص عن ظهره، ثم قال: يا فتيان أراكم تذاكرون الشعر، فأقول شيئا منه فتجيزونه، فإن فعلتم فلكم عشرة دراهم، وإن لم تفعلوا فعليكم عشرة دراهم؛ فهزئوا منه وسخروا به وقالوا نعم. قال: لا بدّ أن يشترى بأحد القمارين [1] رطب يؤكل فإنه قمار [1] حاصل، وجعل رهنه تحت يد أحدهم، ففعلوا. فقال: أجيزوا:
ساكني الأجداث أنتم
وجعل بينه وبينهم وقتا في ذلك الموضع إذا بلغته الشمس ولم يجيزوا البيت، غرّموا الخطر [2]؛ وجعل يهزأ بهم وتمّمه:
............ ........
مثلنا بالأمس كنتم ... ليت شعري ما صنعتم
أربحتم أم خسرتم
وهي قصيدة طويلة في شعره.
هجاه أبو حبش وذم شعره:
أخبرني عمّي قال حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد قال حدّثني محمد بن عبد اللّه عن أبي خيثم العنزيّ قال:
لمّا حبس الرشيد أبا العتاهية وحلف ألّا يطلقه أو يقول شعرا، قال لي أبو حبش: أسمعت بأعجب من هذا الأمر، تقول الشعراء الشعر الجيّد النادر فلا يسمع منهم، ويقول هذا المخنّث المفكّك تلك الأشعار بالشفاعة! ثم أنشدني:
/أبا إسحاق راجعت الجماعه ... وعدت إلى القوافي والصّناعه
وكنت كجامح [3] في الغيّ عاص ... وأنت اليوم ذو سمع وطاعه
فجرّ الخزّ مما كنت تكسى ... ودع عنك التّقشّف والبشاعه
وشبّب بالتي تهوى وخبّر ... بأنّك ميّت في كلّ ساعه
كسدنا ما نراد وإن أجدنا ... وأنت تقول شعرك بالشّفاعه
خرج مع المهدي في الصيد وقد أمره بهجوه فقال شعرا:
أخبرني أحمد بن العبّاس العسكريّ قال حدّثنا العنزيّ قال حدّثنا محمد بن عبد اللّه قال حدّثني أبو خيثم العنزيّ، وكان صديقا لأبي العتاهية، قال حدّثني أبو العتاهية قال:
أخرجني المهديّ معه إلى الصّيد، فوقعنا منه على شيء كثير، فتفرّق أصحابه في طلبه وأخذ هو في طريق غير طريقهم فلم يلتقوا [4]، وعرض لنا واد جرّار وتغيّمت السماء وبدأت تمطر فتحيّرنا، وأشرفنا على الوادي فإذا فيه
__________
[1] في ب، س، ح: «القمرين ... قمر».
[2] الخطر هنا: الرهان.
[3] في الأصول: «كجامع» ولا يستقيم بها الكلام، فآثرنا ما أثبتناه.
[4] في ب، س: «فلم يلتفتوا».
ملّاح يعبّر النّاس، فلجأنا إليه فسألناه عن الطريق، فجعل يضعّف رأينا ويعجّزنا في بذلنا أنفسنا في ذلك الغيم للصيد حتى أبعدنا،/ ثم أدخلنا كوخا له. وكاد المهديّ يموت بردا؛ فقال له: أغطّيك بجبّتي هذه الصوف؟ فقال نعم؛ فغطّاه بها، فتماسك قليلا ونام. فافتقده غلمانه وتبعوا أثره حتى جاءونا. فلمّا رأى الملّاح كثرتهم علم أنه الخليفة فهرب، وتبادر الغلمان فنحّوا الجبّة عنه وألقوا عليه الخزّ والوشي. فلما انتبه قال لي: ويحك! ما فعل الملّاح؟ فقد واللّه وجب حقّه علينا. فقلت: هرب واللّه خوفا من قبح ما خاطبنا به. قال: إنّا للّه! واللّه لقد أردت أن أغنيه، وبأيّ شي ء/ خاطبنا! نحن واللّه مستحقّون لأقبح مما خاطبنا به! بحياتي عليك إلّا ما هجوتني. فقلت: يا أمير المؤمنين، كيف تطيب نفسي بأن أهجوك! قال: واللّه لتفعلنّ؛ فإني ضعيف الرأي مغرم بالصّيد. فقلت:
يا لابس الوشي على ثوبه ... ما أقبح الأشيب في الراح
فقال: زدني بحياتي؛ فقلت:
لو شئت أيضا جلت في خامة [1] ... وفي وشاحين وأوضاح [2]
فقال: ويلك! هذا معنى سوء يرويه عنك الناس، وأنا استأهل. زدني شيئا آخر. فقلت: أخاف أن تغضب.
قال: لا واللّه. فقلت:
كم من عظيم القدر في نفسه ... قد نام في جبّة ملّاح
فقال: معنى سوء عليك لعنة اللّه! وقمنا وركبنا وانصرفنا.
وقعت في عسكر المأمون رقعة فيها شعره فوصله:
أخبرني عليّ بن سليمان الأخفش قال حدّثنا محمد بن يزيد قال حدّثنا جماعة من كتّاب الحسن بن سهل قالوا:
وقعت رقعة فيها بيتا شعر في عسكر المأمون؛ فجيء بها إلى مجاشع بن مسعدة، فقال: هذا كلام أبي العتاهية، وهو صديقي، وليست المخاطبة لي ولكنّها للأمير الفضل بن سهل. فذهبوا بها، فقرأها وقال: ما أعرف هذه العلامة. فبلغ المأمون خبرها فقال: هذه إليّ وأنا أعرف العلامة. والبيتان:
صوت
ما على ذا كنّا افترقنا بسندا [3] ... ن وما هكذا عهدنا الإخاء
تضرب الناس بالمهنّدة البي ... ض على غدرهم وتنسى الوفاء
قال: فبعث إليه المأمون بمال.
في هذين البيتين لأبي عيسى بن المتوكّل رمل من رواية ابن المعتزّ.
__________
[1] الخام: ثوب من القطن لم يغسل.
[2] الأوضاح: حليّ من فضة أو هي الخلاخيل.
[3] سندان: مدينة ملاصقة للسند.
استبطأ عادة ابن يقطين فقال شعرا فعجلها له:
قال: وكان عليّ بن يقطين صديقا لأبي العتاهية، وكان يبرّه في كل سنة ببرّ واسع، فأبطأ عليه بالبرّ في سنة من السنين، وكان إذا لقيه أبو العتاهية أو دخل عليه يسرّ به ويرفع مجلسه ولا يزيده على ذلك. فلقيه ذات يوم وهو يريد دار الخليفة، فاستوقفه فوقف له، فأنشده:
حتّى متى ليت شعري يا بن يقطين ... أثني عليك بما لا منك توليني
إنّ السّلام وإنّ البشر من رجل ... في مثل ما أنت فيه ليس يكفيني
هذا زمان ألحّ الناس فيه على ... تيه الملوك وأخلاق المساكين
/ أما علمت جزاك اللّه صالحة ... وزادك اللّه فضلا يا بن يقطين
أنّي أريدك للدّنيا وعاجلها ... ولا أريدك يوم الدّين للدين
فقال عليّ بن يقطين: لست واللّه أبرح ولا تبرح من موضعنا هذا إلا راضيا، وأمر له بما كان يبعث به إليه في كل سنة، فحمل من وقته وعليّ واقف إلى أن تسلّمه.
نظم شعرا في الحبس فلما سمعه الرشيد بكى وأطلقه:
وأخبرني محمد بن جعفر النحويّ صهر المبرّد قال حدّثنا محمد بن يزيد قال:
بلغني من غير وجه: أنّ الرشيد لمّا ضرب أبا العتاهية وحبسه، وكّل به صاحب خبر يكتب إليه بكل ما يسمعه. فكتب إليه أنه سمعه ينشد:
أما واللّه إنّ الظلم لوم ... وما زال المسيء هو الظّلوم
إلى ديّان يوم الدين نمضي ... وعند اللّه تجتمع الخصوم
قال: فبكى الرشيد، وأمر بإحضار أبي العتاهية وإطلاقه، وأمر له بألفي دينار.
رماه منصور بن عمار بالزندقة وشنع عليه فاحتقره العمامة:
أخبرني محمد بن جعفر قال حدّثني محمد بن موسى عن أحمد بن حرب عن محمد بن أبي العتاهية قال:
لمّا قال أبي في عتبة [1]:
كأنّ عتابة من حسنها ... دمية قسّ فتنت قسّها
يا ربّ لو أنسيتنيها بما ... في جنّة الفردوس لم أنسها
شنّع عليه منصور بن عمّار بالزندقة، وقال: يتهاون بالجنة ويبتذل ذكرها في شعره بمثل هذا التهاون! وشنّع عليه أيضا بقوله:
إنّ المليك رآك أح ... سن خلقه ورأى جمالك
__________
[1] هي عتبة جارية المهدي، وقد اشتهر بمحبته لها وأكثر من تشبيبه فيها.
فحذا بقدرة نفسه ... حور الجنان على مثالك
وقال: أيصوّر الحور على مثال امرأة آدميّة واللّه لا يحتاج إلى مثال! وأوقع له هذا على ألسنة العامّة؛ فلقي منهم بلاء.
سأله الباذغيسي عن أحسن شعره فأجابه:
حدّثني هاشم بن محمد الخزاعيّ قال حدّثنا خليل بن أسد قال حدّثني أبو سلمة الباذغيسيّ قال:
/ قلت لأبي العتاهية: في أيّ شعر أنت أشعر؟ قال: قولي:
الناس في غفلاتهم ... ورحا المنيّة تطحن
أنشد المأمون شعره في الموت فوصله:
أخبرني محمد بن عمران الصّيرفيّ قال حدّثنا الحسن بن عليل العنزيّ قال حدّثني يحيى بن عبد اللّه القرشيّ قال حدّثني المعلّى بن أيّوب قال:
دخلت على المأمون يوما وهو مقبل على شيخ حسن اللّحية خضيب شديد بياض الثياب على رأسه لاطئة [1]، فقلت للحسن بن أبي سعيد - قال: وهو ابن خالة المعلّى بن أيوب. وكان الحسن كاتب المأمون على العامّة - : من هذا؟ فقال: أما تعرفه؟ فقلت: لو عرفته ما سألتك عنه. فقال: هذا أبو العتاهية. فسمعت المأمون يقول له: أنشدني أحسن ما قلت في الموت؛ فأنشده:
أنساك محياك المماتا ... فطلبت في الدنيا الثبّاتا
أوثقت بالدنيا وأن ... ت ترى جماعتها شتاتا
/ وعزمت منك على الحيا ... ة وطولها عزما بتاتا
يا من رأى أبويه في ... من قد رأى كانا فماتا
هل فيهما لك عبرة ... أم خلت أنّ لك انفلاتا
ومن الذي طلب التّفلّ ... ت من منيّته ففاتا
كلّ تصبّحه المن ... يّة أو تبيّته بياتا
قال: فلمّا نهض تبعته فقبضت عليه في الصّحن أو في الدّهليز، فكتبتها عنه.
نسخت من كتاب هارون بن عليّ بن يحيى: قال حدّثني عليّ بن مهديّ قال حدّثني الجاحظ عن ثمامة قال:
/ دخل أبو العتاهية على المأمون فأنشده:
ما أحسن الدنيا وإقبالها ... إذا أطاع اللّه من نالها
من لم يواس الناس من فضلها ... عرّض للإدبار إقبالها
فقال له المأمون: ما أجود البيت الأوّل! فأما الثاني فما صنعت فيه شيئا، الدنيا تدبر عمن واسى منها أو ضنّ
__________
[1] اللاطئة: قلنسوة صغيرة تلطأ بالرأس.
بها، وإنما يوجب السماحة بها الأجر، والضنّ بها الوزر. فقال: صدقت يا أمير المؤمنين، أهل الفضل أولى بالفضل، وأهل النقص أولى بالنقص. فقال المأمون: ادفع إليه عشرة آلاف درهم لاعترافه بالحق. فلمّا كان بعد أيام عاد فأنشده:
كم غافل أودى به الموت ... لم يأخذ الأهبة للفوت
من لم تزل نعمته قبله ... زال [1] عن النعمة بالموت
فقال له: أحسنت! الآن طيّبت المعنى؛ وأمر له بعشرين ألف درهم.
تأخرت عنه عادة المأمون سنة فقال شعرا فأعجلها له:
أخبرني أحمد بن العبّاس العسكريّ قال حدّثنا الحسن بن عليل العنزيّ قال حدّثني ابن سنان [2] العجليّ عن الحسن بن عائذ قال:
كان أبو العتاهية يحجّ في كلّ سنة، فإذا قدم أهدى إلى المأمون بردا ومطرفا ونعلا سوداء ومساويك أراك، فيبعث إليه بعشرين ألف درهم. [و كان] [3] يوصّل الهديّة من جهته منجاب مولى المأمون ويجيئه بالمال. فأهدى مرّة له كما كان يهدي كلّ سنة إذا قدم، فلم يثبه ولا بعث إليه بالوظيفة. فكتب إليه أبو العتاهية:
/خبّروني أنّ من ضرب السّنه ... جددا بيضا وصفرا حسنه
أحدثت لكنّني لم أرها ... مثل ما كنت أرى كلّ سنه
فأمر المأمون بحمل العشرين ألف درهم، وقال: أغفلناه حتى ذكّرنا.
كان الهادي واجدا عليه فلما تولى استعطفه:
حدّثنا محمد بن يحيى الصّوليّ قال حدّثنا المغيرة بن محمد المهلّبيّ قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال أخبرني عروة بن يوسف الثقفيّ قال:
لمّا ولي الهادي الخلافة كان واجدا على أبي العتاهية لملازمته أخاه هارون وانقطاعه إليه وتركه موسى، وكان أيضا قد أمر أن يخرج معه إلى الرّيّ فأبى ذلك؛ فخافه وقال يستعطفه:
ألا شافع عند الخليفة يشفع ... فيدفع عنّا شرّ ما يتوقّع
وإنّي على عظم الرجاء لخائف ... كأنّ على رأسي الأسنّة تشرع
/ يروّعني موسى على غير عثرة ... ومالي أرى [4] موسى من العفو أوسع
وما آمن يمسي ويصبح عائذا ... بعفو أمير المؤمنين يروّع
__________
[1] كذا في «ديوانه». وفي الأصول: «تذعر النعمة بالموت».
[2] في أ، ء، م: «أبو سنان». ولم نقف على ما يرجح إحداهما.
[3] هذه الكلمة ساقطة من ب، س، ح.
[4] كذا في جميع النسخ و «الديوان». ولعله: «لدى موسى».
مدح الهادي فأمر خازنه بإعطائه فمطله فقال شعرا في ابن عقال فعجلها له:
حدّثني الصّوليّ قال حدّثني عليّ بن الصبّاح قال حدّثني محمد بن أبي العتاهية قال: دخل أبي على الهادي فأنشده:
يا أمين اللّه ما لي ... لست أدري اليوم ما لي
لم أنل منك الذي قد ... نال غيري من نوال
تبذل الحقّ وتعطي ... عن يمين وشمال
وأنا البائس لا تن ... ظر في رقّة حالي
/ قال: فأمر المعلّى الخازن أن يعطيه عشرة آلاف درهم. قال أبو العتاهية: فأتيته فأبى أن يعطيها. ذلك أنّ الهادي امتحنني في شيء من الشعر، وكان مهيبا، فكنت أخافه فلم يطعني طبعي، فأمر لي بهذا المال، فخرجت.
فلمّا منعنيه المعلّى صرت إلى أبي الوليد أحمد بن عقال، وكان يجالس الهادي، فقلت له:
أبلغ سلمت أبا الوليد سلامي ... عنّي أمير المؤمنين إمامي
وإذا فرغت من السّلام فقل له ... قد كان ما شاهدت من إفحامي
وإذا حصرت [1] فليس ذاك بمبطل ... ما قد مضى من حرمتي وذمامي
ولطالما وفدت إليك مدائحي ... مخطوطة فليأت [2] كلّ ملام
أيّام لي لسن ورقّة جدّة ... والمرء قد يبلى مع الأيّام
قال: فاستخرج [3] لي الدراهم وأنفذها إليّ.
كان الهادي واجدا عليه فلما تولى استعطفه ومدحه فأجازه:
حدّثني الصوليّ ومحمد بن عمران الصيرفيّ قالا حدّثنا العنزيّ قال حدّثنا محمد بن أحمد بن سليمان قال:
ولهد للهادي ولد في أوّل يوم ولي الخلافة؛ فدخل أبو العتاهية فأنشده:
أكثر موسى غيظ حسّاده ... وزيّن الأرض بأولاده
وجاءنا من صلبه سيّد ... أصيد في تقطيع أجداده
فاكتست الأرض به بهجة ... واستبشر الملك بميلاده
وابتسم المنبر عن فرحة ... علت بها ذروة أعواده/
كأنّني بعد قليل به ... بين مواليه وقوّاده
في محفل تخفق راياته ... قد طبّق الأرض بأجناده
قال: فأمر له موسى بألف دينار وطيب كثير، وكان ساخطا عليه فرضي عنه.
__________
[1] الحصر: العيّ في المنطق.
[2] في أ، ء، م: «فلنأب».
[3] كذا في ح، وفي سائر الأصول: «فاستخرج إليّ».
حضر غضب المهدي على أبي عبيد اللّه وترضاه عنه بشعر فرضي عنه:
أخبرني يحيى بن عليّ بن يحيى إجازة قال حدّثني عليّ بن مهديّ قال حدّثني عليّ بن يزيد الخزرجيّ الشاعر عن يحيى بن الرّبيع قال:
دخل أبو عبيد اللّه على المهديّ، وكان قد وجد عليه في أمر بلغه عنه، وأبو العتاهية حاضر المجلس، فجعل المهديّ يشتم أبا عبيد اللّه ويتغيّظ عليه، ثم أمر به فجرّ برجله وحبس، ثم أطرق المهديّ طويلا. فلمّا سكن أنشده/ أبو العتاهية:
أرى الدّنيا لمن هي في يديه ... عذابا كلّما كثرت لديه
تهين المكرمين لها بصغر [1] ... وتكرم كلّ من هانت عليه
إذا استغنيت عن شيء فدعه ... وخذ ما أنت محتاج إليه
فتبسّم المهديّ وقال لأبي العتاهية: أحسنت! فقام أبو العتاهية ثم قال: واللّه يا أمير المؤمنين، ما رأيت أحدا أشدّ إكراما للدّنيا ولا أصون لها ولا أشحّ عليها من هذا الذي جرّ برجله الساعة. ولقد دخلت إلى أمير المؤمنين ودخل هو وهو أعزّ الناس، فما برحت حتى رأيته أذلّ الناس، ولو رضي من الدنيا بما يكفيه لاستوت أحواله ولم تتفاوت. فتبسّم المهديّ ودعا بأبي عبيد اللّه فرضي عنه. فكان أبو عبيد اللّه يشكر ذلك لأبي العتاهية.
مدح شعرا له بإسحاق بن حفص:
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدّثني محمد بن الحسن قال حدّثني إسحاق بن حفص قال:
/ أنشدني هارون بن مخلّد الرازيّ لأبي العتاهية:
ما إن يطيب لذي الرعاية [2] لل ... أيّام لا لعب ولا لهو
إذ كان يطرب [3] في مسرّته ... فيموت من أجزائه جزو
فقلت: ما أحسنهما! فقال: أهكذا تقول! واللّه لهما روحانيّان يطيران بين السماء والأرض.
فضله ابن مناذر على جميع المحدثين:
أخبرني محمد بن القاسم الأنباريّ قال حدّثني أبي عن ابن عكرمة عن مسعود بن بشر المازنيّ قال:
لقيت ابن مناذر بمكة، فقلت له: من أشعر أهل الإسلام؟ فقال: أترى من إذا شئت هزل، وإذا شئت جدّ؟
قلت: من؟ قال: مثل جرير حين يقول في النّسيب:
إنّ الذين غدّوا بلبّك غادروا ... وشلا بعينك ما يزال معينا
غيّضن من عبراتهنّ وقلن لي ... ماذا لقيت من الهوى ولقينا
__________
[1] الصغر: الضيم والذل.
[2] في س، ب: «الوعاية» بالواو وهو تحريف.
[3] في «ديوانه» (ص 298): «يسرف».
ثم قال حين جدّ:
إنّ الّذي حرم المكارم تغلبا ... جعل النّبوّة والخلافة فينا
مضر أبي وأبو الملوك فهل لكم ... يا آل تغلب من أب كأبينا
هذا ابن عمّي في دمشق خليفة ... لو شئت ساقكم إليّ قطينا [1]
ومن المحدثين هذا الخبيث الذي يتناول شعره من كمّه. فقلت: من؟ قال: أبو العتاهية. قلت: في ماذا؟
قال: قوله:
/اللّه بيني وبين مولاتي ... أبدت لي الصّدّ والملالات
لا تغفر الذنب إن أسأت ولا ... تقبل عذري ولا مواتاتي
منحتها مهجتي وخالصتي ... فكان هجرانها مكافاتي
أقلقني حبّها وصيّرني ... أحدوثة في جميع جاراتي
ثم قال حين جدّ:
ومهمه [2] قد قطعت طامسه [3] ... قفر على الهول والمحاماة/
بحرّة [4] جسرة عذافرة ... خوصاء عيرانة علنداة
تبادر الشمس كلّما طلعت ... بالسّير تبغي بذاك مرضاتي
يا ناق خبّي بنا ولا تعدي ... نفسك مما ترين راحات
حتّى تناخي بنا إلى ملك ... توّجه اللّه بالمهابات
عليه تاجان فوق مفرقه ... تاج جلال وتاج إخبات [5]
يقول للرّيح كلّما عصفت ... هل لك يا ريح في مباراتي
من مثل من عمّه الرسول ومن ... أخواله أكرم الخؤولات
عير إسحاق بن عزيز لقبوله المال عوضا عن عبادة معشوقته:
أخبرني وكيع قال: قال الزّبير بن بكّار حدّثني أبو غزيّة، وكان قاضيا على المدينة، قال: كان إسحاق بن عزيز يتعشّق عبّادة جارية المهلّبيّة، وكانت المهلبيّة منقطعة إلى الخيزران. فركب إسحاق يوما ومعه عبد اللّه بن مصعب يريدان المهديّ، فلقيا عبّادة؛ فقال إسحاق: يا أبا بكر، هذه عبّادة، وحرّك دابّته حتى سبقها فنظر إليها،/ فجعل
__________
[1] القطين هنا: الخدم والأتباع.
[2] المهمه: المفازة البعيدة.
[3] الطامس هنا: البعيد.
[4] الحرة من الإبل: العتيقة الأصيلة. والجسرة: العظيمة من الإبل وغيرها. والعذافرة: العظيمة الشديدة من الإبل. والخوصاء: وصف من الخوص وهو ضيق العين وصغرها وغؤورها. والعيرانة من الإبل: التي تشبه بالعير في سرعتها ونشاطها. والعلنداة: الناقة الضخمة الطويلة.
[5] الإخبات: الخشية والخضوع.
عبد اللّه بن مصعب يتعجّب من فعله. ومضيا فدخلا على المهديّ، فحدّثه عبد اللّه بن مصعب بحديث إسحاق وما فعل. فقال: أنا أشتريها لك يا إسحاق. ودخل على الخيزران فدعا بالمهلبيّة فحضرت، فأعطاها بعبّادة خمسين ألف درهم. فقالت له: يا أمير المؤمنين، إن كنت تريدها لنفسك فبها فداك اللّه، وهي لك. فقال: إنما أريدها لإسحاق بن عزيز. فبكت وقالت: أتؤثر عليّ إسحاق بن عزيز وهي يدي ورجلي ولساني في جميع حوائجي! فقالت لها الخيزران عند ذلك: ما يبكيك؟ واللّه لا وصل إليها ابن عزيز أبدا، صار يتعشّق جواري الناس! فخرج المهديّ فأخبر ابن عزيز بما جرى، وقال له: الخمسون ألف درهم لك مكانها، وأمر له بها، فأخذها عن عبّادة. فقال أبو العتاهية يعيّره بذلك:
من صدق الحبّ لأحبابه ... فإنّ حبّ ابن عزيز غرور
أنساه عبّادة ذات الهوى ... وأذهب الحبّ الذي في الضمير
خمسون ألفا كلّها راجح ... حسنا لها في كل كيس صرير
وقال أبو العتاهية في ذلك أيضا:
حبّك للمال لا كحبك عبّ ... ادة يا فاضح المحبّينا
لو كنت أصفيتها الوداد كما ... قلت لما بعتها بخمسينا
طال وجع عينه فقال شعرا:
حدّثني الصّوليّ قال حدّثني جبلة بن محمد قال حدّثني أبي قال:
رأيت أبا العتاهية بعد ما تخلّص من حبس المهديّ وهو يلزم طبيبا على بابنا ليكحل عينه. فقيل له: قد طال وجع عينك؛ فأنشأ يقول:
صوت
أيا ويح نفسي ويحها ثم ويحها ... أما من خلاص من شباك الحبائل
أيا ويح عيني قد أضرّ بها البكا ... فلم يغن عنها طبّ ما في المكاحل
/ في هذين البيتين لإبراهيم الموصليّ لحن من الثقيل الأوّل.
كان الهادي واجدا عليه لاتصاله بهارون فلما ولي الخلافة مدحه فأجزل صلته:
أخبرني عيسى بن الحسين قال حدّثنا عمر بن شبّة قال:
كان الهادي واجدا على أبي العتاهية لملازمته أخاه هارون في خلافة المهديّ، فلمّا ولي موسى الخلافة، قال أبو العتاهية يمدحه:
صوت
يضطرب الخوف والرجاء إذا ... حرّك موسى القضيب أو فكّر
ما أبين الفضل في مغيّب ما ... أورد من رأيه وما أصدر
- في هذين البيتين لأبي عيسى بن المتوكل لحن من الثقيل الأوّل في نهاية الجودة، وما بان به فضله في الصّناعة - :
فكم ترى عزّ عند ذلك من ... معشر قوم وذلّ من معشر
يثمر من مسّه القضيب ولو ... يمسّه غيره لما أثمر
من مثل موسى ومثل والده ال ... مهديّ أو جدّه أبي جعفر
قال: فرضي عنه. فلمّا دخل عليه أنشده:
لهفي على الزمن القصير ... بين الخورنق والسّدير
إذ نحن في غرف الجنا ... ن نعوم في بحرّ السّرور
في فتية ملكو عنا ... ن الدهر أمثال الصّقور
/ ما منهم إلّا الجسو ... ر على الهوى غير الحصور
يتعاورون مدامة ... صهباء من حلب العصير
عذراء ربّاها شعا ... ع الشمس في حرّ الهجير
لم تدن من نار ولم ... يعلق بها وضر القدور
ومقرطق يمشي أما ... م القوم كالرّشأ الغرير
بزجاجة تستخرج ال ... سرّ الدّفين من الضمير
زهراء مثل الكوكب ال ... دّرّيّ في كفّ المدير
تدع الكريم وليس يد ... ري ما قبيل من دبير [1]
ومخصّرات [2] زرننا ... بعد الهدوّ من الخدور
ريّا [3] روادفهنّ يل ... بسن الخواتم في الخصور
غرّ الوجوه محجّبا ... ت قاصرات الطّرف حور
متنعّمات في النّعي ... م مضمّخات بالعبير
برفلن في حلل المحا ... سن والمجاسد [4] والحرير
ما إن يرين الشمس ... إلّا الفرط [5] من خلل السّتور
__________
[1] القبيل: ما وليك. والدبير: ما خالفك. يقولون: لا يعرف قبيله من دبيره، ولا يدري قبيلا من دبير، أي لا يعرف شيئا.
[2] مخصرات: دقيقات الخصور.
[3] رياهنا: ممتلئة.
[4] المجاسد: جمع مجسد، وهو القميص الذي يلي البدن.
[5] كذا في أكثر الأصول. والفرط: الحين؛ يقال: لا ألقاه إلا في الفرط، أي في الأيام مرة. وفي ب، س: «القرط» بالقاف، وهو تصحيف.
وإلى أمين اللّه مه ... ر بنا من الدّهر العثور
وإليه أتعبنا المطا ... يا بالرّواح وبالبكور/
صعر الخدود كأنّما ... جنّحن أجنحة النّسور/
متسربلات بالظّلا ... م على السّهولة والوعور
حتّى وصلن بنا إلى ... ربّ المدائن والقصور
ما زال قبل فطامه ... في سنّ مكتهل كبير
- قال: قيل لو كان جزل اللفظ لكان أشعر الناس - فأجزل صلته. وعاد إلى أفضل ما كان له عليه.
أخبرني عمّي الحسن بن محمد قال حدّثني الكرانيّ عن أبي حاتم قال:
قدم علينا أبو العتاهية في خلافة المأمون. فصار إليه أصحابنا فاستنشدوه، فكان أوّل ما أنشدهم:
ألم تر ريب الدّهر في كلّ ساعة ... له عارض [1] فيه المنيّة تلمع
أيا باني الدّنيا لغيرك تبتني ... ويا جامع الدنيا لغيرك تجمع
أرى المرء وثّابا على كل فرصة ... وللمرء يوما لا محالة مصرع
تبارك من لا يملك الملك غيره ... متى تنقضي حاجات من ليس يشبع
وأيّ امرىء في غاية ليس نفسه ... إلى غاية أخرى سواها تطلّع
قال: وكان أصحابنا يقولون: لو أنّ طبع أبي العتاهية بجزالة لفظ لكان أشعر الناس.
تمثل الفضل بشعر له حين انحطت مرتبته في دار المأمون:
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا ابن مهرويه قال حدّثني سليمان بن جعفر الجزريّ قال حدّثني أحمد بن عبد اللّه قال:
كانت مرتبة أبي العتاهية مع الفضل بن الربيع في موضع واحد في دار المأمون. فقال الفضل لأبي العتاهية:
يا أبا إسحاق، ما أحسن بيتين لك وأصدقهما! قال: وما هما؟ قال: قولك:
/ما النّاس إلا للكثير المال أو ... لمسلّط ما دام في سلطانه
فإذا الزمان رماهما ببليّة ... كان الثّقات هناك من أعوانه
يعني: من أعوان الزمان. قال: وإنما تمثّل الفضل بن الرّبيع بهذين البيتين لانحطاط مرتبته في دار المأمون وتقدّم غيره. وكان المأمون أمر بذلك لتحريره [2] مع أخيه.
كان ملازما للرشيد فلما تنسك حبسه ولما استعطفه أطلقه:
أخبرني عمّي الحسن بن محمد قال حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد قال:
__________
[1] العارض: الأصل فيه السحاب المعترض في الأفق.
[2] لعل أصل الكلام «لتحريره نفسه مع أخيه» فسقطت من الناسخ أو حذفها المؤلف للعلم بها.
قال لي محمد بن أبي العتاهية: كان أبي لا يفارق الرشيد في سفر ولا حضر إلا في طريق الحجّ، وكان يجري عليه في كل سنة خمسين ألف درهم سوى الجوائز والمعاون. فلمّا قدم الرشيد الرّقّة، لبس أبي الصوف وتزهّد وترك حضور المنادمة والقول في الغزل، وأمر الرشيد بحبسه فحبس؛ فكتب إليه من وقته:
صوت
أنا اليوم لي والحمد للّه أشهر ... يروح عليّ الهمّ منكم ويبكر
تذكّر أمين اللّه حقّي وحرمتي ... وما كنت توليني لعلك [1] تذكر
ليالي تدني منك بالقرب مجلسي ... ووجهك من ماء البشاشة يقطر
فمن لي بالعين التي كنت مرّة ... إليّ بها في سالف الدهر تنظر
/ قال: فلمّا قرأ الرشيد الأبيات قال: قولوا له: لا بأس عليك. فكتب إليه:
صوت
أرقت وطار عن عيني النّعاس ... ونام السامرون ولم يواسوا
أمين اللّه أمنك خير أمن ... عليك من التّقى فيه لباس
تساس من السماء بكلّ برّ ... وأنت به تسوس كما تساس
كأنّ الخلق ركّب فيه روح ... له جسد وأنت عليه رأس
أمين اللّه إنّ الحبس بأس ... وقد أرسلت [2]: ليس عليك باس
- غنّى في هذه الأبيات إبراهيم، ولحنه ثاني ثقيل بإطلاق الوتر في مجرى الوسطى. وفيه أيضا ثقيل أوّل عن الهشاميّ - قال: وكتب إليه أيضا في الحبس [3]:
وكلّفتني ما حلت بيني وبينه ... وقلت سأبغي ما تريد وما تهوى
فلو كان لي قلبان كلّفت واحدا ... هواك وكلفت الخليّ لما يهوى
قال: فأمر بإطلاقه.
حدّثني عمّي قال حدّثني هارون بن محمد بن عبد الملك الزيّات قال حدّثني الزبير بن بكّار قال حدّثني ثابت بن الزّبير بن حبيب قال حدّثني ابن أخت أبي خالد الحربيّ قال:
قال لي الرشيد: احبس أبا العتاهية وضيّق عليه حتى يقول الشعر الرقيق في الغزل كما كان يقول. فحبسته في بيت خمسة أشبار في مثلها؛ فصاح: الموت، أخرجوني، فأنا أقول كلّ ما شئتم. فقلت: قل. فقال: حتى أتنفّس.
فأخرجته وأعطيته دواة وقرطاسا؛ فقال أبياته التي أوّلها:
__________
[1] كذا في «الديوان» (ص 326) وأشير في هامشه إلى رواية أخرى هي: «كذلك يذكر». وفي جميع النسخ: «لذلك يذكر».
[2] في «الديوان»: «و قد وقعت».
[3] في أ، ء، م: «من الحبس».
صوت
من لعبد أذلّه مولاه ... ما له شافع إليه سواه
يشتكي ما به إليه ويخشا ... ه ويرجوه مثل ما يخشاه
قال: فدفعتها إلى مسرور الخادم فأوصلها، وتقدّم الرشيد إلى إبراهيم الموصليّ فغنّى فيها، وأمر بإحضار أبي العتاهية فأحضر. فلما أحضر قال له: أنشدني قولك:
صوت
يا عتب سيّدتي أما لك دين ... حتّى متى قلبي لديك رهين
وأنا الذّلول لكلّ ما حمّلتني ... وأنا الشقيّ البائس المسكين
وأنا الغداة لكلّ باك مسعد ... ولكلّ صبّ صاحب وخدين
لا بأس إنّ لذاك عندي راحة ... للصّبّ أن يلقى الحزين حزين
يا عتب أين أفرّ منك أميرتي ... وعليّ حصن من هواك حصين
- لإبراهيم في هذه الأبيات هزج عن الهشاميّ - فأمر له الرشيد بخمسين ألف درهم.
ولأبي العتاهية في الرشيد لمّا حبسه أشعار كثيرة، منها قوله:
يا رشيد الأمر أرشدني إلى ... وجه نجحي لاعدمت الرّشدا
/ لا أراك اللّه سوءا أبدا ... ما رأت مثلك عين أحدا
أعن [1] الخائف وارحم صوته ... رافعا نحوك يدعوك يدا
وابلائي من دعاوى أمل ... كلّما قلت تداني بعدا
كم أمنّي بغد بعد غد ... ينفد العمر ولم ألق غدا
هجا القاسم بن الرشيد فضربه وحبسه ولما اشتكى إلى زبيدة بره الرشيد وأجازه:
نسخت من كتاب هارون بن عليّ بن يحيى: حدّثني عليّ بن مهديّ قال حدّثني الحسين بن أبي السّريّ قال:
مرّ القاسم بن الرشيد في موكب عظيم وكان من أتيه الناس، وأبو العتاهية جالس مع قوم على ظهر الطريق، فقام أبو العتاهية حين رآه إعظاما له، فلم يزل قائما حتى جاز، فأجازه ولم يلتفت إليه؛ فقال أبو العتاهية:
يتيه ابن آدم من جهله ... كأنّ رحا الموت لا تطحنه
فسمع بعض من في موكبه ذلك فأخبر به القاسم؛ فبعث إلى أبي العتاهية وضربه مائة مقرعة [2]، وقال له: يا
__________
[1] كذا في جميع النسخ و «الديوان». ولعله: «آمن الخائف».
[2] المقرعة: السوط.
ابن الفاعلة! أتعرّض بي في مثل ذلك الموضع! وحبسه في داره. فدسّ أبو العتاهية إلى زبيدة بنت جعفر، وكانت توجب [1] له [حفّه] [2]، هذه الأبيات:
حتّى متى ذو التّيه في تيهه ... أصلحه اللّه وعافاه
يتيه أهل التّيه من جهلهم ... وهم يموتون وإن تاهوا
من طلب العزّ ليبقى به ... فإنّ عزّ المرء تقواه
لم يعتصم باللّه من خلقه ... من ليس يرجوه ويخشاه
وكتب إليها بحالة وضيق حبسه، وكانت مائلة إليه، فرثت [3] له وأخبرت الرشيد بأمره وكلّمته فيه؛ فأحضره وكساه ووصله، ولم يرض عن القاسم حتى برّ أبا العتاهية وأدناه واعتذر إليه.
مدح الرشيد والفضل فأجازاه:
ونسخت من كتاب هارون بن عليّ: قال حدّثني عليّ بن مهديّ قال حدّثني محمد بن سهل عن خالد بن أبي الأزهر قال:
بعث الرشيد بالحرشيّ [4] إلى ناحية الموصل، فجبى له منها مالا عظيما من بقايا الخراج، فوافى به باب الرشيد، فأمر بصرف المال أجمع إلى بعض جواريه، فاستعظم الناس ذلك وتحدّثوا به؛ فرأيت أبا العتاهية وقد أخذه شبه الجنون، فقلت له: مالك ويحك؟! فقال لي: سبحان اللّه! أيدفع هذا المال الجليل إلى امرأة، ولا تتعلّق كفّي بشيء منه! ثم دخل إلى الرشيد بعد أيّام فأنشده:
اللّه هوّن عندك الدن ... يا وبغّضها إليكا
فأبيت إلّا أن تص ... غّر كلّ شيء في يديكا
ما هانت الدّنيا على ... أحدكما هانت عليكا
فقال له الفضل بن الربيع: يا أمير المؤمنين، ما مدحت الخلفاء بأصدق من هذا المدح. فقال: يا فضل، أعطه عشرين ألف درهم. فغدا أبو العتاهية على الفضل فأنشده:
إذا ما كنت متّخدا خليلا ... فمثل الفضل فاتّخذ الخليلا
يرى الشّكر القليل له عظيما ... ويعطي من مواهبه الجزيلا/
أراني حيثما يمّمت طرفي ... وجدت على مكارمه دليلا
فقال له الفضل: واللّه لو لا أنّ أساوي أمير المؤمنين لأعطيتك مثلها، ولكن سأوصلها إليك في دفعات، ثم أعطاه ما أمر له به الرشيد، وزاد له خمسة آلاف درهم من عنده.
__________
[1] كذا في ح وهو المناسب؛ يقال: أوجب لفلان حقه إذا راعاه، وفي سائر النسخ: «توجه له» وليس لها معنى.
[2] زيادة يقتضيها السياق.
[3] كذا في ب، س. وفي سائر النسخ: «فرثت له».
[4] في الأصول: «المجرشي». ولم نجد هذا الاسم. ولعله محرف عما أثبتناه، وهو سعيد الحرشي الذي كان معاصرا للرشيد وكان يقوم له بأعمال هامة.
سمع علي بن عيسى شعره وهو طفل فأعجب به:
أخبرني عليّ بن سليمان الأخفش قال حدّثنا المبرّد قال حدّثني عبد الصمد بن المعذّل قال:
سمعت الأمير عليّ بن عيسى بن جعفر يقول: كنت صبيّا في دار الرشيد، فرأيت شيخا ينشد والناس حوله:
ليس للإنسان إلّا ما رزق ... أستعين اللّه باللّه أثق
علق الهمّ بقلبي كلّه ... وإذا ما علق الهمّ علق
بأبي من كان لي من قلبه ... مرّة ودّ قليل فسرق
يا بني [1] الإسلام فيكم ملك ... جامع الإسلام عنه يفترق
لندى هارون فيكم وله ... فيكم صوب هطول وورق
لم يزل هارون خيرا كلّه ... قتل الشّرّ به يوم خلق
فقلت لبعض الهاشميّين: أما ترى إعجاب الناس بشعر هذا الرجل؟ فقال: يا بنيّ، إنّ الأعناق لتقطع دون هذا الطبع. قال: ثم كان الشيخ أبا العتاهية، والذي سأله إبراهيم بن المهديّ.
استعطف الرشيد وهو محبوس فأطلقه:
حدّثنا الصّوليّ قال حدّثنا أحمد بن محمد بن إسحاق قال حدّثني عبد القويّ بن محمد بن أبي العتاهية عن أبيه قال:
لبس أبو العتاهية كساء صوف ودرّاعة صوف، وآلى على نفسه ألّا يقول شعرا في الغزل، وأمر الرشيد بحبسه والتضييق عليه؛ فقال:
صوت
يا بن عمّ النبي سمعا وطاعه ... قد خلعنا الكساء والدّرّاعه
ورجعنا إلى الصّناعة لمّا ... كان سخط الإمام ترك الصّناعه
وقال أيضا:
أما رحمتني يوم ولّت فأسرعت ... وقد تركتني واقفا أتلفّت
أقلّب طرفي كي أراها فلا أرى ... وأحلب عيني درّها وأصوّت
فلم يزل الرشيد متوانيا في إخراجه إلى أن قال:
أما واللّه إنّ الظلم لوم ... وما زال المسيء هو الظّلوم
إلى ديّان يوم الدّين نمضي ... وعند اللّه تجتمع الخصوم
__________
[1] ورد هذا البيت في «ديوانه» (ص 314) وكذا فيما سيأتي (ص 74) من هذا الجزء هكذا:
يا بني العباس فيكم ملك ... شعب الإحسان عنه تفترق
لأمر ما تصرّفت الليالي ... وأمر ما تولّيت [1] النّجوم
تموت غدا وأنت قرير عين ... من الغفلات في لجج تعوم
تنام ولم تنم عنك المنايا ... تنبّه للمنيّة يا نؤوم
سل الأيّام عن أمم تقضّت ... ستخبرك المعالم والرّسوم
تروم الخلد في دار المنايا ... وكم قد رام غيرك ما تروم
/ ألا يا أيّها الملك المرجّى ... عليه نواهض الدنيا تحوم
أقلني زلّة لم أجر منها ... إلى لوم وما مثلي ملوم
وخلّصني تخلّص يوم بعث ... إذا للناس برّزت [2] الجحيم
فرقّ له وأمر بإطلاقه.
حديثه عن شعره ورأى أبي نواس فيه:
نسخت من كتاب هارون بن عليّ: قال حدّثني عليّ بن مهديّ قال حدّثني ابن أبي الأبيض قال:
أتيت أبا العتاهية فقلت له: إنّي رجل أقول الشعر في الزّهد، ولي فيه أشعار كثيرة، وهو مذهب أستحسنه؛ لأني أرجو ألّا آثم فيه، وسمعت شعرك في هذا المعنى فأحببت أن أستزيد منه، فأحبّ أن تنشدني من جيّد ما قلت؛ فقال: اعلم أنّ ما قلته رديء. قلت: وكيف؟ قال: لأنّ الشعر ينبغي أن يكون مثل أشعار الفحول المتقدّمين أو مثل شعر بشّار وابن هرمة، فإن لم يكن كذلك فالصواب لقائله أن تكون ألفاظه مما لا تخفى على جمهور الناس مثل شعري، ولا سيما الأشعار التي في الزّهد؛ فإن الزّهد ليس من مذاهب الملوك ولا من مذاهب رواة الشعر ولا طلّاب الغريب، وهو مذهب أشغف الناس به الزّهاد وأصحاب الحديث والفقهاء وأصحاب الرّياء والعامّة، وأعجب الأشياء إليهم ما فهموه. فقلت: صدقت. ثم أنشدني قصيدته:
لدوا للموت وابنوا للخراب ... فكلّكم يصير إلى تباب [3]
ألا يا موت لم أر منك بدّا ... أتيت وما تحيف وما تحابي
كأنّك قد هجمت على مشيبي ... كما هجم المشيب على شبابي
قال: فصرت إلى أبي نواس فأعلمته ما دار بيننا؛ فقال: واللّه ما أحسب في شعره مثل ما أنشدك بيتا آخر.
فصرت إليه فأخبرته بقول أبي نواس؛ فأنشدني قصيدته التي يقول فيها:
/طول التّعاشر بين النّاس مملول ... ما لابن آدم إن فتّشت معقول
يا راعي الشّاء [4] لا تغفل رعايتها ... فأنت عن كلّ ما استرعيت مسؤول
__________
[1] توليت النجوم (بالبناء للمفعول): أي تولاها اللّه، فتطلع ثم تغيب بتأثير قدرته. ولا يصح بناء الفعل للفاعل إلا مع ضرورة قبيحة وهي عدم حذف لام الفعل مع تاء التأنيث وقلبها ياء.
[2] في أ: «سعرت»، وفي هامشها كما في الأصل.
[3] التباب: الهلاك.
[4] في أ، ء، م: «يا راعي الناس». وفي «الديوان»: «يا راعي النفس».
إنّي لفي منزل ما زلت أعمره ... على يقين بأنّي عنه منقول
وليس من موضع يأتيه ذو نفس ... إلّا وللموت سيف فيه مسلول
لم يشغل الموت عنّا مذ أعدّ لنا ... وكلّنا عنه باللذّات مشغول
ومن يمت فهو مقطوع ومجتنب ... والحيّ ما عاش مغشيّ وموصول
كل ما بدا لك فالآكال فانية ... وكلّ ذي أكل لا بدّ مأكول
قال: ثم أنشدني عدّة قصائد ما هي بدون هذه، فصرت إلى أبي نواس فأخبرته؛ فتغيّر لونه وقال: لم خبّرته بما قلت! قد واللّه أجاد! ولم يقل فيه سوءا.
كان أبو نواس يجله ويعظمه:
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدّثني عليّ بن عبد اللّه بن سعد قال حدّثني هارون بن سعدان مولى البجليّين قال:
كنت مع أبي نواس قريبا من دور بني نيبخت [1] بنهر طابق [2] وعنده جماعة، فجعل يمرّ به القوّاد والكتّاب وبنو هاشم فيسلّمون عليه وهو متّكىء ممدود الرجل لا يتحرّك لأحد منهم، حتى نظرنا إليه قد قبض رجليه ووثب وقام إلى شيخ/ قد أقبل على حمار له، فاعتنق أبا نواس ووقف أبو نواس يحادثه، فلم يزل واقفا معه يراوح بين رجليه يرفع رجلا ويضع أخرى، ثم مضى الشيخ ورجع إلينا أبو نواس وهو يتأوّه. فقال له بعض من حضر: واللّه لأنت أشعر منه. فقال: واللّه ما رأيته قطّ إلا ظننت أنه سماء وأنا أرض.
رأي بشار فيه:
قال محمد بن القاسم حدّثني عليّ بن محمد بن عبد اللّه الكوفيّ قال حدّثني السّريّ بن الصّبّاح مولى ثوبان بن عليّ قال:
كنت عند بشّار فقلت له: من أشعر أهل زماننا؟ فقال: مخنّث أهل بغداد (يعني أبا العتاهية).
عزى المهدي في وفاة ابنته فأجازه:
أخبرني يحيى بن عليّ بن يحيى المنجّم إجازة: قال حدّثني عليّ بن مهديّ قال حدّثني الخزرجيّ الشاعر قال حدّثني عبد اللّه بن أيّوب الأنصاريّ قال حدّثني أبو العتاهية قال:
ماتت بنت المهديّ فحزن عليها حزنا شديدا حتى امتنع من الطعام والشراب، فقلت أبياتا أعزّيه بها؛ فوافيته وقد سلا وضحك وأكل وهو يقول: لا بدّ من الصبر على ما لا بدّ منه، ولئن سلونا عمن فقدنا ليسلونّ عنّا من يفقدنا، وما يأتي الليل والنهار على شيء إلا أبلياه. فلمّا سمعت هذا منه قلت: يا أمير المؤمنين، أتأذن لي أن أنشدك؟ قال هات؛ فأنشدته:
ما للجديدين لا يبلى اختلافهما ... وكلّ غضّ جديد فيهما بالي
__________
[1] كذا في ح. وقد وردت محرفة في سائر النسخ.
[2] نهر طابق: محلّه كانت ببغداد من الجانب الغربيّ.
يا من سلا عن حبيب بعد ميتته ... كم بعد موتك أيضا عنك من سالي
كأنّ كلّ نعيم أنت ذائقه ... من لذّة العيش يحكي لمعة الآل
لا تلعبنّ بك الدنيا وأنت ترى ... ما شئت من عبر فيها وأمثال
ما حيلة الموت إلّا كلّ صالحة ... أولا فما حيلة فيه لمحتال
فقال لي: أحسنت ويحك! وأصبت ما في نفسي ووعظت وأوجزت! ثم أمر لي لكلّ بيت بألف درهم.
حبسه الرشيد مع إبراهيم الموصليّ ثم أطلقهما:
أخبرني محمد بن عمران الصّيرفيّ قال حدّثنا العنزيّ قال حدّثني أحمد بن خلّاد قال حدّثني أبي قال:
لمّا مات موسى الهادي قال الرشيد لأبي العتاهية: قل شعرا في الغزل؛ فقال: لا أقول شعرا بعد موسى أبدا، فحبسه. وأمر إبراهيم الموصليّ أن يغنّي؛ فقال: لا أغنّي بعد موسى أبدا، وكان محسنا إليهما، فحبسه. فلمّا شخص إلى الرّقّة حفر لهما حفيرة واسعة وقطع بينهما بحائط، وقال: كونا بهذا المكان لا تخرجا منه حتى تشعر أنت ويغنّي هذا. فصبرا على ذلك برهة. وكان الرشيد يشرب ذات يوم وجعفر بن يحيى معه، فغنّت جارية صوتا فاستحسناه وطربا عليه طربا شديدا، وكان بيتا واحدا. فقال الرشيد: ما كان أحوجه إلى بيت ثان ليطول الغناء فيه فنستمتع مدّة طويلة به! فقال له جعفر: قد أصبته. قال: من أين؟ قال: تبعث إلى أبي العتاهية فيلحقه به لقدرته على الشعر وسرعته. قال: هو أنكد من ذلك، لا يجيبنا وهو محبوس ونحن في نعيم وطرب. قال: بلى! فاكتب إليه حتى تعلم صحّة ما قلت لك. فكتب إليه بالقصّة وقال: ألحق لنا بالبيت بيتا ثانيا [1]. فكتب إليه أبو العتاهية:
شغل المسكين عن تلك المحن ... فارق الرّوح وأخلى من بدن/
ولقد كلّفت أمرا عجبا ... أسأل التّفريح [2] من بيت الحزن
فلمّا وصلت قال الرشيد: قد عرّفتك أنه لا يفعل. قال: فتخرجه حتى يفعل. قال: لا! حتى يشعر؛ فقد حلفت. فأقام أياما لا يفعل. قال: ثم قال أبو العتاهية لإبراهيم: إلى كم هذا نلاجّ الخلفاء! هلمّ أقل شعرا وتغنّ فيه. فقال أبو العتاهية:
/بأبي من كان في قلبي له ... مرّة حبّ قليل فسرق [3]
يا بني العبّاس فيكم ملك ... شعب الإحسان منه تفترق
إنّما هارون خير كلّه ... مات كلّ الشرّمذ يوم خلق
وغنّى فيه إبراهيم. فدعا بهما الرشيد؛ فأنشده أبو العتاهية وغناه إبراهيم، فأعطى كلّ واحد منهما مائة ألف درهم ومائة ثوب.
حدّثني الصّوليّ بهذا الحديث عن الحسين بن يحيى عن عبد اللّه بن العبّاس بن الفضل بن الرّبيع، فقال فيه:
__________
[1] في ح: «آخر».
[2] كذا في ب، س. وفي سائر الأصول: «التفريج» بالجيم.
[3] تقدّم هذا الشعر في ص 68 من هذا الجزء مع اختلاف في الرواية.
غضب الرشيد على جارية له فحلف ألّا يدخل إليها أيّاما، ثم ندم فقال:
صدّ عنّي إذ رآني مفتتن ... وأطال الصّدّ لما أن فطن
كان مملوكي فأضحى مالكي ... إنّ هذا من أعاجيب الزّمن
وقال لجعفر بن يحيى: اطلب لي من يزيد على هذين البيتين. فقال له: ليس غير أبي العتاهية. فبعث إليه فأجاب بالجواب المذكور، فأمر بإطلاقه وصلته. فقال: الآن طاب القول؛ ثم قال:
عزّة الحبّ أرته [1] ذلّتي ... في هواه وله وجه حسن
ولهذا صرت مملوكا له ... ولهذا شاع ما بي وعلن
فقال: أحسنت واللّه وأصبت ما في نفسي! وأضعف صلته.
شعره في ذم الناس:
نسخت من كتاب هارون بن عليّ بن يحيى: قال حدّثني عليّ بن مهديّ قال حدّثني الهيثم بن عثمان قال حدّثني شبيب بن منصور قال:
/ كنت في الموقف واقفا على باب الرشيد، فإذا رجل بشع الهيئة على بغل قد جاء فوقف، وجعل الناس يسلّمون عليه ويسائلونه ويضاحكونه، ثم وقف في الموقف، فأقبل الناس يشكون أحوالهم: فواحد يقول: كنت منقطعا إلى فلان فلم يصنع بي خيرا، ويقول آخر: أمّلت فلانا فخاب أملي وفعل بي، ويشكو آخر من حاله؛ فقال الرجل:
فتّشت ذي الدنيا فليس بها ... أحد أراه لآخر حامد
حتّى كأنّ الناس كلّهم ... قد أفرغوا في قالب واحد
فسألت عنه فقيل: هو أبو العتاهية.
هجا سلما الخاسر بالحرص:
حدّثني الحسن بن عليّ قال حدّثنا ابن مهرويه قال حدّثني أحمد بن خلّاد عن أبيه عن عبد اللّه بن الحسن قال:
أنشد المأمون بيت أبي العتاهية يخاطب سلما الخاسر:
تعالى اللّه يا سلّم بن عمرو ... أذلّ الحرص أعناق الرجال
فقال المأمون: إنّ الحرص لمفسد للدّين والمروءة، واللّه ما عرفت من رجل قطّ حرصا ولا/ شرها فرأيت فيه مصطنعا. فبلغ ذلك سلما فقال: ويلي على المخنّث الجرّار الزنديق! جمع الأموال وكنزها وعبّأ البدور [2] في بيته ثم تزهّد مراءاة ونفاقا، فأخذ يهتف بي إذا تصدّيت للطلب.
__________
[1] في أ، ء، م: «أرادت».
[2] البدور: جمع بدرة، وهي كيس فيه ألف درهم أو عشرة آلاف درهم.
اقتص منه الجماز لخاله مسلم فاعتذر له:
أخبرني أحمد بن العبّاس العسكريّ المؤدّب ومحمد بن عمران الصّيرفيّ قالا حدّثنا الحسن بن عليل العنزيّ قال حدّثني محمد بن أحمد بن سليمان العتكيّ قال حدّثني العبّاس بن عبيد اللّه بن سنان بن عبد الملك بن مسمع قال:
/ كنّا عند قثم بن جعفر بن سلمان وعنده أبو العتاهية ينشد في الزهد، فقال قثم: يا عبّاس، اطلب الساعة الجمّاز حيث كان، ولك عندي سبق [1]. فطلبته فوجدته عند ركن دار جعفر بن سليمان، فقلت: أجب الأمير؛ فقام معي حتّى أتى قثم؛ فجلس في ناحية مجلسه وأبو العتاهية ينشده؛ فأنشأ الجمّاز يقول:
ما أقبح التّزهيد من واعظ ... يزهّد الناس ولا يزهد
لو كان في تزهيده صادقا ... أضحى وأمسى بيته المسجد
يخاف أن تنفد أرزاقه ... والرزق عند اللّه لا ينفد
والرزق مقسوم على من ترى ... يناله الأبيض والأسود
قال: فالتفت أبو العتاهية إليه فقال: من هذا؟ قالوا: [هذا] [2] الجمّاز وهو ابن أخت سلّم الحاسر، اقتصّ لخاله منك. فأقبل عليه وقال: يا بن أخي، إني لم أذهب حيث ظننت ولا ظنّ خالك، ولا أردت أن أهتف به؛ وإنما خاطبته كما يخاطب الرجل صديقه، فاللّه يغفر لكما، ثم قام.
غناه مخارق بشعره:
أخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن عمّار قال حدّثني محمد بن أحمد بن خلف الشّمريّ عن أبيه قال:
كنت عند مخارق، فجاء أبو العتاهية في يوم جمعة فقال: لي حاجة وأريد الصلاة؛ فقال مخارق: لا أبرح حتّى تعود. قال: فرجع وطرح ثيابه، وهي صوف، وغسل وجهه، ثم قال له: غنّني:
صوت
قال لي أحمد ولم يدر ما بي ... أتحبّ الغداة عتبة حقّا
فتنفّست ثم قلت نعم حبّ ... ا جرى في العروق عرقا فعرقا
فجذب مخارق دواة كانت بين يديه فأوقع عليها ثم غنّاه؛ فاستعاده ثلاث مرّات فأعاده عليه، ثم قام وهو يقول: لا يسمع واللّه هذا الغناء أحد فيفلح. وهذا الخبر رواية محمد بن القاسم بن مهرويه عنه.
وحدّثنا [به] [3] أيضا في كتاب هارون بن عليّ بن يحيى عن ابن مهرويه عن ابن عمّار قال حدّثني أحمد بن يعقوب عن محمد بن حسّان الضّبّيّ قال حدّثنا مخارق قال:
__________
[1] أصل السبق (بالتحريك) الخطر يوضع بين أهل السباق، وهو ما يتراهنون عليه.
[2] زيادة عن ح.
[3] هذه الكلمة ساقطة من ب، س.
لقيني أبو العتاهية فقال: بلغني أنك خرّجت قولي:
قال لي أحمد ولم يدر ما بي ... أتحبّ الغداة عتبة حقّا
فقلت نعم. فقال: غنّه. فملت معه إلى خراب، فيه قوم فقراء سكّان، فغنّيته إياه؛ فقال: أحسنت واللّه! منذ ابتدأت حتّى سكتّ؛ ثم قال لي: أما ترى ما فعل الملك بأهل هذا الخراب!
شعره في تبخيل الناس:
أخبرني جحظة قال حدّثني ميمون بن هارون قال:
قال مخارق: لقيت أبا العتاهية على الجسر،/ فقلت له: يا أبا إسحاق، أتنشدني قولك في تبخيلك الناس كلّهم؟ فضحك وقال لي: هاهنا؟ قلت نعم. فأنشدني:
إن كنت متّخذا خليلا ... فتنقّ وانتقد الخليلا
من لم يكن لك منصفا ... في الودّ فآبغ به بديلا
ولربّما سئل البخي ... ل الشيء لا يسوى فتيلا
/ فيقول لا أجد السّبي ... ل إليه يكره أن ينيلا
فلذاك لا جعل الإل ... ه له إلى خير سبيلا
فاضرب بطرفك حيث شئ ... ت فلن ترى إلّا بخيلا
فقلت له: أفرطت يا أبا إسحاق! فقال: فديتك! فأكذبنيّ بجواد واحد. فأحببت موافقته، فالتفتّ يمينا وشمالا ثم قلت: ما أجد. فقبّل بين عينيّ وقال: فديتك يا بنيّ! لقد رفقت حتى كدت تسرف.
كان بعد تنسكه يطرب لحديث هارون بن مخارق:
أخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدّثني هارون بن مخارق قال:
كان أبو العتاهية لمّا نسك يقول لي: يا بنيّ، حدّثني؛ فإن ألفاظك تطرب كما يطرب غناؤك.
جفاه أحمد بن يوسف فعاتبه بشعر:
أخبرني عليّ بن صالح بن الهيثم الأنباريّ قال حدّثني أبو هفّان قال حدّثني موسى بن عبد الملك قال:
كان أحمد بن يوسف صديقا لأبي العتاهية، فلمّا خدم المأمون وخصّ به، رأى منه أبو العتاهية جفوة، فكتب إليه:
أبا جعفر إنّ الشريف يشينه ... تتايهه على الأخلّاء بالوفر
ألم تر أنّ الفقر يرجى له الغنى ... وأنّ الغنى يخشى عليه من الفقر
فإن نلت تيها بالذي نهلت من غنى ... فإنّ غناي في التجمّل والصبر
قال: فبعث إليه بألفي درهم، وكتب إليه يعتذر مما أنكره.
طلب إليه أن يجيز شعرا فأجازه على البديهة:
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا ابن مهرويه قال حدّثني إبراهيم بن أحمد بن إبراهيم الكوفيّ قال حدّثني أبو جعفر المعبديّ قال:
/ قلت لأبي العتاهية: أجز لي قول الشاعر:
وكان المال يأتينا فكنّا ... نبذّره وليس لنا عقول
فلمّا أن تولّى المال عنّا ... عقلنا حين ليس لنا فضول
قال: فقال أبو العتاهية على المكان:
فقصّر ما ترى بالصّبر حقّا ... فكلّ إن صبرت له مزيل
قال لابنه: أنت ثقيل الظل:
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا ابن مهرويه قال حدّثني الحسن بن الفضل الزّعفرانيّ قال: حدّثني من سمع أبا العتاهية يقول لابنه وقد غضب عليه: اذهب فإنك ثقيل الظلّ جامد الهواء.
أهدى إلى الفضل نعلا فأهداها للخليفة:
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا ابن مهرويه قال حدّثني يحيى بن خليفة الرّازيّ قال حدّثنا حبيب بن الجهم النّميريّ قال:
حضرت الفضل بن الربيع متنجّزا جائزتي وفرضي، فلم يدخل عليه أحد قبلي، فإذا عون حاجبه قد جاء فقال:
هذا أبو العتاهية يسلّم عليك وقد قدم من مكة؛ فقال: أعفني منه الساعة يشغلني عن ركوبي. فخرج إليه عون/ فقال: إنّه على الرّكوب إلى أمير المؤمنين. فأخرج من كمّه نعلا عليها شراك فقال: قل له إنّ أبا العتاهية أهداها إليك جعلت فداءك. قال: فدخل بها؛ فقال: ما هذه؟ فقال [1]: نعل وعلى شراكها مكتوب كتاب. فقال: يا حبيب، اقرأ ما عليها فقرأته فإذا هو:
نعل بعثت بها ليلبسها ... قرم [2] بها يمشي إلى المجد
لو كان يصلح أن أشرّكها [3] ... خدّي جعلت شراكها خدّي
/ فقال لحاجبه عون: احملها معنا، فحملها. فلمّا دخل على الأمين قال له: يا عبّاسيّ، ما هذه النّعل؟
فقال: أهداها إليّ أبو العتاهية وكتب عليها بيتين، وكان أمير المؤمنين أولى بلبسها لما وصف به لابسها. فقال: وما هما؟ فقرأهما. فقال: أجاد واللّه! وما سبقه إلى هذا المعنى أحد، هبوا له عشرة آلاف درهم. فأخرجت واللّه في بدرة وهو راكب على حماره، فقبضها وانصرف.
__________
[1] في الأصول: «قال: فدخلت بها؛ فقال: ما هذه؟ فقلت».
[2] القرم (بالفتح) هنا: السيد العظيم. ولتلبسها قدم بها تمشي».
[3] أشركها: أجعل لها شراكا. والشراك: سير النعل على ظهر القدم.
قيل إنه كان من أقل الناس معرفة:
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدّثنا إسماعيل [1] بن عبد اللّه الكوفيّ قال حدّثنا عمروس [2] صاحب الطعام وكان جار أبي العتاهية، قال:
كان أبو العتاهية من أقلّ الناس معرفة، سمعت بشرا المرّيسيّ يقول له: يا أبا إسحاق، لا تصلّ خلف فلان جارك وإمام مسجدكم؛ فإنه مشبّه [3]. قال: كلّا! إنّه قرأ بنا البارحة في الصّلاة: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)
؛ وإذا هو يظنّ أنّ المشبّه لا يقرأ (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)
شكا إليه بكر بن المعتمر ضيق حبسه فكتب إليه شعرا:
أخبرني الحسن قال حدّثنا ابن مهرويه قال حدّثني أحمد بن يعقوب الهاشميّ قال حدّثني أبو شيخ منصور بن سليمان عن أبيه قال:
كتب بكر بن المعتمر إلى أبي العتاهية يشكو إليه ضيق القيد وغمّ الحبس؛ فكتب إليه أبو العتاهية:
/هي الأيّام والعبر ... وأمر اللّه ينتظر
أتيأس أن ترى فرجا ... فأين اللّه والقدر
ذمّه الخيلاء وشعره في ذلك:
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا ابن مهرويه قال حدّثنا أحمد بن عبيد بن ناصح قال:
كنت أمشي مع أبي العتاهية يده في يدي وهو متكىء عليّ ينظر إلى الناس يذهبون ويجيئون، فقال: أما تراهم هذا يتيه فلا يتكلم، وهذا يتكلم بصلف! ثم قال لي: مرّ بعض أولاد المهلّب بمالك بن دينار وهو يخطر، فقال:
يا بنيّ، لو خفّضت بعض هذه الخيلاء ألم يكن أحسن بك من هذه الشّهرة التي قد شهرت بها نفسك؟! فقال له الفتى: أو ما تعرف من أنا! فقال له: بلى! واللّه أعرفك معرفة جيدة، أوّلك نطفة مذرة [4]، وآخرك جيفة قذرة، وأنت بين ذينك حامل عذرة. قال: فأرخى الفتى أذنيه وكفّ عما كان يفعل وطأطأ رأسه ومشى مسترسلا. ثم أنشدني أبو العتاهية:
أيا واها لذكر اللّ ... ه يا واها له واها
لقد طيّب ذكر اللّ ... ه بالتسبيح أفواها
__________
[1] في أ، ء، م: «ابن إسماعيل بن عبد اللّه».
[2] فيء، م: «عمرو بن صاحب الطعام».
[3] المشبه: الذي يرى رأي المشبهة، وهم فرقة من الشيعة يقولون: إن معبودهم صورة ذات أعضاء وأبعاض إما روحانية وإما جسمانية، ويجوز عليه الانتقال والنزول والصعود والاستقرار والتمكن. وقد حكى أن جماعة منهم أجازوا على ربهم الملامسة والمصافحة، وأن المخلصين من المسلمين يعانقونه في الدنيا والآخرة إذا بلغوا في الرياضة والاجتهاد إلى حدّ الإخلاص والاتحاد المحض.
(انظر كتاب «الملل والنحل» للشهرستانيّ طبع أوروبا ص 75).
[4] مذرة: قذرة.
فيا أنتن من حشّ [1] ... على حشّ إذا تاها
أرى قوما يتيهون ... حشوشا [2] رزقوا جاها
مدح إسماعيل بن محمد شعره واستنشده إياه:
حدّثني اليزيديّ عن عمه إسماعيل بن محمد بن أبي محمد قال.
قلت لأبي العتاهية وقد جاءنا:/ يا أبا إسحاق، شعرك كلّه حسن عجيب، ولقد مرّت بي منذ أيام أبيات لك استحسنتها جدّا؛ وذلك أنها مقلوبة أيضا، فأواخرها كأنها رأسها، لو كتبها الإنسان إلى صديق له كتابا واللّه لقد كان حسنا أرفع ما يكون شعرا. قال: وما هي؟ قلت:
المرء في تأخير مدّته ... كالثوب يخلق بعبد جدّته
وحياته نفس يعدّ له ... ووفاته استكمال عدّته
ومصيره من بعد مدّته ... لبلى [3] وذا من بعد وحدته
من مات مال ذوو مودّته ... عنه وحالوا عن مودّته
أزف الرحيل ونحن في لعب ... ما نستعدّ له بعدّته
ولقلّما تبقي الخطوب على ... أشر الشّباب وحرّ وقدته
عجبا لمنتبه يضيّع ما ... يحتاج فيه ليوم رقدته
شبه أبو نواس شعرا له بشعره:
قال اليزيديّ: قال عمّي وحدّثني الحسين بن الضحّاك قال:
كنت مع أبي نواس فأنشدني أبياته التي يقول فيها:
يا بني النقص والغير ... وبني الضعف والخور
فلمّا فرغ منها قال لي: يا أبا عليّ، واللّه لكأنها من كلام صاحبك (يعني أبا العتاهية).
سأل أعرابيا عن معاشه ثم قال شعرا:
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثني حذيفة بن محمد الطائيّ قال حدّثني أبو دلف القاسم بن عيسى العجليّ قال:
/ حججت فرأيت أبا العتاهية واقفا على أعرابيّ في ظل ميل [4] وعليه شملة [5] إذا غطّى بها رأسه بدت
__________
[1] الحش (بتثليث أوّله): النخل المجتمع، ويكنى به عن بيت الخلاء لأنه كان من عادتهم التغوّط في البساتين، والجمع: حشوش.
وفي «ديوان أبي العتاهية»: « ... من زبل على زبل ... ».
[2] في «الديوان»: «بهاما».
[3] في ب، س و «ديوانه» ص 56 طبع بيروت هكذا: «بليا». وفي سائر الأصول هكذا: «باليا». وقد رجحنا ما أثبتناه.
[4] الميل: منار يبنى للمسافر في أنشاز الأرض وأشرافها.
[5] الشملة: كساء مخمل دون القطيفة.
رجلاه، وإذا غطّى رجليه بدا رأسه. فقال له أبو العتاهية: كيف اخترت هذا البلد القفر على البلدان المخصبة؟ فقال له: يا هذا، لو لا أن اللّه أقنع بعض العباد بشرّ البلاد، ما وسع خير البلاد جميع العباد. فقال له: فمن أين معاشكم؟
فقال: منكم معشر الحاجّ، تمرّون بنا فننال من فضولكم، وتنصرفون فيكون ذلك. فقال [له] [1]: إنما نمرّ وننصرف في وقت من السنة، فمن أين معاشكم؟ فأطرق الأعرابيّ ثم قال: لا واللّه لا أدري ما أقول إلا أنّا نرزق من حيث لا نحتسب أكثر مما نرزق من حيث نحتسب. فولّى أبو العتاهية وهو يقول:
ألا يا طالب الدّنيا ... دع الدنيا لشانيكا
وما تصنع بالدنيا ... وظلّ الميل يكفيكا
شتمه سلّم لما سمع هجوه فيه:
أخبرني محمد بن مزيد قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال:
لمّا قال أبو العتاهية:
تعالى اللّه يا سلّم بن عمر ... أذلّ الحرص أعناق الرجال
قال [2] سلم: ويلي على ابن الفاعلة! كنز البدور ويزعم أنّي حريص وأنا في ثوبيّ هذين!
كان عبد اللّه بن عبد العزيز يتمثل كثيرا بشعره:
أخبرني محمد بن مزيد والحرميّ بن أبي العلاء قالا حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثني عمرو بن أدعج قال:
قلت لعبد اللّه بن عبد العزيز العمريّ وسمعته يتمثّل كثيرا من شعر أبي العتاهية: أشهد أنّي سمعته ينشد لنفسه:
/مرّت اليوم شاطره ... بضّة الجسم ساخره
إنّ دنيا هي التي ... مرّت اليوم سافره
سرقوا نصف اسمها ... فهي دنيا وآخره
فقال عبد اللّه بن عبد العزيز: وكله اللّه إلى آخرتها. قال: وما سمع بعد ذلك يتمثّل ببيت [3] من شعره.
قال عليّ بن الحسين مؤلف هذا الكتاب: هذه الأبيات لأبي عيينة المهلّبيّ، وكان يشبّب بدنيا في شعره، فإما أن يكون الخبر غلطا، وإما أن يكون الرجل أنشدها العمريّ لأبي العتاهية وهو لا يعلم أنّها ليست له.
موازنة بينه وبين أبي نواس:
أخبرني هاشم بن محمد الخزاعيّ قال حدّثنا عيسى بن إسماعيل قال:
قال لي الحرمازيّ: شهدت أبا العتاهية وأبا نواس في مجلس، وكان أبو العتاهية أسرع الرجلين جوابا عند البديهة، وكان أبو نواس أسرعهما في قول الشعر؛ فإذا تعاطيا جميعا السرعة فضله أبو العتاهية، وإذا توقّفا وتمهّلا فضله أبو نواس.
__________
[1] زيادة عن ح.
[2] في الأصول: «فقال».
[3] في الأصول: «و ما سمع بعد ذلك بيت يتمثل به ... ».
رأى من صالح المسكين جفوة فعاتبه فجاهره بالعداوة:
أخبرني أحمد بن العبّاس عن ابن عليل العنزيّ قال حدّثنا أبو أنس كثير بن محمد الحزاميّ قال حدّثني الزّبير بن بكّار [عن] [1] معروف العامليّ قال:
قال أبو العتاهية: كنت منقطعا إلى صالح المسكين، وهو ابن أبي جعفر المنصور، فأصبت في ناحيته مائة ألف درهم، وكان لي ودودا [2] وصديقا، فجئته يوما، وكان لي في مجلسه مرتبة لا يجلس فيها غيري، فنظرت إليه قد قصّر بي عنها، وعاودته ثانية فكانت حاله تلك، ورأيت نظره إليّ ثقيلا، فنهضت وقلت:
/أراني صالح بغضا ... فأظهرت له بغضا
ولا واللّه لا ينق ... ض إلا زدته نقضا
وإلّا زدته مقتا ... وإلا زدته رفضا
ألا يا مفسد الودّ ... وقد كان له محضا
تغضبت من الريح ... فما أطلب أن ترضى
لئن كان لك المال ال ... مصفى إنّ لي عرضا
قال أبو العتاهية: فنمي الكلام إلى صالح فنادى بالعداوة؛ فقلت فيه:
مددت لمعرض حبلا طويلا ... كأطول ما يكون من الحبال
حبال بالصّريمة ليس تفنى ... موصّلة على عدد الرمال
فلا تنظر إليّ ولا تردني ... ولا تقرب حبالك من حبالي
فليت الرّدم [3] من يأجوج بيني ... وبينك مثبتا أخرى الليالي
فكرش [4] إن أردت لنا كلاما ... ونقطع قحف [5] رأسك بالقذال [6]
استنشده مساور شعرا في جنازة فأبى:
حدّثني أحمد بن عبيد اللّه بن عمّار قال حدّثنا عليّ بن سليمان النّوفليّ قال: قال مساور السبّاق، وأخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير عن مساور السبّاق قال:
شهدت جنازة في أيّام الحاجّ وقت خروج الحسين بن عليّ بن الحسن بن الحسن بن الحسن [7] المقتول بفخّ [8]، فرأيت رجلا قد حضر الجنازة معنا وقد قال لآخر: هذا/ الرجل الذي/ صفته كذا وكذا أبو العتاهية.
__________
[1] زيادة يقتضيها السياق. وفي ح: «الزبير بن معروف العاملي».
[2] في ح، ب: «ودّا». والود (مثلث الواو): الكثير الود، كالودود.
[3] الردم: سدّ يأجوج ومأجوج.
[4] كرّش الرجل: قطب وجهه.
[5] القحف: العظم الذي فوق الدماغ من الجمجمة. وقيل لا يسمى قحفا حتى ينفلق من الجمجمة فيبين.
[6] كذا في ح. والقذال: جماع مؤخر الرأس ما بين نقرة القفا إلى الأذن. وفي سائر الأصول: «بالقتال» بالتاء المثناة من فوق.
[7] في طبعة بولاق: الحسن بن علي بن الحسين بن الحسن بن الحسين.
[8] فخ: واد بمكة، وهو فيما قيل: وادي الزاهر.
فالتفت إليه فقلت له: أنت أبو العتاهية؟ فقال: لا، أنا أبو إسحاق. فقلت له: أنشدني شيئا من شعرك؛ فقال لي:
ما أحمقك! نحن على سفر وعلى شفير قبر، وفي أيام العشر، وببلدكم هذا تستنشدني الشعر! ثم أدبر عنّي ثم عاد إليّ فقال: وأخرى أزيدكها، لا واللّه ما رأيت في بني آدم قطّ أسمج منك وجها! قال النوفليّ في خبره: وصدق أبو العتاهية، كان مساور هذا مقبّحا طويل الوجه كأنّه ينظر في سيف.
حجبه حاجب يحيى بن خاقان فقال شعرا فاسترضاه فأبى:
أخبرني عمّي الحسن بن محمد وجحظة قالا حدّثنا ميمون بن هارون قال:
قدم أبو العتاهية يوما منزل يحيى بن خاقان، فلمّا قام بادر له الحاجب فانصرف. وأتاه يوما آخر فصادفه حين نزل، فسلّم عليه ودخل إلى منزله ولم يأذن له؛ فأخذ قرطاسا وكتب إليه:
أراك تراع حين ترى خيالي ... فما هذا يروعك من خيالي
لعلّك خائف منّي سؤال ... ألا فلك الأمان من السؤال
كفيتك إنّ حالك لم تمل بي ... لأطلب مثلها بدلا بحالي
وإنّ اليسر مثل العسر عندي ... بأيّهما منيت فلا أبالي
فلمّا قرأ الرّقعة أمر الحاجب بإدخاله إليه، فطلبه فأبى أن يرجع معه، ولم يلتقيا بعد ذلك.
كان بينه وبين أبي الشمقمق شرّ:
أخبرني عبد اللّه بن محمد الرّازيّ قال حدّثنا أحمد بن الحارث قال حدّثنا المدائنيّ قال:
/ اجتمع أبو نواس وأبو الشّمقمق في بيت ابن أذين، وكان بين أبي العتاهية وبين أبي الشّمقمق شرّ، فخّبؤه من أبي العتاهية في بيت. ودخل أبو العتاهية فنظر إلى غلام عندهم فيه تأنيث [1]، فظنّ أنّه جارية، فقال لابن أذين: متى استطرفت [2] هذه الجارية؟ فقال: قريبا يا أبا إسحاق، فقال: قل فيها ما حضر؛ فمدّ أبو العتاهية يده إليه وقال:
مددت كفّي نحوكم سائلا ... ماذا تردّون على السائل
فلم يلبث أبو الشمقمق حتى ناداه من البيت:
نردّ في كفّك ذا فيشة ... يشفي جوى في استك من داخل
فقال أبو العتاهية: شمقمق واللّه! وقام مغضبا.
استنشد ابن أبي أمية شعره ومدحه:
أخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن عمّار قال حدّثنا عليّ بن محمد النّوفليّ قال حدّثني سليمان بن عبّاد قال حدّثنا سليمان بن مناذر قال:
كنّا عند جعفر بن يحيى وأبو العتاهية حاضر في وسط المجلس؛ فقال أبو العتاهية لجعفر: جعلني اللّه فداك!
__________
[1] فيه تأنيث: فيه لين وتخنّث.
[2] استطرفت: استحدثت. وفي الأصول: «متى استظرفتها» بالمعجمة.
معكم شاعر يعرف بابن أبي أميّة أحبّ أن أسمعه ينشد؛ فقال له جعفر: هو أقرب الناس منك. فأقبل أبو العتاهية على محمد، وكان إلى جانبه، وسأله أن ينشده، فكأنّه حصر ثم أنشده:
صوت
ربّ وعد منك لا أنساه لي ... أوجب الشكر وإن لم تفعل
أقطع الدهر بوعد حسن ... وأجلّي غمرة ما تنجلي
كلّما أمّلت وعدا صالحا ... عرض المكروه دون الأمل
/ وأرى الأيّام لا تدني الذي ... أرتجي منك وتدني أجلي
/ - في هذه الأبيات لأبي حبشة رمل - قال: فأقبل أبو العتاهية يردّد البيت الأخير ويقبّل رأس ابن أبي أميّة ويبكي، وقال: وددت واللّه أنّه لي بكثير من شعري.
لم يرض بتزويج ابنته لمنصور بن المهدي:
أخبرني حبيب بن نصر قال حدّثنا عمر بن شبّة قال:
كانت لأبي العتاهية بنتان، اسم إحداهما «للّه»، والأخرى «باللّه»؛ فخطب منصور بن المهديّ «للّه» فلم يزوّجه، وقال: إنما طلبها لأنّها بنت أبي العتاهية، وكأنّي بها قد ملّها، فلم يكن لي إلى الانتصاف منه سبيل، وما كنت لأزوّجها إلا بائع خزف وجرار، ولكنّي أختاره لها موسرا.
كان له ابن شاعر:
وكان لأبي العتاهية ابن يقال له محمد وكان شاعرا، وهو القائل:
قد أفلح السّالم الصّموت ... كلام راعي الكلام قوت
ما كلّ نطف له جواب ... جواب ما يكره السّكوت
يا عجبا لامرىء ظلوم ... مستيقن أنّه يموت
سأله عبد اللّه بن الحسن بن سهل أن ينشده من شعره ففعل:
نسخت من كتاب هارون بن عليّ بن يحيى: حدّثنا زكريّا بن الحسين [1] عن عبد اللّه بن الحسن بن سهل الكاتب قال:
قلت لأبي العتاهية: أنشدني من شعرك ما تستحسن، فأنشدني:
ما أسرع الأيّام في الشّهر ... وأسرع الأشهر في العمر
__________
[1] في ح: «الحسن».
صوت
ليس لمن ليست له حيلة ... موجودة خير من الصّبر
فاخط مع الدهر إذا ما خطا ... واجر مع الدهر كما يجري
من سابق الدهر كبا كبوة ... لم يستقلها آخر الدهر
لإبراهيم في هذه الأبيات خفيف ثقيل وثقيل أوّل.
لما جفاه الفضل وصله ابن الحسن بن سهل:
قال عبد اللّه بن الحسن: وسمعت أبا العتاهية يحدّث قال: ما زال الفضل بن الربيع من أميل النّاس إليّ، فلمّا رجع من خراسان بعد موت الرشيد دخلت إليه، فاستنشدني فأنشدته:
أفنيت عمرك إدبارا وإقبالا ... تبغي البنين وتبغي الأهل والمالا
الموت هول فكن ما شئت ملتمسا ... من هوله حيلة إن كنت محتالا
ألم تر الملك الأمسيّ حين مضى ... هل نال حيّ من الدنيا كما نالا
أفناه من لم يزل يفني القرون فقد ... أضحى وأصبح عنه الملك قد زالا
كم من ملوك مضى ريب الزمان بهم ... فأصبحوا عبرا فينا وأمثالا
فاستحسنها وقال: أنت تعرف شغلي، فعد إليّ في وقت فراغي اقعد معك وآنس بك. فلم أزل أراقب أيّامه حتى كان يوم فراغه فصرت إليه؛ فبينما هو مقبل عليّ يستنشدني ويسألني فأحدّثه، إذ أنشدته:
ولّى الشباب فما له من حيلة ... وكسا ذؤابتي المشيب حمارا
أين البرامكة الذين عهدتهم ... بالأمس أعظم أهلها أخطارا
/ فلمّا سمع ذكرى البرامكة تغيّر لونه ورأيت الكراهية في وجهه، فما رأيت منه خيرا بعد ذلك.
قال: وكان أبو العتاهية يحدّث هذا الحديث ابن الحسن بن سهل؛ فقال له: لئن كان ذلك ضرّك عند الفضل بن الربيع لقد نفعك عندنا؛ فأمر له بعشرة آلاف درهم وعشرة أثواب وأجرى له كلّ شهر ثلاثة آلاف درهم، فلم يزل يقبلها دارّة إلى أن مات.
عاتب مجاشع بن مسعدة فردّ عليه من شعره:
قال عبد اللّه بن الحسن بن سهل: وسمعت عمرو بن مسعدة يقول: قال لي أخي مجاشع: بينما أنا في بيتي إذ جاءتني رقعة من أبي العتاهية فيها:
/خليل لي أكاتمه ... أراني لا ألائمه
خليل لا تهبّ الرّي ... ح إلّا هبّ لائمه
كذا من نال سلطانا ... ومن كثرت دراهمه
قال: فبعثت إليه فأتاني، فقلت له: أما رعيت حقّا ولا ذماما ولا مودّة! فقال لي: ما قلت سوءا. قلت: فما
حملك على هذا؟ قال: أغيب عنك عشرة أيّام فلا تسأل عنّي ولا تبعث إليّ رسولا! فقلت: يا أبا إسحاق، أنسيت قولك:
يأبى المعلّق بالمنى ... إلّا رواحا وادّلاجا
ارفق فعمرك عود ذي ... أود رأيت به اعوجاجا
من عاج من شيء إلى ... شيء أصاب له معاجا
فقال: حسبك! حسبك! أوسعتني عذرا.
عاب شعر ابن مناذر لاستعماله الغريب، فخجل:
أخبرني محمد بن عمران الصّيرفيّ الزّارع قال حدّثنا الحسن بن عليل العنزيّ قال حدّثني محمد بن عمران بن عبد الصّمد الزّارع قال حدّثنا ابن عائشة قال:
قال أبو العتاهية لابن مناذر [1]: شعرك مهجّن لا يلحق بالفحول، وأنت خارج عن طبقة المحدثين. فإن كنت تشّبهت بالعجّاج ورؤبة فما لحقتهما ولا أنت/ في طريقهما، وإن كنت تذهب مذهب المحدثين فما صنعت شيئا.
أخبرني عن قولك:
ومن عاداك لاقى المرمريسا [2]
أخبرني عن المرمريس ما هو؟ قال: فخجل ابن مناذر وما راجعه حرفا. قال: وكان بينهما تناغر [3].
عرف عبيد اللّه بن إسحاق بمكة وسأله أن يجيز شعره:
نسخت من كتاب هارون بن عليّ بن يحيى قال حدّثني الحسين بن إسماعيل المهديّ قال حدّثني رجاء بن سلمة قال:
وجد المأمون عليّ في شيء، فاستأذنته في الحجّ فأذن لي، فقدمت البصرة وعبيد اللّه بن إسحاق بن الفضل الهاشميّ [4] عليها وإليه أمر الحجّ، فزاملته إلى مكة. فبينا نحن في الطّواف رأيت أبا العتاهية، فقلت لعبيد اللّه:
جعلت فداك! أتحبّ أن ترى أبا العتاهية؟ فقال: واللّه إنّي لأحبّ أن أراه وأعاشره. قلت: فافرغ من طوافك واخرج، ففعل. فأخذت بيد أبي العتاهية فقلت له: يا أبا إسحاق، هل لك في رجل من أهل البصرة شاعر أديب ظريف؟
__________
[1] في شرح «القاموس» مادة «نذر» ما نصه: و «ابن مناذر بالفتح ممنوع من الصرف ويضم فيصرف. قال الجوهريّ: هو محمد بن مناذر شاعر بصري، فمن فتح الميم منه لم يصرفه ويقول إنه جمع منذر؛ لأنه محمد بن المنذر بن المنذر بن المنذر، ومن ضمه صرفه» اه. وقد ورد في «معجم البلدان» لياقوت (ج 4 ص 644 طبع مدينة ليدن) ما يؤكد أنه بالضم ليس غير؛ قال: «ذكر المبرد أن محمد بن مناذر الشاعر كان إذا قيل ابن مناذر بفتح الميم يغضب ويقول: أمناذر الكبرى أم مناذر الصغرى، وهما كورتان من كور الأهواز، إنما هو مناذر على وزن مفاعل من ناذر يناذر فهو مناذر، مثل ضارب فهو مضارب». وقد ورد في «المشتبه في أسماء الرجال» للذهبيّ (ص 457 طبع مدينة ليدن) بالضم أيضا.
[2] المرمريس: الداهية.
[3] التناعر: التناكر. وفي ح: «تباعد».
[4] كذا في ح، ء. وفي سائر النسخ: «الهاشمي» وهو تحريف.
قال: وكيف لي بذلك؟ فأخذت بيده فجئت به إلى عبيد اللّه، وكان لا يعرفه، فتحدّثا ساعة، ثم قال له أبو العتاهية:
هل لك في بيتين تجيزهما؟ فقال له عبيد اللّه: إنه لا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحجّ. فقال له: لا نرفث ولا نفسق ولا نجادل. فقال: هات إذا. فقال أبو العتاهية:
/إنّ المنون غدوّها ورواحها ... في الناس دائبة تجيل قداحها
يا ساكر الدنيا لقد أوطنتها ... ولتنزحنّ وإن كرهت نزاحها
/ فأطرق عبيد اللّه ينظر إلى الأرض ساعة، ثم رفع رأسه فقال:
خذ لا أبالك للمنيّة عدّة ... واحتل لنفسك إن أردت صلاحها
لا تغترر فكأنّني بعقاب ري ... ب الموت قد نشرت عليك جناحها
قال: ثم سمعت الناس ينحلون أبا العتاهية هذه الأربعة الأبيات كلّها، وليس له إلّا البيتان الأوّلان.
قصته في السجن مع داعية عيسى بن زيد:
أخبرني عمّي الحسن بن محمد قال حدّثنا ميمون بن هارون قال حدّثني إبراهيم بن رباح قال أخبرني إبراهيم بن عبد اللّه، وأخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدّثنا هارون بن مخارق قال حدّثني إبراهيم بن دسكرة، وأخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن عمّار قال حدّثني أحمد بن سليمان بن أبي شيخ قال:
قال أبو العتاهية: حبسني [1] الرشيد لمّا تركت قول الشعر، فأدخلت السجن وأغلق الباب عليّ، فدهشت كما يدهش مثلي لتلك الحال، وإذا أنا برجل جالس في جانب الحبس مقيّد، فجعلت أنظر إليه ساعة، ثم تمثّل:
صوت
تعوّدت مرّ الصبر حتى ألفته ... وأسلمني حسن العزاء إلى الصبر
وصيّرني يأسي من النّاس راجيا ... لحسن صنيع اللّه من حيث لا أدري
فقلت له: أعد، يرحمك اللّه، هذين البيتين. فقال لي: ويلك أبا العتاهية! ما أسوأ أدبك وأقلّ عقلك! دخلت عليّ الحبس فما سلّمت تسليم المسلم على المسلم، ولا سألت مسألة الحرّ للحرّ، ولا توجّعت توجّع المبتلى للمبتلى، حتى إذا سمعت بيتين/ من الشعر الذي لا فضل فيك غيره، لم تصبر عن استعادتهما، ولم تقدّم قبل مسألتك عنهما عذرا لنفسك في طلبهما! فقلت: يا أخي إنّي دهشت لهذه الحال، فلا تعذلني واعذرني متفضّلا بذلك. فقال: أنا واللّه أولى بالدّهش والحيرة منك؛ لأنك حبست في أن تقول شعرا به ارتفعت وبلغت، فإذا قلت أمّنت، وأنا مأخوذ بأن أدلّ على ابن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ليقتل أو أقتل دونه، وو اللّه لا أدلّ عليه أبدا، والساعة يدعى بي فأقتل، فأيّنا أحقّ بالدّهش؟ فقلت له: أنت واللّه أولى، سلّمك اللّه وكفاك، ولو علمت أنّ هذه حالك ما سألتك.
قال: فلا نبخل عليك إذا، ثم أعاد البيتين حتى حفظتهما. قال: فسألته من هو؟ فقال: أنا خاصّ داعية عيسى بن زيد وابنه أحمد. ولم نلبث أن سمعنا صوت الأقفال، فقام فسكب عليه ماء كان عنده في جرّه، ولبس ثوبا نظيفا كان
__________
[1] في «وفيات الأعيان» لابن خلكان (ج 1 ص 102): «أمر المهدي بحبسي ... ».
عنده، ودخل الحرس والجند معهم الشمع فأخرجونا جميعا، وقدّم قبلي إلى الرشد. فسأله عن أحمد بن عيسى؛ فقال: لا تسألني عنه واصنع ما أنت صانع، فلو أنه تحت ثوبي هذا ما كشفته عنه. وأمر بضرب عنقه فضرب. ثم قال لي: أظنّك قد ارتعت يا إسماعيل! فقلت: دون ما رأيته تسيل منه النفوس. فقال: ردّوه إلى محبسه فرددت، وانتحلت هذين البيتين وزدت فيهما:
إذا أنا لم أقبل من الدّهر كلّ ما ... تكرّهت منه طال عتبي على الدهر
/ لزرزور غلام المارقيّ في هذين البيتين المذكورين خفيف رمل. وفيهما لعريب خفيف ثقيل.
كان خلفا في شعره له منه الجيد والردي ء:
نسخت من كتاب هارون بن عليّ بن يحيى: حدّثني عليّ بن مهديّ قال حدّثني ناجية بن عبد الواحد قال:
/ قال لي أبو العبّاس الخزيميّ:
كان أبو العتاهية خلفا في الشعر، بينما هو يقول في موسى الهادي:
لهفي على الزمن القصير ... بين الخورنق والسّدير
إذ قال:
أيا ذوي الوخامه ... أكثرتم الملامه
فليس لي على ذا ... صبر ولا قلامه
نعم عشقت موقا ... هل قامت القيامه
لأركبنّ فيمن ... هويته الصّرامه
عرض شعرا له على سلّم الخاسر فذمه فأجابه:
ونسخت من كتابه [1]: حدّثني عليّ بن مهديّ قال حدّثني أحمد بن عيسى قال حدّثني الجمّاز قال:
قال سلّم الخاسر: صار إليّ أبو العتاهية فقال: جئتك زائرا؛ فقلت: مقبول منك ومشكور أنت عليه، فأقم.
فقال: إنّ هذا مما يشتدّ عليّ. قلت: ولم يشتدّ عليك ما يسهل على أهل الأدب؟ فقال: لمعرفتي بضيق صدرك.
فقلت له وأنا أضحك وأعجب من مكابرته: «رمتني بدائها [2] وانسلّت». فقال: دعني من هذا واسمع منّي أبياتا.
فقلت: هات؛ فأنشدني:
نغّص الموت كلّ لذّة عيش ... يا لقومي للموت ما أوحاه [3]
عجبا أنّه إذا مات ميت ... صدّ عنه حبيبه وجفاه
حيثما وجّه امرؤ ليفوت ال ... موت فالموت واقف بحذاه
__________
[1] يريد كتاب هارون بن علي الوارد في الصفحة السابقة.
[2] هذا مثل يضرب لمن يعيّر آخر غيبا هو فيه.
[3] ما أوحاه: ما أسرعه.
إنّما الشّيب لابن آدم ناع ... قام في عارضيه ثم نعاه
/ من تمنّى المنى فأغرق فيها ... مات من قبل أن ينال مناه
ما أذلّ المقلّ في أعين النّا ... س لإقلاله وما أقماه [1]
إنما تنظر العيون من النا ... س إلى من ترجوه أو تخشاه
ثم قال لي: كيف رأيتها؟ فقلت له: لقد جوّدتها لو لم تكن ألفاظها سوقيّة. فقال: واللّه ما يرغّبنيّ فيها إلّا الذي زهّدك فيها.
مر به حميد الطوسي متكبرا فقال شعرا:
ونسخت من كتابه: عن عليّ بن مهديّ قال حدّثني عبد اللّه بن عطيّة عن محمد بن عيسى الحربيّ قال:
كنت جالسا مع أبي العتاهية، إذ مرّ بنا حميد الطّوسيّ في موكبه وبين يديه الفرسان والرّجّالة، وكان بقرب أبي العتاهية سواديّ [2] على أتان، فضربوا وجه الأتان ونحّوه عن الطريق، وحميد واضع طرفه على معرفة فرسه والناس ينظرون إليه يعجبون منه وهو لا يلتفت تيها؛ فقال أبو العتاهية:
للموت أبناء بهم ... ما شئت من صلف وتيه
وكأنّني بالموت قد ... دارت رحاه على بنيه
/ قال: فلمّا جاز حميد مع صاحب الأتان قال أبو العتاهية:
ما أذلّ المقلّ في أعين النا ... س لإقلاله وما أقماه
إنما تنظر العيون من النا ... س إلى من ترجوه أو تخشاه
اعترض عليه في بخله فأجاب:
قال عليّ بن مهديّ وحدّثني الحسين بن أبي السّريّ قال:
قيل لأبي العتاهية: مالك تبخل بما رزقك اللّه؟ قال: واللّه ما بخلت بما رزقني اللّه قطّ. قيل له: وكيف ذاك وفي بيتك من المال ما لا يحصى؟ قال: ليس ذلك رزقي، ولو كان رزقي لأنفقته.
طلب من صالح الشهرزوري حاجة فلم يقضها فعاتبه حتى استرضاه فمدحه:
قال عليّ بن مهديّ وحدّثني محمد بن جعفر الشّهرزوريّ قال حدّثني رجاء مولى صالح الشّهرزوريّ قال:
كان أبو العتاهية صديقا لصالح الشهرزوريّ وآنس الناس به، فسأله أن يكلّم الفضل بن يحيى في حاجة له؛ فقال له صالح: لست أكلّمه في أشباه هذا، ولكن حمّلني ما شئت في مالي. فانصرف عنه أبو العتاهية وأقام أيّاما لا يأتيه؛ فكتب إليه أبو العتاهية:
أقلل زيارتك الصديق ولا تطل ... إتيانه فتلجّ في هجرانه
__________
[1] ما أقماه: ما أذله.
[2] السواديّ: القرويّ، من سواد البلدة وهو ما حولها من القرى، أو هو الرجل من عامة الناس.
إنّ الصديق يلجّ في غشيانه ... لصديقه فيملّ من غشيانه
حتّى تراه بعد طول مسرّة ... بمكانه متبرّما بمكانه
وأقلّ ما يلفى الفتى ثقلا على ... إخوانه ما كفّ عن إخوانه
وإذا توانى عن صيانة نفسه ... رجل تنقص واستخفّ بشانه
فلمّا قرأ الأبيات قال: سبحان اللّه! أتهجرني لمنعي إيّاك شيئا تعلم أنّي ما ابتذلت نفسي له قطّ، وتنسى مودّتي وأخوّتي، ومن دون ما بيني وبينك ما أوجب عليك أن تعذرني! فكتب إليه:
أهل التّخلّق لو يدوم تخلّق ... لسكنت ظلّ جناح من يتخلّق
ما الناس في الإمساك إلا واحد ... فبأيّهم إن حصّلوا [1] أتعلّق
هذا زمان قد تعوّد أهله ... تيه الملوك وفعل من يتصدّق [2]
فلمّا أصبح صالح غدا بالأبيات على الفضل بن يحيى وحدّثه بالحديث؛ فقال له: لا واللّه ما على الأرض أبغض إليّ من إسداء عارفة إلى أبي العتاهية؛ لأنه ممن ليس/ يظهر عليه أثر صنيعة، وقد قضيت حاجته لك؛ فرجع وأرسلني إليه بقضاء حاجته [3]. فقال أبو العتاهية:
جزى اللّه عنّي صالحا بوفائه ... وأضعف أضعافا له في جزائه
بلوت رجالا بعده في إخائهم ... فما ازددت إلّا رغبة في إخائه
صديق إذا ما جئت أبغيه حاجة ... رجعت بما أبغي ووجهي بمائه
أخبرني الصّوليّ قال حدّثني محمد بن موسى قال حدّثني أحمد بن حرب قال:
أنشدني محمد بن أبي العتاهية لأبيه يعاتب صالحا هذا في تأخيره قضاء حاجته:
صوت
أعينيّ جودا وابكيا ودّ صالح ... وهيجا عليه معولات النّوائح
فما زال سلطانا أخ لي أودّه ... فيقطعني جرما [4] قطيعة صالح
/ الغناء في هذين البيتين لإبراهيم ثقيل أوّل بإطلاق الوتر في مجرى البنصر.
أمر الرشيد مؤدّب ولده أن يرويهم شعره:
أخبرني محمد بن أبي الأزهر قال حدّثني حمّاد بن إسحاق عن أبيه عن جدّه قال:
كان الرشيد معجبا بشعر أبي العتاهية، فخرج إلينا يوما وفي يده رقعتان على نسخة واحدة، فبعث بإحداهما
__________
[1] حضلوا: خبروا وميزوا.
[2] يتصدّق هنا: يسأل.
[3] أي رجع الفضل وأرسلني إلى أبي العتاهية بقضاء حاجته.
[4] في ء: «جزما». وفي سائر النسخ: «حزما» بالحاء المهملة. ويظهر أن كليهما مصحف عما أثبتناه.
إلى مؤدّب لولده وقال: ليروّهم ما فيها، ودفع الأخرى إليّ وقال: غنّ في هذه الأبيات. ففتحتها فإذا فيها:
صوت
قل لمن ضنّ بودّه ... وكوى القلب بصدّه
ما ابتلى اللّه فؤادي ... بك إلّا شؤم جدّه
/ أيّها السارق عقلي ... لا تضنّنّ بردّه
ما أرى حبّك إلّا ... بالغا بي فوق حدّه
تمثل المعتصم عند موته بشعر له:
أخبرني هاشم بن محمد الخزاعيّ قال حدّثني عبد اللّه بن محمد الأمويّ العتبيّ قال قال لي محمد بن عبد الملك الزيّات:
لمّا أحسّ المعتصم بالموت قال لابنه الواثق: ذهب واللّه أبوك يا هارون! للّه درّ أبي العتاهية حيث يقول:
الموت بين الخلق مشترك ... لا سوقة يبقى ولا ملك
ما ضرّ أصحاب القليل وما ... أغنى عن الأملاك ما ملكوا
عدّ أبو تمام خمسة أبيات من شعره وقال لم يشركه فيها غيره:
أخبرني حبيب بن نصر المهلّبيّ وعمّي الحسن والكوكبيّ قالوا حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد قال:
قال لي أبو تمام الطائيّ: لأبي العتاهية خمسة أبيات ما شركه فيها أحد، ولا قدر على مثلها متقدّم ولا متأخّر، وهو قوله:
الناس في غفلاتهم ... ورحى المنيّة تطحن
وقوله لأحمد بن يوسف:
ألم تر أنّ الفقر يرجى له الغنى ... وأنّ الغنى يخشى عليه من الفقر
وقوله في موسى الهادي:
ولمّا استقلّوا بأثقالهم ... وقد أزمعوا للّذي أزمعوا
قرنت التفاتي بآثارهم ... وأتبعتهم مقلة تدمع
وقوله:
هب الدنيا تصير إليك عفوا ... أليس مصير ذاك إلى زوال
عزاؤه صديقا له:
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدّثني محمد بن سعيد المهديّ عن يحيى بن سعيد الأنصاريّ قال:
مات شيخ لنا ببغداد، فلمّا دفنّاه أقبل الناس على أخيه يعزّونه، فجاء أبو العتاهية إليه وبه جزع شديد، فعزّاه ثم أنشده:
لا تأمن الدّهر والبس ... لكلّ حين لباسا
ليدفنّنا أناس ... كما دفنّا أناسا
/ قال: فانصرف الناس، وما حفظوا غير قول أبي العتاهية.
أرسل لخزيمة من شعره في الزهد فغضب وذمه:
نسخت من كتاب هارون بن عليّ: حدّثني عليّ بن مهديّ قال حدّثني حبيب بن عبد الرحمن عن بعض أصحابه:
قال: كنت في مجلس خزيمة [1]، فجرى حديث ما يسفك من الدماء، فقال: واللّه ما لنا عند اللّه عذر ولا حجّة إلّا رجاء عفوه ومغفرته. ولو لا عزّ السلطان وكراهة الذلّة، وأن أصير بعد الرياسة سوقة وتابعا بعد ما كنت متبوعا، ما كان في الأرض أزهد ولا أعبد منّي؛ فإذا هو بالحاجب قد دخل عليه برقعة من أبي العتاهية فيها مكتوب:
أراك امرأ ترجو من اللّه عفوه ... وأنت على ما لا يحبّ مقيم
تدلّ على التقوى وأنت مقصّر ... أيا من يداوي الناس وهو سقيم
وإنّ امرأ لم يلهه اليوم عن غد ... تخوّف ما يأتي به لحكيم
وإنّ امرأ لم يجعل البرّ كنزه ... وإن كانت الدنيا له لعديم
/ فغضب خزيمة وقال: واللّه ما المعروف عند هذا المعتوه الملحف من كنوز البرّ فيرغب فيه حرّ. فقيل له:
وكيف ذاك؟ فقال: لأنّه من الذين يكنزون الذهب والفضّة ولا ينفقونها في سبيل اللّه.
مدح يزيد بن مزيد فوصله:
ونسخت من كتابه: عن عليّ بن مهديّ قال حدّثني الحسين بن أبي السّريّ قال قال لي الفضل بن العبّاس:
قال لي أبو العتاهية: دخلت على يزيد بن مزيد، فأنشدته قصيدتي التي أقول فيها:
وما ذاك إلّا أنّني واثق بما ... لديك وأنّي عالم بوفائكا
كأنّك في صدري إذا جئت زائرا ... تقدّر فيه حاجتي بابتدائكا
وإنّ أمير المؤمنين وغيره ... ليعلم في الهيجاء فضل غنائكا
كأنّك عند الكرّ في الحرب إنّما ... تفرّ من السّلم الذي من ورائكا
فما آفة الأملاك غيرك في الوغى ... ولا آفة الأموال غير حبائكا
قال: فأعطاني عشرة آلاف درهم، ودابة بسرجها ولجامها ..
__________
[1] هو خزيمة بن خازم أحد قوّاد الرشيد.
وعظ راهب رجلا عابدا بشعره:
وأخبرني عيسى بن الحسين الورّاق وعمّي الحسن بن محمد وحبيب بن نصر المهلّبي قالوا: حدّثنا عمر بن شبّة قال:
مرّ عابد براهب في صومعة؛ فقال له: عظني. فقال: أعظك وعليكم نزل القرآن، ونبيّكم محمد صلّى اللّه عليه وسلّم قريب العهد بكم [1]؟ قلت نعم. قال: فأتّعظ ببيت من شعر شاعركم أبي العتاهية حين يقول:
تجرّد من الدنيا فإنّك إنّما ... وقعت إلى الدنيا وأنت مجرّد
فضله العتابي على أبي نواس:
أخبرني محمد بن عمران الصّيرفيّ قال حدّثنا العنزيّ قال حدّثني الفضل بن محمد الزّارع قال حدّثني جعفر بن جميل قال:
/ قدم العتّابي الشاعر على المأمون، فأنزله على إسحاق بن إبراهيم، فأنزله على كاتبه ثوابة بن يونس، وكنّا نختلف إليه نكتب عنه. فجرى ذات يوم ذكر الشعراء؛ فقال: لكم يا أهل العراق شاعر منوّه الكنية، ما فعل؟ فذكر القوم أبا نواس؛ فانتهرهم ونفض يده وقال: ليس ذلك، حتى طال الكلام. فقلت: لعلّك تريد أبا العتاهية. فقال:
/ نعم! ذاك أشعر الأوّلين والآخرين في وقته.
لام أبا نواس في استماع الغناء:
أخبرني محمد بن عمران قال حدّثني العنزيّ قال حدّثني محمد بن إسحاق عن عليّ بن عبد اللّه الكنديّ قال:
جلس أبو العتاهية يوما يعذل أبا نواس ويلومه في استماع الغناء ومجالسته لأصحابه؛ فقال له أبو نواس:
أتراني يا عتاهي ... تاركا تلك الملاهي
أتراني مفسدا بالنّ ... سك عند القوم جاهي
قال: فوثب أبو العتاهية وقال: لا بارك اللّه عليك! وجعل أبو نواس يضحك.
بلغه أن إبراهيم بن المهدي رماه بالزندقة فبعث إليه يعاتبه فردّ عليه إبراهيم:
أخبرني جحظة قال حدّثني هبة اللّه بن إبراهيم بن المهديّ قال:
بلغ أبا العتاهية أنّ أبي رماه في مجلسه بالزندقة وذكره بها؛ فبعث إليه يعاتبه على لسان إسحاق الموصلي، فأدّى إليه إسحاق الرسالة؛ فكتب إليه أبي:
إنّ المنيّة أمهلتك عتاهي ... والموت لا يسهو وقلبك ساهي
يا ويح ذي السنّ الضعيف أماله ... عن غيّه قبل الممات تناهي
وكّلت بالدنيا تبكّيها وتن ... دبها وأنت عن القيامة لاهي
والعيش حلو والمنون مريرة ... والدّار دار تفاخر وتباهى
__________
[1] في جميع الأصول: «و نبيكم محمد صلّى اللّه عليه وسلّم قريب العهد بكم صلّى اللّه عليه وسلّم وعلى آله». ويظهر أن هذا تكرار من النساخ.
/ فاختر [1]
لنفسك دونها سبلا ولا ... تتحامقنّ لها فإنّك لاهي
لا يعجبنّك أن يقال مفوّه ... حسن البلاغة أو عريض الجاه
أصلح جهولا من سريرتك الّتي ... تخلو بها وارهب مقام اللّه
إنّي رأيتك مظهرا لزهادة ... تحتاج منك لها إلى أشباه
كان عبد اللّه بن العباس بن الفضل مشغوفا بالغنا في شعره:
أخبرني محمد بن يحيى الصّوليّ قال حدّثني الحسين بن يحيى الصوليّ قال حدّثني عبد اللّه بن العبّاس بن الفضل بن الرّبيع قال:
رآني الرشيد مشغوفا بالغناء في شعر أبي العتاهية:
صوت
أحمد قال لي ولم يدر ما بي ... أتحبّ الغداة عتبة حقّا
فتنفّست ثم قلت نعم حب ... بّا جرى في العروق عرقا فعرقا
لو تجسّين يا عتيبة قلبي ... لوجدت الفؤاد قرحا تفقّا
قد لعمري ملّ الطبيب وملّ ... الأهل منّي مما أقاسي وألقى
ليتني متّ فاسترحت فإنّي ... أبدا ما حييت منها ملقّى [2]
ولا سيما من مخارق، وكان يغنّي فيه رملا لإبراهيم أخذه عنه. وفيه لحن لفريدة رمل. هكذا قال الصّولي:
«فريدة» بالياء، وغيره يقول: «فرندة» بالنون.
أمره الرشيد أن يقول شعرا يغني فيه الملاحون فلما سمعه بكى:
حدّثني الصّولي قال حدّثنا محمد بن موسى قال حدّثنا محمد بن صالح العدويّ قال أخبرني أبو العتاهية قال:
كان الرشيد مما يعجبه غناء الملّاحين في الزّلّالات [3] إذا ركبها، وكان يتأذّى بفساد كلامهم ولحنهم، فقال:
قولوا لمن معنا من الشعراء يعملوا لهؤلاء شعرا يغنّون فيه./ فقيل له: ليس أحد أقدر على/ هذا من أبي العتاهية، وهو في الحبس. قال: فوجّه إليّ الرشيد: قل شعرا حتّى أسمعه منهم، ولم يأمر بإطلاقي؛ فغاظني ذلك فقلت:
واللّه لأقولنّ شعرا يحزنه ولا يسرّ به، فعملت شعرا ودفعته إلى من حفّظه الملّاحين. فلمّا ركب الحرّاقة [4] سمعه، وهو:
خانك الطّرف الطّموح ... أيّها القلب الجموح
__________
[1] في ح: «فاحتل».
[2] الملقى: الممتحن الذي لا يزال يلقاه مكروه.
[3] لم نجد هذا الاسم في «كتب اللغة» التي بين أيدينا بالمعنى المراد منه هنا. وظاهر أن المراد به نوع من السفن.
[4] الحرّافة: ضرب من السفن الحربية الكبيرة فيها مرامي نيران يرمى بها العدوّ في البحر. وكان منها أنواع تستعمل للنزهة والرياضة والتنقل عند الخلفاء والملوك والأمراء في أوّل العصر العباسي (مثل الذهبية عندنا) وهي المرادة هنا.
لدواعي الخير والشّ ... رّ دنوّ ونزوح
هل لمطلوب بذنب ... توبة منه نصوح
كيف إصلاح قلوب ... إنّما هنّ قروح
أحسن اللّه بنا ... أنّ الخطايا لا تفوح
فإذا المستور منّا ... بين ثوبيه نضوح [1]
كم رأينا من عزيز ... طويت عنه الكشوح
صاح منه برحيل ... صائح الدّهر الصّدوح
موت بعض الناس في الأر ... ض على قوم فتوح
سيصير المرء يوما ... جسدا ما فيه روح
بين عيني كلّ حيّ ... علم الموت يلوح
كلّنا في غفلة وال ... موت يغدو ويروح
لبني الدّنيا من الدّن ... يا غبوق [2] وصبوح
رحن في الوشى وأصبح ... ن عليهنّ المسوح/
كلّ نطّاح من الدّه ... ر له يوم نطوح
نح على نفسك يا مس ... كين إن كنت تنوح
لتموتنّ وإن عمّ ... رت ما عمّر نوح
قال: فلمّا سمع ذلك الرشيد جعل يبكي وينتحب، وكان الرشيد من أغزر الناس دموعا في وقت الموعظة، وأشدّهم عسفا في وقت الغضب والغلظة. فلمّا رأى الفضل بن الرّبيع كثرة بكائه، أومأ إلى الملّاحين أن يسكتوا.
هجا منجابا الذي كان موكلا بحبسه:
حدّثني الصّوليّ قال حدّثني الحسن بن جابر كاتب الحسن [3] بن رجاء قال:
لمّا حبس الرشيد أبا العتاهية دفعه إلى منجاب، فكان يعنف به؛ فقال أبو العتاهية:
منجاب مات بدائه ... فاعجل له بدوائه
إنّ الإمام أعلّه ... ظلما بحدّ شقائه
لا تعنفنّ [4] سياقه ... ما كلّ ذاك برائه [5]
__________
[1] في «الديوان»: «فضوح» بالفاء.
[2] الغبوق: ما شرب أو أكل آخر النهار، ويقابله الصبوح وهو ما أكل أو شرب أوّل النهار.
[3] في الأصول: «الحسين» وهو تحريف.
[4] أعنف الشي ء: أخذه بشدّة.
[5] يريد: «برأيه».
ما شمت هذا في مخا ... يل بارقات سمائه
مدح الرشيد حين عقد ولاية العهد لبنيه:
أخبرني محمد بن عمران الصّيرفيّ قال حدّثنا العنزيّ قال حدّثني أحمد بن معاوية القرشيّ قال:
لمّا عقد الرشيد ولاية العهد لبنيه الثلاثة: الأمين، والمأمون، والمؤتمن، قال/ أبو العتاهية:
رحلت عن الرّبع المحيل قعودي ... إلى ذي زحوف [1] جمّة وجنود
وراع يراعي اللّيل في حفظ أمّة ... يدافع عنها الشرّ غير رقود
بألوية جبريل يقدم أهلها ... ورايات نصر حوله وبنود
/ تجافى عن الدّنيا وأيقن أنّها ... مفارقة ليست بدار خلود
وشدّ عرا الإسلام منه بفتية ... ثلاثة أملاك ولاة عهود
هم خير أولاد، لهم خير والد ... له خير آباء مضت وجدود
بنو المصطفى هارون حول سريره ... فخير قيام حوله وقعود
تقلّب ألحاظ المهابة بينهم ... عيون ظباء في قلوب أسود
جدودهم [2] شمس أتت في أهلّة ... تبدّت لراء في نجوم سعود
قال: فوصله الرشيد بصلة ما وصل بمثلها [3] شاعرا قطّ.
ذكر لملك الروم فالتمسه من الرشيد فاستعفى هو، فكتب من شعره في مجلسه وعلى باب مدينته:
أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد الأسديّ إجازة قال حدّثني الرّياشيّ قال:
قدم رسول لملك الرّوم إلى الرشيد، فسأل عن أبي العتاهية وأنشده شيئا من شعره، وكان يحسن العربيّة، فمضى إلى ملك الرّوم وذكره له؛ فكتب ملك الرّوم إليه، وردّ رسوله يسأل الرشيد أن يوجّه بأبي العتاهية ويأخذ فيه رهائن من أراد، وألحّ في ذلك. فكلّم الرشيد أبا العتاهية في ذلك، فاستعفى منه وأباه. واتّصل بالرشيد أنّ ملك الرّوم أمر أن يكتب بيتان من شعر أبي العتاهية على أبواب مجالسه وباب مدينته، وهما:
صوت
ما اختلف اللّيل والنّهار ولا ... دارت نجوم السماء في الفلك
إلّا لنقل السّلطان عن ملك ... قد انقضى ملكه إلى ملك
__________
[1] الزحوف: جمع زحف وهو الجيش.
[2] كذا في «الديوان». وفي الأصول: «خدودهم» بالخاء.
[3] في الأصول: «ما وصل مثلها».
انقطع بعد خروجه من الحبس فلامه الرشيد فكتب له شعرا معتذرا ومادحا:
أخبرني عمّي قال حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد قال حدّثنا الرّبيع بن محمد الختّليّ الورّاق قال أخبرني ابن أبي العتاهية:
/ أنّ الرشيد لمّا أطلق أباه من الحبس، لزم بيته وقطع الناس؛ فذكره الرشيد فعرّف خبره، فقال: قولوا له:
صرت زير نساء وحلس [1] بيت؛ فكتب إليه أبو العتاهية:
برمت بالنّاس وأخلاقهم ... فصرت أستأنس بالوحده
ما أكثر النّاس لعمري وما ... أقلّهم في منتهى العدّه
ثم قال: لا ينبغي أن يمضي شعر إلى أمير المؤمنين ليس فيه مدح له، فقرن هذين البيتين بأربعة أبيات مدحه فيها، وهي:
صوت
عاد لي من ذكرها نصب ... فدموع العين تنسكب
وكذاك الحبّ صاحبه ... يعتريه الهمّ والوصب
/ خير من يرجى ومن يهب ... ملك دانت له العرب
وحقيق أن يدان له ... من أبوه للنّبيّ أب
أمره الرشيد أن يعظه فقال شعرا فبكى:
حدّثنا الصّوليّ قال حدّثنا عون بن محمد قال حدّثنا محمد بن أبي العتاهية قال:
قال الرشيد لأبي: عظني؛ فقال له: أخافك. فقال له: أنت آمن. فأنشده:
لا تأمن الموت في طرف ولا نفس ... إذا تستّرت بالأبواب والحرس
واعلم بأنّ سهام الموت قاصدة ... لكلّ مدّرع منّا ومتّرس
ترجو النجاة ولم تسلك طريقتها ... إنّ السفينة لا تجري على اليبس
قال: فبكى الرشيد حتى بل كمّه.
تناظر ابن أبي فنن وابن خاقان فيه وفي أبي نواس، ثم حكما ابن الضحاك ففضله:
حدّثني عمّي قال حدّثني أحمد بن أبي طاهر قال:
قال لي أحمد بن أبي فنن: تناظرت أنا والفتح بن خاقان في منزله: أيّما [الرجلين] أشعر: أبو نواس أم أبو العتاهية. فقال الفتح: أبو نواس، وقلت: أبو العتاهية. ثم قلت: لو وضعت أشعار العرب كلّها بإزاء شعر أبي العتاهية لفضلها، وليس بيننا خلاف في أنّ له في كلّ قصيدة جيّدا ووسطا وضعيفا، فإذا جمع جيّده كان أكثر من جيّد كلّ مجوّد. [ثم] قلت له: بمن ترضى؟ قال: بالحسين بن الضحّاك. فما انقطع كلامنا حتّى دخل الحسين بن
__________
[1] حلس بيت: ملازمه لا يبرحه، وهو مما يذم به الرجل.
الضحّاك؛ فقلت: ما تقول في رجلين تشاجرا، فضّل أحدهما أبا نواس وفضّل الآخر أبا العتاهية؟ فقال الحسين: أمّ من فضّل أبا نواس على أبي العتاهية زانية؛ فخجل الفتح حتى تبيّن ذلك فيه، ثم لم يعاودني في شيء من ذكرهما حتّى افترقنا.
اجتمع مع مخارق فما زال يغنيه وهو يشرب ويبكي ثم كسر الآنية وتزهد:
وقد حدّثني الحسن بن محمد بهذا الخبر على خلاف ما ذكره إبراهيم بن المهديّ فيما تقدّم، فقال: حدّثني هارون بن مخارق قال حدّثني أبي قال:
جاءني أبو العتاهية فقال: قد عزمت على أن أتزوّد منك يوما تهبه لي، فمتى تنشط؟ فقلت: متى شئت.
فقال: أخاف أن تقطع بي. فقلت: واللّه لا فعلت وإن طلبني الخليفة. فقال: يكون ذلك في غد. فقلت: أفعل.
فلمّا كان من غد باكرني رسوله فجئته، فأدخلني بيتا له نظيفا فيه فرش نظيف، ثم دعا بمائدة عليها خبز سميذ [1] وخلّ وبقل [2] وملح وجدي مشويّ فأكلنا منه، ثم دعا بسمك مشويّ فأصبنا منه حتى اكتفينا، ثم دعا بحلواء فأصبنا منها وغسلنا أيدينا، وجاؤونا بفاكهة وريحان وألوان/ من الأنبذة، فقال: اختر ما يصلح لك منّها؛ فاخترت وشربت؛ وصبّ قدحا ثم قال: غنّني في قولي:
أحمد قال لي ولم يدر ما بي ... أتحبّ الغداة عتبة حقّا
فغنّيته، فشرب قدحا وهو يبكي أحرّ بكاء. ثم قال: غنّني في قولي:
ليس لمن ليست له حيلة ... موجودة خير من الصّبر
فغنّيته وهو يبكي وينشج [3]، ثم شرب قدحا آخر ثم قال: غنّني، فديتك، في قولي:
خليليّ ما لي لا تزال مضرّتي ... تكون مع الأقدار ختما من الحتم
فغنّيته إيّاه. وما زال يقترح عليّ كلّ صوت غنّي به في شعره فأغنّيه ويشرب ويبكي حتى صار العتمة. فقال:
أحبّ أن تصبر حتّى ترى ما أصنع فجلست. فأمر ابنه وغلامه فكسرا كلّ ما بين أيدينا من النبيذ/ وآلته والملاهي، ثم أمر بإخراج كلّ ما في بيته من النّبيذ وآلته، فأخرج جميعه، فما زال يكسره ويصبّ النبيذ وهو يبكي حتى لم يبق من ذلك شيء، ثم نزع ثيابه واغتسل، ثم لبس ثيابا بيضا من صوف، ثم عانقني وبكى، ثم قال: السلام عليك يا حبيبي وفرحي من الناس كلّهم سلام الفراق الذي لا لقاء بعده؛ وجعل يبكي، وقال: هذا آخر عهدي بك في حال تعاشر أهل الدنيا؛ فظننت أنّها بعض حماقاته، فانصرفت، وما لقيته زمانا. ثم تشوّقته [4] فأتيته فاستأذنت عليه فأذن لي فدخلت، فإذا هو قد أخذ قوصرتين [5] وثقب إحداهما وأدخل رأسه ويديه فيها وأقامها مقام القميص، وثقب الأخرى [6] وأخرج رجليه منها وأقامها مقام السّراويل. فلمّا رأيته نسيت كلّ ما كان عندي من الغمّ عليه والوحشة
__________
[1] السميذ: الدقيق الأبيض وهو لباب الدقيق.
[2] كذا في الأصول. ويحتمل أيضا أن يكون «نقل» إذ هو المناسب للمقام.
[3] نشج الباكي: غص بالبكاء في حلقه من غير انتحاب.
[4] في «معاجم اللغة» التي بين أيدينا أن «تشوّق» يتعدّى بالحرف. فلعل ما هاهنا من باب الحذف والإيصال، والأصل: «تشوّقت إليه».
[5] القوصرة (بتشديد الراء وتخفيفها): وعاء من قصب يرفع فيه التمر من البواري.
[6] في الأصول: «أخرى».
لعشرته،/ وضحكت واللّه ضحكا ما ضحكت مثله قطّ. فقال: من أيّ شيء تضحك؟ فقلت: أسخن [1] اللّه عينك! هذا أيّ شيء هو؟ من بلغك عنه أنّه فعل مثل هذا من الأنبياء والزّهّاد والصحابة والمجانين، انزع عنك هذا يا سخين العين! فكأنه استحيا منّي. ثم بلغني أنّه جلس حجّاما، فجهدت أن أراه بتلك الحال فلم أره. ثم مرض، فبلغني أنه اشتهى أن أغنّيه، فأتيته عائدا، فخرج إليّ رسوله يقول: إن دخلت إليّ جدّدت لي حزنا وتاقت نفسي من سماعك إلى ما قد غلبتها عليه، وأنا أستودعك اللّه وأعتذر إليك من ترك الالتقاء، ثم كان آخر عهدي به.
تمنى عند موته أن يجيء مخارق فيغنيه في شعره:
حدّثني جحظة قال حدّثنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه قال:
قيل لأبي العتاهية عند الموت: ما تشتهي؟ فقال: أشتهي أن يجيء مخارق فيضع فمه على أذني ثم يغنّيني.
سيعرض عن ذكري وتنسى مودّتي ... ويحدث بعدي للخليل خليل
إذا ما انقضت عنّي من الدّهر مدّتي [2] ... فإنّ غناء الباكيات قليل
وأخبرني به أبو الحسن الأسديّ قال حدّثنا محمد بن صالح [بن] النطّاح قال:
قال بشر بن الوليد لأبي العتاهية عند الموت: ما تشتهي؟ فذكر مثل الأوّل.
وأخبرني به ابن عمّار أبو العبّاس عن ابن أبي سعد عن محمد بن صالح: أنّ بشرا قال ذلك لأبي العتاهية عند الموت، فأجابه بهذا الجواب.
آخر شعر قاله في مرضه الذي مات فيه:
نسخت من كتاب هارون بن عليّ: حدّثني عليّ بن مهديّ قال حدّثني عبد اللّه بن عطيّة قال حدّثني محمد بن أبي العتاهية قال: آخر شعر قاله أبي في مرضه الذي مات فيه:
إلهي [3] لا تعذّبني فإنّي ... مقرّ بالّذي قد كان منّي
فما لي حيلة إلّا رجائي ... لعفوك إن عفوت وحسن ظنّي
/ وكم من زلة لي في الخطايا ... وأنت عليّ ذو فضل ومنّ
إذا فكّرت في ندمي عليها ... عضضت أناملي وقرعت سنّي
اجنّ بزهرة الدّنيا جنونا ... وأقطع طول عمري بالتمنّي
ولو أنّي صدقت الزّهد عنها ... قلبت لأهلها ظهر المجنّ
يظنّ الناس بي خيرا وإنّي ... لشرّ الخلق إن لم تعف عنّي
__________
[1] أسخن اللّه عينه: أبكاه وأحزنه.
[2] كذا في «وفيات الأعيان» لابن خلكان «و ديوانه» طبع بيروت (ص 221). ومدته: أجله. وفي الأصول: «ليلة».
[3] ورد هذا الشعر في «ديوانه» (ص 263) باختلاف يسير في الرواية عما هنا.
أمر بنته في علته التي مات فيها أن تندبه بشعر له:
/ أخبرني محمد بن عمران الصيرفيّ قال حدّثنا الحسن بن عليل قال حدّثني أحمد بن حمزة الضّبعيّ قال أخبرني أبو محمد المؤدّب قال:
قال أبو العتاهية لابنته رقيّة في علّته التي مات فيها: قومي يا بنيّة فاندبي أباك بهذه الأبيات؛ فقامت فندبته بقوله:
لعب البلى بمعالمي ورسومي ... وقبرت حيّا تحت ردم همومي
لزم البلى جسمي فأوهن قوّتي ... إن البلى لموكّل بلزومي
تاريخ وفاته ومدفنه:
أخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن عمّار قال حدّثنا محمد بن داود بن الجرّاح قال حدّثني عليّ بن محمد قال حدّثني مخارق المغني قال:
توفّي أبو العتاهية، وإبراهيم الموصليّ، وأبو عمرو الشّيباني عبد السلام [1] في يوم واحد في خلافة المأمون، وذلك في سنة ثلاث عشرة ومائتين.
/ أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا ابن مهرويه عن أحمد بن يوسف عن أحمد بن الخليل عن إسماعيل بن أبي قتيبة قال:
مات أبو العتاهية، وراشد الخنّاق، وهشيمة الخمّارة في يوم واحد سنة تسع ومائتين.
وذكر الحارث بن أبي أسامة عن محمد بن سعد كاتب الواقديّ: أنّ أبا العتاهية مات في يوم الاثنين لثمان خلون من جمادى الأولى سنة إحدى عشرة ومائتين، ودفن حيال قنطرة الزيّاتين في الجانب الغربيّ ببغداد.
أخبرني الصّوليّ عن محمد بن موسى عن أبي محمد الشّيباني عن محمد بن أبي العتاهية: أنّ أباه توفّي سنة عشر ومائتين.
الشعر الذي أمر أن يكتب على قبره:
أخبرني الصّوليّ قال حدّثني محمد بن موسى عن محمد بن القاسم عن إبراهيم بن عبد اللّه بن الجنيد عن إسحاق بن عبد اللّه بن شعيب قال:
أمر أبو العتاهية أن يكتب على قبره:
__________
[1] كذا في أكثر الأصول. وظاهر الكلام أن عبد السلام اسم لأبي عمرو الشيباني، وهو غير صحيح؛ فإن أبا عمرو الشيباني الذي توفي في اليوم الذي توفي فيه أبو العتاهية اسمه إسحاق بن مرار (وزان كتاب) وهو من رمادة الكوفة، ونزل إلى بغداد وجاور شيبان للتأدب فيها فنسب إليها، وكان من الأئمة الأعلام في اللغة والشعر. وفي ء: «و عبد السلام» بزيادة واو العطف، وهو ما يفيد أنه اسم لشخص آخر ذكر في وفيات هذه السنة. وقد بحثنا في كتب التاريخ والتراجم عمن توفوا في سنة 213 فلم نعثر فيهم على من تسمى بعبد السلام. وفي نسخة أ: «أبو عمرو الشيباني ... السلام». والظاهر أن البياض في «أ» وكلمة «عبد» في باقي الأصول أصله «بمدينة». ومدينة السلام هي بغداد. ويؤيد هذا ما ورد في «وفيات الأعيان» في ترجمة أبي عمرو الشيباني من قوله: « ... مات إسحاق بن مرار في اليوم الذي مات فيه أبو العتاهية وإبراهيم النديم الموصليّ سنة ثلاث عشرة ومائتين ببغداد».
أذن حيّ تسمّعي ... اسمعي ثمّ عي وعي
أنا رهن بمضجعي ... فاحذري مثل مصرعي
عشت [1] تسعين حجّة ... أسلمتني لمضجعي
كم ترى الحيّ ثابتا ... في ديار التزعزع
ليس زاد سوى التّقى ... فخذي منه أو دعي
رثاه ابنه بشعر:
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا أحمد بن أبي خيثمة قال:
لمّا مات أبو العتاهية رثاه ابنه محمد بن أبي العتاهية فقال:
/يا أبي ضمّك الثّرى ... وطوى الموت أجمعك
ليتني يوم متّ صر ... ت إلى حفرة معك
رحم اللّه مصرعك ... برّد اللّه مضجعك
أنكر ابنه أنه أوصى أن يكتب شعر على قبره:
أخبرني الحسن قال حدّثني أحمد بن زهير قال:
قال محمد بن أبي العتاهية: لقيني محمد بن أبي محمد اليزيديّ [2] فقال: أنشدني الأبيات التي أوصى أبوك أن تكتب على قبره؛ فأنشأت أقول له:
كذبت على أخ لك في مماته ... وكم كذب فشا لك في حياته
/ وأكذب ما تكون على صديق ... كذبت عليه حيّا في مماته
فخجل وانصرف. قال: والنّاس يقولون: إنّه أوصى أن يكتب على قبره شعر له، وكان ابنه ينكر ذلك.
وذكر هارون بن عليّ بن مهديّ عن عبد الرحمن بن الفضل أنّه قرأ الأبيات العينيّة التي أوّلها:
أذن حيّ تسمّعي
على حجر عند قبر أبي العتاهية.
ولم أذكر هاهنا مع أخبار أبي العتاهية أخباره مع عتبة، وهي من أعظم أخباره؛ لأنّها طويلة، وفيها أغان كثيرة، وقد طالت أخباره هاهنا فأفردتها.
__________
[1] في «الديوان» بدل هذا البيت والذي يليه بيت واحد، وهو:
عشت تسعين حجة ... في ديار التزعزع
[2] في الأصول: «الزيدي». والتصويب عن كتاب «الأنساب» للسمعاني.
40 - أخبار فريدة
أخبار فريدة الكبرى ونشأتها ومصيرها:
قال مؤلف هذا الكتاب: هما اثنتان محسنتان لهما صنعة تسمّيان بفريدة. فأمّا إحداهما، وهي الكبرى، فكانت مولّدة نشأت بالحجاز، ثم وقعت إلى آل الربيع، فعلّمت الغناء في دورهم، ثم صارت إلى البرامكة. فلمّا قتل جعفر بن يحيى ونكبوا هربت، وطلبها الرشيد فلم يجدها، ثم صارت إلى الأمين، فلمّا قتل خرجت، فتزوّجها الهيثم بن مسلم [1] فولدت له ابنه عبد اللّه، ثم مات عنها، فتزوّجها السّنديّ بن الحرشيّ [2] وماتت عنده. ولها صنعة جيّدة، منها في شعر الوليد بن يزيد:
بعض الشعر الذي لها فيه صنعة:
صوت
ويح سلمى لو تراني ... لعناها ما عناني
واقفا في الدّار أبكي ... عاشقا حور الغواني
ولحنها فيه خفيف رمل.
ومن صنعتها:
صوت
ألا أيّها الرّكب ألا هبّوا ... نسائلكم هل يقتل الرّجل الحبّ [3]
ألا ربّ ركب قد وقفت مطيّهم ... عليك ولو لا أنت لم يقف الرّكب
لحنها فيه ثاني ثقيل. وفيه لابن جامع خفيف رمل بالسبّابة في مجرى الوسطى.
سأل صالح بن حسان الهيثم بن عديّ عن بيت نصفه بدوي والآخر حضري ثم ذكره:
فحدّثني محمد بن العباس اليزيديّ قال حدّثنا الخليل بن أسد قال حدّثني العمريّ قال حدّثني الهيثم بن عديّ قال:
__________
[1] كذا في ب، س. وفي سائر النسخ: «سلم».
[2] كذا في «الطبري» (ص 680 و734 و855 و856 من القسم الثالث) وهو أحد رجالات الرشيد والمأمون. وفي الأصول:
«الجرشي» بالجيم.
[3] الرواية المشهورة لهذين البيتين:
ألا أيها النوّام ويحكم هبّوا ... نسائلكم هل قتل الرجل الحبّ
ألا رب ركب قد دفعت وجيفهم ... إليك ولو لا أنت لم يوجف الركب
قال صالح بن حسّان يوما: ما نصف بيت كأنّه أعرابيّ في شملة، والنصف الآخر كأنّه مخنّث مفكّك؟ قلت:
لا أدري. فقال: قد أجّلتك حولا. فقلت: لو أجّلتني عشرة أحوال ما عرفته. فقال: أوّه! أفّ لك! قد كنت أحسبك أجود ذهنا مما أرى. فقلت: فما هو الآن؟ قال: قول جميل.
ألا أيّها الرّكب النّيام ألا هبّوا
هذا كلام أعرابيّ، ثم قال:
أسائلكم هل يقتل الرّجل الحبّ
كأنّه واللّه من مخنثي العقيق.
أخبار فريدة وهي المحسنة دون فريدة الكبرى:
وأمّا فريدة الأخرى فهي الّتي أرى بل لا أشكّ في أنّ اللّحن المختار لها؛ لأنّ إسحاق اختار هذه المائة الصوت للواثق، فاختار فيها لمتيّم لحنا، ولأبي دلف لحنا، ولسليم بن سلّام لحنا، ولرياض جارية أبي حمّاد لحنا. وكانت فريدة أثيرة عند الواثق وحظيّة لديه جدّا، فاختار لها هذا الصوت، لمكانها من الواثق، ولأنّها ليست دون من اختار له من نظرائها.
قدّمت هي وشارية في الطيب وإحكام الغناء:
أخبرني الصّوليّ قال/ حدّثنا الحسين بن يحيى عن ريّق: أنّها اجتمعت هي وخشف الواضحيّة يوما، فتذاكرتا أحسن ما سمعتاه من المغنّيات؛ فقالت ريّق: شارية أحسنهنّ غناء ومتيّم، وقالت خشف: عريب وفريدة؛ ثم اجتمعنا على تساويهنّ، وتقديم متيّم في الصّنعة، وعريب في الغزارة والكثرة، وشارية وفريدة في الطّيب وإحكام الغناء.
أهداها ابن بانة للواثق:
حدّثني جحظة قال حدّثني أبو عبد اللّه الهشاميّ قال:
كانت فريدة جارية الواثق لعمرو بن بانة، وهو أهداها إلى الواثق، وكانت من الموصوفات المحسنات، وربّيت عند عمرو بن بانة مع صاحبة لها اسمها «خلّ»، وكانت حسنة الوجه، حسنة الغناء، حادّة الفطنة والفهم.
سألت ابن بانة عن صاحبة لها بالإشارة:
قال الهشاميّ فحدّثني عمرو بن بانة قال: غنّيت الواثق:
قلت حلّا [1] فاقبلي معذرتي ... ما كذا يجزي محبّ من أحبّ
فقال لي: تقدّم إلى السّتارة فألقه على فريدة، فألقيته عليها؛ فقالت: هو حلّ [2] أو خلّ كيف هو؟ فعلمت أنها سألتني عن صاحبتها في خفاء من الواثق.
__________
[1] كذا في ترجمة عمر بن أبي ربيعة الواردة في هذا الكتاب (ج 1 ص 134 من هذه الطبعة). وفي الأصول هنا: «خلا» بالخاء المعجمة.
[2] في الأصول: «خلى» بالخاء المعجمة والياء في آخره.
تزوّجها المتوكل ثم ضربها حتى غنت:
ولمّا تزوّجها المتوكل أرادها على الغناء، فأبت أن تغنّي وفاء للواثق، فأقام على رأسها خادما وأمره أن يضرب رأسها أبدا أو تغنّي؛ فاندفعت وغنّت:
فلا تبعد [1] فكلّ فتى سيأتي ... عليه الموت يطرق أو يغادي
نقل ابن بسخنر قصة لها مع الواثق وغيرته من جعفر المتوكل:
أخبرني جعفر بن قدامة قال حدّثني عليّ بن يحيى المنجم قال حدّثني محمد بن الحارث بن بسخنّر قال:
كانت لي نوبة في خدمة الواثق في كل جمعة، إذا حضرت ركبت إلى الدار؛ فإن نشط إلى الشّرب أقمت عنده، وإن لم ينشط انصرفت. وكان رسمنا ألّا يحضر أحد منّا إلّا في يوم نوبته. فإنّي لفي منزلي في غير يوم نوبتي إذا رسل الخليفة قد هجموا عليّ وقالوا لي: احضر. فقلت: ألخير؟ قالوا: خير. فقلت: إنّ هذا يوم لم يحضرني فيه أمير المؤمنين قطّ، ولعلكم غلطتم. فقالوا: اللّه المستعان، لا تطل/ وبادر؛ فقد أمرنا ألّا ندعك تستقرّ على الأرض. فداخلني فزع شديد؛ وخفت أن يكون ساع قد سعى بي، أو بليّة قد حدثت في رأي الخليفة عليّ؛ فتقدّمت بما أردت وركبت حتى وافيت الدار؛ فذهبت لأدخل على رسمي من حيث كنت أدخل، فمنعت، وأخذ بيدي الخدم فأدخلوني وعدلوا بي إلى ممرّات [2] لا أعرفها، فزاد ذلك في جزعي وغمّي. ثم لم يزل الخدم يسلمونني من خدم إلى خدم حتى أفضيت إلى دار مفروشة الصّحن، ملبسة الحيطان بالوشى المنسوج بالذهب، ثم أفضيت إلى رواق أرضه وحيطانه ملبسة بمثل ذلك، وإذا الواثق في صدره على سرير مرصّع بالجوهر وعليه ثياب منسوجة بالذهب، وإلى جانبه فريدة جاريته، عليها مثل ثيابه وفي حجرها عود. فلمّا رآني قال: جوّدت [3] واللّه يا محمد إلينا. فقبّلت الأرض ثم قلت: يا أمير المؤمنين خيرا! قال: خيرا، أما ترانا [4]! طلبت واللّه ثالثا يؤنسنا فلم أر أحقّ بذلك منك، فبحياتي بادر فكل شيئا وبادر إلينا. فقلت: قد واللّه يا سيّدي أكلت وشربت أيضا. قال: فاجلس فجلست، وقال:
هاتوا لمحمد رطلا في قدح، فأحضرت ذلك، واندفعت فريدة تغنّي:
/أهابك إجلالا وما بك قدرة ... عليّ ولكن ملء عين حبيبها
وما هجرتك النّفس يا ليل أنّها ... قلتك ولا أن قلّ منك نصيبها [5]
فجاءت واللّه بالسّحر، وجعل الواثق يجاذبها، وفي خلال ذلك تغنّي الصوت بعد الصوت، وأغنّي أنا في خلال غنائها، فمرّ لنا أحسن ما مرّ لأحد. فإنا لكذلك إذ رفع/ رجله فضرب بها صدر فريدة ضربة تدحرجت منها من أعلى السرير إلى الأرض وتفتّت عودها ومرّت تعدو وتصيح، وبقيت أنا كالمنزوع الرّوح؛ ولم أشكّ في أنّ عينه
__________
[1] لا تبعد: لا تهلك.
[2] في جميع الأصول: «مبرات» بالباء، وهو تحريف.
[3] جوّدت هنا: أسرعت. قال في «اللسان»: «يقال: جوّد في عدوه تجويدا».
[4] في ب، س: «خيرا ما ترى أنا طلبت ... ».
[5] ورد هذا البيت في شرح «ديوان حماسة» أبي تمام (ص 598 طبع أوروبا) هكذا:
وما هجرتك النفس أنك عندها ... قليل ولكن قل منك نصيبها
وقعت عليّ [1] وقد نظرت إليها ونظرت إليّ؛ فأطرق ساعة إلى الأرض متحيّرا وأطرقت أتوقّع ضرب العنق. فإنّي لكذلك إذ قال لي: يا محمد، فوثبت. فقال: ويحك! أرأيت أغرب مما تهيّأ علينا! فقلت: يا سيّدي، الساعة واللّه تخرج روحي، فعلى من أصابنا بالعين لعنة اللّه! فما كان السبب؟ ألذنب؟ قال: لا واللّه! ولكن فكرت أنّ جعفرا يقعد هذا المقعد ويقعد معها كما هي قاعدة معي، فلم أطق الصبر وخامرني ما أخرجني إلى ما رأيت. فسري عنّي وقلت:
بل يقتل اللّه جعفرا، ويحيا أمير المؤمنين أبدا، وقبّلت الأرض وقلت: يا سيّدي اللّه اللّه! ارحمها ومر بردّها. فقال لبعض الخدم الوقوف: من يجيء بها؟ فلم يكن بأسرع من أن خرجت وفي يدها عودها وعليها غير الثياب التي كانت عليها. فلما رآها جذبها وعانقها، فبكت وجعل هو يبكي، واندفعت أنا في البكاء. فقالت: ما ذنبي يا مولاي ويا سيّدي؟ وبأيّ شيء استوجبت هذا؟ فأعاد عليها ما قاله لي وهو يبكي وهي تبكي. فقالت: سألتك باللّه يا أمير المؤمنين إلّا ضربت عنقي الساعة وأرحتني من الفكر في هذا، وأرحت قلبك من الهمّ بي، وجعلت تبكي ويبكي، ثم مسحا أعينهما ورجعت إلى مكانها؛ وأومأ إلى خدم وقوف بشيء لا أعرفه، فمضوا وأحضروا أكياسا فيها عين [2] وورق، ورزما فيها ثياب كثيرة، وجاء خادم بدرج ففتحه وأخرج منه عقدا ما رأيت قطّ مثل جوهر كان فيه، فألبسها إيّاه، وأحضرت بدرة فيها عشرة آلاف درهم فجعلت بين يدي وخمسة تخوت فيها ثياب، وعدنا إلى أمرنا وإلى أحسن مما كنا؛ فلم نزل كذلك/ إلى الليل، ثم تفرّقنا.
قصتها مع المتوكّل بعد الواثق:
وضرب الدهر ضربه [3] وتقلّد المتوكل. فو اللّه إني لفي منزلي بعد يوم نوبتي إذ هجم عليّ رسل الخليفة، فما أمهلوني حتى ركبت وصرت إلى الدّار، فأدخلت واللّه الحجرة بعينها، وإذا المتوكّل في الموضع الذي كان فيه الواثق على السرير بعينه وإلى جانبه فريدة. فلمّا رآني قال: ويحك! أما ترى ما أنا فيه من هذه! أنا منذ غدوة أطالبها بأن تغنّيني فتأبى ذلك! فقلت لها: يا سبحان اللّه! أتخالفين سيّدك وسيّدنا وسيد البشر! بحياته غنّي! فعرفت واللّه ثم اندفعت تغنّي:
مقيم بالمجازة [4] من قنوني [5] ... وأهلك بالأجيفر [6] فالثّماد [7]
فلا تبعد فكلّ فتى سيأتي ... عليه الموت يطرق أو يغادي
ثم ضربت بالعود الأرض، ثم رمت بنفسها عن السرير ومرّت تعدو وهي تصيح وا سيّداه! فقال لي: ويحك! ما هذا؟ فقلت: لا أدري واللّه يا سيّدي. فقال: فما ترى؟ فقلت: أرى/ أن أنصرف أنا وتحضر هذه ومعها غيرها؛ فإنّ الأمر يؤول إلى ما يريد أمير المؤمنين. قال: فانصرف في حفظ اللّه! فانصرفت ولم أدر ما كانت القصة.
__________
[1] في الأصول: «وقعت إليّ»، على أنه يجوز أن يكون التحريف في الفعل وأن أصله: «وقعت إليّ».
[2] العين: الذهب المضروب وهو الدنانير. والورق: الدراهم المضروبة من الفضة.
[3] يقال: ضرب الدهر ضربانه ومن ضربانه، وضرب الدهر ضربه ومن ضربه أي مرّ من مروره وذهب بعضه.
[4] المجازة: منزل من منازل طريق مكة بين ماوية وينسوعة.
[5] قنوني: واد من أودية السراة يصب إلى البحر في أوائل أرض اليمن من جهة مكة.
[6] الأجيفر: موضع في أسفل السبعان من بلاد قيس. وقال الأصمعيّ: هو لبني أسد.
[7] الثماد: موضع في ديار بني تميم قرب المرّوت.
مدح محمد بن عبد الملك غناءها:
أخبرني جعفر بن قدامة قال حدّثني محمد بن عبد الملك قال:
سمعت فريدة تغنّي:
أخلّاي بي شجو وليس بكم شجو ... وكلّ امرىء مما بصاحبه خلو
أذاب الهوى لحمي وجسمي ومفصلي ... فلم يبق إلّا الرّوح والجسد النّضو
فما سمعت قبله ولا بعده غناء أحسن منه.
/ الشعر لأبي العتاهية، والغناء لإبراهيم ثقيل أوّل مطلق في مجرى الوسطى عن الهشاميّ، وله أيضا فيه خفيف ثقيل بالسبّابة والبنصر عن ابن المكيّ. وفيه لعمرو بن بانة رمل بالوسطى من مجموع أغانيه. وفيه لعريب خفيف ثقيل آخر صحيح في غنائها من جمع ابن المعتزّ وعليّ بن يحيى. وتمام هذه الأبيات:
وما من محبّ نال ممن يحبّه ... هوى صادقا إلّا سيدخله زهو
- وفيها كلّها غناء مفترق الألحان في أبياته [1] - :
بليت وكان المزح بدء بليّتي ... فأحببت جهلا والبلايا لها بدو
وعلّقت من يزهو عليّ تجبّرا ... وإنّي في كلّ الخصال له كفو
صوت من المائة المختارة من رواية جحظة عن أصحابه
باتت همومي تسري طوارقها ... أكفّ عيني والدمع سابقها
لما أتاها من اليقين ولم ... تكنّ تراه يلمّ طارقها
الشعر لأميّة بن أبي الصّلت، والغناء للهذليّ خفيف ثقيل أوّل بالوسطى. وفيه لابن محرز لحنان: هزج وثقيل أوّل بالوسطى عن الهشاميّ وحبش. وذكر يونس: أنّ فيه لابن محرز لحنا واحدا مجنّسا.
__________
[1] وردت هذه الجملة في الأصول هكذا: «و فيها كلها غناء مفترق في أبياته الألحان». وكان ينبغي أن تكون هذه الجملة عقب الأبيات.
41 - ذكر أميّة بن أبي الصّلت ونسبه وخبره
نسبه من قبل أبويه:
واسم أبي الصّلت عبد اللّه بن أبي ربيعة بن عوف بن عقدة بن عنزة [1] بن قسيّ، وهو ثقيف بن منبّه بن بكر بن هوازن. هكذا يقول من نسبهم إلى قيس [2]، وقد شرح ذلك في خبر طريح [3]. وأمّ أميّة بن أبي الصلت رقيّة بنت عبد شمس بن عبد مناف. وكان أبو الصلت شاعرا، وهو الذي يقول في مدح سيف بن ذي يزن:
ليطلب الثأر أمثال ابن ذي يزن ... إذ صار في البحر للأعداء أحوالا [4]
وقد كتب خبر ذلك في موضعه.
أولاد أمية:
وكان له أربعة بنين: عمرو وربيعة ووهب والقاسم. وكان القاسم شاعرا، وهو الذي يقول - أنشدنيه الأخفش وغيره عن ثعلب، وذكر الزّبير أنّها لأميّة - :
صوت
قوم إذا نزل الغريب [5] بدارهم ... ردّوه ربّ صواهل وقيان
لا ينكتون الأرض عند سؤالهم ... لتلمّس العلّات بالعيدان
يمدح عبد اللّه بن جدعان بها، وأوّلها:
قومي ثقيف إن سألت وأسرتي ... وبهم أدافع ركن من عاداني
غنّاه الغريض، ولحنه ثقيل أوّل بالبنصر. ولابن محرز فيه خفيف ثقيل أوّل بالوسطى، عن الهشاميّ جميعا.
__________
[1] في كتاب «الشعر والشعراء»: «غيرة». وغيرة (وزان عنبة): اسم قبيلة أيضا.
[2] يريد قيس عيلان وهو الجد الأعلى لهوازن؛ لأن هوازن هو ابن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس عيلان.
[3] ستأتي أخبار طريح في هذا الجزء (ص 302).
[4] في «الشعر والشعراء»:
لن يطلب الوتر أمثال ابن ذي يزن ... لجج في البحر للأعداء أحوالا
وفي «شعراء النصرانية»:
في البحر خيّم للأعداء أحوالا
وفي «سيرة ابن هشام»:
في البحر ريم للأعداء أحوالا
[5] في «الشعر والشعراء»: «الحريب» بالحاء المهملة، وهو الذي سلب ماله.
/ وكان ربيعة ابنه شاعرا، وهو الذي يقول:
وإن يك حيّا [1] من إياد فإنّنا ... وقيسا سواء ما بقينا وما بقوا
ونحن خيار النّاس طرّا بطانة ... لقيس وهم خير لنا إن هم بقوا [2]
كان يستعمل في شعره كلمات غريبة
أخبرني إبراهيم بن أيّوب قال حدّثنا عبد اللّه بن مسلم قال:
كان أميّة بن أبي الصّلت قد قرأ كتاب اللّه عزوجل الأوّل، فكان يأتي في شعره بأشياء لا تعرفها العرب؛ فمنها قوله:
قمر وساهور يسلّ ويغمد [3]
وكان يسمّي اللّه عزّوجلّ في شعره السّلطيط، فقال:
والسّلطيط [4] فوق الأرض مقتدر
وسمّاه في موضع آخر التغرور فقال [5]: «و أيّده التغرور». وقال ابن قتيبة: وعلماؤنا لا يحتجّون بشيء من شعره لهذه العلّة.
هو أشعر ثقيف بل أشعر الناس
أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدّثنا عمر بن شبّة قال:
/ قال أبو عبيدة: اتّفقت العرب على أنّ أشعر أهل المدن أهل يثرب ثم عبد القيس ثم ثقيف، وأنّ أشعر ثقيف أميّة بن أبي الصّلت.
أخبرنا الحرميّ قال حدّثنا الزّبير قال:
قال يحيى بن محمد: قال الكميت: أميّة أشعر الناس، قال كما قلنا ولم نقل كما قال.
__________
[1] كذا في الأصول.
[2] كذا في الأصول. وفيه الإيطاء وهو تكرار القافية لفظا ومعنى، وهو عيب.
[3] هذا عجز بيت وصدره:
لا نقص فيه غير أن خبيئه
والساهور فيما يذكر أهل الكتاب: غلاف القمر يدخل فيه إذا كسف.
[4] هكذا في الأصول. وهذه الصيغة لا يتزن بها الشطر. وقد ورد البيت كاملا في «اللسان» (مادة سلط) هكذا:
إن الأنام رعايا اللّه كلهم ... هو السّليطط فوق الأرض مستطر
قال ابن جني: هو القاهر، من السّلاطة. قال: ويروى السّليطط (بكسر السين) وكلاهما شاذ. قال صاحب «التهذيب»: سليطط جاء في شعر أمية بمعنى المسلط، قال: ولا أدري ما حقيقته. وورد في «الشعر والشعراء»: «السلطليط». وفي «القاموس»: «و السلطيط» بالكسر: المسلط، ثم قال شارحه: «هكذا في سائر أصول «القاموس»، والصواب السّلطيط كما في «العباب»، وقد وجد هكذا أيضا في بعض النسخ على الهامش، وهو صحيح. ويروى السليطط بفتح السين وبكسرها ... وبكل هذا يروى شعر أمية ... إلخ».
[5] عبارة ابن قتيبة في «الشعر والشعراء»: «و أبدت الثغرورا، يريد الثغر. وهذه أشياء منكرة، وعلماؤنا لا يرون شعره حجة في اللغة».
تعبد والتمس الدين وطمع في النبوّة:
قال الزّبير وحدّثني عمّي مصعب عن مصعب بن عثمان قال:
كان أميّة بن أبي الصلت قد نظر في الكتب وقرأها، ولبس المسوح تعبّدا، وكان ممن ذكر إبراهيم وإسماعيل والحنيفيّة، وحرّم الخمر وشكّ في الأوثان، وكان [1] محقّقا، والتمس الدّين وطمع في النبوّة؛ لأنه قرأ في الكتب أنّ نبيّا يبعث من العرب، فكان يرجو أن يكونه [2]. قال: فلمّا بعث النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قيل له: هذا الذي كنت تستريث [3] وتقول فيه؛ فحسده عدوّ اللّه وقال: إنّما كنت أرجو أن أكونه؛ فأنزل اللّه فيه عزّوجلّ: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها)
قال: وهو الذي يقول:
كلّ دين يوم القيامة عند اللّه إلّا دين الحنيفة زور
كان يحرّض قريشا بعد بدر:
قال الزّبير وحدّثني يحيى بن محمد قال: كان أميّة يحرّض قريشا بعد وقعة بدر، وكان يرثي من قتل من قريش في وقعة بدر؛ فمن ذلك قوله:
ماذا ببدر والعقن ... قل من مرازبة جحاجح [4]
/و قال: وهي قصيدة نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن رواياتها. ويقال: إن أميّة قدم على أهل مكة «باسمك اللّهمّ»؛ فجعلوها في أوّل كتبهم مكان (بسم اللّه الرحمن الرحيم).
أسف الحجاج على ضياع شعره:
قال الزّبير وحدّثني عليّ بن محمد المدائنيّ قال:
قال الحجّاج على المنبر: ذهب قوم يعرفون شعر أميّة،/ وكذلك اندراس الكلام.
كان يتحسس أخبار نبيّ العرب فلما أخبر ببعثته تكدّر:
أخبرني الحرميّ قال حدّثنا الزّبير عن عمر بن أبي بكر المؤمّلي [5] وغيره قال:
كان أميّة بن أبي الصلت يلتمس الدّين ويطمع في النبوّة، فخرج إلى الشأم فمرّ بكنيسة، وكان معه جماعة من العرب وقريش، فقال أميّة: إنّ لي حاجة في هذه الكنيسة فانتظروني، فدخل الكنيسة وأبطأ، ثم خرج إليهم كاسفا متغيّر اللّون، فرمى بنفسه، وأقاموا حتى سرّي عنه، ثم مضوا فقضوا حوائجهم ثم رجعوا. فلمّا صاروا إلى الكنيسة قال لهم: انتظروني، ودخل إلى الكنيسة فأبطأ، ثم خرج إليهم أسوأ من حاله الأولى؛ فقال أبو سفيان بن حرب: قد
__________
[1] في ح: «وصام محققا».
[2] في جميع الأصول: «أن يكون هو».
[3] تستريث: تستبطى ء.
[4] العقنقل: كثيب رمل ببدر. ومرازبة: جمع مرزبان، وهو الفارس الشجاع المقدّم على القوم دون الملك، وهو معرّب وأصله فارسي. وجحاجح: جمع جحجح، وهو السيد المسارع في المكارم.
[5] كذا ورد هذا الاسم هنا في أكثر الأصول، وهو الموافق لما في «الطبري» (ص 1116 قسم أوّل طبعة أوروبا) وأشير بهامشه إلى أن في بعض النسخ: «الموصلي». وفي م، ء هنا وفي جميع الأصول فيما يأتي (ص 125): «عمرو بن أبي بكر الموصلي».
شقفت على رفقائك. فقال: خلّوني؛ فإنّي أرتاد على نفسي [1] لمعادي، إنّ هاهنا راهبا عالما أخبرني أنه تكون بعد عيسى عليه السّلام ستّ رجعات، وقد مضت منها خمس وبقيت واحدة، وأنا أطمع في النبوّة وأخاف أن تخطئني، فأصابني ما رأيت. فلمّا رجعت ثانية أتيته فقال: قد كانت الرجعة، وقد بعث نبيّ من العرب؛ فيئست من النبوّة، فأصابني ما رأيت؛ إذا فاتني ما كنت أطمع فيه.
أخبره شيخ راهب أن ليست فيه أوصاف النبيّ:
قال: وقال الزّهريّ: خرج أميّة في سفر فنزلوا منزلا، فأمّ أميّة وجها وصعد في كثيب، فرفعت له كنيسة فانتهى إليها، فإذا شيخ جالس، فقال لأميّة حين رآه: إنّك لمتبوع، فمن أين يأتك رئيّك [2]؟ قال: من شقّي الأيسر.
قال: فأيّ الثياب أحبّ إليك [3] أن يلقاك فيها؟ قال: السواد. قال: كدت تكون نبيّ العرب ولست به، هذا خاطر من الجنّ وليس بملك، وإنّ نبيّ العرب صاحب هذا الأمر يأتيه من شقّه الأيمن، وأحب الثياب إليه أن يلقاه فيها البياض.
حديثه مع أبي بكر:
قال الزّهريّ: وأتى أميّة أبا بكر فقال: يا أبا بكر، عمي الخبر، فهل أحسست شيئا؟ قال: لا واللّه! قال: قد وجدته يخرج العام.
سأل أبا سفيان عن عتبة بن ربيعة:
أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدّثنا عمر بن شبّة قال:
سمعت خالد بن يزيد يقول: إنّ أميّة وأبا سفيان اصطحبا في تجارة إلى الشأم؛ ثم ذكر نحوه، وزاد فيه:
فخرج من عند الراهب وهو ثقيل. فقال له أبو سفيان: إنّ بك لشرا، فما قصّتك؟ قال: خير، أخبرني عن عتبة بن ربيعة كم سنّه؟ فذكر سنّا. وقال: أخبرني عن ماله فذكر مالا. فقال له: وضعته. فقال أبو سفيان. بل رفعته. فقال له: إنّ صاحب هذا الأمر ليس بشيخ ولا ذي مال. قال: وكان الراهب أشيب، وأخبره أنّ الأمر لرجل من قريش.
زعم أنه فهم ثغاء شاة:
أخبرني الحرميّ قال حدّثني الزّبير قال حدّثت عن عبد الرحمن بن أبي حمّاد المنقريّ قال:
كان أميّة جالسا معه قوم، فمرّت بهم غنم فثغت [4] منها شاة؛ فقال للقوم: هل تدرون ما قالت الشاة؟ قالوا لا. قال: إنّها قالت لسخلتها: مرّي لا يجيء الذئب/ فيأكلك كما أكل أختك عام أوّل في هذا الموضع. فقام بعض القوم إلى الراعي فقال له: أخبرني عن هذه الشاة التي ثغت ألها سخلة؟ فقال: نعم، هذه سخلتها. قال: أكانت لها عام أوّل سخلة؟ قال: نعم، وأكلها الذئب في هذا الموضع.
__________
[1] في ح: «لنفسي لمعادي».
[2] رئيّ (بفتح الراء وقد تكسر): جنيّ كانت العرب تزعم أنه يرى مصاحبه كهانة وطبا ويلقى على لسانه شعرا.
[3] لعله: «أحب إليه». وانظر الخبر في ص 126.
[4] ثغت الشاة: صاحت وصوّتت.
قال الأصمعي: كل شعره في بحث الآخرة:
قال الزّبير وحدّثني يحيى بن محمد عن الأصمعيّ قال: ذهب أميّة في شعره بعامّة ذكر الآخرة، وذهب عنترة بعامّة ذكر الحرب، وذهب عمر بن أبي ربيعة بعامّة ذكر الشباب.
جاءه طائران وهو نائم فشق احدهما عن قلبه:
قال الزبير حدّثني عمر [1] بن أبي بكر المؤمّلي قال حدّثني رجل من أهل الكوفة قال:
كان أميّة نائما فجاء طائران/ فوقع أحدهما على باب البيت، ودخل الآخر فشقّ عن قلبه ثم ردّه الطائر؛ فقال له الطائر الآخر: أوعى؟ قال نعم. قال: زكا؟ قال: أبى [2].
خرج مع ركب إلى الشام فعرضت لهم جنية فاسترشد راهبا للوقاية منها:
أخبرني عمّي قال حدّثني أحمد بن الحارث عن ابن الأعرابيّ عن ابن دأب قال:
خرج ركب من ثقيف إلى الشأم، وفيهم أميّة بن أبي الصّلت، فلمّا قفلوا راجعين نزلوا منزلا ليتعشّوا بعشاء، إذ أقبلت عظاية [3] حتّى دنت منهم، فحصبها بعضهم بشيء في وجهها فرجعت؛ وكفتوا [4] سفرتهم ثم قاموا يرحلون ممسين؛ فطلعت عليهم/ عجوز من وراء كثيب مقابل لهم تتوكّأ على عصا، فقالت: ما منعكم أن تطعموا رجيمة [5] الجارية اليتيمة التي جاءتكم عشيّة؟ قالوا: ومن أنت؟ قالت: أنا أمّ العوّام، إمت [6] منذ أعوام؛ أمّا وربّ العباد، لتفترقنّ في البلاد؛ وضربت بعصاها الأرض ثم قالت: بطّئي إيابهم، ونفّري ركابهم؛ فوثبت الإبل كأنّ على ذروة كل بعير منها شيطانا ما يملك منها شيء، حتى افترقت في الوادي. فجمعناها في آخر النهار من الغد ولم نكد [7]. فلمّا أنخناها لنرحلها طلعت علينا العجوز فضربت الأرض بعصاها ثم قالت كقولها الأوّل؛ ففعلت الإبل كفعلها بالأمس، فلم نجمعها إلا الغد [8] عشيّة. فلمّا أنخناها لنرحلها أقبلت العجوز ففعلت كفعلها في اليومين ونفرت الإبل. فقلنا لأميّة: أين ما كنت تخبرنا به عن نفسك؟ فقالت: اذهبوا أنتم في طلب الإبل ودعوني. فتوجّه إلى ذلك الكثيب الذي كانت العجوز تأتي منه حتى علاه وهبط منه إلى واد، فإذا فيه كنيسة وقناديل، وإذا رجل مضطجع معترض على بابها، وإذا رجل أبيض الرأس واللّحية؛ فلمّا رأى أميّة قال: إنّك لمتبوع، فمن أين يأتيك صاحبك؟ قال: من أذني اليسرى. قال فبأيّ الثياب يأمرك؟ قال: بالسواد. قال: هذا خطيب الجنّ؛ كدت واللّه أن تكونه ولم تفعل؛ إنّ
__________
[1] في الأصول: «عمرو بن أبي بكر الموصلي». وانظر الحاشية رقم 1 في الصفحة 123.
[2] ورد هذا الخبر في «طبقات الشعراء» لمحمد بن سلام الجمحي (ص 67 طبع أوروبا) مع زيادة في العبارة واختلاف في بعض الكلمات. وسيعيده المؤلف بتفصيل أوفى في ص 127.
[3] العظاية: دويبة ملساء تشبه سام أبرص وتسمى شحمة الأرض وشحمة الرمل، وهي أنواع كثيرة وكلها منقطة بالسواد، ومن طبعها أنها تمشي مشيا سريعا ثم تقف.
[4] كذا في أ، ء، م. وكفت الشي ء: ضم بعضه إلى بعض. وفي سائر الأصول: «و كفوا». والسفرة: ما يبسط تحت الخوان من جلد أو غيره.
[5] في ح: «رحيمة» بالحاء المهملة.
[6] آمت المرأة (من باب ضرب): فقدت زوجها.
[7] في الأصول: «تكد» بالتاء المثناة من فوق.
[8] في الأصول: «إلى الغد».
صاحب النبوّة يأتيه صاحبه من قبل أذنه اليمنى، ويأمره بلباس البياض؛ فما حاجتك؟ فحدّثه حديث العجوز؛ فقال:
صدقت، وليست بصادقة! هي امرأة يهودية من الجنّ هلك زوجها منذ أعوام، وإنّها لن تزال تصنع ذلك بكم حتى تهلككم إن استطاعت. فقال أميّة: وما الحيلة؟ فقال: جمّعوا ظهركم [1]، فإذا جاءتكم ففعلت كما كانت تفعل فقولوا لها: سبع من فوق وسبع من/ أسفل، باسمك اللّهم؛ فلن تضرّكم. فرجع أميّة إليهم وقد جمعوا الظّهر.
فلمّا أقبلت قال لها ما أمره به الشيخ، فلم تضرّهم. فلمّا رأت الإبل لم تتحرّك قالت: قد عرفت صاحبكم، وليبيضّنّ أعلاه، وليسودّنّ أسفله؛ فأصبح أميّة وقد برص في عذاريه واسودّ أسفله. فلمّا قدموا مكة ذكروا لهم هذا الحديث؛ فكان ذلك أوّل ما كتب أهل مكة «باسمك اللّهم» في كتبهم.
خبر الطائرين اللذين شق أحدهما صدره ومحاورتهما:
أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثنا أبو غسّان محمد بن يحيى قال حدّثنا عبد العزيز بن عمران عن عبد الرحمن بن عبد اللّه بن عامر بن مسعود عن الزّهريّ قال:
دخل يوما أميّة بن أبي الصّلت على أخته وهي تهيىء [2] أدما لها، فأدركه النوم فنام على سرير في ناحية البيت. قال [3]: فانشقّ جانب من السقف في البيت، وإذا بطائرين قد وقع أحدهما على صدره ووقف الآخر مكانه، فشقّ الواقع/ صدره فأخرج قلبه فشقّه؛ فقال الطائر الواقف للطائر الذي على صدره: أوعى؟ قال: وعى. قال:
أقبل؟ قال: أبى. قال: فردّ قلبه في موضعه فنهض؛ فأتبعهما أميّة طرفه فقال:
لبّيكما لبيكما ... هأنذا لديكما
لا بريء فأعتذر، ولا ذو عشيرة فأنتصر. فرجع الطائر فوقع على صدره فشقّه، ثم أخرج قلبه فشقّه؛ فقال الطائر الأعلى: أوعى؟ قال: وعى. قال: أقبل؟ قال: أبى، ونهض؛ فأتبعهما بصره وقال:
لبّيكما لبيكما ... هأنذا لديكما
/ لا مال يغنيني، ولا عشيرة تحميني. فرجع الطائر فوقع على صدره فشقّه، ثم أخرج قلبه فشقّه؛ فقال الطائر الأعلى: أوعى؟ قال: وعى. قال: أقبل؟ قال: أبى، ونهض؛ فأتبعهما بصره وقال:
لبّيكما لبيكما ... هأنذا لديكما
محفوف بالنّعم، محوط من الريب. قال: فرجع الطائر فوقع على صدره فشقّه وأخرج قلبه فشقّه؛ فقال الأعلى: أوعى؟ فقال: وعى. قال: أقبل؟ قال: أبى. قال: ونهض، فأتبعهما بصره وقال:
لبّيكما لبيكما ... هأنذا لديكما
إن تغفر اللّهمّ تغفر جمّا ... وأيّ عبد لك لا ألمّا [4]
__________
[1] الظهر: الركاب التي تحمل عليها الأثقال في السفر، لحملها إياها على ظهورها.
[2] في ح: «تهنأ». وفي «اللسان» (مادة خلق): «قالت فدخل عليّ وأنا أخلق أديما لي». والخلق: التقدير؛ يقال: خلق الأديم يخلقه خلقا، إذا قدره قبل القطع وقاسه ليقطع منه مزادة أو قربة أو خفا.
[3] كذا في ب، س، ح. وفي سائر الأصول: «قالت» أي أخته.
[4] ألم: باشر اللمم أي صغار الذنوب.
قالت أخته: ثم انطبق السّقف وجلس أميّة يمسح صدره. فقلت: يا أخي، هل تجد شيئا؟ قال: لا، ولكنّي أجد حرّا في صدري. ثم أنشأ يقول:
ليتني كنت قبل ما قد بدا لي ... في قنان [1] الجبال أرعى الوعولا
اجعل الموت نصب عينك واحذر ... غولة الدّهر إنّ للدّهر غولا
تصديق النبيّ له في شعره:
حدّثني محمد بن جرير الطبريّ قال حدّثنا ابن حميد قال حدّثني سلمة عن ابن إسحاق عن يعقوب بن عتبة عن عكرمة عن ابن عبّاس:
أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم صدّق أميّة في قوله:
رجل وثور تحت رجل يمينه ... والنّسر للأخرى وليث مرصد [2]
/فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. «صدق» [3].
أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثني حمّاد بن عبد الرحمن بن الفضل الحرّانيّ قال حدّثنا أبو يوسف - وليس بالقاضي - عن الزّهريّ عن عروة عن عائشة عن النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بمثل هذا.
أنشد النبيّ بعض شعره فقال: «إن كاد أمية ليسلم»:
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثني الزّبير قال حدّثنا جعفر بن الحسين المهلّبيّ قال حدّثني إبراهيم بن إبراهيم بن أحمد عن عكرمة قال: أنشد [4] النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قول أميّة:
الحمد للّه ممسانا ومصبحنا ... بالخير صبّحنا ربّي ومسّانا
ربّ الحنيفة لم تنفد خزائنها ... مملوءة طبّق الآفاق سلطانا
ألا نبيّ لنا منّا فيخبرنا ... ما بعد غايتنا من رأس محيانا
بينا يربّيننا آباؤنا هلكوا ... وبينما نقتني الأولاد أفنانا
وقد علمنا لو أنّ العلم ينفعنا ... أن سوف يلحق أخرانا بأولانا
فقال النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «إن كاد أميّة ليسلم».
شعر له في عتاب ابنه وتوبيخه:
أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثني أحمد بن معاوية قال حدّثنا عبد اللّه بن أبي بكر،/ وحدّثنا خالد بن عمارة:
__________
[1] القنان: أعالي الجبال، واحدها قنّة.
[2] قال الجاحظ في كتاب «الحيوان» (ج 6 ص 68) طبع مصر: «و قد جاء في الخبر أن من الملائكة من هو في صورة الرجال، ومنهم من هو في صورة الثيران، ومنهم من هو في صورة النسور، ويدل على ذلك تصديق النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم لأمية بن أبي الصلت ... » وأورد هذا البيت.
[3] هذه الكلمة تتطلب أن يكون الكلام قبلها هكذا: وأنشد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قول أمية كذا فقال صلّى اللّه عليه وسلّم: «صدق».
[4] في س: «استنشدني»، في ب: «أنشدني».
/ أنّ أميّة عتب على ابن له فأنشأ يقول:
غذوتك مولودا ومنتك [1] يافعا ... تعلّ بما أجني [2] عليك وتنهل
إذا ليلة نابتك بالشّكو [3] لم أبت ... لشكواك إلّا ساهرا أتململ
كأنّي أنا المطروق دونك بالّذي ... طرقت به دوني فعيني تهمل
تخاف الرّدى نفسي عليك وإنّني ... لأعلم أنّ الموت حتم مؤجّل
فلمّا بلغت السّنّ والغاية التي ... إليها مدى ما كنت فيك أؤمّل
جعلت جزائي غلظة وفظاظة ... كأنّك أنت المنعم المتفضّل
محاورة بين أبي بكر الهذليّ وعكرمة في شعر له:
قال الزبير قال أبو عمرو الشّيبانيّ قال أبو بكر الهذليّ قال [4]: قلت لعكرمة: ما رأيت من يبلّغنا عن النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنه قال لأميّة: «آمن شعره وكفر قلبه»؛ فقال: هو حقّ، وما الذي أنكرتم من ذلك؟ فقلت له: أنكرنا قوله:
والشمس تطلع كلّ آخر ليلة ... حمراء مطلع لونها متورّد
تأبى فلا تبدو لنا في رسلها [5] ... إلّا معذّبة وإلّا تجلد
فما شأن الشمس تجلد؟ قال: والذي نفسي بيده ما طلعت قطّ حتّى ينخسها سبعون ألف ملك يقولون لها:
اطلعي؛ فتقول: أأطلع على قوم يعبدونني من دون اللّه! قال: فيأتيها شيطان حين [6] تستقبل الضّياء يريد أن يصدّها عن الطّلوع فتطلع على قرنيه، فيحرقه اللّه تحتها. وما غربت قطّ إلّا خرّت للّه ساجدة، فيأتيها شيطان/ يريد أن يصدّها عن السجود، فتغرب على قرنيه فيحرقه اللّه تحتها؛ وذلك قول النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «تطلع بين قرني شيطان وتغرب بين قرني شيطان».
تمثل ابن عباس بشعره عند معاوية:
حدّثني أحمد بن محمد بن [7] الجعد قال حدّثنا محمد بن عبّاد قال حدّثنا سفيان بن عيينة عن زياد بن سعد أنّه سمع ابن حاضر [8] يقول:
اختلف ابن عبّاس وعمرو بن العاصي عند معاوية؛ فقال ابن عباس: ألا أغنيك؟ قال بلى! فأنشده:
__________
[1] في شرح «ديوان الحماسة» للتبريزي (ص 354) طبع أوروبا: «و علتك».
[2] أجني عليك: أكسب. ويجوز أن يكون من جنيت الثمرة جنيا وجناية. (عن «شرح الحماسة» للتبريزي). وفيه رواية أخرى: «بما أدنى إليك».
[3] كذا في «شرح ديوان الحماسة». وفي الأصول: «آبتك بالشجو».
[4] كذا ورد في جميع النسخ لفظ «قال»، ولا لروم له.
[5] الرسل هنا: الرفق والتؤدة.
[6] في ب: «حتى يستقبل».
[7] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «أحمد بن محمد الجعد». وهو من شيوخ أبي الفرج الدين يروي عنهم كثيرا في هذا الكتاب.
[8] اسمه عثمان بن حاضر الحميري؛ ويقال: الأزدي أبو حاضر القاص. وقال عبد الرزاق: عثمان بن أبي حاضر (انظر «تهذيب التهذيب» في اسم عثمان).
والشمس تغرب كلّ آخر ليلة ... في عين ذي خلب [1] وثأط حرمد
أحاديثه وأحواله في مرض موته:
أخبرني الحرميّ قال حدّثنا عمّي عن مصعب بن عثمان عن ثابت بن الزّبير قال:
لمّا مرض أميّة مرضه الذي مات فيه، جعل يقول: قد دنا أجلي، وهذه المرضة منيّتي، وأنا أعلم أنّ الحنيفيّة حقّ، ولكن الشكّ يداخلني في محمد. قال: ولمّا دنت وفاته أغمي عليه قليلا ثم أفاق وهو يقول:
لبّيكما لبيكما ... هأنذا لديكما
/ لا مال يفديني، ولا عشيرة تنجيني. ثم أغمي عليه أيضا بعد ساعة حتى ظنّ ممن حضره من أهله أنّه قد قضى، ثم أفاق وهو يقول:
لبّيكما لبيكما ... هأنذا لديكما
لا برىء فأعتذر، ولا قويّ فأنتصر. ثم إنّه بقي يحدّث من حضره ساعة، ثم أغمي عليه مثل المرّتين الأوليين حتى يئسوا من حياته، وأفاق وهو يقول:
لبيكما لبيكما ... هأنذا لديكما
محفوف بالنّعم،
إن تغفر اللّهمّ تغفر جمّا ... وأيّ عبد لك لا ألمّا
ثم أقبل على القوم فقال: قد جاء وقتي، فكونوا في أهبتي؛ وحدّثهم قليلا حتّى يئس القوم/ من مرضه، وأنشأ يقول:
كلّ عيش وإن تطاول دهرا ... منتهى أمره إلى أن يزولا
ليتني كنت قبل ما قد بدا لي ... في رؤوس الجبال أرعى الوعولا
اجعل الموت نصب عينيك [2] واحذر ... غولة الدّهر إنّ للدّهر غولا
ثم قضى نحبه، ولم يؤمن بالنبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم. وقد قيل في وفاة أميّة غير هذا.
لما بعث النبي هرب بابنتيه إلى اليمن ثم مات بالطائف:
أخبرني عبد العزيز بن أحمد عمّ أبي قال حدّثنا أحمد بن يحيى ثعلب قال:
سمعت في خبر أميّة بن أبي الصّلت، حين بعث النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، أنه أخذ بنتيه وهرب بهما إلى أقصى اليمن، ثم عاد
__________
[1] الخلب: أيابن بلغة حمير. والتأط: الطين الحمأة (أي الأسود)، وقيل: الطين حمأة كان أو غير حمأة. والحرمد: الأسود مل الطين. ورواية هذا الشعر في «اللسان» مادة (ثأط):
لمع المشارق والمغارب يبتغي ... أسباب أمر عن حكيم مرشد
فأتى مغيب الشمس عند مآبها ... في عين ذي خلب وثأط حرمد
وقد أورده صاحب «اللسان» لأمية، ثم قال: وأورد الأزهري هذا البيت مستشهدا به على الثأطة الحمأة، وكذلك أورده ابن برّي وقال: إنه لتّبع يصف ذا القرنين.
[2] كذا في س. وفي سائر الأصول: «عينك».
إلى الطائف؛ فبينما هو يشرب مع/ إخوان له في قصر غيلان [1] بالطائف، وقد أودع ابنتيه اليمن ورجع إلى بلاد الطائف، إذ سقط غراب على شرفة في القصر فنعب نعبة؛ فقال أميّة: بفيك الكثكث! - وهو التّراب - فقال أصحابه:
ما يقول؟ قال: يقول إنّك إذا شربت الكأس التي [2] بيدك متّ، فقلت: بفيك الكثكث. ثم نعب نعبة أخرى، فقال أميّة نحو ذلك؛ فقال أصحابه: ما يقول؟ قال: زعم أنّه يقع على هذه المزبلة أسفل القصر، فيستثير عظما فيبتلعه فيشجى به فيموت، فقلت نحو ذلك. فوقع الغراب على المزبلة، فأثار العظم فشجي به فمات؛ فانكسر أميّة، ووضع الكأس من يده، وتغيّر لونه. فقال له أصحابه: ما أكثر ما سمعنا بمثل هذا وكان باطلا! فألحّوا عليه حتى شرب الكأس، فمال في شقّ وأغمي عليه ثم أفاق، ثم قال: لا بريء فأعتذر، ولا قويّ فأنتصر، ثم خرجت نفسه.
صوت من المائة المختارة
تبلت [3] فؤادك في المنام خريدة ... تشفي [4] الضّجيع ببارد بسّام
كالمسك تخلطه بماء سحابة ... أو عاتق [5] كدم الذّبيح مدام
عروضه من الكامل. الشعر لحسّان بن ثابت، والغناء لموسى بن خارجة الكوفيّ ثقيل أوّل بإطلاق الوتر في مجرى البنصر. وذكر حمّاد عن أبيه أنّ فيه لحنا لعزّة الميلاء. وليس موسى بكثير الصنعة ولا مشهور، ولا ممن خدم الخلفاء.
__________
[1] هو غيلان بن سلمة بن معتّب، وكان وفد على كسرى وحاوره فأعجب به واشترى منه التجارة بأضعاف ثمنها وكساه وبعث معه من الفرس من بنى له هذا القصر بالطائف؛ فكان أوّل قصر بنى بها. (راجع «الأغاني» ج 12 ص 48، 49 طبع بلاق).
[2] في جميع الأصول: «الذي».
[3] تبلت فؤادك: أسقمته. والخريدة: الحيية.
[4] في «ديوان» حسان: «تسقى» وعلى هذه الرواية تكون الباء في «ببارد» زائدة.
[5] العاتق هنا: الخمر القديمة التي حبست زمانا حتى عتقت وجادت، وقيل: هي التي لم يفض أحد ختامها كالجارية العاتق التي قد أدركت ولما تتزوّج.
42 - أخبار حسّان بن ثابت ونسبه
نسبه من قبل أبويه وكنيته:
هو حسّان [1] بن ثابت بن المنذر بن حرام بن عمرو بن زيد مناة بن عديّ بن عمرو بن مالك بن النّجّار، واسمه [2] تيم اللّه بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج بن حارثة بن ثعلبة، وهو العنقاء بن عمرو؛ وإنما سمّي العنقاء لطول عنقه. وعمرو هو مزيقياء بن عامر بن ماء السماء بن حارثة الغطريف بن امرىء القيس البطريق بن ثعلبة البهلول بن مازن بن الأزد، وهو ذري [3] - وقيل: ذراء ممدود - بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان.
قال مصعب الزّبيريّ فيما أخبرنا [به] الحسن بن عليّ عن أحمد بن زهير عمّه قال: بنو عديّ بن عمرو بن مالك [بن] النجّار يسمّون بني معالة. ومعالة أمّه [4]، وهي امرأة من القين وإليها كانوا ينسبون. وأمّ حسّان بن ثابت بن المنذر، الفريعة بنت خالد بن قيس [5] بن لوذان/ بن عبد ودّ بن زيد بن ثعلبة بن الخزرج بن ساعدة بن كعب بن الخزرج. وقيل: إنّ اسم النجّار تيّم اللّات؛ وفي ذلك يقول حسّان بن ثابت:
وأمّ ضرار تنشد النّاس والها ... أما لابن تيم اللّه ماذا أضلّت
/ يعني ضرار بن عبد المطّلب، وكان ضلّ فنشدته أمّه. وإنما سمّاه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم تيم اللّه؛ لأنّ الأنصار كانت تنسب إليه، فكره أن يكون في أنسابها ذكر اللّات.
ويكنى [6] حسّان بن ثابت أبا الوليد. وهو فحل من فحول الشعراء. وقد قيل: إنّه أشعر أهل المدر [7]. وكان أحد المعمّرين من المخضرمين، عمّر مائة وعشرين سنة: ستّين في الجاهليّة وستّين في الإسلام.
__________
[1] هذا الاسم إن جعلته فعّالا من الحسن أجريته، وإن جعلته فعلان من الحس (بالفتح) وهو القتل أو الحس بالشيء لم تجره. قال ابن سيده: وقد ذكرنا أنه من الحسّ أو الحسّ، وقال: ذكر بعض النحويين أنه فعّال من الحسن، وليس بشيء. (انظر «اللسان» مادة حسن).
[2] كذا في «أسد الغابة» في ترجمة حسان. وفي سائر الأصول: «و هم تيم اللّه». وبنو النجار هم تيم اللّه بن ثعلبة.
[3] نقل صاحب «شرح القاموس» مادة أزد عن الشيخ عبد القادر البغدادي أن اسمه «درء» بكسر فسكون وآخره همزة، وعن أبي القاسم الوزير أنه دراء ككتاب.
[4] كذا في أكثر الأصول. وفي ح: «أمة».
[5] في «تهذيب التهذيب» طبع الهند: «الفريعة بنت خالد بن حبيش». وفي «أسد الغابة» طبع بلاق: «الفريعة بنت خالد بن خنيس». وفي «خزانة الأدب» للبغدادي (ج 1 ص 111 طبع بلاق): «الفريعة بنت خنس».
[6] ويكنى أيضا أبا الحسام، كما في «خزانة الأدب» للبغدادي و «أسد الغابة»، لمناضلته عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ولتقطيعه أعراض المشركين.
ويكنى أيضا أبا عبد الرحمن. ويلقب بذي الأكلة (بالضم) كما في «القاموس» مادة أكل.
[7] المدر (بالتحريك): العدن والحضر. وفيء، أ، م: «المدن».
عاش حسان مائة وعشرين سنة:
أخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد عن أبيه عن أبي عبيدة قال: عاش ثابت بن المنذر مائة وخمسين [1] سنة، وعاش حسّان مائة وعشرين سنة. ومما يحقّق ذلك ما أخبرني به الحسن بن عليّ قال حدّثنا أحمد بن زهير قال حدّثني الزّبير بن بكار قال حدّثني محمد بن حسين [2] عن إبراهيم بن محمد عن صالح بن إبراهيم عن يحيى بن عبد الرحمن بن سعيد بن زرارة عن حسّان بن ثابت قال: إنّي لغلام يفعة ابن سبع سنين أو ثمان، إذا بيهوديّ بيثرب يصرخ ذات غداة: يا معشر يهود؛ فلما اجتمعوا إليه قالوا: ويلك! مالك؟ قال: طلع نجم أحمد الذي يولد به في هذه الليلة. قال: ثم أدركه اليهوديّ ولم يؤمن به. فهذا يدلّ على مدّة عمره في الجاهليّة؛ لأنه ذكر أنه أدرك ليلة ولد النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، وله يومئذ ثمان سنين، والنبيّ/ صلى اللّه عليه وسلّم بعث وله أربعون سنة، وأقام بمكة ثلاث عشرة سنة، فقدم المدينة ولحسّان يومئذ، على ما ذكره، ستّون سنة أو إحدى وستون سنة، وحينئذ أسلم.
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا أحمد بن زهير قال حدّثنا الزّبير بن بكّار عن الرحمن بن عبد اللّه قال حدّثني ابن أبي الزّناد قال:
عمّر حسّان بن ثابت عشرين ومائة سنة: ستّين في الجاهليّة، وستّين في الإسلام.
قال أخبرني الحسن بن عليّ قال أخبرني أحمد بن زهير قال حدّث سليمان بن حرب عن حمّاد بن زيد عن يزيد بن حازم عن سليمان بن يسار قال:
رأيت حسّان بن ثابت وله ناصية قد سدلها بين عينيه.
كان يخضب شاربه وعنفقته بالحناء:
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ قال حدّثني عليّ بن محمد النّوفليّ عن أبيه قال:
كان حسّان بن ثابت يخضب شاربه وعنفقته [3] بالحنّاء، ولا يخضب سائر لحيته. فقال له ابنه عبد الرحمن:
يا أبت، لم تفعل هذا؟ قال: لأكون كأنّي أسد والغ في دم.
فضل الشعراء بثلاث:
أخبرنا محمد بن الحسن بن دريد قال أخبرنا أبو حاتم عن أبي عبيدة قال:
فضل حسّان الشعراء بثلاث: كان شاعر الأنصار في الجاهليّة، وشاعر النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في النبوّة، وشاعر اليمن كلّها في الإسلام.
أجمعت العرب على أنه أشعر أهل المدر:
قال أبو عبيدة: وأجمعت [4] العرب على أنّ حسّان أشعر أهل المدر. أخبرنا بذلك أيضا أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ قال حدّثنا عمر بن شبّة عن أبي عبيدة قال:
__________
[1]. في «أسد الغابة» و«تهذيب التهذيب» و«النجوم الزاهرة»: أن عمر حسان مائة وعشرون سنة، وكذلك عاش أبوه ثابت وجدّه المنذر وأبو جدّه حرام، ولا يعرف في العرب أربعة تناسلوا من صلب واحد وعاش كل منهم مائة وعشرين سنة غيرهم.
[2]. في ح: «محمد بن الحسن».
[3]. العنفقة: شعرات بين الشفة السفلى والذقن.
[4]. كذا في «أسد الغابة». وفي جميع الأصول: «اجتمعت».
/ اتّفقت العرب على أنّ أشعر أهل المدر أهل يثرب، ثم عبد القيس ثم ثقيف؛ وعلى أنّ أشعر أهل يثرب حسّان بن ثابت.
سأل أبا هريرة عن حديث في شأنه فأجابه:
أخبرني حبيب بن نصر المهلّبيّ وأحمد بن عبد العزيز الجوهريّ قالا حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثنا عفّان/ قال حدّثنا عبد الواحد بن زياد قال حدّثنا معمر عن الزّهريّ عن سعيد بن المسيّب قال.
جاء حسّان إلى نفر فيهم أبو هريرة، فقال: أنشدك اللّه: أسمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: «أجب عنّي» ثم قال:
«اللّهمّ أيّده بروح القدس»؟ قال أبو هريرة: اللّهمّ نعم.
كان أحد الأنصار الثلاثة الذين عارضوا شعراء قريش:
أخبرني حبيب بن نصر وأحمد بن عبد العزيز قالا حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثنا وهب بن جرير قال حدّثنا أبي قال سمعت محمد بن سيرين، قال أبو زيد وحدّثنا هوذة بن خليفة قال حدّثنا عوف عن محمد بن سيرين قال:
كان يهجو رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ثلاثة [1] رهط من قريش: عبد اللّه بن الزّبعري، وأبو سفّيان بن الحارث بن عبد المطّلب، وعمرو بن العاصي؛ فقال قائل لعليّ بن أبي طالب رضوان اللّه عليه: اهج عنّا القوم الذين قد هجونا.
فقال عليّ رضي اللّه عنه: إن أذن لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فعلت. فقال رجل: يا رسول اللّه، ائذن لعليّ كي يهجو عنّا هؤلاء القوم الذين قد هجونا. قال: «ليس هناك» أو «ليس عنده ذلك»؛ ثم قال للأنصار: «ما يمنع القوم الذين نصروا رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلّم - بسلاحهم أن ينصروه بألسنتهم؟». فقال حسّان بن ثابت: أنا لها، وأخذ بطرف لسانه وقال:
واللّه ما يسرّني به مقول [2] بين بصرى وصنعاء. فقال: «كيف/ تهجوهم وأنا منهم»؟ فقال: إنّي أسلّك منهم كما تسلّ الشّعرة من العجين. قال: فكان يهجوهم ثلاثة من الأنصار: حسان بن ثابت، وكعب بن مالك، وعبد اللّه بن رواحة. فكان حسّان وكعب يعارضانهم بمثل قولهم بالوقائع والأيّام والمآثر ويعيّرانهم بالمثالب، وكان عبد اللّه بن رواحة يعيّرهم بالكفر. قال: فكان في ذلك الزمان أشد القول عليهم قول حسان وكعب، وأهون القول عليهم قول ابن رواحة. فلمّا أسلموا وفقهوا الإسلام، كان أشدّ القول عليهم قول ابن رواحة.
استأذن النبيّ في هجو قريش فأمره أن يأخذ أنسابهم عن أبي بكر:
أخبرنا أحمد بن عبد العزيز وحبيب بن نصر المهلّبيّ قالا حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثنا عبد اللّه بن بكر بن حبيب السّهميّ قال حدّثنا أبو يونس القشيريّ وهو حاتم [3] بن أبي صغيرة قال حدّثنا سماك بن حرب قال:
قام حسّان أبو الحسام فقال: يا رسول اللّه، ائذن لي فيه، وأخرج لسانا له أسود، فقال: يا رسول اللّه، لو شئت لفريت به المزاد [4]، ائذن لي فيه. فقال: «اذهب إلى أبي بكر فليحدّثك حديث القوم وأيّامهم وأحسابهم ثم
__________
[1]. زاد في «أسد الغابة» رابعا هو ضرار بن الخطاب.
[2]. المقول: «اللسان».
[3]. كذا في «طبقات ابن سعد» (ج 7 قسم 2 ص 31 طبع أوروبا) و «تهذيب التهذيب» (ج 2 ص 130 طبع الهند) و «الخلاصة» طبع مصر؛ وهو مولى بني قشير، واسم أبيه مسلم، وأبو صغيرة أبو أمه، وهو يروي عن عمرو بن دينار وسماك بن حرب. (انظر «الأنساب» للسمعاني). وقد ورد هذا الاسم مضطربا في جميع الأصول.
[4]. المزاد: جمع مزادة، وهي التي يحمل فيها الماء، وهي ما فئم بجلد ثالث بين الجلدين ليتسع؛ سميت بذلك لمكان الزيادة.
اهجهم وجبريل معك». قال أبو زيد قال ابن وهب وحدّثنا بهذا الحديث حاتم عن السّدّيّ عن البراء بن عازب وعن سماك بن حرب - فأنا أشك: أهو عن أحدهما أم عنهما جميعا - قال أبو زيد: وحدّثنا عليّ بن عاصم قال حدّثنا حاتم بن أبي [1] صغيرة عن سماك بن حرب/ بنحوه، وزاد فيه: فأخرج لسانه أسود، فوضعه على طرف أرنبته، وقال: يا رسول اللّه، لو شئت لفريت به المزاد؛ فقال: «يا حسّان وكيف وهو منّي وأنا [2] منه»؟ قال: واللّه لأسلنّه منك كما يسلّ الشّعر من العجين! قال: «يا حسّان فأت أبا بكر فإنّه أعلم بأنساب القوم منك». فأتى أبا بكر فأعلمه ما قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم؛ فقال: كفّ عن فلانة واذكر فلانة. فقال:
هجوت [3] محمدا فأجبت عنه ... وعند اللّه في ذاك الجزاء
/ فإنّ أبي ووالده وعرضي ... لعرض محمد منكم وقاء
أتهجوه ولست له بكف ء ... فشرّكما لخيركما الفداء
لما بلغ قريشا شعر حسان اتهموا فيه أبا بكر:
أخبرني الحسن بن عليّ قال [4] حدّثنا أحمد بن زهير قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثنا أحمد بن سليمان عن الأصمعيّ عن عبد الرحمن بن أبي الزّناد قال:
لمّا أنشدت قريش شعر حسّان قالت: إنّ هذا الشّتم ما غاب عنه ابن [5] أبي قحافة.
قال الزّبير: وحدّثني محمد بن يحيى عن يعقوب [6] بن إسحاق بن مجمّع عن رجل من بني العجلان قال:
/ لما بلغ أهل مكة شعر حسّان ولم يكونوا علموا أنّه قوله، جعلوا يقولون: لقد قال أبو بكر الشّعر بعدنا.
أسمعه ابن الزبعري وضرار من هجوهما وفرا فاستعدى عمر فردّهما فأنشدهما مما قال فيهما:
قال الزّبير: وحدّثني الحسن بن عليّ قال حدّثنا أحمد بن زهير قال حدّثنا الزبير بن بكّار قال حدّثني محمد بن فضالة عن أبيه عن خالد بن محمد بن فضالة عن أبيه عن خالد [7] بن محمد بن ثابت بن قيس بن شمّاس قال:
__________
[1]. كذا في «طبقات ابن سعد» (ج 7 قسم 2 ص 31 طبع أوربا) و «تهذيب التهذيب» (ج 2 ص 130 طبع الهند) و «الخلاصة» طبع مصر وهو مولى بني قشير، واسم أبيه مسلم، وأبو صغيره أبو أمه وهو يروي عن عمرو بن دينار وسماك بن حرب. (انظر «الأنساب» للسمعاني) وقد ورد هذا الاسم مضطربا في جميع الأصول.
[2]. يريد ابن عمه أبا سفيان بن الحارث بن عبد المطلب.
[3]. وردت هذه الأبيات في «السيرة» لابن هشام (ص 830 طبع أوروبا) ضمن قصيدة مطلعها:
عفت ذات الأصابع فالجواء ... إلى عذراء منزلها خلاء
على غير ترتيب «الأغاني» بذكر البيت الثالث بعد الأوّل وبزيادة بيتين بعده هما:
هجوت مباركا برّا حفيا ... أمين اللّه شيمته الوفاء
أمن يهجو رسول اللّه منكم ... ويمدحه وينصره سواء
ويليهما البيت «فإن أبى إلخ». وانظر هذا الشعر أيضا في «صحيح مسلم» (ج 2 ص 260 - 261 طبع بولاق).
[4]. كذا في ح. وفي سائر الأصول: «أخبرني الحسن بن علي قال قال ... » بتكرير كلمة «قال».
[5]. هو أبو بكر الصديق رضي اللّه عنه.
[6]. لم نعثر على هذا الاسم في «كتب التراجم» التي بين أيدينا والذي بها هو: «يعقوب بن مجمع» أو «يعقوب بن إسحاق بن زيد» كما في «تهذيب التهذيب» و «الخلاصة في أسماء الرجال». وفي «لسان الميزان» (ج 6 ص 302): «يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم بن مجمع» ولعله هذا.
[7]. لم نعثر على خالد هذا في «كتب التراجم»، وليس في ولد محمد بن ثابت بن قيس بن شماس من يسمى خالدا، وقد أحصاهم ابن سعد -
نهى عمر بن الخطّاب الناس أن ينشدوا شيئا من مناقضة الأنصار ومشركي قريش، وقال: في ذلك شتم الحيّ [1] بالميّت، وتجديد الضغائن، وقد هدم اللّه أمر الجاهليّة بما جاء من الإسلام. فقدم المدينة عبد اللّه بن الزّبعري السّهمي وضرار بن الخطّاب الفهريّ ثم المحاربيّ، فنزلا على أبي أحمد بن جحش، وقالا له: نحبّ أن ترسل إلى حسّان بن ثابت حتّى يأتيك، فننشده وينشدنا مما قلنا له وقال لنا. فأرسل إليه فجاءه؛ فقال له: يا أبا الوليد، هذان أخواك ابن الزّبعري وضرار قد جاءا أن يسمعاك وتسمعهما ما قالا لك وقلت لهما. فقال ابن الزّبعري وضرار: نعم يا أبا الوليد، إن شعرك كان يحتمل في الإسلام ولا يحتمل شعرنا، وقد أحببنا أن نسمعك وتسمعنا.
فقال حسّان: أفتبدآن أم أبدأ؟ قالا: نبدأ نحن. قال: ابتدئا؛ فأنشداه حتى فار فصار كالمّرجل غضبا، ثم استويا على راحلتيهما يريدان مكة؛ فخرج حسّان حتى دخل على عمر بن الخطّاب فقصّ عليه قصّتهما وقصّته. فقال له عمر:
لن يذهبا عنك بشيء إن شاء اللّه، وأرسل من يردّهما، وقال له عمر: لو لم تدركهما إلّا بمكة فارددهما عليّ.
وخرجا فلمّا كانا بالرّوحاء [2] رجع ضرار إلى صاحبه بكره، فقال له يابن الزّبعري: أنا أعرف عمر وذبّه عن الإسلام وأهله،/ وأعرف حسّان وقلّة صبره على ما فعلنا به، وكأنّي به قد جاء وشكا إليه ما فعلنا، فأرسل في آثارنا وقال لرسوله: إن لم تلحقهما إلّا بمكة فارددهما عليّ؛ فاربح بنا ترك العناء وأقم بنا مكاننا؛ فإن كان الذي ظننت فالرجوع من الرّوحاء أسهل منه من أبعد منها، وإن أخطأ ظنّي فذلك الذي نحبّ ونحن من وراء المضيّ. فقال ابن الزّبعري: نعم ما رأيت. قال: فأقاما بالرّوحاء، فما كان إلا كمرّ الطائر حتّى وافاهما رسول عمر فردّهما إليه؛ فدعا لهما بحسّان، وعمر في جماعة من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال لحسّان: أنشدهما مما قلت لهما؛ فأنشدهما حتّى فرغ مما قال لهما فوقف. فقال له عمر: أفرغت؟ قال نعم. فقال له: أنشداك في الخلاء وأنشدتهما في الملا. وقال لهما عمر: إن شئتما فأقيما، وإن شئتما فانصرفا. وقال لمن حضره: إنّي قد كنت نهيتكم أن تذكروا مما كان بين المسلمين والمشركين شيئا دفعا للتضاغن عنكم وبثّ القبيح فيما بينكم، فأمّا إذ أبوا فاكتبوه/ واحتفظوا به. فدوّنوا ذلك عندهم. قال خلّاد [3] بن محمد: فأدركته واللّه وإنّ الأنصار لتجدّده عندها إذا خافت بلاه.
شعر له في هجو أبي سفيان بن الحارث:
أخبرنا أحمد [4] بن عبد العزيز قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثنا عفّان بن مسلم قال حدّثنا عمران بن زيد قال: سمعت أبا إسحاق قال في قصة حسّان وأبي سفيان بن الحارث نحو ما ذكره مما قدّمنا ذكره، وزاد فيه: فقال حسّان فيه:
وإنّ سنام المجد من آل هاشم ... بنو بنت [5] مخزوم، ووالدك العبد
__________
- في «الطبقات» (ج 5 ص 58 - 59 طبع أوروبا). على أن السند كله مضطرب ولم نوفق لتحقيقه.
[1]. في «أسد الغابة»: «و قال في ذلك شتم الحيّ والميت إلخ».
[2]. الروحاء: موضع بين مكة والمدينة على نحو ثلاثين ميلا من المدينة.
[3]. لم نجد هذا الاسم في «كتب التراجم» التي بين أيدينا. وقد تقدم في سند هذا الخبر رجلان كل منهما يسمى خالد بن محمد، فلعله أحدهما.
[4]. في الأصول: «محمد بن عبد العزيز» وظاهر جدّا أنه أحمد بن عبد العزيز الجوهري الذي يروي عن عمر بن شبة، ويروي عنه كثيرا أبو الفرج.
[5]. بنت مخزوم: يريد بها فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم، وهي أم عبد اللّه (أبى النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم) والزبير وأبي طالب أبناء عبد المطلب. ووالدك العبد: يريد به الحارث بن عبد المطلب وهو أبو أبي سفيان.
/
ومن ولدت أبناء زهرة [1] منكم ... كرام ولم يلحق عجائزك المجد
وإنّ امرأ كانت سميّة [2] أمّه ... وسمراء [3] مغلوب إذا بلغ الجهد
وأنت هجين [4] نيط في آل هاشم ... كما نيط خلف الرّاكب القدح الفرد
فقال العبّاس: وما لي وما لحسّان! يعني في ذكره نتيلة [5]، فقال فيها:
ولست كعبّاس ولا كابن أمّه [6] ... ولكن هجين ليس يورى له زند
أعانه جبريل في مديح النبي:
أخبرنا أحمد قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثنا القعنبيّ قال حدّثنا مروان بن معاوية قال حدّثنا إياس السّلميّ عن ابن بريدة قال:
أعان جبريل عليه السّلام حسّان بن ثابت في مديح النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بسبعين بيتا.
مدحه النبي ومدح كعبا وعبد اللّه بن رواحة:
أخبرنا أحمد قال حدّثنا عمر قال حدّثنا محمد بن منصور قال حدّثنا سعيد بن عامر قال حدّثني جويرية بن أسماء قال:
/ بلغني أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «أمرت عبد اللّه بن رواحة فقال وأحسن، وأمرت كعب بن مالك فقال وأحسن، وأمرت حسّان بن ثابت فشفى واشتفى».
أخبره النبيّ أن روح القدس يؤيده:
أخبرنا أحمد قال حدّثنا عمر قال حدّثنا أحمد بن عيسى قال حدّثنا ابن وهب قال أخبرنا عمرو بن الحارث عن سعيد بن أبي هلال عن مروان بن عثمان ويعلى بن شدّاد بن أوس عن عائشة قالت:
سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول لحسّان بن ثابت الشاعر: «إنّ روح القدس لا يزال يؤيّدك ما كافحت عن اللّه عز وجل وعن رسول اللّه» صلى اللّه عليه وسلّم.
__________
[1]. يريد في هذا البيت مدح آمنة أم النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وهالة أم حمزة وصفية، وكلتاهما زهرية؛ إذ هما ابنتا وهب بن عبد مناف بن زهرة. وقوله:
«و لم يلحق عجائزك المجد» يهجو أبا سفيان بأن أمهاته لسن بأحرار؛ إذ كانت أم أبي سفيان نفسه أم ولد وأم أبيه كذلك أم ولد.
ورواية «الديوان» في هذا البيت (ص 91 طبع ليدن):
وما ولدت أفناء زهرة منكم ... كريما ولم يقرب عجائزك المجد
[2]. كذا في «الديوان». وسمية هي أم الحارث بن عبد المطلب، وأبوها موهب غلام لبني عبد مناف. وفي الأصول: «نثيلة» بالثاء المثلثة وهو تحريف. (انظر «شرح النووي» على «صحيح مسلم» ج 5 ص 200 طبق بلاق).
[3]. سمراء: هي أم أبي سفيان المهجوّ.
[4]. الهجين: من أبوه عربيّ وأمه ليست بعربية. ونيط في آل هاشم: نسب إليهم وليس منهم. يريد أنه ليس من خالصهم.
[5]. كذا في «المعارف» لابن قتيبة و «شرح القاموس» (مادة نتل)، وهي نتيلة بنت كليب بن مالك بن جناب أم العبّاس وضرار ابني عبد المطلب، وهي إحدى نساء بني النمر بن قاسط. وفي الأصول «نثيلة» بالثاء المثلثة وهو تصحيف.
[6]. يريد ضرار بن عبد المطلب.
استنشده النبيّ وجعل يصغي إليه:
أخبرنا أحمد قال حدّثنا عمر قال حدّثنا هوذة بن خليفة قال حدّثنا عوف بن محمد قال:
قال النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ليلة وهو في سفر: «أين حسّان بن ثابت»؟ فقال حسّان: لبّيك يا رسول اللّه وسعديك. قال:
«أحد»، فجعل ينشد ويصغي إليه النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ويستمع، فما زال يستمع إليه وهو سائق راحلته حتّى كان رأس الراحلة يمسّ الورك حتّى فرغ من نشيده. فقال النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «لهذا أشدّ عليهم من وقع النّبل».
انتهره عمر لإنشاده في مسجد الرسول فردّ عليه:
أخبرنا أحمد قال حدّثنا عمر قال حدّثنا أبو عاصم النبيل قال أخبرنا ابن جريج قال أخبرنا زياد بن أبي سهل قال حدّثني سعيد بن المسيّب:
أنّ عمر مرّ بحسّان بن ثابت وهو ينشد في مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فانتهره عمر؛ فقال حسّان: قد [1] أنشدت فيه من هو خير منك؛ فانطلق عمر.
/ أخبرنا أحمد قال حدّثنا أبو داود الطّيالسيّ قال حدّثنا إبراهيم بن سعد عن الزّهريّ عن سعيد بن المسيّب:
أنّ عمر مرّ على حسان وهو ينشد في مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فذكر مثله وزاد فيه: وعلمت أنّه يريد النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم.
أخبرنا أحمد قال حدّثنا/ عمر قال حدّثنا محمد بن حاتم قال حدّثنا شجاع بن الوليد عن الإفريقيّ عن مسلم بن يسار:
أنّ عمر مرّ بحسّان وهو ينشد الشعر في مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فأخذ بأذنه وقال: أرغاء كرغاء البعير! فقال حسّان: دعنا عنك يا عمر! فو اللّه لتعلم أنّي كنت أنشد في هذا المسجد من هو خير منك فلا يغيّر عليّ! فصدّقه عمر.
مدح الزبير بن العوام للومه قوما لم يحسنوا الاستماع له:
حدّثنا محمد بن جرير الطبريّ والحرميّ بن أبي العلاء وعبد العزيز بن أحمد عمّ أبي وجماعة غيرهم قالوا حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثنا أبو غزّيّة محمد بن موسى قال حدّثني عبد اللّه بن مصعب عن هشام بن عروة عن فاطمة بنت المنذر عن جدّتها أسماء بنت أبي بكر قالت:
مرّ الزّبير بن العوّام بمجلس من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وحسّان بن ثابت ينشدهم من شعره وهم غير نشاط لما يسمعون منه، فجلس معهم الزّبير فقال: ما لي أراكم غير آذنين لما تسمعون من شعر ابن الفريعة! فلقد كان يعرض لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فيحسن استماعه ويجزل عليه ثوابه، ولا يشتغل عنه بشيء. فقال حسّان:
أقام على عهد النبيّ وهديه ... حواريّه [2] والقول بالفعل يعدل
/ أقام على منهاجه وطريقه ... يوالي وليّ الحقّ والحقّ أعدل
هو الفارس المشهور والبطل الذي ... يصول إذا ما كان يوم محجّل
__________
[1]. رواية «صحيح مسلم» (ج 2 ص 259 طبع بلاق): «قد كنت أنشد فيه من هو خير منك».
[2]. حواريّ النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم الزبير بن العوّام، لقوله عليه الصلاة والسلام: «إن لكل نبي حواريا وإن حواريّ الزبير». وفي رواية: «الزبير ابن عمتي وحواريّ من أمتي» أي خاصتي من أصحابي وناصري.
إذا
كشفت عن ساقها الحرب حشّها [1] ... بأبيض سباق إلى الموت يرقل [2]
وإنّ امرأ كانت صفية أمّه ... ومن أسد في بيتها لمرفّل [3]
له من رسول اللّه قربى قريبة ... ومن نصرة الإسلام نصر مؤثّل
فكم كربة ذبّ الزّبير بسيفه ... عن المصطفى واللّه يعطي فيجزل
فما مثله فيهم ولا كان قبله ... وليس يكون الدّهر ما دام يذبل [4]
ثناؤك خير من فعال معاشر ... وفعلك يابن الهاشميّة أفضل
تقدم هو وكعب وابن رواحة لحماية أعراض المسلمين فاختاره النبيّ دونهما:
أخبرني أحمد بن عيسى العجليّ قال حدّثنا واصل بن عبد الأعلى قال حدّثنا ابن فضيل عن مجالد عن الشّعبيّ قال:
لما كان عام الأحزاب [5] وردّهم اللّه بغيظهم لم ينالوا خيرا، قال النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «من يحمي أعراض المسلمين»؟
فقال كعب: أنا يا رسول اللّه، وقال عبد اللّه بن رواحة: أنا يا رسول اللّه، وقال حسّان بن ثابت: أنا يا رسول اللّه؛ فقال: «نعم اهجهم أنت فإنّه سيعينك عليهم روح القدس».
سبه قوم في مجلس ابن عباس فدافع عنه:
أخبرني أحمد بن عبد [6] الرحمن قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثنا أبو داود قال حدّثنا حديج بن معاوية عن أبي إسحاق عن سعيد بن جبير قال:
/ كنّا عند ابن عبّاس فجاء حسّان، فقالوا: قد جاء اللّعين. فقال ابن عبّاس: ما هو بلعين؛ لقد نصر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بلسانه ويده.
حدّثنيه أحمد بن الجعد قال حدّثنا محمد بن بكّار قال حدّثنا حديج بن معاوية قال حدّثنا أبو إسحاق عن سعيد بن جبير قال:
جاء رجل إلى ابن عبّاس فقال: قد جاء اللعين حسّان من الشأم. فقال ابن عبّاس: ما هو بلعين؛ لقد جاهد مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بلسانه ونفسه.
__________
[1]. حش الحرب: أسعرها وهيجها.
[2]. الإرقال: ضرب من السير السريع؛ قال النابغة:
إذا استنزلوا للطعن عنهنّ أرقلوا ... إلى الموت إرقال الجمال المصاعب
[3]. المرفل: المعظم المسوّد.
[4]. يذبل: اسم جبل في بلاد نجد.
[5]. الأحزاب: قريش وغطفان وبنو قريظة تألبوا على حرب النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم.
[6]. كذا في جميع الأصول. والذي يروي عن عمر بن شبة كثيرا في كتاب «الأغاني» هو أحمد بن عبد العزيز الجوهري؛ فلعله هذا.
قدم وفد تميم على النبيّ مفتخرين فأمره النبيّ أن يجيب شاعرهم:
أخبرنا أحمد قال حدّثنا/ عمر قال حدّثنا عبد اللّه بن عمرو وشريح بن النّعمان قالا حدّثنا عبد الرحمن بن أبي الزّناد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت:
لمّا قدم وفد بني تميم وضع النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم لحسّان منبرا وأجلسه عليه، وقال: «إنّ اللّه ليؤيّد حسّان بروح القدس ما كافح [1] عن نبيّه» صلى اللّه عليه وسلّم. هكذا روى أبو زيد هذا الخبر مختصرا. وأتينا به على تمامه هاهنا؛ لأنّ ذلك حسن فيه:
أخبرنا به الحسن بن عليّ قال حدّثنا أحمد بن زهير قال حدّثنا الزّبير قال حدّثنا محمد بن الضحّاك عن أبيه قال:
قدم على النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وفد بني تميم وهم سبعون أو ثمانون رجلا، فيهم الأقرع بن حابس، والزّبرقان بن بدر، وعطارد بن حاجب، وقيس بن عاصم، وعمرو بن الأهتم، وانطلق معهم عيينة بن حصن، فقدموا المدينة، فدخلوا المسجد، فوقفوا عند الحجرات، فنادوا بصوت عال جاف: اخرج إلينا يا محمد؛ فقد جئنا لنفاخرك، وقد جئنا بشاعرنا وخطيبنا. فخرج إليهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم/ فجلس. فقام الأقرع بن حابس فقال: واللّه إنّ مدحي لزين، وإن ذمّي لشين. فقال النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «ذلك اللّه». فقالوا: إنّا أكرم العرب. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «أكرم منكم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليه السّلام». فقالوا: إيذن لشاعرنا وخطيبنا. فقام رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فجلس وجلس معه الناس، فقام عطارد بن حاجب فقال:
الحمد للّه الذي له الفضل علينا وهو أهله، الذي جعلنا ملوكا وجعلنا أعزّ أهل المشرق [2]، وآتانا أموالا عظاما نفعل فيها المعروف، ليس في الناس مثلنا؛ ألسنا برؤوس النّاس وذوي فضلهم! فمن فاخرنا فليعدد مثل ما عددنا، ولو نشاء لأكثرنا، ولكنّا نستحي من الإكثار فيما خوّلنا اللّه وأعطانا. أقول هذا، فأتوا بقول أفضل من قولنا، أو أمر أبين من أمرنا. ثم جلس.
فقام ثابت بن قيس بن شمّاس فقال: الحمد للّه الذي السموات والأرض خلقه، قضى فيهنّ أمره ووسع كرسيّه علمه [3]، ولم يقض شيئا إلّا من فضله وقدرته؛ فكان من قدرته أن اصطفى من خلقه لنا رسولا أكرمهم حسبا وأصدقهم حديثا وأحسنهم رأيا، فأنزل عليه كتابا، وأتمنه على خلقه، وكان خيرة اللّه من العالمين. ثم دعا [4] رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى الإيمان، فأجابه من قومه وذوي رحمه المهاجرون أكرم الناس أنسابا، وأصبح الناس وجوها، وأفضل الناس فعالا. ثم كان أوّل من اتّبع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من العرب واستجاب له نحن معشر الأنصار؛/ فنحن أنصار اللّه ووزراء رسوله، نقاتل الناس حتى يؤمنوا ويقولوا: لا إله إلّا اللّه. فمن آمن باللّه ورسوله منع منّا ماله ودمه، ومن كفر باللّه ورسوله جاهدناه في اللّه، وكان جهاده يسيرا. أقول قولي هذا، وأستغفر اللّه للمؤمنين والمؤمنات.
فقام الزّبرقان فقال:
__________
[1] في ح: «ما نافح» بالحاء المهملة، وهما بمعنى واحد.
[2] في الطبري (ص 1711 من القسم الأوّل طبع أوروبا): «و جعلنا أعز أهل المشرق وأكثره عددا وأيسره عدة ... إلخ».
[3] كذا في «سيرة ابن هشام» (ص 935 طبع أوروبا) والطبري. وفي الأصول: «و وسع كرسيه وعلمه» بواو العطف. وقد وردت هاتان الخطبتان في «السيرة» والطبري باختلاف يسير عما هنا.
[4] في «سيرة ابن هشام» والطبري: «ثم دعا الناس إلى ... إلخ».
نحن [1] الملوك فلا حيّ يقاربنا ... منّا الملوك وفينا يؤخذ الرّبع [2]
تلك المكارم حزناها مقارعة ... إذا الكرام على أمثالها اقترعوا
كم قد نشدنا من الأحياء كلّهم ... عند النّهاب وفضل العزّ يتّبع
/ وننحر الكوم [3] عبطا [4] في منازلنا ... للنازلين إذا ما استطعموا شبعوا
ونحن نطعم عند المحل ما أكلوا ... من العبيط إذا لم يظهر القزع [5]
وننصر الناس تأتينا سراتهم ... من كلّ أوب فتمضي ثم تتّبع
فأرسل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى حسّان بن ثابت فجاء، فأمره أن يجيبه.
فقال حسان:
إنّ الذوائب [6] من فهر وإخوتهم ... قد بيّنوا سنّة للنّاس تتّبع
/ يرضى بها كلّ من كانت سريرته ... تقوى الإله وبالأمر الذي شرعوا
قوم إذا حاربوا ضرّوا عدوّهم ... أو حاولوا النّفع في أشياعهم نفعوا
سجيّة تلك منهم غير محدثة ... إنّ الخلائق فاعلم شرّها البدع
لا يرقع [7] النّاس ما أوهت أكفّهم ... عند الدّفاع [8] ولا يوهون ما رقعوا
إن كان في الناس سبّاقون بعدهم ... فكلّ سبق لأدنى سبقهم تبع
أعفّة ذكرت في الوحي عفّتهم ... لا يطمعون ولا يزري بهم طمع [9]
__________
[1] ورد هذا الشعر في «ديوان» حسان و «سيرة ابن هشام» (ص 935 طبع أوربا) و «الطبري» (قسم 1 ص 1712 طبع أوروبا) باختلاف عما هنا.
[2] كان من عادة العرب في الجاهلية إذا غزا بعضهم بعضا وغنموا، أخذ الرئيس ربع الغنيمة خالصا دون أصحابه، وذلك الربع يسمى المرباع. ورواية البيت في «السيرة» و «الطبري»:
نحن الكرام فلا حيّ يعادلنا ... منا الملوك وفينا تنصب البيع
[3] الكوم: جمع أكوم وهو البعير الضخم السنام، والأنثى كوماء.
[4] عبط الذبيحة عبطا: نحرها من غير داء ولا كسر وهي سمينة فتية. ويقال للناقة: عبيطة، والجمع عبط (بضمتين) وقد تسكن عينه.
[5] ورد هذا البيت في «نهاية ابن الأثير» و «اللسان» (مادة سدف) هكذا:
ونطعم الناس عند القحط كلهم ... من السديف إذا لم يؤنس القزع
والسديف: شحم السنام. والقزع: السحاب، أي نطعم الشخم في المحل. وفي الأصول: «الفرع» بالفاء والراء، وهو تصحيف.
[6] ورد هذا الشعر أيضا في «السيرة» (ص 936 طبع أوربا) و «الطبري» (قسم 1 ص 1714 طبع أوروبا) و «الديوان» باختلاف يسير عما هنا.
[7] كذا في أ، ء، و «ديوانه» (ص 23 طبع أوروبا). وفي سائر الأصول: «يرفع» بالفاء.
[8] كذا في «ديوانه». وفي الأصول: «الرقاع».
[9] في «الديوان»:
لا يطبعون ولا يرديهم الطمع
ولا يضنّون عن جار بفضلهم ... ولا يمسّهم من مطمع طبع [1]
يسمون للحرب تبدو وهي كالحة ... إذا الزّعانف [2] من أظفارها خشعوا
لا يفرحون إذا نالوا عدوّهم ... وإن أصيبوا فلا خور ولا جزع
كأنّهم في الوغى والموت مكتنع [3] ... أسود بيشة [4] في أرساغها فدع [5]
خذ منهم ما أتى [6] عفوا وإن منعوا ... فلا يكن همّك الأمر الذي منعوا
فإنّ في حربهم - فاترك عداوتهم - ... سمّا يخاض [7] عليه الصّاب والسّلع
أكرم بقوم رسول اللّه قائدهم ... إذا تفرّقت الأهواء والشّيع
/ أهدى لهم مدحي قلب يؤازره ... فيما أراد لسان حائك صنع
فإنّهم [8] أفضل الأحياء كلّهم ... إن جدّ بالناس جدّ القول أو شمعوا [9]
فقام عطارد [10] بن حاجب فقال:
أتيناك كيما يعلم الناس فضلنا ... إذا اجتمعوا وقت احتضار المواسم
بأنّا فروع الناس في كلّ موطن ... وأن ليس في أرض الحجاز كدارم [11]
فقام حسّان بن ثابت فقال:
منعنا رسول اللّه من غضب له ... على أنف راض [12] من معدّ وراغم
__________
[1] ورد هذا البيت في أ، ء. وذكر محرّفا في م، وسقط في سائر النسخ.
[2] الزعانف: أرذال الناس.
[3] المكتنع: الداني القريب.
[4] بيشة: من عمل مكة مما يلي اليمن، على خمس مراحل من مكة، وفي وادي بيشة موضع مشجر كثير الأسد. وفي «السيرة»: «أسد بحلية ... ». وحلية: مأسدة بناحية اليمن.
[5] الفدع: اعوجاج في الرسغ.
[6] كذا في «ديوانه» والسيرة. وفي الأصول: « ... ما أتوا عفوا ... إلخ».
[7] يخاض: يخلط. والصاب والسلع: ضربان من الشجر مرّان.
[8] هذه رواية السيرة و «الديوان». وفي الأصول: «و إنهم» بالواو.
[9] كذا في «ديوانه» طبع أوروبا «و سيرة ابن هشام» والطبري. ومعناه: مزحوا، وهو أنسب للمقام، لمقابلته لقوله: «إن جدّ بالناس إلخ». قال أبو ذؤيب يصف حمرا:
فلبثن حينا يعتلجن بروضة ... فيجدّ حينا في العلاج ويشمع
وفي الأصول و «ديوانه» طبع مصر: «سمعوا» بالسين المهملة.
[10] الذي في «سيرة ابن هشام» (ص 937 طبع أوروبا) أن هذا الشعر من قول الزبرقان بن بدر.
[11] دارم: أبو حيّ من تميم.
[12] في الأصول: «على رغم أنف». ورواية «الديوان» و «سيرة ابن هشام»:
نصرنا وآوينا النبيّ محمدا ... على أنف راض من معد وراغم
ورواية الطبري:
منعنا رسول اللّه إذ حل وسطنا ... على كل باغ من معدّ وراغم
هل المجد إلّا السّؤدد العود [1] والنّدى ... وجاه الملوك واحتمال العظائم
إسلام وفد تميم وإكرام النبيّ لهم:
قال: فقال الأقرع بن حابس: واللّه إنّ هذا الرجل لمؤتّى [2] له! واللّه لشاعره أشعر من شاعرنا، ولخطيبه أخطب [من خطيبنا] [3]، ولأصواتهم أرفع من أصواتنا! أعطني يا محمد فأعطاه. فقال: زدني فزاده. فقال: اللّهمّ إنّه سيد/ العرب. فنزلت فيهم: (إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ)
ثم إنّ القوم أسلموا، وأقاموا عند النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يتعلّمون القرآن، ويتفقّهون في الدّين. ثم أرادوا الخروج إلى قومهم، فأعطاهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وكساهم، وقال: «أما بقي منكم أحد؟»، وكان عمرو بن الأهتم في ركابهم، فقال قيس/ بن عاصم، وهو من رهطه وكان مشاحنا له، لم يبق منّا أحد إلّا غلام حديث السنّ في ركابنا؛ فأعطاه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم مثل ما أعطاهم.
مناقضة عمرو بن الأهتم وقيس بن عاصم:
فبلغ عمرا ما قال قيس؛ فقال عمرو بن الأهتم لقيس:
ظللت مفترش الهلباء [4] تشتمني ... عند الرسول فلم تصدق ولم تصب
إن تبغضونا فإنّ الرّوم أصلكم ... والروم لا تملك البغضاء للعرب
فإنّ [5] سؤددنا عود وسؤددكم ... مؤخّر عند أصل العجب والذّنب
فقال له قيس:
لو لا دفاعي كنتم أعبدّا ... داركم الحيرة والسّيلحون [6]
شعر حسان الذي يقرر به إيمانه بالرسل:
أخبرنا أحمد بن عبد العزيز وحبيب بن نصر قالا حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثني عمر بن عليّ بن مقدّم عن يحيى بن سعيد عن أبي حيّان التّيميّ عن حبيب بن أبي ثابت، قال أبو زيد وحدّثنا محمد بن عبد اللّه بن الزّبير قال حدّثنا مسعر عن سعد بن إبراهيم، قالوا:
/ قال حسّان [7]: ثابت للنبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم:
__________
[1] العود: القديم.
[2] كذا في الطبري و «سيرة ابن هشام». ومؤتى له: مسهّل وميسر له. وفي الأصول: «لمؤثر له» تحريف.
[3] التكملة عن «سيرة ابن هشام» والطبري.
[4] الهلباء: الاست.
[5] رواية هذا البيت في «سيرة ابن هشام»:
سدناكم سؤددا رهوا وسؤددكم ... باد نواجذه مقع على الذنب
والعجب من كل دابة: ما انضم عليه الوركان من أصل الذنب المغروز في مؤخر العجز.
[6] السيلحون: موضع قرب الحيرة، وقيل: هو بين الكوفة والقادسية.
[7] نسب هذا الشعر في «اللسان» (مادة فلل) إلى عبد اللّه بن رواحة يصف العزّي، وهي شجرة كانت تعبد، وذكر بيتين من هذا الشعر نذكرهما لاختلافهما في بعض الألفاظ عما هنا، وهما:
شهدت ولم أكذب بأن محمدا ... رسول الذي فوق السموات من عل -
صوت
شهدت بإذن اللّه أنّ محمدا ... رسول الذي فوق السّموات من عل
وأنّ أخا [1] الأحقاف إذ يعذلونه ... يقوم بدين اللّه فيهم فيعدل
وأنّ أبا يحيى [2] ويحيى كلاهما ... له عمل في دينه متقبّل
وأنّ الذي عادى اليهود ابن مريم ... رسول أتى من عند ذي العرش مرسل
وأنّ الذي بالجزع [3] من بطن نخلة ... ومن دونها فلّ [4] من الخير معزل
- غنّى في هذه الأبيات معبد خفيف ثقيل أوّل بالبنصر من رواية يونس وغيره - فقال النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «أنا أشهد معك».
أنكرت عليه عائشة شعرا له في مدحها:
أخبرنا أحمد قال حدّثنا عمر قال حدّثنا زهير بن حرب قال حدّثني جرير عن الأعمش عن أبي الضّحى عن مسروق، وأخبرني بها أحمد بن عيسى العجليّ قال حدّثنا سفيان بن وكيع قال حدّثنا جرير عن الأعمش عن أبي الضّحى عن مسروق قال:
دخلت على عائشة وعندها حسّان وهو يرثي بنتا [5] له، وهو يقول:
رزان [6] حصان ما تزنّ بريبة ... وتصبح غرثى [7] من لحوم الغوافل
فقالت عائشة: لكن أنت لست كذلك. فقلت لها: أيدخل عليك هذا وقد قال اللّه عزّ وجلّ: (وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ)
! فقالت: أما تراه في عذاب عظيم قد ذهب بصره!
أخبر بوقعة صفين قبل وقوعها:
أخبرنا محمد بن خلف وكيع قال حدّثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي قال حدّثنا ابن أبي أويس قال حدّثني أبي
__________
-
وأن التي بالجزع من بطن نخلة ... ومن دانها فل من الخير معزل
ثم أعقبهما بالجملة التفسيرية الآتية: «أي خال من الخير. ويروى «و من دونها»، أي الصنم المنصوب حول العزي».
[1] هو هود عليه السّلام، وهو المشار إليه في قوله تعالى: (وَاذْكُرْ أَخا عادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ)
والأحقاف هنا: واد بين عمان وأرض مهرة، أو هو رمل فيما بين عمان وحضرموت، أو رمال مشرفة على البحر بالشحر من أرض اليمن.
[2] يعني بأبي يحيى زكريا عليه السّلام.
[3] الجزع: قرية عن يمين الطائف وأخرى عن شماله. ورواية «الديوان» في هذا البيت:
وأن التي بالسدّ من بطن نخلة ... ومن دانها فل من الخير معزل
[4] الفلّ: الذي لا خير عنده، كالأرض الفل وهي التي لا نبت فيها ولا خير. (انظر التعليقات التي على «ديوان حسان» المطبوع بأوروبا الذي أشرف على طبعه المستشرق الإنجليزي چيب). وبطن نخلة: موضع بين مكة والطائف.
[5] رجعنا إلى هذه القصيدة في «ديوانه» فلم نجد فيها شيئا من الرثاء، وكلها في مدح عائشة والاعتذار عما رماها به هو وغيره من الإفك. (راجع «ديوانه» صفحة 162 من هذا الجزء) وهي غير القصيدة التي ربى بها ابنته وإن كانت على قافيتها.
[6] رواية «الديوان»: «خصان رزان إلخ». وامرأة رزان إذا كانت ذات ثبات ووقار وعفاف وكانت رزينة في مجلسها. وامرأة حصان (بفتح الحاء): عفيفة بينة الحصانة.
[7] الغرثى: الجائعة، أي إنها تصبح جائعة من لحوم الناس. والمراد أنها لا تغتابهم.
ومالك بن الربيع بن مالك حدّثاني جميعا عن الرّبيع بن مالك بن أبي عامر عن أبيه أنه قال:
بينا نحن جلوس عند حسّان بن ثابت، وحسّان مضطجع مسند رجليه إلى فارع [1] قد رفعهما عليه، إذ قال:
مه! أما رأيتم ما مرّ بكم الساعة؟ قال مالك: قلنا: لا واللّه، وما هو؟ فقال حسّان: فاختة [2] مرّت الساعة بيني وبين فارع فصدمتني، أو قال: فزحمتني. قال: قلنا: وما هي؟ قال:
/ستأتيكم غدوا أحاديث جمّة ... فأصغوا لها آذانكم وتسمّعوا
قال مالك بن أبي عامر: فصبحنا من الغد حديث صفّين.
سمعه المغيرة بن شعبة ينشد شعرا فبعث إليه بمال:
أخبرنا وكيع قال حدّثنا اللّيث بن محمد عن الحنظليّ عن أبي عبدة عن العلاء بن جزء العنبري قال:
بينا حسّان بن ثابت بالخيف وهو مكفوف، إذ زفر زفرة ثم قال:
وكأنّ حافرها بكلّ خميلة [3] ... صاع يكيل به شحيح معدم
عاري الأشاجع [4] من ثقيف أصله ... عبد ويزعم أنّه من يقدم [5]
قال: والمغيرة بن شعبة جالس قريبا منه يسمع ما يقول، فبعث إليه بخمسة آلاف درهم. فقال: من بعث بهذا؟ قال [6]: المغيرة بن شعبة سمع ما قلت. قال: وا سوءتاه! وقبلها.
استجار الحارث بن عوف من شعره بالنبي:
أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثني الأصمعيّ قال:
جاء الحارث بن عوف بن أبي حارثة إلى النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: أجرني من شعر حسّان، فلو مزج البحر بشعره لمزجه. قال: وكان السبب في ذلك - فيما أخبرني به أحمد بن عبد العزيز عن عمر بن شبّة عن الأصمعيّ، وأخبرني به الحسن بن عليّ قال حدّثنا أحمد بن زهير قال حدّثنا الزّبير قال حدّثني عمّي مصعب - أنّ الحارث بن عوف أتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: ابعث معي/ من يدعو إلى دينك وأنا له جار. فأرسل معه رجلا من الأنصار. فغدرت بالحارث عشيرته فقتلوا الأنصاريّ، فقدم الحارث على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وكان عليه الصلاة والسلام لا يؤنّب أحدا في وجهه، فقال: «ادعوا لي حسّان»؛ فدعي له. فلمّا رأى الحارث أنشده:
يا حار من يغدر بذمّة جاره ... منكم فإنّ محمدا لم يغدر
__________
[1] فارع: اسم أطم، وهو حصن بالمدينة كان لحسان بن ثابت.
[2] الفاختة: واحدة الفواخت، وهي ذوات الأطواق من الحمام؛ قيل لها ذلك للونها لأنه يشبه الفخت الذي هو ضوء القمر.
[3] الخميلة: الأرض السهلة التي تنبت، شبه نبتها بخمل القطيفة.
[4] الأشاجع: أصول الأصابع التي تتصل بعصب ظاهر الكف، وقيل: هي عروق ظاهر الكف، واحدها: أشجع.
[5] يقدم: أبو قبيلة، وهو يقدم بن عنزة بن أسد بن ربيعة بن نزار. وهو يحتمل أن يكون بضم الميم، فيكون علما منقولا عن جملة، نحو:
نبئت أخوالي بني يزيد
وأن يكون بكسرها، وبفتحها على أنه ممنوع من الصرف، فيكون فيه إقواء.
[6] كذا في جميع الأصول. وكان الأولى أن يكون «قيل» أو «قالوا».
إن تغدروا فالغدر منكم شيمة ... والغدر ينبت في أصول السّخبر [1]
فقال الحارث: اكففه عنّي يا محمد، وأؤدّي إليك دية الحفارة [2]؛ فأدّى إلى النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم سبعين عشراء [3]، وكذلك دية الخفارة، وقال: يا محمد، أنا عائذ بك من شرّه، فلو مزج البحر بشعره مزجه.
أنشد شعرا بلغ النبي فآلمه فضربه ابن المعطل وعوّضه النبي:
أخبرنا أحمد بن عبد العزيز قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثني إبراهيم بن المنذر قال حدّثنا عبد اللّه بن وهب قال أخبرنا العطّاف بن خالد قال:
كان حسّان بن ثابت يجلس إلى أطمه فارع، ويجلس معه أصحاب له ويضع لهم بساطا يجلسون عليه؛ فقال يوما، وهو يرى كثرة من يأتي إلى النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم من العرب فيسلمون:
/أرى الجلابيب [4] قد عزّوا وقد كثروا ... وابن الفريعة أمسى بيضة [5] البلد
فبلغ ذلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال: «من لي بأصحاب البساط بفارع؟». فقال صفوان بن المعطّل: أنا لك يا رسول اللّه منهم؛ فخرج إليهم فاخترط سيفه، فلمّا راوه عرفوا الشرّ في وجهه ففرّوا وتبدّدوا، وأدرك حسّان داخلا بيته، فضربه وفلق أليته. قال: فبلغنا أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم عوّضه وأعطاه حائطا [6]، فباعه من معاوية بعد ذلك بمال كثير، فبناه معاوية قصرا، وهو الذي يقال له: «قصر الدّارين». وقد قيل: إنّ صفوان بن المعطّل إنما ضرب حسّان لما قاله فيه وفي عائشة زوج النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم من الإفك [7]؛ لأن صفوان/ هو الذي رمى أهل الإفك عائشة به.
__________
[1] السخبر: شجر إذا طال تدلت رؤوسه وانحنت، وقيل: هو شجر من شجر الثمام له قضب مجتمعة وجرثومة. وفي «اللسان» يقال:
ركب فلان السخبر إذا غدر، وذكر البيت.
[2] الخفارة (مثلثة الخاء): الذمام.
[3] العشراء من النوق: التي مضى على حملها عشرة أشهر، وقيل: ثمانية.
[4] كذا في أكثر الأصول، وهو الموافق لما في «الطبري» (ص 1526 من القسم الأوّل) و«اللسان» مادة «بيض» و«التنبيه»: (ص 76 طبع دار الكتب المصرية) و«الأضداد في اللغة» (ص 118 طبع بيروت). وقال البكري في «التنبيه»: «و كان المنافقون يسمون المهاجرين رضي اللّه عنهم الجلابيب». وفي «اللسان»: «أراد بالجلابيب سفلة الناس وغثراءهم». وفي س و«تاج العروس شرح القاموس» (ج 5 ص 12) و«الديوان»: «الخلابيس». وقال في «الشرح»: الخلابيس: الأخلاط من كل وجه». (انظر «ديوانه» المطبوع في ليدن سنة 1910 ص 91).
[5] العرب تقول للرجل: هو بيضة البلد، يمدحونه بذلك، وتقول للآخر: هو بيضة البلد، يذمونه بذلك. والممدوح يراد به البيضة التي يحضنها الظليم ويقيها؛ لأن فيها فرخه. والمذموم يراد به البيضة المنبوذة بالعراء المذرة التي لا حافظ لها ولا يدري لها أب وهي تريكة الظليم. قال الرمّاني: إذا كانت النسبة إلى مثل المدينة ومكة والبصرة فبيضة البلد مدح، وإذا نسب إلى البلاد التي أهلها أهل ضعة فبيضة البلد ذم.
[6] الحائط: البستان. وفي كتاب «التنبيه» للبكري: فأعطاه النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم عوضا: بيرحاء (و هي قصر بني جديلة اليوم بالمدينة)، وسيرين (أمة قبطية وهي أم عبد الرحمن بن حسان رضي اللّه عنهما). وسيذكر المؤلف هذه الرواية في ص 162 من هذا الجزء.
[7] يعني أبو الفرج بالإفك هنا الحديث الذي تخرّصه قوم على عائشة رضي اللّه عنها، وكان ذلك عقب غزوة غزاها النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم كان يستصحب فيها عائشة؛ فحدث أنه أمر بالرحيل، وكانت عائشة منطلقة لبعض شأنها، فأمر بهودجها فحمل على بعيره، وظن القوم أنها فيها ولم تكن هناك. فلما رجعت عائشة إلى الهودج ألفت النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه قد ارتحلوا؛ فمكثت مكانها حتى عثر بها صفوان بن المعطل؛ فرجعها إلى المدينة؛ فأرجف بها أناس ورموها بالإفك، وكان منهم حسان بن ثابت رضي اللّه عنه.
/ وأخبرنا محمد بن جرير قال حدّثنا محمد بن حميد قال حدّثنا سلمة عن محمد بن إسحاق عن يعقوب بن عتبة قال:
اعترض صفوان بن المعطّل حسّان بن ثابت بالسّيف لما قذفه به من الإفك حين بلغه ما قاله. وقد كان حسّان قال شعرا يعرّض بابن المعطّل وبمن أسلم من العرب من مضر فقال:
أمسى الجلابيب قد عزّوا وقد كثروا ... وابن الفريعة أمسى بيضة البلد
قد ثكلت أمّه من كنت صاحبه ... أو كان منتشبا في برثن الأسد
ما للقتيل الذي أعدو فآخذه ... من دية فيه أعطيها ولا قود [1]
ما البحر حين تهبّ الرّيح شامية [2] ... فيغطئلّ [3] ويرمي العبر بالزّبد
يوما بأغلب منّي حين تبصرني ... بالسيف أفري كفري العارض [4] البرد
فاعترضه صفوان بن المعطّل بالسيف فضربه وقال:
تلقّ ذباب السّيف عنّي فإنّني ... غلام إذا هو جيت لست بشاعر
قبض ثابت بن قيس على ابن المعطل لضربه له، ثم انتهى الأمر إلى النبي فاسترضاه:
وحدّثنا محمد بن جرير قال حدّثنا [ابن] حميد قال حدّثنا سلمة عن محمد بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التّيميّ:
أنّ ثابت بن قيس بن الشّمّاس أخا بلحارث بن الخزرج وثب على صفوان بن المعطّل في ضربه حسّان فجمع يديه على عنقه، فانطلق به إلى دار بني الحارث بن الخزرج، فلقيه عبد اللّه بن رواحة فقال: ما هذا؟ فقال: ألا أعجّبك [5]! ضرب/ حسّان بالسيف! واللّه ما أراه إلّا قد قتله. فقال له عبد اللّه بن رواحة: هل علم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بشيء من هذا؟ قال: لا واللّه. قال: لقد اجترأت! أطلق الرجل، فأطلقه. ثم أتوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فذكر ذلك له، فدعا حسّان وصفوان بن المعطّل؛ فقال ابن المعطّل: يا رسول اللّه، آذاني وهجاني فضربته. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لحسّان:
«يا حسّان أتعيب على قومي أن هداهم اللّه عزّ وجلّ للإسلام!»، ثم قال: «أحسن يا حسّان في الذي أصابك». قال:
هي لك يا رسول اللّه.
إيراد ما تقدم برواية أخرى مفصلة:
أخبرنا أحمد بن عبد العزيز قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثني المدائنيّ قال حدّثنا إسماعيل بن إبراهيم قال حدّثنا محمد بن إسحاق عن أبيه عن إسحاق بن يسار [6] عن بعض رجال بني النجّار بمثل ذلك، وزاد في الشعر الذي قاله
__________
[1] القود: القصاص.
[2] في «ديوانه» ص 62: «شاملة».
[3] كذا في «ديوانه». واغطال الشي ء: ركب بعضه بعضا. وفي ح: «فيغضئل» بالغين والضاد المعجمتين. وفي سائر الأصول:
«فيعضئل» بالعين المهملة والضاد المعجمة، وكلاهما تحريف. والعبر: جانب النهر. وعبر الوادي: شاطئه وناحيته.
[4] العارض: السحاب المعترض في الأفق. وسحاب برد (بكسر الراء): فيه قرّ وبرد.
[5] يقال: عجبه بالشيء، إذا تبهه على التعجب منه.
[6] كذا في م وهو الموافق لما في «الطبري» (قسم أول ص 1525 طبع أوروبا) وهو الصواب؛ لأنه يعني محمد بن إسحاق بن يسار -
حسان زيادة، ووافقه عليها مصعب الزّبيريّ، فيما أخبرنا به الحسن بن عليّ، قال قال حدّثنا أحمد بن زهير قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثني عمي مصعب في القصّة، فذكر أنّ فتية من المهاجرين والأنصار تنازعوا على الماء وهم يسقون خيولهم، فغضب من ذلك حسّان فقال هذا الشعر.
وذكر الزّهري، فيما أخبرنا أحمد بن يحيى بن الجعد، قال حدّثنا محمد بن إسحاق المسيّبي قال حدّثنا محمد بن فليح عن موسى بن عقبة عن ابن شهاب الزّهريّ أنّ هذا الخبر كان بعد غزوة النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بني المصطلق [1].
قال:
/ وكان في أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم رجل يقال له: سنان [2]، ورجل من بني غفار يقال له: جهجاه [3]؛ فخرج جهجاه بفرس لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وفرس له يومئذ يسقيهما، فأوردهما الماء، فوجد على الماء فتية من الأنصار،/ فتنازعوا فاقتتلوا؛ فقال عبد اللّه بن أبيّ ابن سلول: هذا ما جزونا به، آويناهم ثم هم يقاتلوننا! وبلغ حسّان بن ثابت الذي بين جهجاه وبين الفتية الأنصار، فقال وهو يريد المهاجرين من القبائل الذين قدموا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في الإسلام - وهذا الشعر من رواية مصعب دون الزّهريّ - :
أمسى الجلابيب [4] قد عزّوا وقد كثروا ... وابن الفريعة أمسى بيضة البلد
يمشون بالقول سرّا في مهادنة ... تهدّدا لي كأنّي لست من أحد
قد ثكلت أمّه من كنت صاحبه ... أو كان منتشبا في برثن الأسد
ما للقتيل الذي أسمو فأقتله ... من دية فيه أعطيها ولا قود
ما البحر حين تهبّ الريح شامية ... فيغطئلّ ويرمي العبر بالزّبد
يوما بأغلب منّي حين تبصرني ... أفري من الغيظ فري العارض البرد
أمّا قريش فإنّي لست تاركهم ... حتى ينيبوا من الغيّات بالرّشد
/ ويتركوا اللّات والعزّى بمعزلة ... ويسجدوا كلّهم للواحد الصّمد
ويشهدوا أنّ ما قال الرسول لهم ... حقّ ويوفوا بعهد اللّه في سدد [5]
__________
- صاحب «السيرة». وقد اضطربت بقية الأصول في هذا السند؛ ففي س: «محمد بن إسحاق عن أبيه إسحاق عن ابن يسار». وفي غيرها: «محمد بن إسحاق عن أبيه إسحاق عن يسار» وكلاهما تحريف.
[1] بنو المصطلق: بطن من خزاعة. والمصطلق: لقب جذيمة بن سعد بن عمرو بن ربيعة؛ وسمى بالمصطلق لحسن صوته، وهو أوّل من غنى من خزاعة.
[2] كذا في «سيرة ابن هشام» (ص 726 طبع أوروبا) و «الطبري» (ص 1511 من القسم الأول طبع أوروبا). وفي الأصول: «جعان».
وقد ساق ابن هشام والطبري هذه القصة هكذا: «فازدحم جهجاه وسنان بن وبر الجهني حليف بني عوف بن الخزرج على الماء فاقتتلا، فصرخ الجهني: يا معشر الأنصار، وصرخ جهجاه: يا معشر المهاجرين؛ فغضب عبد اللّه بن أبيّ إلخ».
[3] هو جهجاه بن سعيد الغفاري، كما في الطبري «و المعارف» لابن قتيبة (ص 165). وفي «سيرة ابن هشام» (ص 726 طبع أوروبا):
«جهجاه بن مسعود». وفي «أسد الغابة»: «هو جهجاه بن قيس وقيل ابن سعيد بن سعد بن حرام بن غفار الغفاري من أهل المدينة».
[4] انظر الحاشية رقم 1 ص 156 من هذا الجزء. وانظر هذا الشعر في «الديوان» و «سيرة ابن هشام» (ص 738 وفيما تقدم من هذا الجزء (ص 157) تجده مختلفا عما هنا في بعض ألفاظه.
[5] السدد: القصد.
أبلغ بنيّ بأنّي قد تركت لهم ... من خير ما ترك الآباء للولد
الدّار واسطة والنخل شارعة ... والبيض يرفلن في القسّيّ [1] كالبرد
قال: فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «يا حسان نفست [2] عليّ إسلام قومي» وأغضبه كلامه. فغدا صفوان بن المعطّل السّلميّ على حسّان فضربه بالسيف. وقال صفوان:
تلقّ ذباب السّيف عنّي فإنني ... غلام إذا هو جيت لست بشاعر
فوثب قومه على صفوان فحبسوه، ثم جاؤوا سعد بن عبادة بن دليم بن حارثة بن أبي حزيمة [3] بن ثعلبة بن طريف [4] بن الخزرج بن ساعدة بن كعب بن الخزرج بن حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر، وهو مقبل على ناضحه بين القربتين، فذكروا له ما فعل حسّان وما فعلوا؛ فقال: أشاورتم في ذلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم؟ قالوا لا. فقعد إلى الأرض. وقال: وانقطاع ظهراه! أتأخذون بأيديكم ورسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بين ظهرانيكم! ودعا بصفوان فأتي به، فكساه وخلّاه. فجاء إلى النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم؛ فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «من كساك كساه اللّه». وقال حسّان لأصحابه: احملوني إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم/ أترضّاه ففعلوا؛ فأعرض عنه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فردّوه. ثم سألهم فحملوه إليه الثانية؛ فأعرض عنه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فانصرفوا به. ثم قال لهم: عودوا بي إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم؛ فقالوا له: قد جئنا بك مرّتين كلّ ذلك يعرض فلا نبرمه [5] بك. فقال: احملوني إليه هذه المرّة وحدها، ففعلوا. فقال: يا رسول اللّه، بأبي أنت وأمّي! احفظ قولي:
هجوت محمدا فأجبت عنه ... وعند اللّه في ذاك الجزاء
فإنّ أبى ووالده وعرضي ... لعرض محمد منكم وقاء
/ فرضي عنه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ووهب له سيرين [6] أخت مارية أمّ ولد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إبراهيم. هذه رواية مصعب [7]. وأمّا الزّهريّ فإنّه ذكر أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لمّا بلغه ضرب السّلميّ حسّان قال لهم: «خذوه فإن هلك حسّان فاقتلوه». فأخذوه فأسروه وأوثقوه؛ فبلغ ذلك سعد بن عبادة، فخرج في قومه إليهم فقال: أرسلوا الرجل، فأبوا عليه؛ فقال: أعمدتم إلى قوم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم تؤذونهم وتشتمونهم وقد زعمتم أنّكم نصرتموهم! أرسلوا الرجل؛ فأبوا عليه حتى كاد يكون قتال، ثم أرسلوه. فخرج به سعد إلى أهله فكساه حلّة، ثم أرسله سعد إلى أهله. فبلغنا أنّ
__________
[1] القسي: ثياب من كتان مخلوط بحرير يؤتى بها من مصر؛ نسبت إلى قرية على ساحل البحر قريبا من تنّيس يقال لها القس (بفتح القاف وكسرها).
[2] نفس عليه الشي ء: حسده عليه ولم يره أهلا له.
[3] كذا في ح، وهو الموافق لما في «القاموس» (مادة حزم) و «طبقات ابن سعد» (ج 5 قسم 2 ص 115). وفي سائر الأصول:
«خزيمة» بالخاء المعجمة، وهو تصحيف.
[4] كذا في «الطبقات». وفي الأصول: «ظريف» بالظاء المعجمة.
[5] أبرمه هنا: أضجره وأمله.
[6] كذا في الأصول و «سيرة ابن هشام» (ص 739 طبع أوروبا) و «الطبري» (ص 1528، 1591، 1781 قسم أوّل) و «الإصابة» لابن حجر العسقلاني (ج 8 ص 118) و «التنبيه» للبكري (ص 76 طبع دار الكتب المصرية)، وضبطها الزرقاني أيضا في «شرحه على المواهب» (ج 3 ص 325 طبع بولاق) بقوله: «سيرين بكسر السين المهملة وسكون المثناة التحتية وكسر الراء». وفي «تاريخ ابن الأثير» (ج 2 ص 152) و «معجم البلدان» لياقوت (ج 1 ص 784): «شيرين بالشين المعجمة.
[7] في الأصول: «أبي مصعب» وهو تحريف.
النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم دخل المسجد ليصلّي فيه، فقال: «من كساك كساه اللّه من ثياب الجنّة». فقال: كساني سعد بن عبادة.
وذكر باقي الخبر نحوه.
شعره في مدح عائشة والاعتذار عما رماها به:
وحدّثني محمد بن جرير الطبريّ قال حدّثني ابن حميد قال حدّثنا سلمة عن ابن إسحاق عن محمد بن إبراهيم بن الحارث:
أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أعطاه عوضا منها بيرحاء [1]، وهي قصر بني حديلة [2] اليوم بالمدينة، كانت مالا لأبي طلحة [3] بن سهل تصدّق بها إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فأعطاه حسّان في ضربته، وأعطاه سيرين (أمة قبطيّة) فولدت له عبد الرحمن بن حسّان. قال: وكانت عائشة تقول: لقد سئل عن صفوان بن المعطّل، فإذا هو حصور (لا يأتي النساء)؛ قتل بعد ذلك شهيدا. قال ابن إسحاق في روايته عن يعقوب بن عتبة: فقال حسّان يعتذر من الذي قال في عائشة:
حصان رزان ما تزنّ بريبة ... وتصبح غرثى من لحوم الغوافل
فإن كنت قد قلت الذي قد زعمتم ... فلا رفعت سوطي إليّ أناملي
وكيف وودّي من قديم ونصرتي ... لآل رسول اللّه زين المحافل
فإنّ الّذي قد قيل ليس بلائط [4] ... ولكنّه [5] قول امرىء بي ما حل [6]
هجاه رجل بما فعل به ابن المعطل:
قال الزبير وحدّثني محمد بن الضحّاك: أنّ رجلا هجا حسّان بن ثابت بما فعل به ابن المعطّل فقال:
وإنّ ابن المعطّل من سليم ... أذلّ قياد رأسك بالخطام [7]
__________
[1] في «النهاية» لابن الأثير (مادة برح): «هذه اللفظة كثيرا ما تختلف ألفاظ المحدّثين فيها، فيقولون: بيرحاء بفتح الباء وكسرها وبفتح الراء وضمها والمدّ فيهما وبفتحهما والقصر، وهي اسم مال وموضع بالمدينة».
[2] كذا في «اللسان» (مادة حدل) و «معجم البلدان» لياقوت (ج 1 ص 784 طبع أوروبا)، و «تاريخ ابن الأثير» ج 2 ص 152 طبع أوروبا) و «سيرة ابن هشام» (ص 739 طبع أوروبا). وقد جاء في «اللسان»: «حديلة بضم الحاء وفتح الدال، هي محلة بالمدينة نسبت إلى بني حديلة بطن من الأنصار». وفي الأصول وكتاب «التنبيه» للبكري (ص 76): «جديلة» بالجيم المعجمة، وهو تصحيف.
[3] كذا في «اللسان» (مادة برح) و «معجم البلدان» (ج 1 ص 784 طبع أوروبا) و «سيرة ابن هشام». وفي الأصول: «لطلحة» بدون «أبي» وهو تحريف.
[4] كتب في ح بين السطور بخط رفيع فوق هذه الكلمة تفسيرا لها: «لائق». وفي «اللسان» (مادة ليط): « ... أبو زيد: يقال: ما يليط به النعيم ولا يليق به، معناه واحد».
[5] رواية «الديوان»:
بك الدهر بل سعى امرىء بك عاجل
[6] محل به إلى السلطان محلا ومحالا: كاده بسعاية إليه.
[7] الخطام: الحبل الذي يقاد به البعير.
سبه أناس فدافعت عنه عائشة:
أخبرنا أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ قال حدّثنا عمر بن شبّة قال أخبرنا أبو عاصم قال أخبرنا ابن جريج قال أخبرني محمد بن السائب عن أمّه: أنّها طافت مع عائشة ومعها أمّ حكيم وعاتكة: (امرأتان من بني مخزوم). قالت:
فابتدرنا حسّان نشتمه وهو يطوف؛ فقالت: أبن الفريعة تسببن! قلن: قد قال فيك فبرّأك اللّه. قالت: فأين قوله:
هجوت محمدا فأجبت عنه ... وعند اللّه في ذاك الجزاء
فإنّ أبي ووالده وعرضي ... لعرض محمد منكم وقاء
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا أحمد بن زهير قال حدّثني إبراهيم بن المنذر عن سفيان بن عيينة عن محمد بن السائب بن بركة عن أمّه بنحو ذلك، وزاد فيه: إني لأرجو أن يدخله اللّه الجنّة بقوله.
أخبرني الحسن قال حدّثنا الزّبير عن عبد العزيز بن عمران عن سفيان بن عيينة وسلّم بن خالد عن يوسف بن ماهك عن أمّه قالت:
كنت أطوف مع عائشة/ بالبيت، فذكرت حسّان فسببته؛ فقالت: بئس ما قلت! أتسبّينه وهو الذي يقول:
فإنّ أبي ووالده وعرضي ... لعرض محمد منكم وقاء
/ فقلت: أليس ممن لعن اللّه في الدنيا والآخرة بما قال فيك؟ قالت: لم يقل شيئا، ولكنه الذي يقول:
حصان رزان ما تزنّ بريبة ... وتصبح غرثى من لحوم الغوافل
فإن كان ما قد جاء عنّي قلته ... فلا رفعت سوطي إليّ أناملي
أخبرني الحسن قال حدّثنا الزّبير قال حدّثني مصعب عمّي قال حدّثني بعض أصحابنا عن هشام بن عروة عن أبيه قال:
كنت قاعدا عند عائشة، فمرّ بجنازة حسّان بن ثابت فنلت منه؛ فقالت: مهلا! فقلت: أليس الذي يقول! قالت: فكيف يقوله:
فإنّ أبي ووالده وعرضي ... لعرض محمد منكم وقاء
أخبره بلسانه:
أخبرني الحسن قال حدّثنا أحمد قال حدّثني أحمد بن سلمان عن سليمان بن حرب قال حدّثنا حمّاد بن زيد عن أيّوب [1] عن محمد بن سيرين:
أنّ حسّان أخذ يوما بطرف لسانه وقال: يا رسول اللّه، ما يسرّني أنّ لي به مقولا [2] بين صنعاء وبصرى [3]، ثم قال:
__________
[1] يريد أيوب بن أبي تميمة السختياني، كما في «الخلاصة» للخزرجي.
[2] كذا في ب، ح. والمغول: سيف دقيق له حد ماض. وفي «الديوان» (ص 2): «لساني صارم ... إلخ». وفي سائر الأصول:
«لساني مقول».
[3] بصرى. اسم لموضعين: بصرى الشام من أعمال دمشق وهي قصبة كورة حوران، وبصرى بغداد وهي إحدى قراها قرب عكبراء.
لساني مغول لا عيب فيه ... وبحري ما تكدّره الدّلاء
عن مناصرة أمية بنت عبد مناف يوم الخندق:
أخبرنا محمد بن جرير قال حدّثنا محمد بن حميد قال حدّثنا سلمة قال حدّثني محمد بن إسحاق عن يحيى بن عبّاد بن عبد اللّه بن الزّبير عن أبيه قال:
/ كانت صفيّة بنت عبد المطّلب في فارع (حصن حسّان بن ثابت)، يعني يوم الخندق. قالت: وكان حسّان معنا فيه والنساء والصّبيان. قالت: فمرّ بنا رجل من يهود فجعل يطيف بالحصن، وقد حاربت بنو قريظة وقطعت ما بينها وبين رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، ليس بيننا وبينهم أحد يدفع عنّا، ورسول اللّه والمسلمون في نحور عدوّهم لا يستطيعون أن ينصرفوا إلينا عنهم، إذ أتانا آت. قالت: فقلت: يا حسّان، إنّ هذا اليهوديّ كما ترى يطيف بالحصن، وإنّي واللّه ما آمنه أن يدلّ على عوراتنا من وراءنا من يهود، وقد شغل عنّا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه، فانزل إليه فاقتله؛ فقال: يغفر اللّه لك يا ابنة عبد المطّلب! لقد عرفت ما أنا بصاحب هذا. قالت: فلمّا قال ذلك ولم أر عنده شيئا احتجزت [1] ثم أخذت عمودا ثم نزلت إليه من الحصن فضربته بالعمود حتى قتلته، فلمّا فرغت منه رجعت إلى الحصن، فقلت:
يا حسّان، انزل إليه فاسلبه؛ فإنّه لم يمنعني من سلبه إلّا أنّه رجل. قال: ما لي بسلبه من حاجة يا بنت عبد المطّلب.
حديث ابن الزبير عن يوم الخندق وفي حديثه ما يبين جبن حسان:
وأخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا أحمد بن زهير قال حدّثنا الزّبير قال حدّثنا عليّ بن صالح عن جدّي عبد اللّه بن مصعب عن أبيه قال:
كان ابن الزّبير يحدّث أنه كان في فارع (أطم حسّان بن ثابت) مع النساء يوم الخندق ومعهم عمر بن أبي سلمة. قال ابن الزّبير: ومعنا حسّان بن ثابت ضاربا وتدا في آخر الأطم، فإذا حمل أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على المشركين حمل على الوتد فضربه بالسيف؛ وإذا أقبل المشركون انحاز عن الوتد حتّى كأنه يقاتل قرنا، يتشبّه بهم كأنّه يري أنّه مجاهد حين جبن. وإنّي لأظلم ابن أبي سلمة/ وهو أكبر منّي بسنتين فأقول له: تحملني على عنقك حتّى أنظر، فإنّي أحملك إذا نزلت. قال: فإذا حملني ثم سألني أن يركب قلت له: هذه المرّة أيضا. قال: وإنّي لأنظر إلى أبي معلما بصفرة، فأخبرتها أبى بعد؛ فقال: [أين كنت [2] حينئذ؟ فقلت: على عنق ابن أبي سلمة يحملني.
فقال]: أما والّذي نفسي بيده إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ليجمع لي أبويه [3].
قال ابن الزّبير: وجاء يهوديّ يرتقي إلى الحصن. فقالت صفيّة له: أعطني السيف، فأعطاها. فلمّا ارتقى اليهوديّ ضربته حتّى قتلته، ثم احتزّت [4] رأسه فأعطته حسّان وقالت: طوّح به؛ فإنّ الرجل أقوى وأشدّ رمية من المرأة. تريد أن ترعب به أصحابه.
__________
[1] يقال: احتجز بردائه، إذا شدّه على وسطه.
[2] هذه العبارة موجودة في س وساقطة من سائر الأصول.
[3] يعني أن النبي صلوات اللّه عليه كان يقول له: فداك أبي وأمي.
[4] كذا في أكثر الأصول. وفي ب، س: «اجتزت» بالجيم المعجمة. وما اخترناه أصوب في هذا المقام؛ لأن الحز قطع العنق ونحوه، والجز للشعر والحشيش ونحوهما.
كان حسان مقطوع الأكحل:
قال الزّبير: وحدّثني عمّي عن الواقديّ قال: كان أكحل [1] حسّان قد قطع فلم يكن يضرب بيده.
أنشد النبي شعرا في شجاعته فضحك:
قال الزّبير وحدّثني عليّ بن صالح عن جدّي أنّه سمع أن حسّان بن ثابت أنشد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم:
لقد غدوت أمام القوم منتطقا ... بصارم مثل لون الملح قطّاع
يحفز [2] عنّي نجاد السيف سابغة [3] ... فضفاضة [4] مثل لون النّهي بالقاع
/ قال: فضحك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم؛ فظنّ حسّان أنه ضحك من صفته نفسه مع جبنه.
قال النابغة: إنه شاعر والخنساء بكاءة:
قال الزّبير وحدّثني محمد بن الحسن قال:
قال حسّان بن ثابت: جئت نابغة بني ذبيان، فوجدت الخنساء بنت عمرو حين قامت من عنده، فأنشدته؛ فقال: إنّك لشاعر، وإنّ أخت بني سليم لبكّاءة.
سمعه الحطيئة ينشد فسأله وهو لا يعرفه فأجابه الحطيئة بما لم يرضه:
قال الزّبير وحدّثني يحيى بن محمد بن طلحة بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصّدّيق قال أخبرني غير واحد من مشايخي [5] أنّ الحطيئة وقف على حسّان بن ثابت وحسّان ينشد من شعره؛ فقال له حسّان وهو لا يعرفه: كيف تسمع هذا الشعر يا أعرابيّ؟ قال الحطيئة: لا أرى به بأسا. فغضب حسّان وقال: اسمعوا إلى كلام هذا الأعرابيّ! ما كنيتك؟
قال: أبو مليكة. قال: ما كنت قطّ أهون عليّ منك حين كنّيت بامرأة، فما اسمك؟ قال: الحطيئة فقال حسّان:
امض بسلام.
اتهمه أعشى بكر عند خمار بالبخل فاشترى كل الخمر وأراقها:
أخبرني محمد بن العباس اليزيديّ قال حدّثني محمد بن الحسن بن مسعود الزّرقيّ [6] قال حدّثنا عبد اللّه بن
__________
[1] الأكحل: عرق في وسط الذراع؛ قال ابن سيده: يقال له عرق النسا في الفخذ، وفي الظهر الأبهر، ويسمى: عرق الحياة ونهر البدن.
[2] يحفز: يدفع.
[3] يقال: درع سابغة، إذا كانت طويلة تامة.
[4] فضفاضة: واسعة. والنهي: الغدير. وفي «الديوان» (ص 66 طبع أوروبا) ورد هذا الشطر هكذا:
تغشى الأنامل مثل النهي بالقاع
وفسره في (ص 95) بقوله: «شبه الدرع في بياضها واطرادها بالغدير».
[5] في الأصول: «من مشايخه».
[6] الزرقيّ: نسبة إلى بني زريق، بطن من الأنصار، وهم بنو زريق بن عبد حارثة بن مالك بن غضب بن جشم الخزرجي. (راجع «أنساب السمعاني»).
شبيب قال حدّثني الزّبير، وأخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا أحمد بن زهير قال حدّثني الزّبير قال حدّثني بعض القرشيين قال:
دخل حسّان بن ثابت في الجاهليّة بيت خمّار بالشّأم ومعه أعشى بكر بن وائل، فاشتريا خمرا وشربا، فنام حسّان ثم انتبه، فسمع الأعشى يقول للخمّار: كره الشيخ/ الغرم. فتركه حسّان حتّى نام، ثم اشترى خمر الخمّار كلّها. ثم سكبها في البيت حتّى سالت تحت الأعشى؛ فعلم أنّه سمع كلامه فاعتذر إليه؛ فقال حسّان:
ولسنا بشرب فوقهم ظلّ بردة ... يعدّون للخمّار تيسا ومفصدا [1]
ولكنّنا شرب كرام إذا انتشوا ... أهانوا الصّريح [2] والسّديف المسرهدا
كأنّهم ماتوا زمان [3] حليمة ... فإن تأتهم تحمد ندامتهم [4] غدا
وإن جئتهم ألفيت حول بيوتهم ... من المسك والجادي [5] فتيتا مبدّدا
ترى حول أثناء الزّرابيّ [6] ساقطا ... نعالا وقسّوبا [7] وريطا [8] منضّدا
/ وذا نمرق [9] يسعى وملصق خدّه ... بديباجة تكفافها قد تقدّدا
__________
[1] كذا في أكثر من خمس نسخ مختلفة من «ديوانه». والمفصد: آلة الفصد. يريد أنهم ملوك لا يفصدون التيس ويأكلون دمه. وفي الأصول: «و مقصدا» بالقاف وهو تصحيف. وفي أكثر نسخ «الديوان»: «للحانوت» بدل «للخمار».
[2] رواية «الديوان»:
ملوك وأبناء الملوك إذا انتشوا ... أهانوا الصبوح والسديف المسرهدا
والصريح: اللبن ذهبت رغوته. والسديف: لحم السنام، وقيل شحمه. والمسرهد: السمين من الأسنمة.
[3] في «ديوانه»:
وتحسبهم ماتوا زمين حليمة
يقول: تراهم من سكرهم كأنهم موتى. وزمان حليمة، يشير به إلى أحد أيام العرب المعروفة، وهو يوم التقى المنذر الأكبر والحارث الأكبر الغساني. والعرب تضرب به المثل في كل أمر متعالم مشهور، وللشريف النابه الذكر، فتقول: «ما يوم حليمة بسر». وحليمة هذه هي بنت الحارث بن أبي شمر. وسبب إضافة اليوم إليها أنها أخرجت طيبا في مركن فطيبت به جيش أبيها الذي وجّه به إلى المنذر. قال النابغة يصف سيوفا:
توروثن من أزمان يوم حليمة ... إلى اليوم قد جرّبن كل التجارب
(انظر: «لسان العرب» مادة حلم و «نهاية الأرب» ج 3 ص 51 طبع دار الكتب المصرية).
[4] ندامتهم: منادمتهم ومجالستهم.
[5] الجاديّ: الزعفران.
[6] الزرابي: الطنافس. وفي «الصحاح»: النمارق، الواحد من كل ذلك زربية (بفتح الزاي وسكون الراء). وقد ورد هذا البيت وفي «اللسان» مادّة قسب وبعض نسخ «الديوان» هكذا:
ترى فوق أذناب الروابي سواقطا ... نعالا وقسوبا وريطا معضدا
[7] كذا في «ديوانه» و «لسان العرب». والقسوب: خفاف لا واحد له. وفي الأصول: «قسيا».
[8] الريط: جمع ريطة، وهي الملاءة إذا كانت قطعة واحدة ولم تكن لفقين، أو هي كل ثوب لين رقيق.
[9] النمرق والنمرقة: وسادة صغيرة يتكأ عليها، وما يفترشه الراكب فوق الرحل، وهو المراد هنا. وفي بعض نسخ «الديوان»:
وذو نطف يسعى ملصق خده
والنطف: القرط. والتكفاف، لعله يريد به الخياطة الثانية بعد الأولى التي هي الشل. وتقدد: تقطع وبلي.
تعييره الحارث بن هشام بفراره عن أخيه وردّ الحارث عليه:
وهذه القصيدة يقولها حسّان بن ثابت في وقعة بدر يفخر بها ويعيّر الحارث بن هشام بفراره عن أخيه أبي جهل بن هشام. وفيها يقول:
صوت
إن كنت كاذبة الذي حدّثتني ... فنجوت منجى الحارث بن هشام
ترك الأحبّة أن يقاتل دونهم ... ونجا برأس طمرّة [1] ولجام
- غنّاه يحيى المكيّ خفيف ثقيل أوّل بالوسطى. ولعزّة الميلاء فيه خفيف رمل بالبنصر. وفيه خفيف ثقيل بالبنصر لموسى بن خارجة الكوفيّ - فأجاب الحارث بن هشام، وهو مشرك يومئذ، فقال:
صوت
اللّه [2] يعلم ما تركت قتالهم ... حتّى رموا فرسي بأشقر [3] مزبد
وعلمت أنّي إن أقاتل واحدا ... أقتل ولا يضرر عدوّي مشهدي
ففررت منهم والأحبّة فيهم ... طمعا لهم بعقاب يوم مرصد
غنّى فيه إبراهيم الموصليّ خفيف ثقيل أوّل بالبنصر، وقيل: بل هو لفليح.
تمثل رتبيل بشعر حسان فأنشده الأشعث ردّ الحارث فأعجب به:
أخبرنا محمد بن خلف وكيع قال حدّثني سليمان بن أيّوب قال حدّثنا محمد بن سلّام عن يونس قال:
/ لمّا صار ابن الأشعث إلى رتبيل [4]، تمثّل رتبيل بقول حسّان بن ثابت في الحارث بن هشام:
ترك الأحبّة أن يقاتل دونهم ... ونجا برأس طمرّة ولجام
فقال له ابن الأشعث: أو ما سمعت ما ردّ عليه الحارث بن هشام؟ قال: وما هو؟ فقال قال:
اللّه يعلم ما تركت قتالهم ... حتى رموا فرسي بأشقر مزبد
وعلمت أنّي إن أقاتل واحدا ... أقتل ولا يضرر عدوّي مشهدي
فصددت عنهم والأحبّة فيهم ... طمعا لهم بعقاب يوم مرصد
فقال رتبيل: يا معشر العرب، حسّنتم كلّ شيء حتى حسّنتم الفرار.
__________
[1] الطمرة: الأنثى من الجياد. وهي المستفزة للوثب والعدو، وقيل: الطويلة القوائم الخفيفة.
[2] انظر هذه الأبيات في أشعار «الحماسة» و «سيرة ابن هشام» (ص 253 طبع أوروبا).
[3] الأشقر منّ الدم: الذي صار علقا ولم يعله غبار. وزبده: البياض الذي يعلوه.
[4] رتبيل (و يقال فيه زنبيل كما في «الطبري» و «ابن الأثير»): صاحب الترك، كان بنواحي سجستان، وقد غزاه في سنة 79 ه عبيد اللّه بن أبي بكرة، وكان واليا بسجستان، وتوغل في بلاده وأصاب منه غنائم وأموالا وهدم قلاعا وحصونا. وغزاه في سنة 80 هجرية عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث من قبل الحجاج، فدخل بلاده وأخذ منها الغنائم واستولى على الحصون. وكتب إلى الحجاج بذلك ويشير عليه ألا يتوغل في البلاد؛ فأبى الحجاج ذلك وكتب له ثلاثة كتب يأمره فيها بمحاربته والتوغل في بلاده؛ وكان من جراء ذلك أن خرج عبد الرحمن بن الأشعث على الحجاج وبايعه الناس، وكان من أمرهما ما كان مما تراه مفصلا في «كتب التاريخ».
43 - ذكر الخبر عن غزاة بدر
أخبار غزاة بدر:
حدّثني بخبرها محمد بن جرير الطبري في «المغازي» قال حدّثنا محمد بن حميد قال حدّثنا سلمة قال حدّثني محمد بن إسحاق قال حدّثني محمد بن مسلم الزّهريّ وعاصم بن عمر بن قتادة وعبد اللّه بن أبي بكر ويزيد بن رومان عن غزوة بدر وغيرهم من علمائنا عن عبد اللّه بن عبّاس، كلّ قد حدّثني بعض هذا الحديث، فاجتمع حديثهم فيما سمعت من حديث بدر، قالوا: ندب النبي المسلمين للعير واستنفار أبي سفيان لقريش: لمّا سمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بأبي سفيان مقبلا من الشام ندب المسلمين إليهم، وقال: «هذه عير قريش فيها أموالهم فاخرجوا إليها؛ فلعلّ اللّه أن ينفّلكموها» [1]. فانتدب الناس، فخفّ بعضهم وثقل بعضهم؛ وذلك أنّهم لم يظنّوا أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يلقى حربا. وكان أبو سفيان استقدم حين دنا من الحجاز وجعل يتجسّس [2] الأخبار، ويسأل من لقي من/ الرّكبان، تخوّفا على أموال الناس، حتى أصاب خبرا من بعض الرّكبان أنّ محمدا استنفر أصحابه لك ولعيرك، فجدّ [3] عند ذلك فاستأجر ضمضم بن عمرو الغفاريّ فبعثه إلى مكة وأمره أن يأتي قريشا يستنفرهم إلى أموالهم ويخبرهم أنّ محمدا قد عرض لها في أصحابه؛ فخرج ضمضم بن عمرو سريعا إلى مكة.
رؤيا عاتكة بنت عبد المطلب:
قال ابن إسحاق: وحدّثني من لا أتّهم عن عكرمة مولى ابن عبّاس ويزيد بن رومان عن عروة بن الزّبير قال [4]:
وقد رأت عاتكة بنت عبد المطّلب قبل قدوم ضمضم [مكة] [5] بثلاث [ليال] [5] رؤيا أفزعتها، فبعثت إلى أخيها العبّاس بن عبد المطلب، فقالت: يا أخي، واللّه لقد رأيت الليلة رؤيا أفظعتني وتخوّفت أن يدخل على قومك [منها] [5] شرّ أو مصيبة، فاكتم عني [6] ما أحدّثك. قال لها: وما رأيت؟ قالت: رأيت راكبا أقبل على بعير له حتى
__________
[1] نفله النفل ونفلّه (بالتضعيف) وأنفله: أعطاه الغنيمة أو الهبة.
[2] في ح «و السيرة»: «يتحسس» (بالحاء المهملة). والتجسس والتحسس كلاهما بمعنى واحد وهو تطلّب الأخبار والبحث عنها.
[3] في «السيرة» (ص 428 طبع أوروبا): «فحذر».
[4] الذي في «السيرة»: «عن عكرمة عن ابن عباس ويزيد بن رومان عن عروة بن الزبير قالا». وعكرمة هذا هو عكرمة أبو عبد اللّه البربري مولى ابن عباس ويروى عنه.
[5] الزيادة عن «سيرة ابن هشام».
[6] كذا في «السيرة». وفي الأصول: «عليّ».
وقف بالأبطح، ثم صرخ بأعلى صوته: أن انفروا/ يا آل غدر [1] لمصارعكم في ثلاث؛ وأرى [2] الناس قد اجتمعوا إليه، ثم دخل المسجد والناس يتبعونه؛ فبينما هم حوله مثّل به بعيره على ظهر الكعبة، ثم صرخ بأعلى صوته:
انفروا يا آل غدر لمصارعكم في ثلاث، ثم مثل به بعيره على رأس أبي قبيس فصرخ بمثلها، ثم أخذ صخرة فأرسلها فأقبلت تهوي، حتّى إذا كانت بأسفل الجبل ارفضّت [3]، فما بقي بيت من بيوت مكة ولا دار من دورها إلّا دخلتها منها فلقة. قال العباس: إنّ هذه لرؤيا، وأنت فاكتميها ولا تذكريها لأحد. ثم خرج العبّاس فلقي الوليد بن عتبة بن ربيعة، وكان له صديقا، فذكرها [له] [4] واستكتمه إيّاها؛ فذكرها الوليد لأبيه عتبة، ففشا الحديث [بمكة] [4] حتى تحدثت به قريش. قال العبّاس: فغدوت أطوف بالبيت، وأبو جهل بن هشام ورهط من قريش قعود يتحدّثون برؤيا عاتكة. فلمّا رآني أبو جهل قال: يا أبا الفضل، إذا فرغت من طوافك فأقبل إلينا؛ فلمّا فرغت أقبلت إليه حتى جلست معهم. فقال لي أبو جهل: يا بني عبد المطّلب [5]، متى حدثت فيكم هذه النّبيّة؟! قال: قلت: وما ذاك؟
قال: الرؤيا التي رأت عاتكة. قلت: وما رأت؟ قال: يا بني عبد المطّلب، أما رضيتم أن تتنبّأ رجالكم حتى تتنبّأ نساؤكم! قد زعمت عاتكة في رؤياها أنّها [6] قالت: انفروا في ثلاث؛ فسنتربّص بكم هذه الثلاث؛ فإن يكن ما قالت حقّا فسيكون، وإن تمض الثلاث ولم يكن من ذلك شيء نكتب كتابا عليكم أنّكم أكذب أهل بيت في العرب. قال العبّاس:/ فو اللّه ما كان إليه منّي كبير إلّا أن جحدت ذلك وأنكرت أن تكون رأت شيئا. قال: ثم تفرّقنا. فلمّا أمسينا [7] لم تبق امرأة من بني عبد المطّلب إلّا أتتني فقالت: أقررتم لهذا الفاسق الخبيث أن يقع في رجالكم، ويتناول النساء وأنت تسمع، ولم يكن عندك غير [8] لشيء مما سمعت؟! قلت: قد واللّه فعلت، ما كان منّي إليه من كبير، وأيم اللّه لأتعرّضنّ له؛ فإن عاد لأكفينّكنّه [9]. قال: فغدوت في اليوم الثالث من رؤيا عاتكة وأنا حديد مغضب أرآى [أنّي] [10] قد فاتني منه أمر أحبّ أن أدركه منه. قال: فدخلت المسجد فرأيته، فو اللّه إنّي لأمشي نحوه العرضنة [11] ليعود لبعض ما كان فأوقع به. وكان رجلا خفيفا حديد الوجه حديد اللّسان حديد النّظر، إذ خرج نحو باب المسجد يشتدّ [12]. قال: قلت في نفسي: ما له لعنه اللّه! أكلّ هذا فرقا أن أشاتمه! فإذا هو قد سمع ما لم أسمع، صوت ضمضم بن عمرو الغفاريّ/ وهو يصرخ ببطن الوادي [واقفا على بعيره قد جدّع بعيره وحوّل رحله وشقّ قميصه وهو يقول] [10]: يا معشر قريش اللّطيمة [13] [اللطيمة!] [10] أموالكم مع أبي سفيان بن حرب قد عرض لها
__________
[1] غدر: كصرد، وأكثر ما يستعمل في النداء في الشتم؛ فيقال للمفرد يا غدر، وللجمع يا آل غدر. وقال ابن الأثير: غدر معدول عن غادر للمبالغة. ويقال للذكر: غدر، والأنثى غدار (كقطام)، وهما مختصان بالنداء في الغالب.
[2] في «السيرة»: «فأرى».
[3] أرفضت: تفرّقت.
[4] الزيادة عن «سيرة ابن هشام».
[5] كذا في «السيرة». وفي الأصول: «يا بني عبد مناف» ولا يخفى أن عبد مناف جد عبد المطلب.
[6] في «سيرة ابن هشام»: «أنه قال انفروا إلخ» ويكون المراد بضمير المذكر الهاتف الذي رأته.
[7] في «السيرة»: «أمسيت».
[8] مصدر قولك: غار الرجل على امرأته غيرة وغيرا.
[9] كذا في «السيرة». وفي الأصول: «لأكفينكموه» وهو تحريف إذ الخطاب لجماعة الإناث.
[10] زيادة عن «السيرة».
[11] يقال: فلان يمشي العرضنة والعرضنى أي في مشيته بغى من نشاطه. وفي «السيرة لابن هشام»: «إني لأمشي نحوه أتعرّضه».
[12] يشتدّ: يعدو.
[13] اللطيمة: العير يحمل الطيب وبز التجار.
محمد في أصحابه، لا أرى أن تدركوها! الغوث الغوث! قال: فشغلني عنه وشغله عنّي ما جاء من الأمر. قال: فتجهّز الناس سراعا، وقالوا: لا يظنّ محمد وأصحابه أن تكون كعير ابن الحضرميّ [1]! كلّا واللّه ليعلمنّ غير ذلك! فكانوا بين رجلين: إمّا خارج وإمّا باعث مكانه رجلا.
خروج قريش وإرسال أبي لهب العاصي بن هشام مكانه:
وأوعبت قريش فلم يتخلّف من/ أشرافها أحد إلا أبو لهب بن عبد المطلب تخلّف فبعث مكانه العاصي بن هشام بن المغيرة، وكان لطّ [2] له بأربعة آلاف درهم كانت له عليه، فأفلس [3] بها، فاستأجره بها على أن يجزىء عنه بعثه، فخرج عنه وتخلّف أبو لهب. هكذا في الحديث. فذكر أبو عبيدة وابن الكلبيّ: أنّ أبا لهب قامر العاصي بن هشام في مائة من الإبل، فقمره [4] أبو لهب، ثم عاد فقمره أيضا، ثم عاد فقمره أيضا الثالثة، فذهب بكلّ ما كان يملكه. فقال له العاصي: أرى القداح قد حالفتك يابن عبد المطّلب، هلمّ نجعلها على أيّنا يكون عبدا لصاحبه؛ قال: ذلك لك؛ فدحاها [5] فقمره أبو لهب، فأسلمه قينا، وكان يأخذ منه ضريبة. فلما كان يوم بدر وأخذت قريش كلّ من لم يخرج بإخراج رجل مكانه أخرجه أبو لهب عنه وشرط له العتق؛ فخرج فقتله عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه.
رجع الحديث إلى وقعة بدر.
وبخ ابن أبي معيط أمية بن خلف لإجماعه القعود فخرج:
قال محمد بن إسحاق: وحدّثني عبد اللّه بن أبي نجيح:
أنّ أميّة بن خلف كان قد أجمع القعود، وكان شيخا [جليلا جسيما] [6] ثقيلا، فجاءه عقبة بن أبي معيط وهو جالس في المسجد بين ظهراني قومه بمجمرة يحملها، فيها نار ومجمر [7]، حتّى وضعها بين يديه، ثم قال: يا أبا عليّ، استجمر فإنّما أنت/ من النساء! قال: قبّحك اللّه وقبّح ما جئت به! ثم تجهّز وخرج مع الناس. فلمّا فرغوا من جهازهم وأجمعوا السير، ذكروا ما [كان] [8] بينهم وبين بني بكر بن عبد مناة بن كنانة من الحرب [9]، فقالوا: إنّا نخشى أن يأتوا من خلفنا.
تخوّف قريش من كنانة وتأمين إبليس لهم:
قال محمد بن إسحاق: فحدّثني يزيد بن رومان عن عروة بن الزّبير قال: لمّا أجمعت قريش المسير ذكرت
__________
[1] هو عمرو بن الحضرمي. وقد أورد ابن هشام في «السيرة» خبر هذه العير.
[2] كذا في هامش «تاريخ الطبري» (ص 1295 من القسم الأوّل). ولط الغريم بالحق: ما طل فيه ومنعه، ولط حقه: جحده. وفي حديث طهفة: «لا تلطط في الزكاة» أي لا تمنعها. وفي الأصول: «لاط» وهو تحريف.
[3] في «السيرة»: «أفلس» بدون الفاء.
[4] قمره: غلبه في المقامرة.
[5] دحاها: رماها. والدحو: رمى اللاعب بالحجر أو الجوز وغيره. وذلك أنهم كانوا يحفرون حفرة بمقدار الحجر الذي يريدون رميه، ثم يتنحون عنها قليلا ويرمون بالأحجار إليها؛ فإن وقعت الأحجار في الحفرة غلب صاحبها وإن لم تقع فيها غلب. وتسمى تلك الأحجار المداحي، واحدها: مدحاة.
[6] الزيادة عن «السيرة».
[7] المجمر: العود يتبخر به.
[8] الزيادة عن «السيرة».
[9] كذا في «السيرة». وفي الأصول: «كنانة بن الحارث» وهو تحريف.
الذي بينها وبين بني [1] بكر بن عبد مناة، فكاد ذلك أن يثبّطهم، فتبدّى لهم إبليس في صورة سراقة بن جعشم المدلجيّ، وكان من أشراف بني كنانة، فقال: إنّي جار لكم من أن تأتيكم كنانة [من خلفكم] [2] بشيء تكرهونه، فخرجوا سراعا.
خروج النبيّ وعدد جيشه والطريق التي سلكها:
وخرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم - فيما بلغني عن غير ابن إسحاق - لثلاث ليال خلون من شهر رمضان المعظّم في ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا من أصحابه. فاختلف في مبلغ الزيادة على العشرة؛ فقال بعضهم: كانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا. وكان المهجرون يوم بدر سبعة وسبعين رجلا، وكان الأنصار مائتين وستة وثلاثين رجلا، وكان صاحب راية رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه، وكان صاحب راية الأنصار سعد بن عبادة.
/ حدّثنا محمد قال حدّثنا هارون بن إسحاق قال حدّثنا مصعب بن المقدام، قال أبو جعفر وحدّثني محمد بن إسحاق الأهوازيّ قال حدّثنا أبو أحمد الزّبيريّ قال حدّثنا إسرائيل قال حدّثنا أبو إسحاق عن البراء قال [3] كنّا نتحدّث أنّ عدّة أصحاب بدر على عدّة أصحاب طالوت الذين/ جازوا معه النهر - ولم يجز معه إلّا مؤمن - ثلاثمائة وبضعة عشر.
استشارة النبيّ لأصحابه وتأييد الأنصار له:
قال ابن إسحاق في حديثه عمّن روى عنه: وخرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في أصحابه، وجعل على الساقة [4] قيس بن أبي صعصعة أخا بني مازن بن النجّار، في ليال مضت من رمضان؛ فسار حتّى إذا كان قريبا من الصّفراء بعث بسبس بن عمرو الجهنيّ حليف بني ساعدة وعدي بن أبي الزّغباء حليف بني النجّار إلى بدر يتجسّسان [5] له الخبر عن أبي سفيان بن حرب وغيره، ثم ارتحل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وقدّمهما. فلمّا استقبل الصّفراء، وهي قرية بين جبلين، سأل عن جبليها ما اسماهما؟ فقيل: يقال لأحدهما هذا مسلح، وللآخر هذا مخرئ؛ وسأل عن أهلها فقالوا: بنو النّار، وبنو حراق (بطنان من غفار)؛ فكرههما رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم والمرور بينهما، وتفاءل [6] باسميهما وأسماء أهاليهما، فتركهما والصفراء يسارا، وسلك ذات اليمين على واد يقال له ذفران فخرج منه، حتّى إذا كان ببعضه نزل، وأتاه
__________
[1] كانت الحرب التي بين قريش وبين بني بكر في ابن الحفص بن الأخيف أحد بني معيص بن عامر بن لؤي، قتله بنو بكر بضجنان، وكان خرج يبتغي بها ضالة له، بإيعاز من سيدهم عامر بن يزيد بن عامر بن الملوح، فثأر للغلام أخوه مكرز من عامر بن يزيد بأن قتله وخاض بطنه بسيفه، ثم أتى به الكعبة ليلا فعلقه بأستارها. فلما أصبحت قريش رأوا سيف عامر بن يزيد معلقا بأستار الكعبة فعرفوه، فقالوا: إن هذا لسيف عامر بن يزيد عدا عليه مكرز بن حفص فقتله. (انظر «السيرة» لابن هشام ج 1 ص 431 طبع أوروبا).
[2] الزيادة عن «السيرة».
[3] كذا في الأصول. ولعله: «قالا».
[4] ساقه الجيش: مؤخرته.
[5] في ح: «يتحسان». (انظر الحاشية رقم 2 ص 171 من هذا الجزء).
[6] تفاءل هنا بمعنى تطير. والفأل يكون فيما يحسن ويسوء، والطيرة لا تكون إلا فيما يسوء. وفي الحديث عن أنس عن النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال:
«لا عدوى ولا طيرة ويعجبني الفأل الصالح». والفأل الصالح: الكلمة الحسنة. وهذا يدل على أن من الفأل ما يكون صالحا ومنه ما يكون غير صالح.
الخبر عن قريش بمسيرهم ليمنعوا عيرهم؛ فاستشار النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم الناس وأخبرهم/ عن قريش، فقام أبو بكر فقال فأحسن، ثم قام عمر فقال فأحسن، ثم قام المقداد بن عمرو فقال: يا رسول اللّه، امض لما أمرك اللّه فنحن معك.
واللّه لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى: اذهب أنت وربّك فقاتلا إنّا هاهنا قاعدون، ولكن اذهب أنت وربّك فقاتلا إنّا معكما مقاتلون معلمون [1]. فو الّذي بعثك بالحقّ لو سرت بنا إلى برك [2] الغماد - يعني مدينة الحبشة - لجالدنا معك حتّى تبلغه. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم خيرا ودعا له بخير.
حدّثنا محمد قال حدّثنا محمد بن عبيد المحاربيّ قال حدّثني إسماعيل بن إبراهيم أبو يحيى قال حدّثنا المخارق عن طارق عن عبد اللّه بن مسعود قال:
شهدت من المقداد مشهدا لأن أكون صاحبه أحبّ إليّ مما في الأرض من كلّ شيء، كان رجلا فارسا، وكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إذا غضب احمارّت وجنتاه، فأتاه المقداد على تلك الحال، فقال: أبشر يا رسول اللّه، فو اللّه لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى: اذهب أنت وربّك فقاتلا إنّا هاهنا قاعدون، ولكن والذي بعثك بالحقّ لنكونن بين يديك ومن خلفك وعن يمينك وشمالك أو يفتح اللّه تبارك وتعالى.
رجع الحديث إلى حديث ابن إسحاق:
ثم قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «أشيروا عليّ أيّها الناس». وإنما يريد الأنصار؛ وذلك أنّهم كانوا عدد الناس، وأنّهم حين بايعوا بالعقبة قالوا: يا رسول اللّه إنا برآء من ذمامك حتّى نصير إلى دارنا، فإذا وصلت فأنت في ذمامنا، نمنعك مما نمنع منه أنفسنا وأبناءنا ونساءنا. فكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يتخوّف ألّا تكون الأنصار ترى عليها نصرته إلّا ممن دهمه بالمدينة من عدوّه، وأن ليس عليهم أن يسير بهم إلى عدوّ في غير بلادهم. فلما قال ذلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال له سعد بن معاذ: واللّه لكأنك تريدنا يا رسول اللّه. قال: «أجل». قال: فقد آمنّا بك يا رسول اللّه وصدّقناك وشهدنا أنّ ما جئت به هو الحقّ، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة، فامض بنا يا رسول اللّه لما أردت [فنحن معك] [3]. فو الذي/ بعثك بالحقّ لو استعرضت [4] بنا هذا البحر وخضته لخضناه معك ما يتخلّف منّا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدوّا غدا. إنّا لصبر عند الحرب، صدق [5] عند اللّقاء، لعل اللّه تعالى أن يريك [منّا] [3] ما تقرّ به عينك؛ فسر بنا على بركة اللّه. فسرّ [6] رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم [بقول سعد] [3] ونشّطه ذلك؛ ثم قال:
__________
[1] أعلم نفسه: وسمها بسيما الحرب كعلّمها.
[2] برك الغماد (بفتح الباء وكسرها، وبكسر الغين وضمها وقيل مثلث الغين)، اختلف فيه فقيل: موضع وراء مكة بخمس ليال مما يلي البحر، وقيل: موضع في أقصى أرض هجر، وقيل: بلد باليمن، وقيل غير ذلك. وورد في «تاريخ الطبري» (ص 1300 من القسم الأوّل طبع أوروبا) ما يؤيد التفسير الذي ذكره أبو الفرج. وورد أيضا في «معجم ما استعجم» للبكريّ (ص 148) ما نصه:
« ... وفي حديث هجرة النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنه لما ابتلي المسلمون خرج أبو بكر مهاجرا إلى الحبشة، حتى إذا بلغ برك الغماد لقيه ابن الدغنّة ... إلخ».
[3] زيادة عن «السيرة».
[4] استعرض البحر: أتاه من جانبه عرضا.
[5] يقال: رجل صدق اللقاء وقوم صدق (بالضم)، ومثاله فرس ورد وأفراس ورد. (انظر «اللسان» مادة صدق).
[6] في الأصول: «فسار رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ونشطه ذلك». وما أثبتناه عن «السيرة والكشاف» للزّمخشري في تفسير سورة الأنفال.
«سيروا على بركة اللّه وأبشروا؛ فإنّ اللّه قد وعدني إحدى الطائفتين [1]، واللّه لكأنّي أنظر إلى مصارع القوم».
نزول النبيّ قريبا من بدر وسؤاله شيخا عن قريش:
ثم ارتحل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من ذفران [2]، وسلك على ثنايا يقال لها/ الأصافر [3]، ثم انحطّ منها على بلد يقال له الدّبّة [4]، ثم ترك الحنّان [5] بيمين، وهو كثيب عظيم كالجبل، ثم نزل قريبا من بدر، فركب هو ورجل من أصحابه - قال الطبريّ [6] قال محمد بن إسحاق: حدّثني محمد بن يحيى بن حبّان - حتّى وقف على شيخ من العرب، فسأله عن قريش وعن محمد وأصحابه وما بلغه عنهم؛ فقال الشيخ: لا أخبركما حتى تخبراني ممن [7] أنتما. فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «إذا أخبرتنا أخبرناك». فقال: أو ذاك بذاك؟ فقال: «نعم». قال الشيخ: فإنّه بلغني أنّ محمدا وأصحابه خرجوا يوم كذا وكذا؛ فإن كان صدقني الذي أخبرني، فهم اليوم بمكان كذا وكذا (للمكان الذي به رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم). وبلغني أنّ قريشا خرجوا يوم كذا وكذا؛ فإن كان الذي حدّثني صدقني، فهم اليوم بمكان كذا وكذا (للمكان الذي به قريش). فلمّا فرغ من خبره قال: ممن أنتما؟ فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «نحن من ماء»، ثم انصرف الشيخ عنه. قال يقول الشيخ: ما من ماء؟ أمن ماء العراق؟ ثم رجع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى أصحابه.
أرسل النبي نفرا من أصحابه إلى بدر يلتمسون له الخير:
فلما أمسى بعث عليّ بن أبي طالب، رضي اللّه عنه، والزبير بن العوّام، وسعد بن أبي وقّاص في نفر من أصحابه إلى بدر يلتمسون له الخبر عليه -.
قبض هؤلاء النفر على غلامين لقريش ومعرفة أخبارهم منهما:
قال محمد بن إسحاق: حدّثني يزيد بن رومان عن عروة بن الزّبير: - فأصابوا راوية [8] لقريش فيها أسلم غلام
__________
[1] يشير إلى قوله تعالى في سورة الأنفال: (وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ)
والطائفتان هما العير وهم ركب أبي سفيان، والنفير وهم أهل مكة الذين نفروا لمساعدته.
[2] ذفران: واد قرب وادي الصفراء.
[3] الأصافر: جبال قريبة من الجحفة عن يمين الطريق من المدينة إلى مكة؛ سميت بذلك لأنها هضبات صفر.
[4] الدبة: موضع قرب بدر.
[5] كذا في «السيرة ومعجم البلدان» لياقوت. وفي جميع الأصول: «ثم نزل الحيان» وهو تحريف.
[6] كذا في الطبري و «السيرة». وفي جميع الأصول وردت هذه العبارة هكذا: «قال الطبري: قال محمد بن إسحاق حدّثني محمد بن إسحاق حدّثني محمد بن يحيى بن حبان ... إلخ». ومحمد بن إسحاق المكرر هنا شخص واحد، وهو محمد بن إسحاق بن يسار صاحب «السيرة» الذي ينقل عنه الطبري والذي يروى عن محمد بن يحيى بن حبان. (راجع «تهذيب التهذيب» و «تراجم» من روى عنهم محمد بن إسحاق المطبوع بليدن).
[7] كذا في «السيرة» والطبري. وفي الأصول: «من».
[8] يراد بالراوية هنا القوم يستقون الماء على الدواب.
/ بني الحجّاج، وعريض [1] أبو يسار غلام بني العاصي بن سعيد، فأتوا بهما رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وهو يصلّي. فسألوهما فقالا [2]: نحن سقاة لقريش بعثونا نسقيهم من الماء. فكره القوم خبرهما ورجوا أن يكونا لأبي سفيان فضربوهما، فلمّا أذلقوهما [3] قالا: نحن لأبي سفيان، فتركوهما. وركع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وسجد سجدتين ثم سلّم، ثم قال: «إذا صدقاكم ضربتموهما، فإذا كذباكم تركتموهما، صدقا واللّه إنّهما لقريش. أخبراني أين قريش»؟ قالا: هم وراء [هذا الكثيب الذي ترى بالعدوة القصوى [4]- و] الكثيب: العقنقل - فقال لهما رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «كم القوم»؟ قالا: لا ندري. قال: «كم ينحرون كلّ يوم»؟ قالا: يوما تسعا ويوما عشرا. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «القوم ما بين التّسعمائة [5] والألف». ثم قال لهما رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «فمن فيهم من أشراف قريش»؟ قالا: عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وأبو البختريّ بن هشام، وحكيم بن حزام، ونوفل بن خويلد، والحارث بن عامر بن نوفل، وطعيمة بن عديّ، والنّضر بن الحارث، وزمعة [6] بن الأسود، وأبو جهل بن هشام، وأميّة بن/ خلف، ونبيه ومنبّه ابنا الحجّاج، وسهيل بن عمرو، وعمرو بن ودّ. فأقبل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على الناس فقال: «هذه مكة قد رمت إليكم أفلاذ/ كبدها».
قدم أبو سفيان إلى بدر متجسسا ثم اتجه بالعير نحو الساحل:
قال ابن إسحاق [7]: وقد كان بسبس بن عمرو وعديّ بن أبي الزّغباء مضيا حتّى نزلا بدرا فأناخا إلى تلّ قريب من الماء، ثم أخذا شنّا [8] يستقيان فيه، ومجديّ بن عمرو الجهنيّ على الماء، فسمع عديّ وبسبس جاريتين من جواري الحاضر وهما تتلازمان [9] على الماء، والملزومة تقول لصاحبتها: إنّما تأتي العير غدا أو بعد غد فأعمل لهم ثم أقضيك الذي لك. قال مجديّ: صدقت، ثم خلّص بينهما. وسمع ذلك عديّ وبسبس فجلسا على بعيريهما ثم انطلقا حتى أتيا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فأخبراه بما سمعا. وأقبل أبو سفيان قد [9] تقدّم العير حذرا حتى ورد الماء، فقال
__________
[1] كذا في «السيرة لابن هشام» (ج 1 ص 436) «و الطبري» (ص 1303 من القسم الأوّل. وفي الأصول: «غريض بن يسار» بالغين المعجمة.
[2] كذا في الطبري و «السيرة». وفي الأصول: «فقالوا».
[3] أذلقه: أضعفه وأقلقه. وفي حديث عائشة أنها كانت تصوم في السفر حتى أذلقها الصوم أي أجهدها وأذابها وأقلقها.
[4] التكملة عن الطبري و «السيرة».
[5] الفصيح في العدد المضاف أن يعرف المضاف إليه، وجوز بعضهم تعريف الطرفين. أما تعريف الأوّل دون الثاني فغير صواب. وعلى هذا يحمل ما ورد من الأحاديث من هذا النوع على أنه مروي بالمعنى. على أن بعضهم خرجه بتقدير مضاف نكرة، فيقول في مثل ما هنا: «بين التسع تسع مائة».
[6] ضبطه صاحب «المغني» في «أسماء رجال الحديث» المطبوع بهامش «تقريب التهذيب» (ص 101 طبع الهند) بالعبارة هكذا: «زمعة بزاي وميم مفتوحتين وعين مهملة وأكثر الفقهاء والمحدّثين يسكنون الميم، والدسودة ... إلخ». وقال صاحب «القاموس»: وزمعة بالفتح ويحرّك». وضبطه الفيومي في «المصباح» بفتح الميم، ثم قال: «و المحدّثون يقولون: زمعة بالسكون، ولم أظفر به في «كتب اللغة». وفي «شرح المواهب اللدنية» (ج 3 ص 271) قال: «زمعة بزاي فميم فعين مهملة مفتوحات». وقال ابن الأثير: «و أكثر ما سمعنا أهل الحديث والفقهاء يقولونه بسكون الميم. وقول «المصباح»: لم أظفر بالسكون في «كتب اللغة» قصور؛ فقد قدّمه «القاموس» ثم حكى الفتح؛ فظاهره أن السكون أكثر لغة».
[7] في الأصول: «قالوا وقد كان بسبس إلخ»، والتصويب عن «السيرة».
[8] الشنّ: القربة الخلق الصغيرة.
[9] يقال: لزم فلان غريمه، إذا تعلق به.
[10] كذا في صلب الطبري (ص 1305 قسم أوّل طبع أوروبا). وفي الأصول: «حين تقدم». وفي «سيرة ابن هشام»: «حتى تقدم» وكلتا الروايتين أشير إليها في هامش الطبري.
لمجديّ بن عمرو: هل أحسست أحدا؟ قال: ما رأيت أحدا أنكره، إلّا أنّي رأيت راكبين أناخا إلى هذا التلّ ثم استقيا في شنّ لهما ثم انطلقا. فأتى أبو سفيان مناخهما فأخذ من أبعار بعيريهما ففتّه فإذا فيه النّوى، فقال: هذه واللّه علائف يثرب! فرجع إلى أصحابه سريعا فصرف [1] وجه عيره عن الطريق [فساحل بها] [2] وترك بدرا يسارا، ثم انطلق حتّى أسرع.
رؤيا جهيم بن أبي الصلت:
وأقبلت قريش، فلمّا نزلوا الجحفة [3] رأى جهيم بن أبي الصّلت بن مخرمة بن عبد المطّلب بن عبد مناف رؤيا، فقال: إنّي رأيت فيما يرى النائم، وإنّي/ لبين النائم واليقظان إذ نظرت إلى رجل أقبل على فرس ومعه بعير له ثم قال: قتل عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وأبو الحكم بن هشام، وأميّة بن خلف، وفلان وفلان - فعدّد رجالا ممن قتل يومئذ من أشراف قريش - ورأيته ضرب في لبّة [4] بعيره ثم أرسله في العسكر، فما بقي خباء من أخبية العسكر إلّا أصابه نضح من دمه. قال: فبلغت أبا جهل فقال: وهذا أيضا نبيّ آخر من بني عبد المطّلب! سيعلم غدا من المقتول إن نحن التقينا.
نصح أبو سفيان إلى قريش أن يرجعوا فأبى أبو جهل:
ولمّا رأى أبو سفيان أنّه قد أحرز عيره، أرسل إلى قريش: إنّكم إنّما خرجتم لتمنعوا عيركم ورحالكم [5] وأموالكم فقد نجّاها اللّه فارجعوا. فقال أبو جهل: واللّه لا نرجع حتّى نرد بدرا - وكان بدر موسما من مواسم العرب تجتمع به، لهم بها سوق كلّ عام - فنقيم عليه ثلاثا، وننحر الجزر ونطّعم الطعام ونسقي الخمور، وتعزف علينا القيان، وتسمع بنا العرب [بمسيرنا وجمعنا] [6]، فلا يزالون يهابوننا أبدا، فامضوا.
رجوع بني زهرة:
فقال الأخنس بن شريق بن عمرو بن وهب الثّقفيّ، وكان حليفا لبني زهرة، وهم بالجحفة: يا بني زهرة قد نجّى اللّه لكم عيركم وخلّص لكم صاحبكم مخرمة بن نوفل، وإنّما نفرتم لتمنعوه وماله، فاجعلوا بي جبنها [7] وارجعوا؛ فإنّه لا حاجة بكم في أن تخرجوا في غير ضيعة لما يقول هذا (يعني أبا جهل)؛ فلم يشهدها زهريّ، وكان فيهم مطاعا. ولم يكن بقي من قريش بطن إلّا نفر منهم ناس، إلّا بني عديّ بن كعب لم يخرج منهم رجل واحد.
فرجعت بنو زهرة مع الأخنس بن شريق، فلم يشهد بدرا من هاتين القبيلتين أحد.
__________
[1] في الطبري و «السيرة»: «فضرب».
[2] زيادة عن «السيرة». وساحل بها: اتجه بها نحو الساحل.
[3] الجحفة (بالضم): ميقات أهل الشام، وكانت قرية جامعة، على اثنين وثمانين ميلا من مكة، وكانت تسمى مهيعة فنزل بها بنو عبيل وهم إخوة عاد، وكان أخرجهم العماليق من يثرب، فجاءهم سيل الجحاف فأجحفهم؛ فسميت الجحفة.
[4] اللبة: المنحر وموضع القلادة من الصدر كاللبب.
[5] في «السيرة لابن هشام»: «رجالكم» بالجيم المعجمة.
[6] زيادة عن «السيرة».
[7] كذا في «السيرة لابن هشام» (ج 1 ص 438) و «تاريخ الطبري» (ص 1307 من القسم الأوّل). وفي الأصول: «فاجعلوني جنبها» وهو تحريف.
اتهام قريش لبني هاشم:
ومضى القوم، وقد كان بين طالب بن أبي طالب - وكان في القوم - وبين بعض قريش محاورة؛ فقالوا: واللّه لقد عرفنا يا بني هاشم - وإن خرجتم معنا - أنّ هواكم/ [لمع] [1] محمد؛ فرجع طالب إلى مكة فيمن رجع. وأمّا ابن الكلبيّ فإنه قال فيما حدّثت عنه: شخص طالب بن أبي طالب إلى بدر مع المشركين، أخرج كرها، فلم يوجد في الأسرى ولا في القتلى ولم يرجع إلى أهله، وكان شاعرا، وهو الذي يقول:
/يا ربّ إمّا يغزونّ طالب ... في مقنب [2] من هذه المقانب
فليكن المسلوب غير السالب ... وليكن المغلوب غير الغالب
رجع الحديث إلى حديث ابن إسحاق
نزول قريش بالعدوة القصوى من الوادي:
قال: ومضت قريش حتّى نزلوا بالعدوة القصوى من الوادي خلف العقنقل. وبطن الوادي، وهو يليل [3]، بين بدر وبين العقنقل: الكثيب الذي خلفه قريش. والقليب ببدر من العدوة الدّنيا من بطن يليل إلى المدينة. وبعث اللّه عزّ وجلّ السماء، وكان الوادي دهسا [4]، فأصاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم [و أصحابه منها] [1] ما لبّد لهم الأرض ولم يمنعهم المسير، وأصاب قريشا منها ما لم يقدروا على أن يرتحلوا معه. فخرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يبادرهم إلى الماء حتّى حاذى ماء من مياه بدر فنزل به.
أشار الحباب بن المنذر على النبيّ برأي فاتبعه:
قال ابن إسحاق: فحدّثني عشرة [5] رجال من بني سلمة ذكروا أنّ الحباب بن المنذر بن الجموح قال:
يا رسول اللّه، أرأيت هذا المنزل، أمنزل أنزلكه اللّه ليس لنا/ أن نتقدّمه ولا نتأخّر عنه، أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ قال: «بل هو الرأي والحرب والمكيدة». فقال: يا رسول اللّه، إنّ هذا ليس لك بمنزل، فانهض بالناس حتّى تأتي أدنى ماء من مياه القوم فتنزله، ثم تعوّر [6] ما سواه من القلب ثم تبني عليه حوضا فتملأه ماء، ثم نقاتل القوم فنشرب ولا يشربوا. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «لقد أشرت بالرأي». فنهض رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ومن معه من الناس حتّى أتى أدنى ماء من القوم فنزل عليه، ثم أمر بالقلب فعوّرت [7] وبنوا حوضا على القليب الذي نزل عليه فملى ء، ماء ثم قذفوا فيه الآنية.
__________
[1] الزيادة عن «السيرة لابن هشام» (ج 1 ص 438 طبع أوروبا).
[2] المقنب: جماعة الخيل والفرسان، وقيل: هي دون المائة.
[3] يليل (بتكرير الياء المفتوحة): اسم واد يدفع في بدر. وفي «معجم ما استعجم» (في الكلام على رضوى): «و وادي ينبع يليل يصب في غيقة». وفي الأصول: «تليل» بالتاء المثناة من فوق في أوّله، وهو تصحيف.
[4] الدهس: هو كل لين سهل لا يبلغ أن يكون رملا وليس بتراب ولا طين كالدّهاس، وقيل أيضا: الأرض السهلة يثقل فيها المشي.
[5] في «السيرة»: «قال ابن إسحاق: فحدّثت عن رجال من بني سلمة أنهم ذكروا إلخ».
[6] كذا في الطبري و «السيرة». وعوّر العين أو القليب: طمّه وردمه. وفي الأصول: «تغوّر» بالغين المعجمة، وهو تصحيف.
[7] كذا في «السيرة» والطبري. وفي الأصول: «فغوّرت» بالغين المعجمة.
بناء عريش من جريد للنبيّ:
قال محمد بن إسحاق: فحدّثني محمد بن أبي بكر أنّ سعد بن معاذ قال: يا رسول اللّه، نبني لك عريشا من جريد فتكون فيه ونعدّ عندك ركائبك، ثم نلقى عدوّنا؛ فإن نحن أعزّنا اللّه وأظهرنا على عدوّنا كان ذلك [1] ما أحببنا، وإن كانت الأخرى جلست على ركائبك فلحقت بمن وراءنا من قومنا؛ فقد تخلّف عنك أقوام يا نبيّ اللّه ما نحن بأشدّ حبّا لك منهم، [و لو ظنّوا [2] أنّك تلقى حربا ما تخلّفوا عنك، يمنعك اللّه بهم، يناصحونك ويجاهدون معك].
فأثنى [عليه] [3] رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم خيرا، ودعا له بخير. ثم بني لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عريش فكان فيه.
إقبال قريش دعاء النبيّ عليها:
وقد ارتحلت قريش حين أصبحت وأقبلت. فلمّا رآها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم تصوّب [4] من العقنقل - وهو الكثيب الذي منه جاؤوا - إلى الوادي قال: «اللّهمّ هذى قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها تحادّك وتكذّب رسولك. اللّهمّ فنصرك الذي وعدتني. اللّهمّ فأحنهم [5] /الغداة». وقد قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ورأى عتبة بن ربيعة في القوم على جمل له أحمر: «إن يكن عند أحد من القوم خير فعند صاحب الجمل الأحمر إن يطيعوه يرشدوا».
عرض خفاف بن إيماء معونته على قريش:
وقد كان خفاف [بن إيماء] [6] بن رحضة الغفاريّ، أو أبوه [7] أيما بن رحضة، بعث إلى قريش حين مرّوا به ابنا له بجزائر أهداها لهم وقال لهم: إن أحببتم أن نمدّكم [8] بسلاح ورجال فعلنا. فأرسلوا [إليه] [6] مع ابنه: أن وصلتك رحم! فقد قضيت الذي عليك. فلعمري لئن كنّا إنّما نقاتل الناس فما بنا ضعف [عنهم] [6]، ولئن كنّا نقاتل اللّه كما يزعم محمد فما لأحد باللّه من طاقة. فلمّا نزل الناس أقبل نفر من قريش حتّى وردوا الحوض حوض رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم./ فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «دعوهم». فما شرب منهم رجل إلّا قتل يومئذ، إلّا ما كان من حكيم بن حزام فإنّه لم يقتل، نجا على فرس له يقال له الوجيه، وأسلم بعد ذلك فحسن إسلامه؛ فكان إذا اجتهد [في] [6] يمينه قال: والذي نجّاني من يوم بدر.
بعثت قريش عمير بن وهب متجسسا فأخبرهم بما روّعهم:
قال محمد بن إسحاق: وحدّثني أبي إسحاق بن يسار وغيره من أهل العلم عن أشياخ من الأنصار قالوا:
لمّا اطمأنّ القوم بعثوا عمير بن وهب الجمحيّ فقالوا: احزر [9] لنا أصحاب محمد؛ فاستجال بفرسه حول
__________
[1] كذا في «السيرة». وفي الأصول: «ذلك مما».
[2] زيادة عن «السيرة» و «تاريخ الطبري».
[3] الزيادة عن «السيرة» (ج 1 ص 440 طبع أوروبا).
[4] التصوّب: الانحدار من علو.
[5] الحين (بالفتح): الهلاك. وحان الرجل: هلك. وأحانه اللّه: أهلكه.
[6] الزيادة عن «السيرة» و «تاريخ الطبري».
[7] في الأصول: «أخوه»، والتصويب عن «السيرة» و «تاريخ الطبري». وإيماء بكسر الهمزة مع المدّ أو بفتحها مع القصر. ورحضة بالتحريك أو بالفتح، أو بالضم، أقوال فيه. (انظر «شرح القاموس» مادة رحض).
[8] كذا في «السيرة». وفي الأصول والطبري: «أمدّكم».
[9] الحزر: التخمين والتقدير.
العسكر ثم رجع إليهم، فقال: ثلاثمائة رجل يزيدون قليلا أو ينقصونه، ولكن أمهلوني حتّى أنظر: أللقوم كمين أو مدد. قال: فضرب في الوادي حتى أمعن، فلم ير شيئا، فرجع فقال: لم أر شيئا، ولكن قد رأيت/ يا معشر قريش الولايا [1] تحمل المنايا! نواضح [2] يثرب تحمل الموت الناقع! قوم ليس لهم منعة ولا ملجأ إلّا سيوفهم. واللّه ما أرى أن يقتل رجل منهم حتّى يقتل رجلا منكم! فإذا أصابوا منكم أعدادهم، فما خير العيش بعد ذلك! فروا رأيكم.
فلمّا سمع حكيم بن حزام ذلك مشى في الناس فأتى عتبة بن ربيعة وقال: يا أبا الوليد، إنّك كبير قريش الليلة وسيّدها والمطاع فيها، هل لك إلى أمر لا تزال تذكر منه بخير إلى آخر الدهر؟ قال: وما ذاك يا حكيم؟ قال: ترجع بالناس وتحمل دم حليفك عمرو بن الحضرميّ. قال: قد فعلت، أنت على ذلك شهيد، إنما هو حليفي فعليّ عقله [3] وما أصيب من ماله؛ فأت ابن الحنظليّة [4] فإنّي لا أخشى أن يسحر الناس غيره (يعني أبا جهل بن هشام).
يقص حكيم بن حزام حديث بدر لمروان بن الحكم:
حدّثنا محمد قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثنا غمامة [5] بن عمرو السّهمي قال حدّثنا مسوّر بن عبد الملك اليربوعيّ عن أبيه عن سعيد بن المسيّب قال:
بينا نحن عند مروان بن الحكم إذ دخل عليه حاجبه فقال: هذا أبو خالد حكيم بن حزام. قال: إيذن له. فلمّا دخل حكيم بن حزام، قال: مرحبا بك يا أبا خالد، أدن؛ فحال له مروان عن صدر المجلس حتّى كان بينه وبين الوسادة، ثم استقبله مروان فقال: حدّثنا حديث بدر. قال: خرجنا حتّى إذا نزلنا الجحفة رجعت قبيلة من قبائل قريش بأسرها، فلم يشهد أحد من مشركيهم بدرا؛ ثم خرجنا حتّى نزلنا العدوة التي/ قال اللّه عزّ وجلّ؛ فجئت عتبة بن ربيعة فقلت: يا أبا الوليد، هل لك أن تذهب بشرف هذا اليوم ما بقيت؟ قال: أفعل ماذا؟ قال: قلت: إنّكم لا تطلبون من محمد إلّا دم واحد: (ابن الحضرميّ) وهو حليفك، فتحمّل ديته فيرجع الناس. قال: أنت وذاك، وأنا أتحمّل ديته، فاذهب إلى ابن الحنظليّة (يعني أبا جهل) فقل له: هل لك أن ترجع اليوم بمن معك عن ابن عمّك؟
فجئته فإذا هو في جماعة من بين يديه ومن ورائه، فإذا ابن الحضرميّ واقف على رأسه وهو يقول: قد فسخت عقدي من بني عبد شمس، وعقدي إلى بني مخزوم. فقلت له: يقول لك عتبة بن ربيعة: هل لك أن ترجع اليوم عن ابن عمّك بمن معك؟ قال: أما وجد رسولا غيرك؟ قلت: لا، ولم أكن لأكون رسولا لغيره. قال حكيم: فخرج مبادرا إلى عتبة وخرجت معه لئلا يفوتني من الخبر شيء، وعتبة يتّكىء على إيماء بن رحضة الغفاريّ، وقد أهدى
__________
[1] الولايا: جمع ولية، وهي البرذعة أو ما تحتها.
[2] النواضح: جمع ناضح. والناضح: البعير يستقى عليه، ثم استعمل في كل بعير وإن لم يحمل الماء.
[3] العقل: الدية.
[4] قال ابن هشام: الحنظلية أم أبي جهل، وهي أسماء بنت مخرّبة أحد بني نهشل بن دارم بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم.
[5] كذا في الأصول بالغين المعجمة. وقد ذكر الطبري (قسم أوّل ص 1313) هذا القصة بهذا الإسناد، وفيه: «عمامة بن عمرو السهمي» بالعين المهملة. وفي هامشه في الصفحة نفسها نقلا عن نسخة أخرى: «غمامة» بالغين المعجمة كما في الأصول. وفي القسم الثالث من الطبري (ص 268): «عثامة بن عمرو السهمي». وفي هامشه في الصفحة نفسها نقلا عن نسختين أخريين: «غمانة» بالغين و «عتّامة» بالعين والتاء. ولم نعثر على هذا الاسم في «كتب التراجم» حتى نستطيع ترجيح أحد هذه الأسماء.
إلى المشركين عشر جزائر، فطلع أبو جهل والشرّ في وجهه، فقال لعتبة: انتفخ سحرك [1]! فقال عتبة: فستعلم.
فسلّ أبو جهل سيفه/ فضرب به متن فرسه؛ فقال إيماء بن رحضة: بئس المقام هذا! فعند ذلك قامت الحرب.
رجع الحديث إلى ابن إسحاق:
نصح عتبة بن ربيعة قريشا بالرجوع فأبى أبو جهل:
ثم قام عتبة بن ربيعة خطيبا، فقال: يا معشر قريش، واللّه ما تصنعون بأن تلقوا محمدا وأصحابه شيئا! واللّه لئن أصبتموه، لا يزال الرجل منكم ينظر في وجه رجل يكره النظر إليه، رجل قتل ابن عمّه أو ابن خاله أو رجلا من عشيرته، فارجعوا وخلّوا بين محمد وبين سائر العرب؛ فإن أصابوه فذلك الذي أردتم، وإن كان غير ذلك ألفاكم [2] /و لم تعدموا منه ما تريدون. قال حكيم: فانطلقت حتّى جئت أبا جهل، فوجدته قد نثل [3] درعا له من جرابها [4] وهو يهيّئها؛ فقلت له: يا أبا الحكم، إنّ عتبة أرسلني إليك بكذا وكذا (الذي قال)؛ فقال: انتفخ واللّه سحره حين رأى محمدا وأصحابه. كلّا واللّه! لا مرجع حتّى يحكم اللّه بيننا وبين محمد وأصحابه؛ وما بعتبة ما قال، ولكنه قد رأى أنّ محمدا وأصحابه أكلة [5] جزور، وفيهم ابنه قد تخوّفكم عليه. ثم بعث إلى عامر بن الحضرميّ فقال له: هذا حليفك يريد أن يرجع بالناس وقد رأيت ثارك بعينك، فقم فانشد خفرتك [6] ومقتل أخيك. فقام عامر بن الحضرميّ فاكتشف [7] ثم صرخ: وا عمراه! وا عمراه! فحميت الحرب، وحقب [8] أمر الناس، واستوسقوا [9] على ما هم عليه من الشرّ، وأفسد على الناس الرّأي الذي دعاهم إليه عتبة بن ربيعة. ولمّا بلغ عتبة قول أبي جهل: «انتفخ سحره» قال: سيعلم مصفّر الاست من انتفخ سحره: أنا أم هو! ثم التمس عتبة بيضة ليدخلها في رأسه فلم يجد في الجيش بيضة تسعه من عظم هامته؛ فلمّا رأى ذلك اعتجر [10] على رأسه ببرد له.
أقسم الأسود بن عبد الأسد ليشربن من حوض المسلمين فقتل:
وقد خرج الأسود بن عبد الأسد المخزوميّ، وكان رجلا شرسا سيّ ء الخلق، فقال: أعاهد اللّه لأشربنّ من حوضهم أو لأهدمنّه أو لأموتنّ دونه. فلمّا خرج خرج له حمزة بن عبد المطّلب، فلمّا التقيا ضربه حمزة فأبان قدمه
__________
[1] يكنى بانتفاخ السحر عن مجاوزة القدر، ولكنه هنا كناية عن الجبن؛ وذلك أن الجبان يملأ الخوف جوفه فينتفخ سحره. والسحر:
الرئة وما حولها مما يعلق به الحلقوم فوق السرة.
[2] في ح: «ألفاكم ولم تعرضوا منه لما تريدون».
[3] نثل: أخرج.
[4] كذا في م، وهو الموافق لما في «السيرة» والطبري. وفي سائر الأصول: «عن جرابها».
[5] يريد أنهم قلة تكفيهم جزور واحدة لطعامهم.
[6] كذا في «السيرة» و «تاريخ الطبري». والخفرة: الذمة والعهد. وفي الأصول: «حقوقك».
[7] كذا في م «و السيرة» والطبري. وفي «القاموس»: «و اكتشفت المرأة لزوجها: بالغت في التكشف له عند الجماع». فلعله يريد أنه أشرف على شيء عال أو نحو ذلك حتى انكشف للناس ثم صرخ فيهم. وفي سائر الأصول: «فاكتنف»، وهو تحريف.
[8] حقب أمر الناس: فسد.
[9] استوسقوا: اجتمعوا.
[10] الاعتجار: لف العمامة على الرأس.
بنصف ساقه وهو دون الحوض، فوقع على ظهره/ تشخب رجله دما نحو أصحابه، ثم حبا إلى الحوض حتى اقتحم فيه يريد أن يبرّ يمينه، وأتبعه حمزة فضربه حتّى قتله في الحوض.
طلب عتبة بن ربيعة وابنه وأخوه المبارزة فندب لهم النبيّ من قتلهم:
ثم خرج بعده عتبة بن ربيعة بين أخيه شيبة بن ربيعة وابنه الوليد بن عتبة، حتّى إذا نصل [1] من الصّفّ دعا إلى المبارزة، فخرج إليه فتية من الأنصار ثلاثة نفر، وهم: عوف [2] ومعوّذ ابنا الحارث، وأمّهما عفراء ورجل آخر يقال [3]: هو عبد اللّه بن رواحة؛ فقالوا: من أنتم؟ قالوا: رهط من الأنصار. قالوا: ما لنا بكم حاجة. ثم نادى مناديهم: يا محمد، أخرج إلينا أكفاءنا من قومنا. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «قم يا حمزة بن عبد المطّلب، قم يا عبيدة ابن الحارث، قم يا عليّ بن أبي طالب». فلمّا قاموا ودنوا منهم، قالوا: من أنتم؟ فقال عبيدة: عبيدة، وقال حمزة: حمزة، وقال عليّ: عليّ. قالوا: نعم [4] أكفاء كرام. فبارز عبيدة بن الحارث، وكان أسنّ القوم، عتبة بن ربيعة؛ وبارز حمزة شيبة بن ربيعة؛ وبارز عليّ الوليد بن عتبة. فأمّا حمزة فلم يمهل شيبة أن قتله. و [أمّا] [5] عليّ فلم يمهل الوليد بن عتبة أن قتله. واختلف عبيدة وعتبة بينهما بضربتين كلاهما أثبت [6] صاحبه؛ فكّر حمزة وعليّ على عتبة بأسيافهما فذفّفا [7] عليه فقتلاه، واحتملا صاحبهما عبيدة، فجاءا به إلى أصحابه وقد قطعت/ رجله ومخّه يسيل. فلمّا أتوا بعبيدة إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: ألست شهيدا يا رسول اللّه؟ / قال: «بلى». فقال عبيدة: لو كان أبو طالب حيّا لعلم أنّي بما قال أحقّ منه حيث يقول:
ونسلمه [8] حتّى نصرّع حوله ... ونذهل عن أبنائنا والحلائل
قال محمد بن إسحاق: وحدّثني عاصم بن عمر بن قتادة: أنّ عتبة بن ربيعة قال للفتية من الأنصار حين انتسبوا له: أكفاء كرام، إنما نريد قومنا. ثم تزاحف الناس ودنا بعضهم من بعض - وقد أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم [أصحابه] [9] ألّا
__________
[1] كذا في «سيرة ابن هشام». ونصل: خرج. وفي الأصول والطبري: «فصل» بالفاء.
[2] كذا في م، وهو الموافق لما في «سيرة ابن هشام» (ص 443 طبع أوروبا) و «تاريخ الطبري» (ص 1210، 1212، 1317، 1322، 1336 من القسم الأوّل طبع أوروبا) و «طبقات ابن سعد». وفي الأصول: «عوذ» بالذال المعجمة في آخره، وهو قول لبعضهم في اسمه حكاه ابن عبد البر في «الاستيعاب» وابن حجر في «الإصابة».
[3] كذا في «السيرة». وفي الأصول والطبري: «يقال له عبد اللّه بن رواحة». ولا يخفى ما بين التعبيرين من خلاف.
[4] في ح، ب: «نحن».
[5] زيادة عن م «و السيرة» والطبري.
[6] أثبت صاحبه: أثخنه بالجراح.
[7] دفف على الجريح: أجهز عليه.
[8] هذا البيت من قصيدة أبي طالب التي مطلعها:
خليليّ ما أذني لأوّل عاذل ... بصغواء في حق ولا عند باطل
وقبل هذا البيت:
كذبتم وبيت اللّه نبزى محمدا ... ولما نطاعن دونه ونناظل
ونبزي: نغلب ونقهر، وهو على تقدير النفي. ومحمد نصب على نزع الخافض، أي لا نغلب عليه. ونسلمه (بالرفع) معطوف على نبزي أي لا نسلمه. وقد ورد هذا البيت في «اللسان» مادة (بزا) هكذا:
كذبتم وحق اللّه يبزي محمد ... ............... ................
إلخ ومعناه، كما في «اللسان»، يقهر ويستذل. وهو على تقدير النفي أيضا.
[9] زيادة عن «السيرة» والطبري.
يحملوا حتى يأمرهم، وقال: «إن اكتنفكم القوم فانضحوهم بالنّبل» - ورسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في العريش معه أبو بكر.
وكانت وقعة بدر يوم الجمعة صبيحة سبع عشرة من شهر رمضان، قال ابن إسحاق: كما [1] حدّثني أبو جعفر محمد بن عليّ بن الحسين.
تعديل النبي لصفوف أصحابه وقصة سواد بن غزية:
قال محمد بن جرير وحدّثنا ابن حميد [2] قال حدّثنا سلمة قال قال لي محمد بن إسحاق حدّثني حبّان [3] بن واسع بن حبّان عن أشياخ من قومه: / أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عدّل صفوف أصحابه يوم بدر، وفي يده قدح [4] يعدّل به القوم، فمرّ بسواد [5] بن غزيّة حليف بني عديّ بن النجّار وهو مستنتل [6] من الصفّ، فطعن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في بطنه بالقدح، ثم قال: «استو يا سواد بن غزيّة». فقال: يا رسول اللّه، أو جعتني! وقد بعثك اللّه بالحقّ، فأقدني. قال: فكشف رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن بطنه وقال: «استقد»؛ فاعتنقه وقبّل بطنه. فقال: «ما حملك على هذا يا سواد»؟ فقال: يا رسول اللّه، حضر ما ترى، فلم آمن الموت، فأردت أن يكون آخر العهد بك أن يمسّ جلدي جلدك؛ فدعا له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بخير وقال له خيرا. ثم عدّل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الصفوف، ورجع إلى العريش ودخله ومعه أبو بكر ليس معه غيره، ورسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يناشد ربّه ما وعده من النصر، ويقول فيما يقول: «اللّهمّ إن تهلك هذه العصابة اليوم - يعني المسلمين - لا تعبد بعد اليوم»، وأبو بكر يقول: يا نبيّ اللّه خلّ بعض مناشدتك ربّك؛ فإنّ اللّه منجز لك ما وعدك.
دعاء النبيّ يوم بدر:
حدّثنا محمد بن جرير قال حدّثنا محمد بن عبيد المحاربيّ قال حدّثنا عبد اللّه بن المبارك عن عكرمة بن عمّار قال حدّثني سماك الحنفيّ قال سمعت ابن عبّاس يقول: حدّثني عمر بن الخطاب قال:
لمّا كان يوم بدر ونظر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى المشركين وعدتهم وإلى أصحابه وهم نيّف على ثلاثمائة، استقبل الكعبة وجعل يدعو ويقول: «اللّهمّ/ أنجز لي ما وعدتني. اللّهمّ إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض»، فلم يزل كذلك حتى سقط رداؤه؛ فأخذ أبو بكر فوضع رداءه عليه، ثم التزمه من ورائه فقال: كفاك
__________
[1] كذا في «سيرة ابن هشام وتاريخ الطبري». وفي الأصول: «قال ابن إسحاق فحدّثني إلخ» وهو خطأ.
[2] كذا في الطبري و «تهذيب التهذيب»، وهو محمد بن حميد بن حيان التميمي أبو عبد اللّه الرازي أحد شيوخ ابن جرير الطبري وممن رووا عن سلمة بن الفضل. وفي الأصول: «أبو أحمد» وهو خطأ.
[3] كذا في «السيرة» (ص 444 طبع أوروبا)، وهو حبان بن واسع بن حبان بن منفذ أحد شيوخ محمد بن إسحاق (راجع «تهذيب التهذيب» ح 2 ص 170، و «كتاب من روى عنهم» محمد بن إسحاق ص 9 طبع ليدن). وفي الطبري: «حبان بن واسع بن حبان بن واسع». وفي جميع الأصول: «واسع حيان بن واسع».
[4] القدح (بالكسر): السهم قبل أن ينصل ويراش.
[5] ورد هذا الاسم هكذا في «تاريخ الطبري» (ص 1319 قسم أول) و «أسد الغابة» (ج 2 ص 374) و «طبقات ابن سعد» (ج 3 ص 72 من القسم الثاني). وفي «سيرة ابن هشام» (ص 444، 504 طبع أوروبا) قال ابن هشام في الموضعين: «و يقال سوّاد بن غزية».
وفي «الإصابة» (ج 3 ص 148 طبع مصر) في الكلام على سواد بن غزية: «المشهور أنه بتخفيف الواو، وحكى السهيلي تشديدها».
[6] كذا في س والطبري و «السيرة». ونتل من بين الصف واستنتل: تقدّم. وفي سائر الأصول: «استنثل» بالثاء المثلثة.
يا نبيّ اللّه، بأبي أنت وأمّي، مناشدتك لربّك، سينجز لك ما وعدك. فأنزل اللّه تعالى: (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ) [1].
حدّثنا محمد قال حدّثنا ابن وكيع قال حدّثنا الثّقفيّ (يعني عبد الوهّاب) عن خالد عن عكرمة عن ابن عبّاس: أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال وهو في قبّته [2] يوم بدر «اللّهمّ أسألك عهدك ووعدك. اللّهمّ إن شئت لم تعبد بعد اليوم».
قال: فأخذ أبو بكر بيده فقال: حسبك/ يا نبيّ اللّه، فقد ألححت على ربّك، وهو في الدّرع؛ فخرج وهو يقول: (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ)
رجع الحديث إلى حديث ابن إسحاق
أخذت النبيّ سنة ثم انتبه مبشرا بالنصر ومحرّضا على القتال:
قال: وقد خفق رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم خفقة وهو في العريش، ثم انتبه فقال: «يا أبا بكر أتاك نصر اللّه، هذا جبريل آخذ بعنان فرسه يقوده وعلى ثناياه النّقع» [3]. قال: وقد رمي مهجع مولى عمر بن الخطّاب بسهم فقتل، فكان أوّل قتيل من المسلمين. ثم رمي حارثة بن سراقة أحد بني عديّ بن النجّار وهو يشرب من الحوض [بسهم فأصاب نحره] [4] فقتل. ثم خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى الناس فحرّضهم ونفّل كلّ امرىء ما أصاب، وقال: «و الذي نفسي بيده لا يقاتلهم/ اليوم رجلا فيقتل صابرا محتسبا مقبلا غير مدبر إلّا أدخله اللّه الجنّة». فقال عمير بن الحمام أخو بني سلمة وفي يده تمرات يأكلها: بخ بخ! أما بيني وبين أن أدخل الجنّة إلّا أن يقتلني هؤلاء! قال: ثم قذف التّمرات من يده وأخذ سيفه فقاتل القوم حتى قتل، وهو يقول:
ركضا إلى اللّه بغير زاد ... إلّا التّقى وعمل المعاد
والصّبر في اللّه على الجهاد ... وكلّ زاد عرضة النّفاد
غير التّقى والبرّ والرّشاد
حدّثنا محمد بن جرير قال حدّثنا ابن حميد قال حدّثنا سلمة قال حدّثنا محمد بن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة: أنّ عوف بن الحارث، وهو ابن عفراء، قال: يا رسول اللّه، ما يضحك الربّ من عبده؟ قال: «غمسه يده في العدوّ حاسرا»؛ فنزع درعا كانت عليه فقذفها، ثم أخذ سيفه فقاتل القوم حتى قتل.
التقاء الفريقين وهزيمة المشركين:
حدّثنا محمد قال حدّثنا ابن حميد قال حدّثنا سلمة عن ابن إسحاق قال وحدّثني محمد بن مسلم الزّهريّ عن عبد اللّه بن ثعلبة بن صعير العذريّ حليف بني زهرة قال:
__________
[1] مردفين: متتابعين بعضهم في إثر بعض.
[2] كذا في «تاريخ الطبري». والمراد بالقبة العريش الذي نصب له. وفي الأصول: «في فتية» وهو تحريف.
[3] النقع: الغبار.
[4] زيادة عن «السيرة».
لمّا التقى الناس ودنا بعضهم من بعض [1]، قال أبو جهل: اللّهمّ أقطعنا للرّحم وآتانا بما لا يعرف فأحنه الغداة؛ فكان هو المستفتح على نفسه. ثم إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أخذ حفنة من الحصباء واستقبل بها قريشا، ثم قال:
«شاهت الوجوه» ثم نفحهم [2] بها، وقال لأصحابه: «شدّوا»؛ فكانت الهزيمة، فقتل اللّه من قتل من صناديد قريش، وأسر من أسر منهم. فلمّا وضع القوم أيديهم/ يأسرون - ورسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في العريش، وسعد بن معاذ قائم على باب العريش الذي فيه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم متوشّحا بالسيف في نفر من الأنصار، يحرسون رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، يخافون عليه كرّة العدوّ - رأى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم - فيما ذكر لي - في وجه سعد بن معاذ الكراهة فيما يصنع الناس؛ فقال له: «كأنّك كرهت ما يصنع الناس»! قال: أجل يا رسول اللّه! كانت أوّل وقعة أوقعها اللّه عزّ وجلّ بأهل الشّرك؛ فكان الإثخان في القتل أعجب إليّ من استبقاء الرجال.
نهى النبيّ عن قتل جماعة خرجوا مستكرهين مع قريش:
حدّثنا محمد قال حدّثنا ابن حميد قال حدّثنا سلمة عن محمد بن إسحاق قال، وحدّثني العبّاس بن عبد/ اللّه بن معبد [3] عن بعض أهله عن ابن عبّاس:
أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال لأصحابه يومئذ: «إنّي قد عرفت أنّ رجالا من بني هاشم [و غيرهم] [4] قد أخرجوا كرها لا حاجة لهم بقتالنا؛ فمن لقي منكم أحدا من بني هاشم فلا يقتله، ومن لقي أبا البختريّ [بن هشام] بن الحارث فلا يقتله ومن لقي العبّاس بن عبد المطّلب - عمّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم - فلا يقتله، فإنّما خرج مستكرها». قال: فقال أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة: أيقتل آباؤنا وأبناؤنا وإخواننا [5] وعشيرتنا ونترك العبّاس! واللّه لئن لقيته لألحمنّه [6] السيف! فبلغت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فجعل يقول لعمر بن الخطّاب: «يا أبا حفص أما تسمع إلى قول أبي حذيفة يقول أضرب وجه عمّ رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلّم - بالسيف». فقال: عمر: يا رسول اللّه، دعني فلأضربنّ عنقه بالسيف، فو اللّه لقد نافق. قال/ عمر: واللّه إنّه لأوّل يوم كناني فيه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بأبي حفص. قال: فكان أبو حذيفة يقول: ما أنا بآمن من تلك الكلمة التي قلت يومئذ ولا أزال منها خائفا إلّا أن تكفّرها عنّي الشهادة؛ فقتل يوم اليمامة [شهيدا] [7].
سبب نهي النبي عن قتل أبي البختري وقصة قتله:
قال: وإنّما نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن قتل أبي البختريّ، لأنه كان أكفّ القوم عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وهو بمكة، كان لا يؤذيه ولا يبلغه عنه بمكة شيء يكرهه، وكان ممن قام في نقض الصحيفة التي كتبت قريش على بني هاشم وبني المطّلب. فلقيه المجدّر بن ذياد [8] البلويّ حليف الأنصار من بني عديّ، فقال المجذّر بن ذياد لأبي البختريّ: إنّ
__________
[1] كذا في م و «السيرة». وفي باقي الأصول: «و دنا بعضهم من بعضهم».
[2] نفحهم: ضربهم.
[3] كذا في «تاريخ الطبري» (ص 1323 من القسم الأوّل طبع أوروبا) و «سيرة ابن هشام» (ص 446 طبع أوروبا) و «تهذيب التهذيب» (ج 5 ص 120 طبع الهند). وفي الأصول: «مصعب» وهو تحريف.
[4] زيادة عن م «و السيرة» والطبري.
[5] في «السيرة»: «و إخوتنا».
[6] لأجعلن لحمه طعاما للسيف. وفي الأصول: «لألجمنه».
[7] زيادة عن م «و السيرة» والطبري.
[8] كذا في الطبري و «سيرة ابن هشام وطبقات ابن سعد» (ج 3 ص 98 من القسم الثاني طبع أوروبا) و «أسد الغابة» (ج 4 ص 302) و
رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قد نهى عن قتلك، ومع أبي البختريّ زميل له خرج معه من مكة، وهو جنادة بن مليحة بن زهير بن الحارث بن أسد - وجنادة رجل من بني ليث. واسم أبي البختريّ العاصي بن هشام بن الحارث بن أسد - قال:
وزميلي؟ فقال المجذّر: لا واللّه ما نحن بتاركي زميلك؛ ما أمرنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلّا بك وحدك. قال: واللّه إذا لأموتن [أنا] [1] وهو جميعا! لا تتحدّث عنّي نساء قريش بين أهل مكة أنّي تركت زميلي حرصا على الحياة. فقال أبو البختريّ حين نازله المجذّر وأبى إلّا القتال [2] وهو يرتجز:
لن يسلم ابن حرّة أكيله [3] ... حتّى يموت أو يرى سبيله
/ فاقتتلا، فقتله المجذّر بن ذياد. ثم أتى المجذّر بن ذياد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: والّذي بعثك بالحق، لقد جهدت عليه أن يستأسر فآتيك به، فأبى إلّا القتال، فقاتلته فقتلته.
عبد الرحمن بن عوف وأمية بن خلف:
قال محمد بن إسحاق: وحدّثني يحيى بن عبّاد بن عبد اللّه بن الزّبير عن أبيه، قال: وحدّثنيه [4] أيضا عبد اللّه بن أبي بكر وغيرهما عن عبد الرحمن بن عوف قال:
كان أميّة بن خلف لي صديقا بمكة. قال: وكان اسمي عبد عمرو، فسمّيت حين أسلمت عبد الرحمن ونحن بمكة. قال: وكان يلقاني بمكة فيقول: يا عبد عمرو، أرغبت عن اسم سمّاك به أبواك؟ فأقول نعم؛ فيقول: فإنّي لا أعرف الرحمن، فاجعل بيني وبينك شيئا أدعوك به، أمّا أنت فلا تجيبني باسمك الأوّل، وأمّا أنا فلا أدعوك بما لا أعرف. قال: فكان إذا دعاني: يا عبد عمرو، لم أجبه. فقلت: اجعل بيني وبينك يا أبا عليّ ما شئت. قال: فأنت عبد الإله. فقلت نعم. قال: فكنت إذا مررت به قال: يا عبد/ الإله فأجيبه فأتحدّث معه. حتى إذا كان يوم بدر، مررت به وهو واقف مع عليّ ابنه آخذا بيده، ومعي أدراع قد سلبتها وأنا أحملها. فلمّا رآني قال: يا عبد عمرو، فلم أجبه. فقال: يا عبد الإله، قلت نعم. قال: هل لك فيّ فأنا خير لك من هذه الأدراع؟ قلت: نعم، هلمّ إذا.
فطرحت الأدراع من يدي وأخذت بيده وبيد ابنه عليّ، وهو يقول: ما رأيت كاليوم قطّ، أما لكم حاجة في اللبن [5]؟
ثم خرجت أمشى بينهما.
مقتل أمية بن خلف وابنه:
قال ابن إسحاق: وحدّثني عبد الواحد بن أبي عون عن سعد [6] بن إبراهيم بن عبد الرحمن عن أبيه عن [7] عبد الرحمن بن عوف قال:
__________
() «المشتبه في أسماء الرجال» للذهبي (ص 464) و «شرح القاموس» مادة ذود. وورد فيه: «و المجذر بن ذياد بالكسر ويقال ذيّاد ككتّان، والأول أكثر». وفي الأصول: «زياد» بالزاي. وفي «سيرة ابن هشام» (ص 447): «و يقال المجذر بن ذئاب».
[1] زيادة عن م و «السيرة» والطبري.
[2] كذا في م و «السيرة». وفي سائر الأصول: «القتل».
[3] في «سيرة ابن هشام»: «زميله».
[4] كذا في «السيرة». وفي الأصول: «حدّثني».
[5] قال ابن هشام: «يريد باللبن أن من أسرني افتديت منه بابل كثيرة اللبن».
[6] كذا في الطبري. وفي «تهذيب التهذيب» لابن حجر العسقلاني أن عبد الواحد بن أبي عون يروي عن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف. وقد ورد في الأصول: « ... أبي عون بن سعيد بن إبراهيم إلخ» وهو خطأ.
[7] كذا في م و «سيرة ابن هشام» والطبري. وفي سائر الأصول: «عن أبيه عبد الرحمن» وهو خطأ.
قال لي أميّة بن خلف وأنا بينه وبين ابنه آخذ بأيديهما: يا عبد الإله، من الرجل المعلم [1] منكم بريش نعامة في صدره؟ قال قلت: ذلك حمزة بن عبد المطّلب. قال: ذلك الذي فعل بنا الأفاعيل. قال عبد الرحمن: فو اللّه إنّي لأقودهما إذ رآه بلال معي - وكان هو الذي يعذّب بلالا بمكة على أن يترك الإسلام، فيخرجه إلى رمضاء مكة [2] إذا حميت فيضجعه على ظهره، ثم يأمر [3] بالصخرة العظيمة فتوضع على صدره، ثم يقول: لا تزال هكذا حتى تفارق دين محمد؛ فيقول بلال: أحد أحد - فقال بلال حين رآه: رأس الكفر أميّة بن خلف، لا نجوت إن نجوا! قال: قلت: أي بلال، أبأسيريّ! قال: لا نجوت إن نجوا! قلت: أي بلال، أبأسيريّ تسمّع [4] يا بن السوداء! قال: لا نجوت إن نجوا! ثم صرخ بأعلى صوته: يا أنصار اللّه، رأس الكفر أميّة بن خلف، لا نجوت إن نجوا. قال:
فأحاطوا بنا حتى جعلونا في مثل المسكة [5] وأنا أذبّ عنه. قال: فأخلف رجل السيف فضرب رجل ابنه [6] فوقع، وصاح أميّة/ صيحة ما سمعت بمثلها قطّ. قال قلت: انج بنفسك ولا نجاء [7]! فو اللّه ما أغني عنك شيئا. قال:
فهبروهما [8] بأسيافهم حتى فرغوا منهما. قال: فكان عبد الرحمن يقول: رحم اللّه بلالا! ذهب بأدراعي وفجعني بأسيريّ.
قتال الملائكة في غزوة بدر:
قال ابن إسحاق حدّثني عبد اللّه بن أبي بكر أنه حدث عن ابن عباس قال حدّثني رجل من بني غفار [9] قال:
أقبلت أنا وابن عمّ لي حتى أصعدنا في جبل يشرف بنا على بدر، ونحن مشركان ننتظر الوقعة على من تكون الدّبرة [10]- فننهب مع من ينهب. فبينا نحن في الجبل إذ دنت منّا سحابة، فسمعنا فيها حمحمة الخيل، وسمعت قائلا يقول: أقدم [11] حيزوم. قال: فأمّا ابن عمّي فانكشف قناع [12] قلبه فمات مكانه. وأما أنا فكدت أهلك، ثم تماسكت.
قال محمد بن إسحاق حدّثني أبي إسحاق بن يسار عن رجال من بني مازن بن النجّار عن أبي داود المازنيّ، وكان شهد بدرا، قال:
__________
[1] كذا في م و «السيرة» والطبري. وفي سائر الأصول: «المتعلم».
[2] كذا في م و «السيرة» والطبري. وفي سائر الأصول: «رمضاء بمكة».
[3] كذا في م و «السيرة». وفي سائر الأصول: «يأتي».
[4] كذا في م. والتسميع: التشهير؛ يقال: سمّع بالرجل، إذا أذاع عنه عيبا وندّد به وشهره وفضحه. وفي ج والطبري: «أي بلال تسمع يا ابن السوداء». وفي سائر الأصول: «أي بلال أتسمع يابن السوداء».
[5] كذا في م و «السيرة» والطبري. والمسكة (بالتحريك): السوار. وفي سائر الأصول: «السكة» وهو تحريف.
[6] كذا في «السيرة». وفي الأصول: «قال: فضرب رجل أمية فوقع إلخ».
[7] في «السيرة»: «انج بنفسك ولا نجاء به».
[8] هبروهما: قطعوهما.
[9] كذا في «سيرة ابن هشام» و «تاريخ الطبري». وفي الأصول: «بني عفان».
[10] الدبرة (بالفتح): العاقبة؛ يقال: لمن الدبرة أي الدولة والنصر والظفر، وعلى من الدبرة أي الهزيمة.
[11] أقدم حيزوم: أمر بالإقدام، وهو التقدّم في الحرب، والإقدام: الشجاعة. وقد تكسر همزة «إقدم» فيكون أمرا بالتقدّم لا غير، والصحيح الفتح من أقدم. وحيزوم: اسم فرس جبريل عليه السّلام. (انظر ابن الأثير و «اللسان» مادتي قدم وحزم).
[12] قناع القلب: غشاؤه؛ تشبيها بقناع المرأة.
إنّ لأتبع رجلا من المشركين يوم بدر لأضربه، إذ وقع رأسه قبل أن يصل إليه سيفي، فعلمت أنه قد قتله غيري.
/ حدّثنا محمد بن جرير قال حدّثنا عبد الرحمن بن عبد اللّه بن الحكم المصريّ قال حدّثنا يحيى بن بكير قال حدّثني محمد بن إسحاق عن العلاء بن كثير عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف قال: قال لي أبي: يا بنيّ، لقد رأيتنا يوم بدر وإنّ أحدنا ليشير إلى المشرك بسيفه فيقع رأسه عن جسده قبل أن يصل إليه السيف.
لباس الملائكة يوم بدر وحنين:
حدّثنا محمد قال حدّثنا ابن حميد قال حدّثنا سلمة عن محمد قال، وحدّثني الحسن بن عمارة قال أخبرنا سلمة عن الحكم بن عتيبة [1] عن مقسم مولى عبد اللّه/ بن الحارث عن عبد اللّه بن عباس قال: كانت سيما الملائكة يوم بدر عمائم بيضا قد أرسلوها على [2] ظهورهم، ويوم حنين عمائم حمرا، ولم تقاتل الملائكة في يوم من الأيّام سوى يوم بدر، وكانوا يكونون فيما سواه من الأيام مددا وعددا ولا يضربون.
مقتل أبي جهل بن هشام:
حدّثنا محمد قال حدّثنا ابن حميد قال حدّثنا سلمة قال، قال محمد وحدّثني ثور بن زيد [3] ولي بني [4] الدّيل عن عكرمة مولى ابن عبّاس عن ابن عباس، قال وحدّثني عبد اللّه بن أبي بكر، قالا: كان معاذ بن عمرو بن الجموح أخو بني سلمة يقول:
لمّا فرغ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من غزوة بدر أمر بأبي جهل أن يلتمس في القتلى، وقال: «اللّهمّ لا يعجزنّك». وكان أوّل من لقي أبا جهل معاذ بن عمرو بن الجموح، قال: سمعت القوم، وأبو جهل في مثل الحرجة [5]، وهم يقولون: أبو الحكم/ لا يخلص إليه. فلمّا سمعتها جعلتها من شأني، فعمدت نحوه، فلمّا أمكنني حملت عليه، فضربته ضربة أطنّت [6] قدمه بنصف ساقه، فو اللّه ما شبّهتها حين طاحت إلّا كالنواة تطيح من تحت مرضخة [7] النّوى حين يضرب بها. قال: وضربني ابنه عكرمة على عاتقي فطرح يدي، فتعلّقت بجلدة من جنبي، وأجهضني القتال عنها؛ فلقد قاتلت عامّة يومي وإنّي لأسحبها خلفي، فلمّا آذتني جعلت عليها رجلي ثم تمطّيت بها حتى طرحتها.
قال: ثم عاش معاذ بعد ذلك حتى كان في زمن عثمان بن عفّان. قال: ثم مرّ بأبي جهل، وهو عقير [8]، معوّذ بن
__________
[1] كذا في «المشتبه في أسماء الرجال» للذهبي و «تهذيب التهذيب». وفي الأصول: «عيينة» وهو تصحيف.
[2] كذا في «السيرة». وفي الأصول: «في».
[3] في الأصول: «يزيد» والتصويب عن «تهذيب التهذيب» والطبري.
[4] كذا في م. وفي سائر الأصول: «ابن الديل».
[5] الحرجة بالتحريك: مجتمع شجر ملتف كالغيضة، والجمع: حرج وحراج.
[6] أطنت: قطعت.
[7] كذا في الطبري. وفي «النهاية» لابن الأثير: «شبهتها النواة تنزو من تحت المراضخ» جمع مرضخة، وهي حجر يرضخ به النوى.
والرضخ: الكسر. وفي الأصول: «مرضة النوى». ورض الشي ء: دقه وجرشه.
[8] كذا في م و «السيرة» والطبري. والعقير: المجروح. وفي سائر الأصول: «عفير» بالفاء، وهو تصحيف.
عفراء، فضربه حتى أثبته [1]، فتركه وبه رمق، وقاتل معوذ حتى قتل. فمرّ عبد اللّه بن مسعود بأبي جهل حين أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أن يلتمس في القتلى، وقال لهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فيما بلغني: «انظروا إن خفي عليكم في القتلى إلى أثر جرح بركبته؛ فإنّي ازدحمت أنا وهو يوما على مأدبة لعبد اللّه بن جدعان [و نحن غلامان] [2] وكنت أشبّ - أو أشفّ - منه بيسير، فدفعته فوقع عى ركبتيه فخدش [في] [2] إحداهما خدشا لم يزل أثره فيها بعد» [3]. فقال عبد اللّه بن مسعود: فوجدته بآخر رمق فعرفته، فوضعت رجلي على عنقه. قال: وقد كان ضبث [4] بي مرّة بمكة فآذاني ولكزني، ثم قلت: هل أخزاك اللّه/ يا عدوّ اللّه؟ قال: وبماذا أخزاني! أعمد [5] من رجل قتلتموه! لمن الدّبرة اليوم؟
قال: قلت: للّه ولرسوله صلّى اللّه عليه وسلّم.
حدّثنا محمد بن جرير قال حدّثنا ابن حميد قال حدّثنا سلمة عن محمد قال: زعم رجال من بني مخزوم أنّ ابن مسعود كان يقول: قال لي أبو جهل: لقد ارتقيت يا رويعي الغنم مرتقى صعبا؛ ثم احتززت رأسه، ثم جئت به رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقلت: يا رسول اللّه، هذا رأس عدوّ اللّه أبي جهل. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «اللّه الذي لا إله غيره»! - وكانت يمين رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم - قلت: نعم واللّه الذي لا إله غيره، ثم ألقيت رأسه بين يدي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم؛ قال: فحمد اللّه.
تكليم النبي أصحاب القليب بعد موتهم:
قال محمد بن إسحاق وحدّثني يزيد بن رومان عن عروة بن الزّبير عن عائشة قالت:
لمّا أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بالقتلى أن يطرحوا في القليب طرحوا فيها إلّا ما كان من أميّة بن خلف، فإنّه انتفخ في درعه فملأها؛ فذهبوا به ليخرجوه فتزايل، فأقرّوه [6] وألقوا عليه ما غيّبه من التراب والحجارة. فلمّا ألقوهم في القليب، وقف رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم/ فقال: «يا أهل القليب هل وجدتم ما وعدكم ربّكم حقّا فإني وجدت ما وعدني ربّي حقّا». فقال له أصحابه: يا رسول اللّه، أتكلّم قوما/ موتى؟ قال: «لقد علموا أنّ ما وعدهم ربّهم حقّ». قالت عائشة: والناس يقولون: «لقد سمعوا ما قلت لهم»، وإنما قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «لقد علموا».
قال ابن إسحاق وحدّثني حميد الطويل عن أنس بن مالك قال: لمّا سمع أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وهو يقول من جوف الليل: «يا أهل القليب يا عتبة بن ربيعة ويا شيبة بن ربيعة ويا أبا جهل بن هشام - فعدّد من كان منهم في القليب - هل وجدتم ما وعدكم ربّكم حقّا فإنّي قد
__________
[1] أي جرحه جراحا لا يتحرّك معها ولا يقوم.
[2] زيادة عن م و «السيرة».
[3] كذا في م. وفي سائر الأصول: «بعده».
[4] ضبث بالشيء ضبثا: قبض عليه بكفه.
[5] أعمد: أي أعجب. قال أبو عبيد: معناه هل زاد على سيد قتله قومه! هل كان إلا هذا! أي إن هذا ليس بعار. يريد أن يهوّن على نفسه ما حل به من الهلاك، وأنه ليس بعار عليه أن يقتله قومه. وقال شمر: هذا استفهام أي أأعجب من رجل قتله قومه! قال الأزهري: كأن الأصل أأعمد إلخ فخففت إحدى الهمزتين. والمراد بالدبرة: الدولة والظفر كما مرّ في الحاشية رقم 4 ص 198 من هذا الجزء.
[6] كذا في «السيرة». وفي الأصول: «فأفروه» بالفاء، وهو تصحيف.
وجدت ما وعدني ربّي حقّا» قال المسلمون: يا رسول اللّه، أتنادي قوما قد جيّفوا! فقال: «ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، ولكنهم لا يستطيعون أن يجيبوني».
قال محمد بن إسحاق وحدّثني بعض أهل العلم: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يوم قال هذه المقالة قال: «يا أهل القليب بئس عشيرة النبيّ كنتم لنبيّكم! كذّبتموني وصدّقني الناس، وأخرجتموني وآواني الناس، وقاتلتموني ونصرني الناس». ثم قال: «هل وجدتم ما وعدكم ربّكم حقّا» للمقالة التي قالها. ولمّا أمر بهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أن يلقوا في القليب، أخذ عتبة فسحب إلى القليب، فنظر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فيما بلغني، إلى وجه أبي حذيفة بن عتبة، فإذا هو كثيب قد تغيّر؛ فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «يا أبا حذيفة لعلّك قد دخلك من شأن أبيك شي ء» أو كما قال. قال فقال: لا واللّه يا رسول اللّه ما شككت في أبي ولا في مصرعه، ولكنّني كنت أعرف من أبي رأيا وفضلا وحلما، فكنت أرجو أن يهديه اللّه إلى الإسلام، فلمّا رأيت ما أصابه وذكرت ما مات عليه من الكفر بعد الذي كنت أرجو له، أحزنني [1] ذلك. قال: فدعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم له بخير وقال له خيرا.
اختلاف المسلمين على الفي ء:
ثم إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أمر بما في العسكر مما جمع الناس فجمع، واختلف المسلمون فيه: فقال من جمعه: هو لنا، وقد كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم نفّل كلّ امرىء ما أصاب. فقال الذين كانا يقاتلون العدوّ ويطلبونهم: لو لا نحن ما أصبتموه، لنحن شغلنا القوم عنكم حتّى أصبتم ما أصبتم. وقال [2] الذين كانوا يحرسون رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم مخافة أن يخالف [3] إليه العدوّ: واللّه ما أنتم بأحقّ منّا، ولقد رأينا أن نقتل العدوّ إذ ولّانا اللّه ومنحنا أكتافهم، ولقد رأينا أن تأخذ المتاع حين لم يكن دونه من يمنعه، ولكن خفنا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كرّة العدوّ، فقمنا دونه، فما أنتم بأحقّ به منّا.
مقتل النضر بن الحارث:
قال ابن إسحاق وحدّثني عاصم بن عمر بن قتادة ويزيد بن رومان: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم جمع الأسارى من المشركين، وكانوا أربعة وأربعين أسيرا، وكان من القتلى مثل ذلك، وفي الأسارى عقبة بن أبي معيط، والنّضر بن الحارث بن كلدة، حتّى إذا كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بالصّفراء، قتل النّضر بن الحارث بن كلدة، قتله عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه.
تعنيف سودة لسهيل بن عمرو حين أسر وعتاب النبيّ لها في ذلك:
قال محمد بن إسحاق حدّثني عبد اللّه بن أبي بكر عن يحيى بن عبد اللّه بن عبد الرحمن بن سعد [4] بن زرارة قال:
__________
[1] كذا في «السيرة». وفي الأصول: «فلما رأيت ما أصابه ذكرت ...... فحزنني ذلك».
[2] كذا في «السيرة». وفي الأصول: «فقال».
[3] أي مخافة أن يأتيه العدوّ في غيبة أصحابه.
[4] في الأصول: «أسعد» وهو خطأ؛ والتصويب عن «طبقات ابن سعد» (ج 3 ص 138 من القسم الثاني طبع أوروبا). قال ابن سعد ما نصه: «و كان لأسعد بن زرارة من الولد حبيبة مبايعة، وكبشة مبايعة، والفريعة مبايعة؛ وأمهم عميرة بنت سهل بن ثعلبة بن
/ قدم بالأسارى/ حين قدم بهم، وسودة بنت زمعة (زوج النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم) عند آل عفراء في مناحتهم على عوف ومعوّذ ابني عفراء، وذلك قبل أن يضرب عليهنّ الحجاب. قال: تقول سودة: واللّه إنّي لعندهم إذ أتينا، فقيل: هؤلاء الأسارى قد أتي بهم، فرحت إلى بيتي ورسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فيه، وإذا أبو يزيد سهيل بن عمرو في ناحية الحجرة مجموعة يداه إلى عنقه بحبل. قالت: فو اللّه ما ملكت نفسي حين رأيت أبا يزيد كذلك أن قلت: يا أبا يزيد، أعطيتم بأيديكم، ألا متّم كراما! فو اللّه ما أنبهني إلّا قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من البيت: «يا سودة أعلى اللّه وعلى رسوله»! قالت فقلت: يا رسول اللّه، والذي بعثك بالحقّ ما ملكت نفسي حين رأيت أبا يزيد مجموعة يداه إلى عنقه بحبل أن قلت ما قلت.
إخبار الحيسمان أهل مكة عن قتلى بدر:
قال محمد بن إسحاق: وكان أوّل من قدم مكة بمصاب قريش، الحيسمان [1] بن عبد اللّه بن إياس بن ضبيعة بن رومان بن كعب بن عمرو الخزاعيّ. قالوا: ما وراءك؟ قال: قتل عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وأبو الحكم بن هشام، وأميّة بن خلف، وزمعة بن الأسود، وأبو البختريّ بن هشام، ونبيه ومنبّه ابنا الحجّاج. قال: فلمّا جعل يعدّد أشراف قريش قال صفوان بن أميّة وهو قاعد في الحجر: واللّه إن يعقل هذا فسلوه عنّي. قالوا: ما فعل صفوان بن أميّة؟ قال: هو ذلك جالس في الحجر، وقد واللّه رأيت أباه وأخاه حين قتلا.
أبو لهب وتخلفه عن الحرب ثم موته:
قال محمد بن إسحاق حدّثني حسين بن عبد اللّه بن عبيد اللّه بن عبّاس عن عكرمة [2] مولى ابن عبّاس قال: قال أبو رافع مولى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: كنت غلاما للعبّاس بن عبد المطّلب، وكان الإسلام قد دخلنا أهل البيت، [فأسلم العبّاس] [3] وأسلمت أمّ الفضل، وأسلمت، وكان العبّاس يهاب قومه، ويكره خلافهم، وكان يكتم إسلامه، وكان ذا مال كثير متفرّق في قومه، وكان أبو لهب عدوّ اللّه قد تخلّف عن بدر، وبعث مكانه العاصي بن هشام بن المغيرة، وكذلك صنعوا، لم يتخلّف رجل إلّا بعث مكانه رجلا. فلمّا جاء الخبر عن مصاب أهل بدر من قريش، كبته اللّه وأخزاه، ووجدنا في أنفسنا قوّة وعزّا؛ وكنت رجلا ضعيفا، وكنت أعمل القداح أنحتها في حجرة زمزم؛ فو اللّه إنّي لجالس فيها أنحت القداح، وعندي أمّ الفضل جالسة وقد سرّنا ما جاءنا من الخبر، إذ أقبل الفاسق أبو لهب يجرّ رجليه يسير [4] حتى جلس على طنب الحجرة، فكان ظهره إلى ظهري. فبينا هو جالس إذ قال الناس: هذا أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطّلب قد قدم؛ فقال أبو لهب: هلمّ إليّ يا بن أخي، فعندك لعمري الخبر. فجلس
__________
() الحارث بن يزيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار، ولم يكن لأسعد بن زرارة ذكر وليس له عقب إلا ولادات بناته هؤلاء، والعقب لأخيه سعد من زرارة».
[1] كذا في «تاريخ الطبري» (ص 1338 من القسم الأوّل طبع أوروبا) و «سيرة ابن هشام» (ص 460) و «شرح القاموس» مادة «حسم».
وفي الأصول: «الحيثمان» بالثاء المثلثة، وهو تحريف. ثم ذكر الطبري خلافا في نسب الحيسمان هذا فقال: «و قال الواقديّ:
الحيسمان بن حابس الخزاعي». وفي «الاشتقاق» لابن دريد (ص 280): «الحيسمان بن عمرو». وفي «أسد الغابة»: «الحيسمان بن إياس بن عبد اللّه بن إياس بن ضبيعة بن عمرو بن مازن». وذكر في «الإصابة» في نسبه أقوالا كثيرة، فراجعها.
[2] كذا في «سيرة ابن هشام». وفي سائر النسخ: «عن عكرمة بن إسحاق مولى ابن عباس» تحريف.
[3] الزيادة عن «السيرة».
[4] في «السيرة»: «بشرّ».
إليه والنّاس قيام عليه. فقال يابن أخي أخبرني كيف كان أمر الناس؟ قال: لا شيء واللّه، إن كان إلّا أن لقيناهم فأبحناهم أكتافنا يقتلون ويأسرون كيف شاؤوا. وايم اللّه مع ذلك ما لمت الناس، لقينا رجالا بيضا على خيل بلق بين السماء والأرض ما تليق [1] شيئا ولا يقوم لها شيء. قال أبو رافع: فرفعت طنب الحجرة بيدي، ثم قلت: تلك واللّه الملائكة! فرفع أبو لهب/ يده فضرب وجهي ضربة شديدة. قال: فساورته فاحتملني فضرب بي الأرض، ثم برك عليّ يضربني، وكنت رجلا ضعيفا؛ فقامت أمّ الفضل إلى عمود من عمد الحجرة فأخذته فضربته به ضربة، فشجّت في رأسه/ شجّة منكرة وقالت: أتستضعفه أن غاب عنه سيّده! فقام مولّيا ذليلا. فو اللّه ما عاش فيها إلّا سبع ليال حتى رماه اللّه جلّ جلاله بالعدسة [2] فقتلته؛ فلقد تركه ابناه ليلتين أو ثلاثا لا يدفنانه حتّى أنتن في بيته - وكانت قريش تتّقي العدسة كما يتّقى الطاعون - حتى قال لهما رجل من قريش ويحكما! لا تستحييان أنّ أباكما قد أنتن في بيته لا تغيّبانه! فقالا: نخشى هذه القرحة. قال: فانطلقا فأنا معكما. فما غسّلوه إلّا قذفا بالماء عليه من بعيد ما يمسّونه؛ فاحتملوه فدفنوه بأعلى مكة على جدار، وقذفوا عليه الحجارة حتّى واروه.
العباس بن عبد المطلب وتألم النبي لأسره:
قال محمد بن إسحاق وحدّثني العبّاس بن عبد اللّه بن معبد عن بعض أهله عن الحكم بن عتيبة عن ابن عبّاس قال:
لمّا أمسى القوم من يوم بدر، والأسارى محبوسون في الوثاق، بات رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ساهرا أوّل ليلته. فقال له أصحابه: يا رسول اللّه، ما لك لا تنام؟ فقال: «سمعت تضوّر العبّاس في وثاقه»؛ فقاموا إلى العبّاس فأطلقوه؛ فنام رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
قال ابن إسحاق وحدّثني الحسن بن عمارة عن الحكم بن عتيبة عن ابن عبّاس قال:
كان الذي أسر العبّاس أبو اليسر كعب بن عمرو أخو بني سلمة، وكان رجلا مجموعا، وكان العبّاس رجلا جسيما. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لأبي اليسر:/ «كيف أسرت العبّاس يا أبا اليسر»؟ فقال: يا رسول اللّه، أعانني عليه رجل ما رأيته قبل ذلك ولا بعده، هيئته كذا وكذا. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «لقد أعانك عليه ملك كريم».
طلب منه النبي الفداء وأخبره عن أمواله بمكة:
قال ابن إسحاق عن الكلبيّ [3] عن أبي صالح عن ابن عبّاس:
أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال للعبّاس بن عبد المطلب حين انتهي به إلى المدينة: «يا عبّاس افد نفسك، وابن أخيك عقيل بن أبي طالب، ونوفل بن الحارث، وحليفك عتبة بن عمرو بن جحدم أخا بني الحارث بن فهر؛ فإنك ذو مال». فقال: يا رسول اللّه، إنّي كنت مسلما ولكنّ القوم استكرهوني. فقال: «اللّه أعلم بإسلامك، إن يكن ما
__________
[1] ما تليق شيئا: ما تبقى على شي ء؛ يقال: هذا سيف لا يليق شيئا أي لا يمرّ بشيء إلا قطعه. وفي ب، ح: «ما تلين»؛ وهو تحريف.
[2] العدسة: بثرة قاتلة تخرج بالبدر.
[3] كذا في أكثر الأصول والطبري. وفي س: «عن ابن الكلبي»، والذي يروي عنه ابن إسحاق، كما في «الأنساب» للسمعاني، هو محمد بن السائب الكلبي، ومحمد هذا يسميه الرواة كثيرا «الكلبي». وفي بعض الأحيان «ابن الكلبي». وأما هشام ابنه فيعرف بالكلبي قولا واحدا، ولم نعرف أن ابن إسحاق روى عنه.
تذكر حقّا فاللّه يجزيك به، فأمّا ظاهر أمرك فقد كان علينا؛ فافد نفسك». وكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قد أخذ منه عشرين أوقيّة من ذهب. فقال العبّاس: يا رسول اللّه، احسبها لي في فدائي. قال: «لا، ذلك شيء أعطاناه اللّه منك» قال:
فإنّه ليس لي مال. قال قال: «فأين المال الذي وضعته بمكة حين خرجت من عند أمّ الفضل بنت الحارث ليس معكما أحد، ثم قلت لها إن أصبت في سفرتي هذه فللفضل كذا ولعبد اللّه كذا ولقثم كذا ولعبيد اللّه كذا»؟ قال: والذي بعثك بالحقّ ما علم هذا أحد غيري وغيرها، وإنّي لأعلم أنّك رسول اللّه. ففدى العبّاس نفسه وابن أخيه وحليفه.
فدت زينب زوجها أبا العاصي فردّ عليها النبي الفداء:
قال ابن إسحاق: وحدّثني يحيى [1] بن عبّاد بن عبد اللّه بن الزّبير عن أبيه عن عائشة قالت:
لمّا بعث أهل مكة في فداء أسراهم، بعثت زينب بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في فداء أبي العاصي بن الربيع بمال، وبعثت فيه بقلادة لها كانت خديجة أدخلتها بها على أبي العاصي حين بنى عليها. فلمّا رآها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم رقّ لها [2] رقّة شديدة وقال: «إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردّوا عليها الذي لها فافعلوا»! فقالوا: نعم يا رسول اللّه؛/ فأطلقوه وردّوا عليها الذي لها.
رثاه الأسود بن المطلب لأولاده:
قال ابن إسحاق. حدّثني يحيى بن عبّاد عن أبيه قال:
ناحت قريش على قتلاها، ثم قالت: لا تفعلوا فيبلغ ذلك محمدا [و أصحابه] [3] فيشمتوا بكم، ولا تبعثوا في فداء أسراكم حتى تستأنوا [4] بهم، لا يتأرّب [5] عليكم محمد وأصحابه في الفداء. قال: وكان الأسود بن المطّلب [6] قد أصيب له ثلاثة من ولده: زمعة [7] وعقيل والحارث بنو الأسود، وكان يحبّ أن يبكي على بنيه. فبينا هو/ كذلك إذ سمع نائحة في الليل، فقال لغلامه وقد ذهب بصره: أنظر هل أحلّ النّحيب؟ وهل بكت قريش على قتلاها؟ لعلّي أبكي على أبي حكيمة (يعني زمعة)؛ فإنّ جوفي قد احترق. فلمّا رجع إليه الغلام قال: إنما هي امرأة تبكي على بعير لها أضلّته؛ فذلك حين يقول الأسود:
__________
[1] كذا في م و «السيرة» (ص 465) والطبري (قسم أوّل ص 1347) وفيما سيأتي في هذه الصفحة في جميع الأصول. وفي سائر الأصول هنا: «محمد بن عباد». ومحمد بن عباد هذا هو أخو يحيى بن عباد، ولم تعرف لابن إسحاق رواية عنه.
[2] كذا في «السيرة» لابن هشام (ص 465 طبع أوروبا). وفي الأصول: «فلما رآها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم رق لها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم رقة إلخ» ولعل هذا تكرار من الناسخ.
[3] زيادة عن س.
[4] كذا في الطبري (قسم 1 ص 1342) و «السيرة» (ص 461). واستأنى: تربص وانتظر. وفي ب، ح: «حتى يستأنسوا بهم». وفي س: «حتى يتأسوا منهم».
[5] كذا في الطبري. ويتأرب: يتأبى ويتشدّد. وفي «السيرة» و «اللسان» مادة أرب: «لا يأرب». وأرب: تشدّد. وفي الأصول: «و لا يتأوب» بالواو.
[6] كذا في «السيرة» وهو الموافق لما في «حماسة أبي تمام» (ص 397 - شرح التبريزي طبع أوروبا) و «الاشتقاق» لابن دريد. وفي الأصول والطبري: «ابن عبد يغوث» وهو خطأ.
[7] انظر الحاشية رقم 5 ص 180 من هذا الجزء.
أتبكي أن أضلّ لها بعير ... ويمنعها البكاء من الهجود [1]
ولا [2] تبكي على بكر ولكن ... على بدر تقاصرت الجدود [3]
على بدر سراة [4] بني هصيص ... ومخزوم ورهط أبي الوليد
وبكّي [5] إن بكيت على عقيل ... وبكّي حارثا أسد الأسود
وبكّيهم ولا تسمي جميعا ... فما لأبي حكيمة من نديد
ألا قد ساد بعدهم رجال ... ولو لا يوم بدر لم يسودوا
رثاء هند بنت عتبة أباها:
ومما قيل في بدر من الشّعر وغنّي به قول هند بنت عتبة ترثي أباها:
صوت
من حسّ [6] لي الأخوين كال ... غصنين أو من راهما [7]
قرمان [8] لا يتظالما ... ن ولا يرام حماهما
ويلي على أبويّ وال ... قبر الذي واراهما
لا مثل كهلي في الكهو ... ل ولا فتى كفتاهما
- ذكر الهشاميّ أنّ الغناء لابن سريج رمل، وفي الكتاب الكبير المنسوب إلى إسحاق أنه للغريض - وتمام هذه الأبيات:
__________
[1] ورد هذا البيت في «حماسة أبي تمام» و «السيرة» ص 462 والطبري هكذا:
أتبكي أن يضل لها بعير ... ويمنعها من النوم السهود
وذكر معه في «الحماسة» الثاني والأخير من هذه الأبيات، وهما البيتان المتفقان معه في حركة الروي.
[2] في «الحماسة» والطبري و «السيرة»: «فلا ..... إلخ».
[3] البكر: الفتيّ من الإبل. وتقاصرت الجدود أي تواضعت الحظوظ. يريد أنه يستهين فقد المال ويستعظم فقد النفوس. وتقاصرت:
تفاعلت من القصور والعجز، كأنها تبارت في القصور. ويحتمل أن تكون من القصر الذي هو ضد الطول، وتكون كلمة «على» من «على بدر» موضوعة موضع الباء؛ كما يقال: هم على ماء كذا وهم بماء كذا. وقال أبو هلال: تقاصرت الجدود: عثرت. والعاثر يتطأطأ عند العثار فيتقاصر. والعثار في الجدّ مثل، وكذلك التقاصر. ويجوز أن يقال: إنه أراد بالجدود الأعمار أي إنه قتل من قتل من المشركين فذهب بهم عز قريش، أي لا تبكي على بكر وابكي على من تقاصرت جدودهم ببدر فهلكوا. (عن «شرح الحماسة» للتبريزي باختصار).
[4] سراة: جمع سرى وهو السيد الكريم.
[5] بكّاه بالتضعيف مثل بكاه المخفف.
[6] حس من باب نصر كاحس.
[7] أصل راهما: راهما؛ فخففت فيه الهمزة على حدّ: «لا هناك المرتع»؛ فاجتمعت ألفان، فحذفت إحداهما لالتقاء الساكنين. (انظر «اللسان» مادة رأى).
[8] القرم: السيد العظيم.
أسدان لا يتذلّلا ... ن ولا يرام حماهما
رمحين خطّيّين في ... كبد السماء تراهما
ما خلّفا إذ ودّعا ... في سودد شرواهما [1]
سادا بغير تكلّف ... عفوا يفيض نداهما
معاظمتها الخنساء بعكاظ وشعرهما في مصابهما:
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثني الحارث بن أبي أسامة قال حدّثنا محمد بن سعد عن الواقديّ، وأخبرني ابن أبي الأزهر قال حدّثنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه عن الواقديّ عن عبد الرحمن بن أبي الزّناد قال: لمّا كانت وقعة بدر، قتل فيها عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة؛ فأقبلت هند بنت عتبة ترثيهم، وبلغها تسويم [2] الخنساء هودجها في الموسم/ ومعاظمتها العرب بمصيبتها بأبيها عمرو بن الشّريد وأخويها صخر ومعاوية، وأنّها/ جعلت تشهد الموسم وتبكيهم، وقد سوّمت هودجها براية، وأنها تقول: أنا أعظم العرب مصيبة، وأنّ العرب قد عرفت لها بعض ذلك. فلمّا أصيبت هند بما أصيبت به وبلغها ذلك، قالت: أنا أعظم من الخنساء مصيبة، وأمرت بهودجها فسوّم براية، وشهدت الموسم بعكاظ، وكانت سوقا يجتمع فيها العرب، فقالت: اقرنوا جملي بجمل الخنساء، ففعلوا. فلمّا أن دنت منها، قالت لها الخنساء: من أنت يا أخيّة؟ قالت: أنا هند بنت عتبة أعظم العرب مصيبة، وقد بلغني أنّك تعاظمين العرب بمصيبتك، فبم تعاظمينهم؟ فقالت الخنساء: بعمرو بن الشّريد، وصخر ومعاوية ابني عمرو، وبم تعاظمينهم أنت؟ قالت: بأبي عتبة بن ربيعة، وعمّي شيبة بن ربيعة، وأخي الوليد. قالت الخنساء: أو سواءهم عندك؟ ثم أنشدت تقول:
أبكّي أبي عمرا بعين غزيرة ... قليل إذا نام الخليّ هجودها
وصنويّ لا أنسى معاوية الذي ... له من سراة الحرّتين [3] وفودها
وصخرا، ومن ذا مثل صخر إذا غدا ... بساهمة [4] الآطال قبّا يقودها
فذلك يا هند الرّزيّة فاعلمي ... ونيران حرب حين شبّ وقودها
/ فقالت هند تجيبها:
أبكّي عميد الأبطحين [5] كليهما ... وحاميهما من كل باغ يريدها
__________
[1] شرواهما: مثلهما.
[2] سوّم الشي ء: جعل له سومة وعلامة ليعرف بها ويتميز.
[3] الحرّة: الأرض ذات الحجارة السود النخرة. والمراد بالحرّتين: حرة بني سليم وحرة بني هلال بالحجاز. أي هو مقصد الأشراف من القبائل تأتيه وفودها فيما يلم بها.
[4] كذا في «ديوان الخنساء» (طبع المطبعة الكاثوليكية للآباء اليسوعيين سنة 1895). والساهمة: الدقيقة. والآطال: جمع إطل (بالكسر وبكسرتين) وهو الخاصرة. وفي م: «بسلهبة الآطال» والسلهبة: من الخيل الطويلة على وجه الأرض. وفي سائر الأصول:
«الأبطال» وهو تحريف. وفي نسخة مخطوطة من «الديوان» محفوظة بدار الكتب المصرية تحت رقم (570 أدب ص 86): «بساهمة الأبصار قب». والقب: جمع أقب وقباء، وهي الفرس الدقيقة الخصر الضامرة البطن.
[5] عميد القوم: سندهم وسيدهم. وتريد بالأبطحين: بطحاء مكة وسهل تهامة. وأصل الأبطح: المسيل الواسع فيه دقاق الحصى.
أبي عتبة الخيرات ويحك فاعلمي ... وشيبة والحامي الذّمار وليدها
أولئك آل المجد من آل غالب ... وفي العزّ منها حين ينمي عديدها [1]
وقالت لها أيضا يومئذ:
من حسّ لي الأخوين كال ... غصنين أو من راهما
لم ينكر معاوية على عبد اللّه بن جعفر سماعه الغناء:
أخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد عن أبيه قال حدّثني بعض القرشيّين قال:
قدم عبد اللّه بن جعفر على معاوية وافدا، فدخل عليه إنسان ثم ذهب إلى معاوية فقال: هذا ابن جعفر يشرب النّبيذ، ويسمع الغناء، ويحرّك رأسه عليه. فجاء معاوية متغيّرا حتّى دخل على ابن جعفر، وعزّة الميلاء بين يديه كالشمس الطالعة في كواء [2] البيت يضيء بها البيت، تغنّيه على عودها:
تبلت [3] فؤادك في الظلام خريدة ... تشفي الضّجيع ببارد بسّام
وبين يديه عسّ [4]؛ فقال: ما هذا يا أبا جعفر؟ قال: أقسمت عليك يا أمير المؤمنين لتشربنّ منه، فإذا عسل مجدوح [5] بمسك وكافور. فقال: هذا طيّب، فما هذا الغناء؟ قال: هذا شعر حسّان بن ثابت في الحارث بن هشام.
قال: فهل تغنّي بغير هذا؟ / قال: نعم، بالشعر الذي يأتيك به الأعرابيّ الجافي [6] الأدفر، القبيح المنظر، فيشافهك به، فتعطيه عليه؛ وآخذه أنا، فأختار محاسنه ورقيق كلامه، فأعطيه هذه الحسنة الوجه، اللّيّنة اللمس، الطيبة الريح، فترتله بهذا الصوت الحسن. قال: فما تحريكك رأسك؟ قال: أريحيّة أجدها إذا سمعت الغناء، لو سئلت عندها لأعطيت، ولو لقيت لأبليت. فقال معاوية: قبّح اللّه قوما عرّضوني لك. ثم خرج وبعث/ إليه بصلة.
صوت من المائة المختارة
عمر بن أبي ربيعة ونعم:
أيّها القلب لا أراك تفيق ... طالما قد تعلّقتك العلوق [7]
من يكن من هوى حبيب قريبا ... فأنا النازح البعيد السّحيق
__________
[1] عديدها: جموعها.
[2] كواء البيت: منافذه وثقوبه، واحدها كوّة. وفي م: «كسر البيت». وفي سائر الأصول: «كذا البيت» بالدال المهملة، وهو تحريف.
[3] ورد هذا البيت في «ديوان حسان» (طبع أوروبا ص 3) هكذا:
تبلت فؤادك في المنام خريدة ... تسقى الضجيع ببارد بسام
وتبلت فؤادك: أسقمته وذهبت به.
[4] العس (بالضم): القدح الكبير.
[5] مجدوح: مخلوط.
[6] الجافي: الغليظ في المعاشرة. والأدفر (بالدال المهملة): النتن.
[7] يريد به ما علقه من كلف الحب وجهده.
قضي الحبّ بيننا فالتقينا ... وكلانا إلى اللّقاء مشوق
الشعر في البيت الأوّل والثالث لعمر بن أبي ربيعة، والبيت الثاني ليس له، ولكن هكذا غنّي؛ وليس هو أيضا مشاكلا لحكاية ما في البيت الثالث. والغناء لبابويه [1] الكوفيّ، خفيف ثقيل أوّل. وهذا الشعر يقوله عمر بن أبي ربيعة في امرأة من قريش، يقال لها نعم، كان كثير الذّكر لها في شعره. أخبرني بذلك محمد بن خلف بن المرزبان عن أبي عبد اللّه التّميميّ عن القحذميّ والمدائنيّ. قال: وهي التي يقول فيها:
أمن آل نعم أنت غاد فمبكر
/ قال: وكانت تكنى أمّ بكر، وهي من بني جمح. وتمام هذه الأبيات على ما حكاه ابن المرزبان عمّن ذكرت:
فالتقينا ولم نخف ما لقينا ... ليلة الخيف، والمنى قد تشوق [2]
وجرى بيننا فجدد وصلا ... قلّب [3] حوّل أريب رفيق
لا تظنّي أنّ التّراسل والبد ... ل لكلّ النساء عندي يليق
هل لك اليوم إن نأت أمّ بكر ... وتولّت إلى عزاء طريق
أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدّثت عن محمد بن حميد عن عبد اللّه بن سوّار القاضي عن بشر بن المفضّل قال:
بلغ عمر بن أبي ربيعة أنّ نعما اغتسلت في غدير، فأتاه فأقام عليه، وما زال يشرب منه حتى جفّ.
أخبرني محمد بن خلف قال: قال محمد بن حبيب الراوية:
بلغني أنّ نعما استقبلت عمر بن أبي ربيعة في المسجد الحرام، وفي يدها خلوق [4] من خلوق المسجد، فمسحت به ثوبه، ومضت وهي تضحك؛ فقال عمر:
أدخل اللّه ربّ موسى وعيسى ... جنّة الخلد من ملاني خلوقا
مسحته من كفّها في قميصي ... حين طافت بالبيت مسحا رفيقا
غضبت أن نظرت نحو نساء ... ليس يعرفنني سلكن طريقا
وأرى بينها وبين نساء ... كنت أهذي بهنّ بونا سحيقا
وهذا البيت الأوّل مما عيب على عمر.
/ ومما غنّي فيه من تشبيب عمر بنعم هذه:
__________
[1] في الأصول: «لباتويه» بالتاء المثناة، وهو تصحيف.
[2] كذا في أكثر الأصول. وفي م وجميع نسخ «ديوانه»: «تسوق» بالسين المهملة.
[3] القلّب الحوّل: المحتال البصير بتقليب الأمور.
[4] الخلوق: ضرب من الطيب مائع فيه صفرة؛ لأن أعظم أجزائه من الزعفران.
صوت
دين [1] هذا القلب من نعم ... بسقام [2] ليس كالسّقم
إنّ نعما أقصدت [3] رجلا ... آمنا بالخيف إذ ترمى
بشتيت [4] نبته رتل ... طيّب الأنياب والطّعم
/ وبوحف [5] مائل رجل ... كعنا قيد من الكرم
ومنها:
صوت
خليليّ أربعا [6] وسلا ... بمغنى الحيّ قد مثلا
بأعلى الواد [7] عند البئ ... ر هيّج عبرة سبلا [8]
وقد تغنى به نعم ... وكنت بوصلها جذلا
/ ليالي لا نحبّ لنا ... بعيش قد مضى بدلا
وتهوانا ونهواها ... ونعصي قول من عذلا
وترسل في ملاطفة ... ونعمل نحوها الرّسلا
غنّاه الهذليّ، ولحنه من القدر الأوسط من الثقيل الأوّل بالسبّابة في مجرى الوسطى عن إسحاق. وفيه لابن سريج لحنان: رمل بالبنصر في مجراها عن إسحاق، وخفيف ثقيل بالوسطى عن عمرو. وفيها عن إسحاق ثاني ثقيل، ولسليم خفيف رمل، جميعا عن الهشاميّ. قال: ويقال: إنّ اللحن المسوب إلى سليم لحكم [9] الواديّ.
ومنها من قصيدة أوّلها:
__________
[1] دين: جوزي وكوفي.
[2] كذا في «اللسان» (مادة دين). وفي الأصول. «و سقام» بواو العطف. وورد هذا البيت في «ديوان عمر بن أبي ربيعة» (ص 57 طبع المطبعة الميمنية بمصر سنة 1311 ه وطبع أوروبا ص 84) هكذا:
قد أصاب القلب من نعم ... سقم داء ليس كالسقم
[3] أقصده: أصابه فقتله.
[4] الثغر الشتيت: المفلّج، وهو أن يكون بين أسنانه تباعد. ورتل (وزان كتف وسبب): مستو حسن التنضيد.
[5] الوحف: الشعر الكثيف المسودّ. والرجل من الشعر (بفتح الراء وكسر الجيم، ومثله الرجل بفتح الراء والجيم): ما كان بين السبوطة والجعودة.
[6] أربعا: أقيما. ومغني الحيّ: محل إقامتهم. ومثل: قام وانتصب.
[7] الوادي: كل منفرج بين الجبال والتلال والآكام يكون مسلكا للسيل ومنفذا. وربما اكتفى فيه بالكسرة عن الياء؛ كما قال أبو الرّبيس التغلبي:
لا صلح بيني فاعلموه ولا ... بينكم ما حملت عاتقي
سيفي وما كنا بنجد وما ... قرقر قمر الواد بالشاهق
[8] سبل (بالتحريك): اسم المصدر من أسبل المطر والدمع إذا هطلا؛ ولذلك لا يؤنث ولا يثنى ولا يجمع إذا وصف به.
[9] في م: «لسليمان». وفي سائر الأصول: «لسليم الوادي».
لقد
أرسلت نعم إلينا أن ائتنا ... فأحبب بها من مرسل متغصّب
يغنّى منها في قوله:
صوت
فقلت لجنّاد خذ السيف واشتمل ... عليه برفق وارقب الشمس تغرب
وأسرج لي الدّهماء واعجل بممطري [1] ... ولا تعلمن حيّا من النّاس مذهبي [2]
فلمّا التقينا سلّمت وتبسّمت ... وقالت مقال المعرض المتجنّب
أمن أجل واش كاشح [3] بنميمة ... مشى بيننا صدّقته لم تكذّب
وقطّعت حبل الوصل منّا، ومن يطع ... بذي ودّه قول المؤرّش [4] يعتب
صوت
ما بال أهلك يا رباب ... خزرا [5] كأنّهم غضاب
إن زرت أهلك أوعدوا ... وتهرّ دونهم الكلاب
عروضه من الكامل [6]. الشعر لعلس ذي جدن الحميريّ، أخبرنا بذلك محمد بن الحسن بن دريد عن عمّه عن العبّاس بن هشام عن أبيه. والغناء لطويس؛ ولحنه المختار خفيف رمل بالبنصر.
44 - نسب علس ذي جدي وأخباره
نسبه وسبب لقبه:
هو علس بن زيد بن الحارث بن زيد بن الغوث بن سعد بن عوف بن عديّ بن مالك بن زيد [7] الجمهور بن سهل بن عمرو بن قيس بن معاوية بن جشم بن عبد شمس بن وائل بن الغوث بن قطن بن عريب بن زهير بن أعز [8] بن الهمّ بن الهميسع بن حمير بن سبأ بن يشجب بن/ يعرب بن قحطان. وهو ملك من ملوك حمير. ولقّب
__________
[1] الممطر والممطرة (بكسر الميم فيهما): ثوب من صوف يلبس في المطر يتوقى به منه.
[2] هذه رواية «الديوان» في هذا الشطر. وفي الأصول:
ولا يعلمن حيّ من الناس مذهبي
وفي هذه الأبيات اختلاف يسير عما في «الديوان».
[3] الكاشح: العدوّ المضمر للعداوة؛ لأنه يطوي كشحه على العداوة أو لأنه يتباعد عنك ويوليك كشحه.
[4] أرّش بين القوم: أفسد. وفي س: «المحرش». والمحرّش: الذي يغري بعض القوم ببعض.
[5] خزرا: جمع أخزر. والأخزر: الذي ينظر بلحظ عينه.
[6] هو من مجزوء الكامل المرفّل.
[7] في «نهاية الأرب» (ج 2 ص 308 طبعة أولى) عند كلامه على نسب أحد ولد الهميسع بن حمير: « ... زيد بن الغوث بن سعد بن عوف بن عديّ بن مالك بن زيد بن سدد بن زرعة، وهم حمير الأصغر بن سبأ الأصغر بن كعب بن كهف الظلم بن زيد بن سهل بن عمرو ... إلخ» ويلاحظ أن بين سياق النسبين خلافا.
[8] في «نهاية الأرب» (ص 309): «ابن زهير بن أيمن بن الهميسع». وفي كتاب «العبر» لابن خلدون (ج 2 ص 51 طبع بلاق):
«زهير بن أبين بن الهميسع».
ذا جدن لحسن صوته - والجدن: الصوت بلغتهم - ويقال: إنه أوّل من تغنّى باليمن.
أخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد عن أبيه عن ابن الكلبيّ وأبي مسكين قالا: إنّما سمّي ذا جدن لحسن صوته.
قبره بصنعاء وآثاره:
أخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن عمّار قال حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد قال حدّثنا عليّ بن الصّبّاح عن ابن الكلبيّ عن إسماعيل بن إبراهيم بن ذي الشّعار الهمدانيّ عن حيّان بن هانىء الأرحبيّ عن أبيه قال: أخبرني رجل من أهل صنعاء: أنّهم حفروا حفيرا في زمن مروان، فوقفوا على أزج [1] له باب، فإذا هم برجل على سرير كأعظم ما يكون من الرجال، عليه خاتم من ذهب وعصابة من ذهب، وعند رأسه لوح من ذهب مكتوب فيه: «أنا علس ذو جدن القيل، لخليلي منّي النّيل، ولعدوّي منّي الويل. طلبت فأدركت وأنا ابن مائة سنة من عمري، وكانت الوحش تأذن [2] لصوتي. وهذا سيفي ذو الكفّ عندي، ودرعي ذات الفروج ورمحي الهزبريّ، وقوسي الفجواء [3]، وقربي [4] ذات الشرّ، فيها ثلاثمائة حشر، من صنعة ذي نمر [5]؛ أعددت ذلك لدفع الموت عنّي فخانني». قال: فنظرنا فإذا جميع ذلك عنده. ووجدت هذا الخبر عن ابن الكلبيّ في بعض الكتب من غير رواية ابن عمّار، فوجدت فيه: فإذا طول السيف اثنا عشر شبرا، وعليه مكتوب تحت شاربه [6] بالمسند [7]: «باست امرىء كنت في يده فلم ينتصر».
انقضت أخباره.
__________
[1] عبارة «القاموس» و «شرحه» مادّة أزج: «الأزج محركة: ضرب من الأبنية». وفي «الصحاح» و «المصباح» و «اللسان»: الأزج: بيت يبنى طولا ويقال له بالفارسية أوستان.
[2] تأذن كتفرح: تسمع. يشير بذلك إلى جمال صوته.
[3] القوس الفجواء: هي التي يبين وترها عن كبدها، ومثل الفجواء الفجّاء والمنفجّة.
[4] القرن: الجعبة. والحشر: الدقيق من الأسنّة.
[5] ذو نمر: واد بنجد في ديار بني كلاب. (انظر «معجم ياقوت» في نمر، وكتاب «ما يعوّل عليه في المضاف والمضاف إليه» في «ذي نمر»).
[6] للسيف شاربان وهما، كما قال ابن شميل، أنفان طويلان أسفل القائم، أحدهما من أحد الجانبين والآخر من الجانب الآخر، وتحتهما الغاشية. والشارب والغاشية يكونان من حديد وفضة وأدم.
[7] المسند: خط لحمير، وهو موجود بكثرة في الحجارة وقصور اليمن، وترى صورته في كتاب «منتخبات في أخبار اليمن» (ص 52 طبع ليدن) وكتاب «تاريخ الأدب» للمرحوم حفني ناصف بك (ج 1 ص 50 طبع مصر).
45 - أخبار طويس [1] ونسبه
أوّل من صنع الهزج والرمل واشتهر بالهزج:
طويس لقب، واسمه طاوس [2]، مولى بني مخزوم. وهو أوّل من غنّى الغناء المتقن من المخنّثين. وهو أوّل من صنع الهزج والرّمل في الإسلام. وكان يقال: أحسن الناس غناء في الثّقيل ابن محرز، وفي الرمل ابن سريج، وفي الهزج طويس. وكان الناس يضربون به المثل، فيقال: «أهزج من طويس».
غنى أبان بن عثمان بالمدينة فطرب وسأله عن عقيدته وعن سنه وعن شؤمه:
أخبرني محمد بن مزيد بن أبي الأزهر والحسين بن يحيى قالا: حدّثنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه عن ابن الكلبيّ عن أبيه وأبي مسكين، قال إسحاق: وحدّثني المدائنيّ والهيثم بن عديّ عن صالح بن كيسان:
أنّ أبان بن عثمان وفد على عبد الملك بن مروان، فأمّره على الحجاز؛ فأقبل حتّى إذا دنا من المدينة تلقّاه أهلها، وخرج إليه أشرافها، فخرج معهم طويس؛ فلمّا رآه سلّم عليه، ثم قال له: أيها الأمير، إنّي كنت أعطيت اللّه عهدا لئن رأيتك أميرا لأخضبنّ يديّ إلى المرفقين، ثم أزدو [3] بالدّفّ بين يديك، ثم أبدى عن دفّه وتغنّى بشعر ذي جدن الحميريّ:
ما بال أهلك يا رباب ... خزرا كأنّهم غضاب
قال: فطرب أبان حتى كاد أن يطير، ثم جعل يقول له: حسبك يا طاوس - ولا يقول له: يا طويس لنبله في عينه - ثم قال له: اجلس فجلس. فقال له أبان: قد زعموا أنّك كافر. فقال: جعلت فداءك! واللّه إنّي لأشهد أن لا إله/ إلّا اللّه وأنّ محمدا رسول اللّه، وأصلّي الخمس، وأصوم شهر رمضان، وأحجّ البيت. فقال: أفأنت أكبر أم عمرو بن عثمان؟ - وكان عمرو أخا أبان لأبيه وأمّه - فقال له طويس: أنا واللّه، جعلت فداءك، مع جلائل [4] نساء قومي، أمسك بذيولهنّ يوم زفّت أمّك المباركة إلى أبيك الطيّب [5]. قال: فاستحيا أبان ورمى بطرفه إلى الأرض.
__________
[1] تقدمت لطويس ترجمة أخرى في الجزء الثالث من هذه الطبعة (صفحة 27 - 44). وقد ذكرنا هناك ما قد يكون سببا في تكرار الترجمة، وبينا سبب عدم ضمنا إحدى الترجمتين إلى الأخرى.
[2] تقدم في ترجمته في الجزء الثالث من هذا الكتاب أن اسمه عيسى بن عبد اللّه.
[3] أزدو: أضرب.
[4] كذا في ح، ط، ء. وفي سائر النسخ: «حلائل» بالحاء المهملة، وهو تصحيف.
[5] قال ابن عبد ربه في «العقد الفريد» (ج 3 ص 242) بعد أن ساق هذه القصة: «انظر إلى حذفه ورقة أدبه كيف لم يقل أمك الطيبة إلى أبيك المبارك». وفسر ذلك الجاحظ في كتابه «الحيوان» (ج 4 ص 19) فقال: «و لو قال شهدت زفاف أمك الطيبة إلى أبيك المبارك لم يحسن ذلك؛ لأن قولك طيب إنما يدل على قدر ما اتصل به من الكلام، وقد قال الشاعر:
والطيبون معاقد الأزر
وقد يخلو الرجل بالمرأة فيقول وجدتها طيبة، يريد طيبة الكوم (الوطء) لذيذة نفس الوطء».
وأخبرني بهذه/ القصة إسماعيل بن يونس الشّيعيّ قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثنا العتبيّ عن أبيه بمثل هذه القصة عن أبان وطويس. وزاد فيها أنّ طويسا قال له: نذري أيّها الأمير! قال: وما نذرك؟ قال: نذرت إن رأيتك أميرا في هذه الدار أن أغنّي لك وأزدو بدفّي بين يديك. فقال له: أوف بنذرك؛ فإنّ اللّه عزّ وجلّ يقول: (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ)
قال: فأخرج يديه مخضوبتين، وأخرج دفّه وتغنّى:
ما بال أهلك يا رباب
وزاد فيه: فقال له أبان: يقولون: إنّك مشؤوم، قال: وفوق ذلك! قال: وما بلغ من شؤمك؟ قال: ولدت ليلة قبض النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، وفطمت ليلة مات أبو بكر رضي اللّه عنه، واحتلمت ليلة قتل عمر رضوان اللّه عليه، وزفّت إليّ أهلي ليلة قتل عثمان رضي اللّه عنه. قال: فاخرج عنّي عليك الدّبار [1].
أهدر دمه أمير المدينة مع المخنثين:
أخبرني إسماعيل قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثنا محمد بن الوليد قال حدّثني مصعب بن عثمان عن نوفل بن عمارة قال:
/ خرج يحيى [2] بن الحكم وهو أمير على المدينة، فبصر بشخص بالسّبخة مما يلي مسجد الأحزاب، فلمّا نظر إلى يحيى بن الحكم جلس، فاستراب به، فوجّه أعوانه في طلبه؛ فأتي به كأنه امرأة في ثياب مصبّغة مصقولة وهو ممتشط مختضب. فقال له أعوانه: هذا ابن نغاش [3] المخنّث. فقال له: ما أحسبك تقرأ من كتاب اللّه عزّ وجلّ شيئا، اقرأ أمّ القرآن. فقال: يا أبانا لو عرفت أمّهنّ عرفت البنات. فقال له: أتتهزّأ بالقرآن لا أمّ لك! وأمر به فضربت عنقه. وصاح في المخنّثين: من جاء بواحد منهم فله ثلاثمائة [4] درهم. قال زرجون المخنّث: فخرجت بعد ذلك أريد العالية، فإذا بصوت دفّ أعجبني، فدنوت من الباب حتى فهمت نغمات قوم آنس بهم، ففتحته ودخلت، فإذا بطويس قائم في يده الدّفّ يتغنّى؛ فلمّا رآني قال لي: إيه يا زرجون! قتل يحيى بن الحكم ابن [5] نغاش؟ قلت نعم. [قال] [6]: وجعل [7] في المخنّثين ثلاثمائة درهم؟ قلت نعم. فاندفع يغنّي:
ما بال أهلك يا رباب ... خزرا كأنّهم غضاب
إن زرت أهلك أوعدوا ... وتهرّ دونهم كلاب
ثم قال لي: ويحك! أفما جعل فيّ زيادة ولا فضّلني عليهم في الجعل بفضلي [شيئا] [8].
__________
[1] كذا في أكثر الأصول. وفي م: «الدمار» ومعناهما: الهلاك.
[2] ساق المؤلف هذا الخبر في الجزء الثالث من هذا الكتاب (ص 29 من هذه الطبعة) منسوبا لأخيه مروان، وكلاهما ولي المدينة.
[3] في الخبر السابق بالجزء الثالث: «النغاشي».
[4] في الخبر السابق: «عشرة دنانير».
[5] في ب، س: «قال ابن نغاش» بزيادة «قال». ولا يستقيم معها السياق.
[6] زيادة في ط، ء.
[7] في ب، س: «أو جعل» بهمزة الاستفهام. على أن الاستفهام مفهوم من سياق الكلام.
[8] زيادة عن م، س.
مالك بن أنس وحسين بن دحمان الأشقر:
أخبرني محمد بن عمرو [1] العتّابيّ قال حدّثنا محمد بن خلف بن المرزبان - ولم أسمعه أنا من [2] محمد بن خلف - قال حدّثني إسحاق بن محمد بن أبان الكوفيّ قال حدّثني حسين بن دحمان الأشقر قال:
كنت بالمدينة، فخلا لي الطريق وسط النهار، فجعلت أتغنّى:
ما بال أهلك يا رباب ... خزرا كأنّهم غضاب
قال: فإذا خوخة [3] قد فتحت، وإذا وجه قد بدا تتبعه لحية حمراء، فقال: يا فاسق أسأت التأدية، ومنعت القائلة، وأذعت الفاحشة؛ ثم اندفع يغنّيه، فظننت أنّ طويسا قد نشر بعينه [4]؛ فقلت له: أصلحك اللّه! من أين لك هذا الغناء؟ فقال: نشأت وأنا غلام حدث أتبع المغنّين وآخذ عنهم، فقالت لي أمّي: يا بنيّ إنّ المغنّي إذا كان قبيح الوجه لم يلتفت إلى غنائه، فدع الغناء واطلب الفقه؛ فإنه لا يضرّ معه قبح الوجه. فتركت المغنّين واتّبعت الفقهاء، فبلغ اللّه بي عزّ وجلّ ما ترى. فقلت له: فأعد جعلت فداءك! قال: لا ولا كرامة! أتريد أن تقول: أخذته/ عن مالك بن أنس! وإذا هو مالك بن أنس ولم أعلم.
صوت من المائة المختارة
لمن ربع بذات الجي ... ش أمسى دارسا خلقا
وقفت به أسائله ... ومرّت عيسهم حزقا [5]
علوا بك ظاهر البيدا ... ء والمحزون قد قلقا
حديث النبي عن انخساف الأرض بجيش يغزو الكعبة:
- ذات الجيش: موضع. ذكر النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّ جيشا يغزو الكعبة، فيخسف بهم إلّا رجلا واحدا يقلب وجهه إلى قفاه، فيرجع إلى قومه كذلك، فيخبرهم الخبر. حدّثني بهذا الحديث أحمد بن محمد الجعديّ قال حدّثنا محمد بن بكّار قال حدّثنا إسماعيل بن زكريّا عن محمد بن سوقة قال سمعت نافع بن [6] جبير بن مطعم يقول حدّثتني عائشة قالت:
قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «يغزو جيش الكعبة حتى إذا كانوا ببيداء من الأرض خسف بأولهم وآخرهم». قالت
__________
[1] كذا في ط، ء. وفي ح: «محمد بن عمرو العباسي القرشي». وفي ب، س: «محمد بن عمر العباسيّ القرشي». وفي م: «محمد بن العمرو الغنائي القرشي». وقد بحثنا عنه في «إنباه الرواة» للقفطي و«معجم الأدباء» لياقوت و«تاريخ ابن خلكان» و«نزهة الألباء» لابن الأنباري و«بغية الوعاة» للسيوطي و«تهذيب التهذيب» لابن حجر العسقلاني، فلم نجده حتى نرجح إحدى هذه الروايات.
[2] هذه الجملة المعترضة ساقطة من ء، ط.
[3] الخوخة: البويب، أو الباب الصغير في الباب الكبير.
[4] كذا في ح، س، م. وفي باقي الأصول: «يغنيه» بصيغة الفعل المضارع.
[5] حزقا: جماعات، واحده حزقة.
[6] كذا في أكثر الأصول، وهو الموافق لما في الطبري و«تهذيب التهذيب». وفيء، ط: «نافع بن حسن بن معظم» وهو تحريف.
عائشة: فقلت يا رسول اللّه، كيف يخسف بأوّلهم وآخرهم وفيهم سواهم ومن ليس منهم؟ قال: «يخسف بأوّلهم وآخرهم ثم يبعثون على [قدر] [1] نيّاتهم» - الشعر للأحوص، والغناء في هذا اللحن المختار للدّلال المخنّث وهو أحد من خصاه ابن حزم بأمر الوليد بن عبد الملك مع المخنّثين. والخبر في ذلك يذكر بعد. ولحنه المختار من الثقيل الأوّل بإطلاق الوتر في مجرى البنصر في الأوّل والثالث. ولإسحاق فيه ثقيل أوّل آخر. وفيه لمالك لحن من خفيف الرّمل عن يونس والهشاميّ وغيرهما. وفيه رمل ينسب إلى ابن سريج، وهو مما يشكّ في نسبته إليه. وقيل:
إنّ خفيف الرّمل لابن سريج، والرّمل لمالك. وذكر حبش أنّ فيه للدّلال خفيف ثقيل بالبنصر أيضا.
__________
[1] الزيادة عن م، س.
46 - ذكر الأحوص وأخباره ونسبه
اسم الأحوص ولقبه ونسبه:
هو الأحوص. وقيل: إنّ اسمه عبد اللّه، وإنّه لقّب الأحوص لحوص [1] كان في عينيه. وهو ابن محمد بن عبد اللّه بن عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح - واسم أبي الأقلح قيس - بن عصيمة بن النّعمان بن أميّة بن ضبيعة بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس. وكان يقال لبني ضبيعة بن زيد في الجاهلية: بنو كسر الذّهب. وقال الأحوص حين نفي إلى اليمن:
بدّل الدّهر من ضبيعة عكّا [2] ... جيرة وهو يعقب الأبدالا
سبب تسمية جدّه عاصم حميّ الدبر:
وكان جدّه عاصم يقال له حميّ الدّبر؛ وكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بعثه بعثا، فقتله المشركون؛ وأرادوا أن يصلبوه فحمته الدّبر، وهي النّحل، فلم يقدروا عليه، حتى بعث اللّه عزّ وجلّ الوادي [3] في الليل فاحتمله فذهب به. وفي ذلك يقول الأحوص مفتخرا:
وأنا [4] ابن الذي حمت لحمه الدّب ... ر قتيل اللّحيان [5] يوم الرّجيع
قصة وفد عضل والقارة وقتل البعث الذي أرسل معهم:
حدّثنا بالخبر في ذلك محمد بن جرير الطّبريّ قال حدّثنا ابن حميد قال حدّثنا سلمة بن الفضل قال حدّثنا
محمد بن إسحاق عن عاصم بن عمر [6] بن قتادة قال:
/ قدم على رسول اللّه/ صلى اللّه عليه وسلّم بعد أحد رهط من عضل والقارة [7]، فقالوا: يا رسول اللّه، إنّ فينا إسلاما وخيرا،
__________
[1] الحوص (بالتحريك وبابه كفرح): ضيق في مؤخر العينين أو في إحداهما.
[2] عك: قبيلة من قحطان باليمن.
[3] الوادي: كل مفرج بين الجبال والتلال والآكام، والمراد هنا: السيل الذي يجري فيه.
[4] صحح العلامة الشنقيطي بقلمه بهامش نسخته من كتاب «معجم ما استعجم» للبكري (المحفوظ بدار الكتب المصرية طبع أوروبا تحت رقم 2 جغرافيا ص 401) كلمة «و أنا» بكلمة «و أبى».
[5] لحيان (بفتح اللام وكسرها): حيّ من هذيل.
[6] كذا في ح. وفي باقي الأصول: «عن قتادة». والصواب في ح؛ لأن الذي في «تهذيب التهذيب» و «الخلاصة» أن عاصم بن عمر لم يرو عن جدّه قتادة بل روى عن أبيه عمر.
[7] قال القسطلاني في «شرح البخاري» (ج 6 ص 373 طبع بلاق): «عضل: بطن من الهون بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر، ينسبون إلى عضل بن الديش. والقارة: بطن من الهون ينسبون إلى الديش المذكور. أو القارة: أكمة سوداء، كأنهم نزلوا عندها فسموا بها». وقد ذكر ابن دريد في «الاشتقاق» (ص 110): أن الهون وعضل والقارة إخوة لهذيل وفسر أسماءهم. وسأل الأخفش
فابعث معنا نفرا من أصحابك، يفقّهونا [1] في الدّين، ويقرئونا [1] القرآن، ويعلّمونا [1] شرائع الإسلام؛ فبعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم معهم نفرا ستّة [2] من أصحابه: مرثد بن أبي مرثد الغنويّ حليف حمزة بن عبد المطّلب، وخالد بن البكير حليف بني عديّ بن كعب، وعاصم بن ثابت بن أبي الأقلح أخا بني عمرو بن عوف، وخبيب بن عديّ أخا بني جحجبى بن كلفة بن عمرو بن عوف، وزيد بن الدّثنّة [3] أخا بني بياضة بن عامر، وعبد اللّه بن طارق حليفا [4] لبني ظفر من بليّ، وأمّر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم [عليهم] [5] مرثد بن أبي مرثد،/ فخرجوا مع القوم، حتّى إذا كانوا على الرّجيع (ماء لهذيل [6] بناحية من الحجاز من صدر [7] الهدأة) غدروا بهم، واستصرخوا عليهم هذيلا، فلم يرع القوم وهم في رحالهم إلّا بالرّجال في أيديهم السيوف قد غشوهم؛ فأخذوا أسيافهم ليقاتلوا القوم؛ فقالوا: [إنّا] [8] واللّه ما نريد قتلكم، ولكنّا نريد أن نصيب بكم شيئا من أهل مكّة، ولكم عهد اللّه وميثاقه ألّا نقتلكم. فأمّا مرثد بن أبي مرثد، وخالد بن البكير، وعاصم بن ثابت بن أبي الأقلح فقالوا: إنّا واللّه لا نقبل من مشرك عهدا ولا عقدا أبدا! فقاتلوهم حتّى قتلوهم جميعا. وأمّا زيد بن الدّثنّة، وخبيب بن عديّ، وعبد اللّه بن طارق فلانوا ورقّوا ورغبوا في الحياة وأعطوا بأيديهم [9]؛ فأسروهم، ثم خرجوا بهم إلى مكّة ليبيعوهم بها؛ حتّى إذا كانوا بالظّهران [10] انتزع عبد اللّه بن طارق يده من القرآن [11]، ثم أخذ سيفه واستأخر عن القوم، فرموه بالحجارة حتى قتلوه، فقبره [12] بالظّهران. وأمّا خبيب بن عديّ وزيد بن الدّثنّة، فقدموا بهما مكّة فباعوهما. فابتاع خبيبا حجير بن أبي إهاب التّميميّ حليف بني نوفل لعقبة بن الحارث بن عامر بن نوفل - وكان حجير أخا الحارث بن عامر بن نوفل لأمّه - ليقتله بأبيه [13]. وأمّا زيد بن الدّثنّة فابتاعه صفوان/ بن أميّة ليقتله بأميّة بن خلف أبيه. وقد كانت هذيل حين قتل عاصم بن ثابت قد أرادوا رأسه
__________
() المبرد عنهما فقال: «هذان حيان كانا في نهاية العداوة لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم». (راجع «الكامل» ص 632 طبع أوروبا).
[1] كذا في ح بحذف النون مجزوما في جواب الطلب. وفي سائر الأصول بإثبات نون الرفع، على أن تكون الجملة صفة لنفر.
[2] وردت هذه الأسماء مضطربة في بعض الأصول. وما أثبتناه عن ط، ب. وهو الموافق لما في الطبري (قسم أول ص 1432 طبع أوروبا) و«السيرة» لابن هشام (ص 638 طبع أوروبا). وقد ذكرت هذه الأسماء في «نهاية الأرب» (ج 3 ص 375 طبعة أولى) و«شرح القاموس» (مادة رجع) كما هنا بزيادة سابع هو معتب بن عبيد أخو عبد اللّه بن طارق لأمه. إلا أنه ذكر بدل معتب بن عبيد هذا في «شرح القاموس» «مغيث بن عبيدة» وهو تحريف.
[3] الدثنة: بفتح الدال المهملة وكسر الثاء المثلثة والنون المفتوحة المشدّدة ثم تاء تأنيث، قال ابن دريد: من قولهم: دثن الطائر إذا طاف حول وكره ولم يسقط عليه. (انظر «الاشتقاق» ص 272 و«شرح الزرقاني على المواهب اللدنية» ج 2 ص 80 طبع بلاق).
[4] كذا في ح، م. وهو الموافق لما في الطبري و«السيرة» وفي سائر الأصول: «حلفاء» وهو تحريف.
[5] زيادة عن م.
[6] في «معجم ما استعجم» للبكري: «ماء لهذيل لبني لحيان منهم بين مكة وعسفان بناحية الحجاز ... إلخ».
[7] كذا في «معجم ما استعجم» للبكري نقلا عن ابن إسحاق. وضبط البكري «الهدأة» بالعبارة فقال: «بفتح الهاء وإسكان الدال المهملة بعدها همزة مفتوحة». وفي جميع الأصول: «الهدّة» بدون همز. وفي «السيرة» و«تاريخ الطبري»: «صدور الهدأة». وفي س، ح:
«حدود» بالدال المهملة، وهو تحريف. والهدأة: موضع بين عسفان ومكة.
[8] زيادة عن ء، ط، م.
[9] أعطوا بأيديهم: انقادوا.
[10] الظهران: واد بين مكة وعسفان.
[11] القران: الحبل.
[12] في ط، ء: «فقبروه».
[13] كذا في: ح: م، وهو الموافق لما في «السيرة» والطبري. وفي سائر الأصول: «بابنه» وهو تحريف؛ لأن الذي قتله خبيب يوم بدر هو الحارث بن عامر بن نوفل والد عقبة، كما يجيء بعد في حديث أبي كريب.
ليبيعوه من سلافة بنت سعد بن شهيد [1]، وكانت قد نذرت حين قتل عاصم ابنها [2] يوم أحد لئن قدرت على رأس عاصم لتشربنّ في قحفه [3] الخمر، فمنعته الدّبر. فلمّا حالت بينهم وبينه قالوا: دعوه حتى يمسي، فتذهب عنه فنأخذه. فبعث اللّه عزّ وجلّ الوادي فاحتمل عاصما فذهب به. وكان عاصم قد أعطى اللّه عزّ وجلّ عهدا لا يمسّه مشرك أبدا ولا يمسّ مشركا أبدا تنجّسا [4] منه. فكان عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه يقول حين بلغه أن الدّبر منعته:
«عجبا لحفظ اللّه عزّ وجلّ العبد المؤمن! كان عاصم نذر ألّا يمسّه مشرك ولا يمسّ مشركا أبدا في حياته، فمنعه اللّه بعد مماته كما امتنع منه في حياته!».
رواية أخرى عن البعث ومصيره:
قال محمد بن جرير: وأمّا غير ابن إسحاق، فإنّه قصّ من خبر هذه السّريّة غير الذي قصّه غيره:
من ذلك ما حدّثنا أبو كريب قال حدّثنا جعفر بن عون العمريّ قال حدّثنا إبراهيم بن إسماعيل عن عمر [5] أو عمرو بن أسيد عن أبي هريرة:
/ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بعث عشرة رهط، وأمّر عليهم عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح، فخرجوا، حتّى إذا كانوا بالهدأة ذكروا لحيّ من هذيل يقال لهم بنو لحيان، فبعثوا إليهم مائة رجل راميا، فوجدوا مأكلهم حيث/ أكلوا التّمر، فقالوا: نوى يثرب! ثم اتّبعوا آثارهم؛ حتّى إذا أحسّ بهم عاصم وأصحابه التجؤوا إلى جبل، فأحاط بهم الآخرون فاستنزلوهم، وأعطوهم العهد. فقال عاصم: واللّه لا أنزل على عهد كافر، اللّهمّ أخبر نبيّك عنّا. ونزل إليهم ابن الدّثنّة البياضيّ، وخبيب، ورجل آخر؛ فأطلق القوم أوتار قسيّهم، ثم أوثقوهم، فجرحوا رجلا من الثلاثة، فقال: هذا واللّه أوّل الغدر، واللّه لا أتبعكم، فضربوه وقتلوه؛ وانطلقوا بخبيب وابن الدّثنّة إلى مكّة، فدفعوا خبيبا إلى بني الحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف، وكان خبيب هو الذي قتل الحارث بأحد. فبينما خبيب عند بنات الحارث، استعار من إحدى بنات الحارث موسى ليستحد [6] بها للقتل، فما راع المرأة ولها صبيّ يدرج إلّا خبيب قد أجلس الصبيّ على فخذه والموسى بيده، فصاحت المرأة؛ فقال خبيب: أتحسبين أنّي أقتله! إنّ الغدر ليس من
__________
[1] كذا في «طبقات ابن سعد» (ق 2 ج 3 ص 33 طبع أوروبا) و «تاريخ الطبري» و «سيرة ابن هشام» و «معجم ما استعجم» للبكري.
وفي الأصول: «سهيل» وهو خطأ.
[2] في «معجم ما استعجم»: «ليبيعوه من سلافة بنت سعد بن شهيد أم مسافع والجلاس ابني طلحة، وكان عاصم قتلهما يوم أحد فنذرت ... إلخ». وفي «طبقات ابن سعد» أنها جعلت لمن جاء برأسه مائة ناقة.
[3] العظم الذي فوق الدماغ.
[4] يقال: فلان يتنجس إذا فعل فعلا يخرج به عن النجاسة، كما يقال: يتأثم ويتحرج ويتحنث إذا فعل فعلا يحرج به عن الإثم والحرج والحنث.
[5] كذا في «تاريخ الطبري» (قسم أوّل ص 1434 طبع أوروبا) وقد ذكره صاحب «تهذيب التهذيب» في اسم عمرو بن أبي سفيان بن أسيد وأورد اسمه أيضا في «عمر» وأحاله على «عمرو»، وهذا يفيد ترجيحه اسم «عمرو»، كما أنه أثبت في ترجمة أبي هريرة رواية عمرو بن أبي سفيان بن أسيد عنه. وفي ح: «عن عمر أو عمرو بن أسد». وفي سائر الأصول: «عمرو بن عمرو بن أسد» وهما تحريف؛ لأنه لم يوجد في أسماء الرواة من تسمى بهذا الاسم.
[6] يستحدّ: يحلق شعر عانته. قال في «اللسان» مادة حدد: «و في حديث خبيب أنه استعار موسى استحدّ بها لأنه كان أسيرا عندهم وأرادوا قتله، فاستحدّ لئلا يظهر شعر عانته عند قتله». ومنه الحديث حين قدم من سفر فأراد الناس أن يطرقوا النساء ليلا فقال:
«أمهلوا كي تمتشط الشّعثة وتستحدّ المغيبة». قال أبو عبيد: «و هو استفعال من الحديدة يعني الاستحلاق بها، استعمله على طريق الكناية والتورية».
شأننا. قال: فقالت المرأة بعد: ما رأيت أسيرا قطّ خيرا من خبيب، لقد رأيته وما بمكة من ثمرة وإنّ في يده لقطفا من عنب يأكله، إن كان إلّا رزقا رزقه اللّه خبيبا. وبعث حيّ من قيس إلى عاصم ليؤتوا من لحمه بشيء، وقد كان لعاصم فيهم آثار [1] بأحد، فبعث اللّه عليه دبرا فحمت لحمه/ فلم يستطيعوا أن يأخذوا من لحمه شيئا. فلمّا خرجوا بخبيب من الحرم ليقتلوه، قال: ذروني أصلّ ركعتين، فتركوه فصلّى ركعتين - فجرت سنّة لمن قتل صبرا أن يصلّي ركعتين - ثم قال: لو لا أن يقال جزع لزدت، وما أبالي:
على أيّ شقّ كان للّه مصرعي [2]
ثم قال:
وذلك في ذات [3] الإله وإن يشأ ... يبارك على أوصال شلو ممزّع
اللّهمّ أحصهم عددا [4]، وخذهم بددا. ثم خرج به أبو سروعة [5] بن الحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف فضربه فقتله.
حدّثنا محمد قال حدّثنا أبو كريب قال حدّثنا جعفر بن عون عن إبراهيم بن إسماعيل، قال وأخبرني جعفر بن عمرو بن أميّة عن أبيه عن جدّه:
/ أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بعثه وحده عينا إلى قريش. قال: فجئت إلى خشبة خبيب وأنا أتخوّف العيون، فرقيت فيها، فحللت خبيبا فوقع إلى الأرض، فانتبذت [6] غير بعيد، ثم التفتّ فلم أر لخبيب أثرا، فكأنّما الأرض ابتلعته، فلم تظهر لخبيب رمّة حتّى الساعة.
قال محمد بن جرير: وأمّا زيد بن الدّثنّة، فإنّ صفوان بن أميّة بعث [به] [7] - فيما حدّثنا ابن حميد قال حدّثنا سلمة عن ابن إسحاق - [مع] [7] مولى له يقال له نسطاس إلى التّنعيم، فأخرجه من الحرم ليقتله؛ واجتمع [إليه] [7] رهط من قريش فيهم أبو سفيان بن حرب؛ فقال له أبو سفيان حين قدّم ليقتل: أنشدك اللّه يا زيد، أتحبّ أنّ محمدا عندنا الآن مكانك فنضرب عنقه وأنّك في أهلك؟ فقال: واللّه ما أحبّ أنّ محمدا الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه
__________
[1] كذا في أكثر النسخ. وآثار: جمع ثأر على القلب. وفي ح: «أوتار» جمع وتر، وهو الجناية التي يجنيها الرجل على غير، من قتل أو نهب أو سبى.
[2] هذا الشطر من قصيدة نسبها ابن هشام في «السيرة» (ص 643 طبع أوروبا) لخبيب هذا، ومطلعها:
لقد جمع الأحزاب حولي وألبوا ... قبائلهم واستجمعوا كل مجمع
[3] في ذات الإله: في طاعته وطلب رضاه وثوابه. والأوصال: جمع وصل وهو العضو. والشلو (بكسر الشين المعجمة وسكون اللام):
الجسد. وممزع: مقطع.
[4] أحصهم: أهلكهم بحيث لا تبقى من عددهم أحدا. وخذهم بددا: قال ابن الأثير: يروي بكسر الباء، جمع بدّة وهي الحصة والنصيب، أي اقتلهم حصصا مقسمة لكل واحد حصته ونصيبه، ويروى بالفتح من التبديد أي متفرّقين في القتل واحدا بعد واحد.
[5] أبو سروعة (بكسر السين المهملة وفتحها، كما في شرح القسطلاني على «صحيح البخاري» ج 6 ص 376 طبع بلاق): كنية عقبة بن الحارث النوفلي القرشي الصحابي، وهو الذي قتل خبيب بن عدي. وقال في «القاموس» مادّة سرع: «و أبو سروعة، ولا يكسر وقد تضم الراء، عقبة ابن الحارث الصحابي». قال شارحه: «و في التكملة: وأصحاب الحديث يقولون: أبو سروعة بكسر السين، وقد ضبطه النووي بالوجهين، ثم قال: وبعضهم يقول: أبو سروعة مثال فروقة وركوبة، والصواب ما عليه أهل اللغة».
[6] كذا في الطبري (قسم أوّل ص 1436 طبع أوروبا). وانتبذ: تنحى. وفي ح، م: «فاستدرت». وفي سائر الأصول: «فاشتددت».
[7] الزيادة عن الطبري (قسم أوّل ص 1437).
شوكة تؤذيه وأنا جالس في أهلي! قال يقول أبو سفيان: ما رأيت من الناس أحدا يحبّ أحدا كحبّ أصحاب محمد محمدا! ثم قتله نسطاس.
نزول عبد اللّه وأبي أحمد ابني جحش من المهاجرين على عاصم بن ثابت:
أخبرني أحمد بن الجعد قال حدّثنا محمد بن إسحاق [1] المسيّبيّ قال حدّثنا محمد بن فليح عن موسى بن عقبة عن ابن شهاب [2] قال:
/ نزل عبد اللّه [3] وأبو أحمد ابنا جحش، حين قدما مهاجرين، على عاصم بن ثابت، وكنيته أبو سليمان.
شعر لعاصم بن ثابت وكنيته:
وقال عاصم:
/أبو سفيان [4] وريش المقعد ... ومجنأ من جلد ثور أجرد
وذكر لنا الحرميّ بن أبي العلاء عن الزّبير أنّ عاصما، فيما قيل، كان يكنى أبا سفيان. قال: وقال في يوم الرّجيع:
أنا أبو سفيان [5] مثلي راما ... أضرب كبش العارض [6] القدّاما
كنية الأحوص واسم أمه وبعض صفاته:
أخبرني الحرميّ قال حدّثنا الزّبير قال حدّثنا إسماعيل بن [7] عبد اللّه عن إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة عن عمّه قال:
__________
[1] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «محمد بن القاسم». والذي في «تهذيب التهذيب» أن الذي روى عن محمد بن فليح هو محمد بن إسحاق المسيبي.
[2] كذا في أكثر الأصول. وفي ط، ء: «أبي شهاب»، وهو تحريف. وفي «تهذيب التهذيب» أن ابن شهاب اسمه محمد بن مسلم بن عبيد اللّه بن عبد اللّه الزهري، وهو الذي يروي عنه موسى بن عقبة.
[3] هو عبد اللّه بن جحش بن رباب بن يعمر أبو محمد الأسدي. وأمه أميمة بنت عبد المطلب عمة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وهو وأخوه أبو أحمد صحابيان، وأختهما زينب بنت جحش زوج النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم. (انظر «أسد الغابة في معرفة الصحابة» ج 3 ص 131 طبع بلاق).
[4] كذا في ح، وهو الموافق لما في «سيرة ابن هشام» (ص 638 طبع أوروبا). وفي م:
أبو سليمان وصنع المقعد ... ومجنأ من جلد ثور أجلد
وفي سائر الأصول: «أبو سليمان وضيع المقعد». والمقعد: فرخ النسر، وريشه أجود الريش، وقيل: المقعد: النسر الذي قشب له (خلط له السم في اللحم) حتى صيد فأخذ ريشه. وقيل: المقعد: اسم رجل كان يريش السهام والمجنأ: الترس الذي لا حديد به.
يريد: أنا أبو سليمان ومعي سهام راشها المقعد، وترس من جلد قوي، فما عذري إذا لم أقاتل.
[5] في «السيرة»:
أبو سليمان ومثلي راما ... وكان قومي معشرا كراما
ولم يذكر في «السيرة» أن عاصما تكنّى بأبي سفيان.
[6] في ب، س: «العارضي» تحريف. والكبش: الرئيس. والعارض: الجيش تشبيها له بالسرب العظيم من الجراد في انتشاره، أو بالسحاب. والقدّام (بفتح القاف وضمها مع تشديد الدال) والقدّيم (بكسر القاف): السيد ومن يتقدّم الناس بالشرف.
[7] كذا فيء، ط، م، وهو الصواب؛ لأن الذي روى عن إسماعيل بن إبراهيم هو إسماعيل بن عبد اللّه كما في «الطبقات» لابن سعد (ج 5 ص 310) «و تهذيب التهذيب» (ج 1 ص 272). وفي سائر الأصول: «عن عبد اللّه» تحريف.
/ كنية الأحوص أبو محمد. وأمّه أثيلة بنت عمير بن مخشيّ [1]؛ وكان أحمر أحوص العينين.
رأي الفرزدق في شعره:
قال الزبير فحدّثني محمد بن يحيى قال:
قدم الفرزدق المدينة، ثم خرج منها، فسئل عن شعرائها، فقال: رأيت بها شاعرين وعجبت لهما: أحدهما أخضر يسكن خارجا من بطحان [2] (يريد ابن هرمة)؛ والآخر أحمر كأنّه وحرة على برودة في شعره (يريد الأحوص). والوحرة [3]: يغسوب أحمر ينزل الأنبار [4].
هجاؤه لابنه:
وقال الأحوص يهجو نفسه ويذكر حوصه [5]:
أقبح [6] به من ولد وأشقح ... مثل جريّ الكلب لم يفقّح [7]
إن ير سوءا لم يقم فينبح ... بالباب عند حاجة المستفتح
قال الزّبير: ولم يبق للأحوص من ولده غير رجلين.
طبقته في الشعر عند ابن سلام ورأي أبي الفرج فيه:
قال الزّبير: وجعل محمد بن سلّام الأحوص، وابن قيس الرّقيّات، ونصيبا، وجميل بن معمر طبقة سادسة من شعراء الإسلام، وجعله بعد ابن قيس [8]، وبعد نصيب. [قال أبو الفرج] [9]: والأحوص، لو لا ما وضع به نفسه من
__________
[1] كذا في أكثر الأصول. وفيء، ط: «محشي» بالحاء المهملة.
[2] بطحان (بضم الأوّل وسكون الثاني أو بفتح الأوّل وكسر الثاني): واد بالمدينة، وهو أحد أوديتها الثلاثة: العقيق وبطحان وقناة.
(انظر «القاموس» و «شرحه» مادة بطح) و «معجم البلدان» (في بطحان).
[3] كذا فيء، ط. وفي سائر الأصول: «قال: والوحرة يعسوب إلخ». وكلمة «قال» غير محتاج إليها هنا في الكلام.
[4] كذا في أكثر الأصول. والأنبار، كما في ياقوت: حدّ بابل؛ سميت بذلك لأنه كان يجمع بها أنابير الحنطة والشعير والقت والتبن، وكانت الأكاسرة ترزق أصحابها منها، وكان يقال لها الأهراء. فلما دخلتها العرب عرّبتها فقالت الأنبار. وهذا التفسير الذي ذكره المؤلف للوحرة غريب؛ إذ أجمعت «كتب اللغة» التي بين أيدينا على أن الوحرة (بالتحريك): دويبة تشبه سامّ أبرص، وقال الجوهري: الوحرة بالتحريك: دويبة حمراء تلزق بالأرض. وفي ح: «يلزم البئار».
[5] لعل هاهنا سقطا؛ فإنه يهجو بهذا الشعر ابنه لا نفسه.
[6] أثبتنا هذين البيتين كما رواهما الجاحظ في كتابه «الحيوان» (ج 1 ص 254 طبع الحلبي) وقد قال: إنه هجا بهما ابنه. وقد وردا في ب، س هكذا:
أسمج به من ولد وأقبح ... مثل جرى الكلب لم يفقح
يشر سوءا لم يقم فينبح ... بالباب عند حاجة المستفتح
وفيء، ط: «يسري شوا ما لم يقم فينبح». وفي م: «بشر سوء لم يقصر فينبح».
[7] يقال: فقح الجرو وفقح (بالتضعيف)، وذلك أوّل ما يفتح عينيه وهو صغير.
[8] كذا في س، ب، ح. وفي ط، ء ورد هذان الاسمان بتقديم الثاني على الأوّل. وفي م وردا هكذا: «بعد ابن قيس وقبل نصيب».
وقد ورد في «طبقات الشعراء» لمحمد بن سلام المذكور (ص 137 طبع ليدن) أن شعراء الطبقة السادسة هم: عبيد اللّه بن قيس الرقيات، والأحوص، وجميل، ونصيب.
[9] زيادة عن م.
دنيء الأخلاق والأفعال، أشدّ تقدّما منهم عند جماعة أهل الحجاز وأكثر الرّواة؛ وهو أسمح طبعا، وأسهل كلاما، وأصحّ معنى منهم؛ ولشعره رونق وديباجة صافية وحلاوة وعذوبة ألفاظ ليست لواحد منهم. وكان قليل المروءة والدّين، هجّاء للناس، مأبونا فيما يروى عنه.
جلد سليمان بن عبد الملك إياه والسبب في ذلك:
أخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد عن أبيه قال حدّثني أبو عبيدة أنّ جماعة من أهل المدينة أخبروه:
أنّ السبب في جلد سليمان [1] بن عبد الملك، أو الوليد بن عبد الملك إيّاه ونفيه له، أنّ شهودا شهدوا عليه عنده أنه قال: إذا أخذت جريري [2] لم أبال أيّ الثلاثة لقيت ناكحا أو منكوحا أو زانيا. قالوا [3]: وانضاف إلى ذلك أنّ سكينة/ بنت الحسين رضي اللّه عنهما فخرت يوما برسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم؛ ففاخرها بقصيدته التي يقول فيها:
ليس جهل أتيته ببديع
فزاده ذلك حنقا عليه وغيظا حتّى نفاه.
فخرت سكينة بالنبيّ ففاخرها بجدّه وخاله:
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ قال حدّثنا عمر بن شبّة:
أنّ الأحوص كان يوما عند سكينة، فأذّن المؤذّن، فلمّا قال: أشهد أن لا إله إلّا اللّه، أشهد أنّ محمدا رسول اللّه، فخرت سكينة بما سمعت؛ فقال الأحوص:
فخرت وانتمت فقلت ذريني ... ليس جهل أتيته ببديع
فأنا [4] ابن الذي حمت لحمه الدّب ... ر قتيل اللّحيان يوم الرّجيع
غسّلت خالي الملائكة الأب ... رار ميتا طوبى له من صريع
قال أبو زيد: وقد لعمري فخر بفخر لو على غير سكينة فخر به! وبأبي سكينة صلّى اللّه عليه وسلّم/ حمت أباه [5] الدّبر وغسّلت خاله الملائكة.
هجاؤه لابن حزم عامل المدينة:
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثني محمد بن يحيى عن أيّوب بن عمر عن أبيه قال:
__________
[1] في م: «في ضرب ابن حزم». وابن حزم هذا هو أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم كان عاملا لسليمان بن عبد الملك على المدينة.
[2] الجرير: الزمام، وهذا كناية عن إطلاق سراحه: وفي الحديث أن الصحابة نازعوا جرير بن عبد اللّه زمامه، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم:
«خلوا بين جرير والجرير» أي دعوا له زمامه. وفي ح، م: «صريرتي». وفي سائر الأصول: «صريري»، وهما تحريف.
[3] فيء، ط: «قال»:
[4] نبهنا فيما تقدّم أن المرحوم الأستاذ الشنقيطي صحح هذه الكلمة ب «و أبى ابن الذي ... ».
[5] كذا في ح. وفي أكثر الأصول: «لحمه».
لمّا جاء ابن حزم عمله من قبل سليمان بن عبد الملك على المدينة والحجّ، جاءه ابن أبي جهم بن [1] حذيفة وحميد بن عبد الرحمن بن عوف وسراقة، فدخلوا عليه/ فقالوا له: إيه يا ابن حزم! ما الذي جاء بك؟ قال:
استعملني واللّه أمير المؤمنين على المدينة على رغم أنف من رغم أنفه. فقال له ابن أبي جهم: يا ابن حزم، فإنّي أوّل من يرغم من ذلك أنفه. قال فقال ابن حزم: صادق، واللّه يحبّ الصّادقين. فقال الأحوص:
سليمان إذ ولّاك ربّك حكمنا ... وسلطاننا فاحكم إذا قلت واعدل
يؤمّ حجيج المسلمين ابن فرتني ... فهب ذاك حجّا ليس بالمتقبّل
فقال ابن أبي عتيق [2] للأحوص: الحمد للّه يا أحوص، إذ لم أحجّ ذلك العام بنعمة ربّي وشكره. قال:
الحمد للّه الذي صرف ذلك عنك يا بن أبي بكر الصّدّيق، فلم يضلل دينك، ولم تعنّ [3] نفسك، وتر ما يغيظك ويغيظ المسلمين معك.
وفد على الوليد وتعرّض للخبازين فأمر عامل المدينة بجلده:
أخبرني الحرميّ قال حدّثنا الزّبير قال حدّثني عبد الرحمن بن عبد اللّه عن عمّه موسى بن عبد العزيز قال:
وفد الأحوص على الوليد بن عبد الملك وامتدحه، فأنزله منزلا، وأمر بمطبخه أن يمال عليه؛ ونزل على الوليد بن عبد الملك شعيب بن عبد اللّه بن عمرو بن العاصي، فكان الأحوص يراود وصفاء للوليد خبّازين عن [4] أنفسهم ويريدهم أن يفعلوا به. وكان شعيب قد غضب على مولى له ونحاه. فلمّا خاف الأحوص أن يفتضح بمراودته الغلمان، اندسّ لمولى شعيب ذلك فقال: ادخل على أمير المؤمنين فاذكر له أنّ شعيبا أرادك عن نفسك، ففعل المولى. فالتفت الوليد إلى شعيب/ فقال: ما يقول هذا؟ فقال: لكلامه غور [5] يا أمير المؤمنين، فاشدد به يدك يصدقك. فشدد عليه، فقال: أمرني بذلك الأحوص. فقال قيّم الخبّازين: أصلحك اللّه! إنّ الأحوص يراود الخبّازين عن أنفسهم. فأرسل به الوليد إلى ابن حزم بالمدينة، وأمره أن يجلده مائة، ويصبّ على رأسه زيتا، ويقيمه على البلس [6]؛ ففعل ذلك به. فقال وهو على البلس أبياته التي يقول فيها:
ما من مصيبة نكبة أمنى [7] بها ... إلّا تشرّفني وترفع [8] شأني
__________
[1] كذا في ط، ء، وهو الموافق لما في «تاريخ الطبري»، وهو أبو بكر بن عبد اللّه بن أبي الجهم بن حذيفة العدوي، كما في «تهذيب التهذيب». وفي ب، س، ح: «ابن أبي جهم حذيفة» بدون ذكر «ابن» وهو خطأ. وفي م: «ابن خذيفة» بالخاء المعجمة، وهو تصحيف.
[2] أبو عتيق: لقب محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر.
[3] كذا في ح، م. وعنّى نفسه وأعناها: أنصبها وكلفها ما يشق عليها. وفي سائر الأصول: «و تغر نفسك».
[4] في جميع الأصول: «على أنفسهم».
[5] أي في كلامه معنى خفيّ غير واضح.
[6] البلس (بضمتين): جمع بلاس كسحاب، وهي غرائر كبار من مسوح يجعل فيها التين ويشهر عليها من ينكل به ويناذي عليه. ومن دعائهم: «أرانيك اللّه على البلس».
[7] في ط، ء: «أعيا». وفي «ديوان الحماسة»:
ما تعتريني من خطوب ملمة ... إلا تشرفني وتعظم شاني
وأوّل الأبيات فيه:
إني على ما قد علمت محسّد ... أنمى على البغضاء والشنآن
[8] في ط، ء: «و تعظم».
شعره الذي أنشده حين شهر به:
أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثني أيّوب بن عمر قال أخبرني عبد اللّه بن عمران بن أبي فروة قال:
رأيت الأحوص حين وقفه ابن حزم على البلس في سوق المدينة وإنّه ليصيح ويقول:
ما من مصيبة نكبة أمنى بها ... إلّا تعظّمني وترفع شاني
وتزول حين تزول عن متخمّط [1] ... تخشى بوادره على الأقران
إنّي إذا خفي [2] اللّئام رأيتني ... كالشمس لا تخفى بكلّ مكان
شعره في هجو ابن حزم:
قال: وهجا الأحوص ابن حزم بشعر كثير، منه:
أقول وأبصرت ابن حزم بن فرتني ... وقوفا له بالمأزمين [3] القبائل
/ ترى فرتنى كانت بما بلغ ابنها ... مصدّقة لو قال ذلك قائل
- أخبرني الحرميّ قال حدّثنا الزّبير عن أبي عبيدة قال: كلّ أمة يقال لها فرتنى. وأخبرنا أبو خليفة عن محمد بن سلّام قال: فرتني [4]: الأمة بنت الأمة - قال الزّبير: فقال ابن حزم حين سمع قول الأحوص فيه «ابن فرتنى» لرجل من قومه له علم: أنحن من ولد فرتنى؟ أو تعرفها [5]؟ فقال: لا واللّه! قال: ولا أنا أعلم واللّه ذلك! ولقد عضهني [6] به، ولو كانت ولدتني لم أجهل ذلك.
قال الزّبير: وحدّثني عمّي مصعب عن عبد اللّه بن محمد بن عمارة قال:
فرتنى: أمّ لهم في الجاهليّة من بلقين [7]، كانوا يسبّون بها، لا أدري ما أمرها، قد طرحوها من كتاب النّسب وهي أمّ خالد [بنت خالد] [8] بن سنان بن وهب بن لوذان السّاعديّة أمّ بني حزم.
__________
[1] المتخمط: المتكبر.
[2] في «طبقات ابن سلام الجمحي»: «إني إذا جهل ... إلخ».
[3] المأزمان، كما في ياقوت: جبلا مكة. قال أهل اللغة: هما مضيقا جبلين. وقيل: هو اسم موضع بمكة بين المشعر الحرام وعرفة، وفيه أقوال غير هذا.
[4] وفرتني: المرأة الفاجرة والأمة. ذهب ابن جني إلى أن نونه زائدة، وجعله سيبويه رباعيا.
[5] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «أو نعرفها» بالنون.
[6] كذا في أكثر الأصول. وعضهني: بهتني أي رماني بالزور والبهتان وقال فيّ ما لم يكن. وفي م: «عضبني» والعضب: الشتم والتناول.
[7] بلقين بفتح فسكون: حيّ من بني أسد كما قالوا: بلحارث وبلهجيم، وأصلها بنو القين. قال ابن الجوّاني: «العرب تعتمد ذلك فيما ظهر في واحده النطق باللام، مثل الحارث والخزرج والعجلان، ولا يقولون ذلك فيما لم تظهر لامه، فلا يقولون بلنجار في بني النجار؛ لأن اللام لا تظهر في النطق بالنجار فلا تجوّزه العربية ولم يقل في «الأنساب».
[8] هذه العبارة ساقطة في ح، وقد وردت في م: «ابن خالد».
/ أخبرني الحرميّ قال حدّثنا الزّبير قال حدّثني عبد الملك بن عبد العزيز عن يوسف بن الماجشون [1]: أنّ الأحوص قال لابن حزم:
لعمري لقد أجرى ابن حزم بن فرتنى ... إلى غاية فيها السّمام المثمّل [2]
وقد قلت مهلا آل حزم بن فرتنى ... ففي ظلمنا صاب [3] ممرّ وحنظل
وهي طويلة. وقال أيضا:
أهوى أميّة إنّ شطّت وإن قربت ... يوما وأهدي لها نصحي وأشعاري
ولو وردت عليها الفيض [4] ما حفلت ... ولا شفت [5] عطشي من مائه الجاري
لا تأوينّ [6] لحزميّ رأيت به ... ضرّا ولو طرح [7] الحزميّ في النّار
الناخسين [8] بمروان بذي خشب ... والنفحمين على عثمان في الدّار
دفع عنه بنو زريق فمدحهم:
أخبرنا الحرميّ قال حدّثنا الزّبير قال حدّثني جماعة من مشايخ الأنصار:
أنّ ابن حزم لمّا جلد الأحوص [و] [9] وقفه على البلس يضربه، جاءه بنو زريق [10] فدفعوا عنه، واحتملوه من أعلى البلس. فقال في ذلك - قال ابن الزبير: أنشدنيه عبد الملك بن الماجشون عن يوسف بن أبي سلمة الماجشون - :
إمّا تصبني المنايا وهي لاحقة ... وكلّ جنب له قد حمّ مضطجع
فقد جزيت بني حزم بظلمهم ... وقد جزيت زريقا بالّذي صنعوا
__________
[1] الماجشون ذكره «القاموس» (في مادّة مجش) بضم الجيم. وقال شارحه: «و يكسر الجيم ويفتح فهو إذا مثلث». ثم نقل عن حاشية المواهب اللدنية أنه «بكسر الجيم وضم الشين». وقال: «و على كسر الجيم وضم الشين اقتصر النووي رحمه اللّه في «شرح مسلم» والحافظ ابن حجر في «التقريب». واقتصر السمعاني في «الأنساب» أيضا على كسر الجيم. وهو معرّب ماه كون. ومعناه الورد، أو الأبيض المشرب بحمرة، أو لون القمر.
[2] المثمل: السم المقوّي بالسّلع وهو شجر مرّ. وقال ابن سيده: وسم مثمّل: طال إنقاعه وبقي. وقال الأزهري: ونرى أنه الذي أنقع فبقي وثبت.
[3] الصاب: عصارة شجر مرّ، وقيل: هو شجر إذا اعتصر خرج منه كهيئة اللبن، وربما نزت منه نزية (قطرة) فتقع في العين كأنها شهاب نار، وربما أضعف البصر. وممرّ، من أمرّ الشيء فهو ممرّ إذا كان مرّا.
[4] الفيض: نهر بالبصرة.
[5] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «سقت».
[6] أوى لفلان: رحمه ورق له. والرواية فيما تقدّم (ج 1 ص 26 من هذه الطبعة) «لا ترثين» كما في ح هنا.
[7] في ب، س: «و لو ألقي». وفي الجزء الأوّل: «و لو سقط».
[8] الناخسين بمروان، يريد الطاردين لمروان والمزعجين له؛ يقال: نخسوا بفلان إذا نخسوا دابته من خلفه وطردوه حتى سيروه في البلاد. وتفسير «ذي خشب» وقصة طرد مروان مذكوران في الجزء الأوّل (ص 23 وما بعدها من هذه الطبعة).
[9] التكملة عن م.
[10] بنو زريق: خلق من الأنصار، وهم بنو زريق بن عامر بن زريق الخزرجيّ، إليه يرجع كل زرقي ما خلا زريق بن ثعلبة طيء. (انظر «القاموس» و «شرحه» مادة زرق).
قوم أبى طبع [1] الأخلاق أوّلهم ... فهم على ذاك من أخلاقهم طبعوا
وإن أناس ونوا عن كلّ مكرمة ... وضاق باعهم عن وسعهم وسعوا
إنّي رأيت غداة السّوق محضرهم ... إذ نحن ننظر ما يتلى ونستمع
نفاه ابن حزم إلى دهلك وشعره في ذلك:
أخبرني الحرميّ قال حدّثنا الزّبير قال حدّثني عمر بن أبي بكر المؤمّلي [2] قال حدّثني غير واحد من أهل العلم:
أنّ أبا بكر بن محمد بن عمرو بن حزم جلد الأحوص في الخنث [3]، وطاف به وغرّبه إلى دهلك [4] في محمل [5] عريانا. فقال الأحوص وهو يطاف به:
ما من مصيبة نكبة أبلى بها
الأبيات. وزاد فيها:
إنّي على ما قد ترون محسّد ... أنمى على البغضاء والشّنآن
/ أصبحت للأنصار فيما نابهم ... خلفا وللشّعراء من حسّان
قال الزّبير: ومما ضرب [6] فيه أيضا قوله:
شرّ الحزّاميّين ذو السّنّ منهم ... وخير الحزاميّين يعدله الكلب
فإن جئت شيخا من حزام وجدته ... من النّوك والتقصير ليس له قلب
فلو سبّني عون إذا لسببته ... بشعري أو بعض الأولى جدّهم كعب
- عون، يعني عون بن محمد بن عليّ بن أبي طالب عليه رضوان اللّه. وكعب، يعني كعب بن لؤيّ - :
أولئك أكفاء لبيتي بيوتهم ... ولاتستوي الأعلاث [7] والأقدح القضب
أعانه فتى من بني جحجبى فدعا عليه:
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير قال حدّثني محمد بن ثابت الأنصاريّ عن محمد بن فضالة قال:
__________
[1] الطبع (بالتحريك): الدنس والعيب، وكل شين في دين أو دنيا فهو طبع. وأصله من الوسخ والدنس يغشيان السيف، ثم استعير فيما يشبه ذلك من الأوزار والآثام وغيرهما من المقابح.
[2] في ح: «الموصليّ» وانظر الحاشية رقم 1 ص 123 من هذا الجزء.
[3] كذا في أكثر الأصول. والخنث (بالضم): اسم من التخنث. وفي ب، س: «الخبث» بالباء وهو تصحيف.
[4] دهلك (بفتح أوّله وسكون ثانيه ولام مفتوحة وآخره كاف)، اسم أعجميّ معرب، وهي جزيرة في بحر القلزم، في طريق المسافرين في بحر عيذاب إلى اليمن، بينها وبين اليمن نحو ثلاثين ميلا، وهي ضيقة حرجة حارّة، كان بنو أمية إذا سخطوا على أحد نفوه إليها.
[5] في ط، ء: «في محمل عري». وكانت تكون هذه الرواية جميلة لو أنها كانت: على فرس عري أو على دابة عري.
[6] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «و مما صرف فيه».
[7] الأعلاث من الشجر: القطع المختلفة مما يقدح به من المرخ واليبيس واحدها علث بالكسر. والأقداح: جمع فدح وهو السهم قبل -
كان الأحوص بن محمد الأنصاريّ قد أوسع قومه هجاء فملاهم شرّا، فلم يبق له فيهم صديق، إلّا فتى من بني جحجبى [1]. فلمّا أراد الأحوص الخروج إلى يزيد بن عبد الملك، نهض الفتى في جهاره وقام بحوائجه وشيّعه؛ فلمّا كان بسقاية سليمان وركب الأحوص محمله، أقبل على الفتى فقال: لا أخلف اللّه عليك بخير! فقال:/ مه! غفر اللّه لك! قال الأحوص: لا واللّه أو أعلّقها حربا! يعني قباء [2] وبني عمرو بن عوف.
هجا معن بن حميد الأنصاريّ فعفا عنه ثم هجا ابن أبي جرير فأهاله وهدّده:
أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثني محمد بن يحيى قال قال غسّان بن عبد الحميد:
أقبل الأحوص حتّى وقف على معن بن حميد الأنصاريّ، أحد بني عمرو بن عوف بن جحجبى، فقال:
رأيتك مزهوّا كأنّ أباكم ... صهيبة أمسى خير عوف مركّبا
تقرّ بكم كوثى [3] إذا ما نسبتم ... وتنكركم عمر بن عوف بن جحجبى
عليك بأدنى الخطب إن أنت نلته ... وأقصر فلا يذهب بك التّيه مذهبا
فقام إليه بنوه ومواليه؛ فقال: دعوا الكلب، خلّوا عنه، لا يمسّه أحد منكم؛ فانصرف. حتّى إذا كان عند أحجار المراء بقباء لقيه ابن أبي جرير أحد بني العجلان، وكان شديدا ضابطا [4]؛ فقال له الأحوص:
إنّ بقوم سوّدوك لحاجة ... إلى سيّد لو يظفرون بسيّد
فألقى ثيابه وأخذ بحلق الأحوص، ومع الأحوص راويته، وجاء الناس [ليخلّصوه] [5]، فحلف لئن خلّصه أحد من يديه ليأخذنّه وليدعنّ الأحوص؛ فخنقه حتى استرخى، وتركه حتى أفاق؛ ثم قال له: كلّ مملوك لي حرّ، لئن [6] سمع أو سمعت هذا البيت من أحد من الناس لأضربنّك ضربة بسيفي أريد بها نفسك ولو كنت/ تحت أستار الكعبة. فأقبل الأحوص على راويته فقال: إنّ هذا مجنون، ولم يسمع هذا البيت غيرك؛ فإيّاك أن يسمعه منك خلق.
لقي عباد بن حمزة ومحمد بن مصعب فلم يهشا له ثم تهدّداه إن هجاهما:
أخبرني الحرميّ والطّوسيّ قالا حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثني بعض أصحابنا:
__________
- أن يراش وينصل. والقضب: كل شجر سبطت أغصانه وطالت، وما قطع من الأغصان للسهام أو القسيّ. (انظر «القاموس» و«شرحه» مادتي علث وقضب).
[1] جحجبى بن كلفة بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس وهو جدّ أحيحة بن الجلاح اليثربي: حي من الأنصار ثم من الأوس. (انظر «القاموس» و«شرحه» مادة جحجب).
[2] كذا بالأصول.
[3] كوثى: محلة بمكة لبني عبد الدار.
[4] ضابط: شديد البطش والقوّة والجسم.
[5]. زيادة عن م.
[6] كذا في م. وفي ط: «لئن سمعت هذا البيت ... ». وفي سائر الأصول: «كل مملوك لي حر إن سمع أو سمعت ... ».
أنّ الأحوص مرّ بعبّاد بن حمزة بن عبد اللّه بن الزّبير ومحمد بن مصعب بن الزّبير بخيمتي [1] أمّ معبد، وهما يريدان الحجّ مرجعه من عند يزيد بن عبد الملك، وهو على نجيب له فاره ورحل فاخر وبزة مرتفعة، فحدّثهما أنّه قدم على يزيد بن عبد الملك، فأجازه وكساه وأخدمه [2]؛ فلم يرهما يهشّان لذلك، فجعل يقول: خيمتي أمّ معبد، عبّاد ومحمد، كأنه يروض القوافي للشعر يريد/ قوله. فقال له محمد بن مصعب: إنّ أراك في تهيئة شعر وقواف وأراك تريد أن تهجونا! وكلّ مملوك [3] لي حرّ لئن هجوتنا بشيء إن لم أضربك بالسيف مجتهدا [4] على نفسك.
فقال الأحوص: جعلني اللّه فداك! إنّي أخاف أن تسمع هذا فيّ عدوّا فيقول شعرا يهجو كما به فينحلنيه [5]، وأنا أبرئكما الساعة، كلّ مملوك لي حرّ إن هجوتكما ببيت شعر أبدا.
أراد أن يصحب محمد بن عباد في طريقه إلى مكة فأبى محمد:
أخبرني الحرميّ قال حدّثنا الزّبير قال حدّثني عمّي مصعب قال حدّثنا الزبير بن خبيب [6] عن أبيه خبيب بن ثابت قال:
/ خرجنا مع محمد بن عبّاد بن عبد اللّه بن الزّبير إلى العمرة، فإنّا لبقرب قديد [7] إذ لحقنا الأحوص الشاعر على جمل برحل؛ فقال: الحمد للّه الّذي وفقّكم لي [8]، ما أحبّ أنّكم غيركم، وما زلت أحرك في آثاركم مذ رفعتم لي [9]؛ فقد ازددت بكم غبطة. فأقبل عليه محمد، وكان صاحب جدّ يكره الباطل وأهله، فقال: لكنّا واللّه ما اغتبطنا بك ولا نحبّ مسايرتك، فتقدّم عنّا أو تأخّر. فقال: واللّه ما رأيت كاليوم جوابا! قال: هو ذاك. قال: وكان محمد صاحب جدّ [يكره الباطل وأهله] [10]، فأشفقنا مما صنع، ومعه عدّة من آل الزبير [11]، فلم يقدر أحد منهم أن يردّ عليه. قال: وتقدّم الأحوص، ولم يكن لي شأن غير أن أعتذر إليه. فلمّا هبطنا من المشلّل [12] على خيمتي أمّ
__________
[1] خيمة أم معبد ويقال بئر أم معبد: موضع بين مكة والمدينة نزله رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في هجرته. ومعه أبو بكر رضي اللّه عنه، وقصته مشهورة. قالوا: لما هاجر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لم يزل مساحلا حتى انتهى إلى قديد فانتهى إلى خيمة منتبذة، وذكروا الحديث، وسمع هاتف ينشد:
جزى اللّه خيرا والجزاء بكفه ... رفيقين قالا خيمتي أمّ معبد
[2] اخدمه: وهب له خادما.
[3] في الأصول: «و كل مملوك له».
[4] الاجتهاد: بذل الوسع والمجهود في طلب الأمر، وهو افتعال من الجهد بمعنى الطاقة. فلعل معنى قوله: «مجتهدا على نفسك»:
باذلا ما في وسعي وطاقتي في القضاء على نفسك.
[5] نخله القول: نسبه إليه وهو لم يقله.
[6] كذا في «المشتبه» للذهبي (ص 147) و«فهرس» الطبري. وفي الأصول: «حبيب» بالحاء المهملة، وهو تصحيف.
[7] قال ياقوت في «معجمه»: «قديد بالتصغير: اسم موضع قرب مكة. قال ابن الكلبيّ: لما رجع تبّع من المدينة بعد حربه لأهلها نزل قديدا فهبت ريح قدّت خيم أصحابه، فسمى قديدا». وقال في «اللسان» مادّة قدد: «قديد: ماء بالحجاز وهو مصغر، وورد ذكره في الحديث؛ قال ابن سيده: وقديد موضع، وبعضهم لا يصرفه ويجعله اسما للبقعة».
[8] وفقكم لي: جعلكم تصادفونني وتلاقونني. وفي «اللسان» (مادة وفق): «و يقال: وفقت له ووفّقت له ووفقته ووفقني، وذلك إذا صادفني ولقيني».
[9] رفع لي الشي ء: أبصرته من بعد.
[10] زيادة عن ط، م، ء.
[11] في ط، م، ء: «من ولد الزبير».
[12] المشلل (بالضم فالفتح وفتح اللام المشدّدة): جبل يهبط منه إلى قديد من ناحية البحر. (انظر ياقوت في المشلل).
معبد سمعت الأحوص يهمهم [1] بشيء، فتفهّمته فإذا هو يقول: خيمتي أم معبد، محمد، كأنّه يهيّىء القوافي؛ فأمسكت راحلتي حتّى جاءني محمد، فقلت. إنّي سمعت هذا يهيّىء لك القوافي، فإمّا أذنت لنا أن نعتذر إليه ونرضيه، وإمّا خلّيت [2] بيننا وبينه فنضربه [3]؛ فإنّا لا نصادفه في أخلى من هذا المكان. قال: كلّا! إنّ سعد بن مصعب قد أخذ عليه ألّا يهجو زبيريّا أبدا، فإن فعل رجوت أن يخزيه اللّه، دعه.
هجا سعد بن مصعب فلما أراد ضربه حلف له ألا يهجو زبيريا فتركه:
قال الزّبير: وأمّا خبره مع سعد بن مصعب، فحدّثني به عمّي مصعب قال أخبرني يحيى بن الزّبير بن عبّاد أو مصعب بن عثمان - شكّ: أيّهما حدّثه - قال:
كانت أمة الملك بنت حمزة بن عبد اللّه بن الزّبير، تحت سعد بن مصعب بن الزّبير، وكان فيهم مأتم، فاتّهمته بامرأة، فغارت عليه وفضحته. فقال الأحوص يمازحه:
وليس بسعد النّار من تزعمونه ... ولكنّ سعد النار سعد بن مصعب
ألم تر أنّ القوم ليلة نوحهم ... بغوه فألفوه على شرّ مركب
فما يبتغي بالغيّ لا درّ درّه ... وفي بيته مثل الغزال المربّب
- قال: وسعد النار رجل يقال له سعد حضنة، وهو الذي جدّد لزياد بن عبيد اللّه [4] الحارثيّ الكتاب الذي في جدار المسجد، وهو آيات من القرآن أحسب أنّ منها (إِنَّ اللَّهَ يَامُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ)
فلمّا فرغ منه قال لزياد: أعطني أجري. فقال له زياد: انتظر، فإذا رأيتنا نعمل بما كتبت، فخذ أجرك - .
قال: فعمل سعد بن مصعب سفرة، وقال للأحوص: اذهب بنا إلى سدّ عبيد اللّه بن عمر نتغدّ عليه، ونشرب من مائه، ونستنقع فيه؛ فذهب معه. فلمّا صارا إلى الماء، أمر غلمانه أن يربطوه وأراد ضربه، وقال: ما جزعت من هجائك إيّاي، ولكن ما ذكرك زوجتي؟! فقال له: يا سعد، إنك لتعلم أنّك إن ضربتني لم أكفف عن الهجاء، ولكن خير لك من ذلك أحلف [5] لك بما/ يرضيك ألّا أهجوك ولا أحدا من آل الزّبير أبدا؛ فأحلفه وتركه.
هجا مجمع بن يزيد فسبه:
أخبرني الحرميّ قال حدّثنا الزّبير قال حدّثني مصعب عمّي عن مصعب بن عثمان قال:
قال الأحوص لمجمّع بن يزيد بن جارية [6]:
__________
[1] الهمهمة: الكلام الخفيّ، وقيل: الهمهمة: تردّد الزئير في الصدر من الهمّ والحزن؛ يقال: همهم الأسد، وهمهم الرجل، إذا لم يبين كلامه.
[2] في الأصول: «و إما أن خليت» بزيادة «أن».
[3] في ط، م، ء: «فضربناه».
[4] كذا في م، وهو الموافق لما في الطبري. وفي ح: «لعبيد اللّه بن زياد الحارثي». وفي أكثر الأصول: «لزياد بن عبد اللّه».
[5] سياق الكلام يقتضي وجود «أن» المصدرية، فهي إذا محذوفة مقدّرة.
[6] مجمع، بضم أوّله وفتح الجيم وتشديد الميم المكسورة. وجارية، بالجيم والراء والياء المثناة من تحت كما في «تهذيب التهذيب» في اسم مجمع. وقد ورد هذا الاسم في الأصول: «حارثة» بالحاء والراء والثاء المثلثة، وهو تصحيف.
وجمّعت من أشياء شتّى خبيثة ... فسمّيت لمّا جئت منها مجمّعا
فقال له مجمّع: إنّي لا أحسن الشعر، ثم أخذ كرنافة [1] فغمسها في ماء فغاصت، ثم رفع يده عنها فطفت، فقال: هكذا واللّه كانت تصنع خالاتك السّواحر.
طلب من أمّ ليث أن تدخله إلى جارة لها فأبت فعرّضا بها في شعره:
أخبرني الحرميّ قال وحدّثنا الزّبير قال:
كانت امرأة يقال لها أمّ ليث امرأة صدق [2]، فكانت قد فتحت بينها وبين جارة لها من الأنصار خوخة، وكانت الأنصاريّة من أجمل أنصاريّة خلقت. فكلّم الأحوص أمّ ليث أن تدخله في بيتها يكلّم الأنصاريّة من الخوخة التي فتحت بينها وبينها، فأبت؛ فقال: أما لأكافئنّك، ثم قال:
هيهات منك بنو عمر ومسكنهم ... إذا تشتّيت قنّسرين [3] أو حلبا
قامت تراءى وقد جدّ الرحيل بنا ... بين السّقيفة والباب الذي نقبا
إني لمانحها ودّي ومتّخذ ... بأمّ ليث إلى معروفها سببا
فلمّا بلغت الأبيات زوج المرأة، سدّ الخوخة؛ فاعتذرت إليه أمّ ليث، فأبى أن يقبل ويصدّقها. فكانت أمّ ليث تدعو على الأحوص.
وعده مخزوميّ أن يعينه عند الوليد ثم أحلف:
أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدّثني عمر بن شبّة قال حدّثني أبي قال:
ركب الأحوص إلى الوليد بن عبد الملك قبل ضرب ابن حزم إيّاه، فلقيه رجل من بني مخزوم يقال له محمد بن عتبة، فوعده أن يعينه. فلمّا دخل على الوليد قال: ويحك! ما هذا الذي رميت به يا أحوص؟ قال: واللّه يا أمير المؤمنين، لو كان الذي رماني به ابن حزم من أمر الدّين لا حتنبته، فكيف وهو من أكبر معاصي اللّه! فقال ابن عتبة: يا أمير المؤمنين، إنّ من فضل ابن حزم وعذله كذا وكذا، وأثنى عليه. فقال الأحوص: هذا واللّه كما قال الشاعر [4]:
وكنت كذئب السّوء لمّا رأى دما ... بصاحبه يوما [5] أحال على الدّم
شكاه أهل المدينة فنفى إلى دهلك ثم استعطف عمر بن عبد العزيز فلم يعطف عليه:
فأمّا خبره في بقيّة أيّام سليمان بن عبد الملك وعمر بن عبد العزيز، فأخبرني به أبو خليفة الفضل بن الحباب
__________
[1] الكرنافة: واحدة الكرناف (بكسر الكاف وضمها)، وهو أصول الكرب التي تبقى في جذع النخلة بعد قطع السعف.
[2] إذا قلت: رجل صدق أو امرأة صدق بالإضافة كسرت الصاد، وإن نعتّ به فتحتها.
[3] قنسرين (بكسر القاف وفتح النون مشدّدة): كورة بالشام بالقرب من حلب، وهي أحد أجناد الشام. فتحها أبو عبيدة بن الجرّاح رضي اللّه عنه في سنة سبع عشرة.
[4] هو الفرزدق.
[5] أحال على الدم: أقبل عليه. ومثله قول الشاعر:
فتى ليس لابن العمّ كالذئب إن رأى ... بصاحبه يوما دما فهو آكله
[الجمحيّ] [1] قال حدّثنا عون بن محمد بن سلّام قال حدّثني أبي عمّن حدّثه عن الزّهريّ، وأخبرني به الطّوسيّ والحرميّ بن أبي العلاء قالا: حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثني عمّي مصعب عن مصعب بن عثمان قال:
كان الأحوص ينسب بنساء ذوات أخطار من أهل المدينة، ويتغنّى في شعره معبد ومالك، ويشيع ذلك في الناس، فنهي فلم ينته؛ فشكي إلى عامل سليمان بن عبد الملك على المدينة وسألوه الكتاب فيه إليه، ففعل ذلك.
فكتب سليمان إلى عامله يأمره أن يضربه مائة سوط ويقيمه على البلس للناس، ثم يصيّره إلى دهلك [2] ففعل ذلك به؛ فثوى هناك سلطان [3] سليمان بن عبد الملك. ثم ولي عمر/ ابن عبد العزيز؛ فكتب إليه يستأذنه في القدوم ويمدحه؛ فأبى أن يأذن له. وكتب فيما كتب إليه به:
/أيا راكبا إمّا عرضت فبلّغن ... هديت أمير المؤمنين رسائلي
وقل لأبي حفص إذا ما لقيته ... لقد كنت نفّاعا قليل الغوائل
وكيف ترى للعيش طيبا ولذّة ... وخالك أمسى موثقا في الحبائل!
- هذه الأبيات من رواية الزّبير وحده، ولم يذكرها ابن سلّام - قال: فأتى رجال من الأنصار عمر بن عبد العزيز، فكلّموه فيه وسألوه أن يقدمه، وقالوا له: قد عرفت نسبه وموضعه وقديمه، وقد أخرج إلى أرض الشّرك، فنطلب إليك أن تردّه إلى حرم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ودار قومه. فقال لهم عمر: فمن الذي يقول:
فما هو إلّا أن أراها فجاءة ... فأبهت حتّى ما أكاد أجيب
قالوا: الأحوص. قال: فمن الذي يقول:
أدور ولو لا أن أرى أمّ جعفر ... بأبياتكم ما درت حيث أدور [4]
وما كنت زوّارا ولكنّ ذا الهوى ... إذا لم يزر لا بدّ أن سيزور
قالوا: الأحوص. قال: فمن الذي يقول:
كأنّ لبنى صبير غادية [5] ... أو دمية زيّنت بها البيع
اللّه بيني وبين قيّمها ... يفرّ منّي بها وأتّبع
/ قالوا: الأحوص. قال: بل اللّه بين قيّمها وبينه. قال: فمن الذي يقول:
ستبقى لها [6] في مضمر القلب والحشا ... سريرة حبّ يوم تبلى السّرائر
__________
[1] زيادة عن س، ح.
[2] دهلك: جزيرة في بحر اليمن وهو مرسي بين بلاد اليمن والحبشة، بلدة ضيقة حرجة حارة، كان بنو أمية إذا سخطوا على أحد نفوه إليها. (راجع ياقوت).
[3] يريد: مدة سلطانه.
[4] هذا البيت لعروة بن حزام العذري، كما ذكره المؤلف في ترجمته ضمن شعر له، وكما ذكره ابن قتيبة في كتابه «الشعر والشعراء»، لا للأحوص.
[5] الصبير: السحاب الأبيض الذي يصبر بعضه فوق بعض درجا. والغادية: السحابة تنشأ غدوة.
[6] في «الشعر والشعراء» (ص 330 طبع أوروبا): «ستبلى لكم».
قالوا: الأحوص. قال: إنّ الفاسق عنها يومئذ لمشغول، واللّه لا أردّه ما كان لي سلطان. قال: فمكث هناك بقيّة ولاية عمر وصدرا من ولاية يزيد بن عبد الملك.
غنت حبابة يزيد بن عبد الملك بشعر فلما علم أنه للأحوص أطلقه وأجازه:
قال: فبينا يزيد وجاريته حبابة ذات ليلة على سطح تغنّيه بشعر الأحوص، قال لها: من يقول هذا الشعر؟
قالت: لا وعينيك ما أدري! - قال: وقد كان ذهب من الليل شطره - فقال: ابعثوا إلى ابن شهاب الزّهريّ، فعسى أن يكون عنده علم من ذلك. فأتي الزّهريّ فقرع عليه بابه فخرج مروّعا إلى يزيد. فلمّا صعد إليه قال له يزيد: لا ترع، لم ندعك إلّا لخير، اجلس، من يقول هذا الشعر؟ قال: الأحوص بن محمد يا أمير المؤمنين. قال: ما فعل؟ قال:
قد طال حبسه بدهلك. قال: قد عجبت لعمر كيف أغفله. ثم أمر بتخلية سبيله، ووهب له أربعمائة دينار. فأقبل الزّهريّ من ليلته إلى قومه من الأنصار فبشّرهم بذلك.
قصيدته التي يعاتب بها عمر بن عبد العزيز على إدنائه زيد بن أسلم وإقصائه له:
أخبرني الحرميّ قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثنا محمد بن إسماعيل ومحمد بن زيد الأنصاريّ قالا:
لمّا ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة أدنى زيد بن أسلم، وجفا الأحوص. فقال له الأحوص:
أ لست أبا حفص هديت مخبّري ... أفي الحقّ أن أقصى ويدنى ابن أسلما
فقال عمر: ذلك هو الحق.
/ قال الزّبير: وأنشدنيها عبد الملك بن الماجشون عن يوسف بن الماجشون:
ألا صلة الأرحام أدنى إلى التّقى ... وأظهر في أكفائه [1] لو تكرّما
/ فما ترك الصّنع الذي قد صنعته ... ولا الغيظ منّي ليس جلدا وأعظما
وكنّا ذوي قربى لديك فأصبحت ... قرابتنا ثديا أجدّ [2] مصرّما
وكنت وما أمّلت منك كبارق ... لوى قطره من بعد ما كان غيّما
وقد كنت أرجى الناس عندي مودّة ... ليالي كان الظنّ غيبا مرجّما
أعدّك حرزا إن جنيت ظلامة ... ومالا ثريّا حين أحمل مغرما
تدارك بعتبى عاتبا ذا قرابة ... طوى الغيظ لم يفتح بسخط له فما
قيل إنه دس إلى حبابة الشعر الذي غنت يزيد به فأطلقه وأجازه:
أخبرني الحرميّ قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال: كتب إليّ إسحاق بن إبراهيم أنّ أبا عبيدة حدّثه:
أنّ الأحوص لم يزل مقيما بدهلك حتّى مات عمر بن عبد العزيز، فدسّ إلى حبابة فغنّت يزيد بأبيات له - قال أبو عبيدة: أظنّها قوله:
__________
[1] في ط: «و أطهر في أكفانه».
[2] كذا فيء، ط و «الشعر والشعراء». وثدي أجدّ: يابس لا لبن به. ومصرّم: منقطع اللبن. وفي ب، س: «أحذ» بالحاء والذال المعجمة، وهو تصحيف.
صوت
أيّهذا المخبّري عن يزيد ... بصلاح فداك أهلي ومالي
ما أبالي إذا يزيد بقي لي ... من تولّت به صروف الليالي
لم يجنّسه. كذا جاء في الخبر أنها غنّته به، ولم يذكر طريقته قال أبو عبيدة: أراه عرّض بعمر بن عبد العزيز ولم يقدر أن يصرّح مع بني مروان - فقال: من/ يقول هذا؟ قالت: الأحوص، وهوّنت أمره، وكلّمته في أمانه فأمّنه. فلمّا أصبح حضر فاستأذنت له، ثمّ أعطاه مائة ألف درهم.
أخبرنا الحسين بن يحيى عن حمّاد عن أبيه عن الهيثم بن عديّ عن صالح بن حسّان:
أنّ الأحوص دسّ إلى حبابة، فغنّت يزيد قوله:
كريم قريش حين ينسب والذي ... أقرّت له بالملك كهلا وأمردا
وليس وإن أعطاك في اليوم مانعا ... إذا عدت من أضعاف أضعافه [1] غدا
أهان تلاد المال في الحمد إنّه ... إمام هدى يجري على ما تعوّدا
تشرّف مجدا من أبيه وجدّه ... وقد ورثا بنيان مجد تشيّدا [2]
فقال يزيد: ويلك يا حبابة! من هذا من قريش؟ قالت: ومن يكون! أنت هو يا أمير المؤمنين. فقال: ومن قال هذا الشعر؟ قالت: الأحوص يمدح به أمير المؤمنين؛ فأمر به أمير المؤمنين أن يقدم عليه من دهلك، وأمر له بمال وكسوة.
أخبره يزيد بن عبد الملك بأنه معجب بشعر له في مدحهم:
أخبرني الحرميّ قال حدّثنا الزّبير قال حدّثني بعض أهل العلم قال:
دخل الأحوص على يزيد بن عبد الملك وهو خليفة؛ فقال له يزيد: واللّه لو لم تمتّ إلينا بحرمة، ولا توسّلت بدالّة، ولا جدّدت لنا مدحا [3]، غير أنك مقتصر على البيتين اللذين قلتهما فينا، لكنت مستوجبا لجزيل الصّلة منّي حيث تقول:
وإنّي لأستحييكم أن يقودني ... إلى غيركم من سائر الناس مطمع/
وأن أجتدي للنفع غيرك منهم ... وأنت إمام للرعيّة مقنع [4]
قال: وهذه قصيدة مدح بها عمر بن عبد العزيز.
__________
[1] كذا في ح، م. وفي سائر الأصول: «أضعاف إعطائه».
[2] في م: «مشيدا» وفيء، ط: «وشيدا».
[3] كذا في «الأمالي» لأبي عليّ القالي (ج 1 ص 69 طبع دار الكتب المصرية). وفي الأصول: «و لم تضربنا بدالة ولم تجدّد لنا مديحة ... إلخ».
[4] رجل مقنع (بفتح الميم): يقنع به ويرضى برأيه وقضائه.
لما ولي يزيد بعث إليه فأكرمه فمدحه:
أخبرني الحرميّ قال حدّثنا الزّبير قال حدّثني عبد الرحمن بن عبد اللّه الزّهريّ قال حدّثني عمر بن موسى بن عبد العزيز قال:
لمّا ولي يزيد بن عبد الملك بعث إلى الأحوص، فأقدم عليه، فأكرمه وأجازه بثلاثين ألف/ درهم. فلمّا قدم قباء صبّ المال على نطع ودعا جماعة من قومه، وقال: إنّي قد عملت لكم طعاما. فلمّا دخلوا عليه كشف لهم عن ذلك المال، وقال: (أَ فَسِحْرٌ هذا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ)
قال الزّبير: وقال في يزيد بن عبد الملك يمدحه حينئذ بهذه القصيدة:
صرمت حبلك الغداة نوار ... إنّ صرما لكلّ حبل قصار [1]
وهي طويلة، يقول فيها:
من يكن سائلا فإنّ يزيدا ... ملك من عطائه الإكثار
عمّ معروفه فعزّ به الدّي ... ن وذلّت لملكه الكفّار
وأقام الصّراط فابتهج [2] ال ... حقّ منيرا كما أنار النّهار
ومن هذه القصيدة بيتان يغنّى فيهما، وهما:
صوت
بشر لو يدبّ ذرّ عليه ... كان فيه من مشيه آثار
إنّ أروى إذا تذكّر أروى ... قلبه كاد قلبه يستطار
/ غنّت فيه عريب لحنا من الثقيل الأوّل بالبنصر، وذكر ابن المكّي أنه لجدّه يحيى.
بعث يزيد إليه وإلى ابن حزم فأراد أن يكيد عنده لابن حزم فلم يقبل منه وأهانه:
أخبرني الحرميّ قال حدّثنا الزّبير قال حدّثني عمّي مصعب عن مصعب بن عثمان قال:
حجّ يزيد بن عبد الملك فتزوّج بنت عون بن محمد بن عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه وأصدقها مالا كثيرا؛ فكتب الوليد بن عبد الملك إلى أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم: إنّه بلغ أمير المؤمنين أنّ يزيد بن عبد الملك قد تزوّج بنت عون بن محمد بن عليّ بن أبي طالب وأصدقها مالا كثيرا، ولا أراه فعل ذلك إلّا وهو يراها خيرا منه، قبّح اللّه رأيه! فإذا جاءك كتابي هذا فادع عونا فاقبض المال منه؛ فإن لم يدفعه إليك فأضربه بالسّياط حتى تستوفيه منه ثم افسخ نكاحه. فأرسل أبو بكر بن محمد بن عمرو إلى عون بن محمد وطالبه بالمال. فقال له: ليس عندي شيء وقد فرّقته. فقال له أبو بكر: إنّ أمير المؤمنين أمرني إن لم تدفعه إليّ كلّه أن أضربك بالسّياط ثم لا أرفعها عنك حتى أستوفيه منك. فصاح به يزيد: تعال إليّ، فجاءه؛ فقال له فيما بينه وبينه: كأنّك خشيت أن أسلمك إليه، ادفع إليه المال ولا تعرّض له نفسك؛ فإنّه إنّ دفعه إليّ رددته عليك، وإن لم يردّه عليّ أخلفته عليك، ففعل. فلمّا
__________
[1] القصار: الغاية.
[2] في ح، م: «فانتهج» بالنون بدل الباء. وعلى هذه الرواية يكون الفعل مبنيا للمفعول.
ولي يزيد بن عبد الملك، كتب في أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم وفي الأحوص، فحملا إليه، لما بين أبي بكر والأحوص من العداوة؛ وكان أبو بكر قد ضرب الأحوص وغرّبه إلى دهلك وأبو بكر مع عمر بن عبد العزيز، وعمر إذ ذاك على المدينة. فلمّا صارا بباب يزيد أذن للأحوص، فرفع أبو بكر يديه يدعو، فلم يخفضهما حتى خرج الغلمان بالأحوص ملبّبا [1] مكسور الأنف، وإذا هو لمّا دخل على يزيد/ قال له: أصلحك اللّه! هذا ابن حزم الذي سفّه رأيك وردّ نكاحك. فقال يزيد: كذبت! عليك لعنة اللّه وعلى من يقول ذلك! اكسروا أنفه، وأمر به فأخرج ملبّبا.
قصته مع عبد الحكم بن عمرو الجمحي:
أخبرني الحرميّ قال حدّثنا الزّبير قال حدّثني عبد الرحمن بن عبد اللّه عن عبد اللّه بن/ عمرو [2] الجمحيّ قال:
كان عبد الحكم [3] بن عمرو بن عبد اللّه بن صفوان الجمحيّ قد اتّخذ بيتا فجعل فيه شطرنجات ونردات وقرقات [4] ودفاتر فيها من كلّ علم، وجعل في الجدار أوتادا، فمن جاء علّق ثيابه على وتد منها، ثم جرّ دفترا فقرأه، أو بعض ما يلعب به فلعب به مع بعضهم. قال: فإنّ عبد الحكم يوما لفي المسجد الحرام إذا فتى داخل من باب الحنّاطين، باب بني جمح، عليه ثوبان معصفران مدلو كان وعلى أذنه ضغث [5] ريحان وعليه ردع [6] الخلوق، فأقبل يشقّ الناس حتى جلس إلى عبد الحكم بن عمرو بن عبد اللّه؛ فجعل من رآه يقول: ماذا صبّ عليه من هذا! ألم يجد أحدا يجلس إليه غيره! ويقول بعضهم: فأيّ شيء يقوله له عبد الحكم وهو أكرم من أن يجبه من يقعد إليه! فتحدّث إليه ساعة ثم أهوى فشبّك يده في يد عبد الحكم وقام يشقّ المسجد حتّى خرج من باب الحنّاطين - قال عبد الحكم:
فقلت في نفسي: ماذا سلّط اللّه عليّ منك! رآني معك نصف الناس في المسجد ونصفهم في الحنّاطين - حتّى دخل مع عبد الحكم بيته، فعلّق رداءه على وتد وحلّ أزراره واجترّ الشّطرنج/ وقال: من يلعب؟ فبينا هو كذلك إذ دخل الأبجر المغنّي، فقال له: أي زنديق ما جاء بك إلى هاهنا؟ وجعل يشتمه ويمازحه. فقال له عبد الحكم: أتشتم رجلا في منزلي! فقال: أتعرفه؟ هذا الأحوص. فاعتنقه عبد الحكم وحيّاه. وقال له: أمّا إذ كنت [7] الأحوص فقد هان عليّ ما فعلت.
خطب عبد الملك بن مروان أهل المدينة وتمثل بشعر له:
أخبرني الطّوسيّ والحرميّ قالا حدّثنا الزّبير بن بكار قال حدّثني حميد بن عبد العزيز عن أبيه قال:
لمّا قدم عبد الملك بن مروان حاجّا سنة خمس وسبعين، وذلك بعد ما اجتمع الناس عليه بعامين، جلس على المنبر فشتم أهل المدينة ووبّخهم، ثم قال: إنّي واللّه يا أهل المدينة قد بلوتكم فوجدتكم تنفسون القليل وتحسدون
__________
[1] ملببا: مأخوذا بتلابيبه، وهو أن يجمع ثيابه عند صدره ونحره ثم يجرّ منها.
[2] في ح، م: «عمر».
[3] في ح، م: «عبد الحكيم».
[4] النردات: جمع نرد وهو ما يعرف اليوم «بالطاولة». والقرقات: جمع قرق وهي لعبة للصبيان يخطّون بها أربعة وعشرين خطأ مربعة، كل مربع منها داخل الآخر، ويصفون بين تلك المربعات حصيات صغيرة على طريقة مخصوة.
[5] الضغث: كل ما ملأ الكف من النبات.
[6] الردع: اللطخ بالزعفران. والخلوق: ضرب من الطيب، وقيل: الزعفران.
[7] كذا في م. وفي سائر النسخ: «فقال إذا كنت ... إلخ».
على الكثير، وما وجدت لكم مثلا إلّا ما قال مخنّثكم وأخوكم الأحوص:
وكم نزلت بي من خطوب مهمّة ... خذلتم عليها [1] ثم لم أنخشّع
فأدبر عنّي شرّها لم أبل [2] بها ... ولم أدعكم في كربها المتطلّع
فقام إليه نوفل بن مساحق فقال: يا أمير المؤمنين، أقررنا بالذّنب وطلبنا المعذرة؛ فعد بحلمك، فذلك ما يشبهنا منك ويشبهك منّا؛ فقد قال من ذكرت من بعد بيتيه الأوّلين:
وإنّي لمستأن ومنتظر بكم ... وإن لم تقولوا في الملمّات دع دع [3]
أؤمّل منكم أن تروا غير رأيكم ... وشيكا وكيما تنزعوا خير منزع
أثر أهل دهلك عنه الشعر وعن عراك بن مالك الفقه:
أخبرني الحرمي والطّوسيّ قالا حدّثنا الزّبير قال حدّثني محمد بن الضحّاك عن المنذر بن عبد اللّه الحزاميّ:
أنّ عراك [4] بن مالك كان من أشدّ أصحاب عمر بن عبد العزيز على بني مروان في انتزاع ما حازوا من الفيء والمظالم من أيديهم. فلمّا ولي يزيد بن عبد الملك ولّى عبد الواحد بن عبد اللّه النّصري [5] المدينة، فقرّب عراك بن مالك وقال: صاحب الرجل الصالح، وكان لا يقطع أمرا دونه، وكان يجلس معه على سريره. فبينا هو معه إذ أتاه كتاب يزيد بن عبد الملك: أن ابعث مع عراك بن مالك حرسيا حتى ينزله أرض دهلك وخذ من عراك/ حمولته.
فقال لحرسيّ بين يديه وعراك معه على السرير: خذ بيد عراك فابتع من ماله راحلة ثم توجّه به نحو دهلك حتى تقرّه فيها؛ ففعل ذلك الحرسيّ. قال: وأقدم الأحوص؛ فمدحه الأحوص؛ فأكرمه وأعطاه. قال: فأهل دهلك يأثرون الشعر عن الأحوص، والفقه عن عراك ابن مالك.
كاد له الجراح الحكمي بأذربيجان لهجائه يزيد بن المهلب وأهانه:
أخبرني أبو خليفة الفضل بن الحباب عن محمد بن سلّام عن أبي الغرّاف [6] عمن يثق به قال:
بعث يزيد بن عبد الملك حين قتل يزيد بن المهلّب في الشعراء، فأمر بهجاء يزيد بن المهلّب، منهم الفرزدق وكثيّر والأحوص. فقال الفرزدق: لقد امتدحت بني/ المهلّب بمدائح ما امتدحت بمثلها أحدا، وإنه لقبيح بمثلي أن
__________
[1] في م:
« ... خطوب ملمة ... صبرت عليها ... »
[2] أبل: أصله أبالي، فحذف آخره للجازم، ثم حذفت حركة اللام تخفيفا كما تحذف نون يكون بعد الجازم، ثم حذفت الألف لالتقاء الساكنين.
[3] هذه كلمة تقال للعاثر، ومعناها: دع العثار وقم وانتعش واسلم، وقد تجعل اسما كالكلمة وتعرب؛ قال الشاعر:
لحي اللّه قوما لم يقولوا لعاثر ... ولا لابن عم ناله العثر دعدعا
[4] هو عراك بن مالك الغفاري التابعي، مات في ولاية يزيد بن عبد الملك. وقد ورد هذا الاسم محرّفا في أكثر الأصول.
[5] كذا في ح، م. وهو الموافق لما في «الخلاصة» (ص 247) و «تهذيب التهذيب» (ج 2 ص 436) و «الأنساب» للسمعاني. وينتسب كما هو مذكور في الأخيرين إلى نصر بن معاوية بن بكر بن هوازن بن مالك بن عوف. وقد أصلح المرحوم الأستاذ الشنقيطي نسخته بما صوبناه. وفي ب، س: «البصري» وهو تصحيف.
[6] كذا في ح. وفي سائر النسخ: «أبو العوّام» وهو تحريف. وأبو الغراف هذا من شيوخ ابن سلام.
يكذّب نفسه على كبر السّنّ، فليعفني أمير المؤمنين؛ قال: فأعفاه. وقال كثيّر: إنّي أكره أن أعرّض نفسي لشعراء أهل العراق إن هجوت بني المهلّب. وأمّا الأحوص فإنّه هجاهم. ثم بعث به يزيد بن عبد الملك إلى الجرّاح بن عبد اللّه الحكميّ وهو بأذربيجان، وقد كان بلغ الجرّاح هجاء الأحوص بني المهلّب، فبعث إليه بزقّ من خمر فأدخل منزل الأحوص، ثم بعث إليه خيلا فدخلت منزله فصبّوا الخمر على رأسه ثم أخرجوه على رؤوس الناس فأتوا به الجرّاح، فأمر بحلق رأسه ولحيته، وضربه الحدّ بين أوجه الرجال، وهو يقول: ليس هكذا تضرب الحدود؛ فجعل الجرّاح يقول: أجل! ولكن لما تعلم. ثم كتب إلى يزيد بن عبد الملك يعتذر فأغضى له عليها.
رأي أبي الفرج فيه واستدلاله على هذا الرأي:
قال أبو الفرج الأصبهانيّ: وليس ما جرى من ذكر الأحوص إرادة للغضّ منه في شعره، ولكنّا ذكرنا من كلّ ما يؤثر عنه ما تعرف به حاله من تقدّم وتأخّر، وفضيلة ونقص؛ فأمّا تفضيله وتقدّمه في الشعر فمتعالم مشهور، وشعره ينبىء عن نفسه ويدلّ على فضله فيه وتقدّمه وحسن رونقه وتهدّبه وصفائه.
رأي الفرزدق وجرير في نسيبه:
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء والطّوسيّ قالا حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثنا عبد الملك بن عبد العزيز [1] قال حدّثني عبد اللّه بن مسلم بن جندب الهذليّ قال حدّثنا شيخ لنا من هذيل كان خالا للفرزدق من بعض أطرافه قال:
سمعت بالفرزدق وجرير على باب الحجّاج، فقلت: لو تعرّضت ابن أختنا! فامتطيت إليه بعيرا، حتى وجدتهما قبل أن يخلصا [2]، ولكلّ واحد منهما شيعة؛ فكنت/ في شيعة الفرزدق؛ فقام الآذن يوما فقال: أين جرير؟ فقال جرير: هذا أبو فراس؛ فأظهرت شيعته لومه وأسرّته. فقال الآذن: أين الفرزدق؟ فقام فدخل. فقالوا لجرير: أتناوئه وتهاجيه وتشاخصه، ثم تبدّى عليه فتأبى وتبدّيه؟! قضيت له على نفسك! فقال لهم: إنّه نزر القول، ولم ينشب [3] أن ينفد ما عنده وما قال فيه فيفاخره ويرفع نفسه عليه؛ فما جئت به بعد حمدت عليه واستحسن. فقال قائلهم: لقد نظرت نظرا بعيدا. قال: فما نشبوا أن خرج الآذن فصاح: أين جرير؟ فقام جرير فدخل. قال:
فدخلت، فإذا ما مدحه به الفرزدق قد نفد، وإذا هو يقول:
أين الذين بهم تسامي دارما [4] ... أم من إلى سلفي [5] طهيّة تجعل
قال: وعمامته على رأسه مثل المنسف [6]، فصحت من ورائه:
__________
[1] كذا فيء، ط، م، وهو عبد الملك بن عبد العزيز بن عبد اللّه بن أبي سلمة الماجشون. وفي سائر الأصول: «قال حدّثنا عبد العزيز» وفيه حذف؛ لأن الزبير بن بكار روى عن عبد الملك ولم يرو عن أبيه.
[2] يخلصا: يصلا؛ يقال: خلص فلان إلى كذا إذا وصل إليه.
[3] لم ينشب: لم يلبث. وهذا اللفظ عند العرب عبارة عن السرعة. وأصله من نشب العظم في الخلق والصيد في الحبالة. أي لم يعلق به شيء يمنعه من ذلك.
[4] دارم: اسم قبيلة.
[5] في ب، س: «سفلى طهية» وهو تحريف. والتصويب عن بقية الأصول والنقائض (ص 183). وطهية: بنت عبد شمس بن سعد بن زيد مناة بن تميم، كانت عند مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد، فولدت له أبا سود وعوفا وجشيشا، فغلبت على بنيها فنسبوا إليها.
[6] المنسف: الغربال الكبير.
هذا ابن يوسف فاعلموا وتفهّموا ... برح الخفاء فليس حين تناجي/
من سدّ مطّلع [1] النّفاق عليكم ... أم من يصول كصولة الحجّاج
أم من يغار على النّساء حفيظة ... إذ لا يثقن بغيرة الأزواج
قل للجبان إذا تأخّر سرجه ... هل أنت من شرك المنيّة ناجي
قال: وما تشبيبها؟ وطرب: فقال جرير:
/لجّ الهوى بفؤادك الملجاج [2] ... فاحبس بتوضح باكر الأحداج
وأمرّها، أو قال: أمضاها. فقال: أعطوه كذا وكذا؛ فاستقللت ذلك. فقال الهذليّ: وكان جرير عربيّا قرويّا، فقال للحجّاج: قد أمر لي الأمير بما لم يفهم عنه، فلو دعا كاتبا وكتب بما أمر به الأمير! فدعا كاتبا واحتاط فيه بأكثر من ضعفه، وأعطى الفرزدق أيضا. قال الهذليّ: فجئت الفرزدق فأمر لي بستّين دينارا وعبد، ودخلت على رواته فوجدتهم يعدّلون ما انحرف من شعره، فأخذت من شعره ما أردت. ثم قلت له: يا أبا فراس، من أشعر الناس؟ قال: أشعر الناس بعدي ابن المراغة. قلت: فمن أنسب الناس؟ قال الذي يقول:
لي ليلتان فليلة معسولة ... ألقى الحبيب بها بنجم الأسعد
ومريحة [3] همّي عليّ كأنّني ... حتّى الصّباح معلّق بالفرقد
قلت: ذاك الأحوص. قال: ذاك هو. قال الهذليّ: ثم أتيت جريرا فجعلت أستقلّ عنده ما أعطاني صاحبي أستخرج به منه؛ فقال: كم أعطاك ابن أختك؟ فأخبرته. فقال: ولك مثله؛ فأعطاني ستين دينارا وعبدا. قال:
وجئت رواته وهم يقوّمون ما انحرف من شعره وما فيه من السّناد [4]، فأخذت منه ما أردت، ثم قلت: يا أبا حزرة، من أنسب الناس؟ قال الذي يقول:
/يا ليت شعري عمّن كلفت به ... من خثعم إذ نأيت ما صنعوا
قوم يحلّون بالسّدير [5] وبال ... حيرة منهم مرأى ومستمع
أن شطّت الدار عن ديارهم ... أأمسكوا بالوصال أم قطعوا
بل هم على خير ما عهدت وما ... ذلك إلّا التأميل والطّمع
قلت: ومن هو؟ قال: الأحوص. فاجتمعا على أن الأحوص أنسب الناس.
__________
[1] المطلع: المأتي؛ تقول: من أين مطّلع هذا الأمر، أي من أين مأتاه.
[2] الملجاج: اللجوج. وقد ورد هذا البيت في «الأمالي» (ج 3 ص 43 طبع دار الكتب المصرية) و «ديوانه» المطبوع والمخطوط هكذا:
هاج الهوى لفؤادك المهتاج ... فانظر بتوضح باكر الأحداج
وتوصح: موضع معروف في بلاد بني يربوع. والأحداج: جمع حدج وهو مركب من مراكب النساء نحو الهودج والمحفة. يريد، على هذه الرواية، هاج باكر الأحداج الهوى لفؤادك، فارم بطرفك نحو توضح.
[3] مريحة: من أراح الإبل إذا ردّها إلى المراح من العشيّ، والمراد أنها تسوق إليه همه.
[4] السناد: كل عيب يوجد في القافية قبل الرويّ، وفسره ابن سيده بأنه المخالفة بين الحركات التي تلي الأرداف في الرويّ. (انظر الحاشية رقم 1 ص 143 من الجزء الأوّل والحاشية رقم 1 ص 348 من الجزء الثاني من هذه الطبعة).
[5] السدير: نهر بالحيرة، وقيل: السدير: قصر في الحيرة من منازل آل المنذر. (انظر الحاشية رقم 2 ص 137 ج 2 من هذه الطبعة).
نسبة ما في هذا الخبر من الغناء:
منها الأبيات التي يقول فيها الأحوص:
لي ليلتان فليلة معسولة
وأوّل ما يغنّى به فيها:
صوت
يا للرّجال لوجدك المتجدّد ... ولما تؤمّل من عقيلة في غد
ترجو مواعد بعث آدم دونها ... كانت خبالا للفؤاد المقصد
هل تذكرين عقيل أو أنساكه ... بعدي تقلّب ذا الزّمان المفسد
يومي ويومك بالعقيق إذ الهوى ... منّا جميع الشّمل لم يتبدّد
لي ليلتان فليلة معسولة ... ألقى الحبيب بها بنجم الأسعد
ومريحة همّي عليّ كأنّني ... حتّى الصباح معلّق بالفرقد
/ - عروضه من الكامل. يقال: يا للرّجال ويا للرجال بالكسر والفتح [1] وفي الحديث أنّ عمر رضي اللّه عنه صاح لمّا طعن: يا للّه يا للمسلمين. وقوله:/ «في غد»، يريد فيما بعد وفي باقي الدهر؛ قال اللّه سبحانه:
(سَيَعْلَمُونَ غَداً مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ)
والخبل والخبال: النّقصان من الشيء. والمخبّل، أصله مأخوذ من النقص لأنه ناقص العقل. والمعسولة: الحلوة المشتهاة - .
الشعر للأحوص. والغناء في البيت الأوّل والثاني لمالك خفيف رمل بالبنصر عن الهشامي وحبش. وفي الثالث والرابع لسليمان [2] أخي بابويه ثقيل أوّل بالوسطى عن عمرو. وفيهما وفي الخامس والسادس لحن لابن سريج ذكره يونس ولم يجنّسه. وذكر حمّاد بن إسحاق عن أبيه أنّ لمعبد في الأبيات كلها لحنا وأنه من صحيح غنائه، ولم يجنّسه.
سألت امرأة ابنا للأحوص عن شعر له:
أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه. عن أيّوب بن عباية قال:
بلغني أنّ ابنا للأحوص بن محمد الشاعر دخل على امرأة شريفة، وأخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثني إبراهيم بن زيد عن عنبسة [3] بن سعيد بن العاصي قال أخبرني أشعب [4] بن جبير قال:
حضرت امرأة شريفة ودخل عليها ابن الأحوص بن محمد الشاعر؛ فقالت له: أتروي قول أبيك:
__________
[1] لام الاستغاثة تفتح مع المستغاث وتكسر مع المستغاث لأجله. فإذا دخلت على ضمير، مثل يالك، فتحت دائما، وكسرت مع ياء المتكلم، واحتمل الكلام حينئذ الأمرين.
[2] في م: «لسليم».
[3] كذا فيء، ط، م. وفي سائر النسخ: «إبراهيم بن زيد بن عنبسة»، وهو تحريف.
[4] كذا في ب، ح، م. وفي سائر النسخ: «أشعث» وهو تصحيف.
لي
ليلتان فليلة معسولة ... ألقى الحبيب بها بنجم الأسعد
ومريحة همّي عليّ كأنّني ... حتّى الصباح معلّق بالفرقد
/ قال نعم. قالت: أتدري أيّ الليلتين التي يبيت فيها معلّقا بالفرقد؟ قال: لا واللّه. قالت: هي ليلة أمّك التي يبيت معها فيها. قال إبراهيم في خبره: فقلت لأشعب: يا أبا العلاء، فأيّ ليلتيه المعسولة؟ فقال:
ستبدي لك الأيّام ما كنت جاهلا ... ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
هي ليلة الإسراف [1]، ولا تسأل عمّا بعدها.
ما قاله ابن جندب حين أنشد شعر الأحوص:
أخبرني عبد العزيز ابن بنت الماجشون قال:
أنشد ابن جندب قول الأحوص:
لي ليلتان فليلة معسولة ... ألقى الحبيب بها بنجم الأسعد
ومريحة همّي عليّ كأنّني ... حتّى الصباح معلّق بالفرقد
فقال: أما إنّ اللّه يعلم أنّ الليلة المريحة همّي لألذّ الليلتين عندي. قال الحرميّ بن أبي العلاء: وذلك لكلفه بالغزل والشّوق والحنين وتمنّي اللقاء.
من هي عقيلة التي شغف بها الأحوص:
وللأحوص مع عقيلة هذه أخبار قد ذكرت في مواضع أخر. وعقيلة امرأة من ولد عقيل بن أبي طالب رضي اللّه عنه. وقد ذكر الزّبير عن ابن بنت الماجشون عن خاله أنّ عقيلة هذه هي سكينة بنت الحسين عليهما السلام، كنى عنها بعقيلة.
أعجب أبو عبيدة بن محمد بن عمار ببيت له وحلف لا يسمعه إلا جرّ رسنه:
أخبرني الحرميّ قال حدّثنا الزّبير قال حدّثني عمر بن أبي بكر المؤمّلي:
أنّ إنسانا أنشد عند إبراهيم بن هشام وهو والي المدينة قول الأحوص:
إذ أنت فينا لمن ينهاك [2] عاصية ... وإذ أجرّ إليكم سادرا رسني
/ فوثب أبو عبيدة بن عمّار بن ياسر [3] قائما ثم أرخى رداءه ومضى يمشي على تلك الحال ويجرّه/ حتى بلغ العرض [4] ثم رجع. فقال له إبراهيم بن هشام حين جلس: ما شأنك؟ فقال: أيّها الأمير، إني سمعت هذا البيت مرّة فأعجبني، فحلفت لا أسمعه إلّا جررت رسني.
__________
[1] كذا في ط. وفي سائر الأصول: «ليلة الأشراف» بالشين المعجمة.
[2] كذا في ح، م، وقد اتفقت عليها الأصول فيما بعد. وفي سائر النسخ هنا: «يهواك».
[3] نسبه إلى جده لشهرته؛ فإن أبا أبي عبيدة محمد بن عمار بن ياسر.
[4] العرض (بالكسر): الوادي فيه زروع ونخل؛ يقال: أخصبت أعراض المدينة؛ وهي قراها التي في أوديتها. ويراد به هنا مكان بعينه.
نسبة هذا البيت وما غنّي فيه من الشعر
صوت
سقيا لربعك من ربع بذي سلّم ... وللزّمان به إذ ذاك من زمن
إذ أنت فينا لمن ينهاك عاصية ... وإذ أجرّ إليكم سادرا رسني
عروضه من البسيط. غنّى ابن سريج في هذين البيتين لحنا من الثقيل الأوّل بالوسطى [1] عن عمرو. وذكر إسحاق فيه لحنا من الثقيل الأوّل بالسبّابة في مجرى الوسطى ولم ينسبه إلى أحد، وذكر حبش [2] أنّه للغريض.
كان حماد الراوية يفضله على الشعراء في النسيب:
أخبرني أبو خليفة عن محمد بن سلّام عن سالم بن أبي السّحماء وكان صاحب حمّاد الراوية:
أنّ حمّادا كان يقدّم الأحوص في النّسيب.
هجا رجلا فاستعدى عليه الفرزدق وجريرا فلم ينصراه فعاد فصالحه:
أخبرني الحرميّ قال حدّثنا الزّبير قال حدّثنا عمر بن أبي سليمان عن يوسف بن أبي سليمان بن عنيزة [3] قال:
/ هجا الأحوص رجلا من الأنصار من بني حرام يقال له ابن بشير، وكان كثير المال؛ فغضب من ذلك، فخرج حتّى قدم على الفرزدق بالبصرة وأهدى إليه وألطفه [4]، فقبل منه، ثم جلسا يتحدّثان؛ فقال الفرزدق: ممن أنت؟ قال: من الأنصار. قال: ما أقدمك؟ قال: جئت مستجيرا باللّه عزّ وجلّ ثم بك من رجل هجاني. قال: قد أجارك اللّه منه وكفاك مؤنته، فأين أنت عن الأحوص؟ قال: هو الذي هجاني. فأطرق ساعة ثم قال: أليس هو الذي يقول:
ألا قف برسم الدّار فاستنطق الرّسما ... فقد هاج أحزاني وذكّرني نعما [5]
قال بلى. قال: فلا واللّه لا أهجو رجلا هذا شعره. فخرج ابن بشير فاشترى أفضل من الشّراء الأوّل من الهدايا، فقدم بها على جرير؛ فأخذها وقال له: ما أقدمك؟ قال: جئت مستجيرا باللّه وبك من رجل هجاني. فقال:
قد أجارك اللّه عزّ وجلّ منه وكفاك، أين أنت عن ابن عمّك الأحوص بن محمد؟ قال: هو الذي هجاني. قال:
فأطرق ساعة ثم قال: أليس هو الذي يقول:
تمشّي بشتمي في أكاريس [6] مالك ... تشيد به كالكلب إذ ينبح النّجما
فما أنا بالمخسوس في جذم [7] مالك ... ولا بالمسمّى ثم يلتزم الإسما
__________
[1] في ح: «بالسبابة في مجرى الوسطى».
[2] في ط، ء: «يونس».
[3] في ح: «عنترة».
[4] ألطفه: أكرمه وبره بطرف التحف، والاسم «اللطف» بالتحريك.
[5] ورد في بعض الأصول: «نعمي» بالياء في آخره؛ وقد سموا «بنعم» «و نعمى».
[6] أكاريس: جمع الجمع لكرس وهو هنا الجماعة من الناس.
[7] الجذم: الأصل.
ولكنّ بيتي إن سألت وجدته ... توسّط منها العزّ والحسب الضّخما
قال: بلى واللّه. قال: فلا واللّه لا أهجو شاعرا هذا شعره. قال: فاشتري أفضل من تلك الهدايا وقدم على الأحوص فأهداها إليه وصالحه.
نسبة ما في هذا الخبر من الغناء
صوت
ألا قف برسم الدّار فاستنطق الرّسما ... فقد هاج أحزاني وذكّرني نعمى
فبتّ كأنّي شارب من مدامة ... إذا أذهبت همّا أتاحت له همّا
غنّاه إبراهيم الموصليّ خفيف رمل بالوسطى عن الهشاميّ. وذكر عبد اللّه بن العبّاس/ الرّبيعي أنّه له.
أنشد أبو السائب المخزومي شعرا له فطرب ومدحه:
أخبرني الحرميّ قال حدّثني الزّبير قال حدّثني عبد الملك بن عبد العزيز قال:
قال لي أبو السائب المخزوميّ: أنشدني للأحوص؛ فأنشدته قوله:
قالت وقلت تحرّجي وصلي ... حبل امرىء بوصالكم صبّ
واصل إذا بعلي فقلت لها ... الغدر شيء ليس من ضربي [1]
صوت
ثنتان لا أدنو لوصلهما [2] ... عرس الخليل وجارة الجنب [3]
أمّا الخليل فلست فاجعه ... والجار أوصاني به ربّي
عوجوا كذا نذكر لغانية ... بعض الحديث مطيّكم صحبي
ونقل لها فيم الصّدود ولم ... نذنب بل انت بدأت بالذّنب
إن تقبلي نقبل وننزلكم ... منّا بدار السّهل والرّحب
أو تدبري تكدر معيشتنا ... وتصدّعي متلائم الشّعب
/ - غنّى في «ثنتان لا أدنو» والذي بعده ابن جامع ثقيلا أوّل بالوسطى. وغنّى في «عوجوا كذا نذكر لغانية» والأبيات التي بعده ابن محرز لحنا من القدر الأوسط من الثقيل الأوّل مطلقا في مجرى البنصر - قال: فأقبل عليّ أبو السائب فقال: يابن أخي، هذا واللّه المحبّ عينا لا الذي يقول:
وكنت إذا خليل رام صرمي ... وجدت وراي منفسحا عريضا
__________
[1] كذا في ح. وفي سائر النسخ: «شعبي».
[2] في ب، س: «بوصلهما» تحريف.
[3] جار الجنب بالفتح: اللازق بك إلى جنبك.
اذهب فلا صحبك اللّه ولا وسّع عليك (يغني قائل هذا البيت).
سأل المهدي عن أنسب بيت قالته العرب فأجاب رجل من شعره فأجازه:
أخبرني الحرميّ قال حدّثني الزّبير قال حدّثنا خالد بن وضّاح قال حدّثني عبد الأعلى بن عبد اللّه بن محمد بن صفوان الجمحيّ قال:
حملت دينا بعسكر المهديّ، فركب المهديّ بين أبي عبيد اللّه وعمر بن بزيع، وأنا وراءه في موكبه على برذون قطوف [1]؛ فقال: ما أنسب بيت قالته العرب؟ فقال له أبو عبيد اللّه: قول امرىء القيس:
وما ذرفت عيناك إلا لتضربي ... بسهميك في أعشار قلب مقتّل
فقال: هذا أعرابيّ قحّ. فقال عمر بن بزيع: قول كثير يا أمير المؤمنين:
أريد لأنسى ذكرها فكأنّما ... تمثّل لي ليلى بكلّ سبيل
فقال: ما هذا بشيء وماله يريد أن ينسى ذكرها حتى تمثّل له! فقلت: عندي حاجتك يا أمير المؤمنين جعلني اللّه فداك! قال: الحق بي. قلت: لا لحاق بي، ليس ذلك في دابّتي. قال: احملوه على دابّة. قلت: هذا أوّل الفتح؛ فحملت على دابّة، فلحقت. فقال: ما عندك؟ فقلت: قول الأحوص:
/إذا قلت إنّي مشتف بلفائها ... فحمّ التلاقي بيننا زادني سقما
فقال: أحسن واللّه! اقضوا عنه دينه؛ فقضي عنّي ديني.
نسبة ما في هذا الخبر من الأغاني
/ منها الشعر الذي [2] هو:
أريد لأنسى ذكرها فكأنّما ... تمثّل لي ليلى بكلّ سبيل
صوت
ألا حيّيا ليلى أجدّ رحيلي ... وآذن أصحابي غدا بقفول
ولم أر من ليلى نوالا أعدّه ... ألا ربّما طالبت غير منيل
أريد لأنسى ذكرها فكأنّما ... تمثّل لي ليلى بكلّ سبيل
وليس خليلي بالملول ولا الذي ... إذا غبت عنه باعني بخليل
ولكن خليلي من يدوم وصاله ... ويحفظ سرّي عند كلّ دخيل
عروضه من الطويل. الشعر لكثيّر. والغناء في ثلاثة الأبيات الأول لإبراهيم، ولحنه من الثقيل الأوّل بإطلاق الوتر في مجرى البنصر. ولابنه إسحاق في:
وليس خليلي بالملول ولا الّذي
__________
[1] القطوف: الدابة التي تبطىء في سيرها.
[2] كذا في ب. وفي س: «الذي هو أوّله». وفي سائر النسخ: «الذي أوله».
ثقيل آخر بالوسطى.
حديث ابن سلام عن كثير وجميل:
أخبرني أبو خليفة قال حدّثنا محمد بن سلّام، وأخبرني الحرميّ قال حدّثنا الزّبير عن محمد بن سلّام قال:
كان لكثيّر في النّسيب حظّ وافر، وجميل مقدّم عليه وعلى أصحاب النسيب جميعا، ولكثيّر من فنون الشّعر ما ليس لجميل. وكان كثيّر راوية جميل، وكان جميل/ صادق الصّبابة والعشق، ولم يكن كثيّر بعاشق، وكان يتقوّل.
قال: وكان الناس يستحسنون بيت كثيّر في النّسيب:
أريد لأنسى ذكرها فكأنّما ... تمثّل لي ليلى بكلّ سبيل
قال: وقد رأيت من يفضّل عليه بيت جميل:
خليليّ فيما عشتما هل رأيتما ... قتيلا بكى من حبّ قاتله قبلي
حديث ابن مصعب الزبيري عن كثير:
قرأت في كتاب منسوب إلى أحمد بن يحيى البلاذريّ: وذكر إسحاق بن إبراهيم الموصليّ أنّ عبد اللّه بن مصعب الزّبيريّ كان يوما يذكر شعر كثيّر ويصف تفضيل أهل الحجاز إيّاه، إلى أن انتهى إلى هذا البيت. قال إسحاق: فقلت له: إنّ الناس يعيبون عليه هذا المعنى ويقولون: ما له يريد أن ينساها! فتبسّم ابن مصعب ثم قال:
إنّكم يا أهل العراق لتقولون ذلك.
سئل كثير عن أنسب بيت قاله فأجاب:
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ قال حدّثنا عمر بن شبة قال حدّثني أبو يحيى الزّهريّ [1] قال حدّثني الهزبريّ [2] قال:
قيل لكثيّر: ما أنسب بيت قلته؟ قال: الناس يقولون:
أريد لأنسى ذكرها فكأنّما ... تمثّل لي ليلى بكلّ سبيل
وأنسب عندي منه قولي:
وقل أمّ عمر داؤه وشفاؤه ... لديها وريّاها الشّفاء من الخبل [3]
وقد قيل: إنّ بعض هذه الأبيات للمتوكّل اللّيثيّ.
__________
[1] في م: «الزبيري».
[2] في ط، ء، م: «الهديري».
[3] كذا في ط، ء، م. ولعله من القصيدة التي منها:
خليليّ فيما عشتما هل رأيتما ... قتيلا بكى من حب قاتله قبلي
وفي سائر الأصول:
لديها ورباها إليه طبيب
قال محرز بن جعفر إن الشعر في الأنصار واستشهد بشعر صاحبهم الأحوص:
أخبرني الحرميّ قال حدّثنا الزّبير قال حدّثني عثمان - قال الحرميّ: أحسبه ابن عبد الرحمن المخزوميّ - قال حدّثنا إبراهيم بن أبي عبد اللّه قال:
قيل لمحرز بن جعفر: أنت صاحب شعر، ونراك تلزم الأنصار، وليس هناك منه شي ء؛ قال: بلى واللّه، إنّ هناك للشّعر عين الشّعر، وكيف لا يكون الشعر هناك وصاحبهم/ الأحوص الذي يقول:
يقولون لو ماتت لقد غاض حبّه ... وذلك حين الفاجعات وحيني
لعمرك إنّي إن تحمّ وفاتها ... بصحبة من يبقى لغير ضنين
وهو الذي يقول:
وإنّي لمكرام لسادات مالك ... وإنّي لنوكى مالك لسبوب
وإنّي على الحلم الذي من سجيّتي ... لحمّال أضغان لهنّ طلوب
ما قاله الأحوص من الشعر في مرض موته:
أخبرني الحرميّ قال حدّثني الزّبير قال حدّثني عمّي مصعب قال حدّثني يحيى بن الزّبير بن عبّاد بن حمزة بن عبد اللّه بن الزّبير، قال الزّبير وحدّثني عليّ بن صالح عن عامر بن صالح:
أنّ الأحوص قال في مرضه الذي مات فيه - وقال عامر بن صالح: حين هرب من عبد الواحد النّصريّ إلى البصرة - :
يا بشر يا ربّ محزون بمصرعنا ... وشامت جذل ما مسّه الحزن
وما شمات امرىء إن [1] مات صاحبه ... وقد يرى أنّه بالموت مرتهن
يا بشر هبّي فإنّ النّوم أرّقه ... نأيّ مشتّ وأرض غيرها الوطن
__________
[1] في ط، م: «قد مات».
47 - ذكر الدّلال وقصته حين خصي ومن خصي معه والسبب في ذلك وسائر أخباره
اسمه وكنيته وولاؤه:
الدّلال اسمه ناقد [1]، وكنيته أبو زيد [2]. وهو مدنيّ مولى بني فهم.
وأخبرني عليّ بن عبد العزيز عن ابن خرداذبه قال:
قال إسحاق: لم يكن في المخنّثين أحسن وجها ولا أنظف ثوبا ولا أظرف من الدّلال. قال: وهو أحد من خصاه ابن حزم. فلمّا فعل ذلك به قال: الآن تمّ الخنث.
وأخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد عن أبيه عن أبي عبد اللّه مصعب الزّبيريّ قال:
الدّلال مولى عائشة بنت سعيد بن العاص.
كان ظريفا صاحب نوادر وكان يغني غناء كثير العمل:
وأخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد بن إسحاق عن أبيه عن أبي عبد اللّه مصعب الزّبيري قال:
كان الدّلال من أهل المدينة، ولم يكن أهلها يعدّون في الظّرفاء وأصحاب النوادر من المخنّثين بها إلّا ثلاثة:
طويس، والدّلال، وهنب [3]؛ فكان هنب أقدمهم، والدلال أصغرهم. ولم يكن بعد طويس أظرف من الدّلال ولا أكثر ملحا.
/ قال إسحاق: وحدّثني هشام بن المرّيّة عن جرير، وكانا نديمين مدنيّين، قال: ما ذكرت الدّلال قطّ إلّا ضحكت لكثرة نوادره. قال: وكان نزر الحديث، فإذا تكلّم أضحك الثّكلى، وكان ضاحك السنّ، وصنعته نزرة جيّدة، ولم يكن يغنّي إلّا غناء مضعفا، يعني كثير العمل.
كان أهل المدينة يفخرون به:
قال إسحاق: وحدّثني أيّوب بن عباية قال:
شهدت أهل المدينة إذا ذكروا الدّلال وأحاديثه، طوّلوا رقابهم وفخروا به؛ فعلمت أنّ ذلك لفضيلة كانت فيه.
__________
[1] كذا في «شرح القاموس» (مادة دلل) «و نهاية الأرب» (ج 4 ص 315). وفي س، م: «نافد» بألفاء والدال المهملة. وفي باقي الأصول: «نافذ» بالفاء والذال المعجمة.
[2] كذا في «شرح القاموس» «و نهاية الأرب». وفي جميع الأصول: «أبو يزيد».
[3] كذا في ب، س. وفي «شرح القاموس» (مادة هنب) أن النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم نفى مخنثين أحدهما «هيت» والآخر «ماتع». قال إنما هو «هنب» فصحفه أصحاب الحديث. وقال الأزهري: رواه الشافعي وغيره «هيت»، وأظنه صوابا. وقد ورد في «المشتبه»: «هيت». وقد ورد هذا الاسم في باقي الأصول مضطربا.
كان يلازم النساء:
قال وحدّثني ابن جامع عن يونس قال:
كان الدّلال مبتلى بالنّساء والكون معهنّ، وكان يطلب فلا يقدر عليه، وكان بديع الغناء صحيحه حسن الجرم [1].
سبب لقبه، وتوسطه بين الرجال والنساء:
قال إسحاق وحدّثني الزّبيريّ قال:
إنّما لقّب بالدّلال لشكله [2] وحسن دلّه وظرفه وحلاوة منطقه وحسن وجهه وإشارته. وكان مشغوفا [3] بمخالطة النّساء ووصفهنّ للرجال. وكان من أراد خطبة امرأة سأله عنها وعن غيرها، فلا يزال يصف له النساء واحدة/ فواحدة حتّى ينتهي إلى وصف ما يعجبه؛ ثم يتوسّط بينه وبين من يعجبه منهنّ حتّى يتزوّجها؛ فكان يشاغل كلّ من جالسه عن الغناء بتلك الأحاديث كراهة منه للغناء.
/ قال إسحاق [4] وحدّثني مصعب الزّبيريّ قال:
أنا أعلم خلق اللّه بالسبب الذي من أجله خصي الدّلال؛ وذلك أنه كان القادم يقدم المدينة، فيسأل عن المرأة يتزوّجها فيدلّ على الدّلال؛ فإذا جاءه قال له: صف لي من تعرف من النساء للتزويج؛ فلا يزال يصف له واحدة بعد واحدة حتّى ينتهي إلى ما يوافق هواه؛ فيقول: كيف لي بهذه؟ فيقول: مهرها كذا وكذا؛ فإذا رضي بذلك أتاها الدّلال، فقال لها: إنّي قد أصبت لك رجلا من حاله وقصّته وهيئته ويساره ولا عهد له بالنساء، وإنما قدم بلدنا آنفا؛ فلا يزال بذلك يشوّقها ويحرّكها حتّى تطيعه؛ فيأتي الرجل فيعلمه أنه قد أحكم له ما أراد. فإذا سوّي الأمر وتزوّجته المرأة، قال لها: قد آن لهذا الرجل أن يدخل بك، والليلة موعده، وأنت مغتلمة شبقة جامّة [5]؛ فساعة يدخل عليك قد دفقت عليه مثل سيل العرم، فيقذرك ولا يعاودك، وتكونين من أشأم النّساء على نفسك وغيرك. فتقول: فكيف أصنع؟ فيقول: أنت أعلم بدواء حرك ودائه وما يسكّن غلمتك. فتقول: أنت أعرف. فيقول: ما أجد له شيئا أشفى من النّيك. فيقول لها: إن لم تخافي الفضيحة فابعثي إلى بعض الزّنوج حتّى يقضي بعض وطرك ويكفّ عادية حرك؛ فتقول له: ويلك! ولا كلّ هذا! فلا تزال المحاورة بينهما حتّى يقول لها: فكما جاء [6] عليّ أقوم، فأخفّفك وأنا واللّه إلى التخفيف أحوج. فتفرح المرأة فتقول: هذا أمر مستور، فينيكها؛ حتّى إذا قضى لذّته منها، قال لها: أمّا أنت فقد استرحت وأمنت العيب، وبقيت أنا. ثم يجيء إلى الزوج فيقول له: قد واعدتها/ أن تدخل عليك الليلة، وأنت
__________
[1] كذا في أكثر الأصول. والجرم بالكسر هنا: الصوت أو جهارته. وفي م «و نهاية الأرب» (ح 4 ص 216): «الجزم» والجزم: وضع الحروف مواضعها في بيان ومهل.
[2] الشكل (بالكسر): الدل. والشكل (بالفتح): الهيئة والمذهب.
[3] فيء، ح، م: «مشعوفا» بالعين المهملة، وكلاهما بمعنى واحد. وقد قرىء بهما في قوله تعالى: (قَدْ شَغَفَها حُبًّا)
[4] اشتمل هذا الخبر على ألفاظ صريحة في الفحش، وقد آثرنا إبقاءه كما هو احتفاظا بكيان «الأغاني» الذي يعدّ من أجل مصادر التاريخ والأدب العربي.
[5] يقال: جم الفرس وغيره، إذا ترك الضراب فتجمع ماؤه.
[6] في م: «فكما حكم عليّ أقوم».
رجل عزب [1]، ونساء المدينة خاصّة يردن المطاولة في الجماع، وكأنّي بك كما تدخله عليها تفرغ وتقوم، فتبغضك وتمقتك ولا تعاودك بعدها ولو أعطيتها الدنيا، ولا تنظر في وجهك بعدها. فلا يزال في مثل هذا القول حتّى يعلم أنّه قد هاجت شهوته؛ فيقول له: كيف أعمل؟ قال: تطلب زنجيّة فتنيكها مرّتين أو ثلاثا حتى تسكن غلمتك؛ فإذا دخلت الليلة إلى أهلك لم تجد أمرك إلّا جميلا. فيقول له ذاك: أعوذ باللّه من هذه الحال، أزنا وزنجيّة! لا واللّه لا أفعل! فإذا أكثر محاورته قال له: فكما جاء عليّ قم فنكني أنا حتّى تسكن غلمتك وشبقك؛ فيفرح فينيكه مرّة أو مرّتين. فيقول له: قد استوى أمرك الآن وطابت نفسك، وتدخل على زوجتك فتنيكها نيكا يملؤها سرورا ولذّة.
فينيك المرأة قبل زوجها، وينيكه الرجل قبل امرأته. فكان ذلك دأبه، إلى أن بلغ خبره سليمان بن عبد الملك، وكان غيورا شديد الغيرة، فكتب بأن يحصى هو وسائر المخنّثين [بالمدينة ومكة] [2]، وقال: إنّ هؤلاء يدخلون على نساء قريش ويفسدونهنّ. فورد الكتاب على ابن حزم فخصاهم. هذه رواية إسحاق عن الزّبيري. والسبب في هذا أيضا مختلف فيه، وليس كلّ الرواة يروون ذلك كما رواه مصعب.
رواية أخرى في السبب الذي خصي من أجله الدلال وسائر المخنثين بالمدينة:
فممّا روي من أمرهم ما أخبرني به أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ - وهذا الخبر أصحّ ما روي في ذلك إسنادا - قال أخبرنا أبو زيد عمر بن شبّة عن معن/ بن عيسى، هكذا رواه الجوهريّ، وأخبرنا به إسماعيل بن يونس قال حدّثني عمر بن شبّة قال حدّثني أبو غسّان قال: قال ابن جناح حدّثني معن بن عيسى عن عبد الرحمن بن أبي الزّناد عن أبيه وعن [3] محمد بن معن الغفاريّ قالا:
/ كان سبب ما خصي له المخنّثون بالمدينة أنّ سليمان بن عبد الملك كان في نادية [4] له يسمر ليلة على ظهر سطح، فتفرّق عنه جلساؤه، فدعا بوضوء فجاءت به جارية له. فبينا هي تصبّ عليه إذ أومأ بيده وأشار بها مرّتين أو ثلاثا، فلم تصبّ عليه؛ فأنكر ذلك فرفع رأسه، فإذا هي مصغية بسمعها إلى ناحية العسكر، وإذا صوت رجل يغنّي، فأنصت له حتى سمع جميع ما تغنّى به. فلمّا أصبح أذن للناس، ثم أجرى ذكر الغناء فليّن فيه حتى ظنّ القوم أنه يشتهيه ويريده، فأفاضوا فيه بالتّسهيل وذكر من كان يسمعه. فقال سليمان: فهل بقي أحد يسمع منه الغناء؟ فقال رجل من القوم: عندي يا أمير المؤمنين رجلان من أهل أيلة مجيدان محكمان. قال: وأين منزلك؟ فأومأ إلى الناحية التي كان الغناء منها. قال: فابعث إليهما، ففعل. فوجد الرسول أحدهما، فأدخله على سليمان؛ فقال: ما اسمك؟ قال: سمير، فسأله عن الغناء، فاعترف به. فقال: متى عهدك به؟ قال: الليلة الماضية. قال: وأين كنت؟
فأشار إلى الناحية التي سمع سليمان منها الغناء. قال: فما غنّيت به؟ فأخبره الشعر الذي سمعه سليمان. فأقبل على القوم فقال: هدر الجمل فضبعت [5] الناقة، ونبّ التّيس فشكرت الشاة، وهدر [6] الحمام فزافت [7] الحمامة، وغنّى
__________
[1] في م: «غريب عزب».
[2] زيادة عن م.
[3] فيء، ط: «عن أبيه محمد بن معن الغفاري» وهو تحريف؛ إذ أن أبا عبد الرحمن هذا هو عبد اللّه بن ذكوان المعروف بأبي الزناد.
[4] كذا في م. والنادية: مؤنث النادي وهو مجلس القوم ومتحدثهم. وفي سائر النسخ: «بادية» بالباء الموحدة.
[5] ضبعت الناقة: اشتهت الفحل. ونبّ التيس: صاح عند الهياج. وشكرت الشاة: امتلأ ضرعها، ويكنى بذلك عن حنينها.
[6] في م: «هدل»، والهديل: كالهدير، وقيل هو صوت الذكر خاصة.
[7] زافت الحمامة: تبخترت في مشيتها بين يدي الذكر وأقبلت عليه ناشرة جناحيها وذباباها.
الرجل فطربت المرأة، ثم أمر به فخصي. وسأل عن الغناء أين أصله؟ فقيل: بالمدينة في المخنّثين، وهم أئمّته والحذّاق فيه. فكتب إلى أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاريّ، وكان عامله عليها، أن أخص [1] من قبلك من المخنّثين المغنّين - فزعم موسى بن جعفر بن/ أبي كثير قال أخبرني بعض الكتّاب قال: قرأت كتاب سليمان في الديوان، فرأيت على الخاء نقطة كتمرة العجوة. قال: ومن لا يعلم يقول: إنّه صحّف القارى ء، وكانت أحص - قال: فتتبّعهم ابن حزم فخصى منهم تسعة؛ فمنهم الدّلال، وطريف [2]، وحبيب نومة الضّحى. وقال بعضهم حين خصي: سلم الخاتن والمختون. وهذا كلام يقوله الصبيّ إذا ختن.
قال: فزعم ابن أبي ثابت الأعرج قال أخبرني حماد بن نشيط الحسنيّ قال: أقبلنا من مكة ومعنا بدراقس [3] وهو الذي ختنهم، وكان غلامه قد أعانه على خصائهم، فنزلنا على حبيب نومة الضّحى، فاحتفل لنا وأكرمنا. فقال له ثابت [4]: من أنت؟ قال: يا ابن أخي أتجهلني وأنت وليت ختاني! أو قال: وأنت ختنتني. قال: وا سوأتاه! وأيّهم أنت؟ قال أنا حبيب. [قال ثابت:] [5] فاجتنبت طعامه وخفت أن يسمني. قال: وجعلت لحية الدّلال بعد سنة أو سنتين تتناثر. وأمّا ابن الكلبيّ فإنه ذكر عن أبي مسكين ولقيط أن أيمن كتب بإحصاء من في المدينة من المخنّثين ليعرفهم، فيوفد عليه من يختاره للوفادة؛ فظنّ [الوالي] [5] أنه يريد الخصاء، فخصاهم.
أخبرني وكيع قال حدّثني أبو أيّوب المدينيّ قال حدّثني محمد بن سلّام قال حدّثني ابن جعدبة، ونسخت أنا من كتاب أحمد بن الحارث الخرّاز عن المدينيّ عن ابن جعدبة واللفظ له:
أنّ الذي هاج سليمان بن عبد الملك على ما صنعه بمن كان بالمدينة من/ المخنّثين، أنّه كان مستلقيا على فراشه في الليل، وجارية له إلى جنبه، وعليها غلالة ورداء/ معصفران، وعليها وشاحان من ذهب، وفي عنقها فصلان من لؤلؤ وزبرجد وياقوت، وكان سليمان بها مشغوفا [6]، وفي عسكره رجل يقال له سمير الأيليّ يغنّي، فلم يفكّر سليمان في غنائه شغلا بها وإقبالا عليها، وهي لاهية عنه لا تجيبه مصغية إلى الرجل، حتى طال ذلك عليه، فحوّل وجهه عنها مغضبا، ثم عاد إلى ما كان مشغولا عن فهمه بها، فسمع سميرا يغنّي بأحسن صوت وأطيب نغمة:
صوت
محجوبة سمعت صوتي فأرّقها ... من آخر اللّيل حتّى شفّها [7] السّهر
تدني على جيدها ثنتي [8] معصفرة ... والحلي منها على لبّاتها خصر
__________
[1] ذكر الجاحظ في كتاب «الحيوان» (ج 1 ص 55 طبع مصر): أن الذي أمر بخصاء المخنثين هو هشام بن عبد الملك، وأن الذي تولى ذلك هو عثمان بن حيّان والي المدينة. ثم ساق بعد ذلك طرفا من القصة.
[2] في ط، م: «طريفة».
[3] كذا ورد هذا الاسم مضبوطا في ط.
[4] لم يتقدّم لثابت هذا ذكر في الكلام. ولعله اسم آخر لبدراقس أو اسم غلامه الذي كان يعينه.
[5] زيادة يقتضيها السياق.
[6] في م: «مشعوفا» بالعين المهملة، وكلاهما بمعنى واحد.
[7] في ط: «حتى ظلها السحر». وفي «المحاسن والأضداد» ص 293: «لما بلها السحر».
[8] كذا فيء، ط، م. وفي ح: «تثنى». وفي سائر النسخ: «ثنتي» وكلاهما تصحيف.
في ليلة النصف ما يدري مضاجعها ... أوجهها عنده أبهى أم القمر
- ويروى:
أوجهها ما يرى أم وجهها القمر
لو خلّيت لمشت نحوي على قدم ... تكاد من رقّة للمشي تنفطر
- الغناء لسمير الأيليّ رمل مطلق بالبنصر عن حبش. وأخبرني ذكاء وجه الرّزّة أنّه سمع فيه لحنا للدّلال من الثقيل الأوّل - فلم يشكك سليمان أنّ الذي بها مما سمعت، وأنّها تهوى سميرا؛ فوجّه من وقته من أحضره وحبسه، ودعا لها بسيف ونطع، وقال: واللّه لتصدقنّي أو لأضربنّ عنقك! قالت: سلني عمّا تريد. قال: أخبرني عمّا بينك وبين هذا الرجل. قالت: واللّه ما أعرفه ولا رأيته قطّ، وأنا جارية منشئي الحجاز، ومن هناك حملت إليك، وو اللّه/ ما أعرف بهذه البلاد أحدا سواك. فرقّ لها، وأحضر الرجل فسأله، وتلطّف له في المسألة، فلم يجد بينه وبينها سبيلا، ولم تطب نفسه بتخليته سويّا [1] فخصاه؛ وكتب في المخنّثين بمثل ذلك. هذه الرواية الصحيحة.
أسف ابن أبي عتيق لخصاء الدلال:
وقد أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثني عمّي قال:
قيل للوليد بن عبد الملك: إنّ نساء قريش يدخل عليهنّ المخنّثون بالمدينة، وقد قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «لا يدخل عليكنّ هؤلاء». فكتب إلى ابن حزم الأنصاريّ أن اخصهم، فخصاهم. فمرّ ابن أبي عتيق فقال: أخصيتم الدّلال! أما واللّه لقد كان يحسن:
لمن ربع بذات الجي ... ش أمسى دارسا خلقا
تأبّد [2] بعد ساكنه ... فأصبح أهله فرقا
وقفت به أسائله ... ومرّت عيسهم حزقا [3]
ثم ذهب ثم رجع، فقال: إنما أعني خفيفه، لست أعني ثقيله.
أسف الماجشون لذلك:
أخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد عن أبيه عن الواقديّ عن ابن الماجشون:
أنّ خليفة صاحب الشّرطة لمّا خصي المخنّثون مرّ بأبيه [4] الماجشون وهو في حلقته؛ فصاح به: تعال، فجاءه؛ فقال: أخصيتم الدّلال؟ قال نعم. قال: أما إنّه كان يجيد:
لمن ربع بذات الجي ... ش أمسى دارسا خلقا
ثم مضى غير بعيد فردّه، ثم قال: أستغفر اللّه! إنما أعني هزجه لا ثقيله.
__________
[1] سويا: كاملا.
[2] تأبد: توحش.
[3] حزقا: جماعات.
[4] في الأصول: «مرّ بابن الماجشون» وهو تحريف؛ إذ الذي كان يعجبه الدلال ويستحسن غناءه ويدنيه ويقرّ به هو الماجشون لا ابنه.
وابن الماجشون هذا لم ير الدلال، وإنما تحدّث إليه عنه أبوه. (انظر ص 280 من هذا الجزء).
أضحك الناس في الصلاة:
أخبرني الحسين بن/ يحيى عن حمّاد عن أبيه قال حدّثني حمزة النّوفليّ قال:
صلّى الدّلال المخنّث إلى جانبي في المسجد، فضرط ضرطة هائلة سمعها من في المسجد، فرفعنا رؤوسنا وهو ساجد، وهو يقول في سجوده رافعا بذلك صوته: سبّح لك أعلاي وأسفلي؛ فلم يبق في المسجد أحد إلّا فتن وقطع صلاته بالضحك.
طرب شيخ في مجلس ابن جعفر للغناء وكان يكرهه:
أخبرني الحسين عن حمّاد عن أبيه عن المدائنيّ عن أشياخه:
أنّ عبد اللّه بن جعفر قال لصديق له: لو غنّتك جاريتي فلانة:
لمن ربع بذات الجي ... ش أمسى دارسا خلقا
لما أدركت دكّانك [1]. فقال: جعلت فداك، قد وجبت جنوبها (فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ)
فقال عبد اللّه: يا غلام، مر فلانة أن تخرج؛ فخرجت معها عودها. فقال عبد اللّه: إن هذا الشيخ يكره السماع. فقال:
ويحه! لو كره الطعام والشراب كان أقرب له إلى الصواب! فقال الشيخ: فكيف ذاك وبهما الحياة؟ فقالت: إنّهما ربّما قتلا وهذا لا يقتل. فقال عبد اللّه غنّي:
لمن ربع بذات الجي ... ش أمسى دارسا خلقا
فغنّت؛ فجعل الشيخ يصفّق ويرقص ويقول:
هذا أوان الشّدّ فاشتدّي زيم
ويحرّك رأسه ويدور حتى وقع مغشيّا عليه، وعبد اللّه بن جعفر يضحك منه.
غنى الدلال الغمر بن يزيد فطرب:
أخبرني إسماعيل بن يونس قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثني أبو غسّان قال:
مرّ الغمر بن يزيد بن عبد الملك حاجّا، فغنّاه الدّلال:
/بانت سعاد وأمسى حبلها انصرما ... واحتلّت الغمر [2] فالأجراع [3] من إضما [4]
__________
[1] الدكان: بناء يسطح أعلاه ويجلس عليه كالمصطبة في مصر. أي لأصابك من غنائها ما يعوقك عن أن تصل إلى المكان الذي تجلس فيه. وفي ح، م: «ذكاتك».
[2] تقدّم في الجزء الأوّل (ص 49 من هذه الطبعة): «الغور». والغمر: الماء الكثير، أو بئر قديمة بمكة، أو موضع بينه وبينها يومان.
[3] كذا في أكثر الأصول. وفي ح، م: «فالأجزاع» بالزاي المعجمة. والأجراع: جمع جرع وهو مفرد أو جمع جرعة وهي الرملة الطيبة المنبت لا وعوثة فيها.
[4] اضم (بكسر ففتح): واد بجبل تهامة، وهو الوادي الذي فيه المدينة. وقد ورد هذا البيت في «ديوان» النابغة الذبياني هكذا:
بانت سعاد وأمسى حبلها انجذما ... واحتلت الشرع فالأجزاع من إضما
وشرع: قرية على شرقيّ ذرة فيها مزارع ونخيل على عيون، وواديها يقال له رخيم. والأجزاع: جمع جزع بالكسر - وقال أبو عبيدة:
اللائق به أن يكون مفتوحا - : منعطف الوادي. وفي «تاج العروس» (أضم):
واحتلت الشرع فالخبتين من إضما
والخبت: المتسع من بطون الأرض. (انظر «القاموس» و «شرحه» وياقوت في هذه المواد).
فقال له الغمر: أحسنت واللّه، وغلبت فيه ابن سريج! فقال له الدّلال: نعمة اللّه عليّ فيه أعظم من ذلك. قال:
وما هي؟ قال: السّمعة، لا يسمعه أحد إلّا علم أنه غناء مخنّث حقّا.
نسبة هذا الصوت:
صوت
بانت سعاد وأمسى حبلها انصرما ... واحتلّت الغمر فالأجراع من إضما
إحدى [1] بلي وما هام الفؤاد بها ... إلّا السّفاه وإلّا ذكرة حلما
هلّا سألت بني ذبيان ما حسبي ... إذا الدّخان تغشّى [2] الأشمط البرما
الشعر للنابغة الذّبيانيّ. والغناء للدّلال خفيف ثقيل أوّل بالوسطى عن الهشامي. وفيه خفيف ثقيل [3] بالبنصر لمعبد عن عمرو بن بانة. وفيه لابن سريج ثقيل أوّل/ بالبنصر عن حبش. وفيه لنشيط ثاني ثقيل بالبنصر عنه. وذكر الهشاميّ أنّ لحن معبد ثقيل أوّل، وذكر حمّاد أنّه للغريض. وفيه لجميلة ودحمان لحنان، ويقال: إنهما جميعا من الثقيل الأوّل.
احتكم إليه شيعي ومرجى ء:
أخبرني الحسين بن يحيى قال أخبرنا حمّاد بن إسحاق إجازة عن أبيه عن المدائنيّ قال:
اختصم شيعيّ ومرجىء [4]، فجعلا بينهما أوّل من يطلع، فطلع الدّلال. فقالا له: أبا زيد، أيّهما خير: الشّيعيّ أم المرجى ء؟ فقال: لا أدري إلّا أنّ أعلاي شيعيّ وأسفلي مرجى ء!
هرب من المدينة إلى مكة:
قال إسحاق قال المدائنيّ وأخبرني أبو مسكين عن فليح بن سليمان قال:
كان الدّلال ملازما لأمّ سعيد الأسلميّة/ وبنت ليحيى بن الحكم بن أبي العاصي، وكانتا من أمجن النّساء، كانتا تخرجان فتركبان الفرسين فتستبقان عليهما حتى تبدو خلا خيلهما. فقال معاوية لمروان بن الحكم: اكفني بنت أخيك؛ فقال: أفعل. فاستزارها، وأمر ببئر فحفرت في طريقها، وغطّيت بحصير، فلمّا مشت عليه سقطت في البئر فكانت قبرها. وطلب الدّلال فهرب إلى مكة. فقال له نساء أهل مكة: قتلت نساء أهل المدينة وجئت لتقتلنا! فقال:
واللّه ما قتلهنّ [5] إلا الحكاك. فقلن: اعزب أخزاك اللّه، ولا أدنى بك [دارا [6]، ولا آذانا بك]! قال: فمن لكنّ
__________
[1] بليّ كغنيّ: قبيلة من قضاعة. والسفاه: الطيش وخفة الحلم. والذكرة (بالكسر والضم): نقيض النسيان.
[2] تغشّى: تلبّس. والأشمط: الذي خالطه الشيب. وخص الأشمط لأنه أجزع للبرد من الشاب فهو يتغشى النار قبله. والبرم: الذي لا يدخل مع القوم في الميسر لبخله.
[3] في م: «ثقيل أوّل بالبنصر».
[4] المرجئة: جماعة كانوا يؤخرون العمل عن النية والعقد، وكانوا يقولون: لا يضر مع الإيمان معصية كما لا ينفع مع الكفر طاعة.
وهم فرق أربع: مرجئة الخوارج، ومرجئة القدرية، ومرجئة الجبرية، والمرجئة الخالصة. (انظر «الملل والنحل» للشهرستاني ص 103 طبع أوروبا).
[5] كذا فيء، ط، م. وفي سائر النسخ: «ما قتلهنّ أحد إلا الحكاك».
[6] زيادة عن س، م.
/ بعدي يدلّ على دائكنّ ويعلم موضع شفائكنّ؟ واللّه ما زنيت قطّ ولا زني بي، وإنّي لأشتهي ما تشتهي نساؤكم ورجالكم.
كان الماجشون يقرّب الدلال ويستحسن غناءه:
قال إسحاق وحدّثني الواقديّ عن ابن الماجشون قال:
كان أبي يعجبه الدّلال ويستحسن غناءه ويدنيه ويقرّبه، ولم أره أنا، فسمعت أبي يقول: غنّاني الدّلال يوما بشعر مجنون بني عامر، فلقد خفت الفتنة على نفسي. فقلت: يا أبت، وأيّ شعر تغنّى؟ قال قوله.
صوت
عسى اللّه أن يجري المودّة بيننا ... ويوصل حبلا منكم بحباليا
فكم من خليلي جفوة قد تقاطعا ... على الدّهر لمّا أن أطالا التّلاقيا
وإنّي لفي كرب وأنت خليّة ... لقد فارقت في الوصف حالك حاليا
عتبت فما أعتبتني بمودّة ... ورمت فما أسعفتني بسؤاليا
الغناء في هذا الشعر للغريض ثقيل أوّل بالوسطى، ولا أعرف فيه لحنا غيره. وذكر حماد في أخبار الدّلال أنّه للدّلال، ولم يجنّسه.
غرر بمخة المخنث فغابت خثيم بن عراك صاحب الشرطة:
قال إسحاق وحدّثني الواقديّ عن عثمان بن إبراهيم الحاطبيّ قال:
قدم مخنّث من مكة يقال له مخّة، فجاء إلى الدّلال فقال: يا أبا زيد، دلّني على بعض مخنّثي أهل المدينة أكايده وأمازحه ثم أجاذبه. قال: قد وجدته لك - وكان خثيم [1] بن عراك بن مالك صاحب شرطة زياد بن عبيد اللّه [2] الحارثيّ جاره، وقد خرج في ذلك الوقت ليصلّي في المسجد - فأومأ إلى خثيم فقال: الحقه في المسجد؛ فإنّه/ يقوم فيه فيصلّي ليرائي الناس، فإنّك ستظفر بما تريد منه. فدخل [3] المسجد وجلس إلى جنب ابن عراك، فقال:
عجّلي بصلاتك لا صلّى اللّه عليك! فقال خثيم: سبحان اللّه! فقال المخنّث: سبّحت في جامعة [4] قرّاصة، انصرفي حتّى أتحدّث معك. فانصرف خثيم من صلاته، ودعا بالشّرط والسّياط فقال: خذوه فأخذوه [5]، فضربه مائة وحبسه.
__________
[1] كذا في ح، وهو الموافق لما في «تهذيب التهذيب» «و طبقات ابن سعد» (ج 5 ص 187) «و تقريب التهذيب» «و شرح القاموس».
وفي ب، س: «خيثم». وورد فيء، ط مضطربا غير واضح.
[2] كذا فيء، ط، م وهو الموافق لما في الطبري (قسم 2 ص 1468 طبع أوروبا) او ابن الأثير (ج 5 ص 345 طبع أوروبا). وفي سائر الأصول: «زياد بن عبد اللّه» وهو تحريف.
[3] كذا فيء، ط، م. وفي سائر النسخ: «فجلس في المسجد وجلس إلخ». ولعلها «فجاس في المسجد».
[4] الجامعة: الغل لأنها تجمع اليدين إلى العنق.
[5] كذا فيء، ط، م. وفي سائر النسخ: «فأخذه».
أضحك الناس في الصلاة فتهدّده الوالى:
أخبرني الحسين عن حمّاد عن أبيه قال:
صلّى الدّلال يوما خلف الإمام بمكة، فقرأ: (وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)
؛ فقال الدّلال: لا أدري واللّه! فضحك أكثر الناس وقطعوا الصلاة. فلمّا قضى الوالي صلاته دعا به وقال له: ويلك! ألا تدع هذا المجون والسّفه! فقال له: قد كان عندي أنّك تعبد اللّه، فلمّا سمعتك تستفهم، طننت أنّك قد تشكّكت في ربّك فثبّتّك. فقال له: أنا شككت [1] في ربّي وأنت ثبّتّني! اذهب لعنك اللّه! ولا تعاود [2] فأبالغ واللّه في عقوبتك!
قصته مع رجل زوّجه امرأة لم يدخل بها:
قال إسحاق وحدّثني الواقديّ عن عثمان بن إبراهيم قال:
سأل رجل الدّلال أن يزوّجه امرأة فزوّجه. فلمّا أعطاها صداقها وجاء بها إليه فدخلت عليه، قام إليها فواقعها، فضرطت قبل أن يطأها، فكسل عنها الرجل ومقتها وأمر/ بها فأخرجت؛ وبعث إلى الدّلال، فعرّفه ما جرى عليه. فقال له الدّلال:/ فديتك! هذا كلّه من عزّة نفسها. قال: دعني منك؛ فإنّي قد أبغضتها، فاردد عليّ دراهمي، فردّ بعضها. فقال له: لم رددت بعضها وقد خرجت كما دخلت؟ قال: للرّوعة التي أدخلتها على استها.
فضحك وقال له: اذهب فأنت أقضى الناس وأفقههم.
مكر مع فتية من قريش وسيق إلى الأمير فأراد أن يحدّه ثم عفا عنه:
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا أبو أيّوب المدينيّ قال حدّثني محمد بن سلّام عن أبيه قال، [و] أخبرني به الحسين بن يحيى عن حمّاد عن أبيه عن محمد بن سلّام عن أبيه [قال]:
أنّ الدّلال خرج يوما مع فتية من قريش في نزهة لهم، وكان معهم غلام جميل الوجه، فأعجبه؛ وعلم القوم بذلك، فقالوا: قد ظفرنا به بقية يومنا، وكان لا يصبر في مجلس حتّى ينقضي، وينصرف عنه استثقالا لمحادثة الرجال ومحبة في محادثة النساء. فغمزوا الغلام عليه؛ وفطن لذلك فغضب، وقام لينصرف؛ فأقسم الغلام عليه والقوم جميعا فجلس. وكان معهم شراب فشربوا، وسقوه وحملوا عليه لئلّا يبرح، ثم سألوه أن يغنّيهم فغنّاهم:
صوت
زبيريّة بالعرج منها منازل ... وبالخيف من أدنى منازلها رسم [3]
أسائل عنها كلّ ركب لقيته ... ومالي بها من بعد مكّتنا علم
أيا صاحب الخيمات من بطن أرثد [4] ... إلى النخل من ودّان ما فعلت نعم
__________
[1] كذا في ح. وفيء، ط: «أنا أشك في ربي وأنت تثبتني». وفي سائر النسخ: «أنا أثبك في ربي وأنت ثبتني».
[2] كذا فيء، ط، م. وفي سائر النسخ: «و لا تعاوده».
[3] ورد في س، م بعد هذا البيت: «و رواه آخرون: وبالخيف من أعلى منازلها رسم».
[4] كذا في ح وياقوت. وأرثد: اسم واد بين مكة والمدينة في وادي الأبواء. وودّان: قرية جامعة من نواحي الفرع، بينها وبين هرشى
فإن تك حرب بين قومي وقومها ... فإنّي لها في كلّ نائرة [1] سلم
/ - ذكر يحيى [2] المكّيّ وعمرو بن بانة أنّ الغناء في هذا الشعر لمعبد ثاني ثقيل بالوسطى، وذكر غيرهما أنه للدّلال. وفيه لمخارق رمل. وذكر إسحاق هذا اللحن في طريقة الثقيل الثاني ولم ينسبه إلى أحد - قال: فاستطير القوم فرحا وسرورا وعلا نعيرهم؛ فنذر [3] بهم السّلطان، وتعادت [4] الأشراط، فأحسّوا بالطّلب فهربوا؛ وبقي الغلام والدّلال ما يطيقان براحا من السّكر؛ فأخذا فأتي بهما أمير المدينة. فقال للدّلال: يا فاسق! فقال له: من فمك إلى السماء. قال: جئوا [5] فكّه؛ قال: وعنقه أيضا. قال: يا عدوّ اللّه! أما وسعك بيتك حتّى خرجت بهذا الغلام إلى الصحراء تفسق به! فقال: لو علمت أنّك تغار علينا وتشتهي أن نفسق [6] سرّا ما خرجت من بيتي. قال:
جرّدوه واضربوه حدّا. قال: وما ينفعك من ذلك! وأنا واللّه أضرب في كلّ يوم حدودا. قال: ومن يتولّى ذلك منك؟
قال: أيور المسلمين. قال: ابطحوه على وجهه واجلسوا على ظهره. قال: أحسب أنّ الأمير قد اشتهى أن يرى كيف أناك. قال: أقيموه لعنه اللّه واشهروه في المدينة مع الغلام. فأخرجا يدار بهما في السّكك. فقيل له: ما هذا يا دلال؟ قال: اشتهى الأمير أن يجمع بين الرأسين، فجمع بيني وبين هذا الغلام ونادى علينا، ولو قيل له الآن: إنّك قوّاد غضب! فبلغ قوله الوالي فقال: خلّوا سبيلهما، لعنة اللّه عليهما!
شهادة معبد في غناء الدلال:
قال إسحاق في خبره خاصّة - ولم يذكره أبو أيّوب - فحدّثني أبي عن ابن جامع عن سياط قال:
/ سمعت يونس يقول قال لي معبد: ما ذكرت غناء الدّلال في هذا الشعر:
زبيريّة بالعرج منها منازل
إلّا جدّد لي سرورا، ولوددت أنّي كنت سبقته إليه لحسنه عندي. قال يونس: فقلت له: ما بلغ من حسنه/ عندك؟ قال: يكفيك أني لم أسمع أحسن منه قطّ.
ما كان بينه مع بعض المخنثين وبين عبد الرحمن بن حسان:
أخبرني الحسين عن حمّاد عن أبيه عن الهيثم بن عديّ عن صالح بن حسّان قال:
كان بالمدينة عرس، فاتّفق فيه الدّلال وطويس والوليد المخنّث، فدخل عبد الرحمن بن حسّان، فلمّا رآهم قال: ما كنت لأجلس في مجلس فيه هؤلاء. فقال له طويس: قد علمت يا عبد الرحمن نكايتي فيك وأنّ جرحي
__________
() ستة أميال، وبينها وبين الأبواء نحو ثمانية أميال. وفي سائر الأصول: «أربد» بالباء الموحدة. وأربد: قرية بالأردن قرب طبرية عن يمين طريق المغرب. وقد رجحنا رواية ح وياقوت لأنها الأشبه بشعر الأحوص وليكون بين الموضعين تناسب مكاني.
[1] النائرة: العداوة والشحناء، مشتقة من النار.
[2] كذا في ط، وقد تقدّم كذلك مرارا. وفي سائر النسخ: «يحيى بن المكي» وهو تحريف وله ترجمة في الجزء السادس من «الأغاني» طبع بولاق.
[3] نذر: علم.
[4] تعادت: من العدو وهو سرعة الجري.
[5] جثوا: اضربوا؛ يقال: وجأ عنقه يجؤه مثل وضع يضع.
[6] في جميع الأصول: «تفسق» بالتاء.
إيّاك لم يندمل - يعني خبره معه بحضرة عبد اللّه بن جعفر، وذكره لعمّته الفارعة - فاربح نفسك وأقبل على شأنك؛ فإنّه لا قيام لك بمن يفهمك فهمي. وقال له الدّلال: يا أخا الأنصار! إنّ أبا عبد النّعيم أعلم بك منّي، وسأعلمك بعض ما أعلم به. ثم اندفع ونقر بالدّفّ، وكلّهم ينقر بدفّه معه، فتغنّى:
صوت
أتهجر يا إنسان من أنت عاشقه ... ومن أنت مشتاق إليه وشائقه [1]
وريم أحمّ المقلتين موشّح ... زرابيّه [2] مبثوثة ونمارقه
ترى الرّقم [3] والدّيباج في بيته معا ... كما زيّن الروض الأنيق [4] حدائقه
/ وسرب ظباء ترتعي جانب الحمى ... إلى الجوّ [5] فالخبتين بيض عقائقه [6]
وما من حمى في الناس إلّا لنا حمى ... وإلّا لنا غربيّة ومشارقه
فاستضحك عبد الرحمن وقال: اللّهمّ غفرا، وجلس.
لحن الدّلال في هذه الأبيات هزج بالبنصر عن يحيى المكيّ وحمّاد.
استدعاه سليمان بن عبد الملك سرا فغناه فطرب وأعاده إلى الحجاز مكرما:
أخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد عن أبيه عن أبي عبد اللّه الجمحيّ عن محمد بن عثمان عن عبد الرحمان بن الحارث بن هشام قال: سمعت عمّي عتبة يقول حدّثني مولى للوليد بن عبد الملك قال:
كان الدّلال ظريفا جميلا حسن البيان، من أحضر الناس جوابا وأحجّهم؛ وكان سليمان بن عبد الملك قد رقّ له حين خصي غلطا، فوجّه إليه مولى له وقال له: جئني به سرّا، وكانت تبلغه نوادره وطيبه، وحذّر رسوله أن يعلم بذلك أحد. فنفذ المولى إليه وأعلمه ما أمره به، وأمره بالكتمان وحذّره أن يقف على مقصده أحد، ففعل. وخرج به إلى الشام، فلمّا قدم أنزله المولى منزله المولى منزله وأعلم سليمان بمكانه؛ فدعا به ليلا فقال: ويلك ما خبرك؟
فقال: جببت من القبل مرّة أخرى يا أمير المؤمنين، فهل تربد أن تجبّني المرّة من الدّبر؟! فضحك وقال: اعزب أخزاك اللّه! ثم قال له: غنّ. فقال: لا أحسن إلّا بالدّفّ. فأمر فأتي له بدفّ؛ فغنّى في شعر العرجيّ:
أفي رسم دار دمعك المتحدّر ... سفاها وما استنطاق ما ليس يخبر
تغيّر ذاك الربع من بعد جدّة ... وكلّ جديد مرّة متغيّر
__________
[1] فيء، ط، ب: «و وامقه».
[2] الزرابيّ: البسط. وقيل: كل ما بسط واتكىء عليه. والنمارق: الوسائد.
[3] الرقم: ضرب مخطط من الوشي أو الخز أو البرود.
[4] في ح: «الروض الأثيث». والأثيث: الكثير العظيم.
[5] الجوّ والخبتان: كلاهما موضع.
[6] الأقرب أن يكون «بيض عقائقه» مرتبطا بالموضع الذي قبله، وأن يكون المراد بالعقائق: النهاء (جمع نهي بكسر أوّله وفتحه) الغدران في الأخاديد المنعقة (العميقة).
لأسماء إذ قلبي بأسماء مغرم ... وما ذكر أسماء الجميلة مهجر/
وممشى ثلاث بعد هدء [1] كواعب ... كمثل الدّمى بل هنّ من ذاك أنضر
فسلّمن تسليما خفيّا وسقّطت ... مصاعبة [2] ظلع من السير حسّر
لها أرج من زاهر البقل والثّرى ... وبرد إذا ما باشر الجلد يخصر [3]
فقالت لتربيها الغداة تبقيّا [4] ... بعين ولا تستبعدا حين أبصر
/ ولا تظهرا برديكما وعليكما ... كساءان من خزّ بنقش [5] وأخضر
فعدّي فما هذا العتاب بنافع ... هواي ولا مرجي الهوى حين يقصر
فقال له سليمان: حقّ لك يا دلال أن يقال لك الدّلال! أحسنت وأجملت! فو اللّه ما أدري أيّ أمريك أعجب:
أسرعة جوابك وجودة فهمك أم حسن غنائك، بل جميعا عجب! وأمر له بصلة سنيّة. فأقام عنده شهرا يشرب على غنائه، ثم سرّحه إلى الحجاز [مكرما] [6].
قصته مع شامي من قوّاد هشام أراد أن يتزوّج من المدينة:
أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه عن الأصمعيّ قال:
حجّ هشام بن عبد الملك، فلمّا قدم المدينة نزل رجل من أشراف أهل الشأم وقوّادهم بجنب [7] دار الدّلال، فكان الشاميّ يسمع غناء الدّلال ويصغي إليه ويصعد فوق السطح ليقرب من الصوت؛ ثم بعث إلى الدّلال: إمّا أن تزورنا وإمّا/ أن نزورك؛ فبعث إليه الدّلال: بل تزورنا. فتهيّأ الشاميّ [8] ومضى إليه، وكان للشاميّ غلمان روقة [9]، فمضى معه بغلامين منهم كأنّهما درّتان. فغنّاه الدّلال:
قد كنت آمل فيكم أملا ... والمرء ليس بمدرك أمله
حتّى بدا لي منكم خلف ... فزجرت قلبي عن هوى جهله [10]
ليس الفتى بمخلّد أبدا ... حقّا وليس بفائت أجله
__________
[1] الهدء: الهزيع من الليل، وقيل: من أوّله إلى ثلثه وذلك ابتداء سكونه.
[2] مصاعبة: جمع مصعب وهو الفحل الذي تركته فلم تركبه ولم يمسه حبل حتى صار صعبا.
[3] يخصر: يبرد.
[4] كذا في م. وتبقيا بعين أي انتظرا بمرأى مني؛ يقال: بقاه وبقّاه وأبقاه وتبقّاه، كله بمعنى انتظره. فيء، ط:
«فقالت لتربيها فديت تنقبا ... بعين ... »
وفي سائر النسخ:
«فقالت لتربيها الغداة تنقبا ... لعين ... ».
[5] في ح، ء، ط: «بنفس».
[6] زيادة عن ء، ط، م.
[7] كذا في م. وفي سائر النسخ: «تحت».
[8] في م: «فبعث الشامي بما يصلح ومضى إلخ».
[9] الروقة: الحسان؛ يقال: غلمان روقة وجارية روقة.
[10] في ح، م:
فزجرت قلبي فارعوى جهله
حيّ العمود ومن بعقوته [1] ... وقفا العمود وإن جلا أهله [2]
قال: فاستحسن الشاميّ غناءه، وقال له: زدني؛ فقال: أو ما يكفيك ما سمعت؟ قال: لا واللّه ما يكفيني.
قال: فإنّ لي إليك حاجة. قال: وما هي؟ قال: تبيعني أحد هذين الغلامين أو كليهما. قال: اختر أيّهما شئت؛ فاختار أحدهما. فقال الشاميّ: هو لك؛ فقبله الدّلال، ثم غنّاه:
دعتني دواع من أريّا فهيّجت ... هوى كان قدما من فؤاد طروب
لعلّ زمانا قد مضى أن يعود لي ... فتغفر أروى عند ذاك ذنوبي
سبتني أريّا يوم نعف محسّر [3] ... بوجه جميل للقلوب سلوب
فقال له الشاميّ: أحسنت! ثم قال له: أيها الرجل الجميل، إن لي إليك حاجة. قال: وما هي؟ قال: أريد وصيفة ولدت في حجر صالح، ونشأت في خير، جميلة الوجه مجدولة، وضيئة، جعدة [4]، في بياض مشربة حمرة، حسنة القامة، سبطة [5]، أسيلة الخدّ،/ عذبة اللسان، لها شكل ودلّ، تملأ العين والنفس. فقال له الدّلال:
قد أصبتها لك، فما لي عليك إن دللتك؟ قال: غلامي هذا. قال: إذا رأيتها وقبلتها [6] فالغلام لي؟ قال نعم. فأتى امرأة كنى عن اسمها، فقال لها: جعلت فداك! إنّه نزل بقربي رجل من أهل الشأم من قوّاد هشام له ظرف وسخاء، وجاءني زائرا فأكرمته، ورأيت معه غلامين كأنّهما الشمس الطالعة والقمر المنير والكواكب الزاهرة، ما وقعت عيني على مثلهما ولا ينطلق لساني بوصفهما، فوهب لي أحدهما والآخر عنده؛ وإن لم يصل إليّ فنفسي خارجة. قالت:
فتريد ماذا؟ قال: طلب منّي وصيفة يشتريها على صفة لا أعلمها في أحد إلّا في فلانة بنتك، فهل لك أن تريها له؟
قالت: وكيف لك بأن يدفع الغلام إليك إذا رآها؟ قال: فإنّي قد شرطت عليه ذلك عند النظر لا عند البيع. قالت:
فشأنك ولا يعلم/ أحد بذلك. فمضى الدلال فجاء الشاميّ معه. فلمّا صار إلى المرأة أدخلته، فإذا هو بحجلة [7] وفيها امرأة على سرير مشرف برزة جميلة، فوضع له كرسيّ فجلس. فقالت له: أمن العرب أنت؟ قال نعم. قالت:
من أيّهم؟ قال: من خزاعة. قالت: مرحبا بك وأهلا، أيّ شيء طلبت؟ فوصف الصفة؛ فقالت: أصبتها، وأصغت [8] إلى جارية لها فدخلت فمكثت هنيهة ثم خرجت؛ فنظرت إليها المرأة فقالت لها: أي حبيبتي، اخرجي؛ فخرجت وصيفة ما رأى الرّاءون مثلها. فقالت لها: أقبلي فأقبلت، ثم قالت لها: أدبري، فأدبرت تملأ العين والنفس؛ فما بقي منها شيء إلّا وضع يده عليه. فقالت: أتحبّ أن نؤزّرها لك؟ قال نعم. قالت: أي حبيبتي ائتزري، فضمّها الإزار وظهرت محاسنها الخفيّة، وضرب بيده على عجيزتها وصدرها. ثم قالت: أتحبّ أن
__________
[1] العقوة: الاسحة.
[2] كذا في جميع الأصول. وفيه إقواء.
[3] النعف: المرتفع من الأرض في اعتراض. وقيل: ما انحذر عن السفح وغلظ وكان فيه صعود وهبوط. (و محسر بالضم فالفتح وكسر السين المشدّدة): موضع بين مكة وعرفة، وقيل: بين منى وعرفة، وقيل: بين منى والمزدلفة.
[4] الجعدة: التي في شعرها جعودة.
[5] كذا في أكثر الأصول؛ يقال: غلام سبط الجسم أي حسن القدّ لطيفه. وفيء، ط: «شاطّة» أي حسنة القوام في اعتدال.
[6] كذا في: ح. وفي سائر الأصول: «قلبتها».
[7] الحجلة: بيت يزين بالثياب والأسرّة والستور.
[8] أي مالت إليها برأسها.
/ نجرّدها لك؟ قال نعم. قالت: أي حبيبتي وضّحي؛ فألقت إزارها فإذا أحسن خلق اللّه كأنّها سبيكة. فقالت:
يا أخا أهل الشأم كيف رأيت؟ قال: منية [1] المتمنّي. قال: بكم تقولين؟ قالت: ليس يوم النظر يوم البيع، ولكن تعود غدا حتى نبايعك ولا تنصرف إلّا على الرّضا، فانصرف من عندها. فقال له الدّلال: أرضيت؟ قال: نعم، ما كنت أحسب أنّ مثل هذه في الدنيا؛ فإن الصفة لتقصر دونها. ثم دفع إليه الغلام الثاني. فلمّا كان من الغد قال له الشاميّ: امض بنا، فمضيا حتّى قرعا الباب؛ فأذن لهما، فدخلا وسلما، ورحّبت المرأة بهما، ثم قالت للشاميّ:
أعطنا ما تبذل؛ قال: ما لها عندي ثمن إلّا وهي أكبر منه، فقولي يا أمة اللّه. قالت: بل قل؛ فإنّا لم نوطئك أعقابنا ونحن نريد خلافك وأنت لها رضا. قال: ثلاثة آلاف دينار. فقالت: واللّه لقبلة من هذه خير من ثلاثة آلاف دينار.
قال: بأربعة آلاف دينار. قالت: غفر اللّه لك! أعطنا أيّها الرجل. قال: واللّه ما معي غيرها - ولو كان لزدتك - إلّا رقيق ودوابّ وخرثيّ [2] أحمله إليك. قالت: ما أراك إلّا صادقا، أتدري من هذه؟ قال: تخبريني. قالت: هذه ابنتي فلانة بنت فلان، وأنا فلانة بنت فلان، وقد كنت أردت أن أعرض عليك وصيفة عندي، فأحببت إذا رأيت غدا غلظ أهل الشأم وجفاءهم، ذكرت ابنتي فعلمت أنّكم في غير شيء، قم راشدا. فقال للدّلال: خدعتني! قال: أو لا ترضى أن ترى ما رأيت من مثلها وتهب مائة غلام مثل غلامك؟ قال: أمّا هذا فنعم. وخرجا من عندها.
نسبة ما عرفت نسبته من الغناء المذكور في هذا الخبر
صوت
قد كنت آمل فيكم أملا ... والمرء ليس بمدرك أمله
حتّى بدا لي منكم خلف ... فزجرت قلبي عن هوى جهله
الشعر للمغيرة بن عمرو بن عثمان. والغناء للدّلال، ولحنه من القدر الأوسط من الثقيل الأوّل بالبنصر في مجراها؛ وجدته في بعض كتب إسحاق بخطّ يده هكذا. وذكر عليّ بن يحيى المنجّم أنّ هذا اللحن في هذه الطريقة لابن سريج، وأنّ لحن الدّلال خفيف [3] ثقيل نشيد. وذكر أحمد بن المكّيّ أنّ لحن الدّلال ثاني ثقيل بالوسطى، ولحن ابن سريج ثقيل أوّل. وفيه/ لمتيّم وعريب خفيفا [4] ثقيل، المطلق المسجح منهما لعريب.
ومنها:
صوت
دعتني دواع من أريّا فهيّجت ... هوى كان قدما من فؤاد طروب
سبتني أريّا يوم نعف محسّر ... بوجه صبيح للقلوب سلوب
لعلّ زمانا قد مضى أن يعود لي ... وتغفر أروى عند ذاك ذنوبي
__________
[1] كذا فيء، ط، م. وفي سائر النسخ: «منتهى المتمني».
[2] الخرئي: متاع البيت وأثاثه، وهو أيضا أردأ المتاع.
[3] في ح: «ثاني ثقيل».
[4] في ح: «خفيف ثقيل».
الغناء للدّلال خفيف ثقيل أوّل بالوسطى في مجراها من رواية حمّاد عن أبيه، وذكر يحيى المكيّ أنه لابن سريج.
غنى نائلة بنت عمار الكلبي فأجازته:
أخبرني الحسين [1] بن يحيى عن حمّاد عن أبيه عن أبي قبيصة قال:
/ جاء الدّلال يوما إلى منزل نائلة بنت عمّار الكلبيّ، وكانت عند معاوية فطلّقها، فقرع الباب فلم يفتح له؛ فغنّى في شعر مجنون بني عامر ونقر [2] بدفّه:
خليليّ لا واللّه ما أملك البكا ... إذا علم من أرض ليلى بدا ليا
خليليّ إن بانوا بليلى فهيّئا ... لي النّعش والأكفان واستغفرا ليا
فخرج حشمها فزجروه وقالوا: تنحّ عن الباب. وسمعت الجلبة فقالت: ما هذه الضّجّة بالباب؟ فقالوا:
الدّلال. فقالت: ائذنوا له. فلمّا دخل عليها شقّ ثيابه وطرح التراب على رأسه وصاح بويله وحربه؛ فقالت له:
الويل ويلك! ما دهاك؟ وما أمرك؟ قال: ضربني حشمك. قالت: ولم؟ قال: غنّيت صوتا أريد أن أسمعك إيّاه لأدخل إليك؛ فقالت: أفّ لهم وتفّ! نحن نبلغ لك ما تحبّ ونحسن تأديبهم. يا جارية هاتي ثيابا مقطوعة. فلمّا طرحت عليه جلس. فقالت: ما حاجتك؟ قال: لا أسألك حاجة حتّى أغنّيك. قالت: فذاك إليك؛ فاندفع يغنّي شعر جميل:
ارحميني فقد بليت فحسبي ... بعض ذا الدّاء يا بثينة حسبي
لامني فيك يا بثينة صحبي ... لا تلوموا قد أقرح الحبّ قلبي
زعم الناس أنّ دائي طبّي ... أنت واللّه يا بثينة طبّي [3]
ثم جلس فقال: هل من طعام؟ قالت: عليّ بالمائدة؛ فأتي بها كأنها كانت مهيّأة عليها أنواع الأطعمة، فأكل، ثم قال: هل من شراب؟ قالت: أمّا نبيذ فلا، ولكن غيره. فأتي بأنواع الأشربة، فشرب من جميعها. ثم قال: هل من فاكهة؟ فأتي بأنواع الفواكه فتفكّه، ثم قال: حاجتي خمسة آلاف درهم، وخمس/ حلل من حلل معاوية، وخمس حلل من حلل حبيب بن مسلمة، وخمس حلل من حلل النّعمان بن بشير. فقالت: وما أردت بهذا؟ قال:
هو ذاك، واللّه ما أرضى ببعض دون بعض، فإمّا الحاجة وإما الردّ. فدعت له بما سأل، فقبضه وقام. فلمّا توسّط الدار غنّى ونقر بدفّه:
ليت شعري أجفوة أم دلال ... أم عدوّ أتى بثينة بعدي
فمريني أطعك في كلّ أمر ... أنت واللّه أوجه الناس عندي
__________
[1] في ح، س، ب: «محمد بن الحسين عن حماد».
[2] كذا فيء، ط. وفي سائر النسخ: «و نقر بدفه عليه».
[3] كذا في س، م. وفي سائر الأصول:
أنت واللّه يا حميتك طبي
وكانت نائلة عند معاوية، فقال لفاختة بنت قرظة [1]: اذهبي فانظري إليها، فذهبت فنظرت إليها، فقالت له:
ما رأيت مثلها، ولكنّي رأيت تحت سرّتها خالا ليوضعنّ منه رأس زوجها/ في حجرها. فطلّقها معاوية؛ فتزوّجها بعده رجلان: أحدهما حبيب بن مسلمة، والآخر النّعمان بن بشير؛ فقتل أحدهما فوضع رأسه في حجرها.
نسبة ما في هذا الخبر من الأغاني
صوت
خليليّ لا واللّه ما أملك البكا ... إذا علم من أرض ليلى بداليا
خليليّ إن بانوا بليلى فهيّئا ... لي النّعش والأكفان واستغفرا ليا
أمضروبة ليلى على أن أزورها ... ومتّخذ ذنبا لها أن ترانيا
خليليّ لا واللّه ما أملك الذي ... قضى اللّه في ليلى ولا ما قضى ليا
قضاها لغيري وابتلاني بحبها ... فهلّا بشيء غير ليلى ابتلانيا
الشعر للمجنون. والغناء لابن محرز ثاني ثقيل بإطلاق الوتر في مجرى البنصر عن إسحاق. وذكر الهشاميّ أنّ فيه لحنا لمعبد ثقيلا أوّل لا يشك فيه. قال: وقد قال/ قوم: إنه منحول يحيى المكيّ. وفيه لإبراهيم خفيف ثقيل عن الهشاميّ أيضا. وفيه ليحيى المكيّ رمل من رواية ابنه أحمد. وفيه خفيف رمل عن أحمد بن عبيد لا يعرف صانعه.
ومنها:
صوت
ليت شعري أجفوة أم دلال ... أم عدوّ أتى بثينة بعدي
فمريني أطعك في كلّ أمر ... أنت واللّه أوجه الناس عندي
الشعر لجميل. والغناء لابن محرز خفيف ثقيل بالسبّابة في مجرى البنصر عن إسحاق. وفيه لعلّويه خفيف ثقيل آخر. وذكر عمرو بن بانة أنّ فيه خفيف ثقيل بالوسطى لمعبد. وذكر إسحاق أن فيه رملا بالبنصر في مجراها ولم ينسبه إلى أحد، وذكر الهشاميّ أنّه لمالك. وفيه لمتيّم خفيف رمل. وفيه لعريب ثقيل أوّل [بالبنصر] [2]. وذكر حبش أنّ فيه للغريض ثقيلا أوّل بالبنصر. ولمعبد فيه ثقيل أوّل بالوسطى. وذكر ابن المكيّ أنّ فيه خفيف ثقيل لمالك وعلّويه.
غنى في زفاف ابنة عبد اللّه بن جعفر:
أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه عن المدائنيّ عن عوانة بن الحكم قال:
__________
[1] كذا في أكثر الأصول، وهو الموافق لما في الطبري (قسم أول ص 2889 طبع أوروبا) وفي حا: «فرضة» بالضاد المعجمة.
[2] زيادة فيء، ط، م.
لمّا أراد عبد اللّه بن جعفر إهداء [1] بنته إلى الحجّاج، كان ابن أبي عتيق عنده، فجاءه الدّلال متعرّضا فاستأذن.
فقال له ابن جعفر: لقد جئتنا يا دلال في وقت حاجتنا إليك. قال: ذلك قصدت. فقال له ابن أبي عتيق: غنّنا؛ فقال ابن جعفر: ليس وقت ذلك، نحن في شغل عن هذا. فقال ابن أبي عتيق: وربّ/ الكعبة ليغنّينّ. فقال له ابن جعفر: هات. فغنّى ونقر بالدّفّ - والهوادج والرّواحل قد هيّئت، وصيّرت بنت ابن جعفر فيها مع جواريها والمشيّعين لها - :
يا صاح لو كنت عالما خبرا ... بما يلاقي المحبّ لم تلمه [2]
لا ذنب لي في مقرّط [3] حسن ... أعجبني دلّه ومبتسمه
شيمته البخل والبعاد لنا ... يا حبّذا هو وحبّذا شيمه
مضمّخ بالعبير عارضه ... طوبى لمن شمّه ومن لثمه [4]
/ - قال: ولابن محرز في هذا الشعر لحن أجود من لحن الدّلال - فطرب ابن جعفر وابن أبي عتيق. وقال له ابن جعفر: زدني وطرب. فأعاد اللحن ثلاثا ثم غنّى:
بكر العواذل في الصّبا ... ح يلمنني وألو مهنّه
ويقلن شيب قد علا ... ك وقد كبرت فقلت إنّه
ومضت بنت ابن جعفر، فاتّبعها يغنّيها بهذا الشعر - ولعبد آل الهذليّ فيه لحن وهو أحسنها - :
إنّ الخليط أجدّ فاحتملا ... وأراد غيظك بالذي فعلا
فوقفت أنظر بعض شأنهم ... والنّفس مما تأمل الأملا
وإذا البغال تشدّ صافنة [5] ... وإذا الحداة قد أزمعوا الرّحلا
فهناك كاد الشّوق يقتلني ... لو أنّ شوقا قبله قتلا
/ فدمعت عينا عبد اللّه بن جعفر، وقال للدّلال: حسبك! فقد أوجعت قلبي! وقال لهم: امضوا في حفظ اللّه على خير طائر وأيمن نقيبة.
__________
[1] الإهداء: الزفاف.
[2] لم تلمه، أصل ميمه الإسكان فنقلت إليه ضمة الهاء؛ كقوله:
عجبت والدهر كثير عجبه ... من عنزيّ سبني لم أضربه
نقل ضمة الهاء إلى الباء.
[3] كذا فيء، ط. والمقرط: المتحلى بالقرط. وفي سائر الأصول: «مقرطق». والمقرطق: لابس القرطق، وهو قباء ذو طاق واحد.
[4] لثمه، أصل ميمه الفتح، فنقلت إليه ضمة الهاء بعده على لغة لخم؛ لأنهم يجيزون في الوقف نقل حركة الحرف الأخير إلى المتحرك قبله؛ كقوله: «من يأتمر بالخير فيما قصده».
[5] تشدّ: تهيأ عليها الرحال. والصافن من الخيل ونحوه: القائم على ثلاث قوائم وقد أقام الرابعة على طرف الحافر.
نسبة ما في هذا الخبر من الغناء
صوت
بكر العواذل في الصّبا ... ح يلمنني وألو مهنّه
ويقلن شيب قد علا ... ك وقد كبرت فقلت إنّه
لا بدّ من شيب فدع ... ن ولا تطلن ملامكنّه
يمشين كالبقر الثّقا ... ل عمدن نحو مراحهنّه [1]
يحفين في الممشى القري ... ب إذا يردن صديقهنّه
الشعر لابن قيس الرقيّات. والغناء لابن مسجح خفيف ثقيل أوّل بالسبّابة في مجرى البنصر عن إسحاق. وفيه ثقيل أوّل للغريض عن الهشاميّ. وفيه خفيف ثقيل آخر بالوسطى ليعقوب بن هبّار عن الهشاميّ ودنانير، وذكر حبش أنّه ليعقوب.
ومنها:
صوت
إنّ الخليط أجدّ فاحتملا ... وأراد غيظك بالذي فعلا
الأبيات الأربعة.
الشعر لعمر بن أبي ربيعة. والغناء للغريض ثقيل أوّل بالسبّابة عن يحيى المكّي. وفيه ليحيى أيضا ثقيل أوّل بالوسطى من رواية أحمد ابنه، وذكر حبش أنّ هذا اللحن لبسباسة بنت معبد.
سأله ابن أبي ربيعة الغناء في شعر له فغناه فأجازه:
أخبرني الحسين عن حمّاد عن أبيه عن عثمان بن حفص الثّقفيّ قال:
كان للدّلال صوت يغنّي به ويجيده، وكان عمر بن أبي ربيعة سأله الغناء فيه وأعطاه مائة دينار ففعل، وهو قول عمر:
صوت
ألم تسأل الأطلال والمتربّعا ... ببطن حليّات دوارس بلقعا [2]
إلى السّرح من وادي المغمّس بدّلت ... معالمه وبلا ونكباء زعزعا
وقرّبن أسباب الهوى لمتيّم ... يقيس ذراعا كلّما قسن إصبعا
/ فقلت لمطريهنّ في الحسن إنّما ... ضررت فهل تسطيع نفعا فتنفعا
__________
[1] المراح (بالضم): مأوى الإبل والبقر والغنم.
[2] تقدّم هذا الشعر والتعليق عليه في صفحتي 131، 176 من الجزء الأوّل من هذه الطبعة.
الشعر لعمر بن أبي ربيعة. والغناء للغريض فيه لحنان: أحدهما في الأوّل والثاني من الأبيات ثقيل أوّل بالبنصر عن عمرو، والآخر في الثالث والرابع ثاني ثقيل بالبنصر. وفي هذين البيتين الآخرين لابن سريج ثقيل أوّل بالسبّابة في مجرى البنصر عن إسحاق. وفي الأوّل والثاني للهذليّ خفيف ثقيل أوّل بالوسطى عن عمرو. وفيهما لابن جامع رمل بالوسطى عنه أيضا. وقال يونس: لمالك فيه لحنان، ولمعبد لحن واحد.
روى هشام بن المرّية عن جرير صوتين له:
أخبرني الحسين عن حمّاد عن أبيه قال حدّثني هشام بن المرّيّة قال:
كنّا نعرف للدّلال صوتين عجيبين، وكان جرير يغنّي بهما فأعجب من حسنهما. فأخذتهما عنه وأنا أغنّي بهما.
فأمّا أحدهما فإنّه يفرح القلب. والآخر يرقص كلّ من سمعه. فأمّا الذي يفرح القلب فلابن سريج فيه أيضا لحن حسن وهو:
/و لقد جرى لك يوم سرحة [1] مالك ... مما تعيّف سانح وبريح
أحوى القوادم بالبياض ملمّع ... قلق المواقع بالفراق يصيح
الحبّ أبغضه إليّ أقلّه ... صرّح بذاك فراحتي التّصريح
بانت عويمة [2] فالفؤاد قريح ... ودموع عينك في الرّداء سفوح
والآخر:
كلّما أبصرت وجها ... حسنا قلت خليلي
فإذا ما لم يكنه ... صحت ويلي وعويلي
فصلي حبل محبّ ... لكم جدّ وصول
وانظري لا تخذليه ... إنّه غير خذول
نسبة هذين الصوتين
للدّلال في الشعر الأوّل الذي أوّله:
ولقد جرى لك يوم سرحة مالك
خفيف ثقيل بالوسطى. وفيه لابن سريج ثقيل أوّل عن الهشاميّ. وقال حبش: إنّ للدّلال فيه لحنين: خفيف ثقيل أوّل [3] وخفيف رمل. وأوّل خفيف الرّمل:
بانت عويمة فالفؤاد قريح
وذكر أنّ لحن ابن سريج ثاني ثقيل، وأنّ لابن مسجح فيه أيضا خفيف ثقيل.
__________
[1] فيء، ط، م: «سرحة رائع».
[2] فيء، ط: «عوينة».
[3] كلمة «أوّل» ساقطة في ط، ء.
والصوت الثاني الذي أوّله:
كلّما أبصرت وجها ... حسنا قلت خليلي
/ الغناء فيه لعطرّد خفيف ثقيل بالوسطى عن حبش، ويقال إنّه للدّلال. وفيه ليونس خفيف رمل. وفيه لإبراهيم الموصليّ خفيف ثقيل أوّل بالبنصر عن عمرو.
شرب النبيذ وكان لا يشربه فسكر حتى خلع ثيابه:
أخبرني الحسين عن حماد عن أبيه عن مصعب بن عبد اللّه الزّبيريّ قال:
كان الدّلال لا يشرب النبيذ، فخرج مع قوم إلى متنزّه لهم ومعهم نبيذ، فشربوا ولم يشرب منه، وسقوه عسلا مجدوحا [1]، وكان كلّما تغافل صيّروا في شرابه النبيذ فلا ينكره، وكثر ذلك حتّى سكر وطرب، وقال: اسقوني من شرابكم، فسقوه حتى ثمل، وغنّاهم في شعر الأحوص:
طاف الخيال وطاف الهمّ فاعتكرا ... عند الفراش فبات الهمّ محتضرا [2]
أراقب النّجم كالحيران مرتقبا ... وقلّص النوم عن عينيّ فانشمرا
/ من لوعة أورثت قرحا على كبدي ... يوما فأصبح منها القلب منفطرا
ومن يبت مضمرا همّا كما ضمنت ... منّي الضّلوع يبت مستبطنا غيرا
فاستحسنه القوم وطربوا وشربوا. ثم غنّاهم:
طربت وهاجك من تدّكر ... ومن لست من حبّه تعتذر
فإن نلت منها الذي أرتجي ... فذاك لعمري الذي أنتظر
وإلّا صبرت فلا مفحشا ... عليها بسوء ولا مبتهر [3]
- لحن الدلال في هذا الشعر خفيف ثقيل أوّل بالبنصر عن حبش. قال: وذكر قوم أنّه للغريض - .
/ قال: وسكر حتّى خلع ثيابه ونام عريانا، فغطّاه القوم بثيابهم وحملوه إلى منزله ليلا فنوّموه وانصرفوا عنه.
فأصبح وقد تقيّأ ولوّث ثيابه بقيئه، فأنكر نفسه، وحلف ألّا يغنّي أبدا ولا يعاشر من يشرب النبيذ؛ فوفى بذلك إلى أن مات. وكان يجالس المشيخة والأشراف فيفيض معهم في أخبار الناس وأيّامهم حتى قضى نحبه.
[انقضت [4] أخبار الدلال].
__________
[1] المجدوح: المخلوط.
[2] فيء، ط:
طاف الخيال وطال الليل فاعتكرا ... عند الفراش فآب الهم محتضرا
واعتكر الليل: اشتدّ سواده. واعتكر أيضا: اختلط. ومحتضرا: حاضرا؛ يقال: حضر الهمّ واحتضر.
[3] الابتهار: قول الكذب والحلف عليه. وفي جميع الأصول: «منتهر» بالنون.
[4] زيادة عن م.
ومما في شعر الأحوص من المائة المختارة
صوت من المائة المختارة
يا دين [1] قلبك منها لست ذاكرها ... إلا ترقرق ماء العين أو دمعا
أدعو إلى هجرها قلبي فيتبعني ... حتّى إذا قلت هذا صادق نزعا
لا أستطيع نزوعا عن محبّتها ... أو يصنع الحبّ بي فوق الذي صنعا
كم من دنيّ [2] لها قد صرت أتبعه ... ولو سلا القلب عنها صار لي تبعا
وزادني كلفا في الحبّ أن منعت [3] ... وحبّ شيء إلى الإنسان ما منعا [4]
/الشعر للأحوص. والغناء ليحيى بن واصل المكيّ، وهو رجل قليل الصّنعة غير مشهور، ولا وجدت له خبرا فأذكره. ولحنه المختار ثقيل أوّل بالوسطى في مجراها عن إسحاق. وذكر يونس أنّ فيه لحنا لمعبد ولم يجنّسه.
محبوبة الأحوص في كبرها:
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثنا مطرّف بن عبد اللّه المدنيّ [5] [قال] حدّثني أبي عن جدّي قال:
بينا أطوف بالبيت ومعي أبي، إذا بعجوز كبيرة يضرب أحد لحييها الآخر. فقال لي أبي: أتعرف هذه؟ قلت:
لا، ومن هي؟ قال: هذه التي يقول فيها الأحوص:
يا سلّم ليت لسانا تنطقين به ... قبل الذي نالني من حبّكم قطعا
يلومني فيك أقوام أجالسهم ... فما أبالي أطار اللوم أم وقعا
__________
[1] المراد بالدين هنا الداء؛ قال الشاعر:
يا دين قلبك من سلمى وقد دينا
قال المفضل: معناه يا داء قلبك القديم. وقال اللحياني: المعنى يا عادة قلبك. (انظر «اللسان» «و شرح القاموس» مادة دين).
[2] الدنى (بالهمز وبتشديد الياء بدون همز): الخسيس الحقير.
[3] يحتمل أن يكون «منعت» مبنيا للفاعل أو للمفعول.
[4] أورد النحويون هذا البيت شاهدا على أن «حب» أفعل تفضيل حذفت همزته مثل خير وشر، إلا أن الحذف فيهما هو الكثير والحذف في أحب قليل. وفي «اللسان» (مادة حبب): «و أنشد الفراء:
وزاده كلفا في الحب أن منعت ... وحب شيئا إلى الإنسان ما منعا
قال: وموضع «ما» رفع، أراد حبب فأدغم».
[5] في جميع الأصول: «الهذلي» وهو تحريف (انظر الحاشية رقم 2 صفحة 29 من الجزء الأوّل من هذه الطبعة).
أدعو إلى هجرها قلبي فيتبعني ... حتّى إذا قلت هذا صادق نزعا
قال: فقلت له: يا أبت، ما أرى أنّه كان في هذه خير قطّ. فضحك ثم قال: يا بنيّ هكذا يصنع الدهر بأهله.
حدّثنا به وكيع قال حدّثنا ابن أبي سعد قال حدّثنا إبراهيم بن المنذر قال حدّثنا أبو خويلد [1] مطرّف بن عبد اللّه المدنيّ [2] عن أبيه، ولم يقل عن جدّه، وذكر الخبر مثل الذي قبله.
صوت من المائة المختارة
كالبيض بالأدحيّ يلمع في الضّحى ... فالحسن حسن والنّعيم نعيم
حلّين من [3] درّ البحور كأنّه ... فوق النّحور إذا يلوح نجوم
الأدحيّ: المواضع التي يبيض فيها النّعام، واحدتها أدحيّة [4]. وذكر أبو عمرو [5] الشّيبانيّ أنّ الأدحيّ البيض نفسه. ويقال فيه أدحيّ وأداح [6] أيضا.
الشعر لطريح بن إسماعيل الثّقفيّ. والغناء لأبي سعيد مولى فائد، ولحنه المختار من الثقيل الأوّل بإطلاق الوتر في مجرى الوسطى عن إسحاق. وفيه للهذليّ خفيف ثقيل من رواية الهشاميّ. وقد سمعنا من يغنّي فيه لحنا من خفيف الرّمل، ولست أعرف لمن هو.
__________
[1] كذا في أكثر النسخ. وفي م: حدّثنا أبو خويلد عن مطرف ... إلخ) وليس في ترجمة مطرف بن عبد اللّه أنه يكنى أبا خويلد بل كنيته أبو مصعب. وليس هناك من الرواة من يسمى أبا خويلد يروي عنه إبراهيم بن المنذر ويروى هو عن مطرف، حتى نرجح ما في م.
[2] في جميع الأصول: «الهذلي» وهو تحريف (انظر الحاشية رقم 2 صفحة 29 من الجزء الأول من هذه الطبعة).
[3] فيء، ط: «حلين مرجان البحور».
[4] ظاهر كلام المؤلف في تفسير الأدحيّ أنه جمع. والذي في «لسان العرب» «و القاموس وشرحه»: أن الأدحيّ. والأدحية (بضم الهمزة فيهما وكسرها) والأدحوّة: مبيض النعام في الرمل، وجمع الكلّ: الأداحيّ ومثلها مدحي (وزان مسعى).
[5] في ب، س: «أبو عمر» وهو تحريف.
[6] لعله على حذف الياء من «أفاعيل» وإلا فحقه «أداحيّ».
48 - ذكر طريح وأخباره ونسبه
نسبه:
هو - فيما أخبرني به محمد بن الحسن بن دريد عن عمّه عن ابن الكلبيّ في كتاب النسب إجازة، وأخبرنا يحيى بن عليّ بن يحيى عن أبي أيّوب المدينيّ عن ابن عائشة ومحمد بن سلّام ومصعب الزّبيريّ، قال: - طريح بن إسماعيل بن عبيد بن أسيد بن علاج بن أبي سلمة بن عبد العزّى بن عنزة بن عوف بن قسيّ - وهو ثقيف - بن منبّه بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان بن مضر.
ثقيف والخلاف في نسبه:
قال ابن الكلبيّ: ومن النسّابين من يذكر أنّ ثقيفا هو قسيّ بن منبّه بن النّبيت بن منصور بن يقدم بن أفصى بن دعميّ بن إياد بن نزار. ويقال: إنّ ثقيفا كان عبدا لأبي رغال، وكان أصله من قوم نجوا من ثمود، فانتمى بعد ذلك إلى قيس. وروي عن عليّ بن أبي طالب رضي اللّه تعالى عنه وكرّم وجهه: أنّه مرّ بثقيف، فتغامزوا به؛ فرجع إليهم فقال لهم: يا عبيد أبي رغال، إنما كان أبوكم عبدا له فهرب منه، فثقفه [1] بعد ذلك، ثم انتمى إلى قيس.
وقال الحجّاج في خطبة خطبها بالكوفة: بلغني أنّكم تقولون إنّ ثقيفا من بقيّة ثمود، ويلكم! وهل نجا [2] من ثمود إلّا خيارهم ومن آمن بصالح فبقي معه عليه السّلام! ثم قال: قال اللّه تعالى: (وَثَمُودَ فَما أَبْقى)
فبلغ ذلك الحسن البصريّ: فتضاحك ثم قال: حكم لكع لنفسه، إنما قال عزّ وجلّ: (فَما أَبْقى)
أي لم يبقهم بل أهلكهم.
فرفع ذلك إلى الحجّاج فطلبه، فتوارى عنه حتى هلك الحجّاج. وهذا كان سبب تواريه منه. ذكر ابن الكلبيّ أنّه بلغه عن الحسن.
/ وكان حمّاد الراوية يذكر أنّ أبا رغال أبو ثقيف كلّها، وأنّه من بقيّة ثمود، وأنّه كان ملكا بالطائف، فكان يظلم رعيّته. فمرّ بامرأة ترضع صبيّا يتيما بلبن عنز لها، فأخذها منها، وكانت سنة مجدبة؛ فبقي الصبيّ بلا مرضعة [3] فمات، فرماه اللّه بقارعة فأهلكه، فرجمت العرب قبره، وهو بين مكة والطائف. وقيل: بل كان قائد الفيل ودليل الحبشة لمّا غزوا الكعبة، فهلك فيمن هلك منهم، فدفن بين مكة والطائف؛ فمرّ النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بقبره، فأمر برجمه فرجم؛ فكان ذلك سنّة.
__________
[1] نقفه: أدركه وظفر به.
[2] فيء، ط: «و هل بقي».
[3] المرضع: المرأة لها ولد ترضعه، ولا تلحقها التاء اكتفاء بتأنيثها في المعنى؛ لأنها خاصة بالإناث كما في طالق. فإذا ألقمت الصبيّ ثديها فهي مرضعة (بالهاء). قال أبو زيد في قوله تعالى: (تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ)
هي التي ترضع وثديها في في ولدها.
قال ابن الكلبيّ وأخبرني أبي عن أبي صالح [1] عن ابن عبّاس قال:
كان ثقيف والنّخع من إياد؛ فثقيف قسيّ بن منبّه بن النّبيت بن/ يقدم بن أقصى بن دعميّ بن إياد. والنّخع [2] ابن عمرو بن الطمنان بن عبد مناة بن يقدم بن أقصى، فخرجا ومعهما عنز لهما لبون يشربان لبنها، فعرض لهما مصدّق [3] لملك اليمن فأراد أخذها؛ فقالا له: إنّما نعيش بدرّها؛ فأبى أن يدعها؛ فرماه أحدهما فقتله. ثم قال لصاحبه: إنّه لا يحملني وإيّاك أرض فأمّا النّخع فمضى إلى بيشة [4] فأقام بها/ ونزل القسيّ موضعا قريبا من الطائف؛ فرأى جارية ترعى غنما لعامر بن الظّرب العدوانيّ، فطمع فيها، وقال: أقتل الجارية ثم أحوي الغنم.
فأنكرت الجارية منظره، فقالت له: إني أراك تريد قتلي وأخذ الغنم، وهذا شيء إن فعلته قتلت وأخذت الغنم منك، وأظنّك غريبا جائعا؛ فدلّته على مولاها. فأتاه واستجار به فزوّجه بنته، وأقام بالطائف. فقيل: للّه درّه ما أثقفه حين ثقف عامرا فأجاره. وكان قد مرّ بيهوديّة بوادي [5] القرى حين قتل المصدّق، فأعطته قضبان كرم فغرسها بالطائف فأطعمته ونفعته.
قال ابن الكلبيّ في خبر طويل ذكره: كان قسيّ مقيما باليمن، فضاق عليه موضعه ونبا به، فأتى الطائف - وهو يومئذ منازل فهم وعدوان ابني عمرو بن قيس بن عيلان - فانتهى إلى الظّرب العدوانيّ، وهو أبو عامر بن الظّرب، فوجده نائما تحت شجرة، فأيقظه وقال: من أنت؟ قال: أنا الظّرب. قال: عليّ أليّة إن لم أقتلك أو تحالفني [6] وتزوّجني ابنتك، ففعل. وانصرف الظّرب وقسيّ معه، فلقيه ابنه عامر بن الظّرب فقال: من هذا معك يا أبت؟ فقصّ قصّته. قال عامر: للّه أبوه! لقد ثقف أمره؛ فسمّي يومئذ ثقيفا. قال: وعيّر الظّرب تزويجه [7] قسيّا، وقيل: زوّجت عبدا. فسار إلى الكهّان يسألهم، فانتهى إلى شقّ/ ابن صعب [8] البجليّ وكان أقربهم منه. فلمّا انتهى إليه قال: إنّا قد جئناك في أمر فما هو؟ قال: جئتم في قسيّ، وقسيّ عبد إياد، أبق ليلة الواد [9]، في وجّ [10] ذات الأنداد، فوالى سعدا ليفاد [11]، ثم لوى بغير معاد. (يعني سعد بن قيس بن عيلان بن مضر). قال: ثم توجّه إلى سطيح الذّئبيّ (حيّ
__________
[1] هو أبو صالح مولى أم هانىء بنت أبي طالب ويقال له باذان أو باذام، وهو الذي يروي عنه ابن الكلبي ويروي هو عن ابن عباس.
(راجع «تهذيب التهذيب»).
[2] في «صبح الأعشى» (ج 1 ص 327) «و أنساب السمعاني» في الكلام على النخع: «النخع واسمه جسر بن عمرو بن علة بن جلد بن مذحج». وفي كتاب «الاشتقاق» لابن دريد: «فمن بني علة النخع قبيلة وأخوه جسر». وفي كتاب «المعارف» لابن قتيبة: «فولد علة عمرا، فولد عمرو جسرا وكعبا. فأما جسر فهو أبو النخع بن جسر بن عمرو».
[3] المصدق: عامل الزكاة الذي يأخذها من أربابها.
[4] بيشة: قرية باليمن.
[5] وادي القرى: واد بين المدينة والشام كثير القرى، فتحه النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم عنوة سنة سبع من الهجرة، ثم صالح أهله على الجزية.
[6] كذا في م. وفيء، ط: «أو تحالفني لتزوّجني». وفي سائر النسخ: «أو تحلف لي لتزوّجني».
[7] كذا فيء، ط. وفي سائر النسخ: «بتزويجه». قال في «المصباح»: «و عيرته كذا وعيرته به: قبحته عليه ونسبته إليه، يتعدّى بنفسه وبالباء؛ قال المرزوقي في «شرح الحماسة»: «و المختار أن يتعدّى بنفسه؛ قال الشاعر:
أعيّرتنا ألبانها ولحومها ... وذلك عار يا بن ريطة ظاهر»
[8] كذا فيء، ط، وهو الموافق لما في الطبري (قسم 1 ص 911 - 914). وفي سائر الأصول: «مصعب» وهو تحريف.
[9] في جميع الأصول: «الوادي» والوادي يكون في الوقف بالياء وبدونها؛ وقد حذفنا هاهنا للسجع؛ لأن السجع وقف. على أنه قد يكتفي في «الوادي» بالكسرة عن الياء. (راجع الحاشية رقم 7 ص 215 من هذا الجزء).
[10] وجّ: اسم واد بالطائف.
[11] ليفاد: ليطلق. وأصله ليفادي من المفاداة، حذف منه الحرف الأخير لالتزام السجع.
من غسّان، ويقال: إنّهم حيّ من قضاعة نزول في غسّان)، فقال: إنّا جئناك في أمر فما هو؟ قال: جئتم في قسيّ، وقسيّ من ولد ثمود القديم، ولدته أمّه بصحراء بريم [1]، فالتقطه إياد وهو عديم، فاستعبده وهو مليم [2]. فرجع الظّرب وهو لا يدري ما يصنع في أمره، وقد وكّد عليه في الحلف والتزويج؛ وكانوا على كفرهم يوفون بالقول.
فلهذا يقول من قال: إنّ ثقيفا من ثمود؛ لأن إيادا من ثمود.
قال: وقد قيل: إنّ حربا كانت بين إياد وبين قيس، وكان رئيسهم عامر بن الظّرب، فظفرت بهم قيس، فنفتهم إلى ثمود وأنكروا أن يكونوا من نزار.
قال: وقال عامر بن الظّرب في ذلك:
قالت إياد قد رأينا نسبا ... في ابني نزار ورأينا غلبا
سيري إياد قد رأينا عجبا ... لا أصلكم منّا فسامي الطّلبا
دار ثمود إذ رأيت السّببا
/ قال: وقد روي عن الأعمش أنّ عليّ بن أبي طالب رضي اللّه تعالى عنه قال [3] على المنبر بالكوفة وذكر ثقيفا: لقد هممت أن أضع على ثقيف الجزية؛ لأنّ ثقيفا كان عبدا لصالح/ نبيّ اللّه عليه السّلام، وإنّه سرّحه إلى عامل له على الصدقة، فبعث العامل معه بها، فهرب واستوطن الحرم، وإنّ أولى الناس بصالح محمد صلّى اللّه عليهما وسلّم، وإنّي أشهدكم أنّي قد رددتهم إلى الرّقّ.
قال: وبلغنا أنّ ابن عبّاس قال، وذكر عنده ثقيف، فقال: هو قسيّ بن منبّه، وكان عبدا لامرأة صالح نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وهي الهيجمانة بنت سعد، فوهبته لصالح، وإنّه سرّحه إلى عامل له على الصّدقة؛ ثم ذكر باقي خبره مثل ما قال عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه. وقال فيه: إنّه مرّ برجل معه غنم ومعه ابن له صغير ماتت أمّه فهو يرضع من شاة ليست في الغنم لبون غيرها، فأخذ الشاة؛ فناشده اللّه، وأعطاه عشرا فأبى، فأعطاه جميع الغنم فأبى.
فلمّا رأى ذلك تنحّى، ثم نثل [4] كنانته فرماه ففلق قلبه؛ فقيل له: قتلت رسول رسول اللّه صالح. فأتى صالحا فقصّ عليه قصّته؛ فقال: أبعده اللّه! فقد كنت أنتظر هذا منه؛ فرجم قبره، فإلى [5] اليوم والليلة يرجم، وهو أبو رغال.
قال: وبلغنا عن عبد اللّه بن عبّاس أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حين انصرف من الطائف مر بقبر أبي رغال فقال: «هذا قبر أبي رغال وهو أبو ثقيف كان في الحرم فمنعه اللّه عزّ وجلّ، فلمّا خرج منه رماه اللّه وفيه عمود من ذهب»؛ فابتدره المسلمون فأخرجوه.
/ قال: وروى عمرو بن عبيد عن الحسن أنّه سئل عن جرهم: هل بقي منهم أحد؟ قال: ما أدري، غير أنّه لم يبق من ثمود إلّا ثقيف في قيس عيلان، وبنو لجا في طيّى ء، والطّفاوة في بني أعصر.
__________
[1] كذا في م، ح. ويريم: موضع بنجد وواد بالحجاز قرب مكة. وفي سائر الأصول: «تريم» بالتاء المثناة من فوق. وتريم: إحدى مدينتي حضرموت والمدينة الأخرى شبام.
[2] ألام الرجل: فعل ما يلام عليه.
[3] في ح: «قام».
[4] نثل الكنانة: استخرج ما فيها من النبل.
[5] كذا في م. وفي سائر النسخ: «فرجم قبره إلى اليوم والليلة وهو أبو رغال».
قال عمرو بن عبيد وقال الحسن: ذكرت القبائل عند النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال: «قبائل تنتمي إلى العرب وليسوا من العرب حمير من تبّع وجرهم من عاد وثقيف من ثمود».
قال: وروي عن قتادة أنّ رجلين جاءا إلى عمران بن حصين. فقال لهما: ممن أنتما؟ قالا: من ثقيف. فقال لهما: أتزعمان أنّ ثقيفا من إياد؟ قالا نعم. قال: فإن إيادا من ثمود؛ فشقّ ذلك عليهما. فقال لهما: أساءكما قولي؟
قالا: نعم واللّه. قال: فإنّ اللّه أنجى من ثمود صالحا والذين آمنوا معه؛ فأنتم إن شاء اللّه من ذرّيّة من آمن، وإن كان أبو رغال قد أتى ما بلغكما. قالا له: فما اسم أبي رغال؛ فإن الناس قد اختلفوا علينا في اسمه؟ قال: قسيّ بن منبّه.
قال: وروى الزّهريّ أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «من كان يؤمن باللّه واليوم الآخر فلا يحبّ ثقيفا، ومن كان يؤمن باللّه واليوم الآخر فلا يبغض الأنصار».
قال: وبلغنا عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: «بنو هاشم والأنصار حلفان وبنو أميّة وثقيف حلفان».
قال: وفي ثقيف يقول حسّان بن ثابت رضي اللّه تعالى عنه:
إذا الثّقفيّ فاخركم فقولوا ... هلمّ نعدّ شأن أبي رغال/
أبوكم أخبث الآباء قدما ... وأنتم مشبهوه على مثال [1]
عبيد الفزر أورثهم بنيه [2] ... وولّى عنهم أخرى الليالي
أم طريح ونسبها:
وأمّ طريح بنت عبد اللّه بن سباع بن عبد العزّى بن نضلة بن غبشان [3] من خزاعة، وهم حلفاء بني زهرة بن كلاب بن مرّة بن كعب بن لؤيّ. وسباع بن عبد العزّى هو الذي قتله حمزة بن عبد المطلب يوم أحد. ولمّا برز إليه سباع قال له حمزة: هلمّ إليّ يابن مقطّعة البظور/ - وكانت أمّه تفعل ذلك وتقبل [4] نساء قريش بمكة - فحمي وحشيّ [5] لقوله وغضب لسباع، فرمى حمزة بحربته فقتله - رحمة اللّه عليه - وقد كتب ذلك في خبر غزاة أحد في بعض هذا الكتاب.
__________
[1] ورد هذا الشطر في «ديوان حسان» (ص 36 طبع ليدن):
وأولاد الخبيث على مثال
[2] كذا في «ديوان حسان». وفي جميع الأصول: «أورثه». وورد البيت في «ديوان حسان» ضمن بيتين هما:
عبيد الفزر أورثهم بنيه ... وآلى لا يبيعهم بمال
وما لكرامة حبسوا ولكن ... أراد هوانهم أخرى الليالي
والفزر: أبو قبيلة من تميم، وهو سعد بن زيد مناة بن تميم.
[3] كذا فيء، ط، م، وهو الموافق لما في «السيرة» (ص 611 طبع أوروبا). وفي سائر الأصول: «غبشان بن خزاعة» وهو تحريف؛ لأن غبشان هو ابن سليم بن ملكان بن أقصى بن خزاعة، كما في «السيرة».
[4] تقبل نساء قريش (كتفرح): تتلقى أولادهنّ عند الولادة، وهي القابلة.
[5] يدل ما في «صحيح البخاري» على أن قتل وحشيّ لحمزة إنما كان بتحريض مولاه جبير بن مطعم؛ وذلك أن حمزة - رضي اللّه تعالى عنه - كان قتل ببدر طعيمة بن عديّ بن الخيار عم جبير. فقال جبير لوحشيّ: إن قتلت حمزة بعمي فأنت حرّ. فلما بارز حمزة سباعا وقتله كان وحشي متربصا له تحت صخره، فلما دنا منه رماه بحربته فأرداه. (و الخبر مذكور في «صحيح البخاري» بتفصيل، فانظر في كتاب «المغازي» - باب قتل حمزة رضي اللّه عنه).
كنيته:
ويكنى طريح أبا الصّلت؛ كني بذلك لابن كان له اسمه صلت. وله يقول:
/يا صلت إنّ أباك رهن منيّة ... مكتوبة لا بدّ أن يلقاها
سلفت سوالفها [1] بأنفس من مضى ... وكذاك يتبع باقيا أخراها
والدّهر يوشك أن يفرّق ريبه [2] ... بالموت أو رحل تشتّ [3] نواها
لا بدّ بينكما [4] فتسمع دعوة ... أو تستجيب لدعوة تدعاها
طرح ابنه الصلت إلى أخواله بعد موت أمه:
وأخبرني يحيى بن عليّ بن يحيى إجازة قال أخبرني أبو الحسن الكاتب: أنّ أمّ الصّلت بن طريح ماتت وهو صغير، فطرحه طريح إلى أخواله بعد موت أمّه. وفيه يقول:
بات الخيال من الصّليت مؤرّقي ... يفري [5] السّراة مع الرّباب الملثق [6]
ما راعني إلّا بياض وجيهه ... تحت الدّجنّة [7] كالسّراج المشرق
نشأ في دولة بني أمية وأدرك دولة بني العباس وكان مدّاحا للوليد بن يزيد وغضب عليه ثم رضي عنه:
ونشأ طريح في دولة بني أميّة، واستفرغ شعره في الوليد بن يزيد، وأدرك دولة بني العباس، ومات في أيام المهديّ [8]؛ وكان الوليد له مكرما مقدّما؛ لانقطاعه إليه ولخؤولته في [9] ثقيف.
فأخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدّثني هارون بن محمد بن عبد الملك الزيّات قال حدّثني أحمد بن حمّاد [10] بن الجميل عن العتبيّ عن سهم بن عبد الحميد قال أخبرني طريح بن إسماعيل الثّقفيّ قال:
/ خصصت بالوليد بن يزيد حتى صرت أخلو معه. فقلت له ذات يوم وأنا معه في مشربة [11]:
يا أمير المؤمنين، خالك يحبّ أن تعلم شيئا من خلقه. قال: وما هو؟ قلت: لم أشرب شرابا قطّ ممزوجا إلّا من لبن أو عسل. قال: قد عرفت ذاك ولم يباعدك من قلبي. قال: ودخلت يوما إليه وعنده الأمويّون، فقال لي: إليّ يا خالي، وأقعدني إلى جانبه، ثم أتي بشراب فشرب، ثم ناولني القدح؛ فقلت: يا أمير المؤمنين قد أعلمتك رأيي
__________
[1] فيء، ط: «سوابقها».
[2] في م: «يفرق بينهم».
[3] كذا فيء، ط، م. وفي سائر النسخ: «تشب» بالباء الموحدة، وهو تصحيف.
[4] كذا في الأصول!
[5] كذا في م. وفي سائر النسخ: «يقري» بالقاف.
[6] الملثق: البالّ؛ يقال: لثق الطائر إذا ابتلّ ريشه، وألثقه غيره إذا بلّه.
[7] الدجنة: الظلام.
[8] فيء، ط، م: «في أيام الهادي».
[9] في ب، س: «من».
[10] في ط: «أحمد بن محمد بن الجميل». وفي ء: «أحمد بن محمد الجميل» وفي م: «أحمد بن حماد بن عبد الحميد».
[11] المشربة (بضم الراء وفتحها): الغرفة. وفيء، ط: «و نحن في مشرقة» والمشرقة (مثلثة الراء): موضع القعود في الشمس بالشتاء.
في الشراب. قال: ليس لذلك أعطيتك، إنّما دفعته إليك لتناوله الغلام، وغضب. فرفع القوم أيديهم كأنّ صاعقة نزلت [1] على الخوان؛ فذهبت أقوم، فقال: اقعد. فلمّا خلا البيت افترى عليّ، ثم قال: يا عاضّ كذا وكذا! أردت أن تفضحني، ولو لا أنّك خالي لضربتك ألف سوط! ثم نهى الحاجب عن إدخالي، وقطع عني أرزاقي. فمكثت ما شاء اللّه. ثم دخلت عليه يوما متنكرا، فلم يشعر إلّا وأنا بين يديه وأنا أقول:
يابن الخلائف ما لي بعد تقربة ... إليك أقصى وفي حاليك لي عجب
ما لي أذاد [2] وأقصى [3] حين أقصدكم ... كما توقّي من ذي العرّة [4] الجرب
كأنّني لم يكن بيني وبينكم ... إلّ [5] ولا خلّة ترعى ولا نسب
لو كان بالودّ يدنى منك أزلفني ... بقربك الود والإشفاق والحدب
وكنت دون رجال قد جعلتهم ... دوني إذ ما رأوني مقبلا قطبوا [6]
/إن يسمعوا الخير يخفوه وإن سمعوا ... شرّا أذاعوا وإن لم يسمعوا كذبوا
رأوا صدودك عنّي في اللّقاء فقد ... تحدّثوا أنّ حبلى منك منقضب/
فذو الشّماتة مسرور بهيضتنا ... وذو النّصيحة والإشفاق مكتئب
قال: فتبسّم وأمرني بالجلوس فجلست. ورجع إليّ وقال: إيّاك أن تعاود. وتمام هذه القصيدة:
أين الذّمامة والحقّ الذي نزلت ... بحفظه وبتعظيم له الكتب
وحوكي الشّعر أصفيه وأنظمه ... نظم القلائد فيها الدّرّ والذهب
وإنّ سخطك شيء لم أناج به ... نفسي ولم يك مما كنت أكتسب
لكن أتاك بقول كاذب أثم ... قوم بغوني فنالوا فيّ ما طلبوا
وما عهدتك فيما زلّ تقطع ذا ... قربى ولا تدفع الحقّ الذي يجب
ولا توجّع من حقّ تحمّله ... ولا تتبّع بالتكدير ما تهب
فقد تقرّبت جهدا من رضاك بما ... كانت تنال به من مثلك القرب
فغير دفعك حقّي وارتفاضك لي ... وطيّك الكشح عنّي كنت أحتسب
أمشمت بي أقواما صدورهم ... عليّ فيك إلى الأذقان تلتهب
قد كنت أحسب أنّي قد لجأت إلى ... حرز وألّا يضرّوني وإن ألبوا [7]
__________
[1] فيء، ط، م: «كأن صاعقة وقعت عليهم».
[2] أذاذ: أمنع وأدفع.
[3] كذا في م. وفيء، ط: «و أرمي». وفي سائر النسخ: وأنهي.
[4] العرّة: الحرب.
[5] إلّ: عهد. وخلة: الصداقة.
[6] قطبوا: عبسوا وغضبوا.
[7] ألبوا: تجمعوا.
إنّ التي صنتها عن معشر طلبوا ... منّي إليّ الذي لم ينجح الطّلب
أخلصتها لك إخلاص امرىء عللم الأقوام أنّ ليس إلّا فيك يرتغب
أصبحت تدفعها منّي [1] وأعطفها ... عليك وهي لمن يحبى بها رغب
فإن وصلت فأهل العرف أنت وإن ... تدفع يديّ فلي بقيا ومنقلب/
إنّي كريم كرام عشت في أدب ... نفى العيوب وملك [2] الشّيمة الأدب
قد يعلمون بأنّ العسر منقطع ... يوما وأنّ الغنى لا بدّ منقلب
فمالهم حبس [3] في الحقّ مرتهن ... مثل الغنائم تحوى ثم تنتهب
وما على جارهم ألّا يكون له ... إذا تكنّفه أبياتهم نشب
لا يفرحون إذا ما الدّهر طاوعهم ... يوما بيسر ولا يشكون إن نكبوا
فارقت قومي فلم أعتض بهم عوضا ... والدّهر يحدث أحداثا لها نوب
رواية المدائني في ذلك:
وأمّا المدائنيّ فقال: كان الوليد بن يزيد يكرم طريحا، وكانت له منه منزلة قريبة ومكانة، وكان يدني مجلسه، وجعله أوّل داخل وآخر خارج، ولم يكن يصدر إلّا عن رأيه. فاستفرغ مديحه كلّه وعامّة شعره فيه؛ فحسده ناس من أهل بيت الوليد. وقدم حمّاد الراوية على التّفئة [4] الشأم، فشكوا ذلك إليه وقالوا: واللّه لقد ذهب طريح بالأمير [5]، فما نالنا منه ليل ولا نهار. فقال حمّاد: ابغوني من ينشد الأمير بيتين من شعر، فأسقط منزلته. فطلبوا إلى الخصيّ الذي كان يقوم على رأس الوليد، وجعلوا له عشرة آلاف درهم على أن ينشدهما الأمير في خلوة، فإذا سأله من قول من ذا؟ قال: من قول طريح؛ فأجابهم الخصيّ إلى ذلك، وعلّموه البيتين. فلمّا كان ذات يوم دخل طريح على الوليد وفتح الباب وأذن للناس فجلسوا طويلا ثم نهضوا، وبقي طريح مع الوليد وهو وليّ عهد؛ ثم دعا/ بغدائه فتغدّيا جميعا. ثم إنّ طريحا خرج وركب إلى منزله، وترك الوليد في مجلسه ليس معه أحد، فاستلقى على فراشه.
واغتنم الخصيّ خلوته فاندفع ينشد:
/سيري ركابي إلى من تسعدين به ... فقد أقمت بدار الهون ما صلحا
سيري إلى سيّد سمح خلائقه ... ضخم الدّسيعة [6] قرم يحمل المدحا
فأصغى الوليد إلى الخصيّ بسمعه وأعاد الخصيّ غير مرّة؛ ثم قال الوليد: ويحك يا غلام! من قول من هذا؟
قال: من قول طريح. فغضب الوليد حتى امتلأ غيظا؛ ثم قال: والهفا على أمّ لم تلدني! قد جعلته أوّل داخل وآخر
__________
[1] في ح، م: «عني».
[2] ملك الشيمة: قوامها ومعظمها.
[3] حبس (بضمتين): محبوس.
[4] التفئة: الحين والزمان.
[5] كذا فيء، م، ط، وهو الصواب؛ إذ كان الوليد في ذلك الوقت وليّ عهد.
[6] الدسيعة: العطية الجزيلة، والجفنة الواسعة، والمائدة الكريمة.
خارج، ثم يزعم أنّ هشاما يحمل المدح ولا أحملها! ثم قال: عليّ بالحاجب، فأتاه. فقال: لا أعلم ما أذنت لطريح ولا رأيته على وجه الأرض؛ فإن حاولك فاخطفه بالسيف. فلمّا كان العشيّ وصلّيت العصر، جاء طريح للساعة التي كان يؤذن له فيها، فدنا من الباب ليدخل. فقال له الحاجب: وراءك! فقال: ما لك! هل دخل عليّ وليّ العهد أحد بعدي؟ قال: لا! ولكن ساعة ولّيت من عنده دعاني فأمرني ألّا آذن لك، وإن حاولتني في ذلك خطفتك بالسيف. فقال: لك عشرة آلاف [درهم] [1] وأذن لي في الدخول عليه. فقال له الحاجب: واللّه لو أعطيتني خراج العراق ما أذنت لك في ذلك، وليس لك من خير في الدخول عليه فارجع. قال: ويحك! هل تعلم من دهاني عنده؟
قال الحاجب: لا واللّه! لقد دخلت عليه وما عنده أحد، ولكنّ اللّه يحدث ما يشاء في اللّيل والنهار. قال: فرجع طريح وأقام بباب الوليد سنة لا يخلص إليه ولا يقدر على الدخول عليه. وأراد الرجوع إلى بلده وقومه فقال: واللّه إنّ هذا لعجز بي أن أرجع من غير أن ألقى وليّ العهد فأعلم من دهاني عنده. ورأى أناسا كانوا له أعداء قد فرحوا بما كان من أمره، فكانوا يدخلون على الوليد/ ويحدّثونه ويصدر عن رأيهم. فلم يزل يلطف بالحاجب [2] ويمنّيه؛ حتّى قال له الحاجب: أمّا إذ أطلت المقام فإنّي أكره أن تنصرف على حالك هذه، ولكنّ الأمير إذا كان يوم كذا وكذا دخل الحمّام، ثم أمر بسريره فأبرز، وليس عليه يومئذ حجاب؛ فإذا كان ذلك اليوم أعلمتك فتكون قد دخلت عليه وظفرت بحاجتك وأكون أنا على حال عذر. فلمّا كان ذلك اليوم، دخل الحمّام وأمر بسريره فأبرز وجلس عليه، وأذن للناس فدخلوا عليه، والوليد ينظر إلى من أقبل. وبعث الحاجب إلى طريح، فأقبل وقد تتامّ الناس. فلما نظر الوليد إليه من بعيد صرف عنه وجهه، واستحيا أن يردّه من بين الناس؛ فدنا فسلّم فلم يردّ عليه السّلام. فقال طريح يستعطفه ويتضرّع إليه:
نام الخليّ من الهموم وبات لي ... ليل أكابده وهمّ مضلع
وسهرت لا أسري ولا في لذّة ... أرقي وأغفل ما لقيت الهجّع
أبغي وجوه مخارجي من تهمة ... أزمت عليّ وسدّ منها المطلع
جزعا لمعتبة الوليد ولم أكن ... من قبل ذاك من الحوادث أجزع
يابن الخلائف إنّ سخطك لامرىء ... أمسيت عصمته بلاء مفظع
فلأنزعنّ عن الذي لم تهوه ... إن كان لي ورأيت ذلك منزع/
فاعطف فداك أبي عليّ توسّعا ... وفضيلة فعلى الفضيلة تتبع
فلقد كفاك وزاد ما قد نالني ... إن كنت لي ببلاء ضرّ تقنع
سمة لذاك عليّ جسم شاحب ... باد تحسّره ولون أسفع [3] /
إن كنت في ذنب عتبت فإنّني ... عمّا كرهت لنازع متصرّع
__________
[1] زيادة فيء.
[2] في ط، ء: «يلطف للحاجب». وفي أساس البلاغة: «و أنا ألطف بفلان إذا أريته مودّة ورفقا في المعاملة». وفي «اللسان»: «يقال:
لطف به وله بالفتح يلطف لطفا إذا رفق به ... ».
[3] أسفع: شاحب متغير من مقاساة المشاق.
ويئست منك فكلّ عسر باسط ... كفّا إليّ وكلّ يسر أقطع [1]
من بعد أخذي من حبالك بالّذي ... قد كنت أحسب أنّه لا يقطع
فاربب [2] صنيعك بي فإنّ بأعين ... للكاشحين وسمعهم [3] ما تصنع
أدفعتني حتى انقطعت وسدّدت ... عني الوجوه ولم يكن لي مدفع
ورجيت واتّقيت يداي وقيل قد ... أمسى يضرّ إذا أحبّ وينفع
ودخلت في حرم الذّمام وحاطني ... خفر أخذت به وعهد مولع
أفهادم ما قد بنيت وخافض ... شرفي وأنت لغير ذلك أوسع
أفلا خشيت شمات قوم فتّهم ... سبقا وأنفسهم عليك تقطّع
وفضلت في الحسب الأشمّ عليهم ... وصنعت في الأقوام ما لم يصنعوا [4]
فكأنّ آنفهم بكلّ صنيعة ... أسديتها وجميل فعل [5] تجدع
ودّوا لو أنّهم ينال أكفّهم ... شلل وأنكّ عن صنيعك تنزع
أو تستليم [6] فيجعلونك أسوة ... وأبى الملام لك النّدى والموضع
قال: فقرّبه وأدناه، وضحك إليه، وعاد له إلى ما كان عليه.
عاتبه المنصور في شعر مدح به الوليد فأحسن الاعتذار:
أخبرني حبيب بن نصر المهلّبيّ قال حدّثنا عبد اللّه بن شبيب قال حدّثنا محمد بن عبد اللّه بن حمزة بن عتبة اللّهبيّ عن أبيه:
أنّ طريحا دخل على أبي جعفر المنصور وهو في الشّعراء؛ فقال له: لا حيّاك اللّه ولا بيّاك! أما اتّقيت اللّه - ويلك! - حيث تقول للوليد بن يزيد:
/لو قلت للسيل دع طريقك وال ... موج عليه كالهضب يعتلج
لساخ وارتدّ [7] أو لكان له ... في سائر الأرض عنك منعرج
فقال له طريح: قد علم اللّه عزّ وجلّ أنّي قلت ذاك ويد ممدودة إليه عزّ وجلّ، وإيّاه تبارك وتعالى عنيت. فقال المنصور: يا ربيع، أما ترى هذا التخلّص!
__________
[1] أقطع: مقطوع اليد.
[2] اربب صنيعك: زده.
[3] كذا في م. وفي سائر النسخ: «و سمعها».
[4] في م: «ما لا يصنع».
[5] كذا في ح. وفي سائر النسخ: «و جميل فعلك».
[6] تستليم: تفعل ما تستحق عليه اللوم؛ فكأنك تطلب إلى الناس أن يلوموك.
[7] في هامش ط كتبت هذه العبارة: «الصحيح: لارتد أو ساخ أو لكان له». وهي أيضا رواية «اللسان» (مادة ولج).
أدخل على الوليد فمدحه فطرب وأجازه:
نسخت من كتاب أحمد بن الحارث مما أجاز لي أبو أحمد الجريريّ [1] روايته عنه: حدّثنا المدائنيّ:
أنّ الوليد جلس يوما في مجلس له عامّ، ودخل إليه أهل بيته ومواليه والشعراء وأصحاب الحوائج فقضاها، وكان أشرف يوم رئى له؛ فقام بعض الشعراء فأنشد، ثم وثب طريح، وهو عن يسار الوليد، وكان أهل بيته عن يمينه، وأخواله عن شماله وهو فيهم، فأنشده:
صوت
أنت ابن [2] مسلنطح البطاح ولم ... تطرق [3] عليك الحنيّ والولج
طوبى لفرعيك [4] من هنا وهنا ... طوبى لأعراقك التي تشج [5]
/لو قلت للسيل دع طريقك وال ... موج عليه كالهضب يعتلج [6]
لساخ وارتدّ أو لكان له ... في سائر الأرض عنك منعرج
ولاؤه، وكان مغنيا وشاعرا:
فطرب الوليد بن يزيد حتّى رئى الارتياح فيه، وأمر له بخمسين ألف درهم، وقال: ما أرى أحدا منكم يجيئني اليوم بمثل ما قال خالي، فلا ينشدني أحد بعده شيئا؛ وأمر لسائر الشعراء بصلات وانصرفوا، واحتبس طريحا عنده، وأمر ابن عائشة فغنّى في هذا الشعر.
نسبة هذا الصوت
أنت ابن مسلنطح البطاح ولم ... تطرق عليك الحنيّ والولج
الأبيات الأربعة. عروضه عن المنسرح. غنّاه ابن عائشة، ولحنه رمل مطلق في مجرى الوسطى عن إسحاق.
طلب إليه المهدي أن يغنيه صوتا له فغناه غيره واعتذر عنه:
المسلنطح من البطاح: ما اتّسع واستوى سطحه منها. وتطرق عليك: تطبق عليك وتغطّيك وتضيّق مكانك؛
__________
[1] كذا في ح، وهو الموافق لما في «الأنساب» للسمعاني (ص 129). وفي سائر الأصول: «الحريري» بالحاء المهملة.
[2] سيشرح أبو الفرج بعد قليل هذا الشعر.
[3] في كتاب «الشعر والشعراء» «و اللسان» (مادتي ولج وسلطح): «تعطف» وقال في «اللسان» (مادة طرق): «و أطرق جناح الطائر: لبس الريش الأعلى الريش الأسفل، وأطرق عليه الليل ركب بعضه بعضا. وقوله:
ولم تطرق عليك الحنيّ والولج
أي لم يوضع بعضه على بعض فتراكب». وتفسير صاحب «اللسان» هذا هو الذي يتفق مع معنى كلمات البيت. ومنه يعلم ما في تفسير أبي الفرج لهذه الكلمة من بعد.
[4] فيء، ط: «طيبا لفرعيك ... طيبا لأعراقك».
[5] تشج: تشتبك وتلتف.
[6] يعتلج: يلتطم.
يقال: طرقت الحادثة بكذا وكذا إذا أتت بأمر ضيّق معضل. والوشيج: أصول النبت؛ يقال: أعراقك واشجة في الكرم، أي نابتة فيه. قال الشاعر [1]:
وهل ينبت الخطّيّ إلّا وشيجه ... وتنبت إلّا في مغارسها النّخل [2]
يعني أنّه كريم الأبوين من قريش وثقيف. وقد ردّد طريح هذا المعنى في الوليد، فقال في كلمة له:
واعتام [3] كهلك [4] من ثقيف كفأه ... فتنازعاك فأنت جوهر جوهر
فنمت فروع القريتين قصيّها [5] ... وقسيّها بك في الأشمّ الأكبر
/ والحنيّ: ما انخفض من الأرض، والواحدة [6] حنا، والجمع حنيّ مثل عصا وعصيّ. والولج: كلّ متّسع في الوادي، الواحدة ولجة [7]. ويقال: الولجات بين الجبال مثل الرّحاب. أي لم تكن بين الحنيّ ولا الولج فيخفى مكانك، أي لست في موضع خفيّ من الحسب. وقال أبو عبيدة: سمع عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه رجلا يقول لآخر يفخر عليه: أنا ابن مسلنطح البطاح، وابن كذا وكذا؛ فقال له عمر: إن كان لك عقل فلك أصل، وإن كان لك خلق فلك شرف، وإن كان لك تقوى فلك كرم، وإلّا فذاك الحمار خير منك. أحبّكم إلينا قبل أن نراكم أحسنكم سمتا، فإذا تكلّمتم فأبينكم منطقا، فإذا اختبرناكم فأحسنكم فعلا.
قوله: «لو قلت للسيل دع طريقك»، يقول: أنت ملك هذا الأبطح والمطاع فيه، فكلّ من تأمره يطيعك فيه، حتى لو أمرت السّيل بالانصراف عنه لفعل لنفوذ أمرك. وإنما ضرب هذا مثلا وجعله مبالغة؛ لأنّه لا شيء أشدّ تعذّرا من هذا وشبهه، فإذا صرفه كان على كل شيء سواه أقدر. وقوله: «لساخ» أي لغاض في الأرض. «و ارتد» أي عدل عن طريقه، وإن لم يجد إلى ذلك سبيلا كان له منعرج عنك إلى سائر الأرض.
غضب الوليد على ابن عائشة فلما غناه في شعره طرب ورضي عنه:
أخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد عن أبيه [8] قال إسحاق وحدّثني به الواقديّ عن أبي الزّناد عن إبراهيم بن عطيّة:
/ أنّ الوليد بن يزيد لمّا ولي الخلافة بعث إلى المغنّين بالمدينة ومكة فأشخصهم إليه، وأمرهم أن يتفرّقوا ولا
__________
[1] هو زهير بن أبي سلمى.
[2] فيء، ط، م:
وتغرس إلا في منابتها النخل
[3] اغتام: اختار.
[4] كذا فيء، ط، م. وفي سائر النسخ: «أهلك» تحريف.
[5] قصيّ: ابو عدّة بطون من قريش. وقسيّ (بفتح فكسر وتشديد آخره): هو ثقيف، وقد تقدّم في أوّل ترجمة طريح.
[6] لم نجد في كتب اللغة التي بين أيدينا («كاللسان» «و القاموس وشرحه» «و الصحاح») ما يؤيد التفسير الذي ذكره أبو الفرج لمعنى هذه الكلمة ولا لمفردها. وعبارة «اللسان» (في مادة حنا): « ... والحنو: كل شيء فيه اعوجاج أو شبه الاعوجاج كعظم الحجاج والحي والضلع والقفّ والحقف ومنعرج الوادي، والجمع أحناء وحنّي وحنيّ ... ».
[7] في «اللسان» (مادة ولج): « ... ابن الأعرابي: ولاج الوادي: معاطفه، واحدتها ولجة، والجمع الولج». ومنه يعلم أن الولج جمع الجمع لولجة.
[8] كذا فيء، ط، م. وفي سائر النسخ: «عن أبيه عن ابن الكلبي عن أبيه قال إسحاق إلخ». ولم نثبت هذه الزيادة لأننا لم نجد في كتب التراجم أن إسحاق بن إبراهيم الموصلي روى عن محمد بن السائب الكلبيّ.
يدخلوا نهارا لئلا يعرفوا، وكان إذ ذاك/ يتستّر في أمره ولا يظهره. فسبقهم ابن عائشة فدخل نهارا وشهر أمره، فحبسه الوليد وأمر به فقيّد، وأذن للمغنّين وفيهم معبد، فدخلوا عليه دخلات. ثم إنّه جمعهم ليلة فغنّوا له حتى طرب وطابت نفسه. فلمّا رأى ذلك منه معبد قال لهم: أخوكم ابن عائشة فيما قد علمتم، فاطلبوا فيه. ثم قال:
يا أمير المؤمنين، كيف ترى مجلسنا هذا؟ قال: حسنا لذيذا. قال: فكيف لو رأيت ابن عائشة وسمعت ما عنده! قال: فعليّ به. فطلع ابن عائشة يرسف في قيده. فلمّا نظر إليه الوليد، اندفع ابن عائشة فغنّاه في شعر طريح، والصنعة فيه له:
أنت ابن مسلنطح البطاح ولم ... تطرق عليك الحنيّ والولج
فصاح الوليد [1]: اكسروا قيده وفكّوا عنه؛ فلم يزل عنده أثيرا مكرما.
غنى مسلمة بن محمد بن هشام من شعره فتذكر قومه:
أخبرني الحسن بن عليّ [2] قال حدّثنا ابن أبي سعد عن الحزاميّ عن عثمان بن حفص عن إبراهيم بن عبد السّلام بن أبي الحارث الذي يقول له عمر بن أبي ربيعة:
يا أبا الحارث قلبي طائر ... فأتمر [3] أمر رشيد مؤتمن
قال: واللّه إنّي لقاعد مع مسلمة بن محمد بن هشام إذ مرّ به ابن جوان بن عمر بن أبي ربيعة، وكان يغنّي؛ فقال له: اجلس يابن أخي غنّنا. فجلس فغنّى:
أنت ابن مسلنطح البطاح ولم ... تطرق عليك الحنيّ والولج
/ فقال له: يابن أخي، ما أنت وهذا حين تغنّاه، ولا حظّ لك فيه! هذا قاله طريح فينا:
إذ النّاس ناس والزّمان زمان
ومما في المائة الصوت المختارة من الأغاني من أشعار طريح بن إسماعيل التي مدح بها الوليد بن يزيد:
صوت من المائة المختارة
ويحي غدا إن غدا عليّ بما ... أحذر من لوعة الفراق غد
وكيف صبري وقد تجاوب بال ... فرقة منها الغراب والصّرد [4]
الشعر لطريح بن إسماعيل. والغناء لابن مشعب الطائفيّ، ولحنه المختار من الرّمل بالوسطى.
__________
[1] كذا فيء، م، ط. وفي سائر النسخ: «فصاح به الوليد».
[2] كذا في ط، م، ء. وفي سائر النسخ: «الحسين بن يحيى». والمعروف أن الحسن بن عليّ يروي عن عبد اللّه بن أبي سعد (انظر ص 68 ج 2 من هذا الكتاب).
[3] كذا في ط، م، ء وفيما تقدم في الجزء الأوّل (ص 114 من هذه الطبعة). وفي سائر الأصول هنا: «فاستمع».
[4] الصرد (بضم ففتح): طائر أبقع أبيض البطن أخضر الظهر ضخم الرأس والمنقار له مخلب يصطاد العصافير وصغار الطير، جمعه صردان، ويكنى بأبي كثير، ويسمى الأخطب لخضرة ظهره، والأخيل لاختلاف لونه. وهو مما يتشاءم به من الطير؛ قال الشاعر:
فما طائري يوما عليك بأخيلا
49 - ذكر ابن مشعب [1] وأخباره
ابن مشعب وأصله:
هو رجل من أهل الطائف مولى لثقيف، وقيل: إنّه من أنفسهم، وانتقل إلى مكة فكان بها. وإيّاه يعني العرجي بقوله:
بفناء بيتك وابن مشعب حاضر ... في سامر عطر وليل مقمر
فتلازما عند الفراق صبابة ... أخذ الغريم بفضل ثوب المعسر
كان عامة الغنّاء الذي ينسب إلى أهل مكة له:
أخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد عن أبيه قال:
ابن مشعب مغنّ من أهل الطائف، وكان من أحسن الناس غناء، وكان في زمن ابن سريج والأعرج؛ وعامّة الغناء الذي ينسب إلى أهل مكة له، وقد تفرّق غناؤه، فنسب بعضه إلى ابن سريج، وبعضه إلى الهذليّين،/ وبعضه إلى ابن محرز. قال: ومن غنائه الذي ينسب إلى ابن محرز:
يا دار عاتكة الّتي بالأزهر
ومنه أيضا:
أقفر ممن يحلّه السّند [2] ... فالمنحنى [3] فالعقيق فالجمد [4]
انتهى مريض أن يغني في شعر العرجي الذي ورد فيه اسمه:
أخبرني الحسين قال قال حمّاد وحدّثني أبي قال:
مرض رجل من أهل المدينة بالشأم، فعاده جيرانه وقالوا له: ما تشتهي؟ قال: أشتهي إنسانا يضع فمه على أذني ويغنّيني في بيتي العرجيّ:
/بفناء بيتك وابن مشعب حاضر ... في سامر عطر وليل مقمر
__________
[1] نلاحظ أن صاحب «الأغاني» أفحم ترجمة ابن مشعب هذا في وسط ترجمة طريح. ولما يتحدث عنه إلا قليلا، ثم عاد إلى حديثه عن طريح.
[2] في «معجم ما استعجم» للبكري: سند: ماء تهامة معروف. وقال أبو بكر: سند (بفتحتين): ماء معروف لبني سعد.
[3] المنحنى: موضع قرب مكة، كما في شرح «القاموس».
[4] الجمد (بضمتين): جبل لبني نصر بنجد، كما في «معجم ياقوت».
فتلازما عند الفراق صبابة ... أخذ الغريم بفضل ثوب المعسر
نسبة ما في هذه الأخبار من الأغاني
يا دار عاتكة الّتي بالأزهر ... أو فوقه بقفا الكثيب الأحمر
بفناء بيتك وابن مشعب حاضر ... في سامر عطر وليل مقمر
فتلازما عند الفراق صبابة ... أخذ الغريم بفضل ثوب المعسر
الشعر للعرجيّ. والغناء لابن محرز خفيف ثقيل أوّل بالبنصر، وذكر إسحاق أنّه لابن مشعب. وذكر حبش أنّ فيه لابن المكيّ هزجا خفيفا بالبنصر.
وأمّا الصوت الآخر الذي أوّله:
أقفر ممن يحلّه السّند
فإنّه الصوت الذي ذكرناه الذي فيه اللحن المختار، وهو أوّل قصيدة طريح التي منها:
ويحي غدا إن غدا عليّ بما ... أكره من لوعة الفراق غد
وليس يغنّى فيه في زماننا هذا. وهذه القصيدة طويلة يمدح فيها طريح الوليد بن يزيد، يقول فيها:
لم يبق فيها من المعارف بع ... د الحيّ إلّا الرّماد والوتد
وعرصة نكّرت معالمها الرّ ... يح بها مسجد ومنتضد [1]
أنشد المنصور قصيدة طريح الدالية فمدحها:
أخبرني يحيى بن عليّ بن يحيى قال حدّثني محمد بن خلف القارىء قال أخبرنا هارون بن محمد، وأخبرنا به وكيع - وأظنه هو الذي كنى عنه يحيى بن عليّ، فقال:/ محمد بن خلف القارى ء - [قال] [2] حدّثنا هارون بن محمد بن عبد الملك قال حدّثني عليّ بن عبد اللّه اللّهبيّ قال حدّثنا أبي عن أبيه قال:
أنشد المنصور هذه القصيدة، فقال للربيع: أسمعت أحدا من الشعراء ذكر في باقي معالم الحيّ المسجد غير طريح!. وهذه القصيدة من جيّد قصائد طريح، يقول فيها:
لم أنس سلمى ولا ليالينا ... بالحزن إذ عيشنا بها رغد [3]
إذ نحن في ميعة الشّباب وإذ ... أيّامنا تلك غضّة جدد
في عيشة كالفريد عازبة [4] الشّ ... قوة خضراء غصنها خضد [5]
__________
[1] منتضد: مجتمع ومقام؛ يقال: انتضد القوم بمكان كذا إذا أقاموا به.
[2] زيادة عن ح، م.
[3] عيش رغد (بفتح الغين وكسرها): مخصب رفيه غزير، ومثلهما رغد (بسكون الغين) ورغيد وراغد وأرغد.
[4] عازبة الشقوة: بعيدتها.
[5] خضد (بالتحريك): رطب.
نحسد فيها على النّعيم وما ... يولع إلّا بالنّعمة الحسد
أيّام سلمى غريرة [1] أنف ... كأنّها خوط بانة رؤد [2]
ويحي غدا إن غدا عليّ بما ... أكره من لوعة الفراق غد
قد كنت أبكي من الفراق وحيّ ... انا جميع ودارنا صدد [3]
فكيف صبري وقد تجاوب بال ... فرقة منها الغراب والصّرد
/ دع عنك سلمى لغير مقلية ... وعدّ مدحا بيوته شرد
للأفضل الأفضل الخليفة عب ... د اللّه من دون شأوه صعد
في وجهه النّور يستبان كما ... لاح سراج النّهار إذ يقد
/ يمضي على خير ما يقول ولا ... يخلف ميعاده إذا يعد
من معشر لا يشمّ من خذلوا ... عزّا ولا يستذلّ من رفدوا
بيض عظام الحلوم حدّهم ... ماض حسام وخيرهم عتد [4]
أنت إمام الهدى الذي أصلح اللّ ... ه به الناس بعد ما فسدوا
لمّا أتى الناس أنّ ملكهم ... إليك قد صار أمره سجدوا
واستبشروا بالرضا تباشرهم ... بالخلد لو قيل إنّكم خلد
وعجّ بالحمد أهل أرضك ... حتّى كاد يهتزّ فرحة أحد
واستقبل الناس عيشة أنفا ... إن تبق فيها لهم فقد سعدوا
رزقت من ودّهم وطاعتهم ... ما لم يجده لوالد ولد
أثلجهم منك أنّهم علموا ... أنّك فيما وليت مجتهد
وأنّ ما قد صنعت من حسن ... مصداق ما كنت مرّة تعد
ألّفت أهواءهم فأصبحت الأ ... ضغان سلما وماتت الحقد
كنت أرى أنّ ما وجدت من ال ... فرحة لم يلق مثله أحد
حتّى رأيت العباد كلّهم ... قد وجدوا من هواك ما أجد
__________
[1] غريرة: بلهاء لصغر سنها وقلة تجاربها. وأنف: عذراء.
[2] الخوط: الغصن. والرّؤد: الغصن أرطب ما يكون وأرخصه؛ وذلك حين يكون في السنة التي نبت فيها. تشبه به الجارية الحسنة الشباب من النعمة.
[3] يقال: دار فلان صدد دار فلان وبصددها أي قبالتها.
[4] عند: حاضر معدّ.
صوت
قد طلب الناس ما بلغت فما ... نالوا ولا قاربوا وقد جهدوا
يرفعك اللّه بالتّكرّم والت ... قوى فتعلو وأنت مقتصد
حسب امرىء من غنى تقرّبه ... منك وإن لم يكن له سبد [1]
فأنت أمن لمن يخاف ولل ... مخذول أودى نصيره عضد
/ - غنّى في هذه الأبيات الأربعة إبراهيم خفيف ثقيل بالبنصر - .
كلّ امرىء ذي [2] يد تعدّ علي ... ه منك معلومة يد ويد
فهم ملوك ما لم يروك فإن ... داناهم منك منزل خمدوا
تعروهم رعدة لديك كما ... قفقف [3] تحت الدّجنّة الصّرد
لا خوف ظلم ولا قلى خلق ... إلّا جلالا كساكه الصّمد
وأنت غمر النّدى إذا هبط ال ... زّوّار أرضا تحلّها حمدوا
فهم رفاق فرفقة صدرت ... عنك بغنم ورفقة ترد
إن حال دهر بهم [4] فإنّك لا ... تنفكّ عن حالك الّتي عهدوا
قد صدّق اللّه مادحيك فما ... في قولهم فرية ولا فند
ذكاء جعفر بن يحيى وعلمه بالأشعار والألحان:
/ أخبرني محمد بن يحيى الصّوليّ قال حدّثني الحسين بن يحيى قال:
سمعت إسحاق بن إبراهيم الموصليّ يحلف باللّه الذي لا إله إلّا هو إنه ما رأى أذكى من جعفر بن يحيى قطّ، ولا أفطن، ولا أعلم بكلّ شيء، ولا أفصح لسانا، ولا أبلغ في مكاتبة. قال: ولقد كنّا يوما عند الرشيد، فغنّى أبي لحنا في شعر طريح بن إسماعيل، وهو:
قد طلب الناس ما بلغت فما ... نالوا ولا قاربوا وقد جهدوا
فاستحسن الرشيد اللحن والشعر واستعاده ووصل أبي عليه. وكان اللحن [5] في طريقة خفيف الثقيل الأوّل.
فقال جعفر بن يحيى: قد واللّه يا سيّدي أحسن، ولكنّ اللحن مأخوذ من لحن الدّلال الذي غنّاه في شعر أبي زبيد:
__________
[1] كذا في ح، م. والسبد: الشّعر، ويكنى به عن المال. ويقال: ماله سبد ولا لبد أي ماله شيء. وفي سائر الأصول: «سند».
[2] في ح: «ذي ندى».
[3] قفقف: ارتعد من البرد. والصرد: المقرور.
[4] في ح: «لهم».
[5] كذا فيء، ط، م. وفي سائر النسخ: «و كان اللحن الذي في طريقة خفيف الثقيل إلخ».
/
من ير العير لابن أروى على ظه ... ر المروري [1] حداتهنّ عجال
وأمّا الشعر فنقله طريح من قول زهير:
سعى بعدهم قوم لكي يدركوهم ... فلم يبلغوا [2] ولم يلاموا [3] ولم يألوا
قال إسحاق: فعجبت واللّه من علمه بالألحان والأشعار، وإذا اللحن يشبه لحن الدّلال، قال: وكذلك الشعر؛ فاغتممت أنّي لم أكن فهمت اللحن، وكان ذلك أشدّ عليّ من ذهاب أمر الشعر عليّ، وأنا واللّه مع ذلك أغنّي الصوتين وأحفظ الشعرين. قال الحسين: ولحن الدّلال في شعر أبي زبيد هذا من خفيف الثقيل أيضا.
صادف طريح أبا ورقاء في سفر فأنس به وذكر له قصته مع أعرابي عاشق:
أخبرني يحيى بن عليّ بن يحيى إجازة قال حدّثني أبو الحسن البلاذريّ أحمد بن يحيى وأبو أيّوب المدينيّ، قال البلاذريّ وحدّثني الحرمازيّ، وقال أبو أيّوب [3] وحدّثونا عن الحرمازيّ قال حدّثني أبو القعقاع سهل [4] بن عبد الحميد عن أبي ورقاء الحنفيّ قال:
/ خرجت من الكوفة أريد بغداد، فلمّا صرت إلى أوّل خان نزلته، بسط غلماننا وهيّئوا غداءهم، ولم يجيء أحد بعد، إذ رمانا الباب برجل فاره البرذون [5] حسن الهيئة، فصحت بالغلمان، فأخذوا دابّته فدفعها إليهم، ودعوت بالغداء، فبسط يده غير محتشم، وجعلت لا أكرمه بشيء إلا قبله. ثم جاء غلمانه بعد ساعة في ثقل [6] سريّ وهيئة حسنة. فتناسبنا [7] فإذا الرجل طريح بن إسماعيل الثّقفيّ. فلمّا ارتحلنا في قافلة غنّاء لا يدرك طرفاها. قال:
فقال لي: ما حاجتنا إلى زحام الناس وليست بنا إليهم وحشة ولا علينا خوف! نتقدّمهم بيوم فيخلو لنا الطريق ونصادف الخانات فارغة ونودع أنفسنا إلى أن يوافوا. قلت: ذلك إليك. قال: فأصبحنا الغد فنزلنا الخان فتغدّينا وإلى جانبنا نهر ظليل؛ فقال: هل لك أن نستنقع [8] فيه؟ فقلت له: شأنك. فلمّا سرا [9] ثيابه إذا [ما] بين عصعصه إلى [10] عنقه ذاهب، وفي جنبيه أمثال الجرذان، فوقع في نفسي منه شيء [11]. فنظر إليّ ففطن وتبسّم، ثم قال: قد
__________
[1] كذا في أكثر الأصول. والمروري على وزن فعلعل: جمع مروراة وهي الفلاة البعيدة المستوية. («معجم ما استعجم» ص 520).
وفي ح «و الشعر والشعراء» (ص 167): «المروي». والمروّي (بضم أوّله وفتح ثانيه بعده واو مشدّدة مفتوحة): موضع. («معجم ما استعجم» ص 526).
[2] في «ديوان زهير» (طبعة دار الكتب ص 114): «فلم يفعلوا». وفي س: «فلم يفعلوا ولم يليموا». أي لم يأتوا ما يلامون عليه، أو لم يلاموا، حين لم يبلغوا منزلة هؤلاء القوم لأنها أعلى من أن تبلغ؛ فهم معذورون في التقصير عنها والتوقف دونها، وهم مع ذلك لم يألوا أي لم يقصروا في السعي بجميل الفعل.
[3] كذا فيء، ط، م. وفي سائر الأصول: «و قال أبو أيوب وحدّثني الحرمازي ... إلخ».
[4] فيء، ط: «سهيل بن عبد الحميد».
[5] البرذون الفاره: النشيط السريع السير.
[6] الثقل: متاع المسافر وحشمه.
[7] تناسبنا: ذكر كل منا نسبه.
[8] كذا فيء، ط. وفي سائر النسخ: «تستنقع» بالتاء في أوّله.
[9] سرا ثيابه سروا: ألقاها عنه مثل سرى سريا وأسرى، والواو أغلى. (انظر «اللسان» مادة سرا).
[10] فيء، ط، م: «كرده». والكرد (بالفتح). العنق، وقيل أصله.
[11] في ء: ط، م: «شر».
رأيت ذعرك مما رأيت؛ وحديث هذا إذا سرنا العشيّة إن شاء اللّه تعالى أحدّثك به. قال: فلمّا ركبنا قلت: الحديث! قال: نعم! قدمت من عند الوليد بن يزيد بالدّنيا، وكتب إلى يوسف بن عمر مع فرّاش فملأ يدي أصحابي [1]، فخرجت أبادر الطائف. فلمّا امتدّ لي الطريق وليس يصحبني فيه خلق، عنّ لي [2] أعرابيّ على بعير له، فحدّثني، فإذا هو حسن الحديث، وروى لي الشّعر فإذا هو/ راوية، وأنشدني لنفسه فإذا هو/ شاعر. فقلت له: من أين أقبلت؟ قال: لا أدري. قلت: فأين تريد؟ فذكر قصّة يخبر فيها أنّه عاشق لمريئة قد أفسدت عليه عقله، وسترها عنه [3] أهلها وجفاه [4] أهله، فإنّما يستريح إلى الطريق ينحدر مع منحدريه ويصعد مع مصعديه. قلت: فأين هي؟
قال: غدا ننزل بإزائها. فلمّا نزلنا أراني ظربا [5] على يسار الطريق، فقال لي: أترى ذلك الظّرب؟ قلت: أراه. قال:
فإنّها في مسقطه. قال: فأدركتني أريحيّة الشباب، فقلت: أنا واللّه آتيها برسالتك. قال: فخرجت وأتيت الظّرب، وإذا بيت حريد [6]، وإذا فيه امرأة جميلة ظريفة، فذكرته لها، فزفرت زفرة كادت أضلاعها تسّاقط. ثم قالت: أو حيّ هو؟ قلت: نعم، تركته في رحلي وراء هذا الظّرب، ونحن بائتون ومصبحون. فقالت: يا أبي أرى لك وجها يدلّ على خير، فهل لك في الأجر؟ فقلت: فقير واللّه إليه. قالت: فالبس ثيابي وكن مكاني ودعني حتّى آتيه، وذلك مغيربان الشمس. قلت: أفعل [7]. قالت: إنّك إذا أظلمت أتاك زوجي في هجمة [8] من إبله، فإذا بركت أتاك وقال:
يا فاجرة يا هنتاه [9]، فيوسعك شتما فأوسعه صمتا، ثم يقول: اقمعي [10] سقاءك، فضع القمع في هذا السّقاء حتّى يحقن [11] فيه، وإيّاك/ وهذا الآخر فإنّه واهي الأسفل. قال: فجاء ففعلت ما أمرتني به، ثم قال: اقمعي سقاءك، فحيّنني [12] اللّه، فتركت الصحيح وقمعت الواهي، فما شعر إلّا باللبن بين رجليه، فعمد إلى رشاء [13] من قدّ مربوع، فثناه باثنين فصار على ثمان قوى، ثم جعل لا يتّقي منّي رأسا ولا رجلا ولا جنبا، فخشيت أن يبدو له وجهي، فتكون الأخرى، فألزمت وجهي الأرض، فعمل بظهري ما ترى.
__________
[1] كذا في ح. وفي سائر النسخ: «أصحابه».
[2] عنّ لي: عرض لي.
[3] في ح: «و حدّ عليها أهلها». وحدّ عليه: غضب عليه.
[4] فيء، ط: «و خلعه»؛ يقال: خلع فلان ابنه إذا تبرأ منه. وكان في الجاهلية إذا قال قائل: هذا ابني قد خلعته، لا يؤخذ بعد بجريرته.
[5] كذا في ب، س. والظرب: الرابية الصغيرة. وفي سائر الأصول: «ظريبا» بالتصغير.
[6] كذا فيء، ط. والحريد: المعتزل المتنحى. وفي حديث صعصعة «فرفع لي بيت حريد» أي منتبذ متنح عن الناس. وفي م: «بيت جريد» بالجيم المعجمة. وفي سائر النسخ: «جديد» وكلاهما تحريف.
[7] كذا فيء، ط. وفي سائر الأصول: «فقلت افعلي».
[8] الهجمة من الإبل: أوّلها أربعون إلى ما زادت، أو ما بين السبعين إلى المائة، فإذا بلغت المائة فهي هنيدة.
[9] يا هنتاه: أي يا هذه، وقيل: يا بلهاء. وتفتح النون وتسكن، وتضم الهاء الأخيرة وتسكن. (انظر «اللسان» مادة هنو).
[10] قمع الإناء: وضع القمع في فمه ليصب فيه الدهن وغيره.
[11] حقن اللبن (من باب نصر): جمعه.
[12] حينه اللّه: لم يوفقه للرشاد.
[13] الرشاء: الحبل. والقدّ: السير المقدود من الجلد. ومربوع: ذو أربع قوى.
50 - ذكر أخبار أبي سعيد مولى فائد ونسبه
ولاؤه، وكان مغنيا وشاعرا:
أبو سعيد مولى فائد. وفائد مولى عمرو بن عثمان بن عفّان رضي اللّه تعالى عنه. وذكر ابن خرداذبه أنّ اسم أبي سعيد إبراهيم. وهو يعرف في الشعراء بابن أبي سنّة [1] مولى بني أميّة، وفي المغنّين بأبي سعيد مولى فائد.
وكان شاعرا مجيدا ومغنّيا، وناسكا بعد ذلك، فاضلا مقبول الشهادة بالمدينة معدّلا. وعمّر إلى خلافة الرشيد، ولقيه إبراهيم بن المهديّ وإسحاق الموصليّ وذووهما. وله قصائد جياد في مراثي بني أميّة الذين قتلهم عبد اللّه وداود ابنا عليّ بن عبد اللّه بن العبّاس، يذكر هاهنا في موضعه منها ما تسوق [2] الأحاديث ذكره.
طلب إليه المهدي أن يغنيه صوتا له فغناه غيره واعتذر عنه:
أخبرني عليّ بن عبد العزيز عن عبيد اللّه [3] بن عبد اللّه عن إسحاق، وأخبرني الحسين بن يحيى عن ابن أبي الأزهر عن حمّاد عن أبيه، وأخبرنا به يحيى بن عليّ عن أخيه أحمد بن عليّ عن عافية بن شبيب عن أبي جعفر الأسديّ عن إسحاق، قال يحيى خاصّة في خبره:
قال إسحاق: حججت مع الرشيد، فلمّا قربت من مكة استأذنته في التقدّم فأذن لي، فدخلت مكة، فسألت عن أبي سعيد مولى فائد، فقيل لي: هو في المسجد الحرام. فأتيت المسجد فسألت عنه، فدللت عليه، فإذا هو قائم يصلّي، فجئت فجلست قريبا منه. فلمّا فرغ قال لي: يا فتى، ألك حاجة؟ قلت: نعم، تغنّيني: «لقد طفت سبعا». هذه رواية يحيى بن عليّ. وأمّا الباقون فإنّهم ذكروا عن إسحاق أنّ المهديّ قال [هذا] [4] لأبي سعيد وأمره أن يغنّي له:
/لقد طفت سبعا قلت لمّا قضيتها ... ألا ليت هذا لا عليّ ولا ليا
/ ورفق به وأدنى مجلسه، وقد كان نسك؛ فقال: أو أغنّيك يا أمير المؤمنين أحسن منه؟ قال: أنت وذاك. فغنّى [5]:
إنّ هذا الطويل من آل حفص ... نشر المجد بعد ما كان ماتا
وبناه على أساس وثيق ... وعماد قد أثبتت إثباتا
__________
[1] في م: «بابن أبي شبة».
[2] كذا في ح، م. وفي سائر الأصول: «يسوق» بالياء المثناة من تحت.
[3] في م: «عبيد اللّه بن عباس».
[4] التكملة عن ء، ط.
[5] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «فقال».
مثل ما قد بنى له أوّلوه ... وكذا يشبه البناة [1] البنانا
- الشعر والغناء لأبي سعيد مولى فائد - فأحسن. فقال له المهديّ: أحسنت يا أبا سعيد! فغنّني «لقد طفت سبعا». قال: أو أغنّيك أحسن منه؟ قال: أنت وذاك. فغنّاه:
قدم الطويل فأشرقت واستبشرت ... أرض الحجاز وبان في الأشجار
إنّ الطويل من آل حفص فاعلموا ... ساد الحضور وساد في الأسفار
فأحسن فيه. فقال: غنّني «لقد طفت سبعا». قال: أو أغنيّك أحسن منه؟ قال: فغنّني. فغناه:
أيّها السائل الذي يخبط الأر ... ض دع الناس أجمعين وراكا
وأت هذا الطويل من آل حفص ... إن تخوّفت علية [2] أو هلاكا
فأحسن فيه. فقال له: غنّني «لقد طفت سبعا»، فقد أحسنت فيما غنّيت، ولكنا نحبّ أن تغنّي ما دعوناك إليه. فقال: لا سبيل إلى ذلك يا أمير المؤمنين؛ لأنّي رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في منامي وفي يده شيء لا أدري ما هو،/ وقد رفعه ليضربني به وهو يقول: يا أبا سعيد، لقد طفت سبعا، لقد طفت سبعا سبعا طفت! ما صنعت بأمّتي في هذا الصوت! فقلت له: بأبي أنت وأمي اغفرلي، فو الّذي بعثك بالحقّ واصطفاك بالنبوّة لا غنّيت هذا الصوت أبدا؛ فردّ يده ثم قال: عفا اللّه عنك إذا! ثم انتبهت. وما كنت لأعطي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم شيئا في منامي فأرجع عنه في يقظتي.
فبكى المهديّ وقال: أحسنت يا أبا سعيد أحسن اللّه إليك! لا تعد في غنائه، وحباه وكساه وأمر بردّه إلى الحجاز.
فقال له أبو سعيد: ولكن اسمعه يا أمير المؤمنين من منّة جارية البرامكة. وأظنّ حكاية من حكى ذلك عن المهديّ غلطا؛ لأن منّة جارية البرامكة لم تكن في أيّام المهديّ، وإنما نشأت وعرفت في أيّام الرشيد.
وقد حدّثني أحمد بن جعفر جحظة قال حدّثني هبة اللّه بن إبراهيم بن المهديّ عن أبيه أنّه هو الذي لقي أبا سعيد مولى فائد وجاراه هذه القصّة. وذكر ذلك أيضا حمّاد بن إسحاق عن إبراهيم بن المهديّ. وقد يجوز أن يكون إبراهيم بن المهديّ وإسحاق سألاه عن هذا الصوت فأجابهما فيه بمثل ما أجاب المهديّ. وأمّا خبر إبراهيم بن المهديّ خاصّة فله معان غير هذه، والصوت الذي سأله عنه غير هذا؛ وسيذكر بعد انقضاء هذه الأخبار لئلّا تنقطع.
أراده إبراهيم بن المهدي على الذهاب إلى بغداد فأبى:
وأخبرني إسماعيل [3] بن يونس الشّيعيّ قال حدّثنا عمر بن شبّة:
أنّ إبراهيم بن المهديّ لقي أبا سعيد مولى فائد؛ وذكر الخبر بمثل الذي قبله، وزاد فيه: فقال له: اشخص معي إلى بغداد، فلم يفعل. فقال: ما كنت لآخذك بما لا تحبّ، ولو كان غيرك لأكرهته على ما أحبّ، ولكن دلّني/ على من ينوب/ عنك. فدلّه على ابن جامع، وقال له: عليك بغلام من بني سهم قد أخذ عنّي وعن نظرائي
__________
[1] فيء، ط، م هنا وفيما يأتي:
وكذا يشبه النبات النباتا
[2] في م: «غيلة». وفيء، ط: «عولة».
[3] في ب، س: «إسحاق»، وهو تحريف.
وتخرّج، وهو كما تحبّ. فأخذه إبراهيم معه فأقدمه بغداد؛ فهو الذي كان سبب وروده إيّاها.
نسبة ما في هذه الأخبار من الأغاني
صوت من المائة المختارة
لقد طفت سبعا قلت لمّا قضيتها ... ألا ليت هذا لا عليّ ولا ليا
يسائلني صحبي فما أعقل الّذي ... يقولون من ذكر لليلى اعترانيا
عروضه من الطويل. ذكر يحيى بن عليّ أنّ الشعر والغناء لأبي سعيد مولى فائد، وذكر غيره أنّ الشعر للمجنون. ولحنه خفيف رمل بالبنصر وهو المختار. وذكر حبش أنّ فيه لإبراهيم خفيف رمل آخر. والذي ذكر يحيى بن عليّ من أنّ الشعر لأبي سعيد مولى فائد هو الصحيح.
أخبرني عمّي عن الكرانيّ عن عيسى بن إسماعيل عن القحذميّ أنّه أنشده لأبي سعيد مولى فائد. قال عمّي:
وأنشدني هذا الشعر أيضا أحمد بن أبي طاهر عن أبي دعامة لأبي سعيد. وبعد هذين البيتين اللّذين مضيا هذه الأبيات:
إذا جئت باب الشّعب شعب ابن [1] عامر ... فأقرىء غزال الشّعب منّي سلاميا
وقل لغزال الشّعب هل أنت نازل ... بشعبك أم هل يصبح [2] القلب ثاويا
لقد زادني الحجّاج شوقا إليكم ... وقد كنت قبل اليوم للحجّ قاليا
وما نظرت عيني إلى وجه قادم ... من الحجّ إلّا بلّ دمعي ردائيا
/ في البيت الأوّل من هذه الأبيات، وهو:
إذا جئت باب الشعب شعب ابن عامر
[لحن] لابن جامع خفيف رمل عن الهشاميّ.
ومنها:
صوت
إنّ هذا الطويل من آل حفص ... نشر المجد بعد ما كان ماتا
وبناه على أساس وثيق ... وعماد قد أثبتت إثباتا
مثل ما قد بنى له أوّلوه ... وكذا يشبه البناة البناتا
__________
[1] شعب بني عامر: ماء أوّله الأبلّة، كما في «معجم ياقوت».
[2] لعل الأوجه: «أم هل تصبح» بالخطاب.
عروضه من الخفيف. الشعر والغناء لأبي سعيد مولى فائد. ولحنه رمل مطلق في مجرى البنصر عن إسحاق.
ومنها:
صوت
قدم الطويل فأشرقت لقدومه ... أرض الحجاز وبان في الأشجار
إنّ الطويل من آل حفص فاعلموا ... ساد الحضور وساد في الأسفار
الشعر والغناء لأبي سعيد.
ومنها:
صوت
أيّها الطالب الذي يخبط الأر ... ض دع الناس أجمعين وراكا/
وأت هذا الطويل من آل حفص ... إن تخوّفت عيلة أو هلاكا
/ عروضه من الخفيف. الشعر لأبي سعيد مولى فائد، وقيل: إنّه للدّارميّ. والغناء لأبي سعيد خفيف ثقيل.
وفيه للدّارميّ ثاني ثقيل.
الطويل من آل حفص الذي عناه الشعراء في هذه الأشعار، هو عبد اللّه بن عبد الحميد بن حفص، وقيل: ابن أبي حفص بن المغيرة المخزوميّ؛ وكان ممدّحا.
مدحه لعبد اللّه بن عبد الحميد المخزومي:
فأخبرني يحيى بن عليّ بن يحيى إجازة عن أبي أيّوب المدينيّ قال حدّثنا عبد الرحمن ابن أخي الأصمعيّ عن عمّه:
أنّ عبد اللّه بن عبد الحميد المخزوميّ، كان يعطي الشعراء فيجزل، وكان موسرا، وكان سبب يساره ما صار إليه من أمّ سلمة المخزوميّة امرأة أبي العبّاس السفّاح؛ فإنّه تزوّجها بعده، فصار إليه منها مال عظيم، فكان يتسمّح به ويتفتّى [1] ويتّسع في العطايا. وكانت أمّ سلمة مائلة إليه، فأعطته ما لا يدرى ما هو، ثم إنّها اتّهمته بجارية لها فاحتجبت عنه، فلم تعد إليه حتّى مات. وكان جميل الوجه طويلا. وفيه يقول أبو سعيد مولى فائد:
إنّ هذا الطويل من آل حفص ... نشر المجد بعد ما كان ماتا
وفيه يقول الدّارميّ:
أيّها السائل الذي يخبط الأر ... ض دع الناس أجمعين وراكا
وأت هذا الطويل من آل حفص ... إنّ تخوّفت عيّلة أو هلاكا
وفيه يقول الدّارميّ أيضا:
__________
[1] يتفتى: يتسخى.
صوت
إنّ الطويل إذا حللت به ... يوما كفاك مؤونة الثّقل
/ - ويروى:
ابن الطويل إذا حللت به
وحللت في دعة وفي كنف ... رحب الفناء ومنزل سهل
غنّاه ابن عبّاد الكاتب، ولحنه من الثقيل الأوّل بالبنصر عن ابن المكّي.
غنى إبراهيم بن المهدي في المسجد:
فأمّا خبر إبراهيم بن المهديّ مع أبي سعيد مولى فائد الذي قلنا إنّه يذكر هاهنا، فأخبرني به الحسن بن عليّ قال حدّثني هارون بن محمد بن عبد الملك الزيّات قال حدّثني القطرانيّ المغنّي قال حدّثني ابن جبر قال:
سمعت إبراهيم بن المهديّ يقول: كنت بمكة في المسجد الحرام، فإذا شيخ قد طلع وقد قلب إحدى نعليه على الأخرى وقام يصلّي؛ فسألت عنه فقيل لي: هذا أبو سعيد مولى فائد. فقلت لبعض الغلمان: احصبه فحصبه؛ فأقبل عليه وقال: ما يظنّ أحدكم إذا دخل المسجد إلّا أنّه له. فقلت للغلام: قل له: يقول لك مولاي: ابلغني؛ فقال ذلك له. فقال له أبو سعيد: من مولاك حفظه اللّه؟ قال: مولاي إبراهيم بن المهديّ، فمن أنت؟ قال: أنا أبو سعيد مولى فائد؛ وقام فجلس بين يديّ، وقال: لا واللّه - بأبي أنت وأمّي - ما عرفتك! فقلت: لا عليك! أخبرني عن هذا الصوت:
أفاض المدامع قتلى كدى [1] ... وقتلى بكثوة [2] لم ترمس
/ قال: هو لي. قلت: وربّ هذه البنيّة لا تبرح حتى تغنيه. قال: وربّ هذه البنيّة لا تبرح حتّى تسمعه. قال:
ثم قلب إحدى نعليه وأخذ بعقب الأخرى، وجعل يقرع بحرفها على/ الأخرى ويغنّيه حتّى أتى عليه، فأخذته منه.
قال ابن جبر: وأخذته أنا من إبراهيم بن المهديّ.
ردّ محمد بن عمران القاضي شهادته ثم قبلها وصار يذهب إليه لسماعها:
أخبرني رضوان بن أحمد الصّيدلانيّ قال حدّثنا يوسف بن إبراهيم قال حدّثني أبو إسحاق إبراهيم بن المهديّ قال حدّثني دنية [3] المدنيّ صاحب العبّاسة بنت المهديّ، وكان آدب من قدم علينا من أهل الحجاز:
أنّ أبا سعيد مولى فائد حضر مجلس محمد بن عمران التّيميّ قاضي المدينة لأبي جعفر، وكان مقدّما لأبي سعيد. فقال له ابن عمران التيميّ: يا أبا سعيد أنت القائل:
__________
[1] كذا في أكثر الأصول. وكدى (بالضم والقصر): موضع بأسفل مكة عند ذي طوى بقرب شعب الشافعيين، وكدى (منقوصة كفتى):
ثنية بالطائف. وفي ح كداء (كسماء): اسم لعرفات أو جبل بأعلى مكة. والشاعر يريد موضعا بعينه من هذه المواضع كانت به وقعة وقتلى، وكل منها يحتمله وزن الشعر.
[2] كثوة (بالضم) بموضع.
[3] كذا في ب، س. وفي ح: «دينه المدني» بتقديم الياء المثناة على النون. وقد ورد فيء، ط هكذا: «دينه المدييني» بدون نقط.
لقد طفت سبعا قلت لمّا قضيتها ... ألا ليت هذا لا عليّ ولا ليا
فقال: إي لعمر أبيك، وإني لأدمجه إدماجا من لؤلؤ. فردّ محمد بن عمران شهادته في ذلك المجلس. وقام أبو سعيد من مجلسه مغضبا وحلف ألّا يشهد عنده أبدا. فأنكر أهل المدينة على ابن عمران ردّه شهادته، وقالوا:
عرّضت حقوقنا للتّوى [1] وأموالنا للتلف؛ لأنا كنّا نشهد هذا الرجل لعلمنا بما كنت عليه والقضاة قبلك من الثقة به وتقديمه وتعديله. فندم ابن عمران بعد ذلك على ردّ شهادته، ووجّه إليه يسأله حضور [2] مجلسه والشهادة عنده ليقضي بشهادته؛ فامتنع، وذكر أنه لا يقدر على/ حضور مجلسه ليمين لزمته إن حضره حنث. قال: فكان ابن عمران بعد ذلك، إذا ادّعى أحد عنده شهادة أبي سعيد، صار إليه إلى منزله أو مكانه من المسجد حتّى يسمع منه ويسأله عما يشهد به فيخبره. وكان محمد بن عمران كثير اللّحم، عظيم البطن. كبير العجيزة، صغير القدمين، دقيق الساقين، يشتدّ عليه المشي، فكان كثيرا ما يقول: لقد أتعبني هذا الصوت «لقد طفت سبعا» وأضرّ بي ضررا طويلا شديدا. وأنا رجل ثقال، بتردّدي إلى أبي سعيد لأسمع شهادته.
ردّ المطلب بن حنطب شهادته فقال له شعرا فقلها:
أخبرني عمّي قال حدّثنا الكرانيّ قال حدّثنا النّضر بن عمرو عن الهيثم بن عديّ قال:
كان المطّلب بن عبد اللّه بن حنطب قاضيا على مكة، فشهد عنده أبو سعيد مولى فائد بشهادة؛ فقال له المطّلب: [ويحك!] [3] ألست الدي يقول:
لقد طفت سبعا قلت لمّا قضيتها ... ألا ليت هذا لا عليّ ولا ليا
لا قبلت لك شهادة أبدا. فقال له أبو سعيد: أنا واللّه الذي أقول:
كأنّ وجوه الحنطبيّين [4] في الدّجى ... قناديل تسقيها السّليط [5] الهياكل
فقال الحنطبيّ: إنّك ما علمتك إلّا دبّابا حول البيت في الظّلم، مدمنا للطّواف به في الليل والنهار؛ وقبل شهادته.
نسبة الصوت المذكور قبل هذا، الذي في حديث إبراهيم بن المهديّ وخبره
صوت
أفاض المدامع قتلي كدى ... وقتلي بكثوة لم ترمس
__________
[1] كذا في ب، ح، س. والتوى (وزان الحصى، وقد يمدّكما في «المصباح»): الهلاك. وفي سائر الأصول: «الثوى» بالثاء المثلثة، وهو تصحيف.
[2] كذا فيء، ط. وفي سائر النسخ: «يسأله حضور الشهادة في مجلسه ليقضي بشهادته إلخ».
[3] زيادة عن م.
[4] الحنطبيون: بطن من مخزوم، ينسبون إلى حنطب بن الحارث بن عبيد بن عمر بن مخزوم القرشي الصحابي.
[5] السليط: الزيت وكل دهن عصر من حب.
وقتلي بوجّ [1] وباللّابتي ... ن من [2] يثرب خير ما أنفس
وبالزّابيين نفوس [3] ثوت ... وأخرى بنهر أبي فطرس [4]
أولئك قومي أناخت بهم ... نوائب من زمن متعس
إذا ركبوا زيّنوا الموكبين ... وإن جلسوا الزّين في المجلس
/ هم أضرعوني لريب الزّمان ... وهم ألصقوا الرّغم [5] بالمعطس
عروضه من المتقارب. الشعر للعبليّ، واسمه عبد اللّه بن عمر [6]، ويكنّى أبا عديّ، وله أخبار تذكر مفردة في موضعها إن شاء اللّه. والغناء لأبي سعيد مولى فائد، ولحنه من الثقيل الثاني بالسبّابة في مجرى البنصر. وقصيدة العبليّ أوّلها:
/تقول أمامة لمّا رأت ... نشوزي عن المضجع الأنفس
أنشد عبد اللّه بن عمر العبلي عبد اللّه بن حسن شعره في رثاء قومه فبكى:
نسخت من كتاب الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير بن بكّار، وأخبرني الأخفش عن المبرّد عن المغيرة بن محمد المهلّبيّ عن الزّبير عن سليمان بن عيّاش [7] السّعديّ قال:
جاء عبد اللّه بن عمر العبليّ إلى سويقة [8] وهو طريد بني العبّاس؛ وذلك بعقب [9] أيّام بني أميّة وابتداء خروج ملكهم إلى بني العبّاس، فقصد عبد اللّه وحسنا ابني الحسن بن حسن بسويقة؛ فاستنشده عبد اللّه بن حسن شيئا من شعره فأنشده؛ فقال له: أريد أن تنشدني شيئا مما رثيت به قومك [10]؛ فأنشده قوله:
تقول أمامة لمّا رأت ... نشوزي عن المضجع الأنفس
وقلّة نومي على مضجعي ... لدى هجعة الأعين النّعّس
__________
[1] وج: اسم واد بالطائف.
[2] اللابتان: تثنية لابة وهي الحرّة، وهما حرتان تكتنفان المدينة. وفي الحديث: أن النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم حرّم ما بين لابتيها، يعني المدينة.
والحرّة: أرض ذات حجارة نخرة سود كأنها أحرقت بالنار.
[3] الزابيان: تثنية زاب، وربما قيل فيه: «زابي» (بياء في آخره) فيثني على «زابيين». وهو اسم لروافد كثيرة. ولعل الشاعر يريد الزاب الأعلى الذي بين الموصل وإربل. وفيه كانت وقعة بين مروان الحمار بن محمد وبني العباس؛ أو الزاب الأسفل وبينه وبين الزاب الأعلى مسيرة يومين أو ثلاثة، وعليه كان مقتل عبيد اللّه بن زياد وهو من بني أمية. (انظر «معجم ياقوت»).
[4] كذا في ح، م. ونهر أبي فطرس: نهر قرب الرملة من أرض فلسطين على اثني عشر ميلا من الرملة، ومخرجه من أعين في الحبل المتصل بنابلس، ويصب في البحر الملح بين يدي مدينتي أرسوف ويافا؛ وبه كانت الوقعة التي بين عبد اللّه بن علي بن عبد اللّه بن العباس وبين بني أمية، فقتلهم في سنة 132 ه. وفي سائر الأصول: «نهر أبي بطرس» بالباء الموحدة، وهو تحريف.
[5] الرغم (مثلث الراء): التراب. والمعطس (كمجلس ومقعد): الأنف.
[6] فيء، ط، م: «عمرو». وهو تحريف.
[7] كذا في س، م. وفي سائر الأصول: «عباس».
[8] سويقة: موضع قرب المدينة يسكنه آل عليّ بن أبي طالب.
[9] كذا فيء، ط. وفي سائر النسخ: «بعقب آخر أيام بني أمية إلخ».
[10] فيء، ط، م: «بني أمية».
أبي ما عراك؟ فقلت الهموم ... عرون [1] أباك فلا تبلسي [2]
عرون أباك فحبّسنه ... من الذّلّ في شرّ ما محبس
لفقد الأحبّة إذ نالها ... سهام من الحدث المبئس [3]
رمتها المنون بلا نكّل ... ولا طائشات ولا نكّس
بأسهمها المتلفات النفوس ... متى ما تصب مهجة تخلس
فصرّعنهم في نواحي البلاد ... ملقّى بأرض ولم يرسس [4] /
تقيّ [5] أصيب وأثوابه ... من العيب والعار لم تدنس
وآخر قد دسّ في حفرة ... وآخر قد طار لم يحسس
إذا عنّ ذكرهم لم ينم ... أبوك وأوحش في المجلس
فذاك الذي غالني [6] فاعلمي ... ولا تسألي بامرىء متعس
أذلّوا قناتي لمن رامها ... وقد ألصقوا الرّغم بالمعطس
قال: فرأيت عبد اللّه بن حسن وإنّ دموعه لتجري على خدّه.
غنى الرشيد وكان مغضبا فسكن غضبه:
وقد أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا أحمد بن الحارث الخرّاز [7] عن المدائنيّ عن إبراهيم بن رباح قال:
عمّر أبو سعيد بن أبي سنّة مولى بني أميّة وهو مولى فائد مولى عمرو بن عثمان إلى أيّام الرشيد؛ فلمّا حجّ أحضره فقال: أنشدني قصيدتك:
تقول أمامة لمّا رأت
فاندفع فغنّاه قبل أن ينشده الشعر لحنه في أبيات منها، أوّلها:
أفاض المدامع قتلى كدى
وكان الرشيد مغضبا فسكن غضبه وطرب، فقال: أنشدني القصيدة. فقال: يا أمير المؤمنين، كان القوم مواليّ
__________
[1] فيء، ط، م: «عرين» وعراه يعريه ويعروه (من بابي ضرب ونصر): غشيه.
[2] لا تبلسي: لا تحزني.
[3] في ح: «الحدث الموئس».
[4] في م: «ترمس» وصوابه: «يرمس» بالياء. والرمس والرس: الدفن. وفي الحادي عشر (ص 298 من هذه الطبعة):
فصرعاهم في نواحي البلا ... د تلقى بأرض ولم ترمس
[5] في م: «نقيّ».
[6] في ح: «عالني».
[7] انظر الحاشية رقم 2 ص 277 من الجزء الثالث من هذا الكتاب.
وأنعموا عليّ، فرثيتهم [1] ولم أهج أحدا؛ فتركه.
كان ابن الأعرابي ينشد شعر العبلي فصحّفه فردّه أبو هفان:
أخبرني محمد بن يحيى قال حدّثنا الحزنبل قال:
كنّا عند ابن/ الأعرابيّ وحضر معنا أبو هفان [2]، فأنشدنا ابن الأعرابيّ عمن أنشده قال: قال ابن أبي سبة العبليّ [3]:
أفاض المدامع قتلى كذا ... وقتلى بكبوة لم ترمس
فغمز أبو هفّان رجلا وقال له: قل له: ما معنى «كذا»؟ قال: يريد كثرتهم. فلمّا قمنا قال لي أبو هفّان:
أسمعت إلى هذا المعجب الرّقيع! صحّف اسم الرجل، هو ابن أبي سنّة، فقال: ابن أبي سبّة؛ وصحّف في بيت واحد موضعين، فقال: «قتلى كذا» وهو كدى، و «قتلى بكبوة» وهو بكثوة. وأغلظ عليّ من هذا أنه يفسّر تصحيفه بوجه وقاح. وهذا الشعر الذي غنّاه أبو سعيد يقوله أبو عديّ عبد اللّه بن عمر العبليّ فيمن قتله عبد اللّه بن عليّ بنهر أبي فطرس أبو العبّاس السفّاح أمير المؤمنين بعدهم من بني أميّة. وخبرهم والوقائع التي كانت بينهم مشهورة يطول ذكرها جدّا. ونذكر هاهنا ما يستحسن منها.
__________
[1] يلاحظ هنا أن أبا الفرج قد نسب قصيدة:
تقول أمامة لما رأت
لأبي سعيد بن أبي سنة، مع أنه في الخبر الذي تقدّمه نسبها لعبد اللّه بن عمر العبليّ، وسينسبها إليه بعد أسطر، كما نسبها إليه أيضا في ترجمته الخاصة به في (ج 11 ص 293 - 309 من هذه الطبعة).
[2] أبو هفان: كنية عبد اللّه بن أحمد الهزمي، كما في «معجم ياقوت» في كلامه على «كثوة».
[3] كذا في جميع الأصول. ويلاحظ أن «العبليّ» ليس نسبة لأبي سنة، وإنما هو نسبة لأبي عديّ عبد اللّه بن عمر صاحب هذا الشعر، كما سيذكره المؤلف في هذا الخبر بعد قليل.
51 - [ذكر [1] من قتل أبو العبّاس السفّاح من بني اميّة]
مقتل مروان بن محمد وظفر عبد الصمد بن علي برأسه:
أخبرني محمد بن يحيى قال حدّثني مسبّح بن حاتم العكليّ [2] قال حدّثني الجهم بن السّبّاق عن صالح بن ميمون مولى عبد الصمد بن عليّ، قال:
لمّا استمرّت الهزيمة بمروان، أقام عبد اللّه بن عليّ بالرّقّة، وأنفذ أخاه عبد الصمد في طلبه فصار إلى دمشق، وأتبعه جيشا عليهم أبو إسماعيل عامر الطويل من قوّاد خراسان، فلحقه وقد جاز مصر في قرية تدعى بوصير [3]، فقتله، وذلك يوم الأحد ثلاث بقين من ذي الحجّة، ووجّه برأسه إلى عبد اللّه بن عليّ، فأنفذه عبد اللّه بن عليّ إلى أبي العباس. فلمّا وضع بين يديه خرّ للّه ساجدا، ثم رفع رأسه وقال: الحمد للّه الذي أظهرني عليك وأظفرن بك ولم يبق ثاري قبلك وقبل رهطك أعداء الدّين؛ ثم تمثّل قول ذي الإصبع العدوانيّ:
لو [4] يشربون دمي لم يرو شاربهم ... ولا دماؤهم للغيظ ترويني
أتى عبد اللّه بن علي ابن مسلمة بن عبد الملك فأبى وقاتل حتى قتل:
أخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدّثني محمد بن يزيد قال:
نظر عبد اللّه بن عليّ إلى فتى عليه أبّهة الشّرف وهو يقاتل مستنتلا [5]، فناداه: يا فتى، لك الأمان ولو كنت مروان بن محمد. فقال: إلّا أكنه فلست بدونه. قال: فلك الأمان من كنت. فأطرق ثم قال:
/أذلّ الحياة وكره الممات ... وكلّا أرى لك شرّا وبيلا
- ويروى:
وكلّا أراه طعاما وبيلا
__________
[1] زيادة عن ب، س.
[2] في م: «مسبح بن حاتم العتكي».
[3] هي بوصير قوريدس من أعمال الفيوم التي قتل بها مروان المذكور، كما في «تقويم البلدان» لأبي الفدا إسماعيل (ص 107 طبع أوروبا و «معجم البلدان» لياقوت في كلامه على «بوصير». وفي كتاب «ولاة مصر وقضائها» للكندي (ص 96 طبع بيروت) أنه «قتل ببوصير من كورة الأشمونين يوم الجمعة لسبع بقين من ذي الحجة سنة اثنتين وثلاثين ومائة». وكورة الأشمونين من كور الصعيد الأدنى غربي النيل كما في «معجم ياقوت». وفي «النجوم الزاهرة» (ج 1 ص 317 طبع دار الكتب المصرية) أنه قتل ببوصير بالجيزة.
[4] ورد هذا البيت في «الأمالي» (ج 1 ص 256 طبع دار الكتب المصرية). في قصيدة ذي الإصبع العدوانيّ هكذا:
لو تشربون دمي لم يرو شاربكم ... ولا دماؤكم جمعا تروّيني
[5] كذا في س. والمستنتل: الخارج من الصف المتقدم على أصحابه. وفي سائر الأصول: «مستقتلا».
فإن لم يكن غير إحداهما ... فسيرا إلى الموت سيرا جميلا
ثم قاتل حتى قتل. قال: فإذا هو ابن مسلمة [1] بن عبد الملك بن مروان.
اجتمع عند السفاح جماعة من بني أمية فأنشده سديف شعرا يغريه بهم فقتلهم وكتب إلى عماله بقتلهم:
أخبرني عمّي قال حدّثني محمد بن سعد الكرانيّ قال حدّثني النّضر بن عمرو عن المعيطيّ، وأخبرنا محمد بن خلف وكيع قال قال أبو السائب سلّم بن جنادة السّوائيّ [2] سمعت أبا نعيم الفضل بن دكين يقول:
دخل سديف - وهو مولى لآل أبي لهب - على أبي العبّاس بالحيرة. هكذا قال وكيع. وقال الكرانيّ في خبره واللفظ له: كان أبو العبّاس جالسا في مجلسه على سريره وبنو هاشم دونه/ على الكراسيّ، وبنو أميّة على الوسائد قد ثنيت لهم، وكانوا في أيّام دولتهم يجلسون هم والخلفاء منهم على السرير، ويجلس بنو هاشم على الكراسيّ؛ فدخل الحاجب فقال: يا أمير المؤمنين، بالباب رجل حجازيّ أسود راكب على نجيب متلثّم يستأذن ولا يحبر باسمه، ويحلف ألّا يحسر اللّثام عن وجهه حتّى يراك. قال: هذا مولاي سديف، يدخل، فدخل. فلمّا نظر إلى أبي العبّاس وبنو أميّة حوله، حدر اللّثام عن وجهه وأنشأ يقول [3]:
/أصبح الملك ثابت الآساس ... بالبهاليل [4] من بني العبّاس
بالصدور المقدّمين قديما ... والرّؤوس القماقم الرّؤاس [5]
يا أمير المطّهرين من الذّمّ ويا رأس منتهى كلّ راس
أنت مهديّ هاشم وهداها ... كم أناس رجوك بعد إياس [6]
لا تقيلنّ بعد شمس عثارا ... واقطعن كلّ رقلة [7] وغراس
أنزلوها بحيث أنزلها اللّه بدار الهوان والإتعاس
__________
[1] في «النجوم الزاهرة» (ج 1 ص 258 طبع دار الكتب المصرية) بعد ذكر هذين البيتين: «فإذا هو ابن عبد الملك، وقيل: ابن لمسلمة بن عبد الملك بن مروان بن الحكم».
[2] السوائيّ (بالضم والتخفيف والهمز): نسبة إلى سواءة بن عامر بن صعصعة.
[3] اتفق «الكامل» للمبرد (ص 707 طبع أوروبا) «و العقد الفريد» (ج 2 ص 356 طبع مصر) على أن قائل هذا الشعر هو شبل بن عبد اللّه مولى بني هاشم. ويؤكد هذا الشعر نفسه؛ إذ يقول فيه، على رواية،:
نعم شبل الهراش مولاك شبل ... لو نجا من حبائل الإفلاس
واتفقا أيضا على أن شعر سديف هو:
لا يغرّنك ما ترى من أناس ... إن تحت الضلوع داء دويا
فضع السيف وارفع السوط حتى ... لا ترى فوق ظهرها أمويا
واختلفا فيمن أنشد بين يديه هذا الشعر؛ ففي «العقد الفريد» أنه أبو العباس السفاح، وفي «الكامل» أنه عبد اللّه بن عليّ.
[4] البهاليل: جمع بهلول وهو العزيز الجامع لكل خير، أو هو الحيّ الكريم.
[5] الرؤاس: الولاة والحكام.
[6] فيء، ط:
كم أناس رجوك بعد أناس
[7] الرقلة: النخلة الطويلة التي تفوت اليد.
خوفهم أظهر التّودّد منهم ... وبهم منكم كحزّ المواسي
أقصهم أيّها الخليفة واحسم ... عنك بالسّيف شأفة الأرجاس
واذكرن [1] مصرع الحسين وزيد [2] ... وقتيل [3] بجانب المهراس [4]
والإمام [5] الذي بحرّان أمسى ... رهن قبر في غربة وتناسي
فلقد ساءني وساء سوائي ... قربهم من نمارق وكراسي
نعم كلب [6] الهراش مولاك لو لا ... أود [7] من حبائل الإفلاس
/ فتغيّر لون أبي العبّاس وأخذه زمع [8] ورعدة؛ فالتفت بعض ولد سليمان بن عبد الملك إلى رجل منهم، وكان إلى جنبه، فقال: قتلنا واللّه العبد. ثم أقبل أبو العبّاس عليهم فقال: يا بني الفواعل، أرى قتلاكم من أهلي قد سلفوا وأنتم أحياء تتلذّذون في الدنيا! خذوهم! فأخذتهم الخراسانيّة بالكافر [9] كوبات، فأهمدوا، إلّا ما كان من عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز فإنّه استجار بداود بن عليّ وقال له: إنّ أبي لم يكن كآبائهم وقد علمت صنيعته إليكم؛ فأجاره واستوهبه من السفّاح، وقال له: قد علمت يا أمير المؤمنين صنيع أبيه إلينا. فوهبه له وقال له: لا تريني وجهه، وليكن بحيث تأمنه؛ وكتب إلى عمّاله في النواحي بقتل بني أميّة.
سبب قتل السفاح لبني أمية وتشفيه فيهم:
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثني أحمد بن سعيد الدّمشقيّ قال حدّثنا الزّبير بن بكّار عن عمّه:
أنّ سبب قتل بني أمية: أنّ السفاح أنشد قصيدة مدح بها، فأقبل على بعضهم فقال: أين هذا مما مدحتم به! فقال: هيهات! لا يقول واللّه أحد فيكم مثل قول ابن قيس الرّقيّات فينا:
ما نقموا من بني أميّة إلّا أنّهم يحلمون إن غضبوا
وأنّهم معدن الملوك ولا ... تصلح إلّا عليهم العرب
فقال له: يا ماصّ كذا من أمّه! أو إنّ الخلافة لفي نفسك بعد! خذوهم! فأخذوا فقتلوا.
__________
[1] في «الكامل»: «و اذكروا».
[2] هو زيد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب، قتل في أيام هشام بن عبد الملك.
[3] كذا فيء، ط، م. وفي سائر النسخ: «و قتيلا». ويعني به حمزة بن عبد المطلب، قتله يوم أحد وحشيّ غلام جبير بن مطعم.
[4] المهراس فيما ذكر المبرد: ماء بأحد؛ روي أن النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم عطش يوم أحد فجاءه عليّ في درقة بماء من المهراس، فعافه وغسل به الدم عن وجهه. قال المبرد في «الكامل»: وإنما نسب شبل قتل حمزة إلى بني أمية لأن أبا سفيان بن حرب كان قائد الناس يوم أحد.
[5] الإمام الذي بحرّان: هو إبراهيم الإمام رأس الدعوة العباسية، وقد قتله مروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية صبرا.
[6] في «الكامل» «و العقد الفريد»:
نعم شبل الهراش مولاك شبل ... لو نجا من حبائل الإفلاس
[7] الأود هنا: الكد والتعب والجهد.
[8] الزمع: شبه الرعدة تأخذ الإنسان.
[9] في ح: «بالكفر كربات». ولعله اسم أعجميّ لآلات يضرب بها كالعمد وغيرها.
بسط السفاح على قتلاهم بساطا تغدى عليه وهم يضطربون تحته:
أخبرني عمّي عن الكرانيّ عن النّضر بن عمرو عن المعيطيّ:
/ أنّ أبا العباس دعا بالغداء/ حين قتلوا، وأمر ببساط فبسط عليهم، وجلس فوقه يأكل وهم يضطربون تحته.
فلمّا فرغ من الأكل قال: ما أعلمني أكلت أكلة قطّ أهنأ ولا أطيب لنفسي منها. فلمّا فرغ قال: جرّوا بأرجلهم؛ فألقوا في الطريق يلعنهم الناس أمواتا كما لعنوهم أحياء. قال: فرأيت الكلاب تجرّ بأرجلهم وعليهم سراويلات الوشى حتى أنتنوا؛ ثم حفرت لهم بئر فألقوا فيها.
أنشد ابن هرمة داود بن علي شعرا فأوغر صدره على بعض أمويين في مجلسه:
أخبرني عمر بن عبد اللّه بن جميل العتكيّ قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثني محمد بن معن الغفاريّ عن أبيه قال:
لمّا أقبل داود بن عليّ من مكة أقبل معه بنو حسن جميعا وحسين بن عليّ بن حسين وعليّ بن عمر [1] بن عليّ بن حسين وجعفر بن محمد والأرقط محمد بن عبد اللّه وحسين بن زيد ومحمد بن عبد اللّه بن عمرو بن عثمان وعبد اللّه بن عنبسة بن سعيد بن العاصي وعروة وسعيد ابنا خالد بن سعيد بن عمرو بن عثمان، فعمل لداود مجلس بالرّويثة [2]؛ فجلس عليه هو والهاشميّون، وجلس الأمويّون تحتهم؛ فأنشده إبراهيم بن هرمة قصيدة يقول فيها.
فلا عفا اللّه عن مروان مظلمة ... ولا أميّة بئس المجلس النّادي [3]
كانوا كعاد فأمسى اللّه أهلكهم ... بمثل ما أهلك الغاوين من عاد
فلن يكذّبني من هاشم أحد ... فيما أقول ولو أكثرت تعدادي
/ قال: فنبذ داود نحو ابن عنبسة ضحكة كالكشرة. فلمّا قام قال عبد اللّه [ابن حسن] [4] لأخيه حسن: أما رأيت ضحكته إلى ابن عنبسة! الحمد للّه الذي صرفها عن أخي [5] (يعني العثمانيّ)، قال: فما هو إلّا أن قدم [6] المدينة حتّى قتل ابن عنبسة.
استحلف عبد اللّه بن حسن داود بن علي ألا يقتل أخويه محمدا والقاسم:
قال محمد بن معن حدّثني محمد بن عبد اللّه بن عمرو بن عثمان قال:
استحلف أخي عبد اللّه بن حسن داود بن عليّ، وقد حجّ معه سنة اثنتين وثلاثين ومائة، بطلاق امرأته مليكة بنت داود بن حسن ألّا يقتل أخويه محمدا والقاسم ابني عبد اللّه. قال: فكنت أختلف إليه آمنا وهو يقتل بني أميّة،
__________
[1] كذا في ط، م، وهو الموافق لما في الطبري (قسم 3 ص 191 طبع أوروبا). وفي ء: «على بن عمرو بن علي بن حسين». وفي سائر الأصول: «علي بن محمد بن علي بن حسين»، وهما تحريف.
[2] الرويثة: موضع على ليلة من المدينة.
[3] في ب، س، م: «البادي» بالباء الموحدة.
[4] زيادة عن ح.
[5] هو أخوه لامّه، كما ذكر ذلك في كتب التاريخ.
[6] في ب، س: «فما هو إلا أنه ما قدم المدينة إلخ».
وكان يكره أن يراني أهل خراسان ولا يستطيع إليّ سبيلا ليمينه. فاستدناني يوما فدنوت منه، فقال: ما أكثر الغفلة وأقلّ الحزمة! فأخبرت بها عبد اللّه بن حسن؛ فقال: يابن أمّ، تغيّب عن الرجل؛ فتغيّبت عنه حتّى مات.
أنشد سديف السفاح شعرا وعنده رجال من بني أمية فأمر بقتلهم:
أخبرني الحسن بن عليّ ومحمد بن يحيى قالا حدّثنا الحارث بن أبي أسامة قال حدّثني إسماعيل بن إبراهيم عن الهيثم بن بشر مولى محمد بن عليّ قال:
أنشد سديف أبا العبّاس، وعنده رجال من بني أميّة، قوله:
يا بن عمّ النبيّ أنت ضياء ... استبنّا بك اليقين الجليّا
فلمّا بلغ قوله:
جرّد السّيف وارفع العفو حتّى ... لا ترى فوق ظهرها أمويا
لا يغرّنك ما ترى من رجال ... إنّ تحت الضّلوع داء دويا
بطن البغض في القديم فأضحى ... ثاويا في قلوبهم مطويا
/ وهي طويلة، قال [1]: يا سديف، خلق الإنسان من عجل، ثم قال:
أحيا الضغائن آباء لنا سلفوا ... فلن تبيد وللآباء أبناء
/ ثم أمر بمن عنده منهم فقتلوا.
حضر سليمان بن علي جماعة من بني أمية فأمر بقتلهم:
أخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن عمّار قال حدّثني عليّ بن محمد بن سليمان النّوفليّ عن أبيه عن عمومته:
أنّهم حضروا سليمان بن عليّ بالبصرة، وقد حضره جماعة من بني أميّة عليهم الثّياب الموشيّة المرتفعة، فكأنّي أنظر إلى أحدهم وقد اسودّ شيب في عارضيه من الغالية [2]، فأمر بهم فقتلوا وجرّوا بأرجلهم، فألقوا على الطريق، وإنّ عليهم لسراويلات الوشي والكلاب تجرّ بأرجلهم.
وفد عمرو بن معاوية على سليمان بن علي يسأله الأمان فأجابه «إليه»:
أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثني محمد بن عبد اللّه بن عمرو [3] قال أخبرني طارق بن المبارك عن أبيه قال:
جاءني رسول عمرو بن معاوية بن عمرو بن عتبة، فقال لي: يقول لك عمرو: قد جاءت هذه الدولة وأنا حديث السنّ كثير العيال منتشر المال، فما أكون في قبيلة إلّا شهر أمري وعرفت، وقد اعتزمت على أن أفدي حرمي بنفسي؛ وأنا صائر إلى باب الأمير سليمان بن عليّ، فصر إليّ. فوافيته فإذا عليه طيلسان مطبق أبيض وسراويل وشي
__________
[1] في الأصول: «فقال».
[2] الغالية: ضرب من الطيب.
[3] في ح، م: «محمد بن عبد اللّه بن عمر».
مسدول، فقلت: يا سبحان اللّه! ما تصنع الحداثة بأهلها! أبهذا اللباس تلقى هؤلاء القوم لما تريد لقاءهم فيه! فقال:
لا واللّه، ولكنّه ليس عندي ثوب إلّا أشهر مما [1] ترى. فأعطيته طيلساني وأخذت طيلسانه ولويت سراويله إلى/ ركبتيه؛ فدخل ثم خرج مسرورا. فقلت له: حدّثني ما جرى بينك وبين الأمير. قال: دخلت عليه ولم نتراء قطّ، فقلت: أصلح اللّه الأمير! لفظتني البلاد إليك، ودلّني فضلك عليك؛ فإمّا قتلتني غانما، وإمّا رددتني سالما. فقال:
ومن أنت؟ ما أعرفك؛ فانتسبت له. فقال: مرحبا بك، أقعد فتكلّم آمنا غانما؛ ثم أقبل عليّ فقال: ما حاجتك يابن أخي؟ فقلت: إنّ الحرم اللواتي أنت أقرب الناس إليهنّ معنا وأولى الناس بهنّ بعدنا، قد خفن لخوفنا، ومن خاف خيف عليه. فو اللّه ما أجابني إلّا بدموعه على خدّيه؛ ثم قال: يابن أخي، يحقن اللّه دمك، ويحفظك في حرمك، ويوفّر عليك مالك. وو اللّه لو أمكنني ذلك في جميع قومك لفعلت، فكن متواريا كظاهر، وآمنا كخائف، ولتأتني رقاعك. قال: فكنت واللّه أكتب إليه كما يكتب الرجل إلى أبيه وعمّه. قال: فلمّا فرغ من الحديث رددت عليه طيلسانه؛ فقال: مهلا [2]، فإنّ ثيابنا إذا فارقتنا لن ترجع إلينا.
شعر لسديف في تحريض السفاح على بني أمية:
أخبرني [أحمد بن عبد اللّه قال حدّثنا] [3] أحمد بن عبد العزيز قال حدّثنا عمر بن شبّة قال:
قال سديف لأبي العبّاس يحضّه على بني أميّة ويذكر من قتل مروان وبنو أميّة من قومه:
كيف بالعفو عنهم وقديما ... قتلوكم وهتّكوا الحرمات
أين زيد وأين يحيى بن زيد ... يا لها من مصيبة وترات
والإمام الذي أصيب بحرّا ... نّ إمام الهدى ورأس الثّقات
قتلوا [4] آل أحمد لا عفا الذّن ... ب لمروان غافر السّيّئات
شعر لرجل من شيعة بني العباس في التحريض على بني أمية:
أخبرني عليّ بن سليمان الأخفش قال:
أنشدني محمد بن يزيد لرجل من شيعة بني العبّاس يحرّضهم على بني أميّة:
إيّاكم أن تلينوا [5] لاعتذارهم ... فليس ذلك إلّا الخوف والطّمع
/ لو أنّهم أمنوا أبدوا عداوتهم ... لكنّهم قمعوا بالذلّ فانقمعوا
أليس في ألف شهر قد مضت لهم ... سقوكم جرعا من بعدها جرع
__________
[1] كذا فيء، ط، م. وفي سائر النسخ: «إلا أشهر من هذه».
[2] كذا فيء، ط، م. وفي سائر النسخ: «مه».
[3] زيادة عن س، م.
[4] في ح:
قتلوا آل أحمد لا عفا اللّ ... ه لمروان سافر السيئات
[5] في ح. «تنيبوا». وفي م:
إياكم أن بليتوا الاعتذار لكم
حتّى إذا ما انقضت أيّام مدّتهم ... متّوا إليكم بالأرحام التي قطعوا
هيهات لا بدّ أن يسقوا بكأسهم ... ريّا وأن يحصدوا الزّرع الذي زرعوا
إنّا وإخواننا الأنصار شيعتكم ... إذا تفرّقت الأهواء والشّيع
إيّاكم أن يقول الناس إنّهم ... قد ملّكوا ثم ما ضرّوا ولا نفعوا
رواية أخرى في تحريض سديف للسفاح:
وذكر ابن المعتزّ: أنّ جعفر بن إبراهيم حدّثه عن إسحاق بن منصور عن أبي الخصيب في قصّة سديف بمثل ما ذكره الكرانيّ عن النضر بن عمرو عن المعيطيّ، إلّا أنّه قال فيها:
فلمّا أنشده ذلك التفت إليه أبو الغمر سليمان بن هشام فقال: يا ماصّ بظر أمّه! أتجبهنا بهذا ونحن سروات الناس! فغضب أبو العبّاس؛ وكان سليمان بن هشام صديقه قديما وحديثا يقضي حوائجه في أيّامهم ويبرّه؛ فلم يلتفت إلى ذلك، وصاح بالخراسانيّة: خذوهم؛ فقتلوا جميعا إلّا سليمان بن هشام، فأقبل عليه السفّاح فقال: يا أبا الغمر، ما أرى لك في الحياة بعد هؤلاء خيرا. قال: لا واللّه. فقال: اقتلوه، وكان إلى جنبه، فقتل؛ وصلبوا في بستانه، حتى تأذّى جلساؤه بروائحهم، فكلّموه في ذلك، فقال: واللّه لهذا ألذّ عندي من شمّ المسك والعنبر، غيظا عليهم وحنقا.
نسبة ما في هذه الأخبار من الغناء
صوت
أصبح الدّين [1] ثابت الآساس ... بالبهاليل من بني العبّاس
بالصّدور المقدّمين قديما ... والرّؤوس القماقم الرّؤّاس
عروضه من الخفيف، الشعر لسديف. والغناء لعطرّد رمل بالبنصر عن حبش. قال: وفيه لحكم الواديّ ثاني ثقيل. وفيه ثقيل أوّل مجهول.
ومما قاله أبو سعيد مولى فائد في قتلى بني أميّة وغنّى فيه:
صوت
بكيت وماذا يردّ البكاء ... وقلّ البكاء لقتلى كداء [2]
أصيبوا معا فتولّوا معا ... كذلك كانوا معا في رخاء
بكت لهم الأرض من بعدهم ... وناحت عليهم نجوم السماء
وكانوا الضياء فلمّا انقضى الزّمان بقومي تولّى الضياء
__________
[1] في م: «أصبح الملك»، وهي الرواية التي وردت فيما مرّ.
[2] وردت القافية في هذا الشعر، في «معجم ياقوت» في الكلام على كذا، بالقصر.
عروضه من المتقارب. الشعر والغناء لأبي سعيد مولى فائد، ولحنه من الثقيل الأوّل بالبنصر من رواية عمرو بن بانة وإسحاق وغيرهما.
ومما قاله فيهم وغنّى فيه على أنّه قد نسب إلى غيره:
صوت
أثّر الدهر في رجالي فقلّوا ... بعد جمع فراح عظمي مهيضا/
ما تذكّرتهم فتملك عيني ... فيض غرب وحقّ لي أن تفيضا
/ الشعر والغناء لأبي سعيد خفيف ثقيل بالوسطى عن ابن المكيّ والهشاميّ. وروى الشّيعيّ عن عمر بن شبّة عن إسحاق أنّ الشعر لسديف والغناء للغريض. ولعلّه وهم.
ومنها:
صوت
أولئك قومي بعد عزّ ومنعة ... تفانوا فإلّا تذرف العين أكمد
كأنّهم لا ناس للموت غيرهم ... وإن كان فيهم منصفا غير معتدي
الشعر والغناء لأبي سعيد. وفيه لحن لمتيّم.
ركب المأمون إلى جبل الثلج فغناه علوية بشعر ندب فيه بني أمية فسبه ثم كلم فيه فرضي:
أخبرني عبد اللّه بن الرّبيع قال حدّثنا أحمد بن إسماعيل بن إبراهيم قال حدّثني عمّي طيّاب بن إبراهيم قال:
ركب المأمون بدمشق يتصيّد حتّى بلغ جبل الثّلج، فوقف في بعض الطريق على بركة عظيمة في جوانبها أربع سروات [1] لم ير أحسن منها ولا أعظم، فنزل المأمون وجعل ينظر إلى آثار بني أميّة ويعجب منها ويذكرهم، ثم دعا بطبق عليه بزماورد [2] ورطل نبيذ؛ فقام علّويه فغنّى:
أولئك قومي بعد عزّ ومنعة ... تفانوا فإلّا تذرف العين أكمد
/ قال: فغضب المأمون وأمر برفع الطبق، وقال: يابن الزانية! ألم يكن لك وقت تبكي فيه على قومك إلّا هذا الوقت! قال: نعم أبكي عليهم! مولاكم زرياب [3] يركب معهم في مائة غلام، وأنا مولاهم معكم أموت جوعا!
__________
[1] السرو: شجر حسن الهيئة قويم الساق، واحده سروة.
[2] البزماورد: طعام يسمى لقمة القاضي، وفخذ الست، ولقمة الخليفة، وهو مصنوع من اللحم المقلي بالزبد والبيض. وفي «شفاء الغليل»: «زماورد» والعامة تقول: «بزماورد»: كلمة فارسية استعملتها العرب للرقاق الملفوف باللحم.
[3] زرياب: هو علي بن نافع المغني مولى المهدي ومعلم إبراهيم الموصلي، صار إلى الشأم ثم صار إلى المغرب إلى بني أمية، فقدم الأندلس على عبد الرحمن الأوسط سنة 136 ه فركب بنفسه لتلقيه، كما حكاه ابن خلدون. وزرياب لقب غلب عليه ببلده، لسواد لونه مع فصاحة لسانه، شبه بطائر أسود غرّاد. وكان شاعرا مطبوعا وأستاذا في الموسيقى. (انظر «شرح القاموس» مادة زرب، «و تاريخ بغداد» لابن طيفور ج 6 ص 284 طبع أوروبا).
فقام المأمون فركب وانصرف الناس، وغضب على علّويه عشرين يوما؛ فكلّمه فيه عبّاس أخو بحر؛ فرضي عنه، ووصله بعشرين ألف درهم.
صوت من المائة المختارة
مهاة لو أنّ الذّرّ تمشي ضعافه ... على متنها بضّت مدارجه دما [1]
فقلن لها قومي فديناك فاركبي ... فأومت بلالا غير أن تتكلّما [2]
عروضه من الطويل. بضّت: سالت. يقول: لو مشى الذرّ على جلدها لجرى منه الدّم من رقّته. وروى الأصمعيّ:
منعّمة لو يصبح الذّرّ ساريا ... على متنها بضّت مدارجه دما
الشعر لحميد بن ثور الهلاليّ. والغناء في اللحن المختار لفليح بن أبي العوراء، ولحنه من الثقيل الأوّل بالوسطى. وذكر عمرو بن بانة أنّ لحن فليح من خفيف الثقيل الأوّل بالوسطى، وأنّ الثقيل الأوّل للهذليّ.
/ ومما يغنّى فيه من هذه القصيدة:
صوت
إذا شئت غنّتني بأجزاع [3] بيشة ... أو النّخل من تثليث [4] أو من يلملما [5]
__________
[1] رواية «عيون الأخبار» (ج 4 ص 143 طبع دار الكتب المصرية):
على جلدها نضّت مدارجه دما
ونضّت بالنون أيضا: سالت.
[2] روارية «عيون الأخبار»:
فأومت بلالا غير ما أن تكلما
[3] كذا في ح، م. وفي سائر الأصول: «بأجراع» بالراء المهملة. وقد تقدّم تفسيرهما في الحاشية رقم 2 ص 278 من هذا الجزء.
وبيشة: اسم قرية غنّاء في واد كثير الأهل من بلاد اليمن.
[4] تثليث (بكسر اللام وياء ساكنة وثاء أخرى مثلثة): موضع بالحجاز قرب مكة.
[5] كذا بالأصول. ويلملم ويقال فيه: ألملم ويرمرم: ميقات أهل اليمن، وهو جبل على مرحلتين من مكة، وفيه مسجد معاذ بن جبل.
وورد هذا البيت في «معجم البلدان» لياقوت (ج 1 ص 487) هكذا:
إن شئت غنتني بأجزاع بيشة ... وبالرّزن من تثليث أو من بمببما
وقال: بمببم بفتحتين بوزن غشمشم: موضع أو جبل. ولم تجتمع الباء والميم في كلمة اجتماعهما في هذه الكلمة. ورواه بعضهم يبمبم. وفي «معجم ما استعجم» (ص 850):
«إذا شئت ... ... .. يبنبما»
ويبنبم (بفتح أوّله وثانيه بعده نون وباء أخرى): واد شجير قبل تثليث.
وقد ورد هذا البيت في «الكامل» للمبرد (ص 503 طبع أوروبا) كما هنا، وأشير في هامشه إلى عدّة روايات في هذا الاسم تقرب في الرسم من هذه الروايات التي ذكرناها.
مطوّقة طوقا وليس بحلية ... ولا ضرب صوّاغ بكفّيه درهما
تبكّي [1] على فرح لها ثمّ تغتدي ... مولّهة تبغي لها الدّهر مطعما
تؤمّل منه مؤنسا لانفرادها ... وتبكي عليه إن زقا أو ترنّما
/ وغنّاه محمد الرّفّ [2] خفيف رمل بالوسطى.
__________
[1] رواية «الكامل» للمبرد:
مطوّقة خطباء تسجع كلما ... دنا الصيف وانجال الربيع فأنجما
محلّاة طوق لم يكن من تميمة ... ولا ضرب صوّاغ بكفيه درهما
وأنجم: أقلع مثل انجال.
[2] في ح: «محمد الزف» بالزاي المعجمة. (انظر ما كتبناه عليه في الحاشية رقم 2 ص 306 من الجزء الأوّل من هذه الطبعة).
52 - ذكر حميد بن ثور ونسبه وأخباره
نسبه وطبقته في الشعراء:
هو حميد بن ثور بن عبد اللّه بن عامر بن أبي ربيعة بن نهيك بن هلال بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان بن مضر بن نزار. وهو من شعراء الإسلام. وقرنه ابن سلّام بنهشل بن حرّيّ وأوس [1] بن مغراء.
هو مخضرم أدرك عمر بن الخطاب:
وقد أدرك حميد بن ثور عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه، وقال الشعر في أيّامه. وقد أدرك الجاهليّة أيضا.
نهى عمر الشعراء عن التشبيب فقال شعرا:
أخبرنا وكيع قال حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد وعبد اللّه بن شبيب قالا حدّثنا إبراهيم بن المنذر الحزاميّ قال حدّثني محمد بن فضالة النحويّ قال:
تقدّم عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه إلى الشعراء ألّا يشبّب أحد بامرأة إلّا جلده. فقال حميد [2] بن ثور:
أبى اللّه إلّا أنّ سرحة [3] مالك ... على كلّ أفنان العضاه [4] تروق [5]
فقد ذهبت عرضا وما فوق طولها ... من السّرح إلّا عشّة وسحوق
- العشّة: القليلة الأغصان والورق. والسّحوق: الطويلة المفرطة - .
/فلا الظّلّ [6] من برد الضّحى تستطيعه [7] ... ولا الفيء من برد العشيّ تذوق
__________
[1] عدّه ابن سلام في الطبقة الثالثة من الشعراء الإسلاميين. أما حميد بن ثور ونهشل بن حريّ فقد عدّهما في الطبقة الرابعة من الشعراء الإسلاميين. (راجع «طبقات الشعراء» لمحمد بن سلام الجمحي ص 129، 130 طبع أوروبا).
[2] في م: «فقال حميد بن ثور وكانت له صحبة فذكر شعرا فيه».
[3] السرحة: الشجرة الطويلة، ويكنى الشعراء بها عن المرأة.
[4] العضاهة بالكسر: أعظم الشجر أو كل ذات شوك أو ما عظم منها وطال، كالعضه كعنب والعضهة كعنبسة، والجمع: عضاه وعضون وعضوات.
[5] أي تزيد عليها بحسنها وبهائها؛ من قولهم: راق فلان على فلان إذا زاد عليه فضلا.
[6] الظل: ما كان أوّل النهار إلى الزوال. والفي ء: ما كان بعد الزوال إلى الليل. فالظل غربيّ تنسخه الشمس، والفيء شرقيّ ينسخ الشمس. والبرد: من معانيه الظل والفيء. يقال: البردان والأبردان للظل والفيء، وأيضا للغداة والعشيّ. وظاهر الكلام يقتضي أن يكون المراد من «البرد» في الموضعين هنا: الظل والفيء، على أن تكون «من» بيانية.
[7] في «معجم البلدان» لياقوت في الكلام على سرحة: «تستظله».
فهل أنا إن علّلت نفسي بسرحة ... من السّرح موجود [1] عليّ طريق
وهي قصيدة طويلة أوّلها:
نأت أمّ عمر فالفؤاد مشوق ... يحنّ إليها والها ويتوق
صوت
وفيها مما يغنّى فيه:
سقى السّرحة المحلال [2] والأبرق [3] الذي ... به السّرح غيث دائم وبروق
وهل أنا إن علّلت نفسي بسرحة ... من السّرح موجود عليّ طريق
غنّاه إسحاق، ولحنه ثاني ثقيل [بالوسطى] [4].
وفد على بعض خلفاء بني أمية بشعر فوصله:
أخبرنا الحرميّ قال حدّثنا الزّبير عن عمّه قال:
وفد حميد بن ثور على بعض خلفاء بني أميّة؛ فقال له: ما جاء بك؟ فقال:
أتاك بي اللّه الذي فوق من ترى ... وخير ومعروف عليك دليل
/ ومطويّة الأقراب [5] أمّا نهارها ... فنصّ [6] وأمّا ليلها فذميل
ويطوي عليّ اللّيل حضنيه إنّني ... لذاك إذا هاب الرجال فعول
فوصله وصرفه شاكرا.
__________
[1] في «الاقتضاب» للبطليوسي (ص 459): «مأخوذ عليّ». وفي «كنايات الجوجاني» (ص 7): «مسدود عليّ». وكل مستقيم المعنى.
[2] المحلال: التي يكثر الناس الحلول بها. قال ابن سيده: وعندي أنها تحل الناس كثيرا؛ لأن مفعالا إنما هي في معنى فاعل لا في معنى مفعول.
[3] الأبرق: أرض غليظة واسعة مختلطة بحجارة ورمل. والمراد به هنا موضع بعينه.
[4] زيادة عن س، م.
[5] الأقراب: جمع قرب (بالضم وبضمتين) وهو الخاصرة، وقيل: القرب من لدن الشاكلة إلى مراقّ البطن. وفي «التهذيب»: فرس لاحق الأقراب، يجمعونه وإنما له قربان لسعته؛ كما يقال: شاة ضخمة الخواصر، وإنما لها خاصرتان. (انظر «اللسان» مادة قرب).
[6] كذا في أكثر الأصول. والنص: أقصى السير. والذميل: السير اللين. وفيء، ط: «فسبت». والسبت: ضرب من سير للإبل.
53 - أخبار فليح بن أبي العوراء
هو مولى بني مخزوم وأحد مغني الدولة العباسية:
فليح رجل من أهل مكة، مولى لبني مخزوم، ولم يقع إلينا اسم أبيه. وهو أحد مغنّي الدولة العبّاسيّة، له محلّ كبير من صناعته، وموضع جليل. وكان إسحاق إذا عدّ من سمع من المحسنين ذكره فيهم وبدأ به. وهو أحد الثلاثة الذين اختاروا المائة الصوت للرشيد.
مدح إسحاق الموصلي غناءه:
أخبرني أحمد بن جعفر جحظة قال حدّثني ابن المكّيّ عن أبيه عن إسحاق قال:
ما سمعت أحسن غناء من فليح بن أبي العوراء وابن جامع: فقلت له: فأبو إسحاق؟ (يعني أباه)؛ فقال: كان هذان لا يحسنان/ غير الغناء، وكان أبو إسحاق فيه مثلهما، ويزيد عليهما فنونا من الأدب والرواية لا يداخلانه فيها.
كان يحكي الأوائل فيصيب ويحسن:
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا يزيد بن محمد [1] المهلّبيّ قال:
قال لي إسحاق: أحسن من سمعت غناء عطرّد وفليح.
وكان [2] فليح أحد الموصوفين بحسن الغناء المسموع في أيّامه، وهو أحد من كان يحكي الأوائل فيصيب ويحسن.
أمره الرشيد بتعليم ابن صدقة صوتا له:
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثني هارون بن محمد بن عبد الملك الزيّات قال حدّثني محمد بن محمد العنبسيّ قال حدّثني محمد بن الوليد الزّبيريّ قال:
/ سمعت كثير بن المحوّل يقول: كان مغنّيان بالمدينة يقال لأحدهما فليح بن أبي العوراء، والآخر سليمان بن
__________
[1] كذا فيء، ط، م. وفي سائر النسخ: «محمد بن يزيد المهلبي» وهو خطأ.
[2] في س، م، ح، زيادة قبل هذا الخبر هي: «و قال حدّثنا هارون بن محمد بن عبد الملك الزيات قال: كان فليح أحد الموصوفين ... إلخ».
سليم؛ فخرج إليهما رسول الرشيد يقول لفليح غناؤك من حلق أبي صدقة [1] أحسن منه من حلقك، فعلّمه إيّاه - قال: وكان يغنّي صوتا يجيده، وهو:
خير ما نشربها [2] بالبكر
- قال: فقال فليح للرسول: قال له: حسبك. قال: فسمعنا ضحكه من وراء السّتارة.
كانت ترفع الستارة بينه وبين المهدي دون سائر المغنين:
أخبرني رضوان بن أحمد الصّيدلانيّ قال حدّثنا يوسف بن إبراهيم قال حدّثني أبو إسحاق إبراهيم بن المهديّ قال حدّثنا الفضل بن الربيع:
أنّ المهديّ كان يسمع المغنّين جميعا، ويحضرون مجلسه، فيغنّونه من وراء السّتارة لا يرون له وجها إلّا فليح بن أبي العوراء؛ فإنّ عبد اللّه بن مصعب الزّبيريّ كان يروّيه شعره ويغنّي فيه في مدائحه للمهديّ؛ فدسّ في أضعافها بيتين يسأله فيهما أن ينادمه، وسأل فليحا أن يغنّيهما في أضعاف أغانيه، وهما:
صوت [3]
يا أمين الإله في الشّرق والغر ... ب على الخلق وابن عمّ الرّسول
مجلسا بالعشيّ عندك في المي ... دان أبغي والإذن لي في الوصول
/ فغنّاه فليح إيّاهما. فقال المهديّ: يا فضل، أجب عبد اللّه إلى ما سأل، وأحضره مجلسي إذا حضره أهلي ومواليّ وجلست لهم، وزده على ذلك أن ترفع بيني وبين راويته فليح السّتارة؛ فكان فليح أوّل مغنّ عاين وجهه في مجلسهم.
دعاه محمد بن سليمان بن علي أوّل دخوله بغداد ووصله:
أخبرني رضوان قال حدّثني يوسف بن إبراهيم قال حدّثني بعد قدومي فسطاط مصر زياد بن أبي الخطّاب كاتب مسرور خادم الرشيد، قال: سمعت محبوب بن الهفتيّ يحدّث أبي، قال:
دعاني محمد بن سليمان بن عليّ، فقال لي: قد قدم فليح من الحجاز ونزل عند مسجد ابن رغبان [4]، فصر إليه، فأعلمه أنّه إن جاءني قبل أن يدخل إلى الرشيد، خلعت عليه خلعة سريّة من ثيابي ووهبت له خمسة آلاف درهم. فمضيت إليه فخبّرته بذلك؛ فأجابني إليه إجابة مسرور به نشيط له. وخرج معي، فعدل إلى حمّام كان بقربه، فدعا القيّم فأعطاه درهمين وسأله أن يجيئه بشيء يأكله ونبيذ يشربه؛ فجاءه برأس كأنه رأس عجل ونبيذ
__________
[1] هو أبو صدقة مسكين بن صدقة أحد مغني عصر الرشيد. ذكر له أبو الفرج ترجمة في (ج 21 طبع أوروبا).
[2] فيء، ط، م: «ما تشربها».
[3] هذه الكلمة ساقطة فيء، ط، م. ومما يرجح سقوطها أن أبا الفرج لم يذكر طريقة الغناء في هذا الشعر.
[4] في ح: «ابن زغبان» بالزاي قبل الغين. وفي سائر الأصول: «ابن عتاب» وكلاهما محرّف عن «ابن رغبان». ويقع مسجد ابن رغبان هذا في غربي بغداد وكان مزبلة. قال بعض الدهاقين: مر بي رجل وأنا واقف عند المزبلة التي صارت مسجد ابن رغبان قبل أن تبنى بغداد، فوقف عليها وقال: ليأتين على الناس زمان من طرح في هذا الموضع شيئا فأحسن أحواله أن يحمل ذلك في ثوبه؛ فضحكت تعجبا. فما مرت إلا أيام حتى رأيت مصداق ما قال. (انظر «معجم البلدان» لياقوت ج 4 ص 524 طبع أوروبا).
دوشابيّ [1] غليظ مسحوريّ [2] رديء. فقلت/ له: لا تفعل، وجهدت به ألّا يأكل ولا يشرب إلّا عند محمد بن سليمان؛ فلم يلتفت إليّ، وأكل ذلك الرأس وشرب من ذلك النبيذ الغليظ حتّى طابت نفسه، وغنّى وغنّى القيّم معه مليّا؛ ثم خاطب القيّم بما أغضبه، وتلاحيا وتواثبا؛ فأخذ القيّم شيئا فضربه به على رأسه فشجّه حتّى جرى دمه.
فلمّا رأى الدم/ على وجهه اضطرب وجزع وقام يغسل جرحه، ودعا بصوفة محرقة وزيت، وعصبه وتعمّم وقام معي. فلمّا دخلنا دار محمد بن سليمان. ورأى الفرش والآلة وحضر الطعام فرأى سروه [3] وطيبه، وحضر النبيذ وآلته، ومدّت الستائر وغنّى الجواري، أقبل عليّ وقال: يا مجنون! سألتك باللّه أيّما أحقّ بالعربدة وأولى: مجلس القيّم أم مجلس الأمير؟ فقلت: وكأنه لا بدّ من عربدة! قال: لا! واللّه ما لي منها بدّ، فأخرجتها من رأسي هناك.
فقلت: أمّا على هذا الشرط فالذي فعلت أجود. فسألني محمد عما كنّا فيه فأخبرته؛ فضحك ضحكا كثيرا، وقال:
هذا الحديث واللّه أظرف وأطيب من كلّ غناء؛ وخلع عليه وأعطاه خمسة آلاف درهم.
اتفق مع حكم الوادي على إسقاط ابن جامع عند يحيى بن خالد:
قال هارون بن محمد وحدّثني حمّاد بن إسحاق قال حدّثني أبو إسحاق القرمطيّ قال حدّثنا مدركة بن يزيد قال:
قال لي فليح بن أبي العوراء: بعث يحيى بن خالد إليّ وإلى حكم الواديّ وإلى ابن جامع، فأتيناه. فقلت لحكم: إن قعد ابن جامع معنا فعاونّي عليه لنكسره. فلمّا صرنا إلى الغناء غنّى حكم؛ فصحت وقلت: هكذا واللّه يكون الغناء! ثم غنيت، ففعل لي حكم مثل ذلك. وغنّى ابن جامع فما كنّا معه في شيء. فلمّا كان/ العشيّ أرسل إلى جاريته دنانير: إنّ أصحابك عندنا، فهل لك أن تخرجي إلينا؟ فخرجت وخرج معها وصائف؛ فأقبل عليها يقول لها من حيث يظنّ أنّا لا نسمع: ليس في القوم أنزه نفسا من فليح. ثم أشار إلى غلام له: أن ائت كلّ إنسان بألفي درهم، فجاء بها؛ فدفع إلى ابن جامع ألفي درهم فأخذها فطرحها في كمّه، وفعل بحكم الواديّ مثل ذلك فطرحها في كمّه، ودفع إليّ ألفين. فقلت لدنانير: قد بلغ منّي النبيذ، فاحبسيها لي عندك حتى تبعثي بها إليّ؛ فأخذت الدراهم منّي وبعثت بها إليّ من الغد، وقد زادت عليها؛ وأرسلت إليّ: قد بعثت إليك بوديعتك وبشيء أحببت أن تفرّقه على أخواتي (تعني جواريّ).
طلبه الفضل بن الربيع فجيء به مريضا فغنى ورجع ثم مات في علته:
قال هارون بن محمد وحدّثني حمّاد قال حدّثني أبي قال:
كنّا عند الفضل بن الربيع، فقال: هل لك في فليح بن أبي العوراء؟ قلت نعم. فأرسل إليه، فجاء الرسول
__________
[1] الدوشابي: نسبة إلى الدوشاب وهو نبيذ التمر معرّب؛ قال ابن المعتز:
لا تخلط الدوشاب في قدح ... بصفاء ماء طيب البرد
وقال ابن الرومي:
علّني أحمد من الدوشاب ... شربة بغّضت قناع الشباب
[2] مسحوري: فاسد.
[3] كذا في ط، ء. وفي سائر الأصول: «و رأى سروره به وطيبه»: وهو تحريف. والسرو: الشرف والسخاء. ولعل المراد بسرو الطعام جودته وكثرته.
فقال: هو عليل؛ فعاد إليه فقال الرسول: لا بدّ من أن تجي ء؛ فجاء به محمولا في محفّة؛ فحدّثنا ساعة ثم غنّى.
فكان فيما غنّى:
تقول عرسي إذ نبا المضجع ... ما بالك الليلة لا تهجع
فاستحسنّاه منه واستعدناه منه مرارا؛ ثم انصرف ومات في علّته تلك؛ وكان آخر العهد به ذلك المجلس.
روى قصة فتى عاشق غناه هو وعشيقته فبعثت إليه مهرها ليخطبها إلى أبيها:
أخبرني أحمد بن جعفر جحظة قال حدّثني محمد بن أحمد بن يحيى المكّيّ قال حدّثني أبي عن فليح بن أبي العوراء قال:
كان بالمدينة فتى يعشق ابنة عمّ له، فوعدته أن تزوره. وشكا إليّ أنّها تأتيه ولا شيء عنده، فأعطيته دينارا للنفقة. فلمّا زارته قالت له: من يلهّينا؟ قال: صديق لي، ووصفني لها، ودعاني فأتيته؛ فكان أوّل ما غنّيته:
/من الخفرات لم تفضح أخاها ... ولم ترفع لوالدها شنارا [1]
فقامت إلى ثوبها فلبسته لتنصرف؛ فعلق بها وجهد بها كلّ الجهد في أن تقيم، فلم تقم وانصرفت. فأقبل عليّ يلومني في أن غنّيتها ذلك الصوت. فقلت: واللّه ما هو شيء اعتمدت به مساءتك، ولكنه شيء اتّفق. قال: فلم نبرح حتى عاد رسولها بعدها ومعه صرّة فيها ألف/ دينار ودفعها إلى الفتى وقال له: تقول لك ابنة عمّك: هذا مهري ادفعه إلى أبي، واخطبني؛ ففعل فتزوّجها.
نسبة هذا الصوت
صوت
من الخفرات لم تفضح أخاها ... ولم ترفع لوالدها شنارا
كأنّ مجامع الأرداف منها ... نقا [2] درجت عليه الريح هارا
يعاف وصال ذات البذل قلبي ... وأتّبع الممنّعة النّوارا [3]
والشعر لسليك بن السّلكة السّعديّ. والغناء لابن سريج رمل بالسبّابة في مجرى الوسطى. وفيه لابن الهربذ لحن من رواية بذل، أوّله:
يعاف وصال ذات البذل قلبي
وبعده:
غذاها قارص [4] يغدو عليها ... ومحض حين تنتظر العشارا
__________
[1] الخفرة: الشديدة الحياء. والشنار: العيب والعار.
[2] النقا (مقصور): الكثيب من الرمل. وهار: سقط وتهدّم.
[3] النوار: المرأة النفور من الريبة والجمع نور.
[4] القارص: لبن يحذي اللسان أو حامض يحلب عليه حليب كثير حتى تذهب الحموصة. والمحض: اللبن الخالص. والعشار: جمع -
ورد دمشق على إبراهيم بن المهدي فأخذ عنه جواريه غناء وانتشرت أغانيه بها:
أخبرني رضوان بن أحمد قال حدّثنا يوسف بن إبراهيم قال حدّثنا أبو إسحاق إبراهيم بن المهديّ قال:
كتب إليّ جعفر بن يحيى وأنا عامل للرشيد على جند دمشق: قد قدم علينا فليح بن أبي العوراء، فأفسد علينا بأهزاجه وخفيفه كلّ غناء سمعناه قبله. وأنا محتال لك في تخليصه إليك، لتستمتع به كما استمتعنا. فلم ألبث أن ورد عليّ فليح بكتاب الرشيد يأمر له بثلاثة آلاف دينار. فورد عليّ رجل أذكرني لقاؤه الناس، وأخبرني أنه قد ناهز المائة، فأقام عندي ثلاث سنين، فأخذ عنه جواريّ كلّ ما كان معه [من الغناء] [1]، وانتشرت أغانيه بدمشق.
غنى موفق ألحان فليح بفسطاط مصر عند مقدم عنبسة بن إسحاق:
قال يوسف: ثم قدم علينا شابّ من المغنّين مع عليّ بن زيد بن الفرج الحرّانيّ، عند مقدم عنبسة بن إسحاق فسطاط مصر، يقال له مونق؛ فغنّاني من غناء فليح:
[صوت [2]]
يا قرّة العين اقبلي عذري ... ضاق بهجرانكم صدري
لو هلك الهجر استراح الهوى ... ما لقي الوصل من الهجر
- ولحنه خفيف رمل - فلم أر بين ما غنّاه وبين ما سمعته في دار أبي إسحاق فرقا؛ فسألته من أين أخذه؟
فقال: أخذته بدمشق؛ فعلمت أنّه مما أخذه أهل دمشق عن فليح.
صوت من المائة المختارة
أفاطم إنّ النأي يسلي ذوي الهوى ... ونأيك عنّي زاد قلبي بكم وجدا
أرى حرجا ما نلت من ودّ غيركم ... ونافلة ما نلت من ودّكم رشدا
وما نلتقي من بعد نأي وفرقة ... وشحط نوى إلّا وجدت له بردا
__________
() عشراء وهي الناقة مضى لحملها عشرة أشهر قال الأزهري: والعرب يسمونها عشارا بعد ما تضع ما في بطونها، للزوم الاسم بعد الوضع، كما يسمونها لقاحا.
[1] زيادة عن ء، ط، م.
[2] زيادة عن ء، ط.
على كبد قد كاد يبدي بها الهوى ... ندوبا وبعض القوم يحسبني جلدا
عروضه من الطويل. النأي: البعد، ومثله الشّحط. والحرج: الضّيق؛ قال اللّه تعالى: (يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً)
والنّدوب: آثار الجراح، واحدها ندب.
الشعر لإبراهيم بن هرمة. والغناء في اللحن المختار، على ما ذكره إسحاق، ليونس الكاتب، وهو من الثقيل الأوّل/ بإطلاق الوتر في مجرى الوسطى. وذكر يحيى بن عليّ بن يحيى عن أبيه مثل ذلك. وذكر حبش بن موسى أنّ الغناء لمرزوق الصرّاف أو ليحيى بن واصل. وفي هذه الأبيات للهذليّ لحن من خفيف الثقيل الأوّل بالوسطى على مذهب إسحاق من رواية عمرو بن بانة، ومن الناس من ينسب اللحنين جميعا إليه.
54 - ذكر ابن هرمة وأخباره ونسبه
نسبه:
هو إبراهيم بن عليّ بن سلمة بن هرمة بن هذيل، هكذا ذكر يعقوب بن السّكّيت. وأخبرني الحرميّ بن أبي العلاء عن الزّبير بن بكّار عن عمّه مصعب، وذكر ذلك العبّاس بن هشام الكلبيّ عن أبيه هشام بن محمد بن السائب، قالوا جميعا: هو إبراهيم بن عليّ بن سلمة بن عامر بن هرمة بن الهديل بن ربيع بن عامر بن صبيح بن كنانة بن عديّ بن قيس بن الحارث بن فهر - وفهر أصل قريش، فمن لم يكن من ولده لم يعدّ من قريش، وقد قيل ذلك في النّضر بن كنانة - وفهر بن مالك بن النّضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر. قال من ذكرنا من النسّابين: قيس بن الحارث هو الخلج، وكانوا في عدوان ثم انتقلوا إلى بني نصر بن معاوية بن بكر بن هوازن. فلما استخلف عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه أتوه ليفرض لهم، فأنكر نسبهم. فلما استخلف عثمان أتوه فأثبتهم في بني الحارث بن فهر وجعل لهم معهم ديوانا. وسمّوا الخلج لأنّهم اختلجوا ممن كانوا معه من عدوان ومن بني نصر بن معاوية. وأهل المدينة يقولون: إنّما سمّوا الخلج لأنهم نزلوا بالمدينة على خلج (و واحدها خليج) فسمّوا بذلك.
ولهم بالمدينة عدد. قال مصعب: كان لإبراهيم بن هرمة عمّ يقال له هرمة الأعور، فأرادت الخلج نفيه منهم؛ فقال: أمسيت ألأم العرب دعيّ أدعياء. ثم قال يهجوهم:
رأيت بني فهر سباطا [1] أكفّهم ... فمال بال - أنبوني - أكفّكم قفدا [2]
/و لم تدركوا ما أدرك القوم قبلكم ... من المجد إلا دعوة [3] ألحقت كدّا
على ذي أيادي الدّهر أفلح جدّهم ... وخبتم فلم يصرع لكم جدّكم جدّا
نفاه بنو الحارث بن فهر عنهم فعاتبهم فصار منهم لساعته:
وقال يحيى بن عليّ حدّثني أبو أيّوب المدينيّ عن المدائنيّ عن أبي سلمة الغفاريّ قال:
نفى بنو الحارث بن فهر ابن هرمة، فقال:
أحاربن فهر كيف تطّرحونني ... وجاء العدا من غيركم تبتغي نصري
__________
[1] سباط: جمع سبط: وصف من السبوطة وهي الاعتدال والسهولة والطول. ويكنى بسبوطة اليدين عن الكرم؛ يقال: رجل سبط اليدين إذا كان سخيا سمحا كريما، كما يقال: رجل جعد اليدين إذا كان بخيلا.
[2] كذا في ط، وهو الذي يقتضيه سياق الكلام. وفي ب، س: «أكفهم». وجملة أنبوني - وهو أمر من أنبأ خففت همزته فحذفت - معترضة بين المضاف والمضاف إليه. والقفد: ميل في الكف. يريد أنهم بخلاء.
[3] الدعوة (بالفتح وتكسر): الاسم من ادعى بمعنى زعم.
قال: فصار من ولد فهر في ساعته.
كان يقول: أنا ألأم العرب:
قال يحيى بن عليّ وحدّثني أحمد بن يحيى الكاتب قال حدّثني العبّاس بن هشام الكلبيّ عن أبيه قال:
كان ابن هرمة يقول: أنا ألأم العرب، دعيّ أدعياء: هرمة دعيّ في الخلج، والخلج أدعياء في قريش.
قصته مع أسلميّ ضافه:
حدّثني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثني عمر بن أبي بكر المؤمّلي قال حدّثني عبد اللّه بن أبي عبيدة بن محمد بن عمّار بن ياسر قال:
زرت عبد اللّه بن حسن بباديته وزاره ابن هرمة، فجاء رجل من أسلم؛ فقال ابن هرمة لعبد اللّه بن حسن:
أصلحك اللّه! سل الأسلميّ أن يأذن لي أن أخبرك خبري وخبره. فقال له عبد اللّه بن حسن: ائذن له، فأذن له الأسلميّ. فقال له إبراهيم بن هرمة:/ إنّي خرجت - أصلحك اللّه - أبغي ذودا [1] لي،/ فأوحشت [2] وضفت هذا الأسلميّ، فذبح لي شاة وخبز لي خبزا وأكرمني، ثم غدوت من عنده، فأقمت ما شاء اللّه. ثم خرجت أيضا في بغاء ذود لي، فأوحشت فضفته فقراني بلبن وتمر، ثم غدوت من عنده فأقمت ما شاء اللّه. ثم خرجت في بغاء ذود لي، فأوحشت، فقلت: لو ضفت الأسلميّ! فاللّبن والتمر خير من الطّوى؛ فضفته فجاءني بلبن حامض. فقال: قد أجبته - أصلحك اللّه - إلى ما سأل، فسله أن يأذن لي أن أخبرك لم فعلت. فقال له: ائذن له؛ فأذن له. فقال الأسلميّ:
ضافني، فسألته من هو؟ فقال: رجل من قريش، فذبحت له الشاة التي ذكر، وو اللّه لو كان غيرها عندي لذبحته له حين ذكر أنّه من قريش. ثم غدا من عندي وغدا عليّ الحيّ فقالوا: من كان ضيفك البارحة؟ قلت: رجل من قريش؛ فقالوا: لا واللّه ما هو من قريش، ولكنه دعيّ فيها. ثم ضافني الثانية على أنه دعيّ في قريش، فجئته بلبن وتمر وقلت: دعيّ قريش خير من غيره. ثم غدا من عندي وغدا عليّ الحيّ فقالوا: من كان ضيفك البارحة؟ قلت الرجل الذي زعمتم أنّه دعيّ في قريش؛ فقالوا: لا واللّه ما هو بدعيّ في قريش، ولكنّه دعيّ أدعياء قريش. ثم جاءني الثالثة، فقريته لبنا حامضا، وو اللّه لو كان عندي شرّ منه لقريته إيّاه. قال: فانخذل ابن هرمة، وضحك عبد اللّه وضحكنا معه.
لقيه ابن ميادة وطلب مهاجاته ثم تبين أنه يمزح:
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثني الزّبير قال حدّثني نوفل بن ميمون قال:
لقي ابن ميّادة ابن هرمة، فقال ابن ميادة: واللّه لقد كنت أحبّ أن ألقاك، لا بدّ من أن نتهاجى، وقد فعل الناس ذلك قبلنا، فقال ابن هرمة: بئس واللّه ما دعوت إليه وأحببته، وهو يظنّه جادّا. ثم قال له ابن هرمة: أما واللّه إنّني للّذي أقول:
__________
[1] الذود: القطيع من الإبل من الثلاث إلى التسع، وقيل: ما بين الثلاث إلى الثلاثين، ولا يكون إلا من الإناث دون الذكور. قال النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «ليس فيما دون خمس ذود صدقة».
[2] يقال: أوحش الرجل إذا جاع ونفد زاده.
/
إنّي لميمون جوارا وإنّني ... إذا زجر الطّير العدا لمشوم
وإنّي لملآن [1] العنان مناقل [2] ... إذا ما ونى يوما ألفّ [3] سؤوم
فودّ رجال أنّ أمّي تقنّعت ... بشيب يغشّي الرأس وهي عقيم
فقال ابن ميّادة: وهل عندك جراء [4]؟ ثكلتك أمّك! أنت ألأم من ذلك! ما قلت إلّا مازحا.
أخبرنا [به] [5] وكيع قال حدّثنا محمد بن إسماعيل قال قال عبد العزيز بن عمران:
اجتمع ابن هرمة وابن ميّادة عند جميع بن عمر بن الوليد، فقال ابن ميّادة لابن هرمة: قد كنت أحبّ أن ألقاك.
ثم ذكر نحوه.
أنكر عليه أن تمضغ الناطف مع قدوم وزير فحمله وتلقى به الموكب:
وقال هارون بن محمد بن عبد الملك حدّثنا عليّ بن محمد بن سليمان النّوفليّ قال حدّثني أبو سلمة الغفاريّ عن أبيه قال:
وفدت على المهديّ في جماعة من أهل المدينة، وكان فيمن وفد يوسف بن موهب [6] وكان في رجال بني هاشم من بني نوفل، وكان معنا ابن هرمة؛ فجلسنا يوما على دكّان قد هيّىء لمسجد ولم يسقّف، في عسكر المهديّ؛ وقد كنّا نلقى الوزراء وكبراء/ السلطان، وكانوا قد عرفونا؛ وإذا حيال الدّكّان رجل بين يديه ناطف [7] يبيعه في يوم شات شديد البرد، فأقبل إذ ضربه بفأسه فتطاير جفوفا؛ فأقبل ابن هرمة علينا، فقال ليوسف: يابن عمّ رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلّم - أما معك درهم نأكل به من هذا الناطف؟ فقال له: متى عهدتني أحمل الدّراهم! قال: فقلت له:
لكنّي أنا معي، فأعطيته/ درهما خفيفا [8]، فاشترى به ناطفا على طبق للنّاطفيّ فجاء بشيء كثير، فأقبل يتمضّغه
__________
[1] يقال: ملأ فلان عنان جواده إذا أعداه وحمله على الحضر الشديد.
[2] كذا فيء. ط. والمناقل: السريع نقل القوائم. وفي سائر الأصول: «مثاقل» بالثاء المثلثة وهو تصحيف.
[3] الألف: الثقيل البطيء.
[4] كذا في أكثر النسخ. وفيء، ط: «جرّي» والجراء (بالفتح والكسر) والجراية والجري (بالفتح فيهما): الفتوة.
[5] زيادة عن ط، ء.
[6] في «اللسان» و «القاموس» و «شرحه» مادّة وهب: «و موهب كمقعد اسم. قال سيبويه: جاؤوا به على مفعل (بالفتح) لأنه اسم ليس على الفعل؛ إذ لو كان على الفعل لكان مفعلا (بكسر العين). فقد يكون ذلك لمكان العلمية؛ لأن الأعلام مما تغير القياس» اه.
[7] الناطف: نوع من الحلواء. وقال الجوهري: هو القبّيط لأنه يتنطف قبل استضرابه أي يقطر قبل خثورته. وجعل النابغة الجعدي الحمر ناطفا فقال:
وبات فريق ينضحون كأنما ... سقوا ناطفا من أذرعات مفلفلا
وكذلك جعلها ابن هرمة، كما سيأتي قريبا في ص 373.
[8] يريد بذلك الدراهم الصغار ذات الوزن الخفيف. قال المقريزي في كتابه «شذور العقود في ذكر النقود» (ص 16 طبع أوروبا): «و كان الناس قبل عبد الملك يؤدّون زكاة أموالهم شطرين من الكبار والصغار. فلما اجتمعوا مع عبد الملك على ما عزم عليه عمد إلى درهم واف، فوزنه فإذا هو ثمانية دوانيق، وإلى درهم من الصغار فإذا هو أربعة دوانيق، فجمعها وحمل زيادة الأكبر على نقص الأصغر وجعلهما درهمين متساويين زنة كل منهما ستة دوانيق سواء» اه. ثم قال: «صنع عبد الملك في الدراهم ثلاث فضائل:
الأولى أن كل سبعة مثاقيل زنة عشرة دراهم والثانية أنه عدل بين كبارها وصغارها حتى اعتدلت وصار الدرهم ستة دوانيق. والثالثة أنه موافق لما سنه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في فريضة الزكاة بغير وكس ولا إشطاط؛ فمضت بذلك السنة واجتمعت عليه الأمة ...
إلخ».
وحده ويحدّثنا ويضحك. فما راعنا إلّا موكب أحد الوزيرين: أبي عبيد اللّه أو يعقوب بن داود. ثم أقبلت المطرّقة [1]؛ فقلنا: مالك قاتلك اللّه! يهجم علينا هذا وأصحابه، فيرون الناطف بين أيدينا فيظنّون أنّا كنّا نأكل معك.
قال: فو اللّه ما أحد أولى بالسّتر على أصحابه وتقلّد البليّة منك يابن عمّ رسول اللّه! فضعه بين يديك. قال:
اعزبّ [2] قبحك اللّه! قال: فأنت يابن أبي ذرّ، فزبرته [3]./قال: فقال: قد علمت أنّه لا يبتلى بهذا إلّا دعيّ أدعياء عاضّ كذا من أمّه. ثم أخذ الطبق في يده فحمله وتلقّى به الموكب، فما مرّ به أحد له نباهة إلّا مازحه، حتى مضى القوم جميعا.
مدح عبد اللّه بن حسن فأكرمه:
وقال هارون حدّثني أبو حذافة السّهميّ قال حدّثنا إسحاق بن نسطاس قال:
كان ابن هرمة مشتهرا بالنبيذ، فأتى عبد اللّه بن حسن وهو بالسّيالة [4]، فأنشده مديحا له. فقام عبد اللّه إلى غنم كانت له، فرمى بساجة [5] عليها فافترقت فرقتين، فقال: اختر أيّهما شئت - قال: فإمّا أن تكون زادت بواحدة أو نقصت بواحدة على الأخرى. قال: وكانت ثلاثمائة - وكتب له إلى المدينة بدنانير. فقال له: يا ابن هرمة، انقل عيالك إلينا يكونوا مع عيالنا. فقال: أفعل يابن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
دعاه صديق وهو يزمع السفر إلى النبيذ فشرب حتى حمل سكران:
ثم قدم ابن هرمة المدينة وجهّز عياله لينقلهم إلى عبد اللّه بن حسن، واكترى من رجل من مزينة.
فبينا هو قد شدّ متاعه وحمله والكريّ [6] ينتظره أن يتحمّل، إذ أتاه صديق له، فقال: أي أبا إسحاق، عندي واللّه نبيذ يسقط لحم الوجه. فقال: ويحك! أما ترانا على مثل هذه الحال! أعليها يمكن الشراب! فقال: إنما هي ثلاثة لا تزد عليهنّ شيئا. فمضى معه وهم وقوف ينظرون [7]؛ فلم يزل يشرب حتى مضى من الليل صدر صالح؛ ثم أتي به وهو سكران، فطرح في شقّ المحمل وعادلته [8] امرأته ومضوا.
«لامته امرأته على ذلك فأجابها بشعر»:
فلمّا أسحروا رفع رأسه فقال: أين أنا؟ فأقبلت عليه امرأته تلومه وتعذله، وقالت: قد أفسد عليك هذا النبيذ دينك ودنياك، فلو تعلّلت عنه [9] بهذه الألبان! فرفع رأسه إليها وقال:
__________
[1] لعله يريد بهم الذين يتقدّمون الموكب يفسحون له الطريق.
[2] أي اذهب وابعد.
[3] زبره هنا: نهره وأغلظ له في القول.
[4] السيالة كسحابة: موضع بقرب المدينة على مرحلة.
[5] الساجة: ضرب من الملاحف منسوجة، أو هي واحدة الساج وهو خشب يجلب من الهند.
[6] الكريّ كغنى: المكاري.
[7] فيء، ط، م: «ينتظرون»، وهما بمعنى واحد.
[8] عادلته أي كانت معه في الشق الآخر من المحمل.
[9] كذا فيء، ط. وفي سائر النسخ: «عليه»، وهو تحريف.
/
لا نبتغي [1] لبن البعير وعندنا ... ماء الزّبيب وناطف المعصار
هو أحد من ختم بهم الشعراء في رأي الأصمعيّ:
أخبرنا محمد بن خلف وكيع قال حدّثنا زكريّا بن يحيى بن خلّاد قال:
كان الأصمعيّ يقول: ختم الشعراء بابن هرمة، والحكم الخضريّ [2]، وابن ميّادة، وطفيل الكنانيّ، ومكين [3] العذريّ.
رهن رداءه في النبيذ:
قال هارون بن محمد بن عبد الملك حدّثني أبو حذافة السّهميّ أحمد بن إسماعيل قال:
كان ابن هرمة مدمنا للشراب مغرما به؛ فأتى أبا عمرو بن أبي راشد مولى عدوان؛ فأكرمه وسقاه أيّاما ثلاثة.
فدعا ابن هرمة بالنبيذ؛ فقال له غلام لأبي عمرو ابن أبي راشد: قد نفد نبيذنا. فنزع ابن هرمة رداءه عن ظهره فقال للغلام: اذهب به إلى ابن حونك [4] (نبّاذ كان بالمدينة)، فارهنه عنده وأتنا بنبيذ، ففعل. وجاء ابن [5] أبي راشد، فجعل يشرب معه من ذلك النبيذ. فقال له: أين رداؤك يا أبا إسحاق؟ فقال: نصف في القدح ونصف في بطنك.
مدح محمد بن عمران الطلحيّ فاحتجب عنه فمدح محمد بن عبد العزيز فأجازه:
قال هارون حدّثني محمد بن عمر بن إسماعيل بن عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف الزّهريّ قال حدّثني عمّي عبد العزيز بن إسماعيل قال:
/ مدح ابن هرمة محمد بن عمران الطّلحيّ، وبعث إليه بالمديح مع/ ابن ربيح [6]، فاحتجب عنه؛ فمدح محمد بن عبد العزيز؛ وكان ابن هرمة مريضا، فقال قصيدته التي يقول فيها:
إنّي دعوتك إذ جفيت وشفّني ... مرض تضاعفني [7] شديد المشتكى
وحبست عن طلب المعيشة وارتقت ... دوني الحوائج في وعور المرتقى
فأجب أخاك فقد أناف بصوته ... يا ذا الإخاء ويا كريم المرتجى
__________
[1] في ط، م، ء: «لا تبتغي» بالتاء الفوقية. ويكون الخطاب، على هذه الرواية لأنثى.
[2] في ب، س: «الحضرمي» وهو تصحيف.
[3] كذا في ح، ء، ط «و الشعر والشعراء» (ص 473 طبع أوروبا). وفي ب، س: «دكين» بالدال المهملة. وفي م: «ذكين» بالذال المعجمة.
[4] في ح: «ابن هويك». وقد ضبط فيها بالقلم بضم الهاء وفتح الواو وسكون الياء. وفي م: «ابن حوقل» بالقاف واللام.
[5] كذا في أكثر النسخ. وفي س، م: «و جاء إلى ابن حوقل بن أبي راشد» بزيادة «إلى ابن حوقل» سهوا من الناسخ.
[6] كذا في ط، ء، م، وسيذكر غير مرة في جميع الأصول كذلك. وفي ح: «ابن زنيج» بالزاي والنون والجيم. وفي ب، س: «ابن ربيع»، وكلاهما تحريف. وابن ربيح هذا هو راوية ابن هرمة.
[7] كذا في أكثر الأصول. ولم نجد هذه الصيغة في كتب اللغة تدل على المعنى المراد هنا وهو أضعفني وأسقمني. وفي م، ح:
«يضاعفنى» بالياء وضاعفه: جعله ضعفين. فلعل المراد على هذه الرواية: مرض يضاعف شكواي.
ولقد حفيت [1] صبيت عكّة [2] بيتنا ... ذوبا [3] ومزت بصفوه عنك القذى
فخذ الغنيمة واغتنمني إنّني ... غنم لمثلك والمكارم تشترى
لا ترمينّ بحاجتي وقضائها ... ضرح [4] الحجاب كما رمى بي من رمى
فركب إلى جعفر بن سليمان نصف النّهار؛ فقال: ما نزعك [5] يا أبا عبد اللّه في هذا الوقت؟ قال: حاجة لم أر فيها أحدا أكفى منّي. قال: وما هي؟ قال: قد مدحني ابن هرمة بهذه الأبيات، فأردت من أرزاقي مائة دينار. قال:
ومن عندي مثلها/ قال: ومن الأمير أيضا! قال: فجاءت المائتا الدينار إلى ابن هرمة، فما أنفق منها إلّا دينارا واحدا حتّى مات، وورث الباقي أهله.
امتدح أبا جعفر فلما أجازه لم يرض وطلب أن يحتال له في إباحة الشراب:
وقال أحمد بن أبي خيثمة عن أبي الحسن المدائنيّ قال:
امتدح ابن هرمة أبا جعفر فوصله بعشرة آلاف درهم. فقال: لا تقع منّي هذه. قال: ويحك! إنّها كثيرة. قال:
إن أرادت أن تهنئني فأبح لي الشراب فإنّي مغرم به. فقال: ويحك! هذا حدّ من حدود اللّه. قال: احتل لي يا أمير المؤمنين. قال نعم. فكتب إلى والي المدينة: من أتاك بابن هرمة سكران فاضربه مائة واضرب ابن هرمة ثمانين.
قال: فجعل الجلواز [6] إذا مرّ بابن هرمة سكران، قال: من يشتري الثمانين بالمائة!
امتدح الحسن بن زيد فأجازه وعرض بعبد اللّه بن حسن وأخويه لأنهم وعدوه وأخلفوه:
أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدّثني أبو زيد عمر بن شبّة قال حدّثنا أبو سلمة الغفاريّ قال أخبرنا ابن ربيح راوية ابن هرمة قال:
أصابت ابن هرمة أزمة؛ فقال لي في يوم حارّ: اذهب فتكار حمارين إلى ستّة أميال، ولم يسمّ موضعا. فركب واحدا وركبت واحدا، ثم سرنا حتى صرنا إلى قصور الحسن بن زيد ببطحاء ابن أزهر، فدخلنا مسجده. فلمّا مالت الشمس خرج علينا مشتملا على [7] قميصه، فقال لمولى له: أذّن فأذّن، ولم يكلّمنا كلمة. ثم قال له: أقم فأقام، فصلّى بنا، ثم أقبل على ابن هرمة فقال: مرحبا بك يا أبا إسحاق، حاجتك؟ قال: نعم، بأبي أنت وأمي، أبيات قلتها - وقد كان عبد اللّه وحسن وإبراهيم بنو حسن بن حسن وعدوه شيئا فأخلفوه - فقال: هاتها. فقال:
__________
[1] حفيت: أعطيت. وفي م: «خفيت» بالخاء المعجمة وهو تصحيف وفي ب، ط، ء، س: «جفيت» بالجيم وهو تصحيف أيضا. وفي ح: «خبيت» ولعلها مصحفة عن «حبيت» وهي «كحفيت» وزنا ومعنى. والذي ظهر لنا في معنى البيت أنه يريد: لقد منحت خير ما نملك وهو ما في عكتنا من عسل مصفى، يكنى بذلك عن مديحه الحسن.
[2] العكة: زقيق صغير للسمن والعسل. وفي الحديث: أن رجلا كان يهدي للنبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم العكة من السمن والعسل. قال ابن الأثير في «النهاية»: «و هي وعاء من جلود مستدير، يختص بهما وهو بالسمن أخص».
[3] الذوب: العسل.
[4] كذا فيء، ط. والضرح: أن يؤخذ شيء فيرمي به في ناحية. وفي ب، س: «ضوح» بالواو. وفي م: «صرح» بالصاد وكلاهما تحريف.
[5] ما نزعك يريد: ما حركك من مكانك وما جاء بك.
[6] الجلواز: الشرطيّ؛ سمى بذلك لسرعته وخفته في ذهابه ومجيئه بين يدي الأمير.
[7] كذا في جميع النسخ. وهذا الفعل إنما يتعدى بالباء.
/
أما بنو هاشم حولي فقد قرعوا ... نبل الضّباب [1] التي جمعت في قرن
فما بيثرب منهم من أعاتبه ... إلّا عوائد أرجوهنّ من حسن
اللّه أعطاك فضلا من عطيّته ... على هن وهن فيما مضى وهن [2]
قال: حاجتك! قال: لابن أبي مضرّس عليّ خمسون ومائة دينار. قال: فقال لمولى له: يا هيثم، اركب هذه البغلة فأتني بابن أبي مضرّس وذكر [3] حقّه. قال: فما صلّينا العصر حتّى جاء به. فقال له: مرحبا بك يابن أبي مضرّس، أمعك ذكر حقّك على ابن هرمة قال نعم. قال: فامحه، فمحاه. ثم قال: يا هيثم، بع ابن أبي مضرّس من تمر [4] الخانقين بمائة وخمسين دينارا وزده على [5] كلّ دينار ربع/ دينار، وكل ابن هرمة بخمسين ومائة دينار تمرا، وكل ابن ربيح بثلاثين دينارا تمرا. قال: فانصرفنا من عنده؛ فلقيه محمد بن عبد اللّه بن حسن بالسّيالة، وقد بلغه الشعر، فغضب لأبيه وعمومته فقال: أي ماصّ بظر أمّه! أنت القائل:
على هن وهن فيما مضى وهن
فقال: لا واللّه! ولكنّي الذي أقول لك:
لا والّذي أنت منه نعمة سلفت ... نرجو عواقبها في آخر الزّمن
لقد أتيت بأمر ما عمدت له ... ولا تعمّده قولي ولا سنني/
فكيف أمشي مع الأقوام معتدلا ... وقد رميت برىء العود بالأبن [6]
ما غيّرت وجهه أمّ مهجّنة ... إذا القتام تغشّى أوجه الهجن [7]
قال: وأمّ الحسن أمّ ولد.
لما عرض بعبد اللّه بن حسن وإخوته قطع عنه ما كان يجريه عليه فما زال به حتى رضي:
قال هارون: فحدّثني حمّاد بن إسحاق عن أبيه عن أيّوب بن عباية قال:
لمّا قال ابن هرمة هذا الشعر في حسن بن زيد، قال عبد اللّه بن حسن: واللّه ما أراد الفاسق غيري وغير أخويّ: حسن وإبراهيم. وكان عبد اللّه يجري على ابن هرمة رزقا فقطعه عنه وغضب عليه. فأتاه يعتذر، فنحّي وطرد؛ فسأل رجالا أن يكلّموه، فردّهم؛ فيئس من رضاه واجتنبه وخافه. فمكث ما شاء اللّه، ثم مرّ عشيّة وعبد اللّه
__________
[1] الضباب هنا: الأحقاد. يقال: في قلبه ضب أي غل داخل، كالضب الممعن في حجزه. والظاهر أنه يريد أن يقول: إنهم سلوا أحقادهم وأظهروا عداوتهم وأنا قد كتمتها وأخفيتها.
[2] هن: كلمة يكنى بها عن اسم الإنسان. وقد كررها الشاعر ثلاثا لأنه أراد ثلاثة أشخاص معينين.
[3] ذكر الحق: الصك الذي يكتب فيه الدين.
[4] في ط، ء: «ثمر» بالثاء المثلثة. والخانقان: موضع بالمدينة وهو مجمع مياه أوديتها الثلاثة: بطحان والعقيق وقناة.
[5] في ط، ء، م: «و زده في كل دينار».
[6] الأبن: جمع أبنة وهي العقدة تكون في العود تفسده ويعاب بها. وقولهم: ليس في حسب فلان أبنة، أي عيب، مأخوذ من هذا.
[7] الهجين: من أبوه خير من أمه أو من أبوه عربيّ وأمه غير عربية، وجمعه: هجن وهجناء وهجنان ومهاجين ومهاجنة.
على زربيّة [1] في ممرّ المنبر، ولم تكن تبسط لأحد غيره في ذلك المكان. فلمّا رأى عبد اللّه تضاءل وتقنفذ وتصاغر وأسرع المشي. فكأنّ عبد اللّه رقّ له، فأمر به فردّ عليه، فقال: يا فاسق، يا شارب الخمر، على هن وهن! أتفضّل الحسن عليّ وعلى أخويّ! فقال: بأبي أنت وأمّي! وربّ هذا القبر ما عنيت إلّا فرعون وهامان وقارون، أفتغضب لهم! فضحك وقال: واللّه ما أحسبك إلّا كاذبا. قال: واللّه ما كذبتك. فأمر بأن تردّ عليه جرايته.
قصيدة له خالية من الحروف المعجمة:
أخبرني يحيى بن عليّ إجازة قال أخبرني أبو أيّوب المدينيّ عن مصعب قال:
إنّما اعتذر ابن هرمة بهذا إلى محمد بن عبد اللّه بن حسن.
قال يحيى: وأخبرني أبو أيّوب عن عليّ بن صالح قال:
/ أنشدني عامر بن صالح قصيدة لابن هرمة نحوا من أربعين بيتا، ليس فيها حرف يعجم؛ وذكر هذه الأبيات منها. ولم أجد هذه القصيدة في شعر ابن هرمة، ولا كنت أظنّ أن أحدا تقدّم رزينا العروضيّ إلى هذا الباب.
وأوّلها:
أرسم سودة أمسى دارس الطّلل ... معطّلا ردّه الأحوال كالحلل
هكذا ذكر يحيى بن عليّ في خبره أنّ القصيدة نحو من أربعين بيتا؛ ووجدتها في رواية الأصمعيّ ويعقوب بن السّكّيت اثني عشر بيتا، فنسختها هاهنا للحاجة إلى ذلك. وليس فيها حرف يعجم إلّا ما اصطلح عليه الكتّاب من تصبيرهم مكان ألف ياء مثل «أعلى» فإنّها في اللفظ بالألف وهي تكتب بالياء، ومثل «رأى» ونحو هذا، وهو في التحقيق في اللفظ بالألف، وإنما اصطلح الكتّاب على كتابته بالياء كما ذكرناه. والقصيدة:
أرسم سودة محل دارس الطّلل ... معطّل ردّه الأحوال كالحلل
لمّا رأى أهلها سدّوا مطالعها ... رام الصّدود وعاد الودّ كالمهل [2]
وعاد ودّك داء لا دواء له ... ولو دعاك طوال الدّهر للرّحل
/ ما وصل سودة إلّا وصل صارمة ... أحلها [3] الدهر دارا مأكل الوعل [4]
وعاد أمواهها سدما [5] وطار لها ... سهم دعا أهلها للصّرم والعلل
__________
[1] الزربية (بفتح فسكون): البساط والنمرقة، وقيل: هي كل ما بسط واتكىء عليه، والجمع زرابيّ.
[2] كذا في أكثر الأصول. والمهل: ما ذاب من صفر أو حديد؛ وبه فسر قوله تعالى: (وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرابُ وَساءَتْ مُرْتَفَقاً)
وحركت هاؤه للضرورة. ولعله يريد أنه لما حيل بينه وبينها عانى من ودّه لها ما يعانيه متجرّع هذا الشراب. وفي ح:
رام الصدود وعاد الودّ كالعمل
[3] فيء، ط، م:
أحلها الودّ دهرا معقل الوعل
وهذا لا يتفق والإهمال المراد في هذه القصيدة.
[4] الوعل: تيس الجبل. يريد بذلك استعصاءها ومنعتها.
[5] سدما: متغيرة من طول المكث.
صدّوا وصدّ وساء المرء صدّهم ... وحام للورد ردها حومة العلل
- حومة الماء، كثرته وغمرته [1]. والعلل: الشّرب الثاني. والرّده: مستنقع الماء - :
/و حلّئوه [2] رداها ماؤها عسل ... ما ماء رده لعمر اللّه كالعسل
دعا الحمام حماما سدّ مسمعه ... لمّا دعاه رآه [3] طامح الأمل
طموح سارحة [4] حوم ملمّعة ... وممرع السرّ سهل ماكد السّهل
وحاولوا ردّ أمر لا مردّ له ... والصّرم داء لأهل اللّوعة الوصل
أحلّك اللّه أعلى كلّ مكرمة ... واللّه أعطاك أعلى صالح العمل
سهل موارده سمح مواعده ... مسود لكرام سادة حمل [5]
عاب المسوّر بن عبد الملك شعره فقال فيه شعرا:
قال يحيى بن عليّ وحدّثني أبو أيّوب المدينيّ عن أبي حذيفة قال:
كان المسوّر بن عبد الملك المخزوميّ يعيب شعر ابن هرمة، وكان المسوّر هذا عالما بالشعر والنّسب [6]؛ فقال ابن هرمة فيه:
إيّاك لا ألزمن لحييك من لجمي ... نكلا [7] ينكّل قرّاصا [8] من اللّجم
يدقّ لحييك أو تنقاد متّبعا ... مشي المقيّد ذي القردان [9] والحلم
/ إنّي إذا ما امرؤ خفّت نعامته [10] ... إليّ واستحصدت منه قوى الوذم [11]
عقدت في ملتقى أوداج لبّته ... طوق الحمامة لا يبلى على القدم
__________
[1] هذا التفسير غير واضح. ولعله المرة من الحوم.
[2] حلأهم عن الماء: منعهم عنه.
[3] كذا فيء، ط و «مختار الأغاني» لابن منظور. وفي سائر الأصول:
لما دعاه ودهر طامح الأمل
[4] السارحة: الماشية. والحوم: القطيع الضخم. والملمع: الذي في جسده بقع تخالف سائر لونه. والممرع: المخصب. والسر هنا:
بطن الوادي وأكرم موضع فيه. والماكد: الدائم الذي لا ينقطع.
[5] حمل: جمع حمول، وهو كثير الاحتمال لما ينوبه لحلمه وكرمه.
[6] كذا في ط، ء. وفي باقي الأصول: « ... والنسيب».
[7] النكل: اللجام.
[8] كذا في ط، ء. والقرّاص (بالصاد المهملة): وصف من القرص وهو معروف. وفي سائر الأصول: «قراضا» بالضاد المعجمة.
والقرّاض: القطاع، وبه يستقيم المعنى أيضا.
[9] القردان: جمع قراذة وهي دويبة تتعلق بالبعير ونحوه. والحلم (بالتحريك واحده حلمة بالتحريك أيضا) قيل: هو الصغير من القراد وقيل: هو الضخم، وهو الأشهر. قال الأصمعي: القراد أوّل ما يكون صغيرا: قمقامة ثم يصير حمنانة ثم يصير قرادا ثم حلمة.
[10] النعامة هنا: القدم. ويكنى بخفة النعامة عن السرعة؛ يقال: خفّت نعامتهم، أو شالت نعامتهم، إذا أسرعوا.
[11] الوذم (بالتحريك): سيور تقدّ مستطيلة. واستحصد قواها: إحكام فتلها. وقد يكنى بذلك عن الغضب؛ فيقال: استحصد حبل فلان إذا غضب.
إنّي امرؤ لا أصوغ الحلي تعمله ... كفّاي لكن لساني صائغ الكلم
إنّ الأديم الذي أمسيت تقرظه ... جهلا لذو نغل باد وذو حلم [1]
ولا يئطّ [2] بأيدي الخالقين ولا ... أيدي الخوالق إلّا جيّد الأدم
عاتب عبد اللّه بن مصعب في تفضيله ابن أذينة عليه:
قال يحيى وحدّثني أبو أيّوب عن مصعب بن عبد اللّه عن أبيه قال:
لقيني ابن هرمة فقال لي: يابن مصعب، أتفضّل عليّ ابن أذينة! أما شكرت قولي:
فما لك مختلّا عليك خصاصة ... كأنّك لم تنبت ببعض المنابت
كأنّك لم تصحب شعيب بن جعفر ... ولا مصعبا ذا المكرمات ابن ثابت
- يعني مصعب بن عبد اللّه - قال: فقلت: يا أبا إسحاق، أقلني وروّني من شعرك ما شئت؛ فإنّي لم أرو لك شيئا. فروّاني عبّاسيّاته [3] تلك.
ثناؤه على إبراهيم بن عبد اللّه وإبراهيم بن طلحة لإكرامهما له وشعره في الأوّل:
قال يحيى: وأخبرني أبو أيّوب المدينيّ عن مصعب بن عبد اللّه عن مصعب بن عثمان قال:
/ قال ابن هرمة: ما رأيت أحدا قطّ أسخى ولا أكرم من رجلين: إبراهيم بن عبد اللّه بن مطيع، وإبراهيم بن طلحة بن عمرو بن عبد اللّه بن معمر. أمّا إبراهيم بن طلحة فأتيته فقال: أحسنوا ضيافة أبي إسحاق، فأتيت بكلّ شيء من الطعام، فأردت أن أنشده؛ فقال: ليس هذا وقت الشعر. ثم أخرج الغلام إليّ رقعة فقال: ائت بها الوكيل. فأتيته بها، فقال: إن شئت أخذت لك جميع ما كتب به، وإن شئت أعطيتك القيمة. قلت: وما أمر لي به؟ فقال: مائتا شاة برعائها وأربعة أجمال وغلام جمّال ومظلّة وما تحتاج إليه، وقوتك وقوت عيالك سنة. قلت: فأعطني القيمة؛ فأعطاني مائتي دينار. وأمّا إبراهيم/ بن عبد اللّه فأتيته في منزله بمشاش [4] على بئر ابن [5] الوليد بن عثمان بن عفّان؛ فدخل إلى منزله ثم خرج إليّ برزمة من ثياب وصرّة من دراهم ودنانير وحليّ، ثم قال: لا واللّه ما بقّينا في منزلنا ثوبا إلّا ثوبا نواري به امرأة، ولا حليا ولا دينارا ولا درهما. وقال يمدح إبراهيم:
أرّقتني تلومني أمّ بكر ... بعد هدء واللّوم قد يؤذيني
حذّرتني الزمان ثمّت قالت ... ليس هذا الزمان بالمأمون
__________
[1] الأديم: الجلد. ويقرظه: يدبغه بالقرظ لإصلاحه. والنغل (بالتحريك): الفساد. والحلم (بالتحريك): فساد في الجلد، سببه أنه يقع فيه دود فيتثقب.
[2] يثط: يصوّت. والخالقون: وصف من قولهم: خلق الجلد إذا قدّره قبل قطعه.
[3] لعله يريد قصائده التي مدح بها بني العباس.
[4] مشاش: (بضم أوجله وشين معجمة أيضا في آخره): موضع بين دار بني سليم وبين مكة، وبينه وبين مكة نصف مرحلة. (انظر «معجم ما استعجم» للبكري في اسم مشاش ج 2 ص 560 طبع أوروبا).
[5] فيء، ط: «بئر الوليد». وكان لعثمان بن عفان (رضي اللّه عنه) ابن يسمى الوليد، ولا ندري أكانت هذه البئر له أم لابنه.
قلت لمّا هبّت تحذّرني الدّه ... ر دعي اللّوم عنك واستبقيني
إنّ ذا الجود والمكارم إبرا ... هيم يعنيه كلّ ما يعنيني
قد خبرناه في القديم فألفي ... نا مواعيده كعين اليقين
قلت ما قلت للّذي هو حقّ ... مستبين لا للّذي يعطيني/
نضحت أرضنا سماؤك بعد ال ... جدب منها وبعد سوء الظّنون
فرعينا آثار غيث هراقت ... ه يدا محكم القوى ميمون
طلب من محمد بن عمران علفا بإغراء محمد الزهري فأعطاه كل ما ورده:
وقال هارون حدّثنا حمّاد عن عبد اللّه بن إبراهيم الحجبيّ:
أنّ إبلا لمحمد بن عمران تحمل علفا مرّت بمحمد بن عبد العزيز الزّهريّ ومعه ابن هرمة، فقال: يا أبا إسحاق، ألا تستعلف محمد بن عمران! وهو يريد أن يعرّضه لمنعه فيهجوه. فأرسل ابن هرمة في أثر الحمولة رسولا حتّى وقف على ابن عمران، فأبلغه رسالته؛ فردّ إليه الإبل بما عليها، وقال: إن احتجت إلى غيرها زدناك. فأقبل ابن هرمة على محمد بن عبد العزيز فقال له: اغسلها عنّي، فإنّه إن علم أنّي استعلفته ولا دابّة لي وقعت منه [1] في سوءة. قال: بماذا؟ قال: تعطيني حمارك. قال: هو لك بسرجه ولجامه. فقال ابن هرمة: من حفر حفرة سوء وقع فيها.
وفد على السري بن عبد اللّه باليمامة ومدحه فأكرمه وكان يحب أن يفد عليه:
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثنا أبو يحيى هارون بن عبد اللّه الزّهريّ عن ابن زريق [2]، وكان منقطعا إلى أبي العبّاس [3] بن محمد وكان من أروى الناس، قال:
كنت مع السّريّ بن عبد اللّه باليمامة، وكان يتشوّق إلى إبراهيم بن عليّ بن هرمة ويحبّ أن يفد عليه؛ فأقول:
ما يمنعك أن تكتب إليه؟ فيقول: أخاف أن يكلّفني من المؤونة ما لا أطيق. فكنت أكتب بذلك إلى ابن هرمة، فكره [4] أن يقدم عليه إلّا بكتاب منه؛ ثم غلب فشخص إليه، فنزل عليّ ومعه راويته ابن ربيح. فقلت له: ما منعك [5] من القدوم على الأمير وهو من الحرص/ على قدومك على ما كتبت به إليك؟ قال: الذي منعه من الكتاب إليّ. فدخلت على السّريّ فأخبرته بقدومه؛ فسرّ بذلك وجلس للناس مجلسا عامّا، ثم أذن لابن هرمة فدخل عليه ومعه راويته ابن ربيح. وكان ابن هرمة قصيرا دميما أريمص [6]، وكان ابن ربيح طويلا جسيما نقيّ الثياب. فسلّم
__________
[1] في ط، ء، م: «وقعت معه».
[2] كذا في جميع الأصول فيما سيأتي (ص 386). وفي أكثر الأصول هنا: «عن أبي زريق». وفي م، س: «ابن أبي زريق».
[3] أبو العباس بن محمد، هو عبد اللّه السفاح أوّل خلفاء بني العباس.
[4] في ط، ء: «فيكره».
[5] كذا في ط، م. وفي سائر الأصول: «ما يمنعك».
[6] أريمص: تصغير أرمص، وصف من الرمص في العين وهو كالغمص، وقيل: الرمص: ما سال مما تلفظ به العين، والغمص: ما جمد، وقيل العكس.
على السّريّ ثم قال له: أصلحك اللّه! إنّي قد قلت شعرا أثنيت فيه عليك. فقال: أنشد؛ فقال: هذا ينشد فجلس.
فأنشده ابن ربيح قصيدته التي أوّلها:
عوجا على ربع ليلى أمّ محمود ... كيما نسائله من دون عبّود [1]
عن أمّ محمود إذ شطّ المزار بها ... لعلّ ذلك يشفي داء معمود [2]
فعرّجا بعد تغوير [3] وقد وقفت ... شمس النهار ولاذ الظّلّ بالعود
/ شيئا فما رجعت أطلال منزلة ... قفر جوابا لمحزون الجوى مودي [4]
ثم قال فيها يمدح السريّ:
ذاك السّريّ الذي لو لا تدفّقه ... بالعرف [5] متنا حليف المجد والجود
من يعتمدك ابن عبد اللّه مجتديا [6] ... لسيب عرفك يعمد [7] خير معمود
/ يا ابن الأساة الشّفاة المستغاث بهم ... والمطعمين ذرى الكوم المقاحيد [8]
والسّابقين إلى الخيرات قومهم ... سبق الجياد إلى غاياتها القود [9]
أنت ابن مسلنطح البطحاء منبتكم ... بطحاء مكة لا روس القراديد [10]
لكم سقايتها [11] قدما وندوتها ... قد حازها والد منكم لمولود
لو لا رجاؤك لم تعسف بنا قلص ... أجواز مهمهة قفر الصّوى بيد [12]
__________
[1] عبود وصغر: جبلان ما بين المدينة والسيالة ينظر أحدهما إلى الآخر، وبينهما طريق المدينة.
[2] المعمود: من هدّه العشق.
[3] التغوير: النزول وقت القائلة. وفيء، ط: «تعويق». والتعويق: الانصراف عن الشيء والانحباس عنه. وفي «مختار الأغاني» لابن منظور: «تطويل».
[4] المودي: الهالك.
[5] كذا في ح. وفي سائر النسخ:
بالعرف مات حليف المجد والعود
[6] في ح: «مجتهدا».
[7] معمود: مقصود.
[8] كذا في أكثر الأصول. والذرى (بضم الذال): جمع ذروة (بضم الأوّل وكسره). وذروة كل شي ء: أعلاه، وذروة السنام والرأس:
أشرفهما. والكوم: الضخام الأسنمة، الواحد أكوم وكوماء. والمقاحيد: جمع مقحاد وهي الناقة العظيمة السنام. وفيء، ط، م:
«ذرى الكوم الفراقيد» والفراقيد: جمع فرقد وهو ولد البقرة، وقيل: ولد البقرة الوحشية. وظاهر أن الرواية الأولى هي الصحيحة.
[9] القود: جمع أقود، وهو من الخيل الطويل العنق.
[10] اسلنطح الوادي: اتسع. (انظر ص 317 من هذا الجزء). وروس: جمع رأس، خففت همزته. والقراديد: جمع قردود وهو ما ارتفع من الأرض وغلظ، وقيل: جمع قردد، وزادوا الياء كراهية التضعيف.
[11] السقاية: ما كانت قريش تسقيه الحجاج من النبيذ المنبوذ في الماء، وكان يليها العباس بن عبد المطلب في الجاهلية والإسلام.
والندوة: دار الندوة بمكة وهي التي بناها قصيّ. سميت بذلك لاجتماعهم فيها لأنهم كانوا إذا حزبهم أمر ندوا إليها للتشاور.
[12] كذا في أكثر الأصول. والعسق: السير في المفازة وقطعها بغير قصد ولا هداية. والصوى: الأعلام من الحجارة تنصب في الفيافي والمفازات المجهولة يستدل بها على الطريق. وفي ح:
أجواب مهمهة قفر الطوى بيد
لكن دعاني وميض لاح معترضا ... من نحو أرضك في دهم مناضيد [1]
وأنشده أيضا قصيدة مدحه فيها، أوّلها:
أفي طلل قفر تحمّل آهله ... وقفت وماء العين ينهلّ هامله
تسائل عن سلمى سفاها وقد نأت ... بسلمى نوى شحط فكيف تسائله
/ وترجو ولم ينطق وليس بناطق ... جوابا محيل [2] قد تحمّل آهله
ونؤي كخطّ النّون ما إن تبينه ... عفته ذيول [3] من شمال تذايله [4]
ثم قال فيها يمدح السّريّ:
فقل للسّريّ الواصل البرّذي النّدى ... مديحا إذا ما بثّ صدّق قائله
جواد على العلّات يهتزّ للنّدى ... كما اهتزّ عضب أخلصته صياقله
نفى الظّلم عن أهل اليمامة عدله ... فعاشوا وزاح [5] الظّلم عنهم وباطله
وناموا بأمن بعد خوف وشدّة ... بسيرة عدل ما تخاف غوائله
وقد علم المعروف أنّك خدنه ... ويعلم هذا الجوع [6] أنّك قاتله
بك اللّه أحيا أرض حجر وغيرها [7] ... من الأرض حتّى عاش بالبقل آكله
وأنت ترجّى للّذي أنت أهله ... وتنفع ذا القربى لديك وسائله
وأنشده أيضا مما مدحه به قوله:
عوجا نحيّ الطّلول بالكثب [8]
يقول فيها يمدحه:
دع عنك سلمى وقل محبّرة [9] ... لماجد الجدّ طيّب النّسب
__________
() والأجواز والأجواب بمعنى، من جاز المكان وجابه إذا قطعه. والطوى: ما يطوى، من طوى البلاد أي قطعها، وطوى المكان جاوزه إلى غيره.
[1] دهم: سود. ومناضيد: متراكبة بعضها فوق بعض. يريد سحبا هذا وصفها.
[2] المحيل: الذي أتت عليه أحوال فغيرته. يقال: أحالت الدار وأحولت.
[3] ذيل الريح: ما انسحب منها على الأرض. وذيل الريح أيضا: ما تتركه في الرمال على هيئة الرسن، وما جرّته على الأرض من التراب والقتام. وقيل: أذيال الريح وآخيرها التي تكسح بها ما خف لها.
[4] تذايله: لعله يريد أنها تجرّ عليه ذيولها وتعفيه. وفي أكثر الأصول: «تذائله» بالهمز.
[5] زاح هنا: ذهب؛ فهو لازم مثل انزاح.
[6] في «مختار الأغاني»: «الجور» بالراء المهملة.
[7] كذا في أكثر الأصول. وحجر (بالفتح) مدينة اليمامة وأم قراها. وفي م:
بك اللّه أحيا الأرض حجرا وأهلها
[8] الكثب (بالتحريك): موضع بديار بني طيء.
[9] حبر الشعر والكلام: حسنه وأجاده.
محض مصفّى العروق يحمده ... في العسر واليسر كلّ مرتغب/
الواهب الخيل في أعنّتها ... والوصفاء الحسان كالذّهب
مجدا وحمدا يفيده كرما ... والحمد في الناس خير مكتسب
قال: فلمّا فرغ ابن ربيح، قال السّريّ لابن هرمة: مرحبا بك يا أبا إسحاق! ما حاجتك؟ قال: جئتك عبدا مملوكا. قال: [لا!] [1] بل حرّا كريما وابن عمّ، فما ذاك؟ قال: ما تركت لي مالا إلّا رهنته، ولا صديقا إلّا كلّفته - قال أبو يحيى: يقول لي ابن زريق [2]: حتّى كأنّ لي ديّانا وعليه مالا - فقال له السّريّ:/ وما دينك؟ قال: سبعمائة دينار. قال: قد قضاها اللّه عزّ وجلّ عنك. قال: فأقام أيّاما، ثم قال لي: قد اشتقت. فقلت له: قل شعرا تشوّق فيه. فقال قصيدته التي يقول فيها:
أألحمامة [3] في نخل ابن هدّاج ... هاجت صبابة عاني القلب مهتاج
أم المخبّر أنّ الغيث قد وضعت ... منه العشار تماما غير إخداج [4]
شقّت [5] سوائفها بالفرش [6] من ملل ... إلى الأعراف [7] من حزن وأولاج [8]
حتّى كأنّ وجوه الأرض ملبسة ... طرائفا من سدى عصب وديباج
/ وهي طويلة مختارة من شعره، يقول فيها يمدح السّريّ:
أمّا السّريّ فإنّي سوف أمدحه ... ما المادح الذاكر الإحسان كالهاجي
ذاك الذي هو بعد اللّه أنقذني ... فلست أنساه إنقاذي وإخراجي
ليث بحجر إذا ما هاجه فزع ... هاج إليه بالجام وإسراج
لأحبونّك مما أصطفي مدحا ... مصاحبات لعمّار وحجّاج
أسدى الصنيعة من برّ ومن لطف ... إلى قروع لباب الملك ولّاج
كم من يد لك في الأقوام قد سلفت ... عند امرىء ذي غنى أو عند محتاج
__________
[1] الزيادة عن «مختار الأغاني» لابن منظور.
[2] كذا ورد هذا الاسم هنا في جميع الأصول. (انظر ص 382 من هذا الجزء).
[3] في «مختار الأغاني» لابن منظور: «إن الحمامة».
[4] أخدجت الناقة: ألقت ولدها قبل أوانه لغير تمام الأيام وإن كان تامّ الخلق.
[5] كذا في م. وشقت: انفطرت عن النبات، أو المراد: شق نباتها؛ فأسند الفعل إلى الأرض على سبيل المجاز؛ يقال: شق النبات يشق شقوقا؛ وذلك أوّل ما تنفطر عنه الأرض. والسوائف: جمع سائفة وهي أرض بين الرمل والجلد أو جانب من الرمل ألين ما يكون. وفي سائر الأصول: «شقت شوائفها».
[6] الفرش: واد بين غميس الحمام وملل، كما في «معجم البلدان» لياقوت، نزله رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حين مسيره إلى بدر. وملل: موضع بين الحرمين؛ سمى بذلك لأن الماشي إليه من المدينة لا يبلغه إلا بعد ملل وجهد. وقد نزله أيضا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حين مسيره إلى بدر.
[7] الأعارف: جبال باليمامة، كما في ياقوت.
[8] كذا في م. والحزن: ما غلظ من الأرض. والأولاج: ما غمض من الأرض، واحده: ولجة. وفي سائر الأصول: «من حزن؟؟؟»
فأمر له بسبعمائة دينار في قضاء دينه، ومائة دينار يتجهّز بها، ومائة دينار يعرّض بها أهله، ومائة دينار إذا قدم على أهله.
قوله: «يعرّض بها أهله» أي يهدي لهم بها هديّة، والعراضة: الهديّة. قال الفرزدق يهجو هشام بن عبد الملك:
كانت عراضتك الّتي عرّضتنا ... يوم المدينة زكمة وسعالا
أنكر شعرا له في بني فاطمة خوفا من العباسيين:
أخبرني الحرميّ قال حدّثنا الزّبير قال حدّثني نوفل بن ميمون قال أخبرني أبو مالك محمد بن عليّ بن هرمة قال:
قال ابن هرمة:
ومهما ألام [1] على حبّهم ... فإنّي أحبّ بني فاطمه
بني بنت من جاء بالمحكما ... ت والدّين والسّنّة القائمه
/ فلقيه بعد ذلك رجل فسأله: من قائلها؟ فقال: من عضّ بظر أمّه. فقال له ابنه: يا أبت، ألست قائلها؟ قال بلى. قال: فلم شتمت نفسك؟ قال: أليس أن يعضّ المرء بظر أمّه خيرا [2] من أن يأخذه ابن قحطبة [3]!
خبره مع رجل يتجر بعرض ابنتيه:
أخبرنا الحرميّ قال حدّثنا الزّبير قال حدّثنا جعفر بن مدرك الجعديّ قال:
جاء ابن هرمة إلى رجل كان بسوق النّبط، معه زوجة له وابنتان كأنّهما ظبيتان [يقود عليهما] [4]، بمال فدفعه إليه، فكان يشتري لهم طعاما وشرابا. فأقام ابن هرمة مع ابنتيه حتّى خفّ ذلك المال، وجاء قوم آخرون معهم مال؛ فأخبرهم بمكان ابن هرمة؛ فاستثقلوه وكرهوا أن يعلم بهم؛ فأمر ابنتيه، فقالتا له: يا أبا إسحاق، أما دريت ما النّاس فيه؟ [قال: وما هم فيه [5]؟ قالتا:] زلزل بالرّوضة، فتغافلهما. ثم جاء أبوهما متفازعا فقال: أي أبا إسحاق، ألا
__________
[1] لم يجزم الفعل هنا، وهو شاذ.
[2] في الأصول: «خير» بدون ألف.
[3] هو حميد بن قحطبة بن شبيب بن خالد بن جعدان الطائي. ولي مصر من قبل الخليفة أبي جعفر المنصور بعد عزل محمد بن الأشعث في أوائل سنة ثلاث وأربعين ومائة. وكان أميرا شجاعا وقائدا مقداما عارفا بأمور الحروب والوقائع، وتنقل في الأعمال الجليلة، معظما عند بني العباس، وقد حضر مع أبيه قحطبة كثيرا من الوقائع في ابتداء دعوة بني العباس. ومات في خلافة المهدي سنة تسع وخمسين ومائة (راجع «النجوم الزاهرة» ج 1 ص 349 طبع دار الكتب المصرية). وفي مختصر كتاب «الأغاني» المسمى «بتجريد الأغاني» من ذكر المثالث والمثاني، لابن واصل الحموي المتوفي سنة 697 ه ورد بعد ذكر هذا الخبر ما نصه: «قلت وإنما خاف ابن هرمة من نسبة الشعر إليه لأن المنصور كان شديد الطلب لمن يميل إلى العلويين والتتبع لمن يحبهم بخروجهم عليه. وكان خرج عليه محمد بن عبد اللّه بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب بالمدينة وأخوه إبراهيم بالبصرة سنة خمس وأربعين ومائة، فهزما وقتلا وحمل رأسهما إليه» اه.
[4] الزيادة عن «مختصر الأغاني» لابن واصل الحموي (ص 192 من النسخة الفوتوغرافية المحفوظة بدار الكتب المصرية تحت رقم 5071 أدب).
[5] الزيادة عن «مختار الأغاني» لابن منظور (ص 85 طبع مصر).
تفزع لما الناس فيه! قال: وما هم فيه؟ قال: زلزل بالرّوضة. قال: قد جاءكم الآن إنسان معه مال، وقد/ نفضت [1] ما جئتكم به وثقلت [2] عليه؛ فأردت إدخاله وإخراجي. أيزلزل بروضة من رياض الجنّة ويترك منزلك وأنت تجمع فيه/ الرجال على ابنتيك! واللّه لا عدت إليه! وخرج من عنده.
وروى هذا الخبر عن الزّبير هارون بن محمد الزيّات فزاد فيه، قال: ثم خرج من عندهم، فأتى عبد اللّه بن حسن فقال: إنّي قد مدحتك فاستمع منّي. قال: لا حاجة لي بذلك، أنا أعطيك ما تريد ولا أسمع. قال: إذا أسقط ويكسد سوقي [3]. فسمع منه وأمر له بمائتي [4] دينار؛ فأخذها وعاد إلى الرجل، وقال: قد جئتك بما تنفقه كيف شئت. ولم يزل مقيما عنده حتّى نفدت.
قصته مع محمد بن عبد العزيز ومحمد بن عمران وغيرهما:
قال الزّبير: وحدّثني عبد الرحمن بن عبد اللّه بن عبد العزيز قال حدّثني عمّي عمران بن عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف قال:
وافينا الحجّ في عام من الأعوام الخالية، فأصبحت بالسّيالة، فإذا إبراهيم بن عليّ ابن هرمة يأتينا؛ فاستأذن على أخي محمد بن عبد العزيز فأذن له؛ فدخل عليه فقال: يا أبا عبد اللّه، ألا أخبرك ببعض ما تستظرف [5]؟ قال:
بلى، وربّما فعلت يا أبا إسحاق. قال: فإنّه أصبح عندنا هاهنا منذ أيام محمد بن عمران وإسماعيل بن عبد اللّه بن جبير، وأصبح ابن عمران بجملين له ظالعين [6]، فإذا رسوله يأتيني أن أجب؛ فخرجت/ حتى أتيته؛ فأخبرني بظلع جمليه، وقال لي: أردت أن أبعث إلى ناضحين [7] لي بعمق [8] لعلي أوتي بهما إلى هاهنا لأمضي عليهما، ويصير هذان الظالعان إلى مكانهما. ففرّغ لنا دارك واشتر لنا علفا واستلنه بجهدك؛ فإنّا مقيمون هاهنا حتى تأتينا [9] جمالنا.
فقلت: في الرّحب والقرب، والدّار [10] فارغة، وزوجته طالق إن اشتريت عود علف، عندي حاجتك منه. فأنزلته ودخلت إلى السوق، فما أبقيت فيه شيئا من رسل [11] ولا جداء ولا طرفة ولا غير ذلك إلا ابتعت منه فاخره، وبعثت به إليه مع دجاج كان عندنا. قال: فبينا أنا أدور في السوق إذ وقف عليّ عبد لإسماعيل بن عبد اللّه يساومني بحمل علف لي، فلم أزل أنا وهو حتّى أخذه منّي بعشرة دراهم، وذهب به فطرحه لظهره. وخرجت عند الرّواح أتقاضى
__________
[1] كذا في م. والذي في «اللسان»: «و أنفض القوم: نفد طعامهم وزادهم مثل أرملوا ... وأنفضوا زادهم أنفدوه ... ونفض القوم نفضا: ذهب زادهم ... وقوم نفض أي نفضوا زادهم». وفي سائر الأصول: «تنضب» وهو تحريف.
[2] في م: «و ثقلت عليكم».
[3] في «مختار الأغاني»: «شعري».
[4] في «مختار الأغاني»: «بمائة».
[5] في م: «ألا أخبرك ببعض ما يستطرف».
[6] الظالع: الذي يغمز في مشيه.
[7] الناضح: البعير يستقى عليه، ثم استعمل في كل بعير وإن لم يحمل الماء.
[8] عمق: ماء ببلاد مزينة من أرض الحجاز، كما في «معجم ما استعجم» للبكري.
[9] كذا في م. وفي سائر النسخ: «حتى يأتينا».
[10] في م: «الدار» بدون واو.
[11] الرسل (بكسر الراء»: اللبن ما كان. والجداء: جمع جدي، وهو الذكر من أولاد المعز. والطرفة: ما يطرف به الرجل صاحبه ويتحفه به.
العبد ثمن حملي، فإذا هو لإسماعيل بن عبد اللّه ولم أكن دريت. فلما رآني مولاه حيّاني ورحّب بي، وقال: هل من حاجة يا أبا إسحاق؟ فأعلمه العبد أنّ العلف لي. فأجلسني فتغدّيت عنده، ثم أمر لي مكان كلّ درهم منها بدينار، وكانت معه زوجته فاطمة بنت عبّاد، فبعثت إليّ بخمسة دنانير. قال: وراحوا، وخرجت بالدنانير ففرّقتها على غرمائي، وقلت: عند ابن عمران عوض منها. قال: فأقام عندي ثلاثا، وأتاه جملاه، فما فعل بي شيئا. فبينا هو يترحّل وفي نفسه منّي ما لا أدري به، إذ كلّم غلاما له بشيء فلم يفهم. فأقبل عليّ فقال: ما أقدر على إفهامه مع قعودك عندي، قد واللّه آذيتني ومنعتني [1] ما أردت. فقمت مغتمّا بالذي قال؛ حتّى إذا كنت على باب الدار لقيني إنسان/ فسألني: هل فعل إليك [2] شيئا؟ فقلت: أنا واللّه بخير إذ تلف [3] مالي وربحت بدني. قال: وطلع عليّ وأنا أقولها، فشتمني واللّه يا أبا عبد اللّه حتّى ما أبقى لي، وزعم أنّه لو لا إحرامه لضربني؛ وراح وما أعطاني درهما.
فقلت:
يا من يعين على ضيف ألمّ بنا ... ليس بذي [4] كرم يرجى ولا دين
أقام عندي ثلاثا سنّة سلفت ... أغضيت منها على الأقذاء والهون [5]
مسافة البيت عشر غير مشكلة ... وأنت تأتيه في شهر وعشرين
/ لست تبالي فوات الحجّ إن نصبت ... ذات الكلال وأسمنت ابن حرقين [6]
تحدّث النّاس عمّا فيك من كرم ... هيهات ذاك لضيفان المساكين
أصبحت تخزن ما تحوي وتجمعه ... أبا سليمان من أشلاء [7] قارون
مثل ابن عمران آباء له سلفوا ... يجزون فعل ذوي الإحسان بالدّون
ألا تكون كإسماعيل إنّ له ... رأيا أصيلا وفعلا غير ممنون
أو مثل زوجته فيما ألمّ بها ... هيهات من أمّها ذات النّطاقين [8]
فلمّا أنشدها قال له محمد بن عبد العزيز: نحن نعينك يا أبا إسحاق؛ لقوله: «يا من يعين». قال: قد رفعك اللّه عن العون الذي أريده، ما أردت إلّا رجلا/ مثل عبد اللّه بن خنزيرة وطلحة أطباء الكلبة يمسكونه لي وآخذ خوط سلم فأوجع به خواصره وجواعره. قال: ولمّا بلغ في إنشاده إلى قوله:
مثل ابن عمران آباء له سلفوا
__________
[1] في م: «قد واللّه آذيتني ومنعني مكانك معي مما أردت».
[2] كذا في م. وفي سائر الأصول: «هل فعل إليّ شيئا».
[3] في م: «أنا واللّه بخير أن تلف ... » وكلتا العبارتين صحيحة.
[4] في م: «فليس ذا كرم ... ».
[5] في ح: « ... على الأقذاء في عيني».
[6] كذا في أكثر الأصول. وفي: ح: «ابن حرفين» بالفاء.
[7] لعله يريد: من بقايا قارون، أو لعلها محرفة عن «أسلاب».
[8] ذات النطاقين: أسماء بنت أبي بكر الصديق؛ سميت بذلك لأن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال لها: «أنت ونطاقاك في الجنة». وقد دخل هذا الشعر السناد، وهو أن يخالف الشاعر بين الحركات التي تلي الأرداف في الرويّ.
أقبل عليّ فقال: عذرا إلى اللّه تعالى وإليكم! إنّي لم أعن من آبائه طلحة بن عبيد اللّه. قال: ونزل إليه إسماعيل بن جعفر بن محمد، وكان عندنا، فلم يكلّمه حتّى ضرب أنفه، وقال له: فعنيت من آبائه أبا سليمان محمد بن طلحة يا دعيّ! قال: فدخلنا بينهما. وجاء رسول محمد بن طلحة بن عبيد اللّه بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصّدّيق رضي اللّه عنه إلى ابن هرمة يدعوه، فذهب إليه. فقال له: ما الذي بلغني من هجائك أبا سليمان! واللّه لا أرضى حتى تحلف ألّا تقول له أبدا إلّا خيرا، وحتى تلقاه فترضّاه إذا رجع، وتحتمل كلّ ما أزلّ إليك وتمدحه.
قال: أفعل، بالحبّ والكرامة. قال: وإسماعيل بن جعفر لا تعرض له إلّا بخير؛ قال نعم. قال: فأخذ عليه الأيمان فيهما وأعطاه ثلاثين دينارا، وأعطاه محمد بن عبد العزيز مثلها. قال: واندفع ابن هرمة يمدح محمد بن عمران:
ألم تر أنّ القول يخلص صدقه ... وتأبى فما تزكو لباغ بواطله
ذممت امرأ لم يطبع [1] الذّمّ عرضه ... قليلا لدى تحصيله من يشاكله
فما بالحجاز من فتى ذي إمارة ... ولا شرف إلا ابن عمران فاضله
فتى لا يطور [2] الذّمّ ساحة بيته ... وتشقى به ليل التّمام [3] عواذله
/ أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا محمد بن القاسم بن مهروية قال حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد قال حدّثنا أحمد بن عمر الزّهريّ قال حدّثنا أبو بكر بن عبد اللّه بن جعفر المسوريّ قال:
مدح إبراهيم بن هرمة محمد بن عمران الطّلحيّ، فألفاه راويته [4] وقد جاءته عير له تحمل غلّة قد جاءته من الفرع [5] أو خيبر. فقال له رجل كان عنده: أعلم واللّه أنّ أبا ثابت بن عمران بن عبد العزيز أغراه بك وأنا حاضر عنده وأخبره بعيرك هذه. فقال: إنّما أراد أبو ثابت أن يعرّضني للسانه، قودوا إليه القطار، فقيد إليه.
طلب من عمر بن القاسم تمرا على ألا يعمل منه نبيذا ثم عمل:
أخبرنا الحرميّ قال حدّثنا الزّبير قال حدّثني يحيى بن محمد عن عبد اللّه [6] بن عمر بن القاسم قال:
جاء أبي تمر من صدقة عمر؛ فجاءه ابن هرمة فقال: أمتع اللّه بك! أعطني من هذا التّمر. قال: يا أبا إسحاق، لو لا أنّي أخاف أن تعمل منه نبيذا لأعطيتك. قال: فإذا علمت أنّي أعمل منه نبيذا لا تعطيني. قال: فخافه فأعطاه.
فلقيه بعد ذلك؛/ فقال له: ما في الدّنيا أجود من نبيذ يجيء من صدقة عمر؛ فأخجله.
سمع جرير شعره فمدحه:
أخبرنا الحرميّ قال أخبرنا الزّبير قال حدّثني عبد الملك بن عبد العزيز قال:
__________
[1] أي لم يسمه بما يشينه. ويحتمل أن يكون من طبع الشي ء: دنس، وأطبعه: دنّسه.
[2] لا يطور: لا يقرب. وفي حديث علي كرم اللّه وجهه: «و اللّه لا أطور به ما سمر سمير» أي لا أقربه.
[3] ليل التمام (بالكسر وقد يفتح): أطول ما يكون من ليالي الشتاء.
[4] كذا في م. وفي سائر الأصول: «روايته»، وهو تحريف.
[5] الفرع (بالضم): قرية من نواحي الرّبذة عن يسار السّقيا بينها وبين المدينة ثمانية برد على طريق مكة.
[6] كذا في م وهو الموافق لما في الطبري (قسم 3 ص 238 طبع أوروبا). وفي سائر الأصول: «عن عبد العزيز بن القاسم»، وهو تحريف.
قدم جرير المدينة، فأتاه ابن هرمة وابن أذينة فأنشداه؛ فقال جرير: القرشيّ أشعرهما، والعربيّ أفصحهما.
مدح المطلب بن عبد اللّه قليم لمدحه غلاما حديث السن فأجاب:
أخبرنا يحيى بن عليّ إجازة قال حدّثني حمّاد بن إسحاق عن أبيه قال حدّثني عبد اللّه بن محمد:
أنّ ابن هرمة قال يمدح أبا الحكم المطّلب بن عبد اللّه:
لمّا رأيت الحادثات كنفنني ... وأورثنني بؤسى ذكرت أبا الحكم
سليل ملوك سبعة قد تتابعوا ... هم المصطفون والمصفّون بالكرم
فلاموه وقالوا: أتمدح غلاما حديث السنّ بمثل هذا! قال نعم! وكانت له ابنة يلقّبها «عيينة» - وقال الزبير: كان يلقّبها «عينة» - فقال:
كانت عيينة فينا وهي عاطلة ... بين الجواريّ فحلّاها أبو الحكم
فمن لحانا على حسن المقال له ... كان المليم وكنّا نحن لم نلم [1]
شكا حاله لعبد العزيز بن المطلب فأكرمه ثم عاوده فردّه فهجاه:
قال يحيى وحدّثني حمّاد بن إسحاق عن أبيه عن الزّبيريّ عن نوفل بن ميمون قال:
أرسل ابن هرمة إلى عبد العزيز بن المطّلب بكتاب يشكو فيه بعض حاله؛ فبعث إليه بخمسة عشر دينارا.
فمكث شهرا ثم بعث يطلب منه شيئا آخر بعد ذلك؛ فقال: إنّا واللّه ما نقوى على ما كان يقوى عليه الحكم بن المطّلب. وكان عبد العزيز قد خطب إلى امرأة من ولد عمر فردّته، فخطب إلى امرأة من بني عامر بن لؤيّ فزوّجوه.
فقال ابن هرمة:
خطبت إلى كعب فرّدّوك صاغرا ... فحوّلت من كعب إلى جذم [2] عامر
وفي عامر عزّ قديم وإنّما ... أجازك فيهم هزل أهل المقابر
/ وقال فيه أيضا:
أبا لبخل تطلب ما قدّمت ... عرانين جادت بأموالها
هيهات! خالفت فعل الكرام ... خلاف الجمال بأبوالها
خبره مع امرأة تزوّجها:
وقال هارون بن محمد حدّثني مغيرة بن محمد قال حدّثني أبو محمد السّهميّ قال حدّثني أبو كاسب [3] قال:
تزوّج ابن هرمة بامرأة؛ فقالت له: أعطني شيئا؛ فقال: واللّه ما معي إلّا نعلاي، فدفعهما إليها، ومضى معها
__________
[1] لم نلم: لم نأت ما نلام عليه؛ ومنه المليم (بضم الميم) من ألام الرجل فهو مليم إذا أتى ما يلام عليه.
[2] الجذم (بالكسر): أصل الشيء.
[3] في م: «ابن كاسب».
فتورّكها مرارا. فقالت له. أجفيتني [1]؛ فقال لها: الذي أحفى صاحبه منّا يعضّ بظر أمّه.
أغراه قوم بالحكم بن المطلب بأن يطلب منه شاة كانت عزيزة عليه فأعطاه الحكم كل ما عنده من شاء:
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا محمد بن القاسم بن مهروية قال حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد قال حدّثني المسيّبيّ محمد بن إسحاق قال حدّثني إبراهيم بن سكرة جار أبي ضمرة قال:
جلس ابن هرمة مع قوم على شراب، فذكر الحكم بن المطّلب فأطنب في مدحه. فقالوا له: إنّك لتكثر ذكر رجل لو طرقته الساعة في شاة يقال لها «غرّاء» تسأله إيّاها لردّك عنها. فقال: أهو يفعل هذا؟ قالوا: إي واللّه. وكانوا قد عرفوا أنّ الحكم بها معجب، وكانت في داره سبعون شاة تحلب. فخرج وفي رأسه ما فيه، فدقّ الباب فخرج إليه غلامه. فقال له: أعلم أبا مروان بمكاني - وكان قد أمر ألّا يحجب إبراهيم بن هرمة عنه - فأعلمه به، فخرج إليه متّشحا فقال: أفي مثل هذه الساعة يا أبا إسحاق! فقال: نعم/ جعلت فداك، ولد لأخ لي مولود فلم تدرّ عليه أمّه، فطلبوا/ له شاة حلوبة فلم يجدوها، فذكروا له شاة عندك يقال لها «غرّاء»، فسألني أن أسألكها. فقال: أتجيء في هذه الساعة ثم تنصرف بشاة واحدة! واللّه لا تبقى في الدار شاة إلّا انصرفت بها، سقهنّ معه يا غلام، فساقهنّ.
فخرج بهنّ إلى القوم، فقالوا: ويحك! أيّ شيء صنعت! فقصّ عليهم القصة. قال: وكان فيهنّ واللّه ما ثمنه عشرة دنانير وأكثر من عشرة.
لما سمع بقتل الوليد أنشد شعرا في مدحه:
قال هارون وحدّثني حمّاد بن إسحاق قال ذكر أبي عن أيّوب بن عباية عن عمر بن أيّوب اللّيثيّ قال:
شرب ابن هرمة عندنا يوما فسكر فنام. فلمّا حضرت الصلاة تحرّك أو حرّكته. فقال لي وهو يتوضّأ: ما كان حديثكم اليوم؟ قلت يزعمون أنّ الوليد قتل؛ فرفع رأسه إليّ وقال:
وكانت أمور الناس منبتّة القوى ... فشدّ الوليد حين قام نظامها
خليفة حقّ لا خليفة باطل ... رمى عن قناة الدّين حتى أقامها
ثم قال لي: إيّاك أن تذكر من هذا شيئا؛ فإنّي لا أدري ما يكون.
كان ابن الأعرابي يقول: ختم الشعراء بابن هرمة:
أخبرني عليّ بن سليمان النحويّ قال حدّثنا أبو العبّاس الأحول عن ابن الأعرابيّ: أنه كان يقول: ختم الشعراء بابن هرمة.
سكر مرّة سكرا شديدا فعتب عليه جيرانه فأجابهم:
أخبرنا يحيى بن عليّ بن يحيى قال أخبرني أحمد بن يحيى البلاذريّ:
__________
[1] أحفيتني هنا: أجهدتني.
[2] كذا في ح. وفي م: «فذكرت لي شاة». وفي سائر الأصول: «فذكرت شاة».
/ أنّ ابن هرمة كان مغرما بالنبيذ، فمرّ على جيرانه وهو شديد [1] السّكر حتى دخل منزله. فلمّا كان من الغد دخلوا عليه [2] فعاتبوه على الحال التي رأوه عليها؛ فقال لهم: أنا في طلب مثلها منذ دهر، أما سمعتم قولي:
أسأل اللّه سكرة قبل موتي ... وصياح الصّبيان يا سكران
قال: فنفضوا ثيابهم وخرجوا، وقالوا: ليس يفلح واللّه هذا أبدا.
لم يحمل جنازته إلا أربعة نفر وكان ذلك مصداقا لشعر له:
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال: أنشدني عمّي لابن هرمة:
ما أظنّ الزمان يا أمّ عمر [3] ... تاركا إن هلكت من يبكيني
قال: فكان واللّه كذلك؛ لقد مات فأخبرني من رأى جنازته ما يحملها إلّا أربعة نفر، حتّى دفن بالبقيع.
ولد سنة 90 ه ومدح المنصور وعمره خمسون سنة وعاش بعد ذلك طويلا:
قال يحيى بن عليّ - أراه [4] عن البلاذريّ - : ولد ابن هرمة سنة تسعين، وأنشد أبا جعفر المنصور في سنة أربعين ومائة قصيدته التي يقول فيها:
إنّ الغواني قد أعرضن مقلية ... لمّا رمى هدف الخمسين ميلادي
قال: ثم عمّر بعدها مدّة طويلة.
__________
[1] في «مختار الأغاني» لابن منظور (ج 1 ص 92 طبع مصر): «منبتّ سكرا» أي منقطع. وفيء، ط، م: «فمر على جيرانه وهو مثبت سكرا» بالثاء المثلثة وهو تصحيف عن «منبت».
[2] كذا في «مختار الأغاني» لابن منظور. وفي جميع الأصول: «إليه».
[3] في ح: «يا أم سعد».
[4] في م: «رواه عن البلاذريّ».
55 - ذكر أخبار يونس الكاتب
نسب يونس الكاتب ومنشؤه ومن أخذ عنهم، وهو أوّل من دوّن الغناء:
هو يونس بن سليمان بن كرد بن شهريار، من ولد هرمز. وقيل: إنّه مولى لعمرو بن الزّبير. ومنشؤه ومنزله بالمدينة. وكان أبوه فقيها [1]، فأسلمه في الديوان فكان من كتّابه. وأخذ الغناء عن معبد وابن سريج وابن محرز والغريض، وكان أكثر روايته عن معبد؛ ولم يكن في أصحاب معبد أحذق ولا أقوم بما أخذ عنه منه. وله غناء حسن، وصنعة كثيرة، وشعر جيّد. وكتابه في الأغاني ونسبها إلى من غنّى فيها هو الأصل الذي يعمل عليه ويرجع إليه. وهو أوّل من دوّن الغناء.
شعر مسعود بن خالد في مدحه:
أخبرنا محمد بن خلف وكيع قال حدّثنا حماد بن إسحاق قال حدّثني أبي قال/ أنشدني مسعود بن خالد الموريانيّ [2] لنفسه في يونس:
يا يونس الكاتب يا يونس ... طاب لنا اليوم بك المجلس
إنّ المغنّين إذا ما هم ... جاروك أخنى بهم المقبس
تنشر ديباجا وأشباهه ... وهم إذا ما نشروا كربسوا [3]
خرج مع بعض فتيان المدينة إلى دومة فتغنوا واجتمع عليهم النساء فتغنى ابن عائشة ففرق جمعهم إليه:
أخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد عن أبيه قال: ذكر إبراهيم بن قدامة الجمحيّ قال:
اجتمع فتيان من فتيان أهل المدينة فيهم يونس الكاتب وجماعة ممن يغنّي، فخرجوا إلى واد يقال له دومة من بطن العقيق، في أصحاب لهم فتغنّوا، واجتمع/ إليهم نساء أهل الوادي - قال بعض من كان معهم: فرأيت حولنا مثل مراح الضأن - وأقبل محمد بن عائشة ومعه صاحب له؛ فلمّا رأى جماعة النساء عندهم حسدهم، فالتفت إلى صاحبه فقال: أما واللّه لأفرّقنّ هذه الجماعة! فأتى قصرا من قصور العقيق، فعلا سطحه وألقى رداءه واتّكأ عليه وتغنّى:
__________
[1] في «مختصر الأغاني» لابن واصل الحموي: «و كان أبوه مقيما بها».
[2] كذا في أكثر الأصول، وهو الموافق لما في «تاريخ الطبري» (قسم ثالث ص 370 و372 طبع أوروبا). والمورياني (بضم الميم وكسر الراء): نسبة إلى موريان: قرية بخوزستان. وفي م: «المرزباني» وهو تحريف.
[3] كربسوا: أتوا بالكرابيس، وهي الثياب الخشنة من القطن.
صوت
هذا مقام مطرّد ... هدمت منازله ودوره
رقّى [1] عليه عداته ... ظلما فعاقبه أميره
- الغناء لابن عائشة رمل بالوسطى، والشعر لعبيد بن حنين مولى آل زيد بن الخطّاب، وقيل: إنّه لعبد اللّه بن أبي كثير مولى بني مخزوم - قال: فو اللّه ما قضى صوته حتّى ما بقيت امرأة منهنّ إلّا جلست تحت القصر الذي هو عليه وتفرّق عامّة أصحابهم. فقال يونس وأصحابه: هذا عمل ابن عائشة وحسده.
صاحب الشعر الذي تغنى به ابن عائشة وسبب قوله:
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثنا أبو غسّان محمد بن يحيى عن أبيه قال:
تزوّج عبد اللّه بن أبي كثير مولى بني مخزوم بالعراق في ولاية مصعب بن الزّبير امرأة من بني عبد بن [2] بغيض بن عامر بن لؤيّ، ففرّق مصعب بينهما. فخرج حتّى قدم على عبد اللّه بن الزّبير بمكة فقال:
/هذا مقام مطرد ... هدمت منازله ودوره
رقّت عليه عداته ... كذبا فعاقبه أميره
في أن شربت بجمّ ما ... ء كان حلّا لي غديره
فلقد قطعت الخرق [3] بع ... د الخرق معتسفا [4] أسيره
حتّى أتيت خليفة الرّحمن ممهودا سريره
حيّيته بتحيّة ... في مجلس حضرت [5] صقوره
فكتب عبد اللّه إلى مصعب: أن اردد عليه امرأته؛ فإنّي لا أحرّم ما أحلّ اللّه عزّ وجلّ؛ فردّها عليه. هذه رواية عمر بن شبّة.
وأخبرني الحسن بن عليّ عن حمّاد بن إسحاق عن أبيه عن المدائنيّ عن سحيم بن حفص: أنّ المتزوّج بهذه المرأة عبيد بن حنين مولى آل زيد بن الخطّاب، وأنّ المفرّق. بينهما الحارث بن عبد اللّه بن أبي ربيعة الذي يقال له القباع [6]؛ وذكر باقي الخبر مثل الأوّل.
__________
[1] رقى عليه عداته: تقوّلوا عليه ما لم يقل. قال في «القاموس»: ورقّى عليه كلاما ترقية: رفع. وفي «اللسان» «و نهاية ابن الأثير»:
« ... وفي حديث استراق السمع: ولكنهم يرقّون فيه أي يتزيدون؛ يقال: رقّى فلان عليّ الباطل؛ إذا تقوّل ما لم يكن وزاد فيه».
[2] كذا في أكثر الأصول. وبغيض بن عامر كان شريفا، وهو الذي نقل الحطيئة إلى جواره من جوار الزبرقان. وأدرك بغيض الإسلام ووفد إلى النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فسماه حبيبا. وفي م: «من عبد بغيض». وفي ح: «من بني عبد الغيض».
[3] الخرق: القفر.
[4] معتسفا: خابطا الطريق على غير هداية ولا دراية. وفي م: «منقطعا أسيره».
[5] كذا في أكثر الأصول. وفي ب، س: «حصرت» بالصاد المهملة.
[6] كان الحارث بن عبد اللّه أميرا على البصرة، ولقبه أهلها القباع؛ وذلك أنه مر بقوم يكيلون بقفيز فقال: إن قفيزكم لقباع. أي كبير -
ذهب إلى الشام فبعث إليه الوليد بن يزيد ليغنيه ثم وصله:
أخبرني عمّي قال حدّثني طلحة بن عبد اللّه الطّلحيّ قال حدّثني أحمد/ بن الهيثم قال:
خرج يونس الكاتب من المدينة إلى الشأم في تجارة؛ فبلغ الوليد بن يزيد مكانه؛ فلم يشعر يونس إلّا برسله قد دخلوا عليه الخان، فقالوا له: أجب الأمير - والوليد إذ ذاك أمير - قال: فنهضت معهم حتى أدخلوني على الأمير، لا أدري/ من هو، إلّا أنّه من أحسن الناس وجها وأنبلهم، فسلمت عليه، فأمرني بالجلوس، ثم دعا بالشراب والجواري؛ فكنّا [1] يومنا وليلتنا في أمر عجيب. وغنيّته فأعجب بغنائي إلى أن غنّيته:
إن يعش مصعب فنحن بخير ... قد أتانا من عيشنا ما نرجّي
ثم تنبّهت فقطعت الصوت. فقال: ما لك؟ فأخذت أعتذر من غنائي بشعر في مصعب. فضحك وقال: إنّ مصعبا قد مضى وانقطع أثره ولا عداوة بيني وبينه، وإنّما أريد الغناء، فأمض الصوت؛ فعدت فيه فغنّيته. فلم يزل يستعيدنيه حتى أصبح، فشرب مصطبحا وهو يستعيدني هذا الصوت ما يتجاوزه حتى مضت ثلاثة أيّام. ثم قلت له:
جعلني اللّه فداء الأمير! أنا رجل تاجر خرجت مع تجّار وأخاف أن يرتحلوا فيضيع مالي. فقال لي: أنت تغدو غدا؛ وشرب باقي ليلته، وأمر لي بثلاثة آلاف دينار فحملت إليّ، وغدوت إلى أصحابي. فلمّا خرجت من عنده سألت عنه، فقيل لي: هذا الأمير الوليد بن يزيد وليّ عهد أمير المؤمنين هشام. فلمّا استخلف بعث إليّ فأتيته، فلم أزل معه حتى قتل.
صوت من المائة المختارة
أصواته المعروفة بالزبائب:
أقصدت زينب قلبي بعد ما ... ذهب الباطل عنّي والغزل
وعلا المفرق شيب شامل ... واضح في الرأس منّي واشتعل
الشعر لابن رهيمة المدنيّ. والغناء في اللحن المختار لعمر الواديّ ثاني ثقيل بالبنصر في مجراها عن إسحاق.
وفيه ليونس الكاتب لحنان: أحدهما خفيف ثقيل/ أوّل بالبنصر [2] في مجرى الوسطى عن إسحاق، والآخر رمل بالسبّابة في مجرى البنصر عنه أيضا. وفيه رملان بالوسطى والبنصر: أحدهما لابن المكّيّ، والآخر لحكم، وقيل:
إنه لإسحاق من رواية الهشاميّ. ولحن يونس في هذا الشعر من أصواته المعروفة بالزّيانب، والشعر فيها كلّها لابن رهيمة في زينب بنت عكرمة بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام؛ وهي سبعة: أحدها قد مضى. والآخر:
__________
- واسع. (راجع «النقائض» ص 607 «و عيون الأخبار» ج 2 ص 17 «و الأغاني» ج 1 ص 110 من هذه الطبعة).
[1] في «نهاية الأرب» للنويري (ج 4 ص 310 طبع دار الكتب المصرية): «فمكثنا».
[2] في ح: «أوّل بالخنصر».
صوت
أقصدت زينب قلبي ... وسبت عقلي ولبّي
تركتني مستهاما ... أستغيث اللّه ربّي
ليس لي ذنب إليها ... فتجازيني بذنبي
ولها عندي ذنوب ... في تنائيها وقربي
غنّاه يونس رملا بالبنصر. وفيه لحكم هزج خفيف بالسبّابة في مجرى البنصر عن إسحاق.
ومنها:
صوت
/وجد الفؤاد بزينبا ... وجدا شديدا متعبا
أصبحت من وجدي بها ... أدعى سقيما مسهبا [1]
وجعلت زينب سترة ... وأتيت أمرا معجبا
غنّاه يونس ثقيلا أوّل مطلقا في مجرى البنصر عن عمرو وإسحاق، وهو مما يشكّ فيه من غناء يونس. ولعليّة بنت المهديّ فيه ثقيل أوّل آخر لا يشكّ فيه أنّه لها،/ كنت فيه عن رشأ الخادم - وذكر أحمد بن عبيد أنّ فيه من الغناء لحنين هما جميعا من الثقيل الأوّل ليونس - ومن لا يعلم يزعم أنّ الشّعر لها.
ومنها:
صوت
إنّما زينب المنى ... وهي الهمّ والهوى
ذات دلّ تضني الصّحي [2] ... ح وتبري من الجوى
لا يغرّنك أن دعو ... ت فؤادي فما التوى [3]
واحذري هجرة الحبي ... ب إذا ملّ وانزوى
غنّاه يونس رملا بالخنصر في مجرى البنصر عن إسحاق.
ومنها:
صوت
إنّما زينب همّي ... بأبي تلك وأمّي
بأبي زينب لا أك ... ني ولكنّي أسمّي
__________
[1] أسهب الرجل (مبنيا للمجهول): ذهب عقله، أو تغير لونه من حب أو غيره.
[2] في ح: « ... تصبي الحليم».
[3] كذا في م. وفي ح: «إلى التوى» بالتاء المثناة من فوق. والتوى: الهلاك. وفي سائر الأصول: «إلى النوى» بالنون.
بأبي زينب من قا ... ض قضى عمدا بظلمي
بأبي من ليس لي في ... قلبه قيراط رحم [1]
غنّاه يونس رملا بالبنصر عن عمرو، وله فيه لحن آخر.
ومنها:
صوت
يا زينب الحسناء يا زينب ... يا أكرم النّاس إذا تنسب
تقيك نفسي حادثات الرّدى ... والأم تفديك معا والأب
/ هل لك في ودّ امرىء صادق ... لا يمذق الودّ ولا يكذب
لا يبتغي في ودّه محرما ... هيهات منك العمل الأريب [2]
غنّاه يونس ثاني ثقيل بالسبّابة في مجرى الوسطى عن إسحاق.
ومنها:
صوت
فليت الذي يلحى على زينب المنى ... تعلّقه مما لقيت عشير [3]
فحسبي له بالعشر ممّا لقيته ... وذلك فيما قد تراه يسير
غنّاه يونس ثاني ثقيل بالوسطى في مجراها عن الهشامي.
هذه سبعة أصوات قد مضت وهي المعروفة بالزيانب. ومن الناس من يجعلها ثمانية، ويزيد فيها لحن يونس في:
تصابيت أم هاجت لك الشوق زينب
وليس هذا منها؛ وإن كان ليونس لحنه، فإنّ/ شعره لحجيّة بن المضرّب الكنديّ، وقد كتب في موضع آخر؛ وإنّما الزيانب في شعر ابن رهيمة. ومنهم من يعدّها تسعة ويضيف إليها:
قولا لزينب لو رأي ... ت تشوّقي لك واشترافي [4]
وهذا اللحن لحكم. والشعر لمحمد بن أبي العبّاس السفّاح في زينب بنت سليمان بن عليّ، وقد كتب في موضع آخر.
انقضت أخبار يونس الكاتب.
__________
[1] الرحم: (بالضم): مصدر رحم كالرحمة.
[2] المحرم: الحرام. والأريب: ذو الريب. وفي م: «العمل الأعيب».
[3] العشير: جزء من عشرة أجزاء كالعشر.
[4] الاشتراف: التطلع.
56 - أخبار ابن رهيمة
شبب بزينب بنت عكرمة فأمر هشام بن عبد الملك بضربه فتوارى وظهر في أيام الوليد بن يزيد وقال شعرا:
أخبرني محمد بن جعفر النحويّ قال حدّثنا أحمد بن القاسم قال حدّثني أبو هفّان عن إسحاق قال:
كان ابن رهيمة يشبّب بزينب بنت عكرمة بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، ويغني يونس بشعره، فافتضحت بذلك. فاستعدى عليه أخوها هشام بن عبد الملك، فأمر بضربه خمسمائة سوط، وأن يباح دمه إن وجد قد عاد لذكرها، وأن يفعل ذلك بكلّ من غنّى في شيء من شعره. فهرب هو ويونس فلم يقدر عليهما. فلمّا ولي الوليد بن يزيد ظهرا. وقال ابن رهيمة:
لئن كنت أطردتني [1] ظالما ... لقد كشف اللّه ما أرهب
ولو نلت منّي ما تشتهي ... لقلّ إذا رضيت زينب
وما شئت فاصنعه بي بعد ذا ... فحبّي لزينب لا يذهب
وفي الأصوات المعروفة بالزيانب يقول أبان بن عبد الحميد اللّاحقيّ:
أحبّ [2] من الغناء خفي ... فه إن فاتني الهزج
وأشنأ «ضوء برق» [3] مث ... ل ما أشنا «عفا مزج»
وأبغض «يوم تنأى و ... «الزّيانب» كلّها سمج
/ ويعجببي لإبراه ... يم والأوتار تختلج [4]
«أدير مدامة صرفا ... كأنّ صبيبها ودج» [5]
يعني أبان لحن إبراهيم. والشعر لأبان أيضا، وهو:
__________
[1] أطرده: صيره طريدا. وأطرد السلطان فلانا: أمر بطرده أو بإخراجه من البلد.
[2] وردت هذه الأبيات في كتاب «الأوراق» للصولي (المحفوظ منه نسخة خطية بدار الكتب المصرية تحت رقم 3530 أدب) ضمن قصيدة طويلة مثبتة في ترجمة أبان هذا، ومطلعها:
أأحزنك الألى ردّوا ... جمال الحيّ وادّلجوا
[3] يريد الشاعر بما وضعناه بين هذه العلامات أصواتا في الغناء.
[4] كذا في كتاب «الأوراق» للصولي. وفي الأصول: «تعتلج» بالعين المهملة. وما أثبتناه أنسب بالمعنى. على أن كلمة «تعتلج» قد وردت في بيت آخر من هذه القصيدة، وهو:
نعم فبنات همّ الصد ... ر في الأحشاء تعتلج
[5] الودج: عرق الأخدع الذي يقطعه الذابح فلا يبقى معه حياة. والمراد تشبيه لون الخمرة بلون الدم الذي يسيل من الأخدع عند الذبح.
صوت
أدير [1] مدامة صرفا ... كأنّ صبيبها ودج
فظلّ تخاله ملكا ... يصرّفها ويمتزج
الشعر لأبان، والغناء لإبراهيم ثاني ثقيل بالخنصر في مجرى الوسطى عن إسحاق. وفيه لابن جامع ثاني ثقيل بإطلاق الوتر في مجرى الوسطى عن إسحاق أيضا.
وممّا في غناء يونس من المائة المختارة المذكورة في هذا الكتاب:
صوت من المائة المختارة
ألا يا لقومي للرّقاد المسهّد [2] ... وللماء ممنوعا من الحائم الصّدي
وللحال بعد الحال يركبها الفتى ... وللحبّ بعد السّلوة المتمرّد [3]
/الشعر لإسماعيل بن يسار النّسائي من قصيدة مدح بها عبد الملك بن مروان؛ وذكر يحيى بن عليّ عن أبيه عن إسحاق: أنّها [4] للغول بن عبد اللّه بن صيفيّ الطّائي. والصحيح أنّها لإسماعيل. وأنا أذكر خبره مع عبد الملك بن مروان ومدحه إيّاه بها ليعلم صحّة ذلك. والغناء ليونس، ولحنه المختار من القدر الأوسط من الثقيل الأوّل مطلق في مجرى البنصر. وتمام هذه الأبيات:
وللمرء لا عمّن [5] يحبّ بمرعو ... ولا لسبيل الرّشد يوما بمهتدى
وقد قال أقوام وهم يعذلونه [6] ... لقد طال تعذيب الفؤاد المصيّد
__________
[1] نسب المؤلف هذين البيتين في (ج 12 ص 110 طبع بلاق) المطبع بن إياس. وهو خطأ.
[2] في «مختصر الأغاني» لابن واصل الحموي: «المشرّد».
[3] في م: «المتردّد».
[4] كذا في ط، ح، ء. وفي سائر الأصول: «أنه للغول». والتذكير باعتبار أنه شعر.
[5] كذا في م، وفي سائر النسخ: «عما»، وكلاهما صحيح.
[6] في م: «يعذلونني ... الفؤاد المعبّد». وفي ح:
لقد طاب تعذيب الفؤاد المفند
57 - أخبار إسماعيل بن يسار ونسبه
كان منقطعا إلى آل الزبير ثم اتصل بعبد الملك بن مروان ومدحه والخلفاء من ولده:
حدّثني عمّي قال حدّثني أحمد بن أبي خيثمة قال حدّثنا مصعب بن عبد اللّه الزّبيريّ قال:
كان إسماعيل بن يسار النّسائيّ مولى بني تيم بن مرّة: تيم قريش، وكان منقطعا إلى آل الزّبير. فلمّا أفضت الخلافة إلى عبد الملك بن مروان، وفد إليه مع عروة بن الزّبير، ومدحه ومدح الخلفاء من ولده بعده. وعاش عمرا طويلا إلى أن أدرك آخر سلطان بني أميّة، ولم يدرك الدولة العبّاسيّة. وكان طيّبا مليحا مندرا [1] بطّالا، مليح الشّعر، وكان كالمنقطع إلى عروة بن الزّبير، وإنّما سمّي إسماعيل بن يسار النّسائيّ [2]، لأنّ أباه كان يصنع طعام العرس ويبيعه، فيشتريه منه من أراد التعريس من المتجمّلين وممن لم تبلغ حاله اصطناع ذلك.
سبب تلقيبه بالنسائي:
وأخبرني الأسديّ قال حدّثنا أبو الحسن محمد بن صالح بن النّطّاح قال:
إنّما سمّي إسماعيل بن يسار النّسائيّ لأنه كان يبيع النّجد والفرش التي تتّخذ للعرائس؛ فقيل له إسماعيل بن يسار النّسائيّ.
وأخبرني محمد بن العبّاس اليزيديّ قال حدّثنا الخليل بن أسد عن ابن عائشة:
أنّ إسماعيل بن يسار النّسائيّ إنّما لقّب بذلك لأنّ أباه كان يكون عنده طعام العرسات [3] مصلحا أبدا؛ فمن طرقه وجده عنده معدّا.
نادرة له مع عروة بن الزبير أثناء سفرهما للشام:
أخبرني عليّ بن سليمان الأخفش قال حدّثنا أحمد بن يحيى ثعلب قال حدّثني الزّبير بن بكّار قال قال مصعب بن عثمان:
لمّا خرج عروة بن الزّبير إلى الشأم يريد الوليد بن عبد الملك، أخرج معه إسماعيل بن يسار النّسائيّ، وكان منقطعا إلى آل الزّبير، فعادله [4]. فقال عروة ليلة من اللّيالي لبعض غلمانه: انظر كيف ترى المحمل؟ قال: أراه
__________
[1] مندرا: يأتي بالنوادر من قول أو فعل. وبطال: كثير الهزل والمزاح؛ يقال: بطل الرجل يبطل بطالة (من باب فرح) إذا هزل.
[2] النسائيّ: نسبة إلى النساء الذي هو من أسماء جموع المرأة. وفي «اللسان»: أن سيبويه يقول في النسبة إلى نساء: نسوي ردّا له إلى واحده.
[3] العرسات: جمع عرس وهو طعام الوليمة. وفي ح، م: «العرسان» بالنون في آخره. وفي سائر الأصول: «العرسيات».
[4] عادله: ركب معه في المحمل مقابلا له.
معتدلا. قال إسماعيل: اللّه أكبر، ما اعتدل الحقّ والباطل قبل الليلة قطّ؛ فضحك عروة، وكان يستخفّ إسماعيل ويستطيبه.
تساب هو وآخر يكنى أبا قيس في اسميهما فغلبه:
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا أحمد بن سعيد قال حدّثنا الزّبير قال حدّثني عمّي عن أيّوب بن عباية المخزوميّ:
أنّ إسماعيل بن يسار كان ينزل في موضع يقال له حديلة [1] وكان له جلساء يتحدّثون عنده، ففقدهم أيّاما، وسأل عنهم فقيل: هم عند رجل يتحدّثون إليه طيّب الحديث حلو ظريف قدم عليهم يسمّى محمدا ويكنى أبا قيس.
فجاء إسماعيل فوقف عليهم، فسمع الرجل القوم يقولون: قد جاء صديقنا إسماعيل بن يسار؛ فأقبل عليه فقال له:
أنت إسماعيل؟ قال نعم. قال: رحم اللّه أبويك فإنّهما سمّياك باسم صادق الوعد وأنت أكذب الناس. فقال له:
إسماعيل: ما اسمك؟ قال: محمد. قال: أبو من؟ قال: أبو قيس. قال: لا [2]! ولكن لا رحم اللّه أبويك؛ فإنّهما سمّياك باسم نبيّ وكنّياك بكنية قرد./ فأفحم الرجل وضحك القوم، ولم يعد إلى مجالستهم، فعادوا إلى مجالسة إسماعيل.
استأذن على الغمر بن يزيد فحجبه ساعة فدخل يبكي لحجبه وادّعى نيته نفاقا:
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا أحمد بن الحارث الخرّاز [3] قال حدّثنا المدائنيّ عن نمير العذريّ قال:
استأذن إسماعيل بن يسار النّسائيّ على الغمر بن يزيد بن عبد الملك يوما، فحجبه ساعة ثم أذن له، فدخل يبكي. فقال له الغمر: مالك يا أبا فائد تبكي؟ قال: وكيف لا أبكي وأنا على مروانيّتي ومروانيّة أبي أحجب عنك! فجعل الغمر يعتذر إليه وهو يبكي؛ فما سكت حتّى وصله الغمر بجملة لها قدر. وخرج من عنده، فلحقه رجل فقال له: أخبرني ويلك يا إسماعيل، أيّ مروانيّة كانت لك أو لأبيك؟ قال: بغضنا إيّاهم، امرأته [4] طالق إن لم يكن يلعن [5] مروان وآله كلّ يوم مكان التسبيح، وإن لم يكن أبوه حضره الموت، فقيل له: قل لا إله إلّا اللّه، فقال: لعن اللّه مروان، تقرّبا بذلك إلى اللّه تعالى وإبدالا له من التوحيد وإقامة له مقامه.
شعره الذي يفخر فيه بالعجم على العرب:
أخبرني عمّي قال حدّثني أبو أيّوب المدينيّ قال حدّثني مصعب قال:
قال إسماعيل بن يسار النّسائيّ قصيدته التي أوّلها:
__________
[1] كذا في ب، ح. ء، ط. وحديلة محلة بالمدينة بها دار عبد الملك بن مروان. وفي سائر الأصول: «جديلة» بالجيم. وجديلة: مكان في طريق خارج البصرة؛ وهذا لا يتفق مع سياق الخبر.
[2] في ح: «قال: ولكن لا رحم ... إلخ» بدون «لا».
[3] كذا في ح، وهو الصواب. (راجع الحاشية 2 ص 277 ج 3 من هذه الطبعة). وفي سائر الأصول: «أحمد بن إسماعيل الخزاز» بزايين.
[4] في ط، ء: «مرته الطلاق». مرة (على وزن ستة): لغة في امرأة.
[5] كذا في ط، م. ء. وفي سائر الأصول: «إن لم تكن أمه تلعن ... إلخ».
ما على رسم منزل بالجناب [1] ... لو أبان الغداة رجع الجواب
غيّرته الصّبا وكلّ ملثّ [2] ... دائم الودق مكفهرّ السّحاب
/ دار هند وهل زماني بهند ... عائد بالهوى وصفو الجناب
كالذي كان والصفاء مصون ... لم تشبه بهجرة واجتناب
ذاك منها إذ أنت كالغصن غضّ ... وهي رؤد [3] كدمية المحراب
غادة تستبي العقول بعذب ... طيّب الطعم بارد الأنياب
وأثيث [4] من فوق لون نقيّ ... كبياض اللّجين في الزّرياب
فأقلّ الملام فيها وأقصر ... لجّ قلبي من لوعة واكتئاب [5]
صاح أبصرت أو سمعت براع ... ردّ في الضّرع ما قرى في العلاب [6]
[انقضت شرّتي وأقصر جهلي ... واستراحت عواذلي من عتابي] [7]
وقال فيها يفخر على العرب بالعجم:
ربّ خال متوّج لي وعمّ ... ماجد مجتدى كريم النّصاب
إنّما سمّي الفوارس بالفر ... س مضاهاة رفعة الأنساب
فاتركي الفخر يا أمام علينا ... واتركي الجور وانطقي بالصّواب
واسألي إن جهلت عنّا وعنكم ... كيف كنّا في سالف الأحقاب
إذ نربّي بناتنا وتدسّو ... ن سفاها بناتكم في التّراب
/ فقال رجل من آل كثير بن الصّلت: إنّ حاجتنا إلى بناتنا غير حاجتكم؛ فأفحمه. يريد: أنّ العجم يربّون بناتهم لينكحوهنّ، والعرب لا تفعل ذلك. وفي هذه الأبيات غناء، نسبته:
__________
[1] الجناب (بالفتح): الفناء وما قرب من محلة القوم، وقيل: هو موضع في أرض كلب في السّماوة بين العراق والشام. والجناب (بالكسر): موضع بعراض خيبر وسلاح ووادي القرى، وقيل: هو من منازل بني مازن. وقال نصر: الجناب: من ديار بني فزارة بين المدينة وفيد. (انظر «معجم البلدان» لياقوت).
[2] يقال: ألثّ المطر ولث إذا أقام أياما ولم يقلع. والودق: المطر.
[3] الرؤد: الشابة الحسنة. والدّمية: الصورة.
[4] شعر أثيث: كثير عظيم. والزرياب: الذهب، وقيل: ماؤه، معرب زرأي ذهب، وآب أي ماء (خففت الهمزة فأبدلت ياء). وفي ح: «و الزرباب» بواو العطف.
[5] فيء، ط: «من عولتي واكتئابي». والعولة والعول: البكاء والصياح.
[6] كذا في أكثر الأصول. وقرى الماء في الحوض: جمعه. والعلاب: جمع علبة، وهي إناء كالقدح الضخم، تتخذ من جلود الإبل أو الخشب يحلب فيها. وفيء، ط و «تجريد الأغاني» لابن واصل الحموي: «الحلاب» بالحاء المهملة. والحلاب (بالكسر): الإناء الذي يحلب فيه اللبن.
[7] الزيادة عن «تجريد الأغاني» لابن واصل الحموي، وقد ذكره المؤلف بعد قليل.
صوت
صاح أبصرت أو سمعت براع ... ردّ في الضّرع ما قرى في العلاب
انقضت شرّتي وأقصر جهلي ... واستراحت عواذلي من عتابي
/ الشعر لإسماعيل بن يسار النّسائيّ. والغناء لمالك خفيف ثقيل بإطلاق الوتر في مجرى الوسطى. وذكر عمرو بن بانة في نسخته الأولى أنّ فيه للغريض خفيف ثقيل بالبنصر، وذكر في نسخته الثانية أنه لابن سريج. وذكر الهشاميّ أنّ لحن ابن سريج رمل بالوسطى، وأنّ لحن الغريض ثقيل أوّل.
كان شعوبيا شديد التعصب للعجم:
وحدّثني بهذا الخبر عمّي قال حدّثنا أحمد بن أبي خيثمة عن مصعب قال:
إسماعيل بن يسار يكنى أبا فائد، وكان أخواه محمد وإبراهيم شاعرين أيضا، وهم من سبى فارس. وكان إسماعيل شعوبيّا [1] شديد التعصّب للعجم، وله شعر كثير يفخر فيه بالأعاجم. قال: فأنشد يوما في مجلس فيه أشعب قوله:
إذ نربّي بناتنا وتدسّو ... ن سفاها بناتكم في التّراب
فقال له أشعب: صدقت واللّه يا أبا فائد، أراد القوم بناتهم لغير ما أردتموهنّ له. قال: وما ذاك؟ قال: دفن القوم بناتهم خوفا من العار، وربّيتموهنّ لتنكحوهنّ. قال: فضحك القوم حتى استعربوا [2]، وخجل إسماعيل حتّى لو قدر أن يسيخ في الأرض لفعل.
رماه عبد الصمد في البركة بثيابه بإيعاز من الوليد بن يزيد ثم مدح الوليد فأكرمه:
أخبرني الجوهريّ قال حدّثنا عمر بن شبّة قال أخبرني أبو سلمة الغفاريّ قال أخبرنا أبو عاصم الأسلميّ قال:
بينا ابن يسار النّسائيّ مع الوليد بن يزيد جالس على بركة، إذ أشار الوليد إلى مولى له يقال له عبد الصمد، فدفع ابن يسار النسائيّ في البركة بثيابه؛ فأمر به الوليد فأخرج. فقال ابن يسار:
قل لوالي العهد [3] إن لاقيته ... ووليّ العهد أولى بالرّشد
إنّه واللّه لو لا أنت لم ... ينج منّي سالما عبد الصّمد
__________
[1] الشعوبية: فرقة لا تفضل العرب على العجم ولا ترى لهم فضلا على غيرهم، ويرون التسوية بين الشعوب.
[2] أي بالغوا في الضحك.
[3] كذا في أكثر النسخ. وفي ط، ء: «قل لولي العهد ... إلخ» بدون ألف بعد الواو. وعلى هذه الرواية يكون قد دخله الخزم، وهو زيادة حرف في أوّل الجزء أو حرفين أو حروف من حروف المعاني نحن الواو وبل وإذا. وأكثر ما جاء من الخزم بحروف العطف.
فالخزم بالواو كقول امرىء القيس:
وكأن ثبيرا في أفانين ودقه ... كبير أناس في بجاد مزمّل
وقد يأتي الخزم في أوّل المصراع الثاني، كما أنشد ابن الأعرابي:
بل بريقا بتّ أرقبه ... «بل» لا يرى إلا إذا اعتلما
وربما اعترض في حشو النصف الثاني بين سبب ووتد، كقول مطر بن أشيم:
الفخر أوّله جهل وآخره ... حقد «إذا» تذكرت الأقوال والكلم
إنّه قد رام منّي خطّة ... لم يرمها قبله منّي أحد
فهو مما رام منّي كالذي ... يقنص الدّرّاج [1] من خيس [2] الأسد
فبعث إليه الوليد بخلعة سنية وصلة وترضّاه. وقد روي هذا الخبر لسعيد بن عبد الرحمن بن حسّان بن ثابت في قصة أخرى، وذكر هذا الشعر له فيه.
استنشد أحد ولد جعفر بن أبي طالب الأحوص قصيدة فلما سمعها أنشد هو قصيدة من شعره فأعجب بها الطالبي:
أخبرني الحسين بن يحيى قال قال حمّاد قرأت على أبي [3]: حدّثني مصعب بن عبد اللّه قال سمعت إبراهيم بن أبي عبد اللّه يقول:
ركب فلان من ولد جعفر بن أبي طالب رحمه اللّه بإسماعيل بن يسار النّسائيّ حتّى أتى به قباء؛ فاستخرج الأحوص فقال له: أنشدني قولك:
ما ضرّ جيراننا إذ انتجعوا ... لو أنّهم قبل بينهم ربعوا
فأنشده القصيدة. فأعجب بها، ثم انصرف. فقال له إسماعيل بن يسار: أما جئت إلّا لما أرى؟ قال لا [4].
قال: فاسمع، فأنشده قصيدته التي يقول فيها:
ما ضر أهلك لو تطوّف عاشق ... بفناء بيتك أو ألمّ فسلّما
فقال: واللّه لو كنت سمعت هذه القصيدة أو علمت أنك قلتها لما أتيته. وفي أبيات من هذا الشعر غناء نسبته:
صوت
يا هند ردّي الوصل أن يتصرّما ... وصلي امرأ كلفا بحبّك مغرما
لو تبذلين لنا دلالك مرّة ... لم نبغ منك سوى دلالك محرما
/ منع الزيارة أنّ أهلك كلّهم ... أبدوا لزورك غلظة وتجهّما
ما ضرّ أهلك لو تطوّف عاشق ... بفناء بيتك أو ألمّ فسلّما
الشعر لإسماعيل بن يسار النّسائيّ. والغناء لابن مسجح خفيف ثقيل أوّل بالسبّابة في مجرى الوسطى عن إسحاق. وفيه لإبراهيم الموصليّ رمل بالبنصر عن حبش.
__________
[1] الدرّاج (بضم الدال وتشديد الراء): طائر أسود باطن الجناحين وظاهرهما أغبر على خلقة القطا إلا أنه ألطف. وجعله الجاحظ من أقسام الحمام؛ لأنه يجمع فراخه تحت جناحيه كما يجمع الحمام. وهو من طير العراق كثير النتاج. وفي المثل: فلان «يطلب الدرّاج من خيس الأسد». يضرب لمن يطلب ما يتعذر وجوده. (انظر كتاب «حياة الحيوان» للدميري ج 1 ص 417 طبع بلاق).
[2] خيس الأسد: غابته ومكانه.
[3] في م: « ... قرأت على أبي قال حدّثني ... ».
[4] كذا في جميع الأصول. وظاهر أن المقام مقام «بلى». فلعل هذا خطأ من النساخ.
سمع زبان السوّاق شعره فبكى:
أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال حدّثنا أبو حاتم عن أبي عبيدة قال: أنشد رجل زبّان [1] السوّاق قول إسماعيل بن يسار:
ما ضرّ أهلك لو تطوّف عاشق ... بفناء بيتك أو ألمّ فسلّما
فبكى زبّان [1]، ثم قال: لا شيء واللّه إلّا الضّجر وسوء الخلق وضيق الصدر، وجعل يبكي ويمسح عينيه.
شعره الذي تشاجر بسببه أبو المعافي مع زبان السوّاق:
أخبرني محمد بن جعفر الصّيدلانيّ النحويّ صهر المبرّد [2] قال حدّثني طلحة بن عبد اللّه بن [3] إسحاق الطّلحيّ قال حدّثني الزّبير بن بكّار قال حدّثني جعفر بن الحسين المهلّبي قال:
أنشدت زبّان [3] السّواق قول إسماعيل بن يسار النّسائيّ:
صوت
إن جملا [4] وإن تبيّنت منها ... نكبا عن مودّتي وازورارا
شرّدت [5] بادّكارها النّوم عنّي ... وأطير العزاء منّي فطارا
ما على أهلها ولم تأت [6] سوءا ... أن تحيّا تحيّة أو تزارا
يوم أبدوا لي التّجهّم فيها ... وحموها لجاجة وضرارا
/ فقال زبّان: لا شيء وأبيهم إلّا اللّحز [7] وقلّة المعرفة وضيق العطن [8]. فصاح عليه أبو المعافى وقال:
فعلى من ذاك ويلك! أعليك أو على أبيك أو أمّك؟ فقال له زبّان: إنّما أتيت يا أبا المعافى من نفسك، لو كنت تفعل هذا ما اختلفت أنت وابنك. فوثب إليه أبو المعافى يرميه بالتّراب ويقول له: ويحك يا سفيه! تحسن الدّياثة! وزبّان يسعى هربا منه.
الغناء في هذه الأبيات لابن مسجح خفيف ثقيل بالوسطى عن ابن المكيّ وحمّاد، وذكر الهشاميّ وحبش أنه لابن محرز، وأنّ لحن ابن مسجح ثاني ثقيل.
__________
[1] في ح: «ريان السوّاق» بالراء والياء المثناة من تحت.
[2] في «إنباه الرواة» للقفطي (ص 56 ج 2 قسم أوّل، عن النسخة الفوتوغرافية المحفوظة بدار الكتب المصرية تحت رقم 2579 تاريخ): «محمد بن جعفر الصيدلاني صهر أبي العباس المبرد على ابنته».
[3] في ط، م، ء: «أبو إسحاق». ولم نوفق لتحقيق هذا الاسم في المظانّ: أهو كنية لطلحة أم أن إسحاق اسم جدّه.
[4] في ح: «إن جملا خلى تبينت ... ».
[5] في ط، م، ء: «شرقت بادّكارها اليوم عيني». وشرقت العين: احمرّت، أو امتلأت بالدمع.
[6] كذا في ط، ء. وفي سائر الأصول: «و لم نأت» بالنون.
[7] كذا في ط، ء. واللحز (بالتحريك): الشح والبخل. وفي سائر الأصول: «اللحن» النون بدل الزاي، وهو تحريف.
[8] ضيق العطن: كناية عن الجمق وضيق الصدر.
طلبه الوليد بن يزيد من الحجاز فحضر وأنشده فأكرمه:
أخبرني إسماعيل بن يونس الشّيعيّ قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثني إسحاق الموصليّ قال:
غنّي الوليد بن يزيد في شعر لإسماعيل بن يسار، وهو:
حتّى إذا الصبح بدا ضوءه ... وغارت الجوزاء والمرزم [1]
خرجت والوطء خفيّ كما ... ينساب من مكمنه الأرقم [2]
فقال: من يقول هذا؟ قالوا: رجل من أهل الحجاز يقال له إسماعيل بن يسار النّسائي؛ فكتب في إشخاصه إليه. فلمّا دخل عليه استنشده القصيدة التي هذان البيتان منها؛ فأنشده:
كلثم أنت الهمّ يا كلثم ... وأنتم دائي الذي أكتم
أكاتم الناس هوى شفّني ... وبعض كتمان الهوى أحزم
/ قد لمتني ظلما بلا ظنّة ... وأنت فيما بيننا ألوم
أبدي الذي تخفينه ظاهرا ... أرتدّ عنه فيك أو أقدم
/ إمّا بيأس منك أو مطمع ... يسدى بحسن الودّ أو يلحم
لا تتركيني هكذا ميّتا ... لا أمنح الودّ ولا أصرم
أوفي بما قلت ولا تندمي ... إنّ الوفيّ القول لا يندم
آية [3] ما جئت على رقبة ... بعد الكرى والحيّ قد نوّموا
أخافت المشي حذار العدا [4] ... والليل داج حالك مظلم
ودون ما حاولت [5] إذ زرتكم ... أخوك والخال معا والعم
وليس إلّا اللّه لي صاحب ... إليكم والصارم اللّهذم [6]
حتّى دخلت البيت فاستذرفت ... من شفق عيناك لي تسجم
ثم انجلى الحزن وروعاته ... وغيّب الكاشح والمبرم [7]
فبتّ فيما شئت من نعمة [8] ... يمنحنيها [9] نحرها والفم
__________
[1] المرزم: من نجوم المطر، وأكثر ما يذكر هذا اللفظ بصيغة المثنى، فيقال: المرزمان.
[2] الأرقم: أخبث الحيات، والأنثى «رقشاء»، بالشين، ولا يقال: «رقماء» بالميم؛ لأنه قد جعل اسما منسلخا عن الوصفة.
[3] في ب، ح: «إيه بما جئت ... إلخ».
[4] فيء، ط، م: «حذار الردى».
[5] في ح: «و دون ما جاوزت».
[6] اللهذم: القاطع من السيوف والأسنة.
[7] المبرم: الجليس الثقيل.
[8] النعمة بفتح النون: المسرة والفرح والترفه.
[9] فيء، ط، م: «جاد بها لي ثغرها والفم».
حتّى إذا الصبح بدا ضوءه ... وغارت [1] الجوزاء والمرزم
خرجت والوطء خفيّ كما ... ينساب من مكمنه الأرقم
قال: فطرب الوليد حتّى نزل عن فرشه وسريره، وأمر المغنّين فغنّوه الصوت وشرب عليه أقداحا، وأمر لإسماعيل بكسوة وجائزة سنيّة، وسرّحه إلى المدينة.
نسبة هذا الصوت
سمع شيخ قينة تغني بشعره فألقى بنفسه في الفرات إعجابابه:
الشعر لإسماعيل بن يسار النّسائيّ. والغناء لابن سريج رمل.
حدّثنا أحمد بن عبيد اللّه بن عمّار قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثنا إسحاق الموصليّ قال حدّثنا محمد بن كناسة قال:
اصطحب شيخ وشباب في سفينة من الكوفة؛ فقال بعض الشباب للشيخ: إنّ معنا قينة لنا، ونحن نجلّك ونحبّ أن نسمع [2] غناءها. قال: اللّه المستعان؛ فأنا أرقى على الأطلال [3] وشأنكم. فغنّت:
حتّى إذا الصبح بدا ضوءه ... وغارت الجوزاء والمرزم
أقبلت والوطء خفيّ كما ... ينساب من مكمنه الأرقم
قال: فألقى الشيخ بنفسه في الفرات، وجعل يخبط بيديه ويقول: أنا الأرقم! أنا الأرقم! فأدركوه وقد كاد يغرق؛ فقالوا: ما صنعت بنفسك؟ فقال: إنّي واللّه أعلم من معاني الشعر ما لا تعلمون.
مدح عبد اللّه بن أنس فلم يكرمه فهجاه:
أخبرني الحسن بن عليّ الخفّاف قال حدّثنا محمد بن القاسم بن مهروية قال حدّثني أبو مسلم المستملي عن المدائنيّ قال:
مدح إسماعيل بن يسار النّسائيّ رجلا من أهل المدينة يقال له عبد اللّه بن أنس، وكان قد اتّصل ببني مروان وأصاب منهم خيرا، وكان إسماعيل صديقا/ له؛ فرحل إلى دمشق إليه، فأنشده مديحا له ومتّ إليه بالجوار والصداقة؛ فلم يعطه شيئا. فقال يهجوه:
لعمرك ما إلى حسن رحلنا ... ولا زرنا حسينا يابن أنس
(يعني الحسن والحسين رضي اللّه تعالى عنهما).
__________
[1] فيء، ط: «و غابت» وكلتاهما بمعنى.
[2] فيء، ط: «تسمع» بتاء الخطاب.
[3] كذا في م. والأطلال: جمع طلل. وطلل السفينة: شراعها. وفي س: «الظلال». وفي سائر الأصول: «الأظلال» وكلاهما تحريف.
ولا [1] عبدا لعبدهما [2] فنحظى ... بحسن الحظّ منهم غير بخس
/ ولكن ضبّ جندلة [3] أتينا ... مضبّا [4] في مكامنه يفسّي
فلمّا أن أتيناه وقلنا ... بحاجتنا تلوّن لون ورس [5]
وأعرض غير منبلج لعرف ... وظلّ مقرطبا [6] ضرسا بضرس [7]
فقلت لأهله أبه كزاز [8] ... وقلت لصاحبي أتراه يمسي
فكان الغنم أن قمنا جميعا ... مخافة أن نزنّ [9] بقتل نفس
رثاؤه لمحمد بن عروة:
حدّثني عمّي [10] قال حدّثنا أحمد بن زهير قال حدّثنا مصعب بن عبد اللّه قال:
وفد عروة بن الزّبير إلى الوليد بن عبد الملك وأخرج معه إسماعيل بن يسار النّسائيّ، فمات في تلك الوفادة محمد بن عروة بن الزّبير، وكان مطّلعا على دوابّ الوليد بن عبد الملك، فسقط من فوق السطح بينها، فجعلت ترمحه [11] حتى قطّعته، كان جميل الوجه جوادا. فقال إسماعيل بن يسار يرثيه:
صلّى الإله على فتى فارقته ... بالشأم في جدث الطّويّ [12] الملحد [13]
بوّأته بيديّ دار إقامة ... نائي المحلة عن مزار العوّد
وغبرت أعوله [14] وقد أسلمته ... لصفا [15] الأماعز والصّفيح [16] المسند
__________
[1] ورد بعض هذه الأبيات في كتاب «عيون الأخبار» (ج 3 ص 154 طبع دار الكتب المصرية) منسوبا إلى الحارث الكنديّ هكذا:
فلما أن أتيناه وقلنا ... بحاجتنا تلوّن لون ورس
وآض بكفه يحتك ضرسا ... يرينا أنه وجع بضرس
فقلت لصاحبي أبه كزاز ... وقلت أسرّه أتراه يمسي
وقمنا هاربين معا جميعا ... نحاذر أن نزنّ بقتل نفس
[2] كذا في ط، م، ء. وفي سائر الأصول: «لعبدهم».
[3] الجندلة: واحدة الجندل وهي الحجارة.
[4] أضب في المكان: لزمه فلم يفارقه.
[5] الورس: نبات أصفر يكون باليمن يتخذ منه طلاء للوجه، ونباته مثل نبات السمسم.
[6] المقرطب (بكسر الطاء): الغضبان.
[7] كذا فيء، ط. وفي سائر النسخ: «ضرسا لضرس».
[8] الكزاز (كغراب ورمّان): داء يأخذ من شدّة البرد وتعتري منه رعدة.
[9] نزن: نتهم.
[10] في م: «حدّثني الحسن». وهو الحسن بن محمد عمّ صاحب «الأغاني».
[11] ترمحه: تضربه بأرجلها.
[12] الطويّ: المراد به هنا القبر المعرّش بالحجارة والآجرّ.
[13] ألحد القبر: عمل له لحدا.
[14] أعول الرجل: رفع صوته بالبكاء.
[15] الصفا: جمع صفاة وهي الحجر الصلد الضخم لا ينبت. والأماعز: جمع أمعز، وهو المكان الصلب الكثير الحصى.
[16] الصفيح والصفيحة: واحد الصفائح وهي الحجارة العريضة. والمسند: المتراكب بعضه فوق بعض.
متخشّعا للدهر ألبس حلّة ... في النائبات بحسرة وتجلّد
أعني ابن عروة إنّه قد هدّني ... فقد ابن عروة هدّة لم تقصد
فإذا ذهبت إلى العزاء أرومه ... ليرى المكاشخ بالعزاء تجلّدي
منع التّعزّي أنّني لفراقه ... لبس العدوّ عليّ جلد الأربد [1]
ونأى الصديق فلا صديق أعدّه ... لدفاع نائبة الزّمان المفسد
فلئن تركتك يا محمد ثاويا ... لبما تروح [2] مع الكرام وتغتدي
/ كان الذي يزع العدوّ بدفعه ... ويردّ نخوة ذي المراح [3] الأصيد
فمضى لوجهته وكلّ معمّر ... يوما سيدركه حمام الموعد
دخل على عبد الملك بن مروان بعد قتل ابن الزبير ومدحه فأكرمه:
حدّثني عمّي قال حدّثني أحمد بن أبي خيثمة قال حدّثنا مصعب بن عبد اللّه عن أبيه:
أن إسماعيل بن يسار دخل على عبد الملك بن مروان لمّا أفضى إليه الأمر بعد مقتل عبد اللّه بن الزّبير، فسلّم ووقف موقف المنشد واستأذن في الإنشاد. فقال له عبد الملك: الآن يابن يسار! إنّما أنت امرؤ زبيريّ، فبأيّ لسان تنشد؟ فقال له: يا أمير المؤمنين، أنا أصغر شأنا من ذلك، وقد صفحت عن أعظم جرما وأكثر غناء لأعدائك منّي، وإنما أنا شاعر مضحك. فتبسّم عبد الملك؛ وأومأ إليه الوليد بأن ينشد. فابتدأ فأنشد قوله:
ألا يا لقومي للرّقاد المسهّد ... وللماء ممنوعا من الحائم الصّدي
وللحال بعد الحال يركبها الفتى ... وللحبّ بعد السّلوة المتمرّد
وللمرء يلحى في التصابي وقبله ... صبا بالغواني كلّ قرم ممجّد
وكيف تناسي القلب سلمى وحبّها ... كجمر غضى بين الشّراسيف [4] موقد
حتى انتهى إلى قوله:
/إليك إمام النّاس من بطن يثرب ... ونعم أخو ذي الحاجة المتعمّد
رحلنا لأنّ الجود منك خليقة ... وأنّك لم يذمم جنابك مجتدي
ملكت فزدت النّاس ما لم يزدهم ... إمام من المعروف غير المصرّد [5] /
وقمت [6] فلم تنقض قضاء خليفة ... ولكن بما ساروا من الفعل تقتدي
__________
[1] الأربد هنا: الأسد.
[2] كذا فيء، ط، م. وفي سائر النسخ: «على الكرام».
[3] المراح: الأشر والنشاط. والأصيد: الذي يرفع رأسه كبرا. ومنه قيل لملك: أصيد؛ لأنه لا يلتفت يمينا ولا شمالا.
[4] الشراسيف: أطراف أضلاع الصدر التي تشرف على البطن.
[5] صرّد عطاءه: قللّه، وقيل: أعطاه قليلا قليلا.
[6] فيء، ط. «و قلت».
ولمّا وليت الملك ضاربت دونه ... وأسندته لا تأتلي خير مسند
جعلت هشاما والوليد ذخيرة ... وليّين للعهد الوثيق المؤكّد
قال: فنظر إليهما عبد الملك متبسّما، والتفت إلى سليمان فقال: أخرجك إسماعيل من هذا الأمر. فقطب سليمان ونظر إلى إسماعيل نظر مغضب. فقال إسماعيل: يا أمير المؤمنين، إنما وزن الشعر أخرجه من البيت الأوّل، وقد قلت بعده:
وأمضيت عزما في سليمان راشدا ... ومن يعتصم باللّه مثلك يرشد
فأمر له بألفي درهم صلة، وزاد في عطائه، وفرض له، وقال لولده: أعطوه؛ فأعطوه ثلاثة آلاف درهم.
استنشده هشام بن عبد الملك فافتخر ورمى به في بركة ماء ونفاه إلى الحجاز:
أخبرني عمّي قال حدّثنا أحمد بن أبي خيثمة قال ذكر ابن النّطّاح عن أبي اليقظان:
أنّ إسماعيل بن يسار دخل على هشام بن عبد الملك في خلافته وهو بالرّصافة جالس على بركة له في قصره، فاستنشده وهو يرى أنه ينشده مديحا له؛ فأنشده قصيدته التي يفتخر فيها بالعجم:
يا ربع رامة [1] بالعلياء من ريم [2] ... هل ترجعنّ إذا حيّيت تسليمي
/ ما بال حيّ غدت بزل المطيّ بهم ... تخدي لغربتهم سيرا بتقحيم [3]
كأنّني يوم ساروا شارب سلبت ... فؤاده قهوة من خمر داروم [4]
حتّى انتهى إلى قوله:
إنّي وجدّك ما عودي بذي خور ... عند الحفاظ ولا حوضي بمهدوم
أصلي كريم ومجدي لا يقاس به ... ولي لسان كحدّ السّيف مسموم [5]
أحمي به مجد أقوام ذوي حسب ... من كلّ قرم بتاج الملك معموم
جحاجح [6] سادة بلج مرازبة ... جرد عتاق مساميح مطاعيم
__________
[1] رامة: منزل بينه وبين الرمادة ليلة في طريق البصرة إلى مكة. وبين رامة وبين البصرة اثنتا عشرة مرحلة. وقيل: رامة: هضبة أو جبل ببني دارم.
[2] رثم (بكسر أوّله وهمز ثانيه وسكونه وقيل بالياء غير مهموز): واد لمزينة قرب المدينة، وقيل: على ثلاثين ميلا من المدينة، وقيل:
على أربعة برد من المدينة أو ثلاثة. (و البريد فرسخان أو أربعة فراسخ، والفرسخ: ثلاثة أميال).
[3] بزل (ككتب ويسكن): جمع بزول، والبزول: الناقة في تاسع سنيها وليس بعده سن تسمى. وخدي الفرس والبعير: أسرع وزجّ بقوائمه. والتقحيم: طيّ المنازل وعدم النزول بها؛ يقال: قحم المنازل إذا طواها، وقحّمت الإبل راكبيها: جعلتهم يطوون المنازل منزلا منزلا من غير أن ينزلوا بها.
[4] داروم: قلعة بعد غزّة للقاصد إلى مصر، والواقف فيها يرى البحر إلا أن بينها وبين البحر مقدار فرسخ، خربها صلاح الدين لما ملك الساحل في سنة 584 ه تنسب إليها الخمر.
[5] الظاهر أن هذه الكلمة مرفوعة، وبذلك يكون في الشعر إقواء. على أنه يمكن أن يكون أصل الكلام: «إلى لسان ... » بدل «ولي لسان ... ».
[6] جحاجح: جمع جحجح، والجحجح والجحجاح: السيد الكريم. والمرازبة: جمع مرزبان، وهو رئيس الفرس.
من مثل كسرى وسابور الجنود معا ... والهرمزان [1] لفخر أو لتعظيم
أسد الكتائب يوم الرّوع إن زحفوا ... وهم أذلّوا ملوك التّرك والرّوم
يمشون في حلق الماذيّ سابغة ... مشى الضّراغمة الأسد اللّهاميم [2]
هناك إن تسألي تنبي بأنّ لنا ... جرثومة [3] قهرت عزّ الجراثيم
قال: فغضب هشام وقال له: يا عاضّ بظر أمّه! أعليّ تفخر وإيّاي تنشد قصيدة تمدح بها نفسك وأعلاج قومك!! غطّوه في الماء، فغطّوه في البركة/ حتى كادت نفسه تخرج، ثم أمر بإخراجه وهو بشرّ ونفاه من وقته، فأخرج عن الرّصافة منفيّا إلى الحجاز. قال: كان مبتلى بالعصبيّة للعجم والفخر بهم، فكان لا يزال مضروبا محروما مطرودا.
مدح الوليد والغمر ابني يزد فأكرماه:
أخبرني عمّي قال/ حدّثني أحمد بن أبي خيثمة قال قال ابن النطّاح وحدّثني أبو اليقظان:
أنّ إسماعيل بن يسار وفد إلى الوليد بن يزيد، وقد أسنّ وضعف، فتوسّل إليه بأخيه الغمر ومدحه بقوله:
نأتك سليمى فالهوى متشاجر ... وفي نأيها للقلب داء مخامر
نأتك وهام القلب، نأيا بذكرها [4] ... ولجّ كما لجّ الخليع المقامر
بواضحة الأقراب [5] خفّاقة الحشى ... برهرهة [6] لا يجتويها [7] المعاشر
يقول فيها يمدح الغمر بن يزيد:
إذا عدّد الناس المكارم والعلا ... فلا يفخرن يوما على الغمر فاخر
فما مرّ من يوم على الدهر واحد ... على الغمر إلّا وهو في الناس غامر [8]
تراهم خشوعا حين يبدو [9] مهابة ... كما خشعت يوما لكسرى الأساور
أغرّ بطاحيّ [10] كأنّ جبينه ... إذا ما بدا بدر إذا لاح باهر
__________
[1] الهرمزان: الكبير من ملوك العجم.
[2] حلق: جمع حلقة وهي هنا الدرع. والماذي: الدروع السهلة اللينة أو البيضاء. واللهاميم: جمع لهميم وهو السابق الجواد من الخيل والناس.
[3] جرثومة الشي ء: أصله.
[4] أي نأتك نأيا وهام القلب بذكرها.
[5] الأقراب: جمع قرب وهي الخاصرة.
[6] البرهرهة: المرأة البيضاء الشابة الناعمة.
[7] في أكثر الأصول: «لا يستويها». وفي م: «لا يحتويها» وكلاهما تحريف. وما أثبتناه هو تصحيح الشنقيطي في نسخته، وهو الذي يستقيم به المعنى. واجتواه: كرهه.
[8] في م:
فما مر من يوم من الدهر واحد ... من الغمر إلا وهو للناس غامر
[9] كذا في ح، وبه صحح الشنقيطي نسخته. وفي سائر الأصول: «تبدو».
[10] البطاحيّ: نسبة إلى البطاح، وهي التي كان ينزلها قريش البطاح، وهم أشرف قريش وأكرمهم. (انظر الحاشية رقم 3 ص 254 من الجزء الأوّل من هذه الطبعة).
/
وقى عرضه بالمال فالمال جنّة ... له وأهان المال والعرض وافر
وفي سيبه للمجتدين عمارة ... وفي سيفه للدّين عزّ وناصر
نماه إلى فرعي لؤيّ بن غالب ... أبوه أبو العاصي وحرب وعامر
وخمسة آباء له قد تتابعوا ... خلائف عدل ملكهم متواتر
بهاليل سبّاقون في كلّ غاية ... إذا استبقت في المكرمات المعاشر
هم خير من بين الحجون إلى الصّفا ... إلى حيث أفضت بالبطاح الحزاور [1]
وهم جمعوا هذا الأنام على الهدى ... وقد فرّقت بين الأنام البصائر
قال: فأعطاه الغمر ثلاثة آلاف درهم وأخذ له من أخيه الوليد ثلاثة آلاف درهم.
أخبرني عمي قال حدّثنا أحمد بن أبي خيثمة عن مصعب قال:
لمّا مات محمد بن يسار، وكانت وفاته قبل أخيه، دخل إسماعيل على هشام بن عروة، فجلس عنده وحدّثه بمصيبته ووفاة أخيه، ثم أنشده يرثيه:
عيل العزاء وخانني صبري ... لمّا نعى الناعي أبا بكر
ورأيت ريب الدّهر أفردني ... منه وأسلم للعدا ظهري
من طيّب الأثواب مقتبل ... حلو الشمائل ماجد غمر [2]
فمضى لوجهته وأدركه ... قدر أنيح له من القدر
وغبرت [3] مالي من تذكّره ... إلّا الأسى وحرارة الصدر
وجوى يعاودني [4] وقلّ له ... منّي الجوى ومحاسن الذّكر
/ لمّا هوت أيدي الرّجال به ... في قعر ذات جوانب غبر
وعلمت أنّي لن ألاقيه ... في الناس حتّى ملتقى الحشر
كادت لفرقته وما ظلمت ... نفسي تموت على شفا القبر
ولعمر من حبس الهديّ له ... بالأخشبين [5] صبيحة النّحر
/ لو كان نيل الخلد يدركه ... بشر بطيب الخيم والنّجر [6]
__________
[1] الحزاور: جمع حزورة، وهي الرابية الصغيرة، ومنها الحزورة: سوق مكة وقد دخلت في المسجد لما زيد فيه. وفي الحديث:
وقف النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بالخزورة فقال: «يا بطحاء مكة ما أطيبك من بلدة وأحبك إليّ، ولو لا أن قومي أخرجوني منك ما سكنت غيرك».
[2] الغمر: الكريم الواسع الخلق.
[3] غبر هنا: مكث وبقي.
[4] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «يعاورني» بالراء.
[5] الأخشبان: جبلان يضافان تارة إلى مكة وتارة إلى منى، أحدهما أبو قبيس والآخر قعيقعان. ويقال: بل هما أبو قبيس والجبل الأحمر المشرف هنالك.
[6] الخيم: الطبيعة والسجية، وقيل: الأصل. والنجر: الأصل.
لغبرت لا تخشى المنون ولا ... أودى بنفسك حادث الدّهر
ولنعم مأوى المرملين إذا ... قحطوا وأخلف صائب القطر
كم قلت آونة وقد ذرفت ... عيني فماء شؤونها يجري
أنّي وأيّ فتى يكون لنا ... شرواك [1] عند تفاقم الأمر
لدفاع خصم ذي مشاغبة ... ولعائل ترب أخي فقر
ولقد علمت وإن ضمنت جوى ... مما أجنّ كواهج الجمر
ما لا مرىء دون المنيّة من ... نفق فيحرزه ولا ستر
قال: وكان بحضرة هشام رجل من آل الزّبير، فقال له: أحسنت وأسرفت في القول، فلو قلت هذا في رجل من سادات قريش لكان كثيرا. فزجره هشام وقال: بئس واللّه ما واجهت به جليسك؛ فشكره إسماعيل، وجزاه خيرا. فلمّا انصرف تناول هشام الرجل الزّبيريّ وقال: ما أردت إلى رجل شاعر ملك قوله فصرف أحسنه إلى أخيه! ما زدت على أن أغريته بعرضك وأعراضنا لو لا أنّي/ تلافيته. وكان محمد بن يسار أخو إسماعيل هذا الذي رثاه [2] شاعرا من طبقة أخيه؛ وله أشعار كثيرة. ولم أجد له خبرا فأذكره، ولكن له أشعار كثيرة يغنّى فيها. منها قوله في قصيدة طويلة:
صوت
غشيت الدار بالسّند ... دوين الشّعب من أحد
عفت بعدي وغيّرها ... تقادم سالف الأبد
الغناء لحكم الواديّ خفيف ثقيل عن الهشاميّ.
ولإسماعيل بن يسار ابن يقال له إبراهيم، شاعر أيضا، وهو القائل:
مضى الجهل عنك إلى طيّته ... وآبك حلمك من غيبته [3]
وأصبحت تعجب مما رأي ... ت من نقض دهر ومن مرّته
وهي طويلة يفتخر فيها بالعجم كرهت الإطالة بذكرها.
انقضت أخباره.
__________
[1] شرواك: مثلك.
[2] كذا في م: وفي سائر الأصول: «أخو إسماعيل هذا رثاء شاعرا ... ».
[3] في ح: «من غيته» والغية: الضلال والفساد.
صوت
[1]
كليب لعمري كان أكثر ناصرا ... وأيسر جرما منك ضرّج بالدّم
رمى ضرع ناب فاستمرّ بطعنة ... كحاشية البرد اليماني المنمنم [2]
عروضه من الطويل. الشعر للنابغة الجعديّ. والغناء للهذليّ في اللحن المختار، وطريقته من الثقيل الأوّل بإطلاق الوتر في مجرى البنصر عن إسحاق. ونذكر هاهنا/ سائر ما يغنّى به في هذه الأبيات وغيرها من هذه القصيدة وننسبه إلى صانعه [3]، ثم نأتي بعده بما يتبعه من أخباره. فمنها على الولاء سوى لحن الهذليّ:
كليب لعمري كان أكثر ناصرا ... وأيسر جرما منك ضرّج بالدّم
/ رمى ضرع ناب فاستمرّ بطعنة ... كحاشية البرد اليماني المسهّم [4]
أيا دار سلمى بالحروريّة [5] اسلمي ... إلى جانب الصّمّان [6] فالمتثلّم [7]
أقامت به البردين ثم تذكّرت ... منازلها بين الدّخول فجرثم [8]
ومسكنها بين الغروب [9] إلى اللّوى ... إلى شعب ترعى بهنّ فعيهم [10]
ليالي تصطاد الرجال بفاحم [11] ... وأبيض كالإغريض لم يتثلّم
في البيت الأوّل والثاني لابن سريج ثقيل أوّل آخر بإطلاق الوتر في مجرى الوسطى عن إسحاق [12] ويونس.
وفيهما لمالك خفيف ثقيل بإطلاق الوتر في مجرى البنصر عن إسحاق. وللغريض في الثالث والرابع والأوّل والثاني ثقيل أوّل بالسبّابة في مجرى الوسطى. ولإسحاق في الثالث والأوّل ثقيل أوّل بالوسطى [13]، ذكر ذلك أبو العبيس
__________
[1] في م: «صوت من المائة المختارة».
[2] برد منمنم: مرقوم موشي. وفي م في هذا الموضع: «المسهم» كما في سائر الأصول فيما يأتي.
[3] في م: «إلى صاحبه».
[4] البرد المسهم: المخطط.
[5] قال ياقوت: الحرورية منسوب في قول النابغة الجعدي حيث قال، ثم ذكر البيتين: أيا دار سلمى، والذي بعده. وربما كان منسوبا إلى حروراء، وهي رملة وعثة بالدهناء، أو موضع بظاهر الكوفة نزل به الخوارج الذين خالفوا عليّ بن أبي طالب، فنسبوا إليه.
[6] الصمان: بلد لبني تميم أرضه صلبة صعبة الموطى ء.
[7] المتثلم (رواه أهل المدينة بفتح اللام وهو الذي ضبطه به ياقوت، ورواه غيرهم من أهل الحجاز بالكسر): موضع بأوّل أرض الصمان.
[8] جرثم: ماء من مياه بني أسد تجاه الجواء، كما قال البكري في «معجم ما استعجم»، واستشهد بقول النابغة الجعدي وذكر البيت هكذا:
أقامت به البردين ثم تذكرت ... منازلهم بين الجواء وجرثم
[9] الغروب: موضع لم يعينه ياقوت وقال: ذكره صاحب «اللسان».
[10] عيهم: موضع على طريق اليمامة إلى نجد.
[11] الفاحم: الشعر الأسود الحسن. والإغريض: الطلع حين ينشق عنه كافوره. يريد ذلك وجهها.
[12] هذه الكلمة ساقطة في ب.
[13] في م: «بالبنصر، ولإبراهيم في الأوّل والثاني ثقيل أوّل بالوسطى ذكر ذلك أبو العنبس ... إلخ».
والهشاميّ. وللغريض في الرابع ثم الأوّل خفيف ثقيل بالوسطى في رواية/ عمرو بن بانة. ولمعبد فيهما [1] وفيّ الخامس والسادس خفيف ثقيل من رواية أحمد بن المكيّ. ولابن سريج في الخامس والسادس ثقيل أوّل بالبنصر من رواية عليّ [2] بن يحيى المنجّم، وذكر غيره أنّه للغريض. ولإبراهيم فيه ثقيل أوّل بالوسطى عن الهشاميّ، وذكر حبش أنه لمعبد. ولابن محرز في الأوّل والثاني والثالث والرابع هزج، ذكر ذلك أبو العبيس [3]، وذكر قمريّ أنّه لأبي عيسى بن المتوكل لا يشكّ فيه. وللدّلال في الخامس والسادس ثاني ثقيل عن الهشاميّ، وذكر أبو العبيس أنّه للهذليّ. ولعبيد اللّه بن عبد اللّه بن طاهر في الرابع خفيف رمل. ولإسحاق في الثالث والرابع أيضا ما خوريّ، ولمعبد خفيف ثقيل أوّل بالوسطى فيهما، وقيل: إنّه لحنه الذي ذكرنا متقدّما، وإنه ليس في هذا الشعر غيره. وذكر حبش أنّ في هذه الأبيات التي أوّلها: «كليب لعمري» خفيف رمل بالوسطى، وللهذليّ خفيف ثقيل بالبنصر، وللدّلال رمل؛ فذلك ثمانية عشر صوتا. وأخبرني محمد بن إبراهيم قريص أنّ له فيهما (أعني الأوّل والثاني) خفيفا [4] بالوسطى.
انتهى الجزء الرابع من كتاب الأغاني ويليه الجزء الخامس وأوّله ذكر النابغة الجعديّ ونسبه وأخباره
__________
[1] كذا في م. وفي سائر النسخ: «فيها».
[2] كذا في م. وفي سائر النسخ: «علي بن أبي يحيى المنجم». وهو تحريف.
[3] في م: «أبو العنبس» انظر الحاشية رقم 4 ص 96 من الجزء الأوّل من هذه الطبعة.
[4] في م: «خفيف ثقيل بالوسطى».
فهرس موضوعات الجزء الرابع
الموضوع الصفحة
ذكر نسب أبي العتاهية وأخباره 261
أخبار فريدة 337
ذكر أمية بن أبي الصلت ونسبه وخبره 342
أخبار حسان بن ثابت ونسبه 352
ذكر الخبر عن غزاة بدر 376
نسب علس ذي جدن وأخباره 405
أخبار طويس ونسبه 407
ذكر الأحوص وأخباره ونسبه 411
ذكر الدلال وقصته 441
ذكر طريح وأخباره ونسبه 463
ذكر أخبار أبي سعيد مولى فائد ونسبه 481
ذكر من قتل أبو العباس السفاح من بني أمية 490
ذكر حميد بن ثور ونسبه وأخباره 500
أخبار فليح بن أبي العوراء 502
ذكر ابن هرمة وأخباره ونسبه 508
ذكر أخبار يونس الكاتب 529
أخبار ابن رهيمة 534
أخبار إسماعيل بن يسار ونسبه 536
فهرس موضوعات الجزء الرابع 553
الجزء الخامس
من كتاب الأغاني
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[تتمة التراجم]
1 - ذكر النابغة الجعدي ونسبه وأخباره والسبب الذي من أجله قيل [1] هذا الشعر
نسبه وكنيته:
هو - على ما ذكر أبو عمرو الشّيبانيّ والقحذميّ، وهو الصحيح، - حبّان [2] بن قيس بن عبد اللّه بن وحوح بن عدس [3] - وقيل ابن عمرو بن عدس مكان وحوح - ابن ربيعة بن جعدة بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان بن مضر. هذا النسب الذي عليه الناس اليوم مجتمعون. وقد روى ابن الكلبيّ وأبو اليقظان وأبو عبيدة وغيرهم في ذلك روايات تخالف هذا، فمنها أن [ابن] [4] الكلبيّ ذكر عن أبيه أن خصفه الذي يقول الناس إنه ابن قيس بن عيلان ليس كما قالوا، وأن عكرمة ابن قيس بن عيلان وخصفة أمه، وهي امرأة من أهل هجر. وقيل:/ بل هي حاضنته؛ وكان قيس بن عيلان قد مات وعكرمة صغير فربّته حتى كبر، وكان قومه يقولون: هذا عكرمة بن خصفة، فبقيت/ عليه؛ ومن لا يعلم يقول:
عكرمة بن خصفة بن قيس، كما يقال خندف [5]، وإنما هي امرأة وزوجها إلياس بن مضر. وقالوا في صعصعة بن
__________
[1] في م: «قال» والمراد بهذا الشعر ما ورد في آخر الجزء الرابع من هذه الطبعة ونسب للنابغة.
[2] كذا في «أسد الغابة» (ج 5 ص 2) و «خزانة الأدب» (ج 1 ص 512) «و الإصابة» (ج 6 ص 218) «و الاستيعاب» (ج 1 ص 320).
وفي جميع الأصول: «حسان».
[3] عدس: هو بضم العين وفتح الدال، وكذا ضبط كل من اسمه عدس في العرب إلا عدس بن زيد بن عبد اللّه بن دارم فهو وحده بضم العين والدال. (راجع «مختلف القبائل ومؤتلفها» لابن حبيب ص 4 طبع أوروبا).
[4] التكملة عن م.
[5] خندف (كزبرج) هي ليلى بنت حلوان بن عمران زوج إلياس بن مضر، وأولادهما: عمرو وهو مدركة وعامر وهو طابخة وعمير وهو قمعة، وزعموا أن سبب هذه التسمية أن إلياس خرج مرة في نجعة فنفرت إبله من أرنب، فخرج إليها عمرو فأدركها، وخرج عامر فتصيدها وطبخها، وانقمع عمير في الخباء، وخرجت أمهم ليلى تسرع، فقال لها إلياس: أين تخندفين؟ فقالت: ما زلت أخندف في أثركم. فلقبوا مدركة وطابخة وقمعة وخندف فذهب لها اسما ولولدها نسبا «شرح القاموس» مادة خندف).
معاوية: إن الناقمية [1] بنت عامر بن مالك، وهو الناقم، سمّي بذلك لأنه انتقم بلطمة لطمها، وهو ابن سعد [2] بن جدّان [3] بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار، كانت عند معاوية بن بكر بن هوازن فمات عنها أو طلّقها وهي نس ء [4]، فتزوّجها سعد بن زيد مناة بن تميم، فولدت على فراشه صعصعة بن معاوية، ثم ولدت هبيرة ونجدة وجنادة؛ فلما مات سعد اقتسم بنوه الميراث وأخرجوا صعصعة منه، وقالوا: أنت ابن معاوية بن بكر؛ فلما رأى ذلك أتى بني معاوية بن بكر فأقرّوا بنسبه ودفعوه عن الميراث؛ فلما رأى ذلك أتى سعد بن الظّرب العدوانيّ فشكا إليه ما لقي، فزوّجه بنت أخيه عمرة بنت عامر بن الظّرب، وأبوها عامر الذي يقال له: ذو الحلم [5]؛ وعمرة ابنته هذه هي التي كانت تقرع [6] له العصا إذا سها في الحكم؛ وله [7] يقول الشاعر [8]:
لذي الحلم قبل اليوم ما تقرع العصا ... وما علّم الإنسان إلا ليعلما
قال: وكانت عمرة يوم زوّجها عمّها نسئا من ملك من ملوك اليمن يقال له: الغافق بن العاصي الأزديّ، والملك يومئذ في الأزد، فولدت على فراش صعصعة عامر بن صعصعة، فسمّاه صعصعة عامرا بجدّه عامر بن الظّرب. وقال في ذلك حبيب بن وائل بن دهمان بن نصر بن معاوية بن بكر بن هوازن:
__________
[1] في «شرح القاموس» مادة «نقم»: «و الناقمية هي رقاش بنت عامر وبنوها بطن من عبد القيس نسبوا إلى أمهم. وقال ابن الأثير: هي أم ثعلبة وسعد ابني مالك بن ثعلبة بن دودان بن أسد بها يعرفون. وقال الكلبي: تزوج غنم بن حبيب بن كعب بن بكر بن وائل الناقمية وهي رقاش بنت عامر وهي عجوز فقيل: ما تريد منها؟ فقال: لعلي أتعيز منها غلاما فولدت منه غلاما فولدت منه غلاما سمي عيز وأنشد الجوهري لسعد بن زيد مناة:
لقد كنت أهوى الناقمية حقبة ... فقد جعلت آسان وصل تقطع»
الآسان: جمع أسن بضمتين وبالكسر وتسكين السين وكعتل: الحبل. وكتب مصحح «شرح القاموس» بهامشه ما نصه: «قوله: أتعيز كذا بالنسخ وحرره» ولم نجد هذه الكلمة في مادتها في الكتب التي بين أيدينا؛ وقد استقصيناها فوجدنا صوابها في «شرح القاموس» في مادة «غبر» حيث قال: «و تزوّج غنم (و في «القاموس» عثمان وهو غلط) بن حبيب بن كعب بن بكر بن يشكر بن وائل امرأة مسنة اسمها رقاش بنت عامر فقيل له: إنها كبيرة السن! فقال: لعلي أتغبر منها ولدا أي أستفيده فلما ولد له سماه غبر كزفر فهو أبو قبيلة» اه.
وجاء في «لسان العرب» مادة «غبر» ما نصه: «تزوّج رجل من العرب امرأة قد أسنت فقيل له في ذلك فقال: لعلي أتغبر منها ولدا فولدت له غبر، مثل عمر، وهو غبر بن غنم بن يشكر بن بكر بن وائل، ومعنى أتغبر منها ولدا: أستفيد منها ولدا» اه. وقد ورد أيضا في «المشتبه» للذهبي و «مختلف القبائل ومؤتلفها» لابن حبيب (ص 23 طبع أوروبا): «غبر (بالغين المعجمة وبالباء الموحدة) ابن غنم بن حبيب بن معاذ بن عمرو بن الحارث بن معاوية بن بكر بن هوازن» اه.
[2] كذا في «شرح القاموس» و «الصحاح» للجوهري (مادة نقم). وفي جميع الأصول: «مسعود».
[3] كذا في «شرح القاموس» مادة جدد وكتاب «مختلف القبائل ومؤتلفها» (طبع أوروبا ص 3) وهو قريب لما جاء في نسخة م من التصحيف فقد ورد فيها: «حدان» بالحاء المهملة. وفي سائر الأصول: «خندف» وهو خطأ.
[4] النس ء (بالتثليث): المرأة المظنون بها الحمل، وقيل: التي ظهر حملها.
[5] كذا في م وهو الموافق لما جاء في «اللسان» و «القاموس» (مادة قرع) «و مجمع الأمثال» للميداني (طبع بولاق ج 1 ص 32). وفي سائر الأصول: «الحكم» بالكاف وظاهر أنه تحريف.
[6] قيل: إن أول من قرعت له العصا عمرو بن مالك بن ضبيعة أخو سعد بن مالك الكناني، وقيل: خالد بن ذي الجدّين حكم ربيعة، وقيل: هو ربيعة بن مخاشن حكم تميم، وقيل: هو عمرو بن حممة الدوسي حكم اليمن. (راجع «شرح القاموس» مادة قرع و «مجمع الأمثال» للميداني).
[7] كذا في م. وفي باقي الأصول: «و لهما يقول الشاعر».
[8] نسب هذا البيت في «اللسان» و «شرح القاموس» (مادة قرع) إلى المتلمس.
/
أزعمت أنّ الغافقيّ أبوكم ... نسب لعمر أبيك غير مفنّد [1]
وأبوكم ملك ينتّف باسته ... هلباء [2] عافية كعرف الهدهد
جنحت عجوزكم إليه فردّها ... نسئا بعامركم ولمّا يويد
ويكنى النابغة أبا ليلى.
وأخبرنا أبو خليفة عن محمد بن سلّام قال:
هو قيس بن عبد اللّه بن عدس بن ربيعة بن [جعدة [3] بن كعب بن ربيعة بن عامر بن] صعصعة. وقال ابن الأعرابيّ: هو قيس بن عبد اللّه بن عمرو بن عدس بن ربيعة بن جعدة بن كعب بن ربيعة، ووافق ابن سلّام في باقي نسبه [4]. وهذا وهم ممن قال: إن اسمه قيس [5]؛ وليس يشكّ في أنه كان له أخ يقال له وحوح بن قيس، وهو الذي قتله بنو أسد؛ وخبره يذكر بعد هذا ليصدق نسب النابغة.
وأمه فاخرة بنت عمرو بن جابر بن شحنة الأسديّ.
سبب لقبه النابغة:
وإنما سمّي النابغة لأنه أقام مدّة لا يقول الشعر ثم نبغ فقاله.
/ أخبرني الحسين بن يحيى قال قال حمّاد: قرأت على القحذميّ:
قال الجعديّ الشعر في الجاهلية ثم أجبل [6] دهرا ثم نبغ بعد في الشعر في الإسلام.
أخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن عمّار عن محمد بن حبيب عن ابن الأعرابيّ قال:
أقام النابغة الجعديّ ثلاثين سنة لا يتكلّم، ثم تكلّم بالشعر.
عمره وشعره فيه:
قال القحذميّ في رواية حمّاد عنه: كان الجعديّ أسنّ من نابغة بني ذبيان.
__________
[1] مفند: مكذب.
[2] هلباء: كثيرة الشعر، يقال: رجل أهلب وامرأة هلباء. والهلباء صفة غالبة على الاست. وعافية: طويلة الشعر غزيرته، يقال: عفا شعر البعير إذا طال وكثر فغطى دبره، وفلان عفا شعره وأعفاه: تركه حتى طال وكثر.
[3] التكملة عن م «و طبقات الشعراء» لابن سلام (ص 26 طبع ليدن).
[4] كذا في م. وفي سائر النسخ: «في بعض نسبه».
[5] ورد في كتاب «المعمرين» لأبي حاتم السجستاني (ص 71 طبع ليدن) أن اسمه قيس بن عبد اللّه. وقد استدل المؤلف على بطلان قولهم بأن له أخا يسمى وحوح بن قيس، وإذا فقيس اسم أبيه لا اسمه. قال في الإصابة: «و يحتمل أن يكون أخاه لأمه». ولعل مصدر هذا الاحتمال قول النابغة:
ألم تعلمي أني رزئت محاربا ... فما لك منه اليوم شيء ولا ليا
ومن قبله ما قد رزئت بوحوح ... وكان «ابن أمّي» والخليل المصافيا
والتعبير عن الأخ بابن الأم يحتمل معه أن يكون الأخوان لأب واحد أو لأبوين. وذكر ابن قتيبة في كتابه «طبقات الشعراء» (ص 158 طبع ليدن) ما نصه: «هو عبد اللّه بن قيس من جعدة ... إلخ».
[6] أجبل الشاعر: صعب عليه القول.
قال ابن سلّام في رواية أبي خليفة عنه: كان الجعديّ [1] النابغة قديما شاعرا طويلا مفلقا طويل البقاء في الجاهلية والإسلام، وكان أكبر من الذّبيانيّ؛ ويدلّ على ذلك قوله:
ومن [2] يك سائلا عنّي فإني ... من الفتيان أيام الخنان [3] /
أتت مائة لعام ولدت فيه ... وعشر بعد ذاك وحجّتان
فقد أبقت خطوب الدّهر منّي ... كما أبقت من السيف اليماني
[قال [4] وعمّر بعد ذلك عمرا طويلا. سئل محمد بن حبيب عن أيام الخنان ما هي؟ فقال: وقعة لهم؛ فقال قائل منهم وقد لقوا عدوّهم: خنّوهم [5] بالرماح، فسمّي ذلك/ العام الخنان. ويدل على أنه أقدم من النابغة الذبيانيّ أنه عمّر مع المنذر بن المحرّق قبل النعمان بن المنذر، وكان النابغة الذبيانيّ مع النعمان بن المنذر وفي عصره، ولم يكن له قدم إلا أنه مات قبل الجعديّ، ولم يدرك الإسلام. والجعديّ الذي يقول:
تذكّرت شيئا قد مضى لسبيله ... ومن عادة المحزون أن يتذكّرا
نداماي عند المنذر بن محرّق ... أرى اليوم منهم ظاهر الأرض مقفرا
كهول وفتيان كأنّ وجوههم ... دنانير ممّا شيف [6] في أرض قيصرا]
أخبرني أحمد بن عبد العزيز وحبيب بن نصر قالا حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثني عبد اللّه بن محمد بن حكيم عمن كان يأخذ العلم عنه ولم يسمّ إليّ أحدا في هذا [7]: أن النابغة عمّر مائة وثمانين سنة، وهو القائل:
لبست أناسا فأفنيتهم ... وأفنيت بعد أناس أناسا
ثلاثة أهلبين أفنيتهم ... وكان الإله هو المستآسا [8]
وهي قصيدة طويلة، يقول فيها، وفيه غناء:
صوت
وكنت غلاما أقاسي الحرو ... ب يلقى المقاسون منّي مراسا
فلمّا دنونا لجرس [9] النّبا ... ح لم نعرف الحيّ إلا التماسا
__________
[1] عبارة ابن سلام في كتابه «طبقات الشعراء» (ص 26): «و كان النابغة شاعرا قديما مفلقا في الجاهلية والإسلام وكان ... إلخ».
[2] ورد هذا الشطر في كتاب «الشعر والشعراء» (ص 162) «و شرح القاموس» مادة خنن هكذا:
ومن يحرص على كبرى فاني
[3] الخنان (كغراب): داء يأخذ الطير في حلوقها وفي العين وزكام للإبل، وزمن الخنان كان في عهد المنذر بن ماء السماء، قال الأصمعيّ: كان الخنان داء يأخذ الإبل في مناخرها وتموت منه، فصار ذلك تاريخا لهم.
[4] هذا الخبر الموضوع بين قوسين مذكور في س، م دون سائر الأصول.
[5] خنوهم: اقطعوهم.
[6] كذا في «جمهرة أشعار العرب»، وشاف الدينار أو السيف: جلاه. وفي م، س المذكور فيهما هذا الخبر: «سيق» بالسين والقاف، وهو تحريف.
[7] كذا في م. وفي باقي الأصول: «و لم يسم أحدا إلا في هذا».
[8] المستآس: المستعاض والمستعان، من الأوس، وهو العوض والعطية.
[9] جرس النباح: صوت نباح الكلاب.
أضاءت لنا النّار وجها أغ ... رّ ملتبسا بالفؤاد التباسا
غنّى في هذه الثلاثة الأبيات فليح بن أبي العوراء خفيف ثقيل أوّل بالوسطى.
/ رجع الخبر إلى رواية عمر بن شبّة:
قال: وقال أيضا:
ألا زعمت بنو سعد بأنّي ... - ألا كذبوا - كبير السنّ فاني
أتت مائة لعام ولدت فيه ... وعشر بعد ذاك وحجّتان
قال: وأنشد عمر بن الخطاب رضي اللّه تعالى عنه أبياته التي يقول فيها:
ثلاثة أهلين أفنيتهم
فقال له عمر رضي اللّه تعالى عنه: كم لبثت مع كل أهل؟ قال: ستين سنة.
سمع أعجميّ بشعره فقال إنه مشؤوم:
وأخبرني بعض أصحابنا عن أبي بكر بن دريد عن عبد الرحمن ابن أخي الأصمعيّ عن عمّه قال:
أنشد رجل من العجم قول النابغة الجعديّ:
لبست أناسا فأفنيتهم ... وأفنيت بعد أناس أناسا
قيل إنه عاش 220 سنة:
وفسّر له، فقال: «بدين شان بود»، أي هذا رجل مشؤوم. وأما ابن قتيبة فإنه ذكر ما رواه لنا عنه إبراهيم بن محمد أنه عمّر مائتين وعشرين سنة، ومات بأصبهان. وما ذاك بمنكر؛ لأنه [1] قال لعمر رضي اللّه تعالى عنه: إنه أفنى ثلاثة قرون كلّ قرن ستون سنة، فهذه مائة وثمانون، [ثم عمّر [2] بعده فمكث بعد قتل عمر خلافة عثمان وعليّ ومعاوية ويزيد، وقدم على عبد اللّه بن الزبير بمكة وقد دعا لنفسه، فاستماحه ومدحه؛ وبين عبد اللّه بن الزبير وبين عمر] نحو مما ذكر ابن قتيبة؛ بل/ لا أشك أنه قد بلغ هذه السنّ وهاجى أوس بن مغراء بحضرة الأخطل والعجّاج وكعب بن جعيل فغلبه أوس، وكان مغلّبا [3].
أنشد النبي شعرا فدعا له:
حدّثنا أحمد بن عمر بن موسى القطّان المعروف بابن زنجويه قال حدّثنا إسماعيل بن عبد اللّه السكّريّ قال حدّثنا يعلى بن الأشدق العقيليّ قال حدّثني نابغة بني جعدة قال:
أنشدت النبيّ صلى اللّه عليه وسلم هذا الشعر فأعجب به:
__________
[1] كذا في م. وفي باقي الأصول: «إلا أنه ... إلخ» وهو تحريف.
[2] هذا ما ورد في م. وفي باقي الأصول: «ثم عمر بعدهم فمكث بعد قتل عمر إلى خلافة عثمان ... وبين هؤلاء وعمر نحو ...
. إلخ».
[3] يقال: شاعر مغلب أي كثيرا ما يغلب.
بلغنا السماء مجدنا وجدودنا [1] ... وإنا لنبغي فوق ذلك مظهرا
/ فقال النبيّ صلى اللّه عليه وسلم: «فأين المظهر يا أبا ليلى»؛ فقلت: الجنة؛ فقال: «قل إن شاء اللّه»؛ فقلت: إن شاء اللّه.
ولا خير في حلم إذا لم يكن له ... بوادر تحمي صفوه أن يكدّرا
ولا خير في جهل إذا لم يكن له ... حليم إذا ما أورد الأمر أصدرا
فقال النبيّ صلى اللّه عليه وسلم: «أجدت لا يفضض اللّه فاك»؛ قال: فلقد رأيته وقد أتت عليه مائة سنة أو نحوها وما انفضّ من فيه سنّ.
أنكر الخمر في الجاهلية وهجر الأزلام والأوثان:
أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال أخبرني أبو حاتم قال أخبرنا أبو عبيدة قال:
/ كان النابغة الجعديّ ممن فكّر في الجاهلية وأنكر الخمر والسّكر وما يفعل بالعقل، وهجر الأزلام [2] والأوثان [3]، وقال في الجاهلية كلمته التي أوّلها:
الحمد للّه لا شريك له ... من لم يقلها فنفسه ظلما
وفد على النبي وأسلم:
وكان يذكر دين إبراهيم والحنيفيّة، ويصوم ويستغفر، ويتوقّى [4] أشياء لعواقبها. ووفد على النبيّ صلى اللّه عليه وسلم فقال:
أتيت رسول اللّه إذ جاء بالهدى ... ويتلو كتابا كالمجرّة [5] نيّرا
وجاهدت حتى ما أحسّ ومن معي ... سهيلا إذا ما لاح ثمّت غوّرا
أقيم على التقوى وأرضى بفعلها [6] ... وكنت من النار المخوفة أوجرا [7]
وحسن إسلامه، وأنشد النبيّ صلى اللّه عليه وسلم؛ فقال له: «لا يفضض اللّه فاك»؛ وشهد مع عليّ بن أبي طالب رضي اللّه تعالى عنه صفّين. وقد ذكر خبره [مع عمر رضي اللّه عنه [8]؛ وأما خبره] مع عثمان فأخبرنا به أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ قال حدّثنا عمر بن شبّة قال قال مسلمة بن محارب:
__________
[1] في «جمهرة أشعار العرب» (طبع مطبعة بولاق الأميرية):
بلغنا السما مجدا وجودا وصوددا ... وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا
وفي «اللسان» (مادة ظهر):
بلغنا السماء مجدنا وسناؤنا ... ........
[2] الأزلام: قداح كانت في الجاهلية مكتوب عليها الأمر والنهي: افعل ولا تفعل، كان الرجل منهم يضعها في وعاء له، فإذا أراد أمرا مهما من سفر أو زواج، أدخل يده فأخرج منها زلما (الزم بفتحتين أو بضم ففتح) فإن خرج الأمر مضى لشأنه، وإن خرج النهي كف عنه ولم يفعله.
[3] الوثن: الصنم ما كان، وقيل: الصنم الصغير، وقال ابن الأثير: الوثن كل ماله جثة معمولة من جواهر الأرض أو من الخشب والحجارة كصورة الآدميّ تعمل وتنصب فتعبد، والصنم: الصورة بلا جثة، ومنهم من لم يفرق بينهما وأطلقهما على المعنيين.
[4] كذا في م. وفي باقي الأصول: «يتوقع»، وهو تحريف.
[5] المجرة: نجوم كثيرة لا تدرك بمجرّد البصر وإنما ينتشر ضوءها فيرى كأنه بقعة بيضاء.
[6] كذا في م وهو الموافق لما في «الإصابة». وفي باقي الأصول: «بفعله».
[7] أوجر: خائف، يقال: وجر من الشيء إذا خاف، وبابه كفرح، والوصف منه وجر وأوجر.
[8] التكملة عن م.
استأذن عثمان في سكنى البادية:
دخل النابغة الجعديّ على عثمان رضي اللّه تعالى عنه فقال: أستودعك اللّه يا أمير المؤمنين؛ قال: وأين تريد يا أبا ليلى؟ قال: ألحق بإبلي فأشرب من ألبانها فإني منكر لنفسي؛ فقال: أتعرّبا [1] بعد الهجرة يا أبا ليلى! أما علمت أن ذلك مكروه؟! قال: ما علمته، وما كنت لأخرج حتى أعلمك. قال: فأذن له، وأجّل له في ذلك أجلا؛ فدخل على الحسن والحسين ابني عليّ فودّعهما؛ فقالا له: أنشدنا من شعرك يا أبا ليلى؛ فأنشدهما:
الحمد للّه لا شريك له ... من لم يقلها فنفسه ظلما
فقالا: يا أبا ليلى، ما كنا نروي هذا الشعر إلا لأميّة بن أبي الصّلت؛ فقال: يا بني رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إني لصاحب هذا الشعر وأوّل من قاله، وإن السّروق [2] لمن سرق شعر أمية.
كان مغلبا ما هاجى قط إلا غلب:
قال أبو زيد عمر [3] بن شبّة في خبره:
كان النابغة شاعرا متقدّما، وكان مغلّبا ما هاجى قطّ إلا غلب، هاجى أوس بن مغراء وليلى الأخيليّة وكعب بن جعيل فغلبوه جميعا.
مهاجاته أوس بن مغراء:
وقال أبو عمرو الشّيبانيّ: كان بدء حديث النابغة وأوس بن مغراء أنّ معاوية لما وجّه بسر بن أرطاة [4] الفهريّ لقتل شيعة عليّ بن أبي طالب رضي اللّه تعالى عنه،/ قام إليه معن بن يزيد بن الأخنس السّلميّ وزياد بن الأشهب بن ورد بن عمرو بن ربيعة بن جعدة، فقالا: يا أمير المؤمنين، نسألك باللّه وبالرحم ألّا تجعل لبسر على قيس سلطانا، فيقتل [5] قيسا بمن قتلت بنو/ سليم من بني فهر وبني كنانة يوم دخل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مكة؛ فقال معاوية: يا بسر لا أمر [6] لك على قيس؛ وسار بسر حتى أتى المدينة، فقتل [7] ابني عبيد اللّه بن العباس، وفرّ أهل المدينة ودخلوا الحرّة (حرّة بني سليم). ثم سار بسر حتى أتى الطائف؛ فقالت له ثقيف: ما لك علينا سلطان، نحن من قيس؛ فسار حتى أتى همدان وهم في جبل لهم يقال له شبام، فتحصّنت فيه همدان، ثم نادوا: يا بسر نحن همدان وهذا شبام، فلم يلتفت إليهم؛ حتى إذا اغترّوا ونزلوا إلى قراهم، أغار عليهم فقتل وسبى نساءهم؛ فكنّ أوّل مسلمات سبين في
__________
[1] يقال: تعرّب الرجل: صار أعرابيا بعد أن كان عربيا وفي الحديث: ثلاث من الكبائر: منها التعرّب بعد الهجرة وهو أن يعود إلى البادية ويقيم مع الأعراب بعد أن كان مهاجرا.
[2] في م: «إن السروق عين السروق من ... ».
[3] في الأصول: «قال أبو زيد قال عمر .... إلخ» بزيادة «قال» وهو خطأ، إذ أبو زيد كنية عمر بن شبة. وفي م: «قال أبو زيد في خبره» دون «عمر بن شبة».
[4] في «أسد الغابة» «و قيل: ابن أبي أرطاة» ومثله في «طبقات ابن سعد». وفي «الاستيعاب»: «بسر بن أرطاة بن أبي أرطاة» وهو أحد من بعثه عمر بن الخطاب مددا لعمرو بن العاص لفتح مصر وشهد صفين مع معاوية وكان شديدا على عليّ وأصحابه.
[5] كذا في م. وفي باقي الأصول: «فيجعل قيسا ... » وهو تحريف.
[6] في م: «لا إمرة على قيس ... إلخ».
[7] في الطبري «و المعارف» لابن قتيبة أن قتلهما كان باليمن، وقد كان أبوهما واليا عليها من قبل عليّ، فلما بلغه مسير بسر فرّ إلى الكوفة، فكان من أمر ابنيه الطفلين ما ذكر.
الإسلام. ومرّ بحيّ من بني سعد نزول بين ظهري بني جعدة بالفلج [1]، فأغار بسر على الحيّ السّعديّين فقتل منهم وأسر؛ فقال أوس بن مغراء في ذلك:
مشرّين ترعون النّجيل وقد غدت ... بأوصال قتلاكم كلاب مزاحم
- المشرّ: الذي قد بسط ثوبه في الشمس. والنجيل: جنس من الحمض - فقال النابغة يجيبه:
/متى أكلت لحومكم كلابي ... أكلت يديك من جرب تهام [2]
أخبرنا أبو خليفة الفضل بن الحباب مما أجاز لنا روايته عنه من حديثه وأخباره مما ذكره منها عن محمد بن سلّام الجمحيّ عن أبي الغرّاف، وأخبرنا به أحمد بن عبد العزيز وحبيب بن نصر، قالا حدّثنا عمر بن شبّة [عن محمد [3] بن سلّام] عن أبي الغرّاف [4]:
أن النابغة هاجى أوس بن مغراء؛ قال: ولم يكن أوس مثله ولا قريبا منه في الشعر؛ فقال النابغة: إني وإياه لنبتدر بيتا، أيّنا سبق إليه غلب صاحبه؛ فلما بلغه قول أوس:
لعمرك ما تبلى سرابيل عامر ... من اللؤم ما دامت عليها جلودها
قال النابغة: هذا البيت الذي كنا نبتدر إليه. فغلّب أوس عليه.
قال أبو زيد [5]: فحدّثني المدائنيّ أنهما اجتمعا في المربد [6] فتنافرا وتهاجيا، وحضرهما العجّاج والأخطل وكعب بن جعيل، فقال أوس:
/لمّا رأت جعدة منا وردا [7] ... ولّوا نعاما في البلاد [8] ربدا [9]
إنّ لنا عليكم معدّا [10] ... كاهلها وركنها الأشدّا
__________
[1] الفلج (بالتحريك): موضع لبني جعدة بن قيس بنجد، وهو في أعلى بلاد قيس، وفيه قال الراجز:
نحن بنو جعدة أرباب الفلج ... نضرب بالبيض ونرجو بالفرج
(راجع «معجم ما استعجم» ج 2 ص 714).
[2] تهام: منسوب إلى تهامة. ويجوز في النسبة إلى تهامة تهامى (بكسر التاء وتشديد الياء) وتهام (بفتح التاء وحذف الياء) كيمان وشآم، أي إذا فتحت التاء حذفت الياء. وقال سيبويه: ومنهم من يقول: تهاميّ ويمانيّ وشآميّ بالفتح والتشديد. والألف في تهام (بفتح التاء وحذف الياء) أصلية وفي يمان وشآم عارضة. وقيل: إن تهاميا (بتخفيف الياء) منسوب إلى تهم بمعنى تهامة، فلما حذفت إحدى الياءين عوّضت عنها الألف. وعلى هذا تكون الألف عارضة في الكل.
[3] التكملة عن م. إذ لم نجد في المراجع التي بين أيدينا أنّ عمر بن شبة يروى عن أبي الغرّاف وإنما الذي يروى عنه هو محمد بن سلام.
[4] كذا في م، ج (بالغين المعجمة)، وهو الموافق لما في «طبقات الشعراء» للجمحيّ ص 81 و«النقائض» ص 240)، وهو أبو الغرّاف الضبيّ. وفي باقي الأصول: «العرّاف» بالعين المهملة، وهو تصحيف.
[5] في م: «قال ابن دريد فحدّثني أبو زيد أنهما ... ».
[6] المربد (كمنبر): موضع بالبصرة كان مجتمعا للقوم.
[7] الورد (بالكسر): الجيش، وهو أيضا الإشراف على الماء وغيره دخله أو لم يدخله.
[8] في م: «في الفلاة».
[9] ربدا: جمع ربداء وهي من النعام ما كان لونها سودا مختلطا، وقيل: ما كان كله سوادا، وقيل: ما كان بين السواد والغبرة.
[10] معدّ: أبو حيّ من العرب. وإلى معد ينتسب أوس بن مغراء، وبهذا النسب يفخر على النابغة. وكاهل القوم: معتمدهم في الملمات وسندهم في المهمات، وهو مأخوذ من كاهل الظهر لأن عنق الفرس يتساند إليه إذا أحضر. قال الشاعر:
فقال العجاج:
كل امرىء يعدو بما استعدّا
وقال الأخطل يعين أوس بن مغراء ويحكم له:
وإني لقاض بين جعدة عامر ... وسعد قضاء بيّن الحقّ فيصلا
أبو جعدة الذئب الخبيث طعامه ... وعوف بن كعب أكرم الناس أوّلا
وقال كعب بن جعيل:
إنّي لقاض قضاء سوف يتبعه ... من أمّ قصدا ولم يعدل إلى أود [1]
فصلا من القول تأتمّ القضاة به ... ولا أجور ولا أبغي على أحد
ناكت بنو عامر سعدا وشاعرها ... كما تنيك بنو عبس [2] بني أسد
مهاجاته ليلى الأخيلية:
وقال أبو عمرو الشيبانيّ: كان سبب المهاجاة بين ليلى الأخيليّة وبين الجعديّ أنّ رجلا/ من قشير - يقال له ابن الحيا (و هي أمه) واسمه سوّار بن أوفى بن سبرة - هجاه وسبّ أخواله من أزد في أمر كان بين قشير وبين بني جعدة وهم بأصبهان/ متجاورون، فأجابه النابغة بقصيدته التي يقال لها الفاضخة - سمّيت بذلك لأنه ذكر فيها مساوي قشير وعقيل وكلّ ما كانوا يسبّون به، وفخر بمآثر قومه وبما كان لسائر بطون بني عامر سوى هذين الحيّين من قشير وعقيل - :
جهلت عليّ ابن الحيا وظلمتني ... وجمّعت قولا جاء بيتا مضلّلا
وقال في هذه القصّة أيضا قصيدته التي أوّلها:
إمّا ترى [3] ظلل الأيّام قد حسرت ... عنّي وشمّرت ذيلا كان ذيّالا [4]
وهي طويلة، يقول فيها:
__________
حصنين كانا لمعدّ كاهلا ... ومنكبين اعتليا التلاتلا
ويعني بالحصنين ربيعة ومضر وهما عمدة أولاد معدّ كلهم.
[1] الأود: العوج.
[2] في م: «بنو عمرو».
[3] هذا شرط جوابه في البيت الذي يلي هذا البيت وهو:
وعممتني بقايا الدهر من قطن ... فقد أنفج ذا فرقين ميالا
وهذا البيت مذكور ضمن قصيدة طويلة في نسخة خطية محفوظة بدار الكتب المصرية بعنوان «شعر النابغة الجعدي» ضمن مجموعة تحت رقم 1845 أدب.
[4] ذيل ذيال: طويل.
ويوم مكّة إذ ماجدتم [1] نفرا ... حاموا [2] على عقد الأحساب أزوالا [3]
عند النّجاشيّ إذ تعطون أيديكم [4] ... مقرّنين ولا ترجون إرسالا
إذ تستحبّون [5] عند الخذل أنّ لكم ... من آل جعدة أعماما وأخوالا
لو تستطيعون أن تلقوا جلودكم ... وتجعلوا جلد عبد اللّه سربالا
- يعني عبد اللّه [6] بن جعدة بن كعب - :
/إذا تسربلتم فيه لينجيكم ... ممّا يقول ابن ذي الجدّين إذ قالا
حتّى وهبتم لعبد اللّه صاحبه ... والقول فيكم بإذن اللّه ما فالا [7]
تلك [8] المكارم لا قعبان من لبن ... شيبا [9] بماء فعادا بعد أبوالا
يعني بهذا البيت أن ابن الحيا فخر عليه بأنهم سقوا رجلا من جعدة أدركوه في سفر وقد جهد عطشا لبنا وماء فعاش.
وقال في هذه القصّة أيضا قصيدته التي أوّلها:
أبلغ قشيرا والحريش [10] فما ... ذا ردّ في أيديكم شتمي
وفخر عليهم بقتل علقمة الجعفيّ يوم وادي نساح [11] وقتل شراحيل [12] بن الأصهب الجعفيّ، وبيوم رحرحان [13] أيضا، فقال فيه:
__________
[1] ماجدتم: فاخرتم وسابقتم في المجد.
[2] يقال: حامي عن الشيء إذا دافع عنه، وحامى عليه إذا احتفل له. قال الشاعر:
حاموا على أضيافهم فشووا لهم ... من لحم منقية ومن أكباد
فيحتمل هنا أن يكون المراد المعنى الأوّل وتكون «على» بمعنى «عن»، أو المعنى الثاني ويكون معنى الاحتفال بعقد الأحساب (و هي الأواصر التي تربط ذوي الأرحام بعضهم ببعض) هو القيام بما تقتضيه من نصر من يتصل بهم والدفاع عنه.
[3] أزوال: جمع زول، وهو الفتى الخفيف الظريف والجواد.
[4] إعطاء اليد: كناية عن الانقياد والمذلة. ومقرنين: مشدودين في القرن وهو الحبل.
[5] كذا في النسخة المخطوطة المذكورة. وفي جميع الأصول: «تستحقون».
[6] هو عبد اللّه بن جعدة بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة خال النابغة الجعديّ (راجع النسخة المذكورة).
[7] قال: أخطأ. وفي الأصول: «قال». ولعل ما رجحناه هو الصواب.
[8] روى صاحب «العقد الفريد» هذا البيت ضمن أبيات لأبي الصلت والد أمية بن «أبي الصلت يمدح بها سيف بن ذي يزن مطلعها:
لم يدرك الثأر أمثال ابن ذي يزن ... لجج في البحر للأعداء أحوالا
(صوابه: ليطلب الثأر). ومثله في «معجم البلدان» لياقوت في كلامه على غمدان «و الشعر والشعراء» في ترجمة أمية بن أبي الصلت (ص 279 - 282 طبع أوروبا) وابن جرير الطبري (طبع أوروبا قسم 3 ص 956).
[9] شيبا: خلطا.
[10] كذا في س «الحريش» (بالحاء المهملة) وكذلك صححه المرحوم الشيخ الشنقيطي في نسخته، وهو الحريش بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، وفي باقي الأصول: «الجريش» بالجيم المعجمة، وهو تصحيف. (راجع «القاموس» و «شرحه» مادة حرش وكتاب «الاشتقاق» لابن دريد).
[11] وادي نساح (بكسر النون): باليمامة.
[12] أو هو شرحبيل (عن «القاموس» مادتي شراحيل وشرحبيل).
[13] رحرحان: جبل قريب من عكاظ خلف عرفات، قيل: هو لغطفان، وكان للعرب فيه يومان سيأتي كلام عليهما في هذا الجزء.
هلّا [1]
سألت بيومي رحرحان وقد ... ظنّت هوازن أنّ العزّ قد زالا
/ فلما ذكر ذلك النابغة قال:
تلك المكارم لا قعبان من لبن ... شيبا بماء فعادا بعد أبوالا
ففخر بما له وغضّ مما لهم. ودخلت ليلى الأخيلية بينهما فقالت:
وما كنت لو قاذفت [2] جلّ عشيرتي ... لأذكر قعبي حازر [3] قد تثمّلا
وهي كلمة [4]. فلما بلغ النابغة قولها قال:
ألا حيّيا ليلى وقولا لها هلا [5] ... فقد ركبت أبرا [6] أغرّ محجّلا
وقد أكلت بقلا وخيما نباته ... وقد شربت من آخر الصيف [7] أيّلا [8]
- يعني ألبان الأيّل - .
/دعي عنك تهجاء الرجال وأقبلي ... على أذلغيّ [9] يملأ استك فيشلا
/ وكيف أهاجي شاعرا رمحه استه ... خضيب البنان لا يزال مكحّلا
فردّت عليه ليلى الأخيليّة فقالت:
أنابغ لم تنبغ [10] ولم تك أوّلا ... وكنت صنيّا بين ضدّين مجهلا [11]
__________
[1] في النسخة المخطوطة: «نحن الفوارس يومي ... إلخ».
[2] كذا في كتاب «أشعار النساء» (تأليف أبي عبيد اللّه محمد بن عمران المرزباني ج 3 ص 2 المخطوط المحفوظ بدار الكتب المصرية تحت رقم 8 أدب ش). وفي الأصول: «فارقت».
[3] كذا في ح والحازر: اللبن الحامض. وفي ب وس: «خازر» (بالخاء المعجمة). وتمثل: صار كتلا من الرغوة، والثمالة: الرغوة.
(عن كتاب «أشعار النساء»).
[4] المراد بالكلمة هنا القصيدة، يقال: قال الشاعر كلمة أي قصيدة.
[5] هلا: كلمة زجر، تزجر بها الإناث من الخيل إذا أنزى عليها الفحل لنقر وتسكن.
[6] كذا في كتاب «أشعار النساء». وفي جميع الأصول: «أمرا» بالميم، وظاهر أنه تحريف.
[7] في م: «الليل».
[8] كذا في ح، م. والأيل (وزان سيد وميت): الذكر من الأوعال، أو هو ذو القرن الأشعث الضخم مثل الثور الأهليّ. والمراد: إذا شربت ألبانه، كما قال المؤلف. وكانوا يزعمون أن ألبان الأيل تغلم شاربها. قال أبو الهيثم: هذا محال، ومن أين توجد ألبان الأيايل! وذهب إلى أن الأيل (بضم الهمزة): الألبان الخاثرة، يقال: آل اللبن يزول أولا وإيالا إذا خثر فاجتمع بعضه إلى بعض، فالوصف للواحد اثل والجمع أيل، وقيل: إن اللبن الآثل مما يسمن ويغلم. واعترض على هذا التفسير بأن فعلا يكون جمعا لفاعل إذا كان وصفا لحيوان، فأجيب بأن ذلك هو الغالب الكثير. واعترض أيضا بأنه كان ينبغي أن يكون أوّلا، لأنه واوي العين؛ فأجيب بأن سيبويه أجاز الإعلال في مثله، نحو صيم وقيم في صوّم وقوّم. وقال أبو منصور في تفسير الأيل: «هو البول الخاثر بالنصب (يريد بفتح الهمزة) من أبوال الأروية إذا شربته المرأة اغتلمت». وفي سائر الأصول: «أبلا» بالباء الموحدة، وهو تصحيف.
[9] الأذلغيّ (بالذال والغين المعجمتين): الضخم الطويل من الأيور، قيل: هو منسوب إلى أذلغ بن شدّاد من بني عبادة بن عقيل وكان نكاحا. وفي الأصول: «أدلفيّ» بالدال المهملة والفاء، وهو تحريف، والتصويب عن «اللسان» «و شرح القاموس» في مادّة ذلغ وقد وضعه «القاموس» في مادة دلع (بالدال والعين المهملتين) وخطأه شارحه.
[10] نبغ في الشعر: أجاده، وهو بفتح عينه في الماضي وتثليثها في المضارع.
[11] المجهل كمقعد: أرض لا يهتدي فيها، لا يثني ولا يجمع.
- الصنيّ: شعب صغير يسيل منه الماء. وصدّان: جبلان - .
أنابغ إن تنبغ بلؤمك لا تجد ... للؤمك إلّا وسط جعدة مجعلا
تعيّرني داء بأمّك مثله ... وأيّ حصان [1] لا يقال لها هلا
فغلبته. فلما أتى بني جعدة قولها هذا، اجتمع ناس منهم فقالوا: واللّه لنأتين صاحب المدينة، أو أمير المؤمنين، فليأخذنّ لنا بحقّنا من هذه الخبيثة، فإنها قد شتمت أعراضنا وافترت علينا، فتهيّئوا لذلك؛ وبلغها أنهم يريدون أن يستعدوا عليها، فقالت:
/أتاني من الأنباء أنّ عشيرة ... بشوران [2] يزجون المطيّ المذلّلا [3]
يروح ويغدو وفدهم بصحيفة ... ليستجلدوا لي، ساء ذلك معملا
وقد أخبرني ببعض هذه القصّة أحمد بن عبد العزيز عن عمر بن شبّة فجاء بها مختلطة، وهذا أوضح وأصحّ.
يوم وادي نساح:
قال أبو عمرو: فأما ما فخر به النابغة من الأيام، فمنها يوم علقمة الجعفيّ، فإنه غدا في مدحج ومعه زهير الجعفيّ، فأتى بني [4] عقيل بن كعب فأغار عليهم، وفي بني عقيل بطون من سليم يقال لهم بنو بجلة، فأصاب سبيا وإبلا كثيرة، ثم انصرف راجعا بما أصاب، فاتّبعه بنو كعب، ولم يلحق به من بني عقيل إلا عقال بن خويلد بن عامر بن عقيل، فجعل يأخذ أبعار إبل الجعفيّين فيبول عليها حتى يندّيها، ثم يلحق ببني كعب فيقول: إيه فدى لكم أبواي، قد لحقتم القوم؛ حتى وردوا عليهم النخيل في يوم قائظ، ورأس زهير في حجر جارية من سليم من بني بجلة سباها يومئذ وهي تفليه، وهو متوسّد قطيفة حمراء وهي تضفر سعفاته - أي أعلى رأسه - بهدب القطيفة؛ فلم يشعروا إلا بالخيل؛ فكان أوّل من لحق زهيرا ابن النهّاضة [5]، فضرب وجه زهير بقوسه حتى كسر أنفه، ثم لحقه عقال بن خويلد، فبعج بطنه، فسال من بطنه برير وحلب - والبرير: ثمر الأراك. والحلب: لبن كان قد اصطبحه - / فذلك يوم يقول أبو حرب أخو عقال بن خويلد: واللّه لا أصطبح لبنا حتى آمن من الصّباح [6]. قال: وهذا اليوم هو يوم وادي نساح وهو باليمامة.
يوم شراحيل:
قال: وأمّا يوم شراحيل [7] بن الأصهب الجعفيّ فإنه يوم مذكور تفتخر به مضر كلّها. وكان شراحيل خرج
__________
[1] كذا في م. وفي كتاب «أشعار النساء» للمرزباني: «و أيّ جواد لا يقال لها هلا»، والجواد يطلق على الأنثى أيضا. وفي سائر الأصول: «و أي نجيب لا يقال له ... » وقد آثرنا ما في م لقول «اللسان» (مادة هلا): « ... هلا زجر للخيل وقد يستعمل للإنسان ... » واستشهد بالبيت كما ورد في م. وعلى هذا تكون الحصان (بفتح الحاء) المرأة العفيفة.
[2] شوران (بفتح أوله وإسكان ثانيه بعده راء مهملة): جبل في ديار بني جعدة وهو مطل على السّدّ، وفيه مياه سماء يقال لها البحرات، فيها سمك أسود مقدار الذراع أطيب ما يكون وأمرؤه. (راجع «معجم ما استعجم» ص 462، 822).
[3] في «أشعار النساء» للمرزباني «و معجم ما استعجم»: «المنعلا»، ونعّل البعير: وضع في خفه جلدا لئلا يحفى.
[4] كذا في م، وكذلك صححه المرحوم الشيخ الشنقيطي بنسخته. وفي سائر الأصول: «فأتى به عقيل»، وهو تحريف.
[5] في م: «ابن النفاضة».
[6] الصباح: الغارة صبحا.
[7] انظر الحاشية رقم 6 ص 15 من هذا الجزء.
مغيرا في جمع عظيم من اليمن، وكان قد طال عمره وكثر تبعه وبعد صيته واتصل ظفره، وكان قد صالح بني عامر على أن يغزو العرب مارّا بهم في بدأته وعودته لا يعرض أحد منهم لصاحبه [1]؛ فخرج غازيا في بعض غزواته فأبعد، ثم رجع إليهم فمرّ على بني جعدة فقرته ونحرت له؛ فعمد ناس من أصحابه سفهاء فتناولوا إبلا لبني جعدة فنحروها؛ فشكت ذلك بنو جعدة إلى شراحيل، فقالوا: قريناك وأحسنّا ضيافتك ثم لم تمنع أصحابك مما يصنعون! فقال: إنهم قوم مغيرون، وقد أساءوا لعمري! وإنما يقيمون عندكم يوما أو يومين ثم يرتحلون عنكم. فقال الرّقاد/ بن عمرو بن ربيعة بن جعدة لأخيه ورد بن عمرو - وقيل: بل قال ذلك لابن أخيه الجعد بن ورد - : دعني أذهب إلى بني قشير - قال: وجعدة وقشير أخوان لأمّ وأب، أمّهما ريطة بنت قنفذ بن مالك بن عوف بن امرىء القيس بن بهثة بن سليم بن منصور - فأدعوهم، واصنع أنت يا هذا لشراحيل طعاما حسنا كثيرا، وادعه وأدخله إليك فاقتله، فإن احتجت إلينا فدخّن، فإني إذا رأيت الدّخان أتيتك بهم فوضعنا سيوفنا [2] على القوم. فعمد ورد هذا إلى طعام فأصلحه،/ ودعا شراحيل وناسا من أصحابه وأهله وبني عمه، فجعلوا كلّما دخل البيت رجل قتله ورد، حتى انتصف النهار؛ فجاء أصحاب شراحيل يتبعونه، فقال لهم ورد: تروّحوا [3] فإنّ صاحبكم قد شرب وثمل وسيروح [فرجعوا] [4]؛ ودخّن ورد، وجاءت قشير، فقتلوا من أدركوا من أصحابه، وسار سائرهم؛ وبلغهم قتل شراحيل، فمرّوا على بني عقيل، وهم إخوتهم، فقالوا: لنقتلنّ مالك بن المنتفق؛ فقال لهم مالك: أنا آتيكم بورد؛ فركب ببني عقيل إلى بني جعدة وقشير ليعطوهم وردا؛ فامتنعوا من ذلك وساروا بأجمعهم فذبّوا عن عقيل، حتى تفرّق من كان مع شراحيل. فقال في ذلك بحير [5] [بن] [6] عبد اللّه بن سلمة:
أحيّ يتبعون العير نحرا [7] ... أحبّ إليك أم حيّا هلال
لعلك قاتل وردا ولمّا ... تساق [8] الخيل بالأسل النّهال
__________
[1] كذا في ط. وفي باقي الأصول: « ... في بدأته وعودته ولا يعرض واحد منهم صاحبه ... ».
[2] وضعنا سيوفنا على القوم: ألقينا بها وأسقطناها عليهم أي ضربناهم بها؛ يقال: وضع السيف إذا ضرب به؛ قال سديف:
فضع السيف وارفع السوط حتى ... لا ترى فوق ظهرها أمويا
[3] تروّح فلان: سار في الرواح، أي العشيّ، مثل راح.
[4] زيادة عن ط، ء.
[5] كذا ورد هذا الاسم في عدة مواضع من كتاب «النقائض» وكتاب «أشعار النساء» للمرزباني، وهو بالباء الموحدة من تحت والحاء المهملة على وزان أمير. وفي الأصول «بجير» بالجيم، وهو تصحيف.
[6] التكملة عن ط، م، ء وكتاب «النقائض» و «أشعار النساء» للمرزبانيّ.
[7] كذا ورد هذا البيت في أكثر الأصول، وورد في م: «يبتغون ... تجرا» بالجيم. وأورد المرزباني هذا البيت، ببعض اختلاف في كلماته عما هنا، ضمن أبيات قالها بحير هذا في قصة له خلاصتها أن ضباعة بنت عامر بن قرط بن سلمة بن قشير تزوّجت من هوذة ابن علي الحنفي الذي كان يمدحه الأعشى فمات عنها وأصابت منه مالا كثيرا، فخطبها ابن عمها بحير بن عبد اللّه بن سلمة فلم تزوّجه، فخطبها عبد اللّه بن جدعان التيميّ إلى أبيها فزوّجه إياها، فلما أهديت إليه قال ابن عمها بحير:
لنعم الحيّ لم تربع عليهم ... ضباعة يوم منقى اللحم غال
ونعم الحيّ حيّ بني أبيها ... إذا قرع المقانب بالعوالي
أقوم يقتنون الإبل تجرا ... أحب إليك أم قوم حلال
حلال: مقيمون. وفي هذا الشعر على هذه الرواية إقواء، وهو اختلاف حركة الرويّ. «و تجر» إما أن يكون مصدرا نصب على التعليل أو جمعا لتاجر كصحب جمعا لصاحب.
[8] تساق: أصله تتساقى وفي الأصول: «تساقى» ببقاء حرف العلة في آخره وهو مجزوم. والأسل: الرماح. والنهال: الريانة، واحدها:
ناهل، ويطلق الناهل أيضا على العطشان، فهو من الأضداد.
ألا يا مال ويح سواك أقصر ... أما ينهاك حلمك عن ضلال
يوما رحرحان:
وأمّا يوما رحرحان، فأحدهما مشهور قد ذكر في موضع آخر من هذا الكتاب بعقب أخبار الحارث بن ظالم، وهذا اليوم [1] الثاني، فكان الطمّاح الحنفيّ أغار في بني حنيفة وبني قيس بن ثعلبة على بني الحريش بن كعب وبني عبادة بن عقيل وطوائف من بني عبس يقال لهم بنو [2] حذيفة؛ فركبت بنو جعدة وبنو أبي بكر بن كلاب، ولم يشهد ذلك من بني كلاب غير بني أبي بكر، فأدركوا الطمّاح من يومهم، فاستنفذوا ما أخذه وأصابوا ما كان معه، وقتلوا عددا من أصحابه وهزموهم.
كعب الفوارس ومقتله:
قال: وأما ما ذكره [3] من إدراكهم بثأر كعب الفوارس، فإن كعب الفوارس - وهو ابن معاوية بن عبادة بن البكّاء - مرّ على بني نهد وعليه سلاحه، فحمل عليه/ رجل من نهد [4] يقال له خليف فقتله وأخذ فرسه وسلاحه؛ ثم إن خليفا بعد ذلك بدهر مرّ على بني جعدة، فرآه مالك بن عبد اللّه بن جعدة وعليه جبّة كعب وفيها أثر الطعنة، وكان محرما فلم يقدر على قتله، فقال: يا هذا! ألا رقعت هذا الخرق الذي في جبّتك! وجعل يترصّده بعد ذلك، حتى بلغه بعد دهر أنه مرّ ببني جعدة، فركب مالك بن عبد اللّه بن جعدة فرسا له وقد أخبر أن خليفا مرّ بجنباتهم [5]، فأدركه فقتله، ثم قال: بؤ بكعب. ثم غزا نواحيهم عبد اللّه بن ثور بن معاوية بن عبادة بن البكّاء: جرما ونهدا، وهم يومئذ في بني الحارث، فناداهم بنو البكّاء: ليس معنا أحد من قومنا غيرنا وإنّ النهديّ قتل صاحبنا محرما؛ فقاتلهم نهد وجرم جميعا يومئذ، وكان عبد اللّه بن ثور يومئذ على فرس ورد، فأصابوا من نهد يومئذ غنيمة عظيمة، وقتلوا قتلى كثيرة. فقال عبد اللّه في ذلك:
/فسائل بني جرم إذا ما لقيتهم ... ونهدا إذا حجّت عليك بنو نهد
فإن يخبروك الحقّ عنا تجدهم ... يقولون أبلى صاحب الفرس الورد
__________
[1] ذكر في كتاب «النقائض» (المطبوع في مدينة ليدن ص 1060) تفصيل ليومي رحرحان، فأما الأوّل منهما فهو أن يثربيّ بن عدس بن زيد بن عبد اللّه بن دارم غزا بني عامر بن صعصعة وعلى بني عامر يومئذ الأحوص بن جعفر فالتقوا فاقتتلوا، فقتل من بني عامر قريط بن عبد اللّه بن أبي بكر بن كلاب وقتل يثربيّ يومئذ. وأما يوم رحرحان الثاني فمذكور أيضا في كتاب «النقائض» كما هو وارد في «الأغاني» (في الجزء العاشر من طبعة بولاق ص 31) وهو الموضع الذي نبه المؤلف هنا أنه ذكر فيه. ويلاحظ بعد هذا أن ما ذكره المؤلف من قوله: «فكان الطماح الحنفيّ ... إلخ» غير واضح الاتصال بأحد هذين اليومين ولا الأسماء التي ذكرت في هذا الخبر مذكورة في الأسماء التي ذكرت في أحد هذين اليومين.
[2] في م: «بنو خزيمة، فركبت بنو خزيمة». وفي ط: «جذيمة».
[3] يلاحظ أيضا أنه لم يتقدّم لهذا الخبر ذكر. وقد ذكر مقتل كعب الفوارس هذا والأخذ بثأره، كما هو وارد هنا، في كتاب «النقائض» متصلا بأخبار «يوم فيف الريح» وهو يوم كان بين بني عامر وبين بني الحارث ومن تبعهم من قبائل جعفيّ وزبيد وقبائل سعد العشيرة ومراد وصداء ونهد واستعانوا أيضا بخثعم، (راجع كتاب «النقائض» ص 469). ولعل مقتل كعب الفوارس ورد في شعر للنابغة الجعديّ لم يقع إلينا في أصول «الأغاني» التي بين أيدينا.
[4] في «النقائض» (ص 471): «قتله خليف بن عبد العزي بن عائذ النهدي»، وأول كلام المؤلف هنا وآخره يؤيد ما أثبتناه وهو أنه من «نهد». وفي الأصول: «من جهم» وهو تحريف.
[5] جنباتهم: نواحيهم، واحده جنبة بالفتح. وفي م: «حيفاتهم» والحيفة (بالكسر): الناحية أيضا.
يوم الفلج:
قال: وأما يوم الفلج، فإن بكر بن وائل بعثت عينا على بني كعب بن ربيعة حتى جاء الفلج - وهو ماء - فوجد النّعم بعضه قريبا من بعض، ووجد الناس قد احتملوا، فليس في النّعم إلا من لا طباخ [1] به من راع أو ضعيف؛ فجاءهم عينهم بذلك، فركبت بكر بن وائل يريدونهم، حتى إذا كانوا منهم بحيث يسمعون أصواتهم، سمعوا الصّهيل وأصوات الرجال؛ فقالوا لعينهم: ما هذا ويلك؟! قال: واللّه ما أدري، وإن هذا لمما لم أعهد، فأرسلوا من يعلم علمهم؛ فرجع فأخبرهم أن الرجال قد رجعوا، ورأى/ جمعا عظيما وخيولا كثيرة [2]؛ فكّروا راجعين من ليلتهم؛ وأصبحت بنو كعب فرأوا الأثر فاتبعوهم، فأصابوا من أخرياتهم رجالا وخيلا، فرجعوا بها.
خداش بن زهير وهبيرة بن عامر:
قال: وأما قوله:
لو تستطيعون أن تلقوا جلودكم ... وتجعلوا جلد عبد اللّه سربالا
فإن السبب في ذلك أن هبيرة [3] بن عامر بن سلمة بن قشير، لقي خداش [4] بن زهير البكّائيّ، فتنافرا على مائة من الإبل، وقال كل منهما لصاحبه: أنا أكرم وأعزّ منك؛ فحكّما في ذلك رجلا من بني ذي الجدّين، فقضى بينهما أنّ أعزّهما وأكرمهما أقربهما من عبد اللّه بن جعدة نسبا؛ فقال خداش [4] بن زهير: أنا أقرب إليه، أمّ عبد اللّه بن جعدة عمّتي - وهي أميمة بنت عمرو بن عامر - وإنما أنت أدنى إليه منّي منزلة بأب؛ فلم يزالا يختصمان في القرابة لعبد اللّه دون المكاثرة بآبائهما إقرارا له بذلك، حتى فلج [5] هبيرة القشيريّ وظفر.
عبد اللّه بن جعدة:
قال أبو عمرو: وكان عبد اللّه بن جعدة سيّدا مطاعا، وكانت له إتاوة بعكاظ يؤتى بها، يأتيه [6] بها هذا الحيّ من الأزد وغيرهم؛ فجاء سمير [7] بن سلمة القشيريّ وعبد اللّه جالس على ثياب قد جمعت له من إتاوته، فأنزله عنها وجلس مكانه؛ فجاء رياح [8] بن عمرو بن ربيعة بن عقيل - وهو الخليع، سمّي بذلك لتخلّعه عن/ الملوك لا يعطيهم الطاعة - فقال للقشيريّ: مالك ولشيخنا تنزله عن إتاوته ونحن ها هنا حوله! فقال القشيريّ: كذبت، ما هي له! ثم مدّ القشيريّ رجله فقال: هذه رجلي فاضربها إن كنت عزيزا؛ قال: لا! لعمري لا أضرب رجلك؛ فقال له القشيريّ: فامدد لي رجلك حتى تعلم أأضربها أم لا؛ فقال: ولا أمدّ لك رجلي، ولكن أفعل ما لا تنكره العشيرة
__________
[1] الطباخ (رواه الإيادي بفتح الطاء والأزهريّ بضمها): القوّة والسمن.
[2] كذا في ط، ء، م. وفي سائر الأصول: «و خلقا كثيرا».
[3] كذا في ط، ء، م وكتاب «النقائض» وفيما سيأتي في كل الأصول. وفي باقي الأصول هنا: «زهير» وهو تحريف.
[4] كذا في ط، ء، م وكتاب «النقائض» وكذلك صححه الأستاذ الشنقيطي في نسخته. وفي باقي الأصول: «خراش» بالراء، وهو تحريف.
[5] فلج: فاز وغلب.
[6] كذا في ط، ء، م. وفي باقي الأصول: « .. ويأتيه بها ... » بزيادة الواو، وهو تحريف.
[7] في ط، م، ء: «فجاء سليمان بن سلمة ... ».
[8] كذا في ط، ء: وكذلك صححه المرحوم الأستاذ الشنقيطي في نسخته. وفي م: «رماح» بالميم. وفي باقي الأصول: «رباح» بالباء الموحدة، وكلاهما تحريف.
وما هو أعزّ لي وأذلّ لك؛ ثم أهوى إلى رجل القشيريّ فسحبه على قفاه ونحّاه، وأقعد عبد اللّه بن جعدة مكانه.
قال: وعبد اللّه بن جعدة أوّل من صنع الدّبّابة [1]؛ وكان السبب في ذلك أنهم انتجعوا [2] ناحية البحرين، فهجموا على عبد لرجل يقال له كودن [3] في قصر حصين، فدخّن العبد ودعا النساء والصبيان، فظنوا أنه يطعمهم ثريدا، حتى إذا امتلأ القصر منهم أغلقه عليهم، فصاح النساء والصبيان، وقام العبد ومن معه على شرف القصر، فجعل لا يدنو منه أحد إلا رماه؛ فلما رأى ذلك عبد اللّه بن جعدة صنع دبّابة على جذوع النخل وألبسها جلود الإبل، ثم جاء بها والقوم يحملونها حتى أسندوها إلى القصر، ثم حفروا حتى خرقوه [4]؛ فقتل العبد/ ومن كان معه واستنقذ صبيانهم ونساءهم. فذلك قول النابغة:
ويوم دعا ولدانكم عبد كودن ... فخالوا لدى الدّاعي ثريدا مفلفلا
وفي ابن زياد وهو عقبة خيركم ... هبيرة ينزو في الحديد مكبّلا
يعني هبيرة بن عامر بن سلمة بن قشير، وكان عبد اللّه بن مالك بن عدس بن ربيعة بن جعدة خرج ومعه مالك بن عبد اللّه بن جعدة، حتى مرّوا على بني [5] زياد/ العبسيّين والرجال غيب، فأخذوا ابنا لأنس [6] بن زياد وانطلقوا به يرجون الفداء؛ وانطلق عمّه عمارة بن زياد حتى أتى بني كعب، فلقي هبيرة بن عامر بن سلمة بن قشير، فقال له: يا هبيرة إن الناس يقولون: إنك بخيل؛ قال: معاذ اللّه! قال: فهب لي جبّتك هذه؛ فأهوى ليخلعها، فلما وقعت [7] في رأسه وثب عليه فأسره، ثم بعث إلى بني قشير: عليّ وعليّ إن قبلت من هبيرة أقلّ من فدية حاجب [8] إلا أن يأتوني بابن أخي الذي في أيدي بني جعدة؛ فمشت بنو قشير إلى بني جعدة، فاستوهبوه منهم فوهبوه لهم، فافتدوا به هبيرة.
وحوح أخو النابغة:
وأما خبر وحوح أخي النابغة الذي تقدّم ذكره مع نسب أخيه النابغة، فإن أبا عمرو ذكر أن بني كعب أغارت على بني أسد فأصابوا سبيا وأسرى، فركبت بنو أسد في آثارهم حتى لحقوهم بالشّريف [9]، فعطفت بنو عدس بن
__________
[1] الدبابة: آلة تتخذ من جلود وخشب للحرب يدخل فيها الرجال ويقربونها من الحصن المحاصر لينقبوه وهم في جوفها فتقيهم ما يرمون به من فوقهم.
[2] الانتجاع: طلب الكلا ومساقط الغيث.
[3] في م: «كوذن» بالذال المعجمة.
[4] كذا في ط، ء، م. وفي سائر الأصول: «حفروه».
[5] كذا في ط، ء: «بني زيد العبسيين». وفي م: «بني زيد والعبسيين» وكلاهما تحريف.
[6] كذا في ط، ء، م، وهو أنس بن زياد العبسيّ ويسمى أنس الفوارس، س وله حديث في يوم أقرن. (راجع «النقائض» ص 194، 679). وفي سائر الأصول: «أوس»، وهو تحريف.
[7] في ط، ء، م: «وقفت» بالفاء.
[8] هو حاجب بن زرارة، وهو من الذين يضرب المثل بفدائهم في الوفرة، ومثله في ذلك بسطام بن قيس والأشعث بن قيس بن معديكرب الكندي. (راجع «كتاب ما يعوّل عليه في المضاف والمضاف إليه» - حرف الفاء). وسيأتي خبر أسر حاجب بن زرارة هذا وفدائه في «الأغاني» (ج 10 ص 42 طبع بولاق).
[9] كذا في ط، ء، والشريف (بصيغة التصغير): ماء لبني نمير، وقيل: إنه واد بنجد. وفي سائر الأصول: «السديف» (بالسين والدال المهملتين) وهو تحريف.
ربيعة بن جعدة، فذادوا بني أسد حتى قتلوا منهم ثلاثين رجلا وردّوهم؛ ولم يظفروا منهم بشيء. وتعلّقت امرأة من بني أسد بالحكم بن عمرو بن عبد اللّه بن جعدة وقد أردفها خلفه، فأخذت بضفيرته ومالت به فصرعته، فعطف عليه عبد اللّه بن مالك بن عدس وهو أبو صفوان، فضرب يدها بالسيف فقطعها وتخلّصه. وطعن يومئذ وحوح بن/ قيس أخو النابغة الجعديّ، فارتثّ [1] في معركة القوم، فأخذه خالد بن نضلة الأسديّ؛ وعطف عليه يومئذ أخوه النابغة، فقال له خالد بن نضلة: هلمّ إليّ وأنت آمن؛ فقال له النابغة: لا حاجة لي في أمانك، أنا على فرسي ومعي [2] سلاحي وأصحابي قريب، ولكنّي أوصيك بما في العوسجة [3] (يعني أخاه وحوح بن قيس)؛ فعدل إليه خالد فأخذه وضمّه إليه ومنع من قتله وداواه حتى فدي بعد ذلك. قال: ففي ذلك يقول مدرك العبسيّ [4]:
أقمت على الحفاظ وغاب فرج ... وفي فرج عن الحسب انفراج
كذلك فعلنا وحبال عمّي ... وردن بوحوح فلج [5] الفلاج [6]
شعر للنابغة الجعدي:
ومما قاله النابغة في هذه المفاخرة وغنّي فيه قوله وقد جمع معه كلّ ما يغنّي فيه من القصيدة - :
الصوت
هل بالدّيار الغداة من صمم ... أم هل بربع الأنيس من قدم
أم ما تنادي من ماثل درج السّ ... يل عليه كالحوض منهدم
غرّاء كالليلة المباركة القم ... راء تهدي أوائل الظّلم
أكنى بغير اسمها وقد علم ال ... لّه خفيّات كلّ مكتتم
/ كأنّ فاها إذا تبسّم من ... طيب مشمّ وطيّب [7] مبتسم
/ يسنّ [8] بالضّرو من براقش أو ... هيلان أو ضامر [9] من العتم
عروضه من المنسرح. وفي الأوّل والثاني والثالث من الأبيات خفيف ثقيل أوّل بالخنصر في مجرى
__________
[1] ارتث: ضرب في الحرب فأثخن وحمل وبه رمق.
[2] في ط، ء، م: «و عليّ سلاحي».
[3] العوسجة: واحدة العوسج وهو شجر شائك له ثمر أحمر مدوّر، ولعله يريد بالعوسجة حظيرة أو مظلة متخذة من شجر العوسج.
[4] في ح: «الفقعسيّ».
[5] فلج (بالتحريك): مدينة بأرض اليمامة لبني جعدة وقشير وكعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، وفلج أيضا: مدينة قيس بن عيلان بن مضر، ويقال لها: فلج الأفلاج. وأصل الفلج النهر أو الماء الجاري، ولعله يقال أيضا: فلج الفلاج، كما ورد في الشعر هنا، لأن فعلا (بالتحريك) يجمع على أفعال وفعال.
[6] في هذا الشعر إقواء وهو اختلاف حركة الرويّ.
[7] في ط، ء: «و حسن مبتسم».
[8] يسنّ (يسناك). والضرو: شجر يسناك به. وبراقش وهيلان: مدينتان عاديتان باليمن خربتا.
[9] في «اللسان» (مادة برقش) «و معجم ما استعجم» للبكري «و معجم البلدان» لياقوت (في الكلام على براقش): «أو ناضر». والعتم (بضمتين): شجر الزيتون.
البنصر [1]، ذكره إسحاق ولم ينسبه إلى أحد، وذكر ابن المكيّ والهشاميّ أنه لمعبد، وأظنه من منحول يحيى، وذكر حبش أنه لإبراهيم. وفي الثالث وما بعده لابن سريح رمل بالبنصر، وذكر حبش أنّ فيها لإسحاق رملا آخر؛ ولابن مسجح فيها ثقيل أوّل بالبنصر.
أوّل من سبق إلى الكناية عمن يعني بغيره:
أخبرني عليّ بن سليمان الأخفش قال: أوّل من سبق إلى الكناية عن اسم من يعني بغيره في الشعر الجعديّ، فإنه قال:
أكني بغير اسمها وقد علم ال ... لّه خفيّات كلّ مكتتم
فسبق [2] الناس جميعا إليه واتّبعوه فيه. وأحسن من أخذه وألطفه فيه أبو نواس حيث يقول:
أسأل القادمين من حكمان [3] ... كيف خلفتم أبا عثمان
فيقولون لي جنان كما ... سرّك في حالها فسل عن جنان
ما لهم لا يبارك اللّه فيهم ... كيف لم يغن عندهم كتماني
ذكره الفرزدق وتحدّث عن شعره:
أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثني أبو بكر الباهليّ قال حدّثني الأصمعيّ قال:
ذكر الفرزدق نابغة بني جعدة فقال: كان صاحب خلقان عنده مطرف بألف، وخمار [4] بواف، (يعني درهما) [5].
وفد على ابن الزبير ومدحه فوصله:
وحدّثني خبره مع ابن الزبير جماعة، منهم حبيب بن نصر المهلّبيّ وعمر بن عبد العزيز بن أحمد والحرميّ بن أبي العلاء ووكيع ومحمد بن جرير الطبريّ حدّثنيه من حفظه، قالوا حدّثنا الزبير بن بكّار قال حدّثنا أخي هارون بن أبي بكر [6] عن يحيى بن إبراهيم عن سليمان [7] بن محمد بن يحيى بن عروة عن أبيه عن عمّه عبد اللّه بن عروة قال:
__________
[1] في ط،: «في مجرى الخنصر».
[2] كذا في ط، ء، ح. وفي سائر الأصول: «يسبق» وهو تحريف.
[3] حكمان (بالتحريك): اسم لضياع بالبصرة سميت بالحكم بن أبي العاص الثقفيّ. وهذا اصطلاح لأهل البصرة إذا سموا ضيعة باسم زادوا عليه ألفا ونونا، حتى سموا عبد اللان في قرية سميت بعبد اللّه. وكانت هذه الضيعة لبني عبد الوهاب الثقفيين موالي جنان صاحبة أبي نواس (انظر «معجم ياقوت» في اسم خكمان).
[4] الخمار (بالكسر): النصيف وهو ما تغطي به المرأة رأسها، وقد يطلق على العمامة، لأن الرجل يغطي بها رأسه كما تغطيه المرأة بخمارها؛ وفي حديث أم سلمة «أنه كان يسمح على الخف والخمار» أي العمامة.
[5] الذي في معاجم اللغة أن الوافي درهم وأربعة دوانق أو درهم ودانقان، يعني الفرزدق أن في شعره الجيد المتين والرديء الضعيف.
وقال المرزباني في كتابه الموشح في كلامه على النابغة الجعديّ بعد أن ذكر قول الفرزدق هذا: «قال الأصمعيّ: وصدق الفرزدق، بينا تجد النابغة في كلام أسهل من الزلال وأشدّ من الصخر إذ لان ... » ثم ذكر قصيدته التي منها:
سما لك هم ولم تطرب ... وبت ببث ولم تنصب
وبيّن ما فيها من شعر جيد وآخر رديء.
[6] هذه كنية أبيه بكار.
[7] في ب وس: «سليمان محمد». ولعل لفظة «ابن» سقطت سهوا أثناء الطبع.
أقحمت [1] السنة نابغة بني جعدة، فدخل على ابن الزبير المسجد الحرام، فأنشده:
حكيت لنا الصّدّيق لمّا وليتنا ... وعثمان والفاروق فارتاح معدم
أتاك أبو ليلى يجوب به الدّجى ... دجى الليل جوّاب الفلاة عثمثم [2]
لتجبر منه جانبا زعزعت [3] به ... صروف الليالي والزمان المصمّم
/ فقال له ابن الزبير: هوّن عليك أبا ليلى، فإنّ الشعر أهون وسائلك عندنا، أمّا صفوة ما لنا فلآل الزبير، وأما عفوته [4] فإنّ بني [5] أسد بن عبد العزّى تشغلها عنك وتيما معها، ولكن لك في مال اللّه حقّان: حقّ برؤيتك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وحقّ بشركتك أهل الإسلام في فيئهم؛ ثم أخذ بيده فدخل به دار النّعم، فأعطاه قلائص [6] سبعا وجملا رجيلا [7]؛ وأوقر له الإبل برّا وتمرا وثيابا، فجعل النابغة يستعجل فيأكل الحبّ صرفا؛ فقال ابن الزبير: ويح أبي ليلي! لقد بلغ به الجهد؛ فقال النابغة: أشهد أني سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: «ما وليت قريش فعدلت واسترحمت فرحمت وحدّثت فصدقت ووعدت خيرا فأنجزت فأنا والنبيّون فرّاط [8] القاصفين» وقال الحرميّ: «فرّاط لها ضمن». قال الزّبيريّ: كتب يحيى بن معين هذا الحديث عن أخي.
ضربه أبو موسى الأشعري أسواطا فهجاه:
أخبرني أبو الحسن الأسديّ أحمد بن محمد بن عبد اللّه/ بن صالح وهاشم بن محمد الخزاعيّ أبو دلف قالا حدّثنا الرّياشيّ قال قال أبو سليمان عن الهيثم بن عديّ [قال] [9]:
رعت بنو عامر بالبصرة في الزرع، فبعث أبو موسى الأشعريّ في طلبهم، فتصارخوا: يا آل عامر، يا آل عامر! فخرج النابغة الجعديّ ومعه عصبة له؛ فأتي به إلى أبي موسى الأشعريّ، فقال له: ما أخرجك؟ قال: سمعت داعية قومي؛ قال: فضربه أسواطا؛ فقال النابغة:
رأيت البكر بكر بني ثمود ... وأنت أراك بكر الأشعرينا
__________
[1] أقحمته: ألقته ورمت به. والسنة: الجدب، أي أخرجه الجدب من البادية وأدخله الريف حيث الخضرة والماء.
[2] العثمثم: الجمل الشديد الطويل.
[3] في ط، ء: «ذعذعت» بالذال المعجمة وهي بمعنى «زعزعت».
[4] عبارة ابن الأثير في «النهاية» (مادة عفا) ونقلها عنه صاحب «اللسان»: « ... أنه قال للنابغة: أما صفو أموالنا فلآل الزبير، وأما عفوه فإن تيما وأسدا تشغله عنك. قال الحربيّ: العفو: أحل المال وأطيبه. وقال الجوهريّ: عفو المال ما يفضل عن النفقة. وكلاهما جائز في اللغة والثاني أشبه بهذا الحديث»، وهذا التوجيه الأخير لابن الأثير. وأما عفوة المال والطعام والشراب (بالفتح) وعفوته (بالكسر عن كراع): فهي خياره وما صفا منه وكثر. وظاهر أنها لا تلائم سياق الحديث، لذلك نرى أن رواية النهاية في هذا الأثر أصح مما ورد في الأصول هنا.
[5] بنو أسد: قبيلة منها الزبير بن العوّام والد عبد اللّه هذا. وتيم: قبيلة منها أبو بكر الصدّيق رضوان اللّه عليه وهو جدّ ابن الزبير لأمه.
[6] القلائص: جمع قلوص وهي الشابة من الإبل بمنزلة الجارية من النساء.
[7] في ح: «رحيلا» بالحاء المهملة، والرجيل والرحيل من الإبل: القوي على السير.
[8] كذا في «النهاية» في «غريب الحديث» و«الدر النثير» للسيوطي (مادتي فرط وقصف)، وفيه رواية أخرى أشار إليها السيوطي في «الدر النثير» (مادة قصف) وهي «فراط القاصفين»، وبهذه الرواية ورد الحديث في م «و اللسان» (مادتي فرط وقصف). وقد وردت كلمة «القاصفين» في أكثر الأصول ها هنا مضطربة، ففي ط، ء: «فرّاط لها ضفن وقال الحرميّ ... إلخ». وفي باقي الأصول: «فراط لها ضمين وقال الحرميّ ... إلخ». الفرّاط: المتقدمون إلى الشفاعة أو إلى الحوض. والقاصفون: المزدحمون. وضمن: كافلون.
[9] هذه الكلمة ساقطة في ب، س.
فإن يكن ابن عفّان أمينا ... فلم يبعث بك البرّ الأمينا
فيا قبر النبيّ وصاحبيه ... ألا يا غوثنا لو تسمعونا
ألا صلّى إلهكم عليكم ... ولا صلّى على الأمراء فينا
خبره مع عليّ ومعاوية:
أخبرنا أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ ويحيى بن عليّ بن يحيى قالا حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثنا بعض أصحابنا عن ابن دأب [1] قال:
لما خرج عليّ رضي اللّه تعالى عنه إلى صفّين خرج معه نابغة بني جعدة؛ فساق به يوما فقال:
/قد علم المصران [2] والعراق ... أنّ عليّا فحلها العتاق [3]
أبيض جحجاح له رواق ... وأمّه غالى بها الصّداق
أكرم من شدّ به [4] نطاق ... إنّ الألى جاروك لا أفاقوا
لهم سياق [5] ولكم سياق ... قد علمت ذلكم الرّفاق
سقتم إلى نهج الهدى وساقوا ... إلى التي ليس لها عراق [6]
في ملّة عادتها النّفاق
فلما قدم معاوية بن أبي سفيان الكوفة، قام النابغة بين يديه فقال:
ألم تأت أهل المشرقين رسالتي ... وأيّ [7] نصيح لا يبيت على عتب
ملكتم فكان الشرّ آخر عهدكم ... لئن لم تدارككم حلوم بني حرب
وقد كان معاوية كتب إلى مروان فأخذ أهل النابغة وماله؛ فدخل النّابغة على معاوية، وعنده عبد اللّه بن عامر ومروان، فأنشده:
من راكب يأتي ابن هند بحاجتي ... على [8] النّأي والأنباء تنمى وتجلب
__________
[1] هو عيسى بن يزيد بن بكر بن دأب ويكنى أبا الوليد كان هو وأبوه وأخوه من العلماء بأشعار العرب وأخبارهم وأيامهم وكان أثيرا عند الهادي وله معه أخبار طويلة. (انظر «مروج الذهب» للسعودي ج 6 ص 264 - 265 طبع أوروبا «و المحاسن والمساوى ء» ص 613 - 614 طبع أوروبا).
[2] المصران: الكوفة والبصرة.
[3] كذا في أكثر الأصول. والذي في «معاجم اللغة» أن العتاق (وزان غراب): الخمر الحسنة القديمة. ولعله يريد بفحلها العتاق فحلها الكريم. وفي م: «الفناق» بالفاء والنون.
[4] في ط، ء، م: «بها».
[5] كذا في ح، م وكذلك صححه المرحوم الشنقيطي بنسخته. وفي سائر الأصول: «سباق» بالباء الموحدة وهو تصحيف.
[6] يريد إلى مضلة لا نهاية لها ولا غاية.
[7] في ط، ء: «و إني».
[8] في ط، ء:
« ... لحاجتي ... بكوفان ... »
وكوفان هي الكوفة، وهي أيضا قرية بهراة.
ويخبر عنّي ما أقول ابن عامر ... ونعم الفتى يأوي إليه المعصّب [1]
/فإن تأخذوا أهلي ومالي بظنّة ... فإنّي لحرّاب الرجال محرّب [2]
صبور على ما يكره المرء كلّه ... سوى الظلم إني إن ظلمت سأغضب
فالتفت معاوية إلى مروان فقال: ما ترى؟ قال: أرى ألّا تردّ عليه شيئا؛ فقال: ما أهون واللّه عليك أن ينجحر هذا في غار ثم يقطع عرضي عليّ ثم تأخذه العرب فترويه، أمّا [3] واللّه إن كنت لممن يرويه! أردد عليه كلّ شيء أخذته منه. وهذا الشعر يقوله النّابغة [4] الجعديّ لعقال بن خويلد العقيليّ يحذّره غبّ الظلم لمّا أجار بني وائل بن معن، وكانوا قتلوا رجلا من جعدة، فحذّرهم مثل حرب البسوس إن أقاموا على ذلك فيهم.
شعره في عقال بن خويلد وسببه:
قال أبو عمرو الشّيبانيّ:/ كان السبب في قول الجعديّ هذه القصيدة أن المنتشر الباهليّ خرج فأغار على اليمن ثم رجع مظفّرا. فوجد بني جعدة قد قتلوا ابنا له يقال له سيدان [5]، وكانت باهلة في بني كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة ثم في بني جعدة، فلمّا أن علم ذلك المنتشر وأتاه الخبر أغار على بني جعدة ثم على بني سبيع في وجهه ذلك، فقتل منهم ثلاثة نفر؛ فلما فعل ذلك تصدّعت باهلة، فلحقت فرقة منهم يقال لهم بنو وائل بعقال بن خويلد العقيليّ، ولحقت فرقة أخرى يقال لهم بنو قتيبة وعليهم حجل الباهليّ بيزيد بن عمرو بن الصّعق الكلابيّ، فأجارهم يزيد، وأجار عقال وائلا. فلما رأت بنو ذلك بنو جعدة أرادوا قتالهم، فقال لهم عقال: لا تقاتلوهم/ فقد أجرتهم؛ فأمّا أحد الثلاثة القتلى منكم فهو بالمقتول، وأمّا الآخران فعليّ عقلهما [6]؛ فقالوا: لا نقبل إلا القتال ولا نريد من وائل غيرا [7] (يعني الدية)؛ فقال: لا تفعلوا فقد أجرت القوم؛ فلم يزل بهم حتى قبلوا الدية. وانتقلت وائل إلى قومهم. فقال النابغة في ذلك قصيدته التي [8] ذكر فيها عقالا:
فابلغ عقالا أنّ غاية داحس [9] ... بكفّيك فاستأخر لها أو تقدّم
تجير علينا وائلا في دمائنا [10] ... كأنك عما ناب [11] أشياعنا [12] عم
__________
[1] المعصب هو الذي عصبته السنون أي أكلت ماله، والمعصب أيضا: الذي يعصب بطنه بالخرق من الجوع.
[2] كذا في أكثر الأصول. وحربه: أغضبه، يريد أن يصف نفسه بأنه شديد الكيد والنكاية وفي ب، س: «مجرب» بالجيم.
[3] في ط، ء: «أم واللّه» ويكون معناها الإضراب مثل «بل».
[4] في ب، س، ح: «نابغة الجعديّ» بدون أل.
[5] في ط، ء: «سذان» وفي م: «سيدار».
[6] العقل: الدية.
[7] الغير (وزان عنب): قيل: إنه مفرد جمعه أغيار، وقيل: هو جمع غيرة (بالكسر) وهي الدية.
[8] عبارة ط، ء: « ... قصيدته وهذه الأبيات التي ذكر فيها عقالا منها».
[9] داحس: اسم فرس أضيفت إليه حرب كانت بين عبس وذبيان، وهي حرب داحس، وذلك أن قيس بن زهير صاحب داحس تراهن هو وحذيفة بن بدر على عشرين بعيرا وجعلا الغاية مائة غلوة والمضمار أربعين ليلة، فأجرى قيس داحسا والغبراء، وحذيفة الخطار والحنفاء، فوضعت بنو فزارة رهط حذيفة كمينا في الطريق فردوا الغبراء ولطموها وكانت سابقة، فهاجت الحرب بين عبس وذبيان أربعين سنة (عن «القاموس» مادّة دحس). والنابغة يهدّد عقالا في هذه القصيدة بحرب كحرب داحس.
[10] في ط: «بدمائنا».
[11] في ح وهامش ط و «الموشح» للمرزباني: «نال» باللام.
[12] في كتاب «الموشح» للمرزباني: «أشياعها»، ويكون المعنى على هذه الرواية أن النابغة يهدّد عقالا ويحذره ما أصاب وائلا منهم من بأس.
كليب لعمري كان أكثر ناصرا ... وأيسر جرما منك ضرّج بالدّم
رمى ضرع ناب [1] فاستمرّ بطعنة ... كحاشية البرد اليماني المسهّم [2]
وما يشعر الرمح الأصمّ كعوبه ... بثروة [3] رهط الأبلخ [4] المتظلّم
/ وقال لجسّاس أغثني بشربة ... تفضّل بها طولا عليّ وأنعم
فقال تجاوزت الأحصّ [5] وماءه ... وبطن شبيث وهو ذو مترسّم [6]
كليب وائل ومقتله وحرب البسوس وما قيل فيها من الشعر:
وكان السبب [7] في قتل كليب بن ربيعة - فيما ذكره أبو عبيدة عن مقاتل الأحول بن سنان بن مرثد بن عبد بن عمرو بن بشر بن عمرو بن مرثد أخي بني قيس بن ثعلبة، ونسخت بعضه من رواية الكلبيّ، وأخبرنا به محمد بن العباس اليزيديّ عن عمّه عبيد اللّه عن ابن حبيب عن ابن الأعرابيّ عن المفضّل، فجمعت من روايتهم ما احتيج إلى ذكره مختصر اللفظ كامل المعنى - أنّ كليبا كان قد عزّ وساد في ربيعة فبغى بغيا شديدا، وكان هو الذي ينزلهم منازلهم ويرحّلهم، ولا ينزلون ولا يرحلون إلا بأمره. فبلغ من عزّه وبغيه أنه اتخذ جرو كلب [8]، فكان إذا نزل منزلا به كلّا قذف ذلك الجرو فيه فيعوي، فلا يرعى أحد ذلك الكلأ إلا بإذنه، وكان يفعل هذا بحياض الماء، فلا يردها أحد إلا بإذنه أو من آذن بحرب؛/ فضرب به المثل في العزّ، فقيل: «أعزّ من كليب وائل» وكان يحمي الصيد، ويقول: صيد ناحية كذا وكذا في جواري؛ فلا يصيد أحد منه شيئا؛ وكان لا يمرّ بين يديه أحد إذا جلس، ولا يحتبي أحد في مجلسه غيره؛ فقتله جسّاس بن مرّة.
وقال أبو عبيدة: قال أبو [9] برزة القيسيّ وهو من ولد عمرو بن مرثد:
__________
[1] الناب: الناقة المسنة.
[2] المسهم: المخطط بصور على شكل السهام، وفي حديث جابر: أنه كان يصلي في برد مسهم أخضر، أي فيه وشي كالسهام.
[3] في رواية: «بنزوة ... » كما في كتاب «الموشح».
[4] كذا في ط، ء «و الموشح» للمرزباني. والأبلخ (بالخاء المعجمة في آخره): العظيم في نفسه الجرىء على ما أتى من الفجور.
والمتظلم: الذي يظلم الناس حقوقهم، وهذا الوصف هو الذي يناسب كليبا لعتوّه. وفي باقي الأصول: «الأبلج المتوسم» بالجيم.
والمتوسم: المتحلى بسمة الشيوخ.
[5] سيذكر أبو الفرج في سياق هذا الخبر أن الأحص وشبيثا نهيان (النهي: الغدير)، وفي «القاموس» أنهما موضعان بنجد. وفي كتاب «معجم ما استعجم» أن الأحص واد، وأن شبيثا ماء معروف لبني تغلب. وهذا النظم للنابغة مأخوذ من قول جساس حين طعن كليبا فقصم صلبه فوقع كليب وهو يفحص برجله ثم قال لجساس: «أغثني بشربة»، فقال له جساس: «تجاوزت شبيثا والأحص»، يعني:
ليس هذا وقت طلب الماء. وقد صار فيما بعد مثلا يضرب لمن يطلب شيئا في غير وقته. ولفظ المثل في الميداني «تخطى إليّ شبيثا والأحص».
[6] المترسم: موضع الماء لمن طلبه (عن «معجم ما استعجم»).
[7] إلى هنا ينتهي حديث المؤلف عن النابغة الجعدي ثم استطردّ إلى كلام عن حرب بكر وتغلب وما كان بين كليب وجساس بمناسبة ذكرهما في شعر النابغة من غير أن يعقد لذلك عنوانا خاصا. ولذلك وضعنا هذه النجوم للدلالة على الفصل بين الخبرين ووضعنا في أعلى الصفحة عنوان [رب بكر وتغلب] بين قوسين مربعين للإشارة إلى أنه زيادة من عندنا ولم يضعه المؤلف.
[8] كان اسم «كليب» «وائلا». وسبب تسميته «بكليب» أنه كان عنده كليب - تصغير كلب، وهو ما عبر عنه هنا «بجرو كليب» - يرمي به فحيث بلغ عواء هذا الكليب كان حمى لا يرعى؛ ومن ذلك قيل المثل: «أعز من كليب وائل». ثم غلب هذا الاسم عليه حتى ظنوه اسمه. (انظر كتاب «مجمع الأمثال» للميدانيّ).
[9] في ط، ء: «أبو بردة» بالدال المهملة، وكذلك ورد هذا الاسم فيهما في كل المواضع التي سيذكر فيها فيما بعد.
وكان كليب بن ربيعة ليس على الأرض بكريّ ولا تغلبيّ أجار رجلا ولا بعيرا إلا بإذنه، ولا يحمي حمى إلا بأمره، وكان إذا حمى حمى لا يقرب؛ وكان لمرّة بن ذهل/ بن شيبان بن ثعلبة عشرة بنين جسّاس أصغرهم، وكانت أختهم عند كليب. وقال مقاتل وفراس: وأمّ جسّاس هيلة بنت منقذ بن سليمان [1] بن كعب بن عمرو بن سعد بن زيد مناة، ثم خلف عليها سعد بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة بعد مرّة بن ذهل، فولدت له مالكا وعوفا وثعلبة. قال فراس بن خندق [2] البسوسيّ [3]: فهي أمّنا. وخالة جسّاس البسوس - وقال أبو برزة: البسوسيّة - وهي التي يقال لها: «أشأم من البسوس» [4]. فجاءت فنزلت على ابن أختها جسّاس فكانت جارة لبني مرّة، ومعها ابن لها، ولهم ناقة خوّارة [5] من نعم بني سعد ومعها فصيل.
أخبرني عليّ بن سليمان قال قال أبو برزة: وقد كان كليب قبل ذلك قال لصاحبته أخت جسّاس: هل تعلمين على الأرض عربيّا أمنع منّي ذمّة؟ فسكتت ثم أعاد عليها الثانية فسكتت ثم أعاد عليها الثالثة، فقالت: نعم أخي جساس وندمانه [6] /ابن عمّه عمرو [7] المزدلف بن أبي ربيعة بن ذهل بن شيبان. وزعم مقاتل: أن امرأته كانت أخت جسّاس، فبينا هي تغسل رأس كليب وتسرّحه ذات يوم إذ قال: من أعزّ وائل؟ فصمتت [8]، فأعاد عليها؛ فلما أكثر عليها قالت: أخواي جسّاس وهمّام؛ فنزع رأسه من يدها وأخذ القوس فرمى فصيل ناقة البسوس خالة جسّاس وجارة بني مرّة فقتله؛ فأغمضوا على ما فيه وسكتوا على ذلك. ثم لقي كليب ابن البسوس [9] فقال: ما فعل فصيل ناقتكم؟ قال: قتلته وأخليت لنا لبن أمّه؛ فأغمضوا على هذه أيضا. ثم إنّ كليبا أعاد على امرأته فقال: من أعزّ وائل؟ فقالت: أخواي؛ فأضمرها وأسرّها في نفسه وسكت، حتى مرّت به إبل جسّاس، فرأى الناقة فأنكرها، فقال:
ما هذه الناقة؟ قالوا: لخالة جسّاس؛ قال: أو قد بلغ من أمر ابن السّعديّة أن يجير عليّ بغير إذني! ارم ضرعها يا غلام. قال فراس: فأخذ القوس فرمى ضرع الناقة فاختلط دمها بلبنها؛ وراحت الرّعاة على جسّاس فأخبروه بالأمر؛ فقال: احلبوا لها مكيالي لبن بمحلبها ولا تذكروا لها من هذا شيئا؛ ثم أغمضوا عليها أيضا. قال مقاتل:
حتى أصابتهم سماء، فغدا في غبّها يتمطّر [10]، وركب جسّاس بن مرّة وابن عمه عمرو بن الحارث بن ذهل - وقال أبو
__________
[1] في ط، ء، م: «سلمان».
[2] كذا في ط، م، ء وكتاب «النقائض» في أكثر من موضع والطبري (قسم أول ص 1061). وفي باقي الأصول: «فراس بن خندف» بالفاء بدل القاف، وهو تحريف.
[3] في «النقائض»: «القيسي». وهذه الكلمة ساقطة من ط، ء.
[4] كذا في «مجمع الأمثال» (ج 1 ص 330 طبع بولاق) وهي بنت منقذ التميمية وهي خالة جساس. وفي الأصول: «بسوسة» بزيادة التاء في الآخر.
[5] ناقة خوّارة: رقيقة حسنة.
[6] الندمان: الذي يرافقك وينادمك على الشراب، وقد يكون جمعا.
[7] كذا في أكثر الأصول، والمزدلف لقب عمرو بن أبي ربيعة بن ذهل وهو ابن عم جساس بن مرة، لقب به لأنه ألقى برمحه في حرب فقال: ازدلفوا إليه، كما قال ابن دريد، أو لاقترابه من الأقران في الحروب وازدلافه إليهم، كما نقله ابن حبيب. (عن «القاموس» و «شرحه» مادة زلف). وفي ب، س: « ... وندمانه ابن عمه عمرو والمزدلف ..... » بزيادة واو العطف سهوا من الطابع.
[8] في ط، ء: «فضمزت»، وضمزت: سكتت.
[9] في م: «جساسا».
[10] يتمطر: يتنزه. وقوله: «في غبها» كذا في الأصول، ولم نجد في «معاجم اللغة» التي بين أيدينا أن كلمة «غب» وهي بمعنى «بعد» تجرّ بفي. وهذا الاستعمال نفسه ورد في «اللسان» و «القاموس» و «شرحه» بدون حرف الجر.
برزة: بل عمرو ابن أبي ربيعة - وطعن عمرو كليبا فحطم صلبه؛ وقال أبو برزة: فسكت جسّاس،/ حتى ظعن [1] ابنا وائل؛ فمرّت بكر بن وائل على نهي [2] يقال له شبيث فنفاهم كليب عنه وقال: لا يذوقون منه قطرة، ثم مرّوا على نهي آخر يقال له الأحصّ فنفاهم عنه وقال: لا يذوقون منه قطرة؛ ثم مرّوا على بطن الجريب [3] فمنعهم إيّاه؛ فمضوا حتى نزلوا الذّنائب [4]، واتّبعهم كليب وحيّه حتى نزلوا عليه؛ ثم مرّ عليه جسّاس وهو واقف على غدير الذنائب فقال: طردت أهلنا عن المياه حتى كدت تقتلهم عطشا! فقال كليب: ما منعناهم من ماء إلا ونحن له شاغلون؛ فمضى جسّاس ومعه ابن عمه المزدلف. وقال بعضهم: بل جسّاس ناداه فقال: هذا كفعلك بناقة خالتي؛ فقال له: أو قد ذكرتها! أما إني لو وجدتها في غير إبل مرّة لاستحللت تلك الإبل بها. فعطف عليه جسّاس فرسه فطعنه برمح فأنفذ حضنيه [5]؛ فلما تداءمه [6] الموت قال: يا جسّاس اسقني من الماء؛ قال: ما عقلت استسقاءك الماء منذ ولدتك أمّك إلا ساعتك هذه!. قال أبو برزة:/ فعطف عليه المزدلف [7] عمرو بن أبي ربيعة فاحتزّ رأسه.
وأمّا مقاتل فزعم أن عمرو بن الحارث بن ذهل الذي طعنه فقصم صلبه. [قال] [8]: وفيه يقول مهلهل:
قتيل ما قتيل المرء عمرو ... وجسّاس بن مرّة ذو ضرير [9]
/و قال العباس بن مرداس السّلميّ يحذّر كليب [10] بن عهمة السّلميّ ثم الظّفريّ لما مات حرب بن أمية وخنقت الجنّ مرداسا وكانوا شركاء في القرية [11] فجحدهم كليب حظّهم منها - وسنذكر خبر ذلك في آخر هذه الأخبار إن شاء اللّه تعالى - فحذّره غبّ الظلم فقال:
أكليب مالك كلّ يوم ظالما ... والظلم أنكد وجهه ملعون
__________
[1] كذا في ب. وفي سائر الأصول: «طعن» بالطاء المهملة.
[2] النهي (بالكسر في لغة أهل نجد، وغيرهم يقوله بالفتح): الغدير، وهو أيضا الموضع الذي له حاجز ينهي الماء أن يفيض منه.
[3] الجريب: واد عظيم بين أجلي وبين الذنائب وجبر، تجيء أعاليه من قبل اليمن حتى يصب في الرمة. والرمة: فضاء به أودية كثيرة بأرض نجد. قال الهمداني: هذا الجريب جريب نجد، وفي تهامة جريب آخر. (عن «معجم ما استعجم» و «معجم البلدان» لياقوت).
[4] الذنائب: موضع بنجد.
[5] الحضن: ما دون الإبط إلى الكشح.
[6] تداءمه: تراكم عليه وتزاحم.
[7] في الأصول: « ... المزدلف بن عمرو بن أبي ربيعة» بزيادة كلمة «ابن» وهو تحريف. (راجع الحاشية رقم 8 ص 35 من هذا الجزء).
[8] زيادة عن ط، ء، م.
[9] الضرير: الشدة، ويقال: فلان ذو ضرير إذا كان ذا صبر على الشرّ ومقاساة له. وذو ضرير هنا صفة لقتيل.
[10] كذا ورد هذا الاسم في جميع الأصول هنا وكتاب «النقائض» (ص 907). وورد في الأصول التي بين أيدينا من «الأغاني» في أول أخبار أبي سفيان التي تقع في ج 6 ص 92 طبع بولاق: «كليب بن أبي عهمة السلميّ».
[11] ذكر أبو الفرج في ج 6 ص 92 وج 20 ص 135 طبع بولاق: أن حرب بن أمية لما انصرف من حرب عكاظ هو وأخوته مرّ بالقرية وهي إذ ذاك غيضة شجر ملتف لا يرام، فقال له مرداس بن أبي عامر: أما ترى هذا الموضع؟ قال بلى؛ قال: نعم المزدرع هو، فهل لك أن نكونا شريكين فيه ونحرق هذه الغيضة ثم نزدرعه بعد ذلك؟ قال نعم؛ فأضرما النار في الغيضة، فلما استطارت وعلا لهبها سمع من الغيضة أنين وضجيج كثير ثم ظهرت منها حيات بيض تطير حتى قطعتها وخرجت منها، فلم يلبث حرب بن أمية ومرداس بن أبي عامر أن ماتا، فأما مرداس فدفن بالقرية، ثم ادّعاها بعد ذلك كليب بن أبي عهمة السلمي ثم الظفري. وقال أبو الفرج عند إيراده هذا الخبر في ذلك الموضع: «و هذا شيء قد ذكرته العرب في أشعارها وتواترت الرواية بذكره، فذكرته، واللّه أعلم».
فافعل بقومك ما أراد بوائل ... يوم الغدير سميّك المطعون
وقال رجل من بني بكر بن وائل في الإسلام وهي تنحل للأعشى:
ونحن قهرنا تغلب ابنة وائل ... بقتل كليب إذ طغى وتخيّلا [1]
أبأناه [2] بالناب التي شقّ ضرعها ... فأصبح موطوء الحمى متذلّلا
قال: ومقتل كليب بالذّنائب عن يسار فلجة [3] مصعدا إلى مكة، وقبره بالذنائب. وفيه يقول المهلهل:
ولو نبش المقابر عن كليب ... فيخبر [4] بالذنائب أيّ زير
/ قال أبو برزة: فلما قتله أمال يده بالفرس حتى انتهى إلى أهله. قال: وتقول أخته حين رأته لأبيها: إنّ ذا لجسّاس أتى خارجا ركبتاه؛ قال: واللّه ما خرجت ركبتاه إلا لأمر عظيم!. قال: فلما جاء قال: ما وراءك يا بنيّ؟
قال: ورائي أني قد طعنت طعنة لتشغلنّ بها شيوخ وائل زمنا؛ قال: أقتلت كليبا؟ قال نعم؛ قال: وددت أنك وإخوتك كنتم متّم قبل هذا، ما بي إلا أن تتشاءم بي أبناء وائل. وزعم مقاتل أن جسّاسا قال لأخيه نضلة بن مرّة - وكان يقال له عضد الحمار - :
وإني قد جنيت عليك حربا ... تغصّ الشيخ بالماء القراح
مذكّرة [5] متى ما يصح عنها ... فتى نشبت [6] بآخر غير صاح
تنكّل عن ذباب [7] الغيّ قوما ... وتدعو آخرين إلى الصّلاح
فأجابه نضلة:
فإن [8] تك قد جنيت عليّ حربا ... فلا وان ولا رثّ السّلاح
قال أبو برزة:
وكان همّام بن مرة اخى مهلهلا وعاقده ألّا يكتمه شيئا؛ فجاءت [إليه] [9] أمة له فأسرّت إليه قتل جسّاس كليبا؛ فقال [له] [9] مهلهل: ما قالت؟ فلم يخبره؛ فذكّره/ العهد بينهما؛ فقال: أخبرت أنّ جسّاسا قتل كليبا؛
__________
[1] تخيل: تكبر.
[2] أباء القاتل بالقتيل: قتله به.
[3] فلجة: منزل على طريق مكة من البصرة بعد أبرقي حجر.
[4] نصب «فيخبر» لما في «لو» من معنى التمني. «و أي زير» مبتدأ محذوف الخبر، كأنه قال: أي زير أنا.
[5] مذكرة: شديدة.
[6] في ط، ء: «تشبب لآخر ... ».
[7] كذا في ط، ء، م. والمعنى الذي يمكن أن يراد من معاني الذباب هنا وهو مضاف إلى الغيّ: الجنون أو الشرّ، أي إنها تصرف قوما عن جنون غيهم وطيشهم وتردّهم إلى صوابهم. وفي باقي الأصول: «عن ذئاب الغيّ». وورد هذا الشطر في كتاب بكر وتغلب ابني وائل (طبع مطبعة نخبة الأخبار سنة 1305 ه، ومنه نسخة خطية محفوظة بدار الكتب المصرية تحت رقم 20 أدب ش):
تثكل دانيات البغي قوما
[8] في ط، ء، م: «إن تك ... » بدون فاء. وهذا على أنه أوّل القصيدة، وحينئذ يكون فيه الخرم، وبحر الوافر مما يجوز فيه الخرم.
[9] زيادة عن ط، ء.
فقال: است [1] أخيك أضيق من ذلك. وزعم مقاتل: أنّ همّاما كان اخى مهلهلا وكان عاقده ألّا يكتمه شيئا؛ فكانا جالسين، فمرّ جسّاس يركض به فرسه مخرجا فخذيه؛ فقال همّام: إنّ له لأمرا، واللّه ما رأيته كاشفا فخذيه قطّ في ركض؛ فلم يلبث إلا قليلا حتى جاءته الخادم فسارّته أنّ جسّاسا قتل كليبا؛ فقال له مهلهل: ما أخبرتك؟ قال:
أخبرتني أن أخي قتل أخاك؛ قال: هو أضيق استا من ذلك. وتحمّل القوم، وغدا مهلهل بالخيل.
وقال المفضّل في خبره: فلما قتل كليب قالت بنو تغلب بعضهم لبعض: لا تعجلوا على إخوتكم حتى تعذروا بينكم وبينهم؛ فانطلق رهط من أشرافهم وذوي أسنانهم حتى أتوا مرّة بن ذهل،/ فعظّموا ما بينهم وبينه، وقالوا له:
اختر منّا خصالا: إمّا أن تدفع إلينا جسّاسا فنقتله بصاحبنا فلم يظلم من قتل قاتله، وإمّا أن تدفع إلينا همّاما، وإمّا أن تقيدنا من نفسك؛ فسكت، وقد حضرته وجوه بني بكر بن وائل فقالوا: تكلّم غير مخذول؛ فقال: أمّا جسّاس فغلام حديث السنّ ركب رأسه فهرب حين خاف فلا علم لي به، وأمّا همّام فأبو عشرة وأخو عشرة [2]، ولو دفعته إليكم لصيّح [3] بنوه في وجهي وقالوا: دفعت أبانا للقتل بجريرة غيره؛ وأمّا أنا فلا أتعجل الموت، وهل تزيد الخيل على أن تجول جولة فأكون أوّل قتيل! ولكن هل لكم في غير ذلك؟ هؤلاء بنيّ، فدونكم أحدهم فاقتلوه به، وإن شئتم فلكم ألف ناقة تضمنها/ لكم بكر بن وائل؛ فغضبوا وقالوا: إنّا لم نأتك لترذل [4] لنا بنيك ولا لتسومنا اللبن؛ فتفرّقوا، ووقعت الحرب. وتكلّم في ذلك عند الحارث بن عباد، فقال: «لا ناقة لي في هذا ولا جمل»، وهو أوّل من قالها وأرسلها مثلا.
يوم عنيزة:
قالوا جميعا: كانت حربهم أربعين سنة، فيهنّ خمس وقعات مزاحفات، وكانت تكون بينهم مغاورات [5]، وكان الرجل يلقى الرجل والرجلان الرجلين ونحو هذا. وكان أوّل تلك الأيام يوم عنيزة، وهي عند فلجة، فتكافؤا فيه لا لبكر ولا لتغلب؛ وتصديق ذلك قول مهلهل:
يوم عنيزة:
كأنّا غدوة وبنى أبينا ... بجنب عنيزة رحيا مدير
ولو لا الريح أسمع من بحجر [6] ... صليل البيض تقرع بالذّكور
__________
[1] تضرب العرب ضيق الاست مثلا في الذلة والضعف. قال في «اللسان»: «و يقال للرجل الذي يستذل ويستضعف: است أمك أضيق واستك أضيق من أن تفعل كذا وكذا».
[2] في «أمثال العرب» للمفضل الضبي (المطبوع بمطبعة الجوائب بالقسطنطينية سنة 1300 ه ص 56) زيادة: «و عم عشرة» بعد قوله:
« ... وأخو عشرة».
[3] صيح الرجل: بالغ في الصياح.
[4] كذا في ط، ء وأمثال العرب للمفضل الضبي، وفسرها بقوله: «أي تعطينا رذال بنيك». ورذال الشيء (بالضم): أردؤه. وفي باقي الأصول: «لتؤدّي لنا بنيك»، وهو تحريف.
[5] يقال: غاور القوم إذا أغار بعضهم على بعض.
[6] فسر أبو علي القالي في «أماليه» (ج 2 ص 134 طبعة دار الكتب المصرية) «حجرا» بأنها قصبة اليمامة، وضبطها «القاموس» بالفتح، ووردت مضبوطة في ط بالضم، وحجر (بالضم): موضع باليمن. والصليل: الصوت. والذكور: السيوف.
يوم واردات:
فتفرّقوا، ثم غبروا زمانا. ثم التقوا يوم واردات [1]، وكان لتغلب على بكر، وقتلوا بكرا أشدّ القتل، وقتلوا بجيرا؛ وذلك قول مهلهل:
فإني قد تركت بواردات ... بجيرا في دم مثل العبير
هتكت به بيوت بني عباد ... وبعض الغشم [2] أشفى للصدور
قال مقاتل: [إنه] [3] إنما التقط توّا. وسيجيء حديثه أسفل من هذا [4]. التوّ: الفرد، يقال: وجدته توّا، أي وحده.
/ قال أبو برزة: ثم انصرفوا بعد يوم واردات غير بني ثعلبة بن عكابة ورأسوا على أنفسهم الحارث بن عباد، فاتّبعتهم بنو ثعلبة بن عكابة، حتى التقوا بالحنو [5]، فظهرت بنو ثعلبة على تغلب.
يوم القصيبات ويوم قضة:
قال مقاتل: ثم التقوا يوم بطن السّرو، وهو يوم القصيبات [6]، وربما قيل يوم القصيبة [7]، وكان لبني تغلب على بكر، حتى ظنّت بكر أن سيقتلونها [8] - قال مقاتل: وقتلوا يومئذ همّام بن مرّة - . ثم التقوا يوم قضة وهو يوم التحالق ويوم الثّنيّة [9]. ويوم قضة ويوم الفصيل لبكر على تغلب. قال أبو برزة: اتّبعت تغلب بكرا فقطعوا رملات خزازي [10]
__________
[1] واردات: موضع عن يسار طريق مكة.
[2] الغشم: الظلم.
[3] زيادة عن ط، ء.
[4] في ب، س، ح: « ... أسفل من هذا حديثه». بزيادة كلمة «حديثه»، وظاهر أنه زيد سهوا من الناسخ.
[5] الحنو: موضع في ديار بكر وتغلب.
[6] القصيبات: موضع في ديار بكر وتغلب.
[7] كذا في م وبه يستقيم الكلام. وفي باقي الأصول: « ... وربما قيل القصيبة وهي القصبات لبني تغلب ... ».
[8] في ط، ء، م: «أن سيقتلوها» و«أن» يجوز فيها أن تكون مخففة من الثقيلة وأن تكون ناصبة للفعل بعد الظن، ولكن وجود السين في الفعل بعدها يعين أنها مخففة، فيجب رفع الفعل. وفي ب، س، ح: « ... أن سيقتلوا معا». وفي كتاب «الكامل» لابن الأثير (ج 1 ص 395 طبع أوروبا) - ولعله هو الصحيح - : « ... حتى ظنوا أنهم لن يستقيلوا».
[9] الثنية هنا: الطريقة في الجبل كالنقب. ويوم الثنية معطوف على «يوم التحالق» على أنه تفسير آخر ل «يوم قضة» كما يعينه إيراد الخبر في كتاب «معجم ما استعجم» في كلامه على «واردات»، ونصه بعد أن ذكر الأيام التي قبله: « ... والخامس يوم قضة وهو يوم التحالق ويوم الثنية، وقال أبو عبيدة: وهو أول يوم شهده الحارث بن عباد ... ». وظاهر أن الثنية التي أضيف إليها هذا اليوم هي الثنية التي وقع فيها الجمل فسدّها حين طعنه عوف بن مالك ليسدّ الطريق دون قومه ثم تحالقوا لتعرفهم النساء، كما سيجيء ذلك بعد أسطر.
[10] خزازي (و يقال فيه أيضا خزاز كسحاب وخزاز بالبناء على الكسر كقطام): جبل في ناحية منعج دون إمرة وفوق عاقل، على يسار طريق البصرة إلى المدينة، بإزاء حمى ضرية. والرغام: اسم رملة بعينها (كما في «القاموس»)، وذكر ياقوت في «معجم البلدان» أنها من نواحي اليمامة. وفي كتاب «صفة جزيرة العرب» للهمداني (طبع ليدن ص 153) بعد أن عرض لذكر القصبتين اللتين ذكرتا في أخبار بني وائل وإحداهما قصبة الرغام، قال: « ... والرغام جماع منها سفوح وأرطاة والبردان والطويل، وكل ذا فيه نخل كثير، ورميلة هي رملة الرغام مشرفة على ثرمداء ... ».
والرّغام ثم مالوا لبطن الحمارة [1]؛ فوردت بكر قضة فسقت وأسقت/ ثم صدرت وحلّثوا [2] تغلب، ونهضوا في نجعة [3] يقال لها موبية لا يجوز فيها إلا بعير بعير؛ فلحق رجل من الأوس بن تغلب بغليّم من بني تيم اللّات بن ثعلبة يطرد ذودا له [4]، قطعن في بطنه بالرمح ثم رفعه [5] فقال: تحدّبي أمّ البوّ على بوّك. فرآه عوف بن مالك بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة، فقال: أنفذوا [6] جمل أسماء (اينته) فإنه أمضى جمالكم وأجودها منفذا، فإذا نفذ تبعته النّعم؛/ فوثب الجمل في المويبة، حتى إذا نهض على يديه وارتفعت رجلاه ضرب عرقوبيه وقطع بطان الظّعينة فوقع فسدّ الثنية - ثم قال عوف: أنا البرك أبرك حيث أدرك، فسمّي البرك - ووقع الناس إلى الأرض لا يرون مجازا، وتحالقوا لتعرفهم النساء؛ فقال جحدر بن ضبيعة بن قيس أبو المسامعة - واسمه ربيعة؛ قال: وإنما سمّي جحدرا لقصره [7] - : لا تحلقوا رأسي فإني رجل قصير، لا تشينوني، ولكنّي أشتريه منكم بأوّل [8] فارس يطلع عليكم من القوم؛ فطلع ابن عناق فشدّ عليه فقتله. فقال رجل من بكر بن وائل يمدح مسمع ابن مالك بذلك:
يابن الذي لمّا حلقنا اللّمما ... ابتاع منا رأسه تكرّما
بفارس أوّل من تقدّما
وقال البكريّ:
ومنّا الذي فادى من القوم رأسه ... بمستلئم [9] من جمعهم غير أعزلا
فأدّى إلينا بزة [10] وسلاحه ... ومنفصلا من عنقه قد تزيّلا
/ قال: وكان جحدر يرتجز يومئذ ويقول:
ردّوا عليّ الخيل إن ألمّت ... إن لم أقاتلهم فجزّوا لمّتي
وزعم عامر بن عبد الملك المسمعيّ أنه لم يقلها، وأن صخر بن عمرو السّلميّ قائلها؛ فقال مسمع: كردين [11] (كذب) عامر. وقال البكريّ:
__________
[1] كذا في الأصول. والحمارة (بلفظ تأنيث الحمار): اسم حرة. غير أن سياق عبارة الهمداني (في كتابه «صفة جزيرة العرب» ص 152 - 153) يدل على أن التي تصاقب الرغام هي «الحمادة» بالدال لا الحمارة بالراء. والحمادة (بالفتح) كما في «معجم ياقوت»:
ناحية باليمامة أيضا.
[2] حلئوا تغلب: منعوها الماء.
[3] في ط، ء: «نجفة» بالفاء.
[4] الذود: ثلاثة أبعرة إلى التسعة وقيل إلى العشرة وقيل غير ذلك، ولا يكون إلا من الإناث، وهو يستعمل بمعنى الواحد وبمعنى الجمع.
[5] في ح: «دفعه».
[6] في ط، ء: «قدموا».
[7] عبارة ط، ء: «قال: وإنما جحدره قصره».
[8] في ط، ء: «بأكرم فارس».
[9] المستلئم: لابس اللأمة: وهي السلاح كلها. يقال: استلأم الرجل إذا لبس ما عنده من عدّة: رمح وبيضة ومغفر وسيف ونبل ودرع.
[10] البز (بالفتح): نوع من الثياب. وفي ط، ء: «ثوبه».
[11] كذا في ط، م، ء. وكردين: كلمة فارسية معناها: حائد عن الصواب. وقد رجح لدينا أن كلمة «كذب» أثبتت تفسيرا من المؤلف لكلمة «كردين» فوضعناها بين علامتي التفسير إشارة إلى ذلك. وفي ح: «كذب ابن كاذب عامر». وفي ب، س: «كاذب بن كاذب عامر».
ومنّا الذي سدّ الثنية غدوة ... على حلفة لم يبق فيها تحلّلا
بجهد يمين اللّه لا يطلعونها ... ولمّا نقاتل جمعهم حين أسهلا
وأمّا مقاتل فزعم أنهم قالوا: اتّخذوا علما يعرف به بعضكم بعضا، فتحالقوا [1]. وفيه يقول طرفة [2]:
صوت
سائلوا عنّا الذي يعرفنا ... بقوانا [3] يوم تحلاق اللّمم
يوم تبدي البيض عن أسؤقها [4] ... وتلفّ الخيل أعراج النّعم
/ غنّى في هذين البيتين ابن محرز خفيف ثقيل أوّل بالوسطى عن الهشاميّ، وذكر أحمد بن المكيّ أنه لمعبد.
همام بن مرة ومقتله:
وزعم مقاتل أنّ همّام بن مرّة بن ذهل بن شيبان، لم يزل قائد بكر حتى قتل يوم القصيبات، وهو قبل [5] يوم قضة، [و يوم قضة] على أثره. وكان من حديث مقتل همّام أنه وجد غلاما مطروحا، فالتقطه وربّاه وسمّاه ناشرة فكان عنده لقيطا؛ فلما شبّ تبيّن أنه من بني تغلب؛ فلمّا التقوا يوم القصيبات جعل همّام يقاتل، فإذا عطش رجع إلى قربة فشرب منها ثم وضع سلاحه؛ فوجد ناشرة من همّام غفلة، فشدّ عليه بالعنزة [6] فأقصده فقتله، ولحق بقومه تغلب. فقال باكي همّام:
لقد عيّل [7] الأقوام طعنة ناشرة ... أنا شرّ لا زالت يمينك آشره [8]
الحارث بن عباد وأخذه بثأر ابنه بجير:
ثم قتل ناشرة رجل من بني يشكر. فلمّا كان يوم قضة وتجمعت إليهم بكر، جاء إليهم الفند الزّمّانيّ أحد بني
__________
[1] كذا في ط، ء. وفي باقي الأصول: «فتحالفوا» بالفاء، وهو تصحيف.
[2] ذكر هذان البيتان في «ديوان طرفة» ضمن قصيدة أثبتها له أبو عبيدة والمفضل وأبو عمرو الشيباني، وزعم الأصمعي أنها مصنوعة وأنه أدرك قائلها (عن «شرح ديوانه» ص 104 طبع مدينة شالون سنة 1900 م).
[3] كذا في ح، س وعدة أصول من «ديوان طرفة». وفي باقي الأصول: «بوفانا» بالفاء وهو تحريف.
[4] أسؤق: جمع لساق، همزت الواو فيه لتحمل الضمة، أي يوم تكشف النساء البيض عن سيقانها من الفزع. وتلف: تجمع. وأعراج:
جمع عرج (بالفتح ويكسر) وهو القطيع من الإبل نحو الثمانين أو منها إلى تسعين أو هو مائة وخمسون وفويقها أو من خمسمائة إلى ألف. والنعم (بالتحريك وقد تسكن عينه): الإبل.
[5] كذا في ط، ء: وهو الموافق لما أجمعت عليه المصادر التي بين أيدينا ومنها كتاب «الأغاني» نفسه فيما تقدّم في أول هذا الخبر: من أن يوم القصيبات كان قبل يوم قضة ثم كان بعده يوم قضة. وقد وضعنا هذه الزيادة التي نعتقد أنها سقطت سهوا من الناسخ ليستقيم بها الكلام. وفي باقي الأصول: « ... يوم القصيبات وهو بعد يوم قضة القصيبات على أثره ... » وهو على ما فيه من اضطراب يخالف ما أثبته «الأغاني» نفسه قبلا.
[6] العنزة (محركة): شبيه العكازة أطول من العصا وأقصر من الرمح ولها زج من أسفلها.
[7] في م، ح «و اللسان» (مادة أشر): «الأيتام» بدل الأقوام. وعيلتهم الطعنة: أفقرتهم وأحوجتهم، إذ كان المطعون معتمدهم وسندهم.
[8] آشرة: قال في «اللسان» (مادة أشر) بعد أن ذكر البيت: «أي لا زالت يمينك مأشورة «مشقوقة» أو ذات أشر، كما قال عزّ وجلّ:
خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ
أي مدفوق، ومثل قوله عزّ وجلّ: عِيشَةٍ راضِيَةٍ*
أي مرضية، وذلك أن الشاعر إنما دعا على ناشرة لا له، بذلك أتى الخبر وإياه حكت الرواة. وذو الشيء قد يكون مفعولا كما يكون فاعلا ... إلخ».
زمّان بن مالك بن صعب بن عليّ بن بكر بن وائل من اليمامة، قال عامر/ بن عبد الملك المسمعيّ: فرأسوه عليهم؛ فقلت أنا لفراس/ بن خندق [1]: إن عامرا يزعم أن الفند كان رئيس بكر يوم قضة؛ فقال: رحم اللّه أبا عبد اللّه! كان أقلّ الناس حظّا في علم قومه. وقال فراس: كان رئيس بكر بعد همّام الحارث بن عباد. قال مقاتل:
وكان الحارث بن عباد قد اعتزل يوم قتل كليب، وقال: لا أنا من هذا ولا ناقتي ولا جملي ولا عدلي، وربما قال:
لست من هذا ولا جملي ولا رحلي، وخذل بكرا عن تغلب، واستعظم قتل كليب لسؤدده في ناقة. فقال سعد بن مالك يحضض الحارث بن عباد:
يا بؤس للحرب التي ... وضعت أراهط [2] فاستراحوا
والحرب لا يبقى لصا ... حبها [3] التّخيّل والمراح [4]
إلّا الفتى الصبّار في النّ ... جدات والفرس الوقاح [5]
فلمّا أخذ بجير [6] بن الحارث بن عباد توّا بواردات - وإنما سلّ ولم يؤخذ في مزاحفة - قال له مهلهل: من خالك يا غلام؟!. قال [7] امرؤ القيس بن أبان التّغلبيّ لمهلهل: إني أرى غلاما ليقتلنّ به رجل لا يسأل عن خاله، وربما قال عن حاله - / قال: فكان واللّه امرؤ القيس هو المقتول به، قتله الحارث بن عباد يوم قضة بيده - فقتله مهلهل. قال: فلمّا قتل مهلهل بجيرا قال: بؤ [8] بشسع نعل كليب؛ فقال له الغلام: إن رضيت بذلك بنو ضبيعة بن قيس رضيت. فلما بلغ الحارث قتل بجير ابن أخيه - وقال أبو برزة: بل بجير ابن الحارث بن عباد نفسه - قال: نعم الغلام غلام أصلح بين ابني وائل وباء بكليب. فلما سمعوا قول الحارث: قالوا له: إنّ مهلهلا لمّا قتله قال له: بؤ بشسع نعل كليب - وقال مهلهل:
كلّ قتيل في كليب حلّام [9] ... حتى ينال القتل آل همّام
وقال أيضا:
__________
[1] انظر الحاشية رقم 3 ص 35 من هذا الجزء.
[2] أراهط: جمع أرهط الذي هو جمع رهط. وقال سيبويه: إن أرهط جمع لرهط على غير قياس.
[3] بين سطور ط: «لجاحمها» وكتبت أمامها كلمة «صح». وجاحم الحرب: موقدها ومثيرها. وفي ء: «لحاجمها» بتقديم الحاء على الجيم وهو مصحف عما ثبت في رواية ط.
[4] التخيل: التكبر. والمراح: الأشر والبطر.
[5] الوقاح (بالفتح): الصلب القويّ.
[6] كذا في ب، س. وسيرد في سياق كلام المؤلف بعد قليل أن بجيرا ابن أخي الحارث وأن أبا برزة قال: إنه ابن الحارث نفسه. ونسبه على أنه ابن أخي الحارث هو، كما ورد في ح: «فلما أخذ بجير بن عمرو ابن مرة بن عباد الحارث عم أبيه». و «الحارث عم أبيه» جملة حالية سيقت لبيان ما بين بجير والحارث من آصرة قربى. وفي ط، ء، م: «و لما أخذ بجير بن عمرو بن مرة بن الحارث بن عباد توا بواردات ... » وغير خاف ما فيها من تحريف.
[7] كذا في ب، س. وفي سائر الأصول: «قال يقول امرؤ القيس ... ». ولو كان في ب، س: «فقال» بالفاء، كما ورد في جميع الأصول فيما يأتي، لكان أوجه.
[8] باء دمه بدمه: عدله وكافأه، وباء فلان بفلان: قتل به.
[9] قتيل حلام: ذهب باطلا. وأصل الحلام (بضم الحاء وتشديد اللام وتخفيفها): الصغير من ولد الغنم، ويقال فيه حلان أيضا، وقد روى بهما بيت مهلهل، والشطر الثاني في رواية «حلان»: «حتى ينال القتل آل شيبان». يقول: كل من قتل في كليب ناقص عن الوفاء به إلا آل همام أو شيبان. (عن «اللسان» مادة حلم ببعض تصرف).
كلّ قتيل في كليب غرّه [1] ... حتى ينال القتل آل مرّه
- فغضب الحارث عند ذلك فنادى بالرّحيل [2]. قال مقاتل: وقال الحارث بن عباد:
قرّبا مربط النّعامة [3] منّي ... لقحت [4] حرب وائل عن حيال
لا بجير أغنى قتيلا ولا ره ... ط كليب تزاجروا عن ضلال
لم أكن من جناتها علم اللّ ... ه وإنّي بحرّها اليوم صال
أسر مهلهل ونجاته ثم لحاقه باليمن وشعره في ذلك:
قال: ولم يصحّح عامر ولا مسمع غير هذه الثلاثة الأبيات. وزعم أبو برزة قال: كان أوّل فارس لقي مهلهلا يوم واردات بجير بن الحارث بن عباد، فقال: من خالك يا غلام، وبوّأ نحوه [5] الرمح؛ فقال له امرؤ القيس بن أبان التّغلبيّ - وكان على [6] مقدّمتهم في حروبهم - : مهلا يا مهلهل! فإنّ عمّ هذا وأهل بيته قد اعتزلوا حربنا ولم يدخلوا في شيء مما نكره، وو اللّه لئن قتلته ليقتلنّ به رجل لا يسأل عن نسبه؛ فلم يلتفت مهلهل إلى قوله وشدّ عليه فقتله، وقال: بؤ بشسع نعل كليب؛ فقال الغلام: إن رضيت بهذا بنو ثعلبة [7] فقد رضيته. قال: ثم غبروا زمانا، ثم لقي همّام بن مرّة فقتله أيضا. فأتى الحارث بن عباد فقيل له: قتل مهلهل هماما؛ فغضب وقال: ردّوا الجمال على عكرها [8] «الأمر [9] مخلوجة ليس بسلكي»؛ وجدّ في قتالهم. قال مقاتل:/ فكان حكم بكر بن وائل يوم قضة الحارث بن عباد؛ وكان الرئيس الفند، وكان فارسهم جحدر، وكان شاعرهم سعد بن مالك بن ضبيعة، وكان الذي سدّ الثنيّة عوف بن مالك بن ضبيعة؛ وكان عوف أنبه من أخيه سعد. وقال فراس بن خندق [10]: بل كان رئيسهم يوم قضة الحارث بن عباد. قال مقاتل: فأسر الحارث بن عباد عديّا - وهو مهلهل - بعد انهزام الناس وهو لا يعرفه؛/ فقال له: دلّني على المهلهل؛ قال: ولي دمي؟ قال: ولك دمك؛ قال: ولي ذمّتك وذمّة أبيك؟ قال: نعم، ذلك لك؛ قال: فأنا مهلهل. قال: دلّني على كف ء لبجير؛ قال: لا أعلمه إلا امرأ القيس بن أبان، هذاك علمه؛ فجزّ ناصيته [11] وقصد قصد امرىء القيس فشدّ عليه فقتله. فقال الحارث في ذلك:
__________
[1] الغرة: العبد والأمة. ومعنى هذا البيت معنى الذي قبله.
[2] في م: «فدعا بالرجل» بالجيم. ومن معاني الرجل (بالكسر): الجيش، شبه لكثرته برجل الجراد وهو الكثير منه.
[3] النعامة: اسم فرس كانت للحارث بن عباد.
[4] أصل اللقاح الحمل. وعن بمعنى بعد. وحيال: مصدر حالت الأنثى إذا لم تحمل. والمراد أن حرب وائل هاجت بعد سكون.
[5] بوّأ نحوه الرمح: قابله به وسدّده نحوه.
[6] عبارة ط، ء: «و كان يلي مقدّمتهم ... ».
[7] كذا في أكثر الأصول. وثعلبة جدّ أعلى من جدود آل عباد الذين منهم بجير هذا، إذ آل عباد من ضبيعة بن قيس بن ثعلبة، وينتهي نسب ثعلبة إلى بكر بن وائل. وفي ب، س: «بنو تغلب»، وهو تحريف.
[8] العكر: (محركة وقد تسكن) جمع عكرة: وهي القطيع الضخم من الإبل، أي ردوا ما تفرق من الإبل إلى معظمها.
[9] في «لسان العرب» (مادة خلج): «الرأي مخلوجة ليس بسلكي». وفي «فرائد اللآل» (ص 32) «و مجمع الأمثال» (ج 1 ص 29):
«الأمر سلكى وليس بمخلوجة». والسلكى: الطعنة المستقيمة وهي التي تقابل المطعون فتكون أسلك فيه. والمخلوجة: المعوجة.
يضرب هذا المثل في استقامة الأمر ونفى ضدّها.
[10] راجع الحاشية رقم 3 ص 35 من هذا الجزء.
[11] الناصية: الشعر في مقدم الرأس فوق الجبهة، وكان من عادة العرب أنهم إذا أنعموا على الرجل الشريف بعد اسره جزوا ناصيته
لهف نفسي على عديّ ولم أع ... رف عديّا إذ أمكنتني اليدان
طلّ [1] من طلّ في الحروب ولم أو ... تر بجيرا أبأته [2] ابن أبان
فارس يضرب الكتيبة بالسي ... ف وتسموا أمامه العينان
وزعم حجر أنّ مهلهلا قال: لا واللّه أو يعهد لي غيرك؛ قال الحارث: اختر من شئت؛ قال: أختار الشيخ القاعد عوف بن محلّم؛ قال الحارث: يا عوف أجره؛ قال: لا! حتى يقعد خلفي؛ فأمره فقعد خلفه؛ فقال: أنا مهلهل. وأمّا مقاتل فقال: إنما أخذه في دور الرّحى [3] وحومة القتال ولم يقعد أحد بعد، فكيف يقول الشيخ القاعد!. قال مقاتل: وشدّ عليهم جحدر، فاعتوره عمرو وعامر، فطعن/ عمرا بعالية [4] الرمح وطعن عامرا بسافلته فقتلهما عداء [5] وجاء ببزّهما. قال عامر بن عبد الملك المسمعي: فحدّثني رجل عالم قال: سألني الوليد بن يزيد:
من قتل عمرا وأخاه عامرا؟ قلت: جحدر؛ قال: صدقت، فهل تدري كيف قتلهما؟ قلت: نعم، قتل عمرا بسنان [6] الرمح، وقتل عامرا بزجّه. قال: وقتل جحدر أيضا أبا مكنف. قال مقاتل: فلمّا رجع مهلهل بعد الوقعة والأسر إلى أهله، جعل النساء والولدان يستخبرونه: تسأل المرأة عن زوجها وابنها [7] وأخيها، والغلام عن أبيه وأخيه؛ فقال:
ليس مثلي يخبّر الناس عن آ ... بائهم قتّلوا وينسى القتالا
لم أرم [8] عرصة الكتيبة حتّى ان ... تعل الورد [9] من دماء نعالا
عرفته رماح بكر فما يأ ... خذن إلا لبانه [10] والقذالا
غلبونا، ولا محالة يوما ... يقلب الدهر ذاك حالا فحالا
__________
وأطلقوه فتكون الناصية عند من جزها يفخر بها. وربما جزت ناصية الأسير شريفا كان أو غير شريف وأخذت للافتخار، والعرب متفاوتون في ذلك. قال زهير من قصيدة مدح بها هرم بن سنان المرّي أحد الأجواد في الجاهلية:
عظمت دسيعته وفضله ... جز النواصي من بني بدر
وقالت الخنساء مفتخرة:
جززنا نواصي فرسانها ... وكانوا يظنون ألا تجزا
ومن ظن ممن يلاقي الحروب ... بألايصاب فقد ظن عجزا
[1] طل دم القتيل: ذهب هدرا.
[2] أباء القاتل بالقتيل: قتله به.
[3] في ط، ء، م: «أخذه في المرحى». والمرحى: حومة الحرب.
[4] عالية الرمح: سنانه. وسافلته: زجه. وزج الرمح: حديدة في أسفله.
[5] يقال: عادي الفارس بين صيدين وبين رجلين إذا طعنهما طعنتين متواليتين، والعداء بالكسر، والمعاداة: الموالاة والمتابعة بين الاثنين يصرع أحدهما على إثر الآخر في طلق واحد، وأنشد لامرىء القيس:
فعادى عداء بين ثور ونعجة ... دراكا ولم ينضح بماء فيغسل
[6] في ب، س، ح: «بعالية الرمح».
[7] في ب، س، ح: «و أبيها».
[8] لم أرم: لم أبرح.
[9] الورد من الخيل: بين الكميت والأشقر؛ أو هو الأحمر الضارب إلى الصفرة.
[10] كذا في أكثر الأصول، واللبان: الصدر. وفي ب، س: «لباته» بالتاء بدل النون، واللبة: المنحر.
ثم خرج حتّى لحق بأرض اليمن، فكان في جنب [1]، فخطب إليه أحدهم ابنته فأبى أن يفعل، فأكرهوه فأنكحها إياه؛ فقال في ذلك مهلهل:
/أنكحها فقدها الأراقم [2] في ... جنب وكان الحباء [3] من أدم
لو بأبانين [4] جاء يخطبها ... ضرّج ما أنف خاطب بدم
أصبحت لا منفسا [5] أصبت ولا ... أبت كريما حرّا من النّدم
هان على تغلب بما لقيت ... أخت بني المالكين من جشم
ليسوا بأكفائنا الكرام ولا ... يغنون من عيلة ولا عدم
/ ثم إنّ مهلهلا انحدر، فأخذه عمرو بن مالك بن ضبيعة، فطلب إليه أخواله بنو يشكر - وأمّ مهلهل المرادة [6] بنت ثعلبة بن جشم بن غبر [7] اليشكريّة، وأختها منّة [8] بنت ثعلبة أمّ حييّ [9] بن وائل، وكان المحلّل [10] بن ثعلبة خالهما - فطلب إلى عمرو أن يدفعه إليه فيكون عنده ففعل [11]؛ فسقاه خمرا، فلما طابت نفسه تغنّى:
طفلة [12] ما ابنة المحلّل بيضا ... ء لعوب لذيذة في العناق
القبائل التي انضمت إلى بكر في حربهم مع تغلب:
حتى فرغ من القصيدة، فأدّى ذلك من سمعه من المهلهل إلى عمرو، فحوّله إليه وأقسم ألّا يذوق عنده خمرا ولا ماء ولا لبنا حتى يرد ربيب الهضاب (جمل له كان أقلّ وروده في الصيف الخمس) [13]؛ فقالوا له: يا خير الفتيان، أرسل إلى ربيب فلتؤت به قبل وروده، ففعل فأوجره [14] ذنوبا من ماء؛ فلما تحلّل من يمينه سقاه من ماء الحاضرة، وهو أوبأ ماء رأيته، فمات. فتلك الهضاب التي كان يرعاها ربيب يقال لها هضاب ربيب، طالما رعيتهنّ
__________
[1] جنب: حي باليمن من مذحج، وهم ستة رجال: منبه والحارث والعلي وسبحان وشمران وهفان يقال لهم جنب لأنهم جانبوا أخاهم صداء. (راجع «معجم البلدان» لياقوت ج 1 ص 77 طبع أوروبا).
[2] الأراقم: حيّ من تغلب.
[3] كذا في ط، ء «و عيون الأخبار» (ج 3 ص 91) طبع دار الكتب المصرية، وكذلك صححها المرحوم الشنقيطي بنسخته. وفي باقي الأصول: «الخباء» بالخاء المعجمة، وهو تصحيف وقد وقع في هذا التصحيف ابن دريد كما في «المذهر» للسيوطي (ج 2 ص 186).
[4] أبانان: جبلان، قيل: يقال لأحدهما أبان الأبيض وللآخر أبان الأسود، وقيل: هو تثنية أبان ومتالع غلب أحدهما، كما قالوا العمران والقمران في أبي بكر وعمر وفي الشمس والقمر. (انظر «معجم البلدان» لياقوت).
[5] المنفس: المال الكثير الذي له قدر وخطر.
[6] في ط، ء: «المرداة». وفي ح: «المرتادة».
[7] كذا في ط، ء، وهو الموافق لما في «شرح القاموس» «مادة غبر» وفي الأصول «عبد» وهو تحريف.
[8] كذا في ط، ء. وفي سائر الأصول: «أمية».
[9] كذا في ط، ء، م. وفي باقي الأصول: «بنت ثعلبة حي من وائل».
[10] كذا في ط، ء، م والطبري (قسم 2 ج 3 ص 884 طبع أوروبا). وفي باقي الأصول وهامش الطبري: «المجلل» بالجيم.
[11] في ط، ء، م: «ففعل المحلل ثم شرب مهلهل يوما وهو عند المحلل خمرا ... ».
[12] الطفلة: الرخصة الناعمة.
[13] الخمس بالكسر: من أظماء الإبل وهو أن ترد الإبل الماء في اليوم الخامس.
[14] أوجره ذنوبا من ماء: أي جعله في فيه. والذنوب: الدلو التي لها ذنب، ولا تكون ذنوبا إلا وهي ملأى، ولا تسمى خالية ذنوبا.
ورأيتهنّ. قال مقاتل: ولم يقاتل معنا من بني يشكر ولا من بني لجيم ولا ذهل بن ثعلبة غير ناس من بني يشكر وذهل قاتلت بأخرة [1]، ثم جاء ناس من بني لجيم يوم قضة مع الفند. وفي ذلك يقول سعد بن مالك:
إنّ لجيما قد أبت كلّها ... أن يرفدونا رجلا واحدا
ويشكر أضحت على نأيها ... لم تسمع الآن لها حامدا
ولا بنو ذهل وقد أصبحوا ... بها حلولا [2] خلفا ماجدا
القائدي الخيل لأرض العدا ... والضاربين الكوكب الوافدا [3]
وقال البكريّ:
وصدّت لجم للبراءة إذ رأت ... أهاضيب [4] موت تمطر الموت معضلا
ويشكر قد مالت قديما وأرتعت ... ومنّت بقرباها إليهم لتوصلا
وقالوا جميعا: مات جسّاس حتف أنفه ولم يقتل.
عدد القتلى من بكر وتغلب والاستشهاد على ذلك بشعر مهلهل:
قال عامر بن عبد الملك: لم يكن بينهم من قتلى تعدّ ولا تذكر إلا ثمانية نفر من تغلب وأربعة من بكر عدّدهم مهلهل في شعريه [5]، يعني قصيدتيه:
أليلتنا بذي حسم [6] أنيري ... إذا أنت انقضيت فلا تحوري
فإن يك بالذّنائب طال ليلي ... فقد أبكي من الليل القصير
فلو نبش المقابر عن كليب ... فيعلم بالذنائب أيّ زير
بيوم الشّعثمين [7] أقرّ عينا ... وكيف لقاء من تحت القبور
__________
[1] بأخرة: أخيرا، يقال جاء أخرة وبأخرة (بفتح الهمزة والخاء وبضم الهمزة).
[2] كذا في ح. وفي ب، س:
«حلولا خلقا ماجدا»
وفي ط، ء:
«حلولا حلقا ماجدا»
وفي م:
«حلوما خلفا ماجدا»
[3] كذا في ب. والكوكب: سيد القوم وفارسهم، والرجل بسلاحه. والوافد: القادم. وفي باقي الأصول: «الواقدا» بالقاف، ولعله تصحيف.
[4] الأهاضيب: جمع أهضوبة وهي الدفعة من المطر.
[5] كذا في ط، ء. وفي سائر الأصول: «في شعره يعني من قصيدته».
[6] ذو حسم: موضع بالبادية. وتحوري: ترجعي.
[7] يوم الشعثمين: هو يوم واردات، كما في «العقد الفريد»، بيد أن شعر الأخطل الآتي يدل على أنه يوم الذنائب. والشعثمان هما شعثم وعبد شمس ابنا معاوية بن عامر بن ذهل بن ثعلبة، كما في العقد الفريد»، وقيل: هما شعثم وشعيث، وقيل في اسميهما غير ذلك.
وأضيف هذا اليوم إليهما لأنهما قتلا فيه. وقد جمعهما الأخطل في قصيدة يفتخر فيها بقومه بني تغلب على «شعاثم»، يريد ابني معاوية ومن قتل معهما في ذلك اليوم، فقال:
بقوم هم يوم الذنائب أهلكوا ... «شعاثم» رهط الحارث بن عباد
وقال أبو علي القالي في أماليه: «الشعثمان: موضع معروف». وردّ قوله هذا بأنه لم يذكره أحد ممن شرح حرب البسوس وذكر أيامها. (راجع «شرح شواهد المغني» للبغدادي ج 2 ص 234 من النسخة المخطوطة المحفوظة بدار الكتب المصرية برقم 2 نحو ش و «العقد الفريد» ج 3 ص 95). وأقرّ عينا: جواب «لو» الشرطية في البيت الذي قبل هذا البيت. و «رواية الأمالي»: «لقرّ عينا» باللام. وقد تقدّم في ص 38 أن هذا الفعل نصب لما في «لو» من معنى التمني.
وإنّي قد تركت بواردات [1] ... بجيرا في دم مثل العبير [2]
هتكت به بيوت بني عباد ... وبعض الغشم أشفى للصّدور
على أن ليس يوفي من كليب ... إذا برزت مخبّأة الخدور
/ وهمّام بن مرّة قد تركنا ... عليه القشعمان [3] من النسور
ينوء بصدره والرمح فيه ... ويخلجه [4] خدبّ كالبعير
فلو لا الريح أسمع من بحجر ... صليل البيض تقرع بالذكور [5]
/فدى لبني شقيقة يوم جاءوا ... كأسد الغاب لجّت في الزّئير
كأنّ رماحهم أشطان [6] بئر ... بعيد بين جاليها [7] جرور
غداة كأنّنا وبنى أبينا ... بجنب عنيزة رحيا [8] مدير
تظلّ الخيل عاكفة عليهم ... كأنّ الخيل ترحض [9] في غدير
فهؤلاء أربعة من بني بكر بن وائل. وقال أيضا:
طفلة ما ابنة المحلّل بيضا ... ء لعوب لذيذة في العناق
فاذهبي ما إليك غير بعيد ... لا يؤاتي العناق من في الوثاق
ضربت نحرها إليّ وقالت ... يا عديّا لقد وقتك الأواقي [10]
ما أرجّي في العيش بعد نداما ... ي أراهم سقوا بكأس حلاق [11]
/بعد عمرو وعامر وحييّ ... وربيع الصّدوف [12] وابني عناق
__________
[1] واردات: موضع عن يسار طريق مكة، وبه سمي «يوم واردات».
[2] العبير: الزعفران.
[3] القشعم: النسر الذكر العظيم. ويروي كما في «الأمالي» لأبي علي القالي ج 2 ص 132 طبع دار الكتب المصرية: «عليه القشعمين» على أنه معمول لتركنا، وبالرفع على أنه جملة حالية استغنت في الربط بالهاء عن الواو. على أنه يجوز أن يكون القشعمان مفردا وتلحق حركة الإعراب فيه النون لا الألف، وقد تضم القاف والعين كما في ثعلبان وقد تفتحان كما في عقربان.
[4] يخلجه: يجذبه. والخدب: الضخم.
[5] تقدّم تفسير هذا البيت في ص 41 في الحاشية رقم 3 من هذا الجزء.
[6] الأشطان: جمع شطن وهو الحبل الشديد الفتل يستقي به.
[7] جال البئر: ناحيتها. والجرور من الآبار: البعيدة القعر.
[8] في «شرح شواهد المغني» للبغدادي: «قال أبو عبيد البكري في «شرح نوادر القالي» المسمى «قرة النواظر في شرح النوادر»: الرحيان إذا أدارهما مدير أثرت إحداهما في الأخرى وهما من معدن واحد، وكذلك هؤلاء هم من أصل واحد يتماحقون ويقتتلون».
[9] ترحض: تغسل.
[10] الأواقي: جمع واقية.
[11] الحلاق: المنية معدولة عن الحالقة لأنها تحلق أي تقشر، وبنيت على الكسر لأنه حصل فيها العدل والتأنيث والصفة الغالبة.
[12] كذا في أكثر الأصول وفي «شرح شواهد العيني» المطبوع بهامش «خزانة الأدب» للبغدادي (ج 4 ص 213 طبع بولاق)، وقد فسره العيني بقوله: «الصدوف بفتح الصاد المهملة وفي اخره فاء: اسم فرس الربيع الذي أضيف إليها وقيل: اسم امرأة». وفي س:
«الصدوق» بالقاف، وهو تصحيف.
وامرىء القيس ميّت يوم أودى ... ثم خلّى عليّ ذات العراقي [1]
وكليب سمّ [2] الفوارس إذ ح ... مّ رماه الكماة بالإيفاق [3]
إنّ تحت الأحجار حدّا [4] ولينا ... وخصيما ألدّ ذا معلاق [5]
حيّة في الوجار [6] أربد لا تن ... فع منه السليم نفثة راق
فهؤلاء ثمانية من تغلب. قال عامر: والدليل على أنّ القتلى كانوا قليلا أنّ آباء القبائل هم الذين شهدوا تلك الحروب، فعدّوهم وعدّوا بنيهم وبني بنيهم، فإن كانوا خمسمائة فقد صدقوا، فكم عسى أن يبلغ عدد القتلى والقبائل. قال مسمع: إنّ أخي مجنون، وكيف يحتجّ بشعر المهلهل، وقد قتل جحدر أبا مكنف يوم قضة فلم يذكره في شعره، وقتل اليشكريّ ناشرة فلم يذكره في الشعر، وقتل حبيب يوم واردات، وقتل سعد بن مالك يوم قضة ابن القبيحة فلم يذكر، فهؤلاء أربعة. وقال البكريّ:
تركنا حبيبا يوم أرجف جمعه ... صريعا بأعلى واردات مجدّلا
/ وقال مهلهل أيضا:
لست أرجو لذّة العيش ما ... أزمت [7] أجلاد قدّ بساقي
جلّلوني جلد حوب [8] فقد ... جعلوا نفسي عند التّراقي
وقال آخر [9] يفخر بيوم واردات:
ومهراق الدماء بواردات ... تبيد المخزيات وما تبيد
فقلت لعامر: ما بال مسمع وما احتجّ به من هؤلاء الأربعة؟ فقال عامر: وما أربعة إن كنت أغفلتهم [10] فيما يقولون! إنّهم قتلوا يوم كذا [11] ثلاثة آلاف، ويوم كذا [11] أربعة آلاف، واللّه ما أظنّ جميع القوم كانوا يومئذ ألفا! فهاتوا فعدّوا أسماء القبائل وأبناءهم وانزلوا معهم [إلى] [12] أبناء أبنائهم، فكم عسى أن يكونوا!
__________
[1] ذات العراقي: الداهية.
[2] في ب، س: «شمّ» بالشين، وهو تصحيف.
[3] كذا في «شرح شواهد العيني»، والإيفاق (بكسر الهمزة وسكون الياء بعدها فاء وبعد الألف قاف): إيتار السهم ليرمي به، من أوفقت السهم إذا وضعته على فوقه. وفي الأصول: «بالاتفاق» وهو تصحيف.
[4] كذا في م، ح. والحدّ: الحدة. وفي سائر الأصول: «جدا» بالجيم.
[5] المعلاق: اللسان البليغ كأنه يعلق بخصمه، ويروى: «مغلاق» بالغين المعجمة، كأنه يغلق الحجة على خصمه.
[6] الحية يطلق على الذكر والأنثى. والوجار: حجر الضبع ويستعار لغيرها. والأربد: الذي يضرب لونه إلى السواد.
[7] أزمت: تقبضت وانضمت.
[8] كذا صحح هذه الكلمة المرحوم الشيخ الشنقيطي في نسخته. والحوب (بالحاء المهملة المفتوحة والواو): الضخم من الجمال.
والبعير إذا زجر قيل له حوب ولذلك سمى حوبا بزجره كما سمى البغل عدسا بزجره وسمي الغراب غاقا بصوته. وفي ط، ء، م:
«جوب» بالجيم والجوب الترس، وهو بعيد عن السياق. وفي باقي الأصول: «حرف» بالحاء المهملة والراء. والحرف الناقة الضامرة الصلبة.
[9] هو جرير العجلي وقيل: هو الأخطل. «انظر «اللسان» مادة هرق».
[10] كذا في ط، ء، م. وفي سائر الأصول: «لأعقلهم».
[11] كذا في ط، ء، م. وفي باقي الأصول: «و يوم كذا وكذا ... ».
[12] الزيادة عن ط.
نسبة ما في هذه الأخبار من الأغاني
صوت
أزجر العين أن تبكّي الطّلولا ... إنّ في الصدر من كليب غليلا
إنّ في الصدر حاجة لن تقضّى ... ما دعا في الغصون داع هديلا
كيف أنساك يا كليب ولمّا ... أقض حزنا ينو بني وغليلا
/ أيّها القلب أنجز اليوم نحبا [1] ... من بني الحصن [2] إذ غدوا وذحولا [3]
كيف يبكي الطلول من هو رهن ... بطعان الأنام جيلا فجيلا
أنبضوا [4] معجس القسيّ وأبرق ... نا كما توعد الفحول الفحولا
وصبرنا تحت البوارق حتّى ... ركدت فيهم السيوف طويلا
لم يطيقوا أن ينزلوا ونزلنا ... وأخو الحرب من أطاق النّزولا
الشعر لمهلهل - قال أبو عبيدة: اسمه عديّ، وقال يعقوب بن السّكّيت: اسمه امرؤ القيس - وهو ابن ربيعة بن الحارث بن زهير بن جشم بن بكر بن حبيب بن عمرو بن غنم بن تغلب؛ وإنما لقّب مهلهلا لطيب شعره ورقّته، وكان أحد من غنّي من العرب في شعره. وقيل: إنه أوّل من قصّد القصائد وقال الغزل؛ فقيل: قد هلهل الشعر، أي أرقّه. وهو أوّل من كذب في شعره [5]. وهو خال امرىء القيس بن حجر الكنديّ. وكان فيه خنث ولين، وكان كثير المحادثة للنّساء، فكان كليب يسمّيه «زير النّساء»؛ فذلك قوله:
ولو نبش المقابر عن كليب ... فيعلم بالذنائب أيّ زير
الغناء لابن محرز في الأوّل والثاني من الأبيات ثقيل أوّل بالسبّابة في مجرى الوسطى. وللغريض فيهما لحن في هذه الطريقة والإصبع [6] والمجرى، والذي فيه سجحة منها [7] لابن محرز. ولمعبد لحنان أحدهما في الأوّل والسادس ثقيل أوّل مطلق/ في مجرى البنصر، والآخر خفيف ثقيل أوّل بالبنصر. ولإبراهيم في الأوّل والثاني خفيف ثقيل أوّل بالخنصر في مجرى الوسطى. ولإسحاق في الأوّل والثالث ماخوريّ. ولعلّويه في الأوّل والثاني خفيف ثقيل أوّل بالبنصر، ولمالك فيهما خفيف رمل بالسبّابة في مجرى الوسطى. ولابن سريج في السادس والسابع خفيف رمل بالسبّابة في مجرى البنصر. ولابن سريج أيضا في الأوّل والثامن خفيف ثقيل أوّل بالبنصر. وللغريض في الأوّل
__________
[1] النحب: النذر.
[2] الحصن: هو ثعلبة بن عكابة.
[3] الذحول: جمع ذحل وهو الثأر.
[4] أنبض الرامي القوس وعن القوس: جذب وترها لتصوّب. ومعجس كمجلس: مقبض القوس.
[5] حكم عليه بهذا لقوله: «فلو لا الريح ... » البيت، لأن قتالهم كان بالجزيرة وحجر قصبة اليمامة، وبين الموضعين مسافة عظيمة.
(راجع «أمالي أبي علي القالي» ج 2 ص 134 طبع دار الكتب المصرية وكتاب «الشعر والشعراء» ص 164).
[6] في ط: «و الإصبع في المجرى».
[7] لعل الصواب: «منهما» على أن يكون مرجع الضمير اللحنين.
والثاني خفيف ثقيل أوّل بالبنصر. وللهذليّ في الأوّل والثاني والسابع خفيف ثقيل أوّل بالوسطى من رواية حماد عن أبيه. ولمالك في الأوّل والثاني والخامس خفيف ثقيل أوّل بالخنصر في مجرى البنصر عن إسحاق وعمرو بن بانة.
ومنها:
صوت
ثكلتني عند [1] الثّنيّة أمّي ... وأتاها نعيّ عمّي وخالي
إن لم أشف النفوس من حيّ بكر ... وعديّ تطأه بزل الجمال [2]
غنّاه ابن سريج ثقيلا أوّل بإطلاق الوتر في مجرى الوسطى من رواية إسحاق، وغنّاه الغريض ثقيلا أوّل بالبنصر على مذهب إسحاق من رواية عمرو بن بانة.
/ ومنها:
صوت
قرّبا مربط النّعامة منّي ... لقحت حرب وائل عن حيال [3]
قرّباها في مقربات [4] عجال ... عابسات يثبن وثب السّعالي
لم أكن من جناتها علم اللّه وإنّي بحرّها اليوم صال الشعر للحارث بن عباد. والغناء للغريض ثقيل أوّل بالبنصر. وفيه لحن آخر يقال إنه لابن سريج.
ومنها:
صوت
يا لبكر أنشروا لي كليبا ... يا لبكر أين أين الفرار
يا لبكر [5] فاظعنوا أو فحلّوا ... صرّح الشرّ وبان السّرار
__________
[1] في ط، ء، م: «على».
[2] رواية هذا البيت في كتاب بكر وتغلب ابني وائل:
إن لم أشف النفوس من تغلب الغد ... ر بيوم تذل بزل الجمال
ولعله: «يزلّ بزل الجمال» وبهذا يكون البيت واضح العبارة والمعنى. وقد ورد في ب، س عقب هذين البيتين جملة: «الشعر مجهول»، وهي حشو لأن هذا الشعر للحارث بن عباد كما سيذكر المؤلف بعد قليل.
[3] تقدّم شرح هذا البيت في الحاشيتين رقم 5، 6 ص 47 من هذا الجزء.
[4] المقربات: جمع مقربة وهي الفرس التي يقرب مربطها ومعلفها لكرامتها. والسعالى: جمع سعلاة وهي الغول أو ساحرة الجن.
ورواية هذا البيت في كتاب بكر وتغلب:
قربا مربط النعامة مني ... ساريات يقفزن قفز السعالى
وهي رواية غير جيدة.
[5] في ط، ء: «يا لبكر اظعنوا ... » بدون فاء.
الشعر لمهلهل. والغناء لابن سريج، ولحنه من القدر الأوسط من الثقيل الأوّل بالسبابة في مجرى البنصر من رواية إسحاق. وغنّاه الأبجر خفيف رمل بالوسطى من رواية عمرو.
ومنها:
صوت
أليلتنا بذي حسم أنيري ... إذا أنت انقضيت فلا تحوري
فإن يك بالذّنائب طال ليلي ... فقد أبكى من الليل القصير
/ كأنّ الجدي جدي [1] بنات نعش ... يكبّ [2] على اليدين بمستدير [3]
وتحبو [4] الشّعريان [5] إلى سهيل ... يلوح كقمّة [6] الجمل الكبير
فلو لا الريح أسمع أهل حجر ... صليل البيض تقرع بالذّكور
الشعر لمهلهل. والغناء لابن محرز في الأوّل والثاني ثقيل أوّل بالبنصر، وله في الأبيات كلها خفيف ثقيل أوّل مطلق في مجرى الوسطى، عن إسحاق جميعا. وفي الأبيات كلّها على الولاء للأبجر ثاني ثقيل بالوسطى على مذهب إسحاق من رواية عمرو. ويقال: إن فيها لحنا للغريض أيضا.
الهجرس بن كليب وثأره لأبيه من خاله جساس:
أخبرني عليّ بن سليمان الأخفش قال أخبرنا الحسن بن الحسين السّكّريّ قال حدّثنا محمد بن حبيب عن ابن الأعرابيّ عن المفضّل عن أبي عبيدة:
/ أن آخر من قتل في حرب بكر وتغلب جسّاس بن مرّة بن ذهل بن شيبان، وهو قاتل كليب بن ربيعة، وكانت أخته تحت كليب، فقتله جسّاس وهي حامل، فرجعت إلى أهلها ووقعت الحرب، فكان من الفريقين ما كان؛ ثم صاروا إلى الموادعة بعد ما كادت القبيلتان تتفانيان؛ فولدت أخت جسّاس غلاما فسمّته [7] الهجرس وربّاه جساس، فكان لا يعرف أبا غيره، وزوّجه ابنته. فوقع بين الهجرس وبين رجل من بني بكر بن وائل كلام؛ فقال له البكريّ: ما
__________
[1] قال ابن سيده: الجدي من النجوم جديان: أحدهما الذي يدور مع بنات نعش، والآخر الذي بلزق الدلو وهو من البروج ولا تعرفه العرب. وكلاهما على التشبيه بالجدي في مرآة العين.
[2] يكب: ينكس. يقال: كب فلان فلانا إذا صرعه فأكب هو؛ وهذا من النادر، وهو أن يكون الفعل المجرد من الهمزة متعديا وذو الهمزة لازما.
[3] كذا في ب، س، ح. وفي ط، ء، م: «كمستدير».
[4] تحبو: تدنو، يقال: حبا الشيء إلى كذا إذا دنا إليه أو اتصل به. وفي الأصول الموجود بها هذا البيت: «تخبو» بالخاء المعجمة، وظاهر أنه تصحيف، ورواية «كتاب بكر وتغلب» (ص 70): «تحنو» بالحاء المهملة والنون. والبيت ساقط من ط، ء.
[5] الشعريان: كوكبان، أحدهما في الجوزاء وطلوعه بعدها في شدّة الحر، ويقال له الشعري اليمانية وتلقب بالعبور، والآخر في الذراع ويقال له الشعري الغميصاء، وتزعم العرب أنهما أختا سهيل. وسهيل: كوكب يمان.
[6] رواية كتاب بكر وتغلب: «كهيئة».
[7] كذا في ط، ء و «ابن الأثير» (ج 1 ص 393) طبع ليدن. وفي باقي الأصول اختلاف في عطف بعض هذه الأفعال على بعض بالواو أو بالفاء.
أنت بمنته حتى تلحقك بأبيك؛ فأمسك عنه ودخل إلى أمه كئيبا، فسألته عما به فأخبرها الخبر؛ فلما أوى إلى فراشه ونام إلى جنب امرأته وضع أنفه بين ثدييها، فتنفّس تنفّسة تنفّط [1] ما بين ثدييها من حرارتها؛ فقامت الجارية فزعة قد أقلّتها رعدة حتى دخلت على أبيها، فقصّت عليه قصّة الهجرس؛ فقال جسّاس: ثائر وربّ الكعبة! وبات جسّاس على مثل الرّضف [2] حتى أصبح؛ فأرسل إلى الهجرس فأتاه، فقال له: إنما أنت ولدي ومنّي بالمكان الذي قد علمت، وقد/ زوّجتك ابنتي وأنت معي، وقد كانت الحرب في أبيك زمانا طويلا حتى كدنا نتفانى، وقد اصطلحنا وتحاجزنا، وقد رأيت أن تدخل فيما دخل فيه الناس من الصلح، وأن تنطلق حتى نأخذ عليك مثل ما أخذ علينا وعلى قومنا؛ فقال الهجرس: أنا فاعل، ولكنّ مثلي لا يأتي قومه إلا بلأمته [3] وفرسه؛ فحمله جسّاس على فرس وأعطاه لأمة ودرعا؛ فخرجا حتى أتيا جماعة من قومهما، فقصّ عليهم جسّاس/ ما كانوا فيه من البلاء وما صاروا إليه من العافية، ثم قال: وهذا الفتى ابن أختي قد جاء ليدخل فيما دخلتم فيه ويعقد ما عقدتم؛ فلما قرّبوا [4] الدم وقاموا إلى العقد أخذ الهجرس بوسط رمحه، ثم قال: وفرسي وأذنيه، ورمحي ونصليه، وسيفي وغراريه، لا يترك الرجل قاتل أبيه وهو ينظر إليه؛ ثم طعن جسّاسا فقتله، ثم لحق بقومه؛ فكان آخر قتيل في بكر بن وائل.
ترحيل أخت كليب لجليلة عن مأتم زوجها وشعر جليلة في ذلك:
قال أبو الفرج: أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال حدّثني عمّي عن العبّاس بن هشام عن أبيه عن الشّرقيّ [5] بن القطاميّ قال:
لمّا قتل جسّاس بن مرّة كليب بن ربيعة، وكانت جليلة بنت مرّة أخت جساس تحت كليب، اجتمع نساء الحيّ للمأتم، فقلن لأخت كليب: رحّلي جليلة عن مأتمك، فإنّ قيامها فيه شماتة وعار علينا عند العرب؛ فقالت لها:
يا هذه اخرجي عن مأتمنا، فأنت أخت واترنا وشقيقة قاتلنا؛ فخرجت وهي تجرّ أعطافها؛ فلقيها أبوها مرّة، فقال لها: ما وراءك يا جليلة؟ فقالت: ثكل العدد، وحزن الأبد؛ وفقد حليل، وقتل أخ عن قليل؛ وبين ذين غرس الأحقاد، وتفتّت الأكباد؛ فقال لها: أو يكفّ ذلك كرم الصّفح وإغلاء الدّيات؟ فقالت جليلة: أمنيّة مخدوع وربّ الكعبة! أبا لبدن تدع لك تغلب دم ربّها!. قال: ولمّا رحلت جليلة قالت أخت كليب: رحلة المعتدي وفراق الشامت، ويل غدا لآل مرّة، من الكرّة بعد الكرة!. فبلغ قولها جليلة، فقالت: وكيف تشمت الحرّة بهتك سترها/ وترقّب وترها! أسعد اللّه جدّ أختي، أفلا قالت: نفرة الحياء، وخوف الاعتداء!. ثم أنشأت [6] تقول:
__________
[1] تنفط: احترق.
[2] الرضف (بالفتح، واحده رضفة): الحجارة المحماة يوغر (يسخن) بها اللبن، ويقال: هو على الرضف إذا كان قلقا مشخوصا به أو مغتاظا.
[3] لأمته: سلاحه. وتطلق اللامة على كل عدّة للحرب من درع ورمح وبيضة ومغفر وسيف ونبل.
[4] كان من عادة العرب أن يحضروا في جفنة طيبا أو دما أو رمادا فيدخلوا فيه أيديهم عند التحالف ليتم عقدهم عليه باشتراكهم في شيء واحد.
[5] في بعض الأصول: «الشرفي» بالفاء، وهو تصحيف، وقد ضبطه السمعاني بفتح الشين وسكون الراء والقطامي بضم القاف وفتح الطاء وكسر الميم. وضبط كذلك بالعبارة في «تهذيب التهذيب» والخلاصة بفتح الشين والراء وقطامي بضم القاف وفتح الميم.
[6] قال أبو عبيد اللّه محمد بن عمران المرزباني في الجزء الثالث من «أشعار النساء» بعد أن ذكر هذه الأبيات ونسبها لجليلة كما ذكر المؤلف هنا: «و وجدت بخط حرميّ بن أبي العلاء قال محمد بن خلف بن المرزبان: هذه الأبيات لفاطمة بنت ربيعة بن الحارث بن مرّة أخت كليب ومهلهل ابني ربيعة التغلبيين ترثي أخاها كليبا وقتله زوجها جساس» اه.
يابنة الأقوام إن شئت فلا ... تعجلي باللّوم حتى تسألني
فإذا أنت تبيّنت الذي ... يوجب اللّوم فلومي واعذلي
إن تكن أخت امرىء ليمت على ... شفق منها عليه فافعلي
جلّ عندي فعل جسّاس فيا ... حسرتي عما انجلت أو تنجلي
فعل جسّاس على وجدي به ... قاطع ظهري ومدن أجلي
لو بعين فقئت عيني سوى ... أختها فانفقأت لم أحفل
تحمل العين قذى العين كما ... تحمل الأمّ أذى ما تفتلي [1]
يا قتيلا قوّض الدهر به ... سقف بيتيّ جميعا من عل
هدم البيت الذي استحدثته ... وانثنى في هدم بيتي الأوّل
ورماني قتله من كثب [2] ... رمية المصمي به المستأصل
يا نسائي دونكنّ اليوم قد ... خصّني الدهر برزء معضل
/ خصّني قتل كليب بلظّى ... من ورائي ولظّى مستقبلي [3]
/ليس من يبكي ليومين [4] كمن ... إنما يبكي ليوم ينجلي [5]
يشتفي المدرك بالثأر وفي ... دركي ثأري ثكل المثكل [6]
ليته كان دمي فاحتلبوا ... بدلا منه دما من أكحلي [7]
إنني قاتلة مقتولة ... ولعلّ اللّه أن يرتاح لي
__________
[1] تفتلي: تربيّ، وفي الأصول: «تعتلي» بالعين المهملة، وهو تحريف.
[2] من كثب: من قرب. وأصماه: قتله في مكانه.
[3] كذا في ط، ء، م، وهو الموافق لما في الجزء الثالث من «أشعار النساء» للمرزباني (ص 50) «و نهاية الأرب» (ج 5 ص 215) طبع دار الكتب المصرية. وفي سائر النسخ: «من أسفلي».
[4] هذه رواية «نهاية الأرب». وفي الأصول: «ليوميه».
[5] كذا في «نهاية الأرب». وفي أكثر الأصول: «بجل». وفي ب، س: «يجل» وهما تحريف.
[6] المثكل: التي لازمها الحزن. ورواية ط، م، ء: «ثكل مثكلي». ورواية أشعار النساء:
درك الثائر شافيه وفي ... درك الثائر قتل مثكلي
[7] كذا في الجزء الثالث من «أشعار النساء» للمرزباني. والأكحل: عرق في الذراع يقصد، وقيل: هو عرق الحياة ويدعى نهر البدن، ولا يقال فيه عرق الأكحل. وفي الأصول:
ليته كان دما فاحتلبوا ... دررا منه دمي من أكحلي
ولو كانت الرواية فيه.
ليته كان دما فاحتلبوا ... بدلا منه دمي من أكحلي
لكان أجود.
2 - ذكر الهذلي وأخباره
نسب الهذلي وصناعته:
أخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدّثني هارون بن محمد بن عبد الملك قال حدّثني حمّاد بن إسحاق عن أبيه قال:
الهذليان أخوان يقال لهما سعيد وعبد آل ابنا مسعود؛ فالأكبر منهما يقال له سعيد، ويكنى أبا مسعود، وأمه امرأة يقال لها أمّ فيعل، وكان كثيرا ما ينسب إليها، وكان ينقش الحجارة بأبي قبيس، وكان فتيان من قريش يروحون إليه كلّ عشيّة فيأتون بطحاء يقال لها بطحاء قريش فيجلسون عليها، ويأتيهم فيغنّي لهم ويكون معهم. وقد قيل: إن الأكبر هو عبد آل، والأصغر سعيد.
كان يغني فتيان قريش وهو يزاول صناعته في نقش الحجارة:
قال هارون وحدّثني الزبير بن بكّار قال حدّثني حمزة بن عتبة اللهبيّ:
أنّ الهذليّ كان نقّاشا يعمل البرم من حجارة الجبل، وكان يكنى أبا عبد الرحمن، وكان إذا أمسى راح فأشرف على المسجد ثم غنّى، فلا يلبث أن يرى الجبل كقرص الخبيص [1] صفرة وحمرة من أردية قريش؛ فيقولون: يا أبا عبد الرحمن، أعد؛ فيقول: أمّا واللّه وها هنا حجر أحتاج إليه لم يرد الأبطح فلا؛ فيضعون أيديهم في الحجارة حتى يقطعوها له ويحدروها إلى الأبطح، وينزل معهم حتى يجلس على أعظمها حجرا ويغنّي لهم.
/ قال هارون وحدّثني حمّاد بن إسحاق عن أبي مسعود بن [2] أبي جناح قال أخبرني أبو لطيف وعمارة قالا:
تغنّى الهذليّ الأكبر، وكان من أنفسهم، وكان فتيان قريش يروحون كلّ عشيّة حتى يأتوا بطحاء يقال لها بطحاء قريش قريبا من داره، فيجلسون عليها ويأتيهم فيغنيّهم.
أجازه الحارث بن خالد لما سمع غناءه:
قال: وأخبرني ابن أبي طرفة عن الحسن بن عبّاد الكاتب مولى آل الزّبير قال:
هجم الحارث بن خالد، وهو يومئذ أمير مكة، على الهذليّ وهو مع فتيان قريش بالمفجر [3] يغنّيهم وعليه جبّة صوف، فطرح عليه مقطّعات خزّ، فكانت هذه أوّل ما تحرّك لها.
__________
[1] الخبيص: نوع من الحلواء يعمل من التمر والسمن.
[2] في ط، ء، م: «عن أبي مسعود عن أبي جناح».
[3] المفجر بالفتح ثم السكون وفتح الجيم: موضع بمكة ما بين الثنية التي يقال لها الخضراء إلى خلف دار يزيد بن منصور (انظر «معجم البلدان» لياقوت).
تزوّج بنت ابن سريج وأخذ عنها غناء أبيها وانتحل أكثره:
قال هارون: وحدّثني حماد عن أبيه قال:
ذكر ابن جامع عن ابن عبّاد أن ابن سريج لما حضرته الوفاة نظر إلى ابنته فبكى، فقالت له: ما يبكيك؟ قال:
أخشى عليك الضيعة بعدي! فقالت له: لا تخف فما من غنائك شيء إلا وقد أخذته؛ قال: فغنّيني فغنّته، فقال: قد طابت نفسي، ثم دعا بالهذليّ فزوّجها منه؛ فأخذ الهذليّ غناء أبيها كلّه عنها فانتحل أكثره؛ فعامّة غناء الهذليّ لابن سريج مما أخذه عن ابنته وهي زوجته.
حدره الحارث بن خالد من منى ثم أذن له فرجع إليها:
أخبرني إسماعيل بن يونس قال حدّثني عمر بن شبّة قال حدّثني محمد بن يحيى أبو غسّان قال:
كان الهذليّ منزله بمنّى، وكان فتيان قريش يأتونه فيغنّيهم هناك، ثم أقبل مرّة حتى جلس على جمرة العقبة فغنّى هناك، فحدره الحارث من منى، وكان عاملا على مكة، ثم أذن له فرجع إلى منى.
قصته مع فتية من قريش غناهم فطربوا له واستعادوه:
قال هارون: وحدّثني عليّ بن محمد النّوفليّ/ قال حدّثني أبي قال:
كان الهذليّ النقّاش يغدو إليه فتيان قريش وقد عمل عمله بالليل، ومعهم الطعام والشراب والدراهم، فيقولون له: غنّنا؛ فيقول لهم: الوظيفة [1]، فيقولون: قد جئنا بها؛ فيقول: الوظيفة الأخرى، أنزلوا أحجاري، فيلقون ثيابهم ويأتزرون بأزرهم وينقلون الحجارة وينزلونها، ثم يجلس على شنخوب [2] من شناخيب الجبل فيجلسون تحته في السّهل فيشربون وهو يغنّيهم حتى المساء، وكانوا كذلك مدّة؛ فقال له يوما ثلاثة فتية من قريش: قد جاءك كلّ واحد منا بمثل وظيفتك على الجماعة من غير أن تنقص وظيفتك عليهم، وقد اختار كل واحد منا صوتا من غنائك ليجعله حظّه اليوم، فإن وافقت الجماعة هوانا كان ذلك مشتركا بيننا، وإن أبوا غنّيت لهم ما أرادوا وجعلت هذه الثلاثة الأصوات لنا بقية يومنا؛ قال: هاتوا، فاختار أحدهم:
عفت عرفات فالمصايف من هند
واختار الآخر:
ألمّ بنا طيف الخيال المهجّد [3]
/و اختار الآخر:
هجرت سعدى فزداني كلفا
فغنّاهم إياها، فما سمع السامعون شيئا كان أحسن من ذلك؛ فلما أرادوا الانصراف قال لهم: إني قد صنعت صوتا البارحة ما سمعه أحد، فهل لكم فيه؟ قالوا: هاته منعما بذلك؛ فاندفع فغنّاهم:
__________
[1] الوظيفة: ما يقدّر من عمل وطعام ورزق وغير ذلك.
[2] الشنخوب: رأس الجبل وأعلاه.
[3] هجدت الرجل (بالتضعيف): أيقظته.
أأن هتفت ورقاء ظلت سفاهة ... تبكّي على جمل لورقاء تهتف
فقالوا: أحسنت واللّه، لا جرم لا يكون صبوحنا في غد إلا عليه، فعادوا وغنّاهم إياه وأعطوه وظيفته؛ ولم يزالوا يستعيدونه إياه باقي يومهم.
نسبة ما في هذا الخبر من الأصوات
من ذلك:
صوت
عفت عرفات فالمصايف من هند ... فأوحش ما بين الجريبين [1] فالنّهد [2]
وغيّرها طول التقادم والبلى ... فليست كما كانت تكون على العهد
الشعر للأحوص، وقيل: إنه لعمر. والغناء للهذليّ، ولحنه من القدر الأوسط من الثقيل الأوّل بالخنصر في مجرى البنصر.
/ ومنها:
صوت من المائة المختارة
ألمّ بنا طيف الخيال المهجّد ... وقد كادت الجوزاء في الجوّ تصعد
ألمّ يحيّينا ومن دون أهلها ... فياف تغور الريح فيها وتنجد
عروضه من الطويل. لم يقع لنا اسم شاعره ونسبه. والغناء للهذليّ ثقيل أوّل بإطلاق الوتر في مجرى البنصر، وهو اللحن المختار، وفيه ليحيى المكّيّ هزج. ولحن الهذليّ هذا مما اختير للرشيد والواثق بعده من المائة الصوت المذكورة.
ومنها:
صوت
هجرت سعدى فزادني كلفا ... هجران سعدى وأزمعت خلفا
/ وقد على حبّها حلفت لها ... لو أنّ سعدى تصدّق الحلفا
ما علق القلب غيرها بشرا ... ولا سواها من معلق عرفا
__________
[1] كذا في «ديوان عمر بن أبي ربيعة» (ج 2 ص 231 طبع مدينة ليبسك). والجريب: يطلق على مواضع كثيرة. وما أثبتناه قريب مما ورد في نسختي ب، س فقد وردت فيهما هذه الكلمة هكذا: «الحرييين». وفي ط، م، ء: «الحريين» وكلاهما تحريف. وفي ج:
«الحريمين» بالميم. والحريم اسم لمواضع كثيرة في بغداد وغيرها.
[2] النهد (و يقال له عين النهد): اسم موضع بالفرع على الطريق من مكة إلى المدينة. روى الزبير عن رجاله أن أسماء بنت أبي بكر قالت لابنها عبد اللّه: يا بنيّ أعمر الفرع، فعمل عبد اللّه بن الزبير بالفرع عين الفارعة والسنام، وعمل عروة أخوه عين النهد وعين عسكر.
(انظر بقية الكلام على ذلك في «معجم ما استعجم» ج 2 ص 707).
فلم تجبني وأعرضت صلفا ... وغادرتني بحبّها كلفا
الغناء للهذليّ ثاني ثقيل بالسبابة في مجرى الوسطى.
رقص أشعب ابنه وقال هذا ابن مزامير داود:
أخبرني إسماعيل بن يونس الشّيعيّ قال حدّثنا عمر بن شبّة عن إسحاق قال:
زوّج ابن سريج لما حضرته الوفاة الهذليّ الأكبر بابنته، فأخذ عنها أكثر غناء أبيها، وادّعاه فغلب عليه. قال:
وولدت منه ابنا؛ فلما أيفع جاز يوما بأشعب وهو جالس في فتية من قريش، فوثب فحمله على كتفه وجعل يرقّصه ويقول: هذا ابن دفّتي المصحف وهذا ابن مزامير داود؛ فقيل له: ويلك! ما تقول/ ومن هذا الصبيّ؟ فقال: أو ما تعرفونه! هذا ابن الهذليّ من ابنة ابن سريج، ولد على عود، واستهلّ بغناء، وحنّك [1] بملوى [2]، وقطعت سرّته بوتر [3]، وختن بمضراب.
إسحاق الموصلي وحديثه عن مطرف أخذه من إبراهيم بن المهدي:
وذكر يحيى بن عليّ بن يحيى عن أبيه عن عبد اللّه بن عيسى الماهانيّ قال:
دخلت يوما على إسحاق بن إبراهيم الموصليّ في حاجة، فرأيت عليه مطرف خزّ أسود ما رأيت قطّ أحسن منه؛ فتحدّثنا إلى أن أخذنا في أمر المطرف، فقال: لقد كان لكم أيّام حسنة ودولة عجيبة؛ فكيف ترى هذا؟ فقلت له: ما رأيت مثله؛ فقال: إنّ قيمته مائة ألف درهم، وله حديث عجيب؛ فقلت: ما أقوّمه إلا بنحو مائة دينار؛ فقال إسحاق: شربنا يوما من الأيام فبتّ وأنا مثخن [4]، فانتبهت لرسول محمد الأمين، فدخل عليّ فقال: يقول لك أمير المؤمنين: عجّل؛ وكان بخيلا على الطعام، فكنت آكل قبل أن أذهب إليه؛ فقمت فتسوّكت وأصلحت شأني، وأعجلني الرسول عن الغداء فقمت معه فدخلت عليه، وإبراهيم بن المهديّ قاعد عن يمينه وعليه هذا المطرف وجبّة خزّ دكناء [5]؛ فقال لي محمد: يا إسحاق، أتغدّيت؟ قلت: نعم يا سيّدي؛ قال: إنك لنهم، أهذا وقت غداء! فقلت: أصبحت يا أمير المؤمنين وبي خمار فكان ذلك مما حداني على الأكل؛ فقال لهم: كم شربنا؟ فقالوا: ثلاثة أرطال، فقال: اسقوه إياها؛ فقلت: إن رأيت أن تفرّق عليّ!؛ فقال: يسقى رطلين ورطلا؛ فدفع إليّ رطلان فجعلت أشربهما/ وأنا أتوهم أن نفسي تسيل معهما، ثم دفع إليّ رطل آخر فشربته، فكأنّ شيئا انجلى عني؛ فقال غنّني:
كليب لعمري كان أكثر ناصرا
فغنّيته، فقال: أحسنت وطرب؛ ثم قام فدخل - وكان كثيرا [ما] يدخل إلى النساء ويدعنا - فقمت في إثر
__________
[1] استهل الصبيّ: رفع صوته بالبكاء عند الولادة.
[2] التحنيك: أن تمضغ التمر ثم تدلكه بحنك الصبي، وفي حديث النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: أنه كان يحنك أولاد الأنصار.
[3] الملوى: من أجزاء العود (انظر الكلام على العود وأجزائه في مقدمة الجزء الأوّل من هذا الكتاب طبع دار الكتب المصرية).
[4] في ط، ء، م: «بزير» والزير: أحد أوتار العود.
[5] يقال: أثخنته الجراحة: أوهنته وأضعفته، والمراد هنا غلبة السكر عليه.
[6] الدكناء: المائلة إلى السواد.
قيامه، فدعوت غلاما لي، فقلت: اذهب إلى بيتي وجئني ببزماوردتين [1] ولفّهما في منديل واذهب ركضا وعجّل، فمضى الغلام وجاءني بهما، فلما وافى الباب ونزل عن دابّته انقطع فنفق [2] من شدّة ما ركض عليه، وأدخل إليّ البزماوردتين، فأكلتهما ورجعت نفسي إليّ وعدت إلى مجلسي؛ فقال لي إبراهيم: لي إليك حاجة أحبّ أن تقضيها لي؛ فقلت: إنما أنا عبدك وابن عبدك، فقل ما شئت؛ قال: تردّد عليّ: «كليب لعمري» وهذا المطرف لك؛ فقلت:
أنا لا آخذ منك مطرفا على هذا، ولكنني أصير إلى منزلك فألقيه على الجواري وأردّده عليك مرارا؛ فقال: أحبّ أن تردّده عليّ الساعة وأن تأخذ هذا فإنه من لبسك/ وهو من حاله كذا وكذا؛ فردّدت عليه الصوت مرارا حتى أخذه، ثم سمعنا حركة محمد فقمنا حتى جاء وجلس، ثم قعدنا فشرب وتحدّثنا؛ فغنّاه إبراهيم: «كليب لعمري»، فكأني واللّه لم أسمعه قبل ذلك حسنا؛ وطرب محمد طربا شديدا وقال: أحسنت واللّه! يا غلام، عشر بدر لعمّي السّاعة! فجاءوا بها؛ فقال: يا أمير المؤمنين، إن لي فيها شريكا؛ قال: من هو؟ قال: إسحاق؛ قال: وكيف؟ فقال: إنما أخذته منه لمّا قمت؛ فقلت أنا: ولم! أضاقت الأموال على أمير/ المؤمنين حتى تريد أن تشرك فيما يعطي! قال:
أمّا أنا فأشركك وأمير المؤمنين أعلم؛ فلما انصرفنا من المجلس أعطاني ثمانين ألفا، وأعطاني هذا المطرف، فهذا أخذ به مائة ألف درهم، وهي قيمته.
صوت من المائة المختارة
من رواية جحظة عن أصحابه:
علّل القوم يشربوا ... كي يلذّوا ويطربوا
إنما ضلّل الفؤا ... د غزال مربّب [3]
فرشته على النّما ... رق سعدى وزينب
حال دون الهوى ودو ... ن سرى الليل مصعب [4]
وسياط على أك ... فّ رجال تقلّب
الشعر لعبيد اللّه بن قيس الرّقيّات. والغناء في اللحن المختار لمالك بن أبي السّمح، ولحنه من الثقيل الأوّل بالسبابة في مجرى الوسطى. وفيه لإسحاق ثقيل أوّل مطلق في مجرى البنصر. ولابن سريج في الرابع والخامس والأوّل ثاني ثقيل في مجرى الوسطى. ولمعبد في الثاني وما بعده خفيف ثقيل أوّل بالسبابة في مجرى الوسطى.
__________
[1] البزماورد: طعام يسمى لقمة القاضي، وفخذ الست، ولقمة الخليفة، وهو مصنوع من اللحم المقلي بالزبد والبيض. (انظر الحاشية رقم 2 ج 4 ص 353 من هذه الطبعة).
[2] نفق: مات. وذكر الضمير لأن الدابة تطلق على الحيوان مذكرا كان أو مؤنثا، والدابة هنا مذكر.
[3] كذا في أكثر الأصول وكذلك صححها الأستاذ الشنقيطي في نسخته، يقال: رب الصبي وريبه أي رباه. وفي ب، س وديوانه طبع أوروبا: «مربرب».
[4] هو مصعب بن عبد الرحمن بن عوف الزهري كما في كتاب «المعارف» لابن قتيبة (ص 123 طبع جوتنجن) وكما سيذكره المؤلف بعد قليل في ترجمة عبيد اللّه بن قيس الرقيات.
3 - ذكر عبيد الله بن قيس الرقيّات ونسبه وأخباره
نسب عبيد اللّه بن قيس الرقيات من قبل أبويه:
هو عبيد اللّه بن قيس بن شريح [1] بن مالك بن ربيعة بن أهيب بن ضباب بن حجير بن عبد بن معيص [2] بن عامر بن لؤيّ بن غالب. وأمّه قتيلة بنة وهب بن عبد اللّه بن ربيعة بن طريف بن عديّ بن سعد بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة.
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزبير بن بكار قال حدّثني محمد بن محمد بن أبي قلامة العمريّ قال حدّثني محمد بن طلحة، قال الزبير وحدّثنيه أيضا محمد بن الحسن المخزوميّ، قالا جميعا:
كان يقال لبني معيص بن عامر بن لؤيّ وبني محارب بن فهر: الأجربان من أهل تهامة، وكانا متحالفين، وإنما قيل لهما الأجربان من شدّة بأسهما وعرّهما [3] من ناوأهما كما يعرّ الجرب.
سبب لقبه بالرقيات:
وإنما لقّب عبيد اللّه بن قيس الرّقيّات لأنه شبّب بثلاث نسوة سمّين جميعا رقيّة، منهنّ رقيّة بنت عبد الواحد بن أبي سعد بن قيس بن وهب بن أهبان [4] بن ضباب بن حجير بن عبد بن معيص بن عامر بن لؤيّ، وابنة عمّ لها يقال لها رقيّة،/ وامرأة من بني أميّة يقال لها رقيّة. وكان هواه في رقيّة بنت عبد الواحد؛ وكان عبد الواحد - فيما أخبرني الحرميّ بن أبي/ العلاء عن الزبير - ينزل الرّقّة. وإياه عنى ابن قيس بقوله:
ما خير عيش بالجزيرة بعد ما ... عثر الزمان ومات عبد الواحد
وله في الرقيّات عدّة أشعار يغنّى فيها تذكر بعقب هذا الخبر. والأبيات الثانية التي فيها اللحن المختار يقولها في مصعب بن عبد الرحمن بن عوف الزّهريّ، وكان صاحب شرطة مروان بن الحكم بالمدينة.
مصعب بن عبد الرحمن والي المدينة:
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزبير بن بكار قال حدّثني عمّي قال:
__________
[1] كذا في ط، ء: وديوانه المخطوط بقلم الشيخ الشنقيطي المحفوظ بدار الكتب المصرية تحت رقم 88 أدب ش وديوانه المطبوع بقينا سنة 1902 و «خزانة الأدب» للبغدادي (ج 3 ص 267 طبع بولاق). وفي باقي الأصول: «سريج» بالسين والجيم، وهو تصحيف.
[2] كذا في ديوانه المخطوط والمطبوع و «الخزانة» و «شرح القاموس» مادّة معص. وفي ط، ء: «معيض» بالضاد المعجمة، وفي باقي الأصول: «بغيض»، وكلاهما تحريف.
[3] يقال: عره بمكروه يعره عرا: أصابه به. والمراد هنا إلحاقهما الشر بأعدائهما كما يلحق الجرب الشرّ بمن يصيبه.
[4] في «خزانة الأدب»: «وهبان» بالواو.
لما ولي مروان بن الحكم المدينة ولّى مصعب بن عبد الرحمن بن عوف شرطته؛ فقال: إني لا أضبط المدينة بحرس المدينة، فابغني رجالا من غيرها، فأعانه بمائتي رجل من أهل أيلة [1]، فضبطها ضبطا شديدا. فدخل المسور [2] بن مخرمة على مروان فقال: أما ترى ما يشكوه الناس من مصعب! فقال:
ليس بهذا من سياق عتب ... يمشي القطوف وينام الركب [3]
وقال غير مصعب في هذا الخبر وليس من رواية الحرميّ: إنه بقي إلى أن ولي عمرو [4] بن سعيد المدينة وخرج الحسين رضي اللّه تعالى عنه وعبد اللّه بن الزبير؛/ فقال له عمرو: اهدم دور بني هاشم وآل الزبير؛ فقال: لا أفعل، فقال: انتفخ سحرك [5] يابن أمّ حريث! ألق سيفنا! فألقاه ولحق بابن الزبير. وولّى عمرو بن سعيد شرطته عمرو بن الزبير بن العوّام وأمره بهدم دور بني هاشم وآل الزبير، ففعل وبلغ منهم كلّ مبلغ، وهدم دار ابن [6] مطيع التي يقال لها العنقاء، وضرب محمد بن المنذر بن الزبير مائة سوط؛ ثم دعا بعروة بن الزبير ليضربه؛ فقال له محمد: أتضرب عروة! فقال: نعم يا سبلان [7] إلا أن تحتمل ذلك عنه؛ فقال: أنا أحتمله، فضربه مائة سوط أخرى؛ ولحق عروة بأخيه. وضرب عمرو الناس ضربا شديدا، فهربوا منه إلى ابن الزبير، وكان المسور بن مخرمة أحد من هرب منه؛ ولما أفضى الأمر إلى ابن الزّبير أقاد منه وضربه بالسوط ضربا مبرّحا فمات فدفنه في غير مقابر المسلمين، وقال للناس، فيما ذكر عنه: إن عمرا مات مرتدّا عن الإسلام.
هو شاعر قريش:
أخبرني الحرميّ قال حدّثني الزّبير قال:
سألت عمّي مصعبا ومحمد بن الضحّاك ومحمد بن حسن عن شاعر قريش في الإسلام، فكلّهم قالوا: ابن قيس الرقيّات؛ وحكي ذلك عن عديّ وعن الضحاك بن عثمان؛ وحكاه محمد بن الحسن عن عثمان بن عبد الرحمن اليربوعيّ. قال الزبير: وحدّثني بمثله غمامة بن عمرو السّهميّ عن مسور بن عبد الملك اليربوعيّ.
عرض شعره على طلحة الزهري فمدحه:
أخبرنا محمد بن العبّاس اليزيديّ والحرميّ بن أبي العلاء وغيرهما قالوا حدّثنا الزبير بن بكار قال حدّثنا عبد الرحمن بن عبد اللّه الزّهريّ عن عمه محمد بن عبد العزيز:
أنّ ابن قيس الرقيّات أتى إلى طلحة بن عبد اللّه بن عوف الزهريّ فقال له:
__________
[1] أيلة: مدينة على ساحل بحر القلزم مما يلي الشأم، وقيل: هي في آخر الحجاز وأوّل الشأم.
[2] هو المسور بن مخرمة بن نوفل الزهري قتل في حصار مكة مع ابن الزبير. (انظر الطبري في حوادث سنة 64 ه).
[3] السياق: السوق. والقطوف من الدواب: البطيء، والمراد وصف الرجل بحسن السياسة وأنه يبلغ الغاية من غير أن يعنف في السوق أي إنه يسوس الناس من غير أن يجهدهم.
[4] هو عمرو بن سعيد بن العاص الأشدق، ولاه يزيد بن معاوية إمرة المدينة سنة 60 ه. (انظر الطبري في حوادث السنة المذكورة).
[5] انتفخ سحرك: كلمة تقال للجبان. والسحر: الرئة. (انظر الحاشية رقم 1 ج 4 ص 187 من هذه الطبعة).
[6] هو عبد اللّه بن مطيع أخو بني عديّ بن كعب، ولي الكوفة لعبد اللّه بن الزبير. (انظر الطبري في حوادث سنة 60 ه).
[7] كذا في جميع الأصول، ولعلها لقب له أو محرفة عن سبلاني (بزيادة ياء مشدّدة). والسبلانيّ: الطويل السبلة (بالتحريك) وهي شعرات تكون في المنحر، وهي أيضا مقدم اللحية، وما على الشفة العليا من الشعر يجمع الشاربين، أو لعلها كلمة تهكمية لها مغزى خاص.
يا عمّي، إني قد قلت شعرا فاسمعه فإنك ناصح لقومك، فإن كان جيّدا قلت، وإن كان رديئا كففت؛ فقال له: أنشد، فأنشده قصيدته التي يقول فيها:
منع اللهو والهوى ... وسرى الليل مصعب
وسياط على أك ... فّ رجال تقلّب
/ فقال: قل يابن أخي فإنك شاعر.
كان زبيري الهوى وخرج على عبد الملك ثم استجار بابن جعفر فعفا عنه:
وكان عبيد اللّه بن قيس الرقيّات زبيريّ الهوى، وخرج مع مصعب بن الزبير على عبد الملك؛ فلما قتل مصعب وقتل عبد اللّه هرب فلجأ إلى عبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب، فسأل عبد الملك في أمره فأمّنه.
وأخبرنا محمد بن العبّاس اليزيديّ والحرميّ بن أبي العلاء وغيرهما قالوا حدّثنا الزّبيريّ [1] قال حدّثني عبد اللّه بن البصير [2] البربريّ مولى قيس بن عبد اللّه بن الزبير عن أبيه قال:
قال عبيد اللّه بن قيس الرقيّات: خرجت مع مصعب بن الزبير حين بلغه شخوص عبد الملك بن مروان إليه، فلما نزل مصعب بن الزبير بمسكن [3]، ورأى معالم الغدر/ ممن معه، دعاني ودعا بمال ومناطق، فملأ المناطق من ذلك المال وألبسني منها، وقال لي: انطلق حيث شئت فإني مقتول؛ فقلت له: لا واللّه لا أريم [4] حتى أرى [5] سبيلك؛ فأقمت معه حتى قتل؛ ثم مضيت إلى الكوفة، فأوّل بيت صرت إليه دخلته، فإذا فيه امرأة لها ابنتان كأنهما ظبيتان، فرقيت في درجة لها إلى مشربة [6] فقعدت فيها، فأمرت لي المرأة بما أحتاج إليه من الطعام والشراب والفرش والماء للوضوء، فأقمت كذلك عندها أكثر من حول، تقيم لي ما يصلحني وتغدو عليّ في كل صباح فتسألني بالصّباح والحاجة [7]، ولا تسألني من أنا ولا أسألها من هي، وأنا في ذلك أسمع الصّياح فيّ والجعل؛ فلما طال بي المقام وفقدت الصياح فيّ وغرضت [8] بمكاني غدت عليّ تسألني بالصباح والحاجة، فعرّفتها أني قد غرضت وأحببت الشّخوص إلى أهلي؛ فقالت لي: نأتيك بما تحتاج إليه إن شاء اللّه تعالى؛ فلمّا أمسيت وضرب الليل بأرواقه رقيت إليّ وقالت: إذا شئت! فنزلت وقد أعدّت راحلتين عليهما ما أحتاج إليه ومعهما [9] عبد، وأعطت العبد نفقة الطريق، وقالت: العبد والراحلتان لك؛ فركبت وركب العبد معي حتى طرقت أهل مكة، فدققت منزلي؛ فقالوا لي: من هذا؟ فقلت: عبيد اللّه بن قيس الرقيّات؛ فولولوا وبكوا، وقالوا: ما فارقنا طلبك إلا في هذا الوقت؛
__________
[1] في م، ح: «الزبير» بدون ياء.
[2] في ح: «عبد اللّه بن النضير اليزيديّ» وسيرد في ص 90 من هذا الجزء: «عبد اللّه بن النضير» في كل الأصول.
[3] مسكن: موضع قريب من أوانا على نهر دجيل عند دير الجاثليق، به كانت الوقعة بين عبد الملك بن مروان ومصعب بن الزبير في سنة 72 ه وبه قتل مصعب، وقبره هناك معروف (عن «معجم البلدان» لياقوت ج 4 ص 529).
[4] لا أريم: لا أبرح.
[5] في ط، ء: «حتى آتي سبيلك».
[6] المشربة: الغرفة والعلية.
[7] يريد: كيف أصبحت وما حاجتك؟
[8] غرض: ضجر.
[9] في ب، س: «عليهما».
فأقمت عندهم حتى أسحرت [1]، ثم نهضت ومعي العبد حتى قدمت المدينة، فجئت عبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب عند المساء وهو يعشّي أصحابه، فجلست معهم وجعلت أتعاجم وأقول: يار يار [2] /ابن طيّار [3]؛ فلما خرج أصحابه كشفت له عن وجهي، فقال: ابن قيس؟ فقلت: ابن قيس، جئتك عائذا بك؛ قال: ويحك! ما أجدّهم في طلبك وأحرصهم على الظّفر بك! ولكني سأكتب إلى أمّ البنين بنت عبد العزيز بن مروان فهي زوجة الوليد بن عبد الملك، وعبد الملك أرقّ شيء عليها. فكتب إليها يسألها أن تشفع له إلى عمّها، وكتب إلى أبيها يسأله أن يكتب إليها كتابا يسألها الشفاعة؛ فدخل عليها عبد الملك كما كان يفعل وسألها؛ هل من حاجة؟ فقالت: نعم لي حاجة، فقال: قد قضيت كل حاجة لك إلا ابن قيس الرقيّات؛ فقالت: لا تستثن عليّ شيئا! فنفح [4] بيده فأصاب خدّها، فوضعت يدها على خدّها؛ فقال لها: يا بنتي ارفعي يدك، فقد قضيت كلّ حاجة لك وإن كانت ابن قيس الرقيّات؛ فقالت: إنّ حاجتي ابن قيس الرقيات تؤمّنه، فقد كتب إليّ أبي يسألني أن أسألك ذلك؛ قال: فهو آمن، فمريه يحضر مجلسي العشيّة؛ فحضر/ ابن قيس وحضر الناس حين بلغهم مجلس عبد الملك، فأخّر الإذن، ثم أذن للناس، وأخّر إذن ابن قيس الرقيّات حتى أخذوا مجالسهم، ثم أذن له؛ فلما دخل عليه قال عبد الملك: يأهل الشأم، أتعرفون هذا؟ قالوا: لا؛ فقال: هذا عبيد اللّه بن قيس الرقيّات الذي يقول:
كيف نومي على [5] الفراش ولمّا ... تشمل الشأم غارة شعواء
تذهل الشيخ عن بنيه وتبدي ... عن خدام [6] العقيلة العذراء
مدح عبد الملك بما لم يرضه فأمنه وقطع عطاءه فتعهد له به ابن جعفر طول حياته:
فقالوا: يا أمير المؤمنين اسقنا دم هذا المنافق! قال: الآن وقد أمّنته وصار في منزلي وعلى بساطي! قد أخّرت الإذن له لتقتلوه فلم تفعلوا. فاستأذنه ابن قيس الرقيّات أن ينشده مديحه فأذن له، فأنشده قصيدته التي يقول فيها:
عاد له من كثيرة الطرب ... فعينه بالدموع تنسكب [7]
كوفيّة نازح محلّتها ... لا أمم دارها ولا صقب
واللّه ما إن صبت إليّ ولا ... إن كان بيني وبينها سبب [8]
__________
[1] أسحر: دخل في السحر.
[2] يار: كلمة فارسية، ومعناها: الصاحب والشفيق والمعين.
[3] الطيار: لقب جعفر بن أبي طالب والد عبد اللّه هذا، وكان قد قطعت يداه في غزوة مؤتة فأثابه اللّه بذلك جناحين في الجنة يطير بهما حيث شاء. (انظر «سيرة ابن هشام» ج 2 ص 795 طبع أوروبا).
[4] نفح بيده: ضرب بها ضربة خفيفة.
[5] كذا في ط، ء، م وكذلك صححها المرحوم الأستاذ الشنقيطي في نسخته وهي «الرواية المشهورة». وفي ب، س، ح: «إلى».
[6] الخدام: جمع خدمة (بالتحريك) وهي الخلخال. وقد أورد صاحب «اللسان» هذين البيتين في مادة خدم ثم قال: «أراد وتبدى عن خدام العقيلة. وخدام ها هنا في نية عن خدامها، وعدّي تبدي بعن لأن فيه معنى تكشف كقوله:
تصدّ وتبدي عن أسيل وتتقي
أي تكشف عن أسيل أو تسفر عن أسيل».
[7] سيشرح أبو الفرج بعض هذا الشعر فيما يأتي.
[8] في ديوانه المخطوط:
واللّه ما إن صبت إليّ ولا ... يعلم بيني وبينها سبب
إلا الذي أورثت كثيرة في ال ... قلب وللحبّ سورة عجب حتى قال فيها:
إنّ الأغرّ الذي أبوه أبو ال ... عاصي عليه الوقار والحجب
يعتدل التاج فوق مفرقه ... على جبين كأنه الذهب
فقال له عبد الملك: يابن قيس تمدحني بالتاج كأني من العجم وتقول في مصعب:
إنما مصعب شهاب من ال ... لّه تجلّت عن وجهه الظلماء
ملكه ملك عزّة ليس فيه ... جبروت منه ولا كبرياء
أمّا الأمان فقد سبق لك، ولكن واللّه لا تأخذ مع المسلمين عطاء أبدا!. قال: وقال ابن قيس الرقيّات لعبد اللّه بن جعفر: ما نفعني أماني، تركت حيّا كميت لا آخذ مع الناس عطاء أبدا؛ فقال له عبد اللّه بن جعفر: كم بلغت من السنّ؟ قال: ستين سنة؛ قال: فعمّر نفسك؛ قال: عشرين سنة من ذي قبل [1]؛/فذلك ثمانون سنة؛ قال: كم عطاؤك؟ قال: ألفا درهم؛ فأمر له بأربعين ألف درهم، وقال: ذلك لك عليّ إلى أن تموت على تعميرك نفسك؛ فعند ذلك قال عبيد اللّه بن قيس الرقيّات يمدح عبد اللّه بن جعفر:
نقدّت بي الشّهباء نحو ابن جعفر ... سواء عليها ليلها ونهارها [2]
تزور امرأ قد يعلم اللّه أنه ... تجود له كفّ قليل غرارها
أتيناك نثني بالذي أنت أهله ... عليك كما يثني على الروض جارها
فو اللّه لو لا أن تزور ابن جعفر ... لكان قليلا في دمشق قرارها
إذا متّ لم يوصل صديق ولم تقم ... طريق من المعروف أنت منارها
ذكرتك أن فاض الفرات بأرضنا ... وفاض بأعلى الرّقّتين [3] بحارها
وعندي مما خوّل اللّه هجمة [4] ... عطاؤك منها شولها وعشارها
مباركة كانت عطاء مبارك ... تمانح [5] كبراها وتنمي صغارها
__________
[1] يقال: أفعل ذلك من ذي قبل (وزان سبب وعنب): أي أفعله في المستقبل.
[2] سيشرح أبو الفرج بعض هذا الشعر فيما يأتي.
[3] كذا في ديوانه ص 164 طبع أوروبا و «معجم البلدان» (ج 2 ص 799، 801) وكذلك صححه الأستاذ الشنقيطي بنسخته. والرقتان يراد بهما الرقة والرافقة، كما يقال العراقان للبصرة والكوفة. والرقة: مدينة مشهورة على الفرات بينها وبين حرّان ثلاثة أيام.
والرافقة: بلد متصل البناء بالرقة يقع على الفرات أيضا بينه وبين الرقة ثلاثمائة ذراع. وفي الأصول: «الرقمتين» بزيادة ميم، وهو تحريف.
[4] الهجمة من الإبل: أولها أربعون إلى ما زادت أو ما بين السبعين إلى المائة. والشول: جمع شائلة وهي من الإبل ما أتى عليها من يوم نتاجها سبعة أشهر أو ثمانية فارتفع ضرعها وخف لبنها، والعشار: جمع عشراء - بضم العين وفتح الشين كنفساء ونفاس ولا ثالث لهما في اللغة - وهي التي مضى لحملها عشرة أشهر.
[5] ما نحت الناقة: درّت في الشتاء بعد ما ذهبت ألبان الإبل.
اعترض عليه عبد الملك في شعر له فأجابه:
أخبرنا الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزبير قال حدّثنا مصعب بن عبد الملك قال:
/ قال عبد الملك بن مروان لعبيد اللّه بن قيس الرقيّات: ويحك يابن قيس! أما اتّقيت اللّه حين تقول لابن جعفر:
تزور امرأ قد يعلم اللّه أنه ... تجود له كفّ قليل غرارها
ألا قلت: قد يعلم الناس ولم تقل: قد يعلم اللّه! فقال ابن قيس: قد واللّه علمه اللّه [و علمته [1] أنت] وعلمته أنا وعلمه الناس.
رواية أخرى في شفاعة ابن جعفر له عند عبد الملك:
أخبرنا الحسين بن يحيى قال قال حمّاد بن إسحاق:
قرأت على أبي أن عبيد اللّه بن قيس الرقيّات منعه عبد الملك بن مروان عطاءه من بيت المال وطلبه ليقتله، فاستجار بعبد اللّه بن جعفر، وقصده فألفاه نائما، وكان صديقا لسائب خاثر، فطلب الإذن على ابن جعفر فتعذّر، فجاء سائب خاثر ليستأذن له عليه؛ قال سائب: فجئت من قبل رجل عبد اللّه بن جعفر فنبحت نباح الجرو الصغير، فانتبه ولم يفتح عينيه، وركلني برجله، فدرت إلى عند رأسه، فنبحت نباح الكلب الهرم، فانتبه وفتح عينيه فرآني؛ فقال: ما لك؟ ويحك! فقلت: ابن قيس الرقيّات بالباب؛ قال: ائذن له، فأذنت له، فدخل إليه فرحّب ابن جعفر به وقرّبه؛ فعرّفه ابن قيس خبره، فدعا بظبية [2] فيها دنانير، وقال: عدّ له منها؛ فجعلت أعدّ وأترنّم [3] وأحسّن صوتي بجهدي حتى عددت ثلاثمائة دينار، فسكتّ؛ فقال لي عبد اللّه: مالك ويلك سكتّ! ما هذا وقت قطع الصوت الحسن، فجعلت أعدّ حتى نفد ما كان في الظّبية، وفيها ثمانمائة دينار، فدفعتها إليه؛ فلما قبضها قال لابن جعفر:
اسأل أمير المؤمنين في أمري؛ قال: نعم، فإذا/ دخلت إليه معي ودعا بالطعام، فكل أكلا فاحشا. فركب ابن جعفر، فدخل معه إلى عبد الملك؛ فلما قدّم الطعام جعل يسيء الأكل؛ فقال عبد الملك لابن جعفر: من هذا؟
فقال: هذا إنسان لا يجوز إلا أن يكون صادقا إن استبقي، وإن قتل كان أكذب الناس، قال: وكيف ذلك! قال: لأنه يقول:
ما نقموا من بني أميّة إلا ... أنهم يحلمون إن غضبوا
فإن قتلته لغضبك عليه أكذبته فيما مدحكم به؛ قال: فهو آمن، ولكن لا أعطيه عطاء من بيت المال؛ قال:
ولم وقد وهبته لي؟ فأحبّ أن تهب لي عطاءه أيضا كما وهبت لي دمه وعفوت لي عن ذنبه؛ قال: قد فعلت، قال:
وتعطيه ما فاته من العطاء؛ قال: قد فعلت، وأمرت له بذلك.
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزبير بن بكّار قال حدّثني عمّي قال:
كان ابن قيس الرقيّات منقطعا إلى ابن جعفر، وكان يصله ويقضي عنه دينه، ثم استأمن له عبد الملك فأمّنه،
__________
[1] هذه الجملة ساقطة من ط، ء، م.
[2] الظبية: الجراب، وقيل: الجراب الصغير خاصة.
[3] في ط، ء، م: «و أطرّب».
وحرمه عطاءه؛ فأمره عبد اللّه أن يقدّر لنفسه ما يكفيه أيام حياته ففعل ذلك، فأعطاه عبد اللّه ما سأل وعوّضه من عطائه أكثر منه؛ ثم جاءت عبد اللّه صلة من عبد الملك وابن قيس غائب، فأمر عبد اللّه خازنه فخبأ له صلته، فلما قدم دفعها إليه؛ وأعطاه جارية حسناء؛ فقال ابن قيس:
إذا زرت عبد اللّه نفسي فداؤه ... رجعت بفضل من نداه ونائل
وإن غبت عنه كان للودّ حافظا ... ولم يك عنّي في المغيب بغافل
/ تداركني عبد الإله وقد بدت ... لذي الحقد والشّنآن منّي مقاتلي
فأنقذني من غمرة الموت بعد ما ... رأيت حياض الموت جمّ المناهل
حباني لمّا جئته بعطيّة ... وجارية حسناء ذات خلاخل
نسبة ما في هذه الأخبار من الأغاني
منها:
صوت
عاد له من كثيرة الطّرب ... فعينه بالدموع تنسكب
كوفيّة نازح محلّتها ... لا أمم دارها ولا صقب
واللّه ما إن صبت إليّ ولا ... يعرف بيني وبينها سبب
إلا الذي أورثت كثيرة في ال ... قلب وللحبّ سورة عجب
عروضه من المنسرح، غنّاه معبد ثقيلا أوّل بإطلاق الوتر في مجرى الوسطى. قوله: «لا أمم دارها» يعني أنها ليست بقريبة. ويقال: ما كلّفتني أمما من الأمر فأفعله: أي قريبا من الإمكان؛ ويقال: إن فلانا لأمم من أن يكون فعل كذا وكذا. قال الشاعر:
أطرقته أسماء أم حلما ... بل لم تكن من رحالنا أمما [1]
أي قريبة. وقال الراجز:
كلّفها عمرو نقال الضّبعان [2] ... ما كلّفت من أمم ولا دان
/ وقال آخر:
__________
[1] هذا البيت من المنسرح، وقد دخل على التفعيلة الأولى منه الخبل، وهو حذف الثاني والرابع الساكنين، وروايته في ط، ء:
أطرقته أسماء أم حلما ... بل لم تكن من رحلنا أمما
وعلى هذه الرواية يكون من الكامل. ولم نعثر عليه في مصدر آخر حتى نستطيع ترجيح إحدى الروايتين.
[2] كذا في ط، ء. وفي ب، س: «ثقال الضبعان» وفي ح، م: «ثقال الصنعان». ونحن لم نوفق إلى صاحب هذا الرجز ولا ما قيل فيه حتى نتبين وجه الصواب فيه أو المراد منه. على أنه لا يبعد أن يكون هذا البيت في ناقة أو فرس، وتكليفها تقال الضبعان مسايرتها له ومناقلتها إياه. والضبعان (بالكسر): ذكر الضبع.
إنك إن سألت شيئا أمما ... جاء به الكري [1] أو تجشّما
والصّقب: الملاصقة. تقول: واللّه ما صاقبت فلانا ولا صاقبني، ودار فلان مصاقبة لدار فلان؛ وفي الحديث: «الجار أحقّ بصقبه» أي بما لاصقه، أي إنه أحقّ بشفعته. والسّورة: شدّة الأمر، ومنه يقال: ساور فلان فلانا، وتساور الرجلان إذا تغالبا وتشادّا؛ وقيل إن السّورة: البقيّة أيضا.
ومنها:
صوت
ما نقموا من بني أميّ ... ة إلّا أنهم يحلمون إن غضبوا
وأنّهم سادة الملوك فما ... تصلح إلّا عليهم العرب
غنّت في هذين البيتين حبابة، وهما من [2] القصيدة التي أوّلها:
عاد له من كثيرة الطّرب
قال الأصمعيّ: كثيرة هذه امرأة نزل بها بالكوفة فآوته. قال ابن قيس: فأقمت عندها سنة تروح وتغدو عليّ بما أحتاج إليه، ولا تسألني عن حالي ولا نسبي؛ فبينا أنا بعد سنة مشرق من جناح [3] إلى الطريق، إذا أنا بمنادي عبد الملك ينادي ببراءة الذمّة ممن أصبت عنده؛ فأعلمت المرأة أني راحل؛ فقالت: لا يروعنّك ما سمعت، فإن هذا نداء شائع منذ نزلت بنا، فإن أردت المقام ففي الرّحب والسّعة، وإن أردت الانصراف أعلمتني؛ فقلت لها:
لا بدّ لي من الانصراف؛ فلما كان الليل، قدّمت إليّ راحلة عليها جميع ما أحتاج إليه في سفري؛ فقلت لها: من/ أنت - جعلت فداءك - لأكافئك؟ قالت: ما فعلت هذا لتكافئني؛ فانصرفت ولا واللّه ما عرفتها إلا أني سمعتها تدعى باسمها «كثيرة»، فذكرتها في شعري.
فتك عبد اللّه بن علي ببني أمية لشعر له:
وذكر الزبير بن بكّار عن عمّه/ مصعب أن عبد اللّه بن عليّ بن عبد اللّه بن عبّاس صاحب بني أمية بنهر أبي فطرس، إنما بعثه على قتلهم أنه أنشده بعض الشعراء ذات يوم مديحا مدح به بني هاشم؛ فقال لبعضهم: أين هذا مما كنتم تمدحون به! فقال: هيهات أن يمدح أحد بمثل قول ابن قيس فينا:
ما نقموا من بني أميّة إ ... لّا أنهم يحلمون إن غضبوا
البيتين؛ فقال له عبد اللّه بن عليّ: ألا أرى المطمع في الملك في نفسك بعد يا ماصّ كذا من أمّه! ثم أوقع بهم.
__________
[1] الكريّ: الذي يكري الدواب.
[2] كذا في م. وفي سائر الأصول: «و هي» بالإفراد.
[3] الجناح: الروشن (الروشن: الكوة) يقال: أشرع فلان جناحا إلى الطريق أي روشنا.
سمع الرشيد قينة تغنى بشعره في مدح بني أمية فغضب فحرّفته:
أخبرنا محمد بن العبّاس اليزيديّ قال حدّثنا أحمد بن زهير قال حدّثنا الزبير بن بكّار قال حدّثني عمّي عن جدّي عبد اللّه بن مصعب [1] قال:
اعترض هارون الرشيد قينة فغنّت:
ما نقموا من بني أميّة إلّ ... ا أنهم يحلمون إن غضبوا
فلما ابتدأت به تغيّر وجه الرشيد، وعلمت أنها قد غلطت وأنها إن مرّت فيه قتلت، فغنّت:
ما نقموا من بني أميّة إلّ ... ا أنهم يجهلون إن غضبوا
وأنهم معدن النّفاق فما ... تفسد إلا عليهم العرب
/ فقال الرشيد ليحيى بن خالد: أسمعت يا أبا عليّ؟ فقال: يا أمير المؤمنين تبتاع وتسنى [2] لها الجائزة ويعجّل لها الإذن ليسكن قلبها؛ قال: ذلك جزاؤها، قومي فأنت منّي بحيث تحبّين. قال: فأغمي على الجارية.
فقال يحيى بن خالد:
جزيت أمير المؤمنين بأمنها ... من اللّه جنات تفوز بعدنها
ومنها:
صوت
تقدّت بي الشّهباء نحو ابن جعفر ... سواء عليها ليلها ونهارها
تزور امرأ قد يعلم اللّه أنه ... تجود له كفّ بطيء غرارها
وواللّه لو لا أن تزور اين جعفر ... لكان قليلا في دمشق قرارها
عروضه من الطويل. غنّاه معبد ثاني ثقيل بالبنصر. قوله: «تقدّت» أي سارت سيرا ليس بعجل ولا مبطى ء، فيقال: تقدّى فلان إذا سار سير من لا يخاف فوت مقصده فلم يعجل. وقوله: «بطيء غرارها» يعني أن منعها المعروف بطيء. وأصل الغرار: أن تمنع الناقة درّتها، ثم يستعار في كل ما أشبه ذلك؛ ومنه قول الراجز:
إنّ لكلّ نهلات شرّه ... ثم غرارا كغرار الدّرّه
وقال جميل في مثل ذلك:
لاحت لعينك من بثينة نار ... فدموع عينك درّة وغرار
__________
[1] في ط، ء، م: «حدّثني عمي مصعب» بحذف جدّه من السند. والزبير بن بكار عمه مصعب بن عبد اللّه بن مصعب وجدّه عبد اللّه بن مصعب.
[2] تسنى: تجزل حتى تكون سنية. وفي ب، س: «تثني» بالثاء المثلثة، وهو تحريف.
شيء مما عيب عليه في شعره:
قال الزّبير: وهذا البيت مما عيب على ابن قيس، لأنه نقض صدره بعجزه، فقال في أوّله: [إنه] [1] سار سيرا بغير عجل، ثم قال:
سواء عليها ليلها ونهارها
وهذا [2] غاية الدّأب في السّير، فناقض معناه في بيت واحد. ومما عيب على ابن قيس الرّقيّات قوله - وفي هذين البيتين غناء - :
صوت
ترضع شبلين وسط غيلهما [3] ... قد ناهزا للفطام أو فطما
/ ما مرّ يوم إلّا وعندهما ... لحم رجال أو يولغان [4] دما
- غنّاه الغريض خفيف ثقيل أوّل بالوسطى على مذهب إسحاق من رواية عمرو بن بانة - وهي قصيدة مدح بها عبد العزيز بن مروان، وفيها يقول:
أعني ابن ليلى عبد العزيز ببا ... بليون [5] تغدو جفانه رذما [6]
/الواهب النّجب [7] والولائد كال ... غزلان والخيل تعلك اللّجما
وكان قال في قصيدته هذه: «أو يالغان دما» بالألف، وكذلك روي عنه، ثم غيّرته الرواة.
قال يونس عنه: إنه ليس بفصيح ولا ثقة:
أخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن عمّار قال حدّثنا أحمد بن الحارث الخرّاز قال:
سمعت ابن الأعرابيّ يقول: سئل يونس عن قول ابن قيس الرقيّات:
__________
[1] الزيادة عن ط، ء.
[2] كذا في ط، ء، م. وفي سائر الأصول: «و هذه».
[3] الغيل (بالكسر): موضع الأسد. وفي «اللسان» (مادة نهز): «في مغارهما».
[4] ولغ السبع والكلب وكل ذي خطم يلغ وولغ يولغ مثل وجل يوجل: شرب ماء أو دما.
[5] كذا في «ديوانه» (ص 255 طبع فينا) و «اللسان» (مادة رذم). وبابليون: حصن بناه الفرس أيام تملكهم لمصر، وكان يسميه العرب قصر الشمع وكان على الضفة الشرقية من النيل قرب الكنيسة المعلقة في مصر القديمة فتحه عمرو بن العاص وبفتحه تم الصلح مع المقوقس. (راجع الحاشية رقم 2 ص 4 ورقم 1 ص 18 من الجزء الأوّل من «النجوم الزاهرة» طبع دار الكتب المصرية) وعبد العزيز بن مروان هذا كان واليا على مصر من قبل أبيه مروان وأقره عليها أخوه عبد الملك بعد مبايعته بالخلافة (راجع «ولاة مصر وقضائها» للكندي ص 46، 48، 49 طبع بيروت و «المقريزي» ج 1 ص 302 و «النجوم الزاهرة» ج 1 ص 172 طبع دار الكتب المصرية).
[6] الرذم (بضمتين أو فتحتين وبلكتيهما روى البيت): جمع رذوم، قال الجوهري «و جفان رذم ورذم مثل عمود وعمد وعمد ولا تقل رذم (بالكسر)». والرذوم من الجفان: التي كأنها تسيل دسما لامتلائها. وذهب ابن سيده إلى أن روايته بالتحريك، كما رواه الأصمعيّ، إنما هي تسمية بالمصدر. (ملخص عن «اللسان» مادة رذم).
[7] كذا في أكثر الأصول، والنجب (بضمتين وقد يسكن كما هنا): جمع نجيب وهو الكريم الحسيب من الإنسان والحيوان. والولائد:
جمع وليدة وهي الصبية والأمة. وتعلك اللجم: تلوكها وتحركها في فيها. وفي ط، ء: «البخت» بالتاء والخاء وهي الإبل الخراسانية، معرب وقيل عربي.
ما مرّ يوم إلا وعندهما ... لحم رجال أو يولغان دما
فقال يونس: يجوز يولغان ولا يجوز يالغان؛ فقيل له: فقد قال ذلك ابن قيس الرقيّات وهو حجازيّ فصيح؛ فقال: ليس بفصيح ولا ثقة، شغل نفسه بالشرب بتكريت [1].
انتقد ابن أبي عتيق شعرا له:
أخبرني الحسين بن يحيى قال قال حمّاد: قرأت على أبي: أو بلغك أن ابن أبي عتيق أنشد قول ابن قيس:
سواء عليها ليلها ونهارها
فقال: كانت هذه يابن أمّ فيما أرى عمياء.
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزبير بن بكار قال حدّثني عمي مصعب عن جديّ [عن] [2] هشام بن سليمان المخزوميّ قال:
/ قال ابن أبي عتيق لعبيد اللّه بن قيس وقد مرّ به فسلّم عليه فقال: وعليك السلام يا فارس العمياء؛ فقال له:
ما هذا الاسم الحادث يا أبا محمد! بأبي أنت! قال: أنت سمّيت نفسك حيث تقول:
سواء عليها ليلها ونهارها
فما يستوي الليل والنهار إلا على عمياء [3]؛ قال: إنما عنيت التعب، قال: فبيتك هذا يحتاج إلى ترجمان يترجم عنه.
ومنها:
صوت
ذكرتك أن فاض الفرات بأرضنا ... وفاضت بأعلى الرّقّتين [4] بحارها
وحولي مما خوّل اللّه هجمة ... عطاؤك منها شولها وعشارها
فجئناك نثني بالذي أنت أهله ... عليك كما أثنى على الروض جارها
إذا متّ لم يوصل صديق ولم تقم ... طريق من المعروف أنت منارها
- الشول: النّوق التي شالت بأذنابها وكرهت الفحل، وذلك حين تلقح، واحدتها شائل - غنّاه حكم الوادي ثقيلا أوّل بالوسطى.
حكم الوادي ودنانير:
أخبرني إسماعيل بن يونس الشّيعيّ قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثنا إسحاق بن إبراهيم قال قال لي أبي:
__________
[1] تكريت: بلدة مشهورة بين بغداد والموصل، وهي إلى بغداد أقرب، بينها وبين بغداد ثلاثون فرسخا.
[2] التكملة عن ط، ء، م.
[3] في ط، ء، م: «إلا على أعمى».
[4] انظر الحاشية رقم 2 ص 80 من هذا الجزء.
قال حكم الوادي: دخلت يوما على يحيى بن خالد. فقال لي: يا أبا يحيى، ما رأيك في خمسمائة دينار قد حضرت؟ قلت: ومن لي بها؟ قال: تلقي لحنك في:
ذكرتك أن فاض الفرات بأرضنا
/ على دنانير فها هي ذه، وهذا سلام واقف معك ومخرجها إليك، وأنا راكب إلى أمير المؤمنين، ولست أنصرف من مجلس المظالم إلى وقت الظهر، فكدّها فيه، فإذا أحكمته فلك خمسمائة؛ فقالت دنانير: يا سيّدي، أبو يحيى يأخذ خمسمائة دينار وينصرف وأنا أبقى معك أقاسيك عمري كلّه! فقال لها: إن حفظتيه فلك ألف/ دينار، وقام فمضى؛ فقلت لها: يا سيّدتي اشغلي نفسك بذا، فإنك أنت تهبين لي الخمسمائة الدينار بحفظك إيّاه وتفوزين بالألف الدينار، وإلا بطل هذا، فلم أزل معها أكدّها ونفسي وتغنّيني حتى انصرف يحيى، فدعا بماء وطست، ثم قال: يا أبا يحيى، غنّ الصوت كما كنت تغنّيه - فقلت: هلكت! يسمعه منّي، وليس هو بمن يخفى عليه، ثم يسمعه منها فلا يرضاه - فلم أجد بدّا من الغناء؛ ثم قال: غنّيه أنت الآن؛ فغنّت؛ فقال: واللّه ما أرى إلا خيرا؛ فقلت: جعلت فداءك! أنا أمضغ هذا منذ أكثر من خمسين سنة كما أمضغ الخبز، وهذه أخذته الساعة وهو يذلّ لها بعدي وتجترىء عليه ويزداد [1] حسنا في صوتها؛ فقال: صدقت، هات يا سلام خمسمائة دينار ولها ألف دينار، ففعل؛ فقالت له: وحياتك يا سيّدي لأشاطرنّ أستاذي الألف الدينار؛ قال: ذلك إليك، ففعلت؛ فانصرفت وقد أخذت بهذا الصوت ألف دينار.
رجع الحديث إلى عبيد اللّه بن قيس الرقيات.
شعر ابن قيس الرقيات في كثيرة التي نزل بها بالكوفة:
قال الزبير بن بكار حدّثني عبد اللّه بن النّضير عن أبيه:
أن ابن قيس الرقيّات قال في الكوفيّة التي نزل عليها:
بانت [2] لتحزننا كثيره ... ولقد تكون لنا أميره
/ حلّت فلاليج [3] السّوا ... د وحلّ أهلي بالجزيره
قال: ولقد رحل من عندها وما يتعارفان.
قال: وقال فيها أيضا - وفيه لحن من خفيف الثقيل لابن المكيّ - :
صوت
لججت بحبّك أهل العراق ... ولو لا كثيرة لم تلجج
فليت كثيرة لم تلقني ... كثيرة أخت بني الخزرج
__________
[1] كذا في ط، ء، م. وفي باقي الأصول: «و تزداد» بالتاء.
[2] هذان البيتان من قصيدة عدد أبياتها خمسة وعشرون بيتا، وهي مذكورة في ديوانه المخطوط بقلم المرحوم الشيخ الشنقيطي المحفوظ بدار الكتب المصرية تحت رقم 88 أدب ش وديوانه المطبوع بقينا (ص 115).
[3] فلاليج السواد: قراه، واحدها فلوجة. والمراد بالسواد العراق، سمي بذلك لسواده بالزروع والنخيل والأشجار.
سعيد بن المسيب وابن قيس الرقيات:
أخبرنا الحرميّ قال حدّثنا الزبير بن بكّار قال حدّثني عبد اللّه بن عاصم القحطانيّ قال حدّثني أبي عن عبد الرحيم بن حرملة قال:
كنت عند سعيد بن المسيّب، فجاء ابن قيس الرقيّات، فهشّ وقال: مرحبا بظفر من أظفار العشيرة، ما أحدثت بعدي؟ قال: قد قلت أبياتا وأستفتيك في بيت منها فاسمعها؛ قال: هات؛ فأنشده:
هل للديار بأهلها علم ... أم هل تبين فينطق الرسم
قالت رقيّة قيم تصرمنا ... أرقيّ ليس لوجهك الصّرم
تخطو بخلخالين حشوهما ... ساقان مار [1] عليهما اللحم
يا صاح هل أبكاك موقفنا ... أم هل علينا في البكا إثم
فقال سعيد: لا واللّه ما أبكاني؛ قال ابن قيس الرقيّات:
بل ما بكاؤك منزلا خلقا ... قفرا يلوح كأنه الوشم [2]
/فقال سعيد: اعتذر الرجل. ثم أنشد:
أتلبث في تكريت لا في عشيرة ... شهود ولا السلطان منك قريب
وأنت امرؤ للحزم عندك منزل ... وللدّين والإسلام منك نصيب
/ فقال سعيد: لا مقام على ذلك، فاخرج منها؛ قال: قد فعلت؛ قال: قد أصبت أصاب اللّه بك.
نسبة ما في هذا الخبر من الغناء.
صوت
قامت بخلخالين حشوهما ... ساقان مار عليهما اللحم
يا صاح هل أبكاك موقفنا ... أم هل علينا في البكا إثم
غنّى فيهما ابن سريج رملا بالبنصر.
ابن قيس الرقيات وعمر بن أبي ربيعة:
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثنا محمد بن عبد اللّه البكريّ وهارون بن أبي بكر عن عبد الجبّار بن سعيد المساحقيّ عن أبيه عن سعيد بن مسلم بن وهب مولى بني عامر بن لؤيّ عن أبيه قال:
دخلت مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم مع نوفل بن مساحق وإنه لمعتمد [3] [على يدي] إذ مررنا بسعيد بن المسيّب في
__________
[1] مار: تردّد وتحرّك واضطرب.
[2] كذا في ط، ء، م، وهو الموافق لما في ديوانه المخطوط والمطبوع (ص 130). وفي باقي الأصول: «الرسم» بالراء والسين وهو تحريف، والعرب كثيرا ما تشبه هذا التشبيه قال طرفة:
لخولة أطلال ببرقة ثهمد ... تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد
[3] الزيادة والتصحيح عن «الأغاني» (ج 1 ص 113 طبع دار الكتب المصرية). وفي م: «و إنه لمعتمد عليّ» وفي ط، ء: «و إنه لمعتمد إذ
مجلسه فسلّمنا عليه فردّ سلامنا؛ ثم قال لنوفل [1]: يا أبا سعيد من أشعر، أصاحبنا أم صاحبكم؟ يعني: عبيد اللّه بن قيس/ الرقيّات أو عمر بن أبي ربيعة؛ فقال نوفل: حين يقولان ماذا؟ فقال: حين يقول صاحبنا:
خليليّ ما بال المطيّ كأنّما ... نراها على الأدبار بالقوم تنكص
وقد أبعد الحادي سراهنّ وانتحى ... بهنّ فما يألوا عجول مقلّص
[و قد قطّعت أعناقهنّ صبابة ... فأنفسنا ممّا تكلّف شخّص] [2]
يزدن بنا قربا فيزداد شوقنا ... إذا زاد طول العهد والبعد ينقص
ويقول صاحبكم ما شئت؛ قال: فقال له نوفل: صاحبكم أشهر بالقول في الغزل أمتع اللّه بك، وصاحبنا أكثر أفانين شعر؛ قال: صدقت؛ فلما انقضى ما بينهما من ذكر الشعر، جعل سعيد يستغفر اللّه ويعقد بيده ويعدّه بالخمس كلّها حتى وفّى مائة.
قال البكريّ في حديثه عن عبد الجبّار: فقال مسلم بن وهب: فلما فارقناه قلت لنوفل: أتراه أستغفر اللّه من إنشاده الشعر في مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم؟ قال: كلّا! هو كثير الإنشاد والاستنشاد للشعر، ولكنّي أحسبه للفخر بصاحبه.
وفد على حمزة بن الزبير فوصله:
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزبير قال حدّثنا محمد بن الضحاك عن أبيه قال:
استأذن عبيد اللّه بن قيس الرقيات على حمزة بن عبد اللّه بن الزبير؛ فقالت له الجارية: ليس عليه إذن الآن؛ فقال: أما إنه لو علم بمكاني ما احتجب عنّي! قال: فدخلت الجارية على حمزة فأخبرته، فقال: ينبغي أن يكون هذا ابن قيس الرقيّات، ائذني له، فأذنت له؛ فقال: مرحبا بك يابن قيس، هل من حاجة/ نزعت بك؟ قال: نعم، زوّجت بنين لي ثلاثة ببنات أخ لي ثلاث، وزوّجت ثلاثة من بني أخ لي بثلاث بنات لي؛ قال: فلبنيك الثلاثة أربعمائة دينار أربعمائة دينار، ولبني أخيك الثلاثة أربعمائة دينار أربعمائة دينار، ولبناتك الثلاث ثلاثمائة دينار ثلاثمائة دينار، ولبنات أخيك الثلاث ثلاثمائة دينار، ثلاثمائة دينار، هل بقيت لك من حاجة يابن قيس؟ قال: لا واللّه إلا مؤونة السفر؛ فأمر له بما يصلحه لسفره حتى رقاع أخفاف [3] الإبل.
__________
مررنا بسعيد إلخ». وفي باقي الأصول: «لمعتمر بالراء» وهو تحريف. وقد سبق ذكر هذا الخبر هناك مع بعض مغايرة في الأبيات الآتية بعد، فانظره والحواشي التي كتبت على الشعر هناك.
[1] في ب، س: «ثم قال نوفل» وهو تحريف.
[2] الزيادة عن ط، ء، م: و «الأغاني» في الموضع الذي أشير إليه في الصفحة السابقة.
[3] في الأصول «خفاف» بدون ألف، وقد صحح المرحوم الشيخ الشنقيطي هذه الكلمة بإثبات الألف في نسخته، وهو الموافق لما في كتب اللغة من أن الخف للبعير يجمع على أخفاف والخف الذي يلبس يجمع على خفاف.
ذكر ما قاله ابن قيس الرقيات وغنّي فيه
صوت
أمست رقيّة دونها البشر [1] ... فالرّقّة السّوداء [2] فالغمر
غناه يونس ثقيلا أوّل بالوسطى، وفيه لعزّة الميلاء ثاني ثقيل.
ومنها:
صوت
رقيّ بعيشكم لا تهجرينا ... ومنّينا المنى ثم امطلينا
عدينا في غد ما شئت إنّا ... نحبّ وإن مطلت الواعدينا
/ أغرّك أنني لا صبر عندي ... على هجر وأنّك تصبرينا
ويوم تبعتكم وتركت أهلي ... حنين العود [3] يتّبع القرينا
عروضه من الوافر. غنّاه ابن محرز ثاني ثقيل بالسبّابة في مجرى الوسطى.
ومنها:
صوت
رقيّة تيّمت قلبي ... فواكبدي من الحبّ
نهاني إخوتي عنها ... وما بالقلب من عتب
غنّاه مالك ثاني ثقيل أوّل بالبنصر على مذهب إسحاق من رواية عمرو بن بانة. وقد ذكرت بذل أنّ فيه لابن المكيّ لحنا.
فضل ابن أبي عتيق شعره على شعر كثير:
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزبير قال حدّثني سعيد بن عمرو بن الزّبير قال حدّثني إبراهيم [4] بن عبد اللّه قال: أنشد كثّير ابن أبي عتيق كلمته التي يقول فيها:
ولست براض من خليل بنائل ... قليل ولا أرضى له بقليل
__________
[1] البشر: اسم جبل يمتدّ من عرض إلى الفرات من أرض الشام من جهة البادية، وهو من منازل بني تغلب بن وائل. (عن «معجم البلدان» لياقوت). والغمر: علم على مواضع كثيرة.
[2] كذا في ط، ء، م وديوانه (ص 275 طبع أوروبا) وهو الموافق لما في «معجم ياقوت» عند الكلام على البشر. والرقة السوداء: قرية كبيرة ذات بساتين كثيرة. وفي باقي الأصول: «الرقة البيضاء»، وهي مدينة مشهورة على الفرات بينها وبين حرّان ثلاثة أيام، معدودة في بلاد الجزيرة. (انظر ياقوت في اسم الرقة).
[3] العود (بالفتح): الجمل المسن وفيه بقية. وقال الجوهري: هو الذي جاوز في السن البازل والمخلف، جمعه: عودة كديكة.
[4] في ط، ء، م: «إبراهيم بن أبي عبد اللّه».
فقال له: هذا كلام مكافىء ليس بعاشق، القرشيان أقنع وأصدق منك: ابن أبي ربيعة حيث يقول:
ليت حظّي كلحظة العين منها ... وكثير منها القليل المهنّا
وقوله أيضا:
فعدي نائلا وإن لم تنيلي ... إنه يقنع المحبّ الرجاء
/ وابن قيس الرقيّات حيث يقول:
رقيّ بعيشكم لا تهجرينا ... ومنّينا المنى ثم امطلينا
عدينا في غد ما شئت إنّا ... نحبّ وإن مطلت الواعدينا
فإمّا تنجزي عدتي وإمّا ... نعيش بما نؤمّل منك حينا
قال: فذكرت ذلك لأبي السائب المخزوميّ ومعه ابن المولى، فقال: صدق ابن أبي عتيق وفّقه اللّه، ألا قال المديون كثيّر كما قال هذا حيث يقول:
وأبكي فلا ليلى بكت من صبابة ... لباك ولا ليلى لذي الودّ تبذل
واخنع بالعتبى إذا كنت مذنبا ... وإن أذنبت كنت الذي أتنصّل
صادف رقية بنت عبد الواحد في الطواف فشبب بها:
أخبرني الحرميّ قال حدّثنا الزّبير قال سمعت عبيدة بن أشعب بن جبير قال حدّثني أبي قال حدّثني فند مولى عائشة بنت سعد بن أبي وقّاص قال:
حجّت رقيّة بنت عبد الواحد بن أبي سعد العامريّة، فكنت آتيها وأحدّثها فتستظرف [1] حديثي وتضحك منّي؛ فطافت ليلة/ بالبيت ثم أهوت لتستلم الركن الأسود وقبّلته، وقد طفت مع عبيد اللّه بن قيس الرقيّات، فصادف فراغنا فراغها ولم أشعر بها، فأهوى ابن قيس يستلم الركن الأسود ويقبّله، فصادفها قد سبقت إليه، فنفحته [2] بردنها فارتدع؛ وقال لي: من هذه؟ فقلت: أو لا تعرفها! هذه رقيّة بنت عبد الواحد بن أبي سعد؛ فعند ذلك قال:
من عذيري ممن يضن بمبذو ... ل لغيري عليّ عند الطّواف
/ يريد أنها تقبّل الحجر الأسود وتضنّ عنه بقبلتها. وقال في ذلك:
حدّثوني هل على رجل ... عاشق في قبلة حرج
وفيه غناء ينسب بعد هذا الخبر. قال: ولما نفحته بردنها فاحت منه رائحة المسك حتى عجب من في المسجد، وكأنما فتحت بين أهل المسجد لطيمة [3] عطّار، فسبّح من حول البيت. قال: وقال فند: فقلت بعد انصرافها لابن قيس: هل وجدت رائحة ردنها لشيء طيبا؟ فعند ذلك قال أبياته التي يقول فيها:
__________
[1] في ط، ء، م: «فتستّطرف» بالطاء المهملة.
[2] نفحته: أصابته. والردن: الكم، وقيل: مقدمه، وقيل: أصله. والردع: أثر الطيب، وارتدع: تطيب بالطيب.
[3] اللطيمة: وعاء المسك.
صوت
سائلا فندا خليلي ... كيف أردان رقيّة
إنّني علّقت خودا ... ذات دلّ بختريّه [1]
غنّاه فند، ولحنه ثقيل أوّل بالبنصر عن حبش.
نسبة هذا الصوت الذي في الخبر المتقدّم وخبره وهو أيضا مما قاله ابن قيس في رقيّة
صوت
حبّ ذاك [2] الدّلّ والغنج ... والتي في عينها دعج
والتي إن حدّثت كذبت ... والتي في وعدها خلج [3]
/و ترى في البيت صورتها ... مثلما في البيعة [4] السّرج
خبّروني هل على رجل ... عاشق في قبلة حرج
الشعر لابن قيس الرقيّات يقوله في رقيّة بنت عبد الواحد. والغناء لمالك خفيف ثقيل أوّل مطلق في مجرى البنصر. وفيه خفيف ثقيل آخر لابن محرز من رواية عمرو بن بانة، وقيل: بل هو هذا.
عود إلى تفضيل ابن أبي عتيق له على كثير:
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزبير بن بكار قال حدّثني سليمان بن عيّاش السّعديّ قال حدّثني سائب راوية كثيّر قال:
كان كثيّر مديونا، فقال لي يوما ونحن بالمدينة: اذهب بنا إلى ابن أبي عتيق نتحدّث عنده؛ قال: فذهبت إليه معه؛ فاستنشده ابن أبي عتيق، فأنشده قوله:
أبائنة سعدى نعم ستبين
حتى بلغ إلى قوله:
وأخلفن ميعادي وخنّ أمانتي ... وليس لمن خان الأمانة دين
فقال له ابن أبي عتيق: أعلى الأمانة تبعتها! فانكفّ واستغضب نفسه وصاح وقال:
__________
[1] الخود: الفتاة الشابة الحسنة الخلق. والبخترية: المتبخترة في مشيها، وهي مشية المتكبر المعجب بنفسه، أو هي حسنة المشي والجسم.
[2] الدل والدلال من المرأة: تدللها على زوجها وذلك أن تريه جراءة عليه في تغنج وتشكل كأنها تخالفه وليس بها خلاف، أو هو حسن الحديث وحسن المزح والهيئة. والغنج (بالضم وبضمتين): حسن الدل. والدعج: شدّة سواد العين مع سعتها.
[3] الخلج: الاضطراب وعدم الثبات على حال، والمراد أنها لاضطرابها لا تثبت على حال في الوفاء بوعدها.
[4] البيعة: متعبد النصارى أو اليهود.
كذبن صفاء الودّ يوم محلّه ... وأنكدنني من وعدهن ديون
فقال له ابن أبي عتيق: ويلك! هذا أملح لهنّ وأدعى للقلوب إليهنّ، سيّدك ابن قيس الرقيّات/ كان أعلم منك وأوضع للصواب موضعه فيهنّ؛ أما سمعت قوله:
حبّ ذاك الدلّ والغنج ... والتي في عينها دعج
والتي إن حدّثت كذبت ... والتي في وعدها خلج
/ وترى في البيت صورتها ... مثلما في البيعة السّرج
خبّروني هل على رجل ... عاشق في قبلة حرج
قال: فسكن كثيّر واستحلى ذلك، وقال: لا! إن شاء اللّه؛ فضحك ابن أبي عتيق حتى ذهب به.
أنشد أبو السائب المخزومي شعره فمدحه:
أخبرنا الحرميّ قال حدّثنا الزبير قال حدّثنا عبد الرحمن بن غرير الزّهريّ قال: أنشدت أبا السائب المخزوميّ قول ابن قيس الرقيّات:
صوت
قد أتانا من آل سعدى رسول ... حبّذا ما يقول لي وأقول
من فتاة كأنها قرن شمس ... ضاق عنها دمالج [1] وحجول
حبّذا ليلتي بمزّة [2] كلب ... غال عنّي بها الكوانين غول
فقال لي: يابن الأمير ما تراه كان يقول وتقول؟ فقلت:
حديثا كما يسري النّدى لو سمعته ... شفاك من ادواء كثير وأسقما
فطرب وقال بأبي أنت وأمي! ما زلت أحبّك، ولقد أضعف حبّي إياك حين تفهم عني هذا الفهم.
/ غنّى في هذه الأبيات ابن سريج ثقيلا أوّل بالوسطى. ولمالك فيها ثاني ثقيل، كلاهما عن الهشاميّ.
أنشد أشعب من شعره محمد بن عبد اللّه فمدحه:
أخبرني محمد بن جعفر الصّيدلانيّ النحويّ صهر المبرّد قال حدّثني طلحة بن عبد اللّه أبو إسحاق الطّلحيّ قال حدّثنا الزبير بن بكّار قال حدّثني عبد اللّه بن محمد بن عبد اللّه بن عمرو بن عثمان بن عفّان قال: أنشد أشعب بن جبير أبي أبيات عبيد اللّه بن قيس الرقيّات التي يقول فيها:
__________
[1] دمالج: جمع دملج وهو المعضد من الحلى (حلية تلبس في العضد). والحجول: جمع حجل وهو الخلخال. يريد أنها بضة سمينة ضاقت عنها دمالجها وحجولها.
[2] في الأصول «بمرّة كلب» بالراء المهملة وهو تصحيف، والصواب ما أثبتناه عن «معجم ياقوت» في اسم المزة بكسر الميم وتشديد الزاي المعجمة، وعن تصحيح الأستاذ الشنقيطي أيضا في نسخته. قال ياقوت: وهي قرية كبيرة غناء في وسط بساتين دمشق، بينها وبين دمشق نصف فرسخ وبها فيما يقال قبر دحية الكلبي صاحب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، والكوانين: الثقلاء من الناس. والغول (بالضم):
الذاهية.
قد أتانا من آل سعدى رسول ... حبّذا ما يقول لي وأقول
فقال أبي: ويحك يا أشعب! ما تراه قال وقالت له؟ فقال:
حديثا لو أنّ اللحم يصلي بحرّه ... غريضا [1] أتى أصحابه وهو منضج
ذكر شوقا ووصف توقا، ووعد ووفى، والتقيا [2] بمزّة كلب فشفى واشتفى، فذلك قوله:
حبّذا ليلتي بمزّة كلب ... غال عنّي بها الكوانين غول
فقال له: إنك لعلّامة بهذه الأحوال؛ قال أجل! بأبي أنت! فاسأل عالما عن علمه.
ومما في المائة الصوت المختارة من شعر عبيد اللّه بن قيس الرقيّات.
صوت من المائة المختارة
يا قلب ويحك لا تذهب بك الحرق ... إنّ الألى كنت تهواهم قد انطلقوا
وذكر أنه لوضّاح [3]، وقد أخرج في موضع آخر.
__________
[1] غريضا: طريا.
[2] كذا في ط، ء، م. وفي سائر الأصول: «فالتقيا».
[3] هو وضاح اليمن عبد الرحمن بن إسماعيل الشاعر؛ وله ترجمة في «الأغاني» (ج 6 ص 32 طبع بولاق).
4 - ذكر مالك بن أبي السّمح وأخباره ونسبه
نسبه وكنيته وبعض صفاته:
هو مالك بن أبي السّمح. واسم أبي السمح جابر بن ثعلبة الطائي أحد بني ثعل [1] ثم أحد بني عمرو بن درماء [2]. ويكنى أبا الوليد. وأمه قرشيّة من بني مخزوم، وقيل: بل أمّ أبيه منهم، وهو الصحيح.
وقال ابن الكلبي: هو مالك بن أبي السمح بن سليمان بن أوس بن سماك [3] بن سعد بن أوس بن عمرو بن درماء أحد بني ثعل. وأمّ أبيه بنت مدرك بن عوف بن عبيد بن عمرو بن مخزوم. وكان أبوه منقطعا إلى عبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب ويتيما في حجره أوصى به أبوه إليه، فكان ابن جعفر يكفله ويمونه، وأدخله وسائر إخوته في دعوة بني هاشم، فهم معهم إلى اليوم. وكان أحول طويلا أحنى [4]. قال الوليد بن يزيد فيه يعارض الحسين بن عبد اللّه بن عبيد اللّه بن العبّاس بن عبد المطلب في قوله فيه:
أبيض كالبدر أو كما يلمع ال ... سارق في حالك من الظّلم
فقال له الوليد: بل أنت.
أحول كالقرد أو كما يرقب ال ... سارق في حالك من الظّلم
أساتذته في الغناء وموته في خلافة المنصور:
وأخذ الغناء عن جميلة ومعبد وعمر [5] حتى أدرك الدولة العباسيّة، وكان منقطعا إلى بني سليمان بن عليّ، ومات في خلافة أبي جعفر المنصور.
كان أبوه منقطعا إلى ابن جعفر والسبب في ذلك:
أخبرني الحسين بن يحيى قال نسخت من كتاب حمّاد: قرأت على أبي:
أنّ السبب في انقطاع أبي السّمح إلى ابن جعفر أنّ السّنة أقحمت طيّئا، فكان ثعلبة جدّ مالك أحدهم، فولد أبو السّمح بالمدينة؛ وكان صديقا للحسين بن عبد اللّه الهاشميّ، وكان سبب ذلك مودّة كانت بينه وبين آل شعيب [6]
__________
[1] بنو ثعل (كصرد): حي من طيء، وليس بمعدول إذ لو كان معدولا لم يصرف.
[2] بنو درماء: أولاد عمرو بن عوف بن ثعلبة بن سلامان بن ثعل الطائي، ودرماء أمهم، وكانوا بالشأم بقلعة الداروم وما يجاورها.
(انظر «القاموس» و «شرحه» في «مستدرك» مادة درم).
[3] هذا الاسم ساقط في ط، ء، م.
[4] أحنى: في ظهره أحديداب.
[5] هو عمر الوادي المغني، وقد كان معاصرا له وكان أستاذا مبرزا في الغناء (انظر ترجمته في «الأغاني» ج 6 ص 141 طبع بولاق).
[6] هو شعيب بن محمد بن عبد اللّه بن عمرو بن العاص كما سيذكره المؤلف في ص 107 من هذا الجزء. وقد اضطربت الأصول هنا في ذكره في هذا السطر والذي يليه بين «سعيد» و «شعيب». (راجع كتاب «المعارف» لابن قتيبة ص 146).
السّهميين؛ فلما تزوّج حسين عابدة [1] بنت شعيب السّهميّة خاصمهم بسببها؛ وكان جدّ مالك معه وعونا له مع من عاونه، فنشبت بذلك حال بينه وبين بني هاشم، حتى ولد مالك في دورهم، فصارت دعوته فيهم.
أدرك الدولة العباسية وقدم على سليمان بن علي فأجازه:
أخبرني الحسين بن يحيى قال قال حمّاد: قرأت على أبي:
وعمّر مالك حتى أدرك دولة بني العباس، وقدم على سليمان بن عليّ بالبصرة، فمتّ إليه بخؤولته في قريش، ودعوته لبني هاشم، وانقطاعه إلى ابن جعفر، فعجّل له سليمان صلته وكساه وكتب له بأوساق [2] من تمر.
ملازمته في أول أمره باب حمزة بن الزبير وأخذه الغناء عن معبد:
أخبرني جعفر بن قدامة قال حدّثني ميمون بن هارون قال حدّثني القاسم بن يوسف قال أخبرني الوردانيّ قال:
كان مالك بن أبي السّمح المغنّي من طيء، فأصابتهم حطمة [3] في بلادهم بالجبلين، فقدمت به أمه وبإخوة له وأخوات أيتام لا شيء لهم؛ فكان يسأل الناس على باب/ حمزة بن عبد اللّه بن الزّبير، وكان معبد منقطعا إلى حمزة يكون عنده في كل يوم يغنّيه؛ فسمع مالك غناءه فأعجبه واشتهاه، فكان لا يفارق باب حمزة يسمع غناء معبد إلى الليل، فلا يطوف بالمدينة ولا يطلب من أحد شيئا ولا يريم موضعه، فينصرف إلى أمه ولم يكتسب شيئا، فتضربه، وهو مع ذلك يترنّم بألحان معبد ويؤدّيها دورا دورا في مواضع صيحاته وإسجاحاته ونبراته [4] نغما بغير لفظ ولا رواية شيء من الشعر؛ وجعل حمزة كلّما غدا وراح رآه ملازما لبابه؛ فقال لغلامه يوما: أدخل هذا الغلام الأعرابيّ إليّ؛ فأدخله؛ فقال له: من أنت؟ فقال:/ أنا غلام من طيء أصابتنا حطمة بالجبلين فحطّتنا إليكم ومعي أمّ لي وإخوة، وإني لزمت بابك فسمعت من دارك صوتا أعجبني، فلزمت بابك من أجله؛ قال: فهل تعرف منه شيئا؟
قال: أعرف لحنه كلّه ولا أعرف الشعر؛ فقال: إن كنت صادقا إنك [5] لفهم. ودعا بمعبد فأمره أن يغنّي صوتا فغنّاه، ثم قال لمالك: هل تستطيع أن تقوله؟ قال نعم؛ قال: هاته؛ فاندفع فغنّاه فأدّى نغمه بغير شعر، يؤدّي مدّاته وليّاته وعطفاته ونبراته وتعليقاته لا يخرم حرفا؛ فقال لمعبد: خذ هذا الغلام إليك وخرّجه، فليكوننّ له شأن؛ قال معبد: ولم أفعل ذلك؟ قال: لتكون محاسنه منسوبة إليك، وإلّا عدل إلى غيرك فكانت محاسنه منسوبة إليه؛ فقال:
غير الذي أنت له مستحقّ من الباطل أكنت ترضى بذلك؟ قال لا؛ قال: وكذلك لا يسرّك أن تحمد بما لم تفعل؛ قال نعم؛ قال: فو اللّه ما شبعت على/ بابك شبعة قطّ ولا انقلبت منه إلى أهلي بخير؛ فأمر له ولأمّه ولإخوته بمنزل، وأجرى لهم رزقا وكسوة، وأمر لهم بخادم يخدمهم وعبد يسقيهم الماء، وأجلس مالكا معه في مجالسه، وأمر معبدا
__________
[1] كذا في ط، ء وفيما سيأتي في أكثر الأصول. وفي سائر الأصول هنا: «عائدة».
[2] الأوساق: جمع وسق (بالفتح) وهو ثلاثمائة وعشرون رطلا عند أهل الحجاز وأربعمائة وثمانون رطلا عند أهل العراق على اختلافهم في مقدار الصاع والمدّ.
[3] الحطمة: السنة والجدب. والمراد بالجبلين أجأ وسلمى لأنهما جبلا طيء (انظر «معجم ياقوت» في الكلام عليهما).
[4] قال في «اللسان» (مادّة نبر): «و نبرة المغني: رفع صوته عن خفض».
[5] لعله جواب لما قبله على تقدير القسم، أي على تقدير: لئن كنت ... إلخ، ولو كان جوابا للشرط من غير تقدير القسم لوجب اقترانه بفاء الجزاء.
أن يطارحه، فلم ينشب [1] أن مهر وحذق؛ وكان ذلك بعقب مقتل هدبة بن خشرم؛ فخرج مالك يوما فسمع امرأة تنوح على زيادة الذي قتله هدبة بن خشرم بشعر أخي [2] زيادة:
أبعد الذي بالنّعف [3] نعف كويكب ... رهينة رمس ذي تراب وجندل
أذكّر بالبقيا على من أصابني ... وبقياي أنّي جاهد غير مؤتلي
فلا يدعني قومي لزيد بن مالك ... لئن لم أعجّل ضربة أو أعجّل
وإلّا أنل ثأري من اليوم أو غد ... بني عمّنا فالدهر ذو متطوّل
أنختم علينا كلكل الحرب مرّة ... فنحن منيخوها عليكم بكلكل
فغنّى في هذا الشعر لحنين، أحدهما نحا فيه نحو المرأة في نوحها ورقّقه وأصلحه وزاد فيه، والآخر نحا فيه نحو معبد في غنائه؛ ثم دخل على حمزة فقال له: أيها الأمير، إني قد صنعت غناء في شعر سمعت بعض أهل المدينة ينشده وقد أعجبني، فإن أذن الأمير غنّيته فيه؛ قال: هاته، فغنّاه اللحن الذي نحا فيه نحو معبد؛ فطرب حمزة وقال له: أحسنت يا غلام، هذا الغناء غناء معبد وطريقته؛ فقال: لا تعجل أيها الأمير واسمع منّي شيئا ليس من غناء معبد ولا طريقته؛ قال: هات، فغنّاه اللحن الذي تشبّه فيه بنوح المرأة، فطرب حمزة حتى ألقى عليه حلّة كانت عليه/ قيمتها مائتا دينار؛ ودخل معبد فرأى حلّة حمزة عليه فأنكرها؛ وعلم حمزة بذلك فأخبر معبدا بالسبب، وأمر مالكا فغنّاه الصوتين؛ فغضب معبد لما سمع الصوت الأوّل وقال: قد كرهت أن آخذ هذا الغلام فيتعلّم غنائي فيدّعيه لنفسه؛ فقال له حمزة: لا تعجل واسمع غناء صنعه ليس من شأنك ولا غنائك، وأمره أن يغنّي الصوت الآخر فغنّاه؛ فأطرق معبد؛ فقال له حمزة: واللّه لو انفرد بهذا لضاهاك ثم يتزايد على الأيام، وكلما كبر وزاد شخت أنت ونقصت، فلأن يكون منسوبا إليك أجمل؛ فقال له معبد وهو/ منكسر: صدق الأمير. فأمر حمزة لمعبد بخلعة من ثيابه وجائزة حتى سكن وطابت نفسه؛ فقام مالك على رجله فقبّل رأس معبد، وقال له: يا أبا عبّاد أساءك ما سمعت منّي؟ واللّه لا أغنّي لنفسي شيئا أبدا ما دمت حيّا، وإن غلبتني نفسي فغنّيت في شعر استحسنته لا نسبته إلا إليك، فطب نفسا وارض عنّي؛ فقال له معبد: أو تفعل هذا وتفي به؟ قال: إي واللّه وأزيد؛ فكان مالك بعد ذلك إذا غنّى صوتا وسئل عنه قال: هذا لمعبد، ما غنّيت لنفسي شيئا قطّ، وإنما آخذ غناء معبد فأنقله إلى الأشعار وأحسّنه وأزيد فيه وأنقص منه.
كان يغني ليلة الجمعة:
أخبرني محمد بن مزيد قال حدّثنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه قال حدّثنا الحسن بن عتبة اللهبيّ عن عبد الرحمن بن محمد بن عبيد اللّه أحد بني الحارث بن عبد المطلب قال:
خرجت من مكة أريد العراق، فحملت معي مالك بن أبي السّمح من المدينة، وذلك في أيام أبي العبّاس
__________
[1] يقال: لم ينشب أن فعل كذا أي لم يلبث. وحقيقته: لم يتعلق بشيء غيره ولا اشتغل بسواه.
[2] هو عبد الرحمن بن زيد أخو زيادة بن زيد المقتول، كما في «الشعر والشعراء» في «ترجمة هدبة بن خشرم» (ص 436 طبع أوروبا) و «الأغاني» (ج 21 ص 271 طبع أوروبا) في «ترجمة هدبة المذكور».
[3] النعف: ما انحدر عن غلظ الجبل وارتفع عن مجرى السيل كالخيف.
السّفاح، فكان إذا كانت عشيّة الخميس قال لنا: يا معشر الرّفقة إن الليلة ليلة الجمعة وأنا أعلم أنكم تسألوني الغناء، وعليّ وعليّ إن غنّيت ليلة/ الجمعة، فإن أردتم شيئا فالساعة اقترحوا ما أحببتم؛ فنسأله فيغنّينا، حتى إذا كادت الشمس أن تغيب طرب ثم صاح: الحريق في دار شلمغان، ثم يمرّ في الغناء فما يكون في ليلة أكثر غناء منه في تلك الليلة بعد الأيمان المغلّظة.
مالك بن أبي السمح وسليمان بن علي:
أخبرني محمد بن مزيد قال حدّثنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه قال:
كان سليمان بن عليّ يسمع من مالك بن أبي السّمح بالسّراة [1]، لأنه كان إذا قدم الشأم على الوليد بن يزيد، عدل إليهم في بدأته وعودته لانقطاعه إليهم، فيبرّونه ويصلونه؛ فلما أفصى إليهم الأمر رأى سليمان مالكا على باب ابنه جعفر؛ فقال له: يا بنيّ، لقد رأيت ببابك أشبه الناس بمالك؛ فقال له جعفر: ومن مالك؟ - يوهمه أنه لا يعرفه - فتغافل عنه سليمان لئلا ينبهه عليه فيطلبه، وتوهّم أنه لم يعرفه ولا سمع غناءه.
قال حمّاد: وحدّثني أبي عن جدّي إبراهيم أنه أخبره أنه رأى مالكا بالبصرة على باب جعفر بن سليمان، أو أخيه محمد، ولم يعرفه، فسأل عنه بعد ذلك فعرفه وقد كان خرج عن البصرة؛ قال: فمالي حسرة مثل حسرتي بأني ما سمعت غناءه.
أخبرني إسماعيل بن يونس قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثنا أبو غسّان محمد بن يحيى قال:
كان مالك بن أبي السّمح يتيما في حجر عبد اللّه بن جعفر، وكان أبوه أبو السمح صار إلى عبد اللّه بن جعفر وانقطع إليه، فلما احتضر أوصى بمالك إليه، فكفله وعاله وربّاه، وأدخله في دعوة بني هاشم، فهو فيهم [2] إلى اليوم. ثم خطب حسين/ بن عبد اللّه بن عبيد اللّه بن العبّاس العابدة [3] بنت شعيب [بن محمد] [4] بن عبد اللّه بن عمرو بن العاص، فمنعه بعض أهلها منها وخطبها لنفسه، فعاون مالك حسينا، وكانت العابدة تستنصحه، وكانت بين أبيها شعيب وبينه مودّة، فأجابت حسينا وتزوّجته، فانقطع مالك إلى حسين؛ فلما أفضى الأمر إلى بني هاشم قدم البصرة على سليمان بن عليّ، فلما دخل إليه متّ بصحبته عبد اللّه بن جعفر ودعوته في بني هاشم وانقطاعه إلى حسين؛ فقال له سليمان: أنا عارف بكلّ ما قلته يا مالك، ولكنك كما تعلم، وأخاف أن تفسد عليّ أولادي، وأنا واصلك ومعطيك ما تريد وجاعل لك/ شيئا أبعث به إليك ما دمت حيّا في كل عام، على أن تخرج عن البصرة وترجع إلى بلدك؛ قال: أفعل جعلني اللّه فداك؛ فأمر له بجائزة وكسوة وحمله وزوّده إلى المدينة.
مالك بن أبي السمح في كبره:
أخبرني عمّي الحسن بن محمد قال حدّثنا هارون بن محمد بن عبد الملك قال حدّثني محمد بن هارون بن جناح قال أخبرني يعقوب بن إبراهيم الكوفيّ عمن أخبره قال:
__________
[1] يريد بالسراة هنا مكانا بعينه لم نستطع تعيينه من «معاجم البلدان».
[2] في ط، ء، م: «و أدخلهم في دعوة بني هاشم فهم فيها إلى اليوم».
[3] في ح هنا: «العائذة» بالذال المعجمة. وانظر الحاشية رقم 2 ص 102 من هذا الجزء.
[4] التكملة عن كتاب «المعارف» لابن قتيبة (ص 146، وانظر الحاشية رقم 1 ص 102 من هذا الجزء).
دخلت المدينة حاجّا فدخلت الحمّام، فبينا أنا فيه إذ دخل صاحب الحمام فغسله ونظّفه، ثم دخل شيخ أعمى له هيئة، مؤتزر بمنديل أبيض؛ فلما جلس خرجت إلى صاحب الحمّام فقلت له: من هذا الشيخ؟ قال: هذا مالك بن أبي السمح المغنّي، فدخلت عليه فقلت له: يا عمّاه، من أحسن الناس غناء؟ فقال: يابن أخي، «على الخبير سقطت» [1]، أحسن الناس غناء أحسنهم صوتا.
/ أخبرني عمّي قال حدّثني أبو أيوب المدينيّ قال حدّثني أبو يحيى العباديّ عن إسحاق قال:
كان فتية من قريش جلوسا في مجلس، فمرّ بهم مالك بن أبي السّمح، فقال بعضهم لبعض: لو سألنا مالكا فغنّانا صوتا! فقام إليه بعضهم فسأله النزول عندهم، فعدل إليهم؛ فسألوه أن يغنّيهم؛ فقال: نعم واللّه بالحبّ والكرامة، ثم اندفع يغني، وأوقع بالمقرعة على قربوس [2] سرجه، فرفع صوته فلم يقدر، ثم خفضه فلم يقدر، فجعل يبكي ويقول: واشباباه.
أخبرني عمّي قال حدّثني هارون بن محمد عن الزّبير بن بكّار عن عمه عن جدّه أنه كان في هؤلاء الفتية الذين كانوا سألوه الغناء؛ وذكر باقي الخبر مثل ما ذكره إسحاق.
مالك بن أبي السمح وعجاجة المخنث:
أخبرني عمّي قال حدّثني أبو أيوب المدينيّ قال حدّثني عبد الرحمن ابن أخي الأصمعيّ عن عمّه قال حدّثني صالح بن أبي الصّقر قال:
قدم مالك بن أبي السّمح المغنّي البصرة، فلقيه عجاجة المخنّث، وكان أشهر من بها من المخنّثين، وقال له:
فديتك يا أبا الوليد، إني كنت أحبّ أن ألقاك وأن أعرض عليك صوتا من غنائك أخذته عن بعض المخنّثين، فإن رأيت أن تنزل عندي فعلت؛ فنزل مالك عنده فبسط له المخنّث جرد [3] قطيفة كانت عنده فجلس، ثم أخذ عجاجة الدفّ فغنّى:
/حبّ إنّ الخمار كان عليها ... شاهدا يوم زارت الجوشنيّة [4]
قد سبته بدلّها حين جاءت ... تتهادى في مشية بختريّه
فجعل مالك يقول له: ويلك! من قال هذا! لعنه اللّه! ويحك من غنّى هذا! قبّحه اللّه! ويحك من روى عنّي هذا! أخزاه اللّه! ثم قام فركب وهو يضحك عجبا من عجاجة.
مالك ومعبد وابن عائشة عند يزيد بن عبد الملك:
أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال أخبرني حمّاد بن إسحاق عن أبيه عن ابن جناح قال حدّثني مصعب بن عثمان قال حدّثني عبد اللّه بن محمد بن يحيى بن عروة بن الزّبير قال حدّثني مالك بن أبي السّمح قال:
__________
[1] هذا مثل يضرب حين يقع السائل على العليم بالأمر الذي يسأل عنه.
[2] القربوس (بفتح القاف والراء): حنو السرج أي جانبه وهو الخشبة التي بها اعوجاج. ولكل سرج أربعة قرابيس: اثنان مقدّمان واثنان مؤخران.
[3] الجرد (بالفتح): الخلق من الثياب، وفي حديث أبي بكر رضي اللّه عنه «ليس عندنا من مال المسلمين إلا جرد هذه القطيفة» أي الذي انجرد وخلق.
[4] الجوشنية: لعلها نسبة إلى جوشن الذي هو بطن من غطفان.
قدمنا على يزيد بن عبد الملك أوّل قدومنا عليه مع معبد وابن عائشة، فغنّياه ليلة فأطربناه، فأمر لكل واحد منّا بألف دينار وكتب لنا بها إلى كاتبه، فغدونا عليه بالكتاب؛ فلما رآه أنكره وقال: أيؤمر لمثلكم بألف دينار ألف دينار! لا واللّه ولا حبّا ولا كرامة!. فرجعنا إلى يزيد فأخبرناه بمقالته وكررنا عليه؛ فقال: كأنه استنكر ذلك؟ فقلنا:
نعم؛ فقال: مثله واللّه يستنكره ودعاه؛ فلما حضر ورآنا عنده استأمره فيها،/ فأطرق مستحييا؛ وقال له: إني قد قلتها لهم ولا يجمل أن أرجع عما قلت، ولكن قطّعها عليهم. قال مالك: فمات واللّه يزيد، وقد بقي لكل واحد منا أربعمائة دينار.
غنى جعفرا ومحمدا ابني سليمان بن علي فلامهما أبوهما:
أخبرني الحسين بن يحيى قال نسخت من كتاب حمّاد قال قرأت على أبي، وحدّثنا الحسن بن محمد قال:
/ لمّا انهزم عبد اللّه بن عليّ من أبي مسلم قدم البصرة، وكان عند سليمان بن عليّ، وكان مالك بن أبي السمح يومئذ بها، فاستزاره جعفر ومحمد فزارهما، وغنّاهما مالك في جوف الليل في دار سليمان بن عليّ، وبلغ الخبر سليمان، فدخل عليهم فعذل جعفرا ومحمدا، وقال: نحن نتوقّع الطامّة الكبرى وأنتم تسمعون الغناء! فقالا: ألا تجلس وتسمع! ففعل، فغنّاهم مالك:
صوت
ما كنت أوّل من خاس [1] الزمان به ... قد كنت ذا نجدة أخشى وذا بأس
أبلغ أبا معبد عنّي وإخوته ... شوقي إليهم وأحزاني ووسواسي
فخرج وتركهم ولم ينكر عليهم شيئا.
مدحه الحسين بن عبد اللّه بشعر:
وفي مالك بن أبي السمح يقول الحسين [بن عبد اللّه] [2] بن عبيد اللّه بن العبّاس:
صوت
لا عيش إلا بمالك بن أبي ال ... سّمح فلا تلحني ولا تلم
أبيض كالبدر أو كما يلمع ال ... بارق في حالك من الظّلم
من ليس يعصيك إن رشدت ولا ... يهتك حقّ الإسلام والحرم
يصيب من لذّة الكريم ولا ... يجهل آي الترخيص في اللّمم [3]
يا ربّ ليل لنا كحاشية ال ... برد ويوم كذاك لم يدم
__________
[1] يقال: خاس الزمان به إذا غدر به.
[2] التكملة عن «الأغاني» ص 101 من هذا الجزء و «أمالي القالي» (ج 3 ص 128 طبع دار الكتب المصرية).
[3] اللمم: مقاربة الذنب من غير مواقعة وقيل: هو ما دون الكبائر من الذنوب وفي التنزيل العزيز: الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ
أي صغائر الذنوب.
نعمت فيه ومالك بن أبي ... السمح الكريم الأخلاق والشّيم
/ - غنّاه مالك في الأوّل والثاني والثالث رملا بالبنصر في مجراها - فيقال: إن مالكا قال له: لا واللّه ولا إن غويت أيضا أعصيك؛ ذكر ذلك الزبير عن عمّه مصعب. ويقال: إنه قال هذه المقالة للوليد بن يزيد، فسرّ بذلك وأجزل صلته.
غنى الوليد فلم يطربه ثم غناه ثانيا فأطربه:
أخبرني الحسين بن يحيى قال نسخت من كتاب حمّاد قال حدّثني أبي قال قال ابن الكلبيّ:
قال الوليد بن يزيد لمعبد قد آذتني ولولتك [1] هذه، وقال لابن عائشة: قد آذاني استهلالك هذا، فانظرا لي رجلا يكون مذهبه متوسّطا بين مذهبيكما؛ فقالا له: مالك بن أبي السّمح؛ فكتب في إشخاصه إليه وسائر مغنّي الحجاز المذكورين؛ فلمّا قدم مالك على الوليد بن يزيد فيمن معه من المغنّين نزل على الغمر بن يزيد، فأدخله على الوليد فغنّاه فلم يعجبه؛ فلما انصرف الغمر قال له: إن أمير المؤمنين لم يعجبه شيء من غنائك؛ فقال له: جعلني اللّه فداك! اطلب لي الإذن عليه مرّة واحدة، فإن أعجبه شيء مما أغنّيه وإلا انصرفت إلى بلادي. فلما جلس الوليد في مجلس اللهو ذكره الغمر وطلب له الإذن، وقال له: إنه هابك فحصر؛ قال: فأذن له، فبعث إليه؛ فأمر مالك الغلام فسقاه ثلاث صراحيّات [2] صرفا؛ فخرج حتى دخل عليه يخطر في مشيته. وقال غير ابن الكلبيّ: إنه قال/ لفرّاش للوليد: اسقني عسّا [3] من شراب ولك دينار، فسقاه إيّاه وأعطاه الدينار؛ ثم قال له: زدني آخر فأزيدك/ آخر، ففعل حتى شرب ثلاثة، ثم دخل على الوليد يخطر في مشيته؛ فلما بلغ باب المجلس وقف ولم يسلم، وأخذ بحلقة الباب فقعقعها، ثم رفع صوته فغنّى:
لا عيش إلا بمالك بن أبي ... السمح فلا تلحني ولا تلم
فطرب الوليد، ورفع يديه، حتى بدا إبطاه إليه مادّا لهما، وقام فاعتنقه قائما، وقال له: اذن يابن أخي، فدنا حتى اعتنقه؛ ثم أخذ في صوته ذلك، فلم يزالوا فيه أياما، وأجزل صلته حين أراد الانصراف. قال: ولما أتى مالك على قوله:
أبيض كالسيف أو كما يلمع ال ... بارق في حالك من الظّلم
قال له الوليد:
أحول كالقرد أو كما يرقب ... السارق في حالك من الظّلم
كان يأخذ أغاني غيره ويغيرها، ورأى إسحاق في ذلك:
وكان مالك طويلا [4] أجنى فيه حول. وقد قال قوم: إنّ مالكا لم يصنع لحنا قطّ غير هذا - أعني: «لا عيش إلّا
__________
[1] في ح: «و أوأتك». والوأوأة: صياح ابن آوى، وقيل: ليست خاصة به.
[2] صراحيات: جمع صراحية وهي إناء من آنية الخمر ولا يعرف أصلها. وقيل عربية صحيحة استعملها الفرس والروم لزجاجة معروفة يوضع فيها الشراب. (راجع «القاموس» و «شرحه» و «اللسان» مادة صرح، و «المخصص» ج 11 ص 58، و «شفاء الغليل» ص 144).
[3] العس: القدح الضخم يروي الثلاثة والأربعة. وجمعه: عسسة.
[4] كذا في أكثر الأصول، والأجنى (بالقصر) لغة في الأجنأ (بالهمز) وهو الذي أشرف كاهله على صدره. وفي م: «أحنى» (بالحاء المهملة) والأحنى: الأحدب.
بمالك بن أبي السّمح» - وإنه كان يأخذ غناء الناس فيزيد فيه وينقص منه وينسبه الناس إليه، وكان إسحاق ينكر ذلك غاية الإنكار، ويقول: غناء مالك كلّه مذهب واحد لا تباين فيه، ولو كان كما يقول الناس لاختلاف غناؤه، وإنما كان إذا غنّى ألحان معبد الطّوال خفّفها وحذف بعض نغمها، وقال: أطاله معبد ومطّطه، وحذفته أنا وحسّنته، فأمّا ألّا يكون صنع شيئا فلا.
/ أخبرني الحسين بن يحيى قال نسخت من كتاب حمّاد: قرأت [1] على أبي وذكر بكّار بن النبال [2]:
أن الوليد قال لمالك: هل تصنع الغناء؟ قال: لا، ولكنّي أزيد فيه وأنقص منه؛ فقال له: فأنت المحلّي إذا.
قال إسحاق وذكر الحسن بن عتبة اللّهبي عن عبد الرحمن بن محمد بن عبد اللّه الهاشميّ الحارثيّ [3] الذي يقال له سنابل - وفيه يقول الشاعر:
فإن هي ضنّت عنك أو حيل دونها ... فدعها وقل في ابن الكرام سنابل
- قال: خرجت من مكة أريد أبا العبّاس أمير المؤمنين، فمررت على المدينة فحملت معي مالك بن أبي السّمح، فسألته يوما عن بعض ما ينسب إليه من الغناء؛ فقال: يا أبا الفضل، عليه وعليه إن كان غنّى صوتا قطّ، ولكني آخذه وأحسّنه وأهيئه وأطيّبه، فأصيب ويخطئون فينسب إليّ. قال إسحاق: وليس الأمر هكذا، لمالك صنعة كثيرة حسنة، وصنعته تجري في أسلوب واحد، ويشبه بعضها بعضا، ولو كان كما قيل لاختلف غناؤه. وقد قيل: إنّ مالكا كان ينتفي من الصنعة لأن أكثر الأشراف هناك كانوا ينكرون عليه، فكان يتبدّل به عند من يراه، وينكره عند من يذمّه، لمحلّه في بني هاشم.
/ وأخبرني بخبر سنابل هذا محمد بن مزيد قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثني حمزة بن عتبة اللّهبي عن سنابل، فذكر الخبر وخالف ما رواه إسحاق أنّ الحسن بن عتبة حدّثه وحكاه عن حمزة بن عتبة أخيه.
أخذ صوتا من حمار:
أخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد عن أبيه عن هشام بن الكلبيّ عن أبيه عن محمد/ بن يزيد اللّيثيّ قال:
سئل مالك بن أبي السّمح عن صنعته في:
لاح بالدّير من أمامة نار
فقال: أخذته واللّه من خربنده [4] بالشأم يسوق أحمرة، فكان يترنّم بهذا اللّحن بلا كلام، فأخذته فكسوته هذا الشعر.
__________
[1] وردت هذه العبارة في ح هكذا: «قرأت على أبي بكر وذكر بكار أن ابن الوليد ... إلخ»، وهو تحريف، إذ لم تعرف لحماد رواية عن أبي بكر ولكنه يروى كثيرا عن أبيه. كما أن المذكور في سياق الخبر هو الوليد لا ابنه.
[2] في ء: «الينال». وورد في ط مهملا من غير نقط.
[3] في ط، ء: «الجاري».
[4] كذا في ب، س، م. والخربنده: المكاري، وهي كلمة فارسية مركبة من «خر» وهو الحمار و«بنده» وهو الخادم. وفي سائر الأصول: «خربندج». والعرب تضع بدل الهاء في آخر الكلمة الفارسية جميعا أو قافا للتعريب؛ مثل طازج وفالوذج في تازه وبالوده، وخندق وفستق في كنده وبسنه.
أخذ صوتا من حائك:
أخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد عن أبيه قال:
نزل مالك بن أبي السّمح عند رجل بمكة مخزوميّ، وكان له غلام حائك، فأتاه آت فقال: أما سمعت غناء غلامك الحائك؟ قال: لا! أو يغنّي؟ قال: نعم بشعر لأبي دهبل الجمحيّ؛ فبعث إليه فأتاه، فقال: تغنّه؛ فقال: ما أحسن ذاك إلا على حفّي [1]؛ فخرج مولاه ومعه مالك إلى بيته، فلما جلس على حفّه تغنّى:
تطاول هذا الليل ما يتبلّج
/ فأخذه مالك عنه وغنّاه فنسبه الناس إليه؛ وكان يقول: واللّه ما غنيّته قطّ ولا غنّاه إلّا الحائك.
نسبة هذين الصوتين
صوت
لاح بالدّير من أمامة نار ... لمحبّ له بيثرب دار
قد تراها ولو تشاء من القر ... ب لأغناك عن نداها [2] السّرار
الشعر للأحوص، ويقال: إنه لعبد الرحمن بن حسّان بن ثابت. والغناء لمالك بن أبي السّمح ثقيل أوّل بإطلاق الوتر في مجرى البنصر. وفيه لحن لمعبد ذكره إسحاق.
صوت
تطاول هذا الليل ما يتبلّج ... وأعيت غواشي سكرتي ما تفرّج
أبيت بهمّ ما أنام كأنما ... خلال ضلوعي جمرة تتوهّج
فطورا أمنّي النفس من تكتم [3] المنى ... وطورا إذا ما لجّ بي الحبّ أنشج [4]
عروضه من الطويل، الشعر لأبي دهبل، والغناء لمالك بن أبي السّمح ثقيل أوّل بالبنصر على مذهب إسحاق من رواية عمرو بن بانة.
هرب مع ابن عائشة يوم مقتل الوليد:
أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه عن جدّه قال:
قال ابن عائشة: حضرت الوليد بن يزيد يوم قتل، وكان معنا مالك بن أبي السّمح وكان من أحمق الناس، فلما قتل الوليد قال: اهرب بنا؛ فقلت: وما يريدون منا؟ قال: وما يؤمّنك أن يأخذوا رأسينا فيجعلوا رأسه بينهما
__________
[1] كذا في ح. والحف (بالفتح): المنوال والمنسج، وهو أيضا القصبة التي تجيء وتذهب. وفي سائر الأصول: «حقي» بالقاف، وهو تصحيف.
[2] الندى (بالفتح مقصورا): بعد الصوت.
[3] كذا في أكثر الأصول. وتكتم (على وزن الفعل المبني للمجهول): اسم المرأة المشبب بها. وفي م: «يكتم الهوى». وفي «الشعر والشعراء» (ص 391): «عمرة المنى».
[4] نشج (من باب ضرب): غص بالبكاء في حلقة من غير التحاب.
ليحسّنوا أمرهم بذلك!؛ قال ابن عائشة: فما رأيت منه عقلا قطّ قبل ذلك اليوم.
لما كبر كان يعلم ابنه الغناء:
أخبرني محمد بن خلف وكيع قال قال الزبير بن بكار حدّثتني ظبية قالت: رأيت مالك بن أبي السّمح وهو على منامته يلقى على ابنه وقد كبر وانقطع:
صوت
اعتاد هذا القلب بلباله [1] ... إذ قرّبت للبين أجماله
خود [2] إذا قامت إلى خدرها ... قامت قطوف [3] المشي مكساله
تفترّ [4] عن ذي أشر بارد ... عذب إذا ما ذيق سلساله
الشعر لعمر بن أبي ربيعة، ولمالك بن أبي السّمح فيه ثلاثة ألحان: خفيف ثقيل [5] مطلق/ في مجرى الوسطى، وثقيل أوّل بالوسطى مجراها جميعا عن إسحاق، وخفيف [6] رمل بالوسطى عن عمرو بن بانة، وقيل: إنه لابن سريج، وفيه رمل ينسب إلى ابن جامع وابن سريج.
شعر في رثائه:
أخبرني وكيع قال حدّثني حمّاد بن إسحاق عن أبيه قال قال أبو عبيدة: سمعت منشدا ينشد لنفسه يرثي مالكا بهذه القصيدة:
يا مال إني قضت نفسي عليك وما ... بيني وبينك من قربى ولا رحم
إلا الذي لك في قلبي خصصت به ... من المودّة في ستر وفي كرم
قال إسحاق قال أبو عبيدة: هو مالك بن أبي السمح. [انقضت [7] أخباره].
صوت من المائة المختارة
من رواية هارون بن الحسن بن سهل وابن المكّيّ وأبي العبيس ومن روى جحظة عنه:
فإلّا تجلّلها [8] يعالوك فوقها ... وكيف توقّى ظهر ما أنت راكبه
__________
[1] البلبال (بفتح الباء): شدة الهم والوسواس.
[2] الخود: الفتاة الشابة الحسنة الخلق.
[3] قطوف المشي: ضيقة الخطى بطيئة المشي.
[4] تفتر: تبسم. والأشر (بضمتين وبضم ففتح): حدّة ورقة في أطراف الأسنان.
[5] في ح: «خفيف أوّل مطلق .... إلخ».
[6] في ط، ء، م: «خفيف ثقيل بالوسطى ... إلخ».
[7] زيادة عن م.
[8] تجلل الرجل البعير: علا ظهره. وعالي فلان الشي ء: رفعه.
هم قتلوه كي يكونوا مكانه ... كما غدرت يوما بكسرى مرازبه
بني هاشم ردّوا سلاح ابن أختكم ... ولا تنهبوه لا تحلّ مناهبه
عروضه من الطويل. البيت الأوّل من الشعر لرجل من بني نهد جاهليّ، وباقي الأبيات للوليد بن عقبة بن أبي معيط. والغناء لابن محرز، ولحنه من الثقيل الأوّل بإطلاق الوتر في مجرى البنصر عن يونس وإسحاق، وهو اللحن المختار. وفيه للغريض ثقيل أوّل بالسّبابة في مجرى البنصر عن إسحاق. وفيه لمعبد ثقيل أوّل آخر مطلق في مجرى الوسطى عن عمرو وعن الهشاميّ. وفيه لسلسل في الثاني والثالث ثقيل أوّل بالبنصر عن حبش، وفيه لعطرّد خفيف ثقيل.
5 - خبر النّهديّ في هذا الشعر وخبر الوليد بن عقبة وقد مضى نسبه في أوّل الكتاب
الحارث بن مارية وزهير بن جناب:
اخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال أخبرني عمي عن ابن الكلبي عن أبيه عن عبد الرحمن المدائني، وكان عالما بأخبار قومه، قال وحدّثنيه أبو مسكين [1] أيضا، قالا:
كان الحارث بن مارية الغسّاني الجفنيّ مكرما لزهير بن جناب الكلبيّ ينادمه ويحادثه، فقدم على الملك رجلان من بني نهد بن زيد يقال لهما حزن وسهل ابنا رزاح، وكان عندهما حديث من أحاديث العرب، فاجتباهما الملك ونزلا بالمكان الأثير منه، فحسدهما زهير بن جناب، فقال: أيها الملك، هما واللّه عين لذي القرنين عليك (يعني المنذر الأكبر جدّ النعمان بن المنذر)، وهما يكتبان إليه بعورتك وخلل ما يريان منك؛ قال: كلّا! فلم يزل به زهير حتى أوغر صدره، وكان إذا ركب يبعث إليهما ببعيرين يركبان معه، فبعث إليهما بناقة واحدة؛ فعرفا الشرّ فلم يركب أحدهما وتوقّف؛ فقال له الآخر:
فإلّا تجلّلها يعالوك فوقها ... وكيف توقّى ظهر ما أنت راكبه
فركبها مع أخيه، ومضى بهما فقتلا، ثم بحث عن أمرهما بعد ذلك فوجده باطلا فشتم/ زهيرا وطرده، فانصرف إلى بلاد قومه؛ وقدم رزاح أبو الغلامين إلى الملك، وكان شيخا عالما مجرّبا، فأكرمه الملك وأعطاه دية ابنيه؛ وبلغ زهيرا مكانه، فدعا ابنا له يقال له عامر، وكان من فتيان العرب لسانا وبيانا، فقال له: إنّ رزاحا قد قدم على الملك، فالحق به واحتل في أن تكفينيه، وقال له: اذممني/ عند الملك ونل منّي، وأثّر به آثارا؛ فخرج الغلام حتى قدم الشأم، فتلطّف للدخول على الملك حتى وصل إليه؛ فأعجبه ما رأى منه؛ فقال له: من أنت؟ قال: أنا عامر بن زهير بن جناب؛ قال: فلا حيّاك اللّه ولا حيّا أباك الغادر الكذوب السّاعي! فقال الغلام: نعم، فلا حيّاه اللّه! انظر أيها الملك ما صنع بظهري! وأراه آثار الضرب؛ فقبل ذلك منه وأدخله في ندمائه؛ فبينا هو يحدّثه يوما إذ قال له: أيها الملك، إنّ أبي وإن كان مسيئا فلست أدع أن أقول الحقّ، قد واللّه نصحك أبي، ثم أنشأ يقول:
فيا لك نصحة لمّا نذقها ... أراها نصحة ذهبت ضلالا
ثم تركه أيّاما، وقال له بعد ذلك: أيها الملك، ما تقول في حيّة قد قطع ذنبها وبقي رأسها؟ قال: ذاك أبوك وصنيعه بالرجلين ما صنع؛ قال: أبيت اللّعن! واللّه ما قدم رزاح إلا ليثأر بهما؛ فقال له: وما آية ذلك؟ قال: اسقه الخمر ثم ابعث إليه عينا يأتك بخبره؛ فلما انتشى صرفه إلى قبّته ومعه بنت له، وبعث عليه عيونا؛ فلما دخل قبّته قامت إليه ابنته تسانده فقال:
__________
[1] في ط، م، ء: «ابن مسكين».
دعيني من سنادك إنّ حزنا ... وسهلا ليس بعدهما رقود
ألا تسلين عن شبليّ ماذا ... أصابهما إذا اهترش [1] الأسود
فإنّي لو ثأرت المرء حزنا ... وسهلا قد بدا لك ما أريد
فرجع القوم إلى الملك فأخبروه بما سمعوا، فأمر بقتل النّهديّ رزاح، وردّ زهيرا إلى موضعه.
شعر للوليد بن عقبة أجابه عنه الفضل بن العباس:
وقد أنشدني محمد بن العباس اليزيديّ قال: أنشدنا محمد بن حبيب أبيات الوليد هذه على الولاء [2]، وهي:
ألا من لليل لا تغور كواكبه ... إذا لاح نجم لاح نجم يراقبه [3]
بني هاشم ردّوا سلاح ابن أختكم [4] ... ولا تنهبوه لا تحلّ مناهبه
بني هاشم لا تعجلوا [5] بإقادة ... سواء علينا قاتلوه وسالبه
فقد يجبر العظم الكسير وينبري ... لذي الحقّ يوما حقّه فيطالبه
وإنّا وإيّاكم وما كان منكم ... كصدع الصّفا لا يرأب الصّدع شاعبه
بني هاشم كيف التعاقد [6] بيننا ... وعند عليّ سيفه وحرائبه [7]
لعمرك لا أنسى ابن أروى وقتله ... وهل ينسينّ الماء ما عاش شاربه
هم قتلوه كي يكونوا مكانه ... كما غدرت يوما بكسرى مرازبه
وإنّي لمجتاب إليكم بجحفل ... يصمّ السّميع جرسه [8] وجلائبه
وقد أجاب الفضل بن عبّاس بن عتبة بن أبي لهب الوليد عن هذه الأبيات، وقيل: بل أبوه العبّاس بن عتبة المجيب له أيضا. والجواب:
__________
[1] الاهتراش: التقاتل والتواثب.
[2] الولاء: المتابعة، يقال: افعل هذه الأشياء على الولاء أي متابعة.
[3] في ح، م والاستيعاب (ج 2 ص 262): «إذا لاح نجم غار نجم يراقبه».
[4] في ط، م، ء: «ابن عمكم». وعثمان بن عفان يمت إلى بني هاشم بالخؤولة والعمومة وقد روى في ص 117 من هذا الجزء: «ابن أختكم» في جميع النسخ. وكذلك فيما سيلي قريبا.
[5] في ح: «لا تعجلونا فإنه».
[6] في ط، م، ء: «التعاذر» وسيرد قريبا بروايتين أخريين هما: «كيف الهوادة» و «كيف التواصل».
[7] كذا في ط، ء. والحرائب: جمع حريبة وهي مال الرجل الذي يعيش به، وقيل: ما يسلب من المال. وفي م: «لجائبه». وفي سائر الأصول: «جرائبه» وهما تحريف، وسيرد قريبا: «نجائبه».
[8] الجرس: الصوت.
صوت
فلا تسألونا بالسلاح فإنه ... أضيع وألقاه لدى الرّوع صاحبه
وشبّهته كسرى وقد [1] كان مثله ... شبيها بكسرى هديه وعصائبه
ذكر أحمد بن المكيّ أنّ لابن مسجح فيه لحنا وأن لحنه من الثقيل الأوّل بالسبّابة في مجرى الوسطى، وقال غيره: إنه من منحول أبيه يحيى إلى ابن مسجح.
__________
[1] في «الاستيعاب» (ج 4 ص 533): «و ما كان مثله».
6 - ذكر باقي خبر الوليد بن عقبة ونسبه
نسب الوليد بن عقبة وولايته الكوفة ثم عزله وحدّه بالشراب:
الوليد بن عقبة بن أبي معيط، وقد مضى نسبه مع أخبار ابنه [1] أبي قطيفة. ويكنى الوليد أبا وهب. وهو أخو عثمان بن عفّان لأمّه، أمهما أروى بنت كريز، وأمها البيضاء بنت عبد المطلب. وكان من فتيان قريش وشعرائهم وشجعانهم وأجوادهم [2]، وكان فاسقا، وولي لعثمان رضي اللّه عنه الكوفة بعد سعد بن أبي وقّاص، فشرب الخمر وشهد عليه بذلك، فحدّه وعزله. وهو الذي يقول يرثي عثمان رضي اللّه عنه ويحرّض معاوية:
رثاؤه عثمان وتحريضه معاوية على الأخذ بثأره:
واللّه ما هند بأمّك إن مضى ... النهار ولم يثأر بعثمان ثائر
أيقتل عبد القوم سيّد أهله ... ولم تقتلوه ليت أمّك عاقر
وإنا متى نقتلهم لا يقد بهم ... مقيد فقد [3] دارت عليك الدوائر
كان يجالس عثمان على سريره فقال شعرا ولاه به الكوفة:
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثنا عبد اللّه بن محمد بن حكيم عن خالد بن سعيد بن عمرو بن سعيد عن أبيه قال:
لم يكن يجلس مع عثمان رضي اللّه عنه على سريره إلا العباس بن عبد المطلب وأبو سفيان بن حرب والحكم بن أبي العاصي والوليد بن عقبة، فأقبل الوليد يوما فجلس، ثم أقبل الحكم، فلما رآه عثمان زحل [4] له عن مجلسه، فلما قام الحكم قال له الوليد: واللّه يا أمير المؤمنين، لقد تلجلج في صدري بيتان قلتهما حين رأيتك/ آثرت عمك على ابن أمّك؛ فقال له عثمان رضي اللّه تعالى عنه: إنه شيخ قريش، فما البيتان اللذان قلتهما؟ قال قلت:
رأيت لعمّ المرء زلفى قرابة ... دوين أخيه حادثا لم يكن قدما
فأمّلت عمرا أن يشبّ [5] وخالدا ... لكي يدعواني يوم مزحمة عمّا
يعني عمرا وخالدا ابني عثمان. قال: فرقّ له عثمان، وقال له: قد ولّيتك العراق (يعني الكوفة).
__________
[1] كذا في م، ح. وفي سائر الأصول: «أبيه» وهو تحريف.
[2] في ط، ء: «جودائهم». وجوداء (وزان كرماء): من جموع جواد.
[3] في ب، س، ح: «و قد».
[4] زحل: تنحى وتباعد.
[5] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «يشيب».
خلف سعد بن أبي وقاص على الكوفة وقصته معه حين قدم عليه:
أخبرني أحمد قال حدّثني عمر بن شبّة قال حدّثني بعض أصحابنا عن ابن دأب قال:
لما ولّي عثمان رضي اللّه عنه الوليد بن عقبة الكوفة قدمها وعليها سعد بن أبي وقّاص، فأخبر بقدومه؛ فقال:
وما صنع؟ قال: وقف في السوق فهو يحدّث الناس هناك ولسنا ننكر شيئا من شأنه؛ فلم يلبث أن جاءه نصف النهار، فاستأذن على سعد فأذن له، فسلّم عليه بالإمرة وجلس معه؛ فقال له سعد: ما أقدمك أبا وهب؟ قال:
أحببت زيارتك؛ قال: وعلى ذلك أجئت بريدا؟ قال: أنا أرزن من ذلك، ولكن القوم احتاجوا إلى عملهم فسرّحوني إليه، وقد استعملني أمير المؤمنين على الكوفة؛ فمكث طويلا ثم قال: لا واللّه ما أدري أصلحت بعدنا/ أم فسدنا بعدك! ثم قال:
خذيني فجرّيني ضباع وأبشري [1] ... بلحم امرىء لم يشهد اليوم ناصره [2]
/فقال: أما واللّه [3] لأنا أقول للشعر وأروى له منك، ولو شئت لأجبتك، ولكنّي أدع ذلك لما [4] تعلم؛ نعم واللّه قد أمرت بمحاسبتك والنظر في أمر عمّالك؛ ثم بعث إلى عمّاله فحبسهم وضيّق عليهم، فكتبوا إلى سعد يستغيثون، فكلّمه فيهم؛ فقال له: أو للمعروف عندك موضع؟ قال: نعم واللّه! فخلّي سبيلهم.
أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدّثني عمر قال حدّثنا جنّاد [5] بن بشر قال: حدّثني جرير [6] عن مغيرة [7] بنحوه.
قال أبو زيد عمر بن شبّة أخبرنا أبو بكر الباهليّ قال حدّثنا هشيم عن العوّام بن حوشب:
أنه لمّا قدم على سعد قال له سعد: ما أدري أكست بعدنا أم حمقنا بعدك؟ فقال: لا تجزعنّ أبا إسحاق، فإنما هو الملك يتغدّاه قوم ويتعشّاه آخرون؛ فقال له سعد: أراكم واللّه ستجعلونه ملكا.
أخبرني أحمد قال حدّثني عمر قال حدّثني المدائني عن بشر بن عاصم عن الأعمش عن شقيق [8] بن سلمة قال:
قدم الوليد بن عقبة عاملا لعثمان على الكوفة وعبد اللّه بن مسعود على بيت المال، وكان سعد قد أخذ مالا، فقال الوليد لعبد اللّه: خذه بالمال، فكلّمه عبد اللّه بمحضر من الوليد في ذلك؛ فقال سعد: آتى أمير المؤمنين، فإن أخذني به/ أدّيته. فغمز الوليد عبد اللّه، ونظر إليهما سعد فنهض وقال: فعلتماها! ودعا اللّه أن يغري بينهما وأدّى المال.
__________
[1] في س: «و إنما».
[2] في ب، س: «ناشره».
[3] في ط، ء: «أم».
[4] كذا في س: وفي سائر الأصول: «لما لا تعلم».
[5] في ح: «حيان».
[6] هو جرير بن عبد الحميد بن قرط الضبي كما في «تهذيب التهذيب».
[7] هو المغيرة بن مقسم الضبي كما في «تهذيب التهذيب».
[8] كذا في ح، م. وهو شقيق بن سلمة أبو وائل الأسدي الراوي وهو الذي يروى عنه الأعمش. وفي سائر الأصول: «سفيان» وهو تحريف. (راجع «تهذيب التهذيب»، و «الاستيعاب» في اسم شقيق).
صلى بالناس الصبح أربع ركعات:
أخبرني أحمد قال حدّثني عمر بن شبّة قال حدّثنا هارون بن معروف قال حدّثنا ضمرة بن ربيعة عن ابن شوذب قال: صلّى الوليد بن عقبة بأهل الكوفة الغداة أربع ركعات، ثم التفت إليهم فقال: أأزيدكم؟ فقال عبد اللّه بن مسعود: ما زلنا معك في زيادة منذ اليوم.
شعر الحطيئة فيه:
أخبرني أحمد قال حدّثني عمر بن شبّة قال حدّثنا محمد بن حميد قال حدّثنا جرير [1] عن الأجلح [2] عن الشّعبيّ [3] في حديث الوليد بن عقبة حين شهدوا عليه [قال] [4]: قال [5] الحطيئة [6]:
شهد الحطيئة يوم يلقى ربّه ... أنّ الوليد أحقّ بالعذر [7]
نادى وقد تمّت صلاتهم ... أأزيدكم - سكرا - وما يدري
فأبوا أبا وهب ولو أذنوا ... لقرنت بين الشفع والوتر
كفّوا عنانك إذ جريت ولو ... تركوا عنانك لم تزل تجري
وقال الحطيئة أيضا:
تكلّم في الصلاة وزاد فيها ... علانية وجاهر بالنّفاق
ومجّ الخمر في سنن المصلّي ... ونادى والجميع إلى افتراق
أزيدكم على أن تحمدوني ... ومالكم ومالي من خلاق
شرب الخمر وصلى بالناس فضرب الحدّ:
أخبرني محمد بن خلف وكيع قال قال حماد بن إسحاق حدّثني أبي قال ذكر أبو عبيدة وهشام بن الكلبيّ والأصمعيّ قالوا [8]:
كان الوليد بن عقبة زانيا [9] شرّيب خمر، فشرب الخمر بالكوفة وقام ليصلّي بهم الصبح في المسجد الجامع، فصلّى بهم أربع ركعات، ثم التفت إليهم/ وقال لهم: أزيدكم؟ وتقيّأ في المحراب، وقرأ بهم في الصلاة وهو رافع صوته:
علق القلب الرّبابا ... بعد ما شابت وشابا
__________
[1] هو جرير بن عبد الحميد المذكور في الصفحة السابقة.
[2] هو الأجلح بن عبد اللّه بن حجية الكندي كما في «تهذيب التهذيب».
[3] هو أبو عمرو عامر بن شراحيل الشعبي كما في «تهذيب التهذيب» وابن خلكان.
[4] زيادة يقتضيها السياق.
[5] في ب، ح، س: «فقال».
[6] هذه الكلمة ساقطة في س.
[7] هذا البيت من الكامل الضرب الأحذ المضمر، وباقي الأبيات من الكامل الأحذ الثالث.
[8] في ب، ح، س: «قال» والمناسب منا أثبتناه.
[9] في ط، ء: «دنيا» والدنى (كغنى): الساقط الضعيف.
فشخص أهل الكوفة إلى عثمان، فأخبروه خبره وشهدوا عليه بشربه الخمر، فأتي به، فأمر رجلا بضربه الحدّ؛ فلما دنا منه قال له: نشدتك اللّه وقرابتي من أمير المؤمنين فتركه؛ فخاف عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه أن يعطّل الحدّ، فقام إليه فحدّه؛ فقال له الوليد: نشدتك باللّه وبالقرابة؛ فقال له عليّ: اسكت أبا وهب فإنما هلكت بنو إسرائيل بتعطيلهم الحدود، فضربه وقال: لتدعونّي قريش بعد هذا جلّادها. قال إسحاق: فأخبرني مصعب الزّبيريّ قال: قال الوليد بن عقبة بعد ما جلد: اللهمّ إنهم شهدوا عليّ بزور، فلا ترضهم عن أمير ولا ترض عنهم أميرا.
فقال الحطيئة يكذّب عنه:
شهد الحطيئة يوم يلقى ربّه ... أنّ الوليد أحقّ بالعذر
خلعوا عنانك إذ جريت ولو ... تركوا عنانك لم تزل تجري
ورأوا شمائل ماجد أنف [1] ... يعطي على الميسور والعسر
فنزعت مكذوبا عليك ولم ... تنزع إلى طمع [2] ولا فقر [3]
/فقال رجل من بني عجل يردّ على الحطيئة:
نادى وقد تمّت صلاتهم ... أأزيدكم - ثملا - وما يدري
ليزيدهم خيرا ولو قبلوا ... لقرنت بين الشّفع والوتر
فأبوا أبا وهب ولو فعلوا ... وصلت صلاتهم إلى العشر
وروى العبّاس بن [4] ميمون طائع عن ابن عائشة قال حدّثني أبي قال:
لما أحضر عثمان رضي اللّه عنه الوليد لأهل الكوفة في شرب الخمر، حضر الحطيئة فاستأذن على عثمان وعنده بنو أمية متوافرون، فطمعوا أن يأتي الوليد بعذر، فقال:
شهد الحطيئة يوم يلقى ربّه ... أنّ الوليد أحقّ بالعذر
خلعوا عنانك إذ جريت ولو ... تركوا عنانك لم تزل تجري
ورأوا شمائل ماجد أنف ... يعطي على الميسور والعسر
فنزعت مكذوبا عليك ولم ... تنزع إلى طمع ولا فقر
قال: فسرّوا بذلك وظنّوا أن قد قام بعذره؛ فقال رجل من بني عجل يردّ على الحطيئة:
نادى وقد تمّت صلاتهم ... أأزيدكم - ثملا - وما يدري
فأبوا أبا وهب ولو فعلوا ... وصلت صلاتهم إلى العشر
__________
[1] الأنف (وزان كنف): الذي يأبى أن يضام.
[2] في ح: «طبع» والطبع: الدنس.
[3] في «ديوان الحطيئة» (ص 186 طبع مدينة ليبزج، ونسخة خطية منه بدار الكتب المصرية رقم 3 أدب ش):
تردد إلى عوز ولا فقر
[4] كذا في أكثر الأصول. وفي ط، م، ء: «العباس بن ميمون طابع»، وورد فيما تقدّم في ح في أخبار الحكم بن عبدل ونسبه (ج 2 ص 422 طبع دار الكتب المصرية): «العباس بن محمد بن طائع». ولم نعثر على اسمه في المراجع التي بين أيدينا.
فوجم القوم وأطرقوا، فأمر به عثمان رضي اللّه تعالى عنه فحدّ.
قصة رجل معيطيّ شهد عليه عند الأمير:
أخبرني محمد بن يحيى الصّوليّ [1] قال حدّثني محمد بن الفضل من حفظه قال حدّثنا عمر بن شبّة من حفظه، ونسخت من كتاب لهارون ابن الزيات بخطه عن عمر بن شبة، وروايته أتمّ، فحكيت لفظه، قال:
شهد رجل عند أبي العجّاج، وكان على البصرة، على رجل من المعيطيّين شهادة، وكان الرجل/ الشاهد سكران؛ فقال المشهود عليه وهو المعيطيّ: أعزّك اللّه إنه لا يحسن أن يقرأ من السكر؛ فقال الشاهد: بلى إني لأحسن؛ فقال: اقرأ؛ فقال:
علق القلب الرّبابا ... بعد ما شابت وشابا
قال: وإنما تماجن بذلك على المعيطيّ، ليحكى به ما صنع الوليد بن عقبة في محراب الكوفة وقد تقدّم للصلاة وهو سكران، فأنشد في صلاته هذا الشّعر؛ وكان أبو العجّاج محّمقا فظنّ أن هذا قرآن، فقال: صدق اللّه ورسوله، ويلكم! فلم تعلمون ولا تعملون!. ولقد روي أيضا في الشهادة على الوليد في السّكر غير ما ذكر من زيادته في الصلاة.
ثبت لدى عثمان أنه سكر فأمر بجلده الحدّ:
أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدّثنا عمر بن شبّة قال عرضت على المدائنيّ عن مبارك بن سلّام عن فطر [2] بن خليفة عن أبي الضّحى [3] قال:
/ كان أبو زينب الأزديّ وأبو مورّع [4] يطلبان عثرة الوليد بن عقبة، فجاءا يوما فلم يحضر الصلاة، فسألا عنه وتلطّفا حتى علما أنه يشرب، فاقتحما عليه الدار فوجداه يقيء، فاحتملاه وهو سكران فوضعاه على سريره وأخذا خاتمه من يده، فأفاق فافتقد خاتمه فسأل عنه؛ فقالوا: لا ندري وقد رأينا رجلين دخلا الدار فاحتملاك فوضعاك على سريرك؛ فقال: صفوهما لي؛ فقالوا: أحدهما آدم [5] طويل حسن الوجه، والآخر عريض مربوع عليه خميصة [6]؛ فقال: هذا [7] أبو زينب وأبو مورّع. ولقي أبو زينب وصاحبه عبد اللّه بن حبيش [8] الأسدي وعلقمة [9] بن
__________
[1] كذا في ط، ء، م. وفي سائر الأصول: «المكيّ»، وأبو الفرج يروي كثيرا عن الصوليّ كما تقدّم غير مرة في الأجزاء السالفة.
[2] كذا في «التهذيب» و «المعارف» لابن قتيبة والطبري (ق 1 ص 3181) وفي جميع الأصول: «قطن» بالقاف والنون وهو تحريف.
[3] كذا في ط، م، ء، واسمه: مسلم بن صبيح الهمداني أحد شيوخ فطر بن خليفة المتقدّم. وفي سائر الأصول: «أبو الضحاك» وهو تحريف. (راجع «التهذيب» و «الخلاصة» في اسم مسلم بن صبيح).
[4] كذا في ط، ء، م. وهو أبو مورّع الأسدي كما في الطبري وابن الأثير. وفي ح: «ابن مزرع». وفي ب، س: «أبو مزرع»، وكلاهما تحريف.
[5] الآدم: الأسمر.
[6] الخميصة: كساء أسود مربع له علمان.
[7] في الأصول: «هذا».
[8] كذا في ب، ح، س. وفي سائر الأصول: «خنيس».
[9] كذا في ب، س. وفي م: «علقمة بن زيد». وفي ح: «عقبة بن يزيد». وف ط، ء: «عقبة بن زيد»، ولم نوفق إلى وجه الصواب فيه.
يزيد البكريّ وغيرهما فأخبراهم، فقالوا: اشخصوا إلى أمير المؤمنين فأعلموه؛ فقال بعضهم: لا يقبل قولنا في أخيه؛ فشخصوا إليه وقالوا: إنما جئناك في أمر ونحن مخرجوه إليك من أعناقنا، وقد قلنا: إنك لا تقبله، قال: وما هو؟ قالوا: رأينا الوليد وهو سكران من خمر قد شربها وهذا خاتمه أخذناه وهو لا يعقل؛ فأرسل إلى عليّ رضي اللّه تعالى عنه فشاوره؛ فقال: أرى أن تشخصه، فإن شهدوا عليه بمحضر منه حددته؛ فكتب عثمان رضي اللّه تعالى عنه إلى الوليد بن عقبة فقدم عليه، فشهد عليه أبو زينب/ وأبو مورّع وجندب الأسديّ [1] وسعد بن مالك الأشعريّ، ولم يشهد [2] عليه إلّا يمان؛ فقال عثمان لعليّ: قم فاضربه؛ فقال عليّ للحسن: قم فاضربه؛ فقال الحسن: مالك ولهذا! يكفيك غيرك؛ فقال عليّ لعبد اللّه بن جعفر: قم فاضربه، فضربه بمخصرة [3] فيها سير له رأسان، فلما بلغ أربعين قال له عليّ: حسبك.
ما وقع بين عثمان وعائشة بسبب الوليد بن عقبة:
أخبرنا أحمد قال حدّثنا عمر قال حدّثنا المدائنيّ عن الوقّاصيّ [4] عن الزّهريّ قال: خرج رهط من أهل الكوفة إلى عثمان في أمر الوليد، فقال: أكلّما غضب رجل منكم على أميره رماه بالباطل! لئن أصبحت لكم لأنكّلنّ بكم؛ فاستجاروا بعائشة؛ وأصبح عثمان فسمع من حجرتها صوتا وكلاما فيه بعض الغلظة، فقال: أما يجد مرّاق أهل العراق وفسّاقهم ملجأ إلا بيت عائشة! فسمعت فرفعت نعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وقالت: تركت سنّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم صاحب هذه [5] النعل؛ فتسامع الناس فجاؤوا حتى ملؤوا المسجد، فمن قائل: أحسنت، ومن قائل: ما للنساء وهذا! حتى تحاصبوا [6] وتضاربوا بالنّعال؛ ودخل رهط من/ أصحاب رسول اللّه/ صلّى اللّه عليه وسلّم على عثمان، فقالوا له: اتّق اللّه ولا تعطّل الحدّ، واعزل أخاك عنهم؛ فعزله عنهم.
ضرب عثمان رجلا شهد عليه:
أخبرني أحمد قال حدّثنا عمر قال حدّثنا المدائنيّ عن أبي محمد النّاجي عن مطر الورّاق قال:
قدم رجل المدينة فقال لعثمان رضي اللّه عنه: إني صلّيت الغداة خلف الوليد بن عقبة، فالتفت إلينا فقال: أأزيدكم؟ إنّي أجد اليوم نشاطا، وأنا أشمّ منه رائحة الخمر؛ فضرب عثمان الرجل؛ فقال الناس: عطّلت الحدود وضربت الشهود.
الوليد بن عقبة وعديّ بن حاتم:
أخبرني أحمد قال حدّثني عمر قال حدّثنا أبو بكر الباهليّ عن بعض من حدّثه قال:
__________
[1] كذا في ب، ح، س. وفي سائر الأصول: «الأزدي». والأسد «بإسكان السين»: لغة في الأزد، يقال في أزد شنوءة: أسد شنوءة.
[2] يريد أن كل شهوده من اليمن، وقد جاء في «نهاية الأرب» (ح 2 ص 297) في الكلام على يمن: أن الأشعر والأزد قبيلتان منها، وقد جاء في الطبري (ق 1 ص 2849) أن أبا مورّع وأبا زينب أزديان. وقد سقطت هذه الجملة من ط، م، ء.
[3] المخصرة: ما اختصره الإنسان بيده فأمسكه من عصا أو مقرعة أو عنزة أو عكازة وما أشبهها، وقد يتكأ عليها.
[4] كذا في ط، م، ء. واسمه: عثمان بن عبد الرحمن بن عمر بن سعد بن أبي وقاص، وهو ممن يروون عن الزهري. وفي سائر الأصول: «الرقاشي». ولم نجد في المراجع التي بين أيدينا رقاشيا له رواية عن الزهري.
[5] في جميع الأصول: «هذا» وهو تحريف لأن الفعل مؤنثة.
[6] في ط، م، ء: «تخاصموا».
لما شهد على الوليد عند عثمان بشرب الخمر كتب إليه يأمره بالشخوص، فخرج وخرج معه قوم يعذرونه، فيهم عديّ بن حاتم، فنزل الوليد يوما يسوق بهم، فقال يرتجز:
لا تحسبنّا قد نسينا الإيجاف [1] ... والنّشوات من عتيق أو صاف
وعزف قينات علينا عزاف
فقال عديّ: إلى أين تذهب بنا! أقم!.
أخبار تتعلق بجلد الوليد الحدّ:
أخبرني أحمد قال حدّثنا عمر قال عرضت على المدائنيّ عن قيس بن الرّبيع عن الأجلح [2] عن الشّعبيّ [3] عن جندب قال:
/ كنت فيمن شهد على الوليد، فلما استتممنا عليه الشهادة حبسه عثمان، ثم ذكر باقي خبره وضرب عليّ عليه السلام إيّاه، وقول الحسن: «ما لك ولهذا!»، فزاد فيه: فقال له عليّ: لست إذا مسلما، أو من المسلمين.
حدّثنا إبراهيم بن عبد اللّه المخزوميّ قال حدّثنا سعيد بن محمد المخزوميّ قال حدّثنا ابن عليّة [4] قال حدّثنا سعيد بن أبي عروبة عن عبد اللّه الدّاناج [5] قال سمعت الحضين [6] بن المنذر أبا ساسان يحدّث، وأخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثنا محمد بن حاتم قال حدّثنا إسماعيل بن إبراهيم بن عليّة قال حدّثنا سعيد بن أبي عروبة قال حدّثنا عبد اللّه الدّاناج عن حضين أبي ساسان قال:
لما جيء بالوليد بن عقبة إلى عثمان بن عفّان وقد شهدوا عليه بشرب الخمر، قال لعليّ: دونك ابن عمك فأقم عليه الحدّ؛ فأمر به فجلد أربعين. ثم ذكر نحو هذا الحديث وقال فيه: فقال عليّ للحسن: بل ضعفت ووهنت وعجزت، قم يا عبد اللّه بن جعفر، فقام فجلده وعليّ يعدّ حتى بلغ أربعين، فقال عليّ: أمسك،/ جلد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أربعين، وجلد أبو بكر أربعين، وأتمّها عمر ثمانين، وكلّ سنّة.
أخبرنا أحمد بن عبد العزيز قال حدّثنا عمر قال حدّثنا عبد اللّه بن محمد بن حكيم عن خالد بن سعيد قال: لما ضرب عثمان الوليد الحدّ قال: إنك لتضربني اليوم بشهادة قوم ليقتلنّك عاما قابلا.
__________
[1] الإيجاف: العنق في السير، وهو سير فسيح واسع للإبل.
[2] انظر الحاشية رقم 2 ص 125 من هذا الجزء.
[3] انظر الحاشية رقم 3 ص 125 من هذا الجزء.
[4] كذا في أكثر الأصول وهو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم، وعلية: أمّه، وهذا هو الصواب. وفي ط، ء: «علبة» بالباء الموحدة.
(راجع «المؤتلف والمختلف» في أسماء نقلة الحديث ص 98، و «الطبقات» ق 2 ح 7 ص 70، و «تهذيب التهذيب» في اسم سعيد بن أبي عروبة).
[5] كذا في ح، وهو عبد اللّه بن فيروز الداناج البصري. والداناج (بفتح الدال والنون): العالم، معرّب دانا. وهو ممن يروي عن حضين ويروي عنه سعيد بن أبي عروبة. وفي سائر الأصول: «عبد اللّه الرياحي» وهو خطأ. (راجع «القاموس» مادة: دنج، و «الخلاصة في أسماء الرجال» ص 210 طبع بولاق، و «تهذيب التهذيب» في اسم عبد اللّه بن فيروز الداناج، وسعيد بن أبي عروبة، وحضين بن المنذر).
[6] هو حضين بن المنذر الرقاشي أبو ساسان صاحب راية عليّ يوم صفين، ولا يعرف حضين بالضاد المعجمة غيره (راجع «المؤتلف والمختلف» في أسماء نقلة الحديث ص 33، و «المشتبه» ص 166، و «تهذيب التهذيب» في اسم حضين، و «القاموس» مادة حضن).
كان أبو زبيد من ندمائه وقال شعرا فيه لما عزل:
أخبرني محمد بن العبّاس اليزيديّ عن عمّه عبيد اللّه قال أخبرني محمد بن حبيب عن ابن الأعرابيّ قال، وأخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثنا عبد اللّه بن محمد بن حكيم عن خالد بن سعيد، وأخبرني إبراهيم بن محمد بن أيوب قال حدّثنا عبد اللّه بن مسلم، قالوا جميعا:
كان أبو زبيد الطائي نديما للوليد بن عقبة أيّام ولايته الكوفة، فلما شهد عليه بالسكر من الخمر وخرج من الكوفة قال أبو زبيد - واللفظ في القصيدة لليزيديّ لأنها في روايته أتمّ -:
/من يرى العير لابن أروى [1] على ظه ... ر المروري [2] حداتهنّ عجال
مصعدات والبيت بيت أبي وه ... ب خلاء تحنّ فيه الشّمال
يعرف الجاهل المضلّل أنّ ال ... دهر فيه النّكراء والزّلزال
ليت شعري كذا كم العهد أم كا ... نوا أناسا كمن يزول فزالوا
بعد ما تعلمين يا أمّ زيد ... كان فيهم عزّ لنا وجمال
ووجوه بودّنا [3] مشرقات ... ونوال إذا أريد النّوال
/ أصبح البيت قد تبدّل بال ... حيّ وجوها كأنّها الأقتال [4]
كلّ شيء يحتال فيه الرجال ... غير أن ليس للمنايا احتيال
ولعمر الإله لو كان للسي ... ف مصال [5] أو للّسان مقال
ما تناسيتك الصفاء ولا الودّ ... ولا حال دونك الأشغال
ولحرّمت لحمك المتعضّى [6] ... ضلّة [7] ضلّ حلمهم ما اغتالوا
قولهم شربك الحرام وقد كا ... ن شراب سوى الحرام حلال
وأبى الظّاهر العداوة إلّا ... شنآنا وقول ما لا يقال
من رجال تقارضوا منكرات ... لينالوا الذي أرادوا فنالوا
غير ما طالبين دخلا ولكن ... قال دهر على أناس فمالوا
من يخنك الصّفاء أو يتبدّل ... أو يزل مثل ما تزول الظّلال
__________
[1] ابن أروى هو الوليد بن عقبة وأروى أمه وأم عثمان بن عفان كما تقدّم في أوّل الترجمة.
[2] سيشرح أبو الفرج هذه الكلمة في أول صفحة 135.
[3] في ط، ء، م: «تودّتا» بالتاء.
[4] الأقتال: الأعداء، جمع قتل (بالكسر). ويطلق أيضا على الصديق، فهو من أسماء الأضداد.
[5] يقال: صال على قرنه يصول إذا وثب عليه واستطال.
[6] كذا في ط، ء. والمتعضي: المتقطع والمتفرّق. وفي سائر الأصول: «المقتصي»، وهو اسم مفعول من تقصى الشيء إذا طلبه وبالغ في البحث عنه.
[7] في ط، ء: «حدّة».
[8] الذحل: الثأر.
فاعلمن أنّني أخوك أخو ال ... ودّ حياتي حتى تزول الجبال
ليس بخلا عليك عندي بمال ... أبدا ما أقلّ نعلا قبال [1]
ولك النّصر باللسان وبال ... كفّ إذا كان لليدين مصال
نسبة ما في هذا الشعر من الغناء
صوت
من يرى العير لابن أروى على ظه ... ر المروري حداتهنّ عجال
مصعدات والبيت بيت أبي وه ... ب خلاء تحنّ فيه الشّمال
/ عروضه من الخفيف. المروري: جمع مروراة وهي الصحراء. غنى الدّلال فيه خفيف ثقيل [2] بإطلاق الوتر في مجرى البنصر عن إسحاق وغيره.
لام أهل الكوفة الوليد لأنه أنزل أبا زبيد بدار على باب المسجد:
أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدّثنا عمر بن شبّة قال:
لما قدم الوليد بن عقبة الكوفة قدم عليه أبو زبيد، فأنزله دار عقيل بن أبي طالب على باب المسجد وهي دار القبطي [3]، فكان مما احتجّ به عليه أهل الكوفة أنّ أبا زبيد كان يخرج إليه من داره يخترق المسجد وهو نصرانيّ [4] فيجعله طريقا.
أخبرني محمد بن العبّاس اليزيديّ قال حدّثني عمّي عبيد اللّه [5] عن [6] أبي حبيب بن جبلة عن ابن الأعرابيّ:
أن أبا زبيد وفد على الوليد حين استعمله عثمان على الكوفة، فأنزله الوليد دار لعقيل بن أبي طالب على باب المسجد، فاستوهبها منه فوهبها له، فكان ذلك أوّل الطّعن عليه من أهل/ الكوفة؛ لأن أبا زبيد كان يخرج من منزله حتى يشقّ الجامع إلى الوليد، فيسمر عنده ويشرب معه ويخرج فيشقّ المسجد وهو سكران، فذلك نبّههم عليه.
__________
[1] أقل الشي ء: حمله ورفعه. وقبال النحل (بالكسر): زمامها وهو السير الذي يكون بين الإصبعين. وفي «الشعر والشعراء» (ص 168 طبع أوروبا): «ما أقل سيفا حمال».
[2] في ط، ء، م: «خفيف ثقيل الأوّل بإطلاق ... إلخ».
[3] كذا في جميع الأصول.
[4] كذا في أكثر الأصول، وقد كان أبو زبيد نصرانيا. وفي م هنا: «و هو سكران» كما سيرد في جميع الأصول في الخبر الآتي.
[5] هو عبيد اللّه بن محمد اليزيدي.
[6] كذا في م. وفي ط، ء: «عبيد اللّه عن ابن جبلة ... إلخ». وفي سائر الأصول: «عبيد اللّه بن أبي حبيب عن ابن الأعرابي». ولعل صحة هذا السند هي: «حدّثني عمي عبيد اللّه عن ابن حبيب عن ابن الأعرابي» لأن الذي عرفت روايته عن ابن الأعرابي وتسمى بابن حبيب هو أبو جعفر محمد بن حبيب، وقد قرأ على ابن الأعرابي «كتاب النوادر» وتوفي سنة 245 ه، وحبيب: أمه نسب إليها لعدم معرفة أبيه. وقد ورد هذا السند بعينه في صفحتي 133 و137 وهو يؤيد صحة ما ذهبنا إليه. (راجع «إنباه الرواة» ق 1 ج 2 ص 92 و «معجم الأدباء» ج 6 ص 473 و «بغية الوعاة» ص 29 طبع مصر).
ولاه عمر صدقات بني تغلب ثم عزله:
قال: وقد كان عمر بن الخطّاب رضي اللّه تعالى عنه ولّي الوليد بن عقبة صدقات بني تغلب، فبلغه عنه بيت قاله وهو:
إذا ما شددت الرأس منّي بمشوذ [1] ... فغيّك [2] منّي [3] تغلب بنة وائل
فعزله.
مدحه أبو زبيد لأنه استخلص له إبلا أودعها بني تغلب:
وكان أبو زبيد قد استودع بني كنانة بن تيم بن أسامة بن مالك بن بكر بن حبيب بن غنم بن تغلب إبلا فلم يردّوها عليه حين طلبها، وكانت بنو تغلب أخوال أبي زبيد، فوجد الوليد بني تغلب ظالمين لأبي زبيد، فأخذ له الوليد بحقّه؛ فقال يمدح الوليد:
يا ليت شعري بأنباء أنبّؤها ... قد كان يعيا بها صدري وتقديري
عن امرىء ما يزده اللّه من شرف ... أفرح به ومريّ غير مسرور
(يعني مريّ بن أوس بن حارثة بن لأم). وهي طويلة يقول فيها:
إنّ الوليد له عندي وحقّ له ... ودّ الخليل ونصح غير مذخور
لقد رعاني وأدناني وأظهرني ... على الأعادي بنصر غير تعذير [4]
فشذّب [5] القوم عنّي غير مكترث ... حتى تناهوا على رغم وتصغير
نفسي فداء أبي وهب وقلّ له ... يا أمّ عمرو فحلّي اليوم أو سيري
وفي رواية ابن حبيب: «يا أمّ زيد»، يعني: يا أم أبي زبيد.
أقطع أبا زبيد أرضا واسعة فمدحه بشعر:
أخبرني محمد بن العبّاس عن عمّه عن محمد بن حبيب عن ابن الأعرابيّ قال:
كان الوليد بن عقبة قد استعمل الرّبيع بن مريّ بن أوس بن حارثة بن لأم الطائيّ على الحمى فيما بين الجزيرة وظهر الحيرة، فأجدبت الجزيرة، وكان أبو زبيد في تغلب، فخرج بهم ليرعيهم؛ فأبى عليه الأوسيّ وقال: إن شئت أن أرعيك وحدك فعلت وإلّا فلا؛ فأتى أبو زبيد الوليد بن عقبة، فأعطاه ما بين القصور الحمر من الشأم إلى القصور الحمر من الحيرة وجعله له حمّى، وأخذها من الآخر. هكذا روى ابن حبيب. وأخبرنا أحمد بن عبد العزيز قال حدّثنا عمر بن شبّة قال: كانت الجنينة [6] في يد مريّ بن أوس، فلمّا قدم الوليد بن عقبة الكوفة انتزعها منه ودفعها
__________
[1] المشوذ: العمامة.
[2] يريد غيالك ما أطوله مني. (راجع «اللسان» مادة شوذ).
[3] كذا في ب، ح، س و «اللسان» (مادة شوذ) وفي سائر الأصول: «عني».
[4] كذا في ط، ء، م. والتعذير في الأمر: التقصير فيه. وفي سائر الأصول: «تقدير».
[5] شذب: طرد ودفع.
[6] الجنيتة: علم على مواضع كثيرة. (انظر «معجم البلدان» لياقوت في الكلام على الجنيتة).
إلى أبي زبيد. والقول الأوّل أصح، وشعر أبي زبيد يدلّ عليه في قوله في الوليد بن عقبة يمدحه:
لعمر أبيك يابن أبي مريّ ... لغيرك من أباح لها [1] الدّيارا
أباح لها [1] أبارق [2] ذات نور ... ترعّى القفّ [3] منها والعرارا [4]
بحمد اللّه ثم فتى قريش ... أبي وهب غدت بطنا غزارا [5]
أباح لها ولا يحمى عليها ... إذا ما كنتم سنة جزارا
يريد جزرا من الجدب والشدّة.
/فتّى طالت يداه إلى المعالي ... وطحطحتا [6] المقطّعة [7] القصارا
وهي أبيات.
نزع منه سعيد بن العاص هذه الأرض فقال شعرا:
قال [8] عمر بن شبّة في خبره خاصّة: فلما عزل الوليد ووليها سعيد انتزعها منه/ وأخرجها من يده؛ فقال:
ولقد متّ غير أنّي حيّ ... يوم بانت بودّها خنساء
من بني عامر لها شقّ نفسي ... قسمة مثل ما يشقّ الرداء
أشربت لون صفرة في بياض ... وهي في ذاك لدنة غيداء [9]
كلّ عين ممّن يراها من النّا ... س إليها مديمة حولاء
فانتهوا إن للشدائد أهلا ... وذروا ما تزيّن الأهواء
ليت شعري وأبن منّي ليت ... إنّ ليتا وإنّ لوّا عناء
أيّ ساع سعى ليقطع شربي ... حين لاحت للصابح الجوزاء [10]
__________
[1] في ط، ء، م: «لنا».
[2] الأبارق: جمع الأبرق كسر تكسير الأسماء لغلبته. والأبرق: البرقة إذا اتسعت وهي أرض غليظة فيها حجارة ورمل وطين مختلطة، وتنبت أسنادها وظهورها البقل والشجر نباتا كثيرا يكون إلى جنبها الروض أحيانا.
[3] القف (بفتح القاف): ما يبس من البقول وتناثر حبه وورقه فالإبل ترعاه وتسمن عليه.
[4] كذا في ح، م. والعرار (بالفتح): نبت أصفر طيب الريح، وقيل: هو بهار البر، واحدته عرارة. وفي سائر الأصول: «القفارا».
ويناسب هذه الرواية: القف (بضم القاف): وهو ما غلظ من الأرض وارتفع، وقيل: يكون في القف رياض وقيعان.
[5] غزارا: جمع غزيرة، وهي من الإبل الكثيرة اللبن.
[6] كذا في ط، ء. وطحطح الرجل ماله: فرقه. وفي ب، س: «طحطحن».
[7] المقطعة: الثياب القصار أو هي برود عليها وشي.
[8] كذا في ح، م. وفي سائر الأصول:
«و قال ... إلخ»
[9] اللدنة: الناعمة. والغيداء: المتثنية من النعمة وهي أيضا الطويلة العنق.
[10] الشرب (بالكسر): المورد. والصابح: الذي يصبح إبله الماء أي يسقيها صباحا. والجوزاء: نجم يقال: إنه يعترض في جوز السماء أي وسطها، وإذا طلعت الجوزاء اشتدّ الحرّ، والعرب تقول: إذا طلعت الجوزاء توقدت المعزاء.
واستظلّ [1] العصفور كرها مع ال ... ضبّ وأوفى في عوده الحرباء
ونفى الجندب الحصا بكراعي ... ه وأذكت نيرانها المعزاء [2]
من سموم كأنها حرّ نار ... سفعتها [3] ظهيرة غرّاء
/ وإذا أهل [4] بلدة أنكروني ... عرفتني الدّوّيّة [5] الملساء
عرفت ناقتي الشمائل منّي ... فهي إلّا بغامها [6] خرساء
عرفت ليلها الطويل وليلي ... إنّ ذا الليل [7] للعيون غطاء
نسبة ما يغنّي فيه من هذا الشعر
صوت
أيّ ساع سعى ليقطع شربي ... حين لاحت للصابح الجوزاء
واستكنّ العصفور كرها مع ال ... ضبّ وأوفى في عوده الحرباء
وإذا الدار أهلها أنكروني ... عرفتني الدّوّيّة الملساء
عرفت ناقتي الشمائل منّي ... فهي إلا بغامها خرساء
عرفت ليلها الطويل وليلي ... إنّ ذا الليل للعيون غطاء
عروضه من الخفيف. غناه ابن سريج خفيف رمل مطلق في مجرى البنصر عن إسحاق، وغنّى داود بن العبّاس الهاشميّ في الخامس ثم الثالث خفيف ثقيل أوّل بالوسطى عن عمرو.
شعر أبي زبيد في تشوّقه للكوفة:
قال [8] ابن حبيب في خبره: وقال أبو زبيد يتشوّق إلى الوليد لمّا خرج عن الكوفة:
/لعمري لئن أمسى الوليد ببلدة ... سواي [9] لقد أمسيت للدهر معورا [10]
__________
[1] ستأتي رواية فيه في الصفحة التالية: «و استكن».
[2] الجندب: الجراد الصغير. وكراعا الجندب: رجلاه. والمعزاء: الأرض الحزفة الغليظة ذات الحجارة. وقيل: هي الصحراء فيها إشراف وغلظ.
[3] يريد أنها أثرت فيها بحرارتها.
[4] سترد فيه رواية أخرى بعد أسطر: «و إذا الدار أهلها أنكروني».
[5] الدوّية: الفلاة، سميت بذلك لما يسمع فيها من دويّ.
[6] بغام الناقة: صوت لا تفصح به، وقيل: إذا قطعت الحنين ولم تمده.
[7] في م و «الخزانة» للبغداديّ (ج 3 ص 283): «النوم».
[8] كذا في ط، ء. وفي سائر الأصول: «و قال».
[9] في ح: «سوى تا» بإضافة سوى إلى اسم الإشارة وهو تا. أي سوى هذه البلدة.
[10] كذا في أكثر الأصول. والمعور: الذي لا حافظ له. وفي ح، م: «مثأرا» أي محلا لثأره.
فإني امرؤ من عصبة ما زنيّة ... نماني أب ضخم كريم المركّب
قال: فأمر له يزيد بدرع وسيف ورمح وفرس، وقال له: قد عرفت ما شرطت لنا على نفسك؟ فقال: أصلح اللّه الأمير، حجّتي بيّنه، وهي قول اللّه عزّ وجلّ:/ وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ. أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ.
وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ
فقال [له] [1] ثابت قطنة: ما أعجب ما وفدت به من بلدك في تسعين ليلة! مدحت الأمير ببيتين، وسألته حوائجك في عشرة أبيات، وختمت شعرك ببيت تفخر عليه فيه، حتى إذا أعطاك ما أردت حدت عمّا شرطت له على نفسك فأكذبتها كأنّك كنت تخدعه، فقال له يزيد: مه يا ثابت، فإنّا لا نخدع، ولكنا نتخادع، وسوّغه [2] ما أعطاه، وأمر له بألفي درهم. ولجّ حاجب يهجو ثابتا فقال فيه:
لا يعرف الناس منه غير قطنته ... وما سواها من الأنساب مجهول
خبره مع حاجب الفيل عند يزيد
قال: ودخل حاجب يوما على يزيد بن المهلّب، وعنده ثابت قطنة وكعب الأشقريّ - وكانا لا يفارقان مجلسه - فوقف بين يديه فقال له: تكلّم يا حاجب، فقال: يأذن لي الأمير أن أنشده/ أبياتا، قال: لا حتى تبدأ فتسأل حاجتك، قال: أيها الأمير، إنه ليس أحد ولو أطنب في وصفك موفّيك حقك، ولكنّ المجتهد محسن، فلا تهجني بمنعي الإنشاد، وتأذن لي فيه، فإذا سمعت فجودك أوسع من مسألتي. فقال له يزيد: هات، فما زلت مجيدا محسنا مجملا. فأنشده:
كم من كميّ في الهياج تركته ... يهوي لفيه مجدّلا مقتولا [3]
جلّلت مفرق رأسه ذا رونق ... عضب المهزّة صارما مصقولا [4]
قدت الجياد وأنت غرّ يافع ... حتى اكتهلت ولم تزل مأمولا
كم قد حربت وقد جبرت معاشرا ... وكم امتننت وكم شفيت غليلا [5]
/فقال له يزيد: سل حاجتك، فقال: ما على الأمير بها خفاء، فقال: قل، قال: إذا لا أقصر ولا أستعظم عظيما أسأله الأمير أعزّه اللّه مع عظم قدره، قال: أجل، فقل يفعل، فلست بما تصير إليه أغبط منا، قال: تحملني وتخدمني [6] وتجزل جائزتي، فأمر له بخمسة تخوت [7] ثياب وغلامين وجاريتين وفرس وبغل وبرذون وخمسة آلاف درهم، فقال حاجب:
شم الغيث وانظر ويك أين تبعّجت ... كلاه تجدها في يد ابن المهلّب [8]
__________
[1] عن ط، مط.
[2] سوّغه ما أعطاه: تركه له خالصا.
[3] الكمي: الشجاع المتكمي في سلاحه، المتغطي به. جدّله: صرعه.
[4] جللت ... : أي علوته بسيف ذي رونق قاطع.
[5] حربه يحربه حربا، كطلبه يطلبه طلبا: أخذ ماله وتركه بلا شيء.
[6] أخدمه: أعطاه خادما يخدمه.
[7] تخوت: جمع تخت، وهو وعاء تصان فيه الثياب.
[8] شام البرق: نظر إليه أين يمطر. ويك: وي اسم فعل بمعنى أعجب، والكاف للخطاب أو أصله ويلك وحذفت اللام لكثرة الاستعمال. تبعج السحاب بالمطر: انفرج عن الوبل الشديد، وكلية السحاب: أسفله، والجمع كلي.
شكته زوجه إلى النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فأجارها منه فأخفر جواره فدعا عليه:
أخبرنا أحمد بن عبد العزيز قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثنا عبيد اللّه بن موسى قال حدّثنا نعيم بن حكيم عن أبي مريم [1] عن عليّ [2]:
أنّ امرأة الوليد بن عقبة جاءت إلى النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم تشتكي الوليد وقالت: إنه يضربها؛ فقال لها: «ارجعي وقولي إن رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - قد أجارني»، فانطلقت فمكثت ساعة، ثم رجعت فقالت: ما أقلع عنّي؛ فقطع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم هدبة من ثوبه ثم قال: «امضي بهذا ثم قولي إنّ رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - أجارني»؛ فانطلقت فمكثت ساعة ثم رجعت فقالت:
يا رسول اللّه ما زادني إلّا ضربا؛ فرفع يديه وقال: «اللهمّ عليك الوليد» مرّتين أو ثلاثا.
مدح النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم على رؤوس الصبيان يوم الفتح ولم يمسسه:
أخبرنا أحمد قال حدّثنا عمر بن شبّة، وحدّثني أبو عبيد الصّيرفيّ قال حدّثني الفضل بن الحسن البصريّ [3] قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثنا أيّوب بن عمر قال/ حدّثنا عمر بن أيّوب قال حدّثنا جعفر بن برقان عن ثابت بن الحجّاج عن أبي موسى [4] عبد اللّه الهمداني:
أنّ الوليد بن عقبة قال: لما فتح رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم مكة، جعل أهل مكّة يأتونه بصبيانهم فيدعو لهم بالبركة ويمسح على رؤوسهم، فجيء بي إليه وأنا مخلّق [5] فلم يمسسني، وما منعه إلا أن أمّي خلّقتني بخلوق فلم يمسسني من أجل الخلوق.
كان عنده كاهن فقتله جندب بن كعب خشية الفتنة:
أخبرنا أحمد قال حدّثنا عمر قال حدّثنا خلف بن الوليد قال حدّثنا المبارك بن فضالة عن الحسن [6]:
أن الوليد بن عقبة كان عنده ساحر يريه كتيبتين تقتتلان، فتحمل إحداهما على الأخرى فتهزمها؛ فقال له الساحر: أيسرّك أن أريك هذه المنهزمة تغلب الغالبة فتهزمها؟ قال: نعم؛ وأخبر جندب بذلك، فاشتمل على السيف ثم جاء فقال: أفرجوا، فضربه حتى قتله، ففزع الناس وخرجوا؛ فقال: يا أيها الناس لا عليكم، إنما قتلت هذا الساحر لئلا يفتنكم في دينكم؛ فحبسه قليلا ثم تركه.
قتل دينار بن دينار لإطلاقه رجلا أمر بحبسه:
أخبرنا أحمد قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثنا عمر بن سعيد الدّمشقيّ، وحدّثنا سعيد بن عبد العزيز عن الزّهريّ [7]:
__________
[1] هو أبو مريم الثقفي كما في «تهذيب التهذيب».
[2] هو علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه.
[3] كذا في أكثر الأصول. وفي ط، ء: «المصري».
[4] في ط، ء، م: «عن أبي عبد اللّه الهمداني عن أبي موسى» وفي سائر الأصول. «عن أبي عبيد اللّه الهمداني عن أبي موسى». والصواب ما أثبتناه عن «تهذيب التهذيب» في اسم ثابت بن الحجاج.
[5] المخلق: المطيب بالخلوق، وهو ضرب من الطيب مائع فيه صفرة لأن أعظم أجزائه من الزعفران.
[6] هو الحسن البصري.
[7] هو محمد بن مسلم بن شهاب الزهري.
أنّ رجلا من الأنصار نظر إلى رجل يستعلن بالسّحر، فقال: أو إن السّحر ليعلن به في دين محمد! فقتله؛ فأتي به الوليد بن عقبة فحبسه؛ فقال له دينار بن دينار: فيم حبست؟ فأخبره فخلّي سبيله؛ فأرسل/ الوليد إلى دينار فقتله.
جندب بن كعب الأسدي وشيء من سيرته:
أخبرنا أحمد قال حدّثنا عمر قال حدّثنا موسى بن إسماعيل قال حدّثنا حمّاد بن سلمة قال حدّثنا أبو عمران الجونيّ:
أنّ ساحرا كان عند الوليد بن عقبة، فجعل يدخل في جوف بقرة ويخرج منه؛ فرآه جندب، فذهب إلى بيته فاشتمل على سيف، فلما دخل الساحر في جوف البقرة، قال: أتأتون السّحر وأنتم تبصرون، ثم ضرب وسط البقرة فقطعها وقطع الساحر في البقرة فانذعر [1] الناس، فسجنه الوليد وكتب بذلك إلى عثمان رضي اللّه عنه؛ وكان [السجّان] [2] يفتح له الباب بالليل فيذهب إلى أهله فإذا أصبح دخل السجن.
أخبرني أحمد قال حدّثنا عمر قال حدّثنا حجّاج بن نصير قال حدّثنا قرّة [3] عن محمد بن سيرين قال:
انطلق بجندب بن كعب إلى سجن خارج من الكوفة وعلى السجن رجل نصرانيّ، فلما رأى جندب بن كعب يصوم النهار ويقوم الليل، قال النّصرانيّ: واللّه إنّ قوما هذا شرّهم لقوم صدق؛ فوكّل بالسجن رجلا ودخل الكوفة فسأل عن أفضل أهل الكوفة، فقالوا: الأشعث بن قيس؛ فاستضافه، فجعل يرى أبا محمد ينام الليل ثم يصبح فيدعو بغدائه؛ فخرج من عنده فسأل: أيّ أهل الكوفة أفضل؟ فقالوا: جرير بن عبد اللّه؛ فوجده ينام الليل ثم يصبح فيدعو بغدائه، فاستقبل القبلة ثم قال: ربّي ربّ جندب وديني على دين جندب، وأسلم.
حدّثني عمي الحسن بن محمد قال حدّثنا الخزّاز [4] عن المدائنيّ عن عليّ بن مجاهد عن محمد بن إسحاق عن يزيد بن رومان عن الزّهريّ وغيره، قالوا:
/ لما انصرف رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من غزوة بني المصطلق، نزل رجل فساق بالقوم ورجز، ثم نزل آخر فساق بالقوم ورجز، ثم بدا لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أن يواسي أصحابه، فنزل فجعل يقول [5]: «جندب وما جندب والأقطع [6] الخير زيد»؛ فدنا منه أصحابه وقالوا: يا رسول اللّه ما ينفعنا مشيك مخافة أن تلسعك دابّة الأرض أو تصيبك نكبة؛ فركب ودنوا منه فقالوا: لقد قلت قولا ما ندري ما هو؟ قال: «و ما ذاك»؟: قالوا: قولك «جندب وما جندب والأقطع الخير زيد»؛ فقال: «رجلان يكونان في هذه الأمّة يضرب أحدهما ضربة يفرق بين الحق والباطل وتقطع يد الآخر في سبيل اللّه فيتبع اللّه آخر جسده بأوّله»؛ فكان زيد بن صوحان، قطعت يده يوم جلولاء [7] وقتل يوم الجمل مع عليّ. وأما
__________
[1] في ح، ط، ء: «فابذعرّ». وابذعرّ الناس: تفرقوا.
[2] زيادة عن س.
[3] هو قرة بن خالد السدوسي. (راجع «تهذيب التهذيب» في اسم قرة وحجاج بن نصير).
[4] هو أحمد بن الحارث الخزاز الذي تقدّم ذكره كثيرا في «رجال السند».
[5] في س: «و جعل يقول رجزا وجعل يقول إلخ».
[6] الأقطع: المقطوع اليد.
[7] جلولاء: اسم لبليدة ونهر عليه عدّة قرى من سواد بغداد، في طريق خراسان من بغداد. وهناك كانت وقعة جلولاء المشهورة التي كانت للمسلمين على الفرس، وبين جلولاء وبين مدينة خانقين سبعة فراسخ.
جندب فإنه رجل دخل على الوليد بن عقبة وعنده ساحر يكنى أبا شيبان يأخذ أعين الناس فيخرج مصارين بطنه ثم يعيدها فيه؛ فجاء من خلفه فقتله، وقال:
العن وليدا وأبا شيبان ... وابن حبيش راكب الشّيطان
رسول فرعون إلى هامان
ولاية سعيد بن العاص الكوفة بعد الوليد بن عقبة:
أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثنا إبراهيم بن المنذر الحزاميّ [1] قال حدّثني ابن وهب [2] عن يونس عن الزّهريّ قال:
/ نزع عثمان بن عفّان الوليد بن عقبة عن الكوفة وأمّر عليها سعيد بن العاص. قال أبو زيد: فحدّثني عبد اللّه بن عبد الرحمن قال حدّثنا سعيد بن جامع الهجيميّ قال:
لما أقبل سعيد من المدينة عامدا للكوفة بعد/ ما خرج واليا لعثمان جعل يرتجز في طريقه:
ويل نسيّات [3] العراق منّي ... كأنني سمعمع [4] من جنّ
أخبرني أحمد قال حدّثني عمر قال حدّثني المدائنيّ عن أبي علقمة عن سعيد بن أشوع [5] قال قال عديّ بن حاتم:
قدم سعيد بن العاص الكوفة فقال: اغسلوا هذا المنبر، فإن الوليد كان رجسا نجسا؛ فلم يصعده حتى غسل، عيبا على الوليد. وكان الوليد أسنّ منه وأسخى نفسا وألين جانبا وأرضى عندهم، فقال بعض شعرائهم:
يا ويلنا قد ذهب الوليد ... وجاءنا من بعده سعيد
ينقص في الصّاع ولا يزيد
وقال آخر:
فررت من الوليد إلى سعيد ... كأهل الحجر [6] إذ جزعوا فباروا
يلينا من قريش كلّ عام ... أمير محدث أو مستشار
لنا نار تحرّقنا [7] فنخشى ... وليس لهم فلا يخشون نار
__________
[1] قد ورد هذا الاسم في جميع الأصول مضطربا والصواب ما أثبتناه. راجع «تهذيب التهذيب» في اسم إبراهيم بن المنذر، وعبد اللّه بن وهب.
[2] هو عبد اللّه بن وهب بن مسلم القرشي شيخ إبراهيم بن المنذر وأحد الذين يروون عن يونس بن يزيد. وقد ذكر في جميع الأصول:
«أبو وهب» وهو تحريف. (راجع «التهذيب» في ترجمة إبراهيم بن المنذر، وعبد اللّه بن وهب، ويونس بن يزيد).
[3] في م: «ويل لشبان».
[4] السمعمع: السريع الخفيف والخبيث اللبق.
[5] كذا في ح، وهو سعيد بن عمرو بن أشوع الهمداني الكوفي القاضي. وفي سائر الأصول: «سعيد بن أسرع» وهو تحريف. (راجع «القاموس» و «شرحه» مادة شوع و «تهذيب التهذيب» في سعيد بن أشوع).
[6] الحجر: اسم ديار ثمود بوادي القرى بين المدينة والشام. (راجع «معجم ياقوت» ح 2 ص 208).
[7] في ح: «تخوفها».
زيارة الوليد الكوفة بعد عزله وما حصل بيته وبين أهلها:
أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدّثنا عمر قال حدّثنا المدائنيّ قال:
قدم الوليد بن عقبة الكوفة زائرا للمغيرة بن شعبة، فأتاه أشراف أهل الكوفة يسلّمون عليه، فقالوا: واللّه ما رأينا بعدك مثلك؛ فقال: أخيرا أم شرّا؟ فقالوا: بل خيرا؛ قال: ولكنّي واللّه ما رأيت بعدكم شرّا منكم؛ فأعادوا الثناء عليه؛ فقال: بعض ما تثنون به، فو اللّه إن بغضكم لتلف، وإن حبّكم لصلف.
ما حصل بينه وبين قبيصة بن جابر بحضرة معاوية:
قال أبو زيد: وذكروا أن قبيصة بن جابر كان ممن كثّر [1] على الوليد؛ فقال معاوية يوما والوليد وقبيصة عنده:
يا قبيصة، ما كان شأنك وشأن الوليد؟ فقال: خيرا يا أمير المؤمنين، في أوّل وصل الرّحم وأحسن الكلام فلا تسألنّ عن الشكر وحسن الثناء، ثم غضب على الناس وغضبوا عليه وكنّا منهم، فإمّا ظالمون فنستغفر اللّه، وإمّا مظلومون فغفر اللّه له، وخذ في غير هذا يا أمير المؤمنين، فإنّ الحديث ينسي القديم؛ قال: ولم؟ فو اللّه لقد أحسن السّيرة وبسط الخير وكفّ الشرّ؛ قال: فأنت أقدر على ذلك يا أمير المؤمنين منه فافعل؛ قال: اسكت لا سكتّ، فسكت وسكت القوم؛ فقال له: مالك لا تتحدّث؟ قال: نهيتني عما كنت أحبّ فسكتّ عما أكره.
دفن هو وأبو زبيد في موضع واحد وشعر أشجع السلميّ في ذلك:
أخبرني أحمد قال حدّثني عمر قال حدّثني المدائنيّ قال:
مات الوليد بن عقبة فويق الرّقّة، ومات أبو زبيد، فدفنا جميعا في موضع واحد. فقال في ذلك أشجع السّلميّ وقد مرّ بقبريهما:
مررت على عظام أبي زبيد ... وقد لاحت ببلقعة صلود [2]
وكان له الوليد نديم صدق ... فنادم قبره قبر الوليد
/ وما أدري بمن تبدا المنايا ... بأحمد [3] أو بأشجع أو يزيد
خرج غازيا للروم وقال شعرا:
أخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد عن أبيه عن ابن الكلبيّ عن أبيه قال:
خرج الوليد بن عقبة غازيا للرّوم وعلى مقدّمته عتبة بن فرقد، فلقيه الروم فقاتلوه؛ فقال له رجل من العرب نصرانيّ: لست على دينكم ولكنّي أنصحكم للنّسب، فالقوم مقاتلوكم إلى نصف/ النهار، فإن رأوكم ضعفاء أفنوكم
__________
[1] أي أكثر القول في عيبه والتشنيع عليه.
[2] البلقع والبلقعة: الأرض القفر. والصلود من الأرض: الغليظة الصلبة التي لا تنبت شيئا.
[3] كذا ورد فيما سيأتي في نسب أشجع وأخباره في الجزء السابع عشر من «الأغاني» طبع بولاق. وأحمد ويزيد هما أخوا أشجع، وقد ماتوا جميعا كما رتبوا في هذا الشعر، أوّلهم أحمد ثم أشجع ثم يزيد. وأحمد هذا كما قال الصولي: «شاعر قليل المدح للناس، يتغزل في شعره ويذهب مذهب ابن أبي أمية، وكان أسنّ من أشجع». وفي جميع الأصول هنا: «بحمزة» موضع «بأحمد».
وإن صبرتم هربوا وتركوكم؛ فقال سلمان [1] بن ربيعة: يا معشر المسلمين، ما عذركم عند اللّه غدا إن أصيب عتبة بن فرقد وأصحابه ولم يعنهم أحد منكم!؛ فركب معه ثلاثة آلاف رجل على البغال يجنبون [2] الخيل، فلحقوا عتبة وأصحابه، فقاتلوا معهم قتالا شديدا حتى هزم اللّه الروم. فقال الوليد بن عقبة:
أتاني من الفجّ [3] الذي كنت آمنا ... بقيّة شذّاذ [4] من الخيل ظلّع [5]
عليها العبيد يضربون جنوبها ... ونازل منّا كلّ خرق سميذع [6]
فإنّي زعيم أن تصيح نساؤهم ... صياح دجاج القرية المتوزّع [7]
مدحه الحطيئة وكذبه الحليس النهديّ:
وقال الحطيئة يمدح الوليد بذلك، وكان قد وصله وكان الوليد جوادا:
أرى [8] لابن أروى خلّتين اصطفاهما ... قتال إذا يلقى العدوّ ونائله
فتى يملأ الشّيزى [9] ويروى بكفّه ... سنان الرّدينيّ الأصمّ وعامله [10]
يؤمّ العدوّ حيث كان بجحفل ... يصمّ السميع حرسه وصواهله
إذا حان منه منزل الليل أوقدت ... لأخراه في أعلى اليفاع [11] أوائله
نفيت [12] الجعاد [13] البيض عن حرّ دارهم ... فلم يبق إلا حيّة أنت قاتله
__________
[1] كذا في ط، ء: وهو سلمان بن ربيعة الباهلي. وفي سائر الأصول: «سليمان»، وهو تحريف. (راجع الطبري قسم 1 ص 2805، و «المعارف» لابن قتيبة ص 221).
[2] جنب الدابة: قادها إلى جنبه.
[3] الفج: الطريق الواسع بين جبلين وهو أوسع من الشعب.
[4] الشذاذ: القلال والمتفرّقون.
[5] ظلع: جمع ظالع وهو الذي في مشيته غمز يشبه العرج.
[6] الخرق من الفتيان: الظريف في سماحة ونجدة. والسميذع: السيد الكريم الموطأ الأكناف.
[7] المتوزع: المتفرق.
[8] ورد هذا البيت في ديوانه المخطوط رواية أبي سعيد السكري المحفوظ بدار الكتب المصرية تحت رقم 3 أدب ش وديوانه المطبوع بأوروبا المحفوظ بدار الكتب المصرية تحت رقم 1189 أدب هكذا: «أبي لابن أروى خلتان ... ». وورد فيهما عقب هذا البيت ما نصه: «أروى بنت كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس وهي أم عثمان بن عفان رحمه اللّه تعالى وأمها أم حكيم بنت عبد المطلب البيضاء توأمة عبد اللّه أبي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وكان يقال لها: الحصان لا تكلم والصناع لا تعلم».
[9] الشيزى: خشب أسود تعمل منه القصاع، ويطلق على ما صنع من ذلك فيقال للجفان: شيزى. وقد ورد في ديوانه المخطوط والمطبوع ما نصه: «قال الأصمعيّ: كان يرى أنها من شيز لسوادها وإنما هي جوز قد اسودّت من الدسم».
[10] الردينيّ: الرمح نسبة إلى ردينة، وهي امرأة رجل اسمه سمهر كان يبيع الرماح بالخط (موضع) فإذا غاب باعت ردينة مكانه، وكانا يثقفان الرماح، فالردينية منسوبة إلى ردينة، والسمهرية منسوبة إلى سمهر. وعامل الرمح: صدره.
[11] اليفاع كسحاب: التل.
[12] رواية البيت في ديوانه المخطوط والمطبوع هكذا:
نفيت الجعاد الغر من عقر دارهم
[13] الجعاد: جمع جعد، يقال: رجل جعد القفا إذا كان لئيم الحسب، ويقال: الجعد: البخيل والكريم أيضا فهو من أسماء الأضداد، ويريد بالجعاد البيض: الروم.
فقال الحليس بن نعيم النّهديّ يكذّب الحطيئة:
وأبلغ أبا وهب إذا ما لقيته ... فقد حاربتك الروم فيمن تحارب
وفي الأرض حيّات وأسد كثيرة ... عدوّ ولكنّ الحطيئة كاذب
بعض شعره في مقتل عثمان لما أخذ عليّ أموال الخلافة من بيته:
أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثنا عليّ بن محمد عن أبي مخنف عن خالد بن قطن عن أبيه قال:
لمّا قتل عثمان أرسل عليّ فأخذ كلّ ما كان في داره من السلاح وإبلا من إبل الصدقة، فلذلك قال الوليد بن عقبة:
بني هاشم ردّوا سلاح ابن أختكم ... ولا تنهبوه لا تحلّ مناهبه
ويروى:
ولا تهبوه لا تحلّ مواهبه
بني هاشم كيف الهوادة بيننا ... وعند عليّ سيفه ونجائبه
قتلتم أخي كيما تكونوا مكانه ... كما فعلت يوما بكسرى مرازبه
هكذا في الخبر:
ولا تهبوه لا تحلّ مواهبه
أخبزه بجاد مولى عثمان بمقتل عثمان فقال شعرا:
أخبرني الطّوسيّ قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثني عبد اللّه بن إسحاق الجعفريّ:
أن الوليد بن عقبة بن أبي معيط لقي بجادا مولى عثمان، فأخبره أنّ عثمان قد قتل؛ فقال:
ليت أنّي هلكت قبل حديث ... سلّ جسمي وريع منه فؤادي
يوم لاقيت بالبلاط [1] بجادا ... ليت أنّي هلكت قبل بجاد
/ وقد زيد في هذا الشعر بيت ونقص منه آخر مكانه وغنّي فيه، وهو:
صوت
طال ليلي وملّني عوّادي ... وتجافى عن الضلوع مهادي
/ من حديث نمي إليّ فما ير ... قأ دمعي ولا أحسّ رقادي
يوم لاقيت بالبلاط بجادا ... ليت أنّي هلكت قبل بجاد
وبنفسي التي أحبّ وأهلي ... وبمالي وطارفي وتلادي
__________
[1] البلاط: موضع بالمدينة مبلط بالحجارة بين مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وبين سوق المدينة.
قلت لا تغضبي فذلك قولي ... بلساني وما يجنّ فؤادي
غنّى فيه ابن عبّاد ثاني ثقيل مطلق في مجرى البنصر في الأوّل والرابع من الأبيات، وذكر عمرو بن بانة أنه لابن محرز، ومن الناس من ينسبه إلى ابن سريج في هذه الطريقة في الأوّل والثاني، وذكر ابن المكّيّ أنه للغريض ثاني قيل بالخنصر في مجرى البنصر، ووافقه يونس. وذكر أنّ في هذا الشعر لابن سريج والغريض لحنين في الخمسة الأبيات. وذكر حبش أنّ فيها لمعبد ثقيلا أوّل بالوسطى، ولعبد اللّه بن العباس الرّبيعيّ ثاني قيل بالوسطى، وللغريض خفيف رمل بالوسطى، ولسليم ثقيل أوّل بالوسطى. وذكر أحمد بن عبيد أن فيه رملا لابن جامع في البيت الأوّل وحده، وأنّ فيه هزجا لا يعرف صانعه.
غنت جارية للأمين من شعره فتطير:
أخبرني أحمد بن جعفر جحظة قال حدّثني هبة اللّه بن إبراهيم بن المهديّ قال حدّثني أبي قال:
أرسل إليّ محمد بن زبيدة في ليلة من ليالي الصيف مقمرة: يا عم إنّ الجرب بيني وبين طاهر بن الحسين قد سكنت، فصر إليّ، فإني إليك مشتاق؛ فجئته/ وقد بسط له على سطح زبيدة، وعنده سليمان بن جعفر عليه كساء روذباريّ [1] وقلنسوة طويلة، وجواريه بين يديه، وضعف» جاريته عنده، فقال لها: غنّيني فقد سررت بعمومتي؛ فاندفعت تغنّيه:
هم قتلوه كي يكونوا مكانه ... كما فعلت يوما بكسرى مرازبه
بني هاشم كيف التواصل بيننا ... وعند أخيه سيفه ونجائبه
هكذا غنّت؛ وإنما هو:
وعند عليّ سيفه ونجائبه
فغضب وتطيّر وقال لها: ما قصّتك ويحك! انثني وانتهي وغنّيني ما يسرّني! فاندفعت وغنّت:
هذا مقام مطرّد ... هدمت منازله ودوره
فازداد تطيّرا، ثم قال لها: ويحك! انتهي، غنّيني غير هذا، فغنّت:
كليب لعمري كان أكثر ناصرا ... وأيسر جرما منك ضرّج بالدّم
فقال لها: قومي إلى لعنة اللّه! فوثبت وكان بين يديه قدح بلّور وكان لحبّه إيّاه سمّاه باسمه محمدا، فأصابه طرف ذيلها فسقط على بعض الصواني فانكسر وتفتّت؛ فأقبل عليّ وقال: أرى واللّه يا عمّ أن هذا آخر أيامنا؛ فقلت:
كلا! بل يبقيك اللّه يا أمير المؤمنين ويسرّك؛ قال: ودجلة واللّه يا بنيّ هادئة ما فيها صوت مجداف ولا أحد يتحرّك وهي كالطّست هادئة، فسمعت هاتفا يهتف: «قضي الأمر الّذي فيه تستفتيان». قال: فقال لي: أسمعت ما سمعت يا عمّ؟ فقلت: وما هو؟ وقد واللّه سمعته - فقال: الصوت الذي جاء الساعة من دجلة؛ فقلت: ما سمعت شيئا،/ وما هذا إلّا توهّم؛ فإذا الصوت قد عاد يقول: «قضي الأمر الذي فيه تستفتيان». فقال: انصرف يا عمّ بيّتك اللّه بخير، فمحال ألّا تكون الآن قد سمعت ما سمعت؛ فانصرفت، وكان/ آخر العهد به.
__________
[1] روذباري: نسبة إلى روذبار وهو اسم يطلق على مواضع كثيرة في أصبهان وبغداد وغيرهما.
وفد على معاوية فخدعه عن مال له ثم استجدى معاوية فوبخه وشعره في ذلك وصلة معاوية له:
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ ومحمد بن يحيى الصّوليّ واللفظ له، قالا حدّثنا محمد بن زكريا الغلابيّ قال حدّثنا عبد اللّه بن الضّحّاك عن هشام بن محمد عن أبيه، قال محمد: وحدّثنا عبد اللّه [1] بن محمد ومحمد بن عبد الرحمن جميعا عن مطرّف بن عبد اللّه عن عيسى بن يزيد، قال:
وفد الوليد بن عقبة، وكان جوادا، على معاوية؛ فقيل له: هذا الوليد بن عقبة بالباب؛ فقال: واللّه ليرجعنّ [2] معطيا غير معطى، فإنه الآن قد أتانا يقول: عليّ دين وعليّ كذا وكذا؛ يا غلام ائذن له، فأذن له؛ فسأله وتحدّث معه، ثم قال: أما واللّه إن كنّا لنحبّ إيثار [3] مالك بالوادي وقد أعجب أمير المؤمنين، فإن رأيت أن تهبه ليزيد فعلت؛ فقال الوليد: هو ليزيد، ثم خرج وجعل يختلف إلى معاوية أياما، فقال له يوما: انظر يا أمير المؤمنين في شأني، فإنّ عليّ مؤونة وقد أرهقني دين؛ فقال له معاوية: ألا تستحي لحسبك ونسبك! تأخذ ما تأخذ فتبذّره ثم لا تنفكّ تشكو دينا!؛ فقال له الوليد: أفعل، ثم انطلق مكانه [4] فصار إلى الجزيرة، فقال:
فإذا سئلت تقول لا ... وإذا سألت تقول هات
تأبى فعال الخير لا ... تروي وأنت على الفرات
أفلا تميل إلى نعم ... أو ترك لا حتى الممات
/ قال: فبلغ معاوية مقدمه الجزيرة، فخافه وكتب إليه: أن أقبل إليّ؛ فكتب إليه:
أعفّ وأستحيي [5] كما قد أمرتني ... فأعط سواي ما بدا لك وانحل
سأحدو ركابي عنك إنّ عزيمتي ... إذا نابني أمر كسلّة منصل [6]
وإني امرؤ للرأي منّي تطرّف ... وليس شبا قفل عليّ بمقفل
ورحل إلى الحجاز، فبعث إليه معاوية بجائزة.
[انقضت أخبار الوليد بن عقبة] [7].
صوت من المائة المختارة
ربما نبّهني الإخ ... وان والليل بهيم
حين غارت وتدلّت ... في مهاويها النجوم
__________
[1] في ح: «عبيد اللّه».
[2] في م: «مغيظا».
[3] في ط، ء، م: «إتيان».
[4] يريد أنه انطلق من فوره.
[5] كذا في ح، م. وفي باقي الأصول: «و أستغني».
[6] المنصل (بضمتين وكمكرم): السيف.
[7] زيادة عن م.
ونعاس الليل في عي ... نيّ كالثّاوي مقيم
للّتي تعصر لمّا ... أينعت منها الكروم
أنا بالرّيّ مقيم ... في قرى الرّيّ أهيم
ما أراني عن قرى ال ... رّيّ مدى دهري أريم
الشعر والغناء لإبراهيم الموصليّ. ولحنه المختار ثقيل أوّل بإطلاق الوتر في مجرى البنصر عن إسحاق.
ولإبراهيم أيضا فيه خفيف ثقيل، وقيل: إنه لابنه إسحاق. وفيه لأحمد بن يحيى المكيّ ثاني ثقيل بالوسطى عن الهشاميّ وأحمد بن عبيد.
7 - نسب إبراهيم الموصليّ وأخباره
نسب إبراهيم الموصليّ ونشأته:
هو - فيما أخبرنا به يحيى بن عليّ بن يحيى المنجّم عن حمّاد عن أبيه، وأخبرني به عبد اللّه بن الرّبيع عن وسواسة، وهو أحمد [1] بن محمد بن إسماعيل بن إبراهيم الموصليّ عن أبيه عن جدّه وعن حمّاد عن أبيه - إبراهيم بن ميمون أو ابن ماهان بن بهمن [2] بن نسك، وكان سبب نسبه إلى ميمون أنه كتب إلى صديق له فعنون كتابه: من إبراهيم بن ماهان؛ فقال له بعض فتيان الكوفة: أما تستحي من هذا الاسم! فقال: هو اسم أبي؛ فقال:
غيّره؛ فقال: وكيف أغير! فأخذ الكتاب فمحا ماهان وكتب ميمون، فبقي إبراهيم بن ميمون.
قال إسحاق عن أبيه: وأصلنا من فارس، ولنا بيت شريف في العجم، وكان جدّنا ميمون هرب من جور بعض عمّال بني/ أميّة، فنزل بالكوفة في بني عبد اللّه بن دارم، فكان بين إبراهيم وبين ولد نضلة بن نعيم رضاع. وأمّ إبراهيم امرأة من بنات الدّهاقين [3] الذين هربوا من فارس لما هرب ميمون أبو إبراهيم، فنزلوا جميعا بالكوفة في بني عبد اللّه بن دارم، فتزوّجها ماهان [4] بالكوفة فولدت إبراهيم ومات/ في الطاعون [5] الجارف، وخلّف إبراهيم طفلا.
وكان مولد إبراهيم سنة خمس وعشرين ومائة بالكوفة، وتوفّي ببغداد سنة ثمان وثمانين ومائة، وله ثلاث وستون سنة.
مات أبوه وهو صغير فكفله آل خزيمة بن خازم:
قال أحمد [6] بن أحمد بن إسماعيل وسواسة في خبره: ومات ماهان وخلّف إبراهيم طفلا، فكفله آل خزيمة بن خازم.
__________
[1] كذا ورد هذا الاسم في جميع النسخ هنا وسيرد فيما سيأتي في الصفحة التالية مضطربا فقد ورد في ب، س: «أحمد بن أحمد بن إسماعيل» وفي ط: «محمد بن أحمد بن إسماعيل» وفي ح: «أحمد بن إسماعيل وسوامة» وفي م: «محمد بن إسماعيل وسوامة».
[2] في م: «بهتر».
[3] الدهاقين: جمع دهقان، وهو زعيم فلاحي العجم، وقيل: رئيس الإقليم.
[4] هو الذي يعرف بميمون كما تقدّم.
[5] المعروف في كتب التاريخ أن الطاعون الجارف وقع بالبصرة في سنة تسع وستين هجرية، وهو سابع طاعون في الإسلام، فإن الأوّل كان على عهد النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، والثاني طاعون عمواس في عهد عمر رضي اللّه عنه، والثالث بالكوفة في زمن أبي موسى الأشعري، والرابع بالكوفة أيضا في زمن المغيرة بن شعبة، والخامس الطاعون الذي مات فيه زياد، ثم الطاعون بمصر في سنة ست وستين، ثم الطاعون الجارف في سنة تسع وستين، والطاعون الثامن بالشأم في سنة تسع وسبعين، ثم الطاعون التاسع وهو طاعون القينات في سنة ست وثمانين، وسمي بذلك لأنه بدأ في النساء وكان بالشأم وواسط والبصرة، ثم طاعون غراب بالشأم في سنة سبع وعشرين ومائة (انظر «النجوم الزاهرة» ج 1 ص 140، 199، 209، 212، 304 طبع دار الكتب المصرية). ولعل المؤلف يريد بالجارف وصف طاعون وقع بالكوفة بعد سنة خمس وعشرين ومائة (التي ولد فيها إبراهيم الموصلي) بسنتين أو ثلاث.
[6] انظر الحاشية رقم 1 في الصفحة السابقة من هذا الجزء.
وقال يحيى بن عليّ في خبره: إنه كان لإبراهيم لما مات أبوه سنتان أو ثلاث، وخلّف معه أخوين له من غير أمّه أكبر منه، فأقام إبراهيم مع أمّه وأخواله حتى ترعرع، فكان مع ولد خزيمة بن خازم في الكتّاب [1]، فبهذا السبب صار ولاؤه لبني تميم. وسأله الرشيد فقال: ما السبب بينك وبين بني تميم؟ فاقتصّ عليه قصّته،/ وقال: ربّونا يا أمير المؤمنين فأحسنوا تربيتنا، ونشأت فيهم وكان بيننا وضاع، فتولّونا بهذا السبب؛ فقال له الرشيد: ويحك! فما أراك إذا إلّا مولاي؛ فقال: فهذه واللّه قصّتي يا أمير المؤمنين.
ما قيل في سبب نسبته إلى الموصل:
قال يحيى بن عليّ في خبره: وكان سبب قولهم إبراهيم الموصليّ أنه لما نشأ واشتدّ [2] وأدرك، صحب الفتيان واشتهى الغناء طلبه، واشتدّ أخواله عليه في ذلك وبلغوا [3] منه، فهرب منهم إلى الموصل، فأقام بها نحوا من سنة، فلما رجع إلى الكوفة قال له إخوانه من الفتيان: مرحبا بالفتى الموصليّ، فلقّب به [4]. وقال أحمد في خبره: إن سبب طلبه الغناء أنه خرج إلى الموصل، فصحب جماعة من الصعاليك كانوا يصيبون الطريق ويصيبه معهم، ويجمعون ما يفيدونه فيقصفون [5] ويشربون ويغنّون، فتعلّم منهم شيئا من الغناء وشدا، فكان أطيبهم وأحذقهم، فلمّا أحسّ بذلك من نفسه اشتهى الغناء وطلبه وسافر إلى المواضع البعيدة فيه. وذكر ابن خرداذبه [6]
__________
[1] قال الجوهري في «الصحاح»: «الكتاب والمكتب واحد وجمعه كتاتيب». ونقل صاحب «اللسان» هذا القول ثم نقل عن المبرد قوله:
إن من جعل الموضع الكتاب فقد أخطأ، وقال: المكتب: موضع التعليم والكتاب: الصبيان. وذكر شارح «القاموس» عن شرح الشفاء أن استعمال الكتاب للمكتب وارد في كلامهم وأنه استفاض بهذا المعنى كقوله:
وأتى بكتاب لو انبسطت يدي ... فيهم رددتهم إلى الكتاب
(انظر «الصحاح» و «الأساس» و «اللسان» و «القاموس» و «شرحه» مادة كتب).
[2] اشتد: قوي وهذه الكلمة مثبتة في م، س وساقطة من باقي النسخ.
[3] أي استقصوا في إيذائه وتعنيفه.
[4] في ط، م، ء: «فلجت عليه»، يريد: لصقت به وغلبت عليه.
[5] يقصفون: يرقصون ويلعبون. وفي «القاموس» و «شرحه»: «و أما القصف من اللهو واللعب فغير عربيّ. ونص «الصحاح» يقال: إنها مولدة. وقال ابن دريد في الجمهرة: فأما القصف من اللهو فلا أحسبه عربيا صحيحا، وهكذا نقله الصاغاني. ويقال: هو الجلبة والإعلان باللهو. وفي الأساس: هو الرقص مع الجلبة ... إلخ».
[6] يلاحظ أن المؤلف وصف ابن خرداذبه بهذه العبارة في غير موضع من كتابه، مع أن ابن النديم ذكر ابن خرداذبه ومؤلفاته في كتابه «الفهرست» (ص 149 طبع أوروبا) ولم يتهمه أو يصفه بقلة التحصيل وضعف الرواية وخصوصا كتابه: «المسالك والممالك» المطبوع بمدينة ليدن سنة 1306 ه فإنه معدود من المصادر القيمة التي يعوّل عليها ويوثق بها. وقد اعتمد عليه في النقل ياقوت الحموي في كتابه «معجم البلدان». ووصفه المسعودي المؤرّخ المشهور - وهو من معاصري ابن خرداذبه وأبي الفرج - في مقدمة كتابه «التنبيه والإشراف» (ص 75 طبع مدينة ليدن) بقوله: « ... وأبو القاسم عبيد اللّه بن عبد اللّه بن خرداذبه في كتاب المعروف «بالمسالك والممالك»، وهو أعم هذه الكتب شهرة في خواص الناس وعوامهم في وقتنا هذا».
ولعل سبب هذه الخصومة التي حملت أبا الفرج على أن يتحامل على ابن خرداذبه هو المنافسة والمعاصرة. وقد وصف المسعودي المنافسة والحسد بين المعاصرين في مقدّمة كتابه «التنبيه والإشراف» (ص 76، 77) بقوله: «على أن من شيم كثير من الناس الإطراء للمتقدّمين وتعظيم كتب السالفين، ومدح الماضي وذم الباقي، وإن كان في كتب المحدثين ما هو أعظم فائدة وأكثر عائدة. وقد ذكر أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ: أنه كان يؤلف الكتاب الكثير المعاني الحسن النظم، فينسبه إلى نفسه فلا يرى الأسماع تصغي إليه، ولا الإرادات تيمم نحوه؛ ثم يؤلف ما هو أنقص منه مرتبة وأقل فائدة، ثم ينحله عبد اللّه ابن المقفع أو سهل بن هارون أو غيرهما من المتقدّمين ومن قد طارت أسماؤهم في المصنفين، فيقبلون على كتبها ويسارعون إلى نسخها، لا لشيء إلا لنسبتها إلى المتقدّمين، ولما يداخل أهل هذا العصر من حسد من هو في عصرهم ومنافسته على المناقب التي يخص بها ويعني بتشييدها. وهذه طائفة لا يعبأ بها كبار الناس، وإنما العمل على ذوي النظر والتأمل الذين أعطوا كل شيء حقه من العدل، ووفوه قسطه من الحق،
- وهو قليل التحصيل لما يقوله ويضمّنه كتبه - أن سبب نسبته إلى الموصل أنه كان إذا سكر، كثيرا ما يغنّي على سبيل الولع:
/أناجت من طرق موصل ... أحمل قلل خمريا [1]
من شارب الملوك فلا ... بدّ من سكريا
وما سمعت بهذه الحكاية إلا عنه؛ وإنما ذكرتها على غثاثتها لشهرتها عند الناس، وأنها عندهم كالصحيح من الرواية في نسبة إبراهيم إلى الموصل، فذكرته دالّا على عواره.
أخبرني الحسين بن يحيى المرداسيّ وابن أبي الأزهر قالا حدّثنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه قال: أسلم أبي إلى الكتّاب فكان لا يتعلّم شيئا، ولا يزال يضرب ويحبس ولا ينجع ذلك فيه، فهرب إلى الموصل وهناك تعلّم الغناء، ثم صار إلى الرّي وتعلّم بها أيضا، ومهر وتزوّج هناك امرأته دوشار - وتفسير هذا الاسم أسدان [2] - /و طال مقامه هناك، وأخذ الغناء الفارسيّ والعربيّ، وتزوّج بها أيضا شاهك أمّ إسحاق ابنه وسائر ولده. قال: وفي دوشار هذه يقول إبراهيم، وله فيه غناء من الهزج:
دوشار يا سيّدتي ... يا غايتي ومنيتي
ويا سروري من جمي ... ع الناس ردّي سنتي
أوّل مال وصله على الغناء من خادم لأبي جعفر، أنفقه في تعلم صنعة الغناء:
قال إسحاق وحدّثني أبي قال: أوّل شيء أعطيته بالغناء أنّي كنت بالرّيّ أنادم أهلها بالسّويّة لا أرزؤهم شيئا، ولا أنفق إلا من بقيّة مال كان معي انصرفت به من الموصل؛ فمرّ بنا خادم أنفذه أبو جعفر المنصور إلى بعض عمّاله برسالة، فسمعني عند رجل من أهل الرّيّ، فشغف بي وخلع عليّ دوّاج سمّور [3]، له قيمة، ومضى بالرسالة ورجع وقد وصله العامل بسبعة آلاف درهم وكساه كسوة كثيرة، فجاءني إلى منزلي الذي كنت أسكنه فأقام عندي ثلاثة أيام، ووهب لي نصف الكسوة التي معه وألفي درهم، فكان ذلك أوّل ما اكتسبته بالغناء، فقلت: واللّه لا أنفق هذه الدراهم إلا على الصناعة التي أفادتنيها، ووصف لي رجل بالأبلّة [4] يقال له جوانويه [5] كان حاذقا، فخرجت إليه وصحبت فتيانها، فأخذت عنهم وغنيّتهم فشغفوا بي.
قصته مع جوانويه الذي أراد أن يتعلم منه ثم سبب اتصاله بالمهدي:
أخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد عن أبيه عن جدّه قال:
__________
فلم يرفعوا المتقدّم إذ كان ناقصا، ولم ينقصوا المتأخر إذ كان زائدا، فلمثل هؤلاء تصنف الكتب وتدوّن العلوم» اه.
[1] لعل هذا الشعر من لغة العامة في ذلك العهد ك «الأغاني» التي يتغنى بها العامة الآن.
[2] الأسد بالفارسية: «شر». ولعل «شار» لغة أو لهجة في هذه اللفظة. و «دو» بمعنى اثنين.
[3] دوّاج سمور: ضرب من الثياب يتخذ من جلد حيوان يشبه السنور وهي فراء ثمينة تتخذ للينها وخفتها وإدفائها وحسنها. وفي س:
«دراج سمور» بالراء، وهو تحريف.
[4] الأبلة (بضم الهمزة والباء الموحدة وتشديد اللام وفتحها): بلدة على شاطىء دجلة البصرة العظمى في زاوية الخليج الذي يدخل إلى مدينة البصرة، وهي أقدم من البصرة، لأن البصرة مصرت في أيام عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه، وكانت الأبلة حينئذ مدينة فيها مسالح من قبل كسرى وقائد.
[5] في م: «خولويه».
لما أتيت جوانويه لم أصادفه في منزله، فانتظرته حتى جاء، فلمّا رآني احتشمني وكان مجوسيّا، فأخبرته بصناعتي والحال التي قصدته فيها؛ فرحّب بي وأفرد لي جناحا في داره، ووكلّ بي أخته [1]، فقدّمت إليّ ما أحتاج إليه؛ فلما كان العشيّ عاد إلى منزله ومعه جماعة من الفرس ممّن يغنّي، فنزلت إليه، فجلسنا في مجلس قد صفّي [2] لنا فيه نبيذ وأعدّت لنا فاكهة ورياحين، فجلسنا وأخذوا في شأنهم وضربوا وغنّوا، فلم أجد عند أحد منهم فائدة؛ وبلغت النّوبة إليّ، فضربت وغنّيت، فقاموا كلّهم إليّ وقبّلوا رأسي، وقالوا: سخرت منّا، نحن إلى تعليمك وأمرني بملازمته؛ فقلت له: أيها الأمير، إن لست أتكسّب بالغناء وإنما ألتذّه فلذلك تعلّمته، وأريد العود إلى الكوفة، فلم أنتفع بذلك عنده وأخذني بملازمته، وسألني: من أين أنا؟ فانتسبت إلى الموصل، فلزمتني وعرفت بها؛ ولم أزل عنده أثيرا مكرّما حتى قدم عليه خادم من خدم المهديّ، فلما رآني عنده قال له: أمير المؤمنين أحوج إلى هذا منك، فدافعه عنّي؛ فلما قدم الرسول على المهديّ سأله عما رأى في طريقه ومقصده، فأخبره بذلك حتى انتهى إلى ذكري فوصفني له؛ فأمره المهديّ بالرجوع إلى محمد وإشخاصي إليه، ففعل ذلك وجاء فأشخصني إلى المهديّ، فحظيت عنده وقدّمني.
أوّل هاشميّ صحبه وأوّل خليفة سمعه:
قال وسواسة في خبره عن إسحاق فحدّثني أبي قال:
/ كان أوّل هاشميّ صحبته [3] عليّ بن سليمان بن عليّ أخو جعفر ومحمد، وكان فتاهم ظرفا ولهوا وسماحة، ووصفني له جوانويه ومضى بي إليه، فوقعت من قلبه كلّ موقع. وأوّل خليفة سمعني المهديّ، وصفت له فأخذني من عليّ بن سليمان، وما سمع قبلي من المغنّين أحدا سوى فليح بن أبي العوراء وسياط، فإن الفضل بن الرّبيع وصلهما به.
نهاه المهدي عن الشرب ومصاحبة ابنيه موسى وهارون فلما أبى ضربه وحبسه:
قال إسحاق: فحدّثني أبي قال: كان المهديّ لا يشرب فأرادني على ملازمته وترك الشرب فأبيت عليه، وكنت أغيب عنه الأيام، فإذا جئته جئته منتشيا، فغاظه ذلك منّي فضربني وحبسني، فحذقت الكتابة والقراءة في الحبس، ثم دعاني يوما فعاتبني على شربي في منازل الناس والتّبذّل معهم؛ فقلت: يا أمير المؤمنين، إنما تعلّمت/ هذه الصناعة للذّتي وعشرتي لإخواني، ولو أمكنني تركها لتركتها وجميع ما أنا فيه للّه جلّ وعزّ؛ فغضب غضبا شديدا وقال: لا تدخل على موسى وهارون البتّة، فو اللّه لئن دخلت عليهما لأفعلنّ ولأصنعنّ؛ فقلت: نعم؛ ثم بلغه أني دخلت عليهما وشربت معهما، وكانا مستهترين بالنبيذ، فضربني ثلاثمائة سوط، وقيّدني وحبسني.
قال أحمد بن إسماعيل في خبره قال عمّي إسحاق فحدّثني أبي:
أنه كان معهما في نزهة لهما ومعهم أبان الخادم، فسعى بهما وبي إلى المهديّ وحدّثه بما كنّا فيه، فدعاني
__________
[1] في م: «جارية».
[2] في «مختار الأغاني» لابن منظور (ص 103 طبع مصر): «هي ء».
[3] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «عيسى»، وهو تحريف. (راجع «المعارف» لابن قتيبة ص 190).
فسألني فأنكرت، فأمر بي فجرّدت فضربت ثلاثمائة وستين سوطا؛ فقلت له وهو يضربني: إن جرمي ليس من الأجرام التي يحلّ لك بها سفك/ دمي، واللّه لو كان سرّ ابنيك تحت قدميّ ما رفعتهما عنه ولو قطعتا، ولو فعلت ذلك لكنت في حالة أبان السّاعي العبد؛ فلمّا قلت له هذا ضربني بالسيف في جفنه [1] فشجّني به، وسقطت مغشيّا عليّ ساعة، ثم فتحت عينيّ فوقعتا على عيني المهديّ، فرأيتهما عيني نادم؛ وقال لعبد اللّه بن مالك: خذه إليك.
قال: وقبل ذلك ما تناول عبد اللّه بن مالك السوط من يد سلّام الأبرش فضربني، فكان ضرب عبد اللّه عندي بعد ضرب سلّام عافية، ثم أخرجني عبد اللّه إلى داره وأنا أرى الدنيا في عيني صفراء وخضراء [و حمراء] [2] من حرّ السّوط، وأمره أن يتّخذ لي شبيها بالقبر فيصيّرني فيه؛ فدعا عبد اللّه بكبش فذبح وسلخ وألبسني جلده ليسكن الضرب، ودفعني إلى خادم له يقال له أبو عثمان سعيد التركيّ فصيّرني في ذلك القبر، ووكّل بي جارية له يقال لها جشّة [3]؛ فتأذّيت ينزّكان في ذلك [4] القبر وبالبقّ، وكان فيه حليّ [5] أستريح إليه، فقلت لجشّة: اطلبي لي آجرّة عليها فحم وكندر [6] يذهب عنّي هذا البقّ، فأتتني بذلك، فلما دخّنت أظلم القبر عليّ وكادت نفسي تخرج من الغمّ، فاسترحت من أذاه إلى النّزّ فألصقت به أنفي حتى خفّ الدّخان، فلمّا ظننت أني قد استرحت ممّا كنت فيه، إذا حيّتان مقبلتان نحوي من شقّ القبر تدوران حولي بحفيف شديد، فهممت أن آخذ واحدة بيدي اليمنى والأخرى بيدي/ اليسرى فإمّا عليّ وإمّا لي، ثم كفيتهما، فدخلتا من الثّقب الذي خرجتا منه، فمكثت في ذلك القبر ما شاء اللّه، ثم أخرجت منه؛ ووجّهت إلى أبي عثمان الخادم أسأله أن يبيعني جشّة لأكافئها عمّا أولتني ففعل، فزوّجتها من حاجب لي، ولم تزل عندنا. قال إسحاق: مكثت عندنا حتى ماتت، وبقيت بنت لها يقال لها جمعة، فزوّجتها من مولى لي في سنة أربع وثلاثين ومائتين.
قال إبراهيم: وقلت في الحبس [و أنا مقيّد] [7]:
ألا طال ليلي أراعي النجوم ... أعالج في السّاق كبلا ثقيلا
بدار الهوان وشرّ الديار ... أسام بها الخسف صبرا جميلا
كثيرا الأخلّاء عند الرّخاء ... فلمّا حبست أراهم قليلا
لطول بلائي ملّ الصديق ... فلا يأمننّ خليل خليلا
صنع وهو في الحبس لحنا في شعر أبي العتاهية:
قال: ثم أخرجني المهديّ وأحلفني بالطّلاق والعتاق وكلّ يمين لا فسحة لي فيها ألّا أدخل على ابنيه موسى
__________
[1] جفن السيف: غمده.
[2] زيادة عن م.
[3] في ح: «حسنة».
[4] كذا في م، وهو قريب مما جاء في «مختار الأغاني» لابن منظور (ص 104 طبع مصر) فقد ذكر فيه: «فتأذيت بنتن كان في ذلك القبر وبالبق». وفي سائر الأصول: «فتأذيت بنز عيسى باذ وبالبق في ذلك القبر». وعيسى باذ: محلة كانت بشرقي بغداد منسوبة إلى عيسى بن المهدي، وكانت إقطاعا له.
[5] كذا في ط، ء. والحليّ (وزان غني): يبيس ضرب من الكلأ يسمى النصيّ، وفي سائر الأصول: «و كان فيه خلاء».
[6] الكندر (بضم فسكون فضم): اللبان الذكر.
[7] زيادة عن ح.
وهارون أبدا ولا أغنّيهما، وخلّى سبيلي. قال: وصنعت في الحبس لحنا [1] /في شعر أبي العتاهية لمّا حبسه المهديّ بسبب عتبة، وهو:
صوت
أيا ويح قلبي من نجيّ البلابل ... ويا ويح ساقي من قروح السّلاسل
ويا ويح نفسي ويحها ثم ويحها ... ألم تنج يوما من شباك الحبائل
ويا ويح عيني قد أضرّبها البكا ... فلم يغن عنها طبّ ما في المكاحل
ذريني أعلّل نفسي اليوم إنها ... رهينة رمس في ثرى وجنادل
ذريني أعلّل بالشّراب فقد أرى ... بقيّة عيشي هذه غير طائل
/ الشعر لأبي العتاهية، وذكر حمّاد أنه لجدّه إبراهيم. والغناء لإبراهيم رمل بالوسطى في الثلاثة الأبيات الأوّل، وله في البيتين الأخيرين ثقيل أوّل بالوسطى.
طلبه الهادي لما ولي الخلافة وكان استتر منه برّا بيمينه للمهديّ:
قال حمّاد: فلما ولي موسى الهادي الخلافة استتر جدّي منه ولم يظهر له بسبب الأيمان التي حلّفه بها المهديّ، فكانت منازلنا تكبس في كل وقت وأهلنا يروّعون بطلبه حتى أصابوه فمضوا به إليه، فلما عاينه قال:
يا سيّدي، فارقت أمّ ولدي وأعزّ خلق اللّه عليّ، ثم غنّاه لحنه في شعره:
صوت
يابن خير الملوك لا تتركنّي ... غرضا للعدوّ يرمي حيالي [2]
فلقد في هواك فارقت أهلي ... ثم عرّضت مهجتي للزوال
ولقد عفت في هواك حياتي ... وتغرّبت بين أهلي ومالي
الشّعر والغناء لإبراهيم خفيف رمل بالوسطى. قال إسحاق: فموّله [3] واللّه الهادي وخوّله، وبحسبك أنه أخذ منه في يوم واحد مائة وخمسين ألف دينار [4]، ولو عاش لنا لبنينا حيطان دورنا بالذهب والفضة.
ما وصل إليه من الأموال وما تركه وشيء عن مروءته:
قال حمّاد قال لي أبي: نظرت إلى ما صار إلى جدك من الأموال والغلّات [5] وثمن ما باع من جواريه، فوجدته أربعة وعشرين ألف ألف درهم سوى أرزاقه الجارية، وهي عشرة آلاف درهم في كلّ شهر، وسوى غلّات
__________
[1] كذا في ح، م. وفي سائر الأصول: «من شعر ... إلخ».
[2] كذا في ط، ء، م. وفي سائر الأصول: «حبالى» بالباء، وهو تصحيف.
[3] موّله وخوّله: أعطاه مالا وخولا.
[4] في «مختار الأغاني»: «درهم».
[5] في ط، ء، م: «و الصلات».
ضياعه، وسوى الصّلات النّزرة التي لم يحفظها؛ ولا واللّه ما رأيت أكمل مروءة منه، كان له طعام/ معدّ في كل وقت؛ فقلت لأبي: أكان يمكنه ذلك؟ فقال: كان له في كل يوم ثلاث شياه: واحدة مقطّعة في القدور، وأخرى مسلوخة ومعلّقة، وأخرى حيّة، فإذا أتاه قوم طعموا ما في القدور، فإذا فرغت قطّعت الشاة المعلّقة ونصبت القدور وذبحت الحيّة فعلّقت وأتي بأخرى فجعلت وهي حيّة في المطبخ؛ وكانت وظيفته لطعامه وطيبه وما يتّخذ له في كل شهر ثلاثين ألف درهم سوى ما كان يجري وسوى كسوته؛ ولقد اتفق عندنا مرّة من الجواري الودائع لإخوانه ثمانون جارية، ما منهنّ واحدة إلا ويجري عليها من الطعام والكسوة والطّيب مثل ما يجري لأخصّ جواريه، فإذا ردّت الواحدة منهنّ إلى مولاها وصلها وكساها، ومات وما في ملكه إلا ثلاثة آلاف دينار، وعليه من الدّين سبعمائة دينار قضيت منها.
اشترى منه الرشيد جارية وسأله الحطيطة من ثمنها فكان منه ما دل على سمو نفسه:
أخبرني محمد بن خلف وكيع ويحيى بن عليّ بن يحيى وابن/ المرزبان قالوا أخبرنا حمّاد بن إسحاق قال:
كان أبي يحدّث أن الرشيد اشترى من جدّي جارية بستة وثلاثين ألف دينار، فأقامت عنده ليلة، ثم أرسل إلى الفضل بن الربيع: إنا اشترينا هذه الجارية من إبراهيم، ونحن نحسب أنها من بابتنا [1] وليست كما ظننتها، وما قربتها، وقد ثقل عليّ الثمن وبينك وبينه ما بينكما، فاذهب إليه فسله أن يحطّنا من ثمنها ستة آلاف دينار؛ قال:
فصار الفضل إليه فاستأذن [عليه] [2] فخرج جدّي فتلقّاه؛ فقال: دعني من هذه الكرامة التي لا مؤنة بيننا فيها، لست ممّن يخدع، وقد جئتك في أمر أصدقك عنه، ثم أخبره الخبر كلّه؛ فقال له إبراهيم: إنه أراد أن يبلو قدرك عندي؛ قال: ذاك/ أراد! قال: فمالي كلّه صدقة في المساكين إن لم أضعّفه لك، قد حططتك [3] اثني عشر ألف دينار؛ فرجع الفضل إليه بالخبر؛ فقال: ويلك! ادفع إلى هذا ماله، فما رأيت سوقة قطّ أنبل نفسا منه. قال أبي: وكنت قد أتيت جدّك فقلت: ما كان لحطيطة هذا المال معنى وما هو بقليل، فتغافل عنّي وقال: أنت أحمق، أنا أعرف الناس به، واللّه لو أخذت المال منه كملا [4] ما أخذته إلا وهو كاره، ويحقد ذلك عليّ وكنت أكون عنده صغير القدر، وقد مننت عليه وعلى الفضل، وانبسطت نفسه ونشط وعظم قدري عنده، وإنما اشتريت الجارية بأربعين ألف درهم، وقد أخذت بها أربعة وعشرين ألف دينار، فلما حمل المال إليه بلا حطيطة دعاني فقال لي: كيف رأيت يا إسحاق! من البصير أنا أم أنت؟ فقلت: بل أنت جعلني اللّه فداءك.
حوار الفضل بن يحيى له وقد رآه خارجا من عند الفضل بن الربيع:
حدّثني وكيع قال حدّثنا حمّاد قال حدّثني أبي قال:
__________
[1] البابة: الوجه والطريق، ويقال: هذا شيء من بابتك، أي يصلح لك (راجع الحاشية رقم 9 ص 179 من الجزء الأوّل من هذا الكتاب طبع دار الكتب المصرية).
[2] زيادة عن م.
[3] كذا في ط، ء. وفي م: «حططته». وفي سائر الأصول: «حططت».
[4] كملا (بفتحتين) أي كاملا وافيا. قال الليث: هكذا يتكلم به في الجمع والوحدان سواء لا يثني ولا يجمع وليس بمصدر ولا نعت وإنما هو كقولك: أعطيته المال كله. (انظر «المصباح المنير» و «اللسان» مادة كمل).
لقي الفضل بن يحيى أبي وهو خارج من عند الفضل بن الرّبيع، وكانا متجاورين في الشّمّاسيّة [1]، فقال: من أين يا أبا إسحاق؟ أمن عند الفضل بن الربيع؟ قلت: نعم، غير معتذر من ذلك؛ فقال: خروج من عند الفضل بن الربيع إلى الفضل بن يحيى! هذان واللّه أمران لا يجتمعان لك! فقال: واللّه لئن لم يكن فيّ ما يتّسع لكما حتى يكون الوفاء لكما جميعا واحدا ما فيّ خير، واللّه لا أترك واحدا منكما/ لصاحبه، فمن قبلني على هذا قبلني، ومن لم يقبلني فهو أعلم؛ فقال له الفضل بن يحيى: أنت عندي غير متّهم، والأمر كما قلت، وقد قبلتك على ذلك.
كان في الحبس فذكر للرشيد فأحضره فغناه فوصله:
أخبرني إسماعيل بن يونس قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثني إسحاق قال حدّثني أبي:
أن الرشيد غضب عليه فقيّده وحبسه بالرّقّة [2]، ثم جلس للشرب يوما في مجلس قد زيّنه وحسّنه، فقال لعيسى بن جعفر: هل لمجلسنا عيب؟ قال: نعم، غيبة إبراهيم الموصلّي عنه؛ فأمر بإحضاري فأحضرت في قيودي، ففكّت عنّي بين يديه، وأمرهم فناولوني عودا وقال: غنّني يا إبراهيم؛ فغنّيته:
تضوّع مسكا بطن [3] نعمان أن مشت ... به زينب في نسوة خفرات [4]
فاستعاده وشرب وطرب، وقال: هنأتني يومي وسأهنئك بالصّلة، وقد وهبت لك الهنيء والمريء [5]؛ فانصرفت، فلما أصبحت عوّضت منهما مائتي ألف درهم.
نسبة هذا الصوت
صوت
تضوّع مسكا بطن نعمان أن مشت ... به زينب في نسوة خفرات
مررن بفخّ [6] رائحات عشيّة ... يلبّين للرّحمن معتمرات
/ يخمّرن [7] أطراف البنان من التّقي ... ويقتلن بالألحاظ مقتدرات [8]
__________
[1] الشماسية: محلة مجاورة لدار الروم التي في أعلى مدينة بغداد وإليها ينسب باب الشماسية. وفيها كانت دار معز الدولة أبي الحسين أحمد بن بويه.
[2] الرقة: مدينة على الجانب الشرقي من الفرات بينها وبين حرّان ثلاثة أيام.
[3] بطن نعمان: واد بين مكة والطائف كثير الأراك.
[4] في م: «عطرات».
[5] يريد أنه أقطعه ضيعتهما؛ والهنىء والمريء كما في ياقوت: نهران بإزاء الرقة والرافقة حفرهما هشام بن عبد الملك وأحدث فيهما مدينة «واسط الرقة». قال ياقوت نقلا عن البلاذري: ثم إن تلك الضيعة (أعني الهنيء والمري ء) قبضت في أوّل الدولة العباسية وانتقلت إلى أم جعفر وزادت في عمارتها، ثم قال: وهما يسقيان عدّة بساتين، مستمدها من الفرات ومصبهما فيه.
[6] فخ: موضع بينه وبين مكة ثلاثة أميال؛ روى أن النبيّ صلى اللّه عليه وسلّم اغتسل به قبل دخوله مكة، وبه كانت وقعة الحسين وعقبة، وبه مقابر المهاجرين كل من جاور بمكة منهم فمات يوارى هناك. («معجم ما استعجم» للبكري).
[7] يخمرن: يغطين.
[8] روى المبرد هذا البيت في الكامل هكذا:
يخبئن أطراف البنان من التقى ... ويخرجن شطر الليل معتجرات
ومعتجرات: مختمرات بالمعاجر، والمعجر: ثوب تشده المرأة على رأسها.
ولما رأت ركب النّميريّ أعرضت ... وكنّ من أن يلقينه حذرات
الشعر للنّميريّ [1] الثّقفيّ. والغناء لابن سريج ثاني ثقيل بالخنصر في مجرى البنصر عن إسحاق ويحيى المكّيّ وعمرو بن بانة. وذكر حبش أن فيه لعزّة الميلاء لحنا من الثقيل الأوّل.
أنشده يحيى بن خالد بيتا فثناه وغنى فيه فأجازه:
أخبرني محمد بن مزيد وأحمد بن جعفر جحظة قالا حدّثنا حمّاد بن إسحاق قال، وأخبرني الصّوليّ قال حدّثني عون بن محمد جميعا عن إسحاق عن أبيه قال:
رأيت يحيى بن خالد خارجا من قصره الذي عند باب الشّمّاسيّة يريد قصره الذي بباب البردان [2] وهو يتمثّل:
صوت
هوّى بتهامة وهوى بنجد ... فأبلتني [3] التّهائم والنّجود
قال أبي: فزدته عليه:
أقيم بذا وأذكر عهد هذا ... فلي ما بين ذين هوى جديد
/ قال: وصنعت فيه لحنا - قال الصّوليّ في خبره: وهو من خفيف الثّقيل - ثم صرت إليه فغنّيته إيّاه؛ فأمر لي بألف دينار وبدابّته التي [4] كانت تحته يومئذ بسرجها ولجامها؛ فقلت له: جزاك اللّه من سيّد خيرا، فإنك تأتي الأنفس وهي شوارد فتقرّها، والأهواء وهي سقيمة فتصحّها؛ فأمر لي بألف دينار أخرى.
قال إبراهيم: ثم ضرب الدهر من ضربه [5]، فبينا أنا أسير معه إذ لقيه العبّاس بن الأحنف، وكان ساخطا عليه لشيء بلغه عنه، فترجّل له وأنشده:
صوت
باللّه يا غضبان إلّا رضيت ... أذاكر للعهد أم قد نسيت
فقال: بل ذاكر يا أبا الفضل؛ فأضفت إلى هذا البيت:
لو كنت أبغي غير ما تشتهي ... دعوت أن تبلى كما قد بليت
وصنعت فيه لحنا - قال الصّوليّ في خبره: هو ثقيل أوّل - قال: وغنّيته به، فأمر لي بألفي دينار وضحك؛ فقلت: من أيّ شيء تضحك يا سيّدي؟ لا زلت ضاحكا مسرورا! فقال: ذكرت ما جرى في الصوت الأوّل وأنه كان
__________
[1] هو محمد بن عبد اللّه بن نمير، شاعر غزل، من شعراء الدولة الأموية، مولده ومنشؤه بالطائف. وكان يهوى زينب بنت يوسف بن الحكم أخت الحجاج بن يوسف، وله فيها أشعار كثيرة يتشبب بها. وله ترجمة في «الأغاني» (ج 6 ص 24 طبع بولاق).
[2] البردان (بفتح الباء الموحدة والراء والدال المهملتين): قرية من قرى بغداد عامرة وهي على شاطىء دجلة الشرقيّ، وبينها وبين بغداد خمسة فراسخ.
[3] في م: «فأبكتني» بالكاف.
[4] في ط، ء: «بدابته الذي كان ... » والدابة تطلق على المذكر والمؤنث.
[5] أي مرّ من مروره ومضى بعضه. (انظر «اللسان» مادة ضرب).
مع الجائزة دابّة بسرجه ولجامه [1]، ولن تنصرف الليلة إلا على مثله، فقمت فقبّلت يده؛ فأمر لي بألفي دينار آخرين، وقال: تلك الكرّة شكرت على الجائزة بكلام فزدناك، والآن شكرت بفعل أوجب الزيادة، ولو لا أنّي مضيق في هذا الوقت لضاعفتها، ولكنّ الدهر بيننا مستأنف جديد.
غنى الرشيد في طريقه إلى طوس بشعر له فاستحسن الغناء دون الشعر:
حدّثني جحظة قال حدّثني هبة اللّه بن إبراهيم بن المهديّ عن أبيه قال:
/ لمّا نزل الرشيد في طريقه إلى طوس [2] بشبداز [3] جلس يشرب عنده، فكان إبراهيم الموصليّ أوّل من غنّاه، فابتدأ بهذا الصوت، والشعر له:
صوت
رأيت الدّين والدّنيا ... مقيمين بشبداز
أقاما بين [4] حجّاج ... وغاز أيّما غاز
- وهو من الثقيل الأوّل - فأمر له بألف دينار، ولم يستحسن الشعر، وقال له: يا إبراهيم صنعتك فيه أحسن من شعرك؛ فخجل وقال: يا سيّدي شغل خاطري الغناء فقلت لوقتي ما حضرني؛ فضحك الرشيد من قوله وقال له:
صدقت.
كان كثير الأصدقاء من الأشراف:
أخبرنا يحيى بن عليّ بن يحيى عن حمّاد عن أبيه قال:
كان جدّك محبّا للأشراف كثير الأصدقاء منه، حتى إن كان الرشيد ليقول كثيرا: ما أعرف أحدا أكثر أصدقاء من إبراهيم.
كان مع الغناء كاتبا وشاعرا وخطيبا:
قال إسحاق: وما سمعت أحسن غناء من أربعة: أبي، وحكم الوادي، وفليح ابن أبي العوراء، وسياط؛ فقلت له: وما بلغ من حذقهم؟ قال: كانوا يصنعون فيحسنون، ويؤدّون غناء غيرهم فيحسنون؛ فقلت: فأيّهم كان أحذق؟ قال: كانوا/ بمنزلة خطيب أو كاتب أو شاعر يحسن صناعته، فإذا انتقل عنها إلى غيرها لم يبلغ منها ما
__________
[1] كذا في ط، ء، وهو الذي يوافق الضمير في: «إلا على مثله». وفي باقي الأصول: «بسرجها ولجامها».
[2] طوس (بضم أوّله وسين مهملة): مدينة معروفة ما بين الريّ ونيسابور في أوّل عمل خراسان وفيها دفن هارون الرشيد. قال ابن حوقل: وعلى ربع فرسخ منها قبر علي بن موسى الرضا.
[3] كذا في ط، ء. وشبداز: موضع بين حلوان وقرميسين تبعد عن قرميسين يسرة بأقل من فرسخين. وفي سائر الأصول: «شيراز» وهو تحريف. (راجع «معجم البلدان» في الكلام على شبداز و«المسالك والممالك» لابن خرداذبه في كلامه على الطريق من مدينة السلام إلى أقاصي خراسان ص 18 طبع مدينة ليدن).
[4] كذا في ب، س. وفي سائر الأصول: «أقاما مع حجاج». والحجاج: الكثير الحج. يريد أن الدين والدنيا قد اجتمعا للرشيد الذي كان كثير الحج والغزو.
يبلغ من صناعته، وكان جدّك كرجل مفوّه، إن خطب أجزل، وإن كتب رسالة أحسن، وإن قال شعرا أحسن، ولم يكن فيهم مثله.
هو أوّل من علم الجواري الحسان الغناء وشعر أبي عيينة في ذلك:
أخبرني الحسين بن يحيى قال حدّثنا حمّاد عن أبيه، وأخبرني عليّ بن عبد العزيز عن ابن خرداذبه، وأخبرني إسماعيل بن يونس عن عمر بن شبّة جميعا عن إسحاق قال:
لم يكن الناس يعلّمون الجارية الحسناء الغناء، وإنما كانوا يعلّمونه الصّفر والسّود؛ وأوّل من علّم الجواري المثمّنات أبي، فإنه بلغ بالقيان كلّ مبلغ، ورفع من أقدارهنّ. وفيه يقول أبو عيينة بن محمد بن أبي عيينة المهلّبيّ وقد كان هوي جارية يقال لها أمان فأغلى بها مولاها السّوم، وجعل يردّدها إلى إبراهيم وإسحاق ابنة فتأخذ عنهما، فكلما زادت في الغناء زاد في سومه، فقال أبو عيينة:
قلت لمّا رأيت مولى أمان ... قد طغى سومه بها طغيانا
لا جزى اللّه الموصليّ أبا إس ... حاق عنّا خيرا ولا إحسانا
جاءنا مرسلا بوحي من الشّي ... طان أغلى به علينا القيانا
من غناء كأنه سكرات ال ... حبّ يصبي القلوب والآذانا
شعر ابن سيابة فيه:
وقال فيه ابن سيابة [1]:
صوت
ما لإبراهيم في العل ... م بهذا الشأن ثاني
إنما عمر أبي إس ... حاق زين للزمان
/ جنّة الدّنيا أبو إس ... حاق في كلّ مكان ضفإذا غنّى أبو إسحا
ق أجابته المثاني [2] ... منه يجنى ثمر الله
ووريحان الجنان
لإبراهيم في هذا الشعر لحنان: خفيف ثقيل بالبنصر، وخفيف رمل بالوسطى عن عمرو والهشاميّ.
شعر أبي العتاهية فيه وهو محبوس:
أخبرني عمّي عن أحمد بن أبي طاهر عن أبي دعامة [3] قال:
__________
[1] هو إبراهيم بن سيابة مولى بني هاشم، وله ترجمة في الجزء الحادي عشر من «الأغاني» طبع بولاق.
[2] سهل الهمز في «إسحاق» لضرورة الشعر.
[3] هو علي بن يزيد أبو دعامة، وقد مر في الجزء الرابع من هذا الكتاب ص 8 طبع دار الكتب المصرية.
كان سلم الخاسر عند أبي العتاهية، فأخبره سلم أنّ الرشيد حبس إبراهيم الموصلي في المطبق [1]؛ فأقبل عليه أبو العتاهية فقال:
سلم يا سلم ليس دونك ستر [2] ... حبس الموصليّ فالعيش مرّ
/ ما استطاب اللّذات مذ سكن المط ... بق رأس اللّذات في الناس حرّ
ترك الموصليّ من خل ... ق اللّه جميعا وعيشهم مقشعرّ
حبس اللهو والسرور فما في ال ... أرض شيء يلهى به أو يسرّ
وأنشدني بعض أصحابنا عن ابن المرزبان عن أحمد بن أبي طاهر عن ابن أبي فنن لأبي العتاهية يخاطب إبراهيم الموصليّ لمّا حبس:
أيا غمّي لغمّك يا خليلي ... ويا ويلي عليك ويا عويلي
يعزّ عليّ أنّك لا تراني ... وأنّي لا أراك ولا رسولي
وأنك في محلّ أذى وضنك ... وليس إلى لقائك من سبيل
وأني لست أملك عنك دفعا ... وقد فوجئت بالخطب الجليل
قصته مع إبراهيم بن المهدي في لحن غناه عند الرشيد:
أخبرني الحسن بن عليّ الخفّاف قال حدّثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدّثنا عبد اللّه بن عمر قال حدّثني أبو توبة صالح بن محمد عن القطرانيّ المغنّي عن محمد بن جبر، وكان المهديّ رباه، قال حدّثني إبراهيم بن المهديّ قال:
انصرفت ليلة من الشّمّاسيّة فمررت بدار إبراهيم الموصليّ، وإذا هو في روشن [3] له وقد صنع لحنه:
ألا ربّ ندمان عليّ دموعه ... تفيض على الخدّين سحّا سجومها [4]
وهو يعيده ويلعب به بنغمه ويكرّره لتستوي له أجزاؤه، وجواريه يضربن عليه، فوقفت تحت الرّوشن حتى أخذته ثم انصرفت إلى منزلي، فما زلت أعيده حتى بلغت فيه الغاية، وأصبحت فغدوت إلى الشّمّاسيّة واجتمعنا عند الرشيد، فاندفع إبراهيم فغنّاه أوّل شيء غنّى، فلمّا سمعه الرشيد طرب واستحسنه وشرب عليه، ثم قال له: لمن هذا يا إبراهيم؟ قال: لي يا سيّدي، صنعته البارحة؛ فقلت: كذب يا أمير المؤمنين، هذا الصوت قديم وأنا أغنّيه؛ فقال لي: غنّه يا حبيبي، فغنّيته كما غنّاه؛ فبهت إبراهيم وغضب الرشيد، وقال له [5]: يابن الفاجرة! أتكذبني وتدّعي ما ليس لك!. قال: فظلّ إبراهيم بأسوأ حال؛ فلمّا صلّيت العصر قلت للرشيد: يا أمير المؤمنين، الصوت وحياتك
__________
[1] المطبق: السجن تحت الأرض.
[2] في ح: «سرّ».
[3] الروشن: خشب يخرج من حائط الدار إلى الطريق ولا يصل إلى جدار آخر يقابله وهو الشرفة.
[4] سجوم الدمع: سيلانه كثيرا كان أو قليلا.
[5] في الأصول ما عدا ح: «و قال لي بابن الفاجرة» ولا يستقيم به الكلام. وكلمة «لي» ساقطة من ح.
له وما كذب، ولكنّي مررت به البارحة وهو يردّده على جارية له فوقفت حتى دار لي واستوى فأخذته منه؛ فدعا به الرشيد ورضي عنه، وأمر له بخمسة آلاف دينار.
نسبة هذا الصوت
صوت
ألا ربّ ندمان عليّ دموعه ... تفيض على الخدّين سحّا سجومها
حليم إذا ما الكأس دارت وهرّها [1] ... رجال لديها قد تخفّ حلومها
الغناء لإبراهيم رمل بالسبّابة في مجرى البنصر عن إسحاق.
قصته مع إبراهيم بن المهدي وابن جامع عند الرشيد:
أخبرني يحيى بن عليّ بن يحيى قال حدّثنا أبي عن طيّاب [2] بن إبراهيم الموصليّ قال:
كان إبراهيم بن المهديّ يقدّم ابن جامع ولا يفضّل عليه أحدا، فأخبرني إبراهيم بن المهديّ قال: كنا في مجلس الرشيد وقد/ غلب النبيذ على ابن جامع، فغنّى صوتا فأخطأ في أقسامه؛ فالتفت إليّ إبراهيم فقال: قد خري [3] قد خرى أستاذك فيه! وفهمت صدقه فيما قال؛ قال: فقلت له: انتبه أيها الشيخ وأعد الصوت، ففطن وأعاده وتحفّظ فيه وأصاب؛ فغضب إبراهيم وأقبل عليّ فقال:
أعلّمه الرّماية كلّ يوم ... فلمّا استدّ [4] ساعده رماني
وتنكّر لي وحلف ألّا يكلّمني؛ فقلت للرشيد بعد أيام: إن لي حاجة؛ قال: وما هي؟ قلت: تأمر إبراهيم الموصليّ أن يرضى عنّي ويعود إلى ما كان عليه؛ فقال:/ ومن إبراهيم حتى يطلب [5] رضاه! فقلت:
يا أمير المؤمنين، إن الذي أريده منه لا ينال إلا برضاه؛ فقال: قم إليه يا إبراهيم فقبّل رأسه؛ [فقام إليّ ليقبّل [6] رأسي]، فلما أكبّ عليّ قال: تعود؟ قلت: لا؛ قال: قد رضيت عنك رضا صحيحا، وعاد إلى ما كان عليه.
خرج مع الرشيد إلى الحيرة وغناه فأجازه:
أخبرني أبو الحسن أحمد بن يحيى بن عليّ بن يحيى قال: سمعت جدّي عليّا يحدّث عن إسحاق قال:
قال أبي: خرجت مع الرشيد إلى الحيرة، فساعة نزل بها دعا بالغداء فتغدّى ثم نام، فاغتنمت قائلته فذهبت
__________
[1] هرّ فلان الكأس: كرهها.
[2] كذا في أكثر الأصول هنا وفيما يأتي في جميع الأصول في أكثر من موضع. وفي ط، ء هنا: «طباب» بالباء الموحدة من تحت.
[3] في ح: «قد خزى أستاذك فيه» بالزاي وبدون تكرار.
[4] كذا في ط، ء، س وإحدى روايتي ح، وهي الرواية المشهورة. واستدّ: استقام. وفي سائر الأصول «اشتدّ» بالشين المعجمة. قال الأصمعيّ: اشتدّ بالشين المعجمة ليس بشيء. وقال ابن برّي: هذا البيت ينسب إلى معن بن أوس قاله في ابن أخت له. وقال ابن دريد: هو لمالك بن فهم الأزدي، وكان اسم ابنه سليمة، رماه بسهم فقتله فقال البيت. قال ابن برّي: ورأيته في شعر عقيل بن علقة يقوله في ابنه عميس حين رماه بسهم. وبعده.
فلا ظفرت يمينك حين ترمي ... وشلت منك حاملة البنان
[5] في ح، م: «تطلب».
[6] الزيادة عن م.
فركبت أدور في ظهر الحيرة، فنظرت إلى بستان فقصدته فإذا على بابه شابّ حسن الوجه، فاستأذنته في الدخول فأذن لي، فدخلت فإذا جنّة من الجنان في أحسن تربة وأغزرها ماء، فخرجت فقلت له: لمن هذا البستان؟ فقال:
لبعض الأشاعثة [1]؛ فقلت له: أيباع؟ فقال: نعم وهو على سوم؛ فقلت: كم بلغ؟ فقال: أربعة عشر ألف دينار؛ قلت: وما يسمّى هذا الموضع؟ قال: شمارى؛ فقلت:
صوت
جنان شمارى ليس مثلك منظر ... لذي رمد أعيا عليه طبيب
ترابك كافور ونورك [2] زهرة ... لها أرج بعد الهدوّ يطيب [3]
/قال: وحضرتني فيه صنعة حسنة؛ فلما جلس الرشيد وأمر بالغناء غنّيته إياه أوّل ما غنّيت؛ فقال: ويلك! وأين شمارى؟ فأخبرته القصّة؛ فأمر لي بأربعة عشر ألف دينار؛ وغمزني جعفر بن يحيى فقال: خذ توقيعه بها إليّ؛ وتشاغل الرّشيد عنّي، فأعدت الصوت، فقال: ويلكم! أعطوا هذا دنانيره؛ فوثبت وقلت: يا سيّدي، وقّع لي بها إلى جعفر بن يحيى؛ فقال: أفعل، ووقّع لي بها إليه؛ فلمّا حصل التوقيع عند جعفر أطلق لي المال وخمسة آلاف دينار من عنده؛ فلما حصل المال عندي كان أحبّ إليّ وأحسن في عيني من شمارى.
عرض الرشيد أبياتا ليجيزها الشعراء ثم أمره فغنى فيها:
أخبرني [4] جعفر بن قدامة قال أخبرني أبو العيناء قال:
خرج الفضل بن الرّبيع يوما من حضرة الرشيد ومعه رقعة فيها أربعة أبيات، فقال: إن أمير المؤمنين يأمر كلّ من حضر ممن يقول الشعر أن يجيزها، وهي:
أهدى الحبيب مع الجنوب سلامه ... فاردد إليه مع الشّمال سلاما
واعرف بقلبك ما تضمّن قلبه ... وتداولا بهواكما الأيّاما
وإذا بكيت له فأيقن أنه ... ستجود أدمعه عليك رهاما [5]
فاحبس دموعك رحمة لدموعه ... إن كنت تحفظ أو تحوط ذماما
/ فلم يوجد من يجيزها، فأمر إبراهيم فغنّى فيها لحنا من خفيف الثقيل.
انقطع عن الرشيد في سفره عند خمار وشعره في ذلك:
أخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدّثني أبو العبّاس البصريّ [6] قال حدّثني عبد اللّه بن الفضل بن الرّبيع قال سمعت أبي يقول:
__________
[1] الأشاعثة: منسوبون إلى الأشعث بن قيس بن معديكرب الكندي أبي محمد الصحابي، وفد على النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وروى عنه وعن عمر رضي اللّه عنه، ونزل الكوفة ومات بها في آخر سنة أربعين هجرية وهو ابن ثلاث وستين سنة.
[2] في ح: «و نبتك».
[3] في ح: «و طيب».
[4] هذا الخبر الذي يبتدىء من قوله: «أخبرني جعفر» إلى قوله: «لحنا من خفيف الثقيل» ساقط من ط، ء، م.
[5] الرهام: جمع رهمة (بالكسر) وهي المطر الضعيف.
[6] في ح: «النصرى» بالنون.
/ لمّا خرج الرشيد إلى الرّقّة [1] أخرج معه إبراهيم الموصليّ، وكان به مشغوفا، ففقده في بعض المنازل أيّاما وطلبه فلم يخبره أحد بقصّته؛ ثم أتاه، فقال له: ويحك! ما خبرك وأين كانت غيبتك؟ فقال: يا أمير المؤمنين، حديثي عجيب، نزلنا بموضع كذا وكذا، فوصف لي خمّار، من ظرفه ومن نظافة منزله كيت وكيت، فتقدّمت أمام ثقلى [2] وأتيته مخفّا، فوافيت [3] أطيب منزل وأوسع رحل وأطيب طعام وأسخى نفس، من شابّ حسن الوجه ظريف العشرة، فأقمت عنده، فلمّا أردت اللّحاق بأمير المؤمنين أقسم عليّ وأخرج لي من الشراب ما هو أطيب وأجود مما رأيت، فأقمت ثلاثا، ووهبت له دنانير كانت معي وكسوة، وقلت فيه:
صوت
سقيا لمنزل خمّار قصفت [4] به ... وسط الرّصافة يوما بعد يومين
ما زلت أرهن أثوابي وأشربها ... صفراء قد عتّقت في الدّنّ حولين
حتى إذا نفدت منّي بأجمعها ... عاودته بالرّبا دنّا بدنّين
فقال «إزل بشين» حين ودّعني ... وقد لعمرك زلنا عنه بالشّين
- الشعر والغناء لإبراهيم خفيف رمل بالبنصر. قوله: «إزل بشين» كلمة سريانية، تفسيرها: امض بسلام، دعا له بها لما ودّعه - قال إبراهيم: فقال لي الرشيد: غنّني هذا الصوت، فغنّيته إيّاه وزمر عليه برصوما، فوهب لي الرشيد مائة ألف درهم وأقطعني ضيعة، وبعث إلى الحمّار فأحضر [5]، وأهدى إلى الرشيد من ذلك الشراب فوصله؛ ووهب له إبراهيم عشرة آلاف درهم.
قصته مع ابن جامع ورؤياه:
أخبرني الحسين بن يحيى ومحمد بن مزيد ووكيع قالوا جميعا حدّثنا حمّاد بن إسحاق قال حدّثني أبي قال:
قال ابن جامع يوما لأبي: رأيت في منامي كأنّي وإيّاك راكبان في محمل، فسفلت حتى كدت تلصق بالأرض، وعلا الشّقّ الذي أنا فيه، فلأعلونّك في الغناء؛ فقال إبراهيم: الرؤيا حقّ والتأويل باطل، إنّي وإيّاك كنّا في ميزان، فرجحت بك وشالت كفّتك وعلوت فلصقت بالأرض، فلأبقينّ بعدك ولتموتنّ قبلي. قال إسحاق: فكان كما قال أبي، علا عليه وأفاد أكثر من فوائده، ومات ابن جامع قبله وعاش أبي بعده.
ألقى على جارية عبد اللّه بن الربيع صوتا أعجب ابن جامع فأخذ يستعيدها إياه:
أخبرني عبد اللّه بن الرّبيع الرّبيعيّ قال حدّثتني خديجة بنت هارون بن عبد اللّه بن الرّبيع قالت حدّثتني خمار [6]
__________
[1] في ح: «الكوفة».
[2] الثقل (وزان سبب): متاع المسافر وحشمه وكل شيء نفيس مصون.
[3] كذا في م. وفي ط، ء: «فأتيت». وفي سائر الأصول: «فوافقت»، وهو تحريف.
[4] انظر الحاشية رقم 4 ص 156 من هذا الجزء.
[5] كذا في ط، ء. وفي سائر الأصول: «فأحضره».
[6] في ط: «قمار».
جارية أبي - وكانت قندهاريّة [1]، اشتراها جدّي عبد اللّه وهي صبيّة ريّض [2] من آل يحيى بن معاذ بمائتي ألف درهم - قالت:
ألقى عليّ إبراهيم الموصليّ لحنه في هذين البيتين:
صوت
إذا سرّها أمر وفيه مساءتي ... قضيت لها فيما تريد على نفسي
وما مرّ يوم أرتجي فيه راحة ... فأذكره إلّا بكيت على أمس
/ الشعر لأبي حفص [3] الشّطرنجيّ، والغناء لإبراهيم ثقيل أوّل بالوسطى - فسمعني ابن جامع/ يوما وأنا أغنّيه، فسألني: ممن أخذته؟ فأخبرته؛ فقال: أعيديه، فأعدته مرارا، وما زال ابن جامع يتنغّم [4] به معي حتى ظننت أنه قد أخذه، ثم كان كلما جاءنا قال لي: يا صبيّة، غنّي ذلك الصوت، فكان صوته عليّ.
قصته مع مخارق في أخذه دراهم من يحيى البرمكي وأولاده:
أخبرني إسماعيل بن يونس قال حدّثني عمر بن شبّة قال قال مخارق:
أذن لنا أمير المؤمنين الرشيد أن نقيم في منازلنا ثلاثة أيّام، وأعلمنا أنه مشتغل فيها مع الحرم، فمضى الجلساء أجمعون إلى منازلهم - وأخبرني وسواسة وهو أحمد بن محمد بن إسماعيل بن إبراهيم الموصليّ بهذا الخبر فقال حدّثني أبي عن أبيه عن مخارق قال: اشتغل الرشيد يوما واصطبح مع الحرم وقد أصبحت السماء متغيّمة، فانصرفنا إلى منازلنا. ولم يذكر في الخبر ما ذكره عمر بن شبّة مما قدمت ذكره، واتفقا هاهنا في أكثر الحكايات، واللفظ فأكثره لرواية ابن الموصليّ - قال مخارق: وأصبحت السماء متغيّمة تطشّ طشّا خفيفا، فقلت: واللّه لأذهبنّ إلى أستاذي إبراهيم فأعرف خبره ثم أعود، فأمرت من عندي أن يسوّوا مجلسا لنا إلى وقت رجوعي؛ فجئت إلى إبراهيم الموصليّ فإذا الباب مفتوح والدّهليز قد كنس والبوّاب قاعد؛ فقلت: ما خبر أستاذي؟ فقال: ادخل، فدخلت فإذا هو جالس في رواق له وبين يديه قدور تغرغر [5] وأباريق تزهر، والستارة منصوبة والجواري خلفها، وإذا قدّامه طست فيه رطليّة وكوز وكأس، فدخلت أترنّم ببعض الأصوات، وقلت له: ما بال/ الستارة لست أسمع من ورائها صوتا؟ فقال: اقعد ويحك! إني أصبحت على الذي ظننت؛ فأتاني خبر ضيعة تجاورني، قد واللّه طلبتها زمانا وتمنّيتها فلم أملكها، وقد أعطي بها مائة ألف درهم؛ فقلت: وما يمنعك منها؟ فو اللّه لقد أعطاك اللّه أضعاف هذا المال وأكثر؛ قال: صدقت، ولكن لست أطيب نفسا أن أخرج هذا المال؛ فقلت: فمن يعطيك الساعة مائة ألف درهم؟ واللّه ما أطمع في ذلك من الرشيد، فكيف بمن دونه! فقال: اجلس، خذ هذا الصوت، ونقر بقضيب معه على الدواة وألقى عليّ:
__________
[1] قندهارية: نسبة إلى قندهار، وهي بلد من بلاد السند أو الهند مشهورة في الفتوح.
[2] الرّيض كسيد: الدابة أوّل ما تراض، يطلق على الذكر والأنثى، يقال: غلام ريض، وناقة ريض.
[3] هو أبو حفص عمر بن عبد العزيز مولى بني العباس، نشأ في دار المهدي وتأدّب وكان لاعبا بالشطرنج مشغوفا به فلقب به لغلبته عليه، فلما مات المهدي انقطع إلى علية ابنته. وله ترجمة في الجزء التاسع عشر من «الأغاني» طبع بولاق.
[4] تنغم المغني: طرّب في الغناء.
[5] غرغرت القدر، صاتت عند الغلي.
صوت
نام الخليّون من همّ ومن سقم ... وبتّ من كثرة الأحزان لم أنم
يا طالب الجود والمعروف مجتهدا ... اعمد ليحني حليف الجود والكرم
- الشعر لأبي النضير [1]، والغناء لإبراهيم الموصليّ ثقيل أوّل بالبنصر - قال: فأخذته فأحكمته؛ ثم قال لي:
امض الساعة إلى باب الوزير يحيى بن خالد، فإنك تجد الناس عليه وتجد الباب قد فتح ولم يجلس بعد، فاستأذن عليه قبل أن يصل إليه أحد، فإنه سينكر عليك مجيئك ويقول: من أين أقبلت في هذا الوقت؟ فحدّثه بقصدك إياي وما ألقيت إليك من خبر الضّيعة، وأعلمه أنّي صنعت هذا/ الصوت وأعجبني، ولم أر أحدا يستحقّه إلا فلانة جاريته، وأني ألقيته عليك حتى أحكمته لتطرحه عليها؛ فسيدعو بها ويأمر بالسّتارة أن تنصب ويوضع له كرسيّ ويقول لك: اطرحه عليها بحضرتي، فافعل وأتني بالخبر بعد ذلك. قال: فجئت باب يحيى فوجدته كما وصف، وسألني فأعلمته ما أمرني به، ففعل كلّ شيء قاله لي/ إبراهيم، وأحضر الجارية فألقيته عليها؛ ثم قال لي: تقيم عندنا يا أبا المهنّأ أو تنصرف؟ فقلت: أنصرف أطال اللّه بقاءك فقد علمت ما أذن لنا فيه، قال: يا غلام، احمل مع أبي المهنّأ عشرة آلاف درهم، واحمل إلى أبي إسحاق مائة ألف درهم ثمن هذه الضّيعة، فحملت العشرة الآلاف الدرهم إليّ، وأتيت منزلي فقلت: أسرّ يومي هذا وأسرّ من عندي، ومضى الرسول إليه بالمال؛ فدخلت منزلي ونثرت على من عندي من الجواري دراهم من تلك البدرة، وتوسّدتها وأكلت وشربت وطربت وسررت يومي كلّه؛ فلما أصبحت قلت: واللّه لآتينّ أستاذي ولأعرفنّ خبره، فأتيته فوجدت الباب كهيئته بالأمس، ودخلت فوجدته على مثل ما كان عليه، فترنّمت وطربت فلم يتلقّ ذلك بما يجب؛ فقلت له: ما الخبر؟ ألم يأتك المال؟ قال: بلى! فما كان خبرك أنت بالأمس؟ فأخبرته بما كان وهب لي وقلت: ما [2] ينتظر من خلف الستارة، فقال: ارفع السّجف فرفعته فإذا عشر [3] بدر؛ فقلت: وأيّ شيء بقي عليك في أمر الضيعة؟ قال: ويحك! ما هو واللّه إلا أن دخلت منزلي حتى شححت عليها فصارت مثل ما حويت قديما؛ فقلت: سبحان اللّه العظيم! فتصنع ماذا! قال: قم حتى ألقي عليك صوتا صنعته يفوق ذلك الصوت؛ فقمت وجلست بين يديه، فألقى عليّ:
صوت
ويفرح بالمولود من آل برمك ... بغاة النّدى والسيف والرمح ذو النصل [4]
__________
[1] ورد هذا الاسم في ح: «لأبي النضر». وفي سائر الأصول: «لأبي بصير»، وكلاهما تحريف عن «أبي النضير». واسمه عمر بن عبد الملك البصري مولى بني جمح، شاعر من شعراء البصرة صالح المذهب ليس من المعمودين المتقدمين ولا من المولدين الساقطين، وكان يغني بالبصرة على جوار له مولدات، ويظهر الخلاعة والمجون والفسق، ويعاشر جماعة ممن يعرف بذلك الشأن، وكان أبان اللاحقي يعاشره ثم تصار ما وهجاه وهجا جواريه وافترقا على قلي؛ ثم انقطع أبو النضير إلى البرامكة فأغنوه إلى أن مات.
(راجع ترجمته في «الأغاني» 10 ص 100 طبع بولاق).
[2] كذا في ط، ء. وفي سائر الأصول: «ما كان ينتظر من خلف الستارة» وعبارة نهاية الأرب (ج 4 ص 354 طبع دار الكتب المصرية):
«فأخبرته بما كان وقلت: ما تنتظر؟ فقال: ارفع السجف ... إلخ».
[3] كذا في ح. وفي سائر النسخ: «عشرة» بتأنيث العدد.
[4] كذا في ط، ء. وفي سائر الأصول: «بغاة الندى والسيف والرمح والنصل» وكذلك في «نهاية الأرب» (ج 4 ص 354 طبع دار الكتب المصرية) والقافية فيه مرفوعة، وآخر البيت الثاني فيه: «و لا سيما إن كان والده الفضل».
وتنبسط الآمال فيه لفضله ... ولا سيما إن كان من ولد الفضل
- الشعر لأبي النّضير [1]. والغناء لإبراهيم ثقيل أوّل بالبنصر عن الهشاميّ، وذكر عمرو بن بانة أنه لإسحاق، وهو الصحيح. وفيه خفيف ثقيل، أظنه لحن إبراهيم. أخبرني إسماعيل بن يونس عن عمر بن شبّة عن إسحاق أن أباه صنع هذا الصوت في طريقة خفيف الثقيل وعرضه على الفضل، فاستحسنه وأمر مخارقا بإلقائه على جواريه فألقاه على مراقش وقضيب فأخذتاه عنه - قال مخارق: فلما ألقى عليّ الصوت سمعت ما لم أسمع مثله قطّ، وصغر عندي الأوّل فأحكمته؛ ثم قال: انهض الساعة إلى الفضل بن يحيى، فإنك تجده لم يأذن لأحد بعد، وهو يريد الخلوة مع جواريه اليوم، فاستأذن عليه وحدّثه بحديثنا أمس، وما كان من أبيه إلينا وإليك، وأعلمه أنّي قد صنعت هذا الصوت وكان عندي أرفع منزلة من الصوت الذي صنعته بالأمس، وأني ألقيته عليك حتى أحكمته ووجّهت بك قاصدا لتلقيه على فلانة جاريته؛ فصرت إلى باب الفضل فوجدت الأمر على ما ذكر، فاستأذنت فوصلت؛ وسألني:
ما الخبر؟ فأعلمته بخبري في اليوم الماضي وما وصل إليّ وإليه من المال؛ فقال: أخزى اللّه إبراهيم فما أبخله على نفسه!؛ ثم دعا خادما فقال: اضرب السّتارة فضربها، فقال لي: ألقه، فلمّا غنّيته لم أتمّه حتى أقبل يجرّ مطرفه، ثم قعد على وسادة دون السّتارة، وقال: أحسن واللّه/ أستاذك وأحسنت أنت يا مخارق؛ فلم أخرج حتى أخذته الجارية وأحكمته، فسرّ بذلك سرورا شديدا، وقال: أقم عندي اليوم؛ فقلت: يا سيدي إنما بقي لنا/ يوم واحد، ولو لا أنّي أحبّ سرورك لم أخرج من منزلي؛ فقال: يا غلام احمل مع أبي المهنأ عشرين ألف درهم واحمل إلى إبراهيم مائتي ألف درهم؛ فانصرفت إلى منزلي بالمال، ففتحت بدرة فنثرت منها على الجواري وشربت وسررت أنا ومن عندي يومنا؛ فلما أصبحت بكّرت إلى إبراهيم أتعرّف خبره وأعرّفه خبري، فوجدته على الحال التي كان عليها أوّلا وآخرا، فدخلت أترنّم وأصفّق؛ فقال لي: ادن؛ فقلت: ما بقي؟ فقال: اجلس وارفع سجف هذا الباب فإذا عشرون بدرة مع تلك العشر [2]؛ فقلت: ما تنتظر الآن؟ فقال: ويحك! ما هو واللّه إلا أن حصلت حتى جرت مجرى ما تقدّم؛ فقلت: واللّه ما أظن أحدا نال في هذه الدولة ما نلته! فلم تبخل على نفسك بشيء تمنّيته دهرا وقد ملّكك اللّه أضعافه! ثم قال: اجلس فخذ هذا الصوت؛ وألقى عليّ صوتا أنساني واللّه صوتيّ الأوّلين:
صوت
أفي كلّ يوم أنت صبّ وليلة ... إلى أمّ بكر لا تفيق فتقصر
أحبّ على الهجران أكناف بيتها ... فيا لك من بيت يحبّ ويهجر
إلى جعفر سارت بنا كلّ جسرة [3] ... طواها سراها نحوه والتهجّر
إلى واسع للمجتدين فناؤه ... تروح عطاياه عليهم وتبكر
- الشعر لمروان بن أبي حفصة يمدح به جعفر بن يحيى. والغناء لإبراهيم، ولم تقع إلينا طريقته - قال مخارق: ثم قال لي إبراهيم: هل سمعت مثل هذا؟ / فقلت: ما سمعت قطّ مثله. فلم يزل يردّده عليّ حتى أخذته،
__________
[1] راجع الحاشية رقم 1 ص 179 من هذا الجزء.
[2] كذا في ح، وفي سائر الأصول: «مع تلك العشرة» بتأنيث العدد.
[3] كذا في ط، ء و «نهاية الأرب» (ج 4 ص 355 طبع دار الكتب المصرية) والجسرة: الناقة العظيمة. وفي سائر الأصول: «حرة».
ثم قال لي: امض إلى جعفر فافعل به كما فعلت بأخيه وأبيه؛ قال: فمضيت ففعلت مثل ذلك وخبّرته ما كان منهما وعرضت عليه الصوت، فسر به ودعا خادما فأمره بضرب الستارة وأحضر الجارية وقعد على كرسيّ، ثم قال: هات يا مخارق؛ فاندفعت فألقيت الصوت عليها حتى أخذته؛ فقال: أحسنت واللّه يا مخارق وأحسن أستاذك، فهل لك في المقام عندنا اليوم؟ فقلت: يا سيّدي هذا آخر أيّامنا، وإنما جئت لموقع الصوت منّي حتى ألقيته على الجارية؛ فقال: يا غلام احمل معه ثلاثين ألف درهم وإلى الموصليّ ثلاثمائة ألف درهم؛ فصرت إلى منزلي بالمال، فأقمت ومن معي مسرورين نشرب بقيّة يومنا ونطرب، ثم بكّرت إلى إبراهيم فتلقّاني قائما وقال لي: أحسنت يا مخارق؛ فقلت: ما الخبر؟ فقال: اجلس فجلست، فقال لمن خلف الستارة: خذوا فيما أنتم فيه، ثم رفع السّجف فإذا المال؛ فقلت: ما خبر الضّيعة؟ فأدخل يده تحت مسورة [1] هو متّكىء عليها فقال: هذا صكّ الضيعة، سئل عن صاحبها فوجد ببغداد، فاشتراها منه يحيى بن خالد، وكتب إليّ: قد علمت أنك لا تسخو [2] نفسا بشراء الضيعة من مال يحصل لك ولو حيزت لك الدّنيا كلّها، وقد ابتعتها لك من مالي ووجّهت لك بصكّها؛ ووجّه إليّ بصكها وهذا المال كما ترى؛ ثم بكى وقال لي: يا مخارق إذا عاشرت فعاشر مثل هؤلاء، وإذا خنكرت فخنكر [3] لمثل هؤلاء؛/ هذه ستّمائة ألف وضيعة بمائة ألف وستون ألف درهم لك، حصّلنا ذلك أجمع وأنا جالس في مجلسي لم أبرح منه،/ فمتى يدرك مثل هؤلاء!.
طلب إليه موسى الهادي أن يغنيه وله حكمه:
أخبرني يحيى بن علي بن يحيى قال أخبرني أبي عن إسحاق قال:
كان موسى الهادي شكس الأخلاق صعب المزاج [4]، من توقّاه وعرف أخلاقه أعطاه ما أمّل، ومن فتح فاه فاتّفق له أن يفتحه بغير ما يهواه أقصاه واطّرحه، فكان [5] لا يحتجب عن ندمائه ولا عن المغنّين، وكان يكثر جوائزهم وصلاتهم ويواترها [6]؛ فتغنّى أبي عنده يوما؛ فقال له: يا إبراهيم غنّني جنسا من الغناء ألذّ به وأطرب له ولك حكمك؛ فقال: يا أمير المؤمنين، إن لم يقابلني زحل ببرده رجوت أن أصيب ما في نفسك. قال: وكنت لا أراه يصغي إلى شيء من الأغاني إصغاءه إلى النّسيب والرّقيق منه، وكان مذهب ابن سريج عنده أحمد من مذهب معبد، فغنّيته [7]:
وإنّي لتعروني لذكراك هزّة [8] ... كما انتفض العصور بلّله القطر
__________
[1] المسورة: الوسادة من جلد.
[2] في ط، ء: «لا تسخو نفسك».
[3] لعله يريد: إذا غنيت فغن لمثل هؤلاء، فقد ورد في «الأغاني» (ج 17 ص 123 طبعة بولاق) في تعنيف الفضل بن الربيع لحفيده عبد اللّه بن عباس على تعلمه الغناء: « ... وفضحت آباءك في قبورهم وسقطت الأبد إلا من المغنين وطبقة الخيناكرين». وقال صاحب «كتاب الألفاظ الفارسية المعربة»، بعد أن أشار إلى هذه القصة: «هي جمع خيناكر ومعناه المغني». وأخبرنا ممن لديهم معرفة باللغة الفارسية أن «الخيناكر» هو المغني المضحك.
[4] كذا في ح، م. وفي سائر الأصول: «المرام».
[5] لعله: «و كان» بالواو.
[6] واتر الصلات وغيرها: جعل بعضها يتبع بعضا.
[7] في ب، س: «فغنيته قوله» بزيادة كلمة «قوله»، ولعلها زيدت سهوا من الطابع.
[8] كذا في هامش ح، و «الأمالي» (ح 1 ص 149 طبع دار الكتب المصرية)، وهي الرواية المشهورة في هذا البيت والتي تلائم الشطر
فضرب بيده إلى جيب [1] درّاعته فحطّها ذراعا، ثم قال: أحسنت واللّه! زدني، فغنّيت:
فيا حبّها زدني جوّى كلّ ليلة ... ويا سلوة الأيّام موعدك الحشر
/ فضرب بيده إلى درّاعته فحطّها ذراعا آخر أو نحوه، وقال: زدني ويلك! أحسنت واللّه، ووجب حكمك يا إبراهيم؛ فغنّيت:
هجرتك حتى قيل لا يعرف الهوى ... وزرتك حتى قيل ليس له صبر
فرفع صوته وقال: أحسنت، للّه [2] أبوك! هات ما تريد؛ قلت: يا سيّدي، عين مروان بالمدينة؛ فدارت عيناه في رأسه حتى صارتا كأنهما جمرتان، وقال: يابن اللّخناء أردت أن تشهرني بهذا المجلس فيقول الناس: أطربه فحكّمه، فتجعلني سمرا وحديثا! يا إبراهيم الحرّاني: خذ بيد هذا الجاهل إذا قمت، فأدخله في بيت مال الخاصّة، فإن أخذ كلّ ما فيه فخلّه وإيّاه؛ فدخلت فأخذت خمسين ألف دينار.
نسبة هذا الصوت
صوت
عجبت لسعي الدّهر بيني وبينها ... فلما انقضى ما بيننا سكن الدهر
فيا حبّها زدني جوى كلّ ليلة ... ويا سلوة الأيّام موعدك الحشر
ويا هجر ليلى قد بلغت بي المدى ... وزدت على ما ليس يبلغه الهجر
وإني لتعروني لذكراك هزّة ... كما انتفض العصفور بلّله القطر
هجرتك حتى قيل لا يعرف الهوى ... وزرتك حتى قيل ليس له صبر
أما والذي أبكي وأضحك والذي ... أمات وأحيا والذي أمره أمر
لقد تركتني أحسد الوحش أن أرى ... أليفين منها لا يروعهما الذّعر [3]
- الشعر لأبي صخر الهذليّ. والغناء لمعبد، وأوّل لحنه «و يا هجر ليلى» وبعده الثاني ثم الأوّل من الأبيات ثاني ثقيل بالبنصر عن عمرو. ولابن سريج في السادس/ والسابع والرابع والخامس ثقيل أوّل عن الهشاميّ.
ولعريب في السادس والسابع/ والرابع والخامس ثقيل أوّل أيضا، وللواثق فيها رمل، وهو مما صنعه الواثق قبلها فعارضته بلحنها. وقد نسب قوم لحن معبد إلى ابن سريج ولحن ابن سريج إلى معبد.
اشترى جارية لجعفر بن يحيى فاستكثر ثمنها فأجابه:
أخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد بن إسحاق عن أبيه قال:
اشترى جدّك إبراهيم لجعفر بن يحيى جارية مغنّية بمال عظيم، فقال جعفر: أيّ شيء تحسن هذه الجارية
__________
الثاني وما فيه من تشبيه. وفي جميع الأصول: «فترة». والفترة: الضعف.
[1] الدراعة: جبة مشقوقة المقدم. وجيبها: طوقها.
[2] في ح: «للّه درك».
[3] كذا في ب، س. وفي سائر الأصول: «النفر».
حتى بلغت بها هذا المال كلّه؟ قال: لو لم تحسن شيئا إلا أنها تحكي قولي:
لمن الدّيار ببرقة [1] الرّوحان
لكانت تساويه وزيادة؛ فضحك جعفر وقال: أفرطت!
نسبة هذا الصوت
صوت
لمن الديار ببرقة الرّوحان ... إذ لا نبيع زماننا بزمان
صدع الغواني إذ رمين فؤاده ... صدع الزّجاجة ما لذاك تدان
إن زرت أهلك لم أنوّل حاجة ... وإذا هجرتك شفّني هجراني
الغناء لمعبد، فيما ذكره الهشاميّ وأحمد بن المكيّ، ثقيل أوّل بالوسطى، ونسبه غيرهما إلى حنين، وقال آخرون: إنه للغريض، وذكر حبش أنه ليزيد حوراء. وفيه لإبراهيم خفيف رمل بالبنصر.
عدد أصواته:
أخبرني الحسين عن حمّاد قال قال لي أبي:
صنع جدّك تسعمائة صوت، منها ديناريّة، ومنها درهميّة، ومنهما فلسيّة، وما رأيت أكثر من صنعته؛ فأمّا ثلاثمائة منها فإنه تقدّم الناس جميعا فيها، وأمّا ثلاثمائة، فشاركوه وشاركهم فيها، وأمّا الثلاثمائة الباقية، فلعب وطرب؛ قال: ثم أسقط أبي الثلاثمائة الآخرة بعد ذلك من غناء أبيه، فكان إذا سئل عن صنعة أبيه قال: هي ستّمائة صوت.
وقال أحمد بن حمدون قال لي إسحاق: من غناء أبي الذي أكرهه وأستزريه صوته في شعر العبّاس بن الأحنف:
أبكي ومثلي بكى من حبّ جارية
فما أعلم له فيه معنى إلا استحسانه للشعر، فإن العباس أحسن فيه جدّا.
نسبة هذا الصوت
صوت
أبكي ومثلي بكى من حبّ جارية ... لم يخلق اللّه لي في قلبها لينا
هل تذكرين وقوفي عند بابكم ... نصف النهار وأهل الدار لاهونا
الشعر للعبّاس بن الأحنف، والغناء لإبراهيم خفيف رمل بالوسطى.
__________
[1] برقة الروحان: روضة باليمامة تنبت الرمث (و هو شجر يشبه الغضي).
سئل ابنه إسحاق عن طعنه على أبيه في صوت له فأجاب:
أخبرني جحظة قال أخبرني حمّاد بن إسحاق قال:
قال رجل لأبي: أخبرني عنك، لم طعنت على أبيك في صنعته:
قال لي فيها عتيق مقالا ... فجرت مما يقول الدموع
قال: لأنه تعرّض لابن عائشة وله في هذا الشعر صنعة، وابن عائشة ممن لا يعارض فلم يقاربه، وعلى أن صنعة أبي من جيّد الغناء لو كان صنعها في غير هذا الشعر، ولكنها اقترنت/ بصنعة ابن عائشة فلم تقاربها، فسقط عندي لذلك.
نسبة هذا الصوت
صوت
قال لي فيها عتيق مقالا ... فجرت ممّا يقول الدموع
قال لي ودّع سليمى ودعها ... فأجاب القلب لا أستطيع
الشعر لعمر بن أبي ربيعة. والغناء لمعبد ثقيل أوّل بالوسطى عن عمرو، وقيل: إنه لابن عائشة. وفيه ثاني ثقيل ينسب إلى الهذليّ. وفيه خفيف ثقيل ينسب إلى ابن عائشة وإلى إبراهيم.
قصته بالريّ مع جارية من تلميذاته:
أخبرني الحسن بن عليّ قال أخبرني عبد اللّه بن أبي سعد قال حدّثني محمد [1] بن عبد اللّه بن مالك قال حدّثني إسحاق عن أبيه قال:
دخلت الرّيّ [2] فكنت آلف فتيانا من أهل النّعم بها وهم لا يعرفونني، فطال ذلك عليّ إلى أن دعاني أحدهم ليلة إلى منزله فبتّ عنده، فأخرج جارية له ومدّ لها ستارة فتغنّت خلفها، فرأيتها صالحة الأداء كثيرة الرواية، فشوّقتني إلى العراق وذكّرتني أيّامي بها، فدعوت بعود، فلما جيء به اندفعت فغنّيت صوتي في شعري:
أنا بالرّيّ مقيم ... في قرى الرّيّ أهيم
وقد كنت صنعت هذا اللحن قديما بالرّيّ؛ فخرجت الجارية من وراء السّتارة مبادرة إليّ، فأكبّت على رأسي وقالت: أستاذي واللّه!؛ فقال لها مولاها: أيّ أستاذيك هذا؟ قالت: إبراهيم الموصليّ؛ فإذا هي إحدى الجواري اللّاتي أخذن/ عني وطال العهد بها؛ فأكرمني مولاها وبرّني وخلع عليّ، فأقمت مدّة بعد ذلك بالرّيّ وانتشر خبري بها، ثم كتب بحملي إلى والي البلد فأشخصت.
__________
[1] كذا في ط، ء، هنا وفيما سيأتي في جميع الأصول في أكثر من موضع. وفي سائر الأصول هنا: «محمد بن عبد الملك» وهو تحريف.
[2] الريّ: مدينة مشهورة من أمهات البلاد وأعلام المدن كثيرة الفواكه والخيرات، وهي محط الحاج على طريق السابلة، وقصبة بلاد الجبال، بينها وبين نيسابور مائة وستون فرسخا وإلى قزوين سبعة وعشرون فرسخا. (راجع «معجم ياقوت» في كلامه عليها).
أرسل وهو في الحبس شعرا لبعض إخوانه فلما وقف عليه المهدي رق له وأطلقه:
أخبرني الحسن قال حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد قال حدّثني أبو توبة صالح بن محمد قال حدّثني القطرانيّ عن محمد بن جبر عن يحيى المكّيّ قال:
كنّا يوما بين يدي المهديّ وقد حبس إبراهيم الموصليّ وضربه وأمر بأن يلبس جبّة صوف، وكان يخرج على تلك الحال فيطرح على الجواري؛ فكتب إلينا ذات يوم، ونحن مصطبحون وقد جادت [1] السماء بمطر صيّف [2]، وبحضرتنا شيء من ورد مبكّر:
ألا من مبلغ قوما ... من اخواني وجيراني
هنيئا لكم الشّرب ... على ورد وتهتان [3]
وأنّي مفرد وحدي ... بأشجاني وأحزاني
فمن جفّ له جفن ... فجفناي يسيلان
قال: فوقف المهديّ على رقعته وقرأها فرقّ له وأمر بطلبه في الوقت، ثم أطلقه بعد بأيّام.
شغف بجارية عليّ اليماني وقال فيها شعرا:
أخبرني الحسن قال حدّثنا هارون بن محمد بن عبد الملك قال حدّثني ابن المكّيّ عن أبيه قال:
كانت لعليّ اليمانيّ جارية فهويها إبراهيم واستهيم بها زمانا، وقال فيها:
صوت
كنت حرّا فصرت عبد اليماني ... من هوى شادن هواه براني
/ وهو نصفان من قضيب ودعص [4] ... زان صدر القضيب رمّانتان
اللحن لإبراهيم في هذين البيتين ثاني ثقيل بالبنصر عن عمرو. وقد زعم قوم أن الشعر للحسين [5] بن الضّحاك.
نصح ابنه إسحاق بعض آل نهيك في الغناء فلامه فلما عرف هو أدب النهيكي عنى به:
أخبرني إسماعيل بن يونس قال حدّثنا عمر بن شبّة عن إسحاق قال:
كان بعض أهل نهيك [6] قد تعاطى الغناء، فلمّا ظنّ أنه قد أحكمه شاورني وأبي حاضر، فقلت له: إن قبلت
__________
[1] في الأصول: «جاءت».
[2] الصيف (بتشديد الياء): المطر الذي يجيء في الصيف، واحده صيفة (بتشديد الياء)، يقال: أصابتنا صيفة غزيرة أي مطرة غزيرة في الصيف.
[3] هتنت السماء (من باب ضرب) هتنا وهتونا وهتنانا وتهتانا: انصبت.
[4] الدعص (بالكسر): كثيب الرمل.
[5] كذا في ط، ء. وقد أورد له أبو الفرج ترجمة في (ج 6 ص 170 طبع بولاق). وفي سائر الأصول: «للحسن»، وهو تحريف.
[6] لعله من أسرة عثمان بن نهيك أحد قوّاد المنصور والذي كلفه المنصور قتل أبي مسلم الخراساني حين يدخل عليه.
منّي فلا تغنّ فلست فيه كما أرضى؛ فصاح أبي عليّ صيحة شديدة ثم قال لي: وما يدريك يا صبيّ! ثم أقبل على الرجل فقال: أنت يا حبيبي بضدّ ما قال، وإن لزمت الصّناعة برعت فيها؛ فلما خلا بي قال لي: يا أحمق! ما عليك أن يخزي اللّه مائة ألف مثل هذا! هؤلاء أغنياء ملوك، وهم يعيّروننا بالغناء، فدعهم يتهتكوا به ويعيّروا ويفتضحوا ويحتاجوا إلينا فننتفع بهم، ويبين فضلنا لدى الناس بأمثالهم. قال: ولزمه النّهيكيّ يأخذ عنه ويبرّه فيجزل، فكان إذا غنّى فأحسن قال له: بارك اللّه فيك، وإذا أساء قال: بارك اللّه عليك؛ وكثر ذلك منه حتّى عرف النّهيكيّ معناه فيه، فغنّى يوما وأبي ساه عنه فسكت ولم يقل له شيئا؛ فقال له: جعلت فداك، يا أستاذي، أهذا الصوت من أصوات «فيك» / أم «عليك»؟ فضحك أبي ولم يكن علم [1] أنه قد فطن لقوله، ثم قال له: واللّه لأقبلنّ عليك حتّى تصير كما تشتهي، فإنك ظريف أديب؛ وغني به حتى حسن غناؤه وتقدّم. وفيه يقول أبي:
أوجب اللّه لك الح ... قّ على مثلي بظرفك
لن تراني بعد هذا ... ناطقا إلّا بوصفك
وترى القوّة فيما ... تشتهيه بعد ضعفك
احتكم إليه مخارق وإسحاق فحكم لإسحاق:
أخبرني إسماعيل قال حدّثني عمر بن شبّة عن إسحاق، أخبرني به الصّوليّ عن عون بن محمد عن إسحاق قال:
غنّى مخارق بين يدي الرشيد صوتا فأخطأ في قسمته؛ فقلت له: أعد فأعاده، وكان الخطأ خفيّا، فقلت للرّشيد: يا سيّدي، قد أخطأ فيه؛ فقال لإبراهيم بن المهديّ: ما تقول فيما ذكره إسحاق؟ قال: ليس الأمر كما قال، ولا هاهنا خطأ؛ فقلت له: أترضى بأبي؟ قال: إي واللّه، وكان أبي في بقايا علّة؛ فأمر الرشيد بإحضاره ولو محمولا، فجيء به في محفّة؛ فقال لمخارق: أعد الصوت، فأعاده: فقال: ما عندك يا إبراهيم في هذا الصوت؟
فقال: قد أخطأ فيه؛ فقال له: هكذا قال ابنك إسحاق، وذكر أخي إبراهيم أنه صحيح؛ فنظر إليّ ثم قال: هاتوا دواة، فأتي بها وكتب شيئا لم يقف عليه أحد ثم قطعه ووضعه بين يدي الرشيد، وقال لي: اكتب بذكر الموضع الفاسد من قسمة هذا الصوت، فكتبته وألقيته فقرأه وسرّ، وقام فألقاه بين يدي الرشيد، فإذا الذي قلناه جميعا متفق؛ فضحك وعجب، ولم يبق/ أحد في المجلس إلا قرّظ وأثنى ووصف، ولا أحد خالف إلّا خجل وذلّ وأذعن.
وقال أبي في ذلك:
ليت من لا يحسن العل ... م كفانا شرّ علمه
فاخبر الحقّ ابتداء ... وقس العلم بفهمه
طيّب الرّيحان لا تع ... رفه إلا بشمّه
حديث بين ابنه إسحاق والرشيد في المال الذي أخذه هو من الرشيد:
حدّثني جحظة قال حدّثني هبة اللّه، وحدّثني محمد بن مزيد قال حدّثنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه قال:
غنّى أبي يوما بحضرة الرشيد:
__________
[1] كذا في ح. وفي أ، م: «و لم يكن علم اللّه أنه ... إلخ». وفي سائر الأصول: «و لم يكن علم أبي أنه ... إلخ».
سلي هل قلاني من عشير صحبته ... وهل ذمّ رحلي في الرّفاق رفيق
فطرب واستعاده وأمر له بعشرين ألف درهم، فلما كان بعد سنين [1]، خطر ببالي ذلك الصوت وذكرت قصّته، فغنّيته إياه؛ فطرب وشرب، ثم قال لي: يا إسحاق، كأني في نفسك ذكرت حديث أبيك وأنّي أعطيته ألف دينار على هذا الصوت فطمعت في الجائزة!؛ فضحكت ثم قلت: واللّه يا سيّدي ما أخطأت؛ فقال: قد أخذ ثمنه أبوك مرّة فلا تطمع؛ فعجبت من قوله، ثم قلت: يا سيّدي، قد أخذ أبي منك أكثر من مائتي [2] ألف دينار ما رأيتك ذكرت منها غير هذا الألف على بختي [3] أنا؛ فقال: ويحك! أكثر من مائتي [2] ألف دينار؟! قلت: إي واللّه!؛ فوجم وقال:
أستغفر اللّه من ذلك، ويحك! فما الذي خلّف منها؟ قلت: خلّف/ عليّ ديونا مبلغها خمسة آلاف دينار قضيتها عنه؛ فقال: ما أدري أيّنا أشدّ تضييعا! واللّه المستعان.
نسبة هذا الصوت
صوت
سلي هل قلاني من عشير صحبته ... وهل ذمّ رحلي في الرّفاق رفيق
وهل يحتوي القوم الكرام صحابتي ... إذا اغبرّ مخشيّ الفجاج عميق [4]
ولو تعلمين الغيب أيقنت أنّني ... لكم والهدايا المشعرات [5] صديق
الشعر ينسب إلى مضرّس بن قرط [6] الهلاليّ وإلى قيس بن ذريح، وفيه بيت يقال: إنه لجرير. والغناء مختلط في أشعار الثلاثة المذكورين، ونسبته تأتي في أخبار قيس بن ذريح، إلا أن الغناء في هذه الثلاثة الأبيات لمعبد ثقيل أوّل بالخنصر في [7] مجرى البنصر عن إسحاق.
رأى وهو في سرداب له سنورتين تغنيان فحفظ الصوت:
أخبرني عمّي قال حدّثني عبد اللّه بن أبي سعد قال حدّثتني نشوة الأشنانية [8] قالت أخبرني أبو عثمان يحيى المكيّ قال:
تشوّق يوما إبراهيم الموصليّ إلى سرداب له، وكانت فيه بركة ماء تدخل من موضع إليه وتخرج إلى بستان، فقال: أشتهي أن أشرب يومي وأبيت ليلتي في هذا/ السرداب ففعل ذلك، فبينا هو نائم في نصف الليل فإذا
__________
[1] كذا في ط، ء. وفي سائر الأصول: «سنتين».
[2] في م: «مائة ألف دينار».
[3] قال صاحب «المصباح»: البخت: الحظ وزنا ومعنى وهو أعجميّ ومن هنا توقف بعضهم في كون البخت التي هي أصل البخاتي (أي الإبل) عربية. وفي «الصحاح» و «القاموس» و «شرحه»: أنه معرّب أو مولد. وفي «شفاء الغليل» و «اللسان»: أن العرب تكلمت به. وقال الأزهريّ: لا أدري أعربيّ هو أم لا.
[4] كذا في ط، ء، وهو الموافق لما جاء في «الأمالي» (ج 2 ص 257 طبع دار الكتب المصرية). وفي سائر الأصول: «مخشيّ العجاج سحيق».
[5] الهدايا: ما يهدي إلى البيت الحرام من النعم لتنحر. والمشعرات: المعلمات بعلامة يعرف بها أنها هدى.
[6] كذا في ط، ء و «الأمالي». وفي سائر الأصول: «قرظة» وهو تحريف.
[7] كذا في ط، ء، م. وفي سائر الأصول: «ثقيل أول بالخنصر ومجرى البنصر».
[8] في ط، ء: «نشو الأشناسية».
سنّورتان [1] قد نزلتا من درجة السّرداب، بيضاء وسوداء، فقالت إحداهما: أتراه نائما [2]؟ فقالت السوداء: هو نائم؛ فاندفعت السوداء فغنّت بأحسن صوت:
عفا مزج [3] إلى لصق [4] ... إلى الهضبات من هكر [5]
إلى قاع النّقير [6] إلى ... قرار حلال [7] ذي حدر [8]
قال: فمات إبراهيم فرحا وقال: يا ليتهما أعاداه! فأعاداه مرارا حتى أخذه، ثم تحرّك فقامت السّنّورتان، وسمع إحداهما تقول للأخرى: واللّه لا طرحه على أحد إلا جنّ، فطرحه من غد على جارية له فجنّت.
نسبة هذا الصوت
الغناء فيه لمالك ثقيل أوّل بالوسطى عن يحيى المكّي وعمرو بن بانة.
طلب من الفضل بن يحيى مالا فحصل له عليه ممن قضى حوائجهم:
أخبرني الحسن بن عليّ وعمّي قالا حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد قال حدّثني محمد بن عبد اللّه بن مالك قال حدّثني أبو محمد إسحاق بن إبراهيم عن أبيه قال:
/ أتيت الفضل بن يحيى يوما، فقلت له: يا أبا العبّاس، جعلت فداك! هب لي دراهم فإنّ الخليفة قد حبس يده؛ فقال: ويحك يا أبا إسحاق! ما عندي مال أرضاه لك، ثم قال: هاه! إلّا أن هاهنا خصلة [9] أتانا رسول صاحب اليمن فقضينا حوائجه، ووجّه إلينا بخمسين ألف دينار يشتري لنا بها محبّتنا؛ فما فعلت ضياء جاريتك؟
قلت: عندي، جعلت فداك!؛ قال: فهو ذا، أقول لهم يشترونها منك فلا تنقصها من خمسين ألف دينار؛ فقبلّت رأسه ثم انصرفت؛ فبكّر عليّ رسول صاحب اليمن ومعه صديق لي، فقال: جاريتك فلانة عندك؟ فقلت: عندي؛ فقال: اعرضها عليّ، فأخرجتها؛ قال: بكم؟ قلت: بخمسين ألف دينار ولا أنقص منها دينارا واحدا، وقد أعطاني بها الفضل بن يحيى أمس هذه العطيّة؛ فقال لي: أريدها له؛ فقلت له: أنت أعلم، إذا اشتريتها فصيّرها لمن شئت؛
__________
[1] السنورة: الهرّة.
[2] كذا في أكثر الأصول. وفي ب، س: «نرى نائما».
[3] كذا في أكثر الأصول. ومزج (بالضم ثم السكون): ماء بينه وبين المدينة ثلاثون فرسخا أو نحوها. وفي ب، ح. س: «مزح» (بالحاء المهملة)، وهو تصحيف.
[4] كذا في جميع الأصول، ولم نعثر على هذا الاسم في المرجع التي بين أيدينا. ولعله مصحف عن «لصف» (بالفاء)، وهو بركة غربيّ طريق مكة بين المغيثة والعقبة على ثلاثة أميال من صبيب غربيّ واقصة. (راجع «معجم البلدان» لياقوت و«القاموس» و«شرحه» في «لصف»).
[5] هكر (بفتح أوّله وكسر ثانيه وراء مهملة): موضع على نحو أربعين ميلا من المدينة.
[6] كذا في ط، ء. والنقير (بفتح أوله وكسر ثانيه): موضع بين هجر والبصرة. وفي سائر الأصول: «البقير» بالباء الموحدة، ولم نعثر عليه في المراجع التي بين أيدينا.
[7] حلال (بكسر الحاء وتخفيف اللام): من نواحي اليمن.
[8] كذا في ط، ء. والحدر (بالدال المهملة): ما انحدر من الأرض وهو الصبب. وفي سائر الأصول: «ذي حذر» بالذال المعجمة، وهو تصحيف.
[9] كذا في الأصول، وظاهر سياق الكلام يقتضي أن يكون المراد مخرجا أو فرصة ونحو ذلك. فلعل كلمة «خصلة» محرّفة عما يؤدّي هذا المعنى.
فقال لي: هل لك في ثلاثين ألف دينار مسلّمة لك؟ قال: وكان شراء الجارية على أربعمائة دينار، فلما وقع في أذني ذكر ثلاثين ألفا أرتج عليّ ولحقني زمع [1]، وأشار عليّ صديقي الذي معه البيع، وخفت واللّه أن يحدث بالجارية حدث أو بي بالفضل بن يحيى، فسلّمتها وأخذت المال؛ ثم بكّرت على الفضل بن يحيى، فإذا هو جالس وحده؛ فلما نظر إليّ ضحك، ثم قال لي: يا ضيّق الحوصلة [2]! حرمت نفسك عشرين ألف دينار؛ فقلت له: جعلت فداك، دع ذا عنك، فو اللّه لقد دخلني شيء أعجز عن وصفه وخفت أن تحدث بي حادثة أو بالجارية أو بالمشتري أو بك، أعاذك اللّه من/ كل سوء، فبادرت بقبول الثلاثين ألف دينار؛ فقال: لا ضير، يا غلام جيء بالجارية، فجاء بجاريتي بعينها؛ فقال: خذها مباركا لك فيها، فإنما أردنا منفعتك ولم نرد الجارية؛ فلما نهضت [3]، قال لي: مكانك، إنّ صاحب إرمينية قد جاءنا فقضينا حوائجه ونفذنا كتبه، وذكر أنه قد جاءنا بثلاثين ألف دينار يشتري لنا بها ما نحبّ، فاعرض عليه جاريتك هذه ولا تنقصها من ثلاثين ألف دينار؛ فانصرفت بالجارية وبكّر إليّ رسول صاحب إرمينية ومعه صديق لي آخر، فقاولني بالجارية، فقلت: لست أنقصها من ثلاثين ألف دينار؛ فقال لي: معي على الباب عشرون ألف دينار تأخذها مسلّمة، بارك اللّه لك فيها؛ فدخلني واللّه مثل الذي دخلني في المرّة الأولى وخفت مثل خوفي الأوّل، فسلّمتها وأخذت المال؛ وبكّرت على الفضل بن يحيى فإذا هو وحده؛ فلما رآني ضحك وضرب برجله الأرض وقال: ويحك! حرمت نفسك عشرة آلاف دينار؛ فقلت: أصلحك اللّه، خفت واللّه ما خفت في المرّة الأولى؛ قال: لا ضير، أخرج يا غلام جاريته؛ فجاء بجاريتي بعينها، فقال: خذها، ما أردناها ولا أردنا إلا منفعتك [4]؛ فلما ولّت الجارية صحت بها: ارجعي فرجعت؛ فقلت: أشهدك، جعلت فداك، أنها حرّة لوجه اللّه وأني قد تزوّجتها على عشرة آلاف درهم، كسبت لي في يومين/ خمسين ألف دينار، فما جزاؤها إلا هذا؛ فقال:
وفّقت إن شاء اللّه.
سمع أحد الخمارين غناءه فبهت:
أخبرني الحسن بن عليّ قال أخبرني عبد اللّه بن أبي سعد قال حدّثني محمد بن عبد اللّه بن مالك قال حدّثني إسحاق قال قال لي أبي:
/ كنت في شبابي ألازم أصحاب قطربلّ [5] وباري [6] وبنّى [7] وما أشبه هذه المنازل [8]، فأتخذ فيهم الخمّار
__________
[1] الزمع (بالتحريك): شبه رعدة تأخذ الإنسان.
[2] ضيق الحوصلة هنا كناية عن التسرّع وشدّة الحرص. وفي كتاب «ما يعوّل عليه في المضاف والمضاف إليه» أن ضيق الحوصلة يكنى به عن البخل.
[3] كذا في ط، ء. وفي سائر الأصول: «ذهبت لأقوم».
[4] كذا في ط، ء. وفي سائر الأصول: «ما أردنا إلا منفعتك».
[5] قطربل (بضم أوّله وإسكان ثانيه وضم الراء المهملة أو فتحها، وتشديد الباء المضمومة، ويروى بفتح أوّله وطائه): قرية بين بغداد وعكبرا تنسب إليها الخمر، كانت متنزها للبطالين وحانة للخمارين وقد أكثر الشعراء من ذكرها. (راجع «معجم البلدان» لياقوت و«معجم ما استعجم» للبكري).
[6] باري (بكسر الراء): قرية من أعمال كلواذي من نواحي بغداد، كانت بها بساتين ومتنزهات، يقصدها أهل البطالة.
[7] بنى (بكسر أوّله وتشديد ثانيه والقصر): قرية على شاطىء دجلة من نواحي بغداد بينهما نحو فرسخين، وهي تحت كلواذي، وكانت في بغداد قريتان تسميان بهذا الاسم. وإحداهما أراد أبو نواس حين قال:
ما أبعد الرشد من قلب تضمنه ... قطر بل فقري بني فكلواذي
(انظر «معجم البلدان» لياقوت).
[8] في ط، ء: «المواخير».
اللطيف، يحسبوني [1] بالشراب الجيّد ويخبؤه لي، فجئت إلى باري يوما فلقيني خمّاري، فقال لي: يا أبا إسحاق عندي شيء من بابتك [2]، وقد كنت عملت لحني هذا:
صوت
اشرب الرّاح وكن في ... شربك الرّاح وقورا
فاشرب الرّاح رواحا ... وظلاما وبكورا
- الشعر والغناء لإبراهيم خفيف ثقيل بالسبابة في مجرى الوسطى [3]. وفيه لمنصور زلزل الضارب خفيف رمل عن حبش - قال: فدخلت بيته وبزلت [4] دنّه وجعلت أرجّع الصوت؛ فبهت ينظر إليّ والنبيذ يجري حتى امتلأ الإناء وفاض؛ فقلت له: ويحك! شرابك قد فاض؛ فقال: دعني من شرابي، باللّه مات لك إنسان في هذه الأيام؟ فقلت:
لا؛ قال: فما بال حلقك هذا حزينا [5]؟.
ألقى على مخارق صوتا فلما أخذه بكى ومدحه:
أخبرني الحسن بن علي قال حدّثنا هارون بن محمد بن عبد الملك الزيّات قال حدّثني حمّاد بن إسحاق عن عمّه طيّاب بن إبراهيم قال:
دخلت على أبي يوما وعنده مخارق وأبي يلقي عليه هذا الصوت:
صوت
طربت وأنت معنيّ كئيب ... وقد يشتاق ذو الحزن الغريب
وشاقك بالموقّر [6] أهل خاخ [7] ... فلا أمم هناك ولا قريب
وكم لك دونها من عرض أرض ... كأنّ سرابها الجاري سبيب
لعمرك إنّني برقيم [8] قيس ... وجارة أهلها لأنا الحريب
__________
[1] كذا في ط، ء، م. وفي باقي الأصول: «فيجيئني».
[2] البابة: الوجه والمذهب. وفي «اللسان»: «يقال: هذا شيء من بابتك أي يصلح لك».
[3] في ط، ء: «في مجرى البنصر».
[4] بزل الدنّ: ثقبه ليسيل ما به من خمر.
[5] في ب، س: «زين» بدون ألف في آخره. وفي سائر الأصول: «حزين حزين» مكرّرا.
[6] الموقر: اسم موضع من عمل البلقاء بنواحي دمشق. ثم قال البكريّ في «معجم ما استعجم»: «و في شعر الأحوص ما ينبئك أن الموقر من شق اليمن قال:
ألا طرقتنا بالموقر شغفر ... ومن دون مسراها قديد وعزور
بواد يمان نازح جل نبته ... غضا وأراك ينضح الماء أخضر»
[7] خاخ: موضع بين الحرمين، ويقال له: روضة خاخ بالقرب من حمراء الأسد بالمدينة.
[8] لم نوفق إلى «رقيم قيس» في المراجع التي بين أيدينا، والموجود «الرقيم» بدون إضافة، وهو موضع بقرب البلقاء من أطراف الشام، كان ينزله يزيد بن عبد الملك. فلعل رقيم قيس هو هذا الرقيم. ويرجح هذا أن الشعر هنا يدل على أن «رقيم قيس» قريب من «الموقر» الذي هو بجهة البلقاء. وقد ورد «الرقيم» مع «الموقر» هذا في شعر كثير يمدح يزيد بن عبد الملك:
يزرن على تنائيه يزيدا ... بأكناف الموقر والرقم
- الشعر للأحوص، والغناء لإبراهيم ما خوريّ بالبنصر عن عمرو - قال: فلما أخذه مخارق جعل أبي يبكي، ثم قال له: يا مخارق، نعم وسيلة [1] إبليس أنت في الأرض، أنت واللّه بعدي صاحب اللّواء في هذا الشأن.
استفزه ابنه إسحاق فتفاخرا في الغناء فحكم له:
أخبرني الحسن بن عليّ وعمّي قالا حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد قال حدّثني محمد بن عبد اللّه بن مالك عن إسحاق قال:
لما صنع أبي لحنه في:
ليت هندا أنجزتنا ما تعد ... وشفت أنفسنا مما تجد
خاصمته وعبته في صنعته، وقلت له: أما بإزائك من ينتقد أنفاسك ويعيب محاسنك وأنت لا تفكّر! تجيء إلى صوت قد عمل فيه ابن سريج لحنا فتعارضه بلحن لا يقاربه والشعر أوسع من ذلك! فدع ما قد اعتورته [2] صناعة القدماء وخذ في غيره؛ فغضب، وكنت لا أزال أفاخره بصنعتي وأعيب ما يعاب من صنعته، فإن قبل منّي فذلك، وإن غضب داريته وترضّيته؛ فقال لي: ما يعلم اللّه أني أدعك أو تفاخرني بخير صوت صنعته في الثقيل الثاني في طريقة هذا الصوت؛ فلمّا رأيت الجدّ منه اخترت صنعتي في هذا اللّحن:
قل لمن صدّ عاتبا ... ونأى عنك جانبا
/ قد بلغت الذي أرد ... ت وإن كنت لاعبا
وكان ماتجاريناه ونحن نتساير خارجين إلى الصحراء نقطع فضلة خمار بنا [3]؛ فقال: من تحبّ أن يحكم بيني وبينك؟ فقلت: من ترى أن يحكم هاهنا؟ قال: أوّل من يطلع [علينا] [4] أغنّيه لحني وتغنّيه لحنك؛ فطمعت فيه وقلت نعم؛ فأقبل شيخ نبطيّ يحمل شوكا على حمار له، فأقبل عليه أبي فقال: إنّي وصاحبي هذا قد تراضينا بك في شي ء؛ قال: وأيّ شيء هو؟ فقلنا: زعم كلّ واحد منّا أنه أحسن غناء من صاحبه،/ فتسمع منّي ومنه وتحكم؛ فقال: على اسم اللّه؛ فبدأ أبي فغنّى لحنه، وتبعته فغنّيت لحني، فلما فرغت أقبل عليّ فقال لي: قد حكمت عليك عافاك اللّه ومضى؛ فلطمني أبي لطمة ما مرّ بي مثلها منه قطّ، وسكتّ فما أعدت عليه حرفا ولا راجعته بعد ذلك في هذا المعنى حتى افترقنا.
نسبة هذين الصوتين
صوت
ليت هندا أنجزتنا ما تعد ... وشفت أنفسنا ممّا تجد
واستبدّت مرّة واحدة ... إنما العاجز من لا يستبدّ
__________
[1] كذا في ط، ء. وفي سائر الأصول: «نعم فيشلة ... ».
[2] اعتور الشي ء: تداوله وتعاطاه.
[3] كذا في ط، ء والخمار: بقبة السكر. وفي سائر الأصول: «خمارينا» بالتثنية.
[4] زيادة عن ط، ء.
زعمرها سألت جاراتها [1] ... ذات يوم وتعرّت تبترد [2]
أكما ينعتني تبصرنني ... عمركنّ اللّه أم لا يقتصد
فتضاحكن [3] وقد قلن لها ... حسن في كلّ عين من تودّ
حسدا حمّلنه من أجلها ... وقديما كان في الناس الحسد
الشعر لعمر بن أبي ربيعة. ولحن إبراهيم فيه ثاني ثقيل بالوسطى. وفيه لابن سريج رمل بالخنصر في مجرى البنصر. وفيه لمالك خفيف ثقيل بالخنصر والبنصر عن يحيى المكيّ، وذكره إسحاق في هذه الطريقة ولم ينسبه إلى أحد، وقال الهشاميّ: أدلّ شيء على أنه لمالك شبهه للحنه:
اسلمي يا دار من هند
/ وفيه لمتيّم ثقيل أوّل. وأما لحن إسحاق الذي فاخر به صنعة أبيه، فقد كتب شعره والصنعة فيه - وهما جميعا لإسحاق، ولحنه ثاني ثقيل بالوسطى عن عمرو - في أخبار إسحاق.
كان زلزل في الحبس فعمل فيه إبراهيم شعرا وغناه الرشيد فأطلقه:
وذكر أحمد بن أبي طاهر أنّ حمّاد بن إسحاق حدّثه عن أبيه قال:
كان الرشيد قد وجد على منصور زلزل لشيء بلغه عنه، فحبسه [5] عشر سنين أو نحوها؛ فقام الرشيد يوما لحاجته، فجعل إبراهيم يغنّي صوتا صنعه في شعر كان قاله في حبس زلزل، وهو:
هل دهرنا بك راجع يا زلزل ... أيّام يبغينا العدوّ المبطل
أيام أنت من المكاره آمن ... والخير متّسع علينا مقبل
يا بؤس من فقد الإمام وقربه ... ماذا به من ذلّة لو يعقل
ما زلت بعدك في الهموم مردّدا ... أبكي بأربعة [6] كأنّي مثكل
- الشعر والغناء لإبراهيم خفيف ثقيل بالوسطى عن عمرو - قال: ودخل الرشيد وهو في ذلك/ فجلس في مجلسه، ثم قال: يا إبراهيم، أيّ شيء كنت تقول؟ فقال: خيرا يا سيّدي؛ فقال: هاته فتلكّأ، فغضب الرشيد وقال:
هاته فلا مكروه عليك، فردّ الغناء؛ فقال له: أتحبّ أن تراه؟ فقال: وهل ينشر أهل القبور؟ فقال: هاتوا زلزلا، فجاءوا به وقد ابيضّ رأسه ولحيته فسرّ به إبراهيم؛ وأمره فجلس، وأمر/ إبراهيم فغنّى وضرب عليه فزلزلا الدنيا، وشرب الرشيد على ذلك رطلا، وأمر بإطلاق زلزل وأسنى جائزتهما ورضي عنه وصرفه إلى منزله. قال: وزلزل
__________
[1] في ب، س: «جارتها» بالإفراد.
[2] تبترد: تغتسل بالماء البارد.
[3] في «الكامل» للمبرد: «فتهانفن». والإهناف والمهانفة والتهانف: ضحك فيه فتور كضحك المستهزى ء. وخصه بعضهم بضحك النساء. (راجع «الكامل» للمبرد ص 594 طبع ليبزج والحاشية رقم 3 ص 186 من الجزء الأول من «الأغاني» من هذه الطبعة).
[4] كذا في ط، ء. وفي سائر الأصول: «و الشعر جميعا ... ».
[5] كذا في ط، ء. وفي سائر الأصول: «فحبسه عنه» بزيادة كلمة عنه.
[6] يريد بالأربعة: اللحاظين والموقين للعنيين، فإن الدمع يجري من الموقين فإذا غلب وكثر جرى من اللحاظين أيضا.
أوّل من أحدث هذه العيدان الشّبابيط [1]، وكانت قديما على عمل عيدان الفرس، فجاءت عجبا من العجب. قال:
وكانت أخت زلزل تحت إبراهيم، وقد ولدت منه.
حديثه عن أوّل أستاذ له في الغناء:
أخبرني محمد بن مزيد عن حمّاد بن إسحاق عن أبيه قال:
أوّل من تعلّمت منه الغناء مجنون، كان إذا صيح به: يا مضر، يهيج ويرجم؛ فبلغني أنه يغنّي أصواتا فيجيدها، أخذها عن قدماء أهل الحجاز، فكنت أدخله إليّ فأطعمه وأسقيه وأخدعه حتى آخذ عنه، وكان حاذقا؛ فأوّل صوت أخذته عنه:
أرسلي بالسّلام يا سلم إنّي ... منذ علّقتكم غنيّ فقير
فالغنى إن ملكت أمرك والفق ... ر بأنّي أزور من لا يزور
ويح نفسي! تسلو النفوس ونفسي ... في هوى الرّيم ذكرها ما يحور
من لنفس تتوق أنت هواها ... وفؤاد يكاد فيك يطير
ثم مكثت زمانا آخذ عنه، وكان إذا عاد إليه عقله من أحذق الناس وأقومهم على ما يؤدّيه؛ ثم غاب عنّي فما أعرف خبره.
وهذا الشعر للوليد بن يزيد. والغناء ليونس خفيف رمل مطلق في مجرى البنصر عن إسحاق، وذكر غيره أنه لعمر [2] الواديّ، وفيه لوجه القرعة ثاني ثقيل بالوسطى عن حبش.
خرج مع الرشيد إلى الشام فأحسن إليه وخلع عليه ثيابه:
أخبرني محمد بن مزيد قال حدّثنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه عن جدّه قال:
خرجت مع الرشيد إلى الشأم لمّا غزا، فدعاني يوما فدخلت إليه إلى مجلس لم أر أحسن منه مفروش بأنواع الرّخام، فأكل وأمرني فأكلت معه، وجعلت أتولّى خدمته إلى العصر، ثم دعا بالنبيذ فشرب وسقاني معه، ثم خلع عليّ خلعة وشى من ثيابه وأمر لي بألف دينار، ثم قال: انظر يا إبراهيم، كم من يد أوليتك إيّاها اليوم! نادمتني مفردا، واكلتني، وخلعت عليك ثيابي من بدني، ووصلتك، وأجلستك في إيوان مسلمة بن عبد الملك تشرب معي؛ فقلت: يا سيّدي، ما ذهب عليّ شيء من تفضّلك، وإنّ نعمك عندي لأكثر من أن تحصى، وقبّلت رجله والأرض بين يديه.
هو أوّل من غنى الرشيد بعد أن ولى الخلافة بشعر له فيه:
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا أحمد بن زهير قال قال دعبل بن عليّ:
لمّا ولى الرشيد الخلافة وجلس للشرب بعد فراغه من إحكام الأمور ودخل عليه المغنّون، كان أوّل من غنّاه إبراهيم الموصليّ بشعره فيه، وهو:
__________
[1] الشبابيط: جمع شبوط، وهو ضرب من السمك دقيق الذنب عريض الوسط لين المس صغير الرأس كأنه بربط: (عود).
[2] في ب، س: «لعمرو الوادي»، وهو تحريف.
صوت
إذا ظلم البلاد [1] تجلّلتنا ... فهارون الإمام لها [2] ضياء
بهارون استقام العدل فينا ... وغاض الجور وانفسح الرجاء
/ رأيت الناس قد سكنوا إليه ... كما سكنت إلى الحرم الظّباء
تبعت من الرسول سبيل حقّ ... فشأنك في الأمور به اقتداء
/ فقال له الخادم من خلف الستارة: أحسنت يا إبراهيم في شعرك وغنائك، وأمر له بعشرين ألف درهم.
لحن إبراهيم في هذا الصوت ثقيل أوّل بالسبّابة والوسطى عن أحمد بن المكّي.
دخل على قوم يغنيهم هاشم بن سليمان فلما عرفوه أكرموه، وشعره في ذلك:
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثني يزيد بن محمد المهلّبيّ قال حدّثني أبي قال:
كنت أنا وأبو سعيد النّهديّ [3] وهاشم بن سليمان المغنّي يوما مجتمعين في بستان لنا ونحن نشرب وهاشم يغنّينا؛ فلمّا توسّطنا أمرنا إذا نحن برجل قد دخل علينا البستان جميل الهيئة حسن الزّيّ، فلمّا بصرنا به من بعيد، وثب هاشم يعدو حتى لقيه، فقبّل يده وعانقه، ولم يعرفه أحد منا، فجاء وسلّم سلام الصّديق على صديقه، ثم قال: خذوا في شأنكم، فإني اجتزت بكم فسمعت غناء أبي القاسم فاستخفّني وأطربني، فدخلت إليكم واثقا بأنه لا يعاشر إلّا فتى ظريفا يستحسن هذا الفعل ويسرّه، ولي في هذا إمام وهو عبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب عليه السلام، فإنه سمع غناء عند قوم فدخل بغير إذن ثم قال: إنما أدخلني عليكم مغنّيكم لمّا غنّى:
قل لكرام ببابنا يلجوا ... ما في التّصابي على الفتى حرج
وأنا أعلم أنّ نفوسكم متعلقة بمعرفتي، فمن عرفني فقد اكتفى، ومن جهلني فأنا إبراهيم الموصليّ؛ فقمنا فقبّلنا رأسه وسررنا به أتمّ سرور، وانعقدت بيننا وبينه يومئذ مودّة، ثم غاب عنّا غيبة طويلة، وإذا هاشم قد أنفذ إلينا منه رقعة فيها:
أهاشم هل لي من سبيل إلى التي ... تفرّق همّ النفس في كل مذهب
معتّقة صرفا كأنّ شعاعها ... تضرّم نار أو توقّد كوكب
/ ألا ربّ يوم قد لهوت وليلة ... بها والفتى النّهديّ وابن المهلّب
ندير مداما بيننا بتحيّة ... وتفدية بالنفس والأمّ والأب
سرق عقعق لابنه إسحاق خاتما له فهجاه:
أخبرني محمد بن مزيد قال حدّثنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه قال:
__________
[1] كذا في الأصول. ومع استقامة الكلام به لا يبعد أن يكون: «إذا ظلم البلاء ... ».
[2] في ط، ء: «لنا».
[3] كذا في ب، س، م، أ. وفي ط، ء، ح: «المهري» بالميم والراء. وسيذكر هذا الاسم في الشعر الآتي مضطربا أيضا ففي ب، س:
«النهدي». س، م، أ: «المهدي». وفي ح: «البهري» وفي ط، ء: «المهري»، و «النهديّ» و «المهريّ» من النسب المعروفة ولم نوفق إلى وجه الصواب في هذا الاسم.
كان [1] لي وأنا صبيّ عقعق [2] قد ربّيته وكان يتكلّم بكلّ شيء سمعه، فسرق خاتم ياقوت كان لأبي [3] قد وضعه على تكأته ودخل الخلاء ثم خرج ولم يجده، فطلبه وضرب غلامه الذي كان واقفا، فلم يقف له على خبر؛ فبينا أنا ذات يوم في دارنا إذ أبصرت العقعق قد نبش ترابا فأخرج الخاتم منه ولعب به طويلا، ثم ردّه فيه ودفنه، فأخذته وجئت به إلى أبي، فسرّ بذلك وقال يهجو العقعق:
إذا بارك اللّه في طائر ... فلا بارك اللّه في العقعق
طويل الدّنابى [4] قصير الجناح ... متى ما يجد غفلة يسرق
يقلّب عينين في رأسه ... كأنهما قطرتا زئبق
قصته مع ابن جامع بين يدي الرشيد وما كان منه في رضا الرشيد عن محمد الزف:
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد قال حدّثني أحمد بن المكّيّ، وذاكرت أبا أحمد بن جعفر جحظة بهذا الخبر فقال حدّثني به محمد بن أحمد بن يحيى المكي/ المرتجل [5] عن أبيه عن جدّه، ووجدت هذا الخبر في بعض الكتب عن عليّ بن محمد بن نصر عن جدّه حمدون بن إسماعيل فجمعت الروايات كلّها:
/ أنّ الرشيد قال يوما لجعفر بن يحيى: قد طال سماعنا هذه العصابة على اختلاط الأمر فيها فهلمّ أقاسمك إياها وأخايرك، فاقتسما المغنّين، على أن جعلا بإزاء كل رجل نظيره، وكان ابن جامع في حيّز الرشيد وإبراهيم في حيّز جعفر بن يحيى، وحضر الندماء لمحنة [6] المغنّين، وأمر الرشيد ابن جامع فغنّى صوتا أحسن فيه كلّ الإحسان وطرب الرشيد غاية الطرب، فلما قطعه قال الرشيد لإبراهيم: هات يا إبراهيم هذا الصوت فغنّه؛ فقال: لا واللّه يا أمير المؤمنين ما أعرفه، وظهر الانكسار فيه؛ فقال الرشيد لجعفر: هذا واحد، ثم قال لإسماعيل بن جامع: غنّ يا إسماعيل، فغنّى صوتا ثانيا أحسن من الأول وأرضى في كل حال، فلما استوفاه قال الرشيد لإبراهيم: هاته يا إبراهيم، قال: ولا أعرف هذا؛ فقال: هذان اثنان، غنّ يا إسماعيل، فغنّى ثالثا يتقدّم الصوتين الأوّلين ويفضلهما، فلما أتى على آخره، قال: هاته يا إبراهيم، قال: ولا أعرف هذا أيضا؛ فقال له جعفر: أخريتنا أخزاك اللّه. قال: وأتمّ ابن جامع يومه والرشيد مسرور به، وأجازه بجوائز كثيرة وخلع عليه خلعا فاخرة، ولم يزل إبراهيم منخذلا منكسرا حتى انصرف. قال: فمضى إلى منزله، فلم يستقرّ فيه حتى بعث إلى محمد المعروف بالزّف [7]، وكان محمد من المغنّين المحسنين، وكان أسرع من عرف في أيامه في أخذ صوت يريده أخذه، وكان الرشيد قد وجد عليه في بعض ما يجده الملوك على أمثاله فألزمه بيته وتناساه؛ فقال إبراهيم للزّف: إني اخترتك على من هو
__________
[1] في ب، س، م: «و كان».
[2] العقعق: طائر على قدر الحمامة وهو على شكل الغراب، وجناحاه أكبر من جناحي الحمامة، والعرب تتشاءم به وتضرب به المثل في السرقة والخيانة والخبث.
[3] كذا في ط، ء. وفي سائر النسخ: «فوضعه».
[4] الذنابي: الذنب.
[5] كذا في ط، ء. وفي سائر الأصول: «المرتحل» بالحاء المهملة، وهو تصحيف.
[6] المحنة: الاختبار، يقال: محنه إذا اختبره وجرّبه.
[7] في ط، ء: «الرف» (بالراء المهملة). (راجع الحاشية رقم 2 ص 306 من الجزء الأوّل من «الأغاني» من هذه الطبعة).
أحبّ إليّ منك، لأمر لا يصلح له غيرك، فانظر كيف تكون [1]! قال: أبلغ في ذلك محبّتك إن شاء اللّه تعالى؛ فأدّى إليه الخبر وقال: أريد أن تمضي الساعة/ إلى ابن جامع، فتعلمه أنك صرت إليه مهنّئا بما تهيّأ له عليّ، وتنقّصني [2] وتثلبني [3] وتشتمني، وتحتال في أن تسمع منه الأصوات وتأخذها منه، ولك ما تحبّه من جهتي من عرض من الأعراض مع رضا الخليفة إن شاء اللّه. قال: فمضى من عنده وأستأذن على ابن جامع فأذن له، فدخل وسلّم عليه وقال: جئتك مهنّئا بما بلغني من خبرك، والحمد للّه الذي أخزى ابن الجرمقانيّة [4] على يدك، وكشف الفضل في محلّك من صناعتك؛ قال: وهل بلغك خبرنا؟ قال: هو أشهر من أن يخفى على مثلي؛ قال: ويحك! إنه يقصر عن العيان؛ قال: أيها الأستاذ، سرّني بأن أسمعه من فيك حتى أرويه عنك، وأسقط بيني وبينك الأسانيد؛ قال: أقم عندي حتى أفعل؛ قال: السمع والطاعة؛ فدعا له ابن جامع بالطعام فأكلا ودعا بالشراب، ثم ابتدأ فحدّثه بالخبر حتى انتهى إلى خبر الصوت الأوّل؛ فقال له الزّف: وما هو أيها الأستاذ؟ فغنّاه ابن جامع إياه، فجعل محمد يصفّق وينعر [5] ويشرب وابن جامع مجتهد في شأنه حتى أخذه عنه. ثم سأله عن الصوت الثاني، فغنّاه إياه، وفعل مثل فعله في الصوت الأوّل، ثم كذلك في الصوت الثالث؛ فلما أخذ الأصوات الثلاثة كلّها وأحكمها قال له: يا أستاذ، قد بلغت ما أحبّ، فتأذن لي في الانصراف؟ قال: إذا شئت؛ فانصرف محمد من وجهه إلى إبراهيم؛/ فلما طلع من باب داره قال له: ما وراءك؟ قال: كلّ ما تحب، ادع لي بعود، فدعا له به، فضرب وغنّاه الأصوات؛ قال إبراهيم:
وأبيك/ هي بصورها [6] وأعيانها، ردّدها عليّ الآن، فلم يزل يردّدها حتى صحّت لإبراهيم، وانصرف الزّف إلى منزله؛ وغدا إبراهيم إلى الرشيد، فلما دعا بالمغنّين دخل فيهم، فلما بصر به قال له: أو قد حضرت! أما كان ينبغي لك أن تجلس في منزلك شهرا بسبب ما لقيت من ابن جامع! قال: ولم ذلك يا أمير المؤمنين؟ جعلني اللّه فداءك! واللّه لئن أذنت لي أن أقول لأقولنّ؛ قال: وما عساك أن تقول؟ قل؛ فقال: إنه ليس ينبغي لي ولا لغيري أن يراك نشيطا لشيء فيعارضك، ولا أن تكون متعصّبا لحيّز وجنبة [7] فيغالبك، وإلا فما في الأرض صوت لا أعرفه، قال:
دع ذا عنك، قد أقررت أمس بالجهالة بما سمعت من صاحبنا، فإن كنت أمسكت عنه بالأمس على معرفة كما تقول فهاته اليوم، فليس هاهنا عصبيّة ولا تمييز، فاندفع فأمرّ الأصوات كلّها، وابن جامع مصغ يسمع منه، حتى أتى على آخرها؛ فاندفع ابن جامع فحلف بالأيمان المحرجة أنه ما عرفها قطّ ولا سمعها ولا هي إلا من صنعته، ولم تخرج إلى أحد غيره؛ فقال له: ويحك! فما أحدثت بعدي؟ قال: ما أحدثت حدثا؛ فقال: يا إبراهيم بحياتي اصدقني! فقال: وحياتك لأصدقنّك، رميته بحجره [8]، فبعثت له بمحمد الزّف وضمنت له ضمانات، أوّلها رضاك عنه،
__________
[1] في ب، س، ح: «كيف يكون».
[2] كذا في ب، س. وفي ط، ء: «و تقصبني» بالباء الموحدّة أي تعيبني وتشتمني.
[3] ثلبه: عابه وتنقصه.
[4] الجرمقاني، ومثله الجرمقي: واحد الجرامقة، وهم قوم من العجم صاروا بالموصل في أوائل الإسلام. (انظر «القاموس» و «شرحه» مادّة جرمق).
[5] نعر الرجل (من بابي ضرب ومنع): صاح وصوّت بخيشومه.
[6] كذا في ط، ء. وفي سائر الأصول: «بصورتها».
[7] الجنبة: الناحية.
[8] في أساس البلاغة: «و رمى فلان بحجره إذا قرن بمثله».
فمضى فاحتال [1] لي عليه حتى أخذها عنه ونقلها إليّ، وقد [2] سقط الآن الّلوم عنّي بإقراره، لأنه ليس عليّ أن أعرف ما صنعه هو ولم يخرجه إلى الناس، وهذا باب من الغيب، وإنما يلزمني أن يعرف [3] هو شيئا من غناء الأوائل وأجهله أنا، وإلّا فلو لزمني أن أروى صنعته للزمه أن/ يروى صنعتي، ولزم كلّ واحد منا لسائر [4] طبقته ونظرائه مثل ذلك، فمن قصّر عنه كان مذموما ساقطا؛ فقال له الرشيد: صدقت يا إبراهيم، ونضحت [5] عن نفسك، وقمت بحجّتك؛ ثم أقبل على ابن جامع فقال له: يا إسماعيل، أتيت أتيت! دهيت دهيت! أبطل عليك الموصليّ ما فعلته به أمس وانتصف اليوم منك؛ ثم دعا بالزّفّ فرضي عنه.
الأصوات التي غنى بها ابن جامع وبيان ما يتصل بها:
قال عليّ بن محمد: سألت خالي أبا عبد اللّه بن حمدون وقد تجارينا هذا الخبر: هل تعرف أصوات ابن جامع هذه؟ فأخبرني أنه سمع إسحاق يحكى هذه القصّة، وذكر أنّ الصوت الأوّل منها:
صوت
بكيت نعم بكيت وكلّ إلف ... إذا بانت قرينته بكاها
وما فارقت لبنى عن تقال [6] ... ولكن شقوة بلغت مداها
الشعر لقيس بن ذريح. والغناء لابن جامع ثاني ثقيل بالوسطى. وفيه ليحيى المكيّ ثاني ثقيل آخر بالخنصر والبنصر من كتابه. وفيه لإبراهيم ثقيل [7] أوّل عن الهشاميّ.
قال: والثاني منها.
صوت
عفت دار سلمى بمفضى الرّغام ... رياح تعاقبها [8] كلّ عام
خلاف [9] الحلول بتلك الطّلول ... وسحب الذّيول بذاك المقام
/ وأنس الديار وقرب الجوار ... وطيب المزار وردّ السلام
ودهر غرير [10] وعيش السّرور ... ونأى الغيور وحسن الكلام
الشعر لحمّاد الرّاوية. والغناء لابن جامع ثقيل أوّل بالبنصر؛ [ذكر [11] ذلك الحزنبل عن عمرو بن أبي عمرو].
__________
[1] كذا في ط، ء. وفي سائر الأصول: «فمضى حتى احتال ... إلخ».
[2] كذا في ط، ء. وفي سائر الأصول: «و نقلتها حتى سقط».
[3] في ب، س: «ألا يعرف». وظاهر أنه تحريف.
[4] كذا في ط، ء، ح. وفي سائر الأصول: «كسائر»، وهو تحريف.
[5] كذا في ط، ء. ونضح الرجل عن نفسه: دفع عنها بالحجة. وفي سائر الأصول: «نصحت» بالصاد المهملة، وهو تصحيف.
[6] كذا في أكثر الأصول. والتقالي: التباغض. وفي ب، ح: «ثقال» (بالثاء المثلثة) وهو تصحيف.
[7] في ط، ء: «ثقيل أوّل آخر».
[8] في ط، ء: «توارثها».
[9] كذا في ط، ء، ح. أي بعده. وفي باقي الأصول: «خلال» باللام.
[10] كذا في ح، ط، ء. وفي سائر الأصول: «عزيز».
[11] زيادة عن ط، ء.
قال ابن حمدون: وهذا الصوت عجيب الصنعة، كثير النّغم، محكم العمل، من صدور أغاني ابن جامع ومتقدّم صنعته، وكان المعتصم معجبا به، وكثيرا ما كان يسكت المغنّين إذا غنّي بحضرته فلا يسمع سائر يومه غيره.
قال: والثالث منها:
صوت
نزف البكاء دموع عينك فاستعر ... عينا لغيرك دمعها مدرار
من ذا يعيرك عينه تبكي بها ... أرأيت عينا للبكاء تعار
الشعر للعبّاس بن الأحنف. والغناء لابن جامع ثقيل أوّل بالوسطى؛ وقال ابن حمدون: وعارضه إبراهيم بعد ذلك في [هذا] [1] الشعر، فصنع فيه لحنا من الرّمل بالبنصر في مجراها، فلم يلحقه ولا قاربه. قال: وقد صنع أيضا في هذا الشعر لحن خفيف فاسد الصنعة محدث ليس ينبغي أن يذكر هاهنا.
حدّثني محمد بن يحيى الصّوليّ قال حدّثني أبو عبد اللّه الحزنبل قال حدّثني أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل عن أبيه قال:
أنشد بشار قول العبّاس بن الأحنف:
نزف البكاء دموع عينك فاستعر ... عينا لغيرك دمعها مدرار
/ فقال بشار: لحق واللّه هذا الفتى بالمحسنين، وما زال يدخل نفسه معنا ونحن نخرجه حتى قال هذا الشعر.
حدّثني محمد بن يحيى قال حدّثني ميمون بن هارون عن إسحاق قال:
أنشد الرشيد قول العباس:
من ذا يعيرك عينه تبكي بها ... أرأيت عينا للبكاء تعار
فقال: يعيره من لا حاطه اللّه ولا حفظه.
ومما يغنّى فيه من قصيدة العبّاس بن الأحنف الرائيّة التي هذا الصوت [2] الأخير منها قوله:
صوت
الحبّ أوّل ما يكون لجاجة ... تأتي به وتسوقه الأقدار
حتى إذا سلك الفتى لجج الهوى ... جاءت أمور لا تطاق كبار
غنّاه ابن جامع ثاني ثقيل بالبنصر. وفيه لشاطرة امرأة منصور زلزل ثقيل [9] أوّل بالوسطى عن الهشامي. وذكر
__________
[1] في س، ب، م: «التي هي الصوت الآخر منها». وفي ح: «التي هي الصوت الأوّل منها».
[2] في ح: «ثاني ثقيل أوّل بالوسطى».
ابن المكيّ المرتجل أنّ هذه الأصوات الثلاثة المسروقة [1] من ابن جامع:
/يا قبر بين بيوت آل محرّق [2]
و:
عفا طرف القريّة [3] فالكثيب
وأسقط منها قوله:
نزف البكاء دموع عينك فاستعر
و:
بكيت نعم بكيت وكلّ إلف
نسبة هذين الصوتين
صوت
يا قبر بين بيوت آل محرّق ... جادت عليك رواعد وبروق
/ أمّا البكاء فقلّ عنك كثيره ... ولئن بكيت فبالبكاء حقيق [4]
/الشعر لرجل من بني أسد يرثي خالد بن نضلة [5] ورجلا آخر [6] من بني أسد كانا نديمين للمنذر [7] بن ماء
__________
[1] في ط، ء: «المعروفة».
[2] آل محرق هنا: هم ملوك الحيرة من لخم، ومحرّق الذي أضيفوا إليه هو امرؤ القيس بن عمرو بن عدي أحد ملوكهم، ويقال له:
المحرّق الأكبر. ولقب به أيضا من اللخميين عمرو بن هند من ملوكهم، ويقال له: المحرق الثاني، وابن النعمان بن المنذر شاعر.
وفيهم يقول الأسود بن يعفر:
ماذا أؤمل بعد آل محرّق ... تركوا منازلهم وبعد إياد
ومحرق - أيضا - : لقب الحارث بن عمرو أبي شمر ملك الشام من آل جفنة لأنه أوّل من حرق العرب في ديارهم. ويقال لآل جفنة أيضا: آل محرّق (ملخص عن «اللسان»، و «القاموس» و «شرحه» مادة حرق، و «المعارف» لابن قتيبة ص 317).
[3] القرية (بضم أوّله وفتح ثانيه وتشديد الياء تصغير قرية): تطلق على عدّة أماكن كما ذكر ياقوت في معجمه، ومنها موضع بنواحي المدينة ذكره ابن هرمة في قوله:
انظر لعلك أن ترى بسويقة ... أو بالقرية دون مفضي عاقل
والقرية أيضا: من أشهر قرى اليمامة، لم تدخل في صلح خالد بن الوليد يوم قتل مسيلمة الكذاب. والمرجح أنها هي المعنية بهذا الشعر، وذلك لذكرها مع ملحاء التي هي واد من أعظم أودية اليمامة، وستأتي فيما بعد عند ذكر الشعر.
[4] في ط، ء: «خليق».
[5] كذا في جميع الأصول هنا و «معجم ما استعجم» للبكري (ص 694 طبع أوروبا) و «الشعر والشعراء» لابن قتيبة (ص 144 طبع أوروبا) و «سيرة ابن هشام» (ج 1 ص 401 طبع أوروبا) و «معجم البلدان» لياقوت (ج 3 ص 792 طبع أوروبا). وفي «أمالي القالي» (ج 3 ص 195 طبع دار الكتب المصرية) و «شرح قصيدة ابن عبدون» (ص 132 طبع أوروبا) و «الأغاني» (ج 19 ص 86 طبع بولاق): «خالد بن المضلل». وكلاهما محتمل هنا أن يكون هو المراد ولا سيما أنهما كانا يظلهما عصر واحد وأن كليهما أسدى. وقد عنى هذين الخالدين الأسود بن يعفر في قوله:
فإن يك يومي قد دنا وإخاله ... كواردة يوما إلى ظم ء منهل
فقبلي مات الخالدان كلاهما ... عميد بني حجوان وابن المضلل
[6] هو عمرو بن مسعود. وقد رثتهما هند بنت معبد بن نضلة - كما في «سيرة ابن هشام» و «معجم ما استعجم» للبكريّ. وهذا يرجح أنه خالد بن نضلة - قالت لما قتلا:
ألا بكر الناعي بخيري بني أسد ... بعمرو بن مسعود وبالسيد الصمد
وتعني بالسيد الصمد: خالد بن نضلة عمها.
[7] يؤيد الأصول هنا في أن صاحب القصة هو المنذر بن ماء السماء ما ورد في «أمالي القالي» (ج 3 ص 195 طبع دار الكتب المصرية)
السماء، فقتلهما في سخطه عليهما؛ وخبر ذلك مشهور في أبخار ابن [1] جامع. والغناء لابن جامع، وله فيه لحنان:
ثقيل أوّل بالوسطى، ورمل بالبنصر، وقيل: إن الرّمل لابن سريج. وذكر حبش أن لمحمد صاحب البرام فيه لحنا من الثقيل الثاني بالوسطى.
/ ومنها:
صوت
عفا رسم [2] القريّة فالكثيب ... إلى ملحاء [3] ليس بها عريب [4]
تأبّد [5] رسمها وجرى عليها ... سفيّ [6] الريح والتّرب الغريب
فإنك واطّراحك وصل سعدى ... لأخرى في مودّتها نكوب
كثاقبة لحلي مستعار ... بأذنيها فشأنهما [7] الثّقوب
فردّت حلي جارتها إليها ... وقد بقيت بأذنيها ندوب [8]
الشعر لابن هرمة. والغناء لابن جامع ثاني ثقيل بإطلاق الوتر في مجرى الوسطى. [عن إسحاق] [9]. وفيه للغريض ثاني ثقيل آخر بالبنصر عن عمرو. وقال عمرو: فيه لحن للهذليّ، ولم يجنّسه.
أخبرني [10] محمد بن خلف وكيع قال حدّثني هارون بن محمد بن عبد الملك الزيّات قال حدّثني عيسى بن أيوب القرشيّ قال حدّثني غيث بن عبد الكريم عن فليح بن إسماعيل عن إسماعيل بن جعفر الفقيه مولى حرب [11] عن أبيه قال:
/ مررت بابن هرمة وهو جالس على دكّان [12] في بني زريق، فقلت له: يا أبا إسحاق، ما يجلسك هاهنا؟
قال: بيت كنت قلته ثم انقطع عليّ الرويّ فيه وتعذّر عليّ ما أشتهيه، فأبغضته وتركته؛ قلت: ما هو؟ قال:
__________
() و«كتاب الأوائل» لإسماعيل بن هبة اللّه الموصلي، و«معجم البلدان» لياقوت في الكلام على الغريين (ج 3 ص 792). والذي في «سيرة ابن هشام» (ج 1 ص 401) و«كتاب المعارف» لابن قتيبة (ص 319) و«شرح ابن بدرون على قصيدة ابن عبدون» (ص 132 طبع أوروبا) و«معجم ما استعجم» للبكري و«طبقات الشعراء» لابن قتيبة: أن صاحب القصة هو النعمان بن المنذر بن ماء السماء.
[1] بالبحث في أخبار ابن جامع التي ذكرت في الجزء السادس من «الأغاني» طبع بولاق لم نجد بينها هذا الخبر، وإنما وجد في أخبار عبيد بن الأبرص في الجزء التاسع عشر طبع بولاق.
[2] فيما تقدم في جميع الأصول وفي ط، ء هنا: «طرف القرية».
[3] ملحاء: واد من أعظم أودية اليمامة.
[4] عريب: أحد.
[5] تأبد المنزل: أقفر.
[6] السفيّ: التراب المنذري المتبدد.
[7] في ط، ء: «فشانتها».
[8] الندوب: آثار الجرح في الجسم.
[9] الزيادة عن ط، ء.
[10] كذا ورد هذا الخبر مقدما في ط، ء على الذي يليه، وهو الذي يناسب اطراد السياق.
[11] في ط، ء: «مولى خزاعة».
[12] الدكان: الدكة المبنية للجلوس عليها.
فإنك واطّراحك وصل سعدى ... لأخرى في مودّتها نكوب
قال: قلته ثم انقطع بي فيه؛ فمرّت بي جويرية صفراء مليحة كنت أستحسنها أبدا وأكلّمها إذا مرّت بي، فمرّت اليوم فرأيتها وقد ورم وجهها وتغيّر خلقها، [عما أعرف] [1]، فسألتها عن خبرها فقالت: [كان في بني فلان عرس أردت حضوره] [1] فاستعار لي أهلي حليا وثقبوا أذني لألبسه فورم وجهي وأذناي كما ترى، فردّوه ولم أشهد العرس؛ قال ابن هرمة: فاطّرد لي الشعر فقلت:
كثاقبة لحلي مستعار ... بأذنيها فشأنهما الثقوب
فردّت حلّي جارتها إليها ... وقد بقيت بأذنيها ندوب
سرق إبراهيم بن المهدي شعره ولحنه وغنى به الرشيد:
أخبرني الحسين بن القاسم قال حدّثني العبّاس بن الفضل قال حدّثني أبي قال:
قال الرشيد لإبراهيم بن المهديّ وإبراهيم الموصليّ وابن جامع وابن أبي الكنّات: باكروني غدا، وليكن كلّ واحد قد قال شعرا إن كان يقدر أن يقوله، وغنّى فيه لحنا، وإن لم يكن شاعرا غنّى في شعر غيره. قال إبراهيم بن المهديّ: فقمت في السّحر وجهدت أن أقدر على شيء أصنعه فلم يتّفق لي، فلمّا خفت طلوع الفجر دعوت بغلماني وقلت لهم: إني أريد أن أمضي إلى موضع ولا يشعر بي أحد/ حتى أصير إليه، وكانوا [2] يبيتون على باب داري، فقمت فركبت وقصدت دار إبراهيم الموصليّ، وكان قد حدّثني أنه إذا أراد الصنعة لم ينم حتى يدبّر ما يحتاج إليه، وإذا قام لحاجته في السّحر [3] اعتمد على خشبة له في المستراح، فلم يزل يقرع عليها حتى يفرغ من الصوت ويرسخ في قلبه، فجئت حتى وقفت تحت مستراحه، فإذا هو يردّد هذا الصوت:
صوت
إذا سكبت في الكأس قبل مزاجها ... ترى لونها في جلدة الكأس مذهبا
وإن مزجت راعت بلون تخاله ... إذا ضمّنته الكأس في الكأس كوكبا
أبوها نجاء [4] المزن والكرم أمّها ... فلم أر زوجا [5] منه أشهى وطيبا
فجاءتك [6] صفرا أشبهت غير جنسها ... وما أشبهت في اللون أمّا ولا أبا
قال: فما زلت واقفا أستمع منه الصوت حتى أخذته؛ ثم غدونا إلى الرشيد، فلمّا جلسنا للشّرب خرج الخادم إليّ فقال: يقول لك أمير المؤمنين: يابن أمّ غنّني؛ فاندفعت فغنّيت هذا الصوت والموصليّ في الموت حتى فرغت
__________
[1] الزيادة عن ط، ء.
[2] كذا في ط، ء. وفي سائر الأصول: «و كانوا في زبيديات لي يبيتون فيها على باب داري فقمت فركبت في إحداها وقصدت ... ». ولم ندر ما الزبيديات التي كانوا يبيتون فيها ثم ركب هو إحداها. ولعلها ضرب من العجل (العربات) نسب إلى زبيدة زوج الرشيد.
[3] كذا في ط، ء. وفي سائر الأصول: «في استحى». والحش (مثلث الحاء) في الأصل: البستان، وأطلق على موضع قضاء الحاجة والمتوضأ لأنهم كانوا يذهبون عند قضاء الحاجة إلى البساتين. والجمع: حشوش.
[4] النجاء: جمع النجو وهو السحاب الذي قد هراق ماءه ثم مضى، وقيل: هو السحاب أوّل ما ينشأ.
[5] الزوج: النوع والصنف.
[6] كذا في ط، ء: وفي سائر الأصول: «مخائل صفرا» وهو تحريف.
منه، فشرب عليه وأمر لي بثلاثمائة ألف/ درهم؛ فوثب إبراهيم الموصليّ فحلف بالطلاق وحياة/ الرشيد أنّ الشعر له قاله البارحة وغنّى فيه، ما سبقه إليه أحد؛ فقال إبراهيم: يا سيّدي، فمن أين هو لي أنا لو لا كذبه وبهته [1]! وإبراهيم يضطرب ويضجّ [2]؛ فلمّا قضيت أربا من العبث به قلت للرشيد: الحقّ أحقّ أن يتّبع، وصدقته؛ فقال للموصليّ: أمّا أخي فقد أخذ المال ولا سبيل إلى ردّه، وقد أمرت لك بمائة ألف درهم عوضا مما جرى عليه، فلو بدأت أنت بالصوت لكان هذا حظّلك؛ فأمر له بها فحملت إليه.
سأله محمد بن يحيى أن يقيم عنده في يوم مهرجان وله كل الهدايا التي تهدى إليه، فلما صارت إليه فرّقها جميعا:
أخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد بن إسحاق عن مخارق قال:
أتى إبراهيم الموصليّ محمد بن يحيى بن خالد في يوم مهرجان، فسأله محمد أن يقيم عنده؛ فقال: ليس يمكنني لأن رسول أمير المؤمنين قد أتاني [3]؛ قال: فتمرّ بنا إذا انصرفت ولك عندي كلّ ما يهدى إليّ اليوم؟ فقال:
نعم، وترك في المجلس صديقا له يحصي ما يبعث [به] [4] إليه؛ قال: فجاءت هدايا عجيبة من كلّ ضرب؛ قال:
وأهدي إليه تمثال فيل من ذهب عيناه ياقوتتان؛ فقال محمد للرجل: لا تخبره بهذا حتى نبعث به إلى فلانة ففعل؛ وانصرف إبراهيم إليه فقال: أحضرني ما أهدي لك، فأحضره ذلك كلّه إلا التمثال، وقال: لابدّ من صدقك، كان من الأمر كذا وكذا؛ فقال: لا! إلّا على الشّريطة وكما ضمنت، فجيء بالتمثال؛ فقال إبراهيم: أليس الهديّة لي فأعمل فيها ما أريد؟ قال: بلى، قال: فردّ التمثال على الجارية؛ وجعل يفرّق الهدايا على جلساء محمد شيئا شيئا وعلى جميع من حضر من إخوانه وغلمانه وعلى من في دور الحرم [5] من جواريه حتى لم يبق منها شيء، ثم أخذ من/ المجلس تفّاحتين لمّا أراد الانصراف وقال: هذا لي، وانصرف؛ فجعل محمد يعجب من كبر نفسه ونبله.
زاره الرشيد ليلا وغنته جواريه:
وقال أحمد بن المرزبان حدّثني بعض كتاب السلطان:
أنّ الرشيد هبّ ليلة من نومه، فدعا بحمار كان يركبه في القصر أسود قريب من الأرض فركبه، وخرج في درّاعة وشي متلثّما بعمامة وشيء ملتحفا بإزار وشي، بين يديه أربعمائة/ خادم أبيض [6] سوى الفرّاشين، وكان مسرور [7] الفرغانيّ جريئا عليه لمكانه عنده، فلما خرج من باب القصر قال: أين يريد أمير المؤمنين في هذه الساعة؟ قال: أردت منزل الموصليّ. [قال مسرور:] [8] فمضى ونحن معه وبين يديه حتى انتهى إلى منزل إبراهيم؛ فخرج فتلقّاه وقبّل حافر حماره وقال له: يا أمير المؤمنين، أفي مثل هذه الساعة تظهر! قال: نعم، شوق طرق لك
__________
[1] البهت (بالضم): الافتراء والكذب.
[2] في ط، ء: «و يصيح».
[3] كذا في ط، ء. وفي سائر الأصول: «لأن رسول أمير المؤمنين قاعد».
[4] الزيادة عن ط، ء.
[5] في ب، س: «في دور الخدام».
[6] في ط، ء: «أسود».
[7] كذا في ط، ء. وفي باقي الأصول: «منذر الفرغاني». ولم نعثر على هذا الاسم فيما بين أيدينا من الكتب التي تحدّثت عن حياة الرشيد الخاصة والعامة.
[8] الزيادة عن ط، ء.
بي؛ ثم نزل فجلس في طرف الإيوان وأجلس إبراهيم؛ فقال له إبراهيم: يا سيّدي أتنشط لشيء تأكله؟ فقال: نعم، خاميز [1] ظبي، فأتي به كأنما كان معدّا له، فأصاب منه شيئا يسيرا، ثم دعا بشراب حمل معه؛ فقال الموصليّ:
يا سيّدي، أؤغنّيك أم تغنّيك إماؤك؟ فقال: بل الجواري؛ فخرج جواري إبراهيم فأخذن صدر الإيوان وجانبيه؛ فقال: أيضربن كلّهن أم واحدة؟ فقال: بل تضرب اثنتان اثنتان وتغنّي واحدة/ فواحدة، ففعلن ذلك حتى مرّ صدر الإيوان وأحد جانبيه والرشيد يسمع ولا ينشط [2] لشيء من غنائهنّ، إلى أن غنّت صبيّة من حاشيته [3].
يا موري الزّند قد أعيت قوادحه ... اقبس إذا شئت من قلبي بمقباس
ما أقبح الناس في عيني وأسمجهم ... إذا نظرت فلم أبصرك في الناس
قال: فطرب لغنائها واستعاد الصوت مرارا وشرب أرطالا، ثم سأل الجارية عن صانعه فأمسكت، فاستدناها فتقاعست، فأمر بها فأقيمت حتى وقفت [4] بين يديه، فأخبرته بشيء أسرّته إليه؛ فدعا بحماره فركبه وانصرف، ثم التفت إلى إبراهيم فقال: ما ضرّك ألّا تكون خليفة!؛ فكادت نفسه تخرج، حتى دعا به وأدناه بعد ذلك. قال: وكان الذي خبّرته [به] [5] أن الصنعة في الصوت لأخته عليّة بنت المهديّ، وكانت الجارية لها وجّهت بها إلى إبراهيم يطارحها، فغار الرشيد. ولحن الصوت خفيف رمل.
شعره في ابنة خمارة كان يألفها:
أخبرني محمد بن مزيد قال حدّثنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه قال:
كان أبي يألف خمّارة بالرّقة يقال لها بشرة [6] تنزل الهنىء [7] والمريء، وكانت لها بنت من أحسن الناس وجها فكان أبي يتحلّاها [7]، ثم رحل الرشيد عن الرّقة إلى بلاد الروم [في بعض غزواته] [8]، فقال أبي فيها:
/أيا بنت بشرة ما عاقني ... عن العهد بعدك من عائق
نفى النّوم عنّي سنا بارق ... وأشهقني في ذرى شاهق
قال: وفيها يقول [أيضا] [9] من أبيات له، وله فيها صنعة من الرّمل الأوّل:
__________
[1] الخاميز: اسم أعجمي تعريبه عامص وآمص، وبعضهم يقول: عاميص وآميص، وهو طعام يتخذ من لحم عجل بجلده، أو مرق السكباج (الأكارع تطبخ بمرق فيه عصير الليمون ثم تغرف بمرقتها وتترك حتى تبرد ويجمد المرق فيكون في قوام الفالوذج، وهو أيضا لحم أو سمك يطبخ بخل) المبرد المصفى من الدهن.
[2] في ط، ء: «و لا ينبسط».
[3] أي من حاشية الإيوان. وفي ط، ء و«مختار الأغاني»: «من حاشية الصفة». والصفة: شبه البهو الواسع الطويل السمك، وهي أيضا:
طرته، أي طرفه وحرفه.
[4] كذا في ط، ء. وفي سائر الأصول: «أوقفت» بزيادة الهمزة، وهي لغة رديئة.
[5] الزيادة عن ط، ء.
[6] في «شرح القاموس» (مادة بشر): «و بشرة بالكسر اسم جارية عون بن عبد اللّه»، ثم ذكر البيت إلا أنه نسبه إلى إسحاق لا إلى أبيه.
[7] راجع الحاشية رقم 4 ص 166 من هذا الجزء.
[8] تحلى الشيء واستحلاه واحلولاه بمعنى.
[9] زيادة عن ط، ء.
صوت
وزعمت أنّي ظالم فهجرتني ... ورميت في قلبي بسهم نافذ
ونعم ظلمتك فاغفري وتجاوزي ... هذا مقام المستجير العائذ
ذكر حمّاد في هذا الخبر أن لحن جدّه من الرّمل. ووجدت في كتاب أحمد بن المكيّ أنّ له فيهما لحنين:
أحدهما ثقيل أوّل والآخر ثاني ثقيل.
أغانيه في السجن:
حدّثني عيسى بن الحسين [1] الورّاق قال حدّثني عبد اللّه بن أبي سعد [2] قال حدّثني محمد بن عبد اللّه بن مالك الخزاعيّ قال:
حبس الرشيد إبراهيم الموصليّ عند أبي العبّاس (يعني أباه عبد اللّه [3] بن مالك) فسمعناه ليلة وقد/ صنع هذا اللحن وهو يكرره حتى يستوي [4] له:
يا أخلّاء قد مللت مكاني ... وتذكّرت ما مضى من زماني
شربي الراح إذ تقومّ علينا ... ذات دلّ كأنّها غصن بان
قال: وغنّى في الحبس أيضا:
سألا طال ليلي أراعي النّجوم ... أعالج في السّاق كبلا [5] ثقيلا
زعم علويه الأعسر أنه دخل عليه في مرضه في علته وهو يترنم فأنكر ابنه إسحاق ذلك:
حدّثني عيسى قال حدّثني عبد اللّه قال حدّثني محمد بن عبد اللّه بن مالك قال حدّثني علّويه الأعسر قال:
دخلت على إبراهيم الموصليّ في علّته التي توفّى فيها وهو في الأبزن [6] وبه القولنج [7] الذي مات فيه، وهو يترنّم بهذا الصوت:
صوت
تغيّر مني كلّ حسن وجدّة ... وعاد على ثغري فأصبح أثرما
ومحّل أطرافي فزالت فصوصها ... وحنّى عظامي عوجها والمقوّما
__________
[1] كذا في ط، ء. وفي سائر الأصول: «الحسن»، وهو تحريف.
[2] في ب، س في هذا الموضع: «عبد اللّه بن أبي محمد»، وهو تحريف.
[3] كان صاحب الشرطة في أيام المهدي فالهادي فالرشيد وكان من أكابر القوّاد وتولى أرمينية وأذربيجان. (انظر الحاشية رقم 1 من «كتاب التاج» للجاحظ ص 81 طبع بولاق).
[4] كذا في ط، ء. وفي باقي الأصول: «حتى تسوّى له».
[5] الكبل (بالفتح ويكسر): القيد.
[6] الأبزن (مثلث الهمزة): حوض من حديد أو من نحاس مصنوع على شكل التابوت على قدر قامة الإنسان أو أقصر منها، عليه غطاء مثقوب، يضع فيه الأطباء المريض ويخرجون رأسه من الثقب فيداوونه بصب المطبوخات أو الماء المغلي بالأدوية الحارة.
[7] القولنج (و قد تكسر لامه أو هو مكسور اللام وتفتح القاف وتضم): مرض معوي مؤلم يعسر معه خروج الثفل والريح.
قال محمد: فحدّثت بهذا الحديث إسحاق الموصليّ، فقال: كذب ابن الزانية! واللّه ما كان يجترىء [أن] [1] يدخل إلى أبي إسحاق وهو جالس للناس إلا بعد جهد، فكيف يدخل إلى أبي إسحاق وهو جالس في الأبزن.
نسبة هذا الصوت
الشعر والغناء لإبراهيم، وله فيه لحنان ماخوريّ بالوسطى عن عمرو، وثاني ثقيل عن ابن المكيّ.
غنت المقتدر إحدى جواريه لحنا له:
حدّثني جحظة قال:
كان المقتدر يدعونا في الأحايين، فكان يحضر من المغنّين إبراهيم بن أبي العبيس وكنيز وإبراهيم بن قاسم وأنا ووصيف الزّامر، وكان أكثر ما ندعى له أنّ جواريه/ [كنّ] [2] يطالبنه بإحضارنا ليأخذن منّا أصواتا قد عرفتها ويسمعننا، فنغنّي فيأخذن ما يستحسنّه، فإذا انصرفنا أمر لكلّ واحد من إبراهيم وكنيز دبّة وإبراهيم بثلاثمائة دينار، ولي بمائتي دينار، ولوصيف بمائتي دينار، ولسائر من لعلّه أن يحضر معنا بمائتين إلى المائة الدّينار إلى الألف الدّرهم [3]، فيكون [4] إذا حضرنا من وراء ستارة وهو جالس مع الجواري، فإذا أراد اقتراح شيء جاءنا الخدم فأمرونا أن نغنّيه، وبين يدي كلّ واحد منا قنّينة فيها خمسة أرطال نبيذ وقدح ومغسل [5] وكوز ماء؛ فغنّت يوما صلفة جارية زرياب بصنعة إبراهيم الموصليّ:
تغيّر منّي كلّ حسن وجدّة ... وعاد على ثغري فأصبح أثرما
فشربت عليه، فاستعاده المقتدر مرارا وأنا أشرب عليه؛ فأخذ إبراهيم بن أبي العبيس بكتفي وقال: يا مجنون! إنما دعيت لتغنّي لا لتغنّي وتطرب وتشرب، فلعلّك تسكر، حسبك!؛ فأمسكت طمعا أن تردّه بعد ذلك، فما فعلت ولا اجتمعنا بعدها، وما سمعت قبل ذلك ولا بعده أحدا غنّى هذا الصوت أحسن مما غنّته. قال: وكان المقتدر [6] ابتاعها من زرياب.
رأى سوداء بمكة تبكي زوجها بشعر فبحث عنه حتى ردّه إليها:
أخبرني عمّي قال حدّثني عبد اللّه بن [7] أبي سعد قال حدّثني أحمد بن القاسم بن جعفر بن سليمان بن عليّ قال حدّثني إسحاق الموصليّ عن أبيه قال:
/ بينا أنا بمكة أجول في سككها إذا أنا بسوداء قائمة ساهية باكية، فأنكرت حالها وأدمنت النظر إليها؛ فبكت وقالت:
__________
[1] زيادة يقتضيها السياق، وفي ط، ء: «ما كان غيري يدخل على أبي إسحاق ... إلخ».
[2] الزيادة عن ط، ء.
[3] كذا في ط، ء. وفي سائر الأصول: «بمائتين المائة الدينار إلى المائة الدرهم».
[4] كذا في ط. وفي سائر الأصول: «فنكون» بالنون.
[5] المغسل (بكسر السين وفتحها): ما يغسل فيه.
[6] كذا في ب، س. وفي سائر الأصول: «المعتضد». ويلاحظ أن جميع النسخ قد اتفقت في أوّل الخبر على أنه المقتدر.
[7] كذا في ط، ء هنا وفيما سيأتي في جميع الأصول وفيما مر في الجزء الثالث (ص 192 من هذه الطبعة). وفي سائر الأصول هنا:
«عبيد اللّه»، وهو تحريف.
أعمرو علام تجنّبتني ... أخذت فؤادي وعذّبتني
فلو كنت يا عمرو وخبّرتني [1] ... أخذت حذاري فما نلتني
فقلت لها: يا هذه، من عمرو؟ قالت: زوجي؛ قلت: وما شأنه؟ قالت: أخبرني أنه يهواني وما زال يطلبني حتى تزوّجته، فلبث معي قليلا ثم مضى إلى جدّة وتركني؛ فقلت لها: صفيه لي؛ قالت: أحسن من أنت رائيه سمرة وأحلاهم حلاوة وقدّا؛ فركبت رواحلي مع غلماني وصرت إلى جدّة، فوقفت في موضع المرفأ أتبصّر من يحمل من السفن، وأمرت من يصوت: يا عمرو يا عمرو، وإذا أنا به خارجا [2] من سفينة على عنقه صنّ [3] فيه طعام، فعرفته بصفتها ونعتها إياه، فقلت:
أعمرو علام تجنّبتني ... أخذت فؤادي وعذّبتني
فقال: هيه [4]! أرأيتها وسمعت منها؟ فقلت: نعم، فأطرق هنيهة يبكي، ثم اندفع فغنّى به أملح غناء سمعته، وردّده عليّ حتى أخذته منه، وإذا هو أحسن الناس غناء؛ فقلت له: ألا ترجع إليها؟ فقال: طلب المعاش يمنعني؛ فقلت: كم يكفيك معها في كلّ سنة؟ فقال: ثلاثمائة درهم - قال إسحاق: قال لي أبي: فواللّه يا بنيّ لو قال ثلاثمائة دينار لطابت نفسي بها - فدعوت به فأعطيته ثلاثة آلاف درهم، وقلت له: هذا/ لعشر سنين على أن تقيم معها، فلا تطلب المعاش إلا حيث هي مقيمة معك، ويكون ذلك فضلا؛ ورددته معي إليها.
كان يغني الرشيد ليلة فبلغه ما أغضبه فما زال يغنيه حتى سرّ الرشيد وأجزل صلته:
أخبرني حبيب بن نصر المهلّبيّ قال حدّثنا عليّ بن محمد النّوفليّ [5] قال حدّثنا صالح بن عليّ (يعني الأضخم) [6] عن إبراهيم الموصليّ - قال: وكان صالح جاره - قال:
بينا أنا عشيّة في منزلي إذ أتاني خادم من خدم الرشيد فاستحثّني بالركوب [إليه] [7] فخرجت شبيها بالراكض، فلما صرت إلى الدّار عدل بي عن المدخل إلى طرق لا أعرفها، فانتهي بي إلى دار حديثة البناء، فدخلت صحنا واسعا، وكان الرشيد يشتهي الصّحون الواسعة، فإذا هو جالس على كرسيّ في وسط ذلك الصّحن، ليس عنده أحد إلا خادم يسقيه، وإذا هو في لبسته التي كان يلبسها في الصيف: غلالة [8] رقيقة متوشّح عليها بإزار رشيديّ [9] عريض العلم مضرّج [10]؛ فلما رآني هشّ لي وسرّ، وقال: يا موصليّ، إني اشتهيت أن أجلس في هذا الصّحن فلم
__________
[1] في ط، ء: «حذرتني».
[2] في الأصول: «خارج».
[3] كذا في أكثر الأصول. والصنّ (بالفتح): شبه السلة المطبقة، يجعل فيها الطعام والخبز. وفي ب، س: «ضبن» بالضاد والباء، والضبن: الحمل، وهو لا يلتئم مع ما بعده.
[4] هيه (بكسر الهاء الأخيرة وفتحها): معناه طلب الحديث والاستزادة منه.
[5] كذا في ط، ء، وهو الموافق لما جاء في «الأغاني» (ج 3 ص 174 من هذه الطبعة) والطبري (قسم 3 ص 596 طبع أوروبا). وفي سائر الأصول: «محمد بن يحيى النوفلي».
[6] في ب، س: «الأضحم» بالحاء المهملة، وهو تصحيف. (انظر الطبري قسم 3 ص 596).
[7] زيادة عن ط، ء.
[8] الغلالة: الشعار الذي يلبس تحت الثياب ويلي شعر الجسد.
[9] في «مختار الأغاني»: «سندي».
[10] مضرج: مصبوغ بضرب من الصبغ أحمر.
يتّفق لي إلا اليوم، وأحببت ألّا يكون معي ومعك أحد، ثم صاح بالخدّام [1]، فوافاه مائة وصيف، وإذا هم بالأرقة مستترون بالأساطين [2] حتى لا يراهم، فلما ناداهم جاءوا جميعا، فقال: مقطّعة لإبراهيم، وكان هو أوّل من قطع المصلّيات، فأتيت بمقعد فألقي لي تجاه وجهه بالقرب منه؛/ ودعا بعود فقال: بحياتي أطربني بما قدرت؛ قال:
ففعلت واجتهدت في ذلك ونشطت ورجوت الجائزة في عشيّتي؛ فبينا أنا كذلك إذ جاءه مسرور الكبير، فقام مقامه الذي كان إذا قامه علم الرشيد أنه يريد أن يسارّه بشيء، فأومأ إليه بالدنوّ، [فدنا] [3] فألقي في أذنه كلمة خفيفة [4] ثم تنّحى، فاستشاط غضبا واحمرّت عيناه/ وانتفخت أوداجه، ثم قال: حتّام أصبر على آل بني أبي طالب! واللّه لأقتلنّهم ولأقتلنّ شيعتهم ولأفعلنّ ولأفعلنّ!؛ فقلت: إنا للّه! ليس عند هذا أحد يخرج غضبه عليه، أحسبه واللّه سيوقع بي، فاندفعت أغنّي:
صوت
نعم عونا على الهموم ثلاث ... مترعات من بعدهنّ ثلاث
بعدها أربع تتمّة عشر ... لا بطاء لكنّهنّ حثاث [5]
فإذا ناولتكهنّ جوار ... عطرات بيض الوجوه خناث
تمّ فيها لك السرور وما ... طيّب عيشا إلا الخناث الإناث
قال: ويلك! اسقني ثلاثا لا أمت [6] همّا؛ فشرب ثلاثا متتابعة، ثم قال: غنّ فغنّيت، فلمّا قلت:
ثلاث
مترعات من بعدهنّ ثلاث
قال: هات ويلك ثلاثا!، ثم قال لي: غنّ، فلمّا غنّيته قال: حثّ عليّ بأربع تتمة العشر، ففعل؛ فو اللّه ما استوفى آخرهنّ حتى سكر، فنهض ليدخل، ثم قال: قم يا موصليّ فانصرف، يا مسرور، أقسمت عليك بحياتي وبحقّي إلّا سبقته [7] إلى منزله/ بمائة ألف درهم، لا أستأمر فيها ولا في شيء منها؛ فخرجت واللّه وقد أمنت خوفي وأدركت ما أمّلت، ووافيت منزلي وقد سبقتني المائة الألف الدّرهم إليه.
أخذ عن ابن جامع في سكره صوتا غنى به الرشيد فطرب وقرّبه:
أخبرني عمّي قال حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد قال حدّثني يحيى بن الحسن [8] بن عبد الخالق قال حدّثني عبد اللّه بن العباس بن الفضل بن الرّبيع قال:
__________
[1] عبارة ط، ء: « .... ثم صاح يا غلام ... إلخ».
[2] الأساطين: الأعمدة.
[3] زيادة عن ط، ء.
[4] في ب، س، ح: «خفية».
[5] حثاث: مسرعات.
[6] كذا في ط، ء، أ. وفي سائر الأصول: «لا أموت».
[7] كذا في ط، ء. وفي سائر الأصول: «إلا شيعته».
[8] كذا في ط، ء والطبري (قسم 3 ص 322 طبع أوروبا). وفي سائر الأصول: «الحسين»، وهو تحريف.
خرج [رسول] [1] الرشيد ذات ليلة إلى المغنّين فقال: غنّوا:
يا خليليّ قد مللت ثوائي ... بالمصلّى وقد سئمت [2] البقيعا [3]
بلّغاني [4] ديار هند وسعدى ... وارجعاني فقد هويت الرجوعا
قال: فغنّاه ابن جامع، فلمّا فرغ منه طرب الرشيد وشرب؛ فقال له إبراهيم الموصليّ: يا سيّدي، فاسمعه من نبيطيّك فغنّاه، فجعل ابن جامع يزحف من أوّل البيت إلى آخره، وطرب هارون فقال: ارفعوا الستارة؛ فقال له ابن جامع: منّي واللّه أخذه يا أمير المؤمنين؛ فأقبل على إبراهيم فقال: بحياتي صدق؟ قال: صدق وحياتك يا سيّدي؛ قال: وكيف أخذته وهو أبخل [5] الناس إذا سئل شيئا؟ قال: تركته يغنّيه وكان إذا سكر يسترسل فيه فيغنّيه مستويا ولا يتحرّز منّي، فأخذته على هذا منه حتى وفيت [6] به.
كانت لزلزل جارية مطبوعة فلما مات عنها أخبر هو بها الرشيد فابتاعها وأعتقها:
أخبرني محمد بن مزيد قال حدّثنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه قال:
كان برصوما الزّامر وزلزل الصارب من سواد أهل الكوفة من أهل الخشنة [7] والبذاذة والدناءة، فقدم بهما أبي معه سنة حجّ، ووقفهما على الغناء العربيّ وأراهما وجوه النّغم وثقّفهما حتى بلغا المبلغ الذي بلغاه من خدمة الخليفة، وكان أطبع أهل دهرهما في صناعتهما؛ فحدّثني أبي قال: كان لزلزل جارية قد ربّاها وعلّمها الضرب وسألني مطارحتها [فطارحتها] [8]، وكانت مطبوعة حاذقة؛ قال: فكان يصونها أن يسمعها أحد؛ فلما مات بلغني أنها تعرض في ميراثه للبيع، فصرت إليها لأعترضها؛ فغنّت:
أقفر من أوتاره العود ... فالعود للأوتار معمود
وأوحش المزمار من صوته ... فما له بعدك تغريد
/ من للمزامير وعيدانها ... وعامر اللّذات مفقود
الخمر تبكي في أباريقها ... والقينة الخمصانة الرّود [9]
قال: وهذا شعر رثاه به صديق له كان بالرّقّة [10]؛ قال: فأبكت واللّه عيني وأوجعت قلبي. فدخلت على الرشيد
__________
[1] التكملة عن ط، ء، إذ المعروف عن الخلفاء أنهم كانوا يجلسون وراء ستارة بينها وبين الندماء عشرون ذراعا، وكان يوكل بهذه الستارة حاجب ينهي إلى المغنين ما يريده الخليفة. (انظر «كتاب التاج» للجاحظ ص 37 طبع بولاق) في كلامه على الرشيد وغيره من ملوك الإسلام والفرس، وسيأتي في بقية الخبر ما يؤيد ذلك.
[2] في ط، ء: «شنئت».
[3] المصلي والبقيع: موضعان بالمدينة.
[4] في ط، ء: «بلغا بي ... وراجعا بي».
[5] كذا في ط، ء. وفي سائر الأصول: «قال: وكيف أخذته؟ قال: هو أبخل الناس إذا سئل شيئا، فتركته ... إلخ».
[6] يريد: جئت به وافيا تاما لم أنقص منه شيئا.
[7] كذا في أكثر الأصول. والخشنة (بضم أوله وتسكين ثانيه): الخشونة، ورجل ذو خشنة: صعب لا يطاق. والبذاذة: رثاثة الهيئة.
وفي أ: «الخسة» بالسين المهملة.
[8] زيادة عن ط، ء.
[9] الرؤد (وزان قفل وسهلت همزته): الشابة الناعمة الحسنة.
[10] كذا في ط، ء. وفي باقي الأصول: «رثاه به صديق له كان يألفه فأبكت ... إلخ».
فحدّثته بحديثها، فأمر بإحضارها فحضرت؛ فقال لها: غنّي الصوت الذي حدّثني إبراهيم عنك أنك غنّيته، فغنته وهي تبكي؛ فرقّ الرشيد لها وتغرغرت [1] عيناه، وقال لها: أتحبّين أن أشتريك؟ فقالت: يا أمير المؤمنين،/ لقد عرضت عليّ ما يقصر عنه الأمل، ولكن ليس من الوفاء أن يملكني أحد بعد سيّدي فينتفع بي؛ فازداد رقّة عليها، وقال: غنّي صوتا آخر، فغنّت:
العين تظهر كتماني وتبديه ... والقلب يكتم ما ضمّنته فيه
فكيف ينكتم المكتوم بينهما ... والعين تظهره والقلب يخفيه
فأمر بأن تبتاع وتعتق، ولم يزل يجري عليها إلى أن ماتت.
قصته مع الرشيد بشأن الجارية التي عرض بها في مجلسه:
أخبرنا محمد قال حدّثنا حمّاد عن أبيه عن جدّه قال:
قال لي الرشيد يوما: يا إبراهيم، بكّر عليّ غدا حتى نصطبح؛ فقلت [2] له: أنا والصبح كفرسي رهان؛ فبكّرت فإذا أنا به خاليا [3]، وبين يديه جارية كأنها خوط بان أو جدل عنان، حلوة المنظر، دمثة الشمائل، وفي يدها عود؛ فقال لها: غنّى، فغنت في شعر أبي نواس وهو:
توهمه قلبي فأصبح خدّه ... وفيه مكان الوهم من نظري أثر [4]
ومرّ بفكري خاطرا فجرحته ... ولم أر جسما قطّ يجرحه الفكر
وصافحه قلبي فآلم كفّه ... فمن غمز قلبي في أنامله عقر
قال إبراهيم: فذهبت واللّه بعقلي حتى كدت أن أفتضح، فقلت: من هذه يا أمير المؤمنين؟ فقال: هذه التي يقول فيها الشاعر:
لها قلبي الغداة وقلبها لي ... فنحن كذاك في جسدين روح
/ ثم قال لها: غنّى، فغنّت:
صوت
تقول غداة البين إحدى نسائهم ... لي الكبد الحريّ فسر ولك الصّبر
وقد خنقتها عبرة فدموعها ... على خدّها بيض وفي نحرها صفر
- الشعر لأبي الشّيص. والغناء لعمرو بن بانة، خفيف رمل بالوسطى من كتابه وفيه لمتيّم ثاني ثقيل وخفيف رمل آخر - قال: فشرب وسقاني ثم سقاها، ثم قال: غنّ يا إبراهيم؛ فغنّيت حسب ما في قلبي غير متحفّظ من شي ء:
__________
[1] كذا في ط، ء. وفي سائر الأصول: «فغنته وهي تبكي فتغر غرت عينا الرشيد ... إلخ».
[2] كذا في ط، ء. وفي سائر الأصول: «فكنت أنا والصبح ... إلخ».
[3] في الأصول: «خال» بالرفع، والقواعد تأباه، إذ هو حال من الضمير في «به».
[4] أثر الجرح (بالضم وبضمتين أيضا): أثره يبقى بعد ما يبرأ.
تشرّب قلبي حبّها ومشى به ... تمشّي حميّا الكأس في جسم شارب
ودبّ هواها في عظامي فشفّها ... كما دبّ في الملسوع سمّ العقارب
قال: ففطن بتعريضي، وكانت جهالة منّي؛ قال: فأمرني بالانصراف، ولم يدعني شهرا ولا حضرت مجلسه؛ فلما كان بعد شهر دسّ إليّ خادما معه رقعة، فيها مكتوب:
قد تخوّفت أن أموت من الوج ... د ولم يدر من هويت بما بي
/ يا كتابي فأقر السّلام على من ... لا أسمّي وقل له يا كتابي
إنّ كفّا إليك قد بعثتني [1] ... في شقاء مواصل وعذاب
فأتاني الخادم بالرقعة؛ فقلت له: ما هذا؟ قال: رقعة الجارية فلانة التي غنّتك بين يدي أمير المؤمنين؛ فأحسنت القصّة فشتمت الخادم ووثبت عليه وضربته ضربا شفيت به نفسي وغيظي، وركبت إلى الرشيد من فوري فأخبرته القصّة/ وأعطيته الرقعة؛ فضحك حتى كاد يستلقى، ثم قال: على عمد فعلت ذلك بك لأمتحن مذهبك وطريقتك، ثم دعا بالخادم؛ فلما خرج رآني فقال لي: قطع اللّه يديك ورجليك، ويحك! قتلتني؛ فقلت: القتل واللّه كان بعض حقّك لما وردت به عليّ، ولكن رحمتك فأبقيت عليك، [و أخبرت أمير المؤمنين ليأتي في عقوبتك بما تستحقه. فأمر لي الرشيد بصلة سنيّة] [2]؛ واللّه يعلم أني ما فعلت الذي فعلت عفافا ولكن خوفا.
سأله الرشيد كيف يصنع ألحانه فأجابه:
أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدّثني حمّاد بن إسحاق قال:
أخبرني أبي أنه سمع الرشيد وقد سأل جدّي إبراهيم كيف يصنع إذا أراد أن يصوغ الألحان، فقال:
يا أمير المؤمنين، أخرج الهمّ من فكري وأمثّل الطرب بين عينيّ، فتسوغ [3] لي مسالك الألحان [التي أريد] [3] فأسلكها بدليل الإيقاع، فأرجع مصيبا ظافرا بما أريد؛ فقال: يحقّ لك يا إبراهيم أن تصيب وتظفر، وإنّ حسن وصفك لمشاكل حسن صنعتك وغنائك.
فراسة يونس الكاتب فيه:
أخبرني ابن المرزبان قال حدّثني حمّاد عن أبيه عن جدّه قال:
أدركت يونس الكاتب وهو شيخ كبير فعرضت عليه غنائي؛ فقال: إن عشت كنت مغنّي دهرك.
كان أحد من يتصرّفون في كل مذهب من الأغاني:
قال حمّاد قال لي محمد بن الحسن: كان لكلّ واحد من المغنّين مذهب في الخفيف والثقيل، وكان معبد ينفرد بالثقيل، وابن سريج بالرّمل، وحكم بالهزج،/ ولم يكن في المغنّين أحد يتصرّف في كل مذهب من الأغاني إلا ابن سريج وإبراهيم جدّك وأبوك إسحاق.
__________
[1] في ط، ء و «مختار الأغاني»: «إن كفا إليكم كنيتني».
[2] الزيادة عن ط، ء. و «مختار الأغاني».
[3] كذا في ط، ء. وفي ح: «فيشرع». وفي سائر الأصول: «فيسرع».
رآه ثمامة بن أشرس مع يزيد حوراء مصطبحين يغنياه فأعجب بما كانا فيه:
حدّثني عمّي قال حدّثني أحمد بن الطّيّب السّرخسيّ قال حدّثني أحمد بن ثابت العبديّ عن أبي الهذيل العلّاف رأس المعتزلة عن ثمامة بن أشرس قال:
مررت بإبراهيم الموصليّ ويزيد حوراء وهما مصطبحان [1]، وقد أخذا بينهما صوتا يغنّيانه: هذا بيتا وهذا بيتا، وهو:
صوت
أيا جبلي نعمان باللّه خلّيا ... سبيل [2] الصّبا يخلص إليّ نسيمها
فإنّ الصّبا ريح إذا ما تنسّمت ... على نفس مهموم تجلّت همومها
طلب الخلوة في بيته يوما فزعم بأن إبليس زاره وطارحه الغناء:
أخبرنا محمد بن مزيد قال حدّثنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه عن جدّه إبراهيم قال:
سألت الرشيد أن يهب لي يوما في الجمعة لا يبعث فيه إليّ بوجه ولا بسبب، لأخلو فيه بجواريّ وإخواني، فأذن لي في يوم السبت، وقال لي [3]: هو يوم أستثقله، فاله فيه بما شئت؛ فأقمت يوم [4] السبت بمنزلي وتقدّمت في إصلاح [5] طعامي وشرابي بما احتجت إليه، وأمرت بوّابي فأغلق الأبواب وتقدّمت [6] إليه ألّا يأذن/ عليّ لأحد؛ فبينا أنا في مجلس والخدم [7] قد حفّوا بي وجواريّ يترددن بين يديّ، إذا أنا بشيخ ذي هيئة وجمال، عليه خفّان قصيران وقميصان ناعمان،/ وعلى رأسه قلنسوة لاطئة [8]، وبيده عكّازة مقمّعة بفضّة، وروائح المسك تفوح منه حتى ملأ البيت والدار؛ فداخلني بدخوله عليّ مع ما تقدّمت فيه غيظ ما تداخلني قطّ مثله، وهممت بطرد بوّابي ومن حجبني لأجله؛ فسلّم عليّ أحسن سلام فرددت عليه، وأمرته بالجلوس فجلس، ثم أخذ [بي] [9] في أحاديث الناس وأيام العرب وأحاديثها وأشعارها حتى سلّى [10] ما بي من الغضب، وظننت أنّ غلماني تحرّوا مسرّتي بإدخالهم مثله عليّ لأدبه وظرفه؛ فقلت: هل لك في الطعام؟ فقال: لا حاجة لي فيه؛ فقلت: هل لك في الشراب؟ فقال: ذلك إليك، فشربت رطلا وسقيته مثله؛ فقال لي: يا أبا إسحاق، هل لك أن تغنّي لنا شيئا من صنعتك وما [11] قد نفقت به
__________
[1] كذا في ط، ء. وفي سائر الأصول: «مصطحبان».
[2] كذا في ط، ء. وفي سائر الأصول: «نسيم الصبا».
[3] كذا في ط، ء. وفي سائر الأصول: «فقال: هو ... إلخ».
[4] كذا في ط، ء. وفي سائر الأصول: «فأقمت في يوم ... إلخ».
[5] في ب: «في اصطلاح» وهو تحريف.
[6] تقدمت إليه: أمرته.
[7] في ب، س، م: «و الحرم».
[8] يقال: تقلس باللاطئة وهي قلنسوة صغيرة تلطأ (تلزق) بالرأس.
[9] زيادة عن ط، ء، ح.
[10] لعله ضمن «سلى» معنى أذهب وأزال، على أنه لا يبعد أن يكون أصله «سل». وفي ط، ء: «سلا».
[11] كذا في ب، س، ح و «مختار الأغاني» لابن منظور. وفي ط، ء: «من صنعتك ما قد فقت به ... إلخ». وفي م: «من صنعتك ما قد تغنيت به ... إلخ».
عند الخاصّ والعامّ؟ فغاظني قوله، ثم سهّلت على نفسي أمره فأخذت العود فجسسته ثم ضربت فغنّيت؛ فقال:
أحسنت يا إبراهيم؛ فازداد غيظي وقلت: ما رضي بما فعله من دخوله عليّ بغير إذن واقتراحه أن أغنيّه حتى سمّاني ولم يكنّني ولم يجمل مخاطبتي!. ثم قال: هل لك أن تزيدنا؟ فتذمّمت [1] فأخذت العود فغنّيت؛ فقال: أجدت يا أبا إسحاق! / فأتّم [2] حتى نكافئك ونغنّيك؛ فأخذت العود وتغنّيت وتحفّظت وقمت بما غنّيته إياه [قياما] [3] تامّا ما تحفّظت مثله ولا قمت بغناء كما قمت به له بين يدي خليفة قطّ ولا غيره، لقوله لي: أكافئك؛ فطرب وقال:
أحسنت [4] يا سيّدي، ثم قال: أتأذن لعبدك بالغناء؟ فقلت: شأنك، واستضعفت عقله في أن يغنّيني بحضرتي بعد ما سمعه منّي؛ فأخذ العود وجسّه وحبسه، فو اللّه لخلته ينطق بلسان عربيّ لحسن ما سمعته من صوته [5]، ثم تغنّى:
صوت
ولي كبد مقروحة من يبيعني ... بها كبدا ليست بذات قروح
أباها عليّ الناس لا يشترونها ... ومن يشتري ذاعلّة [6] بصحيح
أئنّ من الشوق الذي في جوانبي ... أنين غصيص بالشراب جريح
قال إبراهيم: فو اللّه لقد ظننت الحيطان والأبواب وكلّ ما في البيت يجيبه ويغنّي معه من حسن غنائه، حتى خلت واللّه أنّي أسمع أعضائي [7] وثيابي تجاوبه، وبقيت مبهوتا لا أستطيع الكلام ولا الجواب ولا الحركة لما خالط قلبي؛ ثم غنّى:
صوت
ألا يا حمامات اللّوى عدن عودة ... فإنّي إلى أصواتكنّ حزين
فعدن فلما عدن كدن يمتنني ... وكدت بأسراري لهنّ أبين
/ دعون بترداد الهدير كأنما ... سقين حميّا أو بهنّ جنون
فلم تر عيني مثلهنّ حمائما ... بكين ولم تدمع لهنّ عيون
- لم أعرف في هذه الأبيات لحنا ينسب إلى إبراهيم، والذي عرفته لمحمد بن الحارث بن بسخنّر [8] خفيف رمل - فكاد، واللّه أعلم، عقلي أن يذهب طربا وارتياحا لما سمعت؛ ثم غنّى:
__________
[1] تذمم الرجل: استنكف، يقال: لو لم أترك الكذب تأثما لتركته تذمما، أي مجانبة للذم.
[2] في ط، ء و«مختار الأغاني»: «فأتمم هزارك». والهزار: كلمة فارسية من معانيها الأنشودة والمقطوعة.
[3] الزيادة عن ط، ء.
[4] في ط، ء: «أحسنت يا سيدي ويا أوثق عددي».
[5] في ط، ء: «من ضربه».
[6] في ط، ء: «ذا عرّة». والعرّة: الجرب.
[7] كذا في ط، ء. وفي سائر الأصول: «أني وعظامي وثيابي ... إلخ».
[8] كذا في ط، ء. وقد صححه الأستاذ الشنقيطي في عدّة مواضع بنسخته الخاصة المحفوظة بدار الكتب المصرية تحت رقم (144 أدب ش). وقد ورد في سائر الأصول: «بشخير» وهو تصحيف.
صوت
/ألا يا صبا نجد متى هجت من نجد ... لقد زادني مسراك وجدا على وجد
أأن هتفت ورقاء في رونق الضّحى [1] ... على فنن [2] غضّ النّبات من الرّند [3]
بكيت كما يبكي الحزين صبابة ... وذبت من الحزن المبرّح والجهد [4]
وقد زعموا أنّ المحبّ إذا دنا [5] ... يملّ وأنّ النأى يشفي [6] من الوجد
بكلّ تداوينا فلم يشف ما بنا ... على أنّ [7] قرب الدار خير من البعد
/ ثم قال: يا إبراهيم، هذا الغناء الماخوريّ فخذه وانح نحوه في غنائك وعلّمه جواريك؛ فقلت: أعده عليّ، فقال: لست [8] تحتاج، قد أخذته وفرغت منه، ثم غاب من بين يديّ [9]؛ فارتعت [10] وقمت إلى السيف فجرّدته، وعدوت نحو أبواب الحرم فوجدتها مغلقة، فقلت للجواري: أيّ شيء سمعتنّ عندي؟ فقلن [11]: سمعنا أحسن غناء سمع قطّ؛ فخرجت متحيّرا إلى باب الدار فوجدته مغلقا، فسألت البوّاب عن الشيخ؛ فقال لي: أيّ شيخ هو؟ واللّه ما دخل إليك اليوم أحد؛ فرجعت لأتأمل أمري، فإذا هو قد هتف [بي] [12] من بعض جوانب البيت: لا بأس عليك يا أبا إسحاق، أنا إبليس وأنا كنت جليسك ونديمك اليوم، فلا ترع. فركبت إلى الرشيد وقلت: لا أطرفه [13] أبدا بطرفة مثل هذه، فدخلت إليه فحدّثته بالحديث؛ فقال: ويحك! تأمّل هذه الأصوات [14]، هل أخذتها؟ فأخذت العود أمتحنها، فإذا هي راسخة في صدري كأنها لم تزل؛ فطرب الرشيد [عليها] [15] وجلس يشرب ولم يكن عزم على الشراب، وأمر لي بصلة وحملان [9] وقال: الشيخ كان أعلم بما قال لك من أنك أخذتها وفرغت منها، فليته أمتعنا بنفسه يوما واحدا كما أمتعك.
__________
[1] رونق الضحى: حسنه وإشراقه.
[2] كذا في ط، ء و «شرح الحماسة» للتبريزي (ج 3 ص 145). وفي سائر الأصول و «ديوان ابن الدمينة» المخطوط المحفوظ بدار الكتب المصرية ضمن مجموعة تحت رقم (6 أدب ش): «غصن».
[3] الرند: شجر طيب الرائحة من شجر البادية. وقد ورد هذا البيت في أكثر الأصول بعد البيت الذي يليه، وقد وضعناه كما ورد في ط، لانسجام الكلام بذلك.
[4] روى هذا البيت في «شرح الحماسة» هكذا:
بكيت كما يبكي الوليد ولم تكن ... جليدا وأبديت الذي لم تكن تبدي
[5] كذا في ط، ء، م و «الأغاني» (ج 15 ص 156 طبع بولاق) وهو الموافق لما جاء في شرح ديوان الحماسة» للتبريزي و «ديوانه». وفي سائر الأصول: «إذا نأى».
[6] في ط، ء: «يسلي».
[7] في ط، ء و «شرح الحماسة»: «على ذاك قرب ... إلخ».
[8] كذا في ط، ء. وفي سائر الأصول: «ليس».
[9] في ط، ء و «مختار الأغاني»: «من بين عينيّ».
[10] كذا في ط، ء و «مختار الأغاني». وفي سائر الأصول: «فارتفعت».
[11] في ب، س: «فقلنا» وهو تحريف.
[12] الزيادة عن ط، ء و «مختار الأغاني».
[13] أطرفه: أتحفه وأتاه بالحديث الجديد.
[14] كذا في ط، ء و «مختار الأغاني». وفي سائر الأصول: «الأبيات».
[15] الحملان (بالضم): ما يحمل عليه من الدواب في الهبة خاصة.
نسبة هذه الأصوات
أمّا الصوت الأوّل فالذي أعرفه فيه خفيف رمل لمحمد بن الحارث بن بسخنّر، ولم يقع إليّ فيه صنعة لإبراهيم. والصوت الثاني الذي أوّله:
ألا يا صبا نجد متى هجت من نجد
فشعره ليزيد [1] بن الطّثريّة [2]، والغناء لإبراهيم خفيف ثقيل بالبنصر عن عمرو. وفيه لمحمد بن الحسن بن مصعب ثاني ثقيل بالوسطى عن الهشاميّ وعمرو. وذكر إبراهيم أنّ فيه لحنا لدحمان ولحنا لابنه الزّبير، ولم يذكر في أيّ طريقة هما.
هكذا حدّثنا ابن أبي الأزهر بهذا الخبر؛ وما أدري ما أقول فيه، ولعل إبراهيم صنع هذه الحكاية ليتنفّق بها، أو صنعت وحكيت عنه. إلا أنّ للخبر أصلا الأشبه بالحق منه ما حدّثني به أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ وأحمد بن عبيد اللّه بن عمّار قالا حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثنا إسحاق بن إبراهيم الموصليّ عن أبيه قال:
صنعت لحنا فأعجبني، وجعلت أطلب شعرا فعسر ذلك عليّ، ورأيت في المنام كأنّ رجلا لقيني فقال:
يا إبراهيم، أأعياك شعر لغنائك هذا الذي تعجب به؟ قلت نعم؛ قال: فأين أنت من قول ذي الرّمّة حيث قال:
/ألا يا اسلمي يا دارميّ عن البلى ... ولا زال منهلّا بجرعائك [3] القطر
/ وإن لم تكوني غير شام [4] بقفرة ... تجرّبها الأذيال صيفيّة [5] كدر
قال: فانتيهت وأنا فرح [6] بالشعر، فدعوت من ضرب عليّ وغنيته فإذا هو أوفق ما خلق اللّه، فلمّا علمت [ذلك، وعملت] [7] هذا الغناء في شعر ذي الرّمة، تنبّهت عليه وعلى شعره فصنعت فيه ألحانا ماخوريّة، منها:
صوت
أمنزلتي ميّ سلام عليكما ... هل الأزمن اللائي مررن رواجع
وهل يرجع التسليم أو يكشف العمى ... ثلاث الأثافي [8] أو رسوم بلاقع
__________
[1] كذا في جميع الأصول و «الأمالي» لأبي على القالي (ج 3 ص 104 طبع دار الكتب المصرية). وقد نسبت هذه الأبيات في «الأغاني» (ج 15 ص 156 طبع بولاق) و «شرح الحماسة» للتبريزي (ج 3 ص 145) لعبد اللّه بن الدمينة، وهي مذكورة في «ديوانه».
[2] في ب، ح: «الطبرية» بالباء الموحدة، وهو تصحيف.
[3] الجرعاء: الرملة المستوية لا تنبت شيئا.
[4] كذا في جميع الأصول و «ديوان ذي الرمة» طبع أوروبا. والشام: جمع شامة، وهي بقعة تخالف لون الأرض؛ أي وإن أصبحت جزءا أسود من الأرض قد فقد كل ما كان له من معالم. وقد ذكر ذو الرمة هذا المعنى أيضا في قوله:
كأن ديار الحيّ بالزرق خلقة ... من الأرض أم مكتوبة بمداد
أي كأنها خلقة من الأرض سوداء. والزرق: كئيب بالدهناء.
[5] الصيفية: رياح الصيف. والكدر: جمع كدراء وهي التي في لونها غبرة.
[6] في ب، ح: «جموح».
[7] الزيادة عن ط، ء.
[8] كذا في ط، ء هنا. وفيما سيأتي في «الأغاني» (ج 16 ص 129 طبع بولاق) و «المخصص» (ج 17 ص 100، 125):
ثلاث الأثافي والديار البلاقع
صنعة إبراهيم في هذين الشعرين جميعا من الماخوريّ بالوسطى، وهو خفيف الثقيل الثاني. وأخباره كلها في هذا المعنى تأتي في أخبار ذي الرّمّة مشروحة.
سأل الرشيد أن يختصه بالغناء في شعر ذي الرمة وكان الرشيد يؤثره:
حدّثني [محمد بن] [1] مزيد قال حدّثني حمّاد عن أبيه قال قال [لي] [1] أبي:
قال [لي] [1] جعفر بن يحيى يوما وقد علم أنّ الرشيد أذن لي وللمغنّين في الانصراف يومئذ: صر إليّ حتى أهب [2] لك شيئا حسنا - فصرت إليه فقال لي: أيّما أحبّ إليك: أهب لك الشيء الحسن الذي وعدتك به، أم [3] أرشدك إلى شيء تكسب به ألف ألف درهم؟ فقلت: بل يرشدني الوزير - أعزّه اللّه - إلى هذا الوجه فإنه يقوم مقام إعطائه إيّاي هذا الحسن [4]؛ فقال: إنّ أمير المؤمنين يحفظ شعر ذي الرّمّة حفظ الصّبا [5] ويعجبه ويؤثره، فإذا سمع فيه غناء، أطربه أكثر مما يطربه غيره مما لا يحفظ شعره؛ فإذا غنّيته فأطربته وأمر لك بجائزة، فقم على رجليك قائما وقبّل الأرض بين يديه وقل له: لي حاجة غير هذه الجائزة أريد أن أسألها أمير المؤمنين، وهي حاجة تقوم عندي مقام كل فائدة ولا تضرّه ولا ترزؤه؛ فإنه سيقول لك: أيّ شيء حاجتك؟ فقل: قطيعة تقطعنيها سهلة عليك لا قيمة لها ولا منفعة فيها لأحد؛ فإذا أجابك إلى ذلك، فقل له: تقطعني شعر ذي الرمّة أغنّي فيه ما أختاره وتحظر على المغنّين جميعا أن [6] يداخلوني فيه، فإني أحبّ شعره وأستحسنه فلا أحبّ أن ينغّصه عليّ أحد منهم، وتوثّق منه في ذلك؛ فقبلت ذلك القول منه، وما انصرفت من عنده بعد ذلك إلا بجائزة؛/ وتوخّيت وقت الكلام في هذا المعنى حتى وجدته، فقمت فسألت كما قال لي، وتبيّنت السرور في وجهه، وقال: ما سألت شططا، قد [7] أقطعتك سؤلتك؛ فجعلوا يتضاحكون من قولي ويقولون: لقد استضخمت القطيعة وهو ساكت؛ فقلت: يا أمير المؤمنين، أتأذن لي في التوثّق؟ قال: توثّق كيف شئت؛ فقلت: باللّه وبحقّ رسوله وبتربة أمير المؤمنين المهديّ إلّا جعلتني على ثقة من ذلك بأنك [تحلف [8] لي أنك] لا تعطي أحدا من المغنّين جائزة على شيء يغنّيه في شعر ذي الرّمّة فإنّ ذلك وثيقتي؛ فحلف مجتهدا لهم لئن غنّاه أحد منهم في شعر ذي الرّمّة لا أثابه بشيء ولا برّه ولا سمع غناءه؛ فشكرت فعله وقبّلت الأرض بين يديه وانصرفنا. فغنّيت مائة صوت وزيادة [9] في شعر ذي الرّمّة، فكان إذا سمع منها صوتا
__________
() وورد في كثير من كتب الأدب ومنها ديوان ذي الرمة هكذا:
ثلاث الأثافي والرسوم البلاقع
وكذلك أوردته أكثر معاجم اللغة شاهدا على تعريف المضاف إليه في العدد. وفي باقي الأصول هنا: «ثلاث أثاف أو رسوم بلاقع».
(و الأثافي) الأحجار التي توضع عليها القدر، واحدها أثفية (بضم الهمزة وكسرها).
[1] التكملة عن ط، ء.
[2] كذا في ط، ء، وهو الصواب لأن «وهب» يتعدى إلى المفعول الأوّل باللام، وقد جاء في التنزيل: لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا
وأنكر سيبويه أن يقال: أهبك كذا؛ ونقل عن أبي عمرو أنه سمع أعرابيا يقول لآخر: انطلق معي أهبك نبلا. وفي سائر الأصول: «حتى أهبك».
[3] يراد هنا التعيين، فلهذا وضعنا «أم» بدل «أو» التي وردت في الأصول.
[4] كذا في ط، ء. وفي سائر الأصول: «المال».
[5] في ط، ء: «كأنه حفظ الصبيّ».
[6] كذا في ط، ء، أ. وفي سائر الأصول: «ألا يداخلوني».
[7] كذا في ط، ء. وفي سائر الأصول: «و قال: أقطعتك ... إلخ».
[8] زيادة عن ط.
[9] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «و زيادة عليها في شعر ... إلخ».
طرب وزاد طربه ووصلني فأجزل، ولم ينتفع به أحد منهم غيري؛ فأخذت منه واللّه بها ألف ألف درهم وألف ألف درهم.
رأى في منامه من أرشده إلى الغناء في شعر ذي الرمة فغنى به الرشيد فأجزل صلته:
أخبرني جعفر بن قدامة بن زياد الكاتب قال حدّثني [1] هارون بن محمد بن عبد الملك الزيّات قال حدّثني أبو خالد الأسلميّ قال حدّثني محمد بن عمر الجرجانيّ قال:
قال إبراهيم الموصليّ: أرتج عليّ فلم أجد شعرا أصوغ فيه غناء أغنّي فيه الرشيد،/ فدخلت إلى بعض حجر داري مغموما، فأسبلت الستور عليّ وغلبتني عيني، فتمثّل لي/ في البيت شيخ أشوه الخلقة، فقال لي: يا موصليّ، مالي أراك مغموما؟ قلت: لم أصب شعرا أغنّي فيه الرشيد الليلة؛ قال: فأين أنت عن قول ذي الرّمّة:
ألا يا اسلمي يا دارميّ على البلى ... ولا زال منهلّا بجرعائك [2] القطر
وإن [3] لم تكوني غير شام بقفرة ... تجرّبها الأذيال صيفيّة كدر [4]
أقامت [5] بها حتى ذوي العود في الثّرى [6] ... وساق الثريّا في ملاءته [7] الفجر
وحتى اعتلى [8] البهمى [9] من الصيف نافض ... كما نفضت خيل نواصيها شقر
قال: وغنّاني فيه بلحن وكرّره حتى علقته [10] فانتبهت وأنا أديره، فناديت جارية لي وأمرتها بإحضار عود، وما زلت أترنّم بالصوت وهي تضرب حتى استوى [لي] [11]؛ ثم صرت إلى هارون فغنّيته إيّاه، فأسكت [12] المغنّين، ثم قال: أعد فأعدت، فما زال ليلته يستعيدنيه، فلما أصبح أمر لي بثلاثين ألف درهم وبفرش البيت الذي كنّا فيه، وقال: عليك بشعر ذي الرّمّة فغنّ فيه؛ فصنعت فيه غناء كثيرا، فكنت أغنّيه به [فيعجبه] [11] ويجزل صلتي.
__________
[1] كذا ورد هذا السند في ط، ء قد ورد في سائر الأصول هكذا: «أخبرني جعفر بن قدامة بن زياد الكاتب قال حدّثني هارون بن عمرو الجرجاني قال ... إلخ».
[2] راجع الحاشية رقم 1 ص 236 من هذا الجزء.
[3] في ط، ء و «ديوانه» طبع أوروبا: «فإن لم» بالفاء.
[4] راجع الحاشية رقم 3 ص 236 من هذا الجزء.
[5] في ط، ء: «أقاموا» بالواو.
[6] في «شرح شواهد الكبرى» للإمام العيني («الموضوع على هامش الخزانة» للبغدادي ج 2 ص 7 طبع بولاق): «و التوى».
[7] ملاءة الفجر: بياضه؛ شبه بالملاءة وهي الثوب الأبيض.
[8] في ديوانه وشرح الشواهد الكبرى المذكور: «اعترى».
[9] البهمي (للواحد والجمع): نبت تجد به الغنم وجدا شديدا ما دام أخضر، فإذا يبس وعظم خرج له شوك مثل شوك السنبل ثم كان كلأ يرعاه الناس حتى يصيبه المطر من عام مقبل وينبت من تحته حبه الذي سقط من سنبله. والنافض: يبس يقع فيها فينفضها؛ وهذا في أوّل القيظ قبل شدّة الحر. قال أبو عمرو: نافض: يريد ريح الصيف، وشبه شوك البهمي إذا وقعت عليه فابيض بنواصي خيل شقر.
(انظر «شرح ديوان ذي الرمة» طبع أوروبا).
[10] كذا في ط، ء. يريد: حتى علمته وحفظته، يقال: علق فلان أمره إذا علمه. وفي سائر الأصول: «عقلته».
[11] زيادة عن ط، ء.
[12] في ط، ء: «فأمسك المغنون بإسكاته ثم قال ... إلخ».
غنى الرشيد ومعه زلزل وبرصوما فأطربوه:
أخبرني عمّي وابن المرزبان والحسن بن عليّ قالوا حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد قال حدّثنا محمد بن عبد اللّه السّلميّ قال حدّثنا أبو غانم مولى جبلة [1] بن يزيد السّلميّ قال:
اجتمع إبراهيم الموصليّ وزلزل وبرصوما بين يدي الرشيد، فضرب زلزل وزمر برصوما وغنّى إبراهيم:
صوت
صحا قلبي وراع [2] إليّ عقلي ... وأقصر باطلي ونسيت جهلي
رأيت الغانيات وكنّ صورا [3] ... إليّ صرمنني وقطعن حبلي
فطرب هارون حتى وثب على رجليه وصاح: يا آدم، لو رأيت من يحضرني [4] من ولدك اليوم لسرّك! ثم جلس وقال: أستغفر اللّه.
الشعر الذي غنّى فيه إبراهيم لأبي العتاهية. والغناء لإبراهيم خفيف ثقيل بالبنصر.
غاضب الرشيد جارية يحبها فغناه بشعر للعباس بن الأحنف فترضاها:
حدّثني جحظة قال حدّثني حمّاد بن إسحاق عن أبيه قال:
كان الرشيد يجد بماردة وجدا شديدا؛ فغضبت عليه وغضب عليها، وتمادى بينهما الهجر أياما؛ فأمر جعفر بن يحيى العباس بن الأحنف فقال:
راجع أحبّتك الذين هجرتهم ... إنّ المتيّم قلّما يتجنّب
إنّ التجنّب إن تطاول منكما ... دبّ السّلوّ له فعزّ المطلب
/ وأمر إبراهيم الموصليّ فغنّى فيه الرشيد؛ فلما سمعه بادر إلى ماردة فترضّاها؛ فسألت عن السبب في ذلك فعرفته، فأمرت لكل واحد من العبّاس وإبراهيم بعشرة آلاف درهم، وسألت الرشيد أن يكافئهما عنها، فأمر لهما بأربعين ألف درهم.
نال أوّل جائزة خرجت لشاعر من الرشيد:
أخبرني جعفر بن قدامة عن حمّاد عن أبيه قال:
أوّل جائزة خرجت لشاعر من الرشيد لمّا ولي الخلافة جائزة لإبراهيم [5]، فإنه قال يمدحه لمّا ولي:
__________
[1] في ط، ء: «مولى يزيد بن جبلة».
[2] كذا في أكثر الأصول. وراع بمعنى: رجع. وفي ب، س: «راغ» بالغين المعجمة، وهو تصحيف.
[3] كذا في ح. وصور إلى كذا (من باب علم) إذا أمال عنقه ووجهه إليه فهو أصور والأنثى صوراء والجمع: صور. وفي سائر الأصول: «خزرا».
[4] في ط، ء: «من بحضرتي».
[5] كذا في ط، ء. وإبراهيم هذا هو إبراهيم الموصلي صاحب الترجمة، وفي ابن خلكان في «ترجمة يحيى البرمكيّ» ج 2 ص 360 إلى 366 بعد أن ذكر قصة هذا الشعر قال: «و في ذلك يقول الموصليّ وأظنه إبراهيم النديم أو ابنه إسحاق». وفي سائر الأصول: «لأبي فائد» وهو تحريف.
صوت
/ألم تر أنّ الشمس كانت مريضة ... فلمّا ولي هارون أشرق نورها
فألبست [1] الدّنيا جمالا بوجهه ... فهارون واليها ويحيى وزيرها
وغنّى فيه، فأمر له بمائة ألف درهم، وأمر له يحيى بخمسين ألف درهم.
قامر الرشيد بالنرد فتقامر له:
أخبرنا الحسن بن عليّ قال حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد قال حدّثني محمد بن عبد اللّه بن [2] مالك قال حدّثني إسحاق الموصليّ:
أنّ أباه لعب يوما مع الرشيد بالنّرد في الخلعة التي كانت على [3] الرشيد والخلعة التي كانت عليه هو، فتقامر [4] للرشيد، فلمّا قمره قام إبراهيم فنزع ثيابه، ثم قال للرشيد: حكم النّرد الوفاء به، وقد قمرت ووفّيت لك، فالبس ما كان عليّ؛/ فقال له الرشيد: ويلك! أنا ألبس ثيابك!؛ فقال: إي واللّه إذا أنصفت، وإذا لم تنصف قدرت وأمكنك؛ قال: ويلك! أو أفتدي منك؟ قال: نعم؛ قال: وما الفداء؟ قال: قل أنت يا أمير المؤمنين فإنك أولى بالقول؛ فقال: أعطيك كلّ ما عليّ؛ قال: فمر به يا أمير المؤمنين وأنا أستخير اللّه في ذلك؛ فدعا بغير ما عليه فلبسه ونزع ما كان عليه فدفعه إلى إبراهيم.
فطنة ابن جامع وإبراهيم في صناعة الموسيقى:
أخبرني إسماعيل بن يونس قال حدّثني عمر بن شبّة قال حدّثني عليّ بن عبد الكريم قال:
زار ابن جامع إبراهيم [الموصليّ] [5]؛ فأخرج إليه ثلاثين جارية فضر بن جميعا طريقة واحدة وغنّين؛ فقال ابن جامع. في الأوتار وتر غير مستو؛ فقال إبراهيم: يا فلانة شدّي مثناك، فشدّته فاستوى؛ فعجبت أوّلا من فطنة ابن جامع لو تر في مائة وعشرين وترا غير مستو، ثم ازداد عجبى من فطنة إبراهيم له بعينه.
غناؤه عند خمار بالرقة:
أخبرني إسماعيل بن يونس وحبيب بن نصر [المهلّبيّ] [5] قالا حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثني إسحاق بن إبراهيم قال حدّثني أبي قال:
كنّا مع الرشيد بالرّقّة وكان هناك خمّار أقصده أشتري منه شرابا حسنا طيّبا، وربما شربت في حانته، فأتيته يوما فبزل [6] لي دنّا في باطية [7] له، فرأيت لونه حسنا صافيا، فاندفعت أغنّي:
__________
[1] في ط، ء: «تلبست».
[2] كذا في ط، ء، وفيما سبق في مواضع كثيرة في جميع الأصول وفيما سيأتي أيضا. وفي سائر الأصول هنا: «محمد بن عبد الملك»، وهو تحريف.
[3] كذا في ط، ء. وفي سائر الأصول: «مع» وهو تحريف.
[4] كذا في ط، ء، ولعله يريد أنه تظاهر بالغلب للرشيد. وفي سائر الأصول: «فتقامر الرشيد».
[5] زيادة عن ط، ء.
[6] كذا في ط، ء. وبزل الدن: ثقبه، ويقال: بزل الشراب إذا صفاه. وفي سائر الأصول: «فنزل» بالنون، وهو تصحيف.
[7] الباطية: إناء من الزجاج يملأ من الشراب ويوضع بين الشرب يغترفون منه.
صوت
اسقني صهباء صرفا ... لم تدنّس بمزاج
اسقني والليل داج ... قبل أصوات الدّجاج
يا أبا وهب خليلي ... كلّ همّ لانفراج
حين توّهت [1] بقلبي ... في أعاصير الفجاج [2]
- الغناء في هذه الأبيات لإبراهيم هزج بالوسطى عن عمرو. وفيها لسياط ثاني ثقيل بالخنصر في مجرى البنصر عن إسحاق - قال: فدهش الخمّار يسمع صوتي، فقلت له: ويحك! قد فاض النبيذ من الباطية؛ فقال: دعني من النبيذ يا أبا إسحاق، مالي أرى صوتك حزينا حريقا [3]، مات لك باللّه إنسان؟؛ فلما جئت إلى الرشيد حدّثته بذلك فجعل يضحك.
قصته مع الجواري اللاتي عقنه عن موعد الرشيد وخروج الرشيد إليهن معه متخفيا:
وذكر أحمد بن أبي طاهر أنّ المدائنيّ حدّث قال:
[قال] [4] إبراهيم الموصليّ قال لي الرشيد يوما: يا إبراهيم، إني قد جعلت غدا للحريم، وجعلت ليلته للشرب مع الرجال، وأنا مقتصر عليك من المغنّين، فلا تشتغل غدا بشيء ولا تشرب نبيذا، وكن بحضرتي في وقت العشاء الآخرة؛ فقلت: السمع والطاعة لأمير المؤمنين؛ فقال: وحقّ أبي لئن تأخرت أو اعتللت بشيء لأضربنّ/ عنقك، أفهمت؟ فقلت: نعم، وخرجت فما جاءني أحد من إخواني إلا احتجبت عنه/ ولا قرأت رقعة لأحد، حتى إذا صلّيت المغرب ركبت قاصدا إليه، فلما قربت من فناء داره مررت بفناء قصر، وإذا زنبيل [5] كبير مستوثق منه بحبال وأربع عرى أدم وقد دلّي من القصر، وجارية قائمة تنتظر إنسانا قد وعد ليجلس فيه، فنازعتني نفسي إلى الجلوس فيه، ثم قلت: هذا خطأ، ولعله أن يجري سبب يعوقني عن الخليفة فيكون الهلاك، فلم أزل أنازع نفسي وتنازعني حتى غلبتني، فنزلت فجلست فيه، ومدّ الزنبيل حتى صار في أعلى القصر، ثم خرجت فنزلت، فإذا جوار كأنهنّ المها جلوس، فضحكن وطربن، وقلن: قد جاء واللّه من أردناه؛ فلما رأينني من قريب تبادرن إلى الحجاب وقلن: يا عدوّ اللّه، ما أدخلك إلينا؟ فقلت: يا عدوّات اللّه، ومن الذي أردتنّ إدخاله؟ ولم صار أولى بهذا منّي؟ فلم يزل هذا دأبنا وهنّ يضحكن وأضحك معهنّ؛ ثم قالت إحداهنّ: أمّا من أردناه فقد فات، وما هذا إلا ظريف، فهلمّ نعاشره عشرة جميلة؛ فأخرج إليّ طعام ودعيت إلى أكله، فلم يكن فيّ فضل إلّا أنّي كرهت أن أنسب إلى سوء العشرة، فأصبت منه إصابة معذّر [6]، ثم جيء بالنبيذ فجعلنا نشرب، وأخرجن إليّ ثلاث جوار لهنّ فغنّين غناء
__________
[1] كذا في ط، ء، ح. وفي سائر الأصول: «نوهت» بالنون، وهو تصحيف.
[2] الفجاج: جمع فجّ وهو الطريق الواسع الواضح بين جبلين وهو أوسع من الشعب. وفي ط، ء، ح: «في أعاصير العجاج» بالعين المهملة بدل الفاء.
[3] في ط، ء، ح: «حرفا».
[4] زيادة عن ط، ء.
[5] في ط، ء: «زبيل» وهي بمعنى «الزنبيل».
[6] كذا في ط، ء. والمعذر: المعتذر. وفي باقي الأصول: «إصابة مقدرة»، بالقاف والدال المهملة.
مليحا، فغنّت إحداهنّ صوتا لمعبد، فقالت إحدى الثلاث من وراء الستر: أحسن إبراهيم، هذا له؛ فقلت: كذبت ليس هذا له، هذا لمعبد؛ فقالت: يا فاسق، وما يدريك الغناء ما هو؛ ثم غنّت الأخرى صوتا للغريض، فقالت [تلك] [1]: أحسن إبراهيم، هذا له أيضا؛ فقلت: كذبت يا خبيثة، هذا للغريض؛ فقالت: اللهم أخزه، ويلك! / وما يدريك! ثم غنّت الجارية صوتا لي، فقالت تلك: أحسن ابن سريج، هذا له [2]؛ فقلت: كذبت هذا لإبراهيم، وأنت تنسبين غناء الناس إليه وغناءه إليهم؛ فقالت: ويحك! وما يدريك!؛ فقلت: أنا إبراهيم، فتباشرن بذلك جميعا وطربن كلّهن وظهرن كلّهن لي وقلن: كتمتنا نفسك وقد سررتنا [3]؛ فقلت: أنا الآن أستودعكنّ اللّه؛ فقلن:
وما السبب؟ فأخبرتهنّ بقصتي مع الرشيد؛ فضحكن وقلن: الآن واللّه طاب حبسك، علينا وعلينا إن خرجت أسبوعا؛ فقلت: هو واللّه القتل؛ قلن: إلى لعنة اللّه. فأقمت واللّه عندهنّ أسبوعا لا أزول، فلما كان بعد الأسبوع ودّعنني وقلن: إن سلّمك اللّه فأنت بعد ثلاث عندنا، قلت نعم؛ فأجلسنني في الزنبيل وسرّحت؛ فمضيت لوجهي حتى أتيت دار الرشيد، وإذا النداء قد أشيع ببغداد في طلبي وأنّ من أحضرني فقد سوّغ ملكي وأقطع مالي؛ فاستأذنت فتبادر الخدم حتى أدخلوني على الرشيد؛ فلما رآني شتمني وقال: السيف والنّطع! إيه يا إبراهيم، تهاونت بأمري وتشاغلت بالعوامّ عما أمرتك به وجلست مع أشباهك من السفهاء حتى أفسدت [4] عليّ لذّتي!؛ فقلت:
يا أمير المؤمنين، أنا بين يديك، وما أمرت به غير فائت، ولي حديث عجيب ما سمع بمثله قطّ وهو الذي قطعني عنك ضرورة لا اختيارا، فاسمعه، فإن كان عذرا فاقبله وإلّا فأنت أعلم؛ قال: هاته فليس ينجيك؛ فحدّثته، فوجم ساعة ثم قال: إن هذا لعجب، أفتحضرني معك هذا الموضع؟ قلت: نعم، وأجلسك معهنّ إن شئت قبلي حتى تحصل/ عندهنّ، وإن شئت فعلى موعد؛ قال: بل على موعد؛ قلت: أفعل؛ فقال: انظر؛ قلت: ذلك حاصل إليك متى شئت؛ فعدل عن رأيه فيّ وأجلسني وشرب/ وطرب؛ فلما أصبحت أمرني بالانصراف وأن أجيئه من عندهنّ؛ فمضيت إليهنّ في وقت الوعد، فلما وافيت الموضع إذا الزنبيل معلّق، فجلست فيه ومدّه الجواري فصعدت، فلما رأينني تباشرن وحمدن اللّه على سلامتي، وأقمت ليلتي [5]، فلما أردت الانصراف قلت لهنّ: إن لي أخا هو عدل [6] نفسي عندي، وقد أحبّ معاشرتكن ووعدته بذلك؛ فقلن: إن كنت ترضاه فمرحبا به؛ فوعدتهن ليلة غد وانصرفت وأتيت الرشيد وأخبرته؛ فلما كان الوقت خرج معي متخفّيا [7] حتى أتينا الموضع، فصعدت وصعد بعدي ونزلنا [8] جميعا، وقد كان اللّه وفّقني لأن قلت لهن: إذا جاء صديقي فاستترن عني وعنه ولا يسمع لكنّ نطقة، وليكن ما تخترنه من غناء أو تقلنه من قول مراسلة؛ فلم يتعدّين ذلك وأقمن على أتمّ ستر وخفر، وشربنا شربا كثيرا، وقد كان أمرني ألّا أخاطبه بأمير المؤمنين، فلما أخذ منّي النبيذ قلت سهوا: يا أمير المؤمنين، فتواثبن من وراء الستارة حتى غابت عنّا حركاتهنّ؛ فقال لي: يا إبراهيم لقد أفلتّ من أمر عظيم، واللّه لو برزت إليك واحدة
__________
[1] زيادة عن ط، ء.
[2] كذا في ط، ء. وفي سائر الأصول: «هذا له أيضا» بزيادة كلمة «أيضا»، وهو تحريف.
[3] كذا في ط، ء. وفي سائر الأصول: «سررنا».
[4] كذا في ط، ء. وفي سائر الأصول: «حتى فسدت لذتي».
[5] كذا في ط، ء. وفي سائر الأصول: «ليلتين».
[6] العدل: النظير.
[7] كذا في ط، ء. وفي سائر الأصول: «مختفيا».
[8] كذا في ط، ء. وفي سائر الأصول: «وبتنا».
منهنّ لضربت عنقك، قم بنا، فانصرفنا؛ وإذا هنّ له، قد كان غضب عليهنّ فحبسهنّ في ذلك القصر؛ ثم وجّه من غد بخدم فردّوهنّ إلى قصره، ووهب لي مائة ألف درهم، وكانت الهدايا والألطاف تأتيني بعد ذلك [منهنّ] [1].
غنى الرشيد فأجزل صلته:
أخبرني جعفر بن قدامة قال حدّثنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه قال حدّثني أبي قال:
/ دخلت على الرشيد [يوما] [2] فقال لي: أنا اليوم كسلان خاثر [3]، فإن غنّيتني صوتا يوقظ نشاطي أحسنت صلتك؛ فغنيته:
ولم ير في الدنيا محبّان مثلنا ... على ما نلاقي من ذوي الأعين الخزر
صفيّان لا نرضى الوشاة إذا وشوا ... عفيفان لا نغشى [4] من الأمر ما يزري
فطرب، ودعا بالطعام فأكل وشرب، وأمر لي بخمسين ألف درهم.
طلب إليه يحيى بن خالد أن يمتحن صوتا لدنانير ثم أجازه:
أخبرني إسماعيل بن يونس قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثني إسحاق قال قال لي أبي قال لي يحيى بن خالد:
إنّ ابنتك دنانير قد عملت صوتا أعجبني وأعجبت أيضا هي به، فقلت لها: لا تعجبي به حتّى أعرضه على أبيك أبي إسحاق؛ فقلت له: واللّه ما في معرفة الوزير - أعزّه اللّه - به ولا بغيره [5] من الصنائع مطعن، وإنه لأصحّ العالم تمييزا وأثقبه فطنة، وما أعجبه إلّا وهو صحيح حسن؛ فقال: إن كنت كما تقول أيضا، فإنّ أهل كلّ صناعة يمارسونها أفهم بها ممّن يعلمها عن عرض من غير ممارسة، ولو كنا في هذه الصناعة متساويين لكان الاستظهار برأيك أجود، لأنّ ميلي إلى صانعة الصوت ربما حسّن عندي ما ليس بالحسن، وإنما يتمّ سروري به بعد سماعك إياه واستحسانك له على الحقيقة؛ فمضيت فوجدت ستارة منصوبة وأمرا قد تقدّم فيه قبلي؛ فجلست فسلّمت على الجارية، وقلت لها: تغنّيني الصّوت الذي/ ذكره لي الوزير أعزه اللّه؛ فقالت: إن الوزير قال لي: إن استجاده فعرّفيني ليتمّ سروري به، وإلّا فاطو الخبر عني لئلّا تزول رتبته عندي؛ فقلت: هاتيه حتى أسمعه؛ فغنّت تقول:
/نفسي أكنت عليك مدّعيا ... أم حين أزمع بينهم خنت
إن كنت هائمة بذكرهم ... فعلى فراقهم ألا حمت
قال: فأحسنت واللّه وما قصرت، فاستعدته لأطلب فيه موضعا لأصلحه فيكون لي فيه معنى فما وجدت؛ قلت: أحسنت واللّه يا بنيّة ما شئت؛ ثم عدت إلى يحيى فحلفت له بأيمان رضيها أنّ كثيرا من حذّاق المغنّين لا يحسنون أن يصنعوا مثله، ولقد استعدته لأرى فيه موضعا يكون لي فيه عمل فما وجدت؛ فقال: وصفك لها من
__________
[1] زيادة عن ط، ء.
[2] زيادة عن ط، ء.
[3] كذا في ط، ء. وخثرت نفسه: غثت واختلطت. وفي سائر الأصول: «حائر» وهو تحريف.
[4] كذا في ط، ء. وفي سائر الأصول: «نخشى» بالخاء المعجمة، وهو تحريف.
[5] في ط، ء: «بهذه الصناعة ولا غيرها من الصنائع ... إلخ».
أجله [1] يقوم مقام تعليمك إياها، فقد واللّه سررتني وسأسرّك، فلمّا انصرفت أتبعني بخمسين ألف درهم.
قصته مع فتاة شاعرة بحضرة الرشيد:
حدّثني عمي وابن المرزبان قالا حدّثنا ابن أبي سعد قال حدّثني محمد بن عبد اللّه السّلميّ قال حدّثني عمر بن شبّة قال حدّثني إسحاق، ولم يقل عن أبيه، قال:
واللّه إني لفي منزلي ذات يوم وأنا مفكّر في الرّكوب مرّة وفي القعود مرّة، إذا غلامي قد دخل ومعه خادم الرشيد يأمرني بالحضور من وقتي، فركبت وصرت إليه؛ فقال لي: اجلس يا إبراهيم حتى أريك عجبا، فجلست؛ فقالت: عليّ بالأعرابية وابنتها؛ فأخرجت إليّ أعرابيّة ومعها بنيّة لها عشر أو أرجح؛ فقال: يا إبراهيم، إن هذه الصّبيّة تقول الشعر؛ فقلت لأمّها: ما يقول أمير المؤمنين؟ فقالت: هي هذه قدّامك فسلها؛ فقلت: يا حبيبة، أتقولين الشعر؟ فقالت نعم؛ فقلت: أنشديني بعض ما قلت؛ فأنشدتني:
صوت
تقول لأتراب لها وهي تمتري [2] ... دموعا على الخدّين من شدّة الوجد
أكلّ فتاة لا محالة نازل ... بها مثل ما بي أم بليت به وحدي
براني له حبّ تنشّب في الحشى ... فلم يبق من جسمي سوى العظم والجلد
وجدت الهوى حلوا لذيذا بديئه [3] ... وآخره مرّ لصاحبه مردي
قال الشّبّيّ [4] في خبره: قال إسحاق: وكان أبي حاضرا، فقال: واللّه لا تبرح يا أمير المؤمنين أو نصنع في هذه الأبيات لحنا؛ فصغت فيها أنا وأبي وجميع من حضر. وقال الآخرون: قال إبراهيم: فما برحت حتى صنعت فيه لحنا وتغنّيت به وهي حاضرة تسمع. قال ابن المرزبان في خبره، ولم يذكره عمّي، فقالت: يا أمير المؤمنين، قد أحسن رواية ما قلت، أفتأذن لي أن أكافئه بمدح أقوله فيه؟ قال: افعلي؛ فقالت:
صوت
ما لإبراهيم في العل ... م بهذا الشأن ثاني
إنما عمر أبي إس ... حاق زين للزمان
منه يجنى ثمر اللّه ... وو ريحان الجنان
جنّة الدنيا أبو إس ... حاق في كلّ مكان
قال: فأمر لها الرشيد بجائزة، وأمر لي بعشرة آلاف درهم، فوهبت لها شطرها.
__________
[1] كذا في أ، م. وفي سائر الأصول: «من أجلك».
[2] تمتري دموعا: تستدرّها وتستخرجها.
[3] في الأصول: «بدينه» وهو تحريف.
[4] الشبي: هو أبو زيد عمر بن شبة، منسوب إلى والده شبة، وعمر بن شبة هو الذي تقدم في الخبر. وفي الأصول: «الشعبي»، وهو تحريف.
/ اللحن الذي صنعه إبراهيم في شعر الأعرابيّة ثقيل أوّل بالوسطى. وفيه لعلّويه ثاني ثقيل. وأما/ الشعر الثاني فهو لابن سيابة لا يشكّ فيه. ولإبراهيم فيه لحن من خفيف الثقيل.
غنى للرشيد وغناه غيره فأجازهم، وغناه علويه فغضب عليه:
أخبرني محمد بن مزيد عن حمّاد بن إسحاق عن أبيه قال:
كنت أخذت بالمدينة من مجنون بها هذا الصوت، وغنّيته الرشيد وقلت:
صوت
هما فتاتان لمّا [1] تعرفا [2] خلقي ... وبالشّباب على شيبي تدلّان [2]
رأيت عرسيّ لمّا ضمّني كبرى ... وشخت أزمعتا صرمي وهجراني
كلّ الفعال الذي يفعلنه حسن ... يصبي فؤادي ويبدي سرّ أشجاني
بل احذرا صولة من صول شيخكما ... مهلا على الشيخ مهلا يا فتاتان
فطرب وأمر لي بظبية [3] كانت ملقاة بين يديه، فيها ألف دينار مسيّفة [4]؛ وكان ابن جامع حاضرا، فقال:
اسمع يا أمير المؤمنين غناء العقلاء ودع غناء المجانين، وكان أشدّ خلق اللّه حسدا، فغنّاه:
صوت
ولقد قالت لأتراب لها ... كالمها يلعبن في حجرتها
خذن عنّي الظّلّ لا يتبعني ... ومضت [5] سعيا إلى قبّتها
/ فطرب وشرب، وأمر له بألف وخمسمائة دينار. ثم تبعه محمد بن حمزة وجه القرعة [فغنّى] [6]:
صوت
يمشون فيها بكلّ سابغة ... أحكم فيها القتير [7] والحلق
يعرف إنصافهم إذا شهدوا ... وصبرهم حين تشخص الحدق
فاستحسنه وشرب عليه، وأمر له بخمسمائة دينار. ثم غنّى علّويه:
__________
[1] كذا في ط، ء. وفي سائر الأصول: «لم» ولا يستقيم بها الوزن.
[2] كذا في ط، ء. وفي سائر الأصول: «يعرفا» و «يدلان» بالياء المثناة من تحت، ومرجع الضمير مؤنث.
[3] الظبية: الجراب، وقيل: الجراب الصغير خاصة.
[4] يقال: درهم مسيف إذا كانت جوانبه نقية من النقش.
[5] من ط، ء: «وعدت».
[6] زيادة عن ط، ء.
[7] القتير: رؤوس المسامير في الدرع.
صوت
يجحدن ديني بالنّهار وأقتضي ... ديني إذا وقد [1] النّعاس الرّقّدا
وأرى الغواني لا يواصلن امرأ ... فقد الشّباب وقد يصلن الأمردا
فدعا به الرشيد وقال له: يا عاضّ بظر أمّه! أتغنّي في مدح المرد وذمّ الشّيب وستارتي منصوبة وقد شبت وكأنك تعرّض بي! ثم دعا مسرورا فأمره أن يأخذ بيده فيضربه ثلاثين درّة ويخرجه من مجلسه، ففعل؛ وما انتفعنا به بقيّة يومنا ولا انتفع بنفسه، وجفا علّويه شهرا، ثم سألناه فيه فأذن له [2].
[قال أبو الفرج] [3]: لإبراهيم أخبار مع خنث المعروفة بذات الخال، وكان يهواها، جعلتها في موضع آخر من هذا الكتاب [4]؛ لأنها منفردة بذاتها مستغنية عن إدخالها في غمار أخباره. وله في هذه الجارية شعر كثير فيه غناء له ولغيره؛ وقد شرطت أن/ الشيء من أخبار الشعراء [و] المغنّين إذا كانت هذه سبيله أفرده، لئلا يقطع بين القرائن والنظائر مما تضاف إليه وتدخل فيه.
شعره ومرضه وزيارة الرشيد له وموته:
أخبرني محمد بن يحيى الصّوليّ قال حدّثني الحسين بن يحيى قال:
سمعت إسحاق الموصليّ/ يقول: لمّا دخلت سنة ثمان وثمانين ومائة اشتدّ أمر القولنج على أبي ولزمه، وكان يعتاده أحيانا، فقعد عن [5] خدمة الخليفة وعن نوبته في داره؛ فقال في ذلك:
صوت
ملّ واللّه طبيبي ... من [6] مقاساة الذي بي
سوف أنعى عن قريب ... لعدوّ وحبيب
وغنّى فيه لحنا من الرّمل، فكان آخر شعر قاله وآخر لحن صنعه.
أخبرني الصّوليّ عن محمد بن موسى عن حمّاد بن إسحاق عن أبيه:
أن الرشيد ركب حمارا ودخل إلى إبراهيم يعوده وهو في الأبزن جالس، فقال له: كيف أنت يا إبراهيم؟
فقال: أنا واللّه يا سيّدي كما قال الشاعر:
__________
[1] وقذه النعاس: أسقطه وغلبه.
[2] في الأصول هنا، ما عدا ط، ء، بعد هذا الكلام هذه العبارة: «نسبة ما في هذا الخبر من «الأغاني» لم يذكرها»، ولعلها زيدت سهوا من النساخ، إذ لا معنى لها في سياق الكلام.
[3] زيادة عن ط، ء. وفي باقي الأصول: «و لإبراهيم» بزيادة الواو.
[4] هذا الموضع يقع في الجزء الخامس عشر طبع بولاق ص 79 - 85.
[5] كذا في أكثر النسخ. وفي ب، س: «فقعد في الأبزن عن خدمة ... إلخ».
[6] كذا في ط، ء. وفي سائر الأصول: «عن».
سقيم ملّ منه أقربوه ... وأسلمه المداوي والحميم
فقال الرشيد: إنّا للّه! وخرج، فلم يبعد حتى سمع الواعية [1] عليه.
أمر الرشيد ابنه المأمون أن يصلي عليه مع آخرين:
أخبرني إسماعيل بن يونس قال حدّثني عمر بن شبّة قال:
مات إبراهيم الموصليّ سنة ثمان وثمانين ومائة، ومات في ذلك اليوم الكسائي النحويّ والعباس بن الأحنف الشاعر وهشيمة [2] الخمّارة، فرفع ذلك إلى الرشيد، فأمر المأمون أن يصلّي عليهم، فخرج فصفّوا بين يديه؛ فقال:
من هذا الأوّل؟ قيل: إبراهيم؛ فقال: أخّروه وقدّموا العبّاس بن الأحنف، فقدّم فصلّى عليهم؛ فلما فرغ وانصرف، دنا منه هاشم بن عبد اللّه بن مالك الخزاعيّ فقال: يا سيّدي، كيف آثرت العبّاس بالتّقدمة على من حضر؟ قال:
لقوله:
وسعى بها ناس فقالوا إنّها ... لهي التي تشقى بها وتكابد [3]
فجحدتهم ليكون غيرك ظنّهم [4] ... إنّي ليعجبني المحبّ الجاحد
ثم قال: أتحفظها؟ قلت نعم؛ فقال: أنشدني باقيها؛ فأنشدته:
لمّا رأيت الليل سدّ طريقه ... عنّي وعذّبني الظلام الراكد
والنّجم في كبد السماء كأنه ... أعمى تحيّر ما لديه قائد
ناديت من طرد الرّقاد بصدّه ... عمّا [5] أعالج وهو خلو هاجد
يا ذا الذي صدع الفؤاد بهجره ... أنت البلاء طريفه والتّالد
ألقيت بين جفون عيني حرقة ... فإلى متى أنا ساهر يا راقد
/ فقال المأمون: أليس من قال هذا الشعر حقيقا بالتقدمة؟ فقلت: بلى واللّه يا سيّدي.
ذهاب برصوما الزامر مع ابنه إسحاق إلى المجلس الذي كان يجلس فيه وبكاؤه عليه:
أخبرني يحيى بن عليّ بن يحيى قال قال حدّثني حمّاد بن إسحاق قال حدّثني أبي قال:
قال لي برصوما الزامر: أما في حقّي وخدمتي وميلي إليكم وشكري لكم ما أستوجب به أن تهب لي يوما من عمرك تفعل فيه ما أريد ولا تخالفني في شي ء؟ فقلت: بلى ووعدته بيوم؛ فأتاني فقال: مر لي بخلعة، ففعلت وجعلت فيها جبّة وشى؛ فلبسها ظاهرة وقال: امض بنا إلى المجلس الذي كنت آتي أباك فيه؛ فمضينا جميعا إليه وقد خلّقته وطيّبته؛ فلما صار على باب المجلس رمى بنفسه إلى الأرض فتمرّغ في التّراب وبكى وأخرج نايه وجعل
__________
[1] كذا في ط، ء، ح. والواعية: الصراخ على الميت. وفي سائر الأصول: «الناعية».
[2] هكذا وردت مضبوطة في ط (بضم الهاء وفتح الشين)، وهي: امرأة كانت تبيع الخمر، وكانت جارة لإسحاق الموصلي، وقد رثاها بأبيات يرميها فيها بالقيادة. (انظر ترجمة إسحاق الموصلي فيما سيأتي من هذا الجزء).
[3] في ط، ء: «و تجاهد».
[4] في ط، ء: «همهم».
[5] كذا في ط، ء و «ديوانه». وفي سائر الأصول: «عمن».
ينوح/ في زمره ويدور في المجلس ويقبّل المواضع التي كان أبو إسحاق يجلس فيها ويبكي ويزمر حتّى قضى من ذلك وطرا، ثم ضرب بيده إلى ثيابه فشقّها [1]، وجعلت أسكّته وأبكي معه، فما سكن إلا بعد حين؛ ثم دعا بثيابه فلبسها وقال: إنما سألتك أن تخلع عليّ لئلا يقال: إن برصوما إنما خرق ثيابه ليخلع [2] عليه ما هو خير منها؛ ثم قال: امض بنا إلى منزلك فقد اشتفيت مما أردت؛ فعدت إلى منزلي وأقام عندي يومه، وانصرف بخلعة مجدّدة.
المراثي التي قبلت فيه:
أخبرني إسماعيل بن يونس قال حدّثني عمر بن شبة قال حدّثني القاسم [3] بن يزيد قال:
/ لمّا مات إبراهيم الموصليّ دخلت على إبراهيم بن المهديّ وهو يشرب وجواريه يغنّين، فذكرنا [4] إبراهيم الموصليّ وحذقه وتقدّمه، فأفضنا في ذلك وإبراهيم مطرق، فلمّا طال كلامنا وقال كلّ واحد منا مثل ما قاله صاحبه، اندفع إبراهيم بن المهديّ يغنّي في شعر لابن سيابة يرثي [به] [5] إبراهيم - ويقال: إن الأبيات لأبي الأسد [6]-:
تولّى الموصليّ فقد تولّت ... بشاشات المزاهر والقيان
وأيّ بشاشة بقيت فتبقى ... حياة الموصليّ على الزمان
ستبكيه المزاهر [7] والملاهي ... وتسعدهنّ عاتقة الدّنان
وتبكيه الغويّة إذ تولّى ... ولا تبكيه تالية القران [8]
قال: فأبكى من حضر؛ وقلت أنا في نفسي: أفتراه هو إذا مات من يبكيه: ألمحراب أم المصحف؟! قال:
وكان كالشامت بموته.
أخبرني يحيى بن عليّ قال قال أنشدني حمّاد قال: أنشدني أبي لنفسه يرثي أباه، وأنشدها غير يحيى وفيها زيادة على روايته:
أقول له لما وقفت بقبره ... عليك سلام اللّه يا صاحب القبر
أيا قبر إبراهيم حيّيت حفرة ... ولا زلت تسقى الغيث من سبل [9] القطر
/ لقد عزّني [10] وجدي عليك فلم يدع ... لقلبي نصيبا من عزاء ولا صبر
__________
[1] كذا في ط، ء. وفي سائر الأصول: «يشقها».
[2] كذا في ط، ء وفي سائر الأصول: «ليخلع عليه هو خيرا منها».
[3] في ط، ء: «القاسم بن يزيد الموصلي».
[4] كذا في ط، ء: وفي سائر الأصول: «فذكرن».
[5] زيادة عن ط، ء.
[6] كذا في ط، ء: وهو نباتة بن عبد اللّه الحماني، من شعراء الدولة العباسية، وقد أورد له أبو الفرج ترجمة في (ج 12 ص 174 طبع بولاق)، وقد ذكرت في ترجمته هذه الأبيات يرثي بها إبراهيم الموصلي. وفي سائر الأصول: «الأسل» باللام، وهو تحريف.
[7] في س: «المزامر» بالميم.
[8] القران: القرآن.
[9] السبل (بالتحريك): ما سال من المطر.
[10] عزه الوجد: غلبه.
وقد كنت أبكي من فراقك ليلة ... فكيف وقد صار الفراق إلى الحشر
أخبرني أحمد بن محمد بن إسماعيل [بن إبراهيم] [1] الموصليّ الملقب بوسواسة [2] قال: أنشدني حمّاد لأبيه إسحاق يرثي أباه إبراهيم الموصليّ:
سلام على القبر الذي لا يجيبنا ... ونحن نحيّي تربه ونخاطبه
ستبكيه أشراف الملوك إذا رأوا ... محلّ التصابي قد خلا منه جانبه
ويبكيه أهل الظّرف طرّا كما بكى ... عليه أمير المؤمنين وحاجبه
ولمّا بدا لي اليأس منه وأنزفت [3] ... عيون بواكيه وملّت نوادبه
وصار شفاء النفس [4] من بعض ما بها ... إفاضة دمع تستهلّ سواكبه
جعلت على عينيّ للصبح عبرة ... وللّيل أخرى ما بدت لي كواكبه
قال: وأنشدني أيضا حمّاد لأبيه يرثي أباه:
عليك سلام اللّه من قبر فاجع ... وجادك من نوء السّماكين وابل [5]
/هل أنت محيّي القبر أم أنت سائل ... وكيف تحيّا تربة وجنادل
أظلّ كأني لم تصبني مصيبة ... وفي الصّدر من وجد عليك بلابل
وهوّن عندي فقده أنّ شخصه ... على كل حال بين عينيّ ماثل
أخبرنا يحيى بن عليّ قال حدّثني أبو أيوب المدينيّ قال أنشدني إبراهيم بن عليّ بن هشام لرجل يرثي إبراهيم الموصليّ:
/أصبح اللهو تحت عفر التراب ... ثاويا في محلّة الأحباب
إذ ثوى الموصليّ فانقرض اللّه ... وبخير الإخوان والأصحاب
بكت المسمعات حزنا عليه ... وبكاه الهوى وصفو الشراب
وبكت آلة المجالس حتى ... رحم العود دمعة المضراب [6]
ذكره ابنه إسحاق عند الرشيد وبكى فلاطفه ووصله:
أخبرني محمد بن مزيد قال حدّثنا حمّاد عن أبيه قال:
__________
[1] زيادة عن ط، ء.
[2] في الأصول: «وسواسة» ولقب تتعدّى بالباء.
[3] أنزفت العين: فنى ماؤها، ويقال أنزف الرجل البئر إذا استخرج ماءها كله، فهو لازم متعد.
[4] كذا في ط، ء. وفي باقي الأصول: «شفاء الناس».
[5] وردت هذه الأبيات في ط، ء بزيادة هاء للوصل على رويها وورد فيها الشطر الأخير من البيت الثاني هكذا: «و كيف يحيا تربه وجنادله».
[6] في ط، ء: «دمعة المحراب». ومن معاني المحراب صدر البيت وأكرم موضع فيه.
دخلت إلى الرشيد بعقب [1] وفاة أبي، وذلك بعد شهر من يوم وفاته، فلمّا جلست ورأيت موضعه الذي كان يجلس فيه خاليا دمعت عيني، فكففتها وتصبّرت؛ ولمحني الرشيد فدعاني إليه وأدناني منه، فقبّلت يده ورجله والأرض بين يديه، فاستعبر، وكان رقيقا؛ فوثبت قائما ثم قلت:
في بقاء الخليفة الميمون ... خلف من مصيبة المحزون
لا يضير المصاب رزء إذا ما ... كان ذا مفزع إلى هارون
فقال لي: كذاك واللّه هو، ولن تفقد من أبيك ما دمت حيّا إلا شخصه؛ وأمر بإضافة [2] رزقه إلى رزقي؛ فقلت: بل يأمر أمير المؤمنين به إلى ولده، ففي خدمتي إياه ما يغنيني؛ فقال: اجعلوا رزق إبراهيم لولده وأضعفوا رزق إسحاق.
صوت من المائة المختارة
أحد الأصوات من المائة المختارة:
يا دار سعدى بالجزع [3] من ملل [4] ... حيّيت من دمنة [5] ومن طلل
إنّي إذا ما البخيل أمّنها ... باتت ضموزا [6] منّي على وجل [7]
لا أمتع العوذ بالفصال ولا ... أبتاع إلا قريبة الأجل
العوذ: الإبل التي قد نتجت، واحدتها عائذ. يقول: أنحرها وأولادها للأضياف فلا أمتعها. والضّموز:
الممسكة عن أن تجتّر. ضمز الجمل بجرّته إذا أمسك عنها، ودسع [8] بها إذا استعملها. يقول: فهذه الناقة من شدة خوفها على نفسها مما رأت من نحر نظائرها قد امتنعت من جرّتها فهي ضامزة.
الشعر لابن هرمة. والغناء في اللحن المختار لمرزوق الصراف [9] ثقيل أوّل بإطلاق الوتر في مجرى البنصر
__________
[1] كذا في ط، ء. وفي سائر الأصول: «بعقيب». والعقيب: المعاقب، ويستقيم الكلام به على تقدير محذوف، أي بوقت عقيب وقت وفاة أبيه، أو على أن يكون مصغرا.
[2] في ط، ء: «بإفاضة».
[3] الجزع (بالكسر ويفتح): منعطف الوادي ووسطه أو منقطعه. وفي ط، ء: «الخيف» وهو ما انحدر عن غلف الجبل وارتفع عن مسيل الماء.
[4] ملل (بالتحريك): منزل على طريق المدينة إلى مكة بينه وبين المدينة ثمانية وعشرون ميلا.
[5] في ب: «دجنة» بالجيم، وهو تحريف.
[6] كذا في ط، ء. وفي سائر الأصول: «بانت ضمورا» وهو تصحيف.
[7] ورد هذا البيت والذي بعده في «الأمالي» (ج 3 ص 110 طبع دار الكتب المصرية) بتقديم الذي بعده عليه، وهو الأنسب ليرجع الضمير فيه إلى مذكور. وفي تفسير المؤلف للبيتين ما يشعر بهذا الترتيب.
[8] كذا في ط، ء. ودسع الرجل: قاء ملء الفم. وفي ب، س: «رسغ» (بالراء والغين المعجمة). وفي سائر الأصول: «رسع» بالراء والعين المهملة، وكلاهما تحريف.
[9] كذا في ط، ء، أهنا وفيما سبق في جميع الأصول في الجزء الرابع في آخر ترجمة فليح بن أبي العوراء. وفي سائر الأصول هنا:
«لمرزوق الضراب».
عن إسحاق، ويقال إنه ليحيى بن واصل. وذكر عمرو بن بانة أنّ فيه لدحمان لحنا من الثقيل الأوّل بالبنصر، [و أن فيه لابن محرز لحنا من/ الثقيل الثاني بالبنصر] [1] في الثالث ثم الثاني، ووافقه ابن المكيّ. قال: وفيه لدحمان خفيف رمل بالوسطى في الأول والثالث؛ وذكر الهشاميّ/ أنّ هذا اللحن بعينه ليونس وأن الثقيل الثاني لإبراهيم، وأنّ لمعبد فيه لحنا من الثقيل الأوّل بالوسطى، وأن فيه للهذليّ خفيف ثقيل، وأن فيه رملا ينسب إلى ابن محرز [أيضا] [1].
8 - شيء من ذكر ابن هرمة أيضا
طلب يحيى بن عروة من ابنة ابن هرمة زادا فردّته فذكرها بقول أبيها:
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثنا عبد الرحمن بن عبد اللّه بن عبد العزيز الزّهريّ ونوفل بن ميمون عن يحيى بن عروة بن أذينة قال:
خرجت في حاجة لي، فلمّا كنت بالسّيالة [2] وقفت على منزل إبراهيم بن عليّ بن هرمة، فصحت: يا أبا إسحاق، فأجابتني ابنته: من هذا؟ فقلت: انظري، فخرجت إليّ فقلت: أعلمي أبا إسحاق؛ فقالت: خرج واللّه آنفا؛ قال: فقلت: هل من قرّى؟ فإني مقو [3] من الزاد؛ قالت: لا واللّه، ما صادفته حاضرا؛ قلت: فأين قول أبيك:
لا أمتع العوذ بالفصال ولا ... أبتاع إلا قريبة الأجل
قالت: بذاك [4] واللّه أفناها - أخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد عن أبيه عن أيّوب بن عباية بمثل هذا الخبر سواء، وزاد فيه: - قال: فأخبرت إبراهيم بن هرمة بقولها، فضمّها إليه وقال: بأبي أنت وأمي! أنت واللّه ابنتي حقا، الدار والمزرعة لك.
ذكر بشعر له في الكرم فأنهب غنمه الناس وكان بخيلا:
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثني نوفل بن ميمون قال حدّثني مرقّع [5] قال:
كنت مع ابن هرمة في سقيفة [6] أمّ أذينة، فجاءه راع بقطعة [7] من غنم يشاوره فيما يبيع منها، وكان قد أمره ببيع بعضها؛ قال مرقّع: فقلت: يا أبا إسحاق، أين عزب عنك قولك:
لا غنمي مدّ في الحياة لها ... إلا لدرك [8] القرى ولا إبلي
وقولك فيها أيضا:
لا أمتع العوذ بالفصال ولا ... ولا أبتاع إلا قريبة الأجل
__________
[1] زيادة عن ط، ء.
[2] السيالة (بفتح أوّله وتخفيف ثانيه): أوّل مرحلة لأهل المدينة إذا أرادوا مكة.
[3] أقوى القوم: فتى زادهم.
[4] في ط، ء، ح: «فذاك».
[5] في ط، ء: «موقع» بالواو.
[6] كذا في ط، ء. وفي سائر الأصول: «سفينة ابن أذينة».
[7] كذا في ط، ء. وفي سائر الأصول: «بقطيعة»، وهو تحريف.
[8] في ط، ء: «إلا دراك».
فقال لي: مالك أخزاك اللّه! من أخذ منها شيئا فهو له؛ فانتهبناها [1] حتى وقف الراعي وما معه منها شيء.
وحدّثنا بهذا الخبر أحمد بن عبيد اللّه بن عمّار قال حدّثني عليّ بن محمد النّوفليّ عن أبيه:
أن ابن هرمة كان اشترى غنما للربح [2]، فلقيه رجل فقال له: ألست القائل:
لا غنمي مدّ في الحياة لها ... إلا لدرك القرى ولا إبلي
قال: نعم؛ قال: فو اللّه إني لأحسبك تدفع عن هذه الغنم المكروه بنفسك، وإنك لكاذب؛ فأحفظه [ذلك] [3] فصاح: من أخذ منها شيئا فهو له؛ فانتهبها الناس جميعا؛ وكان ابن هرمة أحد البخلاء.
أوّل شعر قاله ابن هرمة:
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثني الزّبير بن بكّار قال حدّثني نوفل بن ميمون قال حدّثني زفر بن محمد [4] الفهري: أن هذه القصيدة أول شعر قاله ابن هرمة.
سمع مزيد بيتا له في الفخر فتهكم به:
أخبرنا محمد بن خلف وكيع قال حدّثنا حمّاد بن إسحاق قال قرأت على أبي: حدّثنا عبد اللّه بن الوليد الأزديّ قال حدّثني جعفر بن محمد بن زيد بن عليّ بن الحسين [5] قال:
سمع مزبد [6] قول ابن هرمة:
/لا أمتع العوذ بالفصال ولا ... أبتاع إلّا قريبة الأجل
قال: صدق ابن الخبيثة، إنّما كان يشتري الشاة للأضحى فيذبحها من ساعته.
ذهب إليه قوم من قريش للعبث به فكان بينهم حوار ظريف:
أخبرنا وكيع قال حدّثنا حمّاد عن أبيه [عن عبد اللّه بن الوليد عن جعفر بن محمد بن زيد عن أبيه] [7] قال:
اجتمع قوم من قريش أنا فيهم، فأحببنا أن نأتي ابن هرّمة فنعبث به، فتزوّدنا زادا كثيرا ثم أتيناه لنقيم عنده، فلما انتهينا إليه خرج إلينا فقال: ما جاء بكم؟ فقلنا: سمعنا شعرك فدعانا إليك لما سمعناك قلت:
/إنّ امرأ جعل الطريق لبيته ... طنبا [8] وأنكر حقّه للئيم
__________
[1] كذا في ح. وفي ط، ء: «فانتهبنا». وفي سائر الأصول: «فانتهبناها له ... ».
[2] كذا في ح، ط، ء. وفي سائر الأصول: «للذبح»، وهو تحريف.
[3] زيادة عن ط، ء.
[4] في ط، ء: «زفر بن الحارث الفهري».
[5] كذا في ط، ء وهو الموافق لما جاء في كتاب «المعارف» لابن قتيبة (ص 111 طبع أوروبا). وفي سائر الأصول: «الحسن».
[6] كذا في ط، ء وكتاب «البخلاء» للجاحظ (ص 9 طبع أوروبا) و «عيون الأخبار» طبع دار الكتب المصرية (انظر مقدّمته ص م حاشية رقم 3). وفي «شرح القاموس» (مادة زبد): مزبد كمحدث اسم رجل صاحب «النوادر»، وضبط كمعظم، ووجد بخط الذهبي ساكن الزاي مكسور العين. (باختصار). وفي سائر الأصول: «مزيد» بالياء المثناة التحتية، وهو تصحيف.
[7] التكملة عن ط، ء.
[8] الطنب (بضم النون وتسكينها): حبل الخباء والسرادق ونحوهما، وقد يستعار للطرف والناحية. فلعله يريد أنه أقام بيته على الطريق فكانت الطريق طرفا له. وفي الحديث: «ما بين طنبي المدينة أحوج مني إليها» أي ما بين طرفيها. وفي ح:
«ضرب الطريق ... ... طزقا ...
إلخ».
وسمعناك تقول:
وإذا تنوّر طارق [1] مستنبح ... نبحت فدلّته عليّ كلابي
وعوين يستعجلنه فلقينه ... يضربنه بشراشر [2] الأذناب
وسمعناك تقول:
كم ناقة قد وجأت [3] منحرها ... بمستهلّ الشّؤبوب أو جمل
لا أمتع العوذ بالفصال ولا ... أبتاع إلّا قريبة الأجل
قال: فنظر إلينا طويلا ثم قال: ما على وجه الأرض عصابة أضعف عقولا ولا أسخف دينا منكم؛ فقلنا له: يا عدوّ اللّه يا دعيّ، أتيناك زائرين [و] [4] تسمعنا هذا الكلام؛ فقال: أما سمعتم اللّه تعالى يقول للشّعراء: وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ. أفيخبركم اللّه أنّي أقول ما لا أفعل وتريدون منّي أن أفعل ما أقول؛ [قال] [4] فضحكنا منه وأخرجناه معنا، فأقام عندنا في نزهتنا يشركنا في زادنا حتى انصرفنا إلى المدينة.
إعجاب الأصمعي به:
أخبرنا عمّي قال حدّثني محمّد بن سعيد الكرانيّ عن عبد الرحمن بن أخي الأصمعيّ عن عمّه قال: / الحكم الخضريّ، وابن ميّادة، ورؤبة، وابن هرمة، وطفيل الكنانيّ، ومكين العذريّ، كانوا على ساقة [5] الشعراء، وتقدّمهم ابن هرمة بقوله:
لا أمتع العوذ بالفصال ولا ... أبتاع إلّا قريبة الأجل
قال عبد الرحمن: وكان عمّي معجبا بهذا البيت مستحسنا له، وكان كثيرا ما يقول: أما ترون كيف قال! واللّه لو قال هذا حاتم لما زاد ولكان كثيرا؛ ثم يقول: ما يؤخّره عن الفحول إلا قرب عهده. انتهى.
تفضيل مروان بن أبي حفصة له:
أخبرني محمد بن مزيد والحسين بن يحيى ووكيع عن حمّاد عن أبيه قال:
قلت لمروان بن أبي [6] حفصة: من أشعر المحدثين من طبقتكم عندك؟ لا أعنيك؛ قال: الذي يقول:
لا أمتع العوذ بالفصال ولا ... أبتاع إلا قريبة الأجل
ناقض ابن الكوسج شعرا له فتهدّد مواليه إن لم يأتوه به مربوطا:
أخبرنا يحيى بن عليّ قال حدّثنا أبو أيّوب المدينيّ عن أبي حذافة قال: لمّا قال ابن هرمة:
__________
[1] في ط، ء: «راكب».
[2] شراشر الأذناب: أطرافها.
[3] وجأه: ضربه بسكين ونحوه.
[4] زيادة عن ط، ء.
[5] الساقة: المؤخرة، يقال: فلان في ساقة الجيش أي في مؤخرته.
[6] كذا في ط، ء. وفي سائر الأصول: «مروان بن حفصة»، وهو تحريف.
لا أمتع العوذ بالفصال ولا ... أبتاع إلا قريبة الأجل
قال ابن الكوسج مولى آل حنين يجيبه:
ما يشرب البارد القراح ولا ... يذبح من جفرة [1] ولا حمل [2]
كأنّه قردة يلاعبها ... قرد بأعلى الهضاب من ملل
/ قال: فقال ابن هرمة: لئن لم أوت به مربوطا لأفعلنّ بآل حنين ولأفعلنّ؛ فوهبوا لابن/ الكوسج مائة درهم وربطوه وأتوا به ابن هرمة فأطلقه [3]؛ فقال ابن الكوسج: واللّه لئن عاد لمثلها لأعودنّ [4].
غنى ابن جامع الرشيد ما شغله به عن غيره فعلم إبراهيم مخارقا لحنا تفوّق به عليه:
أخبرني الحسن بن عليّ الخفّاف قال حدثني هارون بن محمد بن عبد الملك الزيّات قال حدّثني هارون بن مخارق عن أبيه قال: كنّا عند الرشيد في بعض أيامنا ومعنا ابن جامع، فغنّاه ابن جامع ونحن يومئذ بالرّقّة:
هاج شوقا فراقك الأحبابا ... فتناسيت أو نسيت الرّباب
حين صاح الغراب بالبين منهم ... فتصاممت إذ سمعت الغرابا
لو علمنا أنّ الفراق وشيك ... ما انتهينا حتى نزور القبابا
أو علمنا حين استقلّت نواهم ... ما أقمنا حتّى نزمّ [5] الرّكابا
- الغناء لابن جامع رمل بإطلاق الوتر في مجرى الوسطى عن إسحاق، وله فيه أيضا ثقيل أوّل بالوسطى عن عمرو. وذكرت دنانير عن فليح أنّ فيه لابن سريج وابن محرز لحنين -. قال: فاستحسنه الرشيد وأعجب به واستعاده مرارا وشرب عليه أرطالا حتى سكر، وما سمع غيره ولا أقبل على أحد، وأمر لابن جامع بخمسة آلاف دينار؛ فلمّا انصرفنا قال لي إبراهيم: لا ترم [6] منزلك حتى أصير إليك؛ فصرت/ إلى منزلي، فلم أغيّر ثيابي حتى أعلمني الغلام بموافاته، فتلقّيته في دهليزي [7]، فدخل وجلس وأجلسني بين يديه ثم قال لي: يا مخارق، أنت فسيلة [8] منّي وحسني لك وقبيحي عليك، ومتى تركنا ابن جامع على ما ترى غلبنا على الرّشيد، وقد صنعت صوتا على طريقة
__________
[1] الجفرة: من أولاد الشاء إذا عظم واستكرش، قال أبو عبيد: إذا بلغ ولد المعزى أربعة أشهر وجفر جنباه وفصل عن أمه وأخذ في الرعي فهو: جفر، والأنثى جفرة.
[2] كذا في ط، ء، ح، وهو الأنسب للمعنى. وفي سائر الأصول: «جمل» بالجيم.
[3] عبارة ط، ء: «فأطلقه وقال: واللّه لئن عاد إلى مثلها لأعودنّ». وهي تفيد أن المهدّد ابن هرمة لا ابن الكوسج، على خلاف ما يفيده باقي الأصول.
[4] إلى هنا انتهى المؤلف من أخبار ابن هرمة وعاد إلى إبراهيم الموصلي، ولهذا عنونا به هذه الصفحة وما بعدها إلى أخبار إسحاق.
[5] زم البعير: خطمه ووضع فيه الزمام.
[6] رام المكان يريمه: برحه، وأكثر ما يستعمل منفيا.
[7] الدهليز (بالكسر): اسم الممر الذي بين باب الدار ووسطها، فارسيّ معرّب. قال يحيى بن خالد: «ينبغي للإنسان أن يتأنق في دهليزه، لأنه وجه الدار، ومنزل الضيف، وموقف الصديق حتى يؤذن له، وموضع العلم، ومقيل الخدم، ومنتهى حدّ المستأذن».
[8] الفسيلة: النخلة الصغيرة تقلع من الأرض أو تقطع من الأم فنغترس.
صوته الذي غنّاه أحسن صنعة منه وأجود وأشجى، وإنما يغلبني عند هذا الرجل بصوته، ولا مطعن على صوتك، وإذا أطربته وغلبته عليه بما تأخذه مني قام ذلك لي [1] مقام الظّفر؛ وسيصبح أمير المؤمنين غدا فيدخل الحمام ونحضر ثم يخرج فيدعو بالطعام ويدعو بنا ويأمر ابن جامع فيردّ الصوت الذي غناه ويشرب عليه رطلا ويأمر له بجائزة، فإذا فعل فلا تنتظره أكثر من أن يردّ ردّته حتى تغنّي ما أعلّمك إياه الساعة، فإنه يقبل عليك ويصلك، ولست أبالي ألّا يصلني بعد أن يكون إقباله عليك؛ فقلت: السمع والطاعة؛ فألقى عليّ لحنه:
يا دار سعدى بالجزع من ملل
وردّده [2] حتى أخذته وانصرف؛ ثم بكّر عليّ فاستعاد الصوت فردّدته حتى رضيه، ثم ركبنا وأنا أدرسه حتى صرنا إلى دار الرشيد؛ فلمّا دخلنا فعل الرشيد جميع ما وصفه إبراهيم شيئا فشيئا، وكان إبراهيم أعلم الناس به، ثم أمر ابن جامع فردّ الصوت ودعا برطل فشربه، ولما استوفاه واستوفى ابن جامع صوته لم أدعه يتنفّس حتى اندفعت فغنّيت صوت إبراهيم، فلم يزل يصغى إليه وهو باهت حتى استوفيته؛/ فشرب وقال: أحسنت واللّه! لمن هذا الصوت؟ فقلت: لإبراهيم؛ فلم يزل يستدنيني حتى صرت قدّام سريره، وجعل يستعيد الصّوت فأعيده ويشرب [عليه] [3] رطلا، فأمر لإبراهيم بجائزة سنيّة وأمر لي بمثلها؛ وجعل ابن جامع يشغب ويقول: يجيء بالغناء فيدسّه في أستاه الصّبيان! إن كان محسنا فليغنّه هو، والرشيد يقول [له] [3]: دع ذا عنك، فقد واللّه استقاد منك وزاد عليك.
صوت من المائة المختارة
تولّى شبابك إلا قليلا ... وحلّ المشيب فصبرا جميلا
كفى حزنا بفراق الصّبا ... وإن أصبح الشّيب منه بديلا
الشعر والغناء لإسحاق. ولحنه المختار ثاني ثقيل بالوسطى في مجراها عن إسحاق بن عمرو.
__________
[1] كذا في ط، ء. وفي سائر الأصول: «قام ذلك مني».
[2] في م: «ورددته».
[3] الزيادة عن ط، ء.
9 - أخبار إسحاق بن إبراهيم
نسب إسحاق الموصلي وكنيته:
قد مضى نسبه مشروحا في نسب أبيه؛ ويكنى أبا محمد، وكان الرشيد [1] يولع به فيكنيه أبا صفوان، وهذه كنية أوقعها عليه إسحاق بن إبراهيم بن مصعب مزحا.
منزلته في العلوم وتقدير الخلفاء والناس له:
وموضعه من العلم، ومكانه من الأدب، ومحلّه من الرواية، وتقدّمه في الشعر، ومنزلته في سائر المحاسن، أشهر من أن يدلّ عليه فيها بوصف؛ وأما الغناء فكان أصغر علومه وأدنى ما يوسم به وإن كان الغالب عليه وعلى ما كان يحسنه؛ فإنه كان له في سائر أدواته نظراء وأكفاء ولم يكن له في هذا نظير؛ فإنه لحق بمن مضى فيه وسبق من بقي، ولحب [2] للناس جميعا طريقه فأوضحها، وسهّل عليهم سبيله وأنارها؛ فهو إمام أهل صناعته جميعا، ورأسهم ومعلّمهم؛ يعرف ذلك منه الخاصّ والعامّ، ويشهد به الموافق [3] والمفارق؛ على أنه كان أكره الناس للغناء وأشدّهم بغضا لأن يدعى إليه أو يسمّى به. وكان يقول: لوددت أن أضرب، كلما أراد مريد مني أن أغنّني وكلما قال قائل إسحاق الموصلي المغنّي، عشر مقارع، لا أطيق أكثر من ذلك، وأعفى من الغناء ولا ينسبني من يذكرني إليه.
وكان المأمون يقول: لو لا ما سبق على ألسنة الناس وشهر به عندهم من الغناء لولّيته القضاء بحضرتي، فإنه أولى به/ وأعفّ وأصدق وأكثر دينا وأمانة من هؤلاء القضاة.
مشايخة الذين تلقى عنهم:
وقد روى الحديث ولقي أهله: مثل مالك بن أنس، وسفيان بن عيينة، وهشيم بن بشير [4]، وإبراهيم [5] بن
__________
[1] كذا في جميع الأصول، والمعروف أن الرشيد لم يعاصر إسحاق بن إبراهيم بن مصعب في بغداد، وأن إسحاق المصعبي وأهل بيته من أهل يوشنج من أعمال خراسان ولم يدخلوا بغداد إلا بعد دخول المأمون فيها، ومعلوم أيضا أن إسحاق المصعبي هو الذي أوقع هذه الكنية على إسحاق كما سيجيء في شعر للموصلي بعث به إليه، والغالب أن في الأصول تحريفا، والأجدر به أن يكون «المأمون» بدل «الرشيد» ليتسق التاريخ وتتلاءم الحوادث بعضها مع بعض (انظر «التاج» للجاحظ الحاشية رقم 1 ص 31 طبع المطبعة الأميرية).
[2] لحب الطريق: سلكه وأوضحه، ويستعمل لازما فيقال: لحب الطريق إذا وضح. وفي س «ألحب» وهو بمعنى «لحب» المتعدّي.
[3] لعله «المرافق والمفارق» أي القريب والبعيد.
[4] هو هشيم بن بشير بن القاسم بن دينار السلمي، يكنى أبا معاوية، مات في خلافة الرشيد سنة 183 ه.
[5] هو إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري ويكنى أبا إسحاق، وكان ثقة كثير الحديث وربما أخطأ فيه، توفي ببغداد سنة 183 ه.
سعد، وأبي معاوية [1] الضّرير، وروح [2] بن عبادة، وغيرهم من شيوخ العراق والحجاز. وكان مع كراهته الغناء أضنّ خلق اللّه وأشدّهم بخلا به على كل أحد حتى على جواريه وغلمانه ومن يأخذ عنه منتسبا إليه متعصّبا له فضلا عن غيرهم.
هو الذي صحح أجناس الغناء بطبعه من غير أن يطلع على كتب القدماء:
وهو الذي صحّح أجناس الغناء وطرائقه وميّزه تمييزا لم يقدر عليه أحد قبله ولا تعلّق به أحد بعده، ولم يكن قديما مميزا على هذا الجنس، إنما كان يقال الثقيل، وثقيل الثقيل، والخفيف، وخفيف الخفيف. وهذا عمرو بن بانة، وهو من تلاميذه، يقول في كتابه: الرمل الأوّل، والرمل الثاني؛ ثم لا يزيد في ذكر الأصابع على الوسطى والبنصر، ولا يعرف المجاري التي ذكرها إسحاق في كتابه، مثل ما ميّز الأجناس، فجعل الثقيل الأوّل أصنافا، فبدأ فيه بإطلاق الوتر في مجرى البنصر، ثم تلاه بما كان منه بالبنصر في مجراها، ثم بما كان بالسبّابة في مجرى البنصر، ثم فعل هذا بما كان منه بالوسطى على هذه المرتبة؛ ثم جعل الثقيل الأوّل صنفين، الصنف الأوّل منهما هذا الذي ذكرناه، والصنف الثاني القدر الأوسط من الثقيل الأوّل، وأجراه المجرى الذي تقدّم من تمييز الأصابع والمجاري، وألحق جميع الطرائق والأجناس بذلك وأجراها على هذا الترتيب. ثم لم يتعلّق بفهم ذلك أحد بعده فضلا عن أن يصنّفه في كتابه؛ فقد ألف جماعة من المغنّين كتبا، منهم يحيى المكيّ - / وكان شيخ الجماعة وأستاذهم، وكلّهم كان يفتقر إليه ويأخذ عنه غناء الحجاز، وله صنعة كثيرة حسنة متقدّمة، وقد كان إبراهيم الموصليّ وابن جامع يضطران إلى الأخذ عنه - ألّف كتابا جمع فيه الغناء القديم، وألحق فيه ابنه الغناء المحدث إلى آخر أيّامه، فأتيا فيه في أمر الأصابع بتخليط عظيم، حتى جعلا أكثر ما جنّساه من ذلك مختلطا فاسدا، وجعلا بعضه، فيما زعما، تشترك الأصابع كلّها فيه؛ وهذا محال؛ ولو اشتركت الأصابع لما احتيج إلى تمييز الأغاني وتصييرها مقسومة على صنفين: الوسطى والبنصر. والكلام في هذا طويل ليس موضعه هاهنا؛ وقد ذكرته في رسالة عملتها لبعض إخواني ممن سألني شرح هذا، فأثبتّه واستقصيته استقصاء يستغنى به عن غيره. وهذا كله فعله إسحاق واستخرجه بتمييزه، حتى أتى على كل ما رسمته الأوائل مثل إقليدس ومن قبله ومن بعده من أهل العلم بالموسيقى، ووافقهم بطبعه وذهنه فيما قد أفنوا فيه الدهور، من غير أن يقرأ لهم كتابا أو يعرفه.
فأخبرني جعفر بن قدامة قال حدّثني عليّ بن يحيى المنجم قال:
كنت عند إسحاق بن إبراهيم بن مصعب، فسأل إسحاق الموصليّ - أو سأله محمد بن الحسن بن مصعب - بحضرتي، فقال له: يا أبا محمد، أرأيت لو أنّ الناس جعلوا للعود وترا خامسا للنّغمة الحادّة التي هي العاشرة على مذهبك، أين كنت تخرج منه؟ فبقي إسحاق واجما ساعة طويلة مفكرا، واحمرّت أذناه وكانتا عظيمتين، وكان إذا ورد عليه مثل هذا احمرّتا وكثر ولوعه بهما؛ فقال لمحمد بن الحسن: الجواب في هذا لا يكون كلاما إنما يكون بالضرب، فإن كنت تضرب أريتك أين تخرج؛ فخجل وسكت عنه مغضبا، لأنه كان أميرا وقابله من الجواب بما لا يحسن، فحلم عنه. قال عليّ بن يحيى: فصار إليّ به وقال لي: يا أبا الحسن، إنّ هذا/ الرجل سألني عما سمعت، ولم يبلغ علمه أن يستنبط مثله بقريحته، وإنما هو شيء قرأه من كتب الأوائل، وقد بلغني أنّ التراجمة
__________
[1] اسمه محمد بن خازم مولى لبني عمرو بن سعد، وكان ثقة كثير الحديث يدلش، توفي بالكوفة سنة 195 ه.
[2] هو روح بن عبادة القيسي من بني قيس بن ثعلبة ويكنى أبا محمد وكان ثقة، توفي سنة 205 ه.
عندهم يترجمون لهم كتب الموسيقى، فإذا خرج إليك منها شيء فأعطنيه؛ فوعدته بذلك، ومات قبل أن يخرج إليه شيء منها. وإنما ذكرت هذا بتمام أخباره كلّها ومحاسنه وفضائله، لأنه من أعجب شيء يؤثر عنه: أنه استخرج بطبعه علما رسمته الأوائل لا يوصل إلى معرفته إلا بعد علم كتاب إقليدس الأوّل في الهندسة ثم ما بعده من الكتب الموضوعة في الموسيقى، ثم تعلّم ذلك وتوصّل إليه واستنبطه بقريحته، فوافق ما رسمه أولئك، ولم يشذّ عنه شيء يحتاج إليه منه، وهو لم يقرأه ولا [1] له مدخل إليه ولا عرفه، ثم تبيّن بعد هذا، بما أذكره من أخباره ومعجزاته في صناعته، فضله على أهلها كلّهم وتميّزه عنهم، وكونه سماء هم أرضها، وبحرا هم جداوله.
اسم أمه وجنسها:
وأمّ إسحاق امرأة من أهل الرّيّ يقال لها شاهك؛ وذكر قوم أنها دوشار التي كانت تغنّى/ بالدّفّ، فهويها إبراهيم وتزوّجها. وهذا خطأ، تلك لم تلد من إبراهيم إلا بنتا، وإسحاق وسائر ولد إبراهيم من شاهك هذه.
برنامج دراسته اليومي:
أخبرني يحيى بن عليّ المنجم قال أخبرني أبي عن إسحاق قال:
بقيت دهرا من دهري أغلّس في كلّ يوم إلى هشيم فأسمع منه، ثم أصير إلى الكسائيّ أو الفرّاء أو ابن غزالة [2] فأقرأ عليه جزءا من القرآن، ثم آتي منصور/ زلزل [3] فيضار بني طرقين [4] أو ثلاثة، ثم آتي عاتكة [5] بنت شهدة فآخذ منها صوتا أو صوتين، ثم آتي الأصمعيّ وأبا عبيدة فأناشدهما وأحدّثهما فأستفيد منهما، ثم أصير إلى أبي فأعلمه ما صنعت ومن لقيت وما أخذت وأتغدّى معه، فإذا كان العشاء رحت إلى أمير المؤمنين الرشيد.
تعلم الضرب بالعود من زلزل:
أخبرنا محمد بن مزيد بن أبي الأزهر قال حدّثنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه قال:
أخذ منّي منصور زلزل إلى أن تعلّمت مثل ضربه بالعود أكثر من مائة ألف درهم.
جاء إلى ابن عائشة فأكرمه:
أخبرنا محمد بن العبّاس اليزيديّ قال حدّثنا أحمد بن أبي خيثمة قال:
كنت عند ابن عائشة فجاءه أبو محمد إسحاق بن إبراهيم الموصليّ، فرحّب به وقال: هاهنا يا أبا محمد إلى جنبي، فلئن بعّدت بيننا الأنساب، لقد قرّبت بيننا الآداب.
__________
[1] كذا في ب، س. وفي سائر الأصول: «و هو لم يقرأه ولا المدخل إليه ... إلخ».
[2] كذا في جميع الأصول. وقد جاء في «شرح القاموس» (مادة غزل): «و عبد الواحد بن أحمد بن غزال مقرى ء».
[3] كذا في أكثر الأصول. وفي ب، س: «ثم آتي منصورا زلزلا». وإذا اجتمع علمان لمسمى واحد جازت الإضافة والاتباع على أن يكون الثاني بدلا أو عطف بيان.
[4] كذا في أ، م. والطرق (بالفتح): صوت أو نغمة بالعود ونحوه، يقال: تضرب هذه الجارية كذا طرفا. وفي ب، س، ح: «طرفين» بالفاء. وفي ء: «طريقين»، وكلاهما تحريف.
[5] عاتكة بنت شهدة: إحدى المغنيات المحسنات، وأمها جارية الوليد بن يزيد وكانت مغنية أيضا. (انظر الكلام عليها في «الأغاني» ج 6 ص 57 طبع بولاق).
تقدير المأمون له:
أخبرني الحسن [1] بن عليّ الخفّاف قال حدّثنا يزيد بن محمد المهلّبيّ قال حدّثنا ابن [2] شبيب من جلساء المأمون عنه: أنه قال يوما وإسحاق غائب عن مجلسه: لو لا/ ما سبق على ألسنة الناس واشتهر به عندهم من الغناء لولّيته القضاء، فما أعرف مثله ثقة وصدقا وعفة وفقها. هذا مع تحصيل المأمون وعقله ومعرفته.
سأل الفضل بن الربيع أن يوصي به سفيان بن عيينة في رواية الحديث وتقدير سفيان له:
أخبرنا يحيى بن علي قال حدّثنا الفضل بن العبّاس الورّاق قال حدّثنا المخرّميّ [3] عن أبيه قال: سمعت إسحاق الموصليّ يقول:
صرت إلى سفيان بن عيينة لأسمع منه، فتعذّر ذلك عليّ وصعب مرامه، فرأيته عند الفضل بن الرّبيع، فسألته أن يعرّفه موضعي من عنايته ومكاني من الأدب والطلب وأن يتقدّم إليه بحديثي؛ ففعل وأوصاه بي فقال: إنّ أبا محمد من أهل العلم وحملته. قال: فقلت: تفرض لي عليه ما يحدّثني به؛ فسأله في ذلك، ففرض لي خمسة عشر حديثا في كل مجلس؛ فصرت إليه فحدّثني بما فرض لي؛ فقلت له: أعزّك اللّه، صحيح كما حدّثتني به؟ قال: نعم، وعقد بيده شيئا؛ قلت: أفأرويه عنك؟ قال: نعم، وعقد بيده شيئا آخر، ثم قال: هذه خمسة وأربعون حديثا، وضحك إليّ وقال: قد سرّني ما رأيت من تقصّيك في الحديث وتشدّدك فيه على نفسك، فصر إليّ متى شئت حتى أحدّثك بما شئت.
تقدير أبي معاوية الضرير له:
أخبرني محمد بن يحيى الصّوليّ قال حدّثني الحسين بن يحيى أبو الجمان وعون بن محمد الكنديّ قالا:
سمعنا إسحاق الموصليّ يقول:
جئت يوما إلى أبي معاوية الضّرير ومعي مائة حديث، فوجدت حاجبه يومئذ رجلا ضريرا؛ فقال لي: إنّ أبا معاوية قد ولّاني اليوم حجبته لينفعني؛ فقلت: معي مائة حديث وقد جعلت لك مائة درهم إذا قرأتها؛ فدخل واستأذن لي فدخلت؛/ فلما عرفني أبو معاوية دعاه فقال له: أخطأت، وإنما جعلت لك مثل هذا من ضعفاء أصحاب الحديث فأمّا أبو محمد وأمثاله فلا؛ ثم أقبل عليّ يرغبني في الإحسان إليه ويذكر ضعفه وعنايته به؛ فقلت له: احتكم في أمره، فقال: مائة/ دينار؛ فأمرت بإحضارها الغلام، وقرأت عليه ما أردت وانصرفت.
كان يجري على ابن الأعرابي ثلاثمائة دينار في كل سنة وإكبار ابن الأعرابيّ له:
أخبرني محمد بن يحيى الصّوليّ قال حدّثني عليّ بن محمد الأسديّ قال حدّثني أحمد بن يحيى الشّيباني ثعلب قال:
وقف أبو عبد اللّه بن الأعرابيّ على المدائنيّ، فقال له: إلى أين يا أبا عبد اللّه؟ فقال: أمضي إلى رجل هو كما قال الشاعر:
__________
[1] في الأصول هنا: «الحسين»، وهو تحريف.
[2] في ح، ء وهامش أ: «حدثنا من شئت من جلساء المأمون».
[3] المخرميّ: نسبة إلى المخرم (بضم الميم وفتح الخاء المعجمة وتشديد الراء مع الكسر): محلة ببغداد.
نحمل أشباحنا إلى ملك ... نأخذ من ماله ومن أدبه
فقال له: ومن ذلك يا أبا عبد اللّه؟ قال: أبو محمد إسحاق بن إبراهيم الموصليّ. قال أبو بكر: والبيت لأبي تمّام الطائيّ.
وقد أخبرني بهذا الخبر عن ثعلب محمد بن القاسم الأنباريّ فقال فيه:
كان إسحاق يجري على ابن الأعرابيّ في كلّ سنة ثلاثمائة دينار، وأهدى له ابن الأعرابيّ شيئا من كتاب النوادر كتبه له بخطّه؛ فمرّ ابن الأعرابيّ يوما على باب دار الموصليّ ومعه صديق له؛ فقال له صديقه: هذه دار صديقك أبي محمد إسحاق؛ فقال: هذه دار الذي نأخذ من ماله ومن أدبه.
رأى في المنام جريرا يلقى كبة شعر في فيه فأوّل ذلك بتوريثه الشعر:
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا يزيد بن محمد المهلّبيّ قال حدّثنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه قال:
رأيت في منامي كأنّ جريرا جالس ينشد شعره وأنا أسمع منه، فلمّا فرغ أخذ بيده كبّة شعر فألقاها في فمي فابتلعتها؛ فأوّل ذلك بعض من ذكرته له أنّه ورّثني الشعر. قال يزيد بن محمد: وكذلك كان، لقد مات إسحاق وهو أشعر أهل زمانه.
تعلم الضرب بالعود من زلزل وأعطاه مالا كثيرا:
أخبرنا يحيى بن عليّ بن يحيى ومحمد بن مزيد قالا [1] حدّثنا حمّاد بن إسحاق قال: قال لي أبي:
أعطيت منصورا زلزلا من مالي خاصّة حتّى تعلمت ضربه بالعود نحوا من مائة ألف درهم سوى ما أخذته له من الخلفاء ومن أبي. قال: وكانت في زلزل قبل أن يعرف الصوت ويفهمه بلادة أوّل ما يسمعه، حتى لو ضرب هو وغلامه على صوت لم يعرفاه قبل لكان غلامه أقوى منه؛ فإذا تفهّمه جاء فيه من الضرب بما لا يتعلّق به أحد البتّة.
ثناء أبي زياد الكلابي عليه حين أجاز بيتا له ارتجالا:
أخبرني محمد بن العبّاس اليزيديّ قال حدّثني عمّي الفضل عن إسحاق، [و أخبرني به الأخفش عن الفضل عن إسحاق، وأخبرني به يحيى بن عليّ بن يحيى عن أبيه عن إسحاق] [2]، وأخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا يزيد بن محمد المهلّبيّ عن إسحاق قال:
قال لي أبو زياد الكلابيّ: أولم جار لي يكنى أبا سفيان وليمة ودعاني لها، فانتظرت رسوله حتى تصرّم يومي فلم يأت، فقلت لا مرأتي:
إنّ [3]
أبا سفيان ليس بمولم ... فقومي فهاتي فلقة من حوارك [4]
__________
[1] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «قال» وهو تحريف.
[2] هذه الزيادة ساقطة من ب، س.
[3] في ب، س: «و إن». وظاهر من سياق الكلام أن البيت لم يتقدّمه شعر.
[4] كذا فيما سيأتي في الأصول. والفلقة: القطعة. والحوار (بالضم وقد يكسر): ولد الناقة من حين يوضع إلى أن يفطم ويفصل. وفي الأصول هنا: «قفرة من حوارك»، وهو تحريف.
قال إسحاق: فقلت له: أليس غير هذا؟ فقال: لا، إنما أرسلته يتيما؛ فقلت: أفلا أجيزه؟ قال: شأنك؛ فقلت له:
فبيتك خير من بيوت كثيرة ... وقدرك خير من وليمة جارك
/ قال: فضحك ثم قال: أحسنت بأبي أنت وأمي، جئت واللّه به قبلا [1] ما انتظرت به القرب، وما ألوم الخليفة أن يجعلك في سمّاره ويتملّح بك، وإنك لمن طراز ما رأيت بالعراق مثله، ولو كان الشباب يشترى لا انتعته لك بإحدى عينيّ ويمنى يديّ، وعلى أن فيك بحمد اللّه ومنّه بقيّة تسرّ الودود، وترغم الحسود. هذا لفظ يزيد المهلّبيّ والأخفش. وأخبرني بهذا الخبر محمد بن عبد اللّه بن عمّار فقال حدّثني عمر بن شبّة قال حدّثني إسحاق قال قال لي إمّا/ شدّاد بن عقبة وإما أبو مجيب [2]:
قالت امرأة القتّال الكلابيّ له: هل لك في فلقة من حوار نطبخها لك؟ فقال: لا واللّه، نحن على وليمة أبي سفيان ودعوته، وكان أبو سفيان رجلا من الحيّ زفّت إليه امرأته تلك الليلة؛ فجعل ينظر دخانا فلا يراه، فقال:
إنّ أبا سفيان ليس بمولم ... فقومي فهاتي فلقة من حوارك
ثم ذكر باقي الخبر على ما تقدّم من الذي قبله.
أنشد أعرابيا شعرا له فمدحه:
أخبرنا يحيى بن عليّ قال حدّثني أبيّ قال حدّثني إسحاق قال:
أنشدت أعرابيّا فهما شعرا لي، فقال: أقفرت واللّه يا أبا محمد؛ قلت: وما أقفرت؟ قال: رعيت قفرة لم ترع قبلك. (يريد: أبدعت).
دخل على المأمون وعقيد يغنيه فتبين خطأ في الغناء لم يتبينه أحد ممن حضر:
أخبرني عليّ بن سليمان الأخفش وعمّي قالا حدّثنا محمد بن يزيد المبرّد قال حدّثني بعض أصحاب السلطان بمدينة السلام قال سمعت إسحاق الموصليّ يقول:
دخلت على المأمون يوما وعقيد يغنّيه ارتجالا وغيره يضرب عليه؛ فقال: يا إسحاق، كيف تسمع مغنّينا هذا؟
فقلت: هل سأل أمير المؤمنين عن هذا غيري؟ قال: نعم، سألت عمّي إبراهيم فوصفه وقرّظه واستحسنه؛ فقلت له:
يا أمير المؤمنين - أدام اللّه سرورك، وأطاب عيشك - إنّ الناس قد أكثروا في أمري حتى نسبتني فرقة إلى التّزيّد في علمي؛ فقال لي: فلا يمنعك ذلك من قول الحق إذا لزمك؛ فقلت لعقيد: اردد هذا الصوت الذي غنّيته آنفا، وتحفّظ فيه وضرب ضاربه عليه؛ فقلت لإبراهيم بن المهديّ: كيف رأيته؟ فقال: ما رأيت شيئا يكره ولا سمعته؛
__________
[1] القبل (بالتحريك): الارتجال أي التكلم بكلام لم يكن قد أعدّه، يقال: تكلم قبلا فأجاد، واقتبل الكلام والخطبة اقتبالا إذا ارتجلهما ولم يكن أعدّهما. والقبل أيضا: أن يورد الرجل إبله فيستقي على أفواهها ولم يكن هيأ لها قبل ذلك شيئا. والقرب (بالتحريك): أن يكون بين القوم وبين الماء ليلة أو عشية فيعجلون بإبلهم ويسوقونها إليه سوقا شديدا. يريد أنه جاء به ارتجالا وعفو الخاطر من غير أن يتريث به ويكد سعيا في طلبه.
[2] كذا في ح وكذلك صححه المرحوم الشنقيطي في نسخته، وهو أبو مجيب الريفي، كما سيأتي ذكره بعد قليل في أخبار إسحاق.
وقد جاء مضطربا في سائر الأصول هنا.
فأقبلت على عقيد فقلت له حين استوفاه: في أيّ طريقة هذا الصوت الذي غنّيته؟ قال: في الرّمل؛ فقلت للضارب:
في أي طريقة ضربت أنت؟ قال: في الهزج الثقيل؛ فقلت: يا أمير المؤمنين، ما عسيت أن أقول في صوت يغنّي مغنّيه رملا ويضرب ضاربه هزجا، وليس هو صحيحا في إيقاعه الذي ضرب عليه!. قال: وتفهّمه إبراهيم بن المهديّ بعدي، فقال: صدق يا أمير المؤمنين، الأمر فيه الآن بيّن؛ فغاظني، فقلت له: بأيّ شيء بان الآن ما لم يكن بيّنا قبل؟ أتوهم أنك استنبطت معرفة هذا! وإنما قلته لمّا علمته من جهتي كما يقوله الغلمان العجم وسائر من حضر اتّباعا لي واقتداء بقولي. فقال له المأمون: صدق، فأمسك؛ وجعل يتعجّب من ذهاب ذلك على كل من حضر، وكنّاني في ذلك اليوم مرّتين.
إعجاب الأصمعي ببيتين له في الفخر:
أخبرني أحمد بن جعفر جحظة قال حدّثني أبو عبد اللّه أحمد بن حمدون قال حدّثني أبي:
/ أنّ الأصمعيّ أنشد قول إسحاق يذكر ولاءه لخزيمة [1] بن خازم:
إذا كانت الأحرار أصلي ومنصبي ... ودافع ضيمي خازم وابن خازم
عطست بأنف شامخ وتناولت ... يداي الثريّا قاعدا غير قائم
قال: فجعل الأصمعيّ يعجب منهما ويستحسنهما، وكان بعد ذلك يذكرهما ويفضّلهما.
سبب ولائه لخازم بن خزيمة:
قال ابن حمدون: وكان السبب في تولّي إسحاق خازم بن خزيمة بن خازم، أنّ مناظرة جرت بينه وبين ابن جامع بحضرة الرشيد فتغالظا [2]، فقال له ابن جامع: يا من إذا قلت له يابن زانية لم أخف أن يكذّبني أحد؛ فمضى إلى خازم بن خزيمة، فتولّاه وانتمى إليه، فقبل ذلك منه، وقال هذين البيتين.
امتحنه المعتصم في صوت فأجاب بأنه محدث لامرأة وكان لعريب:
أخبرني يحيى بن عليّ قال حدّثني أبي قال: قال إسحاق: كانت عندي [3] /صنّاجة كنت بها معجبا؛ واشتهاها أبو إسحاق المعتصم في خلافة المأمون؛ فبينا أنا ذات يوم في منزلي إذا ببابي يدقّ دقّا شديدا، فقلت:
انظروا من هذا؛ قالوا: رسول أمير المؤمنين؛ فقلت: ذهبت صنّاجتي، تجده ذكرها له ذاكر فبعث إليّ فيها؛ فلمّا مضى بي الرسول انتهيت إلى الباب وأنا مثخن [4]، فدخلت فسلّمت، فردّ السلام، ونظر إلى تغيّر وجهي فقال:
اسكن فسكنت؛ وسألني عن صوت وقال: أتدري لمن هو؟ فقلت: أسمعه ثم أخبر أمير المؤمنين إن شاء اللّه بذلك؛ فأمر/ جارية من وراء الستارة فغنته وضربت، فإذا هي قد شبّهته بالقديم؛ فقلت: زدني معها عودا آخر فإنه أثبت
__________
[1] هو خزيمة بن خازم بن خزيمة، كان هو وأبوه من أشراف الدولة العباسية، وقد ولى أبوه خراسان وعمان لأبي جعفر المنصور، وكان هو من قوّاد الرشيد المبرزين الذين قاموا له بجلائل الأعمال (انظر كتاب «المعارف» لابن قتيبة ص 213 و«تاريخ الطبري» قسم 3 ص 602 و648 و683 إلخ).
[2] كذا في ب. وتغالظا: تعاديا وتشاتما، والمغالظة: شبه المعارضة، يقال: مالك تغالطني وتغالظني، وتعارضني وتغايظني. وفي سائر الأصول: «تغالطا» بالطاء المهملة، والمغالطة: الإيقاع في الغلط.
[3] الصناجة: الضاربة بالصنج. والصنج (لفظ دخيل): صفيحة مدورة تتخذ من صفر يضرب بها على أخرى مثلها للطرب.
[4] مثخن: مهموم محزون، يقال: أثخنه الهم إذا غلبه.
لي، فزادني عودا آخر؛ فقلت: يا أمير المؤمنين، هذا الصوت محدث لا مرأة ضاربة؛ فقال: من أين قلت ذلك؟
فقلت: لمّا سمعته وسمعت لينه عرفت أنه من صنعة النساء؛ ولمّا رأيت جودة مقاطعه علمت أن صاحبته ضاربة؛ فقال: من أين قلت ذلك؟ فقلت: لأنها قد حفظت مقاطعه وأجزاءه، ثم طلبت عودا آخر ليكون أثبت لي فلم أشكك؛ فقال: صدقت، الغناء لعريب.
امتحن بإدخال لحن رومي في شعر عربي وغنى في درج أصوات، فلما سمعه عرفه واستخرجه:
نسخت من كتاب ابن أبي سعيد [1]: حدّثني إسحاق بن إبراهيم الطّاهريّ [2] قال: حدّثتني مخارق مولاتنا قالت:
كان لمولاي الذي علّمني الغناء فرّاش روميّ، وكان يغنّي بالروميّة صوتا مليح اللحن؛ فقال لي مولاي:
يا مخارق، خذي هذا اللحن الروميّ فانقليه إلى شعر من أصواتك العربيّة حتى أمتحن به إسحاق الموصليّ فأعلم أين يقع من معرفته، ففعلت ذلك؛ وصار إليه إسحاق فاحتبسه مولاي، فأقام وبعث إليّ أن أدخلي اللحن الروميّ في وسط غنائك؛ فغنّيته إياه في درج أصوات مرّت قبله، فأصغى إليه إسحاق، وجعل يتفهّمه ويقسّمه ويتفقّد أوزانه ومقاطعه ويوقع عليه بيده، ثم أقبل على مولاي فقال: هذا صوت روميّ اللحن، فمن أين وقع إليك؟ / فكان مولاي بعد ذلك يقول: ما رأيت شيئا أحسن من استخراجه لحنا روميّا لا يعرفه ولا العلّة فيه، وقد نقل إلى غناء عربيّ وامتزجت نغمه حتى عرفه ولم يخف عليه.
فضل في مجلس الواثق زلزلا على ملاحظ فتحدّاه ملاحظ فأظهر هو براعة فائقة:
أخبرني عمّي قال حدّثني محمد بن موسى قال حدّثني عبد اللّه [3] بن عمرو عن محمد بن عبد اللّه بن مالك قال حدّثني علّويه الأعسر، ووجدت هذا الخبر في بعض الكتب عن عليّ بن محمد بن نصر الشاميّ عن جدّه حمدون بن إسماعيل قال:
تناظر المغنّون يوما عند الواثق، فذكروا الضّرّاب وحذقهم، فقدّم إسحاق زلزلا على ملاحظ، ولملاحظ في ذلك الرياسة على جميعهم؛ فقال له الواثق: هذا حيف وتعدّ منك؛ فقال إسحاق: يا أمير المؤمنين، اجمع بينهما وامتحنهما، فإن الأمر سينكشف لك فيهما؛ فأمر بهما فأحضرا؛ فقال له إسحاق؛ إن للضّرّاب أصواتا معروفة، أفأمتحنهما بشيء منها؟ قال: أجل، افعل؛ فسمّى ثلاثة أصوات كان أوّلها:
علّق قلبي ظبية السّيب [4]
فضربا عليه، فتقدّم زلزل وقصّر عنه ملاحظ؛ فعجب الواثق من كشفه عما ادّعاه في مجلس واحد. فقال له
__________
[1] هو أبو عبيد اللّه بن أبي سعيد الوراق، وكان أخبار يا نسابة راوية للشعر. وفي ب، س: «ابن أبي سعد»، وهو تحريف.
[2] كذا في ح (بالطاء المهملة)، وقد صححه كذلك الأستاذ الشنقيطي في نسخته. وهو إسحاق بن إبراهيم بن مصعب حاكم بغداد في أيام المأمون والمعتصم والواثق، وهو من قرابة طاهر بن الحسين، وإليه ينسب. وفي باقي الأصول هنا: «الظاهري» بالظاء المعجمة، وهو تصحيف. على أنه سيأتي في الأصول جميعا أكثر من مرة «الطاهري» بالمهملة كما في ح هنا.
[3] تكرر هذا السند أكثر من مرة في أخبار إسحاق، وفيه عبد اللّه بن أبي سعد بدل عبد اللّه بن عمرو.
[4] السيب (بكسر أوّله وسكون ثانيه): كورة من سواد الكوفة، وهو أيضا نهر بالبصرة فيه قرية كبيرة، وموضع بخوارزم. (مختصر من «معجم البلدان» لياقوت).
ملاحظ: فما باله يا أمير المؤمنين يحيلك على الناس! ولم لا يضرب هو! فقال: يا أمير المؤمنين، إنه لم يكن أحد في زماني أضرب مني إلا أنكم أعفيتموني، فتفلّت منّي؛ وعلى أن معي بقية لا يتعلّق بها أحد من/ هذه الطبقة؛/ ثم قال: يا ملاحظ، شوّش عودك وهاته، ففعل ذلك ملاحظ؛ فقال: يا أمير المؤمنين، هذا يخلّط الأوتار تخليط متعنّت فهو لا يألو ما أفسدها، ثم أخذ العود فجسّه ساعة حتى عرف مواقعه [1]، ثم قال: يا ملاحظ، غنّ أيّ صوت شئت، فغنّى ملاحظ صوتا، وضرب عليه إسحاق بذلك العود الفاسد التسوية فلم يخرجه عن لحنه في موضع واحد حتى استوفاه عن نقرة واحدة، ويده تصعد وتنحدر على الدّساتين [2]؛ فقال له الواثق: لا واللّه ما رأيت مثلك ولا سمعت به! اطرح هذا على الجواري؛ فقال: هيهات يا أمير المؤمنين، هذا لا تعرفه الجواري ولا يصلح لهنّ، إنما بلغني أنّ الفهليذ ضرب يوما بين يدي كسرى فأحسن، فحسده رجل من حذّاق أهل صنعته، فترقّبه حتّى قام لبعض شأنه، ثم خالفه إلى عوده فشوّش بعض أوتاره، فرجع فضرب وهو لا يدري، والملوك لا تصلح في مجالسها العيدان، فلم يزل يضرب بذلك العود الفاسد إلى أن فرغ، ثم قام على رجله فأخبر الملك بالقصّة، فامتحن العود فعرف ما فيه، ثم قال: «زه [3] وزه وزهان زه»، ووصله بالصّلة التي كان يصل بها من خاطبه هذه المخاطبة؛ فلمّا تواطأت الرواية بهذا أخذت نفسي ورضتها عليه وقلت: لا ينبغي أن يكون الفهليذ أقوى على هذا منّي، فما زلت أستنبطه بضع عشرة سنة حتى لم يبق في الأرض موضع على طبقة من الطبقات إلا وأنا أعرف نغمته كيف هي، والمواضع التي يخرج النغم كلها/ منه فيها، من أعاليها إلى أسافلها، وكلّ شيء منها يجانس شيئا غيره، كما أعرف ذلك في مواضع الدّساتين؛ وهذا شيء لا تفي [4] به الجواري. قال له الواثق: صدقت، ولئن متّ لتموتنّ هذه الصناعة معك؛ وأمر له بثلاثين ألف درهم.
نسبة هذا الصوت
صوت
علّق قلبي ظبية السّيب ... جهلا فقد أغري بتعذيبي
نمّت عليها حين مرّت بنا ... مجاسد [5] ينفحن بالطّيب
تصدّها عنّا عجوز لها [6] ... منكرة [7] ذات أعاجيب
__________
[1] كذا في «مختار الأغاني» لابن منظور. وفي الأصول: «حتى عرف مواقعه فغنى، ثم قال ... إلخ» بزيادة كلمة «فغنى»، وظاهر أنها مقحمة.
[2] كذا في ح. والدساتين: والدستانات: ما عليه أطراف أوتار العود من مقدمه، وهي كلمة فارسية، وتسمى العرب ذلك: العتب (بالتحريك). وفي سائر الأصول: «الرساتين» بالراء، وهو تحريف.
[3] كلمة فارسية ومعناها: أحسنت أحسنت.
[4] كذا في ح و «مختار الأغاني»، إلا أنه رسم في ح: «لا تفي ء» بالهمز، ولعله تحريف من الناسخ. ولا تفي: لا تأتي به وافيا، أي إن الجواري يقصرن عنه ولا يستطعن أداءه. وفي سائر الأصول: «لا تغني».
[5] المجاسد: القمصان، واحدها مجسد (بضم الميم من أجسده بالهمز، أو جسده بالتضعيف) وهو ما صبغ بالجسد أي الزعفران.
[6] كذا في ب، س. وفي سائر الأصول: «لنا».
[7] منكرة: مبغضة مكروهة.
فكلّما همت [1] بإتيانها ... قالت: توقّي عدوة الذّيب
الشعر والغناء لإبراهيم، هزج ثقيل بالسبّابة في مجرى البنصر.
أخذت عنه جاريته دمن صوتا على غرة منه لبخله بالغناء:
حدّثني عليّ بن هارون قال حدّثني محمد بن موسى اليزيديّ قال حدّثتني دمن جارية إسحاق الموصليّ، وكانت من كبار جواريه وأحظى من عنده، ولقيتها فقلت لها: أيّ شيء أخذت عن مولاك من الغناء؟ فقالت: لا واللّه ما أخذت أنا عنه ولا واحدة من جواريه صوتا قطّ! كان أبخل بذلك، وما أخذت منه قطّ إلّا صوتا واحدا، وذلك أنه انصرف من دار الخليفة وهو مثخن سكرا [2]، فدخل/ إلى بيت كان ينام فيه، فرأى عودا معلّقا فأخذه بيده، وقال لخادمه: يا غلام، صح لي بدمن؛ فجاءني الغلام فخرجت، فلما بلغت الباب إذا هو مستلق على فراشه والعود في يده وهو يصنع هذا الصوت ويردّده، وقد اسحنفر [3] في نغمه وتنوق [4] فيها حتى/ استقام له، وهو:
صوت
ألا ليلك لا يذهب ... ونيط الطّرف بالكوكب
وهذا الصّبح لا يأتي ... ولا يدنو ولا يقرب
فلمّا سمعته علمت أنّي [إن] [5] دخلت إليك أمسك، فوقفت أستمعه حتى فرغ منه وأخذته عنه؛ فلما فرغ منه وضع العود من يده، وذكر أنه قد طلبني فقال: يا غلام، أين دمن؟ فقلت: هأنذي؛ فقال: مذكم أنت واقفة؟
فقلت: منذ ابتدأت بالصوت وقد أخذته؛ فنظر إليّ نظر مغضب أسف، ثم قال: غنّيه، فغنّيته حتى استوفيته؛ فقال لي وقد فتر وخجل: قد بقيت عليك فيه بقيّة أنا أصلحها لك؛ فقلت: لست أحتاج إلى إصلاحك إياه، وقد واللّه أخذته على رغمك؛ فضحك. لحن هذا الصوت من الهزج بالبنصر، والشعر والغناء لإسحاق.
غنى إبراهيم بن المهديّ عند المعتصم صوتا لابن جامع فأظهر هو خطأ فيه ثم هزأ بإبراهيم:
أخبرنا يحيى بن عليّ قال قال لي إسحاق:
كنت عند المعتصم وعنده إبراهيم بن المهديّ، فغنّى إبراهيم صوتا لابن جامع أخلّ ببعضه، ثم قال:
يا أمير المؤمنين، ترك ابن جامع الناس يحجلون خلفه ولا يلحقونه. وفي هذا الصوت خاصّة؛ فقلت: واللّه يا أمير المؤمنين، ما صدق،/ وما هذا الصوت بتامّ الأجزاء؛ فقال: كذب واللّه يا أمير المؤمنين؛ فقلت: يا سيّدي، أنا أوقفه على نقصانه، فمره فليعد يا أمير المؤمنين؛ فأعاد البيت الأوّل فأقامه وطمع في الإصابة؛ فقلت: آفته في
__________
[1] همت: أصله «هممت» حذفت إحدى الميمين تخفيفا. وشرط جواز هذا الحذف في الماضي أن تكون عينه مكسورة نحو ظل تقول فيه: «ظللت» على الإتمام و «ظلت» (بفتح أوّله أو بكسره بنقل حركة عين الفعل إلى الفاء) على الحذف. ولكن ابن الأنباري حكى «همت» في هممت مع أنه مفتوح العين. وهم بالشي ء: نواه وأراده.
[2] كذا في أكثر الأصول. وفي ب، س: «و هو مثخن سكران».
[3] كذا صححه الأستاذ الشنقيطي في نسخته. واسحنفر في الشي ء: مضى فيه ولم يتمكث. وفي الأصول: «استخفر».
[4] تنوّق في الشي ء: جوّده وتأنق فيه.
[5] التكملة عن أ، ح، م.
البيت الثاني، فليردده؛ فردّه فنقص من أجزائه وفسمته، فعرّفته فأقرّ به؛ فقلت: يا أمير المؤمنين، هذه صناعتي وصناعة آبائي وإبراهيم يكلّمني فيها، وأنا أسأله عن ثلاثين مسألة من باب واحد في طريق الغناء لا يعرف منها مسألة واحدة؛ فقال: أو يعفيني أمير المؤمنين من كلامه؟ فأعفاه.
وقد أخبرني بهذا الخبر الحسن بن عليّ قال حدّثنا يزيد بن محمد المهلّبي عن إسحاق؛ فذكر نحوا مما ذكره يحيى، وذكر أنّ القصة كانت بين يدي المعتصم؛ وزاد فيها فقال:
أنا أسأله عن ثلاثين مسألة وأوقفه على خطئه فيها، فإن لم يقرّ بذلك أقرّ به مخارق وعلّويه؛ فقال: أو يعفيني أمير المؤمنين من كلامه! فإنه يعدل عندي البختج [1]؛ قلت: يا أمير المؤمنين، وما يفعل البختج؟ قال: يسلح؛ قلت [2]: قد واللّه فعل ذلك كلامي به، ومنه هرب؛ فضحك وغطّى فاه وقام؛ فظنّ إسحاق بن إبراهيم المصعبيّ أنّي قد أغضبته، فضرب بيده إلى السيف؛ فقلت له: لا تحسب أنّي أغضبته؛ فما كنت لأكلّم عمّه بين يديه بهزء [3] من غير إذنه، فأمسك؛ وكان لا يقدم أحد أن يكلّم الخليفة بحضرته بما فيه الوهن إلا بادر إلى سيفه تعظيما للأمير [4] وإجلالا له.
عرف في مجلس المأمون خطأ في وتر بين ثمانين وترا وعشرين جارية يغنين:
أخبرني يحيى بن عليّ قال حدّثنا أحمد بن القاسم الهاشميّ عن إسحاق، وأخبرني الحسين بن يحيى قال حدّثنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه قال:
/ دعاني المأمون وعنده إبراهيم بن المهديّ، وفي مجلسه عشرون جارية قد أجلس عشرا عن يمينه وعشرا عن يساره ومعهنّ العيدان يضربن بها؛ فلمّا دخلت سمعت من الناحية اليسرى خطأ فأنكرته؛ فقال المأمون: يا إسحاق، أتسمع خطأ؟ فقلت: نعم واللّه يا أمير المؤمنين؛ فقال لإبراهيم: هل تسمع خطأ؟ فقال: لا؛ فأعاد عليّ السؤال، فقلت: بلى واللّه/ يا أمير المؤمنين، وإنه لفي الجانب الأيسر؛ فأعاد إبراهيم سمعه إلى الناحية اليسرى ثم قال: لا واللّه يا أمير المؤمنين، ما في هذه الناحية خطأ؛ فقلت يا أمير المؤمنين: مر الجواري اللواتي على اليمين يمسكن، فأمرهنّ فأمسكن؛ فقلت لإبراهيم: هل تسمع خطأ؟ فتسمّع ثم قال: ما ها هنا خطأ؛ فقلت: يا أمير المؤمنين، يمسكن وتضرب الثامنة. فأمسكن وضربت الثامنة، فعرف إبراهيم الخطأ، فقال: نعم يا أمير المؤمنين، هاهنا خطأ؛ فقال عند ذلك لإبراهيم: يا إبراهيم، لا تمار إسحاق بعدها؛ فإن رجلا فهم الخطأ بين ثمانين وترا وعشرين حلقا لجدير ألّا تماريه؛ فقال: صدقت يا أمير المؤمنين. وقال الحسين بن يحيى في خبره: وكان في الأوتار كلّها مثنى فاسد التسوية. وقال فيه: فطرب أمير المؤمنين المأمون، وقال: للّه درّك يا أبا محمد؛ فكنّاني يومئذ.
ثناء الواثق عليه:
أخبرني أحمد بن جعفر جحظة قال حدّثني أحمد بن حمدون قال:
__________
[1] البخنج (كقنفذ كما جاء في «شرح القاموس»): العصير المطبوخ.
[2] في جميع الأصول: «قال» وهو لا يتفق مع السياق.
[3] في ح: «بهرا» بالراء، والبهر: القذف والبهتان. وفي أ، ء، م: «بهذا».
[4] في ح، ء: «للأمر».
سمعت الواثق يقول: ما غنّاني إسحاق قط إلا ظننت أنه قد زيد لي في ملكي، ولا سمعته يغنّي غناء ابن سريج إلا ظننت أنّ ابن سريج قد نشر، وإنه ليحضرني غيره إذا لم يكن حاضرا، فيتقدّمه عندي وفي نفسي بطيب [1] الصوت، حتى إذا اجتمعا عندي رأيت إسحاق يعلو ورأيت من ظننته يتقدّمه ينقص؛ وإنّ إسحاق لنعمة/ من نعم الملك التي لم يحظ [2] بمثلها؛ ولو أنّ العمر والشباب والنشاط مما يشترى لأشتريتهنّ له بشطر ملكي.
سأل المأمون أن يكون دخوله إليه مع العلماء ثم مع الفقهاء:
أخبرني جعفر بن قدامة قال حدّثني عليّ بن يحيى المنجّم قال:
سأل إسحاق الموصليّ المأمون أن يكون دخوله إليه مع أهل العلم والأدب والرّواة لا مع المغنّين، فإذا أراده للغناء غنّاه؛ فأجابه إلى ذلك؛ ثم سأله بعد حين أن يأذن له في الدخول مع الفقهاء؛ فأذن له. قال: فحدّثني محمد بن الحارث بن بسخنّر أنه كان هو ومخارق وعلّويه جلوسا في حجرة لهم ينتظرون جلوس المأمون وخروج الناس من عنده، إذ دخل يحيى بن أكثم وعليه سواده [3] وطويلته، ويده في يد إسحاق يماشيه، حتى جلس معه بين يدي المأمون، فكاد علّويه أن يجنّ، وقال: يا قوم، أسمعتم بأعجب من هذا! يدخل قاضي القضاة ويده في يد مغنّ حتى يجلسا بين يدي الخليفة!. ثم مضت على ذلك مدّة، فسأل إسحاق المأمون أن يأذن له في لبس السواد يوم الجمعة والصلاة معه في المقصورة؛ قال: فضحك المأمون وقال: ولا كلّ ذا يا إسحاق! وقد اشتريت منك هذه المسألة بمائة ألف درهم؛ وأمر له بها.
ما كان يمتاز به في مجلس الواثق:
حدّثني أحمد بن جعفر جحظة قال حدّثني أبو عبد اللّه بن حمدون قال:
كان المغنّون جميعا يحضرون مجلس الواثق وعيدانهم معهم إلا إسحاق، فإنه كان يحضر بلا عود للشرب والمجالسة؛ فإن أمره الخليفة أن يغنّي أحضر له عودا، فإذا غنّى وفرغ سلّ من بين يديه إلى أن يطلبه. وكان الواثق كثيرا ما يكنّيه، رفعا له/ من أن يدعوه باسمه؛ وكان إذا غنّى وفرغ الواثق من شرب قدحه قطع الغناء ولم يعد منه حرفا إلا أن يكون في بعض بيت فيتمّه، ثم يقطع ويضع العود من يده.
علي بن يحيى يحدث عن تفوّقه في فنه:
أخبرنا يحيى بن عليّ بن يحيى عن أبيه في خبر ذكر إسحاق [4] فيه، فقال: وعارض معبدا وابن سريج فانتصف منهما، وكان إبراهيم بن المهديّ يناظره ويجادله في الغناء وينازعه في صناعته،/ ولم يبلغه؛ وما رأيت بعد إسحاق مثله.
__________
[1] في ب، س: «يطيب الصوت» بالياء المثناة التحتية، وهو تصحيف.
[2] في ب، س: «لم يحظ أحد بمثلها».
[3] السواد: شعار بني العباس كان يرتديه أشياعهم. والطويلة: قلنسوة عالية مدعمة بعيدان كان يلبسها القضاة. (انظر الحاشيتين رقم 2، 3 من الجزء الأوّل من هذا الكتاب ص 414، من هذه الطبعة). وفي ب، ح، س: «سوادة وطيلية». وفي أ، ء، م: «سوادة وطويلة»، وكلاهما تحريف.
[4] في الأصول: «في خبر ذكره إسحاق فيه».
عابه إبراهيم بن المهدي بترك التحريك في الغناء فبعث هو إليه بكلام غاظه:
أخبرني عمّي قال حدّثني عبد اللّه بن أبي سعد قال حدّثني محمد بن عبد اللّه بن مالك قال قال لي محمد بن راشد الخنّاق [1]:
سمعت علّويه يقول لإسحاق بن إبراهيم الموصليّ: إن إبراهيم بن المهديّ يعيبك بتركك تحريك الغناء؛ فقال له إسحاق: ليتنا نفي بما علمناه، فإنا لا نحتاج إلى الزيادة فيه. [ثم] [2] قال له: فإنه يزعم أنّ حلاوة الغناء تحريكه، وتحريكه عنده أن يكون كثير النّغم، وليس يفعل ذلك، إنما يسقط بعض عمله لعجزه عنه، فإذا فعل ذلك فهو بالإضافة إلى حاله الأولى بمنزلة الأسكدار [3] للكتاب، وهو حينئذ بأن يسمّى المحذوف أشبه منه بأن يسمّى المحرّك؛ فضحك علّويه ثم قال: فإن إبراهيم يسمّي غناءكم هذا الممسك المناديّ؛ قال إسحاق: هذا من لغات الحاكة؛ لأنهم يسمّون الثوب الجافى [4] الكثير العرض والطول المداديّ؛ وعلى هذا القياس فينبغي لنا أن نسمّي غناءه المحرّك الضّرابيّ، وهو الخفيف السخيف [5] من الثياب في لغة الحاكة، حتى ندخل الغناء/ في جملة الحياكة ونخرجه عن جملة الملاهي؛ ثم قال لعلّويه؛ بحياتي عليك إلّا ما أعدت عليه ما جرى؛ فقال له: لا وحياتك لا فعلت؛ فإنه يعلم ميلي إليكم، ولكن عليك بأبي جعفر محمد بن راشد الخنّاق؛ فكلمه إسحاق وأقسم عليه أن يؤيده [6]، ففعل وسار إلى إبراهيم فأخبره، فجعل كلّما أخبره شيئا تغيّظ وشتم إسحاق بأقبح شتم؛ ثم جاءه ابن راشد فأخبره؛ فجعل [9] كلّما أخبره بشيء من ذلك ضحك وصفّق سرورا لغيظ إبراهيم من قوله.
أخبرني حبيب بن نصر المهلّبيّ قال حدّثني علي بن محمد النّوفليّ قال أخبرني محمد بن راشد الخنّاق قال:
إني لفي منزلي يوما مع الظهر إذ دخل عليّ إسحاق بن إبراهيم الموصليّ، فسررت بمكانه؛ فقال: قد جاءت بي إليك حاجة؛ قال قلت: قل ما شاء اللّه؛ قال: دعني في بيتك، ودع غلاميك عندي: بديحا وسليمان - وكانا خادمين مغنّيين - ومرهما أن يغنّياني، وأتني بفلان ليغنّيني أيضا، بحياتي عليك، وانطلق إلى إبراهيم ابن المهديّ، فإنه سيسرّ بمكانك، فاشرب معه أقداحا، ثم قل [له] [8]: يا سيّدي، أسألك عن شيء، فإذا قال: سل، فقل له:
أخبرني عن قولك:
ذهبت من الدنيا وقد ذهبت منّي
أيّ شيء كان معنى صنعتك فيه؟ وأنت تعلم أنه لا يجوز في غنائك الذي صنعته فيه إلا أن تقول: «ذهبتو» بالواو، فإن قلت: «ذهبت» ولم تمدّها انقطع اللحن والشعر، وإن مددتها قبح الكلام وصار على كلام النّبط؛ فقلت له: يا أبا محمد، كيف أخاطب/ إبراهيم بهذا؟ فقال: هو حاجتي إليك وقد كلّفتك إياها، فإن استحسنت أن تردّني
__________
[1] كذا في ب، ح هنا وفيما سيأتي في أكثر الأصول، وفي سائر الأصول هنا: «الخفاف».
[2] زيادة يقتضيها السياق.
[3] الأسكدار: كلمة فارسية معناها حامل البريد.
[4] الجافي من الثياب: الغليظ.
[5] السخيف من الثياب: القليل الغزل.
[6] كذا في الأصول. ولعل صوابه: «يؤديه» أي يبلغه.
[7] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «فجعل كلما جاءه وأخبره ... إلخ» وظاهر أن كلمة «جاءه و» هنا مقحمة.
[8] الزيادة عن ح.
فأنت أعلم؛ قال: أفعل ذلك لموضعك على ما فيه عليّ؛ ثم أتيت إبراهيم، وجلست عنده مليّا، وتجارينا [1] الحديث إلى أن خرجنا إلى ذكر الغناء، فخاطبته بما قال لي إسحاق، فتغيّر لونه وانكسر، ثم قال: يا محمد، ليس هذا من كلامك، هذا من كلام الجرمقانيّ [2] ابن الزانية؛ قل له عنّي: أنتم تصنعون هذا للصناعة، ونحن نصنعه للّهو واللعب والعبث. قال: فخرجت إلى إسحاق فحدّثته بذلك فقال: الجرمقانيّ واللّه منا أشبهنا بالجرامقة لغة وهو الذي يقول: «ذهبتو»؛ وأقام عندي يومه فرحا بما بلّغته إبراهيم عنه من توقيفه على/ خطئه.
كان محمد بن راشد صديقا له فنقل عنه حديثا لابن المهدي ففسد ما بينهما وشعره في ذلك:
قال عليّ بن محمد قال لي أبي:
كان محمد بن راشد صديقا لإسحاق ثم فسد ما بينهما؛ فإنه طابق [3] إبراهيم بن المهديّ عليه، وبلغه عنه من توقيعه أنه يذكره. وكان في محمد بن راشد رداءة ونقل للأحاديث؛ فقال فيه إسحاق:
وندمان صدق لا تخاف أذاته ... ولا يلفظ الأخبار لفظ ابن راشد
دعاني إلى ما يشتهي فأجبته ... إجابة محمود الخلائق ماجد
فلا خير في اللّذات إلّا بأهلها ... ولا عيش إلا بالخليل المساعد
قال: فجمع ابن راشد عدّة من الشعراء وأمرهم بهجاء إسحاق؛ فهجوه بأشعار لم تبلغ مراده، فلم يظهرها.
وبلغ ذلك إسحاق فقال فيه:
/و أبيات شعر رائعات كأنها ... إذا أنشدت في القوم من حسنها سحر
تحفّز واقلولى [4] لردّ جوابها ... أبو جعفر يغلي كما غلت القدر
فلم يستطعها غير أن قد أعانه ... عليها أناس كي يكون له ذكر
فيا ضيعة الأشعار إذ يقرضونها ... وأضيع منها من يرى أنها شعر
قال: فعاذ محمد بن راشد بإسحاق واستكفّه وصالحه، فرجع إليه.
أخذ إبراهيم بن المهدي صوتا له وغير فيه فلما عرف ذلك غضب:
أخبرني عمّي قال حدّثني عليّ بن محمد بن نصر الشاميّ قال حدّثني منصور بن محمد بن واضح:
أن إبراهيم بن المهديّ طرح في منزل أبيه:
__________
[1] كذا في الأصول، ولعله «تجاذبنا الحديث».
[2] راجع الحاشية رقم 3 ص 207 من هذا الجزء.
[3] طابقه على الأمر: وافقه ومالأه.
[4] كذا في ح، وكذلك صححها الأستاذ الشنقيطي في نسخته. وتحفز الرجل واقلولى: إذا استقل على رجليه ولما يستو قائما وقد تهيأ للوثوب. وفي سائر الأصول: «تحفر» (بالراء المهملة)، وهو تصحيف.
صوت
أمن آل ليلى عزفت الطّلولا ... بذي حرض [1] ما ثلات مثولا
بلين وتحسب آياتهنّ ... عن فرط حولين رقا محيلا [2]
- الشعر لكعب بن زهير [3]. والغناء لإسحاق، وله فيه لحنان: ثاني ثقيل مطلق في مجرى البنصر، وماخوريّ بالوسطى. وفيه للزّبير بن دحمان خفيف ثقيل - قال: فجاءنا إسحاق يوما، وأقام عند أبي، وأخرجنا إليه جوارينا، ومرّ الصوت الذي طرحه إبراهيم/ بن المهديّ من غنائه؛ فقال إسحاق: من أين لك هذا؟ قال: طرحه أبو إسحاق إبراهيم بن المهديّ أعزّه اللّه تعالى؛ فقال إسحاق: وما لأبي إسحاق أعزّه اللّه ولهذا الصوت! هذا أنا صنعته، وليس هو كما طرّحه. قال: فسأله أبي أن يغنّيه، فغنّاه وردّده [4] حتى صحّ لمن عنده؛ فقال لي أبي: اكتب إلى أبي إسحاق أن أبا محمد أعزّه اللّه صار إليّ فاحتبسته، وأنه غنّى بحضرتي الصوت الذي ألقيته في منزلك الذي أسكنه، فزعم أنه صنعه، وأنه ليس على ما أخذه الجواري عنك، فأحببت أن أعلم ما عندك، جعلني اللّه فداك. قال: فكتبت [5] الرّقعة وأنفذتها إلى إبراهيم. فكتب: نعم، جعلت فداك، صدّق أبو محمد أعزّه اللّه، الصوت له، وهو على ما ذكره، لكنّي لعبت في وسطه لعبا أعجبني. قال: فقرأ إسحاق الرقعة فغضب غضبا شديدا، ثم قال لي: اكتب إليه: «إذا أردت يا هذا أن تلعب فالعب في غناء نفسك لا في غناء الناس، وما حاجتك إلى هذا الشعر أكثر من ذلك، فاصنع أنت إن كنت تحسن، والعب في صنعتك كما تشتهي مبتدئا باللهو واللعب غير مشارك في جدّ الناس بلعبك ومفسد له بما لا تعلمه. يا أبا/ إسحاق، أيّدك اللّه، ليس هذا الصوت مما يتهيّأ لك أن تمخرق [6] فيه وتقول: جندرته». قال: وكان إبراهيم يقول: إنه يجندر صنعة القدماء ويحسّنها.
مناظرته إبراهيم بن المهدي في الغناء بين يدي المعتصم:
قال عليّ بن محمد حدّثني جدّي حمدون:
أن إسحاق قال لإبراهيم بن المهديّ بحضرة المعتصم: ما تقول فيمن يزعم أنّ ابن سريج وابن محرز ومعبدا ومالكا وابن عائشة لم يكونوا يحسنون تمام الصّنعة/ ولا استيفاء الغناء، ويعجزون عما به يكمل ويتمّ ويحسن،
__________
[1] ذو حرض: واد لبني عبد اللّه بن غطفان، بينه وبين معدن النقرة خمسة أميال. (انظر «معجم ياقوت» في اسم ذي حرض والنقرة).
[2] فرط الشي ء: مضى وذهب. وأحال: أتى عليه أحوال أي سنون.
[3] ورد هذا الشعر في «ديوان زهير بن أبي سلمى» و«شرحه» للأعلم الشنتمري وثعلب وغيرهما من النسخ المخطوطة والمطبوعة المحفوظة بدار الكتب المصرية ضمن قصائده، وقد مدح به سنان بن أبي حارثة أبا هرم وهما ممدوحاه ولم يكونا ممدوحي كعب حيث يقول فيه:
إليك سنان الغداة الرحي ... ل أعصى النهاة وأمضى الفئولا
كما ذكره لزهير أيضا أبو عبيد البكري وياقوت الحموي في معجميهما أثناء كلامهما على «حرض»، وذكره المؤلف له أيضا في ترجمته (ج 9 ص 152 طبع بولاق) وقد ورد في جميع هذه المصادر «سلمى» بدل «ليلى» وسلمى هذه محبوبته التي يشبب بها في شعره.
[4] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «فردده» بالفاء بدل الواو.
[5] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «فكتبته الرقعة»، وهو تحريف.
[6] مخرق: موّه. وجندره: أصلحه وصقله. قال في «اللسان» (مادة جدر): «قال الجوهري: وجندرت الكتاب إذا أمررت القلم على ما درس منه ليتبين. وكذلك الثوب إذا أعدت وشيه بعد ما كان ذهب، قال: وأظنه معرّبا».
وأنه أقدر على الصنعة منهم؟ قال: أقول: إنه جاهل أحمق؛ قال: فأنت تزعم أنه قد كانت بقيت عليهم أشياء لم يهتدوا لها ولم يحسنوها، فتنبّهت عليها أنت وتممتها وحسّنتها بجندرتك؛ قال: فضحك المعتصم وبقي إبراهيم واجما مطرقا، ولم ينتفع بنفسه بقيّة يومه؛ وما سمعته أنا ولا غيري بعد ذلك اليوم يتبجّح بغناء يصلحه من غناء المتقدّمين، حتى يطنب في صنعته ويشتهى استماعه منه، كما كان يدّعي قديما. قال: وكان حمدون يقول: كان إبراهيم يأكل المغنّين أكلا، حتى يحضر إسحاق، فيداريه إبراهيم ويطلب مكافأته، ولا يدع إسحاق تبكيته ومعارضته؛ وكان إسحاق آفته، كما أنّ لكل شيء آفة.
غنى المأمون بشعر ذي الرمة فأجازه:
أخبرني جعفر بن قدامة قال حدّثني حمّاد بن إسحاق عن أبيه قال:
خرجت يوما من داري وأنا مخمور أتنسّم الهواء، فمررت برجل ينشد رجلا معه لذي الرّمّة:
صوت
ألم تعلمي يا ميّ أنّي وبيننا ... مهاو لطرف العين فيهنّ مطرح [1]
ذكرتك أن مرّت بنا أمّ شادن [2] ... أمام المطايا تشرئبّ وتسنح
من المؤلفات الرمل أدماء [3] حرّة ... شعاع الضّحى في متنها يتوضّح
/ هي الشّبه أعطافا وجيدا ومقلة ... وميّة منها بعد أبهى وأملح
كأن البرى [4] والعاج عيجت متونه ... على عشر نهّى [5] به السيل أبطح
لئن كانت الدنيا عليّ كما أرى ... تباريح من ميّ فللموت أروح
فأعجبني، فصنعت فيه لحنا غنّيت به المأمون، فأخذت به منه مائة ألف درهم. لحن إسحاق في هذه الأبيات أوّل مطلق في مجرى البنصر.
__________
[1] مهاو: جمع مهواة وهي ما بين الجبلين. يريد الشاعر أن يصفها بأنها مهاو بعيدة يسرح فيها البصر فلا يرده شيء.
[2] أم شادن: كنية الظبية، والشادن: ولدها الذي قد قوي وطلع قرناه واستغنى عن أمه. ويقال: ظبية مشدن أي ذات شادن يتبعها.
وتشرئب: ترفع رأسها لتنظر، وكل رافع رأسه مشرئب. وفي ب، ح: «تستريب» وهو تحريف. وتسنح: تعرض، وقيل: تسنح:
تأتي عن شمالك.
[3] كذا في س، و «ديوان ذي الرمة» (ص 80) طبع كلية كمبردج. ويروى «من الآلفات الرمل»، يقال: آلف المكان وألفه. وفي سائر الأصول: «المولعات». ويروى: من الموطنات. والأدماء: واحدة الأدم، وهي - كما قال الأصمعيّ - : الظباء البيض تعلوهن جدد فيهن غبرة، فإن كانت خالصة البياض فهي الآرام. وحرة: كريمة. ويتوضح: يبرق.
[4] البرى: الخلاخيل، الواحدة برة، وكل حلقة تسميها العرب برة. والعاج: أسورة تتخذها نساء العرب من العاج، وعيجت: لويت.
والعشر: شجر ناعم لين مستو. شبه ساعديها وساقيها بشجر العشر في الاستواء واللين.
[5] كذا في ح و «ديوانه» ووردت مصححة بخط الأستاذ الشنقيطي أيضا. ونهى الشي ء: أبلغه وأوصله، ونهاه: بلغ نهايته (بالتضعيف فيهما)، وهذا المعنى غير مراد. وفي سائر الأصول: «تهمى» وهو تحريف. والأبطح: بطن الوادي. ومرجع الضمير في «به» شجر العشر مرادا به مكانه الذي ينبت فيه. وعدّي «نهى» بالباء لأنه ضمن معنى «حبس»، أي إن بطن الوادي حمل السيل وأبلغه للمكان الذي ينبت فيه شجر العشر وحبسه به فهو لذلك ريان ممتلى ء. (انظر نسخة مخطوطة من «ديوان ذي الرمة» بشرح الأعلم الشنتمري محفوظة بدار الكتب المصرية تحت رقم 1840 أدب ص 43).
دس إليه أبو أحمد بن الرشيد غلامين على أنهما لأحد وجوه خراسان مع هدية ليعلمهما، وقصة ذلك أمام الواثق:
حدّثني يحيى بن محمد الطّاهريّ قال حدّثني ينشو مولى أبي أحمد بن الرشيد قال:
اشتراني مولاي أبو أحمد بن الرشيد، واشترى رفيقي محموما [1]، فدفعنا إلى وكيل له أعجميّ خراسانيّ، وقال له: انحدر بهذين الغلامين إلى بغداد إلى إسحاق الموصليّ؛ ودفع إليه مائة ألف درهم، وشهريّا [2] بسرجه ولجامه، وثلاثة أدراج [3] من فضّة/ مملوءة طيبا، وسبعة تخوت [4] من بزّ خراسانيّ، وعشرة أسفاط [5] من بزّ مصر، وخمسة تخوت وشي كوفيّ، وخمسة تخوت خزّ سوسيّ، وثلاثين ألف درهم للنفقة؛ وقال للرسول: عرّف إسحاق أنّ هذين الغلامين لرجل من وجوه أهل خراسان، وجّه بهما إليه ليتفضّل ويعلّمهما أصواتا اختارها، وكتبها له في درج [6]، وقال له: كلما علّمهما صوتا ادفع إليه ألف درهم، حتى يتعلّما بها مائة صوت، فإذا علّمهما الصوتين اللذين بعد المائة فادفع إليه الشّهريّ، ثم إذا علمهما الثلاثة التي بعد الصوتين، فادفع إليه بكل صوت درجا من/ الأدراج، ثم لكل صوت بعد ذلك تختا أو سفطا، حتى ينفد ما بعثت به معك؛ ففعل، وانحدرنا إلى بغداد، فأتينا إسحاق، وغنّينا بحضرته، وبلّغه الوكيل الرسالة؛ فلم يزل يلقى علينا الأصوات حتى أخذناها كل أمرنا سيّدنا.
ثم سرنا [7] إلى سرّ من رأى، فدخلنا إليه وغنّيناه جميع ما أخذناه فسرّه ذلك. وقدم إسحاق سرّ من رأى، ولقيه مولانا، فدعا بنا وأوصانا بما أراد، وغدا بنا إلى الواثق وقال: إنكما ستريان إسحاق بين يديه، فلا تسلّما عليه ولا توهماه أنكما رأيتماه قطّ، وألبسنا أقبية خراسانية ومضينا معه؛ فلمّا دخلنا على الواثق قال له: يا سيّدي، هذان غلامان اشتريا لي من خراسان يغنّيان بالفارسيّة؛ فقال: غنّيا، فضربنا ضربا فارسيّا وغنّينا غناء فهليذيّا؛ فطرب الواثق وقال: أحسنتما، فهل تغنّيان بالعربية؟ قلنا: نعم، واندفعنا نغنّي ما أخذناه عن إسحاق/ وهو ينظر إلينا ونحن نتغافل عنه، حتى غنّينا أصواتا من غنائه؛ فقام إسحاق ثم قال للواثق: وحياتك يا سيّدي وبيعتك، وإلّا كلّ ملك لي صدقة وكل مملوك لي حرّ إن لم يكن هذان الغلامان من تعليمي ومن قصّتهما كيت وكيت؛ فقال له أبو أحمد: ما أدري ما تقول! هذان اشتريتهما من رجل نخّاس خراسانيّ؛ فقال له: بلغ ولعك [8] إليّ! ونخّاس خراسانيّ من أين يحسن [أن] يختار مثل تلك الأغاني!؛ فضحك أبو أحمد ثم قال: صدق، أنا احتلت عليه، ولو رمت أن يعلّمهما ما أخذاه منه إذا علم أنهما لي بعشرة أضعاف ما أعطيته لما فعل؛ فقال له إسحاق: قد تمّت عليّ حيلته. وقال أبو أحمد للواثق: إن أردتهما فخذهما؛ فقال: لا أفجعك بهما يا عمّ، ولكن لا تمنعني حضورهما؛ فقال له: قد بذلت
__________
[1] في ح: «بجمجما».
[2] الشهرية (بالكسر): ضرب من البراذين وهو بين البرذون والمقرف من الخيل، وفي الأساس: «بين الرمكة والفرس العتيق».
والرمكة: البرذونة، والجمع الشهارى.
[3] الأدراج: جمع درج (بالضم) وهو سفيط صغير تدخر فيه المرأة طيبها وأداتها، ويجمع أيضا على درجة (بكسر ففتح).
[4] التخت: وعاء تصان فيه الثياب، فارسيّ، وقد تكلمت به العرب.
[5] أسفاط: جمع سفط (بالتحريك) وهو ما يعبى فيه الطيب وما أشبهه من أدوات النساء، وقيل: هو كالجوالق أو كالقفة.
[6] الدرج (بالفتح وبالتحريك): الذي يكتب فيه، يقال: أنفذته في درج الكتاب أي في طيه. وهو يطلق على الصحيفة من أي نوع ومن أي مقياس. وقد فصل القلقشندي في «صبح الأعشى» (ج 6 ص 189 - 196) مقادير قطع الورق وما يناسب كل مقدار منها من الأقلام ومقادير البياض في أوّل الدرج وحاشيته وبعد ما بين السطور في الكتابات فارجع إليه.
[7] في أ، ء، م: «ثم سرنا ثم دخلنا إلى سرّ من رأى».
[8] الولع: الكذب.
لك الملك فلم تؤثره، أفتراني أمنعك الخدمة! فكنّا نخدمه بنوبة.
كان في مجلس الواثق مع الندماء لا المغنين فإذا أمره الواثق بالغناء أتى له بعود فغناه:
حدّثني جحظة قال حدّثني أبو عبد اللّه بن حمدون قال حدّثني ابن فيلا الطّنبوريّ وكان قد دخل على الواثق وغنّاه، قال:
قال الواثق في بعض العشايا: لا يبرح أحد من المغنّين الليلة، فقد عزمت على الصّبوح في غد؛ فأمسكوا جميعا عن معارضته إلا إسحاق فإنه قال له: لا وحياتك ما أبيت؛ قال: فلا واللّه ما كان له عند الواثق معارضة أكثر من أن قال له: فبحياتي إلّا بكّرت [1] يا أبا محمد. قال: فرأيت مخارقا وعلّويه قد تقطّعا غيظا؛ وبتنا في بعض الحجر، فقالا لي [2]: اجلس على باب الحجرة، فإذا جاء إسحاق فعرّفنا حتى ندخل بدخوله؛ فلم نلبث أن جاء إسحاق مع أحمد بن أبي داود يماشيه في زيّه وسواده وطريلته [3] مثل طويلته، فدخلت فأعلمتهما؛ فقامت على علّويه القيامة/ وقال: يا هؤلاء، خيناكر [4] يدخل إلى الخليفة مع قاضي القضاة! أسمعتم بأعجب من هذا البخت قطّ!؛ فقال له مخارق: دع هذا عنك، فقد واللّه بلغ ما أراد. ولم نلبث أن خرج ابن أبي دواد ودعي [5] بنا فدخلنا، فإذا إسحاق جالس في صف الندماء لا يخرج منه، فإذا أمره الواثق أن يغنّي خرج عن صفّهم قليلا وأتي بعود فغنّى الصوت الذي يأمره به؛ فإذا فرغ من القدح قطع الصوت الذي يأمره به حيث بلغ ولم يتمّه، ورجع إلى صفّ الجلساء.
قصته مع إبراهيم بن المهديّ في مجلس الرشيد:
أخبرني محمد بن أحمد بن إسماعيل بن إبراهيم الموصليّ الملقّب بوسواسة قال حدّثني حمّاد قال:
قال لي أبي: كنت عند الرشيد يوما، وعنده ندماؤه وخاصّته وفيهم إبراهيم/ بن المهديّ، فقال لي الرشيد:
يا إسحاق تغنّ:
شربت مدامة وسقيت أخرى ... وراح المنتشون وما انتشيت
فغنّيته؛ فأقبل عليّ إبراهيم بن المهديّ فقال لي: ما أصبت يا إسحاق ولا أحسنت؛ فقلت: ليس هذا مما تحسنه ولا تعرفه، وإن شئت فغنّه، فإن لم أجدك أنك تخطىء فيه منذ ابتدائك إلى انتهائك فدمي حلال. ثم أقبلت على الرشيد فقلت: يا أمير المؤمنين، هذه صناعتي وصناعة أبي، وهي التي قرّبتنا منك واستخدمتنا لك وأوطأتنا بساطك، فإذا نازعناها [6] أحد بلا علم لم نجد بدّا من الإيضاح والذبّ؛ فقال: لا غرو [7] ولا لوم عليك؛ فقام الرشيد ليبول؛ فأقبل إبراهيم بن المهديّ عليّ وقال:/ ويلك يا إسحاق! أتجترىء عليّ وتقول ما قلت يابن الفاعلة!
__________
[1] في الأصول: «إلا بكر».
[2] في الأصول: «فقال لي»، وهو تحريف.
[3] انظر الحاشيتين رقم 2 و3 ص 414 من الجزء الأوّل من طبعة هذا الكتاب.
[4] انظر الحاشية رقم 3 ص 183 من هذا الجزء.
[5] في أ، ء، س: «و دعا بنا».
[6] كذا في ح، م، ء. وفي سائر الأصول: «نازعنا بها».
[7] في أ، ء: «لا عدو». والعدو (وزان غزو): الظلم.
لا يكني؛ فداخلني ما لم أملك نفسي معه؛ فقلت له: أنت تشتمني، وأنا لا أقدر على إجابتك وأنت ابن الخليفة وأخو الخليفة، ولو لا ذلك لكنت أقول لك: يابن الزّانية؛ أو ترى أنّي كنت لا أحسن أن أقول لك: يابن الزانية؛ ولكن قولي في ذمّك ينصرف جميعه إلى خالك الأعلم [1]، ولولاك لذكرت صناعته ومذهبه - قال إسحاق: وكان ببطارا - قال: ثم سكتّ، وعلمت أنّ إبراهيم يشكوني وأن الرشيد سوف يسأل من حضر مما جرى فيخبرونه، فتلافيت ذلك [2]، ثم قلت: أنت تظنّ أنّ الخلافة تصير إليك فلا تزال تهدّدني بذلك وتعاديني كما تعادي سائر أولياء أخيك حسدا له ولولده على الأمر! فأنت تضعف عنه وعنهم وتستخفّ بأوليائهم تشفّيا؛ وأرجو ألّا يخرجها اللّه عن يد الرشيد وولده، وأن يقتلك دونها؛ فإن صارت إليك - وباللّه العياذ - فحرام عليّ العيش يومئذ، والموت أطيب من الحياة معك، فاصنع حينئذ ما بدا لك. قال: فلمّا خرج الرشيد وثب إبراهيم فجلس بين يديه فقال:
يا أمير المؤمنين، شتمني وذكر أمّي واستخفّ بي؛ فغضب وقال: ما تقول؟ ويلك! قلت: لا أعلم، فسل من حضر؛ فأقبل على مسرور [3] وحسين؛ فسألهما عن القصّة؛ فجعلا يخبرانه ووجهه يتربّد [4] إلى أن انتهيا إلى ذكر الخلافة، فسرّي عنه ورجع لونه، وقال لإبراهيم: ماله ذنب، شتمته فعرّفك أنه لا يقدر على جوابك، ارجع إلى موضعك وأمسك عن هذا. فلما انقضى المجلس وانصرف الناس، أمر بألّا أبرح، وخرج كلّ من حضر حتى لم يبق غيري؛ فساء ظنّي وأهمّتني نفسي؛ فأقبل عليّ وقال: ويلك/ يا إسحاق! أتراني لم أفهم قولك ومرادك! قد واللّه زنّيته [5] ثلاث مرات، أتراني لا أعرف وقائعك وأقدامك وأين ذهبت! ويلك! لا تعد؛ حدّثني عنك، لو ضربك إبراهيم، أكنت أقتصّ لك منه فأضربه وهو أخي يا جاهل؟! أتراك لو أمر غلمانه فقتلوك أكنت أقتله بك؟! فقلت:
يا أمير المؤمنين، قد واللّه قتلتني بهذا الكلام، ولئن بلغه ليقتلنّي، وما أشك في أنه قد بلغه الآن؛ فصاح بمسرور الخادم وقال: عليّ بإبراهيم الساعة فأحضر، وقال: قم فانصرف؛ وقلت لجماعة من الخدم، وكلّهم كان لي محبّا وإليّ مائلا ولي مطيعا: أخبروني بما يجري، فأخبروني من غد أنه لمّا دخل وبّخه وجهّله وقال له: أتستخفّ بخادمي وصنيعتي ونديمي وابن نديمي/ وابن خادمي وصنيعتي وصنيعة أبي في مجلسي، وتقدم عليّ وتستخفّ بمجلسي وحضرتي؟ هاه هاه [6].! أتقدم على هذا وأمثاله! وأنت مالك وللغناء، وما يدريك ما هو! ومن أخذك [7] به وطارحك إياه حتى تتوهّم أنك تبلغ مبلغ إسحاق الذي غذي به وعلّمه وهو صناعته! ثم تظن أنك تخطّئه فيما لا تدريه، ويدعوك إلى إقامة الحجة عليك فلا تثبت لذلك وتعتصم بشتمه! أليس هذا مما يدلّ على السقوط وضعف العقل وسوء الأدب من دخولك فيما لا يشبهك وغلبة لذّتك على مروءتك وشرفك ثم إظهارك إياه ولم تحكمه، وادّعائك ما لا تعلمه حتى ينسبك الناس إلى الجهل المفرط! ألا تعلم - ويلك - أنّ هذا سوء أدب وقلّة معرفة وقلة مبالاة بالخطأ والتكذيب والردّ القبيح!. ثم قال: واللّه العظيم وحقّ رسوله، وإلا فأنا نفيّ من المهديّ، لئن أصابه
__________
[1] الأعلم: الذي بشفته العليا أو في جانبيها شق.
[2] عبارة «مختار الأغاني» لابن منظور: «فتلافيت ذلك بأن قلت ... ».
[3] مسرور وحسين: خادمان كانا للرشيد.
[4] تريد وجهه: تغير وتعبس.
[5] زناء (بالتشديد): قذفه ونسبه إلى الزنا.
[6] هاه هاه: تكون حكاية لضحك الضاحك وللوعيد. وتكون أيضا في موضع آه التي للتوجع.
[7] كذا في ح والمختصر. وفي سائر الأصول: «و من أخذ لحنه وطارحك ... إلخ».
أحد بسوء، أو سقط عليه حجر من السماء، أو سقط من على دابّته، أو سقط/ عليه سقفه، أو مات فجأة، لأقتلنّك به؛ واللّه! واللّه! واللّه! فلا تعرض له وأنت أعلم، قم الآن فاخرج؛ فخرج وقد كاد أن يموت. فلما كان بعد ذلك دخلت إليه وإبراهيم عنده، فأعرضت عن إبراهيم؛ وجعل ينظر إليه مرّة وإليّ مرّة ويضحك، ثم قال له: إني لأعلم محبّتك في إسحاق وميلك إليه وإلى الأخذ عنه، وإنّ هذا لا يجيئك من جهته كما تريد إلّا بعد أن يرضى، والرضا لا يكون بمكروه، ولكن أحسن إليه وأكرمه واعرف حقّه وبرّه وصله، فإذا فعلت ذلك ثم خالفك فيما تهواه عاقبته بيد منبسطة ولسان منطلق؛ ثم قال لي: قم إلى مولاك وابن مولاك فقبّل رأسه؛ فقمت إليه وقام إليّ وأصلح الرشيد بيننا.
نسبة الصوت المذكور في هذا الخبر
صوت
أعاذل قد نهيت فما انتهيت ... وقد طال العتاب فما ارعويت
أعاذل ما كبرت وفيّ ملهى ... ولو أدركت غايتك انتهيت
شربت مدامة وسقيت أخرى ... وراح المنتشون وما انتشيت
أبيت معذّبا قلقا كئيبا ... لما ألقاه من ألم وفوت [1]
الغناء لابن محرز ثقيل عن ابن المكّيّ. وفيه رمل بالوسطى.
أرسل إليه الرشيد ذات ليلة فحضر ثم غناه ونادمه:
أخبرني محمد بن مزيد بن أبي الأزهر قال حدّثنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه قال:
أرسل إليّ الرشيد ذات ليلة، فدخلت إليه فإذا هو جالس وبين يديه جارية عليها قميص مورّد وسراويل مورّدة وقناع مورّد كأنها ياقوتة على وردة؛ فلما رآني قال لي: اجلس، فجلست؛ فقال لي: غنّ، فغنّيت:
/تشكّى الكميت الجري لما جهدته ... وبيّن لو يسطيع أن يتكلّما
فقال: لمن هذا اللحن؟ فقلت: لي يا أمير المؤمنين؛ فقال: هات لحن ابن سريج، فغنّيته إياه؛ فطرب وشرب رطلا وسقي الجارية رطلا وسقاني رطلا؛ ثم قال: غنّ، فغنّيته:
صوت
/هاج شوقي بعد ما ... شيّب أصداغي بروق
موهنا [2] والبرق ممّا ... ذا الهوى قدما يشوق
فقال: لمن هذا الصوت؟ فقلت: لي؛ فقال: قد كنت سمعت فيه لحنا آخر؛ فقلت: نعم، لحن ابن محرز؛ قال: هاته، فغنّيته فطرب وشرب رطلا، ثم سقى الجارية رطلا وسقاني رطلا؛ ثم قال: غنّ، فغنّيته:
__________
[1] في هذا الشعر إقواء وهو اختلاف حركة الرويّ.
[2] الموهن، ومثله الوهن: نحو من نصف الليل، وقيل: هو بعد ساعة منه، وقيل: هو حين يدبر الليل.
أفاطم مهلا بعض هذا التدلّل ... وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
فقال لي: ليس هذا اللحن أريد، غنّ رمل ابن سريج؛ فغنّيته وشرب رطلا وسقي الجارية رطلا، ثم قال:
حدّثني، فجعلت أحدّثه بأحاديث القيان والمغنّين طورا، وأحاديث العرب وأيامها وأخبارها تارة، وأنشده أشعار القدماء والمحدثين في خلال ذلك، إذ دخل الفضل بن الرّبيع، فحدّثه حديث ثلاث جوار ملكهنّ ووصفهنّ بالحسن والإحسان والظّرف والأدب؛ فقال له: يا عبّاسيّ، هل تسخو نفسك بهنّ؟ وهل لك من سلوة عنهنّ؟ فقال له: واللّه يا أمير المؤمنين، إني لأسخو بهنّ وبنفسي، فبها فداك اللّه؛ ثم قام فوجّه بهنّ إليه، فغلبن على قلبه، وهنّ سحر وضياء وخنث ذات الخال؛ وفيهنّ يقول:
/إنّ سحرا وضياء وخنث ... هنّ سحر وضياء وخنث
أخذت سحر ولا ذنب لها ... ثلثي قلبي وترباها الثّلث
نزل على عبيد اللّه بن محمد بن عائشة بالبصرة ونادمه:
حدّثني الصّوليّ قال حدّثني ميمون بن هارون عن إسحاق قال:
أتيت عبيد اللّه بن محمد بن عائشة بالبصرة، فلمّا دخلت إليه حصرت؛ فقال لي: إنّ الحصر رائد [1] الحياء، والحياء عقيد الإيمان، فانبسط وأزل الوحشة، فلئن باعدت بيننا الأحساب، لقد قرّبت بيننا الآداب؛ فقلت [له] [2]:
واللّه لقد سررتني بخطابك، وزدتني ببرّك عجزا عن جوابك؛ واللّه درّ القطاميّ حيث يقول:
أمّا قريش فلن تلقاهم أبدا ... إلّا وهم خير من يحفى وينتعل
أهدى له أحمد بن هشام زعفرانا وكتب له شعرا فرد هو عليه بشعر:
أخبرني عليّ بن صالح بن الهيثم قال حدّثني أبو هفّان قال:
وجه أحمد بن هشام إلى إسحاق الموصليّ بزعفران رطب وكتب إليه:
اشرب على الزعفران الرّطب متّكئا ... وانعم نعمت بطول اللّهو والطّرب
فحرمة الكأس بين الناس واجبة ... كحرمة الودّ والأرحام والأدب
قال: فكتب إليه إسحاق:
أذكر أبا جعفر حقّا أمتّ به ... أنّي وإياك مشغوفان بالأدب
وأننا قد رضعنا الكأس درّتها [3] ... والكأس حرمتها أولى من النّسب
ودع الفضل بن يحيى في خروجه إلى خراسان بشعر فوصله:
حدّثنا الصّوليّ قال حدّثني محمد بن موسى عن حمّاد بن إسحاق عن أبيه قال:
__________
[1] كذا صححها الأستاذ الشنقيطي في نسخته. وفي الأصول: «زائد» بالزاي المعجمة.
[2] زيادة عن ب، ح، م.
[3] أصل الدرة: اللبن.
لمّا أراد الفضل بن يحيى الخروج إلى خراسان ودّعته، ثم أنشدته بعد التوديع:
/فراقك مثل فراق الحياة ... وفقدك مثل افتقاد الدّيم
عليك السلام فكم من وفاء ... أفارق فيك وكم من كرم
قال: فضمني إليه، وأمر لي بألف دينار، وقال لي: يا أبا محمد، لو حلّيت هذين البيتين بصنعة/ وأودعتهما من يصلح من الخارجين معنا، لأهديت بذلك إليّ أنسا وأذكرتني بنفسك؛ ففعلت ذلك وطرحته على بعض المغنّين؛ فكان كتابه لا يزال يرد عليّ ومعه ألف دينار يصلني بذلك كلما غنّى بهذا الصوت. قال الصّوليّ: وهو من طريقة الرّمل.
حديثه عما حمله الأصمعي من كتب حين خرجا مع الرشيد إلى الرقة:
أخبرني عمي قال حدّثني عمر بن شبّة عن إسحاق قال:
قال لي الأصمعيّ: لمّا خرجنا مع الرشيد إلى الرّقّة قال لي: هل حملت معك شيئا من كتبك؟ فقلت: نعم، حملت منها ما خفّ حمله؛ فقال: كم؟ فقلت: ثمانية عشر صندوقا؛ فقال: هذا لمّا خفّفت، فلو ثقّلت كم كنت تحمل؟ فقلت: أضعافها؛ فجعل يعجب.
شعر إسحاق في المعتصم حين ولي الخلافة:
أخبرنا إسماعيل بن يونس قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثني إسحاق قال:
لمّا ولي المعتصم دخلت إليه في جملة الجلساء والشعراء؛ فهنّأه القوم نظما ونثرا وهو ينظر إليّ مستنطقا؛ فأنشدته:
صوت
لاح بالمفرق [1] منك القتير [2] ... وذوى غصن الشّباب النّضير
هزئت أسماء منّى وقالت ... أنت يابن الموصليّ كبير
/ ورأت شيبا برأسي [3] فصدّت ... وابن ستّين بشيب جدير
لا يروعنّك شيبي فإنّي ... مع هذا الشّيب حلو مزير [4]
قد يفلّ [5] السيف وهو جراز ... ويصول الليث وهو عقير [6]
يا بني العبّاس أنتم شفاء ... وضياء للقلوب ونور
أنتم أهل الخلافة فينا ... ولكم منبرها والسرير
__________
[1] المفرق (كمقعد ومجلس): وسط الرأس وهو الذي يفرق فيه الشعر.
[2] القتير: الشيب، وقيل: هو أوّل ما يظهر منه.
[3] في «تجريد الأغاني» لابن واصل: «علاني».
[4] المزير: الظريف.
[5] الفل: ثلم ينال حد السيف. والجراز (بالضم): الماضي القطاع.
[6] عقير: مجروح أو مقطوع القوائم.
لا يزال الملك فيكم مدى الدّه ... ر مقيما ما أقام ثبير [1]
وأبو إسحاق خير إمام ... ماله في العالمين نظير
ماله فيما يريش ويبري ... غير توفيق الإله وزير
واضح الغرّة للخير فيه ... حين يبدو شاهد وبشير
زانه هدي تقّى وجلال ... وعفاف ووقار وخير
لو تباري جوده الريح يوما ... نزعت وهي طليح [2] حسير
شعره في المعتصم يوم مقدمه من غزاة:
قال: فأمر لي بجائزة فضّلني بها على الجماعة. ثم دخلت إليه يوم مقدمه من غزاته، فأنشدته قولي فيه:
صوت
لأسماء رسم عفا باللّوى ... أقام رهينا لطول البلى
تعاوره الدهر في صرفه ... بكرّ الجديدين حتى عفا
إذ [3] البين لم تخش روعاته ... ولم يصرف الحيّ صرف الرّدى
/ وإذ ميعة [4] اللهو تجري بنا ... وحبل الوصال متين القوى
فذلك دهر مضى فابكه ... ومن ضاق ذرعا بأمر بكى
وهل يشفينّك من غلّة ... بكاؤك في إثر ما قد مضى
إلى ابن الرشيد إمام الهدى ... بعثنا المطيّ تجوب الفلا
/ إلى ملك حلّ من هاشم ... ذؤابة مجد منيف الذّرى
إذا قيل أيّ فتى هاشم ... وسيّدها كان ذاك الفتى
به نعش اللّه آمالنا ... كما نعش الأرض صوب الحيا
إذا ما نوى فعل أكرومة ... تجاوز من جوده ما نوى
كساه الإله رداء الجمال ... ونور الجلال وهدى التقى
قال: فأمر [5] لي بجائزة، وقال: لست أحسب هذا لك إلا بعد أن تقرن صناعتك فيه بالأخرى (يعني أن أغنّي فيه وفي:
«هزئت أسماء منى»
)؛ فصنعت في:
هزئت أسماء منى .....
__________
[1] ثبير: من جبال مكة بينها وبين عرفة.
[2] طليح: تعب هزيل. وحسير: كليل معي.
[3] في الأصول: «إذا».
[4] ميعة اللهو والشباب والنهار والسكر وكل شي ء: أوله وأصله.
[5] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «قال فأمر له»، وهو تحريف.
لحنا، وفي:
لأسماء رسم عفا بالّلوى
لحنا آخر وغنّيته بهما، فأمر لي بألفي دينار.
نسبة هذين الصوتين
هزئت أسماء منّى وقالت ... أنت يابن الموصليّ كبير
لحن إسحاق في أربعة أبيات متوالية من الشعر ثقيل أوّل بالوسطى. والآخر:
لأسماء رسم عفا باللّوى ... أقام رهينا لطول البلى
الغناء لإسحاق ثاني ثقيل بالوسطى.
غنى أحمد بن عبيد اللّه بن أبي العلاء لحنا له فنظر إليه مخارق شزرا ثم بين له السبب:
أخبرني يحيى بن عليّ قال حدّثني أبي قال حدّثني أحمد بن عبيد اللّه بن أبي العلاء قال: غنّيت يوما بين يدي الواثق لحن إسحاق في:
هزئت أسماء منّى وقالت ... أنت يابن الموصليّ كبير
قال: فنظر إليّ مخارق نظرا شزرا وعضّ شفته عليّ؛ فلما خرجنا من بين يدي الواثق قلت: يا أستاذ، لم نظرت إليّ ذلك النظر؟ أأنكرت عليّ شيئا أم أخطأت في غنائي؟ فقال لي: ويحك! أتدري أيّ صوت غنّيت! إن إسحاق جعل صيحة هذا الصوت بمنزلة طريق ضيّق وعر صعب المرتقى، أحد جانبي ذلك الطريق حرف الجبل، وعن جانبه الآخر الوادي؛ فإن مال مرتقيه عن محجّته إلى جانب الوادي هوى، وإن مال إلى الجانب الآخر نطحه حرف الجبل فتكسّر؛ صر إليّ غدا حتى أصحّحه لك.
بنى لحنه في «هزئت أسماء» على أذان عبد الوهاب المؤذن:
أخبرني عليّ بن سليمان الأخفش قال حدّثنا محمد بن يزيد قال حدّثت من غير وجه:
أن إسحاق بات ليلة عند المعتصم وهو أمير، فسمع لحنا لعبد الوهاب المؤذّن أذّن به على باب المعتصم، فأصغى إليه فأعجبه، فأعاد المبيت ليلة أخرى عنده حتى استقام له اللحن؛ فبنى عليه لحنه:
هزئت أسماء منّى وقالت
فصد إبراهيم بن المهديّ يوما فأرسل هو إليه غلامه بديحا بلحن له يغنيه إياه:
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا يزيد بن محمد المهلّبيّ:
أنّ إبراهيم بن المهديّ فصد يوما، فكتب إليه إسحاق يتعرّف خبره ويدعو له بالسلامة وحسن العقبى، وكتب إليه: إني سأهدي إليك هديّة للفصد حسنة؛ فوجّه إليه بديحا غلامه، فغنّاه لحنه في:
/ هزئت أسماء منّى وقالت
فاستحسنه إبراهيم وقال له: قد قبلنا الهديّة، فإن كان أن لك في طرحه على الجواري فافعل؛ فقال له: بذلك
أمرني، وقال لي: إنك ستقول لي هذا القول، فقال: إن قاله لك فقل له: لو لم آمرك بطرحه لم يكن هديّة؛ فضحك إبراهيم،/ وألقاه بديح على جواريه. وقد ذكر عليّ بن محمد بن نصر هذا الخبر، فذكر أنه كتب [1] إلى أبيه بهذه الهديّة؛ وهذا خطأ، لأن الشعر في تهنئة المعتصم بالخلافة، وإبراهيم الموصليّ مات في حياة الرشيد، فكيف يهدى إليه هذا الصوت!.
غنى محمد بن الحارث بصوت له أمام مخارق فأعجب به:
أخبرنا يحيى بن عليّ قال حدّثني أبي قال حدّثني أحمد بن أبي العلاء [2] قال:
اندفع محمد بن الحارث بن بسخنّر يوما يغنّي هذا الصوت؛ فالتفت إلينا مخارق فقال: خرج [3] ابن الزانية!.
محاورته لعلويه في مجلس الفضل بن الربيع أو علي بن هشام ودفعه ما اتهمه به:
حدّثني عمّي قال حدّثني أبو جعفر محمد بن الدّهقانة النّديم قال حدّثني أحمد بن يحيى المكيّ قال:
دعاني الفضل بن الرّبيع ودعا علّويه ومخارقا، وذلك في أيام المأمون بعد رجوعه ورضاه عنه إلا أنّ حاله كانت ناقصة متضعضعة؛ فلمّا اجتمعنا عنده كتب إلى إسحاق الموصليّ يسأله أن يصير إليه ويعلمه الحال في اجتماعنا عنده؛ فكتب إليهم: لا تنتظروني بالأكل فقد أكلت، وأنا أصير إليكم بعد ساعة؛ فأكلنا وجلسنا نشرب حتى قرب العصر، ثم وافى إسحاق فجلس، وجاء غلامه بقطرميز [4] نبيذ فوضعه/ ناحية، وأمر صاحب الشراب بإسقائه منه، وكان علّويه يغنّي الفضل بن الرّبيع في لحن لسياط اقترحه الفضل عليه وأعجبه، وهو:
فإن تعجبي أو تبصري الدّهر طمّني [5] ... بأحداثه طمّ المقصّص بالجلم [6]
فقد أترك الأصياف تندى رحالهم ... وأكرمهم بالمحض والتّامك السّنم [7]
- ولحنه من الثقيل الثاني - فقال له إسحاق: أخطأت يا أبا الحسن في أداء هذا الصوت، وأنا أصلحه لك؛ فجنّ علّويه واغتاظ وقامت قيامته؛ ثم أقبل على علّويه فقال له: يا حبيبي، ما أردت الوضع منك بما قلته لك، وإنما أردت تهذيبك وتقويمك، لأنك منسوب الصواب والخطأ إلى أبي وإليّ، فإن كرهت ذلك تركتك وقلت لك:
أحسنت وأجملت؛ فقال له علّويه: واللّه ما هذا أردت، ولا أردت إلا ما لا تتركه أبدا من سوء عشرتك! أخبرني عنك حين تجيء هذا الوقت لمّا دعاك الأمير وعرّفك أنه قد نشط للاصطباح: ما حملك على الترفّع عن مباكرته وخدمته مع صنائعه عندك، وما كان ينبغي أن يشغلك عنه شيء إلا الخليفة! ثم تجيئه ومعك قطرميز نبيذ ترفّعا عن شرابه كما ترفّعت عن طعامه ومجالسته إلا كما تشتهي وحين تنشط، كما تفعل الأكفاء، بل تزيد على فعل الأكفاء؛
__________
[1] في الأصول: «فذكر أنك كتبت إلى أبيه بهذه الهدية ... إلخ»، وظاهر أنه تحريف.
[2] ورد هذا الاسم فيما سبق - قبل هذا الخبر بخبرين - : « ... أحمد بن عبيد اللّه بن أبي العلاء».
[3] خرج: نبغ.
[4] القطرميز: قلة كبيرة من الزجاج. قال الشاعر:
أنا لا أرتوي بطاس وكاس ... فاسقنيها بالزق والقطرميز
[5] طمني: غمرني.
[6] الجلم (بالتحريك): الذي يجز به الشعر والصوف، ومثله الجلمان بلفظ التثنية.
[7] المحض: اللبن الخالص بلا رغوة. والتامك: العظيم السنام من الإبل، ومثله السنم.
ثم تعمد إلى صوت قد اشتهاه واقترحه وسمعه جميع من حضر فما عابه منهم أحد فتعيبه ليتمّ تنغيصك إياه لذّته!؛ أما واللّه لو [1] الفضل بن يحيى أو أخوه [2] جعفر دعاك إلى مثل/ ما دعاك إليه الأمير، بل بعض أتباعهم، لبادرت وباكرت وما تأخّرت ولا اعتذرت؛ قال: فأمسك الفضل عن الجواب إعجابا بما خاطب به علّويه إسحاق؛ فقال له إسحاق: أمّا ما ذكرته من تأخّري عنه إلى الوقت الذي حضرت فيه، فهو يعلم أنّي لا أتأخر عنه إلا بعائق قاطع، إن وثق بذلك منّي وإلّا ذكرت له الحجة سرّا من حيث لا يكون لك ولا لغيرك فيه مدخل. وأما ترفّعي عنه، فكيف أترفّع عنه وأنا أنتسب إلى صنائعه وأستمنحه وأعيش من فضله مذ كنت، وهذا تضريب [3] لا أبالي به منك. وأما حملي النبيذ معي، فإنّ لي في النبيذ شرطا من طعمه وريحه،/ وإن لم أجده لم أقدر على الشرب وتنغّص عليّ يومئذ، وإنما حملته ليتمّ نشاطي وينتفع بي. وأما طعني على ما اختاره، فإني لم أطعن على اختياره، وإنما أردت تقويمك، ولست واللّه تراني متتبعا لك بعد هذا اليوم ولا مقوّما شيئا من خطئك؛ وأنا أغنّي له - أعزّه اللّه - هذا الصوت فيعلم وتعلم ويعلم من حضر أنك أخطأت فيه وقصّرت. وأما البرامكة وملازمتي لهم فأشهر من أن أجحده، وإني لحقيق فيه بالمعذرة، وأحرى أن أشكرهم على صنيعهم وبأن أذيعه وأنشره، وذلك واللّه أقلّ ما يستحقّونه منّي.
ثم أقبل على الفضل - وقد غاظه مدحه لهم - فقال: اسمع منّي شيئا أخبرك به مما فعلوه ليس هو بكبير في صنائعهم عندي ولا عند أبي قبلي، فإن وجدت لي عذرا وإلا فلم: كنت في ابتداء أمري نازلا مع أبي في داره، فكان لا يزال يجري بين غلماني وغلمانه وجواريّ وجواريه الخصومة، كما تجري بين هذه الطبقات، فيشكونهم إليه، فأتبيّن الضّجر والتنكّر في وجهه؛ فاستأجرت دارا بقربه وانتقلت إليها أنا وغلماني وجواريّ، وكانت دارا واسعة، فلم أرض ما معي من الآلة لها ولا لمن يدخل إليّ من إخواني أن يروا مثله عندي؛ ففكرت في ذلك وكيف/ أصنع، وزاد فكري حتى خطر بقلبي قبح الأحدوثة من نزول مثلي في دار بأجرة، وأني لا آمن في وقت أن يستأذن عليّ [صاحب داري] [4]، وعندي من أحتشمه ولا يعلم حالي، فيقال صاحب دارك، أو يوجّه في وقت فيطلب أجرة الدار وعندي من أحتشمه؛ فضاق بذلك صدري ضيقا شديدا حتى جاوز الحدّ؛ فأمرت غلامي بأن يسرج لي حمارا كان عندي لأمضي إلى الصحراء أتفرّج فيها مما دخل على قلبي، فأسرجه وركبت برداء ونعل؛ فأفضى بي المسير وأنا مفكر لا أميز الطريق التي أسلك فيها حتى هجم بي على باب يحيى بن خالد؛ فتواثب غلمانه إليّ؛ وقالوا: أين هذا الطريق؟
فقلت: إلى الوزير؛ فدخلوا فاستأذنوا لي؛ وخرج الحاجب فأمرني بالدخول، وبقيت خجلا، قد وقعت في أمرين فاضحين: إن دخلت إليه برداء ونعل وأعلمته أنّي قصدته في تلك الحال كان سوء أدب، وإن قلت له: كنت مجتازا ولم أقصدك فجعلتك طريقا كان قبيحا؛ ثم عزمت فدخلت؛ فلمّا رآني تبسّم وقال: ما هذا الزّيّ يا أبا محمد! احتبسنا لك بالبر والقصد والتفقّد ثم علمنا أنك جعلتنا طريقا؛ فقلت: لا واللّه يا سيّدي، ولكني أصدقك؛ قال:
هات؛ فأخبرته القصّة من أوّلها إلى آخرها؛ فقال: هذا حقّ مستو، أفهذا شغل قلبك؟ قلت: إي واللّه! وزاد فقال:
لا تشغل قلبك بهذا، يا غلام، ردّوا حماره وهاتوا له خلعة؛ فجاءوني بخلعة تامّة من ثيابه فلبستها، ودعا بالطعام فأكلت ووضع النبيذ فشربت وشرب فغنّيته، ودعا في وسط ذلك بدواة ورقعة وكتب أربع رقاع ظننت بعضها توقيعا
__________
[1] كذا في ح و«مختار الأغاني» لابن منظور (ص 147). وفي سائر الأصول: «لو لا الفضل»، وهو تحريف.
[2] كذا في «مختار الأغاني» لابن منظور. وفي الأصول: «الفضل بن يحيى وأخوه ... إلخ» بالواو، ولا تستقيم بها العبارة.
[3] التضريب: الإغراء بين القوم.
[4] التكملة عن «مختار الأغاني».
لي بجائزة، فإذا هو قد دعا بعض وكلائه فدفع إليه الرّقاع وسارّه بشيء، فزاد طمعي في الجائزة؛ ومضى الرجل وجلسنا نشرب وأنا أنتظر شيئا فلا أراه إلى العتمة؛ ثم اتّكأ يحيى فنام، فقمت وأنا منكسر خائب فخرجت وقدّم لي/ حماري؛ فلمّا تجاوزت الدار قال لي غلامي: إلى أين تمضي؟ قلت: إلى البيت؛ قال: قد واللّه بيعت دارك، وأشهد على/ صاحبها، وابتيع الدّرب كلّه ووزن ثمنه، والمشتري جالس على بابك ينتظرك ليعرّفك، وأظنه اشترى ذلك للسلطان، لأني رأيت الأمر في استعجاله واستحثاثه أمرا سلطانيا؛ فوقعت من ذلك فيما لم يكن في حسابي، وجئت وأنا لا أدري ما أعمل؛ فلمّا نزلت على باب داري إذا أنا بالوكيل الذي سارّه يحيى قد قام إليّ فقال لي:
ادخل - أيّدك اللّه - دارك حتى أدخل إلى مخاطبتك في أمر أحتاج إليك فيه؛ فطابت نفسي بذلك، ودخلت ودخل إليّ فأقر أني توقيع يحيى: «يطلق لأبي محمد إسحاق مائة ألف درهم يبتاع له بها داره وجميع ما يجاورها ويلاصقها».
والتوقيع الثاني إلى ابنه الفضل: «قد أمرت لأبي محمد إسحاق بمائة ألف درهم يبتاع له بها داره، فأطلق إليه مثلها لينفقها على إصلاح الدار كما يريد وبنائها على ما يشتهي». والتوقيع الثالث إلى جعفر: «قد أمرت لأبي محمد إسحاق بمائة ألف درهم يبتاع له بها منزل يسكنه، وأمر له أخوك بدفع مائة ألف [درهم] [1] ينفقها على بنائها ومرمّتها على ما يريد، فأطلق له أنت مائة ألف درهم يبتاع بها فرشا لمنزله». والتوقيع الرابع إلى محمد: «قد أمرت لأبي محمد إسحاق أنا وأخواك بثلاثمائة ألف درهم لمنزل يبتاعه ونفقة ينفقها عليه وفرش يبتذله، فمر له أنت بمائة ألف درهم يصرفها في سائر نفقته». وقال الوكيل: قد حملت المال واشتريت كل شيء جاورك بسبعين ألف درهم، وهذه كتب الابتياعات باسمي والإقرار لك، وهذا المال بورك لك فيه فاقبضه؛ فقبضته وأصبحت أحسن حالا من أبي في منزلي وفرشي وآلتي؛ ولا واللّه ما هذا بأكبر شيء فعلوه لي، أفألام على شكر هؤلاء! فبكى/ الفضل بن الربيع وكل من حضر [2]، وقالوا: لا واللّه لا تلام على شكر هؤلاء. ثم قال الفضل: بحياتي غنّ الصوت ولا تبخل على أبي الحسن بأن تقوّمه له؛ فقال: أفعل؛ وغنّاه، فتبيّن علّويه أنه كما قال، فقام فقبّل رأسه وقال: أنت أستاذنا وابن أستاذنا وأولى بتقويمنا واحتمالنا من كل أحد؛ وردّه [3] إسحاق مرّات حتى استوى لعلّويه.
ولقد روي في هذا الخبر بعينه أن هذه القصّة كانت عند عليّ بن هشام، وقد أخبرني بهذا الخبر أحمد بن جعفر جحظة قال حدّثني ميمون بن هارون وأبو عبد اللّه الهاشميّ قالا:
دعا عليّ بن هشام إسحاق الموصليّ وسأله أن يصطبح عنده ويبكّر فأجابه؛ فلمّا كان الغد وافاه ظهرا وعنده مخارق وعلّويه؛ فقال له عليّ بن هشام: أين كنت الساعة يا أبا محمد؟ قال: عاقني أمر لم أجد من القيام به بدّا؛ فدعا له بطعام فأصاب منه، ثم قعدوا على نبيذهم، وتغنّى علّويه صوتا، الشعر فيه لابن ياسين، وهو:
صوت
إلهي منحت الودّ منّي بخيلة ... وأنت على تغيير ذاك قدير
شفاء الهوى بثّ الهوى واشتكاؤه ... وإنّ امرأ أخفى الهوى لصبور
- الغناء لسليمان أخي أحيحة، خفيف ثقيل أوّل بالبنصر عن عمرو - فقال له إسحاق: أخطأت ويلك! فوضع
__________
[1] الزيادة عن م، و «مختار الأغاني» لابن منظور.
[2] كذا في «مختار الأغاني». وفي الأصول: «حضره» بزيادة الهاء.
[3] رده: أعاده مثل ردّده.
علّويه العود وشرب رطلا وشرب عليّ بن هشام؛ ثم تناول العود وغنّى:
صوت
ولقد أسمو إلى غرف ... في طريق موحش جدده [1]
حوله الأحراس تحرسه ... ولديه جاثما أسده
- الغناء لمعبد ثقيل أوّل بالوسطى عن عمرو - فقال له إسحاق: أخطأت ويلك! فوضع العود من يده ثم أقبل على إسحاق فقال له: دعاك الأمير - أعزّه اللّه - لتبكّر إليه، فجئته ظهرا، وغنّيت صوتين يشتهيهما الأمير - أعزّه اللّه - عليّ فخطّأتني فيهما، وزعمت أنك لا تغنّي بين يدي الأمير - أعزّه اللّه - ولا تغنّي إلا بين يدي خليفة أو وليّ عهد، ولو دعاك بعض البرامكة لكنت تسرع إليه ثم تغنّى منذ غدوة إلى الليل!؛ فقال إسحاق: إني واللّه ما أردت انتقاصا منك، ولا أقول مثله لغيرك ولا أريد ازدراء من أحد، ولكني أردت بك خاصّة التقويم والتأديب؛ فإن ساءك ذلك تركتك في خطئك. ثم أقبل على عليّ بن هشام، فقال له: أعزّك اللّه، إني أحدّثك عن البرامكة بما يقيم عذري فيما ذكره: دخلت على يحيى بن خالد يوما، ولم أكن أردت الدخول عليه، وإنما ركبت متبذّلا [2] لهمّ أهّمني، وكنت نازلا مع أبي في داره، فضقت صدرا بذلك وأحببت النّقلة عنه، ونظرت فإذا يدي تقصر عما يصلحني؛ ثم ذكر الخبر نحوا مما قلته. وزاد فيه: أنه دخل إلى يحيى بن خالد وهو مصطبح، فلما رآه نعر [3] وصفّق، وأنه وقّع له بمائتي ألف درهم، ووقّع له كلّ من جعفر والفضل بمائة وخمسين ألفا، وكلّ واحد من موسى ومحمد بمائة ألف مائة ألف. وقال فيه: فبكى عليّ بن هشام ومن حضر، وقالوا:/ لا يرى واللّه مثل هؤلاء أبدا؛ وأخذ إسحاق العود فغنّى الصوتين فأتى فيهما بالعجائب؛ فقام علّويه فقبّل رأسه وقال له: أنت أستاذنا وابن أستاذنا، وما بنا عن تقويمك غنّى؛ ثم غنّى بعد ذلك لحنه: «تشكّى الكميت الجري»، ولم يزل يغنّي بقيّة يومه كلّما شرب عليّ بن هشام؛ ثم انصرف فأتبعه عليّ بن هشام بجائزة سنيّة.
قال عبد اللّه بن العباس الربيعي: إنه لا يقاربه في الصنعة أحد:
حدّثني الصّوليّ قال حدّثنا عون بن محمد قال حدّثني عبد اللّه بن العبّاس الرّبيعيّ قال:
أحضرني إسحاق بن إبراهيم بن مصعب، فلمّا جلست واطمأننت، أخرج إليّ خادمه رقعة، فقال: اقرأ ما فيها واعمل بما رسمه الأمير أعزّه اللّه؛ فقرأتها فإذا فيها قوله:
صوت
يرتاح للدّجن [4] قلبي وهو مقتسم ... بين الهموم ارتياح الأرض للمطر
إني جعلت لهذا الدّجن نحلته [5] ... ألّا يزول ولي في اللهو من وطر
__________
[1] جدده (بضم ففتح): معالمه، واحده جدّة.
[2] التبذل: ترك التزين والتهيؤ بالهيئة الحسنة الجميلة على جهة التواضع.
[3] نعر: صاح وصوّت.
[4] الدجن: إلباس الغيم الأرض، وقيل: إلباسه أقطار السماء.
[5] النحلة: المذهب والنوع، يعني أنه جعل لهذا الدجن ما يناسبه من الشراب واللهو، وكان من عادتهم أنهم يستحسنون ذلك إذا أدجن اليوم.
وتحت هذين البيتين: «تقدّم - جعلت فداك - إلى من بخصرتك من المغنّين بأن يغنّوا في هذين البيتين، وألق جميع ما يصنعونه على فلانة؛ فإذا أخذته فأنفذها إليّ مع رسولي»؛ فقلت: السمع والطاعة لأمر الأمير أعزّه اللّه، فهل صنع فيهما أحد قبلي؟ فقال: نعم، إسحاق الموصليّ؛ فقلت: واللّه لو كلّف إبليس أن يصنع فيهما صنعة يفضل إسحاق فيها بل يساويه بل يقاربه، ما قدر على ذلك ولا بلغ مبلغه؛ فضحك حتى استلقى، وقال: صدقت واللّه! وهكذا يقول من/ يعقل لا كما يقول/ هؤلاء الحمقى، ولكن اصنع فيهما على كل حال كما أمر؛ فقلت: أفعل وقد برئت من العهدة؛ فانصرفت فصنعت فيهما صنعة كانت واللّه عند صنعة إسحاق بمنزلة غناء القرّادين.
أخبره أحد الخلفاء بظهور الشيب فيه فبكى وقال في ذلك شعرا وغنى فيه:
حدّثني جحظة قال حدّثني ميمون قال حدّثني إسحاق الموصليّ قال:
قال لي المعتصم أو قال لي الواثق: لقد ضحك الشّيب في عارضيك؛ فقلت: نعم يا سيّدي، وبكيت؛ ثم قلت أبياتا في الوقت وغنّيت فيها:
تولّى شبابك إلا قليلا ... وحلّ المشيب فصبرا جميلا
كفى حزنا بفراق الصّبا ... وإن أصبح الشيب منه بديلا
ولمّا رأى الغانيات المشي ... ب أغضين دونك طرفا كليلا
سأندب عهدا مضى للصّبا ... وأبكي الشباب بكاء طويلا
فبكى الواثق وحزن وقال: واللّه لو قدرت على ردّ شبابك لفعلت بشطر ملكي؛ فلم يكن لكلامه عندي جواب إلا تقبيل البساط بين يديه.
جهد المغنون أن يأخذوا لحنا له فلم يستطيعوا أن يفوا به:
أخبرني محمد بن مزيد قال حدّثنا حمّاد بن إسحاق قال حدّثني حمدون بن إسماعيل قال: لمّا صنع أبوك لحنه في:
قف بالديار التي عفا القدم ... وغيّرتها الأرواح [1] والدّيم
رأيتهم (يعني المغنّين) يأخذونه عنه ويجهدون فيه؛ فتوفّي واللّه وما أخذوا منه إلا رسمه.
نسبة هذا الصوت
صوت
قف بالديار التي عفا القدم ... وغيّرتها الأرواح والدّيم
لمّا وقفنا بها نسائلها ... فاضت من القوم أعين سجم [2]
__________
[1] الأرواح: جمع ريح كالأرياح والرياح.
[2] سجم: جمع سجوم، يقال: سجمت العين الدمع (من بابي ضرب وقعد): أسالته قليلا كان أو كثيرا، فالعين ساجمة وسجوم.
ويقال: سجم الدمع (من باب قعد): سال، فالفعل لازم متعد.
ذكرا لعيش مضى إذا ذكروا ... ما فات منه فإنه سقم
وكل عيش دامت غضارته ... منقطع مرّة ومنصرم
الشعر والغناء لإسحاق، ثقيل أوّل بالوسطى من جميع أغانيه.
حدّثني أبو أيّوب المدينيّ قال حدّثني هارون اليتيم قال حدّثني عجيف بن عنبسة قال:
كنت عند أمير المؤمنين المعتصم وعنده إسحاق الموصليّ، فغنّاه:
قل لمن صدّ عاتبا ... ونأى عنك جانبا
فأمره بإعادته، فأعاده ثلاثا، وشرب عليه ثلاثا، فقال له إبراهيم بن المهديّ: قد استحسنت هذا الصوت يا أمير المؤمنين، أفنأخذه؟ قال: نعم، خذوه فقد أعجبني؛ فاجتمع جماعة المغنّين: مخارق وعلّويه وعمرو بن بانة وغيرهم، فأمره المعتصم أن يلقيه عليهم حتى يأخذوه؛ فقال عجيف: فعددت خمسين مرّة قد أعاده فيها عليهم وهم يظنّون أنهم قد أخذوه ولم يكونوا أخذوه. قال هارون: فنحن في هذا الحديث إذ دخل علينا محمد بن الحارث بن بسخنّر، فقال له عجيف: يا أبا جعفر، كنت أحدّث أبا موسى بحديثنا البارحة مع إسحاق في الصوت/ وأنّي عددت خمسين مرة؛/ فقال محمد: إي واللّه! - أصلحك اللّه - ولقد عددت أنا أكثر من سبعين مرّة وما في القوم أحد إلا وهو يظن أنه قد أخذه، واللّه ما أخذه أحد منهم وأنا أوّلهم ما قدرت - علم اللّه - على أخذه على الصحة وأنا أسرعهم أخذا، فلا أدري: ألكثرة زوائده فيه أم لشدّة صعوبته؛ ومن يقدر أن يأخذ من ذلك الشيطان شيئا!. أخبرني محمد بن مزيد قال حدّثنا حمّاد بن إسحاق قال حدّثني عجيف بن عنبسة بهذا الخبر فذكر مثله سواء.
مر على المعتصم شعر أعجبه وزنه دون معناه فصاغ هو فيه معنى أعجبه فأجازه:
قال أبو أيّوب وحدّثني حمّاد عن أبيه قال:
كنت يوما عند المعتصم، فمرّ شعر على هذا الوزن فقال: وددت أنه على غير ما هو؛ فقلت له: أنا لك به على هذا الوزن في أحسن من هذا الشعر:
صوت
قل لمن صدّ عاتبا ... ونأى عنك جانبا
قد بلغت الذي أرد ... ت وإن كنت لاعبا
فأعجبه، وقال لي: قد واللّه أحسنت! وأمر لي بألفي دينار، وو اللّه ما كانت قيمتهما عندي دانقين [1].
الشعر والغناء في هذين البيتين لإسحاق، ثاني ثقيل بالسبّابة في مجرى الوسطى.
غضب عليه الأمين فتشفع إليه بالفضل بن الربيع ثم دخل عليه بالأنبار وغناه فأطربه فأجازه:
أخبرني يحيى بن عليّ قال حدّثني أبو أيّوب المدينيّ قال حدّثني ابن المكّيّ عن إسحاق قال:
__________
[1] الدانق: سدس الدرهم معرب «دانك» بالفارسية.
غضب عليّ المخلوع [1] فأقصاني وجفاني، فاشتدّ ذلك عليّ - قال: وجفاني وهو يومئذ بالأنبار - فحملت عليه بالفضل بن الربيع، فطلب إليه فشفّعه المخلوع ودعاني/ وهو مصطبح، فلم أزل متوقّفا وقد لبست قباء وخفّا أحمر واعتصبت بعصابة صفراء وشددت وسطي بشقّة حمراء من حرير، فلما أخذوا [2] في الأهزاج دخلت وفي يديّ صفّاقتان وأنا أتغنّى:
صوت
اسمع لصوت طريب [3] ... من صنعة الأنباري [4]
صوت مليح خفيف ... يطير في الأوتار
- الشعر والغناء لإسحاق، هزج بالبنصر - فسرّ بذلك محمد، وكان صوتهم في يومهم ذلك، وأمر لي بثلاثمائة ألف درهم. وأخبرني جحظة بهذا الخبر عن محمد بن أحمد بن يحيى المكّيّ قال حدّثني أبي أن إسحاق حدّثه بهذا الخبر، وذكر مثل ما ذكره يحيى؛ وزاد فيه قال: وكان سبب تسمية محمد لي ب «الأنباري» أني دخلت عليه يوما وقد لثت [5] عمامتي على رأسي لوثا غير مستحسن، فقال لي: يا إسحاق، كأنّ عمامتك من عمائم أهل الأنبار.
أنشد الأصمعي شعرا له فأعجب به فلما علم أنه له غير رأيه فيه:
أخبرنا محمد بن العباس اليزيديّ قال حدّثني عمّي الفضل عن إسحاق، وأخبرني عليّ بن سليمان الأخفش قال حدّثني عمّي الفضل عن إسحاق، وأخبرنا يحيى بن عليّ بن يحيى قال حدّثني أبي:
قال إسحاق: قلت في ليلة من الليالي:
صوت
هل إلى نظرة إليك سبيل ... يرو [6] الصّدى ويشفى الغليل
إنّ ما قلّ منك يكثر عندي ... وكثير ممن تحبّ القليل
قال: فلمّا أصبحت أنشدتهما الأصمعيّ، فقال: هذا الدّيباج الخسروانيّ [7]، هذا الوشي/ الإسكندرانيّ، لمن هذا؟ فقلت له: إنه ابن ليلته؛ فتبيّنت الحسد في وجهه، وقال: أفسدته! أفسدته! أما إنّ التوليد فيه لبيّن. في هذين البيتين لإسحاق خفيف ثقيل بالبنصر.
__________
[1] المخلوع: هو محمد الأمين الخليفة ابن هارون الرشيد.
[2] في أ، ء، م: «فلما دخلوا».
[3] في ح: «ظريف».
[4] كذا في ح. والأنباري: نسبة إلى الأنبار، وهي مدينة على الفرات في غربي بغداد بينهما عشرة فراسخ. وفي سائر الأصول:
« ... الأنبار» بدون ياء النسبة، وهو تحريف.
[5] لاث العمامة على رأسه يلوثها لوثا: لفها وعصبها.
[6] جزم الفعل هنا لضرورة الشعر.
[7] الخسرواني: نوع من الثياب منسوب إلى خسرو شاه من الأكاسرة.
كان يعجب بمعنى ويرى أنه ما سبق إليه فلما أنشد له هذا المعنى لأعرابي حلف أنه ما سمعه:
أخبرني جعفر بن قدامة قال حدّثني عليّ بن يحيى قال حدّثني إسحاق بهذا الخبر، فذكر مثل ما ذكره من قدّمت الرواية عنه، وزاد فيه: فقال لي عليّ بن يحيى بعقب هذا الخبر: كان إسحاق يعجب بهذا المعنى ويكرره في شعره، ويرى أنه ما سبق إليه؛ فمن ذلك قوله:
صوت
أيّها الظّبي الغرير ... هل لنا منك مجير
إنّ ما نوّلتني من ... ك وإن قلّ كثير
- لحن إسحاق خفيف ثقيل بالوسطى - فقلت: إنك قد سبقت إلى هذا المعنى، فقال: ما علمت أنّ أحدا سبقني إليه؛ فأنشدته لأعرابيّ من بني عقيل:
قفي ودّعينا يا مليح بنظرة ... فقد حان منّا يا مليح رحيل
/ أليس قليلا نظرة إن نظرتها ... إليك وكلّا ليس منك قليل
عقيليّة أمّا ملاث [1] إزارها ... فوعث وأما خصرها فضئيل
صوت
أيا جنّة الدنيا ويا غاية المنى ... ويا سؤل نفسي هل إليك سبيل
أراجعة نفسي إليّ فأغتدي ... مع الرّكب لم يقتل عليك قتيل
فما كلّ يوم لي بأرضك حاجة ... ولا كلّ يوم لي إليك رسول
قال: فحلف أنه ما سمع بذلك قطّ. قال عليّ بن يحيى: وصدق، ما سمع بها. الغناء في الأبيات الأخيرة من أبيات العقيليّ.
عاتبه إبراهيم بن المهدي في ترك المجيء له فكان بينهما حوار لطيف:
حدّثني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الحسين [2] بن محمد بن أبي طالب الدّيناريّ بمكة قال حدّثني إسحاق بن إبراهيم الموصليّ قال:
عاتبني إبراهيم بن المهديّ في ترك المجيء إليه، فقال لي: من جمع لك مع المودّة الصادقة رأيا حازما،
__________
[1] ملاث الشي ء: الموضع الذي يدار فيه ذلك الشيء ويلف. وملاث الإزار: ما دون الخصر أي العجز وما تحته. ووعث: لين، يقال:
امرأة وعثة، ووعثة الأرداف، كأن الأصابع تسوخ فيها من لينها وكثرة لحمها.
[2] كذا في ح. وفي سائر الأصول هنا: «الحسن»، ولعل هذا تحريف، إذ سيأتي في جميع الأصول: «الحسين بن طالب». والظاهر من مقارنة الأسانيد بعضها ببعض في عدة أخبار هنا أن «الحسين بن طالب» هو «الحسين بن محمد بن أبي طالب الديناري». على أنه يبقى من بعد ذلك: أجدّه «طالب» أم «أبو طالب».
فاجمع له مع المحبة الخالصة طاعة لازمة؛ فقلت له: جعلني اللّه فداك، إذا ثبتت الأصول في القلوب، نطقت الألسن بالفروع، واللّه يعلم أنّ قلبي لك شاكر، ولساني بالثناء عليك ناثر [1]؛ وما يظهر الودّ المستقيم، إلا من القلب/ السليم؛ قال: فأبرىء ساحتك عندي بكثرة مجيئك إليّ؛ فقلت: أجعل مجيئي إليك في الليل والنهار نوبا أتيقّظ لها كتيقّظي للصلوات الخمس، وأكون بعد ذلك مقصّرا؛ فضحك وقال: من يقدر على جواب المغنّنين!؛ فقلت:
من اتخذ الغناء لنفسه ولم يتخذه لغيره؛ فضحك أيضا، وأمر لي بخلع ودنانير وبرذون وخادم. وبلغ الخبر المعتصم، فضاعف لإبراهيم ما أعطاني، فرحت وقد ربحت وأربحت.
عتب عليه الفضل بن الربيع فكتب إليه:
حدّثنا الحرميّ قال حدّثنا الدّيناريّ قال حدّثني إسحاق قال:
عتب عليّ الفضل بن الرّبيع في شيء بلغه عنّي؛ فكتبت إليه: «إنّ لكل ذنب عفوا وعقوبة؛ فذنوب الخاصة عندك مستورة مغفورة، فأمّا مثلي من العامّة فذنبه لا يغفر، وكسره لا يجبر؛ فإن كنت لا بدّ معاقبي فإعراض لا يؤدّي إلى مقت».
جواب الأعرابيّ الذي كان عنده للفضل بن الربيع حين سأله عما كانوا فيه:
/ حدّثني الحرميّ قال حدّثنا الدّيناريّ قال حدّثني إسحاق قال:
كان يختلف إليّ رجل من الأعراب، وكان الفضل بن الربيع يقرّ به ويستظرف كلامه، وكان عندي يوما وجاء رسول الفضل يطلبه فمضى إليه؛ فقال له الفضل: فيم كنتم؟ قال: كنا في قدر تفور، وكأس تدور، وغناء يصور [2]، وحديث لا يحور [3].
كان يصنع الشعر وينحله الأعراب:
حدّثنا الحرميّ قال حدّثنا الحسين بن طالب [4] قال:
كان إسحاق يقول الشعر على ألسن الأعراب، وينشده للأعراب، وكان يعايي بذلك أصحابه ويغرب عليهم به؛ فمن ذلك ما أنشدنيه لأعرابيّ:
/لفظ الخدور عليك حورا عينا ... أنسين ما جمع الكناس قطينا [5]
فإذا بسمن فعن كمثل غمامة ... أو أقحوان الرمل بات معينا [6]
__________
[1] في أ، ء، م: «ناطق».
[2] يصور: يصوت.
[3] لا يحور: لا يرجع، يريد أنه دائما مجدّد طلى غير معاد. وفي م: «لا يجور» بالجيم.
[4] تراجع الحاشية رقم 2 من الصفحة السالفة.
[5] لفظ: أخرج. والقطين: اسم جمع لقاطن، وهو من قطن بالمكان إذا أقام به وتوطنه.
[6] معين: ريان، يقال: معن الموضع والنبت (بكسر العين في الماضي وفتحها في المضارع) إذا روى من الماء. ويقال: معن المطر الأرض إذا تتابع عليها فأرواها. فيحتمل هنا أن يكون «معين» فعيلا بمعنى فاعل على المعنى الأوّل، وأن يكون فعيلا بمعنى مفعول على المعنى الثاني، أي تتابع عليه المطر فأرواه.
وأصحّ من رأت العيون محاجرا ... ولهنّ أمرض ما رأيت عيونا
وكأنما تلك الوجوه أهلّة ... أقمرن [1] بين العشر والعشرينا
وكأنهنّ إذا نهضن لحاجة ... ينهضن بالعقدات [2] من يبرينا
قال: وأنشدني أيضا مما كان ينسبه إلى الأعراب وهو له:
ومكحولة العينين من غير ما كحل ... مهفهفة الكشحين ذات شوى [3] خدل
منعّمة الأطراف مفعمة البرى [4] ... روادفها تحكي الدّهاس [5] من الرمل
صيود لألباب الرجال، متى رنت [6] ... إلى ذي نهى جلد القوى وافر العقل
تخلّى النّهى عنه وحالفه الصّبا ... وأسلمه الرأي الأصيل إلى الجهل
/ شبيبة [7] كثبان يروقك تحتها ... عنا قيد كرم جادها غدق الوبل
رمتني فحلّت نائطيّ [8] ولم تصب ... لها نائطي قلب ولا مقتلا نبلي
أنشد الرشيد شعرا له فأعجبه وأجازه:
حدّثني عليّ بن سليمان الأخفش قال حدّثنا محمد بن يزيد المبرّد قال حدّثت عن الأصمعيّ قال:
دخلت أنا وإسحاق الموصليّ يوما على الرشيد فرأيناه لقس [9] النّفس؛ فأنشده إسحاق يقول:
صوت
وآمرة بالبخل قلت لها اقصري ... فذلك شيء ما إليه سبيل [10]
أرى الناس خلّان الكرام ولا أرى ... بخيلا له حتّى الممات خليل
وإني رأيت البخل يزري بأهله ... فأكرمت نفسي أن يقال بخيل
__________
[1] أقمر الهلال: صار قمرا.
[2] العقدات: جمع عقدة (بفتح فكسر وبالتحريك لغة) وهي ما تراكم من الرمل وتعقد. ويبرين: من أصقاع البحرين، وهناك الرمل المعروف بالكثرة. والظاهر أنه يريد أن يصف أعجازهن بالضخامة حتى كأنهن إذا نهضن ينهضن بكثبان يبرين. يشبه أعجازهن بالكثبان. وفي الأصول: «بالعقرات» بالراء المهملة، وهو تحريف.
[3] الشوى: الأطراف. وخدل (بالخاء المعجمة والدال المهملة): ممتلىء ضخم، أي هي ممتلئة الذراعين والساقين. وفي الأصول:
«جدل» بالجيم، والتصويب للأستاذ الشنقيطي في نسخته.
[4] البري: جمع برة، وهي الحلقة سوارا كانت أو خلخالا أو قرطا. يصف ذراعيها وساقيها بالامتلاء.
[5] الدهاس (بالفتح): المكان اللين السهل الذي تغيب فيه القوائم للينه. أي إن روادفها ضخمة في لبن. ويقال: امرأة دهاس، أي عظيمة العجيزة.
[6] في ح: «إذا رتت».
[7] كذا في أكثر الأصول. وفي أ، ء، م: «شنيبة» بالنون قبل الياء، وهو على كلتا الروايتين غير واضح.
[8] النائط: العرق المستبطن الصلب تحت المتن.
[9] كذا في ح. ولقست نفسه (من باب فرح): غثت وخبئت. وفي سائر الأصول: «لقيس النفس»، وهو تحريف.
[10] وردت هذه الأبيات في «أمالي القالي» (ج 1 ص 31 طبع دار الكتب المصرية) مع اختلاف في بعض الكلمات.
ومن خير حالات الفتى لو علمته ... إذا نال خيرا أن يكون ينيل
فعالى فعال المكثرين تجمّلا ... ومالي كما قد تعلمين قليل
وكيف أخاف الفقر أو أحرم الغنى ... ورأي أمير المؤمنين جميل
قال: فقال الرشيد: لا تخف إن شاء اللّه؛ ثم قال: للّه درّ أبيات تأتينا بها؛ ما أشدّ أصولها، وأحسن فصولها، وأقلّ فضولها! وأمر له بخمسين ألف درهم؛ فقال له إسحاق: وصفك واللّه يا أمير المؤمنين لشعري أحسن منه، فعلام آخذ الجائزة! فضحك الرشيد وقال: اجعلوها لهذا القول مائة ألف درهم. قال الأصمعيّ:/ فعلمت يومئذ أنّ إسحاق أحذق بصيد الدراهم/ منّي. وأخبرني بهذا الخبر جعفر بن قدامة عن حمّاد عن أبيه، وأخبرنا به يحيى بن عليّ عن أبيه عن إسحاق فذكر معنى الخبر قريبا مما ذكره الأصمعيّ والألفاظ تختلف.
دخل على الفضل بن الربيع ابن ابنه فقال هو فيه شعرا سره، وقيل: بل قاله الفضل بن يحيى في ابنه:
أخبرنا إسماعيل بن يونس قال حدّثنا عمر بن شبّة عن إسحاق، وأخبرني به جعفر بن قدامة ووكيع عن حمّاد عن أبيه قال:
كنت عند الفضل بن الرّبيع يوما، فدخل إليه ابن ابنه عبد اللّه بن العبّاس بن الفضل وهو طفل، وكان يرقّ عليه لأن أباه مات في حياته، فأجلسه في حجره وضمّه إليه ودمعت عليناه؛ فأنشأت أقول:
صوت
مدّ لك اللّه الحياة مدّا ... حتى يكون ابنك هذا جدّا
مؤزّرا بمجده مردّى [1] ... ثم يفدّى مثل ما تفدّى
أشبه منك سنّة وخدّا [2] ... وشيما مرضيّة ومجدا
كأنه أنت إذا تبدّى ... شمائلا محمودة وقدّا
قال: فتبسّم الفضل وقال: أمتعني اللّه بك يا أبا محمد، فقد عوّضت من الحزن سرورا وتسلّيت بقولك، وكذلك يكون إن شاء اللّه. قال جعفر بن قدامة: وحدّثني بهذا الحديث عليّ بن يحيى، فذكر أن إسحاق قال هذه الأبيات للفضل بن يحيى وقد دخل عليه وفي حجره ابن له.
/ غنّى في هذه الأبيات أبو عيسى بن المتوكّل لحنا من الرّمل، يقال: إنه صنعه وقد ولد للمعتمد ولد ثم غنّى به. وأخبرني ذكاء وجه الرزّة عن بدعة الكبيرة: أنّ الرمل لعريب، وأنّ لحن أبي عيسى خفيف رمل.
دخل على الفضل بن الربيع عائدا وقال فيه شعرا عمرّ الفضل به:
حدّثني عمّي قال حدّثني الفضل بن محمد اليزيديّ عن إسحاق قال:
أتيت الفضل بن الربيع يوما عائدا وجاءه بنو هاشم يعودونه؛ فقلت في مجلسي ذلك:
__________
[1] مؤزر: من الإزار. ومردّي: من الرداء.
[2] كذا في ح وفي سائر الأصول: «و جدّا» بالجيم، وهو تصحيف. والسنة: الوجه لصقالته وملاسته، أو هي الجبهة والجبينان.
إذا ما أبو العباس عيد ولم يعد ... رأيت معودا أكرم الناس عائدا
وجاء بنو العباس يبتدرونه ... مراضا لما يشكوه مثنى وواحدا
يفدّونه عند السلام وكلّهم ... مجلّ له يدعوه عمّا ووالدا
قال: وكان الفضل مضطجعا، فأمر خادما له فأجلسه، ثم قال لي: أعد يا أبا محمد فأعدت، فأمرني فكتبتها، وسرّ بها وجعل يردّدها حتى حفظها.
غضب عليه الفضل بن الربيع مرة فاسترضاه بشعر:
أخبرني يحيى بن عليّ بن يحيى قال أخبرني أبي قال قال إسحاق، وأخبرني الحسن بن عليّ الخفّاف قال حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد قال حدّثنا محمد بن عبد اللّه بن [1] مالك عن إسحاق قال:
جاءني الزّبير بن دحمان يوما مسلّما فاحتبسته؛ فقال لي: أمرني الفضل بن الربيع بالمسير إليه؛ فقلت له:
أقم يا أبا العوّام ويحك نشرب ... ونله مع اللّاهين يوما ونطرب
إذا ما رأيت اليوم قد جاء خيره ... فخذه بشكر واترك الفضل يغضب
/ فأقام عندي وسررنا يومنا؛ ثم صار إلى الفضل؛ فسأله عن سبب تأخّره عنه؛ فحدّثه الحديث وأنشده البيتين؛ فغضب وحوّل وجهه عنّي، وأمر عونا حاجبه بألّا يدخلني إليه ولا يستأذن لي عليه ولا يوصل لي رقعة؛ فقلت:
/حرام عليّ الكأس ما دمت غضبانا ... وما لم يعد عنّي رضاك كما كانا
فأحسن فإنّي قد أسأت ولم تزل ... تعوّدني عند الإساءة إحسانا
قال: وأنشدته إيّاهما، فضحك ورضي عنّي وعاد إلى ما كان عليه. وقد أخبرني بهذا الخبر محمد بن مزيد والحسين بن يحيى عن حمّاد عن أبيه، فذكر مثله وزاد فيه: فقلت في عون حاجبه:
عون يا عون ليس مثلك عون ... أنت لي عدّة إذا كان كون
لك عندي واللّه إن رضى الفض ... ل غلام يرضيك أو برذون
قال: فأتى عون الفضل بالشّعرين جميعا؛ فقرأهما وضحك وقال: ويحك! إنما عرض لك بقوله: «غلام يرضيك» بالسّوءة؛ قال: قد وعدني ما سمعت، فإن شئت أن تحرمنيه فأنت أعلم!؛ فأمره أن يرسل إليّ؛ فأتاني رسوله فصرت إليه فرضي عنّي.
أخبرني جحظة قال حدّثني محمد بن أحمد بن يحيى المكّيّ المرتجل قال حدّثني أبي قال حدّثني الزّبير بن دحمان قال:
دخلت يوما على الفضل بن الرّبيع مسلّما؛ فقال لي: قد عزمت غدا على الصّبوح، فصر إليّ بكرة؛ فكنت أنا والصبح كفرسي رهان؛ فلما أصبحت في غد جعلت طريقي على إسحاق بن إبراهيم فدخلت إليه، فلما جلست قال لي: أقم اليوم عندي؛ فعرّفته خبري؛ فقال:
__________
[1] كذا في ح، وقد ورد كذلك في الأصول في غير هذا الموضع غير مرة. وفي سائر الأصول هنا: «ابن أبي مالك»، وهو خطأ.
/
أقم يا أبا العوّام ويحك نشرب ... ونله مع اللّاهين يوما ونطرب
إذا ما رأيت اليوم قد جاء خيره ... فخذه بشكر واترك الفضل يغضب
فقلت: إني لا آمن غضبه، وأنا بين يديك؛ فقال لي: أنت تعلم أن صبوح الفضل أبدا في وقت غبوق الناس، فأقم وارفق بنفسك ثم امض إليه؛ فأجبته إلى ذلك؛ فلمّا شربنا طاب لي الموضع، فأقمت حتى سكرت. وذكر باقي الخبر نحوا مما ذكر إسحاق. انتهى.
كان المغنون يجتهدون ويطمعون في غلبة فإذا غنى هو بذهم:
حدّثني جحظة قال حدّثني محمد بن المكّيّ المرتجل قال: قلت لزرزور الكبير: كيف كان إسحاق ينفق على الخلفاء معكم وأنت وإبراهيم بن المهديّ ومخارق أطيب أصواتا وأحسن نغمة؟ قال: كنّا واللّه يا بنيّ نحضر معه فنجتهد في الغناء ونقيم الوهج [2] فيه ويقبل علينا الخلفاء، حتى نطمع فيه ونظنّ أنا قد غلبناه، فإذا غنّى عمل في غنائه أشياء من مداراته [3] وحذقه ولطفه حتى يسقطنا كلّنا ويقبل عليه الخليفة دوننا ويجيزه دوننا ويصغى إليه، ونرى أنفسنا اضطرارا دونه.
هو أوّل من أحدث التخنيث في الغناء ليوافق صوته:
حدّثنا جحظة قال حدّثني محمد بن أحمد المكّيّ قال حدّثني أبي قال: كان المغنّون يجتمعون مع إسحاق وكلّهم أحسن صوتا منه، ولم يكن فيه عيب إلا صوته فيطمعون فيه؛ فلا يزال بلطفه وحذقه ومعرفته حتى يغلبهم ويبذّهم [4] جميعا ويفضلهم ويتقدّمهم. قال: وهو أوّل من أحدث التخنيث ليوافق صوته ويشاكله،/ فجاء معه عجبا من العجب؛ وكان في حلقه نبوّ عن الوتر. أخبرني يحيى بن عليّ قال أخبرنا أبو العبيس [5] بن حمدون: أنّ إسحاق أوّل من جاء بالتخنيث في الغناء ولم يكن يعرف، وإنما احتال بحذقه لمنافرة حلقه الوتر، حتى صار يجيبه ببعض التخنيث فيكون أحسن له في السمع.
كان المغنون يتهاونون في غيبته فإذا حضر جدّوا:
أخبرنا جحظة قال حدّثني الهشاميّ عن أبيه قال:
كان المغنّون إذا حضروا/ وليس إسحاق معهم غنّوا هوينى وهم غير مفكرين؛ فإذا حضر إسحاق لم يكن إلّا الجدّ.
قصته مع جعفر بن يحيى ونافذ حاجبه:
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثني إسحاق الموصليّ قال:
__________
[1] نفق الشي ء: راج ورغب فيه. ولعله هنا مضمن معنى «يغلب» لكي تصح تعديته ب «على».
[2] كذا في أكثر الأصول. والوهج: التوقد، ولعله هنا كناية عن اضطرام الأمر وحدته فيما هم فيه من شأن الغناء. وفي ح: «الرهج» بالراء، وهو الغبار أو ما أثير منه.
[3] داريت الظبي مداراة: احتلت له وختلته حتى أصيده. ولعله يريد أن إسحاق يحتال للأنغام حتى يؤلف بينها ويأتي في ذلك بما يعجز عنه غيره.
[4] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «و ينبذهم».
[5] في ب، س، ح: «أبو العنبس» بالنون والباء الموحدة. (انظر الحاشية رقم 4 ص 96 ج 1 «أغاني» من هذه الطبعة).
قال لي أبي وقد انصرف من دار الرشيد: رأيت الأمير جعفر بن يحيى يستبطئك ويقول: لست أراه ولا يغشاني؛ فقلت: إني لآتيه كثيرا فأحجب عنه ويصرفني نافذ حاجبه ويقول: هو على شغل؛ قال: فبلّغه أبي ذلك؛ فقال له: قل له: أنكه أمّه إذا فعل؛ فأقمت أيّاما ثم كتبت إليه:
جعلت فداءك من كل سوء ... إلى حسن رأيك أشكو أناسا
يحولون بيني وبين السلام ... فلست أسلّم إلّا اختلاسا
وأنفذت أمرك في نافذ ... فما زاده ذاك إلّا شماسا [1]
وقد أخبرني الخبر محمد بن مزيد عن حمّاد عن أبيه، فذكر مثله وقال: كان خادم يحجبه يقال له: نافذ، فقال: إذا حجبك فنكه؛ فلما كتبت إليه بهذه الأبيات بعث فأحضرني؛ فلما دخلت إليه أحضر نافذا وقرأ الأبيات عليه، وقال لي: أفعلتها/ يا عدوّ اللّه! فغضب نافذ حتى كاد يبكي، وجعل جعفر يضحك ويصفّق؛ ثم ما عاد بعد ذلك يتعرّض لي.
غضب المأمون عليه وشك أبي الفرج في ذلك:
حدّثني الحسين [2] بن أبي طالب قال حدّثني عبيد اللّه بن المأمون، وأخبرنا اليزيديّ عن عمّه عبيد اللّه عن أبيه قال:
غضب المأمون على إسحاق بن إبراهيم، ثم كلّم فيه فرضي عنه ودعا به؛ فلمّا وقف بين يديه اعتذر وقبّل الأرض بين يديه واستقاله [3]؛ فأجابه المأمون جوابا جميلا، ثم قال له في أثناء كلامه:
فلا أنت أعتبت من زلّة ... ولا أنت بالغت في المعذره
ولا أنت ولّيتني أمرها ... فأغفر ذنبك عن مقدره
هكذا في الخبر؛ وأظنّه إسحاق بن إبراهيم الطاهريّ لا الموصليّ.
أنشد أبا الأشعث الأعرابيّ شعرا له فأعجب به:
أخبرنا الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الحسين بن أبي طالب قال حدّثني إسحاق قال:
أنشدت أبا الأشعث الأعرابيّ شعرا لي، فقال: والذي أصوم له مخافته ورجاءه، إنك لمن طراز ما رأيت بالعراق شيئا منه، ولو كان شباب يشترى لاشتريته لك ولو بإحدى يديّ، وإنّ في كبرك لما زان الجليس وسرّه.
حديث له مع زهراء الكلابية:
أخبرنا الحرميّ قال حدّثنا الدّيناريّ قال حدّثنا إسحاق قال:
قالت لي زهراء الكلابيّة: ما فعل عبد اللّه بن خرداذبه؟ فقلت: مات؛ فقالت: غير ذميم ولا لئيم، غفر اللّه لصداه [4]، لقد كان يحبّك ويعجبه ما سرّك. قال: فقلت لزهراء: حدّثيني عن قول الشاعر:
__________
[1] شماسا: عنادا.
[2] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «الحسن». (راجع الحاشية رقم 2 ص 319 من هذا الجزء).
[3] استقاله: طلب منه أن يقيله.
[4] الصدى: جسد الإنسان بعد موته.
/
أحبّك أن أخبرت أنّك فارك [1] ... لزوجك إني مولع بالفوارك
ما أعجبه من بغضها لزوجها؟ فقالت: عرّفته أنّ في نفسها فضلة من جمال وشمخا بأنفها وأبّهة، فأعجبته.
غنى المعتصم وهو لقس النفس فأطربه فأجازه:
أخبرني عليّ بن سليمان الأخفش قال حدّثنا محمد بن يزيد المبرّد قال حدّثت عن غير واحد:
أنّ إسحاق الموصليّ دخل على المعتصم يوما من الأيّام فرآه لقس [2] النّفس، فقال له: أما ترى يا أمير المؤمنين طيب هذا اليوم وحسنه!؛ فقال المعتصم: ما يدعوني حسنه إلى شيء مما تريد ولا أنشط له؛ فقال:
يا أمير المؤمنين، إنه يوم أكل وشرب؛ فاشرب حتى أنشّطك؛ قال: أو تفعل؟ قال: نعم؛ قال: يا غلمان، قدّموا الطعام والشراب/ ومدّوا الستارة، وأحضروا الندماء والمغنّين؛ فأتي بالطعام فأكل وبالشراب فشرب وحضر الندماء والمغنّون؛ فغنّاه إسحاق:
صوت
سقيت الغيث يا قصر السلام ... فنعم محلّة الملك الهمام
لقد نشر الإله عليك نورا ... وخصّك بالسّلامة والسلام
- الشعر والغناء لإبراهيم الموصليّ رمل بالسبّابة في مجرى البنصر عن إسحاق. وذكر حبش أنّ فيه للزّبير بن دحمان لحنا من الرّمل بالوسطى - قال: فطرب المعتصم وشرب شربا كثيرا، ولم يبق أحد بحضرته إلّا وصله وخلع عليه وحمله؛ وفضّل إسحاق في ذلك أجمع.
أول جائزة نالها من الرشيد ألف دينار:
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا ابن مهرويه قال حدّثنا ابن أبي سعد قال حدّثنا عليّ بن الصبّاح عن إسحاق قال:
أوّل جائزة أخذتها من الرشيد ألف دينار في أوّل يوم دخلت إليه فغنّيته:
علق القلب بزوعا [3]
فاستحسنه واستعاده ثلاث مرّات وشرب عليه ثلاثة أرطال وأمر لي بألف دينار؛ فكان أوّل جائزة أجازنيها.
أبي القدح من يد غلام قبيح الوجه وقال شعرا فجيء له بوصيفة:
أخبرني جعفر بن قدامة قال حدّثني حمّاد بن إسحاق قال:
كان أبي ذات يوم عند إسحاق بن إبراهيم بن مصعب، فلما جلسوا للشراب جعل الغلمان يسقون من حضر، وجاء غلام قبيح الوجه إلى أبي بقدح نبيذ فلم يأخذه؛ ورآه إسحاق فقال له: لم لا تشرب؟ فكتب إليه أبي:
__________
[1] الفارك من النساء: التي تبغض زوجها.
[2] في ب، س: «لقيس النفس» بالياء بعد القاف، وهو تحريف.
[3] زوع: من أسماء النساء.
اصبح نديمك أقداحا يسلسلها ... من الشّمول [1] وأتبعها بأقداح
من كفّ ريم مليح الدّلّ ريقته ... بعد الهجوع كمسك أو كتفّاح
لا أشرب الرّاح إلا من يدي رشأ ... تقبيل راحته أشهى من الرّاح
فضحك وقال: صدقت واللّه، ثم دعا بوصيفة كأنها صورة، تامّة الحسن لطيفة الخصر في زيّ غلام عليها أقبية [2] ومنطقة، فقال لها: تولّى سقي أبي محمد؛ فما زالت تسقيه حتى سكر؛ ثم أمر بتوجيهها وكلّ مالها في داره إليه، فحملت معه.
كانت بينه وبين زهراء الكلابية مودة فكتبت إليه شعرا فرد عليها:
أخبرني عمّي قال حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد قال حدّثني عليّ بن الصّبّاح قال:
/ كانت امرأة من بني كلاب يقال لها زهراء تحدّث إسحاق وتناشده، وكانت تميل إليه، وتكني عنه في عشيرتها إذا ذكرته بجمل؛ قال: فحدّثني إسحاق أنها كتبت إليه وقد غابت عنه تقول:
وجدي بجمل على أنّي أحمجمه [3] ... وجد السّقيم ببرء بعد إدناف
أو وجد ثكلى أصاب الموت واحدها ... أو وجد مغترب من بين ألّاف
قال: فأجبتها:
أقر السلام على الزّهراء إذ شحطت ... وقل لها قد أذقت القلب ما خافا
أما رثيت لمن خلّفت مكتئبا ... يذري مدامعه سحّا وتوكافا [4]
فما وجدت على إلف أفارقه ... وجدي عليك وقد فارقت ألّافا
أنشد محمد بن عبد اللّه بن مالك شعرا فسأله عن قصته فلم يخبره:
أخبرني عمّي قال حدّثني عبد اللّه بن أبي سعد قال حدّثني محمد بن عبد اللّه بن مالك قال/ أنشدني إسحاق لنفسه:
سقى اللّه يوم الماوشان [5] ومجلسا ... به كان أحلى عندنا من جنى النّحل
غداة اجتنينا اللّهو غضّا ولم نبل [6] ... حجاب أبي نصر ولا غضبة الفضل
__________
[1] الشمول: الخمر.
[2] الأقبية: (جمع قباء بالفتح) وهو ثوب يلبس فوق الثياب، وقيل: ثوب يلبس فوق القميص ويتمنطق عليه.
[3] أجمجمه: أكتمه وأخفيه.
[4] يقال: وكف الدمع توكافا، إذا سال وقطر قليلا قليلا.
[5] كذا في ح و«معجم البلدان» لياقوت، وهو ناحية وقرى، في واد في سفح جبل أروند من همذان، وهو موضع نزه فرح. وفي سائر الأصول «الماوسان» بالسين المهملة، وهو تصحيف.
[6] لم نبل: أصله نبالي، حذف حرف العلة للجازم ثم سكنت اللام للتخفيف، كما حذفت النون في «لم نك» بعد تسكينها، فحذفت الألف لالتقاء الساكنين.
غدونا صحاحا ثم رحنا كأنّنا ... أطاف بنا شرّ شديد من الخبل
فسألته أن يكتبها ففعل؛ فقلت له: ما حديث الماوشان؟ فضحك وقال: لو لم أكتبك الأبيات لما سألت عما لا يعنيك؛ ولم يخبرني.
كان ابن الأعرابي يعجب به ويستحسن شعرا له:
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا ابن مهرويه قال حدّثني أحمد بن الحارث وأبو مسلم عن ابن الأعرابيّ:
أنه كان يصف إسحاق الموصليّ ويقرّظه ويثني عليه ويذكر أدبه وحفظه وعلمه وصدقه، ويستحسن قوله:
صوت
هل إلى أن تنام عيني سبيل ... إنّ عهدي بالنوم عهد طويل
غاب عنّي من لا أسمّي فعيني ... كلّ يوم وجدا عليه تسيل
- الشعر والغناء لإسحاق رمل بالوسطى - قال: وكان إسحاق إذا غنّاه تفيض دموعه على لحيته ويبكي أحرّ بكاء. وأخبرنا به يحيى بن عليّ عن أبيه عن إسحاق. وحديث موسى عن حمّاد أتمّ، واللفظ له.
أوّل صوت وآخر صوت صنعه:
أخبرني الصّوليّ والحسن بن عليّ قالا حدّثنا محمد بن موسى عن حمّاد بن إسحاق قال:
أوّل صوت صنعه أبي:
إني لأكني بأجبال عن اجبلها ... وباسم أودية عن اسم واديها
وآخر صوت صنعة مختارا:
قف نحيّ المغانيا ... والطّلول البواليا
ثم قطع الصنعة حتى أمره الواثق بأن يعارض صنعته في:
لقد بخلت حتى لو أنّي سألتها
اتهمه المغنون بانتحال غناء أبيه بعد وفاته فامتحنه الرشيد ثم أذعنوا:
قال حمّاد وحدّثني أبي قال:
كان المغنّون يحسدونني مذ كنت غلاما، فلمّا مات أبي صنعت هذا الصوت، فهو أوّل صوت صنعته بعد وفاته، وهو:
/أمن آل ليلى عرفت الطّلولا ... بذي حرض ماثلات مثولا [1]
فقالوا للرشيد: هذا من صنعة أبيه فقد انتحله؛ فقال لي الرشيد في ذلك؛ فقلت: هذا ومائة بعده خير منه لهم؛ فقال: اصنع في شعر الأخطل:
__________
[1] انظر الحاشية رقم 2 ص 290 من هذا الجزء.
أعاذلتيّ اليوم ويحكما مهلا ... وكفّا الأذى عنّي ولا تكثرا العذلا
فصنعت فيه كما أمرني؛ فلمّا سمعوا بذلك وما جاء بعده أذعنوا، وزال عن قلب الرشيد ما كان ظنّه بي. وقد ذكر غير حمّاد أنّ اللحن الذي اختبره به الرشيد قوله:
كنت صبّا وقلبي اليوم سال ... عن حبيب يسيء في كل حال
وذكر أنّ الفضل بن الرّبيع قال الشعر في ذلك الوقت ودفعه إليه وأمره الرشيد أن يصنع فيه ففعل. وأخبرني بذلك محمد بن يحيى الصّوليّ قال حدّثني الحسين بن يحيى عن حمّاد بن إسحاق، وأخبرني محمد بن مزيد قال حدّثنا حمّاد قال:
أوّل ما سمعه الرشيد من/ غناء أبي:
ألم تسأل فتخبرك المغاني ... وكيف وهنّ مذ حجج ثماني
برئت من المنازل غير شوق ... إلى الدار التي بلوي أبان
ديار للّتي لجلجت فيها ... ولو أعربت لجّ بها لساني
فكاد يظلّ للعينين غرب ... بربعي دمنة لا ينطقان
قال: فحدّثني أبي أن المغنّين قالوا للرشيد: هذا من صنعة أبيه انتحله بعد وفاته؛ فقلت له: أنا أدع لهم هذا ومائة صوت بعده؛ ثم نظروا إلى ما جاء بعد ذلك فأذعنوا.
نسبة ما في هذه الأخبار من الغناء
صوت
قف نحيّ المغانيا ... والطّلول البواليا
وعلى أهلها فنح ... وابك إن كنت باكيا
الشعر لابن ياسين. والغناء لإسحاق ثقيل أوّل بالوسطى.
صوت
أمن آل ليلى عرفت الطّلولا ... بذي حرض ماثلات مثولا ضبلين وتحسب اياتهنّ
عن فرط حولين رقّا محيلا
الشعر لكعب [1] بن زهير. والغناء لإسحاق ثاني ثقيل بالبنصر.
صوت
أعاذلتيّ اليوم ويحكما مهلا ... وكفّا الأذى عنّي ولا تكثرا العذلا
دعاني تجدّ كفّي بمالي فإنني ... سأصبح لا أسطيع جودا ولا بخلا
__________
[1] انظر الحاشية رقم 4 ص 290 من هذا الجزء.
إذا وضعوا فوق الصّفيح [1] جنادلا ... عليّ وخلّفت المطيّة والرّحلا
فلا أنا مجتاز إذا ما نزلته ... ولا أنا لاق ما ثويت به أهلا
الشعر للأخطل، والغناء لإسحاق، ثقيل أوّل بالوسطى.
صوت
إنّي لأكني بأجبال عن اجبلها ... وباسم أودية عن اسم واديها
عمدا ليحسبها الواشون غانية ... أخرى وتحسب [2] أنّي لا أباليها
/ ولا يغيّر ودّي أن أهاجرها ... ولا فراق نوى في الدار أنويها
وللقلوص ولي منها إذا بعدت ... بوارح الشّوق تنضيني وأنضيها
الشعر لأعرابيّ، والغناء لإسحاق هزج بالبنصر.
حديثه مع الواثق بشأن الأهزاج من الأغاني:
حدّثني جحظة قال حدّثني أبو عبد اللّه أحمد بن حمدون قال:
قال إسحاق للواثق يوما: الأهزاج من أملح الغناء؛ فقال الواثق: أمّا إذا كانت مثل صوتك:
إنّي لأكنى بأجبال عن اجبلها ... وباسم أودية عن اسم واديها
فهي كذلك.
غنى لطلحة بن طاهر مرارا وأخذ جوائزه:
قال أحمد بن أبي طاهر حدّثني أحمد بن يحيى الرازيّ عن محمد بن المثنّى عن الحجّاج بن قتيبة بن مسلم قال:
قال إسحاق: بعث إليّ طلحة بن طاهر وقد انصرف من وقعة/ للشّراة [3] وقد أصابته ضربة في وجهه؛ فقال لي الغلام: أجب؛ فقلت: وما يعمل؟ قال: يشرب؛ فمضيت إليه فإذا هو جالس قد عصب ضربته وتقلنس بقلنسوة؛ فقلت له: سبحان اللّه أيها الأمير! ما حملك على لبس هذا؟ قال: التبرّم بغيره، ثم قال: غنّ:
إنّي لأكنى بأجبال عن اجبلها
قال: فغنّيته إياه، فقال: أحسنت واللّه! أعد! فأعدت وهو يشرب حتى صلّى العتمة وأنا أغنّيه؛ فأقبل على خادم له بالحضرة وقال له: كم عندك؟ قال: مقدار سبعين ألف درهم؛ قال: تحمل معه. فلمّا خرجت من عنده تبعني جماعة من الغلمان يسألوني، فوزّعت المال بينهم؛ فرفع الخبر إليه فأغضبه ولم يوجّه إليّ ثلاثا؛ فجلست ليلا وتناولت الدّواة والقرطاس فقلت:
__________
[1] الصفيح: حجارة رقيقة عريضة يسقف بها القبر.
[2] المعنى على نصب الفعل واضح، وهو أنه يريد أن يعمي عليها كما عمي على الواشين فيجعلها تحسب أنه لا يباليها. ولا يبعد أن يرفع الفعل على أن يكون المعنى أنه يتسبها إلى الخطأ في هذا الظن وينكره عليها.
[3] الشراة: الخوارج.
/
علّمني جودك السّماح فما ... أبقيت شيئا لديّ من صلتك
لم أبق شيئا إلّا سمحت به ... كأنّ لي قدرة كمقدرتك
تتلف في اليوم بالهبات وفي ... الساعة ما تجتنيه في سنتك
فلست أدري من أين تنفق لو ... لا أنّ ربّي يجزى على صلتك
فلما كان في اليوم الرابع بعث إليّ، فصرت إليه ودخلت عليه فسلّمت؛ فرفع بصره إليّ وقال: اسقوه رطلا فسقيته، وأمر لي بآخر وآخر فشربت ثلاثا؛ ثم قال لي: غنّ:
إني لأكنى بأجبال عن اجبلها
فغنّيته ثم أتبعته بالأبيات التي قلتها، وقد كنت غنّيت فيها لحنا في طريقة الصوت؛ فقال: ادن فدنوت، وقال:
اجلس فجلست، فاستعاد الصوت الذي صنعته فأعدته. فلما فهمه وعرف معنى الشعر قال لخادم له: أحضرني فلانا فأحضره؛ فقال: كم قبلك من مال الضّياع؟ قال: ثمانمائة ألف درهم؛ فقال: احضر بها الساعة؛ فجيء بثمانين بدرة؛ فقال للخادم: جئني بثمانين غلاما مملوكا، فأحضروا؛ فقال: احملوا هذا المال؛ ثم قال: يا أبا محمد، خذ المال والمماليك حتى لا تحتاج أن تعطي لأحد منهم شيئا.
مهاجاته محمد بن راشد وما كان بينهما:
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الحسين بن محمد بن طالب قال:
كان إسحاق بن إبراهيم الموصليّ كثير الغشيان لإسحاق بن إبراهيم بن مصعب والحضور لسمره، وكان إسحاق بن إبراهيم يرى ذلك له ويسني جوائزه ويواتر [1] صلاته ويشاوره في بعض أموره ويسمع منه؛ فأصيب إسحاق ببصره قبل موته بسنتين،/ فترك زيارة إسحاق وغيره ممن كان يغشاهم ولزم بيته. وخرج إسحاق يوما إلى بستان له بباب قطربّل وخرج معه ندماؤه وفيهم موسى بن صالح بن شيخ [2] بن عميرة ومحمد بن راشد الخنّاق والحرّاني؛ فجرى ذكر إسحاق الموصليّ، فتوجّع له إسحاق وذكر أنسه [3] به وتمنّى حضوره، وذكر [ه] القوم فأطنبوا في نشر محاسنه وشيّعوا ما ذكره به إسحاق بما حسن موقعه لهم عنده؛ وذكره محمد بن راشد ذكرا لم يحمده أصحابه عليه، وزجره إسحاق، فأمسك عنه؛ فلما انصرفوا من مجلسهم نمي إلى إسحاق الموصليّ ما كان فيه القوم في يومهم وما جرى من ذكره؛ فكتب إلى موسى بن صالح:
/ألا قل لموسى الخير موسى بن صالح ... ومن هو دون الخلق إلفي وخلصاني [4]
ومن لو سألت الناس عنه لأجمعوا ... على أنّه أفتى [5] معدّ وقحطان
__________
[1] يواتر: يتابع.
[2] كذا فيء. وفي ح، م: «شيخ عميرة». وفي أ، ب، س: «سنح بن عميرة» بالسين والنون والحاء المهملة، وكلاهما تحريف.
(راجع الطبري في أسمى موسى بن صالح بن شيخ وعميرة أبي شيخ بن عميرة الأسدي قسم 3 ص 1641، 935).
[3] في جميع الأصول: «و ذكر أنسه كان به». وظاهر أن كلمة «كان» هنا مقحمة.
[4] الخلصان: الخالص من الأخدان، يستوي فيه الواحد والجمع، يقال: هم خلصاني، وهو خلصاني.
[5] أفتى: أفعل تفضيل من الفتوّة وهي الكرم والمروءة.
لعمري لئن كان الأمير تمنّاني ... بمجلس لذّات ونزهة بستان
لقد زادني ما كان منه صبابة ... وجدّد لي شوقا إليه وأبكاني
وما زال ممتنّا عليّ يخصّني ... بما لست أحصي من أياد وإحسان
هو السيّد القرم الذي ما يرى له ... من النّاس إن حصّلته أبدا ثاني
نمته روابي مصعب وبنى له ... كريم المساعي في أرومته باني
يعزّ عليّ أن تفوزوا بقربه ... ولست إليه بالقريب ولا الدّاني
فيا ليت شعري هل أروحنّ مرّة ... إليه فيلقاني كما كان يلقاني
/ وهل أرين يوما غضارة ملكه ... وسلطانه لا زال في عزّ سلطان
وهل أسمعن ذاك المزاح الذي به ... إذا جئته سلّيت همّي وأحزاني
إذا قال لي «يا مرد مي خر» وكرّها ... عليّ وكنّاني مزاحا [1] بصفوان
(هذا كلام بالفارسية تفسيره: يا رجل اشرب النبيذ):
فيا لك من ملهى أنيق ومجلس ... كريم ومن مزح كثير بألوان
وهل يغمزن بي ذو الهنات ابن راشد ... وذاك الكريم الجدّ من آل حرّان
وهل أرين موسى الكريم ابن صالح ... ينازعني صوتا إذا هو غنّاني
(يريد الغناء في:
فلم أر كالتّجمير منظر ناظر ... ولا كليالي النّفر أفتنّ ذا هوى)
إذا صاح بالتجمير ثم أعاده ... بتحقيق إعراب صحيح وتبيان
أولئك إخواني الذين أحبّهم ... وأوثرهم بالودّ من بين إخواني
وما منهم إلّا كريم مهذّب ... حبيب إلى إخوانه غير خوّان
فأجابه محمد بن راشد:
بعثت بشعر فيه أنّ رسالة ... أتتك لموسى عن جماعة إخوان
بشوق وذكر للجميل ولم يكن ... لموسى لعمري في سلامته ثاني
ولكن نطقنا بالذي أنت أهله ... وما تستحقّ من صديق وندمان
وموسى كريم لم يحط بك خبره [2] ... كخبر ندامى قد بلوك وإخوان
ولو قد بلاك قال فيك كقول من ... فسدت عليه من خليل وخلصان
__________
[1] في ح: «مرارا».
[2] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «خبرة».
ولم يعره شوق إليك ولم يجد ... لفقدك مسّا عند نزهة بستان
/ حمدت النّدامى كلّهم غير إنسان [1] ... ألا إنما يجني على نفسه الجاني
فلا [2] تعتب الإخوان من بعدها فما ... تنقّص إخوان المودّة من شاني
قال: فأجابه إسحاق:
عجبت لمخذول تعرّض جانيا [3] ... لليث أبي شبلين من أسد خفّان [4]
/أتانا بشعر قاله مثل وجهه ... تزخرف فيه واستعان بأعوان
فجاء بألفاظ ضعاف سخيفة ... ومضّغها تمضيغ أهوج سكران
دعوا الشعر للشيخ الذي تعرفونه ... وإلّا وسمتم أو رميتم بشهبان
فإنكم والشعر إذ تدّعونه ... كمعتسف في ظلمة الليل حيران
صه لا تعودوا للجواب فإنما ... ترومون صعبا من شماريخ [5] ثهلان
أنا الأسد الورد [6] الذي لا يفلّه ... تظاهر أعداء عليه وأقران
ومن قد أردتم جاهدين سقاطه ... فأعياكم في كلّ سرّ وإعلان
لعمري لئن قلتم بما أنا أهله ... ليستنفدنّ [7] القول تعظيمكم شاني
وجحدكم إياي ما تعلمونه ... وإقراركم عندي بذلك سيّان
ألا يزجر الجهّان عنّا أميرنا ... وموسى وذاك الشيخ من آل حرّان
ولا سيّما من بان للناس شرّه ... فما يتمارى في مذاهبه اثنان
ذكر في مجلس محمد بن عمر الجرجاني فأثنى عليه:
حدّثني أحمد بن عبيد اللّه بن عمّار قال حدّثني يعقوب بن إسرائيل قرقارة قال:
/ قال لي محمد بن عمر الجرجانيّ وقد تذاكرنا إسحاق يوما بحضرته: ما تذكرون من إسحاق شيئا تقاربون به وصفه. كان واللّه إسحاق غرّة في زمانه، وواحدا في دهره علما وفقها وأدبا ووقارا ووفاء وجودة رأي وصحّة مودّة.
كان واللّه يخرس الناطق إذا نطق، ويحيّر السامع إذا تحدّث، لا يملّ جليسه مجلسه، ولا تمجّ الآذان حديثه، ولا تنبو النفوس عن مطاولته. إن حدّثك ألهاك، وإن ناظرك أفادك، وإن غنّاك أطربك. وما كنت ترى خصلة من الأدب ولا جنسا من العلم يتكلم فيه إسحاق فيقدم أحد على مساجلته ومباراته.
__________
[1] كذا في أكثر الأصول. وفي ب، س. «أنسه».
[2] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «فما».
[3] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «جانبا» بالباء الموحدة، وهو تصحيف.
[4] خفان (بفتح أوله وتشديد ثانيه): موضع قرب الكوفة يسلكه الحاج أحيانا وهو مأسدة.
[5] الشماريخ: رؤوس الجبال وأعاليها. وثهلان: جبل باليمن، وقيل: بالعالية.
[6] الورد: الجريء.
[7] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «لا يستبعدن القول»، وهو تحريف.
أمره المأمون أن يغني في شعر رآه مكتوبا في بساط فأعجبه:
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا يزيد بن محمد المهلّبيّ قال حدّثني أحمد بن يحيى المكيّ قال:
أمر المأمون يوما بالفرش الصّيفيّ أن يخرج؛ فأخرج فيما أخرج منه بساط طبريّ أو أصبهبذانيّ [1]، مكتوب في حواشيه:
صوت
لجّ بالعين واكف ... من هوى لا يساعف
كلّما جفّ دمعه ... هيّجته المعازف
إنما الموت أن تفا ... رق من أنت آلف
لك حبّان في الفؤا ... د تليد وطارف
قال: فاستحسن المأمون هذه الأبيات، وبعث إلى إسحاق فأحضره وأمره أن يصنع فيها لحنا ويعجّل به؛ فصنع فيها الهزج الذي يغنّى به اليوم. قال أحمد:/ وسمعها أبي منه [2] فقال: لو كان هذا الهزج لحكم الوادي لكان قد أحسن. يريد أنّ حكما كان صاحب الأهزاج.
أعجب يحيى المكي بصنعة له ومدحه وكذلك الواثق:
أخبرني الحسن قال حدّثني يزيد بن محمد قال حدّثني ابن المكيّ قال:
تذاكرنا يوما عند أبي صنعة إسحاق، وقد كنّا بالأمس عند المأمون فغنّاه إسحاق لحنا صنعه في شعر ابن ياسين:
صوت
/الطّلول الدّوارس ... فارقتها الأوانس
أوحشت بعد أهلها ... فهي قفر بسابس [3]
- الغناء لإسحاق خفيف ثقيل بالبنصر - قال: فقال أبي: لو لم يكن من بدائع إسحاق غير هذا لكفى، «الطلول الدوارس» كلمتان، و«فارقتها الأوانس» كلمتان، وقد غنّى فيهما استهلالا وبسيطا وصاح وسجح ورجّع النغمة واستوفى ذلك كلّه في أربع كلمات وأتي بالباقي مثله؛ فمن شاء فليفعل مثل هذا أو ليقاربه. ثم قال: إسحاق [4] واللّه في زماننا فوق ابن سريج والغريض ومعبد، ولو عاشوا حتى يروه لعرفوا فضله واعترفوا له به. وأخبرني عمّي عن يزيد بن محمد المهلّبيّ: أنه كان عند الواثق فغنّته شجا هذا الصوت؛ فقال الواثق مثل هذا القول. والمذكور أنّ ابن
__________
[1] أصبهبذان: مدينة في بلاد الديلم، بينها وبين البحر ميلان.
[2] في ح: «معه».
[3] البسابس: جمع بسبس وهو القفر.
[4] في الأصول: «ثم قال: إسحاق واللّه ما في ... إلخ» بزيادة «ما». ولعلها مقحمة من الناسخ.
المكيّ قاله؛ فلا أدري أهذا وهم من يزيد، أو اتّفق أن قال فيه الواثق كما قال يحيى، أو اتّفقت عليه قريحتاهما.
أعجب هو والزبير بن دحمان بغناء خباز فلامه الزبير على ضنه بغنائه والخباز يبتذله:
أخبرنا يحيى بن عليّ قال حدّثني أبي عن إسحاق قال:
/ أرسل إليّ الفضل بن الرّبيع يوما وإلى الزّبير بن دحمان، فوافق مجيئنا شغلا كان له، فصرنا إلى بعض حجره، فنعست فنمت فإذا زبير يحرّكني فانتبهت فإذا خبّاز في مطبخ الفضل يضرب بالشّوبق [1] يغنّي:
صوت
بدير [2] القائم الأقصى ... غزال شفّني أحوى
برى حبّي له جسمي ... وما يدري بما ألقى
وأخفي حبّه جهدي ... ولا واللّه ما يخفى
- الشعر والغناء لإسحاق خفيف ثقيل بالبنصر - قال: فقال لي الزّبير: تضنّ بهذا وانظر من يبتذله!؛ فقلت: لا أضنّ بغناء بعد هذا.
غنى للمأمون بأصوات له فأعجب بها فلما غناها هو لم يستحسنها منه، وحواره للمغنين:
حدّثني عمّي قال حدّثني أحمد بن الطيّب السّرخسيّ قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثني أحمد بن معاوية بن بكر قال قال لي صالح بن الرشيد:
كنّا أمس عند أمير المؤمنين المأمون وعنده جماعة من المغنّين، فيهم إسحاق وعلّويه ومخارق وعمرو بن بانة؛ فغنّى مخارق في الثقيل الأوّل:
صوت
أعاذل لا آلوك إلّا خليقتي ... فلا تجعلي فوقي لسانك مبردا
ذريني أكن للمال ربّا ولا يكن ... لي المال ربّا تحمدي غبّه غدا
/ ذريني يكن مالي لعرضي وقاية ... يقي [3] المال عرضي قبل أن يتبدّدا
ألم تعلمي أنّي إذا الضيف نابني ... وعزّ القرى أقري السّديف [4] المسرهدا
فقال له المأمون: لمن هذا اللحن؟ قال: لهذا الهزبر الجالس (يعني إسحاق)؛ فقال المأمون لمخارق: قم فاقعد بين يديّ وأعد الصوت؛ فقام فجلس بين يديه وأعاده فأجاده، وشرب المأمون عليه رطلا؛ ثم التفت إلى إسحاق فقال له: غنّ هذا الصوت؛ فغنّاه فلم يستحسنه كما استحسنه من مخارق؛ ثم دار الدور إلى علّويه، فقال له: غنّ فغنّى في الثقيل الأوّل أيضا:
__________
[1] الشوبق: خشبة الخباز، والمشهور «الشوبك» بالكاف وفتح الشين.
[2] دير القائم الأقصى: موضع على شاطىء الفرات من الجانب الغربي في طريق الرقة من بغداد.
[3] في ب: «يفي» بالفاء. وفي س: «بقي» بالباء والقاف، وكلاهما تصحيف.
[4] السديف: السنام وقيل: شحمه. والمسرهد: المقطع أو السمين.
صوت
أريت اليوم نارك لم أغمّض ... بواقصة [1] ومشربنا برود [2]
فلم أر مثل موقدها ولكن ... لأيّة نظرة زهر [3] الوقود
فبتّ بليلة لا نوم فيها ... أكابدها وأصحابي رقود
كأن نجومها ربطت بصخر ... وأمراس [4] تدور وتستزيد [5]
فقال له المأمون: لمن هذا الصوت؟ فقال: لهذا الجالس - وأشار إلى إسحاق - فقال لعلّويه: أعده فأعاده، فشرب عليه رطلا؛ ثم قال لإسحاق. غنّه فغنّاه، فلم/ يطرب له طربه لعلّويه. فألتفت إليّ إسحاق ثم قال لي: أيها الأمير، لو لا أنه مجلس سرور وليس مجلس لجاج وجدال لأعلمته أنه طرب على خطأ، وأنّ الذي استحسنه إنما هو تزايد [6] منهما يفسد قسمة اللحن وتجزئته، وأنّ الصوت ما غنّيته لا ما زادا [7]. ثم أقبل عليهما فقال: يا مخنّثان [8]، قد علمت أنكما لم تريدا بما فعلتماه مدحي ولا رفعتي، وأنا على مكافأتكما قادر؛ فضحك المأمون وقال له: ما كان ما رأيته من طربي لهما إلّا استحسانا لأصواتهما لا تقديما لهما ولا جهلا بفضلك.
دخل على المعتصم وبين يديه صيد فغناه فطرب وأجازه:
حدّثني عمّي قال حدّثني عبد اللّه بن أبي سعد قال حدّثني محمد بن عبد اللّه بن مالك الخزاعيّ قال حدّثني إسحاق قال:
دخلت يوما على المعتصم وقد رجع من الصيد وبين يديه ظباء مذبّحة وطير ماء وغير ذلك من الصيد وهو يشرب؛ فأمرني بالجلوس والغناء؛ فجلست وغنّيته:
صوت
اشتهينا في ربيع مرّة ... زهم [9] الوحش على لحم الإبل
فغدونا بطوال هيكل [10] ... كعسيب النخل ميّاد خضل
__________
[1] واقصة: منزل بطريق مكة بعد القرعاء نحو مكة، وقيل: العقبة لبني شهاب من طيء، ويقال لها: واقصة الحزون، وهي دون زبالة بمرحلتين. (انظر «معجم البلدان» لياقوت في اسم واقصة).
[2] البرود: البارد.
[3] زهر الوقود: أضاءت ناره.
[4] الأمراس: الحبال.
[5] كذا في الأصول «تستزيد» بالزاي المعجمة. ولعلها «تستريد» بالراء المهملة. وتستريد: تذهب وتجي ء؛ إذ الشاعر يريد أن يصف ليلته بالطول حتى كأن نجومها ربطت بأمراس شدّت بصخر فهي تدور وترجع إلى حيث كانت ولا تغور.
[6] يقال: تزايد فلان في كلامه وتزيد: إذا تكلف الزيادة فيه وجاوز ما ينبغي.
[7] كذا في أ، ح، م. وفي باقي الأصول: «زاد» بدون ألف بعد الدال.
[8] في الأصول: «يا مخنثين» بالياء.
[9] الزهم (بالتحريك): شحم الوحش من غير أن يكون فيه زهومة، أي كراهة ريح أو تغير.
[10] الهيكل: الضخم من كل الحيوان.
- الشعر يقال: إنه لأعشى همدان، والغناء لأحمد [1] النّصبيّ خفيف ثقيل بإطلاق الوتر في مجرى البنصر عن إسحاق - فتبسّم وقال: وأين رأيت لحم الإبل! فغنّيته:
صوت
ليس الفتى فيهم إذا ... شرب الشراب مؤنّبا
لكن يروح مرنّحا ... حسن الثياب مطيّبا
يسقونه صرفا على ... لحم الظباء مضهّبا [2]
فقال: هذا أشبه، وشرب. ثم غنّيته بشعر وضّاح اليمن - قال: والغناء لابن محرز ثقيل أوّل - :
صوت
أبى القلب اليمانيّ ... الذي تحمد أخلاقه
ويرفضّ له اللحن ... فما تفتق أرتاقه
غزال أدعج العين ... ربيب خدلّج [3] ساقه
رماني فسبى قلبي ... وأرميه فأشتاقه
فطرب وقال: هذا واللّه أحسن صيد وألذّه، وشرب عليه بقيّة يومه وخلع عليّ وأمر لي/ بجائزة. هكذا ذكر في هذا الخبر أن الثقيل الأوّل لابن محرز وقد قيل ذلك. وذكر عمرو بن بانة أنّ الثقيل الأوّل بالبنصر لابن طنبورة، وأن لحن ابن محرز خفيف ثقيل.
دقته في الوصف وإعجاب فضل اليزيدي به:
حدّثني عمي قال حدّثني فضل اليزيديّ قال:
قال لي إسحاق يوما في عرض حديثه: دخلت على المعتصم ذات يوم وعليه قميص دبيقيّ [4] كأنما قد من جرم الزّهرة [5]؛ فضحكت؛ فقال: ما أضحكك؟ فقلت:/ من مبالغتك في الوصف، فتبسّم. قال الفضل: وما سمعت محدّثا قطّ ولا واصفا أبلغ منه ولا أحسن لفظا وتشبيها.
__________
[1] كذا في ح في ترجمته (و هي تقع في ج 5 ص 161 طبع بولاق) وهو منسوب إلى النصب (بالفتح) وهو ضرب من الغناء أرق من الحداء. وقد ورد في جميع الأصول هنا وكذلك في ترجمته مضطربا.
[2] لحم مضهب: مقطع.
[3] الخدلج (بتشديد اللام): الممتلىء الساقين.
[4] دبيقيّ: منسوب إلى دبيق وهي بليدة كانت بين الفرما وتنيس من أعمال مصر، وقد خرجت ولم يبق منها شيء، وتنسب إليها الثياب الدبيقية وهي من دق الثياب كانت تتخذ بها، وكانت العمامة منها طولها مائة ذراع وفيها رقمات منسوجة بالذهب، تبلغ العمامة من الذهب خمسمائة دينار سوى الحرير والغزل. (راجع «معجم ياقوت» و «شرح القاموس» مادة «دبق»). وفي ب، س: «ديبقي» بتقديم المثناة على الموحدة، وهو تصحيف.
[5] الزهرة (بضم ففتح): كوكب من السيارة معروف.
تبرمه بالغناء وبالتسمية به:
أخبرنا يحيى بن عليّ قال حدّثنا أبو أيّوب المدينيّ قال حدّثنا محمد بن عبد اللّه بن مالك قال:
قال لي إسحاق: وددت أنّ كل يوم قيل لي: غنّ أو قيل لي عند ذكري: المغنّي، ضرب رأسي خمسة عشر سوطا، لا أقوى على أكثر منها، ولم يقل لي ذلك.
صنع لحنا على لحن أذان سمعه:
أخبرنا يحيى قال حدّثنا حمّاد قال: صنع أبي لحنه في: «تشكّى الكميت الجري» على لحن أذان سمعه.
كثرة حفظه لأهزاج القدماء:
أخبرنا يحيى قال حدّثنا حمّاد قال:
تذاكرنا يوما الهزج عند المأمون؛ فقال عمرو بن بانة: ما أقله في الغناء القديم!؛ فقال إسحاق: ما أكثره فيه! ثم غنّاهم ثلاثين هزجا في إصبع واحدة ومجرى واحد، ما عرفوا جميعا منها إلا نحو سبعة أصوات.
تقدير زرزور لقدرته في الغناء:
حدّثني يحيى قال حدّثني أخي قال حدّثني عافية بن شبيب قال:
قلت لزرزور: ما لكم تذلّون لإسحاق هذا الذلّ، وما فيكم أحد إلا وهو أطيب صوتا منه، وما في صنائعكم وصمة! فقال لي: لا تقل ذلك، فو اللّه لو رأيتنا معه لرحمتنا ورأيتنا نذوب كما يذوب الرّصاص في النار!.
غضب عليه الفضل بن الربيع فمدحه بشعر وتوسل له بعون حاجبه:
حدّثني الصّوليّ قال حدّثني عون بن محمد قال حدّثني إسحاق قال:
لاعبت الفضل بن الربيع بالنّرد، فوقع بيننا خلاف، فحلف وحلفت، فغضب عليّ وهجرني، فكتبت إليه:
/يقول أناس شامتون وقد رأوا ... مقامي وإغبابي الرواح إلى الفضل
لقد كان هذا خصّ بالفضل مرّة ... فأصبح منه اليوم منصرم الحبل
ولو كان لي في ذاك ذنب علمته ... لقطّعت نفسي بالملامة والعذل
وعرضت الأبيات عليه؛ فلمّا قرأها ضحك وقال: أشدّ من ذنبك أنك لا ترى لنفسك بذلك الفعل ذنبا؛ واللّه لو لا أنّي أدّبتك أدب الرجل ولده، وأنّ حسنك وقبيحك مضافان إليّ لأنكرتني؛ فأصلح الآن قلب عون - وكان يحجبه - فخاطبته في ذلك فكلّمني بما كرهت؛ فقلت: أتدخل بيني وبين الأمير أعزّه اللّه!؛ وكان عون يرمى بالأبنة فقلت فيه:
وذاكر أمر ضاق ذرعا بذكره ... وناس لداء منه متّسع الخرق
قال: ثم علمت أنه لا يتمّ لي رضا الفضل إلا بعد أن يرضى عون، فقلت فيه:
عون يا عون ليس مثلك عون ... أنت لي عدّة إذا كان كون
لك عندي واللّه إن رضي الفض ... ل غلام يرضيك أو برذون
فدخل إلى الفضل فترضاه لي فرضي؛ ثم قال له: ويلك يا عون! إنه واللّه إنما هجاك وأنت ترى أنه قد مدحك، ألا ترى إلى قوله: «غلام يرضيك»! هذا تعريض بك؛ قال: فكيف أصنع به مع محلّه عند الأمير!.
شكا إليه المأمون أصحابه ثم غناه وأطربه فأجازه:
أخبرني الصّوليّ قال حدّثني عون عن إسحاق، وأخبرني بعض الخبر/ إسماعيل بن يونس عن عمر بن شبّة عن إسحاق، ولفظ الخبر وسياقته للصّوليّ، قال:
استدناني المأمون [1] يوما وهو مستلق على فراش حتى صارت ركبتي على الفراش، ثم قال لي: يا إسحاق، أشكو إليك أصحابي: فعلت بفلان كذا ففعل كذا، وفعلت/ بفلان كذا ففعل كذا؛ حتى عدّد جماعة من خواصّه؛ فقلت له: أنت يا سيّدي بتفضّلك عليّ وحسن رأيك فيّ ظننت أنّي ممّن يشاور في مثل هذا، فجاوزت بي حدّي، وهذا رأي يجلّ عنّي ولا يبلغه قدري؛ فقال: ولم وأنت عندي عالم عاقل ناصح؟ فقلت: هذه المنزلة عند سيّدي علّمتني ألّا أقول إلّا ما أعرف ولا أطلب إلا ما أنال؛ فضحك وقال: قد بلغني أنّك في هذه الأيام صنعت لحنا في شعر الرّاعي ولم أسمعه منك؛ فقلت: يا سيّدي، ما سمعه أحد إلا جواريّ، ولا حضرت عندك للشرب منذ صنعته؛ فقال: غنّه؛ فقلت: الهيبة والصّحو يمنعاني أن أؤدّيه كما تريد، فلو آنس أمير المؤمنين عبده بشيء يطربه ويقوي به طبعه كان أجود؛ قال: صدقت، ثم أمر بالغداء فتغدّينا، ومدّت الستارة فغنّي من ورائها وشربنا أقداحا؛ فقال:
يا إسحاق، أما جاء أوان ذلك الصوت؟ فقلت: بلى يا سيّدي، وغنيّته لحني في شعر الراعي:
صوت
ألم تسأل بعارمة [2] الديارا ... عن الحيّ المفارق أين صارا [3]
بلى ساءلتها فأبت جوابا ... وكيف تسائل الدّمن القفارا
- لحن إسحاق في هذين البيتين خفيف ثقيل بالوسطى - قال: فاستحسنه وما زال يشرب عليه سائر يومه، وقال لي: يا إسحاق، لا طلب بعد وجود البغية، ما أشرب بقيّة يومي هذا إلّا على هذا الصوت؛ ثم وصلني وخلع عليّ خلعة من ثيابه.
مدح أعرابية له:
حدّثني الصّوليّ قال حدّثني عون بن محمد قال حدّثني إسحاق قال:
كانت أعرابيّة تقدم عليّ من البادية فأفضل عليها، وكانت فصيحة؛ فقالت لي ذات يوم: والذي يعلم مغزى كل ناطق لكأنك في علمك ولدت فينا ونشأت معنا. ولقد أريتني نجدا بفصاحتك، وأحللتني الرّبيع بسماحتك؛ فلا اطّرد لي قول إلّا شكرتك، ولا نسمت لي ريح إلّا ذكرتك.
__________
[1] في «مختار الأغاني» (ص 156): «الأمين».
[2] عارمة: موضع في ديار بني عامر بنجد، وقيل: ماء لبني تميم بالرمل. (انظر «معجم البلدان» لياقوت و«معجم ما استعجم» للبكري في الكلام على عارمة).
[3] في «مختار الأغاني» (ص 157) و«شرح القاموس» و«اللسان» مادة (عرم): «سارا» بالسين المهملة.
أنحل أبا المجيب الربعي صداقا وداعبه بشعر:
حدّثني الصّوليّ [1] قال حدّثني عون بن محمد قال حدّثني المغيرة بن محمد المهلّبيّ عن إسحاق قال:
كان أبو المجيب الرّبعيّ فصيحا عالما، فقال لي: يا أبا محمد، قد عزمت على التزوّج فأعنّي وقوّني؛ قال:
فأعطيته دنانير وثيابا. فغاب عنّي أياما ثم عاد؛ فقلت: يا أبا مجيب، هاهنا أبيات فاسمعها؛ فقال: هاتها؛ فقلت:
يا ليت شعري عن أبي مجيب ... إذ بات في مجاسد [2] وطيب
معانقا للرّشأ الرّبيب ... أأحمد [3] المحفار في القليب
أم كان رخوا ذابل القضيب
قال: فقال لي: الأخير واللّه يا أبا محمد.
عاتب الخليل بن هشام بشعر وكان بينهما تهاجر فعادا إلى ما كانا عليه:
حدّثني الصّوليّ قال حدّثني عون بن محمد قال حدّثني إسحاق قال:
كانت بيني وبين الخليل بن هشام صداقة ثم استوحشنا، فمررت ببابه يوما، فتذمّمت [4] أن أجوزه ولا أدخل إليه، فدعوت بدواة وقرطاس وكتبت إليه:
/رجعنا بالصفاء إلى الخليل ... فليس إلى التّهاجر من سبيل
عتاب في مراجعة وصفح ... أحقّ بنا وأشبه بالجميل
قال: ووجّهت بالرّقعة وقصدت بابه، فخرج إليّ حتى تلقّاني، ورجعنا إلى ما كنّا عليه.
تعقب فيما يرويه من الأخبار فوجد صادقا:
حدّثني الصّوليّ قال حدّثني عبد اللّه بن المعتزّ عن الهشاميّ قال:
كان أهلنا يعتبرون [5] على إسحاق ما يقوله في نسبة الغناء وأخباره، بأن يجلسوا كاتبتين فهمتين خلف السّتارة، فتكتبان ما يقوله وتضبطانه، ثم يتركونه مدّة حتى ينسى ما جرى، ثم يعيدون تلك المسألة عليه، فلا يزيد فيها ولا ينقص منها حرفا كأنه يقرؤها من دفتر؛ فعلموا حينئذ أنه لا يقول في شيء يسأل عنه إلّا الحقّ.
غنى علويه لحنا لأبيه فخطأه هو في مجلس المأمون:
حدّثني الصّوليّ قال حدّثني أحمد بن [6] مزيد المهلّبيّ قال حدّثني أبي عن إسحاق قال:
__________
[1] في جميع الأصول: «حدّثني عون بن محمد الصوليّ» وهو خطأ، فإن اسم الصولي «محمد بن يحيى». وقد تقدّم هذا السند بنصه في أكثر من موضع، وسيأتي كذلك في الخبر الذي يلي هذا الخبر.
[2] المجاسد: جمع مجسد، وهو القميص الذي يلي البدن.
[3] أحمد الشي ء: أتى ما يحمد عليه. والمحفار: المسحاة وما يحفر به، وهو مستعمل هنا على سبيل المجاز.
[4] تذممت: استنكفت.
[5] اعتبر الشي ء: اختبره ونظر فيه وردّه إلى نظيره فحكم عليه بحكمه.
[6] كذا في جميع الأصول، ولم يتقدّم لهذا الاسم ذكر قبل ذلك ولم نعثر عليه في كتب التراجم. والمعروف أن الصولي يروي عن محمد بن يزيد المهلبي وعن يزيد بن محمد المهلبي، كما تقدّم في هذا الكتاب أكثر من مرة.
كنّا عند المأمون، فغنّاه علّويه:
صوت
لعبدة دار ما تكلّمنا الدار ... تلوح مغانيها كما لاح أسطار
أسائل أحجارا ونؤيا [1] مهدّما ... وكيف يردّ القول نؤي وأحجار
- الشعر لبشّار، والغناء لإبراهيم ثاني ثقيل مطلق في مجرى الوسطى عن إسحاق - قال: فقال المأمون: لمن هذا اللحن؟ فقلت: لعبد أمير المؤمنين أبي، وقد أخطأ/ فيه علّويه؛ قال: فغنّه أنت فغنّيته، فاستعادنيه مرارا وشرب عليه أقداحا؛ ثم تمثل قول جرير:
وابن اللّبون [2] إذا ما لزّ في قرن ... لم يستطع صولة البزل القناعيس
ثم أمر لي بخمسين ألف درهم. ووجدت هذا الخبر بخطّ أبي العبّاس ثوابة، فقال فيه: حدّثني أحمد بن إسماعيل أبو حاتم قال حدّثني عبد اللّه بن العباس الرّبيعيّ قال:
اجتمعنا بين يدي المعتصم، فغنّى علّويه:
لعبدة دار ما تكلّمنا الدار
فقال له إسحاق: أخطأت فيه، ليس هو هكذا؛ فقال علّويه؛ أمّ من أخذناه عنه هكذا زانية؛ فقال إسحاق:
شتمنا قبحه اللّه، وسكت وبان ذلك فيه؛ وكان علّويه أخذه من إبراهيم.
حواره مع علويه حين أغرى الواثق بينهما:
حدّثني جحظة قال حدّثني أبو العبيس بن حمدون عن أبيه عن جدّه قال:
كان إسحاق بعد وفاة المأمون لا يغنّي إلا الخليفة أو وليّ عهده أو رجلا من الطاهريّة مثل إسحاق بن إبراهيم وطبقته؛ فاجتمعنا عند الواثق وهو وليّ عهد المعتصم، فاشتهى الواثق أن يضرّب [3] بين مخارق وعلّويه وإسحاق، ففعل حتى تهاتروا؛ ثم قال لإسحاق: كيف هما الآن عندك؟ فقال: أمّا مخارق فمناد [4] طيّب الصوت؛/ وأمّا علّويه فهو خير حماري العباديّ [5]، وهو على كل حال شييء [6] (يريد تصغيره)؛ فوثب علّويه مغضبا، ثم قال
__________
[1] النؤى: الحفير أو الحاجز حول الخباء أو الخيمة يدفع عنها السيل يمينا وشمالا ويبعده.
[2] ابن اللبون: ولد الناقة إذا كان في العام الثاني واستكمله، وقيل: إذا دخل في الثالث، والأنثى: ابنة لبون، سمي بذلك لأن أمه وضعت غيره فصار لها لبن. ولز: شدّ ولصق. والقرن (بالتحريك): الحبل الذي يقرن به البعيران. والبزل: جمع بازل، وهو البعير الذي فطرنا به أي انشق. قال الأصمعي وغيره: يقال للبعير إذا استكمل السنة الثامنة وطعن في التاسعة وفطر نابه: بازل.
والقناعيس: جمع قنعاس، وهو الجمل الضخم العظيم الشديد.
[3] التضريب: الإغراء.
[4] كذا في «مختار الأغاني»، وهو الذي يناسب السياق. وفي الأصول: «فمياد» بالياء المثناة من تحت بدل النون.
[5] يشير بهذا إلى المثل المشهور، وهو ما يقال من أنه كان لعبادي (نسبة إلى العباد قوم من العرب نزلوا الحيرة وكانوا نصارى) حماران، فقيل له: أيّ حماريك شر؟ قال: هذا ثم هذا. ويروى أنه قال حين سئل عنهما: هذا هذا، أي لا فضل لأحدهما على الآخر. يضرب خلتين إحداهما شر من الأخرى. (انظر «أمثال الميداني» ج 2 ص 92 طبع بولاق).
[6] كذا في «مختار الأغاني». وفي الأصول: «شي ء» بدون تصغير.
للواثق: جواريه حرائر ونساؤه طوالق، لئن لم تستحلفه بحياتك وحقّ أبيك، أن يصدق عما أسأله [1] عنه، لأتوبنّ عن الغناء ما عشت؛ فقال له الواثق: لا تعربد يا عليّ، نحن نفعل ما سألت؛ ثم حلّف إسحاق أن يصدق فحلف؛ فقال له: من أحسن الناس اليوم صنعة بعدك؟ قال: أنت. قال: فمن أضرب الناس بعد ثقيف؟ قال: أنت. قال فمن أطيب الناس صوتا بعد مخارق؟ قال: أنت. قال علّويه لإسحاق: أهذا/ قولك فيّ وأنت تعلم أنّي مصلّي [2] كلّ سابق فاضل، وأنّي ثالث ثلاثة أنت أحدهم لم يكن في الدنيا مثلهم ولا يكون! فما أنت وغناؤك الذي لا يسمع انخفاضا!؛ فغضب إسحاق، وانتهر الواثق علّويه. ثم أخذ إسحاق عودا فنقل مثناه إلى موضع البمّ [3]، وزيره إلى موضع المثلث، وجعل البمّ والمثلث مكان الزير والمثنى، وضرب وقال: ليغنّ من شاء منكم؛ فغنّى مخارق عليه:
تقطّع من ظلّامة الوصل أجمع ... أخيرا على أن لم يكن يتقطّع
وضرب عليه إسحاق فلم يبن في الأوتار خلاف ولا فقد من الإيقاع شيء ولا بان فيه اختلال؛ فعظم عجب الواثق من فعله؛ وقام إسحاق فرقص طربا، فكان واللّه/ أحسن رقصا من كبيش وعبد السلام - وكانا من أرقص الناس - فقال الواثق: لا يكمل أحد أبدا في صناعته كمثل كمال إسحاق.
مدح لعبد اللّه بن طاهر فيه:
حدّثني الصّوليّ قال حدّثني عون بن محمد قال حدّثني إسحاق قال:
دخلت على عبد اللّه بن طاهر وهو يلاعب إبراهيم بن وهب بالشّطرنج، فغلبه عبد اللّه، وأومأ إليّ بأن أكايده؛ فقلت:
قد ذهبت منك أبا إسحاق ... مثل ذهاب الشهر بالمحاق [4]
فقال لي عبد اللّه: إنّ فضائلك يا أبا محمد لتتكاثر عندنا، كما قال الشاعر في إبله:
إذا أتاها طالب يستامها ... تكاثرت فى عينه كرامها
صنع لحنا في بيتين وغناه الواثق فاستعاده حتى أخذه وأجازه:
أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال ذكر عليّ بن الحسن بن عبد الأعلى عن إسحاق قال:
أنشدتني أمّ محمد الأعرابية لنفسها هذين البيتين وأنا حاجّ، فاستحسنتهما، وصنعت فيهما لحنا غنّيته الواثق؛ فاستعاده حتى أخذه، وأمر لي بثلاثين ألف درهم؛ وهما:
عسى اللّه يا ظمياء أن يعكس الهوى ... فتلقين ما قد كنت منك لقيت
ثراء فتحتاجي إليّ فتعلمي ... بأنّ به أجزيك حين غنيت
__________
[1] كذا في «مختار الأغاني». وفي الأصول: «تسأله».
[2] المصلى: التالي للسابق من خيل السباق. والسابق: الأوّل.
[3] البم: الوتر الغليظ من أوتار المزاهر. وقد جاء في مقدّمة الجزء الأول من «الأغاني» من هذه الطبعة كل ما يتعلق بآلات العود وأسمائها، فارجع إليه.
[4] المحاق (بالضم والكسر): آخر الشهر إذا امحق الهلال فلم ير.
شوّش عودا في مجلس المعتصم وتحدّى ابن المهدي أن يضرب به ثم أظهر هو براعة فائقة:
حدّثني عميّ قال حدّثني عبد اللّه بن أبي سعد قال حدّثني محمد بن مروان قال قال لي يحيى بن معاذ:
كان إسحاق الموصليّ وإبراهيم بن المهديّ إذا خلوا فهما أخوان، وإذا التقيا عند خليفة تكاشحا أقبح تكاشح؛ فاجتمعا يوما عند المعتصم؛ فقال لإسحاق: يا إسحاق، أن إبراهيم يثلبك ويغضّ منك ويقول: إنك تقول: إنّ مخارقا لا يحسن شيئا/ ويتضاحك منك؛ فقال إسحاق: لم أقل يا أمير المؤمنين: إن مخارقا لا يحسن شيئا، وكيف أقول ذلك وهو تلميذ أبي وتخريجه وتخريجي! ولكن قلت: إنّ مخارقا يملك من صوته ما لا يملكه أحد، فيتزايد فيه تزايدا لا يبقي عليه ويتغيّر في كل حال، فهو أحلى الناس مسموعا وأقلّه نفعا لمن يأخذ عنه، لقلّة ثباته على شيء واحد. ولكنّي أفعل الساعة فعلا إن زعم إبراهيم أنه يحسنه فلست أحسن شيئا، وإلّا فلا ينبغي له أن يدّعي ما ليس يحسنه. ثم أخذ عودا فشوّش أوتاره، ثم قال لإبراهيم: غنّ على هذا أو يغنّي غيرك وتضرب عليه؛ فقال المعتصم: يا إبراهيم، قد سمعت، فما عندك؟ قال: ليفعله هو إن كان صادقا؛ فقال له إسحاق: غنّ حتى أضرب عليك فأبى؛ فقال لزرزور: غنّ فغنّى وإسحاق يضرب عليه حتى فرغ من الصوت ما علم أحد أنّ/ العود مشوّش. ثم قال: هاتوا عودا آخر؛ فشوّشه وجعل كلّ وتر منه في الشدّة واللين على مقدار العود المشوّش الأوّل حتى استوفى؛ ثم قال لزرزور: خذ أحدهما فأخذه، ثم قال: انظر إلى يدي واعمل كما أعمل واضرب ففعل؛ وجعل إسحاق يغنّي ويضرب وزرزور ينظر إليه ويفعل كما يفعل؛ فما ظنّ أحد أن في العود [ين] [1] شيئا من الفساد لصحة نغمهما جميعا إلى أن فرغ من الصوت. ثم قال لإبراهيم: خذ الآن أحد العودين، فاضرب به مبدأ أو عمود طريقة أو كيف شئت إن كنت تحسن شيئا؛ فلم يفعل وانكسر انكسارا شديدا؛ فقال له المعتصم: أرأيت مثل هذا قطّ؟ قال: لا، واللّه ما رأيت ولا ظننت أنّ مثله يكون.
أعجبه يوم فتمثل فيه بشعر:
حدّثني أبو عبد اللّه محمد بن العباس اليزيديّ قال حدّثني عمّي الفضل قال:
/ دعاني إسحاق يوما، فمضيت إليه وعنده الزّبير بن دحمان وعلّويه وحسين بن الضحّاك، فمرّ لنا أحسن يوم؛ فالتفت إليّ إسحاق ثم قال: يومنا هذا واللّه يا أبا العبّاس كما قال الشاعر:
أنت واللّه من الأي ... ام لدن الطّرفين
كلّما قلّبت عينيّ ... ففي قرّة عين
غنى الواثق فشرب وخلع عليه:
أخبرني محمد بن مزيد قال حدّثنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه قال:
دخلت يوما على الواثق فقال لي: يا إسحاق، إني أصبحت اليوم قرما [2] إلى غنائك فغنّني؛ فغنّيته:
من الظباء ظباء همّها السّخب [3] ... ترعى القلوب وفي قلبي لها عشب
__________
[1] زيادة يقتضيها السياق.
[2] القرم (بالتحريك) في الأصل: شدة الشهوة إلى اللحم، ثم كثر حتى قالوا: قرمت إلى لقائك.
[3] كذا في ح، وفيما سيأتي في أكثر الأصول. والسخب (بضمتين): جمع سخاب (ككتاب) وهي قلادة تتخذ من قرنفل وغيره؛ وقال
لا يغتربن ولا يسكنّ بادية ... وليس يدرين ما ضرع ولا حلب
إذا يد سرقت فالقطع يلزمها ... والقطع في سرق بالعين لا يجب
قال: فشرب عليه بقيّة يومه وبعض ليلته، وخلع عليّ خلعة من ثيابه.
خرج مع الواثق إلى الصالحية فحنّ إلى بغداد وأنشده شعرا فأجازه وصرفه:
أخبرني محمد بن مزيد قال حدّثنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه قال:
خرجت مع الواثق إلى الصالحيّة [1] وهو يريد النزهة، فذكرت بغداد وعيالي وأهلي وولدي بها فبكيت؛ فقال لي: بحياتي أذكرت بغداد فبكيت شوقا إليها؟ فقلت: نعم، وغنّيته:
صوت
وما زلت أبكي في الديار وإنما ... بكائي على الأحباب ليس على الدار
قال: فأمر لي بمائة ألف درهم وصرفني.
وأخبرني محمد بن مزيد بهذا الخبر عن حمّاد بن إسحاق عن أبيه، وحدّثني به عليّ بن هارون عن عمّه عن حمّاد عن أبيه وخبره أتمّ، قال:
ما وصلني أحد من الخلفاء قطّ بمثل ما وصلني به الواثق. ولقد انحدرت معه إلى النّجف [2]، فقلت له:
يا أمير المؤمنين، قد قلت في النجف قصيدة؛ فقال: هاتها؛ فأنشدته:
يا راكب العيس لا تعجل بنا وقف ... نحيّ دارا لسعدى ثم ننصرف
حتى أتيت على قولي:
لم ينزل الناس في سهل ولا جبل ... أصفى هواء ولا أعذى [3] من النّجف
حفّت ببرّ وبحر من جوانبها ... فالبرّ في طرف والبحر في طرف
/ وما يزال نسيم من يمانية [4] ... يأتيك منها بريّا روضة [5] أنف
/ فقال: صدقت يا إسحاق، هي كذلك. ثم أنشدته حتى أتيت على قولي في مدحه:
__________
() الأزهري: كل قلادة كانت ذات جوهر أو لم تكن. والمعنى: إن في الظباء صنفا (يكنى به عن النساء) همه التزين والتجمل يفتن القلوب ولا يألف إلا النعيم. وفي سائر الأصول: «السحب» بالحاء المهمة، وهو تصحيف.
[1] الصالحية: محلة ببغداد تنسب إلى صالح بن المنصور المعروف بالمسكين.
[2] النجف (بالتحريك): موضع يظهر الكوفة وهو دومة الجندل بعينها، وبالقرب منه قبر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضوان اللّه عليه.
[3] كذا ورد في «معجم البلدان» لياقوت (بالعين المهملة) في الكلام على النجف. وأعذى: أطيب هواء، يقال: عذا المكان يعذو إذا طاب هواؤه. ومنه الأرض العذاة وهي الأرض البعيدة عن الأحساء والنزوز والريف، السهلة المريئة التي يكون كلؤها ناجعا مريئا.
وفي الأصول: «أغذى» بالغين المعجمة، وهو تصحيف.
[4] في «معجم البلدان»:
« .... من أيا منه ... يأتيك منه .... »
[5] الروضة الأنف (بضم الهمزة والنون): التي لم يرعها أحد.
لا يحسب الجود يفني ماله أبدا ... ولا يرى بذل ما يحوي من السّرف
ومضيت فيها حتى أتممتها؛ فطرب وقال: أحسنت واللّه يا أبا محمد، وكنّاني يومئذ، وأمر لي بمائة ألف درهم؛ وانحدر إلى الصالحيّة التي يقول فيها أبو نواس:
بالصالحيّة من أكناف كلواذ [1]
فذكرت الصبيان وبغداد فقلت:
أتبكي على بغداد وهي قريبة ... فكيف إذا ما ازددت منها غدا بعدا
لعمرك ما فارقت بغداد عن قلى ... لو أنّا وجدنا عن فراق لها بدّا
إذا ذكرت بغداد نفسي تقطّعت ... من الشوق أو كادت تموت بها وجدا
كفى حزنا أن رحت لم أستطع لها ... وداعا ولم أحدث بساكنها عهدا
قال: فقال لي: يا موصليّ، أشتقت إلى بغداد؟ فقلت: لا واللّه يا أمير المؤمنين، ولكن من أجل الصبيان، وقد حضرني بيتان؛ فقال: هاتهما؛ فأنشدته:
/حننت إلى الأصيبية الصّغار ... وشاقك منهم قرب المزار
وأبرح ما يكون الشوق يوما [2] ... إذا دنت الدّيار من الديار
فقال لي: يا إسحاق، صر إلى بغداد فأقم مع عيالك شهرا ثم صر إلينا، وقد أمرت لك بمائة ألف درهم.
صنع الواثق لحنا وأمره أن يغني فيه فصنع هو لحنا أحسن منه:
أخبرنا يحيى بن عليّ قال أخبرني أبي قال:
لمّا صنع الواثق لحنه في:
أيا منشر الموتى أقدني من التي ... بها نهلت [3] نفسي سقاما وعلّت
لقد بخلت حتى لو أنّي سألتها ... قذى العين من سافي التراب لضنّت
__________
[1] كلواذا (بفتح فسكون وآخرها ألف مقصورة. ولعل أبا نواس كسرها هنا للقافية، فقد أوردها بالفتح في قوله:
أحين ودّعنا يحيى لرحلته ... وخلف الفرك واستعلى لكلواذا)
مدينة كانت قرب بغداد في ناحية الجانب الشرقي منها. وهذا الشطر من قصيدة لأبي نواس وردت في «ديوانه»، وقد ورد فيها على غير رواية الأصول هنا، مطلعها:
وقائل هل تريد الحج قلت له ... نعم إذا نفدت لذات بغذاذ
أما وقطر بل منها بحيث أرى ... فقبة الفرك من أكناف كلواذ
فالصالحية فالكرخ التي جمعت ... شذاذ بغذاذ ما هم لي بشذاذ
وللفرك (بالكسر): قرية كانت قرب كلواذا.
[2] ستأتي في «الأغاني» (ج 8 ص 168 طبع بولاق) رواية أخرى لهذا الشطر:
وكل مفارق يزداد شوقا
[3] النهل (بالتحريك): الشرب الأوّل، يقال: نهلت الإبل وأنهلتها أنا، وهو أن تسقي في أوّل الورد فترد إلى العطن (مناخ الإبل ومبركها) ثم تسقى الثانية وهو العلل فتردّ إلى المرعى.
أعجب به إعجابا شديدا؛ فوجّه بالشعر إلى إسحاق الموصليّ وأمره أن يغنّي فيه؛ فصنع [1] فيه لحنه الثقيل الأوّل، وهو من أحسن صنعة إسحاق؛ فلمّا سمعه الواثق عجب منه وصغر لحنه في عينه، وقال: ما كان أغنانا أن نأمر إسحاق بالصنعة في هذا الشعر، لأنه قد أفسد علينا لحننا. قال عليّ بن يحيى قال إسحاق: ما كان يحضر مجلس الواثق أعلم منه بهذا الشأن.
نسبة هذين الصوتين
صوت
أيا منشر الموتى أقدني من التي ... بها نهلت نفسي سقاما وعلّت
لقد بخلت حتى لو أنّي سألتها ... قذى العين من سافي التراب لضنّت
/ الشعر لأعرابيّ، والغناء للواثق ثاني ثقيل في مجرى البنصر. وفيه لمخارق رمل، ولعريب رمل. ومن الناس من ينسب هذا الشعر إلى كثيّر، وهو خطأ من قائله.
أنشدني هذه الأبيات عمّي قال: أنشدني هارون بن عليّ بن يحيى، وأنشدنيها عليّ بن هارون عن أبيه عن جدّه عن إسحاق أنه أنشده لأعرابيّ فقال:
صوت
ألا قاتل اللّه الحمامة غدوة ... على الغصن ماذا هيّجت حين غنّت
تغنّت بصوت أعجميّ فهيّجت [2] ... من الشوق ما كانت ضلوعي أجنّت
غنّى في هذين البيتين عمرو بن بانة ثاني ثقيل بالوسطى.
فلو قطرت عين امرىء من صبابة ... دما قطرت عيني دما فألمّت
فما سكتت [3] حتى أويت لصوتها ... وقلت ترى هذي الحمامة جنّت
ولي زفرات لو يدمن قتلنني ... بشوق إلى نأي [4] التي قد تولّت
إذا قلت هذي زفرة اليوم [5] قد مضت ... فمن لي بأخرى في غد قد أظلّت
فيا محيي الموتى أقدني من التي ... بها نهلت نفسي سقاما وعلّت
لقد بخلت حتى لو أنّي سألتها ... قذى العين من سافي التراب لضنّت
فقلت ارحلا يا صاحبيّ فليتني ... أرى كلّ نفس أعطيت ما تمنّت
__________
[1] كذا في ب، س، ح. وفي سائر الأصول: «فغنى».
[2] كذا في ح وفيما سيأتي (ج 8 ص 166 طبع بولاق). وفي سائر الأصول هنا: «فهاجني». وقد وردت ثلاثة أبيات من هذه الأبيات في «أمالي القالي» (ج 1 ص 131 طبع دار الكتب المصرية) مع اختلاف في بعض الكلمات.
[3] كذا فيما سيأتي. وفي الأصول هنا: «سكنت» بالنون.
[4] فيما سيأتي: «نادى».
[5] كذا فيما سيأتي. وفي الأصول هنا: «زفرة الموت»، وهو مما يأباه سياق البيت.
/
حلفت لها باللّه ما أمّ [1] واحد ... إذا ذكرته آخر الليل حنّت
وما وجد أعرابيّة قذفت بها ... صروف النّوى من حيث لم تك ظنّت
إذا ذكرت ماء العضاه [2] وطيبه ... وبرد الحمى من بطن خبت [3] أرنّت
بأكثر منّي لوعة غير أنني ... أجمجم [4] أحشائي على ما أجنّت
وأما لحن إسحاق فإنه غنّى في:
لقد بخلت حتى لو أنّي سألتها
وأضاف إليه شيئا آخر وليس من ذلك الشعر، وهو:
فإن بخلت فالبخل منها سجيّة ... وإن بذلت أعطت قليلا وأكدت [5]
قال: ولحنه ثقيل أوّل بالسبّابة في مجرى الوسطى.
كاده مخارق عند الواثق فغضب عليه ولما عرف الحق من أمره رضي عنه:
أخبرني الحسن بن عليّ ومحمد بن يحيى الصّوليّ قال حدّثنا يزيد بن محمد المهلّبيّ، وحدّثني به عمّي عن أبي جعفر بن دهقانة النّديم عن أبيه قال:
كان الواثق إذا صنع صوتا قال لإسحاق: هذا وقع إلينا البارحة فاسمعه، فكان ربّما أصلح فيه الشيء بعد الشيء. فكاده مخارق عنده وقال له: إنما يستجيد صنعتك إذا حضر ليقاربك ويستخرج ما عندك، فإذا فارق حضرتك قال في صنعتك غير ما تسمع؛ قال الواثق: فأنا أحب أن أقف على ذلك؛ فقال له مخارق: فأنا أغنيّه «أيا منشر/ الموتى» فإنه لم يعلم أنه لك ولا سمعه من أحد؛ قال: فافعل. فلمّا دخل إسحاق غنّاه مخارق وتعمّد لأن يفسده بجهده، وفعل ذلك في مواضع خفيّة لم يعلمها الواثق من قسمته؛ فلمّا غنّاه قال له الواثق: كيف ترى هذا الصوت؟ قال له: فاسد غير مرضيّ؛ فأمر به فسحب من المجلس حتى أخرج عنه، وأمر بنفيه إلى بغداد. ثم جرى ذكره يوما. فقالت له فريدة: يا أمير المؤمنين، إنما كاده مخارق فأفسد عليه الصوت من حيث أوهمك أنه زاد فيه بحذقه نغما وجودة، وإسحاق يأخذ نفسه بقول الحق في كل شيء ساءه أو سرّه، ويفهم من غامض علل الصنعة ما لا يفهمه غيره؛ فليحضره أمير المؤمنين ويحلّفه بغليظ الأيمان أن يصدقه عما يسمع،/ وأغنّيه إياه حتى يقف على حقيقة الصوت؛ فإن كان فاسدا فصدق عنه لم يكن عليه عتب، ووافقناه عليه حتى يستوي، فليس يجوز أن نتركه [6]
__________
[1] كذا في أ، ء، م ونسخة الأستاذ الشنقيطي مصححة بخطه وفيما سيأتي (ج 8 ص 166 طبع بولاق). وفي سائر الأصول: «يا أم واحد»، وهو تحريف.
[2] العضاه: ضرب من الشجر له شوك.
[3] الخبت: الوادي العميق الوطيء ينبت ضروب العضاه، وقيل: ما اطمأن من الأرض واتسع، وهو أيضا علم لصحراء بين مكة والمدينة يقال لها خبت الجميش. وأرنت المرأة في نوحها: صاحت مع البكاء، وقيل: الإرنان: الصيحة الشديدة والصوت الحزين عند البكاء.
[4] يقال: جمجم شيئا في صدره إذا أخفاه ولم يبده. يريد أنه طوى أحشاءه على ما أجنته وجعلها غطاء له.
[5] أكدت: قللت عطاءها ومنعته، وفي التنزيل العزيز: وَأَعْطى قَلِيلًا وَأَكْدى
[6] في الأصول: « .... أن يتركه ... » بالياء المثناة من تحت بدل النون، والتصويب عن «مختار الأغاني».
فاسدا إذا كان فيه فساد؛ وإن كان صحيحا قال فيه ما عنده؛ فأمر بالكتاب [1] بحمله فحمل وأحضر، فأظهر الرضا عنه ولزمه أيّاما؛ ثم أحلفه ليصدقنّ عما يمرّ في مجلسه فحلف له. ثم غنّى الواثق أصواتا يسأله عنها أجمع فيخبر فيها بما عنده؛ ثم غنّته فريدة هذا الصوت وسأله الواثق عنه، فرضيه واستجاده، وقال له: ليس على هذا سمعته في المرّة الأولى، وأبان عن المواضع الفاسدة وأخبر بإفساد مخارق إياها؛ فسكن غضبه ووصل إسحاق وتنكّر لمخارق مدّة.
قصة له مع الواثق بشأن الغناء والألحان:
أخبرنا يحيى بن عليّ قال حدّثنا أبو أيّوب المدينيّ قال حدّثنا محمد بن عبد اللّه بن مالك قال حدّثني إسحاق الموصليّ:
/ أنه دخل على إسحاق بن إبراهيم الطّاهريّ، وقد كان تكلّم له في حاجة فقضيت، فقال له: أعطاك اللّه أيها الأمير ما لم تحط به أمنيّة ولا تبلغه رغبة. قال: فاشتهى هذا الكلام واستعاده منّي فأعدته. ثم مكثنا ما شاء اللّه، وأرسل الواثق إلى محمد [2] بن إبراهيم يأمره بإخراجي إليه في الصوت الذي أمرني به بأن أغنّي فيه، وهو:
لقد بخلت حتّى لو أنّي سألتها
فغنّيته إيّاه، فأمر لي بمائة ألف درهم. فخرجت وأقمت ما شاء اللّه ليس أحد من مغنّيهم يقدر أن يأخذ هذا الغناء منّي. فلمّا طال مقامي قلت له: يا أمير المؤمنين، ليس أحد من هؤلاء المغنّين يقدر أن يأخذ هذا الصوت منّي؛ فقال لي: ولم؟ ويحك! فقلت: لأني لا أصحّحه ولا تسخو نفسي به لهم؛ فما فعلت الجارية التي أخذتها منّي؟ (يعني شجا، وهي التي كان أهداها إلى الواثق وعمل مجرّد أغانيها وجنّسه ونسبه إلى شعرائه ومغنّيه، وهو الذي في أيدي الناس إلى اليوم)؛ فقال: وكيف؟ قال: لأنها تأخذه منّي ويأخذونه هم منها؛ فأمر بها فأخرجت وأخذته على المكان؛ فأمر لي بمائة ألف درهم وأذن لي في الانصراف؛ وكان إسحاق بن إبراهيم الطاهريّ حاضرا، فقلت للواثق عند وداعي له: أعطاك اللّه يا أمير المؤمنين ما لم تحط به أمنيّة ولم تبلغه رغبة؛ فالتفت إليّ إسحاق بن إبراهيم فقال لي: أي إسحاق أتعيد الدعاء! فقلت: إي واللّه أعيده قاض أنا أو مغنّ. وقدمت بغداد، فلمّا وافى إسحاق جئته مسلّما عليه؛ فقال لي: ويحك يا إسحاق! أتدري ما قال أمير المؤمنين بعد خروجك من عنده؟ قلت:
لا أيها الأمير؛ قال قال لي: ويحك! كنّا أغنى/ الناس عن أن نبعث إسحاق على لحننا حتى أفسده علينا. قال عليّ بن يحيى: فحدّثني إسحاق قال: استأذنت الواثق عدّة دفعات في الانحدار إلى بغداد فلم يأذن لي، فصنعت لحنا في:
خليليّ عوجا من صدور الرّواحل
ثم غنّيته الواثق فاستحسنه وعجب من صحّة قسمته ومكث صوته أيّاما، ثم قال لي: يا إسحاق، قد صنعت
__________
[1] في الأصول: «فأمر بالكتاب بحمله فحمله وأحضر ... » وعبارة «مختار الأغاني»: «فأمر بحمله فحمل وأظهر له الرضا عنه ... ».
[2] هو محمد بن إبراهيم بن مصعب بن زريق أخو إسحاق بن إبراهيم الطاهري، كان من القوّاد الكبار في أيام المعتصم والواثق والمتوكل، قتل في خلافة المتوكل سنة 236 ه (راجع الطبري ص 1290 - 1292، 1298 - 1300، 1404 - 1406 من القسم الثالث).
لحنا في صوتك في إيقاعه وطريقته، وأمر من وراء السّتارة [1] فغنّوه؛ فقلت: قد واللّه يا أمير المؤمنين بغّضت إليّ لحني وسمّجته عندي؛ وقد كنت استأذنته في الانحدار إلى بغداد فلم يأذن لي؛ فلمّا صنع هذا اللّحن وقلت له ما قلت، أتبعته بأن قلت له: قد واللّه يا أمير المؤمنين اقتصصت منّي في «لقد/ بخلت» وزدت؛ فأذن لي بعد ذلك.
نسبة هذا الصوت
صوت
خليليّ عوجا من صدور الرّواحل ... بجرعاء [2] حزوى فابكيا في المنازل
لعلّ انحدار الدّمع يعقب راحة ... من الوجد أو يشفي نجيّ البلابل [3]
الشعر لذي الرّمّة، والغناء لإسحاق رمل بالوسطى في البيتين. وللواثق في البيت الثاني وحده رمل بالبنصر.
تأسى ابن عياش بشعر ذي الرمة في البكاء عند المصائب:
أخبرني أحمد بن عمّار قال حدّثني يعقوب بن نعيم قال حدّثني كثير بن أبي جعفر الحزاميّ [4] الكوفيّ عن أحمد بن جوّاس الحنفيّ عن أبي بكر بن عيّاش قال:
كنت إذا أصابتني المصيبة تصبّرت وأمسكت عن البكاء، فأجد ذلك يشتدّ عليّ، حتّى مررت ذات يوم بالكناسة [5]، فإذا أنا بأعرابيّ واقف على ناقة له وهو ينشد:
خليليّ عوجا من صدور الرّواحل ... بجرعاء حزوى فابكيا في المنازل
لعلّ انحدار الدّمع يعقب راحة ... من الوجد أو يشفي نجيّ البلابل
فسألت عنه فقيل لي: هذا ذو الرّمّة؛ فكنت بعد إذا أصابتني مصيبة بكيت فأجد لذلك راحة؛ فقلت: قاتل اللّه الأعرابيّ! ما كان أعلمه وأفصح لهجته!.
سئل أيهما أجود لحنك أم لحن الواثق فأجاب:
أخبرنا يحيى بن عليّ عن أبيه قال:
قلت لإسحاق: أيّما أجود، لحنك في «خليليّ عوجا» أم [6] لحن الواثق؟ فقال: لحني أجود قسمة وأكثر عملا، ولحنه أطرب، لأنه جعل ردّته من نفس قسمته، وليس يقدر على أدائه إلّا متمكن من نفسه. قال عليّ بن
__________
[1] راجع أحوال خلفاء بني أمية والدولة العباسية في الشرب واللهو واحتجابهم عن الندماء والمغنين بالستارة في كتاب «التاج في أخلاق الملوك» للجاحظ (ص 31 - 45 طبع المطبعة الأميرية).
[2] الجرعاء: الأرض ذات الحزونة تشاكل الرمل، وقيل: هي الرملة السهلة المستوية. وحزوى (بضم أوله وسكون ثانيه مقصورا):
موضع بنجد في ديار تميم، وقال الأزهري: جبل من جبال الدهناء. وفي «ديوانه» طبع أوروبا و«معجم ياقوت»: «جمهور حزوي». والجمهور: الرملة العظيمة المشرفة على ما حولها.
[3] البلابل: الهموم في الصدور.
[4] في ج: «الحرامي» بالراء المهملة.
[5] الكناسة (بضم الكاف): محلة بالكوفة.
[6] في الأصول: «أو»، والسياق يقتضي «أم».
يحيى: فتأمّلت اللحنين بعد ذلك فوجدتهما كما ذكر إسحاق. قال وقال لي إسحاق: ما كان بحضرة الواثق أعلم منه بالغناء.
فضل ابن المعتز لحنا للواثق على لحنه:
أخبرني عليّ بن هارون قال:
كان عبد اللّه بن المعتزّ يحلف أنّ الواثق ظلم نفسه في تقديمه لحن إسحاق في «لقد بخلت». قال: ومن الدّليل على ذلك أنه قلّما غنّي في صوت واحد بلحنين/ فسقط أجودهما وشهر الدّون، ولا يشهر من اللحنين إلا أجودهما، ولحن الواثق أشهرهما، وما يروي لحن إسحاق إلا العجائز ومن كثرت روايته.
كان الواثق يعرض عليه صنعته فيصلح فيها:
حدّثني جحظة عن ابن المكيّ المرتجل عن أبيه أحمد بن يحيى قال:
كان الواثق يعرض صنعته على إسحاق فيصلح فيها الشيء بعد الشيء.
آخر صوت صنعه:
أخبرنا حسين [1] بن يحيى عن حمّاد:
أنّ آخر صوت صنعه أبوه: «لقد بخلت»، ثم ما صنع شيئا حتى مات.
غنى للمعتصم بشعر أبي القنافذ فأجازهما:
أخبرنا هاشم بن محمد الخزاعيّ قال حدّثني أبو زيد عمر بن شبّة قال حدّثني إسحاق قال:
دخل أعرابيّ من بني سليم سرّ من رأى - وكان يكنى أبا القنافذ - فحضر باب المعتصم مع الشعراء فأذن له؛ فلمّا مثل بين يديه أنشده:
مراض العيون خماص البطون ... طوال المتون قصار الخطا
عتاق [2] النّحور قاق الثغور ... لطاف الخصور خدال [3] الشّوى
عطابيل [4] من كلّ رقراقة [5] ... تلوث الإزار بدعص [6] النّقا
/ إذا هنّ منّيننا نائلا ... أبى البخل منهنّ ذاك المنى
إلى النّفر البيض أهل البطاح ... وأهل السّماح طلبنا النّدى
__________
[1] في الأصول: «حسن بن يحيى»، وهو تحريف.
[2] عتاق النحور: جميلاتها.
[3] خدال: جمع خدلة وهي من النساء: الغليظة الساق المستديرتها. والشوى: الأطراف.
[4] عطابيل: جمع عطبولة وعطبول وهي الجارية الفتية الجميلة الممتلئة الطويلة العنق. قال ابن بري: ولا يقال: رجل عطبول إنما يقال: رجل أجيد، إذا كان طويل العنق.
[5] جارية رقراقة: كأن الماء يجري في وجهها.
[6] الدعص: كثيب الرمل المجتمع.
/
لهم سطوات إذا هيّجوا ... وحلم إذا الجهل حلّ الحبا [1]
يبين لك الخير في أوجه ... لهم كالمصابيح تجلو الدّجى
سعى الناس كي يدركوا فضلهم ... فقصّر عن سعيهم من سعى
سعى للخلافة فاقتادها ... وبرّز في السّبق لمّا جرى
قال: فاستحسنها المعتصم وأمرني فغنّيت فيها، وأمر للأعرابيّ بعشرين ألف درهم ولي بثلاثين ألف درهم؛ وما خرج الناس يومئذ إلّا بهذه الأبيات.
طلب من علي بن هشام نبيذا فأرسله إليه:
حدّثني عمّي قال حدّثني فضل اليزيديّ عن إسحاق قال:
كتبت إلى عليّ بن هشام أطلب منه نبيذا، فبعث إليّ جمان [2] بما التمست، وكتب إليّ: قد بعثت إليك بشراب أصلب من الصّخر، وأعتق من الدهر، وأصفى من القطر.
تخلف عن عبد اللّه بن طاهر فكلف لميس أن تسرق لحنا له وتذيعه:
حدّثني جحظة قال حدّثني أبو عبد اللّه الهشاميّ عن أحمد المكيّ قال:
لمّا صنع إسحاق لحنه في الرّمل:
أماويّ [3] إنّ المال غاد ورائح ... ويبقى من المال الأحاديث والذّكر
وقد علم الأقوام لو أنّ حاتما ... يريد ثراء المال كان له وفر
/ وهو رمل نادر، ابتداؤه صياح، ثم لا يزال ينزل على تدريج حتى يقطعه على سجحة، وكان كثير الملازمة لعبد اللّه بن طاهر، ثم تخلّف عنه مدّة وذلك في أيّام المأمون؛ فقال عبد اللّه للميس جاريته: خذي لحن إسحاق في:
أماويّ إنّ المال غاد ورائح
فاخلعيه عليّ:
وهبّت شمال آخر اللّيل قرّة [4] ... ولا ثوب إلّا بردها وردائيا
وألقيه على كلّ جارية تعلّمينها واشهريه وألقيه على من يجيده من جواري زبيدة، وقولي: أخذته من بعض عجائز المدينة؛ ففعلت، وشاع أمره حتّى غنّي به بين يدي المأمون؛ فقال المأمون للجارية: ممّن أخذت هذا؟
فقالت: من دار عبد اللّه بن طاهر من لميس جاريته، وأخبرتني أنها أخذته من بعض عجائز المدينة. فقال المأمون
__________
[1] الحبا: جمع حبوة (بضم الأوّل وكسره في المفرد والجمع)، وهي الثوب الذي يحتبى به. والاحتباء: ضم الإنسان رجليه إلى بطنه بثوب يجمعهما. ويكنى بحل الحبا عن القيام كما يكنى بعقدها عن القعود. يريد: أن للمدوحين حلما إذا استفز الجهل أهل الجهل غضبا وطيشا.
[2] لعله يريد بجمان هذا: قهرمانا أو وكيلا لعلي بن هشام، وقد سقطت هذه الكلمة في ج.
[3] الشعر لحاتم الطائي، يخاطب ماوية بنت عفزر وقد خطبها حاتم إلى أهلها، وله في ذلك معها حديث طويل. (انظر كتاب «الشعر والشعراء» ص 126 طبع أوروبا، و «الأغاني» ج 16 ص 105 طبع بولاق).
[4] قرة: باردة.
لإسحاق: ويلك! قد صرت تسرق الغناء وتدّعيه، اسمع هذا الصوت؛ فسمعه فقال: هذا وحياتك لحني، وقد وقع عليّ فيه نقب من لصّ حاذق، وأنا أغوص عليه حتّى أعرفه؛ ثم بكّر إلى عبد اللّه بن طاهر فقال: أهذا حقّي وحرمتي وخدمتي! تأخذ لميس لحني في:
أماويّ أنّ المال غاد ورائح
فتغنّيه في: «وهبّت شمال»! وليس بي ذلك، ولكن بي أنّها فضحتني عند الخليفة وادّعت أنها أخذته من بعض عجائز المدينة؛ فضحك عبد اللّه وقال: لو كنت تكثر عندنا كما كنت تفعل لم تقدم عليك لميس ولا غيرها؛ فاعتذر فقبل عذره، وقال له: أيّ شيء تريد؟ قال: أريد أن تكذّب نفسها عند من ألقته عليها حتى/ يعلم الخليفة بذلك؛ قال: أفعل؛ ومضى إسحاق إلى المأمون وأخبره القصّة؛ فاستكشفها من لميس حتى وقف عليها، وجعل يعبث بإسحاق بذلك مدّة.
غنى محمدا الأمين في شعر له فيه فأجازه:
حدّثني جحظة قال حدّثني عبيد اللّه بن عبد اللّه بن طاهر قال/ حدّثتني شهوات [1] الصّنّاجة التي كان إسحاق أهداها إلى الواثق:
أن محمدا الأمين لمّا غنّاه إسحاق لحنه الذي صنعه في شعره وهو الثقيل الأوّل:
صوت
يأيّها القائم الأمين فدت ... نفسك نفسي بالمال والولد
بسطت للنّاس إذ وليتهم ... يدا من الجود فوق كلّ يد
فأمر له بألف ألف درهم؛ فرأيتها قد وصلت إلى داره يحملها مائة فرّاش.
سأله الواثق، وهو يغنيه شعرا، عن أحسن ما فيه أعجب بجوابه وأجازه:
حدّثني جحظة ومحمد بن خلف بن المرزبان قالا حدّثنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه قال:
غنّيت الواثق:
صوت
عفا طرف القريّة فالكثيب ... إلى ملحاء ليس بها عريب [2]
تأبّد رسمها وجرى عليها ... سوافي الريح والتّرب الغريب
- ولحنه ثقيل ثان - قال: فقال لي: يا إسحاق، قد أحسن ابن هرمة في البيتين، فأيّ شيء هو أحسن فيهما من جميعهما؟ قال قلت: قوله: «الترب الغريب»، يريد أنّ الريح جاءت إلى الأرض بتراب ليس منها فهو غريب جاءت به من موضع بعيد؛ فقال: صدقت وأحسنت؛ وأمر لي بخمسين ألف درهم.
__________
[1] في «مختار الأغاني» (ص 159): «شهوار» بالراء المهملة.
[2] تقدّم هذا الشعر في ص 214 من هذا الجزء مع التعليقات عليه فراجعه.
أمر ابن المدبر مغنيا أن يزيد بيتا على لحن له:
حدّثني عليّ بن سليمان الأخفش قال حدّثني محمد بن الحسن بن الحرون قال:
كنّا يوما عند أحمد بن المدبّر، فغنّاه مغنّ كان عنده لحن إسحاق:
صوت
فأصبحت كالحومان [1] ينظر حسرة ... إلى الماء عطشانا وقد منع الوردا
وقال ابن المدبّر: زد فيه:
وأمسيت كالمسلوب مهجة نفسه ... يرى الموت في صدّ الحبيب إذا صدّا
لحن إسحاق في هذا البيت من الثقيل الأوّل بإطلاق الوتر في مجرى البنصر.
أنشد مروان بن أبي حفصة شعرا له فأدهشه:
حدّثني الأخفش قال حدّثني محمد بن يزيد الأزديّ قال حدّثني شيخ من ولد المهلّب قال:
دخل مروان بن أبي حفصة يوما على إبراهيم الموصليّ، فجعلا يتحدّثان إلى أن أنشد إسحاق بن إبراهيم مروان بن أبي حفصة لنفسه:
إذا مضر الحمراء [2] كانت أرومتي ... وقام بنصري خازم وابن خازم [3]
عطست بأنف شامخ وتناولت ... يداي الثّريّا قاعدا غير قائم
/ قال: وجعل إبراهيم يحدّث مروان وهو عنه ساه مشغول، فقال له: مالك لا تجيبني؟ قال: إنك واللّه لا تدري ما أفرغ ابنك هذا في أذني.
طرب لشعر أعرابي وسكر حتى انصرف محمولا:
حدّثني أحمد بن جعفر جحظة قال حدّثني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثني موسى بن هارون عن يعقوب بن بشر قال:
كنت مع إسحاق الموصليّ في نزهة، فمرّ بنا أعرابيّ، فوجّه إسحاق خلفه بغلامه زياد الذي يقول فيه:
وقولا لساقينا زياد يرقّها ... فقد هدّ [4] بعض القوم سقي زياد
__________
[1] الحومان: العطشان، من حام يحوم إذا عطش. وفي ح: «كالحيران»، ولعل صوابها «الحرّان»، والحرّان: الشديد العطش.
[2] قيل لمضر: مضر الحمراء (بالإضافة) لأن أباهم مضر لما اقتسم هو وربيعة الميراث أعطى مضر الذهب (و هو يؤنث) وأعطى ربيعة الخيل، فقيل لهذا: مضر الحمراء ولذاك ربيعة الفرس. ويقال: لأنه كان شعار مضر في الحرب العمائم والرايات الحمر. (راجع «لسان العرب» مادة «مضر»).
[3] تقدّم هذان البيتان في أوّل ترجمة إسحاق (ص 278 من هذا الجزء) برواية البيت الأوّل هكذا:
إذا كانت الأحرار أصلي ومنصبي ... ودافع ضيمي ...
إلخ وهي الرواية التي تتفق مع الواقع، إذ إسحاق الموصلي لم تكن أرومته مضر الحمراء بل كان أصله فارسيا. وورد في بعض الأصول هنا: «حازم وابن حازم» بالحاء المهملة، وهو تصحيف.
[4] هدّه الأمر: بلغ منه وأعياه.
قال: فوافانا الأعرابيّ، فلمّا شرب وسمع حنين الدّواليب قال:
صوت
بكرت تحنّ وما بها وجدي ... وأحنّ من وجد إلى نجد
فدموعها تحيا الرّياض بها ... ودموع عيني أقرحت خدّي
وبساكني نجد كلفت وما ... يغني لهم كلفي ولا وجدي
لو قيس وجد العاشقين إلى ... وجدي لزاد عليه ما عندي
قال: فما انصرف إسحاق إلى بيته إلّا محمولا سكرا، وما شرب إلّا على هذه الأبيات.
والغناء فيها لإسحاق هزج بالبنصر.
قصته مع الفضل بن الربيع بشأن البساط:
أخبرني محمد بن مزيد والحسين بن يحيى عن حمّاد بن إسحاق عن أبيه، وأخبرني به الحسن بن عليّ عن عبد اللّه بن أبي سعد عن محمد بن عبد اللّه عن إسحاق قال:
/ دخلت على الفضل بن الرّبيع وهو على بساط سوسنجرديّ [1] ستيني مذهب يلمع عليه مكتوب: «مما أمر بصنعته حمّاد عجرد»؛ فقال لي: أتدري من حمّاد عجرد؟ قلت: لا؛ قال: حمّاد عجرد كان والي تلك الناحية؛ أفرأيت مثله قطّ؟ قلت: لا، فسكت؛ ثمّ قلت: أهكذا يفعل الناس؟ قال: أيّ شيء يفعلونه؟ قلت: تهبه لي؛ قال:
لا أفعل؛ قلت: إذا أغضب؛ قال: ما شئت افعل؛ فخرجت متغاضبا؛ فلمّا وافيت منزلي إذا برسوله قد لحقني بالبساط؛ فكتبت إليه بيتين لحمزة بن مضر:
ولقد عددت فلست أحصي كلّ ما ... قد نلت منك من المتاع المونق
بخديعتي فأراك منخدعا لها ... وفكاهتي وتغضّبي وتملّقي
- قال ابن أبي سعد في خبره: - فلمّا دخلت عليه ضحك وقال لي: البيتان خير من البساط، فالفضل الآن لك علينا.
رآه ابن بانة يناظر إبراهيم بن المهدي فلم يفهم ما يقولان:
أخبرني يحيى بن عليّ وأحمد بن جعفر جحظة عن أبي العبيس بن حمدون عن عمرو بن بانة قال:
رأيت إبراهيم بن المهديّ يناظر إسحاق في الغناء، فتكلّما بما فهماه ولم أفهم منه شيئا؛ فقلت لهما: لئن كان ما أنتما فيه من الغناء فما نحن منه في قليل ولا كثير.
شعره في الواثق:
أخبرنا يحيى بن عليّ قال حدّثني أبي قال حدّثني إسحاق قال:
قدمت على الواثق في بعض قدماتي، فقال لي: أما اشتقت إليّ؟ فقلت: بلى واللّه يا أمير المؤمنين، وأنشدته:
__________
[1] في أ، ء، م هكذا: «سوء منجرد ستيني». وفي سائر الأصول: «سوسنجرد» من غير ياء النسب. وسوسنجرد: قرية من قرى بغداد.
/
أشكو إلى اللّه بعدي عن خليفته ... وما أعالج من سقم ومن كبر
لا أستطيع رحيلا إن هممت به ... يوما إليه ولا أقوى على السّفر
أنوي الرّحيل إليه ثمّ يمنعني ... ما أحدث الدهر والأيام في بصري
قال: [و] [1] قال وقد أشخصه إليه قصيدته الداليّة:
صوت
ضنّت سعاد غداة البين بالزاد ... وأخلفتك فما توفي بميعاد
ما أنس لا أنس منها إذ تودّعنا ... والحزن منها وإن لم تبده بادي
لإسحاق في هذين البيتين رمل بالوسطى، يقول فيها:
لمّا أمرت بإشخاصي إليك هفا ... قلبي حنينا إلى أهلي وأولادي
/ ثم اعتزمت ولم أحفل بينهم ... وطابت النفس عن فضل وحمّاد
كم نعمة لأبيك الخير أفردني ... بها وعمّ بأخرى بعد إفراد
فلو شكرت أياديكم وأنعمكم ... لما أحاط بها وصفي وتعدادي
لأشكرنّك ما ناح الحمام وما ... حدا على الصبح في إثر الدّجى حادي
قال عليّ بن يحيى: قال لي أحمد بن إبراهيم: يا أبا الحسن، لو قال الخليفة لإسحاق: أححضرني فضلا وحمّادا أليس كان قد افتضح من دمامة خلقهما وتخلّف شاهدهما.
كتب إليه ابن المهدي يأسف لفقدان من يحكم بينهما:
حدّثني جحظة قال حدّثني هبة اللّه بن إبراهيم بن المهديّ قال:
كتب أبي إلى إسحاق في شيء خالفه فيه من التّجزئة والقسمة: «إلى من أحاكمك والنّاس بيننا حمير!».
قصة ذهابه إلى تل عزاز حين خرج مع الرشيد:
أخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدّثنا سليمان بن أيّوب قال حدّثني محمد بن عبد اللّه بن مالك الخزاعيّ قال حدّثنا إسحاق قال:
كنت مع الرشيد حين خرج إلى الرّقّة، فدخل يوما إلى النساء، وخرجت فمضيت إلى تلّ عزاز [2]، فنزلت عند خمّارة هناك فسقتني شرابا لم أر مثله حسنا وطيبا وطيب رائحة في بيت مرشوش وريحان غضّ، وبرزت بنت لها كأنّها خوط [3] بان أو جدل عنان، لم أر أحسن منها قدّا، ولا أسيل خدّا، ولا أعتق وجها، ولا أبرع ظرفا، ولا أفتن طرفا، ولا أحسن كلاما، ولا أتمّ تماما؛ فأقمت عندها ثلاثا والرشيد يطلبني فلا يقدر عليّ؛ ثم انصرفت فذهبت بي
__________
[1] الزيادة عن أ، ء، م.
[2] عزاز: ذكره ياقوت في «معجمة» فقال: «ذكر أبو الفرج الأصبهاني في كتاب «الديرة»: أن عزاز بالرقة، وأنشد عليه لإسحاق الموصلي ... ». ثم ساق ياقوت بعد ذلك البيتين الأولين من الأربعة الأبيات التالية.
[3] الخوط: الغصن الناعم. والجدل: الحبل المفتول.
رسله، فدخلت عليه وهو غضبان؛ فلمّا رأيته خطرت في مشيتي ورقصت، وكانت في فضلة من السّكر، وغنّيت:
صوت
إنّ قلبي بالتّلّ تلّ عزاز ... عند ظبي من الظّباء الجوازي [1]
شادن يسكن الشّآم وفيه ... مع دلّ العراق ظرف الحجاز
يا لقومي لبنت قسّ أصابت ... منك صفو الهوى وليست تجازي
حلفت بالمسيح أن تنجز الوع ... د وليست تجود بالإنجاز
- الغناء لإسحاق خفيف رمل بالوسطى عن عمرو بن بانة - قال إسحاق: فسكن غضبه، ثم قال لي: أين كنت؟
فأخبرته؛ فضحك وقال: إنّ مثل هذا إذا اتّفق/ لطيّب، أعد غناءك، فأعدته، فأعجب به، وأمرني أن أعيده ليلة من أوّلها إلى آخرها؛ وأخذها [2] المغنّون منّي جميعا وشربنا إلى طلوع الفجر، ثم انصرفنا فصلّيت الصبح ونمت؛ فما استقررنا حتى أتى إليّ رسول الرشيد فأمرني بالحضور، فركبت ومضيت؛ فلمّا دخلت وجدت ابن جامع قد طرح نفسه يتمرّغ على دكّان [3] في الدار لغلبة السّكر عليه، ثم قال: أتدري لم دعينا؟ فقلت: لا واللّه؛ قال: لكنّي أدري، دعينا بسبب نصرانيّتك الزانية، عليك وعليها لعنة اللّه؛ فضحكت. فلمّا دخلت على الرشيد أخبرته بالقصة، فضحك وقال: صدق، عودوا فيه فإنّي اشتقت إلى ما كنّا فيه لمّا فارقتموني؛ فعدنا فيه يومنا كلّه حتى انصرفنا.
شعره إلى المأمون حين وجد عليه لما ترك الغناء:
أخبرنا الحسن بن عليّ قال حدّثنا يزيد بن محمد المهلّبيّ قال:
كان إسحاق قد أظهر التوبة وغيّر زيّه واحتجر [4] من حضور دار/ السلطان. فبلغه أنّ المأمون وجد عليه من ذلك وتنكّر؛ فكتب إسحاق إليه وغنّى فيه بعد ذلك:
صوت
يابن عمّ النبيّ سمعا وطاعه ... قد خلعنا الرّداء والدّرّاعه
ورجعنا إلى الصّناعة لمّا ... كان سخط الإمام ترك الصّناعه
الغناء لإسحاق رمل بالبنصر عن عمرو - وقد ذكر الغلابيّ أن هذا الشعر لأبي العتاهية، قاله لمّا حبسه الرشيد وأمره بأن يقول الشعر - وذكر حبش أن هذا اللحن لإبراهيم.
تفصيل لحنين له على لحني ابن سريج ومعبد:
أخبرني يحيى بن عليّ قال حدّثني أبي قال:
__________
[1] الجوازي (أصله بالهمز): جمع جازئة، وهي من الظباء التي استغنت بالرطب (الرعي الأخضر من البقل والشجر) عن الماء.
[2] كذا في جميع الأصول، ولعله: «و أخذه» أي الغناء.
[3] الدكان: مقعد يدك ويجلس عليه وهو يشبه ما يسمى بالمصطبة الآن.
[4] احتجر: امتنع. وفي ء: «احتجز» بالزاي المعجمة، ومعناه امتنع أيضا.
قال لي محمد بن الحسن بن مصعب، وكان بصيرا بالغناء والنّغم: لحن إسحاق في «تشكّى الكميت الجري» أحسن من لحن ابن سريج، ولحنه في «يوم تبدى لنا قتيلة» أحسن من لحن معبد، وذلك من أجود صنعة معبد.
قال: فأخبرت إسحاق بقوله، فقال: قد واللّه أخذت بزمامي راحلتيهما وزعزعتهما [1] وأنخت بهما فما بلغتهما.
فأخبرت بذلك محمد بن الحسن؛ فقال: هو واللّه يعلم أنه برّز عليهما، ولكنه لا يدع تعصّبه للقدماء.
وأخبرني جحظة قال حدّثني حمّاد بن إسحاق:
أنّ رجلا سأل أباه فقال له: إنّ الناس قد كثّروا في صوتيك: «تشكّى الكميت الجري» و «يوم تبدى لنا قتيلة»، وقالوا: إنهما أجود من لحني ابن سريج ومعبد؛ قال أبي: ويحك! رميت في هذين الصوتين بمعبد وابن سريج وهما هما، فقربت ووقع القياس بيني وبينهما، وعلى ذلك فقد واللّه أخذت بزمامي راحلتيهما وانتصفت منهما.
تحليل غنائه:
قرأت في بعض الكتب أن محمد بن الحسن - أظنّه ابن مصعب - ذكر إسحاق الموصليّ فقال:
كانت صنعته محكمة الأصول، ونغمته عجيبة الترتيب، وفسمته معدّلة الأوزان، وكان يتصرّف في جميع بسط الإيقاعات، فأيّ بساط منها أراد أن يتغنّى فيه صوتا قصد أقوى صوت جاء في ذلك البساط لحذّاق القدماء فعارضه:
وقد كان يذهب مذهب الأوائل، ويسلك سبيلهم، ويقتحم طرقهم؛ فيبني على الرّسم فيصنعه،/ ويحتذى على المثال فيحكيه [2]، فتأتي صنعته قويّة وثيقة يجمع فيها حالتين: القوّة في الطّبع وسهولة المسلك، وخنثا بين كثرة النّغم وترتيبها في الصّياح والإسجاح؛ فهي بصنعة الأوائل أشبه منها بصنعة المتوسّطين من الطبقات؛ فأما المتأخرون فأحسن أحوالهم أن يرووها فيردّوها. وكان حسن الطبع في صياحه، حسن التلطّف، لتنزيله [3] من الصّياح إلى الإسجاح على ترتيب بنغم يشاكله، حتّى تعتدل وتتّزن أعجاز الشعر في القسمة بصدوره. وكذلك أصواته كلّها، وأكثرها يبتدىء الصوت فيصيح فيه - وذلك مذهبه في جلّ غنائه؛ حتى كان كثير من المغنّين يلقّبونه الملسوع؛ لأنه يبدأ بالصّياح في أحسن نغمة فتح بها أحد فاه - ثم يردّ نغمته فيرجّحها ترجيحا وينزّلها تنزيلا حتى يحطّها من تلك الشدّة إلى ما يوازيها من اللين، ثم يعود فيفعل مثل ذلك، فيخرج من شدّة إلى لين ومن لين إلى شدّة؛ وهذا أشدّ ما يأتي في الغناء وأعزّ ما يعرف من الصّنعة. قال يحيى بن عليّ بن يحيى وقد ذكر إسحاق في صدر كتابه الذي ألّف في أخباره [و زاد في بعض ما صنعه] [4]: «و كان إسحاق أعلم أهل زمانه بالغناء، وأنفذهم في جميع فنونه، وأضربهم بالعود وبأكثر آلات الغناء، وأجودهم صنعة، وقد تشبّه بالقديم وزاد في بعض ما صنعه عليه، وعارض ابن سريج ومعبدا فانتصف منهما؛ وكان إبراهيم بن المهديّ ينازعه في هذه الصناعة ولم يبلغه فيها، ولم يكن بعد إسحاق مثله».
__________
[1] زعزعهما: ساقهما سوقا عنيفا.
[2] كذا في أ، ء، م. وفي سائر الأصول: «فيحكمه».
[3] لعله «لتنزله». والتنزل: النزول في مهلة.
[4] كذا في أكثر الأصول. وفي س: «و زاد في بعض ما صنعوا». على أنه غير واضح وجه ارتباط هذه العبارة بما يتصل بها، فلعلها زيدت سهوا من النساخ.
تشبيهه لصوت له:
أخبرنا يحيى بن عليّ بن يحيى قال حدّثنا أبو أيّوب المدينيّ قال حدّثني إبراهيم بن عليّ بن هشام:
/ قال إسحاق وذكر صوته:
صوت
كان افتتاح بلائي النّظر ... فالحين سبّب ذاك والقدر
قد كان باب الصّبر مفتتحا ... فاليوم أغلق بابه النّظر
- الشعر والغناء لإسحاق ثقيل أوّل مطلق في مجرى البنصر. وفيه لأحمد بن المكّيّ خفيف ثقيل، ولعريب ثاني ثقيل، جميعا عن الهشاميّ - قال إسحاق: ما شبّهت صوتي هذا إلّا بإنسان أخذ الكرة على الطّبطابة [1] وأهل الميدان جميعا خلفه، فلمّا بلغ أقصى ضربها أحجزها.
قصته مع يحيى بن معاذ والأمين:
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا محمد بن يزيد المهلّبيّ قال حدّثني إسحاق، وأخبرنا يحيى بن عليّ عن أبي أيّوب المدينيّ عن ابن المكّيّ عن إسحاق قال:
صنعت هذا الصوت في آخر أيام الرشيد وكان إذ ذاك يحيى بن معاذ يشرب النبيذ؛ فلمّا كان في أيام محمد غنّيته، فاشتهاه واشتهر به، وبعث إلى يحيى بن معاذ وأنا أغنّيه:
اسقني وابن نهيك ... وابن يحيى بن معاذ
فلمّا حضر يحيى غنّيت:
فاسقني واسق نهيكا ... واسق يحيى بن معاذ
فبعث إليه محمد فأحضره [2] فقال: لتشربنّ أو لأعاقبنّك؛ فلم يبرح حتى شرب قدحا، وغلّفه [3] وأمر له بمال، وسرّ بذلك محمد ووهب لي عليه مالا، وانصرفت إلى/ البيت؛ فجاءني رسول يحيى بن معاذ فصرت إليه، فلم يزل يستحلفني ألّا أعود في هذا الصوت قدّام محمد أبدا، وأمر لي من المال بشيء فلم أقبله، ولم أعد فيه.
نسبة هذا الصوت
صوت
شعر عليّ بن هشام الذي غنى فيه:
يومنا يوم رذاذ ... واصطباح والتذاذ
__________
[1] الطبطابة: خشبة عريضة يلعب بها بالكرة.
[2] سياق الكلام يقتضي أن تكون العبارة بعد البيت: «فقال محمد: لتشربن ... إلخ». مع حذف الباقي، ولعله زيد سهوا.
[3] غلفه: طيبه بالطيب. وكان من أخلاق الملك تفرده بالتطيب والتجمل ونحوهما ولا تشركه في ذلك بطانته وندماؤه. (راجع كتاب «التاج» للجاحظ طبع بولاق ص 46 - 49).
فاسقنى وابن نهيك ... وابن يحيى بن معاذ
من كميت [1] عتّقت للش ... يخ كسرى بن قباذ
ليس للمرء من الهمّ ... سواها من ملاذ
الشعر لعليّ بن هشام، والغناء لإسحاق ثقيل أوّل بالبنصر عن عمرو.
أخبرني بقوله عليّ بن هشام والحسن بن عليّ قالا حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد قال حدّثني أحمد بن/ القاسم الهاشميّ [2] قال حدّثني أبو عبد اللّه الهلاليّ قال:
كنت عند عليّ بن هشام يوما إذ رشّت السماء رشّا وطشّت؛ فأنشأ عليّ يقول:
يومنا يوم رذاذ ... واصطباح والتذاذ
- وذكر الأبيات الأربعة - ثم قال لغلامه: اذهب إلى أحمد بن يحيى بن معاذ وقل له: يقول لك أخوك: هذا يوم طيّب، فتعال أنت وغلاماك بنان وعثعث؛ فجاء إلى بابه الرسول وعليه غرماء له، فمنعوه الدخول عليه؛ فقال لهم: كم لكم عليه؟ قالوا: مائتا ألف درهم؛ فرجع الغلام إلى عليّ بن هشام فأخبره بالخبر ومبلغ مالهم عليه من الدّين؛ فقال له: احمل إليه مائتي ألف درهم وجيء به وبغلاميه الساعة فحملها؛ فجاء أحمد بن يحيى ومعه غلاماه، فقال لعليّ بن هشام: لم تحمّلت هذا لي! أنا واللّه/ منتظر ما لا يجيء فأعطيهم؛ فقال له: مالي ومالك واحد. فتغدّيت معهما حتى جاءت الحلواء؛ فقال: أكثر من الحلواء فلست تدخل معنا في ديواننا (يعني الشّرب)؛ فأكلت وغسلت يديّ؛ فقال لغلامه سراج: احمل مع أبي عبد اللّه الهلاليّ ثلاثين ألف درهم؛ فانصرفت وهي معي.
تذكر في كبره شعرا له في صباه فبكى:
أخبرنا يحيى بن عليّ قال حدّثنا سليمان المدائنيّ عن ابن المكّيّ عن أبيه قال حدّثني إسحاق قال:
تعشّقت جارية فقلت فيها:
هل إلى أن تنام عيني سبيل ... إنّ عهدي بالنوم عهد طويل
غاب عنّي من لا أسمّي فعيني ... كلّ يوم عليه حزنا تسيل
- الشعر والغناء لإسحاق رمل بالبنصر عن عمرو. وفيه لعريب خفيف رمل آخر. وفيه لمحمد بن حمزة وجه القرعة خفيف ثقيل، وقيل: إنه لابن المكّيّ. وفيه رمل بالوسطى ينسب إلى علّويه وإلى حسين بن محرز - قال إسحاق: ثم ملكتها، فكنت مشغوفا بها، حتى كبرت واعتلّت عليّ عيناي، فذكرت هذا الصوت وأيامه المتقدّمة، فما زلت أبكي وأذكر دهري الذي تولّى. وأخبرني بهذا الخبر الحسن بن عليّ عن يزيد المهلّبيّ عن إسحاق؛ وليس هذا على التمام.
حكم يحيى المكي على لحن له عند المأمون:
أخبرني جحظة عن محمد بن أحمد بن يحيى المكّيّ عن أبيه قال:
__________
[1] الكميت: الخمر التي فيها سواد وحمرة.
[2] في ج: «الهشامي».
دعا المأمون بإسحاق فأحضره، فأمره أن يغنّي في هذا الصوت [فغنّى] [1]:
هل إلى أن تنام عيني سبيل
/ فغنّاه؛ وكنت حاضرا فقلت: أحسن واللّه يا أمير المؤمنين، وما عدا بلحنه معنى شعره؛ فقال المأمون: فإنّا نردّ الحكم إلى من هو أعلم بذلك منك؛ فبعث إلى أبي (يعني يحيى المكيّ) فجيء به، فخبّره بما قلت وما قال، وأمر إسحاق بردّ الصوت فردّه؛ فقال يحيى: أحسن إسحاق في غنائه وأحسن ابني في استحسانه، إلّا أنّ هذا اللحن يحتاج أن يسمع من غير حلق إسحاق؛ فضحك المأمون، وأمر لإسحاق بمال وأمر لأبي بمثله ولي بمثله.
قال: ولم يكن في إسحاق شيء يعاب إلّا حلقه، وكان يغلب الناس جميعا بطبعه وحذقه.
ضعف بصره والسبب في ذلك:
قال: وأما السبب في علّة عين إسحاق وضعف بصره، فأخبرني به محمد بن خلف وكيع قال حدّثني به أبو أيّوب المدينيّ قال حدّثني محمد بن عبد اللّه بن مالك الخزاعيّ:
أنّ إبراهيم ابن أخي سلمة [2] الوصيف نازع إسحاق في شيء بين يدي الرشيد من الغناء، فردّ عليه، فشتمه، فردّ عليه إسحاق وأربى في الردّ؛ فقال له إبراهيم:/ أتردّ عليّ وأنا مولى أمير المؤمنين! فقال له: اسكت فإنك من موالي العيدين [3]؛ فقال له الرشيد: وأيّ شيء موالي العيدين؟ قال: يا أمير المؤمنين، يشترى للخلفاء كلّ صانع وكلّ ضرب في العبيد للعتق؛ فيكون فيهم الحجّام والحائك والسائس؛ فهو أحد هؤلاء الذين ذكرت. قال: وخرج إبراهيم فوقف له على طريقه، فلمّا جاز عليه منصرفا ضرب رأسه بمقرعة فيها معول؛ فكان ذلك سبب ضعف بصر إسحاق. وبلغ الرشيد الخبر، فأمر بأن يحجب عنه إبراهيم، وحلف ألّا يدخل عليه؛ فدسّ إلى الرشيد من غنّاه:
صوت
من لعبد أذلّه مولاه ... ماله شافع إليه سواه
يشتكي ما به إليه ويخشا ... ه ويرجوه مثل ما يخشاه
- الشعر لأبي العتاهية، والغناء لإبراهيم ابن أخي سلمة الوصيف خفيف رمل. وفيه لعريب ثقيل أوّل. وقيل:
إن لابن جامع فيه خفيف رمل آخر - فلمّا غنّي الرشيد بهذه الأبيات، سأل عن صاحب لحنها فعرّفه، فحلف ألّا يرضى عنه حتى يرضى إسحاق، فقام إسحاق فقال: قد رضيت عنه يا سيّدي رضاء حسنا، وقبّل الأرض بين يديه شكرا لما كان من قوله؛ فرضي عنه وأحضر وأمره بترضّي إسحاق ففعل.
قصته مع إبراهيم ابن أخي سلمة بسبب الدخول على الرشيد:
وأخبرني محمد بن مزيد قال حدّثنا حمّاد عن أبيه قال:
جاء إبراهيم ابن أخي سلمة إلى الرشيد فقال له: يا أمير المؤمنين، إنّي أحبّ أن تشرّفني بأن تكون نوبتي ونوبة
__________
[1] سياق الكلام يأبي هذه الكلمة، ولعلها زيدت من النساخ.
[2] في جميع الأصول هنا: «إبراهيم بن أبي سلمة»، وقد اثرنا ما أثبتناه لأن الأصول قد اتفقت عليه عند ذكره في المرّات التالية.
[3] في ح، س، ب: «موالي العيرين» بالراء المهملة.
إسحاق الموصليّ في مكان، وأن يكون دخولي إليك ودخوله في مكان، فإن رأيت أن تجعل ذلك كما سألت فعلت؛ قال: قد فعلت؛ ولم أكن حاضرا لمسألته. فلمّا كان يوم دخولي عليه جاءني إبراهيم فدقّ بابي دقّا عنيفا وعرّفني الغلام خبره؛ فقلت له: يدخل؛ فأبى وقال له: قل له اخرج أنت؛ فساء ظنّي واغتممت، فخرجت إليه فقلت له: ما الخبر؟ قال: إنّ أمير المؤمنين يأمرك بالحضور ويأمرك ألا تدخل الدار إلّا معي بعد أن أوجّه إليك فتركب إليّ وتمضي معي؛ فمضيت معه على رغمي وأنا منكسر، وكنت بقيّة يومي على تلك الحال. ثم ركبت إلى الفضل بن الرّبيع فشكوت ذلك إليه؛ فقال: ما أرى أمير المؤمنين يحلّك هذا المحلّ؛ قم بنا إليه؛ فقمت معه، فدخل إلى الرشيد فقال له: يا أمير المؤمنين، إسحاق وخدمته وحقوق أبيه عليك وعلى أمير المؤمنين/ المهديّ تضع مقداره أن تجعله مضموما إلى إبراهيم ابن أخي سلمة؛ قال: لا واللّه ما فعلت هذا؛ قال: إنه قد جاءني يبكي ويحلف إن جرى عليه هذا تاب من الغناء وتركه جملة، ثم لو قتل لم يعد إليه؛ فقال: ويحك! واللّه ما جرى من هذا شيء، إلّا أنّ إبراهيم ابن أخي سلمة جاء فقال: تشرّفني أن تجعل نوبتي مع نوبة إسحاق ووصولي مع وصوله ففعلت؛ فقل له: يجيء متى شاء وينفرد عنه ولا يجيء معه ولا كرامة؛ فأخبرني فرجعت. فلمّا كانت نوبتي جاء إبراهيم إليّ ففعل مثل فعله؛ فقلت لغلامي: اخرج إليه فقل له: ولا كرامة لك يا زاني يابن الزانية، لا أجيء معك ولا أدعك تجيء معي أيضا، وشتمه أقبح شتم؛ فخرج الغلام فأدّى إليه/ الرسالة؛ فعلم أن هذا لم يتجرّأ عليه إلّا بعد توثّق فخجل، فقال له: قل له: ومن أكرهك على هذا! إنما أحببت أن نصطحب ونتأنّس في طريقنا، فإن كرهت هذا فلا تفعله؛ وانصرف ولم يعاودني بعدها.
كان له صوت إذا غناه أخذ بلحيته وبكى:
أخبرني يحيى بن عليّ قال حدّثنا أبو أيّوب المدينيّ عن ابن المكّيّ عن أبيه قال:
كان إسحاق إذا غنّى هذا الصوت يأخذ بلحيته ويبكي:
إذا المرء قاسى الدهر وابيضّ رأسه ... وثلّم تثليم الإناء جوانبه
فللموت خير من حياة خسيسة ... تباعده طورا وطورا تقاربه
الشعر لزبّان بن سيّار الفزاريّ، حدّثني بذلك الحرميّ بن أبي العلاء عن الزّبير بن بكّار عن عمّه. والغناء لإسحاق رمل بالوسطى.
جفاه المأمون فأمر هو علويه أن يغنيه بشعر له فرضي عنه:
أخبرنا محمد بن مزيد والحسين بن يحيى عن حمّاد عن أبيه، وأخبرنا يحيى بن عليّ عن أبيه عن إسحاق قال:
/ أقام المأمون بعد قدومه عشرين شهرا لا يسمع حرفا من الأغاني، فكان أوّل من تغنّى بحضرته أبو عيسى بن الرشيد، ثم واظب على السماع متستّرا متشبّها في أوّل أمره بالرشيد، فأقام كذلك أربع حجج، ثم ظهر إلى النّدماء والمغنّين. وكان حين أحبّ السماع سأل عنّي، فجرحت بحضرته، وقال الطاعن عليّ: ما يقول أمير المؤمنين في رجل يتيه على الخلافة! قال المأمون: ما أبقى هذا من التيه شيئا إلا استعمله. فأمسك عن ذكري، وجفاني من كان يصلني، لسوء رأيه الذي ظهر فيّ؛ فأضرّ ذلك بي؛ حتى جاءني علّويه يوما فقال لي: أتأذن لي في ذكرك؟ فإنّا قد
دعينا اليوم؛ فقلت: لا! ولكن غنّه بهذا الشعر، فإنه سيبعثه على أن يسألك: لمن هذا؛ فإذا سألك انفتح لك ما تريد، وكان الجواب أسهل عليك من الابتداء؛ فقال: هات، فألقيت عليه لحني في شعري:
صوت
يا سرحة [1] الماء قد سدّت موارده ... أما إليك طريق غير مسدود
لحائم حام حتّى لا حيام [2] له ... محّلأ عن طريق الماء مطرود
- الغناء لإسحاق رمل بالوسطى عنه وعن عمرو - قال: فمضى علّويه، فلما استقرّ به المجلس، غنّاه بالشعر الذي أمرته؛ فما عدا المأمون أن يسمع الغناء حتى قال: ويحك يا علّويه! لمن هذا؟ قال: يا سيّدي، لعبد من عبيدك جفوته واطّرحته من غير جرم؛ فقال: أإسحاق تعني؟ قال: نعم؛ قال: يحضر الساعة؛ فجاءني رسوله/ فصرت إليه. فلمّا دخلت عليه قال: ادن فدنوت، فرفع يديه مادّهما، فانكببت عليه، واحتضنني بيديه، وأظهر من برّي وإكرامي ما لو أظهره صديق مؤانس لصديقه لبرّه.
غنى المعتضد بشعر له فمدحه:
أخبرني محمد بن إبراهيم الجرجاني قريض قال: قال لي أحمد بن أبي العلاء:
غنّيت المعتضد يوما وهو أمير صوت إسحاق:
يا سرحة الماء قد سدّت موارده ... أما إليك طريق غير مسدود
فطرب واستعاده مرارا، وقال: هذا واللّه الغناء الذي يخالط الرّوح ويمازج اللحم والدم.
صوته في شعر له، كان الناس يتهادونه كالطرف:
أخبرنا يحيى بن عليّ قال حدّثنا أبو العبيس بن حمدون قال أخبرني أبي قال:
لمّا غنّى إسحاق في شعره هذا:
صوت
لأسماء رسم عفا باللّوى ... أقام رهينا لطول البلى
تعاوره الدهر في صرفه ... بكرّ الجديدين حتّى عفا
- الشعر لإسحاق من قصيدة مدح بها الرشيد، والغناء له ثاني ثقيل بالوسطى. وفيه لسليم ثقيل أوّل من رواية الهشاميّ، وذكر حبش أنه لإبراهيم بن المهديّ - قال: فكان الناس يتهادونه كما يتهادون الطّرفة والباكورة. وقال أبو العبيس حدّثني ابن مخارق: أنّ الواثق بعث إلى أبيه مخارق لمّا صنع إسحاق هذا الصوت ليلقيه عليه، فصادفه عليلا
__________
[1] سرحة الماء: كنى بها هنا عن المرأة، قال الأزهري: «العرب تكنى عن المرأة بالسرحة النابتة على الماء»، واستشهد بهذين البيتين.
والمحلأ: المطرود عن الماء، يقال: حلأه عن الماء: إذا طرده ومنعه وروده.
[2] كذا في أكثر الأصول. وفي ب، س: «لا حوام له». ولم نجد الحوام مصدرا من مصادر حام. وفي «اللسان» و «مختار الأغاني»: «لا حراك به».
- ولم يكن أحد يلقن عن إسحاق طرح الغناء كما يلقنه مخارق - فأعاد إليه الرسول ومعه محفّة، وقال: لا بدّ أن يجيء على كلّ حال؛ فتحامل وصار إليه حتى أخذ الصوت عن إسحاق ورجع.
كان يحب الشجاعة والفروسية وشعر أخيه فيه حين أصابه سهم:
وذكر محمد بن الحسين الكاتب عن أبي حارثة الباهليّ عن أخيه أبي معاوية:
أنّ إسحاق كان يتحلّى بالشجاعة والفروسيّة ويحبّ أن ينسب إليهما، ويركب الخيل ويتعلّم بها آفة من الآفات المعترضة على العقول. وكان قد شهد بعض مشاهد الحروب فأصابه سهم فنكص على عقبيه؛ فقال أخوه طيّاب فيه:
وأنت تكلّفت ما لا تطيق ... وقلت أنا الفارس الموصلي
فلمّا أصابتك نشّابة ... رجعت إلى سنّك [1] الأوّل
حديث حمزة الزيات معه:
أخبرنا يحيى بن عليّ بن يحيى عن أبيه عن إسحاق قال:
قال حمزة الزّيات القارىء [2]: يا موصليّ، إنّ لي فيك رأيا، أفترضى مع فهمك وأدبك ورأيك أن يكون عوضك من الآخرة فضل مطعم على مطعم!.
شعر الأصمعي أو ابن المنذر العروضي فيه:
حدّثني عليّ بن سليمان الأخفش قال أنشدني أبو سعيد السّكّري قال أنشدني عبد الرحمن ابن أخي الأصمعيّ لعمّه يقول لإسحاق:
أئن تغنّيت للشّرب الكرام «ألا ... ردّ الخليط جمال الحيّ فانفرقوا»
وقيل أحسنت فاستدعاك ذاك إلى ... ما قلت ويحك لا يذهب بك الخرق
وقيل أنت حسان الناس كلّهم ... وابن الحسان فقد قالوا وقد صدقوا
فما بهذا تقوم النادبات ولا ... يثنى عليك إذا ما ضمّك الخرق
قال يحيى بن عليّ: إنّ هذه الأبيات تروى لابن المنذر العروضيّ وللأصمعيّ.
فسد ما بينه وبين الأصمعي وسبب ذلك ونتائجه وشعره فيه:
قال مؤلف هذا الكتاب: كان إسحاق يأخذ عن الأصمعيّ ويكثر الرواية عنه، ثم فسد ما بينهما، فهجاه إسحاق وثلبه وكشف للرشيد معايبه، وأخبره بقلّة شكره وبخله وضعة نفسه وأنّ الصّنيعة لا تزكو عنده، ووصف له أبا عبيدة
__________
[1] كذا في الأصول. ولعله محرف عن: «إلى شأنك» ونحوه مما يستقيم به الكلام.
[2] يلاحظ أن حمزة الزيات القارىء (صاحب قراءة القرآن المعروفة) توفي سنة ست وخمسين ومائة في خلافة أبي جعفر المنصور بمدينة حلوان وهي في أواخر سواد العراق مما يلي بلاد الجبل (كما في كتاب «الطبقات الكبير في الكوفيين» لابن سعد - ج 6 ص 268 طبع مدينة ليدن سنة 1325 ه و «فهرست ابن النديم» ص 29 طبع أوروبا و «تاريخ ابن خلكان» ج 1 ص 235 طبع بولاق) وأن إسحاق الموصلي ولد سنة خمسين ومائة، فكيف يعقل أن يكون بينهما مثل هذا الحديث وإسحاق في هذه السن.
معمر بن المثنّى بالثقة والصدق والسماحة والعلم؛ وفعل مثل ذلك للفضل بن الرّبيع واستعان به؛ ولم يزل حتى وضع مرتبة الأصمعيّ وأسقطه عندهم، وأنفذوا إلى أبي عبيدة من أقدمه.
أخبرني أبو الحسن الأسديّ قال حدّثنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه قال:
أنشدت الفضل بن الرّبيع أبياتا كان الأصمعيّ أنشدنيها في صفة فرس:
كأنه في الجلّ [1] وهو سامي ... مشتمل [2] جاء من الحمّام
/ يسور [3] بين السّرج واللّجام ... سور القطاميّ [4] إلى اليمام
قال: ودخل الأصمعيّ فسمعني أنشدها، فقال: هات بقيّتها؛ فقلت له: ألم تقل إنه لم يبق منها شي ء؟ فقال:
ما بقي منها إلّا عيونها، ثم أنشد بعد هذه الأبيات ثلاثين بيتا منها، فغاظني فعله؛ فلمّا خرج عرّفت الفضل بن الربيع قلّة شكره لعارفة [5] وبخله بما عنده؛ ووصفت له فضل أبي عبيدة معمر بن المثنّى وعلمه ونزاهته وبذله لما عنده واشتماله على جميع علوم العرب، ورغّبته فيه، حتى أنفذ إليه مالا جليلا واستقدمه؛ فكنت سبب مجيئه به من البصرة.
أخبرني عمّي قال حدّثنا فضل اليزيديّ عن إسحاق قال:
/ جاء عطاء الملك بجماعة من أهل البصرة إلى قريب أبي الأصمعيّ، وكان ندلا من الرجال، فوجده ملتفّا في كسائه نائما في الشمس، فركضه برجله وصاح به: يا قريب، قم ويلك! فقال له: هل لقيت أحدا من أهل العلم قطّ أو من أهل اللغة أو من العرب أو من الفقهاء أو من المحدّثين؟ قال: لا واللّه؛ قال: ولا سمعت شيئا ترويه لنا أو تنشدناه أو نكتبه عنك؟ قال: لا واللّه؛ فقال لمن حضر: هذا أبو الأصمعيّ، فاشهدوا لي عليه وعلى ما سمعتم منه، لا يقل لكم غدا أو بعده: حدّثني أبي أو أنشدني أبي؛ ففضحه. قال الفضل: ثم مرض الأصمعيّ، وكان الحال بينه وبين إسحاق الموصليّ انفرجت؛ فعاده أبو ربيعة، وكان يرغب في الأدب ويبرّ أهله؛ فقال له الأصمعيّ: أقرضني خمسة آلاف درهم؛ فقال: أفعل. فقال له أبو ربيعة: فأيّ شيء تشتهي سوى هذا؟ فقال: أشتهي أن تهدي إليّ فصّا حسنا وسيفا قاطعا وبردا [6] حسنا وسرجا محلّى؛ فقال: أفعل، وبعث بذلك إليه لمّا عاد إلى منزله. وبلغ ذلك إسحاق فقال:
أليس من العجائب أنّ قردا ... أصيمع باهليّا يستطيل
ويزعم أنه قد كان يفتي ... أبا عمرو [7] ويسأله الخليل [8]
__________
[1] الجل للدابة: كالثوب للإنسان تصان به. وقد وردت هذه الكلمة في ب، س: «الحل» بالحاء المهملة، وهو تصحيف.
[2] اشتمل الرجل: تلفف بثوبه وأداره على جسده كله.
[3] يسور: يثب ويثور.
[4] القطامي (بفتح أوّله ويضم): الصقر.
[5] العارفة: المعروف.
[6] كذا في ح: وفي سائر الأصول: «برذونا». والشعر الآتي يؤيد ما أثبتناه.
[7] هو أبو عمرو بن العلاء أحد أئمة اللغة والأدب، كان إمام أهل البصرة في القراءات والنحو واللغة، أخذ عن جماعة من التابعين؛ قال أبو عبيدة: أبو عمرو أعلم الناس بالقراءات والعربية وأيام العرب والشعر؛ وكان من أشراف العرب ووجهائها، مدحه الفرزدق ووثقه يحيى بن معين وغيره. مات سنة أربع وقيل: سنة تسع وخمسين ومائة.
[8] هو الخليل بن أحمد اللغوي النحوي العروضي، الذي ابتدع علم العروض. مات سنة سبعين ومائة وقيل: سنة خمس وسبعين.
إذا ما قال قال أبي عجبنا ... لما يأتي به ولما يقول
وما إن كان يدري ما دبير [1] ... أبوه إن سألت وما قبيل
/ وجلّله عطاء الملك عارا ... تزول الراسيات ولا يزول
نصحت أبا ربيعة فيه جهدي ... وبعض النصح أحيانا ثقيل
فقل لأبي ربيعة إذ عصاني ... وجار به عن القصد السبيل
لقد ضاعت برودك فاحتسبها [2] ... وضاع الفصّ والسيف الصقيل
وسرج كان للبرذون زينا ... له في إثره جزعا صهيل
وأمّا الخمسة الآلاف فاعلم ... بأنّك غبنها لا تستقيل
وأنّ قضاءها فتعزّ عنها ... سيأتي دونه زمن طويل
أعجبته وصيفة عند الواثق فأنشده شعرا للمرار وغناه فيه فوهبها له:
حدّثني محمد بن مزيد قال حدّثني حمّاد بن إسحاق عن أبيه قال:
كنت جالسا بين يدي الواثق وهو وليّ عهد، إذ خرجت وصيفة من القصر كأنها خوط بان، أحسن من رأته عيني قطّ، تقدم عدّة وصائف بأيديهن المذابّ [3] والمناديل ونحو ذلك، فنظرت إليها نظر/ دهش وهو يرمقني.
فلمّا تبيّن إلحاح نظري قال: مالك يا أبا محمد قد انقطع كلامك وبانت الحيرة فيك! فتلجلجت؛ فقال لي: رمتك واللّه هذه الوصيفة فأصابت قلبك!؛ فقلت: غير ملوم؛ فضحك ثم قال: أنشدني في هذا المعنى؛ فأنشدته قول المرّار [4]:
ألكني [5] إليها عمرك اللّه يا فتى ... بآية ما قالت متى هو رائح
وآية ما قالت لهنّ عشيّة ... وفي السّتر حرّات الوجوه ملائح
/ تخيّرن أرماكنّ فارمين رمية ... أخا أسد إذ طرّحته [6] الطوارح
فلبّسن مسلاس الوشاح كأنها ... مهاة لها طفل برمّان راشح [7]
فقال له الواثق: أحسنت بحياتي وظرفت، اصنع فيها لحنا؛ فإن جاء كما نريد وأطربنا فالوصيفة لك؛ فصنعت
__________
[1] يقال: فلان لا يعرف ما قبيله وما دبيره: أي لا يعرف ما قدامه وما خلفه.
[2] في أكثر الأصول: «فاحتبسها» بتقديم الباء على السين، والتصويب عن ح.
[3] المذاب: جمع مذبة وهي ما يذب به كالمروحة.
[4] هو المرار بن سعيد الفقعسي وله ترجمة في الجزء التاسع من هذا الكتاب (ص 158 طبع بولاق).
[5] ألكني إلى فلان: أبلغه عني وتحمل إليه رسالتي.
[6] صححها الأستاذ الشنقيطي في نسخته «طوّحته الطوائح». وطوّحته الطوائح: قذفته القواذف ورمت به الحوادث، ولا يقال المطوّحات وهو من النوادر.
[7] قصر الرمان: بنواحي واسط القصب، وهي التي خربها الحجاج وسمي باسمها «واسط الحجاج». والراشح: الصغير إذا قوي ومشي مع أمه وسعى خلفها، ويقال لأمه: راشح أيضا ومرشح (من أرشح) ومرشح (من رشح بالتضعيف).
فيه لحنا وغنّيته إيّاه، فاصطبح عليه وشرب بقيّة يومه وليلته حتى سكر، [و] [1] لم يقترح عليّ غيره، وانصرفت بالجارية.
غنى الواثق وهو لقس النفس فأطربه:
حدّثني عمّي قال حدّثني فضل اليزيديّ عن إسحاق قال:
دخلت على الواثق يوما وهو خاثر [2] النفس، فأخذت عودا من الخزانة ووقفت بين يديه فغنّيته:
من الظباء ظباء همّها السّخب [3] ... ترعى القلوب وفي قلبي لها عشب
أهوى الظباء اللواتي لا قرون لها ... وحليّها الدّرّ والياقوت والذهب
لا يغتربن ولا يسكنّ بادية ... وليس يعرفن ما صرّ [4] ولا حلب
وفي الذين غدوا، نفسي الفداء لهم ... شمس تبرقع أحيانا وتنتقب
يا حسن ما سرقت عيني وما انتهيت ... والعين تسرق أحيانا وتنتهب
إذا يد سرقت فالقطع يلزمها ... والقطع في سرق العينين [5] لا يجب
/ قال: فهشّ إليّ ونشط ودعا بطعام خفيف وأكلنا واصطبح وأمر لي بمائة ألف درهم. [و] أخبرني به الحسن بن عليّ عن ابن مهرويه عن عليّ بن الحسن عن إبراهيم بن محمد الكرخيّ عن إسحاق، فذكر مثله؛ وقال فيه: فأمر لي بعشرة آلاف درهم.
طلب من المأمون أن يدخل المقصورة معه يوم الجمعة فاشترى ذلك منه بمال:
حدّثني جعفر بن قدامة قال حدّثني [عبيد اللّه بن] [6] عبد اللّه بن طاهر عن أخيه محمد قال:
كان إسحاق الموصليّ يدخل في مبطّنة وطيلسان مثل زيّ الفقهاء على المأمون؛ فسأله أن يأذن له في دخول المقصورة يوم الجمعة بدرّاعة سوداء وطيلسان أسود؛ فتبسّم المأمون وقال له: ولا كلّ هذا بمرّة يا إسحاق، ولكن قد اشترينا منك هذه المسألة بمائة ألف درهم حتى لا تغتمّ، وأمر بحملها إليه فحملت.
كان أبو خالد الأسلمي يمدحه ويقدم شعره:
حدّثني جعفر بن قدامة قال حدّثني عبيد اللّه بن عبد اللّه قال حدّثني هارون بن محمد بن عبد الملك الزيّات عن أبي خالد الأسلميّ:
أنه ذكر إسحاق يوما وكان يفضّله ويعظّم شأنه ويقدّمه في الشعر تقديما مفرطا، فقال: ما قولكم في رجل محدث تشبّه بذي الرّمّة وقال على لسانه شعرا وغنّى فيه ونسبه إليه، فلم يشكك أحد سمعه أنه له ولا فطن لما فعل
__________
[1] التكملة عن ح.
[2] خاثر النفس: ثقيلها غير طيب ولا نشيط.
[3] راجع الحاشية رقم 2 ص 355 من هذا الجزء.
[4] في أ، ء، م: «ما ضرع». وكذلك وردت في جميع الأصول فيما مضى.
[5] في أ، ء، م: «في سرق بالعين».
[6] هذه الكلمة ساقطة في ب، س سهوا من الطابع.
أحد إلّا من حصّل شعر ذي الرمّة كلّه ورواه؛ فسئل أبو خالد عن هذا الشعر فقال:
/و مدرجة [1] للريح تيهاء لم تكن ... ليجشمها زمّيلة غير حازم
يضلّ بها الساري وإن كان هاديا ... وتقطع أنفاس الرياح النواسم
/ تعسّفت أفري جوزها [2] بشملّة ... بعيدة ما بين القرا والمناسم
كأنّ شرار المرو [3] من نبذها به ... نجوم هوت أخرى [4] الليالي العواتم
غنى المأمون بشعر في اللذات فردّ عليه:
حدّثني عمّي وأحمد بن عبيد اللّه بن عمّار قال حدّثنا فضل اليزيديّ عن إسحاق قال:
غنّيت المأمون يوما هذين البيتين:
لأحسن من قرع المثاني ورجعها ... تواتر صوت الثغر يقرع بالثغر
وسكر الهوى أروى لعظمي ومفصلي ... من الشّرب في الكاسات من عاتق الخمر
فقال لي المأمون: ألا أخبرك بأطيب من ذلك وأحسن؟ الفراغ والشباب والجدة.
أعتق غلامه فتحا لحسن جوابه:
حدّثني الصّوليّ قال حدّثني الحسين بن يحيى قال:
كان لإسحاق غلام يقال له فتح، يستقي الماء لأهل داره على بغلين من بغاله دائما؛ فقال إسحاق: قلت له يوما: أيّ شيء خبرك يا فتح؟ قال: خبري أنه ليس في هذه الدار أحد أشقى منّي ومنك؛ قلت: وكيف ذلك؟ قال:
أنت تطعم أهل الدار الخبز وأنا أسقيهم الماء؛ فاستظرفت قوله وضحكت منه، [ثم] قلت له: فأيّ شيء تحبّ؟
قال: تعتقني وتهب لي البغلين أستقي عليهما؛ فقلت له: قد فعلت.
شعره في أبي البصير وكان يدّعي الغناء بغير علم:
أخبرني أبو الحسن أحمد بن محمد الأسديّ قال حدّثنا حمّاد بن إسحاق قال:
كان لأبي البصير الشاعر قيان، وكان يتكلّم في الغناء بغير علم ولا صواب فيضحك منه، فقال أبي فيه:
/سكتّ عن الغناء فما أماري ... بصيرا لا ولا غير البصير
مخافة أن أجنّن فيه نفسي ... كما قد جنّ فيه أبو البصير
نهاه الرشيد عن الغناء إلا له أو لجعفر بن يحيى وقصته مع الفضل في ذلك:
أخبرني الحسين بن يحيى المرداسيّ قال حدّثنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه قال:
__________
[1] المدرجة: الطريق. والتيهاء: المفازة التي لا يهتدي فيها. والزميلة: الضعيف الجبان.
[2] جوز الشي ء: وسطه ومعظمه. والشملة: الناقة السريعة. والقرا: الظهر. والمناسم: الأخفاف.
[3] المرو: حجارة بيض رقاق برّاقة.
[4] في أ، ء، م: «إحدى الليالي».
نهاني الرشيد أن أغنّي أحدا غيره، ثم استوهبني جعفر بن يحيى وسأله أن يأذن لي في أن أغنّيه ففعل، واتّفقنا يوما عند جعفر بن يحيى وعنده أخوه الفضل، والرشيد يومئذ يعقب علّة قد عوفي منها وليس يشرب؛ فقال لي الفضل: انصرف إليّ الليلة حتى أهب لك مائة ألف درهم؛ فقلت له: إنّ الرشيد [1] قد نهاني ألّا أغنّي إلّا له أو لأخيك، وليس يخفى عليه خبري، وأنا متّهم عنده بالميل إليكم، ولست أتعرّض له ولا أعرّضك، ولم أجبه. فلمّا نكبهم الرشيد قال: إيه يا إسحاق، تركتني بالرّقّة وجلست ببغداد تغنّي للفضل بن يحيى! فحلفت بحياته أنّي ما جالسته قطّ إلّا على المذاكرة والحديث، وأنه ما سمعني قطّ أغنّي إلا عند أخيه جعفر، وحلفت بتربة المهديّ أن يسأل عن هذا جميع من في الدار من نسائه؛ فسأل عنه فحدّثنه بمثل ما ذكرته له، وعرف خبر المائة الألف الدرهم التي بذلها لي فرددتها عليه. فلما دخلت عليه ضحك إليّ ثم قال: قد سألت عن أمرك فعرفت منه مثل ما عرّفتني، وقد أمرت لك بمائة ألف درهم عوضا مما بذله لك الفضل.
تحدث بحديث لا إسناد فيه وسئل عن ذلك فأجاب:
حدّثني الصّوليّ قال حدّثني ميمون بن هارون عن إسحاق أنه كان يقول: الإسناد قيد الحديث؛ فتحدّث مرّة بحديث لا إسناد له، فسئل عن/ إسناده، فقال: هذا من المرسلات عرفا.
أنشد الفضل شعر نصيب فأجازه:
حدّثني الصّوليّ قال حدّثني ميمون بن هارون عن أبيه، وحدّثني عمّي عبد اللّه بن أبي سعد قال حدّثني محمد بن عبد اللّه بن مالك عن إسحاق قال: أنشدت الفضل بن يحيى قول أبي الحجناء نصيب مولى المهديّ فيهم:
صوت
عند الملوك مضرّة ومنافع ... وأرى البرامك لا تضرّ وتنفع
إنّ كان شرّ كان غيرهم له ... أو كان خير فهو فيهم أجمع
إنّ العروق إذا استسرّ [2] بها الثّرى ... أشر [3] النبات بها وطاب المزرع
فإذا جهلت من امرىء أعراقه ... وقديمه فانظر إلى ما يصنع
قال فقال: كأنّا واللّه لم نسمع هذا الشعر قطّ، قد كنا وصلناه بثلاثين ألف درهم، وإذا نجدّد له الساعة صلة له ولك معه لحفظك الأبيات؛ فوصلنا بثلاثين ألف درهم.
عتب عليه المأمون في شيء فاسترضاه بشعر:
وأخبرني الصّوليّ قال حدّثني الحسن بن يحيى الكاتب أبو الجمّاز قال:
عتب المأمون على إسحاق في شي ء؛ فكتب إليه رقعة وأوصلها إليه من يده؛ ففتحها المأمون فإذا فيها قوله:
__________
[1] في أ، ح، م: «إنه الرشيد وقد نهاني».
[2] استسر: خفي.
[3] أشر النبات: مرح وطال.
لا شيء أعظم من جرمي سوى أملي ... لحسن [1] عفوك عن ذنبي وعن زللي
فإن يكن ذا وذا في القدر قد عظما ... فأنت أعظم من جرمي ومن أملي
فضحك ثم قال: يا إسحاق، عذرك أعلى قدرا من جرمك، وما جال بفكري، ولا أخطرته [2] بعد انقضائه على ذكري.
ما كان بينه وبين ابن بانة في مجلس الواثق وقصيدته في ذمه ومدح الواثق:
حدّثني عمّي قال حدّثني يزيد بن محمد المهلّبيّ قال:
خرجنا مع الواثق إلى القاطول [3] للصيد، ومعنا جماعة الجلساء والمغنّين وفيهم عمرو بن بانة وعلّويه ومخارق وعقيد، وقدم إسحاق في ذلك الوقت فأخرجه معه؛ فتصيّد على القاطول ثم عاد فأكل وشرب أقداحا، ثم أمر بالبكور إلى الصّبوح فباكرنا واصطبحنا. فغنّى عمرو بن بانة لحن إبراهيم الموصليّ:
صوت
بلوت أمور الناس طرّا فأصبحت ... مذمّمة عندي براء من الحمد
وأصبح عندي من وثقت بغيبه ... بغيض الأيادي كلّ إحسانه نكد [4]
- ولحنه خفيف رمل بالوسطى - فغنّاه على ما أخذه من إبراهيم بن المهديّ وقد غيّره. فقال الواثق لإسحاق:
أتعرف هذا اللحن؟ فقال: نعم، هذا لحن أبي ولكنّه مما زعم إبراهيم بن المهديّ أنه جندره وأصلحه فأفسده ودمر [5] عليه؛ فقال له: غنّه أنت، فغنّاه فأتى به على حقيقته واستحسنه الواثق جدّا؛ فغمّ ذلك عمرو بن بانة فقال لإسحاق: أفأنت مثل إبراهيم بن المهديّ حتّى تقول هذا فيه!؛ قال: لا واللّه ما أنا مثله، أمّا على الحقيقة فأنا عبده وعبد أبيه، وليس هذا مما نحن فيه؛ وأمّا الغناء فما دخولك أنت بيننا فيه! ما أحسنت قطّ أن تأخذ فضلا عن أن تغنّي، ولا قمت بأداء غناء فضلا عن أن تميّز بين المحسنين؛ وإلّا فغنّ أيّ صوت شئت مما أخذته/ عنه وعن غيره كائنا من كان، فإن لم أوضح لك ولمن حضر أنه لا يسلم لك صوت من نقصان أجزاء وفساد صنعة فدمى به رهن؛ فأساء عمرو الجواب/ وأغلظ في القول؛ فأمضّه الواثق وشتمه وأمر بإقامته عن مجلسه فأقيم. فلمّا كان من الغد دخل إسحاق على الواثق فأنشده:
ومجلس باكرته بكورا ... والطير ما فارقت الوكورا
والصبح لم يستنطق العصفورا ... على غدير لم يكن دعثورا [6]
__________
[1] في أ، ء، م: «و حسن ... ».
[2] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «أحضرته».
[3] القاطول: اسم نهر يأخذ من دجلة في الجانب الشرقي، حفره كسرى أنوشروان العادل. وهو اسم نهر آخر أيضا كان حفره الرشيد في موضع «سر من رأى» قبل أن يعمرها المعتصم، وكان يأخذ من دجلة أيضا.
[4] النكد (بالفتح وبالضم): قلة العطاء وألا يهنأه من يعطاه. وفي هذا الشعر إقواء، وهو اختلاف حركة الرويّ.
[5] يقال: دمر عليه (من باب نصر) دمرا ودمورا إذا دخل بغير إذن وهجم هجوم الشرّ.
[6] الدعثور: الحوض المثلم، وقيل: هو الحوض الذي لم يتنوّق في صنعته ولم يوسع.
لم تر عيني مثله غديرا ... يجري حباب مائه مسجورا [1]
على حصى تحسبه كافورا ... تسمع للماء به خريرا
ينسج أعلى متنه سطورا ... نسيم ريح قد ونت فتورا
حتى تخال متنه حصيرا ... والشّرب قد حفّوا به حضورا
وأمروا الساقي أن يديرا ... كأسهم الأصغر والكبيرا
وأعملوا البمّ معا والزّيرا ... وجاوبت عيدانهم زميرا
وقرّبوا المغنّي النّحريرا ... مقدّما في حذقه مشهورا
فهم يطيرون به سرورا ... ولا ترى في شربهم تقصيرا
ولا لصفو عيشهم تكديرا ... ولا لخلق منهم نظيرا
إلّا رجيلا منهم سكّيرا ... معربدا موضّحا شرّيرا
مدّعيا للعلم مستعيرا ... يروم سعيا كاذبا مغرورا
وأن يكون عالما بصيرا ... مفضّلا بعلمه مذكورا
غمزته ولم يكن صبورا ... فعاذ منّي هاربا مذعورا
/ بمعسر تحسبهم حميرا ... أشدّ منهم حمقا كثيرا
لا ينطقون الدهر إلا زورا ... حتّى إذا كسّرته تكسيرا
كالليث لمّا ضغم [2] الخنزيرا ... ولّي انهزاما خاسئا مدحورا
معترفا بذلّه مقهورا ... وكنت قدما ضيغما هصورا
معتليا لقرنه عقورا ... وما أخاف الزمن العثورا
إذ كنت بالواثق مستجيرا ... قد عزّ من كان له نصيرا
إمام عدل دبّر الأمورا ... برأيه ولم يرد مشيرا
ترى من الحقّ عليه نورا ... تقبّل [3] المهديّ والمنصورا
وجدّه الأدنى تقّى وخيرا ... ورّثه المعتصم التدبيرا
فأصبح الملك به منيرا ... وأصبح العدل به منشورا
قد أمن الناس به المحظورا ... إذا علا المنبر والسريرا
رأيت بدرا طالعا منيرا ... بحرا ترى الغنيّ والفقيرا
__________
[1] المسجور: المنظوم المسترسل.
[2] ضغمه: عضه ملء فيه.
[3] تقبل الرجل أباه: أشبهه.
يرجون منه نائلا غزيرا ... واللّه لازلت له شكورا
لا جاحد النّعمى ولا كفورا ... وكنت بالشكر له جديرا
أنشده الأصمعيّ جملة أشعار في الفروسية:
حدّثني الصّوليّ قال حدّثني ميمون بن هارون قال: سمعت إسحاق يقول:
أنشدني الأصمعيّ قول الأعشى:
إن تركبوا فركوب الخيل عادتنا ... أو تنزلون فإنّا معشر نزل
ثم قلت له: أيّ شيء تحفظ في هذا المعنى؟ - وكان مع بخله بالعلم لا يبخل بمثل هذا - فأنشدني لربيعة بن مقروم الضّبّيّ:
/و لقد شهدت الخيل يوم طرادها [1] ... بسليم أو ظفة [2] القوائم هيكل
فدعوا نزال [3] فكنت أوّل نازل ... وعلام أركبه إذا لم أنزل
سر لغناء ملاحظ ومدحها بشعر:
حدّثني عمّي قال حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد قال حدّثني محمد بن محمد بن مروان قال حدّثني عبد اللّه بن العبّاس بن الفضل بن الربيع قال:
اجتمعنا يوما إمّا قال في منزلي أو في منزل محمد بن الحارث بن بسخنّر، ودخلنا ودخل إلينا إسحاق الموصلي وعندنا ملاحظ تغنّينا وقد قامت الصلاة، فدخل إسحاق وهي غائبة فقال: فيم كنتم ومن عندكم؟ فأخبرناه بخبرها؛ فقال: لا تعرّفوها من أنا فيخرجها التصنّع لي والتحفّظ منّي عن طبعها، ولكن دعوها وهواها حتّى ننتفع بها؛ وخرجت وهي لا تعرفه وجلست كما كانت أوّلا، وابتدأت وغنّت - والصنعة لفليح بن [أبي] [4] العوراء، ولحنه رمل. هكذا أخبرنا إسحاق أن الغناء لفليح - :
صوت
إني تعلّقت ظبيا شادنا خرقا ... علّقته شقوة منّي وما علقا
قال: فطرب إسحاق وشرب حتى والى بين خمسة أقداح من نبيذ شديد كان بين يديه وهو يستعيدها؛ فأخذ إسحاق دواة وكتب:
__________
[1] أراد بالخيل الفرسان لا الأفراس، ألا ترى أنه قال: يوم طرادها. والطراد من الفرسان: حمل بعضهم على بعض، وعلى هذا ما روى عن النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «يا خيل اللّه اركبي». (راجع «شرح أشعار الحماسة» للتبريزي ص 28 طبع أوروبا).
[2] الأوظفة: جمع وظيف وهو ما فوق الحافر من الفرس. ولكل ذي أربع ثلاثة مفاصل في رجليه: الفخذ والساق والوظيف ثم الحافر أو الخف أو الظلف. وفي يديه ثلاثة مفاصل: العضد والذراع والوظيف ثم الحافر أو الخف أو الظلف. (راجع «شرح أشعار الحماسة» للتبريزي). والهيكل: الضخم.
[3] نزال (مثل قطام): بمعنى أنزل وهو معدول من المنازلة لا بمعنى النزول إلى الأرض. هكذا ذكره صاحب «اللسان» واستشهد بهذين البيتين.
[4] سقطت هذه الكلمة من الأصول هنا سهوا من النساخ.
/
سأشرب ما دامت تغنّي ملاحظ ... وإن كان لي في الشّيب عن ذاك واعظ
ملاحظ غنّينا بعيشك وليكن ... عليك لما استحفظته منك حافظ
فأقسم ما غنّى غناءك محسن ... مجيد ولم يلفظ كلفظك لافظ
وفي بعض هذا القول منّي مساءة ... وغيظ شديد للمغنّين غائظ
حدّث الرشيد عن البرامكة فزجره:
أخبرني الحسن [1] بن عليّ قال حدّثنا يزيد بن محمد المهلّبيّ قال حدّثني إسحاق قال:
قال لي الرشيد يوما: بأيّ شيء يتحدّث الناس؟ قلت: يتحدّثون بأنك تقبض على البرامكة وتولّي الفضل بن الرّبيع الوزارة؛ فغضب وصاح بي: وما أنت وذاك ويلك! فأمسكت. فلمّا كان بعد أيام دعا بنا؛ فكان أوّل شيء غنّيته:
صوت
إذا نحن صدقناك ... فضرّ عندك الصدق
طلبنا النفع بالباط ... ل إذ لم ينفع الحقّ
فلو قدّم صبّا في ... هواه الصبر والرّفق
لقدّمت على الناس ... ولكنّ الهوى رزق
- / في هذه الأبيات خفيف رمل بالوسطى ينسب إلى إسحاق وإلى ابن جامع، والصحيح أنه لإسحاق. وقيل:
إن الشعر لأبي العتاهية - . قال: فضحك الرشيد وقال لي: يا إسحاق، قد صرت حقودا.
غنى هو وعلويه ومخارق عند المعتصم فأجازهما دون مخارق:
أخبرني الحسن قال حدّثنا يزيد بن محمد قال حدّثني حمّاد بن إسحاق عن أبيه قال:
/ دخلت على المعتصم يوما بسرّ من رأى، فإذا الواثق بين يديه وعنده علّويه ومخارق؛ فغنّاه مخارق صوتا فلم ينشط له، ثم غناه علّويه فأطربه. فلما رأيت طربه لغناء علّويه دون غناء مخارق اندفعت فغنّيته لحني:
صوت
تجنّبت ليلى أن يلجّ بك الهوى ... وهيهات كان الحبّ قبل التجنّب
فأمر لي بألف دينار ولعلّويه بخمسمائة دينار، ولم يأمر لمخارق بشيء.
__________
[1] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «الحسين» وهو تحريف.
نسبة هذا الصوت
صوت
تجنّبت ليلى أن يلجّ بك الهوى ... وهيهات كان الحبّ قبل التجنّب
ألا إنّما غادرت يا أمّ مالك ... صدى أينما تذهب به الريح يذهب
الشعر للمجنون. والغناء لإسحاق ثقيل أوّل بإطلاق الوتر في مجرى البنصر عن إسحاق. وغنّى ابن جامع في هذين البيتين وبيتين آخرين أضافهما إليهما ليسا من هذا الشعر، هزجا بالبنصر. والبيتان المضافان:
برى اللّحم عن أحناء عظمى ومنكبي ... هوى لسليمى في الفؤاد المعذّب
وإني سعيد أن رأت لك مرّة ... من الدّهر عيني منزلا في بني أبي
غنى علويه الواثق بلحن لإسحاق فأجازهما:
أخبرنا الحسن بن علي قال حدّثنا يزيد بن محمد المهلّبيّ قال:
غنّى علّويه بين يدي الواثق يوما:
صوت
خليل لي سأهجره ... لذنب لست أذكره
ولكنّي سأرعاه ... وأكتمه وأستره
وأظهر أنّني راض ... وأسكت لا أخبّره
لكي لا يعلم الواشي ... بما عندي فأكسره
- الشعر والغناء لإسحاق هزج بالوسطى - قال: فطرب الواثق طربا شديدا، واستحسن اللحن، وأمر لعلّويه بألف دينار؛ ثم قال: أهذا اللحن لك؟ قال: لا يا أمير المؤمنين، هو هذا لهذا الهزبر [1] (يعني إسحاق) - قال:
وكان إسحاق حاضرا - فضحك الواثق وقال: قد ظلمناه إذا، وأمر لإسحاق بثلاثين ألف درهم.
عارض ثقيلا لابن سريج بهزج له:
أخبرنا عليّ بن عبد العزيز الكاتب عن عبيد اللّه بن عبد اللّه بن خرداذبه عن أبيه قال:
كان إسحاق عند الفتح بن الحجّاج الكرخيّ وعلّويه حاضر؛ فغنّاه علّويه:
صوت
علقتك ناشئا حتّى ... رأيت الرأس مبيضا
على يسر وإعسار ... وفيض نوالكم فيضا [2]
__________
[1] في ح: «الهربذ». ومن معاني الهربذ: عالم الهند.
[2] في م: «و قبض نوالكم قبضا» بالقاف والباء الموحدة.
ألا أحبب بأرض كن ... ت تحتلّينها أرضا
وأهلك حبّذا ما هم ... وإن أبدوا لي البغضا
/ - الشعر لابن أذينة. والغناء لابن سريج ثقيل أوّل بالسبابة في مجرى البنصر، عن إسحاق. وفيه لإسحاق هزج خفيف مطلق في مجرى البنصر، عن إسحاق أيضا. وفيه للأبجر ثقيل أوّل، ولإبراهيم الموصليّ رمل، جميع ذلك عن الهشاميّ - .
قال فغنّاه إيّاه في الثّقيل، ثم غنّاه هزجا؛ فقال له الفتح؛ لمن الثقيل؟ فقال: لابن سريج، قال: فلمن الهزج؟ قال: لهذا الهزبر [1] (يعني إسحاق)؛ فقال له الفتح: ويلك يا إسحاق! أتعارض ثقيل ابن سريج بهزجك؟! قال: فقبض إسحاق على لحيته ثم قال: على ذلك فو اللّه ما فاتني إلّا بتحريكه الذّقن.
أخطأ المعتصم في شعر لأبي خراش فصوّبه له:
أخبرني الحسن قال حدّثني يزيد بن محمد قال حدّثني إسحاق قال:
دخلت يوما على المعتصم وعنده إسحاق بن إبراهيم بن مصعب، واستدناني فدنوت منه، واستدناني فتوقّفت خوفا من أن أكون موازيا في المجلس لإسحاق بن إبراهيم؛ ففطن المعتصم فقال: إنّ إسحاق لكريم، وإنك لم تستنزل ما عند الكريم بمثل إكرامه. ثم تحدّثنا وأفضت بنا المذاكرة إلى قول أبي خراش الهذليّ:
حمدت إلهي بعد عروة إذ نجا ... خراش وبعض الشرّ أهون من بعض [2]
فأنشدها المعتصم إلى آخرها، وأنشد فيها:
ولم أدر من ألقى عليه رداءه ... سوى أنه قد حطّ [3] عن ماجد محض
/ والرواية «قد بزّ عن ماجد محض»؛ فغلطت [4] وأسأت الأدب، فقلت: يا أمير المؤمنين، هذه رواية الكتّاب وما أخذ عن المعلّم؛ والصحيح «بزّ عن ماجد محض»؛ فقال لي: نعم صدقت، وغمزني بعينه، يحذّرني من إسحاق؛ وفطنت لغلطي فأمسكت، وعلمت أنه قد أشفق عليّ من بادرة تبدر من إسحاق؛ لأنه كان لا يحتمل مثل هذا في الخلفاء من أحد حتى يعظم عقوبته ويطيل حبسه، كائنا من كان؛ فنبّهني - رحمه اللّه - على ذلك حتى أمسكت وتنبّهت.
غنى المأمون ثلاثين صوتا من أهزاج القدماء:
أخبرنا يحيى بن عليّ بن يحيى قال قال عبيد اللّه بن معاوية قال عمرو بن بانة:
كنّا عند المأمون، فقال: ما أقلّ الهزج في الغناء القديم!؛ وقال إسحاق: ما أكثره! ثم غنّاه نحو ثلاثين صوتا
__________
[1] في أ، ح، م: «الهربذ» (انظر الحاشية رقم 1 ص 400 من هذا الجزء).
[2] هذان البيتان من قصيدة لأبي خراش الهذليّ يرثي بها أخاه عروة بن مرة ويذكر نجاة خراش ابنه. وكان من أمرهما أن خرجا مغيرين فأسرا فقتل عروة، وقيض لخراش من ألقى عليه رداءه وهيأ له أسباب الهرب. والقصيدة مذكورة في أوّل باب المراثي من «ديوان الحماسة» لأبي تمام و «الأغاني» (ج 21 ص 63 طبع أوروبا) و «أمالي القالي» (ج 1 ص 271 طبع دار الكتب المصرية). وفي «شرح التبريزي لديوان الحماسة و «الأغاني» بيان مستفيض لقصة عروة وخراش فراجعهما.
[3] رواية الحماسة: «على أنه قد سل».
[4] كذا في أكثر الأصول. وفي ب، س: «فغلط وأسأت ... ».
في الهزج القديم. فقلت لأصحابي: هذا الذي تزعمون أنه قليل الرواية!.
أثنى عليه العباس بن جرير:
أخبرنا يحيى قال حدّثنا أبي عن إسحاق قال:
قال لي العباس بن جرير: قاتلك اللّه! مذكّر فطنة، ومؤنّث طبيعة، ما أمكرك!.
أنشد بعض الأعراب شعرا له فمدحه:
حدّثنا يحيى بن عليّ قال حدّثني أبي عن إسحاق قال، وأخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا يزيد بن محمد عن إسحاق قال:
أنشدت بعض الأعراب شعرا لي أقول فيه:
أجرت سوابق دمعك المهراق ... لمّا جرى لك سانح بفراق
إنّ الظعائن يوم ناصفة [1] اللّوى ... هاجت عليك صبابة المشتاق
/ لم أنس إذ ألمحننا في رقبة ... منهنّ بيض ترائب وتراق
وأشرن إذ ودّعننا بأنامل ... حمر كهدّاب الدّمقس رقاق
ورمتك هند يوم ذاك فأقصدت [2] ... بأغرّ عذب بارد برّاق
وتنفّست لمّا رأتك صبابة ... نفسا تصعّد في حشى خفّاق
ولقد حذرت فما نجوت مسلّما ... حتى صرعت مصارع العشّاق
إن الخلافة أثبتت أوتادها ... لمّا تحمّلها أبو إسحاق
ملك أغرّ يلوح فوق جبينه ... نور الخلافة ساطع الإشراق
كسي الجلال مع الجمال وزانه ... هدي [3] التّقى ومكارم الأخلاق
صحّت عروقك في الجياد وإنما ... يجري الجواد بصحّة الأعراق
ذخر الملوك فكان أكثر ذخرهم ... للملك ما جمعوا من الأوراق [4]
وذخرت أبناء الحروب كأنهم ... أسد العرين على متون عتاق
كم من كريمة معشر قد أنكحت ... بسيوفهم قسرا بغير صداق
وعزيزة في أهلها وقطينها [5] ... قد فارقت بعلا بغير طلاق
__________
[1] الناصفة: مجرى الماء، وقيل: الرحبة في الوادي. وقد ذكر ياقوت في الكلام على ناصفة: ناصفة الشجناء، وناصفة العمقين وغيرهما، وقال: إنها مواضع، ولم يذكر ناصفة اللوى هذه.
[2] كذا في ح. وأقصدت: أصابت ولم تخطى ء. وفي سائر الأصول: «فأقصرت» بالراء، وهو تحريف.
[3] الهدى: الطريقة والسيرة.
[4] الأوراق: الدراهم.
[5] القطين هنا: الإماء والحشم.
قال فقال لي: أفليت واللّه يا أبا محمد؛ فقلت له: وما أفليت؟ قال: رعيت فلاة لم يرعها أحد غيرك.
كان المغنون يتلاشون أمامه إذا غنى:
أخبرنا يحيى بن عليّ قال حدّثني أخي أحمد بن عليّ عن عافية بن شبيب قال: قلت لزرزور بن سعيد: حدّثني عن إسحاق كيف كان يصنع إذا حضر معكم عند الخليفة وهو منقطع ذاهب وحلوقكم ليس مثلها في الدنيا؟ فقال: كان واللّه لا يزال بحذقه ورفقه وتأنّيه ولطفه حتى نصير معه أقلّ من التراب.
شعره للفضل بن الربيع في الشيب:
أخبرنا يحيى قال حدّثني أبي قال حدّثنا إسحاق قال: دخلت على الفضل بن الرّبيع فقال لي: يا إسحاق، كثر واللّه شيبك!؛ فقلت: أنا وذاك أصلحك اللّه كما قال أخو ثقيف:
الشيب إن يظهر فإنّ وراءه ... عمرا يكون خلاله متنفّس
لم ينتقص منّي المشيب قلامة ... ولنحن حين بدا ألبّ وأكيس
قال: هات يا غلام دواة وقرطاسا، اكتبهما لي لأتسلّى بهما.
قصته مع الفضل بن يحيى ونافذ حاجبه:
أخبرنا يحيى قال حدّثني أبي قال حدّثني إسحاق، وأخبرني الحسين [1] بن يحيى عن حمّاد عن أبيه [2]، وأخبرني الحسن بن عليّ عن يزيد بن محمد بن عبد الملك عن إسحاق قال:
قال الفضل بن يحيى لأبي: مالي لا أرى إسحاق، عرّفني ما خبره؟ فقال: خير. ورأى في كلامه شيئا يشكّك، فقال: أعليل هو؟ فقال: لا، ولكنه جاءك مرّات فحجبه نافذ الخادم ولحقته جفوة؛ فقال له: فإن حجبه بعدها فلينكه. فجاءني أبي فقال لي: القه، فقد سأل عنك؛ وخبّرني بما جرى. وجئت فجبت أيضا؛ وخرج الفضل ليركب؛ فوثبت إليه برقعة وقد كتبت فيها:
جعلت فداءك من كلّ سوء ... إلى حسن رأيك أشكو أناسا
يحولون بيني وبين السلام ... فما إن أسلّم إلّا اختلاسا
/ وأنفذت أمرك في نافذ ... فما زاده ذاك إلا شماسا
/ فلمّا قرأها ضحك حتى غلب، ثم قال: أو قد فعلتها يا فاسق؟! فقلت: لا واللّه يا سيّدي، وإنما مزحت؛ فخجل نافذ خجلا شديدا، ولم يعد بعد ذلك لمساءتي.
__________
[1] في الأصول هنا: «الحسن»، وهو تحريف.
[2] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «عن حماد عن أبيه قال حدّثني إسحاق». وظاهر أن جملة: «قال حدّثني إسحاق» مقحمة من الناسخ.
سأل المعتصم عن رجل غائب ماذا يعمل فأجاب:
أخبرنا يحيى بن عليّ قال حدّثنا أبو أيوب المدينيّ عن محمد بن عبد اللّه بن مالك قال حدّثني إسحاق قال: ذكر المعتصم يوما بعض أصحابه وقد غاب عنه، فقال: تعالوا حتى نقول ما يصنع في هذا الوقت؛ فقال قوم: يلعب بالنّرد، وقال قوم: يغنّي؛ فبلغتني النوبة، فقال: قل يا إسحاق؛ قلت: إذا أقول وأصيب؛ قال: أتعلم الغيب؟
قلت: لا، ولكنّي أفهم ما يصنع وأقدر على معرفته؛ قال: فإن لم تصب؟ قلت: فإن أصبت؟ قال: لك حكمك، وإن لم تصب؟ قلت: لك دمي؛ قال: وجب؛ قلت: وجب؛ قال: فقل؛ قلت: يتنفّس؛ قال: فإن كان ميتا؟ قلت: تحفظ الساعة التي تكلّمت فيها، فإن كان مات فيها أو قبلها فقد قمرتني؛ فقال: قد أنصفت؛ قلت: فالحكم؛ قال: احتكم ما شئت؛ قلت: ما حكمي إلّا رضاك يا أمير المؤمنين؛ قال: فإنّ رضاي لك، وقد أمرت لك بمائة ألف درهم، أترى مزيدا؟ فقلت: ما أولاك بذلك يا أمير المؤمنين؛ قال: فإنها مائتا ألف درهم، أترى مزيدا؟ قلت: ما أحوجني إلى ذلك يا أمير المؤمنين؛ قال: فإنها ثلاثمائة ألف، أترى مزيدا؟ قلت: ما أولاك بذلك يا أمير المؤمنين؛ قال: يا صفيق الوجه! ما نزيدك على هذا شيئا.
مدح سفينة للأمين فأجازه:
أخبرنا يحيى قال حدّثني أبو أيوب قال حدّثني محمد بن عبد اللّه بن مالك قال حدّثني إسحاق قال: / عمل محمد [1] المخلوع سفينة فأعجب بها، وركب فيها يريد الأنبار. فلمّا أمعن وأنا مقبل على بعض [2] أبواب السفينة صاحوا: إسحاق إسحاق، فوثبت فدنوت منه؛ فقال لي: كيف ترى سفينتي؟ فقلت: حسنة يا أمير المؤمنين، عمّرها اللّه ببقائك. فقام يريد الخلاء وقال لي: قل فيها أبياتا، فقلت: وخرج فقمت بالأبيات؛ فاشتهاها جدّا وقال لي: أحسنت يا إسحاق، وحياتك لأهبنّ لك عشرة آلاف دينار؛ قلت: متى يا أمير المؤمنين؟ إذا وسّع اللّه عليك! فضحك ودعا بها على المكان. ولم يذكر يحيى في خبره الأبيات.
عرض للواثق بشعر في تشوّقه إلى أهله:
أخبرني محمد بن مزيد قال حدّثنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه قال: غنّيت الواثق في شعر قلته وأنا عنده بسرّ من رأى وقد طال مقامي واشتقت إلى أهلي، وهو:
صوت
يا حبّذا ريح الجنوب إذا بدت ... في الصبح وهي ضعيفة الأنفاس
قد حمّلت برد النّدى وتحمّلت ... عبقا من الجثجاث [3] والبسباس
__________
[1] هو الخليفة محمد الأمين بن هارون الرشيد، سمى المخلوع لأن أهل مكة والمدينة وكثيرا من عماله خلعوه وبايعوا المأمون وهو بخراسان.
[2] في ح: «على باب السفينة».
[3] الجثجاث كما في «اللسان»: شجر أصفر مرّ طيب الريح تستطيبه العرب وتكثر ذكره في أشعاره. وقال أبو حنيفة الدينوري: إنه من أحرار الشجر وهو أخضر ينبت في القيظ، له زهرة صفراء كأنها زهرة العرفجة طيبة الريح. وقال ابن البيطار في مفرداته: أول ما رأيته بساحل نيل مصر في أعلاه في صحاريه بمقربة من ضيعة هناك تسمى شاهور وهي على طريق الطرّانة. وقال داود في تذكرته:
فشرب عليه واستحسنه وقال لي: يا أبا محمد، لو قلت مكان «يا حبّذا ريح الجنوب»: «يا حبّذا ريح الشّمال»، ألم يكن أرقّ وأعذى [1] وأصحّ للأجساد وأقلّ وخامة وأطيب/ للأنفس؟ فقلت: ما ذهب عليّ ما قاله أمير المؤمنين، ولكن التفسير فيما بعد؛ فقال: قل؛ فقلت:
ماذا تهيج من الصّبابة والهوى ... للصّبّ بعد ذهوله والياس
فقال الواثق: إنما استطبت ما تجيء به الجنوب من نسيم أهل بغداد لا الجنوب، وإليهم اشتقت لا إليها؛ فقلت: أجل يا أمير المؤمنين؛ وقمت فقبّلت يده؛ فضحك وقال: قد أذنت لك بعد/ ثلاثة أيام، فامض راشدا؛ وأمر لي بمائة ألف درهم. لحن إسحاق هذا من الثقيل الأوّل.
جعفر بن يحيى البرمكي وعبد الملك بن صالح الهاشمي:
أخبرني يحيى بن عليّ قال حدّثني أبي عن إسحاق قال:
لم أر قطّ مثل جعفر بن يحيى؛ كانت له فتوة وظرف وأدب وحسن غناء وضرب بالطبل، وكان يأخذ بأجزل حظّ من كل فنّ من الأدب والفتوّة. فحضرت باب أمير المؤمنين الرشيد، فقيل لي: إنه نائم، فانصرفت؛ فلقيني جعفر بن يحيى فقال لي: ما الخبر؟ فقلت: أمير المؤمنين نائم؛ فقال: قف مكانك؛ ومضى إلى دار أمير المؤمنين فخرج إليه الحاجب فأعلمه أنه نائم؛ فخرج إليّ وقال لي: قد نام أمير المؤمنين، فسر بنا إلى المنزل حتى نخلو جميعا بقيّة يومنا وتغنّيني وأغنّيك ونأخذ في شأننا من وقتنا هذا؛ قلت نعم، فصرنا إلى منزله فطرحنا ثيابنا، ودعا بالطعام فطعمنا، وأمر بإخراج الجواري وقال: لتبرزن؛ فليس عندنا من تحتشمن منه. فلمّا وضع الشراب دعا بقميص حرير فلبسه ودعا بخلوق فتخلّق به، ثم دعا لي بمثل ذلك، وجعل يغنّيني وأغنّيه؛ ثم دعا بالحاجب فتقدّم إليه وأمره بألّا يأذن لأحد من الناس كلّهم، وإن جاء رسول أمير المؤمنين أعلمه أنه مشغول؛ واحتاط في ذلك وتقدّم فيه إلى جميع الحجّاب والخدم؛ ثم قال: إن جاء عبد الملك فأذنوا له - يعني رجلا كان/ يأنس به ويمازحه ويحضر خلواته - ثم أخذنا في شأننا؛ فو اللّه إنّا لعلى حالة سارّة عجيبة إذ رفع السّتر، وإذا عبد الملك بن صالح الهاشميّ قد أقبل، وغلط الحاجب ولم يفرّق بينه وبين الذي يأنس به جعفر بن يحيى. وكان عبد الملك بن صالح الهاشميّ من جلالة القدر والتقشف وفي الامتناع من منادمة أمير المؤمنين على أمر جليل، وكان أمير المؤمنين قد اجتهد به أن يشرب معه أو عنده قدحا فلم يفعل ذلك رفعا لنفسه. فلما رأيناه مقبلا، أقبل كلّ واحد منّا ينظر إلى صاحبه، وكاد جعفر أن ينشقّ غيظا. وفهم الرجل حالنا، فأقبل نحونا، حتى إذا صار إلى الرّواق الذي نحن فيه نزع قلنسيته فرمى بها مع طيلسانه جانبا؛ ثم قال: أطعمونا شيئا؛ فدعا له جعفر بالطعام وهو منتفخ غضبا وغيظا فطعم، ثم دعا برطل فشربه، ثم أقبل إلى المجلس الذي نحن فيه فأخذ بعضادتي [2] الباب ثم قال: اشركونا فيما أنتم فيه؛ فقال له جعفر:
ادخل؛ ثم دعا بقميص حرير وخلوق فلبس وتخلّق، ثم دعا برطل ورطل حتى شرب عدّة أرطال، ثم اندفع ليغنّينا، فكان واللّه أحسننا جميعا غناء. فلما طابت نفس جعفر وسرّي عنه ما كان به التفت إليه فقال له: ارفع حوائجك؛
__________
() إنه يسمى باليونانية نرديسيون. والبسباس: نبات طيب الريح وهو المعروف بالفارسية باسم الرازيانج وفي مصر والشام باسم الشمار.
[1] أعذى: أطيب.
[2] عضادتا الباب: خشبتاه من جانبيه.
فقال: ليس هذا موضع حوائج؛ فقال: لتفعلنّ، ولم يزل يلحّ عليه حتى قال له: أمير المؤمنين عليّ واجد؛ فأحبّ أن تترضّاه؛ قال: فإنّ أمير المؤمنين قد رضي عنك، فهات حوائجك؛ فقال: هذه كانت حاجتي؛ قال: ارفع حوائجك كما أقول لك؛ قال: عليّ دين فادح؛ قال: هذه أربعة آلاف ألف درهم، فإن أحببت أن تقبضها فاقبضها من منزلي الساعة، فإنه لم يمنعني من إعطائك إيّاها إلا أنّ قدرك يجلّ على أن يصلك مثلي، ولكني ضامن لها حتى تحمل من مال أمير المؤمنين غدا؛ فسل أيضا؛ قال: ابني، تكلّم أمير المؤمنين حتى ينوّه باسمه؛ قال: قد ولّاه أمير المؤمنين مصر/ وزوّجه/ ابنته العالية [1] ومهرها ألفي ألف درهم. قال إسحاق: فقلت في نفسي: قد سكر الرجل (أعني جعفرا). فلما أصبحت لم تكن لي همّة إلا حضور دار الرشيد؛ وإذا جعفر بن يحيى قد بكّر، ووجدت في الدار جلبة، وإذا أبو يوسف القاضي ونظراؤه قد دعي بهم، ثم دعي بعبد الملك بن صالح وابنه فأدخلا على الرشيد؛ فقال الرشيد لعبد الملك: إنّ أمير المؤمنين كان واجدا عليك وقد رضي عنك، وأمر لك بأربعة آلاف ألف درهم، فاقبضها من جعفر بن يحيى الساعة. ثم دعا بابنه فقال: اشهدوا أنّي قد زوّجته العالية بنت أمير المؤمنين وأمهرتها عنه ألفي ألف درهم من مالي وولّيته مصر [2]. قال: فلمّا خرج جعفر بن يحيى سألته عن الخبر؛ فقال: بكرّت على أمير المؤمنين فحكيت له ما كان منا وما كنّا [3] فيه حرفا حرفا، ووصفت له دخول عبد الملك وما صنع؛ فعجب لذلك وسرّ به؛ ثم قلت له: قد ضمنت له عنك يا أمير المؤمنين ضمانا؛ فقال: ما هو؟ فأعلمته؛ قال: أوف له بضمانك، وأمر بإحضاره؛ فكان ما رأيت.
حمل علويه لحنا له إلى أبيه فأعجب به وأثنى عليه:
أخبرني عمّي قال حدّثني فضل اليزيديّ عن إسحاق قال:
لمّا صنعت لحني في:
هل إلى نظرة إليك سبيل
ألقيته على علّويه، وجاءني رسول أبي بطبق فاكهة باكورة؛ فبعثت إليه: برّك اللّه يا أبة ووصلك! الساعة أبعث إليك بأحسن من هذه الباكورة؛ فقال: إني أظنّه قد أتى بآبدة [4]؛ فلم يلبث أن دخل عليه علّويه فغنّاه الصوت؛ فعجب منه وأعجب به، وقال: قد أخبرتكم أنه قد أتى بآبدة. ثم قال لولده: أنتم تلومونني على/ تفضيل إسحاق ومحبّتي له، واللّه لو كان ابن غيري لأحببته لفضله فكيف وهو ابني؛ وستعلمون أنكم لا تعيشون إلّا به. وقد ذكر أبو حاتم الباهليّ عن أخيه أبي معاوية بن سعيد بن سلم أنّ هذه القصة كانت لمّا صنع إسحاق لحنه في:
غيّضن من عبراتهن وقلن لي
وقد ذكرت ذلك مع أخبار هذا الصوت في موضعه.
__________
[1] كذا في الأصول و «ابن الأثير» (ج 6 ص 148) والذي في «الطبري» (ص 759 من القسم الثالث) «أم الغالية» بالغين المعجمة.
[2] الذي ذكر في كتب التاريخ أن الذي ولى مصر من قبل الرشيد هو عبد الملك بن صالح ولم يدخلها وإنما استخلف عليها عبد اللّه بن المشيب الضبي. ولم نعثر في كل هذه الكتب عند ذكر ولاة مصر عن ابن لعبد الملك هذا، ولم نجد هذه القصة في مصدر آخر من كتب التاريخ والأدب، غير أن ابن طباطبا أوردها بعبارة أوسع في «الفخري» (ص 282 طبع أوروبا سنة 1894).
[3] في ح: «ما كان منا وما كان منه».
[4] الآبذة: الغريبة.
سئل عن إبراهيم بن المهدي فقال لا يحسن شيئا:
حدّثني جعفر بن قدامة قال حدّثني عليّ بن يحيى قال:
سألت إسحاق عن إبراهيم بن المهديّ، فقال: دعني منه، فليست له رواية ولا دراية ولا حكاية.
رثاؤه هشيمة الخمارة:
أخبرني الحسن بن عليّ الخفّاف قال حدّثني فضل اليزيديّ عن إسحاق قال:
كالنت هشيمة الخمّارة جارتي، وكانت تخصّني بأطيب الشراب وجيّده؛ فماتت فقلت أرثيها:
أضحت هشيمة في القبور مقيمة ... وخلت منازلها من الفتيان
كانت إذا هجر المحبّ حبيبه ... دبّت له في السرّ والإعلان
حتى يلين لما تريد قياده ... ويصير سيّئه إلى الإحسان
قضى حاجة لإدريس بن أبي حفصة فمدحه:
أخبرني محمد بن مزيد قال حدّثنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه قال:
سألني إدريس بن أبي حفصة حاجة، فقضيتها له وزدت فيما سأل؛ فقال لي [1]:
إذا الرجال جهلوا المكارما ... كان بها ابن الموصليّ عالما
أبقاك ذو العرش بقاء دائما ... فقد جعلت للكرام خاتما
إسحاق لو كنت لقيت حاتما ... كان نداه لنداك خادما
/ قال حمّاد: وقال لي أبي: كان إدريس سخيّا من بين آل أبي حفصة؛ فنزل به ضيف، فتنمّرت امرأته عليه؛ فقال لها:
من شرّ أيّامك اللّاتي خلقت لها ... إذا فقدت ندى [2] صوتي وزوّاري
تشاغل عن دعوة علي بن هشام فنيل منه، وردّه على ذلك:
أخبرني محمد بن مزيد قال حدّثنا حمّاد عن أبيه قال:
كان عليّ بن هشام قد دعاني ودعا عبد اللّه بن محمد بن أبي عيينة، فتأخّرت عنه حتى اصطبحنا شديدا، وتشاغلت عنه برجل من الأعراب كان يجيئني فأكتب عنه وكان فصيحا؛ وكان عند عليّ بن هشام بعض من يعاديني؛ فسألوا ابن أبي عيينة أن يعاتبني بشعر ينسبني فيه إلى الخلف؛ فكتب إليّ:
يا مليّا بالوعد والخلف والمط ... ل بطيئا عن دعوة الأصحاب
__________
[1] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «و قال لي».
[2] ندى الصوت: صداه.
لهجا بالأعراب إنّ لدينا ... بعض ما تشتهي من الأعراب
قد عرفنا الذي شغلت به ... عنّا وإن كان غير ما في الكتاب
قال: فكتبت إلى الذي حمل ابن أبي عيينة على هذه الأبيات - قال حمّاد: وأظنه إبراهيم بن المهديّ -:
قد فهمت الكتاب أصلحك ... اللّه وعندي عليه ردّ الجواب
ولعمري ما تنصفون ولا كا ... ن الذي جاء منكم في حسابي
لست آتيك فاعلمنّ ولا لي ... فيك حظّ من بعد هذا الكتاب
عاتب علي بن هشام بشعر لأنه مرض ولم يعده:
قال حمّاد: قال أبي: وكتبت إلى عليّ بن هشام وقد اعتللت أيّاما فلم يأتني رسوله:
أنا عليل منذ فارقتني ... وأنت عمّن غاب لا تسأل
ما هكذا كنت ولا هكذا ... فيما مضى كنت بنا تفعل
فلمّا وصلت إليه رقعتي ركب إليّ وجاءني عائدا.
شعره حين عودته من البصرة:
أخبرني محمد بن مزيد قال حدّثنا حمّاد قال:
لمّا خرج أبي إلى البصرة خرجته الأولى وعاد، أنشدني في ذلك لنفسه:
صوت
ما كنت أعرف ما في البين من حزن ... حتى تنادوا بأن قد جيء بالسّفن
قامت تودّعني والعين تغلبها ... فجمجمت [1] بعض ما قالت ولم تبن
مالت عليّ تفدّيني وترشفني ... كما يميل نسيم الرّيح بالغصن
وأعرضت ثم قالت وهي باكية ... يا ليت معرفتي إيّاك لم تكن
لمّا افترقنا على كره لفرقتها ... أيقنت أنّي رهين الهمّ والحزن
أنشده شداد بن عقبة شعرا لجميل فزاد عليه:
أخبرني محمد بن مزيد قال حدّثني حمّاد بن إسحاق عن أبيه قال:
أنشدني شدّاد بن عقبة لجميل:
قفي تسل عنك النفس بالخطّة التي ... تطيلين تخويفي بها ووعيدي
فقد طالما من غير شكوى قبيحة ... رضينا بحكم منك غير سديد
__________
[1] جمجم الكلام: لم يبينه.
قال: فأنشدت الزّبير بن بكّار هذين البيتين، فقال: لو لم أنصرف من العراق إلا بهما لرأيتهما غنما. وأنشدني شدّاد لجميل أيضا:
بثين سليني بعض مالي فإنما ... يبيّن عند المال كلّ بخيل
/ فإني وتكراري الزيارة نحوكم ... لبين يدي هجر بثين طويل
قال أبي: فقلت لشدّاد: فهلا أزيدك فيهما [1]؟ فقال: بلى؛ فقلت:
فيا ليت شعري هل تقولين بعدنا ... إذا نحن أزمعنا غدا لرحيل
ألا ليت أياما مضين رواجع ... وليت النّوى قد ساعدت بجميل
/ فقال شدّاد: أحسنت واللّه! وإن هذا الشعر لضائع؛ فقلت: وكيف ذلك؟ قال: نفيته عن نفسك بتسميتك جميلا فيه، ولم يلحق بجميل، فضاع بينكما جميعا.
اجتمع هو وجماعة من المغنين عند إسحاق المصعبي:
حدّثني جحظة قال حدّثني عليّ بن يحيى المنجّم قال حدّثني إسحاق الموصليّ قال:
دعاني إسحاق بن إبراهيم المصعبيّ، وكان عبد اللّه بن طاهر عنده يومئذ، فوجّه إليّ فحضرت وحضر علّويه ومخارق وغيرهما من المغنّين؛ فبيناهم على شرابهم وهم أسرّ ما كانوا، إذ وافاه رسول أمير المؤمنين فقال: أجب؛ فقال: السمع والطاعة؛ ودعا بثيابه فلبسها. ثم التفت إلى محمد بن راشد الخنّاق فقال له: قد بلغني أنّك أحفظ الناس لما يدور في المجالس، فاحفظ لي كلّ صوت يمرّ وما يشربه كلّ إنسان، حتى إذا عدت أعدت عليّ الأصوات وشربت ما فاتني؛ فقال: نعم، أصلح اللّه الأمير. ومضى إلى المأمون، فأمره بالشخوص إلى بابك [2] من غد، وتقدّم إليه فيما يحتاج إليه ورجع من عنده. فلمّا دخل ووضع ثيابه قال: يا محمد، ما صنعت فيما تقدّمت به إليك؟
قال: قد أحكمته أعزّك اللّه؛ ثم أخبره بما شرب القوم وما استحسنوه من الغناء بعده؛ فأمر أن يجمع له أكثر ما شربه واحد منهم في قدح، وأن يعاد عليه صوت صوت مما حفظه له حتى يستوفي ما فاته القوم به، ففعل ذلك وشرب حتى استوفى النبيذ والأصوات. ثم قال لي: يا أبا محمد، إني قد عملت في منصرفي من عند أمير المؤمنين أبياتا فاسمعها؛ فقلت: هاتها أعزّ اللّه الأمير؛ فأنشدني:
صوت
ألا من لقلب مسلم للنوائب ... أحاطت به الأحزان من كلّ جانب
تبيّن يوم البين أنّ اعتزامه ... على الصبر من بعض الظنون الكواذب
صوت
حرام على رامي فؤادي بسهمه ... دم صبّه بين الحشى والترائب
__________
[1] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «فيها»، وهو تحريف.
[2] هو بابك الخرّمي، وكان قد خرج على دولة بني العباس، وظهر بأذربيجان وكثر بها أتباعه واستباحوا المحرمات وقتلوا الكثير من المسلمين، ثم أخذ في أيام المعتصم هو وأخوه إسحاق وصلبا.
أراق دما لو لا الهوى ما أراقه ... فهل [1] بدمي من ثائر أو مطالب
قال: فقلت له: ما سمعت أحسن من هذا الشعر قطّ؛ فقال لي: فاصنع فيه؛ فصنعت فيه لحنا؛ وأحضرني وصيفة له، فألقيته عليها حتى أخذته؛ وقال: إنما أردت أن أتسلّى به في طريقي وتذكّرني به الجارية أمرك إذا غنّته.
فكان كلما ذكر أتاني برّه، إلى أن قدم، عدّة دفعات. لم أجد لإسحاق صنعة في هذا الشعر، والذي وجدت فيه لعبد اللّه بن طاهر خفيف رمل، ذكره ابنه عبيد اللّه عنه. ولمخارق لحن من الرمل. ولعمرو بن بانة هزج بالوسطى.
ولمخارق والطاهريّة خفيف ثقيل.
سأل عنه المتوكل حين كف فأحضره ثم غناه فوصله:
حدّثني جحظة قال حدّثني أبو عبد اللّه محمد بن/ حمدون قال:
سأل المتوكّل عن إسحاق الموصليّ، فعرف أنه قد كفّ وأنه في منزله ببغداد؛ فكتب في إحضاره. فلما دخل عليه رفعه حتى أجلسه قدّام السرير، وأعطاه مخدّة، وقال له: بلغني أن المعتصم دفع إليك مخدّة في أوّل يوم جلست بين يديه وهو خليفة، وقال: إنه لا يستجلب ما عند حرّ بمثل الكرامة؛ ثم سأله: هل أكل؟ فقال نعم؛ فأمر أن يسقى؛ فلما شرب أقداحا قال: هاتوا لأبي محمد عودا فجيء به؛ فاندفع يغنّي بصوت الشعر فيه والغناء له:
صوت
ما علّة الشيخ عيناه بأربعة [2] ... تغرورقان بدمع ثم تنسكب
- قال أبو عبد اللّه: فو اللّه ما بقي غلام من الغلمان الوقوف على الحير [3] إلا وجدته يرقص طربا وهو لا يعلم بما يفعل - فأمر له بمائة ألف درهم. ثم قال لي المتوكل: يابن حمدون، أتحسن أن تغنّيني هذا الصوت؟ فقلت نعم؛ قال: غنّه؛ فترنّمت به؛ فقال إسحاق: من هذا الذي يحكيني؟ فقال: هذا ابن صديقك حمدون؛ فقال: وددت أنه يحسن أن يحكيني؛ فقلت له: أنت عرّضتني له يا أمير المؤمنين. ثم انحدر المتوكل إلى رقّة [4] بوصرا؛ وكان يستطيبها لكثرة تغريد الأطيار بها، فغنّى إسحاق:
صوت
أأن هتفت ورقاء في رونق الضّحى ... على غصن غضّ الشباب من الرّند
بكيت كما يبكي الحزين صبابة ... وشوقا وتابعت الحنين إلى نجد
فضحك المتوكل وقال له: يا إسحاق، هذه أخت فعلتك بالواثق لمّا غنّيته بالصالحيّة [5]:
__________
[1] في ح: «فهل يدري ذا من ثائر أو مطالب».
[2] يقال: عيناه تدمعان بأربعة، أي تسيلان بأربعة آماق، وذلك أشدّ البكاء.
[3] كذا في ح. والحير: اسم قصر بسر من رأى بناه المتوكل وأنفق على عمارته أربعة آلاف ألف درهم. (راجع ياقوت في الكلام على الحير). وفي سائر الأصول: «الخبر» بالخاء المعجمة والباء الموحدة، وهو تصحيف.
[4] الرقة: كل أرض إلى جنب واد ينبسط عليها الماء. وبوصرا: قرية من قرى بغداد.
[5] الصالحية: قرية قرب الرها من أرض الجزيرة، احتلها عبد الملك بن صالح الهاشمي.
طربت إلى الأصيبية الصّغار ... وذكّرني الهوى قرب المزار
/ فكم أعطاك لمّا أذن لك في الانصراف؟ قال: مائة ألف درهم؛ فأمر له بمائة ألف درهم، وأذن له بالانصراف إلى بغداد. وكان هذا آخر عهدنا به، لأن إسحاق توفّي بعد ذلك بشهرين.
أمره الواثق أن يغني صوتا فتطير منه وغناه:
حدّثني جحظة قال حدّثني حمّاد بن إسحاق عن أبيه قال:
دخلت على الواثق أستأذنه في الانحدار إلى بغداد فوجدته مصطبحا؛ فقال: بحياتي غنّ:
صوت
ألا إن أهل الدار قد ودّعوا الدارا ... وإن كان أهل الدار في الحيّ أجوارا [1]
وقد تركوا قلبي حزينا متيّما ... بذكرهم، لو يستطيع لقد طارا
فتطيّرت من اقتراحه له وغنّيته إياه؛ فشرب عليه مرارا، وأمر لي بثلاثين ألف درهم وأذن لي فانصرفت؛ ثم كان آخر عهدي به. الشعر لمطيع بن إياس. والغناء لإبراهيم الموصليّ ثقيل أوّل بالوسطى عن عمرو.
استسقى أحمد بن معاوية نبيذا فزحم حامل الدن فكسره وشعره في ذلك:
حدّثني الحسن بن عليّ قال حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد قال حدّثنا عبد اللّه بن الفرج قال حدّثنا أحمد بن معاوية قال:
كنت في بيتي وعلّويه يغنّيني:
صوت
أعرضن من شمط [2] في الرأس لاح به ... فهنّ عنه إذا أبصرنه حيد
قد كنّ يعهدن منّي منظرا حسنا ... وجمّة [3] حسرت عنها العناقيد
/ فوردت عليّ رقعة من إسحاق الموصليّ يستسقيني نبيذا؛ فبعثت إليه بدنّ مع غلام لي؛ فلما توسّط الغلام به الجسر زحم فكسر؛ فرجع الغلام إلى إسحاق فأخبره الخبر وسأله مسئلتي [4] التجافي عنه؛ فكتب إليّ:
يا أحمد بن معاويه ... إنّي رميت بداهيه
أشكو إليك فأشكني ... كسر الغلام الخابيه
يا ليتها سلمت وكا ... ن فداءها ابن الزانيه
__________
[1] الأجوار: جمع جار وهو الذي يجاورك في دار أو غيرها.
[2] الشمط: بياض شعر الرأس يخالط سواده.
[3] الجمة: مجتمع شعر الرأس.
[4] في ب، س: «مسألة».
فبعثت إليه بأربعة أدنان [1]، وأعتقت الغلام بشفاعته في أمره.
صنع صوتا أعجب به المعتصم والواثق وعجز المغنون عن أخذه عنه:
أخبرني جعفر بن قدامة ومحمد بن مزيد قالا حدّثنا حمّاد بن إسحاق الموصليّ قال قال لي حمدون بن إسماعيل رحمه اللّه:
لمّا صنع أبوك رحمه اللّه هذا الصوت:
صوت
قف بالديار التي عفا القدم ... وغيّرتها الأرواح والدّيم
لمّا وقفنا بها نسائلها ... فاضت من القوم أعين سجم
ذكرا لعيش مضى إذا ذكرت ... ما فات منه فذكره سقم
وكلّ عيش دامت غضارته ... منقطع مرّة ومنصرم
- ولحنه ثقيل أوّل - أعجب به المعتصم والواثق جميعا؛ فقال له المعتصم: بحياتي اردده على مخارق وعلّويه والجماعة ليأخذوه عنك، وانصحهم فيه؛ فإنهم إن أحسنوا فيه نسب إليك إحسانهم، وإن أساءوا بان فضلك عليهم؛ فردّه عليهم أكثر من/ مائتي مرّة، وكانوا يقصدون [2] إلى منزله ويردّه عليهم، ومات وما أخذوا منه علم اللّه إلّا رسمه. الشعر والغناء لإسحاق، ولحنه ثقيل أوّل.
خروجه مع الرشيد إلى الرقة وقصته بدير القائم وتل عزاز:
أخبرني محمد بن مزيد قال حدّثنا حمّاد عن أبيه قال:
خرجنا [3] مع الرشيد يريد الرقّة؛ فلمّا صرنا بالموضع الذي يقال له القائم نزلنا، وخرج يتصيّد وخرجنا معه، فأبعد في طلب الصيد؛ ولاح لي دير فقصدته وقد تعبت، فأشرفت على صاحبه؛ فقال: هل لك في النزول بنا اليوم؟
فقلت: إي واللّه، وإني إلى ذلك لمحتاج؛ فنزل ففتح لي الباب وجلس يحدّثني، وكان شيخا كبيرا وقد أدرك دولة بني أمية، فجعل يحدّثني عمّن نزل به من القوم ومواليهم وجيوشهم؛ وعرض عليّ الطعام فأجبته؛ فقدّم إليّ طعاما من طعام الدّيارات [4] نظيفا طيّبا، فأكلت منه، وأتاني بشراب وريان طريّ فشربت منه، ووكّل بي جارية تخدمني راهبة لم أر أحسن وجها منها ولا أشكل؛ فشربت حتى سكرت، ونمت وانتبهت عشاء؛ فقلت في ذلك:
__________
[1] كذا في ب، س. وفي سائر الأصول: «أدنّ» وجمع القلة لفعل المضعف أفعال مثل عمّ وأعمام، وأفعل مثل كف وأكف إلا أن الكثير الأوّل. والذي ورد في كتب اللغة جمعا لدنّ إنما هو دنان لا غير.
[2] كذا في م. وفي سائر الأصول: «يقصدونه إلى منزله».
[3] ورد هذا الخبر في «مسالك الأبصار» لابن فضل اللّه العمري (ج 1 ص 269 طبع بولاق) مع اختلاف يسير في بعض العبارات.
[4] الديارات: جمع دير. وهذا الجمع لدير على كثرة وروده في معاجم البلدان وكتب الأدب، لم نعثر على نص عليه في معاجم اللغة التي بين أيدينا.
صوت
بدير [1] القائم الأقصى ... غزال شادن أحوى
برى حبّي له جسمي ... ولا يعلم ما ألقى
وأكتم حبّه جهدي ... ولا واللّه ما يخفى
/ وركبت فلحقت بالمعسكر والرشيد قد جلس للشرب وطلبني فلم أوجد. وأخبرت بذلك،/ فغنّيت في الأبيات ودخلت إليه؛ فقال لي: أين كنت؟ ويحك! فأخبرته بالخبر وغنّيته الصوت؛ فطرب وشرب عليه حتى سكر، وأخّر الرحيل في غد، ومضينا إلى الدّير ونزله، فرأى الشيخ واستنطقه، ورأى الجارية التي كانت تخدمني بالأمس؛ فدعا بطعام خفيف فأصاب منه، ودعا بالشراب، وأمر الجارية التي كانت بالأمس تخدمني أن تتولّى خدمته وسقيه ففعلت، وشرب حتى طابت نفسه؛ ثم أمر للدّير بألف دينار، وأمر باحتمال خراجه له سبع سنين؛ فرحلنا.
قال حمّاد: فحدّثني أبي قال: فلما صرنا بتلّ عزاز من دابق [2] خرجت أنا وأصحاب لي نتنزّه في قرية من قراها، فأقمنا بها أيّاما، وطلبني الرشيد فلم يجدني. فلمّا رجعت أتيت الفضل بن الربيع؛ فقال لي: أين كنت؟
طلبك أمير المؤمنين؛ فأخبرته بنزهتنا فغضب. وخفت من الرشيد أكثر مما لقيت من الفضل؛ فقلت:
صوت
إنّ قلبي بالتّلّ تلّ عزاز ... عند ظبي من الظّباء الجوازي [3]
شادن يسكن الشآم وفيه ... مع ظرف العراق شكل [4] الحجاز
يا لقومي لبنت قسّ أصابت ... منك صفو الهوى وليست تجازي
حلفت بالمسيح أن تنجز الوع ... د وليست تهمّ بالإنجاز
وغنّيت فيه؛ ثم دخلت على الرشيد وهو مغضب؛ فقال: أين كنت؟ طلبتك فلم أجدك؛ فاعتذرت إليه وأنشدته هذا الشعر وغنّيته إياه؛ فتبسّم وقال: عذر وأبيك/ وأيّ عذر! وما زال يشرب عليه ويستعيدنيه ليلته جمعاء حتى انصرفنا مع طلوع الفجر. فلمّا وصلت إلى رحلي إذا برسول أمير المؤمنين قد أتانا يدعونا؛ فوافيت فدخلت، وإذا ابن جامع يتمرّغ على دكّان في الدار وهو سكران يتململ؛ فقال لي: يابن الموصليّ، أتدري ما جاء بنا؟ فقلت:
لا واللّه ما أدري؛ فقال: لكنّي واللّه أدري دراية صحيحة، جاءت بنا نصرانيّتك الزانية، عليك وعليها لعنة اللّه. وخرج الآذن فأذن لنا، فدخلنا. فلما رأيت الرشيد تبسّمت؛ فقال لي: ما يضحكك؟ فأخبرته بقول ابن جامع؛ فقال:
صدق [5]، ما هو إلا أن فقدتكم فاشتقت إلى ما كنّا فيه، فعودوا بنا، فعدنا فيه حتى انقضى مجلسنا وانصرفنا.
__________
[1] دير القائم الأقصى: على شاطىء الفرات من جانبه الغربي في طريق الرقة. وذكر ياقوت في «معجمه» وابن فضل اللّه العمري في «مسالك الأبصار» بعد تعريفهما لهذا الدير قالا: «قال أبو الفرج: وقد رأيته، وهو مرقب من المراقب التي كانت بين الروم والفرس، على أطراف الحدود». وفيهما أن هذه الأبيات لعبد اللّه بن مالك المغني، وقال الخالدي: هي لإسحاق الموصليّ.
[2] دابق: قرية قرب حلب من أعمال عزاز، بينها وبين حلب أربعة فراسخ.
[3] انظر الحاشية رقم 3 ص 373 من هذا الجزء.
[4] الشكل (بالكسر والفتح): الدل.
[5] في الأصول: «ما صدق». وظاهر أن «ما» مقحمة من الناسخ.
لحن إسحاق:
بدير القائم الأقصى
خفيف ثقيل بالوسطى. وفيه للقاسم بن زرزور ثقيل أوّل. ولحنه في:
إنّ قلبي بالتّلّ تلّ عزاز
خفيف رمل.
دخل على الرشيد ضاربا مغنيا بشعر له فطرب وأجازه:
أخبرني محمد بن مزيد قال حدّثني حمّاد عن أبيه قال:
دخلت على الرشيد يوما في عمامة قد كوّرتها على رأسي؛ فقال: ما هذه العمامة! كأنك من الأنبار. فلمّا كان من غد دعا بنا إليه، فأمهلت حتى دخل المغنّون جميعا قبلي، ثم دخلت عليه في آخرهم، وقد شددت وسطي بمشدّة حرير أحمر، ولبست لباسا مشتهرا، وأخذت بيدي صفّاقتين وأقبلت أخطر وأضرب بالصّفّاقتين وأغنّي:
اسمع لصوت مليح ... من صعة الأنباري
صوت خفيف ظريف ... يطير في الأوتار
/ فبسط يده إليّ حتى كاد يقوم، وجعل يقول: أحسنت وحياتي! أحسنت أحسنت! حتى جلست، ثم شرب عليه بقيّة يومه، وما استعاد غيره، وأمر لي بعشرين ألف درهم. لحن إسحاق في هذا الشعر هزج.
غنى مغن بصوت له عند الفضل بن الربيع فأعجب به:
أخبرني محمد بن مزيد قال حدّثنا حمّاد قال حدّثني أحمد بن يحيى المكّيّ قال:
كنت عند الفضل بن الربيع، فغنّى بعض من كان عنده:
صوت
كلّ شيء منك في عيني حسن ... ونصيبي منك همّ وحزن
لا تظنّي أنه غيّرني ... قدم العهد ولا طول الزمن
فقال لي: أتدري لمن هذا؟ فقلت: لبعض الطّنبوريّين؛ فقال: لا ولكنه لذلك الشيطان إسحاق. لحن إسحاق في هذين البيتين رمل بالوسطى من مجموع أغانيه.
استسقى جارية وهو في ركب الرشيد إلى طوس فأعجبته فقال شعرا:
أخبرني محمد بن مزيد قال حدّثنا حمّاد عن أبيه قال:
لمّا خرجنا مع الرشيد إلى طوس كنت معه أسايره، فاستسقيت ماء من منزل نزلناه يقال له سحنة [1]، فخرجت إلينا جارية كأنها ظبية، فسقتني ماء؛ فقلت هذا الشعر:
__________
[1] كذا في الأصول و «معجم ياقوت». والذي في «المسالك والممالك» لابن حوقل، و «المسالك والممالك» للأصطخري: «صحنة» بالصاد المهملة المضمومة. وهي موضع بين الدينور وهمذان.
صوت
غزال يرتعي جنبات واد ... بسحنة قد تمكّن في فؤادي
سقاني شربة كانت شفاء ... لعلّة حائم حرّان [1] صادي
/ وغنّيته الرشيد؛ فقال لي: أتحبّ أن أزوّجكها؟ فقلت: نعم واللّه يا سيّدي؛ قال: فاخطبها والمهر عليّ وما يصلحها؛ فخطبتها، فأبى أهلها أن يخرجوها من بلدهم. لحن إسحاق في هذين البيتين ثقيل أوّل. وفيه لعلّويه خفيف رمل.
صنع صوتا فأخذه أحد العامّة وهو يردّده فاغتم ولم ينسبه لنفسه:
أخبرني جعفر بن قدامة قال حدّثني حمّاد بن إسحاق قال:
قال لي أبي: ما اغتممت بشيء قطّ مثل ما اغتممت بصوت مليح صنعته في هذا الشعر.
صوت
كان لي قلب أعيش به ... فاكتوى بالنار فاحترقا
أنا لم أرزق محبّتها ... إنما للعبد ما رزقا
من يكن ما ذاق طعم ردى ... ذاقه لا شكّ إن عشقا
فإنّي صنعت فيه [لحنا] [2] وجعلت أردّده في جناح لي سحرا؛ فأظنّ أنّ إنسانا من العامّة مرّ بي فسمعه فأخذه؛ فبكّرت من غد إلى المعتصم لأغنّيه، فإذا أنا بسوّاط يسوط [3] الناطف [4] وهو يغنّي اللحن بعينه إلا أنه غناء فاسد.
فعجبت وقلت: ترى من أين لهذا السّوّاط هذا الصوت! ولعلّي إذ غنّيته أن يكون قد مرّ بي هذا فسمعني أغنّيه؛ وبقيت متحيّرا، ثم قلت يافتى، ممن سمعت هذا الصوت؟ فلم يجبني والتفت إلى شريكه، وقال [5]: هذا يسألني ممنّ سمعته! هذا غنائي، واللّه لو سمعه إسحاق الموصليّ لخرىء في سراويله؛ فبادرت واللّه هاربا خوف أن يمرّ بي إنسان فيسمع ما جرى عليّ فأفتضح؛ وما علم اللّه أني نطقت بذلك الصوت بعدها.
كتب إليه إبراهيم بن المهدي في أحجية فأجابه:
حدّثني جعفر بن قدامة قال حدّثني حمّاد بن إسحاق قال:
كتب إبراهيم بن المهديّ إلى أبي: أيّ شيء تصحيف: «لا يريح مثل الأسنّة». فكتب إليه أبي: تصحيفه: «لا يرث/ جميل إلا بثينة»؛ فكتب إليه: وي منك!.
__________
[1] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «غرثان». والغرثان: الجائع. والحائم: العطشان.
[2] زيادة يقتضيها السياق.
[3] ساط الشي ء: خلطه.
[4] الناطف: ضرب من الحلواء لأنه ينطف قبل استضرابه، أي يقطر قبل خثورته.
[5] كذا في ب، س. وفي سائر الأصول: «و قال خذ إليك. يسألني ممن ... إلخ».
مدح جعفر بن يحيى ببيتين وغناه فيهما فوصله:
أخبرنا جعفر قال حدّثنا حمّاد عن أبيه قال:
دخلت يوما على جعفر بن يحيى، فرأى شفتيّ تتحرّكان بشيء [1] كنت أعمله؛ فقال: أتدعو أم تصنع [2] ماذا؟
فقلت: بل أمدح؛ قال: قل؛ فقلت:
صوت
وكنت إذا إذن عليك جرى لنا ... تجلّى لنا وجه أغرّ وسيم
علانية محمودة وسريرة ... وفعل يسرّ المعتفين كريم
فاحتبسني وأمر لي بمال جليل وكسوة، وقال: زد البيتين حسنا بأن تصنع فيهما لحنا؛ فصنعت لحنا من الثقيل الثاني؛ فلم يزل يشرب عليهما حتى سكر.
قصة دخوله بيتا طفيليا:
أخبرنا محمد بن مزيد قال حدّثنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه أنه حدّثه قال: غدوت يوما وأنا ضجر من ملازمة دار الخلافة والخدمة فيها؛ فخرجت وركبت بكرة، وعزمت على أن أطوف الصحراء وأتفرّج؛ فقلت لغلماني: إن جاء رسول الخليفة أو غيره فعرّفوه أني بكّرت في بعض مهمّاتي، وأنكم لا تعرفون أين توجّهت؛ ومضيت وطفت ما بدا لي، ثم عدت وقد حمي النهار؛ فوقفت في الشارع المعروف بالمخرّم [3] في فناء ثخين الظلّ وجناح رحب على الطريق لأستريح. فلم ألبث/ أن جاء خادم يقود حمارا فارها عليه جارية راكبة، تحتها منديل دبيقيّ [4] وعليها من اللباس الفاخر ما لا غاية بعده، ورأيت لها قواما حسنا وطرفا فاترا وشمائل حسنة؛ فخرصت [5] عليها أنها مغنّية، فدخلت الدار التي كنت واقفا عليها. ثم لم ألبث أن جاء رجلان شابّان جميلان، فاستأذنا فأذن لهما فنزلا ونزلت معهما ودخلت؛ فظنا أن صاحب الدار دعاني وظنّ صاحب الدار أني معهما؛ فجلسنا، وأتي بالطعام فأكلنا وبالشراب فوضع، وخرجت الجارية وفي يدها عود فغنّت وشربنا؛ وقمت قومة، وسأل صاحب المنزل الرجلين عنّي فأخبراه أنهما لا يعرفاني؛ فقال: هذا طفيليّ، ولكنه ظريف، فأجملوا عشرته. وجئت فجلست؛ وغنّت الجارية في لحن لي:
ذكرتك أن مرّت بنا أمّ شادن ... أمام المطايا تشرئبّ وتسنح
من المؤلفات الرمل أدماء حرّة ... شعاع الضحى في متنها يتوضّح [6]
فأدّته أداء صالحا وشربت. ثم غنّت أصواتا شتّى، وغنّت في أضعافها من صنعتي:
__________
[1] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «لشي ء».
[2] كذا في أ، ء، م. وفي سائر الأصول: «أم تصنع أم ماذا؟».
[3] كذا في «معجم ما استعجم». وهي محلة ببغداد بالجانب الشرقيّ. وفي الأصول: «المحرّم» بالحاء المهملة، وهو تصحيف.
[4] راجع الحاشية رقم 3 ص 345 من هذا الجزء.
[5] خرصت: ظننت وخمنت.
[6] انظر الحاشية رقم 3 ص 292 من هذا الجزء.
الطّلول الدوارس ... فارقتها الأوانس
أوحشت بعد أهلها ... فهي قفر بسابس
فكان أمرها فيه أصلح منه في الأوّل. ثم غنّت أصواتا من القديم والحديث، وغنّت في أثنائها من صنعتي:
قل لمن صدّ عاتبا ... ونأى عنك جانبا
قد بلغت الذي أرد ... ت وإن كنت لاعبا
فكان أصلح ما غنّته؛ فاستعدته منها لأصحّحه لها؛ فأقبل عليّ رجل من الرجلين وقال: ما رأيت طفيليّا أصفق وجها منك! لم ترض بالتطفيل حتى اقترحت، وهذا غاية/ المثل/ «طفيليّ مقترح»؛ فأطرقت ولم أجبه؛ وجعل صاحبه يكفّه عنّي فلا يكفّ. ثم قاموا للصلاة وتأخرت قليلا، فأخذت عود الجارية، ثم شددت طبقته وأصلحته إصلاحا محكما، وعدت إلى موضعي فصلّيت، وعادوا؛ ثم أخذ ذلك الرجل في عربدته عليّ وأنا صامت؛ ثم أخذت الجارية العود فجسّته وأنكرت حاله وقالت: من مسّ عودي؟ قالوا: ما مسّه أحد! قالت: بلى! واللّه لقد مسّه حاذق متقدّم وشدّ طبقته وأصلحه إصلاح متمكّن من صناعته؛ فقلت لها: أنا أصلحته؛ قالت: فباللّه خذه واضرب به؛ فأخذته وضربت به مبدأ صحيحا ظريفا عجيبا صعبا، فيه نقرات محرّكة؛ فما بقي أحد منهم إلا وثب [على قدميه] [1] وجلس بين يديّ؛ ثم قالوا: باللّه يا سيّدنا أتغنّي؟ فقلت: نعم، وأعرّفكم نفسي، أنا إسحاق بن إبراهيم الموصليّ، وو اللّه إني لأتيه على الخليفة إذا طلبني [2] وأنتم تسمعونني ما أكره منذ اليوم لأني تملّحت معكم؛ فو اللّه لا نطقت بحرف ولا جلست معكم حتى تخرجوا هذا المعربد المقيت الغثّ؛ فقال له صاحبه: من هذا حذرت عليك؛ فأخذ يعتذر؛ فقلت: واللّه لا نطقت بحرف ولا جلست معكم حتى يخرج؛ فأخذوا بيده فأخرجوه وعادوا.
فبدأت وغنّيت الأصوات التي غنّتها الجارية من صنعتي؛ فقال لي الرجل: هل لك في خصلة؟ قلت: ما هي؟ قال:
تقيم عندي شهرا، والجارية والحمار لك مع ما عليها من حليّ؛ قلت: أفعل، فأقمت عنده ثلاثين يوما لا يدري أحد أين أنا، والمأمون يطلبني في كلّ موضع فلا يعرف لي خبرا. فلمّا كان بعد ثلاثين يوما أسلم إليّ الجارية والحمار والخادم؛ فجئت بذلك إلى منزلي؛ وركبت إلى المأمون من وقتي؛ فلمّا رآني قال: إسحاق! ويحك! أين تكون؟
فأخبرته بخبري؛ فقال: عليّ بالرجل/ الساعة؛ فدللتهم على بيته فأحضر؛ فسأله المأمون عن القصة فأخبره؛ فقال له: أنت رجل ذو مروءة وسبيلك أن تعاون عليها، وأمر له بمائة ألف درهم، وقال: لا تعاشرنّ ذلك المعربد النّذل البتّة؛ وأمر لي بخمسين ألف درهم، وقال: أحضرني الجارية، فأحضرتها فغنّته؛ فقال لي: قد جعلت لها نوبة في كلّ يوم ثلاثاء تغنّيني وراء الستارة مع الجواري؛ وأمر لها بخمسين ألف درهم. فربحت واللّه بتلك الرّكبة وأربحت.
نسبة ما في هذا الخبر من الأغاني
صوت
ذكرتك أن مرّت بنا أم شادن ... أمام المطايا تشرئبّ وتسنح
من المؤلفات الرمل أدماء حرّة ... شعاع الضّحى في متنها يتوضّح
__________
[1] زيادة عن ء.
[2] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «إذا كلمني».
الشعر لذي الرّمّة. والغناء لإسحاق ثقيل أوّل بالسبابة والوسطى، عن ابن المكيّ. ومن أغاني إسحاق:
صوت
قل لمن صدّ عاتبا ... ونأى عنك جانبا
قد بلغت الذي أرد ... ت وإن كنت لاعبا
صوت
الطّلول الدّوارس ... فارقتها الأوانس
أوحشت بعد أهلها ... فهي قفر بسابس
الشعر لابن ياسين، شاعر مجهول قليل الشعر، كان صديقا لإسحاق. والغناء لإسحاق خفيف ثقيل. وهذا الصوت من أوابد إسحاق وبدائعه.
غنى صوت له أمام الواثق فأعجب به وحلله:
أخبرني عمّي قال حدّثني يزيد بن محمد المهلّبيّ قال:
كنت عند الواثق؛ فغنّته «شجى» التي وهبها له إسحاق هذا الصوت؛ فقال لمخارق وعلّويه: واللّه لو عاش معبد ما شقّ غبار إسحاق في هذا الصوت؛ فقالا [1] له: إنه لحسن يا أمير المؤمنين؛ فغضب وقال: ليس عند كما فيه إلا هذا! ثم أقبل على أحمد [2] بن المكّيّ فقال: دعني من هذيه الأحمقين؛ أوّل بيت في هذا الصوت أربع كلمات:
«الطلول» كلمة، و «الدوارس» كلمة، و «فارقتها» كلمة، و «الأوانس» كلمة؛ فانظر هل ترك إسحاق شيئا من الصنعة يتصرّف فيه المغنّي لم يدخله في هذه الكلمات الأربع! بدأ بها نشيدا، وتلاه بالبسيط، وجعل فيه صياحا، وإسجاحا، وترجيحا للنّغم، واختلاسا فيها، وعمل هذا كلّه في أربع كلمات، فهل سمعت أحدا تقدّم أو تأخر فعل مثل هذا أو قدر عليه؟! فقال: صدق أمير المؤمنين، قد لحق من قبله وسبق من بعده.
مر مع الواثق بدير مريم فقال فيه شعرا وغنى فيه فوصله:
أخبرني جعفر بن قدامة قال حدّثني ميمون بن هارون قال حدّثني إسحاق قال:
لمّا خرجت مع الواثق إلى النّجف درنا بالحيرة ومررنا بدياراتها؛ فرأيت دير [3] مريم بالحيرة، فأعجبني موقعه وحسن بنائه؛ فقلت:
__________
[1] في الأصول: «فقالوا» والسياق يقتضي التثنية، كما هو ظاهر.
[2] في الأصول: «محمد بن المكي». والمعروف المشهور بهذه النسبة ما أثبتناه.
[3] دير مريم أو دير مارت مريم: يطلق على ديرين، أحدهما: دير قديم من بناء المنذر حسن الوضع بين الخورنق والسدير وبين قصر أبي الخصيب مشرف على النجف؛ وسياق الخبر هاهنا يدل على أن هذا الدير هو المراد. والآخر: دير قديم أيضا بالشام؛ ذكره البكري وياقوت واستشهدا بهذين البيتين. قال البكري: «هو بالشام وهو دير قديم من دياراتها لا أدري أين موضعه؛ وقد ذكره بعض الشعراء القدماء وغنى فيه ابن محرز قال:
/
نعم المحلّ لمن يسعى للذّته ... دير لمريم فوق الظهر معمور
ظلّ ظليل وماء غير ذي أسن ... وقاصرات [1] كأمثال الدّمى حور
فقال الواثق: لا نصطبح واللّه غدا إلا فيه؛ وأمر بأن يعدّ فيه ما يصلح من الليل؛ وباكرناه فاصطبحنا فيه على هذا الصوت؛ وأمر بمال ففرّق على أهل ذلك الدّير، وأمر لي بجائزة. لحن إسحاق في هذين البيتين ثاني ثقيل بالبنصر.
غنى عبد اللّه بن طاهر فوصله:
أخبرني محمد بن مزيد قال حدّثنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه قال:
أخرج إليّ عبد اللّه بن طاهر يوما بيتي شعر في رقعة وقال: هذان البيتان وجدتهما على بساط طبريّ [2] أصبهبذيّ أهدى إليّ من طبرستان، فأحبّ أن تغنّيني فيهما؛ فقرأتهما فإذا هما:
لجّ بالعين واكف ... من هوى لا يساعف
كلّما كفّ غربها [3] ... هيجته المعازف
/ قال: فغنّيت فيهما وغدوت بهما إليه، فأعجب بالصوت ووصلني بصلة سنيّة، وكان يشتهيه ويقترحه، وطرحته على جميع جواريه، وشاع خبر إعجابه [به] [4]. فبينا المعتصم يوما جالس يعرض عليه فرش الربيع، إذ مرّ به بساط ديباج في نهاية الحسن عليه هذان البيتان ومعهما:
إنما الموت أن تفا ... رق من أنت آلف
/ لك حبّان في الفؤا ... د تليد وطارف
فأمر بالبساط فحمل إلى عبد اللّه بن طاهر، وقال للرسول: قل له: إني قد عرفت شغفك بالغناء في هذا الشعر، فلما وقع هذا البساط أحببت أن أتمّ سرورك به. فشكر عبد اللّه ما تأدّى إليه من هذه الرسالة وأعظم مقداره، وقال
__________
()
نعم المحل لمن يسعى للذته ... دير لمريم فوق الظهر معمور
ظل ظليل وماء غير ذي أسن ... وقاصرات كأمثال الدمى حور
قال أبو الفرج: حدّثنا الحسين بن يحيى عن حماد بن إسحاق عن أبيه قال: نزلنا مع الرشيد بدير مارت مريم في بعض خرجاته إلى الشام فرأى منه موضعا حسنا فنشط للشرب وقال: غنني صوتا في معنى موضعنا، فغنيته:
نعم المحل لمن يسعى للذته
البيتين، فطرب وشرب؛ فقال: أهذا لك؟ قلت: لا، هو لابن محرز؛ فقال لي: أنت إذا صدى تؤدّي ما سمعت؛ فقلت: فأنا أصنع فيه لحنا، فصنعته فيه وغنيته. قال أبو الفرج: ولحن ابن محرز وإسحاق في هذا الشعر كلاهما من الثقيل الأوّل» ا ه. ولم نجد هذه الرواية التي ذكرها البكري في أصول «الأغاني» التي بين أيدينا. ولعله نقلها من كتاب «الديارات» للمؤلف. (راجع ما كتب على هذا الدير في «معجم البلدان» ج 2 ص 692 و «معجم ما استعجم» ص 371 و «مسالك الأبصار في ممالك الأمصار» ج 1 ص 317).
[1] القاصرة من النساء: التي لا تمدّ عينيها إلى غير بعلها.
[2] طبري: نسبة إلى طبرستان وهي بلدان واسعة كثيرة، قصبتها آمل. وأصبهبذي: نسبة إلى أصبهبذان: مدينة في بلاد الديلم بينها وبين البحر ميلان.
[3] الغرب: الدمع.
[4] الزيادة عن ء.
لي: واللّه يا أبا محمد لسروري بتمام الشعر أشدّ من سروري بكل شيء، فألحقهما في الغناء بالبيتين الأوّلين، فألحقتهما.
نسبة هذا الصوت
صوت
لجّ بالعين واكف ... من هوى لا يساعف
كلّما كفّ غربها ... هيّجته المعازف
إنما الموت أن تفا ... رق من أنت آلف
لك حبّان في الفؤا ... د تليد وطارب
ولم أعرف من خبر شاعره غير ما ذكرته في هذا الخبر. والغناء لإسحاق هزج بالوسطى.
مقدار صنعته:
أخبرنا يحيى بن عليّ بن يحيى قال حدّثنا أبو أيّوب المدينيّ عن ابن المكّيّ عن أبيه قال:
قلت لإسحاق يوما: يا أبا محمد، كم تكون صنعتك؟ فقال: ما بلغت مائتين قطّ.
مرضه ووفاته:
أخبرنا يحيى بن عليّ قال حدّثنا حمّاد بن إسحاق قال:
قال لي وكيل بن الحرونيّ: قلت لأبيك إسحاق: يا أبا محمد، كم يكون غناؤك؟ قال: نحوا من أربعمائة صوت. قال: وقال له رجل بحضرتي: مالك لا تكثر الصنعة كما يكثر الناس؟ قال: لأنّي إنما أنقر في صخرة.
ولإسحاق أخبار كثيرة قليلة الفائدة كثيرة الحشو، طرحتها لذلك؛ وله أخبار أخر حسن ذكرها في مواضع تليق بها فأخّرتها واحتبستها عليها؛ وفيما ذكرته هاهنا منها مقنع.
وتوفّي إسحاق [1] ببغداد في أوّل خلافة المتوكّل. فأخبرني الصّوليّ قال ذكر إبراهيم بن محمد الشّاهينيّ:
أنّ إسحاق كان يسأل اللّه ألّا يبتليه بالقولنج [2] لما رأى من صعوبته على أبيه؛ فرأى في منامه كأنّ قائلا يقول له: قد أجيبت دعوتك ولست تموت بالقولنج، ولكنك تموت بضدّه، فأصابه ذرب [3] في شهر رمضان سنة خمس وثلاثين ومائتين؛ فكان يتصدّق في كل يوم أمكنه أن يصومه بمائة درهم؛ ثم ضعف عن الصوم فلم يطقه ومات في شهر رمضان.
__________
[1] الذي في ابن خلكان و «النجوم الزاهرة» أن مولده كان في سنة خمسين ومائة وهي السنة التي ولد فيها الإمام الشافعيّ ومات فيها الإمام أبو حنيفة رضي اللّه عنهما، فتكون سنة خمسا وثمانين سنة.
[2] القولنج: مرض معوي مؤلم، يعسر معه خروج الثقل والريح.
[3] الذرب: داء يعرض للمعدة فلا تهضم معه الطعام، ويفسد فيها فلا تمسكه.
نعي إسحاق إلى المتوكّل في وسط خلافته، فغمّه وحزن عليه، وقال: ذهب صدر عظيم من جمال الملك وبهائه وزينته؛ ثم نعي إليه بعده أحمد بن عيسى بن زيد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب صلوات اللّه عليه، فقال: تكافأت الحالتان، وقام الفتح بوفاة أحمد - وما كنت آمن وثبته عليّ - مقام الفجيعة بإسحاق؛ فالحمد للّه على ذلك.
حدّثني أحمد بن جعفر جحظة قال حدّثني رجل من الكتّاب من أهل قطربّل قال حدّثني أبي عن أبيه قال: رأيت فيما يرى النائم قائلا يقول لي:
مات الحسان ابن الحسا ... ن ومات إحسان الزمان
فأصبحت من غد فركبت في بعض حوائجي، فتلقّاني خبر وفاة إسحاق الموصليّ.
ما رثاه به الشعراء:
وقال/ إدريس بن أبي حفصة يرثي إسحاق بن إبراهيم الموصليّ:
سقي اللّه يابن الموصليّ بوابل ... من الغيث قبرا أنت فيه مقيم
ذهبت فأوحشت الكرام فمايني ... بعبرته يبكي عليك كريم
إلى اللّه أشكو فقد إسحاق إنّني ... وإن كنت شيخا بالعراق يتيم
وقال محمد بن عمرو الجرجاني يرثيه:
على الحدث الشرقيّ عوجا فسلّما ... ببغداد لمّا ضنّ عنه عوائده
وقولا له لو كان للموت فدية ... فداك من الموت الطّريف وتالده
أإسحاق لا تبعد وإن كان قد رمى ... بك الموت وردا ليس يصدر وارده
/ إذا هزل اخضرّت فنون حديثه ... ورقّت حواشيه وطابت مشاهده
وإن جدّ كان القول جدّا وأقسمت ... مخارجه ألّا تلين معاقده
فبكّ على ابن الموصليّ بعبرة ... كما ارفضّ من نظم الجمان فرائده
وقال مصعب بن عبد اللّه الزّبيريّ يرثيه - نسخت ذلك من كتاب جعفر بن قدامة، وذكر أن حمّاد بن إسحاق أنشده إياها، ونسخته أيضا من كتاب الحرميّ بن أبي العلاء يذكر فيه عن الزّبير عن عمّه مصعب أنه أنشده لنفسه يرثي إسحاق -:
أتدري لمن تبكي العيون الذّوارف ... وينهلّ منها واكف ثم واكف
نعم لامرىء لم يبق في الناس مثله ... مفيد لعلم أو صديق ملاطف
تجهّز إسحاق إلى اللّه غاديا ... فللّه ما ضمّت عليه اللفائف
وما حمل النعش المزجّى عشيّة ... إلى القبر إلا دامع العين لاهف
صدورهم مرضى عليه عميدة ... لها أزمة [1] من ذكره وزفازف
ترى كلّ محزون تفيض جفونه ... دموعا على الخدّين والوجه شاسف [2]
جزيت جزاء المحسنين مضاعفا ... كما كان جدواك النّدى المتضاعف
فكم لك فينا من خلائق جزلة ... سبقت بها منها حديث وسالف
هي الشّهد أو أحلى إلينا حلاوة ... من الشهد لم يمزج به الماء غارف
ذهبت وخلّيت الصديق بعولة ... به أسف من حزنه مترادف
/ إذا خطرات الذكر عاودن قلبه ... تتابع منهنّ الشؤون النوازف
حبيب إلى الإخوان يرزون [3] ماله ... وآت لما يأتي امرؤ الصدق عارف
هو المنّ والسّلوى لمن يستفيده ... وسمّ على من يشرب السمّ زاعف
بكت داره من بعده وتنكّرت ... معالم من آفاقها [4] ومعارف
فما الدار بالدار التي كنت أعتري ... وإنّي بها لو لا افتقاديك عارف
هي الدار إلّا أنّها قد تخشّعت ... وأظلم منها جانب فهو كاسف
وبان الجمال والفعال كلاهما ... من الدار واستنّت [5] عليها العواصف
/ خلت داره من بعده فكأنما ... بعاقبة لم يغن في الدار طارف
وقد كان فيها للصديق معرّس [6] ... وملتمس إن طاف بالدار طائف
كرامة إخوان الصفاء وزلفة ... لمن جاء تزجيه إليه الرّواجف
صحابته الغرّ الكرام ولم يكن ... ليصحبه السّود اللئام المقارف [7]
يؤول إليه كلّ أبلج شامخ ... ملوك وأبناء الملوك الغطارف
فلقّيت في يمنى يديك صحيفة ... إذا نشرت يوم الحساب الصحائف
يسرّ الذي فيها إذا ما بدا له ... ويفترّ منها ضاحكا وهو واقف
بما كان ميمونا على كلّ صاحب ... يعين على ما نابه ويكانف
__________
[1] أزمة: ضيق وشدة. وزفازف (واحدها زفزفة) وهي في الأصل حنين الريح وصوتها في الشجر. يريد أنه يكون بصدورهم عند ذكره نشيج وزفير من الحزن عليه.
[2] الشاسف: اليابس ضمرا وهزالا.
[3] يرزون: أصله يرزءون، سهلت همزته ثم حذفت لإسناد الفعل إلى ضمير الجمع.
[4] في الأصول: «آفاتها»، ولا يستقيم بها الكلام. وقد آثرنا ما أثبتناه لاستقامة الكلام به مع قرب رسمه من رسم ما في الأصول.
[5] استنت: انصبت.
[6] المعرّس: موضع التعريس وهو نزول القوم آخر الليل للاستراحة من السفر؛ وقيل: التعريس النزول في المعهد أيّ حين كان من ليل أو نهار.
[7] المقارف: الأنذال، وهم أيضا الذين أمهم عربية وأبوهم غير عربي.
/
سريع إلى إخوانه برضائه ... وعن كلّ ما ساء [1] الأخلّاء صارف
أرى الناس كالنّسناس [2] لم يبق منهم ... خلافك إلا حشوة [3] وزعانف
أخبرنا يحيى بن عليّ قال: أنشدني أبو أيّوب لأحمد بن إبراهيم يرثي إسحاق في قصيدة له:
لقد طاب الحمام غداة ألوى ... بنفس أبي محمد الحمام
فلو قبل الفداء إذا فدته ... ملوك كان يألفها كرام
فلا تبعد فكلّ فتى سيثوى ... عليه التّرب يحثى والرّجام [4]
قال وقال أيضا يرثيه:
للّه أيّ فتى إلى دار البلى ... حمل الرجال ضحى على الأعواد
كم من كريم ما تجفّ دموعه ... من حاضر يبكي عليه وباد
أمسى يؤبّنه ويعرف فضله ... من كان يثلبه من الحسّاد
فسقتك يابن الموصليّ روائح ... تروى صداك بصوبها وغواد
وقد بقيت من أخبار إسحاق بقايا مثل أخباره مع بني هاشم، وأخباره مع إبراهيم بن المهديّ وغيرها، فإنها كثيرة، ولها مواضع ذكرت فيها وحسن ذكرها هنالك، فأخّرتها لذلك عن أخباره التي ذكرت هاهنا، حسبما شرطنا في أوّل الكتاب.
ومما في المائة المختارة من صنعة إسحاق بن إبراهيم
صوت
ألا قاتل اللّه اللّوى من محلّة ... وقاتل دنيانا بها كيف ذلّت
غنينا زمانا باللّوى ثم أصبحت ... عراص اللّوى من أهلها قد تخلّت
عروضه من الطويل. الشعر للصّمّة القشيريّ، والغناء لإسحاق، ولحنه المختار ثقيل أوّل بالوسطى في مجراها.
انتهى الجزء الخامس من كتاب الأغاني ويليه الجزء السادس وأوّله أخبار الصّمّة القشيريّ ونسبه
__________
[1] في أ، ح، ء: «نال».
[2] النسناس: خلق في صورة الناس، مشتق منه لضعف خلقهم. وذكر ابن منظور صاحب «لسان العرب» معاني أخرى في مادة «نسس» فانظرها.
[3] يقال: هو من حشوة بني فلان، أي من رذالهم.
[4] الرجام: الحجارة التي تجمع على القبور.
فهرس موضوعات الجزء الخامس
الموضوع الصفحة
1 - ذكر النابغة الجعديّ ونسبه وأخباره 5
2 - حرب بكر وتغلب 27
3 - ذكر الهذلي وأخباره 46
4 - ذكر عبيد اللّه بن قيس الرقيات ونسبه وأخباره 51
5 - ذكر مالك بن أبي السمح وأخباره ونسبه 70
6 - خبر النهديّ في هذا الشعر 81
7 - ذكر باقي خبر الوليد بن عقبة ونسبه 84
8 - نسب إبراهيم الموصلي وأخباره 106
9 - شيء من ذكر أبي هرمة 173
10 - نسب إبراهيم الموصليّ وأخباره 175
11 - أخبار إسحاق بن إبراهيم 177
فهرس الموضوعات 287
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ*
الجزء السادس
من كتاب الأغاني
[تتمة التراجم]
1 - أخبار الصّمّة القشيريّ ونسبه
نسبه:
هو الصّمّة بن عبد اللّه بن الطّفيل بن قرّة بن هبيرة بن عامر بن سلمة الخير بن قشير بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة/ بن خصفة بن قيس [1] بن عيلان بن مضر بن نزار.
هو شاعر مقل من شعراء الدولة الأموية:
شاعر إسلاميّ بدويّ مقلّ، من شعراء الدولة الأمويّة. ولجدّه قرّة بن هبيرة صحبة بالنبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، وهو أحد وفود العرب الوافدين عليه صلى اللّه عليه وسلم وآله.
وفد جدّه قرّة على النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وأسلم:
أخبرني بخبره عبيد اللّه بن محمد الرّازي وعمّي قالا حدّثنا أحمد بن الحارث الخرّاز عن المدائني عن أبي بكر الهذليّ وابن دأب وغيرهما من الرّواة قالوا:
/ وفد قرّة بن هبيرة بن عامر بن سلمة الخير بن قشير بن كعب بن ربيعة إلى النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فأسلم، وقال له:
يا رسول اللّه، إنا كنا نعبد الآلهة لا تنفعنا ولا تضرّنا؛ فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «نعم ذا عقلا».
قصته في حبه وزواجه:
وقال ابن دأب: وكان من خبر الصّمّة أنه هوي امرأة من قومه ثم من بنات عمّه دنية [2] يقال لها العامريّة بنت
__________
[1] قال في «القاموس»: «و عيلان بلا لام أبو قيس، أو الصواب قيس عيلان مضافا» اه. ويؤيد القول بأنه أبوه قول سحبان:
لقد علمت قيس بن عيلان أنني ... إذا قلت «أما بعد» إني خطيبها
ويؤيد القول الثاني قول الآخر:
إلى حكم من قيس عيلان فيصل ... وآخر من حي ربيعة عالم
وعلى أنه مضاف قيل: إن «عيلان» اسم فرس لقيس فأضيف إليه، أو هو عبد لمضر بن نزار حضن قيسا فغلب عليه ونسب إليه.
(راجع «القاموس» وشرحه مادة عيل).
[2] دنية أي لا صقة النسب.
غطيف بن حبيب بن قرّة بن هبيرة؛ فخطبها إلى أبيها فأبى أن يزوّجه إياها؛ وخطبها عامر بن بشر بن أبي براء بن مالك بن ملاعب [1] الأسنّة بن جعفر بن كلاب، فزوّجه إياها. وكان عامر قصيرا قبيحا؛ فقال الصّمّة بن عبد اللّه في ذلك:
فإن تنكحوها عامرا لاطّلاعكم ... إليه يدهدهكم [2] برجليه عامر
شبّهه بالجعل الذي يدهده البعرة برجليه.
قال: فلما بنى بها زوجها، وجد الصّمّة بها وجدا شديدا وحزن عليها؛ فزوّجه أهله امرأة منهم يقال لها جبرة بنت وحشيّ بن الطّفيل بن قرّة بن هبيرة؛ فأقام عليها مقاما يسيرا، ثم رحل إلى الشأم غضبا على قومه، وخلّف امرأته فيهم، وقال لها:
كلي التمر حتى تهرم النخل واضفري ... خطامك ما تدرين ما اليوم من أمس
/ وقال فيها [3] أيضا:
لعمري لئن كنتم على النأى والقلى ... بكم مثل ما بي إنكم لصديق
إذا زفرات الحبّ صعّدن في الحشى ... رددن ولم تنهج لهنّ طريق
وقال فيها أيضا:
إذا ما أتتنا الريح من نحو أرضكم ... أتتنا بريّاكم فطاب هبوبها
أتتنا بريح المسك خالط عنبرا ... وريح الخزامى باكرتها جنوبها
وقال فيها أيضا:
هل تجزينّي العامريّة موقفي ... على نسوة بين الحمى وغضى الجمر
مررن بأسباب الصّبا فذكرنها ... فأو مأت إذ ما من جواب ولا نكر
موته بطبرستان:
وقال ابن دأب: وأخبرني جماعة من بني قشير أنّ الصّمّة خرج في غزيّ [4] من المسلمين إلى بلد الدّيلم فمات بطبرستان.
قال ابن دأب: وأنشدني جماعة من بني قشير للصّمّة:
__________
[1] كذا في الأصول. والمعروف أن ملاعب الأسنة كنيته أبو براء، واسمه عامر بن مالك بن جعفر بن كلاب. فصواب العبارة: «و خطبها عامر بن بشر بن أبي براء ملاعب الأسنة بن مالك ... إلخ». وسمى ملاعب الأسنة لقول أوس بن حجر:
ولاعب أطراف الأسنة عامر ... فراح له حظ الكتبة أجمع
(انظر «شرح القاموس» مادة لعب، و «بلوغ الأرب في أحوال العرب» للآلوسي ج 2 ص 140).
[2] دهده: دحرج.
[3] واضح من السياق أن مرجع الضمير هنا العامرية محبوبته لا جبرة زوجته.
[4] غزى: اسم جمع لغاز، أو هو جمع على وزن فعيل كقاطن وقطين وحاج وحجيج.
صوت
ألا تسألان اللّه أن يسقي الحمى ... بلى فسقى اللّه الحمى والمطاليا [1]
وأسأل من لاقيت هل مطر الحمى ... فهل يسألن عنّي [2] الحمى كيف حاليا
/ الغناء في هذين البيتين لإسحاق، ولحنه من الثقيل الأول بالوسطى، وهو من مختار الأغاني ونادرها.
أخبرني محمد بن خلف وكيع وعمّي قالا حدّثنا هارون بن محمد بن عبد الملك الزيّات قال قال عبد اللّه بن محمد بن إسماعيل الجعفريّ حدّثنا عبد اللّه بن إسحاق الجعفريّ عن عبد العزيز بن أبي ثابت قال حدّثني رجل من أهل طبرستان كبير السنّ قال:
بينا أنا يوما أمشي في ضيعة لي فيها ألوان من الفاكهة والزعفران وغير ذلك من الأشجار، إذ أنا بإنسان في البستان مطروح عليه أهدام خلقان، فدنوت منه فإذا هو يتحرّك ولا يتكلّم، فأصغيت إليه فإذا هو يقول بصوت خفيّ:
تعزّ بصبر لا وجدّك لا ترى ... بشام [3] الحمى أخرى الليالي الغوابر
كأنّ فؤادي من تذكّره الحمى ... وأهل الحمى يهفو به ريش طائر
قال: فما زال يردّد هذين البيتين حتى فاضت نفسه؛ فسألت عنه فقيل لي: هذا الصّمّة بن عبد اللّه القشيريّ.
كان ابن الأعرابي يستحسن شعرا له:
أخبرني عمّي قال حدّثنا الخرّاز أحمد بن الحارث قال:
كان ابن الأعرابيّ يستحسن قول الصمة:
صوت
أما وجلال اللّه لو تذكرينني ... كذكريك ما كفكفت للعين مدمعا
فقالت بلى واللّه ذكرا لو أنّه ... يصبّ على صمّ الصّفا لتصدّعا
/ - غنّى في هذين البيتين عبيد اللّه بن أبي غسّان ثاني ثقيل بالوسطى. وفيهما لعريب خفيف رمل - :
ولمّا [4] رأيت البشر قد حال بيننا ... وجالت بنات الشوق في الصدر نزّعا
__________
[1] المطالي: جمع مطلاء (يمد ويقصر)، وهو مسيل ضيق من الأرض أو هو أرض سهلة لينة تنبت العضاه. وحكى ابن بري عن علي بن حمزة أن المطالي روضات، واحدها مطلى بالقصر لا غير، وأما المطلاء لما انخفض من الأرض واتسع فيمد ويقصر والقصر فيه أكثر. وقيل المطالي: المواضع التي تغذو فيها الوحش أطلاءها. (عن «اللسان» مادة طلى بتصرف).
[2] رواية «تجريد الأغاني» (نسخة مأخوذة بالتصوير الشمسي محفوظة بدار الكتب المصرية رقم 5071 أدب): «فهل يسألن أهل الحمى ... ».
[3] في الأصول: «سنام الحمى». والتصويب عن كتاب «تجريد الأغاني». والبشام: شجر طيب الريح والطعم يستاك به.
[4] رواية «ديوان الحماسة» (طبع مدينة ليدن):
ولما رأيت البشر أعرض دوننا ... ........ يحننّ نزعا
والبشر: جبل. وأعرض: أبدى عرضه.
تلفّتّ نحو الحيّ حتى وجدتني ... وجعت [1] من الإصغاء ليتا وأخدعا
مدح إبراهيم بن محمد بن سليمان شعره:
أخبرني أبو الطيّب بن الوشّاء قال:
قال لي إبراهيم بن محمد بن سليمان الأزديّ: لو حلف حالف أنّ أحسن أبيات قيلت في الجاهليّة والإسلام في الغزل قول الصّمّة القشيريّ ما حنث:
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت ... مزارك من ريّا وشعباكما معا
فما حسن أن تأتي الأمر طائعا ... وتجزع أن داعي الصبابة أسمعا
بكت عيني اليمنى فلما زجرتها ... عن الجهل بعد الحلم أسبلتا معا
صوت
وأذكر أيّام الحمى ثم أنثني ... على كبدي من خشية أن تصدّعا
فليست عشيّات الحمى برواجع ... عليك ولكن خلّ عينيك تدمعا
غنّت في هذين البيتين قرشيّة الزّرقاء لحنا من الثقيل الأوّل عن الهشاميّ. وهذه الأبيات التي أوّلها «حننت إلى ريّا» تروى لقيس بن ذريح في أخباره وشعره بأسانيد قد ذكرت في مواضعها، ويروى بعضها للمجنون في أخباره بأسانيد قد/ ذكرت أيضا في أخباره. والصحيح في البيتين الأوّلين أنهما لقيس بن ذريح وروايتهما [له] [2] أثبت، وقد تواترت الروايات بأنهما له من عدّة طرق؛ والأخر مشكوك فيها أهي للمجنون أم للصّمّة.
كان أبو حاتم يستجيد بيتين من شعره:
/ أنشدنا محمد بن الحسن بن دريد عن أبي حاتم للصّمّة القشيريّ قال: وكان أبو حاتم يستجيدهما، وأنشدنيهما عمّي عن الكرانيّ عن أبي حاتم، وأنشدنيهما الحسن بن عليّ عن ابن مهرويه عن أبي حاتم:
إذا نأت لم تفارقني علاقتها ... وإن دنت فصدود العاتب الزّاري
فحال عيني من يوميك واحدة ... تبكي لفرط صدود أو نوى دار
تذكر محبوبته وبكى وذكر شعره فيها:
أخبرني حبيب بن نصر المهلّبي قال حدّثنا عبيد اللّه بن إسحاق بن سلّام قال حدّثني أبي عن شعيب بن صخر عن بعض بني عقيل قال:
مررت بالصّمّة بن عبد اللّه القشيريّ يوما وهو جالس وحده يبكي ويخاطب نفسه ويقول: لا واللّه ما صدقتك فيما قالت؛ فقلت: من تعني؟ ويحك! أجننت! قال: أعني التي أقول فيها:
__________
[1] في س: «و جئت». وفي سائر الأصول: «و خفت». والتصويب عن «ديوان الحماسة» و «اللسان» (مادة وجع). والليت (بالكسر):
صفحة العنق. والأخدع: عرق في العنق في موضع الحجامة.
[2] هذه الكلمة ساقطة في ب، س.
أما وجلال اللّه لو تذكرينني ... كذكريك ما كفكفت للعين مدمعا
فقالت بلى واللّه ذكرا لو أنّه ... يصبّ على صمّ الصّفا لتصدعا
أسلي نفسي عنها وأخبرها أنها لو ذكرتني كما قالت لكانت في مثل حالي.
قصنه في خطبة ابنة عمه ورحلته إلى ثغر من الثغور وشعره في ذلك:
أخبرني عمّي قال حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد قال حدّثني مسعود بن عيسى بن إسماعيل العبدي عن موسى بن عبد اللّه التّيميّ قال.
/ خطب الصّمّة القشيريّ بنت عمّه وكان لها محبّا، فاشتطّ عليه عمّه في المهر؛ فسأل أباه أن يعاونه وكان كثير المال فلم يعنه بشي ء؛ فسأل عشيرته فأعطوه؛ فأتى بالإبل عمّه؛ فقال: لا أقبل هذه في مهر ابنتي، فاسأل أباك أن يبدلها لك؛ فسأل ذلك أباه فأبى عليه؛ فلما رأى ذلك من فعلهما قطع عقلها وخلّاها، فعاد كلّ بعير منها إلى ألّافه.
وتحمّل الصّمّة راحلا. فقالت بنت عمه حين رأته يتحمّل: تاللّه ما رأيت كاليوم رجلا باعته عشيرته بأبعرة. ومضى من وجهه حتى لحق بالثغر؛ فقال وقد طال مقامه واشتاقها وندم على فعله:
أتبكي على ريّا ونفسك باعدت ... مزارك من ريّا وشعباكما معا
فما حسن أن تأتي الأمر طائعا ... وتجزع أنّ داعي الصبابة أسمعا
وقد أخبرني بهذا الخبر جعفر بن قدامة قال حدّثني حمّاد بن إسحاق عن أبيه عن الهيثم بن عديّ: أن الصّمّة خطب ابنة عمّه هذه إلى أبيها؛ فقال له: لا أزوّجكها إلا على كذا وكذا من الإبل؛ فذهب إلى أبيه فأعلمه بذلك وشكا إليه ما يجد بها؛ فساق الإبل عنه إلى أخيه؛ فلما جاء بها عدّها عمّه فوجدها تنقص بعيرا، فقال: لا آخذها إلا كاملة؛ فغضب أبوه وحلف لا يزيده على ما جاء به شيئا. ورجع إلى الصّمّة؛ فقال له: ما وراءك؟ فأخبره؛ فقال:
تاللّه ما رأيت قطّ ألأم منكما جميعا؛ وإني لألأم منكما إن أقمت بينكما؛ ثم ركب ناقته ورحل إلى ثغر من الثغور، فأقام به حتى مات. وقال في ذلك:
أمن ذكر دار بالرّقاشين [1] أصبحت ... بها عاصفات الصيف بدءا ورجّعا
/ حننت إلى ريّا ونفسك باعدت ... مزارك من ريا وشعباكما معا
/ فما حسن أن تأتي الأمر طائعا ... وتجزع أن داعي الصبابة أسمعا
كأنك لم نشهد وداع مفارق ... ولم تر شعبي صاحبين تقطّعا
بكت عيني اليسرى فلما زجرتها ... عن الجهل بعد الحلم أسبلتا معا
تحمّل أهلي من قنين [2] وغادروا ... به أهل ليلى حين جيد [3] وأمرعا
__________
[1] الرقاشان: جبلان بأعلى الشريف في ملتقى دار كعب وكلاب. ورواية البيت في «معجم ما استعجم» لأبي عبيد البكري - وقد نسبه ليزيد بن الطثرية - :
أمن أجل دار بالرقاشين أعصفت ... عليها رياح الصيف بدءا ورجعا
[2] لم نوفق إلى هذا الاسم في المعاجم التي بين أيدينا. وظاهر أنه اسم موضع أو محرف عن اسم موضع.
[3] جيد: أصابه الجود وهو المطر الغزير.
ألا يا خليليّ اللذين تواصيا ... بلومي إلّا أن أطيع وأسمعا
قفا إنه لا بدّ من رجع نظرة ... يمانيّة شتّى بها القوم أو معا
لمغتصب قد عزّه [1] القوم أمره ... حياء يكفّ الدمع أن يتطلّعا
تبرّض [2] عينيه الصّبابة كلّما ... دنا الليل أو أوفى من الأرض ميفعا [3]
فليست عشيّات الحمى برواجع ... إليك ولكن خلّ عينيك تدمعا
صوت من المائة المختارة من رواية يحيى بن عليّ
قل لأسماء أنجزي الميعادا ... وانظري أن تزوّدي منك زادا
إن تكوني حللت ربعا من الشأ ... م وجاورت حميرا أو مرادا
أو تناءت بك النّوى فلقد قد ... ت فؤادي لحينه فانقادا
ذاك أني علقت منك جوى الح ... ب وليدا فزدت سنا [4] فزادا
/ الشعر لداود بن سلم. والغناء لدحمان، ولحنه المختار من الثقيل الأول بالوسطى. وقد كنا وجدنا هذا الشعر في رواية عليّ بن يحيى عن إسحاق منسوبا إلى المرقّش، وطلبناه في أشعار المرقّشين [5] جميعا فلم نجده، وكنا نظنه من شاذّ الروايات حتى وقع إلينا في شعر داود بن سلم، وفي خبر أنا ذاكره في أخبار داود. وإنما نذكر ما وقع إلينا عن رواته؛ فما وقع من غلط فوجدناه أو وقفنا على صحته أثبتناه وأبطلنا ما فرط منا غيره، وما لم يجر هذا المجرى فلا ينبغي لقارىء هذا الكتاب أن يلزمنا لوم خطأ لم نتعمده ولا اخترعناه، وإنما حكيناه عن رواته واجتهدنا في الإصابة. وإن عرف صوابا مخالفا لما ذكرناه وأصلحه، فإن ذلك لا يضرّه ولا يخلو به من فضل وذكر جميل إن شاء اللّه.
__________
[1] عزه: غلبه وسلبه.
[2] أي تأخذ الصبابة ماء عينيه شيئا فشيئا. يقال: تبرضت ماء الحسى إذا أخذته قليلا قليلا، وفلان يتبرض الماء إذا كان كلما اجتمع منه شيء غرفه.
[3] الميفع: المكان المشرف.
[4] في الأصول هنا وفيما يأتي «شيئا». والتصويب عن «تجريد الأغاني».
[5] يعني بالمرقشين: المرقش الأكبر والأصغر. والأكبر هو عمرو بن سعد بن مالك بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة بن بكر بن وائل. كذا قال ابن الكلبي وخالفه الجوهري. فقال: إنه من بليّ سدوس. والمرقش الأصغر هو ربيعة بن حرملة، وهو ابن أخي المرقش الأكبر، وهو أيضا عم طرفة بن العبد. (انظر «شرح القاموس» مادة رقش) وسيأتي الكلام عليهما في هذا الجزء.
2 - أخبار داود بن سلم ونسبه
نسبه وولاؤه وهو من مخضرمي الدولتين:
داود بن سلم مولى بني تيم بن مرّة بن كعب بن لؤيّ؛ ثم يقول بعض الرواة: إنّه مولى آل أبي بكر، ويقول بعضهم: إنه مولى آل طلحة. وهو مخضرم من شعراء الدولتين الأموية والعباسية، من ساكني المدينة، يقال له داود الآدم [1] وداود الأرمك [2]. وكان من أقبح الناس وجها.
رآه والي المدينة يخطر في مشيته فضربه فمدحه ابن رهيمة لذلك:
وكان سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف يستثقله؛ فرآه ذات يوم يخطر خطرة منكرة فدعا به، وكان يتولّى المدينة، فضربه ضربا مبرّحا؛ وأظهر أنه إنما فعل/ ذلك به من أجل الخطرة التي تخايل فيها في مشيته. فقال بعض الشعراء في ذلك وأظنه ابن رهيمة:
ضرب العادل سعد ... ابن سلم في السّماجه
فقضى اللّه لسعد ... من أمير كلّ حاجه
مدح آل معمر لأن أمه من مواليهم:
أخبرني محمد بن سليمان الطّوسي قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال:
سألت محمد بن موسى بن طلحة عن داود بن سلم، هل هو مولاهم؟ فقال: كذلك يقول الناس، هو مولانا، أبوه رجل من النّبط، وأمه بنت حوط مولى عمر بن عبيد اللّه بن معمر؛ فانتسب إلى ولاء أمه. وفي ذلك يقول ويمدح ابن معمر:
وإذا دعا الجاني النصير لنصره ... وأرتني الغرر النصيرة [3] معمر
/ متخازرين [4] كأنّ أسد خفيّة [5] ... بمقامها مستبسلات تزأر
__________
[1] كذا في ب، س، ح. وفي سائر الأصول: «الأدلم» والآدم والأدلم بمعنى، وهو الأسود.
[2] الأرمك: الأسود. وفي جميع الأصول: «الأدمك» (بالدال المهملة) وهو تحريف.
[3] كذا في جميع الأصول ولعلها مصحفة عن «النضيرة» بالضاد المعجمة.
[4] تخازر الرجل ضيق جفنه ليحدّد النظر.
[5] الخفية: غيضة ملتفة يتخذها الأسد عرينه، وهي خفيته. وقيل: هي علم لموضع بعينه. قال الشاعر:
أسود شرى لافت أسود خفية ... تساقين سما كلهن خوادر
فشرى وخفية علمان لموضعين (راجع «اللسان» مادة خفى).
متجاسرين بحمل كل ملمّة ... متجبّرين على الذي يتجبّر
عسل الرّضا فإذا أردت خصامهم ... خلط السّمام بفيك صاب ممقر [1]
لا يطبعون ولا ترى أخلاقهم ... إلّا تطيب كما يطيب العنبر
رفعوا بناي بعتق حوط دنية ... جدّي وفضلهم الذي لا ينكر
كان أسود بخيلا وله شعر في الكرم كذبه فيه قوم ضافوه:
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ وحبيب بن نصر المهلّبيّ قالا حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثني إسحاق الموصليّ قال:
كان داود بن سلم مولى بني تيم بن مرّة، وكان يقال له: الآدم لشدّة سواده، وكان من أبخل الناس؛ فطرقه قوم وهو بالعقيق، فصاحوا به: العشاء والقرى يابن سلم؛ فقال لهم: لا عشاء لكم عندي ولا قرى؛ قالوا: فأين قولك في قصيدتك إذ تقول فيها:
يا دار هند ألا حيّيت من دار ... لم أقض منك لباناتي وأوطاري
عوّدت فيها إذا ما الضيف نبّهني ... عقر العشار [2] على يسري وإعساري
قال: لستم من أولئك الذين عنيت.
عزى السري بن عبد اللّه عن ابنه:
قال: ودخل على السّريّ بن عبد اللّه الهاشميّ، وقد أصيب بابن له؛ فوقف بين يديه ثم أنشده:
/يا من على الأرض من عجم ومن عرب ... استرجعوا خاست [3] الدّنيا بعبّاس
فجعت من سبعة قد كنت آملهم ... من ضنء [4] والدهم بالسيّد الرّاس
قال: وداود بن سلم الذي يقول:
قل لأسماء أنجزي الميعادا ... وانظري أن تزوّدي منك زادا
إن تكوني حللت ربعا من الشأ ... م وجاورت حميرا أو مرادا
أو تناءت بك النوى فلقد قد ... ت فؤادي لحينه فانقادا
ذاك أني علقت منك جوى الح ... بّ وليدا فزدت سنّا فزادا
قال أبو زيد: أنشدنيها أبو غسّان محمد بن يحيى وإبراهيم بن المنذر لداود بن سلم.
__________
[1] عسل: جمع عاسل وعسول أي حلو. والممقر: الشديد المرارة.
[2] العشار جمع عشراء، وهي من الإبل ما مضى لحملها عشرة أشهر، فإذا وضعت لتمام سنة فهي عشراء أيضا. وأحسن ما تكون الإبل وأنفسها عند أهلها إذا كانت عشارا.
[3] خاست: غدرت.
[4] الضنء: الولد: ويطلق على الأصل أيضا.
نسبة ما في هذا الخبر من الشعر الذي فيه غناء
صوت
يا دار هند ألا حيّيت من دار ... لم أقض منك لباناتي وأوطاري
يتم وينسب [1].
مدح إسحاق بن إبراهيم بن طلحة بولاية القضاء فزجره:
أخبرنا الطّوسيّ قال حدّثنا الزبير قال أخبرني مصعب بن عثمان قال:
دعا الحسن بن زيد إسحاق بن إبراهيم بن طلحة بن عمر بن عبيد اللّه بن معمر التّيميّ أيام كان بالمدينة إلى ولاية القضاء فأبى عليه فحبسه، فدعا مسرقين [2] يسرقون/ له مغسلا في السجن، وجاء بنو طلحة فانسجنوا معه.
وبلغ ذلك الحسن بن زيد، فأرسل إليه فأتي به؛ فقال: إنك تلاججت عليّ، وقد حلفت ألّا أرسلك حتى تعمل لي، فأبرر يميني، ففعل؛ فأرسل الحسن معه جندا حتى جلس في المسجد مجلس القضاء والجند على رأسه؛ فجاءه داود بن سلم فوقف عليه فقال:
طلبوا الفقه والمروءة والحل ... م وفيك اجتمعن يا إسحاق
فقال: ادفعوه، فدفعوه، فنحّي [3] عنه؛ فجلس ساعة ثم قام من مجلسه؛ فأعفاه الحسن بن زيد من القضاء؛ فلما سار إلى منزله أرسل إلى داود بن سلم بخمسين دينارا، وقال للرسول: قل له: يقول لك مولاك: ما حملك على أن تمدحني بشيء أكرهه؟ استعن بهذه على أمرك.
ضربه سعد بن إبراهيم في المسجد والقصة في ذلك:
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثني محرز بن سعيد قال:
بينما سعد بن إبراهيم في مسجد النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يقضي بين الناس إذ دخل عليه زيد بن إسماعيل بن عبد اللّه بن جعفر، ومعه داود بن سلم مولى التّيميّين، وعليهما ثياب ملوّنة يجرّانها؛ فأومأ أن يؤتى بهما، فأشار إلى زيد أن اجلس، فجلس بالقرب منه، وأومأ إلى الآخر أن يجلس حيث يجلس مثله، ثم قال لعون من أعوانه: ادع لي نوح بن إبراهيم بن محمد بن طلحة بن عبيد اللّه، فدعي له فجاء أحسن الناس سمتا وتشميرا ونقاء ثياب؛ فأشار إليه فجلس؛ ثم أقبل على زيد فقال له: يابن أخي، تشبه بشيخك هذا وسمته وتشميره ونقاء ثوبه، ولا تعد إلى هذا اللبس، قم فانصرف. ثم أقبل على ابن سلم وكان قبيحا، فقال له: هذا/ ابن جعفر أحتمل هذا له، وأنت لأيّ شيء أحتمل هذا لك؟ أللؤم أصلك، أم لساجة وجهك! جرّد يا غلام؛ فجرّد فضربه أسواطا. فقال ابن رهيمة:
جلد العادل سعد ... ابن سلم في السّماجه
فقضى اللّه لسعد ... من أمير كلّ حاجه
__________
[1] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «و ينسب. انتهى». ولا معنى لهذه الزيادة.
[2] كذا في ب، س. وفي أ، ء، م: «مسرفين يسرفون» (بالفاء). وفي ح: «مسروقين يسرقون له معسلا». ولم نوفق إلى وجه الصواب فيها.
[3] في ب، س: «فننحى عنه».
أخبرني الحرميّ قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثني يعقوب بن حميد بن كاسب قال حدّثني عبد الملك بن عبد العزيز بن الماجشون عن يوسف بن الماجشون قال:
قال لي أبي - وقد عزل سعد بن إبراهيم عن القضاء - يا بنيّ تعجّل بنا عسى أن نروح مع سعد بن إبراهيم، فإن القاضي إذا عزل لم يزل الناس ينالون منه؛ فخرجنا حتى جئنا دار سعد بن إبراهيم، فإذا صوت عال؛ فقال لي أيّ شيء هذا؟ أرى أنه قد أعجل عليّ؛ ودخلنا فإذا داود بن سلم يقول له: أطال اللّه بقاءك يا أبا إسحاق وفعل بك؛ وقد كان سعد جلد داود بن/ سلم أربعين سوطا، فأقبل عليّ سعد وعلى أبي، فقال: لم تر مثل أربعين سوطا في ظهر لئيم. قال: وفيه يقول الشاعر:
ضرب العادل سعد ... ابن سلم في السماجه
فقضى اللّه لسعد ... من أمير كلّ حاجه
كان يمدح الحسن بن زيد وقد غضب منه لمدحه جعفر بن سليمان:
أخبرني محمد بن خلف وكيع قال قال الزّبير بن بكّار قال حدّثني أبو يحيى الزّهري واسمه هارون بن عبد اللّه [1] قال حدّثني عبد الملك بن عبد العزيز عن أبيه قال:
/ كان الحسن بن زيد قد عوّد داود بن سلم مولى بني تيم إذا جاءته غلّة من الخانقين [2] أن يصله. فلما مدح داود بن سلم جعفر بن سليمان، وكان بينه وبين الحسن بن زيد تباعد شديد، أغضب ذلك الحسن؛ فقدم من حجّ أو عمرة، ودخل عليه داود مسلّما، فقال له الحسن: أنت القائل في جعفر:
وكنّا حديثا [3] قبل تأمير جعفر ... وكان المنى في جعفر أن يؤمّرا
حوى المنبرين الطاهرين كليهما ... إذا ما خطا عن منبر أمّ منبرا
كأن بني حوّاء صفّوا أمامه ... فخبّر من أنسابهم فتخيّرا؟
فقال داود: نعم، جعلني اللّه فداءكم، فكنتم خيرة اختياره؛ وأنا الذي أقول:
لعمري لئن عاقبت أوجدت منعما ... بعفو عن الجاني وإن كان معذرا
لأنت بما قدّمت أولى بمدحة ... واكرم فرعا إن فخرت وعنصرا
هو الغرّة الزّهراء من فرع هاشم ... ويدعو عليّا ذا المعالي وجعفرا
وزيد [4] النّدى والسّبط سبط محمد ... وعمّك بالطّفّ الزّكيّ المطهّرا
وما نال من ذا جعفر غير مجلس ... إذا ما نفاه العزل عنه تأخّرا
__________
[1] في، ء، م: «عبيد اللّه».
[2] خانقين: بلدة من نواحي السواد في طريق همذان من بغداد، بينها وبين قصر شيرين ستة فراسخ لمن يريد الجبال، وبين قصر شيرين إلى حلوان ستة فراسخ. وقال البشاري: وخانقين أيضا بلدة بالكوفة. (عن «معجم البلدان»).
[3] كذا بالأصول.
[4] يعني به زيد بن علي بن الحسين بن أبي طالب الذي خرج على هشام بن عبد الملك في خلافته فقتله. والسبط: الحسن بن علي بن أبي طالب. وعمه يعني به الحسين بن علي بن أبي طالب، وقد قتل بالطف، وهو موضع قرب الكوفة.
بحقّكم نالوا ذراها فأصبحوا ... يرون به عزّا عليكم ومفخرا
قال: فعاد الحسن بن زيد له إلى ما كان عليه، ولم يزل يصله ويحسن إليه حتى مات. قال أبو يحيى: يعني بقوله: «و إن كان معذرا» أن جعفرا أعطاه بأبياته الثلاثة ألف دينار، فذكر أن له عذرا في مدحه إياه بجزالة إعطائه.
إعجاب أبي السائب المخزومي بشعر له:
أخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد بن إسحاق عن أبيه عن الواقديّ عن ابن أبي الزّناد قال:
كنت ليلة عند الحسن بن زيد ببطحاء ابن أزهر (على ستة أميال من المدينة، حيال ذي الحليفة) نصف الليل جلوسا في القمر، وأبو السائب المخزوميّ معنا، وكان ذا فضل وكان مشغوفا بالسّماع والغزل، وبين أيدينا طبق عليه فريك [1] فنحن نصيب منه، والحسن يومئذ عامل المنصور على المدينة؛ فأنشد الحسن قول داود بن سلم وجعل يمدّ به صوته ويطرّبه:
صوت
فعرّسنا ببطن عريتنات [2] ... ليجمعنا وفاطمة المسير
أتنسى إذ تعرّض وهو باد ... مقلّدها كما برق الصّبير [3]
ومن يطع الهوى يعرف هواه ... وقد ينبيك بالأمر الخبير
/ على أني زفرت غداة هرشى [4] ... فكاد يريبهم منّي الزّفير
- الغناء للغريض ثاني ثقيل بالسبّابة في مجرى البنصر عن إسحاق. وفيه للهذليّ ثاني ثقيل بالوسطى عن عمرو بن بانة، وأظنّه هذا اللحن - قال: فأخذ أبو السائب الطبق! فوحّش [5] به إلى السماء، فوقع الفريك على رأس الحسن بن زيد؛/ فقال له: مالك؟ ويحك! أجننت! فقال له أبو السائب: أسألك باللّه وبقرابتك من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلّا ما أعدت إنشاد هذا الصوت ومددته كما فعلت! قال: فما ملك الحسن نفسه ضحكا، وردّ الحسن الأبيات لاستحلافه إياه. قال ابن أبي الزّناد: فلما خرج أبو السائب قال لي: يابن أبي الزّناد، أما سمعت مدّه:
ومن يطع الهوى يعرف هواه
فقلت نعم؛ قال: لو علمت أنه يقبل مالي لدفعته إليه بهذه الثلاثة الأبيات. أخبرني بخبره عبيد اللّه بن محمد الرازيّ وعمّي قالا حدّثنا أحمد بن الحارث الخرّاز عن المدائني عن أبي بكر الهذليّ.
__________
[1] الفريك: طعام يفرك ويلت بسمن وغيره.
[2] عرس القرم: نزلوا في السفر في آخر الليل للاستراحة ثم يرتحلون. وعريتنات: اسم واد. وقال أبو عبيدة: عريتنات ماء بعدنة.
(راجع «معجم البلدان» و «القاموس» وشرحه مادة عرتن).
[3] الصبير: السحاب الأبيض لا يكاد يمطر.
[4] هرشى (وزان سكرى): ثنية قرب الجحفة في طريق مكة يرى منها البحر، ولها طريقان يفضيان بمن سلكهما إلى موضع واحد، ولذلك قال الشاعر:
خذا أنف هرشى أو قفاها فإنما ... كلا جانبي هرشى لهن طريق
[5] وحش: رمى.
ما وقع بين ضبيعة العبسي وظبية جارية فاطمة بنت عمر بن مصعب:
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثني ظبية مولاة فاطمة بنت عمر بن مصعب قالت:
أرسلتني مولاتي فاطمة في حاجة، فمررت برحبة القضاء، فإذا بضبيعة العبسيّ خليفة جعفر بن سليمان يقضي بين الناس؛ فأرسل إليّ فدعاني، وقد كنت رطّلت [1] شعري وربطت في أطرافه من ألوان العهن؛ فقال: ما هذا؛ فقلت شيء أتملّح به؛ فقال: يا حرسيّ قنّعها بالسّوط. قالت: فتناولت السوط بيدي وقلت: قاتلك اللّه! ما أبين الفرق بينك وبين سعد بن إبراهيم! سعد يجلد الناس في السّماجة، وأنت تجلدهم في الملاحة؛ وقد قال الشاعر:
جلد العادل سعد ... ابن سلم في السماجه
فقضى اللّه لسعد ... من أمير كلّ حاجه
/ قالت: فضحك حتى ضرب بيديه ورجليه، وقال: خلّ عنها. قالت: فكان يسوم بي، وكانت مولاتي تقول: لا أبيعها إلّا أن تهوى ذلك، وأقول: لا أريد بأهلي بدلا؛ إلى أن مررت يوما بالرّحبة وهو في منظرة دار مروان ينظر؛ فأرسل إليّ فدعاني، فوجدته من وراء كلّة وأنا لا أشعر به، وحازم وجرير جالسان؛ فقال لي حازم:
الأمير يريدك؛ فقلت: لا أريد بأهلي بدلا؛ وكشفت الكلّة عن جعفر بن سليمان، فارتعت لذلك فقلت: آه؛ فقال:
مالك؟ فقلت:
سمعت بذكر الناس هندا فلم أزل ... أخا سقم حتى نظرت إلى هند
قال: فأبصرت ماذا؟ ويحك! فقلت:
فأبصرت هندا حرّة غير أنها ... تصدّى لقتل المسلمين على عمد
قالت: فضحك حتى استلقى، وأرسل إلى مولاتي ليبتاعني؛ فقالت: لا واللّه لا أبيعها حتى تستبيعني؛ فقلت:
واللّه لا أستبيعك أبدا.
أرسل شعرا لقثم بن العباس يذكره بجارية كان يهواها:
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثنا يونس بن عبد اللّه عن داود بن سلم قال:
كنت يوما جالسا مع قثم بن العباس قبل أن يملّكوا بفنائه، فمرّت بنا جارية، فأعجب بها قثم وتمنّاها فلم يمكنه ثمنها. فلمّا ولي قثم اليمامة اشترى الجارية إنسان يقال له صالح. قال داود بن سلم: فكتبت إلى قثم:
/يا صاحب العيس ثم راكبها ... أبلغ إذا ما لقيته قثما
أنّ الغزال الذي أجاز بنا ... معارضا إذ توسّط الحرما
حوّله صالح فصار مع الإ ... نس وخلّى الوحوش والسّلما
قال: فأرسل قثم في طلب الجارية ليشتريها، فوجدها قد ماتت.
__________
[1] رطل شعره: لينه بالدهن وكسره ومشطه وأرسله.
وفد على حرب بن خالد ومدحه فأجازه:
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثنا عبد اللّه بن محمد بن موسى بن طلحة قال حدّثني زهير بن حسن مولى آل الرّبيع [1] بن يونس:
أن داود بن سلم خرج إلى حرب بن خالد بن يزيد بن معاوية؛ فلما نزل به حطّ غلمانه متاع داود وحلّوا عن راحلته؛ فلما دخل عليه أنشأ يقول:
ولمّا دفعت لأبوابهم [2] ... ولاقيت حربا لقيت النجاحا
وجدناه يحمده المجتدون ... ويأبى على العسر إلا سماحا
ويغشون حتى يرى كلبهم ... يهاب الهرير وينسى النّباحا
قال: فأجازه بجائزة عظيمة، ثم استأذنه في الخروج فأذن له وأعطاه ألف دينار. فلم يعنه أحد من غلمانه ولم يقوموا إليه؛ فظنّ أن حربا ساخط عليه، فرجع إليه فأخبره بما رأى من غلمانه؛ فقال له: سلهم لم فعلوا بك ذلك.
قال: فسألهم، فقالوا: إننا ننزل من جاءنا ولا نرحل من خرج عنا. قال: فسمع الغاضريّ حديثه فأتاه فحدّثه فقال:
أنا يهوديّ إن لم يكن الذي قال الغلمان أحسن من شعرك.
شعر له في الغزل:
وذكر محمد بن داود بن الجرّاح أن عمر بن شبّة أنشده ابن عائشة لداود بن سلم، فقال: أحسن واللّه داود حيث يقول:
لججت من حبّي في تقريبه ... وعمّيت عيناي عن عيوبه
كذاك صرف الدهر في تقليبه ... لا يلبث الحبيب عن حبيبه
أو يغفر الأعظم من ذنوبه
قال: وأنشدني أحمد بن يحيى عن عبد اللّه بن شبيب لداود بن سلم قال:
/و ما ذرّ [3] قرن الشمس إلا ذكرتها ... وأذكرها في وقت كلّ غروب
وأذكرها ما بين ذاك وهذه ... وبالليل أحلامي وعند هبوبي
وقد شفّني شوقي وأبعدني [4] الهوى ... وأعيا الذي بي طبّ كلّ طبيب
وأعجب أنّي لا أموت صبابة ... وما كمد من عاشق بعجيب
وكلّ محبّ قد سلا غير أنني ... غريب الهوى، يا ويح كلّ غريب
وكم لام فيها من أخ ذي نصيحة ... فقلت له أقصر فغير مصيب
__________
[1] في ح: «مولى الربيع بن يونس» بدون كلمة «آل».
[2] فيء وإحدى روايتي أ:
«إلى بابهم»
[3] ذر: طلع.
[4] كذا في أكثر الأصول. وأبعده: أهلكه وأقصاه. وفي ب، س:
«و أبلاني الهوى»
أتأمر إنسانا بفرقة قلبه ... أتصلح أجسام بغير قلوب
شعر له في مدح قثم بن العباس:
أخبرني إسماعيل بن يونس الشّيعي قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثني أبو غسّان قال:
كان داود بن [1] سلم منقطعا إلى قثم بن العباس، وفيه يقول:
عتقت من حلّي ومن رحلتي ... يا ناق إن أدنيتني من قثم
إنك إن أدنيت منه غدا ... حالفني اليسر ومات العدم
/ في وجهه بدر وفي كفّه ... بحر وفي العرنين منه شمم
أصمّ عن قيل الخنا سمعه ... وما عن الخير به من صمم
لم يدر ما «لا» و«بلى» قد درى ... فعافها واعتاض منها «نعم»
قال أبو إسحاق إسماعيل بن يونس قال أبو زيد عمر بن شبّة قال لي إسحاق: لنظم العمياء في هذه الأبيات صنعة عجيبة، وكانت تجيدها ما شاءت (إذا غنتها) [2].
__________
[1] نسب هذا الشعر في «الكامل» للمبرد (ص 369 طبع أوروبا) لسليمان بن قتة مع اختلاف في بعض الألفاظ.
[2] هذه العبارة ساقطة من الأصول ما عدا ب، س.
3 - أخبار دحمان ونسبه
كان مغنيا صالحا مقبول الشهادة ملازما للحج:
دحمان لقب لقب به، واسمه عبد الرحمن بن عمرو، مولى بني ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة. ويكنى أبا عمرو، ويقال له دحمان الأشقر. قال إسحاق: كان دحمان مع شهرته بالغناء رجلا صالحا كثير الصلاة معدّل الشهادة مدمنا للحجّ؛ وكان كثيرا ما يقول: ما رأيت باطلا أشبه بحق من الغناء.
قال إسحاق: وحدّثني الزّبيريّ أنّ دحمان شهد عند عبد العزيز بن المطّلب [بن عبد اللّه] [1] بن حنطب [المخزوميّ] [1]، وهو يلي القضاء لرجل من أهل المدينة على رجل من أهل العراق بشهادة، فأجازها وعدّله [2]؛ فقال له العراقيّ: إنه دحمان؛ قال: أعرفه، ولو لم أعرفه لسألت عنه؛ قال: إنه يغنّي ويعلّم الجواري الغناء؛ قال:
غفر اللّه لنا ولك، وأيّنا لا يتغنّى! اخرج إلى الرجل عن حقّه.
مدح أعشى سليم غناءه:
وفي دحمان يقول أعشى بني سليم:
إذا ما هزّج الواد ... يّ أو ثقّل دحمان
سمعت الشّدو من هذا ... ومن هذا بميزان
فهذا سيّد الإنس ... وهذا سيّد الجانّ
وفيه يقول أيضا:
كانوا فحولا فصاروا عند حلبتهم ... لمّا انبرى لهم دحمان خصيانا
/ فأبلغوه عن الأعشى مقالته ... أعشى سليم أبي عمرو سليمانا
قولوا يقول أبو عمرو لصحبته ... يا ليت دحمان قبل الموت غنّانا
كان من تلاميذ معبد وأحد رواته:
أخبرني رضوان بن أحمد الصّيدلانيّ قال حدّثنا يوسف بن إبراهيم عن إبراهيم بن المهديّ أنه حدّثه عن ابن جامع وزبير بن دحمان جميعا:
__________
[1] زيادة عن ابن الأثير والطبري و «تهذيب التهذيب» (ج 6 ص 357). وعبد العزيز هذا موصوف بالجود والمعرفة بالقضاء والحكم.
ولي قضاء المدينة في زمن المنصور ثم المهدي، وولي قضاء مكة. وأمه أم الفضل بنت كليب بن جرير بن معاوية الخفاجية.
[2] كذا في ح. وعدّله: زكاه. وفي سائر الأصول: «و عدلها».
أنّ دحمان كان معدّلا مقبول الشهادة عند القضاة بالمدينة، وكان أبو سعيد مولى فائد أيضا ممن تقبل شهادته.
وكان دحمان من رواة معبد وغلمانه المتقدّمين. قال: وكان معبد في أول أمره مقبول الشهادة، فلما حضر الوليد بن يزيد وعاشره على تلك الهنات وغنّى له سقطت عدالته، [لا لأن شيئا بان عليه من دخول في محظور، ولكن] [1] لأنه اجتمع مع الوليد على ما كان يستعمله.
منزلته في الغناء عند إبراهيم الموصلي:
أخبرنا يحيى بن عليّ بن يحيى قال حدّثنا أبو أيّوب المدينيّ قال قال إسحاق:
كان دحمان يكنى أبا عمرو، مولى بني ليث، واسمه عبد الرحمن، وكان يخضب رأسه ولحيته بالحنّاء؛ وهو من غلمان معبد. قال إسحاق: وكان أبي لا يضعه بحيث يضعه الناس، ويقول: لو كان عبدا ما اشتريته على/ الغناء بأربعمائة درهم. وأشبه الناس به في الغناء ابنه عبد اللّه، وكان يفضّل الزّبير ابنه [2] تفضيلا شديدا على عبد اللّه أخيه وعلى دحمان [أبيه] [3].
كان المهدي يجزل صلته:
أخبرني يحيى عن أبي أيّوب عن أحمد بن المكّيّ عن عبد اللّه بن دحمان قال:
رجع أبي من عند المهديّ وفي حاصله مائة ألف دينار.
/ أخبرنا إسماعيل بن يونس وحبيب بن نصر المهلّبيّ قالا حدّثنا عمر بن شبّة قال:
بلغني أنّ المهديّ أعطى دحمان في ليلة واحدة خمسين ألف دينار؛ وذلك أنه غنّى في شعر الأحوص:
قطوف المشي إذ تمشي ... ترى في مشيها خرقا [4]
فأعجبه وطرب، واستخفّه السرور حتى قال لدحمان: سلني ما شئت؛ فقال: ضيعتان بالمدينة يقال لهما ريّان وغالب؛ فأقطعه إيّاهما. فلما خرج التوقيع بذلك إلى أبي عبيد اللّه [5] وعمر بن بزيع راجعا المهديّ فيه وقالا: إنّ هاتين ضيعتان لم يملكهما قطّ إلّا خليفة، وقد استقطعهما ولاة العهود في أيام بني أمية فلم يقطعوهما؛ فقال: واللّه لا أرجع فيهما إلا بعد أن يرضى؛ فصولح عنهما على خمسين ألف دينار.
نسبة هذا الصوت
سرى ذا الهمّ بل طرقا ... فبتّ مسهّدا قلقا
كذاك الحبّ مما يح ... دث التسهيد والأرقا
__________
[1] هذه العبارة المحصورة بين قوسين زيادة عن ب، س.
[2] في ب، س: «و كان يفضل الزبير ابنه عبد اللّه تفضيلا ... إلخ»، وهو تحريف.
[3] هذه الكلمة ساقطة في ب، س.
[4] قطوف المشي: بطيئته. وخرقا: تحيرا ودهشا. يريد أنها حيية خفرة حتى لترى آثار التحير والدهش بادية عليها إذا مشت. وفي «اللسان»: «و في حديث تزويج فاطمة رضوان اللّه عليها: فلما أصبح دعاها فجاءت خرقة من الحياء، أي خجلة مدهوشة؛ من الخرق وهو التحير. روى أنها أتته تعثر في مرطها من الخجل».
[5] كذا في ح. وهو أبو عبيد اللّه معاوية بن عبيد اللّه الأشعري الكاتب الوزير. وفي سائر الأصول: «إلى أبي عبد اللّه»، وهو تحريف.
(راجع الطبري وابن الأثير في غير موضع).
قطوف المشي إذ تمشى ... ترى في مشيها خرقا
وتثقلها عجيزتها ... إذا ولّت لتنطلقا
/ الشعر للأخوص. والغناء لدحمان ثقيل أول بالوسطى عن عمرو؛ وذكر الهشاميّ أنه لابن سريج.
سئل عن ثمن ردائه فأجاب:
أخبرني إسماعيل بن يونس قال حدّثنا عمر بن شبّة عن إسحاق قال:
مرّ دحمان المغنّي وعليه رداء جيّد عدنيّ [1]؛ فقال له من حضر: بكم اشتريت هذا يا أبا عمرو؟ قال:
ب ... ما ضرّ جيراننا إذ انتجعوا
نسبة هذا الصوت
صوت
ما ضرّ جيراننا إذ انتجعوا ... لو أنهم قبل بينهم ربعوا [2]
أحموا [3] على عاشق زيارته ... فهو [4] بهجران بينهم قطع [5]
وهو كأنّ الهيام خالطه ... وما به غير حبّها ذرع [6]
كأنّ لبنى صبير [7] غادية ... أو دمية زيّنت بها البيع
اللّه بيني وبين قيّمها ... يفرّ عنّي بها وأتّبع
اشترى منه الوليد جارية وهو لا يعرفه فلما عرفه أرسل إليه وأكرمه:
أخبرني وكيع عن أبي أيّوب المدينيّ إجازة عن أبي محمد العامريّ الأويسيّ قال:
/ كان دحمان جمّالا يكري إلى المواضع ويتّجر، وكانت له مروءة؛ فبينا هو ذات يوم قد أكرى جماله وأخذ ماله إذ سمع رنّة، فقام واتّبع الصوت، فإذا جارية قد خرجت تبكي؛ فقال لها:/ أمملوكة أنت؟ قالت: نعم؛ فقال: لمن؟ فقالت: لا مرأة من قريش، وسمّتها له؛ فقال: أتبيعك؟ قالت: نعم، ودخلت إلى مولاتها فقالت: هذا إنسان يشتريني؛ فقالت: ائذني له، فدخل، فسامها حتى استقرّ أمر الثمن بينهما على مائتي دينار، فنقدها إياها وانصرف بالجارية. قال دحمان: فأقامت عندي مدة أطرح عليها ويطرح عليها معبد والأبجر ونظراؤهما من المغنين؛ ثم خرجت بها بعد ذلك إلى الشأم وقد حذقت، وكنت لا أزال إذا نزلنا أنزل الأكرياء [8] ناحية، وأنزل
__________
[1] كذا في ب، س. وفي سائر الأصول: «غردني».
[2] ربعوا: تمهلوا وانتظروا.
[3] أحموا: حظروا ومنعوا.
[4] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «فهم»، وهو تحريف.
[5] القطع (كصرد): من يهجر رحمه ويعقها ويقطعها.
[6] الذرع: الطمع. وفي ح: «درع» (بالدال المهملة) ولعلها مصحفة عما أثبتناه. وفي سائر الأصول: «ردع» ولا معنى له.
[7] الصبير: السحاب الأبيض الذي يصير بعضه فوق بعض درجا. والغادية: السحابة تنشأ غدوة.
[8] الأكرياء: جمع كريّ وهو المكاري.
معتزلا بها ناحية في محمل وأطرح على المحمل من أعبية [1] الجمّالين، وأجلس أنا وهي تحت ظلّها، فأخرج شيئا فنأكله، ونضع ركوة [2] فيها [3] لنا شراب، فنشرب ونتغنّى حتى نرحل. ولم نزل كذلك حتى قربنا من الشأم. فبينا أنا ذات يوم نازل وأنا ألقي عليها لحني:
صوت
لو ردّ ذو شفق حمام منيّة ... لرددت عن [4] عبد العزيز حماما
صلّى عليك اللّه من مستودّع ... جاورت بوما [5] في القبور وهاما [6]
/ - الشعر لكثيّر [7] يرثي عبد العزيز بن مروان. وزعم بعض الرواة أن هذا الشعر ليس لكثيّر وأنه لعبد الصمد بن عليّ الهشاميّ يرثي ابنا له. والغناء لدحمان، ولحنه من الثقيل الأوّل بالخنصر في مجرى البنصر - .
قال: فرددته عليها حتى أخذته واندفعت تغنّيه، فإذا أنا براكب قد طلع فسلم علينا فرددنا عليه السلام؛ فقال:
أتأذنون [8] لي أن أنزل تحت ظلّكم هذا ساعة؟ قلنا نعم، فنزل؛ وعرضت عليه طعامنا وشرابنا فأجاب، فقدّمنا إليه السّفرة فأكل وشرب معنا، واستعاد الصوت مرارا. ثم قال للجارية: أتغنّين لدحمان شيئا؟ قالت نعم. قال: فغنّته أصواتا من صنعتي، وغمزتها ألا تعرّفه أني دحمان؛ فطرب وامتلأ سرورا وشرب أقداحا والجارية تغنّيه حتى قرب وقت الرحيل؛ فأقبل عليّ وقال: أتبيعني هذه الجارية؟ فقلت نعم؛ قال: بكم؟ قلت كالعابث: بعشرة آلاف دينار؛ قال: قد أخذتها بها، فهلمّ دواة وقرطاسا، فجئته بذلك؛ فكتب: «ادفع إلى حامل كتابي هذا حين تقرؤه عشرة آلاف دينار، واستوص به خيرا وأعلمني بمكانه» وختم الكتاب ودفعه إليّ؛ ثم قال: أتدفع إليّ الجارية أم تمضي بها معك حتى تقبض مالك؟ فقلت: بل أدفعها إليك؛ فحملها وقال: إذا جئت البخراء [9] فسل عن فلان وادفع كتابي هذا إليه واقبض منه مالك؛ ثم انصرف بالجارية. قال: ومضيت، فلما وردت البخراء سألت عن اسم الرجل، فدللت عليه، فإذا داره دار ملك، فدخلت عليه ودفعت إليه الكتاب، فقبّله ووضعه/ على عينيه، ودعا بعشرة آلاف دينار فدفعها إليّ، وقال: هذا كتاب أمير المؤمنين، وقال لي: اجلس حتى أعلم أمير المؤمنين بك؛ فقلت له: حيث كنت فأنا عبدك وبين يديك، وقد كان أمر لي بأنزال [10] وكان بخيلا، فاغتنمت [11] ذلك فارتحلت؛ وقد كنت أصبت بجملين، وكانت عدّة أجمالي خمسة عشر فصارت ثلاثة عشر. قال: وسأل عنّي الوليد، فلم يدر القهرمان أين يطلبني؛ فقال
__________
[1] الأعبية: جمع عباء وهو ضرب من الأكسية.
[2] الركوة: إناء صغير من جلد يشرب فيه الماء.
[3] في ب، س: «ركوة لنا فيها لنا شراب».
[4] في ب، س: «من».
[5] في ب، س و«تجريد الأغاني»: «رمسا».
[6] الهام: طير الليل وهو الصدى، واحده هامة.
[7] نسب هذا الشعر في «تجريد الأغاني» لإسماعيل بن يسار.
[8] في ب: «أتأذنوا». وفي س: «أتؤذنوا»، وكلاهما تحريف.
[9] البخراء: أرض وماءة على ميلين من القليعة في طرف الحجاز، وبها قتل الوليد بن يزيد بن عبد الملك. وفي ب، س: «النجراء» (بنون بعدها جيم) وهو تصحيف.
[10] الأنزال: جمع نزل (بضمتين وبضم فسكون) وهو ما هيىء للضيف أن ينزل عليه.
[11] في جميع الأصول: «فاغتم»، ولا يستقيم بها الكلام.
له الوليد: عدّة جماله خمسة عشر جملا فاردده [1] إليّ؛ فلم أوجد، لأنه لم يكن في الرّفقة من معه خمسة عشر جملا، ولم يعرف/ اسمي فيسأل عنّي. قال: وأقامت الجارية عنده شهرا لا يسأل عنها، ثم دعاها بعد أن استبرئت [2] وأصلح من شأنها، فظلّ معها يومه، حتى إذا كان في آخر نهاره قال لها: غنّيني لدحمان فغنّت؛ وقال لها: زيديني فزادت. ثم أقبلت عليه فقالت: يا أمير المؤمنين، أو ما سمعت غناء دحمان منه؟ قالا لا؛ قالت: بلى واللّه؛ قال: أقول لك لا، فتقولين بلى واللّه! فقالت: بلى واللّه لقد سمعته؛ قال: وما ذاك؟ ويحك! قالت: إنّ الرجل الذي اشتريتني منه هو دحمان؛ قال: أو ذلك هو؟ قالت: نعم، هو هو؛ قال: فكيف لم أعلم؟ قالت:
غمزني بألّا أعلمك. فأمر فكتب إلى عامل المدينة بأن يحمل إليه دحمان، فحمل فلم يزل عنده أثيرا [3].
دحمان في مجلس أمير من أمراء المدينة:
أخبرني محمد بن مزيد بن أبي الأزهر قال حدّثنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه قال حدّثنا ابن جامع قال:
/ تذاكروا يوما كبر الأيور بحضرة بعض أمراء المدينة فأطالوا القول؛ ثم قال بعضهم: إنما يكون كبر أير الرجل على قدر حر أمّه؛ فالتفت الأمير إلى دحمان فقال: يا دحمان، كيف أيرك؟ فقال له: أيها الأمير، أنت لم ترد أن تعرف كبر أيري، وإنما أردت أن تعرف مقدار حر أمّي. وكان دحمان طيّبا ظريفا.
ظرفه وفكاهة له مع رجل شتمه:
أخبرني إسماعيل بن يونس قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثني إسحاق قال:
أوّل ما عرف من ظرف دحمان أنّ رجلا مرّ به يوما، فقال له: أير حماري في حر أمّك يا دحيم؛ فلم يفهم ما قاله، وفهمه رجل كان حاضرا معه فضحك؛ فقال: ممّ ضحكت؟ فلم يخبره؛ فقال له: أقسمت عليك إلّا أخبرتني؛ قال: إنه شتمك فلا أحبّ استقبالك بما قاله لك؛ فقال: واللّه لتخبرنّي كائنا ما كان؛ فقال له: قال: كذا وكذا من حماري في حر أمّك؛ فضحك ثم قال: أعجب واللّه وأغلظ عليّ من شتمه كنايتك عن أير حماره وتصريحك بحر أمّي لا تكني.
جعفر بن سليمان أمير المدينة والمغنون:
أخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدّثني أبو خالد يزيد بن محمد المهلّبيّ قال حدّثني إسحاق الموصليّ قال حدّثنا عبد اللّه بن الرّبيع المديني [4] قال حدّثني الرّبعيّ المغنّي قال:
قال لنا جعفر بن سليمان وهو أمير المدينة: اغدوا على قصري بالعقيق غدا؛ وكنت أنا ودحمان وعطرّد، فغدوت للموعد، فبدأت بمنزل دحمان وهو في جهينة [5]، فإذا هو وعطرّد قد اجتمعا على قدر يطبخانها، وإذا السماء تبغش [6]، فأذكرتهما الموعد، فقالا: أما ترى يومنا هذا ما أطيبه! اجلس حتى نأكل من هذه القدر ونصيب
__________
[1] كذا في أكثر الأصول و«تجريد الأغاني». وفي ب، س: «فارددها»، وهو تحريف.
[2] استبراء الرجل الجارية: ألا يمسها بعد ملكها حتى تبرأ رحمها ويتبين حالها أهي حامل أم لا.
[3] كذا في أكثر الأصول. والأثير: المكرم. وفي ب، س: «أسيرا»، وهو تحريف.
[4] في ح: «المدني».
[5] كذا في جميع الأصول. ولعلها محرّفة عن: «جهته» إذ جهينة قرية من نواحي الموصل على دجلة، ويبعد أن تكون هي المرادة هنا.
[6] بغشت السماء تبغش (من باب قطع): أمطرت البغشة وهي المطرة الضعيفة.
شيئا/ ونستمتع من هذا اليوم؛ فقال: ما كنت لأفعل مع ما تقدم الأمير به إليّ؛ فقالا لي: كأنّا بالأمير قد انحلّ عزمه، وأخذك المطر إلى أن تبلغ، ثم ترجع إلينا مبتلّا فتقرع الباب وتعود إلى ما سألناك حينئذ. قال: فلم ألتفت إلى قولهما ومضيت، وإذا جعفر مشرف من قصره والمضارب [1] تضرب والقدور تنصب؛ فلما كنت بحيث يسمع تغنّيت:
وأستصحب الأصحاب حتى إذا ونوا ... وملّوا من الإدلاج جئتكم وحدي
قال: وما ذاك؟ فأخبرته؛ فقال: يا غلام، هات مائتي دينار أو أربعمائة دينار - الشك من إسحاق الموصلي - فانثرها في حجر الرّبعيّ، اذهب الآن فلا تحلّ لها عقدة حتى تريهما إياها؛ فقلت: وما في يدي من ذلك! يأتيانك غدا فتلحقهما بي؛ قال: ما كنت لأفعل؛ قلت:/ فلا أمضي حتى تحلف لي أنك لا تفعل، فحلف. فمضيت إليهما، فقرعت الباب فصاحا وقالا: ألم نقل لك إن هذه تكون حالك؛ فقلت: كلّا! فأريتهما الدنانير؛ فقالا: إنّ الأمير لحيّ كريم، ونأتيه غدا فنعتذر إليه فيدعوه كرمه إلى أن يلحقنا بك؛ فقلت: كذبتكما أنفسكما، واللّه إني قد أحكمت الأمر ووكّدت عليه الأيمان ألّا يفعل؛ فقالا: لا وصلتك رحم.
غنى هو وابن جندب بالعقيق:
أخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد عن أبيه عن منصور بن أبي مزاحم قال أخبرني عبد العزيز بن الماجشون قال:
صلّينا يوما الصبح بالمدينة، فقال قوم: قد سال العقيق، فخرجنا من المسجد مبادرين إلى العقيق، فانتهينا إلى العرصة [2]، فإذا من وراء الوادي قبالتنا دحمان المعيّ وابن جندب مع طلوع الشمس قد تماسكا بينهما صوتا وهو [3]:
/أسكن البدو ما سكنت ببدو ... فإذا ما حضرت طاب الحضور
وإذا أطيب صوت في الدنيا. قال: وكان أخي يكره السّماع؛ فلمّا سمعه طرب طربا شديدا وتحرّك؛ وكان لغناء دحمان أشدّ استحسانا وحركة وارتياحا؛ فقال لي: يا أخي، اسمع إلى غناء دحمان، واللّه لكأنّه يسكب على الماء زيتا.
نسبة هذا الصوت
صوت
أوحش الجنبذان [4] فالدّير منها ... فقراها فالمنزل المحظور
أسكن البدو ما أقمت ببدو ... فإذا ما حضرت طاب الحضور
__________
[1] المضارب: جمع مضرب وهو الفسطاط العظيم.
[2] العرصة (بالفتح): بقعة بين الدور واسعة ليس فيها بناء. وبالعقيق عرصتان من أفضل بقاع المدينة وأكرم أصقاعها. ذكر محمد بن عبد العزيز الزهري عن أبيه أن بني أمية كانوا يمنعون البناء في عرصة العقيق ضنا بها، وأن والي المدينة لم يكن يقطع بها قطيعة إلا بأمر الخليفة.
[3] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «و هو قوله».
[4] الجنبذ معرب كنبذ بالفارسية، ومعناه: الأزج المدوّر كالقبة. والشاعر هنا يريد به مكانا بعينه.
أيّ عيش ألذّه لست فيه ... أو ترى نعمة به وسرور
الشعر لحسّان بن ثابت. والغناء لابن مسجح رمل مطلق في مجرى البنصر عن إسحاق.
دحمان والفضل بن يحيى:
أخبرنا محمد بن خلف بن المرزبان قال حدّثني أحمد بن عبد الرحمن عن أبي عثمان البصري قال:
قال دحمان: دخلت على الفضل بن يحيى ذات يوم؛ فلما جلسنا، قام وأومأ إليّ فقمت، فأخذ بيدي ومضى بي إلى منظرة له على الطريق، ودعا بالطعام فأكلنا، ثم صرنا إلى الشراب؛ فبينا نحن كذلك إذ مرّت بنا جارية سوداء حجازيّة تغنّي:
اهجريني أو صليني ... كيفما شئت فكوني
أنت واللّه تحبّي ... ني وإن لم تخبريني
/ فطرب وقال: أحسنت! ادخلي فدخلت، فأمر بطعام فقدّم إليها فأكلت، وسقاها أقداحا، وسألها عن مواليها فأخبرته؛ فبعث فاشترها، فوجدها من أحسن الناس غناء وأطيبهم صوتا وأملحهم [1] طبعا؛ فغلبتني عليه مدّة وتناساني؛ فكتبت إليه:
أخرجت السّوداء ما كان في ... قلبك لي من شدّة الحبّ
فإن يدم ذا منك لا دام لي ... متّ من الإعراض والكرب
قال: فلمّا قرأ الرّقعة ضحك، وبعث فدعاني ووصلني، وعاد إلى ما كان عليه من الأنس.
قال/ مؤلف هذا الكتاب: هكذا أخبرنا ابن المرزبان بهذا الخبر، وأظنّه غلطا؛ لأنّ دحمان لم يدرك خلافة الرشيد، وإنما أدركها ابناه زبير وعبد اللّه؛ فإما أن يكون الخبر لأحدهما أو يكون لدحمان مع غير الفضل بن يحيى.
[و مما في المائة المختارة من صنعة دحمان]
[2]
صوت من المائة المختارة من رواية علي بن يحيى
وإنّي لآتي البيت ما إن أحبّه ... وأكثر هجر البيت وهو حبيب
وأغضي على أشياء منكم تسوءني ... وأدعى إلى ما سرّكم فأجيب
وأحبس عنك النّفس والنفس صبّة ... بقربك والممشى إليك قريب
الشعر للأحوص. والغناء لدحمان ثقيل أوّل. وقد تقدّمت أخبار الأحوص ودحمان فيما مضى من الكتاب.
__________
[1] كذا في ب، س. وفي سائر الأصول: «و أصلحهم».
[2] هذه العبارة المحصورة بين قوسين ساقطة في ب، س.
صوت من المائة المختارة
حيّيا خولة منّي بالسلام ... درّة البحر ومصباح الظلام
لا يكن وعدك برقا خلّبا ... كاذبا يلمع في عرض الغمام
واذكري الوعد الذي واعدتنا ... ليلة النصف من الشّهر الحرام
الشعر لأعشى همّدان. والغناء لأحمد النّصبيّ، ولحنه المختار من القدر الأوسط من الثقيل الأوّل بإطلاق الوتر في مجرى البنصر. وعروضه من الرّمل. والخلّب من البرق: الذي لا غيث معه ولا ينتفع بسحابه. وتضرب المثل به العرب لمن أخلف وعده؛ قال الشاعر:
لا يكن وعدك برقا خلّبا ... إنّ خير البرق ما الغيث معه
وعرض السحابة: الناحية منها.
4 - أخبار أعشى همدان ونسبه
نسبه وكنيته وهو شاعر أموي:
اسمه عبد الرحمن بن عبد اللّه بن الحارث بن نظام بن جشم بن عمرو بن الحارث بن مالك بن عبد الحرّ [1] بن جشم بن حاشد [2] بن جشم بن خيران [3] بن نوف بن همدان بن مالك بن زيد بن نزار بن أوسلة [4] بن ربيعة بن الخيار بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان، ويكنى أبا المصبّح، شاعر فصيح، كوفيّ، من شعراء الدولة الأموية. وكان زوج أخت الشّعبيّ الفقيه، والشعبيّ زوج أخته. وكان أحد الفقهاء القرّاء، ثم ترك ذلك وقال الشعر، وآخى أحمد النّصبي [5] بالعشيريّة [6] والبلديّة، فكان إذا قال شعرا غنّى فيه أحمد. وخرج مع ابن الأشعث، فأتي به الحجّاج أسيرا في الأسرى، فقتله صبرا.
قص رؤياه على صهره الشعبي فقال له تترك القرآن وتقول الشعر:
أخبرني [7] بما أذكره من جملة أخباره الحسن بن عليّ الخفّاف قال حدّثنا الحسن بن عليل العنزيّ عن محمد بن معاوية الأسدي أنه أخذ أخباره هذه/ عن/ ابن كناسة عن الهيثم بن عديّ عن حمّاد الراوية وعن غيرهم من رواة الكوفيين. قال حدّثنا عمر بن شبّة وأبو هفّان جميعا عن إسحاق الموصليّ عن الهيثم بن عديّ عن عبد اللّه بن عيّاش الهمدانيّ. قال العنزيّ: وأخذت بعضها من رواية مسعود بن بشر عن الأصمعي. وما كان من غير رواية هؤلاء ذكرته مفردا.
أخبرني المهلّبي أبو أحمد حبيب بن نصر وعليّ بن صالح قالا حدّثنا عمر بن شبّة وأبو هفّان جميعا عن إسحاق الموصلي عن الهيثم بن عديّ عن عبد اللّه بن عيّاش الهمداني قال:
__________
[1] في «تجريد الأغاني»: «ابن عبد الجن».
[2] كذا في ح وكتاب «الاشتقاق» و «تجريد الأغاني». وفي سائر الأصول: «حاشر»، وهو تحريف.
[3] في «شرح القاموس» (مادة خير): «قال شيخ الشرف النسابة: هو خيوان بالواو فصحف».
[4] في ب، س: «واسلة». وفي سائر الأصول: «سلمة». والتصويب عن كتاب «تجريد الأغاني» و «القاموس» وكتاب «الاشتقاق».
وضبط شارح القاموس «أوسلة» (بكسر السين). ويلاحظ أن صاحب كتاب «الاشتقاق» ذكر أن الخيار بن مالك ولد أوسلة وهو همدان، ثم ولد همدان نوفا وخيران ولذلك تجده أسقط ما بين همدان وأوسلة من أسماء. وفي «القاموس» أيضا: «و أوسلة هي همدان». (راجع كتاب «الاشتقاق» ص 250 طبع مدينة ليبزج).
[5] في الأصول هنا وفيما يأتي: «النصيبي». وهو تحريف. (راجع الهامشه رقم 6 ص 344 ج 5 من هذه الطبعة).
[6] العشيرية: نسبة إلى العشير أو العشيرة وهم رهط الرجل وقبيلته. وسيأتي في ترجمة أحمد النصيبي أنه همداني وأنه من رهط الأعشى الأدنين.
[7] يلاحظ في هذا السند أن الضمائر فيه غير واضحة المراجع.
كان الشّعبيّ عامر بن شراحيل زوج أخت أعشى همدان، وكان أعشى همدان زوج أخت الشعبي؛ فأتاه أعشى همدان يوما، وكان أحد القرّاء للقرآن، فقال له: إني رأيت كأني أدخلت بيتا فيه حنطة وشعير، وقيل لي: خذ أيّهما شئت، فأخذت الشّعير؛ فقال: إن صدقت رؤياك تركت القرآن وقراءته وقلت الشعر؛ فكان كما قال:
سر في الديلم أحبته ابنة الأمير هربت معه وشعره في ذلك:
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا الحسن بن عليل العنزيّ عن محمد بن معاوية الأسدي عن ابن كناسة، قال العنزي وحدّثني مسعود بن بشر عن أبي عبيدة والأصمعي قالا، رافق [1] روايتهم الهيثم بن عديّ عن حمّاد الراوية قال:
كان أعشى همدان أبو المصبّح ممن أغزاه الحجّاج بلد الدّيلم ونواحي دستبي [2]، فأسر، فلم يزل أسيرا في أيدي الديلم مدّة. ثم إن بنتا للعلج الذي أسره هويته،/ وصارت إليه ليلا فمكّنته من نفسها، فأصبح وقد واقعها ثماني مرّات؛ فقالت له الديلمية: يا معشر المسلمين، أهكذا تفعلون بنسائكم؟ فقال لها: هكذا نفعل كلّنا؛ فقالت له: بهذا العمل نصرتم؛ أفرأيت إن خلّصتك، أتصطفيني لنفسك؟ فقال لها نعم، وعاهدها. فلما كان الليل حلّت قيوده وأخذت به طرقا تعرفها حتى خلّصته وهربت معه. فقال شاعر من أسرى المسلمين:
فمن كان يفديه من الأسر ماله ... فهمدان تفديها الغداة أيورها
وقال الأعشى يذكر ما لحقه من أسر الديلم:
صوت
لمن الظّعائن سيرهنّ ترجّف [3] ... عوم السّفين إذا تقاعس مجذف [4]
مرّت بذي خشب [5] كأنّ حمولها ... نخل بيثرب طلعه متضعّف [6]
- غنّى في هذين البيتين أحمد النّصبي، ولحنه خفيف ثقيل مطلق في مجرى البنصر عن عمرو وابن المكيّ.
وفيهما لمحمد الزّفّ خفيف رمل بالوسطى عن عمرو - :
عولين ديباجا وفاخر سندس ... وبخزّ أكسية العراق تحفّف
__________
[1] كذا في الأصول. ولعل صواب العبارة: «و وافق روايتهما الهيثم بن عدي ... إلخ».
[2] دستبي (بفتح أوّله وسكون ثانيه وفتح التاء المثناة من فوق والباء الموحدة): كورة كانت مقسومة بين الري وهمذان، فقسم منها يسمى دستبي الرازيّ وهو يقارب التسعين قرية، وقسم منها يسمى دستبي همذان وهو عدّة قرى. وربما أضيف إلى قزوين في بعض الأوقات لاتصاله بعملها. ولم تزل دستبي على قسميها إلى أن سعى رجل من سكان قزوين من بني تميم له حنظلة بن خالد فصيرها بقسميها إلى قزوين.
[3] الترجف: الاضطراب الشديد.
[4] كذا في ب، س. وفي سائر الأصول: «تجذف».
[5] ذو خشب (بضم الخاء والشين): واد على مسيرة ليلة من المدينة. وقد ذكر كثيرا في الشعر والمغازي. قال بعض بني مرة يصف ناقته:
فمرّت بذي خشب غدوة ... وجازت فويق أريك أصيلا
(راجع «معجم البلدان» وكتاب «ما يعوّل عليه في المضاف والمضاف إليه»).
[6] كذا في «تجريد الأغاني»، والرواية فيه: «حمله متضعف». وفي ب، س: «متعصف». وفي سائر الأصول: «متعطف».
وغدت بهم يوم الفراق عرامس [1] ... فتل المرافق بالهوادج دلّف [2]
/بان الخليط وفاتني برحيله ... خود إذا ذكرت لقلبك يشغف
تجلو بمسواك الأراك منظّما ... عذبا إذا ضحكت تهلّل ينطف
وكأنّ ريقتها على علل الكرى ... عسل مصفّى في القلال وقرقف [3]
وكأنما نظرت بعيني ظبية ... تحنو على خشف لها وتعطّف
/ وإذا تنوء [4] إلى القيام تدافعت ... مثل النّزيف [5] ينوء ثمّت يضعف
ثقلت روادفها ومال بخصرها ... كفل كما مال النّقا المتقصّف
ولها ذراعا بكر رحبيّة ... ولها بنان بالخضاب مطرّف [6]
وعوارض مصقولة وترائب ... بيض وبطن كالسّبيكة مخطف [7]
ولها بهاء في النساء وبهجة ... وبها تحلّ الشمس حين تشرّف
تلك التي كانت هواي وحاجتي ... لو أن دارا بالأحبّة تسعف
وإذا تصبك من الحوادث نكبة ... فاصبر فكل مصيبة ستكشّف
ولئن بكيت من الفراق صبابة ... إنّ الكبير إذا بكى ليعنّف
عجبا من الأيام كيف تصرّفت ... والدار تدنو مرّة وتقذّف
أصبحت رهنا للعداة مكبّلا ... أمسي وأصبح في الأداهم أرسف
بين القليسم فالقيول فحامن ... فاللهزمين ومضجعي متكنّف
- هذه أسماء مواضع من بلد الديلم تكنّفته الهموم بها - :
فجبال ويمة ما تزال منيفة ... يا ليت أنّ جبال ويمة تنسف
- ويمة وشلبة: ناحيتان من نواحي الريّ - :
/و لقد أراني قبل ذلك ناعما ... جذلان آبى أن أضام وآنف
واستنكرت ساقي الوثاق وساعدي ... وأنا امرؤ بادي الأشاجع أعجف [8]
ولقد تضرّسني الحروب وإنني ... ألفى بكلّ مخافة أتعسّف
__________
[1] العرامس: جمع عرمس (كزبرج) وهي الناقة الصلبة.
[2] قتل المرافق: مندمجاتها. والواحد أفتل وفتلاء، وصف من الفتلة (بالتحريك) وهي اندماج مرفق الناقة. ودلف: جمع دالف وهو الماشي بالحمل الثقيل مقاربا للخطو.
[3] القلال: جمع قلة وهي الجرة العظيمة أو عامة، وقيل الكوز الصغير. والقرقف: الخمر.
[4] تنوء: تنهض بجهد ومشقة.
[5] النزيف: السكران، ومن ذهب عقله، والذي سال دمه حتى يفرط فيضعف.
[6] طرّفت المرأة بنانها: خضبت أطراف أصابعها بالحناء.
[7] مخطف: ضامر.
[8] الأشاجع: أصول الأصابع أو عروق الكف. وأعجف: قليل اللحم.
أتسربل الليل البهيم وأستري ... في الخبت إذ لا يسترون [1] وأوجف
ما إن أزال مقنّعا أو حاسرا ... سلف [2] الكتيبة والكتيبة وقّف
فأصابني قوم فكنت أصيبهم ... فالآن أصبر للزمان وأعرف
إني لطلّاب التّرات مطلّب ... وبكل أسباب المنيّة أشرف
باق على الحدثان غير مكذّب ... لا كاسف بالي ولا متأسّف
إن نلت لم أفرح بشيء نلته ... وإذا سبقت به فلا أتلهّف
إني لأحمي في المضيق فوارسي ... وأكرّ خلف المستضاف [3] وأعطف
وأشدّ إذ يكبو [4] الجبان [5] وأصطلي ... حرّ الأسنّة والأسنّة ترعف
صوت
فلئن أصابتني الحروب فربّما ... أدعى إذا منع الرّداف فأردف
ولربّما يروى بكفّي لهذم ... ماض ومطّرد الكعوب مثقّف [6]
وأغير غارات وأشهد مشهدا ... قلب الجبان به يطير ويرجف
وأرى مغانم لو أشاء حويتها ... فيصدّني عنها غنّى وتعفّف
/ - غنّى في هذه الأبيات دحمان، ولحنه ثقيل أوّل بالبنصر عن الهشاميّ. قال الهشاميّ: فيها/ لمالك خفيف ثقيل أوّل بالوسطى، ووافقه في هذا ابن المكيّ - قالوا جميعا:
خرج مع جيش الحجاج إلى مكران فمرض وقال شعرا:
ثم ضرب البعث على جيش أهل الكوفة إلى مكران [7]، فأخرجه الحجّاج معهم، فخرج إليها وطال مقامه بها ومرض، فاجتواها وقال في ذلك - وأنشدني بعض هذه القصيدة اليزيديّ عن سليمان بن أبي شيخ - :
طلبت الصّبا إذ علا المكبر ... وشاب القذال [8] وما تقصر
وبان الشباب ولذاتّه ... ومثلك في الجهل لا يعذر
__________
[1] في ب، س:
«و أشتدي ... لا يشتدون»
وفي سائر الأصول: «و أستدي»، وكلاهما تحريف. واسترى بمعنى سرى.
[2] السلف: المتقدّم.
[3] المستضاف: من يفزع إليه غيره ويلتجىء به، يريد به الكميّ الشجاع.
[4] في ح و «تجريد الأغاني»: «ينبو».
[5] كذا في أكثر الأصول و «تجريد الأغاني». وفي ب، س: «الجواد».
[6] مطرد الكعوب: الرمح، واطراد كعوبه: تتابعها. والمثقف: المقوّم المسوّى.
[7] مكران (بالضم ثم السكون وأكثر ما تجيء في شعر العرب مشدّدة الكاف مفتوحتها): ولاية واسعة تشتمل على عدة مدن وقرى وهي بين كرمان من غربيها وسجستان شماليها والبحر جنوبيها والهند في شرقيها. وقال الإصطخري: هي ناحية واسعة عريسة والغالب عليها المفاوز والضر والقحط. (راجع «معجم البلدان»).
[8] القذال: جماع مؤخر الرأس، وقيل: ما بين نقرة القفا إلى الأذن.
وقال العواذل هل ينتهي ... فيقدعه [1] الشيب أو يقصر
وفي أربعين توفّيتها ... وعشر مضت لي مستبصر
وموعظة لامرىء حازم ... إذا كان يسمع أو يبصر
فلا تأسفنّ على ما مضى ... ولا يحزننّك ما يدبر
فإنّ الحوادث تبلي الفتى ... وإنّ الزمان به يعثر
فيوما يساء بما نابه ... ويوما يسرّ فيسبشر
ومن كلّ ذلك يلقى الفتى ... ويمنى له منه ما يقدر
/ كأنّي لم أرتحل جسرة ... ولم أجفها بعد ما تضمر [2]
فأجشمها كلّ ديمومة [3] ... ويعرفها البلد المقفر
ولم أشهد البأس يوم الوغى ... عليّ المفاضة والمغفر [4]
ولم أخرق الصفّ حتى تمي ... ل دارعة [5] القوم والحسّر
وتحتى جرداء خيفانة ... من الخيل أو سابح مجفر [6]
أطاعن بالرمح حتى اللّبا ... ن [7] يجري به العلق الأحمر
وما كنت في الحرب إذ شمّرت ... كمن لا يذيب ولا يخثر [8]
ولكنّني كنت ذا مرّة ... عطوفا إذا هتف المحجر [9]
أجيب الصّريخ إذا ما دعا ... وعند الهياج أنا المسعر [10]
فإن أمس قد لاح فيّ المشي ... ب أمّ البنين، فقد أذكر
رخاء من العيش كنّا به ... إذ الدهر خال لنا مصحر [11]
وإذ أنا في عنفوان الشبا ... ب يعجبني اللّهو والسّمّر
__________
[1] يقدعه: يكفه.
[2] ارتحل الرجل البعير: شد عليه الرحل. والجسرة: الناقة العظيمة الطويلة. وأجفاها: أتعبها ولم يدعها تأكل ولا علفها قبل ذلك، وذلك إذا ساقها سوقا شديدا.
[3] الديمومة: الفلاة الواسعة.
[4] المفاضة: الدرع الواسعة. والمعفر: زرد ينسج على قدر الرأس يلبس تحت القلنسوة للوقاية به.
[5] دارعة القوم: الفرقة اللابسة الدروع.
[6] الجرداء: القصيرة الشعر. والخيفانة: السريعة. والمجفر: الواسع الجفرة أي الوسط.
[7] اللبان: الصدر أو وسطه.
[8] لا يذيب ولا يخثر: أي متردد متحير، مأخوذ من المثل: «و ما يدري أيخثر أم يذيب». وأصله أن المرأة تسلأ السمن فيختلط خاثره - أي غليظه - برقيقه فلا يصفو؛ فتبرم بأمرها فلا تدري أتوقد حتى يصفو وتخشى إن أوقدت أن يحترق فتحار.
[9] المحجر (كمجلس ومنبر): لعله يريد به هنا ما حول القرية. ومنه محاجر أقيال اليمن وهي الأحماء، كان لكل قيل حمى لا يرعاه غيره؛ على أن يكون المعنى إذا هتف أهل المحجر.
[10] المسعر: موقد نار الحرب كأنه آلة في إيقادها.
[11] المصحر: المتسع الواضح المنكشف.
/
أصيد الحسان ويصطدنني ... وتعجبني الكاعب المعصر [1]
وبيضاء مثل مهاة الكثي ... ب لا عيب فيها لمن ينظر
كأن مقلّدها إذ بدا ... به الدّرّ والشّذر [2] والجوهر
مقلّد أدماء نجديّة ... يعنّ لها شادن أحور [3]
كأنّ جنى النحل والزنجبي ... ل والفارسيّة [4] إذ تعصر
يصبّ على برد أنيابها ... مخالطه المسك والعنبر
/ إذا انصرفت وتلوّت بها ... رقاق المجاسد [5] والمئزر
وغصّ السّوار وجال الوشاح ... على عكن [6] خصرها مضمر
وضاق عن الساق خلخالها ... فكاد مخدّمها يندر [7]
فتور القيام رخيم الكلا ... م يفزعها الصوت إذ تزجر
وتنمى إلى حسب شامخ ... فليست تكذّب إذ تفخر
فتلك التي شفّني حبّها ... وحمّلني فوق ما أقدر
فلا تعذلاني في حبّها ... فإنّي بمعذرة أجدر
- ومن هاهنا رواية اليزيديّ - :
وقولا لذي طرب عاشق: ... أشطّ المزار بمن تذكر؟
بكوفيّة أصلها بالفرا ... ت تبدو هنالك أو تحضر [8]
/و أنت تسير إلى مكّران ... فقد شحط الورد والمصدر
ولم تك من حاجتي مكّران ... ولا الغزو فيها ولا المتجر
وخبّرت عنها ولم آتها ... فما زلت من ذكرها أذعر
بأنّ الكثير بها جائع ... وأنّ القليل بها مقتر
وأنّ لحى الناس من حرّها ... تطول فتجلم [9] أو تضفر
__________
[1] المعصر من النساء: التي بلغت شبابها أو أدركت؛ وقيل: التي راهقت العشرين.
[2] الشذر: اللؤلؤ الصغير؛ وقيل: خرز يفصل به بين الجواهر في النظم؛ أو هو قطع من الذهب تلقط من معدنه بدون إذابة الحجارة.
[3] الأدماء من الظباء: البيضاء تعلوها جدد فيهن غبرة. والشادن: ولد الظبية.
[4] الفارسية: الخمر.
[5] المجاسد: الأثواب التي تلي البدن، جمع مجسد (كمنبر).
[6] العكن: جمع عكنة، وهي ما انطوى وتثني من لحم البطن سمنا.
[7] المخدم: موضع الخلخال. وندر الشيء يندر ندورا (من باب نصر): سقط، وفي الحديث: «فضرب رأسه فندر».
[8] بدا: أقام بالبادية. وحضر: أقام بالحضر.
[9] تجلم: تقطع بالجلم، وهو المقص.
ويزعم من جاءها قبلنا ... بأنّا سنسهم [1] أو ننحر [2]
أعوذ بربّي من المخزيا ... ت فيما أسرّو ما أجهر
وحدّثت أن مالنا رجعة ... سنين ومن بعدها أشهر
إلى ذاك ما شاب أبناؤنا ... وباد الأخلّاء والمعشر
وما كان بي من نشاط لها ... وإنّي لذو عدّة موسر
ولكن بعثت لها كارها ... وقيل انطلق كالذي يؤمر
فكان النّجاء [3] ولم ألتفت ... إليهم وشرّهم منكر
هو السيف جرّد من غمده ... فليس عن السيف مستأخر
وكم من أخ لي مستأنس ... يظلّ به الدمع يستحسر
يودّعني وانتحت عبرة ... له كالجداول أو أغزر
فلست بلاقيه من بعدها ... يد الدهر [4] ما هبّت الصّرصر
وقد قيل إنكم عابرو ... ن بحرا لها لم يكن يعبر
إلى السّند والهند في أرضهم ... هم الجنّ لكنّهم أنكر
/ وما رام غزوا لها قبلنا ... أكابر عاد ولا حمير
ولا رام سابور غزوا لها ... ولا الشيخ كسرى ولا قيصر
ومن دونها معبر واسع ... وأجر عظيم لمن يؤجر
قصته مع جارية خالد بن عتاب الرياحي:
وذكر محمد بن صالح بن النّطّاح أنّ هشام بن محمد الكلبيّ حدّث عن أبيه:
أن أعشى همدان كان مع خالد بن عتّاب بن ورقاء الرّياحيّ بالرّيّ ودستبي [9]، وكان الأعشى شاعر أهل اليمن بالكوفة وفارسهم، فلما قدم خالد من مغزاه خرج جواريه يتلقّينه وفيهنّ أمّ ولد له كانت رفيعة القدر عنده، فجعل الناس يمرّون عليها إلى أن جاز بها الأعشى وهو على فرسه يميل يمينا ويسارا من النّعاس؛ فقالت أمّ ولد خالد بن عتّاب لجواريها: إن امرأة خالد لتفاخرني بأبيها وعمّها وأخيها، وهل يزيدون على أن يكونوا مثل هذا الشيخ المرتعش. وسمعها الأعشى فقال: من هذه؟ فقال له بعض الناس: هذه جارية خالد؛ فضحك وقال لها: إليك عني يا لكعاء؛ ثم أنشأ يقول:
__________
[1] سهم الرجل (من بابي قطع وكرم) سهوما وسهومة: تغير لونه وبدنه مع هزال ويبس.
[2] كذا بالأصل. ولعلها مصحفة عن: «ننجر» (بالجيم المعجمة). ونجر الرجل ينجر (من باب علم): أصابه عطش شديد.
[3] النجاء: السرعة في السير.
[4] يد الدهر: كناية عن الأبد. يقال: لا أفعل كذا يد الدهر، أي أبدا.
[5] انظر الحاشية رقم 2 ص 34 من هذا الجزء.
وما يدريك ما فرس جرور [1] ... وما يدريك ما حمل السّلاح
وما يدريك ما شيخ كبير ... عداه الدهر عن سنن المراح
فأقسم لو ركبت الورد يوما ... وليلته إلى وضح الصّباح
إذا لنظرت منك إلى مكان ... كسحق [2] البرد أو أثر الجراح
قال: فأصبحت الجارية فدخلت إلى خالد فشكت إليه الأعشى؛ فقالت: واللّه ما تكرم، ولقد اجترىء عليك [3]! فقال لها: وما ذاك؟ فأخبرته أنها مرّت برجل في وجه الصبح، ووصفته له وأنه سبّها؛ فقال: ذلك أعشى همدان؛ فأيّ شيء قال لك؟ / فأنشدته الأبيات. فبعث إلى الأعشى، فلما دخل عليه قال له: ما تقول؟ هذه زعمت أنك هجوتها؛ فقال: أساءت سمعا، إنما قلت:
مررت بنسوة متعطّرات ... كضوء الصبح أو بيض الأداحي [4]
على شقر البغال فصدن قلبي ... بحسن الدّلّ والحدق الملاح
فقلت من الظباء فقلن سرب ... بدا لك من ظباء بني رياح
فقالت: لا واللّه، ما هكذا قال، وأعادت الأبيات؛ فقال له خالد: أما إنّها لو لا أنّها قد ولدت منّي لو هبتها لك، ولكنّي أفتدي جنايتها بمثل ثمنها، فدفعه إليه وقال له: أقسمت عليك يا أبا المصبّح ألّا تعيد في هذا المعنى شيئا بعد ما فرط منك.
وذكر هذا الخبر العنزيّ في روايته التي قدّمت ذكرها، ولم يأت به على هذا الشرح.
خبره مع خالد بن عتاب بن ورقاء الرياحي:
وقال هو وابن النّطّاح جميعا:
وكان خالد يقول للأعشى في بعض ما يمنّيه إيّاه ويعده به: إن ولّيت عملا كان لك ما دون الناس جميعا، فمتى استعملت فخذ خاتمي واقض في أمور الناس كيف شئت. قال: فاستعمل خالد على أصبهان وصار معه الأعشى، فلما وصل إلى عمله جفاه وتناساه، ففارقه الأعشى ورجع إلى الكوفة وقال فيه:
تمنّيني إمارتها تميم ... وما أمّي بأمّ بني تميم
وكان أبو سليمان أخا لي ... ولكنّ الشّراك [5] من الأديم
أتينا أصبهان فهزّلتنا ... وكنّا قبل ذلك في نعيم
/ أتذكرنا ومرّة إذ غزونا ... وأنت على بغيلك ذي الوشوم
/ ويركب رأسه في كل وحل ... ويعثر في الطريق المستقيم
__________
[1] الفرس الجرور: الذي لا ينقاد ولا يكاد يتبع صاحبه.
[2] السحق: الثوب البالي، ويضاف للبيان فيقال: سحق برد وسحق عمامة.
[3] في ب، س: « ... ولقد اجترأ».
[4] الأداحي: جمع أدحية وهي مبيض النعام في الرمل.
[5] الشراك: أحد سيور النعل التي تكون على وجهها.
وليس عليك إلا طيلسان ... نصيبيّ وإلّا سحق نيم [1]
فقد أصبحت في خزّ وقزّ ... تبختر ما ترى لك من حميم
وتحسب أن تلقّاها زمانا ... كذبت وربّ مكة والحطيم
- هذه رواية ابن النطّاح، وزاد العنزيّ في روايته - :
وكانت أصبهان كخير أرض ... لمغترب وصعلوك عديم
ولكنّا أتيناها وفيها ... ذو والأضغان والحقد القديم
فأنكرت الوجوه وأنكرتني ... وجوه ما تخبّر عن كريم
وكان سفاهة منّي وجهلا ... مسيري لا أسير إلى حميم
فلو كان ابن عتاب كريما ... سما لرواية [2] الأمر الجسيم
وكيف رجاء من غلبت عليه ... تنائي الدار كالرّحم العقيم
قال ابن النّطاح: فبعث إليه خالد: من مرّة هذا الذي ادعيت أني وأنت غزونا معه على بغل ذي وشوم؟ ومتى كان ذلك؟ ومتى رأيت عليّ الطّيلسان والنّيم اللذين وصفتهما؟ فأرسل إليه: هذا كلام أردت [3] وصفك بظاهره، فأمّا تفسيره، فإن مرّة مرارة ثمرة ما غرست عندي من القبيح. والبغل المركب الذي ارتكبته مني لا يزال يعثر بك في كل وعث وجدد ووعر وسهل. وأما الطيلسان فما ألبسك إياه من العار والذمّ؛ وإن شئت راجعت الجميل فراجعته لك؛ فقال: لا، بل أراجع الجميل وتراجعه؛ فوصله بمال عظيم وترضّاه. هكذا روى من قدّمت ذكره.
/ أخبرني هاشم بن محمد الخزاعيّ قال حدّثنا الرّياشيّ قال حدّثنا الأصمعي قال:
لما ولي خالد بن عتّاب بن ورقاء أصبهان، خرج إليه أعشى همدان، وكان صديقه وجاره بالكوفة، فلم يجد عنده ما يحبّ؛ وأعطى خالد الناس عطايا فجعله في أقلّها وفضّل عليه آل عطارد؛ فبلغه عنه أنه ذمّه فحبسه مدّة ثم أطلقه؛ فقال يهجوه:
وما كنت ممن ألجأته خصاصة ... إليك ولا ممن تغرّ المواعد
ولكنّها الأطماع وهي مذلّة ... دنت بي وأنت النازح المتباعد
أتحبسني في غير شيء وتارة ... تلاحظني شزرا وأنفك عاقد [4]
فإنك لا كابني فزارة فاعلمن ... خلقت ولم يشبههما لك والد
ولا مدرك ما قد خلا من نداهما ... أبوك ولا حوضيهما أنت وارد
وإنك لو ساميت آل عطارد ... لبذّتك أعناق لهم وسواعد
ومأثرة عاديّة لن تنالها ... وبيت رفيع لم تخنه القواعد
__________
[1] النيم: الفرو، أو هو ثوب ينام فيه من القطيفة.
[2] كذا في الأصول. ولعلها: «لذؤابة الأمر الجسيم». وذؤابة الشي ء: أعلاه. وتستعار للعز والشرف وعلو الرتبة.
[3] في ح: «وضعك».
[4] يريد أنه غضبان معرض عنه.
وهل أنت إلا ثعلب في ديارهم ... تشلّ [1] - فتعسا - أو يقودك قائد
أرى خالدا يختال مشيا كأنه ... من الكبرياء نهشل أو عطارد [2]
/و ما كان يربوع شبيها لدارم ... وما عدلت شمس النهار الفراقد
مدح ابن الأشعث وحرّض أهل الكوفة للقتال معه ضد الحجاج:
قالوا: ولما خرج ابن الأشعث على الحجّاج بن يوسف حشد معه أهل الكوفة، فلم يبق من وجوههم وقرّائهم أحد له نباهة إلّا خرج معه لثقل وطأة الحجّاج عليهم. فكان عامر الشّعبيّ وأعشى همدان ممّن خرج معه، وخرج أحمد النّصبي [3] أبو أسامة/ الهمداني المغنّي مع الأعشى لالفته إياه، وجعل الأعشى يقول الشعر في ابن الأشعث يمدحه، ولا يزال يحرّض أهل الكوفة بأشعاره على القتال، وكان مما قاله في ابن الأشعث يمدحه:
يأبى الإله وعزة ابن محمد ... وجدود ملك قبل آل ثمود
أن تأنسوا بمذمّمين، عروقهم ... في الناس إن نسبوا عروق عبيد
كم من أب لك كان يعقد تاجه ... بجبين أبلج مقول صنديد
وإذا سألت: المجد أين محلّه ... فالمجد بين محمد وسعيد
بين الأشجّ وبين قيس باذخ ... بخ بخ لوالده وللمولود
ما قصّرت بك أن تنال مدى العلا ... أخلاق مكرمة وإرث جدود
قرم [4] إذا سامى القروم ترى له ... أعراق مجد طارف وتليد
وإذا دعا لعظيمة حشدت له ... همدان تحت لوائه المعقود
يمشون في حلق الحديد كأنهم ... أسد الإباء سمعن زأر أسود
وإذا دعوت بآل كندة أجفلوا ... بكهول صدق سيّد ومسود
وشباب مأسدة كأنّ سيوفهم ... في كلّ ملحمة بروق رعود
ما إن ترى قيسا يقارب قيسكم ... في المكرمات ولا ترى كسعيد
طلب من ابن الأشعث في سجستان زيادة عطائه فردّه فقال شعرا:
وقال حمّاد الراوية في خبره: كانت لأعشى همدان مع ابن الأشعث مواقف محمودة وبلاء حسن وآثار مشهورة؛ وكان الأعشى من أخواله، لأن أمّ عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث أمّ عمرو بنت سعيد بن قيس الهمداني. قال: فلما صار ابن الأشعث إلى سجستان جبى مالا كثيرا، فسأله أعشى همدان أن يعطيه منه زيادة على عطائه فمنعه؛ فقال الأعشى في ذلك:
__________
[1] تشل: تطرد.
[2] نهشل وعطارد: قبيلتان من العرب ينتسبان إلى دارم بن مالك بن حنظلة. وخالد - المقصود في الشعر هنا - من رياح ورياح من دارم.
[3] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «النصيبي» وهو تحريف.
[4] القرم: السيد العظيم.
/
هل تعرف الدار عفا رسمها ... بالحضر [1] فالروضة من آمد [2]
دار لخود طفلة رودة ... بانت فأمسى حبّها عامدي [3]
بيضاء مثل الشمس رقراقة ... تبسم عن ذي أشر [4] بارد
لم يخط [5] قلبي سهمها إذ رمت ... يا عجبا من سهمها القاصد
يأيها القرم الهجان [6] الذي ... يبطش بطش الأسد اللّابد
والفاعل الفعل الشريف الذي ... ينمى إلى الغائب والشاهد
كم قد أسدّي لك من مدحة ... تروى مع الصادر والوارد
وكم أجبنا لك من دعوة ... فاعرف فما العارف كالجاحد
نحن حميناك وما تحتمي ... في الرّوع من مثنّى ولا واحد
/ يوم انتصرنا لك من عابد ... ويوم أنجيناك من خالد
ووقعة الرّيّ التي نلتها ... بجحفل من جمعنا عاقد
وكم لقينا لك من واتر ... يصرف نابي حنق حارد [7]
ثم وطئناه بأقدامنا ... وكان مثل الحيّة الراصد
إلى بلاء حسن قد مضى ... وأنت في ذلك كالزاهد
فاذكر أيادينا وآلاءنا ... بعودة من حلمك الراشد
/ ويوم الأهواز فلا تنسه ... ليس النّثا [8] والقول بالبائد
إنا لنرجوك كما نرتجي ... صوب الغمام المبرق الراعد
فانفح بكفّيك وما ضمّتا ... وافعل فعال السّيّد الماجد
ما لك لا تعطي وأنت امرؤ ... مثر من الطارف والتالد
تجبي سجستان وما حولها ... متكئا في عيشك الراغد
__________
[1] الحضر: مدينة بإزاء تكريت في البرية بينها وبين الموصل والفرات.
[2] آمد: أعظم مدن ديار بكر، وهي قديمة حصينة مبنية بالحجارة السوداء وعلى نشز، ويحيط دجلة بأكثرها، وفي وسطها عيون وآبار قريبة يتناول ماؤها باليد، وفيها بساتين.
[3] الخود: المرأة الشابة ما لم تصر نصفا. والطفلة: الرخصة الناعمة. والرودة: الشابة الحسنة. وعامدي: مضنيّ ومهلكي.
[4] الأشر: التحزيز الذي يكون في الأسنان، يكون خلقة ومصنوعا.
[5] أصلها: «لم يخطى ء» فسهلت الهمزة ثم حذفت الياء.
[6] الهجان: الخالص وخيار كل شيء.
[7] صرف نابه وبنابه: حرقه فسمع له صوت. والحارد: الغاضب.
[8] كذا في ح. والنثا (بالتحريك والقصر): ما أخبرت به عن الرجل من حسن أو سيء. وفي سائر الأصول: «الثنا» (بثاء مثلثة بعدها نون).
لا ترهب الدهر وأيامه ... وتجرد [1] الأرض مع الجارد
إن يك مكروه تهجنا له ... وأنت في المعروف كالراقد
ثم ترى أنّا سنرضى بذا ... كلّا وربّ الراكع السّاجد
وحرمة البيت وأستاره ... ومن به من ناسك عابد
تلك لكم أمنيّة باطل ... وغفوة من حلم الراقد
ما أنا إن هاجك من بعدها ... هيج بآتيك ولا كابد
ولا إذا ناطوك [2] في حلقة ... بحامل عنك ولا فاقد
فأعط ما أعطيته طيّبا ... لا خير في المنكود والناكد [3]
نحن ولدناك فلا تجفنا ... واللّه قد وصّاك بالوالد
إن تك من كندة في بيتها ... فإنّ أخوالك من حاشد [4]
شمّ العرانين وأهل الندى ... ومنتهى الضّيفان والرائد
كم فيهم من فارس معلم ... وسائس للجيش أو قائد
/ وراكب للهول يجتابه ... مثل شهاب القبس الواقد
أو ملأ يشفى بأحلامهم ... من سفه الجاهل والمارد [5]
لم يجعل اللّه بأحسابنا ... نقصا وما الناقص كالزائد
وربّ خال لك، في قومه ... فرع طويل الباع والساعد
يحتضر البأس وما يبتغى ... سوى إسار البطل الناجد [6]
والطعن بالراية مستمكنا ... في الصفّ ذي العادية الناهد [7]
فارتح لأخوالك واذكرهم ... وارحمهم للسّلف العائد
فإنّ أخوالك لم يبرحوا ... يربون بالرّفد على الرّافد
/ لم يبخلوا يوما ولم يجبنوا ... في السّلف الغازي ولا القاعد
وربّ خال لك في قومه ... حمّال أثقال لها واجد
معترف للرزء في ماله ... والحقّ للسائل والعامد
__________
[1] جرد الأرض: جعلها جرداء.
[2] ناطه: علقه.
[3] المنكود: الذي يلح عليه في المسألة. والناكد: الملح.
[4] حاشد: حي من همدان.
[5] المارد: العاتي والباغي.
[6] في ب، س: «الماجد».
[7] الناهد: الأسد.
مدح النعمان بن بشير عامل حمص لوساطته له في عطاء:
أخبرني محمد بن الحسن بن دريد الأزدي قال حدّثني عمّي عن العبّاس بن هشام عن أبيه، وأخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد عن أبيه عن ابن الكلبي، وأخبرني عمّي عن الكرانيّ عن العمريّ عن الهيثم بن عديّ، وذكره العنزيّ عن أصحابه، قالوا جميعا:
خرج أعشى همدان إلى الشأم في ولاية مروان بن الحكم، فلم ينل فيها حظّا؛ فجاء إلى النعمان بن بشير وهو عامل على حمص، فشكا إليه حاله؛ فكلّم له النعمان بن بشير اليمانية وقال لهم: هذا شاعر اليمن ولسانها، واستماحهم له؛ فقالوا: نعم،/ يعطيه كلّ رجل منا دينارين من عطائه؛ فقال: لا، بل أعطوه دينارا دينارا واجعلوا ذلك معجّلّا؛ فقالوا: أعطه إيّاه من بيت المال واحتسبها على كلّ رجل من عطائه؛ ففعل النّعمان - وكانوا عشرين ألفا - فأعطاه عشرين ألف دينار وارتجعها منهم عند العطاء. فقال الأعشى يمدح النعمان:
ولم أر للحاجات عند التماسها ... كنعمان نعمان النّدى ابن بشير
إذا قال أوفى ما يقول ولم يكن ... كمدل إلى الأقوام حبل غرور
متى أكفر النعمان لم ألف شاكرا ... وما خير من لا يقتدي بشكور
فلو لا أخو الأنصار كنت كنازل ... ثوى ما ثوى لم ينقلب بنقير [1]
شعره في حرب نصيبين بين المهلب ويزيد بن أبي صخر:
وقال الهيثم بن عديّ في خبره: حاصر المهلّب بن أبي صفرة نصيبين، وفيها أبو قارب يزيد بن أبي صخر ومعه الخشبيّة [2]؛ فقال المهلّب: يأيها الناس، لا يهولنّكم هؤلاء القوم فإنما هم العبيد بأيديها العصيّ. فحمل عليهم المهلّب وأصحابه فلقوهم بالعصيّ فهزموهم حتى أزالوهم عن موقفهم. فدسّ المهلّب رجلا من عبد القيس إلى يزيد بن أبي صخر ليغتاله، وجعل له على ذلك جعلا سنيّا - قال الهيثم: بلغني أنه أعطاه مائتي ألف درهم قبل أن يمضي ووعده بمثلها إذا عاد - فاندسّ له العبديّ فاغتاله فقتله وقتل بعده. فقال أعشى همدان في ذلك:
يسمّون أصحاب العصيّ وما أرى ... مع القوم إلا المشرفيّة من عصا
ألا أيّها اللّيث الذي جاء حاذرا [3] ... وألقى بنا جرمى [4] الخيام وعرّصا
/ أتحسب غزو الشأم يوما وحربه ... كبيض ينظّمن الجمان المفّصصا
وسيرك بالأهواز إذ أنت آمن ... وشربك ألبان الخلايا [5] المقرّصا
فأقسمت لا تجبي لك الدهر درهما ... نصيبون حتّى تبتلى وتمحّصا
__________
[1] النقير: النكتة في ظهر النواة.
[2] الخشبية: أتباع المختار بن أبي عبيد.
[3] حاذرا: متأهبا مستعدا.
[4] كذا في ح. وفي ب، س:
«و ألقى بنا جرم»
وفي أ، ء:
«و ألقى بنا جرى»
والظاهر من السياق أنه اسم موضع. ولم نوفق في المظان التي بين أيدينا إلى وجه الصواب فيه.
[5] الخلايا: الإبل المخلاة للحلب، الواحدة خلية. والمقرص: اللبن الذي يجعل في المقارص ليصير قارصا أي حامضا. والمقارص:
الأوعية التي يقرّص فيها اللبن.
ولا أنت من أثوابها الخضر لابس ... ولكنّ خشبانا شدادا ومشقصا [1]
فكم ردّ من ذي حاجة لا ينالها ... جديع العتيك ردّه اللّه أبرصا
وشيّد بنيانا وظاهر كسوة ... وطال جديع بعد ما كان أوقصا
[تصغير جدع [2] جديع بالدال غير معجمة]. والأبيات التي كان فيها الغناء المذكور معه خبر الأعشى في هذا الكتاب يقولها في زوجة له من همدان يقال لها جزلة، هكذا رواه الكوفيون، وهو الصحيح. وذكر الأصمعي أنها خولة، هكذا رواه في شعر الأعشى.
طلق زوجته أم الجلال وتزوّج غيرها وشعره في ذلك:
فذكر العنزيّ في أخبار الأعشى المتقدّم إسنادها: أنها كانت عند الأعشى امرأة من قومه يقال لها أمّ الجلال [3]، فطالت مدتها معه وأبغضها، ثم خطب امرأة من قومه يقال لها جزلة - وقال الأصمعي: خولة - فقالت له: لا، حتى تطلّق أمّ الجلال؛ فطلّقها؛ وقال في ذلك:
تقادم ودّك أمّ الجلال ... فطاشت نبالك عند [4] النّضال
وطال لزومك لي حقبة ... فرثّت قوى الحبل بعد الوصال
وكان الفؤاد بها معجبا ... فقد أصبح اليوم عن ذاك سالي
/ صحا لا مسيئا ولا ظالما ... ولكن سلا سلوة في جمال
ورضت خلائفنا كلّها ... ورضنا خلائقكم كلّ حال
فأعييتنا في الذي بيننا ... تسومينني كلّ أمر عضال
وقد تأمرين بقطع الصديق ... وكان الصديق لنا غير قالي
وإتيان ما قد تجنّبته ... وليدا ولمت عليه رجالي
أفاليوم أركبه بعد ما ... علا الشّيب منّي صميم القذال [5]
لعمر أبيك لقد خلتني ... ضعيف القوى أو شديد المحال
هلمّي اسألي نائلا فانظري ... أأحرمك الخير عند السؤال
ألم تعلمي أنّني معرق ... نماني إلى المجد عمّي وخالي
وأنّي إذا ساءني منزل ... عزمت فأوشكت منه ارتحالي
فبعض العتاب، فلا تهلكي ... فلا لك في ذاك خير ولا لي
__________
[1] المشقص: نصل عريض، وقيل: سهم فيه ذلك يرمى به الوحش.
[2] هذه الجملة ساقطة من جميع الأصول ما عدا ب، س.
[3] كذا في ب، س. وفي سائر الأصول هنا وفيما سيأتي: أم الحلال (بالحاء المهملة).
[4] كذا في ب، س. وفي سائر الأصول: «بعد النصال».
[5] القذال: جماع مؤخر الرأس، أو هو ما بين نفرة القفا إلى الأذن.
فلما بدالي منها البذا ... ء صبّحتها بثلاث عجال
ثلاثا خرجن جميعا بها ... فخلّينها ذات بيت ومال
إلى أهلها غير مخلوعة ... وما مسّها عندنا من نكال
فأمست تحنّ حنين اللّقا ... ح من جزع إثر من لا يبالي
فحنّي حنينك واستيقني ... بأنا اطّرحناك ذات الشمال
وأن لا رجوع فلا تكذبي ... ن ما حنّت النّيب إثر الفصال
ولا تحسبيني بأنّي ندم ... ت كلّا وخالقنا ذي الجلال
فقالت له أمّ الجلال: بئس واللّه بعل الحرّة وقرين الزوجة المسلمة أنت! ويحك! أعددت طول الصحبة والحرمة ذنبا تسبّني وتهجوني به! ثم دعت عليه أن يبغّضه/ اللّه إلى زوجته التي اختارها، وفارقته. فلما انتقلت إلى أهلها؛ وصارت جزلة إليه، ودخل بها لم يحظ عندها، ففركته [1] وتنكّرت له واشتدّ شغفه بها؛ ثم خرج مع ابن الأشعث فقال فيها:
/حيّيا جزلة منّي بالسّلام ... درّة البحر ومصباح الظلام
لا تصدّي بعد ودّ ثابت ... واسمعي يا أمّ عيسى من كلامي [2]
إن تدومي لي فوصلي دائم ... أو تهمّي لي بهجر أو صرام
أو تكوني مثل برق خلّب ... خادع يلمع في عرض الغمام
أو كتخييل سراب معرض ... بفلاة أو طروق في المنام
فاعلمي إن كنت لمّا تعلمي ... ومتى ما تفعلي ذاك تلامي
بعد ما كان الذي كان فلا ... تتبعي الإحسان إلا بالتمام
لا تناسي كلّ ما أعطيتني ... من عهود ومواثيق عظام
واذكري الوعد الذي واعدتني ... ليلة النّصف من الشهر الحرام
فلئن بدّلت أو خست بنا ... وتجرّأت على أمّ صمام [3]
[أم صمام: الغدر والحنث] [4]:
لا تبالين إذا من بعدها ... أبدا ترك صلاة أو صيام
__________
[1] فركته: أبغضته.
[2] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «من كلام».
[3] كذا في أكثر الأصول. وفي م:
«على أمر صمام»
ولعل هذا أقرب إلى الصواب، إذ لم نجد في المظان ما يؤيد ما ورد في أكثر الأصول، على أن يكون المعنى: على أمر شديد، ويكون التفسير الذي ورد في ب، س: بأنه الغدر والحنث تفسيرا بالمراد.
وصمام (وزان قطام): الداهية الشديدة.
[4] زيادة عن ب، س.
راجعي الوصل وردّي نظرة ... لا تلجّي [1] في طماح وأثام
/ وإذا أنكرت منّي شيمة ... ولقد ينكر [2] ما ليس بذام
فاذكريها لي أزل عنها ولا ... تسفحي عينيك بالدمع السّجام
وأرى حبلك رثّا خلقا ... وحبالي جددا غير رمام [3]
عجبت جزلة منّي أن رأت ... لمّتي حفّت بشيب كالثّغام [4]
ورأت جسمي علاه كبرة ... وصروف الدهر قد أبلت عظامي
وصليت الحرب حتى تركت ... جسدي نضوا كأشلاء اللّجام [5]
وهي بيضاء على منكبها ... قطط جعد وميّال سخام [6]
وإذا تضحك تبدي حببا ... كرضاب المسك في الرّاح المدام
كملت ما بين قرن فإلى ... موضع الخلخال منها والخدام [7]
فأراها اليوم لي قد أحدثت ... خلقا ليس على العهد القدام
تمثل الشعبي بشعر له فخربه على البصريين في حضرة الأحنف:
أخبرني عمّي قال حدّثنا محمد بن سعيد الكراني قال حدّثنا العمري عن الهيثم بن عديّ عن مجالد عن الشّعبيّ:
أنه أتى البصرة أيام ابن الزبير، فجلس في المسجد إلى قوم من تميم فيهم الأحنف بن قيس فتذاكروا أهل الكوفة وأهل البصرة وفاخروا بينهم، إلى أن قال قائل من أهل البصرة: وهل أهل الكوفة إلا خولنا؟ استنقذناهم من عبيدهم! (يعني الخوارج). قال الشعبي: فهجس في صدري أن تمثّلت قول أعشى همدان:
/أفخرتم أن قتلتم أعبدا ... وهزمتم مرّة آل عزل [8]
نحن سقناهم إليكم عنوة ... وجمعنا أمركم بعد فشل
فإذا فاخرتمونا فاذكروا ... ما فعلنا بكم يوم الجمل
/ بين شيخ خاضب عثنونه ... وفتى أبيض وضّاح رفل [9]
جاءنا يرفل في سابغة ... فذبحناه ضحّى ذبح الحمل
وعفونا فنسيتم عفونا ... وكفرتم نعمة اللّه الأجلّ
__________
[1] لا تلجى (من بابي ضرب وعلم): لا تتمادى. وفي الأصول: «لا تلحى» بالحاء المهملة.
[2] كذا في ب، س. وفي سائر الأصول: «و لقد أنكرت».
[3] حبل رمام: بال.
[4] الثغام: نبت يكون في الجبل ينبت أخضر ثم يبيض إذا يبس فيشبه به الشيب.
[5] النضو: المهزول. وأشلاء اللجام: حدائده بلا سيور.
[6] القطط: الشعر القصير. والسخام: الشعر اللين الحسن. وفي هذا البيت إقواء، وهو اختلاف حركة الرويّ.
[7] كذا في الأصول. والخدام: الخلاخيل، واحده خدمة (بالتحريك). وفي ب، س: «الحزام».
[8] العزل: الاعتزال والتنحي. ويريد بآل عزل الخوارج لاعتزالهم جماعة المسلمين.
[9] العثنون: اللحية أو ما فضل منها بعد العارضين. والرفل من الناس: الطويل الذيل.
قال: فضحك الأحنف، ثم قال: يأهل البصرة، قد فخر عليكم الشعبيّ وصدق وانتصف، فأحسنوا مجالسته.
شعر له في هزيمة الزبير الخثعميّ بجلولاء:
أخبرني محمد بن عمران الصّيرفيّ قال حدّثنا العنزيّ قال حدّثنا الرياشيّ عن أبي محلّم [1] عن الخليل بن عبد الحميد عن أبيه قال:
بعث بشر بن مروان الزبير بن خزيمة الخثعميّ إلى الريّ؛ فلقيه الخوارج بجلولاء [2]، فقتلوا جيشه وهزموه وأبادوا [3] عسكره، وكان معه أعشى همدان، فقال في ذلك:
/أمّرت خثعم على غير خير ... ثم أوصاهم الأمير بسير
أين ما كنتم تعيفون للنا ... س وما تزجرون من كل طير
ضلّت الطير عنكم بجلولا ... ء وغرّتكم أماني الزّبير
قدر ما أتيح لي من فلسطي ... ن على فالج [4] ثقال [5] وعير
خثعميّ مغصّص جزجمان ... يّ محلّ غزا مع ابن نمير [6]
مدح الأصمعي شعره وفضله:
أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال حدّثنا أبو حاتم قال:
سألت الأصمعيّ عن أعشى همدان فقال: هو من الفحول وهو إسلامي كثير الشعر؛ ثم قال لي: العجب من ابن دأب حين يزعم أن أعشى همدان قال:
من دعا لي غزيّلي ... أربح اللّه تجارته
ثم قال: سبحان اللّه! أمثل هذا يجوز على الأعشى؟ أن يجزم اسم اللّه عزّ وجلّ ويرفع تجارته وهو نصب. ثم قال لي خلف الأحمر: واللّه لقد طمع ابن دأب في الخلافة حين ظنّ أن هذا يقبل منه وأن له من المحل مثل أن يجوّز مثل هذا. قال ثم قال: ومع ذلك أيضا إن قوله:
من دعا لي غزيّلي
__________
[1] هو أبو محلم الشيباني. واسمه محمد بن سعد، ويقال محمد بن هشام بن عوف السعدي. وكان يسمى محمدا وأحمد. أعرابي، أعلم الناس بالشعر واللغة، وكان يغلظ طبعه ويفخم كلامه ويعرب منطقه. وقال ابن السكيت: أصل أبي محلم من الفرس ومولده بفارس، وإنما انتسب إلى أبي سعد. وقال مؤرج: كان أبو محلم أحفظ الناس، استعار مني جزءا ورده من الغد وقد حفظه في ليلة، وكان مقداره نحو خمسين ورقة. وقال أبو محلم: ولدت في السنة التي حج فيها المنصور. وتوفي سنة ثمان وأربعين ومائتين. وله من الكتب «كتاب الأنواء»، و«كتاب الخيل»، و«كتاب خلق الإنسان» (راجع «كتاب الفهرست» ص 46 طبع أوروبا).
[2] جلولاء (بالمد): طسوج (ناحية) من طساسيج السواد في طريق خراسان بينها وبين خانقين سبعة فراسخ. وبها كانت الوقعة المشهورة على الفرس للمسلمين سنة 16 ه فاستباحهم المسلمون، فسميت جلولاء الوقيعة لما أوقع بهم المسلمون.
[3] في ح: «و أبا حوا».
[4] الفالج: الجمل الضخم ذو السنامين يحمل من السند للفحلة.
[5] كذا في ب، س، ح والثقال (بالفتح وبالضم): الثقيل. وفي سائر الأصول: «ثفال» (بالفاء)، والثفال (بالفتح): البطيء من الدواب والناس.
[6] ورد هذا البيت هكذا بالأصول.
لا يجوز، إنما هو: من دعا لغزيّلي، ومن دعا لبعير ضال.
مدح خالد بن عتاب فأجازه:
أخبرني عيسى بن الحسين الورّاق ومحمد بن مزيد بن أبي الأزهر قالا [1] حدّثنا حماد بن إسحاق عن أبيه عن الهيثم بن عديّ قال:
/ أملق أعشى همدان فأتى خالد بن عتّاب بن ورقاء فأنشده:
رأيت ثناء الناس بالقول طيبا ... عليك وقالوا ماجد وابن ماجد
بني الحارث السامين للمجد، إنكم ... بنيتم بناء ذكره غير بائد
هنيئا لما أعطاكم اللّه واعلموا ... بأني سأطري خالدا في القصائد
فإن يك عتّاب مضى لسبيله ... فما مات من يبقى له مثل خالد
فأمر له بخمسة آلاف درهم.
أنشد سابق البربري من شعره عمر بن عبد العزيز فأبكاه:
أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال حدّثنا أبو غسّان [قال] [2]:
قال عمر بن عبد العزيز يوما لسابق البربريّ - ودخل عليه - : أنشدني يا سابق شيئا من شعرك تذكّرني به؛ فقال: أو خيرا من شعري؟ فقال: هات؛ قال قال أعشى همدان:
وبينما المرء أمسى ناعما جذلا ... في أهله معجبا بالعيش ذا أنق [3]
/غرّا، أتيح له من حينه عرض ... فما تلبّث حتى مات كالصّعق
ثمّت أضحى ضحى من غبّ ثالثة ... مقنّعا غير ذي روح ولا رمق
يبكى عليه وأدنوه لمظلمة ... تعلى جوانبها بالتّرب والفلق [4]
فما تزوّد ممّا كان يجمعه ... إلّا حنوطا [5] وما واراه من خرق
وغير نفحة أعواد تشبّ له ... وقلّ ذلك من زاد لمنطلق
قال: فبكى عمر حتى أخضل لحيته.
هجا شجرة العبسي بشعر أجازه عليه الحجاج:
أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدّثنا الحسين بن محمد بن أبي [6] طالب الديناريّ قال حدّثني إسحاق بن إبراهيم الموصليّ عن الهيثم بن عديّ عن حمّاد الراوية قال:
__________
[1] في جميع الأصول: «قال»، وهو تحريف.
[2] زيادة عن أ، ء، م.
[3] الأنق (محركة): الفرح والسرور.
[4] في جميع الأصول: «القلق» (بالقاف) وهو تصحيف.
[5] الحنوط: طيب يخلط للميت خاصة.
[6] كلمة: «أبى» ساقطة في جميع الأصول. راجع الحاشية رقم 2 ص 319 من الجزء الخامس من هذه الطبعة.
سأل أعشى همدان شجرة بن سليمان العبسيّ حاجة فردّه عنها، فقال يهجوه:
لقد كنت خيّاطا فأصبحت فارسا ... تعدّ إذا عدّ الفوارس من مضر
فإن كنت قد أنكرت هذا فقل كذا ... وبيّن لي الجرح الذي كان قد دثر [1]
وإصبعك الوسطى عليه شهيدة ... وما ذاك إلا وخزها [2] الثوب بالإبر
قال وكان يقال: إن شجرة كان خيّاطا، وقد كان ولي للحجّاج بعض أعمال السواد. فلما قدم على الحجّاج قال له: يا شجرة، أرني إصبعك أنظر إليها؛ قال: أصلح اللّه الأمير، وما تصنع بها؟ قال: أنظر إلى صفة الأعشى؛ فخجل شجرة. فقال الحجاج لحاجبه: مر المعطي أن يعطى الأعشى من عطاء شجرة كذا وكذا. يا شجرة، إذا أتاك امرؤ ذو حسب ولسان فاشتر عرضك منه.
أسبره الحجاج وذكره بشعر قاله ليبكته ثم قتله:
أخبرني عليّ بن سليمان الأخفش قال حدّثنا محمد بن يزيد الأزديّ قال حدّثنا أحمد بن عمرو الحنفيّ عن جماعة - قال المبرّد: أحسب أن أحدهم مؤرّج بن عمرو السّدوسيّ - قالوا:
لما أتي الحجاج بن يوسف الثقفيّ بأعشى همدان أسيرا، قال: الحمد للّه الذي أمكن منك، ألست القائل:
/لمّا سفونا [3] للكفور الفتّان ... بالسيّد الغطريف عبد الرحمن [4]
سار بجمع كالقطا [5] من قحطان ... ومن معدّ قد أتى ابن عدنان
أمكن ربّي من ثقيف همدان ... يوما إلى الليل يسلّي ما كان
إنّ ثقيفا منهم الكذّابان ... كذّابها الماضي وكذاب ثان
أو لست القائل:
يابن الأشجّ [6] قريع كن ... دة لا أبالي فيك عتبا
أنت الرئيس ابن الرئي ... س وأنت أعلى الناس كعبا
نبئّت حجّاج بن يو ... سف خرّ من زلق فتبّا
فانهض فديت لعلّه ... يجلو بك الرحمن كربا
وابعث عطيّة [7] في الخيو ... ل يكبّهنّ عليه كبّا
__________
[1] في ب، س: «دبر». وهو تصحيف.
[2] كذا في ب، س. وفي سائر الأصول: «و خزك».
[3] كذا في أكثر الأصول. وسفا: خف وأسرع. وفي ب، س: «سمونا».
[4] ورد هذا الشعر في «الطبري» (ق 2 ص 1056) على غير هذا الترتيب وبزيادات كثيرة.
[5] في «الطبري»: «كالدبى» والدبى: الجراد.
[6] الأشج: هو الأشعث بن قيس الكندي جد عبد الرحمن بن محمد المعني في هذا الشعر. والقريع: السيد.
[7] هو عطية بن عمرو العنبري، وكان على مقدّمة جيوش عبد الرحمن بن الأشعث إلى العراق. وقد بعث إليه الحجاج بالخيل فجعل عطية لا يلقى خيلا إلا هزمها. فقال الحجاج من هذا؟ فقيل عطية. فذلك قول الأعشى: وابعث عطية ... إلخ.
كلّا يا عدوّ اللّه، بل عبد الرحمن بن الأشعث هو الذي خرّ من زلق فتبّ، وحار وانكبّ، وما/ لقي ما أحب؛ ورفع بها صوته واربدّ وجهه واهتزّ منكباه، فلم يبق أحد في المجلس إلا أهمّته نفسه وارتعدت فرائصه. فقال له الأعشى بل أنا القائل أيها الأمير:
/أبى اللّه إلا أن يتم نوره ... ويطفىء نار الفاسقين فتخمدا
وينزل ذلّا بالعراق وأهله ... كما نقضوا [1] العهد الوثيق المؤكّدا
وما لبث الحجاج أن سلّ سيفه ... علينا فولّى جمعنا وتبدّدا
وما زاحف الحجاج إلا رأيته ... حساما ملقّى للحروب معوّدا
فكيف رأيت اللّه فرّق جمعهم ... ومزّقهم عرض البلاد وشرّدا
بما نكثوا من بيعة بعد بيعة ... إذا ضمنوها اليوم خاسوا [2] بها غدا
وما أحدثوا من بدعة وعظيمة ... من القول لم تصعد إلى اللّه مصعدا
ولمّا دلفنا لابن يوسف ضلّة [3] ... وأبرق منا العارضان وأرعدا
قطعنا إليه الخندقين وإنما ... قطعنا وأفضينا إلى الموت مرصدا [4]
فصادمنا الحجاج دون صفوفنا ... كفاحا ولم يضرب لذلك موعدا
بجند أمير المؤمنين وخيله ... وسلطانه أمسى معانا مؤيّدا
ليهنىء أمير المؤمنين ظهوره ... على أمة كانوا بغاة وحسّدا
وجدنا بني مروان خير أئمة ... وأعظم هذا الخلق حلما وسؤددا
وخير قريش في قريش أرومة ... وأكرمهم إلّا النبيّ محمدا
إذا ما تدبّرنا عواقب أمرنا ... وجدنا أمير المؤمنين المسدّدا
سيغلب قوما [5] غالبوا اللّه جهرة [6] ... وإن كايدوه كان أقوى وأكيدا
كذاك يضلّ اللّه من كان قلبه ... ضعيفا ومن والى النفاق وألحدا
/ فقد تركوا الأموال والأهل خلفهم ... وبيضا عليهن الجلابيب خرّدا [7]
ينادينهم مستعبرات إليهم ... ويذرين دمعا في الخدود وإثمدا
__________
[1] في «الطبري» (ق 2 ص 1114): «لما نقضوا». وفيه رواية أخرى في بعض نسخة أشير إليها في هامشه وهي: «بما نقضوا».
[2] خاس: غدر ونكث.
[3] الضلة (بالكسر): ضد الهدى.
[4] مرصدا: مترقبا.
[5] كذا في أ، ء، م. وفي سائر الأصول: «قوم».
[6] كذا في «الطبري». وفي م: «حيلة». وفي سائر الأصول: «جهلة».
[7] الخرد: جمع خريدة، وهو جمع نادر، لأن فعيلة لا تجمع على فعل، بل القياس: خرائد وخرد (بضمتين). والخريدة من النساء البكر التي لم تمسس قط؛ وقيل: هي الحيية الطويلة السكوت الخافضة الصوت الخفرة المستترة قد جاوزت الإعصار ولم تعنس.
وإلا تناولهنّ منك برحمة ... يكنّ سبايا والبعولة أعبدا
تعطّف أمير المؤمنين عليهم ... فقد تركوا أمر السفاهة والرّدى
لعلهم أن يحدثوا العام توبة ... وتعرف نصحا منهم وتودّدا
لقد شمت [1] يابن الأشعث العام مصرنا ... فظلّوا وما لاقوا من الطير أسعدا
كما شاءم اللّه النّجير [2] وأهله ... بجدّك من قد كان أشقى وأنكدا
فقال من حضر من أهل الشام: قد أحسن أيها الأمير، فخلّ سبيله؛ فقال: أتظنون أنه أراد المدح! لا واللّه! لكنه قال هذا أسفا لغلبتكم إياه وأراد به أن يحرّض أصحابه. ثم أقبل عليه فقال له: أظننت يا عدوّ اللّه أنك تخدعني بهذا الشعر وتنفلت من يدي حتى تنجو! ألست القائل! ويحك!.
وإذا سألت: المجد أين محلّه ... فالمجد بين محمد وسعيد
/ بين الأغرّ وبين قيس باذخ ... بخ بخ لوالده وللمولود
/ واللّه لا تبخبخ بعدها أبدا. أو لست القائل:
وأصابني قوم وكنت أصيبهم ... فاليوم أصبر للزمان وأعرف!
كذبت واللّه، ما كنت صبورا ولا عروفا. ثم قلت بعده:
وإذا تصبك من الحوادث نكبة ... فاصبر فكل غيابة ستكشّف
أما واللّه لتكوننّ نكبة لا تنكشف غيابتها عنك أبدا! يا حرسيّ، اضرب عنقه؛ فضرب عنقه.
وذكر مؤرّج السّدوسيّ أن الأعشى كان شديد التحريض على الحجّاج في تلك الحروب، فجال أهل العراق جولة ثم عادوا، فنزل عن سرجه ونزعه عن فرسه، ونزع درعه فوضعها فوق السرج، ثم جلس عليها فأحدث والناس يرونه، ثم أقبل عليهم فقال لهم: لعلكم أنكرتم ما صنعت! قالوا: أو ليس هذا موضع نكير؟ قال: لا، كلّكم قد سلح في سرجه ودرعه خوفا وفرقا، ولكنكم سترتموه وأظهرته؛ فحمي القوم وقاتلوا أشدّ قتال يومهم إلى الليل، وشاعت فيهم الجراح والقتلى، وانهزم أهل الشأم يومئذ، ثم عاودوهم من غد وقد نكأتهم [3] الحرب؛ وجاء مدد من أهل الشأم؛ فباكروهم القتال وهم مستريحون فكانت الهزيمة وقتل ابن الأشعث. وقد حكيت هذه الحكاية عن أبي كلدة [4] اليشكريّ أنه فعلها في هذه الوقعة، وذكر ذلك أبو عمرو الشّيباني في أخبار أبي كلدة [4]، وقد ذكر ما حكاه مع أخباره في موضعه من هذا الكتاب.
__________
[1] رواية هذا البيت في الطبري هكذا:
لقد شأم المصرين فرخ محمد ... بحق وما لاقى من الطير أسعدا
ولعل رواية الأصل كانت: «لقد شأمت» فسهلت الهمزة ثم حذفت. يقال: شأم فلان أصحابه يشأمهم إذا أصابهم شؤم من قبله.
[2] النجير: حصن باليمن قرب حضر موت منيع، لجأ إليه أهل الردة مع الأشعث بن قيس في أيام أبي بكر رضي اللّه عنه فحاصره زياد بن لبيد البياضي حتى افتتحه عنوة وقتل من فيه وأسر الأشعث بن قيس وذلك في سنة 12 للهجرة (راجع «معجم البلدان» لياقوت).
[3] نكأ (بالهمز) لغة في نكى بمعنى أثخن وأكثر الجرح والقتل.
[4] في جميع الأصول هنا: «ابن حلزة» وهو تحريف. وقد وردت هذه القصة في أخبار أبي كلدة اليشكري في الجزء العاشر من «الأغاني» (ص 110 - 120) طبع بولاق. وقد ذكر أبو كلدة هذا في «الشعر والشعراء» و «الطبري» باسم: أبي جلدة (بالجيم) وذكره «اللسان» في مادة: كلد (بالكاف) كما في «الأغاني».
5 - أخبار أحمد النّصبي ونسبه
نسبه، وهو مغن طنبوري كان ينادم عبيد اللّه بن زياد:
النّصبيّ هو صاحب الأنصاب. وأوّل من غنّى بها وعنه أخذ النّصب [1] في الغناء هو أحمد بن أسامة الهمداني، من رهط الأعشى الأدنين. ولم أجد نسبه متّصلا فأذكره. وكان يغني بالطّنبور في الإسلام. وكان، فيما يقال، ينادم عبيد اللّه بن زياد سرّا ويغنّيه. وله صنعة كثيرة حسنة لم يلحقها أحد من الطّنبوريّين ولا كثير ممّن يغنّي بالعود.
حديث جحظة عنه:
وذكره جحظة في كتاب الطّنبوريين فأتى من ذكره بشيء ليس من جنس أخباره ولا زمانه، وثلبه فيما ذكره.
وكان مذهبه - عفا اللّه عنا وعنه - في هذا الكتاب أن يثلب جميع من ذكره من أهل صناعته بأقبح ما قدر عليه، وكان يجب عليه ضدّ هذا، لأن من انتسب إلى صناعة، ثم ذكر متقدّمي أهلها، كان الأجمل به أن يذكر محاسن أخبارهم وظريف قصصهم ومليح ما عرفه منهم لا أن يثلبهم بما لا يعلم وما يعلم. فكان فيما قرأت عليه من هذا الكتاب أخبار أحمد النّصبي، وبه صدّر كتابه فقال: أحمد النّصبي أوّل من غنّى الأنصاب على الطنبور وأظهرها وسيّرها؛ ولم يخدم خليفة ولا كان له شعر ولا أدب.
كان بخيلا مرابيا ومات بفالوذجة حارة:
وحدّثني جماعة من الكوفيّين أنه لم يكن بالكوفة أبخل منه مع يساره، وأنه [2] كان يقرض الناس بالرّبا [3]، وأنه اغتصّ في دعوة دعي إليها بفالوذجة حارّة فبلعها فجمعت/ أحشاءه فمات. وهذا كلّه/ باطل. أما الغناء فله منه صنعة في الثقيل الأول وخفيف الثقيل والثقيل الثاني، ليس لكثير [4] أحد مثلها. منها الصوت الذي تقدّم ذكره وهو قوله:
حيّيا خولة منّي بالسلام
ومنها:
سلبت الجواري حليهنّ فلم تدع ... سوارا ولا طوقا على النحر مذهبا
__________
[1] النصب: ضرب من الغناء أرق من الحداء.
[2] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «مع أنه كان ... إلخ».
[3] كذا في ب، س. وفي سائر الأصول: «بعينة» والعينة (بالكسر): الربا.
[4] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «لكبير» وهو تصحيف.
وهو من الثقيل الثاني، والشعر للعديل بن الفرخ [1]، وقد ذكرت ذلك في أخباره [2].
ومنها:
يأيها القلب المطيع الهوى ... أنّى اعتراك الطّرب النازح
وهو أيضا من الثقيل الثاني، وأصوات [3] كثيرة نادرة تدل على تقدمه.
وأما ما وصفه من بخله وقرضه للناس بالرّبا وموته من فالوذجة حارة أكلها، فلا أدري من من الكوفيين حدّثه بهذا الحديث، ليس يخلو من أن يكون كاذبا، أو نحل هو هذه الحكاية ووضعها هنا، لأن أحمد النّصبي خرج مع أعشى همدان وكان قرابته وإلفه في عسكر ابن الأشعث، فقتل فيمن قتل. روى ذلك الثّقات من أهل الكوفة والعلم بأخبار الناس، وذلك يذكر في جملة أخباره.
اتصاله بأعشى همدان وغناؤه بشعره في سليم بن صالح إذ نزلا عليه:
أخبرنا محمد بن مزيد بن أبي الأزهر والحسين بن يحيى قالا حدّثنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه، وذكره العنزي في أخبار أعشى همدان المذكورة عنه عن رجاله المسمّين قال:
كان أحمد النّصبي مواخيا لأعشى همدان مواصلا له، فأكثر غنائه في أشعاره مثل صنعته في شعره:
حيّيا خولة منّي بالسلام
و
لمن الظّعائن سيرهن ترجّف
و
يأيها القلب المطيع الهوى
وهذه الأصوات قلائد صنعته وغرر أغانيه. قال: وكان سبب قوله الشعر في سليم بن صالح بن سعد بن جابر العنبريّ - وكان منزل سليم ساباط [4] المدائن - أن أعشى همّدان وأحمد النّصبيّ خرجا في بعض مغازيهما، فنزلا على سليم فأحسن قراهما وأمر لدوابّهما بعلوفة [5] وقضيم [6]، وأقسم عليهما أن ينتقلا إلى منزله ففعلا، فعرض عليهما الشراب فأنعما به وطلباه فوضعه بين أيديهما وجلسا يشربان؛ فقال أحمد النّصبي للأعشى: قل في هذا الرجل الكريم شعرا تمدحه به حتى أغنّي فيه؛ فقال الأعشى يمدحه:
__________
[1] كذا في ح و «الشعر والشعراء» (ص 244) و «خزانة الأدب» (ح 2 ص 368)، وهو العديل بن الفرخ (بضم الفاء وسكون الراء وخاء معجمة) شاعر إسلامي في الدولة المروانية، ولقبه: العباب (بفتح العين المهملة وتشديد الموحدة الأولى)، والعباب: اسم كلبه. وفي سائر الأصول: «للعديل بن الفرج» (بالجيم) وهو تصحيف.
[2] تقع أخباره في (ح 20 ص 11 - 19 طبع بولاق).
[3] في م، س: «و ذكرت أصوات ... إلخ».
[4] ساباط: موضع بالمدائن لكسرى أبرويز، وهو معرب: «بلاس أباد»، وبلاس: اسم رجل. وقد ذكره الأعشى في شعر له - يذكر النعمان بن المنذر وكان أبرويز قد حبسه بساباط ثم ألقاه تحت أرجل الفيلة - منه:
فذاك وما أنجى من الموت ربه ... بساباط حتى مات وهو محرزق
(الحرزقة: التضييق).
[5] العلوفة (بالضم كما في «شرح القاموس»): جمع علف، وهو ما تطعمه الدواب.
[6] كذا في ح. والقضيم: شعير الدابة. وفي سائر الأصول: «قضم». والقضم (بضمتين) جمع قضيم بمعنى الأديم، واسم الجمع:
«قضم» (بفتحتين) عند سيبويه وقيل هو جمع أيضا، ولم تنص كتب اللغة على جمع للقضيم بمعنى الشعير.
/
يأيها القلب المطيع الهوى ... أنّى اعتراك الطّرب النازح
تذكر جملا فإذا ما نأت ... طار شعاعا قلبك الطامح
هلّا تناهيت وكنت امرأ ... يزجرك المرشد والنّاصح
مالك لا تترك جهل الصّبا ... وقد علاك الشّمط الواضح
فصار من ينهاك عن حبّها ... لم تر إلا أنه كاشح
يا جمل ما حبّي لكم زائل ... عنّي ولا عن كبدي نازح
ضحمّلت ودّا لكم خالصا ... جدّا إذا ما هزل المازح
ثم لقد طال طلابيكم ... أسعى وخير العمل النّاجح
إني توسّمت امرأ ماجدا ... يصدق في مدحته المادح
ذؤابة العنبر فاخترته ... والمرء قد ينعشه الصالح
/ أبلج بهلولا [1] وظنّي به ... أنّ ثنائي عنده رابح
سليم ما أنت بنكس [2] ولا ... ذمّك لي غاد ولا رائح
أعطيت ودّي وثنائي معا ... وخلّة ميزانها راجح
أرعاك بالغيب وأهوى لك ال ... رّشد وجيبي [3] فاعلمن ناصح
إني لمن سالمت سلم ومن ... عاديت أمسي وله ناطح
في الرأس منه وعلى أنفه ... من نقماتي ميسم لائح
نعم فتى الحيّ إذا ليلة ... لم يور فيها زنده القادح
/ وراح بالشّول [4] إلى أهلها ... مغبّرة أذقانها [5] كالح [6]
وهبّت الريح شآمية ... فانجحر القابس والنابح
قد علم الحيّ إذا أمحلوا ... أنك رفّاد لهم مانح
في الليلة القالي قراها التي ... لا عابق فيها ولا صابح
فالضيف معروف له حقّه ... له على أبوابكم فاتح
__________
[1] البهلول: السيد الجامع لكل خير.
[2] النكس (بالكسر): الضعيف الدنيء الذي لا خير فيه والمقصر عن غاية النجدة والكرم.
[3] كذا في أكثر الأصول. والجيب: القلب والصدر. يقال فلان ناصح الجيب أي أمين، ومنه قول الشاعر:
وخشنت صدرا جيبه لك ناصح
وفي ب، س: «و حبي».
[4] الشول: جمع شائلة على غير قياس. والشائلة من الإبل: ما أتى عليها من حملها أو وضعها سبعة أشهر فارتفع ضرعها وجف لبنها.
[5] في ح: «أرقابها» وفي أ، ء، م: «أذنابها».
[6] الكالح: الأمر الشديد، وهو فاعل «راح».
والخيل قد تعلم يوم الوغى ... أنّك من جمرتها ناضح [1]
قال: فغنّى أحمد النّصبيّ في بعض هذه الأبيات، وجارية لسليم في السطح، فسمعت الغناء، فنزلت إلى مولاها وقالت: إني سمعت من أضيافك شعرا ما سمعت أحسن منه؛ فخرج معها مولاها فاستمع حتى فهم، ثم نزل فدخل عليهما، فقال لأحمد: لمن هذا الشعر والغناء؟ ومن أنتما؟ فقال: الشعر لهذا، وهو أبو المصبّح أعشى همدان، والغناء لي، وأنا أحمد النّصبيّ الهمّداني؛ فانكبّ على رأس أعشى همدان فقبّله وقال: كتمتماني أنفسكما، وكدتما أن تفارقاني ولم أعرفكما، ولم أعلم خبركما، واحتبسهما شهرا ثم حملهما على فرسين، وقال: خلّفا عندي ما كان من دوابكما، وارجعا من مغزاكما إليّ. فمضيا إلى مغزاهما، فأقاما حينا ثم انصرفا، فلما شارفا منزله قال أحمد للأعشى: إني أرى عجبا! قال: وما هو؟ قال: أرى فوق قصر سليم ثعلبا؛ قال: لئن كنت صادقا فما بقي في القرية أحد. فدخلا القرية،/ فوجدا سليما وجميع أهل القرية قد أصابهم الطاعون، فمات أكثرهم وانتقل باقيهم.
هكذا ذكر إسحاق، وذكر غيره: أن الحجاج طالب سليما بمال عظيم، فلم يخرج منه حتى باع كل ما يملكه، وخربت قريته وتفرّق أهلها؛ ثم باعه الحجاج عبدا، فاشتراه بعض أشراف أهل الكوفة، إما أسماء بن خارجة وإما بعض نظرائه، فأعتقه.
نسبة هذا الصوت الذي قال الأعشى شعره [2] وصنع أحمد النصبيّ لحنه في سليم
صوت
يأيها القلب المطيع الهوى ... أنّى اعتراك الطرب النازح
تذكر جملا فإذا ما نأت ... طار شعاعا قلبك الطامح
/ أعطيت ودّي وثنائي معا ... وخلّة ميزانها راجح
إني تخيرت امرأ ماجدا ... يصدق في مدحته المادح
سليم ما أنت بنكس ولا ... ذمّك لي غاد ولا رائح
نعم فتى الحيّ إذا ليلة ... لم يور فيها زنده القادح
وراح بالشّول إلى أهلها ... مغبرّة أذقانها كالح
وهبّت الريح شآمية ... فانجحر القابس والنابح
الشعر لأعشى همدان. والغناء لأحمد النّصبي، ولحنه ثاني ثقيل بالسبّابة في مجرى الوسطى عن إسحاق.
وذكر يونس أن فيه لمالك لحنا ولسنان الكاتب لحنا آخر.
__________
[1] الجمرة: القبيلة فيها ثلاثمائة فارس، وقيل: ألف. أو هي كل قوم يصبرون لقتال من قاتلهم لا يحالفون أحدا ولا ينضمون إلى أحد، تكون القبيلة نفسها جمرة تصبر لقراع القبائل كما صبرت عبس لقبائل قيس. والناضح: المدافع الرامي.
[2] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «الذي قاله الأعشى في شعره ... إلخ» وهو تحريف.
صوت من المائة المختارة
تنكّر من سعدى وأقفر من هند ... مقامهما بين الرّغامين [1] فالفرد [2]
محلّ لسعدى طالما سكنت به ... فأوحش ممن كان يسكنه بعدي
الشعر لحمّاد الراوية. والغناء لعبادل، ولحنه المختار من الثقيل الأوّل بإطلاق الوتر في مجرى البنصر عن إسحاق. وفيه خفيف ثقيل أوّل بالوسطى، ذكر [3] الهشاميّ أنه للهذليّ، وذكر عمرو بن بانة أنه لعبادل بن عطيّة [4].
__________
[1] الرغام: اسم رملة بعينها من نواحي اليمامة بالوشم، وقد ثناه الشاعر لضرورة الشعر.
[2] كذا في ح، ب، س. والفرد: موضعان. أحدهما (بفتح الفاء): جبل من جبلين يقال لهما الفردان في ديار سليم بالحجاز. والآخر (بالكسر): موضع عند بطن إياد من ديار يربوع. والظاهر أن كلا الموضعين ليس مرادا هنا لبعد ما بينهما وبين الرغام. وفي سائر الأصول: «بالقرد» (بالقاف) ولم نعثر في المظان التي بين أيدينا على موضع بهذا الاسم، والظاهر أنه اسم موضع قريب من الرغامين.
[3] في جميع الأصول: «و ذكر» بزيادة الواو.
[4] في جميع الأصول هنا: «عقبة» وهو تحريف. وستأتي ترجمته في هذا الجزء بعد قليل.
6 - أخبار حماد الراوية ونسبه
نسبه وولاؤه وعلمه بأخبار العرب وأيامها:
هو حمّاد بن ميسرة، فيما ذكره الهيثم بن عديّ، وكان صاحبه وراويته وأعلم الناس به، وزعم أنه مولى [بني] [1] شيبان. وذكر المدائنيّ والقحذميّ أنه حماد بن سابور، وكان من أعلم الناس بأيام العرب وأخبارها وأشعارها وأنسابها ولغاتها. وكانت ملوك بني أمية تقدّمه وتؤثره وتستزيره، فيفد عليهم وينادمهم ويسألونه عن أيام العرب وعلومها ويجزلون صلته.
حدّثنا محمد بن العبّاس اليزيديّ وعمّي وإسماعيل العتكيّ قالوا حدّثنا الرّياشيّ قال:
قال الأصمعيّ: كان حمّاد أعلم الناس إذا نصح. قال وقلت لحماد: ممن أنتم؟ قال: كان أبي من سبى سلمان بن ربيعة، فطرحتنا [2] سلمان [3] لبني شيبان، فولاؤنا لهم. قال: وكان أبوه يسمّى ميسرة، ويكنى أبا ليلى.
قال العتكيّ في خبره: قال الرّياشيّ: وكذلك ذكر الهيثم بن عديّ في أمر حمّاد.
سأله الوليد عن سبب تلقيبه بالراوية فأجابه:
أخبرني عمي قال حدّثني الكراني قال حدّثنا العمري عن العتبيّ والهيثم بن عديّ ولقيط [4] قالوا:
/ قال الوليد بن يزيد لحمّاد الراوية: بم استحققت هذا اللقب فقيل لك الراوية؟ فقال: بأني أروي لكل شاعر تعرفه يا أمير المؤمنين أو سمعت به، ثم أروي لأكثر منهم ممن تعرف أنك لم تعرفه ولم تسمع به، ثم لا أنشد شعرا قديما ولا [5] محدثا إلا ميّزت القديم منه من المحدث؛ فقال: إنّ هذا لعلم وأبيك كثير [6]! فكم مقدار ما تحفظ من الشعر؟ قال: كثيرا، ولكني أنشدك على كل حرف من حروف المعجم مائة/ قصيدة كبيرة سوى المقطّعات من شعر الجاهلية دون شعر الإسلام؛ قال: سأمتحنك في هذا، وأمره بالإنشاد؛ فأنشد الوليد حتى ضجر، ثم وكّل به من استحلفه أن يصدقه عنه ويستوفى عليه؛ فأنشده ألفين وتسعمائة قصيدة للجاهليين، وأخبر الوليد بذلك، فأمر له بمائة ألف درهم.
__________
[1] زيادة عن ح و «مختار الأغاني» و «تجريد الأغاني».
[2] في ب، س: «فطوحتنا».
[3] كذا في أ، ء، م. وفي سائر الأصول: «سهمان» وهو تحريف.
[4] هو أبو هلال لقيط بن بكر المحاربي الكوفي من بني محارب، من الرواة للعلم المصنفين للكتب، وكان شاعرا سيء الخلق، عاش إلى سنة تسعين ومائة، وله من الكتب: «كتاب السمر»، و «كتاب الحراب واللصوص»، و «كتاب أخبار الجن». (راجع «فهرست ابن النديم» ص 94 طبع أوروبا).
[5] كذا في أ، ء، م. وفي سائر الأصول: «شعرا لقديم ولا محدث».
[6] كذا في «تجريد الأغاني» و «مختار الأغاني». وفي الأصول: «كبير» (بالباء الموحدة) وهو تصحيف.
ما كان بينه وبين مروان بن أبي حفصة في حضرة الوليد:
أخبرني يحيى بن عليّ المنجّم قال حدّثني أبي قال حدّثني إسحاق الموصليّ عن مروان بن أبي حفصة، وأخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدّثني أبو بكر العامريّ عن الأثرم [1] عن مروان بن أبي حفصة قال:
دخلت أنا وطريح بن إسماعيل الثّقفي والحسين بن مطير الأسدي في جماعة من الشعراء على الوليد بن يزيد وهو في فرش قد غاب فيها، وإذا رجل عنده، كلّما أنشد شاعر شعرا، وقف الوليد بن يزيد على بيت بيت من شعره وقال: هذا أخذه من موضع كذا وكذا، وهذا المعنى نقله من موضع كذا وكذا من شعر فلان، حتى أتى على أكثر الشعر؛ فقلت: من هذا؟ فقالوا: حمّاد الراوية. فلما وقفت بين يدي/ الوليد أنشده قلت: ما كلام هذا في مجلس أمير المؤمنين وهو لحنة لحّانة؛ فأقبل الشيخ عليّ وقال: يابن أخي، إني رجل أكلّم العامة فأتكلم بكلامها، فهل تروي من أشعار العرب شيئا؟ فذهب عنّي الشعر كله إلا شعر ابن مقبل؛ فقلت له: نعم، شعر ابن مقبل؛ قال:
أنشد، فأنشدته قوله:
سل الدار من جنبي حبرّ فواهب ... إذا ما رأى هضب القليب المضيّح [2]
ثم جزت؛ فقال لي: قف فوقفت؛ فقال لي: ماذا يقول؟ فلم أدر ما يقول! فقال لي حماد: يابن أخي، أنا أعلم الناس بكلام العرب. يقال: تراءى الموضعان إذا تقابلا.
سأل الهيثم بن عديّ عن معنى شعر فعجز:
حدّثني عمّي قال حدّثني الكراني عن العمري عن الهيثم بن عديّ قال:
قلت لحماد الراوية يوما: ألق عليّ ما شئت من الشعر أفسّره لك؛ فضحك وقال لي: ما معنى قول ابن مزاحم [3] الثّماليّ:
تخوّف السير منها تامكا قردا ... كما تخوّف عود النّبعة السّفن [4]؟
/فلم أدر ما أقول؛ فقال: تخوّف: تنقّص. قال اللّه عزّ وجلّ: أَوْ يَاخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ
أي على تنقّص.
قال الهيثم: ما رأيت رجلا أعلم بكلام العرب من حمّاد.
__________
[1] هو أبو الحسن علي بن المغيرة صاحب الأصمعي وأبي عبيدة، روى عن جماعة من العلماء وعن فصحاء العرب، وتوفي سنة ثلاثين ومائتين. (راجع «فهرست ابن النديم» ص 56 طبع أوروبا).
[2] كذا في «معجم ما استعجم». وحبر (بكسر أوّله وثانيه وبالراء المهملة المشدّدة): جبل لبني سليم وكذلك واهب. وهضب القليب:
ماء لبني قنفذ من بني سليم، وهناك فتلت بنو قنفذ المقصص العامري. والمضيح (بضم أوّله وفتح ثانيه وتشديد الياء المثناة المفتوحة بعدها حاء مهملة): ماء لبني البكاء.
وقد ورد هذا البيت في الأصول محرّفا هكذا:
سلى الدار من خنبيّ خبير فذاهب ... إذا ما رأى هضب القليب المصبح
[3] كذا في «مختار الأغاني» وهامش «لسان العرب» (مادة سفن). وفي جميع الأصول: «مزاحم». وقد نسب هذا البيت لذي الرمة كما نسب لابن مقبل ولعبد اللّه بن عجلان النهدي. (راجع «اللسان» و «الصحاح» مادتي سفن وخوف).
[4] التامك: السنام. والقرد: المتلبد الصوف. والسفن: الحديدة التي تبرد بها القسيّ. ورواية هذا البيت في «الصحاح» (مادتي سفن وخوف):
تخوف الرحل منها ... ... ... ظهر النبعة السفن
كذب الفرزدق في شعر نسبه لنفسه فأقر:
حدّثني محمد بن خلف وكيع قال حدّثني الكرانيّ محمد بن سعد عن النّضر بن عمرو عن الوليد بن هشام عن أبيه قال:
أنشدني الفرزدق وحماد الراوية حاضر:
وكنت كذئب السّوء لمّا رأى دما ... بصاحبه يوما أحال [1] على الدم
فقال له حماد: آنت تقوله؟ قال: نعم؛ قال: ليس الأمر كذلك، هذا لرجل من أهل اليمن؛ قال: ومن يعلم هذا غيرك! أفأردت [2] أن أتركه وقد نحلنيه الناس ورووه لي لأنك تعلمه وحدك ويجهله الناس جميعا غيرك!.
كان هو وأبو عمرو كل منهما يقدم الآخر على نفسه:
حدّثني [3] محمد بن العباس اليزيديّ قال حدّثني الفضل قال حدّثني ابن النّطّاح قال حدّثني أبو عمرو الشّيباني قال:
ما سألت أبا عمرو بن العلاء قطّ عن حمّاد الراوية إلا قدّمه على نفسه، ولا سألت حمّادا عن أبي عمرو إلا قدّمه على نفسه.
هو أحد الحمادين الثلاثة:
حدّثنا إبراهيم بن أيّوب عن عبد اللّه بن مسلم، وذكر عبد اللّه بن مسلم عن الثّقفيّ/ عن إبراهيم بن عمر [و] [4] العامري قالا:
/ كان بالكوفة ثلاثة نفر يقال لهم الحمّادون: حماد عجرد، وحماد بن الزّبرقان، وحماد الراوية، يتنادمون على الشراب ويتناشدون الأشعار ويتعاشرون معاشرة جميلة، وكانوا كأنهم نفس واحدة، وكانوا يرمون بالزندقة جميعا.
كان بخيلا فداعبه مطيع وابن زياد عن سراجه:
أخبرني الحسن [5] بن يحيى المرداسيّ قال حدّثنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه قال:
دخل مطيع بن إياس ويحيى بن زياد على حماد الراوية، فإذا سراجه على ثلاث قصبات [6] قد جمع أعلاهنّ وأسفلهنّ بطين، فقال له يحيى بن زياد: يا حماد، إنك لمسرف مبتذل لحرّ المتاع؛ فقال له مطيع: ألا تبيع هذه المنارة وتشتري أقلّ ثمنا منها وتنفق علينا وعلى نفسك الباقي وتتّسع به؟ فقال له يحيى: ما أحسن ظنّك به! ومن أين له مثل هذه؟ إنما هي وديعة أو عارية؛ فقال له مطيع: أما إنه لعظيم الأمانة عند الناس! قال له يحيى: وعلى
__________
[1] أحال على الدم: أقبل عليه.
[2] في ب، س: «فأردت».
[3] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «قال حدّثني».
[4] زيادة عن م. ولا تستقيم العبارة بغير هذه الزيادة.
[5] في جميع الأصول هنا: «الحسن»، وقد مر في أكثر من موضع من الأجزاء السابقة باسم «الحسين» وفي القليل منها باسم «الحسن» ولم نوفق إلى تصويبه.
[6] في ح: «قضبات» (بالضاد المعجمة): جمع قضبة وهي القضيب أو القدح من نبع يجعل منه سهم.
عظيم أمانته فما أجهل من يخرج مثل هذه من داره ويأمن عليها غيره! قال مطيع: ما أظنها عارية ولا وديعة ولكني أظنها مرهونة عنده على مال، وإلا فمن يخرج هذه من بيته! فقال لهما حماد: قوما عني يا بني الزانيتين واخرجا من منزلي، فشرّ منكما من يدخلكما بيته.
كان منقطعا ليزيد فجفاه هشام ولما ولي الخلافة كتب ليوسف بن عمر بإرساله ليسأله عن شعر وأكرمه:
حدّثني الحسن بن علي قال حدّثنا أحمد بن عبيد وأبو عصيدة قال حدّثني محمد بن عبد الرحمن العبدي عن حميد بن محمد الكوفي عن إبراهيم بن عبد الرحمن القرشي عن محمد بن أنس، وأخبرني الحسين [1] بن يحيى عن حمّاد عن أبيه عن الهيثم بن عديّ عن حمّاد الرواية، وخبر حمّاد بن إسحاق أتمّ واللفظ له.
/ قال حماد الراوية: كان انقطاعي إلى يزيد بن عبد الملك، فكان هشام يجفوني لذلك دون سائر أهله من بني أمية في أيام يزيد، فلما مات يزيد وأفضت الخلافة إلى هشام خفته، فمكثت في بيتي سنة لا أخرج إلا لمن أثق به من إخواني سرّا؛ فلما لم أسمع أحدا يذكرني سنة أمنت فخرجت فصلّيت الجمعة، ثم جلست عند باب الفيل فإذا شرطيّان قد وقفا عليّ فقالا لي: يا حمّاد، أجب الأمير يوسف [2] بن عمر؛ فقلت في نفسي: من هذا كنت أحذر، ثم قلت للشّرطيّين: هل لكما أن تدعاني آتي أهلي فأودّعهم وداع من لا ينصرف إليهم أبدا ثم أصير معكما إليه؟ فقالا:
ما إلى ذلك من سبيل. فاستسلمت في أيديهما وصرت إلى يوسف بن عمر وهو في الإيوان [3] الأحمر، فسلّمت عليه فردّ عليّ السلام، ورمى إليّ كتابا فيه: «بسم اللّه الرحمن الرحيم. من عبد اللّه هشام أمير المؤمنين إلى يوسف بن عمر، أما بعد، فإذا قرأت كتابي هذا فابعث إلى حماد الراوية من يأتيك به غير مروّع ولا متعتع، وادفع إليه خمسمائة دينار وجملا مهريا [4] يسير عليه اثنتي عشرة ليلة إلى دمشق». فأخذت الخمسمائة الدينار، ونظرت فإذا جمل مرحول، فوضعت/ رجلي في الغرز [5] وسرت اثنتي عشرة ليلة حتى وافيت باب هشام، فاستأذنت فأذن لي، فدخلت عليه في دار قوراء [6] مفروشة بالرّخام، وهو في مجلس مفروش بالرخام، وبين كل رخامتين قضيب ذهب، وحيطانه كذلك، وهشام جالس على طنفسة حمراء وعليه ثياب خزّ حمر وقد تضمّخ بالمسك والعنبر، وبين يديه مسك مفتوت في أواني ذهب يقلّبه بيده فتفوح روائحه،/ فسلّمت فردّ عليّ، واستدناني فدنوت حتى قبّلت رجله، وإذا جاريتان لم أر قبلهما مثلهما، في أذني كلّ واحدة منهما حلقتان من ذهب فيهما لؤلؤلتان تتوقّدان؛ فقال لي:
__________
[1] كذا في أ، ء، م. وفي سائر الأصول: «الحسن». (راجع الحاشية الأولى من هذه الصفحة).
[2] يستبعد أن تكون هذه القصة مع يوسف بن عمر الثقفي لأنه لم يكن واليا بالعراق في التاريخ المذكور بل كان متوليه إذ ذاك خالد بن عبد اللّه القسري. لأن هشاما تولى الخلافة لليال بقين من شعبان سنة 105 ه. والخبر صريح في أن هذه الحادثة وقعت بعد عام من تولي هشام الخلافة وكان الوالي على العراق حينذاك القسري لا الثقفي، لأن هشاما عزل عمر بن هبيرة عن العراق وولى مكانه خالدا في شوّال سنة 105 ه، وبقي خالد واليا عليه حتى سنة 120 ه وهي السنة التي عزله فيها عنه هشام وولى مكانه يوسف بن عمر الثقفي. (راجع ابن خلكان - في ترجمتي حماد وخالد - والطبري ق 2 ص 1466).
[3] الإيوان: الصفة العظيمة كالأزج وهو البيت يبنى طولا.
[4] المهرية من الإبل: نسبة إلى مهرة بن حيدان وهو حي من قضاعة من عرب اليمن، وهي نجائب تسبق الخيل، وقيل: إنها لا تعدل بها شيء في سرعة جريانها، ومن غريب ما ينسب إليها أنها تفهم ما يراد منها بأقل أدب تعلمه، ولها أسماء إذا دعيت بها أجابت سريعا.
[5] الغرز: ركاب الرحل من جلد، فإذا كان من خشب أو من حديد فهو ركاب.
[6] قوراء: واسعة.
كيف أنت يا حماد وكيف حالك؟ فقلت بخير يا أمير المؤمنين؛ قال: أتدري فيم بعثت إليك؟ قلت: لا؛ قال: بعثت إليك لبيت خطر ببالي لم أدر من قاله؛ قلت: وما هو؟ فقال:
فدعوا بالصّبوح يوما فجاءت ... قينة في يمينها إبريق
قلت: هذا يقوله عديّ بن زيد في قصيدة له؛ قال: فأنشدنيها، فأنشدته:
بكر العاذلون في وضح الصب ... ح يقولون لي ألا تستفيق
ويلومون فيك يابنة عبد اللّ ... ه والقلب عندكم موهوق [1]
لست أدري إذ أكثروا العذل عندي ... أعدوّ يلومني أو صديق
زانها حسنها وفرع عميم ... وأثيث صلت الجبين أنيق [2]
وثنايا مفلّجات عذاب ... لا قصار ترى ولا هنّ روق [3]
فدعوا بالصّبوح يوما فجاءت ... قينة في يمينها إبريق
/ قدّمته على عقار كعين ال ... ديك صفّى سلافها الرّاووق [4]
مرّة قبل مزجها فإذا ما ... مزجت لذّ طعمها من يذوق
وطفت فوقها فقاقيع كالد ... رّ صغار يثيرها التّصفيق
ثم كان المزاج ماء سماء ... غير ما آجن ولا مطروق
قال: فطرب، ثم قال: أحسنت واللّه يا حمّاد، يا جارية اسقيه، فسقتني شربة ذهبت بثلث عقلي. وقال: أعد، فأعدت، فاستخفه الطرب حتى نزل عن فرشه، ثم قال للجارية الأخرى: اسقيه، فسقتني شربة ذهبت بثلث عقلي.
فقلت: إن سقتني الثالثة افتضحت، فقال: سل حوائجك، فقلت: كائنة ما كانت؟ قال: نعم؛ قلت: إحدى الجاريتين؛ فقال لي: هما جميعا لك بما عليهما وما لهما، ثم قال للأولى: اسقيه، فسقتني شربة سقطت معها، فلم أعقل حتى أصبحت فإذا بالجاريتين عند رأسي، وإذا عدّة من الخدم مع كل واحد منهم بدرة، فقال لي أحدهم:
أمير المؤمنين يقرأ عليك السلام ويقول لك: خذ هذه فانتفع بها، فأخذتها والجاريتين وانصرفت. هذا لفظ حمّاد عن أبيه. ولم يقل أحمد بن عبيد في خبره أنه سقاه شيئا، ولكنّه ذكر أنه طرب لإنشاده، ووهب له الجاريتين لمّا طلب إحداهما، وأنزله في دار، ثم نقله من غد إلى منزل أعدّه له، فانتقل إليه فوجد فيه الجاريتين وما لهما وكلّ ما يحتاج إليه، وأنه أقام عنده مدّة فوصل إليه مائة ألف درهم، وهذا هو الصحيح؛ لأن هشاما لم يكن يشرب ولا يسقي أحد بحضرته مسكرا، وكان ينكر ذلك ويعيبه ويعاقب عليه.
/ في أبيات عديّ المذكورة في هذا الخبر غناء، نسبته:
__________
[1] الموهوق: المشدود بالوهق، وهو الحبل المغار يرمى فيه أنشوطة فتؤخذ فيه الدابة والإنسان.
[2] الفرع: الشعر. والأثيث: الكثير، يطلق على الشعر وعلى البدن الممتلىء اللحم، وهو المراد هنا. والصلت: الواضح.
[3] روق: طوال.
[4] الراووق: المصفاة وناجود الشراب الذي يروق فيه. والناجود: الوعاء.
صوت
بكر العاذلون في وضح الصب ... ح يقولون ما له لا يفيق
/ ويلومون فيك يابنة عبد اللّ ... ه والقلب عندكم موهوق
ثم نادوا إلى الصّبوح فقامت ... قينة في يمينها إبريق
قدّمته على عقار كعين الدّ ... يك صفّى سلافها الراووق
في البيتين الأوّلين لحن من الثقيل الأوّل مختلف في صانعه، نسبه يحيى بن المكيّ إلى معبد، ونسبه الهشاميّ إلى حنين. وفي الثالث وهو «ثم نادوا» والرابع لعبد اللّه بن العباس الرّبيعيّ رمل، وفيهما خفيف رمل ينسب إلى مالك وخفيف ثقيل، ذكر [1] حبش أنه لحنين.
أجازه يوسف بن عمر بأمر الوليد وأرسله إليه مكرما:
أخبرني [2] محمد بن مزيد والحسين بن يحيى قالا حدّثنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه عن الأصمعيّ قال:
قال حماد الراوية: كتب الوليد بن يزيد وهو خليفة إلى يوسف بن عمر: احمل إليّ حمادا الراوية على ما أحبّ من دواب البريد، وأعطه عشرة آلاف درهم معونة له؛ فلما أتاه الكتاب وأنا عنده نبذه إليّ، فقلت: السمع والطاعة، فقال: يا دكين بن شجرة، أعطه عشرة آلاف درهم، فأخذتها. فلما كان اليوم الذي أردت الخروج فيه أتيت يوسف مودّعا، فقال: يا حماد، أنا بالموضع الذي قد عرفت من أمير المؤمنين، ولست مستغنيا عن ثنائك، فقلت: أصلح اللّه الأمير:/ «إنّ العوان لا تعلّم الخمرة» [3]. فخرجت حتى أتيت الوليد بن يزيد وهو بالبخراء [4]، فاستأذنت فأذن لي، فإذا هو على سرير ممهّد وعليه ثوبان: إزار ورداء يقيئان الزعفران قيئا، وإذا عنده معبد ومالك وأبو كامل مولاه، فتركني حتى سكن جأشي، ثم قال: أنشدني:
أمن المنون وريبها تتوجّع
فأنشدته إيّاها حتى أتيت على آخرها. فقال لساقيه: اسقه يا سبرة أكؤسا، فسقاني ثلاث أكؤس خدّرت ما بين الذؤابة والنعل. ثم قال: يا معبد غنّني:
ألا هل جاءك الأظعا ... ن إذ جاوزن مطّلحا [5]
فغنّاه. ثم قال: غنني:
__________
[1] في جميع الأصول: «و ذكر» ولا تستقيم العبارة بزيادة الواو.
[2] وردت هذه القصة في أخبار ابن عائشة في الجزء الثاني من هذه الطبعة مع اختلاف يسير.
[3] العوان: النصف في سنها. والخمرة: من الاختمار اسم هيئة. وهذا مثل يضرب للرجل المجرب الذي لا يحتاج إلى أن يعلم كيف يفعل.
[4] كذا في أكثر الأصول. وهي ماءة منتنة على ميلين من القليعة في طرف الحجاز. وفي سائر الأصول: «النجراء» (بنون بعدها جيم) وهو تصحيف.
[5] قال ياقوت في «معجمه» في الكلام على مطلخ: «هو موضع في قوله:
وقد جاوزن مطلحا
ولم يتعرض له بأكثر من هذا ولم نجده في غيره من المظان.
أتنسى [1] إذ تودّعنا سليمى ... بفرع بشامة، سقي البشام [2]
فغنّى. ثم قال: غنني:
جلا أميّة عنّا كلّ مظلمة ... سهل الحجاب وأوفى بالذي وعدا
/ فغنّاه. ثم قال: اسقني يا غلام بزبّ فرعون، فأتاه بقدح معوجّ فيه طول فسقاه به عشرين قدحا. ثم أتاه الحاجب فقال: أصلح اللّه أمير المؤمنين، الرجل الذي طلبت بالباب؛ فقال: أدخله، فدخل غلام شابّ لم أر أحسن منه وجها [3] في رجله فدع [4]، فقال: يا سبرة اسقه كأسا، فسقاه، ثم قال له: غنني:
وهي إذ ذاك عليها مئزر ... ولها بيت جوار من لعب
فغنّاه، فنبذ إليه أحد ثوبيه، ثم قال: غنني:
طرق الخيال فمرحبا ... ألفا برؤية زينبا
فغضب معبد وقال: يا أمير المؤمنين، إنا مقبلون إليك بأقدارنا وأسناننا، وإنك تتركنا بمزجر الكلب وأقبلت على هذا الصبي؛ فقال: واللّه يا أبا عبّاد ما جهلت قدرك ولا سنّك،/ ولكن هذا الغلام طرحني على مثل الطّياجن [5] من حرارة غنائه. فسألت عن الغلام؟ فإذا هو ابن عائشة.
كان في حانة فطلبه المنصور فجاءه وأنشده من شعر هفان بن همام:
حدّثني الحسن بن محمد المادرانيّ الكاتب قال حدّثني الرياشيّ عن العتبيّ، وأخبرني به هاشم بن محمد عن الرياشي - وليس خبره بتمام هذا - قال:
طلب المنصور حمّادا الراوية، فطلب ببغداد فلم يوجد، وسئل عنه إخوانه فعرّفوا من سألهم عنه أنه بالبصرة، فوجّهوا إليه برسول يشخصه. قال الرسول: فوجدته في حانة وهو عريان يشرب نبيذا من إجّانة [6] وعلى سوأته رأس دستجة [7]، فقلت: أجب أمير المؤمنين. فما رأيت رسالة أرفع ولا حالة أوضع من/ تلك. فأجاب، فأشخصته إليه. فلما مثل بين يديه، قال له: أنشدني شعر هفّان بن همّام بن نضلة يرثي أباه؛ فأنشده:
خليلّ عوجا إنها حاجة لنا ... على قبر همّام سقته الرواعد
على قبر من يرجى نداه ويبتغى ... جداه إذا لم يحمد الأرض رائد
__________
[1] ورد صدر هذا البيت في «اللسان» مادة «بشم» هكذا:
أتذكر يوم تصقل عارضيها
وصدر هذا البيت في التهذيب:
أتذكر إذ تودعنا سليمى
[2] البشام: شجر طيب الريح والطعم يستاك به. يعني بالبيت أنها أشارت بسواكها فكان ذلك وداعها ولم تتكلم خيفة الرقباء.
[3] في ب، س: «لم أر ... وجها من رجل في رجله ... إلخ» ولا يستقيم الكلام بهذه الزيادة.
[4] الفدع: عوج وميل في المفاصل كلها خلقة أو داء.
[5] كذا في أكثر الأصول. والطياجن: الطوابق يقلي عليها. وفي ب، س: «الطناجير» وهو تحريف.
[6] الإجانة: آنية تغسل فيها الثياب.
[7] كذا في أ، ء. والدستجة»: الإناء الكبير من الزجاج معرب: «دستة» وفي ح، م: «دسيتجة» (بالتصغير). وفي ب، س: «دستيجة» ولعلها محرفة عما في ح، م.
كريم النّثا [1] حلو الشمائل بينه ... وبين المزجّى نفنف متباعد [2]
إذا نازع القوم الأحاديث لم يكن ... عيّيا ولا ثقلا على من يقاعد
صبور على العلّات يصبح بطنه ... خميصا وآتيه على الزاد حامد
وضعنا الفتى كلّ الفتى في حفيرة ... بحرّين [3] قد راحت عليه العوائد
صريعا كنصل السيف تضرب حوله ... ترائبهنّ المعولات الفواقد [4]
قال: فبكى أبو جعفر حتى أخضل لحيته، ثم قال: هكذا كان أخي أبو العباس رضي اللّه عنه.
ذكره ابن إياس لابن الكردية فطلبه واستنشده فأنشده شعرا أغضبه فضربه:
أخبرني الحسين [5] بن يحيى المرداسيّ قال حدّثنا حماد بن إسحاق عن أبيه قال:
كان جعفر بن أبي جعفر المنصور المعروف بابن الكرديّة يستخفّ مطيع بن إياس ويحبه، وكان منقطعا إليه وله معه منزلة حسنة، فذكر له حمادا الراوية،/ وكان صديقه، وكان مطّرحا مجفوّا في أيامهم، فقال: ائتنا به لنراه.
فأتى مطيع حمّادا فأخبره بذلك وأمره بالمسير معه إليه؛ فقال له حماد: دعني فإن دولتي كانت مع بني أمية ومالي عند هؤلاء خير، فأبى مطيع إلّا الذهاب إليه، فاستعار حماد سوادا وسيفا ثم أتاه، ثم مضى به مطيع إلى جعفر. فلما دخل عليه سلّم عليه سلاما حسنا وأثنى عليه وذكر فضله؛ فردّ عليه وأمره بالجلوس فجلس. فقال جعفر: أنشدني؛ فقال: لمن أيها الأمير؟ ألشاعر بعينه أم لمن حضر؟ قال: بل أنشدني لجرير. قال حمّاد: فسلخ واللّه شعر جرير كلّه من قلبي إلا قوله:
بان الخليط برامتين [6] فودّعوا ... أو كلّما اعتزموا [7] لبين تجزع
فاندفعت فأنشدته إياه، حتى انتهيت إلى قوله:
وتقول بوزع قد دببت على العصا ... هلّا هزئت بغيرنا يا بوزع
قال حماد: فقال لي جعفر: أعد هذا البيت، فأعدته؛ فقال: بوزع، أيّ شيء هو؟ فقلت: اسم امرأة؛ فقال:
امرأة اسمها بوزع! هو بريء من اللّه ورسوله ونفيّ من العباس بن عبد المطلب إن كانت بوزع إلا غولا من الغيلان! تركتني واللّه يا هذا لا أنام الليلة من فزع بوزع؛/ يا غلمان! قفاه؛ فصفعت واللّه حتى لم أدر أين أنا؛ ثم قال: جرّوا
__________
[1] النثا (بالتحريك والقصر): ما أخبرت به عن الرجل من حسن أو سيء. وفي الأصول: «الثنا».
[2] المزجى: الضعيف. وسمى مزجى لتأخره وحاجتهم إلى تزجيته واستحثاثه فيما يعن. والنفنف: المهواة بين الجبلين.
[3] كذا في ب، س. وحرين (بالضم ثم الكسر والتشديد وآخره نون): بلد قرب آمد. وفي سائر الأصول: «بجوءين» ولم نجد بلدا بهذا الاسم في المظان التي بين أيدينا.
[4] الترائب: عظام الصدر، واحدها تريبة. والفواقد: من فقدن أزواجهن أو أولادهن.
[5] في جميع الأصول هنا: «الحسين» ويلاحظ أن هذا الاسم ورد مضطربا فيما مر من الكتاب بين: «الحسن» و «الحسين» ولم نوفق إلى مرجع نرجح به إحدى الروايتين.
[6] رامتين: تثنية رامة، وكثير من أسماء المواضع يأتي في الشعر مفردا ومثنى ومجموعا فحسب الضرورة الشعرية. ورامة: منزل بينه وبين الرمادة ليلة في طريق البصرة إلى مكة ومنه إلى إمرة. وهي آخر بلاد بني تميم، وبين رامة وبين البصرة اثنتا عشرة مرحلة، وقيل هي هضبة أو جبل لبني دارم.
[7] في «النقائض» (ص 961 طبع أوروبا): «رفعوا». ورفع القوم: أصعدوا في البلاد.
برجله: فجرّوا برجلي حتى أخرجت من بين يديه مسحوبا، فتخرّق السواد وانكسر جفن السيف ولقيت شرا عظيما مما جرى عليّ؛ وكان أغلظ من ذلك كلّه وأشدّ بلاء إغرامي ثمن السّواد وجفن السيف؛ فلما/ انصرفت أتاني مطيع يتوجّع لي؛ فقلت له: ألم أخبرك أني لا أصيب منهم خيرا وأنّ حظّي قد مضى مع بني أمية!.
حديثه مع مأبون:
حدّثني جعفر بن قدامة قال حدّثني أحمد بن أبي طاهر قال:
بلغني أن رجلا تحدّث في مجلس حماد الراوية فقال: بلغني أن المأبون له رحم كرحم المرأة - قال: وكان الرجل يرمى بهذا الداء - فقال حماد لغلامه: اكتب هذا الخبر عن الشيخ، فإن خير العلم ما حمل عن أهله.
كتب إلى بعض الأشراف شعرا يسأله جبة فأرسلها إليه:
قال: وكتب حماد الراوية إلى بعض الأشراف الرؤساء قال:
إن لي حاجة فرأيك فيها ... لك نفسي فدّى من الأوصاب
وهي ليست مما يبلّغها [1] غي ... ري ولا يستطيعها في كتاب
غير أنّي أقولها حين ألقا ... ك رويدا أسرّها في حجاب
فكتب إليه الرجل: اكتب إليّ بحاجتك ولا تشهرني بشعرك؛ فكتب إليه حماد:
إنني عاشق لجبّتك الدّك ... ناء عشقا قد حال دون الشراب
فاكسنيها فدتك نفسي وأهلي ... أتباهى بها على الأصحاب
ولك اللّه والأمانة أن أج ... علها عمرها أمير ثيابي
فبعث إليه بها. وقد رويت هذه القصة لمطيع بن إياس.
هو والخزيمي وغلام أمرد:
أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد بن إسحاق عن أبيه قال حدّثني أبو يعقوب الخزيميّ [2] قال:
/ كنت في مجلس فيه حماد عجرد وحماد الرواية ومعنا غلام أمرد، فنظر إليه حماد الراوية نظرا شديدا وقال لي: يا أبا يعقوب، قد عزمت الليلة على أن أدبّ على هذا الغلام؛ فقلت: شأنك به؛ ثم نمنا، فلم أشعر بشيء إلا وحماد ينيكني، وإذا أنا قد غلطت ونمت في موضع الغلام، فكرهت أن أتكلّم فينتبه الناس فأفتضح وأبطل عليه ما أراد، فأخذت بيده فوضعتها على عيني العوراء ليعرفني؛ فقال: قد عرفت الآن، فيكون ماذا! وفديناه بذبح عظيم.
قال: وما برح [3] علم اللّه وأنا أعالجه جهدي فلا ينفعني حتى أنزل.
__________
[1] كذا في «مختار الأغاني» و «تجريد الأغاني». وفي الأصول: «يبلغه».
[2] الخزيمي: هو إسحاق بن حسان، ويكنى أبا يعقوب. وقد ورد في «الشعر والشعراء» باسم الخريمي (بالراء). والظاهر أن هذه الرواية أصح لأنه كان مولى ابن خريم الذي يقال لأبيه: خريم الناعم وهو خريم بن عمرو من بني مرة (راجع «الشعر والشعراء» ص 542 طبع ليدن والكامل للمبرد ص 328 طبع أوروبا).
[3] في جميع الأصول: «قال: وما علم اللّه برح ... إلخ» وهو خطأ يحتمل أن يكون من الناسخ، إذ لا يصح الفصل بين ما النافية والأفعال الناقصة، لأن ما لما لزمت هذه الأفعال وصارت معها بمعنى الإثبات صارت كجزئها.
أهدى إلى صديق له غلاما:
قال إسحاق:
وأهدى حماد إلى صديق له غلاما وكتب إليه: قد بعثت إليك غلاما تتعلم عليه كظم الغيظ.
ستهدي نبيذا من صديق له فأجابه:
قال:
واستهدى من صديق له نبيذا فأهدى إليه دسيتجة نبيذ. فكتب إليه: لو عرفت في العدد أقلّ من واحد، وفي الألوان شرّا من السواد، لأهديته إليّ.
رد على مغنية أخطأت في شعر:
قال:
وسمع مغنية تغني:
عاد قلبي من الطويلة عاد
فقال: وثمود، فإن اللّه عزّ وجلّ لم يفرق بينهما. والشعر:
عاد قلبي من الطويلة عيد [1]
أنشده رجل شعرا فأنكره عليه وقال اهجني فهجاه:
أخبرني أبو الحسن الأسدي قال حدّثنا الرّياشيّ قال حدّثني أبو عثمان اللاحقي، وأخبرني به محمد بن مزيد عن حماد عن أبيه عن محمد بن سلّام عن بشر بن المفضّل بن لاحق قال:
جاء رجل إلى حمّاد الراوية فأنشده شعرا وقال: أنا قلته؛ فقال له أنت لا تقول مثل هذا، هذا ليس لك، وإن كنت صادقا فاهجني. فذهب ثم عاد إليه فقال له: قد قلت فيك:
/سيعلم حمّاد إذا ما هجوته ... أأنتحل الأشعار أم أنا شاعر
ألم تر حمادا تقدّم بطنه ... وأخّر عنه ما تجنّ المآزر
فليس براء خصيتيه ولو جثا ... لركبته، مادام للزيت عاصر
فيا ليته أمسى قعيدة بيته ... له بعل صدق كومه [2] متواتر
فحماد نعم العرس للمرء يبتغي الن ... كاح وبئس المرء فيمن يفاخر
فقال حماد: حسبنا، عافاك اللّه، هذا المقدار وحسبك! قد علمنا أنك شاعر وأنك قائل الشعر الأول وأجود منه، وأحب أن تكتم هذا الشعر ولا تذيعه فتفضحني؛ فقال له: قد كنت غنيّا عن هذا. وانصرف الرجل وجعل حماد يقول: أسمعتم أعجب مما جررت على نفسي من البلاء!.
__________
[1] هذا الشعر للمفضل. وأراد بالطويلة روضة بالصمان عرضها ميل في طول ثلاثة أميال. والعيد: ما يعتاد من نوب وشوق وهم.
[2] الكوم: النكاح.
عاب شعرا لأبي الغول فهجاه:
حدّثني الأسدي أبو الحسن قال حدّثنا الرّياشي قال حدّثنا أبو عبد اللّه الفهميّ قال:
عاب حمّاد الراوية شعرا لأبي [1] الغول فقال يهجوه:
/نعم الفتى لو كان يعرف ربّه ... ويقيم وقت صلاته حماد
هدلت مشافره الدّنان فأنفه ... مثل القدوم يسنّها الحدّاد
وابيض من شرب المدامة وجهه ... فبياضه يوم الحساب سواد
لا يعجبنّك بزّه وثيابه ... إن اليهود ترى لها أجلاد [2]
حمّاد يا ضبعا تجرّ جعارها [3] ... أخنى [4] لها بالقريتين جراد
سبعا يلاعبها ابنها وبناتها ... ولها من الخرق الكبار وساد [5]
قال معنى قوله:
أخنى لها بالقريتين جراد
هو مثل قول العرب للضّبع: خامري [6] أمّ عامر، أبشري بجراد عظال [7] وكمر رجال؛ فإن الضبع تجيء إلى القتيل وقد استلقى على قفاه، وانتفخ غرموله فكان كالمنعظ، فتحتكّ به وتحيض من الشهوة، فيثب عليها الذئب حينئذ فتلد منه السّمع، وهو دابة، لا يولد له مثل البغل. وفي مثل هذا المعنى يقول الشّنفري [8] الأزدي.
/تضحك الضّبع لقتلى هذيل ... وترى الذئب لها يستهلّ [9]
تضحك [10]: تحيض.
__________
[1] نسبت هذه الأبيات لحماد بن الزبرقان كما نسبت لبشار بن برد يهجو بها حماد عجرد (راجع «الحيوان» للجاحظ ج 4 ص 142 طبع الساسي. وابن خلكان في ترجمة حماد عجرد).
[2] أجلاد الإنسان: جماعة شخصه أو جسمه وبدنه، يقال فلان عظيم الأجلاد إذا كان ضخما قوي الأعضاء والجسم.
[3] الجعار: جمع جعر (بفتح فسكون)، والجعر: نحو كل ذات مخلب من السباع. وجعار (كقطام): اسم للضبع لكثرة جعرها.
[4] كذا في ب، س. وأخنى الجراد: كثر بيضه. وقد وردت هذه الكلمة في سائر الأصول محرفة.
[5] كذا ورد هذا البيت في جميع الأصول وهو غير ظاهر المعنى.
[6] خامري: استترى. وأم عامر: الضبع، وهي كما زعموا من أحمق الدواب لأنهم إذا أرادوا صيدها رموا في حجرها بحجر فتحسبه شيئا تصيده فتخرج لتأخذه فتصاد عند ذلك. ويقال لها: أبشري بجراد عظال وكمر رجال، فلا يزال يقال لها ذلك حتى يدخل عليها رجل فيربط يديها ورجليها ثم يجرها. يضرب هذا المثل لمن يرتاع من كل شيء جبنا وقيل هو مثل لمن عرف الدنيا ثم يسكن إليها مع ما علم من عادتها كما تغتر الضبع بقول القائل: خامري أم عامر.
[7] الجراد العظال: الذي ركب بعضه بعضا كثرة.
[8] في نسبة القصيدة التي منها هذا البيت للشنفري خلاف، فقيل إنها لتأبط شرا، وقيل لابن أخته، كما رجح أن تكون لخلف الأحمر (راجع «شرح أشعار الحماسة» للتبريزي ص 382 طبع أوروبا).
[9] يستهل: يصيح ويستغوي الذئاب. واستهل الصبي بالبكاء: رفع صوته وصاح عند الولادة وكل شيء ارتفع صوته فقد استهل.
[10] قال التبريزي في «شرح الحماسة» في التعليق على هذا البيت: «قول من قال تضحك بمعنى تحيض ليس بشي ء». وفي «لسان العرب» مادة ضحك في الكلام على هذا البيت: «قال أبو العباس: تضحك هاهنا: تكشر وذلك أن الذئب ينازعها على القتيل فتكشر في وجهه وعيدا فيتركها مع لحم القتيل ويمر ... وقال ابن الأعرابي: أي أن الضبع إذا أكلت لحوم الناس أو شربت دماءهم طمثت؛ وكان ابن دريد يردّ هذا ويقول: من شاهد الضباع عند حيضها فيعلم أنها تحيض، وإنما أراد الشاعر أنها تكشر لأكل اللحوم، وقيل
كان لصا ثم تاب وطلب الأدب والشعر:
وقال ابن النطّاح:
كان حمّاد الراوية في أوّل أمره يتشطّر ويصحب الصعاليك واللصوص، فنقب ليلة على رجل فأخذ ماله وكان فيه جزء من شعر الأنصار، فقرأه حماد فاستحلاه وتحفّظه، ثم طلب الأدب والشعر وأيام الناس ولغات العرب بعد ذلك، وترك ما كان عليه فبلغ في العلم ما بلغ.
استنشده المهدي أحسن أبيات في السكر ثم أجازه:
حدّثنا محمد بن العباس اليزيديّ قال حدّثني عمّي الفضل عن أبيه عن جدّه عن حمّاد الراوية قال:
دخلت على المهديّ فقال: أنشدني أحسن أبيات قيلت في السّكر، ولك عشرة آلاف درهم وخلعتان [1] من كسوة الشتاء والصيف؛ فأنشدته قول الأخطل [2]:
/ترى الزّجاج ولم يطمث [3] يطيف به ... كأنه من دم الأجواف مختضب
حتى إذا افتضّ ماء المزن عذرتها ... راح الزجاج وفي ألوانه صهب
/ تنزو إذا شجّها بالماء مازجها ... نزو الجنادب في رمضاء تلتهب [4]
راحوا وهم يحسبون الأرض في فلك ... إن صرّعوا وقت الراحات والرّكب
فقال لي: أحسنت وأمر لي بما شرطه ووعدني به فأخذته.
مدح بلال بن أبي بردة فأنكر ذو الرمة أنه شعره:
حدّثني اليزيديّ قال حدّثني عمي عبيد اللّه قال حدّثني سليمان بن أبي شيخ قال حدّثني صالح بن سليمان قال:
قدم حمّاد الراوية على بلال بن أبي بردة البصرة، وعند بلال ذو الرّمّة، فأنشده حماد شعرا مدحه به؛ فقال بلال لذي الرّمّة: كيف ترى هذا الشعر؟ قال: جيّدا وليس له؛ قال: فمن يقوله؟ قال: لا أدري إلا أنه لم يقله؛ فلما قضى بلال حوائج حماد وأجازه، قال له: إن لي إليك حاجة؛ قال: هي مقضية؛ قال: أنت قلت ذلك الشعر؟ قال:
لا؛ قال: فمن يقوله؟ قال: بعض شعراء الجاهلية، وهو شعر قديم وما يرويه غيري؛ قال: فمن أين علم ذو الرمة أنه ليس من قولك؟ قال: عرف كلام أهل الجاهلية من كلام أهل الإسلام.
__________
معناه أنها تستبشر بالقتلى إذا أكلتهم فيهر بعضها على بعض فجعل هريرها ضحكا، وقيل أراد أنها تسرّبهم فجعل السرور ضحكا لأن الضحك إنما يكون منه». اه ببعض تصرف.
[1] كذا في ب، س. وفي سائر الأصول: «و خلعتان وكسوة ... إلخ».
[2] لم نجد هذه الأبيات بين شعر الأخطل المجموع في دواوينه الثلاثة التي نشر الأوّل منها المرحوم الدكتور أو جينوس غرّفيني الميلاني.
الإيطالي مدير مكتبة جلالة ملك مصر سابقا (و هو محفوظ بدار الكتب المصرية تحت رقم 2023 أدب) ونشر الثاني والثالث منها الأب أنطون صالحاني اليسوعي (و هما محفوظان بدار الكتب المصرية تحت رقمي: 3937، 1102 أدب). وجميعها طبع بيروت.
[3] الطمث: المس. قال تعالى: لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ*
يريد أنه لم يفرّع ولم يمسسه إنسان.
[4] تنزو: تثب وذلك إذا مزجت. وشجها: مزجها. والجنادب: ضرب من الجراد. والرمضاء: الأرض الحارة الحامية من شدّة حر الشمس.
أنشد بلالا شعرا في مدح أبي موسى نسبه للحطيئة:
قال صالح:
وأنشد حمّاد الراوية بلال بن أبي بردة ذات يوم قصيدة قالها ونحلها الحطيئة يمدح أبا موسى الأشعري يقول فيها:
/جمعت [1] من عامر فيها ومن جشم ... ومن تميم ومن حاء ومن حام
مستحقبات رواياها جحافلها ... يسمو بها أشعريّ طرفه سامي
فقال له بلال: قد علمت أن هذا شيء قلته أنت ونسبته إلى الحطيئة، وإلا فهل كان يجوز أن يمدح الحطيئة أبا موسى بشيء لا أعرفه أنا ولا أرويه! ولكن دعها تذهب في الناس وسيّرها حتى تشتهر، ووصله.
يرى المفضل الضبي أنه أفسد شعر العرب بتخليطه ونحله شعره للقدماء:
أخبرني محمد بن خلف وكيع قال سمعت أحمد بن الحارث الخرّاز يقول سمعت ابن الأعرابي يقول سمعت المفضّل الضّبيّ يقول:
قد سلّط على الشعر من حماد الراوية ما أفسده فلا يصلح أبدا. فقيل له: وكيف ذلك؟ أيخطىء في روايته أم يلحن؟ قال: ليته كان كذلك، فإن أهل العلم يردّون من أخطأ إلى الصواب، لا ولكنه رجل عالم بلغات العرب وأشعارها، ومذاهب الشعراء ومعانيهم، فلا يزال يقول الشعر يشبه به مذهب رجل ويدخله في شعره، ويحمل ذلك عنه في الآفاق، فتختلط أشعار القدماء ولا يتميز الصحيح منها إلا عند عالم ناقد، وأين ذلك!.
اجتمع مع المفضل الضبي عند المهدي فأجازه لجودة شعره وأبطل روايته:
أخبرني رضوان بن أحمد الصّيدلانيّ قال حدّثنا يوسف بن إبراهيم قال حدّثني أبو إسحاق إبراهيم بن المهدي قال حدّثني السّعيدي الراوية وأبو إياد المؤدّب - وكان مؤدّبي ثم أدّب المعتصم بعد ذلك وقد تعالت سنّه - وحدّثني بنحو من ذلك عبد اللّه بن مالك وسعيد بن سلم [2] وحدّثني به ابن غزالة أيضا واتفقوا عليه:
/ أنهم كانوا في دار أمير المؤمنين المهدي [3] بعيسا باذ، وقد اجتمع فيها عدّة من الرواة والعلماء بأيام العرب وآدابها وأشعارها ولغاتها، إذ خرج بعض أصحاب الحاجب، فدعا بالمفضّل الضّبّي الراوية فدخل، فمكث مليّا ثم خرج إلينا ومعه حمّاد والمفضّل جميعا وقد بان في وجه حماد الانكسار والغم، وفي وجه المفضّل السرور والنشاط، ثم خرج حسين الخادم معهما [4]، فقال يا معشر من حضر من أهل العلم: إن أمير المؤمنين يعلمكم أنه قد وصل حمادا الشاعر بعشرين ألف درهم لجودة شعره وأبطل روايته لزيادته في أشعار/ الناس ما ليس منها، ووصل المفضّل بخمسين ألفا لصدقه وصحة روايته، فمن أراد أن يسمع شعرا جيدا محدثا فليسمع من حماد، ومن
__________
[1] تقدّم شرح هذين البيتين في الجزء الثاني من هذه الطبعة (في الحواشي 4، 5، 6 ص 175 والحواشي 1، 2، 3 ص 176).
[2] كذا في ح. ولعله سعيد بن سلم الباهلي أبو عمرو وقد كان معاصرا لعبد اللّه بن مالك الخزاعي. وفي ب، س: «سعيد بن مسلم».
وفي سائر الأصول: «سعيد بن سليم».
[3] عيسا باذ: أي عمارة عيسى، لأن كلمة «باذ» فارسية معناها عمارة، وهذه محلة كانت شرقي بغداد ومنسوبة إلى عيسى بن المهدي وكانت إقطاعا له. وبها مات موسى بن المهدي بن الهادي. وبها بنى المهدي قصره الذي سماه قصر السلام.
[4] كذا في جميع الأصول. ولعل هذه الكلمة مقحمة أو محرّفة عن «بعدهما».
أراد رواية صحيحة فليأخذها عن المفضّل؛ فسألنا عن السبب فأخبرنا أن المهديّ قال للمفضل لما دعا به وحده: إني رأيت زهير بن أبي سلمى افتتح قصيدته بأن قال:
دع ذا وعدّ القول في هرم
ولم يتقدّم له قبل ذلك قول، فما الذي أمر نفسه بتركه؟ فقال له المفضّل: ما سمعت يا أمير المؤمنين في هذا شيئا إلا أنّي توهمته كان يفكّر في قول يقوله، أو يروّي في أن يقول شعرا فعدل عنه إلى مدح هرم وقال دع ذا، أو كان مفكرا في شيء من شأنه فتركه وقال دع ذا، أي دع ما أنت فيه من الفكر وعدّ القول في هرم؛ فأمسك عنه. ثم دعا بحماد فسأله عن مثل ما سأل عنه المفضّل، فقال ليس هكذا قال زهير يا أمير المؤمنين؛ قال فكيف قال؟
فأنشده:
/لمن الديار بقنّة [1] الحجر ... أقوين مذ [2] حجج ومذ [2] دهر
قفر بمندفع النحائت [3] من ... ضفوى [4] أولات [5] الضّال والسّدر [6]
دع ذا وعدّ القول في هرم ... خير الكهول [7] وسيّد الحضر
قال: فأطرق المهديّ ساعة، ثم أقبل على حماد فقال له: قد بلغ أمير المؤمنين عنك خبر لابد من استحلافك عليه، ثم استحلفه بأيمان البيعة وكل يمين محرجة ليصدقنّه عن كل ما يسأله عنه، فحلف له بما توثّق منه. قال له:
اصدقني عن حال هذه الأبيات ومن أضافها إلى زهير؛ فأقرّ له حينئذ أنه قائلها؛ فأمر [8] فيه وفي المفضّل بما أمر به من شهرة أمرهما وكشفه.
سأله الوليد عن مقدار روايته واستنشده شعرا في الخمر وأجازه:
أخبرني الحسين بن القاسم الكوكبيّ قال حدّثنا أحمد بن عبيد قال حدّثنا الأصمعيّ قال:
قال حماد الراوية: أرسل إليّ أمير الكوفة فقال لي: قد أتاني كتاب أمير المؤمنين الوليد بن يزيد يأمرني بحملك. فجملت فقدمت عليه وهو في الصيد، فلما/ رجع أذن لي، فدخلت عليه وهو في بيت منجّد [9] بالأرمنيّ [10] أرضه وحيطانه؛ فقال لي: أنت حماد الراوية؟ فقلت له: إن الناس ليقولون ذلك؛ قال: فما بلغ من روايتك؟ قلت: أروي سبعمائة قصيدة أوّل كلّ واحدة منها: بانت سعاد؛ فقال: إنها لرواية! ثم دعا بشراب فأتته
__________
[1] القنة: أعلى الجبل، وأراد بها هنا ما أشرف على الأرض. والحجر: موضع بعينه وهو حجر اليمامة.
[2] كذا في ب، س. وفي سائر الأصول وديوانه: «من» وهي بمعنى مذ.
[3] كذا في «ديوانه». والنحائت: آبار في موضع معروف. وليس كل الآبار تسمى النحائت. وفي جميع الأصول: «النجائب» وهو تصحيف.
[4] كذا في «ديوانه». وضفوى (بالفتح ثم السكون وفتح الواو والقصر. ورواه ابن دريد بفتحتين): مكان دون المدينة. وقد وردت هذه الكلمة في جميع الأصول محرفة.
[5] في ب، س: «ألاف».
[6] الضال: السدر البري فإن نبت على شطوط الأنهار فهو عبري. وكأنه أراد بالسدر ما كان غير بري فلذلك عطفه على الضال.
[7] في «ديوانه»: «البداة».
[8] كذا في «تجريد الأغاني» و «مختار الأغاني». وفي الأصول: «فأمر له فيه ... إلخ».
[9] المنجد: المزين.
[10] لعله يريد به نوعا من الحرير منسوبا إلى أرمن وهي إقليم جبلي من أذربيجان اشتهر بصناعة الحرير.
جارية بكأس وإبريق فصبّت في الكأس ثم مزجته حتى رأيت له حبابا؛ فقال: أنشدني في مثل هذه؛ فقلت:
يا أمير المؤمنين، هي كما قال عدي بن زيد:
بكر العاذلون في وضح الصب ... ح يقولون لي ألا تستفيق
ثم ثاروا إلى الصّبوح فقامت ... قينة في يمينها إبريق
قدّمته على سلاف كريح ال ... مسك صفّى سلافها الرّاووق
فترى فوقها فقاقيع كاليا ... قوت يجري خلالها التصفيق [1]
قال: فشربها ولم يزل يستعيدني الأبيات ويشرب عليها حتى سكر؛ ثم قام فتناول مرفقة من تلك المرافق فجعلها على رأسه ونادى: من يشتري لحوم البقر؟ ثم قال لي: يا حماد، دونك ما في البيت فهو لك؛ فكان أوّل مال تأثّلته [2].
حمقه خلف الأحمر وطعن في روايته:
حدّثني هاشم بن محمد الخزاعي قال/ حدّثنا دماذ [3] عن أبي عبيدة قال:
قال خلف: كنت آخذ من حماد الراوية الصحيح من أشعار العرب وأعطيه المنحول، فيقبل ذلك مني ويدخله في أشعارها. وكان فيه حمق.
أنشد زيادا شعرا للأعشى فيه اسم أمه فغضب:
أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدّثنا أحمد بن الهيثم بن فراس قال حدّثني العمريّ عن الهيثم بن عديّ قال حدّثني المسور العنزيّ - وكان من رواة العرب وكان أسنّ من سماك بن حرب - [عن حماد] [4] قال:
دخلت على زياد [5] فقال لي: أنشدني؛ فقلت: من شعر من أيها الأمير؟ قال: من شعر الأعشى؛ فأنشدته:
بكرت سميّة غدوة أجمالها
قال: فما أتممت القصيدة حتى تبيّنت الغضب في وجهه؛ وقال الحاجب للناس: ارتفعوا؛ فقاموا؛ ثم لم أعد واللّه إليه. قال حماد: فكنت بعد ذلك إذا استنشدني خليفة أو أمير تنّبهت قبل أن أنشده لئلا يكون في القصيدة اسم أمّ له أو ابنة أو أخت أو زوجة.
سأله الوليد عن سبب تسميته بالراوية فأجابه:
أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدّثنا أحمد بن الحارث الخرّاز عن المدائنيّ قال:
قال الوليد بن يزيد لحمّاد الراوية: لم سمّيت الراوية؟ وما بلغ من حفظك حتى استحققت هذا الاسم؟ فقال
__________
[1] مر هذا البيت في ترجمة حماد هذه (ص 77) على غير هذه الرواية.
[2] تأثل المال: اكتسبه.
[3] دماذ: هو أبو غسان رفيع بن سلمة صاحب أبي عبيدة. ودماذ لقب كان ينبز به.
[4] زيادة يقتضيها السياق.
[5] هو زياد ابن أبيه، وأمه سمية.
له: يا أمير المؤمنين، إن كلام العرب يجري على ثمانية وعشرين حرفا، أنا أنشدك على كل حرف منها مائة قصيدة؛ فقال: إنّ هذا لحفظ! هات، فاندفع ينشد حتى ملّ الوليد، ثم استخلف على الاستماع منه خليفة حتى وفّاه ما قال؛ فأحسن الوليد صلته وصرفه.
أمر الوليد يوسف بن عمر بإرساله إليه واستنشده شعرا في الخمر:
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثني الحسين بن [1] محمد بن أبي طالب الدّيناريّ قال حدّثني إسحاق الموصليّ قال:
قال حماد الراوية: أرسل الوليد بن يزيد إليّ بمائتي دينار، وأمر يوسف بن عمر بحملي إليه على البريد. قال فقلت: لا يسألني إلا عن طرفيه قريش وثقيف، فنظرت في كتابي قريش وثقيف. فلما قدمت عليه سألني عن أشعار بليّ، فأنشدته منها ما استحسنه [2]؛ ثم قال: أنشدني في الشراب - وعنده وجوه من أهل الشام - فأنشدته:
اصبح القوم قهوة ... في أباريق تحتذى
من كميت [3] مدامة ... حبّذا تلك حبذا
يترك الأذن شربها ... أرجوانا بها خذا
فقال: أعدها، فأعدتها؛ فقال لخدمه: خذوا آذان القوم، فأتينا بالشراب فسقينا حتى ما درينا متى نقلنا؛ قال:
ثم حملنا وطرحنا في دار الضّيفان، فما أيقظنا إلا حرّ الشمس. وجعل شيخ من أهل الشأم يشتمني ويقول: فعل اللّه بك وفعل، أنت الذي صنعت بنا هذا.
أنشده الطرماح شعرا فزاد فيه وادّعاه لنفسه:
أخبرني هاشم بن محمد الخزاعيّ قال حدّثنا أبو غسّان دماذ قال حدّثني أبو عبيدة قال حدّثني يحيى بن صبيرة بن الطّرمّاح بن حكيم عن أبيه عن جدّه الطّرمّاح قال:
أنشدت حمّادا الراوية في مسجد الكوفة [4] - وكان أذكى الناس وأحفظهم - قولي:
/بان الخليط بسحرة [5] فتبدّدوا
وهي ستون بيتا، فسكت ساعة ولا أدري ما يريد ثم أقبل عليّ فقال: أهذه لك؟ قلت: نعم؛ قال: ليس الأمر كما تقول، ثم ردّها عليّ كلّها وزيادة عشرين بيتا زادها فيها في وقته؛ فقلت له: ويحك! إن هذا الشعر قلته منذ أيام ما اطلع/ عليه أحد؛ قال: قد واللّه قلت أنا هذا الشعر منذ عشرين سنة وإلا فعليّ وعليّ؛ فقلت: للّه على حجّة حافيا راجلا إن جالستك بعد هذا أبدا؛ فأخذ قبضة من حصى المسجد وقال: للّه عليّ بكل حصاة من هذا الحصى
__________
[1] راجع الحاشية (رقم 2 ص 319 ج 5) من هذه الطبعة.
[2] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «ما أحسنته».
[3] الكميت: الخمر التي تضرب حمرتها إلى السواد.
[4] هذه الكلمة زيادة عن ب، س و «مختار الأغاني» و «خزانة الأدب».
[5] السحرة (كظلمة): السحر الأعلى أي أوّل السحر.
مائة حجّة إن كنت أبالي؛ فقلت: أنت رجل ماجن والكلام معك ضائع ثم انصرفت. قال دماذ: وكان أبو عبيدة والأصمعي ينشدان بيتي الطّرمّاح في هذه القصيدة وهما:
مجتاب حلّة برجد لسراته ... قددا وأخلف ما سواه البرجد [1]
يبدو وتضمره البلاد كأنه ... سيف على شرف يسلّ ويغمد
وكانا يقولان: هذا أشعر الناس في هذين [البيتين] [2].
__________
[1] هذان البيتان في وصف ثور. يقال: اجتاب القميص: لبسه. والبرجد: كساء من صوف أحمر، وقيل: هو كساء غليظ، أو هو كساء مخطط ضخم يصلح للخباء. وسراته: ظهره.
[2] زيادة عن أ، ء.
7 - أخبار عبادل ونسبه
نسبه ومنزلته من الغناء:
عبادل بن عطيّة مولى قريش، مكّيّ، مغنّ محسن متقدّم من الطبقة الثانية التي منها يونس الكاتب وسياط ودحمان. وكان حسن الوجه، نظيف الثياب ظريفا، ولم يفارق الحجاز ولا وفد إلى ملوك بني أمية كما وفد غيره من طبقته ومن [1] هو فوقها. ويقال إنه كان مقبول الشهادة.
صفته، وكان يغني مشيخة قريش وله صنعة كثيرة:
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثني هارون بن محمد بن عبد الملك قال حدّثنا حمّاد عن [2] ابن أبي جناح [3] قال:
كان عبادل بن عطية سريّا نبيلا نظيفا [4] ساكن الطّرف حسن العشرة، وكان يعاشر مشيخة قريش وجلّة أحداثها، فإذا أرادوا [5] الغناء منه غنّى فأحسن وأطرب. وكانت له صنعة كثيرة.
منها:
تقول يا عمّتا كفّي جوانبه ... ويلي بليت وأبلى جيدي الشّعر
ومنها:
أمن حذر البين ما ترقد ... ودمعك يجري فما يجمد
/ ومنها:
إني استحيتك أن أفوه بحاجتي ... فإذا قرأت صحيفتي فتفهّم
ومنها:
قولا لنائل ما تقضين في رجل ... يهوى هواك وما جنّبته [6] اجتنبا
ومنها:
علام ترين اليوم قتلي لديكم ... حلالا بلا ذنب وقتلي محرّم
[قال] [7]: وكانوا يقولون له: ألا تكثر الصنعة؟ فيقول: بأبي أنتم، إنما أنحته من صخر، ومن أكثر أرذل.
__________
[1] في ح: «و من دونها ومن فوقها».
[2] كذا في ح. والمعروف أن هارون بن محمد يروى عن حماد بن إسحاق وحماد عن أبيه وهذا عن ابن أبي جناح، ولم تعرف لحماد رواية عن ابن أبي جناح مباشرة. وفي سائر الأصول: «حماد بن أبي جناح» وهو خطأ.
[3] ورد هذا الاسم فيما مر من الكتاب مضطربا بين: «ابن أبي جناح» و «ابن جناح» ولم نوفق إلى ترجيح إحدى الروايتين على الأخرى.
[4] في ح: «ظريفا».
[5] في أ، ح، ء: «فإذا أراد الغناء أو سئل غنى ... إلخ».
[6] جنبه (بالتضعيف) كتجانبه واجتنبه وتجنبه وجانبه.
[7] زيادة عن ح.
نسبة هذه الأصوات
صوت
أمن حذر البين ما ترقد ... ودمعك يجري فما يجمد
دعاني إلى الحين فاقتادني ... فؤاد إلى شقوتي يعمد
فلو أن قلبي صحا وارعوى ... لكان له عنكم مقعد
يبيد الزّمان وحبّي لكم ... يزيد خبالا وما ينفد
الغناء لعبادل ثقيل أوّل بالسبابة والوسطى عن ابن المكّيّ. وفيه لإبراهيم خفيف ثقيل.
/ ومنها:
صوت
إني استحيتك أن أفوه بحاجتي ... فإذا قرأت صحيفتي فتفهّم
وعليك عهد اللّه إن أنبأته ... أهل السّيالة إن فعلت وإن لم
/ هكذا قال ابن هرمة، والمغنّون يغنّونه:
وعليك عهد اللّه إن أخبرته ... أحدا وإن أظهرته بتكلّم
الشعر لابن هرمة. والغناء لعبادل.
طلب ابن هرمة بشعره من الحسن بن حسن خمرا فوشى به إلى الوالي ففرّ هو وصحبه:
أخبرني [1] عمّي قال حدّثني هارون بن محمد بن عبد الملك قال حدّثني عبد اللّه بن محمد بن إسماعيل الجعفري عن أبيه:
أنّ حسن بن [2] حسن بن عليّ كان صاحب شراب، وفيه يقول ابن هرمة:
إني استحيتك أن أفوه بحاجتي ... فإذا قرأت صحيفتي فتفهّم
وعليك عهد اللّه إن أنبأته ... أحدا ولا أظهرته بتكلّم
قال عبد اللّه بن محمد الجعفريّ: وكان ابن هرمة - كما حدّثني أبي - يشرب هو وأصحاب له بشرف [3] السّيالة عند سمرة بالشّرف يقال لها سمرة جرانة [4] فنفد شرابهم؛ فكتب إلى حسن بن حسن [2] بن عليّ يطلب منه نبيذا،
__________
[1] يلاحظ أنه من هذا الموضع إلى آخر الترجمة أخبار لابن هرمة وللوابصي ونصيب ولم يرد بها عن عبادل شيء يذكر.
[2] كذا في جميع الأصول هنا وفيما يأتي عدا (ح) فقد أوردته فيما يأتي: «حسن بن حسن بن حسين». ولا يمكن أن تكون هذه الحادثة مع حسن بن حسن بن علي لتقدّم عصره على عصر ابن هرمة الذي ولد سنة 90 ه. والصحيح أنها مع ابنه إبراهيم وقد كان ابن هرمة متصلا به وبأخويه. وقد أورد صاحب «الأغاني» هذه القصة في أخبار علويه (ج 10 طبع بولاق) منسوبة إلى ابنه إبراهيم هذا.
[3] شرف السيالة: منزل بين ملل والروحاء. وفي حديث عائشة رضي اللّه عنها: «أصبح رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يوم الأحد بملل على ليلة من المدينة ثم راح فتعشى بشرف السيالة وصلى الصبح بعرق الظبية».
[4] لم نستطع ضبط هذا الاسم لخلوّ المعاجم التي بين أيدينا منه.
وكتب إليه بهذين البيتين. فلما قرأ حسن رقعته قال: وأنا عليّ عهد اللّه إن لم أخبر به عامل السّيالة، أمنّي يطلب الدعيّ الفاعل نبيذا! وكتب إلى عامل السيالة أن يجيء إليه فجاء لوقته، فقال له: إن ابن هرمة وأصحابه السفهاء يشربون عند سمرة جرانة، فاخرج فحدهم؛/ فخرج إليه العامل بأهل السّيالة؛ وأنذر بهم ابن هرمة فسبقهم هربا، وتعلّق هو وأصحابه بالجبل ففاتوهم. وقال في حسن:
كتبت إليك أستهدي نبيذا ... وأدلي بالجوار وبالحقوق
فخبّرت الأمير بذاك غدرا ... وكنت أخا مفاضحة وموق [1]
ومنها:
صوت
علام ترين اليوم قتلي لديكم ... حلالا بلا ذنب وقتلي محرّم
لك النفس ما عاشت وقاء من الرّدى ... ونحن لكم فيما تجنّبت [2] أظلم
وأما صنعته في:
قولا لنائل ما تقضين في رجل
فإن الشعر لمسعدة [3] بن البختريّ ابن أخي المهلّب بن أبي صفرة. والغناء لعبادل. وقد ذكرت ذلك في موضع من هذا الكتاب مفرد، لأن نائلة التي عنيّت [4] بهذا الشعر هي بنت [5] الميلاء، ولها أخبار ذكرت في موضع منفرد صلحت له.
/ ومنها:
صوت
تقول يا عمّتا كفّي جوانبه ... ويلي بليت وأبلى جيدي الشّعر
مثل الأساود قد أعيا مواشطه ... تضلّ فيه مداريها وتنكسر [6]
فإن نشرت على عمد ذوائبها ... أبصرت منه فتيت المسك ينتثر
الشعر لعمر بن أبي ربيعة. والغناء لعبادل ثقيل أوّل بالسبّابة في مجرى البنصر عن إسحاق. وفيه خفيف ثقيل أوّل بالسبّابة في مجرى البنصر عن إسحاق. وفيه خفيف ثقيل/ ينسب إلى دحمان وإلى الغريض وإلى عبادل أيضا.
__________
[1] الموق: الحمق.
[2] يحتمل أن تكون الرواية فيه: «فيما تجنيت» (بالياء المثناة من تحت).
[3] كذا في ح. وله ترجمة في «الأغاني» (ج 12 ص 77 - 78 طبع بولاق). وفي سائر الأصول هنا: «لسعيد بن البحتري» وهو تحريف.
[4] في ب، س: «غنت» وهو تحريف.
[5] كذا في جميع الأصول. والمعروف أن نائلة التي شبب بها ابن البختري كما ذكر أبو الفرج هي نائلة بنت عمر بن يزيد الأسيدي أحد بني أسيد (بضم أوله وفتح ثانيه وتشديد الياء المثناة وكسرها) ابن عمرو بن تميم. وكان أبوها سيدا شريفا، وكان على شرط العراق من قبل الحجاج. ولم نجد ذكرا لنائلة بنت الميلاء في أخبار مسعدة ولا في موضع آخر من هذا الكتاب.
[6] الأساود: الحيات السود، واحدها أسود. والمداري: جمع مدرى، وهو المشط.
صوت من المائة المختارة
ليست نعم منك للعافين مسجلة [1] ... من التخلّق لكن شيمة خلق
يكاد بابك من علم بصاحبه ... من دون بوّابه للناس يندلق [2]
شعران متشابهان لابن هرمة وطريح بن إسماعيل الثقفي:
لإسحاق في هذين البيتين لحن من الثقيل الأوّل بالبنصر عن عمرو. وذكر يحيى بن علي بن يحيى عن أبيه عن إسحاق أن الشعر لطريح. وذكر يعقوب بن السّكّيت أنه لابن هرمة. والغناء في اللحن المختار لشهيّة مولاة العبلات خفيف رمل بالبنصر في مجراها. فمن روى هذه الأبيات لابن هرمة ذكر أنها من قصيدة له يمدح بها عبد الواحد بن سلمان بن عبد الملك؛ ومن ذكر أنها لطريح ذكر أنها من قصيدة له/ يمدح بها الوليد بن يزيد.
والصحيح من القولين أن البيت الأوّل من البيتين لطريح والثاني لابن هرمة. فبيت طريح من قصيدته التي مدح بها الوليد بن يزيد وهي طويلة، يقول في تشبيبها:
تقول والعيس قد شدّت بأرحلها [3] ... ألحقّ أنّك [4] منا اليوم منطلق؟
قلت نعم فاكظمي قالت وما جلدي ... ولا أظنّ اجتماعا حين نفترق
فقلت إن أحي لا أطول بعادكم ... وكيف والقلب رهن عندكم غلق [5]
فارقتها لا فؤادي من تذكّرها ... سالي الهموم ولا حبلي لها خلق
فاضت على إثرهم عيناك دمعهما ... كما تتابع يجري اللؤلؤ النّسق [6]
صوت
فاستبق عينك [7] لا يودي البكاء بها ... واكفف بوادر دمع منك تستبق
ليس الشؤون وإن جادت بباقية ... ولا الجفون على هذا ولا الحدق
__________
[1] مسجلة: مبدولة أو مرسلة.
[2] اندلاق الباب: انفتاحه سريعا وهو مطاوع دلق الباب إذا فتحه فتحا شديدا.
[3] في ح: «بأرحلنا».
[4] كذا في أكثر الأصول. وفي ب، س: «الحق فإنك».
[5] كذا في ح. وغلق الرهن غلقا (من باب فرح): استحقه المرتهن. وفي سائر الأصول: «علق» (بالعين المهملة) وهو تصحيف.
[6] النسق: المنظم.
[7] كذا في ح. وفي ب، س: «عينيك».
- لإسحاق [1] في هذين البيتين لحن من الثقيل الأوّل بالبنصر عن عمرو - يقول فيها في مدح الوليد:
وما نعم منك للعافين مسجلة ... من التخلّق لكن شيمة خلق
ساهمت فيها ولا فاختصصت بها ... وطار قوم بلا والذمّ فانطلقوا
/ قوم هم [2] شرف الدنيا وسوددها ... صفو على الناس لم يخلط بهم رنق
إن حاربوا وضعوا أو سالموا رفعوا ... أو عاقدوا ضمنوا [3] أو حدّثوا صدقوا
وأما قصيدة إبراهيم بن هرمة التي فيها هذا الشعر فنذكر خبرها، ثم نذكر موضع الغناء وما قبله وما بعده منها.
ومن أبي أحمد [4] رحمه اللّه سمعنا ذلك أجمع. ولكنه حكى عن إسحاق في الأصوات المختارة ما قاله إسحاق.
ولعله لم يتفقّد ذلك، أو لعلّ أحد الشاعرين أغار على هذا البيت فانتحله وسرقه من قائله.
ابن هرمة ومدحه عبد الواحد بن سليمان وتعريضه بالعباس بن الوليد:
أخبرني يحيى بن عليّ قال أخبرنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه عن رجل من أهل البصرة، وحدّثني به وكيع قال حدّثنا هارون بن محمد بن عبد الملك عن حماد عن أبيه عن رجل من أهل البصرة - وخبره أتم - قال:
قال العبّاس/ بن الوليد بن عبد الملك - وكان بخيلا لا يحبّ أن يعطي أحدا شيئا - ما بال الشعراء تمدح أهل بيتي أجمع ولا تمدحني!. فبلغ ذلك ابن هرمة، وكان قد مدحه فلم يثبه، فقال يعرّض به ويمدح عبد الواحد بن سليمان:
ومعجب بمديح الشّعر يمنعه ... من المديح ثواب المدح والشّفق
يا آبى المدح من قول يحبّره [5] ... ذو نيقة [6] في حواشي شعره أنق [7]
إنك والمدح كالعذراء يعجبها ... مسّ الرجال ويثني قلبها الفرق
/ لكن بمدين من مفضى سويمرة [8] ... من لا يذمّ ولا يشنا له خلق
أهل المدائح تأتيه فتمدحه ... والمادحون إذا قالوا له صدقوا
- يعني عبد الواحد بن سليمان - :
لا يستقرّ [9] ولا تخفى علامته ... إذا القنا شال في أطرافها الحرق [10]
__________
[1] في ح: «لإسماعيل» وهو ابن جامع. وله ولإسحاق يروي عمرو بن بانة.
[2] كذا في ب، س. وفي سائر الأصول: «قوم لهم».
[3] كذا في أكثر الأصول. وفي ب، س: «حكموا».
[4] هو أبو أحمد يحيى بن علي بن يحيى المنجم من شيوخ أبي الفرج. (راجع ترجمته في الحاشية رقم 3 ص 17 من تصدير هذا الكتاب).
[5] في ح: «تخيره».
[6] النيقة: اسم من التنوق. يقال تنوق فلان في منطقه وملبسه وأموره إذا تجوّد وبالغ.
[7] كذا في ح. والأنق (بفتح النون): الروعة والحسن. وفي سائر الأصول: «من حواش شعره أنق».
[8] كذا في ح و «معجم البلدان» (ج 3 ص 202). ومدين: مدينة تجاه تبوك بين المدينة والشام على ست مراحل. وسويمرة: موضع في نواحي المدينة. وفي أ، ء، م: «مقصى سوتمرة» وفي ب، س: «مقصى سويمرة».
[9] كذا في أ، ء، م. وفي سائر الأصول: «لا يستفز».
[10] شال: ارتفع. والحرق (محركة): لهب النار.
في يوم لا مال عند المرء ينفعه ... إلا السّنان وإلا الرمح [1] والدّرق
يطعن بالرمح أحيانا ويضربهم ... بالسيف ثم يدانيهم فيعتنق
وهذا البيت سرقه ابن هرمة من زهير ومن مهلهل جميعا، فإنهما سبقا إليه. قال مهلهل وهو أقدمهما:
أنبضوا [2] معجس [3] القسيّ وأبرق [4] ... نا كما توعد الفحول الفحولا
يعني أنهم لما أخذوا القسيّ ليرموهم من بعيد انتضوا سيوفهم ليخالطوهم ويكافحوهم بها [5].
وقال زهير - وهو أشرح من الأوّل - :
يطعنهم ما ارتموا حتى إذا اطّعنوا ... ضارب حتى إذا ما ضاربوا اعتنقا
فما ترك في المعنى فضلا لغيره.
رجع إلى شعر ابن هرمة:
يكاد بابك من جود ومن كرم ... من دون بوّابه للناس يندلق
/ - ويروى: «إذا أطاف به الجادون». و «العافون» أيضا. ويروى: «ينبلق» - :
مدح والي المدينة بعد عبد الواحد فجفاه ثم رضي عنه بشفاعة عبد اللّه بن الحسن:
إنّي لأطوي رجالا أن أزورهم ... وفيهم عكر الأنعام والورق [6]
طيّ الثياب التي لو كشّفت وجدت ... فيها المعاوز [7] في التفتيش والخرق
وأترك الثوب يوما وهو ذو سعة ... وألبس الثوب وهو الضيّق الخلق
إكرام نفسي وأني لا يوافقني ... ولو ظمئت فحمت المشرب الرّنق [8]
قال هارون [9] بن الزيات في خبره: فلما قال ابن هرمة هذه القصيدة أنشدها عبد الواحد بن سليمان - وهو إذ ذاك أمير الحجاز - فأمر له بثلاثمائة دينار وخلعة موشيّة من ثيابه، وحمله على فرس وأعطاه ثلاثين لفحة ومائة شاة، وسأله عما يكفيه في كل سنة ويكفي عياله من البرّ والتمر، فأخبره به؛ فأمر له بذلك أجمع لسنة، وقال له: هذا لك عليّ ما دمت ودمت في الدنيا، واقتطعه لنفسه [10] وأنس به، وقال له: لست بمحوجك إلى غيري أبدا. فلما عزل عبد الواحد بن سليمان عن المدينة، تصدّى للوالي مكانه وامتدحه. ولم يلبث أن ولي/ عبد الواحد بعد ذلك وبلغه
__________
[1] في ح: «و إلا السيف».
[2] كذا في ح. وأنبض الرامي القوس وعن القوس: جذب وترها لتصوت. وفي سائر الأصول: «انتضوا»، وهو تصحيف.
[3] المعجس (كمجاس): مقبض القوس.
[4] أبرق الرجل: لمع بسيفه.
[5] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «و يكافحوهم بالسيوف».
[6] العكر (محركة): جمع عكرة وهي القطيع الضخم من الإبل، قيل: هي ما فوق خمسمائة من الإبل، وقيل: ما بين الخمسين إلى المائة. والورق: المال من الإبل والغنم.
[7] كذا في ح. والمعاوز: خلقان الثياب المبتذلة، واحدها معوز. وفي سائر الأصول: «العواوير» وهو تحريف.
[8] الرنق: الكدر.
[9] هو هارون بن محمد بن عبد الملك الذي ورد في سند هذا الخبر.
[10] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «و اقتطعه إلى نفسه».
الخبر، فأمر أن يحجب عنه ابن هرمة وطرده وجفاه، حتى تحمّل [1] عليه بعبد اللّه بن الحسن [بن الحسن] [2]، فاستوهبه منه فعاد له إلى ما أحبه.
/ أخبرني هاشم بن محمد الخزاعيّ قال حدّثنا الرّياشيّ، وأخبرني به عليّ بن سليمان الأخفش عن أحمد بن يحيى ثعلب عن الرياشيّ - وخبره أتم - قال الرياشيّ حدّثني أبو سلمة الغفاريّ قال قال ابن [3] ربيح راوية ابن هرمة قال حدّثني ابن هرمة قال:
أوّل من رفعني في الشعر عبد الواحد بن سليمان بن عبد الملك، فأخذ عليّ ألّا أمدح أحدا غيره، وكان واليا على المدينة، وكان لا يدع برّي وصلتي والقيام بمؤونتي. فلم ينشب أن عزل وولّي غيره مكانه، وكان الوالي من بني الحارث بن كعب. فدعتني نفسي إلى مدحه طمعا أن يهب لي كما كان عبد الواحد يهب لي، فمدحته فلم يصنع بي ما ظننت. ثم قدم عبد الواحد المدينة، فأخبر أنّي مدحت الذي عزل به، فأمر بي فحجبت عنه، ورمت الدخول عليه فمنعت، فلم أدع بالمدينة وجها ولا رجلا له نباهة وقدر من قريش إلا سألته أن يشفع لي في أن يعيدني إلى منزلتي عنده، فيأبى ذلك فلا يفعله. فلما أعوزتني الحيل أتيت عبد اللّه بن الحسن بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب - صلوات اللّه عليه وعليهم - فقلت: يابن رسول اللّه، إن هذا الرجل قد كان يكرمني وأخذ عليّ ألّا أمدح غيره، فأعطيته بذلك عهدا، ثم دعاني الشّره والكدّ إلى أن مدحت الوالي بعده. وقصصت عليه قصتي وسألته أن يشفع لي، فركب معي. فأخبرني الواقف على رأس عبد الواحد أن عبد اللّه بن حسن لما دخل إليه قام عبد الواحد فعانقه وأجلسه إلى جنبه، ثم قال: أحاجة غدت بك أصلحك اللّه؟ قال نعم؛ قال: كل حاجة لك مقضيّة إلا ابن هرمة؛ فقال له: إن رأيت ألّا تستثني في حاجتي فافعل؛ قال: قد فعلت؛ قال: فحاجتي ابن هرمة؛/ قال: قد رضيت عنه وأعدته إلى منزلته؛ قال: فتأذن له أن ينشدك؛ قال: تعفيني من هذه؛ قال: أسألك أن تفعل؛ قال ائتوا به؛ فدخلت عليه وأنشدته قولي فيه:
وجدنا غالبا كانت جناحا ... وكان أبوك قادمة الجناح
قال فغضب عبد اللّه بن الحسن حتى انقطع رزّه [4] ثم وثب مغضبا، وتجوّزت في الإنشاد ثم لحقته فقلت له:
جزاك اللّه خيرا يابن رسول اللّه؛ فقال: ولكن لا جزاك اللّه خيرا يا ماصّ بظر أمه، أتقول لابن مروان:
وكان أبوك قادمة الجناح
بحضرتي وأنا ابن رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - وابن عليّ بن أبي طالب - عليه السلام - ! فقلت: جعلني اللّه فداك، إني قلت قولا أخدعه به طلبا لدنياه، وو اللّه ما قست بكم أحدا قطّ. أفلم تسمعني قد قلت فيها:
وبعض القول يذهب بالرياح
فضحك عبد اللّه وقال: قاتلك اللّه، ما أظرفك!.
__________
[1] تحمل بفلان على فلان: تشفع به إليه.
[2] زيادة عن ح.
[3] في أكثر الأصول هنا: «قال ربيح». وفي ح: «قال ربيحة» وكلاهما تحريف (راجع الحاشية رقم 1 ص 374 من الجزء الرابع من هذه الطبعة).
[4] الرز: الصوت. وفي جميع الأصول: «زره» وهو تصحيف.
حائية ابن هرمة في مدح عبد الواحد:
وهذه القصيدة الحائية التي مدح بها عبد الواحد من فاخر الشعر ونادر الكلام ومن جيّد شعر ابن هرمة خاصة، أولها:
صرمت حبائلا من حبّ سلمى ... لهند ما عمدت لمستراح [1]
فإنك إن تقم لا تلق هندا ... وإن ترحل فقلبك غير صاحي
/ يظلّ نهاره يهذي بهند ... ويأرق ليله حتى الصباح
/ أعبد الواحد المحمود إني ... أغصّ حذار سخطك بالقراح
فشلّت راحتاي وجال مهري ... فألقاني بمشتجر الرماح
وأقعدني الزمان فبتّ صفرا ... من المال المعزّب والمراح
إذا فخّمت غيرك في ثنائي ... ونصحي في المغيبة وامتداحي
كأن قصائدي لك فاصطنعني ... كرائم قد عضلن عن النكاح
فإن أك قد هفوت إلى أمير ... فعن غير التطوّع والسماح
ولكن سقطة عيبت [2] علينا ... وبعض القول يذهب في الرياح
لعمرك إنني وبني عديّ [3] ... ومن يهوى رشادي أو صلاحي
إذا لم ترض عنّي أو تصلني ... لفي حين أعالجه متاح
وإنك إن حططت إليك رحلي ... بغربيّ الشّراة [4] لذو ارتياح
هششت لحاجة ووعدت أخرى ... ولم تبخل بناجزة السّراح
وجدنا غالبا خلقت جناحا ... وكان أبوك قادمة الجناح
إذا جعل البخيل البخل ترسا ... وكان سلاحه دون السلاح
فإنّ سلاحك المعروف حتى ... تفوز بعرض ذي شيم صحاح
سئل عن سبب مدحه لعبد الواحد فأجاب:
أخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن عمّار قال حدّثنا يعقوب بن إسرائيل قال حدّثني إبراهيم بن إسحاق العمريّ قال حدّثني عبد اللّه بن إبراهيم الجمحيّ قال:
قلت لابن هرمة: أتمدح عبد الواحد بن سليمان بشعر ما مدحت به غيره فتقول فيه هذا البيت:
/وجدنا غالبا كانت جناحا ... وكان أبوك قادمة الجناح
__________
[1] كذا في أكثر الأصول. وفي ح: «ما عهدت بمستراح». وفي ب، س: «ما عهدت لمستراح».
[2] كذا في ح. وفي ب، س: «عيت». وقد ورد هذا الشطر في سائر الأصول غير مستقيم المعنى.
[3] بنو عدي: هم قوم ابن هرمة. وعدي هذا: هو عدي بن قيس بن الحارث بن فهر.
[4] الشراة: صقع بالشام بين دمشق ومدينة الرسول صلى اللّه عليه وسلم.
ثم تقول فيها:
أعبد الواحد الميمون [1] إني ... أغصّ حذار سخطك بالقراح
فبأي شيء استوجب ذلك منك؟ فقال: إني أخبرك بالقصة لتعذرني: أصابتني أزمة [2] بالمدينة، فاستنهضتني بنت عمّي للخروج؛ فقلت لها: ويحك! إنه ليس عندي ما يقلّ جناحي؛ فقالت: أنا أنهضك بما أمكنني، وكانت عندي ناب لي فنهضت عليها نهجّد النوّام ونؤذي السمّار، وليس من منزل أنزله إلا قال الناس: ابن هرمة! حتى دفعت إلى دمشق، فأويت إلى مسجد عبد الواحد في جوف الليل، فجلست فيه أنتظره إلى أن نظرت إلى بزوغ الفجر، فإذا الباب ينفلق [3] عن رجل كأنه البدر، فدنا فأذّن ثم صلّى ركعتين، وتأملته فإذا هو عبد الواحد، فقمت فدنوت منه وسلّمت عليه؛ فقال لي: أبو إسحاق! أهلا ومرحبا؛ فقلت لبّيك، بأبي أنت وأمي! وحيّاك اللّه بالسلام وقرّبك من رضوانه؛ فقال: أما آن لك أن تزورنا؟ فقد طال العهد واشتدّ الشوق، فما وراءك؟ قلت: لا تسلني - بأبي أنت وأمي - فإن الدهر قد أخنى عليّ فما وجدت مستغاثا غيرك؛ فقال: لا ترع فقد وردت على ما تحب إن شاء/ اللّه. فو اللّه إني لأخاطبه فإذا بثلاثة فتية قد خرجوا كأنهم الأشطان [4]، فسلّموا عليه، فاستدنى الأكبر منهم فهمس إليه بشيء دوني ودون أخويه؛ فمضى إلى البيت ثم رجع، فجلس إليه فكلّمه بشيء دوني ثم ولّى، فلم يلبث أن خرج ومعه عبد ضابط [5] يحمل عبئا من الثياب حتى ضرب به بين يديّ؛ ثم همس إليه ثانية فعاد،/ وإذا به قد رجع ومعه مثل ذلك، فضرب به بين يديّ. فقال لي عبد الواحد: ادن يا أبا إسحاق، فإني أعلم أنك لم تصر إلينا حتى تفاقم صدعك، فخذ هذا وارجع إلى عيالك، فو اللّه ما سللنا لك هذا إلا من أشداق عيالنا؛ ودفع إليّ ألف دينار، وقال لي: قم فارحل فأغث من وراءك؛ فقمت إلى الباب، فلما نظرت إلى ناقتي ضقت؛ فقال لي: تعال، ما أرى هذه مبلغتك، يا غلام، قدّم له جملي فلانا. فو اللّه لقد كنت بالجمل أشدّ سرورا مني بكل ما نلته؛ فهل تلومني أن أغصّ حذار سخط هذا بالقراح! وو اللّه ما أنشدته ليلتئذ بيتا واحدا.
مدح المنصور فعاتبه لمدحه بني أمية ثم أكرمه:
أخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدّثني هارون بن محمد بن عبد الملك الزيات قال حدّثني محمد بن عمر الجرجانيّ قال حدّثني عثمان [6] بن حفص الثّقفيّ قال حدّثني محمد بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين - صلّى اللّه عليه - قال:
دخلت مع أبي على المنصور بالمدينة وهو جالس في دار مروان، فلما اجتمع الناس قام ابن هرمة فقال:
يا أمير المؤمنين، جعلني اللّه فداءك، شاعرك وصنيعتك إن رأيت أن تأذن لي في الإنشاد؛ قال هات؛ فأنشده قوله:
سرى [7] ثوبه عنك الصّبا المتخايل
__________
[1] كذا في ب، س. وفي سائر الأصول: «المحمود» وقد اتفقت عليها جميع الأصول قبل هذا الموضع بقليل.
[2] في ح: «أصابتني أزمة وقحمة بالمدينة». والقحمة السنة الشديدة والقحط.
[3] في ح: «ينبلق».
[4] الأشطان: جمع شطن وهو الحبل، وقيل الحبل الطويل.
[5] ضابط: قوي شديد.
[6] كذا في ح. وقد مر في أكثر من موضع في الأجزاء السابقة: وفي سائر الأصول هنا: «عمر بن حفص الثقفي».
[7] سرى عنه الثوب: كشفه.
حتى انتهى إلى قوله:
له لحظات عن حفافي [1] سريره ... إذا كرّها فيها عقاب ونائل
فأمّ الذي آمنت آمنة الرّدى ... وأمّ الذي خوّفت بالثّكل ثاكل
/ فقال له المنصور: أما لقد رأيتك في هذه الدار قائما بين يدي عبد الواحد بن سليمان تنشده قولك فيه:
وجدنا غالبا كانت جناحا ... وكان أبوك قادمة الجناح
قال: فقطع بابن هرمة حتى ما قدر على الاعتذار؛ فقال له المنصور: أنت رجل شاعر طالب خير، وكل ذلك يقول الشاعر، وقد أمر لك أمير المؤمنين بثلاثمائة دينار. فقام إليه الحسن بن زيد فقال: يا أمير المؤمنين، إن ابن هرمة رجل منفاق متلاف لا يليق [2] شيئا، فإن رأى أمير المؤمنين أن يأمر له بها يجرى عليه منها ما يكفيه ويكفي عياله ويكتب بذلك إلى صاحب الجاري [3] أن يجريها عليهم فعل؛ فقال: افعلوا ذلك به. قال: وإنما فعل به الحسن بن زيد هذا لأنه كان مغضبا عليه لقوله يمدح عبد اللّه بن حسن:
ما غيّرت وجهه أمّ مهجّنة ... إذا القتام تغشّى أوجه الهجن
حدّثني يحيى بن علي بن يحيى، وأخبرنا ابن أبي الأزهر وجحظة قالا حدّثنا حماد بن إسحاق عن أبيه، قال يحيى بن علي في خبره عن الفضل بن يحيى، ولم يقله الآخران:
دخل ابن هرمة على المنصور وقال: يا أمير المؤمنين، إني قد مدحتك مديحا لم يمدح أحد أحدا بمثله؛/ قال:
وما عسى أن تقول فيّ بعد قول كعب الأشقريّ [4] في المهلّب:
/براك اللّه حين براك بحرا ... وفجّر منك أنهارا غزارا
فقال له: قد قلت أحسن من هذا؛ قال: هات، فأنشده قوله:
له لحظات عن [5] حفافي سريره ... إذا كرّها فيها عقاب ونائل
قال: فأمر له بأربعة آلاف درهم. فقال له المهديّ: يا أمير المؤمنين، قد تكلّف في سفره إليك نحوها؛ فقال له المنصور: يا بنيّ، إني قد وهبت له ما هو أعظم من ذلك، وهبت له نفسه، أليس هو القائل لعبد الواحد بن سليمان:
إذا قيل من خير من يرتجى ... لمعترّ [6] فهر ومحتاجها
ومن يعجل الخيل يوم الوغى ... بإلجامها قبل إسراجها
أشارت نساء بني غالب ... إليك به قبل أزواجها
__________
[1] حفاف الشي ء: جانبه.
[2] لا يليق شيئا: أي ما يمسكه ولا يلصق به.
[3] كذا في ب، س. والظاهر أنه يريد بالجاري الدائم المتصل من الوظائف. وفي سائر الأصول: «الجار».
[4] هو كعب بن معدان، من الأزد وأمه من عبد القيس، شاعر فارس خطيب معدود في الشجعان، من أصحاب المهلب. وهذا البيت من قصيدة له يمدح بها المهلب ويذكر قتاله الأزارقة. وله ترجمة تقع في «الأغاني» (ج 13 ص 56 - 64 طبع بولاق).
[5] كذا في ح هنا وفيما مضى في جميع الأصول. وفي سائر الأصول هنا: «في».
[6] المعتر: الفقير والمتعرض للمعروف من غير أن يسأل.
وهذه القصيدة من فاخر شعر ابن هرمة، وأولها:
أجارتنا روّحي نغمة ... على هائم النفس مهتاجها
ولا خير في ودّ مستكره ... ولا حاجة دون إنضاجها
- يقول فيها يمدح عبد الواحد بن سليمان - :
كأن قتودي على خاضب ... زفوف العشيّات هدّاجها [1]
إلى ملك لا إلى سوقة ... كسته الملوك ذراتاجها
تحلّ [2] الوفود بأبوابه ... فتلقى الغنى قبل إرتاجها
بقرّاع أبواب دور الملو ... ك عند التحية ولّاجها
/ إلى دار ذي حسب ماجد ... حمول المغارم فرّاجها
ركود [3] الجفان غداة الصّبا ... ويوم الشّمال وإرهاجها [4]
وقفت بمدحيه عند الجما [5] ... ر أنشده بين حجّاجها
دس المنصور إليه من يسمع منه مدحه لعبد الواحد ففطن لذلك وأنشده من شعره في المنصور وأخذ جائزته:
أخبرني محمد بن جعفر النحويّ صهر المبرّد قال حدّثني أبو إسحاق طلحة بن عبد اللّه الطلحيّ قال حدّثني محمد بن سليمان [6] بن المنصور قال:
وجّه المنصور رسولا قاصدا إلى ابن هرمة ودفع إليه ألف دينار وخلعة، ووصفه له وقال: امض إليه؛ فإنك تراه جالسا في موضع كذا من المسجد، فانتسب له إلى بني أمية أو مواليهم، وسله أن ينشدك قصيدته الحائية التي يقول فيها يمدح عبد الواحد بن سليمان:
وجدنا غالبا كانت جناحا ... وكان أبوك قادمة الجناح
فإذا أنشدكها فأخرجه من المسجد واضرب عنقه وجئني برأسه؛ وإن أنشدك قصيدته اللامية التي يمدحني بها فادفع إليه الألف الدينار والخلعة، وما أراه ينشدك غيرها ولا يعترف بالحائية. قال: فأتاه الرسول فوجده كما قال المنصور، فجلس إليه واستنشده قصيدته في عبد الواحد؛ فقال: ما قلت هذه القصيدة قطّ ولا أعرفها وإنما نحلها إياي/ من يعاديني، ولكن إن شئت أنشدتك أحسن منها؛ قال: قد شئت فهات؛ فأنشده:
سرى ثوبه عنك الصّبا المتخايل
حتى أتى على آخرها؛ ثم قال له: هات ما أمرك أمير المؤمنين بدفعه إليّ؛ فقال: أيّ شيء تقول يا هذا وأيّ
__________
[1] القتود: جمع قتد وهو خشب الرحل. والخاضب: ذكر النعام. وزفوف: حسن المشي سريعه. والهدّاج: الذي في مشيه أو عدوه أو سعيه ارتعاش.
[2] في س: «تحلى» وهو تحريف.
[3] الركود من الجفاف: الثقيل المملوء.
[4] الإرهاج: الإمطار.
[5] الجمار: اسم موضع بمنى وهو موضع الجمرات الثلاث.
[6] في ح: «محمد بن سليمان المنصور».
شيء دفع إليّ؟ فقال: دع ذا عنك، فو اللّه/ ما بعثك إلا أمير المؤمنين ومعك مال وكسوة إليّ، وأمرك أن تسألني عن هذه القصيدة فإن أنشدتك إياها ضربت عنقي وحملت رأسي إليه، وإن أنشدتك هذه اللامية دفعت إلى ما حمّلك إياه؛ فضحك الرسول ثم قال: صدقت لعمري؛ ودفع إليه الألف الدينار والخلعة. فما سمعنا بشيء أعجب من حديثهما.
استقل المهدي على المنصور جائزته فأجابه:
أخبرني محمد بن مزيد قال حدّثنا الزبير بن بكّار قال حدّثنا عمّي عن جدّي قال:
لما أنشد ابن هرمة المنصور قصيدته اللامية التي مدحه بها أمر له بألف [1] درهم؛ فكلّمه فيه المهديّ واستقلّها؛ فقال يا بني، لو رأيت هذا بحيث رأيته وهو واقف بين يدي عبد الواحد بن سليمان ينشده:
وجدنا غالبا كانت جناحا ... وكان أبوك قادمة الجناح
لا ستكثرت له ما استقللته، ولرأيت أنّ حياته بعد ذلك القول ربح كثير. واللّه إني يا بنيّ ما هممت له منذ يومئذ بخير فذكرت قوله إلا زال ما عرض بقلبي إلى ضده حتى أهمّ بقتله ثم أعفو عنه. فأمسك المهديّ.
بعض شعره الذي يغني فيه:
ومما يغنّي فيه من مدائح ابن هرمة في عبد الواحد بن سليمان قوله من قصيدة أنا ذاكرها بعد فراغي من ذكر الأبيات، على أن المغنين قد خلطوا مع أبياته أبياتا لغيره:
صوت
ولما أن دنا منّا ارتحال ... وقرّب ناجيات السير كوم [2]
تحاسر واضحات اللون زهر ... على ديباج أوجهها النعيم
/ أتين مودّعات والمطايا ... لدى أكوارها خوص هجوم [3]
فكم من حرة بين المنقّى [4] ... إلى أحد إلى ما حازريم [5]
ويروى:
فكم بين الأقارع [6] فالمنقّى
وهو أجود.
إلى الجمّاء [7] من خدّ أسيل ... نقّي اللون ليس به كلوم
__________
[1] في أ، ء: «بألفي».
[2] الناجيات: النوق السريعة تنجو بمن ركبها. والكوم: النوق الضخمة السنام.
[3] خوص: جمع أخوص وخوصاء، والخوص: ضيق العين وصغرها وغؤورها. وهجمت العين هجوما: غارت ودخلت في موضعها.
[4] المنقى: طريق بين أحد والمدينة.
[5] الريم: (بالكسر والهمز وسهل): واد لمزينة قرب المدينة.
[6] الذي في المعاجم: الأقرع (بالإفراد) وهو جبل بين مكة والمدينة بالقرب منه جبل يقال له الأشعر. وقد تقدّم غير مرة أنه يسوغ في الشعر أن يجيء اسم المكان مفردا ومثنى ومجموعا حسب الضرورة الشعرية والكل واحد.
[7] الجماء: جبيل من المدينة على ثلاثة أميال من ناحية العقيق إلى الجرف (بضم الجيم وسكون الراء)، وقيل: هي إحدى هصبتين عن
كأنّي من تذكّر ما ألاقي ... إذا ما أظلم الليل البهيم
سليم ملّ منه أقربوه ... وأسلمه المداوي والحميم
ذكر الزّبير بن بكّار أن هذا الشعر كله لأبي المنهال نفيلة [1] الأشجعيّ. قال [2]: وسمعت بعض أصحابنا يقول:
إنه لمعمر بن العنبر [3] الهذليّ. والصحيح من القول، أن بعض هذه الأبيات لابن هرمة من قصيدة له يمدح بها عبد الواحد بن سليمان/ مخفوضة الميم، ولمّا غنّي فيها وفي أبيات نفيلة وخلط فيه ما أوجب خفض القافية غيّر إلى ما أوجب رفعها. فأما ما لابن هرمة فيها فهو من قصيدته التي أولها:
أجارتنا بذي نفر [4] أقيمي ... فما أبكى على الدهر الذميم
/ أقيمي وجه عامك ثم سيري ... بلا واهي الجوار ولا مليم
فكم بين الأقارع فالمنقّى ... إلى أحد إلى أكناف ريم
إلى الجمّاء من خدّ أسيل ... نقيّ اللون ليس بذي كلوم
ومن عين مكحّلة الأماقي ... بلا كحل ومن كشح هضيم
أرقت وغاب عنّي من يلوم ... ولكن لم أنم أنا للهموم
أرقت وشفّني وجع بقلبي ... لزينب أو أميمة أو رعوم
أقاسي ليلة كالحول حتى ... تبدّى الصح منقطع البريم [5]
كأنّ الصبح أبلق في حجول ... يشبّ ويتّقي ضرب الشّكيم
رأيت الشّيب قد نزلت علينا ... روائعه بحجة مستقيم
إذا ناكرته ناكرت منه ... خصومة لا ألدّ ولا ظلوم
وودّعني الشباب فصرت منه ... كراض بالصغير من العظيم
فدع ما لا يردّ عليك شيئا ... من الجارات أو دمن الرسوم
وقل قولا تطبّق [6] مفصليه ... بمدحه صاحب الرأي الصّروم [7]
__________
يمين الطريق للخارج من المدينة إلى مكة. وقيل: الجماوات ثلاث بالمدينة: جماء قضارع التي تسيل على قصر أم عاصم وبئر عروة، وجماء أم خالد التي تسيل على قصر محمد بن عيسى الجعفري وما والاه، وجماء العاقر وبينها وبين جماء أم خالد فسحة وهي تسيل على قصور جعفر بن سليمان وما والاها.
[1] في أ، ء هنا وفيما سيأتي في جميع الأصول ما عدا ب، س: «بقيلة» (بالباء والقاف).
[2] كلمة «قال» ساقطة في ح.
[3] في ح: «العنبري» ولم نوفق لترجيح إحدى الروايتين.
[4] كذا في أكثر الأصول. وذو نفر (بالتحريك، ويروى بالسكون): موضع على ثلاثة أيام من السليلة بينها وبين الربذة، وقيل: خلف الربذة بمرحلة في طريق مكة. وفي ح: «بذي بقر». وذو بقر: واد بين أخيلة الحمى حمى الربذة. وذو نفر وذو بقر متقاربان.
[5] البريم: ضوء الشمس مع بقية سواد الليل.
[6] تطبق مفصليه: تصيب فيه الحجة، وأصله: إصابة المفصل وهو طبق العظمين أي ملتقاهما فيفصل بينهما.
[7] الصروم: القاطع.
/
لعبد الواحد الفلج [1] المعلّى ... علا خلق النّفورة [2] والخصوم
دعته المكرمات فناولته ... خطام المجد في سنّ الفطيم
وهي طويلة. فمن الأبيات التي فيها الغناء أربعة أبيات لابن هرمة قد مضت في هذه القصيدة؛ وإنما غيّرت حتى صارت مرفوعة، فاتّفقت الأبيات وغنّي فيها. وأما أبيات نفيلة فما بقي من الصوت المذكور بعد أبيات ابن هرمة له. ويتلو ذلك من أبيات نفيلة قوله:
يضيء دجى الظلام إذا تبدّى ... كضوء الفجر منظره وسيم
وقائلة ومثنية علينا ... تقول وما لها فينا حميم
وأخرى لبّها معنا ولكن ... تصبّر وهي واجمة كظوم
تعدّ لنا الليالي تحتصيها ... متى هو حائن منه [3] قدوم
متى تر غفلة الواشين عنها [4] ... تجد بدموعها العين السّجوم
والغناء في هذه الأبيات المذكورة المختلط فيها شعر ابن هرمة ونفيلة لمعبد، ولحنه من الثقيل الأوّل بالوسطى عن عمرو ويونس. وفيها لحن من الثقيل الثاني ينسب إلى الوابصيّ. وفيها خفيف ثقيل ينسب إلى معبد وإلى ابن سريج.
الوابصي وأخباره:
وهذا الوابصيّ هو الصّلت بن العاصي بن وابصة بن خالد بن المغيرة بن عبد اللّه بن عمرو بن مخزوم.
حدّه عمر بن عبد العزيز في الخمر فذهب إلى بلاد الروم وتنصر ومات نصرانيا:
كان تنصّر ولحق ببلاد الروم؛ لأن عمر بن عبد العزيز - فيما ذكر - حدّه في الخمر، وهو أمير الحجاز، فغضب فلحق ببلاد الروم وتنصّر هناك، ومات هنالك نصرانيا.
/ رآه رسول عمر بن عبد العزيز الذي ذهب إلى الروم لفك الأسرى:
فأخبرنا محمد بن العباس اليزيديّ قال حدّثنا أحمد بن زهير قال حدّثنا الزبير بن بكّار قال حدّثني عبد اللّه بن عبد العزيز قال أخبرني ابن العلاء [5] - أظنه أبا عمرو أو أخاه - عن جويرية بن أسماء/ عن إسماعيل بن أبي حكيم، وأخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثنا سعيد بن عامر [6] عن جويرية بن أسماء عن إسماعيل بن أبي حكيم، وقد جمعت الروايتين، قال اليزيديّ في خبره: إن إسماعيل حدّث: أن عمر بن
__________
[1] الفلج: الظفر والغلب.
[2] نفورة الرجل: نافرته وهي أسرته وفصيلته التي تغضب لغضبه.
[3] كذا في ب، س. وفي سائر الأصول: «منا».
[4] في ح: «يوما».
[5] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «ابن أبي العلاء»، وهو تحريف.
[6] هو سعيد بن عامر الضبعي (بضم المعجمة وفتح الموحدة) أبو محمد البصري وهو ابن أخت جويرية بن أسماء وعنه يروى. وقد ورد في ح: «سعيد بن عامر بن جويرية ... إلخ». وورد في سائر الأصول: «سعيد بن عباس»، وكلاهما تحريف.
عبد العزيز بعث في الفداء. وقال عمر بن شبّة: إن إسماعيل حدّث قال: كنت عند عمر بن عبد العزيز فأتاه البريد الذي جاء من القسطنطينية فحدّثه قال: بينا أنا أجول في القسطنطينية إذ سمعت رجلا يغنّي بلسان فصيح وصوت شج:
فكم من حرّة بين المنقّى ... إلى أحد إلى جنبات ريم
فسمعت غناء لم أسمع قطّ أحسن منه. فلما سمعت الغناء وحسنه، لم أدر أهو كذلك حسن، أم لغربته وغربة العربيّة في ذلك الموضع. فدنوت من الصوت، فلما قربت منه إذا هو في غرفة، فنزلت عن بغلتي فأوثقتها ثم صعدت إليه فقمت على باب الغرفة، فإذا رجل مستلق على قفاه يغنّي هذين البيتين [1] لا يزيد عليهما وهو واضع إحدى رجليه على الأخرى، فإذا فرغ بكى فيبكي ما شاء اللّه ثم يعيد الغناء. ففعل ذلك مرارا؛ فقلت:
السلام عليكم؛ فوثب وردّ السلام؛ فقلت: أبشر فقد فكّ اللّه أسرك، أنا بريد أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز إلى هذا الطاغية في فداء/ الأسارى. ثم سألته: من أنت؟ فقال: أنا الوابصيّ، أخذت فعذّبت حتى دخلت في دينهم؛ فقلت له: أنت واللّه أحبّ من أفتديه إلى أمير المؤمنين وإليّ إن لم تكن دخلت في الكفر؛ فقال: قد واللّه دخلت فيه؛ فقلت: أنشدك اللّه إلّا أسلمت؛ فقال: أأسلم وهذان ابناي وقد تزوجت امرأة منهم وهذان ابناها، وإذا دخلت المدينة قيل لي يا نصرانيّ وقيل مثل ذلك لولديّ وأمهما! لا واللّه لا أفعل. فقلت له: قد كنت قارئا للقرآن فما بقي معك منه؟ قال: لا شيء إلا هذه الآية رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ
قال: فعاودته وقلت له: إنك لا تعيّر بهذا؛ فقال: وكيف بعبادة الصليب وشرب الخمر وأكل لحم الخنزير؟ فقلت: سبحان اللّه! أما تقرأ: إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ
فجعل يعيد عليّ قوله: فكيف بما فعلت! ولم يجبني إلى الرجوع. قال: فرفع عمر يده وقال: اللهم لا تمتني حتى تمكنني منه. قال: فو اللّه ما زلت راجيا لإجابة دعوة عمر فيه. قال جويرية في حديثه:
وقد رأيت أخا الوابصيّ بالمدينة.
لقبه رجل بصري فأخبره أن سبب تنصره عشقه لامرأة منهم:
وقال يعقوب بن السّكّيت في هذا الخبر. أخبرني ابن الأزرق عن رجل من أهل البصرة أنسيت اسمه قال:
نزلنا في ظلّ حصن من الحصون التي للروم، فإذا أنا بقائل يقول من فوق الحصن:
فكم بين الأقارع فالمنقّى ... إلى أحد إلى ميقات ريم
إلى الزّوراء [2] من ثغر نقيّ ... عوارضه ومن دلّ رخيم
ومن عين مكحّلة الأماقي ... بلا كحل ومن كشح هضيم
/ وهو ينشد بلسان فصيح ويبكي، فناديته: أيها المنشد، فأشرف فتّى كأحسن الناس. فقلت: من الرجل وما قصتك؟ فقال: أنا رجل من الغزاة من العرب نزلت مكانك هذا، فأشرفت/ عليّ جارية كأحسن الناس فعشقتها فكلّمتها؛ فقالت: إن دخلت في ديني لم أخالفك؛ فغلب عليّ الشيطان فدخلت في دينها، فأنا كما ترى. فقلت:
__________
[1] يلاحظ أن الذي تقدم بيت واحد.
[2] الزوراء: اسم يطلق على أكثر من موضع. والظاهر أنه يريد بها هنا موضعا عند سوق المدينة يطلق عليه هذا الاسم لقرب هذا الموضع من المواضع المذكورة في البيت السابق.
أكنت تقرأ القرآن؟ فقال: إي واللّه لقد حفظته. قلت: فما تحفظ منه اليوم؟ قال: لا شيء إلا قوله عزّ وجلّ: رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ
قلت: فهل لك أن نعطيهم [1] فداءك وتخرج؟ قال: ففكّر ساعة ثم قال: انطلق صحبك اللّه.
بعض ما ورد في شعر ابن هرمة من الأخبار:
(و مما في الأخبار من شعر ابن هرمة)
صوت من المائة المختارة
في حاضر لجب بالليل سامره ... فيه الصواهل والرايات والعكر [2]
وخرّد كالمها حور مدامعها ... كأنها بين كثبان النّقا البقر
الشعر لابن هرمة. والغناء في اللحن المختار لحنين، ولحنه من الثقيل الأوّل بالخنصر في مجرى البنصر عن إسحاق. قال إسحاق: وفيه لأبي همهمة لحن من الثقيل الأوّل أيضا. وأبو همهمة هذا مغنّ أسود من أهل المدينة، ليس بمشهور ولا ممن نادم الخلفاء ولا وجدت له خبرا فأذكره.
صوت من المائة المختارة
بزينت ألمم قبل أن يرحل الركب ... وقل إن تملّينا فما ملّك القلب
وقل في تجنّيها لك الذنب: إنما ... عتابك من عاتبت فيما له عتب
الشعر لنصيب. والغناء في اللحن المختار لكردم بن معبد، ولحنه المختار من القدر الأوسط من الثقيل الأوّل بالخنصر في مجرى البنصر عن إسحاق. وفيه لمعبد لحن آخر من خفيف الثقيل عن يونس والهشاميّ ودنانير. وفيه لإبراهيم لحن آخر من الثقيل الأوّل ذكره الهشاميّ.
بعض أخبار لنصيب:
وقد تقدّم من أخبار نصيب ما فيه كفاية، وإنما تأخر منها ما له موضع يصلح إفراده فيه، مثل أخبار هذا الصوت.
ذكر عن نفسه أنه قال شعرا فعلم أنه شاعر:
أخبرني محمد بن العباس اليزيدي قال حدّثنا عمي الفضل عن إسحاق بن إبراهيم الموصلي عن ابن كناسة قال:
__________
[1] في ح: «أن نعظم لهم فداءك».
[2] الحاضر: الحي العظيم. والسامر: المتسامرون. والعكر: جمع عكرة (محركة) وهي القطعة من الإبل، قيل: ما فوق خمسمائة، وقيل: ما بين الخمسين إلى المائة.
قال نصيب: ما توهمت أني أحسن أن أقول الشعر حتى قلت:
بزينب ألمم قبل أن يرحل الركب
سمع جميل وجرير من شعره فتمنيا لو أنهما سبقاه إليه:
أخبرنا الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزبير بن بكار قال حدّثنا إبراهيم بن المنذر الحزاميّ عن محمد بن معن الغفاريّ قال أخبرني ابن الربيح [1] قال:
مرّ بنا جميل ونحن بضريّة [2]، فاجتمعنا إليه فسمعته يقول: لأن أكون سبقت الأسود إلى قوله:
/بزينب ألمم قبل أن يرحل الركب
أحبّ إليّ من كذا وكذا - لشيء قاله عظيم - .
أخبرني الحرميّ قال حدّثني الزبير قال حدّثني سعيد بن عمرو عن حبيب [3] بن شوذب الأسديّ قال:
مرّ بنا جرير بن الخطفي ونحن بضريّة، فاجتمعنا/ إليه فسمعته يقول: لأن أكون سبقت العبد إلى هذا البيت أحبّ إليّ من كذا وكذا؛ يعني قوله:
بزينب ألمم قبل أن يرحل الركب
أنشده الكميت من شعره وبكى:
أخبرنا محمد بن العباس اليزيديّ قال حدّثني عمّي الفضل عن إسحاق الموصلي عن ابن كناسة قال:
اجتمع الكميت بن زيد ونصيب في الحمّام، فقال له الكميت: أنشدني قولك:
بزينب ألمم قبل أن يرحل الركب
فقال: واللّه ما أحفظها؛ فقال الكميت: لكنّي أحفظها، أفأنشدك إياها؟ قال نعم، فأقبل الكميت ينشده وهو يبكي.
كان مع زوجته فمر به ابن سريج يتغنى بشعر له فيها فلامته:
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ وحبيب بن نصر المهلّبي قالا [4] حدّثنا عمر بن شبّة قال ذكر ابن أبي الحويرث عن مولاة لهم، وأخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد عن أبيه عن عثمان بن حفص عن مولاة لهم قالت:
إنا لبمنى إذ نظرت/ إلى أبنية مضروبة وأثاث وأمتعة، فلم أدر لمن هي، حتى أنيخ بعير، فنزل عنه أسود وسوداء فألقيا أنفسهما على بعض المتاع، ومرّ راكب يتغنّى غناء الركبان:
__________
[1] كذا في أ، ء. وفي ب، س: «الذبيح». وفي ح، م: «الزبيح»، وكلاهما تحريف. (راجع الحاشية رقم 1 ص 374 من الجزء الرابع من هذه الطبعة).
[2] ضرية: قرية عامرة قديمة في طريق مكة من البصرة من بلاد نجد. وقيل: هي صقع واسع بنجد ينسب إليه حمى ضرية المعروف، يليه أمراء المدينة وينزل به حاج البصرة بين الجديلة وطخفة.
[3] كذا في أكثر الأصول. وفي ح: «حبيب بن شوذب». والمعروف بابن شوذب هو عبد اللّه أبو عبد الرحمن البلخي، وقد تقدّم في الأجزاء السابقة من هذا الكتاب.
[4] كذا في أ، ء، م. وفي سائر الأصول: «قال». وهو تحريف.
بزينب ألمم قبل أن يرحل الركب
فرأيت السوداء تخبط الأسود وتقول له: شهّرتني وأذعت في الناس ذكري [1]؛ فإذا هو نصيب وزوجته. قال إسحاق في خبره: وكان الذي اجتاز بهم وتغنّى ابن سريج.
كان ابن سريج يغني لنسوة في شعره فلم يشأ أن يتعرف بهن:
أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه عن محمد بن كناسة عن أبيه قال: [قال] [2] نصيب: واللّه إني
لأسير على راحلتي إذ أدركت نسوة ذوات جمال يتناشدن [3] قولي:
بزينب ألمم قبل أن يرحل الركب
وإذا معهنّ ابن سريج؛ فقلن له: يا أبا يحيى، غنّنا في هذا الشعر، فغناهنّ فأحسن؛ فقلن: وددنا واللّه يا أبا يحيى أن نصيبا معنا فيتمّ سرورنا؛ فحرّكت بعيري لأتعرّف بهنّ وأنشدهنّ؛ فالتفتت إحداهنّ إليّ فقالت حين رأتني:
واللّه لقد زعموا أن نصيبا يشبه هذا الأسود لا جرم؛ فقلت: واللّه لا أتعرّف بهنّ سائر اليوم، ومضيت وتركتهنّ. قال:
وكان الذي تغنى به ابن سريج من شعري:
بزينب ألمم قبل أن يرحل الركب ... وقل إن تملّينا فما ملّك القلب
وقل إن تنل بالحبّ منك مودّة ... فما مثل ما لقّيت من حبكم حب
وقل في تجنّيها لك الذنب إنما ... عتابك من عاتبت فيما له عتب
/ فمن شاء رام الوصل أو قال ظالما ... لذي ودّه ذنب وليس له ذنب
سأله جد جمال بنت عون أن ينشده قصيدته في زينب فأنشده:
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزبير بن بكّار قال حدّثني إبراهيم بن عبد اللّه السّعدي [4] عن جدّته جمال بنت عون عن جدّها قال:
قلت للنّصيب: أنشدني يا أبا محجن من شعرك شيئا؛ فقال: أيّه تريد؟ قلت: ما شئت؛ قال: لا أنشدك أو تقترح ما تريد؛ فقلت: قولك:
بزينب ألمم قبل أن يرحل الركب
قال: فتبسّم وقال: هذا شعر قلته وأنا غلام؛ ثم أنشدني القصيدة. قال الزبير: وهي أجود ما قال.
لامه عمر على تشهيره بالنساء فأخبر أنه تاب واستجازه فأجازه:
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري وحبيب بن نصر المهلّبي قالا حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثنا المدائني عن أبي بكر الهذليّ قال حدّثني أيوب بن شاس، ونسخت هذا الخبر من كتاب/ أحمد بن الحارث الخرّاز عن
__________
[1] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «فكري»، وهو تحريف.
[2] التكملة عن ح.
[3] في الأصول: «يتناشدون» وهو تحريف.
[4] في ب، س: «السعيدي».
المدائني عن أبي بكر الهذلي عن أيوب بن شاس - وروايته أتم من رواية عمر بن شبّة - قال أيوب: حدّثني عبد اللّه بن سعيد:
أن النصيب دخل على عمر بن عبد العزيز لمّا ولي الخلافة؛ فقال له: هيه يا أسود:
بزينب ألمم قبل أن يرحل الركب ... وقل إن تملّينا فما ملّك القلب
أأنت الذي تشهر النساء وتقول فيهنّ! فقال: يا أمير المؤمنين، إني قد تركت ذلك وتبت من قول الشعر، وكان قد نسك؛ فأثنى عليه القوم وقالوا فيه قولا/ جميلا [1]؛ فقال له: أمّا إذ أثنى عليك القوم فسل حاجتك؛ فقال:
يا أمير المؤمنين، لي بنيّات سويداوات أرغب بهنّ عن السودان ويرغب عنهنّ البيضان، فإن رأيت أن تفرض لهنّ فافعل؛ ففعل.
رأى عثمان بن الضحاك امرأة فتمثل بشعره في زينب فكانت هي وأخبرته أنه آت لزيارتها:
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا عبد اللّه بن شبيب عن محمد بن المؤمّل بن طالوت عن أبيه عن عثمان بن الضحّاك الحزامي قال:
خرجت على بعير لي أريد الحج، فنزلت في فناء خيمة بالأبواء [2]، فإذا جارية قد خرجت من الخيمة ففتحت الباب بيديها؛ فآستلهاني حسنها، فتمثّلت قول نصيب:
بزينب ألمم قبل أن يرحل الركب ... وقل إن تملّينا فما ملّك القلب
فقالت الجارية: أتعرف قائل هذا الشعر؟ قلت: نعم، ذاك نصيب؛ قالت: أفتعرف زينب هذه؟ قلت: لا؛ قالت: فأنا واللّه زينبه، وهو اليوم الذي وعدني فيه الزيارة، ولعلك لا ترحل حتى تراه. فوقفت ساعة فإذا أنا براكب قد طلع فجاء حتى أناخ قريبا منها، ثم نزل فسلّم عليها وسلّمت عليه؛ فقلت: عاشقان التقيا ولا بدّ أن يكون لهما حاجة، فقمت إلى راحلتي فشددت عليها؛ فقال: على رسلك، أنا معك؛ فلبث ساعة ثم رحل ورحلت معه؛ فقال لي: كأنك قلت في نفسك كذا وكذا؛ قلت: قد كان ذاك؛ فقال لا، وربّ الكعبة البنيّة المستورة ما جلست معها مجلسا قطّ هو أقرب من هذا.
شبه حماد بن إسحاق قصيدة له بشعر امرىء القيس:
حدّثني الحسن بن عليّ قال حدّثنا هارون بن محمد بن عبد الملك قال حدّثني حماد بن إسحاق قال قال لي أبو ربيعة:
لو لم تكن هذه القصيدة:
بزينب ألمم قبل أن يرحل الركب
لنصيب، شعر من كانت تشبه؟ فقلت: شعر امرىء القيس، لأنها جزلة الكلام جيدة. قال: سبحان اللّه! قلت:
__________
[1] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «فأثنى عليه القوم خيرا وقالوه فيه فقال ... إلخ».
[2] الأبواء: قرية من أعمال الفرع (بضم الفاء وسكون الراء) من المدينة بينها وبين الجحفة مما يلي المدينة ثلاثة وعشرون ميلا. وقيل:
هي جبل على يمين آرة ويمين الطريق للمصعد إلى مكة من المدينة، وهناك بلد ينسب إلى هذا الجبل. وبالأبواء قبر آمنة بنت وهب أم النبي صلى اللّه عليه وسلم.
ما شأنك؟ فقال: سألت أباك عن هذا فقال لي مثل ما قلت، فعجبت من اتّفاقكما.
منقذ الهلالي وطربه بشعر نصيب:
قال هارون وحدّثني حماد عن أبيه عن عثمان بن حفص الثّقفي عن رجل سمّاه قال:
أتاني منقذ الهلالي ليلة وضرب عليّ الباب، فقلت: من هذا؟ فقال: منقذ الهلاليّ؛ فخرجت فزعا، فقلت:
فيم السّرى [1] - أي ما جاء بك تسري إليّ ليلا - في هذه الساعة؟ قال: خير، أتاني أهلي بدجاجة مشوية بين رغيفين، فتغذّيت [2] بها معهم، ثم أتيت بقنيّنة نبيذ قد التقى طرفاها، فشربت وذكرت قول نصيب:
بزينب ألمم قبل أن يرحل الرّكب
فأنشدتها فأطربتني، وفكّرت في إنسان يفهم حسن ذلك ويعرف فضله فلم أجد غيرك فأتيتك. فقلت: ما جاء بك إلا هذا؟! قال: لا، وانصرف.
قال حماد: معنى قوله: «التقى طرفاها» أي قد صفت وراقت فأسفلها وأعلاها/ سواء في الصفاء.
وممّا يغنّى فيه من قصيدة نصيب البائيّة المذكورة قوله:
صوت
خليليّ من كعب ألمّا هديتما ... بزينب لا يفقدكما أبدا كعب
من اليوم زوراها فإن ركابنا ... غداة غد عنها وعن أهلها نكب
الغناء لمالك خفيف ثقيل أول بالوسطى عن عمرو بن بانة.
صوت من المائة المختارة على رواية جحظة عن أصحابه
النّشر مسك والوجوه دنا ... نير وأطراف الأكفّ عنم
والدار وحش والرسوم كما ... رقّش في ظهر الأديم قلم
لست كأقوام خلائقهم ... نثّ أحاديث وهتك حرم
- نثّ الحديث: إشاعته. والعنم: شجر أحمر، وقيل: بل هو دود أحمر كالأساريع [3] يكون في البقل في أيام الربيع. والأديم: الجلد. وجلد كل شيء أديمه. ورقّش: زين - الشعر [4] لمرقّش الأكبر، والغناء لابن عائشة هزج بالبنصر في مجراها.
__________
[1] كذا في ح. وفي أ، ء، م: «فما السرى أي ما جاء بك ... إلخ» وفي ب، س: فما السر الذي جاء بك ... إلخ».
[2] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «فتغديت» (بالدال المهملة).
[3] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «كالتساريع». ولعلها مصحفة عن «اليساريع» وهي بمعنى الأساريع.
[4] هذا الشعر من قصيدة للمرقش يرثى بها ابن عمه ثعلبة بن عوف بن مالك بن ضبيعة، قتله مهلهل في ناحية التغلمين، وكان معه مرقش فأفلت، ثم إنه طلب بدم ثعلبة فقتل رجلا من تغلب يقال له عمرو بن عوف. وقد وردت هذه الأبيات في المفضليات (ص 484 - 492 طبع أوروبا) على غير هذا الترتيب باختلاف يسير.
8 - أخبار المرقش الأكبر ونسبه
نسبه وسبب تسميته بالمرقش وقرابته للمرقش الأصغر:
المرقّش لقب غلب عليه بقوله:
الدار وحش والرسوم كما ... رقّش في ظهر الأديم قلم
عوف بن مالك المعروف بالبرك:
وهو أحد من قال شعرا فلقّب به. واسمه - فيما ذكر أبو عمرو الشّيباني - عمرو. وقال غيره: عوف [1] بن سعد بن مالك بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة الحصن [2] بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل. وهو أحد المتيّمين. كان يهوى ابنة عمه أسماء بنت عوف بن مالك بن ضبيعة، وكان المرقّش الأصغر ابن أخي المرقش الأكبر. واسمه - فيما ذكر أبو عمرو - ربيعة بن سفيان بن سعد بن مالك. وقال غيره: هو عمرو بن حرملة بن سعد بن مالك. وهو أيضا أحد المتيّمين، كان يهوى فاطمة بنت المنذر الملك ويتشبّب بها. وكان للمرقّشين جميعا موقع في بكر بن وائل وحروبها مع بني تغلب، وبأس وشجاعة ونجدة وتقدّم في المشاهد ونكاية في العدوّ وحسن أثر. كان عوف بن مالك بن ضبيعة عمّ المرقّش الأكبر من فرسان بكر بن وائل. وهو القائل يوم قضة: يا لبكر بن وائل، أفي كل يوم فرارا! ومحلوفي [3] لا يمرّ بي رجل من بكر بن وائل منهزما إلّا ضربته بسيفي. وبرك يقاتل؛ فسمّي البرك يومئذ.
عمرو بن مالك وأسره لمهلهل:
وكان أخوه عمرو بن مالك أيضا من فرسان بكر، وهو الذي أسر مهلهلا، التقيا في خيلين من غير مزاحفة في بعض الغارات بين بكر وتغلب، في موضع يقال له نقا/ الرّمل، فانهزمت خيل مهلهل وأدركه عمرو بن مالك فأسره فانطلق به إلى قومه، وهم في نواحي هجر [4]، فأحسن إساره. ومرّ عليه تاجر يبيع الخمر قدم بها من هجر، وكان صديقا لمهلهل يشتري منه الخمر، فأهدى/ إليه وهو أسير زقّ خمر؛ فاجتمع إليه بنو مالك فنحروا عنده بكرا وشربوا عند مهلهل في بيته - وقد أفرد له عمرو بيتا يكون فيه - فلما أخذ فيهم الشّراب تغنّى مهلهل فيما كان يقوله
__________
[1] قيل سمى عوفا باسم عمه والد أسماء التي كان يهواها ويتشبب بها. (راجع «المفضليات»).
[2] كذا في ح وقد صححها الأستاذ الشنقيطي كذلك في نسخته المحفوظة بدار الكتب المصرية تحت رقم (144 أدب ش). وفي سائر الأصول: «الحصين» وهو تحريف. (راجع «المعارف» لابن قتيبة ص 47، 48).
[3] كذا في ب، س. وفي سائر الأصول: «أما ومحلوفي».
[4] هجر: اسم يطلق على أكثر من موضع. والظاهر أنه يريد به هنا هجر التي قصبتها الصفا وبينها وبين اليمامة عشرة أيام وبينها وبين البصرة خمسة عشر يوما على الإبل لقربها من ديار بكر وتغلب.
من الشعر وينوح به على كليب؛ فسمع ذلك عمرو بن مالك فقال: إنه لريّان، واللّه لا يشرب ماء حتى يرد ربيب - يعني جملا كان لعمرو بن مالك، وكان يتناول الدّهاس [1] من أجواف هجر فيرعى فيها غبّا بعد عشر في حمارّة القيظ - فطلبت ركبان بني مالك ربيبا وهم حراص على ألّا يقتل مهلهل، فلم يقدروا على البعير حتى مات مهلهل عطشا. ونحر عمرو بن مالك يومئذ نابا فأسرج جلدها على مهلهل وأخرج رأسه. وكانت بنت خال مهلهل امرأته بنت المحلّل [2] أحد بني تغلب قد أرادت أن تأتيه وهو أسير؛ فقال يذكرها:
ظبية ما ابنة المحلّل شنبا [3] ... ء لعوب لذيذة في العناق [4]
فلما بلغها ما هو فيه لم تأته حتى مات. فكان هبنّقة القيسيّ أحد بني قيس بن ثعلبة واسمه يزيد بن ثروان يقول - وكان محمّقا وهو الذي تضرب به العرب المثل/ في الحمق -: لا يكون لي جمل أبدا إلا سميته ربيبا (يعني أن ربيبا كان مباركا لقتله مهلهلا). ذكر ذلك أجمع ابن الكلبي وغيره من الرواة. والقصيدة الميميّة التي فيها الغناء المذكورة بذكر أخبار المرقّش يقولها في مرثية ابن عم له. وفيها يقول:
بل هل شجتك الظّعن [5] باكرة ... كأنها النخيل [6] من ملهم [7]
عشق المرقش أسماء بنت عوف وخطبها فزوّجها أبوها في بني مراد في غيبته:
قال أبو عمرو - ووافقه المفضّل الضبي -: وكان من خبر المرقّش الأكبر أنه عشق ابنة عمه أسماء بنت عوف بن مالك، وهو البرك، عشقها وهو غلام فخطبها إلى أبيها؛ فقال: لا أزوّجك حتى تعرف [8] بالبأس - وهذا قبل أن تخرج ربيعة من أرض اليمن - وكان يعده فيها المواعيد. ثم انطلق مرقّش إلى ملك من الملوك فكان عنده زمانا ومدحه فأجازه. وأصاب عوفا زمان شديد؛ فأتاه رجل من مراد أحد بني غطيف [9]، فأرغبه في المال فزوّجه أسماء على مائة من الإبل، ثم تنّحى عن بني سعد بن مالك.
أخبره أهله بموت أسماء ولما علم بزواجها من المرادي رحل إليها ومات عندها:
ورجع مرقش، فقال إخوته: لا تخبروه إلّا أنها ماتت؛ فذبحوا كبشا وأكلوا لحمه ودفنوا عظامه ولفّوها في ملحفة ثم قبروها. فلما قدم مرقّش عليهم أخبروه أنها ماتت، وأتوا به موضع القبر؛ فنظر إليه وصار بعد ذلك يعتاده ويزوره. فبينا هو ذات يوم مضطجع وقد تغطّى بثوبه وابنا أخيه يلعبان بكعبين لهما إذ اختصما في كعب، فقال
__________
[1] الدهاس: المكان السهل ليس برمل ولا تراب.
[2] كذا في الطبري وفيما مر في أكثر الأصول من الجزء الخامس من هذه الطبعة (ص 51). وفي ب، س هنا وفيما مر من الجزء الخامس وهامش الطبري: «المجلل» (بالجيم): وفي سائر الأصول هنا غير ب، س: «المجالد».
[3] الشنباء: التي في أسنانها ماء ورقة وبرد وعذوبة.
[4] رواية هذا البيت في الجزء الخامس من هذه الطبعة (ص 51):
طفلة ما ابنة المحلل بيضا ... ء لعوب لذيذة في العناق
[5] الظعن: النساء بهوادجهن.
[6] في «المفصليات»:
«كأنهن النخل ... »
[7] ملهم: أرض من أرض اليمامة موصوفة بكثرة النخيل.
[8] في «المفضليات»: «حتى ترأس» أي تكون رئيسا.
[9] كذا في ح و «المفضليات». وغطيف: بطن من مراد، وهم بنو غطيف بن ناجية بن مراد. وفي سائر الأصول: «عطيف» (بالعين المهملة) وهو تصحيف.
أحدهما: هذا كعبي أعطانيه أبي من الكبش الذي دفنوه وقالوا إذا جاء مرقّش أخبرناه أنه قبر أسماء. فكشف مرقّش عن رأسه ودعا الغلام - وكان قد ضني ضنا شديدا - فسأله عن الحديث فأخبره به وبتزويج المراديّ أسماء؛/ فدعا مرقّش وليدة له ولها زوج من غفيلة [1] كان عسيفا [2] لمرقّش، فأمرها بأن تدعو له زوجها فدعته، وكانت له رواحل فأمره بإحضارها ليطلب المراديّ [عليها] [3] فأحضره إياها، فركبها ومضى في طلبه، فمرض في الطريق حتى ما يحمل إلا معروضا. وإنهما نزلا كهفا بأسفل نجران، وهي أرض مراد، ومع الغفليّ [4] امرأته وليدة مرقّش؛ فسمع مرقّش زوج الوليدة يقول لها: اتركيه/ فقد هلك سقما وهلكنا معه ضرّا وجوعا. فجعلت الوليدة تبكي من ذلك؛ فقال لها زوجها: أطيعيني، وإلا فإني تاركك وذاهب. قال: وكان مرقّش يكتب، وكان أبوه دفعه وأخاه حرملة - وكانا [5] أحبّ ولده إليه - إلى نصرانيّ من أهل الحيرة فعلّمهما الخطّ. فلما سمع مرقّش قول الغفليّ [4] للوليدة كتب مرقّش على مؤخّرة الرحل هذه الأبيات:
يا صاحبيّ تلبّثا لا تعجلا ... إنّ الرواح رهين ألّا تفعلا [6]
فلعلّ لبثكما يفرّط سيّئا [7] ... أو يسبق الإسراع سيبا مقبلا [8]
/يا راكبا إمّا عرضت فبلّغن ... أنس [9] بن سعد إن لقيت وحرملا
للّه درّكما ودرّ أبيكما ... إن أفلت العبدان [10] حتى يقتلا
من مبلغ الأقوام أنّ مرقّشا ... أضحى على الأصحاب عبئا مثقلا [11]
وكأنما ترد السباع بشلوه ... إذ غاب جمع بني ضبيعة منهلا
قال: فانطلق الغفليّ وامرأته حتى رجعا إلى أهلهما، فقالا: مات المرقّش. ونظر حرملة إلى الرّحل وجعل يقلّبه فقرأ الأبيات، فدعاهما وخوّفهما وأمرهما بأن يصدقاه ففعلا، فقتلهما. وقد كانا وصفا له الموضع، فركب في
__________
[1] في أكثر الأصول: «عقيلة». وفي ح: «عقيل» (بالعين المهملة والقاف). وفي «تجريد الأغاني»: «عفيل» (بالفاء). والتصويب عن «المفضليات» و «كتاب المعارف» و «القاموس». وغفيلة: حي من ولد عمرو بن قاصد ولهم عدد بالجزيرة في بني تغلب.
[2] كذا في ح و «تجريد الأغاني» و «المفضليات». والعسيف: الأجير والعبد المستعان به. وفي سائر الأصول: «عشيقا» وهو تصحيف.
[3] زيادة عن ح.
[4] في الأصول هنا وفيما يأتي: «العقيلي» والتصويب عن «المفضليات».
[5] كذا في ب، س. وفي سائر الأصول و «المفضليات» و «تجريد الأغاني»: «و كان ... إلخ».
[6] في هذا البيت عدة روايات ذكرها ابن الأنباري شارح «المفضليات». (ص 458 طبع مطبعة الآباء اليسوعيين ببيروت).
[7] كذا في «المفضليات» و «لسان العرب» مادة «فرط». وقد وردت هذه الكلمة في سائر الأصول محرّفة.
[8] قال صاحب «المفضليات» في التعليق على هذا البيت: «قال أبو عكرمة: يفرط: يقدّم، مأخوذ من الفارط وهو المتقدّم قبل الماشية يصلح الدلاء والأرشية والحياض. يقول: لعل انتظاركما يقدّم عنكما مكروها. ولعل سيبا مقبلا يكون بعد عجلتكما، فانتظاركما أوفق. قال: وقال أبو عمرو: الإفراط: التقدّم والعجلة، يقول إن أبطأتما فعرض لكما شر فلعله أن يخطئكما وإن تقدّمتما فعرض خير بعدكما فلعله لا يصادفكما».
[9] أنس بن سعد وحرملة: هما أخوا مرقش.
[10] في «المفضليات»:
«إن أفلت الغفلى ... إلخ»
[11] زاد صاحب «المفضليات» بعد هذا البيت وقبل الأخير بيتا وهو:
ذهب السباء بأنفه فتركته ... أعثى عليه بالجبال وجيئلا
ويعني بالأعثى: الضبعان وهو ذكر الضباع. والجيئل: الأنثى.
طلب المرقّش حتى أتى المكان، فسأل عن خبره فعرف أنّ مرقّشا كان في الكهف ولم يزل فيه حتى إذا هو [1] بغنم تنزو على الغار الذي هو فيه وأقبل راعيها إليها. فلما بصر به قال له: من أنت وما شأنك؟ فقال له مرقّش: أنا رجل من مراد، وقال للراعي [2]: من أنت؟ قال: راعى فلان، وإذا هو راعى زوج أسماء. فقال له مرقّش: أتستطيع أن تكلّم أسماء امرأة صاحبك؟ قال: لا، ولا أدنو منها؛ ولكن تأتيني جاريتها كلّ ليلة فأحلب لها عنزا فتأتيها بلبنها.
فقال له: خذ خاتمي هذا، فإذا حلبت فألقه في اللبن، فإنها ستعرفه، وإنك مصيب به خيرا لم يصبه راع قطّ إن أنت فعلت ذلك. فأخذ الراعي الخاتم. ولما راحت الجارية بالقدح وحلب لها العنز طرح الخاتم فيه؛ فانطلقت الجارية به وتركته بين يديها. فلما سكنت الرّغوة أخذته فشربته، وكذلك كانت تصنع، فقرع الخاتم ثنيّتها، فأخذته واستضاءت بالنار فعرفته؛ فقالت للجارية:/ ما هذا الخاتم؟ قالت: ما لي به علم؛ فأرسلتها إلى مولاها وهو في شرف [3] بنجران؛ فأقبل فزعا؛ فقال لها: لم دعوتني؟ قالت له: ادّع عبدك راعي غنمك فدعاه؛ فقالت: سله أين وجد هذا الخاتم! قال: وجدته مع رجل في كهف خبّان [4]. - قال: ويقال كهف جبار - فقال: اطرحه في اللبن الذي تشربه أسماء فإنك مصيب به خيرا، وما أخبرني من هو، ولقد تركته بآخر رمق. فقال لها زوجها: وما هذا الخاتم؟
قالت: خاتم مرقّش، فأعجل السّاعة في طلبه. فركب فرسه وحملها على فرس آخر وسارا حتى طرقاه من ليلتهما فاحتملاه إلى أهلهما، فمات عند أسماء. وقال قبل أن يموت:
سرى ليلا خيال من سليمى ... فأرّقني وأصحابي هجود
فبتّ أدير أمري كلّ حال ... وأذكر أهلها وهم بعيد
على أن قد سما طرفي لنار ... يشبّ لها بذي الأرطى [5] وقود
/ حواليها مها بيض التّراقي [6] ... وآرام وغزلان رقود
نواعم لا تعالج بؤس عيش ... أوانس لا تروح [7] ولا ترود
يرحن معا بطاء المشيء بدّا [8] ... عليهنّ المجاسد والبرود
سكنّ ببلدة وسكنت أخرى ... وقطّعت المواثق والعهود
فما بالي أفي ويخان عهدي ... وما بالي أصاد ولا أصيد
/ وربّ أسيلة الخدّين بكر ... منعّمة لها فرع وجيد [9]
__________
[1] كذا في ح و «تجريد الأغاني». وفي سائر الأصول: «هم» وهو تحريف.
[2] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «قال فراعي من أنت».
[3] في «المفضليات»: «شرب» جمع شارب.
[4] في الأصول: «جبان» (بالجيم) وهو تصحيف. والتصويب عن كتاب «معجم ما استعجم» و «معجم البلدان» و «شرح المفضليات».
[5] الأرطى: شجر ينبت بالرمل وهو شبيه الغصى، ينبت عصيا من أصل واحد ويطول قدر قامة، وله نور مثل نور الخلاف ورائحته طيبة.
[6] في «المفضليات»: «جم التراقي». يريد أن عظامها قد غمرها اللحم فلا حجم لها.
[7] في «المفضليات»: «لا تراح».
[8] بد: جمع أبد والأنثى بداء. وهو كثرة لحم الفخذين حتى تصطكا.
[9] استشهد بهذا البيت في النحو على حذف الصفة وإبقاء الموصوف، أي لها فرع فاحم وجيد طويل. إذ هذا البيت للمدح، وهو لا يحصل بإثبات الفرع والجيد مطلقين بل بإثباتهما موصوفين بصفتين محبوبتين.
وذو أشر [1] شتيت النبت عذب ... نقيّ اللون برّاق برود
لهوت بها زمانا في [2] شبابي ... وزارتها النجائب والقصيد
أناس كلّما أخلقت وصلا ... عناني منهم وصل جديد
ثم مات عند أسماء، فدفن في أرض مراد.
خرج لقتل زوج أسماء فرده أخواه وعذلاه فمرض وقال شعرا:
وقال غير أبي عمرو والمفضّل:
أتى رجل من مراد يقال له قرن الغزال، وكان موسرا، فخطب أسماء وخطبها المرقش وكان مملقا؛ فزوّجها أبوها من المراديّ سرّا؛ فظهر على ذلك مرقّش فقال: لئن ظفرت به لأقتلنّه. فلما أراد أن يهتديها [3] خاف أهلها عليها وعلى بعلها من مرقّش، فتربّصوا بها حتى عزب مرقّش في إبله، وبنى المراديّ بأسماء واحتملها إلى بلده.
فلما رجع مرقّش إلى الحيّ رأى غلاما يتعرّق عظما؛ فقال له: يا غلام، ما حدث بعدي في الحيّ؟ وأوجس في صدره خيفة لما كان؛ فقال الغلام: اهتدى المراديّ امرأته أسماء بنت عوف. فرجع المرقّش إلى حيّه فلبس لأمته وركب فرسه الأغرّ، واتّبع آثار القوم يريد قتل المراديّ. فلما طلع لهم قالوا للمراديّ: هذا مرقّش، وإن لقيك فنفسك دون نفسه. وقالوا لأسماء: إنه سيمرّ عليك، فأطلعي رأسك إليه واسفري؛ فإنه لا يرميك ولا يضرّك، ويلهو بحديثك عن طلب بعلك، حتى يلحقه إخوته فيردّوه. وقالوا للمراديّ: تقدّم فتقدّم./ وجاءهم مرقّش. فلما حاذاهم أطلعت أسماء من خدرها ونادته، فغضّ [4] من فرسه وسار بقربها، حتى أدركه أخواه أنس وحرملة فعذلاه وردّاه عن القوم. ومضى بها المراديّ فألحقها بحيّه. وضني [5] مرقّش لفراق أسماء. فقال في ذلك:
أمن آل أسماء الرسوم الدّوارس ... تخطّط فيها الطير قفر بسابس [6]
وهي قصيدة طويلة. وقال في أسماء أيضا:
أغالبك القلب اللّجوج صبابة ... وشوقا إلى أسماء أم أنت غالبه
يهيم ولا يعيا بأسماء قلبه ... كذاك الهوى إمراره وعواقبه
أيلحى امرؤ في حبّ أسماء قد نأى ... بغمز [7] من الواشين وازورّ جانبه
وأسماء همّ النفس إن كنت عالما ... وبادى أحاديث الفؤاد وغائبه
إذا ذكرتها النفس ظلت كأنني ... يزعزعني قفقاف ورد وصالبه [8]
__________
[1] الأشر: تحزز في الأسنان يكون في الأحداث.
[2] في «المفضليات»: «من شبابي».
[3] يقال: اهتدى الرجل امرأته إذا جمعها إليه وضمها.
[4] يقال: غض من فرسه إذا نقص من غربه وحدته.
[5] كذا في أكثر الأصول. وضنى: مرض مرضا مخامرا كلما ظن برؤه نكس. وفي ب، س: «و غنى» وهو تحريف.
[6] قال شارح المفضليات في التعليق على هذا البيت: «قال أبو عمرو: تخطط فيها الطير أي ترعى».
[7] كذا في أكثر الأصول. وفي ب، س: «بغم».
[8] الورد: من أسماء الحمى. وقفقافه: اضطراب الحنكين واصطكاك الأسنان منه. وصالبه: شدّة حرارته مع رعدة.
كان مع المجالد بن ريان في غارته على بني تغلب وقال شعرا:
وقال أبو عمرو: وقع المجالد بن ريّان ببني تغلب بجمران [1] فنكى فيهم وأصاب مالا وأسرى،/ وكان معه المرقّش الأكبر، فقال المرقش في ذلك:
أتتني لسان [2] بني عامر ... فجلّى أحاديثها عن بصر
/ بأنّ بني الوخم [3] ساروا معا ... بجيش كضوء نجوم السّحر [4]
بكلّ خبوب [5] السّرى نهدة ... وكل كميت طوال أغرّ
فما شعر الحيّ حتى رأوا ... بريق القوانس فوق الغرر [6]
فأقبلنهم [7] ثم أدبرنهم ... وأصدرنهم قبل حين الصّدر
فيا ربّ شلو تخطرفنه [8] ... كريم لدى مزحف أو مكرّ [9]
وكائن بجمران [10] من مزعف [11] ... ومن رجل وجهه قد عفر
9 - وأمّا المرقّش الأصغر
نسبه وعشقه لفاطمة بنت المنذر وأخباره في ذلك وشعره:
فهو - على ما ذكر أبو عمرو - ربيعة بن سفيان بن سعد بن مالك بن ضبيعة. والمرقّش الأكبر عم الأصغر، والأصغر عم طرفة بن العبد. قال أبو عمرو: والمرقّش الأصغر أشعر المرقّشين وأطولهما عمرا. وهو الذي عشق
__________
[1] جمران (بضم أوّله وإسكان ثانيه): موضع ببلاد الرباب، أو هو ماء. وقد ورد هذا الاسم في أكثر الأصول: «حمران» (بالحاء المهملة). وفي ح: «نجران»، وكلاهما تحريف. راجع «المفضليات» ص 483 طبع أوروبا). و «معجم ما استعجم» (ص 245).
[2] اللسان هنا: الرسالة. وجلى أحاديثها عن بصر: أي كشفت أحاديثها العمى.
[3] في ح: «الرخم» وفي باقي الأصول: «الرحم». والتصويب عن «المفضليات». وبنو الوخم: بنو عامر بن ذهل بن ثعلبة.
[4] في شرح «المفضليات»: «قال الأصمعي: خص نجوم السحر لأن النجوم التي تطلع في آخر الليل كبار النجوم ودراريها وهي المضيئة منها».
[5] في أكثر الأصول: «جنوب السرى». والتصويب عن ح. ويروى
«بكل نسول السرى»
- والنسول: السريعة السير - و
«بكل خنوف السرى»
أي خفيفة لينة رجع اليدين بالسير. (راجع «المفضليات» وشرحها ص 483). ونهدة: ضخمة.
[6] القوانس: جمع قونس وهو أعلى بيضة الحديد. والغرر: السادة من الرجال، ويقال الغرر: الوجوه. ويروى:
«فوق العذر»
والعذر: شعر العرف والناصية. (راجع «شرح المفضليات»).
[7] في الأصول:
«فأقبلتهم ثم أدبرتهم ...
إلخ» (بالتاء المثناة). والتصويب عن «المفضليات».
[8] كذا في «المفضليات» والشلو: بقية الجسد. وتخطرفته: استلبته، وقيل: جاوزنه وخلفنه. وفي جميع الأصول: «تخطرفته» (بالتاء).
[9] زاد صاحب «المفضليات» بعد هذا البيت بيتا وهو:
وآخر شاص ترى جلده ... كشر القتادة غب المط
والشاصي: الرافع رجليه ويديه. وإذا أصاب المطر القتاد انتفخت قشوره وارتفعت عن الصميم. يريد قتيلا قد انتفخ فكأن جلده لحاء قتادة.
[10] في جميع الأصول هنا: «بنجران» وهو تحريف. (راجع الحاشية رقم 6 من الصفحة السابقة).
[11] كذا في ح و «المفضليات» و «معجم ما استعجم». وزعفه وأزعفه: رماه أو ضربه فمات مكانه سريعا. وفي سائر الأصول:
«مرعف» (بالراء المهملة).
فاطمة بنت المنذر، وكانت لها وليدة يقال لها بنت عجلان، وكان لها قصر [بكاظمة] [1] وعليه حرس. وكان الحرس يجرّون كل ليلة حوله الثياب فلا يطؤه أحد إلا بنت عجلان. وكان لبنت عجلان في كلّ ليلة رجل من أهل الماء يبيت عندها. فقال عمرو بن جناب [2] بن مالك لمرقّش: إنّ بنت عجلان تأخذ كلّ عشيّة رجلا ممن يعجبها فيبيت معها.
وكان مرقّش ترعية [3] لا يفارق إبله، فأقام بالماء وترك إبله ظمأى، وكان من أجمل الناس وجها وأحسنهم شعرا.
وكانت فاطمة بنت المنذر تقعد فوق القصر فتنظر إلى الناس. فجاء مرقّش فبات عند ابنة عجلان؛ حتى إذا كان من الغد تجرّدت عند مولاتها. فقالت لها: ما هذا بفخذيك؟ - وإذا نكت كأنها التين [4] وكآثار السّياط من شدّة حفزه إياها عند الجماع - قالت: آثار رجل بات معي الليلة. وقد كانت فاطمة قالت لها: لقد رأيت رجلا جميلا راح نحونا بالعشيّة لم أره قبل ذلك؛ قالت: فإنه فتى قعد عن إبله وكان يرعاها، وهو الفتى الجميل الذي رأيته، وهو الذي بات معي فأثر فيّ هذه/ الآثار. قالت لها فاطمة: فإذا كان غد وأتاك فقدّمي له مجمرا ومريه أن يجلس عليه وأعطيه سواكا، فإن استاك به أوردّه فلا خير فيه، وإن قعد على المجمر أوردّه فلا خير فيه. فأتته بالمجمر فقالت له: اقعد عليه؛ فأبى وقال: أدنيه مني، فدخّن لحيته وجمّته وأبى أن يقعد عليه، وأخذ السواك فقطع رأسه واستاك به. فأتت ابنة عجلان فاطمة فأخبرتها بما صنع؛ فازدادت به عجبا وقالت: ائتيني به. فتعلقت به كما كانت تتعلق، فمضى معها وانصرف أصحابه. فقال القوم حين انصرفوا: لشدّ ما علقت بنت عجلان المرقّش! وكان الحرس ينثرون التراب حول قبّة فاطمة بنت المنذر ويجرّون عليه ثوبا حين تمسي ويحرسونها فلا يدخل عليها إلا ابنة عجلان؛ فإذا كان الغد بعث الملك بالقافة فينظرون أثر من دخل إليها ويعودون فيقولون له: لم نر إلا أثر بنت عجلان. فلما كانت تلك الليلة حملت بنت عجلان مرقّشا على ظهرها وحزمته/ إلى بطنها بثوب، وأدخلته إليها فبات معها. فلما أصبح بعث الملك بالقافة فنظروا وعادوا إليه فقالوا: نظرنا أثر بنت عجلان وهي مثقلة. فلبث بذلك حينا يدخل إليها. فكان عمرو بن جناب بن عوف بن مالك يرى ما يفعل ولا يعرف مذهبه. فقال له: ألم تكن عاهدتني عهدا لا تكتمني شيئا ولا أكتمك ولا نتكاذب؟! فأخبره مرقّش الخبر؛ فقال له: لا أرضى عنك ولا أكلّمك أبدا أو تدخلني عليها، وحلف على ذلك. فانطلق المرقّش إلى المكان الذي كان يواعد فيه بنت عجلان فأجلسه فيه وانصرف وأخبره كيف يصنع، وكانا متشابهين غير أن عمرو بن جناب كان أشعر، فأتته بنت عجلان فاحتملته وأدخلته إليها وصنع ما أمره به مرقش. فلما أراد مباشرتها وجدت شعر فخذيه فاستنكرته، وإذا هو يرعد؛ فدفعته بقدمها في صدره وقالت: قبّح اللّه سرّا عند المعيدي. ودعت بنت عجلان فذهبت به، وانطلق إلى موضع صاحبه. فلما رآه قد أسرع الكرّة ولم يلبث إلا قليلا، علم أنه قد/ افتضح، فعضّ على إصبعه فقطعها. ثم انطلق إلى أهله وترك المال الذي كان فيه - يعني الإبل التي كان مقيما فيها - حياء مما صنع. وقال مرقش في ذلك:
__________
[1] زيادة عن ح و «المفضليات» و «تجريد الأغاني». وكاظمة: على سيف البحر في طريق البحرين من البصرة بينها وبين البصرة مرحلتان وفيها آبار كثيرة وماؤها شروب واستسقاؤها ظاهر.
[2] كذا في «تجريد الأغاني» و «المفضليات» وفيما سيأتي في جميع الأصول. وفي ح: «عمرو بن حباب». وفي سائر الأصول:
«حسان». وكلاهما تحريف.
[3] رجل ترعية (مثلثة الأول مع تشديد الياء وقد تخفف) وترعاية (بالكسر) وتراعية (بالضم) وترعى (بالكسر): يجيد رعية الإبل، أو صناعته وصناعة آبائه رعاية الإبل.
[4] كذا في أكثر الأصول. وفي ح: «البثر». وفي ب و «المفضليات»: «التبن». وقد أشير في هامش «المفضليات» إلى أن هذه الرواية (التين) لا معنى لها، وأنه يحتمل أن يكون محرفة عن «النبر» وهو الورم في الجسد.
ألا يا اسلمى لا صرم لي اليوم فاطما ... ولا أبدا ما دام وصلك دائما
رمتك ابنة البكريّ عن فرع ضالة ... وهنّ بنا خوص يخلن نعائما [1]
تراءت لنا يوم الرحيل بوارد ... وعذب الثنايا لم يكن متراكما [2]
سقاه حباب [3] المزن في متكلل ... من الشمس روّاه ربابا سواجما [4]
أرتك بذات الضّال منها معاصما ... وخدّا أسيلا كالوذيلة [5] ناعما
صحا قلبه عنها على أنّ ذكرة ... إذا خطرت دارت به الأرض قائما
تبصّر خليلي هل ترى من ظعائن ... خرجن سراعا واقتعدن المفائما [6]
تحمّلن من جوّ الوريعة [7] بعد ما ... تعالى النهار وانتجعن الصّرائما [8]
تحلّين ياقوتا وشذرا وصيغة ... وجزعا ظفاريّا ودرّا توائما [9]
/سلكن القرى والجزع تحدى جمالها ... وورّكن قوّا واجتزعن المخارما [10]
ألا حبّذا وجه تريك بياضه ... ومنسدلات كالمثاني فواحما [11]
وإني لأستحيي فطيمة جائعا ... خميصا وأستحيي فطيمة طاعما
وإني لأستحييك والخرق [12] بيننا ... مخافة أن تلقى أخا لي صارما
وإني وإن كلّت قلوصي لراجم ... بها وبنفسي يا فطيم المراجما
__________
[1] الضال من السدر: ما لم يشرب الماء. والخوص: الإبل الغائرة العيون من جهد السفر. والنعائم: جمع نعامة.
[2] الوارد من الشعر: الطويل. والفم المتراكم: المتقارب النبات قد ركب بعض أسنانه بعضا.
[3] في «المفضليات»: «حبيّ المزن» وحبي المزن: ما اقترب منه.
[4] كذا في ح و «المفضليات». وفي سائر الأصول: «سراكما» وهو تحريف.
[5] الوذيلة: سبيكة الفضة.
[6] كذا في «المفضليات» و «معجم البلدان» (ج 4 ص 929). والمفائم: العظام من الإبل، وقيل: هي المراكب الوافية الواسعة، واحدها مفأم. وفي جميع الأصول: «المقائم» (بالقاف). واقتعدن: ركبن.
[7] كذا في «المفضليات» و «معجم البلدان». والوريعة: حزم لبني فقيم بن جرير بن دارم. والحزم: ما غلظ من الأرض وكثرت حجارته وأشرف حتى صار له إقبال لا يعلوه الناس والإبل إلا بالجهد. وفي جميع الأصول: «الوديعة» بالدال المهملة، وهو تحريف.
[8] الصرائم: جمع صريمة وهي القطعة من الرمل تنقطع من معظم الرمل.
[9] الشذر: اللؤلؤ الصغير، وقيل: هو خرز يفصل به بين الجواهر في النظم. والجزع (بالفتح): الخرز. وظفاري: نسبة إلى ظفار، بلد باليمن ينسب إليها الجزع. وفيها يقال: «من دخل ظفار حمر» (بتشديد الميم) أي تكلم بلغة حمير. وذلك أن رجلا من العرب دخل على ملك حمير وهو على سطح، فقال له: ثب، فوثب فتكسر. ووثب بلغة حمير قعد. وتوائم: اثنتين اثنتين.
[10] رواية «المفضليات»: «جمالهم». والجزع (بالكسر): منعطف الوادي. ووركن: عدلن وقوّ: منزل للقاصد إلى المدينة من البصرة، يرحل من النباج فينزل قوا، وهو واد يقطع الطريق تدخله المياه ولا تخرج وعليه قنطرة يعبر القفول عليها يقال لها بطن قوّ. وقيل:
قو بين فيد والنباج. وهو أيضا واد بين اليمامة وهجر نزل به الحطيئة على الزبرقان بن بدر فلم يجهزه فقال فيه شعرا. واجتزعن:
قطعن وفي ب، س: «و اخترعن» وهو تصحيف. والمخارم: جمع مخرم وهو رمل مستطيل فيه طريق. وقيل: هو أطراف الطرق في الجبال.
[11] في أكثر الأصول: «يريك». والتصويب عن ح. ورواية «المفضليات»: «ترينا». ومنسدلات: يريد ذوائب من الشعر مسترخية.
والمثاني: الحبال. شبه ذوائب الشعر بالحبال في الطول. وفواحم: سود.
[12] الخرق: ما اتسع من الأرض.
ألا يا اسلمى بالكوكب الطّلق [1] فاطما ... وإن لم يكن صرف النوى متلائما
ألا يا اسلمى ثم اعلمي أنّ حاجتي ... إليك فردّي من نوالك فاطما
أفاطم لو أنّ النساء ببلدة ... وأنت بأخرى لابتغيتك [2] هائما
متى ما يشأ ذو الودّ يصرم خليله ... ويغضب عليه لا محالة ظالما
وآلى جناب حلفة فأطعته ... فنفسك ولّ اللّوم إن كنت نادما
فمن يلق خيرا يحمد الناس أمره ... ومن يغو لا يعدم على الغيّ لائما
ألم تر أنّ المرء يجذم كفّه ... ويجشم من لوم الصديق المجاشما [3]
أمن حلم أصبحت تنكت واجما [4] ... وقد تعترى الأحلام من كان نائما
صوت من المائة المختارة
إذا قلت تسلو النفس أو تنتهي المنى ... أبى القلب إلّا حبّ أمّ حكيم
منعّمة صفراء حلو دلالها ... أبيت بها بعد الهدوء [5] أهيم [6]
قطوف [7] الخطا مخطوطة [8] المتن زانها ... مع الحسن خلق في الجمال عميم
الشعر مختلف في قائله، فمن الرواة من يرويه لصالح بن عبد اللّه العبشميّ، ومنهم من يرويه لقطريّ بن الفجاءة المازنيّ، ومنهم من يرويه لعبيدة [9] بن هلال اليشكريّ. والغناء لسياط، وله فيه لحنان: أحدهما، وهو المختار، ثقيل أوّل بالوسطى، والآخر خفيف ثقيل بالسّبّابة في مجرى البنصر عن إسحاق. ولبعض الشّراة قصيدة في هذا الوزن وعلى هذه القافية، وفيها ذكر لأمّ حكيم هذه أيضا، تنسب إلى هؤلاء الشعراء الثلاثة، ويختلف في قائلها كالاختلاف في قائل هذه. وفيها [10] أيضا غناء وهو في هذه الأبيات منها:
__________
[1] كذا في «المفضليات». والطلق: الذي لا حر فيه ولا قر ولا شيء يؤذي. وفي جميع الأصول:
«بالكوكب الفرد»
[2] في «المفضليات»:
«لا تبعتك»
[3] يجذم: يقطع. ويجشم: يركب المكروه.
[4] نكت في الأرض: خطط فيها بعود، وكذلك يفعل المغتم. وواجما: حزينا.
[5] الهدوء: الهزيع من الليل.
[6] في هذا الشعر إقواء، وهو اختلاف حركة الروي.
[7] قطوف الخطا: ضيقتها.
[8] كذا في ح. ويقال: جارية محطوطة المتنين أي ممدودتهما أو هي ممدودة حسنة مستوية. وفي ب، س: «مخطوطة» (بالخاء المعجمة). وفي سائر الأصول: «محظوظة» (بظاءين معجمتين). وكلاهما تصحيف.
[10] ضبط هذا الاسم في ح بفتح العين، وكذلك ضبط في «الطبري» بفتح العين وكسر الباء. وورد في «الكامل» للمبرد طبع أوروبا مضبوطا بفتح العين وكسر الباء في مواضع وبضم العين وفتح الباء (مصغرا) في مواضع أخرى. وضبط في «الاشتقاق» لابن دريد بضم العين.
[11] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «و فيه».
/
لعمرك إنّي في الحياة لزاهد ... وفي العيش ما لم ألق أمّ حكيم
ولو شهدتني [1] يوم دولاب [2] أبصرت ... طعان فتى في الحرب غير ذميم
ذكر المبرّد أن الشعر لقطريّ بن الفجاءة، وذكر الهيثم بن عديّ أنه لعمرو القنا، وذكر وهب بن جرير أنه لحبيب بن سهم التّميميّ، وذكر أبو مخنف [3] أنه لعبيدة بن هلال اليشكريّ، وذكر خالد بن خداش [4] أنه لعمرو القنا أيضا. والغناء لمعبد ثاني ثقيل بالسبابة في مجرى/ الوسطى عن إسحاق ويونس.
__________
[1] كذا في ب، س. وفي سائر الأصول: «شهدتنا».
[2] دولاب (بفتح أوّله وأكثر المحدثين يروونه بالضم): قرية تعرض لها أبو الفرج بالشرح بعد قليل.
[3] كذا في أكثر الأصول، وهو لوط بن يحيى بن سعيد بن مخنف بن سليم، كان صاحب أخبار وأنساب، والأخبار عليه أغلب. وجدّه مخنف بن سليم روى عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم. وفي ب، س: «أبو محنف» (بالحاء المهملة). (راجع «المعارف» لابن قتيبة ص 267 و «فوات الوفيات» ج 2 ص 175 طبع بولاق).
[4] كذا فيما سيأتي في جميع الأصول. و «تهذيب التهذيب». وهو خالد بن خداش بن عجلان الأزدي المهلبي (نسبة إلى المهلب بن أبي صفرة). روى عن حماد بن زيد وصالح المري وغيرهما، وروى له البخاري في الأدب، وقد مات سنة 223 ه.
10 - خبر الوقعة التي قيل فيها هذان الشعران وهي وقعة دولاب وشيء من أخبار هؤلاء الشراة وأنسابهم وخبر أم حكيم هذه
وقعة دولاب وشيء من أخبار الشراة:
هذان الشعران قيلا في وقعة دولاب، وهي قرية من عمل الأهواز، بينها وبين الأهواز نحو من أربعة فراسخ، كانت بها حرب بين الإزارقة وبين مسلم بن عبيس بن كريز خليفة عبد اللّه بن الحارث بن نوفل بن عبد المطلب، وذلك في أيام ابن الزبير. أخبرني بخبر هذه الحرب أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ عن عمر بن شبّة عن المدائني، وأخبرني بها عبيد اللّه بن محمد الرازي عن الخرّاز عن المدائنيّ، وأخبرني الحسن بن عليّ عن أحمد بن زهير بن حرب عن خالد بن خداش:
أن نافع بن الأزرق، لمّا تفرقت آراء الخوارج ومذاهبهم في أصول مقالتهم أقام بسوق الأهواز وأعمالها لا يعترض الناس، وقد كان متشكّكا في ذلك. فقالت له امرأته: إن كنت قد كفرت بعد إيمانك وشككت فيه، فدع نحلتك ودعوتك، وإن كنت قد خرجت من الكفر إلى الإيمان فاقتل الكفّار حيث لقيتهم وأثخن في النساء والصبيان كما قال نوح: لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً
فقبل قولها واستعرض [1] الناس وبسط سيفه، فقتل الرجال والنساء والولدان، وجعل يقول: إن هؤلاء إذا كبروا كانوا مثل آبائهم. وإذا وطيء بلدا فعل مثل هذا به إلى أن يجيبه أهله جميعا ويدخلوا ملّته، فيرفع السيف ويضع الجباية فيجبي الخراج. فعظم أمره واشتدّت شوكته وفشا عمّاله في السواد. فارتاع لذلك أهل البصرة ومشوا إلى الأحنف بن قيس فشكوا إليه أمرهم وقالوا له: ليس بيننا وبين القوم إلا ليلتان،/ وسيرتهم كما ترى؛ فقال لهم الأحنف: إنّ سيرتهم في مصر كم إن ظفروا به مثل سيرتهم في سوادكم، فخذوا في جهاد عدوّكم. وحرّضهم الأحنف، فاجتمع إليه عشرة آلاف رجل في السلاح. فأتاه عبد اللّه بن الحارث بن نوفل، وسأله أن يؤمّر عليهم أميرا، فاختار لهم مسلم بن عبيس بن كريز بن ربيعة، وكان فارسا شجاعا ديّنا، فأمّره عليهم وشيّعه. فلما نفذ من جسر البصرة أقبل على الناس وقال: إني ما خرجت لامتيار ذهب ولا وفضة، وإني لأحارب قوما إن ظفرت بهم فما وراءهم إلا سيوفهم ورماحهم. فمن كان من شأنه الجهاد فلينهض، ومن أحبّ الحياة فليرجع. فرجع نفر يسير ومضى الباقون معه؛ فلما صاروا بدولاب خرج إليهم نافع بن الأزرق، فاقتتلوا قتالا شديدا حتى تكسّرت الرماح وعقرت الخيل وكثرت الجراح والقتلى، وتضاربوا بالسيوف والعمد؛ فقتل في المعركة ابن عبيس وهو على أهل البصرة، وذلك في جمادى الآخرة سنة خمس وستين، وقتل نافع بن الأزرق يومئذ أيضا؛ فعجب الناس من ذلك، وأنّ الفريقين تصابروا حتى قتل منهم خلق كثير، وقتل رئيسا العسكرين،
__________
[1] استعرض الناس: قتلهم ولم يبال من قتل مسلما أو كافرا من أي وجه أمكنه.
والشّراة يومئذ ستّمائة رجل، فكانت الحدّة يومئذ وبأس الشراة واقعا ببني [1] تميم وبني سدوس. وأتى ابن عبيس وهو يجود بنفسه فاستخلف على الناس الرّبيع بن عمرو/ الغدانيّ، وكان يقال له الأجذم، كانت يده أصيبت بكابل مع عبد الرحمن بن سمرة. واستخلف نافع بن الأزرق عبيد اللّه بن بشير بن الماحوز [2] أحد بني سليط بن يربوع. فكان رئيسا المسلمين والخوارج جميعا من بني يربوع، رئيس المسلمين من بني غدانة بن يربوع، ورئيس الشّراة من بني سليط بن يربوع،/ فاتّصلت الحرب بينهم عشرين يوما. قال المدائني في خبره: وادّعى قتل نافع بن الأزرق رجل من باهلة يقال له سلامة. وتحدّث بعد ذلك قال: كنت لما قتلته على برذون [3] ورد فإذا أنا برجل ينادي، وأنا واقف في خمس [4] بني تميم [5]، فإذا به يعرض عليّ المبارزة فتغافلت عنه، وجعل يطلبني وأنا أنتقل من خمس إلى خمس وليس يزايلني، فصرت إلى رحلي ثم رجعت فدعاني إلى المبارزة، فلما أكثر خرجت إليه، فاختلفنا ضربتين فضربته فصرعته، ونزلت فأخذت رأسه وسلبته، فإذا امرأة [6] قد رأتني حين قتلت نافعا، فخرجت لتثأر به. قالوا: فلما قتل نافع وابن عبيس وولّي الجيش إلى ربيع بن عمرو لم يزل [7] يقاتل الشّراة نيّفا وعشرين يوما، ثم أصبح ذات يوم فقال لأصحابه: إني مقتول لا محالة؛ قالوا: وكيف ذلك؟ قال: إني رأيت البارحة كأنّ يدي التي أصيبت بكابل انحطّت من السماء فاستشلتني. فلما كان الغد قاتل إلى الليل ثم غاداهم [8] فقتل يومئذ - قال: استشلاه: أخذه إليه. يقال:
استشلاه واشتلاه - قال: فلما قتل الربيع تدافع أهل البصرة الراية حتى خافوا العطب إذ لم يكن لهم رئيس؛ ثم أجمعوا على الحجّاج بن باب الحميريّ. وقد اقتتل الناس يومئذ وقبله بيومين قتالا شديدا لم يقتتلوا مثله، تطاعنوا بالرماح حتى تقصّفت،/ ثم تضاربوا بالسيوف والعمد حتى لم يبق لأحد منهم قوة، وحتى كان الرجل منهم يضرب الرجل فلا يغني شيئا من الإعياء، وحتى كانوا يترامون بالحجارة ويتكادمون [9] بالأفواه. فلما تدافع القوم الراية وأبوها واتّفقوا على الحجّاج بن باب امتنع من أخذها. فقال له كريب بن عبد الرحمن: خذها فإنها مكرمة؛ فقال:
إنها لراية مشئومة، ما أخذها أحد إلا قتل. فقال له كريب: يا أعور! تقارعت العرب على أمرها ثم صيّروها إليك فتأبى خوف القتل! خذ اللواء ويحك! فإن حضر أجلك قتلت إن كانت معك أو لم تكن. فأخذ اللواء وناهضهم، فاقتتلوا حتى انتقضت الصفوف وصاروا كراديس [10]، والخوارج أقوى عدّة بالدروع والجواشن [11]. وجعل الحجّاج يغمض عينيه ويحمل حتى يغيب في الشّراة ويطعن فيهم ويقتل حتى يظنّ أنه قد قتل، ثم يرفع رأسه وسيفه يقطر
__________
[1] كذا في أ،. وفي سائر الأصول: «بين تميم ... ».
[2] كذا في «الكامل» للمبرد في أكثر من موضع و «الطبري». وفي جميع الأصول: «الماخور». (بالخاء المعجمة والراء المهملة).
[3] البرذون: واحد البرادين، وهي من الخيل ما كانت من غير نتاج العرب.
[4] كذا في ح هنا وفيما يأتي و «الكامل» للمبرد. وأخماس البصرة خمسة: الخمس الأول العالية، والثاني بكر بن وائل، والثالث تميم، والرابع عبد القيس، والخامس الأزد. وفي سائر الأصول هنا وفيما يأتي: «خميس».
[5] في «الكامل» (ج 2 ص 617 طبع أوروبا): «و أنا واقف في خمس قيس (صوابه عبد القيس) ينادي: يا صاحب الورد، هلم إلى المبارزة، فوقفت في خمس بني تميم فإذا به يعرضها عليّ ... إلخ».
[6] كذا في ح و «الكامل» للمبرد. وفي سائر الأصول: «فإذا هي امرأته ... إلخ».
[7] في ب، س: «و لم يزل».
[8] كذا في «الكامل» للمبرد. وغاداهم: باكرهم. وفي جميع الأصول: «ثم عاد ... إلخ».
[9] تكادموا بالأفواه: تعاضوا.
[10] الكراديس: كتائب الخيل، واحدها كردوس.
[11] الجواشن: جمع جوشن وهو زرد يلبسه الصدر.
دما، ويفتح عينيه فيرى الناس كراديس يقاتل كلّ قوم في ناحية. ثم التقى الحجّاج بن باب وعمران بن الحارث الراسبيّ [1]، فاختلفا ضربتين كلّ واحد منهما قتل صاحبه، وجال الناس بينهما جولة ثم تحاجزوا؛ و. أصبح أهل البصرة - وقد هرب عامّتهم، وولّوا حارثة بن بدر الغدانيّ أمرهم - ليس بهم طرق [2] ولا بالخوارج. فقالت امرأة من الشّراة - وهي أم عمران قاتل الحجّاج بن باب وقتيله - ترثي ابنها عمران:
أللّه أيّد عمرانا وطهّره ... وكان عمران يدعو اللّه في السّحر
/ يدعوه سرّا وإعلانا ليرزقه ... شهادة بيدي ملحادة [3] غدر
ولّى صحابته عن حرّ ملحمة ... وشدّ عمران كالضرّغامة [4] الذكر [5]
قال: فلما عقدوا لحارثة بن بدر الرياسة وسلّموا إليه الراية نادى فيهم بأن يثبتوا، فإذا فتح اللّه عليهم فللعرب زيادة فريضتين وللموالي زيادة فريضة؛ فندب الناس فالتقوا وليس بأحد منهم طرق، وقد فشت فيهم الجراحات فلهم أنين، وما تطأ الخيل إلا على القتلى. فبينما هم كذلك إذ أقبل من اليمامة جمع من الشّراة - يقول المكثّر إنهم مائتان والمقلّل إنهم أربعون - فاجتمعوا وهم يريحون مع أصحابهم [6] واجتمعوا كبكبة [7] واحدة، فحملوا على المسلمين.
فلما رآهم حارثة بن بدر نكص برايته فانهزم وقال:
كرنبوا [8] ودولبوا ... وحيث شئتم فاذهبوا [9]
وقال:
أير الحمار فريضة لعبيدكم ... والخصيتان فريضة الأعراب
/ وتتابع الناس على أثره منهزمين، وتبعتهم الخوارج، فألقوا أنفسهم في دجيل [10] فغرق منهم خلق كثير
__________
[1] كذا في أ، ء و «الكامل». وفي سائر الأصول: «الراسي».
[2] كذا في أكثر الأصول. والطرق (بالكسر): القوة. وفي ب، س: «لهم طرف» بالفاء وهو تصحيف.
[3] الملحادة: مفعال من الإلحاد (و هو الجور والعدول عن الدين) كما يقال رجل معطاء ومكرام. وأدخلت الهاء للمبالغة كما تدخل في راوية وعلامة ونسابة. وغدر (بضم ففتح): كثير الغدر.
[4] الضرغامة: من أسماء الأسد.
[5] في «الكامل»: «الهصر» والهصر: الذي يهصر كل شيء أي يثنيه.
[6] في ب، س: «مع أصحائهم» ولا معنى لها.
[7] الكبكبة: الجماعة.
[8] كذا في ح و «الطبري» (ق 2 ص 580) و «معجم البلدان». وكرنبوا: أنزلوا كرنبي وهي موضع بالأهواز. ودولبوا: أنزلوا دولاب.
وفي سائر الأصول: «أكرنبوا» وهو تحريف.
[9] يقال: إن سبب قول الحارثة هذا الشعر هو أنه لما خلف الحجاج بن باب على إمرة الجيش وجاء الخوارج هذا المدد الكثير المريح حملوا على المسلمين فانهزموا، وبقي حارثة يناوش الخوارج بمنزل نزله بمن بقي معه بالأهواز. فلما ولي ابن الزبير عمر بن عبد اللّه بن معمر على البصرة أرسل عمر أخاه عثمان لقتال الأزارقة وانضم إليه حارثة. ثم كان بين عثمان وحارثة خلاف اعتزل بسببه حارثة. ثم لما أفضى الأمر في محاربة الخوارج إلى المهلب وبلغ حارثة بن بدر أن المهلب قد أمر على الجيش لقتال الخوارج قال لمن معه:
كرنبوا ودولبوا ... وحيث شئتم فاذهبوا
قد أمر المهلب
فذهب من كان معه إلى البصرة، فردهم الحارث بن عبد اللّه إلى المهلب. (راجع «الطبري» في حوادث سنة 65).
[10] دجيل: نهر بالأهواز حفره أردش بن بابك أحد ملوك الفرس، واسمه بالفارسية: «ديلدا كودك» ومعناه: دجلة الصغير فعرب على
وسلمت بقيّتهم. وكان ممن غرق دغفل بن حنظلة أحد بني عمرو بن شيبان. ولحقت قطعة من الشّراة خيل عبد القيس فأكبّوا عليهم، فعطفت عليهم خيل من بني تميم فعاونوهم وقاتلوا الشّراة حتى كشفوهم وانصرفوا إلى أصحابهم. وعبرت بقيّة الناس، فصار حارثة ومن معه بنهر تيري [1] والشّراة بالأهواز، فأقاموا ثلاثة أيام. وكان على الأزد يومئذ قبيصة بن أبي صفرة أخو المهلّب، وهو جدّ هزارمرد [2]. قال: وغرق يومئذ من الأزد عدد كثير. فقال شاعر الأزراقة:
يرى من جاء ينظر من دجيل ... شيوخ الأزد طافية لحاها
وقال شاعر آخر منهم:
شمت ابن بدر، والحوادث جمة، ... والظالمون بنافع بن الأزرق
والموت حتم لا محالة واقع ... من لا يصبّحه نهارا يطرق [3]
فلئن أمير المؤمنين أصابه ... ريب المنون فمن تصبه يغلق [4]
قال قطريّ بن الفجاءة، فيما ذكر المبرّد، وقال المدائني في خبره: إن صالح بن عبد اللّه العبشميّ قائل ذلك؛ وقال خالد بن خداش: بل قائلها عمرو القنا؛ قال/ وهب بن جرير عن أبيه فيما حدّثني به أحمد بن الجعد الوشّاء عن أحمد بن أبي خيثمة عن أبيه عن وهب بن جرير عن أبيه: إن حبيب بن سهم قائلها:
لعمرك إنّي في الحياة لزاهد ... وفي العيش ما لم ألق أمّ حكيم [5]
من الخفرات البيض لم أر مثلها ... شفاء لذي بثّ ولا لسقيم
لعمرك إني يوم ألطم وجهها ... على نائبات الدهر غير حليم
ولو شهدتني يوم دولاب أبصرت ... طعان فتى في الحرب غير لئيم
غداة طفت علماء [6] بكر بن وائل ... وألّافها من حمير وسليم [7]
/و مال الحجازيّون نحو بلادهم ... وعجنا صدور الخيل نحو تميم
__________
دجيل. ومخرجه من أرض أصبهان ومصبه في بحر فارس. وكانت عند دجيل هذا وقائع للخوارج. وهو أيضا نهر مخرجه من أعلى بغداد، وليس مرادا هنا.
[1] تيري (بكسر التاء المثناة الفوقية وياء ساكنة وراء مفتوحة، مقصورا): بلد من نواحي الأهواز: ونهر تيري حفره أردشير الأصغر بن بابك.
[2] كذا في ح هنا وفيما سيأتي في جميع الأصول و «الطبري» و «اللباب في معرفة الأنساب» لابن الأثير الجزري مضبوطا بالقلم بنسخة مخطوطة بخط قديم جدا، ومعناه ألف رجل. وفي سائر الأصول هنا: «هزامرد» وهو تحريف.
[3] طرقه يطرقه (من باب مصر): أتاه ليلا.
[4] أمير المؤمنين: يريد به نافع بن الأزرق. ويغلق، أي لا ينفلت ولا ينجو. مأخوذ من غلق الرهن في يد المرتهن، إذا لم يقدر على فكاكه واستخلاصه.
[5] وردت هذه القصيدة في «الكامل» (ص 618 - 619 طبع أوروبا) و «معجم البلدان» (ج 2 ص 623) باختلاف في بعض الألفاظ والأبيات.
[6] يريد: على الماء.
[7] يريد سليم بالتصغير فكبره للوزن. وسليم أبو قبيلة، وهو سليم بن منصور بن عكرمة بن حفصة بن قيس عيلان بن مضر.
وكان لعبد القيس أوّل جدّها ... وولّت شيوخ الأزد فهي تعوم [1]
فلم أر يوما كان أكثر مقعصا ... يمجّ دما من فائظ وكليم [2]
وضاربة خدّا كريما على فتى ... أغرّ نجيب الأمهات كريم
أصيب بدولاب ولم تك موطنا ... له أرض دولاب ودير حميم [3]
فلو شهدتنا يوم ذاك وخيلنا ... تبيح من الكفّار كلّ حريم
رأت فتية باعوا الإله نفوسهم ... بجنّات عدن عنده ونعيم
حدّثني حبيب بن نصر المهلّبي قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثنا خلّاد [4] الأرقط قال:
/ كان الشّراة والمسلمون يتواقفون ويتساءلون بينهم عن أمر الدّين وغير ذلك على أمان وسكون فلا يهيج بعضهم بعضا. فتواقف يوما عبيدة بن هلال اليشكريّ وأبو حزابة [5] التّميمي وهما في الحرب؛ فقال عبيدة: يا أبا حزابة، إني سائلك عن أشياء، أفتصدقني في الجواب عنها؟ قال: نعم إن تضمّنت لي مثل ذلك؛ قال: قد فعلت.
قال: سل عما بدا لك. قال: ما تقول في أئمتكم؟ قال: يبيحون الدم الحرام والمال الحرام والفرج الحرام. قال:
ويحك! فكيف فعلهم في المال؟ قال: يجبونه من غير حلّه، وينفقونه في غير حقه. قال: فكيف فعلهم في اليتيم؟
قال: يظلمونه ماله، ويمنعونه حقه، وينيكون أمّه. قال: ويلك يا أبا حزابة! أفمثل هؤلاء تتّبع؟! قال: قد أجبت، فاسمع سؤالي ودع عنك عتابي على رأيي؛ قال: قل. قال: أيّ الخمر أطيب: أخمر السهل أم خمر الجبل؟ قال:
ويلك! أتسأل مثلي عن هذا؟ قال: قد أوجبت على نفسك أن تجيب؛ قال: أمّا إذ أبيت فإنّ خمر الجبل أقوى وأسكر، وخمر السهل أحسن وأسلس. قال أبو حزابة: فأيّ الزّواني أفره: أزواني رامهرمز [6] أم زواني أرّجان [7]؟
قال: ويلك! إن مثلي لا يسأل عن مثل هذا؛ قال: لابدّ من الجواب أو تغدر؛ فقال: أمّا إذ أبيت فزواني رامهرمز أرقّ أبشارا، وزواني أرّجان أحسن أبدانا. قال: فأيّ الرجلين أشعر: أجرير أم الفرزدق؟ قال: عليك وعليهما لعنة اللّه! أيهما الذي يقول:
/و طوى الطّراد مع القياد [8] بطونها ... طيّ التّجار بحضر موت برودا
__________
[1] في هذا البيت إقواء.
[2] المقعص: يقال: أقعصه بالرمح إذا طعنه به فمات مكانه. والفائظ: الميت، فعله فاظ يفيظ ويفوظ فيظا وفوظا. والكليم: الجريح.
[3] دير حميم: موضع بالأهواز، ذكره ياقوت واستشهد بهذا البيت.
[4] هو خلاد بن يزيد الباهلي البصري المعروف بالأرقط صهر يونس بن حبيب النحوي.
[5] كذا في ح. وهو الوليد بن حنيفة أحد بني ربيعة بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم، شاعر من شعراء الدولة الأموية. (راجع «شرح القاموس» مادة حزب. وترجمته في «الأغاني» ج 19 ص 152 - 156 طبع بولاق). وفي سائر الأصول: «أبو خرابة» (بالخاء المعجمة والراء المهملة) وهو تصحيف.
[6] رامهرمز: مدينة مشهورة بنواحي خوزستان والعامة يسمونها «رامز» اختصارا.
[7] أرجان (بفتح الألف وبتشديد الراء مفتوحة - وقيل بسكونها - وجيم وألف ونون، وعامة العجم يسمونها «أرغان»): مدينة كبيرة كثيرة الخير بها نخيل وزيتون وفواكه، وهي برية بحرية سهلية جبلية، وبينها وبين سوق الأهواز ستون فرسخا.
[8] كذا في أ، ء و «ديوان جرير». وهو من قصيدة طويلة مطلعها:
أهوى أراك برامتين وقودا ... أم بالجنينة من مدافع أودا
وفي سائر الأصول: «الغياد» (بالغين المعجمة) وهو تحريف.
قال: جرير؛ قال: فهو أشعرهما. قال: وكان الناس قد تجاذبوا في أمر جرير والفرزدق حتى تواثبوا وصاروا إلى المهلّب محكّمين له في ذلك؛ فقال: أردتم [1] أن أحكم بين هذين الكلبين المتهارشين فيمتضغاني! ما كنت لأحكم بينهما، ولكني أدلّكم على من يحكم بينهما ثم يهون عليه سبابهما، عليكم بالشّراة فسلوهم إذا تواقفتم. فلما تواقفوا سأل أبو حزابة عبيدة بن هلال عن ذلك فأجابه بهذا الجواب.
أخبرني أحمد بن جعفر جحظة قال حدّثني ميمون بن هارون قال:
حدّثت أن امرأة من الخوارج كانت مع قطريّ بن الفجاءة يقال لها أمّ حكيم، وكانت من أشجع الناس وأجملهم وجها وأحسنهم بدينهم تمسّكا، وخطبها جماعة منهم فردّتهم ولم تجب إلى ذلك؛ فأخبرني من شهدها أنها كانت تحمل على الناس وترتجز:
/أحمل رأسا قد سئمت حمله ... وقد مللت دهنه وغسله
ألا فتى يحمل عنّي ثقله
قال: وهم يفدّونها بالآباء والأمهات، فما رأيت قبلها ولا بعدها مثلها.
أخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدّثنا أحمد بن الهيثم بن فراس قال حدّثنا العمريّ عن الهيثم بن عديّ قال:
/ كان عبيدة بن هلال إذا تكافّ الناس ناداهم: ليخرج إليّ بعضكم؛ فيخرج إليه فتيان من العسكر؛ فيقول لهم: أيّما أحبّ إليكم: أقرأ عليكم القرآن أو أنشدكم الشعر؟ فيقولون له: أمّا القرآن فقد عرفناه مثل معرفتك، فأنشدنا؛ فيقول لهم: يا فسقة، واللّه قد علمت أنكم تختارون الشعر على القرآن، ثم لا يزال ينشدهم ويستنشدهم حتى يملّوا ثم يفترقون.
__________
[1] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «فقال إن أردتم ... » وظاهر أن كلمة «إن» مقحمة.
11 - أخبار سياط ونسبه
أخبار سياط ونسبه وتلامذته وأستاذه:
سياط لقب غلب عليه، واسمه عبد اللّه بن وهب، ويكنى أبا وهب، مكيّ مولى خزاعة. وكان مقدّما في الغناء رواية وصنعة، ومقدّما في الضرب معدودا في الضّرّاب. وهو أستاذ ابن جامع وإبراهيم الموصلي، وعنه أخذا ونقلا ونقل نظراؤهما الغناء القديم، وأخذه هو عن يونس الكاتب. وكان سياط زوج أمّ ابن جامع. وفيه يقول بعض الشعراء:
ما سمعت الغناء إلّا شجاني ... من سياط وزاد في وسواسي
غنّني يا سياط قد ذهب اللي ... ل غناء يطير منه نعاسي
ما أبالي إذا سمعت غناء ... لسياط ما فاتني للرّؤاسي
والرؤاسيّ الذي عناه هو عباس بن منقار، وهو من بني رؤاس. وفيه يقول محمد بن أبان الضّبّيّ:
إذا واخيت عبّاسا ... فكن منه على وجل [1]
فتى لا يقبل العذر ... ولا يرغب في الوصل
وما [2] إن يتغنّى من ... يواخيه من النّبل
سبب تلقيبه بسياط:
قال حمّاد بن إسحاق: لقّب سياط هذا اللقب لأنه كان كثيرا ما يتغنّى:
كأنّ مزاحف الحيّات فيه ... قبيل الصبح آثار السّياط
مدح إبراهيم الموصلي غناءه:
وأخبرني محمد بن خلف قال حدّثني هارون بن مخارق [3] عن أبيه، وأخبرني به عبد اللّه بن عباس بن الفضل بن الربيع الربيعي [4] عن وسواسة الموصليّ - ولم أسمع أنا هذا الخبر من وسواسة - عن حماد عن أبيه، قالا [5]:
__________
[1] كذا في الأصول. والوجل بالتحريك، ولعله سكن لضرورة الشعر، ويحتمل أن يكون صوابه: «على دخل». والدخل بسكون الخاء كالدخل بالتحريك وهو الريبة.
[2] كذا في أ، ء، م. وفي سائر الأصول: «و من».
[3] في الأصول: «هارون بن مخالف» وهو تحريف، لأن الذي يروي عنه محمد بن خلف وكيع هو «هارون بن مخارق».
[4] كذا في ح، وفي جميع الأصول: «الربعي» وهو تحريف. راجع الحاشية (رقم 2 ص 252 من الجزء الثالث من هذه الطبعة).
[5] كذا في ب، س. وفي سائر الأصول: «قال».
طلبه المهدي مع حبال وعقاب فظن الحاضرون أنه يريد الإيقاع بهم:
غنّى إبراهيم الموصليّ يوما صوتا لسياط؛ فقال له ابنه إسحاق: لمن هذا الغناء يا أبت؟ قال: لمن لو عاش ما وجد أبوك شيئا يأكله؛ لسياط. قال: وقال المهديّ يوما وهو يشرب لسلّام الأبرش [1]: جئني بسياط وعقاب وحبال؛ فارتاع كلّ من حضر وظنّ جميعهم أنه يريد الإيقاع بهم أو ببعضهم؛ فجاءه بسياط المغنّي وعقاب المدني - وكان الذي يوقع عليه - وحبال الزامر. فجعل الجلساء يشتمونهم والمهديّ يضحك.
مر بأبي ريحانة المدني وهو في الشمس من البرد فغنى له فشق ثوبه وبقي في البرد:
أخبرني محمد بن خلف قال حدّثني أبو أيوب المدنيّ قال حدّثني حماد بن إسحاق عن أبيه قال:
مرّ سياط على أبي ريحانة المدنيّ في يوم بارد وهو جالس في الشمس وعليه ثوب رقيق رثّ؛ فوثب إليه/ أبو ريحانة وقال: بأبي أنت يا أبا وهب، غنّني صوتك في شعر ابن جندب [2]:
/فؤادي رهين في هواك ومهجتي ... تذوب وأجفاني عليك همول
فغنّاه إياه، فشقّ قميصه ورجع إلى موضعه من الشمس وقد ازداد بردا وجهدا. فقال له رجل: ما أغنى عنك ما غنّاك من شقّ قميصك! فقال له يابن أخي، إن الشعر الحسن من المغنّي الحسن ذي الصوت المطرب أدفأ للمقرور من حمّام محمّى. فقال له رجل: أنت عندي من الذين قال اللّه جل وعزّ: فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ
؛ فقال: بل أنا من الذين قال تبارك وتعالى: الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ
وقد أخبرني بهذا الخبر عليّ بن عبد العزيز [3] عن ابن خرداذبه فذكر قريبا من هذا؛ ولفظ أبي أيوب وخبره أتم.
وأخبرني إسماعيل بن يونس الشّيعي، المعروف بابن أبي اليسع، قال حدّثنا عمر بن شبّة:
أنّ سياطا مرّ بأبي ريحانة المدنيّ، فقال له: بحق القبر ومن غنّني بلحنك في شعر ابن جندب:
لكلّ حمام أنت باك إذا بكى ... ودمعك منهلّ وقلبك يخفق
مخافة بعد بعد قرب وهجرة ... تكون ولمّا تأت والقلب مشفق
ولي مهجة ترفضّ من خوف عتبها ... وقلب بنار الحبّ يصلى ويحرق
أظلّ خليعا بين أهلي متيّما ... وقلبي لما يرجوه منها معلّق
فغنّاه إياه؛ فلما استوفاه ضرب بيده على قميصه فشقّه حتى خرج منه وغشي عليه. فقال له رجل لمّا أفاق:
يا أبا ريحانة، ما أغنى عنك الغناء! ثم ذكر باقي الخبر مثل ما تقدّم.
__________
[1] كذا في ح و «الطبري» في أكثر من موضع وفيما مر في جميع الأصول في الجزء الخامس. وهو سلام الأبرش من النقلة القدماء الذين ترجموا من اللغات إلى اللغة العربية في أيام البرامكة، وهو أحد الذين ترجموا كتاب السماع الطبيعي لأرسطو المعروف بسماع الكيان، وهو ثماني مقالات. وقد ترجم هذا الكتاب من اليوناني إلى السرياني ومنها إلى العربي، ومن الرومي إلى العربي، ولم ندر اللغة التي ترجمه منها إلى اللغة العربية أهي السريانية أم الرومية. (راجع «فهرست ابن النديم» و «تاريخ الحكماء» للقفطي و «كشف الظنون»). وفي سائر الأصول هنا: «سلام بن الأبرش»، وهو تحريف.
[2] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «في شعر ابن جندب قال ... إلخ». والظاهر أن كلمة «قال» مقحمة من الناسخ.
[3] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «علي بن عبد العزيز بن خرداذبه» وهو تحريف؛ لأن ابن خرداذبه هو عبيد اللّه بن عبد اللّه. وقد سبقت رواية علي بن عبد العزيز عنه.
سمع أبو ريحانة جارية تغني فشق قربتها واشترى لها عوضها:
أخبرني إسماعيل قال حدّثني عمر بن شبّة قال:
مرّت جارية بأبي ريحانة يوما على ظهرها قربة وهي تغنّي وتقول:
وأبكى فلا ليلى بكت من صبابة ... إليّ ولا ليلى لذي الودّ تبذل
وأخنع بالعتبى إذا كنت مذنبا ... وإن أذنبت كنت الذي أتنصّل
فقام إليها فقال: يا سيّدتي أعيدي؛ فقالت: مولاتي تنتظرني والقربة على ظهري؛ فقال: أنا أحملها عنك؛ فدفعتها إليه فحملها، وغنته الصوت، فطرب فرمى بالقربة فشقّها. فقالت له الجارية: أمن حقّي أن أغنّيك وتشقّ قربتي! فقال لها: لا عليك، تعالي معي إلى السّوق؛ فجاءت معه فباع ملحفته واشترى لها بثمنها قربة جديدة. فقال له رجل: يا أبا ريحانة، أنت واللّه كما قال اللّه عزّ وجلّ: فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ
؛ فقال: بل أنا كما قال اللّه عزّ وجلّ: الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ
مر بأبي ريحانة المدني وهو في الشمس من البرد فغنى له فشق ثوبه وبقي في البرد:
أخبرني الحسين بن القاسم الكوكبيّ قال حدّثني أبو العيناء قال قال إسحاق الموصليّ:
بلغني أنّ أبا ريحانة المدنيّ كان جالسا في يوم شديد البرد وعليه قميص خلق رقيق؛ فمرّ به سياط المغنّي فوثب إليه وأخذ بلجامه وقال له: يا سيّدي، بحق القبر ومن فيه غنّني صوت ابن جندب، فغنّاه [1]:
فؤادي رهين في هواك ومهجتي ... تذوب وأجفاني عليك همول
/ فشقّ قميصه حتى خرج منه وبقي عاريا وغشي عليه، واجتمع الناس حوله وسياط واقف/ متعجّب مما فعل. ثم أفاق وقام إليه؛ فرحمه سياط وقال له: مالك يا مشئوم؟ أيّ شيء تريد؟ قال: غنّني باللّه عليك:
سودّع أمامة حان منك رحيل ... إنّ الوداع لمن تحبّ قليل
مثل القضيب تمايلت أعطافه ... فالريح تجذب متنه فيميل
إن كان شأنكم الدلال فإنه ... حسن دلالك يا أميم جميل
فغنّاه إياه؛ فلطم وجهه ثم خرج الدم من أنفه ووقع صريعا. ومضى سياط، وحمل الناس أبا ريحانة إلى الشمس. فلما أفاق قيل له: ويحك! خرقت قميصك وليس لك غيره! فقال: دعوني، فإن الغناء الحسن من المغنّي المطرب أدفأ للمقرور من حمّام المهديّ إذا أوقد سبعة أيام. قال: ووجّه له سياط بقميص وجبّة وسراويل وعمامة.
زاره إبراهيم الموصلي وابن جامع في مرضه فأوصى بالمحافظة على غنائه:
أخبرني يحيى بن عليّ بن يحيى قال حدّثني أبو أيّوب المدنيّ قال حدّثني محمد بن عبد اللّه الخزاعيّ وحمّاد بن إسحاق جميعا عن إسحاق قال:
كان سياط أستاذ أبي وأستاذ ابن جامع ومن كان في ذلك العصر. فاعتلّ علة، فجاءه أبي وابن جامع يعودانه.
فقال له أبي: أعزز عليّ بعلتك أبا وهب! ولو كانت مما يفتدى لفديتك منها. قال: كيف كنت لكم؟ قلنا: نعم
__________
[1] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «فغناه وقال ... إلخ». والظاهر أن كلمة «و قال» مقحمة من الناسخ.
الأستاذ والسيّد. قال: قد غنّيت لنفسي ستين صوتا فأحبّ ألّا تغيّروها ولا تنتحلوها. فقال له أبي: أفعل ذلك يا أبا وهب، ولكن أيّ ذلك كرهت: أن يكون في غنائك فضل فأقصّر عنه فيعرف فضلك عليّ فيه، أو أن يكون فيه نقص فأحسنه فينسب إحساني إليك ويأخذه الناس عني لك؟ [قال] [1]: لقد استعفيت من غير مكروه. قال الخزاعيّ/ في خبره: ثم قال لي إسحاق: كان سياط خزاعيّا، وكان له زامر يقال له حبال، وضارب يقال له عقاب. قال حماد قال أبي: أدركت أربعة كانوا أحسن الناس غناء، سياط أحدهم. قال: وكان موته في أوّل أيام موسى الهادي.
زاره ابن جامع في مرض موته فأوصاه بالمحافظة على غنائه:
أخبرني يحيى قال حدّثنا أبو أيوب عن مصعب قال:
دخل ابن جامع على سياط وقد نزل به الموت؛ فقال له: ألك حاجة؟ فقال: نعم، لا تزد في غنائي شيئا ولا تنقص منه، دعه رأسا برأس، فإنما هو ثمانية عشر صوتا.
دعاه إخوان له فمات عندهم فجأة:
أخبرنا محمد بن مزيد قال حدّثنا حمّاد قال حدّثني محمد بن حديد أخو النّضر بن حديد:
أن إخوانا لسياط دعوه، فأقام عندهم وبات [2]، فأصبحوا فوجدوه ميّتا في منزلهم، فجاءوا إلى أمّه وقالوا:
يا هذه، إنّا دعونا ابنك لنكرمه ونسرّ به ونأنس بقربه فمات فجأة، وها نحن بين يديك فاحتكمي ما شئت؛ ونشدناك اللّه ألّا تعرّضينا للسلطان أو تدّعي فيه علينا ما لم نفعله. فقالت: ما كنت لأفعل، وقد صدقتم، وهكذا مات أبوه فجأة. قال: فجاءت معنا فحملته إلى منزلها فأصلحت أمره ودفنته. وقد ذكرت هذه القصة بعينها في وفاة نبيه المغنّي، وخبره في ذلك يذكر مع أخباره إن شاء اللّه تعالى.
غنى أحمد بن المكي إبراهيم بن المهدي صوتا له فاستحسنه:
أخبرنا يحيى بن عليّ وعيسى بن الحسين الزيات [3] - واللفظ له - قالا حدّثنا أبو أيوب قال حدّثنا أحمد بن المكّيّ قال:
/ «غنّيت إبراهيم بن المهديّ لسياط:
ضاف قلبي الهوى فأكثر سهوي
فاستحسنه جدّا، وقال لي: ممن أخذته؟ قلت: من جارية أبيك قرشيّة الزّبّاء؛ فقال: أشعرت أنه/ كان لأبي ثلاث جوار محسنات كلّهن تسمّى قرشيّة، منهن قرشيّة الزباء وقرشية السوداء وقرشية البيضاء، وكانت الزباء أحسنهن غناء - يعني التي أخذت منها هذا الصوت - قال: وكنت أسمعها كثيرا تقول: قد سمعت المغنّين وأخذت عنهم وتفقّدت أغانيهم، فما رأيت فيهم مثل سياط قطّ. هذه الحكاية من رواية عيسى بن الحسين خاصّة.
__________
[1] زيادة عن ح.
[2] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «و مات».
[3] كذا في أكثر الأصول. وفي ح: «عيسى بن الحسين» (بسقوط كلمة: الزيات). ولم نجد في المراجع التي بين أيدينا ولا فيما تقدّم من «الأغاني» شيخا روى عنه أبو الفرج اسمه: «عيسى بن الحسين الزيات». ولكن الذي سبقت رواية أبي الفرج عنه في أكثر من موضع هو: «عيسى بن الحسين الورّاق».
نسبة هذا الصوت
صوت
ضاف قلبي الهوى فأكثر سهوي ... وجوى الحبّ مفظع غير حلو
لو علا بعض ما علاني ثبيرا [1] ... ظلّ ضعفا ثبير من ذاك يهوي
من يكن من هوى الغواني خليّا ... يا ثقاتي فإنني غير خلو
الغناء لسياط ثاني ثقيل بالوسطى في مجراها عن إسحاق.
صوت من المائة المختارة
يا أمّ عمرو لقد طالبت ودّكم ... جهدي وأعذرت فيه كلّ إعذار
حتى سقمت، وقد أصبحت سالمة، ... مما أعالج من همّ وتذكار
/ لم يسمّ قائل هذا الشعر. والغناء للرّطّاب. والرّطّاب مدنيّ قليل الصنعة ليس بمشهور. وقيل له الرطّاب لأنه كان يبيع الرّطب بالمدينة. ولحنه المختار هزج بالوسطى.
صوت من المائة المختارة
تصدّع الأنس [2] الجميع ... أمسى فقلبي به صدوع
في إثرهم وجفون عيني ... مخضلّة كلها [3] دموع
لم يسمّ لنا قائل هذا الشعر ولا عرفناه. والغناء لدكين بن يزيد الكوفي. ولحنه المختار من [4] خفيف الثقيل بالوسطى، وهكذا ذكر إسحاق في الألحان المختارة للواثق. وذكر هذا الصوت في مجرّد شجا فنسبه إلى دكين، وجنّسه في الثقيل الأوّل بإطلاق الوتر في مجرى الوسطى. وذكر أيضا فيه لحنا من القدر الأوسط من الثقيل الأوّل بالخنصر في مجرى البنصر، فزعم أنه ينسب إلى معبد وإلى الغريض. وفيه بيتان آخران وهما:
فالقلب إن سيم عنك صبرا ... كلّف ما ليس يستطيع
عاص لمن لام في هواكم ... وهو لكم سامع مطيع
__________
[1] ثبر (بفتح أوله وكسر ثانيه بعده ياء وراء مهملة): جبل معروف بمكة من ناحية الشرق في طريق منى، وهو جبل عظيم مرتفع أسود كثير الحجارة في عطف وادي إبراهيم عليه السّلام من يسار المارّ إلى منى، وعرف برجل من هذيل، مات فدفن به فعرف به الجبل، ويرى من منى والمزدلفة.
[2] الأنس (بالتحريك): الحي المقيمون.
[3] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «طلها».
[4] في ح: «من الثقيل ... إلخ».
صوت من المائة المختارة
يأيها الرجل الذي ... قد زان منطقه البيان
لا تعتبنّ على الزما ... ن فليس يعتبك الزمان
/ الشعر لعبد اللّه بن هارون العروضيّ. والغناء لنبيه المغنّي، ولحنه المختار ثقيل أوّل بالبنصر.
فأمّا عبد اللّه بن هارون فما أعلم أنه وقع إليّ له خبر إلا ما شهر من حاله في نفسه. وهو عبد اللّه بن هارون بن السّميدع، مولى قريش، من أهل البصرة. وأخذ العروض من الخليل ابن أحمد، فكان مقدّما فيه. وانقطع إلى آل سليمان بن علي وأدّب أولادهم، وكان يمدحهم كثيرا، فأكثر شعره فيهم. وهو مقلّ جدّا. وكان يقول أوزانا من العروض غريبة في شعره، ثم أخذ ذلك عنه ونحا نحوه فيه رزين العروضيّ فأتى فيه ببدائع جمّة، وجعل أكثر شعره من هذا الجنس. فأمّا عبد اللّه بن هارون فما عرفت له خبرا ولا وقع إليّ من أمره شيء غير ما ذكرته.
12 - ذكر نبيه وأخباره
نسبه وأصله وشعره وسبب تعلمه الغناء:
زعم ابن خرداذبه أنه رجل من بني تميم صليبة، وأن أصله من الكوفة، وأنه كان في أوّل أمره شاعرا لا يغنّي، ويقول شعرا صالحا. فهوي قينة ببغداد فتعلّم الغناء من أجلها وجعله سببا للدخول عليها؛ ولم يزل يتزيّد حتى جاد غناؤه وصنع فأحسن واشتهر، ودوّن غناؤه وعدّ في المحسنين. فمما قاله في هذه الجارية وغنّى فيه قوله:
صوت
يا ربّ إني ما جفوت وقد جفت ... فإليك أشكو ذاك يا ربّاه
مولاة سوّء ما ترقّ لعبدها ... نعم الغلام وبئست المولاه
يا ربّ إن كانت حياتي هكذا ... ضررا عليّ فما أريد حياه
الغناء لنبيه ثاني ثقيل مطلق في مجرى الوسطى. ومن الناس من ينسب الشعر والغناء إلى عليّة بنت المهديّ.
سمع مخارق مدح إبراهيم الموصلي لغنائه:
أخبرني إسماعيل بن يونس قال حدّثنا عمر بن شبّة قال:
قلت [1] لمخارق، وقد غنّى هذا 2 لصوت يوما:
متى تجمع القلب الذكيّ وصارما ... وأنفا حميّا تجتنبك المظالم [2]
فسألته لمن هو؛ فقال: هذا لنبيه التّميمي؛ وكان له أخوان يقال لهما منبّه ونبهان،/ وكان ينزل شهار سوج [3] الهيثم في درب الرّيحان. قال أبو زيد: وسمعت مخارقا يحدّث إسحاق بن إبراهيم قال سمعت أباك إبراهيم بن ميمون يقول - وقد ذكر نبيها - : إن عاش هذا الغلام ذهب خبرنا [4]. قال: وكنت قد غنّيته صوتا أخذته [5] عنه، وهو:
شكوت إلى قلبي الفراق فقال لي ... من الآن فايأس لا أغرّك بالصبر
__________
[1] في جميع الأصول: «قال لي مخارق». وهو غير مستقيم مع سياق الكلام.
[2] هذا البيت من قصيدة لعمرو بن براق الشاعر، قالها لما استرد إبله وخيله من حريم الهمداني وكان قد أغار عليها وأخذها. (راجع أخباره ج 21 ص 175 - 176 من «الأغاني» طبع ليدن).
[3] شهار سوج الهيثم: كانت محلة من محال بغداد في قبلة الحربية. والهيثم الذي أضيفت إليه هو ابن معاوية من القواد الخراسانية.
[4] في ح: «خيرنا» (بالياء المثناة).
[5] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «أجدته عنه» بالجيم.
إذا صدّ من أهوى وأسلمني العزا ... ففرقة من أهوى أحرّ من الجمر
كان مع علي بن المفضل عند عبيد اللّه بن أبي غسان فأكل لحم غزال ومات:
أخبرنا الحسن بن عليّ قال حدّثنا محمد بن القاسم بن مهروية قال حدّثني ابن أبي سعد [1] عن محمد بن عبد اللّه بن مالك قال حدّثني عليّ بن المفضّل قال:
اصطبحنا يوما أنا ونبيه عند عبيد اللّه بن أبي غسّان، فغنّانا نبيه لحنه:
يأيها الرجل الذي ... قد زان منطقه البيان
/ فما سمعت أحسن منه، وكان صوتنا عليه بقية يومنا. ثم أردنا الانصراف، فسألنا عبيد اللّه أن نبيت عنده ونصطبح من غد فأجبناه. وقال لنبيه: أيّ شيء تشتهي أن يصلح لك؟ قال: تشتري لي غزالا فتطعمني كبده كبابا، وتجعل سائر ما آكله من لحمه كما تحب؛ فقال: أفعل. فلما أصبحنا جاءه بغزال فأصلحه كما أحبّ. فلما استوفى أكله استلقى لينام، فحرّكناه فإذا هو ميت، فجزعنا من ذلك. وبعث عبيد اللّه إلى أمه فجاءت فأخبرها بخبره. فلما رأته استرجعت [2] ثم قالت: لا بأس عليكم! هو/ رابع أربعة ولدتهم كانت هذه ميتتهم جميعا وميتة أبيهم من قبلهم؛ فسكنّا إلى ذلك. وغسّل في دار عبيد اللّه وأصلح شأنه وصلّي عليه، ومضينا به إلى مقابرهم فدفن هناك.
صوت من المائة المختارة
وففت على ربع لسعدى وعبرتي ... ترقرق في العينين ثم تسيل
أسائل ربعا قد تعفّت رسومه ... عليه لأصناف الرياح ذيول [3]
لم يسمّ لنا قائل هذا الشعر. والغناء لسليم هزج خفيف بالسبّابة في مجرى البنصر عن إسحاق.
__________
[1] كذا في ح، وهو عبد اللّه بن أبي سعد وقد تقدّمت روايته عن محمد بن عبد اللّه بن مالك الخزاعي ورواية ابن مهرويه عنه فيما مر من الأجزاء السابقة كثيرا. وفي سائر الأصول: «ابن أبي سعيد» وهو تحريف.
[2] استرجع في المصيبة: استعاذ وقال: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ
[3] كذا في ح. والذيول من الريح: ما تتركه في الرمل كأثر ذيل مجرور. وفي سائر الأصول: «ذبول» (بالباء الموحدة) وهو تصحيف.
13 - أخبار سليم
انقطع إلى إبراهيم الموصلي وهو أمرد فأحبه وعلمه:
هو سليم بن سلّام الكوفيّ، ويكنى أبا عبد اللّه. وكان حسن الوجه حسن الصوت. وقد انقطع وهو أمرد إلى إبراهيم الموصليّ، فمال إليه وتعشّقه، فعلّمه وناصحه، فبرع وكثرت روايته، وصنع فأجاد. وكان إسحاق يهجوه ويطعن عليه. واتّفق له اتفاق سي ء: كان يخدم الرشيد فيتّفق مع ابن جامع وإبراهيم وابنه إسحاق وفليح ابن العوراء وحكم الواديّ فيكون بالإضافة إليهم كالساقط. وكان من أبخل الناس، فلما مات خلّف جملة عظيمة وافرة من المال؛ فقبضها السلطان عنه.
سأل الرشيد برصوما عنه وعن أربعة من المغنين فأجابه:
أخبرنا يحيى بن عليّ بن يحيى عن أبيه:
أن إسحاق قال في سليم:
سليم بن سلّام على برد خلقه ... أحرّ غناء من حسين بن محرز
وأخبرنا إسماعيل بن يونس قال حدّثنا عمر بن شبّة عن إسحاق، وأخبرنا يحيى بن عليّ عن أبيه عن إسحاق:
أنّ الرشيد قال لبرصوما الزامر وكانت فيه لكنة ما تقول في ابن جامع؟ قال: زقّ من أسل (يريد من عسل).
قال: فإبراهيم؟ قال: بستان فيه فاكهة وريحان وشوك. قال: فيزيد حوراء؟ قال: ما أبيد أسنانه! (يريد ما أبيض).
قال: فحسين بن محرز؟ قال: ما أهسن خظامه [1]! (يريد ما أحسن خضابه). قال: فسليم بن سلّام؟ قال: ما أنظف ثيابه!.
نصحه برصوما في موضع غناء فضحك الرشيد:
قال إسماعيل بن يونس في خبره عن عمر بن شبّة عن إسحاق:
/ وغنّى سليم يوما وبرصوما يزمر عليه بين يدي الرشيد، فقصّر سليم في موضع صيحة، فأخرج برصوما الناي من فيه ثم صاح به وقال له: يا أبا عبد اللّه، صيهة [2] أشدّ من هذا، صيهة [2] أشدّ من هذا؛ فضحك الرشيد حتى استلقى. قال: وما أذكر أني ضحكت قطّ أكثر من ذلك اليوم.
__________
[1] في ح: «حضابه».
[2] كذا في ب، س.
كان يجيد الأهزاج فغنى الرشيد فوصله:
أخبرني محمد بن مزيد قال حدّثنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه قال قال محمد بن الحسن بن مصعب:
إنما أخّر سليما عن أصحابه في الصنعة ولعه بالأهزاج، فإن ثلثي/ صنعته هزج، وله من ذلك ما ليس لأحد منهم. قال: ثم قال محمد: غنّى سليم يوما بين يدي الرشيد ثلاثة أصوات من الهزج ولاء، أوّلها:
مت على من غبت عنه أسفا
والثاني:
أسرفت في الإعراض والهجر
والثالث:
أصبح قلبي به ندوب
فأطر به وأمر له بثلاثين ألف درهم، وقال [له] [1]: لو كنت الحكم الواديّ ما زدت على هذا الإحسان في أهزاجك. (يعني أنّ الحكم كان منفردا بالهزج).
نسبة هذه الأصوات
صوت
مت على من غبت عنه أسفا ... لست منه بمصيب خلفا
لن ترى قرة عين أبدا ... أو ترى نحوهم منصرفا
/ قلت لمّا شفّني وجدي بهم ... حسبي اللّه لما بي وكفى
بيّن الدمع لمن أبصرني ... ما تضمّنت إذا ما ذرفا
الشعر للعبّاس بن الأحنف. والغناء لسليم، وله فيه لحنان، أحدهما في الأوّل والثاني هزج بالوسطى، والآخر في الثالث والرابع خفيف رمل بالبنصر مطلق. وفيهما لإبراهيم خفيف ثقيل بالوسطى عن عمرو.
ومنها:
صوت
أسرفت في الإعراض والهجر ... وجزت حدّ التّيه والكبر
الهجر والإعراض من ذي الهوى ... سلّم ذي الغدر إلى الغدر
مالي وللهجران حسبي الذي ... مرّ على رأسي من الهجر
ودون ما جرّبت فيما مضى ... ما عرّف الخير من الشر
الغناء لسليم هزج بالبنصر.
ومنها:
__________
[1] زيادة عن ح.
صوت
أصبح قلبي به ندوب ... أندبه الشادن الرّبيب
تماديا منه في التّصابي ... وقد علا رأسي المشيب
أظنني ذائقا حمامي ... وأنّ إلمامه قريب
إذا فؤاد شجاه حبّ ... فقلّما ينفع الطبيب
الشعر لأبي نواس. والغناء لسليم، وله فيه لحنان: خفيف رمل بالبنصر عن إسحاق، وهزج بالوسطى عن الهشاميّ. وزعمت بذل أنّ الهزج لها.
كان أبوه من دعاة أبي مسلم:
أخبرني عمّي قال حدّثنا أحمد بن أبي طاهر قال حدّثني هارون بن مخارق عن أبيه قال:
كان سليم بن سلّام كوفيّا، وكان أبوه من أصحاب أبي مسلم صاحب الدولة ودعاته وثقاته، فكان يكاتب أهل العراق على يده. وكان سليم حسن الصوت جهيره، وكان بخيلا.
دعا صديقين ولما جاعا اشتريا طعاما فأكل معهما:
قال أحمد بن أبي طاهر وحدّثني أبو الحواجب الأنصاريّ، واسمه محمد، قال:
قال لي سليم يوما: امض إلى موسى بن إسحاق/ الأزرق فادعه ووافياني مع الظهر؛ فجئناه مع الظهر، فأخرج إلينا ثلاثين جارية محسنة ونبيذا، ولم يطعمنا شيئا، ولم نكن أكلنا شيئا. فغمر موسى غلامه فذهب فاشترى لنا خبزا وبيضا، فأدخله إلى الكنيف وجلسنا نأكل؛ فدخل علينا، فلما رآنا نأكل غضب وخاصمنا وقال: أهكذا يفعل الناس! تأكلون ولا تطعمونني! وجلس معنا في الكنيف يأكل كما يأكل واحد منا حتى فني الخبز والبيض.
طلب من محمد اليزيدي نظم شعر يغني به الخليفة ففعل:
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثني الفضل بن محمد اليزيديّ قال حدّثني أبي قال:
كان سليم بن سلّام صديقي وكان كثيرا ما يغشاني. فجاءني يوما وأعلمني الغلام بمجيئه، فأمرت بإدخاله، فدخل وقال: قد جئتك في حاجة؛ فقلت: مقضيّة. فقال: إنّ المهرجان بعد غد، وقد أمرنا بحضور مجلس الخليفة، وأريد أن أغنيّه لحنا أصنعه في شعر لم يعرفه هو ولا من بحضرته، فقل أبياتا أغنّي فيها ملاحا؛ فقلت:
على أن تقيم عندي وتصنع بحضرتي اللحن؛ قال: أفعل. فردّوا دابّته وأقام عندي، وقلت:
صوت
أتيتك عائذا بك من ... ك لمّا ضاقت الحيل
وصيّرني هواك وبي ... لحيني يضرب المثل
فإن سلمت لكم نفسي ... فما لاقيته جلل
وإن قتل الهوى رجلا ... فإني ذلك الرجل
فغنّى فيه وشربنا يومئذ عليه، وغنّانا عدة أصوات من غنائه، فما رأيته مذ عرفته كان أنشط منه يومئذ.
سرق محمد اليزيدي معنيين من شعر مسلم بن الوليد:
أخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن عمّار قال حدّثني محمد بن داود بن الجرّاح قال حدّثني عبد اللّه [1] بن محمد اليزيديّ قال حدّثني أخي محمد قال:
سمعت أبي يقول: ما سرقت من الشعر قطّ إلا معنيين: قال [2] مسلم بن الوليد:
ذاك ظبيّ تحيّر [3] الحسن في الأر ... كان منه وجال كلّ مكان
عرضت دونه الحجال فما يل ... قاك إلا في النوم أو في الأماني
فاستعرت [4] معناه فقلت:
صوت
يا بعيد الدار موصو ... لا بقلبي ولساني [5]
ربّما باعدك الده ... ر فأدنتك الأماني
- الغناء في هذين البيتين لسليم هزج بالبنصر عن الهشاميّ - .
/ قال: وقال مسلم أيضا:
متى ما تسمعي بقتيل أرض ... فإني ذلك الرجل القتيل
- ويروى: «أصيب فإنني ذاك القتيل» - فقلت:
أتيتك عائذا بك من ... ك لمّا ضاقت الحيل
وصيّرني هواك وبي ... لحيني يضرب المثل
/ فإن سلمت لكم نفسي ... فما لاقيته جلل
وإن [6] قتل الهوى رجلا ... فإني ذلك الرجل
غنى مخارقا صوتا، فلما بلغ ابن المهدي طلبه وغناه إياه:
وجدت في كتاب عليّ بن محمد بن نصر عن جدّه حمدون بن إسماعيل، ولم أسمعه من أحد:
أن إبراهيم بن المهديّ سأل جماعة من إخوانه أن يصطبحوا عنده - قال حمدون: وكنت فيهم - وكان فيمن دعا
__________
[1] الظاهر أنه: «عبيد اللّه» لا: «عبد اللّه»، وهو أخو الفضل والعباس ولدي محمد اليزيدي.
[2] في الأصول: «قول»، وهو لا يلتئم مع سياق الكلام الآتي.
[3] في ب، س: «تخير» (بالخاء المعجمة) وهو تصحيف.
[4] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «فاستعرضت».
[5] نسبت هذه الأبيات في «وفيات الأعيان» لابن خلكان (ج 2 ص 344 طبع مصر) ليحيى بن المبارك اليزيدي المقرىء النحوي اللغوي صاحب أبي عمرو بن العلاء وهو والد محمد اليزيدي المنسوب إليه الشعر هنا.
[6] كذا في ح. وفي سائر الأصول هنا: «فإن».
مخارق، فسار إليه وهو سكران لا فضل فيه لطعام ولا لشراب، فاغتمّ لذلك إبراهيم وعاتبه على ما صنع؛ فقال: لا واللّه أيها الأمير، ما كان آفتي إلا سليم بن سلّام؛ فإنه مرّ بي فدخل عليّ فغنّاني صوتا له صنعه قريبا فشربت عليه إلى السّحر حتى لم يبق فيّ فضل وأخذته. فقال له إبراهيم: فغنّناه إملالا [1]، فغنّاه:
صوت
إذا كنت ندماني فباكر مدامة ... معتقة زفّت إلى غير خاطب
إذا عتّقت في دنّها العام أقبلت ... تردّى [2] رداء الحسن في عين شارب
/ - الغناء لسليم خفيف ثقيل مطلق في مجرى البنصر - قال فبعث إبراهيم إلى سليم فأحضره، فغنّاه إياه وطرحه على جواريه وأمر له بجائزة، وشربنا عليه بقيّة يومنا حتى صرنا في حالة مخارق وصار في مثل أحوالنا.
صوت من المائة المختارة
عتق الفؤاد من الصّبا ... ومن السّفاهة والعلاق
وحططت رحلي عن قلو ... ص الحبّ في قلص عتاق [3]
ورفعت فضل إزاري ال ... مجرور عن قدمي وساقي
وكففت غرب النفس حت ... ى ما تتوق إلى متاق
لم يقع إلينا قائل هذا الشعر. والغناء لابن عبّاد الكاتب ولحنه المختار من القدر الأوسط من الثقيل الأول بإطلاق الوتر في مجرى البنصر عن إسحاق. وفيه لإبراهيم خفيف ثقيل، وقيل: إنه لغيره، بل قيل: إنه لعمرو.
__________
[1] يريد: غننا إياه كما أخذته عنه من غير زيادة ولا نقص.
[2] تردى فلان: لبس الرداء.
[3] في ب، س: «العتاق».
14 - أخبار ابن عبّاد
نسبه وكنيته وصناعته:
هو محمد بن عبّاد، مولى بني مخزوم، وقيل: إنه مولى بني جمح، ويكنى أبا جعفر. مكّيّ، من كبراء المغنّين من الطبقة الثانية منهم. وقد ذكره يونس الكاتب فيمن أخذ عنه الغناء، متقن الصنعة كثيرها. وكان أبوه من كتّاب الديوان بمكة؛ فلذلك قيل ابن عبّاد الكاتب.
قابله مالك وطلب منه الغناء ففعل فذمه:
أخبرني إسماعيل بن يونس قال حدّثنا عمر بن شبّة عن إسحاق، وأخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه عن عثمان بن حفحص الثّقفي عن أبي خالد الكنانيّ عن ابن عبّاد الكاتب قال:
واللّه إني لأمشي بأعلى مكة في الشّعب [1]، إذ أنا بمالك على حمار له ومعه فتيان [2] من أهل المدينة، فظننت أنهم قالوا له: هذا ابن عبّاد؛ فمال إليّ فملت إليه؛ فقال لي: أنت ابن عبّاد؟ قلت:/ نعم؛ قال: مل معي هاهنا، ففعلت؛ فأدخلني شعب ابن عامر ثم أدخلني دهليز ابن عامر وقال: غنّني؛ فقلت: أغنّيك هكذا وأنت مالك! - وقد كان يبلغني أنه يثلب أهل مكة ويتعصّب عليهم - فقال: باللّه إلا غنّيتني صوتا من صنعتك. فاندفعت فغنّيته:
صوت
ألا يا صاحبيّ قفا قليلا ... على ربع تقادم بالمنيف [3]
فأمست دارهم [4] شحطت وبانت [5] ... وأضحى القلب يخفق ذا وجيف
/ وما غنّيته إياه إلا على احتشام. فلما فرغت نظر إليّ وقال لي: قد واللّه أحسنت! ولكنّ حلقك كأنه حلق زانية. فقلت: أمّا إذ أفلت منك بهذا فقد أفلتّ. وهذا اللحن من صدور غناء ابن عباد. ولحنه من الثقيل الثاني بإطلاق الوتر في مجرى الوسطى.
__________
[1] كذا في ب، س. وفي سائر الأصول: «في الشعر».
[2] في ح: «فتيان من أهل المدينة فما ظننت إلا أنهما قالا له».
[3] المنيف: موضع قبل عمق (بفتح أوله وإسكان ثانيه: ماء ببلاد مزينة من أرض الحجاز) وقيل: المنيف: حصن في جبل صبر (ككتف) من أعمال تعز (بالفتح ثم الكسر والزاي مشددة) باليمن. وهناك منيف لحج أيضا وهو حصن قرب عدن.
[4] في ح: «دورهم».
[5] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «و ناءت».
وفاته ببغداد:
أخبرني يحيى بن عليّ بن يحيى وعيسى بن الحسين قالا حدّثنا أبو أيّوب المديني قال حدّثني جماعة من أهل العلم:
أنّ ابن عبّاد الكاتب توفّي ببغداد في الدولة العباسية ودفن بباب [1] حرب. وقال أبو أيوب: أظنه فيمن قدم من مغنّي الحجار على المهديّ.
صوت من المائة المختارة
يا طلا غيّره بعدي ... صوب ربيع صادق الرعد
أراك بعد الأنس ذا [2] وحشة ... لست كما كنت على العهد
مالي أبكّي طللا كلما ... ساءلته عيّ عن الردّ
كان به ذو غنج [3] أهيف ... أحور مطبوع على الصّدّ
لم يسمّ أبو أحمد [4] قائل هذا الشعر. والغناء ليحيى المكيّ، ولحنه المختار من الهزج بالوسطى.
__________
[1] باب حرب: موضع ببغداد ينسب إلى حرب بن عبد اللّه البلخي أحد قواد أبي جعفر المنصور وكان يتولى شرطة بغداد. وفي مقبرة باب حرب قبر أحمد بن حنبل وبشر الحافي وأبي بكر الخطيب ومن لا يخصى من العلماء والعباد والصالحين وأعلام المسلمين.
[2] في ح: «في وحشة».
[3] الغنج: التكسر والتدلل.
[4] أبو أحمد هو يحيى بن علي بن يحيى المنجم.
15 - أخبار يحيى المكي ونسبه
اسمه وكنيته وكتمانه ولاءه لبني أمية لخدمته الخلفاء من بني العباس:
هو يحيى بن مرزوق، مولى بني أمية، وكان يكتم ذلك لخدمته الخلفاء من بني العباس خوفا من أن يجتنبوه ويحتشموه؛ فإذا سئل عن ولائه انتمى إلى قريش ولم يذكر البطن الذي ولاؤه لهم [1]، واستعفى من سأله عن ذلك.
ويكنى يحيى أبا عثمان. وذكر ابن خرداذبه أنه مولى خزاعة. وليس قوله مما يحصّل، لأنه لا يعتمد فيه على رواية ولا دراية.
أخبرني عبد اللّه بن الرّبيع أبو بكر الرّبيعي صديقنا رحمه اللّه قال حدّثني وسواسة بن الموصليّ - وقد لقيت وسواسة هذا، وهو أحمد بن [2] إسماعيل بن إبراهيم وكان معلّما، ولم أسمع هذا منه فكتبته وأشياء أخر عن أبي بكر رحمه اللّه - قال حدّثني حماد بن إسحاق قال قال لي أبي:
سألت يحيى المكيّ عن ولائه، فانتمى إلى قريش؛ فاستزدته في الشّرح فسألني أن أعفيه.
أخبرني عيسى بن الحسين الورّاق ويحيى بن عليّ بن يحيى قالا [3] حدّثنا أبو أيوب المديني قال:
كان يحيى المكي يكنى أبا عثمان، وهو مولى بني أميّة، وكان يكتم ذلك ويقول: أنا مولى قريش.
مدحه أبان اللاحقي وعارض الأعشى في مدح دحمان:
ولما قال أعشى بني سليم يمدح دحمان:
/كانوا فحولا فصاروا عند حلبتهم ... لمّا انبرى لهم دحمان خصيانا
/ فأبلغوه عن الأعشى مقالته ... أعشى سليم أبي عمرو سليمانا
قولوا يقول أبو عمرو لصحبته ... يا ليت دحمان قبل الموت غنّانا
قال أبان بن عبد الحميد اللاحقيّ - ويقال إن ابنه حمدان بن أبان قالها. والأشبه عندي أنها لأبان، وما أظنّ ابنه [4] أدرك يحيى - :
يا من يفضّل دحمانا ويمدحه [9] ... على المغنّين طرّا قلت بهتانا
__________
[1] في أ، ء، م: «له».
[2] راجع الحاشية - رقم 1 ص 154 من الجزء الخامس من «الأغاني» من هذه الطبعة.
[3] في ب، س: «قال». وهو تحريف.
[4] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «أنه»، وهو تحريف.
[5] في ح: «يمدحنه».
لو كنت جالست يحيى أو سمعت به ... لم تمتدح أبدا ما عشت إنسانا
ولم تقل سفها في [1] منية [2] عرضت ... يا ليت دحمان قبل الموت غنّانا
لقد عجبت لدحمان ومادحه ... لا كان مادح دحمان ولا كانا
ما كان كابن صغير العين إذ جريا ... بل قام في غاية المجرى وما دانى
بذّ الجياد أبو بكر وصيّرها ... من بعد ما قرحت جذعا وثنيانا [3]
يعني بأبي بكر ابن صغير العين، وهو من مغنّي مكة. وله أخبار [4] تذكر في موضعها إن شاء اللّه تعالى.
منزلته في الغناء وتلاميذه:
وعمّر يحيى المكي مائة وعشرين سنة، وأصاب بالغناء ما لم يصبه أحد من نظرائه، ومات وهو صحيح السمع والبصر والعقل. وكان قدم مع الحجازيين الذين قدموا على المهديّ في أوّل خلافته، فخرج أكثرهم وبقي يحيى بالعراق هو وولده/ يخدمون الخلفاء إلى أن انقرضوا. وكان آخرهم محمد بن أحمد بن يحيى المكي، وكان يغنّي مرتجلا، ويحضر مجلس المعتمد مع المغنين فيوقع بقضيب على دواة. ولقيه جماعة من أصحابنا، وأخذ عنه جماعة ممن أدركنا [5] من عجائز المغنيّات، منهم قمرية العمريّة، وكانت أمّ ولد عمرو بن بانة. وممن أدركه من أصحابنا جحظة، وكتبنا عنه عن ابن المكي هذا حكايات حسنة من أخبار أهله. وكان ابن جامع وإبراهيم الموصليّ وفليح يفزعون إليه في الغناء القديم ويأخذونه عنه، ويعايي [6] بعضهم بعضا بما يأخذه منه ويغرب به على أصحابه؛ فإذا خرجت لهم الجوائز أخذوا [7] منها ووفّروا نصيبه. وله صنعة عجيبة نادرة متقدّمة. وله كتاب في الأغاني ونسبها وأخبارها [و أجناسها] [8] كبير جليل مشهور، إلا أنه كان كالمطّرح عند الرواة لكثرة تخليطه في رواياته. والعمل على كتاب ابنه أحمد، فإنه صحّح كثيرا مما أفسده أبوه، وأزال ما عرفه من تخاليط أبيه، وحقّق ما نسبه من الأغاني إلى صانعه. وهو يشتمل على نحو ثلاثة آلاف صوت.
عمل كتابا في الأغاني وأهداه لعبد اللّه بن طاهر فصححه ابنه لمحمد بن عبد اللّه:
أخبرني عبد اللّه بن الرّبيع قال حدّثني وسواسة بن الموصلي قال حدّثني محمد بن أحمد بن يحيى المكي قال:
عمل جدّي كتابا في الأغاني وأهداه إلى عبد اللّه بن طاهر، وهو يومئذ شابّ حديث السن، فاستحسنه وسرّ به؛
__________
[1] في أ، ء، م: «من».
[2] المنية (بالضم وتكسر): البغية وما يتمنى.
[3] قرح الفرس: صار قارحا. والقارح من ذي الحافر: الذي شق نابه وطلع، وهو بمنزلة البازل من الإبل، وذلك في الخامسة من سنه.
والجذع (بضمتين وسكن لضرورة الشعر): جمع جذع (بالتحريك) وهو ما كان في الثانية من سنه. والثنيان (بالضم): جمع ثنى وهو ما كان في الثالثة من سنه.
[4] لم نجد لأبي بكر هذا أخبارا في «الأغاني» المطبوع في بولاق. فلعل المؤلف أنسى أن يذكره، أو ذكره وسقط من الكتاب.
[5] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «ممن دركناه».
[6] كذا في أكثر الأصول. وعايا فلان فلانا معاياة: ألقى إليه كلاما أو عملا لا يهتدي لوجهه. وفي ب، س: «يعاني». وهو تصحيف.
[7] في ب: «أخذوه» وقد صححها المرحوم الشنقيطي في نسخته فجعلها: «أحذوه» (بالحاء المهملة). وأحذاه من الغنيمة: أعطاه.
[8] زيادة عن أ، ء، م.
ثم عرضه على إسحاق فعرّفه عوارا [1] كثيرا/ في نسبه، لأن جدّي كان لا يصحّح لأحد نسبه صوت البتّة، وينسب صنعته إلى المتقدمين، وينحل بعضهم صنعة بعض ضنّا بذلك على غيره، فسقط من عين عبد اللّه وبقي في خزانته؛ ثم وقع إلى محمد بن عبد اللّه، فدعا أبي، وكان إليه محسنا وعليه مفضلا، فعرضه عليه؛ فقال له: إن في هذه [2] النّسب تخليطا كثيرا، خلّطها/ أبي لضنه بهذا الشأن على الناس، ولكني أعمل لك كتابا أصحح هذا وغيره فيه. فعمل له كتابا فيه اثنا عشر ألف صوت وأهداه إليه، فوصله محمد بثلاثين ألف درهم. وصحّح له الكتاب الأوّل أيضا فهو في أيدي الناس. قال وسواسة: وحدّثني حمّاد أن أباه إسحاق كان يقدّم يحيى المكيّ تقديما كثيرا ويفضّله [3] ويناضل [4] أباه وابن جامع فيه، ويقول: ليس يخلو يحيى فيما يرويه من الغناء الذي لا يعرفه أحد منكم من أحد أمرين: إمّا أن يكون محقّا [فيه] [5] كما يقول، فقد علم ما جهلتم، أو يكون من صنعته وقد نحله المتقدّمين، كما تقولون، فهو أفضل [له] [5] وأوضح لتقدّمه عليكم. قال: وكان أبي يقول: لو لا ما أفسد به يحيى المكي نفسه من تخليطه في رواية الغناء على المتقدّمين وإضافته إليهم ما ليس لهم وقلّة ثباته على ما يحكيه من ذلك، لما تقدّمه أحد. وقال محمد بن الحسن الكاتب: كان يحيى يخلّط في نسب الغناء تخليطا كثيرا، ولا يزال يصنع الصوت بعد الصوت يتشبّه فيه بالغريض مرّة وبمعبد أخرى وبابن سريج وابن محرز، ويجتهد في إحكامه وإتقانه حتى يشتبه على سامعه؛ فإذا حضر مجالس الخلفاء غنّاه على ما أحدث [فيه] [6] من ذلك، فيأتي بأحسن [7] صنعة وأتقنها،/ وليس أحد يعرفها؛ فيسأل عن ذلك فيقول: أخذته عن فلان وأخذه فلان عن يونس أو عن نظرائه من رواة الأوائل، فلا يشكّ في قوله، ولا يثبت لمباراته أحد، ولا يقوم لمعارضته ولا يفي بها؛ حتى نشأ إسحاق فضبط الغناء وأخذه من مظانّه ودوّنه، وكشف عوار يحيى في منحولاته وبيّنها للناس.
أظهر إسحاق غلطه فأرسل له هدايا وعاتبه:
أخبرني عمّي [قال] سمعت عبيد اللّه بن عبد اللّه بن طاهر يذكر عن أحمد بن سعيد المالكيّ - وكان مغنيا منقطعا إلى طاهر وولده وكان من القوّاد - قال:
حضرت يحيى المكيّ يوما وقد غنّى صوتا فسئل عنه فقال: هذا لمالك - ولم يحفظ أحمد بن سعيد الصوت - ثم غنّى لحنا لمالك فسئل عن صانعه فقال: هذا لي؛ فقال له إسحاق: قلت ماذا؟ فديتك، وتضاحك به. فسئل عن صانعه فأخبر به، ثم غنّى الصوت. فخجل يحيى حتى أمسك عنه؛ ثم غنّى بعد ساعة في الثقيل الأوّل، واللحن:
صوت
إنّ الخليط أجدّ فاحتملا ... وأراد غيظك بالذي فعلا
__________
[1] العوار (مثلثة): العيب.
[2] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «هذا».
[3] في ب، س: «و يصله».
[4] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «و يواصل» وهو تحريف.
[5] زيادة عن ح.
[6] هذه الكلمة ساقطة في ب، س.
[7] في ب، س: «أحسن».
فظللت تأمل قرب أوبتهم ... والنفس مما تأمل الأملا
فسئل عنه فنسبه إلى الغريض. فقال له إسحاق: يا أبا عثمان، ليس هذا من نمط الغريض ولا طريقته في الغناء، ولو شئت لأخذت مالك وتركت للغريض ماله ولم تتعب. فاستحيا يحيى ولم ينتفع بنفسه بقيّة يومه. فلما انصرف بعث إلى إسحاق بألطاف كثيرة وبرّ واسع، وكتب إليه يعاتبه ويستكفّ شرّه ويقول له: لست من أقرانك فتضادّني، ولا أنا ممن يتصدّى لمباغضتك ومباراتك فتكايدني، ولأنت إلى أن أفيدك وأعطيك ما تعلم أنك لا تجده عند غيري فتسمو به على أكفائك أحوج منك إلى أن تباغضني، فأعطي غيرك سلاحا إذا حمله عليك لم تقم له، وأنت/ أولى وما تختار. فعرف إسحاق صدق يحيى، فكتب إليه يعتذر، وردّ/ الألطاف التي حملها إليه، وحلف لا يعارضه بعدها، وشرط عليه الوفاء بما وعده به من الفوائد؛ فوفّى له بها، وأخذ منه كلّ ما أراد من غناء المتقدمين. وكان إذا حز به أمر في شيء منها فزع إليه فأفاده وعاونه ونصحه؛ وما عاود إسحاق معارضته بعد ذلك.
وحذره يحيى، فكان إذا سئل بحضرته عن شيء صدق فيه، وإذا غاب إسحاق خلّط فيما يسأل عنه. قال: وكان يحيى إذا صار إليه إسحاق بطلب منه شيئا أعطاه إياه وأفاده وناصحه، ويقول لابنه أحمد: تعال حتى تأخذ مع أبي محمد ما اللّه يعلم أني كنت أبخل به عليك فضلا عن غيرك؛ فيأخذه أحمد عن أبيه مع إسحاق. قال: وكان إسحاق بعد ذلك يتعصّب ليحيى تعصّبا شديدا؛ ويصفه ويقدّمه ويعترف برياسته، وكذلك كان في وصف أحمد ابنه وتقريظه.
عدد أصواته التي صنعها:
قال أحمد بن سعيد: والاختلاف الواقع في كتب الأغاني إلى الآن من بقايا تخليط يحيى. قال أحمد بن سعيد: وكانت صنعة يحيى ثلاثة آلاف صوت، منها زهاء ألف صوت لم يقاربه فيها أحد، والباقي متوسّط. وذكر بعض أصحاب أحمد بن يحيى المكيّ عنه أنه سئل عن صنعة أبيه فقال: الذي صحّ عندي منها ألف وثلاثمائة صوت، منها مائة وسبعون صوتا غلب فيها على الناس جميعا من تقدّم منهم ومن تأخّر، فلم يقم له فيها أحد.
كان ينسب الأصوات عمدا لغير أصحابها فافتضح أمره:
وقال حماد بن إسحاق قال لي أبي:
كان يحيى المكي يسأل عن الصوت، وهو يعلم لمن هو، فينسبه إلى غير صانعه، فيحمل ذلك عنه كذلك، ثم يسأله آخرون فينسبه غير تلك النسبة؛ حتى طال ذلك وكثر منه وقلّ تحفّظه، فظهر عواره، ولو لا ذلك لما قاومه أحد.
أظهر إسحاق كذبه فيما ينسبه من الغناء أمام الرشيد:
وقال أحمد بن سعيد المالكيّ في خبره:
قال إسحاق يوما للرشيد، قبل أن تصلح الحال بينه وبين يحيى المكي: أتحب يا أمير المؤمنين أن أظهر لك كذب يحيى فيما ينسبه من الغناء؟ قال نعم. قال: أعطني أيّ شعر شئت حتى أصنع فيه، واسألني بحضرة يحيى عن نسبته فإني سأنسبه إلى رجل لا أصل له، واسأل يحيى عنه إذا غنّيته، فإنه لا يمتنع من أن يدّعي معرفته. فأعطاه شعرا فصنع فيه لحنا وغنّاه الرشيد؛ ثم قال له: يسألني أمير المؤمنين عن نسبته بين يديه. فلما حضر يحيى غنّاه
إسحاق فسأله الرشيد: لمن هذا اللحن؟ فقال له إسحاق: لغناديس [1] المديني. فأقبل الرشيد على يحيى فقال له:
أكنت لقيت غناديس المديني؟ قال: نعم، لقيته وأخذت عنه صوتين؛ ثم غنّى صوتا وقال: هذا أحدهما. فلما خرج يحيى حلف إسحاق بالطلاق ثلاثا وعتق جواريه: أن اللّه ما خلق أحدا اسمه غناديس، ولا سمع في المغنين ولا غيرهم، وأنه وضع ذلك الاسم في وقته ذلك لينكشف أمره.
علم إسحاق صوتا غناه للرشيد فأهدى إليه تخت ثياب وخاتم:
حدّثني أحمد بن جعفر جحظة قال حدّثني محمد بن أحمد بن يحيى المكّي المرتجل قال:
غنى جدّي يوما بين يدي الرشيد:
صوت
هل هيّجتك مغاني الحيّ والدّور ... فاشتقت إن الغريب الدار معذور [2]
وهل يحلّ بنا إذ عيشنا أنق [3] ... بيض أوانس أمثال الدّمى حور
/ - والصنعة له خفيف ثقيل - فسار [4] إليه إسحاق وسأله أن يعيده إياه؛ فقال: نعم، حبّا وكرامة/ لك يابن أخي، ولو غيرك يروم ذلك لبعد عليه؛ وأعاده حتى أخذه إسحاق. فلما انصرف بعث إلى جدّي بتخت [5] ثياب وخاتم ياقوت نفيس.
دس له إبراهيم بن المهدي من أخذ عنه صوتا بثمن غال:
حدّثني جحظة قال حدّثني القاسم بن زرزور عن أبيه عن مولاه عليّ [6] بن المارقيّ قال:
قال لي إبراهيم بن المهديّ: ويلك يا مارقيّ! إن يحيى المكيّ غنّى البارحة بحضرة أمير المؤمنين صوتا فيه ذكر زينب، وقد كان النبيذ أخذ مني فأنسيت شعره، واستعدته إياه فلم يعده، فاحتل لي عليه حتى تأخذه لي منه ولك عليّ سبق [7]. فقال لي المارقيّ - وأنا يومئذ غلامه - اذهب إليه فقل له إني أسأله أن يكون اليوم عندي؛ فمضيت إليه فجئته به. فلما تغدّرا وضع النبيذ؛ فقال له المارقي: إني كنت سمعتك تغنّي صوتا فيه زينب وأنا أحب أن آخذه منك - وكان يحيى يوفّي هذا الشأن حقّه من الاستقصاء، فلا يخرج عنه إلا بحذر، ولا يدع الطلب والمسألة، ولا يلقي صوتا إلا بعوض. قال لي جحظة في هذا الفصل: هذا - فديتك - فعل يحيى مع ما أفاده من المال، ومع كرم من عاشره وخدمه من الخلفاء مثل الرشيد والبرامكة وسائر الناس، لا يلام ولا يعاب، ونحن مع
__________
[1] في ح: «لعتاديس المدني».
[2] كذا في ب، س. وفي سائر الأصول: «مغرور».
[3] أنق الشيء (من باب علم): راع حسنه.
[4] كذا في ب، س. وفي سائر الأصول: «فصار».
[5] التخت: وعاء تصان فيه الثياب.
[6] كذا في أ، ء، م. وفي سائر الأصول: «عن مولاه عن ابن المارقي قال»، وهو تحريف، لأن المارقي هو مولى زرزور كما يشعر بذلك سياق الحديث هنا وكما مر في الجزء الرابع من هذه الطبعة (ص 93).
[7] السبق (بالتحريك): الخطر يوضع في السباق من سبق أخذه.
هؤلاء السّفّل إن جئناهم نكارمهم [1] تغافلوا عنا، وإن أعطونا النّزر اليسير منّوا به علينا وعابونا، فمن يلومني أن أشتمهم؟ فقلت: ما عليك لوم./ - قال: فقال له يحيى: وأيّ شيء العوض إذا ألقيت عليك هذا الصوت؟ قال:
ما تريد؛ قال: هذه الزّربيّة [2] الأرمينيّة، كم تقعد عليها! أما آن لك أن تملّها؟ قال: بلى، وهي لك. قال: وهذه الظباء الحرميّة، وأنا مكيّ لا أنت، وأنا أولى بها؛ قال: هي لك، وأمر بحملها معه. فلما حصلت له، قال المارقيّ: يا غلام، هات العود؛ قال يحيى: والميزان والدراهم، وكان لا يغنّي أو يأخذ خمسين درهما، فأعطاه إيّاها؛ فألقى عليه قوله:
بزينب ألمم قبل أن يرحل الركب ... وقل إن تملّينا فما ملّك القلب
- ولحنه لكردم ثقيل أول - فلم يشكّ المارقيّ أنه قد أخذ الصوت الذي طلبه إبراهيم وأدرك حاجته. فبكّر إلى إبراهيم وقد أخذ الصوت، فقال له: قد جئتك بالحاجة. فدعا بالعود فغنّاه إياه؛ فقال له: لا واللّه ما هو هذا، وقد خدعك، فعاود الاحتيال عليه. فبعثني إليه وبعث معي خمسين درهما. فلما دخل إليه وأكلا وشربا قال له يحيى:
قد واليت بين دعواتك لي، ولم تكن برّا ولا وصولا، فما هذا؟ قال: لا شيء واللّه إلا محبتي للأخذ عنك والاقتباس منك؛ فقال: سرّك اللّه، فمه. قال: تذكرت الصوت الذي سألتك إياه فإذا ليس هو الذي ألقيت عليّ. قال: فتريد ماذا؟ قال: تذكر الصوت. قال: أفعل، ثم اندفع فغنّاه:
ألمم بزينب إنّ البين قد أفدا [3] ... قلّ الثواء لئن كان الرحيل غدا
- والغناء لمعبد ثقيل أول - فقال له: نعم، فديتك يا أبا عثمان، هذا هو، ألقه عليّ؛ قال: العوض؛ قال: ما شئت؟ قال: هذا المطرف الأسود؛ قال: هو لك. فأخذه/ وألقى عليه هذا الصوت حتى استوى له، وبكّر إلى إبراهيم؛ فقال له: ما وراءك؟ قال: قد قضيت الحاجة؛ فدعا له بعود فغنّاه؛ فقال: خدعك واللّه، ليس هذا هو؛ فعاود الاحتيال عليه، وكلّ ما تعطيه إياه ففي ذمّتي. فلما كان/ اليوم الثالث بعث بي إليه، فدعوته وفعلنا مثل فعلنا بالأمس. فقال له يحيى: فما لك أيضا؟ قال له: يا أبا عثمان، ليس هذا الصوت هو الذي أردت؛ فقال له: لست أعلم ما في نفسك فأذكره، وإنما عليّ أن أذكر ما فيه زينب من الغناء كما التمست حتى لا يبقى عندي زينب البتة إلا أحضرتها؛ فقال: هات على اسم اللّه؛ قال: اذكر العوض؛ قلت: ما شئت؛ قال: هذه الدّراعة [4] الوشي التي عليك؛ قال: فخذها والخمسين الدرهم، فأحضرها. فألقى عليه - والغناء لمعبد ثقيل أول - :
لزينب طيف تعتريني طوارقه ... هدوءا إذا النجم ارجحنّت [5] لواحقه
فأخذه منه ومضى إلى إبراهيم، فصادفه يشرب مع الحرم؛ فقال له حاجبه: هو متشاغل؛ فقال: قل له: قد جئتك بحاجتك. فدخل فأعلمه؛ فقال: يدخل فيغنّيه في الدار وهو قائم، فإن كان هو وإلا فليخرج، ففعل؛ فقال:
__________
[1] كذا في أ، ء، م. وكارمه: أهدى إليه ليكافئه ويثيبه. وفي سائر الأصول: «مكارهة» وهو تحريف.
[2] كذا في أكثر الأصول. والزربية: واحدة الزرابيّ وهي البسط، وقيل كل ما بسط واتكىء عليه. وفي ح: «الزلية» والزلية (بضم الزاي وتشديد اللام المكسورة): البساط، معرب «زيلو» بالفارسية، وجمعها زلالي.
[3] أفد: دنا.
[4] الدراعة (كرمانة): جبة مشقوقة المقدم ولا تكون إلا من صوف، وجمعها دراريع
[5] ارجحنت: اهتزت ومالت.
لا واللّه ما هو هذا، ولقد خدعك، فعاود الاحتيال عليه. ففعل مثل ذلك بيحيى؛ فقال له يحيى وهو يضحك: أما ظفرت بزينبك بعد؟ فقال: لا واللّه يا أبا عثمان، وما أشكّ في أنك تعتمدني بالمنع مما أريده، وقد أخذت كل [1] شيء عندي معابثة. فضحك يحيى وقال: قد استحييت منك الآن، وأنا ناصحك على شريطة؛ قال: نعم، لك الشريطة؛ قال: لا تلمني في أن أعابثك لأنك أخذت في معابثتي، والمطلوب إليه أقدر من الطالب، فلا تعاود/ أن تحتال عليّ فإنك تظفر منّي بما تريد، إنما دسّك إبراهيم بن المهديّ عليّ لتأخذ مني صوتا غنّيته، فسألني إعادته فمنعته بخلا عليه لأنه لا يلحقني منه خير ولا بركة، ويريد أن يأخذ غنائي باطلا، وطمع بموضعك أن تأخذ الصوت بلا ثمن ولا حمد؛ لا واللّه إلا بأوفر ثمن وبعد اعترافك، وإلا فلا تطمع في الصوت. فقال له: أمّا إذ فطنت فالأمر واللّه على ما قلت، فتغنّيه الآن بعينه على شرط أنه إن كان هو هو وإلا فعليك إعادته، ولو غنّيتني كلّ شيء تعرفه لم أحتسب لك إلا به؛ قال: اشتره. فتساوما طويلا وماكسه [2] حتى بلغ الصوت ألف درهم، فدفعها إليه؛ وألقى عليه:
صوت
طرقتك زينب والمزار بعيد ... بمنى ونحن معرّسون هجود
فكأنما طرقت بريّا روضة ... أنف تسحسح مزنها وتجود
- لحنه خفيف ثقيل. قال: وهو صوت كثير العمل، حلو النّغم، محكم الصّنعة، صحيح القسمة، حسن المقاطع - فأخذه وبكّر إلى إبراهيم بن المهديّ، فقال له: قد أفقرني هذا الصوت وأعراني، وأبلاني بوجه يحيى المكي وشحّه وطلبه وشرهه، وحدّثه بالقصّة؛ فضحك إبراهيم. وغنّاه إياه، فقال: هذا أبيك هو بعينه. فألقاه عليه حتى أخذه، وأخلف عليه كلّ شيء أخذه يحيى منه وزاده خمسة آلاف درهم، وحمله على برذون أشهب فاره بسرجه ولجامه. فقال له: يا سيّدي؛ فغلامك زرزور المسكين قد تردّد عليه حتى ظلع [3]، هب له شيئا، فأمر له بألف درهم.
غنى للأمين لحنا أراد المغنون أخذه عنه فأبى:
حدّثني جحظة قال حدّثني هبة اللّه بن إبراهيم بن المهديّ قال حدّثتني ريّق وشارية/ جميعا قالتا:
كان مولانا - تعنيان أبي - في مجلس محمد الأمين يوما والمغنّون حضور، فغنّى يحيى المكي - واللحن له خفيف ثقيل - :
صوت
خليل لي أهيم به ... فما كافا [4] ولا شكرا
بلى يدعى له باسمي ... إذا ما ريع أو عثرا
__________
[1] كذا في أ، ء، م. وفي سائر الأصول: «و قد أخذت في كل ... إلخ». والظاهر أن «في» مقحمة.
[2] في الأصول: «و ماكسه أبي حتى بلغ ... إلخ». وراوي القصة هو زرزور غلام المارقي لا ابنه. فلعل كلمة «أبي» مقحمة من النساخ. وماكسه في البيع: شاحه واستحطه الثمن واستنقصه إياه.
[3] ظلع: عرج وغمز في مشيه.
[4] كافا مسهل كافأ.
فاستردّه سيّدنا وأحبّ أن يأخذه، فجعل يحيى يفسده. وفطن الأمين بذلك، فأمر له بعشرين ألف درهم وأمره بردّه وترك التخليط، فدعا له وقبّل الأرض بين يديه وردّ الصوت وجوّده؛ ثم استعاده. فقال له يحيى: ليست تطيب لك نفسي به إلا بعوض من مالك، ولا أنصحك واللّه فيه، فهذا مال مولاي أخذته، فلم تأخذ أنت غنائي! فضحك الأمين وحكم على إبراهيم بعشرة آلاف درهم فأحضرها. فقبّل يحيى يده وأعاد الصوت وجوّده، فنظر إلى مخارق وعلّويه يتطلّعان لأخذه فقطع الصوت؛ ثم أقبل عليهما وقال: قطعة من خصية الشيخ تغطي أستاه عدّة صبيان، واللّه لا أعدته بحضرتكما. ثم أقبل على مولانا - تعنيان إبراهيم بن المهدي - فقال: يا سيّدي، إني أصير إليك حتى تأخذه عنّي متمكّنا ولا يشركك فيه أحد. فصار إليه فأعاده حتى أخذه عنه، وأخذناه معه.
غنى للرشيد بتل دارا فأكرمه:
أخبرنا يحيى بن عليّ بن يحيى قال حدّثنا أبو أيّوب المديني قال حدّثني أحمد بن يحيى المكي عن أبيه قال:
/ أرسل إليّ هارون الرشيد، فدخلت إليه وهو جالس على كرسيّ بتلّ دارا [1]، فقال: يا يحيى، غنّني:
متى تلتقي الألّاف والعيس كلّما ... تصعّدن من واد هبطن إلى واد
فلم أزل أغنّيه إيّاه ويتناول قدحا إلى أن أمسى. فعددت عشر مرّات استعاد فيها الصوت، وشرب عشرة أقداح، ثم أمر لي بعشرة آلاف درهم، وأمرني بالانصراف.
مدح إسحاق غناءه وذكر أصواتا له:
وقال محمد بن أحمد بن يحيى المكي في خبره حدّثني أبي أحمد بن يحيى قال:
قال لي إسحاق: يا أبا جعفر، لأبيك مائة وسبعون صوتا، من أخذها عنه بمائة وسبعين ألف درهم فهو الرابح. فقلت لأبي: أيّ شيء تعرف منها؟ فقال: لحنه في شعر الأخطل:
صوت
خفّ القطين فراحوا منك وابتكروا [2] ... وأزعجتهم نوّى في صرفها غير
كأنني شارب يوم استبدّ بهم ... من قهوة عتّقتها حمص أو جدر [3]
لحن يحيى المكيّ في هذين البيتين ثقيل أول - هكذا في الخبر - ولإبراهيم فيهما ثقيل أوّل آخر، ولابن سريج رمل.
__________
[1] دارا (بالقصر): بلدة في لحف جبل بين نصيبين وماردين، وهي من بلاد الجزيرة، ذات بساتين ومياه جارية، ومن أعمالها يجلب المحلب الذي تتطيب به الأعراب، وعندها كان معسكر دارا الملك بن قباذ الملك لما لقي الإسكندر المقدوني، فقتله الإسكندر وتزوج ابنته. وبنى في موضع معسكره هذه المدينة وسماها باسمه. وهي أيضا قلعة حصينة في جبال طبرستان، وواد في ديار بني عامر.
[2] في أ، ء، م و «ديوان الأخطل»:
« ... أو بكروا»
وهذان البيتان من قصيدة له من فاخر شعره، قالها يمدح عبد الملك بن مروان ويهجو قيسا وبني كليب.
[3] جدر: قرية بين حمص وسلمية، تنسب إليها الخمر، وهي قرب دير إسحاق. وقد ورد الشطر الأخير في «ديوانه» و «معجم البلدان» هكذا:
«من قرقف ضمنتها حمص أو جدر»
/ قال: ومنها:
صوت
بان الخليط فما أؤمّله ... وعفا من الرّوحاء [1] منزله
ما ظبية أدماء عاطلة ... تحنو على طفل تطفّله
لحن يحيى في هذا الشعر ثاني ثقيل بالبنصر. قال أحمد: قال لي إسحاق: وددت أن هذا/ الصوت لي أو لأبي وأني مغرّم عشرة آلاف درهم. ثم قال: هل سمعتم بأحسن من قوله: «على طفل تطفّله».
قال: ومنها:
صوت
وكفّ كعوّاذ [2] النقا لا يضيرها ... إذا برزت ألّا يكون خضاب
أنامل فتخ [3] لا ترى بأصولها ... ضمورا ولم تظهر لهن كعاب
ولحنه من الثقيل الثاني.
قال: ومنها:
صوت
صادتك [4] هند وتلك عادتها ... فالقلب مما يشفّه كمد
/ كم تشتكي الشوق من صبابتها ... ولا تبالي هند بما تجد
ولحنه من خفيف الثقيل.
قال: ومنها:
صوت
أعسيت من سلمى هوا ... ك اليوم محتلّا جديدا
ومرابط الخيل الجيا ... د ومنزلا خلقا همودا
__________
[1] الروحاء: قرية جامعة لمزينة على ليلتين من المدينة، بينهما نحو أربعين ميلا.
[2] الظاهر أن الشاعر يريد «بعواذ النقا» الديدان التي تعوذ بالنقا (الكثيب من الرمل) وتلوذ به. وقد ورد كثيرا في الشعر العربي تشبيه أصابع النساء وأنامل العذارى بهذه الديدان. قال امرؤ القيس:
وتعطو برخص غير شثن كأنه ... أساريع ظبي أو مساويك إسحل
(ظبي: اسم كثيب. والأساريع: دواب تكون بالرمل صغار بيض ملس، واحدها أسروع ويسروع). ويقال لهذه الديدان بنات النقا؛ قال ذو الرمة:
خراعيب أملود كأن بناتها ... بنات النقا تخفى مرارا وتظهر
[3] فتح: رخصة لينة. وقد وردت هذه الكلمة في جميع الأصول بالحاء المهملة؛ وهو تصحيف.
[4] في ب، س: «صادتها». وهو تحريف.
ولحنه خفيف ثقيل أيضا.
قال: ومنها:
صوت
ألا مرحبا بخيال ألمّ ... وإن هاج للقلب طول الألم
خيال لأسماء يعتادني ... إذا الليل مدّ رواق الظّلم
ولحنه ثقيل أول.
قال: ومنها:
صوت
كم ليلة ظلماء فيك سريتها ... أتعبت فيها صحبتي وركابي
لا يبصر الكلب السّروق خباءها ... ومواضع الأوتاد والأطناب [1]
لحنه ثاني ثقيل بالوسطى. وفيه خفيف ثقيل بالوسطى للغريض. قال ابن المكيّ: غنّى أبي الرشيد ليلة هذا الصوت فأطربه، ثم قال له: قم يا يحيى فخذ ما في ذلك البيت؛ فظنّه فرشا أو ثيابا، فإذا فيه أكياس فيها عين وورق؛ فحملت بين يديه فكانت خمسين ألف درهم مع قيمة العين.
/ قال: ومنها:
صوت
إني امرؤ مالي يقي عرضي
ويبيت جاري آمنا جهلي ... وأرى الذّمامة [2] للرّفيق إذا
ألقى رحالته [3] إلى [4] رحلي
ولحنه خفيف ثقيل. قال ابن المكي غنّى ابن جامع الرشيد يوما البيت الأول من هذين البيتين ولم يزد عليه شيئا؛ فأعجب به الرشيد واستردّه مرارا، وأسكت لابن جامع المغنّين جميعا، وجعل يسمعه ويشرب عليه، ثم أمر له بعشرة آلاف درهم وعشرة خواتيم وعشر خلع،/ وانصرف. فمضى إبراهيم من وجهه إلى يحيى المكيّ فأستأذن عليه، فأذن له، فأخبره بالذي كان من أمر ابن جامع واستغاث به. فقال له يحيى: أفزاد على البيت الأول شيئا؟ قال لا؛ قال أفرأيت إن زدتك بيتا ثانيا لم يعرفه إسماعيل أو عرفه ثم أنسيه، وطرحته عليك حتى تأخذه ما تجعل لي؟
قال: النصف مما يصل إليّ بهذا السبب؛ قال: واللّه؟! فأخذ بذلك عليه عهدا وشرطا واستحلفه عليه أيمانا مؤكّدة؛ ثم زاده البيت الثاني وألقاه عليه حتى أخذه وانصرف. فلما حضر المغنّون من غد ودعي به كان أوّل صوت غنّاه إبراهيم هذا الصوت، وجاء بالبيت الثاني وتحفّظ فيه فأصاب وأحسن كلّ الإحسان، وشرب عليه الرشيد واستعاده
__________
[1] الأطناب: حبال طوال يشد بها سرادق البيت، واحدها طنب.
[2] الذمامة: (بالفتح والكسر): الحرمة والحق.
[3] الرحالة والرحل: مركب للبعير، وهما أيضا: منزل الرجل ومسكنه وبيته.
[4] في ح: «على».
حتى سكر، وأمر لإبراهيم بعشرة آلاف درهم وعشرة خواتيم وعشر خلع؛ فحمل ذلك كلّه، وانصرف من وجهه ذلك إلى يحيى فقاسمه ومضى إلى منزله. وانصرف ابن جامع إليه من دار الرشيد، وكان يحيى في بقايا علّة فاحتجب عنه؛ فدفع ابن جامع في صدر بوّابه ودخل إليه، فقال له: إيه يا يحيى، كيف صنعت! / ألقيت الصوت على الجرمقانيّ [1] لا رفع اللّه صرعتك ولا وهب لك العافية. وتشاتما ساعة، ثم خرج ابن جامع من عنده وهو مدوّخ.
مدحه إسحاق الموصلي في جمع من المغنين عند الفضل بن الربيع:
حدّثني عمّي قال حدّثني هارون بن محمد بن عبد الملك قال حدّثني محمد بن أحمد بن يحيى المكي عن أبيه قال قال لي إسحاق:
كنت أنا وأبوك وابن جامع وفليح بن أبي العوراء وزبير بن دحمان يوما عند الفضل بن الربيع؛ فانبرى زبير بن دحمان لأبيك [2] (يعني يحيى)، فجعلا يغنيّان ويباري كلّ واحد منهما صاحبه، وذلك يعجب الفضل، وكان يتعصّب لأبيك ويعجب به. فلما طال الأمر بينهما قال له الزبير: أنت تنتحل غناء الناس وتدّعيه وتنحلهم ما ليس لهم. فأقبل الفضل عليّ وقال: احكم أيها الحاكم بينهما، فلم يخف عليك ما هما فيه؛ فقلت: لئن كان ما يرويه يحيى ويغنّيه شيئا لغيره فلقد روى ما لم يرووه وما لم نروه، وعلم ما جهلناه وجهلوه، ولئن كان من صنعته إنه لأحسن الناس صنعة، وما أعرف أحدا أروى منه ولا أصحّ أداء للغناء، كان ما يغنّيه له أو لغيره. فسرّ بذلك الفضل وأعجبه. وما زال أبوك يشكره لي.
صوت من المائة المختارة
أهاجتك الظعائن يوم بانوا ... بذي الزّيّ الجميل من الأثاث
ظعائن أسلكت نقب المنقّى [3] ... تحثّ إذا ونت أيّ احتثاث
الشعر للنّميري. والغناء للغريض، ولحنه المختار ثقيل أوّل بإطلاق الوتر في مجرى البنصر.
__________
[1] الجرمقاني: واحد الجرامقة، وهم قوم من العجم صاروا بالموصل في أوائل الإسلام.
[2] في أ، ء، م: «لأبيك يحيى».
[3] في «معجم البلدان» لياقوت (مادة نقب): « ... ونقب المنقى بين مكة والطائف في شعر محمد بن عبد اللّه النميري ... » وذكر الأبيات. وفي كلامه على المنقى: «و المنقى بين أحد والمدينة». وفي «معجم ما استعجم»: «المنقى بضم أوله وفتح ثانيه وتشديد القاف موضع على سيف البحر مما يلي المدينة». وذكر المبرد أبيات النميري في «الكامل» (ج 1 ص 376) ثم قال: «المنقى:
موضع بعينه. والنقب: الطريق في الجبل ... إلخ».
16 - أخبار النّميريّ ونسبه
نسبه ومنشؤه:
هو محمد بن عبد اللّه بن نمير بن خرشة [1] بن ربيعة بن حبيّب [2] بن الحارث بن مالك بن حطيط بن جشم بن قسيّ؛ وقسيّ هو ثقيف. شاعر غزل، مولّد؛ ومنشؤه بالطائف، من شعراء الدولة الأموية، وكان يهوى زينب بنت يوسف بن الحكم أخت الحجاج بن يوسف، وله فيها/ أشعار كثيرة يتشبّب بها.
كان يهوى زينب أخت الحجاج بن يوسف، وسياق أحاديثه مع الحجاج بشأنها:
حدّثني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدّثنا أحمد بن الهيثم قال حدّثنا العمريّ عن لقيط بن بكر [3] المحاربيّ، وأخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن عمّار وأحمد بن عبد العزيز الجوهريّ وحبيب بن نصر المهلّبيّ قالوا حدّثنا عمر بن شبّة:
أن النميريّ كان يهوى زينب بنت يوسف أخت الحجّاج بن يوسف بن الحكم لأبيه وأمه. وأمهما الفارعة بنت همّام بن عروة بن مسعود الثّقفيّ؛ وكانت عند/ المغيرة بن شعبة؛ فرآها يوما بكرة وهي تتخلّل، فقال لها: واللّه لئن كان من غداء لقد جشعت [4]، ولئن كان من عشاء لقد أنتنت، وطلقها [5]. فقالت: أبعدك اللّه! فبئس بعل المرأة الحرة أنت! واللّه ما هو إلا من شظيّة من سواكي استمسكت بين سنّين من أسناني. قال حبيب بن نصر خاصّة في خبره: قال عمر بن شبّة حدّثنا بذلك أبو عاصم النّبيل.
أخبرني حبيب بن نصر قال حدّثنا عمر بن شبة عن يعقوب بن داود الثقفيّ، وحدّثنا به ابن عمّار والجوهريّ
__________
[1] كذا في أ، ء، م، و«الاستيعاب» (ح 1 ص 312) و«الطبري» (ق 1 ص 1689)، و«الاشتقاق» لابن دريد (ص 184). وفي سائر الأصول: «حرشة» بالحاء المهملة، وهو تصحيف.
[2] في جميع الأصول: « ... ابن ربيعة بن الحارث بن حبيب بن مالك ... إلخ». والظاهر أنه محرف عما أثبتناه. فقد ذكر ابن قتيبة في كتابه «المعارف» عند الكلام على ثقيف (ص 44) أن ثقيفا ولد جشم وولد جشم حطيطا وولد حطيط مالكا وغاضرة، ومن بني مالك السائب بن الأقرع وبنو الحارث بن مالك. وذكر الذهبي في «المشتبه» عند كلام على حبيب (ص 146 - 147) قال: « ... وحبيب (بضم الحاء وفتح الموحدة وتشديد المثناة وكسرها) ابن الحارث بن مالك الثقفي ... إلخ». وقال صاحب «شرح القاموس» (مادة حبب): « ... وحبيب بن الحارث الثقفي». ولم نجد مرجعا اتفق مع الأصول فيما ذهبت إليه من سوق النسب على نحو ما أوردته وجعل الحارث ابنا لحبيب.
[3] كذا في أ، ء، م. وفي سائر الأصول: «بكير» وهو تحريف. (راجع الهامشة رقم 1 ص 99 من الجزء الأوّل من هذه الطبعة).
[4] في أكثر الأصول: «أجشعت». وفي ح: «أبشعت». والمعروف في هذين الفعلين أنهما من باب فرح. وقد وردت هذه القصة في «العقد الفريد» (ح 3 ص 6) وفي «وفيات الأعيان» في ترجمة الحجاج باختلاف في ألفاظها.
[5] في ح: «و لفظها وطلقها».
عن عمر بن شبّة - ولم يذكرا [1] فيه يعقوب بن داود - قالوا جميعا:
قال مسلم بن جندب الهذليّ - وكان قاضي الجماعة بالمدينة - : إني لمع محمد بن عبد اللّه بن نمير بنعمان [2] وغلام يسير خلفه يشتمه أقبح الشتيمة؛ فقلت: من هذا؟ فقال: هذا الحجاج بن يوسف، دعه [3] فإني ذكرت أخته في شعري، فأحفظه ذلك.
قال عمر بن شبة في خبره: وولدت الفارعة أمّ الحجّاج من المغيرة بن شعبة بنتا فماتت؛ فنازع الحجاج عروة بن المغيرة إلى ابن زياد في ميراثها؛ فأغلظ الحجاج لعروة، فأمر به ابن زياد فضرب أسواطا على رأسه وقال:
لأبي عبد اللّه تقول هذه المقالة! / وكان الحجاج حاقدا على آل زياد ينفيهم من آل أبي سفيان ويقول: آل أبي سفيان ستة حمش [4]، وآل زياد رسح حدل [5].
وكان يوسف بن الحكم اعتلّ علّة فطالت عليه؛ فنذرت زينب إن عوفي أن تمشي إلى البيت [6]، فعوفي فخرجت في نسوة فقطعن بطن وجّ [7]، وهو ثلاثمائة ذراع، في يوم جعلته مرحلة لثقل بدنها، ولم تقطع ما بين مكة والطائف إلا في شهر. فبينا هي تسير [إذ] [8] لقيها إبراهيم بن عبد اللّه النّميريّ أخو محمد بن عبد اللّه منصرفا من العمرة. فلما قدم الطائف أتى محمدا [9] يسلّم عليه؛ فقال له: ألك علم بزينب؟ قال: نعم، لقيتها بالهماء [10] في بطن نعمان؛ فقال: ما أحسبك إلا وقد قلت شيئا؛ قال: نعم، قلت بيتا واحدا وتناسيته كراهة أن ينشب بيننا وبين إخوتنا شرّ. فقال محمد هذه القصيدة وهي أول ما قاله:
صوت
تضوّع [11] مسكا بطن نعمان إذ [12] مشت ... به زينب في نسوة عطرات
فأصبح ما بين الهماء فحزوة [13] ... إلى الماء ماء الجزع ذي العشرات [14]
__________
[1] كذا في أ، ء، م. وفي سائر الأصول: « ... يذكروا ... إلخ» وهو تحريف.
[2] نعمان (بفتح أوله وسكون ثانيه): هو نعمان الأراك؛ واد بينه وبين مكة نصف ليلة.
[3] في ب، س، ح: «قلت دعه» ولا تستقيم العبارة بهذه الزيادة.
[4] سته: عظام الأستاه. وحمش: دقاق السوق.
[5] رسح: جمع أرسح، وهو قليل لحم العجز والفخذين. والحدل: جمع أحدل، وهو الذي أشرف أحد عاتقيه على الآخر.
[6] المراد به الكعبة.
[7] وج: اسم واد بالطائف وهو ما بين جبلي المحترق والأحيحين (بالتصغير).
[8] زيادة عن ح.
[9] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «محمد» بالرفع.
[10] الهماء: موضع بنعمان بين الطائف ومكة.
[11] وردت هذه القصيدة كاملة وباختلاف كثير ضمن قصائد مخطوطة محفوظة بدار الكتب المصرية تحت رقم (1845 أدب).
[12] كذا في ب، س. وفي سائر الأصول و «تجريد الأغاني» و «الكامل» (ص 289): «أن».
[13] كذا في جميع الأصول. وفي «تجريد الأغاني»: «و جذوة» ولم نعثر في المراجع التي بين أيدينا على مكان تسمى بأحد هذين الاسمين. وقد أورد ياقوت في كلامه على الهماء هذا البيت برواية أخرى وهي:
فأصبح ما بين الهماء فصاعدا ... إلى الجزع جزع الماء ذي العشرات
(في «المعجم»: «فأصبحن»). ورواية هذا البيت في المجموعة المخطوطة:
فأصبح بطنان الهواء فجوزه ... إلى الجزع جزع الماء ذي العشرات
[14] العشرات: جمع عشر (بضم ففتح). وهو من كبار الشجر وله صمغ حلو، وهو عريض الورق ينبت صعدا في السماء، وله سكر
/
له أرج من مجمر الهند ساطع [1] ... تطلّع ريّاه من الكفرات [2]
تهادين ما بين المحصّب [3] من منى ... وأقبلن لا شعثا ولا غبرات [4]
أعان الذي فوق السموات عرشه ... مواشي بالبطحاء مؤتجرات [5]
مررن بفخّ [6] ثم رحن عشية ... يلبّين للرحمن معتمرات
/ يخبّئن [7] أطراف البنان من التقى ... ويقتلن بالألحاظ مقتدرات
تقسّمن لبّي يوم نعمان إنني ... رأيت فؤادي عارم [8] النظرات
جلون وجوها لم تلحها سمائم ... حرور ولم يسفعن بالسّبرات [9]
فقلت يعافير الظباء تناولت ... نياع [10] غصون المرد [11] مهتصرات
ولما رأت ركب النّميري راعها ... وكنّ من ان يلقينه حذرات
/ فأدنين، حتى جاوز الركب، دونها ... حجابا من القسّيّ [12] والحبرات
فكدت اشتياقا نحوها وصبابة ... تقطّع نفسي إثرها حسرات
فراجعت نفسي والحفيظة بعد ما ... بللت رداء العصب [13] بالعبرات
__________
يخرج من شعبه ومواضع زهره يقال له سكر العشر، وفي سكره شيء من مرارة.
[1] في المجموعة المخطوطة:
له أرج بالعنبر الورد فاغم
[2] الكفرات: جمع كفر (بفتح الكاف وكسر الفاء) وهو العظيم من الجبال.
[3] المحصب: موضع بين مكة ومنى، وهو إلى منى أقرب.
[4] في المجموعة المخطوطة:
«تهادين ما بين المحصب من منى ... ونعمان ... إلخ»
[5] مؤتجرات: طالبات للأجر. وفي «تجريد الأغاني»: «معتجرات» أي لا بسات المعاجر وهي أثواب تلفها النساء على استدارة رؤوسهن ثم تجلببن فوقها بجلابيبهن. ورواية هذا البيت في المجموعة المخطوطة:
خرجن إلى البيت العتيق بعمرة ... نواحب في نذر ومؤتجرات
[6] فخ: موضع بينه وبين مكة ثلاثة أميال وبه كانت وقعة الحسين وعقبة.
[7] في المجموعة المخطوطة: «يخمرن». ويقال: ليست امرأة من الطائف تخرج إلا وعلى يديها قفازان للتقى.
[8] أي شارد النظرات حائرها.
[9] لاحته الشمس ولوحته: لفحته وغيرت وجهه. والسمائم: جمع سموم وهي ريح حارة أو حر النهار. وسفعته: غيرته. والسبرات:
جمع سبرة (بسكون الباء) وهي شدة برد الشتاء.
[10] في جميع الأصول: «يناع». والظاهر أنها مصحفة عما أثبتناه. والنياع من الغصون: التي تحركها الرياح فتتحرك وتتمايل. يريد أن أعناقهن في امتدادها كأعناق الظباء.
[11] كذا في أ، ء، م و «تجريد الأغاني» والمجموعة المخطوطة. والمرد (بالفتح): العص من ثمر الأراك وقيل ناضجه. وفي جميع الأصول: «الورد».
[12] القسي: ضرب من الثياب، وهو منسوب إلى قس، موضع بين العريش والفرما من أرض مصر كانت تصنع فيه ثياب من كتان مخلوط بحرير. والحبرات: جمع حبرة (كعنبة)، وهي ضرب من برود اليمن موشى. وروى هذا البيت في المجموعة المخطوطة:
وقام جوار دونها فسترتها ... بأكسية الديباج والحبرات
[13] العصب: ضرب من البرود، وقيل: هي برود يصبغ غزلها ثم تنسج، لانثنى ولا تجمع وإنما يثنى ويجمع ما يضاف إليها، فيقال برد عصب وبرود عصب.
- غنّى ابن سريج في الأوّل وبعده «مررن بفخ» وبعده «يخمرن أطراف البنان»، ولحنه ثاني ثقيل بالخنصر في مجرى البنصر عن إسحاق - قال أبو زيد: فبلغت هذه القصيدة عبد الملك بن مروان، فكتب إلى الحجّاج: قد بلغني قول الخبيث في زينب، فاله عنه وأعرض عن ذكره، فإنك إن أدنيته أو عاتبته أطمعته، وإن عاقبته صدّقته.
أخبرني حبيب بن نصر المهلّبي قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثنا أبو سلمة الغفاريّ قال:
هرب النّميريّ من الحجّاج إلى عبد الملك واستجار به؛ فقال له عبد الملك: أنشدني ما قلت في زينب فأنشده. فلما انتهى إلى قوله:
ولما رأت ركب النميريّ أعرضت ... وكنّ من ان يلقينه حذرات
قال له عبد الملك: وما كان ركبك يا نميريّ؟ قال: أربعة أحمرة لي كنت أجلب قال له عبد الملك: وما كان ركبك يا نميريّ؟ قال: أربعة أحمرة لي كنت أجلب عليها القطران، وثلاثة أحمرة صحبتي تحمل البعر. فضحك عبد الملك حتى استغرب ضحكا، ثم قال: لقد عظّمت أمرك وأمر ركبك؛ وكتب له إلى الحجاج أن لا سبيل/ له عليه. فلما أتاه بالكتاب وضعه ولم يقرأه، ثم أقبل على يزيد بن أبي مسلم فقال له: أنا بريء من بيعة أمير المؤمنين، لئن لم ينشدني ما قال في زينب لآتينّ على نفسه، ولئن أنشدني لأعفونّ عنه، وهو إذا أنشدني آمن.
فقال له يزيد: ويلك! أنشده؛ فأنشده قوله:
تضوّع مسكا بطن نعمان إذ مشت ... به زينب في نسوة خفرات
فقال: كذبت واللّه، ما كانت تتعطّر إذا خرجت من منزلها. ثم أنشده حتى بلغ إلى قوله:
ولما رأت ركب النّميريّ راعها ... وكنّ من أن يلقينه حذرات
قال له: حقّ لها أن ترتاع لأنها من نسوة خفرات صالحات. ثم أنشده حتى بلغ إلى قوله:
مررن بفخّ رائحات عشية ... يلّبين للرحمن معتمرات
فقال: صدقت، لقد كانت حجّاجة صوّامة ما علمتها. ثم أنشده حتى بلغ إلى قوله:
يفّرن أطراف البنان من التقى ... ويخرجن جنح الليل معتجرات [1]
فقال له: صدفت، هكذا كانت تفعل، وهكذا المرأة الحرة المسلمة. ثم قال له: ويحك! إني أرى ارتباعك ارتياع مريب، وقولك قول بريء، وقد أمّنتك، ولم يعرض له. قال أبو زيد [2]: وقيل:/ إنه طالب عريفه به وأقسم لئن لم يجئه به ليضربنّ عنقه، فجاءه به بعد هرب طويل منه؛ فخاطبه بهذه المخاطبة:
من شعره في زينب:
قال أبو زيد: وقال النّميريّ في زينب أيضا:
__________
[1] تقدم هذا الشطر بغير هذه الرواية.
[2] هو أبو زيد عمر بن شبة النميري البصري، كان شاعرا إخباريا فقيها صادق اللهجة غير مدخول الرواية واسع الإطلاع. روى عن أبي عاصم النبيل ومحمد بن سلام الجمحي وهارون بن عبد اللّه وإبراهيم بن المنذر وغيرهم. وله عدّة تصانيف ذكرها ابن النديم في «الفهرست»، ومنها كتاب «أخبار بني نمير». ولد سنة 173 ه وتوفي بسر من رأى سنة 263 ه.
صوت
طربت وشاقتك المنازل من جفن [1] ... ألا ربما يعتادك الشوق بالحزن
نظرت إلى أظعان زينب باللّوى ... فأعولتها [2] لو كان إعوالها يغني
فو اللّه لا أنساك زينب ما دعت ... مطوّقة ورقاء شجوا على غصن
فإنّ احتمال الحيّ يوم تحمّلوا ... عناك وهل يعنيك إلا الذي يعني
ومرسلة في السرّ أن قد فضحتني ... وصرّحت باسمي في النّسيب فما تكنى
وأشمتّ بي أهلي وجلّ عشيرتي ... ليهنئك ما تهواه إن كان ذا يهنى
وقد لا مني فيها ابن عمّي ناصحا ... فقلت له خذلي فؤادي أو دعني
- غنّى ابن سريج في الأوّل والثاني والخامس والسادس من هذه الأبيات لحنا من الرمل بالخنصر في مجرى البنصر عن إسحاق - قال أبو زيد: فيقال: إنه بلغ زينب بنت يوسف قوله هذا فبكت؛ فقالت لها خادمتها؛ ما يبكيك؟ فقالت: أخشى أن يسمع بقوله هذا جاهل بي لا يعرفني ولا يعلم مذهبي فيراه حقّا.
قال: وقال النميريّ فيها أيضا:
أهاجتك الظعائن يوم بانوا ... بذي الزّيّ الجميل من الأثاث
ظعائن أسلكت نقب المنقّى ... تحثّ إذا ونت أيّ احتثاث
تؤمّل أن تلاقي أهل بصرى ... فيا لك من لقاء مستراث [3]
/كأنّ على الحدائج يوم بانوا ... نعاجا [4] ترتعي بقل البراث [5]
يهيّجني الحمام إذا تداعى [6] ... كما سجع النوائح بالمرائي
كأن عيونهنّ من التبكّي ... فصوص الجزع أو ينع الكباث [7]
ألاق أنت في الحجج البواقي ... كما لاقيت في الحجج الثلاث
طلب أبو الحجاج إلى عبد الملك ألا يجعل للحجاج عليه سبيلا فلقيه الحجاج ولم يعرض له:
أخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد بن إسحاق قال قرأت على أبي حدّثنا عثمان بن حفص وغيره:
أنّ يوسف بن الحكم قام إلى عبد الملك بن مروان لمّا بعث بالحجّاج لحرب بن الزبير، وقال له:
__________
[1] جفن: اسم واد بالطائف لثقيف، وهو بين الطائف وبين معدن البرام.
[2] أعول الرجل: رفع صوته بالبكاء.
[3] كذا ورد هذا الشطر الأخير في أ، ء، م و «تجريد الأغاني». ومستراث: مستبطأ. وفي سائر الأصول:
فيا لك مستزار مستراث
[4] الحدائج: جمع حديجة. والحديجة (و مثلها الحدج بالكسر): من مراكب النساء نحو الهودج والمحفة. والنعاج: البقر الوحشي.
[5] البراث: الأماكن السهلة من الرمل، واحدها برث (بالفتح).
[6] في «الكامل» (ص 377): «تغنى».
[7] الجزع (بالفتح): الخرز اليماني الذي فيه سواد وبياض، تشبه به الأعين. وينع: جمع يانع. والكباث (بالفتح): النضيج من ثمر الأراك أو غير النضيج منه، وقيل: حمله إذا كان متفرقا، وهو فويق حب الكسبرة في المقدار.
يا أمير المؤمنين، إنّ غلاما منّا قال في ابنتي زينب ما لا يزال الرجل يقول مثله في بنت عمّه، وإن هذا (يعني ابنه الحجّاج) لم يزل يتتوّق إليه ويهمّ به، وأنت الآن تبعثه إلى ما هناك، وما آمنه عليه. فدعا بالحجّاج فقال له: إن محمدا النّميريّ جاري ولا سلطان لك عليه، فلا تعرض له.
قال إسحاق فحدّثني يعقوب بن داود الثّقفي قال: قال لي مسلم بن جندب الهذليّ:
كنت مع النّميريّ وقد قتل الحجاج عبد اللّه بن الزبير وجلس يدعو الناس للبيعة، فتأخّر النميريّ حتى كان في آخرهم، فدعا به ثم قال له: إنّ مكانك لم يخف عليّ، ادن فبايع. ثم قال له: أنشدني ما قلت في زينب؛ قال: ما قلت إلا خيرا؛ قال: لتنشدنّي. فأنشده قوله:
/تضوّع مسكا بطن نعمان إذ مشت ... به زينب في نسوة عطرات
/ أعان الذي فوق السموات عرشه ... مواشي بالبطحاء مؤتجرات
يخمّرن أطراف الأكفّ من التّقى ... ويخرجن جنح الليل معتجرات
فما ذكرت أيها الأمير إلا كرما وخيرا وطيبا. قال: فأنشد كلمتك كلّها فأنت آمن؛ فأنشده حتى بلغ إلى قوله:
ولمّا رأت ركب النّميريّ راعها ... وكنّ من أن يلقينه حذرات
فقال له: وما كان ركبك؟ قال: واللّه ما كان إلا أربعة أحمرة تحمل القطران. فضحك الحجّاج وأمره بالانصراف ولم يعرض له.
تهدده الحجاج فهرب وقال شعرا:
أخبرني عمّي قال حدّثنا الكرانيّ عن الخليل بن أسد عن العمريّ عن عطاء عن عاصم بن الحدثان قال:
كان ابن نمير الثّقفيّ يشبّب بزينب بنت يوسف بن الحكم؛ فكان الحجّاج يتهدّده ويقول: لو لا أن يقول قائل صدق لقطعت لسانه. فهرب إلى اليمن ثم ركب بحر [1] عدن، وقال في هربه:
أتتني عن الحجّاج والبحر بيننا ... عقارب تسري والعيون هواجع
فضقت بها ذرعا وأجهشت خيفة ... ولم آمن الحجّاج والأمر فاظع
وحلّ بي الخطب الذي جاءني به ... سميع فليست تستقرّ الأضالع
فبتّ أدير الأمر والرأي ليلتي ... وقد أخضلت خدّي الدموع التوابع [2]
ولم أر خيرا لي من الصبر إنه ... أعفّ وخير إذ عرتني الفواجع
/ وما أمنت نفسي الذي خفت شرّه ... ولا طاب لي مما خشيت المضاجع
إلى أن بدا لي رأس إسبيل [3] طالعا ... وإسبيل حصن لم تنله الأصابع
__________
[1] هو بحر القلزم، ويسمى في كل موضع يمرّ به باسم ذلك الموضع، فإذا قابله بطن اليمن يسمى بحر عدن إلى أن يجاوز عدن ثم يسمى بحر الزنج، وهو بحر مظلم أسود لا يرى مما فيه شيء. وبقرب عدن معدن اللؤلؤ يرفع ما يخرج منه إلى عدن.
[2] في «معجم البلدان» (ج 1 ص 240 طبع أوروبا): «الدوافع».
[3] كذا في أ، ء، م و «تجريد الأغاني» و «معجم البلدان». وإسبيل: جبل في مخلاف ذمار، وهو منقسم بنصفين نصف إلى مخلاف رداع
فلي عن ثقيف إن هممت بنجوة ... مهامه تهوي [1] بينهنّ الهجارع [2]
وفي الأرض ذات العرض عنك ابن يوسف ... إذا شئت منأى لا أبا لك واسع
فإن نلتني حجّاج فاشتف جاهدا ... فإنّ الذي لا يحفظ اللّه ضائع
فطلبه الحجّاج فلم يقدر عليه. وطال على النّميريّ مقامه هاربا واشتاق إلى وطنه، فجاء حتى وقف على رأس الحجّاج؛ فقال له: إيه يا نميريّ! أنت القائل:
فإن نلتني حجّاج فاشتف جاهدا
فقال: بل أنا الذي أقول:
أخاف من الحجّاج ما لست خائفا ... من الأسد العرباض [3] لم يثنه ذعر
أخاف يديه أن تنالا مقاتلي ... بأبيض عضب ليس من دونه ستر
وأنما الذي أقول:
فهأنذا طوّفت شرقا ومغربا ... وأبت وقد دوّخت [4] كلّ مكان
/ فلو كانت العنقاء منك تطير بي ... لخلتك إلا أن تصدّ تراني [5]
قال: فتبسّم الحجاج وأمّنه، وقال له: لا تعاود ما تعلم؛ وخلّى سبيله.
زواج زينب أخت الحجاج وتولية كريّها شرطة البصرة:
رجع الخبر إلى رواية حماد بن إسحاق.
قال حمّاد فحدّثني أبي قال ذكر المدائنيّ وغيره:
أنّ الحجّاج عرض على زينب أن يزّوجها/ محمد بن القاسم بن محمد بن الحكم بن أبي عقيل - وهو ابن سبع عشرة سنة، وهو يومئذ أشرف ثقفيّ في زمانه - أو الحكم ابن أيوب بن الحكم بن أبي عقيل، وهو شيخ كبير، فاختارت الحكم، فزوّجها إياه، فأخرجها إلى الشام. وكان محمد بن رياط كريّها، وهو يومئذ يكري. فلما ولي
__________
ونصف إلى مخلاف عنس. وبين إسبيل وذمار أكمة سوداء، بها جمة (بئر) تسمى «حمام سليمان» والناس يستشفون به من الأوصاب والجرب وغير ذلك. وفي سائر الأصول: «إسبيك» بالكاف، وهو تحريف.
[1] في أ، ء، م و «معجم البلدان»: «تعمى». والعمى هنا كناية عن الضلال.
[2] الهجارع: جمع هجرع (كدرهم وجعفر) وهو الخفيف من الكلاب السلوقية.
[3] العرباض: الأسد الثقيل العظيم.
[4] دوّخ فلان البلاد: سار فيها حتى عرفها ولم تخف عليه طرقها.
[5] هذان البيتان رواهما المبرد في «الكامل» ببعض تغيير وهما:
هاك يدي ضاقت بي الأرض رحبها ... وإن كنت قد طوّفت كل مكان
ولو كنت بالعنقاء أو بيسومها ... لخلتك إلا أن تصدّ تراني
وقد نسبهما المؤلف أيضا للعديل بن الفرخ في ترجمته (ج 20 ص 18 طبع بولاق). وذكر أن الحجاج جدّ في طلبه حتى ضاقت به الأرض، فأتى واسطا وتنكر وأخذ بيده رقعة ودخل إليه مع أصحاب المظالم، فلما وقف بين يديه أنشأ يقول:
هأنذا ضاقت بي الأرض كلها ... إليك وقد جولت كل مكان
فلو كنت في ثهلان أو شعبتي أجا ... لخلتك إلا أن تصدّ تراني
الحجاج العراق استعمل الحكم بن أيوب على البصرة، فكلمته زينب في محمد بن رياط فولّاه شرطته بالبصرة.
فكتب إليه الحجاج: إنك ولّيت أعرابيّا جافيا شرطتك، وقد أجزنا ذلك لكلام من سألك فيه. قال: ثم أنكر الحكم بعض تعجرفه فعزله. ثم استعمل الحجّاج الحكم بن سعد العذريّ على البصرة وعزل الحكم بن أيّوب عنها واستقدمه لبعض الأمر، ثم ردّه بعد ذلك إلى البصرة، وجهّزه من ماله. فلمّا قدم البصرة هيّأت له زينب طعاما وخرجت متنزّهة إلى بعض البساتين ومعها نسوة./ فقيل لها: إنّ فيهن امرأة لم ير أحسن ساقا منها. فقالت لها زينب: أريني ساقك؛ فقالت: لا، إلا بخلوة؛ فقالت: ذاك لك، فكشفته لها، فأعطتها ثلاثين دينارا وقالت: اتّخذي منها خلخالا. قال: وكان الحجاج وجّه بزينب مع حرمه إلى الشام لمّا خرج ابن الأشعث خوفا عليهنّ. فلما قتل ابن الأشعث كتب إلى عبد الملك بن مروان بالفتح، وكتب مع الرسول كتابا إلى زينب يخبرها الخبر، فأعطاها الكتاب، وهي راكبة على بغلة في هودج، فنشرته تقرؤه، وسمعت البغلة قعقعة الكتاب فنفرت، وسقطت زينب عنها فاندقّ عضداها وتهرّأ [1] جوفها فماتت. وعاد إليه الرسول، الذي نفذ بالفتح، بوفاة زينب. فقال النميريّ يرثيها:
ماتت زينب فرثاها:
صوت
لزينب طيف تعتريني طوارقه ... هدوءا إذا [2] النجم ارجحنّت [3] لواحقه
سيبكيك مرنان [4] العشيّ يجيبه [5] ... لطيف بنان الكفّ درم [6] مرافقه
إذا ما بساط اللهو مدّ وألقيت [7] ... للذّاته أنماطه ونمارقه [8]
غنّاه معبد، ولحنه ثقيل أول بالخنصر في مجرى البنصر عن إسحاق. وما بقي من شعره [9] من الأغاني في نسيب النميريّ لم نذكر طريقته وصانعه لنذكر أخباره معه.
صوت
غنى ابن سريج من شعره لعبد اللّه بن جعفر فنحر راحلته وشق جلته:
تضوّع مسكا بطن نعمان أن مشت ... به زينب في نسوة خفرات
مررن بفخّ رائحات عشية ... يلبيّن للرحمن معتمرات
__________
[1] كذا في أكثر الأصول. وتهرأ اللحم (بالهمز): طبخ حتى يتفسخ ويسقط عن العظم. وفي ب، س: «تهرى». ولم يحكها من أهل اللغة غير ابن دريد عن أبي مالك.
[2] في ب، س: «إذ».
[3] ارجحن النجم: مال نحو المغرب.
[4] مرنان العشيّ: كنى به عن الصنج ذي الأوتار وهو من آلات الطرب. والرنين: الصوت الشجى.
[5] كذا في «تجريد الأغاني». وفي جميع الأصول: «نجيبه».
[6] درم: جمع أدرم وهو من لا حجم لعظامه.
[7] في «الكامل»: «و قربت».
[8] نسب المبرد في «الكامل» (ص 708 طبع أوروبا) هذا البيت لنصيب.
[9] ظاهر أن السياق يكون واضحا لو حذفت كلمة «من شعره» أو كلمة «في نسيب النميري». فلعل إحداهما من زيادات النساخ.
الغناء لابن سريج ثاني ثقيل بالخنصر في مجرى البنصر عن إسحاق.
أخبرني الحسين بن يحيى ومحمد بن مزيد قالا حدّثنا حماد بن إسحاق عن أبيه عن المدائني [1] عن عبد اللّه بن مسلم الفهريّ [2] قال:
خرج عبد اللّه بن جعفر متنزّها، فصادف ابن سريج وعزّة الميلاء متنزّهين، فأناخ ابن جعفر راحلته وقال لعزّة:
غنّيني فغنّته، ثم قال لابن سريج: غنّني يا أبا يحيى، فغنّاه لحنه في شعر النميريّ:
تضوّع مسكا بطن نعمان أن مشت
فأمر براحلته فنحرت،/ وشقّ حلّته فألقى نصفها على عزّة والنصف الآخر على ابن سريج. فباع ابن سريج النصف الذي صار إليه بمائة وخمسين دينارا. وكانت عزّة إذا جلست في يوم زينة أو مباهاة ألقت النصف الآخر عليها تتجمّل به.
سمع سعيد بن المسيب شعرا له فأعجبه وزاد عليه:
أخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدّثني عبد اللّه بن أبي سعد قال حدّثني الحسن بن عليّ بن منصور قال أخبرني أبو عتّاب عن إبراهيم بن محمد بن العباس المطّلبي:
/ أن سعيد بن المسيّب [3] مرّ في بعض أزقّة مكة، فسمع الأخضر الحربيّ [4] يتغنّي في دار العاص بن وائل:
تضوّع مسكا بطن نعمان إذ مشت ... به زينب في نسوة خفرات
فضرب برجله وقال: هذا واللّه مما يلذّ استماعه، ثم قال:
وليست كأخرى أوسعت جيب درعها ... وأبدت بنان الكفّ للجمرات [5]
وعلّت [6] بنان [7] المسك وحفا [8] مرجّلا ... على مثل بدر لاح في الظلمات
وقامت تراءى يوم جمع [9] فأفتنت ... برؤيتها من راح من عرفات
__________
[1] هو أبو الحسن علي بن محمد بن عبد اللّه بن أبي سيف المدائني مولى شمس بن عبد مناف. كان من رواة الأخبار المشهورين. ولد سنة 135 ه وتوفي سنة 225 ه في منزل إسحاق بن إبراهيم الموصلي، وكان منقطعا إليه. وله من الكتب عدّة تصانيف ذكرها ابن النديم في «الفهرست».
[2] هو أبو محمد عبد اللّه بن وهب بن مسلم القرشي الفهري، أحد الأعلام المعروفين، ولد سنة 125 ه وتوفي سنة 197 ه. وكان ممن جمع وصنف، وله تصانيف كثيرة، وهو الذي حفظ علم أهل الحجاز ومصر. وروى عنه كثيرون، والمدائني المذكور أحد من رووا عنه.
[3] المسيب: هو ابن حزن بن أبي وهب المخزومي، وأهل العراق يفتحون وأهل المدينة يكسرون. ويحكي عن سعيد ابنه أنه كان يقول:
سيب اللّه من سيب أبي. وحكى (الكسر) عياض وابن المديني.
[4] كذا في جميع الأصول هنا. وقد ذكر فيما مر من الأجزاء السابقة باسم «الجدي».
[5] في ح: «بالجمرات».
[6] كذا في جميع الأصول. ولعله يريد: كررت وضع الطيب في رأسها. ويحتمل أن تكون مصحفة عن: «غلت» (بالغين المعجمة):
وغل شعره بالطيب: أدخله فيه، وغل الدهن في رأسه: أدخله في أصول الشعر.
[7] كذا في جميع الأصول. ولعلها محرفة عن «فتات».
[8] الوحف: الشعر الغزير الأسود.
[9] جمع: علم للمزدلفة، سميت به لاجتماع الناس بها.
قال: فكانوا يرون أن هذا الشعر لسعيد بن المسيّب.
مر على عائشة بنت طلحة فاستنشدته شعره في زينب:
أخبرني عمّي قال حدّثني الكرانيّ قال حدّثني عبد الرحمن بن عبد اللّه أخي الأصمعيّ عن عبد اللّه بن عمران الهرويّ، وأخبرني محمد بن يحيى الصّوليّ قال حدّثني المغيرة بن محمد المهلّبيّ قال حدّثني محمد بن عبد الوهاب عن عبد الرحمن بن عبد اللّه عن عبد اللّه بن عمران الهرويّ قال:
لمّا تأيّمت عائشة [1] بنت طلحة كانت تقيم بمكة سنة وبالمدينة سنة، وتخرج إلى مال لها عظيم بالطائف وقصر كان لها هناك فتتنزّه فيه، وتجلس بالعشيّات، فيتناضل/ بين يديها الرّماة. فمرّ بها النّميريّ الشاعر؛ فسألت عنه فنسب لها، فقالت: ائتوني به، فأتوها به. فقالت له: أنشدني مما قلت في زينب؛ فامتنع عليها وقل: تلك ابنة عمّي وقد صارت عظاما بالية. قالت: أقسمت عليك باللّه إلا فعلت؛ فأنشدها قوله:
تضوّع مسكا بطن نعمان أن مشت
الأبيات. فقالت: واللّه ما قلت إلا جميلا، ولا ذكرت إلا كرما وطيبا، ولا وصفت إلا دينا وتقى، أعطوه ألف درهم. فلما كانت الجمعة الأخرى تعرّض لها؛ فقالت: عليّ به، فأحضر. فقالت له: أنشدني من شعرك في زينب؛ فقال لها: أو أنشدك من شعر الحارث بن خالد [2] فيك؟ فوثب مواليها إليه؛ فقالت: دعوه فإنه أراد أن يستقيد [3] لبنت عمّه، هات مما قال الحارث فيّ؛ فأنشدها:
ظعن الأمير بأحسن الخلق ... وغدوا بلبّك مطلع الشّرق
فقالت: واللّه ما ذكر إلا جميلا، ذكر أني إذا صبّحت زوجا بوجهي غدا بكواكب الطّلق [4]، وأني غدوت مع أمير تزوّجني إلى الشرق، وأني أحسن الخلق في البيت ذي الحسب الرفيع؛ أعطوه ألف درهم واكسوه حلّتين، ولا تعد لإتياننا بعد هذا يا نميريّ.
غنى إبراهيم الموصلي للرشيد من شعره وكان غاضبا عليه فرضي عنه:
أخبرني إسماعيل بن يونس الشّيعي [5] قال حدّثنا عمر بن شبّة عن إسحاق، وأخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه:
/ أنّ الرشيد غضب على إبراهيم أبيه بالرقّة فحبسه مدّة، ثم اصطبح يوما، فبينا هو على حاله إذ تذكّره،
__________
[1] تأيمت المرأة: مات عنها زوجها ولم تتزوّج. وقد كانت عائشة عند عبد اللّه بن عبد الرحمن بن أبي بكر، وكان أبا عذرتها (أول من تزوجها) ثم هلك فتزوجها بعده مصعب بن الزبير فقتل عنها، ثم تزوجها عمر بن عبد اللّه بن معمر فمات عنها. ولم تتزوج بعده.
[2] هو الحارث بن خالد بن العاص المخزومي، وقد مرت ترجمته في الجزء الثالث من هذه الطبعة (ص 311 - 343).
[3] أي يأخذ بثأرها.
[4] تشير إلى بيت قاله فيها الحارث من هذه القصيدة وهو:
ما صبحت أحدا برؤيتها ... إلا غدا بكواكب الطلق
أي أن من تصبحه برؤيتها يرى الزمان صافيا طيبا سعيدا تفاؤلا بطلعتها واستبشارا. يقال يوم طلق أي مشرق لا برد فيه ولا حر ولا شيء يؤذي.
[5] في جميع الأصول هنا: «الشعبي» وهو تحريف.
فقال: لو كان الموصليّ حاضرا لا نتظم أمرنا وتمّ سرورنا. قالوا: يا أمير المؤمنين،/ فجيء [1] به، فما له كبير ذنب. فبعث فجيء به. فلمّا دخل أطرق الرشيد فلم ينظر إليه، وأومأ إليه من حضر بأن يغنّي؛ فاندفع فغنّى:
تضوّع مسكا بطن نعمان أن مشت ... به زينب في نسوة خفرات
فما تمالك الرشيد أن حرّك رأسه مرارا واهتزّ طربا، ثم نظر إليه وقال: أحسنت واللّه يا إبراهيم! حلّوا قيوده وغطّوه بالخلع، ففعل ذلك. فقال: يا سيّدي، رضاك أوّلا؛ قال: لو لم أرض ما فعلت هذا، وأمر له بثلاثين ألف درهم.
ومما قاله النّميريّ في زينب وغنّى فيه:
صوت
تشتو بمكة نعمة ... ومصيفها بالطائف
أحبب بتلك مواقفا ... وبزينب من واقف
وعزيزة [2] لم يغدها [3] ... بؤس وجفوة حائف
غرّاء يحكيها الغزا ... ل بمقلة وسوالف
الغناء ليحيى المكّي خفيف رمل عن الهشاميّ، وذكر عمر بن بانة أنه لابن سريج وأنه بالبنصر. وزعم الهشاميّ أنّ فيه لابن المكيّ أيضا لحنا من الثقيل الأوّل.
ومن الغناء في أشعاره في زينب:
صوت
ألا من لقلب معنّى غزل ... يحبّ المحلّة أخت المحلّ
/ تراءت لنا يوم فرع الأرا ... ك بين العشاء وبين الأصل
كأنّ القرنفل والزّنجبيل ... وريح الخزامى وذوب العسل
يعلّ به برد أنيابها ... إذا ما صفا الكوكب المعتدل
الغناء لمعبد ثقيل أوّل بالسبّابة في مجرى البنصر عن إسحاق. وذكر يونس أن لمالك فيه لحنا فيه:
كأن القرنفل والزّنجبيل
والبيت الذي بعده وبيتين آخرين وهما:
وقالت لجارتها هل رأي ... ت إذ أعرض الركب فعل الرجل
وأنّ تبسّمه ضاحكا ... أجدّ اشتياقا لقلب غزل
__________
[1] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «فنجيء به» وانظر هذه القصة في (ج 5 ص 166 طبع دار الكتب المصرية).
[2] في ح: «و غريرة». والغريرة: الشابة الحديثة التي لم تجرب الأمور.
[3] في جميع الأصول: «لم يغدها» (بالدال المهملة). والظاهر أنه مصحف عما أثبتناه.
وذكر حمّاد عن أبيه أن فيها للهذليّ لحنا، ولم يذكر طريقته.
المحلّ الذي عناه النميريّ هاهنا: الحجّاج بن يوسف؛ سمّي بذلك لإحلاله الكعبة، وكان أهل الحجاز يسمّونه بذلك. ويسمّى أهل الشأم عبد اللّه بن الزبير المحلّ لأنه أحلّ الكعبة، زعموا أنه بمقامه فيها، وكان أصحابه أحرقوها بنار استضاءوا بها [1].
فأخبرني الحسين بن يحيى المرداسيّ قال قال حمّاد بن إسحاق: قرأت على أبي:
وبلغني [2] أنّ إسماعيل بن عليّ بن عبد اللّه بن عبّاس تزوّج أسماء بنت يعقوب (امرأة من ولد عبد اللّه بن الزبير) فزفّت إليه من المدينة وهو بفارس، فمرّت بالأهواز على السيد الحميري [3]؛ فسأل عنها فنسبت له؛ فقال فيها قوله:
مرّت تزفّ على بغلة ... وفوق رحالتها [4] قبّه
/ زبيريّة من بنات الذي ... أحلّ الحرام من الكعبه
تزفّ إلى ملك ماجد ... فلا اجتمعا [5] وبها الوجبه [6]
وقد قيل بأن الأبيات اللامية التي أولها:
ألا من لقلب معنّى غزل
لخالد بن يزيد بن معاوية في زوجته رملة بنت الزّبير، وقيل: إنها لأبي شجرة السّلميّ [7].
__________
[1] تقدمت في الجزء الثالث من هذه الطبعة (ص 277) كلمة وافية عن احتراق الكعبة في عهد ابن الزبير وبنائه لها.
[2] كذا في ب، س. وفي سائر الأصول: «و بلغك».
[3] ستأتي ترجمته في الجزء السابع من هذه الطبعة.
[4] الرحالة: مركب من مراكب النساء.
[5] في الأصول هنا: «فلا اجتمعوا». والتصويب عن «الأغاني» نفسه في ترجمة السيد الحميري.
[6] لعل الوجبة: مصدر للمرة من وجب القلب يجب وجيبا أي خفق واضطرب.
[7] في «الكامل» للمبرد: «أبو شجرة هو عمرو بن عبد العزي ... وقال الطبري: اسمه سليم بن عبد العزي» من بني سليم بن منصور بن عكرمة. وفي كتاب «الشعر والشعراء»: أنه عبد اللّه بن رواحة بن عبد العزي. وفي كتاب «الإصابة في تمييز الصحابة»:
عمرو بن عبد العزي وقال نقلا عن المرزباني: يقال اسمه عمرو، ويقال عبد اللّه بن عبد العزي وذكره الواقدي في كتاب «الردة» باسم: عمرو بن عبد العزي. وأمه الخنساء بنت عمرو بن الشريد الشاعرة المشهورة. وكان من فتاك العرب، ويسكن البادية. وهو الذي يقول في قتال خالد بن الوليد أهل الردة:
ولو سألت سلمى غداة مرامر ... كما كنت عنها سائلا لو نأيتها
وكان الطعان في لؤى بن غالب ... غداة الجواء حاجة فقضيتها
وكان أبو شجرة السلمي هذا ارتدّ فيمن ارتد من بني سليم ثم أسلم. وأتى عمر بن الخطاب (رضي اللّه عنه) يطلب إليه صدقة؛ فقال له عمر: ومن أنت؟ قال: أنا أبو شجرة السلمي. فقال له عمر: أي عدي (تصغير عدّو) نفسه! ألست القائل حين آرتددت:
ورويت رمحي من كتيبة خالد ... وإني لأرجو بعدها أن أعمرا
وعارضتها شهباء تخطر بالقنا ... ترى البيض في حافاتها والستورا
ثم انحنى عليه عمر بالدرة وهو يعدو أمامه حتى فاته هربا وهو يقول:
قد ضنّ عنا أبو حفص بنائله ... وكل مختبط يوما له ورق
(راجع «الكامل» ص 220 - 221 طبع أوروبا و «تاريخ الطبري» ص 1905 - 1908 من القسم الأول و «الشعر والشعراء» ص 197 و «الإصابة في تمييز الصحابة» لابن حجر ج 7 ص 97 طبع مصر).
استنشد رجل ابن سيرين فأنشده للنميري وقام إلى الصلاة:
حدّثني الحسين بن الطيّب البلخي الشاعر قال حدّثنا قتيبة بن سعيد قال حدّثنا أبو بكر بن شعيب بن الحبحاب المعوليّ [1] قال:
كنت عند ابن سيرين، فجاءه إنسان يسأله عن شيء من الشعر قبل صلاة العصر، فأنشده ابن سيرين [2]:
كأنّ المدامة والزنجبيل ... وريح الخزامى وذوب العسل
يعلّ به برد أنيابها ... إذا النجم وسط السماء اعتدل
وقال: اللّه أكبر، ودخل في الصلاة.
صوت من المائة المختارة
يا قلب ويحك لا يذهب بك الخرق [3] ... إنّ الألى كنت تهواهم قد انطلقوا
- ويروى: يذهب بك الحرق - :
ما بالهم لم يبالوا إذ هجرتهم ... وأنت من هجرهم قد كدت تحترق
الشعر لوضّاح اليمن. والغناء لصبّاح الخيّاط، ولحنه المختار ثقيل أوّل بالوسطى في مجراها. وفي أبيات من هذه القصيدة ألحان عدّة، فجماعة من المغنّين قد خلطوا معها غيرها من شعر الحارث بن خالد ومن شعر ابن هرمة؛ فأخّرت ذكرها إلى أن تنقضي أخبار وضّاح، ثم أذكرها [4] بعد ذلك إن شاء اللّه تعالى.
__________
[1] (بفتح الميم وبكسرها): نسبة إلى المعاول والمعاولة (قبائل من الأزد). وهم بنو معولة بن شمس بن عمرو.
[2] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «فأنشده ابن سيرين يقول».
[3] الخرق (بضمتين وبضم فسكون): نقيض الرفق.
[4] لم نجد ذكرا لهذه الأبيات بعقب أخبار وضاح في النسخ التي بين أيدينا، كما يقول أبو الفرج هنا.
17 - أخبار وضّاح اليمن ونسبه
نسبه وأصله وسبب لقبه:
وضّاح لقب غلب عليه لجماله وبهائه، واسمه عبد الرحمن [1] بن إسماعيل بن عبد كلال بن داذ بن أبي جمد.
ثم يختلف في تحقيق نسبه، فيقول قوم: إنه من أولاد الفرس الذين قدموا اليمن مع وهرز لنصرة سيف بن ذي يزن على الحبشة. ويزعم آخرون أنه من آل خولان بن عمرو بن قيس بن معاوية بن جشم بن عبد شمس بن وائل بن الغوث بن قطن بن عريب بن زهير بن أيمن بن الهميسع بن العرنجج [2] وهو حمير بن سبأ بن يشجب بن يعرب وهو المرعف [3] بن قحطان. فممن [4] ذكر أنه من حمير خالد بن كلثوم، قال كان وضّاح اليمن من أجمل العرب وكان أبوه إسماعيل بن داذ ابن أبي جمد من آل خولان بن عمرو بن معاوية الحميريّ. فمات أبوه وهو طفل، فانتقلت أمه إلى أهلها، وانقضت عدّتها فتزوجت رجلا من أهلها من أولاد الفرس. وشبّ وضّاح في حجر زوج أمّه. فجاء عمّه وجدّته أمّ أبيه، ومعهم جماعة من أهل بيته من حمير ثم من آل ذي قيفان [5] ثم من آل ذي جدن [6] يطلبونه، فادّعى زوج أمه أنه/ ولده./ فحاكموه فيه وأقاموا البيّنة أنه ولد على فراش إسماعيل بن عبد كلال أبيه، فحكم به الحاكم لهم، وقد كان اجتمع الحميريّون والأبناء [7] في أمره وحضر معهم. فلما حكم به الحاكم للحميريين، مسح يده على
__________
[1] وقيل: إن اسمه عبد اللّه. (راجع «النجوم الزاهرة» ج 1 ص 226 طبع دار الكتب المصرية).
[2] كان يقال لحمير العرنجج. والعرنجج في الأصل: العتيق. (راجع الجزء الثامن من كتاب «الإكليل للهمداني» طبع بغداد ص 208).
[3] كذا في جميع الأصول هنا وفيما سيأتي في ب في الجزء الخامس عشر (ص 73 طبع بولاق). وفيما سيأتي في ح في هذا الموضع:
«المرعب». وفي كتاب «أنساب العرب» المخطوط والمحفوظ بدار الكتب المصرية تحت رقم 2461 تاريخ «المرعث». ولم نوفق إلى وجه الصواب فيه.
[4] في ب، س: «فمن».
[5] كان الأذواء في اليمن طبقتين طبقة تعرف بالمثامنة وهم ثمانية ملوك كان لا يصح لملك من ملوك حمير الملك حتى يقيمه هؤلاء الثمانية وإن هم اجتمعوا على عزله عزلوه. والطبقة الثانية أذواء آخرون، منهم ذو قيفان هذا، وهو ابن شرحبيل بن أساس بن يغوث بن علقمة بن ذي جدن الأكبر، وهو الذي وهب سيفه الصمصامة لعمرو بن معديكرب الزبيدي، فقال فيه عمرو:
وسيف لابن ذي قيفان عندي ... تخيره الفتى من عصر عاد
يقدّ البيض والأبدان قدّا ... وفي الهام الململم ذو احتداد
ثم وهبه عمرو لسعد بن أبي وقاص ثم صار إلى آل سعيد بن العاص فاشتراه الخليفة المهديّ منهم بمال جسم وأحضر الشعراء فقالوا فيه أشعارا كثيرة. ثم أمر المهدي بالسيف فسقى فتغير لذلك وقل قطعه بسبب سقيه. (راجع «شرح القصيدة الحميرية» و «منتخبات في أخبار اليمن» كلاهما لنشوان بن سعيد الحميري).
[6] ذكر المؤلف ترجمته في الجزء الرابع (ص 217) من هذه الطبعة.
[7] الأبناء: هم الفرس الذين قدموا مع سيف بن ذي يزن، وكانوا يسمون بصنعاء بني الأحرار، وباليمن الأبناء، وبالكوفة الأحامرة، وبالبصرة الأساورة، وبالجزيرة الخضارمة، وبالشام الجراجمة. (عن «الأغاني» ج 16 ص 76 طبع بولاق).
رأسه وأعجبه جماله وقال له: اذهب فأنت وضّاح اليمن، لا من أتباع ذي يزن [1] (يعني الفرس الذين قدم بهم ابن ذي يزن لنصرته) فعلقت به هذه الكلمة منذ يومئذ، فلقّب وضّاح اليمن. قال خالد: وكانت أمّ داذ ابن أبي جمد جدّة وضاح كنديّة؛ فذلك حيث يقول في بنات عمه:
إن قلبي معلّق بنساء ... واضحات الخدود لسن بهجن
من بنات الكريم داذ وفي كن ... دة ينسبن من أباة اللّعن
/ وقال أيضا يفتخر بجدّه أبي جمد:
بنى لي إسماعيل مجدا مؤثّلا ... وعبد كلال بعده وأبو جمد
أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال حدّثني عمّي عن العبّاس بن هشام عن أبيه قال:
كان وضّاح اليمن والمقنّع الكنديّ وأبو زبيد الطائي يردون مواسم العرب مقنّعين يسترون وجوههم خوفا من العين وحذرا على أنفسهم من النساء لجمالهم. قال خالد بن كلثوم: فحدّثت بهذا الحديث مرّة وأبو عبيدة معمر بن المثنّى حاضر ذلك، وكان يزعم أن وضّاحا من الأبناء؛ فقال أبو عبيدة: داذ اسم فارسي. فقلت له: عبد كلال اسم يمان، وأبو جمد كنية يمانية، والعجم لا تكتنى، وفي اليمن جماعة قد تسمّوا بأبرهة، وهو اسم حبشيّ، فينبغي أن تنسبهم إلى الحبشة. وأيّ شيء يكون إذا سمّي عربيّ باسم فارسيّ! وليس كلّ من كنى أبا بكر هو الصدّيق، ولا من سمّي عمرا هو الفاروق، وإنما الأسماء علامات ودلالات لا توجب نسبا ولا تدفعه. قال: فوجم أبو عبيدة وأفحم فما أجاب.
وممن زعم أنه من أبناء الفرس ابن الكلبيّ ومحمد بن زياد الكلابيّ.
وقال خالد بن كلثوم: إنّ أمّ إسماعيل أبي الوضّاح بنت ذي جدن، وأم أبيه بنت فرعان ذي [2] الدّروع الكنديّ من بني الحارث بن عمرو.
__________
[1] هو سيف بن ذي يزن الذي بقتله دخلت اليمن في ملك الأحباش. وكان سيف هذا جميل المنظر عالي الهمة قوي السلطان شديد البأس كريم الخلق جوادا حسن التدبير والسياسة. وكان قد ترك بلاد اليمن بعد موت أبيه وتوجه لقيصر الروم واستنجده في ردّ ملك والده فلم يجبه قيصر لطلبه، فقصد كسرى أنو شروان ملك العجم لهذا الغرض فأجابه إلى طلبه وأرسل معه جيشا تحت قيادة «و هرز» فأخرجهم من المين وردّ إليه ملكه. فتربع سيف على ملك أجداده تحت رعاية الأعجام، واتخذ مقر أعماله قصر غمدان بمدينة صنعاء التي كانت في ذلك العهد عاصمة ملكه. وقد هنأته وفود العرب والشعراء لاسترداد ملك أبيه وتغلبه على الأحباش.
وكان من جملة وفود المهنئين وفد الحجازيين الذي كان يرأسه عبد المطلب جدّ النبيّ صلى اللّه عليه وسلم فاستأذنوا عليه ودخلوا وهو في قصره (غمدان) فأذن لهم فدخلوا عليه وهو متضمخ بالمسك وعليه بردان والتاج على رأسه والسيف بين يديه وملوك اليمن وأقيال حمير حواليه، وأمامه أمية بن الصلت الثقفي ينشده قصيدته يمدحه فيها ويهنئه؛ ومطلعها:
لا يطلب الثأر إلا كابن ذي يزن ... في البحر خيم للأعداء أحوالا
ثم استأذنه عبد المطلب في الكلام وألقى بين يديه خطبة نالت منه استحسانا. ثم أمر بهم إلى دار الضيافة وأجرى عليهم ما يحتاجون شهرا لا يؤذن لهم في مقابلته ولا في الانصراف. والقصيدة والخطبة ذكرهما المؤلف في الجزء السادس عشر من هذا الكتاب (ص 75 - 77 طبع بولاق).
[2] كذا في أ، ء، م هنا و «شرح القاموس» (مادة فرع) وما يعول عليه في المضاف والمضاف إليه. وفي سائر الأصول وفيما سيأتي في أ، ء، م: «فرعان بن ذي الدروع» وهو تحريف.
أحب روضة ولم يتزوجها وقال فيها شعرا:
وكان وضّاح يهوى امرأة من أهل اليمن يقال لها روضة.
/ أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال:
ذكر هشام بن الكلبيّ أنها روضة بنت عمرو، من ولد فرعان ذي الدروع الكنديّ.
أخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدّثني محمد بن سعيد الكراني قال حدّثنا العمريّ عن الهيثم بن عديّ عن عبد اللّه بن عيّاش [1]:
أنّ وضّاحا هوي امرأة من بنات الفرس يقال لها روضة؛ فذهبت به كل مذهب. وخطبها فامتنع قومها من تزويجه إياها؛ وعاتبه أهله وعشيرته. فقال في ذلك:
صوت
يأيها القلب بعض ما تجد ... قد يعشق المرء ثم يتئّد
قد يكتم المرء حبّه حقبا ... وهو عميد وقلبه كمد
ماذا تريدين من فتى غزل ... قد شفّه السّقم فيك والسّهد
/ يهدّدوني كيما أخافهم ... هيهات أنّى يهدّد الأسد
الغناء لابن محرز خفيف رمل بالوسطى عن عمرو. وفيها لحن لابن عبّاد، من كتاب إبراهيم، غير مجنّس:
أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدّثني سالم بن زيد قال أخبرني التّوّزيّ قال حدّثنا الأصمعي عن الخليل بن أحمد قال:
كان وضّاح يهوى امرأة من كندة يقال لها روضة. فلما اشتهر أمره معها خطبها فلم يزوّجها، وزوّجت غيره، فمكثت مدة طويلة. ثم أتاه رجل من بلدها/ فأسرّ إليه شيئا فبكى. فقال له أصحابه: مالك تبكي؟ وما خبرك؟
فقال: أخبرني هذا أنّ روضة قد جذمت، وأنه رآها قد ألقيت مع المجذومين. ولم نجد لهما [2] خبرا يرويه أهل العلم إلا لمعا يسيرة وأشياء تدلّ على ذلك من شعره، فأمّا خبر متصل فلم أجده إلا في كتاب مصنوع غثّ الحديث والشعر لا يذكر مثله. وأصابها الجذام بعد ذلك، فانقطع ما بينهما. ثم شبّب بأم البنين بنت عبد العزيز بن مروان زوجة الوليد بن عبد الملك، فقتله الوليد لذلك. وأخبارهما تذكر في موضعها بعقب هذه الحكاية.
أخبرني الحسن بن عليّ الخفّاف قال حدّثنا أحمد بن زهير بن حرب قال حدّثنا مصعب بن عبد اللّه قال:
كان وضّاح اليمن يهوى امرأة يقال لها روضة ويشبّب بها في شعره، وهي امرأة من أهل اليمن. وفيها يقول:
صوت
يا روضة الوضّاح قد ... عنّيت وضّاح اليمن
فاسقي خليلك من شرا ... ب لم يكدّره الدّرن
__________
[1] كذا في أ، ء، م. وفي سائر الأصول: «عباس» وهو تصحيف.
[2] في أ، ء، م: «لها».
الريح ريح سفرجل ... والطعم طعم سلاف دنّ
إني تهيّجني إلي ... ك حمامتان على فنن
قال مصعب: فحدّثني بعض أهل العلم ممن كان يعرف خبر وضاح مع روضة من أهل اليمن: أنّ وضّاحا كان في سفر مع أصحابه. فبينا هو يسير إذ استوقفهم وعدل عنهم ساعة، ثم عاد إليهم وهو يبكي. فسألوه عن حاله؛ فقال: عدلت إلى/ روضة، وكانت قد جذمت فجعلت مع المجدومين، وأخرجت من بلدها، فأصلحت من شأنها وأعطيتها صدرا [1] من نفقتي. وجعل يبكي غمّا بها.
الغناء في الأبيات المذكورة في هذا الخبر ينسب مع تمام الأبيات؛ فإن في جميعها غناء.
ومما قاله وضّاح في روضة المذكورة وفيه غناء، وأنشدنا حرميّ عن الزّبير عن عمه:
صوت
أيا روضة الوضّاح يا خير روضة ... لأهلك لو جادوا علينا بمنزل
رهينك وضّاح ذهبت بعقله ... فإن شئت فآحييه وإن شئت فاقتلي
وتوقد حينا باليلنجوج [2] نارها ... وتوقد أحيانا بمسك ومندل
والأبيات الأول النونية فيها زيادة على ما رواه مصعب، وفي سائرها غناء: وتمامها بعد قوله:
«إني تهيّجني إلي ... ك حمامتان على فنن»
/ الزوج يدعو إلفه ... فتطاعما حبّ السكن
لا خير في نث [3] الحدي ... ث ولا الجليس إذا فطن
فاعصي الوشاة فإنما ... قول الوشاة هو الغبن
إنّ الوشاة إذا أتو ... ك تنصّحوا ونهوك عنّ [4]
دسّت حبيبة موهنا ... إني وعيشك يا سكن
/ أبلغت عنك تبدّلا ... وأتى بذلك مؤتمن
وظننت أنك قد فعل ... ت فكدت من حزن أجنّ
ذرفت دموعي ثم قل ... ت بمن يبادلني بمن
اسكت فلست مصدّقا ... ما كان يفعل ذا أظن
إني وجدّك لو رأي ... ت خليلنا ذاك الحسن
__________
[1] الصدر: الطائفة من الشيء.
[2] اليلنجوج: عود البخور.
[3] نث الحديث: إفشاؤه وإذاعته. وقد وردت هذه الكلمة في جميع الأصول: «بث» (بالباء الموحدة) والظاهر أنها مصحفة عما أثبتناه.
[4] يريد: عنى.
يجفوه ثم يحبنا [1] ... واللّه متّ من الحزن
أخبره إمّا جئته ... أنّ الفؤاد به يجنّ
أبغضت فيه أحبّتي ... وقليت [2] أهلي والوطن
أتركتني حتى إذا ... علّقت أبيض كالشّطن
أنشأت تطلب وصلنا ... في الصيف ضيّعت اللبن [3]
- هكذا قال، وغيره يرويه: «في الصيف ضيحت [4] اللبن» أي مذقته [5]. قال [6] - :
/لو قيل يا وضّاح قم ... فاختر لنفسك أو تمنّ
لم أعد روضة والذي ... ساق الحجيج له البدن
الغناء في الأوّل من القصيدة وهو «يا روضة الوضّاح» ينسب إن شاء اللّه. وله في روضة هذه أشعار كثيرة في أكثرها صنعة، وبعضها لم يقع إليّ أنه صنع فيه. فمن قوله [7] فيها:
صوت
يا روض جيرانكم [8] الباكر ... فالقلب لا لاه ولا صابر [9]
قالت ألا لا تلجن دارنا ... إنّ أبانا رجل غائر
قلت فإني طالب غرّة ... منه وسيفي صارم باتر
قالت فإن القصر من دوننا ... قلت فإني فوقه ظاهر
__________
[1] في ح: «يجيئنا». وفي أ، ء، م: «يجبنا». ولعل هذا الشطر مصحف عن:
نحفوه ثم يجبنا
وحفاه يحفوه: أكرمه وأعطاه. وجبه: قطعه.
[2] قلى: هجر.
[3] المثل مشهور يضرب لمن يطلب شيئا قد فوته على نفسه وهو: «في الصيف ضيعت اللبن» ويروى: «الصيف صيعت اللبن» (بكسر التاء) ولو خوطب به المذكر أو الجمع، لأنه خوطبت به امرأة كانت تحت شيخ كبير موسى فكرهته فطلقها فتزوجها فتى جميل الوجه مملق، فبعثت إلى الأول تستميحه فقال ذلك لها. وقيل: إنه صدر عن امرأة الأسود بن هرمز وكانت عنودا، فرغب عنها إلى جميلة من قو ثم جرى بينهما ما أدى إلى الفارقة؛ فتتبعت نفسه العنود فراسلها فأجابته بقولها:
أتركتني حتى إذا ... علقت أبيض كالشطن
أنشأت تطلب وصلنا ... في الصيف ضيعت اللبن
وعلى هذا فالتاء مفتوحة.
[4] وردت هذه الكلمة في أكثر الأصول: «صبحت» (بالصاد المهملة والباء الموحدة). وفي ح: «صيحت». (بالياء المثناة). وكلاهما مصحف عما أثبتناه.
[5] مذق اللبن بالماء يمذقه (من باب نصر): مزجه.
[6] الظاهر أن كلمة «قال» هاهنا مقحمة من النساخ.
[7] في الأصول: «فمن قوله فيها هزج قديم يمني». ولعل ذلك من زيادات النساخ، فإن المؤلف قد ذكر اللحن عقب الشعر.
[8] كذا في الأصل.
[9] أورد أبو هلال العسكري في كتابه «ديوان المعاني» المخطوط والمحفوظ بدار الكتب المصرية (تحت رقم 1874 أدب ج 1 ص 193) هذه الأبيات ولم يذكر معها هذا البيت، وروايتها فيه تخالف ما هنا في بعض الأبيات والألفاظ.
قالت فإن البحر من دوننا ... قلت فإني سابح ماهر
قالت فحولي إخوة سبعة ... قلت فإني غالب قاهر
قالت فليث رابض بيننا ... قلت فإني أسد عاقر
قالت فإن اللّه من فوقنا ... قلت فربيّ راحم غافر
قالت لقد أعييتنا حجّة ... فأت إذا ما هجع السامر [1]
فاسقط علينا كسقوط النّدى ... ليلة لا ناه ولا زاجر
/ الغناء في هذه الأبيات هزج يمنيّ، وذكر يحيى المكي أنه له.
/ وقال في روضة وهو بالشام:
أبت بالشام نفسي أن تطيبا ... تذكّرت المنازل والحبيبا
تذكّرت المنازل من شعوب [2] ... وحيّا أصبحوا قطعوا [3] شعوبا
سبوا فلبي فحلّ بحيث حلّوا ... ويعظم إن دعوا ألّا يجيبا
ألا ليت الرياح لنا رسول ... إليكم إن شمالا أو جنوبا
فتأتيكم بما قلنا سريعا ... ويبلغنا الذي قلتم قريبا
ألا يا روض قد عذّبت قلبي ... فأصبح من تذكّركم كئيبا
ورقّقني هواك وكنت جلدا ... وأبدى في مفارقي المشيبا
أما ينسيك روضة شحط دار ... ولا قرب إذا كانت قريبا
ومما قال فيها أيضا:
طرب الفؤاد لطيف روضة غاشي ... والقوم بين أباطح وعشاش [4]
أنّى اهتديت ودون أرضك سبسب ... قفر وحزن في دجى ورشاش
قالت تكاليف المحبّ كلفتها ... إنّ المحبّ إذا أخيف [5] لماشي
أدعوك روضة رحب واسمك غيره ... شفقا وأخشى أن يشي بك واشي
قالت فزرنا قلت كيف أزوركم ... وأنا امرؤ لخروج سرّك خاشي
قالت فكن لعمومتي سلما معا ... والطف لإخوتي الذين تماشي
فتزورنا معهم زيارة آمن ... والسرّيا وضّاح ليس بفاشي
__________
[1] السامر: اسم جمع بمعنى المتسامرين.
[2] شعوب: موضع قريب من صنعاء، وكان به قصر معروف بالارتفاع وحواليه بساتين بظاهر صنعاء.
[3] في «مهذب الأغاني» (ج 3 ص 27 طبع مصر): «قطعا».
[4] العشاش: جمع عشة (بالفتح)، وهي الأرض القليلة الشجر، وقيل: هي الأرض الغليظة.
[5] كذا في الأصول.
/
ولقيتها تمشي بأبطح مرّة ... بخلاخل وبحلّة أكباش [1]
فظللت معمودا وبتّ مسهّدا ... ودموع عيني في الرداء غواشي
يا روض حبّك سلّ جسمي وانتحى ... في العظم حتى قد بلغت مشاشي [2]
ومما قال فيها أيضا:
طرق [3] الخيال فمرحبا سهلا ... بخيال من أهدى لنا الوصلا
وسرى إليّ ودون منزله ... خمس دوائم تعمل الإبلا [4]
يا حبّذا من زار معتسفا [5] ... حزن البلاد إليّ والسّهلا
حتى ألمّ بنا فبتّ به ... أغنى الخلائق كلّهم شملا
يا حبذا هي حسبك قدك في [6] ... واللّه ما أبقيت لي عقلا
واللّه مالي عنك منصرف ... إلا إليك فأجملي الفعلا
حجت أم البنين ورأته فهويته:
أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدّثنا القاسم بن الحسن المروزيّ قال حدّثنا العمريّ عن لقيط والهيثم بن عديّ:
أنّ أم البنين بنت عبد العزيز بن مروان استأذنت الوليد بن عبد الملك في الحج فأذن لها، وهو يومئذ خليفة وهي زوجته. فقدمت مكة ومعها من الجواري ما لم ير مثله حسنا. وكتب الوليد يتوعّد الشعراء جميعا إن/ ذكرها أحد منهم أو ذكر/ أحدا ممن تبعها. وقدمت، فتراءت للناس، وتصدّى لها أهل الغزل والشعر، ووقعت عينها على وضّاح اليمن فهويته.
فحدّثنا الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثني إبراهيم بن محمد بن عبد العزيز الزّهري [7] عن محمد [8] بن جعفر مولى أبي هريرة عن أبيه عن بديح قال:
قدمت أمّ البنين بنت عبد العزيز بن مروان وهي عند الوليد بن عبد الملك حاجّة، والوليد يومئذ خليفة. فبعثت
__________
[1] الأكباش (بالموحدة): من برود اليمن. وقد وردت هذه الكلمة في جميع الأصول (بالمثناة التحتية)، وهو تصحيف. (راجع «شرح القاموس» مادة كبش).
[2] المشاش: النفس. والمشاش أيضا: رؤوس العظام مثل الركبتين والمرفقين والمنكبين، واحده مشاشة.
[3] في ح: «طاف».
[4] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «الأسلا».
[5] في ح: « ... من زائر متعسف».
[6] كذا ورد هذا الشطر في ب، س، ح. وفي سائر الأصول:
يا حب روضة حبك قد
وكلاهما غير مستقيم.
[7] كذا في أ، ء، م. وقد ورد في الجزء الأوّل (ص 342) من هذه الطبعة: «محمد بن عبد العزيز الزهري. وفي ب، ح: «الجوهري».
وفي س: «الجوهري الزهري». وكلاهما «تحريف».
[8] في ح: «محرز بن جعفر».
إلى كثيّر وإلى وضّاح اليمن أن انسبابي. فأمّا وضّاح اليمن فإنه ذكرها وصرّح بالنّسيب بها؛ فوجد الوليد عليه السبيل فقتله. وأمّا كثيّر فعدل عن ذكرها ونسب بجاريتها غاضرة فقال [1]:
صوت
شجا أظعان غاضرة الغوادي ... بغير مشورة [2] عرضا [3] فؤادي
أغاضر لو شهدت غداة بنتم ... حنوّ العائدات على وسادي
أويت [4] لعاشق لم تشكميه ... بواقدة تلذّع كالزناد
/ الغناء في هذه الأبيات لابن محرز ثقيل أوّل بالوسطى عن الهشاميّ وحبش. قال بديح: فكنت لمّا حجّت أم البنين لا تشاء أن ترى وجها حسنا إلا رايته معها. فقلت لعبيد اللّه [5] بن قيس الرّقيات: بمن تشبّب من هذا القطين؟ فقال لي:
وما تصنع بالسرّ ... إذا لم تك مجنونا [6]
إذا عالجت ثقل الح ... بّ عالجت الأمرّينا [7]
وقد بحت بأمركا ... ن في قلبي مكنونا
وقد هجت بما حاول ... ت أمرا كان مدفونا
قال: ثم خلابي [8] فقال لي: اكتم عليّ، فإنك موضع للأمانة؛ وأنشدني:
صوت
أصحوت عن أمّ البني ... ن وذكرها وعنائها
وهجرتها هجر امرىء ... لم يقل صفو صفائها
قرشيّة كالشمس أش ... رق نورها ببهائها
زادت على البيض الحسا ... ن بحسنها ونقائها
لمّا اسبكّرت للشبا ... ب وقنّعت بردائها
__________
[1] فيما سيأتي في «الأغاني» في خبر كثير وخندق الأسدي في الجزء الحادي عشر (طبع بولاق): أن هذا الشعر من قصيدة قالها كثير في رثاء خندق الأسدي لما قتل. وذكرت هناك القصيدة كاملة.
[2] كذا فيما سيأتي في ب في الجزء الحادي عشر من الأغاني (ص 47، 49 طبع بولاق) وح. وفي جميع الأصول هنا: «بغير مثيبة».
[3] كذا فيما سيأتي بعد قليل في ح وفيما سيأتي في الجزء الحادي عشر. وقد ح هنا: «عوضا. وفي سائر الأصول هنا وفيما يأتي:
«غرضا». والظاهر أن كليهما مصحف عما أثبتناه.
[4] أويت العاشق: رثيت له وأشفقت عليه. وفي ح: «رضيت».
[5] في ب، س: «لعبد اللّه» وهو تحريف.
[6] وردت هذه القصيدة والقصيدتان اللتان بعدها في الجزء الحادي عشر من هذا الكتاب (ص 49 طبع بولاق) في خبر كثير وخندق الأسدي باختلاف يسير عما هنا.
[7] الأمرون: الدواهي.
[8] في ب، س: «ثم خلاني». وهو تصحيف.
لم تلتفت للداتها ... ومضت على غلوائها
لو لا هوى أمّ البني ... ن وحاجتي للقائها
قد قرّبت لي بغلة ... محبوسة لنجائها
/ قال بديح: فلمّا قتل الوليد وضّاح اليمن، حجّت بعد ذلك أم البنين محتجبة لا تكلّم أحدا؛ وشخصت كذلك، فلقيني ابن قيس الرقيّات، فقال: يا بديح
صوت
/بان الحبيب [1] الذي به تثق [2] ... واشتدّ دون الحبيبة القلق
يا من لصفراء [3] في مفاصلها ... لين وفي بعض بطشها خرق
وهي قصيدة قد ذكرت [4] مع أخبار ابن قيس الرقيّات.
الغناء في الأبيات الأول التي أولها:
أصحوت عن أمّ البنين
ينسب في موضع آخر إن شاء اللّه.
أخبرني الحرميّ قال حدثنا الزّبير قال حدّثني عمر بن أبي بكر المؤمّلي [5] عن عبد اللّه بن أبي عبيدة قال حدثني كثيّر قال:
حججت مع أمّ البنين بنت عبد العزيز بن مروان، وهي زوجة الوليد بن عبد الملك، فأرسلت إليّ وإلى وضّاح اليمن أن انسبابي؛ فهبت ذلك ونسبت بجاريتها غاضرة، فقلت:
شجا أظعان غاضرة الغوادي ... بغير مشورة عرضا فؤادي [6]
/أغاضر لو شهدت غداة بنتم ... حنوّ العائدات على وسادي
أويت لعاشق لم تشكميه ... بواقدة تلذّع كالزناد
وأمّا وضّاح فنسب بها، فبلغ ذلك الوليد فطلبه فقتله.
أخبرني عمّي قال حدّثني محمد بن سعد [7] الكرانيّ قال حدثني أبو عمر العمريّ عن العتبيّ قال:
__________
[1] في أ، ء، م: «الخليط».
[2] في ح: «نثق» بالنون.
[3] في ب، س: «لصغرى» وهو تحريف.
[4] لم نجد هذه القصيدة في أخبار ابن قيس الرقيات المذكورة في الجزء الخامس من هذه الطبعة (ص 73 - 100). وقد ذكر المؤلف بعض أبيات منها في الجزء الحادي عشر (ص 49 - 50 طبع بولاق).
[5] في ح: «قال حدّثني عمر بن أبي بكر الموصلي». وفي سائر الأصول: «قال حدّثني عمر ابن عمي عن أبي بكر الموصلي». (راجع الحاشية رقم 1 ص 123 من الجزء الرابع من هذه الطبعة و «المشتبه» للذهبي 300 طبع ليدن سنة 1863 م).
[6] راجع الحاشيتين (رقم 4 و5 ص 219) من هذا الجزء.
[7] كذا في جميع الأصول وقد مر هذا الاسم فيما سبق من الأجزاء مضطربا بين سعد مرة وسعيد أخرى، ولم نوفق إلى ترجيح إحدى الروايتين.
مدح وضّاح اليمن الوليد بن عبد الملك، وهو يومئذ خليفة، ووعدته أمّ البنين بنت عبد العزيز بن مروان أن ترفده [1] عنده وتقوّي أمره. فقدم عليه وضّاح وأنشده قوله فيه:
صوت
صبا قلبي ومال إليك ميلا ... وأرّقني خيالك يا أثيلا [2]
يمانية تلمّ بنا فتبدي ... دقيق محاسن وتكنّ [3] غيلا [4]
دعينا ما أممت [5] بنات [6] نعش ... من الطّيف الذي ينتاب ليلا
ولكن إن أردت فصبّحينا ... إذا أمّت ركائبنا سهيلا [7]
فإنك لو رأيت الخيل تعدو ... سراعا [8] يتخذن النّقع ذيلا
/ إذا لرأيت فوق الخيل أسدا [9] ... تفيد مغانما وتفيت [10] نيلا
إذا سار الوليد بنا وسرنا ... إلى خيل نلفّ بهنّ خيلا
وندخل بالسرور ديار قوم ... ونعقب آخرين أذى وويلا
فأحسن الوليد رفده وأجزل صلته. ومدحه بعدّة قصائد. ثم نمي إليه أنه شبّب بأم البنين، فجفاه وأمر بأن يحجب عنه، ودبر في قتله.
ومدحه وضّاح بقوله أيضا:
ما بال عينك لا تنام كأنما ... طلب الطبيب بها قذى فأضلّه
بل ما لقلبك لا يزال كأنه ... نشوان أنهله النديم وعلّه
ما كنت أحسب أن أبيت ببلدة ... وأخي بأخرى لا أحلّ محلّه
__________
[1] رفده وأرفده: أعانه.
[2] أثيل: ترخيم أثيلة، وهو اسم امرأة.
[3] كذا في ب، س و «شرح الحماسة» (ص 316 طبع مدينة بن سنة 1828 م). وفي سائر الأصول و «تجريد الأغاني»: «و تجن».
[4] الغيل: الساعد الريان الممتلى ء. وفي «شرح الحماسة» في التعليق على هذا البيت: «دقيق محاسنها كالعين والأنف والأسنان والفم.
وتكن غيلا: أي تستر ما جل منها كالمعصم والساعد والساق والفخذ».
[5] في «تجريد الأغاني»: «ما أممنا».
[6] بنات نعش: من الكواكب الشامية، وكان غزوه نحو الروم. يقول: دعيني من طيفك حين أؤم بنات نعش، أي حين أقصد قصد الشام للغزو.
[7] يريد إذا اتجهت ركائبنا نحو اليمن. ورواية هذا البيت في «شرح الحماسة» و «تجريد الأغاني»:
ولكن إن أردت فهيجينا ... إذا رمقت بأعينها سهيلا
[8] في ح و «شرح الحماسة» و «تجريد الأغاني»: «عوابس».
[9] رواية هذا الشطر في «شرح الحماسة»:
رأيت على متون الخيل جنا
[10] كذا في «شرح الحماسة» و «تجريد الأغاني». يريد: تفيد المغانم من أعدائها وتفيتهم نيل شيء منها. وفي جميع الأصول: «تقيد مغانما وتفيد نيلا».
كنّا لعمرك ناعمين [1] بغبظة ... مع ما نحبّ مبيته ومظلّه
فأرى الذي كنّا وكان بغرّة ... نلهو بغرّته ونهوى دلّه
/ كالطيف وافق ذا هوى فلها به ... حتى إذا ذهب الرقاد أضلّه
قل للذي شعف [2] البلاء فؤاده ... لا تهلكنّ أخا فربّ أخ له
والق ابن مروان الذي قد هزّه ... عرق [3] المكارم والنّدى فأقلّه
واشك الذي لاقيته من دونه [4] ... وانشر إليه داء قلبك كلّه
/ فعلى ابن مروان السلام من امرىء ... أمسى يذوق من الرّقاد أقلّه
شوقا إليك فما تنالك حاله ... وإذا يحلّ الباب لم يؤذن له
فإليك أعملت المطايا ضمّرا ... وقطعت أرواح الشتاء وظلّه [5]
ولياليا لو أنّ حاضر بثّها ... طرف القضيب أصابه لأشلّه
فلم يزل مجفوّا حتى وجد الوليد له غرّة، فبعث إليه من اختلسه ليلا فجاءه به، فقتله ودفنه في داره، فلم يوقف له على خبر.
قتل الوليد له:
وقال خالد بن كلثوم في خبره:
كان وضّاح قد شبّب بأمّ البنين بنت عبد العزيز بن مروان امرأة الوليد بن عبد الملك، وهي أم ابنه عبد العزيز بن الوليد، والشرف فيهم. فبلغ الوليد تشبّبه بها، فأمر بطلبه فأتي به، فأمر بقتله. فقال له ابنه عبد العزيز: لا تفعل يا أمير المؤمنين فتحقّق قوله، ولكن افعل به كما فعل معاوية بأبي دهبل؛ فإنه لمّا شبّب بابنته شكاه يزيد وسأله أن يقتله؛ فقال: إذا تحقّق قوله، ولكن تبرّه وتحسن إليه فيستحي ويكفّ ويكذّب نفسه. فلم يقبل منه، وجعله في صندوق ودفنه حيّا. فوقع بين رجل من زنادقة الشّعوبيّة وبين رجل من ولد الوليد فخار خرجا فيه إلى أن أغلظا المسابّة، وذلك في دولة بني العبّاس؛ فوضع الشّعوبيّ عليهم كتابا زعم فيه أن أمّ البنين عشقت وضّاحا، فكانت تدخله صندوقا عندها. فوقف على ذلك خادم الوليد فأنهاه إليه وأراه الصندوق، فأخذه فدفنه.
هكذا ذكر خالد بن كلثوم والزّبير بن بكّار جميعا.
وأخبرني عليّ بن سليمان الأخفش في كتاب المغتالين قال حدّثنا أبو سعيد السّكّريّ قال حدّثنا محمد بن حبيب عن ابن الكلبيّ قال:
/ عشقت أمّ البنين وضّاحا، فكانت ترسل إليه فيدخل إليها ويقيم عندها؛ فإذا خافت وارته في صندوق عندها
__________
[1] كذا في «تجريد الأغاني». وفي جميع الأصول: «يا عمير».
[2] في ح: «شغف» (بالغين المعجمة)، وهما بمعنى.
[3] كذا في ب، س، ح. وفي سائر الأصول: «عرف». والعرف (بالضم): المعروف.
[4] في ح و «تجريد الأغاني»: «من جفوة».
[5] في «تجريد الأغاني»: «طله» (بالطاء المهملة)، والطل: أخف المطر وأضعفه. وقيل: هو الندى.
وأقفلت عليه. فأهدي للوليد جوهر له قيمة فأعجبه واستحسنه، فدعا خادما له فبعث به معه إلى أم البنين وقال: قل لها: إن هذا الجوهر أعجبني فآثرتك به. فدخل الخادم عليها مفاجأة ووضّاح عندها، فأدخلته الصندوق وهو يرى، فأدّى إليها رسالة الوليد ودفع إليها الجوهر، ثم قال: يا مولاتي، هبيني منه حجرا؛ فقالت: لا، بابن اللّخناء ولا كرامة. فرجع إلى الوليد فأخبره؛ فقال: كذبت يابن اللخناء، وأمر به فوجئت عنقه. ثم لبس نعليه ودخل على أمّ البنين وهي جالسة في ذلك البيت تمتشط، وقد وصف له الخادم الصندوق الذي أدخلته فيه، فجلس عليه ثم قال لها: يا أمّ البنين، ما أحبّ إليك هذا البيت من بين بيوتك! فلم تختارينه؟ فقالت: أجلس فيه وأختاره لأنه يجمع حوائجي كلّها فأتناولها منه كما أريد من قرب. فقال لها: هبي لي صندوقا من هذه الصناديق؛ قالت: كلّها لك يا أمير المؤمنين؛ قال: ما أريدها كلّها وإنما أريد واحدا منها؛ فقالت/ له: خذ أيّها شئت؛ قال: هذا الذي جلست عليه؛ قالت: خذ غيره فإن لي فيه أشياء أحتاج إليها؛ قال: ما أريد غيره؛ قالت: خذه يا أمير المؤمنين. فدعا بالخدم وأمرهم بحمله، فحمله حتى انتهى به إلى مجلسه فوضعه فيه. ثم دعا عبيدا له فأمرهم فحفروا بئرا في المجلس عميقة، فنحّى البساط وحفرت إلى الماء. ثم دعا بالصندوق فقال: [يا هذا] [1] إنه بلغنا شيء إن كان حقّا فقد كفّنّاك [2] ودفنّاك ودفنّا ذكرك وقطعنا أثرك إلى آخر الدهر، وإن كان باطلا فإنا دفنّا الخشب، وما أهون/ ذلك! ثم قذف به في البئر وهيل عليه التراب وسوّيت الأرض وردّ البساط إلى حاله وجلس الوليد عليه. ثم ما رئي بعد ذلك اليوم لوضّاح أثر في الدنيا إلى هذا اليوم. قال: وما رأت أمّ البنين لذلك أثرا في وجه الوليد حتى فرّق الموت بينهما.
أرضت أم البنين وضاح وهو في دمشق فقال شعرا:
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا أحمد بن زهير قال حدّثني مصعب بن عبد اللّه قال:
رضت أم البنين ووضّاح مقيم بدمشق، وكان نازلا عليها؛ فقال في علّتها:
صوت
حتّام نكتم حزننا حتّاما ... وعلام نستبقي الدموع علاما
إن الذي بي قد تفاقم واعتلى ... ونما وزاد وأورث الأسقاما
قد أصبحت أمّ البنين مريضة ... نخشى ونشفق أن يكون حماما
يا ربّ أمتعني بطول بقائها ... واجبر بها الأرمال والأيتاما
واجبر بها الرجل الغريب بأرضها ... قد فارق الأخوال والأعماما
كم راغبين وراهبين وبؤّس ... عصموا بقرب جنابها إعصاما
بجناب ظاهرة الثّنا [3] محمودة ... لا يستطاع كلامها إعظاما
__________
[1] الزيادة عن كتاب «أسماء المغتالين من الأشراف في الجاهلية والإسلام» لمحمد بن حبيب، المحفوظ منه نسخة مخطوطة بدار الكتب المصرية (تحت رقم 57 أدب ش).
[2] كذا في جميع الأصول ولعلها: «كفيناك».
[3] كذا في أكثر الأصول. وفي ح: «النثا». الثنا، كما قال الجوهري، في الخير خاصة. النثا (بالقصر): مثل الثنا إلا أنه في الخير والشر.
الغناء في الأول والثاني والثالث والرابع والخامس لحكم الواديّ خفيف رمل بالوسطى، عن الهشامي وعبد اللّه بن موسى. وممّا وجد في روايتي هارون بن الزيّات وابن المكيّ في الرابع [1] ثم الخامس ثم الأوّل والثاني لعمر الوادي خفيف رمل، من رواية الهشامي.
شبب بفاطمة بنت عبد الملك فدفنه الوليد في بئر وهو حي:
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا أحمد بن زهير قال حدّثنا مصعب قال:
بلغ الوليد بن عبد الملك تشبّب وضّاح بأمّ البنين فهمّ بقتله. فسأله عبد العزيز ابنه فيه، وقال له: إن قتلته فضحتني وحقّقت قوله، وتوهّم الناس أن بينه وبين أمّي ريبة. فأمسك عنه على غيظ وحنق، حتى بلغ الوليد أنه قد تعدّى أمّ البنين إلى أخته فاطمة بنت عبد الملك، وكانت زوجة عمر بن عبد العزيز رضي اللّه تعالى عنه، وقال فيها:
بنت الخليفة والخليفة جدّها ... أخت الخليفة [2] والخليفة بعلها
فرحت قوابلها بها وتباشرت ... وكذاك كانوا في المسرّة أهلها
فأحنق [3] واشتدّ غيظه وقال: أما لهذا الكلب مزدجر عن ذكر نسائنا وأخواتنا، ولا له عنّا مذهب! ثم دعا به فأحضر، وأمر ببئر فحفرت ودفنه فيها حيّا.
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال أخبرني عبد الملك بن عبد العزيز عن يوسف بن الماجشون/ قال:
أنشدت محمد بن المنكدر قول وضّاح:
فما نوّلت حتى تضرّعت عندها ... وأعلمتها ما رخّص اللّه في اللّمم
قال: فضحك وقال: إن كان وضّاح لا مفتيا لنفسه. وتمام هذه الأبيات:
ترجّل [4] وضّاح وأسبل بعدما ... تكهّل حينا في الكهول وما احتلم
وعلّق بيضاء العوارض طفلة ... مخضّبة الأطراف طيّبة النّسم
/ إذا قلت يوما نوّليني تبسّمت ... وقالت معاذ اللّه من فعل ما حرم
فما نوّلت حتى تضرّعت عندها ... وأعلمتها ما رخّص اللّه في اللّمم
رثى أباه وأخاه بشعر وهو عند أم البنين:
أخبرني عمي قال حدّثنا الكرانيّ قال حدّثنا العمريّ عن العتبي في خبره الأوّل المذكور من أخبار وضّاح مع أمّ البنين قال:
كان وضّاح مقيما عند أم البنين، فورد عليه نعي أخيه وأبيه [5]؛ فقال يرثيهما:
__________
[1] كذا في أ، ء، م: وفي سائر الأصول: «و في الرابع».
[2] في ح: «الخلائف».
[3] كذا في ح. وأحنق الرجل إذا حقد حقدا لا ينحل. وفي سائر الأصول: «فاحتنق» وهو تحريف.
[4] الترجل والترجيل: تسريح الشعر.
[5] يلاحظ أن أبا وضاح توفي ووضاح صغير كما هي في أول الترجمة.
أراعك طائر بعد الخفوق ... بفاجعة مشنّعة الطّروق
نعم ولها على رجل عميد ... أظلّ كأنني بشرق بريقي
كأني إذ علمت بها هدوّا ... هوت بي عاصف من رأس نيق [1]
أعلّ بزفرة من بعد أخرى ... لها في القلب حرّ كالحريق
وتردف عبرة تهتان أخرى ... كفائض غرب نضّاح فتيق
كأني إذ أكفكف دمع عيني ... وأنهاها أقول لها هريقي
ألا تلك الحوادث غبت عنها ... بأرض الشام كالفرد الغريق
فما أنفكّ أنظر في كتاب ... تداري النفس عنه هوى زهوق [2]
يخبّر عن وفاة أخ كريم ... بعيد الغور نفّاع طليق
وقرم يعرض الخصمان [3] عنه ... كما حاد البكار عن الفنيق [4]
/كريم يملا الشّيزى [5] ويقري ... إذا ما قلّ إيماض البروق
وأعظم ما رميت به فجوعا [6] ... كتاب جاء من فجّ عميق
يخبّر عن وفاة أخ فصبرا ... تنجّز وعد منّان صدوق
سأصبر للقضاء فكل حيّ ... سيلقى سكرة الموت المذوق
فما الدنيا بقائمة وفيها ... من الأحياء ذو عين رموق
وللأحياء أيّام تقضّى ... يلفّ ختامها سوقا بسوق
فأغناهم كأعدمهم إذا ما ... تقضّت مدّة العيش الرقيق
كذلك يبعثون وهم فرادى ... ليوم فيه توفية الحقوق
أبعد همام قومك ذي الأيادي ... أبى الوضّاح رتّاق الفتوق
وبعد عبيدة المحمود فيهم ... وبعد سماعة العود العتيق
وبعد ابن المفضّل وابن كاف ... هما أخواك في الزمن الأنيق
/ تؤمّل أن تعيش قرير عين ... وأين [7] أمام طلّاب لحوق [8]
__________
[1] النيق: أعلى موضع في الجبل.
[2] الزهوق: الهالك.
[3] كذا في ب، س، ح. وفي سائر الأصول: «الخصماء». وكلاهما جمع لخصيم.
[4] البكار: جمع بكر وهو الفتى من الإبل. والفنيق: الفحل المكرم لا يؤذي لكرامته على أهله ولا يركب.
[5] الشيزى: خشب أسود تعمل منه القصاع. وقد يطلق على ما صنع من ذلك فيقال للجفان شيزى، كما أريد هنا.
[6] القجوع: الفاجع، فعول للمبالغة.
[7] كذا في ب، س، ح. وفي سائر الأصول: «و أنت».
[8] كذا في ح: وفي سائر الأصول «طلاب اللحوق».
ودنياك التي أمسيت فيها ... مزايلة الشقيق عن الشقيق
ومما قاله في مرثية أهله وذكر الموت وغنّى فيه - وإنما نذكر منها ما فيه غناء لأنها طويلة - :
صوت
مالك وضّاح دائم الغزل ... ألست تخشى تقارب الأجل
صلّ لذي العرش واتّخذ قدما ... تنجيك يوم العثار والزلّل
/ يا موت ما إن تزال معترضا ... لا مل دون منتهى الأمل
لو كان من فرّ منك منفلتا [1] ... إذا لأسرعت رحلة الجمل
لكنّ كفّيك نال طولهما ... ما كلّ عنه نجائب الإبل
تنال كفّاك كلّ مسهلة ... وحوت بحر ومعقل الوعل
لو لا حذاري من الحتوف فقد ... أصبحت من خوفها على وجل
لكنت للقلب في الهوى تبعا ... إنّ هواه ربائب الحجل
حرميّة [2] تسكن الحجاز لها ... شيخ غيور يعتلّ بالعلل
علّق قلبي ربيب بيت [3] ملو ... ك ذات قرطين وعثة الكفل [4]
تفترّ عن منطق تضنّ به ... يجري رضابا كذائب العسل
قال شعرا يسّبب بحبابة قبل أن يشتريها يزيد بن عبد الملك:
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا هارون بن محمد بن عبد الملك قال حدّثني سليمان بن أبي أيّوب عن مصعب قال:
قال وضّاح اليمن في حبابة جارية يزيد بن عبد الملك، وشاهدها بالحجاز قبل أن يشتريها يزيد وتصير إليه، وسمع غناءها فأعجب بها إعجابا شديدا:
صوت
يا من لقلب لا يطي ... ع الزاجرين ولا يفيق
تسلو قلوب ذوي الهوى ... وهو المكلّف [5] والمشوق
تبلت [6] حبابة قلبه ... بالدّلّ والشكل الأنيق
__________
[1] كذا صححها المرحوم الأستاذ الشنقيطي بهامش نسخته. وفي جميع الأصول «منقلبا».
[2] حرمية: نسبة إلى الحرم (بالتحريك) على غير قياس.
[3] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «بنت ملوك». وهو تصحيف.
[4] يقال: امرأة وعثة: أي كثيرة اللحم كأن الأصابع تسوخ فيها من لينها وكثرة لحمها.
[5] كلف به كلفا: إذا ولع به فهو كلف ومكلف.
[6] تبله الحب: أسقمه.
/
وبعين أحور يرتعي ... سقط الكثيب [1] من العقيق
مكحولة بالسحر تن ... شي نشوة الخمر العتيق
هيفاء إن هي أقبلت ... لاحت كطالعة الشروق
والردف مثل نقاتل ... بّد فهو زحلوق زلوق
في درّة الأصداف مع ... تنقا بها ردع الخلوق [2]
داوي هواي وأطفئي ... ما في الفؤاد من الحريق
وترفّقي أملي فقد ... كلّفتني ما لا أطيق
في القلب منك جوى المح ... بّ وراحة الصبّ الشفيق
هذا يقود برمّتي [3] ... قودا إليك وذا يسوق
/ يا نفس قد كلّفتني ... تعب الهوى منها فذوق [4]
إن كنت تائقة لح ... رّ صبابة منها فتوق [4]
شعر له في روضة:
ومما قاله في روضة وفيه عناء قوله:
صوت
يا لقومي لكثرة العذّال ... ولطيف سرى مليح الدّلال
زائر في قصور [5] صنعاء يسري ... كلّ أرض مخوفة وجبال
/ - والغناء لابن عبّاد عن الهشاميّ رمل - وهذه الأبيات من قصيدة له في روضة طويلة جيّدة يقول فيها:
يقطع الحزن والمهامه والبي ... د ومن دونه ثمان ليالي
عاتب في المنام أحبب بعتبا ... ه إلينا وقوله من مقال
قلت أهلا ومرحبا عدد القط ... ر وسهلا بطيف هذا الخيال
حبّذا من إذا خلونا نجيّا ... قال: أهلي لك الفداء ومالي
وهي الهمّ والمنى وهوى النف ... س إذا اعتلّ ذو هوى باعتلال
قست ما كان قبلنا من هوى النا ... س فما قست حبّها بمثال
__________
[1] سقط الكثيب: منقطعه.
[2] الخلوق (كرسول): ضرب من الطيب مائع فيه صفرة لأن أعظم أجزائه من الزعفران. والردع: أثر الطيب في الجسد.
[3] الرمة: قطعة حبل يشدّ بها.
[4] أصله: «فذوقي» و «فتوقي». فحذفت الياء لضرورة القافية.
[5] راجع ما كتبه أبو محمد الحسن بن أحمد الهمداني المتوفي في سجن صنعاء سنة 334 ه عن هذه القصور في الجزء الثامن من كتابه «الإكليل» المطبوع في بغداد سنة 1931 م فقد وصفها وصفا شافيا وذكر أقوال الشعراء في مدحها.
لم أجد حبّها يشاكله الحبّ ولا وجدنا كوجد الرجال
كل حبّ إذا استطال سيبلى ... وهو روضة المنى غير بالي
لم يزده تقادم العهد إلّا ... جدّة عندنا وحسن احتلال
أيها العاذلون كيف عتابي ... بعد ما شاب مفرقي وقذالي
كيف عذلي على التي هي منّي ... بمكان اليمين أخت الشّمال
والذي أحرموا له وأحلّوا ... بمنّى صبح عاشرات الليالي [1]
ما ملكت الهوى ولا النفس منّي ... منذ علّقتها فكيف احتيالي
إن نأت كان نأيها الموت صرفا ... أو دنت لي فثمّ يبدو خبالي
يابنة المالكيّ يا بهجة النف ... س أفي حبّكم يحلّ اقتتالي
أيّ ذنب عليّ إن قلت إني ... لأحبّ الحجاز حبّ الزّلال
لأحبّ الحجاز من حبّ من في ... ه وأهوى حلاله من حلال [2]
صوت
ومما فيه غناء من شعر وضاح:
أيها النّاعب ماذا تقول ... فكلانا سائل ومسول
لا كساك اللّه ما عشت ريشا ... وبخوف بتّ ثم تقيل [3]
ثم لا أنقفت [4] في العشّ فرخا ... أبدا إلا عليك دليل
حين [5] تنبى أنّ هندا قريب ... يبلغ الحاجات منها الرسول
ونأت هند فخبّرت عنها ... أن عهد الودّ سوف يزول
ومنها:
صوت
/حيّ التي أقصى فؤادك حلّت ... علمت بأنك عاشق فأدلّت
وإذا رأتك تقلقلت أحشاؤها ... شوقا إليك فأكثرت وأقلّت
وإذا دخلت فأغلقت أبوابها ... عزم الغيور حجابها فاعتلّت
__________
[1] يريد صبح الليلة العاشرة من ذي الحجة.
[2] الحلال: جمع حلة (بالكسر) وهي المحلة، أو القوم النزول فيهم كثرة.
[3] كذا في ح وهامش نسخة المرحوم الأستاذ الشنقيطي مصححة بقلمه. وفي سائر الأصول: «ثقيل» (بالثاء المثلثة)، وهو تصحيف.
[4] أنقف الفرخ: استخرجه من البيضة. وفي أ، ء، م: «ثم لا أبقيت».
[5] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «حيث».
وإذا خرجت بكت عليك صبابة ... حتى تبلّ دموعها ما بلّت
إن كنت يا وضّاح زرت فمرحبا ... رحبت عليك بلادنا وأظلّت
الغناء لابن سريج رمل بالوسطى عن عمرو. وفيها ليحيى المكيّ ثاني ثقيل بالوسطى، من كتابه. ولابنه أحمد فيها هزج. وذكر حبش أن ليحيى فيها أيضا خفيف ثقيل.
/ ومنها:
صوت
أتعرف أطلالا بميسرة اللّوى ... إلى أرعب [1] قد حالفتك [2] به الصّبا
فأهلا وسهلا بالتي حلّ حبّها ... فؤادي وحلّت دار شحط من النّوى
- الغناء فيه هزج يمنيّ بالبنصر عن ابن المكيّ - وهذه أبيات يقولها لأخيه سماعة، وقد عتب عليه في بعض الأمور. وفيها يقول:
أبادر درنوك [3] الأمير وقربه ... لأذكر في أهل الكرامة والنّهى
وأتّبع القصّاص كلّ عشيّة ... رجاء ثواب اللّه في عدد الخطا
وأمست بقصر يضرب الماء سوره ... وأصبحت في صنعاء ألتمس النّدى
فمن مبلغ عنّي سماعة ناهيا ... فإن شئت فاقطعنا كما يقطع السّلى [4]
وإن شئت وصل الرّحم في غير حيلة ... فعلنا وقلنا للذي تشتهي بلى
وإن شئت صرما للتفرّق والنّوى ... فبعدا، أدام اللّه تفرقة النّوى
ومنها:
صوت
طرق الخيال فمرحبا ألفا ... بالشاغفات قلوبنا شغفا
ولقد يقول لي الطبيب وما ... نبّأته من شأننا حرفا:
/ إني لأحسب أنّ داءك ذا ... من ذي دمالج يخضب الكفّا
إني أنا الوضّاح إن تصلي ... أحسن بك التشبيب والوصفا
شطّت فشفّ القلب ذكركها ... ودنت فما بذلت لنا عرفا
ومنها:
__________
[1] كذا ذكره صاحب «معجم البلدان» (بالراء المهملة). وقال: «أرعب (بالفتح ثم السكون وعين مهملة والباء موحدة): موضع في قول الشاعر». وساق هذين البيتين. وفي جميع الأصول: «أزعب». (بالزاي المعجمة).
[2] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «قد خالفتك» (بالخاء المعجمة).
[3] الدرنوك: الطنفسة وضرب من البسط أو الثياب له خمل قصير كخمل المناديل وبه تشبه فروة البعير والأسد.
[4] السلى: الجلدة التي يكون فيها الجنين من الناس والمواشي، فإن انقطع في البطن هلكت الأم وهلك الجنين.
صوت
- ويروى لبشّار - :
يا مرحبا ألفا وألفا ... بالكاسرات إليّ طرفا
رجح الرّوادف كالظّبا ... تعرّضت حوّا ووطفا [1]
أنكرن مركبي الحما ... روكنّ لا ينكرن طرفا [2]
وسألنني أين الشبا ... ب فقلت بان وكان حلفا
أفنى شبابي فانقضى ... حلف النساء تبعن حلفا
أعطيتهنّ مودّتي ... فجزينني كذبا وخلفا
/ وقصائد مثل الرّقى ... أرسلتهن فكنّ شغفا
أوجعن كلّ مغازل ... وعصفن بالغيران عصفا
من كل لذّات الفتى ... قد نلت نائلة وعرفا
صدت الأوانس كالدّمى ... وسقيتهنّ الخمر صرفا
ومنها: - وهذه القصيدة تجمع نسيبه بمن ذكر وفخره بأبيه وجدّه أبي جمد - .
صوت
أغنّى [3] على بيضاء تنكلّ [4] عن برد ... وتمشي على هون كمشية ذي الحرد [5]
وتلبس من بزّ العراق مناصفا ... وأبراد [6] عصب [7] من مهلهلة الجند [8]
إذا قلت يوما نوّليني تبسّمت ... وقالت لعمر اللّه لو أنه اقتصد
سموت إليها بعد ما نام بعلها ... وقد وسّدته الكفّ في ليلة الصّرد [9]
أشارت بطرف العين أهلا ومرحبا ... ستعطى الذي تهوى على رغم من حسد
أ لست ترى من حولنا من عدوّنا ... وكل غلام شامخ الأنف قد مرد [10]
__________
[1] الحو: جمع حواء، وهي التي بها لون الحوة، وهي سواد إلى خضرة، وقيل: حمرة إلى سواد. والحوّة أيضا سمرة الشفة.
والوطف: جمع وطفاء، وهي كثيرة شعر أهداب العينين.
[2] الطرف: الكريم من الخيل.
[3] كذا في جميع الأصول. ولعلها: «أعني» (بالعين المهملة)، أمر من الإعانة.
[4] تنكل: تفتر وتبسم.
[5] الحرد: ثقل الدرع على المدرع فلا يقدر على الانبساط في المشي، أو هوداء يأخذ الإبل في اليدين دون الرجلين فتسترخي أيديها.
[6] في ح: «أكباش»، وهي والأبراد بمعنى واحد.
[7] العصب: ضرب من برود اليمن، واحده وجمعه سواء، يقال: برد عصب وبرد عصب بالإضافة.
[8] الجند (بالتحريك): مدينة باليمن بينها وبين صنعاء ثمانية وأربعون فرسخا.
[9] الصرد (بسكون الراء وفتحها): البرد وقيل شدته.
[10] مرد: عتا وبلغ الغاية.
فقلت لها إني امرؤ فاعلمنّه ... إذا ما أخذت السيف لم أحفل العدد
بنى لي إسماعيل مجدا مؤثّلا ... وعبد كلال قبله [1] وأبو جمد
تطيف علينا قهوة في زجاجة ... تريك جبان القوم أمضى من الأسد
ومنها:
صوت
يأيها القلب بعض ما تجد ... قد يعشق القلب ثم يتّئد
قد يكتم المرء حبّه حقبا ... وهو عميد وقلبه كمد
ماذا تراعون من فتى غزل ... قد تيّمته خمصانة رؤد
يهدّدوني كيما أخافهم ... هيهات أنّى يهدّد الأسد
/ ومنها:
صوت
صدع [2] البين والتفرّق قلبي ... وتولّت أمّ البنين بلبّي
ثوت النفس في الحمول لديها ... وتولّى بالجسم منّي صحبي
ولقد قلت والمدامع تجري ... بدموع كأنها فيض غرب
جزعا للفراق يوم تولّت: ... حسبي اللّه ذو المعارج حسبي
ومنها:
صوت
يابنة الواحد جودي فما ... إن تصرميني فبما أو لما
جودي علينا اليوم أو بيّني ... فيم قتلت الرجل المسلما
إني وأيدي قلص ضمّر ... وكلّ خرق [3] ورد الموسما
ما علّق القلب كتعليقها ... واضعة كفّا علت معصما
ربّة [4] محراب إذا جئتها ... لم ألقها أو ارتقي سلّما
/ إخوتها أربعة كلّهم ... ينفون عنها الفارس المعلما
كيف أرجّيها ومن دونها ... بوّاب سوء يعجل المشتما
__________
[1] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «بعده».
[2] في ح: «صرع».
[3] الخرق: الفتى الحسن الكريم الخليقة.
[4] كذا و «اللسان» (مادة حرب). وفي الأصول: «و رب محراب»، وهو تحريف.
أسود هتّاك لأعراض من ... مرّ على الأبواب أو سلّما
لا منّة أعلم كانت لها ... عندي ولا تطلب فينا دما
بل هي لمّا أن رأت عاشقا ... صبّا رمته اليوم فيمن رمى
لمّا ارتمينا [1] ورأت أنّها ... قد أثبتت في قلبه أسهما
/ أعجبها ذاك فأبدت له ... سنّتها [2] البيضاء والمعصما
قامت تراءى لي على قصرها ... بين جوار خرّد كالدّمى
وتعقد المرط على جسرة [3] ... مثل كثيب الرمل أو أعظما
ومنها:
صوت
دعاك من شوقك الدّواعي ... وأنت وضّاح ذو أتباع [4]
دعتك ميّالة لعوب ... أسيلة الخد باللّماع
دلالك الحلو والمشهّي ... وليس سرّيك بالمضاع
لا أمنع النفس عن هواها ... وكلّ شيء إلى انقطاع
ومنها:
صوت
ألا يا لقومي أطلقوا غلّ مرتهن ... ومنّوا على مستشعر الهمّ والحزن
تذكّر سلمى وهي نازحة فحنّ ... وهل تنفع الذكرى إذا اغترب الوطن
ألم ترها صفراء رؤدا شبابها ... أسيلة مجرى الدمع كالشّادن الأغنّ
وأبصرت سلمى بين بردي مراجل [5] ... وأراد عصب من مهلهلة اليمن
فقلت لها لا ترتقي السطح إنني ... أخاف عليكم كلّ ذي لمّة حسن
/ الغناء لابن سريج، وله في هذا الشعر لحنان: ثقيل أوّل بالبنصر عن عمرو، ورمل بالسبّابة في مجرى البنصر عن إسحاق. وأوّل الرمل قوله:
ألا يا لقومي أطلقوا غلّ مرتهن
__________
[1] ارتمينا: توامينا.
[2] السنة: الوجه، وقيل: الجبهة والجبينان، وقيل: غير ذلك.
[3] المرط (بالكسر): كساء من صوف أو خز أو كتان يؤتزر به، وربما تلقيه المرأة على رأسها وتتلفع به. والجسر: كل عضو ضخم، ويريد بالجسرة هنا العجيزة.
[4] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «ذو تباع».
[5] المراجل: ضرب من برود اليمن عليه تصاوير.
وأوّل الثقيل الأوّل: «تذكّر سلمى». وفي هذه الأبيات هزج يمنيّ بالبنصر.
ومنها:
صوت
أغدوت أم في الرائحين تروح ... أم أنت من ذكر الحسان صحيح
إذ قالت الحسناء ما لصديقنا ... رثّ الثياب وإنه لمليح
لا تسألنّ عن الثياب فإنني ... يوم اللقاء على الكماة مشيح
أرمي وأطعن ثم أتبع ضربة ... تدع النساء على الرجال تنوح
صوت من المائة المختارة
يا صاح إني قد حجج ... ت وزرت بيت المقدس
وأتيت لدّا [1] عامدا ... في عيد مريا سرجس [2]
/فرأيت فيه نسوة ... مثل الظباء الكنّس
الشعر والغناء للمعلّى بن طريف مولى المهديّ. ولحنه المختار خفيف رمل بالبنصر. وكان المعلّى بن طريف وأخوه ليث مملوكين مولّدين من مولّدي الكوفة لرجل من أهلها، فاشتراهما عليّ بن سليمان وأهداهما إلى المنصور، فوهبهما المنصور للمهديّ/ فأعتقهما. ونهر المعلّى وربض [3] المعلّى ببغداد منسوب إلى المعلّى - هكذا ذكر ذلك ابن خرداذبه - وكان ضاربا محسنا طيّب الصوت حسن الأداء صالح الصنعة، أخذ الغناء عن إبراهيم وابن جامع وحكم الوادي. وولّي أخوه ليث السّند، وولّي هو الطّراز [4] والبريد بخراسان، وقاتل يوسف البرم فهزمه، ثم ولّي الأهواز بعد ذلك. فقال فيه بعض الشعراء يمدحه ويمدح أخاه اللّيث ويهجو عليّ بن صالح صاحب المصلّى [5]:
يا عليّ بن صالح ذا [6] المصلّى ... أنت تفدي ليثا وتفدي المعلّى
سدّ ليث ثغرا وولّيت فاختن ... ت فبئس المولى وبئس المولّى
__________
[1] كذا في «المسالك والممالك» لابن خرداذبه و «معجم البلدان». ولد (بالضم والتشديد): قرية قرب بيت المقدس من نواحي فلسطين.
وفي سائر الأصول: «فذا». وفي ح: «بدا» وهما محرفان.
[2] في «المسالك والممالك» لابن خرداذبه: «مريا جرجس».
[3] الربض (محركة): الناحية، وما حول المدينة من بيوت ومساكن. والأرباض كثيرة جدا، وقلما تخلو مدينة من ربض. ذكر منها ياقوت في معجمه ما أضيف فصار كالعلم أو نسب إليها أحد من العلماء، ولم يذكر «ربض المعلى» من بينها.
[4] يريد ديوان الطراز وهو الذي تنسج فيه الثياب.
[5] كذا صححها المرحوم الشيخ الشنقيطي على هامش نسخته. وفي جميع الأصول: «المعلى» وهو تحريف. راجع «الطبري» في اسم علي بن صالح هذا.
[6] في جميع الأصول: «ذي» وهو تحريف.
وعليّ بن سليمان هذا الذي أهدى المعلّى وأخاه إلى المهديّ هو الذي يقول فيه أبو دلامة زند [1] بن الجون الأسديّ؛ وكان خرج مع المهديّ إلى الصيد، فرمى المهديّ وعليّ بن سليمان ظبيا سنح لهما، وقد أرسلت عليه الكلاب، بسهمين، فأصاب المهدي الظبي وأصاب عليّ بن سليمان الكلب فقتلاهما. فقال أبو دلامة:
قد رمى المهديّ ظبيا ... شكّ بالسهم فؤاده
وعليّ بن سليما ... ن رمى كلبا فصاده
فهنيئا لهما كلّ ... امرىء يأكل زاده
حدّثنا بذلك الحسن بن عليّ عن أحمد بن زهير عن مصعب، وعن أحمد بن سعيد عن الزّبير بن بكّار عن عمّه.
صوت من المائة المختارة
ألا طرد الهوى عنّي رقادي ... فحسبي ما لقيت من السّهاد
لعبدة إنّ عبدة تيّمتني ... وحلّت من فؤادي في السّواد
الشعر لبشّار. والغناء المختار في هذين البيتين هزج خفيف بالبنصر، ذكر يحيى بن عليّ أنه يمنيّ، وذكر الهشاميّ أنه لسليم.
__________
[1] في جميع الأصول هنا: «زيد» (بالياء المثناة)، وهو تصحيف. (راجع ترجمته في الجزء التاسع من «الأغاني» ص 120 - 140 طبع بولاق).
18 - أخبار بشّار وعبدة خاصة إذ كانت أخباره [1] سوى هذه تقدّمت
حبه لعبدة وشعره فيها:
حدّثني محمد بن خلف وكيع قال حدّثنا أبو أيوب المديني عمن حدّثه عن الأصمعيّ هكذا قال، وأخبرني به عمّي عن عبد اللّه [2] بن أبي سعد عن عليّ بن مسرور عن الأصمعيّ قال:
كان لبشّار مجلس يجلس فيه يقال له البردان. فبينا هو في مجلسه ذات يوم وكان النساء يحضرنه، إذ سمع كلام امرأة يقال لها عبدة/ في المجلس، فدعا غلامه فقال: إني قد علّقت امرأة، فإذا تكلمت فانظر من هي واعرفها، فإذا انقضى المجلس وانصرف أهله فاتبعها وكلّمها وأعلمها أنّي لها محبّ وأنشدها هذه الأبيات وعرّفها أني قلتها فيها:
صوت
قالوا بمن لا ترى تهذي فقلت لهم ... الأذن كالعين توفي القلب ما كانا
ما كنت أوّل مشغوف بجارية ... يلقى بلقيانها روحا وريحانا
- ويروى: هل من دواء لمشغوف بجارية - :
يا قوم أذني لبعض الحيّ عاشقة ... والأذن تعشق قبل العين أحيانا
- غنّى إبراهيم في هذه الأبيات ثاني ثقيل بإطلاق الوتر في مجرى البنصر، عن إسحاق. وفيها لسياط ثقيل أول بالوسطى، عن عمرو. وفيها لإسحاق هزج من جامع أغانيه - قال: فأبلغها الغلام الأبيات، فهشّت لها، وكانت تزوره مع نسوة/ يصحبنها فيأكلن عنده ويشربن وينصرفن بعد أن يحدّثها وينشدها ولا تطمعه في نفسها. قال: وقال فيها:
قالت عقيل بن كعب [3] إذ تعلّقها ... قلبي فأضحى به من حبّها أثر
أنّى ولم ترها تهذي! فقلت لهم ... إن الفؤاد يرى ما لا يرى [4] البصر
__________
[1] يلاحظ أن بعض الأخبار المذكورة هنا تقدّمت في ترجمته في الجزء الثالث من هذه الطبعة.
[2] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «عبيد اللّه» وهو تحريف.
[3] عقيل بن كعب: قبيلة كبيرة كان ولاء بشار بن برد لها. ومن قوله يفتخر بهذا الولاء كما مرّ في ترجمته:
إنني من بني عقيل بن كعب ... موضع السيف من طلى الأعناق
[4] في ب، س: «ما لم ير البصر».
أصبحت كالحائم الحرّان مجتنبا ... لم يقض وردا ولا يرجى له صدر
قال: وقال فيها أيضا - وهو من جيّد ما قال فيها - :
يزهّدني في حبّ عبدة معشر ... قلوبهم فيها مخالفة قلبي
فقلت دعوا قلبي وما اختار وارتضى ... فبالقلب لا بالعين يبصر ذو الحبّ
فما تبصر العينان في موضع الهوى ... ولا تسمع الأذنان إلا من القلب
وما الحسن إلا كلّ حسن دعا الصّبا ... وألّف بين العشق والعاشق الصبّ
قال: وقال فيها:
يا قلب مالي أراك لا تقر ... إياك أعني وعندك الخبر
أضعت بين الألى مضوا حرقا ... أم ضاع ما استودعوك إذ بكروا؟
فقال بعض الحديث يشغفني ... والقلب راء ما لا يرى البصر
عابه الحسن البصري وهتف به فهجاه:
وأخبرني بهذا الخبر أبو الحسن أحمد بن محمد الأسديّ قال حدّثنا الحسن بن عليل العنزيّ قال حدّثنا خالد بن يزيد بن وهب عن جرير عن أبيه بمثل هذه القصة، وزاد فيها:
/ أنّ عبدة جاءت إليه في نسوة خمس قد مات لإحداهن قريب فسألنه أن يقول شعرا ينحن عليه به، فوافينه وقد احتجم - وكان له مجلسان: مجلس يجلس فيه غدوة يسميه «البردان» ومجلس يجلس فيه عشيّة يسميه «الرّقيق» - وهو جالس في البردان وقد قال لغلامه: أمسك عليّ بابي واطبخ لي وهيّىء طعامي وطيّبه وصفّ نبيذي.
قال: فإنه لكذلك إذا قرع الباب عليه قرعا عنيفا؛ فقال: ويحك يا غلام! انظر من يدقّ الباب دقّ الشّرط؛ فنظر الغلام وجاءه فقال: خمس نسوة بالباب يسألنك أن تقول شعرا ينحن فيه؛ فقال: أدخلهنّ. فلما دخلن/ نظرن إلى النبيذ مصفّى في قنانيّه؛ [في جانب بيته] [1] فقالت إحداهن: خمر؛ [و قالت الأخرى: زبيب] [2]؛ وقالت الأخرى:
معسّل. فقال: لست بقائل لكنّ حرفا أو تطعمن من طعامي وتشربن من شرابي. فتماسكن ساعة، وقالت إحداهن:
فما عليكنّ من ذلك! هذا أعمى، كلن من طعامه واشربن من شرابه وخذن شعره، ففعلن. وبلغ ذلك الحسن البصري فعابه وهتف به. فبلغ ذلك بشّارا، وكان الحسن يلقّب القسّ [3]، فقال فيه بشّار:
لمّا طلعن من الرّقي ... ق عليّ بالبردان خمسا [4]
وكأنهنّ أهلّة ... تحت الثياب زففن شمسا
باكرن طيب لطيمة [5] ... رعمسن في الجاديّ عمسا
__________
[1] زيادة عن ح.
[2] هذه العبارة ساقطة من ب، س.
[3] لقب به لصلاحه.
[4] تقدّمت هذه الأبيات مع تفسير كلماتها الغامضة في «ترجمة بشار» (ج 3 ص 170 من هذه الطبعة).
[5] اللطيمة: المسك ونافجته، وقيل: العير التي تحمل الطيب. والجادي: الزعفران.
فسألنني من في البيو ... ت فقلت ما يحوين إنسا
ليت العيون الناظرا ... ت طمسن عنّا اليوم طمسا
فأصبن من طرف الحدي ... ث لذاذة وخرجن ملسا
لو لا تعرّضهن لي ... يا قسّ كنت كأنت قسّا
لامه مالك بن دينار على تناوله أعراض الناس والتشبيب بالنساء فقال: لا أعاود ثم قال شعرا:
أخبرني الأسديّ ويحيى بن عليّ بن يحيى ومحمد بن عمران الصّيرفي قالوا حدّثنا العنزيّ قال حدّثنا علي بن محمد عن جعفر بن محمد النّوفليّ قال:
أتيت بشارا ذات يوم، فقال لي: ما شعرت منذ أيام إلا بقارع يقرع بابي مع الصبح؛ فقلت: يا جارية، انظري من هذا؛ فقالت: مالك بن دينار؛ فقلت: مالي ولمالك بن دينار! ما هو من أشكالي! ائذني له. فدخل فقال لي:
يا أبا معاذ، أتشتم أعراض الناس وتشبّب بنسائهم! فلم يكن عندي إلا دفعه عن نفسي بأن قلت: لا أعاود؛ فخرج من عندي. وقلت في إثره:
غدا مالك بملاماته ... عليّ وما بات من باليه [1]
فقلت دع اللوم في حبّها ... فقبلك أعييت عذّ اليه
وإنّي لأكتمهم سرّها ... غداة تقول لها الجاليه
أعبدة مالك مسلوبة ... وكنت مقرطقة [2] حاليه
فقالت على رقبة: إنني ... رهنت المرعّث خلخاليه
بمجلس يوم سأوفي به ... وإن أنكر الناس أحواليه
أرسلت له عبدة السلام مع امرأة فرد عليها بشعر فيها:
أخبرني وكيع قال حدّثني عمرو بن محمد بن عبد الملك قال حدّثني الحسن [3] بن جهور قال حدّثني هشام بن الأحنف، راوية بشار، قال:
إني لعند بشّار ذات يوم إذ أتته امرأة فقالت: يا أبا معاذ، عبدة تقرئك السلام وتقول لك: قد اشتدّ شوقنا إليك ولم نرك منذ أيام؛ فقال: عن غير مقلية/ واللّه كان ذاك. ثم قال لراويته: يا هشام، خذ الرقعة واكتب فيها ما أقول لك ثم ادفعه للرسول. قال هشام: فأملى عليّ:
عبد إنّي إليك بالأشواق ... لتلاق وكيف لي بالتلاقي
أنا واللّه أشتهي سحر عيني ... ك وأخشى مصارع العشّاق
__________
[1] راجع هذه الأبيات والتعليق عليها في ترجمته في الجزء الثالث ص 170 من هذه الطبعة.
[2] مقرطقة: لابسة القرطق (بضم القاف وسكون الراء وفتح الطاء وقد تضم) وهو القباء. وقد مرت بلفظ: «معطرة».
[3] الذي مر هو الحسن بن جمهور. ويروي عنه محمد بن عمر بن محمد بن عبد الملك، وعن محمد هذا يروي وكيع. (راجع ج 3 ص 161 س 9 من هذه الطبعة).
/
وأهاب الحرسيّ [1] محتسب الجن ... د يلفّ البرىء بالفسّاق
ومما يغني فيه من شعر بشار في عبدة قوله:
صوت
لعبدة دار ما تكلّمنا الدار ... تلوح مغانيها كما لاح أسطار
أسائل أحجارا ونؤيا مهدّما ... وكيف يجيب القول نؤي وأحجار
وما كلّمتني دارها إذ سألتها ... وفي كبدي كالنّفط شبّت به [2] النار
وعند مغاني دارها لو تكلّمت ... لمكتئب بادي الصّبابة أخبار
الغناء لإبراهيم ثاني ثقيل مطلق في مجرى البنصر عن إسحاق. وفيه لابن جامع ثقيل أوّل عن الهشامي. ومن هذه القصيدة:
صوت
تحمّل جيراني فعيني لبينهم ... تفيض بتهتان إذا لاحت الدار
بكيت على من كنت أحظى بقربه ... وحقّ الذي حاذرت بالأمس إذ ساروا [3]
الغناء ليحيى المكّيّ ثقيل أوّل بالبنصر.
/ ومن الأغاني في شعره في عبدة:
صوت
مسّني من صدود عبدة ضرّ ... فبنات الفؤاد ما تستقرّ
ذاك شيء في القلب من حبّ عب ... دة باد وباطن يستسرّ
الغناء لإبراهيم ثاني ثقيل مطلق في مجرى الوسطى عن إسحاق. وفيه لإسحاق رمل بالبنصر عن عمرو. وفيه لحكم ثقيل أوّل بالوسطى من جامع غنائه في كتاب إبراهيم. وفيه لفريدة خفيف ثقيل عن إسحاق. وفيه ليحيى المكّيّ ثقيل أوّل من كتابه. وفيه لحسين بن محرز رمل عن الهشامي.
ومنها:
صوت
يا عبد إني قد ظلمت وإنني ... مبد مقالة راغب أو راهب
وأتوب مما تكرهين لتقبلي ... واللّه يقبل حسن فعل التائب
__________
[1] الحرسي (بالتحريك): واحد حرس السلطان، وسكن هنا للضرورة.
[2] في جميع الأصول: «له».
[3] في ب، س: «صاروا».
الغناء لحكم خفيف ثقيل عن إسحاق. وفيه ليحيى المكيّ ثقيل أوّل من كتابه. وفيه لحسين بن محرز رمل عن الهشامي.
ومنها:
صوت
يا عبد حبّك شفّني شفّا ... والحبّ داء يورث الحتفا
والحبّ يخفيه المحبّ، لكي ... لا يستراب به، وما يخفى
الغناء لسياط خفيف رمل مطلق في مجرى البنصر عن إسحاق.
/ ومنها:
صوت
يا عبد باللّه فرّجي كربي ... فقد براني وشفّني نصبي
وضقت ذرعا بما كلفت به ... من حبّكم والمحبّ في تعب
ففرّجي كربة شجيت بها ... وحرّ حزن في الصدر كاللّهب
ولا تظنّي ما أشتكي لعبا ... هيهات قد جلّ ذا عن اللعب
/ غنّاه سياط ثقيلا أوّل بالبنصر عن عمرو.
ومنها:
صوت
يا عبد زوريني تكن منّة ... للّه عندي يوم ألقاك
واللّه ثمّ اللّه فاستيقني ... إني لأرجوك وأخشاك
يا عبد إني هالك مدنف ... إن لم أذق برد ثناياك
فلا تردّي عاشقا مدنفا ... يرضى بهذا القدر من ذاك
الغناء لحكم هزج خفيف بالسبّابة في مجرى البنصر عن إسحاق.
ومنها:
صوت
يا عبد قد طال المطال فأنعمي ... واشفي فؤاد فتى يهيم متيّم
الغناء ليزيد حوراء غير مجنّس عن إبراهيم.
ومنها:
صوت
يا عبد هل للّقاء من سبب ... أو لا فأدعو بالويل والحرب
الغناء ليزيد حوراء غير مجنّس.
/ ومنها:
صوت
يا عبد هل لي منكم من عائد ... أم هل لديك صلاح قلب فاسد
الغناء لابن عبّاد عن إبراهيم غير مجنّس.
ومنها:
صوت
يا عبد حيّي عن قريب ... وتأمّلي عين الرقيب
وارعي ودادي غائبا ... فلقد رعيتك في المغيب
أشكو إليك وإنّما ... يشكو المحبّ إلى الحبيب
غرضي [1] إليك من الهوى ... غرض المريض إلى الطبيب
الغناء لحكم مطلق في مجرى البنصر.
ومنها:
صوت
يا عبد باللّه ارحمي عبدك ... وعلّليه بمنى وعدك
يصبح مكروبا ويمسي به ... وليس يدري ما له عندك
ماذا تقولين لربّ العلا ... إذا تخلّيت به وحدك
الغناء لإبراهيم ثاني ثقيل بالبنصر عن عمرو. وفيه لإسحاق هزج من جامع أغانيه. وفيه ليزيد حوراء لحن ذكره إبراهيم ولم يجنّسه. وذكر حبش أنّ الثقيل الثاني لسياط.
/ ومنها:
صوت
يا عبد جلّي كروبي ... وأسعفي وأثيبي
فقد تطاول همّي ... وزفرتي ونحيى
__________
[1] في الأصول: «غرضا».
الغناء لابن سكّرة عن إبراهيم ولم يجنّسه.
ومنها:
صوت
يا عبد أنت ذخيرتي ... نفسي فدتك وجيرتي
اللّه يعلم فيكم ... يا عبد حسن سريرتي
نفسي لنفسك خلّة [1] ... وكذاك أنت أميرتي [2]
الغناء لحكم الوادي خفيف ثقيل بالوسطى عن عمرو.
ومنها:
صوت
يا عبد حبّي لك مستور ... وكلّ حبّ غيره زور
إن كان هجري سرّكم فاهجروا ... إنّي بما سرّك مسرور
الغناء لحكم هزج بالوسطى عن ابن المكيّ.
ومنها:
صوت
لم يطل ليلي ولكن لم أنم ... ونفى عنّي الكرى طيف ألمّ
وإذا قلت لها جودي لنا ... خرجت بالصمت عن لا ونعم
/ رفّهي يا عبد عنّي واعلمي ... أنّني يا عبد من لحم ودم
إن في بردي جسما ناحلا ... لو توكأت عليه لا نهدم
ختم الحبّ لها في عنقي ... موضع الخاتم من أهل الذمم
الغناء لحكم هزج بالسبّابة والوسطى عن ابن المكيّ. وذكره إسحاق في هذه الطريقة فلم ينسبه إلى أحد. وفيه لعثعث الأسود خفيف رمل في الأول والخامس. وكان بشّار ينكر هذا البيت الأخير وهو:
ختم الحب لها في عنقي
أنشده رجل بيتا له فأنكره:
أخبرني عمّي قال حدّثنا الكرانيّ قال حدّثني أبو حاتم السّجستانيّ قال حدّثني من أنشد بشارا قوله:
لم يطل ليلي ولكن لم أنم
__________
[1] الخلة (بالضم): الخليلة.
[2] في ح: «أسيرتي».
حتى بلغ إلى قوله:
ختم الحبّ لها في عنقي ... موضع الخاتم من أهل الذمم
فقال بشار: عمّن أخذت هذا؟ قلت: عن راويتك فلان؛ فقال: قبّحه اللّه! واللّه ما قلت هذا البيت قطّ، أما ترى إلى أثره فيه! ما أقبحه وأشدّ تميّزه عنّي! فقال له بعض من حضر: نعم، هو ألحقه بالأبيات.
ومنها:
صوت
عبد إنّي قد اعترفت بذنبي ... فاغفري واعركي [1] خطاي بجنب [2]
عبد لا صبر لي ولست - فمهلا - ... قائلا قد عتبت في غير عتب
/ ولقد قلت حين أنصبني الحب فأبلى جسمي وعذب قلبي
ربّ لا صبر لي على الهجر حسبي ... أقلني حسبي لك الحمد حسبي
الغناء لسياط خفيف رمل بالوسطى عن عمرو. وفيه لسليم هزج من كتاب ابن المكيّ.
ومنها:
صوت
عبد منّى وأنعمى ... قد ملكتم قياديه
شاب رأسي ولم تشب ... ابلائي لداتيه [3]
/الغناء لسياط خفيف رمل بالوسطى عن عمرو. وفيه لعريب هزج.
ومنها:
صوت
عبد يا همّتي [4] عليك السلام ... فيم يجفى حبيبك المستهام
نزل الحبّ منزلا في فؤادي ... وله فيه مجلس ومقام
الغناء لأبي زكّار خفيف رمل بالوسطى عن عمرو. وفيه لعريب هزج [5].
ومنها:
__________
[1] في جميع الأصول: «و اعدلي»، والظاهر أنها محرفة عما أثبتناه. يقال: عرك بجنبه ما كان من صاحبه، كأنه حكه حتى عفاه. وأصله من عرك الأديم إذا دلكه.
[2] في جميع الأصول: «بجنبي» وهو تحريف.
[3] في جميع الأصول: «لدائيه». والظاهر أنها محرفة عما أثبتناه.
[4] الهمة (بالكسر ويفتح): الهوى.
[5] في ح: «رمل».
صوت
عبد يا قرّة عيني ... أنصفي، روحي فداك
عاشق ليس له ذك ... ر ولا همّ سواك
الغناء لعريب هزج. وفيه لحن ليزيد حوراء غير مجنّس.
/ ومنها:
صوت
يا عبد يا جافية قاطعه ... أما رحمت المقلة الدامعه
يا عبد خافي اللّه في عاشق ... يهواك حتى تقع الواقعه
الغناء لأبي زكّار هزج بالبنصر عن عمرو.
صوت من المائة المختارة
أرسلت أمّ جعفر لا تزور ... ليت شعري بالغيب من ذا دهاها
أأتاها محرّش بنميم ... كاذب ما أراد إلا رداها
روضه من الخفيف - الشعر للأحوص. والغناء لأمّ جعفر المدنيّة مولاة عبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب. ولحنه من الثقيل الأوّل في مجرى البنصر عن إسحاق. وذكر عمرو بن بانة أنّ فيه لحنا من [1] الثقيل الأوّل بالبنصر، فلا أعلم أهذا يعني [2] أم غيره. وفيه لابن سريج ثاني ثقيل بالبنصر في مجراها عن يحيى المكّيّ وإسحاق. وفيه لإبراهيم خفيف ثقيل بالوسطى عن عمرو والهشاميّ.
__________
[1] كذا في ح. وفي سائر الأصول: « ... أن فيه لحنا لمعبد من الثقيل ... » بزيادة كلمة «معبد». ولا يستقيم المعنى بذكرها.
[2] في الأصول: «يغنى» بالغين المعجمة، وهو تصحيف.
19 - أخبار الأحوص مع أم جعفر
أم جعفر التي كان يشبب بها الأحوص ونسبها:
وقد ذكرت أخبار الأحوص متقدّما إلا أخباره مع أمّ جعفر التي قال فيها هذا الشعر فإنها أخّرت إلى هذا الموضع. وأمّ جعفر هذه امرأة من الأنصار من بني خطمة [1]، وهي أمّ جعفر بنت عبد اللّه بن عرفطة بن قتادة بن معدّ بن غياث بن رزاح بن عامر بن عبد اللّه بن خطمة بن جشم بن مالك [2] بن الأوس. وله فيها أشعار كثيرة.
تشبيب الأحوص بأم جعفر وتوعد أخيها أيمن له:
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ وحبيب بن نصر المهلّبي قالا حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثني يعقوب بن القاسم ومحمد بن يحيى الطّلحي عن عبد العزيز بن أبي ثابت، وأخبرني عمّي قال حدّثني محمد بن داود بن الجرّاح قال حدّثني أحمد بن زهير عن مصعب، وأخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثنا عبد الرحمن بن عبد اللّه عن المحرز بن جعفر الدّوسيّ،/ قالوا جميعا:
لمّا أكثر الأحوص التشبيب بأمّ جعفر وشاع ذكره فيها توعّده أخوها أيمن وهدّده فلم ينته، فاستعدى عليه والي المدينة - وقال الزبير في خبره: فاستعدى عليه عمر بن عبد العزيز - فربطهما في حبل ودفع إليهما سوطين وقال لهما: تجالدا؛ فتجالدا فغلب أخوها. وقال غير الزّبير في خبره: وسلح الأحوص في ثيابه وهرب وتبعه أخوها حتى فاته الأحوص هربا. وقد كان الأحوص قال فيها:
/لقد منعت معروفها أمّ جعفر ... وإنّي إلى معروفها لفقير
وقد أنكرت بعد اعتراف زيارتي ... وقد وغرت فيها عليّ صدور
أدور ولو لا أن أرى أمّ جعفر ... بأبياتكم ما درت حيث أدور
أزور البيوت اللاصقات ببيتها ... وقلبي إلى البيت الذي لا أزور
وما كنت زوّارا ولكن ذا الهوى ... إذا لم يزر لابدّ أن سيزور
أزور على أن لست أنفكّ كلّما ... أتيت عدوّا بالبنان يشير
فقال السائب بن عمرو، أحد بني عمرو بن عوف، يعارض الأحوص في هذه الأبيات ويعيّره بفراره:
لقد منع المعروف من أم جعفر ... أخو ثقة عند الجلاد صبور
__________
[1] لقب خطمة لأنه ضرب رجلا على أنفه فخطمه.
[2] كذا في «شرح القاموس» مادة خطم وكتاب «الاستبصار في أنساب الأنصار» ص 146 المخطوط والمحفوظ بدار الكتب المصرية تحت رقم (349 تاريخ). وفي جميع الأصول: « ... خطمة بن مالك بن جشم بن الأوس» وهو تحريف.
علاك بمتن السوط حتى اتّقيته ... بأصفر من ماء الصّفاق [1] يفور
فقال الأحوص:
إذا أنا لم أغفر لأيمن ذنبه ... فمن ذا الذي يعفو له ذنبه بعدي
أريد انتقام الذنب ثم تردّني ... بد لأدانيه مباركة عندي
وقال الزبير في خبره خاصّة: وإنما أعطاهما عمر بن عبد العزيز السوطين وأمرهما أن يتضاربا بهما اقتداء بعثمان بن عفان؛ فإنه كان لما تهاجى سالم بن دارة ومرّة ابن واقع الغطفاني الفراري لزّهما عثمان بحبل وأعطاهما سوطين فتجالدا بهما.
وقال عمر بن شبّة في خبره: وقال الأحوص فيها [2] أيضا - وقد أنشدني علي بن سليمان الأخفش هذه الأبيات وزاد فيها على رواية عمر بن شبّة بيتين فأضفتهما إليها - :
/و إني ليدعوني هوى أمّ جعفر ... وجاراتها من ساعة فأجيب
وإني لآتي البيت ما إن أحبّه ... وأكثر هجر البيت وهو حبيب
وأغضي على أشياء منكم تسوءني ... وأدعى إلى ما سرّكم فأجيب
هبيني امرأ إمّا بريئا ظلمته ... وإمّا مسيئا مذنبا فيتوب
فلا تتركي نفسي شعاعا فإنها ... من الحزن قد كادت عليك تذوب
لك اللّه إني واصل ما وصلتني ... ومثن بما أوليتني ومثيب
وآخذ ما أعطيت عفوا وإنني ... لأزور عما تكرهين هيوب
هكذا ذكره الأخفش في هذه الأبيات الأخيرة، وهي مروية للمجنون في عدة روايات؛/ وهي بشعره أشبه.
وفي هذه الأشعار التي مضت أغان نسبتها:
صوت
أدور ولو لا أن أرى أمّ جعفر ... بأبياتكم ما درت حيث أدور
أدور على أن لست أنفكّ كلما ... أتيت عدوّا بالبنان يشير
الغناء لمعبد، وله فيه لحنان [3]: ثقيل أوّل بالسبّابة في مجرى البنصر عن عمرو. ولإسحاق فيهما وفي قوله:
أزور البيوت الّلاصقات ببيتها
وبعده:
«أدور ولو لا أن أرى أمّ جعفر
__________
[1] الصفاق: جمع صفق (بالتحريك) وهو الأديم الجديد يصب عليه الماء فيخرج منه ماء أصفر، واسم ذلك الماء: الصفق (بسكون الفاء وفتحها).
[2] في جميع الأصول: «فيه» وهو تحريف.
[3] لم يذكر في الأصول اللحن الثاني.
لحن من الرمل. وفي البيتين اللذين فيهما غناء معبد للغريض ثقيل أوّل عن الهشامي، ولإبراهيم خفيف ثقيل.
وفيه لحن لشارية عن ابن المعتز ولم يذكر طريقته.
/إذا أنا لم أغفر لأيمن ذنبه ... فمن ذا الذي يعفو له ذنبه بعدي
أريد مكافأة له وتصدّني ... يد لأدانيه مباركة عندي
الغناء لمعبد ثاني ثقيل بالوسطى عن يحيى المكيّ، وذكر غيره أنه منحول يحيى إلى معبد. وفيه ثقيل أوّل ينسب إلى عريب ورونق.
ومنها وهو:
صوت من المائة المختارة
وإني لآتي البيت ما إن أحبّه ... وأكثر هجر البيت وهو حبيب
وأغضي على أشياء منكم تسوءني ... وأدعى إلى ما سرّكم فأجيب
وما زلت من ذكراك حتى كأنني ... أميم [1] بأفياء [2] الديار سليب [3]
أبثّك ما ألقى وفي النفس حاجة ... لها بين جلدي والعظام دبيب
لك اللّه إنّي واصل ما وصلتني ... ومثن بما أوليتني ومثيب
وآخذ ما أعطيت عفوا وإنني ... لأزور عما تكرهين هيوب
فلا تتركي نفسي شعاعا فإنها ... من الحزن قد كادت عليك تذوب
الشعر للأحوص. ومن الناس من ينسب البيت الخامس وما بعده إلى المجنون. والغناء في اللحن المختار لدحمان، وهو ثقيل أوّل مطلق في مجرى البنصر. وذكر الهشاميّ أن في الأبيات الأربعة لابن سريج لحنا من الثقيل الأوّل، فلا أعلم ألحن دحمان عنى [4] أم ثقيلا آخر. وفي:
/لك اللّه إني واصل ما وصلتني ... ومثن بما أوليتني ومثيب
لإسحاق ثاني ثقيل بالوسطى عن عمرو. وفيها لإبراهيم خفيف رمل بالوسطى.
لما أكثر من ذكر أم جعفر عرضت له في أمر فحلف أمام الناس أنه لا يعرفها:
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير قال حدّثني محمد بن حسن؛ قال الزّبير وحدّثني عبد الرحمن بن عبد اللّه الزّهريّ عن محرز:
__________
[1] الأميم: المشجوج الرأس وقد يستعار لغير الرأس قال:
قلبي من الزفرات صدّعه الهوى ... وحشاي من حرّ الفراق أميم
[2] في ح: «بأقياء». وفي سائر الأصول: «بأفناء». وظاهر أن كليهما مصحف عما أثبتناه.
[3] السليب: المستلب العقل.
[4] في جميع الأصول: «غنى» بالغين المعجمة، وهو تصحيف.
أنّ أمّ جعفر لمّا أكثر الأحوص في ذكرها جاءت منتقبة [1]، فوقفت عليه في مجلس قومه ولا يعرفها، وكانت امرأة عفيفة؛ فقالت له: اقض ثمن الغنم التي ابتعتها منّي؛ فقال: ما ابتعت منك شيئا. فأظهرت كتابا قد وضعته عليه/ وبكت وشكت حاجة وضرّا وفاقة وقالت: يا قوم، كلّموه. فلامه قومه وقالوا: اقض المرأة حقّها؛ فجعل يحلف أنه ما رآها قطّ ولا يعرفها. فكشفت وجهها وقالت: ويحك! أما تعرفني! فجعل يحلف مجتهدا أنه ما يعرفها ولا رآها قطّ. حتى إذا استفاض قولها وقوله واجتمع الناس وكثروا وسمعوا ما دار وكثر لغطهم وأقوالهم، قامت ثم قالت: أيها الناس، أسكتوا. ثم أقبلت عليه وقالت: يا عدوّ اللّه! صدقت، واللّه ما لي عليك حقّ ولا تعرفني، وقد حلفت على ذلك وأنت صادق، وأنا أمّ جعفر وأنت تقول: قلت لأمّ جعفر وقالت لي أم جعفر في شعرك! فخجل الأحوص وانكسر عن ذلك وبرئت عندهم.
سمع أبو السائب المخزومي شعرا له فطرب:
أخبرني الحرميّ قال حدّثنا الزّبير، وأخبرني به محمد بن العبّاس اليزيديّ قال حدّثنا ثعلب قال حدّثنا الزّبير عن عبد الملك بن عبد العزيز قال:
أنشدت أبا السائب المخزوميّ قول الأحوص:
لقد منعت معروفها أمّ جعفر ... وإنّي إلى معروفها لفقير
/ فلما انتهيت إلى قوله:
أزور على أن لست أنفكّ كلّما ... أتيت عدوّا بالبنان يشير
أعجبه ذلك وطرب وقال: أتدري يابن أخي كيف كانوا يقولون! الساعة دخل، الساعة خرج، الساعة مرّ، الساعة رجع، وجعل يومىء بإبهاميه إلى وراء منكبيه وبسبّابته [2] إلى حيال وجهه ويقلبها، يحكي ذهابه ورجوعه.
صوت من المائة المختارة
صاح قد لمت ظالما ... فانظر ان كنت لائما
هل ترى مثل ظبية ... قلّدوها التمائما
الشعر لعمر بن أبي ربيعة. والغناء في اللحن المختار لمالك خفيف ثقيل بإطلاق الوتر في مجرى البنصر عن إسحاق. وأخبرني ذكاء وجه الرزّة أن فيه لعريب رملا بالبنصر، وهو الذي فيه سجحة. وفيه لابن المكّيّ خفيف ثقيل آخر بالوسطى. وزعم الهشاميّ أن فيه خفيف رمل بالوسطى لابن سريج، وقد سمعها [3] ممن يغنّيه. وذكر حبش أنّ فيه رملا آخر للغريض. ولعاتكة بنت شهدة فيه خفيف ثقيل، وهو من جيّد صنعتها، وذكر جحظة عن أصحابه أن لحنها الرمل هو اللحن المختار، وأن إسحاق كان يقدّمها ويستجيدها [4]، ويزعم أنه أخذه عنها. وقال
__________
[1] انتقبت المرأة وتنقبت: وضعت النقاب على وجهها.
[2] لعله: «و بسبابتيه ... ويقلبهما إلخ».
[3] لعله: «و قد سمعه» أي اللحن.
[4] في ح: «و يستجيده».
ابن المعتزّ: حدّثني أبو عبد اللّه الهشاميّ: أنّ عريب صنعت فيه لحنها الرمل بعد أن أفضت الخلافة إلى المعتصم، فأعجبه وأمرها أن تطرحه على جواريه، ولم أسمع بشرا قطّ غنّاه أحسن من خشف الواضحيّة.
/ وكل أخبار هؤلاء المغنّين قد ذكرت، أو لها [1] موضع تذكر فيه، إلا عاتكة بنت شهدة فإن أخبارها تذكر هاهنا؛ لأنه ليس لها شيء أعرفه من الصنعة فأذكره غير هذا. وقد ذكر جحظة عن أصحابه أن لحنها هو المختار فوجب أن نذكر أخبارها معه أسوة غيرها.
عاتكة بنت شهدة وشيء من أخبارها:
/ كانت عاتكة بنت شهدة مدنيّة. وأمّها شهدة جارية الوليد بن يزيد، وهو الصحيح. وكانت شهدة مغنيّة أيضا.
غنى ابن داود الرشيد صوتا لأمها فطرب:
حدّثني محمد بن يحيى الصّوليّ قال حدّثنا العلاء قال حدّثني عليّ بن محمد النّوفليّ قال حدّثني عبد اللّه بن العبّاس الرّبيعيّ عن بعض المغنّين قال:
كنّا ليلة عند الرشيد ومعنا ابن جامع والموصليّ وغيرهما، وعنده في تلك الليلة محمد بن داود بن إسماعيل بن عليّ؛ فتغنّى المغنّون، ثم اندفع محمد بن داود فغنّاه بين أضعافهم:
صوت
أمّ الوليد سلبتني حلمي ... وقتلتني فتخوّفي إثمي
باللّه يا أمّ الوليد أما ... تخشين فيّ عواقب الظلم
وتركتني أبغي [2] الطبيب وما ... لطبيبنا بالداء من علم
خافي إلهك في ابن عمّك قد ... زوّدته سقما على سقم
قال: فاستحسن الرشيد الصوت واستحسنه جميع من حضره وطربوا له. فقال له الرشيد: يا حبيبي، لمن هذا الصوت؟ فقال: يا أمير المؤمنين، سل هؤلاء المغنّين/ لمن هو. فقالوا: واللّه ما ندري، وإنه لغريب. فقال:
بحياتي لمن هو؟ فقال: وحياتك ما أدري إلا أنّي أخذته من شهدة جارية الوليد أمّ عاتكة بنت شهدة. هذا الشعر المذكور لابن قيس الرّقيّات، والغناء لابن محرز، وله فيه لحنان، أحدهما ثقيل أوّل بالخنصر في مجرى الوسطى عن إسحاق، والآخر خفيف ثقيل بالبنصر عن عمرو. وفيه لسليم خفيف رمل بالبنصر. ولحسين بن محرز ثقيل أوّل عن الهشاميّ وحبش.
كانت ضاربة مجيدة وعنها أخذ إسحاق الموصليّ:
أخبرني محمد بن مزيد عن حمّاد بن إسحاق عن أبيه: أنه ذكر عاتكة بنت شهدة يوما فقال:
كانت أضرب من رأيت بالعود؛ ولقد مكثت سبع سنين أختلف إليها في كل يوم فتضاربني ضربا أو ضربين، ووصل إليها منّي ومن أبي أكثر من ثلاثين ألف درهم بسببي: دراهم وهدايا.
__________
[1] في جميع الأصول: «أولها في موضع ... إلخ». والظاهر أن كلمة «في» مقحمة.
[2] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «أنعى»، وهو تصحيف.
ماتت بالبصرة، وقصتها مع ابن جامع عند الرشيد:
أخبرني يحيى بن عليّ بن يحيى عن أبيه عن إسحاق قال:
كانت عاتكة بنت شهدة أحسن خلق اللّه غناء وأرواهم، وماتت بالبصرة. وأمّها شهدة نائحة من أهل مكة.
وكان ابن جامع يلوذ منها بكثرة الترجيع. فكان إذا أخذ يتزايد في غنائه قالت له: إلى أين يا أبا القاسم! ما هذا الترجيع الذي لا معنى له! عد بنا إلى معظم الغناء ودع من جنونك. فأضجرته يوما بين يدي الرشيد فقال لها: إني أشتهي، علم اللّه، أن تحتكّ شعرتي بشعرتك. فقالت: اخسأ، قطع اللّه ظهرك! ولم تعد لأذاه بعدها.
غنت جارية بشعر فعارضتها هي وذمت بندارا الزيات:
أخبرني حبيب بن نصر المهلّبيّ قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال: قال لي عليّ بن جعفر بن محمد:
/ دخلت على جواري المروانيّ المغنيات بمكة، وعاتكة بنت شهدة تطارحهنّ لحنها:
يا صاحبيّ دعا الملامة واعلما ... أنّ الهوى يدع الكرام عبيدا
فجعلت واحدة منهنّ تقول: «يدع الرجال عبيدا». فصاحت بها عاتكة بنت شهدة: ويلك! بندار الزيات العاضّ بظر أمه رجل! أفمن الكرام هو!. قال: فكنت إذا مرّبي بندار أو رأيته غلبني الضحك فأستحيى منه وآخذ بيده وأجعل ذلك بشاشة؛ حتى أورث هذا/ بيني وبينه مقاربة؛ فكان يقول: أبو الحسن عليّ بن جعفر صديق لي.
علمت مخارقا الغناء وهو مولى لها:
وكان مخارق مملوكا لعاتكة، وهي علّمته الغناء ووضعت يده على العود، ثم باعته؛ فانتقل من ملك رجل إلى ملك آخر حتى صار إلى الرشيد. وقد ذكر ذلك في أخباره.
صوت من المائة المختارة
ولو أنّ ما عند ابن بجرة عندها ... من الخمر لم تبلل لهاتي [1] بناطل
لعمري لأنت [2] البيت أكرم أهله ... وأقعد في أفيائه [3] بالأصائل [4]
/عروضه من الطويل. الشعر لأبي ذؤيب الهذليّ. والغناء لحكم الواديّ، ولحنه المختار من الثقيل الأوّل بالبنصر في مجراها. ابن بجرة هذا، فيما ذكره الأصمعيّ، رجل كان يبيع الخمر بالطائف، وزعم أن الناطل كوز تكال به الخمر. وقال ابن الأعرابي: ليس هذا بشيء، وزعم أن الناطل: الشي ء؛ يقال: ما في الإناء ناطل، أي شيء. وقال أبو عمرو الشّيباني: سمعت الأعراب يقولون: الناطل: الجرعة من الماء واللبن والنبيذ. انتهى.
__________
[1] اللهاة: اللحمة المشرفة على الحلق في أقصى سقف الفم.
[2] كذا في س. وفي سائر الأصول: «لآتي البيت».
[3] كذا في شرح ديوانه رواية أبي سعيد الحسن بن الحسين السكري المخطوط والمحفوظ بدار الكتب المصرية (تحت رقم 19 أدب ش) و «ديوان الهذليين» المخطوط والمحفوظ بدار الكتب المصرية (تحت رقم 6 أدب ش) و «لسان العرب» (مادتي «فيأ» و «أصل»).
والأفياء: جمع فيء وهو الظل، ولا يكون الفيء إلا بالعشيّ. وفي جميع الأصول: «أفنائه» (بالنون) وهو تصحيف.
[4] الأصائل: العشيات.
20 - ذكر أبي ذؤيب وخبره ونسبه
نسبه وإسلامه وموته:
هو خويلد بن خالد بن محرّث [1] بن زبيد بن مخزوم بن صاهلة بن كاهل بن الحارث بن تميم [2] بن سعد بن هذيل بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار. وهو أحد المخضرمين ممن أدرك الجاهليّة والإسلام، وأسلم فحسن إسلامه. ومات في غزاة إفريقيّة.
رأى ابن سلام فيه وشهادة حسان له:
أخبرني أبو خليفة قال حدّثنا محمد بن سلّام قال:
كان أبو ذؤيب شاعرا فحلا لا غميزة [3] فيه ولا وهن.
وقال ابن سلّام [4]: قال أبو عمرو بن العلاء:
سئل حسّان بن ثابت: من أشعر الناس؟ قال: أحيّا أم رجلا [5]؟ قالوا: حيّا؛ قال: أشعر الناس حيّا هذيل، وأشعر هذيل غير مدافع أبو ذؤيب. قال ابن سلّام: ليس [6] هذا من قول أبي عمرو ونحن نقوله.
اسمه بالسريانية مؤلف زورا:
أخبرني أبو خليفة قال حدّثنا محمد بن سلّام قال أخبرني محمد بن معاذ العمريّ قال:
/ في التّوراة: أبو ذؤيب مؤلف زورا، وكان اسم الشاعر بالسريانية «مؤلف زورا». فأخبرت بذلك بعض أصحاب العربيّة [7]، وهو كثير بن إسحاق، فعجب منه وقال: قد بلغني ذاك. وكان فصيحا كثير الغريب متمكّنا في الشعر.
__________
[1] كذا في «تجريد الأغاني» و «الاستيعاب» (ج 2 ص 665). وكذلك صححه المرحوم الأستاذ الشنقيطي بخطه على هامش نسخته.
وفي جميع الأصول: «محرز».
[2] كذا في «طبقات الشعراء» لابن سلام (ص 29 طبع أوروبا) و «الاستيعاب» ونسخة الشنقيطي مصححة بخطه. وفي جميع الأصول:
«غنم».
[3] الغميزة: المطعن.
[4] في الأصول: «و قال أبو عمرو بن العلاء قال ابن سلام ... إلخ» وهو تحريف. فإن ابن سلام هو المتأخر وهو الذي ذكر قول أبي عمرو بن العلاء في كتابه «طبقات الشعراء».
[5] عبارة ابن سلام في «الطبقات»: «قال: حيا أو رجلا ... ». وفي ب، س: «أم قال رجلا ... إلخ». بزيادة «قال». وهو تحريف.
[6] هذه العبارة غير واضحة هنا، وهي واضحة في كتاب «الطبقات» لابن سلام، إذ فيه بعد ذكر الخبر: «ابن سلام يقوله». يريد أن ابن سلام يؤيد ما رواه أبو عمرو بن العلاء.
[7] في ح: «أصحاب المدينة».
تقدّم شعراء هذيل بقصيدته العينية:
قال أبو زيد عمر بن شبّة:
تقدّم أبو ذؤيب جميع شعراء هذيل بقصيدته العينيّة التي يرثي فيها بنيه. يعني قوله:
أمن المنون وريبه تتوجّع ... والدهر ليس بمعتب من يجزع
وهذه يقولها في بنين له خمسة أصيبوا في عام واحد بالطاعون ورثاهم فيها. وسنذكر جميع ما يغنّى فيه منها على أثر أخباره هذه.
خرج مع عبد اللّه بن سعد لغزو إفريقية وعاد مع ابن الزبير فمات في مصر:
أخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد بن إسحاق عن أبيه عن مصعب الزّبيريّ، وأخبرني حرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثني عمّي قال:
كان أبو ذؤيب الهذلي خرج في جند [1] عبد اللّه بن سعد [2] بن أبي سرح أحد بني عامر بن لؤيّ إلى إفريقية سنة ستّ وعشرين غازيا إفرنجة في زمن عثمان. فلما/ فتح عبد اللّه بن سعد إفريقية وما والاها بعث عبد اللّه بن الزبير - وكان في جنده - بشيرا إلى عثمان/ بن عفّان، وبعث معه نفرا فيهم أبو ذؤيب. ففي عبد اللّه يقول أبو ذؤيب:
فصاحب صدق كسيد الضّرا ... ء ينهض في الغزو نهضا نجيحا [3]
في قصيدة له.
وصف ابن الزبير لحرب إفريقية:
فلما قدموا مصر مات أبو ذؤيب [4] بها. وقدم ابن الزبير على عثمان، وهو يومئذ، في قول ابن الزبير، ابن ستّ وعشرين سنة؛ وفي قول الواقديّ ابن أربع وعشرين سنة. وبشّر عبد اللّه عند مقدمه بخبيب بن عبد اللّه بن الزبير وبأخيه عروة بن الزبير، وكانا ولدا في ذلك العام، وخبيب أكبرهما. قال مصعب: فسمعت أبي والزبير بن خبيب بن
__________
[1] وكان ضمن جند عبد اللّه أيضا معبد بن العباس بن عبد المطلب ومروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية والحارث بن الحكم أخوه والمسور بن مخرمة بن نوفل وعبد الرحمن بن زيد بن الخطاب وعبد اللّه بن عمر بن الخطاب وعاصم بن عمر وعبيد اللّه بن عمر وعبد الرحمن بن أبي بكر وعبد اللّه بن عمرو بن العاص وبسر بن أبي أرطاة بن عويمر العامري. (راجع «فتوح البلدان» للبلاذري).
[2] هو عبد اللّه بن سعد بن أبي سرح العامري، وكان يكتب الوحي لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فارتدّ عن الإسلام ولحق بالمشركين بمكة. وكان معاوية بن أبي سفيان بمكة قد أسلم وحسن إسلامه فاتخذه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كاتبا للوحي بعد ابن أبي سرح. فلما فتح النبي صلى اللّه عليه وسلم مكة استجار عبد اللّه بن سعد بدار عثمان رضي اللّه عنه فأخذ له عثمان الأمان من النبي صلى اللّه عليه وسلم. وكان ابن أبي سرح أخا لعثمان من الرضاعة، فحسن إسلامه من ذلك الوقت. فلما أفضت الخلافة إلى عثمان رضي اللّه عنه ولاه على ملك مصر وجندها سنة 25 ه فكان يبعث المسلمين في جرائد الخيل فيغيرون على أطراف إفريقية. فكتب إلى عثمان يخبره بما نال المسلمون من عدوهم، فكان ذلك السبب في توجيه الجيش إليه وتقديمه عليه ودخوله به للغزو إلى إفريقية.
[3] كذا ورد هذا البيت في «شرح ديوان أبي ذؤيب» وقبله شعر يدل على هجر محبوبته له وإعراضها عنه إلى غيره. يقول: فإن استبدلت بي إنسانا فاستبدلي بي مثل هذا الصاحب. والضراء: ما واراك من شجر. والسيد: الذئب. وأخبث ما يكون من الذئاب سيد الضراء الذي تعوده. وقد صححه الأستاذ الشنقيطي بهذه الرواية في هامش نسخته. وفي الأصول: «و صاحب صدق كسيد الغضي ...
إلخ».
[4] في «فتوح البلدان» للبلاذري (ص 226 طبع أوروبا): أن أبا ذؤيب توفي بإفريقية فقام بأمره ابن الزبير حتى واراه في لحده. ورواية البلاذري تنفق مع ما ذكره ابن قتيبة في «طبقات الشعراء» (ص 413 طبع أوروبا) وابن الأثير في «الكامل» (ج 3 ص 70 طبع أوروبا) وابن حجر في «الإصابة» (ج 7 ص 63 طبع مطبعة السعادة). وسيذكر المؤلف في هذه الترجمة أنه مات بأرض الروم ودفن بها.
ثابت بن عبد اللّه بن الزبير يقولان: قال عبد اللّه بن الزبير: أحاط بنا جرجير صاحب إفريقية وهو ملك إفرنجة في عشرين ألفا ومائة ألف ونحن في عشرين ألفا؛ فضاق بالمسلمين أمرهم واختلفوا في الرأي، فدخل عبد اللّه بن سعد فسطاطه يخلو يفكّر. قال عبد اللّه بن الزبير: فرأيت عورة من جرجير والناس على مصافّهم، رأيته على برذون أشهب خلف أصحابه منقطعا منهم، معه جاريتان له تظلّانه من الشمس بريش الطّواويس./ فجئت فسطاط عبد اللّه فطلبت الإذن عليه من حاجبه؛ فقال: إنه في شأنكم وإنه قد أمرني أن أمسك الناس عنه. قال: فدرت فأتيت مؤخّر فسطاطه فرفعته ودخلت عليه، فإذا هو مستلق على فراشه؛ ففزع وقال: ما الذي أدخلك عليّ يابن الزبير؟ فقلت: إيه وإيه! كلّ أزبّ نفور [1]! إني رأيت عورة من عدوّنا فرجوت الفرصة فيه وخشيت فواتها، فاخرج فاندب الناس إليّ. قال:
وما هي؟ فأخبرته؛ فقال: عورة لعمري! ثم خرج فرأى ما رأيت؛ فقال: أيها الناس، انتدبوا مع ابن الزبير إلى عدّوكم. فاخترت ثلاثين فارسا، وقلت: إني حامل فاضربوا عن ظهري فإني سأكفيكم من ألقى إن شاء اللّه تعالى.
فحملت في الوجه الذي هو فيه وحملوا فذبّوا عنّي حتى خرقتهم [2] إلى أرض خالية، وتبيّنته فصمدت [3] صمده؛ فو اللّه ما حسب إلا أني رسول ولا ظنّ أكثر أصحابه إلا ذاك، حتى رأى ما بي من أثر السلاح، فثنى برذونه هاربا، فأدركته فطعنته فسقط، ورميت بنفسي عليه، واتّقت جاريتاه عنه السيف فقطعت يد إحداهما. وأجهزت عليه ثم رفعت رأسه في رمحي، وجال أصحابه وحمل المسلمون في ناحيتي وكبّروا فقتّلوهم كيف شاءوا، وكانت الهزيمة.
فقال لي عبد اللّه بن سعد: ما أحد أحقّ بالبشارة منك، فبعثني إلى عثمان. وقدم مروان [4] بعدي على عثمان/ حين اطمأنّوا وباعوا المغنم وقسّموه.
اشترى مروان خمس فيء إفريقية بمال فوضعه عنه عثمان:
وكان مروان قد صفق [5] على الخمس بخمسمائة ألف، فوضعها عنه عثمان، فكان ذلك مما تكلّم فيه بسببه.
فقال عبد الرحمن بن حنبل [6] بن مليل - وكان هو وأخوه كلدة أخوي صفوان بن أميّة بن خلف لأمه، وهي صفيّة بنت معمر بن حبيب [7] بن وهب بن حذافة بن جمح، وكان أبوهما ممن سقط من اليمن إلى مكة - :
أحلف [8] باللّه جهد اليمي ... ن ما ترك اللّه أمرا سدى
__________
[1] الأزب من الإبل: الذي يكثر شعر حاجبيه، ولا يكون الأزب إلا نفورا لأن الريح تضربه فينفر. وهذا مثل يضرب في عيب الجبان.
قاله زهير بن جذيمة لأخيه أسيد وكان أزب جبانا، وكان خالد بن جعفر بن كلاب يطلبه بذحل، وكان زهير يوما في إبله يهنؤها ومعه أخوه أسيد، فرأى أسيد خالد بن جعفر قد أقبل في أصحابه فأخبر زهيرا بمكانهم فقال له زهير: كل أزب نفور. وإنما قال له هذا لأن أسيدا كان أشعر (عن «مجمع الأمثال» للميداني).
[2] كذا في أكثر الأصول. وفي ب، س: «حتى حزقتهم» وهو تصحيف. و «عبارة البيان المغرب في أخبار المغرب» لابن عذارى المراكشي: «خرقت صفوفهم ... إلخ».
[3] صمد صمد الأمر: قصد قصده.
[4] هو الخليفة مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس أبو عبد الملك الخليفة، وهو ابن عم عثمان بن عفان رضي اللّه عنه وكاتبه؛ ومن أجله كان ابتداء فتنة عثمان رضي اللّه عنه وقتله. ثم انضم إلى ابن عمه معاوية ابن أبي سفيان وتولى عدة أعمال إلى أن وثب على الأمر بعد أولاد يزيد بن معاوية وبويع بالخلافة؛ فلم تطل مدته ومات في أول شهر رمضان سنة 65 ه.
[5] الصفق: التبايع، وهو من صفق اليد على اليد عند وجوب البيع.
[6] كذا في ح والاستيعاب في ترجمة عبد الرحمن بن حنبل وأخيه كلدة بن حنبل. وفي سائر الأصول: «حسان» وهو تحريف.
[7] كذا في «الاستيعاب» و «الطبقات الكبرى» لابن سعد (ج 5 ص 332 في ترجمة صفوان بن أمية). وفي جميع الأصول: «خبيب» بالخاء المعجمة، وهو تصحيف.
[8] في «الاستيعاب» في ترجمة عبد الرحمن: «و أحلف» وفي «البيان المغرب»: «سأحلف».
ولكن خلقت [1] لنا فتنة ... لكي نبتلى فيك [2] أو تبتلى
دعوت الطّريد [3] فأدنيته ... خلافا [4] لسنّة من قد مضى
/ وأعطيت [5] مروان خمس العبا ... د ظلما لهم وحميت الحمى
/ ومالا أتاك به الأشعريّ ... من الفيء أعطيته من دنا
وإن الأمينين قد بيّنا ... منار الطريق عليه الهدى
فما أخذا درهما غيلة ... ولا قسّما درهما في هوى
قال: والمال الذي ذكر أن الأشعريّ جاء به مال كان أبو موسى قدم به على عثمان من العراق، فأعطى عبد اللّه بن أسيد بن أبي العيص منه مائة ألف درهم، وقيل: ثلاثمائة ألف درهم؛ فأنكر الناس ذلك.
ذكر ابن بجرة وخمره في قصيدة غنى في أبيات منها:
أخبرني أحمد بن عبيد اللّه قال حدّثنا عمر بن شبّة عن محمد بن يحيى عن عبد العزيز - أظنه ابن [6] الدّراوردي - قال: ابن بجرة الذي ذكره أبو ذؤيب رجل من بني عبيد بن عويج بن عديّ بن كعب من قريش، ولم يسكنوا مكة ولا المدينة قطّ، وبالمدينة منهم امرأة، ولهم موال أشهر منهم، يقال لهم بنو سجفان [7]. وكان ابن بجرة هذا خمّارا. وهذا الصوت الذي ذكرناه [8] من لحن حكم الواديّ المختار من قصيدة لأبي ذؤيب طويلة. فمما يغنّى فيه منها:
صوت
أساءلت رسم الدار أم لم تسائل ... عن الحيّ أم عن عهده بالأوائل
__________
[1] في «الاستيعاب»: «جعلت».
[2] في ح: «بك».
[3] الطريد: هو الحكم بن العاص بن أمية أبو مروان بن الحكم وعم عثمان بن عفان، أسلم يوم الفتح. أخرجه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من المدينة وطرده عنها فنزل الطائف. ولم يزل بها مدّة خلافة أبي بكر وعمر إلى أن ولى عثمان فرده إلى المدينة وأعطاه مائة ألف درهم، وبقي فيها إلى أن توفي في آخر خلافة عثمان قبل القيام على عثمان بأشهر وكان ذلك مما نقموا على عثمان. واختلف في السبب الموجب لنفي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إياه فقيل: كان يتحيل ويستخفي ويسمع ما يسره رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى كبار أصحابه في مشركي قريس وسائر الكفار والمنافقين فكان يفشي ذلك عليه، وكان يحكيه في مشيئته وبعض حركاته إلى أمور غيرها. (انظر «الاستيعاب» ج 1 ص 120، 121 و «المعارف» لابن قتيبة ص 97 و «طبقات ابن سعد» ج 5 ص 330 - 331).
[4] في «الاستيعاب»:
خلافا لما سنه المصطفى
[5] ورد هذا البيت والذي بعده في «الاستيعاب» هكذا:
ووليت قرباك أمر العباد ... خلافا لسنة من قد مضى
وأعطيت مروان خمس الغني ... مة آثرته وحميت الحمى
[6] كذا في ب، س، ح. وفي سائر الأصول: «أظنه ابن عمران». وكلاهما روى عنه محمد بن يحيى الكناني أبو غسان.
والدراوردي: نسبة إلى دراورد، قرية من قرى فارس. وقيل: إنها قرية بخراسان، وقيل غير ذلك. (راجع «تهذيب التهذيب» و «الطبقات الكبرى» لابن سعد).
[7] كذا في ب، س. وفي ح: «بنو أسجفا». وفي سائر الأصول: «بنو أسجفان».
[8] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «ذكره».
عفا غير رسم الدار ما إن تبينه [1] ... وعفر [2] ظباء قد ثوت في المنازل
فلو أنّ ما عند ابن بجرة عندها ... من الخمر لم تبلل لهاتي بناطل
/ فتلك [3] التي لا يذهب الدهر حبّها ... ولا ذكرها ما أرزمت أمّ حائل
غنّاه الغريض ثقيلا أوّل بالوسطى. ويقال: إن لمعبد فيه أيضا لحنا.
قوله: «أساءلت» يخاطب نفسه. ويروى: «عن السّكن أو عن أهله» [4]. والسّكن. الذي [5] كانوا فيه. وقال الأصمعي: السكن: سكن الدار. والسكن: المنزل أيضا. ويروى: «عفا غير نؤى الدار». والنّؤى: حاجز يجعل حول بيوت الأعراب لئلا يصل المطر إليها. ويروى - وهو الصحيح - :
وأقطاع [6] طفي قد عفت في المعاقل
والطّفي: خوص المقل. والمعاقل: حيث نزلوا فامتنعوا، واحدها معقل. وواحد الطّفي: طفية. وأرزمت:
حنّت. والحائل: الأنثى. والسّقب: الذكر.
ومنها:
صوت
وإنّ حديثا منك لو تبذلينه ... جنى النحل في ألبان عوذ مطافل
مطافل أبكار حديث نتاجها ... تشاب بماء مثل ماء المفاصل
غنّاه ابن سريج رملا بالوسطى. جنى النحل: العسل. والعوذ: جمع عائذ، الناقة حين تضع فهي عائذ، فإذا تبعها ولدها قيل لها مطفل. والمفاصل: منفصل [7] السهل/ من الجبل حيث يكون الرّضراض [8]، والماء الذي يستنقع [9] فيها أطيب المياه. وتشاب: تخلط.
وأخبرني محمّد بن العبّاس اليزيديّ قال حدّثنا الرّياشيّ قال حدّثنا الأصمعيّ:
أن أبا ذؤيب إنما عنى بقوله: «مطافل أبكار» أنّ لبن الأبكار أطيب الألبان، وهو لبنها لأوّل بطن وضعت.
قال: وكذلك العسل فإنّ أطيبه ما كان من بكر النحل. قال: وحدّثني كردين قال: كتب الحجاج إلى عامله على
__________
[1] في ح: «أبينه».
[2] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «و غير ظبا».
[3] رواية هذا الشطر في ديوانه المخطوط و «أمالي القالي» (ج 1 ص 233 طبع دار الكتب المصرية): «فتلك التي لا يبرح القلب حبها».
[4] قال الأصمعي في التعليق على هذا البيت في شرح ديوانه: «السكن: أهل الدار سكانها، والسكن: المنزل ... ». وترك كلمة السكن بدون شكل. والذي في كتب اللغة أن السكن (بالفتح): السكان، وهو جمع لساكن كصحب وصاحب. (و بالضم وبالتحريك):
المسكن.
[5] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «الذين» وهو تحريف.
[6] أقطاع: جمع قطع (بالكسر) وهو - كالقطيع - : الغصن تقطعه من الشجرة.
[7] كذا صححها المرحوم الأستاذ الشنقيطي بخطه على هامش نسخته. وفي الأصول: «منفتل».
[8] الرضراض: مادق من الحصى.
[9] كذا في ح. ويستنقع: يجتمع. وفي سائر الأصول: «ينبع».
/ فارس: ابعث إليّ بعسل من عسل خلّار [1]، من النحل الأبكار، من الدستفشار [2]، الذي لم تمسّه النار.
صوت من قصيدته العينية:
فأما قصيدته العينية التي فضّل بها، فمّما يغنّى به منها:
صوت
أمن المنون وريبها [3] تتوجّع ... والدهر ليس بمعتب من يجزع
قالت أمامة [4] ما لجسمك شاحبا ... منذ ابتذلت ومثل مالك ينفع
أم ما لجنبك لا يلائم مضجعا ... إلا أقضّ عليك ذاك المضجع
فأجبتها أن ما [5] لجسمي أنّه ... أودى بنيّ من البلاد فودّعوا
/ عروضه من الكامل. غنّاه ابن محرز ولحنه من القدر الأوسط من الثقيل الأوّل بالبنصر في مجراها. قال الأصمعيّ: سمّيت المنون منونا لأنها تذهب بمنّة كل شيء وهي قوّته. وروى الأصمعي: «و ريبه» فذكّر المنون.
والشاحب: المغيّر المهزول. يقال: شحب يشحب. ابتذلت: امتهنت نفسك وكرهت الدعة والزينة ولزمت العمل والسفر ومثل مالك يغنيك عن هذا، فاشتر لنفسك من يكفيك ذلك ويقوم لك به. ويلائم: يوافق. أقضّ عليك أي خشن فلم تستطع أن تضطجع عليه. والقضض: الرمل والحصى. قال الراجز:
إنّ [6] أحيحا مات من غير مرض ... ووجد في مرمضه حيث ارتمض [7]
عساقل [8] وجبأ فيها قضض
وودّعوا: ذهبوا. استعمل ذلك في الذهاب لأن من عادة المفارق أن يودّع.
__________
[1] خلار (كرمان): موضع بفارس ينسب إليه العسل الجيد.
[2] الدستفشار: لفظة فارسية، معناها: ما عصرته الأيدي وعالجته.
[3] كذا في ديوانه وفيما سيأتي في جميع الأصول هنا وفيما مر: «و ريبه». والمنون يذكر ويؤنث، فمن أنث حمله على المنية، ومن ذكر حمله على الموت. ويحتمل أن يكون التأنيث راجعا إلى معنى الجنسية والكثرة، وذلك لأن الداهية توصف بالعموم والكثرة والانتشار. وقيل: إن من ذكر المنون أراد به الدهر. وقد روى في «اللسان» (مادة منن) بالتذكير وذكر فيه التأنيث رواية عن ابن سيدة وقد شرح أبو الفرج ذلك في الصفحة التالية.
[4] في شرح ديوانه: «أميمة».
[5] كذا في ديوانه. ويريد أن الذي بجسمي هو غمي لذهاب ولدي ونفادهم، فهذا الذي ترين بجسمي لذلك. (يراجع شرح ديوانه). وفي ب، س: «أما لجسمك». وفي سائر الأصول: «أم ما لجسمك».
[6] كذا في «لسان العرب» مادتي «جبأ ورمض». وفي ب، س: «إن احتجا ما يك عن ... إلخ». وفي سائر الأصول: «إن احتجاما تك». وكلاهما تحريف.
[7] ارتمض الرجل من كذا، أي اشتدّ عليه وأقلقه.
[8] العساقل: ضرب من الكمأة، وهي الكمأة الكبار البيض يقال لها شحمة الأرض. والجب ء (بالفتح): الكمأة السود. والسود خيار الكمأة. فجبأ (بكسر ففتح) يجوز أن يكون جمع جب ء كجبأة (بكسر ففتح أيضا) وهو نادر، ويجوز أن يكون المراد جبأة، فحذفت الهاء للضرورة، ويجوز أن يكون اسما للجمع. (عن «اللسان» مادة جبأ).
طلب المنصور قصيدته العينية فلم يعرفها أحد من أهله وعرفها مؤدب فأجازه:
أخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن عمّار قال حدّثني أحمد بن عمر النحويّ قال حدّثني أبي عن الهيثم بن عديّ عن ابن عياش قال:
لما مات جعفر بن المنصور الأكبر مشى المنصور في جنازته من المدينة [1] إلى/ مقابر قريش [2]، ومشى الناس أجمعون معه حتى دفنه، ثم انصرف إلى قصره. ثم أقبل على الربيع [3] فقال: يا ربيع، انظر من في أهلي ينشدني:
أمن المنون وريبها تتوجّع
حتى أتسلّى بها عن مصيبتي. قال الربيع: فخرجت إلى بني هاشم وهم بأجمعهم حضور، فسألتهم عنها، فلم يكن فيهم أحد يحفظها، فرجعت فأخبرته؛ فقال: واللّه لمصيبتي بأهل بيتي ألّا يكون فيهم أحد يحفظ هذا لقلّة رغبتهم في الأدب أعظم وأشدّ عليّ من مصيبتي بابني. ثم قال: انظر هل في القوّاد والعوامّ من الجند من يعرفها، فإني أحبّ أن أسمعها من إنسان ينشدها. فخرجت فاعترضت الناس فلم أجد أحدا ينشدها إلا شيخا كبيرا مؤدّبا قد انصرف من موضع تأديبه، فسألته: هل تحفظ شيئا من الشعر؟ فقال: نعم، شعر أبي ذؤيب. فقلت: أنشدني. فابتدأ هذه القصيدة العينيّة. فقلت له: أنت بغيتي. ثم أوصلته إلى المنصور فاستنشده إياها. فلما قال:
والدهر ليس بمعتب [4] من يجزع
قال: صدق واللّه، فأنشدني هذا البيت مائة مرّة ليتردّد هذا المصراع عليّ؛ فأنشده، ثم مرّ فيها. فلما انتهى إلى قوله:
والدهر لا يبقى على حدثانه ... جون السّراة له جدائد [5] أربع
/ قال: سلا [6] أبو ذؤيب عند هذا القول. ثم أمر الشيخ بالانصراف. فاتّبعته فقلت له: أأمر لك أمير المؤمنين بشي ء؟ فأراني صرّة في يده فيها مائة درهم.
خانه خالد بن زهير في امرأة يهواها كان خان هو فيها عويم بن مالك:
حدّثنا محمد بن العبّاس اليزيديّ قال حدّثنا الرّياشيّ قال حدّثنا الأصمعيّ قال:
كان أبو ذؤيب الهذليّ يهوى امرأة يقال لها أم عمرو، وكان يرسل إليها خالد [7] بن زهير فخانه فيها، وكذلك
__________
[1] يريد بغداد.
[2] مقابر قريش ببغداد: مقبرة مشهورة ومحلة فيها خلق كثير وعليها سور بين الحربية ومقبرة أحمد بن حنبل رضي اللّه عنه والحريم الطاهري، وبينها وبين دجلة شوط فرس جيد، وهي التي فيها قبر موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين ابن الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب، وكان جعفر الأكبر هو أول من دفن بها، والمنصور أول من جعلها مقبرة لما ابتنى بها مدينته سنة 146 ه.
[3] هو الربيع بن يونس مولى المنصور.
[4] أعتبه: رجع إلى ما يرضيه وترك ما يسخطه.
[5] جون السراة: أسود الظهر أو أبيضه، فإن الجون يطلق على الأسود والأبيض. ويريد بجون السراة حمارا. والجدائد: الأتن، واحدها جدود (بفتح أوله) وهي التي لا لبن لها.
[6] كذا في أ، ء، م. وفي ب، ح: «سلا أبو ذؤيب عن هذا القول». وفي س: «سل أبا ذؤيب عن هذا القول».
[7] هو خالد بن زهير الهذلي، وكان ابن أخت أبي ذؤيب، وقيل: ابن أخيه.
كان أبو ذؤيب فعل برجل يقال له عويم [1] بن مالك بن عويمر وكان رسوله إليها. فلما علم أبو ذؤيب بما فعل خالد ضرمها. فأرسلت تترضّاه، فلم يفعل، وقال فيها:
تريدين كيما تجمعيني وخالدا ... وهل يجمع السيفان ويحك في غمد
أخالد ما راعيت منّي [2] قرابة ... فتحفظني بالغيب أو بعض ما تبدي [3]
دعاك إليها مقلتاها وجيدها ... فملت كما مال المحبّ على عمد
وكنت كرقراق السّراب إذا بدا ... لقوم وقد بات المطيّ بهم يخدي [4]
فآليت لا أنفكّ أحدو قصيدة ... تكون وإياها بها مثلا بعدي
/ غنّاه ابن سريج خفيف رمل بالبنصر. الغيب: السرّ. والرقراق: الجاري. ويروى: «أحذو قصيدة». فمن قال: «أحذو» بالذال المعجمة أراد أصنع، ومن قال: «أحدو» أراد أغنّي.
وقال أبو ذؤيب في ذلك:
وما حمّل البختيّ عام غياره [5] ... عليه الوسوق [6] برّها وشعيرها
أتى قرية كانت كثيرا طعامها ... كرفغ [7] التراب كلّ شيء يميرها
- الرفغ من التراب: الكثير اللين - .
فقيل تحمّل فوق طوقك إنّها ... مطبّعة [8] من يأتها لا يضيرها
بأعظم [9] مما كنت حمّلت خالدا ... وبعض أمانات الرجال غرورها
ولو أنني حمّلته البزل ما مشت ... به البزل حتى تتلئبّ صدورها
- تتلئب: تستقيم وتنتصب وتمتدّ وتتتابع [10] - :
خليلي الذي دلّى [11] لغيّ خليلتي ... جهارا فكلّ قد أصاب عرورها [12]
__________
[1] كذا في أكثر الأصول. وفي ح: «عويمر». وقد أورد ابن قتيبة هذه القصة في كتابه «طبقات الشعراء» (ص 413 - 414) وذكر أن الرجل الذي خانه أبو ذؤيب في هذه المرأة هو ابن عم له يقال له مالك بن عويمر. وأوردها البغدادي في كتابه «خزانة الأدب» (ج 2 ص 316، ج 3 ص 597، 648) في تفصيل كثير، فذكر في موضع أنه يقال له مالك بن عويمر، كما ذكره ابن قتيبة، وفي موضع آخر أنه يقال له وهب بن جابر، وذكر سبب تعلقه بها وجفائها له بعد. واستطرد في القصة حتى أتى على خبر مقتل خالد بن زهير.
[2] كذا في «شرح ديوانه» و «الشعر والشعراء». وفي الأصول: «من ذي قرابة».
[3] أراد: فتحفظني بالغيب أو في بعض ما تظهر من المودة والإخاء.
[4] كذا في ح وديوانه. وخدي البعير والفرس خديا وخديانا: أسرع وزج بقوائمه. وفي سائر الأصول: «يحدى» (بالحاء المهملة) وهو تصحيف.
[5] الغيار (بالكسر): مصدر غارهم يغيرهم إذا ما رهم أي أتاهم بالميرة.
[6] الوسوق: جمع وسق (بالفتح)، وهو حمل البعير، وقيل: الحمل عامة.
[7] في جميع الأصول: «كرقع» (بالقاف والعين المهملة). والتصويب عن شرح ديوانه.
[8] يريد أن هذه القرية مملوءة بالطعام، فكنى عن ذلك بأنها مطبعة أي مختومة لأن الختم إنما يكون غالبا بعد المل ء.
[9] في ديوانه: «بأثقل».
[10] لعلها «و تتتايع» بالياء المثناة التحتية. يقال: تتتايع الجمل في مشيه إذا حرك ألواحه حتى يكاد ينفك.
[11] دلى فلان فلانا في الشرّ: أوقعه وصيره فيه.
[12] العرور: المعرة والعيب.
- يقال: عرّه بكذا أي أصابه [به] [1] - :
فشأنكها [2]، إني أمين وإنّني ... إذا ما تحالى مثلها لا أطورها
- تحالى: من الحلاوة. أطورها: أقربها - :
/أحاذر يوما أن تبين قرينتي ... ويسلمها أحرازها [3] ونصيرها
- الأحراز: الحصون. قرينتي: نفسي - :
وما أنفس الفتيان إلا قرائن ... تبين ويبقى هامها وقبورها
فنفسك فاحفظها ولا تفش للعدا ... من السرّ ما يطوى عليه ضميرها
وما يحفظ المكتوم من سرّ أهله ... إذا عقد الأسرار ضاع كبيرها
من القوم إلا ذو عفاف يعينه ... على ذاك منه صدق نفس وخيرها
/ رعى خالد سرّي ليالي نفسه ... توالى [4] على قصد السبيل أمورها
فلما تراماه [5] الشباب وغيّه ... وفي النفس منه فتنة وفجورها
لوى رأسه عنّي ومال بودّه ... أغانيج خود [6] كان فينا يزورها
تعلّقه منها دلال ومقلة ... تظلّ لأصحاب الشّقاء تديرها
فإنّ حراما أن أخون أمانة ... وآمن نفسا ليس عندي ضميرها [7]
فأجابه خالد بن زهير:
لا يبعدنّ اللّه لبّك إذ غزا ... وسافر والأحلام جمّ عثورها
- غزا وسافر لبك: ذهب عنك. والعثور: من العثار وهو الخطأ - :
وكنت إماما للعشيرة تنتهي ... إليك إذا ضاقت بأمر صدورها
/ لعلّك [8] إمّا أمّ عمرو تبدّلت ... سواك خليلا شاتمي تستخيرها
- الاستخارة: الاستعطاف - :
فإنّ التي فينا زعمت ومثلها ... لفيك ولكنّي أراك تجورها [9]
__________
[1] زيادة عن ح.
[2] في شرح ديوانه في التعليق على هذا البيت: ورواه خالد والأصمعيّ:
«فشأنكما ...
إلخ».
[3] في شرح ديوانه: «إخوانها».
[4] توالى: تتابع. وقصد السبيل: مستقيمه.
[5] تراماه الشباب: أي تم شبابه فقذف به إلى الغي كما تترامى الفلاة براكبها.
[6] الأغانيج: جمع أغنوجة. والأغنوجة من التغنج وهو التكسر والتدلل. والخود: الفتاة الحسنة الخلق الشابة ما لم تصر نصفا.
[7] يريد: لا آمن من ليس عندي ضمير قلبه والذي يزعم أنه أخي وليس ضميره عندي. وفي نسبة هذا البيت لأبي ذؤيب خلاف ذكر في شرح ديوانه.
[8] كذا في ح وشرح ديوانه. وفي سائر الأصول: «لعمرك».
[9] كذا في أ، ء، م، وشرح ديوانه. وفي سائر الأصول: «و لكن لا أراك تخورها» (بالخاء المعجمة) وهو تحريف.
- تجورها: تعرض عنها - :
ألم تنتقذها [1] من عويم بن مالك ... وأنت صفيّ نفسه وسجيرها [2]
فلا تجزعن من سنّة أنت سرتها ... فأوّل راض سنّة من يسيرها
- ويروى [قد] [3] أسرتها، أي جعلتها سائرة. ومن رواه هكذا روى «يسيرها» لأن مستقبل [4] أفعل أسارها يسيرها. و «يسيرها» مستقبل سار السيرة يسيرها - .
فإن كنت تشكو من خليل مخانة [5] ... فتلك الجوازي [6] عقبها ونصورها
- عقبها: يريد عاقبتها. ونصورها أي تنصر عليك، الواحد نصر [7] - .
وإن كنت تبغي للظّلامة مركبا ... ذلولا فإني ليس عندي بعيرها
نشأت عسيرا لا تلين [8] عريكتي ... ولم يعل [9] يوما فوق ظهري كورها [10]
/متى ما تشأ أحملك والرأس مائل ... على صعبة حرف وشيك طمورها [11]
فلا تك كالثور الذي دفنت له ... حديدة حتف ثم أمسى [12] يثيرها
يطيل ثواء عندها ليردّها ... وهيهات منه دارها [13] وقصورها
وقاسمها باللّه جهدا لأنتم ... ألذّ من السّلوى إذا ما نشورها [14]
- نشورها: نجتنيها. السلوى هاهنا: العسل - .
فلم يغن عنه خدعه يوم أزمعت ... صريمتها والنفس مرّ ضميرها [15]
ولم يلف جلدا حازما ذا عزيمة ... وذا قوّة ينفي بها من يزورها
__________
[1] الموجود في معاجم اللغة من هذه المادة: أنقذه واستنقذه وتنقذه. ورواية هذا الشطر في شرح ديوانه و «طبقات الشعراء»:
«ألم تتنقذها من ابن عويمر ... .. إلخ»
وتنقذها: تنجزها وأخذها.
[2] السجير: الخليل الصفيّ.
[3] زيادة عن شرح ديوانه.
[4] كذا وردت هذه العبارة في الأصول، وهي غير مستقيمة. والظاهر أن كلمة «أفعل» مقحمة.
[5] كذا في شرح ديوانه. وفي جميع الأصول: «مخافة» (بالفاء) وهو تحريف.
[6] كذا في ح وشرح ديوانه. وفي سائر الأصول: «الجواري» (بالراء المهملة) وهو تصحيف.
[7] قال في «اللسان» (مادة نصر) بعد أن أورد هذا البيت: «يجوز أن يكون نصور جمع ناصر كشاهد وشهود وأن يكون مصدرا كالدخول والخروج».
[8] في شرح ديوانه:
«لم تديث»
وتديث: تذلل وتلين.
[9] في شرح ديوانه:
«و لم يستقر فوق ...
إلخ».
[10] الكور: الرحل.
[11] الرأس مائل من المرح والنشاط. والحرف: الضامرة. ووشيك طمورها: سريع وثوبها.
[12] في شرح ديوانه: «ثم ظل».
[13] في شرح ديوانه: «دورها».
[14] كذا في شرح ديوانه و «لسان العرب» (مادة سلا). وفي الأصول: «يشورها».
[15] مرّ ضميرها أي نفسها خبيثة كارهة.
فأقصر [1] ولم تأخذك منّي سحابة ... ينفّر شاء المقلعين خريرها
- المقلعين: الذين أصابهم القلع وهو السحاب - .
ولا تسبقنّ الناس منّي بخمطة [2] ... من السمّ مذرور عليها ذرورها
/ أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال حدّثنا السّكن بن سعيد قال حدّثنا العبّاس بن هشام قال حدّثني أبو عمرو عبد اللّه بن الحارث الهذليّ من أهل المدينة قال:
خرج أبو ذؤيب مع ابنه وابن أخ له يقال له أبو عبيد [3]، حتى قدموا على عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه.
فقال [4] له: أيّ العمل أفضل يا أمير المؤمنين؟ قال: الإيمان/ باللّه ورسوله. قال: قد فعلت، فأيّه أفضل بعده؟
قال: الجهاد في سبيل اللّه. قال: ذلك كان عليّ وإني لا أرجو جنة ولا أخاف نارا. ثم خرج فغزا أرض الروم مع المسلمين. فلما قفلوا أخذه [5] الموت؛ فأراد ابنه وابن أخيه أن يتخلّفا عليه جميعا؛ فمنعهما صاحب الساقة [6] وقال: ليتخلّف عليه أحدكما وليعلم أنه مقتول. فقال لهما أبو ذؤيب. اقترعا، فطارت القرعة لأبي عبيد، فتخلّف عليه ومضى ابنه مع الناس. فكان أبو عبيد يحدّث قال قال لي أبو ذؤيب: يا أبا عبيد، احفر ذلك الجرف برمحك ثم اعضد [7] من الشجر بسيفك ثم اجررني إلى هذا النهر فإنك لا تفرغ حتى أفرغ، فاغسلني وكفنّي ثم اجعلني في حفيري وانثل [8] عليّ الجرف برمحك، وألق عليّ الغصون والشجر، ثم اتبع الناس فإن لهم رهجة [9] تراها في الأفق إذا مشيت كأنها جهامة [10]. قال: فما أخطأ مما قال شيئا، ولو لا نعته لم أهتد لأثر الجيش. وقال وهو يجود بنفسه:
أبا عبيد رفع الكتاب ... واقترب الموعد والحساب
وعند رحلي جمل نجاب ... أحمر في حاركه [11] انصباب
ثم مضيت حتى لحقت الناس. فكان يقال: إنّ أهل الإسلام أبعدوا الأثر في بلد الروم، فما كان وراء قبر أبي ذؤيب قبر يعرف لأحد من المسلمين.
__________
[1] أي كف ولم تأخذك مني سحابة منطق وهجاء كأنه مطر ينفر شاء الناس. ورواه الأصمعيّ: «فإياك لا تأخذك ... ». (راجع شرح ديوانه).
[2] كذا في شرح ديوانه و «لسان العرب» (مادة خمط). والخمطة: الطرية التي أخذت طعما ولم تستحكم، أو هي التي أخذت ريح الإدراك كريح التفاح ولم تدرك بعد. والمراد هنا اللوم والكلام القبيح. ومعنى البيت أنه ينهاه عن التعرض لشتمه وهجائه. وفي الأصول: «منك بحكمة» وهو تحريف.
[3] في جميع الأصول هنا: «أبو عقيل» وهو تحريف.
[4] في جميع الأصول: «فقالوا». والتصحيح عن الأستاذ الشنقيطي في هامش نسخته؛ فإن ما في الأصول لا يلائم سياق الخبر.
[5] مر في أوّل ترجمة أبي ذؤيب ما يخالف ما هنا. (راجع ما كتبه في صفحة 266 في الحاشية رقم 2).
[6] ساقة الجيش: مؤخرته.
[7] كذا في «تجريد الأغاني». وعضد الشجر يعضده (بالكسر): قطعه. وفي جميع الأصول: «اعمد» وهو تحريف.
[8] نثل الركية ينثلها (من باب ضرب): أخرج ترابها. وهذا المعنى غير مستقيم في هذا المقام. فلعل صوابه «و أهلى على الجرف ...
إلخ». وأهال عليه التراب: دفعه فانهال.
[9] الرهجة: ما أثير من الغبار.
[10] الجهامة: السحابة لا ماء فيها.
[11] الحارك: أعلى الكاهل.
21 - ذكر حكم الواديّ وخبره ونسبه
نسبه وأصله وصناعته:
هو الحكم بن ميمون مولى الوليد بن عبد الملك. وكان أبوه حلّاقا يحلق رأس الوليد، فاشتراه فأعتقه. وكان حكم طويلا أحول، يكري الجمال ينقل عليها الزيت من الشام إلى المدينة. ويكنى أبا يحيى. وقال مصعب بن عبد اللّه بن الزّبير: هو حكم بن يحيى بن ميمون، وكان أصله من الفرس، وكان جمّالا ينقل الزيت من وادي [1] القرى إلى المدينة.
غنى الوليد بن عبد الملك وعاش إلى زمن الرشيد:
وذكر حمّاد بن إسحاق عن أبيه أنه كان شيخا طويلا أحول أجنأ [2] يخضب بالحنّاء، وكان جمّالا يحمل الزيت من جدّة إلى المدينة، وكان واحد دهره في الحذق، وكان ينقر بالدفّ ويغنّي مرتجلا، وعمّر عمرا طويلا، غنّى الوليد بن عبد الملك، وغنّى الرشيد ومات في الشّطر من خلافته، وذكر أنه أخذ الغناء من عمر الوادي. قال: وكان بوادي القرى جماعة من المغنّين فيهم عمر بن زاذان - وقيل: ابن داود بن زاذان، وهو الذي كان يسميه الوليد جامع لذّتي - وحكم بن يحيى، وسليمان، وخليد بن عتيك - وقيل: ابن عبيد - ويعقوب الوادي. وكل هؤلاء كان يصنع فيحسن.
مدح إسحاق الموصلي غناءه:
أخبرني يحيى بن عليّ قال حدّثني حمّاد قال قال لي أبي:
أحذق من رأيت من المغنين أربعة: جدّك وحكم وفليح بن العوراء وسياط. قلت: وما بلغ من حذقهم؟ قال:
كانوا يصنعون فيحسنون، ويؤدّون [3] غناء غيرهم/ فيحسنون. قال إسحاق: وقال لي أبي:/ ما في هؤلاء الذين تراهم من المغنّين أطبع من حكم وابن جامع، وفليح أدرى منهما بما يخرج من رأسه.
غنى الوليد بن يزيد بشعر مطيع بن إياس فأجازه:
وذكر هارون بن محمد بن عبد الملك الزيات أن أحمد بن المكيّ حدّثه عن أبيه قال حدّثني حكم الواديّ،
__________
[1] وادي القرى: واد بين الشام والمدينة وهو بين تيماء وخيبر. سمي بذلك لأنه من أوله إلى آخره قرى منظومة كانت منازل قضاعة ثم جهينة وعذرة وبلى، وقديما كانت منازل ثمود وعاد وبها أهلكهم اللّه تعالى.
[2] الأجنأ: الأحدب.
[3] في ح: «و يروون».
وأخبرني به محمد بن يحيى الصّوليّ قال حدّثنا الغلابيّ [1] عن حمّاد بن إسحاق عن أحمد بن المكيّ عن أبيه عن حكم الوادي قال:
أدخلني عمر الوادي على الوليد بن يزيد، وهو على حمار، وعليه جبّة وشي ورداء وشي وخفّ وشي، وفي يده عقد جوهر، وفي كمّه شيء لا أدري ما هو. فقال: من غنّاني ما أشتهي فله ما في كمّي وما عليّ وما تحتي؛ فغنّوه كلّهم فلم يطرب؛ فقال لي: غنّ يا غلام، فغنّيت:
صوت
إكليلها ألوان ... ووجهها فتّان
وخالها فريد ... ليس له جيران
إذا مشت تثنّت ... كأنها ثعبان
- الشعر لمطيع بن إياس. والغناء لحكم الوادي هزج بالوسطى. وفيه لإبراهيم رمل خفيف بالوسطى - فطرب وأخرج ما كان في كمّه، وإذا كيس فيه ألف دينار، فرمى به إليّ مع عقد الجوهر؛ فلما دخل بعث إليّ بالحمار وجميع ما كان عليه. وهذا الخبر يذكر من عدّة وجوه في أخبار مطيع بن إياس.
مدحه رجل من قريش بشعر صنع هو فيه صوتا:
وفي حكم الواديّ يقول رجل من قريش:
صوت
أبو يحيى أخو الغزل المغنّي ... بصير بالثّقال وبالخفاف
على العيدان يحسن ما يغنّي ... ويحسن ما يقول على الدّفاف
غنّاه حكم الواديّ هزجا بالبنصر.
قال هارون بن عبد الملك قال أبو يحيى العباديّ قال حدّثني أحمد البارد قال: دخلت على حكم يوما فقال لي: يا قصافيّ [2]، إن رجلا من قريش قال فيّ هذا الشعر:
أبو يحيى أخو الغزل المغنّي
وقد غنّيت فيه، فخذ العود حتى تسمعه منّي؛ فأخذت العود فضربت عليه وغنّانيه، فكنت أوّل من أخذ من حكم الواديّ هذا الصوت.
سئل عن صوت فقال ما يكون إلا لي:
قال أبو يحيى وقال إسحاق:
__________
[1] كذا في أ، ء، م. وهو محمد بن زكريا بن دينار الغلابي. وقد مرت رواية محمد بن يحيى الصولي عنه في الأجزاء السابقة. وفي سائر الأصول: «العلائي» وهو تحريف.
[2] بنو قصاف: بطن من العرب.
سمعت حكما الواديّ يغني صوتا فأعجبني، فسألته لمن هو؟ فقال: ولمن يكون هذا إلّا لي.
فغضب من شيخ قال له أحسنت:
وقال مصعب:
حدّثني شيخ أنه سمع حكما الواديّ يغنّي، فقال له: أحسنت! فألقى الدّفّ وقال للرجل: قبّحك اللّه! تراني مع المغنّين منذ ستين سنة وتقول لي أحسنت!.
قصته هو وفليح مع ابن جامع عند يحيى بن خالد:
وقال لي هارون حدّثني مدرك بن يزيد قال قال لي فليح:
بعث إليّ يحيى بن خالد وإلى حكم الواديّ، وابن جامع معنا، فأتيناه. فقلت لحكم الواديّ - أو قال لي - إنّ ابن جامع معنا، فعاونّي عليه لنكسره./ فلما صرنا إلى الغناء غنّى حكم، فصحت وقلت: هكذا واللّه يكون الغناء! ثم غنّيت ففعل بي حكم مثل ذلك، وغنّى ابن جامع فما كنا معه في شيء. فلما كان العشيّ أرسل إلى جاريته دنانير:
إن أصحابك عندنا، فهل لك أن تخرجي إلينا؟! فخرجت وخرج معها وصائف لها، فأقبل عليها يقول لها من حيث يظن أنّا لا نسمع: ليس في القوم أنزه/ نفسا من فليح، ثم أشار إلى غلام له: أن ائت كلّ إنسان بألفي درهم، فجاء بها. فدفع إلى ابن جامع ألفين فأخذها فطرحها في كمّه، ولحكم مثل ذلك فطرحها في كمّه، ودفع إليّ ألفين.
فقلت: لدنانير: قد بلغ منّي النبيذ فاحتبسيها لي عندك، فأخذت الدراهم منّي وبعثت بها إليّ من الغد، وقد زادت عليها مثلها، وأرسلت إليّ: قد بعثت إليك بوديعتك وبشيء أحببت أن تفرّقه على أخواتي (تعني جواريّ).
بلغ في الهزج مبلغا قصر عنه غيره:
قال هارون بن محمد قال حمّاد بن إسحاق قال أبي:
أربعة بلغوا في أربعة أجناس من الغناء مبلغا قصّر عنه غيرهم: معبد في الثقيل، وابن سريج في الرّمل، وحكم في الهزج، وإبراهيم في الماخوري.
كتب له الرشيد بصلة إلى إبراهيم ابن المهدي فوصله هو أيضا وأخذ عنه ثلاثمائة صوت:
قال هارون وحدّثني أبي قال حدّثني هبة اللّه بن إبراهيم بن المهديّ عن أبيه قال:
زار حكم الواديّ الرشيد، فبرّه ووصله بثلاثمائة ألف درهم، وسأله عمن يختار أن يكتب له بها إليه؛ فقال:
اكتب لي بها إلى إبراهيم بن المهديّ - وكان عاملا له بالشام - قال إبراهيم: فقدم عليّ حكم بكتاب الرشيد، فدفعت إليه ما كتب به ووصلته بمثل ما وصله، إلا أني نقصته ألفا من الثلاثمائة وقلت له: لا أصلك بمثل صلة أمير المؤمنين. فأقام عندي ثلاثين يوما أخذت منه فيها ثلاثمائة صوت، كلّ صوت منها أحبّ إليّ من الثلاثمائة الألف التي وهبتها له.
أهانه ابن شقران ولما عرفه اعتذر:
وأخبرني عليّ بن عبد العزيز عن عبيد اللّه بن خرداذبه قال قال مصعب بن عبد اللّه:
/ بينا حكم الواديّ بالمدينة إذ سمع قوما يقولون: لو ذهبنا إلى جارية ابن شقران! فإنها حسنة الغناء! فمضوا
إليها، وتبعهم حكم وعليه فروة [1]، فدخلوا ودخل معهم، وصاحب المنزل يظن أنه معهم وهم يظنون أنه من قبل صاحب المنزل ولا يعرفونه. فغنّت الجارية أصواتا ثم غنّت صوتا ثم صوتا. فقال حكم الواديّ: أحسنت واللّه! وصاح. فقال له ربّ البيت: يا ماصّ كذا وكذا من أمه! وما يدريك ما الغناء! فوثب عليه يتعتعه [2] وأراد ضربه.
فقال له حكم: يا عبد اللّه، دخلت بسلام وأخرج كما دخلت، وقام ليخرج. فقال له ربّ البيت: لا أو أضربك. فقال حكم: على رسلك، أنا أعلم بالغناء منك ومنها، وقال: شدّي موضع كذا وأصلحي موضع كذا، واندفع يغنّي.
فقالت الجارية: إنه واللّه أبو يحيى! فقال ربّ المنزل: جعلت فداك! المعذرة إلى اللّه وإليك! لم أعرفك! فقام حكم ليخرج فأبى الرجل؛ فقال: واللّه لأخرجنّ، فسأعود إليها لكرامتها لا لكرامتك.
لامه ابنه على غنائه الأهزاج فأجابه:
وذكر أحمد بن المكيّ عن أبيه: أنّ حكما لم يشهر بالغناء ويذهب له الصّوت [3] به حتى صار الأمر إلى بني العباس؛ فانقطع إلى محمّد بن أبي العباس أمير المؤمنين وذلك في خلافة المنصور؛ فأعجب به واختاره على المغنّين وأعجبته أهزاجه. وكان يقال: إنه من أهزج الناس. ويقال: إنه غنّى الأهزاج في آخر عمره، وإن ابنه لامه على ذلك، وقال له: أبعد الكبر تغنّي غناء المخنّثين! فقال له: اسكت فإنك جاهل، غنّيت الثقيل ستين سنة فلم أنل إلا القوت، وغنّيت الأهزاج منذ سنيّات فأكسبتك ما لم تر مثله قطّ.
شهد له يحيى بن خالد بجودة الأداء:
قال هارون بن محمد وقال يحيى بن خالد:
ما رأينا فيمن يأتينا من المغنّين أحدا أجود أداء من حكم. وليس أحد يسمع [4] غناء ثم يغنّيه بعد ذلك إلا وهو يغيّره ويزيد فيه وينقص إلا حكما. فقيل لحكم ذلك/ فقال: إني لست أشرب، وغيري يشرب، فإذا شرب تغيّر غناؤه.
استكثر المنصور ما كان يعطاه من هدايا ثم عدل عن رأيه:
أخبرني إسماعيل بن يونس قال حدّثنا عمر بن شبّة قال:
كان خبر حكم الواديّ يتناهى إلى المنصور ويبلغه ما يصله به بنو سليمان بن عليّ، فيعجب لذلك ويستسرفه ويقول: هل هو إلا أن حسّن شعرا بصوته وطرّب مستمعيه، فماذا يكون! وعلام يعطونه هذه العطايا المسرفة! إلى أن جلس يوما في مستشرف له، وقد كان حكم دخل إلى رجل من قوّاده - أراه قال: عليّ [5] بن يقطين أو أبوه - وهو
__________
[1] الفروة والفرو: شيء نحو الجبة يبطن من جلود بعض الحيوان كالأرانب والثعالب والسمور.
[2] كذا في ح. وتعتعه: تلتله وحركه بعنف. وفي سائر الأصول: «يتعنفه» وهو تحريف.
[3] في ب، س: «الصيت». والصوت والصيت الذكر الحسن الذي ينتشر بين الناس.
[4] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «و ليس أحد يسمع منه غناء ... إلخ». والظاهر أن كلمة «منه» مقحمة.
[5] كان يقطين بن موسى البغدادي من وجوه الدعاة، وطلبه مروان فهرب. وابنه علي بن يقطين ولد بالكوفة سنة أربع وعشرين ومائة.
وهربت أم علي به وبأخيه عبيد بن يقطين إلى المدينة. فلما ظهرت الدولة الهاشيمة ظهر يقطين وعادت أم علي بعلي وعبيد. فلم يزل يقطين في خدمة أبي العباس وأبي جعفر المنصور، وكان مع ذلك يرى رأي آل أبي طالب ويقول بإمامتهم، وكذلك ولده، وكان يحمل الأموال إلى جعفر بن محمد بن علي والألطاف. ونم خبره إلى المنصور والمهدي فصرف اللّه عنه كيدهما. وتوفي علي بن يقطين بمدينة السلام سنة 182 ه وسنه 57 سنة وصلى عليه ولي العهد محمد بن الرشيد وتوفي أبوه بعده في سنة 185 ه (عن «فهرست ابن النديم»).
يراه؛ ثم خرج عشيّا وقد حمله على بغلة له يعرفها المنصور، وخلع عليه ثيابا يعرفها له. فلما رآه المنصور قال: من هذا؟ فقيل: حكم الواديّ. فحرّك رأسه مليّا ثم قال: الآن علمت أن هذا يستحقّ ما يعطاه. قيل: وكيف ذلك يا أمير المؤمنين وأنت تنكر ما يبلغك منه؟ قال: لأنّ فلانا لا يعطي شيئا من ماله باطلا ولا يضعه إلا في حقه.
اعترض المهدي في الطريق وغناه فأجازه:
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا ابن أبي سعد [1] قال حدّثنا قعنب بن المحرز الباهليّ عن الأصمعيّ قال:
رأيت حكما الواديّ حين مضى المهديّ إلى بيت المقدس [2]، وقد عارضه في الطريق وأخرج دفّه ونقر فيه وله شعيرات على رأسه وقال: أنا واللّه يا أمير المؤمنين القائل:
ومتى تخرج العرو ... س فقد طال حبسها
فتسرّع إليه الحرس؛ فقال: دعوه [3]، وسأل عنه فأخبر أنه حكم الواديّ؛ فوصله وأحسن إليه.
لحن حكم في هذا الشعر المذكور هزج بالبنصر. وفيه ألحان لغيره، وقد ذكرت في أخبار الوليد بن يزيد.
أطرب الهادي دون غيره من المغنين فأعطاه ثلاث بدر:
أخبرني الحسن قال حدّثنا ابن مهرويه قال حدّثنا عليّ بن محمد النّوفلي عن صالح [4] الأضجم عن حكم الواديّ قال:
كان الهادي يشتهي من الغناء ما توسّط وقلّ ترجيعه ولم يبلغ أن يستخفّ جدّا؛ فأخرج ليلة ثلاث بدر وقال:
من أطربني فهي له. فغنّاه ابن جامع وإبراهيم الموصليّ والزّبير بن دحمان فلم يصنعوا شيئا، وعرفت ما أراد فغنّيته لابن سريج:
صوت
غرّاء كالليلة المباركة ال ... قمراء تهدى أوائل الظّلم
أكني بغير اسمها وقد علم ال ... لّه خفيّات كلّ مكتتم
/ كأن فاها إذا تنسّم [5] عن ... طيب مشمّ وحسن مبتسم
يسنّ [6] بالضّرو [7] من براقش أو ... هيلان [8] أو يانع من العتم [9]
__________
[1] في جميع الأصول هنا: «سعيد» وهو تحريف.
[2] سيأتي هذا الخبر في ترجمة الوليد بن يزيد (ج 7 ص 31 من هذه الطبعة). وقد ورد فيه أن المهدي كان يريد الحج.
[3] كذا في ب، س. وفي سائر الأصول: «دعوه دعوه».
[4] هو صالح بن علي بن عطية الأضجم الراوي.
[5] كذا في أ، ء ونسخة الشنقيطي مصححة بقلمه. وفي سائر الأصول: «تبسم».
[6] كذا في الجزء الخامس من «الأغاني» (ص 27 من هذه الطبعة). ويسن (بالبناء للمجهول): يسوّك. وفي الأصول هنا: «يستن».
[7] الضرو: شجرة الكمكام، وهو شجر طيب الريح يستاك به ويجعل ورقه في العطر، وهو المحلب. قال أبو حنيفة الدينوري: أكثر منابت الضرو باليمن وهو من شجر الجبال كالبلوط العظيم له عناقيد كعناقيد البطم غير أنه أكبر حبا، ويطبخ ورقه فإذا نضج صفى ورد ماؤه إلى النار فيعقد، يتداوى به من خشونة الصدر ووجع الحلق. (راجع «شرح القاموس» مادة ضرى).
[8] براقش: واد باليمن شجير وكذلك هيلان. وأكثر نبات الضر وباليمن. وقيل: براقش وهيلان مدينتان عاديتان خربتا. ويسكن براقش بنو الأوبر من بلحارث بن كعب ومراد. وسميت براقش باسم كلبة وهي التي قيل فيها: «على أهلها تجني براقش». (راجع «معجم ما استعجم» و «معجم البلدان» في اسم براقش، و «شرح القاموس» و «اللسان» مادة برقش).
[9] العتم: شجر الزيتون. وفي ب، س: «العنم» (بالنون) وهو تصحيف.
- الشعر في هذا الغناء للنابغة الجعديّ؛ والصنعة لابن سريج رمل بالبنصر - فوثب عن فراشه طربا وقال:
أحسنت أحسنت واللّه! اسقوني فسقي. ووثقت بأن البدر لي، فقمت فجلست عليها. فأحسن ابن جامع المحضر وقال: أحسن واللّه كما قال أمير المؤمنين، وإنه لمحسن مجمل. فلما سكن [1] أمر الفرّاشين بحملها معي. فقلت لابن جامع: مثلك يفعل ما فعلت في شرفك ونسبك! فإن رأيت أن تشرّفني بقبول إحداها فعلت. فقال: لا واللّه لا فعلت، واللّه لوددت أنّ اللّه زادك، وأسأل اللّه أن يهنّيك ما رزقك. ولحقني الموصليّ فقال: آخذ يا حكم من هذا؟
فقلت: لا واللّه ولا درهما واحدا لأنك لم تحسن المحضر.
موته وشعر الدارمي فيه:
ومات حكم الواديّ/ من قرحة أصابته في صدره. فقال الدارميّ فيه قبل وفاته:
صوت
إنّ أبا يحيى اشتكى علّة ... أصبح منها بين عوّاد
فقلت والقلب به موجع ... يا ربّ عاف الحكم الوادي
/ فربّ بيض قادة سادة ... كأنصل سلّت من اغماد
نادمهم في مجلس لاهيا ... فأصمت المنشد والشادي
غنّى فيه حكم الواديّ هزجا بالبنصر.
صوت من المائة المختارة
أمعارف الدّمن القفار توهّم ... ولقد مضى حول لهنّ مجرّم [2]
ولقد وقفت على الديار لعلّها [3] ... بجواب رجع تحيّة تتكلّم
عن علم ما فعل الخليط، فما درت ... أنّى توجّه بالخليط الموسم
ولقد عهدت بها سعاد وإنها ... باللّه جاهدة اليمين لتقسم
إني لأوجه من تكلّم عندها ... بأليّة ومخالف من يزعم
فلها لدينا بالذي بذلت لنا ... ودّ يطول له العناء ويعظم
عروضه من الكامل. الشعر لنصيب من قصيدة يمدح بها عبد الملك بن مروان. والغناء لابن جامع. له فيه لحنان ذكرهما إسحاق، أحدهما ثاني ثقيل بإطلاق الوتر في مجرى الوسطى. ولإبراهيم في البيتين الأوّلين ثقيل أوّل مطلق في مجرى الوسطى. ولإسحاق وسياط فيهما ثقيل بالبنصر عن عمرو.
__________
[1] في ح: «سكر».
[2] مجرم: منقطع ومنصرم.
[3] في ح: «كأنها».
22 - ذكر ابن جامع وخبره ونسبه
نسبه:
هو إسماعيل بن جامع بن إسماعيل بن عبد اللّه بن المطّلب بن أبي [1] وداعة بن ضبيرة [2] [بن سعيد] [3] بن سعد بن سهم [بن عمرو] [3] بن هصيص بن كعب بن لؤيّ بن غالب.
ضبيرة السهمي جدّ ابن جامع وشيء من أخباره:
أخبرني الطّوسيّ عن الزّبير بن بكّار عن عمّه مصعب، وأخبرنا محمد بن جرير الطّبريّ قال حدّثنا محمد بن حميد عن سلمة عن ابن [4] إسحاق قالا جميعا:
مات ضبيرة السّهميّ وله مائة سنة ولم يظهر في رأسه ولا لحيته شيب. فقال بعض شعراء قريش يرثيه:
حجّاج بيت اللّه إنّ ... ضبيرة السّهميّ ماتا
سبقت منيّته المشي ... ب وكان ميتته افتلاتا
فتزوّدوا لا تهلكوا ... من دون أهلكم خفاتا [5]
/قال: وأسر أبو وداعة كافرا يوم بدر ففداه ابنه المطّلب، وكان المطّلب رجل صدق. وقد روى عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم الحديث.
كنية ابن جامع وشيء من أخبار أمه:
ويكنى ابن جامع أبا القاسم. وأمه امرأة من بني سهم، وتزوّجت بعد أبيه رجلا من أهل اليمن. فذكر
__________
[1] اسم أبي وداعة: الحارث. ويحكي عن أسره يوم بدر كما سيذكره المؤلف أن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قال: تمسكوا به فإن له ابنا كيسا بمكة» فخرج المطلب بن أبي وداعة سرا حتى فدى أباه بأربعة آلاف درهم. وهو أول أسير فدى من بدر، ولامته قريش في بداره ودفعه الفداء، فقال: ما كنت لأدع أبي أسيرا. فسار الناس بعده إلى النبيّ صلى اللّه عليه وسلم ففدوا أسراهم.
[2] كذا في «الطبقات الكبرى» لابن سعد (ج 5 ص 334) و «السيرة لابن هشام» (ج 1 ص 514) و «شرح القاموس» مادة ضبر بالضاد المعجمة. وفي جميع الأصول: «صبيرة» بالصاد المهملة وهو تصحيف.
[3] زيادة عن «الطبقات» و «المشتبه» (ص 265) و «أسد الغابة» (ج 4 ص 374) و «الاستيعاب» (ج 1 ص 268) و «السيرة» لابن هشام.
[4] في أكثر الأصول: «عن سلمة بن أبي إسحاق». وفي ح: «عن سلمة عن أبي إسحاق». وكلاهما محرف عما أثبتناه. إذ المعروف أن سلمة بن الفضل الأبرش يروي عن محمد بن إسحاق بن يسار. وعن سلمة هذا يروي محمد بن حميد الرازي. وقد تقدّم هذا السند في أكثر من موضع في الأجزاء السابقة.
[5] خفت الرجل خفاتا: مات فجأة.
هارون بن محمد بن عبد الملك الزيّات عن/ حماد عن أبيه عن بعض أصحابه عن عون حاجب [1] معن بن زائدة قال: رأيت أمّ ابن جامع وابن جامع معها عند معن بن زائدة وهو ضعيف يتبعها ويطأ ذيلها وكانت من قريش، ومعن يومئذ على اليمن. فقالت: أصلح اللّه الأمير، إنّ عمّي زوّجني زوجا ليس بكف ء ففرّق بيني وبينه. قال: من هو؟
قالت: ابن ذي مناجب. قال: عليّ به. قال: فدخل أقبح من خلق اللّه وأشوهه خلقا. قال: من هذه منك؟ قال:
امرأتي. قال: خلّ سبيلها، ففعل. فأطرق معن ساعة ثم رفع رأسه فقال:
لعمري لقد أصبحت غير محبّب ... ولا حسن في عينها ذا مناجب
فما لمتها لمّا تبيّنت وجهه ... وعينا له حوصاء من تحت حاجب
وأنفا كأنف البكر يقطر دائبا ... على لحيّة عصلاء [2] شابت وشارب
أتيت بها مثل المهاة تسوقها [3] ... فيا حسن مجلوب ويا قبح جالب
وأمر لها بمائتي دينار وقال لها: تجهزي بها إلى بلادك.
سأله الرشيد عن نسبه فأحاله على إسحاق الموصلي:
أخبرني يحيى بن عليّ بن يحيى قال أخبرني حمّاد عن أبيه:
أن الرشيد سأل ابن جامع يوما عن نسبه وقال له: أيّ بني الإنس ولدك يا إسماعيل؟ قال: لا أدري، ولكن سل ابن أخي (يعني إسحاق) - وكان يماظّ [4] /إبراهيم الموصليّ ويميل إلى ابنه إسحاق - قال إسحاق: ثم التفت إليّ ابن جامع فقال: أخبره يابن أخي بنسب عمك. فقال له الرشيد: قبّحك اللّه شيخا من قريش! تجهل نسبك حتى يخبرك به غيرك وهو رجل من العجم!.
شيء من ورعه وتقواه:
قال هارون حدّثني عبد اللّه بن عمرو قال حدّثني أبو هشام [5] محمد بن عبد الملك المخزوميّ قال أخبرني محمد بن عبد اللّه بن أبي فروة بن أبي قراد المخزوميّ قال:
كان ابن جامع من أحفظ خلق اللّه لكتاب اللّه وأعلمه بما يحتاج إليه، كان يخرج من منزله مع الفجر يوم الجمعة فيصلّي الصبح ثم يصفّ قدميه حتى تطلع الشمس، ولا يصلي الناس الجمعة حتى يختم القرآن ثم ينصرف إلى منزله.
وقف معه أبو يوسف القاضي بباب الرشيد ولم يعرفه:
قال هارون وحدّثني عليّ بن محمد النّوفليّ قال حدّثني صالح بن عليّ بن عطيّة وغيره من رجال أهل العسكر قالوا:
__________
[1] كذا في أكثر الأصول. وفي ب، س: «صاحب».
[2] عصلاء: معوجة.
[3] في تجريد الأغاني: «تسومها».
[4] ما ظظت فلانا: شاورته ونازعته.
[5] في أ، ء، م: «أبو هاشم محمد بن عبد اللّه المخزومي».
قدم ابن جامع قدمة له من مكة على الرشيد، وكان ابن جامع حسن السّمت كثير الصلاة قد أخذ السجود جبهته، وكان يعتمّ بعمامة سوداء على قلنسوة طويلة، ويلبس لباس الفقهاء، ويركب حمارا مرّيسيّا [1] في زيّ أهل الحجاز. فبينا هو واقف على باب يحيى بن خالد يلتمس الإذن عليه، فوقف على ما كان يقف الناس عليه في القديم حتى يأذن لهم أو يصرفهم، أقبل [2] أبو يوسف القاضي بأصحابه أهل القلانس؛ فلما هجم على الباب نظر إلى رجل يقف إلى جانبه ويحادثه، فوقعت عينه على ابن جامع فرأى سمته وحلاوة هيئته، فجاء فوقف إلى جانبه ثم قال له: أمتع اللّه بك، توسّمت/ فيك الحجازيّة والقرشيّة؛ قال: أصبت. قال: فمن أيّ قريش أنت؟ قال: من بني سهم. قال: فأيّ الحرمين منزلك؟ قال: مكة. قال: ومن لقيت من فقهائهم؟ قال: سل عمن شئت. ففاتحه الفقه والحديث فوجد عنده ما أحبّ فأعجب به. ونظر الناس إليهما فقالوا: هذا القاضي قد أقبل على المغنّي، وأبو يوسف لا يعلم أنه ابن جامع. فقال أصحابه: لو أخبرناه عنه! ثم قالوا:/ لا، لعلّه لا يعود إلى مواقفته [3] بعد اليوم، فلم نغمّه. فلما كان الإذن الثاني ليحيى غدا عليه الناس وغدا عليه أبو يوسف، فنظر يطلب ابن جامع فرآه، فذهب فوقف إلى جانبه فحادثه طويلا كما فعل في المرّة الأولى. فلما انصرف قال له بعض أصحابه: أيها القاضي، أتعرف هذا الذي تواقف وتحادث؟ قال: نعم، رجل من قريش من أهل مكة من الفقهاء. قالوا: هذا ابن جامع المغنيّ؛ قال: إنا للّه!. قالوا: إن الناس قد شهروك بمواقفته وأنكروا ذلك من فعلك. فلما كان الإذن الثالث جاء أبو يوسف ونظر إليه فتنكّبه، وعرف ابن جامع أنه قد أنذر به، فجاء فوقف فسلّم عليه، فردّ السلام عليه أبو يوسف بغير ذلك الوجه الذي كان يلقاه به ثم انحرف عنه. فدنا منه ابن جامع، وعرف الناس القصة، وكان ابن جامع جهيرا فرفع صوته ثم قال: يا أبا يوسف، ما لك تنحرف عني؟ أيّ شيء أنكرت؟ قالوا لك: إني ابن جامع المغنيّ فكرهت مواقفتي لك! أسألك عن مسألة ثم اصنع ما شئت؛ ومال الناس فأقبلوا نحوهما يستمعون. فقال: يا أبا يوسف، لو أن أعرابيّا جلفا وقف بين يديك فأنشدك بجفاء وغلظة من لسانه وقال:
يا دارمية بالعلياء فالسّند ... أقوت وطال عليها سالف الأبد
/ أكنت ترى بذلك بأسا؟ قال: لا، قد روي عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم في الشعر قول، وروى في الحديث. قال ابن جامع: فإن قلت أنا هكذا، ثم اندفع يتغنّى فيه حتى أتى عليه؛ ثم قال: يا أبا يوسف، رأيتني زدت فيه أو نقصت منه؟ قال: عافاك اللّه، أعفنا من ذلك. قال: يا أبا يوسف، أنت صاحب فتيا، ما زدته على أن حسّنته بألفاظي فحسن في السماع ووصل إلى القلب. ثم تنحّى عنه ابن جامع.
سأل سفيان بن عيينة عن السبب الذي أصاب به مالا فأجيب:
قال: وحدّثني عبد اللّه بن شبيب قال حدّثني إبراهيم بن المنذر عن سفيان بن عيينة، ومرّ به ابن جامع يسحب الخزّ، فقال لبعض أصحابه:
بلغني أنّ هذا القرشيّ أصاب مالا من بعض الخلفاء، فبأيّ شيء أصابه؟ قالوا: بالغناء. قال: فمن منكم يذكر بعض ذلك؟ فأنشد بعض أصحابه ما يغنّي فيه:
__________
[1] مريسي: نسبة إلى مريسة (كسكينة، كما في «القاموس» وشرحه مادة مرس وضبطها صاحب «معجم البلدان» بفتح الميم): قرية بمصر من ناحية الصعيد إليها تنسب الحمر المريسية وهي من أجود الحمر وأمشاها.
[2] في جميع الأصول: «فأقبل».
[3] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «مرافقته».
وأصحب بالليل أهل الطّواف ... وأرفع من مئزري المسبل
قال: أحسن، هيه! قال:
وأسجد بالليل حتى الصباح ... وأتلو من المحكم المنزل
قال: أحسن، هيه! قال:
عسى فارج الكرب عن يوسف ... يسخّر لي ربّة المحمل
قال: أمّا هذا فدعه.
كان يعد صيحة الصوت قبل أن يصنع عمود اللحن:
وحدّثني محمد بن الحسن العتّابيّ قال حدّثني جعفر بن محمد الكاتب قال حدّثني طيّب بن عبد الرحمن قال:
كان ابن جامع يعدّ صيحة الصوت قبل أن يصنع عمود اللحن.
اشتغاله بالقمار وحب الكلاب:
وحدّث محمد [1] بن الحسن قال حدّثني أبو حارثة بن عبد الرحمن بن سعيد [2] بن سلم عن أخيه أبي [3] معاوية بن عبد الرحمن قال:
قال لي ابن جامع: لو لا أن القمار وحبّ الكلاب قد شغلاني لتركت المغنّين لا يأكلون الخبز.
دعا كلبا أهدى إليه باسم من دفتر فيه أسماء الكلاب:
أخبرني عليّ بن عبد العزيز/ عن ابن خرداذبه قال:
أهدى رجل إلى ابن جامع كلبا فقال: ما اسمه؟ فقال: لا أدري، فدعا بدفتر فيه أسماء الكلاب فجعل يدعوه بكل اسم فيه حتى أجابه الكلب.
ألقى على ابنه هشام صوتا سمعه من الجن:
قال هارون بن محمد حدّثني عليّ بن محمد النّوفليّ قال حدّثني محمد بن أحمد المكّيّ قال حدّثتني حولاء مولاة ابن جامع قالت:
انتبه مولاي يوما من قائلته فقال: عليّ بهشام (يعني ابنه) ادعوه لي عجّلوه، فجاء مسرعا. فقال: أي بنيّ، خذ العود، فإنّ رجلا من الجن ألقى عليّ في قائلتي صوتا فأخاف أن أنساه. فأخذ هشام العود وتغنّى ابن جامع عليه رملا لم أسمع له رملا أحسن منه، وهو:
__________
[1] كذا في جميع الأصول. وقد تقدم في الجزء الخامس (ص 385) من هذه الطبعة أن الذي يروي عن أبي حارثة هذا هو «محمد بن الحسين الكاتب».
[2] في جميع الأصول: «سعد» وهو تحريف.
[3] في أكثر الأصول: «عن أخيه عن أبي معاوية». وفي ح: «عن أخيه عن ابن معاوية» وكلاهما تحريف. وقد مرت رواية أبي حارثة هذا عن أخيه أبي معاوية في الجزء الخامس من هذه الطبعة (ص 385).
صوت
أمست رسوم الديار غيّرها ... هوج الرّياح الزّعازع العصف
وكلّ حنّانة لها زجل ... مثل حنين الرّوائم الشّغف
/ فأخذه عنه هشام، فكان بعد ذلك يتغنّاه وينسبه إلى الجن. وفي هذا الصوت للهذليّ لحن من الثقيل الثاني بالخنصر في مجرى الوسطى. وفيه للغريض ثاني ثقيل بالوسطى على مذهب إسحاق من رواية عمرو، وقيل: إن هذا اللحن لعبادل. وفيه لابن جامع الرمل المذكور.
أخذ ببيتين غنى بهما الرشيد عشرة آلاف دينار:
قال هارون وحدّثني أحمد بن بشر بن عبد الوهاب قال حدّثني محمد [1] بن موسى بن فليح الخزاعيّ قال حدّثنا أبو محمد عبد اللّه بن محمد المكّيّ قال: قال لي ابن جامع:
أخذت من هارون ببيتين غنّيته بهما عشرة آلاف دينار:
صوت
لابدّ للعاشق من وقفة ... تكون [2] بين الوصل والصّرم
يعتب أحيانا وفي عتبه ... إظهار [3] ما يخفي من السّقم
إشفاقه داع إلى ظنّه ... وظنّه داع إلى الظلم
حتى إذا ما مضّه هجره [4] ... راجع من يهوى على رغم
- هكذا روّيته [5]. الشعر للعبّاس بن الأحنف. والغناء لابن جامع ثاني ثقيل بالوسطى. وذكر ابن بانة أن هذا اللحن لسليم. وفيه لإبراهيم ثقيل أوّل بالوسطى - قال: ثم قال لي ابن جامع: فمتى تصيب أنت بالمروءة شيئا!
صادفه جماعة من القرشين بفخ وهو يغني:
وقال هارون حدّثني أحمد بن زهير قال حدّثني مصعب بن عبد اللّه قال:
خرج ابن أبي عمرو الغفاريّ وعبد الرحمن بن أبي قباحة وغيرهما من القرشييّن عمّارا [6] يريدون مكة؛ فلما كانوا بفخّ [7] نزلوا على البئر التي هناك ليغتسلوا فيها. قال [8]: فبينا نحن نغتسل إذ سمعنا صوت غناء، فقلنا: لو
__________
[1] كذا في أكثر الأصول. والظاهر أن محمد بن موسى هذا ابن أخ لمحمد بن فليح الراوي المعروف الذي مر ذكره في الأجزاء السابقة.
فقد ذكر في «التهذيب» في ترجمة محمد بن فليح أن له أخا يسمى موسى إلا أنه لم يذكر هناك من أولاده غير عمران. وفي ب، س: «محمد بن عيسى بن فليح ... إلخ».
[2] في ديوان العباس بن الأحنف: «يكون».
[3] في ديوانه:
«يهيج ما يخفى ...
إلخ».
[4] في ديوانه: «شوقه».
[5] هذه العبارة ساقطة في ح.
[6] عمارا: زوّارا، من العمرة وهي الطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة. والعمرة تكون في السنة كلها. والحج في وقت معين من السنة.
[7] فخ (بفتح أوله وتشديد ثانيه): واد مكة.
[8] ظاهر السياق أن القائل هو أحد هؤلاء الذين خرجوا عمارا، غير أنه لم يعين في الأصول.
ذهبنا إلى هؤلاء فسمعنا غناءهم! فأتيناهم، فإذا ابن جامع وأصحاب له يغنّون وعندهم فضيخ [1] لهم يشربون منه؛ فقالوا: تقدّموا يا فتيان، فتقدّم ابن أبي عمرو فجلس مع القوم وكان رأسهم، فجلسنا نشرب؛ وطرب ابن أبي قباحة فغنّى. فقال ابن جامع: وابأبي وأمي! ابن أبي قباحة وإلا فهو ابن الفاعلة. فقام ابن أبي عمرو فأخرج من وسطه هميانا [2] فيه ثلاثمائة درهم فنثرها على ابن أبي قباحة. فقال ابن جامع: امضوا بنا إلى المنزل، فمضينا فأقمنا عنده شهرا ما نبرح ونحن على إحرامنا ذلك.
غنت جاريته الحولاء صوتا له في جارية سوداء يحبها:
قال هارون بن/ محمد بن عبد الملك حدّثني عليّ بن سليمان عن محمد بن أحمد النّوفليّ عن جارية ابن جامع الحولاء قال: - وكانت تتبنّاني - فتغنّت يوما وطربت وقالت: يا بنيّ، ألا أغنّيك هزجا لسيّدي في عشيقة له سوداء؟ قلت: بلى. فتغنّت هزجا ما سمعت أحسن منه، وهو:
صوت
أشبهك المسك وأشبهته ... قائمة في لونه قاعده
لا شكّ إذ لو نكما واحد ... أنّكما من طينة واحده
/ وقد روي هذا الشعر لأبي حفص [3] الشّطرنجيّ يقوله في دنانير [4] مولاة البرامكة. ونسب هذا الهزج إلى إبراهيم وابن جامع وغيرهما.
شبهه برصوما الزامر بزق عسل:
قال عبد اللّه بن عمرو حدّثنا أحمد بن عمر بن إسماعيل الزّهريّ قال حدّثني محمد بن جعفر بن عمر بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام - وكان يلقّب الأبله - قال: قال برصوما الزّامر، وذكر إبراهيم الموصليّ وابن جامع، فقال:
الموصليّ بستان تجد فيه الحلو والحامض وطريّا لم ينضج، فتأكل منه من ذا وذا. وابن جامع زقّ عسل، إن فتحت فمه خرج عسل حلو، وإن خرقت جنبه خرج عسل حلو، وإن فتحت يده خرج عسل حلو، كلّه جيّد.
غنى عند الرشيد وهو سكران فأخطأ:
أخبرنا يحيى بن عليّ عن أبيه وحمّاد عن إبراهيم [5] بن المهديّ - وكان إبراهيم يفضّل ابن جامع ولا يقدّم عليه أحدا، وابن جامع يميل إليه - قال:
كنّا في مجلس الرشيد وقد غلب على ابن جامع النبيذ، فغنّى صوتا فأخطأ في أقسامه؛ فالتفت إليّ إبراهيم
__________
[1] الفضيخ: عصير العنب، وشراب يتخذ من بسر مفضوخ (مطبوخ).
[2] الهميان (بالكسر): كيس تجعل فيه النفقة ويشدّ على الوسط.
[3] هو أبو حفص عمر بن عبد العزيز مولى بني العباس. وكان أبوه من موالي المنصور فيما يقال، وكان اسمه اسما أعجميا، فلما نشأ أبو حفص وتأدب، غيره وسماه عبد العزيز. وكان أبو حفص لاعبا بالشطرنج مشغوفا به، فلقب به لغلبته عليه. (انظر ترجمته ج 19 ص 69 من «الأغاني» طبع بولاق).
[4] دنانير: مولاة يحيى بن خالد البرمكي. كانت صفراء مولدة وكانت من أحسن الناس وجها وأظرفهن وأكملهن وأحسنهن أدبا وأكثرهن رواية للغناء والشعر. ولها كتاب مجرّد في «الأغاني» مشهور. (انظر ترجمتها ج 16 ص 136 من «الأغاني» طبع بولاق).
[5] كذا في أكثر الأصول. وفي ح: «حماد بن إبراهيم بن المهدي ... إلخ» ولم نعرف أن إبراهيم بن المهدي أعقب ولدا اسمه إبراهيم أو حماد. وقد ورد هذا السند في الجزء الخامس (ص 173 من هذه الطبعة) مختلفا عما هنا وهو: «أخبرنا يحيى بن علي بن يحيى قال حدّثنا أبي عن طياب بن إبراهيم الموصلي قال ... إلخ).
الموصليّ فقال: قد خري فيه؛ وفهمت صدقه قال: فقلت لابن جامع: يا أبا القاسم، أعد الصوت وتحفّظ فيه؛ فانتبه وأعاده فأصاب. فقال إبراهيم:
/أعلّمه الرّماية كلّ يوم ... فلمّا استدّ ساعده رماني
وتنكّر لي لميلي مع ابن جامع عليه. فقلت للرّشيد بعد أيام: إن لي حاجة إليك. قال: وما هي؟ قلت: تسأل إبراهيم الموصليّ أن يرضى عنّي ويعود إلى ما كان عليه. فقال: إنما هو عبدك، وقال له: قم إليه فقبّل رأسه.
فقلت [1]: لا ينفعني رضاه في الظاهر دون الباطن، فسله أن يصحّح الرّضا. فقام إليّ ليقبّل رأسي كما أمر، فقال لي وقد أكبّ عليّ ليقبّل رأسي: أتعود؟ قلت لا. قال: قد رضيت عنك رضا صحيحا. وعاد إلى ما كان عليه.
غنى بعد إبراهيم الموصلي عند الرشيد فأجاد:
وقال حمّاد عن أبي يحيى العباديّ قال: قدم [2] حوراء غلام حمّاد الشّعراني وكان أحد المغنّين المجيدين قال حدّثني بعض أصحابنا قال:
كنّا في دار أمير المؤمنين الرشيد فصاح بالمغنّين: من فيكم يعرف.
وكعبة نجران [3] حتم علي ... ك حتى تناخي بأبوابها؟
- الشعر للأعشى - فبدرهم إبراهيم الموصليّ فقال: أنا أغنيّه، وغنّاه فجاء بشيء عجيب. فغضب ابن جامع وقال لزلزل: دع العود، أنا من جحاش/ وجرة [4] لا أحتاج إلى بيطار؛ ثم غنّى الصوت؛ فصاح إليه مسرور [5]:
أحسنت يا أبا القاسم! ثلاث مرات.
نسبة هذا الصوت
صوت
/و كعبة نجران حتم علي ... ك حتى تناخي بأبوابها
نزور [6] يزيد وعبد المسيح ... وقيسا هم [7] خير أربابها
__________
[1] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «فقال».
[2] كذا في جميع الأصول. ولعلها محرفة عن «قال».
[3] نجران: موضع في مخاليف اليمن من ناحية مكة. قالوا: سمي بنجران بن زيد بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان، لأنه كان أوّل من عمرها. وكعبة نجران هذه يقال: إنها بيعة بناها بنو عبد المدان بن الديان الحارثي على بناء الكعبة وعظموها مضاهاة للكعبة وسموها كعبة نجران. وذكر هشام بن الكلب أنها كانت قبة من أدم من ثلاثمائة جلد، كان إذا جاءها الخائف أمن، أو طالب حاجة قضيت، أو مسترفد أرفد. وكان لعظمها عندهم يسمونها كعبة نجران. (عن «معجم البلدان» لياقوت). وقد أورد أبو الفرج قصة هذا الشعر في خبر أساقفة نجران مع النبي صلى اللّه عليه وسلم (ج 10 ص 143 طبع بولاق).
[4] قال الأصمعي: وجرة - وفيها أقوال أخرى - بين مكة والبصرة بينها وبين البصرة نحو أربعين ميلا ليس فيها منزل، فهي مرب للوحش. يريد أنه يجري على الطبيعة والفطرة لا يحتاج إلى معين من الصناعات الآلية كسائر المغنين الحضريين.
[5] هو أبو هاشم خادم الرشيد، وكان أوثق رجاله عنده وقد تولى له قتل جعفر بن يحيى البرمكي. (انظر «الطبري» قسم 3 ص 679 و682).
[6] كذا في «مسالك الأبصار» (ج 1 ص 359) و «الأغاني» (ج 10 ص 143 طبع بولاق) و «معجم البلدان» (ج 4 ص 756 طبع أوروبا). وفي جميع الأصول هنا: «تزور» (بالتاء المثناة الفوقية).
[7] في «مسالك الأبصار» (ص 359):
« ... وهم ... إلخ ... »
وشاهدنا الجلّ [1] والياسمي ... ن والمسمعات بقصّابها [2]
وبربطنا [3] دائم معمل ... فأيّ الثلاثة أزرى بها
تنازعني إذ خلت بردها ... معطّرة غير جلبابها
فلما التقينا على آلة ... ومدّت إليّ بأسبابها
/ الشّعر للأعشى أعشى بني قيس بن ثعلبة. وهؤلاء الذين ذكرهم أساقفة نجران، وكان يزورهم ويمدحهم، ويمدح العاقب والسيّد، وهما ملكا نجران، ويقيم عندهما ما شاء، يسقونه الخمر ويسمعونه الغناء الرّوميّ، فإذا انصرف أجزلوا صلته.
أخبرنا بذلك محمد بن العبّاس اليزيديّ عن عمه عبيد اللّه عن محمد بن حبيب عن ابن الأعرابيّ، وله أخبار كثيرة معهم تذكر في مواضعها إن شاء اللّه. والغناء لحنين الحيريّ خفيف ثقيل [4] بالوسطى في مجراها عن إسحاق في الأربعة الأول. وذكر عمرو أنه لابن محرز. وذكر يونس أن فيها لحنا لمالك ولم يجنّسه. وذكر الهشاميّ أن في الخامس والسادس ثم الأوّل والثاني خفيف رمل بالوسطى ليحيى المكيّ.
استحضره الفضل بن الربيع لما ولى الهادي:
وقال حمّاد عن مصعب بن عبد اللّه قال حدّثني الطرّاز وكان بريد الفضل بن الرّبيع قال:
لما مات المهدي وملّك موسى الهادي أعطاني الفضل دنانير وقال: الحق بمكة فأتني بابن جامع واحمله في قبّة ولا تعلمنّ بذا [5] أحدا؛ ففعلت فأنزلته عندي واشتريت له جارية، وكان ابن جامع صاحب نساء. فذكره موسى ذات ليلة - وكان هو والحرّاني [6] منقطعين إلى موسى أيام المهديّ فضربهما المهديّ وطردهما - فقال لجلسائه: أما فيكم أحد يرسل إلى ابن جامع وقد علمتم موقعه منّي! فقال له الفضل بن الربيع: هو واللّه عندي يا أمير المؤمنين وقد فعلت الذي أردت. وبعث إليه فأتي به في الليل. فوصل الفضل تلك الليلة بعشرة آلاف دينار وولّاه حجابته.
غنى هو وإبراهيم الموصلي الرشيد بشعر السعدي فمدحه وذم الموصلي:
قال إسحاق عن بعض أصحابه:
__________
[1] الجل (بالضم ويفتح): الورد أبيضه وأحمره وأصفره، واحده جلة.
[2] ورد هذا البيت في «اللسان» و «الصحاح» (مادة قصب). وقيل في «اللسان»: « ... والقصابة: المزمار والجمع القصاب. قال الأعشى (و ذكر هذا البيت. ثم قال) وقال الأصمعي: أراد الأعشى بالقصاب الأوتار التي سويت من الأمعاء». وعبارة الصحاح:
« ... والقصب بالضم: المعي ... والجمع أقصاب قال الأعشى:
وشاهدنا الجل والياسمي ... ن والمسمعات بأقصابها
أي بأوتارها وهي تتخذ من الأمعاء. ويروى بقصابها وهي المزامير».
[3] البربط (كجعفر): العود. والكلمة فارسية معربة قيل شبه بصدر البط، وبر: الصدر. ورواية هذا الشطر في «مسالك الأبصار»:
«و بربطنا معمل دائب».
[4] كلمة «ثقيل» ساقطة في ح.
[5] في ح: «به».
[6] هو إبراهيم الحرّاني. كان من ندماء الهادي، وقيما على خزائن الأموال في أيامه. (انظر «التاج» للجاحظ ص 36 طبع المطبعة الأميرية ببولاق). وسيذكر بعد قليل في خبر عن مصعب أيضا أن الذي كان منقطعا إلى موسى الهادي مع ابن جامع وناله معه ضرب المهدي وطرده هو إبراهيم الموصليّ.
كنا عند أمير المؤمنين الرشيد يوما فقال الغلام الذي على الستارة: يابن جامع، تغنّ ببيت السّعديّ [1]:
فلو سألت سراة الحيّ سلمى ... على أن قد تلوّن بي زماني
لخبّرها ذو والأحساب عنّي ... وأعدائي فكلّ قد بلاني
بذبّي الذمّ عن حسبي بمالي [2] ... وزبّونات أشوس تيّحان [3]
وأني لا أزال أخا حروب ... إذا لم أجن كنت مجنّ جاني
قال: فحرّك ابن جامع رأسه - وكان إذا اقترح عليه الخليفة شيئا قد أحسنه وأكمله طار فرحا - فغنّى به؛ فاربدّ وجه إبراهيم لمّا سمعه منه، وكذا كان ابن جامع أيضا يفعل؛ فقال له صاحب الستارة: أحسنت واللّه يا أميري! أعد فأعاد؛ فقال: أنت في حلبة لا يلحقك أحد فيها أبدا. ثم قال صاحب الستارة لإبراهيم: تغنّ بهذا الشعر فتغنّى؛ فلما فرغ قال: «مرعى ولا كالسّعدان» [4]! أخطأت [5] في موضع كذا/ وفي موضع كذا. فقال: نفي إبراهيم من أبيه إن كان يا أمير المؤمنين/ أخطأ حرفا، وقد علمت أني أغفلت في هذين الموضعين.
قال إبراهيم: فلما انصرفنا قلت لابن جامع: واللّه ما أعلم أنّ أحدا بقي [6] في الأرض يعرف هذا الغناء معرفة أمير المؤمنين. قال: حقّ واللّه، لهو إنسان يسمع الغناء منذ عشرين سنة مع هذا الذكاء الذي فيه.
صوت كان إذا غناه في مجلس لم يتغن بغيره:
قال إسحاق:
كان ابن جامع إذا تغنّى في هذا الشعر:
صوت
من كان يبكي لما بي ... من طول سقم رسيس [7]
__________
[1] هو سوّار بن المضرب السعدي.
[2] كذا ورد هذا الشطر في الأصول. وروايته في «لسان العرب» مادة (تيح):
«بذبي اليوم ... »
وفي مادة (زبن):
«بذبي الذم عن أحساب قومي»
[3] كذا في س و «لسان العرب» و «الصحاح» (مادتي زبن وتيح). وقد صححها كذلك المرحوم الشيخ الشنقيطي بقلمه على هامش نسخته. وزبونات: جمع زبونة وهي الكبر. يقال: رجل فيه زبونة أي كبر، وذو زبونة أي مانع جانبه. ويقال: الزبونة من الرجال:
المانع لما وراء ظهره. وقال ابن بري: زبونات: دفوعات، واحدها زبونة، يعني بذلك أحسابه ومفاخره أي أنها تدفع غيرها.
والأشوس: الذي ينظر بمؤخر عينه من الكبر. والتيحان (بكسر الياء المشددة وفتحها): الذي يتعرض لكل مكرمة وأمر شديد. وفي سائر الأصول:
«و دبوسات أشوس ... »
[4] قال أبو حنيفة الدينوري: من الأحرار السعدان وهي غبراء اللون حلوة يأكلها كل شيء وليست بكبيرة ولها إذا يبست شوكة مفلطحة كأنها درهم. ومنبته سهول الأرض، وهو من أنجع المراعي في المال، ولا تحسن على نبت حسنها عليه. قال النابغة:
الواهب المائة الأبكار زينها ... سعدان توضح في أوبارها اللبد
وهذا مثل يضرب للشيء يفضل على أقرانه وأشكاله. (راجع «مجمع الأمثال» ج 2 ص 191 و «اللسان» مادة سعد).
[5] في ب، س: «لم أخطأت».
[6] في ح: «يغني».
[7] الرسيس: الثابت الذي قد لزم مكانه. ويقال: رس السقم في جسمه وقلبه رسيسا إذا دخل وثبت.
فالآن من قبل موتي ... لا عطر بعد عروس [1]
/بنيتم في فؤادي ... أو كار طير النّحوس
قلبي فريس المنايا ... يا ويحه من فريس
سئل عن تفضيله برصوما فأجاب:
- الشعر لرجل من قريش، والغناء لابن جامع في طريقة الرمل - لم يتغنّ في ذلك المجلس بغيره. وكان إذا أراد أن يتغنّى سأل أن يزمر عليه برصوما. فلما كثر ذلك سألوه فيه فقال: لا واللّه [2]، ولكنه إذا ابتدأت فغنّيت في الشعر عرف الغرض الذي يصلح فما يجاوزه، وكنت معه في راحة؛ وذلك أن المغنّي إذا تغنّى بزمر زامر فأكثر العمل على الزامر لأنه لا يقفو الأثر؛ فإذا زمر برصوما فأنا في راحة وهو في تعب، وإذا زمر عليّ غيره فهو في راحة وأنا في تعب. فإن شككتم فاسألوا برصوما ومنصور زلزل. فسألوهما عما قال، فقالا: صدق.
هم المهدي بضربه لاتصاله بالهادي:
قال وحدّثني عليّ بن أحمد الباهليّ قال: سمعت مصعب بن عبد اللّه يقول:
بلغ المهديّ أنّ ابن جامع والموصليّ يأتيان موسى [3]، فبعث إليهما فجيء بهما، فضرب الموصليّ ضربا مبرّحا، وقال له ابن جامع: ارحم أمّي! فرقّ له وقال له: قبّحك اللّه! رجل من قريش يغنّي! وطرده. فلما قام [4] موسى، وجّه الفضل خلفه بريدا حتى جاء به؛ فقال له موسى: ما كان ليفعل هذا غيرك.
غنى عند الهادي فأعطاه ثلاثين ألف دينار:
قال وحدّثني الزبير بن بكّار قال قال لي فلفلة [5]:
تمنّى يوما موسى أمير المؤمنين ابن جامع، فدفع إليّ الفضل بن الربيع خمسمائة دينار وقال: امض حتى تحمل ابن جامع، وبعث إليه بما يصلحه، فمضيت فحملته. فلما دخلنا أدخله الفضل الحمّام وأصلح من شأنه.
ودخل على موسى فغنّاه فلم/ يعجبه. فلمّا خرج قال له الفضل: تركت الخفيف وغنيت الثقيل، قال: فأدخلني عليه أخرى؛ فأدخله فغنّى الخفيف؛ فقال: حاجتك فأعطاه ثلاثين ألف دينار.
__________
[1] هذا مثل مشهور قالته أسماء بنت عبد اللّه العذرية، وكان اسم زوجها عروس، ومات عنها، فتزوجها رجل أعسر أبخر بخيل دمم.
فلما أراد أن يظعن بها قالت: لو أذنت لي فرثيت ابن عمي؛ فقال: افعلي؛ فقالت: أبكيك يا عروس الأعراس، يا ثعلبا في أهله وأسدا عند الناس؛ مع أشياء ليس يعلمها الناس. فقال: وما تلك الأشياء؟ فقالت: كان عن الهمة غير نعاس، ويعمل السيف صبيحات الباس. ثم قالت: يا عروس الأغر الأزهر، الطيب الحيم الكريم المحضر، مع أشياء له لا تذكر. فقال: وما تلك الأشياء؟
قالت: كان عيوفا للخنى والمنكر، طيب النكهة غير أبخر، أيسر غير أعسر. فعرف أنها تعرض به. فلما رحل بها قال: ضمي إليك عطرك، وقد نظر إلى قشوة عطرها مطروحة، فقالت: لا عطر بعد عروس. وقيل: إن رجلا تزوّج امرأة فأهديت إليه فوجدها ثفلة فقال: أين عطرك؟ فقالت: خبأته؛ فقال: لا مخبأ لعطر بعد عروس. وهذا المثل يضرب لمن لا يدخر عنه نفيس. (انظر «شرح القاموس» مادة عرس و «مجمع الأمثال» للميداني ج 2 ص 137 طبع بولاق).
[2] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «لا وأبيه».
[3] هو موسى الهادي بن المهدي تولى الخلافة سنة 169 ه وتوفي سنة 170 وكانت خلافته سنة وشهرين.
[4] يريد: صار خليفة.
[5] كذا في ب، س. وفي سائر النسخ: «قليلة».
غنى عند الرشيد بين برصوما وزلزل بعد إبراهيم الموصلي فأجاد:
قال وحدّثني عبد الرحمن بن أيوب قال حدّثنا أبو يحيى العباديّ قال حدّثني ابن أبي الرجال قال حدّثني زلزل قال:
أبطأ إبراهيم الموصليّ عن الرشيد، فأمر مسرورا الخادم يسأل عنه - وكان أمير المؤمنين قد صيّر أمر المغنّين إليه - فقيل له: لم يأت بعد. ثم جاء في آخر النهار، فقعد بيني وبين برصوما، فغنّى صوتا له فأطربه وأطرب واللّه كلّ من كان في المجلس. قال: فقام ابن جامع من مجلسه فقعد بيني وبين برصوما ثم قال: أما واللّه يا نبطيّ ما أحسن إبراهيم وما أحسن غيركما. قال: ثم غنّى فنسينا أنفسنا، واللّه لكأنّ العود كان في يده.
شهد له إبراهيم الموصلي بجودة الإيقاع:
قال وحدّثني عمر بن شبّة قال حدّثني يحيى بن إبراهيم بن عثمان بن نهيك قال:
دعا أبي الرشيد يوما، فأتاه ومعه جعفر بن يحيى، فأقاما عنده، وأتاهما ابن جامع فغنّاهما يومهما. فلما كان الغد انصرف الرشيد وأقام/ جعفر. قال: فدخل عليهم إبراهيم الموصلي فسأل جعفرا عن يومهم؛ فأخبره وقال له:
لم يزل ابن جامع يغنّينا إلا أنه كان يخرج من الإيقاع - وهو في قوله يريد أن يطيب نفس إبراهيم الموصليّ - قال:
فقال له إبراهيم: أتريد أن تطيّب نفسي بما لا تطيب به! لا واللّه، ما ضرط ابن جامع منذ ثلاثين سنة إلا بإيقاع، فكيف يخرج من الإيقاع!.
احتال في عزل العثماني عن مكة أيام الرشيد:
قال وحدّثني يحيى بن الحسن بن عبد الخالق قال حدّثني أبي قال:
كان سبب عزل العثمانيّ [1] أن ابن جامع سأل الرشيد أن يأذن له في المهارشة/ بالدّيوك والكلاب ولا يحدّ في النبيذ، فأذن له وكتب له بذلك كتابا إلى العثمانيّ. فلما وصل الكتاب قال: كذبت! أمير المؤمنين لا يحلّ ما حرّم اللّه، وهذا كتاب مزوّر. واللّه لئن ثقفتك [2] على حال من هذه الأحوال لأؤدّبنّك أدبك. قال: فحذره ابن جامع.
ووقع بين العثماني وحماد اليزيديّ، وهو على البريد، ما يقع بين [3] العمال. فلما حجّ هارون، قال حماد لابن جامع: أعنّي عليه حتى أعزله؛ قال: أفعل. قال: فابدأ أنت وقل: إنه ظالم فاجر واستشهدني. فقال له ابن جامع:
هذا لا يقبل في العثمانيّ، ويفهم أمير المؤمنين كذبنا، ولكني أحتال من جهة ألطف من هذه. قال: فسأله هارون ابتداء فقال له: يابن جامع، كيف أميركم العثماني؟ قال: خير أمير وأعدله وأفضله وأقومه بحقّ لو لا ضعف في عقله. قال: وما ضعفه؟ قال: قد أفنى الكلاب. قال: وما دعاه إلى إفنائها؟ قال: زعم أن كلبا دنا من عثمان بن عفّان يوم ألقى على الكناس فأكل وجهه، فغضب على الكلاب فهو يقتلها. فقال: هذا ضعيف، اعزلوه! فكان سبب عزله.
__________
[1] هو محمد بن عبد اللّه بن سعيد بن المغيرة بن عمرو بن عثمان بن عفان. (انظر كتاب «المنتقى في أخبار أم القرى» ج 2 ص 186 و «الطبري» ق 3 ص 74).
[2] ثقفتك: صادفتك.
[3] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «مع العمال».
أخبره إبراهيم بن المهدي بموت أمه كذبا ليحسن غناؤه:
قال هارون بن محمد وحدّثني الحسن بن محمد الغياثيّ [1] قال حدّثني أبي عن القطرانيّ قال:
كان ابن جامع بارّا بوالدته، وكانت مقيمة بالمدينة وبمكة. فدعاه إبراهيم بن المهديّ وأظهر له كتابا إلى أمير المؤمنين فيه نعي والدته. قال: فجزع لذلك جزعا شديدا، وجعل أصحابه يعزّونه ويؤنسونه؛ ثم جاءوا بالطعام فلم يتركوه حتى طعم وشرب، وسألوه الغناء فامتنع. فقال له إبراهيم بن المهدي: إنك ستبذل هذا لأمير المؤمنين، فابذله لإخوانك؛ فاندفع يغنّي:
صوت
كم بالدّروب وأرض الروم من قدم ... ومن جماجم صرعى ما بها قبروا [2]
بقندهار [3] ومن تقدر منيّته ... بقندهار يرجّم دونه الخبر
- الشعر ليزيد [4] بن مفرّغ الحميريّ. والغناء لابن جامع رمل. وفيه لابن سريج خفيف رمل جميعا عن الهشاميّ - قال: وجعل إبراهيم يستردّه حتى صلح [5] له. ثم قال: لا واللّه ما كان ممّا خبّرناك شيء إنما مزحنا بك.
قال: ثم قال له: ردّ الصوت؛ فغنّاه فلم يكن من الغناء الأوّل في شيء. فقال له إبراهيم: خذه الآن على، فأدّاه إبراهيم على السماع الأوّل. فقال له ابن جامع: أحبّ أن تطرحه أنت على كذا.
هوّم في مجلس الرشيد ثم انتبه من نومه وغناه فأحجب به:
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا ابن مهرويه قال حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد قال حدّثني علي بن الحسن الشّيبانيّ عن أحمد بن يحيى المكيّ قال:
كان أبي بين يدي الرشيد وابن جامع معه يغنّي بين يدي الرشيد. فغنّاه:
خليفة لا يخيب سائله ... عليه تاج الوقار معتدل [6]
/قال: وغنّى من يتلوه، وهوّم ابن [7] جامع سكرا ونعاسا. فلما دار الغناء على أصحابه وصارت النوبة إليه، حرّكه من بجنبه لنوبته فانتبه وهو يغنّي:
__________
[1] كذا في ب، س. وفي سائر الأصول: «العتابي».
[2] كذا في أكثر الأصول هنا و «نهاية الأرب» (ج 4 ص 324 طبع دار الكتب المصرية). وجميع الأصول فيما يأتي. وفي ب، س هنا:
«ما هم قبروا». ورواية هذا البيت في «معجم البلدان» في الكلام على قندهار:
كم بالجروم وأرض الهند من قدم ... ومن سرابيل قتلى ليتهم قبروا
والقدم: الشجاع. يستوي فيه المذكر والمؤنث والمفرد والجمع. وجماجم القوم: ساداتهم ورؤساؤهم.
[3] قندهار: مدينة كبيرة بالقرب من كابل، عاصمة أفغانستان الآن.
[4] هو يزيد بن ربيعة ابن مفرغ (كمحدث) الحميري، وقيل: يزيد بن زياد بن ربيعة بن مفرغ. وكان حليفا لآل خالد بن أسيد بن أبي العيص بن أمية، وهو عم السيد الحميري. ويقال: إن جده راهن على أن يشرب سقاء لبن كله فشربه حتى فرغه، فلقب مفرغا.
(انظر ترجمته في «الأغاني» ج 17 ص 51 طبع بولاق).
[5] كذا في الأصول. ولعله «حتى صح له».
[6] في ح، ء، م: «يعتدل».
[7] هوّم الرجل: هز رأسه من النعاس، وقيل: نام قليلا.
اسلم وحيّيت أيّها الطّلل ... وإن عفتك الرياح والسّبل [1]
- قال: وهو يتلو البيت الأوّل - فعجب أهل المجلس من ذكائه وفهمه، وأعجب ذلك الرشيد.
نسبة هذا الصوت
صوت
اسلم وحيّيت أيها الطلل ... وإن عفتك الرياح والسّبل
خليفة لا يخيب سائله ... عليه تاج الوقار معتدل
الشعر لأشجع أو لسلم الخاسر يمدح به موسى الهادي. والغناء لابن جامع ثقيل أوّل بالوسطى، من رواية الهشاميّ وأحمد بن يحيى المكيّ.
أخبره الرشيد بموت أمه كذبا ليحسن غناؤه:
قال هارون وقد حدّثني بهذا الخبر عبد الرحمن بن أيوب قال حدّثني أحمد بن يحيى المكيّ قال:
كان ابن جامع أحسن ما يكون غناء إذا حزن صوته. فأحبّ الرشيد أن يسمع ذلك على تلك الحال، فقال للفضل بن الربيع: ابعث خريطة فيها نعي أمّ ابن جامع - وكان بارّا بأمّه - ففعل. فوردت الخريطة على أمير المؤمنين وهو في مجلس لهوه، فقال: يابن جامع، جاء في هذه الخريطة نعي أمّك. فاندفع ابن جامع يغنّي بتلك الحرقة والحزن الذي في قلبه:
/كم بالدّروب وأرض السّند من قدم ... ومن جماجم صرعى ما بها قبروا
بقندهار ومن تكتب منيّته ... بقندهار يرجّم دونه الخبر
قال: فو اللّه ما ملكنا أنفسنا، ورأيت الغلمان يضربون برؤوسهم الحيطان والأساطين. - قال هارون: لا أشك أن ابن المكيّ قد حدّث به عن رجل حضر ذلك فأغفله عبد الرحمن بن أيوب - قال: ثم غنّى بعد ذلك:
يا صاحب القبر الغريب
- وهو لحن قديم. وفيه لحن لابن المكيّ - فقال له الرشيد: أحسنت! وأمر له بعشرة آلاف دينار.
نسبة هذا الصوت الأخير
صوت
يا صاحب القبر الغريب ... بالشام في طرف الكثيب
بالحجر [2] بين صفائح ... صمّ ترصّف بالجبوب [3]
__________
[1] السبل (بالتحريك): المطر.
[2] الحجر (بالكسر): قرية صغيرة كانت بين الشام والحجاز وهي بين جبال كانت ديار ثمود التي قال اللّه جل شأنه فيها: (و تنحتون من الجبال بيوتا). وتسمى تلك الجبال الأثالث، وهي التي ينزلها حجاج الشام.
[3] كذا في ح. والجبوب (بالباء الموحدة): المدر (الطوب) المفتت. وفي سائر الأصول: «الجيوب» بالياء المثناة من تحت وهو تصحيف.
رصفا ولحد ممكن ... تحت العجاجة في القليب
فإذا ذكرت أنينه ... ومغيبه تحت المغيب
هاجت لواعج عبرة ... في الصدر دائمة الدّبيب
أسفا لحسن بلائه ... ولمصرع الشيخ الغريب
/ أقبلت أطلب طبّه ... والموت يعضل [1] بالطبيب
الشعر لمكين العذريّ يرثي أباه، وقيل: إنه لرجل خرج بابنه إلى الشأم هربا به من جارية هويها فمات هناك.
والغناء لحكم الوادي، رمل في مجرى البنصر. وقيل: إن الشعر لسلّامة [2] /ترثي الوليد بن يزيد.
سمعته أم جعفر مع الرشيد فأمرت له بمائة ألف درهم لكل بيت غنى فيه وعوضها الرشيد بكل درهم دينارا:
أخبرني الحسن بن علي قال حدّثنا ابن مهرويه قال حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد قال حدّثني الحسن بن محمد قال حدّثنا أحمد بن الخليل بن مالك قال حدّثني عبد اللّه بن علي بن عيسى بن ماهان قال سمعت يزيد [3] يحدّث:
أن أمّ جعفر بلغها أنّ الرشيد جالس وحده ليس معه أحد من الندماء ولا المسامرين؛ فأرسلت إليه:
يا أمير المؤمنين، إني لم أرك منذ ثلاث وهذا اليوم الرابع. فأرسل إليها: عندي ابن جامع. فأرسلت إليه: أنت تعلم أني لا أتهنّأ بشرب ولا سماع ولا غيرهما إلا أن تشركني فيه، فما كان عليك أن أشركك في الذي أنت فيه! فأرسل إليها: إني سائر إليك الساعة. ثم قام وأخذ بيد ابن جامع، وقال لحسين الخادم: امض إليها فأعلمها أني قد جئت.
وأقبل الرشيد، فلما نظر إلى الخدم والوصائف قد استقبلوه علم أنها قد قامت تستقبله، فوجّه إليها: إن معي ابن جامع؛ فعدلت إلى بعض المقاصير. وجاء الرشيد وصيّر ابن جامع في بعض المواضع التي يسمع منه فيها ولا يكون حاضرا معهم. وجاءت أمّ جعفر فدخلت على الرشيد/ وأهوت لتنكبّ على يده؛ فأجلسها إلى جانبه فاعتنقها واعتنقته. ثم أمر ابن جامع أن يغنّي فاندفع فغنّى:
صوت
ما رعدت رعدة ولا برقت ... لكنّها أنشئت لنا خلقه [4]
الماء يجري على [5] نظام له ... لو يجد الماء مخرقا خرقه
بتنا وباتت على نمارقها ... حتى بدا الصبح عينها أرقه
أن قيل إنّ الرحيل بعد غد ... والدار بعد الجميع مفترقه
__________
[1] أعضل به: أعياه وأعجزه. وروى عن عمر رضي اللّه عنه أنه قال: أعضل بي أهل الكوفة، ما يرضون بأمير ولا يرضاهم أمير. قال الأموي: في قوله: أعضل بي هو من العضال وهو الأمر الشديد الذي لا يقوم به صاحبه، أي ضاقت على الحيل في أمرهم وصعبت عليّ مداراتهم.
[2] هي سلامة القس. (راجع ترجمتها في الجزء الثامن من «الأغاني» ص 6 - 15 طبع بولاق).
[3] كذا في ب، س. وفي سائر الأصول: «بربر».
[4] يقال: نشأت لهم سحابة خلقة وخليقة أي فيها أثر المطر.
[5] كذا في ب، س و «ديوان عبيد بن الأبرص» (ص 86 طبع أوروبا). وفي سائر الأصول: «و لا نظام له».
- الشعر لعبيد بن الأبرص. والغناء لابن جامع ثاني ثقيل من أصوات قليلات الأشباه، عن إسحاق. وفيه لابن محرز ثقيل أوّل بالبنصر عن عمرو بن بانة. وذكر يونس أن فيه لحنا لمعبد ولم يجنّسه. وفيه لحكم هزج بالوسطى عن عمرو والهشاميّ. ولمخارق في هذه الأبيات رمل بالبنصر عن الهشاميّ. وذكر حبش أن الثقيل الأوّل للغريض.
وذكر الهشاميّ أن لمتيّم فيها ثاني ثقيل بالوسطى - قال: فقالت أمّ جعفر للرشيد: ما أحسن ما اشتهيت واللّه يا أمير المؤمنين!. ثم قالت لمسلم خادمها: ادفع إلى ابن جامع لكل بيت مائة ألف درهم. فقال الرشيد: غلبتنا يا بنت أبي [1] الفضل وسبقتنا إلى برّ ضيفنا وجليسنا. فلما خرج، حمل إليها مكان كلّ درهم دينارا.
أخذ صوتا من جارية بثلاثة دراهم فأخذ به من الرشيد ثلاثة آلاف دينار:
أخبرنا أحمد بن عبيد اللّه بن عمّار قال أخبرني يعقوب بن إسرائيل مولى المنصور قال حدّثني محمد بن ضوين الصّلصال التّيميّ قال حدّثني إسماعيل بن جامع السّهميّ قال:
ضمّني الدهر [2] ضمّا شديدا بمكة، فانتقلت منها بعيالي إلى المدينة، فأصبحت يوما وما أملك إلا ثلاثة دراهم. فهي في كمّي إذا أنا بجارية حميراء على رقبتها جرّة تريد الّركيّ [3] تسعى بين يديّ وترنّم بصوت شجيّ تقول:
شكونا إلى أحبابنا طول ليلنا ... فقالوا لنا ما أقصر الليل عندنا
وذاك لأنّ النوم يغشى عيونهم ... سراعا وما يغشى لنا النوم أعينا
/ إذا ما دنا الليل المضرّ [4] لذي الهوى ... جزعنا وهم يستبشرون إذا دنا
فلو أنهم كانوا يلاقون مثل ما ... نلاقي لكانوا في المضاجع مثلنا
قال: فأخذ الغناء بقلبي ولم يدر لي منه حرف. فقلت: يا جارية، ما أدري أوجهك أحسن أم غناؤك! فلو شئت أعدت؛ قالت: حبّا وكرامة. ثم أسندت ظهرها إلى جدار قرب منها ورفعت إحدى رجليها فوضعتها على الأخرى، ووضعت الجرّة على ساقيها ثم انبعثت تغنّيه؛ فو اللّه ما دار لي منه حرف؛ فقلت: أحسنت! فلو شئت أعدتيه مرّة أخرى! ففطنت وكلحت وقالت: ما أعجب أمركم! أحدكم لا يزال يجيء إلى الجارية عليها الضّريبة فيشغلها! فضربت بيدي إلى الثلاثة الدراهم فدفعتها إليها، وقلت: أقيمي بها وجهك اليوم إلى أن نلتقي. قال:
فأخذتها كالكارهة وقالت: أنت الآن تريد أن تأخذ منّي صوتا أحسبك ستأخذ به ألف/ دينار وألف دينار وألف دينار. قال: وابنعثت تغنّي؛ فأعملت فكري في غنائها حتى دار لي الصوت وفهمته، وانصرفت مسرورا إلى منزلي أردّده حتى خفّ على لساني. ثم إني خرجت أريد بغداد فدخلتها، فنزل بي المكاري على باب [5] محوّل؛ فبقيت لا أدري أين أتوجّه ولا من أقصد. فذهبت أمشي مع الناس، حتى أتيت الجسر فعبرت معهم، ثم انتهيت إلى شارع المدينة، فرأيت مسجدا بالقرب من دار الفضل بن الربيع مرتفعا؛ فقلت: مسجد قوم سراة؛ فدخلته، وحضرت صلاة
__________
[1] كذا في الأصول. والمعروف أن أم جعفر هي زبيدة بنت جعفر بن أبي جعفر المنصور الخليفة العباسي، وأن جعفرا أباها ولد إبراهيم وزبيدة وجعفرا وعيسى وعبيد اللّه وصالحا ولبانة. (انظر «المعارف» لابن قتيبة ص 192).
[2] يريد ضغطني واشتد عليّ، من شدّة الفقر والحاجة.
[3] الركي: جنس للركية وهي البئر.
[4] كذا في ب، س هنا وفيما سيأتي في جميع الأصول. وفي أ، م هنا: «المبير» وفي ء: «المبيد».
[5] باب محول: محلة كبيرة من محال بغداد كانت متصلة بالكرخ.
المغرب وأقمت بمكاني حتى صلّيت العشاء الآخرة على جوع وتعب. وانصرف أهل المسجد وبقي رجل يصلّي، خلفه جماعة خدم وخول [1] ينتظرون فراغه؛ فصلّى مليّا ثم انصرف؛ فرآني فقال: أحسبك غريبا؟ قلت: أجل.
قال: فمتى كنت في هذه المدينة؟ قلت: دخلتها آنفا، وليس لي بها منزل ولا معرفة، وليست صناعتي من الصنائع التي يمتّ بها إلى أهل الخير. قال: وما صناعتك؟ قلت: أتغنّى. قال: فوثب مبادرا ووكّل بي بعض من معه.
فسألت الموكّل بي عنه فقال: هذا سلّام [2] الأبرش. قال: وإذا رسول قد جاء في طلبي فانتهى بي إلى قصر من قصور الخلافة، وجاوز بي [3] مقصورة إلى مقصورة، ثم أدخلت مقصورة في آخر الدهليز؛ ودعا بطعام فأتيت بمائدة عليها من طعام الملوك، فأكلت حتى امتلأت. فإني لكذلك إذ سمعت ركضا في الدهليز وقائلا يقول: أين الرجل؟
قيل: هو هذا. قال: ادعوا له بغسول [4] /و خلعة وطيب، ففعل ذلك بي. فحملت على دابّة إلى دار الخلافة - وعرفتها بالحرس والتكبير والنيران - فجاوزت مقاصير عدّة، حتى صرت إلى دار قوراء [5] فيها أسرّة في وسطها قد أضيف بعضها إلى بعض. فأمرني الرجل بالصعود فصعدت، وإذا رجل جالس عن يمينه ثلاث جوار في حجورهنّ العيدان، وفي حجر الرجل عود. فرحّب الرجل بي، وإذا مجالس حياله كان فيها قوم قد قاموا عنها. فلم ألبث أن خرج خادم من وراء الستر فقال للرجل: تغنّ، فانبعث يغنّي بصوت لي وهو:
لم تمش ميلا ولم تركب على قتب ... ولم تر الشمس إلا دونها الكلل [6]
تمشي الهوينى كأن [7] الريح ترجعها ... مشي اليعافير [8] في جيآتها الوهل
/ فغنّى بغير إصابة وأوتار مختلفة ودساتين [9] مختلفة. ثم عاد الخادم إلى الجارية التي تلي الرجل فقال لها:
تغنّي، فغنّت أيضا بصوت لي كانت فيه أحسن حالا من الرجل، وهو قوله:
/يا دار أضحت خلاء لا أنيس بها ... إلا الظباء وإلا النّاشط [10] الفرد
__________
[1] في ح: «و مجول». وفي سائر الأصول: «و فحول» والظاهر أن كليهما محرّف عما أثبتناه.
[2] خدم المنصور وتولى المظالم للمهدي وعاصر الهادي والرشيد. (انظر «الطبري» ق 3 ص 393، 529، 603، 684، 749، 1075، 1383).
[3] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «و جاوزني» وهو تصحيف.
[4] الغسول: الماء يغتسل به، أو هو ما تغسل به الأيدي كالأشنان وغيره.
[5] الدار القوراء: الواسعة الجوف.
[6] الكلل: جمع كلة وهي ستر يخاط كالبيت (ناموسية).
[7] في ح: «كأن المشيء يوحشها».
[8] اليعافير: الظباء. والوهل: الفزع.
[9] الدساتين: هي الرباطات التي توضع الأصابع عليها، واحدها دستان. وأسامي دساتين العود تنسب إلى الأصابع التي توضع عليها، فأوّلها «دستان السبابة» ويشدّ عند تسع الوتر، وقد يشدّ فوقه دستان أيضا يسمى «الزائد». ثم يلي دستان السبابة «دستان الوسطى» وقد توضع أوضاعا مختلفة فأولها يسمى «دستان الوسطى القديمة» والثاني يسمى «دستان وسطى الفرس» والثالث يسمى «دستان وسطى زلزل» لأنه أوّل من شدّه. فأما الوسطى القديمة فشدّ دستانها على قريب من الربع مما بين دستان السبابة ودستان البنصر.
ودستان وسطى الفرس على النصف فيما بينهما على التقريب. ودستان وسطى زلزل على ثلاثة أرباع ما بينهما إلى ما يلي البنصر بالتقريب. وقد يقتصر من دساتين هذه الوسطيات على واحد وربما يجمع بين اثنين منها. ثم يلي دستان الوسطى «دستان البنصر» ويشدّ على تسع ما بين دستان السبابة وبين المشط. ثم يلي دستان البنصر «دستان الخنصر» ويشدّ على ربع الوتر. (عن «مفاتيح العلوم» للخوارزمي. وراجع ما كتب في هذا المعنى في تصدير هذا الكتاب ص 40).
[10] الناشط: الثور الوحشي وكذلك الحمار الوحشيّ. والفرد: المنفرد.
أين الذين إذا مازرتهم جذلوا ... وطار عن قلبي التّشواق والكمد
[ثم عاد إلى الثانية وأحسبه أغفلها وما تغنّت [1] به] ثم عاد الخادم إلى الجارية التي تليها فانبعثت تغنّي بصوت لحكم الواديّ وهو:
فو اللّه ما أدري أيغلبني الهوى ... إذا جدّ وشك البين أم أنا غالبه
فإن أستطع أغلب وإن يغلب الهوى ... فمثل الذي لاقيت يغلب صاحبه
قال: ثم عاد الخادم إلى الجارية الثالثة فغنّت بصوت لحنين وهو قوله:
مررنا على قيسيّة عامريّة ... لها بشر صافي الأديم هجان [2]
فقالت وألقت جانب السّتر دونها ... من ايّة أرض أو من الرجلان
فقلت لها أمّا تميم فأسرتي ... هديت وأما صاحبي فيمان
رفيقان ضمّ السّفر بيني وبينه ... وقد يلتقي الشتّى فيأتلفان
ثم عاد إلى الرجل فغنّى صوتا فشبّه [3] فيه. والشعر لعمر بن أبي ربيعة وهو قوله:
أمسى بأسماء هذا القلب معمودا ... إذا أقول صحا يعتاده عيدا
كأنّ أحور من غزلان ذي [4] بقر ... أعارها شبه العينين والجيدا
بمشرق [5] كشعاع الشمس بهجته ... ومسبكرّ على لبّاتها سودا
/ ثم عاد إلى الجارية فتغنّت بصوت لحكم الواديّ:
تعيّرنا أنّا قليل عديدنا ... فقلت لها إن الكرام قليل
وما ضرّنا أنّا قليل وجارنا ... عزيز وجار الأكثرين ذليل
وإنّا لقوم ما نرى القتل سبّة ... إذا ما رأته عامر وسلول
يقرّب حبّ الموت آجالنا لنا ... وتكرهه آجالهم فتطول
وتغنّت الثانية:
وددتك لما كان ودّك خالصا ... وأعرضت لما صرت نهبا مقسّما
__________
[1] كذا وردت هذه العبارة في جميع الأصول. والظاهر أنها مقحمة.
[2] الهجان: الأبيض الخالص من كل شيء.
[3] يريد: خلط فيه ولم يحسن أداءه.
[4] كذا في جميع الأصول هنا وفيما سيأتي في ح وديوانه. وفيما سيأتي في سائر الأصول: «ذي نفر» (بالفاء) وكلاهما اسم لموضع.
فذو بقر: واد بين أخيلة الحمى حمى الربذة، وقرية في ديار بني أسد. وذو نفر: موضع على ثمانية أميال من السليلة بينها وبين الربذة. (انظر «معجم ما استعجم» للبكري و «معجم ياقوت»).
[5] كذا في ديوانه. وهذا البيت يتعلق ببيت قبله أغفله صاحب الأغاني وهو:
قامت تراءى وقد جدّ الرحيل بنا ... لتنكأ القرح من قلب قد اصطيدا
وفي جميع الأصول:
«و مشرقا ... ... ومسبطرا ... إلخ»
وشعر مسبكر: مسترسل.
ولا يلبث الحوض الجديد بناؤه ... إذا [1] كثر الورّاد أن يتهدّما
وتغنّت الثالثة بشعر الخنساء:
وما كرّ إلا كان أوّل طاعن ... ولا أبصرته الخيل إلا اقشعرّت
فيدرك ثأرا وهو لم يخطه الغنى ... فمثل أخي يوما به العين قرّت
فلست أرزّا بعده برزيّة ... فأذكره إلا سلت وتجلّت
وغنّى الرجل في الدور الثالث:
لحى اللّه صعلوكا مناه وهمّه ... من الدهر أن يلقى لبوسا ومطعما
/ ينام الضحى حتى إذا ليله انتهى [2] ... تنّبه مثلوج [3] الفؤاد مورّما [4]
ولكنّ صعلوكا يساور همّه ... ويمضي على الهيجاء ليثا مقدّما [5]
فذلك إن يلق الكريهة يلقها ... كريما وإن يستغن يوما فربّما
/ قال: وتغنّت الجارية:
إذا كنت ربّا للقلوص فلا يكن [6] ... رفيقك يمشي خلفها غير راكب
أنخها فأردفه فإن حملتكما ... فذاك وإن كان العقاب [7] فعاقب
قال: وتغنّت الجارية بشعر عمرو بن معديكرب:
ألم تر لمّا ضمّني البلد القفر ... سمعت نداء يصدع القلب يا عمرو
أغثنا فإنا عصبة مذحجيّة ... نزار على وفر وليس لنا وفر
قال: وتغنّت الثالثة بشعر عمر بن أبي ربيعة:
فلما تواقفنا وسلّمت أسفرت [8] ... وجوه زهاها الحسن أن تتقنّعا
تبالهن بالعرفان لمّا عرفنني ... وقلن امرؤ باغ أكلّ [9] وأوضعا
ولما تنازعن [10] الأحاديث قلن لي ... أخفت علينا أن نغرّ ونخدعا
__________
[1] في أ، ء، م هنا وفيما سيأتي في جميع الأصول: «على كثرة الوراد».
[2] في «ديوان حاتم» (طبع لندن سنة 1872): «استوى».
[3] كذا في ديوانه. وفي جميع الأصول: «مسلوب».
[4] مورما: منتفخا بادئا لعدم ما يشغله من شؤون الحياة.
[5] في أ، ء، م هنا وفيما سيأتي في جميع الأصول: «مصمما». ورواية هذا البيت في ديوانه:
وللّه صعلوك يساور همه ... ويمضي على الأحداث والدهر مقدما
[6] في «شعراء النصرانية» (ج 1 ص 129 طبع بيروت): «فلا تدع».
[7] العقاب: هو أن تركب الدابة مرة ويركبها صاحبك مرة.
[8] كذا في ب، س. وفي سائر الأصول: «أقبلت». وفي ديوانه طبع أوروبا: «أشرقت».
[9] أكل: أعيا. وأوضع: أسرع. يريد أنه أوضع فأكل إلا أنه قدّم وأخر.
[10] كدا في ديوانه. وفي جميع الأصول هنا: «تواضعن» وفي ب، س فيما سيأتي: «تراجعن».
قال: وتوقّعت مجيء الخادم إليّ، فقلت للرجل: بأبي أنت! خذ العود فشدّ وتر كذا وارفع الطبقة وحطّ دستان كذا؛ ففعل ما أمرته. وخرج الخادم فقال لي: تغنّ عافاك اللّه؛ فتغنّيت بصوت الرجل الأوّل على غير ما غنّاه، فإذا جماعة من الخدم يحضرون حتى استندوا إلى الأسرّة وقالوا: ويحك! لمن هذا الغناء؟ قلت: لي؛ فانصرفوا عنّي بتلك السرعة، وخرج إليّ الخادم وقال: كذبت! هذا الغناء لابن جامع. ودار الدور؛ فلما انتهى الغناء إليّ قلت للجارية التي تلي الرجل: خذي العود،/ فعلمت ما أريد فسوّت العود على غنائها للصوت الثاني فتغنّيت به. فخرجت إليّ الجماعة الأولى من الخدم فقالوا: ويحك! لمن هذا؟ قلت: لي؛ فرجعوا وخرج الخادم [1].
فتغنيت بصوت لي فلا يعرف إلا بي، وسقوني فتزيّدت، وهو:
عوجي عليّ فسلّمي جبر ... فيم الصدود وأنتم سفر
ما نلتقي إلا ثلاث منى ... حتى يفرّق بيننا الدهر [2]
قال: فتزلزلت واللّه الدار عليهم. وخرج الخادم فقال: ويحك! لمن هذا الغناء؟ قلت: لي. فرجع ثم خرج فقال: كذبت! هذا غناء ابن جامع. فقلت: فأنا إسماعيل بن جامع. فما شعرت إلا وأمير المؤمنين وجعفر بن يحيى قد أقبلا من وراء الستر الذي كان يخرج منه الخادم. فقال لي الفضل بن الربيع: هذا أمير المؤمنين قد أقبل إليك.
فلما صعد السرير وثبت قائما. فقال لي: أبن جامع؟ قلت: ابن جامع، جعلني اللّه فداك يا أمير المؤمنين. قال:
ويحك! متى كنت في هذه البلدة؟ قلت: آنفا، دخلتها في الوقت الذي علم بي أمير المؤمنين. قال: اجلس ويحك يابن جامع! ومضى هو وجعفر فجلسا في بعض تلك المجالس، وقال لي: أبشر وابسط أملك؛ فدعوت له. ثم قال:
غنّني يابن جامع. فخطر بقلبي صوت الجارية الحميراء فأمرت الرجل/ بإصلاح العود على ما أردت من الطبقة، فعرف ما أردت، فوزن العود وزنا وتعاهده حتى استقامت الأوتار وأخذت الدساتين مواضعها، وانبعثت أغنّي بصوت الجارية الحميراء. فنظر الرشيد إلى جعفر وقال: أسمعت كذا قطّ؟ فقال: لا واللّه/ ما خرق مسامعي قطّ مثله.
فرفع الرشيد رأسه إلى خادم بالقرب منه فدعا بكيس فيه ألف دينار فجاء به فرمى به إليّ، فصيّرته تحت فخذي ودعوت لأمير المؤمنين. فقال: يابن جامع، ردّ على أمير المؤمنين هذا الصوت، فرددته وتزيّدت فيه. فقال له جعفر: يا سيّدي، أما تراه كيف يتزيّد في الغناء! هذا خلاف ما سمعناه أوّلا وإن كان الأمر في اللحن واحدا. قال:
فرفع الرشيد رأسه إلى ذلك خادم فدعا بكيس آخر فيه ألف دينار، فجاءني به فصيّرته تحت فخذي. وقال: تغنّ يا إسماعيل ما حضرك. فجعلت أقصد الصوت بعد الصوت مما كان يبلغني أنه يشتري عليه الجواري فأغنيّه؛ فلم أزل أفعل ذلك إلى أن عسعس الليل. فقال: أتعبناك يا إسماعيل هذه الليلة بغنائك، فأعد على أمير المؤمنين الصوت (يعني صوت الجارية) فتغنّيت. فدعا الخادم وأمره فأحضر كيسا ثالثا فيه ألف دينار. قال: فذكرت ما كانت الجارية قالت لي فتبسّمت، ولحظني فقال: يابن الفاعلة، ممّ تبسمت؟ فجثوت على ركبتيّ وقلت: يا أمير المؤمنين، الصدق منجاة. فقال لي بانتهار: قل. فقصصت عليه خبر الجارية. فلما استوعبه قال: صدقت، قد يكون هذا وقام. ونزلت من السرير ولا أدري أين أقصد. فابتدرني فرّاشان فصارا بي إلى دار قد أمر بها أمير المؤمنين؛ ففرشت وأعدّ فيها جميع ما يكون في مثلها من آلة جلساء الملوك وندمائهم من الخدم، ومن كل آلة وخول إلى جوار
__________
[1] الذي يتتبع سياق الخبر يشعر بأن هاهنا نقصا. ولعل أصل الجملة: «و خرج الخادم فقال كذبت فتغنيت ... إلخ».
[2] كذا في جميع الأصول هنا. وفي «ترجمة العرجي» (ج 1 ص 408 من «الأغاني» طبع دار الكتب المصرية) وفيما سيأتي في ب، س:
«النفر». والنفر: هو نفر الحاج من منى ويكون في اليوم الثاني ويسمى النفر الأول. والثاني يكون في اليوم الثالث من أيام التشريق.
ووصفاء. فدخلتها [1] فقيرا وأصبحت من جلّة أهلها ومياسيرهم.
وذكر لي هذا الخبر عبد اللّه بن الرّبيع عن أبي حفص الشّيبانيّ عن محمد بن القاسم عن إسماعيل بن جامع قال:
/ ضمّني الدهر بمكة ضمّا شديدا فانتقلت إلى المدينة. فبينا أنا يوما جالس مع بعض أهلها نتحدّث، إذ قال لي رجل حضرنا: واللّه لقد بلغنا يابن جامع أن الخليفة قد ذكرك، وأنت في هذا البلد ضائع! فقلت: واللّه ما بي نهوض. قال بعضهم: فنحن ننهضك. فاحتلت في شيء وشخصت إلى العراق، فقدمت بغداد، ونزلت عن بغل كنت اكتريته. ثم ذكر باقي الحديث نحو الذي قبله في المعاني، ولم يذكر خبر السوداء [2] التي أخذ الصوت عنها.
وأحسبه غلط في [3] إدخاله هذه الحكاية هاهنا، ولتلك خبر آخر نذكره هاهنا [4]. قال في هذا الخبر: إن الدّور دار مرّة أخرى حتى صار إليّ؛ فخرج الخادم فقال: غنّ أيها الرجل! فقلت: ما أنتظر الآن!! ثم اندفعت أغنّي بصوت لي وهو:
فلو كان لي قلبان عشت بواحد ... وخلّفت قلبا في هواك يعذّب
ولكنما أحيا بقلب مروّع ... فلا العيش يصفو لي ولا الموت يقرب
تعلّمت أسباب الرضا خوف سخطها ... وعلّمها حبّي لها كيف تغضب
ولي ألف وجه قد عرفت مكانه ... ولكن بلا قلب إلى أين أذهب [5]
فخرج الرشيد حينئذ.
نسبة ما في هذه الأصوات من الأغاني
صوت
شكونا إلى أحبابنا طول ليلنا ... فقالوا لنا ما أقصر الليل عندنا
وذاك لأنّ النوم يغشى عيونهم ... سراعا وما يغشى لنا النوم أعينا
/ إذا مادنا الليل المضرّ بذي الهوى ... جزعنا وهم يستبشرون إذا دنا
فلو أنهم كانوا يلاقون مثل ما ... نلاقي لكانوا في المضاجع مثلنا
عروضه من الطويل. وذكر الهشاميّ أن الغناء لابن جامع هزج بالوسطى، وفي الخبر أنه أخذه عن سوداء [6] لقيها بمكة.
ومنها:
__________
[1] يريد مدينة بغداد التي تقدّمت في أوّل الخبر.
[2] كذا في جميع الأصول هنا وفيما سيأتي. وقد تقدم أن الجارية التي أخذ عنها كانت حميراء وقد ذكر ذلك في موضعين.
[3] يريد به محمد بن ضوين الصلصال التيمي وهو الذي ذكر هذا الخبر فيما تقدّم وذكر فيه خبر السوداء التي أخذ عنها ابن جامع الصوت.
[4] ذكرت هذه القصة في آخر ترجمة ابن جامع.
[5] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «يذهب».
[6] انظر حاشية رقم 1 ص 319 من هذه الترجمة.
صوت
يا دار أضحت خلاء لا أنيس بها ... إلا الظباء وإلا النّاشط الفرد
أين الذين إذا ما زرتهم جذلوا ... وطار عن قلبي التشواق والكمد
في هذا الصوت لحن لابن سريج خفيف ثقيل أوّل بالوسطى من رواية حبش. ولحن ابن جامع رمل.
ومنها:
صوت
لم تمش ميلا ولم تركب على جمل ... ولم تر الشمس إلا دونها الكلل
أقول [1] للركب في درنا وقد ثملوا ... شيموا وكيف يشيم الشارب الثّمل
/ الشعر للأعشى. والغناء لابن سريج رمل بالبنصر، وقد كتب فيما يغنّي فيه من قصيدة الأعشى التي أوّلها:
ودّع هريرة إن الركب مرتحل
ومنها:
صوت
مررنا على قيسيّة عامريّة ... لها بشر صافي الأديم هجان
فقالت وألقت جانب الستر دونها ... من أيّة أرض أو من الرجلان
فقلت لها أمّا تميم فأسرتي ... هديت وأمّا صاحبي فيماني
رفيقان ضمّ السّفر بيني وبينه ... وقد يلتقي الشتّى فيأتلفان
غنّاه ابن سريج خفيف رمل بالبنصر.
ومنها:
صوت
أمسى بأسماء هذا القلب معمودا ... إذا أقول صحا يعتاده عيدا
أجري على موعد منها فتخلفني ... فما أملّ ولا توفي المواعيدا
__________
[1] درنا: ناحية باليمامة وكانت تسمى هكذا في الجاهلية. وهي المعروفة بأثافت أو أثافة بالهاء والتاء. قال الهمداني: وكان الأعشى كثيرا ما يتخرّف فيها وكان له بها معصر للخمر يعصر فيه ما أجزل له أهل أثافت من أعنابهم. ويروون في قصيدته البائية:
أحب أثافت وقت القطاف ... ووقت عصارة أعنابها
ويسكنها أهل ذي كبار ووداعة. والرواية المشهورة في هذا الشطر كما في «شرح المعلقات العشر» للتبريزي و «معجم البلدان» و «صفة جزيرة العرب» و «لسان العرب» و «شرح القاموس» (مادة درن): «فقلت للشرب في درنا ... إلخ».
كأنني حين أمسي لا تكلّمني ... ذو بغية يبتغي ما ليس موجودا
الشعر لعمر بن أبي ربيعة. والغناء للغريض خفيف ثقيل أوّل بالوسطى، وله فيه ثقيل أوّل [بالبنصر [1]. وذكر عمرو بن بانة أنّ لمعبد فيه ثقيلا أول] بالوسطى على مذهب إسحاق.
/ ومنها:
صوت
فو اللّه ما أدري أيغلبني الهوى ... إذا جدّ وشك البين أم أنا غالبه
فإن أستطع أغلب وإن يغلب الهوى ... فمثل الذي لاقيت يغلب صاحبه
/ عروضه من الطويل. الشعر لابن ميّادة، والغناء للحجبيّ خفيف ثقيل بالبنصر من رواية حبش.
ومنها:
صوت
تعيّرنا أنا قليل عديدنا ... فقلت لها إنّ الكرام قليل
وما ضرّنا أنّا قليل وجارنا ... عزيز وجار الأكثرين ذليل
وإنّا لقوم ما نرى القتل سبّة ... إذا ما رأته عامر وسلول
يقرّب حبّ الموت آجالنا لنا ... وتكرهه آجالهم فتطول
عروضه من مقبوض [2] الطويل. والشعر للسموءل بن عادياء اليهوديّ. والغناء لحكم الوادي.
ومنها:
صوت
وددتك لمّا كان ودّك خالصا ... وأعرضت لما صار نهبا مقسّما
ولن يلبث الحوض الجديد بناؤه ... على كثرة الورّاد أن يتهدّما
عروضه من الطويل. وفيه خفيف ثقيل قديم لأهل مكة. وفيه لعريب ثقيل أوّل.
/ ومنها:
صوت
وما كرّ إلا كان أوّل طاعن ... ولا أبصرته الخيل إلا اقشعرّت
فيدرك ثأرا ثم لم يخطه الغنى ... فمثل أخي يوما به العين قرّت
__________
[1] هذه العبارة ساقطة في الأصول ما عدا ب، س.
[2] القبض: هو حذف الخامس الساكن فيصير «فعولن» «فعول».
فإن طلبوا وترا بدا بتراتهم ... ويصبر يحميهم إذا الخيل ولّث
عروضه من الطويل. الشعر للخنساء، والغناء لابن سريج ثقيل أوّل بالبنصر وذكر علي بن يحيى أنه لمعبد في هذه الطريقة.
ومنها:
صوت
لحا اللّه صعلوكا مناه وهمّه ... من الدهر أن يلقى لبوسا ومطعما [1]
ينام الضحى حتى إذا ليلة انتهى ... تنبّه مثلوج الفؤاد مورّما
ولكن صعلوكا يساور همّه ... ويمضي على الهيجاء ليثا مصمّما
فذلك إن يلق الكريهة يلقها ... كريما وإن يستغن يوما فربّما
عروضه من الطويل. الشعر يقال إنه لعروة بن الورد، ويقال: إنه لحاتم الطائي وهو الصحيح. والغناء لطويس خفيف رمل بالبنصر.
ومنها:
صوت
إذا كنت ربّا للقلوص فلا يكن ... رفيقك يمشي خلفها غير راكب
أنخها فأردفه فإن حملتكما ... فذاك وإن كان العقاب فعاقب
عروضه من الطويل. والشعر لحاتم طيّ ء.
/ ومنها:
صوت
ألم تر لمّا ضمّني البلد القفر ... سمعت نداء يصدع القلب يا عمرو
أغثنا فإنا عصبة مذحجيّة ... نزار على وفر وليس لنا وفر
/ عروضه من الطويل. الشعر لعمرو بن معديكرب. والغناء لحنين رمل بالوسطى عن حبش.
ومنها:
صوت
فلما تواقفنا وسلّمت أقبلت ... وجوه زهاها الحسن أن تتقنّعا
تبالهن بالعرفان لما رأينني ... وقلن امرؤ باغ أكلّ وأوضعا
__________
[1] راجع هذا الشعر في صفحة 315، فقد ورد فيها مختلفا عما هنا اختلافا يسيرا.
ولما تنازعن [1] الأحاديث قلن لي ... أخفت علينا أن نغرّ ونخدعا
وقرّبن أسباب الهوى لمتيّم ... يقيس ذراعا كلما قسن إصبعا
عروضه من الطويل. الشعر لعمر بن أبي ربيعة. والغناء لابن سريج والغريض ومالك ومعبد وابن جامع في عدّة ألحان، قد كتبت مع الخبر في موضع غير هذا.
ومنها:
صوت
عوجي عليّ فسلّمي جبر ... فيم الصدود وأنتم سفر
ما نلتقي إلا ثلاث منى ... حتى يفرّق بيننا النّفر [2]
الحول ثم الحول يتبعه ... ما الدهر إلا الحول والشهر
/ الشعر للعرجيّ. والغناء للأبجر ثقيل أوّل عن الهشاميّ، ويقال إنه لابن محرز، ويقال بل لحنه فيه غير لحن الأبجر. وفيه رمل يقال إنه لابن جامع، وهو القول الصحيح، وذكر حبش أنه لابن سريج، وأن لحن ابن جامع خفيف رمل.
ومنها:
صوت
فلو كان لي قلبان عشت بواحد ... وخلّفت قلبا في هواك يعذّب
ولكنما أحيا بقلب مروّع [3] ... فلا العيش يصفو لي ولا الموت يقرب
تعلّمت أسباب الرّضا خوف هجرها ... وعلّمها حبّي لها كيف تغضب
ولي ألف وجه قد عرفت مكانه ... ولكن بلا قلب إلى أين أذهب
عروضه من الطويل. الشعر لعمرو الورّاق. والغناء لابن جامع خفيف رمل، ويقال إنه لعبد اللّه بن العبّاس.
وفيه لعريب ثقيل أوّل. وفيه لرذاذ خفيف ثقيل. وفيه هزج يقال إنه لعريب، ويقال إنه لنمرة، ويقال إنه لأبي فارة، ويقال إنه لابن جامع.
سمعه مصعب الزبيري يغني في بساتين المدينة فمدحه:
حدّثني مصعب الزبيريّ قال:
قدم علينا ابن جامع المدينة قدمة في أيام الرشيد؛ فسمعته يوما يغنّي في بعض بساتين المدينة:
ومالي لا أبكي وأندب ناقتي ... إذا صدر الرّعيان ورد المناهل
__________
[1] راجع الحاشية رقم 5 ص 316 من هذا الجزء.
[2] راجع الحاشية رقم 2 ص 317 من هذا الجزء.
[3] في ح: «معذب».
/
وكنت إذا ما اشتدّ شوقي رحلتها ... فسارت بمحزون كثير [1] البلابل [2]
/و كان رجلا صيّتا [3]، فكاد صوته يذهب بي كلّ مذهب، وما سمعت قبله ولا بعده مثله.
نسبة هذا الصوت
صوت
ومالي لا أبكي وأندب ناقتي ... إذا صدر الرّعيان ورد المناهل
وكنت إذا ما اشتدّ شوقي ركبتها ... فسارت بمحزون كثير البلابل
الغناء لابن جامع خفيف ثقيل بالسبابة في مجرى الوسطى عن الهشاميّ وابن المكّيّ.
أهدى الربيع للمنصور فكان يستخفه وأعتقه:
أخبرني وكيع قال حدّثني هارون بن محمد الزّيات قال حدّثني حماد بن إسحاق عن أبيه عن الفضل بن الربيع عن أبيه قال:
كنت في خمسين وصيفا أهدوا للمنصور، ففرّقنا في خدمته، فصرت إلى ياسر صاحب وضوئه. فكنت أراه يفعل شيئا أعلم أنه خطأ: يعطيه الإبريق في آخر المستراح ويقف مكانه لا يبرح. وقال لي يوما: كن مكاني في آخر المستراح. فكنت أعطيه الإبريق وأخرج مبادرا، فإذا سمعت حركته بادرت إليه. فقال لي: ما أخفّك على قلبي يا غلام! ويحك! ثم دخل قصرا من تلك القصور فرأى حيطانه مملوءة من الشعر المكتوب عليها. فبينا هو يقرأ ما فيه إذا هو بكتاب مفرد، فقرأه فإذا هو:
ومالي لا أبكي وأندب ناقتي ... إذا صدر الرّعيان نحو المناهل
وكنت إذا ما اشتدّ شوقي رحلتها ... فسارت بمحزون طويل البلابل
/ وتحته مكتوب: آه آه، فلم يدر ما هو. وفطنت له فقلت: يا أمير المؤمنين، قد عرفت ما هو. فقال: قل؛ فقلت: قال الشعر ثم تأوّه فقال: آه آه، فكتب تأوّهه وتنفّسه وتأسّفه. فقال: مالك قاتلك اللّه! قد أعتقتك ووليّتك مكان ياسر.
__________
[1] في ح: «طويل».
[2] البلابل: شدّة الهم والوسواس في الصدر وحديث النفس.
[3] الصيت: الجهير الصوت.
ذكر أخبار هذه الأصوات المتفرّقة [في] [1] الأخبار وإنما أفردتها عنها لئلا تنقطع خبر
أمسى بأسماء هذا القلب معمودا
خرج الغريض مع نسوة فتبعه الحارث بن خالد مع ابن أبي ربيعة:
أخبرني الحسين بن يحيى قال حماد: قرأت على أبي، وذكر جعفر بن سعيد عن عبد الرحمن بن سليمان المكيّ قال حدّثني المخزوميّ (يعني الحارث بن خالد) قال:
بلغني أن الغريض خرج مع نسوة من أهل مكة من أهل الشّرف ليلا إلى بعض المتحدّثات من نواحي مكة، وكانت ليلة مقمرة؛ فاشتقت إليهنّ وإلى مجالستهنّ وإلى حديثهنّ، وخفت على نفسي لجناية كنت أطالب بها، وكان عمر مهيبا معظّما لا يقدم عليه سلطان ولا غيره، وكان منّي قريبا؛ فأتيته فقلت له: إنّ فلانة وفلانة وفلانة - حتى سميتهنّ كلّهنّ - قد بعثنني، وهنّ يقرأن عليك السلام، وقلن: تشوّقن إليك في ليلتنا هذه لصوت أنشدناه فويسقك الغريض - وكان الغريض يغنّي هذا الصوت فيجيده، وكان ابن أبي ربيعة به معجبا، وكان كثيرا ما يسأل الغريض أن يغنّيه، وهو قوله:
أمسى بأسماء هذا القلب معمودا ... إذا أقول صحا يعتاده عيدا
/ كأنّ أحور من غزلان ذي نفر [2] ... أهدى لها شبه العينين والجيدا
قامت تراءى وقد جدّ الرحيل بنا ... لتنكأ القرح من قلب قد اصطيدا
كأنني يوم أمسي لا تكلّمني ... ذو بغية يبتغي ما ليس موجودا
/ أجرى على موعد منها فتخلفني ... فما أملّ وما توفي المواعيدا
قد طال مطلي، لو انّ اليأس ينفعني ... أو أن أصادف من تلقائها جودا
فليس تبذل لي عفوا وأكرمها ... من أن ترى عندنا في الحرص تشديدا [3]
- فلما أخبرته الخبر قال: لقد أزعجتني في وقت كانت الدّعة أحبّ فيه إليّ؛ ولكنّ صوت الغريض وحديث
__________
[1] هذه الكلمة ساقطة في ب، س.
[2] راجع الحاشية رقم 5 ص 314 من هذا الجزء.
[3] هذه رواية الديوان. وفي الأصول:
فأكرمها ... ما إن ترى عندنا في الحرص تشديدا
النّسوة ليس له متّرك ولا عنه محيص. فدعا بثيابه فلبسها، وقال: امض؛ فمضينا نمشي العجل حتى قربنا منهنّ.
فقال لي عمر: خفّض عليك مشيك ففعلت، حتى وقفنا عليهنّ وهنّ في أطيب حديث وأحسن مجلس؛ فسلّمنا، فتهيّبننا وتخفّرن منّا. فقال الغريض: لا عليكنّ! هذا ابن أبي ربيعة والحارث بن خالد جاءا متشوّقين إلى حديثكنّ وغنائي. فقالت فلانة: وعليك السلام يابن أبي ربيعة، واللّه ما تمّ مجلسنا إلا بك، اجلسا. فجلسنا غير بعيد، وأخذن عليهنّ جلابيبهنّ وتقنّعن بأخمرتهنّ وأقبلن علينا بوجوههنّ وقلن لعمر: كيف أحسست بنا وقد أخفينا أمرنا؟
فقال: هذا الفاسق جاءني برسالتكنّ وكنت وقيذا [1] من علّة وجدتها، فأسرعت الإجابة، ورجوت منكنّ على ذلك حسن الإثابة. فرددن عليه: قد وجب أجرك، ولم يخب سعيك، ووافق منّا الحارث إرادة. فحدّثهنّ بما قلت له/ من قصّة غناء الغريض؛ فقال النّسوة: واللّه ما كان ذلك كذلك، ولقد نبّهتنا على صوت حسن، يا غريض هاته.
فاندفع الغريض يغنّي ويقول:
أمسى بأسماء هذا القلب معمودا ... إذا أقول صحا يعتاده عيدا
حتى أتى على الشعر كلّه إلى آخره، فكلّ استحسنه. وأقبل عليّ ابن أبي ربيعة فجزاني الخير، وكذلك النّسوة.
فلم نزل بأنعم ليلة وأطيبها حتى بدأ القمر يغيب، فقمنا جميعا، وأخذ النّسوة طريقا ونحن طريقا وأخذ الغريض معنا.
وقال عمر في ذلك:
صوت
هل عند رسم برامة [2] خبر ... أم لا فأيّ الأشياء تنتظر [3].
قد ذكّرتني الديار إذ درست ... والشوق ممّا يهيجه الذّكر
ممشى رسول إليّ يخبرني [4] ... عنهم عشاء ببعض ما ائتمروا
ومجلس النّسوة الثلاث لدى ال ... خيمات حتى تبلّج السّحر
فيهنّ هند والهمّ ذكرتها ... تلك التي لا يرى لها خطر
ثم انطلقنا وعندنا ولنا ... فيهنّ لو طال ليلنا وطر
وقولها للفتاة إذ أزف ال ... بين أغاد أم رائح عمر
عجلان لم يقض [5] بعض حاجته ... هلا تأنّى [6] يوما فينتظر
__________
[1] الوقيذ: المريض.
[2] رامة: منزل بينه وبين الرمادة ليلة في طريق البصرة إلى مكة. وبين رامة وبين البصرة اثنتا عشرة مرحلة. وقيل: هي هضبة، وقيل:
جبل لبني دارم، وقيل فيها غير ذلك.
[3] وردت هذه الأبيات ضمن قصيدة ثمانية عشر بيتا في ديوان عمر بن أبي ربيعة (طبع ليبسك) باختلاف يسير في بعض الكلمات وفي ترتيب الأبيات.
[4] كذا في ديوانه. وفي الأصول: «ممشى فتاة إلى تخبرني».
[5] في الديوان: «لم يقض بعد حاجته».
[6] في ب، س: «أتانا» وهو تحريف.
اللّه جار له وإن نزحت ... دار به أو بداله سفر
/ غنّاه الغريض ثقيلا أوّل بإطلاق الوتر في مجرى البنصر. وفيه لابن سريج رمل بالوسطى. وفيه لعبد الرحيم الدّفّاف ثقيل أوّل بالبنصر في البيتين الأوّلين. وبعدهما:
/هل من [1] رسول إليّ يخبرني ... بعد عشاء ببعض ما ائتمروا
يوم ظللنا وعندنا ولنا ... فيهنّ لو طال يومنا وطر
فلما كانت الليلة القابلة بعث إليّ عمر فأتيته وإذا الغريض عنده. فقال له عمر: هات؛ فاندفع يغنّي:
هل عند رسم برامة خبر ... أم لا فأيّ الأشياء تنتظر
ومجلس النّسوة الثلاث لدى ال ... خيمات حتى تبلّج السحر
فقلت في نفسي: هذا واللّه صفة ما كنّا فيه، فسكتّ حتى فرغ الغريض من الشعر كلّه؛ فقلت: يا أبا الخطّاب، جعلت فداك! هذا واللّه صفة ما كنّا فيه البارحة مع النّسوة. فقال: إن ذلك ليقال.
أغلظ موسى بن مصعب أمير الموصل الكلام لبعض عماله فأجابه بالمثل وفرّ:
وذكر أحمد بن الحارث عن المدائنيّ عن عليّ بن مجاهد قال:
إنّ موسى بن مصعب كان على الموصل، فاستعمل رجلا من أهل حرّان على كورة باهذرا [2] وهي أجلّ كور الموصل، فأبطأ عليه الخراج؛ فكتب إليه:
هل عند رسم برامة خبر ... أم لا فأيّ الأشياء تنتظر
/ احمل ما عندك يا ماصّ بظر أمه، وإلا فقد أمرت رسولي بشدّك وثاقا ويأتي بك. فخرج الرجل وأخذ ما كان معه من الخراج فلحق بحرّان، وكتب إليه: يا عاضّ بظر أمّه! إليّ تكتب بمثل هذا!
وإذا أهل بلدة أنكروني ... عرفتني الدّوّيّة [3] الملساء
فلما قرأ موسى كتابه ضحك وقال: أحسن - يعلم اللّه - الجواب، ولا واللّه لا أطلبه أبدا. وفي غير هذه الرواية أنه كتب إليه في آخر رقعة:
إنّ الخليط الألى تهوى قد ائتمروا ... للبين ثم أجدّوا السير فانشمروا
يابن الزّانية! والسلام. ثم هرب، فلم يطلبه.
اسحاق الموصلي ولحن للغريض:
أخبرنا الحسين بن يحيى عن حمّاد قال قال أبي:
غنّاني رجل من أهل المدينة لحن الغريض:
__________
[1] انظر الحاشية رقم 3 ص 329 من هذا الجزء.
[2] كذا في أ، م. و «معجم ياقوت» في الكلام على الموصل. وفي ح: «يا هذرا» بالياء المثناة من تحت. وفي سائر الأصول: «باهدرا» بالباء الموحدة والدال المهملة، وكلاهما تصحيف.
[3] الدوّية: الفلاة البعيدة الأطراف المستوية الواسعة.
هل عند رسم برامة خبر ... أم لا فأيّ الأشياء تنتظر
فسألته أن يلقيه عليّ، فقال: لا إلا بألف درهم؛ فلم أسمح له بذلك. ومضى فلم ألقه. فو اللّه يا بنيّ ما ندمت على شيء قطّ ندمي على ذلك، ولوددت أنّي وجدته الآن فأخذته منه كما سمعته وأخذ منّي ألف دينار مكان الألف الدرهم.
خبر
تعيّرنا أنّا قليل عديدنا
الشعر لشريح بن السّموءل بن عادياء. ويقال: إنه للسموءل. وكان من يهود يثرب؛ وهو الذي يضرب به المثل في الوفاء فيقال: «أو فى من السّموءل».
/ وكان السبب في ذلك فيما ذكر ابن الكلبيّ وأبو عبيدة وحدّثني به محمد بن العبّاس اليزيديّ قال حدّثنا سليمان بن أبي شيخ قال حدّثنا يحيى بن سعيد الأمويّ عن محمد بن السائب الكلبيّ قال:
كان امرؤ القيس بن حجر أودع السموءل بن عادياء أدراعا [1]؛ فأتاه الحارث بن ظالم - ويقال/: الحارث بن أبي شمر الغسّاني - ليأخذها منه؛ فتحصّن منه السموءل؛ فأخذ ابنا له غلاما وناداه: إمّا أن تسلّم الأدراع وإما أن قتلت ابنك؛ فأبى السموءل أن يسلّم الأدراع إليه؛ فضرب الحارث وسط الغلام بالسيف فقطعه اثنين [2]. فقال السموءل:
وفيت بأدرع الكنديّ إنّي ... إذا ما خان أقوام وفيت
وأوصى عاديا يوما [3] بألّا ... تهدّم يا سموءل ما بنيت
بنى لي عاديا حصنا حصينا ... وماء [4] كلّما شئت استقيت
وفي هذه القصيدة يقول:
صوت
أعاذلتي ألا لا تعذليني ... فكم من أمر عاذلة عصيت
دعيني وارشدي إن كنت أغوى ... ولا تغوى - زعمت - كما غويت
أعاذل قد طلبت [5] اللّوم حتى ... لو اني منته لقد انتهيت
وصفراء المعاصم قد دعتني ... إلى وصل فقلت لها أبيت
__________
[1] في ح: «أدراعا مائة».
[2] كذا في ح، ء. وفي سائر الأصول: «باثنين».
[3] رواية هذا الشطر في ديوانه:
وأوصى عاديا جدي بألا
[4] في «مجمع الأمثال» للميداني: «بئرا». في ديوانه: «عينا».
[5] كذا في جميع الأصول. ولعلها: «أطلت».
/
وزقّ قد جررت إلى النّدامى ... وزقّ قد شربت وقد سقيت
وحتى لو يكون فتى أناس ... بكى من عذل عاذلة بكيت
عروضه من الوافر. والشعر للسّموءل بن عادياء. والغناء لابن محرز في الأوّل والثاني والرابع والخامس خفيف ثقيل أوّل بالسبّابة في مجرى الوسطى. وغنّى فيها مالك خفيف ثقيل بالبنصر في الأوّل والثاني. وغنّى دحمان أيضا في الأوّل والثاني والرابع والخامس رملا بالوسطى. وغنّى عبد الرحيم الدّفّاف في الأوّل والثاني رملا بالبنصر.
وفي هذه الأبيات لابن سريج لحن في الرابع وما بعده. ثم في سائر الأبيات لحن ذكره يونس ولم ينسبه [1].
ولإبراهيم الموصليّ فيها لحن غير منسوب أيضا.
أسر الأعشى رجل من كلب وهو لا يعرفه ثم أطلقه بشفاعة شريح بن السموءل فلما عرف ذلك ندم:
حدّثني محمد بن العبّاس اليزيديّ قال حدّثني سليمان بن أبي شيخ قال حدّثنا يحيى بن سعيد الأمويّ قال حدّثني محمد بن السائب الكلبيّ قال:
هجا الأعشى رجلا من كلب فقال:
بنو الشهر الحرام فلست منهم ... ولست من الكرام بني عبيد
ولا من رهط جبّار بن قرط ... ولا من رهط حارثة بن زيد
- قال: وهؤلاء كلهم من كلب - فقال الكلبيّ: أنا، لا أبالك، أشرف من هؤلاء. قال: فسبّه الناس بعد بهجاء الأعشى، وكان متغيّظا عليه. فأغار الكلبيّ على قوم قد بات بهم الأعشى فأسر منهم نفرا وأسر الأعشى وهو لا يعرفه؛ فجاء حتى نزل بشريح بن السموءل بن عادياء الغسّاني صاحب تيماء [2] بحصنه الذي يقال له الأبلق [3]. فمرّ شريح بالأعشى، فنادى به الأعشى بقوله:
/شريح لا تتركنّي بعد ما علقت ... حبالك اليوم بعد القدّ [4] أظفاري
قد جلت ما بين بانقيا [5] إلى عدن ... فطال في العجم تردادي [6] وتسياري
فكان أكرمهم عهدا وأوثقهم ... عقدا أبوك بعرف غير إنكار
كالغيث ما استمطروه جاد وابله ... وفي الشدائد كالمستأسد الضّاري
/ كن كالسموءل إذ طاف الهمام به ... في جحفل كسواد الليل جرّار
إذ سامه خطّتي خسف فقال له ... قل ما تشاء فإنّي سامع حار
فقال غدر وثكل أنت بينهما ... فاختر وما فيهما حظّ لمختار
__________
[1] كذا في ب، س. وفي سائر الأصول: «و لم يجنسه».
[2] تيماء: بليدة في أطراف الشام، بين الشام ووادي القرى على طريق حاج الشام ودمشق.
[3] قيل له الأبلق لأنه كان في بنائه بياض وحمرة، وقيل: لأنه بني من حجارة مختلفة الألوان.
[4] القد: القيد.
[5] بانقيا: ناحية من نواحي الكوفة.
[6] كذا في ديوانه المطبوع بمطبعة التقدّم بمصر. وفي الأصول: «تكراري».
فشكّ غير طويل ثم قال له ... اقتل أسيرك إني مانع جاري
وسوف يعقبنيه إن ظفرت به ... ربّ كريم وبيض ذات أطهار
لا سرّهنّ لدينا ذاهب هدرا ... وحافظات إذا استودعن أسراري
فاختار أدراعه كي لا يسبّ بها ... ولم يكن وعده فيها بختّار [1]
قال: فجاء شريح إلى الكلبيّ فقال له: هب لي هذا الأسير المضرور [2]؛ فقال: هو لك، فأطلقه. وقال له:
أقم عندي حتى أكرمك وأحبوك؛ فقال له الأعشى: إن من تمام صنيعك إليّ أن تعطيني ناقة ناجية [3] وتخليني الساعة. قال: فأعطاه ناقة، فركبها ومضى من ساعته. وبلغ الكلبيّ أن الذي وهب لشريح هو الأعشى، فأرسل إلى شريح: ابعث إليّ بالأسير الذي وهبت لك حتى أحبوه وأعطيه؛ فقال: قد مضى. فأرسل الكلبيّ في أثره فلم يلحقه.
/ وأما خبر:
وما كرّ إلا كان أوّل طاعن
- والشعر للخنساء - فإنه خبر يطول لذكر ما فيه من الوقائع؛ وهو يأتي فيما بعد هذا مفراد عن المائة الصوت المختارة في أخبار الخنساء.
رجع الخبر إلى قصّة ابن جامع
دفع في صوت أخذه عن سوداء أربعة دراهم وغناه الخليفة فأعطاه أربعة آلاف دينار:
وأمّا خبر الجارية التي أخذ عنها ابن جامع الصوت وما حكيناه من أنّه وقع في حكاية محمد بن ضوين الصّلصال فيها [4] خطأ، فأخبرنا بخبرها الحسين بن يحيى عن حمّاد بن إسحاق عن عبد اللّه بن أبي محمد العامريّ قال حدّثني عكّاشة اليزيديّ بجرجان قال حدّثني إسماعيل بن جامع قال:
بينا أنا في غرفة لي باليمن وأنا مشرف على مشرعة [5]، إذ أقبلت أمة سوداء على ظهرها قربة، فملأتها ووضعتها على المشرعة لتستريح، وجلست فغنّت:
صوت
فردّي مصاب القلب أنت قتلته ... ولا تبعدي فيما تجشّمت كلثما
- ويروى «و لا تتركيه هائم القلب مغرما» -:
إلى اللّه أشكو بخلها وسماحتي ... لها عسل منّي وتبذل علقما
__________
[1] الختار: الغادر.
[2] كذا في ح ونسخة الشيخ الشنقيطي مصححة بقلمه و «معجم ياقوت» في الكلام على الأبلق الفرد. وفي سائر الأصول: «المضروب» بالباء الموحدة، وهو تحريف.
[3] ناقة ناجية: سريعة السير.
[4] هذه الكلمة مستغنى عنها في الكلام ولكنها ثابتة في جميع الأصول.
[5] المشرعة: مورد الشاربة التي يشرعها الناس فيشربون منها ويستقون. ولا تسميها العرب مشرعة حتى يكون الماء عدّا لا انقطاع له كماء الأنهار ويكون ظاهرا مبينا لا يستقى منه برشاء. فإن كان من ماء الأمطار فهو الكرع (بالتحريك).
أبي اللّه أن أمسي ولا تذكرينني ... وعيناي من ذكراك قد ذرفت دما
أبيت فما تنفكّ لي منك حاجة ... رمى اللّه بالحبّ الذي كان أظلما
/ - غنّاه سياط خفيف ثقيل أوّل بالبنصر على مذهب إسحاق من رواية عمرو بن بانة - قال: ثم أخذت قربتها لتمضي. فاستفزّني من شهوة الصوت ما لا قوام لي به، فنزلت إليها فقلت لها: أعيديه. فقالت: أنا عنك في شغل بخراجي. قلت: وكم هو؟ قالت: درهمان في كل يوم. قلت: فهذان درهمان، وردّيه عليّ حتى آخذه منك، وأعطيتها درهمين؛ فقالت: أمّا الآن فنعم. فجلست، فلم تبرح حتى أخذته منها وانصرفت؛ فلهوت يومي به، وأصبحت من غد لا أذكر/ منه حرفا، فإذا أنا بالسوداء قد طلعت ففعلت كفعلها بالأمس. فلما وضعت القربة تغنّت غيره، فعدوت في أثرها وقلت: يا جارية، بحقّي عليك ردّي عليّ الصوت فقد ذهبت عنّي منه نغمة. فقالت: لا واللّه، ما مثلك تذهب عنه نغمة، أنت تقيس أوّله على آخره، ولكنك قد أنسيته، ولست أفعل إلا بدرهمين آخرين.
فدفعتهما إليها وأعادته عليّ حتى أخذته ثانية. ثم قالت: إنّك تستكثر فيه أربعة دراهم، وكأني بك قد أصبت به أربعة آلاف دينار. فكنت عند هارون يوما وهو على سريره؛ فقال: من غنّاني فأطربني فله ألف دينار، وقدّامه أكياس في كل كيس ألف دينار. فغنّى القوم وغنّيت فلم يطرب، حتى دار الغناء إليّ ثانية فغنّيت صوت السوداء؛ فرمى إليّ بكيس فيه ألف دينار، ثم قال: أعده فغنّيته؛ فرمى إليّ بثان ثم قال: أعده فرمى إليّ بثالث وأمسك. فضحكت؛ فقال: ما يضحكك؟ فقلت: لهذا الصوت حديث عجيب يا أمير المؤمنين. فقال: وما هو؟ فحدّثته به وقصصت عليه القصّة؛ فرمى إليّ برابع وقال: لا نكذّب قولها.
خبر
عوجي عليّ فسلّمي جبر
الشعر للعرجيّ وقد ذكرنا نسبة الصوت.
قصة عمر بن عبد العزيز مع مخنث بلغه عنه أنه أفسد نساء المدينة:
أخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد عن أبيه عن الواقديّ عن ابن أبي الزّناد قال حدّثني محمد بن إسحاق قال:
قيل لعمر بن عبد العزيز: إن بالمدينة مخنّثا قد أفسد نساءها فكتب إلى عامله بالمدينة أن يحمله. فأدخل عليه، فإذا شيخ خضيب اللّحية والأطراف معتجر بسبنيّة [1] قد حمل دفّا في خريطته. فلما وقف بين يدي عمر صعّد بصره فيه وصوّبه وقال: سوأة لهذه الشّيبة وهذه القامة! أتحفظ القرآن؟ قال: لا واللّه يا أبانا؛ قال: قبّحك اللّه! وأشار إليه من حضره فقالوا: اسكت فسكت. فقال له عمر: أتقرأ من المفصّل شيئا؟ قال: وما المفصّل؟ قال:
ويلك! أتقرأ من القرآن شيئا؟ قال: نعم، أقرأ الْحَمْدُ لِلَّهِ
وأخطىء فيها في موضعين أو ثلاثة، وأقرأ
__________
[1] كذا في ح. والسبنية: منسوبة إلى سبن (بالتحريك): بلدة ببغداد؛ وهي إزار أسود متخذ من الحرير يلبسه النساء. وفي ب، س:
«بسبتية» (بالتاء المثناة). وفي سائر الأصول «بسنية» وكلاهما تحريف.
قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ
وأخطىء فيها، وأقرأ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ
مثل الماء الجاري. قال: ضعوه في الحبس ووكّلوا به معلّما يعلّمه القرآن وما يجب عليه من حدود الطّهارة والصلاة وأجروا عليه في كل يوم ثلاثة دراهم وعلى معلّمه ثلاثة دراهم أخّر، ولا يخرج من الحبس حتى يحفظ القرآن أجمع. فكان كلّما علّم سورة نسي التي قبلها. فبعث رسولا إلى عمر: يا أمير المؤمنين، وجّه إليّ من يحمل إليك ما أتعلّمه أوّلا فأوّلا، فإني لا أقدر على حمله جملة واحدة.
فيئس عمر من فلاحه وقال: ما أرى هذه الدراهم إلا ضائعة، ولو أطعمناها جائعا أو أعطيناها محتاجا أو كسوناها عريانا لكان أصلح. ثم دعا به، فلما وقف بين يديه قال له: اقرأ قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ
/ قال: أسأل اللّه العافية! أدخلت يدك في الجراب فأخرجت [1] شرّ ما فيه وأصعبه. فأمر به فوجئت [2] عنقه ونفاه. فاندفع يغنّي وقد توجّهوا به:
عوجي عليّ فسلّمي جبر ... فيم الوقوف وأنتم سفر
/ ما نلتقي إلا ثلاث منى ... حتى يفرّق بيننا النّفر
فلما سمع الموكّلون به حسن ترنّمه خلّوه وقالوا له: اذهب حيث شئت مصاحبا بعد استماعهم منه طرائف [3] غنائه سائر يومهم وليلتهم.
حج محمد بن خالد ابن عبد اللّه وسمع جارية محمد بن عمران فطرب وأراد شراءها فرده:
أخبرني الحسين قال قال حماد قرأت على أبي عن المدائنيّ قال:
أحجّ خالد بن عبد اللّه ابنه محمدا وأصحبه رزاما [4] مولاه وأعطاه مالا، وقال: إذا دخلت المدينة فاصرفه فيما أحببت. فلما صرنا [5] بالمدينة سأل محمد عن جارية حاذقة؛ فقيل: عند محمد بن عمران التّيمي القاضي. فصلينا الظهر في المسجد ثم ملنا إليه فاستأذنّا عليه فأذن لنا وقد انصرف من المسجد وهو قاعد على لبد [6] ونعلاه في آخر اللّبد؛ فسلّمنا عليه فردّ؛ ونسب [7] محمدا فانتسب له، فقال: خيرا. ثم قال: هل من حاجة؟ فلجلج. فقال: كأنك ذكرت فلانة! يا جارية اخرجي؛ فخرجت فإذا أحسن الناس، ثم تغنّت فإذا أحذق الناس؛ فجعل الشيخ يذهب مع حركاتها ويجيء، إلى أن غنّت قوله:
عوجي عليّ فسلّمي جبر
/ فلما بلغت:
حتى يفرق بيننا النّفر
__________
[1] كذا في أكثر الأصول. وفي ب، س: «أشد ما فيه».
[2] الوج ء: اللكز والضرب، يقال: وجأت عنقه وفي عنقه أي ضربته.
[3] كذا في م. وفي سائر الأصول: «ظرائف» بالظاء المعجمة، وهو تصحيف.
[4] هو رزام بن مسلم، أدرك أبا جعفر المنصور وله بعض حوادث وردت في «الطبري» (ق 3 ص 132، 164، 196، 215، 216، 637).
[5] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «فلما صار».
[6] اللبد: بساط من صوف.
[7] نسبه: سأله عن نسبه.
وثب الشيخ إلى نعله فعلّقها في أذنه وجثا على ركبتيه وأخذ بطرف أذنه والنّعل فيها وجعل يقول: أهدوني [1] أنا بدنة، أهدوني أنا بدنة. ثم أقبل عليهم فقال: كم قيل لكم إنها تساوي؟ قالوا: ستمائة دينار. قال: هي وحقّ القبر خير من ستة آلاف دينار، وو اللّه لا يملكها عليّ أحد أبدا، فانصرفوا إذا شئتم.
كان ابن جريج في حلقة يحدث فمرّ به ابن تيزن فسأله أن يغنيه بغناء ابن سريج:
أخبرنا وسواسة بن الموصليّ - وهو أحمد بن إسماعيل بن إبراهيم الموصليّ - قال حدّثني حماد بن إسحاق قال:
وجدت في كتب أبي عن عثمان بن حفص الثّقفيّ عن ابن عمّ لعمارة بن حمزة قال حدّثني سليم [2] الحساب عن داود المكيّ قال:
كنّا في حلقة ابن جريج وهو يحدّثنا وعنده ابن المبارك وجماعة من العراقيّين، إذ مرّ به ابن تيزن - قال حمّاد:
ويقال ابن بيرن - وقد ائتزر بمئزرة على صدره، وهي إزرة الشّطّار [3] عندنا. فدعاه ابن جريج؛ فقال له: إني مستعجل، وقد وعدت أصحابا لي فلا أقدر أن أحتبس عنهم. فأقسم عليه حتى أتاه، فجلس وقال له: ما تريد؟
قال: أحبّ أن تسمعني. قال: أنا أجيئك إلى المنزل، فلم تجلسني مع هؤلاء الثقلاء!. قال: أسألك أن تفعل؛ قال: امرأته طالق إن غنّاك فوق ثلاثة أصوات. قال: ويحك! ما أعجلك باليمين؟! قال: أكره أن أحتبس عن أصحابي. فالتفت ابن جريج إلى أصحابه فقال: اعقلوا رحمكم اللّه. ثم قال له: غنّني الصوت/ الذي أخبرتني أنّ ابن سريج غنّاه في اليوم الثالث [4] من أيام منى على جمرة العقبة فقطع الطريق على الذاهب والجائي حتى تكسّرت المحامل. فغنّاه:
عوجي عليّ فسلّمي جبر
فقال ابن جريج: أحسنت واللّه! - ثلاث مرّات - ويحك أعده. قال: أمن الثلاثة؟ فإني قد حلفت. قال: أعده فأعاده؛ فقال: أحسنت! أعده من الثلاثة؛ فأعاده وقام فمضى. فقال ابن جريج لأصحابه: لعلكم أنكرتم ما فعلت! قالوا: إنا لننكره بالعراق. قال: فما تقولون في الرّجز؟ (يعني الحداء) قالوا: لا بأس به. قال: فما الفرق بينهما!.
أحسن الناس حلوقا في الغناء:
وذكر هارون بن محمد بن عبد الملك عن أبي أيوب المدينيّ قال:
ثلاثة من المغنّين كانوا أحسن الناس حلوقا: ابن تيزن، وابن عائشة، وابن أبي الكنّات.
__________
[1] الإهداء: سوق الحيوان إبلا أو بقرا أو شاء إلى البيت الحرام هديا.
[2] في ب، س: «سليمان».
[3] كان هذا الاسم يطلق في الدولة العباسية على أهل البطالة والفساد.
[4] في أ، ح، ء، م: «الثاني».
صوت من المائة المختارة
سقاني فروّاني كميتا مدامة ... على ظمأ مني سلام بن مشكم [1]
تخيّرته أهل المدينة واحدا ... سواهم فلم أغبن ولم أتندّم [2]
عروضه من الطويل. والشعر لأبي سفيان بن حرب. والغناء لسليمان أخي بابويه الكوفي مولى الأشاعثة [3]، خفيف رمل بالسبّابة في مجرى الوسطى.
__________
[1] سيتكلم عنه المؤلف في ترجمة أبي سفيان التي تبتديء بعد هذه الصفحة.
[2] ورد هذا البيت في «سيرة ابن هشام» (ج 2 ص 543 طبع أوروبا) هكذا:
إني تخيرت المدينة واحدا ... لحلف فلم أندم ولم أتلوّم
[3] الأشاعثة: منسوبون إلى الأشعث بن قيس الكندي الصحابي، نزل الكوفة. ووفد على النبي صلى اللّه عليه وسلم بسبعين رجلا من كندة فروى عنه وعن عمر رضي اللّه عنه. ومات بالكوفة في آخر سنة أربعين حين صالح الحسن معاوية رضي اللّه عنهما فصلى عليه.
23 - ذكر أبي سفيان وأخباره ونسبه
نسبه ونسب أمه:
هو صخر بن حرب بن أميّة بن عبد شمس بن عبد مناف. وأمّ حرب بن أميّة بنت أبي همهمة بن عبد العزّي بن عامر بن عميرة بن وديعة بن الحارث بن فهر بن مالك بن النّضر بن كنانة. وأمّ أبي سفيان صفيّة بنت حزن بن بجير بن الهزم [1] بن رويبة [2] بن عبد اللّه بن هلال بن عامر بن صعصعة، وهي عمّة ميمونة أم المؤمنين وأمّ الفضل بنت الحارث بن حزن أمّ بني العباس بن عبد المطلب. وقد مضى ذكر أكثر أخبار ولد أميّة والفرق بين الأعياص والعنابس منهم وجمل من أخبارهم في أوّل هذا الكتاب [3] وكان حرب بن أميّة قائد بني أميّة ومن مالأهم في يوم عكاظ. ويقال: إن سبب وفاته أن الجنّ قتلته وقتلت مرداس بن أبي عامر السّلميّ لإحراقهما شجر القريّة [4] وازدراعهما إيّاها. وهذا شيء قد ذكرته العرب في أشعارها وتواترت الرّوايات بذكره فذكرته، واللّه أعلم.
أراد حرب بن أمية ومرداس بن أبي عامر ازدراع القرية فخرجت عليهما منها حيات فماتا:
أخبرني الطّوسيّ والحرميّ بن أبي العلاء قالا حدّثنا الزبير بن بكار قال حدّثني عمّي مصعب، وأخبرنا محمد بن الحسين بن دريد عن عمّه عن العبّاس بن هشام عن أبيه، وذكره أبو عبيدة وأبو عمرو الشيبانيّ:
/ أنّ حرب بن أميّة لما انصرف من حرب عكاظ هو وإخوته مرّ بالقريّة، وهي إذ ذاك غيضة شجر ملتفّ لا يرام. فقال له مرداس بن أبي عامر: أما ترى هذا الموضع؟ قال بلى. قال: نعم المزدرع هو فهل لك أن نكون شريكين فيه ونحرّق هذه الغيضة ثم نزدرعه بعد ذلك؟ قال نعم. فأضرما النّار في الغيضة. فلما استطارت وعلا لهبها سمع من الغيضة أنين وضجيج كثير، ثم ظهرت منها حيّات بيض تطير حتى قطعتها وخرجت منها. وقال مرداس بن أبي عامر في ذلك:
إني انتخبت لها حربا وإخوته ... إنّي بحبل وثيق العقد دسّاس
إني أقوّم قبل الأمر حجّته ... كيما يقال وليّ الأمر مرداس
__________
[1] كذا في «تجريد الأغاني» و «القاموس» و «شرحه» (مادة هزم) و «الاشتقاق» لابن دريد (ص 178 طبع أوروبا). وفي الأصول:
«الهرم» بالراء المهملة وهو تصحيف.
[2] كذا في ح و «تجريد الأغاني» و «القاموس» و «شرحه» (مادة هزم) و «طبقات ابن سعد» (ج 8 ص 94). و «الاشتقاق» لابن دريد (ص 179 طبع أوروبا). وفي سائر الأصول: «رويتة» وهو تصحيف.
[3] راجع الجزء الأوّل من هذه الطبعة (ص 14).
[4] القرية: موضع في ديار بني سليم، ذكره البكري في «معجم ما استعجم» (ج 2 ص 735) وساق القصة كما ساقها أبو الفرج هنا.
قال: فسمعوا هاتفا يقول لما احترقت الغيضة:
ويل لحرب فارسا ... مطاعنا مخالسا
ويل لعمرو فارسا ... إذ لبسوا القوانسا [1]
لنقتلن بقتله ... جحا جحا عنابسا
ولم يلبث حرب بن أميّة ومرداس بن أبي عامر أن ماتا. فأمّا مرداس فدفن بالقريّة. ثم ادّعاها بعد ذلك كليب بن أبي عهمة [2] السّلميّ ثم الظّفريّ. فقال في ذلك عبّاس بن مرداس:
/أكليب مالك كلّ يوم ظالما ... والظلم أنكد وجهه ملعون
قد كان قومك يحسبونك سيّدا ... وإخال أنك سيّد معيون
/ - المعيون: الذي أصابته العين، وقيل: المعيون: الحسن المنظر فيما تراه العين ولا عقل له - :
فإذا رجعت إلى نسائك فادّهن ... إن المسالم رأسه مدهون
وافعل بقومك ما أراد بوائل ... يوم الغدير [3] سميّك المطعون
وإخال أنك سوف تلقى مثلها ... في صفحتيك سنانها المسنون
إن القريّة قد تبيّن أمرها ... إن كان ينفع عندك التّبيين
حيث انطلقت تخطّها لي ظالما ... وأبو يزيد بجوّها مدفون
أبو يزيد: مرداس بن أبي عامر.
منزلته في قريش وفق ء عينيه:
وكان أبو سفيان سيّدا من سادات قريش في الجاهليّة ورأسا من رؤوس الأحزاب على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في حياته وكهفا للمنافقين في أيامه، وأسلم يوم الفتح. وله في إسلامه أخبار نذكرها هنا. وكان تاجرا يجهّز التجار بماله وأموال قريش إلى أرض العجم. وشهد مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مشاهدة الفتح، وفقئت عينه يوم الطائف [4]، فلم يزل أعور إلى يوم اليرموك [5]، ففقئت عينه الأخرى يومئذ فعمي.
مازح رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في بيت بنته أم حبيبة:
أخبرنا الطّوسيّ والحرميّ قالا حدّثنا الزبير بن بكّار قال حدّثني عليّ بن صالح عن جدّي عبد اللّه بن مصعب عن إسحاق بن يحيى المكيّ عن أبي الهيثم عمّن أخبره:
__________
[1] القوانس: جمع قونس، وهو أعلى البيضة. وفي «معجم ما استعجم»: «القلانسا».
[2] في «معجم ما استعجم» للبكري: «كليب بن عيهة». وفيما مر في جميع الأصول (ج 5 ص 38 من هذه الطبعة) و «النقائص» (ص 907 طبع أوروبا): «كليب بن عهمة».
[3] يشير إلى تحكم كليب في موارد الماء ونفيه بكر بن وائل عنها حتى كاد يقتلهم عطشا. (راجع الكلام على ذلك مفصلا في الجزء الخامس من هذه الطبعة ص 36 - 37).
[4] يعني غزوة الطائف وفيها رماه سعيد بن عبيد الثقفي فأصاب عينه. (انظر «المواهب اللدنية» ج 3 ص 39 - 40 طبع بولاق).
[5] اليرموك: واد بناحية الشام في طرف الغور يصب في نهر الأردن ثم يمضي إلى البحيرة المنتنة. كانت به حرب بين المسلمين والروم في أيام أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي اللّه عنهما.
/ أنّه سمع أبا سفيان يمازح رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في بيت بنته أمّ حبيبة ويقول: واللّه إن هو إلا أن تركتك فتركتك العرب فما انتطحت جمّاء [1] ولا ذات قرن، ورسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يضحك ويقول: «أنت تقول ذاك يا أبا حنظلة!» [2].
سئل وهو مشرك عن تزوّج بنته برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فمدحه:
قال الزبير وحدّثني عمّي مصعب:
أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم تزوّج أمّ حبيبة بنت أبي سفيان وأبو سفيان يومئذ مشرك يحارب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وقيل له: إن محمدا قد نكح ابنتك؛ فقال: ذلك الفحل لا يقدع [3] أنفه. واسم أمّ حبيبة رملة، وقيل: هند [4]، والصحيح رملة.
أيضا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أذنه فعاتبه فأرضاه:
أخبرنا محمد بن العباس اليزيديّ قال حدّثنا أحمد بن الحارث الخزّاز قال حدّثنا المدائنيّ عن مسلمة بن محارب عن عثمان بن عبد الرحمن بن جوشن قال:
أذن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يوما للناس، فأبطأ بإذن أبي سفيان. فلما دخل قال: يا رسول اللّه، ما أذنت لي حتى كدت تأذن للحجارة. فقال له: يا أبا سفيان «كلّ الصيد [5] في جوف الفرا».
/ حدّثنا محمد بن العباس قال حدّثنا الخليل بن أسد النّوشجاني قال حدّثنا عطاء بن مصعب قال حدّثني سفيان بن عيينة عن جعفر بن يحيى البرمكيّ قال:
أذن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم للناس، فكان آخر من دخل عليه أبا سفيان بن حرب. فقال: يا رسول اللّه، لقد أذنت للناس قبلي حتى ظننت أن حجارة الخندمة [6] ليؤذن لها قبلي. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: «أما واللّه إنّك والناس لكما قال الأوّل: «كلّ الصيد في بطن الفرا»». أيّ كل شيء لهؤلاء من المنزلة فإن لك وحدك مثل مالهم كلّهم.
خرج إلى الشأم في تجارة، فسأله هرقل عن أحوال النبيّ صلى اللّه عليه وسلم فأجابه وصدقه:
حدّثني عمر بن إسماعيل بن أبي غيلان الثّقفيّ قال حدّثنا داود بن عمرو الضّبيّ قال/ حدّثنا المثنيّ بن زرعة أبو راشد عن محمد بن إسحاق قال حدّثني الزّهريّ عن عبد اللّه بن عبد اللّه عن عتبة عن ابن عبّاس قال حدّثني أبو سفيان بن حرب قال [7]:
__________
[1] الجماء: الشاة التي لا قرن لها.
[2] حنظلة: ابن كان لأبي سفيان قتله علي بن أبي طالب كرم اللّه وجهه يوم بدر.
[3] فحل لا يقدع أنفه، أي لا يضرب أنفه، لكرمه. وذلك أن الفحل إذا أراد ركوب الناقة قدع وضرب أنفه بالرمح أو غيره إذا كان غير كريم وحمل عليها فحل كريم غيره. وفي ب، س: «يقرع» بالراء المهلمة، وهو بمعنى «يقدع».
[4] في الأصول: «و قيل صفية». والتصويب عن كتاب «الإصابة في أخبار الصحابة» و«أسد الغابة» و«المواهب اللدنية». وصفية هي أم أم حبيبة وهي صفية بنت أبي العاص.
[5] هذا مثل يضرب لمن يفضل أقرانه. وأصله أن ثلاثة نفر خرجوا متصيدين فاصطاد أحدهم أرنبا والآخر ظبيا والثالث حمارا (و هو الفرا) فاستبشر صاحب الأرنب وصاحب الظبي بما نالا وتطاولا على الثالث، فقال: «كل الصيد في جوف الفرا» أي هذا الذي رزقت وظفرت به يشتمل على ما عندكما. وذلك أنه ليس مما يصيده الناس أعظم من الحمار الوحشي. (انظر «مجمع الأمثال» للميداني ج 2 ص 69) طبع بولاق.
[6] الخندمة: جبل بمكة.
[7] قد وردت هذه القصة في البخاري (ج 1 ص 4) باختلاف قليل عما هنا.
كنّا قوما تجارا، وكانت الحرب بيننا وبين رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قد حصرتنا [1] حتى نهكت [2] أموالنا. فلما كانت الهدنة [هدنة الحديبية] [3] بيننا وبين رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، خرجت في نفر من قريش إلى الشأم، وكان وجه متجرنا منه غزّة، فقدمناها حين ظهر هرقل على من كان بأرضه من الفرس [4]، فأخرجهم منها وانتزع منهم صليبه الأعظم وكانوا قد استلبوه إيّاه. فلما بلغه ذلك منهم وبلغه أن صليبه قد استنقذ منهم، وكانت حمص منزله، خرج [5] منها يمشي على قدميه شكرا للّه حين ردّ عليه ما ردّ ليصلّي في بيت المقدس تبسط له البسط وتلقى عليها الريّاحين. فلما انتهى إلى/ إيلياء فقضى فيها صلاته وكان معه بطارقته وأشراف الروم، أصبح ذات غدوة مهموما يقلّب طرفه إلى السماء.
فقال له بطارقته: واللّه لكأنّك أصبحت الغداة مهموما. فقال: أجل! رأيت البارحة أن ملك الختان ظاهر. فقالوا:
أيّها الملك، ما نعلم أمّة تختتن إلا اليهود، وهم في سلطانك وتحت يدك، فابعث إلى كلّ من لك عليه سلطان في بلادك فمره فليضرب أعناق من تحت يدك منهم من يهود واسترح من هذا الهمّ. فو اللّه إنهم لفي ذلك من رأيهم يدبّرونه [6] إذ أتاه رسول صاحب بصرى [7] برجل من العرب يقوده - وكانت الملوك تتهادى الأخبار بينهم - فقال:
أيها الملك، إن هذا رجل من العرب من أهل الشّاء والإبل يحدّث عن أمر حدث فاسأله. فلما انتهى به إلى هرقل رسول صاحب بصرى، قال هرقل لمن جاء به: سله عن هذا الحديث الذي كان ببلده؛ فسأله، فقال: خرج بين أظهرنا رجل يزعم أنه نبيّ، وقد اتّبعه ناس فصدّقوه وخالفه آخرون، وقد كانت بينهم ملاحم في مواطن كثيرة، وتركتهم على ذلك. فلما أخبره الخبر قال: جرّدوه فإذا هو مختون؛ فقال: هذا واللّه النبيّ الذي رأيت لا ما تقولون، أعطوه ثيابه وينطلق. ثم دعا صاحب شرطته فقال له: اقلب الشأم ظهرا لبطن حتى تأتيني برجل من قوم هذا الرجل.
فإنّا لبغزّة إذ هجم علينا صاحب شرطته فقال: أنتم من قوم الحجاز؟ قلنا نعم. قال: انطلقوا إلى الملك، فانطلقوا بنا. فلما انتهينا إليه قال: أنتم من رهط هذا الرجل الذي بالحجاز؟ قلنا نعم. قال: فأيّكم أمسّ به رحما؛ قال: قلت أنا - قال أبو سفيان: وأيم اللّه ما رأيت رجلا أرى أنه أنكر من ذلك الأغلف [8] (يعني هرقل) - ثم قال: أدنه، فأقعدني بين يديه وأقعد أصحابي خلفي، وقال: إني سأسأله، فإن كذب فردّوا عليه.
/ - قال: فو اللّه لقد علمت أن لو كذبت ما ردّوا عليّ، ولكنّي كنت امرأ سيّدا أتبرّم عن الكذب؛ وعرفت أنّ أيسر ما في ذلك إن أنا كذبته أن يحفظوه عليّ ثم يحدّثوا به عني، فلم أكذبه - قال: أخبرني عن هذا الرجل الذي خرج بين أظهركم يدّعي ما يدّعي. فجعلت أزهّد له شأنه وأصغّر له أموره، وأقول له: أيها الملك، ما يهمّك من شأنه! إنّ أمره دون ما بلغك؛ فجعل لا يلتفت إلى ذلك منّي. ثم قال: أنبئني فيما أسألك عنه من شأنه. قال: قلت:
سل عمّا بدا لك. قال: كيف نسبه فيكم؟ قلت: محض، هو أوسطنا [9] نسبا. قال: أخبرني هل/ كان أحد في أهل
__________
[1] كذا في ح و «تجريد الأغاني». وفي سائر الأصول: «حضرتنا» بالضاد المعجمة وهو تصحيف.
[2] كذا في «تجريد الأغاني». وفي الأصول: «تهتكت». وهو تحريف.
[3] زيادة عن «تجريد الأغاني».
[4] كذا في «تجريد الأغاني». وفي الأصول: «من فارس».
[5] في الأصول: «فخرج».
[6] في ح و «تجريد الأغاني»: «يديرونه».
[7] بصرى: بلد من أعمال دمشق وهي قصبة كورة حوران.
[8] الأغلف: الذي لم يختتن.
[9] أي خيرنا وأفضلنا نسبا.
بيته يقول ما يقول فهو يتشبّه به؟ قال: قلت لا. قال: هل كان له فيكم ملك فسلبتموه إيّاه فجاء بهذا الحديث لتردّوا عليه ملكه؟ قال: قلت لا. قال: أخبرني عن أتباعه منكم من هم؟ قال: قلت: الضعفاء والمساكين والأحداث من الغلمان والنساء، فأمّا ذوو الأسنان من الأشراف من قومه فلم يتبعه منهم أحد. قال: فأخبرني عمّن يتبعه أيحبّه ويلزمه أم يقليه ويفارقه؟ قال: قلت: قلّما يتبعه أحد فيفارقه. قال: فأخبرني كيف الحرب بينكم وبينه؟ قال: قلت:
سجال يدال علينا وندال عليه. قال: فأخبرني هل يغدر؟ فلم أجد شيئا سألني عنه أغتمز فيه غيرها. قال: قلت: لا، ونحن منه في مدّة [1] ولا نأمن غدره. قال: فو اللّه ما التفت إليها منّي. ثم كرّر عليّ الحديث فقال: سألتك عن نسبه فيكم، فزعمت أنه محض من أوسطكم نسبا؛ فكذلك يأخذ اللّه النبيّ لا يأخذه إلا من أوسط قومه نسبا. وسألتك هل كان أحد من أهل بيته يقول مثل قوله فهو/ يتشبّه به، فزعمت أن لا. وسألتك هل كان له ملك فيكم فسلبتموه إيّاه فجاء بهذا الحديث يطلب ملكه، فزعمت أن لا. وسألتك عن أتباعه، فزعمت أنهم الضعفاء والأحداث والمساكين والنّساء، وكذلك أتباع الأنبياء في كل زمان. وسألتك عمّن يتبعه أيحبّه ويلزمه أم يقليه ويفارقه، فزعمت أنه لا يتبعه أحد فيفارقه، فكذلك حلاوة الإيمان لا تدخل قلب رجل فتخرج منه، وسألتك عن الحرب بينكم وبينه فزعمت أنها سجال تدالون عليه ويدل عليكم، وكذلك حرب الأنبياء، ولهم تكون العاقبة. وسألتك هل يغدر، فزعمت أن لا. فلئن كنت صدقتني عنه فليغلبنّ عليّ ما تحت قدميّ هاتين، ولوددت أنّي عنده فأغسل قدميه! انطلق لشأنك. فقمت من عنده وأنا أضرب بإحدى يديّ على الأخرى وأقول: يا لعباد اللّه! لقد أمر [2] أمر ابن أبي كبشة [3]! أصبحت ملوك بني الأصفر [4] يهابونه في ملكهم وسلطانهم.
كتاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى هرقل وما كان بين هرقل وبطارقته:
قال ابن إسحاق: فقدم عليه كتاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مع دحية [6] بن خليفة الكلبيّ، فيه:
«بسم اللّه الرحمن الرحيم. من محمد رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) إلى هرقل عظيم الروم. السلام على من اتّبع الهدى.
أمّا بعد، فأسلم تسلم يؤتك اللّه أجرك مرّتين، وإن تتول [6] فإن إثم الأكابر عليك» [7].
/قال ابن شهاب: فأخبرني أسقفّ النصارى في زمن عبد الملك زعم أنه أدرك ذلك من أمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأمر هرقل وعقله [8]، قال: فلمّا قدم عليه كتاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من قبل دحية بن خليفة، أخذه هرقل فجعله بين
__________
[1] في مدة: يعني بها مدّة صلح الحديبية. وذلك أن النبي صلى اللّه عليه وسلم ذهب إلى مكة حاجا فتعرضت له قريش فأوقع بينه وبينهم صلحا على أن توضع الحرب بينهم عشر سنين وأن يرجع عنهم عامهم هذا. وقيل: يعني بالمدة انقطاعه صلى اللّه عليه وسلم وغيبته عن أبي سفيان. (راجع «شرح القسطلاني» على البخاري ج 1 ص 100) طبع بولاق.
[2] أمر: عظم.
[3] أبو كبشة: رجل من خزاعة خالف قريشا في عبادة الأوثان وعبد الشعري العبور؛ فسمى المشركون النبي صلى اللّه عليه وسلم ابن أبي كبشة لخلافه إياهم إلى عبادة اللّه تعالى تشبيها له بأبي كبشة الذي خالفهم إلى عبادة الشعري. وقال آخرون: أبو كبشة كنية وهب بن عبد مناف جد سيدنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من قبل أمه فنسب إليه لأنه كان نزع إليه في الشبه. وقيل فيه غير ذلك (راجع «اللسان» مادة كبش).
[4] بنو الأصفر: لقب ملوك الروم.
[5] هو دحية بن خليفة بن فروة بن فضالة بن زيد الكلبي الصحابي المشهور، وهو الذي كان جبريل عليه السلام يأتي في صورته، وكان من أجمل الناس وأحسنهم صورة.
[6] في «صحيح مسلم» و«البخاري»: «فإن توليت فإن عليك إثم اليريسيين» (هم الفلاحون والزراعون).
[7] قد ورد هذا الكتاب بإسهاب في البخاري ومسلم فانظره فيهما.
[8] في الأصول: « ... وعقله. فلما قدم عليه ... قال أخذه هرقل». فوضعت كلمة «قال» في الأصول في غير موضعها.
فخذيه وخاصرته، ثم كتب إلى رجل برومية [1] كان يقرأ العبرانيّة ما تقرؤونه، فذكر له أمره ووصف له شأنه وأخبره بما جاء منه. فكتب إليه صاحب رومية: إنه النبيّ الذي كنّا ننتظره لا شكّ فيه، فاتّبعه وصدّقه. قال: فأمر هرقل ببطارقة الرّوم فجمعوا له في دسكرة [2] ملكه، وأمر بها فأغلقت عليهم أبوابها، ثم اطّلع عليهم من علّيّة وخافهم على نفسه فقال: يا معشر الرّوم، قد جمعتكم لخبر، أتاني كتاب هذا الرجل يدعو إلى دينه، فو اللّه إنّه النبيّ الذي كنّا ننتظره ونجده في كتابنا؛ فهلمّ فلنبايعه ولنصدّقه فتسلم لنا دنيانا وآخرتنا. قال: فنخرت [3] الروم نخرة رجل واحد وابتدروا أبواب الدّسكرة/ ليخرجوا فوجدوها قد أغلقت دونهم. فقال: كرّوهم عليّ وخافهم على نفسه؛ فكرّوهم عليه. فقال: يا معشر الرّوم، إنما قلت لكم المقالة التي قلت لأنظر كيف صلابتكم في دينكم في هذا الأمر الذي قد حدث؛ فقد رأيت منكم الذي أسرّ به؛ فخرّوا سجّدا. وأمر بأبواب الدّسكرة ففتحت لهم فانطلقوا.
حديثه مع العباس حين بلغتهما بعثة النبيّ صلى اللّه عليه وسلم وهما باليمن وحديث الحبر اليهودي معهما:
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثني محمد بن زكريا الغلابيّ قال حدّثني أبو بكر الهذليّ عن عكرمة عن ابن عباس قال قال لي العبّاس:
خرجت في تجارة إلى رجل في ركب منهم أبو سفيان بن حرب، فقدمت اليمن. فكنت أصنع يوما طعاما وأنصرف بأبي سفيان وبالنّفر، ويصنع أبو سفيان يوما/ فيفعل مثل ذلك. فقال لي في يومي الذي كنت أصنع فيه:
هل لك يا أبا الفضل أن تنصرف إلى بيتي وترسل إلى غدائك؟ فقلت: نعم. فانصرفت أنا والنّفر إلى بيته وأرسلت إلى الغداء. فلما تغدّى القوم قاموا واحتبسني فقال لي: هل علمت يا أبا الفضل أن ابن أخيك يزعم أنه رسول اللّه؟
قلت: وأيّ بني أخي؟ قال أبو سفيان: إيايّ تكتم! وأيّ بني أخيك ينبغي له أن يقول هذا إلا رجل واحد! قلت:
وأيّهم هو على ذلك؟ قال: محمد بن عبد اللّه. قلت: ما فعل! قال: بلى قد فعل. ثم أخرج إليّ كتابا من ابنه حنظلة بن أبي سفيان: إني أخبرك أن محمدا قام بالأبطح [4] غدوة فقال: أنا رسول اللّه أدعوكم إلى اللّه. قال: قلت:
يا أبا حنظلة، لعلّه صادق. قال: مهلا يا أبا الفضل، فو اللّه ما أحبّ أن تقول مثل هذا، وإني لأخشى أن تكون على بصر من هذا الأمر - وقال الحسن بن عليّ في روايته: على بصيرة من هذا الحديث - ثم قال: يا بني عبد المطّلب، إنه واللّه ما برحت قريش تزعم أن لكم يمنة وشؤمة كلّ واحدة منهما عامّة، فنشدتك اللّه يا أبا الفضل هل سمعت ذلك؟ قلت نعم. قال: فهذه واللّه إذا شؤمتكم. قلت: فلعلّها يمنتنا. فما كان بعد ذلك إلا ليال حتى قدم عبد اللّه بن حذافة السّهميّ بالخبر وهو مؤمن، ففشا ذلك في مجالس أهل اليمن يتحدّث به فيها. وكان أبو سفيان يجلس إلى حبر من أحبار اليمن؛ فقال له اليهوديّ: ما هذا الخبر الذي بلغني؟ قال: هو ما سمعت. قال: أين فيكم عمّ هذا الرجل الذي قال ما قال؟ قال أبو سفيان: صدقوا وأنا عمّه. قال اليهوديّ: أأخو أبيه؟ قال نعم. قال: حدّثني عنه.
قال: لا تسألني، فما كنت أحسب أن يدّعي هذا الأمر أبدا، وما أحبّ أن أعيبه، وغيره خير منه. قال اليهوديّ:
فليس به أذى، ولا بأس على يهود وتوراة موسى منه. قال العباس: فتأدّى إليّ الخبر فحميت، وخرجت حتى أجلس
__________
[1] رومية: هي عاصمة ايطاليا الآن.
[2] الدسكرة: بناء على هيئة القصر فيه منازل وبيوت للخدم والحشم.
[3] نخر: مدّ الصوت من خياشيمه.
[4] أبطح مكة: مسيل واديها.
/ إلى ذلك المجلس من غد وفيه أبو سفيان والحبر. فقلت للحبر: بلغني أنك سألت ابن عمّي هذا عن رجل منّا يزعم أنه رسول اللّه، فأخبرك أنه عمّه، وليس بعمّه ولكنّه ابن عمّه، وأنا عمّه أخو أبيه. فقال: أأخو أبيه؟ قلت: أخو أبيه. فأقبل على أبي سفيان فقال: أصدق؟ قال: نعم صدق. قال فقلت: سلني عنه، فإن كذبت فليردد عليّ. فأقبل عليّ فقال: أنشدك اللّه، هل فشت لابن أخيك صبوة أو سفهة؟ قال قلت: لا وإله عبد المطّلب ولا كذب ولا خان، وإن كان اسمه عند قريش الأمين. قال: فهل كتب بيده؟ قال عبّاس: فظننت أنه خير له أن يكتب بيده، فأردت أن أقولها، ثم ذكرت مكان أبي سفيان وأنّه مكذّبي ورادّ عليّ،/ فقلت: لا يكتب. فذهب الحبر وترك رداءه وجعل يصيح: ذبحت يهود! قتلت يهود! قال العباس: فلما رجعنا إلى منزلنا قال أبو سفيان: يا أبا الفضل، إنّ اليهوديّ لفزع من ابن أخيك. قال قلت: قد رأيت ما رأيت، فهل لك يا أبا سفيان أن تؤمن به، فإن كان حقّا كنت قد سبقت، وإن كان باطلا فمعك غيرك من أكفائك؟ قال: لا واللّه ما أو من به حتى أرى الخيل تطلع من كداء (و هو جبل بمكة). قال قلت: ما تقول؟! قال: كلمة واللّه جاءت على فمي ما ألقيت لها بالا، إلا أني أعلم أن اللّه لا يترك خيلا تطلع من كداء. قال العباس: فلما فتح رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مكة ونظرنا إلى الخيل قد طلعت من كداء، قلت: يا أبا سفيان، أتذكر الكلمة؟ قال لي: واللّه إني لذاكرها، فالحمد للّه الذي هداني للإسلام.
حديث استئمان العباس له وإسلامه في غزاة الفتح:
حدّثنا [1] محمد بن جرير الطّبريّ قال حدّثنا البغويّ [2] قال حدّثنا الغلابيّ أبو كريب/ محمد بن العلاء قال حدّثنا يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق قال حدّثني الحسين بن عبيد اللّه بن العبّاس عن عكرمة عن ابن عبّاس قال:
لمّا نزل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مرّ [3] الظّهران (يعني في غزاة الفتح) قال العبّاس بن عبد المطلب وقد خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من المدينة: يا صباح [4] قريش! واللّه لئن بغتها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إنها لهلاك قريش آخر الدهر. فجلس على بغلة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم البيضاء وقال: أخرج إلى الأراك [5]، لعلّي أرى حطّابا أو صاحب لبن أو داخلا يدخل مكة فيخبرهم بمكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فيستأمنونه. فو اللّه إني لأطوف في الأراك ألتمس ما خرجت له إذ سمعت صوت أبي سفيان وحكيم [6] بن حزام وبديل [7] بن ورقاء يتجسّسون الخبر عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم؛ فسمعت أبا سفيان وهو يقول:
__________
[1] ورد هذا الخبر بسنده في «تاريخ الطبري» (ق 1 ص 630 طبع أوروبا). وقد رواه ابن جرير الطبري عن أبي كريب مباشرة. وهو كثيرا ما يقول في تاريخه: «حدّثنا أبو كريب». فلعل ذكر اسمي البغوي والغلابي هنا من زيادات النساخ.
[2] هو أحمد بن منيع بن عبد الرحمن الحافظ الكبير أبو جعفر الأصم البغوي من شيوخ ابن جرير الطبري توفي ببغداد سنة 244 ه.
[3] مر الظهران: واد قرب مكة.
[4] يا صباح كذا ويا صباحاه: مما يستعمل عند الانذار بالغارة.
[5] الأراك: واد قرب مكة.
[6] هو حكيم بن خويلد بن عبد العزي الأسدي أبو خالد ابن أخي خديجة زوج النبي صلى اللّه عليه وسلم. قال ابن إسحاق: أعطاه النبي صلى اللّه عليه وسلم من غنائم حنين مائة من الإبل، وولد في جوف الكعبة قبل قدوم الفيل بثلاث عشرة سنة.
[7] هو بديل بن ورقاء بن عبد العزيز بن ربيعة بن جزي بن عامر بن مازن بن عدي من خزاعة، وهو الذي كتب إليه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يدعوه إلى الإسلام، وهو من كبار مسلمة الفتح.
واللّه ما رأيت كالليلة قطّ نيرانا. فقال بديل بن ورقاء: هذه واللّه نيران خزاعة حمشتها [1] الحرب. فقال أبو سفيان:
خزاعة ألأم من ذلك وأذلّ. فعرفت صوته فقلت: أبا حنظلة! فقال: أبا الفضل! قلت نعم؛ فقال: لبّيك، فداؤك أبي وأمي! فما وراءك؟ فقلت: هذا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قد دلف [2] إليكم بما لا قبل لكم به بعشرة آلاف من المسلمين. قال:
فما تأمرني؟ فقلت: تركب عجز هذه البغلة فأستأمن لك رسول اللّه/ صلى اللّه عليه وسلم، فو اللّه لئن ظفر بك ليضربنّ عنقك.
فردفني فخرجت به أركض بغلة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم نحو رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. فكلما مررت بنار من نيران المسلمين فنظروا إليّ قالوا: عمّ رسول اللّه على بغلة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم؛ حتى مررنا بنار عمر بن الخطاب - رضي اللّه تعالى عنه - فقال: أبو سفيان! الحمد للّه الذي أمكن منك بغير عقد ولا عهد؛ ثم اشتدّ نحو النبيّ صلى اللّه عليه وسلم، وركضت البغلة وقد أردفت أبا سفيان - قال العباس: - حتى اقتحمت على باب القبّة وسبقت عمر بما تسبق به الدّابة البطيئة الرجل البطيء. فدخل عمر على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال: يا رسول اللّه، هذا أبو سفيان قد أمكن اللّه منه بغير عهد ولا عقد، فدعني أضرب عنقه. قلت: يا رسول اللّه، إني قد أجرته. ثم جلست إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأخذت برأسه وقلت: واللّه لا يناجيه اليوم/ أحد دوني. فلما أكثر فيه عمر قلت: مهلا يا عمر! فو اللّه ما تصنع هذا إلّا لأنّه رجل من عبد مناف، ولو كان من بني عديّ بن كعب ما قلت هذا! قال: مهلا يا عبّاس! فو اللّه لإسلامك يوم أسلمت كان أحبّ إليّ من إسلام الخطاب لو أسلم؛ وذلك لأني أعلم أن إسلامك أحبّ إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من إسلام الخطاب لو أسلم. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: «اذهب فقد أمّنّاه حتى تغدو به عليّ الغداة» فرجع به إلى منزله. فلما أصبح غدا به على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. فلما رآه قال: «ويحك يا أبا سفيان ألم يأن لك أن تعلم أن لا إله إلا اللّه»! فقال: بأبي أنت وأمي! ما أوصلك وأحلمك وأكرمك! واللّه لقد ظننت أن لو كان مع اللّه غيره لقد أغنى عنّي شيئا. فقال: «ويحك تشهّد بشهادة الحقّ قبل واللّه [أن] [3] تضرب عنقك»./ قال: فتشهّد. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم للعبّاس من حين تشهّد أبو سفيان:
«انصرف يا عبّاس فاحتبسه عند خطم الجبل بمضيق الوادي حتى يمرّ عليه جنود اللّه». فقلت: يا رسول اللّه، إنّ أبا سفيان رجل يحبّ الفخر، فاجعل له شيئا يكون في قومه. فقال: «نعم من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ومن دخل المسجد فهو آمن ومن أغلق عليه بابه فهو آمن». فخرجت به حتى أجلسته عند خطم الجبل بمضيق الوادي، فمرّت عليه القبائل، فجعل يقول: من هؤلاء يا عباس؟ فأقول: سليم، فيقول: مالي ولسليم! ثم تمرّ به قبيلة فيقول: من هؤلاء؟ فأقول: أسلم، فيقول: مالي ولأسلم! وتمرّ به جهينة فيقول: من هؤلاء؟ فأقول: جهينة، فيقول: مالي ولجهينة! حتى مرّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في الخضراء، كتيبة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من المهاجرين والأنصار في الحديد لا يرى منهم إلا الحدق، فقال: من هؤلاء يا أبا الفضل؟ فقلت: هذا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في المهاجرين والأنصار؛ فقال: يا أبا الفضل، لقد أصبح ملك ابن أخيك عظيما. فقلت: ويحك! إنها النبوّة؛ قال: نعم إذا. فقلت الحق الآن بقومك فحذّرهم. فخرج سريعا حتى أتى مكة فصرخ في المسجد: يا معشر قريش، هذا محمد قد جاءكم بمالا قبل لكم به.
قالوا: فمه! قال: من دخل داري فهو آمن. فقالوا: ويحك ما تغني عنّا دارك! قال: ومن دخل المسجد فهو آمن ومن أغلق عليه بابه فهو آمن.
__________
[1] حمش الشي ء: جمعه وفلانا هيجه.
[2] يقال: دلفت الكتيبة إلى الكتيبة في الحرب أي تقدمت.
[3] زيادة عن الطبري.
بعض ما أسند إليه من أخبار تدل على عدم إخلاصه:
حدّثنا محمد بن جرير وأحمد بن الجعد قالا حدّثنا محمد بن حميد قال حدّثنا سلمة بن الفضل عن محمد بن إسحاق عن يحيى بن عبّاد عن عبد اللّه بن الزبير قال:
لمّا كان يوم اليرموك خلّفني أبي، فأخذت فرسا له وخرجت، فرأيت جماعة من الخلفاء فيهم أبو سفيان بن حرب فوقفت معهم، فكانت الرّوم إذا هزمت المسلمين قال أبو سفيان: إيه بني الأصفر، فإذا كشفهم المسلمون قال أبو سفيان:
/ وبنو الأصفر الكرام ملوك الرّوم لم يبق منهم مذكور فلما فتح اللّه على المسلمين حدّثت أبي فقال: قاتله اللّه! يأبى إلّا نفاقا؛ أولسنا خيرا له من بني الأصفر! ثم كان يأخذ بيدي فيطوف على أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: حدّثهم، فأحدّثهم فيعجبون من نفاقه.
حدّثني أحمد بن الجعد قال حدّثني ابن حميد قال حدّثنا جرير عن عمرو بن ثابت عن الحسن قال:
دخل أبو سفيان على عثمان بعد/ أن كفّ بصره، فقال: هل علينا من عين؟ فقال له عثمان: لا. فقال:
حدّثني محمد بن حيّان الباهليّ قال حدّثنا عمر بن عليّ الفلّاس قال حدّثنا سهل بن يوسف عن مالك بن مغول [1] عن أشعث بن أبي الشّعثاء عن ميسرة الهمدانيّ عن أبي الأبجر الأكبر قال:
جاء أبو سفيان إلى عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه فقال: يا أبا الحسن، ما بال هذا الأمر في أضعف قريش وأقلّها! فو اللّه لئن شئت لأملأنّها عليهم خيلا ورجلا. فقال له عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه: يا أبا سفيان، طالما عاديت اللّه ورسوله صلى اللّه عليه وسلم والمسلمين فما ضرّهم ذلك شيئا، إنّا وجدنا أبا بكر لها أهلا.
أخبرنا محمد بن العبّاس اليزيديّ قال حدّثنا الرّياشيّ قال أنشدني ابن عائشة لأبي سفيان بن حرب لمّا ولي أبو بكر قال:
/و أضحت قريش بعد عزّ ومنعة ... خضوعا لتيم [2] لا بضرب القواضب
فيا لهف نفسي للذي ظفرت به ... وما زال منها فائزا بالرّغائب
وحدّثني أحمد بن الجعد قال حدّثني محمد بن حميد قال حدّثنا جرير عن عمرو بن ثابت عن الحسن قال:
لمّا ولي عثمان الخلافة، دخل عليه أبو سفيان فقال: يا معشر بني أميّة، إن الخلافة صارت في تيم وعديّ [3] حتى طمعت فيها، وقد صارت إليكم فتلقّفوها بينكم تلقّف الكرة، فو اللّه ما من جنّة ولا نار - هذا أو نحوه - فصاح به
__________
[1] كذا في «التهذيب» و «الخلاصة في أسماء الرجال». وهو مالك بن مغول البجلي أبو عبد اللّه أحد علماء الكوفة وعبادها توفي سنة تسع وخمسين ومائة. وفي ب، س، ح: «معول» بالعين المهملة. وفي سائر الأصول: «معاوية» وكلاهما تحريف.
[2] هو تيم بن مرة بن كعب، وبه سميت القبيلة التي ينسب إليها أبو بكر الصدّيق رضي اللّه عنه.
[3] هو عدي بن كعب بن لؤي بن غالب، وبه سميت القبيلة التي ينسب إليها عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه.
عثمان: قم عنّي فعل اللّه بك وفعل. ولأبي سفيان أخبار من هذا الجنس ونحوه كثيرة يطول ذكرها، وفيما ذكرت منها مقنع [1].
شعره في ابن مشكم حين نزل عليه في غزوة السويق:
والأبيات التي فيها الغناء يقولها في سلام بن مشكم اليهوديّ ويكنى أبا غنم، وكان نزل عليه في غزوة السّويق، فقراه وأحسن ضيافته. فقال أبو سفيان فيه:
سقاني فروّاني كميتا مدامة ... على ظمأ منّي سلام بن مشكم
تخيّرته أهل المدينة واحدا ... سواهم فلم أغبن ولم أتندّم
فلمّا تقضّي الليل قلت ولم أكن ... لأفرحه أبشر بعرف ومغنم
وإنّ أبا غنم يجود وداره ... بيثرب مأوى كلّ أبيض خضرم [2]
__________
[1] الثابت في التاريخ الصحيح أن أبا سفيان أسلم وحسن إسلامه. فلعل هذه الأخبار ونحوها مما كان يفتريه الشيعة على معاوية وآل معاوية للنيل منهم والكيد لهم.
[2] الخضرم: الجواد الكثير العطية، مشبه بالبحر الخضرم وهو الكثير الماء.
ذكر الخبر عن غزوة السّويق ونزول أبي سفيان على سلام بن مشكم
خبره غزوة السويق ونزوله على ابن مشكم:
كانت هذه الغزاة بعد وقعة بدر. وذلك أن أبا سفيان نذر ألّا يمسّ رأسه ماء من جنابة ولا يشرب خمرا حتى يغزو رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. فخرج في عدّة من قومه ولم يصنع شيئا؛ فعيّرته قريش بذلك وقالوا: إنما خرجتم تشربون السّويق [1]؛ فسمّيت غزوة السّويق [2].
حدّثنا محمد بن جرير، قرأته عليه، قال حدّثنا محمد بن حميد قال حدّثنا سلمة بن الفضل عن محمد بن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير ويزيد بن رومان عن عبيد اللّه بن كعب بن مالك - وكان من أعلم الأنصار - قال:
كان أبو سفيان حين رجع إلى مكة ورجع قبل قريش من بدر، نذر ألّا يمسّ ماء من جنابة حتى يغزو محمدا صلى اللّه عليه وسلم. فخرج في مائتي راكب من قريش ليبرّ يمينه، فسلك النّجديّة حتى نزل بصدر قناة إلى/ جبل يقال له تيت [3] (من المدينة على بريد أو نحوه) ثم خرج من الليل حتى أتى بني النّضير تحت الليل، فأتى حييّ بن أخطب بيثرب فدقّ عليه بابه فأبى أن يفتح له وخافه؛ وانصرف/ إلى سلام بن مشكم - وكان سيّد بني النّضير في زمانه ذلك وصاحب كنزهم - فاستأذن عليه فأذن له، فقراه وسقاه ونظر له خبر الناس. ثم خرج في عقب ليلته حتى جاء أصحابه؛ فبعث رجالا من قريش إلى المدينة، فأتوا ناحية منها يقال لها العريض، فحرّقوا في أصوار [4] من نخل لها، أتوا رجلا من الأنصار وحليفا له في حرث لهما فقتلوهما ثم انصرفوا راجعين. فنذر [5] بهم الناس؛ فخرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في طلبهم حتى بلغ قرقرة [6] الكدر، ثم انصرف راجعا وقد فاته أبو سفيان وأصحابه، وقد رأوا من
__________
[1] السويق: شراب يتخذ من الحنطة والشعير.
[2] الذي في «السيرة» لابن هشام (ج 2 ص 544): «و إنما سميت غزوة السويق - فيما حدّثني أبو عبيدة - لأن أكثر ما طرح القوم من أزوادهم السويق، فسميت غزوة السويق».
[3] تيت: ضبط في «القاموس» و «شرحه» كميت (أي بسكون الياء وبتشديدها مكسورة). وضبط في ياقوت بالقلم بتشديد الياء مفتوحة.
ومنهم من قال: «تيب» بالتحريك وآخره باء موحدة، جبل قريب من المدينة على سمت الشام، وقد يشدّد وسطه للضرورة. (راجع «معجم البلدان» لياقوت و «القاموس» و «شرحه» مادة تيت).
[4] كذا في ح و «السيرة لابن هشام» والطبري (ق 1 ص 1365). وقد ورد هذا الخبر في «شرح القاموس» و «اللسان» (مادة صور) و «معجم ياقوت» في الكلام على عريض هكذا: «أن أبا سفيان بعث رجلين من أصحابه فأحرقا صورا من صيران العريض». والصور:
الجماعة من النخل. وقيل: النخل الصغار. وفي سائر الأصول: «فحرقوا أسوارا من نخل» بالسين المهملة وهو تحريف.
[5] نذر: علم.
[6] قرقرة الكدر: موضع على ستة أميال من خيبر.
مزاود القوم ما قد طرحوه في الحرث يتخفّفون منه للنّجاء. فقال المسلمون حين رجع بهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: أنطمع أن تكون غزوة، قال «نعم». وقد كان أبو سفيان قال وهو يتجهّز خارجا من مكة إلى المدينة أبياتا من شعر يحرّض فيها قريشا فقال:
كرّوا على يثرب وجمعهم ... فإنّ ما جمّعوا لكم نفل
إن يك يوم القليب [1] كان لهم ... فإن ما بعده لكم دول
آليت لا أقرب النساء ولا ... يمسّ رأسي وجلدي الغسل
حتى تبيدوا قبائل الأوس وال ... خزرج إن الفؤاد مشتعل
فأجابه كعب بن مالك:
يا لهف أمّ المسبّحين [2] على ... جيش ابن حرب بالحرّة الفشل [3]
/أتطرحون الرجال من سنم الظّهر ترقّى في قنّة الجبل
جاءوا بجمع لو قيس منزله ... ما كان إلا كمعرس الدّئل [4]
عار من النصر والثراء ومن ... نجدة أهل البطحاء والأسل
أخبرني الحسن بن عليّ الخفّاف قال أخبرنا الحارث بن أبي أسامة قال حدّثنا سليمان بن سعد عن الواقديّ:
أن غزوة السّويق كانت في ذي القعدة من سنة ثنتين من الهجرة.
اشتد قيس بن الخطيم على حسان وهم يشربون عند ابن مشكم فانتصر ابن مشكم لحسان:
حدّثني عمّي قال حدّثنا الحارث بن أبي أسامة قال حدّثنا ابن سعد عن الواقديّ عن أبي الزّناد عن عبد اللّه بن الحارث قال:
شرب حسّان بن ثابت يوما مع سلام بن مشكم، وكان له نديما، معهم كعب بن أسد وعبد اللّه بن أبيّ وقيس بن الخطيم؛ فأسرع الشراب فيهم وكانوا في موادعة وقد وضعت الحرب أوزارها بينهم. فقال قيس بن الخطيم لحسّان:
تعال أشاربك؛ فتشاربا في إناء عظيم فأبقى حسّان من الإناء شيئا؛ فقال له قيس: اشرب. فقال حسّان وعرف الشرّ في وجهه: أو خيرا من ذلك أجعل لك الغلبة. قال: لا! إلّا أن تشربه؛ فأبى حسّان. وقال له سلام بن مشكم: يا أبا يزيد، لا تكرهه على ما لا يشتهي، إنما دعوته لإكرامه ولم تدعه لتستخفّ به وتسيء مجالسته. فقال له قيس:
أفتدعوني أنت على أن تسيء مجالستي! فقال له سلام: ما في هذا سوء مجالسة، وما حملت عليك إلّا لأنك منّي وأني حليفك، وليست/ عليك غضاضة في هذا، وهذا رجل من الخزرج قد أكرمته وأدخلته منزلي؛ فيجب أن تكرم
__________
[1] هو قليب بدر (انظر الكلام عليه في غزوة بدر في هذا الكتاب ج 4 ص 170 من هذه الطبعة).
[2] كذا في الطبري وابن الأثير. وفي الأصول: «المسجيين».
[3] الفشل: الضعيف الجبان.
[4] المعرس: الموضع الذي يعرس فيه (ينزل). والدئل: دويبة كالثعلب، وقيل: هي شبيهة بابن عرس. وفي الطبري (ق 1 ص 1366): «كمفحص الدئل».
لي من أكرمته. ولعمري/ إن في الصحو لما تكتفون به من حروبكم؛ فافترقوا. وآلى سلام بن مشكم على نفسه ألّا يشرب سنة؛ وقد بلغ هذا من نديمه وكان كريما.
صوت من المائة المختارة
من مبلغ عنّي أبا كامل ... أنّي إذا ما غاب كالهامل
قد زادني شوقا إلى قربه ... مع ما بدا من رأيه الفاضل
الشعر للوليد بن يزيد. والغناء لأبي كامل. ولحنه المختار من الثقيل الأوّل بإطلاق الوتر في مجرى البنصر عن إسحاق. وذكر حبش أن لأبي كامل فيه أيضا لحنا من خفيف الثقيل الثاني بالوسطى.
انتهى الجزء السادس من كتاب الأغاني ويليه الجزء السابع وأوّله أخبار الوليد بن يزيد ونسبه
[فهرس موضوعات الجزء السادس]
الموضوع الصفحة
1 - أخبار الصمّة القشيري ونسبه 291
2 - أخبار داود بن سلم ونسبه 297
3 - أخبار دحمان ونسبه 305
4 - أخبار أعشى همدان ونسبه 313
5 - أخبار أحمد النصبّي ونسبه 334
6 - أخبار حماد الراوية ونسبه 339
7 - أخبار عبادل ونسبه 356
8 - أخبار المرقش الأكبر ونسبه 376
9 - المرقش الأصغر 381
10 - وقعة دولاب وأخبار الشراة 386
11 - أخبار سياط ونسبه 392
12 - ذكر نبيه وأخباره 398
13 - أخبار سليم 400
14 - أخبار ابن عبّاد 405
15 - أخبار يحيى المكي ونسبه 407
16 - أخبار النمّيري ونسبه 418
17 - أخبار وضّاح اليمن ونسبه 431
18 - أخبار بشّار وعبدة خاصة 454
19 - أخبار الأحوص مع أم جعفر 463
20 - ذكر أبي ذؤيب وخبره ونسبه 469
21 - ذكر حكم الوادي وخبره ونسبه 480
22 - ذكر ابن جامع وخبره ونسبه 486
23 - ذكر أبي سفيان وأخباره ونسبه 521
فهرس الموضوعات 535
الجزء السابع
[تتمة التراجم]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ*
(الجزء السابع من كتاب الأغاني)
1 - أخبار الوليد بن يزيد ونسبه
نسبه وكنيته:
هو الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاصي بن أميّة بن عبد شمس بن عبد مناف، ويكنى أبا العبّاس. وأمّه أم الحجّاج بنت محمد بن يوسف بن الحكم بن أبي عقيل الثّقفيّ، وهي بنت أخي الحجّاج. وفيه يقول أبو نخيلة [1]:
بين أبي العاصي وبين الحجّاج ... يا لكما نورا سراج وهّاج
عليه بعد عمّه عقد التّاج
وأم يزيد بن عبد الملك عاتكة بنت يزيد بن معاوية بن أبي سفيان بن حرب بن أميّة. وأمّها أم كلثوم بنت عبد اللّه بن عامر. وأمّ عبد اللّه بن عامر أم حكيم البيضاء بنت عبد المطلب بن هاشم؛ ولذلك قال الوليد بن يزيد:
نبيّ الهدى خالي ومن يك خاله ... نبيّ الهدى يقهر به من يفاخر
كان شاعرا خليعا مرميا بالزندقة:
وكان الوليد بن يزيد من فتيان بني أميّة وظرفائهم وشعرائهم وأجوادهم وأشدّائهم، وكان فاسقا خليعا متّهما في دينه مرميّا بالزندقة؛ وشاع ذلك من أمره وظهر حتى أنكره الناس فقتل. وله أشعار كثيرة تدلّ على خبثه وكفره. ومن الناس من ينفي ذلك عنه وينكره، ويقول: إنه نحله وألصق إليه. والأغلب الأشهر غير ذلك.
ولاه أبوه العهد بعد هشام وطمع هشام في خلعه:
أخبرني الحسن بن عليّ وأحمد بن الحارث الخرّاز عن المدائنيّ عن إسحاق بن أيّوب القرشيّ وجويرية بن أسماء وعامر بن الأسود والمنهال بن عبد الملك وأبي [2] عمرو بن المبارك وسحيم بن حفص وغيرهم:
أن يزيد بن عبد الملك لما وجّه الجيوش إلى يزيد [3] بن المهلّب وعقد لمسلمة بن عبد الملك على الجيش
__________
[1] أبو نخيلة وهو اسمه. وكنيته أبو الجنيد، شاعر يغلب عليه الرجز، عاصر الدولتين الأموية والعباسية، اتصل ببني هاشم ومدح خلفاء بني العباس في دولتهم وهجا بني أمية. (انظر ترجمته في «الأغاني» ح 18 ص 139 طبع بولاق)
[2] في الأصول: «أبو عمرو».
[3] هو يزيد بن المهلب بن أبي صفرة، كان اتهمه عمر بن عبد العزيز وسجنه فهرب من السجن في آخر خلافة عمر. فلما تولى يزيد بن عبد الملك الخلافة طلبه فخرج عليه وخلعه وحاز البصرة فحاربه يزيد. (انظر «الطبري» ق 2 ص 1379 طبع أوروبا).
وبعث العبّاس بن الوليد بن عبد الملك وعقد له على أهل دمشق، قال له العباس: يا أمير المؤمنين، إن أهل العراق أهل غدر وإرجاف، وقد وجهتنا محاربين والأحداث تحدث، ولا آمن أن يرجف أهل العراق ويقولوا: مات أمير المؤمنين ولم يعهد، فيفتّ ذلك في أعضاد أهل الشأم؛ فلو عهدت عهدا لعبد العزيز بن الوليد! قال: غدا.
/ وبلغ ذلك مسلمة بن عبد الملك، فأتى يزيد فقال: يا أمير المؤمنين، أيّما أحبّ إليك: ولد عبد الملك أو ولد الوليد؟ فقال: بل ولد عبد الملك. قال: أفأخوك أحقّ بالخلافة أم ابن أخيك؟ قال: إذا لم تكن في ولدي فأخي أحقّ بها من ابن أخي. قال: فابنك لم يبلغ، فبايع لهشام ثم لابنك بعد هشام - قال: والوليد يومئذ ابن إحدى عشرة سنة - قال: غدا/ أبايع له. فلما أصبح فعل ذلك وبايع لهشام، وأخذ العهد عليه ألّا يخلع الوليد بعده ولا يغيّر عهده ولا يحتال عليه. فلما أدرك الوليد ندم أبوه، فكان ينظر إليه ويقول: اللّه بيني وبين من جعل هشاما بيني وبينك.
وتوفّي يزيد سنة خمس ومائة وابنه الوليد ابن خمس عشرة سنة. قالوا [1]: فلم يزل الوليد مكرّما عند هشام رفيع المنزلة مدّة، ثم طمع في خلعه وعقد العهد بعده لابنه مسلمة بن هشام، فجعل يذكر الوليد بن يزيد وتهتّكه وإدمانه على الشراب، ويذكر ذلك في مجلسه ويقوم ويقعد به، وولّاه الحجّ ليظهر ذلك منه بالحرمين فيسقط؛ فحجّ وظهر منه فعل كثير مذموم، وتشاغل بالمغنّين وبالشّراب، وأمر مولّى له فحجّ بالناس. فلما حجّ طالبه هشام بأن يخلع نفسه فأبى ذلك؛ فحرمه العطاء وحرم سائر مواليه وأسبابه وجفاه جفاء شديدا. فخرج متبدّيا [2] وخرج معه عبد الصمد بن عبد الأعلى مؤدّبه [3]، وكان يرمى بالزندقة. ودعا هشام الناس إلى خلعه والبيعة لمسلمة بن هشام - وأمّه أم حكيم بنت يحيى بن الحكم بن أبي العاصي. وكان مسلمة يكنى أبا شاكر؛ كني بذلك لمولّى كان لمروان يكنى أبا شاكر، كان ذا رأي وفضل وكانوا يعظّمونه ويتبركون به - فأجابه إلى خلع الوليد والبيعة لمسلمة بن هشام محمد وإبراهيم ابنا هشام بن إسماعيل المخزوميّ والوليد وعبد العزيز وخالد بن القعقاع بن خويلد العبسيّ وغيرهم من خاصّة هشام. وكتب إلى الوليد: ما تدع شيئا من المنكر إلّا أتيته وارتكبته غير متحاش ولا مستتر، فليت شعري ما دينك؟! أعلى الإسلام أنت أم لا؟! فكتب إليه الوليد بن يزيد - ويقال: بل قال [4] ذلك عبد الصمد بن عبد الأعلى ونحله إيّاه - :
صوت
يأيّها السائل عن ديننا ... نحن على دين أبي شاكر
نشربها صرفا وممزوجة ... بالسّخن أحيانا وبالفاتر
- غنّاه عمر الوادي رملا بالبنصر - فغضب هشام على ابنه مسلمة، وقال: يعيّرني بك الوليد وأنا أرشّحك للخلافة! فألزم الأدب، واحضر الصلوات. وولّاه الموسم سنة سبع عشرة ومائة، فأظهر النّسك وقسم بمكة والمدينة أموالا. فقال رجل من موالي أهل المدينة:
يأيّها السائل عن ديننا ... نحن على دين أبي شاكر
__________
[1] كذا في أكثر النسخ. وفي ب، س: «قال».
[2] كذا في أكثر النسخ: وتبدّى: أقام بالبادية. وفي ب، س: «منتدبا» وهو تصحيف.
[3] كذا في أكثر النسخ. وفي ب، س: «مؤدبا».
[4] في ب، س: «بل قال له ذلك».
الواهب البزل [1] بأرسانها ... ليس بزنديق ولا كافر
قال المدائنيّ: وبلغ خالدا القسريّ ما عزم عليه هشام، فقال: أنا بريء من خليفة يكنى أبا شاكر؛ فبلغت هشاما عنه هذه، فكان ذلك سبب إيقاعه به.
تساب هو والعباس بن الوليد في مجلس هشام:
أخبرني محمد بن الحسن الكنديّ المؤدّب قال حدّثني أبي عن العباس بن هشام قال:
دخل الوليد بن يزيد يوما مجلس هشام بن عبد الملك وقد كان في ذكره قبل أن يدخل، فحمّقه من حضر من بني أميّة. فلما جلس قال له العباس بن الوليد وعمر بن عبد الوليد: كيف حبّك يا وليد للروميّات، فإنّ أباك كان بهنّ مشغوفا؟ قال: إني لأحبهنّ؛ وكيف لا أحبهنّ ولن تزال الواحدة منهن قد جاءت بالهجين مثلك - وكانت أمّ العباس روميّة - قال: اسكت فليس الفحل يأتي عسبه [2] بمثلي؛ فقال/ له الوليد: اسكت يا بن البظراء! قال: أتفخر عليّ بما قطع من بظر أمك. وأقبل هشام على الوليد فقال له: ما شرابك؟ قال: شرابك يا أمير المؤمنين؛ وقام مغضبا فخرج. فقال هشام: أهذا الذي تزعمون أنّه أحمق! ما هو أحمق، ولكني لا أظنّه على الملّة.
دخل مجلس هشام فعبث بمن كان فيه من وجوه بني أمية:
أخبرني محمد بن العباس اليزيديّ قال أخبرنا أحمد بن الحارث الخرّاز عن المدائنيّ قال:
دخل الوليد بن يزيد يوما مجلس هشام/ بن عبد الملك وفيه سعيد بن هشام بن عبد الملك وأبو الزّبير مولى مروان وليس هشام حاضرا؛ فجلس الوليد مجلس هشام، ثم أقبل على سعيد بن هشام فقال له: من أنت؟ وهو به عارف؛ قال: سعيد ابن أمير المؤمنين؛ قال: مرحبا بك. ثم نظر إلى أبي الزبير فقال: من أنت؟ قال: أبو الزبير مولاك أيها الأمير؛ قال: أنسطاس أنت؟ مرحبا بك. ثم قال لإبراهيم بن هشام: من أنت؟ قال: إبراهيم بن هشام.
قال: من إبراهيم بن هشام؟ وهو يعرفه؛ قال: إبراهيم بن هشام بن إسماعيل. قال: من إسماعيل؟ وهو يعرفه؛ قال: إسماعيل بن هشام بن الوليد بن المغيرة. قال: من الوليد بن المغيرة؟ قال: الذي لم يكن جدّك يرى أنه في شيء حتى زوّجه أبي وهو بعض ولد ابنته. قال: يا بن اللّخناء! أتقول هذا! وائتخذا [3]. وأقبل هشام؛ فقيل لهما: قد جاء أمير المؤمنين، فجلسا وكفّا. ودخل هشام؛ فما كاد الوليد يتنحّى له عن صدر مجلسه، إلا أنه زحل [4] له قليلا؛ فجلس هشام وقال له: كيف أنت يا وليد؟ قال: صالح. قال: ما فعلت/ برابطك [5]؟ قال: معملة أو مستعملة. قال: فما فعل ندماؤك؟ قال: صالحون، ولعنهم اللّه إن كانوا شرّا ممّن حضرك؛ وقام؛ فقال له هشام:
يا بن اللّخناء! جئوا عنقه؛ فلم يفعلوا ودفعوه رويدا. فقال الوليد:
أنا ابن أبي العاصي وعثمان والدي ... ومروان جدّي ذو الفعال وعامر
__________
[1] البازل من الإبل: الذي استكمل السنة الثامنة وطعن في التاسعة.
[2] العسب: طرق الفحل، وقيل: هو ماء الفحل فرسا كان أو بعيرا: يقال: قطع اللّه عسبه أي ماءه ونسله.
[3] ائتخذا: تصارعا.
[4] كذا في «تجريد الأغاني»، وزحل تنحى. وفي الأصول: «دخل» بالدال المهملة والخاء المعجمة، وهو تحريف.
[5] كذا في أكثر النسخ. والبربط: العود. وفي ب، س: «برأيك». وهو تحريف.
أنا ابن عظيم القريتين [1] وعرّها ... ثقيف وفهر والعصاة الأكابر
نبيّ الهدى خالي ومن يك خاله ... نبيّ الهدى يقهر به من يفاخر
مات مسلمة بن عبد الملك فرثاه:
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا أحمد بن الحارث عن المدائنيّ قال:
كان هشام بن عبد الملك يكثر تنقّص الوليد بن يزيد؛ فكان مسلمة يعاتب هشاما ويكفّه؛ فمات مسلمة؛ فغمّ الوليد ورثاه فقال:
صوت
أنانا بريدان من واسط ... يخبّان بالكتب المعجمة
أقول وما البعد إلّا الرّدى ... أمسلم لا تبعدن [2] مسلمة
فقد كنت نورا لنا في البلاد ... تضيء فقد أصبحت مظلمة
كتمنا نعيّك نخشى اليقين ... فجلّى اليقين عن الجمجمة [3]
/و كم من يتيم تلافيته ... بأرض العدوّ وكم أيّمه
وكنت إذا الحرب درّت دما ... نصبت لها راية معلمه
/ غنّى في هذه الأبيات التي أوّلها:
أقول وما البعد إلا الرّدى
يونس خفيف ثقيل بالوسطى عن عمرو. وذكر الهشاميّ أن فيه ثقيلا أوّل ينسب إلى أبي كامل [4] وعمر الوادي. وذكر حبش أن ليونس فيه رملا بالبنصر.
أخبرني الطّوسيّ والحرميّ بن أبي العلاء قالا حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثني موسى بن زهير بن مضرّس بن منظور بن زبّان بن سيّار عن أبيه قال:
رأيت هشام بن عبد الملك وأنا في عسكره يوم توفّي مسلمة بن عبد الملك وهشام في شرطته، إذ طلع الوليد بن يزيد على الناس وهو نشوان يجرّ مطرف خزّ عليه؛ فوقف على هشام فقال: يا أمير المؤمنين، إن عقبى من بقي لحوق من مضى؛ وقد أقفر بعد مسلمة الصيد لمن يرى [5]، واختلّ الثغر فوهى، وعلى أثر من سلف يمضي من
__________
[1] القريتان: مكة والطائف. واختلف في عظيم القريتين، فقيل: الوليد بن المغيرة بمكة وعروة بن مسعود الثقفي بالطائف. وقال ابن عباس: الوليد بن المغيرة من مكة ومن الطائف حبيب بن عميرة الثقفي.
[2] لا تبعدن: لا تهلكن.
[3] جلى عن الشي ء: كشفه وأظهره. والجمجمة: إخفاء الكلام.
[4] ستأتي ترجمته في هذا الجزء.
[5] كذا بالأصول.
خلف؛ فتزوّدوا، فإنّ خير الزاد التّقوى. فأعرض عنه هشام ولم يردّ جوابا؛ ووجم الناس فما همس أحد بشيء.
قال: فمضى الوليد وهو يقول:
أهينمة [1] حديث القوم أم هم ... سكوت بعد ما متع [2] النهار
عزيز كان بينهم نبيّا ... فقول القوم وحي لا يحار
كأنّا بعد مسلمة المرجّى ... شروب طوّحت بهم عقار
أوالّاف هجان في قيود ... تلفّت كلّما حنّت ظؤار [3]
فليتك لم تمت وفداك قوم ... تريح غبيّهم عنّا [4] الدّيار
/ سقيم الصّدر أو شكس نكيد ... وآخر لا يزور ولا يزار
يعني بالسّقيم الصدر يزيد بن الوليد، ويعني بالشّكس هشاما، والذي لا يزور ولا يزار مروان بن محمد.
أراد هشام خلعه من ولاية العهد فقال شعرا:
قال الزّبير وحدّثني محمد بن الضّحاك عن أبيه قال:
أراد هشام أن يخلع الوليد ويجعل العهد لولده؛ فقال الوليد:
كفرت يدا من منعم لو شكرتها ... جزاك بها الرحمن ذو الفضل والمنّ
رأيتك تبني جاهدا في قطعيتي ... ولو كنت ذا حزم لهدّمت ما تبنى
أراك على الباقين تجني ضغينة ... فيا ويحهم إن متّ من شرّ ما تجني
كأنّي بهم يوما وأكثر قولهم ... أيا ليت أنّا، حين «يا ليت» لا تغي
أمره هشام بطرد عبد الصمد فطرده ولما اضطهد أعوانه ذمه بشعر:
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا أحمد بن الحارث الخرّاز عن المدائنيّ قال:
عتب هشام على الوليد وخاصّته. فخرج الوليد ومعه قوم من خاصّته ومواليه فنزل بالأبرق بين أرض بلقين وفزارة على ماء يقال له الأغدف، وخلّف بالرصافة كاتبه عياض بن مسلم مولى عبد الملك ليكاتبه بما يحدث، وأخرج معه عبد الصمد بن عبد الأعلى. فشربوا يوما؛ فقال له الوليد: يا أبا وهب، قل أبياتا نغنّي فيها؛ فقال أبياتا، وأمر عمر الوادي فغنّى فيها وهي:
صوت
/أ لم تر للنّجم إذ سبّعا [5] ... يبادر في برجه المرجعا
__________
[1] الهينمة: الكلام الخفيّ لا يفهم.
[2] متع النهار: بلغ غاية ارتفاعه قبل الزوال، وقيل: متع النهار: طال وامتدّ.
[3] الظؤار: جمع نادر، مفرده ظئر وهي الناقة العاطفة على غير ولدها المرضعة له.
[4] كذا فيء وهامش أ؛ وفي سائر الأصول: «عنها».
[5] سبعا: أقام سبع ليال.
تحيّر عن قصد مجراته ... إلى [1] الغور والتمس المطلعا
/ فقلت وأعجبني شأنه ... وقد لاح إذ لاح لي مطمعا
لعلّ الوليد دنا ملكه ... فأمسى إليه [2] قد استجمعا
وكنّا نؤمّل في ملكه ... كتأميل ذي الجذب أن يمرعا
عقدنا له محكمات الأمو ... ر طوعا وكان لها موضعا
فروي هذا الشعر، وبلغ هشاما، فقطع عن الوليد ما كان يجري عليه وعلى أصحابه وحرمهم؛ وكتب إلى الوليد: قد بلغني أنّك اتّخذت عبد الصمد خذنا ومحدّثا ونديما؛ وقد حقّق ذلك ما بلغني عنك، ولن أبرّئك من سوء؛ فأخرج عبد الصمد مذموما. قال: فأخرجه الوليد وقال:
لقد قذفوا أبا وهب بأمر ... كبير بل يزيد على الكبير
وأشهد أنهم كذبوا عليه ... شهادة عالم بهم خبير
فكتب الوليد إلى هشام بأنه قد أخرج عبد الصمد، واعتذر إليه من منادمته، وسأله أن يأذن لابن سهيل في الخروج إليه - وكان من خاصّة الوليد - فضرب هشام ابن سهيل ونفاه وسيّره - وكان ابن سهيل من أهل النّباهة، وقد ولي الولايات، ولي دمشق مرارا وولي غيرها - وأخذ عياض بن مسلم كاتب الوليد فضربه ضربا مبرّحا وألبسه المسوح وقيّده وحبسه، فغمّ ذلك الوليد فقال: من يثق بالناس! ومن يصنع المعروف! هذا الأحول المشؤوم قدّمه أبي على ولده وأهل بيته وولّاه وهو يصنع بي ما ترون، ولا يعلم أنّ لي في أحد هوى إلّا أضرّ به؛ كتب إليّ بأن أخرج عبد الصمد فأخرجته، وكتبت إليه في أن يأذن لابن سهيل في الخروج إليّ فضربه وطرده وقد علم رأيي فيه؛ وعرف مكان عياض منّي وانقطاعه إليّ فضربه وحبسه، يضارّني بذلك؛ اللهمّ أجرني منه. ثم قال الوليد:
صوت
أنا النّذير لمسدي نعمة أبدا ... إلى المقاريف [3] لمّا يخبر الدّخلا
إن أنت أكرمتهم ألفيتهم بطروا ... وإن أهنتهم ألفيتهم ذللا
أتشمخون ومنّا رأس نعمتكم ... ستعلمون إذا أبصرتم الدّولا
انظر فإن أنت لم تقدر على مثل ... لهم سوى الكلب فاضربه لهم مثلا
بينا يسمّنه للصيد صاحبه ... حتى إذا ما استوى من بعد ما هزلا
عدا عليه فلم تضرره عدوته ... ولو أطاق له أكلا لقد أكلا
غنّاه مالك خفيف ثقيل من رواية الهشاميّ.
__________
[1] كذا فيء، م وهامش أ. وفي سائر الأصول: «أتى».
[2] في س: «عليه».
[3] المقاريف: الأنذال، والمقرف أيضا: الذي أمه عربية وأبوه غير عربي.
شعره في الفخر على هشام:
قال: وقال الوليد أيضا يفتخر على هشام:
صوت
أنا الوليد أبو العباس قد علمت ... عليا معدّ مدى كرّي وإقدامي
إني لفي الذّروة العليا إذا انتسبوا ... مقابل [1] بين أخوالي وأعمامي
/ بنى لي المجد بان لم يكن وكلا ... على منار مضيئات وأعلام
حللت من جوهر الأعياض [2] قد علموا ... في باذخ مشمخرّ العزّ قمقام [3]
صعب المرام يسامي النّجم مطلعه ... يسمو إلى فرع طود شامخ سامي
غنّاه عمر الوادي خفيف ثقيل بالخنصر في مجرى الوسطى عن إسحاق.
/ وأخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن عمّار قال حدّثنا أحمد بن زهير بن حرب قال حدّثني مصعب الزّبيريّ قال:
بعث الوليد بن يزيد إلى هشام بن عبد الملك راويته فأنشده قوله:
أنا الوليد أبو العباس قد علمت ... عليا معدّ مدى كرّي وإقدامي
فقال هشام: واللّه ما علمت له معدّ كرّا ولا إقداما، إلا أنه شرب مرّة مع عمّه بكّار بن عبد الملك فعربد عليه وعلى جواريه؛ فإن كان يعني ذلك بكّره وإقدامه فعسى.
عابه هشام والزهري فحقد عليهما:
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا ابن مهرويه قال حدّثني عبد اللّه بن عمرو ابن أبي سعد قال حدّثت أن أبا الزّناد قال:
دخلت على هشام بن عبد الملك وعنده الزّهريّ وهما يعيبان الوليد، فأعرضت ولم أدخل في شيء من ذكره.
فلم ألبث أن استؤذن للوليد فأذن له، فدخل وهو مغضب فجلس قليلا ثم نهض. فلما مات هشام وولي الوليد كتب إلى المدينة فحملت فدخلت عليه؛ فقال: أتذكر قول الأحول والزهريّ؟ قلت: نعم، وما عرضت في شيء من أمرك؛ قال: صدقت؛ أتدري من أبلغني ذلك؟ قلت لا؛ قال: الخادم الواقف على رأسه، وايم اللّه لو بقي الفاسق الزهريّ لقتلته. ثم قال: ذهب هشام بعمري؛ فقلت: بل يبقيك اللّه يا أمير المؤمنين، وقام وصلّى العصر. ثم جلس يتحدّث إلى المغرب ثم صلّى المغرب ودعا بالعشاء فتعشيّت معه ثم جلس يتحدّث حتى صلّى العتمة، ثم تحدّثنا قليلا ثم قال: اسقينني فأتينه [4] بإناء مغطّى، وجاء/ جوار فقمن بيني وبينه فشرب وانصرفن؛ ومكث قليلا ثم قال:
__________
[1] المقابل: الكريم النسب من قبل أبويه. قال الشاعر:
إن كنت في بكر تمت خؤولة ... فأنا المقابل في ذوي الأعمام
[2] الأعياص من قريش: أولاد أمية بن عبد شمس الأكبر، وهم أربعة: العاص وأبو العاص والعيص وأبو العيص.
[3] القمقام هنا: العدد الكثير قال الشاعر:
من نوفل في الحسب القمقام
[4] في الأصول: «فأقره».
اسقينني ففعلن مثل ذلك. وما زال واللّه ذلك دأبه حتى طلع الفجر، فأحصيت له سبعين قدحا.
وأخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثني عمّي مصعب عن أبي الزّناد قال:
أجمع الزّهريّ على أن يدخل إلى بلاد الروم إن ولي الوليد بن يزيد؛ فمات الزهريّ قبل ذلك.
عابه بعض بني مروان بالشراب فلعنهم وقال شعرا:
قال المدائنيّ: وبلغ الوليد أنّ العباس بن الوليد وغيره من بني مروان يعيبونه بالشّراب؛ فلعنهم وقال: إنهم ليعيبون عليّ ما لو كانت لهم فيه لذّة ما تركوه، وقال هذا الشعر، وأمر عمر الوادي أن يغنّي فيه - وهو من جيّد شعره ومختاره. وفيه غناء قديم ذكره يونس لعمر الوادي غير مجنّس - :
صوت
ولقد قضيت - وإن تجلّل لمّتي ... شيب - على رغم العدا لذّاتي
من كاعبات كالدّمى ومناصف ... ومراكب للصيد والنّشوات
في فتية تأبى الهوان وجوههم ... شمّ الأنوف جحاجح سادات
إن يطلبوا بتراتهم يعطوا بها ... أو يطلبوا لا يدركوا بترات
الكتابان المتبادلان بينه وبين هشام:
حدّثني [1] المنهال بن عبد الملك قال: كتب الوليد إلى هشام [2]: «قد بلغني أحدث أمير/ المؤمنين من قطع ما قطع عنّي ومحو من محا من أصحابي، وأنّه حرمني وأهلي. ولم أكن أخاف أن يبتلي اللّه أمير المؤمنين بذلك فيّ ولا ينالني مثله/ منه، ولم يبلغ استصحابي لابن سهيل ومسئلتي في أمره أن يجري عليّ ما جرى. وإن كان ابن سهيل على ما ذكره أمير المؤمنين، فبحسب العير أن يقرب من الذئب. وعلى ذلك فقد عقد اللّه لي من العهد وكتب لي من العمر وسبّب لي من الرزق ما لا يقدر أحد دونه تبارك وتعالى على قطعه عنّي دون مدّته ولا صرفه عن مواقعه المحتومة له. فقدر اللّه يجري على ما قدّره فيما أحبّ الناس وكرهوا، لا تعجيل لآجله ولا تأخير لعاجله؛ والناس بعد ذلك يحتسبون الأوزار ويقترفون الآثام على أنفسهم من اللّه بما يستوجبون العقوبة عليه. وأمير المؤمنين أحقّ بالنظر في ذلك والحفظ له. واللّه يوفّق أمير المؤمنين لطاعته، ويحسن القضاء له في الأمور بقدرته. وكتب إليه الوليد في آخر كتابه:
أ ليس عظيما أن أرى كلّ وارد ... حياضك يوما صادرا بالنّوافل
فأرجع محمود [3] الرّجاء مصرّدا ... بتحلئة عن ورد تلك المناهل
فأصبحت مما كنت آمل منكم ... وليس بلاق ما رجا كلّ آمل
__________
[1] راجع نص هذين الكتابين في «الطبري» (قسم 2 ص 1746 طبع أوروبا).
[2] كذا في أكثر النسخ. وفي ب، س: «قال بلغني» وهو تحريف.
[3] كذا بالأصول.
كمقتبض يوما على عرض هبوة [1] ... يشدّ عليها كفّه بالأنامل
فكتب إليه هشام: «قد فهم أمير المؤمنين ما كتبت به من قطع ما قطع وغير ذلك. وأمير المؤمنين يستغفر اللّه من إجرائه ما كان يجري عليك، ولا يتخوّف على نفسه اقتراف المآثم في الذي أحدث من قطع ما قطع ومحو من محا من صحابتك، لأمرين: أمّا أحدهما فإنّ أمير المؤمنين يعلم مواضعك التي كنت تصرف إليها ما يجريه عليك.
وأما الآخر فإثبات صحابتك وأرزاقهم دارّة عليهم لا ينالهم ما نال المسلمين عند قطع البعوث عليهم وهم معك تجول بهم في سفهك. وأمير المؤمنين/ يرجو أن يكفّر اللّه عنه ما سلف من إعطائه إيّاك باستئنافه قطعه عنك. وأما ابن سهيل، فلعمري لئن كان نزل منك بحيث يسوءك ما جرى عليه لما جعله اللّه لذلك أهلا. وهل زاد ابن سهيل، للّه أبوك، على أن كان زفّانا [2] مغنيّا قد بلغ في السّفه غايته! وليس مع ذلك ابن سهيل بشرّ ممّن كنت تستصحبه في الأمور التي ينزّه أمير المؤمنين نفسه عنها مما كنت لعمري أهلا للتوبيخ فيه. وأما ما ذكرت ممّا سبّبه اللّه لك، فإن اللّه قد ابتدأ أمير المؤمنين بذلك واصطفاه له، واللّه بالغ أمره. ولقد أصبح أمير المؤمنين وهو على يقين من رأيه إلّا أنه لا يملك لنفسه مما أعطاه اللّه من كرامته ضرّا ولا نفعا، وإن اللّه وليّ ذلك منه وإنه لا بدّ له من مفارقته، وإنّ اللّه أرأف بعباده وأرحم من أن يولّي أمرهم غير من يرتضيه لهم منهم. وإن أمير المؤمنين مع حسن ظنّه بربّه لعلى أحسن الرجاء لأن يولّيه بسبب ذلك لمن هو أهله في الرّضا به لهم؛ فإنّ بلاء اللّه عند أمير المؤمنين أعظم من أن يبلغه ذكره أو يوازيه شكره إلّا بعون منه. ولئن كان قد قدر اللّه لأمير المؤمنين وفاة تعجيل، فإن في الذي هو مفض وصائر إليه من كرامة اللّه لخلفا/ من الدنيا. ولعمري إن كتابك لأمير المؤمنين بما كتبت به لغير مستنكر من سفهك وحمقك، فأبق على نفسك وقصّر من غلوائها واربع على ظلعك؛ فإنّ للّه سطوات وغيرا يصيب بها من يشاء من عباده.
وأمير المؤمنين يسأل اللّه العصمة والتوفيق لأحبّ الأمور إليه وأرضاها له. وكتب في أسفل الكتاب:
إذا أنت سامحت الهوى قادك الهوى ... إلى بعض ما فيه عليك مقال
والسلام.
بشر بالخلافة بعد موت هشام:
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا أحمد بن الحارث الخرّاز، وأخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدّثنا عمر بن شبّة عن المدائنيّ عن جويرية بن أسماء [3] عن المنهال بن عبد الملك عن إسحاق بن أيّوب كلّهم عن أبي الزّبير المنذر بن عمرو - قال: وكان كاتبا للوليد بن يزيد - قال:
أرسل إليّ الوليد صبيحة اليوم الذي أتته فيه الخلافة فأتيته؛ فقال لي: يا أبا الزّبير، ما أتت عليّ ليلة أطول من هذه الليلة، عرضتني أمور وحدّثت نفسي فيها بأمور، وهذا الرجل قد أولع بي، فاركب بنا نتنفّس. فركب وسرت معه، فسار ميلين ووقف على تلّ فجعل يشكو هشاما، إذ نظر إلى رهج [4] قد أقبل - قال عمر بن شبّة في حديثه -
__________
[1] الهبوة: الغبرة.
[2] الزفن: الرقص.
[3] كذا ورد هذا الاسم في جميع الأصول فيما سبق، وهو الموافق لما جاء في «تهذيب التهذيب» و «الطبري» في عدّة مواضع. وقد ورد هنا في هذا الموضع: «جويرية بن إسماعيل» وهو تحريف.
[4] الرهج (بفتح فسكون ويحرك): الغبار.
وسمع قعقعة البريد، فتعوّذ باللّه من شرّ هشام، وقال: إن هذا البريد قد أقبل بموت وحيّ [1] أو بملك عاجل.
فقلت: لا يسوءك اللّه أيها الأمير بل يسرّك ويبقيك، إذ بدا رجلان على البريد يقبلان، أحدهما مولّى لآل أبي سفيان بن حرب؛ فلما قربا رأيا الوليد فنزلا يعدوان حتى دنوا فسلّما عليه بالخلافة فوجم، وجعلا يكرران عليه التسليم بالخلافة؛ فقال: ويحكم! ما الخبر؟ أمات هشام؟ قالا نعم؛ قال: فمرحبا بكما! ما معكما؟ قالا: كتاب مولاك سالم بن عبد الرحمن؛ فقرأ الكتاب وانصرفنا. وسأل عن عيّاض بن مسلم كاتبه الذي كان هشام ضربه وحبسه، فقالا: يا أمير المؤمنين، لم يزل محبوسا حتى نزل بهشام أمر اللّه، فلمّا صار إلى حال لا تزجى الحياة لمثله معها، أرسل عياض إلى الخزّان: احتفظوا بما في أيديكم فلا يصلنّ أحد إلى/ شيء. وأفاق هشام إفاقة فطلب شيئا فمنعه، فقال: أرانا كنّا خزّانا للوليد؛ وقضى من ساعته. فخرج عياض من السجن ساعة قضى هشام، فختم الأبواب والخزائن؛ وأمر بهشام فأنزل عن فراشه ومنعهم أن يكفّنوه من الخزائن، فكفّنه غالب مولى هشام، ولم يجدوا قمقما [2] حتى استعاروه. وأمر الوليد بأخذ ابني هشام بن إسماعيل المخزوميّ، فأخذا بعد أن عاذ إبراهيم بن هشام بقبر يزيد بن عبد الملك؛ فقال الوليد: ما أراه إلّا قد نجا؛ فقال له يحيى بن عروة بن الزّبير وأخوه عبد اللّه: إن اللّه لم يجعل قبر أبيك معاذا للظالمين، فخذه برّد ما في يده من مال اللّه؛ فقال: صدقت، وأخذهما فبعث بهما إلى يوسف بن عمر، وكتب إليه أن يبسط عليهما العذاب حتى يتلفا، ففعل ذلك بهما وماتا جميعا في العذاب بعد أن أقيم إبراهيم بن هشام للناس حتى اقتضوا [3] منه المظالم.
وقال عمر بن شبّة في خبره: إنه لمّا نعي له هشام قال: واللّه لأتلقّينّ هذه النعمة بسكرة قبل الظهر؛ ثم أنشأ يقول:
طاب يومي ولذّ شرب السّلافه ... إذ أتاني نعيّ من بالرّصافه
/ وأتانا البريد ينعي هشاما ... وأتانا بخاتم للخلافه
فاصطبحنا من خمر عانة [4] صرفا ... ولهونا بقينة عزّافه
ثم خلف ألّا يبرح موضعه حتى يغنّى في هذا الشعر ويشرب عليه؛ فغنّي له فيه وشرب وسكر، ثم دخل فبويع له بالخلافة.
/ قال: وسمع صياحا، فسأل عنه، فقيل له: هذا من دار هشام يبكيه بناته؛ فقال:
إني سمعت بليل ... ورا المصلّى برنّه
إذا بنات هشام ... يندبن والدهنّه
يندبن فرما جليلا ... قد كان يعضدهنّه
__________
[1] كذا في ب، ح، والوحيّ: السريع. وفي سائر الأصول: «بموت حيّ».
[2] القمقم: إناء من نحاس يسخن فيه الماء.
[3] كذا في ب، س. وفي سائر النسخ: «اقتصوا» بالصاد المهملة.
[4] عانة: بلدة على الفرات تنسب إليها الخمر العانية. قال زهير:
كأن ريقتها بعد الكرى اغتبقت ... من خمر عانة لما بعد أن عنقا
أنا المخنّت حقّا ... إن لم أنيكنّهنّه
وقال المدائنيّ في خبر أحمد بن الحارث: وشرب الوليد يوما، فلما طابت نفسه تذكّر هشاما، فقال لعمر الوادي غنّني:
إنّي سمعت بليل ... ورا المصلّى برنّه
فغنّاه فيه، فشرب عليه ثلاثة أرطال، ثم قال: واللّه لئن سمعه منك أحد أبدا لأقبلنّك. قال: فما سمع منه بعدها ولا عرف.
نسبة ما في هذا الخبر من الغناء
صوت
طاب يومي ولذّ شرب السّلافه ... إذ أتانا نعيّ من في الرّصافه
غنّاه عمر الوادي خفيف رمل بالبنصر.
أخبرني إسماعيل بن يونس قال حدّثنا عمر بن شبة قال حدّثني أبو غسّان قال قال حكم الوادي:
كنّا عند الوليد بن يزيد وهو يشرب، إذ جاءنا خصيّ فشقّ جيبه وعزّاه عن عمه هشام وهنأه بالخلافة وفي يده قضيب وخاتم وطومار [1]؛ فأمسكنا ساعة ونظرنا إليه بعين الخلافة؛ فقال: غنّوني، غنّياني: قد طاب شرب السلافه ... البيتين؛ فلم نزل نغنّيه بهما الليل كلّه.
سأل الرشيد عنه ابن أبي حفصة فمدحه وذكر من شعره:
أخبرنا أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثنا إسحاق بن إبراهيم قال حدّثني مروان بن أبي حفصة قال:
دخلت على الرشيد أمير المؤمنين فسألني عن الوليد بن يزيد فذهبت أتزحزح، فقال: إن أمير المؤمنين لا ينكر ما تقول فقل؛ قلت: كان من أصبح الناس وأظرف الناس وأشعر الناس. فقال: أتروى من شعره شيئا؟ قلت: نعم، دخلت عليه مع عمومتي وفي يده قضيب ولي جمّة [2] فينانة فجعل يدخل القضيب في جمّتي وجعل يقول: يا غلام، ولدتك سكّر (و هي أمّ ولد كانت لمروان بن الحكم فزوّجها أبا حفصة) قال: فسمعته يومئذ ينشد:
ليت هشاما عاش حتى يرى ... مكياله الأوفر قد أترعا [3]
كلنا له الصاع التي [4] كالها ... فما ظلمناه بها أصوعا
__________
[1] الطومار: الصحيفة.
[2] الجمة: مجتمع شعر الرأس وهي أكثر من الوفرة، وهي أيضا ما تدلى من شعر الرأس على المنكبين.
[3] رواية «الطبري» لهذه الأبيات (ص 1752 ق 2 طبع أوروبا):
ليت هشاما عاش حتى يرى ... مكياله الأوفر قد طبعا
كلناه بالصاع الذي كاله ... وما ظلمناه به إصبعا
وما أتينا ذاك عن بدعة ... أحله الفرقان لي أجمعا
[4] في الأصول: «الذي». والصاع يذكر ويؤنث. وقد آثرنا ما وضعناه لتتلاءم الضمائر.
لم نأت ما نأتيه عن بدعة ... أحلّه القرآن لي أجمعا
قال: فأمر الرشيد بكتابتها [1] فكتبت.
كان شاعرا مجيدا وشيء من شعره:
وللوليد أشعار جياد فوق هذا الشعر الذي اختاره/ مروان. فمنها - وهو ما برّز فيه وجوّده وتبعه الناس جميعا فيه وأخذوه منه - قوله في صفة الخمر - أنشدنيه/ الحسن بن عليّ قال أنشدني الحسين بن فهم قال أنشدني عمر بن شبّة قال أنشدني أبو غسّان محمد بن يحيى وغيره للوليد. قال: وكان أبو غسّان يكاد يرقص إذا أنشدها - :
اصدع نجيّ الهموم بالطرب ... وانعم على الدهر بابنة العنب
واستقبل العيش في غضارته ... لا تقف منه آثار معتقب
من قهوة زانها تقادمها ... فهي عجوز تعلو على الحقب
أشهى إلى الشّرب يوم جلوتها ... من الفتاة الكريمة النّسب
فقد تجلّت ورقّ جوهرها ... حتى تبدّت في منظر عجب
فهي بغير المزاج من شرر ... وهي لدى المزج سائل الذهب
كأنها في زجاجها قبس ... تذكو ضياء في عين مرتقب
في فتية من بني أميّة أه ... ل المجد والمأثرات والحسب
ما في الورى مثلهم ولا فيهم [2] ... مثلي ولا منتم لمثل أبي
قال المدائنيّ في خبره: وقال الوليد حين أتاه نعي هشام:
طال ليلي فبتّ أسقى المداما ... إذ أتاني البريد ينعي هشاما
وأتاني بحلّة وقضيب ... وأتاني بخاتم ثم قاما
فجعلت الوليّ من بعد فقدي ... يفضل الناس ناشئا وغلاما
ذلك ابني وذاك قرم قريش ... خير قرم وخيرهم أعماما
أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه عن المدائنيّ عن جرير قال قال لي عمر الوادي:
/ كنت يوما أغنّي الوليد إذ ذكر هشاما؛ فقال لي: غنّني بهذه الأبيات؛ قلت: وما هي يا أمير المؤمنين؟ فأنشأ يقول:
__________
[1] في ب، س، ح: «بكتابها» وهو مصدر كالكتابة.
[2] في ب، س: «و لا بهم» وهو تحريف.
هلك الأحول المشو ... م فقد أرسل المطر
ثمّت استخلف الولي ... د فقد أورق الشجر
أخذ أبو نواس وغيره من الشعراء معانيه في أشعارهم:
وللولى في ذكر الخمر وصفتها أشعار كثيرة قد أخذها الشعراء فأدخلوها في أشعارهم، سلخوا معانيها، وأبو نواس خاصّة سلخ معانيه كلّها وجعلها في شعره فكررّها في عدّة مواضع منه. ولو لا كراهة التطويل لذكرتها هاهنا، على أنها تنبىء عن نفسها.
وله أبيات أنشدنيها الحسن بن عليّ قال أنشدني الحسين بن فهم قال أنشدني عمر بن شبّة قال أنشدني أبو غسّان وغيره للوليد - وكان أبو غسان يكاد أن يرقص إذا أنشدها - :
اصدع نجيّ الهموم بالطرب ... وانعم على الدهر بابنة العنب
الأبيات التي مضت متقدّما. وهذا من بديع الكلام ونادره؛ وقد جوّد فيه منذ ابتدأ إلى أن ختم. وقد نقلها أبو نواس والحسين بن الضحاك في أشعارهما.
ومن جيّد معانيه قوله:
/رأيتك تبني جاهدا في قطيعتي ... ولو كنت ذا حزم لهدّمت ما تبني
وقد مضت في أخباره مع هشام.
وأنشدني الحسن بن عليّ عن الحسين بن فهم قال أنشدني عمرو بن أبي عمرو للوليد بن يزيد وكان يستجيده فقال:
/إذا لم يكن خير مع الشرّ لم تجد ... نصيحا ولا ذا حاجة حين تفزع
وكانوا إذا همّوا بإحدى هناتهم ... حسرت لهم رأسي فلا أتقنّع
ومن نادر شعره قوله لهشام:
فإن تك قد مللت القرب منّي ... فسوف ترى مجانبتي وبعدي
وسوف تلوم نفسك إن بقينا ... وتبلو الناس والأحوال بعدي
فتندم في الذي فرّطت فيه ... إذا قايست في ذمّي وحمدي
قال يوم بيعته على المنبر بدمشق شعرا:
أخبرني الحسين بن يحيى قال حدّثنا ابن مهرويه وعبد اللّه بن عمرو بن أبي سعد قالا [1] حدّثنا عبد اللّه بن أحمد بن الحارث الحرشيّ قال حدّثنا محمد بن عائذ قال حدّثني الهيثم بن عمران قال سمعته يقول:
لما بويع الوليد سمعته على المنبر يقول بدمشق:
__________
[1] في الأصول: «قال».
ضمنت لكم إن لم ترعني منيّتي ... بأنّ سماء الضرّ عنكم ستقلع
كتب إلى أهل المدينة شعرا وردّ عليه حمزة بن بيض:
أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدّثني عمر بن شبّة قال حدّثني عيسى بن عبد اللّه بن محمد بن عمر بن عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه قال:
لمّا ولى الوليد بن يزيد كتب إلى أهل المدينة [1] والشعر له:
محرّمكم [2] ديوانكم وعطاؤكم ... به يكتب الكتّاب والكتب تطبع
ضمنت لكم إن لم تصابوا بمهجتي ... بأنّ سماء الضرّ عنكم ستقلع
وأوّل هذه الأبيات:
ألا أيّها الركب المخبّون أبلغوا ... سلامي سكّان البلاد فأسمعوا
/ وقولوا أتاكم أشبه الناس سنّة ... بوالده فاستبشروا وتوقّعوا
سيوشك إلحاق بكم وزيادة ... وأعطية تأتي تباعا فتشفع
وكان سبب مكاتبته أهل الحرمين بذلك أنّ هشاما لمّا خرج عليه زيد بن عليّ رضي اللّه عنه منع أهل مكة وأهل المدينة أعطياتهم سنة. فقال حمزة بن بيض يردّ على الوليد لمّا فعل خلاف ما قال:
وصلت سماء الضرّ بالضرّ بعد ما ... زعمت سماء الضرّ عنّا ستقلع
فليت هشاما كان حيّا يسوسنا ... وكنّا كما كنا نرجّي ونطمع
بعث إلى جماعة من أهله يوم بيعته وأنشدهم شعرا يدل على مجونه:
أخبرني أحمد قال حدّثني عمر بن شبّة قال روى جرير بن حازم عن الفضل بن سويد قال:
بعث الوليد بن يزيد إلى جماعة من أهله لمّا ولي الخلافة فقال: أتدرون لم دعوتكم؟ قالوا لا، قال: ليقل قائلكم؛ فقال رجل منهم: أردت يا أمير المؤمنين أن ترينا ما جدّد اللّه لك من نعمته وإحسانه؛ فقال: نعم، ولكني:
/أشهد اللّه والملائكة الأب ... رار والعابدين أهل الصلاح
أنني أشتهي السّماع وشرب ال ... كأس والعض للخدود الملاح
والنديم الكريم والخادم الفا ... ره يسعى عليّ بالأقداح
قوموا إذا شئتم.
عرضت عليه جارية وغننه فأمر بشرائها:
أخبرني إسماعيل بن يونس وأحمد بن عبد العزيز قالا حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثني إسحاق قال:
__________
[1] في أ، م: «مكة».
[2] كذا في أ، م ونسخة الشنقيطي مصححة ومضبوطة بقلمه. وفي ب، س، ح: «محزمكم» بالزاي.
عرضت على الوليد بن يزيد جارية صفراء كوفيّة مولّدة يقال لها سعاد، فقال لها: أيّ شيء تحسنين؟ فقال:
أنا مغنّية؛ فقال لها: غنّيني، فغنّت:
صوت
/لو لا الذي حمّلت من حبّكم ... لكان في إظهاره مخرج
أو مذهب في الأرض ذو فسحة ... أجل ومن حجّت له مذحج
لكن سباني منكم شادن ... مربّب ذو غنّة أدعج
أغرّ ممكور [1] هضيم الحشى ... قد ضاق عنه الحجل والدّملج
- الشعر للحارث بن خالد. والغناء لابن سريج خفيف رمل بالبنصر. وفيه لدحمان هزج بالوسطى؛ وذكر الهشاميّ أن الهزج ليحيى المكيّ - فطرب طربا شديدا وقال: يا غلام اسقني، فسقاه عشرين قدحا وهو يستعيدها.
ثم قال لها: لمن هذا الشعر؟ قالت: للحارث بن خالد. قال: وممّن أخذتيه؟ قالت: من حنين. قال: وأين لقيته؟
قالت: ربيت بالعراق وكان أهلي يجيؤن به فيطارحني. فدعا صاحبه فقال: اذهب فابتعها بما بلغت ولا تراجعني في ثمنها ففعل؛ ولم تزل عنده حظيّة.
شرب هو ومحمد بن سليمان بن عبد الملك بجرن:
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا ابن مهرويه قال حدّثني عبيد اللّه بن عمّار قال حدّثني عبيد اللّه بن أحمد بن الحارث القرشيّ قال حدّثنا العباس بن الوليد قال حدّثنا ضمرة قال:
خرج عبد الوهاب بن إبراهيم الإمام يوما إلى بعض الدّيارات فنزل فيه وهو وال على الرّملة؛ فسأل صاحب الدّير: هل نزل بك أحد من بني أميّة؟ قال: نعم، نزل بي الوليد بن يزيد ومحمد بن سليمان بن عبد الملك. قال:
فأيّ شيء صنعا؟ قال: شربا في ذلك الموضع، ولقد رأيتهما شربا في آنيتهما، ثم قال أحدهما لصاحبه:/ هلمّ نشرب بهذا الجرن [2] - وأومأ إلى جرن عظيم من رخام - قال: أفعل؛ فلم يزالا يتعاطيانه بينهما وينسربان ويشربان به حتى ثملا. فقال عبد الوهاب لمولى له أسود: هاته. قال ضمرة: وقد رأيته وكان يوصف بالشدّة، فذهب يحرّكه فلم يقدر. فقال الراهب: واللّه لقد رأيتهما يتعاطيانه وكلّ واحد منهما يملؤه لصاحبه فيرفعه ويشربه غير مكترث.
وفد عليه سعد بن مرة ومدحه فأجازه:
أخبرني حبيب بن نصر المهلّبي قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثنا أبو غسّان محمد بن يحيى قال:
وفد سعد بن مرّة بن جبير مولى آل كثير بن الصّلت، وكان شاعرا، على الوليد بن يزيد، فعرض له في يوم من أيام الربيع وقد خرج إلى متنزّه له، فصاح به: يا أمير المؤمنين، وافدك وزائرك ومؤمّلك؛ فتبادر الحرس إليه ليصدّوه عنه، فقال: دعوه، أدن إليّ فدنا إليه؛ فقال: من أنت؟ قال: أنا رجل من أهل الحجاز شاعر؛ قال: تريد ما ذا؟
قال: تسمع منّي أربعة أبيات؛ قال: هات.
__________
[1] المرأة الممكورة: المستديرة الساقين، أو هي المدمجة الخلق الشديدة البضعة.
[2] الجرن: حجر منقور يصب فيه الماء فيتوضأ به.
صوت
شمن المخايل نحو أرضك بالحيا ... ولقين ركبانا بعرفك قفّلا
قال: ثم مه؛ قال:
فعمدن نحوك لم ينخن [1] لحاجة ... إلّا وقوع الطير حتى ترحلا
قال: إن هذا [2] السير حثيث؛ ثم ما ذا؟ قال:
يعمدن نحو موطّىء حجراته ... كرما ولم تعدل بذلك معدلا
/ قال: فقد وصلت إليه، فمه؛ قال:
لاحت لها نيران حيّي قسطل [3] ... فاخترن نارك في المنازل منزلا
قال: فهل غير هذا؟ قال لا؛ قال: أنجحت وفادتك، ووجبت ضيافتك؛ أعطوه أربعة آلاف دينار؛ فقبضها ورحل.
الغناء لابن عائشة ثاني ثقيل بالبنصر عن عمرو والهشاميّ.
مسلمة بن هشام وزوجته:
رجعت الرواية إلى الحديث المدائنيّ قال:
لمّا قدم العباس بن الوليد لإحصاء ما في خزائن هشام وولده سوى مسلمة بن هشام فإنه كان كثيرا ما يكفّ أباه عن الوليد ويكلّمه فيه ألّا يعرض له ولا يدخل منزله. وكانت عند مسلمة أمّ سلمة [4] بنت يعقوب المخزوميّة، وكان مسلمة يشرب. فلمّا قدم العبّاس لإحصاء ما كتب إليه الوليد، كتبت إليه أم سلمة: ما يفيق من الشّراب ولا يهتمّ بشيء مما فيه إخوته ولا بموت أبيه. فلما راح مسلمة بن هشام إلى العباس قال له: يا مسلمة، كان أبوك يرشّحك للخلافة ونحن نرجوك لما بلغني عنك، وأنّبه وعاتبه على الشراب؛ فأنكر مسلمة ذلك وقال: من أخبرك بهذا؟ قال:
كتبت إليّ به أمّ سلمة؛ فطلّقها في ذلك المجلس، فخرجت إلى فلسطين، وبها كانت تنزل، وتزوّجها أبو العباس السفّاح هناك.
قصة طلاق الوليد لزوجته سعدة وتعشقه أختها سلمى:
وسلمى التي عناها الوليد هناك هي سلمى بنت سعيد بن خالد بن عمرو بن عثمان بن عفان؛ وأمها أمّ عمرو بنت مروان بن الحكم، وأمّها بنت عمر بن أبي ربيعة المخزوميّ.
__________
[1] كذا في نسخة المرحوم الشنقيطي مصححة بخطه. وفي الأصول: «لم ينجن بحاجة».
[2] كذا في ب، س. وفي سائر الأصول: «إن هذا لسير حثيث».
[3] قسطل: موضع قرب البلقاء من أرض دمشق في طريق المدينة، وهو أيضا موضع بين حمص ودمشق. وفي الأصول: «لاحت لها نيران حي قسسطلا».
[4] كذا في «عقد الجمان» و «الطبرى» (ق 3 ص 2507) وفيما سيأتي في بعض روايات أ. وفي جميع الأصول هنا: «أم مسلمة» وهو تحريف.
/ فأخبرني محمد بن أبي الأزهر قال حدّثنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه عن محمد بن سلّام وعن المدائنيّ عن جويرية بن أسماء:
أن يزيد بن عبد الملك كان خرج إلى قرين [1] متبدّيا [2] به، وكان هناك قصر لسعيد بن خالد بن عمرو بن عثمان؛ وكانت بنته أمّ عبد الملك، واسمها سعدة، تحت الوليد بن يزيد. فمرض سعيد في ذلك الوقت، وجاءه الوليد عائدا، فدخل فلمح سلمى بنت سعيد أخت زوجته وسترها حواضنها وأختها فقامت ففرعتهن [3] طولا، فوقعت بقلب الوليد. فلما مات أبوه طلّق أمّ عبد الملك زوجته وخطب سلمى إلى أبيها. وكانت لها أخت يقال لها أمّ عثمان تحت هشام بن عبد الملك؛ فبعثت إلى أبيها - وقيل: بعث إليه هشام - : أتريد أن تستفحل الوليد لبناتك يطلّق هذه وينكح هذه! فلم يزوّجه سعيد وردّه أقبح ردّ. وهويها الوليد ورام السلوّ عنها فلم يسل؛ وكان يقول:
العجب لسعيد! خطبت إليه فردّني، ولو قد مات هشام ووليت لزوّجني! وهي طالق ثلاثا إن تزوّجتها حينئذ وإن كنت أهواها. فيقال: إنه لما طلّق سعدة ندم على ذلك/ وغمّه. وكان لها من قلبه محلّ ولم تحصل له سلمى؛ فاهتمّ لذلك وجزع. وراسل سعدة، وقد كانت زوّجت غيره فلم ينتفع بذلك.
أرسل أشعب لزوجته بعد طلاقها فردّته:
فأخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ والحسن بن عليّ قالا حدّثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدّثنا أبو مسلم عبد الرحمن بن الجهم قال حدّثنا المدائنيّ قال:
بعث الوليد بن يزيد إلى أشعب بعد ما طلّق امرأته، فقال: يا أشعب، لك عندي عشرة آلاف درهم على أن تبلغ رسالتي سعدة؛ فقال: أحضر العشرة الآلاف/ الدرهم حتى أنظر إليها؛ فأحضرها الوليد؛ فوضعها أشعب على عنقه وقال: هات رسالتك؛ قال: قل لها يقول لك أمير المؤمنين:
أسعدة هل إليك لنا سبيل ... وهل حتى القيامة من تلاقي
بلى ولعلّ دهرا أن يؤاتي ... بموت من حليلك أو طلاق
فأصبح شامتا وتقرّ عيني ... ويجمع شملنا بعد افتراق
فأتى أشعب الباب فأخبرت بمكانه، فأمرت لها ففرشت وجلست وأذنت له. فلما دخل أنشدها ما أمره؛ فقالت لخدمها: خذوا الفاسق! فقال: يا سيّدتي إنها بعشرة آلاف درهم. قالت: واللّه لأقتلنك أو تبلّغه كما بلّغتني؛ قال: وما تهبين لي؟ قالت: بساطي الذي تحتي؛ قال: قومي عنه؛ فقامت فطواه وجعله إلى جانبه، ثم قال: هات رسالتك جعلت فداك؛ قالت: قل له:
أ تبكي على لبنى وأنت تركتها ... فقد ذهبت لبنى فما أنت صانع [4]
__________
[1] قرين: موضع باليمامة يسمى قرين نجدة، قتل عنده نجدة الحروري.
[2] في ب، س: «مبتدئا»، وهو تحريف.
[3] كذا في أكثر الأصول. وفرعتهن: علتهن. وفي ب، س: «فبرعهن».
[4] رواية البيت في «أمالي القالي» (ج 2 ص 315 طبع دار الكتب المصرية) عند ذكره لعينية قيس هكذا:
تبكي على لبنى وأنت تركتها ... وكنت كآت غيه وهو طائع
فأقبل أشعب فدخل على الوليد؛ فقال: فأنشده البيت؛ أوّه قتلتني يا بن الزانية! ما أنا صانع، فاختر أنت الآن ما أنت صانع [9] يا بن الزانية، إمّا أن أدلّيك/ على رأسك منكّسا في بئر أو أرمي بك منكّسا من فوق القصر أو أضرب رأسك بعمودي هذا ضربة، هذا الذي أنا صانع، فاختر أنت الآن ما أنت صانع؛ فقال: ما كنت لتفعل شيئا من ذلك؛ قال: ولم يا بن الزانية؟ قال: لم تكن عينين نظرتا إلى سعدة. قال: أوّه! أفلتّ واللّه بهذا يا بن الزانية! اخرج عنّي. وقال الحسن في روايته: إنها قالت له أنشده:
أ تبكي على لبنى وأنت تركتها ... وأنت عليها بالملا [1] كنت أقدر
وفي هذه الأبيات غناء هذه نسبته:
صوت
أرى بيت لبنى أصبح اليوم يهجر ... وهجران لبنى يا لك الخير منكر
فإن تكن الدنيا بلبنى تغيّرت ... فللدّهر والدنيا بطون وأظهر
أ تبكي على لبنى وأنت تركتها ... وأنت عليها بالحرا [2] كنت أقدر
عروضه من الطويل. والشعر لقيس بن ذريح. والغناء في الثاني والثالث للغريض ثقيل أوّل بالبنصر عن عمرو والهشاميّ.، وفيهما [3] لعريب رمل بالبنصر. وفيه لشارية خفيف رمل بالوسطى عن الهشاميّ. وفي الأوّل خفيف ثقيل مجهول.
تزيا بزي زيات ليرى سلمى وشعره في ذلك:
قال ابن سلّام والمدائنيّ في خبرهما: وخرج الوليد بن يزيد يريد فرتنى [4] لعلّه يراها؛ فلقيه زيّات معه حمار عليه زيت؛ فقال له: هل لك أن تأخذ فرسي هذا وتعطيني حمارك هذا بما عليه وتأخذ ثيابي وتعطيني ثيابك؟
/ ففعل الزيات ذلك. وجاء الوليد وعليه الثياب وبين يديه الحمار يسوقه متنكّرا حتى دخل قصر سعيد،/ فنادى:
من يشتري الزيت، فاطّلع بعض الجواري فرأينه فدخلن إلى سلمى وقلن: إن بالباب زيّاتا أشبه الناس بالوليد، فاخرجي فانظري إليه؛ فخرجت فرأته ورآها، فرجعت القهقرى وقالت: هو واللّه الفاسق الوليد! وقد رآني! فقلن له: لا حاجة بنا إلى زيتك؛ فانصرف وقال:
إنني أبصرت شيخا ... حسن الوجه مليح
__________
[4] وتتفق هذه الرواية مع الرواية صاحب الأغاني عند ذكره للبيت في ترجمة قيس (ج 8 ص 132 طبع بولاق) وهي:
أ تبكي على لبنى وأنت تركتها ... وكنت كات حتفه وهو طائع
ووردت كلمة «ما أنت صانع» في بيت آخر من هذه القصيدة ونصه:
فيا قلب خبرني إذا شطت النوى ... بلبنى وصدّت عنك ما أنت صانع
[1] الملا: موضع بعينه.
[2] الحرا: جناب الرجل وما حوله، يقال: نزل بحراء وعراه إذا نزل بساحته.
[3] كذا في أ، م. وفي سائر النسخ «و فيها».
[4] فرتنى: قصر بمرو الروذ.
ولباسي ثوب شيخ ... من عباء مسوح
وأبيع الزيت بيعا ... خاسرا غير ربيح
وقال أيضا:
فما مسك يعلّ بزنجبيل ... ولا عسل بألبان اللقاح
بأشهى من مجاجة ريق سلمى ... ولا ما في الزّقاق من القراح
ولا واللّه لا أنسى حياتي ... وثاق الباب دوني واطّراحي
قال: فلما ولى الخلافة أشخص إلى المغنّين فحضروه وفيهم معبد وابن عائشة وذووهما. فقال لابن عائشة:
يا محمد، إن غنّيتني صوتين في نفسي فلك عندي مائة ألف درهم؛ فغنّاه قوله:
إنني أبصرت شيخا
وغنّاه:
فما مسك يعلّ بزنجبيل
الأبيات، فقال الوليد: ما عدوت ما في نفسي؛ وأمر له بمائة ألف درهم وألطاف وخلع، وأمر لسائر المغنّين بدون ذلك.
نسبة ما في هذا الخبر من الغناء
صوت
فما مسك يعلّ بزنجبيل ... ولا عسل بألبان اللّقاح
بأطيب من مجاجة ريق سلمى ... ولا ما في الزّقاق من القراح
غنّاه ابن عائشة، ولحنه ثقيل أوّل بالوسطى عن الهشاميّ وحماد بن إسحاق.
تزوّج سلمى بعد ولايته الخلافة وماتت بعد قليل فرثاها:
قال المدائنيّ وابن سلّام: فلمّا طال بالوليد ما به كتب إلى أبيها سعيد:
أبا عثمان هل لك في صنيع ... تصيب الرشد في صلتي هديتا
فأشكر منك [1] ما تسدى وتحيى ... أبا عثمان ميّتة وميتا
قالوا: فلم يجبه إلى ذلك حتى ولى الخلافة، فلما وليها زوّجه إياها؛ فلم يلبث إلّا مدّة يسيرة حتى ماتت.
وقال فيها ليلة زفّت إليه:
خفّ من دار جيرتي ... يا بن داود أنسها
__________
[1] في ح
«فأشكر منك المسدي وتحيى»
وهي طويلة. وفيها ممّا يغنّى به:
أو لا تخرج العرو ... س فقد طال حبسها
قد دنا الصبح أو بدا ... وهي لم يقض لبسها
برزت كالهلال في ... ليلة غاب نحسها
/ بين خمس كواعب ... أكرم الخمس جنسها
غناء ابن سريج، فيما ذكره حبش، رمل بالبنصر، أوّله:
خفّ من دار جيرتي
وغناء معبد فيه خفيف ثقيل، أوّله:
ومتى تخرج العروس
/ في رواية الهشاميّ وابن المكيّ. وغناء عمر الواديّ في الأربعة الأبيات الأخر خفيف رمل بالبنصر عن عمرو. وذكر في النسخة الثانية ووافقه الهشاميّ أنّ فيه هزجا بالوسطى ينسب إلى حكم وإلى أبي كامل وإلى عمر.
غنى حكم الوادي للمهدي فوصله:
وقد أخبرنا إسماعيل بن يونس قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثنا الأصمعيّ قال: رأيت حكما الوادي قد تعرّض للمهديّ وهو يريد الحجّ، فوقف له في الطريق وكانت له شهرة، فأخرج دفّا له فنقر فيه وقال: أنا، أطال اللّه بقاءك، القائل:
ومتى تخرج العرو ... س فقد طال حبسها
قد دنا الصبح أو بدا ... وهي لم يقض لبسها
قال: فتسرّع إليه الحرس، فصيح بهم، وإذا هو حكم الوادي؛ فأدخل إليه المضرب فوصله وانصرف.
نسبة أو لا تخرج العروس - قال: الشعر للوليد بن يزيد. والغناء لعمر الواديّ. وفيه لحنان هزج خفيف بالخنصر في مجرى البنصر [و خفيف [1] رمل بالخنصر في مجرى البنصر جميعا عن إسحاق]؛ وذكر حكم الواديّ أنّ الهزج له؛ وذكر إسحاق أن لحن حكم خفيف رمل بالخنصر في مجرى الوسطى. وقال في كتاب يحيى: إن هذا اللحن لعمر الواديّ. وذكر الهشاميّ أنّ فيه خفيف ثقيل لمعبد ورملا لابن سريج. وذكر عمرو بن بانة أنّ فيه للدّلال خفيف ثقيل أوّل بالبنصر.
ماتت سلمى فرثاها الوليد:
وقال المدائنيّ: مكثت عنده سلمى أربعين يوما ثم ماتت؛ فقال:
ألمّا تعلما سلمى أقامت ... مضمّنة من الصحراء لحدا
__________
[1] هذه العبارة ساقطة من ء، ب. س.
لعمرك يا وليد لقد أجنّوا ... بها حسبا ومكرمة ومجدا
/ ووجها كان يقصر عن مداه ... شعاع الشمس أهل أن يفدّى
فلم أر ميّتا أبكى لعين ... وأكثر جازعا وأجلّ فقدا
وأجدر أن تكون لديه ملكا ... يريك جلادة ويسرّ وجدا
شعره في سلمى:
ذكر أشعار الوليد التي قالها في سلمى وغنّى المغنّون فيها منها:
صوت
عرفت المنزل الخالي ... عفا من بعد أحوال
عفاه كلّ حنّان ... عسوف الوبل هطّال
لسلمى قرّة العين ... وبنت العمّ والخال
بذلت اليوم في سلمى ... خطارا [1] أتلفت مالي
/ كأنّ الريق من فيها ... سحيق [2] بين جريال
غنّاه عمر الواديّ هزجا بالوسطى عن عمرو. وذكر ابن خرداذبه أنّ هذا اللحن للوليد بن يزيد. وفيه رمل ذكر الهشاميّ أنه لابن سريج.
ومنها وهو الصوت الذي غنّاه أبو كامل فأعطاه الوليد قلنسيته [3]:
صوت
منازل قد تحلّ بها سليمى ... دوارس قد أضرّ بها السّنون
أميت السرّ حفظا يا سليمى ... إذا ما السرّ باح به الحزون [4]
/غنّاه أبو كامل من الثقيل الأوّل. وفيه لابن سريج، ويقال للغريض، خفيف ثقيل أوّل بالوسطى عن الهشاميّ، وقيل: إنه لحكم أو لعمر الوادي.
ومنها:
__________
[1] الخطار: جمع خطر (بالتحريك) وهو السبق الذي يترامى عليه في الرهان.
[2] كذا في «اللسان» (مادة جرل). والجريال: صفوة الخمر. والسحيق: المسك. أي مسك سحيق بين قطع جريال أو أجزاء جريال.
وفي الأصول: «كأن المسك في فيها».
[3] كذا في ح. وفي سائر النسخ: «قلنسية».
[4] الحزون: الكثير الحزن.
صوت
أراني قد تصابيت ... وقد كنت تناهيت [1]
ولو يتركني الحبّ ... لقد صمت وصلّيت
إذا شئت تصبّرت ... ولا أصبر إن شيت
ولا واللّه لا يصب ... ر في الدّيمومة [2] الحوت
سليمى ليس لي صبر ... وإن رخّصت لي جيت
فقبّلتك ألفين ... وفدّيت وحيّيت
ألا أحبب بزور زا ... ر من سلمى ببيروت [3]
غزال أدعج العين [4] ... نقيّ الجيد واللّيت [5]
غنّاه ابن جامع في البيتين الأوّلين هزجا بالوسطى، وغنّاه أبو كامل في الأبيات كلها على ما ذكرت بذل ولم تجنّسه. وغنّى حكم الوادي في الثالث والرابع والسابع والثامن خفيف رمل بالوسطى عن عمرو والهشاميّ.
/ ومنها:
صوت
عتبت سلمى علينا سفاها ... أن سببت اليوم فيها أباها
كان حقّ العتب يا قوم منّي ... ليس منها كان قلبي فداها
فلئن كنت أردت بقلبي ... لأبي سلمى خلاف هواها
فثكلت اليوم سلمى فسلمى ... ملأت أرضي معا وسماها
غير أني لا أظن عدوّا ... قد أتاها كاشحا بأذاها [6]
فلها العتبى لدينا وقلّت ... أبدا حتى أنال رضاها
__________
[1] في هذا الشعر السناد وهو أحد عيوب القافية. والسناد هنا - وهو أحد أوجه السناد الثلاثة - : اختلاف الحرف الذي قبل الردف بالفتح والكسر. والردف هو حرف اللين (الألف والواو والياء) قبل الرويّ. فالتاء في هذا الشعر هي حرف الرويّ أي القافية، والواو والياء ردف.
[2] الديمومة: الصحراء البعيدة.
[3] في هذا البيت والبيت الذي يليه إقواء وهو اختلاف حركة الروي. وقد ورد البيت الأوّل منهما في «معجم ياقوت» مع بيتين آخرين أثناء الكلام على بيروت هكذا:
ألا يا حبذا شخص ... حمت لقياه بيروت
[4] في جميع الأصول: «العينين».
[5] الليت (بالكسر): صفحة العنق.
[6] كذا في نسخة الشنقيطي مصححة بخطه. وفي جميع الأصول: «فأذاها» بالفاء، وهو تحريف.
غنّاه أبو كامل خفيف رمل مطلق في مجرى البنصر عن إسحاق. وفيه ليحيى المكيّ ثقيل أوّل من رواية عليّ بن يحيى. وفيه رمل يقال: إنه لابن جامع، ويقال: بل لحن ابن جامع خفيف رمل أيضا.
خطب سلمى إلى أبيها وهو سكران فرده فسبته فقال شعرا:
أخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن عمّار قال حدّثني محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدّثني عبد اللّه بن عمرو قال:
لقي سعيد بن خالد الوليد بن يزيد وهو ممل؛ فقال له: يا أبا عثمان،/ أتردّني على [1] سلمى! وكأني بك لو قد وليت الخلافة خطبتني فلم أجبك؛ وإن تزوّجتها حينئذ فهي طالق ثلاثا. فقال له سعيد: إن المرء يجعل كريمته عند مثلك لحقيق بأكثر مما قلت؛ فأمضّه الوليد وشتمه وتسامعا وافترقا. وبلغ الوليد أنّ سلمى جزعت لما جرى وبكت وسبّت الوليد ونالت منه؛ فقال:
عتبت سلمى علينا سفاها ... أن هجوت اليوم فيها أباها
/ وذكر الأبيات. وقال أيضا في ذلك:
صوت
على الدّور [2] التي بليت سفاها [3] ... قفا يا صاحبيّ فسائلاها
دعتك صبابة ودعاك شوق ... وأخضل دمع عينك مأقياها [4]
وقالت عند هجوتنا [5] أباها ... أردت الصّرم فانتده انتداها [6]
أردت بعادنا بهجاء شيخي ... وعندك خلّة تبغي هواها
فإن رضيت فذاك وإن تمادت ... فهبها خطّة بلغت مداها
- غنّاه مالك بن أبي السّمح خفيف رمل بالسبّابة في مجرى الوسطى عن إسحاق. وللهذلي فيه ثاني ثقيل بالوسطى عن يونس والهشاميّ؛ وذكر حبش: أنّ الثقيل الثاني لإسحاق - يعني بقوله:
أردت بعادنا بهجاء شيخي
أنه كان هجا سعيد بن خالد، فقال:
ومن يك مفتاحا لخير يريده ... فإنك قفل يا سعيد بن خالد
قال المدائنيّ: لمّا غضبت سلمى من هجائه أباها قال يعتذر إليه بقوله:
__________
[1] كذا في جميع الأصول. ولعله: «أتردّني عن سلمى».
[2] في ح: «على الدار».
[3] السفا: التراب، والسفاة: الكبة منه.
[4] مأقي العين: طرفها مما يلي الأنف وهو مجرى الدمع من العين. ولعله جاء على لغة من يلزم المثنى الألف في كل أحواله.
[5] كذا في س. وفي سائر النسخ: «هجرتنا» بالراء، وهو تحريف.
[6] انتده انتداها: أي ازدجر ازدجارا. وندهه ندها: زجره ورده وطرده بالصياح.
ألا أبلغ أبا عثما ... ن عذرة معتب أسفا
فلست كمن يودّك بال ... لسان ويكثر الحلفا
/ عتبت عليّ في أشيا ... ء كانت بيننا سرفا
فلا تشمت بي الأعدا ... ء والجيران ملتهفا
تودّ لو أنّني لحم ... رأته الطير فاختطفا
ولا ترفع به رأسا [1] ... عفا الرحمن ما سلفا
ومنها وهو من سخيف شعره:
صوت
خبّروني أن سلمى ... خرجت يوم المصلّى
فإذا طير مليح ... فوق غصن يتفلّى
قلت من يعرف سلمى ... قال ها ثم تعلّى
قلت يا طير ادن منّي ... قال ها ثم تدلّى
قلت هل أبصرت سلمى ... قال لا ثم تولّى
فنكا [2] في القلب كلما ... باطنا ثم تعلّى
/ فيه ثقيل أوّل بالبنصر مطلق، ذكر الهشاميّ أنه لأبي كامل ولعمر الوادي، وذكر حبش أنه لدحمان.
ومنها:
صوت
اسقني يابن سالم قد أنارا ... كوكب الصبح وانجلى واستنارا
اسقني من سلاف ريق سليمى ... واسق هذا النديم كأسا عقارا
/ غنّاه ابن قدح [3] ثاني ثقيل بالوسطى من رواية حبش.
سأل المأمون ندماءه عن شعر يدل على أنه لملك ثم قال لهم: إنه شعر الوليد:
أخبرنا محمد بن العباس اليزيديّ قال حدّثني عمّي عبيد اللّه قال حدّثني أبي:
__________
[1] يريد: لا تذكره ولا تعلنه.
[2] نكا مسهل نكأ. ونكأ القرحة (من باب فتح): قشرها قبل أن تبرأ فنديت. والكلم: الجرح.
[3] راجع الحاشية رقم 5 ص 150 من الجزء الثاني من «الأغاني» طبع دار الكتب المصرية.
أنّ المأمون قال لمن حضره من جلسائه: أنشدوني بيتا لملك يدلّ البيت وإن لم يعرف قائله أنه شعر ملك؛ فأنشده بعضهم قول امرىء القيس:
أمن أجل أعرابيّة حلّ أهلها ... جنوب الملا [1] عيناك تبتدران
قال: وما في هذا مما يدلّ على ملكه! قد يجوز أن يقول هذا سوقة من أهل الحضر، فكأنه يؤنّب نفسه على التعلّق بأعرابيّة؛ ثم قال: الشعر الذي يدلّ على أن قائله ملك قول الوليد:
اسقني من سلاف ريق سليمى ... واسق هذا النديم كأسا عقارا
أما ترى إلى إشارته في قوله هذا النديم وأنها إشارة ملك. ومثل قوله:
لي المحض من ودّهم ... ويغمرهم نائلي
وهذا قول من يقدر بالملك على طويّات الرجال، يبذل [2] المعروف لهم ويمكنه استخلاصها لنفسه.
وفي هذا البيت مع أبيات قبله غناء وهو قوله:
صوت
سقيت أبا كامل ... من الأصفر البابلي
وسقّيتها معبدا ... وكلّ فتى بازل [3]
/لي المحض من ودّهم ... ويغمرهم نائلي
فما لا مني فيهم ... سوى حاسد جاهل
غنّاه أبو كامل ثقيلا أوّل بإطلاق الوتر في مجرى البنصر.
ومنها وهو من ملح [4] شعره:
صوت
أراني اللّه يا سلمى حياتي ... وفي يوم الحساب كما أراك
ألا تجزين من تيّمت عصرا ... ومن لو تطلبين لقد قضاك
ومن لو متّ مات ولا تموتي ... ولو أنسي [5] له أجل بكاك
ومن حقّا لو اعطي ما تمنّى ... من الدنيا العريضة ما عداك
__________
[1] الملا: موضع.
[2] في ب، س، م: «ليبذل».
[3] البازل: الكامل في عقله وتجربته. قال في «اللسان»: «و قد قالوا: رجل بازل على التشبيه بالبعير. وربما قالوا ذلك يعنون به كما له في عقله وتجربته». والبازل من الإبل: الذي استكمل الثامنة وطعن في التاسعة وفطر نابه. وليس بعد البازل اسم.
[4] كذا في أكثر الأصول. وفي س: «أملح». وفي ح: «جيد».
[5] أنسأ اللّه أجله: أخره.
ومن لو قلت مت فأطاق موتا ... إذا ذاق الممات وما عصاك
أثيبي عاشقا كلفا معنّى ... إذا خدرت له رجل دعاك
كانت العرب تقول: إن الإنسان إذا خدرت قدمه دعا باسم أحبّ الناس إليه فسكنت. في الخبر أن رجل عبد اللّه بن عمر خدرت؛ فقيل له: ادع باسم أحبّ الناس إليك؛ فقال:/ يا رسول اللّه، صلى اللّه على رسول اللّه وعلى [1] آله وسلّم. ذكر يونس أنّ في هذه الأبيات لحنا لسنان الكاتب، وذكرت دنانير أنه لحكم ولم تجنّسه [2].
/و منها:
صوت
ويح سلمى لو تراني ... لعناها ما عناني
متلفا في اللهو مالي ... عاشقا حور القيان
إنما أحزن قلبي ... قول سلمى إذ أتاني
ولقد كنت زمانا ... خالي الذّرع لشاني
شاق قلبي وعناني ... حبّ سلمى وبراني
ولكم لام نصيح ... في سليمى ونهاني
غنّته فريدة خفيف ثقيل بالوسطى عن عمرو. وفيه ثقيل أوّل ينسب إلى معبد؛ وهو فيما يذكر إسحاق يشبه غناءه وليس تعرف صحّته له، وذكر كثير الكبير أنه له، وذكر الهشاميّ أنه لابن المكيّ. وفيه لحكم هزج صحيح.
/ ومنها:
صوت
بلّغا عنّي سليمى ... وسلاها لي عمّا
فعلت في شأن صبّ ... دنف أشعرهمّا
ولقد قلت لسلمى ... إذ قتلت البين علما
أنت همّي يا سليمى ... قد قضاه الربّ حتما
نزلت في القلب قسرا ... منزلا قد كان يحمى
غنّاه حكم خفيف ثقيل. ولعمر الوادي فيه خفيف رمل بالخنصر في مجرى الوسطى عن إسحاق.
ومنها:
__________
[1] في «اللسان» (مادة خدر): «و في حديث ابن عمر رضي اللّه عنهما أنه خدرت رجله، فقيل له: ما لرجلك؟ قال: اجتمع عصبها؛ قيل: اذكر أحب الناس إليك؛ قال: يا محمد فبسطها».
[2] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «و لم يجنسها»، وهو تحريف.
صوت
يا سليمى يا سليمى ... كنت للقلب عذابا
يا سليمى ابنة عمّي ... برد الليل وطابا
أيّما واش وشى بي ... فاملئي فاه ترابا
ريقها في الصبح مسك ... باشر العذب الرّضابا
غنّاه عمر الوادي هزجا بالبنصر عن الهشاميّ، وذكر ابن المكيّ أنّه لمعان [1]. وفي كتاب إبراهيم أنه لعطرّد.
ومنها:
صوت
أسلمى تلك حيّيت ... قفي [2] نخبرك إن شيت
وقيلي ساعة نشك ... إليك الحبّ أو بيتي
فما صهباء لم تكس ... قذى من خمر بيروت
ثوت في الدّنّ أعواما ... ختيما عند حانوت
غنّاه عمر الوادي ثاني ثقيل بالوسطى عن عمرو.
ومنها:
صوت
يا من لقلب في الهوى متشعب ... بل من لقلب بالحبيب عميد
سلمى هواه ليس يعرف غيرها ... دون الطّريف ودون كلّ تليد
/ إن القرابة والسعادة ألّفا ... بين الوليد وبين بنت سعيد
يا قلب كم كلف الفؤاد بغادة ... ممكورة ريّا العظام خريد
غنّاه عمر الوادي رملا بالبنصر عن عمرو.
ومنها:
__________
[1] هكذا أثبتناه كما مرّ في (ج 2 ص 68 من هذه الطبعة) نقلا عن ب، س، ح. وقد ورد هنا في أ، ء، م: «يمان». وفي ب، س، ح:
«مان».
[2] في الأصول: «قفا» وهو تحريف.
صوت
قد تمنّى معشر إذا أطربوا ... من عقار وسوام [1] وذهب
ثم قالوا لي تمنّ واستمع ... كيف ننحو في الأماني والطلب
فتمنّيت سليمى إنها ... بنت عمّي من لهاميم [2] العرب
فيه للهذليّ خفيف ثقيل أوّل بالوسطى عن عمرو. وذكر الهشاميّ أن هذا الخفيف الثقيل لخالد صامة [3].
وذكر ابن المكيّ أن فيه لمالك ثاني ثقيل بالوسطى.
ومنها:
صوت
هل إلى أمّ سعيد ... من رسول أو سبيل
ناصح يخبر أنّي ... حافظ ودّ خليل
يبذل الودّ لغيري ... وأكافي بالجميل
لست أرضى لخليلي ... من وصالي بالقليل
غنّاه عمر الوادي هزجا خفيفا بالسبّابة في مجرى الوسطى.
/ ومنها:
صوت
طاف من سلمى خيال ... بعد ما نمت فهاجا
قلت عج نحوي أسائل ... ك عن الحبّ فعاجا
يا خليلي يا نديمي ... قم فأنفث [4] لي سراجا
بفلاة ليس ترعى ... أنبتت شيحا وحاجا [5]
غنّاه عمر الوادي ثانيّ ثقيل بالوسطى عن عمرو. ولابن سريج فيه خفيف رمل بالوسطى عن حبش. ولأبي سلمى المدنيّ ثقيل أوّل عن ابن خرداذبه.
ومنها:
__________
[1] السوام: كل ما رعى من المال في الفلوات.
[2] اللهاميم: جمع لهموم، وهو الجواد من الناس والخبل.
[3] كذا في «الأغاني» (ج 8 ص 161 و162 وج 21 ص 170 و171 طبع بولاق، و «الكامل» للمبرد ج 1 ص 386 طبع أوروبا).
وفي ب، س في هذا الموضع: «خاصة» بالخاء والصاد. وفي سائر الأصول: «خامة» بالخاء والميم، وهما تحريف.
[4] النفث: النفخ. ولعله قطعت همزة الوصل فيه للضرورة، إذ لم يرد في معاجم اللغة في مادّة نفث إلا الثلاثي.
[5] الحاج: نبت من الحمض.
صوت
أمّ سلّام أثيبي عاشقا ... يعلم اللّه يقينا ربّه
أنّكم من عيشه في نفسه ... يا سليمى فاعلميه حسبه
فارحميه إنه يهذي بكم ... هائم صبّ قد أودى قلبه
أنت لو كنت له راحمة ... لم يكدّر يا سليمى شربه
غنّاه حكم رملا بالسبابة في مجرى البنصر عن إسحاق. وذكر عمرو بن بانة أن فيه لابن سريج/ رملا بالوسطى.
ومنها:
صوت
ربّ بيت كأنه متن سهم ... سوف نأتيه من قرى بيروت
من بلاد ليست لنا ببلاد ... كلما جئت نحوها حييت
/ أمّ سلّام لا برحت بخير ... ثم لا زلت جنّتي ما حييت
طربا نحوكم وتوقا وشوقا ... لادّ كاريكم [1] وطيب المبيت
حيثما كنت من بلاد وسرتم ... فوقاك الإله ما قد خشيت
في البيت الأوّل والثاني لابن عائشة ثقيل أوّل بالسبابة في مجرى البنصر عن الهشاميّ، وذكر غيره [2] أنه لإبراهيم. وفي الثالث وما بعده والثاني لابن عائشة أيضا رمل بالوسطى، ولابن سريج خفيف رمل بالبنصر. وقيل:
إن الرّمل لعمر الوادي، وهو أن يكون له أشبه.
ومنها:
صوت
طرقتني وصحابي هجوع ... ظبية أدماء مثل الهلال
مثل قرن الشمس لما تبدّت ... واستقلّت في رؤوس [3] الجبال
تقطع الأهوال نحوي وكانت ... عندنا سلمى ألوف الحجال
كم أجازت نحونا من بلاد ... وحشة قتّالة للرجال
__________
[1] في ب، س، ح: «لادّكاربكم» بالباء الموحدة.
[2] كذا في ب، س، ح، وفي سائر النسخ: «بجير» ولم نعثر على هذا الاسم في رواة الألحان.
[3] كذا في ب، س. وفي سائر النسخ: «فوق روس».
لابن محرز فيه ثقيل أوّل مطلق في مجرى الوسطى عن إسحاق في الثاني والثالث. ولابن سريج في الأوّل وما بعده خفيف ثقيل بالوسطى عن عمرو. وفيه لحن لابن عائشة ذكر الهشاميّ أنه رمل بالوسطى. وفيه خفيف رمل ينسب إلى ابن سريج وعمر الوادي.
/ ومنها:
صوت
أنا الوليد الإمام مفتخرا ... أنعم بالي وأتبع الغزلا
أهوى سليمى وهي تصرمني ... وليس حقّا جفاء من وصلا
أسحب بردى إلى منازلها ... ولا أبالي مقال من عذلا
غنّى فيه أبو كامل رملا بالبنصر. وغنّى عمر الوادي فيه خفيف رمل بالوسطى، ويقال إن هذا اللحن للوليد.
أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه قال:
قال الوليد على لسان سلمى:
صوت
اقر منّي على الوليد السلاما ... عدد النجم قلّ ذا للوليد
حسدا ما حسدت أختي عليه ... ربّنا بيننا وبين سعيد
غنّاه الهذليّ خفيف ثقيل أوّل بالوسطى عن ابن المكيّ.
غضب على جاريته صدوف ثم صالحها لشعر رجل من قريش:
حدّثني محمد بن يحيى الصّوليّ قال حدّثنا خالد بن النّضر القرشيّ بالبصرة قال حدّثنا أبو حاتم السّجستانيّ قال حدّثنا العتبيّ قال:
كانت للوليد بن يزيد جارية يقال لها صدوف؛ فغاضبها، ثم لم يطعه قلبه فجعل يتسبّب لصلحها، فدخل عليه رجل قرشيّ من أهل المدينة فكلّمه في حاجة وقد عرف خبره، فبرم به؛ فأنشده:
/أعتبت أن عتبت عليك صدوف ... وعتاب مثلك مثلها تشريف
/ لا تقعدنّ تلوم نفسك دائما ... فيها وأنت بحبّها مشغوف
إن القطيعة لا يقوم لمثلها ... إلا القويّ، ومن يحبّ ضعيف
الحبّ أملك بالفتى من نفسه ... والذلّ فيه مسلك مألوف
قال: فضحك وجعل ذلك سببا لصلحها، وأمر بقضاء حوائج القرشيّ كلّها.
استقدم حمادا الرواية ليسأله عن شعر وأجازه:
أخبرني الحسن بن علي عن أحمد بن الحارث عن المدائنيّ قال قال حمّاد الرّاوية:
استدعاني الوليد بن يزيد وأمر لي بألفين لنفقتي وألفين لعيالي، فقدمت عليه. فلما دخلت داره قال لي الخدم: أمير المؤمنين من خلف الستارة الحمراء، فسلّمت بالخلافة؛ فقال لي: يا حمّاد؛ قلت: لبّيك يا أمير المؤمنين؛ قال: «ثم ثاروا»؛ فلم أدر ما يعني فقال: ويحك يا حمّاد! «ثم ثاروا»؛ فقلت في نفسي: راوية أهل العراق لا يدري عمّا يسأل! ثم انتبهت فقلت:
ثم ثاروا إلى الصّبوح فقامت ... قينة في يمينها إبريق
قدّمته على عقار كعين ... الدّيك صفّى سلافها الرّاووق
ثم فضّ الختام عن حاجب [1] الدّ ... نّ وقامت لدى اليهوديّ سوق
فسباها منه أشمّ عزيز ... أريحيّ غذاه عيش رقيق
- الشعر لعديّ بن زيد. والغناء لحنين خفيف ثقيل أوّل بالبنصر. وفيه لمالك خفيف رمل. ولعبد اللّه بن العباس الرّبيعيّ رمل، كل ذلك عن الهشاميّ - قال: فإذا جارية قد أخرجت كفّا لطيفة من تحت الستر في يدها قدح، واللّه ما أدري/ أيّهما أحسن الكفّ أم القدح؛ فقال: ردّيه فما أنصفناه! تغدّينا ولم نغدّه! فأتيت بالغداء، وحضر أبو كامل مولاه فغنّاه:
صوت
أدر الكأس يمينا ... لا تدرها ليسار
اسق هذا ثم هذا ... صاحب العود النّضار
من كميت عتّقوها ... منذ دهر في جرار
ختموها بالأفاوي ... ه [2] وكافور وقار
فلقد أيقنت أنّي ... غير مبعوث لنار
سأروض الناس حتى ... يركبوا أير [3] الحمار
وذروا من يطلب الج ... نة يسعى لتبار [4]
- فيه هزجان بالوسطى والبنصر لعمر الوادي وأبي كامل - فطرب وبرز إلينا وعليه غلالة مورّدة، وشرب حتى سكر. فأقمت عنده مدّة ثم أذن بالانصراف؛ وكتب لي إلى عامله بالعراق بعشرة آلاف درهم.
حكايات تروى عن تهتكه:
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا أحمد بن الحارث الخرّاز عن المدائنيّ قال:
لما ولي الوليد بن يزيد لهج بالغناء والشّراب والصيد، وحمل المغنّين من المدينة وغيرها إليه وأرسل إلى
__________
[1] في ب، س، م: «صاحب» وهو تحريف.
[2] الأفاويه: ما يعالج به الطيب وهي أيضا ما أعدّ للطيب من الرياحين.
[3] في أ، ء: «دين الحمار».
[4] التبار: الهلاك.
أشعب فجاء [1] به، فألبسه سراويل من جلد قرد له ذنب، وقال/ له: ارقص وغنّني شعرا يعجبني؛ فإن فعلت فلك ألف درهم؛ فغنّاه فأعجبه فأعطاه ألف درهم.
/ ودخل إليه يوما، فلما رآه الوليد كشف عن أيره وهو منعظ - قال أشعب: فرأيته كأنه مزمار آبنوس مدهون - فقال لي: أرأيت مثله قطّ؟ قلت: لا يا سيّدي؛ قال: فاسجد له، فسجدت ثلاثا؛ فقال: ما هذا؟ قلت: واحدة لأيرك وثنتين لخصيتيك. قال: فضحك وأمر لي بجائزة.
قال: وتكلم بعض جلسائه والمغنّية تغنّي، فكره ذلك وأضجره؛ فقال لبعض جلسائه: قم فنكه، فقام فناكه والناس حضور وهو يضحك.
وذكرت جارية أنه واقعها يوما وهو سكران؛ فلما تنحّى عنها آذنه المؤذّن بالصلاة، فحلف ألّا يصلّي بالناس غيرها؛ فخرجت متلّثمة فصلّت بالناس.
قال: ونزل على غدير ماء فاستحسنه. فلما سكر حلف ألّا يبرح حتى يشرب ذلك الغدير كلّه ونام، فأمر العلاء بن البندار بالقرب والرّوايا فأحضرت، فجعل ينزحه ويصبّه على الأرض والكثب التي حولهم حتى لم يبق فيه شي ء؛ فلما أصبح الوليد رآه قد نشف فطرب وقال: أنا أبو العباس! ارتحلوا. فارتحل الناس.
نسخت من كتاب الحسين بن فهم قال النّضر بن حديد حدّثني ابن أبي جناح قال أخبرني عمر بن جبلة:
أنّ الوليد بن يزيد بات عند امرأة وعدته المبيت؛ فقال حين انصرف:
قامت إليّ بتقبيل تعانقني ... ريّا العظام كأن المسك في فيها
أدخل فديتك لا يشعر بنا أحد ... نفسي لنفسك من داء تفدّيها
بتنا كذلك لا نوم على سرر ... من شدّة الوجد تدنيني وأدنيها
/ حتى إذا ما بدا الخيطان [2] قلت لها ... حان الفراق فكاد الحزن يشجيها
ثم انصرفت ولم يشعر بنا أحد ... واللّه عنّي بحسن الفعل يجزيها
مر بنسوة من بني كلب استسقاهن وقال فيهن شعرا:
وحدّثني النّضر بن حديد قال حدّثنا هشام بن الكلبيّ عن خالد بن سعيد قال:
مرّ الوليد بن يزيد وهو متصيّد بنسوة من بني كلب من بني المنجاب، فوقف عليهن واستسقاهنّ وحدّثهن وأمر لهنّ بصلة، ثم مضى وهو يقول:
ولقد مررت بنسوة أعشينني ... حور المدامع من بني المنجاب
فيهنّ خرعبة [3] مليح دلّها ... غرثى الوشاح دقيقة الأنياب
__________
[1] كذا في جميع النسخ. ولعله: «فجيء به».
[2] الخيطان: يعني بهما الخيط الأبيض والخيط الأسود من الفجر. قال اللّه تعالى: حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ
وقد فسرهما صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: «إنما ذلك سواد الليل وبياض النهار».
[3] الخرعبة: اللينة الرخصة الحسنة الخلق.
زين الحواضر ما ثوت في حضرها ... وتزين باديها من الأعراب
أطلق غزالا صاده لشبهه سلمى:
قال النّضر وحدّثني ابن الكلبيّ عن أبيه:
أن الوليد خرج يتصيّد ذات يوم، فصادت كلابه غزالا، فأتي به فقال: خلّوه [1]، فما رأيت أشبه منه جيدا وعينين بسلمى. ثم أنشأ يقول:
ولقد صدنا غزالا سانحا ... قد أردنا ذبحه لما سنح
فإذا شبهك ما ننكره ... حين أزجى [2] طرفه ثم لمح
فتركناه ولو لا حبّكم ... فاعلمي ذاك لقد كان انذبح
أنت يا ظبي طليق آمن ... فاغد في الغزلان مسرورا ورح
بعث إلى شراعة بن الزندبوذ وماجنه:
نسخت من كتاب الحسين بن فهم قال أخبرني عمرو عن أبيه عن عمرو بن واقد الدمشقيّ/ قال:
/ بعث الوليد بن يزيد إلى شراعة [3] بن الزّندبوذ، فلما قدم عليه قال: يا شراعة، إني لم أستحضرك لأسألك عن العلم ولا لأستفتيك في الفقه ولا لتحدّثني ولا لتقرئني القرآن؛ قال: لو سألتني عن هذا لوجدتني فيه حمارا.
قال: فكيف علمك بالفتوّة؟ قال: ابن بجدتها، وعلى الخبير بها سقطت، فسل عما شئت. قال: فكيف علمك بالأشربة؟ قال: ليسألني أمير المؤمنين عما أحبّ. قال: ما قولك في الماء؟ قال: هو الحياة، ويشركني فيه الحمار.
قال: فاللّبن؟ قال: ما رأيته قطّ إلا ذكرت أميّ فاستحيت. قال: فالخمر؟ قال: تلك السارّة البارّة [4] وشراب أهل الجنة. قال: للّه درّك! فأيّ شيء أحسن ما يشرب عليه؟ قال: عجبت لمن قدر أن يشرب على وجه السماء في كنّ من الحرّ والقرّ كيف يختار عليها شيئا!.
الوليد وحادثة المصحف:
قال وأخبرنا عمرو عن أبيه عن يحيى بن سليم قال:
دعا الوليد بن يزيد ذات ليلة بمصحف؛ فلما فتحه وافق ورقة فيها: وَاسْتَفْتَحُوا وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ. مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ
، فقال: أسجعا سجعا! علّقوه؛ ثم أخذ القوس والنّبل فرماه حتى مزّقه؛ ثم قال:
أتوعد كلّ جبّار عنيد ... فها أنا ذاك جبار عنيد
إذا لاقيت ربّك يوم حشر ... فقل [5] للّه مزّقني الوليد
__________
[1] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «حلوه» بالحاء المهملة، وهو تصحيف.
[2] لعلها «أرخى» بالخاء المعجمة، فصحفها الناسخ.
[3] كان من المجان الندماء، من أصحاب والبة بن الحباب ومطيع بن زياد وحماد عجرد. (انظر ما كتب عنه في «الأغاني» ج 10 ص 135، ج 12 ص 96 و106، ج 13 ص 79 و134 طبع بولاق).
[4] في ب، س، ح: «الباردة».
[5] في ء: «فقل يا رب مزقني» وفي م: «فقل يا رب خرقي». وفي أ، ح: «فقل للّه خرقني».
قال: فما لبث بعد ذلك إلا يسيرا حتى قتل.
غضب على جارية أمرها بالغناء في شعر لم تعرفه:
أخبرني إسماعيل بن يونس قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثني إسحاق بن إبراهيم قال حدّثني معاوية بن بكر عن يعقوب بن عيّاش المروزيّ (من أهل ذي [1] المروة) أن أباه حمل عدّة جوار إلى الوليد بن يزيد؛ فدخل إليه وعنده أخوه عبد الجبار وكان حسن الوجه والشّعرة وفيّها؛ فأمر الوليد جارية منهنّ أن تغنّي:
لو كنت من هاشم أو من بني أسد ... أو عبد شمس أو أصحاب اللّوا الصّيد
وأمرها أخوه أن تغنّي:
أتعجب أن طربت لصوت حاد ... حدا بزلا يسرن ببطن واد
فغنّت ما أمرها به الغمر [2]؛ فغضب الوليد واحمرّ وجهه، وظن أنها فعلت ذلك ميلا إلى أخيه. وعرفت الشرّ في وجهه، فاندفعت فغنّت:
صوت
أيها العاتب الذي خاف هجري ... وبعادي وما عمدت [3] لذاكا
أ ترى أنّني بغيرك صبّ ... جعل اللّه من تظنّ فداكا
أنت كنت الملول في غير شيء ... بئس ما قلت ليس ذاك كذاكا
ولو أنّ الذي عتبت عليه ... خيّر الناس واحدا ما عداكا
فارض عنّي جعلت نعليك إنّي ... والعظيم الجليل أهوى رضاكا
/ - الشعر لعمر [4]. والغناء لمعبد من روايتي يونس وإسحاق، ولحنه من خفيف الثقيل بإطلاق الوتر في مجرى البنصر. وذكر حماد في أخبار ابن عائشة أن له فيه لحنا - قال: فسرّي عن الوليد وقال لها: ما منعك أن تغنّي ما دعوتك إليه؟ قالت: لم أكن أحسنه، وكنت أحسن الصوت/ الذي سألنيه، أخذته من ابن عائشة؛ فلما تبيّنت غضبك غنّيت هذا الصوت وكنت أخذته من معبد. تعني الذي اعتذرت به إليه.
__________
[1] ذو المروة: قرية بوادي القرى.
[2] في هذا الخبر الذي ساقه أبو الفرج تباين؛ فقد ذكر أن عبد الجبار هو الذي أمر الجارية بالغناء ثم قال بعد ذلك: «فغنت ما أمرها به الغمر» والغمر من أولاد يزيد بن عبد الملك وأخو الوليد. ولم نقف على أسماء أولاد يزيد كلهم. غير أن ابن قتيبة في «المعارف» و «صاحب عقد الجمان» وغيرهما ذكروا أن ليزيد ثمانية ذكور ولم يسموهم. فالغالب أن في الخبر تحريفا في أحد الاسمين لم نتبين صوابه لخلو المصادر التاريخية والأدبية التي بين أيدينا من هذا الخبر.
[3] في ب، س: «عهدت»، وهو تحريف.
[4] وردت هذه الأبيات في ديوانه (ص 162 طبع أوروبا) باختلاف عما هنا.
نسبة ما في هذا الخبر من الغناء
صوت
لو كنت [1] من هاشم أو من بني أسد ... أو عبد شمس أو أصحاب اللّوا الصّيد [2]
أو من بني نوفل أو آل مطّلب ... أو من بني جمح الخضر الجلاعيد [3]
أو من بني زهرة [4] الأبطال قد عرفوا ... للّه درّك لم تهمم بتهديد
الشعر لحسّان بن ثابت، يقوله لمسافع بن عياض أحد بني تيم بن مرّة، وخبره يذكر بعد هذا. والغناء لابن سريج خفيف رمل بالخنصر [5]، وقيل: إنه لمالك.
/ ومنها:
صوت
أتعجب أن طربت لصوت حاد ... حدا بزلا يسرن ببطن واد
فلا تعجب فإن الحبّ أمسى ... لبثنة في السّواد من الفؤاد
الشعر لجميل. والغناء لابن عائشة رمل بالبنصر.
غنته جارية بشعر المخزومي فطرب وأمر بشرائها:
أخبرني إسماعيل بن يونس الشّيعيّ قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثني إسحاق بن إبراهيم قال:
عرضت على الوليد بن يزيد جارية مغنيّة؛ فقال لها: غنّي؛ فغنّت:
صوت
لو لا الذي حمّلت من حبّكم ... لكان من إظهاره مخرج
أو مذهب في الأرض ذو فسحة ... أجل ومن حجّت له مذحج
لكن سباني منهم شادن ... مربّب بينهم أدعج
__________
[1] وردت هذه القصيدة في «ديوانه» و «الكامل» و «المبرد» (ج 1 ص 141) باختلاف عما هنا.
[2] هاشم: يريد به هاشم بن عبد مناف بن قصيّ. وبنو أسد هم بنو أسد بن عبد العزي بن قصيّ. وعبد شمس هو ابن عبد مناف بن قصيّ. وأصحاب اللواء: بنو عبد الدار بن قصيّ. والصيد: جمع أصيد وهو الملك أو من هو رافع رأسه كبرا.
[3] بنو نوفل هم بنو نوفل بن عبد مناف بن قصيّ. وآل مطلب، هم أبناء المطلب بن عبد مناف بن قصيّ. وبنو جمح هم بنو جمح بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي. والخضر فيه قولان: أحدهما أنه يريد سواد جلودهم كما قال الفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهب:
وأنا الأخضر من يعرفني ... أخضر الجلدة في بيت العرب
والقول الثاني أنه شبههم في جودهم بالبحور. والجلاعيد: الشداد الصلاب، وأحدهم جلعد، وزاد الياء للحاجة.
[4] بنو زهرة: أبناء زهرة بن كلاب بن مرة. (انظر «الكامل» ص 142 طبع أوروبا في شرح هذه الأبيات).
[5] في أ، ء، م: «بالبنصر».
أغرّ ممكور هضيم الحشى ... قد ضاق عنه الحجل والدّملج
فقال لها الوليد: لمن هذا الشعر؟ قالت: للوليد بن يزيد المخزوميّ. قال: فممّن أخذت الغناء؟ قالت: من حنين. فقال: أعيديه، فأعادته فأجادت؛ فطرب الوليد ونعر [1] وقال: أحسنت وأبى وجمعت كلّ ما يحتاج إليه في غنائك، وأمر بابتياعها، وحظيت عنده.
غنّى في هذا الصوت ابن سريج ولحنه رمل بالبنصر. وغنّى فيه إسحاق فيما ذكر الهشاميّ خفيف ثقيل.
/ وممّا يغنّى به من هذه القصيدة:
صوت
قد صرّح القوم وما لجلجوا ... لجّوا علينا ليت لم يلججوا
باتوا وفيهم كالمها طفلة ... قد زانها الخلخال والدّملج
غنّاه صباح [2] الخيّاط خفيف ثقيل بالبنصر. وغنّى فيه ابن أبي الكنّات خفيف ثقيل بالوسطى.
حسان بن ثابت وهجوه مسافع بن عياض:
فأمّا خبر الشعر الذي قاله حسّان بن ثابت لمسافع بن عياض أحد بني تيم بن مرّة، فأخبرني به الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثنا عثمان بن عبد الرحمن:
أنّ عبيد [3] اللّه بن معمر وعبد اللّه [4] بن عامر بن كريز اشتريا من عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه رقيقا ممّن سبي، ففضل عليهما ثمانون ألف درهم؛ فأمر بهما عمر أن يلزما [5]. فمرّ/ بهما طلحة [6] بن عبيد اللّه وهو يريد الصلاة في مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم/ فقال: ما لابن معمر يلازم؟ فأخبر خبره؛ فأمر له بالأربعين ألفا [7] التي عليه تقضى عنه. فقال ابن معمر لابن عامر: إنها إن قضيت عنّي بقيت ملازما، وإن قضيت عنك لم يتركني طلحة حتى يقضي عنّي؛ فدفع إليه الأربعين ألفا [7] درهم فقضاها ابن عامر عن نفسه وخلّيت سبيله. فمرّ طلحة منصرفا من
__________
[1] نعر: صوّت بخيشومه وهو كناية عن الطرب والاستحسان.
[2] في ح «صياح» بالياء المثناة من تحت.
[3] هو عبيد اللّه بن معمر بن عثمان بن عمرو القرشيّ التيميّ، اختلف في صحبته، قيل: إنه صحب النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وكان من أحدث أصحابه سنا، وقيل: إنه لا يطلق على مثله أنه صحب النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وهو غلام. واستشهد باصطخر مع ابن عامر وهو ابن أربعين سنة وكان على مقدمة الجيش. (راجع «أسد الغابة في معرفة الصحابة» ج 3 ص 345 طبع بولاق).
[4] هو عبد اللّه بن عامر بن كريز بن ربيعة القرشي العبشمي ابن خال عثمان بن عفان. ولد على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. وكان كريما ميمون النقيبة. واستعمله عثمان على البصرة سنة تسع وعشرين وهو ابن خمس وعشرين سنة، فافتتح خراسان كلها وأطراف فارس وسجستان وكرمان. وكان أحد الأجواد الممدّحين توفي سنة سبع وخمسين أو ثمان وخمسين. (راجع «أسد الغابة» ج 3 ص 191 طبع بولاق).
[5] لزم الغريم ولازمه: تعلق به.
[6] هو طلحة بن عبيد اللّه بن عثمان بن عمرو القرشيّ التيميّ، يعرف بطلحة الخير وطلحة الفياض. وهو من السابقين الأولين إلى الإسلام، شهد أحدا وما بعدها وبايع بيعة الرضوان وأبلى يوم أحد بلاء عظيما ووقى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بنفسه. قتل يوم الجمل لعشر خلون من جمادي الآخرة سنة ست وثلاثين، وكان عمره ستين أو اثنتين وستين أو أربعا وستين سنة. (راجع «أسد الغابة» ج 3 ص 59).
[7] في الأصول: «الألف» بالألف واللام.
الصلاة فوجد ابن معمر يلازم فقال: ما لابن معمر؟ ألم آمر بالقضاء عنه! فأخبر بما صنع؛ فقال: أمّا ابن معمر فعلم أنّ له ابن عم لا يسلمه، احملوا عنه أربعين ألف درهم فاقضوها عنه، ففعلوا وخلّي سبيله. فقال حسّان بن ثابت لمسافع بن عياض بن صخر بن عامر بن كعب بن سعد بن تيم بن مرّة:
يا آل تيم ألا تنهون جاهلكم ... قبل القذاف بصمّ كالجلاميد
فنهنهوه [1] فإنّي غير تارككم ... إن عاد ما اهتزّ ماء في ثرى عود
لو كنت من هاشم أو من بني أسد ... أو عبد شمس أو أصحاب اللّوا الصّيد
أو من بني نوفل أو آل مطّلب ... أو من بني جمح الخضر الجلاعيد
أو من بني زهرة الأبطال قد عرفوا ... للّه درّك لم تهمم بتهديد
أو في الدّؤابة من تيم إذا انتسبوا ... أو من بني الحارث البيض الأماجيد
لكن سأصرفها عنكم وأعدلها ... لطلحة بن عبيد اللّه ذي الجود
رجع الخبر إلى سياقة أخبار الوليد:
الوليد بن يزيد وأبو الأقرع الشاعر:
أخبرني الحسن بن علي قال حدّثنا ابن مهرويه قال حدّثنا عبد اللّه بن عمرو قال قال الهيثم حدّثني ابن عيّاش قال:
/ دخل أبو [2] الأقرع على الوليد بن يزيد؛ فقال له: أنشدني قولك في الخمر؛ فأنشده قوله:
كميت إذا شجّت وفي الكأس وردة ... لها في عظام الشاربين دبيب
تريك القذى من دونها وهي دونه ... لوجه أخيها في الإناء قطوب
فقال الوليد: شربتها يا أبا الأقرع وربّ الكعبة! فقال: يا أمير المؤمنين، لئن كان نعتي لها رابك لقد رابني معرفتك بها.
رأى أم حبيب بنت عبد الرحمن بن مصعب بن عبد الرحمن فأعجبته:
أخبرني الحسن قال حدّثني ابن مهرويه قال حدّثني عبد اللّه بن عمرو قال قال المدائنيّ:
نظر الوليد بن يزيد إلى أم حبيب بنت عبد الرحمن بن مصعب بن عبد الرحمن بن عوف وقد مرّوا بين يديها بالشمع ليلا؛ فلما رآها أعجبته وراعه جمالها وحسنها؛ فسأل عنها فقيل له: إن لها زوجا؛ فأنشأ يقول:
__________
[1] نهنهوه: ازجروه وكفوه.
[2] كذا فيما سيأتي من «الأغاني» في الكلام على ترجمته (ج 12 ص 25 طبع بولاق). وهو عبد اللّه بن الحجاج بن محصن بن جندب، شاعر فاتك شجاع من معدودي فرسان مضر. خرج على عبد الملك بن مروان مع عمرو بن سعيد الأشدق ثم استأ من عبد الملك فأمنه. وفي جميع النسخ هنا: «ابن الأقرع».
صوت
إنما هاج لقلبي ... شجوه بعد المشيب
نظرة قد وقرت في ال ... قلب من أمّ حبيب
فإذا ما ذقت فاها ... ذقت عذبا ذا غروب [1]
خالط الراح بمسك ... خالص غير مشوب
/ غنّاه ابن محرز خفيف رمل بالوسطى عن الهشاميّ؛ وذكر عمرو بن بانة أنه للأبجر، وهو الصحيح.
الوليد بن يزيد في آخر دولته:
أخبرني عمّي قال حدّثني الكرانيّ عن النّضر بن عمرو عن العتبيّ قال:
لمّا ظهرت المسوّدة [2] بخراسان كتب نصر بن سيّار إلى الوليد [3] يستمدّه، فتشاغل عنه؛ فكتب إليه كتابا وكتب في أسفله يقول:
أرى خلل الرّماد وميض جمر ... وأحر بأن يكون له ضرام
فإن النار بالعودين تذكى ... وإنّ الحرب مبدؤها الكلام
فقلت من التعجّب ليت شعري ... أأيقاظ أميّة أم نيام
فكتب إليه الوليد: قد أقطعتك خراسان، فاعمل لنفسك أودع، فإني مشغول عنك بابن سريج ومعبد والغريض.
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا ابن مهرويه قال حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد عن ابن الصبّاح عن ابن الكلبيّ عن حمّاد الراوية قال:
دخلت يوما على الوليد وكان آخر يوم لقيته فيه، فاستنشدني فأنشدته كلّ ضرب من شعر أهل الجاهليّة والإسلام؛ فما هشّ لشيء منه حتى أخذت في السّخف فأنشدته لعمّار [4] ذي مجنبذا [5]:
/أشتهي منك منك من ... ك مكانا مجنبذا [6]
__________
[1] الغروب: جمع غرب وهو كثرة ريق الفم وبللّه. وغروب الأسنان: مناقع ريقها، وقيل: أطرافها وحدتها وماؤها. قال عنترة:
إذ تستبيك بذي غروب واضح ... عذب مقبله لذيذ المطعم
[2] المسوّدة: المراد بهم دعاة بني العباس. وكان السواد شعارا للعباسيين وشيعتهم.
[3] الذي في «مروج الذهب» (ج 2 ص 159 طبع بولاق) و «ابن الأثير» (ج 5 ص 278 طبع أوروبا) وسائر كتب التاريخ أن نصر بن سيار إنما بعث بهذا الشعر إلى مروان بن محمد الجعدي آخر ملوك بني أمية.
[4] كذا في ح، ب مصححة بقلم المرحوم الشنقيطي وهو الموافق لما سيأتي في «الأغاني» (ج 20 ص 174 طبع بولاق) في ترجمته وهو عمار بن عمرو بن عبد الأكبر يلقب ذا كنار. كان شاعرا ماجنا خميرا معاقرا للشراب وقد حدّ فيه مرارا، وكان يقول شعرا طريفا يضحك من أكثره جم السخف. وهو صديق حماد الراوية. وقد نشأ في دولة بني أمية. وفي سائر النسخ: «عمار بن ذي كناز».
والظاهر أن لفظة «ابن مقحمة من الناسخ.
[5] وردت هذه الكلمة هكذا في الأصول ولا معنى لها.
[6] في ب، س، ح: «بجنب ذا»، وهو تحريف. والمجنبذ: المرتفع.
فأجا [1] فيه فيه في ... ه بأير كمثل ذا
ليت أيري وحرك يو ... ما جميعا تجابذا [2]
فأخذ ذا بشعر ذا ... وأخذ ذا بقعر ذا
فضحك حتى استلقى وطرب، ودعا بالشراب فشرب؛ وجعل يستعيدني الأبيات فأعيدها حتى سكر وأمر لي بجائزة؛ فعلمت أن أمره قد أدبر. ثم أدخلت على أبي مسلم فاستنشدني فأنشدته، قول الأفوه [3]:
لنا معاشر لم يبنوا لقومهم
فلما بلغت إلى قوله:
تهدى الأمور بأهل الرشد ما صلحت ... وإن تولّت فبالأشرار تنقاد
قال: أنا ذلك الذي تنقاد به الناس؛ فأيقنت حينئذ أنّ أمره مقبل.
خطب يوما خطبة الجمعة بشعر:
أخبرني محمد بن خلف وكيع قال: وجدت في كتاب [4] عن عبيد اللّه بن سعيد الزّهريّ عن عمر عن أبيه قال:
خرج الوليد بن يزيد وكان مع أصحابه على شراب؛ فقيل له: إن اليوم الجمعة؛ فقال: واللّه لأخطبنّهم اليوم بشعر؛ فصعد المنبر فخطب فقال:
الحمد للّه وليّ الحمد ... أحمده في يسرنا والجهد
وهو الذي في الكرب أستعين ... وهو الذي ليس له قرين
/ أشهد في الدنيا وما سواها ... أن لا إله غيره إلها
ما إن له في خلقه شريك ... قد خضعت لملكه الملوك
أشهد أن الدّين دين أحمد ... فليس من خالفه بمهتدي
وأنّه رسول ربّ العرش ... القادر الفرد الشديد البطش
أرسله في خلقه نذيرا ... وبالكتاب واعظا بشيرا
/ ليظهر اللّه بذاك الدّينا ... وقد جعلنا قبل مشركينا
من يطع اللّه فقد أصابا ... أو يعصه أو الرسول خابا
ثم القران والهدى السبيل ... قد بقيا لمّا مضى الرسول
__________
[1] أجا مسهل أجأ: والوج ء: اللكز.
[2] في ح وفيما سيأتي في ترجمته: «تآخذا».
[3] هو الأفوه الأودى واسمه صلاة بن عمرو من مذحج ويكنى أبا ربيعة. وقد وردت هذه القصيدة في ديوانه (نسخة ضمن مجموعة مخطوطة بقلم الشيخ الشنقيطي محفوظة بدار الكتب المصرية برقم 12 أدب ش) ومطلعها فيه وفي «الأغاني» (ج 11 ص 44 طبع بولاق) يختلف عما هنا.
[4] في ح: «كتاب عبيد اللّه بن سعيد».
كأنّه لما بقى لديكم ... حيّ صحيح لا يزال فيكم
إنّكم من بعد إن تزلّوا ... عن قصده أو نهجه تضلّوا
لا تتركن نصحي فإني ناصح ... إنّ الطريق فاعلمنّ واضح
من يتقّ اللّه يجد غبّ التّقى ... يوم الحساب صائرا إلى الهدى
إن التّقى أفضل شيء في العمل ... أرى جماع البرّ فيه قد دخل
خافوا الجحيم إخوتي لعلّكم ... يوم اللقاء تعرفوا ما سرّكم
قد قيل في الأمثال لو علمتم ... فانتفعوا بذاك إن عقلتم
ما يزرع الزارع يوما يحصده ... وما يقدّم من صلاح يحمده
فاستغفروا ربّكم وتوبوا ... فالموت منكم فاعلموا قريب
ثم نزل.
الوليد بن يزيد والوليد البندار:
أخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن عمّار قال حدّثني عليّ بن محمد النّوفليّ عن أبيه عن الوليد البندار [1] قال:
/ حججت مع الوليد بن يزيد؛ فقلت له لما أراد أن يخطب الناس: أيها الأمير، إن اليوم يوم يشهده الناس من جميع الآفاق، وأريد أن تشرّفني بشيء. قال: وما هو؟ قلت: إذا علوت المنبر دعوت بي فيتحدّث الناس بذلك وبأنك أسررت إليّ شيئا؛ فقال: أفعل. فلما جلس على المنبر قال: الوليد البندار؛ فقمت إليه؛ فقال: ادن منّي فدنوت؛ فأخذ بأذني ثم قال: البندار ولد زنا، والوليد ولد زنا، وكلّ من ترى حولنا ولد زنا، أفهمت؟ قلت: نعم؛ قال: انزل الآن، فنزلت.
نادرة له مع أشعب:
أخبرني محمد بن العباس اليزيديّ قال حدّثنا الخليل بن أسد قال حدّثنا العمريّ عن الهيثم بن عديّ عن أشعب قال:
دخلت على الوليد بن يزيد الخاسر وقد تناول نبيذا، فقال لي: تمنّ؛ فقلت: يتمنّي أمير المؤمنين ثم أتمنّي؛ قال: فإنما أردت أن تغلبني، فإني لأتمنّى ضعف ما تتمنّى به كائنا ما كان؛ قلت: فإني أتمنّى كفلين [2] من العذاب؛ فضحك ثم قال: إذا نوفّرهما عليك. ثم قال لي: ما أشياء تبلغني عنك؟ قلت: يكذبون عليّ. قال: متى عهدك بالأصمّ؟ قلت: لا عهد لي به. فأخرج أيره كأنه ناي مدهون، فسجدت له ثلاث سجدات؛ فقال: ويلك إنما يسجد الناس سجدة واحدة؛ فقلت: واحدة للأصمّ واثنتين لخصيتيك.
__________
[1] البندار: الخازن.
[2] الكفل: النصيب.
كان يغالي بالجوهر:
أخبرنا محمد بن العباس اليزيديّ قال حدّثنا محمد بن عليّ بن حمزة قال حدّثني عبد الصمد بن موسى الهاشميّ قال:
إنما أغلى الجوهر بنو أميّة؛ ولقد كان الوليد بن يزيد يلبس منه العقود ويغيّرها في اليوم مرارا كما تغيّر الثياب شغفا؛ فكان يجمعه من كلّ وجه ويغالي به.
برز للناس راكبا فرسا وهو متهتك:
قال: وكان يوما داره على فرس له وجارية تضرب بطبل قدّامه؛ فأخذه منها ووضعه على رقبته، ونفر الفرس من صوت الطبل فخرج به على أصحابه في هذه الهيئة، وكان خليعا.
قدم المدينة وبعث لابن يسار بخمر:
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا الخرّاز عن المدائنيّ عن جويرية بن أسماء قال:
قدم/ الوليد بن يزيد المدينة؛ فقلت لإسماعيل بن يسار: أحذنا [1] ممّا أعطاك اللّه؛ فقال: هلمّ أقاسمك إن قبلت، بعث إليّ براوية [2] من خمر.
مر بإسكار حاجبه وكان لا يشرب:
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثني عمّي مصعب قال حدّثني رجل قال:
كان الوليد بن يزيد إذا أصبح يوم الاثنين تغدّى وشرب رطلين ثم جلس للناس. قال: فحدّثني عمر الوادي قال: دخلت عليه وعنده أصحابه وقد تغدّى وهو يشرب؛ فقال لي: اشرب فشربت، وطرب، وغنّى صوتا واحدا وأخذ دفّافة فدفف بها، فأخذ كلّ واحد منا دفافة فدفف [3] بها، وقام وقمنا حتى بلغنا إلى الحاجب؛ فلما رآنا الحاجب صاح بالناس: الحرم الحرم؛ اخرجوا. ودخل الحاجب فقال: جعلني اللّه فداءك، اليوم يحضر فيه الناس؛ فقال له: اجلس واشرب؛ فقال: إنما أنا حاجب فلا تحملني على الشّراب فما شربته قطّ؛ قال: اجلس فاشرب، فامتنع؛ فما [4] فارقناه حتى صببنا في حلقه بالقمع وقام وهو سكران.
قيل إنه افترع بنتا له وكذب ذلك أبو الفرج:
أخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن عمّار قال حدّثني يعقوب بن شريك قال حدّثني عمّي علي بن عمرو قرقارة قال حدّثني أنيف بن هشام بن الكلبيّ ومات قبل أبيه قال حدّثني أبي قال:
/ خرج الوليد بن يزيد بن مقصورة له إلى مقصورة؛ فإذا هو ببنت له معها حاضنتها، فوثب عليها فاقترعها؛ فقالت له الحاضنة: إنها المجوسيّة؛ قال: اسكتي! ثم قال:
__________
[1] أحذى الرجل: أعطاه مما أصابه.
[2] الراوية: المزادة (القرية).
[3] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «يدفف».
[4] في ب، س: «لما» وهو تحريف.
من راقب الناس مات غمّا ... وفاز باللذّة الجسور
وأحسب أنا أنّ هذا الخبر باطل؛ لأنّ هذا الشعر لسلم الخاسر، ولم يدرك زمن الوليد.
تمنى غلاء الخمر وعزة النساء لئلا يبتذلا:
أخبرنا أحمد بن عبيد اللّه بن عمّار قال حدّثني عمر بن شبّة قال حدّثني إسحاق الموصليّ قال أخبرني مسلمة بن سلّم الكاتب قال:
قال الوليد بن يزيد: وددت أنّ كل كأس تشرب من خمر بدينار، وأن كلّ حر في جبهة أسد، فلا يشرب إلا سخيّ، ولا ينكح إلا شجاع.
شرب شرب الفرس سبعة أسابيع:
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزبير بن بكّار قال حدّثني عمّي مصعب قال: سمعت رجلا يحدّث أبي بالكوفة قال:
أرسلت إلى الوليد جفنة مملوءة قوارير فرعونيّة لم ير [1] مثلها قطّ. فلما أمسينا صببنا فيها الشراب في ليلة أربع عشرة، حتى إذا استوى القمر على رؤوسنا وصار في الجفنة قال الوليد: في أيّ منزلة القمر الليلة؟ فقال بعضهم: في الحمل، وقال بعضهم: في منزلة كذا وكذا من منازل القمر؛ فقال بعض جلسائه: القمر في الجفنة؛ قال: قاتلك اللّه! أصبت ما في نفسي! لتشربنّ الهفتجنّة [2]. فقال مصعب: فسأل أبي عن الهفتجنّة فقال: شرب كانت الفرس تشربه سبعة أسابيع. فشرب تسعة وأربعين يوما.
غناء المغنون فطرب واعترض على شعر لابن أذينة:
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثني الزبير قال حدّثني عبد الرحمن بن عبد اللّه الزّهريّ عن عبد اللّه بن عمران بن أبي فروة قال أخبرني خالد صامة المغنّي وكان من أحسن الناس غناء على عود، قال:
بعث إليّ الوليد بن يزيد، فقدمت عليه، فوجدت عنده معبدا ومالكا والهذليّ وعمر الوادي وأبا كامل؛ فغنّى القوم ونحن في مجلس يا له من مجلس! وغلام للوليد يقال له سبرة يسقي القوم الطّلاء، إذ جاءت نوبة الغناء إليّ، فأخذت/ عودي فغنّيت بأبيات قالها عروة بن أذينة يرثي أخاه بكرا:
صوت
سرى همّي وهمّ المرء يسري ... وغار النجم إلا قيد [3] فتر
أراقب في المجرّة كلّ نجم ... تعرّض في المجرّة كيف يجري
__________
[1] في ب، س: «لم أر».
[2] وردت هذه الكلمة محرّفة في الأصول وصوابها ما أثبتناه وهي كلمة فارسية مركبة من كلمتين «هفت» ومعناها سبعة و «جنة» ومعناها مرح.
[3] في م، ء، ح: «قيس شبر». والقاد والقيد والقاس والقيس، كل ذلك القدر.
بحزن ما أزال له مديما ... كأنّ القلب أسعر حرّ جمر
على بكر أخي ولّى حميدا ... وأيّ العيش يحسن بعد بكر
- غنّاه ابن سريج ثاني ثقيل بالوسطى. وغنّى فيه ابن عبّاد الكاتب ولحنه رمل بالوسطى عن الهشاميّ - قال خالد: فقال لي الوليد: أعد يا صام فأعدت؛ فقال: من يقوله ويحك؟ قلت: ابن أذينة؛ قال: هذا واللّه العيش الذي نحن فيه على رغم أنفه، لقد تحجّر [1] واسعا. قال عبد الرحمن بن عبد اللّه قال عبد اللّه بن أبي فروة: وأنشدها ابن أذينة ابن أبي عتيق؛ فضحك ابن أبي عتيق وقال: كلّ العيش يحسن حتى الخبز والزيت؛ فحلف ابن أذينة لا يكلّمه أبدا؛ فمات ابن أبي عتيق وابن أذينة مهاجر له.
أنشدت سكينة بنت الحسين شعر ابن أذينة فاعترضت عليه:
أخبرني عليّ بن سليمان الأخفش قال حدّثنا محمد بن يزيد قال: بلغني أن سكينة بنت الحسين رضي اللّه عنها أنشدت، وأخبرني الحرميّ قال حدّثنا الزبير عن مصعب قال: أنشدت سكينة، وأخبرني الحسين بن يحيى عن عبّاد عن أبيه عن أبي يحيى العباديّ:
أنّ سكينة أنشدت أبيات عروة بن أذينة في أخيه بكر؛ فلما انتهت إلى قوله:
على بكر أخي ولّى حميدا ... وأيّ العيش يحسن بعد بكر
قالت سكينة: ومن أخوه بكر! أليس الدّحداح [2] الأسيّد القصير الذي كان يمرّ بنا صباحا ومساء؟ قالوا: نعم؛ قالت: كلّ العيش واللّه يصلح ويحسن بعد بكر حتى الخبز والزيت.
سبق سليمان بن عبد الملك بين المغنين ببدرة فأخذها ابن سريج:
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا يزيد بن محمد المهلّبيّ عن إسحاق قال:
قدم سليمان بن عبد الملك المدينة، فجمع المغنّين وسبّق [3] بينهم ببدرة، وقال: أيّكم كان أحسن غناء فهي له؛ فاجتمعوا. فبلغ الخبر ابن سريج، فجاء وقد أغلق الباب؛ فقال للحاجب: استأذن لي؛ قال: لا يمكن وقد أغلق الباب، ولو كنت جئت قبل أن يغلق الباب لاستأذنت لك. قال: فدعني أغنّ من شقّ الباب؛ قال نعم. فسكت حتى فرغ جميع المغنّين من غنائهم ثم اندفع فغنّى:
سرى همّي وهمّ المرء يسري
فنظر المغنّون بعضهم إلى بعض وعرفوه؛ فلما فرغ قال سليمان: أحسن واللّه! هذا واللّه أحسن منكم غناء، أخرج يا غلام إليه بالبدرة، فأخرجها إليه.
__________
[1] تحجر واسعا: ضيقه.
[2] الدحداح: القصير الغليظ البطن. والأسيد: تصغير الأسود.
[3] يقال: سبق البدرة بين الشعراء، من غلب أصحابه أخذها، أي جعلها سبقا بينهم (انظر «أساس البلاغة» و«شرح القاموس» مادة سبق. وفي س: «سابق».
الوليد بن يزيد وفرسه السندي:
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا أحمد بن الحارث عن المدائنيّ عن ابن جعدبة:
أنّ رجلا أهدى إلى هشام بن عبد الملك خيلا، فكان فيها فرس مربوع [1] قريب الرّكاب؛ فعرف الوليد منه ما لم يعرف هشام، فنهر الرجل وشتمه وقال. أتجيء بمثل هذا إلى أمير المؤمنين! ردّوه عليه، فردّوه. فلما خرج وجّه إليه بثلاثين ألف درهم وأخذه منه؛ فهو فرسه الذي يسمّيه السّنديّ.
فأخبرني بعض أصحابي أن الوليد خرج يوما يتصيّد وحده؛ فانتدب إليه مولّى لهشام يريد الفتك به. فلما بصر به الوليد حاوله فقهره بفرسه الذي كان/ تحته فقتله. وقال في ذلك:
ألم تر أنّي بين ما أنا آمن ... يخبّ بي السّنديّ قفرا فيافيا
تطلّعت من غور فأبصرت فارسا ... فأوجست منه خيفة أن يرانيا
ولما بدا لي أنما هو فارس ... وقفت له حتى أتى فرمانيا
رماني ثلاثا ثم إنّي طعنته ... فروّيت منه صعدتي وسنانيا
غنّاه أبو كامل لحنا من الماخوريّ بالبنصر. ولإبراهيم فيه ثقيل أوّل، وقيل: إن له فيه ماخوريّا آخر. وفيه لعمر الواديّ ثاني ثقيل. ولمالك رمل من رواية الهشاميّ.
قال: وقال الوليد أيضا في فرسه السّنديّ:
قد أغتدي بذي سبيب هيكل [2] ... مشرّب [3] مثل الغراب أرجل [4]
/أعددته لحلبات الأحول ... وكلّ نقع ثائر لجحفل
وكلّ خطب ذي شؤون معضل
فقال هشام: لكنّا أعددنا له ما يسوءه، نخلعه ونقصيه، فيكون مهانا مدحورا مطّرحا.
ماتت سلمى بعد زفافها بسبعة أيام فرثاها:
نسخت من كتاب أحمد بن أبي طاهر حدّثني أبو الحسن [5] العقيليّ:
أنّ الوليد لمّا ولي الخلافة خطب سلمى التي كان ينسب بها، فزوّجها لمّا مضى صدر من خلافته؛ فقامت عنده سبعة أيام فماتت؛ فقال يرثيها:
يا سلّم كنت كجنّة قد أطعمت [6] ... أفنانها دان جناها موضّع [7]
__________
[1] المربوع: الوسيط القامة.
[2] الهيكل من الخيل: الكثيف العبل اللين، وهو أيضا الطويل علوا وعدوا.
[3] المشرب: الممزوج لونه بحمرة.
[4] الأرجل من الخيل: الذي في إحدى رجليه بياض. والرجل مكروه في الخيل إلا أن يكون به وضح غيره. (عن «اللسان» مادة رجل).
[5] في ب، س، ح: «أبو الحسين»، وهو تحريف.
[6] أطعمت الشجرة: أثمرت.
[7] الموضع: المنضد.
أربابها شفقا [1] عليها نومهم ... تحليل موضعها ولمّا يهجعوا
حتى إذا فسح الربيع طنونهم ... نثر الخريف ثمارها فتصدّعوا
أمر وهو سكران بقتل نديمه القاسم ثم ندم ورثاه:
أخبرني عليّ بن سليمان الأخفش قال حدّثنا أحمد بن يحيى ثعلب عن أبي العالية، وأخبرني الحسن بن علي عن أحمد بن سعيد عن الزّبير بن بكّار عن عمّه:
أنّ الوليد بن يزيد لمّا انهمك على شربه ولذّاته ورفض الآخرة وراء ظهره وأقبل على القصف والعسف مع المغنّين مثل مالك ومعبد وابن عائشة وذويهم، كان نديمه القاسم بن الطويل العباديّ، وكان أديبا ظريفا شاعرا، فكان لا يصبر عنه؛ فغنّاه معبد ذات يوم شعر عديّ:
صوت
بكر العاذلون في وضح الصب ... ح يقولون لي ألا تستفيق
لست أدري وقد جفاني خليلي ... أعدوّ يلومني أم صديق
/ ثم قالوا ألا اصبحونا فقامت ... قينة في يمينها إبريق
قدّمته على عقار كعين الدّ ... يك صفّى سلافها الرّاووق
- فيه لمعبد ثقيل ويقال إنه لحنين. وفيه لمالك خفيف رمل. وفيه لعبد اللّه بن العباس رمل كلّ ذلك عن الهشاميّ - قال: فاستحسنه الوليد وأعجب به وطرب عليه وجعل يشرب إلى أن غلب عليه السكر فنام في موضعه، فانصرف ابن الطويل. فلما أفاق الوليد سأل عنه،/ فعرّف حين انصرافه؛ فغضب وقال وهو سكران لغلام كان واقفا على رأسه يقال له سبرة: اثنتي برأسه، فمضى الغلام حتى ضرب عنقه وأتاه برأسه فجعله في طست بين يديه؛ فلما رآه أنكره وسأل عن الخبر فعرّفه، فاسترجع وندم على ما فرط منه، وجعل يقلّب الرأس بيده. ثم قال يرثيه:
صوت
عينيّ للحدث الجليل ... جودا بأربعة [2] همول
جودا بدمع [3] إنّه ... يشفي الفؤاد من الغليل
للّه قبر ضمّنت ... فيه عظام ابن الطويل
ماذا تضمّن إذ ثوى ... فيه من اللّبّ الأصيل
__________
[1] شفقا: خوفا.
[2] الأربعة يعني بها اللحاظين والموقين فإن الدمع يجري من الموقين فإذا غلب وكثر جري من اللحاظين أيضا. قال المتنبي:
كأن الصبح يطردها فتجري ... مدامعها بأربعة سجام
(انظر «شرح التبيان» للعكبري على «ديوان أبي الطيب» ج 2 ص 414 طبع بولاق).
[3] كذا في أ، ء، م. وفي سائر الأصول: «بدمعي».
قد كنت آوي من هوا ... ك إلى ذرى كهف ظليل
أصبحت بعدك واحدا ... فردا بمدرجة السيول
/ - غنّاه الغريض ثاني ثقيل بالوسطى عن عمرو. وغنّى فيه سليم لحنا من الثقيل الأوّل بالبنصر عن الهشاميّ، وذكر غيره أن لحن الغريض لدحمان، وذكر حبش أنّه لأبي كامل، وذكر غيره أن [1] لحن الغريض لدحمان - قال: ثم دخل إلى جواريه فقال: واللّه ما أبالي متى جاءني الموت بعد الخليل ابن الطويل. فيقال: إنه لم يعش بعده إلا مديدة حتى قتل. واللّه أعلم.
أجاز حمادا الراوية لطربه لشعر أنشده إياه:
أخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد عن أبيه قال روى الهيثم بن عديّ عن ابن عيّاش عن حمّاد الراوية قال:
دعاني الوليد يوما من الأيام في السّحر والقمر طالع وعنده جماعة من ندمائه وقد اصطبح؛ فقال: أنشدني في النّسيب؛ فأنشدته أشعارا كثيرة، فلم يهشّ لشيء منها، حتى أنشدته قول عمّار ذي كناز [2]:
اصبح [3] القوم قهوة ... في الأباريق تحتذى
من كميت مدامة ... حبّذا تلك حبّذا
فطرب. ثم رفع رأسه إلى خادم وكان قائما كأنه الشمس، فأومأ إليه فكشف سترا خلف ظهره، فطلع منه أربعون وصيفا ووصيفة كأنهم اللؤلؤ المنثور في أيديهم الأباريق والمناديل؛ فقال: أسقوهم، فما بقي أحد إلا أسقي، وأنا في خلال ذلك أنشده الشعر؛ فما زال يشرب ويسقى إلى طلوع الفجر. ثم لم نخرج عن حضرته/ حتى حملنا الفرّاشون في البسط فألقونا في دار الضيافة، فما أفقنا حتى طلعت الشمس. قال حمّاد: ثم أحضرني فخلع عليّ خلعا من فاخر ثيابه وأمر لي بعشرة آلاف درهم وحملني على فرس.
خاصم وكيله الجعفريّ في أرض لدى هشام فلم ينصفه فقال هو شعرا:
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا أحمد بن الحارث عن المدائنيّ عن أبي بكر الهذليّ قال:
كان بين الحكم بن الزّبير أخي أبي بكر بن كلاب وبين بكر بن نوفل أحد بني جعفر بن كلاب شيء في وكالة للوليد بن يزيد يخاصم الجعفريّ في الرّحبة [4] من أرض دمشق، وكان الجعفريّ قد استولى عليها فقطع شفره الأعلى، فاستعدى عليه هشاما فلم يعده؛ فقال الوليد في ذلك:
__________
[1] يلاحظ أن هذه الجملة مكررة في أكثر الأصول وقد جاءت فيء هكذا:
« ... بالبنصر عن الهشامي وذكر غيره أن لحن الغريض لدحمان ثم دخل إلى جواريه ... إلخ».
[2] في الأصول «قول عديّ بن زيد» وهو خطأ، فإن هذه الأبيات من القصيدة الذالية السالفة الواردة في أخبار الوليد والمنسوبة لعمار ذي كناز. وقد جاءت هذه القصة في «الأغاني» (ج 20 ص 179 - 180 طبع بولاق) في ترجمة عمار هذا ونسب الشعر فيها له.
[3] صبحت فلانا: ناولته صبوحا من لبن أو خمر.
[4] رحبة دمشق: قرية بينها وبين دمشق ميل.
صوت
/أيا حكم المتبول [1] لو كنت تعتزى [2] ... إلى أسرة ليسوا بسود زعانف
لأيقنت قد أدركت وترك عنوة ... بلا حكم قاض بل بضرب السوالف
- غنّاه الهذليّ ثقيلا أوّل عن الهشاميّ ويونس - قال: فلما استخلف الوليد بعث إلى بكر بن نوفل الجعفريّ [3] فقال: ألا [4] تعطي حكم بن الزّبير حقّه! قال: لا؛ فأمر به فشترت [5] عينه. ثم قال:
يا ربّ أمر ذي شؤون جحفل [6] ... قاسيت فيه جلبات [7] الأحول
مات ابنه مؤمن ونعاه إليه سنان الكاتب وهو سكران فرثاه:
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا أحمد بن الحارث عن المدائنيّ قال:
خرج الوليد إلى متصيّد له فأقام به، ومات له ابن يقال له مؤمن بن الوليد، فلم يقدر أحد أن ينعاه إليه، حتى ثمل فنعاه إليه سنان الكاتب وكان مغنّيا؛ فقال الوليد - وفي هذا الشعر غناء من الأصوات التي أختيرت للواثق والرشيد قبله - :
صوت من المائة المختارة من رواية علي بن يحيى
أتاني سنان بالوداع لمؤمن ... فقلت له إني إلى اللّه راجع
ألا أيّها الحاثي [8] عليه ترابه ... هبلت وشلّت من يديك الأصابع
يقولون لا تجزع وأظهر جلادة ... فكيف بما تحنى عليه الأضالع
عروضه من الطويل. غنّاه سنان الكاتب، ولحنه المختار من القدر الأوسط من الثقيل الأوّل بإطلاق الوتر في مجرى البنصر عن إسحاق. وفيه لأبي كامل خفيف ثقيل أوّل بالوسطى عن عمرو. وقيل: إن فيه لحنا لعبد اللّه بن يونس صاحب أيلة.
كتب له مؤدبه يزيد شعرا ينصحه فرد عليه:
أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثني عقيل بن عمرو قال:
__________
[1] المتبول: المصاب بتبل وهو الذحل والعداوة.
[2] تعتزي: تنتسب.
[3] كذا في ب مصححة بقلم المرحوم الشنقيطي وهو الموافق لسياق القصة. وفي الأصول «إلى بكر بن الجعدي» وهو تحريف.
[4] كذا في ب مصححة بقلم المرحوم الشنقيطي. وفي الأصول: «لا تعطي» بدون ألف وهو خطأ.
[5] شتر عينه: شقها وقلب جفنها.
[6] الجحفل: العظيم.
[7] كذا في ح. والجلبات: الشدائد. وفي سائر الأصول: «حلبات» بالحاء المهملة وهو تصحيف.
[8] حثا التراب عليه وفي وجهه يحثوه: قبضه ورماه.
قال يزيد بن أبي مساحق [1] السّلميّ مؤدّب الوليد شعرا وبعث به إلى النّوار جارية الوليد، فغنّته به، وهو:
مضى الخلفاء بالأمر الحميد ... وأصبحت المذمّة للوليد
تشاغل عن رعيّته بلهو ... وخالف فعل ذي الرأي الرشيد
/ فكتب إليه الوليد:
ليت حظّي اليوم من كلّ معاش لي وزاد
قهوة أبذل فيها ... طارفي ثم تلادي
فيظلّ القلب منها ... هائما في كلّ واد
إنّ في ذاك صلاحي ... وفلاحي ورشادي
نهى بني أمية عن الغناء وقال إنه رقية الزنا:
أخبرني إسماعيل بن يونس قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثني إبراهيم بن الوليد الحمصيّ قال حدّثنا هارون بن الحسن العنبريّ قال:
قال الوليد بن يزيد: يا بني أميّة، إياكم والغناء فإنّه ينقص الحياء ويزيد في الشهوة ويهدم المروءة ويثوّر على الخمر ويفعل ما يفعل السكر، فإن كنتم لا بدّ فاعلين، فجنّبوه النساء فإنّ الغناء رقية الزّنا. وإني لأقول ذلك فيه على أنه/ أحبّ إليّ من كل لذّة وأشهى إليّ من الماء البارد إلى ذي الغلّة، ولكن الحقّ أحقّ أن يقال.
قال له بعض مواليه إن الناس أنكروا عليك البيعة لابنيك فأجابه وقال شعرا:
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا أحمد بن الحارث عن المدائنيّ قال حدّثني بعض موالي الوليد قال:
دخلت إليه وقد عقد لابنيه بعده وقدّم عثمان؛ فقلت له: يا أمير المؤمنين، أقول قول الموثوق بنصيحته أو يسعني السكوت؟ قال: بل قل قول الموثوق به؛ فقلت: إن الناس قد أنكروا ما فعلت وقالوا: يبايع لمن لم يحتلم؛ وقد سمعت ما أكره فيك؛ فقال: عضّوا ببظور أمهاتكم، أفأدخل بيني وبين ابني غيري؛ فيلقى منه كما لقيت من الأحول بعد أبي! ثم أنشأ يقول:
صوت
سرى طيف ذا الظبي بالعاقدا ... ن ليلا فهيّج قلبا عميدا
وأرّق عيني على غرّة ... فباتت بحزن تقاسى السّهودا
/ نؤمل عثمان بعد الولي ... د للعهد فينا ونرجو سعيدا [2]
__________
[1] في ح: (يزيد بن مساحق).
[2] كذا في الأصول. ورواية هذا البيت في «الطبري» (ق 2 ص 1756):
نؤمل عثمان بعد الولي ... د للعهد فينا ونرجو يزيدا
وفي هامشه رواية أخرى وهي:
كما كان إذ كان في دهره ... يزيد يرجّي لتلك الوليدا
على أنها شسعت [1] شسعة ... فنحن نرجّي لها أن تعودا
فإن هي عادت فعاص [2] القري ... ب منها لتؤيس منها البعيدا
- غنّاه أبو كامل ثاني ثقيل بالبنصر من أصوات قليلة الأشباه. وذكر عمرو بن بانة أن فيه لعمر الوادي لحنا من الماخوريّ بالوسطى. وذكر الهشاميّ أن فيه خفيف رمل لحكم، وذكرت دنانير عن حكم أنه لعمر الوادي، وذكر حبش أن الثقيل الثاني لمالك وأن فيه لفضل النجّار رملا بالبنصر - أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا أحمد بن سعيد عن الزّبير بن بكّار قال: هو:
سرى طيف ظبي بأعلى الغوير
ولكن هذا تصحيف سليمان السّوادي أو قال: خليد.
حبس يزيد الناقص وليي عهد الوليد وقتلهما:
أخبرنا أحمد بن عبد العزيز قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثني إسحاق قال:
كان الوليد قد بايع لابنيه الحكم وعثمان، وهو أوّل من بايع لابن سرّيّة أمة، ولم يكونوا يفعلون ذلك، وأخذهما يزيد بن الوليد الناقص، فحبسهما ثم قتلهما؛ وفيهما يقول ابن أبي عقب:
/إذا قتل الخلف المديم لسكره ... بقفر من البخراء [3] أسّس في الرّمل
وسيق بلا جرم إلى الحتف والرّدى ... بنيّاه حتى يذبحا مذبح السّخل
فويل بني مروان ماذا أصابهم ... بأيدي بني العباس بالأسر والقتل
تبع الكلبي الزنديق على قوله في ماني وردّه العلاء البندار:
أخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن عمّار قال حدّثني علي بن محمد النّوفليّ قال حدّثني أبي عن العلاء البندار قال:
كان الوليد زنديقا، وكان رجل من كلب يقول بمقالته مقالة الثّنويّة [4]؛ فدخلت على الوليد يوما وذلك الكلبيّ عنده، وإذا بينهما سفط قد رفع رأسه عنه فإذا ما يبدو لي منه حرير أخضر؛ فقال: ادن يا علاء فدنوت، فرفع الحريرة فإذا في السّفط صورة إنسان وإذا الزئبق والنوشادر قد جعلا في جفنه فجنفه يطرف كأنه يتحرّك؛ فقال:
يا علاء، هذا ماني [5]، لم يبتعث اللّه نبيّا قبله ولا يبتعث نبيّا بعده. فقلت: يا أمير المؤمنين، اتّق اللّه/ ولا يغرّنّك
__________
نؤمل عثمان بعد الولي ... د أو حكما ثم نرجو سعيدا
ولم نجد في كتب التاريخ ما يدل على أن للوليد ابنا يسمى سعيدا.
[1] شسعت: بعدت.
[2] عاص القريب، يريد جاف القريب ولا تدنه من الخلافة بتوليتك إياه العهد. ورواية الطبري:
فإن هي عادت فأوص القري ... ب عنها ليؤيس منها البعيدا
[3] البخراء: أرض بالشام سميت بذلك لعفونة في تربتها ونتنها.
[4] الثنوية: أصحاب الاثنين الأزليين، يزعمون أن النور والظلمة أزليان قديمان. (انظر «الملل والنحل» للشهرستاني ص 188).
[5] هو ماني بن فاتك الحكيم، ظهر في زمان سابور بن أردشير وقتله بهرام بن هرمز بن سابور وذلك بعد عيسى عليه السّلام. اتخذ دينا بين المجوسية والنصرانية، وكان يقول بنبوّة المسيح عليه السّلام ولا يقول بنبوّة موسى عليه السّلام. (عن «الملل والنحل»).
هذا الذي ترى عن دينك. فقال له الكلبيّ: يا أمير المؤمنين، ألم أقل لك: إن العلاء لا يحتمل هذا الحديث. قال العلاء: ومكثت أياما، ثم جلست مع الوليد على بناء كان بناه في عسكره يشرف به والكلبيّ عنده، إذ نزل من عنده وقد كان الولد حمله على برذون هملاج [1] أشقر من أفره ما سخّر، فخرج على برذونه ذلك فمضى به في الصحراء حتى غاب عن العسكر؛ فما شعر إلّا وأعراب قد جاءوا به يحملونه منفسخة عنقه ميّتا/ وبرذونه يقاد حتى أسلموه.
فبلغني ذلك، فخرجت متعمّدا حتى أتيت أولئك الأعراب، وقد كانت لهم أبيات بالقرب منه في أرض البخراء لا حجر فيها ولا مدر، فقلت لهم: كيف كانت قصّة هذا الرجل؟ فقالوا: أقبل علينا على برذون، فو اللّه لكأنه دهن يسيل على صفاة من فراهته، فعجبنا لذلك؛ إذ انقضّ رجل من السماء عليه ثياب بيض فأخذ بضبعيه [2] فاحتمله ثم نكسه وضرب برأسه الأرض فدقّ عنقه ثم غاب عن عيوننا؛ فاحتملناه فجئنا به.
قصة الخارجين عليه ومقتله:
وأخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا الخرّاز عن المدائنيّ قال:
لما أكثر الوليد بن يزيد التهتّك وانهمك في اللذّات وشرب الخمر وبسط المكروه على ولد هشام والوليد وأفرط في أمره وغيّه، ملّ الناس أيامه وكرهوه. وكان قد عقد لابنيه بعده ولم يكونا بلغا؛ فمشى الناس بعضهم إلى بعض في خلعه، وكان أقواهم في ذلك يزيد الناقص بن الوليد بن عبد الملك بن مروان، فمشى إلى أخيه العباس - وكان امرأ صدق ولم يكن في بني أميّة مثله، كان يتشبّه بعمر بن عبد العزيز - فشكا إليه ما يجري على الناس من الوليد؛ فقال له: يا أخي، إن الناس قد ملّوا بني مروان، وإنّ مشى بعضكم في أمر [3] بعض أكلتم، وللّه أجل لا بدّ أن يبلغه فانتظره. فخرج من عنده ومشى إلى غيره، فبايعه جماعة من اليمانية الوجوه؛ فعاد إلى أخيه ومعه مولّى له وأعاد عليه القول وعرّض له بأنه قد دعي إلى الخلافة؛ فقال له: واللّه لو لا أني لا آمنه عليك من تحامله لوجّهت بك إليه مشدودا؛ فنشدتك اللّه ألّا تسعى في شيء من هذا. فانصرف/ من عنده وجعل يدعو الناس إلى نفسه. وبلغ الوليد ذلك فقال يذكر قومه ومشى بعضهم إلى بعض في خلعه:
صوت
سلّ همّ النفس عنها ... بعلنداة [4] علاة
تتّقي الأرض وتهوي ... بخفاف مدمجات
ذاك أم ما بال قومي ... كسروا سنّ قناتي
واستخفّوا بي وصاروا ... كقرود خاسئات
__________
[1] الهملاج: الحسن السير في سرعة وبخترة.
[2] الضبع: العضد والإبط، يقال: أخذ بضبعيه أي بعضديه.
[3] في ب، س، ح: «في أثر».
[4] العلنداة: الناقة الضخمة الطويلة. وناقة علاة الخلق أي طويلة جسيمة.
الشعر للوليد بن يزيد بن عبد الملك. والغناء لأبي كامل غزيّل الدّمشقيّ ماخوريّ بالبنصر. وفي هذه القصيدة يقول الوليد بن يزيد:
أصبح اليوم وليد ... هائما بالفتيات
/ عنده راح وإبري ... ق وكأس بالفلاة
ابعثوا خيلا لخيل ... ورماة لرماة
وأخبرني بالسبب في مقتله الحسن بن عليّ قال أخبرنا أحمد بن الحارث قال حدّثني المدائنيّ عن جويرية بن أسماء، وأخبرني به ابن أبي الأزهر عن حمّاد عن أبيه عن المدائنيّ عن جويرية بن أسماء قال: قال ابن [1] بشر بن الوليد بن عبد الملك:
لمّا أظهر الوليد بن يزيد أمره وأدمن على اللهو والصيد واحتجب عن الناس ووالى بين الشرب وانهمك في اللذّات، سئمه [2] الناس ووعظه من أشفق عليه من/ أهله؛ فلما لم يقلع دبّوا في خلعه. فدخل أبي بشر بن الوليد على عمّي العباس بن الوليد وأنا معه، فجعل يكلّم عمّي في أن يخلع الوليد بن يزيد ومعه عمي يزيد بن الوليد، فكان العبّاس ينهاه وأبي يردّ عليه؛ فكنت أفرح وأقول في نفسي: أرى أبي يجترىء أن يكلّم عمّي ويردّ عليه؛ فقال العباس: يا بني مروان، أظن أن اللّه قد أذن في هلاككم. ثم قال العباس:
إني أعيذكم باللّه من فتن ... مثل الجبال تسامى ثم تندفع
إنّ البريّة قد ملّت سياستكم ... فاستمسكوا بعمود الدّين وارتدعوا
لا تلحمنّ [3] ذئاب الناس أنفسكم ... إنّ الذئاب إذا ما ألحمت رتعوا
لا تبقرنّ بأيديكم بطونكم ... فثمّ لا فدية تغني ولا جزع [4]
قال المدائنيّ عن رجاله: فلما استجمع ليزيد أمره وهو متبدّ أقبل إلى دمشق، وبين مكانه الذي كان متبدّيا فيه وبين دمشق أربع ليال، فأقبل إلى دمشق متنكّرا في سبعة أنفس على حمر وقد بايع له أكثر أهل دمشق وبايع له أكثر أهل المزّة. فقال مولّى لعبّاد بن زياد: إني لبجرود - وبين جرود ودمشق مرحلة - إذ طلع علينا سبعة معتمّون [5] على حمر فنزلوا، وفيهم رجل طويل جسيم، فرمى بنفسه فنام وألقوا عليه ثوبا، وقالوا لي: هل عندك شيء نشتريه من طعام؟ فقلت: أمّا بيع فلا، وعندي من قراكم ما يشبعكم؛ فقالوا: فعجّله؛ فذبحت لهم دجاجا وفراخا وأتيتهم بما حضر من عسل وسمن وشوانيز [6]، وقلت: أيقظوا صاحبكم/ للغداء؛ فقالوا: هو محموم لا يأكل؛ فسفروا للغداء
__________
[1] كذا في أ، ء، م وهو الصواب كما سيأتي. وفي ب، س، ح: «قال قال أبي بشر بن الوليد بن يزيد بن عبد الملك»، وهو خطأ.
[2] في الأصول: «شتمه».
[3] ألحمت القوم: أطعمتهم اللحم.
[4] في الأصول: «جذع» بالذال المعجمة. والتصويب عن «الطبري». وقد جاء فيه الشطر هكذا:
فثم لا حسرة تغني ولا جزع
[5] في جميع الأصول: «معتمين» ...
[6] الشوانيز: التوابل.
فعرفت بعضهم، وسفر النائم فإذا هو يزيد بن الوليد، فعرفته فلم يكلمني. ومضوا ليدخلوا دمشق ليلا في نفر من أصحابه مشاة إلى معاوية بن مصاد [1] وهو بالمزّة - وبينها وبين دمشق ميل - فأصابهم مطر شديد، فأتوا منزل معاوية فضربوا بابه وقالوا: يزيد بن الوليد؛ فقال له معاوية: الفراش، ادخل أصلحك اللّه؛ قال: في رجلي طين وأكره أن أفسد عليك بساطك؛ فقال: ما تريدني [2] عليه أفسد. فمشى على البساط وجلس على الفراش، ثم كلّم معاوية فبايعه. وخرج إلى دمشق فنزل دار ثابت بن سليمان الحسنيّ [3] مستخفيا، وعلى دمشق عبد الملك بن محمد بن الحجّاج بن يوسف، فخاف عبد الملك الوباء فخرج فنزل قطنا [4]، واستخلف ابنه على دمشق وعلى شرطته أبو العاج كثير بن عبد اللّه السّلميّ. وتمّ ليزيد أمره فأجمع على الظهور. وقيل لعامل دمشق: إنّ يزيد خارج فلم يصدّق.
وأرسل يزيد/ إلى أصحابه بين المغرب والعشاء في ليلة الجمعة من جمادى الآخرة سنة سبع [5] وعشرين ومائة، فكمنوا في ميضأة عند باب الفراديس [6]؛ حتى إذا أذّنوا العتمة دخلوا المسجد مع الناس فصلّوا. وللمسجد حرس قد وكلّوا بإخراج الناس من المسجد بالليل؛ فإذا خرج الناس خرج الحرس وأغلق صاحب المسجد الأبواب، ودخل الدار من باب المقصورة فيدفع المفاتيح إلى من يحفظها/ ويخرج. فلما صلّى الناس العتمة صاح الحرس بالناس فخرجوا، وتباطأ أصحاب يزيد الناقص، فجعلوا يخرجونهم من باب ويدخلون من باب، حتى لم يبق في المسجد إلا الحرس وأصحاب يزيد، فأخذوا الحرس. ومضى [يزيد بن] [7] عنبسة [السّكسكيّ] [7] إلى يزيد فأخبره وأخذه بيده وقال: قم يا أمير المؤمنين وأبشر بعون اللّه ونصره؛ فأقبل وأقبلنا ونحن اثنا عشر رجلا. فلما كنّا عند سوق القمح لقيهم فيها مائتا رجل من أصحابهم، فمضوا حتى دخلوا المسجد وأتوا باب المقصورة، وقالوا: نحن رسل الوليد، ففتح لهم خادم الباب، ودخلوا فأخذوا الخادم، وإذا أبو العاج سكران فأخذوه وأخذوا خزّان البيت [8] وصاحب البريد؛ وأرسل إلى كلّ من كان يحذره فأخذه. وأرسل من ليلته إلى محمد بن عبيدة مولى سعيد بن العاص وهو على بعلبكّ، وإلى عبد الملك بن محمد بن الحجّاج فأخذهما. وبعث أصحابه إلى الخشبيّة [9] فأتوه؛ وقال للبوّابين: لا تفتحوا الأبواب غدوة إلّا لمن أخبركم بشعار كذا وكذا. قال: فتركوا الأبواب في السلاسل. وكان في المسجد سلاح كثير قدم به سليمان بن هشام من الجزيرة، فلم يكن الخزّان قبضوه، فأصابوا سلاحا كثيرا فأخذوه وأصبحوا، وجاء [10] أهل المزّة مع حريث بن أبي الجهم. فما انتصف النهار حتى بايع الناس يزيد وهو يتمثّل قول النابغة:
__________
[1] كذا في «الطبري» (ق 2 ص 1789 طبع أوروبا). وفي الأصول: «معاوية بن معاذ». وهو سيد أهل المزة وقد كان أهل المزة بايعوا يزيد إلا معاوية هذا.
[2] في الأصول: «ما تريد بي أفسد عليه». وعبارة «الطبري»: «الذي تريدني عليه أفسد».
[3] في «الطبري» ق 2 ص 839، 1789: «ثابت بن سليمان بن سعد الخشني».
[4] في الأصول: «قنطا» بتقديم النون على الطاء. والتصويب عن «الطبري».
[5] الصواب سنة ست وعشرين ومائة، كما في كتب التاريخ.
[6] باب الفراديس: باب من أبواب دمشق. قال ابن قيس الرقيات:
أقفرت منهم الفراديس والغو ... طة ذات القرى وذات الظلال
[7] التكملة عن «الطبري» وعن الأصول فيما سيأتي.
[8] يريد بيت المال.
[9] الخشبية سيذكر المؤلف بعد قليل أنهم أصحاب المختار بن أبي عبيد.
[10] عبارة «الطبري»: «و جاء أهل المزة وابن عصام ... إلخ».
إذا استنزلوا عنهنّ للطعن أرقلوا ... إلى الموت إرقال الجمال المصاعب
فجعل أصحابه يتعجّبون ويقولون: انظروا إلى هذا! كان قبيل [الصبح] [1] يسبّح وهو الآن ينشد الشعر.
قال [2]: وأمر يزيد عبد العزيز بن الحجّاج بن عبد الملك بن/ مروان فوقف بباب الجابية فنادى: [من كان له عطاء فليأت إلى عطائه، ومن لم يكن له عطاء فله ألف درهم معونة] [3]؛ فبايع له الناس وأمر بالعطاء. قال: وندب يزيد بن الوليد الناس إلى قتال الوليد بن يزيد مع عبد العزيز، وقال: من انتدب معه فله ألفان، فانتدب ألفا رجل؛ فأعطاهم وقال: موعدكم ذنبة [4]؛ فوافى ذنبة ألف ومائتا رجل؛ فقال: ميعادكم مصنعة بالبرّيّة وهي لبنى عبد العزيز بن الوليد؛ فوافاه ثمانمائة رجل، فسار فوافاهم ثقل [5] الوليد فأخذوه ومع عبد العزيز فرسان منهم منصور بن جمهور ويعقوب بن عبد الرحمن السّلميّ والأصبغ بن ذؤالة وشبيب بن أبي مالك الغسّانيّ وحميد بن نصر اللّخميّ، فأقبلوا فنزلوا قريبا من الوليد. فقال الوليد: أخرجوا لي سريرا فأخرجوه فصعد عليه. وأتاه خبر العباس بن الوليد: إنّي أجيئك. وأتي الوليد بفرسين الذائد [6] والسّنديّ؛ وقال: أعليّ يتواثب الرجال وأنا أثب على الأسد وأتخصّر [7] الأفاعي!. وهم ينتظرون العباس أن يأتيهم ولم يكن بينهم كبير قتال، فقتل/ عثمان [8] الخشبيّ، وكان من أولاد الخشبيّة الذين كانوا مع المختار [9]. وبلغ عبد العزيز بن الحجّاج أن العباس بن الوليد يأتي الوليد؛ فأرسل منصور بن جمهور في جريدة [9] خيل وقال: إنكم تلقون العباس بن الوليد ومعه بنوه في الشّعب فخذوه. وخرج منصور/ في تلك الخيل وتقدّموا إلى الشّعب، وإذا العبّاس ومعه ثلاثون [10] قد تقدّموا أصحابه؛ فقال له: اعدل إلى عبد العزيز، فشتمهم؛ فقال له منصور: واللّه لئن تقدّمت لأنفذنّ حصينك [11] بالرّمح؛ فقال: إنا للّه! فأقبلوا به يسوقونه إلى عبد العزيز، فقال له عبد العزيز: بايع ليزيد؛ فبايع ووقف؛ ونصبوا [12] راية وقالوا: هذا العباس قد بايع. ونادى منادي عبد العزيز؛ من لحق بالعباس بن الوليد فهو آمن؛ فقال العباس: إنا للّه! خدعة من خدع الشيطان! هلك واللّه بنو مروان!. فتفرّق الناس عن الوليد وأتوا العباس. وظاهر الوليد في درعين وقاتلهم. وقال الوليد: من جاء برأس فله خمسمائة درهم، فجاء جماعة بعدّة رؤوس، فقال: اكتبوا أسماءهم؛ فقال له رجل من
__________
[1] التكملة عن «الطبري» (ق 2 ص 1791 طبع أوروبا).
[2] في أ، ء، م: «قالوا».
[3] هذه العبارة التي بين قوسين عبارة «الطبري». وفي الأصول: «ألا من كان له عطاء فله أربعون دينارا في العطاء ومعونة ألف درهم فبايعه ... إلخ».
[4] كذا في «الطبري». وهي موضع بعينه من أعمال دمشق. وفي الأصول: «دنية» وهو تصحيف.
[5] الثقل: المتاع.
[6] في الأصول: «الزابد». والتصويب عن «نسب الخيل» لهشام بن محمد الكلبي (ص 44) طبع ليدن و«شرح القاموس» مادة «ذود».
[7] كذا في «الطبري». وتخصر: أخذ المخصرة (العصا) بيده وأمسكها. وفي الأصول: «و أعض».
[8] كذا في «الطبري» (قسم 2 ص 1798، 1804). وكان من أصحاب الوليد بن يزيد. وفي الأصول: «يزيد بن عثمان الخشبي» وهو خطأ.
[9] يريد المختار بن أبي عبيد. خرج بالكوفة سنة ست وستين مطالبا بدم الحسين رضي اللّه عنه وأهل بيته وذلك في سلطان ابن الزبير وأخرج عن الكوفة عبد اللّه بن مطيع عامل ابن الزبير، ثم قتله مصعب بن الزبير.
[10] كذا في أ، ء، م. وفي ب، س، ح: «و معه بنوه». وعبارة الطبري: «في ثلاثين من بنيه».
[11] كذا في «الطبري»: وقال: «يعني درعك»: وفي الأصول: «خصيتيك»، وهو تحريف.
[12] كذا في «الطبري». وفي الأصول: «و نصب».
مواليه: ليس هذا يا أمير المؤمنين يوما يعامل فيه بالنّسيئة. وناداهم رجال: اقتلوا اللّوطيّ قتلة قوم لوط، فرموه بالحجارة. فلما سمع ذلك دخل القصر وأغلق الباب وقال:
صوت
دعوا لي سليمى والطّلاء وقينة [1] ... وكأسا ألا حسبي بذلك مالا
إذا ما صفا عيش برملة عالج [2] ... وعانقت سلمى لا أريد بدالا
خذوا ملككم لا ثبّت اللّه ملككم ... ثباتا يساوي ما حييت عقالا
وخلّوا عناني قبل عير وما جرى [3] ... ولا تحسدوني أن أموت هزالا
/ - غنّاه عمر الوادي رملا بالوسطى عن حبش - ثم قال لعمر الوادي: يا جامع لذتي، غنّني بهذا الشعر. وقد أحاط الجند بالقصر؛ فقال لهم الوليد من وراء الباب: أما فيكم رجل شريف له حسب وحياء أكلّمه؟! فقال له يزيد بن عنبسة السّكسكيّ: كلّمني؛ فقال له الوليد: يا أخا السّكاسك، ما تنقمون منّي؟ ألم أزد في أعطياتكم وأعطية فقرائكم وأخدمت زمناكم ودفعت عنكم المؤن!؟ فقال: ما ننقم عليك في أنفسنا شيئا، ولكن ننقم عليك انتهاك ما حرّم اللّه وشرب الخمور ونكاح أمهات أولاد أبيك واستخفافك بأمر اللّه. قال: حسبك يا أخا السّكاسك! فلعمري لقد أغرقت [4] فأكثرت، وإنّ فيما أحلّ اللّه لسعة عمّا [5] ذكرت. ورجع إلى الدار فجلس وأخذ المصحف وقال: يوم كيوم [6] عثمان، ونشر المصحف يقرأ؛ فعلوا الحائط؛ فكان أوّل من علا الحائط يزيد بن عنبسة، فنزل وسيف الوليد إلى جنبه؛ فقال له يزيد: نحّ سيفك، فقال الوليد: لو أردت السيف لكانت لي ولك حالة غير هذه. فأخذ بيده وهو يريد أن يدخله بيتا [7] ويؤامر فيه، فنزل من الحائط عشرة فيهم منصور بن جمهور وعبد الرحمن وقيس مولى يزيد بن عبد الملك والسّريّ بن زياد بن أبي كبشة، فضربه عبد الرحمن السّلميّ [8] على رأسه ضربة وضربه السّريّ بن زياد على وجهه، وجرّوه بين خمسة ليخرجوه؛ فصاحت امرأة كانت معه في الدار فكفّوا عنه فلم يخرجوه، واحتزّ رأسه
__________
[1] كذا في أ، ء. وفي سائر الأصول: «وفتية» وهو تحريف.
[2] عالج: رملة بالبادية. وقال أبو عبيد اللّه السكوني: عالج رمال بين فيد والقريات ينزلها بنو بحتر من طيء، وهي متصلة بالثعلبية على طريق مكة لا ماء بها.
[3] قبل عير وما جرى، قال أبو عبيد: إذا أخبر الرجل بالخبر من غير استحقاق ولا ذكر كان لذلك قيل: فعل كذا وكذا قبل عير وما جرى. قالوا: خص العير لأنه أحذر ما يقنص، وإذا كان كذلك كان أسرع جريا من غيره، فضرب به المثل في السرعة. وقيل العير وإنسان العين، فإذا قيل: جاء قبل عير وما جرى فمعناه قبل لحظة العين. (راجع «مجمع الأمثال للميداني» ج 2 ص 36 طبع بولاق و «لسان العرب» مادة عير).
[4] أي تجاوزت الحدّ في القول وبالغت فيه.
[5] في الأصول «فيما» والتصويب عن «الطبري».
[6] يريد عثمان بن عفان رضي اللّه عنه فإنه لما قتل كان يقرأ في المصحف وجرى دمه عليه.
[7] في ب، س: «بيتنا» وهو تحريف.
[8] عبارة «الطبري»: «فنزل من الحائط عشرة منصور بن جمهور وحبال بن عمرو الكلبي وعبد الرحمن بن عجلان مولى يزيد بن عبد الملك وحميد بن نصر اللخمي والسري بن زياد بن أبي كبشة وعبد السلام اللخمي فضربه عبد السلام على رأسه وضربه السري على وجهه وجروه ... إلخ».
أبو علاقة القضاعيّ/ وخاط الضربة/ التي في وجهه بالعقب [1]، وقدم بالرأس على يزيد، قدم به روح بن مقبل، وقال: أبشر يا أمير المؤمنين بقتل الفاسق، فاستتمّ الأمر له وأحسن صلته. ثم كان من خلع يزيد بعد ذلك ما ليس هذا موضع ذكره.
قال: ولما قتل الوليد بن يزيد جعل أبو محجن مولى خالد القسريّ يدخل سيفه في است الوليد وهو مقتول.
فقال الأصبغ بن ذؤالة الكلبيّ في قتل الوليد وأخذهم ابنيه:
من مبلغ قيسا وخندف كلّها ... وساداتهم من عبد شمس وهاشم
قتلنا أمير المؤمنين بخالد [2] ... وبعنا وليّ عهده بالدراهم
وقال أبو محجن مولى خالد:
لو شاهدوا حدّ سيفي حين أدخله ... في است الوليد لماتوا عنده كمدا
كان عمر الوادي يغنيه حين قتل:
أخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد عن أبيه عن هشام بن الكلبيّ عن جرير قال:
قال لي عمر الوادي: كنت أغنّي الوليد أقول:
صوت
كذبتك نفسك أم رأيت بواسط ... غلس [3] الظلام من الرّباب خيالا
قال: فما أتممت الصوت حتى رأيت رأسه قد فارق بدنه ورأيته يتشحّط في دمه. يقال: إن اللحن في هذا الشعر لعمر الوادي، ويقال: لابن جامع.
أخذ يزيد الحكم وعثمان ولي عهد الوليد وحبسهما وشتمهما:
قالوا: وكان عثمان والحكم ابنا الوليد قد بايعهما بالعهد بعده، فتغيّبا فأخذهما يزيد بعد ذلك فحبسهما في الخضراء [4] ودخل عليهما يزيد الأفقم بن هشام فجعل يشتم أباهما الوليد وكان قد ضربه وحلقه [5]، فبكى الحكم، فقال عثمان أخوه: اسكت يا أخي؛ وأقبل على يزيد فقال: أتشتم أبي! قال: نعم؛ قال: لكني لا أشتم عمّي هشاما، وو اللّه لو كنت من بني مروان ما شتمت أحدا منهم، فانظر إلى وجهك فإن كنت رأيت حكميّا [6] يشبهك أوله مثل وجهك فأنت منهم، لا واللّه ما في الأرض حكميّ يشبهك.
__________
[1] العقب: العصب الذي تعمل منه الأوتار.
[2] هو خالد بن عبد اللّه القسري، وقد كان الوليد سلمه ليوسف بن عمر فبسط عليه العذاب حتى قتله (راجع تفصيل مقتله في «الطبري» قسم 2 ص 1812 وما بعدها).
[3] كذا في ب، س و «اللسان» مادة غلس. وفي سائر النسخ: «وسط الظلام». والبيت للأخطل.
[4] الخضراء: موضع باليمامة، وهي أيضا حصن باليمن كما في ياقوت، ولعلها أيضا موضع بالشام لم تذكره معاجم البلدان.
[5] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «و خلعه» وهو تحريف.
[6] يعني من ينسب إلى الحكم بن أبي العاص والد مروان رأس هذه الأسرة.
ندم أيوب السختياني لمقتله تخوّفا من الفتنة:
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا أحمد بن الحارث عن المدائنيّ عن مسلمة بن محارب قال:
لما قتل الوليد قال أيّوب [1] السّختيانيّ: ليت القوم تركوا لنا خليفتنا لم يقتلوه. قال: وإنما قال ذلك تخوّفا من الفتنة.
لعن الرشيد قاتليه:
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا أحمد بن الحارث عن المدائنيّ:
أن ابنا للغمر بن يزيد بن عبد الملك دخل على الرشيد، فقال: ممّن أنت؟ قال: من قريش، قال: من أيّها؟
فأمسك قال: قل وأنت آمن، ولو أنك مروانيّ، قال: أنا ابن الغمر بن يزيد. قال: رحم اللّه عمّك ولعن يزيد الناقص وقتلة عمّك جميعا، فإنهم قتلوا خليفة مجمعا عليه، ارفع إليّ حوائجك، فقضاها.
/ رمى عند المهدي بالزندقة فدافع عنه:
أخبرني محمد بن يحيى الصّوليّ قال حدّثنا الغلابيّ قال حدّثنا العلاء [2] بن سويد المنقريّ قال:
ذكر ليلة المهديّ أمير المؤمنين الوليد بن يزيد فقال: كان ظريفا أديبا. فقال له شبيب بن شيبة:
يا أمير المؤمنين إن رأيت ألّا تجري ذكره على سمعك ولسانك فافعل فإنه كان زنديقا؛ فقال: اسكت، فما كان اللّه ليضع خلافته عند من يكفر به. هكذا رواه الصّوليّ.
دافع عنه ابن علاثة الفقيه لدى المهدي:
وقد أخبرنا به أحمد بن عبد العزيز إجازة قال حدّثنا عمر بن شبّة قال أخبرنا عقيل [3] بن عمرو قال أخبرني شبيب بن شيبة عن أبيه قال: كنّا جلوسا عند/ المهديّ فذكروا الوليد بن يزيد، فقال المهديّ: أحسبه كان زنديقا، فقام ابن علاثة الفقيه فقال: يا أمير المؤمنين، اللّه عزّ وجلّ أعظم من أن يولّي خلافة النبوة وأمر الأمّة من لا يؤمن باللّه، لقد أخبرني من كان يشهده في ملاعبه وشربه عنه بمروءة في طهارته وصلاته، وحدّثني أنه كان إذا حضرت الصلاة يطرح ثيابا كانت عليه من مطيّبة ومصبّغة ثم يتوضأ فيحسن الوضوء ويؤتى بثياب بيض نظاف من ثياب الخلافة فيصلّي فيها أحسن صلاة بأحسن قراءة وأحسن سكوت وسكون وركوع وسجود، فإذا فرغ عاد إلى تلك الثياب التي كانت عليه قبل ذلك، ثم يعود إلى شربه ولهوه؛ أفهذه أفعال من لا يؤمن باللّه! فقال له المهديّ: صدقت بارك اللّه عليك يابن علاثة.
وفي جملة المائة الصوت المختارة عدّة أصوات من شعر الوليد نذكرها هاهنا مع أخباره، واللّه أعلم.
__________
[1] هو أيوب بن أبي تميمة كيسان السختياني العنزي أبو بكر البصري الفقيه أحد الأئمة الأعلام مات سنة 131 ه.
[2] في ح: «العلاء بن أبي سويد» ولم نقف عليه في المراجع التي بين أيدينا.
[3] كذا فيما مر قريبا ص 69 من هذا الجزء وفي جميع الأصول هنا: «عقيل عن عمرو».
صوت من المائة المختارة
أمّ سلّام ما ذكرتك إلّا ... شرقت بالدموع منّي المآقي
أمّ سلّام ذكركم حيث كنتم ... أنت دائي وفي لسانك راقي
ما لقلبي يجول بين التّراقي ... مستخفّا يتوق كلّ متاق
حذرا أن تبين دار سليمى ... أو يصيح الداعي لها بفراق
غنّاه عمر الوادي، ولحنه المختار خفيف رمل مطلق في مجرى البنصر. وذكر عمرو بن بانة أنّ لسلّامة القسّ فيه خفيف رمل بالوسطى، ولعلّه بمعنى هذا. ومن الناس من يروى هذه الأبيات لعبد الرحمن بن أبي عمّار الجشميّ في سلّامة القسّ، وليس ذلك له، هو للوليد صحيح، وهو كثيرا ما يذكر سلمى هذه في شعره بأمّ سلّام وبسلمى، لأنه لم يكن يتصنّع في شعره ولا يبالي بما يقوله منه. ومن ذلك قوله فيها:
صوت
أمّ سلّام لو لقيت من الوج ... د عشير الذي لقيت كفاك
فأثيبي بالوصل صبّا عميدا ... وشفيقا شجاه ما قد شجاك
غنّاه مالك خفيف رمل بالبنصر عن الهشاميّ.
2 - ذكر أخبار عمر الواديّ ونسبه
نسبه وإعجاب الوليد به:
هو عمر بن داود بن زاذان. وجدّه زاذان مولى عمرو بن عثمان بن عفّان. وكان عمر مهندسا. وأخذ الغناء عنه حكم وذووه من أهل وادي القرى. وكان قدم إلى الحرم فأخذ من غناء أهله فحذق وصنع فأجاد وأتقن. وكان طيّب الصوت شجيّه مطربا. وكان أوّل من غنّى من أهل وادي القرى؛ واتصل بالوليد بن يزيد في أيام إمارته فتقدّم عنده جدّا، وكان يسمّيه جامع لذّاتي [1] ومحيي طربي. وقتل الوليد وهو يغنّيه، وكان آخر عهده به من الناس. وفي عمر يقول الوليد بن يزيد وفيه غناء:
صوت
/إنّني فكّرت في عمر ... حين قال القول فاختلجا
إنّه للمستنير به ... قمر قد طمّس السّرجا
ويغنّي الشعر ينظمه ... سيّد القوم الذي فلجا
أكمل الواديّ صنعته ... في لباب الشعر فاندمجا
الشعر للوليد بن يزيد. والغناء لعمر الوادي هزج خفيف بالبنصر في مجراها.
كان الوليد يقدّمه على المغنين:
أخبرني الحسين بن يحيى ومحمد بن مزيد قالا حدّثنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه قال:
كان عمر الوادي يجتمع مع معبد ومالك وغيرهما من المغنّين عند الوليد بن يزيد، فلا يمنعه حضورهم من تقديمه والإصغاء إليه والاختصاص له. وبلغني أنه كان/ لا يضرب وإنما كان مرتجلا، وكان الوليد يسمّيه جامع لذّاتي. قال: وبلغني أن حكما الواديّ وغيره من مغنّي وادي القرى أخذوا عنه الغناء وانتحلوا أكثر أغانيه.
غضب الوليد على أبى رقية فاسترضاه عنه:
قال إسحاق وحدّثني عبد السلام بن الرّبيع:
أنّ الوليد بن يزيد كان يوما جالسا وعنده عمر الوادي وأبو رقيّة، وكان ضعيف العقل وكان يمسك المصحف على أمّ الوليد؛ فقال الوليد لعمر الوادي وقد غنّاه صوتا: أحسنت واللّه، أنت جامع لذّاتي، وأبو رقيّة مضطجع وهم
__________
[1] كذا في ب، س. وفي سائر الأصول: «لذتي» بالأفراد. وقد وردت هذه الكلمة بعد ذلك مختلفة في المواضع التي ذكرت فيها.
يحسبونه نائما، فرفع رأسه إلى الوليد فقال له: وأنا جامع لذّات أمّك؛ فغضب الوليد وهمّ به؛ فقال له عمر الوادي:
جعلني اللّه فداك! ما يعقل أبو رقيّة وهو صاح، فكيف يعقل وهو سكران! فأمسك عنه.
سمع غناء من راع أخذه عنه ومدحه:
قال إسحاق: وحدّثت عن عمر الوادي قال: بينا أنا أسير ليلة بين العرج [1] والسّقيا سمعت إنسانا يغنّي غناء لم أسمع قطّ أحسن منه وهو:
صوت
وكنت إذا ما جئت سعدى بأرضها ... أرى الأرض تطوى لي ويدنو بعيدها
من الخفرات البيض ودّ جليسها ... إذا ما انقضت أحدوثة لو تعيدها
فكدت أسقط عن راحلتي طربا؛ فقلت: واللّه لألتمسنّ الوصول إلى هذا الصوت ولو بذهاب عضو من أعضائي حتى هبطت من الشّرف [2]، فإذا أنا برجل يرعى غنما وإذا هو صاحب الصوت، فأعلمته الذي أقصدني إليه وسألته إعادته عليّ؛ فقال: واللّه لو كان عندي قرى ما فعلت، ولكني أجعله قراك، فربما ترنّمت به/ وأنا جائع فأشبع، وكسلان فأنشط ومستوحش فآنس؛ فأعاده عليّ مرارا حتى أخذته، فو اللّه ما كان لي كلام غيره حتى دخلت المدينة، ولقد وجدته كما قال. حدّثني بهذا الخبر الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثني الزّبير بن بكّار قال حدّثني المؤمّل بن طالوت الواديّ قال حدّثني مكين العذريّ قال: سمعت عمر الواديّ يقول: بينا أنا أسير بين الرّوحاء [3] والعرج، ثم ذكر مثله، وقال فيه: فربما ترنّمت به وأنا غرثان فيشبعني، ومستوحش فيؤنسني، وكسلان فينشّطني.
قال: فما كان زادي حتى ولجت المدينة غيره [4]، وجرّبت ما وصفه الراعي فيه فوجدته كما قال.
نسبة هذا الصوت
صوت
لقد هجرت سعدى وطال صدودها ... وعاود عيني دمعها وسهودها
وكنت إذا ما زرت سعدى بأرضها ... أرى الأرض تطوى لي ويدنو بعيدها
منعّمة لم تلق بؤس معيشة ... هي الخلد في الدنيا لمن يستفيدها
هي الخلد ما دامت لأهلك جارة ... وهل دام في الدنيا لنفس خلودها
الشعر لكثيّر. والغناء لابن محرز ثقيل أوّل مطلق بالبنصر عن يحيى المكيّ. وذكر الهشاميّ أنّ فيه ليزيد
__________
[1] العرج: عقبة بين مكة والمدينة على جادة الحاج تذكر مع السقيا.
[2] الشرف: المكان العالي.
[3] الروحاء: موضع بين مكة والمدينة، أوّل من سماها بذلك تبع، قال ابن الكلبيّ: لما رجع تبع من قتال أهل المدينة يريد مكة نزل بالروحاء فأقام بها وأراح فسماها الروحاء، وقيل فيها غير ذلك. (انظر ياقوت في الكلام عليها).
[4] في أ، ء، م: «غيرهما».
حوراء ثاني ثقيل. وفيه خفيف رمل ينسب إلى عمر الوادي، وهو بعض هذا اللحن الذي حكاه عن الراعي ولا أعلم لمن هو. وهذه الأبيات من قصيدة لكثيّر سائرها في الغزل وهي من جيّد غزله ومختاره. وتمام الأبيات بعد ما مضى منها:
/فتلك التي أصفيتها بمودّتي ... وليدا ولمّا يستبن لي نهودها
وقد قتلت نفسا بغير جريرة ... وليس لها عقل [1] ولا من يقيدها
فكيف يودّ القلب من لا يودّه ... بلى قد تريد النفس من لا يريدها
ألا ليت شعري بعدنا هل تغيّرت ... عن العهد أم أمست كعهدي عهودها
إذا ذكرتها النفس جنّت بذكرها ... وريعت وحنّت واستخفّ جليدها
فلو كان ما بي بالجبال لهدّها ... وإن كان في الدنيا شديدا هدودها
ولست وإن أوعدت فيها بمنته ... وإن أوقدت نار فشبّ وقودها
أبيت نجيّا للهموم مسهّدا ... إذا أوقدت نحوي بليل وقودها [2]
فأصبحت ذا نفسين نفس مريضة ... من اليأس ما ينفكّ همّ يعودها
ونفس إذا ما كنت وحدي تقطّعت ... كما انسلّ من ذات النّظام فريدها
فلم تبد [3] لي يأسا ففي اليأس راحة ... ولم تبدلي جودا فينفع جودها
أخذ من الوليد خاتم ياقوت بصوت اقترحه عليه:
أخبرني محمد بن مزيد قال حدّثنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه عن أيّوب بن عباية قال:
قال عمر الوادي: خرج إليّ الوليد بن يزيد يوما وفي يده خاتم ياقوت أحمر قد كاد البيت يلتمع من شعاعه؛ فقال لي: يا جامع لذّتي، أتحبّ أن أهبه لك؟ قلت: نعم واللّه يا مولاي؛ فقال: غنّ في هذه الأبيات التي أنشدك فيها واجهد نفسك، فإن أصبت إرادتي وهبته لك؛ فقلت: أجتهد وأرجو التوفيق.
صوت
ألا يسليك عن سلمى ... قتير [4] الشّيب والحلم
وأنّ الشكّ ملتبس ... فلا وصل ولا صرم ضفلا واللّه ربّ النا
س مالك عندنا ظلم
__________
[1] العقل: الدية. وأقاد القاتل بالقتيل: قتله به.
[2] كذا بالأصول ولعله: «إذا أوفدت ... وفودها»، بالفاء في الكلمتين.
[3] كذا في ب، س. وفي سائر الأصول: «تبذلي»، بالذال المعجمة.
[4] القتير: أول ما يظهر من الشيب.
وكيف بظلم جارية ... ومنها اللّين [1] والرّحم
فخلوت في بعض المجالس، فما زلت أديره حتى استقام، ثم خرجت إليه وعلى رأسه وصيفة، بيدها كأس وهو يروم [أن] [2] يشربها [3] فلا يقدر خمارا؛ فقال: ما صنعت؟ فقلت: فرغت ممّا أمرتني به؛/ وغنّيته، فصاح:
أحسنت واللّه! ووثب قائما على رجليه وأخذ الكأس واستدناني فوضع يده اليسرى عليّ متّكئا والكأس في يده اليمنى؛ ثم قال لي: أعد بأبي أنت وأمّي! فأعدته عليه فشرب ودعا بثانية [4] وثالثة ورابعة وهو على حاله يشرب قائما حتى كاد أن يسقط تعبا؛ ثم جلس ونزع الخاتم والحلّة التي كانت عليه، فقال: واللّه العظيم لا تبرح هكذا حتى أسكر؛ فما زلت أعيده عليه ويشرب حتى مال على جنبه سكرا فنام.
سبق عبد المطلب بن عبد اللّه بينه وبين أشعب وأبي رقية في وجز:
أخبرني محمد بن مزيد قال حدّثنا حمّاد عن أبيه عن غرير [5] بن طلحة الأرقمي عن أبي الحكم عبد المطلب بن عبد اللّه بن يزيد بن عبد الملك قال: واللّه إني لبآلعقيق في قصر القاسم بن عبد اللّه بن عمرو بن عثمان بن عفّان وعندي أشعب وعمر الوادي/ وأبو رقيّة، إذ دعوت بدينار فوضعته بين يديّ وسبّقتهموه في رجز فكان أوّل من خسق عمر الوادي [6] فقال:
أنا ابن داود أنا ابن زاذان ... أنا ابن مولى عمرو بن عثمان [7]
ثم خسق أبو رقيّة فقال:
أنا ابن عامر القاري ... أنا ابن أوّل أعجمي
تقدّم في مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. ثم خسق أشعب فقال:
أنا ابن أمّ الخلنداج ... أنا ابن المحرّشة بين أزواج
النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم. قال أبو الحكم: فقلت له: أي أخزاك اللّه، هل سمعت أحدا قطّ فخر بهذا! فقال: وهل فخر أحد بمثل فخري! لو لا أن أمّي كانت عندهنّ ثقة ما قبلن منها حتى يغضب بعضهنّ على بعض.
__________
[1] كذا في ح و «اللسان» (مادة رحم). وقد وردت في سائر الأصول محرّفة. والرحم: العطف والرحمة.
[2] ليست بالأصول.
[3] في الأصول: «يشربه»، والكأس مؤنثة.
[4] في الأصول: «بثان وثالث ورابع».
[5] كذا فيء و «شرح القاموس» وفيما تقدم من «الأغاني» (ج 3 ص 348 من هذه الطبعة). وفي سائر الأصول: «عزيز»، وهو تصحيف.
[6] الخسق: الرمي بالسهم. وقد وردت هذه الكلمة على وجه الاستعارة لمقام الرهان الوارد في هذه القصة.
[7] هذه الأرجاز الثلاثة ليست متزنة اتزّانا عروضيا. ولعله كلام يقصد به إلى الهزل والمزاح أكثر مما يقصد به إلى الجد. لأن أشعب لم يعرف عنه أنه كان شاعرا بل كان مزاحا صاحب نوادر، وأبو رقية رجل ضعيف العقل، وعمر مغن وليس بشاعر.
3 - أخبار أبي كامل
كان مغنيا محسنا مضحكا:
اسمه الغزيّل، وهو مولى الوليد بن يزيد، وقيل: بل كان مولى أبيه، وقيل: بل كان أبوه مولى عبد الملك.
وكان مغنيّا محسنا وطيّبا مضحكا. ولم أسمع له بخبر بعد أيام بني أميّة؛ ولعلّه مات في أيامهم أو قتل معهم.
غنى الوليد وأطربه فخلع عليه قلنسيته:
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا أحمد بن الحارث الخرّاز عن المدائنيّ: أن أبا كامل غنّى الوليد بن يزيد ذات يوم فقال:
صوت
نام من كان خليّا من ألم ... وبدائي بتّ ليلي لم أنم
أرقب الصبح كأني مسند ... في أكفّ القوم تغشاني الظّلم
إنّ سلمى ولنا من حبّها ... ديدن في القلب ما اخضرّ السّلم
قد سبتني بشتيت نبته ... وثنايا لم يعبهنّ قضم [1]
قال فطرب الوليد وخلع عليه قلنسية وشي [2] مذهبة كانت على رأسه. فكان أبو كامل يصونها ولا يلبسها إلا من عيد إلى عيد ويمسحها بكّمه ويرفعها ويبكي ويقول: إنما أرفعها لأنّي أجد منها ريح سيّدي (يعني الوليد).
الغناء في هذا الصوت هزج بالوسطى، نسبه عمرو بن بانة إلى عمر الوادي، ونسبه غيره إلى أبي كامل، وزعم آخرون أنه لحكم، هكذا نسبه ابن المكيّ إلى حكم وزعم أنّه بالبنصر.
/ أخبرني إسماعيل بن يونس قال حدّثنا عمر بن شبّة/ قال حدّثني الأصمعيّ عن صفوان بن الوليد المعيطيّ قال:
غنّى أبو كامل ذات يوم الوليد بن يزيد في لحن لابن عائشة، وهو:
جنّباني أذاة كلّ لئيم ... إنّه ما علمت شرّ نديم
__________
[1] القضم: انصداع في السن، وقيل: تكسر وتئلم في أطراف الأسنان.
[2] كذا في أ، م، ء. وفي سائر الأصول: «و خلع عليه حتى قلنسية وشي إلخ».
للوليد فيه أشعار كثيرة:
فخلع عليه ثيابه كلّها حتى قلنسيته. ثم ذكر باقي الخبر مثل الذي تقدّمه؛ وزاد فيه أنه أوصى أن تجعل في أكفانه. وللوليد في أبي كامل أشعار كثيرة. فمنها ممّا يغنّى به:
صوت
سقيت أبا كامل ... من الأصفر البابلي
وسقّيتها معبدا ... وكلّ فتى فاضل
وقال أيضا فيه:
وزقّ وافر الجنبين ... مثل الجمل البازل
به رحت إلى صحبي ... وندماني أبي كامل
شربناه وقد بتنا ... بأعلى الدّير بالساحل
ولم نقبل من الواشي ... قبول الجاهل الخاطل
الغناء لأبي كامل خفيف رمل بالوسطى. وذكر الهشاميّ أنه ليحيى المكي وأنّه نحله أبو كامل. وذكر أن لعمر الواديّ أو لحكم فيه رملا بالوسطى وهو القائم.
وأخبرني أبو الحسن محمد بن إبراهيم قريش رحمه اللّه أنّ لينشو فيه خفيف رمل.
/ ومنها في قول الوليد:
صوت
سقيت أبا كامل ... من الأصفر البابلي
وسقّيتها معبدا ... وكلّ فتى فاضل
لي المحض من ودّهم ... ويغمرهم نائلي
وما لا مني فيهم ... سوى حاسد جاهل
فيه هزج ينسب إلى أبي كامل وإلى حكم. وفيه لينشو ثقيل أوّل. أخبرني بذلك قريش ووجه الرّزّة جميعا.
كان المعتضد يمدح شعر الوليد ويقول: فيه شمائل الملوك:
وأخبرني قريش عن أحمد بن أبي العلاء قال:
كان للمعتضد عليّ صوتان من شعر الوليد، أحدهما:
سقيت أبا كامل ... من الأصفر البابلي
والآخر:
إن في الكأس لمسكا ... أو بكفّي من سقاني
وكان يعجب بهما ويقول لجلسائه: أما ترون شمائل الملوك في شعره! ما أبينها [1]:
لي المحض من ودّهم ... ويغمرهم نائلي
وحين يقول:
كلّلاني توّجاني ... وبشعري غنّياني
وقد نسب إلى الوليد بن يزيد في هذه المائة الصوت المختارة شعر صوتين؛ لأن ذكر سليمى في أحدهما، ولأن الصنعة في الآخر لأبي كامل [2]؛ فذكرت من ذلك هاهنا صوتين، أحدهما [3]:
صوت من المائة المختارة
سليمى تلك في العير [4] ... قفي نخبرك أو سيري
إذا ما أنت لم ترثي ... لصبّ القلب مغمور
فلما أن دنا الصبح ... بأصوات العصافير
خرجنا نتبع الشمس ... عيونا كالقوارير
وفينا شادن أحو ... ر من حور اليعافير [5]
الشعر ليزيد بن ضبّة. والغناء في اللحن المختار لإسماعيل بن الهربذ، ولحنه رمل مطلق في مجرى الوسطى.
هكذا ذكر إسحاق في كتاب شجا لابن الهربذ؛ وذكر في موضع آخر أن فيه لحنا لابن زرزور الطائفي رملا آخر بالسبّابة في مجرى البنصر. وذكر إبراهيم أنّ فيه لحنا لأبي كامل ولم يجنّسه. وذكر حبش أن فيه لعطرّد هزجا بالوسطى.
__________
[1] الكلام هنا ناقص ولعله: «ما أبينها في قوله أو حين يقول ... إلخ».
[2] أبو كامل كان مغني الوليد.
[3] ذكر المؤلف الصوت الآخر في أخبار إسماعيل بن الهربذ وهو:
امدح الكأس ومن أعملها ... واهج قوما قتلونا بالعطش
إنما الكأس ربيع باكر ... فإذا ما غاب عنا لم نعش
[4] العير: القافلة.
[5] اليعافير: الظباء، واحدها يعفور.
4 - أخبار يزيد بن ضبّة ونسبه
نسبه وولاؤه وانقطاعه إلى الوليد بن يزيد:
أخبرني عليّ بن صالح بن الهيثم قال حدّثني أحمد بن الهيثم عن الحسن بن إبراهيم بن سعدان عن عبد العظيم بن عبد اللّه بن يزيد بن ضبّة الثّقفيّ قال:
كان جدّي يزيد بن ضبّة مولّى لثقيف. واسم أبيه مقسم؛ وضبّة أمّه غلبت على نسبه؛ لأن أباه مات وخلّفه صغيرا، فكانت أمّه تحضن أولاد المغيرة بن شعبة ثم أولاد ابنه عروة بن المغيرة، فكان جدّي ينسب إليها لشهرتها.
قال: وولاؤه لبني مالك بن حطيط ثم لبني عامر بن يسار. قال عبد العظيم: وكان جدّي يزيد بن ضبّة منقطعا إلى الوليد بن يزيد في حياة أبيه متصلا به لا يفارقه.
أراد أن يهنىء هشاما بالخلافة فردّه لانقطاعه للوليد وشعره في ذلك
فلما أفضت الخلافة إلى هشام أتاه جدّي مهنّئا بالخلافة. فلما استقرّ به المجلس ووصلت إليه الوفود وقامت الخطباء تثني عليه والشعراء تمدحه، مثل جدّي بين السّماطين فاستأذنه في الإنشاد، فلم يأذن له، وقال: عليك بالوليد فامدحه وأنشده، وأمر بإخراجه. وبلغ الوليد خبره، فبعث إليه بخمسمائة دينار، وقال له: لو أمنت عليك هشاما لما فارقتني، ولكن اخرج إلى الطائف، وعليك بمالي هناك؛ فقد سوّغتك جميع غلّته، ومهما احتجت [1] إليّ من شيء بعد ذلك فالتمسه منّي. فخرج إلى الطائف، وقال يذكر ما فعله هشام به:
أرى سلمى تصدّ وما صددنا ... وغير صدودها كنّا أردنا
لقد بخلت بنائلها علينا ... ولو جادت بنائلها حمدنا
وقد ضنّت بما وعدت وأمست ... تغيّر عهدها عمّا عهدنا
/ ولو علمت بما لاقيت سلمى ... فتخبرني وتعلم ما وجدنا
تلمّ على تنائي الدار منّا ... فيسهرنا الخيال إذا رقدنا
ألم تر أنّنا لمّا ولينا ... أمورا خرّقت فوهت سددنا
رأينا الفتق حين وهي عليهم ... وكم من مثله صدع رفأنا
/ إذا هاب الكريهة من يليها ... وأعظمها الهيوب لها عمدنا
__________
[1] في ب، س، ح: «إليه».
وجبّار تركناه كليلا ... وقائد فتنة طاغ أزلنا
فلا تنسوا مواطننا فإنّا ... إذا ما عاد أهل الجرم عدنا
وما هيضت مكاسر من جبرنا ... ولا جبرت مصيبة من هددنا
ألا من مبلغ عنّي هشاما ... فما منّا البلاء ولا بعدنا
وما كنّا إلى الخلفاء نفضي ... ولا كنّا نؤخّر إن شهدنا
أ لم يك بالبلاء لنا جزاء ... فنجزى بالمحاسن أم حسدنا
وقد كان الملوك يرون حقّا ... لوافدنا فنكرم إن وفدنا
ولينا الناس أزمانا طوالا ... وسسناهم ودسناهم وقدنا
أ لم تر من ولدنا كيف أشبى [1] ... وأشبينا وما بهم قعدنا
نكون لمن ولدناه سماء ... إذا شيمت مخايلنا رعدنا
وكان أبوك قد أسدى إلينا ... جسيمة أمره وبه سعدنا
كذلك أوّل الخلفاء كانوا ... بنا جدّوا كما بهم جددنا
هم آباؤنا وهم بنونا ... لنا جبلوا كما لهم جبلنا
ونكوي بالعداوة من بغانا ... ونسعد بالمودّة من وددنا
/ نرى حقّا لسائلنا علينا ... فنحبوه ونجزل إن وعدنا
ونضمن جارنا ونراه منّا ... فنرفده فنجزل إن رفدنا
وما نعتدّ دون المجد مالا ... إذا يغلى بمكرمة أفدنا
وأتلد مجدنا أنّا كرام ... بحدّ المشرفيّة عنه ذدنا
هنأ الوليد بالخلافة فأعطاه لكل بيت ألف درهم:
قال: فلم يزل مقيما بالطائف إلى أن ولي الوليد بن يزيد الخلافة، فوفد إليه. فلما دخل عليه والناس بين يديه جلوس ووقوف على مراتبهم هنّأه بالخلافة؛ فأدناه الوليد وضمّه إليه، وقبّل يزيد بن ضبّة رجليه والأرض بين يديه؛ فقال الوليد لأصحابه: هذا طريد الأحول لصحبته إيّاي وانقطاعه إليّ. فاستأذنه يزيد في الإنشاد وقال له:
يا أمير المؤمنين، هذا اليوم الذي نهاني عمّك هشام عن الإنشاد فيه قد بلغته بعد يأس، والحمد للّه على ذلك. فأذن له، فأنشده:
سليمى تلك في العير ... قفي أسألك أو سيري
__________
[1] أشبى الرجل: ولد له ولد ذكي. قال ذو الإصبع العدواني:
وهم إن ولدوا أشبوا ... بسرّ الحسب المحض
إذا ما بنت لم تأوي ... لصبّ القلب مغمور
وقد بانت ولم تعهد ... مهاة في مها حور
وفي الآل [1] حمول الح ... يّ تزهى كالقراقير [2]
يواريها وتبدو من ... ه آل [3] كالسّمادير [4]
/و تطفو حين تطفو في ... ه كالنّخل المواقير [5]
لقد لاقيت من سلمى ... تباريح التّناكير [6]
/دعت عيني لها قلبي ... وأسباب المقادير
وما إن من به شيب ... إذا يصبو بمعذور
لسلمى رسم أطلال ... عفتها الرّيح بالمور [7]
خريق [8] تنخل التّرب ... بأذيال الأعاصير
فأوحش إذ نأت سلمى ... بتلك الدّور من دور
سأرمي قانصات البي ... د إن عشت بعسبور [9]
من العيس شجوجاة [10] ... طواها النّسع بالكور
إذا ما حقب [11] منها ... قرنّاه بتصدير
زجرنا العيس فارقدّت [12] ... بإعصاف وتشمير
__________
[1] الآل هنا: السراب، وقيل: الآل هو الذي يكون ضحى كالماء بين السماء والأرض يرفع الشخوص ويزهاها. فأما السراب فهو الذي يكون نصف النهار لاطئا بالأرض كأنه ماء جار. فالآل من الضحى إلى زوال الشمس والسراب بعد الزوال إلى العصر.
[2] كذا في أ، ء، م، وكذلك صححها المرحوم الأستاذ الشنقيطي بنسخته. والقراقير: السفن العظيمة أو الطويلة. وفي ب، س، ح:
«كالقوارير».
[3] الآل هنا: الشخوص التي تظهر في الآل (بالمعنى السابق).
[4] كذا في أكثر النسخ. والسمادير: الأشياء التي تتراءى للإنسان من ضعف بصره عند السكر من الشراب وغشى النعاس والدوار. قال الكميت:
ولما رأيت المقربات مذالة ... وأنكرت إلا بالسمادير آلها
وفي ب، س: «كالشماذير» بالشين والذال المعجمتين، وهو تصحيف.
[5] المواقير: جمع ميقار. والنخلة الميقار كالموقرة: التي عليها حمل ثقيل.
[6] التباريح: الشدائد. وهو من المجموع التي لا مفرد لها. والتناكير: الأمور المنكرة.
[7] المور: الغبار المتردّد. وهو أيضا تراب تثيره الريح.
[8] الخريق: الريح الشديدة الهبوب.
[9] العسبور: العاقة الشديدة.
[10] الشجوجاة: الطويلة جدّا. وقيل: الطويلة الرجلين. وقيل: الطويلة الظهر. والنسع: سير مفتول يشدّ به الرحل. والكور: الرحل.
[11] الحقب: حبل يشدّ به الرحل في بطن البعير مما يلي ثيله (و عاء قضيب البعير) لئلا يؤذيه التصدير أو يجتذبه التصدير فيقدّمه.
والتصدير: الحزام، وهو في صدر البعير، والحقب عند الثيل.
[12] الارقداد: سرعة السير. وفي ب، س: «فارتدت» وهو تصحيف. والإعصاف: الإسراع في السير. والتشمير: الجدّ في الأمر والاجتهاد فيه.
تقاسيها على أين ... بإدلاج [1] وتهجير
/ إذا ما اعصوصب [2] الآل ... ومال الظّلّ بالقور
وراحت تتّقي الشمس ... مطايا القوم كالعور
إلى أن يفضح [3] الصبح ... بأصوات العصافير
لتعتام [4] الوليد القر ... م أهل الجود والخير
كريم يهب البزل ... مع الخور [5] الجراجير
تراعي حين تزجيها ... هويّا [6] كالمزامير
كما جاوبت النّيب ... رباع [7] الخلج الخور
ويعطى الذهب الأحم ... ر وزنا بالقناطير
بلوناه فأحمدنا ... ه في عسر وميسور
كريم العود والعنص ... ر غمر غير منزور
له السّبق إلى الغايا ... ت في ضمّ المضامير
إمام يوضح الحقّ ... له نور على نور
مقال من أخي ودّ ... بحفظ الصدق مأثور
بإحكام وإخلاص ... وتفهيم وتحبير
قال: فأمر الوليد بأن تعدّ أبيات القصيدة ويعطى لكل بيت ألف درهم؛ فعدّت فكانت خمسين بيتا فأعطي خمسين ألفا. فكان أوّل خليفة عدّ أبيات الشعر/ وأعطى على عددها لكل بيت ألف درهم؛ ثم لم يفعل ذلك إلّا هارون الرشيد، فإنه بلغه خبر جدّي مع الوليد فأعطى مروان بن أبي حفصة ومنصورا النّمريّ لمّا مدحاه وهجوا آل أبي طالب لكل بيت ألف درهم.
أمره الوليد بمدح فرسه السندي وكانا قد خرجا إلى الصيد:
قال عبد العظيم وحدّثني أبي وجماعة من أصحاب الوليد:
أنّ الوليد خرج إلى الصيد ومعه جدّي يزيد بن ضبّة، فاصطاد على فرسه السّنديّ صيدا حسنا، ولحق عليه
__________
[1] الإدلاج: السير في الليل. والتهجير: السير في الهاجرة.
[2] اعصوصب: اشتد. والآل: السراب. والقور: جمع قارة وهي الجبيل المنقطع عن الجبال أو الصخرة العظيمة.
[3] أفضح الصبح: بدا. وفي ح: «يفصح» بالصاد المهملة.
[4] اعتام: اختار واصطفى. يريد: تقصد إليه مختارة له.
[5] الخور: النوق الغزيرة اللبن. والجراجير: الكرام من الإبل.
[6] الهويّ: الدويّ في الأذن.
[7] الرباع: جمع ربع (بضم ففتح) وهو ما ولد من الإبل في أول النتاج. والخلوج: الناقة الكثيرة اللبن التي تحنّ إلى ولدها.
حمارا فصرعه؛ فقال لجدّي: صف فرسي هذا وصيدنا اليوم؛ فقال في ذلك:
/ وأحوى سلس المرسن مثل الصّدع الشّعب [1]
سما فوق منيفات ... طوال كالقنا سلب [2]
طويل الساق عنجوج ... أشقّ أصمع الكعب [3]
على لأم أصمّ مضمّ ... ر الأشعر كالقعب [4]
ترى بين حواميه ... نسورا كنوى القسب [5]
معالى شنج الأنسا ... ء سام جرشع الجنب [6]
/طوى بين الشّراسيف ... إلى المنقب فالقنب [7]
يغوص الملحم القائ ... م ذو حدّ وذو شغب
عتيد الشّدّ والتّقري ... ب والإحضار والعقب [8]
صليب الأذن والكاه ... ل والموقف والعجب [9]
عريض الخدّ والجبه ... ة والبركة والهلب [10]
إذا ما حثّه حاثّ ... يباري الرّيح في غرب [11]
__________
[1] المرسن: الأنف. والصدع: الفتيّ الشاب القويّ من الأوعال والظباء. والشعب (بالتحريك): تباعد ما بين القرنين فهو وصف بالمصدر. وسكن للضرور.
[2] الرمح السلب (ككتف): الطويل والجمع سلب (بضمتين). قال الشاعر:
ومن ربط الجحاش فان فينا ... قنا سلبا وأفراسا حسانا
ويجوز فيه التخفيف بتسكين عينه كما هنا.
[3] العنجوج: الرائع من الخيل. والأشق: الطويل. والصمع في الكعوب: لطاقتها واستواؤها.
[4] اللام: الشديد من كل شيء، ومن الحوافر: أشدّها. يريد: على حافر شديد صلب. والأشعر: ما استدار بالحافر من منتهى الجلد حيث تنبت الشعيرات حول الحافر. والقعب: القدح الصغير يشبه به الحافر.
[5] الحوامي: ميامن الفرس ومياسره. والنسر: لحمة صلبة في باطن الحافر كأنها حصاة أو نواة. والقسب: تمر يابس يتفتت في الفم صلب النواة.
[6] الأنساء: جمع نسا وهو عرق يخرج من الورك فيستبطن الفخذين ثم يمرّ بالعرقوب حتى يبلغ الحافر. وفرس شنج النسا: متقبضه، وهو مدح له. وجرشع الجنب: منتفخه.
[7] الشراسيف: أطراف أضلاع الصدر التي تشرف على البطن. والمنقب (كمقعد): الموضع الذي ينقبه البيطار من بطن الدابة. والقنب:
جراب قضيب الدابة.
[8] يقال: فرس عتيد: شديد الخلق معدّ للجري. والتقريب: ضرب من العدو، وهو أن يرفع يديه معا ويضعهما معا وهو دون الإحضار. والعقب: الجري يجيء بعد الجري الأوّل.
[9] الموقفان من الفرس: نقرتا الخاصرة على رأس الكلية. والعجب: أصل الذنب عند رأس العصعص.
[10] البركة: الصدر. واللهب: شعر الذنب. وفي الأصول: «اللهب» وهو تحريف.
[11] غرب الفرس: حدّته ونشاطه.
وإن وجّهه أسر ... ع كالخدروف [1] في الثّقب
وقفّاهنّ كالأجد ... ل لما انضمّ للضّرب
ووالى الطعن يختار ... جواشن [2] بدّن قبّ
ترى كلّ مدلّ [3] قا ... ثما يلهث كالكلب
كأن الماء في الأعطا ... ف منه قطع العطب [4]
كأن الدّم في النّحر ... قذال علّ بالخضب
يزين الدار موقوفا ... ويشفي قرم [5] الرّكب
/ قال: فقال له الوليد: أحسنت يا يزيد الوصف وأجدته، فاجعل لقصيدتك تشبيبا وأعطه الغزيّل وعمر الوادي حتى يغنيّا فيه؛ فقال:
صوت
إلى هند صبا قلبي ... وهند مثلها يصبي
وهند غادة غيدا ... ء من جرثومة [6] غلب
وما إن وجد الناس ... من الأدواء كالحبّ
لقد لجّ بها الإعرا ... ض والهجر بلا ذنب
ولمّا أقض من هند ... ومن جاراتها نحبي [7]
أرى وجدي بهند دا ... ثما يزداد عن غبّ [8]
وقد أطولت [9] إعراضا ... وما بغضهم طبّي [10]
ولكن رقبة [11] الأع ... ين قد تحجز ذا اللّبّ
__________
[1] الخذروف: شيء يدوّره الصبيّ بخيط في يده فيسمع له دويّ.
[2] الجواشن: الصدور.
[3] المدل: الجريء.
[4] العطب: القطن.
[5] القرم: الشهوة إلى اللحم. وفي ب، س: «قدم» بالدال المهملة، وهو تحريف.
[6] الجرثومة: الأصل. والغلب: جمع أغلب، وهو في الأصل الغليظ الرقبة، وهم يصفون السادة أبدا بغلظ الرقبة وطولها.
[7] النحب: الحاجة.
[8] الغب: قلة الزيارة.
[9] أطول كأطال، أنشد سيبويه:
صددت فأطولت الصدود وقلما ... وصال على طول الصدود يدوم
[10] الطب هنا: الشأن والعادة.
[11] كذا فيء، أ. وفي سائر الأصول: «رقية» بالياء المثناة، وهو تصحيف.
ورغم [1] الكاشح الراغ ... م فيها أيسر الخطب
/ قال: ودفع هذه الأبيات إلى المغنّين فغنّوه فيها.
كان فصيحا يطلب الحوشيّ من الشعر:
أخبرني هاشم بن محمد الخزاعيّ قال حدّثنا الرّياشيّ عن الأصمعيّ، وحدّثني به محمد بن الحسن بن دريد قال حدّثنا أبو حاتم قال حدّثنا الأصمعيّ قال:
كان يزيد بن ضبّة مولى ثقيف، ولكنّه كان فصيحا، وقد أدركته بالطائف، وقد كان يطلب القوافي المعتاصة والحوشيّ من الشعر.
قال أهل الطائف إن له ألف قصيدة انتحلتها شعراء العرب:
قال أبو حاتم في خبره خاصّة وحدّثني غسّان بن عبد اللّه بن عبد الوهاب الثقفيّ عن جماعة من مشايخ الطائفيّين وعلمائهم قالوا: قال يزيد بن ضبّة ألف قصيدة، فاقتسمتها شعراء العرب وانتحلتها، فدخلت في أشعارها.
__________
[1] في أ، ء، م: «زعم» بالزاي والعين المهملة.
5 - أخبار إسماعيل بن الهربذ
ولاؤه، وقد غنى الوليد وعمر إلى آخر أيام الرشيد:
إسماعيل بن الهربذ مكيّ مولّى لآل الزّبير بن العوّام، وقيل: بل هو مولى بني كنانة. أدرك آخر أيام بني أميّة وغنّى للوليد بن يزيد، وعمّر إلى آخر أيام الرشيد.
قدم على الرشيد وعنده بعض كبار المغنين فأطربه دونهم:
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا محمد بن القاسم بن مهرويه عن عبد اللّه بن أبي سعد عن محمد بن عبد اللّه بن مالك الخزاعيّ عن أبيه:
أن إسماعيل بن الهربذ قدم على الرشيد من مكة، فدخل إليه وعنده ابن جامع وإبراهيم وابنه إسحاق وفليح وغيرهم والرشيد يومئذ خاثر [1] به خمار شديد؛ فغنّى ابن جامع ثم فليح ثم إبراهيم ثم إسحاق، فما حرّكه أحد منهم ولا أطربه؛ فاندفع ابن الهربذ يغنّي، فعجبوا من إقدامه في تلك الحال على الرشيد، فغنّى:
صوت
يا راكب العيس التي ... وفدت من البلد الحرام
قل للإمام ابن الإما ... م أخي الإمام أبي الإمام
زين البريّة إذ بدا ... فيهم كمصباح الظلام
جعل الإله الهربذيّ ... فداك من بين الأنام
- الغناء لابن الهربذ رمل بالوسطى عن عمرو - قال فكاد الرشيد يرقص، واستخفّه الطرب حتى ضرب بيديه ورجليه، ثم أمر له بعشرة آلاف درهم، فقال له: يا أمير المؤمنين، إن لهذا الصوت حديثا، فإن أذن مولاي حدّثته به؛ فقال: حدّث. قال: كنت مملوكا لرجل من ولد الزّبير، فدفع إليّ درهمين أبتاع/ له بهما لحما، فرحت فلقيت جارية على رأسها جرّة مملوءة من ماء العقيق [2] وهي تغنّي هذا اللحن في شعر غير هذا الشعر على وزنه ورويّه؛ فسألتها أن تعلّمنيه؛ فقالت: لا وحقّ القبر [3] إلّا بدرهمين؛ فدفعت إليها الدرهمين وعلّمتنيه؛ فرجعت إلى مولاي
__________
[1] خثرت نفسه: غثت واختلطت.
[2] العقيق: واد بناحية المدينة فيه عيون ونخيل.
[3] تريد قبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
بغير لحم فضربني ضربا مبرّحا شغلت معه بنفسي فأنسيت الصوت. ثم دفع إليّ درهمين آخرين بعد أيام أبتاع له بهما لحما؛ فلقيتني الجارية فسألتها أن تعيد الصوت عليّ؛ فقالت: لا واللّه إلا بدرهمين؛ فدفعتهما إليها وأعادته عليّ مرارا حتى أخذته. فلما رجعت إلى مولاي أيضا ولا لحم معي قال: ما القصّة في هذين الدرهمين؟ فصدقته القصّة وأعدت/ عليه الصوت، فقبّل بين عينيّ وأعتقني. فرحلت [1] إليك بهذا الصوت، وقد جعلت ذلك اللحن في هذا الشعر؛ فقال: دع الأوّل وتناسه، وأقم على الغناء بهذا اللحن في هذا الشعر؛ فأمّا مولاك فسأدفع إليه بدل كلّ درهم ألف دينار؛ ثم أمر له بذلك فحمل إليه.
شعر نسب للوليد وليس له:
وممّا نسب إلى الوليد بن يزيد من الشعر وليس له:
صوت من المائة المختارة
امدح الكأس ومن أعملها ... واهج قوما قتلونا بالعطش
إنما الكأس ربيع باكر ... فإذا ما غاب عنّا لم نعش
الشعر لنابغة بني شيبان. والغناء لأبي كامل، ولحنه المختار من خفيف الثقيل الثاني بالوسطى، وهو الذي تسمّيه الناس اليوم الماخوريّ. وفيه لأبي كامل أيضا خفيف رمل بالبنصر عن عمرو. وذكر الهشاميّ أن فيه لمالك لحنا من الثقيل الأوّل بالوسطى، ولعمر الوادي ثاني ثقيل بالبنصر.
__________
[1] في أ، ء، م: «فرحت».
6 - نسب نابغة بني شيبان
نسبه، وهو شاعر بدويّ أموي:
النابغة اسمه عبد اللّه بن المخارق بن سليم بن حصرة [1] بن قيس بن سنان بن حمّاد بن حارثة [2] بن عمرو بن أبي ربيعة بن ذهل بن شيبان بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن عليّ بن بكر بن وائل بن قاسط بن هنب بن أقصى بن دعميّ بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار. شاعر بدويّ من شعراء الدولة الأمويّة. وكان يفد إلى الشأم إلى خلفاء بني أميّة فيمدحهم ويجزلون عطاءه. وكان فيما أرى [3] نصرانيّا لأنّي وجدته في شعره يحلف بالإنجيل والرّهبان وبالأيمان التي يحلف بها النّصارى. ومدح عبد الملك بن مروان ومن بعده من ولده؛ وله في الوليد مدائح كثيرة.
مدح عبد الملك لما هم بخلع أخيه وتولية ابنه للعهد:
أخبرني عمّي قال حدّثني محمد بن سعد الكرانيّ قال حدّثني العمريّ عن العتبيّ قال:
لما همّ عبد الملك بخلع عبد العزيز أخيه وتولية الوليد ابنه العهد، كان [4] نابغة بني شيبان منقطعا إلى عبد الملك مدّاحا له؛ فدخل إليه في يوم حفل والناس حواليه وولده قدّامه، فمثل بين يديه وأنشده قوله:
/ أشتقت [5]
وانهلّ دمع عينك أن ... أضحى قفارا من أهله طلح [6]
حتى انتهى إلى قوله:
أزحت عنّا آل الزبير ولو ... كانوا هم المالكين ما صلحوا
إن تلق بلوى فأنت مصطبر ... وإن تلاق النّعمى فلا فرح
__________
[1] كذا في «شرح القاموس» (مادة نبغ) في الكلام على نسب النابغة، و «تجريد الأغاني» في ترجمته، وقد ورد فيه مضبوطا بالقلم بضم الحاء. وفي جميع الأصول: «حضيرة» بالحاء المهملة والضاد المعجمة. وفي ديوانه المخطوط بخط الأستاذ الشنقيطي: «خصيرة» بالخاء المعجمة والصاد المهملة.
[2] كذا في «تجريد الأغاني» و «شرح القاموس» وديوانه. وفي الأصول: «جارية».
[3] هذا ما رآه أبو الفرج. وقد ورد في ديوانه ما يدل على أنه كان مسلما؛ فمن ذلك قوله في قصيدته الرائية (ص 17 طبع دار الكتب المصرية):
وتعجبني اللذات ثم يعوجني ... ويسترني عنها من اللّه ساتر
ويزجرني الإسلام والشيب والتقي ... وفي الشيب والإسلام للمرء زاجر
ويتجلى الروح الإسلامي في كثير من شعره المذكور في ديوانه.
[4] في الأصول: «و كان».
[5] قد وردت هذه القصيدة باختلاف عما هنا في ديوانه المطبوع بدار الكتب المصرية، فأثبتنا من الديوان ما رأيناه صوابا دون ما في الأصول وأغفلنا ما عدا ذلك.
[6] طلح وذو طلح: موضع دون الطائف لبني محرز، وقيل: موضع في بلاد بني يربوع.
ترمي بعيني أقنى على شرف ... لم يؤذه عائر ولا لحح [1]
آل أبي العاص آل مأثرة ... غرّ عتاق بالخير قد نفحوا
خير قريش وهم أفاضلها ... في الجدّ جدّ وإن هم مزحوا
أرحبها أذرعا وأصبرها ... أنتم إذا القوم في الوغى كلحوا [2]
/أمّا قريش فأنت وارثها ... تكفّ من صعبهم إذا طمحوا
حفظت ما ضيّعوا وزندهم ... أو ريت إذ أصلدوا [3] وقد قدحوا
آليت جهدا - وصادق قسمي - ... بربّ عبد تجنّه الكرح [4]
يظلّ يتلو الإنجيل يدرسه ... من خشية اللّه قلبه طفح [5]
/لابنك أولى بملك والده ... ونجم من قد عصاك مطّرح
داود عدل فاحكم بسيرته ... ثم ابن حرب فإنّهم نصحوا
وهم خيار فاعمل بسنّتهم ... واحي بخير واكدح كما كدحوا
قال: فتبّسم عبد الملك ولم يتكلم في ذلك بإنذار [6] ولا دفع؛ فعلم الناس أنّ رأيه خلع عبد العزيز. وبلغ ذلك من قول النابغة عبد العزيز، فقال [7]: لقد أدخل ابن النّصرانيّة نفسه مدخلا ضيّقا فأوردها موردا خطرا؛ وباللّه عليّ لئن ظفرت به لأخضبنّ قدمه بدمه.
هنأ يزيد بن عبد الملك بالفتح بعد قتل يزيد بن المهلب:
وقال أبو عمرو الشّيبانيّ: لما قتل يزيد بن المهلّب دخل النابغة الشّيبانيّ على يزيد بن عبد الملك بن مروان، فأنشده قوله في تهنئته بالفتح:
ألا طال التنظّر والثّواء ... وجاء الصيف وانكشف الغطاء
وليس يقيم ذو شجن مقيم ... ولا يمضي إذا ابتغي المضاء
__________
[1] كذا ورد هذا البيت في ديوانه. والأفنى: الصقر، سمي بذلك لقنا أنفه أي ارتفاع أعلاه واحدداب وسطه وسبوغ طرفه. والعائر:
الرمد. واللحح: لصوق الأجفان بالرمص وهو وسخ أبيض جامد يلصق بالجفون. وفي الأصول:
ترمي بعيني أروى على شرف ... لم يوده عائر ولا لمحوا
والأروى: أنثى الوعول. ولم يظهر لنا فيه معنى واضح، فآثرنا رواية الديوان.
[2] كلحوا: كثروا في عبوس.
[3] كذا في ديوانه. وأصلد الزند: قدحه ولم يور. وفي الأصول: «إن صلدوا وإن قدحوا».
[4] كذا ورد هذا الشطر في ديوانه. والكرح والأكيراح: بيوت صغار بأرض الكوفة تسكنها الرهبان. وفي الأصول: «لرب عبد اللّه ينتصحوا».
[5] رواية ديوانه: «قفح» بالقاف والفاء. وفسره الشنقيطي بقوله: «قفح: وجع».
[6] كذا في أ، م. وفي سائر الأصول: «باقدار»، وهو تحريف.
[7] في الأصول: «و قال».
طوال الدهر إلّا في كتاب ... ومقدار يوافقه القضاء
فما يعطى الحريص غنى لحرص ... وقد ينمي لذي الجود الثّراء
وكلّ شديدة نزلت بحيّ ... سيتبعها إذا انتهت الرّخاء
يقول فيها:
أؤمّ فتى من الأعياص ملكا ... أغرّ كأن غرّته ضياء
لأسمعه غريب الشعر مدحا ... وأثني حيث يتّصل الثناء
يزيد الخير فهو يزيد خيرا ... وينمي كلّما أبتغي النّماء
فضضت كتائب «الأزديّ» فضّا ... بكبشك حين لفّهما اللقاء
/ سمكت [1] الملك مقتبلا جديدا ... كما سمكت على الأرض السماء
نرجّي أن تدوم لنا إماما ... وفي ملك الوليد لنا رجاء
«هشام» و «الوليد» [2] وكلّ نفس ... تريد لك الفناء لك الفداء
وهي قصيدة طويلة، فأمر له بمائة ناقة من نعم كلب وأن توقّر له برّا وزبيبا، وكساه وأجزل صلته.
وفد على هشام مادحا فطرده لغلوّه في مدح يزيد:
قال: ووفد إلى هشام لمّا ولي الخلافة؛ فلمّا رآه قال له: يا ماصّ ما أبقت المواسي من بظر أمّه! ألست القائل:
هشام والوليد وكلّ نفس ... تريد لك الفناء لك الفداء
أخرجوه عنّي! واللّه لا يرزؤني [3] شيئا أبدا وحرمه. ولم يزل طول أيامه طريدا؛ حتى ولي الوليد بن يزيد؛ فوفد إليه ومدحه مدائح كثيرة، فأجزل صلته.
شعره في صفة الخمر ومدحها:
حدّثني الحسن بن عليّ قال حدّثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدّثني عبيد اللّه بن محمد الكوفيّ عن العمريّ/ الخصّاف عن الهيثم بن عديّ عن حمّاد الراوية أنه أنشده لنابغة بني شيبان:
أيها [4] الساقي سقتك مزنة ... من ربيع [5] ذي أهاضيب وطشّ
امدح الكأس ومن أعملها ... واهج قوما قتلونا بالعطش
__________
[1] سمك الشي ء: رفعه.
[2] كذا في الأصول وديوانه. ولم تتبين من المقصود بالوليد! الوليد بن عبد الملك وقد مات قبل يزيد هذا أم الوليد بن يزيد وهو ابن الممدوح وقد أسلف مدحه في البيت السابق!.
[3] لا يرزؤني شيئا: لا يصيب مني شيئا.
[4] قد وردت هذه القصيدة في ديوانه ببعض اختلاف عما هنا.
[5] الربيع: المطر في أوّل فصل الربيع. والأهاضيب: حلبات القطر بعد القطر. والطش: المطر الضعيف.
إنما الكأس ربيع باكر ... فإذا ما غاب عنّا لم نعش
/ وكأنّ الشّرب قوم موّتوا ... من يقم منهم لأمر يرتعش
خرس الألسن ممّا نالهم ... بين مصروع وصاح منتعش
من حميّا [1] قرقف حصّيّة ... قهوة حوليّة لم تمتحش
ينفع المزكوم منها ريحها ... ثم تنفى داءه إن لم تنشّ [2]
كلّ من يشربها يألفها ... ينفق الأموال فيها كلّ هشّ
استنشده الوليد شعرا فأنشده في الفخر بقومه فعاتبه ووصله:
أخبرني محمد بن مزيد بن أبي الأزهر قال حدّثنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه عن الجمحيّ - قال ابن أبي الأزهر:
وهو محمد بن سلّام - :
غنّى أبو كامل مولى الوليد بن يزيد يوما بحضرة الوليد بن يزيد:
امدح الكأس ومن أعملها ... واهج قوما قتلونا بالعطش
فسأل عن قائل هذا الشعر فقيل: نابغة بني شيبان؛ فأمر بإحضاره فأحضر؛ فاستنشده القصيدة فأنشده إياها؛ وظنّ أن فيها مدحا له فإذا هو يفتخر بقومه ويمدحهم؛ فقال له الوليد: لو سعد جدّك لكانت مديحا فينا لا في بني شيبان، ولسنا نخليك على ذلك من حظّ؛ ووصله وانصرف. وأوّل هذه القصيدة قوله:
خلّ [3] قلبي من سليمى نبلها ... إذ رمتني بسهام لم تطش
طفلة [4] الأعطاف رؤد دمية ... وشواها بختريّ لم يحش
/ وكأنّ الدّرّ في أخراصها [5] ... بيض كحلاء أقرّته بعشّ
ولها عينا مهاة [6] في مها ... ترتعي نبت خزامى ونتش
حرّة الوجه رخيم صوتها ... رطب تجنيه كفّ المنتقش [7]
__________
[1] الحميا: دبيب الشراب. والقرقف: الخمر، سميت بذلك لأنها تصيب شاربها بقرقفة أي رعدة. والحصية: نسبة إلى الحص وهو الزعفران. قال عمرو بن كلثوم:
مشعشعة كأن الحص فيها ... إذا ما الماء خالطها سخينا
والحولية: التي مضى عليها حول. ولم تمتحش: لم تحرق. يريد: لم تصبها النار.
[2] لم تنش: من النشوة أي لم تسكر.
[3] خل: نفذ وثقب.
[4] الطفلة: الناعمة. والرؤد: الشابة الحسنة. والدمية: التمثال من رخام. والشوي: الأطراف. ولم يحش: لم يعق بالإحاطة عليه كما يحوش الصائد الصيد بحبالته.
[5] الأخراص: جمع خرص وهو القرط. والكحلاء: طائر.
[6] المهاة: البقرة الوحشية. والخزامى: نبات طيب الريح. والنتش (بالتحريك): أوّل ما يبدو من النبات على وجه الأرض وفي ب وس وح: «و تقش» بالقاف وفي باقي الأصول: «و تعش» بالعين المهملة، والتصويب عن الديوان.
[7] انتقش: تخير.
وهي في الليل إذا ما عونقت ... منية البعل وهمّ المفترش
وفيها يقول مفتخرا:
وبنو شيبان حولي عصب ... منهم غلب [1] وليست بالقمش
وردوا المجد وكانوا أهله ... فرووا والجود عاف [2] لم ينشّ
وترى الجرد لدى أبياتهم ... أرنات [3] بين صلصال وجشّ
ليس في الألوان منها هجنة [4] ... وضح البلق ولا عيب البرش
فبها يحوون أموال العدا ... ويصيدون عليها كلّ وحش
/ دميت أكفالها [5] من طعنهم ... بالرّدينيّات [6] والخيل النّجش
ننهل الخطّيّ [7] من أعدائنا ... ثم نفري الهام إن لم نفترش
فإذا العيس من المحل غدت ... وهي في أعينها [8] مثل العمش
/ حسّر الأوبار مما لقيت ... من سحاب حاد عنها لم يرشّ [9]
خسّف [10] الأعين ترعى جوفة [11] ... همدت أوبارها لم تنتفش
ننعش العافي ومن لا ذبنا [12] ... بسجال الخير من أيد [13] نعش
ذاك قولي وثنائي وهم ... أهل ودّي خالصا في غير غشّ
فسلوا شيبان إن فارقتهم ... يوم يمشون إلى قبري بنعش
__________
[1] الغلب: جمع أغلب وهو الغليظ الرقبة. والقمش (بالسكون ونقلت حركة الأخير هاهنا إلى الساكن قبله للوقف): زعانف الناس وأرذالهم.
[2] العافي: الوافي. ولم ينش: لم ينضب.
[3] كذا في «ديوانه»، والأرنات: النشيطات. وفي الأصول: «كرباب». والصلصال: الحمار المصوّت. وجش: جمع أجش وهو الغليظ الصوت. ورواية هذا البيت والذي بعده في «ديوانه»:
وترى الخيل لدى أبياتهم ... كل جرداء وساجيّ همش
ليس في الألوان منها هجنة ... بلق الغثر ولا عيب برش
يتجاذبن صهيلا في الدجى ... أرنات بين صلصال وجش
[4] الهجنة: العيب. والبرش: البرص.
[5] في ب، س: «أكفانهم». وفي سائر الأصول: «أكفالهم». والتصويب عن «ديوانه».
[6] الردينيات: الرماح نسبة إلى «ردينة» وهي امرأة كانت تقوّمها. والنجش: المستثارة المسرعة.
[7] الخطيّ: الرمح نسبة إلى الخط وهي مرفأ للسفن بالبحرين. ونفري: نشق. والهام: جمع هامة وهي الرأس. ونفترش: نصرع.
[8] كذا في «ديوانه». وفي الأصول: «و أعيننا» وهو تحريف.
[9] أرشت السماء: جاءت بالمطر.
[10] خسف الأعين: غائرتها.
[11] كذا في «الديوان». والجوفة: النبتة الفارغة الجوف. وفي الأصول: «جدبة».
[12] في ب، س: «و من لازمنا».
[13] أيد نعش: تنتعش لفعل الكرم والخير.
هل غشينا محرما في قومنا ... أو جزينا جازيا فحشا بفحش
بعض شعره الذي غنى به:
ومما يغنّي فيه من شعر نابغة بني شيبان:
صوت
ذرفت عيني دموعا ... من رسوم بحفير [1]
موحشات طامسات ... مثل آيات الزّبور
/ وزقاق مترعات ... من سلافات العصير [2]
مجلخدّات [3] ملاء ... بطّنوهنّ [4] بقير
فإذا صارت إليهم ... صيّرت خير مصير [5]
من شباب وكهول ... حكمّوا كأس المدير
كم ترى فيهم نديما ... من رئيس وأمير
ذكر يونس أنّ فيه لمالك لحنا ولابن عائشة آخر، ولم يذكر طريقتهما؛ وفيه خفيف رمل معروف لا أدري لحن أيّهما هو.
صوت من المائة المختارة
يا عمر حمّ فراقكم عمرا ... وعزمت منّا النأي والهجرا
إحدى بني أود [6] كلفت بها ... حملت بلا ترة لنا وترا
__________
[1] حفير: موضع بين مكة والمدينة، وعن ابن دريد: بين مكة والبصرة. وموضع بنجد، واسم لكثير من المواضع.
[2] رواية هذا البيت في «ديوانه»:
في زقاق كل حجلي ... ن أضرّا ببعير
والحجل: السقاء العظيم.
[3] مجلخدات: مستلقيات. وفي الأصول: «ملحدات وملاء» وهو تحريف.
[4] كذا في «الديوان». وفي ب، س، ح: «طينوهن» بالنون. وفي سائر النسخ: «طيبوهن» بالباء الموحدة. والقير: الزفت.
[5] رواية هذا البيت والذي بعده في «ديوانه»:
فإذا صرت إليهم ... صرت في خير مصير
عند شبان وشيب ... أعملوا كأس المدير
[6] بنو أود: قبيلة.
وترى لها دلّا إذا نطقت ... تركت بنات فؤاده صعرا [1]
كتساقط الرّطب الجنيّ ... من الأفنان لا بثرا [2] ولا نزرا
الشعر لأبي دهبل الجمحيّ. والغناء لفزار المكّي، ولحنه المختار ثقيل أوّل مطلق في مجرى الوسطى عن الهشاميّ.
__________
[1] صعرا: مائلة.
[2] كذا في ح. والبثر: الكثير. وفي سائر الأصول: «بترا» بالتاء المثناة من فوق، وهو تصحيف.
7 - أخبار أبي دهبل ونسبه
نسبه:
نسبه - فيما ذكر الزّبير بن بكّار وغيره - وهب بن زمعة بن أسيد بن أحيحة بن خلف بن وهب بن حذافة بن جمح بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤيّ بن غالب. ولخلف بن وهب يقول عبد اللّه بن الزّبعري أو غيره:
خلف بن وهب كلّ آخر ليلة ... أبدا يكثّر أهله بعيال
سقيا لوهب كهلها ووليدها ... ما دام في أبياتها الذيّال [1]
/نعم الشباب شبابهم وكهولهم ... صيّابة [2] ليسوا من الجهّال
أمه امرأة من هذيل:
وأمّ أبي دهبل امرأة من هذيل. وإياها يعني بقوله:
أنا ابن الفروع الكرام التي ... هذيل لأبياتها سائلة [3]
هم ولدوني وأشبهتهم ... كما تشبه الليلة القابلة
واسمها، فيما ذكر ابن الأعرابيّ، هذيلة [4] بنت سلمة.
كان شاعرا جميلا عفيفا:
قال المدائنيّ: كان أبو دهبل رجلا جميلا شاعرا، وكانت له جمّة يرسلها فتضرب منكبيه، وكان عفيفا، وقال الشعر في آخر خلافة عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه، ومدح [5] معاوية، وعبد اللّه بن الزّبير، وقد كان ابن الزبير ولّاه بعض أعمال اليمن.
سأل قوم راهبا عن أشعر الناس فأشار إليه:
حدّثنا محمد بن العباس اليزيديّ قال حدّثنا الخليل بن أسد قال حدّثنا العمريّ عن الكلبيّ عن أبي مسكين،
__________
[1] كذا ورد هذا البيت في الأصول.
[2] الصيابة: الخيار من كل شيء.
[3] في ب، س، ح «سابله» بالباء الموحدة.
[4] في «تجريد الأغاني»: «هزيلة» بالزاي، والعرب سموا «هزيلة» بالزاي دون «هذيلة» بالذال.
[5] في «تجريد الأغاني»: « ... ومدح معاوية بن أبي سفيان وعبد الملك (صوابه عبد اللّه) بن جعفر بن أبي طالب. وولاه ابن الزبير إلخ ... ».
وأخبرني به محمد بن خلف بن المرزبان قال حدّثني أحمد بن الهيثم بن فراس قال حدّثني العباس بن هشام عن أبيه عن أبي مسكين:
أنّ قوما مرّوا براهب، فقالوا له: يا راهب، من أشعر الناس؟ قال: مكانكم حتى أنظر في كتاب عندي، فنظر في رقّ له عتيق ثم قال: وهب من وهبين، من جمح أو جمحين.
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثنا عليّ بن صالح عن عبد اللّه بن عروة قال:
قال أبو دهبل يفخر بقومه:
قومي بنو جمح قوم إذا انحدرت ... شهباء تبصر في حافاتها الزّغفا [1]
أهل الخلافة والموفون إن وعدوا ... والشاهدو الروع لا عزلا ولا كشفا [2]
قال الزبير وأنشدني عمّي قال أنشدني مصعب لأبي دهبل يفخر بقومه بقوله:
أنا أبو دهبل وهب لوهب ... من جمح في العز منها والحسب
والأسرة الخضراء والعيص [3] الأشب ... ومن هذيل والدي عالي النّسب
أورثني المجد أب من بعد أب ... رمحي ردينيّ وسيفي المستلب
وبيضتي قونسها من الذّهب ... درعي دلاص سردها سرد عجب [4]
/و القوس فجّاء لها نبل ذرب ... محشورة أحكم منهن القطب [5]
ليوم هيجاء أعدّت للرّهب
كان يهوى امرأة من قومه فكادوا له عندها فهجرته:
أخبرني محمد بن خلف قال حدّثنا محمد بن زهير قال حدّثنا المدائنيّ:
أنّ أبا دهبل كان يهوى امرأة من قومه يقال لها عمرة، وكانت امرأة جزلة [6] يجتمع إليها الرجال للمحادثة [7] وإنشاد الشعر والأخبار، وكان أبو دهبل لا يفارق مجلسها مع كل من يجتمع إليها، وكانت هي أيضا محبّة له. وكان أبو دهبل رجلا سيّدا من أشراف بني جمح، وكان يحمل الحملات [8] ويعطي الفقراء ويقري الضيف. وزعمت بنو جمح أنه تزوّج عمرة هذه بعد ذلك، وزعم غيرهم أنه لم يصل إليها. وكانت عمرة توصيه بحفظ ما بينهما وكتمانه، فضمن لها ذلك واتصل ما بينهما. فوقفت عليه زوجته فدسّت إلى عمرة امرأة داهية من عجائز أهلها؛ فجاءتها فحادثتها
__________
[1] الشهباء: الكتيبة العظيمة الكثيرة السلاح. والزعف: الدروع.
[2] الروع: الحرب. والعزل: جمع أعزل وهو من لا سلاح معه. والأكشف: من لا ترس معه في الحرب، وقيل: من ينهزم فيها.
[3] العيص: الأصل. والأشب: الملتف.
[4] البيضة: ضرب من الدروع يتقى بها. وقونسها: أعلاها، وقيل: مقدّمها. ودرع دلاص: لينة ملساء براقة.
[5] قوس فجاء: ارتفعت سيتها فبان وترها عن معجسها (المعجس: مقبض القوس). والقطب: النصال.
[6] الجزلة: الأصيلة الرأي.
[7] كذا في «تجريد الأغاني». وفي الأصول: «من الحادثة»، وهو تحريف.
[8] الحمالة (بفتح الحاء): الدية والغرامة التي يحملها قوم عن قوم.
طويلا ثم قالت لها في عرض حديثها: إني لأعجب لك كيف لا تتزوّجين/ أبا دهبل مع ما بينكما! قالت: وأيّ شيء يكون بيني وبين أبي دهبل! قال: فتضاحكت وقالت: أتسترين عنّي شيئا قد تحدّثت به أشراف قريش في مجالسها وسوقة أهل الحجاز في أسواقها والسّقاة في مواردها! فما يتدافع اثنان أنه يهواك وتهوينه؛ فوثبت عن مجلسها فاحتجبت ومنعت كلّ من كان يجالسها من المصير إليها. وجاء أبو دهبل على عادته فحجبته وأرسلت إليه بما كره.
ففي ذلك يقول:
صوت
تطاول هذا الليل ما يتبلّج ... وأعيت غواشي عبرتي ما تفرّج
وبتّ كئيبا ما أنام كأنما ... خلال ضلوعي جمرة تتوهّج
فطورا أمنّي النفس من عمرة المنى ... وطورا إذا ما لجّ بي الحزن أنشج [1]
لقد قطع الواشون ما كان بيننا ... ونحن إلى أن يوصل الحبل أحوج
- الغناء في البيت الأوّل وبعده بيت في آخر القصيدة:
أخطّط في ظهر الحصير كأنّني ... أسير يخاف القتل ولهان ملفج [2]
لمعبد ثقيل أوّل بالوسطى. وذكر حمّاد عن أبيه في أخبار مالك أنه لحائد بن جرهد وأنّ مالكا أخذه عنه فنسبه الناس إليه، فكان إذا غنّاه وسئل عنه يقول: هذا واللّه لحائد بن جرهد لا لي. وفيه لأبي عيسى بن الرشيد ثاني ثقيل بالوسطى عن حبش. وفي «لقد قطع الواشون» وقبله «فطورا أمنّي النفس» لمالك ثقيل أوّل بالسبّابة في مجرى الوسطى عن إسحاق. وفيه لمعبد خفيف ثقيل بالوسطى عن حبش - .
رأوا غرّة فاستقبلوها بألبهم [3] ... فراحوا على ما لا نحبّ [4] وأدلجوا
وكانوا أناسا كنت آمن غيبهم ... فلم ينههم حلمي ولم يتحرّجوا
/ فليت كوانينا [5] من أهلي وأهلها ... بأجمعهم في قعر دجلة لجّجوا [6]
هم منعونا ما نحبّ وأوقدوا ... علينا وشبّوا نار صرم تأجّج
ولو تركونا لا هدى اللّه سعيهم ... ولم يلحموا قولا من الشرّ ينسج
__________
[1] النشيج: صوت معه توجع وبكاء.
[2] كذا صححها المرحوم الأستاذ الشنقيطي في نسخته وهو المتفق مع تفسير المؤلف للكلمة فيما يأتي. وفي الأصول: «مفلج» بتقديم الفاء على اللام وهو تحريف.
[3] بألبهم (بالفتح): بجمعهم. والألب أيضا (بالفتح والكسر): القوم يجتمعون على عداوة إنسان، يقال: هم ألب عليه، ومنه:
الناس ألب علينا فيك ليس لنا ... إلا السيوف وأطراف القناوزر
[4] كذا في الشعر والشعراء ونسخة الشنقيطي مصححة بخطه. وفي ب، ح، س: «على ما لا يحب». وفي سائر الأصول: «على ما لم يحب».
[5] الكوانين: الثقلاء، وقيل: الكانون: الذي يجلس حتى يتحصى الأخبار والأحاديث لينقلها. وفي ب، س: «كوائنا» وهو تحريف.
[6] لججوا: وقعوا في اللجة.
لأوشك صرف الدهر يفرق بيننا ... ولا يستقيم الدّهر والدهر أعوج
عسى كربة أمسيت فيها مقيمة ... يكون لنا منها نجاة ومخرج
فيكبت أعداء ويجذل آلف ... له كبد من لوعة الحبّ تلعج
وقلت لعبّاد وجاء كتابها ... لهذا وربّي كانت العين تخلج
وإنّي لمحزون عشيّة زرتها ... وكنت إذا ما جئتها لا أعرّج
أخطّط في ظهر الحصير كأنني ... أسير يخاف القتل ولهان ملفج
الملفج: الفقير [1] المحتاج.
وأشفق قلبي من فراق خليلة ... لها نسب في فرع فهر متوّج
وكفّ كهدّاب الدّمقس لطيفة ... بها دوس [2] حنّاء حديث مضرّج [3]
/يجول وشاحاها ويغتصّ [4] حجلها ... ويشبع منها وقف [5] عاج ودملج
فلما التقينا لجلجت في حديثها ... ومن آية الصّرم الحديث الملجلج
شعره في عمرة:
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزبير بن بكّار قال أنشدني عمّي ومحمد بن الضحّاك عن أبيه محمد بن خشرم ومن شئت من قريش لأبي دهبل في عمرة:
يا عمر حمّ فراقكم عمرا ... وعزمت منّا النأي والهجرا
يا عمر شيخك وهو ذو كرم ... يحمي الذّمار ويكرم الصّهرا
إن كان هذا السحر منك فلا ... ترعي [6] عليّ وجدّدي السّحرا
إحدى بني أود كلفت بها ... حملت بلا وتر لنا وترا
وترى لها دلّا إذا نطقت ... تركت بنات فؤاده صعرا
كتساقط الرّطب الجنيّ ... من الأفنان لا بثرا ولا نزرا
أقسمت ما أحببت حبّكم ... لا ثيّبا خلقت ولا بكرا
__________
[1] من ألفج فهو ملفج (بفتح الفاء وهو نادر كأحصن وأسهب فهو محصن ومسهب بالفتح فيهما): إذا أفلس. والملفج أيضا: اللاصق بالأرض من كرب أو حاجة، والذاهب الفؤاد فرقا. وقد يكون هذا المعنى الأخير أنسب بالسياق.
[2] الدوس: المراد به هنا التزيين والترتيب.
[3] مضرج: مصبوغ. وفي س: «مدرج» بالدال المهملة، وهو تحريف.
[4] كذا في ح ونسخة الشنقيطي مصححة بقلمه. ويغتص: يمتلى ء. وفي سائر الأصول: «يفتض» بالفاء والضاد المعجمة، وهو تصحيف.
[5] الوقف: سوار من عاج. وفي ب، س: «وفق» بتقديم الفاء على القاف، وهو تصحيف.
[6] الإرعاء: الإبقاء على أخيك؛ هكذا ذكره «اللسان» واستشهد بهذا البيت.
ومقالة فيكم عركت بها ... جنبي [1] أريد بها لك العذرا
ومريد سرّكم عدلت به ... فيما يحاول معدلا وعرا
قالت يقيم بنا لنجزيه ... يوما فخيّم عندها شهرا
ما إن أقيم لحاجة عرضت ... إلّا لأبلي فيكم العذرا
قالوا: وفيها يقول:
صوت
يلومونني في غير ذنب جنيته ... وغيري في الذنب الذي كان ألوم
أمنّا أناسا كنت تأتمنينهم ... فزادوا علينا في الحديث وأوهموا [2]
وقالوا لنا ما لم يقل ثم كثّروا ... علينا وباحوا بالذي كنت أكتم
/ - غنّى في هذه الأبيات أبو كامل مولى الوليد رملا بالبنصر - .
وقد منحت عيني القذى لفراقهم ... وعاد لها تهتانها فهي تسجم
وصافيت نسوانا فلم أر فيهم ... هواي ولا الودّ الذي كنت أعلم
أ ليس عظيما أن نكون ببلدة ... كلانا بها ثاو ولا نتكلّم
سمع أبو السائب المخزومي شعره فطرب:
أخبرني حبيب بن نصر قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثني أبو غسّان قال:
سمع أبو السائب المخزوميّ رجلا ينشد قول أبي دهبل:
أليس عجيبا أن نكون ببلدة ... كلانا بها ثاو ولا نتكلم
فقال [له] [3] أبو السائب: قف يا حبيبي فوقف؛ فصاح بجارية: يا سلامة اخرجي فخرجت؛ فقال له: أعد بأبي أنت البيت فأعاده؛ فقال: بلى واللّه إنه لعجيب عظيم وإلا فسلامة حرّة لوجه اللّه! اذهب فديتك مصاحبا. ثم دخل ودخلت الجارية تقول له: ما لقيت منك! لا تزال تقطعني عن شغلي فيما لا ينفعك ولا ينفعني!.
قصة لشاب خاطبته عشيقته بشعر أبي دهبل:
وحدّثني أحمد بن عبيد اللّه بن عمّار قال: كنّا نختلف إلى أبي العباس المبرّد ونحن أحداث نكتب عن الرّواة ما يروونه من الآداب/ والأخبار، وكان يصحبنا فتى من أحسن الناس وجها وأنظفهم ثوبا وأجملهم زيّا ولا نعرف باطن أمره؛ فانصرفنا يوما من مجلس أبي العباس المبرّد وجلسنا في مجلس نتقابل بما كتبناه ونصحّح المجلس الذي
__________
[1] يقال: عركت ذنبه بجنبي إذا احتملته. قال:
إذا أنت لم تعرك بجنبك بعض ما ... يسوء من الأدنى جفاك الأباعد
[2] أوهموا: نقصوا.
[3] زيادة عن ح.
شهدناه؛ فإذا بجارية قد اطّلعت فطرحت في حجر الفتى رقعة ما رأيت أحسن من شكلها مختومة بعنبر؛ فقرأها منفردا بها ثم أجاب عنها ورمى بها إلى الجارية. فلم نلبث أن خرج خادم من الدار في يده كرش [1]، فدخل إلينا فصفع/ الفتى به حتى رحمناه وخلّصناه من يده وقمنا أسوأ الناس حالا. فلما تباعدنا سألناه عن الرقعة، فإذا فيها مكتوب:
كفى حزنا أنّا جميعا ببلدة ... كلانا بها ثاو ولا نتكلّم
فقلنا له: هذا ابتداء ظريف، فبأيّ شيء أجبت أنت؟ قال: هذا صوت سمعته يغنّى فيه، فلمّا قرأته في الرقعة أجبت عنه بصوت مثله. فسألناه ما هو؟ فقال: كتبت في الجواب:
أراعك بالخابور [2] نوق وأجمال
فقلنا له: ما وفّاك القوم حقك قط، وقد كان ينبغي أن يدخلونا معك في القصّة لدخولك في جملتنا، ولكنّا نحن نوفّيك حقّك؛ ثم تناولناه فصفعناه حتى لم يدر أيّ طريق يأخذ؛ وكان آخر عهده بالاجتماع معنا.
رجع الخبر إلى سياقة أخبار أبي دهبل
أبو دهبل وعاتكة بنت معاوية:
أخبرني عمّي قال حدّثني الكرانيّ قال حدّثني العمريّ عن الهيثم بن عديّ قال حدّثنا صالح بن حسّان قال، وأخبرني بهذا الخبر محمد بن خلف بن المرزبان قال حدّثني محمد بن عمر قال حدّثني محمد بن السّريّ قال حدّثنا هشام بن الكلبيّ عن أبيه، يزيد أحدهما على الآخر في خبره، واللفظ لصالح بن حسان وخبره أتمّ، قال:
حجّت عاتكة بنت معاوية بن أبي سفيان، فنزلت من مكة بذي طوّى. فبينا هي ذات يوم جالسة وقد اشتد الحرّ وانقطع الطريق، وذلك في وقت الهاجرة، إذ/ أمرت جواريها فرفعن السّتر وهي جالسة في مجلسها عليها شفوف لها تنظر إلى الطريق، إذ مرّ بها أبو دهبل الجمحيّ، وكان من أجمل الناس وأحسنهم منظرا؛ فوقف طويلا ينظر إليها وإلى جمالها وهي غافلة عنه؛ فلمّا فطنت له سترت وجهها وأمرت بطرح السّتر وشتمته. فقال أبو دهبل:
إني دعاني الحين فاقتادني ... حتى رأيت الظبي بالباب
يا حسنه إذ سبّني مدبرا ... مستترا عنّي بجلباب
سبحان من وقّفها حسرة ... صبّت على القلب بأوصاب
يذود عنها إن تطلّبتها ... أب لها ليس بوهّاب
أحلّها قصرا منيع الذّرى ... يحمى بأبواب وحجّاب
قال: وأنشد أبو دهبل هذه الأبيات بعض إخوانه، فشاعت بمكّة وشهرت وغنّى فيها المغنّون، حتى سمعتها
__________
[1] الكرش: لعله هنا وعاء الطيب.
[2] الخابور: اسم لنهر كبير بين رأس عين والفرات من أرض الجزيرة، ولاية واسعة وبلدان جمة غلب عليها اسمه، فنسبت إليه. كذا ذكره ياقوت واستشهد بهذا الشطر ونسب الشعر للأخطل.
عاتكة إنشادا وغناء؛ فضحكت وأعجبتها وبعثت إليه بكسوة، وجرت الرسل بينهما. فلما صدرت عن مكة خرج معها إلى الشأم ونزل قريبا منها، فكانت تعاهده بالبرّ/ واللّطف [1] حتى وردت دمشق وورد معها، فانقطعت عن لقائه وبعد من أن يراها، ومرض بدمشق مرضا طويلا. فقال في ذلك:
طال ليلي وبتّ كالمحزون ... ومللت الثّواء في جيرون [2]
وأطلت المقام بالشأم حتى ... ظنّ أهلي مرجّمات الظّنون
فبكت خشية التفرّق جمل ... كبكاء القرين إثر القرين
/ وهي زهراء مثل لؤلؤة ... الغوّاص ميزت من جوهر مكنون
وإذا ما نسبتها لم تجدها ... في سناء من المكارم دون
ثم خاصرتها إلى القبّة الخض ... راء تمشي في مرمر مسنون [3]
قبّة من مراجل [4] ضربوها ... عند برد الشتاء في قيطون
عن يساري إذا دخلت من البا ... ب وإن كنت خارجا عن يميني
ولقد قلت إذ تطاول سقمي ... وتقلّبت ليلتي في فنون
ليت شعري أمن هوى طار نومي ... أم براني الباري قصير الجفون
قال: وشاع هذا الشعر حتى بلغ معاوية فأمسك عنه؛ حتى إذا كان في يوم الجمعة دخل عليه الناس وفيهم أبو دهبل؛ فقال معاوية لحاجبه: إذا أراد أبو دهبل الخروج فامنعه واردده إليّ؛ وجعل الناس يسلّمون وينصرفون، فقام أبو دهبل لينصرف؛ فناداه معاوية: يا أبا دهبل إليّ؛ فلما دنا إليه أجلسه حتى خلا به، ثم قال له: ما كنت ظننت أنّ في قريش أشعر منك حيث تقول:
ولقد قلت إذ تطاول سقمي ... وتقلّبت ليلتي في فنون
ليت شعري أمن هوى طار نومي ... أم براني الباري قصير الجفون
غير أنّك قلت:
وهي زهراء مثل لؤلؤة الغوّاص ميزت من جوهر مكنون
وإذا ما نسبتها لم تجدها ... في سناء من المكارم دون
وواللّه إنّ فتاة أبوها معاوية وجدّها أبو سفيان وجدّتها هند بنت عتبة لكما ذكرت؛ وأيّ شيء زدت في قدرها! ولقد أسأت في قولك:
__________
[1] اللطف: الهدايا.
[2] جاء في «الأغاني» (ج 13 ص 149 طبع بولاق) أن قائل هذا الشعر هو عبد الرحمن بن حسان بن ثابت في أخت معاوية. وجاء هذا الشعر في «الكامل» للمبرد منسوبا لأبي دهبل. ثم قال بعد ذلك: وأكثر الناس يرويه لعبد الرحمن بن حسان. ثم ساق خبر هذا الشعر في قصة تخالف قصة «الأغاني»، فانظره (ص 168 طبع أوروبا). وجيرون: حصن بدمشق، وقيل: هي دمشق نفسها.
[3] المسنون: المصبوب على استواء.
[4] المراجل: ثياب من ثياب اليمن. والقيطون: البيت في جوف البيت.
/
ثم خاصرتها إلى القبّة الخض ... راء تمشي في مرمر مسنون
فقال: واللّه يا أمير المؤمنين ما قلت هذا، وإنما قيل على لساني. فقال له: أمّا من جهتي فلا خوف عليك، لأنّي أعلم صيانة ابنتي نفسها، وأعرف أنّ فتيان الشعر لم يتركوا أن يقولوا النسيب في كلّ من جاز أن يقولوه فيه وكلّ من لم يجز، وإنما أكره لك جوار يزيد، وأخاف عليك وثباته، فإن له سورة الشباب وأنفة الملوك. وإنما أراد معاوية أن يهرب أبو دهبل فتنقضي المقالة عن ابنته؛ فحذر أبو دهبل فخرج إلى مكة هاربا على وجهه، فكان يكاتب عاتكة. فبينا معاوية ذات يوم في مجلسه إذ جاءه خصيّ له فقال: يا أمير المؤمنين، واللّه لقد سقط إلى عاتكة اليوم كتاب، فلمّا قرأته بكت ثم أخذته فوضعته تحت مصلّاها، وما زالت خاثرة/ النفس منذ اليوم. فقال له: اذهب فالطف لهذا الكتاب حتى تأتيني به. فانطلق الخصيّ، فلم يزل يلطف حتى أصاب منها غرّة فأخذ الكتاب وأقبل به إلى معاوية، فإذا فيه:
أعاتك هلّا إذ بخلت فلا ترى ... لذي صبوة زلفى لديك ولا حقّا [1]
رددت فؤادا قد تولّى به الهوى ... وسكّنت عينا لا تملّ ولا ترقا [2]
ولكن خلعت القلب بالوعد والمنى ... ولم أر يوما منك جودا ولا صدقا
أتنسين أيّامي بربعك مدنفا ... صريعا [3] بأرض الشأم ذا سقم ملقى
وليس صديق يرتضى لوصيّة ... وأدعو لدائي بالشّراب فما أسقى
وأكبر همّي أن أرى لك مرسلا ... فطول نهاري جالس أرقب الطّرقا
فواكبدي إذ ليس لي منك مجلس ... فأشكو الذي بي من هواك وما ألقى
رأيتك تزدادين للصّبّ غلظة ... ويزداد قلبي كلّ يوم لكم عشقا
/ قال: فلما قرأ معاوية هذا الشعر بعث إلى يزيد بن معاوية، فأتاه فدخل عليه فوجد معاوية مطرقا، فقال:
يا أمير المؤمنين، ما هذا الأمر الذي شجاك؟ قال: أمر أمرضني وأقلقني منذ اليوم، وما أدري ما أعمل في شأنه.
قال: وما هو يا أمير المؤمنين؟ قال: هذا الفاسق أبو دهبل كتب بهذه الأبيات إلى أختك عاتكة، فلم تزل باكية منذ اليوم، وقد أفسدها، فما ترى فيه؟ فقال: اللّه إن الرأي لهيّن. قال: وما هو؟ قال: عبد من عبيدك يكمن له في أزقّة مكة فيريحنا منه. قال معاوية: أفّ لك! واللّه إنّ امرأ يريد بك ما يريد ويسمو بك إلى ما يسمو لغير ذي رأي، وأنت قد ضاق ذرعك بكلمة وقصر فيها باعك حتى أردت أن تقتل رجلا من قريش! أو ما تعلم أنك إذا فعلت ذلك صدّقت قوله وجعلتنا أحدوثة أبدا! قال: يا أمير المؤمنين، إنه قال قصيدة أخرى تناشدها أهل مكة وسارت حتى بلغتني وأوجعتني وحملتني على ما أشرت به فيه. قال: وما هي؟ قال قال [4]:
ألا لا تقل مهلا فقد ذهب المهل ... وما كلّ من يلحى محبّا له عقل
__________
[1] كذا في «تجريد الأغاني». وفي الأصول: «و لا رقا».
[2] لا ترقا: لا يجف دمعها.
[3] في أ، ء، م: «مريضا».
[4] هذه الكلمة ساقطة في ب، س.
لقد كان في حولين حالا ولم أزر ... هواي وإن خوّفت عن حبها شغل
حمى الملك الجبّار عنّي لقاءها ... فمن دونها تخشى المتالف والقتل
فلا خير في حبّ يخاف وباله ... ولا في حبيب لا يكون له وصل
فواكبدي إنّي شهرت بحبّها ... ولم يك فيما بيننا ساعة بذل
ويا عجبا إني أكاتم حبّها ... وقد شاع حتى قطّعت دونها السّبل
قال: فقال معاوية: قد واللّه رفّهت عنّي، فما كنت آمن أنه قد وصل إليها؛ فأمّا الآن وهو يشكو أنّه لم يكن بينهما وصل ولا بذل فالخطب فيه يسير، قم عنّي؛/ فقام يزيد فانصرف. وحجّ معاوية في تلك السنة؛ فلما انقضت أيام الحجّ كتب أسماء وجوه قريش وأشرافهم وشعرائهم وكتب فيهم اسم أبي دهبل، ثم دعا بهم ففرّق في جميعهم صلات سنيّة وأجازهم جوائز كثيرة. فلما قبض أبو دهبل جائزته وقام لينصرف دعا به معاوية فرجع إليه؛ فقال له:
/ يا أبا دهبل، مالي رأيت أبا خالد يزيد ابن أمير المؤمنين عليك ساخطا في قوارص [1] تأتيه عنك وشعر لا تزال قد نطقت به وأنفذته إلى خصمائنا وموالينا، لا تعرض لأبي خالد. فجعل يعتذر إليه ويحلف له أنّه مكذوب عليه. فقال له معاوية: لا بأس عليك، وما يضرّك ذلك عندنا؛ هل تأهّلت؟ قال: لا. قال: فأيّ بنات عمّك أحبّ إليك؟ قال:
فلانة؛ قال: قد زوّجتكها وأصدقتها ألفي دينار وأمرت لك بألف دينار. فلما قبضها قال: إن رأي أمير المؤمنين أن يعفو لي عمّا مضى! فإن نطقت ببيت في معنى ما سبق منّي فقد أبحت به دمي وفلانة التي زوّجتنيها طالق البتّة. فسرّ بذلك معاوية وضمن له رضا يزيد عنه ووعده بإدرار ما وصله به في كل سنة؛ وانصرف إلى دمشق. ولم يحجج معاوية في تلك السنة إلا من أجل أبي دهبل.
قصته مع شامية تزوّجها وشعره فيها:
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزبير بن بكّار قال حدّثني عمّي مصعب قال حدّثني إبراهيم بن عبد اللّه قال:
خرج أبو دهبل يريد الغزو، وكان رجلا صالحا وكان جميلا. فلما كان بجيرون جاءته امرأة فأعطته كتابا فقالت: اقرأ لي هذا الكتاب فقرأه لها، ثم ذهبت فدخلت قصرا ثم خرجت إليه فقالت: لو بلغت [2] القصر فقرأت الكتاب على امرأة كان لك/ فيه أجر إن شاء اللّه، فإنه من غائب لها يعنيها أمره؛ فبلغ معها القصر؛ فلما دخلا إذا فيه جوار كثيرة، فأغلقن القصر عليه، وإذا فيه امرأة وضيئة، فدعته إلى نفسها فأبى، فأمرت به فحبس في بيت في القصر وأطعم وسقي قليلا قليلا حتى ضعف وكاد يموت، ثم دعته إلى نفسها فقال: لا يكون ذلك أبدا، ولكنّي أتزوّجك؛ قالت: نعم، فتزوّجها؛ فأمرت به فأحسن إليه حتى رجعت إليه نفسه، فأقام معها زمانا طويلا لا تدعه يخرج، حتى يئس منه أهله وولده، وتزوّج بنوه وبناته واقتسموا ماله، وأقامت زوجته تبكي عليه حتى عمشت ولم تقاسمهم ماله. ثم إنه قال لامرأته: إنك قد أثمت فيّ وفي ولدي وأهلي؛ فأذني لي أطالعهم وأعود إليك؛ فأخذت
__________
[1] كذا في س و «تجريد الأغاني». والقوارص: الكلم التي تؤلم وتنغص. وفي سائر الأصول «قواريض» بالضاد المعجمة.
[2] في الأصول: «تبلغت».
عليه أيمانا ألّا يقيم إلا سنة حتى يعود إليها. فخرج من عندها يجرّ الدنيا [1] حتى قدم على أهله، فرأى حال زوجته وما صار إليه ولده. وجاء إليه ولده؛ فقال لهم: لا واللّه ما بيني وبينكم عمل، أنتم قد ورثتموني وأنا حيّ فهو حظّكم؛ واللّه لا يشرك زوجتي فيما قدمت به أحد؛ ثم قال لها: شأنك به فهو لك كلّه. وقال في الشاميّة:
صاح حيّا الإله حيّا ودورا ... عند أصل القناة من جيرون
عن يساري إذا دخلت من البا ... ب وإن كنت خارجا عن يميني
فبذاك اغتربت في الشأم حتى ... ظنّ أهلي مرجّمات الظنون
وهي زهراء مثل لؤلؤة الغوّاص ... ميزت من جوهر مكنون
وإذا ما نسبتها لم تجدها ... في سناء من المكارم دون
تجعل المسك واليلنجوج [2] ... والنّدّ صلاء لها على الكانون
/ ثم ماشيتها إلى القبّة الخض ... راء تمشي في مرمر مسنون
وقباب قد أسرجت وبيوت ... نظّمت بالرّيحان والزّرجون [3]
/قبّة من مراجل ضربوها ... عند حدّ الشتاء في قيطون
ثم فارقتها على خير ما كا ... ن قرين مفارق لقرين
فبكت خشية التفرّق للبي ... ن بكاء الحزين إثر الحزين
واسألي عن تذكّري واطمئني ... لأناسي إذا هم عذلوني
فلما حلّ الأجل أراد الخروج إليها، فجاءه موتها فأقام.
وفد على ابن الأزرق فجفاه فذمه ثم مدحه لما أكرمه:
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثني الزبير بن بكّار قال حدّثني عمّي مصعب قال:
وقد أبو دهبل الجمحيّ على ابن الأزرق عبد اللّه بن عبد الرحمن بن الوليد بن عبد شمس بن المغيرة بن عبد اللّه بن عمر بن مخزوم، وكان يقال له ابن الأزرق والهبرزيّ [4]، وكان عاملا لعبد اللّه بن الزبير على اليمن؛ فأنكره ورأى منه جفوة، فمضى إلى عمارة بن عمرو بن حزم، وهو عامل لعبد اللّه بن الزبير على حضرموت، فقال يمدحه ويعرّض بابن الأزرق:
يا ربّ حيّ بخير ما ... حيّيت إنسانا عماره
أعطي فأسنانا ولم ... يك من عطيّته الصّغاره [5]
__________
[1] يريد: خرج بخير كثير.
[2] اليلنجوج: عود البخور. والند كذلك: عود يتبخر به، وقيل: هو العنبر.
[3] الزرجون: قضبان الكرم.
[4] الهبرزي: الأسوار من أساورة الفرس. وهو أيضا الدينار الجديد، والأسد، والجميل الوسيم من كل شيء.
[5] الصغارة والصغر: خلاف العظم.
ومن العطيّة ما ترى ... جذماء ليس لها نزاره [1]
/حجرا تقلّبه وهل ... تعطي على المدح الحجاره
كالبغل يحمد قائما ... وتذمّ مشيته المصاره [2]
ثم رجع من عند عمارة بن عمرو بن حزم فقدم؛ فقال له حنين مولى ابن الأزرق في السرّ: أرى أنّك عجلت على ابن عمك وهو أجود الناس وأكرمهم، فعد إليه فإنه غير تاركك، واعلم أنّا نخاف أن يكون قد عزل فلازمه ولا يفقدك؛ فإني أخاف أن ينساك؛ ففعل وأعطاه وأرضاه. فقال في ذلك:
يا حنّ إنّي لما حدّثتني أصلا ... مرنّح من صميم الوجد معمود
نخاف عزل امرىء كنّا نعيش به ... معروفه إن طلبنا الجود موجود
اعلم بأنّي لمن عاديت مضطغن ... ضبّا [3] وأنّي عليك اليوم محسود
وأنّ شكرك عندي لا انقضاء له ... ما دام بالهضب من لبنان جلمود
أنت الممدّح والمغلي به ثمنا ... إذ لا تمدّح صمّ الجندل السّود
إن تغد من منقلي [4] نجران مرتحلا ... يرحل من اليمن المعروف والجود
ما زلت في دفعات الخير تفعلها ... لمّا اعترى الناس لأواء [5] ومجهود
حتى الذي بين عسفان إلى عدن ... لحب لمن يطلب المعروف أخدود [6]
قال: وأنشدنيها محمد بن الضحّاك بن عثمان قال سمعتها من أبي.
حديثه عن نظم بيت من شعره:
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال أخبرني الزبير بن بكّار، وحدّثني حمزة بن عتبة قال:
قال أبو دهبل الجمحيّ: لما قلت أبياتي التي قلت فيها:
اعلم بأنّي لمن عاديت مضطغن ... ضبّا وأنّي عليك اليوم محسود
/ قلت فيها نصف بيت
وأنّ شكرك عندي لا انقضاء له
ثم أرتج عليّ، فأقمت حولين لا أقع على تمامه، حتى سمعت رجلا من الحاجّ في الموسم يذكر لبنان، فقلت: ما لبنان؟ فقال: جبل بالشأم؛ فأتممت نصف البيت:
ما دام بالهضب من لبنان جلمود
__________
[1] الجذماء: المقطوعة. والنزارة: القلة أي ليس فيها قليل ولا كثير.
[2] مصر الفرس كعنى: استخرج جريه. والمصارة (بالضم): الموضع تمصر فيه الخيل. يريد أن ابن الأزرق يحسن في العين ويذم إذا جرب في الكرم، كالبغل يروق شكله وتنكره حلبات الخيل.
[3] الضب: الحقد والغيظ.
[4] المنقل: الطريق في الجبل.
[5] اللأواء: الشدة والضيق.
[6] اللحب: الواضح. والأخدود: الشق في الأرض.
فضل إبراهيم بن هشام شعره على شعر نصيب:
قال الزبير وحدّثني محمد بن حبش المخزوميّ قال:
دخل نصيب على إبراهيم بن هشام وهو وال على المدينة فأنشده قصيدة مدحه فيها؛ فقال إبراهيم بن هشام:
ما هذا بشيء، أين هذا من قول أبي دهبل لصاحبنا ابن الأزرق حيث قال:
إن تغد من منقلي نجران مرتحلا ... يبن من اليمن المعروف والجود
فغضب نصيب فحمي فنزع عمامته وطرحها وبرك عليها؛ ثم قال: إن تأتونا برجال مثل ابن الأزرق نأتكم بمديح أجود من مديح أبي دهبل.
قال الزبير وحدّثني عبد الرحمن بن عبد اللّه بن عبد العزيز الزّهريّ قال حدّثني إسماعيل بن يعقوب بن مجمّع التّيميّ قال:
كان إبراهيم بن هشام جبّارا وكان يقيم بلا إذن إذ كان على المدينة الأشهر. فإذا أذن للناس أذن معهم لشاعر، فينشد قصيدة مديح لهشام بن عبد الملك وقصيدة مديح لإبراهيم بن هشام. فأذن لهم يوما، وكان الشاعر الذي أذن له معهم/ نصيبا وعليه جبّة وشي؛ فاستأذنه في الإنشاد فأذن له؛ فأنشده قصيدة لهشام بن عبد الملك ثم قطعها وأنشد قصيدة مديح لإبراهيم بن هشام، وقصيدة هشام أشعر، فأراد الناس ممالحة نصيب فقالوا: ما أحسن هذا يا أبا محجن! أعد هذا البيت. فقال إبراهيم: أكثرتم، إنه لشاعر، وأشعر منه الذي يقول في ابن الأزرق:
إن تمس من منقلي نجران مرتحلا ... يبن من اليمن المعروف والجود
ما زلت في دفعات الخير تفعلها ... لما اعترى الناس لأواء ومجهود
وحمي نصيب فقال: إنّا واللّه ما نصنع المديح إلا على قدر الرجال، كما يكون الرجل يمدح. فعمّ الناس الضّحك وحلم عنه، وقال الحاجب: ارتفعوا، فلما صاروا في السّقيفة ضحكوا وقالوا: أرأيتم مثل شجاعة هذا الأسود على هذا الجبّار! وحلم من غير حلم.
مدح ابن الأزرق بعد عزله وذم إبراهيم بن سعد:
قال الزبير وحدّثني عمّي مصعب قال:
خرج أبو دهبل يريد ابن الأزرق فلقيه معزولا، فشقّ ذلك عليه واسترجع، فقال له ابن الأزرق: هوّن عليك! لم يقتك شيء، فأعطاه مائتي دينار [1]. فقال في ذلك أبو دهبل:
أعطى أميرا ومنزوعا وما نزعت ... عنه المكارم تغشاه وما نزعا
وحدّثني محمد بن الضحّاك مثل ذلك وأنشدني البيت.
وأخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدّثني أبو توبة صالح بن محمد بن درّاج قال حدّثنا أبو عمرو الشّيبانيّ قال:
__________
[1] كذا في أ، ء، وفي باقي الأصول: «مائتي ألف دينار».
/ ولّى عبد اللّه بن الزبير ابنا لسعد بن أبي وقّاص يقال له إبراهيم مكان الثّبت بن عبد الرحمن بن الوليد الذي يقال له ابن الأزرق، فخرج حتى نزل بزبيد [1]، فقال لابن الأزرق: هلمّ حسابك؛ فقال: مالك عندي حساب ولا بيني وبينك عمل، وخرج متوجّها/ إلى مكة. فاستأذنه أبو دهبل في صحبة الوقّاصيّ فأذن له فرجع معه، حتى إذا دخلوا صنعاء لقيهم بحير [2] بن ريسان في نفر كثير من الفرس وغيرهم، ومضى ابن الأزرق ومعه ما احتمله من أموال اليمن؛ فسار يوما ثم نزل فضرب رواقه ودعا الناس فأعطاهم ذلك المال حتى لم يبق منه درهم. فقال أبو دهبل:
أعطى أميرا ومنزوعا وما نزعت ... عنه المكارم تغشاه وما نزعا
وأقام أبو دهبل مع الوقّاصيّ، فلم يصنع به خيرا. فقال أبو دهبل:
ماذا رزئنا غداة الخلّ [3] من رمع [4] ... عند التفرّق من خيم ومن كرم
ظلّ لنا واقفا يعطي فأكثر ما ... سمّى وقال لنا في قوله نعم
- نعم حرف موقوف فإذا حرّك أجريت حركته إلى الخفض لأنه أولى بالساكن - :
ثم انتحى غير مذموم وأعيننا ... لما تولّى بدمع واكف سجم [5]
تحمله الناقة الأدماء معتجرا ... بالبرد كالبدر جلّى ليلة الظّلم
وكيف أنساك لا أيديك واحدة ... عندي ولا بالذي أوليت من قدم
/ حتى لقينا بحيرا عند مقدمنا ... في موكب كضباع الجزع [6] مرتكم
لما رأيت مقامي عند بابهم ... وددت أنّي بذاك الباب لم أقم
بحير بن ريسان وشعره فيه:
وبحير بن ريسان الذي يقول فيه أبو دهبل:
__________
[1] زبيد (بفتح أوله وكسر ثانيه): اسم واد به مدينة يقال لها الحصيب، ثم غلب عليها اسم الوادي فلا تعرف إلا به. وهي مدينة مشهورة باليمن. (عن «معجم البلدان» لياقوت).
[2] كذا في «شرح القاموس» (مادة بحر) وهو بحير بن ريسان الحميري كان عاملا ليزيد بن معاوية على اليمن (انظر «الطبري» ق 2 ص 277، 601، 2147). وياقوت في الكلام على الجند، وفي ب، س، ح: «بجير بن ريسان» بالجيم. وفي أوء م: «بحير بن يسار» بالحاء. وكلاهما تحريف.
[3] الخل: موضع باليمن في وادي رمع.
[4] كذا في نسخة الأستاذ الشنقيطي مصححة بخطه و «اللسان» (مادة رمع) و «معجم البلدان»، وقد ذكر البيت في كليهما. ورمع:
موضع باليمن، وقيل: هو جبل باليمن. وفي الأصول: «زمع» بالزاي، وهو تصحيف. والخيم: الأصل.
[5] السجم: السائل.
[6] الجزع: منعطف الوادي، وقيل: هو رمل لا نبات فيه. وارتكم الشي ء: اجتمع.
صوت
بحير بن ريسان الذي سكن الجند [1] ... يقول له الناس الجواد ومن ولد
له نفحات حين يذكر فضله ... كسيل ربيع في ضحاضحة السّند [2]
في هذين البيتين هزج بالبنصر ذكر عمرو بن بانة أنه ليمان، وذكر الهشاميّ أنّه لابن جامع.
مدائحه في ابن الأزرق:
أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدّثنا أبو توبة عن أبي عمرو الشّيبانيّ قال:
كان ابن الزبير بعث عبد اللّه بن عبد الرحمن على بعض أعمال اليمن، فمدّ يده إلى أموالها وأعطى أعطية سنيّة وبثّ في قريش منها أشياء جزيلة فأثنت عليه قريش ووفدوا إليه فأسنى لهم العطايا. وبلغ ذلك عبد اللّه بن الزبير فحسده وعزله بإبراهيم بن سعد بن أبي وقّاص. فلما قدم عليه أراد أن يحاسبه، فقال له: مالك عندي حساب ولا بيني وبينك عمل، وقدم مكة؛ فخافت قريش ابن الزّبير عليه أن يفتّشه أو يكشفه فلبست السلاح وخرجت إليه لتمنعه؛ فلما لقيهم نزلت إليه قريش فسلّمت عليه وبسطت له أرديتها وتلقّته إماؤهم وولائدهم بمجامر الألوّة [3] والعود المندليّ يبخّرون بين يديه حتى انتهى إلى المسجد وطاف بالبيت، ثم جاء إلى ابن الزبير فسلّم عليه/ وهم معه مطيفون به. فعلم ابن الزبير أنّه لا سبيل له إليه فما عرّض ولا صرّح له بشيء. ومضى إلى منزله. فقال أبو دهبل:
فمن يك شان العزل أو هدّ ركنه ... لأعدائه يوما فما شانك العزل
وما أصبحت من نعمة مستفادة ... ولا رحم إلا عليها لك الفضل
/ وقال أبو دهبل أيضا فيه - أخبرني بذلك ابن المرزبان عن أبي توبة عن أبي عمرو الشّيبانيّ؛ وأخبرني به الحرميّ عن الزبير عن عمّه - :
عقم النساء فلم يلدن شبيهه ... إن النساء بمثله عقم
متهلّل بنعم بلا متباعد ... سيّان منه الوفر والعدم
نزر الكلام من الحياء تخاله ... ضمنا [4] وليس بجسمه سقم
وفد على سليمان بن عبد الملك فلم يحسن وفادته ثم رضي عنه:
أخبرني محمد بن خلف قال حدّثنا أبو توبة عن أبي عمرو قال:
قال أبو دهبل يمدح ابن الأزرق:
بأبي وأمّي غير قول الباطل ... الكامل ابن الكامل ابن الكامل
__________
[1] الجند: موضع باليمن، وهو أجود كورها.
[2] الضحضاح: الماء القليل يكون في الغدير وغيره. والسند: ما قابلك من الجبل وعلا عن السفح.
[3] الألوّة: العود يتبخر به.
[4] الضمن: المريض.
والحازم الأمر الكريم برأيه ... والواصل الأرحام وابن الواصل
جمع الرياسة والسماح كليهما ... جمع الجفير [1] قداح نبل النابل
أخبرني محمد بن خلف قال حدّثني محمد بن عمر قال حدّثني سليمان بن عبّاد قال حدّثني أبو جعفر الشّويفعي (رجل من أهل مكة) قال:
قدم سليمان بن عبد الملك مكة في حرّ شديد، فكان ينقّل سريره بفناء الكعبة وأعطى الناس العطاء. فلما بلغ بني جمح نودي بأبي دهبل، فقال سليمان: أين/ أبو دهبل الشاعر؟ عليّ به؛ فأتي به؛ فقال سليمان: أنت أبو دهبل الشاعر؟ قال: نعم؛ قال: فأنت القائل:
فتنة يشعلها ورّادها ... حطب النار فدعها تشتعل
فإذا ما كان أمن فأتهم ... وإذا ما كان خوف فاعتزل
قال: نعم. قال: وأنت القائل:
يدعون مروان كيما يستجيب لهم ... وعند مروان خار [2] القوم أو رقدوا
قد كان في قوم موسى قبلهم جسد [3] ... عجل إذا خار فيهم خورة سجدوا
قال: نعم. قال: أنت القائل هذا ثم تطلب ما عندنا، لا واللّه ولا كرامة! فقال: يا أمير المؤمنين، إن قوما فتنوا فكافحوكم بأسيافهم وأجلبوا عليكم بخيلهم ورجلهم ثم أدالكم اللّه منهم فعفوهم عنهم، وإنما فتنت فقلت بلساني، فلم لا يعفى عنّي! فقال سليمان: قد عفونا عنك وأقطعه قطيعة بحاذان [4] باليمن. فقيل لسليمان: كيف أقطعته هذه القطيعة! قال: أردت أن أميته وأميت ذكره بها.
أبو دهبل وعمرة محبوبته:
أخبرني محمد بن خلف قال حدّثنا أحمد بن زهير قال حدّثنا المدائنيّ عن جماعة من الرّواة:
أن أبا دهبل كان يهوى امرأة من قومه يقال لها عمرة وكانت امرأة جزلة يجتمع الرجال عندها لإنشاد الشعر والمحادثة، وكان أبو دهبل لا يفارق مجلسها مع كل من يجتمع إليها، وكانت هي أيضا محبّة له. وكان أبو دهبل من أشراف بني جمح،/ وكان يحمل الحمالة وكان مسوّدا؛ وزعمت بنو جمح أنه تزوّجها بعد، وزعم غيرهم من الرّواة أنه لم يصل إليها ولم يجر بينهما حلال ولا حرام. قال: وكانت عمرة تتقدّم/ إلى [5] أبي دهبل في حفظ ما بينهما وكتمانه، فضمن ذلك لها. فجاء نسوة كنّ يتحدّثن إليها فذكرن لها شيئا من أبي دهبل وقلن: قد علق امرأة؛ قالت: وما ذاك؟ قلن: ذكر أنه عاشق لك وأنّك عاشقة له. فرفعت مجلسها ومجالسة الرجال ظاهرة وضربت حجابا
__________
[1] الجفير: جعبة السهام.
[2] كذا في ج. وفي سائر الأصول: «حار» بالحاء المهملة.
[3] الجسد: الذي لا يعقل. ولا يميز قال اللّه تعالى: فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَداً لَهُ خُوارٌ
[4] كذا في جميع الأصول ولم نعثر عليها في «كتب البلدان» فلعلها محرّفة عن «جازان» بالجيم والزاي وهي موضع في طريق حاج صنعاء.
[5] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «على» وهو تحريف.
بينهم وبينها، وكتبت إلى أبي دهبل تعذله وتخبره بما بلغها من سوء صنيعه. فعند ذلك يقول:
تطاول هذا الليل ما يتبلّج ... وأعيت غواشي عبرتي ما تفرّج
وبتّ كئيبا ما أنام كأنما ... خلال ضلوعي جمرة تتوهّج
فطورا أمنّي النفس من عمرة المنى ... وطورا إذا ما لجّ بي الحزن أنشج
لقد قطع الواشون ما كان بيننا ... ونحن إلى أن يوصل الحبل أحوج
رأوا غرّة فاستقبلوها بألبهم ... فراحوا على ما لا نحبّ وأدلجوا
وكانوا أناسا كنت آمن غيهم ... فلم ينههم حلم ولم يتحرّجوا
هم منعونا ما نحبّ وأوقدوا ... علينا وشبّوا نار صرم تأجّج
ولو تركونا لا هدى اللّه سعيهم ... ولم يلحموا قولا من الشر ينسج
لأوشك صرف الدهر يفرق بيننا ... وهل يستقيم الدّهر والدهر أعوج
عسى كربة أمسيت فيها مقيمة ... يكون لنا منها نجاة ومخرج
فيكبت أعداء ويجذل آلف ... له كبد من لوعة الحب تنضج
وقلت لعبّاد وجاء كتابها ... لهذا وربّي كانت العين تخلج
وخطّطت في ظهر الحصير كأنّني ... أسير يخاف القتل ولهان ملفج
/ فلما التقينا لجلجت في حديثها ... ومن آية الصّرم الحديث الملجلج
وإنّي لمحجوب عشيّة زرتها ... وكنت إذا ما جئتها لا أعرّج
وأعيا عليّ القول والقول واسع ... وفي القول مستنّ [1] كثير ومخرج
أبو السائب المخزوميّ وأبو جندب الهذلي تغنيهما جارية بشعر أبي دهبل:
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثني الزبير بن بكّار قال حدّثني خالد بن بكر الصوّاف قال:
أتيت ابن أبي العراقيب فسألته أن يدخلني على جارية مغنّية لم ير أحد مثلها قط؛ فقال لي: إنّ في البيت واللّه شيخين كريمين عليّ، لا أدري ما يوافقهما من دخول أحد عليهما، فلو أقمت حتى أطّلع رأيهما في ذلك، فدخل ثم خرج إليّ فقال: ادخل فدخلت، فإذا أبو السائب المخزوميّ وأبو جندب الهذليّ؛ وخرجت علينا الجارية قاطبة عابسة؛ فلما وضع العود في حجرها اندفعت تغنّي وتقول:
عسى كربة أمسيت فيها مقيمة ... يكون لنا منها نجاة ومخرج
وإنّي لمحجوب غداة أزورها ... وكنت إذا ما زرتها لا أعرّج
__________
[1] المستن: الطريق المسلوك.
قال: ثم بكت؛ فوثبا عليه جميعا فقالا له: لعلك أربتها [1] بشيء، عليك وعلينا إن لم تقم إليها حتى تقبّل رأسها وتترضّاها، ففعل.
نسبة ما في هذه القصيدة من الغناء
صوت
تطاول هذا الليل ما يتبلّج ... وأعيت غواشي عبرتي ما تفرّج
أخطّط في ظهر الحصير كأنّني ... أسير يخاف القتل ولهان ملفج
/ الغناء لمعبد ثقيل أوّل بالوسطى عن عمرو. وفيه لحن لمالك ذكره حماد عن أبيه في أخبار مالك ولم يجنّسه. وحكي أن مالكا كان إذا سئل عنه يذكر أنه أخذه من حائد بن جرهد فقوّمه وأصلحه. وفيه لأبي عيسى بن الرشيد ثاني ثقيل بالوسطى عن حبش والهشاميّ.
صوت
لقد قطع الواشون ما كان بيننا ... ونحن إلى أن يوصل الحبل أحوج
فطورا أمنّي النفس من عمرة المنى ... وطورا إذا ما لجّ بي الهمّ أنشج
الغناء لمالك ثقيل أوّل بالسبّابة في مجرى البنصر عن إسحاق. وذكر حبش أن فيه لمعبد خفيف ثقيل بالوسطى.
شعره في رثاء الحسين بن علي:
أخبرني الحرميّ قال حدّثنا الزبير بن بكّار قال حدّثني عمّي مصعب قال:
قال أبو دهبل في قتل الحسين بن عليّ صلوات اللّه عليه وزكواته:
تبيت سكارى من أميّة نوّما ... وبالطّفّ قتلي ما ينام حميمها
وما أفسد الإسلام إلا عصابة ... تأمّر نوكاها ودام نعيمها
فصارت قناة الدّين في كفّ ظالم ... إذا اعوجّ منها جانب لا يقيمها
قصيدته الدالية:
قال الزبير وحدّثني يحيى بن مقداد بن عمران بن يعقوب الزّمعي قال حدّثني عمّي موسى بن يعقوب قال أنشدني أبو دهبل قصيدته التي يقول فيها:
سقى اللّه جازانا فمن حلّ وليه ... فكلّ فسيل من سهام وسردد [2]
__________
[1] أريتها: أقلقتها وأزعجتها.
[2] كذا في «شرح القاموس» مادة سرد. وجازان: موضع في طريق حاج صنعاء. والولي: القرب، يقال: داره ولي داري أي قربها.
وسهام: اسم موضع باليمامة كانت به وقعة أيام أبي بكر بين ثمامة بن أثال ومسيلمة الكذاب. وسردد: واد مشهور متسع بتهامة
/
ومحصوله الدار التي خيّمت بها ... سقاها فأروى كلّ ربع وفدفد [1]
فأنت التي كلّفتني البرك [2] شاتيا ... وأوردتنيه فانظري أيّ [3] مورد
صوت
فواندمي أن [4] لم أعج إذ تقول لي ... تقدّم فشيّعنا إلى ضحوة الغد
تكن سكنا أو تقدر العين أنها ... ستبكي مرارا فآسل من بعد واحمد [5]
فأصبحت ممّا كان بيني وبينها ... سوى ذكرها كالقابض الماء باليد
- الغناء لابن سريج خفيف رمل بالوسطى عن عمرو. وفيه لبذل الكبير رمل عن الهشاميّ:
لعلّك أن تلقى محبّا فتشتفي ... برؤية ريم بضّة المتجرّد
بلاد العدا لم تأتها غير أنها ... بها همّ نفسي من تهام ومنجد [6]
وما جعلت ما بين مكة ناقتي ... إلى البرك إلّا نومة المتهجّد
وكانت قبيل الصبح تنبذ رحلها ... بدومة [7] من لغط القطا المتبدّد
/ قال فقلت: يا عمّي [8] فما يمنعك أن تكتري دابّة بدرهمين فتشيّعها وتصبح معك؛ فضحك/ وقال: نفع اللّه بك يا بن أخي، أما علمت أن النّدم توبة، وعمّك كان أشغل مما تحسب.
أنشد أبو السائب شعرا له فتهكم به:
قال الزبير وحدّثني عمّي مصعب بن عبد اللّه قال:
أنشد رجل أبا السائب المخزوميّ قصيدة أبي دهبل:
سقى اللّه جازانا فمن حلّ وليه ... فكلّ فسيل من سهام وسردد
فلما بلغ قوله:
__________
() اليمن مشتمل على قرى ومدن وضياع. وقد جاء هذا البيت محرّفا في الأصول هكذا:
سقى اللّه جارا بائنا حل وليه ... بكل سبيل من سنام وسردد
[1] الفدفد: الفلاة، وقيل: الأرض الغليظة ذات الحصى، أو المكان المرتفع.
[2] البرك: ناحية باليمن وهو نصف الطريق بين حلى ومكة. وقد أورد صاحب «اللسان» هذا البيت مستشهدا به على البرك الذي هو مستنقع الماء وقد آثرنا ما فسرناه به لورود اسم هذا الموضع أكثر من مرة فيما سيأتي، وقد ذكر جليا في قوله:
وما جعلت ما بين مكة ناقتي ... إلى البرك إلا نومة المتهجد
[3] كذا في «اللسان». وفي الأصول: «أين».
[4] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «إذ».
[5] كذا في ح. وفي ب، س: «و اجهد» وفي سائر النسخ: «و اجمد» بالجيم والميم.
[6] التهام: المنسوب إلى تهامة، قال الجوهري: النسبة إلى تهامة تهاميّ وتهام، إذا فتحت التاء لم تشدّد كما قالوا: يمان وشآم إلا أن الألف في تهام من لفظها والألف في يمان وشآم عوض عن ياء النسب. والمنجد: المنسوب إلى نجد.
[7] كذا في «معجم ما استعجم» ودومة (بضم الدال) هي دومة الجندل وهي ما بين برك الغماد ومكة، وقد نسب صاحبه هذين البيتين الأخيرين للأحوص. وقد ورد في الأصول محرفا.
[8] في الأصول: «يا عمرو». وهو ينافي سياق الكلام.
فواندمي أن [1] لم أعج إذ تقول لي ... تقدّم فشيّعنا إلى ضحوة الغد
قال أبو السائب: ما صنع شيئا! ألا اكتري حمارا بدرهمين فشيّعهم ولم يقل «فواندمي» أو اعتذر! وإني أظنّ أنه قد كان له عذر. قال: وما هو؟ قال: أظنه كان مثلي لا يجد شيئا.
قصيدته الميمية:
فقال الزبير وحدّثني ابن مقداد قال حدّثني عمّي موسى بن يعقوب قال أنشدني أبو دهبل قوله:
صوت
ألا علق القلب المتيّم كلثما ... لجاجا ولم يلزم من الحبّ ملزما
خرجت بها من بطن مكة بعد ما ... أصات المنادي بالصلاة فأعتما [2]
فما نام من راع ولا ارتدّ سامر ... من الحيّ حتى جاوزت بي يلملما [3]
/و مرّت ببطن اللّيث [4] تهوي كأنما ... تبادر بالإدلاج نهبا مقسّما
- غنّى في هذه الأبيات ابن سريج خفيف رمل بالبنصر عن الهشاميّ. قال: وفيه هزج يمان بالوسطى، وذكر عمرو بن بانة أن خفيف الثقيل هو اليمانيّ. وفيه لفيل مولى العبلات رمل صحيح عن حمّاد عن أبيه عن الهشاميّ.
وقال الهشامي: فيه لحكم ثقيل أوّل. وذكر أبو أيّوب المدينيّ في أغاني ابن جامع أنّ فيه لحنا ولم يجنّسه - :
وجازت [5] على البزوء والليل كاسر ... جناحين بالبزواء وردا وأدهما
فما ذرّ قرن الشمس حتى تبيّنت ... بعليب [6] نخلا مشرفا أو مخيّما
ومرّت على أشطان رونق [7] بالضّحى ... فما خزّرت [8] للماء عينا ولا فما
وما شربت حتى ثنيت زمامها ... وخفت عليها أن تخرّ وتكلما
فقلت لها قد بنت غير ذميمة ... وأصبح وادي البرك غيثا مديّما [9]
__________
[1] انظر الحاشية الرابعة ص 139 من هذا الجزء.
[2] أعتم: دخل في العتمة.
[3] يلملم: موضع على ليلتين من مكة وهو ميقات أهل اليمن.
[4] كذا في نسخة الأستاذ الشنقيطي مصححة بقلمه وياقوت في الكلام على «برك والليث». والليث (بالكسر): موضع بالحجاز بين السرّين (بكسر السين والراء المشدّدة مكسورة) ومكة. وفي الأصول: «بطن البيت» وهو تحريف.
[5] كذا في ياقوت وهو معطوف على ما قبله. وفي الأصول: «أجازت» والبزواء: موضع في طريق مكة قرب الجحفة.
[6] عليب: واد بتهامة كذا ذكره ياقوت، وقال: قول أبي دهبل يدل على أنه واد فيه نخل والنخل لا ينبت في رؤوس الجبال ثم ساق الأبيات.
[7] في ح: «أشطان زرقة» وفي ياقوت: «أشطان روقة». ولم نقف عليها.
[8] الخزر بالتحريك: ضيق العين وصغرها أو هو النظر الذي كأنه في أحد الشقين. يقال: خزرت عينه (من باب فرح) وخزرها هو. وفي ح: «جرزت» وفي باقي الأصول: «جزرت». وظاهر أن كليهما تصحيف.
[9] كذا في ياقوت: وفي الأصول: «عينا مرنما».
قال: فقلت له: ما كنت إلّا على الريح؛ فقال: يا بن أخي، إن عمّك كان إذا همّ فعل، وهي الحاجة [1]. أما سمعت قول أخي [2] بني مرّة:
/إذا أقبلت قلت مشحونة ... أطاعت [3] لها الرّيح قلعا جفولا
وإن أدبرت قلت مذعورة ... من الرّبد [4] تتبع هيقا ذمولا [5]
وإن أعرضت خال فيها البصي ... ر مالا تكلّفه أن يميلا
يدا سرح مائل ضبعها ... تسوم وتقدم رجلا زحولا [6]
فمرّت على خشب غدوة ... ومرّت فويق أريك [7] أصيلا
تخبّط بالليل حزّانه [8] ... كخبط القويّ العزيز الذليلا
استحسن ريان السوّاق شعره وقال ليس بعده شي ء:
وأخبرني الحرميّ قال حدّثنا الزبير قال حدّثني جعفر بن الحسن اللّهبيّ قال: أنشدت/ ريّان [9] السوّاق قول أبي دهبل:
أليس عجيبا أن نكون ببلدة ... كلانا بها ثاو ولا نتكلّم
ولا تصرميني أن تريني أحبّكم ... أبوء بذنب إنّني أنا أظلم
فقال: أحسن، أحسن اللّه إليه؛ ما بعد هذا شيء.
وفي هذه القصيدة يقول:
صوت
أ منّا أناسا كنت قد تأمنينهم ... فزادوا علينا في الحديث وأوهموا [10]
/و قالوا لنا ما لم يقل ثم كثّروا ... علينا وباحوا بالذي كنت أكتم
__________
[1] في الأصول: «الحجاجة»، وقد صحح الأستاذ الشنقيطي هذه الكلمة هكذا: «العجاجة» ولم نتبين المقصود منها فآثرنا ما وضعناه لتلاؤمه والسياق.
[2] هو بشامة بن الغدير وقد عدّه ابن سلام في كتابه «طبقات الشعراء» في الطبقة الثامنة من الشعراء الإسلاميين وذكر له شعرا (انظر «نهاية الأرب» ص 115 «السفر العاشر» طبع دار الكتب المصرية).
[3] كذا في ياقوت في الكلام على أريك و «نهاية الأرب». وفي الأصول: «أقلت».
[4] كذا في «نهاية الأرب». والربد: النعام، من الربدة وهي لون بين السواد والغبرة. وفي ح: «الربع». وفي سائر الأصول: «الريح»، وهو خطأ.
[5] الهيق: الظليم. والذمول: السريع.
[6] السرح من الإبل: السريعة المشي. والضبع: وسط العضد بلحمه وقيل: العضد كلها وقيل: الإبط. وتسوم: تمرّ مسرعة.
[7] أريك: واد في بلاد بني مرّة.
[8] حزان (بضم الحاء وكسرها): جمع خريز، وهو ما غلظ وصلب من الأرض مع إشراف قليل.
[9] كذا في جميع الأصول وقد ورد في «ج 4 ص 415» من «الأغاني» طبع دار الكتب المصرية اختلاف فيه فانظره.
[10] أوهموا: أسقطوا وحذفوا.
لقد كحلت عيني القذى لفراقكم ... وعاودها تهتانها فهي تسجم
وأنكرت طيب العيش مني وكدّرت ... عليّ حياتي والهوى متقسّم
الغناء لابن سريج رمل بالسبّابة في مجرى الوسطى عن إسحاق. وفيه لابن زرزور الطائفيّ خفيف ثقيل بالوسطى عن عمرو. وفيه خفيفا رمل أحدهما بالوسطى لمتيّم والآخر بالبنصر لعريب.
حديث القاسم ابن المعتمر مع أبي السائب عن شعره:
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثني الزبير قال حدّثني عمّي قال حدّثني القاسم بن المعتمر الزّهريّ قال:
قلت لأبي السائب المخزوميّ: يا أبا السائب، أما أحسن أبو دهبل حيث يقول:
صوت
أ أترك ليلى ليس بيني وبينها ... سوى ليلة إنّي إذا لصبور
هبوني امرأ منكم أضلّ بعيره ... له ذمّة إن الذّمام كبير
وللصّاحب المتروك أفضل ذمّة ... على صاحب من أن يضلّ بعير
قال: فقال لي: وبأبي أنت! كنت واللّه لا أحبّك وتثقل عليّ، فأنا الآن أحبّك وتخفّ عليّ.
وفي هذه الأبيات غناء لابن سريج خفيف رمل بالوسطى عن عمرو. وفيه لعلّويه رمل بالوسطى من جامع أغانيه. وفيه للمازنيّ خفيف ثقيل آخر من رواية الهشاميّ وذكاء وغيرهما. وأوّل هذا الصوت بيت لم يذكر في الخبر، وهو:
عفا اللّه عن ليلى الغداة فإنها ... إذا وليت حكما عليّ تجور
توعد عبد اللّه بن صفوان عمه أبا ريحانة فقال هو شعرا:
أخبرني الحرميّ قال حدّثني الزبير قال حدّثني عمّي مصعب ومحمد بن الضحّاك عن أبيه:
أن أبا ريحانة عمّ أبي دهبل كان شديد الخلاف على عبد اللّه بن الزبير، فتوعّده عبد اللّه [1] بن صفوان، فلحق بعبد الملك بن مروان، فاستمدّه الحجّاج فأمدّه عبد الملك بطارق مولى عثمان في أربعة آلاف؛ فأشرف أبو ريحانة على أبي قبيس فصاح أبو ريحانة: أليس قد أخزاكم اللّه يأهل مكة! فقال له ابن أبي عتيق: بلى واللّه قد أخزانا اللّه.
فقال له ابن الزبير: مهلا يا بن أخي! فقال: قلنا لك ائذن لنا فيهم وهم قليل فأبيت حتى صاروا إلى ما ترى من الكثرة. قال: وقال أبو دهبل في وعيد عبد اللّه بن صفوان عمّه أبا ريحانة - واسمه عليّ بن أسيد بن أحيحة - :
ولا توعد لتقتله عليّا ... فإن وعيده كلأ وبيل
ونحن ببطن مكّة إذ تداعى ... لرهطك من بني عمرو رعيل [2]
__________
[1] كان من رجالات عبد اللّه بن الزبير وحضر معه مشاهده. قتله الحجاج وأرسل برأسه مع رأس ابن الزبير إلى عبد الملك بن مروان.
(انظر الطبري ق 2 ص 224، 225، 530، 849، 852).
[2] الرعيل: كل قطعة متقدّمة من خيل ورجال.
/
أولو الجمع المقدّم حين ثابوا ... إليك ومن يودّعهم قليل
فلما أن تفانينا وأودى [1] ... بثروتنا الترحّل والرحيل
جعلت لحومنا غرضا كأنا ... لتهلكنا عروبة أو سلول
رثى ابن الأزرق وأوصى أن يدفن بجانبه:
أخبرني محمد بن خلف قال حدّثنا أبو توبة عن أبي عمرو الشّيبانيّ قال:
مات ابن الأزرق وأبو دهبل حيّ فدفن بعليب، فلما احتضر أبو دهبل أيضا أوصى أن يدفن عنده. وفيه يقول أبو دهبل يرثيه - عن أبي عمرو الشيبانيّ - :
/لقد غال هذا اللحد من بطن عليب ... فتى كان من أهل الندى والتكرّم
فتى كان فيما ناب يوما هو الفتى ... ونعم الفتى للطارق المتيمّم
أ ألحقّ أنّي لا أزال على منّى ... إذا صدر الحجّاج عن كلّ موسم
سقى اللّه أرضا أنت ساكن قبرها ... سجال الغوادي من سحيل [2] ومبرم
خرج إلى مصر لطلب ميراث ثم عاد وقال شعرا:
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثني الزبير قال حدّثني عمّي قال حدّثني إبراهيم بن أبي عبد اللّه قال:
وقع لأبي دهبل ميراث بمصر فخرج يريده؛ ثم رجع من الطريق فقال:
اسلمي أمّ دهبل بعد هجر ... وتقضّ من الزمان وعمر
واذكري كرّي المطيّ إليكم ... بعد ما قد توجّهت نحو مصر
لا تخالي أنّي نسيتك لمّا ... حال بيش [3] ومن به خلف ظهري
إن تكوني أنت المقدّم قبلي ... وأطع يثو عند قبرك قبري
قال إبراهيم: فوقفت على قبره إلى جانب قبرها بعليب.
صوت من المائة المختارة من رواية عليّ بن يحيى
ألا أيها الشادن الأكحل ... إلى كم تقول ولا تفعل
إلى كم تجود بما لا نري ... د منك وتمنع ما نسأل
الشعر للحسين بن الضحّاك. والغناء لأبي زكّار الأعمى، ولحنه المختار هزج بالبنصر.
__________
[1] في ب، س: «و أورى بنزوتنا» وفيء وم: «و أودوا بنزوتنا» وفي سائر الأصول: «و أوروا بنزوتنا» وهو تحريف.
[2] السحيل: الخيط غير المقتول. والمبرم: المفتول. وهذا كناية عن التعميم، أي سقاها اللّه سجال الغوادي قليلها وكثيرها.
[3] بيش (بكسر أوّله): من بلاد اليمن قرب دهلك. قال ياقوت في «معجم البلدان» بعد أن ذكر شعر أبي دهبل هذا: «و هذا الشعر يدل على أن بيشا موضع بين مكة ومصر، أو تكون صاحبته المذكورة كانت باليمن ... ».
8 - أخبار حسين بن الضّحّاك ونسبه
منشؤه وشعره:
الحسين بن الضحّاك باهليّ صليبة [1]، فيما ذكر محمد بن داود بن الجرّاح؛ والصحيح أنه مولى لباهلة. وهو بصريّ المولد والمنشأ، من شعراء الدولة العباسيّة، وأحد ندماء الخلفاء من بني هاشم. ويقال: إنه أوّل من جالس منهم محمد الأمين. شاعر أديب ظريف مطبوع حسن التصرّف في الشعر حلو المذهب، لشعره قبول ورونق صاف.
وكان أبو نواس يأخذ معانيه في الخمر فيغير عليها. وإذا شاع له شعر نادر في هذا المعنى نسبه الناس إلى أبي نواس.
وله معان في صفتها أبدع فيها وسبق إليها، فاستعارها أبو نواس، وأخبارهما في هذا المعنى وغيره تذكر في أماكنها.
وكان يلقّب الخليع والأشقر، وهاجى مسلم بن الوليد فانتصف منه. وله غزل كثير جيّد. وهو [2] من المطبوعين الذين تخلو أشعارهم ومذاهبهم جملة من/ التكلّف. وعمّر عمرا طويلا حتى قارب المائة السنة، ومات في خلافة المستعين أو المنتصر.
وحدّثني جعفر بن قدامة قال حدّثني عليّ بن يحيى المنجّم قال:
كان حسين بن الضحّاك بن ياسر مولى لباهلة، وأصله من خراسان؛ فكان ربما اعترف بهذا الولاء وربما جحده، وكان يلقّب بالأشقر، وهو ومحمد بن حازم الباهليّ ابنا خالة.
وحدّثني الصّوليّ عن إبراهيم بن المعلّى الباهليّ: أنه سأله عن نسب حسين بن الضحّاك فقال: هو حسين بن الضحّاك بن ياسر، من موالي سليمان بن ربيعة الباهليّ. قال الصوليّ: وسألت الطيّب بن محمد الباهليّ عنه فقال لي: هو الحسين/ بن الضحّاك بن فلان بن فلان بن ياسر، قديم الولاء، وداره في بني مجاشع وفيها ولد الحسين، أرانيها صاحبنا سعيد بن مسلم.
قال قصيدته الخمرية فاستحسنها أبو نواس ونسبت إليه:
أخبرني عليّ بن العبّاس بن أبي طلحة الكاتب ومحمد بن يحيى الصّوليّ قالا: حدّثنا المغيرة بن محمد المهلّبيّ قال حدّثنا حسين بن الضحّاك قال: أنشدت أبا نواس لمّا حججت قصيدتي التي قلتها في الخمر وهي:
بدّلت من نفحات الورد بالآء [3] ... ومن صبوحك درّ الإبل والشاء
فلما انتهيت منها إلى قولي:
__________
[1] صليبة: خالص النسب.
[2] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «و هذا ... ».
[3] في الأصول: «باللاء». والتصويب عن المرحوم الشيخ الشنقيطي في نسخته. والآء: شجر الدفلى (نبت مر زهره كالورد الأحمر).
حتى إذا أسندت في البيت واحتضرت ... عند الصّبوح ببسّامين أكفاء
فضّت خواتمها في نعت واصفها ... عن مثل رقراقة [1] في جفن مرهاء [2]
قال: فصعق صعقة أفزعني، وقال: أحسنت واللّه يا أشقر! فقلت: ويلك يا حسن! إنك أفزعتني واللّه! فقال:
بلى واللّه أفزعتني ورعتني، هذا معنى من المعاني التي كان فكري لا بدّ أن ينتهي إليها أو أغوص عليها وأقولها فسبقتني إليه واختلسته منّي، وستعلم لمن يروى ألي أم لك؛ فكان واللّه كما قال، سمعت من لا يعلم يرويها له.
أخبرني بهذا الخبر الحسن بن عليّ الخفّاف قال حدّثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدّثني محمد بن عبد اللّه مولى بني هاشم أبو جعفر قال:
سمعت الحسين بن الضحّاك يقول: لما قلت قصيدتي:
بدّلت من نفحات الورد بالآء
/ أنشدتها أبا نواس؛ فقال: ستعلم لمن يرويها الناس ألي أم لك؛ فكان الأمر كما قال، رأيتها في دفاتر الناس في أوّل أشعاره.
أخبرني جعفر بن قدامة عن أحمد بن أبي طاهر عن أحمد بن صالح عن الحسين بن الضحّاك، فذكر نحوا منه.
ذكر للمأمنون فحجبه لشعره في الأمين وذهب للبصرة:
أخبرني الصّوليّ قال حدّثني عبد اللّه بن محمد الفارسيّ عن ثمامة بن أشرس، قال الصوليّ وحدّثنيه عون بن محمد عن عبد اللّه بن العباس بن الفضل بن الرّبيع قال:
لمّا قدم المأمون من خراسان وصار إلى بغداد، أمر بأن يسمّى له قوم من أهل الأدب ليجالسوه ويسامروه، فذكر له جماعة فيهم الحسين بن الضحّاك، وكان من جلساء محمد المخلوع؛ فقرأ أسماءهم حتى بلغ إلى اسم حسين، فقال: أليس هو الذي يقول في محمد:
هلّا بقيت لسدّ فاقتنا ... أبدا وكان لغيرك التّلف
فلقد خلفت خلائفا سلفوا ... ولسوف يعوز بعدك الخلف
لا حاجة لي فيه، واللّه لا يراني أبدا إلا في الطريق. ولم يعاقب الحسين على ما كان من هجائه/ له وتعريضه به. قال: وانحدر حسين إلى البصرة فأقام بها طول أيام المأمون.
أخبرني عمّي والكوكبيّ بهذا قالا حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد قال حدّثنا عبد اللّه بن الحارث المروزيّ عن إبراهيم بن عبد اللّه ابن أخي السّنديّ بن شاهك، فذكر مثله سواء.
أنشد المأمون مدحه فيه فلم يرض عنه:
قال ابن أبي طاهر فحدّثني محمد بن عبد اللّه صاحب المراكب قال أخبرني أبي عن صالح بن الرشيد قال:
__________
[1] الرقراقة: الدمعة التي تترقرق (تتحرّك) في العين ولا تسيل.
[2] المرهاء: المرأة التي لم تكتحل.
/ دخلت يوما على المأمون ومعي بيتان للحسين بن الضحّاك، فقلت: يا أمير المؤمنين، أحبّ أن تسمع مني بيتين؛ فقال: أنشدهما فأنشدته:
حمدنا اللّه شكرا إذ حبانا ... بنصرك يا أمير المؤمنينا
فأنت خليفة الرحمن حقّا ... جمعت سماحة وجمعت دينا
فقال: لمن هذان البيتان يا صالح؟ فقلت: لعبدك يا أمير المؤمنين حسين بن الضحّاك؛ قال: قد أحسن.
فقلت: وله يا أمير المؤمنين أجود من هذا؛ فقال: وما هو؟ فأنشدته قوله:
صوت
أيبخل فرد الحسن فرد صفاته ... عليّ وقد أفردته بهوى فرد
رأى اللّه عبد اللّه خير عباده ... فملّكه واللّه أعلم بالعبد
قال: فأطرق ساعة ثم قال: ما تطيب نفسي له بخير بعد ما قال في أخي محمد وقال.
قال أبو الفرج: وهذه الأبيات تروى لابن البوّاب، وستذكر في أبوابه إن شاء اللّه تعالى، وعلى أن الذي رواها غلط في روايته غلطا بيّنا، لأنها مشهورة من شعر حسين بن الضحّاك. وقد روي أيضا في أخباره أنه دفعها إلى ابن البوّاب فأوصلها إلى ابن المأمون، وكان له صديقا. ولعلّ الغلط وقع من هذه الجهة.
الغناء في الأبيات المذكورة المنسوبة إلى حسين بن الضحّاك وإلى ابن البوّاب الدّاليّة لإبراهيم بن المهديّ خفيف ثقيل بالبنصر. وفيها لعبيد اللّه بن موسى الطائفيّ رمل بالبنصر.
أمر المأمون عمرو بن بانة بالغناء في شعره في الأمين:
أخبرني محمد بن يحيى الصّوليّ قال حدّثنا أحمد بن يزيد المهلّبيّ عن أبيه عن عمرو بن بانة أنّهم كانوا عند صالح بن الرشيد، فقال: لست تطرح على جواريّ وغلماني/ ما أستجيده! فقال له: ويلك! ما أبغضك ابعث إلى منزلي فجيء بالدفاتر واختر منها ما شئت حتى ألقيه عليهم؛ فبعث إلى منزلي فجيء إليه بدفاتر الغناء فأخذ منها دفترا ليتخيّر ممّا فيه، فمرّ به شعر الحسين بن الضحّاك يرثي الأمين ويهجو المأمون وهو:
أطل حزنا وابك الإمام محمدا ... بحزن وإن خفت الحسام المهنّدا
فلا تمّت الأشياء بعد محمد ... ولا زال شمل الملك منها مبدّدا
ولا فرح المأمون بالملك بعده ... ولا زال في الدنيا طريدا مشرّدا
فقال لي صالح: أنت تعلم أنّ المأمون يجيء إليّ في كل ساعة، فإذا قرأ هذا ما تراه يكون فاعلا! ثم دعا بسكين فجعل يحكّه؛ وصعد المأمون من الدّرجة ورمى صالح الدفتر. فقال المأمون: يا غلام الدفتر. فأتي به، فنظر فيه ووقف على الحكّ فقال: إن قلت لكم: ما كنتم [1] /فيه تصدقوني؟ قلنا: نعم. قال: ينبغي أن يكون أخي قال لك: ابعث فجيء بدفاترك ليتخيّر ما تطرح، فوقف على هذا الشعر فكره أن أراه فأمر بحكّه؛ قلنا: كذا كان. فقال:
__________
[1] كذا في ج. وفي سائر الأصول: «ما كان فيه».
غنّه يا عمرو؛ فقلت: يا أمير المؤمنين، الشعر لحسين بن الضحّاك والغناء لسعيد بن جابر؛ فقال: وما يكون! غنّه فغنّيته؛ فقال: اردده فرددته ثلاث مرات؛ فأمر لي بثلاثين ألف درهم، وقال: حتى تعلم أنه لم يضررك عندي.
قال: وسعيد بن جابر الذي يقول فيه حسين بن الضحّاك، وكان نديمه وصديقه:
يا سعيد وأين منّي سعيد
مراثيه في الأمين:
ولحسين بن الضحّاك في محمد الأمين مراث كثيرة جياد، وكان كثير التحقّق [1] به والموالاة له لكثرة أفضاله عليه وميله إليه وتقديمه إيّاه. وبلغ من جزعه عليه أنّه/ خولط؛ فكان ينكر قتله لمّا بلغه ويدفعه ويقول: إنه مستتر وإنه قد وقف على تفرّق دعاته في الأمصار يدعون إلى مراجعة أمره والوفاء ببيعته ضنّا به وشفقة عليه. ومن جيّد مراثيه إياه قوله:
صوت
سألونا أن كيف نحن فقلنا ... من هوى نجمه فكيف يكون
نحن قوم أصابنا حدث الده ... ر فظلنا لريبه نستكين
نتمنّى من الأمين إيابا ... لهف نفسي وأين منّي الأمين
في هذه الأبيات لسعيد بن جابر ثاني ثقيل بالوسطى. وفيها لعريب خفيف ثقيل.
ومن جيّد قوله في مراثيه إيّاه:
أعزّى يا محمد عنك نفسي ... معاذ اللّه والأيدي الجسام
فهلّا مات قوم لم يموتوا ... ودوفع عنك لي يوم الحمام
كأن الموت صادف منك غنما ... أو استشفى بقربك من سقام
أعجب المأمون ببيت من شعره وأجازه عليه بثلاثين ألف درهم:
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدّثنا عليّ بن محمد النّوفليّ قال قال لي محمد بن عبّاد: قال لي المأمون وقد قدمت من البصرة: كيف ظريف شعرائكم وواحد مصركم؟ قلت: ما أعرفه؛ قال: ذاك الحسين بن الضحّاك، أشعر شعرائكم وأظرف ظرفائكم. أليس هو الذي يقول:
رأى اللّه عبد اللّه خير عباده ... فملّكه واللّه أعلم بالعبد
قال: ثم قال لي المأمون: ما قال فيّ أحد من شعراء زماننا بيتا أبلغ من بيته هذا؛ فاكتب إليه فاستقدمه؛ وكان حسين عليلا وكان يخاف بوادر المأمون لما/ فرط منه؛ فقلت للمأمون: إنه عليل يا أمير المؤمنين، علّته تمنعه من الحركة والسفر. قال: فخذ كتابا إلى عامل خراجكم بالبصرة حتى يعطيه ثلاثين ألف درهم؛ فأخذت الكتاب بذلك وأنفذته إليه فقبض المال.
__________
[1] كذا في جميع الأصول ولعلها «التعلق».
قال محمد بن يزيد الأزدي هو أشعر المحدثين:
حدّثنا عليّ بن العباس بن أبي طلحة الكاتب قال سمعت أبا العباس محمد بن يزيد الأزديّ يقول: حسين بن الضحّاك أشعر المحدّثين حيث يقول:
أيّ ديباجة حسن ... هيّجت لوعة حزني
/ إذ رماني القمر الزا ... هر عن فترة جفن
بأبي شمس نهار ... برزت في يوم دجن
قرّبتني بالمنى ح ... تى إذا ما أخلفتني
تركتني بين ميعا ... د وخلف وتجنّي
ما أراني [1] لي من الصب ... وة إلّا حسن ظنّي
إنما دامت على الغد ... ر لما تعرف منّي
أستعيذ اللّه من إع ... راض من أعرض عنّي
استقدمه المعتصم من البصرة ومدحه فأجازه:
أخبرني عليّ بن العباس قال حدّثني سوادة بن الفيض المخزوميّ قال حدّثني أبو الفيض بن سوادة عن جدّي قال:
لمّا وليّ المعتصم الخلافة سألني عن حسين بن الضحّاك، فأخبرته بإقامته بالبصرة لانحراف المأمون عنه؛ فأمر بمكاتبته بالقدوم عليه فقدم. فلما دخل وسلّم استأذن في الإنشاد فأذن له؛ فأنشده قوله:
هلّا سألت تلذّذ [2] المشتاق ... ومننت قبل فراقه بتلاق
/ إنّ الرقيب ليستريب تنفّسا ... صعدا إليك وظاهر الإقلاق
ولئن أربت [3] لقد نظرت بمقلة ... عبري عليك سخينة الآماق
نفسي الفداء لخائف مترقّب ... جعل الوداع إشارة بعناق
إذ لا جواب لمفحم متحيّر ... إلا الدموع تصان بالإطراق
حتى انتهى إلى قوله:
خير الوفود مبشّر بخلافة ... خصّت ببهجتها أبا إسحاق
وافته في الشهر الحرام سليمة ... من كل مشكلة وكلّ شقاق
أعطته صفقتها الضمائر طاعة ... قبل الأكفّ بأوكد الميثاق
__________
[1] في بعض الأصول: «ما أرى لي ... »، وهو تحريف.
[2] كذا في الأصول. ولعله «تلدد» بالدال المهملة وهو الحيرة والدهش.
[3] أراب الرجل: كان ذا ريبة.
سكن الأنام إلى إمام سلامة ... عفّ الضمير مهذّب الأخلاق
فحمى رعيّته ودافع دونها ... وأجار مملقها من الإملاق
حتى أتمّها. فقال له المعتصم: أدن منّي فدنا منه؛ فملأ فمه جوهرا من جوهر كان بين يديه، ثم أمره بأن يخرجه من فيه فأخرجه، وأمر بأن ينظم ويدفع إليه ويخرج إلى الناس وهو في يده ليعلموا موقعه من رأيه ويعرفوا فعله. فكان أحسن ما مدح به يومئذ.
وممّا قدّمه أهل العلم على سائر ما قالته الشعراء قول حسين بن الضحّاك حيث قال:
قل للألى صرفوا الوجوه عن الهدى ... متعسّفين تعسّف المرّاق
إني أحذّركم بوادر ضيغم ... درب بحطم موائل الأعناق
متأهب لا يستفزّ جنانه ... زجل الرّعود ولامع الإبراق
/ لم يبق من متعرّمين [1] توثّبوا ... بالشأم غير جماجم أفلاق
من بين منجدل تمجّ عروقه ... علق [2] الأخادع أو أسير وثاق
/ وثنى الخيول إلى معاقل قيصر ... تختال بين أحزّة [3] ورقاق
يحملن كلّ مشمّر متغشّم ... ليث هزبر أهرت الأشداق [4]
حتى إذا أمّ الحصون منازلا ... والموت بين ترائب وتراق [5]
هرّت بطارقها هرير قساور ... بدهت بأكره منظر ومذاق [6]
ثم استكانت للحصار ملوكها ... ذلّا وناط حلوقها بخناق [7]
هربت وأسلمت الصليب عشيّة ... لم يبق غير حشاشة الأرماق
قال: فأمر له المعتصم لكل بيت بألف درهم، وقال له: أنت تعلم يا حسين أنّ هذا أكثر ما مدحني به مادح في دولتنا. فقبّل الأرض بين يديه وشكره وحمل المال معه.
__________
[1] كذا في «تجريد الأغاني». والمتعرّمون: ذوو العرمة وهي الشراسة والحدّة في الخلق. وفي الأصول: «متعزمين» بالزاي وهو تصحيف.
[2] العلق: الدم. والأخادع: عروق في العنق.
[3] كذا في ح. والأحزة: جمع حزيز وهو الغليظ من الأرض. والرقاق: المستوية اللينة منها وفي سائر الأصول: «أجرة ودقاق» بالجيم والراء في الأولى والدال المهملة في الثانية.
[4] المتغشم: الغضوب. وهرت الأشداق: سعتها. والأسود توصف بذلك.
[5] الترائب: عظام الصدور وفوقها التراقي، مفرده ترقوة.
[6] هرّت: صوّتت. والقساور: الشجعان والأعزة والأشداد من الرجال، واحده قسورة. وبدهت: بغتت.
[7] الخناق: ما يخنق به من حبل أو وتر ونحوه.
أعجب الرياشي لبيتين له في الخمر:
حدّثني عليّ قال حدّثني عثمان بن عمر الآجرّي قال: سمعت الرّياشيّ ينشد هذين البيتين ويستحسنهما ويستظرفهما جدّا وهما:
إذا ما الماء أمكنني ... وصفو سلافة العنب
صببت الفضّة البيضا ... ء فوق قراضة الذهب
/ فقلت له: من يقولهما يا أبا الفضل؟ قال: أرقّ الناس طبعا وأكثرهم ملحا وأكملهم ظرفا حسين بن الضحّاك.
أخذ أبو نواس معنى له في الخمر فأجاده:
أخبرني يحيى بن عليّ إجازة قال حدّثني أبي عن حسين بن الضحّاك قال: أنشدت يا أبا نواس قصيدتي:
وشاطريّ [1] اللسان مختلق التك ... ريه شاب المجون بالنّسك
حتى بلغت إلى قولي [2]:
كأنما [3] نصب كاسه قمر ... يكرع في بعض أنجم الفلك
قال: فأنشدني أبو نواس بعد أيام لنفسه:
إذا عبّ فيها شارب القوم خلته ... يقبّل في داج من الليل كوكبا
قال: فقلت له: يا أبا عليّ هذه مصالتة [4]. فقال لي: أتظن أنه يروي لك في الخمر معنى جيّد وأنا حيّ!.
أخبرني به جعفر بن قدامة عن عليّ بن محمد بن نصر عن أحمد بن حمدون عن حسين بن الضحّاك فذكر مثله.
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا ابن مهرويه قال:
أنشدت إبراهيم بن المدبّر قول حسين بن الضحّاك:
كأنما نصب كأسه قمر ... حاسده [5] بعض أنجم الفلك
/ حتى إذا رنّحته سورتها ... وأبدلته السكون بالحرك
كشفت عن وزّة مسنّمة ... في لين صينيّة من الفلك [6]
فقال لي إبراهيم بن المدبّر: إن الحسين كان يزعم أن أبا نواس سرق منه هذا المعنى حين يقول:
__________
[1] شاطريّ: نسبة إلى الشاطر وهو الذي أعيا أهله ومؤدبه خبثا. وكان هذا الاسم يطلق في الدولة العباسية على أهل البطالة والفساد.
[2] كذا في ح وفي سائر الأصول: «إلى قوله» وهو تحريف.
[3] كذا في «تجريد الأغاني» وفي الأصول: «تخالها نصب كأسه قمرا».
[4] كذا في «تجريد الأغاني». والمصالتة عند الشعراء هي أن يأخذ الشاعر بيتا لغيره لفظا ومعنى، وهي من أقبح السرقات الشعرية، من الصلت بمعنى اللص (عن أقرب الموارد مادّة صلت) وفي الأصول: «مصالبة» بالباء وهو تصحيف.
[5] كذا في الأصول هنا، وهو غير واضح. وقد تقدم هذا البيت منذ أسطر برواية أخرى واضحة.
[6] الصينية: الإناء المعروف. والفلك: التل من الرمل. وكثيرا ما تشبه العجيزة في الضخامة واللين بكثيب الرمل.
يقبّل في داج من الليل كوكبا
فإن كان سرقه منه فهو أحقّ به لأنه قد برّز عليه، وإن كان حسين سرقه منه فقد قصّر عنه.
مدح الواثق حين ولي الخلافة فأجازه:
أخبرني محمد بن يحيى الخراسانيّ قال حدّثني محمد بن مخارق قال:
لمّا بويع الواثق بالخلافة ودخل [1] عليه الحسين بن الضحّاك فأنشده/ قصيدته التي أوّلها:
صوت
ألم يرع الإسلام موت نصيره ... بلى حقّ أن يرتاع من مات ناصره
سيسليك عمّا فات دولة مفضل ... أوائله محمودة وأواخره
ثنى اللّه عطفيه وألّف شخصه ... على البرّ مذ شدّت عليه مآزره
يصبّ [2] ببذل المال حتى كأنما ... يرى بذله للمال نهبا يبادره
وما قدّم الرحمن إلّا مقدّما ... موارده محمودة ومصادره
فقال الواثق: إن كان الحسين لينطق عن حسن طويّة ويمدح بخلوص نيّة. ثم أمر بأن يعطى لكل بيت قاله من هذه القصيدة ألف درهم. فأعجبته الأبيات، حتى أمر فصنعت فيها عدّة ألحان، منها لعريب في طريقة الثقيل الأوّل.
سوق شعرا له في الواثق من شعر أبي العتاهية في الرشيد:
وأخبرني محمد بن يحيى قال حدّثني عون بن محمد قال حدّثني محمد بن عمرو الرومي قال.
لمّا ولي الواثق الخلافة أنشده حسين بن الضحّاك قصيدة منها:
سيسليك عمّا فات دولة مفضل ... أوائله محمودة وأواخره
وما قدّم الرحمن إلّا مقدّما ... موارده محمودة ومصادره
قال: فأنشدت إسحاق الموصليّ هذا الشعر؛ فقال لي: نقل حسين كلام أبي العتاهية في الرشيد حتى جاء بألفاظه بعينها حيث يقول:
جرى لك من هارون بالسعد طائره ... إمام اعتزام لا تخاف بوادره
إمام له رأي حميد ورحمة ... موارده محمودة ومصادره
قال: فعجبت من رواية إسحاق شعر المحدثين، وإنما كان يروى للأوائل ويتعصّب على المحدّثين وعلى أبي العتاهية خاصّة.
في هذين الشعرين أغاني نسبتها:
__________
[1] كذا في الأصول ولعله «دخل» من غير الواو.
[2] كذا فيء، ح وصب بالشي ء: كلف به وولع. وفي سائر الأصول: «يصيب» وهو تحريف.
صوت
جرى لك من هارون بالسعد طائره ... إمام اعتزام لا تخاف بوادره
إمام له رأى حميد ورحمة ... موارده محمودة ومصادره
هو الملك المجبول نفسا على التّقى ... مسلّمة من كل سوء عساكره
لتغمد سيوف الحرب فاللّه وحده ... وليّ أمير المؤمنين وناصره
الشعر لأبي العتاهية، على ما ذكره الصّوليّ. وقد وجدت هذه القصيدة بعينها في بعض النسخ لسلم الخاسر.
والغناء لإبراهيم، وله فيه لحنان خفيف ثقيل بالبنصر عن عمرو وثاني ثقيل بالبنصر عن الهشاميّ.
صوت
سيسليك عمّا فات دولة مفضل ... أوائله محمودة وأواخره
ثنى اللّه عطفيه وألّف شخصه ... على البرّ مذ شدّت عليه مآزره
الشعر لحسين بن الضحّاك. والغناء لعريب ثقيل أوّل مطلق. وفيه لقلم [1] الصالحيّة خفيف/ رمل، وهو أغرب اللحنين ولحن عريب المشهور.
مدح الواثق وهو في الصيد فأجازه:
أخبرني محمد بن يحيى قال حدّثني محمد [2] بن يحيى قال حدّثني عليّ بن الصبّاح قال حدّثني عليّ بن صالح كاتب الحسن بن رجاء قال حدّثني إبراهيم بن الحسن بن سهل قال:
كنّا مع الواثق بالقاطول [3] وهو يتصيّد؛ فصاد صيدا حسنا وهو في الزّوّ [4] من الإوزّ والدّرّاج وطير الماء وغير ذلك؛ ثم رجع فتغدّى، ودعا بالجلساء والمغنّين وطرب، وقال: من ينشدنا؟ فقام الحسين بن الضحّاك فأنشده:
سقى اللّه بالقاطول مسرح طرفكا ... وخصّ بسقياه مناكب قصركا
حتى انتهى إلى قوله:
تخيّن للدّرّاج في جنباته ... وللغرّ آجال قدرن بكفّكا
__________
[1] هي قلم الصالحية جارية صالح بن عبد الوهاب إحدى المغنيات المحسنات المتقدمات وترجمتها مذكورة في (ج 12 ص 115 من هذا الكتاب طبع بولاق) وورد ذكرها في «تاريخ الطبري» (ص 1366 من القسم الثالث طبع أوروبا). وورد هذا الاسم في جميع الأصول هكذا: «لعلمز» وظاهر تحريفه.
[2] كذا في الأصول. ويظهر أن هذا الاسم مكرر من النساخ لأن المؤلف تكررت روايته عن محمد بن يحيى الصولي. والصولي يروي عن علي بن الصباح، وقد مر مثل هذا السند في الجزء الرابع من هذا الكتاب (ص 54).
[3] القاطول: اسم نهر كأنه مقطوع من دجلة، حفره الرشيد وبنى على فوهته قصرا سماه أبا الجند.
[4] الزوّ: نوع من السفن كان منتشرا في العصر العباسي. ونحن نقتطف بعض عبارات من الطبري لإثبات ذلك، فقد جاء في صفحة (682 ق 3) قال السندي بن شاهك بعد كلام طويل: حدّثني العباس بن الفضل بن الربيع قال: جلس الرشيد في الزوّ في الفرات ينتظرك. ثم ساق بعد كلام كثير: فأرسل إليّ الرشيد فصرت إليه ووقفت ساعة بين يديه؛ فقال لمن كان عنده من الخدم: قوموا فقاموا فلم يبق إلا العباس. ثم قال العباس: اخرج ومر برفع التخاتج (الأخشاب) المطروحة على الزوّ ففعل ذلك.
/
حتوفا إذا وجّهتهنّ قواضبا ... عجالا إذا أغريتهنّ بزجركا
أبحت حماما مصعدا ومصوّبا ... وما رمت [1] في حاليك مجلس لهوكا
تصرّف فيه بين ناي ومسمع ... ومشمولة [2] من كفّ ظبي لسقيكا
قضيت لبانات وأنت مخيّم ... مريح وإن شطّت مسافة عزمكا
وما نال طيب العيش إلّا مودّع [3] ... وما طاب عيش نال مجهود كدّكا
فقال الواثق: ما يعدل الراحة ولذّة الدّعة شيء. فلما انتهى إلى قوله:
خلقت أمين اللّه للخلق عصمة ... وأمنا فكلّ في ذراك وظلّكا
وثقت بمن سمّاك بالغيب واثقا ... وثبّت بالتأييد أركان ملككا
فأعطاك معطيك الخلافة شكرها ... وأسعد بالتقوى سريرة قلبكا
وزادك من أعمارنا، غير منّة ... عليك بها، أضعاف أضعاف عمركا
ولا زالت الأقدار في كلّ حالة ... عداة لمن عاداك سلما لسلمكا
إذا كنت من جدواك في كل نعمة ... فلا كنت إن لم أفن عمري بشكركا
فطرب الواثق فضرب الأرض بمخصرة كانت في يده، وقال: للّه درّك يا حسين! ما أقرب قلبك من لسانك! فقال: يا أمير المؤمنين، جودك ينطق المفحم بالشعر والجاحد بالشكر. فقال له: لن تنصرف إلّا مسرورا؛ ثم أمر له بخمسين ألف درهم.
رغب الواثق في الشراب في يوم غيم:
حدّثنا عليّ بن العبّاس بن أبي طلحة قال حدّثنا أبو العبّاس الرّياشيّ قال حدّثنا الحسين بن الضحّاك قال:
دخلت على الواثق ذات يوم وفي السماء لطخ [4] غيم، فقال لي: ما الرأي عندك في هذا اليوم؟ فقلت:
يا أمير المؤمنين، ما حكم به وأشار إليه قبلي أحمد بن يوسف؛ فإنه أشار بصواب لا يردّ وجعله في شعر لا يعارض. فقال: وما قال؟ فقلت قال:
/أرى غيما تؤلّفه جنوب ... وأحسبه سيأتينا بهطل
فعين الرأي أن تدعو برطل ... فتشربه وتدعو لي برطل
فقال: أصبتما؛ ودعا بالطّعام وبالشراب والمغنّين والجلساء واصطبحنا.
__________
[1] رام المكان: زال عنه وفارقه.
[2] المشمولة: الخمر الباردة.
[3] المودع: المرفه.
[4] لطخ غيم: قليل غيم.
وصف ليلة لهو قضاها الواثق:
أخبرني عليّ بن العبّاس قال حدّثني الحسين بن علوان قال حدّثني العبّاس بن عبيد اللّه الكاتب قال:
/ كان حسين بن الضحّاك ليلة عند الواثق وقد شربوا إلى أن مضى ثلث من الليل، فأمر بأن يبيت مكانه. فلما أصبح خرج إلى الندماء وهم مقيمون، فقال لحسين: هل وصفت ليلتنا الماضية وطيبها؟ فقال: لم يمض شيء وأنا أقول الساعة؛ وفكّر هينهة ثم قال:
حثّت [1] صبوحي فكاهة اللّاهي ... وطاب يومي بقرب أشباهي
فاستثر اللهو من مكامنه ... من قبل يوم منغّص ناهي [2]
بابنة كرم من كفّ منتطق [3] ... مؤزّر بالمجون تيّاه
يسقيك من طرفه ومن يده ... سقى لطيف مجرّب داهي
كأسا فكأسا كأنّ شاربها ... حيران بين الذّكور والساهي
قال: فأمر الواثق بردّ مجلسه كهيئته، واصطبح يومه ذلك معهم؛ وقال: نحقّق قولك يا حسين ونقضي لك كلّ أرب وحاجة.
شعره في جارية للواثق غضبت عليه:
أخبرني محمد بن يحيى الصّوليّ قال حدّثني محمد بن مغيرة المهلّبي قال حدّثنا حسين بن الضحّاك قال:
/ كانت لي نوبة في دار الواثق أحضرها جلس أو لم يجلس. فبينا أنا نائم ذات ليلة في حجرتي، إذ جاء خادم من خدم الحرم فقال: قم فإن أمير المؤمنين يدعوك. فقلت له: وما الخبر؟ قال: كان نائما وإلى جنبه حظيّة له فقام وهو يظنّها نائمة، فألمّ بجارية له أخرى ولم تكن ليلة نوبتها وعاد إلى فراشه؛ فغضبت حظيّته وتركته حتى نام، ثم قامت ودخلت حجرتها؛ فانتبه وهو يرى أنها عنده فلم يجدها، فقال: اختلست عزيزتي، ويحكم أين هي! فأخبر أنها قامت غضبى ومضت إلى حجرتها، فدعا بك. فقلت في طريقي:
غضبت أن زرت أخرى خلسة ... فلها العتبى لدينا والرّضا
يا فدتك النفس كانت هفوة ... فاغفريها واصفحي عمّا مضى
واتركي العذل على من قاله ... وانسبي جوري إلى حكم القضا
فلقد نبّهتني من رقدتي ... وعلى قلبي كنيران الغضا
قال: فلما جئته خبّرني القصّة وقال لي: قل في هذا شيئا؛ ففكّرت هنيهة كأني أقول شعرا ثم أنشدته الأبيات.
فقال: أحسنت وحياتي! أعدها يا حسين؛ فأعدتها عليه حتى حفظها، وأمر لي بخمسمائة دينار، وقام فمضى إلى الجارية وخرجت أنا إلى حجرتي.
__________
[1] كذا في «تجريد الأغاني». وفي الأصول: «حيت» وهو تصحيف.
[2] كذا في «تجريد الأغاني». وفي الأصول: «لاهي» وهو تحريف.
[3] المنتطق: اللابس المنطقة وهي كل ما شددت به وسطك.
رأى الواثق جارية له في النوم وأمره بأن يقول شعرا في ذلك:
أخبرني عليّ بن العبّاس بن أبي طلحة قال حدّثني الغلابيّ قال حدّثني مهديّ بن سابق قال قال لي حسين بن الضحّاك:
كان الواثق يتحظّى جارية له فماتت فجزع عليها وترك الشرب أياما ثم سلاها وعاد إلى حاله؛ فدعاني ليلة فقال لي: يا حسين، رأيت فلانة في النوم؛ فليت نومي كان طال قليلا لأتمتّع بلقائها؛ فقل في هذا شيئا. فقلت:
/ليت عين الدهر عنّا غفلت ... ورقيب الليل عنّا رقدا
وأقام النوم فمي مدّته ... كالذي كان وكنّا أبدا
بأبي زور [1] تلفّتّ له ... فتنفّست إليه الصّعدا
/ بينما أضحك مسرورا به ... إذ تقطّعت عليه كمدا
قال: فقال لي الواثق: أحسنت! ولكنّك وصفت رقيب الليل فشكوته ولا ذنب للّيل وإنما رأيت الرؤيا نهارا.
ثم عاد إلى منامه فرقد.
سرق منه أبو نواس معنى في الخمر:
أخبرني جحظة قال حدّثني عليّ بن يحيى المنجّم قال حدّثني حسين بن الضحّاك، وأخبرني به جعفر بن قدامة عن عليّ بن يحيى عن حسين بن الضحّاك قال:
لقيني أبو نواس ذات يوم عند باب أم جعفر من الجانب الغربيّ، فأنشدته:
أخويّ حيّ [2] على الصّبوح صباحا ... هبّا ولا تعدا الصباح رواحا
هذا الشّميط [3] كأنه متحيّر ... في الأفق سدّ طريقه فألاحا
ما تأمران بسكرة قروية ... قرنت إلى درك النجاح نجاحا
هكذا قال جحظة. والذي أحفظه:
ما تأمران بقهوة قرويّة
قال: فلما كان بعد أيام لقيني في ذلك الموضع فأنشدني يقول:
ذكر الصّبوح بسحرة فارتاحا ... وأملّه ديك الصّباح صياحا
فقلت له: حسن يا بن الزانية! أفعلتها! فقال: دع هذا عنك، فو اللّه لا قلت في الخمر شيئا أبدا وأنا حيّ إلّا نسب لي.
__________
[1] الزور: الخيال يرى في النوم.
[2] حيّ: مثقلة يندب بها ويدعى بها يقال: حي على الصلاة، أي هلموا.
[3] الشميط: الضبح. وفي جميع الأصول: «الشحيط» بالحاء المهملة، وهو تحريف.
شرب عند إبراهيم بن المهدي فعربد عليه فقال شعرا:
أخبرني محمد بن يحيى الصّوليّ قال حدّثني محمد بن سعيد قال حدّثني أبو أمامة الباهليّ عن الحسين بن الضحّاك، قال محمد بن يحيى وحدّثني المغيرة بن محمد المهلّبيّ:
أنّ الحسين بن الضحّاك شرب يوما عند إبراهيم بن المهديّ، فجرت بينهما ملاحاة في أمر الدّين والمذهب؛ فدعا له إبراهيم بنطع وسيف وقد أخذ منه الشّراب؛ فانصرف وهو غضبان. فكتب إليه إبراهيم يعتذر إليه ويسأله أن يجئيه. فكتب إليه:
نديمي غير منسوب ... إلى شيء من الحيف
سقاني مثل ما يشر ... ب فعل الضّيف بالضيف
فلما دارت الكأس ... دعا بالنّطع والسيف
كذا من يشرب الخمر ... مع التّنّين في الصيف
قال: ولم يعد إلى منادمته مدّة. ثم إن إبراهيم تحمّل [1] عليه ووصله فعاد إلى منادمته.
نشأ هو وأبو نواس بالبصرة ثم رحل إلى بغداد واتصل بالأمين:
حدّثني عمّي قال حدّثني ميمون بن هارون قال حدّثني حسين بن الضحّاك قال:
كنت أنا وأبو نواس تربين، نشأنا في مكان واحد وتأدّبنا بالبصرة، وكنّا نحضر مجالس الأدباء متصاحبين، ثم خرج قبلي عن البصرة وأقام مدّة، واتّصل بي ما آل إليه أمره، وبلغني إيثار السلطان وخاصّته له؛ فخرجت عن البصرة إلى بغداد ولقيت الناس ومدحتهم وأخذت جوائزهم وعددت في الشعراء، وهذا كلّه في أيام الرشيد، إلّا أنّي لم أصل إليه واتّصلت بابنه صالح فكنت في خدمته. فغنّي يوما بهذا الصوت:
أ أن زمّ [2] أجمال وفارق جيرة ... وصاح غراب البين أنت حزين
/ فقال لي صالح: قل أنت في هذا المعنى شيئا؛ فقلت:
أ أن دبّ حسّاد وملّ حبيب ... وأورق عود الهجر أنت حبيب [3]
/ليبلغ بنا هجر الحبيب مرامه ... هل الحبّ إلّا عبرة ونحيب
كأنك لم تسمع بفرقة ألفة ... وغيبة وصل لا تراه يؤوب
فأمر بأن يغنّى فيه. واتّصلت بمحمد [4] ابن زبيدة في أيام أبيه وخدمته، ثم اتّصلت خدمتي له في أيّام خلافته.
__________
[1] كذا في «تجريد الأغاني» أي استشفع إليه وترضاه. وفي الأصول: «تحامل عليه» وهو تحريف.
[2] زمّ البعير: خطمه وعلق عليه الزمام.
[3] كذا في الأصول. ولعله: «أنت كئيب».
[4] هو محمد الأمين الخليفة العباسي. وزبيدة أمه وهي بنت جعفر بن أبي جعفر المنصور.
جفاه صالح بن الرشيد فترضاه بشعر فرضي عنه:
أخبرني جعفر بن قدامة قال حدّثني أبو العيناء عن الحسين بن الضحّاك قال: كنت يوما عند صالح بن الرشيد، فجرى بيننا كلام على النّبيذ وقد أخذ منّي الشّراب مأخذا [1] قويّا، فرددت عليه ردّا أنكره وتأوّله على غير ما أردت، فهاجرني؛ فكتبت إليه:
صوت
يا بن الإمام تركتني هملا ... أبكي الحياة وأندب الأملا
ما بال عينك حين تلحظني ... ما إن تقلّ جفونها ثقلا
لو كان لي ذنب لبحت به ... كي لا يقال هجرتني مللا
إن كنت أعرف زلّة سلفت ... فرأيت ميتة واحدى عجلا [2]
- فيه خفيف ثقيل ينسب إلى عبد اللّه بن العلاء وإلى عبد اللّه بن العبّاس الرّبيعيّ - قال: فكتب إليّ: قد تلافى لسانك بشعرك، ما جناه في وقت/ سكرك. وقد رضيت عنك رضا صحيحا، فصر إليّ على أتمّ نشاطك، وأكمل بساطك. فعدت إلى خدمته فما سكرت عنده بعدها. قال: وكانت في حسين عربدة.
أنشد ابن البوّاب شعره للمأمون وشفع له فجفاه المأمون أوّلا ثم وصله:
وأخبرني ببعضه محمد بن مزيد بن أبي الأزهر ومحمد بن خلف بن المرزبان، وألفاظهما تزيد وتنقص.
وأخبرني ببعضه محمد بن خلف وكيع عن آخره وقصّة وصوله إلى المأمون ولم يذكر ما قبل ذلك. قال: وحدّثنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه - ولم يقل وكيع: عن أبيه - واللفظ في الخبر لابن أبي الأزهر وحديثه أتمّ، قال:
كنت بين يدي المأمون واقفا، فأدخل إليه ابن البوّاب رقعة فيها أبيات وقال: إن رأى أمير المؤمنين أن يأذن لي في إنشادها؛ فظنّها له فقال: هات؛ فأنشده:
أجرني فإنّي قد ظمئت إلى الوعد ... متى تنجز الوعد المؤكّد بالعهد
أعيذك من خلف الملوك وقد بدا [3] ... تقطّع أنفاسي عليك من الوجد
أيبخل فرد الحسن عنّي بنائل ... قليل وقد أفردته بهوى فرد
إلى أن بلغ إلى قوله:
رأى اللّه عبد اللّه خير عباده ... فملّكه واللّه أعلم بالعبد
ألا إنّما المأمون للناس عصمة ... مميّزة بين الضّلالة والرّشد
فقال المأمون: أحسنت يا عبد اللّه! فقال: يا أمير المؤمنين، أحسن قائلها؛ قال: ومن هو؟ فقال: عبدك
__________
[1] في ب، س: «أخذا».
[2] المعنى أنه يدعو على ولده الواحد بالموت عاجلا إذا كان يعرف له زلة سلفت.
[3] في ح: «ترى».
حسين بن الضحّاك؛ فغضب [1] ثم قال: لا حيّا اللّه من ذكرت ولا بيّاه ولا قرّبه ولا أنعم به عينا! أليس القائل:
أعينيّ جودا وابكيا لي محمدا ... ولا تذخرا دمعا عليه وأسعدا
/ فلا تمّت الأشياء بعد محمد ... ولا زال شمل الملك فيه مبدّدا
/ ولا فرح المأمون بالملك بعده ... ولا زال في الدّنيا طريدا مشرّدا
هذا بذاك؛ ولا شيء له عندنا. فقال له ابن البوّاب: فأين فضل إحسان أمير المؤمنين وسعة حلمه وعادته في العفو! فأمره بإحضاره. فلما حضر سلّم، فردّ عليه السّلام ردّا جافيا؛ ثم أقبل عليه فقال: أخبرني عنك: هل عرفت يوم قتل أخي محمد هاشميّة قتلت أو هتكت؟ قال لا. قال: فما معنى قولك:
وسرب ظباء من ذؤابة هاشم ... هتفن بدعوى خير حيّ وميّت
أردّ يدا منّي إذا ما ذكرته ... على كبد حرّيّ وقلب مفتّت
فلا بات ليل الشامتين بغبطة ... ولا بلغت آمالهم ما تمنّت
فقال: يا أمير المؤمنين، لوعة غلبتني، وروعة فاجأتني، ونعمة فقدتها بعد أن غمرتني؛ وإحسان شكرته فأنطقني، وسيّد فقدته فأقلقني. فإن عاقبت فبحقّك، وإن عفوت فبفضلك. فدمعت عينا المأمون وقال: قد عفوت عنك وأمرت بإدرار أرزاقك وإعطائك ما فات منها، وجعلت عقوبة ذنبك امتناعي من استخدامك.
شعره في عمرو بن مسعدة ليشفع له لدى المأمون:
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدّثني أبي قال:
لمّا أعيت حسين بن الضحّاك الحيلة في رضا المأمون عنه، رمى بأمره إلى عمرو بن مسعدة وكتب إليه:
أنت طودي من بين هذي الهضاب ... وشهابي من دون كلّ شهاب
أنت يا عمرو قوّتي وحياتي ... ولساني وأنت ظفري ونابي
أتراني أنسى أياديك البي ... ض إذ اسودّ نائل الأصحاب
/ أين عطف الكرام في مأقط [2] الحا ... جة يحمون حوزة الآداب
أين أخلاقك الرضيّة حالت ... فيّ أم أين رقّة الكتّاب
أنا في ذمّة السّحاب وأظما! ... إنّ هذا لوصمة في السّحاب
قم إلى سيّد البريّة عنّي ... قومة تستجرّ حسن خطاب
فلعلّ الإله يطفىء عنّي ... بك نارا عليّ ذات التهاب
قال: فلم يزل عمرو يلطف للمأمون حتى أوصله إليه وأدرّ أرزاقه.
__________
[1] في ح: «فقطب».
[2] المأقط: المضيق في الحرب. وقد وردت هنا على وجه الاستعارة.
غضب عليه المعتصم فترضاه بشعر فرضي:
حدّثني الصّوليّ قال حدّثني عون بن محمد قال حدّثني الحسين بن الضحّاك قال:
غضب المعتصم عليّ في شيء جرى على النبيذ، فقال: واللّه لأؤدّبنّه! وحجبني أياما. فكتبت إليه:
غضب الإمام أشدّ من أدبه ... وقد استجرت وعذت من غضبه
أصبحت معتصما بمعتصم ... أثنى الإله عليه في كتبه
لا والذي لم يبق لي سببا ... أرجو النجاة به سوى سببه
ما لي شفيع غير حرمته ... ولكلّ من أشفى على عطبه
قال: فلمّا قرىء عليه التفت إلى الواثق ثم قال: بمثل هذا الكلام، يستعطف الكرام؛ ما هو إلّا أن سمعت أبيات حسين هذه حتى أزالت ما في نفسي عليه. فقال له الواثق: هو حقيق بأن يوهب له ذنبه ويتجاوز عنه. فرضي عنّي وأمر بإحضاري.
هجا العباس ابن المأمون:
قال الصوليّ فحدّثني/ الحسين بن يحيى أنّ هذه الأبيات إنما كتب بها إلى المعتصم؛ لأنّه بلغه عنه أنه مدح العبّاس بن المأمون وتمنّى له الخلافة، فطلبه فاستتر وكتب بها إلى المعتصم على يدي الواثق فأوصلها وشفع له فرضي عنه وأمّنه فظهر إليه، وهجا العباس بن المأمون فقال:
/خلّ اللّعين وما اكتسب ... لا زال منقطع السّبب
يا عرّة الثّقلين لا ... دينا رعيت ولا حسب
حسد الإمام مكانه ... جهلا حذاك [1] على العطب
وأبوك قدّمه لها ... لما تخيّر وانتخب
ما تستطيع سوى التنفّس والتجرّع للكرب
ما زلت عند أبيك من ... تقص المروءة والأدب
أمره صالح بن الرشيد أن يقول شعرا يغني فيه ابن بانة:
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا عمر بن محمد بن عبد الملك الزيّات وابن مهرويه قالا [2]:
كنّا عند صالح بن الرشيد ليلة ومعنا حسين بن الضحّاك وذلك في خلافة المأمون، وكان صالح يهوى خادما له؛ فغاضبه في تلك الليلة فتنحّى عنه، وكان جالسا في صحن حوله نرجس في قمر طالع حسن؛ فقال للحسين: قل في مجلسنا هذا وما نحن فيه أبياتا يغنّي فيها عمرو بن بانة. فقال الحسين:
__________
[1] حذاك على العطب: جعلك محاذيا له يريد أنه قادك إليه وأوقعك فيه.
[2] في الأصول: «قال».
صوت
وصف البدر حسن وجهك حتى ... خلت أنّي وما أراك أراكا
وإذا ما تنفّس النرجس الغ ... ضّ توهّمته نسيم شذاكا
خدع للمنى تعلّلني في ... ك بإشراق ذا ونفحة ذاكا
لأدومنّ يا حبيبي على الع ... هد لهذا وذاك إذ حكياكا
قال عمرو: فقال لي صالح: تغنّ فيها، فتغنّيت فيها من ساعتي.
لحن عمرو في هذه الأبيات ثقيل بالبنصر من روايته.
شعره في محبوبه يسر خادم أبي عيسى بن الرشيد:
وقد حدّثني بهذا الخبر عليّ بن العباس بن أبي طلحة قال حدّثني عبيد اللّه بن زكريا الضّرير قال حدّثنا الجمّاز عن أبي نواس قال:
كنت أتعشّق ابنا للعلاء يقال له محمد، وكان حسين يتعشّق خادما لأبي عيسى بن الرشيد يقال له يسر؛ فزارني يوما فسألته عنه فقال: قد كاد قلبي أن يسلو عنه وعن حبّه. قال: وجاءني ابن العلاء صاحبي فدخل عليّ وفي يده نرجس، فجلسنا نشرب وطلع القمر؛ فقلت له: يا حسين أيّما أحسن القمر [1] أم محمد؟ فأطرق ساعة ثم قال:
اسمع جواب الذي سألت عنه:
وصف البدر حسن وجهك حتى ... خلت أنّي وما أراك أراكا
وإذا ما تنفّس النّرجس الغ ... ضّ توهّمته نسيم شذاكا
وأخال الذي لثمت أنيسي ... وجليسي ما باشرته يداكا
فإذا ما لثمت لثمك فيه ... فكأني بذاك قبّلت فاكا
خدع للمنى تعلّلني في ... ك بإشراق ذا ونفحة ذاكا
لأقيمنّ ما حييت على الشك ... ر لهذا وذاك إذ حكياكا
/ قال: فقلت له: أحسنت واللّه ما شئت! ولكنّك يا كشخان [2] هو ذا تقدر أن تقطع الطريق في عملي! فقال:
يا كشخان أو شعري الذي سمعته في حاضر أم بذكر غائب! واللّه للنّعل التي [3] يطأ عليها يسر أحسن عندي من صاحبك ومن القمر ومن كلّ ما أنتم فيه.
مدح المتوكل شعره:
أخبرني عليّ بن العبّاس قال حدّثني أحمد بن سعيد بن عنبسة القرشيّ الأمويّ قال حدّثني عليّ بن الجهم قال:
__________
[1] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «أو».
[2] الكشخان (بالفتح ويكسر): الديوث، وهو دخيل في كلام العرب.
[3] في الأصول: «الذي».
/ دخلت يوما على المتوكّل وهو جالس في صحن خلده [1] وفي يده غصن آس وهو يتمّثل بهذا الشعر:
بالشّطّ لي سكن أفديه من سكن ... أهدى من الآس لي غصنين في غصن
فقلت إذ نظما إلفين والتبسا ... سقيا ورعيا لفأل فيكما حسن
فالآس لا شكّ آس من تشوّقنا ... شاف وآس لنا يبقى على الزمن
أبشر تماني بأسباب ستجمعنا ... إن شاء ربي ومهما يقضه يكن
قال: فلما فرغ من إنشادها قال لي وكدت أنشقّ حسدا: لمن هذا الشعر يا عليّ؟ فقلت: للحسين بن الضحّاك يا سيّدي. فقال لي: هو عندي أشعر أهل زماننا وأملحهم مذهبا وأظرفهم نمطا [2]. فقلت وقد زاد غيظي: في الغزل يا مولاي. قال: وفي غيره وإن رغم أنفك ومتّ حسدا. وكنت قد مدحته بقصيدة وأردت إنشادها يومئذ فلم أفعل، وعلمت أنّي لا أنتفع مع ما جرى بيننا بشيء لا به ولا بالقصيدة، فأخّرتها إلى وقت آخر.
قصته مع شفيع خادم المتوكل وشعره فيه:
أخبرني محمد بن يحيى قال حدّثني أحمد بن يزيد المهلّبيّ قال حدّثني أبي قال:
أحبّ المتوكّل على اللّه أن ينادمه حسين بن الضحّاك وأن يرى ما بقي من شهوته لما كان عليه؛ فأحضره وقد كبر وضعف، فسقاه حتى سكر، وقال لخادمه شفيع: اسقه، فسقاه وحيّاه بوردة، وكانت على شفيع ثياب مورّدة؛ فمدّ الحسين يده إلى ذراع شفيع. فقال له المتوكل: يا حسين، أتجمّش [3] أخصّ خدمي عندي بحضرتي! فكيف لو خلوت! ما أحوجك إلى أدب! وقد كان المتوكّل غمز شفيعا/ على العبث به. فقال الحسين: يا سيّدي، أريد دواة وقرطاسا، فأمر له بذلك، فكتب بخطّه:
وكالوردة الحمراء حيّا بأحمر ... من الورد يمشي في قراطق [4] كالورد
له عبثات عند كلّ تحيّة ... بعينيه تستدعي الحليم إلى الوجد
تمنّيت أن أسقى بكفّيه شربة ... تذكّرني ما قد نسيت من العهد
سقى اللّه دهرا لم أبت فيه ليلة ... خليّا ولكن من حبيب على وعد
ثم دفع الرقعة إلى شفيع وقال له: ادفعها إلى مولاك. فلما قرأها استملحها وقال: أحسنت واللّه يا حسين! لو كان شفيع ممن تجوز هبته لوهبته لك، ولكن بحياتي إلّا كنت ساقيه باقي يومه هذا واخدمه كما تخدمني؛ وأمر له بمال كثير حمل معه لمّا انصرف. قال أحمد بن يزيد فحدّثني أبي قال: صرت إلى الحسين بعد انصرافه من عند المتوكّل بأيام، فقلت له: ويلك! أتدري ما صنعت؟! قال: نعم أدري، وما كنت لأدع عادتي بشي ء؛ وقد قلت بعدك:
__________
[1] الخلد: قصر للمنصور العباسي على شاطىء دجلة توارثه أبناؤه من بعده.
[2] في ح: «أعظما».
[3] كذا في ح. والجمش والتجميش: ضرب من المغازلة والملاعبة. وفي سائر الأصول: «أتجس».
[4] القرطق كجندب: قباء ذو طاق واحد.
صوت
لا رأى عطفة الأح ... بّة من لا يصرّح
أصغر الساقيين ... أشكل عندي وأملح
لو تراه كالظّبي يس ... نح حينا ويبرح
خلت غصنا على كثي ... ب بنور يرشّح
غنى عمرو بن بانة في هذه الأبيات ثاني ثقيل بالبنصر.
شعره في شفيع وقد حياه بتفاحة عنبر:
وقد أخبرني بهذا الخبر محمد بن العباس اليزيديّ وقال حدّثني محمد بن أبي عون قال:
/ حضرت المتوكّل وعنده محمد بن عبد اللّه بن طاهر وقد أحضر حسين بن الضحّاك للمنادمة، فأمر خادما كان واقفا على رأسه، فسقاه وحيّاه بتفّاحة عنبر. وقال لحسين: قل في هذا شيئا؛ فقال:
وكالدّرّة البيضاء حيّا بعنبر ... وكالورد يسعى في قراطق كالورد
له عبثات عند كلّ تحيّة ... بعينيه تستدعي الحليم إلى الوجد
تمنّيت أن أسقى بكفّيه [1] شربة ... تذكّرني ما قد نسيت من العهد
سقى اللّه عيشا لم أبت فيه ليلة ... من الدّهر إلا من حبيب على وعد
فقال المتوكل: يحمل إلى حسين لكل بيت مائة دينار. فالتفت إليه محمد بن عبد اللّه بن طاهر كالمتعجّب وقال: لم ذاك يا أمير المؤمنين! فو اللّه لقد أجاب فأسرع، وذكّر فأوجع، وأطرب فأمتع؛ ولو لا أنّ يد أمير المؤمنين لا تطاولها يد لأجزلت له العطاء ولو أحاط بالطارف والتالد. فخجل المتوكّل وقال: يعطى حسين بكلّ بيت ألف دينار.
وقد أخبرني بهذا الخبر ابن قاسم الكوكبيّ قال حدّثنا بشر بن محمد قال وحدّثني علي بن الجهم: أنه حضر المتوكّل وقد أمر شفيعا أن يسقى حسين بن الضحّاك؛ وذكر باقي الخبر نحو ما مضى من رواية غيره.
شعره في مقحم خادم ابن شغوف:
أخبرني عليّ بن سليمان الأخفش قال حدّثني محمد بن يزيد المبرّد، وحدّثني عمّي قال حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد قال أخبرني محمد بن مروان عن محمد بن عمرو الرّوميّ قال:
اجتمع حسين بن الضحّاك وعمرو بن بانة يوما عند ابن شغوف الهاشميّ فاحتبسهما عنده. وكان لابن شغوف خادم حسن يقال له مقحم، وكان عمرو بن/ بانة يتعشّقه ويسرّ ذلك من ابن شغوف. فلمّا أكلوا ووضع النبيذ قال عمرو بن بانة للحسين: قل في مقحم أبياتا أغنّ فيها الساعة. فقال الحسين:
__________
[1] كذا في ب، س. وفي سائر الأصول في هذا الموضع: «بعينيه».
صوت
وابأبي مقحم لعزّته ... قلت له إذ خلوت مكتتما
تحبّ باللّه من يخصّك بالو ... دّ فما قال لا ولا نعما
شعر إسحاق الموصلي في عمرو بن بانة:
وغنّى فيه عمرو. قال: فبيناهم كذلك إذ جاء الحاجب فقال: إسحاق الموصليّ بالباب؛ فقال له عمرو: أعفنا من دخوله ولا تنغّص علينا ببغضه وصلفه وثقله ففعل؛ وخرج الحاجب فاعتلّ على إسحاق حتى انصرف، وأقاموا يومهم وباتوا ليلتهم عند ابن شغوف. فلما أصبحوا مضى الحسين بن الضحّاك إلى إسحاق فحدّثه الحديث بنصّه.
فقال إسحاق:
/يابن شغوف أما علمت بما ... قد صار في الناس كلّهم علما
دعوت عمرا فبات ليلته ... في كلّ ما يشتهي كما زعما
حتى إذا ما الظلام ألبسه ... سرى دبيبا فضاجع الخدما
ثمت لم يرض أن يضاجعهم ... سرّا ولكن أبدى الذي كتما
ثم تغنّى لفرط صبوته ... صوتا شفى من غليله السّقما:
«و ابأبي مقحم لعزّته ... قلت له إذ خلوت مكتتما»
«تحبّ باللّه من يخصّك بالو ... دّ فما قال لا ولا نعما»
قال: وشاعت الأبيات في الناس وغنّى فيها إسحاق أيضا فيما أظن؛ فبلغت ابن شغوف فحلف ألّا يدخل عمرا داره أبدا ولا يكلّمه، وقال: فضحني وشهرني وعرّضني للسان إسحاق؛ فمات مهاجرا له. وقال ابن أبي سعد في خبره: إن إسحاق/ غنّى فيها للمعتصم، فسأله عن خبرها فحدّثه بالحديث، فضحك وطرب وصفّق؛ ولم يزل يستعيد الصوت والحديث وابن شغوف يكاد أن يموت إلى أن سكر ونام.
لحن عمرو بن بانة في البيتين اللذين قالهما حسين في مقحم من الثقيل الثاني بالوسطى.
قال له أبو نواس أنت أشعر الناس في الغزل:
أخبرني عليّ بن العباس بن أبي طلحة قال حدّثني محمد بن موسى بن حمّاد قال سمعت مهديّ بن سابق يقول:
التقى أبو نواس وحسين بن الضحّاك، فقال أبو نواس: أنت أشعر [أهل] [1] زمانك في الغزل؛ قال: وفي أيّ ذلك؟ قال: ألا تعلم يا حسين؟ قال لا؛ قال: في قولك:
وابأبي مقحم لعزّته ... قلت له إذ خلوت مكتتما
نحبّ باللّه من يخصّك بالو ... دّ فما قال لا ولا نعما
__________
[1] زيادة عن ح.
ثم تولّى بمقلتي خجل ... أراد رجع الجواب فاحتشما
فكنت كالمبتغي بحيلته ... برءا من السّقم فابتدا سقما
فقال الحسين: ويحك يا أبا نواس [1]! فأنت لا تفارق مذهبك في الخمر البتّة؛ قال: لا واللّه، وبذلك فضلتك وفضلت الناس جميعا.
مدح أبو العباس ثعلب شعره:
أخبرني عليّ بن العباس قال أنشدنا أبو العباس ثعلب قال أنشدني حمّاد بن المبارك صاحب حسين بن الضحّاك قال أنشدني حسين لنفسه:
لا وحبّيك لا أصا ... فح بالدّمع مدمعا
من بكى شجوه استرا ... ح وإن كان موجعا
/ كبدي من هواك أس ... قم من أن تقطّعا
لم تدع سورة الضّنى ... فيّ للسّقم موضعا
قال: ثم قال لنا ثعلب: ما بقي من يحسن أن يقول مثل هذا.
قال ابن الرومي عنه إنه أغزل الناس:
أخبرني عليّ قال حدّثني محمد بن الفضل الأهوازيّ قال سمعت عليّ بن العباس الروميّ يقول:
حسين بن الضحّاك أغزل الناس وأظرفهم. فقلت: حين يقول ماذا؟ فقال: حين يقول:
يا مستعير سوالف الحشف ... اسمع لحلفة صادق الحلف
إن لم أصح ليلي: ويا حربي ... ومن وجنتيك وفترة الطّرف
/ فجحدت ربّي فضل نعمته ... وعبدته أبدا على حرف [2]
شعره في فتن محبوبته:
أخبرني عليّ بن العباس الروميّ قال حدّثني قتيبة عن عمرو السّكونيّ [3] بالكوفة قال حدّثني أبي قال حدّثني حسين بن الضحّاك قال:
كانت تألفني مغنّية، وتجيئني دائما، وكنت أميل إليها وأستملحها، وكان يقال لها فتن. فكان يجيء معها
__________
[1] في ح: «يا نواسي» وكان أبو نواس يدعى بهذا اللقب.
[2] على حرف: على طرف من الدين لا في في وسطه وقلبه. وهذا مثل لمن يكون على قلق واضطراب في دينه لا على سكون وطمأنينة: كالذي يكون على طرف من العسكر فإن أحس بظفر وغنيمة قرّ واطمأن وإلا فرّ وطار على وجهه. وفي القرآن الكريم:
وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ
(راجع «الكشاف» للزمخشري).
[3] هذه النسبة إلى السكون وهو بطن من كندة. وهو عمرو بن مجمع بن سليمان أبو المنذر السكوني الكندي من أهل الكوفة. وفي الأصول: «السكوتي» بالتاء؛ وهو تصحيف.
خادم لمولاتها يحفظها يسمّى نجحا، وكان بغيضا شرس الخلق، فإذا جاء معها توقّيته؛ فمرض، فجاءتني ومعها غيره، فبلغت منها مرادي وتفرّجت يومي وليلتي؛ فقلت:
/لا تلمني على فتن ... إنها كاسمها فتن
فإذا لم أهم بها ... فبمن! لا بمن إذن
أين - لا أين - مثلها ... في جميع الورى سكن!
طيب نشر إذا لثم ... ت وغنج ومحتضن
وال عشرا من الصّبو ... ح على وجهها الحسن
وعلى لفظها ... المنوّن للّام بالغنن
لست أنسى من الغري ... رة إذ بحت بالشّجن
قولها إذ سلبتها ... عن كثيب وعن عكن:
ليس يرضيك يا فتى ... من هوى دون أن تهن
فامتزجنا معا مما ... زجة الرّوح للبدن
وكفينا من أن نرا [1] ... قب نجحا إذا فطن
وأمنّاه أن ينمّ ... وما كان مؤتمن
كلّ ما كان من حبي ... بك مستظرف حسن
ناظر مخارقا في أبي نواس وأبي العتاهية فحكم له:
حدّثني جحظة قال حدّثني أبو عبد اللّه الهشاميّ:
أنّ مخارقا وحسين بن الضحّاك تلاحيا في أبي العتاهية وأبي نواس أيّهما أشعر؛ فاتّفقا على اختيار شعر من شعريهما يتخايران فيه، فاختار الحسين بن الضحّاك شيئا من شعر أبي نواس جيّدا قويّا لمعرفته بذلك، واختار مخارق شيئا من شعر أبي العتاهية ضعيفا سخيفا غزلا كان يغنّى فيه لا لشيء عرفه منه إلا لأنه استملحه وغنّى فيه، فخاير به لقلّة علمه ولما كان بينه وبين أبي العتاهية من المودّة؛ وتخاطرا [2] على مال، وتحاكما إلى/ من يرتضيه الواثق باللّه ويختاره لهما؛ فاختار الواثق لذلك أبا محلّم؛ وبعث فأحضره وتحاكما إليه بالشعرين فحكم لحسين بن الضحّاك. فتلكّأ مخارق وقال: لم أحسن الاختيار للشعر ولحسين أعلم منّي بذلك، ولأبي العتاهية خير مما اخترت، وقد اختار حسين أجود ما قدر عليه لأبي نواس لأنه أعلم منّي بالشعر، ولكنّا نتخاير بالشاعرين ففيهما وقع الجدال؛ فتحاكما فحكم لأبي نواس، وقال: هو أشعر وأذهب في فنون الشعر وأكثر إحسانا في جميع تصرّفه. فأمر الواثق بدفع الخطر إلى حسين، وانكسر مخارق فما انتفع به بقيّة يومه.
__________
[1] كذا في أ، ء، م. وفي سائر الأصول: «يراقب» بالياء وهو تصحيف.
[2] تخاطرا: تراهنا.
مدح الحسن بن سهل وطلب أن يصلح المأمون له:
أخبرني ابن أبي طلحة قال حدّثني سوادة بن/ الفيض قال حدّثني أبي قال:
لمّا اطّرح المأمون حسين بن الضحّاك لهواه - كان - في أخيه محمد وجفاه، لاذ الحسين بن الضحّاك بالحسن بن سهل وطمع أن يصلحه له؛ فقال يمدحه:
أرى الآمال غير معرّجات ... على أحد سوى الحسن بن سهل
يباري يومه غده سماحا ... كلا اليومين بان بكلّ فضل
أرى حسنا تقدّم مستبدّا ... ببعد من رياسته وقبل
فإن حضرتك [1] مشكلة بشكّ ... شفاك بحكمة وخطاب فصل
سليل مرازب برعوا [2] حلوما ... وراع صغيرهم بسداد كهل
ملوك إن جريت بهم أبرّوا ... وعزّوا أن توازنهم [3] بعدل
ليهنك أنّ ما أرجأت رشد ... وما أمضيت من قول وفعل
/ وأنك مؤثر للحقّ فينا ... أراك اللّه من قطع ووصل
وأنّك للجميع حيا ربيع ... يصوب على قرارة كلّ محل
قال: فاستحسنها الحسن بن سهل، ودعا بالحسين فقرّبه وآنسه ووصله وخلع عليه ووعده إصلاح المأمون له، فلم يمكنه ذلك لسوء رأي المأمون فيه ولما عاجل الحسن من العلّة.
سأله الحسن بن سهل عن شعر له فأجابه:
قال عليّ بن العباس بن أبي طلحة وحدّثني أبو العباس أحمد بن الفضل المروزيّ قال: سمعت الحسن بن سهل يقول لحسين بن الضحّاك: ما عنيت بقولك:
يا خليّ الذّرع من شجني ... إنما أشكو لترحمني
قال: قد بيّنته؛ قال: بأيّ شي ء؟ قال: قلت:
منعك الميسور يؤيسني ... وقليل اليأس يقتلني
فقال له أبو محمد: إنك لتضيع بالخلاعة، ما أعطيته من البراعة.
عشق غلام الحسن بن سهل وتغزل فيه فوهبه له:
أخبرني عليّ بن العباس قال حدّثني أحمد بن القاسم المرّيّ قال حدّثنا أبو هفّان قال:
سألت حسين بن الضحّاك عن خبره المشهور مع الحسن بن سهل في اليوم الذي شرب معه فيه وبات عنده
__________
[1] كذا في م. وفي ب، س، ح: «خفرتك». وفي أ، ء: «حفرتك» وكلاهما تحريف.
[2] في الأصول: «يرعوا» بالياء، وهو تصحيف.
[3] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «توازيهم» بالياء المثناة من تحت. والعدل: النظير.
وكيف كان ابتداؤه، فقلت له: إني أشتهي أن أسمعه منك. فقال لي: دخلت على الحسن بن سهل في فصل الخريف وقد جاء وسميّ من المطر فرشّ رشّا حسنا، واليوم في أحسن منظر وأطيبه، وهو جالس على سرير آبنوس وعليه قبّة فوقها طارمة [1] ديباج أصفر وهو يشرف على بستان في داره، وبين/ يديه وصائف يتردّدن في خدمته وعلى رأسه غلام كالدّينار؛ فسلّمت عليه فردّ عليّ السلام، ونظر إليّ كالمستنطق؛ فأنشأت أقول:
أ لست ترى ديمة تهطل ... وهذا صباحك مستقبل
فقال: بلى. فقلت:
وتلك المدام [2] وقد شاقنا ... برؤيته الشادن الأكحل
فقال: صدقت فمه؛ فقلت:
فعاد به وبنا سكرة [3] ... تهوّن مكروه ما نسأل [4]
فسكت. فقلت:
فإني رأيت له نظرة ... تخبّرني أنه يفعل
/ ثم قال: مه؛ فقلت:
وقد أشكل العيش في يومنا ... فيا حبّذا عيشنا المشكل
فقال: العيش مشكل، فما ترى؟ فقلت: مبادرة القصف وتقريب الإلف. قال: على أن تقيم معنا وتبيت عندنا. فقلت له: لك الوفاء وعليك مثله لي من الشرط. قال: وما هو؟ قلت: يكون هذا الواقف على رأسك يسقيني. فضحك ثم قال: ذلك لك على ما فيه. ودعا بالطعام فأكلنا وبالشراب فشربنا أقداحا. ولم أر الغلام، فسألت عنه فقال لي: الساعة يجيء، فلم نلبث أن وافاني؛ فسألته أين كان؟ فقال: كنت في الحمّام وهو الذي حبسني عنك. فقلت لوقتي:
/و ابأبي أبيض في صفرة ... كأنه تبر على فضّه
جرّده الحمّام عن درّة ... تلوح فيها عكن بضّه
غصن تبدّى يتثنّى على ... مأكمة [5] مثقلة النّهضه
كأنما الرّشّ على خدّه ... طلّ على تفّاحة غضّه
صفاته فاتنة كلّها ... فبعضه يذكرني بعضه
يا ليتني زوّدني قبلة ... أو لا فمن وجنته عضّه
__________
[1] الطارمة في الأصل: بيت من خشب كالقبة، وهو دخيل أعجميّ معرّب. والمراد به هنا ستر رقيق من الديباج مظلل به الكرسي.
[2] رواية هذا البيت في «تجريد الأغاني»:
وهذي العقار وقد راعنا ... بطلعته الشادن الأكحل
[3] كذا في ح و «تجريد الأغاني». وفي سائر الأصول: «سكره» بالهاء المهملة.
[4] في «تجريد الأغاني»: «مكروه ما يبزل». ولعل صوابه: «ما يبذل» بالذال.
[5] المأكمة: العجيزة.
فقال لي الحسن: قد عمل فيك النبيذ؛ فقلت: لا وحياتك! فقال: هذا شرّ من ذلك. فقلت:
اسقياني وصرّفا ... بنت حولين قرقفا
واسقيا المرهف الغري ... ر سقى اللّه مرهفا
لا تقولا نراه أك ... لف [1] نضوا مخفّفا
نعم ريحانة الندي ... م وإن كان مخطفا [2]
إن يكن أكلفا فإ ... ني أرى البدر أكلفا
بأبي ما جن السري ... رة يبدي تعفّفا
حفّ [3] أصداغه وعق ... ر [4] بها ثم صفّفا
وحشا مدرج القصا ... ص [5] بمسك ورصّفا
فإذا رمت منه ذا ... ك تأبّى وعنّفا
ليس إلّا بأن ير ... نّحه السّكر مسعفا
/ باكرا لا تسوّفا ... ني عدمت المسوّفا
أعجلاه وبالفضا [6] ... ضة في السّقي فاعنفا
واحملا شغبه وإن ... هو زنّى [7] وأفّفا
فإذا همّ للمنا ... م فقوما وخفّفا
فتغاضب الغلام وقام فذهب، ثم عاد فقال لي: أقبل على شرابك ودع الهذيان. وناولني قدحا. وقام أبو محمد ليبول، فشربت وأعطاني نقلا فقلت: اجعل بدله قبلة؛ فضحك وقال:/ أفعل، هذا وقته فبداله وقال: لا أفعل؛ فعاودته فانتهرني. فقال له خادم للحسن [8] يقال له فرج: بحياتي يا بنيّ أسعفه بما طلب؛ فضحك ثم دنا منّي كأنّه يناولني نقلا وتغافل فاختلست منه قبلة؛ فقال لي: هي حرام عليك فقلت:
وبديع الدّلّ قصريّ الغنج ... مره [9] العين كحيل بالدّعج
__________
[1] الكلف: شيء يعلو الوجه كالسمسم.
[2] مخطفا: منطوي الحشى، قليل لحم الجنب.
[3] في الأصول: «عف» بالعين المهملة.
[4] في ب، س: «و غفرها» وهو تصحيف.
[5] قصاص الشعر: نهاية منبته ومنقطعه على الرأس.
[6] الفضاضة: آخر الشيء.
[7] كذا في ح. وزني: قذف وسب. وفي سائر الأصول: «رنا» بالراء والنون وهو تحريف.
[8] كذا في ح وهو الصواب. وفي باقي الأصول: «للحسين» وهو تحريف.
[9] مره بالعين: خلت عينه من الكحل.
سمته شيئا وأصغيت له ... بعد ما صرّف كأسا ومزج
واستخفّته على نشوته ... نبرات من خفيف وهزج
فتأبّى وتثنّى خجلا ... وذرا الدمع فنونا ونشج
لجّ في «لولا» وفي «سوف ترى» ... وكذا كفكف [1] عنّي وخلج
ذهب الليل وما نوّلني ... دون أن أسفر صبح وانبلج
/ هوّن الأمر عليه فرج ... بتأتّيه [2] فسقيا لفرج
خمر النكهة لا من قهوة ... أرّج الأصداغ بالمسك أرج
وبنفسي نفس من قال، وقد ... كان ما كان، حرام وحرج
قال: ثم أسفر الصبح. فانصرفت وعدت من غد إلى الحسن؛ فقال لي: كيف كنت في ليلتك وكيف كنت عند [3] نومك؟ فقلت له: أأصف ذلك نثرا أم نظما؟ فقال: بل نظما فهو أحسن عندي، فقلت:
تألّفت طيف غزال الحرم ... فواصلني بعد ما قد صرم
وما زلت أقنع من نيله ... بما تجتنيه بنان الحلم
بنفسي خيال على رقبة ... ألمّ به الشوق فيما زعم
أتاني يجاذب أردافه ... من البهر تحت كسوف الظّلم
تمجّ سوالفه مسكة ... وعنبرة ريقه والنّسم
تضمّخ من بعد تجميره [4] ... فطاب من القرن حتى القدم
يقول ونازعته توبه ... على أن يقول لشيء نعم
فغضّ الجفون على خجلة ... وأعرض إعراضة المحتشم
فشبّكت كفّي على كفّه ... وأصغيت ألثم درّا بفم
فنهنهني دفع لا مؤيس ... بجدّ ولا مطمع معتزم
إذا ما هممت فأدنيته ... تثنّى وقال لي الويل لم
فما زلت أبسطه مازحا ... وأفرط في اللهو حتى ابتسم
/ وحكّمني الرّيم في نفسه ... بشيء ولكنّه مكتتم
فواها لذلك من طارق ... على أن ما كان أبقى سقم
__________
[1] كذا في ح. وكفكف: كف وأعرض. وفي سائر الأصول: «كفك عني». وخلج: جذب وانتزع يريد أنه دفعه وانتزع نفسه منه.
[2] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «بتأنيه». بالنون.
[3] في ح: «في».
[4] جمرته إذا بخرته بالطيب. وفي الأصول: «تخميره» بالخاء المعجمة وهو تصحيف.
قال: فقال لي الحسن: يا حسين يا فاسق! أظنّ ما ادّعيته على الطّيف في النوم كان في اليقظة مع الشخص نفسه، وأصلح الأشياء لنا بعد ما جرى أن نرحض [1] العار عن أنفسنا/ بهبة الغلام لك، فخذه لا بورك لك فيه! فأخذته وانصرفت.
شعره في غلام للحسن بن سهل:
حدّثني عليّ بن العباس قال حدّثني أبو العيناء قال: أنشدني الحسين بن الضحّاك لنفسه في غلام للحسن بن سهل كان اجتمع معه في دار الحسن، ثم لقيه بعد ذلك فسلّم عليه فلم يكلّمه الغلام؛ فقال:
فديتك ما لوجهك صدّعنّي ... وأبديت التّندّم بالسلام
أحين خليتني [2] وقرنت قلبي ... بطرفك والصّبابة في نظام
تنكّر ما عهدت لغبّ يوم ... فيا قرب الرّضاع من الفطام
لأسرع ما نهيت إلى همومي ... سروري بالزيارة واللّمام
أخذ جبة من موسى بن عمران كجبة أبي نواس:
أخبرني حبيب بن نصر المهلّبيّ وأحمد بن عبد العزيز الجوهريّ قالا حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثني حسين بن الضحّاك الخليع قال:
كنت في المسجد الجامع بالبصرة، فدخل علينا أبو نواس وعليه جبّة خزّ جديدة. فقلت له: من أين هذه يا أبا نواس؟ فلم يخبرني، فتوهّمت أنه أخذها من موسى بن عمران لأنه دخل [3] من باب بني تميم؛ فقمت فوجدت موسى قد لبس جبّة خزّ أخرى؛ فقلت له:
كيف أصبحت يا أبا عمران
/ فقال: بخير صبّحك اللّه به. فقلت:
يا كريم الإخاء والإخوان
فقال: أسمعك اللّه خيرا. فقلت:
إن لي حاجة فرأيك فيها ... إننا في قضائها سيّان
فقال: هاتها على اسم اللّه وبركته. فقلت:
جبّة من جبابك الخزّ حتى ... لا يراني الشتاء حيث يراني
قال: خذها على بركة اللّه، ومدّ كمّه فنزعتها وجئت وأبو نواس جالس؛ فقال: من أين لك هذه؟ فقلت: من حيث جاءتك تلك.
__________
[1] نرحض: نغسل.
[2] في الأصول: «خليتني» بالياء المثناة من تحت. وظاهر أنها مصحفة عما أثبتناه.
[3] كذا في ب، س: وفي سائر الأصول: «دخلها».
وفد هو ومحمد بن عمرو على المعتصم وأنشده شعرا فأجازهما:
أخبرني الحسن بن عليّ الخفّاف قال حدّثني محمد بن موسى بن حمّاد قال أخبرني عبد اللّه بن الحارث عن إبراهيم بن عبد السلام عن الحسين بن الضحّاك قال:
دخلت أنا ومحمد بن عمرو الرومي دار المعتصم، فخرج علينا كالحا. قال: فتوهّمنا أنه أراد النّكاح فعجز عنه. قال: وجاء إيتاخ [1] فقال: مخارق وعلويه وفلان وفلان من أشباههما بالباب؛ فقال: اعزب عنّي، عليك وعليهم لعنة اللّه!. قال: فتبسّمت إلى محمد بن عمرو؛ وفهم المعتصم تبسّمي فقال لي: ممّ تبسمت؟ فقلت: من شيء حضرني؛ فقال: هاته؛ فأنشدته:
صوت
انف عن قلبك الحزن ... باقتراب من السّكن
/ وتمتّع بكرّ طر ... فك في وجهه الحسن
إنّ فيه شفاء صد ... رك من لاعج الحزن
قال: فدعا بألفي دينار: ألف لي وألف لمحمد، فقلت: الشعر لي، فما معنى الألف لمحمد بن عمرو؟ قال:
لأنه جاءنا معك. ثم أذن لمخارق وعلّويه فدخلا، فأمرهما بأن يغنّيا فيه ففعلا، فما زال يعيد هذا الشعر، ولقد قام ليبول فسمعته يردّده.
الغناء في هذا الشعر اشترك فيه مخارق وعلّويه وهو من الثقيل الأوّل بالبنصر.
أحب غلام أبي كامل المهندس وقال فيه شعرا:
أخبرني عمّي قال حدّثني عبد اللّه بن أبي سعد/ قال حدّثني محمد بن محمد بن مروان قال:
كان الحسين بن الضحّاك عند أبي كامل المهندس وأنا معهم حاضر، فرأى خادما فاستحسنه وأعجبه. فقال له بعض أصحابه: أتحبّه؟ قال: نعم واللّه؛ قال: فأعلمه؛ قال: هو أعلم بحبّي له منّي به. ثم قال:
عالم بحبّيه ... مطرق من التّيه
يوسف الجمال وفر ... عون في تعدّيه
لا وحقّ ما أنا من ... عطفه أرجّيه [2]
__________
[1] هو ايتاخ التركي المعتصمي القائد كان غلاما خزريا لسلام الأبرش طباخا فاشتراه منه المعتصم ثم رفعه ومن بعده الواثق وضما إليه من أعمال السلطان أعمالا كثيرة، وكان من أراد المعتصم أو الواثق قتله فعنده كان يقتل وبيده يحبس فقتل عجيفا والعباس بن المأمون وابن الزيات الوزير وغيرهم. تولى الحكم بالديار المصرية من سنة 230 ه - 235 هثم كتب المتوكل إلى إسحاق بن إبراهيم بن مصعب بالقبض عليه في الباطن إن أمكنه؛ فتحايل عليه إسحاق حتى قبض عليه وقيده بالحديد وقتله عطشا سنة 235 هجرية (انظر الطبري ق 3 ص 1383 - 1386 طبع أوروبا و«النجوم الزاهرة» ج 2 ص 275، 276، 278 طبع دار الكتب المصرية).
[2] كذا في «تجريد الأغاني». وروايته في الأصول:
ما الحياة نافعة ... لي على تأبّيه
النعيم يشغله ... والجمال يطغيه
فهو غير مكترث ... للذي ألاقبه
تائه تزهّده ... فيّ رغبتي فيه
/ قال محمد بن محمد: وغنّى في هذا الشعر عمرو بن بانة وعريب وسليم وجماعة من المغنّين.
أحب صديق له جارية وعارضه فيها غلام أمرد فمالت إليه فقال شعرا في ذلك:
حدّثني عمّي قال حدّثني ميمون بن هارون قال:
كان للحسين بن الضحّاك صديق وكان يتعشّق جارية مغنّية، فزاحمه فيها غلام كان في مرودته حسن الوجه؛ فلما خرجت لحيته جعل ينتف ما يخرج منها؛ ومالت القينة إليه لشبابه؛ فشكا ذلك إلى الحسين بن الضحّاك وسأله أن يقول فيها شعرا فقال:
خلّ الذي عنك لا تسطيع تدفعه ... يا من يصارع من لا شكّ يصرعه
جاءت طرائق شعر أنت ناتفها ... فكيف تصنع لو قد جاء أجمعه
اللّه أكبر لا أنفكّ من عجب ... أأنت تحصد ما ذو العرش يزرعه
تبّا لسعيك بل تبّا لأمّك إذ ... ترعى حمى خالق الأحماء يمنعه
وقال فيه أيضا:
ثكلتك أمّك يابن يوسف ... حتّام ويحك أنت تنتف
لو قد أتى الصيف الذي ... فيه رؤوس الناس تكشف
فكشفت عن خدّيك لي ... لكشفت عن مثل المفوّف [1]
أو مثل زرع ناله ال ... يرقان أو نكباء حرجف [2]
فغدا عليه الزارعو ... ن ليحصدوه وقد تقصّف
فظللت تأسف كالألى ... أسفوا ولم يغن التأسّف
أحب غلاما فاشتراه صالح بن الرشيد:
حدّثني عليّ بن العباس قال حدّثني عمير بن أحمد بن نصر الكوفيّ قال حدّثني زيد بن محمد شيخنا قال:
قلت لحسين بن الضحّاك وقد قدم إلينا الكوفة: يا أبا عليّ شهرّت نفسك وفضحتها في خادم، فألا اشتريته!.
__________
لا وحق ما أنا في ... ه من عطف أرجيه
وهو غير متزن.
[1] برد مفوّف: فيه خطوط بيض على الطول.
[2] النكباء الحرجف. الريح الباردة.
فقال: فديتك! إن الحبّ لجاج كلّه، وكنت أحببت هذا الخادم وواقفني على أن يستبيع لأشتريه، فعارضني فيه صالح بن الرشيد فاختلسه منّي ولم أقدر على الانتصاف منه، وآثره الخادم واختاره، وكلانا يحبّه إلا أن صالحا يناك ولا أناك والخادم في الوسط بلا شغل. فضحكت من قوله، ثم سألته أن ينشدني شيئا من شعره، فأنشدني:
إنّ من لا أرى وليس يراني ... نصب عيني ممثّل بالأماني
بأبي من ضميره وضميري ... أبدا بالمغيب ينتجيان
نحن شخصان إن نظرت وروحا ... ن إذا ما اختبرت يمتزجان
فإذا ما هممت بالأمر أو ... همّ بشيء بدأته وبداني
كان وفقا ما كان منه ومنّي ... فكأني حكيته وحكاني
خطرات الجفون منّا سواء ... وسواء تحرّك الأبدان
فسألته أن يحدّثني بأسرّ يوم مرّ له معه، فقال: نعم اجتمعنا يوما فغنّى مغنّ لنا بشعر قلته فيه فاستحسنه كلّ من حضر، ثم تغنّى بغيره؛ فقال لي: عارضه؛ فقلت: بقبلة فقال: هي لك، فقبلّته قبلة وقلت:
فدّيت من قال لي على خفره ... وغضّ من جفنه على حوره:
سمّع بي [1] شعرك المليح فما ... ينفكّ شاد به على وتره
حسبك بعض الذي أذعت ولا ... حسب لصبّ لم يقض من وطره
/ وقلت يا مستعير سالفة الخش ... ف وحسن الفتور من نظره
لا تنكرنّ الحنين من طرب ... عاود فيك الصّبا على كبره
لاطفه غلام أبي عيسى فقال فيه شعرا:
حدّثني الصّوليّ وعليّ بن العباس قالا حدّثنا المغيرة بن محمد المهلّبيّ قال: كان حسين بن الضحّاك يتعشّق خادما لأبي عيسى أو لصالح بن الرشيد أخيه؛ فاجتمعا يوما عند أخي مولى الخادم، فجعل حسين يشكو إليه ما به فلا يسمع به [2] ويكذّبه؛ ثم سكن نفاره وضحك إليه وتحدّثا ساعة. فأنشدنا حسين قوله فيه:
سائل بطيفك عن ليلى وعن سهري ... وعن تتابع أنفاسي وعن فكري
لم يخل قلبي من ذكراك إذ نظرت ... عيني إليك على صحوى ولا سكرى
سقيا ليوم سروري إذ تنازعني ... صفو المدامة بين الأنس والخفر
وفضل كأسك يأتيني فأشربه ... جهرا وتشرب كأسي غير مستتر
وكيف أشمله لثمي وألزمه ... نحري وترفعه كفّي إلى بصري
__________
[1] في ب، س: «سمع بشعرك المليح إلخ ... ».
[2] كذا في الأصول. ولعله: «فلا يسمع له».
فليت مدّة يومي إذ مضى سلفا ... كانت ومدّة أيامي على قدر
حتى إذا ما انطوت عنّا بشاشته ... صرنا جميعا كذا جارين في الحفر
شعره في حادثة لصالح بن الرشيد مع غلام أخيه:
حدّثني عمّي قال حدّثني عبد اللّه بن أبي سعد قال حدّثني محمد بن محمد بن مروان قال حدّثني حسين بن الضحّاك قال:
كان صالح بن الرشيد يتعشّق غلاما يسمّى يسرا خادم أخيه أبي عيسى، فكان يراوده عن نفسه فيعده ولا يفي له. فأرسله أبو عيسى ذات يوم إلى صالح أخيه/ في السّحر يقول له: يا أخي إني قد اشتهيت أن أصطبح اليوم، فبحياتي لما ساعدتني وصرت إليّ لنصطبح اليوم جميعا. فسار يسر إلى صالح أخيه في السّحر/ وهو منتش قد شرب في السّحر، فأبلغه الرسالة؛ فقال: نعم وكرامة، اجلس أوّلا فجلس؛ فقال: يا غلام أحضرني عشرة آلاف درهم فأحضرها؛ فقال له: يا يسر دعني من مواعيدك ومطلك، هذه عشرة آلاف درهم فخذها واقض حاجتي، وإلّا فليس هاهنا إلا الغصب؛ فقال له: يا سيّدي؛ إني أقضي الحاجة ولا آخذ المال. ثم فعل ما أراد وطاوعه، فقضى حاجته، وأمر صالح بحمل العشرة الآلاف الدرهم معه. قال الحسين: ثم خرج إليّ صالح من خلوته فقال:
يا حسين، قد رأيت ما كنّا فيه، فإن حضرك شيء فقل: فقلت:
صوت
أيا من طرفه سحر ... ومن ريقته خمر
تجاسرت فكاشفت ... ك لمّا غلب الصبر
وما أحسن في مثل ... ك أن ينهتك السّتر
وإن لا مني الناس ... ففي وجهك لي عذر
فدعني من مواعيد ... ك إذ حينّك الدهر
فلا واللّه لا تبر ... ح أو ينقضي الأمر
فإمّا الغصب والذمّ ... وإما البذل والشكر
ولو شئت تيسّرت ... كما سمّيت يا يسر
وكن كاسمك لا تمن ... عك النّخوة والكبر
فلا فزت بحظّي من ... ك إن داع له ذكر
قال الحسين: فضحك ثم قال: قد لعمري تيسّر يسر كما ذكرت. فقلت: نعم ومن لا يتيسّر بعد أخذه الدّية! لو أردتني أيضا بهذا لتيسّرت. فضحك ثم قال: نعطيك/ يا حسين الدّيّة لحضورك ومساعدتك، ولا نريدك لما أردنا له يسرا، فبئست المطيّة أنت؛ وأمر لي بها. ثم أمر عريب بعد ذلك فغنّت في بعض هذا الشعر.
شعره في غلام عبد اللّه بن العباس:
حدّثني عمّي قال حدّثني عبد اللّه بن أبي سعد قال حدّثني محمد بن محمد بن مروان قال حدّثني حسين بن الضحّاك قال:
كنت عند عبد اللّه بن العباس بن الفضل بن الرّبيع وهو مصطبح وخادم له يسقيه؛ فقال لي: يا أبا عليّ، قد استحسنت سقي هذا الغلام، فإن حضرك شيء في قصّتنا هذه فقل؛ فقلت:
أحيت صبوحي فكاهة اللّاهي ... وطاب يومي لقرب أشباهي
فاستثر اللهو من مكامنه ... من قبل يوم منغّص ناهي
بابنة كرم من كفّ منتطق ... مؤتزر بالمجون تيّاه
يسقيك من طرفه ومن يده ... سقي لطيف مجرّب داهي
كأسا فكأسا كأن شاربها ... حيران بين الذّكور والساهي
قال: فاستحسنه عبد اللّه، وغنّى فيه لحنا مليحا، وشربنا عليه بقيّة يومنا.
سكر فجمش يسرا فهدّده بخنجره فقال شعرا:
أخبرني عليّ بن العباس قال حدّثني سوادة بن الفيض المخزوميّ قال حدّثني أبي قال:
خرج حسين بن/ الضحّاك إلى القفص [1] متنزّها ومعه جماعة من إخوانه ظرفاء. وبلغ يسرا الخادم خروجه، فشدّ في وسطه خنجرا وخرج إليه فجاءه وهو على/ غفلة؛ فسرّ به حسين وتلقّاه وأقام معه إلى آخر النهار يشربان.
فلما سكرا جمّشه حسين؛ فأخرج خنجره عليه وعربد؛ فأمسك حسين وعاد إلى شرابه، وقال في ذلك:
جمشت يسرا على تسكّره ... وقد دهاني بحسن منظره
فهمّ بالفتك بي فناشده ... فيّ [2] كريم من خير معشره
يا من رأى مثل شادن خنث ... يصول في خدره بزوّره
يسحب ذيل القميص صعتره [3] ... وواردات [4] من هدب مئزره
ولا يعاطي نديمه قدحا ... إلّا بإبهامه وخنصره
أخاف من كبره بوادره ... أدالني [5] اللّه من تكبّره
__________
[1] القفص: قرية مشهورة بين بغداد وعكبرا قريبة من بغداد، وكانت من مواطن اللهو ومعاهد النزه ومجالس الفرح، تنسب إليها الخمور الجيدة.
[2] كذا في ج. وفي سائر الأصول: «فتى».
[3] صعتر الشي ء: زينه.
[4] واردات: مسترسلات.
[5] أدال اللّه فلانا من فلان: جعل الكرة له عليه.
قد قلت للشّرب إذ بدا فضلا [1] ... في ريطتيه [2] وفي ممصّرة
ويلي على شادن توعّدني ... بسلّ سكّينه وخنجره
أما كفاه ما حزّ في كبدي ... بسحر أجفانه ومحجره [3]
إذا نسيم الرياح قابلنا ... بالطّيب من مسكه وعنبره
هزّ قواما كأنه غصن ... وارتجّ ما انحطّ من مخصّره
شعر له في يسر:
أخبرني عليّ بن العباس قال حدّثني سوادة بن الفيض قال حدّثني أبي قال:
حضرت حسين بن الضحّاك يوما وقد جاءه يسر فجلس عنده وأخذنا نتحدّث مليّا ثم غازله حسين، فقال له يسر: إيّاك والتعرّض لي، واربح نفسك؛ فقال حسين:
صوت
أيّها النّفّاث في العقد ... أنا مطويّ على الكمد
إنما زخرفت لي خدعا ... قدحت في الرّوح والجسد
هات يا خدّاع واحدة ... من كثير قلته وقدى [4]
ليت شعري بعد حلفك لي ... بوفاء العهد بعد غد
ما الذي باللّه صيّره ... بعد قرب في مدى الأبد
ما لأنس كان مبتذلا ... منك لي بالأمس لم يعد
إيه قل لي غير محتشم ... هل دهاني فيك من أحد
حبّذا والكأس دائرة ... لهونا والصّيد بالطّرد
وحديث في القلوب له ... أخذ [5] يصدعن في الكبد
يوم تعطيني وتأخذها ... دون ندماني يدا بيد
فإذا ألويت [6] هيّجني ... تلع من ظبية البلد
وإذا أصعيت ذكّرني ... نشر كافور على برد
__________
[1] رجل فضل: يخالف بين طرفي ثوبه على عاتقه ويتوشحه.
[2] الريطة: الملاءة ليست ذات لفقين. وثوب ممصر: مصبوغ بحمرة خفيفة.
[3] محجر العين: ما دار بها وبدا من البرقع من جميع العين.
[4] قدى: حسبي.
[5] الأخذة: الرقية.
[6] ألوى برأسه: أماله. والتلع: طول العنق.
/
ذاك يوم كان حاسدنا ... فيه معذورا على الحسد [1]
قال شعرا للمعتصم بدير مران سكر عليه وغنى به المغنون:
حدّثني الصّوليّ قال حدّثنا يزيد بن محمد المهلّبيّ قال حدّثنا عمرو بن بانة قال:
خرجنا مع المعتصم إلى الشأم لمّا غزا؛ فنزلنا في طريقنا بدير مرّان [2] - وهو دير على/ تلعة [3] مشرفة عالية تحتها مروج [4] ومياه حسنة - فنزل فيه المعتصم فأكل ونشط للشرب ودعا بنا؛ فلما شربنا [5] أقداحا قال لحسين بن الضحّاك: أين هذا المكان من ظهر بغداد! فقال: لا أين يا أمير المؤمنين! واللّه لبعض الغياض والآجام هناك أحسن من هنا؛ قال: صدقت واللّه، وعلى ذلك فقل أبياتا يغنّ فيها عمرو؛ فقال: أمّا أن أقول شيئا في وصف هذه الناحية بخير فلا أحسب لساني ينطق به، ولكني أقول متشوّقا إلى بغداد: - فضحك وقال قل ما شئت - .
صوت
يا دير مديان [6] لا عرّيت من سكن [7] ... هيّجت لي سقما يا دير مديانا
هل عند قسّك من علم فيخبرنا ... أم كيف يسعف وجه الصبر من بانا
حثّ المدام فإن الكأس مترعة ... ممّا يهيج دواعي الشوق أحيانا
سقيا ورعيا لكرخايا [8] وساكنها ... وللجنينة بالرّوحاء [9] من كانا
/ فاستحسنها المعتصم، وأمرني ومخارقا فغنّينا فيها وشرب على ذلك حتى سكر، وأمر للجماعة بجوائز.
لحن عمرو بن بانة في هذه الأبيات رمل، ولحن مخارق هزج، ويقال: إنه لغيره.
__________
[1] كذا في ج. وفي سائر الأصول: «مغرورا على الجسد» وهو تحريف.
[2] دير مران: بالقرب من دمشق، على تل في سفح قاسيون، وبناؤه بالجص الأبيض، وأكثر فرشه بالبلاط الملون. («مسالك الأبصار» ج 1 ص 353 طبع بولاق).
[3] كذا في «معجم ما استعجم» للبكري و«مسالك الأبصار» لابن فضل اللّه العمري. والتلعة: الرابية المرتفعة من الأرض. وفي الأصول: «قلعة» بالقاف في أوله وهو تحريف.
[4] كذا في ج. وفي سائر الأصول: «بروج» بالباء الموحدة.
[5] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «شرب».
[6] كذا في كتاب «الديارات» للشابشتي و«معجم البلدان» لياقوت. وقال ياقوت لتأييد هذه الرواية: «و روى غير الشابشتي هذا الشعر في دير مران وأنشده كذا (يا دير مران). والصواب ما كتب لتقارب هذه الأمكنة المذكورة بعضها من بعض ... ». وسياق الخبر يعزز ما قاله ياقوت، لأن الخليفة المعتصم طلب من ابن الضحاك أن يقول شيئا في الجهة التي نزلوا بها وهي دير مران فأجابه بقوله: «أما أن أقول شيئا في وصف هذه الناحية فلا أحسب لساني ينطق به ولكني أقول متشوقا إلى بغداد ... » ودير مديان: على نهر كرخايا قرب بغداد، وكان ديرا حسنا حوله بساتين وعمارة ويقصد للتنزه والشرب. وفي جميع الأصول: «دير مران».
[7] كذا في «معجم ما استعجم» للبكري و«معجم ياقوت» و«مسالك الأبصار». وفي جميع الأصول: «سقم».
[8] كذا في ياقوت و«كتاب الديارات» للشابشتي و«مسالك الأبصار». وكرخايا: نهر يشق من المحوّل الكبير ويمرّ على العباسية، ويشق الكرخ ويصب في دجلة، وكان قديما عامرا وكان الماء فيه جاريا، ثم انقطعت جريته بالبثوق التي انفتحت في الفرات. وفي الأصول: «كرخانا» بالنون وهو تصحيف.
[9] الروحاء: قرية من قرى بغداد على نهر عيسى قرب السندية.
عبث بخادم أبي عيسى فضربه فجفاه فقال شعرا:
أخبرني الصّوليّ قال حدّثنا يزيد بن محمد قال:
كان حسين بن الضحّاك يميل إلى خادم لأبي عيسى بن الرشيد؛ فعبث به يوما على سكر؛ فأخذ قنّينة فضرب بها رأسه فشجّه شجّة منكرة؛ وشاع خبره وتوجّع له إخوانه وعولج منها مدّة، فجفا [1] الخادم واطّرحه وأبغضه ولم يعرض له بعدها. فرآه بعد ذلك في مجلس مولاه فعبث [2] به الخادم وغازله. فلما أكثر ذلك قال له الحسين:
صوت
تعزّ بيأس عن هواي فإنّني ... إذا انصرفت نفسي فهيهات عن ردّي
إذا خنتم بالغيب ودي فما لكم ... تدلّون إدلال المقم على العهد
ولي منك بدّ فاجتنبني مذمّما ... وإن خلت أنّي ليس لي منك من بدّ
الغناء في هذه الأبيات لعمرو بن بانة، وله فيه لحنان رمل وخفيف رمل.
هنأ الواثق بالخلافة فأجازه:
حدّثني أحمد بن العباس العسكريّ قال حدّثني عبد اللّه بن المؤمّل العسكريّ قال:
لمّا ولي الواثق الخلافة جلس للناس ودخل إليه المهنّئون والشعراء فمدحوه وهنّئوه؛ ثم استأذن حسين بن الضحّاك بعدهم في الإنشاد، وكان [3] من الجلساء فترفّع عن الإنشاد مع الشعراء، فأذن له؛ فأنشده قوله:
/أكاتم وجدي فما ينكتم ... بمن لو شكوت إليه رحم
وإنّي على حسن ظنّي به ... لأحذر إن بحت أن يحتشم
ولي عند لحظته روعة ... تحقّق ما ظنّه المتّهم
وقد علم الناس أنّي له ... محبّ وأحسبه قد علم
/ - وفي هذا رمل لعبد اللّه بن العباس بن الرّبيع - :
وإنّي لمغض على لوعة ... من الشوق في كبدي تضطرم
عشيّة ودّعت عن مقلة ... سفوح وزفرة قلب سدم [4]
فما كان عند النّوى مسعد ... سوى العين تمزج دمعا بدم
سيذكر من بان أوطانه ... ويبكي المقيمين من لم يقم
__________
[1] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «فجفاه الخادم»، وهو تحريف.
[2] كذا في ح. وفي ب، س: «فبعث له» وفي أ، ء، م: «فبعث به»، وكلاهما تحريف.
[3] كذا في «تجريد الأغاني». وفي الأصول: «و كأنه».
[4] السدم: الندم والحزن.
إلى خازن اللّه في خلقه ... سراج النّهار وبدر الظّلم
رحلنا غرابيب [1] زفّافة ... بدجلة في موجها الملتطم
إذا ما قصدنا لقاطولها ... ودهم قراقيرها [2] تصطدم
سكنا إلى خير مسكونة ... تيمّمها راغب من أمم [3]
مباركة شاد بنيانها ... بخير المواطن خير الأمم
كأنّ بها نشر كافورة ... لبرد نداها وطيب النّسم
كظهر الأديم إذا ما السحا ... ب صاب على متنها وانسجم
مبرّأة من وحول الشتاء ... إذا ما طمى وحله وارتكم
/ فما إن يزال بها راجل ... يمرّ الهوينى ولا يلتطم
ويمشي على رسله آمنا ... سليم الشّرك نقّي القدم
وللنّون [4] والضّب في بطنها ... مراتع مسكونة والنّعم
غدوت على الوحش مغترّة ... رواتع في نورها المنتظم
ورحت عليها وأسرابها ... تحوم بأكنافها تبتسم
ثم قال يمدح الواثق:
يضيق الفضاء به إن غدا ... بطودي أعاريبه والعجم
ترى النصر يقدم راياته ... إذا ما خفقن أمام العلم
وفي اللّه دوّخ أعداءه ... وجرّد فيهم سيوف النّقم
وفي اللّه يكظم من غيظه ... وفي اللّه يصفح عمّن جرم
رأى شيم الجود محمودة ... وما شيم الجود إلّا قسم
فراح على «نعم» واغتدى ... كأن ليس يحسن إلّا نعم
قال: فأمر له الواثق بثلاثين ألف درهم، واتّصلت أيامه بعد ذلك، ولم يزل من ندمائه.
أمره الواثق بأن يقول شعرا فأرتج عليه حينا ثم قال:
حدّثني أحمد بن العباس قال حدّثنا محمد بن زكريّا الغلابيّ قال حدّثني مهديّ بن سابق قال:
__________
[1] غرابيب: سود، الواحد غربيب، والمراد بها السفن لأنها تطلى بالقار. والزفافة: السريعة.
[2] القراقير: السفن الطويلة.
[3] من أمم: من قريب.
[4] النون: الحوت.
قال الواثق لحسين بن الضحّاك: قل الساعة أبياتا ملاحا حتى أهب لك شيئا مليحا؛ فقال: في أيّ معنى يا أمير المؤمنين؟ فقال: امدد طرفك وقل فيما شئت ممّا ترى بين يديك وصفه. فالتفتّ فإذا ببساط زهره قد تفتّحت أنواره وأشرق في نور الصبح؛ فأرتج عليّ ساعة حتى/ خجلت وضقت ذرعا. فقال لي الواثق: مالك ويحك! ألست ترى نور صباح، ونور أقاح! فانفتح القول فقلت:
/أ لست ترى الصبح قد أسفرا ... ومبتكر الغيث قد أمطرا
وأسفرت الأرض عن حلّة ... تضاحك بالأحمر الأصفرا
ووافاك نيسان [1] في ورده ... وحثّك في الشّرب كي تسكرا
وتعمل كأسين في فتية ... تطارد بالأصغر الأكبرا
يحثّ كؤوسهم مخطف ... تجاذب أردافه المئزرا
ترجّل بالبان حتى إذا ... أدار غدائره وفّرا
وفضّض في الجلّنار [2] البها ... ر والآبنوسة [3] والعبهرا [4]
فلمّا تمازج ما شذّرت ... مقاريض أطرافه شذّرا
فكلّ ينافس في برّه ... ليفعل في ذاته المنكرا
قال: فضحك الواثق وقال: سنستعمل كل ما قلت يا حسين إلا الفسق الذي ذكرته فلا ولا كرامة. ثم أمر بإحضار الطعام فأكل وأكلوا معه. ثم قال: قوموا بنا إلى حانة الشّطّ فقاموا إليها، فشرب وطرب، وما ترك يومئذ أحدا من الجلساء والمغنّين والحشم إلا أمر له بصلة. وكانت من الأيام التي سارت أخبارها وذكرت في الآفاق. قال حسين: فلما كان من الغد غدوت إليه؛ فقال: أنشدني يا حسين شيئا إن كنت قلته في يومنا الماضي، فقد كان حسنا؛ فأنشدته:
شعره في حانة الشط وقد شرب فيها مع الواثق:
صوت
يا حانة الشّطّ قد أكرمت مثوانا ... عودي بيوم سرور كالذي كانا
لا تفقدينا دعابات الإمام ولا ... طيب البطالة إسرارا وإعلانا
ولا تخالعنا في غير فاحشة ... إذا يطرّبنا الطّنبور أحيانا
/ وهاج زمر زنام [5] بين ذاك لنا ... شجوا فأهدى لنا روحا وريحانا
__________
[1] نيسان: الشهر السابع من شهور السنة المسيحية.
[2] الجلنار: زهر الرمان. والبهار: نبت جعد له فقاحة صفراء تنبت أيام الربيع.
[3] الآبنوسة: شرب من الخشب إذا وضع على جمر بخر بخارا طيب الرائحة.
[4] العبهر: الياسمين والنرجس. وفي أ، ء، م: «و العنبرا».
[5] زنام (وزان غراب): زمار حاذق، خدم كلا من الرشيد والمعتصم والواثق. وهو الذي أحدث الناي في زمن المعتصم، فيقال ناي
وسلسل الرّطل عمرو ثم عمّ به ... السّقيا فألحق أولانا بأخرانا
سقيا لشكلك من شكل خصصت به ... دون الدّساكر من لذّات دنيانا
حفّت رياضك جنّات مجاورة ... في كلّ مخترق نهرا وبستانا
لا زلت آهلة الأوطان عامرة ... بأكرم الناس أعراقا وأغصانا
قال: فأمر له الواثق بصلة سنيّة مجدّدة، واستحسن الصوت، وأمر فغنّى في عدّة أبيات منها. غنّت فريدة في البيتين الأوّلين من هذه الأبيات، ولحنها هزج مطلق.
خاصم أبا شهاب ولا حاه:
حدّثني جعفر بن قدامة قال حدّثني عليّ بن يحيى قال: اجتمعت أنا وحسين بن الضحّاك وأبو شهاب الشاعر وهو الذي يقول:
لقد كنت ريحانة في النّديّ ... وتفّاحة في يد الكاعب
وعمرو بن بانة يغنّيها - فتذاكرنا الدّوابّ، واتّصل الحديث إلى أن تلاحى حسين وأبو شهاب/ في دابّتيهما وتراهنا على المسابقة بهما، فتسابقا فسبقه أبو شهاب. فقال حسين في ذلك:
كلوا واشربوا هنّئتم وتمتعّوا ... وعيشوا وذمّوا الكودنين [1] جميعا
فأقسم ما كان الذي نال منهما ... مدى السبق إذ جدّ الجراء سريعا
/ وهي قصيدة معروفة في شعره. فقال أبو شهاب يجيبه:
أيا شاعر الخصيان حاولت خطّة ... سبقت إليها وانكفأت سريعا
تحاول سبقي بالقريض سفاهة ... لقد رمت - جهلا - من حماي منيعا
وهي أيضا قصيدة. فكان ذلك سبب التباعد بينهما. وكنّا إذا أردنا العبث بحسين نقول له: أيا شاعر الخصيان، فيجنّ ويشتمنا.
قصته مع أحد جند الشام وإيقاعه بينه وبين عشيقته:
حدّثني جعفر قال حدّثني عليّ بن يحيى قال حدّثني حسين بن الضحّاك قال: كان يألفني إنسان من جند الشأم عجيب الخلقة والزّيّ والشكل غليظ جلف جاف، فكنت أحتمل ذلك كلّه له ويكون حظّي التعجّب به، وكان يأتيني بكتب من عشيقة له ما رأيت كتبا أحلى منها ولا أظرف ولا أبلغ ولا أشكل من معانيها، ويسألني أن أجيب عنها؛
__________
زناميّ، وقول العامة: «ناي زلامي» باللام تحريف. وزنام في الناي وبنان في العود كلاهما منقطع النظير في طبقته، فإذا اجتمعا على الضرب والزمر أحسنا وأعجبا رقة. قال البحتري:
هل العيش إلا ماء كرم مصفق ... يرقرقه في الكأس ماء غمام
وعود بنان حين ساعد شدوه ... على نغم الألحان ناي زنام
(مختصر عن «القاموس» و «شرحه» مادة زنم).
[1] الكودن: الفرس الهجين والبغل، وهو أيضا الثقيل والبليد. وفي ب، س: «الكودتين» بالتاء المثناة من فوق، وهو تصحيف.
فأجهد نفسي في الجوابات وأصرف عنايتي إليها على علمي [1] بأن الشاميّ بجهله لا يميّز بين الخطأ والصواب، ولا يفرّق بين الابتداء والجواب. فلما طال ذلك عليّ حسدته وتنبّهت إلى إفساد حاله عندها. فسألته عن اسمها فقال:
«بصبص». فكتبت إليها عنه في جواب كتاب منها جاءني به:
أرقصني حبّك يا بصبص ... والحبّ يا سيّدتي يرقص
أرمضت أجفاني [2] بطول البكا ... فما لأجفانك لا ترمص
وابأبي وجهك ذاك الذي ... كأنه من حسنه عصعص
فجاءني بعد ذلك فقال لي: يا أبا عليّ، جعلني اللّه فداءك، ما كان ذنبي إليك وما أردت بما صنعت بي؟ فقلت له: وما ذاك عافاك اللّه؟ فقال: ما هو واللّه إلّا أن وصل ذلك الكتاب إليها حتى بعثت إليّ: إنّي مشتاقة إليك، والكتاب لا ينوب عن الرؤية، فتعال إلى الرّوشن [3] الذي بالقرب من بابنا فقف بحياله حتى أراك؛ فتزيّنت بأحسن/ ما قدرت عليه وصرت إلى الموضع. فبينا أنا واقف أنتظر مكلّما أو مشيرا إليّ إذا شيء قد صبّ عليّ فملأني من قرني إلى قدمي وأفسد ثيابي وسرجي وصيّرني وجميع ما عليّ ودابّتي في نهاية السّواد والنتن والقذر، وإذا به ماء قد خلط ببول وسواد سرجين [4]، فانصرفت بخزي. وكان ما مرّ بي من الصبيان وسائر من مررت به من الضحك والطّنز [5] والصّياح بي أغلظ ممّا مرّ بي؛ ولحقني من أهلي ومن في منزلي شرّ من ذلك وأوجع. وأعظم من ذلك أن رسلها انقطعت عنّي جملة. قال: فجعلت أعتذر إليه وأقول له: إنّ الآفة أنها لم تفهم معنى الشعر لجودته وفصاحته، وأنا أحمد اللّه على ما ناله وأسرّ الشّماتة به.
دعاه الحسن بن رجاء ودعاه ابن بسخنر فذهب له واعتذر للحسن:
أخبرني أحمد بن جعفر جحظة قال حدّثني ميمون بن هارون عن حسين بن الضحّاك قال:
كتب إليّ الحسن بن رجاء في يوم شكّ وقد أمر الواثق بالإفطار، فقال:
/هززتك للصّبوح وقد نهاني ... أمير المؤمنين عن الصّيام
وعندي من قيان المصر عشر ... تطيب بهنّ عاتقة المدام
ومن أمثالهن إذا انتشينا ... ترانا نجتني ثمر الغرام
فكن أنت الجواب فليس شيء ... أحبّ إليّ من حذف الكلام
قال: فوردت عليّ رقعته وقد سبقه إليّ محمد بن الحارث بن بسخنّر ووجّه إليّ بغلام نظيف الوجه كان يتحظّاه، ومعه ثلاثة غلمة أقران [6] حسان الوجوه ومعهم رقعة قد كتبها إليّ كما تكتب المناشير، وختمها في أسفلها وكتب فيها يقول:
__________
[1] في الأصول: «على أنّ علمي ... إلخ».
[2] الرمص بالتحريك: وسخ يجتمع في الموق.
[3] الروشن: النافذة.
[4] السرجين: الزبل الذي تدمل به الأرض.
[5] الطنز: السخرية.
[6] أقران: نظراء، واحده قرن (بالكسر).
سر على اسم اللّه يا أش ... كل من غصن لجين
في ثلاث من بني الرو ... م إلى دار حسين
/ فاشخص [1] الكهل إلى مو ... لاك يا قرّة عيني
أره العنف إذ استع ... صى وطالبه بدين
ودع اللفظ وخاطب ... ه بغمز الحاجبين
واحذر الرّجعة من وج ... هك في خفّي حنين
قال: فمضيت معهم، وكتبت إلى الحسن بن رجاء جواب رقعته:
دعوت إلى مماحكة الصّيام ... وإعمال الملاهي والمدام
ولو سبق الرسول لكان سعيي ... إليك ينوب عن طول الكلام
وما شوقي إليك بدون شوقي ... إلى ثمر [2] التّصابي والغرام
ولكن حلّ في نفر عسوف ... بمنشور محلّ المستهام
حسين، فاستباح له حريما ... بطرف باعث سبب الحمام
وأظهر نخوة وسطا وأبدى ... فظاظته بترك للسلام
وأزعجني بألفاظ غلاظ ... وقد أعطيته طرفي زمامي
ولو خالفته لم يخش قتلي ... وقنّعني سريعا بالحسام
لاعب الواثق بالنرد وغازل خافان خادمه فقال شعرا:
أخبرني الحسين بن القاسم الكوكبيّ قال حدّثني جعفر بن هارون بن زياد قال حدّثني أبي قال:
كان الواثق يلاعب حسين بن الضحّاك بالنّرد وخاقان غلام الواثق واقف على رأسه، وكان الواثق يتحظّاه، فجعل يلعب وينظر إليه. ثم قال للحسين بن الضحّاك: إن قلت الساعة شعرا يشبه ما في نفسي وهبت لك ما تفرح به. فقال الحسين:
صوت
أحبّك حبّا شابه بنصيحة ... أب لك مأمون عليك شفيق
وأقسم ما بيني وبينك قربة ... ولكنّ قلبي بالحسان [3] علوق
فضحك الواثق وقال: أصبت ما في نفسي وأحسنت. وصنع الواثق فيه لحنا، وأمر لحسين بألفي دينار. لحن الواثق في هذين البيتين من الثقيل الأوّل بالوسطى.
__________
[1] وصلت همزة القطع هنا لضرورة الشعر.
[2] كذا في أ، ء، م. وفي سائر الأصول: «زمن التصابي».
[3] في ح: بالجمال.
فضل نفسه على أبي نواس فردّه أحمد بن خلاد:
أخبرني الحسن/ بن عليّ الخفّاف قال حدّثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدّثني أحمد بن خلّاد قال:
أنشدني حسين بن الضحّاك لنفسه:
بدّلت من نفحات الورد بالآء ... ومن صبوحك درّ الإبل والشاء
حتى أتى على آخرها، وقال لي: ما قال أحد من المحدثين مثلها. فقلت: أنت تحوم حول أبي نواس في قوله:
دع عنك لومي فإنّ اللوم إغراء ... ودواني بالتي كانت هي الداء
وهي أشعر من قصيدتك. فغضب وقال: ألي تقول هذا! عليّ وعليّ إن لم أكن نكت أبا نواس!. فقلت له:
دع ذا عنك، فإنه كلام في الشعر لا قدح في نسب، لو نكت أبا نواس وأمّه وأباه لم تكن أشعر منه. وأحبّ أن تقول لي: هل لك في قصيدتك بيت نادر غير قولك:
فضّت خواتمها في نعت واصفها ... عن مثل رقراقة في عين مرهاء
وهذه قصيدة أبي نواس يقول فيها:
دارت على فتية ذلّ الزمان لهم ... فما أصابهم إلّا بما شاءوا
/ صفراء لا تنزل الأحزان ساحتها ... لو مسّها حجر مسّته سرّاء
فأرسلت من فم الإبريق صافية ... كأنما أخذها بالعقل إغفاء
واللّه ما قدرت على هذا ولا تقدر عليه؛ فقام وهو مغضب كالمقرّ بقولي.
تحاكم هو وأبو نواس إلى ابن مناذر فحكم له:
حدّثني الحسن قال حدّثنا ابن مهرويه قال حدّثني إبراهيم بن المدبّر قال حدّثني أحمد بن المعتصم قال:
حجّ أبو نواس وحسين بن الضحّاك فجمعهما الموسم، فتناشدا قصيدتيهما: قول أبي نواس:
دع عنك لومي فإنّ اللّوم إغراء ... وداوني بالتي كانت هي الداء
وقصيدة حسين:
بدّلت من نفحات الورد بالآء
فتنازعا أيّهما أشعر في قصيدته؛ فقال أبو نواس: هذا ابن مناذر [1] حاضر الموسم وهو بيني وبينك. فأنشده قصيدته حتى فرغ منها؛ فقال ابن مناذر: ما أحسب أن أحدا يجيء بمثل هذه وهمّ بتفضيله؛ فقال له الحسين: لا تعجل حتى تسمع؛ فقال: هات؛ فأنشده قوله:
بدّلت من نفحات الورد بالآء ... ومن صبوحك درّ الإبل والشاء
__________
[1] انظر الحاشية، رقم 1 ص 90 من الجزء الرابع من هذه الطبعة.
حتى انتهى إلى قوله:
فضّت خواتمها في نعت واصفها ... عن مثل رقراقة في عين مرهاء
فقال له ابن مناذر: حسبك، قد استغنيت عن أن تزيد شيئا، واللّه لو لم تقل في دهرك كلّه غير هذا البيت لفضّلتك به على سائر من وصف الخمر؛ قم فأنت أشعر وقصيدتك أفضل. فحكم له وقام أبو نواس منكسرا.
قال شعرا لكثير بن إسماعيل استرضى به المعتصم:
أخبرني عمّي قال حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد قال حدّثني محمد بن محمد قال حدّثني كثير بن إسماعيل التحتكار قال:
لمّا قدم المعتصم بغداد، سأل عن ندماء صالح بن الرشيد وهم أبو الواسع وقنّينة وحسين بن الضحّاك وحاتم الرّيش وأنا، فأدخلنا عليه. فلشؤمي وشقائي كتبت بين عينيّ: «سيّدي هب لي شيئا». فلما رآني/ قال: ما هذا على جبينك؟! فقال حمدون [1] بن إسماعيل: يا سيّدي تطايب بأن كتب على جبينه: «سيّدي هب لي شيئا»!. فلم يستطب لي ذلك ولا استملحه، ودعا بأصحابي من غد ولم يدع بي. ففزعت إلى حسين بن الضحّاك؛ فقال لي: إنّي لم أحلل من أنسه بعد بالمحلّ الموجب أن أشفع إليه فيك، ولكني أقول لك بيتين من شعر وادفعهما إلى حمدون بن إسماعيل يوصلهما، فإن ذلك أبلغ. فقلت: أفعل. فقال حسين:
قل لدنيا أصبحت تلعب بي ... سلّط اللّه عليك الآخرة
إن أكن أبرد من قنّينة ... ومن الرّيش فأمّي فاجره
قال: فأخذتهما وعرّفت حمدون أنهما لي وسألته إيصالهما ففعل؛ فضحك المعتصم وأمر لي بألفي دينار واستحضرني وألحقني بأصحابي.
كان ابن بسخنر يكره الصبوح فقال فيه شعرا:
أخبرني عمّي قال حدّثني هارون بن محمد بن عبد الملك قال قال لي أحمد [2] بن حمدون:
كان محمد بن الحارث بن بسخنّر لا يرى الصّبوح ولا يؤثر على الغبوق شيئا، ويحتجّ بأن من خدم الخلفاء كان اصطباحه استخفافا بالخدمة، لأنه لا يأمن أن/ يدعى على غفلة والغبوق يؤمّنه من ذلك، وكان المعتصم يحبّ الصبوح؛ فكان يلقّب ابن بسخنّر الغبوقيّ. فإذا حضر مجلس المعتصم مع المغنّين منعه الصّبوح وجمع له مثل ما يشرب نظراؤه، فإذا كان الغبوق سقاه إيّاه جملة غيظا عليه؛ فيضجّ [3] من ذلك ويسأل أن يترك حتى يشرب مع النّدماء إذا حضروا [4] فيمنعه ذلك. فقال فيه حسين بن الضحّاك وفي حاتم الرّيش الضّرّاط وكان من المضحكين:
حبّ أبي جعفر للغبوق ... كقبحك يا حاتم مقبلا
__________
[1] هو حمدون بن إسماعيل بن داود الكاتب. وهو أول من نادم [الخلفاء] من أهله. (عن «فهرست ابن النديم»).
[2] هو أحمد بن حمدون بن إسماعيل راوية إخباري روى عن العدوي، له من الكتب «كتاب الندماء والجلساء». (عن «فهرست ابن النديم»).
[3] في ب، س، ح: «فيصيح».
[4] في الأصول: «حضر».
فلا ذاك يعذر في فعله ... وحقّك في الناس أن تقتلا
وأشبه شيء بما اختاره ... ضراطك دون الخلا في الملا
استعطف أبا أحمد بن الرشيد وكان قد غضب عليه:
حدّثني محمد بن خلف وكيع قال حدّثنا محمد بن عليّ بن حمزة قال:
مزح أبو أحمد بن الرشيد مع حسين بن الضحّاك مزاحا أغضبه، فجاوبه حسين جوابا غضب منه أبو أحمد أيضا. فمضى إليه حسين من غد فاعتذر إليه وتنصّل وحلف؛ فأظهر له قبولا لعذره. ورأى ثقلا في طرفه وانقباضا عما كان يعهده منه؛ فقال في ذلك:
لا تعجبنّ لملّة صرفت ... وجه الأمير فإنه بشر
وإذا نبا بك في سريرته ... عقد الضمير نبا بك البصر
حكى للنشار صحبته للأمين وإكرامه له:
حدّثني الصّوليّ قال حدّثني أبو محمد بن النشار قال:
كان أبي صديقا للحسين بن الضحّاك وكان يعاشره؛ فحملني معه يوما إليه، وجعل أبي يحادثه إلى أن قال له:
يا أبا عليّ، قد تأخّرت أرزاقك وانقطعت موادّك ونفقتك كثيرة، فكيف يمشي أمرك؟ فقال له: بلى واللّه يا أخي، ما قوام أمري إلا ببقايا هبات الأمين محمد بن زبيدة وذخائره وهبات جارية له - لم يسمّها - / أغنتني للأبد لشيء ظريف جرى على غير تعمّد؛ وذلك أنّ الأمين دعاني يوما فقال لي: يا حسين، إن جليس الرجل عشيره وثقته وموضع سرّه وأمنه، وإن جاريتي فلانة أحسن الناس/ وجها وغناء، وهي منّي بحمل نفسي، وقد كدّرت عليّ صفوها ونغّصت عليّ النعمة فيها بعجبها بنفسها وتجنّيها [1] عليّ وإدلالها بما تعلم من حبّي إياها. وإني محضرها ومحضر صاحبة لها ليست منها في شيء لتغنّي معها. فإذا غنّت وأومأت لك إليها - على أن أمرها أبين من أن يخفى عليك - فلا تستحسن الغناء ولا تشرب عليه؛ وإذا غنّت الأخرى فاشرب واطرب واستحسن واشقق ثيابك، وعليّ مكان كل ثوب مائة ثوب. فقلت: السمع والطاعة. فجلس في حجرة الخلوة وأحضرني وسقاني وخلع عليّ، وغنّت المحسنة وقد أخذ الشراب منّي، فما تمالكت أن استحسنت وطربت وشربت، فأومأ إليّ وقطّب في وجهي. ثم غنّت الأخرى فجعلت أتكلّف ما أقوله وأفعله. ثم غنّت المحسنة ثانية فأتت بما لم أسمع مثله قطّ حسنا، فما ملكت نفسي أن صحت وشربت وطربت، وهو ينظر إليّ ويعضّ شفتيه غيظا، وقد زال عقلي فما أفكّر فيه، حتى فعلت ذلك مرارا؛ وكلما ازداد شربي ذهب عقلي وزدت ممّا يكره؛ فغضب فأمضّني وأمر بجرّ رجلي من بين يديه وصرفي فجررت وصرفت، فأمر بأن أحجب. وجاءني الناس يتوجّعون لي ويسألوني عن قصّتي فأقول لهم: حمل عليّ النبيذ فأسأت أدبي، فقوّمني أمير المؤمنين بصرفي وعاقبني بمنعي من الوصول إليه. ومضى لما أنا فيه شهر، ثم جاءتني البشارة أنّه قد رضي عنّي، وأمر بإحضاري فحضرت وأنا خائف. فلما وصلت أعطاني الأمين يده فقبّلتها، وضحك إليّ وقام وقال: اتبعني، ودخل إلى تلك الحجرة بعينها ولم يحضر غيري. وغنّت المحسنة التي نالني من أجلها ما
__________
[1] في ح: «و تسحبها» والتسحب: التدلل.
نالني فسكتّ [1] /فقال لي: قل ما شئت ولا تخف؛ فشربت واستحسنت. ثم قال لي: يا حسين، لقد خار اللّه لك بخلافي وجرى القدر بما تحبّ فيه. إن هذه الجارية عادت إلى الحال التي أريد منها ورضيت كلّ أفعالها؛ فأذكرتني بك وسألتني الرّضا عنك والاختصاص لك؛ وقد فعلت ووصلتك بعشرة آلاف دينار، ووصلتك هي بدون ذلك. واللّه لو كنت فعلت ما قلت لك حتى تعود إلى مثل هذه الحال ثم تحقد ذلك عليك فتسألني ألّا تصل إليّ لأجبتها.
فدعوت له وشكرته وحمدت اللّه على توفيقه، وزدت في الاستحسان والسرور إلى أن سكرت وانصرفت وقد حمل معي المال. فما كان يمضي أسبوع إلّا وصلاتها وألطافها تصل إليّ من الجوهر والثياب والمال بغير علم الأمين؛ وما جالسته مجلسا بعد ذلك إلا سألته أن يصلني. فكلّ شيء أنفقته بعده إلى هذه الغاية فمن فضل مالها وما ذخرت من صلاتها. قال ابن النشّار: فقال له أبي: ما سمعت بأحسن من هذا الحديث ولا أعجب ممّا وفّقه اللّه لك فيه.
هنأ الأمين بظفر جيشه بطاهر بن الحسين:
حدّثني الحسن بن عليّ قال حدّثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدّثني أبي قال:
دخل حسين بن الضحّاك على محمد الأمين بعقب وقعة أوقعها أهل بغداد بأصحاب طاهر [2] فهزموهم وفضحوهم؛ فهنّأه بالظّفر ثم استأذنه في الإنشاد، فأذن له فأنشده:
أمين اللّه ثق باللّ ... ه تعط العزّ والنّصره
كل الأمر إلى اللّه ... كلاك [3] اللّه ذو القدره
/ لنا النصر بإذن اللّ ... ه والكرّة لا [4] الفرّه
/ وللمرّاق أعدائ ... ك يوم السّوء والدّبره [5]
وكأس تورد الموت ... كريه طعمها مرّه
سقونا وسقيناهم ... فكانت بهم الحرّه
كذاك الحرب أحيانا ... علينا ولنا مرّه
فأمر له بعشرة آلاف درهم، ولم يزل يتبسم وهو ينشده.
عابثه الأمين وركب ظهره:
حدّثني الصّوليّ قال حدّثني الحسين بن يحيى أبو الحمار قال:
قال لي الحسين بن الضحّاك: شربنا يوما مع الأمين في بستان، فسقانا على الرّيق، وجدّ بنا في الشرب، وتحرّز من أن نذوق شيئا. فاشتدّ الأمر عليّ، وقمت لأبول، فأعطيت خادما من الخدم ألف درهم على أن يجعل لي
__________
[1] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «فسكنت» بالنون.
[2] هو طاهر بن الحسين أحد دعاة المأمون وأكبر قوّاده، وهو الذي حاصر محمدا الأمين وظفر به وقتله.
[3] كلأك اللّه: حفظك، سهلت همزته.
[4] كذا في ح وهو المناسب للمقام. وفي سائر الأصول: «و الكرة والفره».
[5] الدبرة: الهزيمة في القتال.
تحت شجرة أو مأت إليها رقاقة فيها لحم، فأخذ الألف وفعل ذلك. ووثب محمد فقال: من يكون منكم حماري؟
فكلّ واحد منهم قال له: أنا، لأنه كان يركب الواحد منا عبثا ثم يصله؛ ثم قال: يا حسين، أنت أضلع [1] القوم.
فركبني وجعل يطوف وأنا أعدل به عن الشجرة وهو يمرّ بي إليها حتى صار تحتها، فرأى الرّقاقة فتطأطأ فأخذها فأكلها على ظهري، وقال: هذه جعلت لبعضكم؛ ثم رجع إلى مجلسه وما وصلني بشيء. فقلت لأصحابي: أنا أشقى الناس، ركب ظهري وذهب ألف درهم منّي وفاتني ما يمسك رمقي ولم يصلني كعادتي، ما أنا إلا كما قال الشاعر:
ومطّعم الصيد يوم الصيد مطعمه ... أنّى توجّه والمحروم محروم
أحب جارية لأم جعفر ووسط عاصما الغساني في استيهابها فأبت فقال شعرا:
حدّثني عليّ بن سليمان الأخفش قال حدّثنا محمد بن يزيد النّحويّ المبرّد قال: كان حسين بن الضحّاك الأشقر، وهو الخليع، يهوى جارية لأمّ جعفر، وكانت/ من أجمل الجواري، وكان لها صدغان معقربان، وكانت تخرج إليه إذا جاء فتقول له: ما قلت فينا؟ أنشدنا منه شيئا؛ فيخرج إليها الصحيفة، فتقول له: اقرأ معي، فيقرأ معها حتى تحفظه ثم تدخل وتأخذ الصحيفة. فشكا ذلك إلى عاصم الغسّانيّ الذي كان يمدحه سلّم الخاسر وكان مكينا عند أم جعفر، وسأله أن يستوهبها له فاستوهبها، فأبت عليه أمّ جعفر؛ فوجّه إلى الخليع بألف دينار وقال: خذ هذا الألف؛ فقد جهدت الجهد كلّه فيها فلم تمكنّي حيلة. فقال الحسين في ذلك:
رمتك غداة السبت شمس من الخلد [2] ... بسهم الهوى عمدا وموتك في العمد
مؤزّرة السّربال مهضومة الحشا ... غلاميّة التقطيع شاطرة [3] القدّ
محنّأة الأطراف رؤد شبابها ... معقربة الصّدغين كاذبة الوعد
أقول ونفسي بين شوق وزفرة ... وقد شخصت عيني ودمعي على الخدّ
أجيزي على من قد تركت فؤاده ... بلحظته بين التأسّف والجهد
فقالت عذاب بالهوى مع قربكم ... وموت إذا أقرحت [4] قلبك بالبعد
لقد فطنت للجور فطنة عاصم ... لصنع الأيادي الغرّ في طلب الحمد
سأشكوك في الأشعار غير مقصّر ... إلى عاصم ذي المكرمات وذي المجد
/ لعلّ فتى غسّان يجمع بيننا ... فيأمن قلبي منكم روعة الصّدّ
أقطع المعتصم الناس دورا دونه فقال شعرا:
حدّثني محمد بن خلف وكيع قال حدّثني هارون بن مخارق قال:
__________
[1] كذا في ح والأضلع: الشديد القويّ الأضلاع. وفي سائر الأصول: «أظلع القوم» بالظاء المعجمة، وهو تحريف.
[2] انظر الحاشية رقم 1 ص 170 من هذا الجزء.
[3] انظر الحاشية رقم 1 ص 155 من هذا الجزء.
[4] في الأصول: «أقدحت» بالدال المهملة، والذي في كتب اللغة قدح الثلاثي. فلعلها محرفة عما أثبتناه.
أقطع المعتصم الناس الدّور بسرّ من رأى وأعطاهم النفقات لبنائها، ولم يقطع الحسين بن الضحّاك شيئا.
فدخل عليه فأنشده قوله
:/
يا أمين اللّه لا خطّة [1] لي ... ولقد أفردت صحبي بخطط
أنا في دهياء من مظلمة ... تحمل الشيخ على كلّ غلط
صعبة المسلك يرتاع لها ... كلّ من أصعد فيها وهبط
بوّني [2] منك كما بوّأتهم ... عرصة تبسط طرفي ما انبسط
أبتني فيها لنفسي موطنا ... ولعقبي فرطا بعد فرط
لم يزل منك قريبا مسكني ... فأعد لي عادة القرب فقط
كلّ من قرّبته مغتبط [3] ... ولمن أبعدت خزي وسخط
قال: فأقطعه دارا وأعطاه ألف دينار لنفقته عليها.
حاز شعرا لأبي العتاهية:
أخبرني محمد بن العبّاس اليزيديّ قال أخبرني عمّي الفضل عن الحسين بن الضحّاك قال:
كنت أمشي مع أبي العتاهية، فمررت بمقبرة وفيها باكية تبكي بصوت شج على ابن لها. فقال أبو العتاهية:
أما تنفكّ باكية بعين ... غزير دمعها كمد حشاها
أجز يا حسين؛ فقلت:
تنادي حفرة أعيت جوابا ... فقد ولهت [4] وصمّ بها صداها [5]
نصحه أبو العتاهية بألا يرثي الأمين فأطاعه:
حدّثني الصّوليّ قال حدّثني الحسين بن يحيى قال حدّثني الحسين بن الضحّاك قال:
كنت عازما على أن أرثي الأمين [6] بلساني كلّه وأشفي لوعتي. فلقيني أبو العتاهية فقال لي: يا حسين، أنا إليك مائل ولك محبّ، وقد علمت مكانك من الأمين، وإنه لحقيق بأن ترثيه، إلّا أنك قد أطلقت لسانك من التلهّف عليه والتوجّع له بما صار هجاء لغيره وثلبا له وتحريضا عليه، وهذا المأمون منصب إلى العراق قد أقبل عليك؛ فأبق على نفسك؛ يا ويحك! أتجسر على أن تقول:
__________
[1] الخطة: المكان المختط لعمارة وغيرها، وهي أيضا أرض يختطها الرجل لم تكن لأحد قبله.
[2] بوّني: أصلها «بوّئني»، سهلت الهمزة فصارت ياء ثم حذفت لصيغة الأمر.
[3] يقال: فلان مغتبط (بكسر الباء) إذا كان في نعمة، ومغتبط (بفتح الباء) إذا اغتبطه الغير على نعمة وتمنى أن يكون مثله.
[4] الوله: الحزن أو ذهاب العقل لفقدان الحبيب.
[5] الصدى: الصوت الذي يرده الجبل إذا رفع فيه الإنسان صوته. وصمم الصدى كناية عن الهلاك، يقال: أصم اللّه صداه إذا أهلكه، وصمّ صداه. قال امرؤ القيس:
صم صداها وعفا رسمها ... واستعجمت عن منطق السائل
[6] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «الأمير» وهو تحريف.
تركوا
حريم أبيهم نفلا [1] ... والمحصنات صوارخ هتف
هيهات بعدك أن يدوم لهم ... عزّ وأن يبقى لهم شرف
اكفف غرب لسانك واطو ما انتشر عنك وتلاف ما فرط منك. فعلمت أنه قد نصحني فجزيته الخير، وقطعت القول فنجوت برأيه وما كدت أن أنجو.
أعرض عنه فتى جميل فقال فيه شعرا:
حدّثني جعفر بن قدامة قال حدّثني أبو العيناء قال:
وقف علينا حسين بن الضحّاك ومعنا فتى جالس من أولاد الموالي جميل الوجه، فحادثنا طويلا وجعل يقبل على الفتى بحديثه والفتى معرض عنه حتى طال ذلك؛ ثم أقبل عليه الحسين فقال:
تتيه علينا أن رزقت ملاحة ... فمهلا علينا بعض تيهك يا بدر
/ لقد طالما كنّا ملاحا وربما ... صددنا وتهنا ثم غيّرنا الدهر
وقام فانصرف.
عربد في مجلس الأمين فغضب عليه ثم استرضاه بشعر فرضي عنه:
أخبرني الحسن بن [2] القاسم الكوفيّ قال حدّثني ابن عجلان قال:
غنّى بعض المغنّين في مجلس محمد المخلوع بشعر حسين بن الضحّاك، وهو:
صوت
أ لست ترى ديمة تهطل ... وهذا صباحك مستقبل
وهذي العقار وقد راعنا ... بطلعته الشادن الأكحل ضفعاد به وبنا سكرة
تهوّن مكروه ما نسأل ... فإني رأيت له نظرة [3]
تخبّرنا أنه يفعل
قال: فأمر بإحضار حسين فأحضر، وقد كان محمد شرب أرطالا. فلما مثل بين يديه أمر فسقي ثلاثة أرطال، فلم يستوفها الحسين حتى غلبه السكر وقذف، فأمر بحمله إلى منزله فحمل. فلما أفاق كتب إليه:
إذا كنت في عصبة ... من المعشر الأخيب
ولم يك لي مسعد ... نديم سوى جعدب
__________
[1] النفل: الغنيمة.
[2] ورد هذا الاسم هكذا في جميع الأصول. وقد بحثنا عنه فيمن روى عنهم صاحب «الأغاني» فلم نجده. ولعل صوابه الحسين بن القاسم الكوكبي الكاتب. وكان صاحب «أخبار وآداب»، توفي سنة 327 هو قد تكررت رواية المؤلف عنه كثيرا.
[3] كذا في أ، ء، م. وفيما سبق في جميع الأصول في هذه الترجمة. وفي سائر الأصول هنا: «طرة» وهو تحريف.
فأشرب من رملة [1] ... وأسهر من قطرب [2]
ولمّا حباني الزما ... ن من حيث لم أحسب
ونادمت بدر السما ... ء في فلك الكوكب
/ أبت لي غضوضيّتي [3] ... ولؤم من المنصب
فأسكرني مسرعا ... قويّ من المشرب
كذا النذل ينبوبه ... منادمة المنجب
قال: فردّه إلى منادمته وأحسن جائزته وصلته.
شعره في غلام أبي أحمد بن الرشيد:
أخبرني الكوكبيّ قال حدّثني عليّ بن محمد بن نصر عن خالد بن حمدون: أن الحسين بن الضحاك أنشده - وقد عاتبه خادم [4] من خدّام أبي أحمد بن الرشيد كان حسين يتعشّقه ولامه في أن قال فيه شعرا وغنّى فيه عمرو بن بانة؛ فقال حسين فيه - :
صوت
فدّيت من قال لي على خفره ... وغضّ جفنا له على حوره
سمّع بي شعرك المليح فما ... ينفكّ شاد به على وتره
فقلت يا مستعير سالفة ال ... خشف وحسن الفتور من نظره
لا تنكرنّ الحنين من طرب ... عاود فيك الصّبا على كبره
وغنّى فيه عمرو بن بانة هزجا مطلقا.
كتب شعرا على قبر أبي نواس:
أخبرني الكوكبيّ قال حدّثني أبو سهل بن نوبخت [5] عن عمرو بن بانة قال:
لما مات أبو نواس كتب حسين بن الضحّاك على قبره:
كابرنيك الزمان يا حسن ... فخاب سهمي وأفلح الزمن
__________
[1] نص المثل في الميداني: «أشرب من رمل».
[2] القطرب: طائر يجول الليل كله لا ينام، قالوا: «أجول من قطرب «و» أسهر من قطرب». (انظر «حياة الحيوان» للدميري و «أمثال الميداني» في الكلام عليه).
[3] الغضوضية: غضاضة الشباب ونضارته، والمراد بها الطيش والنزق وهما من حظ الشباب ولوازمه. والغضوضية من المصادر الصناعية مثل الرجولية والفروسية.
[4] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «و قد عاتبه بخادم» وهو تحريف.
[5] ضبطه ابن خلكان بالعبارة هكذا: «و نوبخت بضم النون وسكون الواو وفتح الباء الموحدة وسكون الخاء المعجمة وبعدها تاء مثناة من فوقها».
ليتك إذ لم تكن بقيت لنا ... لم تبق روح يحوطها بدن
هجا جراحا مخنثا اسمه نصير
:/ أخبرني الحسن بن عليّ الخفّاف قال حدّثني محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدّثني أبي قال:
كان في جوار الحسين بن الضحّاك طبيب يداوي الجراحات يقال له نصير، وكان مخنّثا؛ فإذا كانت وليمة دخل مع المخنّثين، وإذا لم تكن عالج الجراحات. فقال فيه الحسين بن الضحّاك:
نصير ليس لمرد من شأنه ... نصير طبّ بالنّكاريش [1]
يقول للنّكريش في خلوة ... مقال ذي لطف وتجميش [2]
هل لك أن نلعب في فرشنا ... تقلّب الطير المراعيش [3]
يعني المبادلة. فكان نصير بعد ذلك يصيح به الصبيان: «يا نصير نلعب تقلّب الطير المراعيش» فيشتمهم ويرميهم بالحجارة.
عبث ابن مناذر بشعر له فشتمه:
حدّثني جعفر قال حدّثني عليّ بن يحيى عن حسين بن الضحّاك قال:
أنشدت ابن مناذر قصيدتي التي أقول فيها:
لفقدك ريحانة العسكر
وكانت من أوّل ما قلته من الشعر؛ فأخذ رداءه ورمى به إلى السقف وتلقاه برجله وجعل يردّد هذا البيت.
فقلنا لحسين: أتراه فعل ذلك استحسانا لما قلت؟ فقال لا؛ فقلنا: فإنما فعله طنزا [4] بك؛ فشتمه وشتمنا. وكنّا بعد ذلك نسأله إعادة هذا البيت فيرمي بالحجارة ويجدّد شتم ابن مناذر بأقبح ما يقدر عليه.
وقف ببابه سلولي وغنويّ ينتظران محاربيا فقيل اجتمع اللؤم:
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدّثني أحمد بن أبي كامل قال:
مررت بباب حسين بن الضحّاك، وإذا أبو يزيد السّلوليّ وأبو حزرة الغنويّ وهما ينتظران المحاربيّ وقد استؤذن لهم على ابن الضحّاك؛ فقلت لهما: لم لا تدخلان؟ فقال أبو يزيد: ننتظر اللؤم أن يجتمع، فليس في الدنيا أعجب مما اجتمع منا، الغنويّ والسّلوليّ ينتظران المحاربيّ ليدخلوا على باهليّ.
__________
[1] الطب: العالم بالشيء. والنكريش: الملتحي، قال البديع:
قال قوم عشقته أمرد ... الخدّ وقد قيل إنه نكريش
قلت فرخ الطاوس أحسن ما كا ... ن إذا ما علا عليه الريش
(انظر «شفاء الغليل» ص 224).
[2] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «و تجهيش». بالهاء.
[3] المراعيش: نوع من الحمام وهي تطير مرتفعة حتى تغيب عن النظر فترى في الجو كالنجم.
[4] الظنز: السخرية.
كتب أبياتا عن الواثق يدعو الفتح بن خاقان للصبوح:
أخبرني محمد بن مزيد بن أبي الأزهر البوشنجيّ قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثني حسين بن الضحّاك قال:
كان الواثق يميل إلى الفتح بن خاقان [1] ويأنس به وهو يومئذ غلام، وكان الفتح ذكيّا جيّد الطبع والفطنة. فقال له المعتصم يوما وقد دخل على أبيه خاقان عرطوج: يا فتح أيّما أحسن: داري أو دار أبيك؟ فقال له وهو غير متوقّف وهو صبيّ له سبع سنين أو نحوها: دار أبي إذا كنت فيها؛ فعجب منه وتبنّاه. وكان الواثق له بهذه المنزلة، وزاد المتوكل عليهما. فاعتلّ الفتح في أيام الواثق علّة صعبة ثم أفاق وعوفي، فعزم الواثق على الصّبوح، فقال لي:
يا حسين، اكتب بأبيات عنّي إلى الفتح تدعوه إلى الصّبوح؛ فكتبت إليه:
/لمّا اصطبحت وعين اللهو ترمقني ... قد لاح لي باكرا في ثوب بذلته
ناديت فتحا وبشّرت المدام به ... لمّا تخلّص من مكروه علّته
ذبّ الفتى عن حريم الراح مكرمة ... إذا رآه امرؤ ضدّا لنحلته
فاعجل إلينا وعجّل بالسرور لنا ... وخالس الدهر في أوقات غفلته
فلما قرأها الفتح صار إليه فاصطبح معه.
شعره في غلام عبد اللّه بن العباس بن الفضل بن الربيع:
أخبرني عمّي [2] قال حدّثني يعقوب بن نعيم وعبد اللّه بن أبي سعد قالا حدّثنا محمد بن محمد الأنباريّ قال حدّثني حسين بن الضحّاك قال:
/ كنت عند عبد اللّه بن العباس بن الفضل بن الربيع وهو مصطبح وخادم له يسقيه؛ فقال لي: يا أبا عليّ، قد استحسنت سقي هذا الخادم؛ فإن حضرك شيء في قصّتنا هذه فقل؛ فقلت:
أحيت صبوحي فكاهة اللاهي ... وطاب يومي بقرب أشباهي
فاستثر اللهو من مكامنه ... من قبل يوم منغّص ناهي
بابنة كرم من كفّ منتطق ... مؤتزر بالمجون تيّاه
يسقيك من طرفه ومن يده ... سقي لطيف مجرّب داهي
كأسا فكأسا كأن شاربها ... حيران بين الذّكور والساهي
__________
[1] هو الفتح بن خاقان بن أحمد، كان في نهاية الذكاء والفطنة وحسن الأدب من أولاد الملوك، اتخذه المتوكل أخا ووزيرا له، وكان يقدّمه على سائر ولده وأهله. وكان له خزانة جمعها علي بن يحيى المنجم له لم ير أعظم منها كثرة وحسنا. وكان يحضر داره فصحاء الأعراب وعلماء الكوفيين والبصريين. ومن شغفه بالكتب أنه كان يحضر لمجالسة المتوكل، فإذا أراد القيام لحاجة أخرج كتابا من كمه أو خفه وقرأه في مجلس المتوكل إلى عوده إليه، حتى في الخلاء. وتوفي الفتح في الليلة التي قتل فيها المتوكل قتلا معه بالسيف سنة 274 هقتله الأتراك لما فرغوا من قتل المتوكل بأمر ابنه المنتصر، وكان طلب منهم ذلك فجيعة على سيده. (عن «فهرست ابن النديم» و«تاريخ الطبري» ص 145 - 146 من القسم الثالث).
[2] تقدّم هذا الخبر بنصه في هذه الترجمة ص 190.
قال: فاستحسنه عبد اللّه وغنّى فيه لحنا مليحا وشربنا عليه بقيّة يومنا.
وعده يسر بالسكر معه قبل رمضان ولم يف فقال فيه شعرا:
أخبرني عليّ بن العباس قال حدّثني سوادة بن الفيض عن أبيه قال:
اتفق حسين بن الضحّاك ويسر مرّة عند بعض إخوانهما وشربا وذلك في العشر الأواخر من شعبان. فقال حسين ليسر: يا سيّدي، قد هجم الصوم علينا، فتفضّل بمجلس نجتمع فيه قبل هجومه فوعده بذلك؛ فقال له: قد سكرت وأخشى/ أن يبدو لك؛ فحلف له يسر أنّه يفي. فلما كان من الغد كتب إليه حسين وسأله الوفاء، فجحد الوعد وأنكره. فكتب إليه يقول:
تجاسرت على الغدر ... كعاداتك في الهجر
فأخلفت وما استخلف ... ت من إخوانك الزّهر
لئن خست [1] لما ذل ... ك من فعلك بالنّكر
وما أقتعني فعل ... ك يا مختلق العذر
بنفسي أنت إن سؤت ... فلا بدّ من الصبر
وإن جرّعني الغيظ ... وإن خشّن بالصدر [2]
ولو لا فرقي منك ... لسمّيتك في الشعر
وعنّفتك لا آلو ... وإن جزت مدى العذر [3]
أما تخرج من إخلا ... ف ميعادك في العشر
غدا يفطمنا الصوم ... عن الرّاح إلى الفطر
قال: فسألت الحسين بن الضحاك عمّا أثّر له هذا الشعر وما كان الجواب؛ فقال: كان أحسن جواب وأجمل فعل، كان اجتماعنا قبل الصوم في بستان لمولاه، وتمّمنا سرورنا وقضينا أوطارنا إلى الليل، وقلت في ذلك:
سقى اللّه بطن الدّير من مستوى السّفح ... إلى ملتقى النّهرين فالأثل [4] فالطّلح [5]
ملاعب قدن القلب قسرا إلى الهوى ... ويسّرن ما أمّلت من درك النّجح
/ أتنسى فلا أنسى عتابك بينها ... حبيبك حتى انقاد عفوا إلى الصلح
سمحت لمن أهوى بصفو مودّتي ... ولكنّ من أهواه صيغ على الشّحّ
__________
[1] كذا في أ، ء، م. وخاس فلان بوعده: أخلف. وفي سائر الأصول: «خنت».
[2] خشن بالصدر: أوغر به.
[3] كذا في. وفي سائر الأصول: «الغدر» وهو تصحيف.
[4] الأثل: شجر كالطرفاء إلا أنه أعظم منها وأجود عودا، تتخذ منه الأقداح الصفر الجياد والقصاع والجفان، ورقه هدب طوال دقاق، ولا شوك له، وثمرته حمراء.
[5] الطلح: أعظم العضاه شوكا له عود صلب وصمغ جيد، وشوكه أحجن طويل، منبته في بطون الأودية.
شعره في يسر وفي أيام مضت له معه بالبصرة:
قال عليّ بن العبّاس: وأنشدني سوادة بن الفيض عن أبيه لحسين بن الضحّاك يصف أياما/ مضت له بالبصرة ويومه بالقفص [1] ومجيء يسر إليه، وكان يسر سأله أن يقول في ذلك شعرا:
تيسّري للّمام [2] من أمم ... ولا تراعي حمامة الحرم
قد غاب - لا آب - من يراقبنا ... ونام - لا قام - سامر الخدم
فاستصحبي مسعدا يفاوضنا ... إذا خلونا في كلّ مكتتم
تبذّلي بدلة تقرّ بها ال ... عين ولا تحصري وتحتشمي
ليت نجوم السماء راكدة ... على دجى ليلنا فلم ترم
ما لسروري بالشكّ ممتزجا [3] ... حتى كأنّي أراه في حلم
فرحت حتى استخفّني فرحي ... وشبت عين اليقين بالتّهم
أمسح عيني مستثبتا نظري ... أخالني نائما ولم أنم
سقيا لليل أفنيت مدّته ... ببارد الرّيق طيّب النّسم
أبيض مرتجّة روادفه ... ما عيب من قرنه [4] إلى القدم
إذ قصبات العريش تجمعنا ... حتى تجلّت أواخر الظّلم
/ وليلة بتّها محسّدة [5] ... محفوفة بالظنون والتّهم
أبثّ عبراته على غصص ... يردّ أنفاسه إلى الكظم [6]
سقيا لقيطونها [7] ومخدعها ... كم من لمام به ومن لمم
لا أكفر السّيلحين [8] أزمنة ... مطيعة بالنّعيم والنّعم
وليلة القفص إن سألت بها ... كانت شفاء لعلّة السّقم
بات أنيسي صريع خمرته ... وتلك إحدى مصارع الكرم
__________
[1] القفص: قرية مشهورة بين بغداد وعكبرا قريبة من بغداد، وكانت من مواطن اللهو ومعاهد النزه ومجالس الفرح تنسب إليها الخمور الجيدة والحانات الكثيرة. وقد أكثر الشعراء من ذكرها.
[2] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «للإمام»، وهو تحريف.
[3] في الأصول: «ممتزج».
[4] في ب، س: «من فرقه» بالفاء والقاف.
[5] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «محسرة» بالراء المهملة، وهو تحريف.
[6] الكظم: مخرج النفس من الحلق ومنه حديث النخعيّ: «له التوبة ما لم يؤخذ بكظمه» أي عند خروج نفسه وانقطاع نفسه.
[7] القيطون: بيت. في بيت والمخدع (كمنبر ومحكم): مثله أي الخزانة الصغيرة داخل الحجرة.
[8] سيلحين: موضع قرب الحيرة ضارب في البر قرب القادسية ولذلك ذكره الشعراء أيام القادسية مع الحيرة والقادسية. وقيل: هو رستاق من رساتيق العراق. وقد ورد في جميع الأصول هكذا: «الشيجلين» وهو تحريف.
وبتّ عن موعد سبقت به ... ألثم درّا مفلّجا بفم
وابأبي من بدا بروعة «لا» ... وعاد من بعدها إلى «نعم»
أباحني نفسه ووسّدني ... يمنى يديه وبات ملتزمي
حتى إذا اهتاجت النوافس في ... سحرة أحوى أحمّ كالحمم
وقلت هبّا يا صاحبيّ و ... نبّهت أبانا فهبّ كالزلّم [1]
فاستنّها كالشّهاب ضاحكة ... عن بارق في الإناء مبتسم
صفراء زيتيّة موشّحة ... بأرجوان ملمّع ضرم
أخذت ريحانة أراح لها ... دبّ سروري بها دبيب دمي
فراجع العذر إن بدا لك في ال ... عذر وإن عدت لائما فلم
حجب يسرا سيده فقال شعرا في ذلك:
أخبرني عليّ بن العبّاس قال حدّثني سوادة بن الفيض المخزوميّ قال حدّثني المعتمر بن الوليد المخزوميّ قال: قال لي الحسين بن الضحّاك وهو على شراب له: ويحكم أحدّثكم عن يسر بأعجوبة؟ قلنا: هات. قال: بلغ مولاه أنه جر له مع أخيه سبب، فحجبه كما تحجب النساء، وأمر بالحجر عليه، وأمره ألّا يخرج عن داره إلا ومعه حافظ له موكّل به. فقلت في ذلك:
/ظنّ من لا كان ظنّا ... بحبيبي فحماه
أرصد الباب رقيبي ... ن له فاكتنفاه
فإذا ما اشتاق قربي ... ولقائي منعاه
جعل اللّه رقيبي ... ه من السوء فداه
والذي أقرح في الشا ... دن قلبي ولواه
كلّ مشتاق إليه ... فمن السوء فداه
سيّما من حالت الأح ... راس من دون مناه
سأل أبا نواس أن يصلح بينه وبين يسر ففعل:
أخبرني عليّ بن العبّاس قال حدّثنا أحمد بن العباس الكاتب قال حدّثني عبد اللّه بن زكريّا الضّرير قال:
قال أبو نواس: قال لي حسين بن الضحّاك يوما: يا أبا عليّ، أما ترى غضب يسر عليّ! فقلت له: وما كان سبب ذلك؟ قال: حال أردتها منه فمنعنيها فغضبت؛ فأسألك أن تصلح بيني وبينه. فقلت: وما تحبّ أن أبلغه عنك؟
قال: تقول له:
__________
[1] الزلم: السهم.
بحرمة السّكر وما كانا ... عزمت أن تقتل إنسانا!
أخاف أن تهجرني صاحيا ... بعد سروري بك سكرانا
/ إنّ بقلبي روعة كلما ... أضمر لي قلبك هجرانا
يا ليت ظنّي أبدا كاذب ... فإنه يصدق أحيانا
قال: فقلت له: ويحك! أتجتنبه وتريد أن تترضّاه وترسل إليه بمثل هذه الرسالة! فقال لي: أنا أعرف به، وهو كثير التبذّل [1]، فأبلغه ما سألتك؛ فأبلغته فرضي عنه وأصلحت بينهما.
حدّثني جعفر بن قدامة قال حدّثني عليّ بن يحيى قال:
جاءني يوما حسين بن الضحّاك، فقلت له: أيّ شيء كان خبرك أمس؟ فقال لي: اسمعه شعرا ولا أزيدك على ذلك وهو أحسن؛ فقلت: هات يا سيّدي؛ فقال:
زائرة زارت على غفلة ... يا حبّذا الزّورة والزائره
فلم أزل أخدعها ليلتي ... خديعة السّاحر للسّاحره
حتى إذا ما أذعنت بالرّضا ... وأنعمت دارت بها الدائره
بتّ إلى الصبح بها ساهرا ... وباتت الجوزاء بي ساهره
أفعل ما شئت بها ليلتي ... وملء عيني نعمة ظاهره
فلم ننم إلّا على تسعة ... من غلمة بي وبها ثائره
سقيا لها لا لأخي شعرة ... شعرته كالشّعرة الوافره
وبين رجليه له حربة ... مشهورة في حقوه [2] شاهره
وفي غد يتبعها لحية ... تلحقه بالكرّة الخاسره
قال: فقلت له: زنيت يعلم اللّه إن كنت صادقا. فقال: قل أنت ما شئت.
أغرى الواثق بالصبوح:
حدّثني الحسن بن عليّ قال حدّثنا أبو العيناء قال:
دخل حسين بن الضحاك على الواثق في خلافة المعتصم/ في يوم طيّب، فحثّه على الصّبوح فلم ينشط له.
فقال: اسمع ما قلت؛ قال: هات؛ فأنشده:
استثر اللهو من مكامنه ... من قبل يوم منغّص ناهي
بابنة كرم من كفّ منتطق ... مؤتزر بالمجون تيّاه
__________
[1] لعله «كثير التبدّل» بالدال المهملة. أي كثير التغير لا يبقى على حال.
[2] في أ، ء، م: «حفرة».
يسقيك من لحظه ومن يده ... سقى لطيف مجرّب داهي
كأسا فكأسا كأنّ شاربها ... حيران بين الذّكور والسّاهي
قال: فنشط الواثق وقال: إنّ فرصة العيش لحقيقة أن تنتهز؛ واصطبح ووصل الحسين.
شعره في جارية:
حدّثني الحسن بن عليّ قال حدّثنا محمد بن القاسم [1] بن مهرويه قال حدّثني أبو الشّبل عاصم بن وهب البرجمي قال:
حجّ الحسين بن الضحّاك، فمرّ في منصرفه على موضع يعرف بالقريتين [2]، فإذا جارية تطّلع في ثيابها وتنظر في حرها ثم تضربه بيدها وتقول: ما أضيعني وأضيعك! فأنشأ يقول:
مررت بالقريتين منصرفا ... من حيث يقضي ذوو النّهى النّسكا
إذا فتاة كأنها قمر ... للتّمّ لمّا توسّط الفلكا
واضعة كفّها على حرها ... تقول يا ضيعتي وضيعتكا
/ قال: فلما سمعت قوله ضحكت وغطّت وجهها وقالت: وافضيحتاه! أو قد سمعت ما قلت!.
شعره في شفيع خادم المتوكل:
حدّثني محمد الصّوليّ قال حدّثني ميمون بن هارون قال:
كان الحسين بن الضحّاك صديقا لأبي، وكنت ألقاه معه كثيرا، وكانت نفسه قد تتبّعت شفيعا بعد انصرافه من مجلس المتوكل؛ فأنشدنا لنفسه فيه:
وأبيض في حمر الثياب كأنه ... إذا ما بدا نسرينة [3] في شقائق
سقاني بكفّيه رحيقا وسامني ... فسوقا بعينيه ولست بفاسق
وأقسم لو لا خشية اللّه وحده ... ومن لا أسمّي كنت أوّل عاشق
وإنّي لمعذور على وجناته ... وإن وسمتني شيبة في المفارق
ولا عشق لي أو يحدث الدهر شرّة ... تعود بعادات الشباب المفارق
ولو كنت شكلا للصّبا لاتّبعته ... ولكن سنّي بالصّبا غير لائق
__________
[1] في ح «قال حدّثنا محمد بن إسحاق القاسم بن مهرويه». وفي سائر الأصول: «قال حدّثنا محمد بن إسحاق عن القاسم بن مهرويه». والظاهر أنهما تحريف لأنه تكرر أكثر من مرة أن الحسن بن علي الخفاف يروي عن محمد بن القاسم بن مهرويه. (انظر الصحف 151، 155، 166، 215 من هذا الجزء).
[2] القريتان: قرية قريبة من النباج في طريق مكة من البصرة.
[3] النسرين: ضرب من الرياحين.
توفي ابنه محمد فطلب من المتوكل أن يجري أرزاقه على زوجته وأولاده:
حدّثني الصّوليّ قال حدّثنا ميمون بن هارون قال:
كان للحسين بن الضحّاك ابن يسمّى محمدا، له أرزاق، فمات فقطعت أرزاقه. فقال يخاطب المتوكّل ويسأله أن يجعل أرزاق ابنه المتوفّى لزوجته وأولاده:
إنّي أتيتك شافعا ... بوليّ عهد المسلمينا
وشبيهك المعتزّ أو ... جه شافع في العالمينا
يابن الخلائق الأوّلي ... ن ويا أبا المتأخّرينا
إنّ ابن عبدك مات وا ... لأيّام تخترم القرينا
ومضى وخلّف صبية ... بعراصه متلدّدينا [1]
/و مهيرة عبرى خلا ... ف أقارب مستعبرينا
أصبحن في ريب الحوا ... دث يحسنون بك الظّنونا
قطع الولاة جراية ... كانوا بها مستمسكينا
فامنن بردّ جميع ما ... قطعوه غير مراقبينا
أعطاك أفضل ما تؤ ... مّل أفضل المتفضّلينا
قال: فأمر المتوكل له بما سأل. فقال يشكره:
يا خير مستخلف من آل عبّاس ... اسلم وليس على الأيّام من باس
أحييت من أملي نضوا تعاوره ... تعاقب اليأس حتى مات بالياس
هجا مغنية فهربت وانقطع خبرها:
أخبرني جعفر بن قدامة قال حدّثني محمد بن عبد اللّه بن مالك قال:
كنّا في مجلس ومعنا حسين بن الضحّاك ونحن على نبيذ؛ فعبث بالمغنّية وجمّشها [2]؛ فصاحت عليه واستخفّت به. فأنشأ يقول:
لها في وجهها عكن ... وثلثا وجهها ذقن
وأسنان كريش ... البطّ بين أصولها عفن
قال: فضحكنا، وبكت المغنّية حتى قلت قد عميت؛ وما انتفعنا بها بقيّة يومنا. وشاع هذان البيتان فكسدت من أجلهما. وكانت إذا حضرت في موضع أنشدوا البيتين فتجنّ. ثم هربت من سرّ من رأى، فما عرفنا لها بعد ذلك خبرا.
__________
[1] المتلدد: المتحير.
[2] في ب، س: «و خمشها» بالخاء، وهو تصحيف.
قال جعفر وحدّثنا أبو العيناء أنه حضر هذا المجلس، وحكى مثل ما حكاه محمد.
حديثه عن سنه:
حدّثني عمّي قال حدّثني يزيد بن محمد المهلّبيّ قال:
/ سألت حسين بن الضحّاك ونحن في مجلس المتوكل عن سنّه؛ فقال: لست أحفظ السنة التي ولدت فيها بعينها، ولكنّي أذكر وأنا بالبصرة موت شعبة بن الحجّاج سنة ستين ومائة.
وشى به جماعة إلى المتوكل فاسترضاه بشعر فأجازه:
حدّثني الصّوليّ قال حدّثني عليّ بن محمد بن نصر قال حدّثني خالي (يعني أحمد بن حمدون) قال:
أمر المتوكل أن ينادمه حسين بن الضحّاك ويلازمه؛ فلم يطق ذلك لكبر سنّه. فقال للمتوكل بعض من حضر عنده: هو يطيق الذّهاب إلى القرى والمواخير والسكر فيها ويعجز عن خدمتك!. فبلغه ذلك، فدفع إليّ أبياتا قالها وسألني إيصالها؛ فأوصلتها إلى المتوكّل، وهي:
أما في ثمانين وفّيتها ... عذير وإن أنا لم أعتذر
فكيف وقد جزتها صاعدا ... مع الصّاعدين بتسع أخر
وقد رفع اللّه أقلامه ... عن ابن ثمانين دون البشر
سوى من أصرّ على فتنة ... وألحد في دينه أو كفر
وإنّي لمن أسراء الإل ... ه في الأرض نصب صروف القدر
فإن يقض لي عملا صالحا ... أثاب وإن يقض شرّا غفر
فلا تلح في كبر هدّني ... فلا ذنب لي أن بلغت الكبر
هو الشيب حلّ بعقب الشباب ... فأعقبني خورا من أشر
/ وقد بسط اللّه لي عذره ... فمن ذا يلوم إذا ما عذر
وإنّي لفي كنف مغدق ... وعزّ بنصر أبي المنتصر
يباري الرياح بفضل السما ... ح حتى تبلّد أو تنحسر
/ له أكّد الوحي ميراثه ... ومن ذا يخالف وحي السّور
وما للحسود وأشياعه ... ومن كذّب الحقّ إلا الحجر
قال ابن حمدون: فلما أوصلتها شيّعتها بكلامي أعذره، وقلت: لو أطاق خدمة أمير المؤمنين لكان أسعد بها.
فقال المتوكل: صدقت، خذ له عشرين ألف درهم واحملها إليه؛ فأخذتها فحملتها إليه.
ضربه الخلفاء من الرشيد إلى الواثق:
حدّثني عمّي قال حدّثني عليّ بن محمد بن نصر قال حدّثني خالي عن حسين بن الضحّاك قال:
ضربني الرشيد في خلافته لصحبتي ولده، ثم ضربني الأمين لممايلة ابنه عبد اللّه، ثم ضربني المأمون لميلي إلى
محمد، ثم ضربني المعتصم لمودّة كانت بيني وبين العبّاس بن المأمون، ثم ضربني الواثق لشيء بلغه من ذهابي إلى المتوكّل، وكلّ ذلك يجري مجرى الولع بي والتحذير لي. ثم أحضرني المتوكّل وأمر شفيعا بالولع بي، فتغاضب المتوكّل عليّ. فقلت له: يا أمير المؤمنين، إن كنت تريد أن تضربني كما ضربني آباؤك، فاعلم أنّ آخر ضرب [1] ضربته بسببك. فضحك وقال: بل أحسن إليك يا حسين وأصونك وأكرمك.
وصف حاله في أواخر أيامه بشعر:
حدّثني أحمد بن عبيد اللّه بن عمّار قال حدّثني يعقوب بن إسرائيل قال حدّثني محمد بن محمد بن مروان الأبزاريّ [2] قال:
دخلت على حسين بن الضحّاك، فقلت له: كيف أنت؟ جعلني اللّه فداءك! فبكى ثم أنشأ يقول:
أصبحت من أسراء اللّه محتبسا ... في الأرض نحو قضاء اللّه والقدر
إنّ الثمانين إذ وفّيت عدّتها ... لم تبق باقية منّي ولم تذر
__________
[1] في ح: «سوط».
[2] نسبة إلى أبزار، وهي قرية بينها وبين نيسابور فرسخان. وقد تقدم في صفحة 216 من هذا الجزء: «الأنباري».
9 - أخبار أبي زكّار الأعمى
مغنّ بغداديّ قديم انقطع لآل برمك:
قال أبو الفرج: أبو زكّار هذا رجل من أهل بغداد من قدماء المغنّين، وكان منقطعا إلى آل برمك، وكانوا يؤثرونه ويفضلون عليه إفضالا.
قتل جعفر البرمكي وهو يغنيه:
فحدّثني محمد بن جعفر بن قدامة قال حدّثني محمد بن عبد اللّه بن مالك الخزاعيّ قال: سمعت مسرورا يحدّث أبي قال:
لمّا أمرني الرشيد بقتل جعفر بن يحيى، دخلت عليه وعنده أبو زكّار الأعمى وهو يغنّيه بصوت لم أسمع بمثله:
فلا تبعد [1] فكلّ فتى سيأتي ... عليه الموت يطرق أو يغادي
وكلّ ذخيرة لا بدّ يوما ... وإن بقيت تصير إلى نفاد
ولو يفدى من الحدثان شيء ... فديتك بالطّريف وبالتّلاد
طلب أن يقتل مع جعفر فأمر الرشيد بالإحسان إليه:
فقلت له: في هذا واللّه أتيتك! فأخذت بيده فأقمته وأمرت بضرب عنقه. فقال لي أبو زكّار: نشدتك اللّه إلّا ألحقتني به. فقلت: وما رغبتك في ذلك؟ قال: إنه أغناني عمّن سواه بإحسانه، فما أحبّ أن أبقى بعده. فقلت:
أستأمر أمير المؤمنين في ذلك. فلما أتيت الرشيد برأس جعفر أخبرته بقصّة أبي زكّار؛ فقال لي: هذا رجل فيه مصطنع، فاضممه إليك وانظر/ ما كان يجريه عليه فأتممه له.
قال إسحاق الموصلي عن صوت له: هو معرق في العمى:
حدّثني الحسين بن يحيى عن حمّاد بن إسحاق قال:
غنّى علّويه يوما بحضرة أبي؛ فقال أبي: مه! هذا الصوت معرق [2] في العمى. الشّعر لبشّار الأعمى، والغناء لأبي زكّار الأعمى، وأوّل الصوت «عميت أمري».
__________
[1] لا تبعد: لا تهلك.
[2] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «معروف في العمى».
صوت من المائة المختارة من رواية جحظة عن أصحابه
ما جرت خطرة على القلب منّي ... فيك إلا استترت عن أصحابي
من دموع تجري، فإن كنت وحدي ... خاليا أسعدت دموعي انتحابي
إن حبّي إيّاك قد سلّ جسمي ... ورماني بالشيب قبل الشباب
لو منحت اللقا شفى بك صبّا ... هائم القلب قد ثوى في التراب
الشعر في الأبيات للسيّد الحميريّ. والغناء لمحمد نعجة الكوفيّ، مغنّ غير مشهور ولا ممّن خدم الخلفاء وليس له خبر. ولحنه المختار ثاني ثقيل مطلق في مجرى البنصر. وذكر حبش أن لمحمد نعجة فيه أيضا خفيف رمل بالبنصر.
10 - أخبار السيّد الحميريّ
نسبه:
السيّد لقبه. واسمه إسماعيل بن محمد بن يزيد بن ربيعة بن مفرّغ الحميريّ. ويكنى أبا هاشم. وأمه امرأة من الأزد ثم من بني الحدّان. وجدّه يزيد بن ربيعة، شاعر مشهور، وهو الذي هجا زيادا [1] وبنيه ونفاهم عن آل حرب؛ وحبسه عبيد [2] اللّه بن زياد لذلك وعذّبه، ثم أطلقه معاوية. وخبره في هذا طويل يذكر في موضعه [3] مع سائر أخباره؛ إذ كان الغرض هاهنا ذكر أخبار السيّد.
ووجدت في بعض الكتب عن إسحاق بن محمد النّخعيّ قال: سمعت ابن عائشة والقحذميّ يقولان: هو يزيد بن مفرّغ، ومن قال: إنه يزيد بن معاوية فقد/ أخطأ. ومفرّغ لقب ربيعة؛ لأنه راهن أن يشرب عسّا من لبن فشربه حتى فرّغه؛ فلقّب مفرّغا. وكان شعّابا [4] بسيالة، ثم صار إلى البصرة.
شاعر متقدّم مطبوع، وترك شعره لذمة الصحابة:
وكان شاعرا متقدّما مطبوعا. يقال: إن أكثر الناس شعرا في الجاهلية والإسلام ثلاثة: بشّار، وأبو العتاهية، والسيّد؛ فإنه لا يعلم أن أحدا قدر على تحصيل شعر أحد منهم أجمع.
وإنما مات ذكره وهجر الناس شعره لما كان يفرط فيه من سبّ أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأزواجه في شعره ويستعمله من قذفهم والطعن عليهم،/ فتحومي شعره من هذا الجنس وغيره لذلك، وهجره الناس تخوّفا وتراقبا [5]. وله طراز من الشعر ومذهب قلّما يلحق فيه أو يقاربه. ولا يعرف له من الشعر كثير. وليس يخلو من مدح بني هاشم أو ذمّ غيرهم ممّن هو عنده ضدّ لهم. ولو لا أنّ أخباره كلّها تجري هذا المجرى ولا تخرج عنه لوجب ألّا نذكر منها شيئا؛ ولكنّا شرطنا أن نأتي بأخبار من نذكره من الشعراء؛ فلم نجد بدّا من ذكر أسلم ما وجدناه له وأخلاها من سيّ ء اختياره [6] على قلّة ذلك ..
كان أبواه إباضيين ولما تشيع هما بقتله:
أخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن عمّار قال حدّثني عليّ بن محمد النّوفليّ عن إسماعيل بن الساحر راوية السيّد، قال ابن عمّار وحدّثني أحمد بن سليمان بن أبي شيخ عن أبيه:
__________
[1] هو زياد ابن أبيه الأموي. كان واليا على العراق في أيام معاوية بن أبي سفيان.
[2] هو عبيد اللّه بن زياد ابن أبيه، ولى العراق لمعاوية ثم لابنه يزيد. وهو الذي أمر بقتال الحسين بن علي رضي اللّه عنه.
[3] ذكرت ترجمته في «الأغاني» (ج 17 ص 51 - 73 طبع بولاق).
[4] الشعاب: مصلح الشعب وهو الصدع يكون في الإناء. والسيالة: أول مرحلة لأهل المدينة إذا أرادوا مكة.
[5] لعله: «توقيا».
[6] لعله: «و أخلاه من سيء أخباره».
أن أبوى السيّد كانا إياضيّين [1]، وكان منزلهما بالبصرة في غرفة بني ضبّة، وكان السيّد يقول: طالما سبّ أمير المؤمنين في هذه الغرفة. فإذا سئل عن التشيّع من أين وقع له، قال: غاصت عليّ الرحمة غوصا.
وروي عن السيّد أن أبويه لمّا علما بمذهبه همّا بقتله؛ فأتى عقبة [2] بن سلّم الهنائيّ فأخبره بذلك، فأجاره وبوّأه منزلا وهبه له، فكان فيه حتى ماتا فورثهما.
قال راويته: إنه على مذهب الكيسانية:
وقد أخبرني الحسن [3] بن علي البرّيّ عن محمد بن عامر عن القاسم بن الرّبيع عن أبي داود سليمان بن سفيان المعروف بالحنزق [4] راوية السيّد الحميريّ قال: ما مضى واللّه إلّا على مذهب الكيسانيّة [5]. وهذه القصائد التي يقولها الناس مثل:
تجعفرت باسم اللّه واللّه أكبر
و
تجعفرت باسم اللّه فيمن تجعفرا
وقوله:
أيا راكبا نحو المدينة جسرة [6] ... عذافرة تهوي بها كلّ سبسب
إذا ما هداك اللّه لاقيت جعفرا ... فقل يا أمين اللّه وابن المهذّب
لغلام للسيّد يقال له قاسم الخيّاط، قالها ونحلها للسيّد، وجازت على كثير من الناس ممّن لم يعرف خبرها، بمحل قاسم منه وخدمته إيّاه.
أوصافه الجسمية ومواهبه:
أخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن عمّار قال حدّثني عليّ بن محمد النّوفليّ قال حدّثني أبو جعفر الأعرج ابن بنت الفضيل [7] بن بشّار قال:
كان السيّد أسمر، تامّ القامة، أشنب [8]، ذا وفرة [9]، حسن الألفاظ، جميل الخطاب، إذا تحدّث في مجلس قوم أعطى كلّ رجل في المجلس نصيبه من حديثه.
__________
[1] الإباضية (بكسر الهمزة): أصحاب عبد اللّه بن إباض الذي خرج في أيام مروان بن محمد، وهم قوم من الحرورية، زعموا أن مخالفهم كافر لا مشرك تجوز مناكحته. وكفروا عليا وأكثر الصحابة. (انظر «شرح القاموس» مادة أبض و «الملل والنحل» للشهرستاني).
[2] هو عقبة بن سلّم الهنائي من بني هناءة (بطن من الأزد). ولي البصرة لأبي جعفر المنصور. (انظر الكلام عليه في «الطبري» ق 3 ص 145، 146، ص 344، 352، 353).
[3] في أ، م: «الحسين».
[4] في أ، ء، م: «الحترق».
[5] الكيسانية: فرقة من الشيعة الإمامية، وهم أصحاب كيسان مولى علي بن أبي طالب، وقيل: هو تلميذ لمحمد بن الحنفية. يجمعهم القول بأن الدين طاعة رجل. ومذهبهم مبسوط في علم الكلام.
[6] الجسرة: العظيمة من الإبل. والعذافرة: الشديدة منها.
[7] في أ، ء، م: «الفضل».
[8] الشنب: البياض والبريق والتجديد في الأسنان.
[9] الوفرة: ما جاوز شحمة الأذنين من الشعر.
حديث الفرزدق عنه وعن عمران بن حطان:
أخبرني أحمد قال حدّثني محمد بن عبّاد عن أبي عمرو الشّيبانيّ عن لبطة [1] بن الفرزدق قال:
/ تذاكرنا الشعراء عند أبي، فقال: إن هاهنا لرجلين لو أخذا في معنى الناس لما كنّا معهما في شيء. فسألناه من هما؟ فقال: السيّد الحميريّ وعمران بن حطّان السّدوسيّ [2]، ولكنّ اللّه عزّ وجلّ قد شغل كلّ واحد منهما بالقول في مذهبه.
كان نتن الإبطين:
أخبرني عيسى بن الحسين الورّاق قال حدّثني/ عليّ بن محمد النّوفليّ قال حدّثني أبو جعفر ابن بنت الفضيل [3] بن بشار قال:
كان السيّد أسمر، تامّ الخلقة، أشنب، ذا وفرة، حسن الألفاظ، وكان مع ذلك أنتن الناس إبطين، لا يقدر أحد على الجلوس معه لنتن رائحتهما.
مدح الأصمعي شعره وذم مذهبه:
قال حدّثني التّوزيّ قال: رأى الأصمعيّ جزءا فيه من شعر السيّد، فقال: لمن هذا؟ فسترته عنه لعلمي بما عنده فيه؛ فأقسم عليّ أن أخبره فأخبرته؛ فقال: أنشدني قصيدة منه؛ فأنشدته ثم أخرى وهو يستزيدني، ثم قال:
قبحه اللّه ما أسلكه لطريق الفحول! لو لا مذهبه ولو لا ما في شعره ما قدّمت عليه أحدا من طبقته.
مدح أبو عبيدة شعره:
أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال حدّثنا أبو حاتم قال: سمعت أبا عبيدة يقول: أشعر المحدثين السيّد الحميريّ وبشار.
قال راويته: إنه على مذهب محمد بن الحنفية:
أخبرني عمّي قال حدّثني الحسن بن عليل العنزيّ عن أبي شراعة القيسيّ عن مسعود بن بشر:
/ أن جماعة تذاكروا أمر السيّد، وأنه رجع عن مذهبه في ابن الحنفيّة [4] وقال بإمامة جعفر [5] بن محمد. فقال
__________
[1] في الأصول: «ليطه» بالياء المثناة من تحت. والتصويب عن «القاموس» مادة «لبط».
[2] كذا في ح: وج 16 ص 152 من «الأغاني» طبع بولاق، وقد وردت فيه ترجمته. وفي سائر الأصول هنا: «الدوسي»، وهو تحريف.
[3] انظر الحاشية رقم 5 في الصفحة السابقة.
[4] هو محمد بن علي بن أبي طالب، وأمه خولة بنت جعفر من بني حنيفة، وكنيته أبو القاسم. وكانت الكيسانية التي ذكرت آنفا والتي منها السيد الحميري تعتقد إمامته وأنه بجبل رضوى (جبل بالمدينة) في شعب منه وأنه لم يمت، دخل الجبل ومعه أربعون من أصحابه ولم يوقف لهم على خبر، وهم أحياء يرزقون. ويقولون: إنه مقيم في هذا الجبل بين أسد ونمر وعنده عينان نضاختان تجريان عسلا وماء، وأنه يرجع إلى الدنيا فيملؤها عدلا. وقد زعمت الشيعة أنه المهدي. هكذا ذكره ابن خلكان في «وفيات الأعيان» (ج 1 ص 640 طبع بولاق) و«تهذيب التهذيب». وقد تضمنت القصيدة الدالية الواردة في هذه الترجمة جميع ما ذكر.
[5] هو جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي بن زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب. ذكر في «الملل والنحل» بعد كلام كثير: «و الشيعة متفقون في سوق الإمامة إلى جعفر بن محمد الصادق مختلفون في المنصوص عليه بعده من أولاده». وجاء في
ابن الساحر راويته: واللّه ما رجع عن ذلك ولا القصائد الجعفريّات إلا منحولة له قيلت بعده. وآخر عهدي به قبل موته بثلاث وقد سمع رجلا [1] يروى عن النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنه قال لعليّ عليه السّلام: «إنه سيولد لك بعدي ولد وقد نحلته اسمي وكنيتي» فقال في ذلك وهي آخر قصيدة قالها:
أشاقتك المنازل بعد هند ... وتربيها وذات الدّلّ دعد
منازل أقفرت منهنّ محّت [2] ... معالمهن من سبل [3] ورعد
وريح حرجف [4] تستنّ فيها ... بسافي التّرب تلحم ما تسدّي
ألم يبلغك والأنباء تنمي ... مقال محمد فيما يؤدّي
إلى ذي علمه الهادي على ... وخولة خادم في البيت تردي [5]
/ألم تر أنّ خولة سوف تأتي ... بواري الزّند صافي الخيم [6] نجد
يفوز بكنيتي واسمي لأنّي ... نحلتهماه [7] والمهديّ بعدي
يغيّب عنهم حتى يقولوا ... تضمّنه بطيبة بطن لحد
سنين وأشهرا ويرى برضوى ... بشعب بين أنمار وأسد
مقيم بين آرام وعين ... وحفّان [8] تروح خلال ربد
تراعيها السّباع وليس منها ... ملاقيهنّ مفترسا بحدّ
أمنّ به الرّدى فرتعن طورا [9] ... بلا خوف لدى مرعى وورد
حلفت بربّ مكة والمصلّى ... وبيت طاهر الأركان فرد
يطوف به الحجيج وكلّ عام ... يحلّ لديه وفد بعد وفد
لقد كان ابن خولة غير شك ... صفاء ولايتي وخلوص ودّي
فما أحد أحبّ إليّ فيما ... أسرّ وما أبوح به وأبدي
سوى ذي الوحي أحمد أو عليّ ... ولا أزكى وأطيب منه عندي
__________
«الملل والنحل» أيضا: «الباقرية والجعفرية الواقفة أصحاب أبي جعفر محمد بن علي الباقر وابنه جعفر الصادق قالوا بإمامتهما وإمامة والدهما زين العابدين إلا أن منهم من توقف على واحد منهما». («الملل والنحل» ص 124 - 125).
[1] في ح: «راويا».
[2] محت: عفت.
[3] السبل: المطر. وفي ب، س: «سيل» بالياء المثناة.
[4] ريح حرجف: باردة. وتستن: تعدو فيها إقبالا وإدبارا.
[5] تردي: تلعب، يقال: الجواري يردين رديا إذا رفعن رجلا ومشين على أخرى يلعبن.
[6] الخيم: الطبيعة والسجية.
[7] في الأصول: «نحلتهما هو المهدي».
[8] الحفان: صغار النعام.
[9] كذا بالأصل ولعله: «صورا» جمع صوراء وهي المائلة العنق على أن يكون المراد أنها لا ترفع رأسها خوف ما يزعجها.
/
ومن ذا يابن خولة إذ رمتني ... بأسهمها المنّية حين وعدي
يذبّب عنكم ويسدّ مما ... تثلّم من حصونكم كسدّي
وما لي أن أمرّ به ولكن ... أؤمّل أن يؤخّر يوم فقدي
فأدرك دولة لك لست فيها ... بجبّار فتوصف بالتّعدّي
على قوم بغوا فيكم علينا ... لتعدي منكم [1] يا خير معد
لتعل بنا عليهم حيث كانوا ... بغور من تهامة أو بنجد
/ إذا ما سرت من بلد حرام ... إلى من بالمدينة من معدّ
وما ذا غرّهم والخير منهم ... بأشوس [2] أعصل الأنياب ورد
وأنت لمن بغى وعدا وأذكى ... عليك الحرب واسترداك مرد
في البيتين الأوّلين من هذه القصيدة غناء، نسبته:
صوت
أشاقتك المنازل بعد هند ... وتربيها وذات الدّلّ دعد
منازل أقفرت منهنّ محّت ... معالمهن من سبل ورعد
عروضه من الوافر. الشعر للسيّد الحميريّ. والغناء لمعبد ثقيل أوّل بالسبّابة في مجرى البنصر عن يحيى المكيّ. وذكر الهشاميّ أنه لكردم. وذكر عمرو بن بانة أن اللّحن لمالك ثقيل أوّل بالوسطى.
ذكر إسماعيل بن الساحر مذهبه وكان راويته:
وقال إسماعيل بن الساحر راوية السيّد: كنت عنده يوما في جناح له، فأجال بصره فيه ثم قال: يا إسماعيل، طال واللّه ما شتم أمير المؤمنين عليّ في هذا الجناح. قلت: ومن كان يفعل؟ قال: أبواي. وكان يذهب مذهب الكيسانيّة ويقول بإمامة محمد بن الحنفيّة، وله في ذلك شعر كثير. وقد روى بعض من لم تصحّ روايته أنه رجع عن مذهبه وقال بمذهب الإماميّة [3]، وله في ذلك:
تجعفرت باسم اللّه واللّه أكبر ... وأيقنت أنّ اللّه يعفو ويغفر
/ وما وجدنا ذلك في رواية محصّل، ولا شعره أيضا من هذا الجنس ولا في هذا المذهب، لأن هذا شعر ضعيف يتبيّن التوليد فيه، وشعره في قصائده الكيسانيّة مباين لهذا جزالة ومتانة، وله رونق ومعنى ليسا لما يذكر عنه في غيره.
__________
[1] يقال: استعداه فأعداه أي استنصره فنصره. ويحتمل أن «منكم» صفة لمحذوف أي لتنصر حزبا أو فريقا منكم.
[2] الشوس: النظر بمؤخر العين وإمالة الوجه في شق العين التي ينظر بها، ويكون ذلك من الكبر والتيه أو الغضب. وأعصل الأنياب:
معوجها.
[3] الإمامية: هم القائلون بإمامة علي عليه السّلام بعد النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم نصا ظاهرا وتعيينا صادقا من غير تعريض بالوصف بل إشارة إليه بالعين.
(انظر الكلام على ذلك بإسهاب في «الملل والنحل» ص 122 طبع أوروبا).
مدح الأصمعي شعره وذم مذهبه:
أخبرني عليّ بن سليمان الأخفش قال حدّثنا محمد بن يزيد الثّماليّ قال حدّثني التّوّزيّ قال قال لي الأصمعيّ:
أحبّ أن تأتيني بشيء من شعر هذا الحميريّ فعل اللّه به وفعل؛ فأتيته بشيء منه؛ فقرأه فقال: قاتله اللّه! ما أطبعه وأسلكه لسبيل الشعراء! واللّه لو لا ما في شعره من سبّ السّلف لما تقدّمه من طبقته أحد.
مدح أبو عبيدة شعره وكان يرويه:
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ قال حدّثنا عمر بن شبّة قال:
أتيت أبا عبيدة معمر بن المثنّى يوما وعنده رجل من بني هاشم يقرأ عليه كتابا؛ فلما رآني أطبقه. فقال له أبو عبيدة: إن أبا زيد ليس ممّن يحتشم منه، فأقرأ. فأخذ الكتاب وجعل يقرؤه، فإذا هو شعر السيّد. فجعل أبو عبيدة يعجب منه ويستحسنه. قال أبو زيد: وكان أبو عبيدة يرويه. قال: وسمعت محمد/ بن أبي بكر المقدّميّ يقول:
سمعت جعفر [1] بن سليمان الضّبعي ينشد شعر السيّد.
أخبرني ابن دريد قال: سئل أبو عبيدة من أشعر المولّدين؟ قال: السيّد وبشّار.
كثرة شعره وعدم الإحاطة به:
وقال الموصليّ حدّثني عمّي قال:
جمعت للسيّد في بني هاشم ألفين وثلاثمائة قصيدة؛ فخلت أن قد استوعبت شعره، حتى جلس إليّ يوما رجل ذو أطمار رثّة، فسمعني أنشد شيئا من شعره،/ فأنشدني له ثلاث قصائد لم تكن عندي. فقلت في نفسي: لو كان هذا يعلم ما عندي كلّه ثم أنشدني بعده ما ليس عندي لكان عجيبا، فكيف وهو لا يعلم وإنما أنشد ما حضره! وعرفت حينئذ أن شعره ليس ممّا يدرك ولا يمكن جمعه كله.
رأي بشار فيه:
أخبرني عمّي قال حدّثني الكرانيّ عن ابن عائشة قال:
وقف السيّد على بشّار وهو ينشد الشعر؛ فأقبل عليه وقال:
أيّها المادح العباد ليعظى ... إنّ اللّه ما بأيدي العباد
فاسأل اللّه ما طلبت إليهم ... وارج نفع المنزّل العوّاد
لا تقل في الجواد ما ليس فيه ... وتسمّي البخيل باسم الجواد
قال بشّار: من هذا؟ فعرّفه؛ فقال: لو لا أن هذا الرجل قد شغل عنّا بمدح بني هاشم لشغلنا، ولو شاركنا في مذهبنا لأتعبنا. وروي في هذا الخبر أنّ عمران بن حطّان الشّاري [2] خاطب الفرزدق بهذه المخاطبة وأجابه بهذا الجواب.
__________
[1] يكني أبا سليمان النصري، كان ينزل في بني ضبيعة فنسب إليهم. وهو حسن الحديث معروف بالتشيع. (انظر «تهذيب التهذيب» ج 1 ص 96).
[2] الشاري: أحد الشراة وهم طائفة من الخوارج يزعمون أنهم شروا أنفسهم وابتاعوا آخرتهم بدنياهم. قال أحدهم وهو معدان الإيادي:
إذا قال في شعره «دع ذا» أتى بعده سب السلف:
أخبرني عليّ بن سليمان الأخفش عن سعيد بن المسيّب عن أبي سعيد السكّريّ عن الطّوسيّ قال: إذا رأيت في شعر السيّد «دع ذا» فدعه؛ فإنه لا يأتي بعده إلا سبّ السّلف أو بليّة من بلاياه.
قال له ابن سيرين في رؤيا قصها عليه: تكون شاعرا:
وروى الحسن بن عليّ بن المعتزّ الكوفيّ عن أبيه عن السيّد قال: رأيت النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في النوم وكأنه [1] في حديقة سبخة [2] فيها نخل طوال وإلى جانبها أرض كأنها/ الكافور ليس فيها شي ء؛ فقال: أتدريّ لمن هذا النخل؟ قلت:
لا يا رسول اللّه؛ قال: لامرىء القيس بن حجر، فاقلعها واغرسها في هذه الأرض ففعلت. وأتيت ابن سيرين فقصصت رؤياي عليه؛ فقال: أتقول الشعر؟ قلت: لا؛ قال: أما إنك ستقول شعرا مثل شعر امرىء القيس إلا أنّك تقوله [3] في قوم بررة أطهار. قال: فما انصرفت إلّا وأنا أقول الشعر.
أنشد غانم الوراق من شعره لجماعة فمدحوه:
قال الحسن وحدّثني غانم الورّاق قال: خرجت إلى بادية البصرة فصرت إلى عمرو بن تميم، فأثبتني بعضهم فقال: هذا الشيخ واللّه راوية. فجلسوا إليّ وأنسوا بي، وأنشدتهم، وبدأت بشعر ذي الرمّة فعرفوه، وبشعر جرير والفرزدق فعرفوهما؛ ثم أنشدتهم للسيّد:
أتعرف رسما بالسّويّين [4] قد دثر ... عفته أهاضيب [5] السحائب والمطر
وجرّت به الأذيال ريحان خلفة ... صبا ودبور بالعشيّات والبكر
منازل قد كانت تكون بجوّها ... هضيم الحشاريّا الشّوى سحرها النظر
قطوف الخطا خمصانة بختريّة [6] ... كأنّ محيّاها سنا دارة القمر
رمتني ببعد بعد قرب بها النّوى ... فبانت ولمّا أقض من عبدة الوطر
ولما رأتني خشية البين موجعا ... أكفكف منّي أدمعا فيضها [7] درر
/ أشارت بأطراف إليّ ودمعها ... كنظم جمان خانه السّلك فانتثر
وقد كنت ممّا أحدث البين حاذرا ... فلم يغن عنّي منه خوفي والحذر
__________
سلام على من بايع اللّه شاربا ... وليس على الحرب المقيم سلام
[1] في أ، ء، م: «و كان».
[2] السبخة: الأرض التي تعلوها الملوحة ولا تكاد تنبت إلا بعض الشجر.
[3] كذا في ح. وفي ب، أ، ء، م: «تقول». وفي س: «تقوم له» وهو تحريف.
[4] كذا في أ، ء، م. وفي سائر الأصول: «الثوبين» ولم نقف عليها.
[5] الأهاضيب: حلبات القطر.
[6] البخترية: الحسنة المشية والجسم.
[7] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «بيضها» بالباء الموحدة، وهو تحريف.
/ قال: فجعلوا يمرّقون [1] لإنشادي ويطربون، وقالوا: لمن هذا؟ فأعلمتهم؛ فقالوا: هو واللّه أحد المطبوعين، لا واللّه ما بقي في هذا الزمان مثله.
له من الشعر ما يجوز أن يقرأ على المنابر:
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا أحمد بن سعيد الدّمشقيّ قال حدّثنا الزبير بن بكّار قال: سمعت عمّي يقول:
لو أنّ قصيدة السيّد التي يقول فيها:
إنّ يوم التطهير يوم عظيم ... خصّ بالفضل فيه أهل الكساء [2]
قرئت على منبر ما كان فيها بأس، ولو أن شعره كلّه كان مثله لرويناه وما عيّبناه.
وأخبرني أبو الحسن الأسديّ قال حدّثنا العباس بن ميمون طائع قال حدّثنا نافع عن التّوّزيّ بهذه الحكاية بعينها فإنّه قالها في:
إن يوم التّطهير يوم عظيم
قال: ولم يكن التّوّزيّ متشيّعا.
سمع أعرابي شعره ففضله على جرير:
قال عليّ بن المغيرة حدّثني الحسين بن ثابت قال:
قدم علينا رجل بدويّ وكان أروى الناس لجرير، فكان ينشدني الشيء من شعره، فأنشد في معناه للسيّد حتى أكثرت. فقال لي: ويحك! من هذا؟ هو واللّه أشعر من صاحبنا.
مدح السفاح فأمر له بما أراد:
أخبرني أبو الحسن الأسديّ قال حدّثني الحسن بن عليل العنزيّ عن ابن عائشة قال:
لمّا استقام الأمر لبني العبّاس قام السيّد إلى أبي العباس السفّاح حين نزل عن المنبر فقال:
دونكموها يا بني هاشم ... فجدّدوا من عهدها [3] الدّراسا
دونكموها لا علا كعب [4] من ... كان عليكم ملكها نافسا
دونكموها فالبسوا تاجها ... لا تعدموا منكم له لابسا
__________
[1] يمرقون: يغنون. والتمريق: ضرب من الغناء وهو غناء السفلة والإماء. وفي الأصول: «يمزقون» بالزاي المعجمة، وهو تصحيف.
[2] روى واثلة بن الأسقع (صحابي مشهور): أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم جاء ومعه علي وحسن وحسين آخذ كل واحد منهما بيده حتى دخل فأدنى عليا وفاطمة وأجلسهما بين يديه وأجلس حسنا وحسينا كل واحد منهما على فخذه ثم لف عليهما كساءه ثم تلا هذه الآية: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً
وقال: «اللهم هؤلاء أهل بيتي». (انظر «شرح الزرقاني على المواهب اللدنية» ج 7 ص 4 طبع بولاق). وقد جاءت هذه القصة بروايات أخر فانظرها في («روح المعاني» ج 7 ص 44).
[3] في أ، ء، م: «عهدنا».
[4] لا علا كعبه: لا شرفه اللّه ولا أسعده.
لو خيّر المنبر فرسانه ... ما اختار إلّا منكم فارسا
قد ساسها قبلكم ساسة ... لم يتركوا رطبا ولا يابسا
ولست من أن تملكوها إلى ... مهبط عيسى فيكم آيسا
فسّر أبو العباس بذلك، وقال له: أحسنت يا إسماعيل! سلني حاجتك؛ قال: تولّي سليمان بن حبيب الأهواز، ففعل.
أنشد لجعفر بن محمد شعرا فبكى:
وذكر التّميميّ - وهو علي بن إسماعيل - عن أبيه قال: كنت عند أبي عبد اللّه جعفر بن محمد إذ استأذن آذنه للسيّد، فأمره بإيصاله، وأقعد حرمه خلف ستر. ودخل فسلّم وجلس. فاستنشده فأنشده قوله:
أمرر على جدث الحسي ... ن فقل لأعظمه الزكيّه
آ أعظما لا زلت من ... وطفاء [1] ساكبة رويّه
وإذا مررت بقبره ... فأطل به وقف المطيّه
/ وابك المطهّر ... للمطهّر والمطهّرة النّقيّه
كبكاء معولة أتت ... يوما لواحدها المنيّه
قال: فرأيت دموع جعفر بن محمد تتحدّر على خدّيه، وارتفع الصّراخ والبكاء من داره،/ حتى أمره بالإمساك فأمسك. قال: فحدّثت أبي بذلك لمّا انصرفت؛ فقال لي: ويلي على الكيسانيّ الفاعل ابن الفاعل! يقول:
فإذا مررت بقبره ... فأطل به وقف المطيّه
فقلت: يا أبت، وما ذا يصنع؟ قال: أو لا ينحر! أو لا يقتل نفسه! فثكلته أمّه!.
يحاكم إليه رجلان من بني دارم في أفضل الناس بعد النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم:
حدّثني أبو جعفر الأعرج - وهو ابن بنت الفضيل [2] بن بشّار - عن إسماعيل بن الساحر راوية السيّد - وهو الذي يقول فيه السيّد في بعض قصائده:
وإسماعيل يبرز من فلان ... ويزعم أنّه للنّار صالي [3]
قال: تلاحى رجلان من بني عبد اللّه بن دارم في المفاضلة بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وآله؛ فرضيا بحكم أوّل من يطلع. فطلع السيّد، فقاما إليه وهما لا يعرفانه، فقال له مفضّل عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه منهما: إني وهذا اختلفنا في خير الناس بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقلت: عليّ بن أبي طالب. فقطع السيّد كلامه ثم قال:
__________
[1] وطفاء: بينة الوطف. والوطف في السحاب: أن يكون في وجهه كالحمل الثقيل، أو هو استرخاء في جوانبه لكثرة مائه.
[2] انظر الحاشية رقم 5 ص 231 من هذا الجزء.
[3] لعله يريد أن إسماعيل هذا ينحدر من أب حقير مجهول ويزعم أنه كريم يوقد النيران للقرى كعادة العرب المعروفة.
وأيّ شيء قال هذا الآخر ابن الزانية! فضحك من حضر ووجم الرجل ولم يحر جوابا.
جعفر بن محمد وشعر السيد:
وقال التّميميّ وحدّثني أبي قال قال لي فضيل الرسان [1]:
/أنشد جعفر بن محمد قصيدة السيّد:
لأمّ عمرو باللّوى مربع ... دارسة أعلامه بلقع
فسمعت النّجيب من داره. فسألني لمن هي، فأخبرته أنها للسيّد، وسألني عنه فعرّفته وفاته؛ فقال: رحمه اللّه. قلت: إنّي رأيته يشرب النبيذ في الرّستاق [2]؛ قال: أتعني الخمر؟ قلت نعم. قال: وما خطر ذنب عند اللّه أن يغفره لمحبّ عليّ!.
كان يقول بالرجعة:
وأخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا محمد بن موسى قال: جاء رجل إلى السيّد فقال: بلغني أنك تقول بالرّجعة [3]؛ فقال: صدق الذي أخبرك، وهذا ديني. قال: أفتعطيني دينارا [4] بمائة دينار إلى الرّجعة؟ قال السيّد:
نعم وأكثر من ذلك إن وثّقت لي بأنك ترجع إنسانا. قال: وأيّ شيء أرجع! قال: أخشى أن ترجع كلبا أو خنزيرا فيذهب مالي؛ فأفحمه.
جعفر بن عفان الطائي وعمر بن حفص:
أخبرني [5] الحسن بن عليّ قال حدّثني عبد اللّه بن أبي سعد قال قال جعفر بن عفّان الطائي الشاعر: أهدى إليّ سليمان [6] بن علي مهرا أعجبني وعزمت [7] تربيته. فلما مضت عليّ أشهر عزمت على الحجّ، ففكّرت في صديق لي أودعه المهر ليقوم عليه، فأجمع رأيي على رجل من أهلي يقال له عمر بن حفص، فصرت إليه فسألته أن/ يأمر سائسه بالقيام عليه وخبّرته بمكانه من قلبي؛ ودعا بسائسه فتقدّم إليه في ذلك؛ ووهبت للسائس دراهم وأوصيته به، ومضيت إلى الحجّ. ثم انصرفت وقلبي متعلّق، فبدأت بمنزل عمر بن حفص قبل منزلي لأعرف حال المهر، فإذا هو قد ركب حتى دبر ظهره وعجف من قلّة القيام عليه. فقلت له: يا أبا حفص، أهكذا أوصيتك من هذا المهر! فقال:
وما ذنبي! لم ينجع فيه العلف. فانصرفت به وقلت:
__________
[1] هو فضيل الرسان بن الزبير من أصحاب محمد بن عليّ وأبي خالد الواسطي ومنصور بن أبي الأسود، وكان من متكلمي الزيدية (عن «فهرست ابن النديم» ص 178 طبع أوروبا).
[2] الرستاق: السواد والقرى (فارسيّ معرب). قال ياقوت: الذي شاهدناه في زماننا في بلاد الفرس أنهم يعنون بالرستاق كل موضع فيه مزدرع وقرى. (انظر «شرح القاموس» مادة رزدق).
[3] الرجعة: أن يؤمن بالرجوع إلى الدنيا بعد الموت، وهو مذهب قوم من العرب في الجاهلية، ومذهب طائفة من المسلمين من أولى البدع والأهواء يقولون: إن الميت يرجع إلى الدنيا ويكون فيها حيا كما كان.
[4] كذا في «تجريد الأغاني». وفي أ، م، ء: «مهيارا». وفي ب، س، ح: «مهنيارا». وهو تحريف.
[5] هذه القصة ليست لها مناسبة واضحة في ترجمة السيد الحميري.
[6] هو سليمان بن علي بن عبد اللّه بن عباس، مات وهو على البصرة سنة 142 هو عمره تسع وخمسون سنة.
[7] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «و زعمت» وهو تحريف.
من عاذري من أبي حفص وثقت به ... وكان عندي له في نفسه خطر
فلم يكن عند ظنّي في أمانته ... والظنّ يخلف والإنسان يختبر
/ أضاع مهري ولم يحسن ولابته ... حتى تبيّن فيه الجهد والضّرر
عاتبته فيه في رفق فقلت له ... يا صاح هل لك من عذر فتعتذر
فقال داء به قدما أضرّ به ... وداؤه الجوع والإتعاب والسفر
قد كان لي في اسمه عنه وكنيته ... لو كنت معتبرا ناه ومعتبر
فكيف ينصحني أو كيف يحفظني ... يوما إذا غبت عنه واسمه عمر
لو كان لي ولد شتّى لهم عدد ... فيهم سميّوه إن قلّوا وإن كثروا
لم ينصحوا لي ولم يبقوا عليّ ولو ... ساوى عديدهم الحصباء والشجر
أرسل إلى المهدي يهجو بني عدي وبني تيم ويطلب إليه أن يقطع عطاءهم:
قال وحدّثني أبو سليمان النّاجي قال: جلس المهديّ يوما يعطي قريشا صلات لهم وهو وليّ عهد، فبدأ ببني هاشم ثم بسائر قريش. فجاء السيّد فرفع إلى الرّبيع [1] رقعة مختومة وقال: إن فيها نصيحة للأمير فأوصلها إليه، فأوصلها، فإذا فيها:
/قل لابن عبّاس سميّ محمد ... لا تعطينّ بني عديّ [2] درهما
احرم بني [3] تيم بن مرّة إنهم ... شرّ البريّة آخرا ومقدّما
إن تعطهم لا يشكروا لك نعمة ... ويكافئوك بأن تذمّ وتشتما
وإن ائتمنتهم أو استعملتهم ... خانوك واتّخذوا خراجك مغنما
ولئن منعتهم لقد بدءوكم ... بالمنع إذ ملكوا وكانوا أظلما
منعوا تراث محمد أعمامه ... وابنيه وابنته عديلة مريما [4]
وتأمّروا من غير أن يستخلفوا ... وكفى بما فعلوا هنالك مأثما
لم يشكروا [5] لمحمد إنعامه ... أفبشكرون لغيره إن أنعما
__________
[1] هو الربيع بن يونس بن محمد بن عبد اللّه مولى عثمان بن عفان رضي اللّه عنه، حاجب المنصور الخليفة العباسي وأوثق رجاله عنده.
وزر له بعد أبي أيوب المورياني، توفي سنة سبعين ومائة. وقال الطبري: توفي سنة تسع وستين ومائة، قيل: إن الهادي سمه، وقيل: إنه مرض ثمانية أيام ومات. (انظر «وفيات الأعيان» ج 1 ص 260 طبع بولاق).
[2] هم بنو عدي بن كعب رهط عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه.
[3] هم رهط أبي بكر الصديق رضي اللّه عنه.
[4] الذي بقي من أعمامه هو العباس بن عبد المطلب وقد مات بعده صلّى اللّه عليه وسلّم. ويعني بابنيه: الحسن والحسين. وبابنته فاطمة عليها السلام.
وبمريم بنت عمران أم عيسى عليه السّلام.
[5] في الأصول: «لا يشكروا ... ».
واللّه منّ عليهم بمحمد ... وهداهم وكسا الجنوب وأطعما
ثم انبروا لوصيّه ووليّه ... بالمنكرات فجرّعوه العلقما
وهي قصيدة طويلة حذف باقيها لقبح ما فيه. قال: فرمى بها إلى أبي عبيد اللّه [1] ثم قال: اقطع العطاء فقطعه؛ وانصرف الناس؛ ودخل السيّد إليه، فلما رآه ضحك وقال: قد قبلنا نصيحتك يا إسماعيل، ولم يعطهم شيئا.
أخبرني به عمّي عن محمد بن داود بن الجرّاح عن إسحاق النّخعيّ عن أبي سليمان الريّاحيّ [2] مثله.
ناظره شيطان الطاق في الإمامة فقال شعرا:
أخبرني الحسن بن محمد بن الجمهور القمّيّ [3] قال حدّثني أبي قال حدّثني أبو داود المسترق راوية السيّد:
أنه حضر يوما وقد ناظره محمد بن عليّ بن النعمان المعروف بشيطان الطّاق [4] في الإمامة، فغلبه محمد في دفع ابن الحنفيّة عن الإمامة؛ فقال السيّد:
ألا يأيّها الجدل [5] المعنّي ... لنا، ما نحن ويحك والعناء!
أتبصر ما تقول وأنت كهل ... تراك عليك من ورع رداء [6]
ألا إن الأئمة من قريش ... ولاة الحقّ أربعة سواء
عليّ والثلاثة [7] من بنيه ... هم أسباطه والأوصياء
فأنّى في وصيّته إليهم ... يكون الشك منّا والمراء
/ بهم [8] أوصاهم ودعا إليه ... جميع الخلق لو سمع الدّعاء
فسبط سبط إيمان وحلم ... وسبط غيّبته كربلاء
سقى جدثا تضمّنه ملثّ ... هتوف الرّعد مرتجز رواء [9]
تظلّ مظلّة منها عزال [10] ... عليه وتغتدي أخرى ملاء
__________
[1] هو أبو عبيد اللّه معاوية بن عبيد اللّه بن يسار الأشعري الكاتب الوزير كان كاتب المهدي وتولى له «ديوان الرسائل». (انظر «الطبري» قسم 3 ص 351 و461 - 464 و489 - 490).
[2] كذا في جميع الأصول. ولعله محرف عن الناجي، وقد تقدّم قريبا في الصفحة السابقة وسيرد في ص 246 يروى عنه إسحاق بن محمد هذا.
[3] كذا في «كتاب الديارات» للشابشتي و «معجم البلدان» لياقوت أثناء كلامهما على «دير قنى» وهو منسوب إلى قم. وقم (بضم القاف وتشديد الميم): مدينة بين أصبهان وساوة. وفي الأصول: «العمى» بالعين المهملة، وهو تحريف. بل هو الصواب
[4] الطاق: حصن بطبرستان. وبه سكن محمد هذا، وإليه تنسب الطائفة الشيطانية من غلاة الشيعة.
[5] الجدل: الشديد الخصومة.
[6] في أ، ء، م: «رواء» بالواو.
[7] الثلاثة: يعني بهم محمد بن الحنفية والحسن والحسين.
[8] كذا في الأصول.
[9] ألث المطر إلثاثا: دام أياما لا يقلع. وارتجز الرعد: تتابع صوته. والرواء: الكثير المروي.
[10] العزالي: جمع عزلاء وهي مصب الماء من الرواية والقربة في أسفلها حيث يستفرغ ما فيها من الماء. يقال: أرسلت السماء عزاليها أي كثر مطرها، يشبه اتساع المطر واندفاقه بما يخرج منها.
/
وسبط [1] لا يذوق الموت حتى ... يقود الخيل يقدمها اللواء
من البيت المحجّب في سراة ... شراة لفّ بينهم الإخاء
عصائب ليس دون أغرّ أجلى ... بمكة قائم لهم انتهاء
رآه العبدي في النوم ينشد النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم شعرا
: - وهذه الأبيات بعينها تروى لكثيّر - ذكر ذلك ابن أبي سعد فقال وأخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدّثنا عليّ بن محمد النّوفليّ قال حدّثني إبراهيم بن هاشم العبديّ البصريّ قال:
رأيت النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في المنام وبين يديه السيّد الشاعر وهو ينشد:
أجدّ بآل فاطمة البكور ... فدمع العين منهمر غزير
حتى أنشده إيّاها على آخرها وهو يسمع. قال: فحدّثت هذا الحديث رجلا جمعتني وإياه طوس [2] عند قبر عليّ بن موسى الرّضا، فقال لي: واللّه لقد كنت على خلاف فرأيت النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في المنام وبين يديه رجل ينشد:
أجدّ بآل فاطمة البكور
إلى آخرها؛ فاستيقظت من نومي وقد رسخ في قلبي من حبّ عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه ما كنت أعتقده.
أخبرني وكيع قال حدّثني إسحاق بن محمد قال حدّثنا أبو سليمان النّاجي ومحمد بن حليم [3] الأعرج قالا:
كان السيّد إذا استنشد شيئا من شعره لم يبدأ بشيء إلا بقوله:
أجدّ بآل فاطمة البكور ... فدمع العين مثهمر غزير
مدح العتبيّ شعره وألفاظه في قصيدته اللامية:
قال إسحاق: وسمعت العتبيّ يقول: ليس في عصرنا هذا أحسن مذهبا في شعره ولا أنقى ألفاظا من السيّد، ثم قال لبعض من حضر: أنشدنا قصيدته الّلاميّة التي أنشدتناها اليوم؛ فأنشده قوله:
هل عند من أحببت تنويل ... أم لا فإن اللّوم تضليل
أم في الحشى منك جوّى باطن [4] ... ليس تداويه الأباطيل
علّقت يا مغرور خدّاعة ... بالوعد منها لك تخييل
__________
[1] يعني بسبط الإيمان الحسن بن علي، والسبط الذي غيبته كربلاء الحسين بن علي وقد قتل في كربلاء بالعراق، والسبط الذي لا يذوق الموت هو محمد بن الحنفية.
[2] طوس: مدينة بخراسان بينها وبين نيسابور نحو عشرة فراسخ، بها قبر هارون الرشيد.
[3] في أ، ء، م: «حكيم» بالكاف.
[4] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «باطل» باللام وهو تحريف.
ريّا رداح [1] النوم خمصانة ... كأنها أدماء عطبول [2]
يشفيك منها حين تخلو بها ... ضمّ إلى النحر وتقبيل
وذوق ريق طيّب طعمه ... كأنه بالمسك معلول
في نسوة مثل المها خرّد ... تضيق عنهنّ الخلاخيل
يقول فيها:
أقسم باللّه وآلائه ... والمرء عمّا قال مسؤول
إنّ عليّ بن أبي طالب ... على التّقى والبرّ مجبول
/ فقال العتبيّ: أحسن واللّه ما شاء، هذا واللّه الشعر الذي يهجم على القلب بلا حجاب.
في البيتين الأوّلين من هذه القصيدة لمخارق رمل بالبنصر عن الهشاميّ، وذكر حبش أنه للغريض. وفيه لحن لسليمان من كتب بذل غير مجنّس.
كان لا يأتي في شعره بالغريب:
أخبرني عمّي قال حدّثني محمد بن داود بن الجرّاح قال حدّثني إسحاق بن محمد النّخعيّ عن عبد الحميد بن عقبة عن إسحاق بن ثابت العطّار قال:
/ كنّا كثيرا ما نقول للسيّد: مالك لا تستعمل في شعرك من الغريب ما تسأل عنه كما يفعل الشعراء؟ قال: لأن أقول شعرا قريبا من القلوب يلذّه من سمعه خير من أن أقول شيئا متعقّدا تضلّ فيه الأوهام.
سب محارب بن دثار وترحم على أبي الأسود:
أخبرني أحمد بن عمّار قال أخبرنا يعقوب بن نعيم قال حدّثني إبراهيم بن عبد اللّه الطّلحيّ راوية الشعراء بالكوفة قال حدّثنا أبو مسعود عمرو بن عيسى الرّباح ومحمد بن سلمة، يزيد بعضهم على بعض:
أن السيّد لمّا قدم الكوفة أتاه محمد بن سهل راوية الكميت؛ فأقبل عليه السيّد فقال: من الذي يقول:
يعيب عليّ أقوام سفاها ... بأن أرجي [3] أبا حسن عليّا
__________
[1] الرداح: الثقيلة العجيزة. والرداح: الجمل المثقل حملا الذي لا انبعاث له. ولعل المعنى الأخير هو الأنسب وقد استعاره هنا للنوم، أي أنها نؤوم قليلة الانبعاث من النوم. وكان هذا مستحسنا عند العرب، يقال: هي نؤوم الضحى.
[2] الأدماء: الظبية. والعطبول: الطويلة العنق.
[3] في ب، س: «أرجو» وهو تحريف. والإرجاء (و عدم الهمز في الفعل لغة): التأخير. وقد تكرر هذا اللفظ في ترجمة السيد الحميري وله معان: منها الإرجاء بمعنى تأخير الإمام علي (رضي اللّه عنه) إلى الدرجة الرابعة. والمرجئة بهذا المعنى يقابلون الشيعة وعلى هذا المعنى جاء شعر محارب بن دثار هذا. ومن معاني الإرجاء أيضا إرجاء أمر من دخلوا الفتنة بين علي ومعاوية وتفويض أمرهم إلى اللّه تعالى. وعلى هذا المعنى يحمل قول السيد الآتي:
أيرجى علي إمام الهدى ... وعثمان ما أعند المرجيان.
أما المرجئة التي تقول: إنه لا يضر مع الإيمان معصية، ولا ينفع مع الكفر طاعة فجماعات أخر جاءت بعد ذلك. وهم أصناف أربعة: مرجئة الخوارج ومرجئة القدرية ومرجئة الجبرية والمرجئة الخالصة.
وإرجائي أبا حسن صواب ... عن العمرين [1] برّا أو شقيّا
فإن قدّمت قوما قال قوم ... أسأت وكنت كذّابا رديّا
إذا أيقنت أنّ اللّه ربّي ... وأرسل أحمدا حقّا نبيا
وأنّ الرّسل قد بعثوا بحق ... وأنّ اللّه كان لهم وليّا
فليس عليّ في الإرجاء بأس ... ولا لبس ولست أخاف شيّا؟
فقال محمد بن سهل: هذا يقوله محارب [2] بن دثار الذّهليّ: فقال السيّد: لا كان اللّه وليّا للعاضّ بظر أمّه! من ينشدنا قصيدة أبي الأسود:
/أحبّ محمدا حبّا شديدا ... وعبّاسا وحمزة والوصيّا
فأنشده القصيدة بعض من كان حاضرا؛ فطفق يسبّ محارب بن دثار ويترحّم على أبي الأسود. فبلغ الخبر منصورا النّمريّ فقال: ما كان على أبي هاشم لو هجاه بقصيدة يعارض بها أبياته، ثم قال:
يودّ محاربّ لو قد رآها ... وأبصرهم حواليها جثيّا
وأنّ لسانه من ناب أفعى ... وما أرجا أبا حسن عليّا
وأنّ عجوزه مصعت [3] بكلب ... وكان دماء ساقيها جريّا
متى ترجىء أبا حسن عليّا ... فقد أرجيت يا لكع نبيّا
كان جعفر بن سليمان كثيرا ما ينشد شعره:
أخبرني محمد بن جعفر النحويّ قال حدّثنا أحمد بن القاسم البزّيّ [4] قال حدّثني إسحاق بن محمد النّخعيّ قال حدّثني إبراهيم بن الحسن الباهليّ قال:
دخلت على جعفر بن سليمان الضّبعيّ ومعي أحاديث لأسأله عنها وعنده قوم لم أعرفهم، وكان كثيرا ما ينشد شعر السيّد، فمن أنكره عليه لم يحدّثه؛ فسمعته ينشدهم:
/ما تعدل الدّنيا جميعا كلّها ... من حوض أحمد شربة من ماء
ثم جاءه خبر فقام. فقلت للذين كانوا عنده: من يقول هذا الشعر؟ قالوا: السيد الحميريّ.
مرت به امرأة من آل الزبير فقال شعرا:
حدّثني عمّي والكرانيّ قالا حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد عن عبد اللّه بن الحسين عن أبي عمرو الشّيبانيّ عن
__________
[1] العمران هما أبو بكر الصدّيق وعمر بن الخطاب رضي اللّه عنهما.
[2] هو محارب بن دثار بن كردوس تابعي من بني سدوس بن ذهل بن ثعلبة. ولي قضاء الكوفة وتوفي في ولاية خالد بن عبد اللّه القسري في خلافة هشام بن عبد الملك. وله أحاديث ولا يحتجون به. وكان من المرجئة الأولى الذين كانوا يرجئون عليا وعثمان ولا يشهدون بإيمان ولا كفر. (عن «طبقات ابن سعد»).
[3] مصعت المرأة بولدها: رمت به.
[4] كذا في ب، س، وفيما يأتي في جميع الأصول. وفي سائر الأصول هنا: «البري» بالراء المهملة.
الحارث بن صفوان، وأخبرني به الحسين بن يحيى عن حمّاد بن إسحاق عن أبيه:
/ أن السيّد كان بالأهواز؛ فمرّت به امرأة من آل الزبير تزفّ إلى إسماعيل بن عبد اللّه بن العباس، وسمع الجلبة فسأل عنها فأخبر بها؛ فقال:
أتتنا تزفّ على بغلة ... وفوق رحالتها قبّه
زبيريّة من بنات الذي [1] ... أحلّ الحرام من الكعبه
تزفّ إلى ملك ماجد ... فلا اجتمعا وبها الوجبه [2]
روى هذا الخبر إسماعيل بن الساحر فقال فيه: فدخلت في طريقها إلى خربة للخلاء، فنهشتها أفعى فماتت؛ فكان السيّد يقول: لحقتها دعوتي.
خرج الناس للاستسقاء فجعل يدعو عليهم:
حدّثني أحمد بن عبيد اللّه بن عمّار قال حدّثني يعقوب بن إسرائيل عن أبي طالب الجعفريّ - وهو محمد بن عبد اللّه بن الحسين بن عبد اللّه بن إسماعيل بن جعفر - قال أخبرني أبي قال:
خرج أهل البصرة يستسقون وخرج فيهم السيّد وعليه ثياب خزّ وجبّة ومطرف وعمامة؛ فجعل يجرّ مطرفه ويقول:
اهبط إلى الأرض فخذ جلمدا ... ثم ارمهم يا مزن بالجلمد
لا تسقهم من سبل قطرة ... فإنهم حرب بني أحمد
رأى لوحا في يد رجل فكتب فيه شعرا يعرض برواة الحديث من أهل السنة:
أخبرني محمد بن العباس اليزيديّ قال حدّثنا محمد بن إسحاق البغويّ قال حدّثنا الحرمازيّ قال حدّثني رجل قال:
/ كنت أختلف إلى ابني قيس، وكانا يرويان عن الحسن؛ فلقيني السيّد يوما وأنا منصرف من عندهما، فقال:
أرني ألواحك أكتب فيها شيئا وإلا أخذتها فمحوت ما فيها. فأعطيته ألواحي فكتب فيها:
لشربة من سويق عند مسغبة ... وأكلة من ثريد لحمه واري
أشدّ ممّا روى حبّا إليّ بنو ... قيس وممّا روى صلت [3] بن دينار
ممّا رواه فلان عن فلانهم ... ذاك الذي كان يدعوهم إلى النار
__________
[1] يعني به عبد اللّه بن الزبير بن العوّام وقد تحصن بالبيت الحرام وقاتل به. وقد شرح ذلك أبو الفرج في ج 6 ص 206 من هذه الطبعة.
[2] الوجبة: لعلها المرة من وجب القلب يجب أي خفق.
[3] هو الصلت بن دينار الأزدي البصري، كان ضعيف الحديث متهم الرواية، وكان ينال من الإمام عليّ كرّم اللّه وجهه وينتقصه.
رآه زيد بن موسى في النوم ينشد النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم شعرا:
أخبرني أحمد بن عليّ الخفّاف قال حدّثني أبو إسماعيل إبراهيم بن أحمد بن إسماعيل [1] بن إبراهيم بن حسن بن طباطبا قال: سمعت زيد بن موسى بن جعفر يقول:
رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في النوم وقدّامه رجل جالس عليه ثياب بيض؛ فنظرت إليه فلم أعرفه، إذ التفت إليه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: يا سيّد، أنشدني قولك:
لأمّ عمرو في اللّوى مربع
فأنشده إيّاها كلّها ما غادر منها بيتا واحدا، فحفظتها عنه كلّها في النوم. قال أبو إسماعيل: وكان زيد بن موسى لحّانة رديء الإنشاد، فكان إذا أنشد [2] هذه القصيدة لم يتتعتع [3] فيها ولم يلحن.
أنشد فضيل الرسان جعفر بن علي شعر فترحم عليه وترحم عليه أهله:
وقال [4] محمد بن داود بن الجرّاح في روايته عن/ إسحاق النّخعيّ حدّثني عبد الرحمن بن محمد الكوفيّ عن عليّ بن إسماعيل الهيثميّ عن فضيل الرسان قال:
/ دخلت على جعفر بن محمد أعزّيه عن عمّه زيد، ثم قلت له: ألا أنشدك شعر السيّد؟ فقال: أنشد؛ فأنشدته قصيدة يقول فيها:
فالناس يوم البعث راياتهم ... خمس فمنها هالك أربع
قائدها العجل وفرعونهم ... وسامريّ الأمّة المفظع
ومارق من دينه مخرج ... أسود عبد لكع أوكع [5]
وراية قائدها وجهه ... كأنه الشمس إذا تطلع
فسمعت مجيبا من وراء الستور فقال: من قائل هذا الشعر؟ فقلت: السيّد! فقال: رحمه اللّه. فقلت: جعلت فداك! إني رأيته يشرب الخمر. فقال: رحمه اللّه! فما ذنب على اللّه أن يغفره لآل عليّ! إن محبّ عليّ لا تزلّ له قدم إلا تثبت له أخرى.
حدّثني الأخفش عن أبي العيناء عن عليّ بن الحسن بن عليّ بن الحسين عن أبيه عن جعفر بن محمد أنه ذكر السيّد فترحّم عليه وقال:
إن زلّت له قدم فقد ثبتت الأخرى.
__________
[1] في أ، ء، م: «قال حدّثنا أبو إسماعيل إبراهيم بن أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم ... إلخ».
[2] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «أنشده» وهو تحريف.
[3] التعتعة في الكلام: أن يعيا بكلامه ويتردّد من حصر أو عيّ.
[4] في الأصول: «و كان» وهو تحريف.
[5] الأوكع: اللئيم. والظاهر أن السيد يعني رجلا بالذات أو رجالا من أعداء أهل البيت، يعرض بهم.
ما راه رجل في تفضيل علي فغرّقه:
نسخت من كتاب الشّاهيني حدّثني محمد بن سهل الحميريّ عن أبيه قال:
انحدر السيّد الحميريّ في سفينة إلى الأهواز، فماراه رجل في تفضيل عليّ وباهله [1] على ذلك. فلما كان [2] الليل قام الرجل ليبول على حرف السفينة، فدفعه السيّد فغرّقه؛ فصاح الملاحون: غرق واللّه الرجل! فقال السيّد:
دعوه فإنّه باهليّ [3].
هجا قوما لم ينصتوا لشعره:
أخبرني عليّ بن سليمان الأخفش قال حدّثني محمد بن يزيد المبرّد قال حدّثني التّوّزيّ قال:
جلس السيّد يوما إلى قوم، فجعل ينشدهم وهم يلغطون؛ فقال:
قد ضيّع اللّه ما جمّعت من أدب ... بين الحمير وبين الشّاء والبقر
لا يسمعون إلى قول أجيء به ... وكيف تستمع الأنعام للبشر
أقول ما سكتوا إنس فإن نطقوا ... قلت الضفادع بين الماء والشجر
اغتابه رجل عند قوم فهجاه:
أخبرني محمد بن جعفر النّحويّ قال حدّثنا أحمد بن القاسم البزّيّ قال حدّثنا إسحاق بن محمد النّخعيّ عن محمد بن الرّبيع عن [4] سويد بن حمدان بن الحصين قال:
كان السيّد يختلف إلينا ويغشانا، فقام من عندنا ذات يوم، فخلفه [5] رجل وقال: لكم شرف وقدر عند السلطان، فلا تجالسوا هذا فإنّه مشهور بشرب الخمر وشتم السلف. فبلغ ذلك السيّد فكتب إليه:
وصفت لك الحوض يابن الحصين ... على صفة الحارث الأعور [6]
فإن تسق منه غدا شربة ... تفز من نصيبك بالأوفر
فما لي ذنب سوى أنّني ... ذكرت الذي [7] فرّ عن خيبر
__________
[1] المباهلة: الملاعنة.
[2] في ب، س: «قام» وهو تحريف.
[3] يحتمل أن يكون «باهلني».
[4] في أ، م: «بن سويد».
[5] في الأصول: «فتخلفه».
[6] هو الحارث الأعور بن عبد اللّه بن كعب من مقدّمي أصحاب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، مات بالكوفة سنة 65 ه (انظر «الطبري» ق 3 ص 2524 طبع أوروبا).
[7] يعني عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه، وذلك أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حين نزل بحصن أهل خيبر أعطى اللواء عمر بن الخطاب ونهض معه من نهض من الناس، فلقوا أهل خيبر فانكشف عمر وأصحابه فرجعوا إلى رسول اللّه يجبنه أصحابه ويجبنهم. فأعطى رسول اللّه اللواء إلى علي بن أبي طالب كرّم اللّه وجهه فقاتل حتى فتح اللّه له. (انظر «الطبري» ق 1 ص 1579). وخيبر: اسم ولاية على ثمانية برد من المدينة لمن يريد الشام، كانت تشتمل على سبعة حصون ذكرها كلها ياقوت وقد افتتحها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. (انظر «معجم البلدان» لياقوت).
/
ذكرت امرأ فرّ عن مرحب [1] ... فرار الحمار من القسور [2]
فأنكر ذاك جليس لكم ... زنيم أخو خلق أعور
لحاني بحبّ إمام الهدى ... وفاروق [3] أمّتنا الأكبر
/ سأحلق لحيته إنها ... شهود على الزّور والمنكر
قال: فهجر واللّه مشايخنا جميعا ذلك الرجل ولزموا محبّة السيّد ومجالسته.
ردّ سوّار بن عبد اللّه شهادته فهجاه:
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا محمد بن زكريا الغلابيّ قال حدّثنا مهديّ بن سابق.
أن السيّد تقدّم إلى سوّار [4] القاضي ليشهد عنده، وقد كان دافع [5] المشهود له بذلك وقال: أعفني من الشهادة عند سوّار، وبذل له مالا فلم يعفه. فلما تقدّم إلى سوّار فشهد قال [6]: ألست المعروف بالسيّد! قال: بلى؛ قال:
استغفر اللّه من ذنب تجرّأت به على الشهادة عندي، قم لا أرضى بك. فقام مغضبا من مجلسه وكتب إلى سوّار رقعة فيها يقول:
إن سوّار بن عبد الل ... ه من شرّ القضاة
فلما قرأها سوّار وثب عن مجلسه وقصد أبا جعفر المنصور وهو يومئذ نازل بالجسر، فسبقه السيّد إليه فأنشده:
/قل للإمام الذي ينجى بطاعته ... يوم القيامة من بحبوحة [7] النار
لا تستعينن جزاك اللّه صالحة ... يا خير من دبّ في حكم بسوّار
لا تستعن بخبيث الرأي ذي صلف ... جمّ العيوب عظيم الكبر جبّار
تضحي الخصوم لديه من تجبّره ... لا يرفعون إليه لحظ أبصار
تيها وكبرا ولو لا ما رفعت له ... من ضبعه [8] كان عين الجائع العاري
__________
[1] هو مرحب (كمنبر كما في «شرح القاموس») اليهودي صاحب حصن خيبر. ذكر الطبري أنه خرج يطلب البراز وقد حاصر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الحصون، فبرز له محمد بن مسلمة فقتله. وقال في رواية أخرى وافقه فيها شارح «القاموس» (مادة رحب): إن الذي قتله هو علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه.
[2] القسور: الأسد.
[3] الفاروق: الذي يفرق بين الأمور ويفصلها.
[4] هو سوار بن عبد اللّه التميمي العنبري قاضي البصرة وأميرها، جمع له ذلك أبو جعفر المنصور بعد عزله الهيثم بن معاوية عن إمرة البصرة، وكان سوّار يتولى قضاءها. مات سنة 157 ه وكان عادلا. حدث أن اشتكاه قوم إلى المنصور فكشف عن ذلك فوجده باطلا فأقرّه في عمله. (انظر «النجوم الزاهرة» ج 2 ص 28 و30 طبع دار الكتب المصرية).
[5] كذا في م. وفي سائر الأصول: «رافع» بالراء المهملة وهو تحريف.
[6] في الأصول: «فقال».
[7] بحبوحة المكان: وسطه.
[8] الضبع في الأصل: وسط العضد بلحمه، وقيل: الإبط. وقد جاء في أساس البلاغة مادة «ضبع»: وأخذت بضبعيه ومددت بضبعيه إذا نعشته ونوّهت باسمه.
ودخل سوّار؛ فلما رآه المنصور تبسّم وقال: أما بلغك خبر إياس [1] بن معاوية حيث قبل شهادة الفرزدق واستزاد في الشهود! فما أحوجك للتعريض للسيد ولسانه! ثم أمر السيّد بمصالحته.
مدح المنصور لما ولى ابنيه العهد:
وقال إسحاق بن محمد النّخعيّ حدّثني عبد اللّه بن محمد الجعفريّ قال حدّثني محمد بن عبد اللّه الحميريّ قال:
دخل السيّد علي المهديّ لمّا بايع لابنيه موسى وهارون، فأنشأ يقول:
ما بال مجرى دمعك الساجم ... أمن قذى بات بها لازم
أم من هوّى أنت له ساهر ... صبابة من قلبك الهائم
/ آليت لا أمدح ذا نائل ... من معشر غير بني هاشم
أولتهم عندي يد المصطفى ... ذي الفضل والمنّ أبي القاسم
فإنها بيضاء محمودة ... جزاؤها الشّكر على العالم
جزاؤها حفظ أبي جعفر ... خليفة الرحمن والقائم
وطاعة المهديّ ثم ابنه ... موسى علي ذي الإربة الحازم
وللرشيد الرّابع المرتضى ... مفترض من حقّه الّلازم
ملكهم خمسون معدودة ... برغم أنف الحاسد الرّاغم
ليس علينا ما بقوا غيرهم ... في هذه الأمّة من حاكم
حتى يردّوها إلى هابط ... عليه عيسى منهم ناجم
كان يأتي الأعمش فيكتب عنه فضائل عليّ بن أبي طالب
:/ وقال عليّ بن المغيرة حدّثني عليّ بن عبد اللّه بن السّدوسيّ عن المدائنيّ قال:
كان السيّد يأتي الأعمش [2] فيكتب عنه فضائل عليّ رضي اللّه عنه ويخرج من عنده ويقول في تلك المعاني
__________
[1] هو إياس بن معاوية بن قرة بن إياس المزني البصري. كان مشهورا بالذكاء النادر، والفراسة الصادقة، معدودا من العقلاء الفضلاء الدهاة. ولاه عمر بن عبد العزيز قضاء البصرة، وكان فقيها عفيفا فطنا. توفي سنة 122 هأما سماعه شهادة الفرزدق وقبولها فقد كان خوفا من هجوه. وخبر هذه الشهادة ساقه المؤلف في «الأغاني» (ج 19 ص 50 طبع بولاق) عن بعض شيوخ الأصمعيّ قال:
شهد الفرزدق عند إياس بن معاوية فقال: أجزنا شهادة الفرزدق أبي فراس وزيدونا شهودا، فقام الفرزدق فرحا. فقيل له: إنه واللّه ما أجاز شهادتك؛ قال: بلى، قد سمعته يقول: قد قبلنا شهادة أبي فراس. قالوا: أفما سمعته يستزيد شاهدا آخر! فقال: وما يمنعه ألا يقبل شهادتي وقد قذفت ألف محصنة.
[2] هو سليمان بن مهران مولى بني كاهل الكوفي الإمام، كان ثقة عالما فاضلا. قال أبو معاوية الضرير: بعث هشام بن عبد الملك إلى الأعمش: اكتب لي مناقب عثمان ومساوىء عليّ. فأخذ الأعمش القرطاس وأدخلها في فم شاة فلا كتبها وقال لرسوله: قل له: هذا جوابك. فقال له الرسول: إنه قد آلى أن يقتلي إن لم آته بجوابك، ويحمل عليه بإخوانه. فكتب: «بسم اللّه الرّحمن الرّحيم. أما بعد، يا أمير المؤمنين فلو كانت لعثمان رضي اللّه عنه مناقب أهل الأرض ما نفعتك. ولو كانت لعلي رضي اللّه عنه مساوىء أهل الأرض ما ضرتك. فعليك بخويصة نفسك». توفي سنة 148 ه (انظر «وفيات الأعيان» ج 1 ص 301 طبع بولاق).
شعرا. فخرج ذات يوم من عند بعض أمراء الكوفة وقد حمله على فرس وخلع عليه؛ فوقف بالكناسة [1] ثم قال:
يا معشر الكوفيّين، من جاءني منكم بفضيلة لعليّ بن أبي طالب لم أقل فيها شعرا أعطيته فرسي هذا وما عليّ.
فجعلوا يحدّثونه وينشدهم؛ حتى أتاه رجل منهم وقال:
سمع عن عليّ قصة فنظمها:
إن أمير المؤمنين/ عليّ بن أبي طالب رضي اللّه تعالى عنه عزم على الركوب؛ فلبس ثيابه وأراد لبس الخفّ فلبس أحد خفّيه، ثم أهوى إلى الآخر ليأخذه فانقضّ عقاب من السماء فحلّق به ثم ألقاه فسقط منه أسود [2] وانساب فدخل جحرا؛ فلبس عليّ رضي اللّه عنه الخفّ. قال: ولم يكن قال في ذلك شيئا؛ ففكّر هنيهة ثم قال:
ألا يا قوم للعجب العجاب ... لخفّ أبي الحسين وللحباب [3]
أتى خفّا له وانساب فيه ... لينهش رجله منه بناب
فخرّ من السماء له عقاب ... من العقبان أو شبه العقاب
فطار به فحلّق ثم أهوى ... به للأرض من دون السّحاب
إلى جحر له فانساب فيه ... بعيد القعر لم يرتج بباب
كريه الوجه أسود ذو بصيص ... حديد النّاب أزرق ذو لعاب
ودوفع عن أبي حسن عليّ ... نقيع سمامه بعد انسياب
ثم حرّك فرسه ومضى وجعل تشبيبها بعد ذلك:
صبوت إلى سليمى والرّباب ... وما لأخي المشيب وللتّصابي
أخبرني أحمد بن محمد بن محمد بن سعيد قال حدّثني عبد اللّه بن أحمد بن مستورد قال:
وقف السيّد يوما بالكوفة، فقال: من أتاني بفضيلة لعليّ بن أبي طالب ما قلت فيها شعرا فله دينار، وذكر باقي الحديث. فأما العقاب الذي [4] انقضّ على خفّ عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه فحدّثني بخبره أحمد بن محمد بن محمد بن سعيد الهمدانيّ قال/ حدّثني جعفر بن علي بن نجيح قال حدّثنا أبو عبد الرحمن المسعوديّ عن أبي داود الطّهويّ عن أبي الزّعل المراديّ [5] قال:
قام عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه فتطهّر للصلاة، ثم نزع خفّه فانساب فيه أفعى، فلما عاد ليلبسه انقضّت عقاب فأخذته فحلّقت به ثم ألقته فخرج الأفعى منه. وقد روي مثل هذا لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
حدّثني به أحمد بن محمد بن محمد بن سعيد قال حدّثني محمد بن عبيد بن عقبة قال حدّثنا محمد بن الصّلت
__________
[1] الكناسة: محلة بالكوفة.
[2] الأسود: العظيم من الحيات.
[3] الحباب: الحية.
[4] العقاب: يذكر ويؤنث.
[5] كذا في «شرح القاموس» مادة «زعل» وفي الأصول: «عن أبي الزغل» بالغين المعجمة وهو تصحيف.
قال حدّثنا حيّان بن علي عن أبي سعيد عن عكرمة عن ابن عباس قال:
كان النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم إذا أراد حاجة تباعد حتى لا يراه أحد، فنزع خفّه فإذا عقاب قد تدلّى فرفعه فسقط منه أسود سالخ. فكان النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: «اللهمّ إني أعوذ بك من شرّ ما يمشي على بطنه ومن شرّ ما يمشي على رجليه ومن شرّ ما يمشي على أربع ومن شرّ الجن والإنس».
قال أبو سعيد وحدّثنا/ محمد بن إسماعيل الرّاشديّ قال حدّثنا عثمان بن سعيد قال حدّثنا حيّان بن علي عن سعد بن طريف عن عكرمة عن ابن عباس مثله.
بلغه أن الحسن والحسين ركبا ظهر النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقال شعرا:
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثنا حاتم بن قبيصة قال:
سمع السيّد محدّثا يحدّث أن النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم كان ساجدا، فركب الحسن والحسين على ظهره؛ فقال عمر رضي اللّه عنه: نعم المطيّ مطيّكما! فقال/ النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «و نعم الراكبان هما». فانصرف السيّد من فوره فقال في ذلك:
أتى حسنا والحسين النبيّ ... وقد جلسا حجرة [1] يلعبان
ففدّاهما ثم حيّاهما ... وكانا لديه بذاك المكان
فراحا وتحتهما عاتقاه ... فنعم المطيّة والراكبان
وليدان أمّهما برّة ... حصان مطهّرة للحصان
وشيخهما [2] ابن أبي طالب ... فنعم الوليدان والوالدان
خليليّ لا ترجيا واعلما ... بأن الهدى غير ما تزعمان
وأنّ عمى الشكّ بعد اليقين ... وضعف البصيرة بعد العيان
ضلال فلا تلججا فيهما ... فبئست لعمركما الخصلتان
أيرجى عليّ إمام الهدى ... وعثمان ما أعند المرجيان [3]
ويرجى ابن حرب [4] وأشياعه ... وهوج الخوارج [5] بالنّهروان
__________
[1] الحجرة: الناحية.
[2] كذا في «تجريد الأغاني» وفي الأصول: «و شخصهما» بالصاد المهملة، وهو تحريف.
[3] كذا في الأصول.
[4] يعني به معاوية بن أبي سفيان بن حرب.
[5] الخوارج: جماعة كانوا مع علي رضي اللّه تعالى عنه في صفين وخرجوا عليه منهم الأشعث بن قيس وغيره. أرادوه على أن يقبل التحكيم الذي دعاه إليه معاوية وعمرو بن العاص، فأراد أن يبعث عبد اللّه بن العباس فرفض الخوارج ذلك وقالوا: هو منك، فحملوه على بعث أبي موسى الأشعري على أن يحكما بكتاب اللّه تعالى فجرى الأمر على خلاف ما رضي به. فلما لم يرض بذلك خرجت الخوارج عليه وقالوا: لم حكمت الرجال! لا حكم إلا اللّه، وهم المارقة الذين اجتمعوا بالنهروان. وكبار فرق الخوارج ستة: الأزارقة والنجدات والصفرية والعجاردة والإباضية والثعالبة والباقون فروعهم ويجمعهم القول بالتبري عن عثمان وعلي
يكون إمامهم في المعاد ... خبيث الهوى مؤمن الشّيصبان [1]
مدح المنصور وعنده سوار فعارضه فهجاه:
وذكر [2] إسماعيل بن السّاحر قال أخبرنا أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ قال حدّثني محمد عن أبيه قال حدّثني أبي وعمّي عن أحمد بن إبراهيم بن سليمان بن يعقوب بن سعيد بن عمرو قال حدّثنا الحارث بن عبد المطّلب قال:
كنت جالسا في مجلس أبي جعفر المنصور وهو بالجسر وهو قاعد مع جماعة على دجلة بالبصرة وسوّار بن عبد اللّه العنبريّ [3] قاضي البصرة جالس عنده والسيّد بن محمد بين يديه ينشد قوله:
إن الإله الذي لا شيء يشبهه ... أعطاكم الملك للدّنيا وللدّين
أعطاكم اللّه ملكا لا زوال له ... حتى يقاد إليكم صاحب الصّين
وصاحب الهند مأخوذا برمّته ... وصاحب التّرك محبوسا على هون
والمنصور يضحك سرورا بما ينشده؛ فحانت منه التفاتة فرأى وجه سوّار يتربّد غيظا ويسودّ حنقا ويدلك إحدى يديه بالأخرى ويتحرّق؛ فقال له المنصور: مالك! أرابك شي ء؟ قال: نعم، هذا الرجل يعطيك بلسانه ما ليس في قلبه، واللّه يا أمير المؤمنين ما صدقك ما في نفسه، وإن الذين يواليهم لغيركم. فقال المنصور: مهلا! هذا شاعرنا ووليّنا، وما عرفت منه إلا صدق محبّة وإخلاص نيّة. فقال له السيّد: يا أمير المؤمنين، واللّه ما تحمّلت غضّكم لأحد، وما وجدت أبويّ عليه فافتتنت بهما، وما زلت مشهورا بموالاتكم في أيام عدوّكم. فقال له:
صدقت. قال: ولكن/ هذا وأهلوه أعداء اللّه ورسوله قديما والذين نادوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من وراء الحجرات [4]، فنزلت فيهم آية من القرآن أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ*
وجرى بينهما خطاب طويل. فقال السيّد قصيدته التي أوّلها:
قف [5] بنا يا صاح واربع ... بالمغاني الموحشات
أنشدها أحمد بن عبيد اللّه بن عمّار [عن] [6] النّوفليّ، وأخبرنا محمد بخبره مع سوّار بالقصّة من هاهنا إلى آخرها؛ وقال فيها:
__________
ويقدّمون ذلك على كل طاعة ولا يصححون المناكحات إلا على ذلك ويكفرون أصحاب الكبائر ويرون الخروج على الإمام إذا خالف السنة حقا واجبا. والنهروان: كورة واسعة بين بغداد وواسط من الجانب الشرقيّ.
[1] الشيصبان: من أسماء الشيطان.
[2] كذا ورد في ب، س. وفي سائر الأصول: «و ذكر إسماعيل بن الساحر أن السيد مر بزمعة بن صالح قال أخبرنا أحمد بن عبد العزيز الجوهري ... إلخ». والسند على كلتا العبارتين مضطرب، لأن المعروف أن إسماعيل بن الساحر راوية السيد يروي عنه مباشرة.
[3] كذا في نسخة الشيخ الشنقيطي بخطه والخلاصة في أسماء الرجال وفيما سيأتي في شعر السيد. وفي الأصول هنا: «العنزي» وهو تحريف.
[4] يعني وفد بني تميم يوم قدموا المدينة لمفاخرة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فدخلوا المسجد فوقفوا عند الحجرات (بيوت نسائه عليه الصلاة والسلام) فنادوا بصوت عال جاف: اخرج إلينا يا محمد فقد جئنا لنفاخرك. فأنزل اللّه تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ
(انظر الكلام على هذه القصة بإسهاب في «الأغاني» ج 4 ص 146 من هذه الطبعة).
[5] في ب، س: «قم».
[6] أثبتنا هذه الزيادة ليصح السند لأن أحمد بن عبيد اللّه بن عمار ليس نوفليا وإنما النوفلي هو علي بن محمد بن سليمان وقد تكررت رواية أحمد بن عبيد اللّه عنه في الأجزاء السابقة.
يا أمين اللّه يا من ... صور يا خير الولاة
إنّ سوّار بن عبد ... اللّه من شرّ القضاة
نعثليّ [1] جمليّ [2] ... لكم غير موات
جدّه سارق عنز [3] ... فجرة من فجرات
لرسول اللّه والقا ... ذفه بالمنكرات
وابن من كان ينادي ... من وراء الحجرات
/ يا هناة [4] اخرج إلينا ... إننا أهل هنات
مدحنا المدح ومن نر ... م يصب بالزّفرات
فاكفينه لا كفاه اللّه ... شرّ الطارقات
اعتذر إلى سوار فلم يعذره:
فشكاه سوّار إلى أبي جعفر، فأمره بأن يصير إليه معتذرا؛ ففعل فلم يعذره؛ فقال:
أتيت دعيّ بني العنبر ... أروم اعتذارا فلم أعذر
فقلت لنفسي وعاتبتها ... على اللؤم في فعلها أقصري
أيعتذر الحرّ مما أتى ... إلى رجل من بني العنبر
أبوك ابن سارق عنز النبي ... وأمّك بنت أبي جحدر
ونحن على رغمك الرّافضو ... ن لأهل الضّلالة والمنكر
بلغه أن سوّارا يريد قطعه في سرقة فشكاه إلى المنصور:
قال: وبلغ السيّد أن سوّارا قد أعدّ جماعة يشهدون عليه بسرقة ليقطعه؛ فشكاه إلى أبي جعفر؛ فدعا بسوّار وقال له: قد عزلتك عن الحكم للسيّد أو عليه. فما تعرّض له بسوء حتى مات.
رماه أبو الخلال عند عقبة بن سلّم بسب الصحابة فقال شعرا:
وروى عبد اللّه بن أبي بكر العتكيّ أن أبا الخلّال العتكيّ دخل على عقبة [5] بن سلّم والسيّد عنده وقد أمر له
__________
[1] نعثل في الأصل: اسم رجل يهودي من أهل المدينة، وقيل: نعثل رجل لحياتي (طويل اللحية) من أهل مصر كان يشبه به عثمان رضي اللّه عنه إذا نيل منه. (انظر «شرح القاموس» مادة نعثل).
[2] نسبة إلى وقعة الجمل التي كانت بالبصرة بين علي بن أبي طالب وطلحة والزبير وعائشة والتي خرجت فيها عائشة راكبة جملا فسميت الوقعة به.
[3] يعني جدّه «عنزة بن نقب» وكان يقال له «سارق العنز» كانت لآل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وكان قدم على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في وفد بني العنبر.
[4] يا هناة: يا فلان وانظر الكلام على تصريف هذه الكلمة في «اللسان» «مادة هنا».
[5] في الأصول: «عقبة بن سالم» وهو تحريف. وهو عقبة بن سلّم بن نافع الهنابي ولى إمرة البصرة لأبي جعفر المنصور. وقد ذكر في «الأغاني» ج 3 ص 174 من هذه الطبعة في قصة طويلة مع بشار بن برد فانظرها. (و راجع «الطبري» ق 3 ص 350، 353) طبع أوروبا.
بجائزة، وكان أبو الخلّال شيخ العشيرة وكبيرها، فقال له: أيها الأمير، أتعطي هذه العطايا رجلا ما يفتر عن سبّ أبي بكر وعمر!. فقال له عقبة: ما علمت ذاك ولا أعطيته إلّا على العشرة والمودّة القديمة وما يوجبه حقّه وجواره مع ما هو عليه من موالاة قوم يلزمنا حقّهم ورعايتهم. فقال له أبو الخلّال: فمره إن/ كان صادقا أن يمدح أبا بكر وعمر حتى نعرف براءته مما ينسب إليه من الرّفض [1]. فقال: قد سمعك، فإن شاء فعل. فقال السيّد:
إذا أنا لم أحفظ وصاة محمد ... ولا عهده يوم الغدير [2] المؤكدا
/ فإنّي كمن يشري الضّلالة بالهدى ... تنصّر من بعد التّقى وتهوّدا
وما لي وتيم أو عديّ وإنما ... أو لو نعمتي في اللّه من آل أحمدا
تتمّ صلاتي بالصلاة عليهم ... وليست صلاتي بعد أن أتشهّدا
بكاملة إن لم أصلّ عليهم ... وأدع لهم ربّا كريما ممجّدا
بذلت لهم ودّي ونصحي ونصرتي ... مدى الدهر ما سمّيت يا صاح سيّدا
وإنّ امرأ يلحى على صدق ودّهم ... أحقّ وأولى فيهم أن يفنّدا
فإن شئت فاختر عاجل الغمّ صلّة [3] ... وإلّا فأمسك كي تصان وتحمدا
ثم نهض مغضبا. فقام أبو الخلّال إلى عقبة فقال: أعذني من شرّه أعاذك اللّه من السوء أيها الأمير؛ قال: قد فعلت على ألّا تعرض له بعدها.
قصته مع امرأة تميمية إباضية تزوّجها:
وممّا يحكى عنه أنه اجتمع في طريقه بامرأة تميميّة إباضيّة، فأعجبها وقالت: أريد أن أتزوّج بك ونحن على ظهر الطريق. قال: يكون كنكاح أمّ خارجة [4] قبل حضور وليّ وشهود. فاستضحكت وقالت: ننظر في هذا؛ وعلى ذلك فمن أنت؟ فقال:
__________
[1] الرافضة: فرقة من الشيعة بايعوا زيد بن علي ثم قالوا له: تبرأ من الشيخين (أبي بكر وعمر) فأبي وقال: كانا وزيري جدي. فتركوه ورفضوه وارفضوا عنه. والنسبة رافضيّ، والمصدر الرفض. (انظر «القاموس» و «شرحه» مادة رفض).
[2] يريد غدير خم (بالضم) وهو موضع بين مكة والمدينة بالجحفة، وقيل: هو على ثلاثة أميال منها. وقد روى عن ابن عباس رضي اللّه تعالى عنهما قال: نزلت هذه الآية - يعني يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ
- في علي كرّم اللّه تعالى وجهه حيث أمر سبحانه وتعالى رسوله أن يخبر الناس بولايته فتخوف رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أن يقولوا: حابى ابن عمه وأن يطعنوا في ذلك عليه، فأوحى اللّه تعالى إليه هذه الآية فقال بولايته يوم غدير خم وأخذ بيده فقال عليه الصلاة والسلام: «من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه». ولأهل السنة في أخبار الغدير واستدلال أهل الشيعة بها كلام طويل يراجع في روح المعاني (ج 2 ص 349 طبع بولاق).
[3] كذا في أ، ء، م. والضلة (بالكسر): الضلال. وفي سائر الأصول: «ظلة» بالظاء المعجمة، وهو تحريف.
[4] نكاح أم خارجة يضرب به المثل في السرعة، فيقال: «أسرع من نكاح أم خارجة». وهي عمرة بنت سعد بن عبد اللّه بن قدار بن ثعلبة. كان يأتيها الخاطب فيقول: خطب، فتقول: نكح. فيقول: انزلي، فتقول: أنخ. قال المبرد: ولدت أم خارجة للعرب في نيف وعشرين حيا من آباء متفرقة، وكانت هي إحدى النساء اللاتي إذا تزوّجت واحدة منهن الرجل فأصبحت عنده كان أمرها إليها إن شاءت أقامت وإن شاءت ذهبت. وعلامة ارتضائها للزوج أن تعالج له طعاما إذا أصبح. (انظر «مجمع الأمثال» للميداني و «ما يعوّل عليه في المضاف والمضاف إليه» و «القاموس» و «شرحه» مادتي خطب وخرج).
إن تسأليني بقومي تسألي رجلا ... في ذروة العزّ من أحياء ذي يمن
حولي بها ذو كلاع [1] في منازلها ... وذو رعين [2] وهمدان [3] وذو يزن [4]
/و الأزد أزد [عمان] [5] الأكرمون إذا ... عدّت مآثرهم في سالف الزمن
بانت كريمتهم [6] عنّي فدارهم ... داري وفي الرّحب من أوطانهم وطني
لي منزلان بلحج [7] منزل وسط [8] ... منها ولي منزل للعزّ في عدن
ثمّ الولاء الذي أرجو النجاة [9] به ... من كبّة النار للهادي أبي حسن
فقالت: قد عرفناك، ولا شيء أعجب من هذا: يمان وتميميّة، ورافضيّ وإباضيّة، فكيف يجتمعان!. فقال:
بحسن رأيك فيّ تسخو نفسك، ولا يذكر أحدنا سلفا ولا مذهبا. قالت: أفليس التزويج إذا علم انكشف معه المستور، وظهرت خفيّات الأمور!. قال: فأنا أعرض عليك أخرى. قالت: ما هي؟ قال: المتعة [10] التي لا يعلم بها
__________
[1] ذو الكلاع (كسحاب): رجلان من أذواء اليمن، أحدهما الأكبر وهو يزيد بن النعمان الحميري. والآخر الأصغر وينتسب إلى ذي الكلاع الأكبر. وكان ذو الكلاع الأصغر مطاعا في قومه فأسلم فكتب إليه النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في التعاون على قتل الأسود العنسي مع جرير بن عبد اللّه البجلي ففعل وهاجر، فمات النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قبل أن يصل إليه فقدم على أبي بكر رضي اللّه تعالى عنه.
[2] ذو رعين هو أحد ملوك اليمن الأول واسمه «يريم» وهو من ولد الحارث بن عمرو بن حمير بن سبأ. ورعين: اسم حصن كان له.
وذكره عمرو بن معد يكرب في شعر قاله لعمر بن الخطاب رضي اللّه عنه وقد خفقه عمر بالدرة لكلام دار بينهما، فقال:
أتضربني كأنك ذو رعين ... بأنعم عيشة أو ذو نواس
فكم ملك قديم قد رأينا ... وعز طاهر الجبروت قاسي
فأصبح أهله بادوا وأضحى ... ينقل من أناس إلى أناس
فقال: صدقت يا أبا ثور، قد هدم ذلك كله الإسلام.
[3] هو همدان بن مالك بن زيد بن أوسلة بن ربيعة بن الخيار بن مالك بن زيد بن كهلان. ومن ولده قبيلة باليمن تنسب إليه؛ وهم الذين كانوا شيعة لأمير المؤمنين علي كرّم اللّه وجهه عند وقوع الفتن بين الصحابة. وقال فيهم أسعد تبع:
ومعي قضاعتها وكندتها العلا ... والشمّ مذحج والذرى همدان
[4] ذو يزن: ملك من ملوك حمير، تنسب إليه الرماح اليزنية، واسمه عامر بن أسلم بن غوث وقيل: هو النعمان بن قيس الحميري. وقد ذكره قس بن ساعدة في قوله:
والقيل ذا يزن شهدت مكانه ... قد كان حرّم عنه شرب الراح
وابنه سيف بن ذي يزن الذي قتل الحبشة وطردهم من اليمن وهو الذي بشر بالنبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قبل مبعثه. (راجع ج 16 ص 75 من هذا الكتاب طبع بولاق و «ما يعول عليه في المضاف والمضاف إليه»).
[5] التكملة عن ح و «تجريد الأغاني». وساكن عمان من الأزدهم يحمد وحدّان ومالك والحارث وعتيك وجديد.
[6] كذا في الأصول.
[7] لحج: مخلاف باليمن ينسب إلى لحج بن وائل بن الغوث بن قطن.
[8] الوسط (بالتحريك): اسم لما بين طرفي الشيء، وقد يأتي صفة، على معنى أفضل الشيء وخياره وأعد له، كما في البيت هنا، وكما في قوله تعالى: وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً
[9] كذا في «تجريد الأغاني». وفي الأصول: «أرجو الحياة» وهو تحريف.
[10] المتعة: أن تتزوج امرأة تتمتع بها أياما ثم تخلي سبيلها. وذلك أن الرجل كان يشارط المرأة شرطا على شيء بأجل معلوم ويعطيها شيئا فيستحلها بذلك ثم يخلي سبيلها من غير تزويج ولا طلاق. وقد كانت المتعة مباحة في أول الإسلام ثم حرمت، وهي جائزة عند الشيعة. وللجلودي وكان من أكابر الشيعة الإمامية كتاب يسمى «كتاب المتعة وما جاء في تحليلها». وللصفواني وهو من رجال الشيعة أيضا «كتاب المتعة وتحليلها والرد على من حرمها».
أحد. قالت: تلك أخت الزّنا. قال: أعيذك باللّه أن تكفري بالقرآن بعد الإيمان!. قالت: فكيف؟ قال: قال اللّه تعالى: فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ
فقالت: أستخير [1] اللّه وأقلّدك أن [2] كنت صاحب قياس. ففعلت [3]. فانصرفت معه وبات معرسا بها. وبلغ أهلها من الخوارج أمرها، فتوعّدوها بالقتل وقالوا:/ تزوّجت بكافر! فجحدت ذلك ولم يعلموا بالمتعة. فكانت مدّة تختلف إليه على هذه السبيل من المتعة وتواصله حتى افترقا.
عارضه ابن لسليمان بن علي في مذهبه بباب عقبة بن سلّم فأجابه:
وقال الحسن بن علي بن المغيرة حدّثني أبي قال:
كنت مع السيّد على باب عقبة بن سلّم ومعنا ابن لسليمان [4] بن عليّ ننتظره وقد أسرج له ليركب، إذ قال ابن سليمان بن عليّ يعرّض بالسيّد: أشعر الناس واللّه الذي يقول:
محمد خير من يمشي على قدم ... وصاحباه وعثمان بن عفّانا
فوثب السيّد وقال: أشعر واللّه منه الذي يقول:
/سائل قريشا إذا ما كنت ذا عمه ... من كان أثبتها في الدّين أوتادا
من كان أعلمها علما وأحلمها ... حلما وأصدقها قولا وميعادا
إن يصدقوك فلن يعدوا أبا حسن ... إن أنت لم تلق للأبرار حسّادا
ثم أقبل على الهاشميّ فقال: يا فتى، نعم الخلف أنت لشرف سلفك! أراك تهدم شرفك، وتثلب [5] سلفك، وتسعى بالعداوة على أهلك، وتفضّل من ليس أصلك من أصله على من فضلك من فضله؛ وسأخبر أمير المؤمنين عنك بذا حتى يضعك. فوثب الفتى خجلا ولم ينتظر عقبة بن سلّم. وكتب إليه صاحب خبره بما جرى عند الرّكوبة حتى خرجت الجائزة للسيّد.
جلس مع قوم يخوضون في ذكر الزرع والنخل فقام وقال شعرا:
أخبرني محمد بن جعفر النّحويّ قال حدّثنا ابن القاسم البزّيّ عن إسحاق بن محمد النّخعيّ عن عقبة بن مالك الدّيلي عن الحسن بن عليّ بن أبي حرب بن أبي الأسود الدّؤليّ قال:
/ كنّا جلوسا عند أبي عمرو بن العلاء، فتذاكرنا السيّد، فجاء فجلس، وخضنا في ذكر الزرع والنخل ساعة فنهض. فقلنا: يا أبا هاشم، ممّ القيام؟ فقال:
__________
[1] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «ألا تستخير اللّه».
[2] في ح: «إذ».
[3] في ب، س: «قال قد فعلت».
[4] هو سليمان بن علي بن عبد اللّه بن العباس عم أبي جعفر المنصور. ولي له البصرة وعمان والبحرين، وتوفي بالبصرة سنة اثنتين وأربعين ومائة. (انظر كتاب «المعارف» لابن قتيبة ص 190).
[5] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «و تثلب من سلفك».
إني لأكره أن أطيل بمجلس ... لا ذكر فيه لفضل آل محمد
لا ذكر فيه لأحمد ووصيّه ... وبنيه ذلك مجلس نطف [1] ردي
إن الذي ينساهم في مجلس ... حتّى يفارقه لغير مسدّد
سكر بالأهوازن فحبسه العسس وكتب شعرا لواليها فأطلقه وأجازه:
وروى أبو سليمان النّاجي: أن السيّد قدم الأهواز وأبو بجير بن سماك الأسديّ يتولّاها، وكان له صديقا.
وكان لأبي بجير مولى يقال له يزيد بن مذعور يحفظ شعر السيد ينشده أبا بجير، وكان أبو بجير يتشيّع. فذهب السيّد إلى قوم من إخوانه بالأهواز فنزل بهم وشرب عندهم؛ فلما أمسى انصرف، فأخذه العسس فحبس. فكتب من غده بهذه الأبيات وبعث بها إلى يزيد بن مذعور. فدخل على أبي بجير وقال: قد جنى عليك صاحب عسسك ما لا قوام لك به. قال: وما ذلك؟ قال: اسمع هذه الأبيات، كتبها السيّد من الحبس؛ فأنشده يقول:
قف بالدّيار وحيّها يا مربع ... واسأل وكيف يجيب من لا يسمع
إنّ الدّيار خلت وليس بجوّها ... إلّا الضّوابح [2] والحمام الوقّع
ولقد تكون بها أوانس كالدّمى ... جمل وعزّة والرّباب وبوزع
حور نواعم لا ترى في مثلها ... أمثالهن من الصيانة أربع
فعرين [3] بعد تألّف وتجمّع ... والدّهر - صاح - مشتّت ما تجمع
/ فاسلم فإنّك قد نزلت بمنزل ... عند الأمير تضرّ فيه وتنفع
تؤتى هواك إذا نطقت بحاجة ... فيه وتشفع عنده فيشفّع
قل للأمير إذا ظفرت بخلوة ... منه ولم يك عنده من يسمع
هب لي الذي أحببته في أحمد ... وبنيه إنك حاصد ما تزرع
يختصّ آل محمد بمحبّة ... في الصدر قد طويت عليها الأضلع [4]
/في هذا الغناء لسعيد.
ضمن رثاءه لعباد بن حبيب هجوا لسوّار القاضي بعد موته:
وحكى ابن الساحر: أنّ السيّد دعي لشهادة عند سوّار القاضي؛ فقال لصاحب الدّعوى: أعفني من الشهادة عند سوّار؛ فلم يعفه صاحبها منها وطالبه بإقامتها عند سوّار. فلما حضر عنده وشهد قال له: ألم أعرفك وتعرفني!
__________
[1] النطف: السيء الفاسد، والمتهم بريبة. وفي ب، س: «قصف» وهو تحريف.
[2] الضوابح: يعني بها الثعالب وغيرها، يقال: ضبح الثعلب والأرنب والأسود من الحيات والبوم والصدى إذا صوّت. ويقال: طائر واقع إذا كان على شجر أو موكنا، ووقع الطائر إذا نزل عن طيرانه.
[3] كذا في الأصول. والضمير يعود على الديار. ويحتمل أن تكون: «فعز بن» أي بعدن.
[4] يلاحظ أن هذه القصيدة لم تتم، وأن الأبيات العينية الآتية في (ص 271) تتمة لهذه القصيدة، لأن ابن مذعور المخاطب بهذه القصيدة مذكور فيها، ولأن ما بعدها من كلام متصل بالخبر الذي سيقت فيه هذه القصيدة ومتمم له. وما وقع بين أجزاء القصيدة من أخبار موضوع في غير موضعه.
وكيف مع معرفتك بي تقدم على الشهادة عندي! فقال له: إني تخوّفت إكراهه، ولقد افتديت شهادتي عندك بمال فلم يقبل منّي فأقمتها [1]؛ فلا يقبل اللّه لك صرفا ولا عدلا إن قبلتها، وقام من عنده؛ ولم يقدر سوّار له على شيء لما تقدّم به المنصور إليه في أمره، واغتاظ غيظا شديدا وانصرف من مجلسه فلم يقض يومئذ بين اثنين. ثم إن سوّارا اعتلّ علّته التي مات فيها فلم يقدر السيّد على هجائه في حياته لنهي المنصور إيّاه عن ذلك. ومات سوّار فأخرج عشيّا وحفر له، فوقع الحفر في موضع كنيف. وكان بين الأزد وبين تميم عداوة، فمات عقب [2] موته عبّاد بن حبيب بن المهلّب؛ فهجا السيّد سوّارا في قصيدة رثى بها عبّادا ودفعها إلى نواتح الأزد لما بينهم وبين تميم من العداوة ولقربهم من دار سوّار ينحن [3] بها، وأوّلها:
/يا من غدا حاملا جثمان سوّار ... من داره طاعنا منها إلى النار
لا قدّس اللّه روحا كان هيكلها ... فقد مضت بعظيم الخزي والعار
حتى هوت قعر برهوت [4] معذّبة ... وجسمه في كنيف بين أقذار
لقد رأيت من الرحمن معجبة ... فيه وأحكامه تجري بمقدار
فاذهب عليك من الرحمن بهلته [5] ... يا شرّ حيّ براه الخالق الباري
مازح صديقا له زنجيا بشعر:
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ قال حدّثني عليّ بن محمد البقّال قال حدّثنا شيبان بن محمد الحرّاني - وكان يلقّب بعوضة وصار من سادات الأزد - قال:
كان السيّد جاري، وكان أدلم [6]، وكان ينادم فتيانا من فتيان الحيّ فيهم فتى مثله أدلم غليظ الأنف والشّفتين مزنّج الخلقة. وكان السيّد من أنتن الناس إبطين. وكانا يتمازحان، فيقول له السيّد: أنت زنجيّ الأنف والشّفتين، ويقول الفتى للسيّد: أنت زنجيّ اللون والإبطين. فقال السيّد:
أعارك يوم بعناه رباح [7] ... مشافره وأنفك ذا القبيحا
وكانت حصّتي إبطيّ منه ... ولونا حالكا أمسى فضوحا
فهل لك في مبادلتيك إبطي ... بأنفك تحمد البيع الرّبيحا
فإنّك أقبح الفتيان أنفا ... وإبطي أنتن الآباط ريحا
__________
[1] كذا في أكثر الأصول. وفي ب، س: «فإن أقمتها».
[2] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «موت عباد».
[3] في ح: «فنحن».
[4] برهوت: بئر عميقة بحضرموت لا يستطاع النزول إلى قعرها. ويشير بقوله: «حتى هوت قعر برهوت» إلى ما ورد في هذه البئر من أنها مأوى أرواح الكفار والمنافقين.
[5] البهلة: اللعنة.
[6] الأدلم: الشديد السواد.
[7] رباح: من أسماء العبيد.
كان له صديق ينفق عليه من ماله فلامته امرأته لذلك فهجاها:
أخبرني أحمد قال حدّثني شيبان قال:
مات [1] منّا رجل موسر وخلّف ابنا له فورث ماله وأتلفه بالإسراف، وأقبل على الفساد واللهو، وقد تزوّج امرأة تسمّى ليلى، واجتمع على السيّد وكان من أظرف/ الناس، وكان الفتى لا يصبر عنه، وأنفق عليه مالا كثيرا؛ وكانت ليلى تعذله على إسرافه وتقول له: كأني بك قد افتقرت فلم يغن عنك شيئا. فهجاها السيّد. وكان/ ممّا قال فيها:
أقول يا ليت ليلي في يدي حنق ... من العداوة من أعدى أعاديها
يعلو بها فوق رعن ثم يحدرها ... في هوّة فتدهدى يومها فيها
أوليتها في عمار البحر قد عصفت ... فيه الرّياح فهاجت من أواذيها [2]
أوليتها قرنت [3] يوما إلى فرسي [4] ... قد شدّ منها إلى هاديه [5] هاديها
حتى يرى لحمها من حضره زيما [6] ... وقد أتى القوم بعد الموت [7] ناعيها
فمن بكاها فلا جفّت مدامعه ... لا أسخن اللّه إلّا عين باكيها
أهدى له بعض ولاة الكوفة رداء فقال شعرا يمدحه ويستزيده:
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثني محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدّثني إسحاق بن محمد النّخعيّ وعبد الحميد بن عقبة قالا حدّثنا الحسن بن عليّ بن المغيرة الكسلان عن محمد بن كناسة قال:
أهدى بعض ولاة الكوفة إلى السيّد رداء عدنيّا؛ فكتب إليه السيّد فقال:
وقد أتانا رداء من هديّتكم ... فلا عدمتك طول الدهر من وال
هو الجمال جزاك اللّه صالحة ... لو أنّه كان موصولا بسربال
فبعث إليه بخلعة تامّة وفرس جواد وقال: يقطع عتاب أبي هاشم واستزادته إيانا.
سمع قاصا بباب أبي سفيان يمدح الشيخين فسبهما:
حدّثني عمّي قال حدّثنا الكرانيّ عن بعض البصريّين عن سليمان بن أرقم قال:
كنت مع السيّد، فمرّ بقاصّ على باب أبي سفيان بن العلاء وهو يقول: يوزن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يوم القيامة في كفّة
__________
[1] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «ملك منا رجل موسر مالا وخلف ... إلخ».
[2] الأواذي: الأمواج واحدها آذى بالتشديد وخفف لضرورة الشعر. وفي الأصول: «أواديها» بالدال المهملة، وهو تصحيف.
[3] في ب، س: «قد دنت».
[4] كذا في الأصول. ولعله «إلى فرس» بالتنكير.
[5] الهادي: العنق.
[6] زيما: قطعا متفرقة.
[7] في ح: «اليوم».
بأمّته أجمع فيرجح بهم، ثم يؤتى بفلان فيوزن بهم فيرجح ثم يؤتى بفلان فيوزن بهم فيرجح. فأقبل على أبي سفيان فقال: لعمري إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ليرجح على أمته في الفضل، والحديث حقّ؛ وإنما رجح الآخران الناس في سيئاتهم؛ لأنّ من سنّ سنّة سيئة فعمل بها بعده كان عليه وزرها ووزر من عمل بها. قال: فما أجابه أحد. فمضى فلم يبق أحد من القوم إلّا سبّه.
صادف بنت الفجاءة وأنشدها شعرا له متغزلا فيها:
وقال أبو جعفر الأعرج حدّثني إسماعيل بن السّاحر قال:
خرجت من منزل نصر بن مسعود أنا وكاتب [1] عقبة بن سلّم والسيّد ونحن سكارى. فلما كنّا بزهران لقيتنا بنت الفجاءة بن عمرو بن قطريّ بن الفجاءة، وكانت امرأة برزة حسناء فصيحة، فواقفها السيّد وتخاطب عليها وأنشدها من شعره [2] بتجميش، فأعجب كلّ واحد منهما صاحبه. فقال السيّد [3]:
من ناكثين وقاسطين الأروع [4] ... حول الأمين وقال هات ليسمعوا
قم يابن مذعور فأنشد نكّسوا ... خضع الرّقاب بأعين لا ترفع
لو لا حذار أبي بجير أظهروا ... شنآنهم وتفرّقوا وتصدّعوا
لا تجزعوا فلقد صبرنا فاصبروا ... سبعين عاما والأنوف تجدّع
/ إذ لا يزال يقوم كلّ عروبة [5] ... منكم بصاحبنا خطيب مصقع
مسحنفر [6] في غيّه متتايع [7] ... في الشّتم مثّله بخيل [8] يسجع
/ ليسرّ مخلوقا ويسخط خالقا ... إن الشقيّ بكلّ شرّ مولع
فلما سمعها أبو بجير دعا صاحب عسسه فشتمه وقال: جنيت عليّ ما لا يد لي به؛ اذهب صاغرا إلى الحبس وقل: أيّكم أبو هاشم؛ فإذا أجابك فأخرجه واحمله على دابتّك وامش معه صاغرا حتى تأتيني به ففعل. فأبى السيّد ولم يجبه إلى الخروج إلا بعد أن يطلق له كلّ من أخذ معه. فرجع إلى أبي بجير فأخبره، فقال: الحمد للّه الذي لم يقل أخرجهم وأعط كلّ واحد منهم مالا، فما كنّا نقدر على خلافه؛ افعل ما أحبّ برغم أنفك الآن. فمضى فخلّى سبيله وسبيل كلّ من كان معه ممّن أخذ في تلك الليلة، وأتي به إلى أبي بجير. فتناوله بلسانه وقال: قدمت علينا
__________
[1] كذا في أ، ء، م. وفي ح: «من منزل منصور بن مسعود كاتب عقبة بن سلّم ... ». وفي ب، س: «من منزل نصر بن مسعود أنا وعقبة بن سلّم ... إلخ».
[2] في ح: «شعرا».
[3] تلاحظ الحاشية رقم 1 في ص 268، إذ لا ارتباط بين هذا الخبر والشعر الذي بعده.
[4] هكذا ورد هذا الشعر ناقصا في الأصول. ولم نوفق إلى إكماله من مصدر آخر.
[5] عروبة: يوم الجمعة.
[6] المسحنفر: الماضي السريع. وفي ب س: «مستحفز» وهو تحريف.
[7] التتايع: التهافت.
[8] كذا في الأصول.
فلم تأتنا وأتيت بعض أصحابك [1] الفسّاق وشربت ما حرّم عليك حتى جرى ما جرى؛ فاعتذر من ذلك إليه؛ فأمر له أبو بجير بجائزة سنيّة وحمله وأقام عنده مدّة.
عاتب قوم أبا بجير على التشيع فاستنشد مولاه شعر السيد وطردهم:
قال النّوفليّ وحدّثني أبي: أنّ جماعة من أهل الثغور قدموا على أبي بجير بتسبيب بهم [2] فأطلقهم، ثم جاءوه فعاتبوه على التشيّع وسألوه الرجوع؛ فغضب من ذلك ودعا بمولاه يزيد بن مذعور فقال: أنشدني ويلك لأبي هاشم.
فأنشده قوله:
يا صاحبيّ لدمنتين عفاهما ... مرّ الرّياح عليهما فمحاهما
حتى فرغ. ثم قال: هات النّونيّة؛ فأنشده:
يا صاحبيّ تروّحا وذراني ... ليس الخليّ كمسعر الأحزان
/ فلما فرغ قال: أنشدني الدمّاغة الرائيّة، فأنشده إيّاها. فلما فرغ أقبل عليه الثّغريّون فقالوا له: ما أعتبتنا فيما عاتبناك عليه. فقال: يا حمير! هل في الجواب أكثر مما سمعتم! واللّه لو لا أنّي لا أعلم كيف يقع فعلي من أمير المؤمنين لضربت أعناقكم! قوموا إلى غير حفظ اللّه فقاموا. وبلغ السيّد الخبر فقال:
إذا قال الأمير أبو بجير ... أخو أسد لمنشده يزيدا
طربت إلى الكرام فهات فيهم ... مديحا من مديحك أو نشيدا
رأيت لمن بحضرته وجوها ... من الشّكّاك والمرجين سودا
كأنّ يزيد ينشد بامتداح ... أبا حسن نصارى أو يهودا
نقد العبدي شعر له فصدقه وقال إنه أشعر منه:
وروى أبو داود المسترق: أنّ السيّد والعبديّ اجتمعا؛ فأنشد السيّد:
إني أدين بما دان الوصيّ به ... يوم الخريبة [3] من قتل المحلّينا
وبالذي دان يوم النهروان به ... وشاركت كفّه كفّي بصفّينا
فقال له العبديّ: أخطأت، لو شاركت كفّك كفّه كنت مثله؛ ولكن قل: تابعت كفّي كفّه لتكون تابعا لا شريكا. فكان السيّد بعد ذلك يقول: أنا أشعر الناس إلّا العبديّ.
سب الشيخين في شعر له وسكر فرفع أمره إلى أبي بجير فأهانه:
وقال إسحاق النّخعي عن عبد الحميد بن عقبة عن أبي جعفر الأعرج عن إسماعيل بن السّاحر قال:
__________
[1] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «أصحابنا» وهو تحريف.
[2] كذا في ب، س. وفي سائر الأصول: «لهم». وكلاهما غير واضح.
[3] كذا في «معجم البلدان» و «كتاب مناقب آل أبي طالب» (نسخة طبع الهند محفوظة بدار الكتب المصرية تحت رقم 503 تاريخ ص 425). والخريبة: موضع بالبصرة كانت به وقعة الجمل. وفي الأصول: «الحديبة». وهو تحريف.
كنت مع السيّد وقد اكترينا سفينة إلى الأهواز؛ فجلس فيها معنا قوم شراة، فجعلوا ينالون من عثمان. فأخرج السيّد رأسه إليهم وقال:
/شفيت من نعثل في نحت أثلته [1] ... فاعمد هديت إلى نحت الغويّين
اعمد [2] هديت إلى نحت اللّذين هما ... كانا عن الشرّ لو شاء اغنيّين
قال إسماعيل: فلما قدمنا الأهواز قدم السيّد وقد سكر، فأتي به أبا بجير بن سماك الأسديّ؛ وكان ابن النّجاشيّ عند ابن سماك بعد العشاء الآخرة، وكان [3] يعرفه باسمه ولم يعرفه. فقال له: يا شيخ السّوء، تخرج سكران في هذا الوقت! لأحسننّ أدبك. فقال له: واللّه لا فعلت، ولتكرمنّي ولتخلعنّ عليّ وتحملنّي وتجيزنّي.
قال: أو تهزأ أيضا! قال: لا واللّه! ثم اندفع ينشده فقال:
من كان معتذرا من شتمه عمرا ... فابن النّجاشيّ منه غير معتذر
وابن النجاشي براء - غير محتشم - ... في دينه من أبي بكر ومن عمر
ثم أنشده قوله:
إحداهما [4] نمّت عليه حديثه ... وبغت [5] عليه نفسه إحداهما
فهما اللتان سمعت ربّ محمد ... في الذكر قصّ على العباد نباهما [6]
فقال: أبو هاشم؟ فقال نعم. قال: ارتفع. فحمله وأجازه، وقال: واللّه لأصدّقنّ قولك في جميع ما حلفت عليه.
أباح له أبو بجير شرب النبيذ:
قال إسماعيل: رأى أبو بجير السيّد متغيّر اللّون، فسأله عن حاله؛ فقال: فقدت الشراب الذي ألفته لكراهة الأمير إيّاه؛ قال: فاشربه، فإنّنا نحتمله لك. قال: ليس عندي. قال لكاتبه: اكتب له بمائتي دورق ميبختج [7]. فقال له السيّد: ليس هذا من البلاغة. قال: وما هي؟ قال: البلاغة أن تأتي من الكلام بما يحتاج إليه وتدع ما يستغنى عنه. قال: وكيف ذلك؟ قال: اكتب بمائتي دورق «مي» ولا تكتب «بختج»، فإنك تستغني عنه. فضحك، ثم أمر فكتب له بذلك. قال: والمي: النبيذ.
__________
[1] يقال: فلان ينحت أثلة فلان إذا ذمه وتنقصه.
[2] في الأصول: «اعمل» باللام وهو تحريف.
[3] كذا في ح. وفي ب، س: «و كان يعرف باسمه إلخ». وفي سائر النسخ: «و كان يعرض باسمه إلخ» وكلاهما تحريف.
[4] لعله يعني بهذا الشعر حفصة وعائشة، وذلك أن حفضة وجدت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم مع أم إبراهيم (جاريته مارية) في يوم عائشة الذي خصصه لها، فأمرها أن تكتم الأمر على أن يحرّم مارية، فأفشت حفصة ذلك إلى عائشة، فعلم به رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فعرّف حفصة فقالت له: من أخبرك به؟ فقال: نبأني به العليم الخبير. فآلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من نسائه شهرا. فأنزل اللّه تبارك وتعالى: إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ
وقد وردت هذه القصة بروايات أخر فانظرها (في «أسباب النزول» للواحدي ص 327 وغيره من «كتب التفسير»).
[5] كذا في الأصل.
[6] يريد سورة التحريم وقد قص اللّه فيها سبحانه وتعالى هذه القصة.
[7] ميبختج: كلمة فارسية مركبة من لفظين: «مي» ومعناها النبيذ، كما سيذكره المؤلف، و «بختج» أي مطبوخ.
أظهرت المرجئة الشماتة بأبي بجير لما مرض فقال هو شعرا:
قال إسماعيل: وبلغ السيّد وهو بالأهواز [1] أن أبا بجير قد أشرف على الموت، فأظهرت المرجئة الشّماتة به.
فخرج السيّد متحرّقا حتى اكترى سفينة وخرج إليها، وأنشأ يقول:
تباشر أهل تدمر [2] إذ أتاهم ... بأمر أميرنا لهم بشير
ولا لأميرنا ذنب إليهم ... صغير في الحياة ولا كبير
سوى حبّ النبيّ وأقربيه ... ومولاهم بحبّهم جدير
وقالوا لي لكيما يحزنوني ... ولكن قولهم إفك وزور
لقد أمسى أخوك أبو بجير ... بمنزله يزار ولا يزور
وظلّت شيعة الهادي عليّ ... كأنّ الأرض تحتهم تمور
فبتّ كأنّني مما رموني ... به في قدّ [3] ذي حلق أسير
/ كأنّ مدامعي وجفون عيني ... توخّز [4] بالقتاد فهنّ عور
أقول عليّ للرحمن نذر ... صحيح حيث تحتبس النّذور
بمكة، إن لقيت أبا بجير ... صحيحا واللّواء له يسير
/ وهي قصيدة طويلة.
رأى النبي صلّى اللّه عليه وسلّم في النوم وأنشده قصيدته العينية:
وروى محمد بن عاصم عن أبي داود المسترق عن السيّد:
أنه رأى النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في النوم، فاستنشده فأنشده قوله:
لأمّ عمرو باللّوى مربع ... طامسة أعلامه بلقع
حتى انتهى إلى قوله:
قالوا له لو شئت أعلمتنا ... إلى من الغاية والمفزع
فقال: حسبك! ثم نقض يده وقال: قد واللّه أعلمتهم.
مرضه ووفاته:
وروى أبو داود وإسماعيل بن السّاحر: أنهما حضرا السيّد عند وفاته بواسط وقد أصابه شرّى [5] وكرب [6]،
__________
[1] هذه العبارة هكذا بالأصول. وظاهر أنها مضطربة. ولعلها: «و بلغ السيد أن أبا بجير وهو بالأهواز إلخ» لتلتئم مع الكلام الآتي بعد.
[2] تدمر: مدينة قديمة مشهورة في برية الشام بينها وبين حلب خمسة أيام. زعم قوم أنها مما بنته الجن لسليمان.
[3] في الأصول: «قر» بالراء المهملة. ولعلها محرفة عما أثبتناه. والقد (بالكسر): سير يقد من جلد. ويقال لكل محبوس في قد:
أسير.
[4] كذا في ح، ء، أ. وفي سائر الأصول: «توخر» بالراء المهملة وهو تصحيف. والقتاد: الشوك.
[5] الشرى: داء يأخذ في الجلد أحمر كهيئة الدراهم.
[6] كذا في «تجريد الأغاني». وفي الأصول: «فطرب».
فجلس ثم قال: اللهمّ أهكذا جزائي في حبّ آل محمد! قال: فكأنها كانت نارا فطفئت عنه.
قال شعرا وهو يحتضر في التبرؤ من عثمان والشيخين:
وأخبرني محمد بن العباس اليزيديّ بإسناد له لم يحضرني وأنا أخرجه إن شاء اللّه تعالى قال:
حدّثني من حضر السيّد وقد احتضر فقال:
برئت إلى الإله من ابن [1] أروى ... ومن دين الخوارج أجمعينا
/ ومن فعل برئت [2] ومن فعيل ... غداة دعي أمير المؤمنينا
ثم كأنّ نفسه كانت حصاة فسقطت.
بلغ المنصور أن أهل واسط لم يدفنوه فقال لئن صح لأحرقنها:
أخبرنا أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ قال حدّثنا عمر بن شبّة عن أبي الهذيل العلّاف عن أبي جعفر المنصور قال:
بلغني أن السيّد مات بواسط فلم يدفنوه. واللّه لئن تحقّق عندي لأحرقنّها!.
ترحم عليه جعفر بن محمد:
ووجدت في بعض الكتب: حدّثني محمد بن يحيى اللّؤلئيّ قال حدّثني محمد بن عباد بن صهيب عن أبيه قال:
كنت عند جعفر بن محمد، فأتاه نعي السيّد، فدعا له وترحّم عليه. فقال رجل: يا بن رسول اللّه، تدعو له وهو يشرب الخمر ويؤمن بالرّجعة! فقال: حدّثني أبي عن جدّي أن محبّي آل محمد لا يموتون إلّا تائبين وقد تاب، ورفع مصلّى كانت تحته، فأخرج كتابا من السيّد يعرّفه فيه أنه قد تاب ويسأله الدعاء له.
عاش إلى خلافة الرشيد ومدحه:
وذكر محمد بن إدريس العتبيّ [3] أنّ معاذ بن يزيد [4] الحميريّ حدّثه أن السيّد عاش إلى خلافة [5] هارون الرشيد وفي أيامه مات، وأنّه مدحه بقصيدتين فأمر له ببدرتين ففرّقهما. فبلغ ذلك الرشيد فقال: أحسب أبا هاشم تورّع عن قبول جوائزنا.
لما مات أحضر له سبعون كفنا:
أخبرني ابن عمّار قال حدّثنا يعقوب بن نعيم قال حدّثنا إبراهيم بن عبد اللّه الطّلحيّ قال حدّثني إسحاق بن محمد بن بشير بن عمّار الصّيرفيّ عن جدّه بشير بن عمّار قال:
__________
[1] يعني بابن أروى عثمان بن عفان رضي اللّه تعالى عنه. وأروى: أمه. وهي أروى بنت كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس.
[2] في ب، س: «يريب» وهو تصحيف. ويعني بفعل وفعيل أبا بكر وعمر رضوان اللّه عليهما.
[3] في ح: «العيسى».
[4] في ح: «معاذ بن سعيد».
[5] جاء في فوات الوفيات ص 24 أنه مات في أول خلافة الرشيد سنة ثلاث وسبعين ومائة وولد سنة خمس ومائة.
/ حضرت وفاة السيّد في الرّميلة [1] ببغداد، فوجّه رسولا إلى صفّ الجزّارين [2] الكوفيّين يعلمهم بحاله ووفاته؛ فغلط الرسول فذهب إلى صفّ السموسين [3]، فشتموه ولعنوه؛ فعلم أنه قد غلط، فعاد إلى الكوفيّين يعلمهم بحاله ووفاته؛ فوافاه سبعون كفنا. قال: وحضرناه جميعا وإنه ليتحسّر تحسّرا [4] شديدا وإن وجهه لأسود كالقار وما يتكلّم، إلى أنا أفاق إفاقة وفتح عينيه فنظر إلى ناحية القبلة ثم قال: يا أمير المؤمنين، أتفعل هذا بوليّك! قالها ثلاث مرّات مرّة بعد أخرى. قال: فتجلّى واللّه في جبهته عرق بياض، فما زال يتّسع ويلبس وجهه حتى صار كلّه كالبدر [5]، وتوفّي فأخذنا في جهازه ودفنّاه في الجنينة ببغداد، وذلك في خلافة الرشيد.
__________
[1] كذا في جميع الأصول (بتقديم الميم على الياء مصغرا). وليس في بغداد مكان يعرف بهذا الاسم إلا «الرملة» - كما في «أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم» للمقدسي (ص 27 طبع ليدن) و «معجم البلدان» لياقوت - و «الرملية» كما في «الأعلاق النفيسة» لابن رسته (ص 248 طبع ليدن). ولعل هذا الاسم محرف عن إحداهما.
[2] في «تجريد الأغاني»: «الخرازين».
[3] كذا في الأصول. وفي «تجريد الأغاني»: «السنوسين».
[4] كذا في ب، س. وفي سائر الأصول: «ليتحير تحيرا».
[5] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «كالبرد».
صوت من المائة المختارة
فلا زلن حسرى ظلّعا لم حملنها ... إلى بلد ناء قليل الأصادق
ولا ذنب لي إذ قلت إذ نحن جيرة ... أثيبي بودّ قبل إحدى البوائق
عروضه من الطويل.
قوله: «فلا زلن حسرى»: دعاء على الإبل التي ظعنت بها وأبعدتها عنه. وحسرى: قد حسرن أي بلغ منهن الجهد فلم يبق فيهنّ بقيّة، يقال حسر ناقته فهو يحسرها، وهي حسرى، والذّكر حسير [1]؛ قال اللّه عزّ وجلّ: يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ
وفي الحديث: «فإن أتعبتها حسرتها». والظّلع في كل شي ء: أن تألم رجله فلا يقدر أن يمشي عليها فيغمز في مشيه كالأعرج إذا مشى، ويقال: ظلع فهو ظالع. والنائي: البعيد، والنّية: الناحية التي تنوي إليها، والنّوى: البعد، والتنائي: التباعد. والبوائق: الحوادث التي تأتي بما يحذر بغتة، وهي مثل المصائب والنوائب.
البيت الأوّل من الشعر لكثيّر، ويقال: إنه لأبي جندب الهذليّ. والبيت الثاني لرجل من كنانة ثم من بني جذيمة، وزعم ابن دأب أنه عبد اللّه بن علقمة أحد بني عامر بن عبد مناة بن كنانة، وقيل أيضا: إنه يقال له عمرو الذي قتله خالد بن الوليد في بعض مغازيه التي وجّهه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فيها./ الغناء في اللحن المختار لمتيّم مولاة عليّ بن هشام وأمّ أولاده. ولحنها رمل بالبنصر، من رواية إسحاق وعمرو؛ وهو من الأرمال النادرة المختارة. وفيه خفيف ثقيل، يقال: إنه لحسين بن محرز، ويقال: إنه قديم من غناء أهل مكة.
11 - أخبار عبد اللّه بن علقمة وتعشقه حبيشة:
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا محمد بن زكريا الغلابيّ قال حدّثنا العباس بن بكّار قال حدّثنا ابن دأب قال:
كان من حديث عبد اللّه بن علقمة أحد بني عامر بن عبد مناة بن كنانة أنه خرج مع أمّه وهو مع ذلك غلام يفعة [2] دون المحتلم لتزور جارة لها، وكان لها بنت يقال لها حبيشة بنت حبيش أحد بني عامر بن عبد مناة بن كنانة. فلما رآها عبد اللّه بن علقمة أعجبته ووقعت في نفسه، وانصرف وترك أمّه عند جارتها، فلبثت عندها يومين.
__________
[1] الذي في «معاجم اللغة» يخالف ما ذكره المؤلف في تصريف هذه الكلمة. ففي «اللسان» (مادة حسر): « ... ودابة حاسر وحاسرة وحسير الذكر والأنثى سواء، والجمع حسري مثل قتيل وقتلى». يريد أن «حسيرا» مما يستوي فيه المذكر والمؤنث.
[2] غلام يافع ويفعة: شاب.
ثم أتاها عبد اللّه بن علقمة ليرجعها إلى منزلها، فوجد حبيشة قد زيّنت لأمر كان في الحيّ، فازداد بها عجبا، وانصرف بأمّه في غداة تمطر، فمشى معها شيئا ثم أنشأ يقول:
وما أدري بلى إنّي لأدري ... أصوب القطر أحسن أم حبيش
حبيشة والذي خلق الهدايا ... وما عن بعدها للصّبّ عيش
فسمعت ذلك أمّه فتغافلت عنه وكرهت قوله. ثم مشيا مليّا، فإذا هو بظبي على ربوة من الأرض، فقال:
يا أمّتا أخبريني غير كاذبة ... وما يريد مسول الحقّ بالكذب
أتلك أحسن أم ظبي برابية ... لا بل حبيشة في عيني وفي أربي
/ فزجرته أمّه وقالت له: ما أنت وهذا! نزوّجك بنت عمك فهي أجمل من تلك. وأتت امرأة/ عمّه فأخبرتها خبره، وقالت: زيّني ابنتك له، ففعلت وأدخلتها عليه. فلما رآها أطرق. فقالت له أمّه: أيّهما الآن أحسن؟ فقال:
إذا غيّبت عنّي حبيشة مرّة ... من الدّهر لم أملك عزاء ولا صبرا
كأنّ الحشى حرّ السّعير يحشّه [1] ... وقود الغضى والقلب مستعرا [2]
وجعل يراسل الجارية وتراسله حتى علقته كما علقها، وكثر قوله للشعر فيها. فمن ذلك قال:
حبيشة هل جدّي وجدّك جامع ... بشملكم شملي وأهلكم أهلي
وهل أنا ملتفّ بثوبك مرّة ... بصحراء بين الأليتين [3] إلى النخل
وهل أشتفي من ريق ثغرك مرّة ... كراح ومسك خالطا [4] ضرب النّحل
فلما بلغ أهلها خبرهما حجبوها عنه مدّة، وهو يزيد غراما بها ويكثر قول الشعر فيها. فأتوها فقالوا لها: عديه السّرحة، فإذا أتاك فقولي له: نشدتك اللّه إن كنت أحببتني فو اللّه ما على الأرض شيء أبغض إليّ منك، ونحن قريب نستمع ما تقولين. فوعدته وجلسوا قريبا يستمعون، وجلست عند السّرحة، وأقبل عبد اللّه لوعدها. فلما دنا منها دمعت عينها والتفتت إلى حيث أهلها جلوس، فعرف أنهم قريب فرجع. وبلغه ما قالوا لها أن تقوله فأنشأ يقول:
لو قلت ما قالوا لزدت جوّى بكم ... على أنه لم يبق ستر ولا صبر
/ ولم يك حبّي عن نوال بذلته ... فيسليني عنه التجهّم والهجر
وما أنس م الأشياء لا أنس دمعها ... ونظرتها حتى يغيّبني القبر
__________
[1] يقال: حش النار يحشها حشا إذا أوقدها.
[2] كذا في ب، س. وفي سائر الأصول: «و القلب مصفرا». وكلاهما غير متزن.
[3] كذا في أ، ء، م. وألية: ماءة من مياه بني سليم، وفيها أقوال أخرى. (راجع «معجم البلدان» لياقوت). وفي سائر الأصول: «الألتين» بتقديم التاء على الياء. والنخل: اسم لمواضع كثيرة.
[4] الضرب (بالتحريك). العسل الأبيض الغليظ.
سرية خالد بن الوليد إلى بني عامر بن عبد مناة:
وبعث النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم على أثر ذلك خالد بن الوليد إلى بني عامر بن عبد مناة بن كنانة وأمره أن يدعوهم إلى الإسلام، فإن أجابوه وإلّا قاتلهم [1]. فصبحهم [2] خالد بن الوليد بالغميصاء [3] وقد سمعوا به فخافوه فظعنوا، وكانوا قتلوا أخاه الفاكه بن الوليد وعمّه الفاكه بن المغيرة في الجاهليّة، وكانوا من أشدّ حيّ في كنانة بأسا يسمّون «لعقة الدّم». فلما صبحهم خالد ومعه بنو سليم، وكانت بنو سليم طلبتهم بمالك بن خالد بن صخر بن الشّريد وإخوته كرز وعمرو والحارث، وكانوا قتلوهم في موطن واحد. فلما صبحهم خالد في ذلك اليوم ورأوا معه بني سليم زادهم ذلك نفورا. فقال لهم خالد: أسلموا تسلموا. قالوا: نحن قوم مسلمون. قال: فألقوا سلاحكم وانزلوا. قالوا: لا واللّه. فقال جذيمة [4] بن الحارث أحد بني أقرم: يا قوم، لا تضعوا سلاحكم، واللّه ما بعد وضع السلاح إلّا القتل.
قالوا: لا واللّه لا نلقي سلاحنا ولا ننزل، ما نحن منك ولا لمن معك بآمنين. قال خالد: فلا أمان لكم/ إن لم تنزلوا. فنزلت فرقة منهم فأسرهم، وتفرّق بقيّة القوم فرقتين، فأصعدت فرقة وسفلت فرقة أخرى.
رواية عبد اللّه بن أبي حدود لما وقع لعبد اللّه بن علقمة مع حبيشة وهو يقتل:
قال ابن دأب: فأخبرني من لا أتّهم عن عبد اللّه بن أبي حدرد الأسلميّ قال: كنت يومئذ في جند خالد، فبعثنا في أثر ظعن [5] مصعدة يسوق بهنّ فتية، فقال: أدركوا أولئك. قال: فخرجنا في أثرهم حتى أدركناهم وقد مضوا، ووقف لنا غلام شابّ على الطريق. فلما انتهينا إليه جعل يقاتلنا وهو يقول:
/بيّنّ [6] أطراف الذّيول واربعن ... مشي حييّات كأن لم يفزعن
إن يمنع اليوم نساء تمنعن
فقاتلنا طويلا فقتلناه، ومضينا حتى لحقنا الظّعن، فخرج إلينا غلام كأنه الأوّل، فجعل يقاتلنا ويقول:
أقسم ما إن خادر [7] ذو لبدة ... يزأر بين أيكة ووهده
يفرس شبّان الرجال وحده ... بأصدق الغداة منّي نجده
فقاتلنا حتى قتلناه، وأدركنا الظّعن فأخذناهنّ، فإذا فيهن غلام وضيء به صفرة في لونه كالمنهوك، فربطناه
__________
[1] في كتاب «التنبيه والإشراف» للمسعودي (ص 268 طبع ليدن): «بعثه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم داعيا ولم يأمره بالقتال». وفي «معجم البلدان» لياقوت أثناه كلامه على الغميصاء أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد ووداهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على يدي علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه». وهذا يخالف ما ذكره المؤلف في هذا الخبر. وسيذكر المؤلف فيما سيأتي ما يؤيد روايتهما.
[2] صبح القوم: أغار عليهم صباحا.
[3] الغميصاء: موضع في بادية العرب قرب مكة، كان يسكنه بنو جذيمة بن عامر بن عبد مناة بن كنانة.
[4] الذي في «سيرة ابن هشام»: «فقال رجل يقال له جحدم: ويلكم يا بني جذيمة إنه خالد! واللّه ما بعد وضع السلاح إلا الإسار وما بعد الإسار إلا ضرب الأعناق. واللّه لا أضع سلاحي أبدا. قال: فأخذه رجال من قومه فقالوا: يا جحدم، أتريد أن تسفك دماءنا ... »
ثم ذكر القصة بخلاف ما ذكره أبو الفرج. (انظر «السيرة» ص 834 طبع أوروبا).
[5] الظعن (بسكون العين وضمها): جمع ظعينة وهي المرأة في الهودج.
[6] في «سيرة ابن هشام» (المطبوعة بهامش «الروض الأنف» للسهيلي ج 2 ص 286 طبع مطبعة الجمالية سنة 1332 ه): «رخين أطراف المروط». والموجود في «معاجم اللغة»: «أرخاه» و«راخاه». فلعل الألف سقطت من الطابع.
[7] الأسد الخادر: المقيم في عرينه.
بحبل وقدّمناه لنقتله؛ فقال لنا: هل لكم في خير؟ قلنا: وما هو؟ قال: تدركون بي الظّعن أسفل الوادي ثم تقتلونني؛ قلنا: نفعل. فخرجنا حتى نعارض الظّعن أسفل الوادي. فلما كان بحيث يسمعن الصوت، نادى بأعلى صوته: اسلمي حبيش، عند نفاد العيش. فأقبلت إليه جارية بيضاء حسناء فقالت:/ وأنت فاسلم على كثرة الأعداء، وشدّة البلاء. فقال: سلام عليكم دهرا، وإن [1] بقيت عصرا. قالت: وأنت سلام عليك عشرا، وشفعا تترى، وثلاثا وترا. فقال:
إن يقتلوني يا حبيش فلم يدع ... هواك لهم منّي سوى غلّة الصدر
وأنت التي أخليت لحمي من دمي ... وعظمي وأسبلت الدموع على نحري
فقالت له:
ونحن بكينا من فراقك مرّة ... وأخرى وآسيناك في العسر واليسر
وأنت - فلا تبعد فنعم فتى الهوى - ... جميل العفاف في المودّة والسّتر [2]
فقال لها:
أريتك إن طالبتكم فوجدتكم ... بحلية [3] أو أدركتكم بالخوانق [4]
ألم يك حقّا أن ينوّل عاشق ... تكلّف إدلاج السّرى والودائق [5]
فقالت: بلى واللّه. فقال:
فلا ذنب لي إذ قلت إذ نحن جيرة ... أثيبي بودّ قبل إحدى البوائق
أثيبي بودّ قبل أن تشحط النّوى ... وينأى خليط بالحبيب المفارق
قال ابن أبي حدرد: فضربنا عنقه، فتقحّمت الجارية من خدرها حتى أتت نحوه فالتقمت فاه، فنزعنا منها رأسه وإنها لتكسع [6] بنفسها حتى ماتت مكانها. وأفلت/ من القوم غلام من بني أقرم يقال له السّميدع حتى اقتحم على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فأخبره بما صنع خالد وشكاه.
بلغ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ما فعل خالد فأرسل عليا رضي اللّه عنه لأهل القتلى فوداهم:
قال ابن دأب: فأخبرني صالح بن كيسان أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم سأله: «هل أنكر عليه أحد ما صنع»؟ فقال: نعم، رجل أصفر ربعة ورجل أحمر طويل. فقال عمر: أنا واللّه يا رسول اللّه أعرفهما، أمّا الأوّل فهو ابني وصفته، وأما
__________
[1] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «و أنت» وهو تحريف.
[2] كذا بالأصول. ولعلها: «و البر».
[3] كذا في نسخة المرحوم الأستاذ الشنقيطي مصححة بقلمه و «شرح الزرقاني على المواهب اللدنية» (ج 3 ص 5 طبع بولاق). وحلية:
واد بتهامة أعلاه لهذيل، وأسفله لكنانة. وفي ب، س: «بجيلة». وفي سائر الأصول: «بحقوة» وكلاهما تحريف.
[4] الخوانق: جمع خانق، وهو موضع بتهامة وقعت فيه حرب بين إياد بن نزار وإخوتها مضر وربيعة فانهزمت إياد، وأصبح من بلاد كنانة بن خزيمة.
[5] الودائق: جمع وديقة وهي شدّة الحر في الهاجرة.
[6] تكسع: تضرب.
الثاني فهو سالم مولى/ أبي حذيفة. وكان خالد قد أمر كلّ من أسر أسيرا أن يضرب عنقه، فأطلق عبد اللّه بن عمر وسالم مولى أبي حذيفة أسيرين كانا معهما. فبعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عليّا رضي اللّه عنه بعد فراغه من حنين وبعث معه بإبل وورق وأمره أن يديهم فوداهم، ثم رجع إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فسأله فقال عليّ: قدمت عليهم فقلت لهم: هل لكم أن تقبلوا هذا الجمل بما أصيب منكم من القتلى والجرحى وتحلّلوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم؟ قالوا نعم. فقلت لهم: فهل لكم أن تقبلوا الثاني بما دخلكم من الرّوع والفزع؟ قالوا نعم. فقلت لهم: فهل لكم أن تقبلوا الثالث وتحلّلوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ممّا علم وممّا لم يعلم؟ قالوا نعم. قال: فدفعته إليهم، وجعلت أديهم، حتى إني لأدي ميلغة [1] الكلب، وفضلت فضلة فدفعتها إليهم. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «أفقبلوها؟» قال نعم. قال: «فو الذي أنا عبده لهي أحبّ إليّ من حمر النّعم».
وقالت سلمى [2] بنت عميس:
وكم غادروا يوم الغميصاء من فتى ... أصيب فلم يجرح وقد كان جارحا
/ ومن سيّد كهل عليه مهابة ... أصيب ولمّا يعله الشيب واضحا
أحاطت [3] بخطّاب الأيامى وطلّقت ... غداتئذ من كان منهنّ ناكحا
ولو لا مقال القوم للقوم أسلموا ... للاقت سليم يوم ذلك ناطحا
ما وقع بين قريش وبين بني عامر بن عبد مناة في الجاهلية:
قال ابن دأب: وأمّا سبب قتلهم القرشيّين، فإنه كان نفر من قريش بضعة عشر أقبلوا من اليمن حتى نزلوا على ماء من مياه بني عامر بن عبد مناة بن كنانة، وكان يقال لهم «لعقة الدّم» وكانوا ذوي بأس شديد. فجاءت إليهم بنو عامر فقالوا للقرشيّين: إيّاكم أن يكون معكم رجل من فهم؛ لأنه كان له عندهم ذحل. قالوا: لا واللّه ما هو معنا، وهو معهم. فلما راحوا أدركهم العامريّون ففتّشوهم فوجدوا الفهميّ معهم في رحالهم، فقتلوه وقتلوهم وأخذوا أموالهم. فقال راجزهم:
إنّ قريشا غدرت وعاده ... نحن قتلنا منهم بغاده [4]
عشرين كهلا مالهم زياده
وكان فيمن قتل يومئذ عفّان بن أبي العاصي أبو عثمان بن عفّان، وعوف بن عوف أبو عبد الرحمن بن عوف، والفاكه بن المغيرة، والفاكه بن الوليد بن المغيرة. فأرادت قريش قتالهم حتى خذلتهم بنو الحارث بن عبد مناة فلم
__________
[1] الميلغة: الإناء الذي يلغ فيه الكلب.
[2] هي أخت أسماء بنت عميس زوجة أبي بكر الصديق رضي اللّه عنه. وقد وردت هذه الأبيات في «سيرة ابن هشام» باختلاف في كلماتها، وذكر أن بعضهم يقول: إنها لسلمى وآخر يقول: إنها لقائل من بني جذيمة.
[3] في «الروض الأنف» للسهيلي (ج 2 ص 285 طبع مصر) و «معجم البلدان» لياقوت في الكلام على الغميصاء: «ألظت». وألظ بالشيء ولظ به: لزمه.
[4] غادة: موضع في ديار كنانة. قال ساعدة:
فما راعهم إلا أخوهم كأنه ... بغادة فتخاء الجناح كسير
(عن «معجم ما استعجم» للبكري).
يفعلوا شيئا. وكان خالد بن عبيد اللّه أحد بني الحارث بن عبد مناة فيمن حضر الوقعة هو وضرار [1]. فأشار إلى ذلك ضرار بن الخطاب بقوله:
/دعوت إلى خطّة خالدا ... من المجد ضيّعها خالد
فو اللّه أدري [2] أضاهى بها ... بني [3] العمّ أم صدره بارد
ولو خالد عاد في مثلها ... لتابعه عنق وارد [4]
وقال ضرار أيضا:
أرى ابني لؤيّ [5] أسرعا أن تسالما ... وقد سلكت أبناؤها كلّ مسلك
/ فإن أنتم لم تثأروا برجالكم ... فدوكوا [6] الذي أنتم عليه بمدوك [7]
فإنّ أداة الحرب ما قد جمعتم ... ومن يتّق الأقوام بالشّر يترك
سرايا النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يوم الفتح إلى قبائل كنانة:
فلما كان يوم فتح مكة بعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بالجيوش إلى قبائل بني كنانة حوله، فبعث إلى بني ضمرة نميلة بن عبد اللّه اللّيثيّ، وإلى بني الدّئل عمرو بن أميّة الضّمريّ، وبعث إلى بني مدلج عيّاش بن أبي ربيعة المخزوميّ، وبعث إلى بني بغيض ومحارب بن فهر عبد اللّه بن نهيك أحد بني مالك بن حسل، وبعث إلى بني عامر بن عبد مناة خالدا.
فوافاهم خالد بماء يقال له الغميصاء؛ وقد كان خبره سقط إليهم، فمضى منهم سلف قتله بقوم منهم، يقال لهم بنو قيس [8] بن عامر وبنو قعين بن عامر وهم خير القوم وأشرفهم، فأصيب من أصيب. فلما أقبل خالد/ ودخل المدينة قال له النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «يا خالد ما دعاك إلى هذا»! قال: يا رسول اللّه آيات سمعتهنّ أنزلت عليك. قال: «و ما هي»؟
قال: قول اللّه عزّ ذكره: قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ
وجاءني ابن أمّ أصرم فقال لي: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يأمرك أن تقاتل. فحينئذ بعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فوداهم.
__________
[1] هو ضرار بن الخطاب بن مرداس القرشي الفهري أحد الأشراف والشعراء المعدودين والأبطال المذكورين، من مسلمة الفتح، وهو رئيس بني فهر، وقد شهد فتوح الشأم. (انظر «شرح القاموس» مادة ضرّر).
[2] النفي مقدر هنا، أي فو اللّه لا أدري. وحذف حرف النفي في مثل هذا الموضع قياسي. وشرطه أن يكون الحرف «لا» وبعده فعل مضارع جواب لقسم.
[3] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «من» وهو تحريف.
[4] عنق وارد: متدل، يكنى بذلك عن موته.
[5] هو لؤي بن غالب بن فهر واليه ينتهي عدد قريش وشرفها. وولده كعب بن لؤي وعامر بن لؤي وسامة بن لؤي وسعد بن لؤي وخزيمة بن لؤي والحارث بن لؤي وعوف بن لؤي. ومن هؤلاء تنحدر بطون وأفخاذ. ولم ندر من المعنيّ في هذا الشعر.
[6] فدوكوا: اسحقوا.
[7] كذا في ح ونسخة الشيخ الشنقيطي مصححة بقلمه. والمدوك: حجر يسحق به الطيب. وفي سائر الأصول: «بمدرك» بالراء وهو تحريف.
[8] في ح: «بنو قين» بالنون.
أخبرنا محمد بن خلف وكيع قال حدّثنا سعد بن أبي نصر قال حدّثنا سفيان بن عيينة عن عبد الملك بن نوفل بن مساحق عن رجل من مزينة يقال له ابن عاصم [1] عن أبيه قال:
بعثنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في سريّة وأمرنا ألّا نقتل أحدا إن رأينا مسجدا أو سمعنا أذانا - قال وكيع وأخبرني أحمد بن أبي خيثمة قال حدّثنا إبراهيم بن بشّار الرّماديّ قال حدّثنا سفيان بن عيينة عن عبد الملك بن نوفل عن ابن عاصم هذا عن أبيه بهذا الحديث قال - :
فبينا نحن نسير إذا بفتى يسوق ظعائن؛ فعرضنا عليه الإسلام فإذا هو لا يعرفه؛ فقال: ما أنتم صانعون بي إن لم أسلم؟ قلنا: نحن قاتلوك. قال: فدعوني ألحق هذه الظعائن، فتركناه؛ فأتى هودجا منها وأدخل رأسه فيه وقال:
اسلمي حبيش، قبل نفاد العيش. فقالت: وأنت فاسلم تسعا وترا، وثمانيا تترى، وعشرا أخرى. فقال لها:
فلا ذنب لي قد قلت إذ نحن جيرة ... أثيبي بودّ قبل إحدى البوائق
أثيبي بودّ قبل أن تشحط النّوى ... وينأى أمير بالحبيب المفارق
/ قال: ثم جاء فضربنا عنقه. فخرجت من ذلك الهودج جارية جميلة فجنأت [2] عليه، فما زالت تبكي حتى ماتت.
حديث خالد للنبي صلّى اللّه عليه وسلّم عن غزوته بني جذيمة:
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ وعمرو بن عبد اللّه العتكيّ قالا حدّثنا عمر بن شبّة قال:
يروى أن خالد بن الوليد كان جالسا عند النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فسئل عن غزوته بني جذيمة فقال: إن أذن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم تحدّثت. فقال: «تحدّث». فقال: لقيناهم بالغميصاء عند وجه الصبح، فقاتلناهم حتى كاد قرن الشمس يغيب، فمنحنا اللّه أكتافهم فتبعناهم نطلبهم، فإذا بغلام له ذوائب على فرس ذنوب [3] في أخريات القوم، فبوّأت [4] له الرمح فوضعته بين كتفيه؛ فقال: لا إله، فقبضت عنه الرّمح؛/ فقال: إلّا اللّات أحسنت أو أساءت. فهمسته [5] همسة أذريته وقيذا [6]؛ ثم أخذته أسيرا فشددته وثاقا؛ ثم كلمته فلم يكلّمني، واستخبرته فلم يخبرني. فلما كان ببعض الطريق رأى نسوة من بني جذيمة يسوق بهنّ المسلمون، فقال: أيا خالد! قلت: ما تشاء؟ قال: هل أنت واقفي على هؤلاء النّسوة؟! فأتيت على أصحابي ففعلت، وفيهن جارية تدعى حبيشة؛ فقال لها: ناوليني يدك فناولته يدها في ثوبها؛ فقال: اسلمي حبيش، قبل نفاد العيش. فقالت: حيّيت عشرا، وتسعا وترا، وثمانيا تترى. فقال:
أريتك إن طالبتكم فوجدتكم ... بحلية أو أدركتكم بالخوانق
ألم يك حقّا أن ينوّل عاشق ... تكلّف إدلاج السّرى والودائق
/ وقد قلت إذ أهلي لأهلك جيرة ... أثيبي بودّ قبل إحدى الصّعائق
__________
[1] في ب، س: «عصام».
[2] جنأت عليه: أكبت عليه. وفي الأصول: «فجاءت» وهو تحريف.
[3] الذنوب: الفرس الوافر الذنب.
[4] بوأ الرمح: سدّده وهيأه.
[5] همسه: أخذه أخذا شديدا وعصره.
[6] الوقيذ: الدنف المشرف على الموت.
أثيبي بودّ قبل أن تشحط النّوى ... وينأ أمير بالحبيب المفارق
فإنّي لا ضيّعت سرّ أمانتي ... ولا راق عيني بعد عينك رائق [1]
سوى أنّ ما نال العشيرة شاغل ... عن الودّ إلا أن يكون التّوامق
فلما جاء على حاله تلك قدّمته [2] فضربت عنقه. فأقبلت الجارية ووضعت رأسه في حجرها وجعلت ترشفه وتقول:
لا تبعدن يا عمرو حيّا وهالكا ... فحقّ بحسن المدح مثلك من مثلي
لا تبعدن يا عمرو حيّا وهالكا ... فقد عشت محمود الثّنا ماجد الفعل
فمن لطراد الخيل تشجر [3] بالقنا ... وللفخر يوما عند قرقرة البزل [4]
وجعلت تبكي وتردّد هذه الأبيات حتى ماتت وإن رأسه لفي حجرها. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «لقد رفعت لي يا خالد وإن سبعين ملكا لمطيفون بك يحضّونك على قتل عمرو حتى قتلته».
أبو السائب المخزومي وطربه بصوت شغله عن الفطور والسحور وكان صائما:
أخبرني محمد بن العبّاس اليزيديّ قال حدّثنا أحمد بن يحيى ثعلب قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثني عبد اللّه بن المنذر عن صفيّة بنت الزبير بن هشام قالت:
كان أبو السائب المخزوميّ رجلا صالحا زاهدا متقلّلا يصوم الدّهر، وكان أرقّ خلق اللّه وأشدّهم غزلا. فوجّه ابنه يوما يأتيه بما يفطر عليه، فأبطأ الغلام إلى العتمة. فلما جاء قال له: يا عدوّ نفسه، ما أخّرك إلى هذا الوقت؟
قال: جزت بباب/ بني فلان فسمعت منه غناء فوقفت حتى أخذته. فقال: هات يا بنيّ، فو اللّه لئن كنت أحسنت لأحبونّك، ولئن كنت أسأت لأضربنّك. فاندفع يغنّي بشعر كثير:
ولما علوا شغبا [5] تبيّنت أنه ... تقطّع من أهل الحجاز علائقي [6]
فلا زلن حسرى ظلّعا لم حملنها ... إلى بلد ناء قليل الأصادق
فلم يزل يغنّيه إلى نصف الليل. فقالت له زوجته: يا هذا، قد انتصف الليل وما أفطرنا. قال لها: أنت طالق إن كان
__________
[1] في هذا البيت والذي يليه إقواء وهو اختلاف حركة الروي.
[2] في الأصول: «فقدمته».
[3] تشجر: تطعن.
[4] كذا في نسخة الأستاذ الشنقيطي مصححة بقلمه. والبزل: جمع بازل وهو البعير في السنة التاسعة. والقرقرة: دعاء الإبل، وهي أيضا هدير الفحل. وفي الأصول: «و للعجز يوما عند قرقرة البذل» وهو تحريف.
[5] كذا في «معجم ما استعجم» للبكري ونسخة المرحوم الأستاذ الشنقيطي مصححة بوضع نقطة على العين بقلمه. وشغب: منهل بين طريق مصر والشأم. (عن «معجم ما استعجم» للبكري). وفي سائر الأصول: «شعبا» بالعين المهملة، وهو تصحيف.
[6] كذا في «معجم ما استعجم» للبكري ونسخة الشيخ الشنقيطي مصححة بقلمه. وفي الأصول: «علائق» بدون ياء.
فطورنا غيره. فلم يزل يغنّيه إلى السّحر. فلما كان السّحر قالت له زوجته: هذا السّحر وما أفطرنا! فقال: أنت طالق إن كان سحورنا غيره. فلما أصبح قال لابنه:/ خذ جبّتي هذه وأعطني خلقك ليكون الحباء فضل ما بينهما. فقال له: يا أبت، أنت شيخ وأنا شابّ وأنا أقوى على البرد منك. قال: يا بنيّ، ما ترك صوتك هذا للبرد عليّ سبيلا ما حييت [1].
شعر لسليمان بن أبي دباكل:
أخبرني وكيع قال أنشدنا أحمد بن يزيد الشّيبانيّ عن مصعب الزّبيريّ لسليمان ابن أبي دباكل [2] قال:
فهلا نظرت الصبح يا بعل زينب ... فتقضى لبانات الحبيب المفارق
يروح إذا يمسي حنينا ويغتدي ... وتهجيره عند احتدام الودائق
/ فطر جاهدا أو كن حليفا لصخرة ... ممنّعة في رأس أرعن شاهق
فما زال هذا الدهر من شؤم صرفه ... يفرّق بين العاشقين الأوامق
فيبعدنا ممّن نريد اقترابه ... ويدني إلينا من نحبّ نفارق [3]
ولما علوا شغبا تبيّنت أنه ... تقطّع من أهل الحجاز علائقي
فلا زلن حسرى ظلّعا لم حملنها ... إلى بلد ناء قليل الأصادق
__________
[1] كذا وردت هذه العبارة في «نهاية الأرب» للنويري (ج 4 ص 217 طبعة أولى. وفي الأصول: « ... ما إلى ترك صوتك هذا للمبرد عندي سبيل ما حييت».
[2] سليمان بن أبي دباكل: شاعر خزاعيّ من شعراء الحماسة.
[3] في هذا البيت إقواء وهو اختلاف حركة الرويّ.
12 - ذكر متيّم الهشاميّة [1] وبعض أخبارها
مغنية شاعرة اشتراها علي بن هشام وهي أم ولده:
كانت متيّم صفراء مولّدة من مولّدات البصرة، وبها نشأت وتأدّبت وغنّت. وأخذت عن إسحاق وعن أبيه من قبله وعن طبقتهما من المغنّين. وكانت من تخريج بذل وتعليمها. وعلى ما أخذت عنها كانت تعتمد. فاشتراها عليّ بن هشام [2] بعد ذلك، فازدادت [3] أخذا ممّن كان يغشاه من أكابر المغنّين. وكانت من أحسن الناس وجها وغناء وأدبا. وكانت تقول الشعر ليس ممّا يستجاد، ولكنّه يستحسن من مثلها. وحظيت عند عليّ بن هشام حظوة شديدة، وتقدّمت على جواريه جمع [4] عنده، وهي أمّ ولده كلّهم.
كانت مولاة للبانة واشتراها منها علي بن هشام وأولدها:
وقال عبد اللّه بن العنز فيما أخبرني عنه محمد بن إبراهيم قريش قال أخبرني الحسن بن أحمد المعروف بأبي عبد اللّه الهشاميّ قال:
كانت متيّم للبانة بنت عبد اللّه بن إسماعيل المراكبي [5] مولي [6] عريب، فاشتراها عليّ بن هشام منها بعشرين ألف درهم وهي إذ ذاك جويرية، فولدت له صفيّة/ وتكنى أمّ العباس، ثم ولدت محمدا ويعرف بأبي عبد اللّه، ثم ولدت بعده ابنا يقال له هارون ويعرف بأبي جعفر، سمّاه المأمون وكنّاه لمّا ولد بهذا الاسم والكنية. قال: ولما توفّي عليّ بن هشام عتقت.
كانت تغني المأمون والمعتصم:
وكان المأمون يبعث إليها فتجيئه فتغنّيه. فلما خرج المعتصم إلى سرّ من رأى أرسل إليها فأشخصها وأنزلها داخل الجوسق في دار كانت تسمّى الدّمشقيّ وأقطعها غيرها. وكانت تستأذن المعتصم في الدخول إلى بغداد إلى ولدها فتزورهم وترجع، ثم ضمّها لما خرجت قلم. وقلم جارية كانت لعليّ بن هشام. وكانت متيّم صفراء حلوة الوجه.
__________
[1] كذا في ح وهو الصواب، نسبة إلى علي بن هشام وكان قد اشتراها وحظيت عنده، كما سيأتي بعد قليل. وفي سائر الأصول:
«الهاشمية» وهو تحريف.
[2] كان من أمراء المأمون وقوّاده تولى له حرب بابك الخرّمي. ثم غضب عليه لأنه كان استعمله على أذربيجان وغيرها، فبلغه ظلمه وأخذه الأموال وقتله الرجال فأمر بقتله. (راجع «الطبري» و «ابن الأثير» في حوادث سنة 217 ه).
[3] كذا في «نهاية الأرب» للنويريّ (ج 5 ص 62 طبع دار الكتب المصرية) نقلا عن أبي الفرج. وفي ب، س: «فما ازدرت أحدا» وفي سائر النسخ: «فإن زارت أحدا» وكلاهما تحريف.
[4] في الأصول: «على جواريه أجمع». وتأكيد جمع الإناث إنما هو «جمع».
[5] سترد له أخبار في «الأغاني» (ج 10 ص 126 وج 18 ص 185 - 186 طبع بولاق).
[6] في ب، س: «مولاة» وهو تحريف.
فضلها عبد اللّه بن العباس على نفسه:
فذكر محمد بن الحسن الكاتب أنّ الحسين بن يحيى بن أكثم حدّثه عن الحسن بن إبراهيم بن رياح [1] قال: سألت عبد اللّه بن العباس الرّبيعيّ: من أحسن من أدركت صنعة؟ قال: إسحاق. قلت: ثم من؟ قال: علويه.
قلت: ثم من؟ قال: متيّم. قلت: ثم من؟ قال: ثم أنا. فعجبت من تقديمه متيّم على نفسه؛ فقال: الحقّ أحقّ أن يتّبع.
أخبرني محمد بن الحسن قال حدّثنا عمر بن شبّة قال:
/ سئل عبد اللّه بن العباس الرّبيعيّ عن أحسن الناس غناء. فذكر مثل هذه الحكاية، وزاد فيها أن قال له: ما أحسن أن أصنع كما صنعت متيّم في قوله:
فلا زلن حسرى ظلعا لم حملنها
ولا كما صنع علّويه في قول الصّمّة:
فوا حسرتي لم أقض منك [2] لبانة ... ولم أتمتّع بالجوار وبالقرب
/ قال: فأين عمرو بن بانة؟ قال: عمرو لا يضع نفسه في الصنعة هذا الموضع، ولكنّه صنع لحنا في هذا الغناء.
نسبة صوت علّويه
صوت
فوا حسرتي لم أقض منك لبانة ... ولم أتمتّع بالجوار وبالقرب
يقولون هذا آخر العهد منهم [3] ... فقلت وهذا آخر العهد من قلبي
ألا يا حمام الشّعب شعب مراهق ... سقتك الغوادي من حمام ومن شعب
الشعر للصّمّة بن عبد اللّه القشيريّ. والغناء فيه لعلّويه، ثقيل أوّل مطلق في مجرى الوسطى. وفيه لمخارق خفيف رمل بالوسطى، أوّله: «ألا يا حمام الشعب» ثم الثاني ثم الأوّل. وذكر حبش أن فيه لإسحاق ثاني ثقيل بالبنصر.
تطاول إبراهيم بن المهدي إلى منظرة كانت تغني بها وأخذ منها صوتا:
وقال ابن المعتزّ أخبرني الهشاميّ قال:
__________
[1] كذا في ح، م: وسيأتي كذلك في ج 12، 17 من «الأغاني» طبع بولاق. وفي سائر الأصول هنا: «رباح» بالباء الموحدة.
[2] في ح: «منكم».
[3] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «منكم».
كانت متيّم ذات يوم جالسة بين يدي المعتصم ببغداد وإبراهيم بن المهديّ حاضر؛ فغنّت متيّم في الثقيل الأوّل:
لزينب طيف تعتريني طوارقه ... هدوّا إذا ما النّجم لاحت لواحقه
فأشار إليها إبراهيم أن تعيده؛ فقالت متيّم للمعتصم: يا سيّدي، إبراهيم يستعيدني الصوت وكأنه يريد أن يأخذه؛ فقال لها: لا تعيديه. فلما كان بعد أيام كان إبراهيم حاضرا مجلس المعتصم ومتيّم غائبة، فانصرف إبراهيم بعد حين إلى منزله ومتيّم في منزلها بالميدان [1] وطريقه عليها وهي في منظرة لها مشرفة على الطريق وهي تغنّي هذا الصوت/ وتطرحه على جواري عليّ بن هشام؛ فتقدّم إلى المنظرة وهو على دابّته فتطاول حتى أخذ الصوت، ثم ضرب باب المنظرة بمقرعته وقال: قد أخذناه بلا حمدك.
طلبها المأمون من علي بن هشام فلم يرض:
وقال ابن المعتزّ: وحدّثت أنّ المأمون سأل عليّ بن هشام أن يهبها له وكان بغنائها معجبا [2]؛ فدفعه بذلك ولم يكن له منها ولد. فلما ألحّ المأمون في طلبها حرص عليّ على أن تعلق منه حتى حبلت ويئس المأمون منها. فيقال إن ذلك كان سببا لغضبه عليه حتى قتله.
كان المعتصم يمازحها:
وحدّثني سليمان [3] الطّبّال أنه رأى متيّم في بعض مجالس المعتصم يمازحها ويجبذ بردائها.
غنت علي بن هشام صوتا أراد إسحاق انتحاله فعوّضه عنه ببرذون:
وحكى عليّ بن محمد الهشاميّ قال:
أهدي إلى عليّ بن هشام برذون أشهب قرطاسيّ [4] وكان في النّهاية من الحسن والفراهة، وكان عليّ به معجبا، وكان إسحاق يشتهيه شهوة شديدة، وعرّض لعليّ بطلبه مرارا فلم يرض أن يعطيه له. فسار إسحاق إلى عليّ يوما بعقب/ صنعة متيّم «فلا زلن حسرى» فاحتبسه عليّ وبعث إلى متيّم أن تجعل صوتها هذا في صدر غنائها ففعلت، فأطرب إسحاق إطرابا شديدا، وجعل يستردّه، فتردّه وتستوفيه ليزيد في إطرابه إسحاق وهو يصغي إليها ويتفهّمه حتى صحّ له. ثم قال لعليّ: ما فعل البرذون الأشهب؟ قال: على ما عهدت من حسنه وفراهته. قال:
فاختر الآن منّي خلّة من اثنتين: إما أن طبت لي نفسا به وحملتني عليه، وإما أن أبيت فأدّعي واللّه هذا الصوت لي وقد أخذته، أفتراك تقول: إنه لمتيّم وأقول: إنه لي ويؤخذ قولك/ ويترك قولي؟! قال: لا واللّه ما أظنّ هذا ولا أراه؛ يا غلام قد [5] البرذون إلى منزل أبي محمد بسرجه ولجامه، لا بارك اللّه له فيه!.
__________
[1] شارع الميدان: محلة ببغداد وهي بشرقي بغداد بباب الأزل.
[2] في الأصول: «محسنا».
[3] في أ، م: «سلمان».
[4] القرطاسي: الأبيض الذي لا يخالط بياضه شية.
[5] كذا في «نهاية الأرب» (ج 5 ص 63 طبعة أولى) وفي الأصول: «قدم البرذون».
كان إسحاق يرى أنها ساوته:
قال عليّ بن محمد وحدّثني أحمد بن حمدون: أن إسحاق قال لمتيّم لمّا سمع هذا الصوت منها: أنت أنا فأنا من! يريد أنها قد حلّت محلّه وساوته.
قال عليّ بن محمد وقال جدّي أبو جعفر: كانت متيّم تقول:
صوت
فلا زلن حسرى ظلّعا لم حملنها
الرّمل كلّه.
علي بن هشام وعتابه بذل جاريته:
وحدّثني الهشاميّ قال مدّ عليّ بن هشام يده إلى بذل [1] جاريته في عتاب يعاتبها، ثم ندم على فعله ذلك، ثم أنشأ يقول:
فليت يدي بانت غداة مددتها ... إليك ولم ترجع بكفّ وساعد
وغنّت متيّم جاريته فيه في الثقيل الأوّل؛ فكان يقال لبذل جارية عليّ بذل الصغيرة.
ضرب موسوس بذل بالعود فكان سبب موتها:
وحدّثني الهشاميّ قال: كان [2] سبب موت بذل هذه أنها كانت ذات يوم جالسة عند المأمون فغنّته، وكان حاضرا في ذلك المجلس موسوس يكنى بأبي الكركدّن من أهل طبرستان/ يضحك منه المأمون، فعبثوا به فوثب عليهم وهرب الناس من بين يديه فلم يبق أحد حتى هرب المأمون، وبقيت بذل جالسة والعود في حجرها، فأخذ العود من يدها وضرب به رأسها فشجّها في شابورتها [3] اليمنى؛ فانصرفت وحمّت، وكان سبب موتها.
تزوّج المعتصم بذل الصغيرة وبقيت في قصره بعد موته:
وحدّثني الهشاميّ قال: لما مات عليّ بن هشام ومات المأمون، أخذ المعتصم جواري عليّ بن هشام كلّهن فأدخلهنّ القصر، فتزوّج
__________
[1] في الأصول: «يد جاريته» وهو تحريف.
[2] وردت هذه الجملة في ح هكذا: «كان سبب موت بذل هذه وذلك أنها كانت ذات يوم جالسة إلخ». وفي سائر الأصول: «كنت سبب موت بذل هذه وذلك أنها كانت ذات يوم دالة ... إلخ» فاعتمدنا نسخة ح مع حذف كلمة «و ذلك» لنبوها في ذلك الموضع وعدم ملاءمتها السياق.
[3] كذا وردت هذه الكلمة في الأصول. وظاهر أنها من أعضاء الرأس ولم نقف عليها في «معاجم اللغة العربية والفارسية».
ببذل المغنّية وبقيت عنده إلى أن مات؛ فخرجت بذل الكبيرة والباقون إلا بذل الصغيرة لأنها كانت حرمته فلم يخرجوها [1].
ويقال: إنه لم يكن في المغنّين أحسن صنعة من علّويه وعبد اللّه بن العباس ومتيّم.
شعر ابن الجهم في متيم الهشامية وأولادها:
وفي أولادها يقول عليّ بن الجهم:
بني متيّم هل تدرون ما الخبر ... وكيف يستر أمر ليس يستتر
حاجيتكم من أبوكم يا بني عصب ... شتّى ولكنّكما للعاهر الحجر [2]
غضبت من علي بن هشام وصالحها بشعر:
قال: وحدّثني جدّي قال: كلّم عليّ بن هشام متيّم فأجابته جوابا لم [3] يرضه، فدفع يده في صدرها، فغضبت ونهضت، فتثاقلت عن الخروج إليه. فكتب إليها:
صوت
فليت يدي بانت غداة مددتها ... إليك ولم ترجع بكفّ وساعد
فإن يرجع الرحمن ما كان بيننا ... فلست إلى يوم التّنادي بعائد
/ غنّته متيّم خفيف رمل بالبنصر.
/ عتبت على عليّ بن هشام وترضاها ثم كتب إليها فرضيت:
قال: وعتبت عليه مرّة فتمادى عتبها، وترضّاها فلم ترض؛ فكتب إليها [4]: الإدلال يدعو إلى الإملال، وربّ هجر دعا إلى صبر، وإنما سمّي القلب قلبا لتقلّبه. ولقد صدق العباس بن الأحنف حيث يقول:
ما أراني إلّا سأهجر من لي ... س يراني أقوى على الهجران
قد حدا بي إلى الجفاء وفائي [5] ... ما أضرّ الوفاء بالإنسان
قال: فخرجت إليه من وقتها [و رضيت] [6].
كانت تهدي للهشامي نبقا لأنه يحبه:
وحدّثني الهشاميّ قال:
__________
[1] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «فلم يخرجها» وهو تحريف.
[2] العاهر: الزاني، أي أن الولد لصاحب الفراش أي لصاحب أم الولد وهو زوجها أو مولاها.
[3] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «و لم» وهو تحريف.
[4] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «و قال».
[5] رواية هذا الشطر في «ديوان العباس بن الأحنف» طبع مطبعة الجوائب بالآستانة و «نهاية الأرب»:
ملني واثقا بحسن وفائي
[6] التكلمة عن «نهاية الأرب».
كانت متيّم تحبّني حبّا شديدا يتجاوز محبّة الأخت لأخيها، وكانت تعلم أني أحبّ النّبق، فكانت لا تزال تبعث إليّ منه. فإنّي لأذكر في ليلة من الليالي في وقت السّحر إذا أنا ببابي يدقّ. فقيل: من هذا؟ فقالوا: خادم متيّم يريد أن يدخل إلى أبي عبد اللّه. فقلت: يدخل. فدخل ومعه إليّ صينيّة فيها نبق؛ فقال لي: تقرئك السلام وتقول لك:
كنت عند أمير المؤمنين المعتصم باللّه فجاءوه بنبق من أحسن ما يكون؛ فقلت له: يا سيّدي، أطلب من أمير المؤمنين شيئا؟ فقال لي: تطلبين ما شئت. قالت: يطعمني أمير المؤمنين من هذا النّبق. فقال لسمانة [1]:
اجعل من هذا النّبق في صينية واجعلوها قدّام متيّم؛ فأخذته وذلّلته [لك] [2] وقد بعثت به إليك معي،/ ثم دفعت إليّ دراهم وقالت: هب للحرّاس هذه الدراهم لكي يفتحوا الدّروب لك حتى تصير به إليه.
أراد إسحاق انتحال غناء متيم فعوضه علي بن هشام عن ذلك ببرذون:
ثم حدّثنا الهشاميّ قال:
بعث عليّ بن هشام إلى إسحاق فجاء، فأخرج متيّم جاريته إليه؛ فغنّت بين يديه:
فلا زلن حسرى ظلّعا لم حملنها ... إلى بلد ناء قليل الأصادق
فاستعاده إسحاق واستحسنه، ثم قال له: بكم تشتري منّي هذا الصوت؟ فقال له عليّ بن هشام: جاريتي تصنع هذا الصوت وأشتريه منك! قال: قد أخذته الساعة وأدّعيه، فقول من يصدّق، قولي أو قولك! فافتداه منه ببرذون اختاره له.
سمع علي بن هشام من قلم جارية زبيدة صوتا فأخرجه لجواريه بمائة ألف دينار:
وحدّثني الهشاميّ قال:
سمع عليّ بن هشام قدّام المأمون من قلم جارية زبيدة صوتا عجيبا، فرشا لمن [3] أخرجه من دار زبيدة بمائة ألف دينار حتى صار إلى داره وطرح الصوت على جواريه. ولو علمت بذلك زبيدة لاشتدّ عليها، ولو سألها أن توجّه به ما فعلت.
ذكر إسحاق متيم في كتابه وكان يتعالى من ذكر غيرها:
وحدّثني يحيى بن عليّ بن يحيى المنجّم عن أبيه قال:
لمّا صنعت متيّم اللّحن في قوله:
فلا زلن حسرى ظلّعا لم حملنها
أعجب به عليّ بن هشام، وأسمعه إسحاق فاستحسنه وقال: من أين لك هذا؟ فقال: من بعض الجواري.
__________
[1] هو سمانة الخادم ويدعى مسرور سمانة (انظر الكلام عليه في «تاريخ الطبري» (ق 3 ص 1367، 1374، 1377، 1378) وفي أكثر الأصول: «لسمانة اجعلي» خطابا لمؤنثة. وفي س: «لشمانة اجعلي». والظاهر أنهما تحريف من النساخ.
[2] هذه الكلمة ساقطة في ب، س.
[3] الذي في «معاجم اللغة» أن «رشا» يتعدى إلى مفعوله بنفسه.
فقال [1]: إنه لعريب؛ ولم يزل يستعيده حتى قال: إنه لمتيّم؛ فأطرق. وكان متحاملا على المغنّين شديد النّفاسة عليهم كثير الظلم لهم مسرفا/ في حطّ درجاتهم، وما رأيته في غنائه ذكر لعلّويه ولا مخارق ولا عمرو بن بانة ولا عبد اللّه بن عبّاس ولا محمد بن الحارث صوتا واحدا ترفّعا عن ذكرهم منتصبا [2] لهم، وذكر في آخر الكتاب قوله:
فلا زلن حسرى ظلّعا لم حملنها ... إلى بلد ناء قليل الأصادق
ووقّع تحته «لمتيّم». وذكر آخر كل صوت في الكتاب ونسب إلى كلّ مغنّ صوته غير مخارق وعلّويه وعمرو بن بانة وعبد اللّه بن عباس فما ذكرهم بشيء.
سمعت شاهك جدة علي بن هشام صوتها فأعجبت بها وأمرت لها بجائزة:
أخبرنا أحمد بن جعفر جحظة/ قال حدّثني ابن المكيّ عن أبيه قال قال لي عليّ بن هشام:
لمّا قدمت عليّ شاهك جدّتي من خراسان، قالت: اعرض جواريك عليّ، فعرضتهنّ عليها. ثم جلسنا على الشّراب، وغنّتنا متيّم. وأطالت جدّتي الجلوس فلم أنبسط إلى جواريّ كما كنت أفعل؛ فقلت هذين البيتين:
صوت
أ نبقى على هذا وأنت قريبة ... وقد منع الزّوّار بعض التّكلّم
سلام عليكم لا سلام مودّع ... ولكن سلام من حبيب متيّم
وكتبتهما في رقعة ورميت بها إلى متيّم؛ فأخذتها ونهضت إلى الصلاة [3]، ثم عادت وقد صنعت فيه اللحن الذي يغنّي فيه اليوم، فغنّت. فقالت شاهك: ما أرانا إلّا قد/ ثقّلنا عليكم اليوم؛ وأمرت الجواري فحملن محفّتها، وأمرت بجوائز للجواري وساوت [4] بينهنّ، وأمرت لمتيّم بمائة ألف درهم.
__________
[1] كذا بالأصول. والأحرى بهذه الجملة أن تكون هكذا: «فقال: من بعض الجواري، فاستعاده فقال: إنه لعريب ... إلخ».
[2] الانتصاب: إظهار العداوة.
[3] في «نهاية الأرب»: «و نهضت لصلاة الظهر».
[4] قد ورد بين هذه الكلمة وبين «أخبرني قال: أول من عقد من النساء ... إلخ» خبر مبتور في ح، أ، ء، م وهو:
هذا الصوت لعليّ بن هشام والغناء لمتيم خفيف رمل ... وأنا صغير إلى عليّ بن هشام منصرفا ... هي نفسا بابنة لها وعليه سيفه ...... لمتيم بين يديه تحبو بين السبع وبذل ...... يمين بذل ......... دنانير تزمر بالسرير على الغناء وهو يشرب فبعث إلى متيم: باللّه وبحياتي تعالى إلينا ولم تزل الرسل إليها إلى أن جاءت وعليها جبة خز سفرجلية مزوقة وأمرك مرة رأيت جيبها مزررا تلك الجبة فحين دخلت قعدت وحدها عن يمين الباب في الناحية التي كان عليّ فيها جالسا إلا أن بينهما فرجة فتغنت:
فلا زلن حسرى ظلعا لم حملنها
فلم تزل كذلك حتى جاءته خداع جاريته فقالت له: يا سيدي قد واللّه طلع الفجر فقال أباتكم اللّه بعافية وانصرف إلى بيته».
هي أول من عقد على الإزار زنارا:
وأخبرني قال: أوّل من عقد من النساء في طرف الإزار زنّارا [1] وخيط إبريسم [2] ثم تجعله في رأسها فيثبت الإزار ولا يتحرّك ولا يزول متيّم.
مرت بقصر مولاها بعد قتله فرثته:
أخبرني أحمد بن جعفر جحظة قال حدّثني ميمون بن هارون قال:
مرّت متيّم في نسوة وهي مستخفية بقصر عليّ بن هشام بعد أن قتل، فلما رأت بابه مغلقا لا أنيس عليه وقد علاه التراب والغبرة وطرحت في أفنيته المزابل، وقفت عليه وتمثّلت:
صوت [3]
يا منزلا لم تبل أطلاله ... حاشا لأطلالك أن تبلى
لم أبك أطلالك لكنّني ... بكيت عيشي فيك إذ ولّى
/ قد كان لي فيك هوّى مرّة ... غيّبه الترب وما ملّا [4]
فصرت أبكي جاهدا فقده ... عند اذكاري حيثما حلّا
فالعيش أولى ما بكاه الفتى ... لا بدّ للمحزون أن يسلى
- فيه رمل بالوسطى لابن جامع - قال: ثم بكت حتى سقطت من قامتها، وجعل النّسوة يناشدنها ويقلن: اللّه اللّه في نفسك! فإنك تؤخذين الآن، فبعد لأيّ [5] مّا حملت تتهادى بين امرأتين حتى تجاوزت الموضع.
أمرها المعتصم بالغناء فعرّضت بمولاها:
نسخت من كتاب أبي سعيد السّكّريّ حدّثني الحارث بن أبي أسامة قال حدّثني محمد بن الحسن عن [عبد اللّه بن] [6] العباس الرّبيعي قال: قالت لي متيّم:
بعث إليّ المعتصم بعد قدومه بغداد، فذهبت إليه، فأمرني بالغناء فغنّيت:
هل مسعد لبكاء ... بعبرة أو دماء
فقال: اعدلي عن هذا البيت إلى غيره؛ فغنّيته غيره من معناه؛ فدمعت عيناه وقال: غنّي غير هذا. فغنّيت في لحني:
__________
[1] الزنار في الأصل: ما يلبسه ويشدّه الذمي على وسطه.
[2] الإبريسم: الحرير.
[3] هذه الكلمة ساقطة في ب، س.
[4] في ب، س: «و ما هلا» وهو تحريف.
[5] اللاي: الجهد والمشقة.
[6] زيادة ضرورية فإن محمد بن الحسن يروي عن عبد اللّه لا عن أبيه. ويحتمل أن يكون: «عن أبي العباس الربيعي» وهي كنية عبد اللّه بن العباس، كما سيذكر في ترجمته في هذا الكتاب (ج 17 ص 117 طبع بولاق).
أولئك قومي بعد عزّ ومنعة ... تفانوا وإلّا تذرف العين أكمد
فبكى وقال: ويحك! لا تغنّيني في هذا المعنى شيئا البتة [1]. فغنّيت في لحني:
لا تأمن الموت في حلّ وفي حرم ... إنّ المنايا تغشّى كلّ إنسان
/ واسلك طريقك هونا غير مكترث ... فسوف يأتيك ما يمني [2] لك الماني
فقال: واللّه لو لا أني أعلم أنك إنما غنّيت بما في قلبك لصاحبك وأنّك لم تريدني لمثّلت بك؛/ ولكن خذوا بيدها فأخرجوها، فأخذوا بيدي فأخرجت.
نسبة ما في هذا الخبر من الغناء
صوت
هل مسعد لبكاء ... بعبرة أو دماء
وذا لفقد خليل ... لسادة نجباء
الشعر لمراد شاعرة عليّ بن هشام ترثيه لمّا قتله المأمون. والغناء لمتيّم. ولحنه من الثقيل الأوّل بالوسطى.
منها:
ذهبت [3]
من الدّنيا وقد ذهبت منّي ... ............... ...........
وقد أخرج في أخبار إبراهيم بن المهديّ لأنه من غنائه وشعره، وشرحت أخباره فيه. ولحنه رمل بالوسطى.
ومنها:
صوت
أولئك قومي بعد عزّ ومنعة ... تفانوا وإلّا تذرف العين أكمد
/ وقد أخرج في أخبار أبي سعيد مولى فائد والعبليّ وغنّيا فيه من مراثيهما في بني أميّة. ولحن متيّم هذا الذي غنّت فيه المعتصم ثاني ثقيل بالوسطى.
ومنها:
__________
[1] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «ألفته».
[2] مناة اللّه: قدّره. فما يمني لك الماني، أي ما يقدر لك المقدر وهو اللّه تعالى. وقد جاء هذان البيتان في «اللسان» هكذا وهما لسويد بن عامر المصطلقي:
لا تأمن الموت في حل ولا حرم ... إن المنايا توافي كل إنسان
واسلك طريقك فيها غير محتشم ... حتى تلاقي ما يمني لك الماني
[3] لم يتقدّم لهذا الصوت ذكر في أوّل الخبر.
صوت
لا تأمن الموت في حلّ وفي حرم ... ............... ...............
ذكر الهشاميّ أنه ممّا وجده من غناء متيّم، غير أن لها لحنا فيه يذكر في موضع غير هذا على شرح [1] إن شاء اللّه تعالى، وإنما ألفت صوتا تولّعت به وغنّته فنسبه إليها [2].
كانت تغني لنفسها خفيف رمل:
وأخبرني قال: كنّا في مجلسنا نياما. فلما كان مع الفجر إذا متيّم قد دخلت علينا وقالت: أطعموني شيئا؛ فأخرجوا إليها شيئا تأكله، فأكلت، ودعت بنبيذ وابتدأت الشرب، ودعت بعود فاندفعت تغنّي لنفسها وتشرب. وكان ممّا غنّت:
كيف الثّواء بأرض لا أراك بها ... يا أكثر الناس عندي منّة ويدا
- خفيف رمل - وقال: ما رأيت أحدا من المغنّين والمغنّيات إذا غنّوا لأنفسهم يكادون يغنّون إلّا خفيف رمل.
نوحها على سيدها:
وأخبرني قال حدّثني بعض أهلها قال: لما أصبنا بعليّ بن هشام، جاء النوائح، فطرح بعض من حضر من مغنّياته عليهنّ نوحا من نوح متيّم، وكان حسنا جيّدا، فأبطأ نوح النوائح الّلاتي جئن لحسنه وجودته. وكانت زين حاضرة فاستحسنه جدّا، وقالت: رضي اللّه عنك يا متيّم! كنت علما في السرور، وأنت علم في المصائب.
وأخبرني قال: إني لأذكر من بعض نوحها:
لعليّ وأحمد وحسين ... ثم نصر وقبله للخليل
هزج.
أرسلت لها مؤنسة هدية يوم حجامتها:
قال ابن المعتزّ: وأخبرني الهشاميّ قال: وجّهت مؤنسة جارية المأمون إلى متيّم جارية عليّ بن هشام في يوم
__________
[1] لعله: «مع شرح».
[2] في أ، ء، ح، م زيادة غير واضحة بين قوله: «و غنته فنسبه إليها» وبين «و أخبرني قال كنا في مجلسنا نياما ... إلخ» نثبتها كما وردت وهي:
«أحمد بن هشام يقال لها عواذل اشتراها من إنسان مدني. فيه صوتين فأشتهيهما منهما فأخذتهما بحضرتي ثم سمعت بيتين هما لها أحدهما:
يا منزلا لم تبل أطلاله ... حاشا لأطلالك أن تبلى
لم أبك أطلالك لكنني ... بكيت عيشي فيك إذ ولى
والآخر:
أمسح الربع بخدّي ... إذ مشى فيه الخليل
وعلى مثلك يبكي ... أيها الربع المحيل
عرفت عيني الطلول ... فلها دمعي يسيل
وبكت لي إذ رأتني ... خاليا فيها أجول»
احتجمت فيه مخنقة [1] في وسطها حبّة لها قيمة جليلة كبيرة [2] وعن يمين الحبّة ويسارها أربع يواقيت وأربع زمرّدات وما بينها من شذور الذهب، وباقي المخنقة قد طيّب بغالية.
كانت تحب البنفسج وتؤثره على غيره:
وأخبرني قال: كانت متيّم يعجبها البنفسج جدّا، وكان عندها آثر من كلّ ريحان وطيب، حتى إنها من شدّة إعجابها [به] [3] لا يكاد يخلو من/ كمّها الرّيحان ولا نراه إلا كما قطف من البستان [4].
لما ماتت هي وإبراهيم بن المهدي وبذل قالت جارية للمعتصم أظن أن في الجنة عرسا:
وقد أخبرني رحمه اللّه قال حدّثنا أبو جعفر بن الدّهقانة:
أنّ جارية للمعتصم قالت له لمّا ماتت متيّم وإبراهيم بن المهديّ وبذل:/ يا سيّدي، أظن أنّ في الجنّة عرسا، فطلبوا هؤلاء إليه. فنهاها المعتصم عن هذا القول وأنكره. فلما كان بعد أيام، وقع حريق في حجرة هذه القائلة فاحترق كلّ ما تملكه. وسمع المعتصم الجلبة فقال: ما هذا؟ فأخبر عنه؛ فدعا بها فقال: ما قصّتك؟ فبكت وقالت:
يا سيّدي، احترق كلّ ما أملكه. فقال: لا تجزعي، فإن هذا لم يحترق وإنما استعاره أصحاب ذلك العرس.
أمرها المأمون بأن تجيز شعرا:
وقد ذكرت في متقدّم أخبار متيّم أنّها كانت تقول الشعر ولم أذكر شيئا. فمن ذلك ما أخبرنا به الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الحسن بن أحمد بن أبي طالب الدّيناريّ قال حدّثني الفضل بن العبّاس بن يعقوب قال حدّثني أبي قال:
قال المأمون لمتيّم جارية عليّ بن هشام: أجيزي لي هذين البيتين:
تعالي تكون الكتب بيني وبينكم ... ملاحظة نومي بها ونشير
ورسلي بحاجاتي وهنّ كثيرة ... إليك إشارات بها وزفير [5]
صوت من المائة المختارة
إنّ العيون التي في طرفها مرض ... قتلننا ثم لم يحيين قتلانا
يصرعن ذا اللّبّ حتى لا حراك له ... وهنّ أضعف خلق اللّه أركانا
__________
[1] المخنقة: القلادة.
[2] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «كثيرة».
[3] تكملة عن ح.
[4] قد ورد بين هذه الكلمة وبين «و قد أخبرني رحمه اللّه قال حدّثنا إلخ» خبر مبتور في ح، ء، م وهو: «قال ابن المعتز وحدّثني ابن المهدي ومتيم وبذل في أيام يسيرة قليلة العدد ... الجنة عرس قد ذهبوا بهؤلاء المغنين المحسنين إليه ... قال أبو العبيس توفوا في ستة أشهر فقال الناس».
[5] يلاحظ أن الكلام هنا لم يتم.
عروضه من البسيط. والشعر لجرير. والغناء لابن محرز. ولحنه المختار من القدر الأوسط من الثقيل. وفي هذه القصيدة أبيات أخر تغنّى فيها ألحان سوى هذا اللحن، منها قوله:
صوت من المائة المختارة
أتبعتهم مقلة إنسانها غرق ... هل ما ترى تارك للعين إنسانا
إن العيون التي في طرفها مرض ... قتلننا ثم لم يحيين قتلانا
[الغناء في هذين البيتين ثقيل] [1] أوّل مطلق بإطلاق الوتر في مجرى البنصر.
ومنها أيضا:
صوت
بان الأخلّا وما ودّعت من بانا ... وقطّعوا من حبال الوصل أركانا
أصبحت لا أبتغي من بعدهم بدلا ... بالدار دارا ولا الجيران [2] جيرانا
وصرت مذ ودّع الأظعان ذا طرب [3] ... مروّعا من حذار البين محزانا
في الأوّل والثاني والثالث من الأبيات خفيف رمل بالبنصر. وفيها للغريض ثاني ثقيل بالبنصر، من رواية عمرو بن بانة والهشاميّ. وذكر حبش أن فيه لمالك خفيف رمل بالوسطى، ولابن سرجس في الأوّل والثاني وبعدهما:
أتبعتهم مقلة إنسانها غرق
رمل بالوسطى. وذكر الهشاميّ أن لابن محرز في الأوّل والثاني بعدهما «أتبعتهم مقلة» / لحنا من الثقيل الأوّل بالبنصر، وذكر المكيّ أنه لمعبد.
انتهى الجزء السابع من كتاب الأغاني ويليه الجزء الثامن وأوّله نسب جرير وأخباره
__________
[1] التكملة عن ء وقد سقطت في سائر النسخ.
[2] كذا في «ديوانه» وأكثر الأصول. وفي ب، س: «بالدار دارا وبالجيران جيرانا».
[3] الطرب هنا: الخزن.
فهرس موضوعات الجزء السابع
الموضوع الصفحة
1 - أخبار الوليد بن يزيد ونسبه 5
2 - ذكر أخبار عمر الواديّ ونسبه 62
3 - أخبار أبي كامل 66
4 - أخبار يزيد بن ضبّه ونسبه 69
5 - أخبار إسماعيل بن الهربذ 76
6 - أخبار أبي دهبل ونسبه 85
7 - أخبار حسين بن الضحاك ونسبه 107
8 - أخبار أبي زكّار الأعمى 165
9 - أخبار السيّد الحميريّ 167
10 - أخبار عبد اللّه بن علقمة وحبيشة 205
11 - ذكر متيّم الهشامية وبعض أخبارها 212
فهرس الموضوعات 225
الجزء الثامن
[تتمة التراجم]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ*
(الجزء الثامن من كتاب الأغاني)
1 - نسب جرير وأخباره
نسبه من قبل أبويه:
جرير بن عطيّة بن الخطفى. والخطفى لقب، واسمه حذيفة بن بدر بن سلمة بن عوف بن كليب بن يربوع بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم بن مرّ بن أدّ بن طابخة بن إلياس بن مضر بن نزار. ويكنى أبا حزرة. ولقّب الخطفى لقوله:
يرفعن للّيل [1] إذا ما أسدفا [2] ... أعناق جنّان وهاما رجّفا
وعنقا [3] بعد الكلال خيطفا
ويروى: خطفى.
/ وهو والفرزدق والأخطل المقدّمون على شعراء الإسلام الذين لم يدركوا الجاهلية جميعا. ومختلف في أيّهم المتقدّم؛ ولم يبق أحد من شعراء عصرهم إلّا تعرّض لهم فافتضح وسقط وبقوا يتصاولون؛ على أن الأخطل إنما دخل بين جرير والفرزدق في آخر أمرهما وقد أسنّ ونفد أكثر عمره. وهو وإن كان له فضله وتقدّمه فليس [4] نجره [5] من نجار هذين في شي ء؛ وله أخبار مفردة عنهما ستذكر بعد هذا مع ما يغنّى من شعره.
أخبرني أبو خليفة الفضل بن الحباب الجمحيّ قال حدّثنا محمد بن سلّام الجمحيّ، وأخبرني محمد بن العبّاس اليزيديّ وعليّ بن سليمان الأخفش قالا حدّثنا أبو سعيد السّكّريّ عن محمد بن حبيب وأبي غسّان دماذ
__________
[1] في «اللسان» و «شرح القاموس» (مادتي خطف وسدف) و «الاشتقاق» لابن دريد و «المؤتلف والمختلف» للآمدي: «بالليل».
[2] أسدف الليل: أظلم. والجنان: جنس من الحيات إذا مشت رفعت رؤوسها، واحدها جان. والهام: الرؤوس.
[3] العنق: السير المنبسط. والخيطف والخيطفي: سرعة انجذاب السير، كأنه يختطف في مشيه عنقه، أي يجتذبه. ورواية هذا الشطر في «الشعر والشعراء» (ص 283 طبع أوروبا):
وعنقا باقي الرسيم خيطفا وقد ذكر صاحب «اللسان» (مادة خطف) رواية الأصل كما أورد رواية أخرى هي:
وعنقا بعد الرسيم خيطفا والرسيم: ضرب من السير سريع مؤثر في الأرض.
[4] كذا في جميع الأصول. وليس لهذه الفاء، موقع في الكلام.
[5] النجر والنجار: الأصل والحسب. يريد أنه ليس من معدنهما.
وإبراهيم بن سعدان عن أبيه جميعا عن أبي عبيدة معمر بن المثنّى، بنسب جرير على ما ذكرته وسائر ما أذكره في الكتاب من أخباره فأحكيه عن أبي عبيدة أو عن محمد بن سلّام. قالوا جميعا:
وأمّ جرير أمّ قيس بنت معيد [1] بن عمير [2] بن مسعود بن حارثة بن عوف بن كليب بن يربوع. وأمّ عطيّة النّوار بنت يزيد بن عبد العزّى بن مسعود بن حارثة بن عوف بن كليب.
قال أبو عبيدة ومحمد بن سلّام ووافقهما الأصمعيّ فيما أخبرنا به أحمد بن عبد العزيز عن عمر بن شبّة عنه [3]:
/اتفقت العرب على أن أشعر أهل الإسلام ثلاثة: جرير والفرزدق والأخطل، واختلفوا في تقديم بعضهم على بعض. قال محمد بن سلّام: والراعي معهم في طبقتهم ولكنّه آخرهم، والمخالف في ذلك قليل. وقد سمعت يونس يقول: ما شهدت مشهدا قط قد ذكر فيه جرير والفرزدق فاجتمع أهل المجلس على أحدهما. وكان يونس فرزدقيّا.
قال ابن سلّام: وقال ابن دأب: الفرزدق أشعر عامّة وجرير أشعر خاصّة. وقال أبو عبيدة: كان أبو عمرو يشبّه جريرا بالأعشى، والفرزدق بزهير، والأخطل بالنابغة. قال أبو عبيدة: يحتجّ من قدّم جريرا بأنه كان أكثرهم فنون شعر، وأسهلهم ألفاظا، وأقلّهم تكلّفا، وأرقّهم نسيبا، وكان ديّنا عفيفا. وقال عامر بن عبد الملك: جرير كان أشبههما [4] وأنسبهما.
ونسخت من كتاب عمرو بن أبي عمرو الشّيبانيّ: قال خالد بن كلثوم: ما رأيت أشعر من جرير والفرزدق؛ قال الفرزدق بيتا مدح فيه قبيلتين وهجا قبيلتين، قال:
عجبت لعجل إذ تهاجي عبيدها ... كما آل يربوع هجوا آل دارم [5]
/يعني بعبيدها بني حنيفة. وقال جرير بيتا هجا فيه أربعة:
إن الفرزدق والبعيث وأمّه ... وأبا البعيث لشرّ ما إستار [6]
قال: وقال جرير: لقد هجوت التّيم في ثلاث كلمات ما هجا فيهنّ شاعر شاعرا قبلي، قلت:
من الأصلاب ينزل لؤم تيم ... وفي الأرحام يخلق والمشيم
__________
[1] كذا في «النقائض» (ص 7 طبع أوروبا) عند الكلام على شرح بيت غسان بن ذهيل في هجاء جرير وهو:
ستعلم ما يغني معيد ومعرض ... إذا ما سليط غرّفتك بحورها
وفي الأصول: «سعد».
[2] في «النقائض»: «بن عثيم بن حارثة ... إلخ».
[3] في ب، س: « ... عن عمر بن شبة أنه اتفقت إلخ».
[4] كذا في م، أ، ء، وفي ب، س: «كان أسنهما ... ». ولعل الصواب فيه: «كان أسبهما» كما سيأتي في ص 9 من هذا الجزء.
[5] آل دارم: قوم الفرزدق. وآل يربوع: قوم جرير.
[6] الإستار (بكسر الهمزة) من العدد: الأربعة. وما زائدة. يريد أن هؤلاء المذكورين في البيت شرّ أربعة.
جرير وطبقته من الشعراء
/ وقال محمد بن سلّام: قال العلاء بن جرير العنبريّ وكان شيخا وقد جالس الناس: إذا لم يجيء الأخطل سابقا فهو سكّيت [1]، والفرزدق لا يجيء سابقا ولا سكّيتا، وجرير يجيى سابقا ومصلّيا [2] وسكّيتا. قال محمد بن سلّام: ورأيت أعرابيّا من بني أسد أعجبني ظرفه وروايته، فقلت له: أيّهما عندكم أشعر؟ قال: بيوت الشعر أربعة:
فخر ومديح وهجاء ونسيب، وفي كلّها غلب جرير؛ قال في الفخر:
إذا غضبت عليك بنو تميم ... حسبت الناس كلّهم غضابا
والمديح:
ألستم خير من ركب المطايا ... وأندى العالمين بطون راح
والهجاء:
فغضّ الطّرف إنك من نمير ... فلا كعبا بلغت ولا كلابا
والنّسيب:
إنّ العيون التي في طرفها حور ... قتلننا ثم لم يحيين قتلانا
قال أبو عبد اللّه محمد بن سلّام: وبيت النّسيب عندي:
فلما التقى الحيّان ألقيت العصا ... ومات الهوى لما أصيبت مقاتله
قال كيسان [3]: أما واللّه لقد أوجعكم (يعني في الهجاء). فقال: يا أحمق! أوذاك يمنعه أن يكون شاعرا!.
تفضيله عبيدة بن هلال على الفرزدق
أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدّثني عمر بن شبّة قال قال أبو عبيدة، وأخبرنا أبو خليفة قال حدّثني محمد بن سلّام الجمحيّ قال حدّثني أبان بن عثمان البلخيّ قال:
/ تنازع في جرير والفرزدق رجلان [4] في عسكر المهلّب، فارتفعا إليه وسألاه؛ فقال: لا أقول بينهما شيئا ولكنّي أدلّكما على من يهون عليه سخطهما: عبيدة [5] بن هلال اليشكريّ - وكان بإزائه مع قطريّ [6] وبينهما نهر.
وقال عمر بن شبّة: في هؤلاء الخوارج من تهون عليه سبال [7] كلّ واحد منهما - فأمّا أنا فما كنت لأعرّض نفسي لهما. فخرج أحد الرجلين وقد تراضيا بحكم الخوارج؛ فبدر من الصفّ ثم دعا بعبيدة بن هلال للمبارزة فخرج إليه.
__________
[1] السكيت (بتشديد الكاف وتخفيفها): الذي يجيء آخر الخيل في السباق.
[2] المصلى: الذي يجيء بعد الأوّل في السباق.
[3] لم يتقدّم لهذا الاسم ذكر في هذا الخبر.
[4] في ب، س: «من».
[5] هو عبيدة بن هلال اليشكري أحد زعماء الخوارج وقوّادهم وفصحائهم. (انظر فقرا عليه في «الطبري» ق 2 ص 391، 515، 585، 586، 762 طبع أوروبا).
[6] هو قطري بن الفجاءة أحد أبطال الخوارج ومتقدميها، وكان شاعرا.
[7] كذا في أ، ح. والسبال: جمع سبلة وهي طرف الشارب ومقدّم اللحية. يريد أن في هؤلاء الخوارج من لا يباليهما. وفي ب، س:
«يهون عليه أن يسأل كل واحد إلخ». وفي م، ء: «يهون عليه يسأل إلخ».
فقال: إني أسألك عن شيء تحاكمنا إليك فيه؛ فقال: وما هو؟ عليكما لعنة اللّه. قال: فأيّ الرجلين عندك أشعر:
أجرير أم الفرزدق؟ فقال: لعنكما اللّه ولعن جريرا والفرزدق! أمثلى يسأل عن هذين الكلبين! قالا: لا بدّ من حكمك. قال: فإنّي سائلكم قبل ذلك عن ثلاث. قالوا: سل. قال: ما تقولون في إمامكم إذا فجر؟ قالوا: نطيعه وإن عصى اللّه عزّ وجلّ. قال: قبحكم اللّه! فما تقولون في كتاب اللّه وأحكامه؟ قالوا: ننبذه وراء ظهورنا ونعطّل أحكامه./ قال: لعنكم اللّه إذا! فما تقولون في اليتيم؟ قالوا: نأكل ماله وننيك أمّه. قال: أخزاكم اللّه إذا! واللّه لقد زدتموني فيكم [1] بصيرة. ثم ذهب لينصرف؛ فقالوا له: إن الوفاء يلزمك، وقد سألتنا فأخبرناك ولم تخبرنا؛ فرجع فقال: من الذي يقول:
/إنّا لنذعر يا قفير [2] عدوّنا ... بالخيل لاحقة [3] الاباطيل قودا
وتحوط حوزتنا وتحمي سرحنا ... جرد ترى لمغارها [4] أخدودا
أجرى قلائدها وقدّد لحمها ... ألّا يذقن مع الشّكائم عودا
وطوى القياد مع الطّراد متونها ... طيّ التّجار بحضرموت برودا
قالا: جرير، قال: فهو ذاك، فانصرفا.
حديث الأصمعيّ وغيره عنه:
أخبرني عمّ أبي عبد العزيز بن أحمد قال حدّثنا الرّياشيّ قال قال الأصمعيّ وذكر جريرا فقال [5]:
كان ينهشه ثلاثة أو ربعون شاعرا فينبذهم وراء ظهره ويرمي بهم واحدا واحدا، ومنهم من كان ينفحه [6] فيرمي به، وثبت له الفرزدق والأخطل. وقال جرير: واللّه ما يهجوني الأخطل وحده وإنه ليهجوني معه خمسون شاعرا كلّهم عزيز [7] ليس بدون الأخطل، وذلك أنه كان إذا أراد هجائي جمعهم على شراب، فيقول هذا بيتا وهذا بيتا، وينتحل هو القصيدة بعد أن يتمّموها.
قال ابن سلّام: وحدّثني أبو البيداء الرّياحيّ قال قال الفرزدق: إنّي وإيّاه لنغترف من بحر واحد وتضطرب دلاؤه عند طول النهر.
/ أخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد عن أبيه قال حدّثني زيرك بن هبيرة المنانيّ قال:
كان جرير ميدان الشعر، من لم يجر فيه لم يرو شيئا، وكان من هاجى جريرا فغلبه جرير أرجح عندهم ممّن هاجى شاعرا آخر غير جرير فغلب.
__________
[1] لعل الصواب: « ... بكم بصيرة».
[2] كذا في «ديوانه» المخطوط بقلم المرحوم الأستاذ الشنقيطي (المحفوظ بدار الكتب المصرية تحت رقم 1 أدب ش) و «شرح القاموس» (مادة قفر). وهي أم الفرزدق الشاعر. وفي الأصول: «فقير» بتقديم الفاء على القاف، وهو تصحيف.
[3] الأياطل: جمع أيطل وهي الخاصرة. ولاحقة: ضامرة. والقود: جمع أقود وقوداء. والأقود من الخيل: الطويل العنق العظيمة.
[4] المغار: الإغارة. والأخدود. الشبق، يريد أثر حوافرها في الأرض.
[5] كذا في الأصول، والكلام مستغن عنها.
[6] كذا في ح، يقال: نفحه (بالحاء المهملة) بالسيف أي ضربه به ضربة خفيفة. وفي سائر الأصول: «ينفخه» بالخاء المعجمة.
[7] في ب، س: «عربيّ».
أخبرنا أبو خليفة عن محمد بن سلّام قال: تذاكروا جريرا والفرزدق في حلقة يونس [1] بن معاوية بن أبي عمرو بن العلاء وخلف الأحمر ومسمع وعامر ابنا عبد الملك المسمعيّان، فسمعت عامرا وهو شيخ بكر بن وائل يقول: كان جرير واللّه أنسبهما وأسبّهما وأشبههما.
سمع الراعي شعره فأقرّ بأنه جدير بالسبق:
قال ابن سلّام: وحدّثني أبو البيداء قال: مرّ راكب بالراعي وهو يغنّي بيتين لجرير، وهما:
وعاو عوى من غير شيء رميته ... بقارعة أنفاذها تقطر الدّما
خروج بأفواه الرّواة كأنّها ... قرا هندوانيّ [2] إذا هزّ صمّما
فأتبعه الراعي رسولا يسأله لمن البيتان؟ قال: لجرير. قال: لو اجتمع على هذا جميع الجنّ والإنس ما أغنوا فيه شيئا. ثم قال لمن حضر: ويحكم أألام على أن يغلبني مثل هذا!.
رأي بشار فيه وفي صاحبيه ورثاؤه ابنه:
قال ابن سلّام: وسألت بشّارا المرعّث: أيّ الثلاثة أشعر؟ فقال: لم يكن الأخطل مثلهما ولكنّ ربيعة تعصّبت له وأفرطت فيه. قلت: فهذان؟ قال: كانت لجرير ضروب من الشعر لا يحسنها الفرزدق، ولقد ماتت النّوار فقاموا ينوحون عليها بشعر جرير. فقلت لبشّار: وأيّ شيء لجرير من المراثي إلّا التي رثى بها امرأته! فأنشدني لجرير يرثي ابنه سوادة ومات بالشأم:
قالوا نصيبك من أجر لهم ... كيف العزاء وقد فارقت أشبالي
/ فارقتني حين كفّ الدهر من بصري ... وحين صرت كعظم الرّمة البالي
أمسى سوادة يجلو مقلتي لحم [3] ... باز يصرصر فوق المربأ العالي
قد كنت أعرفه منّي إذا غلقت ... رهن الجياد ومدّ الغاية الغالي [4]
إنّ الثّويّ [5] بذي الزّيتون فاحتسبي ... قد أسرع اليوم [6] في عقلي وفي حالي
إلّا تكنّ لك بالدّيرين معولة ... فربّ باكية بالرّمل معوال
__________
[1] وردت هذه العبارة هكذا في جميع الأصول. ولعل الصواب فيها: في حلقة يونس بن حبيب وفيها أبو عمرو بن العلاء ... إلخ» لأن الذي كانت له حلقة بالبصرة هو يونس بن حبيب وكان يقصده طلبة العربية وفصحاء الأعراب والبادية. وكان من معاصري أبي عمرو بن العلاء وخلف الأحمر والمسمعيين المذكورين هنا، وهم الذين تكررت رواية محمد بن سلام عنهم في «طبقاته»، وكانوا يتزاورون ويتذاكرون في المسائل العربية وغيرها ولهم مجالس معروفة في ذلك. (راجع «الأمالي» لأبي علي القالي ج 1 ص 48 طبعة دار الكتب المصرية و «طبقات ابن سلام» طبعة أوروبا و «نزهة الألبا في طبقات الأدبا» لابن الأنباري).
[2] الهندواني (بكسر الهاء وتضم): المنسوب للهند، وهي نسبة شاذة.
[3] اللحم: البازي الذي يأكل اللحم أو يشتهيه. وصرصر: صوّت وصاح أشد الصياح. والمربأ: المرقب.
[4] الغالي: الرامي بالسهام.
[5] الثويّ المقيم.
[6] كذا في أكثر الأصول و «تجريد الأغاني» و «ديوانه». وفي ب، س: «الموت».
كأمّ بوّ عجول عند معهده ... حنّت إلى جلد [1] منه وأوصال
حتى إذا عرفت أن لا حياة به ... ردّت هماهم [2] حرّى الجوف مثكال
زادت على وجدها وجدا وإن رجعت [3] ... في الصدر منها خطوب ذات بلبال
أخبرني عبد الواحد بن عبيد عن قعنب بن المحرز الباهليّ عن المغيرة بن حجناء وعمارة بن عقيل قالا:
/ خرج جرير إلى دمشق يؤمّ الوليد، فمرض ابن له يقال له سوادة، وكان به معجبا، فمات بالشأم، فجزع عليه ورثاه جرير فقال:
أودى سوادة يجلو مقلتي لحم ... باز يصرصر فوق المربأ العالي
حديث الفرزدق عنه:
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثني أحمد بن معاوية قال حدّثني رجل من أصحاب الحديث يقال له الحسن قال حدّثني أبو نصر اليشكريّ عن مولى لبني هاشم قال:
إمترى [4] أهل المجلس في جرير والفرزدق أيّهما أشعر، فدخلت على الفرزدق فما سألني عن شيء حتى قال:
يا نوار، أدركت برنيّتك؟ قالت: قد فعلت أو كادت. قال: فابثعي بدرهم فاشتري لحما، ففعلت وجعلت تشرّحه وتلقيه على النار ويأكل. ثم قال: هاني برنيّتك، فشرب قدحا ثم ناولني، وشرب آخر ثم ناولني. ثم قال: هات حاجتك يابن أخي، فأخبرته؛ قال: أعن ابن الخطفى تسألني! ثم تنفّس حتى قلت: انشقّت حيازيمه [5]، ثم قال:
قاتله اللّه! فما أخشن ناحيته وأشرد قافيته! واللّه لو تركوه لأبكى العجوز على شبابها، والشابّة على أحبابها، ولكنهم هرّوه [6] فوجدوه عند الهراش نابجا وعند الجراء [7] قارحا، وقد قال بيتا لأن أكون قلته أحبّ إليّ مما طلعت عليه الشمس:
إذا غضبت عليك بنو تميم ... حسبت الناس كلّهم غضابا
أثنى عليه الفرزدق أمام الأحوص:
أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدّثنا عمر بن شبّة، وأخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد عن أبيه عن أبي عبيدة، قالا:
/ نزل الفرزدق على الأحوص حين قدم المدينة. فقال الأحوص: ما تشتهي؟ قال: شواء وطلاء [8] وغناء.
قال: ذلك لك؛ ومضى به إلى قينة بالمدينة؛ فغنّته:
__________
[1] الجلد محركة لغة في الجلد.
[2] الهماهم: جمع همهمة وهي ترديد الزئير في الصدر من الهمّ.
[3] كذا في «ديوانه». وفي الأصول:
........ فلو رجعت ... في الصدر منها خطوبا ذات بلبال
[4] أي تجادلوا.
[5] الحيازيم: جمع حيزوم وهو الصدر أو وسطه أو ما استدار بالظهر والبطن.
[6] كذا في «شرح شواهد التلخيص» ص 304 طبع بلاق. وفي الأصول «هزوه» بالزاي المعجمة.
[7] جاراه مجاراة وجراء: جرى معه وسابقه.
[8] الطلاء: من أسماء الخمر.
صوت
ألا حيّ الديار بسعد [1] إنّي ... أحبّ لحبّ فاطمة الدّيارا
إذا ما حلّ أهلك يا سليمى ... بدارة صلصل [2] شحطوا مزارا
أراد الظاعنون ليحزنوني ... فهاجوا صدع قلبي فاستطارا
- / غنّاه ابن محرز خفيف ثقيل أوّل بالبنصر - فقال الفرزدق: ما أرقّ أشعاركم يأهل الحجاز وأملحها! قال: أو ما تدري لمن هذا الشعر؟ قال: لا واللّه. قال: فهو واللّه لجرير يهجوك به. فقال: ويل ابن المراغة! ما كان أحوجه مع عفافه إلى صلابة شعري، وأحوجني مع شهواتي إلى رقّة شعره!.
قدم المدينة وتحدث مع الأحوص حتى أخزاه وأقبل على أشعب وأجازه:
أخبرني أحمد قال حدّثنا عمر بن شبّة عن إسحاق الموصليّ، وأخبرني محمد بن مزيد عن حمّاد عن أبيه قال [قال] [3] إسحاق بن يحيى بن طلحة:
قدم علينا جرير المدينة فحشدنا له، فبينا نحن عنده ذات يوم إذ قام لحاجته، وجاء الأحوص فقال: أين هذا؟
فقلنا: قام آنفا، ما تريد منه؟ قال: أخزيه، واللّه إن الفرزدق لأشعر منه وأشرف. فأقبل جرير علينا وقال: من الرجل؟ قلنا: الأحوص بن محمد بن عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح. قال: هذا الخبيث بن الطيّب. ثم أقبل عليه فقال: قد قلت:
يقرّ بعيني ما يقرّ بعينها ... وأحسن شيء ما به العين قرّت
/ فإنه يقرّ بعينها أن يدخل فيها مثل ذراع البكر، أفيقرّ ذلك بعينك؟ - قال: وكان الأحوص يرمى بالأبنة - فانصرف وأرسل إليه بتمر وفاكهة. وأقبلنا نسأل جريرا وهو في مؤخّر البيت وأشعب عند الباب؛ فأقبل أشعب يسأله؛ فقال له جرير: واللّه إنك لأقبحهم وجها ولكنّي أراك أطولهم حسبا، وقد أبرمتني. فقال: أنا واللّه أنفعهم لك. فانتبه جرير فقال: كيف؟ قال: إني لأملّح شعرك؛ واندفع يغنّيه قوله:
صوت
يا أخت ناجية السلام عليكم ... قبل الفراق وقيل لوم العذّل
لو كنت أعلم أن آخر عهدكم ... يوم الفراق فعلت ما لم أفعل
قال: فأدناه جرير منه حتى ألصق ركبته بركبته وجعله قريبا منه؛ ثم قال: أجل! واللّه إنك لأنفعهم لي وأحسنهم تزيينا [4] لشعري، أعد؛ فأعاده عليه وجرير يبكي حتى اخضلّت لحيته، ثم وهب لأشعب دراهم كانت معه وكساه حلّة من حلل الملوك. وكان يرسل إليه طول مقامه بالمدينة فيغنّيه أشعب ويعطيه جرير شعره فيغنّي فيه قال:
__________
[1] سعد: ذكر البكري في «معجم ما استعجم» أنه موضع بنجد، واستشهد بهذا البيت.
[2] دارة صلصل: لعمرو بن كلاب وهي بأعلى دارها بنجد، كذا ذكر ياقوت في «معجمه».
[3] الزيادة عن ح.
[4] في الأصول: «ترتيبا لشعري» وهو تصحيف.
وكان أشعب من أحسن الناس صوتا. قال حماد: والغناء الذي غنّاه فيه أشعب لابن سريج.
أخبرني عليّ بن سليمان قال حدّثنا أبو سعيد السّكّريّ عن الرّياشيّ عن الأصمعيّ قال وذكر المغيرة بن حجناء مسعود بن خالد بن مالك بن ربعيّ بن سلمى بن جندل قال حدّثني مسحل بن كسيب بن عمران بن عطاء بن الخطفى،/ وأمّه الرّبّداء بنت جرير - وهذا الخبر وإن كان فيه طول محتو على سائر أخبار من ناقض جريرا أو اعتنّ [2] بينه وبين الفرزدق وغيره فذكرته هنا لاشتماله على ذلك في بلاغ واختصار - :
أنّ جريرا قدم على الحكم بن أيوب بن يحيى بن الحكم بن أبي عقيل، وهو خليفة للحجّاج يومئذ، فمدحه جرير فقال:
أقبلت [3] من ثهلان أو جنبي خيم ... على قلاص مثل خيطان [4] السّلم
/ ثهلان: جبل كان لباهلة ثم غلبت عليه نمير. وخيم: جبل يناوحه من طرفه الأقصى فيما بين ركنه الأقصى وبين مطلع الشمس، به ماء ونخل -
قد طويت بطونها طيّ الأدم ... يبحثن بحثا كمضلّات الخدم [5]
إذا قطعن علمّا بدا علم ... حتى تناهين [6] إلى باب الحكم
خليفة الحجّاج غير المتّهم ... في معقد [7] العزّ وبؤبوء الكرم
بعد انفضاج [8] البدن واللحم زيم فلما قدم عليه استنطقه فأعجبه ظرفه وشعره؛ فكتب إلى الحجّاج: إنه قدم عليّ أعرابيّ شيطان من الشياطين. فكتب إليه أن أبعث به إليّ، ففعل. فقدم/ عليه فأكرمه الحجّاج وكساه جبّة صبريّة [9] وأنزله فمكث أياما. ثم أرسل إليه بعد نومه فقالوا: أجب الأمير؛ فقال: ألبس ثيابي؛ فقالوا: لا! واللّه لقد أمرنا أن نأتيه بك على الحال التي نجدك عليها؛ ففزع جرير وعليه قمبص غليظ وملاءة صفراء. فلما رأى ما به رجل من الرّسل دنا منه وقال: لا بأس عليك، إنما دعاك للحديث. قال جرير: فلما دخلت عليه قال: إيه يا عدوّ اللّه! علام تشتم الناس وتظلمهم؟ فقلت: جعلني اللّه فداء الأمير، واللّه إني ما أظلمهم ولكنّهم يظلمونني فأنتصر. مالي ولابن أمّ غسّان! ومالي وللبعيث! ومالي
__________
[1] هكذا بالأصول.
[2] اعتن بينه وبينه: اعترض.
[3] في «ديوانه»: «أقبلن» وقد وردت هذه الأرجوزة في «ديوانه» باختلاف عما هنا فانظرها في ص 188 من نسخة الشنقيطي.
[4] الخيطان: جمع خوط وهو الغصن.
[5] الخدم: جمع خدمة وهي الخلخال. يريد أنهنّ يبحثن بمناسمهنّ الأرض كما تبحث النساء المعضلات خلاخلهنّ عنها في التراب.
[6] كذا في «ديوانه». وفي الأصول: «تناهينا».
[7] كذا في س. والمعقد: موضع العقد. وفي حديث الدعاء: «أسألك بمعاقد العز من عرشك». وفي سائر الأصول: «في مقعد العز».
وفي «ديوانه»: «في ضئضيء المجد».
[8] كذا في «ديوانه». والانفضاج: السمن والضخم. وفي الأصول: «انفضاخ» بالخاء المعجمة وهو تصحيف. والبدن: النوق. والزيم:
المتفرق على رؤوس الأعضاء.
[9] صبرية: نسبة إلى صبر (بفتح فكسر) وهو الجبل الشامخ العظيم المطل على قلعة تعز (بفتح أوّله وكسر ثانيه وتشديد الزاي المعجمة)، فيه عدّة حصون وقرى باليمن.
وللفرزدق! ومالي وللأخطل! ومالي وللتّيميّ! حتى عدّدهم واحدا واحدا. فقال الحجاج: ما أدري مالك ولهم! قال: أخبر الأمير أعزّه اللّه: أمّا غسّان بن ذهيل فإنه رجل من قومي هجاني وهجا عشيرتي وكان شاعرا. قال: فقال لك ماذا؟ قال قال لي:
لعمري لئن كانت بجيلة زانها ... جرير [1] لقد أخزي كليبا جريرها
رميت نضالا عن كليب فقصّرت ... مراميك حتى عاد صفرا جفيرها [2]
ولا يذبحون الشاة إلا بميسر [3] ... طويل تناجيها صغار قدورها
قال: فما قلت له؟ قال قلت:
ألا ليت شعري عن سليط [4] ألم تجد ... سليط سوى غسّان جارا يجيرها
فقد ضمّنوا الأحساب صاحب سوءة ... يناجي بها نفسا خبيثا ضميرها
/ كأنّ سليطا في جواشنها الخصى ... إذا حلّ بين الأملحين وقيرها [5]
أضجّوا الرّوايا بالمزاد فإنّكم ... ستكفون ركض الخيل تدمى نحورها [6]
كأنّ السّليطيّات مجناة كمأة ... لأوّل جان بالعصا يستشيرها [7]
عضاريط يشوون الفراسن بالضّحى ... إذا ما السّرايا حثّ ركضا مغيرها [8]
فما في سليط فارس ذو حفيظة ... ومعقلها يوم الهياج جعورها [9]
عجبت من الدّاعي جحيشا وصائدا ... وعيساء يسعى بالعلاب نفيرها [10]
__________
[1] يريد جرير بن عبد اللّه البجلي، كان من أفاضل أهل الكوفة، قيل: إنه أسلم في السنة التي قبض فيها النبي صلّى اللّه عليه وسلّم ومات في سنة 51 هجرية، وهو الذي هدم الصنم المسمى بذي الخلصة.
[2] الجفير: جعبة السهام.
[3] الميسر: اللعب بالقداح.
[4] سليط: قبيلة غسان بن ذهيل.
[5] الجواشن: الصدور. وفي جواشنها الخصي أي هي عظام الصدور. يريد أن أبدانهم معضلة كخلق العبيد قد أكتنزت من العمل فتعضلت ليست سبطة كسبوطة الأحرار. والأملحان: ماءان، ويقال: هما جبلان لبني سليط. والوقير: الغنم فيها حماران أو أحمرة، ولا تسمى الغنم وقيرا إلّا بحمرها. «النقائض بين جرير والفرزدق» ص 11 طبع أوروبا).
[6] كذا في «النقائض». وفي الأصول: «أضحوا» بالحاء المهملة وهو تصحيف. وأضجوا الروايا أي ألحوا عليها بالاستقاء حتى تضج وترغو. والروايا: الإبل يستقي عليها: والمزاد: جمع مزادة وهي القربة. يقول: اخدموا أنتم واستقوا فإن الحرب يكفيكموها غيركم.
[7] رواية «النقائض»: «كأن السليطيين أنقاض كمأة». والأنقاض: جمع نقض وهو هنا ما خرج من رأس الكمأة إذا انشقت عنها الأرض.
يصفهم بالذل وأنهم لا يمتنعون كما لا يمتنع هذه الكمأة إذا استثيرت بالعصا.
[8] العضاريط: الأتباع، والواحد عضروط. والفراسن: أخفأف الإبل واحدها فرسن. يقول: ذلك حظهم من الجزور، وهو شر ما فيه.
ويريد بقوله: «إذا ما السرايا حث ركضا مغيرها» أنه إذا ركب الناس لغارة أو فزع لم يركبوا معهم لأنهم ليسوا بأصحاب حرب ولا خيل.
[9] الجعر: ما يبس من العذرة في الدبر. يقول: إذا تهايج الناس أحدثوا هم من الفزع والجبن.
[10] هذه رواية «النقائض». وفي الأصول: «و عيساء يدعى بالفلاة نصيرها». وجحيش هو جحيش بن زياد أحد بني زبيد بن سليط.
قال: ثم منّ؟ قال: البعيث. قال: مالك وله؟ قال: اعترض دونه ابن أمّ غسّان يفضّله عليّ ويعينه. قال: فما قال لك؟ قال قال لي:
/كليب لئام الناس قد تعلمونه ... وأنت إذا عدّت كليب لئيمها
أترجو كليب أن يجيء حديثها ... بخير وقد أعيا كليبا قديمها
/ قال: فما قلت له؟ قال قلت:
ألم تر أنّي قد رميت ابن فرتنى ... بصمّاء لا يرجو الحياة أميمها [1]
له أمّ سوء بئس ما قدّمت له ... إذا فرط [2] الأحساب عدّ قديمها
قال: ثم من؟ قلت: الفرزدق. قال: وما لك وله؟ قلت: أعان البعيث عليّ.
قال: فما قلت له؟ قال قلت:
تمنّى رجال من تميم لي الرّدى ... وما ذاد عن أحسابهم ذائد مثلي
كأنّهم لا يعلمون مواطني ... وقد جرّبوا أنّي أنا السابق المبلى [3]
فلو شاء قومي كان حلمي فيهم ... وكان على جهّال أعدائهم جهلي
وقد زعموا أنّ الفرزدق حيّة ... وما قتل الحيّات من أحد قبلي
قال: ثم من؟ قلت: الأخطل. قال: مالك وله؟ قلت: رشاه محمد بن عمير ابن عطارد زقّا من خمر وكساه حلّة على أن يفضّل عليّ الفرزدق ويهجوني. قال: فما قال لك؟ قال قال:
إخسأ إليك كليب إنّ مجاشعا ... وأبا الفوارس نهشلا أخوان
وإذا وردت الماء كان لدارم ... جمّاته وسهولة الأعطان [4]
وإذا قذفت أباك في ميزانهم ... رجحوا وشال أبوك في الميزان
قال: فما قلت له؟ قال قلت:
يا ذا العباءة [5] إنّ بشرا قد قضى ... ألّا تجوز حكومة النّشوان [6]
/فدعوا الحكومة لستم من أهلها ... إنّ لحكومة في بني شيبان
قتلوا كليبكم بلقحة جارهم ... يا خزر تغلب لستم بهجان [7]
__________
() وصائد: سليطي. وعيساء: جدّة غسان بن ذهيل. والعلاب: جمع علبة وهي التي يحلب فيها، وهي تعمل من جلود الإبل.
ونفيرها: قومها.
[1] الفرتنى: الزانيّة. والأميم: المشجوج الرأس.
[2] فرط الأحساب: ما مضى وسبق منها: يعني أوائلها.
[3] في ب، س: «المجلى» بالجيم.
[4] الجمة: مجتمع الماء ومعظمه. والأعطان: جمع عطن وهو مناخ الإبل حول وردها. وفي «ديوانه»: «صفواته» بدل «جماته».
[5] كذا في ج و «النقائض». والعباءة: الكساء. يعيره لبسها. وفي سائر الأصول: «يا ذا الغباوة».
[6] كذا في «النقائض». وفي الأصول: «النسوان». بالسين المهملة وهو تصحيف. وبشر هو بشر بن مروان بن الحكم.
[7] اللقحة: الناقة الحلوب. والخزر: جمع أخزر، والخزر: حول إحدى العينين. والهجان: البيض الكرام. يشير إلى حادثة كليب بن
قال: ثم من؟ قلت: عمر بن لجأ التّيميّ. قال: مالك وله؟ قال: قلت بيتا من شعر فقبّحه وقاله على غير ما قلته؟ قلت:
لقومي أحمى للحقيقة منكم ... وأضرب للجبّار والنّقع ساطع
وأوثق عند المرهفات عشيّة ... لحاقا إذا ما جرّد السيف لامع [1]
فزعم أنّي قلت:
وأوثق عند المردفات عشيّة ... لحاقا إذا ما جرّد السيف لامع
فقال: لحقتهنّ عند العشيّ وقد أخذن غدوة، واللّه ما يمسين حتى يفضحن.
قال: فما قلت له؟ قال قلت:
يا تيم تيم عديّ لا أبا لكم ... لا يوقعنّكم في سوءة عمر
خلّ الطريق لمن يبني المنار به ... وابرز ببرزة [2] حيث اضطرّك القدر
حتى أتى على الشعر. قال: ثم من؟ قلت: سراقة بن مرداس البارقيّ. قال: مالك وله؟ قال قلت: لا شيء، حمله بشر بن مروان وأكرهه على هجائي، ثم بعث إليّ رسولا وأمرني أن أجيبه. قال: فما/ قال لك؟ قال قال:
إنّ الفرزدق برّزت أعراقه ... عفوا وغودر في الغبار جرير
ما كنت أوّل محمر [3] قعدت به ... مسعاته إنّ اللئيم [4] عثور
هذا قضاء البارقيّ وإنه ... بالميل في ميزانكم لبصير
/ قال: فما قلت له؟ قال قلت:
يا بشر حقّ لوجهك التبشير ... هلّا غضبت لنا وأنت أمير
بشر أبو مروان إن عاسرته ... عسر وعند يساره ميسور
إنّ الكريمة ينصر الكرم ابنها ... وابن اللئيمة للّئام نصور
قد كان حقّك أن تقول لبارق ... يا آل بارق فيم سبّ جرير
وكسحت باستك للفخار وبارق ... شيخان أعمى مقعد وكسير
قال: ثم من؟ قلت: البلتع وهو المستنير [5] بن سبرة العنبريّ. قال: مالك وله؟ قلت: أعان عليّ ابن لجأ.
قال: فما قال لك؟ قلت قال:
__________
() ربيعة ومقتله.
[1] اللامع: المشير بالسيف منذرا.
[2] برزة: اسم أم عمر بن لجأ.
[3] المحمر: اللئيم.
[4] كذا في ح ونسخة الأستاذ الشنقيطي مصححة بقلمه. وفي سائر الأصول: «اللئام» وهو تحريف.
[5] قد ورد في هذا الاسم اختلاف (انظر «النقائض» و «ديوانه» المخطوط ص 184).
إنّ التي ربّتك [1] لما طلّقت ... قعدت على جحش المراغة [2] تمرغ
أتعيب من رضيت قريش صهره ... وأبوك عبد بالخورنق أذلغ [3]
قال: فما قلت له؟ قال قلت:
فما مستنير الخبث إلا فراشة ... هوت بين مؤتجّ [4] الحريقين ساطع
نهيت بنات المستنير [5] عن الرّقى ... وعن مشيهنّ الليل بين المزارع
ويروى ... بين مؤتجّ من النار ساطع/ قال: ثم من؟ قلت: راعي الإبل. قال: مالك وله؟ قلت: قدمت البصرة وكان بلغني أنه قال لي:
يا صاحبيّ دنا الرّواح فسيرا ... غلب الفرزدق في الهجاء جريرا
وقال أيضا:
رأيت الجحش جحش بني كليب ... تيمّم حوض دجلة ثم هابا
فقلت: يا أبا جندل، إنك شيخ مضر وشاعرها، وقد بلغني أنك تفضّل عليّ الفرزدق، وأنت يسمع قولك، وهو ابن عمّي دونك؛ فإن كان لا بدّ من تفضيل فأنا أحقّ به لمدحي قومك وذكري إيّاهم. قال: وابنه جندل على فرس له، فأقبل يسير بفرسه حتى ضرب عجز دابّتي وأنا قائم فكاد يقطع أصبع رجلي وقال: لا أراك واقفا على هذا الكلب من بني كليب؛ فمضى، وناديته: [6] أنا ابن يربوع! إنّ أهلك بعثوك مائرا من هبّود [7] وبئس المائر، وإنما بعثني أهلي لأقعد على قارعة هذا المربد فلا يسبّهم أحد إلّا سببته، وإنّ عليّ نذرا إن جعلت في عيني غمضا حتى أخزيك. قال:
فما أصبحت حتى هجوته فقلت:
فغضّ الطّرف إنك من نمير ... فلا كعبا بلغت ولا كلابا
قال فغدوت عليه من الغد فأخذت بعنانه، فما فارقته حتى أنشدته إيّاها. فلما مررت على قولي:
/أجندل ما تقول بنو نمير ... إذا ما الأير في است أبيك غابا
__________
[1] في ب، س: «زينت» وهو تحريف.
[2] المراغة في الأصل: الأتان التي لا تمتنع عن الفحول، وبه لقب الأخطل أم جرير.
[3] في الأصول: «أولغ» بالواو وهو تحريف. والأذلغ: الغليظ الشفتين، وهو أيضا الأقلف.
[4] كذا في ب وديوانه، واللجاج النار: التهابها. يريد أنه في تعرضه لي دون عمر بن لجأ كالفراشة نظرت إلى نار فألقت نفسها فيها.
وفي سائر الأصول: «مرتج» وهو تحريف.
[5] قال في «شرح ديوانه»: «كانت تميمة بنت المستنير بن سبرة وهو البلتع العنبري جارية شابة جميلة وكانت تزعم أنها ترقى، فطبن لها فتى فأتاها يسترقيها، فلما خلا معها قال: ليس بي حاجة إلى الرقية ولكن قد قتلني حبك؛ فأمكنته من نفسها؛ فلم يرعهم إلا وهي في رابعها فهجاه جرير بذلك».
[6] كذا في نسخة الشيخ الشنقيطي مصححة بقلمه، ويربوع من أجداده كما تقدّم. وفي الأصول: «أ يابن يربوع» بالياء المثناة من تحت وهو تصحيف.
[7] هبود: اسم موضع ببلاد بني نمير.
قال: فأرسل يدي وقال: يقولون واللّه شرّا.
قال: ثم من؟ قلت: العباس بن يزيد الكنديّ قال: مالك وله؟ قال لمّا قلت:
/إذا غضبت عليك بنو تميم ... حسبت الناس كلّهم غضابا
قال:
ألا رغمت أنوف بني تميم ... فساة التمر إن كانوا غضابا
لقد غضبت عليك بنو تميم ... فما نكأت بغضبتها ذبابا
لو اطّلع الغراب على تميم ... وما فيها من السّوءات شابا
قال: فتركته خمس سنين لا أهجوه، ثم قدمت الكوفة فأتيت مجلس كندة، فطلبت إليهم أن يكفّوه عنّي؛ فقالوا: ما نكفّه وإنه لشاعر وأوعدوني؛ فقلت:
ألا أبلغ بني حجر بن وهب ... بأنّ التمر حلو في الشتاء
فعودوا للنّخيل فأبّروها [1] ... وعيثوا بالمشقّر فالصّفاء
قال: فمكثت قليلا، ثم بعثوا إليّ راكبا فأخبروني بمثالبه وجواره في طيّ ء حيث جاور عتّابا، وحبّل أخته هضيبة حيث حبلت. قال: فقلت ماذا؟ قال قلت:
إذا جهل الشّقيّ ولم يقدّر ... لبعض الأمر أوشك أن يصابا
أعبدا حلّ في شعبى [2] غريبا ... ألؤما لا أبالك واغترابا
فما خفيت هضيبة حين جرّت [3] ... ولا إطعام سخلتها الكلابا
تخرّق بالمشاقص [4] حالبيها ... وقد بلّت مشيمتها الترابا
فقد حملت ثمانية وأوفت ... بتاسعها وتحسبها كعابا
/ قال: ثم من؟ قلت: جفنة الهزّانيّ بن جعفر بن عباية بن شكس من عنزة. قال: ومالك وله؟ قال: أقبل سائلا حتى أتاني وأنا أمدر [5] حوضا لي، فقال: يا جرير، قم إليّ هاهنا؛ قلت نعم. ثم أتيته فقلت: ما حاجتك؟
قال: مدحتك فاستمع منّي. قلت: أنشدني فأنشد؛ فقلت: قد واللّه أحسنت وأجملت؛ فما حاجتك؟ قال: تكسوني الحلّة التي كساكها الوليد بن عبد الملك العام. فقلت: أنّي لم أقف فيها بالموسم، ولا بدّ من أن أقف فيها العام،
__________
[1] أبر النخل: أصلحه. والمشقر: حصن بالبحرين عظيم لعبد القيس يلي حصنا لهم آخر يقال له الصفاء قبل مدينة هجر.
[2] شعبي: موضع في جبل طيء. («عن شرح القاموس»).
[3] كذا في «ديوانه». وقد جاء فيه في شرح هذا البيت أن العباس قتل ولدها فرمى به وقتلها؛ (الرماه بها جرير وعيره ذلك. وفي الأصول:
فما تخفى هضيبة حيث تمسى
[4] المشقص من النصال: ما طال وعرض وقد جاء هذا البيت في «الديوان» هكذا:
يقطع بالمعابل حالبيها ... وقد بلت مشيمتها الثيابا
والمعابل: المشاقص.
[5] المدر: تطيينك وجه الحوض بالطين المتماسك لئلا يخرج منه الماء.
ولكنّي أكسوك حلّة خيرا منها كان كسانيها الوليد عاما أوّل. فقال: ما أقبل غيرها بعينها. فقلت: بلى، فاقبل وأزيدك معها دنانير نفقة. فقال: ما أفعل؛ ومضى فأتى المرّار بن منقذ أحد بني العدويّة، فحمله على ناقة له يقال لها القصواء. فقال جفنة:
لعمرك للمرّار يوم لقيته ... على الشّحط خير من جرير وأكرم
قال: فما قلت له؟ قال قلت:
لقد بعثت هزّان جفنة مائرا ... فآب وأحذى [1] قومه شرّ مغنم
فيا راكب القصواء ما أنت قائل ... لهزّان إذ أسلمتها شرّ مسلم
أظنّ عجان [2] التّيس هزّان طالبا ... علالة [3] سبّاق الأضاميم مرجم
/ كأنّ بني هزّان حين رديتهم ... وبار [4] تضاغت تحت غار مهدّم
بني عبد عمرو قد فرغت إليكم ... وقد طال زجري لو نهاكم تقدّمي
/ ورصعاء هزّانيّة قد تحفّشت [5] ... على مثل حرباء الفلاة المعمّم
قال: ثم من؟ قلت: المرّار بن منقذ. قال: مالك وله؟ قلت: أعان عليّ الفرزدق. قال: فما قلت له؟ قال قلت:
بني منقذ لا صلح حتى تضمّكم ... من الحرب صمّاء القناة زبون [6]
وحتى تذوقوا كأس من كان قبلكم ... ويسلح [7] منكم في الحبال قرين
فإن كنتم كلبى [8] فعندي شفاؤكم ... وللجنّ إن كان اعتراك جنون
قال: ثم من؟ قلت: حكيم بن معيّة من بني ربيعة بن مالك بن زيد مناة بن تميم. قال: ومالك وله؟ قلت:
بلغني أنه أعان عليّ غسّان السّليطيّ. قال: فما قلت له؟ قال قلت:
__________
[1] كذا في أ، ء، م و «ديوانه». وأحذاه: أعطاه مما أصاب. وفي سائر الأصول: «أجدى» بالجيم.
[2] كذا في «ديوانه». والعجان: الدبر. وفي الأصول: «نحاف التيس» ولا معنى لها.
[3] العلالة: الجري بعد الجري. والأضاميم: الجماعات، واحده إضمامة. والمرجم: الشديد.
[4] الوبار: مفرده وبر، وهي دويبة على قدر السنور طحلاء اللون لا ذنب لها تقيم في البيوت. وتضاغت: صوّتت.
[5] هذا البيت ساقط في الأصول عدا ب، س. ورواية «الديوان»:
ورصعاء هزانية يخلق ابنها ... لئيما إذا ما ماص في اللحم والدم
غليظة جلد الكاذتين تحفشت ... على مثل حرباء الفلاة المعمم
الرصعاء: الزلاء التي لا عجيزة لها. وماص: اغتسل. والكاذتان: ما نتأ من اللحم في أعالي الفخذين. وتحفشت المرأة على زوجها: أقامت عليه ولزمته وأكبت عليه.
[6] حرب زبون: يدفع بعضها بعضا من الكثرة.
[7] في ج: «و يصبح».
[8] الكلبي: الذين أصابهم مرض الكلب، جمع كلب (بفتح فكسر).
إذا طلع الرّكبان نجدا وغوّروا ... بها فارجزا [1] يا بني معيّة أو دعا
أتسمن أستاه المجرّ [2] وقد رأوا ... مجرّا بوعساوي [3] رماح مصرّعا
ألا إنّما كانت غضوب [4] محاميا ... غداة اللّوى لم تدفع الضّيم مدفعا
/ قال: ثم من؟ قلت [ثور بن] [5] الأشهب بن رميلة النّهشليّ. قال: ومالك وله؟ قلت: أعان عليّ الفرزدق.
قال: فما قلت له؟ قال قلت:
سيخزى إذا ضنّت [6] حلائب مالك ... ثوير [7] ويخزى عاصم وجميع [8]
وقبلك ما أعيا الرّماة إذا رموا ... صفا ليس في قاراتهنّ [9] صدوع
قال: ثم من؟ قلت: الدّلهمس أحد بني ربيعة بن مالك بن زيد مناة. قال: مالك وله؟ قلت: أعان عليّ الفرزدق. قال: فما قلت له؟ قال قلت:
لقد نفخت منك الوريدين [10] علجة ... خبيثة ريح المنكبين [11] قبوع
ولو أنجبت أمّ الدّلهمس لم يعب [12] ... فوارسنا لا عاش [13] وهو جميع
أليس ابن حمراء العجان كأنّما ... ثلاثة غربان عليه وقوع
فلا تدنيا رحل [14] الدّلهمس إنه ... بصير بما يأتي اللئام سميع [15]
هو النّخبة [16] الخوّار ما دون قلبه ... حجاب ولا حول الحجاب ضلوع
__________
[1] كذا في «الديوان»، وهو الصواب؛ لأن حكيم بن معية والمرّار بن حكيم بن معية كانا راجزين وهما اللذان يعنيهما جرير. وفي الأصول: «فازجرا» وهو تصحيف.
[2] بنو المجرّ: من بني ربيعة بن مالك بن زيد مناة.
[3] الوعساء: الأرض اللينة ذات الرمل. وفي «ديوانه»: «بعبلاي رماح». والعبلاء: الأرض ذات الحجارة البيض ليست بسود ولا حمر.
ورماح: موضع بالدهناء. وقد ورد في الأصول: «رماح ومصرعا» بزيادة الواو وهو تحريف.
[4] غضوب: امرأة من بني المجرّ كانت شاعرة بذية، قتلها بنو طهية في هجاء لها هجتهم به.
[5] التكملة عن «ديوانه».
[6] كذا في «ديوانه». وفي الأصول: «إذا ضمت جلابيب مالك» وهو تحريف. ومالك هو مالك بن ربعي بن سلمى بن جندل بن نهشل.
[7] كذا في «ديوانه». وفي الأصول: «نوير» بالنون وهو تصحيف.
[8] عاصم وجميع: رجلان من بني عامر.
[9] القارة: الصخرة العظيمة. وفي «ديوانه»: «عاديهنّ».
[10] كذا في «ديوانه» وأكثر الأصول. وفي ب، س: «لقد نفخت منك الوريد ابن عجلة». وهو تحريف.
[11] في «ديوانه»: «المنخرين». يريد أن يصفها بأنها راعية. والقبوع: التي تقبع الصقاء وهو أن تثنى رأس السقاء إلى داخله ثم تشده فيكون أحفظ لما فيه.
[12] كذا في أ، ء، م و «ديوانه». وفي سائر الأصول: «لم تعب» وهو تصحيف.
[13] كذا في «ديوانه». وفي الأصول: «لا مات».
[14] كذا في أ، ء و «ديوانه»، وفي سائر الأصول: «رجل» بالجيم وهو تصحيف.
[15] يريد أنه محكم في اللؤم.
[16] النخبة: الجبان.
قال: ثم مررت على مجلس لهم فاعتذرت إليهم فلم يقبلوا عذري، وأنشدوني شعرا لم يخبروني من قاله:
/غضبت علينا أن علاك ابن غالب [1] ... فهلّا على جدّيك في ذاك تغضب
هما إذ علا بالمرء مسعاة قومه ... أناخا فشدّاك العقال المؤرّب [2]
قال: فعلمت أنه شعر قبضة [3] الكلب. قال: فجمعتهم في شعري فقلت:
[و] [4] أكثر ما كانت ربيعة أنها ... خباءان [5] شتّى لا أنيس ولا قفر
محالفهم فقر شديد وذلّة ... وبئس الحليفان المذلّة والفقر
فصبرا على ذلّ ربيع بن مالك ... وكلّ ذليل خير عادته الصبر
/ قال: ثم من؟ قلت: هبيرة بن الصّلت الرّبعيّ من ربيعة بن مالك أيضا، كان يروي شعر الفرزدق. قال: فما قلت له؟ قال قلت:
يمشي هبيرة بعد مقتل شيخه ... مشي المراسل [6] أو ذنت بطلاق
ماذا أردت إليّ حين تحرّقت ... ناري وشمّر مئزري عن ساقي
إنّ القراف [7] بمنخريك لبيّن ... وسواد وجهك يابن أمّ عفاق [8]
/سيروا فربّ مسبّحين وقائل ... هذا شقا [9] لبني ربيعة باقي
أبني ربيعة قد أخسّ بحظّكم ... لؤم الجدود ودقّة [10] الأخلاق
قال: ثم من؟ قلت: علقة [11] والسّرندى من بني الرّباب كانا يعينان ابن لجأ. قال: فما قلت لهما؟ قال قلت:
__________
[1] ابن غالب: الفرزدق.
[2] المؤرب: المحكم.
[3] في أ، ء، م: «قضية الكلب» بالياء المثناة من تحت.
[4] التكملة عن «ديوانه» (ص 62). وهذه الأبيات من قصيدة مطلعها:
طربت وهاج الشوق منزلة قفر ... تراوحها عصر خلا دونه عصر
[5] كذا في ح و«ديوانه». وفي سائر الأصول: «حيان» وهو تحريف.
[6] المراسل: التي أحسنت من زوجها أنه يريد تطليقها فهي تزين لآخر، وهي أيضا التي مات عنها زوجها. يقول: هو لا يطلب بثأره وإنما همته التصنع كالمطلقة التي تخطب فهي تتهيأ وتتزين. فلو كان حرّا لأنصبه طلب ثأره. أو المراسل: التي طلقت مرات فقد اعتادت الطلاق لا تباليه. يقول: فهبيرة قد اعتاد أن يقتل له قتيل ولا يطلب بثأره فأصبح لا يبالي ذلك، مثل المراسل التي اعتادت الطلاق فلا تباليه.
[7] يريد قرفة أنفه أي قشرته وهي المخاط اليابس الذي يلزق بالأنف، ومنه الحديث: «ما على أحدكم إذا أتى المسجد أن يخرج قرفة أنفه» أي ينقى أنقه.
[8] عفاق: اسم رجل، ولعله أخو هبيرة بن الصلت هذا.
[9] كذا في «ديوانه». والشقا يمد ويقصر. وفي الأصول: «شفا» بالفاء وهو تصحيف.
[10] الدقة: الخسة. ورواية «الديوان»:
« .... إنما أزرى بكم ... نكد الجدود .... »
[11] كذا في «ديوانه» ونسخة الأستاذ الشنقيطي. وفي الأصول: «علفة». بالفاء وهو تصحيف.
عضّ السّرندي على تثليم ناجذه ... من أمّ علقة بظرا غمّه [1] الشّعر
وعضّ علقة لا يألو بعرعرة [2] ... من بظر أم السّرندى وهو منتصر
قال: ثم من؟ قلت: الطّهويّ، كان يروي شعر الفرزدق. قال: ما قلت له؟ قال قلت:
أتنسون وهبا يا بني زبد استها ... وقد كنتم جيران وهب بن أبجرا [3]
فما تتّقون الشرّ حتّى يصيبكم ... ولا تعرفون الأمر إلا تدبّرا
ألا ربّ أعشى ظالم متخمّط [4] ... جعلت لعينيه جلاء [5] فأبصرا
قال: ثم من؟ قلت: عقبة بن السّنيع [6] الطّهويّ وكان نذر دمي. قال: فما قلت له: قال قلت:
يا عقب يابن سنيع ليس عندكم ... مأوى الرّفاق ولا ذو الراية الغادي [7]
/يا عقب يابن سنيع بعض قولكم ... إن الوثاب لكم عندي بمرصاد
ما ظنّكم بيني ميثاء إن فزعوا ... ليلا وشدّ عليهم حيّة الوادي
يغدو عليّ أبو ليلى ليقتلني ... جهلا عليّ ولم يثأر بشدّاد [8]!
إرووا [9] عليّ وأرضوا بي صديقكم ... واستسمعوا يا بني ميثاء إنشادي
ميثاء هي بنت زهير بن شدّاد الطّهويّ وهي أم عوف بن أبي سود بن مالك ابن حنظلة.
وقال أيضا لبني ميثاء:
نبّئت عقبة خصّافا [10] توعّدني ... يا ربّ آدر من ميثاء مأفون
لو في طهيّة أحلام لما اعترضوا ... دون الذي كنت أرميه ويرميني
قال: ثم من؟ قلت: سحمة [11] الأعور النّبهانيّ، كانت له امرأة من طيّىء ولدت في بني سليط فأعطوه وحملوه عليّ. فسألني فاشتطّ، ولم يكن عندي فحرمته، فقال:
__________
[1] غمه: غطاه. وفي ب، س: «عمه» بالعين المهملة.
[2] العرعرة: رأس كل شيء وأعلاه.
[3] هو وهب بن أبجر بن جابر العجلي، وكان خرج مع يزيد بن المهلب، فلما هزم آل المهلب لحق بأخواله بني طهية، فبعث مسلمة بن عبد الملك قميرا المازني فأخذ وهبا فقتله. وفي «ديوانه»: «أتنعون وهبا ... ».
[4] المتخمط: المتكبر الشديد الغضب والجلبة.
[5] الجلاء: الكحل.
[6] كذا في «ديوانه» و «شرح القاموس» مادة «سنع». وفي الأصول: «السميع» وهو تحريف.
[7] كذا في أكثر الأصول و «ديوانه». وفي ب، س: «العادي» بالعين المهملة.
[8] هو شدّاد الميثاوي، كان يتحدّث إلى امرأة من بني ربيعة بن مالك بن زيد مناة، فألقاه أهلها في بئر.
[9] كذا في «ديوانه». وفي ب، س: «ردوا» وفي أ، ء: «أردوا». وفي ج: «أرزوا» وهو تحريف. ولعله يريد: ارووا شعر الفرزدق في هجائي وأرضوه بذلك.
[10] الخصاف: الكذاب. والآدر: الذي أصابه فتق في إحدى خصيتيه.
[11] كذا في «اللسان» و «شرح القاموس» (مادة «قرن») وهو أحد الأقوال في اسم الأعور النبهاني. قال ابن الكلبي: اسمه سحمة بن نعيم بن الأخنس بن هوذة، وقال أبو عبيدة في «النقائض»: يقال له العناب واسمه سحيم بن شريك.
أقول لأصحابي النّجاء فإنه ... كفى الذّم أن يأتي الضيوف جرير [1]
جرير ابن ذات البظر هل أنت زائل ... لقدرك [2] دون النازلين ستور
/ وهل يكرم الأضياف كلب لكلبة [3] ... لها عند أطناب البيوت هرير
فلو عند غسّان السّليطيّ عرّست [4] ... رغا [5] قرن منها وكاس عقير
/ فتى هو خير منك نفسا ووالدا ... عليك إذا كان الجوار يجير
فقال [6] جرير:
وجدنا بني نبهان أذناب طيّ ء ... وللناس أذناب ترى وصدور
تغنّى [7] ابن نبهانيّة طال بظرها ... وباع ابنها عند الهياج قصير
وأعور من نبهان أمّا نهاره ... فأعمى وأمّا ليلة فبصير [8]
ستأتي بني نبهان منّي قصائد ... تطلع [9] من سلمى [10] وهنّ وعور
ترى قزم المعزى مهور نسائهم ... وفي قزم المعزى لهنّ مهور [11]
قال: وطلع الصبح فنهض ونهضت. قال: فأخبرني من كان قاعدا معه أنه قال: قاتله اللّه أعرابيّا! إنه لجروهراش.
قصته مع الراعي وابنه جندل:
أخبرني عليّ بن سليمان قال حدّثنا أبو سعيد السّكّريّ عن الرّياشيّ عن الأصمعيّ قال وذكر المغيرة بن حجناء قال حدّثني أبي عن أبيه قال:
كان راعي [12] الإبل يقضي للفرزدق على جرير ويفضّله، وكان راعي الإبل قد ضخم أمره وكان من شعراء
__________
[1] قد وردت هذه القصيدة هكذا في الأصول. والرويّ فيها مرفوع؛ على أنه يلاحظ أن البيت الأوّل والثاني منها يجب فيها نصب الروي؛ فأما البيت الأوّل فذلك فيه ظاهر. وأما الثاني فإن زال يتعدّى، يقال: زال الشيء يزوله ويزيله أي نحاه. يريد هل أنت كاشف ستور قدرك لمن ينزل ويفد عليك؟
[2] كذا في أكثر الأصول. وفي ب، س: «لقد زل» وهو تحريف.
[3] روايته في «النقائض»: «و أنت كليبي لكلب وكلبة». شبهه في قلة خيره بالكلب.
[4] الضمير في عرست يفهم من البيت السابق لهذا البيت، وهو كما في «اللسان» و «النقائض»:
أقول لها أمى سليطا بأرضها ... فبئس مناخ النازلين جرير
[5] كذا في «اللسان» و «شرح القاموس» (مادة «قرن») و «النقائض». والقرن: البعير المقرون بآخر. وكأس عقير، يريد أنه عقر له بعير فقام على ثلاث. يقول: لو نزلت بغسان لأعطاني جملا يرغو وعقر لي آخر. وقد ورد هذا الشطر في ب، س «لعاقرن منها وهي كأس عقير». وفي سائر الأصول: «لها قرن منها وكأس عقير» وهما تحريف.
[6] المناسب لسياق القصة «فقلت».
[7] كذا في «النقائض». وفي الأصول: «تعني» بالعين المهملة.
[8] هذا البيت ورد في ج وسقط من سائر النسخ. يريد أنه أعمى النهار عن الخيرات بصير الليل بالسوءات يسرق ويزني.
[9] كذا في «النقائض». وفي الأصول: «تطلع».
[10] سلمى: اسم جبل لطيء، وهو لبني نبهان خاصة. ووعور: خشنة غلاظ، يعني القصائد.
[11] القزم: الصغار العليلة واحدتها قزمة. وروى «ترى شرط المعزى»، وشرط المال: أخسه وشراره: يقول: ليس تبلغ أقدارهم أن تمهر نساؤهم الإبل إنما يمهرن خسيس المعزى.
[12] هو عبيد بن حصين بن معاوية بن جندل، ويكنى أبا جندل، والراعي لقب غلب عليه لكثرة وصفه الإبل وجودة نعته إياها، وهو شاعر
الناس. فلما أكثر من ذلك خرج جرير إلى رجال من قومه فقال: هلّا تعجبون لهذا الرجل الذي يقضي للفرزدق عليّ وهو يهجو قومه وأنا أمدحهم! قال جرير: فضربت [1] رأيي فيه. ثم خرج جرير ذات يوم يمشي ولم يركب دابّته، وقال: واللّه ما يسرّني أن يعلم [2] أحد. وكان لراعي الإبل والفرزدق وجلسائهما حلقة بأعلى المربد بالبصرة يجلسون فيها. قال: فخرجت أتعرّض له لألقاه من حيال حيث كنت أراه يمرّ إذا انصرف من مجلسه، وما يسرّني أن يعلم أحد، حتى إذا هو قد مرّ على بغلة له وابنه جندل يسير وراءه على مهر له أحوى [3] محذوف الذّنب وإنسان يمشي معه يسأله عن بعض السّبب، فلما استقبلته قلت: مرحبا بك يا أبا جندل! وضربت بشمالي على معرفة بغلته، ثم قلت: يا أبا جندل! إن قولك يستمع وإنك تفضّل الفرزدق عليّ تفضيلا قبيحا وأنا أمدح قومك وهو يهجوهم وهو ابن عمي، ويكفيك من ذاك هيّن [4]: إذا ذكرنا أن تقول كلاهما شاعر كريم، ولا تحتمل مني ولا منه لائمة. قال:
فبينا أنا وهو كذاك واقفا عليّ. وما ردّ عليّ بذلك شيئا حتى/ لحق ابنه جندل، فرفع كرمانيّة [5] معه فضرب بها عجز بغلته ثم قال: لا أراك واقفا على كلب من بني كليب كأنك تخشى منه شرّا أو ترجو منه خيرا! وضرب البغلة ضربة، فرمحتني [6] رمحة وقعت منها قلنسوتي، فو اللّه لو يعرّج عليّ الراعي لقلت سفيه غوى - يعني جندلا ابنه - ولكن لا واللّه ما عاج عليّ، فأخذت قلنسوتي فمسحتها ثم أعدتها على رأسي ثم قلت:
أجندل ما تقول بنو نمير ... إذا ما الأير في است أبيك غابا
فسمعت الرّاعي قال لابنه: أما واللّه لقد طرحت قلنسوته طرحة مشؤومة. قال جرير: ولا واللّه ما القلنسوة بأغيظ أمره إليّ لو كان عاج عليّ. فانصرف جرير غضبان حتى إذا صلّى العشاء بمنزله في علّيّة [7] له قال: ارفعوا إليّ باطية من نبيذ وأسرجوا لي، فأسرجوا له وأتوه بباطية من نبيذ. قال: فجعل يهمهم [8]؛ فسمعت صوته عجوز في الدار فاطّلعت في الدّرجة/ حتى نظرت إليه، فإذا هو يحبو على الفراش عريانا لما هو فيه، فانحدرت فقالت: ضيفكم مجنون! رأيت منه كذا وكذا! فقالوا لها: اذهبي لطيّتك، نحن أعلم به وبما يمارس. فما زال كذلك حتى كان السّحر، ثم إذا هو يكبّر قد قالها ثمانين بيتا في بني نمير. فلما ختمها بقوله:
فغضّ الطّرف إنّك من نمير ... فلا كعبا بلغت ولا كلابا
كبّر ثم قال: أخزيته وربّ الكعبة. ثم أصبح، حتى إذا عرف أن الناس قد جلسوا في مجالسهم بالمربد، وكان يعرف
__________
فحل من شعراء الإسلام، وكان مقدّما مفضلا حتى اعترض بين جرير والفرزدق. (انظر ترجمته في «الأغاني» ج 20 ص 168 طبع بلاق).
[1] في ج: «فصوّبت».
[2] كذا في ج. وفي سائر الأصول: «أن أعلم أحدا».
[3] الأحوى: الذي يضرب إلى السواد من شدّة خضرته. والحذف: قطف الشيء من الطرف، يقال: حذف شعره وذنب فرسه إذا قطع طرفه.
[4] هذه الكلمة «هين» ساقطة من ب، س.
[5] كذا في الأصول و «الأغاني» (ج 20 ص 169 طبع بلاق) في ترجمة الراعي. وظاهر أنها ضرب من السياط. وقد جاءت هذه القصة في «النقائض» (ص 431) وفيها: «فأقبل يشتد به فرسه حتى يهوى بالسوط لمؤخر بغلة أبيه .. إلخ».
[6] في «النقائض»: «فزحمتني واللّه زحمة وقعت منها على كفى في الأرض».
[7] العلية: الغرفة.
[8] في ج: «يهينم». والهمهمة والهينمة: الصوت الخفيّ.
مجلسه ومجلس الفرزدق، دعا بدهن/ فادّهن وكفّ [1] رأسه، وكان حسن الشّعر، ثم قال: يا غلام، أسرج لي، فأسرج له حصانا، ثم قصد مجلسهم؛ حتى إذا كان بموضع [2] السلام قال: يا غلام - ولم يسلّم - قل لعبيد: أبعثك نسوتك تكسبهنّ المال بالعراق! أما والذي نفس جرير بيده لترجعنّ إليهنّ بمير يسوءهن ولا يسرّهنّ! ثم اندفع فيها فأنشدها. قال: فنكس الفرزدق وراعى الإبل وأرمّ [3] القوم، حتى إذا فرغ منها سار [4]، وثبت راعي الإبل ساعة ثم ركب بغلته بشرّ وعرّ وخلّى المجلس حتى ترقّى إلى منزله [5] الذي ينزله ثم قال لأصحابه: ركابكم ركابكم، فليس لكم هاهنا مقام، فضحكم واللّه جرير! فقال له بعض القوم: ذاك شؤمك وشؤم ابنك. قال: فما كان إلا ترحّلهم. قال فسرنا إلى أهلنا سيرا ما ساره أحد، وهم بالشّريف وهو أعلى دار بني نمير. فيحلف باللّه راعى الإبل إنّا وجدنا في أهلنا:
فغضّ الطّرف إنك من نمير وأقسم باللّه ما بلّغه إنسيّ قطّ، وإنّ لجرير لأشياعا من الجنّ. فتشاءمت به بنو نمير وسبّوه وابنه، فهم يتشاءمون به إلى الآن.
قال قصيدته في هجو الراعي عند رجل من أنصاره:
أخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن عمّار قال حدّثني عليّ بن محمد النّوفليّ عن أبيه قال حدّثني مولى لبني كليب بن يربوع كان يبيع الرّطب بالبصرة أنسيت اسمه قال:
/ كنت أجمع شعر جرير وأشتهي أن أحفظه وأرويه. فجاءني ليلة فقال: إن راعي الإبل النّميريّ قد هجاني، وإنّي آتيك الليلة فأعدّ لي شواء رشراشا [6] ونبيذا مخفسا [7]؛ فأعددت له ذلك. فلما أعتم جاءني فقال: هلمّ عشاءك، فأتيته به، فأكل ثم قال: هلمّ نبيذك، فأتيته به، فشرب أقداحا ثم قال: هات دواة وكتفا [8]؛ فأتيته بهما، فجعل يملي عليّ قوله:
أقلّي اللوم عاذل والعتابا ... وقولي إن أصبت لقد أصابا
حتى بلغ إلى قوله:
فغضّ الطّرف إنك من نمير فجعل يردّده ولا يزيد عليه حتى حملتني عيني، فضربت بذقني صدري نائما، فإذا به قد وثب حتى أصاب السّقف رأسه وكبّر ثم صاح: أخزيته واللّه! أكتب:
فلا كعبا بلغت ولا كلابا
__________
[1] كف شعره: جمعه وضم أطرافه.
[2] كذا فيما سيأتي في «الأغاني» (ج 20 ص 170) طبع بلاق. وفي باقي الأصول هنا: «موقع السلام».
[3] كذا في ح. وأرمّ القوم: سكنوا. وفي سائر الأصول: «أزم بالزاي وهو تصحيف.
[4] كذا في ح. وفي سائر الأصول: « ... سار وثبت راعى الإبل ساعتئذ فركب بغلته ... إلخ».
[5] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «حتى أتى إلى المنزل الذي ينزله».
[6] شواء رشراش: خضل ند يقطر دسما.
[7] كذا في ج. والمخفس: السريع الإسكار. وفي سائر الأصول: «محفشا» وهو تصحيف.
[8] كانوا يكتبون في عظم الكتف لقلة القراطيس عندهم.
غضضته [1] وقدّمت إخوته عليه! واللّه لا يفلح بعدها [أبدا]. فكان واللّه كما قال ما أفلح هو ولا نميريّ بعدها.
أنشد الفرزدق أشطار شعر له فأخبر بتواليها:
أخبرني هاشم بن محمد الخزاعيّ قال حدّثنا أبو غسّان دماذ عن أبي عبيدة قال:
أقبل راكب من اليمامة؛ فمرّ بالفرزدق وهو جالس في المربد؛ فقال له: من أين أقبلت؟ قال: من اليمامة.
فقال: هل رأيت ابن المراغة؟ قال نعم؟ قال: فأيّ شيء أحدث بعدي؟ فأنشده:
هاج الهوى لفؤادك المهتاج/ فقال الفرزدق:
فانظر بتوضح [2] باكر الأحداج فأنشده الرجل:
/ هذا هوى شغف الفؤاد مبرّح فقال الفرزدق:
ونوّى تقاذف غير ذات خلاج [3]
فأنشده الرجل:
إن الغراب بما كرهت لمولع
فقال الفرزدق:
بنوى الأحبّة دائم التّشحاج [4]
فقال الرجل: هكذا واللّه، قال أفسمعتها من غيري؟ قال: لا! ولكن هكذا ينبغي أن يقال؛ أو ما علمت أن شيطاننا واحد! ثم قال: أمدح بها الحجّاج؟ قال نعم. قال: إياه أراد.
أجاب الفرزدق في الحج جوابا حسنا:
أخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدّثنا محمد بن إسحاق بن عبد الرحمن قال حدّثني إسحاق بن إبراهيم الموصليّ قال حدّثني أبو عبيدة قال:
إلتقى جرير والفرزدق بمنى وهما حاجّان؛ فقال الفرزدق لجرير:
فإنك لاق بالمنازل من منى ... فخارا فخبّرني بمن أنت فاخر
__________
[1] في ب، س: «غصصته» بالصاد.
[2] توضح: كثيب أبيض من كثبان حمر بالدهناء قرب اليمامة. والأحداج: مراكب النساء.
[3] غير ذات خلاج أي نوى مقطوع بها لا يخالج فيها الشك والريب. يقال: خلجه وخالجه في الأمر شيء إذا شك فيه. وفي «لسان العرب»: «و نوى خلوج بينة الخلاج: مشكوك فيها» ثم استشهد بهذا البيت.
[4] تشحاج الغراب: صوته.
/ فقال له جرير: بلبّيك اللهم [1] لبيك. قال إسحاق: فكان أصحابنا يستحسنون هذا الجواب من جرير ويعجبون [2] منه.
هجا التيم فلم يؤثر فيهم من لؤم أصلهم:
أخبرني أبو خليفة عن محمد بن سلّام، وأخبرني وكيع عن محمد بن إسماعيل [عن ابن [3] سلّام] قال حدّثنا أبو الخطّاب عن أبيه عن حجناء بن جرير قال:
قلت لأبي: يا أبت، ما هجوت قوما قطّ إلّا أفسدتهم سوى التّيم. فقال: إنّي لم أجد حسبا أضعه، ولا بناء أهدمه.
حديثه مع ابنه عن درجات الشعراء:
قال ابن سلّام أخبرني أبو قيس [4] عن عكرمة بن جرير قال: قلت لأبي: يا أبت، من أشعر الناس؟ فقال:
ألجاهلية تريد أم الإسلام؟ قلت: أخبرني عن الجاهلية. قال: شاعر الجاهلية زهير. قلت: فالإسلام؟ قال: نبعة الشعر الفرزدق. قلت: فالأخطل؟ قال: يجيد صفة الملوك ويصيب نعت الخمر. قلت: فما تركت لنفسك؟ قال:
دعني فإني نحرت [5] الشعر نحرا.
سمعه الفرزدق ينشد بائيته فتوقع فيها نصف بيت فيه هجو له فكان كما ظن:
أخبرني هاشم بن محمد قال حدّثني الحسن بن عليل قال حدّثني محمد بن عبد اللّه العبديّ عن عمارة بن عقيل عن جدّه قال:
وقف الفرزدق على أبي بمربد البصرة وهو ينشد قصيدته التي هجا بها الرّاعي؛ فلما بلغ إلى قوله:
فغضّ الطّرف إنك من نمير ... فلا كعبا بلغت ولا كلابا
أقبل الفرزدق على روايته فقال: غضّه [6] واللّه فلا يجيبه أبدا ولا يفلح بعدها. فلما بلغ إلى قوله:
/ بها برص بجانب إسكتيها [7] وضع الفرزدق يده على فيه وغطّى عنفقته [8]؛ فقال أبي:
كعنفقة الفرزدق حين شابا فانصرف الفرزدق وهو يقول: اللهم أخزه! واللّه لقد علمت حين بدأ بالبيت أنه لا يقول غير هذا، ولكن طمعت ألّا
__________
[1] في ج: «لبيك اللهم لبيك».
[2] في ج: «و يعجبون به».
[3] زيادة عن ج.
[4] كذا في ابن سلام وهو أبو قيس العنبري، قال عنه ابن سلام: ولم أر بدويا يزيد عليه. وفي أكثر الأصول: «أبو الدقيش». وفي ج:
«أبو الدلهمس» وكلاهما تحريف.
[5] في ب، س: «بحرت الشعر بحرا».
[6] في ب، س: «غصه» بالصاد المهملة.
[7] الإسكتان: جانبا الفرج.
[8] العنفقة: شعيرات بين الشفة السفلى والذقن.
يأبه فغطّيت وجهي، فما أغناني ذلك شيئا. قال العنزيّ حدّثني مسعود بن بشر عن أبي عبيدة قال قال يونس: ما أرى جريرا قال هذا المصراع إلا حين غطّى الفرزدق عنفقته، فإنه نبّهه عليه بتغطيته إيّاها.
سئل الفرزدق عمن يجاريه في الشعر فلم يعترف إلا به:
أخبرني حبيب بن نصر المهلّبيّ قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثنا المدائنيّ عن أبي بكر الهذليّ قال:
قال رجل من بني دارم للفرزدق وهو بالبصرة: يا أبا فراس، هل تعلم اليوم أحدا يرمي معك؟ فقال: لا! واللّه ما أعرف نابحا إلا وقد استكان ولا ناهشا إلا وقد انجحر إلا القائل:
/فإن لم أجد في القرب والبعد حاجتي ... تشأمت أو حوّلت وجهي يمانيا
فردّي جمال الحيّ ثم تحمّلى ... فمالك فيهم من مقام ولا ليا
فإنّي لمغرور أعلّل بالمنى ... ليالي أرجو أنّ مالك ماليا
وقائلة والدمع يحدر كحلها ... أبعد جرير تكرمون المواليا
بأيّ نجاد تحمل السيف بعد ما ... قطعت القوى من محمل كان باقيا
بأيّ سنان تطعن القرم [1] بعد ما ... نزعت سنانا من قناتك ماضيا
/ لساني وسيفي صارمان كلاهما ... وللسّيف أشوى [2] وقعة من لسانيا
قال: وهذا الشعر لجرير.
وفد على يزيد بن معاوية وأخذ جائزته:
أخبرني عليّ بن سليمان الأخفش قال حدّثني محمد بن يزيد عن عمارة بن عقيل عن أبيه قال:
قال جرير: وفدت إلى يزيد بن معاوية وأنا شابّ [يومئذ] [3]؛ فاستؤذن لي عليه في جملة الشعراء؛ فخرج الحاجب إليّ وقال: يقول لك أمير المؤمنين: إنه لا يصل إلينا شاعر لا نعرفه ولا نسمع بشيء من شعره، وما سمعنا لك بشيء فنأذن لك على بصيرة. فقلت له: تقول لأمير المؤمنين: أنا القائل:
وإنّي لعفّ الفقر مشترك الغنى ... سريع إذا لم أرض داري انتقاليا
جريء الجنان لا أهاب من الردى ... إذا ما جعلت السيف قبض بنانيا
وليس لسيفي في العظام بقيّة ... وللسّيف أشوى وقعة من لسانيا
فدخل الحاجب عليه فأنشده الأبيات؛ ثم خرج إليّ وأذن لي، فدخلت وأنشدته وأخذت الجائزة مع الشعراء؛ فكانت أوّل جائزة أخذتها من خليفة، وقال لي: لقد فارق أبي الدنيا وما يظنّ أبياتك التي توسّلت بها إليّ إلّا لي.
__________
[1] كذا في ج. وفي سائر الأصول: «القوم» بالواو.
[2] يقال: رماه فأشواه إذا أصاب شواه ولم يصب مقتله. والشوى: الأطراف.
[3] زيادة عن ج.
موازنة حماد الراوية بينه وبين الفرزدق:
أخبرني عمّي قال حدّثني الكرانيّ قال حدّثنا العمريّ عن الهيثم بن عديّ عن حمّاد الراوية قال:
أتيت الفرزدق فأنشدني، ثم قال لي: هل أتيت الكلب جريرا؟ قلت نعم. قال: فأنا أشعر أو هو؟ فقلت: أنت في بعض الأمر وهو في بعض./ فقال: لم تناصحني. فقلت: هو أشعر إذا أرخى من خناقه، وأنت أشعر منه إذا خفت أو رجوت. فقال: وهل الشعر إلا في الخوف والرجاء وعند الخير والشرّ!.
حكم له بشر بن مروان وقد تفاخر هو والفرزدق بحضرته:
أخبرني عمّي قال حدّثني أحمد بن الحارث قال حدّثنا المدائنيّ عن يحيى بن عنبسة القرشيّ وعوانة بن الحكم:
أنّ جريرا والفرزدق اجتمعا عند بشر بن مروان؛ فقال لهما بشر: إنكما قد تقارضتما الأشعار وتطالبتما الآثار وتقاولتما الفخر وتهاجيتما. فأمّا الهجاء فليست بي إليه حاجة، فجدّدا بين يديّ فخرا ودعاني مما مضى. فقال الفرزدق:
نحن السّنام والمناسم [1] غيرنا ... فمن ذا يساوي بالسّنام المناسما!
فقال جرير:
على موضع الأستاه أنتم زعمتم ... وكلّ سنام تابع للغلاصم [2]
فقال الفرزدق:
على محرث [3] للفرث أنتم زعمتم ... ألا إنّ فوق الغلصمات الجماجما
/ فقال جرير:
وأنبأتمونا أنكم هام قومكم ... ولا هام إلا تابع للخراطم
فقال الفرزدق:
فنحن الزّمام القائد المقتدى به ... من الناس، ما زلنا ولسنا لهازما [4]
فقال جرير:
فنحن بني زيد قطعنا زمامها ... فتاهت كسار طائش الرأس عارم [5]
/فقال بشر: غلبته يا جرير بقطعك الزّمام وذهابك بالناقة. وأحسن الجائزة لهما وفضّل جريرا.
__________
[1] المنسم: طرف خف البعير.
[2] الغلصمة: رأس الحلقوم.
[3] في ب، س: «محرض» وهو تحريف.
[4] اللهازم: جمع لهزمة. واللهزمتان هما ما تحت الأذنين من أعلى اللحيين والخدين. يريد أنه من الذين يقودون الناس لا ممن يقادون.
[5] العرام: الشدّة والقوّة والشراسة.
جرير وسكينة بنت الحسين:
قال المدائنيّ وحدّثني عوانة بن الحكم قال:
جاء جرير إلى باب سكينة بنت الحسين عليه السّلام يستأذن عليها فلم تأذن له، وخرجت إليه جارية لها فقالت: تقول لك سيّدتي: أنت القائل:
طرقتك صائدة القلوب وليس ذا ... حين الزيارة فارجعي بسلام
قال نعم. قالت: فألّا أخذت بيدها فرحّبت بها وأدنيت مجلسها وقلت لها ما يقال لمثلها! أنت عفيف وفيك ضعف، فخذ هذين الألفي الدرهم فالحق بأهلك.
تفضيل سكينة بنت الحسين له على الفرزدق:
قال المدائنيّ في خبره هذا وحدّثني أبو يعقوب الثّقفيّ عن الشّعبيّ: أنّ الفرزدق خرج حاجّا؛ فلما قصى حجّه عدل إلى المدينة فدخل إلى سكينة بنت الحسين عليهما السلام فسلّم. فقالت له: يا فرزدق، من أشعر الناس؟ قال:
أنا. قالت: كذبت! أشعر منك الذي يقول:
بنفسي من تجنّبه عزيز ... عليّ ومن زيارته لمام
ومن أمسي وأصبح لا أراه ... ويطرقني إذا هجع النّيام
فقال: واللّه لو أذنت لي لأسمعتك أحسس منه. قالت: أقيموه فأخرج ثم عاد إليها من الغد فدخل عليها، فقالت: يا فرزدق، من أشعر الناس. قال: أنا. قالت: كذبت! صاحبك جرير أشعر منك حيث يقول:
لو لا الحياء لعادني استعبار ... ولزرت قبرك والحبيب يزار
كانت إذا هجر الضّجيع فراشها ... كتم الحديث وعفّت الأسرار [1]
/لا يلبث القرناء أن يتفرّقوا ... ليل يكرّ عليهم ونهار
/ فقال: واللّه لئن أذنت لي لأسمعنّك أحسن منه، فأمرت به فأخرج. ثم عاد إليها في اليوم الثالث وحولها مولّدات لها كأنهنّ التماثيل؛ فنظر الفرزدق إلى واحدة منهنّ فأعجب بها وبهت ينظر إليها. فقالت له سكينة: يا فرزدق، من أشعر الناس؟ قال: أنا. قالت: كذبت! صاحبك أشعر منك حيث يقول:
إنّ العيون التي في طرفها مرض ... قتلننا ثم لم يحيين قتلانا
يصرعن ذا اللّبّ حتى لا حراك به ... وهنّ أضعف خلق اللّه أركانا
أتبعتهم مقلة إنسانها غرق ... هل ما ترى تارك للعين إنسانا
فقال: واللّه لئن تركتني لأسمعنّك أحسن منه؛ فأمرت بإخراجه. فالتفت إليها وقال: يا بنت رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلّم - إنّ لي
__________
[1] الضجيع: الحليل، وهجره هاهنا أن يغيب عنها فيهجر فراشها، فأما إذا أقربت فهي أكرم عليه من أن يهجر فراشها. وكتم الحديث أي لا تحدث أحدا بريبة. والسر هو النكاح، ومنه قوله تعالى: وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا
يصفها بأن ليس عندها إلا العفاف.
(عن «النقائض»).
عليك حقّا عظيما. [قالت: وما [1] هو؟ قال:] ضربت إليك [آباط الإبل] [1] من مكة إرادة التسليم عليك، فكان جزائي من ذلك تكذيبي وطردي وتفضيل جرير عليّ ومنعك إيّاي أن أنشدك شيئا من شعري، وبي ما قد عيل منه صبري، وهذه المنايا تغدو وتروح، ولعلّي لا أفارق المدينة حتى أموت؛ فإذا أنا متّ فمري بي أن أدرج في كفني وأدفن في حر هذه (يعني الجارية التي أعجبته). فضحكت سكينة وأمرت له بالجارية، فخرج بها آخذا بريطتها [2]؛ وأمرت الجواري فدفعن في أقفيتهما، ونادته. يا فرزدق احتفظ بها وأحسن صحبتها فإني آثرتك بها على نفسي.
حضر أعرابي مائدة عبد الملك بن مروان ووصف له طعاما أشهى من طعامه ثم سأله عن أحسن الشعر فأجاب من شعر جرير:
قال المدائنيّ في خبره هذا وحدّثني أبو عمران بن عبد الملك بن عمير عن أبيه، وحدّثنيه عوانة أيضا قالا:
/ صنع عبد الملك بن مروان طعاما فأكثر وأطاب ودعا إليه الناس فأكلوا. فقال بعضهم: ما أطيب هذا الطعام! ما نرى أن أحدا رأى أكثر منه ولا أكل أطيب منه. فقال أعرابيّ من ناحية القوم: أمّا أكثر فلا، وأمّا أطيب فقد واللّه أكلت أطيب منه، فطفقوا [3] يضحكون من قوله. فأشار إليه عبد الملك فأدني منه؛ فقال: ما أنت بمحقّ فيما تقول إلّا أن تخبرني بما يبين به صدقك. فقال: نعم يا أمير المؤمنين؛ بينا أنا بهجر [4] في برث [5] أحمر في أقصى حجر [6]، إذ توفّي أبي وترك كلّا [7] وعيالا، وكان له نخل، فكانت فيه نخلة لم ينظر الناظرون إلى مثلها، كأن تمرها أخفاف الرّباع [8] لم ير تمر قطّ أغلظ ولا أصلب ولا أصغر نوّى ولا أحلى حلاوة منه [9]. وكانت تطرقها أتان وحشيّة قد ألفتها تأوي الليل تحتها، فكانت تثبت رجليها في أصلها وترفع يديها وتعطو [10] بفيها فلا تترك فيها إلا النّبيذ [11] والمتفرّق؛ فأعظمني ذلك ووقع منّي كلّ موقع، فانطلقت بقوسي وأسهمي وأنا أظنّ أنّي أرجع من ساعتي؛ فمكثت يوما وليلة لا أراها، حتى إذا كان السّحر أقبلت، فتهيأت لها فرشقتها فأصبتها وأجهزت عليها، ثم عمدت إلى سرّتها فاقتددتها [12]، ثم عمدت إلى حطب جزل فجمعته إلى رضف [13] وعمدت إلى زندي فقدحت وأضرمت النار في ذلك الحطب، وألقيت/ سرّتها فيه؛ وأدركني نوم الشّباب [14] فلم يوقظني إلّا حرّ الشمس في ظهري؛ فانطلقت إليها
__________
[1] زيادة عن ج.
[2] الريطة: الملاءة.
[3] في الأصول: «و طفقوا».
[4] هجر: مدينة بالبحرين مشهورة بكثرة التمر.
[5] كذا في «البخلاء» طبع أوروبا ص 243، والبرث: الأرض اللينة السهلة، ومنه في الحديث: «بين الزيتون إلى كذا برث أحمر». وفي الأصول: «ترب أحمر» وهو تصحيف.
[6] في أقصى حجر أي في أبعد ناحية. وفي «البخلاء»: «في طلوع القمر».
[7] الكل: الثقل والعيال، الذكر والأنثى في ذلك سواء، وربما جمع على الكلول في الرجال والنساء.
[8] الرباع: جمع ربع (كمضر) وهو الفصيل ينتج في الربيع وهو أوّل النتاج، والذي ينتج في آخر النتاج يسمى هبع (بضم ففتح).
[9] في الأصول: «منها».
[10] تعطو: تتناول.
[11] كذا في أ، ء، م. والنبيذ: المنبوذ. وفي سائر الأصول: «النبذ» والنبذ: الشيء القليل اليسير.
[12] كذا في ج. واقتدّ الشي ء: قطعه. وفي سائر الأصول: «فافترتها» وهو تحريف.
[13] الرضف: الحجارة المحماة بالشمس أو النار.
[14] كذا في ج و«البخلاء». وفي سائر الأصول: «السبات».
فكشفتها وألقيت ما عليها من قذّى وسواد ورماد، ثم قلبت [منها [1]] مثل الملاءة البيضاء، فألقيت عليها من رطب تلك النخلة المجزّعة [2] والمنصّفة، فسمعت لها أطيطا [3] كتداعي عامر وغطفان، ثم أقبلت أتناول الشّحمة واللحمة فأضعها بين التمرتين وأهوي إلى فمي، فبما أحلف إنّي [4] ما أكلت طعاما مثله قطّ. فقال له عبد الملك: لقد أكلت طعاما طيّبا، فمن أنت؟ قال: أنا رجل جانبتني عنعتة [5] تميم وأسد وكشكشة [6] ربيعة وحوشيّ [7] أهل اليمن وإن كنت منهم. فقال: من أيّهم أنت؟ قال: من أخوالك من عذرة. قال: أولئك فصحاء الناس؛ فهل لك علم بالشعر؟
قال: سلني عمّا بدالك يا أمير المؤمنين. قال: أيّ بيت قالته العرب أمدح؟ قال: قول جرير:
ألستم خير من ركب المطايا ... وأندى العالمين بطون راح
/ قال: وكان جرير في القوم، فرفع رأسه وتطاول لها. ثم قال: فأيّ بيت قالته العرب أفخر؟ قال: قول جرير:
إذا غضبت عليك بنو تميم ... حسبت الناس كلّهم غضابا
/ قال: فتحرّك [لها [8] جرير]. ثم قال له: فأيّ بيت أهجى؟ قال: قول جرير:
فغضّ الطّرف إنك من نمير ... فلا كعبا بلغت ولا كلابا
قال: فاستشرف لها جرير. قال: فأيّ بيت أغزل؟ قال: قول جرير:
إن العيون التي في طرفها مرض ... قتلننا ثم لم يحيين قتلانا
قال: فاهتزّ جرير وطرب. ثم قال له: فأيّ بيت قالته العرب أحسن تشبيها؟ قال: قول جرير:
سرى نحوهم ليل كأنّ نجومه ... قناديل فيهنّ الذّبالى [9] المفتّل
فقال جرير: جائزتي للعذريّ يا أمير المؤمنين. فقال له عبد الملك: وله مثلها من بيت المال، ولك جائزتك يا جرير لا تنتقص منها شيئا. وكانت جائزة جرير أربعة آلاف درهم وتوابعها من الحملان والكسوة. فخرج العذريّ وفي يده اليمنى ثمانية آلاف درهم وفي اليسرى رزمة ثياب.
__________
[1] زيادة عن ج.
[2] جزع البسر: بلغ الإرطاب نصفه، وقيل: بلغ الإرطاب من أسفله إلى نصفه وقيل: إلى ثلثيه وقيل: بلغ بعضه من غير أن يحدّ.
واختلف في المجزعة أهي بفتح الزاي أم بكسرها. ونصف البسر: أرطب نصفه.
[3] أطيط كل شي ء: صوته. وعامر وغطفان: قبيلتان.
[4] في ب، س: «فيما أحلف ... إلخ». وفي ج: «فما أحلف أكلت ... إلخ» أي فأحلف ما أكلت. فوقع فعل القسم معترضا بين «ما» النافية ومنفيها.
[5] عنعنة تميم: إبدالهم العين من الهمزة فيقولون «عنّ» يريدون «أن».
[6] كذا في ج. والكشكشة لغة ربيعة، يجعلون الشين مكان الكاف وذلك في المؤنث خاصة فيقولون: عليش مكان عليك. وفي سائر الأصول: «كسكسة ربيعة» وهو تصحيف لأن الكسكسة لغة هوازن. (انظر «اللسان» مادة كسس وكشش).
[7] الحوشيّ من الكلام: الغامض.
[8] زيادة يقتضيها سياق الكلام.
[9] الذبالة: الفتيلة التي توضع في القنديل يوضع فيه الزيت ليستضاء به.
تفضيل عبيدة بن هلال لجرير على الفرزدق:
أخبرنا هاشم بن محمد الخزاعيّ قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثنا المدائنيّ عن أبي عبد الرحمن [1] عن عبد اللّه بن عيّاش الهمدانيّ قال:
بينا المهلّب ذات يوم [أو ليلة [2]] بفارس وهو يقاتل الأزارقة إذ سمع في عسكره جلبة وصياحا؛ فقال: ما هذا؟ قالوا: جماعة من العرب تحاكموا إليك في شيء. فأذن لهم فقالوا: إنّا اختلفنا في جرير والفرزدق؛ فكلّ فريق منّا يزعم أنّ أحدهما أشعر من الآخر، وقد رضينا بحكم الأمير. فقال: كأنكم أردتم [أن [2]] تعرّضوني/ لهذين الكلبين فيمزّقا جلدتي! لا أحكم بينهما، ولكنّي أدلّكم على من يهون عليه سبال جرير وسبال [3] الفرزدق، عليكم بالأزارقة، فإنّهم قوم عرب يبصرون بالشعر [4]. ويقولون فيه بالحق. فلما كان الغد خرج عبيدة بن هلال اليشكريّ ودعا إلى المبارزة، فخرج إليه رجل من عسكر المهلّب كان لقطريّ صديقا؛ فقال له: يا عبيدة، سألتك اللّه إلّا أخبرتني عن شيء أسألك عنه. قال: سل. قال: أو تخبرني؟ قال: نعم إن كنت أعلمه. قال: أجرير أشعر أم الفرزدق؟ قال: قبحك اللّه! أتركت القرآن والفقه وسألتني عن الشعر! إنا تشاجرنا في ذلك ورضينا بك. فقال من الذي يقول:
وطوى الطّراد [5] - مع القياد بطونها ... طيّ التّجار بحضر موت برودا
فقال: جرير. قال: هذا أشعر الرجلين.
لم ينزع في شعره إلى الغزل ولا إلى الرجز:
أخبرني هاشم بن محمد قال حدّثنا الرّياشيّ عن العتبيّ قال:
قال جرير: ما عشقت قطّ، ولو عشقت لنسبت نسيبا تسمعه العجوز فتبكي على ما فاتها من شبابها، وإني لأرى من الرّجز أمثال آثار الخيل في الثّرى، ولو لا أنّي أخاف أن يستفرغني [6] لأكثرت منه.
جرير في ضيافة عبد العزيز بن الوليد:
أخبرني حبيب بن نصر المهلّبيّ وعمّي قالا حدّثنا ابن الأعرابيّ قال حدّثنا عبد الرحمن بن سعيد بن بيهس بن صهيب الجرميّ [عن عامر [7] بن شبل الجرميّ] قال:
__________
[1] أبو عبد الرحمن كنية الهيثم بن عدي، وقد تقدّم مرارا أنه يروى عن عبد اللّه بن عياش الهمداني، وقد صححنا هذا السند بناء على ذلك. وفي أكثر الأصول: «عن أبي عبد الرحمن بن عبد اللّه بن عباس الهذلي». وفي ب، س مثل ذلك، غير أن فيهما «الهمداني» بدل «الهذلي» وكلاهما تحريف.
[2] زيادة عن ح.
[3] السبال: الشوارب. وفي ب، س: «سؤال» وهو تحريف.
[4] في الأصول: «يبصرون الشعر» والأفصح تعديته بالباء.
[5] كذا في ح هنا وجميع الأصول فيما تقدّم. وفي سائر الأصول هنا: «و طوى الطراد بطونهن كأنها».
[6] كذا في ح. وهو محرّف في سائر النسخ.
[7] ما بين هاتين القوسين ساقط من ب، س.
/ قدم جرير على عبد العزيز بن الوليد بن عبد الملك وهو نازل بدير مرّان [1]؛ فكنا نغدو إليه بكرا [2]، فيخرج إلينا ويجلس في برنس خزّ له لا يكلّمنا كلمة حتى يجيء طبّاخ عبد العزيز إليه بقدح من طلاء مسخّن/ يفور، وبكتلة من سمن كأنها هامة رجل فيخوضها فيه، ثم يدفعه إليه فيأتي عليه، ويقبل علينا ويحدّثنا في كل فنّ، وينشدنا لنفسه ولغيره؛ حتى يحضر غداء عبد العزيز فنقوم إليه جميعا. وكان يختم مجلسه بالتسبيح فيطيل. فقال له رجل: ما يغني عنك هذا التسبيح مع قذفك للمحصنات! فتبسّم وقال: يابن أخي (خلطوا عملا صالحا وآخر سيّئا عسى اللّه أن يتوب عليهم) إنهم واللّه يابن أخي يبدءوني ثم لا أحلم.
وفد رجل من قبيلة الفرزدق على امرأة من بني حنيفة فأسمعته هجو جرير لهم وقصة عشقها لابن عم محمد:
أخبرني عمّي قال حدّثنا ابن أبي سعد قال حدّثني إبراهيم بن عبد الرحمن بن سعيد بن جعفر بن يوسف بن محمد بن موسى [3] قال حدّثني الأخفش عن أبي محذورة الورّاق عن أبي مالك الراوية قال سمعت الفرزدق يقول:
وأخبرني بهذا الخبر محمد بن خلف بن المرزبان قال حدّثني إبراهيم بن محمد الطائفيّ قال حدّثني محمد بن مسعدة [4] الأخفش عن أبي محذورة الورّاق عن أبي مالك الراوية قال:
سمعت الفرزدق يقول: أبق غلامان لرجل منا يقال له الخضر، فحدّثني قال: خرجت في طلبهما وأنا على ناقة لي عيساء [5] كوماء أريد اليمامة؛ فلما صرت في ماء لبني حنيفة يقال له الصّرصران ارتفعت سحابة فرعدت وبرقت وأرخت عزاليها [6]؛/فعدلت إلى بعض ديارهم وسألت القرى فأجابوا (فدخلت دارا لهم وأنخت الناقة وجلست تحت ظلّة لهم من جريد النخل، وفي الدار جويرية لهم سوداء، إذ دخلت جارية كأنها سبيكة فضة وكأن عينيها كوكبان درّيان؛ فسألت الجارية: لمن هذه العيساء؟ (تعني ناقتي) فقالت: لضيفكم هذا. فعدلت إليّ فقالت:
السلام عليكم، فرددت عليها السلام. فقالت لي: ممّن الرجل؟ فقلت: من بني حنظلة. فقالت: من أيّهم؟ فقلت:
من بني نهشل. فتبسّمت وقالت: أنت إذا ممّن عناه الفرزدق بقوله:
إن الذي سمك السماء بنى لنا ... بيتا دعائمه أعزّ وأطول
بيتا بناه لنا المليك وما بنى ... ملك السماء فإنه لا ينقل
بيتا زرارة محتب بفنائه ... ومجاشع وأبو الفوارس نهشل
قال: فقلت: نعم جعلت فداك! وأعجبني ما سمعت منها. فضحكت وقالت: فإن ابن الخطفى قد هدم عليكم بيتكم هذا الذي فخرتم به حيث يقول:
__________
[1] دير مرّان: قرب دمشق على تل مشرف على مزارع الزعفران ورياض حسنة، وبناؤه بالجص وأكثر فرشه بالبلاط الملون. (انظر «معجم البلدان» لياقوت في الكلام عليه).
[2] البكر (بالتحريك): البكرة.
[3] ورد هذا الاسم هكذا في جميع الأصول.
[4] الأخافش كثيرون وليس منهم من له هذا الاسم، غير أن أحدهم يسمى سعيد بن مسعدة.
[5] العيساء من النوق: التي يضرب لونها إلى الأدمة، وقيل: هي التي يخالط بياضها شيء من الشقرة. وكوماء: عظيمة السنام طويلته.
[6] العزالي: جمع عزلاء، والعزلاء في الأصل: مصب الماء من الراوية والقربة. شبه اتساع المطر واندفاقه بالذي يخرج من فم المزادة.
أخزى الذي رفع السماء مجاشعا ... وبنى بناءك [1] بالحضيض الأسفل
بيتا يحمّم [2] قينكم بفنائه ... دنسا مقاعده خبيث المدخل
قال: فوجمت. فلما رأت ذلك في وجهي قالت: لا عليك؛ فإن الناس يقال فيهم ويقولون. ثم قالت: أين تؤمّ؟
قلت: اليمامة. فتنفّست الصّعداء ثم قالت: ها هي تلك أمامك؛ ثم أنشأت تقول:
تذكّرني بلادا خير أهلي ... بها أهل المروءة والكرامه
/ ألا فسقى الإله أجشّ صوبا ... يسحّ بدرّه بلد اليمامه
وحيّا بالسلام أبا نجيد ... فأهل للتحيّة والسلامه
/ قال: فأنست بها وقلت لها: أذات خدن أم ذات بعل؟ فأنشأت تقول:
إذا رقد النّيام فإن عمرا ... تؤرّقه الهموم إلى الصباح
تقطّع قلبه الذّكرى وقلبي ... فلا هو بالخليّ ولا بصاح
سقى اللّه اليمامة دار قوم ... بها عمرو ويحنّ إلى الرّواح
فقلت لها: من عمرو هذا؟ فأنشأت تقول:
سألت ولو علمت كففت عنه ... ومن لك بالجواب سوى الخبير
فإن تك ذا قبول إن عمرا ... هو القمر المضيء المستنير [3]
ومالي بالتبعّل مستراح ... ولو ردّ التبعّل لي أسيري
قال: ثم سكتت سكتة كأنها تتسمّع [4] إلى كلام، ثم تهافتت [5] وأنشأت تقول:
يخيّل لي هيا عمرو بن كعب ... كأنك قد حملت على سرير
يسير بك الهوينى القوم لما ... رماك الحبّ بالعلق [6] العسير
فإن تك هكذا يا عمرو إنّي ... مبكّرة عليك إلى القبور
ثم شهقت شهقة فخرّت ميّتة. فقلت لهم: من هذه؟ فقالوا: هذه عقيلة بنت الضحّاك بن عمرو بن محرّق بن النّعمان بن المنذر بن ماء السماء. فقلت لهم: فمن عمرو هذا؟ قالوا: ابن عمّها عمرو بن كعب بن محرّق بن
__________
[1] في أكثر الأصول: «و بنى بناء» والتصويب عن و «النقائض» ص 413.
[2] يحمم: يسخن. والقين: الحداد، يشير إلى أن مجاشعا قبيلة الفرزدق كانت قيونا لعبد كان لصعصعة بن ناجية بن عقال يسمى جبيرا فنسب جرير غالبا أبا الفرزدق إلى القين ولذلك يقول جرير:
وجدنا جبيرا أبا غالب ... بعيد القرابة من معبد
أتجعل ذا الكير من دارم ... وأين سهيل من الفرقد
[3] في هذا البيت أقواء، وهو اختلاف حركة الروي.
[4] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «تستمع إلى كلام».
[5] يريد أنها تساقطت من ضعفها وخورها.
[6] العلق: الهوى يكون للرجل في المرأة.
النعمان بن المنذر؛ فارتحلت من عندهم. فلما دخلت اليمامة سألت عن عمرو هذا فإذا هو قد دفن في ذلك الوقت الذي قالت فيه ما قالت.
قصته مع عمر بن عبد العزيز حين وفد عليه:
أخبرني محمد بن العباس اليزيديّ قال حدّثنا سليمان بن أبي شيخ قال حدّثنا محمد بن الحكم، وأخبرنا أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثنا أبو الهيثم بدر بن سعيد العطّار قال حدّثنا عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز قال:
لمّا استخلف عمر بن عبد العزيز جاءه الشعراء فجعلوا لا يصلون إليه؛ فجاء عون بن عبد اللّه بن عتبة بن مسعود وعليه عمامة قد أرخى طرفيها فدخل؛ فصاح به جرير:
يأيّها القارىء [1] المرخى عمامته ... هذا زمانك إنّي قد مضى زمني
أبلغ خليفتنا إن كنت لاقيه ... أنّي لدى الباب كالمصفود في قرن
قال: فدخل على عمر فاستأذن له، فأدخله عليه. وقد كان هيأ له شعرا، فلما دخل عليه غيّره وقال:
إنا لنرجو إذا ما الغيث أخلفنا ... من الخليفة ما نرجو من المطر
نال الخلافة إذ كانت له قدرا ... كما أتى ربّه موسى على قدر
أ أذكر الجهد والبلوى التي نزلت ... أم تكتفي بالذي بلّغت من خبري
ما زلت بعدك في دار تعرّفني [2] ... قد طال بعدك إصعادي ومنحدري
لا ينفع الحاضر المجهود بادينا ... ولا يجود لنا باد على حضر
كم بالمواسم من شعثاء أرملة ... ومن يتيم ضعيف الصوت والبصر
يدعوك دعوة ملهوف كأنّ به ... خبلا من الجنّ أو مسّا من النّشر [3]
/ممّن يعدّك تكفي فقد والده ... كالفرخ في العشّ لم ينهض ولم يطر
/ قال: فبكى عمر ثم قال: يابن الخطفى، أمن أبناء المهاجرين أنت فنعرف لك حقّهم، أم من أبناء الأنصار فيجب لك ما يجب لهم، أم من فقراء المسلمين فنأمر صاحب صدقات قومك فيصلك بمثل ما يصل به قومك؟ فقال: يا أمير المؤمنين، ما أنا بواحد من هؤلاء، وإني لمن أكثر قومي مالا، وأحسنهم حالا، ولكنّي أسألك ما عوّدتنيه الخلفاء: أربعة آلاف درهم وما يتبعها من كسوة وحملان. فقال له عمر: كلّ امرىء يلقى فعله، وأمّا أنا فما أرى لك في مال اللّه حقّا، ولكن انتظر، يخرج عطائي، فأنظر ما يكفي عيالي سنة منه فأدّخره لهم، ثم إن فضل فضل صرفناه إليك. فقال جرير: لا، بل يوفّر أمير المؤمنين ويحمد وأخرج راضيا؛ قال: فذلك أحبّ إليّ؛ فخرج. فلما ولّى قال عمر: إن شرّ هذا ليتّقى؛ ردّوه إليّ، فردّوه فقال: إن عندي أربعين دينارا وخلعتين إذا غسلت إحداهما
__________
[1] في ديوان جرير المخطوط: «يأيها الرجل».
[2] أصل معنى التعرّق أخذ ما على العظم من اللحم نهشا بالأسنان. يريد أنها تفقره ولا تدع له شيئا.
[3] كذا في ديوانه. وفي الأصول: «من البشر» بالباء وهو تصحيف. والنشر: جمع نشرژ وهي رقية يعالج بها المجنون والمريض.
لبست الأخرى، وأنا مقاسمك ذلك، على أن اللّه جلّ وعزّ يعلم أن عمر أحوج إلى ذلك منك. فقال له: قد وفّرك اللّه يا أمير المؤمنين وأنا واللّه راض. قال: أمّا وقد حلفت فإن ما وفّرته عليّ ولم تضيّق به معيشتنا آثر في نفسي من المدح، فامض مصاحبا؛ فخرج. فقال له أصحابه وفيهم الفرزدق: ما صنع بك أمير المؤمنين يا أبا حزرة؟ قال:
خرجت من عند رجل يقرّب الفقراء ويباعد الشعراء وأنا مع ذلك عنه راض ثم وضع رجله في غرز راحلته وأتى قومه. فقالوا له: ما صنع بك أمير المؤمنين أبا حرزة؟ فقال:
تركت لكم بالشأم حبل جماعة ... أمين القوى مستحصد [1] العقد باقيا
وجدت رقى الشيطان لا تستفزّه ... وقد كان شيطاني من الجنّ راقيا
هذه رواية عمر بن شبّة. وأما اليزيديّ فإنه قال في خبره: فقال له جرير يا أمير المؤمنين، فإنّي ابن سبيل. قال: لك ما لأبناء السبيل، زادك ونفقة تبلّغك/ وتبدّل راحلتك إن لم تحملك. فألحّ عليه؛ فقالت له بنو أميّة: يا أبا حزرة، مهلا عن أمير المؤمنين، ونحن نرضيك من أموالنا عنه، فخرج. وجمعت له بنو أميّة مالا عظيما؛ فما خرج من عند خليفة بأكثر ممّا خرج من عند عمر.
رؤيا أمه وهي حامل به:
أخبرني محمد بن مزيد بن أبي الأزهر قال حدّثنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه عن أبي عبيدة قال:
رأت أمّ جرير وهي حامل به كأنها ولدت حبلا من شعر أسود، فلما سقط منها جعل ينزو فيقع في عنق هذا فيخنقه حتى فعل ذلك برجال كثير، فانتبهت فزعة فأوّلت الرّؤيا فقيل لها: تلدين غلاما شاعرا ذا شرّ وشدّة شكيمة وبلاء على الناس. فلما ولدته جريرا باسم الحبل الذي رأت أنه خرج منها. قال: والجرير: الحبل.
قال إنه أشعر الناس لأنه فاخر بأبيه وهو دني ء:
قال إسحاق وقال الأصمعيّ حدّثني بلال بن جرير - أو حدّثت عنه - أنّ رجلا قال لجرير: من أشعر الناس؟ قال له: قم حتى أعرّفك الجواب؛ فأخذ بيده وجاء به إلى أبيه عطيّة وقد أخذ عنزا له فاعتقلها وجعل يمصّ ضرعها، فصاح به: اخرج يا أبت؛ فخرج شيخ دميم رثّ الهيئة وقد سال لبن العنز على لحيته؛ فقال: ألا [2] ترى هذا؟ قال نعم. قال: أو تعرفه؟ قال لا. هذا أبي، أفتدري لم كان يشرب من ضرع العنز؟ قلت لا. قال: مخافة أن يسمع صوت الحلب فيطلب منه لبن. ثم قال: أشعر الناس/ من فاخر بمثل هذا الأب ثمانين شاعرا وقارعهم به فغلبهم جميعا.
إخوته:
حدّثني عمّي قال حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد قال حدّثني عبد اللّه بن محمد بن موسى مولى بني هاشم قال حدّثني عمّارة بن عقيل عن المغيرة بن حجناء عن أبيه قال:
/ ولد جرير لسبعة أشهر؛ فكان الفرزدق يعيّره ذلك [3]، وفيه يقول:
وأنت ابن صغرى لم تتمّ شهورها
__________
[1] المستحصد: المستحكم.
[2] في ح: «أ ترى هذا؟».
[3] في الأصول: «يعيره بذلك» والفصيح الكثير تعديه بنفسه حتى أنكر بعضهم تعديه بالباء.
قال وولد عطيّة جريرا - وأمّه أمّ قيس بنت معيد من بني كليب - وعمرا وأبا الورد. فأمّا أبو الورد فكان يحسد جريرا؛ فذهبت لجرير إبل فشمت به أبو الورد فقال له جرير:
أبا الورد أبقى اللّه منها بقيّة ... كفت كلّ لوّام خذول وحاسد
وأما عمرو فكان أكبر من جرير، وكان يقارضه الشعر. فقال له جرير:
وعمرو [1] قد كرهت عتاب عمرو ... وقد كثر المعاتب والذّنوب
وقد صدّعت صخرة من رماكم ... وقد يرمى بي الحجر الصّليب
وقد قطع الحديد فلا تماروا ... فرند لا يفلّ ولا يذوب
شعر قاله ليزيد ابن معاوية يعاتب به أباه:
قال: وأوّل شعر قاله جرير في زمن معاوية، قاله لابنه:
فردّي جمال البين ثم تحمّلي ... فما لك فيهم من مقام ولا ليا
لقد قادني الجيران يوما وقدتهم ... وفارقت حتّى ما تصبّ [2] جماليا
وإنّي لمغرور أعلّل بالمنى ... ليالي أرجو أن مالك ماليا
بأيّ سنان تطعن القرم بعد ما ... نزعت سنانا من قناتك ماضيا
بأيّ نجاد تحمل السيف بعد ما ... قطعت القوى من محمل كان باقيا
قال: وكان يزيد بن معاوية عاتب أباه بهذه الأبيات ونسبها إلى نفسه؛ لأن جريرا لم يكن شعره شهر حينئذ. فقدم جرير على يزيد في خلافته فاستؤذن له/ مع الشعراء، فأمر يزيد ألّا يدخل عليه شاعر إلّا من عرف شعره؛ فقال جرير: قولوا له: أنا القائل:
فردّيي جمال الحيّ ثم تحمّلي ... فما لك فيهم من مقام ولا ليا
فأمر بإدخاله. فلمّا أنشده قال يزيد: لقد فارق أبي الدنيا وما يحسب إلّا أنّي قائلها، وأمر له بجائزة وكسوة.
استعار من أبيه فحلا ولما استردّه منه عرّض به:
أخبرني أبو الحسن الأسديّ قال حدّثنا محمد بن صالح بن النطّاح قال قال أبو عبيدة قال أبو عمرو:
استعار جرير من أبيه فحلا يطرقه في إبله، فلما استغنى عنه جاءه أبوه في بتّ [3] خلق يستردّه؛ فدفعه إليه وقال: يا أبت، هذا «تردّ إلى عطيّة تعتل». يعرّض بقول الفرزدق فيه:
ليس الكرام بناحليك أباهم ... حتى تردّ عطيّة تعتل [4]
__________
[1] في ب، س: «أعمر» وفي ح: «و عمرا». وقيل هذا البيت كما في ديوانه:
رأيتك يا حكيم علاك شيب ... ولكن ما لحملك لا يثوب
[2] يقال: صب في الوادي إذا انحدر.
[3] البت: كساء غليظ مهلهل مربع أخضر، قيل: هو من وبر وصوف.
[4] نحل: أعطى. وتعتل: تساق قسرا. ويقال: تعتل: تقاد بين اثنين. (عن النقائض).
اتعاظه بجنازة مرّت عليه:
أخبرني هاشم بن محمد الخزاعيّ قال حدّثنا الرّياشيّ وعمر بن شبّة قالا حدّثنا الأصمعيّ قال أخبرنا أبو عمرو بن العلاء قال:
جلس جرير يملي على رجل قوله:
ودّع أمامة حان منك رحيل ... إنّ الوداع لمن تحبّ قليل
فمرّوا عليه بجنازة؛ فقطع الأنشاد وجعل يبكي، ثم قال: شيّبتني هذه الجنازة. قال أبو عمرو:/ فقلت له: فعلام تقذف المحصنات منذ كذا وكذا! فقال: إنهم يبدءونني ثم لا أعفو.
قيل إنه فضل لمقاومته الفرزدق:
أخبرني عمّي قال حدّثنا يزيد بن محمد المهلبيّ قال حدّثنا عبد اللّه بن المعذّل قال:
كان أبي وجماعة من علمائنا يقولون: إنما فضّل جرير لمقاومته الفرزدق، وأفضل [1] شعر قاله جرير:
حيّ الهدملة من ذات المواعيس [2]
هجا بني الهجيم لأنهم منعوه الإنشاد في مسجدهم:
أخبرني أبو خليفة قال حدّثنا محمد بن سلّام قال حدّثنا أبو الغرّاف قال:
أتى الفرزدق مجلس بني الهجيم [3] في مسجدهم فأنشدهم؛ وبلغ ذلك جريرا فأتاهم من الغد لينشدهم كما أنشدهم الفرزدق. فقال له شيخ منهم: يا هذا اتّق اللّه! فإنّ هذا المسجد إنما بني لذكر اللّه والصلاة. فقال جرير:
أقررتم للفرزدق ومنعتموني! وخرج مغضبا وهو يقول:
إنّ الهجيم قبيلة ملعونة ... حصّ [4] اللّحى متشابهو الألوان
هم يتركون بنيهم وبناتهم ... صعر الأنوف لريح كلّ دخان
لو يسمعون بأكلة أو شربة ... بعمان أصبح جمعهم بعمان
قال: وخفّة اللّحى في بني هجيم ظاهرة. وقيل لرجل منهم: ما بالكم يا بني الهجيم حصّ اللحى؟ قال: إن الفحل واحد.
حديثه مع عبد الملك أو الوليد ابنه عن الشعراء وعن نفسه:
أخبرني محمد بن عمران الصّيرفيّ قال حدّثنا الحسن بن عليل العنزيّ قال حدّثني محمد بن عبد اللّه بن آدم قال سمعت عمارة بن عقيل يحدّث عن أبيه عن جدّه قال:
__________
[1] في ب، س: «و أقوم شعر».
[2] الهدملة: موضع بعينه، هكذا ذكره ياقوت واستشهد بقول جرير هذا. والمواعيس: موضع، كما جاء في «شرح القاموس».
[3] بنو الهجيم: بطنان من العرب: أحدهما الهجيم بن عمرو بن تميم، والثاني الهجيم بن علي بن سود من الأزد.
[4] حص: جمع أحص وأحص اللحية: قليل شعرها.
/ قال عبد الملك أو الوليد ابنه لجرير: من أشعر الناس؟ قال فقال: ابن العشرين [1]. قال: فما رأيك في ابنيّ [2] أبي سلمى؟ قال: كان شعرهما نيّرا يا أمير المؤمنين. قال: فما تقول في امرىء القيس؟ قال: اتّخذ الخبيث الشعر نعلين، وأقسم باللّه لو أدركته لرفعت ذلاذله [3]. قال: فما تقول في ذي الرّمّة؟ قال: قدر من ظريف الشعر وغريبه وحسنه [على] [4] ما لم يقدر عليه أحد. قال: فما تقول في الأخطل؟ قال: ما أخرج لسان ابن النّصرانية ما في صدره من الشعر حتى مات. قال: فما تقول في الفرزدق؟ قال: في يده واللّه يا أمير المؤمنين نبعة من الشعر قد قبض عليها. قال: فما أراك أبقيت لنفسك شيئا! قال: بلى واللّه يا أمير المؤمنين! إنّي لمدينة الشعر التي منها يخرج وإليها يعود، نسبت فأطربت، وهجوت فأرديت، ومدحت فسنّيت [5]، وأرملت فأغزرت، ورجزت [6] فأبحرت؛ فأنا قلت ضروب الشعر كلّها، وكلّ واحد منهم قال نوعا منها. قال: صدقت.
طلبت جاريه له أن يبيعها فعيره الفرزدق ذلك:
أخبرني حبيب بن نصر المهلّبيّ قال حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد قال حدّثنا عليّ بن الصبّاح عن ابن الكلبيّ قال:
كانت لجرير أمة وكان بها معجبا، فاستخفّت المطعم والملبس والغشيان واستقلّت ما عنده، وكانت قبله عند قوم يقال لهم بنو زيد، أهل خصب ونعمة، فسامته أن يبيعها وألحّت في ذلك؛ فقال فيها:
/تكلّفني معيشة آل زيد ... ومن لي بالمرفّق والصّناب [7]
تقول ألا تضمّ كضمّ زيد ... وما ضمّي وليس معي شبابي
فقال الفرزدق يعيّر ذلك [8]:
فإن تفقرك علجة آل زيد ... ويعجزك المرقّق والصّناب [9]
/فقدما كان عيش أبيك مرّا ... يعيش بما تعيش به الكلاب [10]
__________
[1] يعني به طرفة بن العبد بن سفيان بن سعد بن مالك أحد شعراء المعلقات، قتل وهو ابن عشرين سنة فيقال له ابن العشرين: قتله عمرو بن هند بيد أبي الربيع بن حوثرة عامله على البحرين. (انظر «الشعر والشعراء» ص 91).
[2] يعني زهير بن أبي سلمى وابنه كعب بن زهير.
[3] ذلاذل القميص: ما يلي الأرض من أسافله. ولعله يريد أنه كان يلزمه ويخدمه.
[4] الزيادة عن ح.
[5] كذا في الأصول. وسنى الشي ء: سهله وفتحه، والأحرى بهذه الكلمة أن تكون «فأسنيت». وأسني: رفع وأعلى.
[6] كذا في أ، ء، م. وفي ب، س، ح: «و زجرت» وهو تصحيف.
[7] المرقق: الأرغفة الواسعة الرقيقة. والصناب: أدم يتخذ من الخردل والزبيب.
[8] في الأصول: «بذلك» راجع الحاشية رقم 1 ص 50 من هذا الجزء.
[9] قد ورد هذا البيت في ح هكذا:
فإن تعدم معيشة آل زيد ... ويعوزك المرقق والصناب
وفي «النقائض»:
«إن تفركك علجة آل زيد ... ويعوزك ...
إلخ» وفركت المرأة زوجها تفركه فركا إذا أبغضته.
[10] في ب، س: «كريها لا يعيش به الكلاب».
قصته مع ذي الرمة عند المهاجر بن عبد اللّه:
أخبرني هاشم بن محمد الخزاعيّ قال حدّثنا العباس بن ميمون قال حدّثنا التّوّزيّ عن أبي عبيدة عن أيّوب بن كسيب قال:
دخل جرير على المهاجر بن عبد اللّه وهو والي اليمامة وعنده ذو الرّمّة ينشده. فقال المهاجر بن عبد اللّه لجرير:
كيف ترى؟ قال: لقد قال وما أنعم. فغضب ذو الرّمّة ونهض وهو يقول:
أنا أبو الحارث واسمي غيلان فنهض جرير وقال.
إنّي [1] امرأ خلقت شكسا أشوسا ... إن تضرساني تضرسا مضرسا [2]
قد لبس الدهر وأبقى ملبسا ... من شاء من نار الجحيم اقتبسا
قال: فجلس ذو الرّمّة وحاد عنه فلم يجبه.
/ أخبرني أبو الحسن الأسديّ قال حدّثنا ابن النّطّاح عن أبي عبيدة قال:
كان ذو الرّمّة ممّن أعان على جرير ولم يصحر [3] له؛ فقال جرير فيه:
أقول نصاحة لبني عديّ ... ثيابكم ونضح دم القتيل
وهي قصيدة. قال: وكانوا يتعاونون عليه ولا يصحرون له.
حديثه مع ذي الرمة وهشام المرئيّ:
أخبرنا أبو خليفة الفضل بن الحباب قال حدّثنا محمد بن سلّام قال حدّثني أبو الغرّاف قال:
قال الفرزدق لذي الرّمّة: ألهاك البكاء في الديار وهذا العبد يرجز بك (يعني هشاما المرئيّ) بمقبرة بني حصن.
قال: وكان السبب في الهجاء بين ذي الرّمة وهشام أن ذا الرمّة نزل بقرية لبني امرىء القيس يقال لها: مرأة [4]، فلم يقروه ولم يعلفوا له، فارتحل وهو يقول:
نزلنا وقد طال [5] النهار وأوقدت ... علينا حصى المعزاء [6] شمس تنالها
أنخنا فظلّلنا بأبراد يمنة [7] ... رقاق وأسياف قديم صقالها
__________
[1] وردت هذه الأبيات في «ديوانه» المخطوط (صفحة 208) باختلاف عما هنا.
[2] الشكس: الصعب الخلق. والأشوس: الذي ينظر بمؤخر عينه تكبرا أو تغيظا والجريء على القتال الشديد. وضرسه: عضه وعجمه ليختبره.
[3] لم يصحر له: لم يبرز له، من قولهم: أصحر الرجل إذا برز إلى الصحراء.
[4] مرأة: قرية بني امرىء القيس بن زيد مناة بن تميم، كما ذكر أبو الفرج، وهي باليمامة. سميت بشطر اسم امرىء القيس، بينها وبين ذات غسل مرحلة على طريق النباج.
[5] رواية «الديوان»: «غار». وغار النهار: انتصف. راجع هذا الشعر في «الديوان» ففيه اختلاف في الرواية عما هنا.
[6] المعزاء: الأرض الصلبة ذات الحصى.
[7] الأبراد: جمع برد وهو الثوب. واليمنة: ضرب من برود اليمن.
فلمّا رآنا أهل مرأة أغلقوا ... مخادع [1] لم ترفع لخير ظلالها
وقد سمّيت باسم امرىء القيس قرية ... كرام صواديها [2] لئام رجالها
/ يظلّ الكرام المرملون بجوّها ... سواء عليهم حملها وحيالها [3]
ولو وضعت أكوارها عند بيهس ... على ذات غسل لم تشمّس رحالها [4]
فقال جرير لهشام، وكان يتّهم ذا الرّمة بهجائه التّيم وهم إخوة عديّ: عليك العبد (يعني ذا الرّمة). قال: فما أصنع يا أبا حزرة وهو يقول القصيد وأنا أقول الرّجز، والرجز لا يقوم للقصيد؟ فلو رفدتني! قال: قل له:
عجبت لرجل من عديّ مشمّس ... وفي أيّ يوم لم تشمّس رحالها
وفيم عديّ عند تيم من العلا ... وأيّامنا اللّاتي يعدّ فعالها
مددت بكفّ من عديّ قصيرة ... لتدرك من زيد يدا لا تنالها
وضبّة عمّي يابن جلّ [5] فلا ترم ... مساعي قوم ليس منك سجالها
يماشي عديّا لؤمها ما تّجنّه ... من الناس ما ماشت عديّا ظلالها
فقل لعديّ تستعن بنسائها ... عليّ فقد أعيا عديّا رجالها
/ أذا الرّمّ قد قلّدت [6] قومك رمّة ... بطيئا بأيدي المطلقين انحلالها
ترى اللّؤم ما عاشت عديّ مخلّدا ... سرابيلها منه ومنه نعالها
قال: فلجّ الهجاء بين ذي الرمّة وهشام. فلما أنشد المرئيّ هذه الأبيات وسمعها ذو الرّمّة قال: كذب العبد السّوء! ليس هذا الكلام له، هذا كلام نجديّ حنظليّ،/ هذا كلام ابن [7] الأتان. قال: ولم يزل ذو الرمّة مستعليا على هشام حتى لقيه جرير فرفده هذه الأبيات.
أخبرني محمد بن مزيد قال حدّثنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه عن أبي عدنان قال حدّثني أبو صخر [8] من ولد حجناء بن نوح بن جرير قال: سمعت أبي يحدّث عن أبيه قال:
أتى هشام بن قيس المرئيّ أبي (يعني جريرا) فاسترفده على ذي الرمّة، وقد كانا تهاجيا دهرا، وكان سبب ذلك
__________
[1] المخادع: البيوت.
[2] الصوادي: النخل التي لا تسقى وإنما تشرب بعروقها، الواحدة صادية.
[3] أرمل القوم: فني زادهم. يقول: سواء عليهم أحالت نخيلهم أم حملت، فهم لا ينالهم منها شيء.
[4] بيهس وذات غسل: سيذكرهما المؤلف بعد قليل. لم تشمّس رحالها: لم تعرّض للشمس. يريد أنها لا تهمل بل تكرم بإدخالها البيوت.
[5] كذا في نسخة الشنقيطي مصححة بقلمه، وهو جل بن عدي، رجل من مضر رهط ذي الرمة العدوي. وفي الأصول: «خل» بالخاء المعجمة، وهو تصحيف.
[6] كذا في ج ونسخة الشنقيطي مصححة بقلمه وترجمة ذي الرمة (ص 117 ج 16 من «الأغاني» طبع بلاق). وفي سائر الأصول: «قد قلدن» بالنون وهو تصحيف. والرمة: الحبل يقلد به البعير.
[7] ابن الأتان: لقب كان ينبز به جرير.
[8] في ب، س: «أبو صخرة».
أن ذا الرّمّة نزل على أهل قرية لبني امرىء القيس فلم يدخلوا رحله، فذمّهم في القرى، ومدح بيهسا صاحب ذات غسل - وهو مرئيّ. وذات غسل: قرية له - فقال ذو الرّمّة:
ولمّا وردنا مرأة اللّؤم أغلقت ... دساكر لم تفتح لخير ظلالها
ولو عرّيت أصلابها [1] عند بيهس ... على ذات غسل لم تشمّس رحالها
إذا ما امرؤ القيس ابن لؤم تطعّمت ... بكأس الندامى خبّثتها [2] سبالها
فقال جرير للمرئيّ: قل له:
غضبت لرحل من عديّ مشمّس ... وفي أيّ يوم لم تشمّس رحالها
وذكر الأبيات الماضية المذكورة في رواية أبي خليفة. قال: فلقى ذو الرّمّة جريرا فقال له: تعصّبت للمرئيّ وأنا خالك!. قال: حين قلت ماذا؟ قال: حين قلت له أن يقول لي:
عجبت لرحل من عديّ مشمّس/ فقال له جرير: لا! بل ألهاك البكاء في دارميّة حتى أبيحت محارمك. قال: وكان قد بلغ جريرا ميل ذي الرّمة عليه، فجعل يعتذر إليه ويحلف له. فقال له جرير: اذهب الآن فقل للمرئيّ:
يعدّ الناسبون إلى تميم ... بيوت المجد أربعة كبارا
يعدّون الرّباب وآل سعد ... وعمرا ثم حنظلة الخيارا
ويهلك بينها المرئيّ لغوا ... كما ألغيت في الدّية الحوارا [3]
فقال ذو الرمّة قصيدته التي أوّلها:
نبت عيناك عن طلل بجزوى [4] ... عفته الرّيح وامتنح القطارا
وألحق فيها هذه الأبيات. فلما أنشدها وسمعها المرئيّ جعل يلطم رأسه ووجهه ويدعو بويله وحربه ويقول: مالي ولجرير! فقيل له: وأين جرير منك! هذا رجل يهاجيك وتهاجيه! فقال: هيهات! لا واللّه ما يحسن ذو الرّمّة أن يقول:
ويذهب بينها المرئيّ لغوا ... كما ألغيت في الدّية الحوارا
هذا واللّه كلام جرير ما تعدّاه قطّ. قال: ومرّ الفرزدق بذي الرّمّة وهو ينشد هذه القصيدة؛ فلما أنشد الأبيات الثلاثة فيها قال له الفرزدق: أعد يا غيلان، فأعاد؛ فقال له: أأنت/ تقول هذا؟ قال: نعم يا أبا فراس. قال: كذب فوك! واللّه لقد نحلكها أشدّ لحيين منك، هذا شعر ابن الأتان. قال: وجاء المرثيّون إلى جرير فقالوا: يا أبا حزرة، قد
__________
[1] الأصلاب: جمع صلب وهو عظم من لدن الكاهل إلى العجب. يريد: لو وضعت رحالها عن ظهورها عند بيهس لأكرمها ولم يتركها. وفي ب، س: «غرست» وهو تحريف.
[2] كذا في أ، ء، م (و «ديوان» ذي الرمة طبع أوروبا ص 544). وفي سائر الأصول: «ما خبتها» وهو تحريف.
[3] الحوار: ولد الناقة، وقيل: هو الفصيل أوّل ما ينتج. يريد أن المرئي لا يؤبه له كما لا يؤبه لولد الناقة إذا تبع أمه وقد سيقت في دية القتيل.
[4] حزوي: موضع في ديار تميم.
استعلى علينا ذو الرمّة، فأعنّا على عادتك الجميلة. فقال: هيهات! قد واللّه ظلمت خالي لكم مرّة وجاءني فاعتذر وحلف، وما كنت لأعينكم عليه بعدها. قال: ومات ذو الرّمّة في تلك الأيام.
أقرّ له نصيب بالسبق عليه وعلى جميل:
أخبرني عمّي قال حدّثني الكرانيّ قال حدّثني العمريّ عن لقيط قال حدّثني أبو بكر بن نوفل قال حدّثني من سأل النّصيّب قال: قلت له: يا أبا محجن، بيت قلته نازعك فيه جرير وجميل، فأحبّ أن تخبرني أيّكم فيه أشعر؟
قال: وما هو؟ قلت قولك:
أضرّ بها التهجير حتى كأنها ... أكبّ عليها جازر متعرّق [1]
وقال جميل:
أضرّ بها التهجير حتى كأنها ... بقايا سلال [2] لم يدعها سلالها
وقال جرير:
إذا بلغوا المنازل لم تقيّد ... وفي طول الكلال لها قيود
فقال نصيب: قاتل اللّه ابن الخطفى! ما أشعره!. قال: فقال له الرجل: أمّا أنت فقد فضلته؛ فقال: هو ما أقول لك.
قال عنه ابن مناذر هو أشعر الناس:
أخبرني حبيب بن نصر المهلّبيّ قال حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد قال حدّثني عبد الرحمن بن القاسم العجليّ قال حدّثني الحسن بن علي المنقريّ قال قال مسعود بن بشر:
قلت لابن مناذر بمكة: من أشعر الناس؟ قال: من إذا شئت [3] لعب، وإذا شئت جدّ؛ فإذا لعب أطعمك لعبه فيه، وإذا رمته بعد عليك؛ وإذا جدّ فيما قصد له أيأسك من نفسه. قلت: مثل من؟ قال: مثل جرير حين يقول إذا لعب:
إنّ الّذين غدوا بلبّك غادروا ... وشلا بعينك ما يزال معينا
/ ثم قال حين جدّ:
إنّ الذي حرم المكارم تغلبا ... جعل الخلافة والنبوّة فينا
مضر أبي وأبو الملوك فهل لكم ... يا آل تغلب من أب كأبينا
هذا ابن عمّي في دمشق خليفة ... لو شئت ساقكم إليّ قطينا [4]
__________
[1] التعرّق: إزالة ما على العظم من اللحم.
[2] السلال: مثل السل، وهو داء معروف. يهزل ويضني ويقتل.
[3] في ب، س: «قال من إذا لعب شبب فإذا لعب أطمعك ... إلخ».
[4] القطين: الخدم والحشم.
اعترض عليه عبد الملك بن مروان في هذا الشعر:
أخبرني هاشم بن محمد قال حدّثني الرّياشيّ قال حدّثنا الأصمعيّ عن أبي عمرو قال:
لمّا بلغ عبد الملك قول جرير:
هذا ابن عمّي في دمشق خليفة ... لو شئت ساقكم إليّ قطينا
قال: ما زاد ابن المراغة على أن جعلني شرطيّا! أما إنّه لو قال:
لو شاء ساقكم إليّ قطينا لسقتهم إليه كما قال.
فضله بشار على الأخطل وعلى الفرزدق:
أخبرني أبو خليفة قال حدّثنا محمد بن سلّام قال:
سألت بشّارا العقيّليّ عن الثلاثة فقال: لم يكن الأخطل مثلهما، ولكنّ ربيعة تعصّبت له وأفرطت فيه. قلت:
فجرير والفرزدق؟ قال: كان جرير يحسن ضروبا من الشعر لا يحسنها الفرزدق، وفضّل جريرا عليه.
مقارنة بينه وبين الأخطل والفرزدق:
وقال ابن سلّام: قال العلاء بن جرير - وكان قد أدرك الناس وسمع - : كان يقال: الأخطل إذا لم يجيء سابقا فهو سكّيت، والفرزدق لا [1] يجيء سابقا ولا سكّيتا فهو بمنزله المصلّى/ أبدا، وجرير يجيء سابقا ومصلّيا وسكّيتا. قال ابن سلّام: وتأويل قوله: إن للأخطل خمسا أو ستّا أو سبعا طوالا روائع غررا جيادا هو بهنّ سابق، وسائر شعره دون أشعارهما، فهو فيما بقي بمنزلة السّكّيت - والسكّيت: آخر الخيل/ في الرّهان - والفرزدق دونه في هذه الروائع وفوقه في بقيّة شعره، فهو كالمصلّي أبدا - وهو الذي يجيء بعد السابق وقبل السكّيت - وجرير له روائع هو بهنّ سابق، وأوساط هو بهنّ مصلّ، وسفسافات [2] هو بهنّ سكّيت.
مناقضة بينه وبين الفرزدق:
أخبرنا أبو خليفة قال حدّثني محمد بن سلّام قال حدّثني حاجب بن زيد بن شيبان بن علقمة بن زرارة قال:
قال جرير بالكوفة:
لقد قادني من حبّ ماويّة الهوى ... وما كنت تلقاني الجنيبة أقودا [3]
أحبّ ثرى نجد وبالغور حاجة ... فغار الهوى يا عبد قيس وأنجدا
أقول له يا عبد قيس صبابة ... بأيّ ترى مستوقد النار أوقدا
فقال أرى نارا يشبّ وقودها ... بحيث استفاض الجزع شيحا وغرقدا [4]
__________
[1] في ب، س: «إذا لم يجي ء» وهو تحريف.
[2] سفساف الشعر: رديئه.
[3] كذا في «النقائض» رواية أشار إليها الشارح. وفي الصلب: «و ما كان يلقاني الجنيبة ... ». وفي الأصول: «و ما كنت ألقى للجنيبة» بالقاف ولعلها «ألفى» بالفاء. والجنيبة: التي تجنب معه. والأقود: المنقاد المطيع.
[4] الغرقد: كبار العوسج.
فأعجبت الناس وتناشدوها. قال: فحدّثني جابر بن جندل قال: فقال لنا جرير: أعجبتكم هذه الأبيات؟ قالوا: نعم.
قال: كأنكم بابن القين [1] وقد قال:
أعد نظرا يا عبد قيس لعلّما ... أضاءت لك النار الحمار [2] المقيّدا
قال: فلم يلبثوا أن جاءهم قول الفرزدق هذا البيت وبعده:
حمار بمرّوت السّحامة قاربت ... وظيفيه حول البيت حتى تردّدا [3]
/كليبيّة لم يجعل اللّه وجهها ... كريما ولم يسنح بها الطير أسعدا
قال: فتناشدها الناس. فقال الفرزدق: كأنكم بابن المراغة قد قال:
وما عبت من نار أضاء وقودها ... فراسا وبسطام بن قيس [4] مقيّدا
قال فإذا بالبيت قد جاء لجرير ومعه:
وأوقدت بالسّيدان نارا ذليلة ... وأشهدت من سوءات جعثن [5] مشهدا
جرير والأخطل في حضرة عبد الملك بن مروان:
أخبرني محمد بن عمران الصّيرفيّ قال حدّثنا الحسن بن عليل العنزيّ قال حدّثني محمد بن عبد اللّه بن آدم بن جشم عن عمارة بن عقيل عن أبيه قال:
وقف جرير على باب عبد الملك بن مروان والأخطل داخل عنده، وقد كانا تهاجيا ولم ير أحد منهما صاحبه، فلما استأذنوا عليه لجرير أذن له فدخل فسلّم ثم جلس وقد عرفه الأخطل، فطمح طرف جرير إلى الأخطل وقد رآه ينظر إليه نظرا شديدا فقال له: من أنت؟ فقال: أنا الذي منعت نومك وتهضّمت قومك. فقال له جرير: ذلك أشقى لك كائنا من كنت. ثم أقبل على عبد الملك بن مروان فقال: من هذا يا أمير المؤمنين؟ جعلني اللّه فداءك! فضحك ثم قال: هذا الأخطل يا أبا حرزة. فردّ عليه بصره ثم قال: فلا حيّاك اللّه يابن النصرانية! أمّا منعك نومي فلو نمت عنك لكان خيرا لك. وأما تهضّمك قومي فكيف تهضّمهم وأنت ممن ضربت عليه الذّلّة وباء بغضب من اللّه وأدّى الجزية عن يد وهو صاغر. وكيف تتهضّم لا أمّ لك فيهم/ النبوّة والخلافة وأنت لهم عبد مأمور ومحكوم عليه/ لا حاكم. ثم أقبل على عبد الملك فقال: ائذن لي يا أمير المؤمنين في ابن النّصرانية؛ فقال: لا يجوز أن يكون ذلك بحضرتي.
__________
[1] ابن القين: لقب كان ينبز به الفرزدق، وراجع الحاشية رقم 2 ص 45.
[2] يريد حمارا من حمير بني كليب وذلك أنهم أصحاب حمير، يهجوهم بذلك ويؤنبه ويضع من قدره، نسبه إلى رعية الحمير. (راجع «النقائض» ص 491).
[3] المروت: لبني حمان بن عبد العزي بن كعب بن سعد. والسحامة: ماءة لبني كليب باليمامة. وورد الشطر الأخير من هذا البيت في «النقائض» هكذا: «كليبية قينية حتى ترددا». والقينان: الوظيفان أو موضع القيد منهما.
[4] يريد فراس بن عبد اللّه بن عامر بن سلمة بن قشير وكان أسيرا مع بسطام بن قيس بن مسعود (عن «النقائض»).
[5] قال أبو عبيدة: السيدان: موضع. وجعثن: أخت الفرزدق يريد بهذا البيت تعريضا بالفرزدق وبأخته («النقائض» ص 482).
تحاكم هو وبنو حمان إلى إبراهيم بن عدي في بئر فحكم له:
أخبرني أبو خليفة قال حدّثنا محمد بن سلّام قال حدّثني أبو يحيى الضّبّيّ قال:
نازع جرير بني حمّان [1] في ركيّة لهم؛ فصاروا إلى إبراهيم [2] بن عديّ باليمامة يتحاكمون إليه؛ فقال جرير:
أعوذ [3] بالأمير غير الجبّار ... من ظلم حمّان وتحويل الدار
ما كان قبل حفرنا من محفار ... وضربي المنقار [4] بعد المنقار
في جبل أصمّ غير خوّار ... يصيح بالجبّ [5] صياح الصّرّار [6]
له صهيل كصهيل الأمهار [7] ... فاسأل بني صحب [8] ورهط الجرّار
والسّلميّين [9] العظام الأخطار ... والجار قد يخبر عن دار الجار
فقال الحمّانيّ [10]:
ما لكليب من حمّى ولا دار ... غير مقام أتن وأعيار [11]
قعس الظهور داميات الأثفار [12] /قال فقال جرير: فعن مقامهنّ، جعلت فداك، أجادل. فقال ابن عديّ للحمّانيّ: قد أقررت لخصمك؛ وحكم بها لجرير.
نزل ببني مازن وبني هلال فمدحهم بعد أن هجاهم:
قال ابن سلّام وأخبرني أبو يحيى الضّبّيّ قال:
بينا جرير يسير على راحلته إذ هجم على أبيات من مازن وهلال - وهما بطنان من ضبّة - فخافهم، لسوء أثره في ضبّة، فقال:
فلا خوف عليك ولن تراعي ... بعقوة [13] مازن وبني هلال
__________
[1] بنو حمان: حي من تميم أحد حبي بني سعد بن زيد مناة.
[2] في «ديوان جرير» المخطوط: «المهاجر بن عبد اللّه الكلابي».
[3] راجع «الديوان» فبينه وبين ما هنا اختلاف كثير.
[4] المنقار: حديدة يحفر بها.
[5] كذا في «ديوانه»: والجب: البئر. وفي الأصول: «الحب» بالحاء المهملة وهو تصحيف.
[6] الصرّار: ضرب من الخنافس يصوّت في الصحاري من أوّل الليل إلى الصبح.
[7] في الأصول:
«له صليل كصليل الأمهار»
وفي «الديوان»:
«يصهلن في الجب صهيل الأمهار»
[8] كذا في «ديوانه». وبنو صحب: قبيلة من باهلة. وفي الأصول: «أبا عصم».
[9] السلميون: أولاد سلمة بن قشير بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة.
[10] في «ديوانه»:
«فقال عبد لبني حمان»
[11] الأتن: جمع أتان، وهي الحمارة. والأعيار: جمع عير، وهو الحمار.
[12] القعس: جمع أقعس وقعساء. والقعس: خروج الصدر ودخول الظهر خلقة. والثفر (بالضم والفتح) لجميع ضروب السباع ولكل ذات مخلب: كالحياء للناقة، وقد يستعار لغير ذلك.
[13] العقوة: ساحة الدار.
هما الحيّان إن فزعا يطيرا ... إلى جرد كأمثال السّعالي [1]
أمازن يابن كعب إنّ قلبي ... لكم طول الحياة لغير قالي
غطاريف يبيت الجار فيهم ... قرير العين في أهل ومال
قال [2]: أجل يا أبا حزرة فلا خوف عليك.
وفد على عبد الملك في دمشق فالتف الناس حوله في المسجد دون الفرزدق:
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ قال حدّثنا عمر بن شبّة قال شعيب بن صخر حدّثني هارون بن إبراهيم قال:
رأيت جريرا والفرزدق في مسجد دمشق وقد قدماها على الوليد بن عبد الملك والناس عنق [3] واحد على جرير: [قيس [4] وموالي بني أمية] يسلّمون عليه ويسألونه كيف كنت يا أبا حزرة في مسيرك، وكيف أهلك وأسبابك. وما يطيف بالفرزدق/ إلّا نفر من خندف جلوس معه. قال شعيب: فقلت لهارون: ولم ذلك؟ قال:
لمدحه قيسا وقوله في العجم:
فيجمعنا والغرّ أولاد سارة [5] ... أب لا نبالي بعده من تعذّرا
قال شعيب: بلغني أنه أهديت له يومئذ مائة حلّة، أهداها إليه الموالي سوى غيرهم، وأخبرني بهذا الخبر أبو خليفة عن محمد بن سلّام عن شعيب بن صخر، فذكر نحوا من حكاية أبي زيد، إلا أنها أتمّ من حكاية ابن سلّام. وقال أبو خليفة في خبره: سمعت عمارة بن عقيل بن بلال يقول: وافته في يومه ذلك مائة حلّة من بني الأحرار [6].
رأي الأحوص في قباء فعرّض به لئلا يعين عليه:
أخبرني جعفر بن قدامة قال حدّثني أحمد بن الهيثم الفراسيّ قال:
بينا جرير بقباء إذ طلع الأحوص/ وجرير ينشد قوله:
لو لا الحياء لعادني استعبار ... ولزرت قبرك والحبيب يزار
فلما نظر إلى الأحوص قطع الشعر ورفع صوته يقول:
__________
[1] السعالي: جمع سعلاة، وهي الغول، وقيل: هي ساحرة الجن.
[2] كذا في الأصول: ولعل الصواب: «قالوا أجل ... إلخ».
[3] العنق: الجماعة الكثيرة.
[4] الذي بين القوسين هو عبارة ابن سلام في «الطبقات» وهو الذي يناسب ما يأتي من قوله: «لمدحه قيسا وقوله في العجم إلخ». وفي ب، س: « ... على جرير وكلهم من قريش وموالي قريش يسلمون عليه ... إلخ». وفي سائر الأصول: «و الناس عنق واحدة يسألونه كيف كنت يا أبا حزرة إلخ».
[5] كذا في «ديوانه»، وهو الصحيح. وهي سارة زوجة إبراهيم الخليل صلوات اللّه عليه. وقد جاء عقب هذا البيت قوله:
أبونا خليل اللّه واللّه ربنا ... رضينا بما أعطى الإله وقدّرا
وفي الأصول: «سادة» بالدال المهملة، وهو تحريف.
[6] بنو الأحرار: أبناء الموالي من الفرس.
عوى [1]
الشعراء بعضهم لبعض ... عليّ فقد أصابهم انتقام
إذا أرسلت قافية شرودا ... رأوا أخرى تحرّق فاستداموا [2]
/فمصطلم [3] المسامع أو خصيّ ... وآخر عظم هامته حطام
ثم عاد من حيث قطع. فلما فرغ قيل له: ولم قلت هذا؟ قال: قد نهيت الأحوص أن يعين عليّ الفرزدق، فأنا واللّه يا بني عمرو بن عوف ما تعوّذت من شاعر قطّ، ولو لا حقّكم ما تعوّذت منه.
أوفده الحجاج على عبد الملك مع ابنه محمد وأوصاه به:
أخبرنا علي بن سليمان الأخفش قال حدّثنا الحسن بن الحسين السّكّريّ قال: قال عمارة بن عقيل حدّثني أبي عن أبيه:
أن الحجّاج أوفد ابنه محمّد بن الحجّاج إلى عبد الملك وأوفد إليه جريرا معه ووصّاه به وأمره بمسألة عبد الملك في الاستماع منه ومعاونته عليه. فلما وردوا استأذن له محمد على عبد الملك، فلم يأذن له، وكان لا يسمع من شعراء مضر ولا يأذن لهم، لأنهم كانوا زبيريّة. فلما استأذن له محمد على عبد الملك ولم يأذن له أعلمه أن أباه الحجاج يسأله في أمره ويقول: إنه لم يكن ممّن والى ابن الزبير ولا نصره بيده ولا لسانه، وقال له محمد: يا أمير المؤمنين، إنّ العرب لتحدّث أنّ عبدك وسيفك الحجّاج شفع في شاعر قد لاذ به وجعله وسيلته ثم رددته؛ فأذن له فدخل فاستأذن في الإنشاد؛ فقال له: وما عساك أن تقول فينا بعد قولك في الحجّاج! ألست القائل:
من سدّ مطّلع النّفاق عليكم ... أم من يصول كصولة الحجاج
إن اللّه لم ينصرني بالحجّاج وإنما نصر دينه وخليفته. أو لست القائل:
أم من يغار على النساء حفيظة ... إذ لا يثقن بغيرة الأزواج
يا عاضّ كذا وكذا من أمّه! واللّه لهممت أن أطير بك طيرة بطيئا سقوطها، أخرج عنّي، فأخرج بشرّ. فلما كان بعد ثلاث شفع إليه محمد لجرير وقال له:/ يا أمير المؤمنين، إني أدّيت رسالة عبدك الحجّاج وشفاعته في جرير، فلما أذنت له خاطبته بما أطار لبّه منه وأشمت به عدوّه، ولو لم تأذن له لكان خيرا له مما سمع. فإن رأيت أن تهب كلّ ذنب له لعبدك الحجّاج ولي فافعل، فإذن له. فاستأذنه في الإنشاد، فقال: لا تنشدني إلّا في الحجاج فإنما أنت للحجاج خاصّة. فسأله أن ينشده مديحه فيه، فأبى وأقسم ألّا ينشده إلّا من قوله في الحجّاج؛ فأنشده وخرج بغير جائزة. فلما أزف الرّحيل قال جرير لمحمد: إن رحلت عن أمير المؤمنين ولم يسمع منّي ولم آخذ له جائزة سقطت آخر الدهر، ولست بارحا بابه أو يأذن لي في الإنشاد. وأمسك عبد الملك عن الإذن له. فقال جرير: إرحل أنت وأقيم أنا. فدخل محمد على عبد الملك فأخبره بقول جرير واستأذنه له وسأله أن يسمع منه وقبّل يده ورجله، فإذن
__________
[1] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «غوى» بالغين المعجمة وهو تصحيف. وعواؤهم: المراد به تناصرهم وتعاونهم، كما يعوي الذئب لأصحابه لتجتمع حوله.
[2] رواية «الديوان» و«لسان العرب» (مادة دوم): «إذا أوقعت صاعقة عليهم». ومعنى استداموا: انتظروا، كقول الشاعر:
ترى الشعراء من صعق مصاب ... بصكته وآخر مستديم
[3] الاصطلام: القطع.
له. فدخل فاستأذن في الإنشاد، فأمسك عبد الملك. فقال له محمد: أنشد ويحك! فأنشده قصيدته/ التي يقول فيها:
ألستم خير من ركب المطايا ... وأندى العالمين بطون راح
فتبسّم عبد الملك وقال: كذلك نحن وما زلنا كذلك. ثم اعتمد على ابن الزّبير فقال:
دعوت الملحدين أبا خبيب [1] ... جماحا هل شفيت من الجماح
وقد وجدوا الخليفة هبرزيّا [2] ... ألفّ [3] العيص ليس من النّواحي
وما شجرات عيصك في قريش ... بعشّات [4] الفروع ولا ضواحي
/ قال: ثم أنشده إيّاها حتى أتى على ذكر زوجته فيها فقال:
تعزّت أمّ حزرة ثم قالت ... رأيت الموردين ذوي لقاح
تعلّل وهي ساغبة بنيها ... بأنفاس [5] من الشّبم القراح
فقال عبد الملك: هل ترويها مائة لقحة؟ فقال: إن لم يروها ذلك فلا أرواها اللّه! فهل إليها - جعلني اللّه فداك يا أمير المؤمنين - من سبيل؟ فأمر له بمائة لقحة وثمانية من الرّعاء. وكانت بين يديه جامات من ذهب؛ فقال له جرير: يا أمير المؤمنين، تأمر لي بواحدة منهنّ تكون محلبا؟ فضحك وندس [6] إليه واحدة منهنّ بالقضيب وقال: خذها لا نفعتك! فأخذها وقال: بلى واللّه يا أمير المؤمنين لينفعنّي كلّ ما منحتنيه، وخرج من عنده. قال: وقد ذكر ذلك جرير في شعره فقال يمدح يزيد بن عبد الملك.
أعطوا هنيدة [7] يحدوها ثمانية ... ما في عطائهم منّ ولا سرف
هجا سراقة البارقي بأمر بشر بن مروان لأنه فضل الفرزدق عليه:
أخبرني هاشم بن محمد الخزاعيّ قال حدّثنا دماذ أبو غسّان عن أبي عبيدة قال:
بذل محمد بن عمير بن عطارد بن حاجب بن زرارة أربعة آلاف درهم وفرسا لمن فضّل من الشعراء الفرزدق على جرير، فلم يقدم عليه أحد منهم إلا سراقة البارقيّ فإنه قال يفضل الفرزدق:
__________
[1] أبو خبيب: هو عبد اللّه بن الزبير، وخبيب ابنه، وبه كان يدعى.
[2] الهبرزي: الخالص.
[3] الألف: الملتف. والعيص: الأصل، وهو أيضا الشجر. يريد أنه من وسط العز لا من نواحيه.
[4] العشة: الشجرة الدقيقة القضبان اللئيمة المنبت. والضواحي: البادية العيدان لا ورق عليها. وفي اللسان (مادة ضحى) بعد أن أورد هذا البيت «قال أبو منصور: أراد جرير بالضواحي في بيته قريش الظواهر، وهم الذين لا ينزلون شعب مكة وبطحاءها. أراد جرير أن عبد الملك من قريش الأباطح لا من قريش الظواهر، وقريش الأباطح أشرف وأكرم من قريش الظواهر؛ لأن البطحاويين من قريش حاضرة وهم قطان الحرم، والظواهر أعراب بادية».
[5] الأنفاس: جمع نفس (كسبب) وهو جرعة الماء. والشيم: البارد. والقراح: الخالص. يريد أنها تعلمهم بالماء عند افتقاد اللبن.
[6] كذا في ديوانه المخطوط ص 20 والندس في الأصل: القطن الخفيف. يريد أنه دفع إليه جاما منها بعصا كانت في يده. وفي بعض الأصول: «و دحس». وفي بعضها: «ودس» وكلاهما تحريف.
[7] هنيدة: اسم من الإبل وغيرها.
أبلغ تميما غثّها وسمينها ... والحكم يقصد مرّة ويجور
أنّ الفرزدق برّزت أعراقه ... سبقا وخلّف في الغبار جرير
/ ذهب الفرزدق بالفضائل [1] والعلا ... وابن المراغة مخلف محسور
هذا قضاء البارقيّ وإنني ... بالميل في ميزانهم لبصير
قال أبو عبيدة فحدّثني أيّوب بن كسيب قال حدّثني أبي قال: كنت مع جرير، فأتاه رسول بشر بن مروان فدفع إليه كتابه، وقال له: إنه قد أمرني أن أوصله إليك ولا أبرح حتى تجيب عن العشر في يومك إن لقيتك نهارا أو ليلتك إن لقيتك ليلا، وأخرج إليه كتاب بشر وقد نسخ له القصيدة وأمره بأن يجيب عنها. فأخذها ومكث ليلته يجتهد أن يقول شيئا فلا يمكنه؛ فهتف به صاحبه من الجنّ من زلوية البيت فقال له: أزعمت أنك تقول الشعر! ما هو إلّا أن غبت عنك ليلة حتى لم تحسن أن تقول شيئا [2]! فهلّا قلت:
يا بشر حقّ لوجهك التبشير ... هلّا قضيت لنا وأنت أمير
/ فقال له جرير: حسبك كفيتك. قال: وسمع قائلا يقول لآخر: قد أنار الصبح؛ فقال جرير:
يا صاحبيّ هل الصباح منير ... أم هل للوم عواذلي تفتير [3]
إلى أن فرغ منها. وفيها يقول:
قد كان حقّك أن تقول لبارق ... يا آل بارق فيم سبّ جرير
يعطى النساء مهورهنّ كرامة ... ونساء بارق مالهنّ مهور
فأخذها الرسول ومضى بها إلى بشر، فقرئت بالعراق وأفحم سراقة فلم ينطق بعدها بشيء من مناقضته.
مناقضته عمر بن لجأ وسبب ذلك:
أخبرني أبو خليفة قال حدّثني محمد بن سلّام حدّثني أبو يحيى الضّبّيّ قال:
كان الذي هاج الهجاء بين جرير وعمر بن لجأ أن عمر كان ينشد أرجوزة له يصف فيها إبله وجرير حاضر، فقال فيها:
قد وردت قبل إنا ضحائها ... تفرّس الحيّات في خرشائها [4]
[جرّ العجوز الثّني من ردائها [5]] فقال له جرير: أخفقت. فقال: كيف أقول؟ قال تقول:
جرّ العروس الثّني من ردائها
__________
[1] كذا في ب، س. وفي سائر الأصول: «بالقصائد».
[2] في ج: «حتى لم تحسن أن تجيب عنها».
[3] الفتور والتفتير: السكون بعد الحدة واللين بعد الشدّة. وفتر (بالتضعيف) يتعدى ويلزم.
[4] الأنا (بفتح الهمزة وكسرها): الوقت. والضحاء: الضحى. وتفرس: تقتل. والخرشاء: جلد الحية.
[5] التكملة عن ابن سلام ص 101 طبع أوربا.
فقال له التّيميّ أنت أسوأ قولا منّي حيث تقول:
وأوثق عند المردفات عشيّة ... لحاقا إذا ما جرّد السيف لامع
فجعلتهنّ مردفات غدوة ثم تداركتهنّ عشيّة. فقال: كيف أقول؟ قال تقول:
وأوثق عند المرهفات عشيّة
فقال جرير: واللّه لهذا البيت أحبّ إليّ من بكري حزرة، ولكنك مجلب [1] للفرزدق [2]. وقال فيه جرير:
هلّا سوانا ادّرأتم يا بني لجأ ... شيئا يقارب أو وحشا لها غرر [3]
أحين كنت سماما يا بني لجأ ... وخاطرت بي عن أحسابها مضر!
/ خلّ الطريق لمن يبني المنار به ... وابرز ببرزة [4] حيث اضطرّك القدر
أنت ابن برزة منسوبا إلى لجأ ... عند العصارة والعيدان تعتصر
ويروي:
أ لست نزوة خوّار على أمة ... عند العصارة والعيدان تعتصر
فقال ابن لجأ يردّ عليه:
لقد كذبت وشرّ القول أكذبه ... ما خاطرت بك عن أحسابها مضر
بل أنت [5] نزوة خوّار على أمة ... لا يسبق الحلبات اللؤم والخور
ما قلت من هذه إلا سأنقضها ... يابن الأتان بمثلى تنقض المرر
وقال عمر بن لجأ [6]:
عجبت لما لاقت رياح [7] من الأذى ... وما اقتبسوا منّي وللشّر قابس
غضابا لكلب من كليب فرسته ... هوى ولشدّات الأشود فرائس
إذا ما ابن يربوع أتاك لمأكل ... على مجلس إن الأكيل مجالس
فقل لابن يربوع ألست براحض ... سبالك عنّا إنهنّ نجائس
__________
[1] كذا في ح والمجلب: المعين. وفي سائر الأصول: «محلب» بالحاء المهملة وهو تصحيف.
[2] يلاحظ أن في هذا تنافيا مع ما تقدم في حديثه مع الحجاج؛ إذ صرح فيما تقدّم بأن عمر بن لجأ هو الذي عمد إلى هذا التغيير تقبيحا للشعر. (راجع ص 18 من هذا الجزء).
[3] ادرأتم: ختلتم: وغرر: غفلات، واحدها غرة.
[4] برزة: أم عمر بن لجأ.
[5] في الأصول: «أ لست نزوة إلخ» والتصحيح عن «النقائض» ص 488.
[6] في جميع الأصول: «و قال جرير» وهو خطأ إذ أن هذا الشعر قاله ابن لجأ يهجو به جريرا. (انظر في ترجمة الأخطل صفحة 181 - 182 طبع بلاق).
[7] رياح هو ابن يربوع وهو أحد أجداد جرير.
/
تمسّح يربوع سبالا لئيمة ... بها من منيّ العبد رطب ويابس [1]
قال: ثم اجتمع جرير وابن لجأ بالمدينة وقد وردها الوليد بن عبد الملك، وكان يتألّه [2] في نفسه، فقال: أتقذفان المحصنات وتغضبانهنّ! ثم أمر أبا بكر محمد بن حزم/ الأنصاريّ - وكان واليا له بالمدينة - بضربهما، فضربهما وأقامهما على البلس [3] مقرونين، والتّيميّ يومئذ أشبّ من جرير، فجعل يشول [4] بجرير وجرير يقول وهو المشول به:
فلست مفارقا قرنيّ حتى ... يطول تصعّدي بك وانحداري
فقال ابن لجأ:
ولمّا أن قرنت إلى جرير ... أبى ذو بطنه [5] إلّا انحدارا
فقال له قدامة بن إبراهيم الجمحيّ: وبئسما قلت! جعلت نفسك المقرون إليه! قال: فكيف أقول؟ قال تقول:
ولمّا لزّ في قرني جرير فقال: جزيت خيرا، لا أقوله واللّه أبدا إلا هكذا.
هو والأخطل في حضرة عبد الملك ابن مروان:
حدّثني محمد بن عمران الصّيرفيّ قال حدّثنا العنزيّ قال حدّثني محمد بن عبد اللّه العبديّ قال حدّثني عمارة بن عقيل عن أبيه قال:
وقف جرير على باب عبد الملك بن مروان والأخطل داخل عنده، وقد كانا تهاجيا ولم يلق أحدهما صاحبه.
فلما استأذنوا لجرير أذن له فسلّم وجلس، وقد عرفه الأخطل، فطمح بصر جرير إليه فقال له: من أنت؟ فقال: أنا الذي منعت نومك وهضمت قومك. فقال له جرير: ذاك أشقى لك كائنا من كنت. ثم أقبل على عبد الملك فقال:
من هذا يا أمير المؤمنين؟ فضحك وقال: هذا الأخطل يا أبا حزرة. فردّ بصره إليه وقال: فلا حيّاك اللّه يابن النصرانية! أمّا/ منعك نومي فلو نمت عنك لكان خيرا لك. وأما تهضّمك قومي فكيف تهضّمهم وأنت ممن ضربت عليهم الذّلّة والمسكنة وباءوا بغضب من اللّه!. إيذن لي يا أمير المؤمنين في ابن النصرانيّة. فقال: لا يكون ذلك بين يديّ. فوثب جرير مغضبا. فقال عبد الملك: قم يا أخطل واتبع صاحبك؛ فإنما قام غضبا علينا فيك؛ فنهض الأخطل. فقال عبد الملك لخادم له: انظر ما يصنعان إذا برز له الأخطل. فخرج جرير فدعا بغلام له فقدّم إليه حصانا له أدهم فركبه وهدر والفرس يهتزّ من تحته، وخرج الأخطل فلاذ بالباب وتوارى خلفه، ولم يزل واقفا حتى مضى جرير. فدخل الخادم إلى عبد الملك فأخبره؛ فضحك وقال: قاتل اللّه جريرا! ما أفحله! أما واللّه لو كان النصرانيّ برز إليه لأكله.
__________
[1] لهذا قصة بسطها أبو الفرج في ترجمة الأخطل في الصفحتين السابقتين.
[2] التأله: التنسك والتعبد.
[3] البلس: غرائر كبار من مسوح يجعل فيها التين ويشهر عليها من ينكل به وينادى عليه.
[4] يشول به: يرتفع به.
[5] ذو البطن: الرجيع.
سئل عن نفسه وعن الفرزدق والأخطل فأجاب:
أخبرني هاشم بن محمد قال حدّثنا الرّياشيّ قال حدّثنا الأصمعيّ عن أبي عمرو قال:
سئل جرير أيّ الثلاثة أشعر؟ فقال: أمّا الفرزدق فيتكلّف منّي ما لا يطيقه؛ وأمّا الأخطل فأشدّنا اجتراء وأرمانا للغرض؛ وأما أنا فمدينة الشعر. وقد حدّثني بهذا الخبر حبيب بن نصر عن عمر بن شبّة عن الأصمعيّ فذكر نحو ما ذكره الرّياشيّ، وقال في خبره: وأما الأخطل فأنعتنا للخمر وأمدحنا للملوك.
فضله أبو مهدي على جميع الشعراء:
أخبرنا عمّي قال حدّثنا الكرانيّ قال حدّثنا العمريّ عن عطاء بن مصعب قال:
قلت لأبي مهديّ الباهليّ وكان من علماء العرب: أيّما أشعر أجرير أم الفرزدق؟ فغضب ثم قال: جرير أشعر العرب كلّها؛ ثم قال:/ لا يزال الشعراء موقوفين يوم القيامة حتى يجيء جرير فيحكم بينهم.
لم يحفل بنو طهية بهجائه حتى هجاهم في قصيدة الراعي فجزعوا:
أخبرني هاشم بن محمد قال حدّثني العباس بن ميمون قال سمعت أبا عثمان المازنيّ يقول:
/ قال جرير: هجوت بني طهيّة أنواع الهجاء، فلم يحفلوا بقولي حتى قلت في قصيدة الراعي:
كأنّ بني طهيّة رهط سلمى ... حجارة خارىء يرمي كلابا
فجزعوا حينئذ ولا ذوا بي.
كان عاقا لأبيه وابنه عاق له:
أخبرني الحسن بن عليّ الخفّاف قال حدّثنا أحمد بن الحارث الخرّاز قال حدّثنا المدائنيّ قال:
كان جرير من أعقّ الناس بأبيه [1]، وكان بلال ابنه أعقّ الناس به. فراجع جرير بلالا الكلام يوما؛ فقال له بلال: الكاذب منّي ومنك ناك أمّه. فأقبلت أمّه عليه وقالت له: يا عدوّ اللّه! أتقول هذا لأبيك! فقال جرير: دعيه، فو اللّه لكأنه سمعها [2] منّي وأنا أقولها لأبي.
هجا عمر بن يزيد لتعصبه للفرزدق عليه:
أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدّثنا أحمد بن الهيثم قال حدّثنا العمريّ عن لقيط قال:
كان عمر بن يزيد بن عمير الأسديّ يتعصّب للفرزدق على جرير. فتزوّج امرأة من بني عدس بن زيد بن عبد اللّه بن دارم؛ فقال جرير:
نكحت إلى بني عدس بن زيد ... فقد هجّنت خيلهم العرابا
أتنسى يوم مسكن [3] إذ تنادي ... وقد أخطأت بالقدم الرّكابا
__________
[1] كذا في الأصول ولعله: «أعق الناس لأبيه .. أعق الناس له».
[2] كذا في ح: وفي سائر الأصول: «لكأني أسمعها مني ... ».
[3] مسكن: موضع كانت به الوقعة بين عبد الملك بن مروان ومصعب بن الزبير في سنة 71 ه، وفيها قتل مصعب.
وهي قصيدة، فاجتمعوا على عمر بن يزيد. ولم يزالوا به حتى خلعوا المرأة منه.
استشفع عنبسة بن سعيد إلى الحجاج ثم أنشده فأجازه:
أخبرني محمد بن خلف قال حدّثني محمد بن الهيثم قال حدّثني عمّي أبو فراس قال حدّثني ودقة بن معروف قال:
نزل جرير على عنبسة [1] بن سعيد بواسط، ولم يكن أحد يدخلها إلا بإذن الحجّاج. فلما دخل على عنبسة، قال له: ويحك! لقد غرّرت بنفسك! فما حملك على ما فعلت؟ قال: شعر قلته اعتلج في صدري وجاشت به نفسي وأحببت أن يسمعه الأمير. قال: فعنّفه وأدخله بيتا في جانب داره وقال: لا تطلعنّ رأسك حتى ننظر كيف تكون الحيلة لك. قال: فأتاه رسول الحجّاج من ساعته يدعوه في يوم قائظ، وهو قاعد في الخضراء [2] وقد صبّ فيها ماء استنقع [3] في أسفلها وهو قاعد على سرير وكرسيّ موضوع ناحية. قال عنبسة: فقعدت على الكرسيّ، وأقبل عليّ الحجّاج يحدّثني. فلما رأيت تطلّقه وطيب نفسه قلت: أصلح اللّه الأمير! رجل من شعراء العرب قال فيك شعرا أجاد فيه، فاستخفّه عجبه به حتى دعاه إلى أن رحل إليك ودخل مدينتك من غير أن يستأذن له. قال: ومن هو؟
قلت: ابن الخطفى. قال: وأين هو؟ قلت: في المنزل. قال: يا غلام! فأقبل الغلمان يتسارعون. قال: صف لهم موضعه من دارك؛ فوصفت لهم البيت الذي هو فيه، فانطلقوا حتى جاءوا به، فأدخل عليه وهو مأخوذ بضبعيه حتى رمي به في الخضراء، فوقع على وجهه في الماء ثم قام يتنفّش كما يتنفش الفرخ. فقال له: هيه! ما أقدمك علينا بغير إذننا/ لا أمّ لك؟ قال: اصلح اللّه الأمير! قلت في الأمير شعرا لم يقل مثله أحد، فجاش به صدري وأحيبت أن يسمعه منّي الأمير، فأقبلت به إليه. قال: فتطلّق الحجّاج وسكن، واستنشده فأنشده. ثم قال: يا غلام! فجاءوا يسعون. فقال: عليّ بالجارية/ التي بعث بها إلينا عامل اليمامة؛ فأتي بجارية بيضاء مديدة القامة. فقال: إن أصبت صفتها فهي لك. فقال: ما اسمها؟ قال: أمامة؛ فأنشأ يقول:
ودّع أمامة حان منك رحيل ... إنّ الوداع لمن تحبّ قليل
مثل الكثيب تهيّلت أعطافه ... فالريح تجبر متنه وتهيل
تلك القلوب صواديا تيّمتها ... وأرى الشفاء وما إليه سبيل
فقال: خذ بيدها. فبكت الجارية وانتحبت. فقال: ادفعوها إليه بمتاعها وبغلها ورحالها.
أمره الحجاج وأمر الفرزدق بأن يدخلا عليه بلباس آبائهما في الجاهلية:
أخبرنا أبو خليفة قال حدّثنا محمد بن سلام قال حدّثني أبو الغرّاف قال:
قال الحجّاج لجرير والفرزدق وهو في قصره بجزيز [4] البصرة: ائتياني في لباس آبائكما في الجاهليّة. فلبس
__________
[1] هو عنبسة بن سعيد بن العاص أحد أشراف بني أمية، حبسه عبد الملك بن مروان يوم قتل أخيه عمرو بن سعيد الأشدق. (انظر الطبري ق 2 ص 792، 869، 871 طبع أوربا).
[2] المراد بها خضراء واسط، وتعرف بالقبة الخضراء، بناها الحجاج مع قصره والمسجد الجامع بهذه المدينة. (راجع المجلد السابع من المكتبة الجغرافية ص 322 طبع أوربا).
[3] استنقع الماء: اجتمع.
[4] كذا في ج و «معجم ما استعجم» للبكري ومعجم ياقوت. وحزيز: موضع بالبصرة بين العقيق وأعلى المربد. وقد ورد محرّفا في جميع الأصول.
الفرزدق الدّيباج والخزّ وقعد في قبّة. وشاور جرير دهاة بني يربوع فقالوا له: ما لباس آبائنا إلّا الحديد؛ فلبس جرير درعا وتقلّد سيفا وأخذ رمحا وركب فرسا لعبّاد بن الحصين يقال له المنحاز [1] وأقبل في أربعين فارسا من بني يربوع، وجاء الفرزدق في هيئته؛ فقال جرير:
لبست سلاحي والفرزدق لعبة ... عليه وشاحا كرّج [2] وجلاجله [3]
/أعدّوا مع الحلي [4] الملاب [5] فإنما ... جرير لكم بعل وأنتم حلائله
ثم رجعا، فوقف جرير في مقبرة بني حصن ووقف الفرزدق في المربد. قال: فأخبرني أبي عن محمد بن زياد قال:
كنت أختلف إلى جرير والفرزدق، وكان جرير يومئذ كأنه أصغرهما في عيني.
هجا الفرزدق حين نوى أن ينال جائزة المهاجر فثناه عن ذلك:
أخبرني أبو خليفة قال حدّثنا محمد بن سلّام قال حدّثنا أبو اليقظان عن جويرية بن أسماء قال:
قدم الفرزدق اليمامة وعليها المهاجر بن عبد اللّه الكلابيّ فقال: لو دخلت على هذا فأصبت منه شيئا ولم يعلم بي جرير! فلم تستقرّ به الدار حتى قال جرير:
رأيتك إذ لم يغنك اللّه بالغنى ... رجعت إلى قيس وخدّك ضارع
وما ذاك إن أعطى الفرزدق باسته ... بأوّل ثغر ضيّعته مجاشع
فلما بلغ ذلك الفرزدق قال: لا جرم واللّه لا أدخل عليه ولا أرزؤه شيئا ولا أقيم باليمامة، ثم رحل.
انتصار الفرزدق له على التيمي ثم صلحه مع التيمي:
أخبرنا أبو خليفة قال حدّثنا محمد بن سلّام قال قال أبو البيداء:
لقي الفرزدق عمر بن عطيّة أخا جرير، وهو حينئذ يهاجي ابن لجأ، فقال له: ويلك! قل لأخيك: ثكلتك أمّك! إيت التّيميّ من عل كما أصنع أنا بك. وكان الفرزدق قد أنف لجرير وحمي من أن يتعلّق به التيميّ. قال ابن سلّام. فأنشدني له خلف الأحمر يقوله للتّيميّ:
وما أنت إن قرما تميم تساميا ... أخا التّيم إلا كالوشيظة [6] في العظم
/ فلو كنت مولى العزّ أو في ظلاله ... ظلمت ولكن لا يدي لك بالظلم
فقال له التّيميّ:
كذبت أنا القرم الذي دقّ مالكا ... وأفناء يربوع وما أنت بالقرم
قال ابن سلّام فحدّثني أبو الغرّاف: أن رجال تميم مشت بين جرير والتّيميّ وقالوا: واللّه ما شعراؤنا إلا بلاء علينا
__________
[1] كذا في «شرح القاموس» (مادة نحز). وفي ب، س: «المنجاز». وفي سائر الأصول: «المنحار»، وهما تصحيف.
[2] الكرج: شيء يتخذ بهيئة المهر يلعب عليه.
[3] كذا في اللسان (مادة كرج) والنقائض (ص 650) وفي الأصول: «و خلاخله».
[4] كذا في أكثر الأصول و «النقائض». وفي ب، س: «الخز».
[5] كذا في ج والنقائض. والملاب. ضرب من الطيب. وفي ب، س: «الملاء». وفي سائر الأصول: «الملاة» وهما تحريف.
[6] الوشيظة: قطعة عظم تكون زيادة في العظم الصميم.
ينشرون مساوينا ويهجون أحياءنا وموتانا؛ فلم يزالوا بهما حتى/ أصلحوا بينهما بالعهود والمواثيق المغلّظة ألّا يعودا في هجاء. فكفّ التّيميّ، وكان جرير لا يزال يسلّ [1] الواحدة بعد الواحدة فيه؛ فيقول التّيميّ: واللّه ما نقضت هذه ولا سمعتها؛ فيقول جرير: هذه كانت قبل الصلح.
قال ابن سلّام فحدّثني عثمان بن عثمان عن عبد الرحمن بن حرملة قال: لمّا ورد علينا هجاء جرير والتّيميّ، قال [لي] [2] سعيد بن المسيّب تروّ [3] شيئا مما قالا؛ فأتيته وقد استقبل القبلة يريد أن يكبّر، فقال لي: أرويت؟ قلت نعم. فأقبل عليّ بوجهه فأنشدته للتّيميّ وهو يقول: هيه هيه! ثم أنشدته لجرير، فقال: أكله أكله!.
لم يؤثر هجاؤه في التيم للؤمهم:
قال ابن سلّام وحدّثني الرازيّ عن حجناء بن جرير قال: قلت لأبي: يا أبت، ما هجوت قوما قطّ إلا فضحتهم إلّا التّيم. فقال: يا بنيّ، لم أجد بناء أهدمه ولا شرفا أضعه وكانت تيم رعاء غنم يغدون في غنمهم ثم يروحون، وقد جاء كلّ رجل منهم بأبيات فينتحلها ابن لجأ. فقيل لجرير: ما صنعت في التّيم شيئا؛ فقال: إنهم شعراء لئام.
هو أشعر عند العامة والفرزدق عند الخاصة:
أخبرنا أحمد بن عبيد اللّه بن عمّار قال حدّثنا عمر بن محمد بن عبد الملك الزيّات قال حدّثني ابن النطّاح قال حدّثني أبو اليقظان قال:
قال جرير لرجل من بني طهيّة: أيّما أشعر أنا أم الفرزدق؟ فقال له: أنت عند العامة والفرزدق عند العلماء.
فصاح جرير: أنا أبو حرزة! غلبته وربّ الكعبة! واللّه ما في كل مائة رجل عالم واحد.
هو وعديّ بن الرقاع في حضرة الوليد بن عبد الملك:
حدّثنا أحمد بن عمّار قال حدّثني عمر بن محمد بن عبد الملك قال حدّثني ابن النطّاح قال؛ وحدّثني أبو الأخضر لمخارق بن الأخضر القيسيّ قال [4]: إنّي كنت واللّه الذي لا إله إلا هو أخصّ الناس بجرير، وكان ينزل إذا قدم على الوليد بن عبد الملك عند سعيد بن عبد اللّه بن خالد بن أسيد، وكان عديّ بن الرقاع خاصّا بالوليد مدّاحا له؛ فكان جرير يجيء إلى باب الوليد فلا يجالس أحدا من النّزاريّة ولا يجلس إلا إلى رجل من اليمن بحيث يقرب من مجلس بن الرّقاع إلى أن يأذن الوليد للناس فيدخل. فقلت له: يا أبا حزرة، اختصصت عدوّك بمجلسك! فقال: إني واللّه ما أجلس إليه إلا لأنشده أشعارا تخزيه وتخزي قومه. قال: ولم يكن ينشده شيئا من شعره، وإنما كان ينشده شعر غيره ليذلّه ويخوّفه نفسه. فأذن الوليد للناس ذات عشيّة فدخلوا ودخلنا، فأخذ الناس مجالسهم، وتخلّف جرير فلم يدخل حتى دخل الناس وأخذوا مجالسهم واطمأنّوا فيها. فبينما هم كذلك إذا بجرير قد مثل بين السّماطين يقول: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة اللّه، إن رأى أمير المؤمنين أن يأذن لي في ابن الرّقاع المتفرّقة أؤلّف
__________
[1] في الأصول «يسأل». والتصويب عن «طبقات ابن سلام» (ص 62 نسخة خطية محفوظة بدار الكتب المصرية تحت رقم 37 أدب ش) ويريد بذلك أنه يرسل القصيدة تلو القصيدة خفية.
[2] التكملة عن ابن سلام.
[3] في الأصول: «تروي» والتصحيح عن ابن سلام؛ يقال: تروي الحديث إذا نقله.
[4] في ب، س: «قال قال».
بعضها إلى بعض! - قال: وأنا جالس أسمع - فقال الوليد: واللّه لهممت أن أخرجه على ظهرك إلى الناس. فقال جرير وهو قائم كما هو:
/فإن تنهني عنه فسمعا وطاعة ... وإلا فإنّي عرضة للمراجم [1]
قال فقال له الوليد: لا كثّر اللّه في الناس أمثالك. فقال له جرير: يا أمير المؤمنين، إنما أنا واحد قد سعرت [2] الأمّة، فلو كثر أمثالي لأكلوا الناس أكلا. قال: فنظرت واللّه إلى الوليد تبسّم حتى بدت ثناياه تعجّبا من جرير وجلده. قال: ثم أمره فجلس.
أخبرني ابن عمّار قال حدّثني عمر بن محمد بن عبد الملك الزيّات قال حدّثنا ابن النّطاح عن أبي عبيدة قال:
كان/ جرير عند الوليد وعديّ بن الرّقاع ينشده. فقال الوليد لجرير: كيف تسمع؟ قال: ومن هو يا أمير المؤمنين؟ قال: عديّ بن الرّقاع. قال: فإن شر الثيّاب الرّقاع، ثم قال جرير: عامِلَةٌ ناصِبَةٌ تَصْلى ناراً حامِيَةً
[3]؛ فغضب الوليد وقال: يابن اللّخناء! ما بقى لك إلا أن [4] تتناول كتاب اللّه! واللّه ليركبنّك! يا غلام أوكفه [5] حتى يركبه. فغمز عمر بن الوليد الغلام الذي أمره الوليد فأبطأ بالإكاف. فلما سكن غضب الوليد قام إليه عمر فكلّمه وطلب إليه وقال: هذا شاعر مضر ولسانها، فإن رأى أمير المؤمنين ألّا يغضّ منه! ولم يزل به حتى أعفاه، وقال له:
واللّه لئن هجوته أو عرّضت به لأفعلنّ بك ولأفعلنّ!. فقال فيه تلك القصيدة التي يقول فيها:
أقصر فإن نزارا لن يفاخرها ... فرع لئيم وأصل غير مغروس
وذكر وقائع نزار في اليمن؛ فعلمنا أنّه عناه. ولم يجبه الآخر بشيء.
وصف شبة بن عقال وخالد بن صفوان له وللفرزدق والأخطل:
حدّثني عمّي قال حدّثنا الكرانيّ قال حدّثنا العمريّ عن العتبيّ قال:
/ قال هشام بن عبد الملك لشبّة بن عقال وعنده جرير والفرزدق والأخطل، وهو يومئذ أمير ألا تخبرني عن هؤلاء الذين قد مزّقوا أعراضهم وهتكوا أستارهم وأغروا بين عشائرهم في غير خير ولا برّ ولا نفع أيّهم أشعر؟ فقال شبّة: أما جرير فيغرف من بحر، وأما الفرزدق فينحت من صخر، وأما الأخطل فيجيد المدح والفخر. فقال هشام:
ما فسّرت لنا شيئا نحصّله. فقال ما عندي غير ما قلت. فقال لخالد بن صفوان: صفهم لنا يابن الأهتم؛ فقال: أما أعظمهم فخرا، وأبعدهم ذكرا، وأحسنهم عذرا؛ وأسيرهم [6] مثلا، وأقلّهم غزلا، وأحلاهم عللا؛ الطامي إذا زخر، والحامي إذا زأر، والسامي إذا خطر؛ الذي إن هدر قال، وإن خطر صال؛ الفصيح اللسان، الطويل العنان؛ فالفرزدق. وأما أحسنهم نعتا، وأمدحهم بيتا، وأقلّهم فوتا؛ الذي إن هجا وضع، وإن مدح رفع، فالأخطل. وأما أغزرهم بحرا، وأرقّهم شعرا، وأهتكهم لعدوّه ستّرا؛ الأغرّ الأبلق، الذي أن طلب لم يسبق، وإن طلب لم يلحق؛
__________
[1] يقال: فلان عرضة للكلام إذا كان كثيرا ما يعترضه كلام الناس ويقذف به. والمراجم: الكلم القبيحة.
[2] سعرت الأمة، يريد أوقدت فيها الشر.
[3] يريد التعريض بعاملة قبيلة عديّ بن الرقاع.
[4] ويحتمل أن تكون العبارة: « ... إلا أن تتأوّل كتاب اللّه».
[5] أوكف الدابة: وضع عليها الإكاف، وهو البرذعة.
[6] في الأصول: «و أشدّهم مثلا».
فجرير. وكلّهم ذكيّ الفؤاد، رفيع العماد، واري الزّناد. فقال له مسلمة بن عبد الملك: ما سمعنا بمثلك يا خالد في الأوّلين ولا رأينا في الآخرين؛ وأشهد أنك أحسنهم وصفا، وألينهم عطفا؛ وأعفّهم مقالا، وأكرمهم فعالا. فقال خالد: أتمّ اللّه عليكم نعمه، وأجزل لديكم قسمه؛ وآنس بكم الغربة، وفرّج بكم الكربة. وأنت، واللّه ما علمت أيّها الأمير، كريم الغراس، عالم بالناس؛ جواد في المحل، بسّام عند البذل؛ حليم عند الطّيش، في ذروة قريش؛ ولباب عبد شمس، ويومك خير من أمس. فضحك هشام وقال: ما رأيت كتخلّصك يابن صفوان في مدح هؤلاء ووصفهم حتى أرضيتهم جميعا وسلمت منهم [1].
جرير وابن لجأ وقد قرنهما عمر بن عبد العزيز حين تقاذفا:
أخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدّثنا أبو أيّوب المدينيّ قال حدّثني مصعب الزّبيريّ قال حدّثني إبراهيم بن عبد اللّه مولى بني زهرة قال:
حضرت عمر بن لجأ وجرير بن الخطفى موقوفين للناس بسوق المدينة لمّا تهاجيا وتقاذفا وقد أمر بهما عمر بن عبد العزيز فقرنا وأقيما. قال: وعمر بن لجأ شابّ كأنه حصان، وجرير شيخ قد أسنّ وضعف. قال فيقول ابن لجأ:
/رأوا قمرا بساحتهم منيرا ... وكيف يقارن القمر الحمارا
قال: ثم ينزو به وهما مقرونان في حبل فيسقطان إلى الأرض، فأمّا ابن لجأ فيقع قائما، وأمّا جرير فيخرّ لركبتيه ووجهه، فإذا قام نفض الغبار عنه. ثم قال بغنّته قولا يخرج الكلام به من أنفه - وكان كلامه كأنّ فيه نونا - :
فلست مفارقا قرنيّ حتّى ... يطول تصعّدي بك وانحداري
قال فقال رجل من جلساء عمر له حين حضر غداؤه: لو دعا الأمير بأسيريه فغدّاهما معه! ففعل ذلك عمر. وإنما فعله بهما لأنهما تقاذفا، وكان جرير قال له:
تقول والعبد مسكين يجرّرها ... أرفق فديتك أنت الناكح الذّكر
قال: وهذه قصيدته التي يقول فيها:
يا تيم تيم عديّ لا أبا لكم ... لا يوقعنّكم في سوءة عمر
قال ابنه: أجود شعره قصيدته الدالية:
أخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن عمّار قال حدّثني على بن محمد النّوفليّ قال حدّثني أبي قال:
كنت باليمامة وأنا واليها فكان ابن لجرير يكثر عندي [الدخول [2]] وكنت أوثره فلم أقل له قطّ أنشدني أجود شعر لأبيك إلا أنشدني الداليّة:
/أهوى أراك برامتين وقودا [3] ... أم بالجنينة من مدافع أودا [4]
__________
[1] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «عليهم».
[2] التكملة عن ح.
[3] في ب، س: «وفودا» بالفاء وهو تصحيف.
[4] الجنينة: روضة نجدية بين ضربة وحزن بني يربوع. والمدافع: مجاري السيول. وأود: موضع في ديار تميم ثم لبني يربوع منهم بنجد في أرض الحزن.
فأقول له: ويحك! لا تزيدني على هذه! فيقول سألتني عن أجود شعر أبي وهذه أجود شعره، وقد كان يقدّمها على جميعه.
ذهب إلى الشأم ونزل على نميري فأكرمه:
حدّثني ابن عمّار قال حدّثني النّوفليّ قال حدّثني علي بن عبد الملك الكعبيّ من ولد كعب مولى الحجّاج قال حدّثني فلان العلّامة التّميميّ يرويه عن جرير قال:
ما ندمت على هجائي بني نمير قطّ إلا مرّة واحدة، فإنّي خرجت إلى الشأم فنزلت بقوم نزول في قصر لهم في ضيعة من ضياعهم، وقد نظرت إليه من بين القصور مشيّدا حسنا وسألت عن صاحبه فقيل لي: هو رجل من بني نمير. فقلت: هذا شآم وأنا بدويّ لا يعرفني، فجئت فاستضفت. فلما أذن لي ودخلت عليه عرفني فقراني أحسن القرى ليلتين، فلما أصبحت جلست، ودعا بنيّة له فضمّها إليه وترشّفها، فإذا هي أحسن الناس وجها ولها نشر لم أشمّ أطيب منه. فنظرت إلى عينيها فقلت: تاللّه ما رأيت أحسن من عيني هذه الصبيّة ولا من حورها قطّ، وعوّذّتها:
فقال لي: يا أبا حزرة، أسوداء المحاجر [1] هي؟ فذهبت أصف طيب رائحتها. فقال: أصنّ وبر هي [1]؟ فقلت:
يرحمك اللّه! إنّ الشاعر ليقول،/ وو اللّه لقد ساءني ما قلته، ولكن صاحبكم بدأني فانتصرت، وذهبت أعتذر.
فقال: دع ذا عنك أبا حزرة، فو اللّه ما لك عندي إلا ما تحبّ. قال: وأحسن واللّه إليّ وزوّدني وكساني، فانصرفت وأنا أندم الناس على ما سلف منّي إلى قومه.
كان المفضل من أنصار الفرزدق فحاجه محاج بقصيدته السينية:
أخبرني عمّي قال حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد قال حدّثني محمد بن عبد اللّه بن يعقوب بن داود قال حدّثني ابن أبي علقمة الثّقفيّ قال:
كان المفضّل يقدّم الفرزدق، فأنشدته قول جرير:
حيّ الهدملة من ذات المواعيس ... فالحنو أصبح قفرا غير مأنوس [2]
/و قلت أنشدني لغيره مثلها فسكت. قال: وكان الفرزدق إذا أنشدها يقول: مثلها فليقل ابن اللّخناء.
رثاء الفرزدق ابن أخيه وجرير ابنه:
أخبرنا أبو خليفة الفضل بن الحباب قال حدّثنا محمد بن سلام قال حدّثني عبد الجبّار بن سعيد بن سليمان المساحقيّ عن المحرّر [3] بن أبي هريرة قال:
__________
[1] يشير إلى قول جرير في القصيدة البائية التي هجا بها الراعي وذكر فيها نساء بني نمير:
وخضراء المغابن من نمير ... يشين سواد محجرها النقابا
ويشير بقوله «أصن وبرهي» إلى قول جرير في هذه القصيدة أيضا:
تطلى وهي سيئة المعرّى ... بصنّ الوبر تحسبه ملابا
والوبر: دويبة على قدر السنور. وصنه بوله، وهو منتن جدّا. والملاب: الطيب.
[2] الهدملة والمواعيس والحنو مواضع.
[3] كذا في ح و «شرح القاموس» والخلاصة في أسماء الرجال، وهو المحرر بن أبي هريرة الدوسي، تابعي. وفي الأصول: «المحرز» بالزاي وهو تصحيف.
إنّي لفي عسكر سليمان بن عبد الملك وفيه جرير والفرزدق في غزاة، إذ أتانا الفرزدق في غداة، ثم قال، اشهدوا أنّ محمد ابن أخي [1]، ثم أنشأ يقول:
فبتّ [2] بديري أريحاء [3] بليلة ... خداريّة يزداد طولا تمامها
/ أكابد فيها نفس أقرب من مشى ... أبوه بأمّ غاب عنها نيامها [4]
وكنّا نرى من غالب في محمد ... شمائل تعلو الفاعلين كرامها
وكان ذا ما حلّ أرضا تزيّنت ... بزينتها صحراؤها وإكامها
سقى أريحاء الغيث وهي بغيضة ... إلينا ولكن بي لتسقاه هامها [5]
قال: ثم انصرف. وجاء جرير فقال: قد رأيت هذا وسمعت ما قال في ابن أخيه؛ وما ابن أخيه فعل اللّه به وفعل! قال: ومضى جرير، فو اللّه ما لبثنا إلا جمعا حتى جاءنا جرير فقام مقامه ونعى ابنه سوادة فقال:
أودى سوادة يجلو مقلتي لحم ... باز يصرصر فوق المربأ العالي
فارقتني حين كفّ الدهر من بصري ... وحين صرت كعظم الرّمّة البالي
إلّا تكن لك بالدّيرين باكية ... فربّ باكية بالرّمل معوال
قالوا نصيبك من أجر فقلت لهم ... كيف العزاء وقد فارقت أشبالي
هجا الفرزدق لزواجه حدراء بنت زيق وجواب الفرزدق له:
أخبرنا أبو خليفة قال حدّثنا محمد بن سلّام قال حدّثني حاجب بن زيد وأبو الغرّاف قالا:
تزوّج الفرزدق حدراء بنت زيق بن بسطام بن قيس على حكم أبيها، فاحتكم مائة من الإبل. فدخل على الحجّاج يسأله ذلك؛ فعذله وقال له: أتتزوّج امرأة على حكمها!. فقال عنبسة بن سعيد وأراد نفعه: إنما هي من حواشي إبل الصّدقة، فأمر له الحجّاج بها. فوثب جرير فقال:
يا زيق قد كنت من شيبان في حسب ... يا زيق ويحك من أنكحت يا زيق
/ أنكحت ويحك قينا باسته حمم ... يا زيق ويحك هل بارت بك السّوق
__________
[1] هكذا في الأصول. وهنا يشعر القارىء بنقص في الكلام لم نوفق لتكملته.
[2] كذا في ديوان الفرزدق «طبع أوربا». وفي الأصول: «بتنا». وهذه الأبيات من قصيدة يرثي بها الفرزدق محمدا ابن أخيه الذي مات بالشام. ومطلع القصيدة في الديوان: البيت الآتي.
سقى أريحاء الغيث وهي بغيضة
[3] أريحا: (بفتح أوله وكسر ثانيه وسكون الياء مقصورا، وقد تحرك ياؤه ويمدّ في الشعر): مدينة في الغور من أرض الأردن بالشام (راجع «معجم البلدان» لياقوت و «معجم ما استعجم» للبكري). وخدارية: شديدة الظلمة.
[4] يريد أكابد فيها نفس عزيز عليّ أبوه أقرب الناس إليّ. وورد هذا الشطر في الديوان:
أبوه لنفسي مات عني نيامها
[5] كذا في ح و «الديوان». وفي سائر الأصول: «بي لتسقاه هامها» وهو تحريف.
غاب المثنّى [1] فلم يشهد نجيّكما [2] ... والحوفزان [3] ولم يشهدك مفروق [4]
يا رب قائلة بعد البناء بها ... لا الصّهر راض ولا ابن القين معشوق
أين الألى استنزلوا النّعمان ضاحية ... أم أين أبناء شيبان الغرانيق [5]
قال: فلم يجبه الفرزدق عنها. فقال جرير أيضا:
فلا أنا معطي الحكم عن شفّ [6] منصب ... ولا عن بنات الحنظليّين راغب
وهنّ [7] كماء المزن يشفى به الصّدى ... وكانت ملاحا [8] غيرهنّ [9] المشارب
فلو كنت حرّا كان عشرا سياقكم [9] ... إلى آل زيق والوصيف المقارب [10]
/فقال الفرزدق:
فنل مثلها [11] من مثلهم ثم لمهم ... على دارميّ بين ليلى وغالب
/ هم زوّجوا قبلي لقيطا وأنكحوا ... ضرارا وهم أكفاؤنا في المناسب
ولو قبلوا منّي عطيّة سقته ... إلى آل زيق من وصيف مقارب
ولو تنكح الشمس النجوم بناتها ... إذا لنكحناهنّ قبل الكواكب
قال ابن سلّام فحدّثني الرّازيّ عن أبيه قال: ما كانت امرأة من بني حنظلة إلّا ترفع لجرير اللّويّة في عظمها لتطرفه بها لقوله:
وهنّ كماء يشفى به الصّدى ... وكانت ملاحا غيرهنّ المشارب
فقلت للرّازيّ: ما اللّويّة؟ قال: الشّريحة من اللحم، أو الفدرة [12] من التمر، أو الكبّة من الشحم، أو الحفنة من الأقط؛ فإذا ذهب الألبان وضاقت المعيشة كانت طرفة عندهم.
__________
[1] يريد المثنى بن حارثة الشيباني أحد قواد الإسلام وهو الذي فتح سواد العراق وقتل يوم الجسر في وقعة بين المسلمين والعجم في أيام عمر رضي اللّه عنه.
[2] كذا في ح و «النقائض». وفي ب، س: «بحبكما» وفي م، أ، ء: «محبكما» وكلاهما تحريف.
[3] الحوفزان: اسم الحارث بن شريك الشيباني، لقب بذلك لأن بسطام بن قيس طعنه بأعجله. وقال ابن سيدة: سمي بذلك لأن قيسا التميميّ حفزه بالرمح حين خاف أن يفوته فعرج من تلك الحفزة فسمي لحوفزان.
[4] مفروق: هو النعمان بن عمرو الشيباني.
[5] الغرانيق: جمع غرنوق - وفيه لغات أخرى - وهو الشاب الناعم الجميل.
[6] الشف هاهنا: النقصان، وقد يكون الشف الفضل والزيادة.
[7] في «النقائض»: «أراهنّ ماء المزن».
[8] ملاح: جمع ملح وهو ضد العذب. وفي ب، س: «بينهن المشارب» وهو تحريف.
[9] السياق: المهر. سمي المهر بذلك لأن العرب كانوا إذا تزوّجوا ساقوا الإبل والغنم مهرا لأنها كانت الغالبة على أموالهم.
[10] المقارب: الدون، وقيل: هو الوسط بين الجيد والرديء.
[11] الشطر الأوّل من بيت والشطر الثاني عجز بيت آخر. والبيتان كما في النقائض هما:
فلو كنت من أكفاء حدراء لم تلم ... على دارميّ بين ليلى وغالب
فنل مثلها من مثلهم ثم لمهم ... بمالك من مال مراح وعازب
[12] الفدرة: القطعة.
قال: وقال جرير أيضا في شأن حدراء:
أثائرة حدراء من جرّ بالنّقا ... وهل لأبي حدراء في الوتر طالب
أتثأر بسطاما إذا ابتلّت استها ... وقد بوّلت في مسمعيه الثعالب [1]
قال ابن سلّام: والنّقا الذي عناه جرير هو الموضع الذي قتلت فيه بنو ضبّة بسطاما، وهو بسطام بن قيس. قال:
فكرهت بنو شيبان أن يهتك جرير أعراضهم. فلما أراد الفرزدق نقل حدراء اعتلّوا عليه وقالوا له إنها ماتت. فقال جرير:
فأقسم ما ماتت ولكنّما التوى ... بحدراء قوم لم يروك لها أهلا
رأوا أنّ صهر القين عار عليهم ... وأنّ لبسطام على غالب فضلا
مدح قوما عادوه في مرضه:
أخبرني حبيب بن نصر المهلّبيّ قال حدّثنا ابن أبي سعد قال حدّثنا محمد ابن إدريس اليماميّ قال حدّثنا عليّ بن عبد اللّه بن محمد بن مهاجر عن أبيه عن جدّه قال:
دخلنا على جرير في نفر من قريش نعوده في علّته التي مات فيها، فالتفت إلينا فقال:
أهلا وسهلا بقوم زيّنوا حسبي ... وإن مرضت فهم أهلي وعوّادي
إن تجر طير بأمر فيه عافية ... أو بالفراق فقد أحسنتم زادي
لو أن ليثا أبا شبلين أو عدني ... لم يسلموني لليث الغابة العادي
نعي الفرزدق إليه فشمت به ثم رثاه:
أخبرني أبو الحسن الأسديّ قال حدّثنا محمد بن صالح بن النطّاح قال حدّثني أبو جناح أحد بني كعب بن عمرو بن تميم قال:
نعي الفرزدق إلى المهاجر بن عبد اللّه وجرير عنده فقال:
مات الفرزدق بعد ما جدّعته ... ليت الفرزدق كان عاش قليلا
فقال له المهاجر: بئس لعمر اللّه ما قلت في ابن عمك! أتهجو ميّتا! أما واللّه لو رثيته لكنت أكرم العرب وأشعرها.
فقال: إن رأى الأمير أن يكتمها عليّ فإنها سوءة؛ ثم قال من وقته:
فلا وضعت بعد الفرزدق حامل ... ولا ذات بعل من نفاس تعلت [2]
/هو الوافد الميمون والرائق الثأي [3] ... إذا النعل يوما بالعشيرة زلّت
/ قال: ثم بكى ثم قال: أما واللّه إنّي لأعلم أنّي قليل البقاء بعده، ولقد كان نجمنا واحدا وكل واحد منا مشغول
__________
[1] كناية عن أنه قتل ورمى به فالثعالب تبول عليه.
[2] تعلت المرأة من نفاسها: برئت منه وخرجت.
[3] الثأي: الفتق والفساد.
بصاحبه، وقلّما مات ضدّ أو صديق إلّا تبعه صاحبه. فكان كذلك، مات بعد سنة. وقد زاد الناس في بيتي جرير هذين أبياتا أخر، ولم يقل غيرهما وإنما أضيف إلى ما قاله.
صوت من المائة المختارة من رواية علي بن يحيى
رحل الخليط جمالهم بسواد ... وحدا على إثر البخيلة حادي
ما إن شعرت ولا علمت بينهم ... حتى سمعت به الغراب ينادي
الشعر لجميل. والغناء لإبراهيم، ولحّنه المختار من الثقيل الأوّل بإطلاق الوتر في مجرى الوسطى.
2 - نسب جميل وأخباره
هو جميل بن عبد اللّه [1] بن معمر بن الحارث [2] بن ظبيان وقيل ابن معمر بن حنّ [3] بن ظبيان بن قيس بن جزء بن ربيعة بن حرام بن ضنّة [4] بن عبد بن كثير بن عذرة بن سعد - وهو هذيم، وسمّي بذلك إضافة لاسمه إلى عبد لأبيه يقال له هذيم كان يحضنه فغلب عليه - ابن زيد بن سود بن أسلم بن الحاف بن قضاعة. والنسّابون مختلفون في قضاعة، فمنهم من يزعم أن قضاعة ابن معدّ وهو أخو نزار بن معدّ لأبيه وأمّه، وهي معانة بنت جوسم [5] بن جلهمة بن عامر بن عوف بن عديّ بن دبّ بن جرهم؛ ومنهم من يزعم أنهم من حمير. وقد ذكر جميل ذلك في شعره فانتسب معدّيّا فقال:
أنا جميل في السّنام من معدّ ... في الأسرة الحصداء [6] والعيص الأشدّ
وقال راجز من قضاعة ينسبهم إلى حمير:
قضاعة الأثرون خير معشر ... قضاعة بن مالك بن حمير
ولهم في هذا أراجيز كثيرة. إلّا أنّ قضاعة اليوم تنسب كلّها في حمير، فتزعم أن قضاعة ابن مالك بن مرّة بن زيد بن مالك بن حمير بن سبأ بن يشجب بن يعرب/ بن قحطان. وقال القحذميّ: اسم سبأ عامر؛ وإنما قيل له سبأ لأنه أوّل من سبى النساء. وكان يقال له عب الشمس [7]، أي عديل الشمس؛ سمّي بذلك لحسنه. ومن زعم من هؤلاء أنّ قضاعة ليس ابن معدّ ذكر أن أمّه عكبرة [8] (امرأة من سبأ) كانت تحت مالك بن عمر فمات عنها وهي حامل، فخلفه عليها معدّ بن عدنان، فولدت قضاعة على فراشه. وقال: مؤرّج بن عمرو: هذا قول أحدثوه بعد وصنعوا شعرا ألصقوه به ليصحّحوا هذا القول، وهو:
يأيّها الدّاعي ادعنا وأبشر ... وكن قضاعيّا ولا تنزّر
__________
[1] في «الشعر والشعراء»: «و قد يقال فيه جميل بن معمر بن عبد اللّه».
[2] في «تهذيب تاريخ ابن عساكر» و «ابن خلكان» و «شرح القاموس» (مادة صبح): «صباح» بدل الحارث.
[3] كذا في ابن خلكان: وفيه « ... ابن ظبيان بن حن بضم الحاء المهملة وتشديد النون ابن ربيعة بن حرام ... إلخ». وفي ح:
«خيبرى» ويؤيده ما في «شرح القاموس» (مادة خبر) حيث قال: «و جميل بن معمر بن خيبري العذري الشاعر المشهور». وهو محرف في سائر الأصول.
[4] كذا في «شرح القاموس» (مادة ضن). وفي الأصول «ضبة» بالباء الموحدة، وهو تصحيف.
[5] في «الطبري» ق 1 ص 675 طبع أوروبا: «جرشم» وفي نسخة أشير إليها بهامشه: «جوشم».
[6] الحصداء: القوية.
[7] عب الشمس (بالتخفيف والتشديد): ضوءها.
[8] ورد في صبح الأعشى للقلقشندي (ح 1 ص 315) بعد ما ذكر خلاف بعض النسابة في قضاعة ما نصه: «قال السهيلي: إن أم قضاعة (و هي جكرة) مات عنها مالك بن حمير وهي حامل فتزوجها بعده بعد معد بن عدنان فولدت قضاعة على فراشه فتبناه فنسب إليه».
قضاعة الأثرون خير معشر ... قضاعة بن مالك بن حمير
/ النسب المعروف غير المنكر
قال مؤرّج: وهذا شيء قيل في آخر أيام بني أميّة. وشعراء قضاعة في الجاهليّة والإسلام كلها تنتمي إلى معدّ. قال جميل:
وأيّ معدّ كان فيء [1] رماحهم ... كما قد أفأنا والمفاخر منصف
وقال زيادة بن زيد يهجو بني عمّه بني عامر رهط هدبة بن خشرم:
وإذا معدّ أوقدت نيرانها ... للمجد أغضت عامر وتضعضعوا
كان راوية هدبة بن خشرم وكان كثير راويته:
وجميل شاعر فصيح مقدّم جامع للشعر والرواية، كان راوية هدبة بن خشرم، وكان هدبة شاعرا راوية للحطيئة، وكان الحطيئة شاعرا راوية لزهير وابنه. وقال أبو محلّم: آخر من اجتمع له الشعر والرواية كثيّر، وكان راوية جميل، وجميل راوية هدبة، وهدبة راوية الحطيئة، والحطيئة راوية زهير.
نسب بثينة عشيقته:
أخبرني هاشم بن محمد قال حدّثنا عيسى بن إسماعيل عن القحذميّ قال: كان جميل يهوى بثينة بنت حبأ بن ثعلبة بن الهوذ بن عمرو بن الأحبّ بن حنّ بن ربيعة [تلتقي هي وجميل في حنّ من ربيعة [2]] في النسب.
كان كثير راويته يقدمه على نفسه:
حدّثني أبو الحسن أحمد بن محمد الأسديّ وهاشم بن محمد أبو دلف الخزاعيّ قالا حدّثنا الرّياشيّ قال حدّثنا الأصمعيّ عن ابن أبي الزّناد قال:
كان كثيّر راوية جميل، وكان يقدّمه على نفسه ويتّخذه إماما، وإذا سئل عنه قال: وهل علّم اللّه عزّ وجلّ ما تسمعون إلّا منه!.
أخبرني محمد بن مزيد عن حمّاد عن أبيه عن صباح بن خاقان عن عبد اللّه بن معاوية الزّبيريّ قال:
كان كثيّر إذا ذكر له جميل قال: وهل علّم اللّه ما تسمعون إلا منه!.
مر على جماعة بشعب سلع فاستنشدوه من شعره فأنشدهم فمدحوه:
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثني محمد بن إسماعيل عن عبد العزيز بن عمران عن المسور بن عبد الملك عن نصيب مولى عبد العزيز بن مروان قال:
قدمت المدينة فسألت عن أعلم أهلها بالشعر، فقيل لي: الوليد بن سعيد بن أبي سنان الأسلميّ، فوجدته بشعب سلع [3] مع عبد الرحمن بن حسّان وعبد الرحمن بن أزهر. فإنّا لجلوس إذ طلع علينا رجل طويل بين المنكبين
__________
[1] الفي ء: الغنيمة.
[2] التكملة عن تجريد الأغاني.
[3] سلع: موضع بقرب المدينة.
طوال [1] يقود راحلة عليها بزّة حسنة. فقال عبد الرحمن بن حسّان لعبد الرحمن بن أزهر: يا أبا جبير [2]، هذا جميل، فادعه لعلّه أن ينشدنا. فصاح به عبد الرحمن: هيا جميل هيا جميل! / فالتفت فقال: من هذا؟ فقال: أنا عبد الرحمن بن أزهر. فقال: قد علمت أنه لا يجترىء عليّ إلا مثلك. فأتاه فقال له أنشدنا، فأنشدهم:
نحن منعنا يوم أول [3] نساءنا ... ويوم أفيّ [4] والأسنّة ترعف
ويوم ركايا ذي الجذاة [5] ووقعة ... ببنيان [6] كانت بعض ما قد تسلّفوا
يحبّ الغواني البيض ظلّ لوائنا ... إذا ما أتانا الصارخ المتلهّف
نسير أمام الناس والناس خلفنا ... فإن نحن أومأنا إلى الناس وقّفوا
فأيّ معدّ كان فيء رماحه ... كما قد أفأنا والمفاخر ينصف
وكنّا إذا ما معشر نصبوا لنا [7] ... ومرّت جواري طيرهم وتعيّفوا
وضعنا لهم صاع القصاص رهينة ... بما سوف نوفيها إذ الناس طفّفوا
/ إذا استبق [8] الأقوام مجدا وجدتنا ... لنا مغرفا مجد وللناس مغرف
قال: ثم قال له: أنشدنا هزجا. قال: وما الهزج؟ لعله هذا القصير؟ قال نعم، فأنشده - قال الزّبير: لم يذكر في هذا الخبر من هذه القصيدة الهزج سوى بيتين، وأنشدنا باقيها بهلول بن سليمان بن قرضاب البلويّ - .
صوت
رسم [9] دار وقفت في طلله ... كدت أقضي الغداة [10] من جللّه
موحشا ما ترى به أحدا تن ... تسج الريح ترب معتدله
وصريعا من الثّمام ترى ... عارمات المدبّ في أسله [11]
__________
[1] هذه الكلمة «طوال» ساقطة في ب، س.
[2] كذا في ح والخلاصة في أسماء الرجال. وفي سائر الأصول: «يا أبا جبتر» وهو تصحيف.
[3] أول: واد بين الفيل وأكمة على طريق اليمامة إلى مكة (كما في «معجم البلدان» لياقوت). وفي ب، س: «يوم أرل» بالراء وهو تحريف.
[4] قال ياقوت: أفيّ: موضع في شعر نصيب، واستشهد بهذا البيت.
[5] كذا في «معجم ما استعجم» للبكري ونسخة الشنقيطي مصححة بقلمه. وذو الجذاة: موضع. وفي ب، س: «ذي الحداة» بالحاء والدال المهملتين. وفي سائر الأصول: «ذي الجداة» بالجيم، وكلاهما تصحيف. وركايا: جمع ركية، وهي البئر ذات الماء.
[6] كذا في «معجم ما استعجم» للبكري في الكلام على بيان ونسخة الشنقيطي مصححة بقلمه. وبنيان: موضع. وقد ورد محرفا في الأصول.
[7] في «منتهى الطلب في أشعار العرب» لمحمد بن المبارك (نسخة خطية محفوظة بدار الكتب المصرية رقم 53 أدب ش): «جحفوا بنا».
[8] في الكتاب السابق: «إذا انتهب الاقوام ... إلخ».
[9] رسم دار أي رب رسم دار إلخ.
[10] في ب، س: «أقضى الحياة». وهي رواية في البيت. ومن جللّه: من أجله، أو من عظمه في عيني.
[11] ورد هذا البيت في جميع الأصول بصور مختلفة وكلها محرفة، وقد صححناه عن شرح شواهد مغنى اللبيب للسيوطي طبع فارس.
بين علياء وابش فبليّ ... فالغميم الذي إلى جبله [1]
واقفا في ديار أمّ جسير [2] ... من ضحى يومه إلى أصله
يا خليليّ إن أمّ جسير [3] ... حين يدنو الضجيع من غللّه
روضة ذات حنوة وخزامى ... جاد فيها الربيع من سبله [4]
بينما هنّ بالأراك معا ... إذ بدا راكب على جمله
فتأطّرن ثم قلن لها ... أكرميه حيّيت في نزله [5]
فظللنا بنعمة واتّكأنا [6] ... وشربنا الحلال من قلله
/ قد أصون الحديث دون خليل [7] ... لا أخاف الأذاة من قبله
غير ما بغضة ولا لآجتناب ... غير أنّي ألحت من وجله [8]
وخليل صاقبت [9] مرتضيا [10] ... وخليل فارقت من مللّه
قال: فأنشده إياها حتى فرغ منها ثم اقتاد راحلته مولّيا. فقال ابن الأزهر: هذا أشعر أهل الإسلام. فقال ابن حسّان:
نعم واللّه وأشعر أهل الجاهليّة، واللّه ما لأحد منهم مثل هجائه ولا نسيبه. فقال عبد الرحمن بن الأزهر: صدقت.
قال نصيب: وأنشدت الوليد فقال لي: أنت أشعر أهل جلدتك، واللّه ما زاد عليها. فقلت: يا أبا محجن، أفرضيت منه بأن تكون أشعر السّودان؟ قال: وددت واللّه يابن أخي أنه أعطاني أكثر من هذا، ولكنه لم يفعل، ولست بكاذبك.
كان صادق الصبابة وكان كثير يتقول:
أخبرني أبو خليفة عن محمد بن سلّام قال:
كان لكثيّر في النّسيب حظّ وافر وجميل مقدّم عليه وعلى أصحاب النسيب في النسيب؛ وكان كثيّر راوية
__________
والثمام: نبت ضعيف له خوص أو شبيه بالخوص. والعارمات: القوية الشديدة. والمدب: مجرى السيل. والأسل: نبات له أغصان كثيرة، واحده أسلة.
[1] كذا في ح و «معجم ما استعجم» و «شرح شواهد المغني». ووابش: واد أو جبل بين وادي القرى والشام. وفي سائر الأصول: «رائس».
وبلى: تل قصير أسفل حاذة بينها وبين ذات عرق. والغميم: موضع بالحجاز.
[2] كذا في ح. وأم جسير: أخت بثينة صاحبة جميل. وفي سائر الأصول: «أم حسين» وهو تحريف.
[3] قال في «خزانة الأدب». والغلل داء. وقال العيني: هو الماء بين الأشجار. وفي «اللسان» أن من معاني الغلل العطش وحرارته.
[4] الحنوة: نبات سهلي طيب الريح. والسبل: المطر.
[5] التأطر: التثني. والنزل (بضمتين): ما يهيأ للضيف أن ينزل عليه.
[6] اتكأنا: قال ابن قتيبة: معناه طعمنا وأكلنا، من قوله تعالى: وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً
أي طعاما أو مجلس طعام؛ فإنهم كانوا يتكئون للطعام والشراب تترفا، ولذلك نهى عنه.
[7] في «خزانة الأدب» للبغدادي و «شرح شواهد المغني»: «دون أخ».
[8] في «شرح شواهد المغني» و «خزانة الأدب»:
غير بغض له ولا ملق ... غير أني أشحت من وجله
[9] كذا في ح. وصاقبته: قاربته. وفي سائر الأصول: «صافيت».
[10] كذا في «شرح شواهد المغني». وفي الأصول: «مرتقبا».
جميل، وكان جميل صادق الصّبابة والعشق، ولم يكن كثيّر بعاشق ولكنه كان يتقوّل. وكان الناس يستحسنون بيت كثيّر في النسيب:
أريد لأنسى ذكرها فكأنّما ... تمثّل لي ليلى بكلّ سبيل
قال: ورأيت من يفضّل عليه بيت جميل:
خليليّ فيما عشتما هل رأيتما ... قتيلا بكى من حبّ قاتله قبلي
/ قال ابن سلّام: وهذا البيت الذي لكثيّر أخذه من جميل حيث يقول:
/أريد لأنسى ذكرها فكأنّما ... تمثّل لي ليلى على كلّ مرقب
عرض الفرزدق لكثير بأنه سرق منه فردّ عليه بمثله:
أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير بن بكّار عن محمد بن إسماعيل عن عبد العزيز بن عمران عن محمد بن عبد العزيز عن أبي شهاب عن طلحة بن عبد اللّه بن عوف قال:
لقي الفرزدق كثيّرا بقارعة البلاط [1] وأنا وهو نمشي نريد المسجد؛ فقال له الفرزدق: يا أبا صخر، أنت أنسب العرب حين تقول:
أريد لأنسى ذكرها فكأنما ... تمثّل لي ليلى بكلّ سبيل
يعرّض له بسرقته من جميل. فقال له كثيّر: وأنت يا أبا فراس أفخر الناس حين تقول:
ترى الناس ما سرنا يسيرون خلفنا ... وإن نحن أومأنا إلى الناس وقّفوا
- قال عبد العزيز: وهذا البيت أيضا لجميل سرقه الفرزدق - فقال الفرزدق لكثيّر: هل كانت أمّك مرّت بالبصرة؟
قال: لا! ولكن أبي، فكان نزيلا لأمّك [2]. قال طلحة بن عبد اللّه: فو الذي نفسي بيده لعجبت من كثيّر وجوابه، وما رأيت أحدا قطّ أحمق منه، رأيتني دخلت عليه يوما في نفر من قريش وكنّا كثيرا ما نتهزّأ به، فقلنا: كيف تجدك يا أبا صخر؟ قال: بخير، أما سمعتم الناس يقولون شيئا؟ قلنا: نعم، يتحدّثون أنك الدجّال. فقال: واللّه لئن قلتم ذاك إني لأجد في عيني هذه ضعفا منذ أيام.
كان كثيّر يفضله على نفسه ويبدأ بإنشاد شعره:
أخبرني الحرميّ قال حدّثنا الزّبير قال كتب إليّ أبو محمد إسحاق بن إبراهيم يقول حدّثني أبو عبيدة عن جويرية بن أسماء قال:
كان أبو صخر كثيّر صديقا لي، وكان يأتيني كثيرا، فقلّما استنشدته إلّا بدأ بجميل وأنشد له ثم أنشد لنفسه، وكان يفضّله ويتّخذه إماما.
قال الزبير وكتب إليّ إسحاق يقول حدّثني صباح بن خاقان عن عبد اللّه بن معاوية بن عاصم بن المنذر بن الزّبير قال:
__________
[1] البلاط: موضع معروف بالمدينة.
[2] في ح: «هل كانت أمك ترد البصرة؟ قال لا، ولكن أبي كان كثيرا ما يردها».
ذكر جميل لكثيّر، فقالوا: ما تقول فيه؟ فقال: منه علّم اللّه عزّ وجلّ.
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ وحبيب بن نصر المهلّبيّ قالا حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثني أبو يحيى الزّهريّ عن إسحاق بن قبيصة الكوفيّ عن رجل سمّاه قال:
سألت نصيبا: أجميل أنسب أم كثيّر؟ فقال: أنا سألت كثيّرا عن ذاك فقال: وهل وطّأ لنا النّسيب إلّا جميل!.
قال عمر بن شبّة وقال إسحاق حدّثني السّعيدي عن أبي مالك النّهديّ قال:
جلس إلينا نصيب فذكرنا جميلا، فقال: ذاك إمام المحبّين، وهل هدى اللّه عزّ وجلّ لما ترى إلّا بجميل.
أخبرني هاشم بن محمد قال حدّثنا دماذ عن أبي عبيدة عن جويرية بن أسماء قال: ما استنشدت كثيّرا قطّ إلا بدأ بجميل وأنشدني له ثم أنشدني بعده لنفسه، وكان يفضّله ويتخذه إماما.
أول عشقه بثينة:
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثني بهلول بن سليمان بن قرضاب البلويّ قال:
/ كان جميل ينسب بأمّ الجسير، وكان أوّل ما علق بثينة أنه أقبل يوما بإبله حتى أوردها واديا يقال له بغيض [1]، فاضطجع وأرسل إبله مصعدة، وأهل بثينة بذنب الوادي؛ فأقبلت بثينة وجارة لها واردتين الماء، فمرّتا على فصال له بروك فعرمتهنّ [2] بثينة - يقول: نفّرتهنّ - وهي إذ ذاك جويرية صغيرة؛ فسبّها جميل، فافترت عليه، فملح إليه سبابها/ فقال:
وأوّل [3] ما قاد المودّة بيننا ... بوادي بغيض يا بثين سباب
وقلنا لها قولا فجاءت بمثله ... لكلّ كلام يا بثين جواب
قال الزّبير وحدّثني محمد بن إسماعيل بن جعفر عن سعيد بن نبيه بن الأسود العذريّ - وكانت بثينة عند أبيه نبيه بن الأسود، وإياه يعني جميل بقوله:
لقد أنكحوا جهلا نبيها ظعينة ... لطيفة طيّ الكشح ذات شوى خدل [4]
- قال الزّبير وحدّثني أيضا الأسباط بن عيسى بن عبد الجبّار العذريّ أن جميل بن معمر خرج في يوم عيد والنساء إذ ذاك يتزيّنّ ويبدو بعضهن لبعض ويبدون للرجال، وأن جميلا وقف على بثينة وأختها أمّ الجسير في نساء من بني الأحبّ وهنّ بنات عمّ عبيد اللّه بن قطبة أخي أبيه لحّا [5]، فرأى منهنّ منظرا وأعجبنه وعشق بثينة وقعد/ معهنّ، ثم راح وقد كان معه فتيان من بني الأحبّ، فعلم انّ القوم قد عرفوا في نظره حبّ بثينة ووجدوا عليه، فراح وهو يقول:
__________
[1] في ح: «بعيض» بالعين المهملة.
[2] كذا في ح. وعرمتهن: أصابتهن بشر وأذى. وفي أ، ء، م: «فعرفتهن». وفي ب، س: «فعزفتهن» وكلاهما تحريف.
[3] في ح: «لأوّل» وفي ب هكذا: «الأول» وهو تحريف.
[4] كذا في أ، ء، م والخدل: الممتلى ء. وفي سائر الأصول: «جذل» وهو تصحيف.
[5] لحا: لازقا. يقال: هو ابن عم لح بالكسر في النكرة على الاتباع، وهو ابن عمي لحا، بالنصب في المعرفة على الحال. والواحد والاثنان والجمع والمذكر والمؤنث في ذلك سواء. وشرطه الاتحاد في الذكورة أو الأنوثة. فلا يقال: هما ابنا خال لح، ولا ابنا عمة لح لأنهما مفترقان إذ هما رجل وامرأة. وإذا لم يكن العم لحا وكان رجلا من العشيرة قلت: هو ابن عم الكلالة وابن عم كلالة. (راجع «لسان العرب» مادّة لحح).
عجل الفراق وليته لم يعجل ... وجرت بوادر دمعك المتهلّل
طربا وشاقك ما لقيت ولم تخف ... بين الحبيب غداة برقة مجول [1]
وعرفت أنك حين رحت ولم يكن ... بعد اليقين وليس ذاك بمشكل
لن تستطيع إلى بثينة رجعة ... بعد التفرّق دون عام مقبل
قال: وإنّ بثينة لمّا أخبرت أن جميلا قد نسب بها حلفت باللّه لا يأتيها على خلاء إلّا خرجت إليه ولا تتوارى منه، فكان يأتيها عند غفلات الرجال فيتحدّث إليها ومع أخواتها، حتى نمي إلى رجالها أنه يتحدّث إليها إذا خلا منهم، وكانوا أصلافا غيرا - أو قال غيارى - فرصدوه بجماعة نحو من بضعة عشر رجلا وجاء على الصّهباء [2] ناقته حتى وقف على بثينة وأمّ الجسير وهما يحدّثانه وهو ينشدهما يومئذ:
حلفت بربّ الراقصات إلى منّى ... هويّ القطا يجتزن بطن دفين [3]
لقد ظنّ هذا القلب أن ليس لاقيا ... سليمى ولا أمّ الجسير لحين
فليت رجالا فيك قد نذروا دمي ... وهمّوا بقتلي يا بثين لقوني
فبينا هو على تلك الحال إذ وثب عليه القوم فرماهم بها فسبقت به وهو يقول:
إذا جمع الإثنان [4] جمعا رميتهم ... بأركانها حتى تخلّى سبيلها
فكان هذا أوّل سبب المهاجاة بينه وبين عبيد اللّه بن قطبة.
واعدته بثينة فمنعها أهلها فقرّعه نساء الحي، وشعره في ذلك:
أخبرني الحرميّ قال حدّثنا الزبير قال حدّثنا بهلول بن سليمان عن مشيخة من عذرة:
أنّ بثينة [5] واعدت جميلا أن يلتقيا في بعض المواضع فأتى لوعدها. وجاء أعرابيّ يستضيف القوم فأنزلوه وقروه؛ فقال لهم: قد رأيت في بطن هذا الوادي ثلاثة نفر متفرّقين متوارين في الشجر، وأنا خائف عليكم أن يسلبوا بعض إبلكم؛ فعرفوا أنه جميل وصاحباه، فحرسوا بثينة ومنعوها من الوفاء بوعده. فلما أسفر له الصبح انصرف كئيبا سيىء الظنّ بها ورجع إلى/ أهله؛ فجعل نساء الحيّ يقرّعنه بذلك ويقلن له: إنما حصلت منها على الباطل والكذب والغدر، وغيرها أولى بوصلك منها، كما أنّ غيرك يحظى بها. فقال في ذلك:
__________
[1] كذا في «معجم البلدان» لياقوت و «شرح القاموس»، وذكر شارح القاموس أنه موضع. وفي الأصول: «برقة محول» بالحاء المهملة.
[2] في ج: «الشهباء».
[3] دفين: اسم موضع كما في «شرح القاموس» (مادة دفن).
[4] وردت هذه الكلمة في الأصول، ولعلها محرفة عن الشنان وهو البغض والعداوة.
[5] ورد هذا الخبر في أ، ء، م، ح هكذا: « ... عن مشيخة من عذرة وبلى أن رهط بثينة نذروا دم جميل وسمعوا أنه قد أمسى بوادي القرى وهو يريد طريق مكة فخرج منهم ركبان فتقدموا فوجدوه على مضيق من الطريق بسند الوادي فأخذوا جانبي القرى بأخذه السيل وهو جهد ما يخرج منه الراحلة والشق بعض إبلكم ... إلخ» وهو غير واضح.
صوت
أبثين إنّك قد ملكت فأسجحي ... وخذي بحظك من كريم واصل
فأجبتها في القول بعد تستّر ... حبّي بثينة عن وصالك شاغلي [1]
فلربّ عارضة علينا وصلها ... بالجدّ تخلطه بقول الهازل
لو كان في صدري كقدر قلامة ... فضلا وصلتك أو أتتك رسائلي
- الغناء ليحيى المكّي ثقيل أوّل بالوسطى من رواية ابنه أحمد عنه - :
صوت
ويقلن إنك قد رضيت بباطل ... منها فهل لك في اجتناب الباطل
ولباطل ممّا أحبّ حديثه ... أشهى إليّ من البغيض الباذل
ليزلن عنك هواي ثم يصلنني ... وإذا هويت فما هواي بزائل
- الغناء لسليم رمل بالوسطى عن عمرو، وذكر في نسخته الثانية أنه ليزيد حوراء. وروى حمّاد عن أبيه في أخبار ابن سريج أنّ لابن سريج فيه لحنا ولم يجنّسه - :
صادت فؤادي يا بثين حبالكم ... يوم الحجون وأخطأتك حبائلي
منّيتني فلويت ما منّيتني ... وجعلت عاجل ما وعدت كآجل
وتثاقلت لمّا رأت كلفي بها ... أحبب إليّ بذاك من متثاقل
وأطعت فيّ عواذلا فهجرتني ... وعصيت فيك وقد جهدن عواذلي
حاولنني لأ بتّ حبل وصالكم ... منّي، ولست وإن جهدن بفاعل
فرددتهن وقد سبعين بهجركم ... لمّا سعين له بأفوق ناصل [2]
يعضضن من غيظ عليّ أناملا ... ووددت لو يعضضن صمّ جنادل
ويقلن إنك يا بثين بخيلة ... نفسي فداؤك من ضنين باخل
قالوا: وقال جميل في وعد بثينة بالتّلاقي وتأخّرها قصيدة أوّلها:
يا صاح عن بعض الملامة أقصر ... / إنّ المنى للقاء أمّ المسور
فمما يغنّى فيه منها قوله:
__________
[1] كذا ورد ترتيب هذه الأبيات في أكثر الأصول. وورد في ب، س تقديم البيت الثاني على الأول. على أن سياق الشعر يقتضي أن يكون البيت الثالث في الوضع مكان الثاني والبيت الثاني مكان الثالث.
[2] السهم الأفوق: الذي به ميل في فوقه أو انكسار في إحدى زنمتيه. والفوق (بالضم): مشق رأس السهم حيث يقع الوتر. وحرفاه زنمتاه. وناصل: لا نصل له. وفي الأصول: «ناضل» بالضاد المعجمة. والتصويب عن «تجريد الأغاني».
صوت
وكأنّ طارقها على علل الكرى ... والنجم وهنا قد دنا لتغوّر
يستاف [1] ريح مدامة معجونة ... بذكيّ مسك أو سحيق العنبر
/ الغناء لابن جامع ثقيل أوّل بالبنصر من رواية الهشاميّ. وذكر عمرو بن بانة أنه لابن المكيّ.
ومما يغني فيه منها قوله:
صوت
/إنّي لأحفظ غيبكم ويسرّني ... إذ تذكرين بصالح أن تذكري
ويكون يوم لا أرى لك مرسلا ... أو نلتقي فيه عليّ كأشهر
يا ليتني ألقى المنيّة بغتة ... إن كان يوم لقائكم لم يقدر
أو أستطيع تجلّدا عن ذكركم ... فيفيق [2] بعض صبابتي وتفكّري
الغناء لابن محرز خفيف رمل بالوسطى عن الهشاميّ. وفيه يقول:
لو قد تجنّ كما أجنّ من الهوى ... لعذرت أو لظلمت إن لم تعذر
واللّه ما للقلب من علم بها ... غير الظنون وغير قول المخبر
لا تحسبي أنّي هجرتك طائعا ... حدث لعمرك رائع أن تهجري
فلتبكينّ الباكيات وإن أبح ... يوما بسرّك معلنا لم أعذر
يهواك ما عشت الفؤاد فإن أمت ... يتبع صداي صداك بين الأقبر
صوت
إنّي إليك بما وعدت لناظر ... نظر الفقير إلى الغنيّ المكثر
يعد الديون وليس ينجز موعدا ... هذا الغريم لنا وليس بمعسر
ما أنت والوعد الذي تعدينني ... إلّا كبرق سحابة لم تمطر
قلبي نصحت له فردّ نصيحتي ... فمتى هجرتيه فمنه تكثّري [3]
/الغناء في هذه الأبيات لسليم رمل عن الهشاميّ. وفيه قدح طنبوريّ أظنّه لجحظة أو لعليّ بن مودّة [4].
قالوا: وقال في إخلافها إياه هذا الموعد:
__________
[1] يستاف: يشم.
[2] في تزيين الأسواق (ص 46): «فأفيق بعد صبابتي».
[3] أي تكثري من الهجر واستزيدي.
[4] في أ، د، م: «سودة».
صوت
ألا ليت ريعان الشباب جديد ... ودهرا تولّى يا بثين يعود
فنغنى [1] كما كنّا نكون وأنتم ... قريب وإذ ما تبذلين زهيد
ويروى.
وممّا لا يزيد [2] بعيد
وهكذا يغنّى فيه:
الغناء لسليم خفيف ثقيل أوّل بالوسطى. ومما يغنّى فيه من هذه القصيدة:
صوت
ألا ليت شعري هل أبيتنّ ليلة ... بوادي القرى إنّي إذا لسعيد
وهل ألقين فردا بثينة مرّة ... تجود لنا من ودّها ونجود
علقت الهوى منها وليدا فلم يزل ... إلى اليوم ينمي حبّها ويزيد
وأفنيت عمري بانتظاري وعدها ... وأبليت فيها الدهر وهو جديد
فلا أنا مردود بما جئت طالبا ... ولا حبّها فيما يبيد يبيد
الغناء لمعبد ثقيل أوّل بالوسطى. ومما يغنّى فيه منها:
صوت
وما أنس م الأشياء لا أنس قولها ... وقد قربت بصرى [3] أمصر تريد
/ ولا قولها لو لا العيون التي ترى ... لزرتك فاعذرني فدتك جدود
خليليّ ما ألقى من الوجد قاتلي ... ودمعي بما قلت الغداة شهيد
يقولون جاهد يا جميل بغزوة ... وأيّ جهاد غيرهنّ أريد
لكلّ حديث بينهنّ بشاشة ... وكلّ قتيل عندهنّ شهيد
الغناء للغريض خفيف ثقيل من رواية حمّاد عن أبيه. وفي هذه القصيدة يقول:
إذا قلت ما بي يا بثينة قاتلي ... من الحبّ قالت ثابت ويزيد
يا جميل بغزوة ... وأيّ جهاد غيرهنّ أريد
وإن قلت ردّي بعض عقلي أعش به ... مع الناس قالت ذاك منك بعيد
__________
[1] في تزيين الأسواق: «فنبقى».
[2] كذا في الأصول. ولعله «و مما لا نريد» ليستقيم المعنى.
[3] كذا في «الأمالي» لأبي علي القالي (ج 1 ص 272 طبع مطبعة دار الكتب المصرية). وفي الأصول: «و قد قربت نضوى». وقد وردت هذه القصيدة في «الأمالي» باختلاف في تقديم الأبيات وتأخيرها وفي بعض الكلمات.
ألا قد أرى واللّه أن ربّ عبرة ... إذا الدّار شطّت بيننا سترود [1]
إذا فكّرت قالت قد أدركت ودّه ... وما ضرّني بخلي فكيف أجود
فلو تكشف الأحشاء صودف تحتها ... لبثنة حبّ طارف وتليد
تذكّرنيها كلّ ريح مريضة ... لها بالتّلاع القاويات وئيد [2]
وقد تلتقي الأشتات بعد تفرّق ... وقد تدرك الحاجات وهي بعيد
عاتبته بثينة لشعر قاله فيها:
أخبرني عليّ بن صالح قال حدّثني عمر بن شبّة عن إسحاق قال:
لقي جميل بثينة بعد تهاجر كان بينهما طالت مدّته، فتعاتبا طويلا فقالت له: ويحك يا جميل! أتزعم أنك تهواني وأنت الذي تقول:
رمى اللّه في عيني بثينة بالقذى ... وفي الغرّ من أنيابها بالقوادح!
فأطرق طويلا يبكي ثم قال: بل أنا القائل:
ألا ليتني أعمى أصمّ تقودني ... بثينة لا يخفى عليّ كلامها
/ فقالت له: ويحك! ما حملك على هذه المنى! أو ليس في سعة العافية ما كفانا جميعا!.
تجسس أبوهما وأخوها كلامه مع بثينة فلم يريا ريبة:
قال إسحاق وحدّثني أيّوب بن عباية قال:
سعت أمة لبثينة بها إلى أبيها وأخيها وقالت لهما: إن جميلا عندها الليلة؛ فأتياها مشتملين على سيفين، فرأياه جالسا حجرة منها يحدّثها ويشكو إليها بثّة، ثم قال لها: يا بثينة، أرأيت ودّي إياك وشغفي بك ألا تجزينيه؟ قالت:
بماذا؟ قال: بما يكون بين المتحابّين. فقالت له: يا جميل، أهذا تبغي! واللّه لقد كنت عندي بعيدا منه، ولئن عاودت تعريضا بريبة لا رأيت وجهي أبدا. فضحك وقال: واللّه ما قلت لك هذا إلا لأعلم ما عندك فيه، ولو علمت أنك تجيبينني إليه لعلمت أنك تجيبين [3] غيري، ولو رأيت منك مساعدة عليه لضربتك بسيفي هذا ما استمسك في يدي، ولو أطاعتني نفسي لهجرتك هجرة الأبد؛ أو ما سمعت قولي:
وإنّي لأرضى من بثينة بالذي ... لو أبصره الواشي لقرّت بلابله
بلا وبأن لا أستطيع وبالمنى ... وبالأمل المرجوّ قد خاب آمله
وبالنّظرة العجلى وبالحول تنقضي ... أواخره لا نلتقي وأوائله
قال فقال أبوها لأخيها: قم بنا، فما ينبغي لنا بعد اليوم أن نمنع هذا الرجل من لقائها،/ فانصرفا وتركاهما.
__________
[1] ترود أي تذهب وتجيء، يريد تحير ماء العين فيها.
[2] القاويات: الخاليات. والوئيد: الصوت العالي الشديد.
[3] كانت هذه الكلمة في الأصول: «تحبين غيري».
قابلها مرة بسعي صديق له:
أخبرني محمد بن مزيد قال حدّثنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه عن أيّوب بن عباية عن رجل من عذرة قال:
كنت تربا لجميل وكان يألفني، فقال لي ذات يوم: هل تساعدني على لقاء بثينة؟ فمضيت معه، فكمن لي في الوادي وبعث بي إلى راعي بثينة بخاتمه، فدفعته/ إليه، فمضى به إليها ثم عاد بموعد منها إليه. فلما كان الليل جاءته فتحدّثا طويلا حتى أصبحا ثم ودّعها وركب ناقته. فلما استوى في غرزها [1] وهي باركة قالت له: ادن منّي يا جميل [2].
صوت
إنّ المنازل هيّجت أطرابي ... واستعجمت آياتها بجوابي
قفرا تلوح بذي اللّجين كأنها ... أنضاء رسم أو سطور كتاب
لما وقفت بها القلوص تبادرت ... منّي الدموع لفرقة الأحباب
وذكرت عصرا يا بثينة شاقني ... وذكرت أيّامي وشرخ شبابي
الغناء في هذه الأبيات للهذليّ ثاني ثقيل بإطلاق الوتر في مجرى البنصر عن إسحاق.
أرسل كثيرا إلى بثينة ليستجدّ منها موعدا:
أخبرني حبيب بن نصر المهلّبيّ قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثنا إسحاق الموصليّ عن السّعيديّ، وأخبرني محمد بن مزيد قال حدّثنا حمّاد عن أبيه قال حدّثنا أبو مالك النّهديّ قال:
جلس إلينا كثيّر ذات يوم فتذاكرنا جميلا؛ فقال: لقيني مرّة فقال لي: من أين أقبلت؟ قلت: من عند أبي الحبيبة (أعني بثينة). فقال: وإلى أين تمضي؟ قلت: إلى الحبيبة (أعني عزّة). فقال: لا بدّ من أن ترجع عودك على بدئك فتستجدّ لي موعدا من بثينة. فقلت: عهدي بها الساعة وأنا أستحيي أن أرجع. فقال: لا بدّ من ذلك. فقلت له: فمتى عهدك ببثينة؟ فقال: في أوّل الصيد وقد وقعت سحابة بأسفل وادي [3] الدّوم فخرجت ومعها جارية لها تغسل ثيابها [4]؛ فلما أبصرتني/ أنكرتني، فضربت بيديها إلى ثوب في الماء فالتحفت به، وعرفتني الجارية، فأعادت الثوب في الماء، وتحدّثنا حتى غابت الشمس. وسألتها الموعد فقالت: أهلي سائرون؛ وما وجدت أحدا آمنه فأرسله إليها. فقال له كثيّر: فهل لك في أن آتي الحيّ فأنزع [5] بأبيات من شعر أذكر فيها هذه العلامة إن لم أقدر على الخلوة بها؟. قال: ذلك الصواب، فأرسله إليها؛ فقال له: انتظرّني ثم خرج كثيّر حتى أناخ بهم. فقال له أبوها: ما ردّك؟ قال: ثلاثة أبيات عرضت لي فأحببت أن أعرضها عليك. قال: هاتها. قال كثيّر: فأنشدته وبثينة تسمع:
__________
[1] الغرز: ركاب الرحل من جلد، فإذا كان من خشب أو حديد فهو ركاب.
[2] الكلام هنا ناقص.
[3] وادي الدوم: واد معترض من شمالي خيبر إلى قبلها، وهو يفصل بين خيبر والعوارض.
[4] في ج: «ثيابا».
[5] نزع الشعر: تمثل به.
فقلت لها يا عزّ أرسل صاحبي ... إليك [1] رسولا والموكّل مرسل
بأن تجعلي بيني وبينك موعدا ... وأن تأمريني ما الذي فيه أفعل
وآخر عهدي منك يوم لقيتني ... بأسفل وادي الدّوم والثوب يغسل
قال: فضربت بثينة جانب خدرها وقالت: إخسأ إخسأ! فقال أبوها: مهيم [2] يا بثينة؟ قالت: كلب يأتينا إذا نؤّم الناس من وراء الرّابية. ثم قالت للجارية: ابغينا من الدّومات حطبا/ لنذبح لكثيّر شاة ونشويها له. فقال كثيّر: أنا أعجل من ذلك. وراح إلى جميل فأخبره. فقال له جميل: الموعد الدّومات. وقالت لأم الحسين وليلى ونجيّا بنات خالتها وكانت قد أنست إليهنّ واطمأنّت بهنّ: إني قد رأيت في نحو نشيد كثيّر أن جميلا معه. وخرج كثيّر وجميل حتى أتيا الدّومات، وجاءت بثينة ومن معها، فما برحوا حتى برق الصبح. فكان كثيّر يقول: ما رأيت مجلسا قطّ أحسن من ذلك ولا مثل علم أحدهما بضمير الآخر! ما أدري أيّهما كان أفهم!
وصف صالح بن حسان بيتا من شعره:
أخبرني محمد بن العبّاس اليزيديّ قال حدّثنا الخليل بن أسد قال حدّثنا العمريّ عن الهيثم بن عديّ، وأخبرني عمّي عن الكرانيّ عن العمريّ عن الهيثم بن عديّ قال قال لي صالح بن حسّان:
هل تعرف بيتا نصفه أعرابيّ [3] في شملة وآخره مخنّث من أهل العقيق يتقصف تقصّفا؟ قلت: لا. قال: قد أجّلتك حولا. قلت: لا أدري ما هو! فقال قول جميل:
ألا أيّها النّوّام ويحكم هبّوا
كأنه أعرابيّ في شملة. ثم أدركه ما يدرك العاشق فقال:
أسائلكم هل يقتل الرجل الحبّ
كأنه من كلام مخنّثي العقيق.
أهدر السلطان لأهل بثينة دمه إن لقيها وما كان منه بعد ذلك:
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا أحمد بن زهير بن حرب قال أخبرنا عبد اللّه بن أبي كريم عن أبي عمرو وإسحاق بن مروان قال [4]:
عشق جميل بثينة وهو غلام، فلما بلغ خطبها فمنع منها، فكان يقول فيها الأشعار، حتى اشتهر وطرد، فكان يأتيها سرّا ثم تزوّجت فكان يزورها في بيت زوجها [في الحين] خفية إلى أن استعمل دجاجة بن ربعيّ على وادي القرى فشكوه إليه فتقدّم إليه ألّا يلمّ بأبياتها وأهدر دمه لهم إن عادو زيارتها، فاحتبس حينئذ.
__________
[1] رواية «الأمالي» لأبي علي القالي (ج 3 ص 231 طبع دار الكتب المصرية):
على نأي دار والرسول موكل
[2] مهيم: كلمة يمانية ومعناها: ما أمرك، وما شأنك، وما الذي أرى بك؟ ونحو هذا من الكلام.
[3] كذا وردت هذه العبارة في «الأغاني» فيما يأتي في هذه الترجمة (ص 118). ووردت في ب، س هنا: «هل تعرف نصف بيت أعرابي في شملة ونصف مخنث ... إلخ» وفي سائر الأصول: « ... بيت أعرابي في شملة ونصفه مخنث ... إلخ».
[4] لعله «قالا».
أخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن عمّار قال حدّثني يعقوب بن إسرائيل مولى المنصور قال حدّثنا أحمد بن أبي العلاء قال حدّثني إبراهيم الرّمّاح قال حدّثنا جابر أبو العلاء التّنوخيّ قال:
/ لما نذر أهل بثينة دم جميل وأهدره لهم السلطان ضاقت الدنيا بجميل، فكان يصعد بالليل على قور [1] رمل يتنسّم الريح من نحو حيّ بثينة ويقول:
أيا ريح الشّمال أما تريني ... أهيم وأنّني بادي النّحول
هبي لي نسمة من ريح بثن ... ومنّي بالهبوب إلى جميل
وقولي يا بثينة حسب نفسي ... قليلك أو أقلّ من القليل
فإذا بدا وضح الصبح انصرف. وكانت بثينة تقول لجوار من الحيّ عندها: ويحكنّ! إني لأسمع أنين جميل من بعض القيران! فيقلن لها: اتّقي اللّه! فهذا شيء يخيّله لك الشيطان لا حقيقة له.
تذاكر هو وكثير شعريهما في العشق وبكيا:
حدّثني أحمد بن عمّار قال حدّثني يعقوب بن نعيم قال حدّثني أحمد بن يعلى قال حدّثني سويد بن عصام قال حدّثني روح أبو نعيم [2] قال:
التقى جميل وكثيّر فتذاكرا النّسيب؛ فقال كثيّر: يا جميل، أترى بثينة لم تسمع بقولك:
يقيك جميل كلّ سوء، أما له ... لديك حديث أو إليك رسول
وقد قلت في حبّي لكم وصبابتي ... محاسن شعر ذكرهنّ يطول
/ فإن لم يكن قولي رضاك فعلّمي ... هبوب الصّبايا بثن كيف أقول
فما غاب عن عيني خيالك لحظة ... ولا زال عنها، والخيال يزول
فقال جميل: أترى عزّة قد حال يا كثيّر لم تسمع بقولك:
يقول العدا يا عزّ قد حال دونكم ... شجاع على ظهر الطريق مصمّم
فقلت لها واللّه لو كان دونكم ... جهنّم ما راعت فؤادي جهنّم
/ وكيف يروع القلب يا عزّ رائع ... ووجهك في الظّلماء للسّفر معلم
وما ظلمتك النفس يا عزّ في الهوى ... فلا تنقمي حبّي فما فيه منقم
قال: فبكيا قطعة من الليل ثم انصرفا.
واعد بثينة وعرف ذلك أهلها فلم تذهب:
وقال الهيثم بن عديّ ومن ذكر روايته معه من أصحابه:
زار جميل بثينة ذات يوم، فنزل قريبا من الماء يترصّد أمة لها أو راعية؛ فلم يكن نزوله بعيدا من ورود أمة حبشيّة معها قربة، وكانت به عارفة وبما [3] بينها وبينه. فسلّمت عليه وجلست معه، وجعل يحدّثها ويسألها عن
__________
[1] القور: الآكام العظيمة، واحدها قارة.
[2] في ح: «روح بن نعيم».
[3] في الأصول: «لما» بالام.
أخبار بثينة ويحدّثها بخبره بعدها ويحمّلها رسائله. ثم أعطاها خاتمه وسألها دفعه إلى بثينة وأخذ موعد عليها، ففعلت وانصرفت إلى أهلها وقد أبطأت عليهم. فلقيها أبو بثينة وزوجها وأخوها فسألوها عما أبطأ بها، فالتوت عليهم ولم تخبرهم وتعلّلت؛ فضربوها ضربا مبرّحا؛ فأعلمتهم حالها مع جميل ودفعت إليهم خاتمه. ومرّ بها في تلك الحال فتيان من بني عذرة فسمعا القصّة كلّها وعرفا الموضع الذي فيه جميل، فأحبّا أن يثبّطا عنه فقالا للقوم:
إنكم إن لقيتم جميلا وليست بثينة معه ثم قتلتموه لزمكم في ذلك كلّ مكروه؛ وأهل بثينة [1] أعزّ عذرة، فدعوا الأمة توصّل خاتمه إلى بثينة، فإذا زارها بيّتموهما جميعا؛ قالوا: صدقتما لعمري إنّ هذا الرأي. فدفعوا الخاتم إلى الأمة وأمروها بإيصاله وحذّروها أن [2] تخبر بثينة بأنهم علموا القصّة، ففعلت. ولم تعلم بثينة بما جرى. ومضى الفتيان فأنذرا جميلا؛ فقال: واللّه ما أرهبهم، وإن في كنانتي ثلاثين سهما واللّه لا أخطأ كلّ واحد منها رجلا منهم، وهذا سيفي واللّه ما أنا به رعش اليد ولا جبان الجنان. فناشداه اللّه وقالا: البقية [3] أصلح، فتقيم عندنا في بيوتنا حتى/ يهدأ الطلب، ثم نبعث إليها فتزورك وتقضي من لقائها وطرا وتنصرف سليما غير مؤبّن [4]. فقال أمّا الآن فابعثا إليها من ينذرها؛ فأتياه براعية لهما وقالا له: قل بحاجتك؛ فقال: ادخلي إليها وقولي لها: إني أردت اقتناص ظبي فحذره ذلك جماعة اعتوروه من القنّاص ففاتني الليلة. فمضت فأعلمتها ما قال لها؛ فعرفت قصّته وبحثت عنها فعرفتها؛ فلم تخرج لزيارته تلك الليلة ورصدوها فلم تبرح مكانها ومضوا يقتصّون أثره فرأوا بعر ناقته فعرفوا أنه قد فاتهم، فقال جميل في ذلك:
خليليّ عوجا اليوم حتى تسلّما ... على عذبة الأنياب طيّبة النّشر
ألمّا بها ثم اشفعا لي وسلّما ... عليها سقاها اللّه من سبل [5] القطر [6]
***
إذا ما دنت زدت اشتياقا وإن نأت ... جرعت لنأي الدار منها وللبعد
/ أبى القلب إلا حبّ بثنة لم يرد ... سواها وحبّ القلب بثنة لا يجدي
قال: وقال أيضا: ومن الناس من يضيف هذه الأبيات إلى هذه القصيدة؛ وفيها أبيات معادة القوافي تدلّ على أنها مفردة عنها، وهي:
__________
[1] كذا في جمع الأصول. والأحرى بهذه الجملة أن تكون: «و أهل جميل إلخ».
[2] في الأصول: «بأن».
[3] البقية كالبقيا وهي أن تبقى على عدوّك ولا تستأصله.
[4] غير مؤبن: غير معيب. يريد لم تصب بمكروه. وفي «مختصر الأغاني»: «غير موتور».
[5] في ب، س «من سائغ القطر».
[6] كذا في الأصول التي بين أيدينا. ويلاحظ أن الكلام هاهنا مقتضب، إذ لا اتصال بين الشعر الذي قافيته راء والشعر الذي قافيته دال.
وورد في مختصر الأغاني بعد هذين البيتين اللذين قافيتهما راء ثلاثة الأبيات الآتية، وهي من أبيات سيوردها المؤلف قريبا في ص 150.
وبوحا بذكري عند بثنة وانظرا ... أترتاح يوما أم تهش إلى ذكرى
هي البدر حسنا والنساء كواكب ... وشتان ما بين الكواكب والبدر
لقد فضلت ليلى على الناس مثل ما ... على ألف شهر فضلت ليلة القدر
ألم تسأل الدار القديمة هل لها ... بأمّ جسير بعد عهدك من عهد
وفيها يقول:
صوت
سلي الرّكب هل عجنا لمغناك مرّة ... صدور المطايا وهي موقرة تخدي
وهل فاضت العين الشّروق بمائها ... من اجللك حتى اخضلّ من دمعها بردي
الغناء لأحمد بن المكيّ ثاني ثقيل بالوسطى: -
وإنّي لأستجري لك الطير جاهدا ... لتجري بيمن من لقائك من [1] سعد
وإنّي لأستبكي إذا الركب غرّدوا ... بذكراك أن يحيا بك الركب إذ يخدي [2]
فهل تجزينّي أمّ عمرو بودّها ... فإنّ الذي أخفي بها فوق ما أبدي
وكلّ محبّ لم يزد فوق جهده ... وقد زدتها في الحبّ منّي على الجهد
قصته مع أم منظور وقد أبت عليه أن تريه إياها:
أخبرني الحرميّ قال حدّثنا الزّبير قال حدّثني عمر بن إبراهيم وغيره وبهلول بن سليمان البلويّ:
أنّ رهط بثينة ائتمنوا عليها عجوزا منهم يثقون بها يقال لها أمّ منظور. فجاءها جميل فقال لها: يا أمّ منظور، أريني بثينة. فقالت: لا! واللّه لا أفعل، قد ائتمنوني عليها. فقال: أما واللّه لأضرّنّك؛ فقالت: المضرّة واللّه في أن أريكها. فخرج من عندها وهو يقول:
ما أنس لا أنس منها نظرة سلفت ... بالحجر [3] يوم جلتها أمّ منظور
ولا انسلابتها [4] خرسا جبائرها ... إليّ من ساقط الأوراق [5] مستور
/ قال: فما كان إلّا قليل حتى انتهى إليهم هذان البيتان. قال: فتعلّقوا بأمّ منظور فحلفت لهم بكلّ يمين فلم يقبلوا منها. هكذا ذكر الزّبير بن بكّار في خبر أمّ منظور، وقد ذكر فيه غير ذلك.
استدعى مصعب أم منظور وسألها عن قصتها مع جميل وبثينة:
أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدّثنا أحمد بن الهيثم بن فراس قال حدّثني العمريّ عن الهيثم بن عديّ، وأخبرني به ابن أبي الأزهر عن حمّاد عن أبيه عن الهيثم بن عديّ:
__________
[1] لعله «أو سعد».
[2] في ح: «إذ تخدّى». وفي م، ء: «أو تحدى»، وفي ب، س: «إذ تحدى».
[3] الحجر: اسم موضع.
[4] كذا في ح و «مختصر الأغاني»: وانسلب في الأصل: أسرع، كأنه لسرعته يخرج من جلده، وهو في الأصل أكثر ما يستعمل في الناقة.
والجبائر: الأساور، يريد تسللها إليه خفية في سرعة. وفي سائر الأصول: «استلابتها».
[5] كذا في ح. والأرواق: الفساطيط. يقال: ضرب فلان روقه بموضع كذا إذا نزل له كما يقال: ضرب خيمته. وفي سائر الأصول:
«الأوراق» وهو تحريف.
أن رجلا أنشد مصعب بن الزّبير قول جميل:
ما أنس لا أنس منها نظرة سلفت ... بالحجر يوم جلتها أمّ منظور
فقال: لوددت أنّي عرفت كيف جلتها. فقيل له: إن أم منظور هذه حيّة. فكتب في حملها إليه مكرّمة فحملت إليه.
فقال لها: أخبريني عن قول جميل:
ما أنس لا أنس منها نظرة سلفت ... بالحجر يوم جلتها أمّ منظور
كيف كانت هذه الجلوة؟ قالت [1]: ألبستها قلادة بلح ومخنقة بلح واسطتها تفّاحة، وضفرت شعرها وجعلت في فرقها شيئا من الخلوق. ومرّ بنا جميل راكبا ناقته فجعل ينظر إليها بمؤخّر عينه ويلتفت إليها حتى غاب عنا. فقال لها مصعب: فإنّي أقسم عليك/ إلّا جلوت عائشة بنت طلحة مثل ما جلوت بثينة، ففعلت: وركب مصعب ناقته وأقبل عليهما وجعل ينظر إلى عائشة بمؤخّر عينه ويسير حتى غاب عنهما ثم رجع.
زارها مرة متنكرا في زي سائل:
أخبرني الحرميّ قال حدّثنا الزّبير قال حدّثني بهلول عن بعض مشايخه:
أنّ جميلا جاء إلى بثينة ليلة وقد أخذ ثياب راع لبعض الحيّ، فوجد عندها ضيفانا لها، فانتبذ ناحية، فسألته:
من أنت؛ فقال: مسكين مكاتب [2]، فجلس/ وحده، فعشّت ضيفانها وعشّته وحده. ثم جلست هي وجارية لها على صلائهما واضطجع القوم منتحين. فقال جميل:
واعدته مرة وأحس أهلها فمنعوها فقال في ذلك شعرا:
... هل البائس المقرور دان فمصطل ... من النار أو معطى لحافا فلابس
فقالت لجاريتها: صوت جميل واللّه! اذهبي فانظري!. فرجعت إليها فقالت: هو واللّه جميل! فشهقت شهقة سمعها القوم فأقبلوا يجرون وقالوا مالك؟ فطرحت بردا لها من حبرة في النار وقالت: احترق بردي، فرجع القوم. وأرسلت جاريتها إلى جميل، فجاءتها به، فحبسته عندها ثلاث ليال، ثم سلّم عليها وخرج.
وقال الهيثم وأصحابه في أخبارهم:
كانت بثينة قد واعدت جميلا للالتقاء في بعض المواضع، فأتى لوعدها. وجاء أعرابيّ يستضيف القوم فأنزلوه وقروه، فقال لهم: إني قد رأيت في بطن هذا الوادي ثلاثة نفر متفرّقين متوارين في الشجر وأنا خائف عليكم أن يسلّوا [3] بعض إبلكم. فعرفوا أنه جميل وصاحباه، فحرسوا بثينة ومنعوها من الوفاء بوعده. فلما أسفر له الصبح انصرف كئيبا سيّىء الظنّ بها ورجع إلى أهله، فجعل نساء الحيّ يقرّعنه بذلك ويقلن له: إنما حصلت منها على الباطل والكذب والغدر، وغيرها أولى بوصلك منها، كما أن غيرك يحظى بها. فقال في ذلك:
أبثين إنك قد ملكت فأسجحي ... وخذي بحظّك من كريم واصل
__________
[1] في الأصول: «قال» وهو تحريف.
[2] المكاتبة: أن يكاتب الرجل عبده على مال يؤديه إليه منجما، فإذا أداه صار حرا.
[3] السل: انتزاع الشيء واغتصابه.
صوت
فلربّ عارضة علينا وصلها ... بالجدّ تخلطه بقول الهازل
فأجبتها بالقول بعد تستّر ... حبّي بثينة عن وصالك شاغلي
/ لو كان في قلبي كقدر قلامة ... فضلا وصلتك أو أتتك رسائلي
- الغناء ليحيى المكّيّ ثقيل أوّل بالوسطى من رواية أحمد -
ويقلن أنك قد رضيت بباطل ... منها فهل لك في اجتناب الباطل
ولباطل ممّن أحبّ حديثه ... أشهى إليّ من البغيض الباذل
الغناء لسليم رمل بالوسطى عن عمرو. وذكر عمر أنه ليزيد حوراء.
قصته مع بثينة وقد علم زوجها بمقامه معها وما قيل في ذلك من الشعر:
وذكر الهيثم بن عديّ وأصحابه أن جماعة من بني عذرة حدّثوا أن جميلا رصد بثينة ذات ليلة في نجعة لهم، حتى إذا صادف منها خلوة سكر ودنا منها وذلك في ليلة ظلماء ذات غيم وريح ورعد، فحذفها بحصاة فأصابت بعض أترابها، ففزعت وقالت: واللّه ما حذفني في هذا الوقت بحصاة إلا الجنّ! فقالت لها بثينة وقد فطنت: إن جميلا فعل ذلك فانصرفي ناحية إلى منزلك حتى ننام، فانصرفت وبقيت مع بثينة أمّ الجسير وأمّ منظور، فقامت إلى جميل/ فأدخلته الخباء معها وتحدّثا طويلا، ثم اضطجع واضطجعت إلى جنبه فذهب النوم بهما حتى أصبحا وجاءها غلام زوجها بصبوح من اللبن بعث به إليها، فرآها نائمة مع جميل، فمضى لوجهه حتى خبّر سيّده. ورأته ليلى والصّبوح معه وقد عرفت خبر جميل وبثينة فاستوقفته كأنها تسأله عن حاله وبعثت بجارية لها وقالت حذّري بثينة وجميلا، فجاءت الجارية فنبّهتهما. فلما تبيّنت بثينة الصبح قد أضاء والناس منتشرين ارتاعت وقالت: يا جميل! نفسك نفسك! فقد جاءني غلام نبيه بصبوحي من اللبن فرآنا نائمين! فقال لها جميل وهو غير مكترث لما خوّفته منه:
لعمرك ما خوّفتني من مخافة ... بثين ولا حذّرتني موضع الحذر
فأقسم لا يلقى لي اليوم غرّة ... وفي الكفّ منّي صارم قاطع ذكر
/ فأقسمت عليه أن يلقي نفسه تحت النّضد [1] وقالت: إنما أسألك ذلك خوفا على نفسي من الفضيحة لا خوفا عليك، ففعل ذلك ونامت كما كانت، واضطجعت أمّ الجسير إلى جانبها وذهبت خادم ليلى إليها فأخبرتها الخبر فتركت العبد يمضي إلى سيّده فمضى والصّبوح معه وقال له: إني رأيت بثينة مضطجعة وجميل إلى جنبها. فجاء نبيه إلى أخيها وأبيها فأخذ بأيديهما وعرّفهما الخبر وجاءوا بأجمعهم إلى بثينة وهي نائمة فكشفوا عنها الثوب فإذا أمّ الجسير إلى جانبها نائمة. فخجل زوجها وسبّ عبده وقالت ليلى لأخيها وأبيها: قبحكما اللّه! أفي كلّ يوم تفضحان فتاتكما ويلقاكما هذا الأعور فيها بكلّ قبيح! قبحه اللّه وإياكما! وجعلا يسبّان زوجها ويقولان له كلّ قول قبيح. وأقام جميل عند بثينة حتى أجنّه الليل ثم ودّعها وانصرف. وحذرتهم بثينة لما جرى من لقائه إيّاها فتحامته مدّة، فقال في ذلك:
__________
[1] النضد: متاع البيت المنضود بعضه فوق بعض.
صوت
أ أن هتفت ورقاء ظلت سفاهة ... تبكّي على جمل لورقاء تهتف
فلو كان لي بالصرم يا صاح طاقة ... صرمت ولكنّي عن الصرم أضعف
للهذليّ في هذين البيتين لحنان أحدهما ثقيل أوّل بالسّبابة في مجرى البنصر عن إسحاق، والآخر خفيف ثقيل بالوسطى عن عمرو، وذكر غيره لابن جامع. وفيه لبذل الكبرى خفيف ثقيل بالخنصر في مجرى البنصر عن أحمد بن المكّي. ومما يغنّى فيه من هذه القصيدة قوله:
صوت
لها في سواد القلب بالحبّ ميعة [1] ... هي الموت أو كادت على الموت تشرف
وما ذكرتك النفس يا بثن مرّة ... من الدهر إلا كادت النفس تتلف
وإلّا اعترتني زفرة واستكانة ... وجاد لها سجل من الدمع يذرف
وما استطرفت نفسي حديثا لخلّة ... أسرّ به إلا حديثك أطرف
الغناء لإبراهيم ثقيل أوّل بالوسطى عن الهشاميّ. وأوّل هذه القصيدة:
/أمن منزل قفر تعفّت رسومه ... شمال تغاديه ونكباء [2] حرجف
فأصبح قفرا بعد ما كان آهلا ... وجمل المنى تشتو به وتصيّف
ظللت ومستنّ [3] من الدمع هامل ... من العين لما عجت بالدّار ينزف
أمنصفتي جمل فتعدل بيننا ... إذا حكمت والحاكم العدل ينصف
تعلّقتها والجسم منّي مصحّح ... فما زال ينمي حبّ جمل وأضعف
إلى اليوم حتى سلّ جسمي وشفني ... وأنكرت من نفسي الذي كنت أعرف
قناة من المرّان [4] ما فوق حقوها ... وما تحته منها نقا يتقصّف
لها مقلتا ريم وجيد جداية [5] ... وكشح كطيّ السابريّة [6] أهيف
ولست بناس أهلها حين أقبلوا ... وجالوا علينا بالسيوف وطوّفوا
/ وقالوا جميل بات في الحيّ عندها ... وقد جرّدوا أسيافهم ثم وقّفوا
__________
[1] كذا في «منتهى الطلب في أشعار العرب» نسخة مخطوطة محفوظة بالدار (تحت رقم 53 أدب ش) وفي الأصول: «منعة» بالنون.
[2] النكباء: الريح التي انحرفت عن مهب الرياح القوّم ووقعت بين مهب ريحين أو بين الصبا والشمال. والحرجف: الباردة الشديدة الهبوب.
[3] مستن: منصب.
[4] رواية «منتهى الطلب»: «صيود كغصن البان ما فوق حقوها» والمران. الرماح.
[5] الجداية: الذكر والأنثى من أولاد الظباء إذا بلغت ستة أشهر.
[6] السابري: الرفيق من الثياب، وهو أيضا الدرع الدقيقة النسج.
وفي البيت ليث الغاب لو لا مخافة ... على نفس جمل والإله لأرعفوا [1]
هممت وقد كادت مرارا تطلّعت ... إلى حربهم نفسي وفي الكفّ مرهف
وما سرّني غير الذي كان منهم ... ومنّي وقد جاءوا إليّ وأوجفوا
فكم مرتج أمرا أتيح له الرّدى ... ومن خائف لم ينتقصه التخوّف
له بيت كان نصفه أعرابي ونصفه مخنث:
حدّثني عمّي قال حدّثنا الكرانيّ قال حدّثنا العمريّ، وأخبرنا محمد بن العباس اليزيديّ قال حدّثنا الخليل بن أسد قال حدّثنا العمريّ عن الهيثم بن عديّ قال، قال لي صالح بن حسان:
هل تعرف بيتا نصفه أعرابيّ في شملة وآخره مخنّث يتفكّك من مخنّثي العقيق؟ فقلت: لا أدري. قال: قد أجّلتك فيه حولا. فقلت: لو أجّلتني حولين ما علمت. قال: قول جميل:
ألا أيّها النّوّام ويحكم هبّوا
هذا أعرابيّ في شملة. ثم قال:
نسائلكم هل يقتل الرجل الحبّ
كأنه واللّه من مخنّثي العقيق. في هذا الشعر غناء، نسبته وشرحه:
صوت
ألا أيّها النّوّام ويحكم هبّوا ... نسائلكم هل يقتل الرجل الحبّ
ألا ربّ ركب قد دفعت وجيفهم [2] ... إليك ولو لا أنت لم يوجف الرّكب
/ الغناء لابن محرز خفيف رمل بالسبّابة والوسطى عن يحيى المكي، وذكره إسحاق في هذه الطريقة ولم ينسبه إلى أحد. وفيه لسليم ما خوريّ عن الهشاميّ. وفيه لمالك ثاني ثقيل بالسّبابة في مجرى الوسطى عن إسحاق، وقيل:
إنه لمعبد. وفيه لعريب هزج من رواية ابن المعتزّ. وذكر عبد اللّه بن موسى أن لحن مالك من الثقيل الأوّل وأن خفيف الرّمل لابن سريج وأن الهزج لحمدونة بنت الرّشيد.
جفا بثينة لما علقت حجنة الهلالي:
أخبرنا الحسين بن يحيى المرداسيّ قال أخبرنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه عن أيّوب ابن عباية المحرزيّ عن شيخ من رهط جميل من عذرة:
أن بثينة لما علقت حجنة الهلاليّ جفاها جميل. قال: وأنشدني لجميل في ذلك:
__________
[1] أرعفه: أعجله.
[2] الوجيف: سرعة السير.
صوت
بينا حبال ذات عقد لبثنة ... أتيح لها بعض الغواة فحلّها
فعدنا كأنّا لم يكن بيننا هوى ... وصار الذي حلّ الحبال هوى لها
وقالوا نراها يا جميل تبدّلت ... وغيّرها الواشي فقلت لعلّها
الغناء للهذليّ خفيف ثقيل مطلق في مجرى الوسطى. وذكره إسحاق في هذه الطريقة والإصبع ولم ينسبه إلى أحد.
تمثل إفريقي بشعر له يعرّض فيه بفتى من آل عثمان:
أخبرني محمد بن مزيد قال حدّثنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه قال حدّثنا أبو عوف عن عبد الرحمن بن مقرّن قال: بعثني المنصور لأبتاع له جارية من المدينة وقال لي: اعمل برأي ابن نفيس؛ فكنت أفعل ذلك، وأغشى ابنه، وكانت له جارية مغنية قد كلف بها فتى من/ آل عثمان بن عفّان، فكان يبيع عقدة [1] عقدة من ماله وينفق ثمنها عليها. وابتلي برجل من أهل إفريقيّة ومعه ابن له، فغشي ابن الإفريقيّ بيت ابن نفيس فجعل يكسو الجارية وأهلها ويبرّهم حتى حظي عندهم وغلب عليهم وتثاقلوا العثمانيّ. فقضي أن اجتمعنا عشيّة عندها وحضر ابن الإفريقيّ والعثمانيّ؛ فنزع ابن الإفريقيّ خفّه فتناثر المسك منه، وأراد العثمانيّ أن يكيده بفعله. فجلسنا ساعة؛ فقال لها ابن الإفريقيّ: غنّي:
بينا حبال ذات عقد لبثنة ... أتيح لها بعض الغواة فحلّها
يعرّض بالعثمانيّ. فقال لها العثمانيّ: لا حاجة لنا في هذا، ولكن غنّي:
ومن يرع نجدا يلفني قد رعيته ... بجنيته [2] الأولى ويورد على وردي
قال: فنكس ابن الإفريقيّ رأسه وخرج العثمانيّ فذهب، وخمد أهل البيت فما انتفعوا بقيّة يومهم.
شعره حين زوّجت بثينة نبيها:
أخبرني الحرميّ قال حدّثنا الزّبير قال حدّثني عمر بن أبي بكر المؤمّلي وبهلول بن سليمان البلويّ:
أن جميلا قال لما زوّجت بثينة نبيها:
صوت
ألا ناد عيرا [3] من بثينة ترتعي ... نودّع على شحط النّوى ونودّع
وحثّوا على جمع الرّكاب وقرّبوا ... جمالا ونوقا جلّة لم تضعضع
في هذين البيتين رمل لابن سريج عن الهشاميّ. ومما يغنّى فيه من هذه القصيدة:
__________
[1] العقدة: الضيعة.
[2] كذا في ب، س وفي سائر الأصول: «بحبته».
[3] العير: القافلة.
صوت
أعيذك بالرحمن من عيش شقوة ... وأن تطمعي يوما إلى غير مطمع
إذا ما ابن ملعون تحدّر رشحه ... عليك فموتي بعد ذلك أودعي
مللن ولم أملل وما كنت سائما ... لأجمال سعدى ما أنحن بجعجع [1]
وحثّوا على جمع الرّكاب وقرّبوا ... جمالا ونوقا جلّة لم تضعضع
ألا قد أرى إلّا بثينة هاهنا ... لنا بعد ذا المصطاف والمتربّع
لمعبد في الثالث والرابع من هذه الأبيات ثقيل أوّل بالخنصر في مجرى الوسطى عن/ إسحاق. ولابن سريج في الأوّل والثاني والخامس خفيف رمل بالبنصر عن عمرو. وللأبجر في الأوّل والخامس والثالث والرابع رمل بالبنصر.
وفي الأول والثاني خفيف ثقيل ينسب إلى معبد وغيره، ولم تعرف صحته من جهة يوثق بها.
شعره لما أبعده السلطان عن بثينة:
أخبرني الحرميّ قال حدّثنا الزّبير قال أنشدنا بهلول بن سليمان لجميل لما بعد عن بثينة وخاف السلطان، وكان بهلول يعجب به،:
ألا قد أرى إلا بثينة للقلب ... بوادي بدا لا بحسمى ولا الشّغب [2]
ولا ببصاق [3] قد تيمّمت فاعترف ... لما أنت لاق أو تنكّب عن الرّكب
أفي كلّ يوم أنت محدث صبوة ... تموت لها بدّلت غيرك من قلب
حديث عبد الملك معها عن عشق جميل لها:
أخبرنا الحرميّ قال حدّثنا الزّبير قال حدّثنا أبي عن يعقوب بن محمد الزّهريّ عن سليمان بن صخر الحرشيّ قال حدّثنا سليمان بن زياد الثّقفي: أن بثينة دخلت على عبد الملك بن مروان. فرأى امرأة خلفاء [4] مولّية؛ فقال لها: ما الذي رأى فيك جميل؟
قالت: الذي رأى فيك الناس حين استخلفوك: فضحك عبد الملك حتى بدت له سنّ سوداء كان يسترها.
شعره في جمله «جديل»:
أخبرني الحرميّ قال حدّثنا الزّبير قال حدّثني عمر بن إبراهيم العويثيّ:
أن جمل جميل الذي كان يزور عليه بثينة يقال له «جديل» وفيه يقول:
__________
[1] جعجع: موضع بثينة، وهو في الأصل المتطامن من الأرض، وهو أيضا المكان الخشن الغليظ.
[2] بدا: موضع بوادي عذرة قرب الشام. وحسمي (بكسر أصله): موضع وراء وادي القرى بما يلي بلاد فلسطين من أرض الشام.
وشغب: ضيعة خلف وادي القرى.
[3] كذا في نسخة الشنقيطي مصححة بقلمه وتقويم البلدان. وبصاق: موضع قريب من مكة، كما قال ابن دريد. وقال ابن حبيب: هو جبل بين أيلة والتيه. وفي جميع النسخ: «براق».
[4] الخلفاء: الحمقاء.
أنخت جديلا عند بثنة ليلة ... ويوما أطال اللّه رغم جديل
أليس مناخ النّضو يوما وليلة ... لبثنة فيما بيننا بقليل؟
مهاجاته قومها بنى الأحب وإهدار السلطان لهم دمه:
أخبرني هاشم بن محمد الخزاعيّ قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثني أبو غسّان محمد بن يحيى المكّي: أنّ جميلا لما اشتهرت بثينة بحبّه إياها اعترضه عبيد اللّه بن قطبة أحد بني الأحبّ وهو من رهطها الأدنين فهجاه؛ وبلغ ذلك جميلا فأجابه، وتطاولا فغلبه جميل وكفّ عنه ابن قطبة، واعترضه عمير بن رمل (رجل من بني الأحبّ) فهجاه. وإياه عنى جميل بقوله:
إذا الناس هابوا خزية ذهبت [1] بها ... أحبّ المخازي كهلها ووليدها
لعمر عجوز طرّقت [2] بك إنني ... عمير بن رمل لابن حرب أقودها
بنفسي فلا تقطع فؤداك ظلّة ... كذلك حزني وعثها وصعودها
/ قال: فاستعدوا عليه عامر بن ربعيّ بن دجاجة، وكانت إليه بلاد عذرة، وقالوا: يهجونا ويغشى بيوتنا وينسب بنسائنا! فأباحهم دمه، وطلب فهرب منه. وغضبت بثينة لهجائه أهلها جميعا. فقال جميل:
وما صائب من نابل [3] قذفت به ... يد وممرّ [4] العقدتين وثيق
له من خوافي النّسر حمّ نظائر [5] ... ونصل كنصل الزّاعبيّ [6] فتيق
على نبعة [7] زوراء أمّا خطامها ... فمتن وأمّا عودها فعتيق
بأوشك قتلا منك يوم رميتني ... نوافذ لم تظهر لهنّ خروق
تفرّق أهلانا بثين فمنهم ... فريق أقاموا واستمرّ فريق
/ فلو كنت خوّارا لقد باح مضمري [8] ... ولكنّني صلب القناة عريق
كأن لم نحارب يا بثين لو انه ... تكشّف غمّاها وأنت صديق
قال ويدلّ على طلب عامر بن ربعيّ إيّاه قوله:
__________
[1] يريد: أخذتها واستمسكت بها.
[2] يريد: حملت بك. يقال: طرقت الناقة والمرأة وكل حامل بولدها إذا نشب في بطنها ولم يسهل خروجه.
[3] كذا في «الكامل» للمبرد ص 42 طبع أوروبا. وفي الأصول: «نائل».
[4] ممر العقدتين يعني وترا. والممر: الشديد القتل.
[5] لعله يريد ريشات سودا متشابهة. وفي ح: «جم نظائر». وفي سائر الأصول: «جم تطاير».
[6] الزاعبيّ من الرماح: الذي إذا هزّ تدافع كله كأن آخره يجري في مقدمه. أو إلى زاعب رجل أو بلد. والفتيق: الحاد الرقيق.
[7] النبع: شجر من أشجار الجبال تتخذ منه القسيّ؛ وأكرم القسيّ ما كان من النبع. وزوراء: معوجة، وكلما كانت القوس أشد انعطافا كان سهمها أمضى. وخطام القوس: وترها. ومتن: قوي. وعتيق: قديم.
[8] كذا في ب، س. وفي سائر الأصول: «ميسمي» بالياء المثناة. ولعله «مبسمي» بالباء الموحدة.
أضرّ بأخفاف البغلية أنّها ... حذار ابن ربعيّ بهنّ رجوم [1]
لما أهدر دمه هرب إلى اليمن ثم رجع بعد عزل عامر إلى الشأم:
أخبرني الحسن بن عليّ الخفّاف قال حدّثنا محمد بن عبد اللّه الحزنبل الأصبهانيّ قال حدّثني عمرو بن أبي عمرو الشّيبانيّ عن أبيه قال حدّثني بعض رواة عذرة:
/ أن السلطان أهدر دم جميل لرهط بثينة إن وجدوه قد غشي دورهم. فحذرهم مدّة، ثم وجدوه عندها، فأعذروا إليه وتوعّدوه وكرهوا أن ينشب بينهم وبين قومه حرب في دمه، وكان قومه أعز من قومها، فأعادوا شكواه إلى السلطان، فطلبه طلبا شديدا، فهرب إلى اليمن فأقام بها مدّة. وأنشدني له في ذلك:
ألمّ خيال من بثينة طارق ... على النّأي مشتاق إليّ وشائق
سرت من تلاع الحجر حتى تخلّصت ... إليّ ودوني الأشعرون وغافق [2]
كأنّ فتيت المسك خالط نشرها ... تغلّ [3] به أردانها والمرافق
تقوم إذا قامت به عن فراشها ... ويغدو به من حضنها من تعانق
قال أبو عمرو وحدّثني هذا العذريّ:
أنّ جميلا لم يزل باليمن حتى عزل ذلك الوالي عنهم، وانتجعوا ناحيّة الشام فرحل إليهم. قال: فلقيته فسألته عما أحدث بعدي؛ فأنشدني:
سقى منزلينا يا بثين بحاجر ... على الهجر منّا صيّف وربيع
ودورك يا ليلى وإن كنّ بعدنا ... بلين بلى لم تبلهنّ ربوع
وخيماتك الّلاتي بمنعرج اللّوى ... لقمريّها بالمشرقين سجيع [4]
تزعزع [5] منها الريح كلّ عشيّة ... هزيم بسلّاف الرياح رجيع
/ وإنّي أن يعلى بك اللّوم أو تري ... بدار أذى من شامت لجزوع
وإنّي على الشيء الذي يلتوى به ... وإن زجرتني زجرة لو ريع [6]
فقدتك من نفس شعاع فإنّني ... نهيتك عن هذا وأنت جميع
__________
[1] الرجوم: اضطرام العدو أي شدّة السير.
[2] الأشعرون: جمع أشعري، نسبة إلى الأشعر بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان، تخفف ياء النسب فتحذف في الجمع. (راجع «القاموس وشرحه» مادة شعر). وغافق: قبيلة.
[3] غل الدهن في رأسه وفي ثوبه: أدخله فيه.
[4] لم يرد هذا المصدر في معجمات اللغة التي بين أيدينا، مع أن «فعيلا» كثير وروده في الأصوات. والموجود في كتب اللغة «سجوع» جمع «سجع» بالفتح، كما قال ابن جنى. (راجع «اللسان» مادة سجع).
[5] زعزعت الريح الشجر ونحوه: حركته. والهزيم: صوت الرعد، والمراد الصوت الشديد. وسلاف الرياح (كما وردت في ب، س):
متقدماتها، والواحد سالف وسالفة. وقد وردت هذه الكلمة في بعض الأصول الخطية: «بسدوف الرياح» وفي بعضها: «بسدف الرياح». ورجيع: مردّد، وهو نعت لهزيم.
[6] وريع: كاف.
فقرّبت لي غير القريب وأشرفت ... هناك ثنايا ما لهنّ طلوع
يقولون صبّ بالغواني موكّل ... وهل ذاك من فعل الرجال بديع!
وقالوا رعيت اللّهو والمال ضائع ... فكالناس فيهم صالح ومضيع
الغناء لصالح بن الرشيد رمل بالوسطى عن الهشاميّ وابن خرداذبه وإبراهيم. وذكر حبش أنّ في هذه الأبيات لإسحاق لحنا من الثقيل بالوسطى؛ ولم يذكر هذا أحد غيره ولا سمعناه ولا قرأناه إلا في كتابه. ومن الناس من يدخل هذه الأبيات في قصيدة المجنون التي على رويّ وقافية هذه القصيدة، وليست له.
أنشد كثير من شعره وقال هو أشعر الناس:
أخبرني محمد بن مزيد قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثني عمر بن أبي بكر المؤمّليّ [1] عن أبي عبيدة عن أبيه قال: دخل علينا كثيّر/ يوما وقد أخذ بطرف ريطته وألقى طرفها الآخر وهو يقول: هو واللّه أشعر الناس حيث يقول:
وخبّرتماني أنّ تيماء منزل ... لليلى إذا ما الصّيف ألقى المراسيا
فهذي شهور الصيف عنّي قد انقضت ... فما للنّوى ترمي بليلى المراميا
ويجرّ ربطته حتى يبلغ إلينا، ثم يولّي عنّا ويجرّها ويقول: هو واللّه أشعر الناس حيث يقول:
/و أنت التي إن شئت كدّرت عيشتي ... وإن شئت بعد اللّه أنعمت باليا
وأنت التي ما من صديق ولا عدا ... يرى نضو ما أبقيت إلّا رثى ليا
ثم يرجع إلينا ويقول: هو واللّه أشعر الناس. فقلنا: من تعني يا أبا صخر؟ فقال: ومن أعني سوى جميل! هو واللّه أشعر الناس حيث يقول هذا!. وتيماء خاصّة: منزل لبنى عذرة، وليس من منازل عامر؛ وإنما يرويه عن المجنون من لا يعلمه.
وفي هذه القصيدة يقول جميل:
وما زلتم يا بثن حتّى لو أنّني ... من الشوق أستبكي الحمام بكى ليا
إذا خدرت رجلي وقيل شفاؤها ... دعاء حبيب كنت أنت دعائيا
وما زادني النّأي المفرّق بعدكم ... سلوّا ولا طول التلاقي تقاليا [2]
ولا زادني الواشون إلّا صبابة ... ولا كثرة الناهين إلا تماديا
ألم تلعمي يا عذبة الرّيق أنّني ... أظلّ إذا لم ألق وجهك صاديا
__________
[1] كذا فيما تقدم في جميع الأصول في الجزء الرابع ص 123 (راجع الحاشية رقم 1 في هذه الصفحة). وفي جميع الأصول هنا:
«الموصلي».
[2] في «منتهى الطلب»: «و لا طول اجتماع تقاليا».
لقد خفت أن ألقى المنيّة بغتة ... وفي النفس حاجات إليك كما هيا
أخبرنا الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير قال حدّثني بعض أصحابنا عن محمد بن معن الغفاريّ عن الأصبغ بن عبد العزيز قال:
كنت عند طلحة بن عبد اللّه بن عوف؛ فدخل عليه كثيّر؛ فلما دخل من الباب أخذ برجله فثناها ثم حجل حتى بلغ الفراش وهو يقول: جميل واللّه أشعر العرب حيث يقول:
وخبّرتماني أنّ تيماء منزل
ثم ذكر باقي الخبر الذي رواه محمد بن مزيد.
يوم ذي ضال:
أخبرني الحرميّ قال حدّثني الزّبير قال حدّثني عمر بن إبراهيم السّعديّ.
أنّ رهط بثينة قالوا إنما يتبع جميل أمة لنا. فواعد جميل بثينة حين لقيها ببرقاء ذي ضال، فتحادثا ليلا طويلا حتى أسحرا [1]. ثم قال لها: هل لك أن ترقدي؟ قالت: ما شئت، وأنا خائفة أن نكون قد أصبحنا. فوسّدها جانبه ثم اضطجعا ونامت؛ فانسلّ واستوى على راحلته فذهب، وأصبحت في مضجعها، فلم يرع الحيّ إلّا بها راقدة عند مناخ راحلة جميل. فقال جميل في ذلك:
فمن يك في حبّي بثينة يمتري ... فبرقاء ذي عليّ شهيد
أخبرني عمّي قال حدّثنا عبد اللّه بن شبيب عن الحزامي عن فليح بن إسماعيل بمثل هذه القصة، وزاد فيها: فلما انتبهت بثينة علمت ما أراده جميل بها، فهجرته وآلت ألّا تظهر له، فقال:
/ألا هل إلى إلمامة أن ألمّها ... بثينة يوما في الحياة سبيل؟
فإن هي قالت لا سبيل فقل لها ... عناء على العذريّ منك طويل
على حين يسلو الناس عن طلب الصّبا ... وينسى اتّباع الوصل منه خليل
شكاه أهلها إلى قومه فلاموه، وشعره في ذلك:
وقال الهيثم وأصحابه في أخبارهم:
تشكّى زوج بثينة إلى أبيها وأخيها إلمام جميل بها. فوجّهوا إلى جميل وأعذروا إليه وشكوه إلى عشيرته وأعذروا إليهم فيه وتوعّدوه، وأتاهم فلامه أهله وعنّفوه وقالوا: إنّا نستحلف إليهم ونتبرّأ منك ومن جريرتك. فأقام مذة لا يلمّ بها، ثم لقي ابني عمّه روقا ومسعودا، فشكا إليهما ما به وأنشدهما قوله:
وإنّي على الشيء الذي يلتوى به ... وإن زجرتني زجرة لوريع
/ فقدتك من نفس شعاع فإنني ... نهيتك عن هذا وأنت جميع
فقرّبت لي غير القريب وأشرفت ... هناك ثنايا ما لهنّ طلوع
__________
[1] في الأصول: «أسحر» بدون ألف التثنية. والإسحار: الدخول في وقت السحر.
يقولون صبّ بالغواني موكّل ... وهل ذاك من فعل الرجال بديع
وقالوا رعيت اللّهو والمال ضائع ... فكالنّاس فيهم صالح ومضيع
تمثل محمد بن عبد اللّه بن حسن بشعره لزوجته:
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا أحمد بن زهير قال حدّثني مصعب بن عبد اللّه قال:
كانت تحت محمد بن عبد اللّه بن حسن امرأة من ولد الزّبير يقال لها فليحة، وكانت لها صبيّة يقال لها رخيّة، قد ربّتها لغير رشدة، وكانت من أجمل النساء وجها. فرأت محمدا وقد نظر إليها ذات يوم نظرا شديدا، ثم تمثّل قول جميل:
بثينة من صنف يقلّبن أيدي الرّم ... اةو ما يحملن قوسا ولا نبلا
ولكنّما يظفرن بالصيد كلّما ... جلون الثّنايا الغرّ والأعين النّجلا
يخالسن ميعادا يرعن لقولها [1] ... إذا نطقت كانت مقالتها فصلا
يرين قريبا بيتها وهي لا ترى ... سوى بيتها بيتا قريبا ولا سهلا
فقالت له فليحة: كأنك تريد رخيّة! قال: إي واللّه! قالت: إنّي أخشى أن تجيء منك بولد وهي لغير رشدة. فقال لها: إنّ الدّنس لا يلحق الأعقاب ولا يضرّ الأحساب. فقالت له: فما يضرّ إذا! واللّه ما يضرّ إلا الأعقاب والأحساب، وقد وهبتها لك. فسرّ بذلك وقال: أما واللّه لقد أعطيتك خيرا منها. قالت: وما هو؟ قال: أبيات جميل التي أنشدتك إيّاها؛ لقد مكثت أسعى في طلبها حولين. فضحكت وقالت: مالي ولأبيات جميل! واللّه ما ابتغيت إلا مسرّتك./ قال: فولدت منه غلاما. وكانت فليحة تدعو اللّه ألّا يبقيه. فبينا محمد في بعض هربه من المنصور والجارية وابنها معه إذ رهقهما الطلب، فسقط الصبيّ من الجبل فتقطّع. فكان محمد بعد ذلك يقول: أجيب في هذا الصبي دعاء فليحة.
نصح أبوه له فردّ عليه ردا أبكاه وأبكى الحاضرين، وشعره في ذلك:
وقال الهيثم بن عديّ وأصحابه في أخبارهم:
لمّا نذر أهل بثينة دم جميل وأباحهم السلطان قتله، أعذروا إلى أهله. وكانت منازلهم متجاورة، إنما هم بيوتات يفترقون كما يفترق البطون والأفخاذ والقبائل غير متباعدين؛ ألم تر إلى/ قول جميل:
أبيت مع الهلّاك [2] ضيفا لأهلها ... وأهلي قريب موسعون أولو فضل
فمشت مشيخة الحيّ إلى أبيه - وكان يلقّب صباحا وكان ذا مال وفضل وقدر في أهله - فشكوه إليه وناشدوه اللّه والرّحم وسألوه كفّ ابنه عمّا يتعرّض له ويفضحهم به في فتاتهم؛ فوعدهم كفّه ومنعه ما استطاع، ثم انصرفوا. فدعا به فقال له: يا بنيّ! حتى متى أنت عمه في ضلالك، لا تأنف من أن تتعلق بذات بعل يخلو بها وينكحها وأنت عنها بمعزل ثم تقوم من تحته إليك فتغرّك بخداعها وتريك الصفاء والمودّة وهي مضمرة لبعلها ما تضمره الحرّة لمن
__________
[1] هذا الشطر هكذا في الأصول.
الهلاك: الصعاليك.
ملكها، فيكون قولها لك تعليلا وغرورا، فإذا انصرفت عنها عادت إلى بعلها على حالتها المبذولة؛ إن هذا لذلّ وضيم! ما أعرف أخيب سهما ولا أضيع عمرا منك. فأنشدك اللّه إلّا كففت وتأملت أمرك؛ فإنك تعلم أنّ ما قلته حقّ، ولو كان إليها سبيل لبذلت ما أملكه فيها، ولكنّ هذا أمر قد فات واستبدّ به من قدّر له، وفي النساء عوض.
فقال له جميل: الرأي ما رأيت، والقول كما قلت؛ فهل رأيت قبلي أحدا قدر أن يدفع عن/ قلبه هواه، أو ملك أن يسلي نفسه، أو استطاع أن يدفع ما قضي عليه! واللّه لو قدرت أن أمحو ذكرها من قلبي أو أزيل شخصها عن عيني لفعلت، ولكن لا سبيل إلى ذلك، وإنما هو بلاء بليت به لحين قد أتيح لي، وأنا أمتنع من طروق هذا الحيّ والإلمام بهم ولو متّ كمدا؛ وهذا جهدي ومبلغ ما أقدر عليه. وقام وهو يبكي؛ فبكى أبوه ومن حضر جزعا لما رأوا منه.
فذلك حين يقول جميل:
صوت
ألا من لقلب لا يملّ فيذهل ... أفق فالتّعزي عن بثينة أجمل
سلا كلّ ذي ودّ علمت مكانه ... وأنت بها حتى الممات موكّل
فما هكذا أحببت من كان قبلها ... ولا هكذا فيما مضى كنت تفعل
* - الغناء لمالك ثقيل أوّل بالسبّابة في مجرى البنصر عن إسحاق - *
فيا قلب دع ذكرى بثينة إنّها ... وإن كنت تهواها تضنّ وتبخل
وقد أيأست من نيلها وتجهّمت ... ولليأس إن لم يقدر النّيل أمثل
وإلّا فسلها نائلا قبل بينها ... وأبخل بها مسؤولة حين تسأل
وكيف ترجّي وصلها بعد بعدها ... وقد جدّ حبل الوصل ممن تؤمّل
وإنّ التي أحببت قد حيل دونها ... فكن حازما، والحازم المتحوّل
ففي اليأس ما يسلي وفي الناس خلّة ... وفي الأرض عمّن لا يواتيك معزل
بدا كلف منّي بها فتثاقلت ... وما لا يرى من غائب الوجد أفضل
هبيني بريئا نلته بظلامة ... عفاها لكم أو مذنبا يتنصّل
قناة [1] من المرّان ما فوق حقوها ... وما تحته منها نقّا يتهيّل
/ قال وقال أيضا في هذه الحال:
صوت
أعن ظعن الحيّ الألى كنت تسأل ... بليل فردّوا عيرهم وتحمّلوا
فأمسوا وهم أهل الديار وأصبحوا ... ومن أهلها الغربان بالدار تحجل
- في هذين البيتين لسياط خفيف رمل بالسبّابة في مجرى البنصر عن إسحاق. وفيه لابن جامع ثاني ثقيل بالوسطى عن عمرو -
__________
[1] في أكثر الأصول: «فتاة». وفي ح «قذاة» وهما تحريف.
على
حين ولّى الأمر عنّا وأسمحت [1] ... عصا البين وانبتّ الرجاء المؤمّل
فما هو إلّا أن أهيم بذكرها ... ويحظى بجدواها سواي ويجذل
وقد أبقت الأيّام منّي على العدا ... حساما إذا مسّ الصريبة يفصل
ولست كمن إن سيم ضيما أطاعه ... ولا كامرىء إن عضّه الدهر ينكل
لعمري لقد أبدى لي البين صفحه [2] ... وبيّن لي ما شئت لو كنت أعقل
وآخر عهدي من بثينة نظرة ... على موقف كادت من البين تقتل
فللّه عينا من رأى مثل حاجة ... كتمتكها والنفس منها تململ
وإني لأستبكي إذا ذكر الهوى ... إليك وإنّي من هواك لأوجل
نظرت ببشر نظرة ظلت أمتري ... بها عبرة والعين بالدمع تكحل
إذا ما كررت الطّرف نحوك ردّه ... من البعد فيّاض من الدمع يهمل [3]
ودع بثينة حين خروجه إلى الشأم:
أخبرني محمد بن مزيد قال حدّثنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه عن أيّوب بن عباية قال:
/ لمّا أراد جميل الخروج إلى الشأم، هجم ليلا على بثينة وقد وجد غفلة. فقالت له: أهلكتني واللّه وأهلكت نفسك! ويحك! أما تخاف!. فقال لها: هذا وجهي إلى الشأم، إنما جئتك مودّعا. فحادثها طويلا ثم ودّعها، وقال: يا بثينة، ما أرانا نلتقي بعد هذا، وبكيا طويلا. ثم قال لها وهو يبكي:
ألا لا أبالي جفوة الناس ما بدا ... لنا منك رأي يا بثين جميل
وما لم تطيعي كاشحا أو تبدّلي ... بنا بدلا أو كان منك ذهول
وإنّي وتكراري الزيارة نحوكم ... بثين بذي هجر بثين يطول [4]
وإن صباباتي بكم لكثيرة ... بثين ونسيانيكم لقليل
أمره مروان وأمر جواس بن قطبة بالحداء لمدحه فقالا شعرا في الفخر:
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير بن بكار قال حدّثني شيوخ من عذرة:
أنّ مروان بن الحكم خرج مسافرا في نفر من قريش ومعه جميل بن معمر وجوّاس بن قطبة أخو عبيد اللّه بن قطبة. فقال مروان لجوّاس: انزل فارجز بنا، وهو يريد أن يمدحه. فنزل جوّاس وقال:
يقول أميري هل تسوق ركابنا ... فقلت له حاد لهنّ سوائيا
__________
[1] أسمحت: سهلت وذلت.
[2] الصفح: الجانب.
[3] في الأصول «مهمل». والذي في «كتب اللغة»: همل الدمع إذا سال.
[4] كذا ورد هذا البيت في الأصول.
تكرّمت عن سوق المطيّ ولم يكن ... سياق [1] المطيّ همّتي ورجائيا
/ جعلت أبي رهنا وعرضي سادرا ... إلى أهل بيت لم يكونوا كفائيا
إلى شرّ بيت من قضاعة منصبا ... وفي شرّ قوم منهم قد بداليا [2]
/فقال مروان: اركب لا ركبت!. ثم قال لجميل: انزل فارجز بنا، وهو يريد أن يمدحه. فنزل جميل فقال:
أنا جميل في السّنام الأعظم ... الفارع الناس الأعزّ الأكرم
أحمي ذماري ووجدت أقرمي ... كانوا على غارب طود خضرم
أعيا على النّاس فلم يهدّم
فقال: عدّ عن هذا. فقال جميل:
لهفا على البيت المعدّي لهفا ... من بعد ما كان قد استكفّا
ولو دعا اللّه ومدّ الكفّا ... لرجفت منه الجبال رجفا
فقال له اركب لا ركبت!.
أمره الوليد بالحداء ليمدحه فقال شعرا في الفخر، ولم يمدح أحدا قط:
قال الزّبير وحدّثني عمر بن أبي بكر المؤمّليّ قال:
كان جميل مع الوليد بن عبد الملك في سفر والوليد على نجيب؛ فرجز به مكين العذريّ فقال:
يا بكر هل تعلم من علاكا ... خليفة اللّه على ذراكا
فقال الوليد لجميل: انزل فارجز، وظنّ الوليد أنه يمدحه. فنزل فقال:
أنا جميل في السّنام من معدّ ... في الذّروة العلياء والرّكن الأشدّ
والبيت من سعد بن زيد والعدد ... ما يبتغي الأعداء منّي ولقد
أضري [3] بالشّتم لساني ومرد ... أقود من شئت وصعب لم أقد
فقال له الوليد: اركب لا حملك اللّه!. قال: وما مدح جميل أحدا قطّ.
هدّده الحزين الديلي فهجاه:
أخبرني الحرميّ قال حدّثنا الزّبير قال حدّثنا يونس بن عبد اللّه [4] بن سالم قال:
/ وقف جميل على الحزين الدّيليّ والحزين ينشد الناس. فقال له الحزين وهو لا يعرفه: كيف تسمع شعري؟
__________
[1] في ح: «سياقي».
[2] كذا في ترجمة جواس (في الجزء التاسع عشر من «الأغاني» طبع بلاق ص 113). وفي الأصول هنا: «إلى خير بيت فيهم قد بداليا».
[3] في كتاب «منتهى الطلب من أشعار العرب»: «أغرم». وفي الأصول: «أضر». وضرى بالشيء (من باب فرح) لهج به، وأضراه بالشيء ألهجه به.
[4] في ج: «عبيد اللّه».
قال: صالح وسط. فغضب الحزين وقال له: ممّن أنت؟ فو اللّه لأهجونّك وعشيرتك!. فقال جميل: إذا تندم. فأقبل الحزين يهمهم يريد هجاءه. فقال جميل:
الدّيل أذناب بكر حين تنسبهم ... وكلّ قوم لهم من قومهم ذنب
فقامت له بنو الدّيل وناشدوه اللّه إلّا كفّ عنهم، ولم يزالوا به حتى أمسك وانصرف.
راجز جوّاس بن قطبة حين ذكر أخته فغلبه:
أخبرني الحرميّ ومحمد بن مزيد - واللفظ له - قالا حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثني محمد بن الضحّاك عن أبيه قال:
لمّا هاجى عبيد اللّه بن قطبة جميلا واستعلى عليه جميل، أعرض عنه، واعترضه أخوه جوّاس بن قطبة فهجاه وذكر أختا لجميل. وكان جميل قبل ذلك يحتقره ولا ينصب [1] له، حتى هجا أخته فقال فيهما ذكرها به من شعره:
إلى فخذيها العبلتين وكانتا ... بعهدي لفّاوين [2] أردفتا ثقلا
فغضب جميل حينئذ فواعده للمراجزة. قال الزّبير فحدّثني بعض آل العبّاس بن سهل بن سعد عن عبّاس قال: قدمت من عند عبد الملك بن مروان وقد أجازني وكساني بردا، كان ذلك البرد أفضل جائزتي، فنزلت وادي القرى فوافقت الجمعة بها فاستخرجت بردي/ الذي من عند عبد الملك وقلت أصلّي مع الناس؛ فلقيني جميل، وكان صديقا لي، فسلّم بعضنا على بعض وتساءلنا ثم افترقنا. فلما أمسيت إذا هو قد أتاني في رحلي/ فقال: البرد الذي رأيته عليك تعيرنيه حتى أتجمّل به؛ فإنّ بيني وبين جوّاس مراجزة، وتحضر فتسمع. قال قلت: لا! بل هو لك كسوة، فكسوته إيّاه، وقلت لأصحابي: ما من شيء أحبّ إليّ من أن أسمع مراجزتهما. فلمّا أصبحنا جعل الأعاريب يأتون أرسالا حتى اجتمع منهم بشر كثير، وحضرت وأصحابي، فإذا بجميل قد جاء وعليه حلّتان ما رأيت مثلهما على أحد قطّ، وإذا بردي الذي كسوته إيّاه قد جعله جلّا لجمله؛ فتراجزا فرجز جميل، وكانت بثينة تكنى أمّ عبد الملك، فقال:
يا أمّ عبد الملك اصرميني ... فبيني صرمى أوصليني
أبكي وما يدريك ما يبكيني ... أبكي حذار أن تفارقيني
وتجعلي أبعد منّي دوني ... إنّ بني عمّك أوعدوني
أن يقطعوا رأسي إذا لقوني ... ويقتلوني ثم لا يدوني [3]
كلّا وربّ البيت لو لقوني ... شفعا ووترا لتواكلوني [4]
قد علم الأعداء أنّ دوني ... ضربا كإيزاغ [5] المخاض الجون
__________
[1] كذا فيء، أ، م. ونصب له: عاداه وتجرّد له. وفي سائر الأصول: «و لا ينصت له».
[2] لفاوان: ضخمتان مكتنزتا اللحم.
[3] وداه بديه: دفع ديته.
[4] أي وكلني بعضهم إلى بعض خوفا مني وجبنا.
[5] الإيزاغ: إخراج البول دفعة واحدة. والحوامل توزغ بأبوالها، والطعنة توزغ بالدم.
ألا أسبّ القوم إذ سبّوني ... بلى وما مرّ على دفين [1]
وسابحات بلوي الحجون [2] ... قد جرّبوني ثم جرّبوني
حتى إذا شابوا وشيّبوني ... أخزاهم اللّه ولا يخزيني
أشباه أعيار على معين [3] ... أحسن حسّ أسد حرون
فهنّ يضرطن من اليقين ... أنا جميل فتعرّفوني
/ وما تقنّعت فتنكروني ... وما أعيّنكم لتسألوني
أنمى إلى عاديّة طحون ... ينشقّ عنها السّيل ذو الشؤون
غمر يدقّ رجح [4] السّفين ... ذو حدب [5] إذا يرى حجون
تنحلّ أحقاد الرجال دوني
قال: ورجز جميل أيضا:
أنا جميل في السّنام من معدّ
وقد تقدّمت هذه الأرجوزة. ثم رجز بعده جوّاس فلم يصنع شيئا. قال: فما رأيت غلبة مثلها قطّ.
هجا خوّاتا العذريّ وبني الأحب:
أخبرنا الحرميّ قال حدّثنا الزّبير قال حدّثنا بهلول بن سليمان عن العلاء بن سعيد البلويّ وجماعة غيره من قومه:
أنّ رجلا من بني عذرة كان يقال له خوّات، أمّه بلويّة، وكان شاعرا، وكان جميل ابن جذاميّة. فخرج جميل إلى أخواله بجذام وهو يقول:
جذام سيوف اللّه في كلّ موطن ... إذا أزمت يوم اللّقاء أزام [6]
هم منعوا ما بين مصر فذي القرى ... إلى الشأم من حلّ به وحرام
بضرب يزيل الهام عن سكناته [7] ... وطعن كإيزاغ المخاض تؤام
/ إذا قصرت يوما أكفّ قبيلة ... عن المجد نالته أكفّ جذام
فأعطوه مائة بكرة. قال: وخرج خوّات إلى أخواله من بليّ وهو يقول:
إنّ بليّا غرّة يهتدى بها ... كما يهتدي الساري بمطّلع النجم
هم ولدوا أمّي وكنت ابن أختهم ... ولم أتخوّل [8] جذم قوم بلا علم
__________
[1] دفين: موضع.
[2] الحجون: جبل بأعلى مكة.
[3] الأعيار: الحمر. والمعين: الماء العذب الغزير.
[4] الرجح من السفن: الثقيلة الموقرة.
[5] حدب السيل: ارتفاعه. وحجون: بعيد.
[6] أزام: شدّة، وهو مبني على الكسر.
[7] السكنة (بفتح فكسر): مقر الرأس من العنق.
[8] تخوّل: اتخذ خالا. وفي الأصول: «أتحوّل» بالحاء المهملة، وهو تصحيف. والجذم: الأصل.
/ قال: فأعطوه مائة غرّة ما بين فرس إلى وليدة؛ ففخر على صاحبه، وذكر أن الغرّة الواحدة ممّا أتى به ممّا معه تعدل كلّ شيء أتى به جميل. فقال عبيد اللّه بن قطبة:
ستقضي بيننا حكماء سعد ... أقطبة كان خيرا أم صباح
قال: وكان عبد اللّه بن معمر أبو جميل يلقّب صباحا. وكان عبيد اللّه بن قطبة يلقّب حماظا [1]. فقال النّخار العذريّ أحد بني الحارث بن سعد: قطبة [2] كان خيرا من صباح. فقال جميل يهجو بني الأحبّ رهط قطبة ويهجو النّخّار:
إنّ أحبّ سفّل [3] أشرار ... حثالة عودهم خوّار
أذلّ قوم حين يدعى الجار ... كما أذلّ الحارث النّخّار
وقال الأبيرق العتبي [4]: قطبة كان خيرا من صباح. فقال جميل:
يا بن الأبيرق وطب بتّ [5] مسنده ... إلى وسادك من حمّ الذّرى جون
وأكلتان إذا ما شئت مرتفقا ... بالسير من نغل الدفين مدهون [6]
أذكر [7] وأمّك منّي حين تنكبني [8] ... جنّي فيغلب جنّي كلّ مجنون
/ وقال جماعة من شعراء سعد في تفضيل قطبة على صباح أقوالا أجابهم عنها جميل فأفحمهم؛ حتى قال له جعفر بن سراقة أحد بني قرّة:
نحن منعنا ذا القرى من عدوّنا ... وعذرة إذ نلقى يهودا ويعشرا [9]
منعناه من عليا معدّ وأنتم ... سفاسيف روح بين قرح [10] وخيبرا
فريقان رهبان بأسفل ذي القرى ... وبالشأم عرّافون فيمن تنصّرا
فلمّا بلغت جميلا اتّقاه وعلم أنه سيعلو عليه؛ فقال جميل:
بنى عامر أنّى انتجعتم وكنتم ... إذا حصّل الأقوام كالخصية الفرد
فأنتم ولأيّ موضع الذّلّ حجرة ... وقرّة أولى بالعلاء وبالمجد
__________
[1] كذا في ب، س. وفي سائر الأصول: «حلماطا». وليس لدينا ما يرجح إحدى الروايتين.
[2] في الأصول « ... الحارث بن سعد بن قطبة ... إلخ» وهو تحريف.
[3] كذا في أكثر الأصول، والسفل: جمع سافل وهو الدنيء، ويقال لأسافل الناس وغوغائهم: سفلة (بفتح فكسر) وسفلة (بكسر فسكون) والعامة تقول رجل سفلة (بفتح فكسر) من قوم سفل (بفتح فكسر) قال ابن الأثير وليس بعربيّ. وفي ح: «قزم أشرار» والقزم (بفتحين أو بضمتين): اللئام.
[4] في ب، س: «القيني».
[5] كذا في ب، س. وفي سائر الأصول: «أنت مسنده».
[6] لم نهتد إلى وجه الصواب في هذا البيت وقد أثبتنا صورته كما وردت في الأصول، فهو هكذا في ب، س. وفي ح هكذا: «من نعل الدي فين». وفي م، أ، ء هكذا: «من بغل الذي فين».
[7] في ب، س، ح: «أزكى وأمك ... ». وهو تحريف.
[8] في م، أ، ء: «تنكثني».
[9] كذا في أكثر الأصول. وفي ب، س: «و بعثرا». ولم نهتد إلى وجه الصواب فيه.
[10] السفساف: التراب الدقيق. والروح: الريح. وقرح: سوق وادي القرى وقصبتها.
فأعرض عنه جعفر - قال الزبير: بنو عامر بن ثعلبة بن عبد اللّه بن ذبيان بن الحارث بن سعد رهط هدبة بن خشرم بن كرز بن أبي حيّة بن الكاهن وهو سلمة بن أسحم بن عامر بن ثعلبة بن عبد اللّه بن ذبيان بن سعد هذيم بن زيد. وزيادة ابن زيد بن مالك بن عامر بن قرّة بن خنبس بن عمرو بن ثعلبة بن عبد اللّه [1] بن ذبيان بن الحارث بن سعد هذيم.
ولأي بن عبد مناة بن الحارث بن سعد هذيم - قال: فدخل جميل على هدبة بن خشرم السجن وهو محبوس بدم زيادة بن زيد، وأهدى له بردين من ثياب كساه إيّاهما سعيد بن العاصي، وجاءه بنفقة؛ فلما دخل عليه عرض ذلك عليه؛ فقال هدبة: أنت يا بن قميئة [2] الذي تقول:
بني عامر أنّى انتجعتم وكنتم ... إذا عدّد الأقوام كالخصية الفرد
/ أما واللّه لئن خلّص اللّه لي ساقيّ لأمدّنّ لك مضامرك؛ خذ برديك ونفقتك. فخرج جميل؛ فلما بلغ باب السجن خارجا قال: اللهمّ أغن عنّي أجدع بني عامر!. وكانت بنو عامر قد قلّوا فحالفوا لأيا.
لقي عمر بن أبي ربيعة وتناشدا الشعر وفضله على نفسه:
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء ومحمد بن مزيد بن أبي الأزهر قالا حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثنا محمد بن إسماعيل بن إبراهيم المخزوميّ قال حدّثني شيخ من أهلي عن أبيه عن الحارث مولى هشام بن المغيرة الذي يقول له عمر بن أبي ربيعة:
يا أبا الحارث قلبي طائر
قال: شهدت عمر بن أبي ربيعة وجميل بن عبد اللّه بن معمر وقد اجتمعا بالأبطح؛ فأنشد جميل قصيدته:
لقد فرح الواشون أن صرمت حبلي ... بثينة أو أبدت لنا جانب البخل
يقولون مهلا يا جميل وإنني ... لأقسم ما بي من بثينة من مهل
أحلما فقبل اليوم كان أوانه ... أم أخشى فقبل اليوم أوعدت بالقتل
لقد أنكحوا حربي نبيها ظعينة ... لطيفة طيّ البطن ذات شوّى خذل
وكم قد رأينا ساعيا بنميمة ... لآخر لم يعمد بكفّ ولا رجل
ا إذ ما تراجعنا الذي كان بيننا ... جرى الدمع من عيني بثينة بالكحل
صوت
كلانا بكى أو كاد يبكي صبابة ... إلى إلفه واستعجلت عبرة قبلي
فلو تركت عقلي معي ما طلبتها ... ولكن طلابيها لما فات من عقلي
فيا ويح نفسي حسب نفسي الذي بها ... ويا ويح أهلي ما أصيب به أهلي
__________
[1] في الأصول: «ابن عمرو بن عبد اللّه بن ثعلبة بن ذبيان إلخ».
[2] القميئة: الذليلة.
/
وقالت لأتراب لها لا زعانف ... قصار ولا كسّ الثّنايا ولا ثعل [1]
إذا حميت شمس النّهار اتقينها ... بأكسية الدّيباج والخزّ ذي الخمل
تداعين فاستعجمن مشيا بذي الغضا ... دبيب القطا الكدريّ في الدّمث السّهل
إذا ارتعن أو فزّعن قمن حوالها ... قيام بنات الماء في جانب الضّحل [2]
أجدّي لا ألقى بثينة مرّة ... من الدهر إلا خائفا أو على رجل [3]
خليليّ فيما عشتما هل رأيتما ... قتيلا بكى من حبّ قاتله قبلي
قال: وأنشده عمر قوله:
جرى ناصح بالودّ بيني وبينها ... فقرّبني يوم الحصاب إلى قتلي
فما أنس م الأشياء أنس موقفي ... وموقفها وهنا [4] بقارعة النخل
فلمّا تواقفنا عرفت الذي بها ... كمثل الذي بي حذوك النعل بالنعل
فقلن لها هذا عشاء وأهلنا ... قريب ألمّا تسأمي مركب البغل
فقالت فما شئتنّ قلن لها انزلي ... فللأرض خير من وقوف على رحل
فأقبلن أمثال الدّمى فاكتنفنها ... وكلّ يفدّي بالمودّة والأهل
نجوم دراريّ تكنّفن صورة ... من البدر وافت غير هوج ولا ثجل [5]
/فسلّمت واستأنست خيفة أن يرى ... عدوّ مكاني أو يرى كاشح فعلي
فقالت وألقت جانب السّتر إنما ... معي فتحدّث غير ذي رقبة أهلي
/ فقلت لها ما بي لهم من ترقّب ... ولكنّ سرّي ليس يحمله مثلي
فلما اقتصرنا دونهن حديثنا ... وهنّ طيبات بحاجة ذي التّبل [6]
عرفن الذي نهوى [7] فقلن ائذني لنا ... نطف ساعة في برد ليل وفي سهل
فقالت فلا تلبثن قلن تحدّثي ... أتيناك وانسبن انسياب مها الرمل
وقمن وقد أفهمن ذا اللّبّ أنما ... أتين الذي يأتين من ذاك من أجلي
__________
[1] الزعانف: جمع زعنفة وهي القصيرة. والكس: جمع كساء. والكسس: قصر الأسنان وصغرها. والثعل: جمع ثعلاء. والثعل:
زيادة سن أو دخول سن تحت أخرى.
[2] بنات الماء: الطيور التي تلازم الماء. والضحل: الماء القليل.
[3] الرجل: الخوف أو الفزع من فوت الشيء، يقال أنا من أمرى على رجل أي على خوف من قوته. وفي ب، س: «على رحل» بالحاء المهملة.
[4] كذا في أكثر الأصول و «ديوان عمر بن أبي ربيعة» (طبع أوروبا). وفي ب، س: «يوما بفارغة النخل».
[5] ثجل: جمع ثجلاء، وصف من الثجل وهو عظم البطن واسترخاؤه، ويروى: «و لا عجل».
[6] كذا في «ديوانه». والتبل: أن يسقم الهوى الإنسان. وفي الأصول: «ذي الشكل».
[7] في «ديوانه»: «تهوى» بالتاء.
فقال جميل: هيهات يا أبا الخطّاب: لا أقول واللّه مثل هذا سجيس [1] الليالي! وما خاطب النساء مخاطبتك أحد؛ وقام مشمّرا.
نسبة ما في هذا الخبر من «الأغاني»
صوت
خليليّ فيما عشتما هل رأيتما ... قتيلا بكى من حبّ قاتله قبلي
أبيت مع الهلّاك ضيفا لأهلها ... وأهلي قريب موسعون ذوو فضل
فلو تركت عقلي معي ما طلبتها ... ولكن طلابيها لما فات من عقلي
الغناء للغريض ثاني ثقيل بالوسطى عن عمرو. وذكر حمّاد والهشاميّ أن فيه لنافع الخير مولى عبد اللّه بن جعفر لحنا من الثقيل الأوّل.
ومنها:
صوت
ألا أيّها البيت الذي حيل دونه ... بنا أنت من بيت [2] وأهلك من أهل
/ ثلاثة أبيات فبيت أحبّه ... وبيتان ليسا من هواي ولا شكلّيّ
كلانا بكى أو كاد يبكي صبابة ... إلى إلفه واستعجلت عبرة قبلي
الغناء لإسحاق خفيف ثقيل الثاني بالبنصر.
ومنها:
صوت
لقد فرح الواشون أن صرمت حبلي ... بثينة أو أبدت لنا جانب البخل
يقولون مهلا يا جميل وإنني ... لأقسم ما بي عن بثينة من مهل
الغناء لابن محرز من كتاب يونس ولم يجنّسه، وذكر إسحاق أنه مما ينسب إلى ابن محرز وابن مسجح، ولم يصحّ عنده لأيّهما هو ولا ذكر طريقته.
غنى نافع الخير يزيد بن معاوية من شعره:
أخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد عن أبيه قال حدّثني غير واحد من الرواة عن صالح بن حسّان قال أخبرني نافع مولى عبد اللّه بن جعفر - وما رأيت أحدا قطّ كان أشكل ظرفا ولا أزين في مجلس ولا أحسن غناء منه - قال:
قدمنا مع عبد اللّه بن جعفر مرّة على معاوية؛ فأرسل إليّ يزيد يدعوني ليلا؛ فقلت: أكره أن يعلم أمير المؤمنين مكاني عندك فيشكوني إلى ابن جعفر. قال فامهل حتى إذا سمر أمير المؤمنين فإن ابن جعفر يكون معه فلا يفتقدك
__________
[1] سجيس الليالي: طول الليالي.
[2] في ب، س:
بنا أنت من بيتى وأهلك من أهلى
ونخلو نحن بما نريد قبل قيامهما./ فأتيته فغنّيته؛ فو اللّه ما رأيت فتى أشرف أريحيّة منه؛ واللّه لألقى عليّ من الكسا الخزّ والوشي وغيره ما لم أستطع حمله، ثم أمر لي بخمسمائة دينار. قال: وذهب بنا الحديث وما كنّا فيه، حتى قام معاوية ونهض ابن جعفر معه، وكان باب يزيد في سقيفة معاوية؛ فسمع صوتي، فقال لابن جعفر: ما هذا يا بن جعفر؟ قال: هذا واللّه صوت نافع. فدخل علينا؛ فلما أحسّ به يزيد تناوم./ فقال له معاوية: مالك يا بنيّ؟ قال:
صدعت فرجوت أن يسكن عنّي بصوت هذا. قال: فتبسّم معاوية وقال: يا نافع، ما كان أغنانا عن قدومك!. فقال له ابن جعفر: يا أمير المؤمنين، إن هذا في بعض الأحايين يذكي [1] القلب. قال: فضحك معاوية وانصرف. فقال لي ابن جعفر: ويلك! هل شرب شيئا؟ قلت: لا واللّه. قال: واللّه إنّي لأرجو أن يكون من فتيان بني عبد مناف الذين ينتفع بهم. قال نافع: ثم قدمنا على يزيد مع عبد اللّه بن جعفر بعد ما استخلف، فأجلسه معه على سريره ودخلت حاشيته تسلّم عليه ودخلت معهم. فلما نظر إليّ تبسّم. ثم نهض ابن جعفر وتبعناه. فقيل له: نظر إلى نافع وتبسم.
فقال ابن جعفر: هذا تأويل تلك الليلة. فقضى حوائج ابن جعفر وأضعف ما كان يصله به معاوية. فلما أراد الانصراف أتاه يودعه ونحن معه؛ فأرسل إليّ يزيد فدخلت عليه. قال: ويحك يا نافع! ما أخّرتك إلا لأتفرّغ لك.
هات لحنك:
خليليّ فيما عشتما هل رأيتما ... قتيلا بكى من حبّ قاتله قبلي
فأسمعته؛ فقال: أعد ويلك! فأعدته، ثم قال: أعد فأعدته ثلاثا. فقال: أحسنت؛ فسل حاجتك. فما سألته في ذلك اليوم شيئا إلا أعطانيه. ثم قال: إن يصلح لنا هذا الأمر من قبل ابن الزّبير فلعلّنا أن نحجّ فتلقانا بالمدينة! فإنّ هذا الأمر لا يصلح إلّا هناك. قال نافع: فمنعنا واللّه من ذلك شؤم ابن الزّبير.
سأله عمر بن أبي ربيعة عن بثينة فذهب إليها وحدثها:
أخبرني الحرميّ قال حدّثنا الزّبير قال حدّثنا محمد بن إسماعيل بن إبراهيم الجعفريّ قال حدّثنا القاسم بن أبي الزّناد قال:
/ خرج عمر بن أبي ربيعة يريد الشأم، فلما كان بالجناب [2] لقيه جميل؛ فقال له عمر: أنشدني، فأنشده:
خليليّ فيما عشتما هل رأيتما ... قتيلا بكى من حبّ قاتله قبلي
ثم قال جميل: أنشدني يا أبا الخطّاب، فأنشده:
ألم تسأل الأطلال والمتربّعا ... ببطن حليّات دوارس بلقعا
فلما بلغ إلى قوله:
فلما توافقنا وسلّمت أشرقت ... وجوه زهاها الحسن أن تتقنّعا
تبالهن بالعرفان لمّا عرفنني [3] ... وقلن امرؤ باغ أكلّ وأوضعا
__________
[1] في ب، س: «يذكر».
[2] الجناب: موضع في أرض كلب في السماوة بين العراق والشام.
[3] في ب، س: «رأينني».
وقرّبن أسباب الهوى لمتيّم ... بقيس ذراعا كلّما قسن إصبعا
قال: فصاح جميل واستخذى وقال: ألا إن النّسيب أخذ من هذا، وما أنشده حرفا، فقال له عمر: اذهب بنا إلى بثينة حتى نسلّم عليها. فقال له جميل: قد أهدر لهم السلطان دمي إن وجدوني عندها، وهاتيك أبياتها. فأتاها عمر حتى وقف على أبياتها وتأنّس حتى كلّم؛ فقال:/ يا جارية، أنا عمر بن أبي ربيعة، فأعلمي بثينة مكاني. فخرجت إليه بثينة في مباذلها وقالت: واللّه يا عمر لا أكون من نسائك اللّاتي يزعمن أن قد قتلهنّ الوجد بك؛ فانكسر عمر؛ قال وإذا امرأة أدماء طوالة.
وأخبرني بهذا الخبر عليّ بن صالح عن أبي هفّان عن إسحاق عن المسيّبيّ والزّبير فذكر مثل ما ذكره الزبير وزاد فيه قال: فقال لها قول جميل:
/و هما قالتا لو أنّ جميلا ... عرض اليوم نظرة فرآنا
بينما ذاك منهما وإذا بي [1] ... أعمل النّصّ [2] سيرة زفيانا
نظرت نحو تربها ثم قالت ... قد أتانا - وما علمنا - منانا
فقالت: إنه استملى منك فما أفلح؛ وقد قيل: اربط الحمار مع الفرس، فإن لم يتعلّم من جريه تعلّم من خلقه.
لقي بثينة ورصده أهلها فهددهم ثم هجرته بثينة وشعره في ذلك:
وذكر الهيثم بن عديّ وأصحابه في أخبارهم: أن جميلا طال مقامه بالشأم ثم قدم، وبلغ بثينة خبره فراسلته مع بعض نساء الحيّ تذكر شوقها إليه ووجدها به وطلبها للحيلة في لقائه، وواعدته لموضع يلتقيان فيه؛ فسار إليها وحدّثها طويلا وأخبرها خبره بعدها. وقد كان أهلها رصدوها، فلما فقدوها تبعها أبوها وأخوها حتى هجما عليهما، فوثب جميل فانتضى سيفه وشدّ عليهما فاتّقياه بالهرب؛ وناشدته بثينة اللّه إلّا انصرف، وقالت له: إن أقمت فضحتني، ولعل الحيّ أن يلحقوك. فأبى وقال: أنا مقيم وامضي أنت وليصنعوا ما أحبّوا. فلم تزل تناشده حتى انصرف. وقال في ذلك وقد هجرته وانقطع التلاقي بينهما مدّة:
ألم تسأل الربع الخلاء فينطق ... وهل تخبرنك اليوم بيداء سملق [3]
وقفت بها حتى تجلّت عمايتي ... وملّ الوقوف الأرحبيّ [4] المنوّق
تعزّ وإن كانت عليك كريمة ... لعلّك من رقّ لبثنة تعتق
لعمركم إن البعاد لشائقي ... وبعض بعاد البين والنأي أشوق
/ لعلّك محزون ومبد صبابة ... ومظهر شكوى من أناس تفرّقوا
وبيض غريرات تثنّي خصورها ... إذا قمن أعجاز ثقال وأسؤق
__________
[1] كذا في ح وفي سائر الأصول: «و أتاني» وهو تحريف.
[2] النص: السير الشديد. وزفيانا: سريعا.
[3] سملق: مقفرة لا نبات بها. وقد وردت هذه القصيدة. في «منتهى الطلب من أشعار العرب» مختلفة الألفاظ عما هنا.
[4] الأرحبيّ: النجيب من الإبل، ينسب إلى قبيلة بني أرحب. والمنوّق: الذلول.
غرائز لم يلقين بؤس معيشة ... يجنّ بهنّ الناظر [1] المتنوّق
وغلغلت [2] من وجد إليهنّ بعد ما ... سريت وأحشائي من الخوف تخفق
معي صارم قد أخلص القين صقله ... له حين أغشيه الضّريبة رونق
فلو لا احتيالي ضقن ذرعا بزائر ... به من صبابات إليهنّ أولق [3]
تسوك بقضبان الأراك مفلّجا ... يشعشع فيه الفارسيّ [4] المروّق
أبثنة للوصل الذي كان بيننا ... نضا مثل ما ينضوا الخضاب فيخلق
أبثنة ما تنأين إلا كأنّني ... بنجم الثّريّا ما نأيت معلّق
أنشد إسحاق الرشيد أحسن شعره في العتاب:
أخبرني محمد بن مزيد بن أبي الأزهر قال حدّثنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه قال:
دخلت على الرشيد يوما فقال لي: يا إسحاق، أنشدني أحسن ما تعرف في عتاب محبّ وهو ظالم متعتّب [5].
/فقلت: يا أمير المؤمنين قول جميل:
رد الماء ما جاءت بصفو ذنائبه [6] ... ودعه إذا خيضت بطرق [7] مشاربه
أعاتب من يحلو لديّ عتابه ... وأترك من لا أشتهي وأجانبه
ومن لذّة الدنيا وإن كنت ظالما ... عناقك مظلوما وأنت تعاتبه
/ فقال: أحسن واللّه! أعدها عليّ؛ فأعدتها حتى حفظها، وأمر لي بثلاثين ألف درهم وتركني وقام فدخل إلى دار الحرم.
ذهب معه صديق له إلى بثينة فطارده أهلها فرجع:
أخبرني محمد بن مزيد قال حدّثنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه عن السّعيديّ [8] قال: حدّثني رجل كان يصحب جميلا من أهل تيماء قال:
كنت يوما جالسا مع جميل وهو يحدّثني وأحدّثه، إذ ثار وتربّد وجهه، فأنكرته ورأيت منه غير ما كنت أرى، ووثب نافرا مقشعرّ الشعر متغيّر اللون، حتى أتي بناقة له قريبة من الأرض مجتمعة موثّقة الخلق فشدّ عليها رحله، ثم أتي بمحلب فيه لبن فشربه، ثم ثنّى فشربت حتى رويت؛ ثم قال لي: اشدد أداة رحلك واشرب واسق جملك
__________
[1] تنوّق في أموره: جوّد وبالغ.
[2] غلغل الرجل: دخل في تعب وشدّة. وفي «ديوان منتهى الطلب من أشعار العرب»: «تنضيت» ومعناها: هزلت.
[3] الأولق: الجنون.
[4] الفارسيّ: من أسماء الخمر.
[5] متعتب: متجنّ.
[6] الذنائب: جمع ذنوب وهي الدلو العظيمة.
[7] الطرق: أن تبول الإبل في الماء وتبعر فتكدره. ويقال للماء الذي خوّضته الإبل فبالت فيه وبعرت: مطروق وطرق.
[8] في ب، س: «السعدي».
فإني ذاهب بك إلى بعض مذاهبي، ففعلت. فجال في ظهر ناقته وركبت ناقتي، فسرنا بياض يومنا وسواد ليلتنا، ثم أصبحنا فسرنا يومنا كلّه، لا واللّه ما نزلنا إلا للصّلاة، فلما كان اليوم الثالث دفعنا إلى نسوة فمال إليهنّ، ووجدنا الرجال خلوفا [1]، وإذا قدر لبن ثمّ وقد جهدت جوعا وعطشا. فلما رأيت القدر اقتحمت عن بعيري وتركته جانبا، ثم أدخلت رأسي في القدر ما يثنيني حرّها حتى رويت؛ فذهبت أخرج رأسي من القدر فضاقت عليّ وإذا هي على رأسي قلنسية، فضحكن منّي وغسلن ما أصابني. وأتي جميل بقرى فو اللّه ما التفت إليه. فبينا هو يحدّثهنّ إذا رواعي [2] الإبل، وقد كان السلطان أحلّ لهم دمه إن وجدوه في بلادهم؛ وجاء الناس فقالوا له: ويحك! انج وتقدّم! فو اللّه ما أكبرهم كلّ الإكبار. وغشيه الرجال فجعلوا يرمونه ويطردونه، فإذا قربوا منه قاتلهم ورمى فيهم. وهام بي جملي، فقال لي يسّر:/ لنفسك مركبا خلفي، فأردفني خلفه. ولا واللّه ما انكسر ولا انحلّ عن فرصته [3] حتى رجع إلى أهله، وقد سار ستّ ليال وستة أيّام وما التفت إلى طعام.
لامه فيها روق ابن عمه ولما رأى ما به احتال في زيارته لها وشعره في ذلك:
وشكا زوج بثينة إلى أبيها وأخيها إلمام جميل بها؛ فوجّهوا إلى جميل فأعذروا إليه وشكوه إلى عشيرته وأعذروا إليهم وتوعّدوه وإيّاهم. فلامه أهله وعنّفوه وقالوا: استخلص إليهم ونبرأ منك ومن جريرتك. فأقام مدّة لا يلمّ بها. ثم لقي ابني عمّه روقا ومسعدة، فشكا إليهما ما به وأنشدهما قوله:
صوت
زورا بثينة فالحبيب مزور ... إن الزيارة للمحبّ يسير
إنّ الترحّل، إن تلبّس أمرنا ... واعتاقنا قدر أحمّ، بكور
- الغناء لعريب رمل بالوسطى -
صوت
إنّي عشيّة رحت وهي حزينة ... تشكو إليّ صبابة لصبور
/ وتقول بت عندي فديتك ليلة ... أشكو إليك فإنّ ذاك يسير
- الغناء لسليم خفيف رمل بالوسطى عن عمرو. وفيه ثقيل أوّل بالبنصر ذكر الهشاميّ أنه لمخارق، وذكر حبش أنه لإبراهيم. وذكر حبش أن لحن مخارق خفيف رمل -
غرّاء مبسام كأنّ حديثها ... درّ تحدّر نظمه منثور
محطوطة [4] المتنين مضمرة الحشى ... ريّا الرّوادف خلقها ممكور
/ لا حسنها حسن ولا كدلالها ... دلّ ولا كوقارها توقير
__________
[1] خلوفا: غيبا.
[2] المراد هنا الإبل الراعية لا الرعاة الذين يرعونها فإن جمع الراعي رعاة ورعاء ورعيان.
[3] الفرصة: القطعة من الصوف والقطن. ولعله يريد ما وضعه على رحل بعيره وجعله تحته.
[4] محطوطة المتنين: ممدوتهما. وفي الأصول: «مخطوطة المتنين» بالخاء المعجمة، وهو تصحيف.
إنّ اللسان بذكرها لموكّل ... والقلب صاد والخواطر صور [1]
ولئن جزيت الودّ منّي مثله ... إني بذلك يا بثين جدير
فقال له روق: إنك لعاجز ضعيف في استكانتك لهذه المرأة وتركك الاستبدال بها مع كثرة النساء ووجود من هو أجمل منها، وإنّك منها بين فجور أرفعك عنه، أو ذلّ لا أحبّه لك، أو كمد يؤدّيك إلى التّلف، أو مخاطرة بنفسك لقومها إن تعرّضت [2] لها بعد أعذارهم إليك. وإن صرفت نفسك عنها وغلبت هواك فيها وتجرّعت مرارة الحزم حتى تألفها وتصبر نفسك عليها طائعة أو كارهة ألفت ذلك وسلوت. فبكى جميل وقال: يا أخي، لو ملكت اختياري لكان ما قلت صوابا، ولكني لا أملك الاختيار ولا أنا إلّا كالأسير لا يملك للنفسه نفعا، وقد جئتك لأمر أسألك ألّا تكدر ما رجوته عندك فيه بلوم، وأن تحمل على نفسك في مساعدتي. فقال له: فإن كنت لا بدّ مهلكا نفسك فاعمل على زيارتها ليلا؛ فإنها تخرج مع بنات عمّ لها إلى ملعب لهنّ، فأجيء معك حينئذ سرّا، ولي أخ من رهط بثينة من بني الأحبّ، نأوي عنده نهارا، وأسأله مساعدتك على هذا، فتقيم عنده أيّاما نهارك وتجتمع معها بالليل إلى أن تقضي أربك؛ فشكره. ومضى روق إلى الرجل الذي من رهط بثينة، فأخبره الخبر واستعهده كتمانه وسأله مساعدته فيه.
فقال له: لقد جئتني بإحدى العظائم؛ ويحك! إن في هذا معاداتي الحيّ جميعا إن فطن به. فقال: أنا أتحرّز في أمره من أن يظهر، فواعده في ذلك؛ ومضى إلى جميل فأخبره بالقصة، فأتيا الرجل ليلا فأقاما عنده. وأرسل إلى بثينة بوليدة له بخاتم جميل فدفعته إليها؛ فلما رأته عرفت، فتبعتها وجاءته فتحدّثا ليلتهما. وأقام بموضعه ثلاثة أيام ثم ودّعها،/ وقال لها: عن غير قلى واللّه ولا ملل يا بثينة كان وداعي لك، ولكنّي قد تذممت من هذا الرجل الكريم وتعريضه نفسه لقومه، وأقمت عنده ثلاثا ولا مزيد على ذلك، ثم انصرف. وقال في عذل روق ابن عمه إيّاه:
لقد لامني فيها أخ ذو قرابة ... حبيب إليه في ملامته رشدي
وقال أفق حتى متى أنت هائم ... ببثنة فيها قد تعيد وقد تبدي
فقلت له فيها قضى اللّه ما ترى ... عليّ وهل فيما قضى اللّه من ردّ
فإن بك رشدا حبّها أو غواية ... فقد جئته ما كان منّي على عمد
صوت
لقد لجّ ميثاق من اللّه بيننا ... وليس لمن لم يوف اللّه من عهد
فلا وأبيها الخير ما خنت عهدها ... ولا لي علم بالذي فعلت بعدي
وما زادها الواشون إلا كرامة ... عليّ وما زالت مودّتها عندي
- الغناء لمتيّم ثقيل أوّل عن الهشاميّ، وذكر ابن المعتزّ أنه لشارية، وذكر ابن خرداذبه أنه لقلم الصالحيّة -
أفي الناس أمثالي أحبّ فحالهم ... كحالي أم أحببت من بينهم وحدي
__________
[1] صور: مائلات.
[2] في الأصول: «تعذرت» وليس لها معنى مناسب.
وهل هكذا يلقى المحبّون مثل ما ... لقيت بها أم لم يجد أحد وجدي
وقال جميل فيها:
خليليّ عوجا اليوم حتى تسلّما ... على عذبة الأنياب طيّبة النّشر
ألمّا بها ثم اشفعا لي وسلّما ... عليها سقاها اللّه من سائغ القطر
وبوحا بذكرى عند بثنة وانظرا ... أترتاح يوما أم تهشّ إلى ذكرى
فإن لم تكن تقطع قوى الودّ بيننا ... ولم تنس ما أسلفت في سالف الدهر
/ فسوف [1] يرى منها اشتياق ولوعة ... ببين وغرب من مدامعها يجري
وإن تك قد حالت عن العهد بعدنا ... وأصغت إلى قول المؤنّب والمزري
فسوف يرى منها صدود ولم تكن ... بنفسي من أهل الخيانة والغدر
أعوذ بك اللّهمّ أن تشحط النّوى ... ببثنة في أدنى حياتي ولا حشري
وجاور إذا ما متّ بيني وبينها ... فيا حبّذا موتي إذا جاورت قبري
عدمتك من حبّ أما منك راحة ... وما بك عنّي من توان ولا فتر
ألا أيّها الحبّ المبرّح هل ترى ... أخا كلف يغري بحبّ كما أغري
أجدّك لا تبلى وقد بلى الهوى ... ولا ينتهي حبيّ بثينة للزجر
أغري أجدّك لا تبلى وقد بلي الهوى ... ولا ينتهي حبّي بثيّنة للزّجر
صوت
هي البدر حسنا والنساء كواكب ... وشتّان ما بين الكواكب والبدر
لقد فضّلت حسنا على الناس مثلما ... على ألف شهر فضّلت ليلة القدر
غنّت شارية في هذين البيتين خفيف رمل من رواية ابن المعتزّ.
تهاجرا مدّة ثم اصطلحا:
أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال أخبرنا إسحاق بن محمد بن أبان قال حدّثني الرّحال بن سعد المازنيّ قال: وقع بين جميل وبثينة هجر في غيرة كان غارها عليها من فتى كان يتحدّث إليها من بني عمها، فكان جميل يتحدّث إلى غيرها، فيشقّ ذلك على بثينة وعلى جميل، وجعل كلّ واحد منهما يكره أن يبدي لصاحبه شأنه. فدخل جميل يوما وقد غلبه الأمر إلى البيت الذي كان يجتمع فيه مع بثينة. فلما رأته بثينة جاءت إلى البيت ولم تبرز له؛ فجزع لذلك جميل؛ وجعل كلّ واحد منهما يطالع صاحبه؛ وقد بلغ الأمر من جميل كلّ مبلغ،/ فأنشأ يقول:
/لقد خفت أن يغتالني الموت عنوة ... وفي النفس حاجات إليك كما هيا
وإني لتثنيني الحفيظة كلّما ... لقيتك يوما أن أبثّك مابيا
__________
[1] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «فكيف».
ألم تعلمي يا عذبة الرّيق أنّني ... أظلّ إذا لم أسق ريقك صاديا
قال: فرقّت له بثينة، وقالت لمولاة لها كانت معها: ما أحسن الصدق بأهله! ثم اصطلحا. فقالت له بثينة: أنشدني قولك:
تظلّ وراء السّتر ترنو بلحظها ... إذا مرّ من أترابها من يروقها
فأنشدها إيّاها؛ فبكت وقالت: كلّا يا جميل! ومن ترى أنه يروقني غيرك!.
نعي جميل وحزن بثينة عليه:
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ وحبيب بن نصر المهلّبي قالا حدّثنا عمر بن شبّة قال ذكر أيوب بن عباية قال: خرجت من تيماء في أغباش [1] السّحر، فرأيت عجوزا على أتان، فتكلّمت فإذا أعرابية فصيحة. فقلت: ممن أنت؟ فقالت: عذريّة. فأجريت ذكر جميل وبثينة؛ فقالت: واللّه إنّا لعلى ماء لنا بالجناب وقد تنكّبنا الجادّة [2] لجيوش كانت تأتينا من قبل الشأم تريد الحجاز، وقد خرج رجالنا لسفر وخلّفوا معنا أحداثا؛ فانحدروا ذات عشيّة إلى صرم [3] قريب منا يتحدّثون إلى جوار منهم، فلم يبق غيري وغير بثينة، إذ انحدر علينا منحدر من هضبة تلقاءنا، فسلّم ونحن مستوحشون وجلون. فتأمّلته ورددت السلام فإذا جميل. فقلت: أجميل؟ قال: إي واللّه؛ وإذا به لا يتماسك جوعا، فقمت إلى قعب لنا فيه أقطّ [4] مطحون وإلى عكّة [5] فيها سمن وربّ [6]، فعصرتها على الأقط/ ثم أدنيتها منه وقلت:
أصب من هذا، فأصاب منه؛ وقمت إلى سقاء فيه لبن فصببت عليه ماء باردا فشرب منه وتراجعت نفسه. فقلت له: لقد بلغت ولقيت شرّا، فما أمرك؟ قال: أنا واللّه في هذه الهضبة التي ترين منذ ثلاث ما أريمها أنتظر أن أرى فرجة، فلما رأيت منحدر فتيانكم أتيتكم لأودّعكم وأنا عامد إلى مصر. فتحدّثنا ساعة ثم ودّعنا وشخص، فلم تطل غيبته أن جاءنا نعيه. فزعموا أنه قال حين حضرته الوفاة:
صدع [7] النّعيّ وما كنى بجميل ... وثوى بمصر ثواء غير قفول
ولقد أجر الذّيل في وادي القرى ... نشوان بين مزارع ونخيل
قومي بثينة فاندبي بعويل ... وابكي خليلك دون كلّ خليل
أخبرني أبو الحسن الأسديّ قال حدّثني محمد بن القاسم عن الأصمعيّ قال: حدّثني رجل شهد جميلا لمّا حضرته الوفاة بمصر أنه دعاه فقال: هل لك في أن أعطيك كلّ ما أخلّفه على أن تفعل شيئا أعهده إليك؟ فقال قلت:
اللهم نعم. قال: إذا أنا متّ فخذ حلّتي هذه التي في عيبتي فاعزلها جانبا ثم كلّ شيء سواها لك، وارحل إلى رهط بني الأحبّ من عذرة - وهم رهط بثينة - فإذا صرت إليهم فارتحل ناقتي هذه واركبها، ثم البس حلّتي هذه واشققها
__________
[1] الغبش: ظلمة آخر الليل.
[2] الجادة: الطريق.
[3] الصرم: الجماعة من الناس ليسوا بالكثير.
[4] الأقط (بفتح فكسر)، وفيه لغات أخرى هذه أفصحها: لبن مجفف يابس مستحجر يطبخ به.
[5] العكة: زقيق صغير للسمن.
[6] الرب: ما يطبح من التمر.
[7] صدع: جاهر وصرح.
ثم اعل على شرف وصح بهذه الأبيات وخلاك ذمّ. ثم أنشدني هذه الأبيات:
/صدع النّعيّ وما كنى بجميل ... وثوى بمصر ثواء غير قفول
- وذكر الأبيات المتقدّمة - فلما قضى وواريته أتيت رهط بثينة ففعلت ما أمرني به جميل، فما استتممت الأبيات حتى برزت إليّ امرأة يتبعها نسوة قد فرعتهنّ/ طولا وبرزت أمامهن كأنها بدر قد برز في دجنّة وهي تتعثّر في مرطها [1] حتى أتتني، فقالت: يا هذا، واللّه لئن كنت صادقا لقد قتلتني، ولئن كنت كاذبا لقد فضحتني. قلت:
واللّه ما أنا إلّا صادق، وأخرجت حلّته. فلما رأتها صاحت بأعلى صوتها وصكّت وجهها، واجتمع نساء الحيّ يبكين معها ويندبنه حتى صعقت فمكثت مغشيّا عليها ساعة، ثم قامت وهي تقول:
وإنّ سلوّي عن جميل لساعة ... من الدّهر ما حانت ولا حان حينها
سواء علينا يا جميل بن معمر ... إذا متّ بأساء الحياة ولينها
قال: فلم أر يوما كان أكثر باكيا وباكية منه يومئذ.
صوت من المائة المختارة من رواية جحظة عن أصحابه
أمسى الشباب مودّعا محمودا ... والشيب مؤتنف [2] المحلّ جديدا
وتغيّر البيض الأوانس بعدما ... حمّلتهنّ مواثقا وعهودا
عروضه من الكامل. الشعر ليزيد بن الطّثريّة، والغناء لإسحاق، ولحنه المختار من الثقيل الأوّل بالبنصر.
وفيه لبابويه خفيف ثقيل بالوسطى، كلاهما من رواية عمرو بن بانة.
__________
[1] المرط: كساء من صوف.
[2] ائتنف الشيء واستأنفه: استقبله، أو أخذ أوّله وابتدأه.
3 - ذكر يزيد بن الطّثريّة [1] وأخباره ونسبه
نسبه ونسب أمه:
ذكر ابن الكلبيّ أنّ اسمه يزيد بن الصّمّة أحد بني سلمة الخير بن قشير. وذكر البصريّون أنه من ولد الأعور بن قشير. وقال أبو عمرو الشّيبانيّ: اسمه يزيد بن سلمة بن سمرة بن سلمة الخير بن قشير بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة. وإنما قيل له سلمة الخير لأنه كان لقشير ابن آخر يقال له سلمة الشّرّ. قال: وقد قيل: إنه يزيد بن المنتشر بن سلمة. والطّثرية أمّه، فيما أخبرني به عليّ بن سليمان الأخفش عن السّكّريّ عن محمد بن حبيب، امرأة من طثر، وهم حيّ من اليمن عدادهم في جرم. وقال غيره: إن طثرا من عنز [2] بن وائل إخوة بكر بن وائل بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعميّ بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار. وكان أبو جراد أحد بني المنتفق بن عامر بن عقيل أسر طثرا فمكث عنده زمانا ثم خلّاه وأخذ عليه إصرا [3] ليبعثنّ إليه بفدائه أو ليأتينّه بنفسه وأهله فلم يجد فداء، فاحتمل بأهله حتى دخل على أبي جراد فوسمه/ سمة إبله، فهم حلفاء لبني المنتفق إلى اليوم نحو من خمسمائة رجل متفرّقين في بني عقيل يوالون [4] بني المنتفق، وهم يعيّرون ذلك [5] الوسم. وقال بعض من يهجوهم:
عليه الوسم وسم أبي جراد
وفيهم يقول يزيد بن الطّثريّة:
ألا بئسما أن تجرموني [6] وتغضبوا ... عليّ إذا عاتبتكم يا بني طثر
/ وزعم بعض البصريين: أن الطّثريّة أمّ يزيد كانت مولعة بإخراج زبد اللّبن، فسمّيت الطّثريّة. وطثرة اللبن:
زبدته.
__________
[1] كذا ضبطه ابن خلكان بالعبارة فقال: «و الطّثريّة بفتح الطاء وإسكان الثاء وبعدها راء ثم ياء النسب وهاء وهي أمه ينسب يزيد المذكور إليها، وهي من بني طثر بن عنز بن وائل. والطثر: الخصب وكثرة اللبن، يقال: إن أمه كانت مولعة بإخراج زبد اللبن». وفي «القاموس» و «شرحه» (مادة طثر): «و طثرية محركة أم يزيد بن الطثرية الشاعر القشيري». وقد ضبط بالقلم في الحماسة للتبريزي و «الأمالي» لأبي علي القالي و «الشعر والشعراء» بإسكان الثاء.
[2] كذا في «تجريد الأغاني وابن خلكان والمعارف» لابن قتيبة و «الاشتقاق» لابن دريد و «القاموس» (مادة عنز). وعنز هذا وبكر وتغلب جميعا أبناء وائل بن قاسط وأمهم هند بنت تميم بن مر. وفي الأصول: «عبد» وهو تحريف.
[3] الإصر: العهد.
[4] في أكثر الأصول «يولون بني المنتفق». ووالاه وتولاه: دخل في ولائه. وفي ب، س: «يولون إلى بني المنتفق».
[5] في الأصول: «يعيرون بذلك». والفصيح الكثير أن يقال: يعيرون ذلك، حتى قيل: إن تعدية «عير» إلى مفعوله الثاني بالباء ممنوعة.
[6] كذا في ب، س. والجرم: القطع والصرم. وفي سائر الأصول: «تحرموني» بالحاء المهملة وهو تصحيف.
كان يلقب مودّقا لجماله، وكان كثير التحدث إلى النساء:
ويكنى يزيد أبا المكشوح [1]. وكان يلقّب مودّقا؛ سمّي بذلك لحسن وجهه وحسن شعره وحلاوة حديثه، فكانوا يقولون: إنه إذا جلس بين النساء ودّقهنّ [2].
أخبرني محمد بن خلف عن حمّاد بن إسحاق عن أبيه قال:
كان يزيد بن الطّثريّة يقول: من أفحم عند النساء فلينشد من شعري. قال: وكان كثيرا ما يتحدّث إلى النساء، وكان يقال: إنه عنّين.
ما جرى بين جرم وقشير وما كان من مياد الجرمي ويزيد بن الطثرية:
وروى عنه [3] عبد اللّه بن عمر عن يحيى بن جابر أحد بني عمرو بن كلاب عن سعاد بنت يزيد بن زريق [4] امرأة منهم:
/ أنّ يزيد بن الطّثريّة كان من أحسن من مضى وجها وأطيبه حديثا، وأنّ النساء كانت مفتونة به، وذكر الناس أنه كان عنّينا، وذلك أنه لا عقب له، وأنّ الناس أمحلوا [5] حتى ذهبت الدقيقة من المال ونهكت [6] الجليلة؛ فأقبل صرم [7] من جرم ساقته السّنة والجدب من بلاده إلى بلاد بني قشير، وكان بينهم وبين بني قشير حرب عظيمة؛ فلم يجدوا بدّا من رمي قشير بأنفسهم لما قد ساقهم من الجدب والمجاعة ودقّة الأموال وما أشرفوا عليه من الهلكة.
ووقع الربيع في بلاد بني قشير فانتجعها الناس وطلبوها؛ فلم يعد أن لقيت جرم قشيرا، فنصبت قشير لهم الحرب.
فقالت جرم: إنما جئنا مستجيرين غير محاربين. قالوا: مما ذا؟ قالوا: من السّنة والجدب والهلكة التي لا باقية لها.
فأجارتهم قشير وسالمتهم وأرعتهم طرفا من بلادها. وكان في جرم فتى يقال له ميّاد، وكان غزلا حسن الوجه تامّ القامة آخذا بقلوب النساء. والغزل في جرم جائز حسن، وهو في قشير نائرة [8]. فلمّا نازلت جرم قشيرا وجاورتها أصبح ميّاد الجرميّ فغدا إلى القشيريّات يطلب منهنّ الغزل والصّبا والحديث واستبراز الفتيات [9] عند غيبة الرّجال واشتغالهم بالسّقي والرّعية وما أشبه ذلك؛ فدفعنه عنهنّ وأسمعنه ما يكره. وراحت رجالهنّ عليهنّ وهنّ مغضبات؛ فقال عجائز منهنّ: واللّه ما ندري أرعيتم جرما المرعى أم أرعيتموهم نساءكم! فاشتدّ ذلك عليهم فقالوا: وما أدراكنّه [10]؟ قلن: رجل منذ اليوم ظلّ مجحرا [11] لنا/ ما يطلع منا [12] رأس واحدة، يدور بين بيوتنا. فقال بعضهم:
__________
[1] كنى بذلك لأنه كان على كشحه (خاصرته) كي نار.
[2] كذا في أكثر الأصول. يريد أنه فتنهن بجماله وحلاوة حديثه. يقال: ودقت المرأة واستودقت وأودقت إذا مالت إلى الفحل. والأصل فيه لذوات الحافر ثم نقل إلى الإنسان. وفي ب، س: «أودق».
[3] مرجع الضمير في «عنه» غير واضح، على أنه يحتمل أن تكون كلمة «عنه» زيدت سهوا.
[4] في م: «رزيق» بتقديم الزاي على الراء.
[5] في ب، س: «محلوا»، وهو تحريف، إذ يقال: محلت الأرض (من باب كلام ومنع) وأمحلت، ويقال: أمحل القوم ليس غير.
[6] كذا في ج. وفي «سائر الأصول»: «و تهتكت الحليلة».
[7] الصرم (بالكسر): الجماعة من الناس.
[8] كذا «في الأصول». والنائرة: العداوة والشحناء، أي أن الغزل في قشير سبب العداوة والتباغض. وفي «تجريد الأغاني»: «مكروه».
[10] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «الفتيان» بالنون، وهو تصحيف.
[11] في «تجريد الأغاني»: « ... ماذا كنه».
[12] كذا في الأصول: «محجرا» (بحاء مهملة فجيم) والأرجح أن تكون (بجيم معجمة بعدها حاء) وهو مأخوذ من أحجره إذا ألجأ إلى أن يدخل حجره. ومجاحر القوم: أماكنهم.
[13] كذا في «تجريد الأغاني». و «في الأصول»: «ما يطلع بنا».
بيّتوا جرما فاصطلموها [1]. وقال بعضهم: قبيح! قوم قد سقيتموهم مياهكم وأرعيتموهم مراعيكم وخلطتموهم بأنفسهم وأجرتموهم من القحط والسّنة تفتاتون عليهم هذا الافتيات! لا تفعلوا، ولكن تصبحوا [2] وتقدّموا إلى هؤلاء القوم في هذا الرجل، فإنه سفيه من سفهائهم فليأخذوا على يديه. فإن يفعلوا فأتمّوا لهم إحسانكم، وإن يمتنعوا ويقرّوا ما كان منه يحلّ لكم البسط عليهم وتخرجوا من ذمّتهم؛ فأجمعوا على ذلك. فلما أصبحوا غدا نفر منهم إلى جرم فقالوا: ما هذه البدعة التي قد جاورتمونا بها! إن كانت هذه البدعة سجيّة لكم فليس لكم عندنا إرعاء ولا إسقاء، فبرّزوا عنّا أنفسكم وأذنوا بحرب. وإن كان افتتانا فغيّروا [3] على من فعله. وإنهم لم يعدوا أن قالوا لجرم ذلك. فقام رجال من جرم وقالوا: ما هذا الذي نالكم؟ قالوا: رجل منكم أمس ظلّ يجرّ أذياله بين أبياتنا ما ندري علام كان أمره! فقهقهت جرم من جفاء/ القشيريّين وعجرفيّتها وقالوا: إنكم لتحسّون من نسائكم ببلاء؛ ألا فابعثوا إلى بيوتنا رجلا ورجلا. فقالوا: واللّه ما نحسّ من نسائنا ببلاء، وما نعرف منهنّ إلا العفّة والكرم، ولكن فيكم الذي قلتم. قالوا: فإنّا نبعث رجلا إلى بيوتكم يا بني قشير إذا غدت الرجال وأخلف النساء، وتبعثون رجلا إلى البيوت، ونتحالف أنّه لا يتقدّم رجل منّا إلى زوجة ولا أخت ولا بنت ولا يعلمها بشيء مما دار بين القوم؛ فيظلّ كلاهما في بيوت أصحابه حتى يردا علينا عشيّا الماء وتخلى لهما البيوت [4]، ولا تبرز عليهما امرأة ولا تصادق منهما واحدا فيقبل منهما صرف ولا [5] عدل إلا بموثق يأخذه عليها وعلامة/ تكون معه منها. قالوا: اللّهمّ نعم. فظلّوا يومهم ذلك وباتوا ليلتهم، حتى إذا كان من الغد غدوا [6] إلى الماء وتحالفوا أنّه لا يعود إلى البيوت منهم أحد دون الليل. وغدا ميّاد الجرميّ إلى القشيريّات، وغدا يزيد بن الطّثريّة القشيريّ إلى الجرميّات؛ فظل عندهنّ بأكرم مظلّ لا يصير إلى واحدة منهنّ إلا افتتنت به وتابعته إلى المودّة والإخاء وقبض منها رهنا وسألته ألّا يدخل من بيوت جرم إلّا بيتها، فيقول لها: وأيّ شيء تخافين وقد أخذّت منّي المواثيق والعهود وليس لأحد في قلبي نصيب غيرك؛ حتى صلّيت العصر. فانصرف يزيد بفتخ [7] كثير [و ذبل] [8] وبراقع وانصرف مكحولا مدهونا شبعان ريّان مرجّل اللّمّة [9].
وظلّ ميّاد الجرميّ يدور بين بيوت القشيريّات مرجوما مقصى لا يتقرّب إلى بيت إلا استقبلته الولائد بالعمد [10] والجندل، فتهالك لهنّ وظنّ أنه ارتياد [11] منهنّ له، حتى أخذه ضرب كثير بالجندل ورأى البأس [12] منهنّ وجهده العطش، فانصرف حتى جاء إلى سمرة [13] قريبا إلى نصف النهار، فتوسّد يده ونام تحتها نويمة حتى أفرجت عنه
__________
[1] اصطلمه: استأصله.
[2] أي لتصبحوا، فالفعل مجزوم بلام محذوفة.
[3] أي ازجروه وأنكروا عليه ما فعله واصرفوه عنه.
[4] هذه العبارة: «و تخلى لهما البيوت» ساقطة من جميع الأصول ما عدا ب، س.
[5] «في الأصول»: «فيقبل منهما صرفا ولا عدلا» وقد جعلناها (صرف ولا عدل) بالرفع على أنه نائب الفاعل وهو الفصيح الكثير.
[6] كذا في ب، س. وفي سائر الأصول و «تجريد الأغاني»: «تواعدوا الماء».
[7] الفتخ (كسبب): واحده فتخة، وهي حلقة من فضة لا فص لها، فإذا كان فيها فص فهي الخاتم.
[8] هذه الكلمة ساقطة من ب، س. والذبل: جلد السلحفاة البرّية، وقيل: البحرية، وقيل: عظام ظهر دابة من دواب البحر تتخذ النساء منه الأسورة والأمشاط.
[9] في «تجريد الأغاني»: «الجمة». واللمة (بالكسر): الشعر المجاوز شحمة الأذن، فإذا بلغ المنكبين فهو الجمة.
[10] العمد (بفتحتين وبضمتين أيضا): قضبان الحديد. والجندل: الحجارة.
[11] الارتياد: الطلب.
[12] في ح، ء، م: «اليأس» بالياء المثناة التحتية.
[13] السمرة: شجرة من العضاه.
الظّهيرة وفاءت الأظلال وسكن بعض ما به من ألم الضرب وبرد عطشه قليلا، ثم قرب إلى الماء حتى ورد على القوم قبل يزيد، فوجد أمة تذود غنما في بعض الظّعن [1]، فأخذ برقعها فقال: هذا برقع واحدة من/ نسائكم، فطرحه بين يدي القوم؛ وجاءت الأمة تعدو فتعلّقت ببرقعها فردّ عليها وخجل ميّاد خجلا شديدا. وجاء يزيد ممسيّا وقد كاد القوم أن يتفرّقوا، فنثر كمّه بين أيديهم ملآن براقع [و ذبلا] وفتخا، وقد حلف القوم ألّا يعرف رجل شيئا إلّا رفعه. فلمّا نثر ما معه اسودّت وجوه جرم وأمسكوا بأيديهم [2] إمساكة. فقالت [3] قشير: أنتم تعرفون ما كان بيننا أمس من العهود والمواثيق وتحرّج الأموال والأهل، فمن شاء أن ينصرف إلى حرام فليمسك يده؛ فبسط كلّ رجل يده إلى ما عرف فأخذه وتفرّقوا عن حرب؛ وقالوا: هذه مكيدة يا قشير. فقال في ذلك يزيد بن الطّثرية:
فإن شئت يا ميّاد زرنا وزرتم ... ولم ننفس [4] الدّنيا على من يصيبها
أيذهب ميّاد بألباب نسوتي ... ونسوة ميّاد صحيح قلوبها
وقال ميّاد الجرميّ:
لعمرك إنّ جمع بني قشير ... لجرم في يزيد لظالمونا
/ أليس الظلم أنّ أباك منّا ... وأنك في كتيبة آخرينا
أحالفة عليك بنو قشير ... يمين الصّبر [5] أم متحرّجونا
أحب وحشية ومرض لبعدها فأعانه ابن عمه على رؤيتها فبرى ء:
قال: ويلي يزيد بعشق جارية من جرم في ذلك اليوم يقال لها وحشية، وكانت من أحسن النساء. ونافرتهم جرم فلم يجد إليها سبيلا، فصار من العشق إلى أن أشرف على الموت واشتدّ به الجهد؛ فجاء إلى ابن عمّ له يقال له خليفة بن بوزل [6]، بعد اختلاف الأطبّاء إليه ويأسهم منه، فقال [له] [7]: يابن عمّ، قد تعلم أنه ليس إلى هذه المرأة سبيل،/ وأنّ التعزّي أجمل، فما أربك في أن تقتل نفسك وتأثم بربّك!. قال: وما همّي يابن عمّ بنفسي وما لي فيها أمر ولا نهي، ولا همّي إلا نفس الجرميّة؛ فإن كنت تريد حياتي فأرنيها. قال: كيف الحيلة؟ قال: تحملني إليها.
فحمله إليها وهو لا يطمع في الجرميّة، إلا أنهم كانوا إذا قالوا له نذهب بك إلى وحشيّة أبلّ قليلا وراجع وطمع، وإذا أيس منها اشتدّ به الوجع. فخرج به خليفة بن بوزل فحمله فتخلّل به اليمن، حتى إذا دخل في قبيلة انتسب إلى أخرى ويخبر أنه طالب حاجة. وأبلّ حتى صلح بعض الصّلاح، وطمع فيه ابن عمّه، وصارا [8] بعد زمان إلى حيّ
__________
[1] كذا في أكثر الأصول. والظعن: سير البادية لنجعة أو حضور ماء أو طلب مربع أو تحوّل من ماء إلى ماء أو من بلد إلى بلد. وفي ح، أو «تجريد الأغاني» «تذود غنما في العطن». والعطن: المناخ حول الورد، فأما في مكان آخر فمراح ومأوى.
[2] يريد أنهم قبضوا أيديهم. ولم يمدوها إلى شيء مما نثر أمامهم.
[3] كذا في ح و «تجريد الأغاني». وفي «سائر الأصول»: «فقال».
[4] كذا في «تجريد الأغاني». ونفس عليه الشيء (من باب علم): لم يره أهلا له. وفي «جميع الأصول»: «تنفس» بالتاء المثناة.
[5] يمين الصبر: هي التي يحبس المرء حتى يحلفها.
[6] في أ، و «تجريد الأغاني»: «خليفة بن بورك».
[7] زيادة عن «تجريد الأغاني».
[8] في الأصول: «و صار بعد زمان إلى حيّ وحشية فلقي ... » بدون ألف التثنية في الفعلين.
وحشيّة فلقيا الرّعيان وكمنّا في جبل من الجبال. فجعل خليفة ينزل فيتعرّض لرعيان الشّاء فيسألهم عن راعي وحشيّة [1]، حتى لقي غلامها وغنمها؛ فواعدهم موعدا وسألهم ما حال وحشيّة؟ فقال غلامها: هي واللّه بشرّ! لا حفظ اللّه بني قشير ولا يوما رأيناهم فيه! فما زالت عليلة منذ رأيناهم - وكان بها طرف مما بابن الطّثريّة - فقال:
ويحك! فإنّ هاهنا إنسانا يداويها، فلا تقل لأحد غيرها. قال: نعم إن شاء اللّه تعالى. فأعلمها الراعي ما قال له الرجل حين صار إليها. فقالت له: ويحك! فجيء به. ثم إنه خرج فلقيه بالغد فأعلمه، وظلّ عنده يرعى غنمه، وتأخّر عن الشاء حتى تقدمته الشاء وجنح الليل، وانحدر بين يدي غنمه حتى أراحها [2]. ومشى فيها يزيد حتى [3] قربت من البيت على أربع وتجلّل شملة سوداء بلون شاة من الغنم؛ فصار إلى وحشية، فسرّت به سرورا شديدا، وأدخلته سترا لها وجمعت عليه من الغد من تثق به من صواحباتها وأترابها. وقد كان عهد إلى ابن عمّه أن يقيم/ في الجبل ثلاث ليال، فإن لم يره فلينصرف. فأقام يزيد عندها ثلاث ليال ورجع إلى أصحّ ما كان عليه، ثم انصرف فصار إلى صاحبه. فقال: ما وراءك يا يزيد؟ ورأى من سروره وطيب نفسه ما سرّه. فقال:
لو أنّك شاهدت الصّبا يابن بوزل ... بفرع الغضى إذ راجعتني غياطله [4]
لشاهدت لهوا بعد شحط من النّوى ... على سخط الأعداء حلوا شمائله
صوت
ويوما كإبهام [5] القطاة مزيّنا ... لعيني ضحاه غالبا لي باطله
غنى في البيت الثالث وبعده البيت الثاني، وروايته:
تشاهد لهوا بعد شحط من النوى مخارق ثاني ثقيل بالوسطى عن حبش.
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا عبد اللّه بن عمرو قال حدّثني عليّ بن الصبّاح قال:
قال أبو محضة [6] الأعرابيّ وأنشد هذه الأبيات ليزيد/ بن الطّثرية، فلمّا بلغ إلى قوله:
بنفسي من لو مرّ برد بنانه ... على كبدي كانت شفاء أنامله
ومن هابني في كل أمر وهبته ... فلا هو يعطيني ولا أنا سائله
طرب [7] لذلك وقال: هذا واللّه من مغنج الكلام.
__________
[1] في ب، س، ح: «عن راعى وحشية وحالها حتى لقي ألخ».
[2] كذا في «تجريد الأغاني». وفي «الأصول»: «حتى أراحوا».
[3] كذا «في الأصول» ولعله: «حين».
[4] الغياطل: جمع غيطلة وهي الظلمة المتراكمة، استعارهاهنا لجهالات الصبا.
[5] يضرب المثل في القصر بإبهام القطا وكذلك بإبهام الحباري والضب.
[6] في «تجريد الأغاني»: «أبو محيصة».
[7] في «الأصول»: «فطرب» بالفاء.
كتب إلى وحشية شعرا فأجابته:
ونسخت من كتاب الحسن بن عليّ: حدّثنا عبد اللّه بن عمرو قال حدّثني هشام بن محمد بن موسى قال حدّثنا عبد اللّه بن إبراهيم الطائيّ قال حدّثني عبد اللّه بن روح الغنويّ قال حدّثتني ظبية بنت وزير الباهليّة قالت [1]:
كتب يزيد بن الطّثريّة إلى وحشيّة:
أحبّك أطراف النهار بشاشة ... وباللّيل يدعوني الهوى فأجيب
لئن أصبحت ريح المودّة بيننا ... شمالا لقدما كنت وهي جنوب
فأجابته بقولها:
أحبّك حبّ اليأس إن نفع الحيا [2] ... وإن لم يكن لي من هواك طبيب
يزيد بن الطثرية وابن بوزل برملة حائل:
أخبرني يحيى بن عليّ إجازة عن حماد بن إسحاق عن أبيه قال حدّثني هانىء بن سعد:
أنّ ابن الطّثريّة وابن بوزل، وهو قطريّ [3] بن بوزل، خرجا يسيران حتى نزلا برملة حائل [4] بين قفار الملح؛ فقال يزيد لابن بوزل: اذهب فاسق راحلتك واسقنا. فلمّا جاوز أوفى يزيد على أجرع [5]، فرأى أشباحا فأتاها.
فقيل له: هذه واللّه فلانة وأهلها عجيبة بها (أي معجبون بها). فأتاها فظلّ عشيّته وبات ليلته وأقام الغد حتى راح عشيّا وقد لقي ابن بوزل كلّ شرّ ومات غيظا. فلما دنا منه قال:
لو أنّك شاهدت الصّبا يابن بوزل ... بجزع الغضى إذ راجعتني غياطله
/ بأسفل خلّ [6] الملح إذ دين ذي الهوى ... مؤدّى وإذ خير الوصال [7] أوائله
لشاهدت يوما بعد شحط من النّوى ... وبعد تنائي الدار حلوا شمائله
- وقد روي:
وغيم [8] الصّبا إذ راجعتني غياطله فاخترط [9] سيفه ابن بوزل؛ وحاوطه [10] يزيد بعصاه [11]، ثم اعتذر إليه وأخبره خبره فقبل منه. وقد روى هذه الأبيات أبو عمرو الشّيبانيّ وغيره فزاد فيها على إسحاق هذه الأبيات:
__________
[1] في الأصول: «قال» وهو تحريف.
[2] كذا في الأصول. ولعله: «أحبك حب الناس أن يقع الحيا ... إلخ».
[3] الذي تقدم ذكره هو خليفة بن بوزل. ولعل قطريا هذا أخ لخليفة.
[4] حائل: موضع في أرض اليمامة لبني قشير.
[5] الأجرع: الكثيب جانب منه رمل وجانب حجارة.
[6] كذا في «معجم البلدان» لياقوت عند الكلام على «خل» وهو موضع. وفي «الأصول»: «حل الملح» بالحاء المهملة وهو تصحيف.
[7] في «معجم البلدان»: «و إذ خير القضاء».
[8] في ب، س: «و غنم الصبا».
[9] اخترط السيف: استله من غمده.
[10] حاوطه: داوره.
[11] كذا فيء، م. وفي سائر الأصول: «بغضاة» والغضاة: خشبة من أصلب الخشب.
ألا حبّذا عيناك يا أمّ شنبل ... إذا الكحل في جفنيهما جال جائله
فداك من الخلّان كلّ ممزّج [1] ... تكون لأدنى من يلاقي وسائله [2]
فرحنا [3] تلقّانا به أمّ شنبل ... ضحيّا وأبكتنا عشيّا أصائله
وكنت كأنّي حين كان كلامها ... وداعا وخلّى موثق العهد حامله
رهين [4] بنفس لم تفكّ كبوله ... عن الساق حتى جرد السيف قاتله
فقال دعوني سجدتين وأرعدت ... حذار الرّدى أحشاؤه ومفاصله [5]
بنو سدرة ويزيد ابن الطثرية
:/ قال إسحاق وقال أبو عثمان سعيد بن طارق:
نزلت سارية [6] من بني سدرة على بني قشير بمالهم؛ فجعلت فتيان قشير تترجّل وتتزيّن وتزور بيوت سدرة.
فاستنهوهم [7]؛ فقال يزيد بن/ الطّثريّة: وما في هذا عليكم! زوروا بيوتنا كما نزور بيوتكم، وقال:
دعوهنّ يتبعن الصّبا وتبادلوا ... بنا ليس بأس بيننا بالتّبادل
ثم إنّ بني سدرة قالوا لنسائهم: ويحكنّ فضحتنّنا! نأتي نساء هؤلاء فلا نقدر عليهنّ ويأتونكنّ فلا تحتجبن عنهم.
فقالت كهلة منهنّ: مروا نساءكم يجتمعن إلى بيتي، فإذا جاءوا لم يجدوا امرأة إلا عندي، فإن يزيد أتاني لم يعد في بيوتكم ففعلوا. فجاء يزيد فقال:
سلام عليكنّ الغداة فمالنا ... إليكنّ إلا أن تشأن سبيل
فقالت الكهلة: ومن أنت؟ فقال:
أنا الهائم الصّبّ الذي قاده الهوى ... إليك فأمسى في حبالك مسلما
برته دواعي الحبّ حتى تركنه ... سقيما ولم يتركن لحما ولا دما
فقالت: اختر إحدى ثلاث خصال: إمّا أن تمضي ثم ترجع علينا فإنّا نرقب عيون الرجال فإنهم قد سبّونا فيك؛ وإمّا أن تختار أحبّنا إليك، وأن تطلب امرأة واحدة خير من أن يشهرك الناس، ونسي الثالثة. فقال: سآخذ إحداهن، فاختاري أنت إحدى ثلاث خصال. قالت: وما هنّ؟ قال: إما أن أحملك على مرضوف [8] من أمري فتركبيه، وإما
__________
[1] الممزج: المخلط الكذاب، والذي لا يثبت على خلق.
[2] في ح: «رسائله» بالراء.
[3] في ب، س: «فرحبا».
[4] في ب، س: «رهينا» وهو تحريف.
[5] في ج: «و خصائله». والخصيلة: كل لحمة استطالت وخالطت عصبا، أو كل عصبة فيها لحم غليظ.
[6] السارية: الجماعة تسري.
[7] استنهاه: قال له انته. وقد وردت هذه الكلمة في الأصول محرفة.
[8] المرضوف: المحمي. من رضف الحجارة إذا أحماها؛ والكناية فيه ظاهرة.
أن تحمليني على مشروج [1] من أمرك فأركبه، وإما أن تلزّي بكري/ بين قلوصيك. قالت: لو وقع بكرك بين قلوصيّ لطمرتا [2] به طمرة يتطامن [3] عنقه منها. قال: كلّا! إنه شديد الوجيف [4]، عارم الوظيف [5]، فغلبها. فلما أتاها القوم قالت لهم: إنه أتاني رجل لا تمتنع عليه امرأة. فإمّا أن تغمضوا له، وإمّا أن ترحلوا عن مكانكم هذا؛ فرحلوا وذهبوا. فقال حكيم بن أبي الخلاف السّدريّ في قصيدة له يذكر أنه إنما ارتحلوا عنهم لأنهم آذوهم بكثرة ما يصنعون بهم:
فكان الذي تهدون للجار منكم ... بخاتج حبّات [6] كثيرا سعالها
يزيد بن الطثرية وأسماء الجعفرية:
قال إسحاق فأخبرني الفزاريّ: أنّ قوما من بني نمير وقوما من بني جعفر تزاوروا؛ فزار شبّان من بني جعفر بيوت بني نمير، فقبلوا وحدّثوا، وزار بنو نمير بني جعفر فلم يقبلوا؛ فاستنجدوا ابن الطّثريّة فزار معهم بيوت بني جعفر، فأنشدهنّ وحدّثهنّ فأعجبن به واجتمعن إليه من البيوت. فتوعّد [7] بنو جعفر ابن الطّثريّة، فتتاركوا وأمسك بعضهم عن بعض. فأرسلت أسماء الجعفريّة إلى ابن الطّثريّة أن لا تقطعني، وإن منعت فإنّي سأتخلّص إلى لقائك.
فأنشأ يقول:
خليليّ بين المنحنى من مخمّر [8] ... وبين اللّوى من عرفجاء [9] المقابل
قفا بين أعناق اللّوى [10] لمريّة ... جنوب تداوي غلّ شوق مماطل
/ لكيما أرى أسماء أو لتمسّني ... رياح بريّاها لذاذ الشّمائل
لقد حادلت [11] أسماء دونك باللّوى ... عيون العدا سقيا لها من محادل
ودسّت رسولا أنّ حولي عصابة ... هم الحرب [12] فاستبطن سلاح المقاتل
/ عشيّة مالي من نصير بأرضها ... سوى السّيف ضمّته إليّ حمائلي
فيأيّها الواشون بالغشّ بيننا ... فرادى ومثنى من عدوّ وعاذل
__________
[1] المشروج: المشقوق.
[2] طمر الشي ء: دفنه وخبأه.
[3] في الأصول: «تتطامن» بالتاء والعنق يذكر ويؤنث والتذكير فيه أكثر.
[4] الوجيف: سرعة السير.
[5] العارم: القويّ الشديد. والوظيف لكل ذي أربع: ما فوق الرسغ إلى مفصل الساق.
[6] كذا في أكثر الأصول. والبخاتج: جمع بختج (بالضم) وهو العصير المطبوخ. وفي ب، س: «نحانح حمان» وفي م. «مخاتع حبات».
[7] في الأصول: «فتواعد».
[8] مخمر (بضم الميم وفتح الخاء المعجمة وكسر الميم مشدّدة، كما في «معجم ما استعجم». وقد ضبطه ياقوت في «معجمه» بفتح الميم مشدّدة): واد لبني قشير.
[9] قال أبو زياد: عرفجاء: ماء لبني قشير وقال في موضع آخر: لبني جعفر بن كلاب مطوية في غربيّ الحمى.
[10] كذا في ياقوت في الكلام على مخمر. وفي الأصول: «أعناق الهوى».
[11] كذا في «معجم البلدان» لياقوت في الكلام على «مخمر». وحادل: راوغ. وفي الأصول:
« ... جادلت ... ... ... من مجادل»
بالجيم.
[12] كذا في «مهذب الأغاني». وفي الأصول: «الحوت».
دعوهن يتبعن الهوى وتبادلوا ... بنا، ليس بأس بيننا بالتّبادل
تروا حين نأتيهنّ نحن وأنتم ... لمن وعلى من وطأة المتثاقل
ومن عرّيت للّهو قدما ركابه ... وشاعت قوافي شعره في القبائل
تبرّز وجوه السابقين ويختلط ... على المقرف [1] الكافي غبار القنابل
فإن تمنعوا أسماء أو يك نفعها ... لكم أو تدبّوا بيننا بالغوائل
فلن [2] تمنعوني أن أعلّل صحبتي ... على كل شيء [3] من مدى العين قابل [4]
حبسه لديون لزمته وما وقع في ذلك بينه وبين عقبة بن شريك:
قال إسحاق وحدّثني أبو زياد الكلابيّ:
أن يزيد بن الطّثرية كان شريفا متلافا يغشاه الدّين؛ فإذا أخذ به قضاه عنه أخ له يقال له ثور، ثم إنه كثر عليه دين لمولى لعقبة بن شريك الحرشيّ يقال له البربريّ فحبسه له عقبة بالعقيق من بلاد بني عقيل، وعقبة عليها يومئذ أمير. وقال المفضّل بن سلمة قال أبو عمرو الشّيبانيّ: كان يزيد قد هرب منه، فرجع إليه من حبّ/ أسماء، وكانت جارة البربريّ، فأخذه البربريّ. ويقال: إنه أعطاه بعيرا من إبل ثور أخيه. فقال يزيد في السجن:
قضى غرمائي حبّ أسماء بعد ما ... تخوّنني ظلم لهم [5] وفجور
فلو قلّ دين البربريّ قضيته ... ولكنّ دين البربريّ كثير
وكنت إذا حلّت عليّ ديونهم ... أضمّ جناحي منهم فأطير
عليّ لهم في كل شهر أديّة [6] ... ثمانون واف نقدها وجزور
نجيء [7] إلى ثور ففيم رحيلنا ... وثور علينا في الحياة صبور
أشدّ على ثور وثور إذا رأى ... بناخلّة جزل العطاء غفور
فذلك دأبي ما بقيت وما مشى ... لثور على ظهر البلاد بعير
ويروى: «فهذا له ما دمت حيّا» ثم إن عقبة حجّ على جمل له يقال له ابن الكميت أنجب ما ركب الناس، وثبت ابن
__________
[1] المقرف: النذل. والكافي: الخادم والقنابل: جمع قنبلة وهي الطائفة من الناس أو الخيل.
[2] في الأصول: «فإن تمنعوا». والمراد في هذا البيت غامض.
[3] في ب، س: «على كل شر».
[4] في أ، ء، م: «قاتل».
[5] كذا في «الكامل للمبرد» (ص 334 طبع أوروبا) وبه يستقيم رويّ القافية. قال في «أساس البلاغة»: وتخوّن فلان حقي إذا تنقصه كأنه خانه شيئا فشيئا. وكل ما غيرك عن حالك فقد تخوّنك. قال لبيد:
تخوّنها نزولي وارتحالي وفي الأصول: تجردت من مطل لهم وغرور.
[6] الأدية في اللغة: المال القليل.
[7] في ب، س: «نحنّ».
الطّثرية في السجن حتى انصرف عقبة بن شريك من مكة، فأرسل ابن الكميت في مخاضه [1] مستقبلة الرّبيع وهي حاضرة العقيق، تأكل الغضى وتشرب بأحسائه [2]، وانحدر عقبة نحو اليمامة وعليها المهاجر بن عبد اللّه الكلابيّ.
فلمّا ضاقت بابن الطّثريّة المخارج قال له صاحب له: لا أعلم لك أنجى إن قدرت على الخروج من السجن إلا أن تركب ابن الكميت فينجيك نحو بلد من البلاد. فلم يزل حتى جعل للحدّاد [3]، على أن يرسله ليلة إلى ابن عمّه، جعلا؛ فشكا إليه وجده/ بها فأرسله. فمضى يزيد نحو الإبل عشاء فاحتكم ابن الكميت حتى جلس عليه فوجهه قصد اليمامة يريد عقبة بن شريك؛ وقال في طريقه:
لعمري إن ابن الكميت على الوجا [4] ... وسيري خمسا بعد خمس مكمّل
/ لطلق الهوادي بالوجيف إذا ونى ... ذوات البقايا [5] والعتيق الهمرجل
فورد اليمامة فأناخ بابن الكميت على باب المهاجر [6]، فكان أوّل من خرج عليه عقبة بن شريك. فلما نظر إليه عرفه وعرف الجمل فقال: ويحك! أيزيد أنت؟ قال نعم وهذا ابن الكميت؟ قال نعم قال: ويحك!. فما شأنك؟ قال: يا عقبة، فارّ منك إليك؛ وأنشده قصيدته التي يقول فيها:
يا عقب قد شذب اللّحاء عن العصا ... عنّي وكنت مؤزّرا محمودا
صل لي جناحي واتّخذني [7] عدّة ... ترمي بي المتعاشي الصّنديدا
فقال له عقبة - وكانت من خير فعلة علمناه فعلها - : أشهدكم أنّي قد أبرأته من دين البربريّ وأن له ابن الكميت؛ وأمره أن يحتكم فيما سوى ذلك من ماله. وهذان البيتان من القصيدة التي أوّلها:
أمسى الشباب مودّعا محمودا وهي من جيّد شعره، يقول فيها:
ومدلّة [8] عند التبذّل [9] يفتري [10] ... منها الوشاح [11] مخصّرا أملودا
/ نازعتها غنم الصّبا إنّ الصّبا ... قد كان منّي للكواعب عيدا
يا للرّجال وإنما يشكو الفتى ... مرّ الحوادث أو يكون جليدا
__________
[1] المخاض: الحوامل من النوق.
[2] الأحساء جمع واحده الحسى وهو سهل من الأرض يستنقع فيه الماء.
[3] الحدّاد: السجان.
[4] الوجا: أن يشتكي البعير باطن خفه.
[5] ذوات البقايا من الخيل: التي يبقى جريها بعد انقطاع جري الخيل. والعتيق: الرائع: والهمرجل: السريع.
[6] في الأصول: «على باب ابن المهاجر».
[7] في الأصول: «و اتخذ لي».
[8] في ب، س: «و مدله». وفي سائر الأصول: «و مذلة». وكلاهما تصحيف.
[9] كذا في أ، ء، م. والتبذل: ترك التزين والتهيؤ بالهيئة الحسنة. وفي سائر الأصول: «التبدل». بالدال المهملة، وهو تصحيف.
[10] يفتري: يريد به يكسو، والأصل في معنى الافتراء: لبس الفروة.
[11] الوشاح: شبه قلادة ينسج من أديم عريض يرصع بالجوهر تشده المرأة بين عاتقيها وكشحيها مخالفا بينهما. والمخصر: الدقيق الضامر. والأبلود: الناعم الغض.
بكرت نوار تجدّ [1] باقية القوى ... يوم الفراق وتخلف الموعودا
ولربّ أمر هوى يكون ندامة ... وسبيل مكرهة يكون رشيدا
ثم قال يفخر:
لا أتّقي حسك [2] الضّغائن بالرّقى ... فعل الذّليل وإن بقيت وحيدا
لكن أجرّد للضغائن مثلها ... حتى تموت وللحقود حقودا
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا عبد اللّه بن عمرو بن أبي سعد قال حدّثنا عليّ بن الصّباح قال:
قال أبو محضة الأعرابيّ وأنشد هذه الأبيات ليزيد بن الطّثرية: هي واللّه من مغنج الكلام:
بنفسي من لو مرّ برد بنانه ... على كبدي كانت شفاء أنامله
ومن هابني في كلّ شيء وهبته ... فلا هو يعطيني ولا أنا سائله
وهذه الأبيات من قصيدته التي قالها في وحشيّة الجرميّة التي مضى ذكرها.
تبعه أعداء له فترك راحلته وفرّ، وشعره في ذلك:
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثتني ظبية قالت:
مرّ يزيد بن الطّثريّة بأعداء له؛ فأرادوه وهو على راحلته فركضها وركضوا الإبل على أثره؛ فخشي أن يدركوه وكانت [3] نفسه عنده أوثق من الراحلة، فنزل فسبقهم عدوا، وأدركوا الراحلة فعقروها. فقال في ذلك:
/ألا هل أتى ليلى على نأي دارها ... بأن لم أقاتل يوم صخر [4] مذوّدا
وأنّي أسلمت الرّكاب فعقّرت ... وقد كنت مقداما بسيفي مفردا
/ أثرت فلم أسطع قتالا ولا ترى ... أخا شيعة يوما كآخر أوحدا [5]
فهل تصرمنّ الغانيات مودّتي ... إذا قيل قد هاب المنون فعرّدا [6]
هاجى فديكا الجرميّ لأنه عذب وحشية بالنار ليصدّها عنه:
أخبرني يحيى إجازة عن حمّاد بن إسحاق عن أبيه عن أبي زياد قال:
كان يزيد بن الطّثريّة يتحدّث إلى نساء فديك بن حنظلة الجرميّ، ومنزلهما بالفلج [7] فبلغ ذلك فديكا فشقّ عليه فزجر نساءه عن ذلك، فأبين إلّا أن يدخل عليهنّ يزيد. فدخل عليهنّ فديك ذات يوم وقد جمعهنّ جميعا
__________
[1] تجدّ: تقطع.
[2] المراد بحسك الضغائن: الحقد والعداوة.
[3] المراد من هذه الجملة واضح وهو أن ثقته بنفسه في الجري أكثر من ثقته براحلته، وكان ينبغي لتأدية هذا المعنى أن يقول: «و كان بنفسه أوثق منه بالراحلة».
[4] كذا في أكثر الأصول: وفي ح «يوم صحرا مذودا». وفي ب، س: «يوم صحراء مذودا». ومذوّدا: ذائدا.
[5] هذا البيت ساقط في جميع الأصول عدا ب، س.
[6] عرّد: هرب.
[7] الفلج (بالتحريك): مدينة بأرض اليمامة لبني جعدة وقشير.
أخواته وبنات عمّه وغيرهن من حرمه، ثم قال لهنّ: قد بلغني أنّ يزيد دخل عليكنّ وقد نهيتكنّ عنه، وإن للّه عليّ نذرا واجبا - واخترط سيفه - إن لم أضرب أعناقكنّ به. فلما ملأهنّ رعبا ضرب عنق غلام له مولّد يقال له عصام فقتله، ثم أنشأ يقول:
جعلت عصاما عبرة حين رابني ... أناسيّ من أهلي مراض قلوبها
ثم إنّ فديكا رأى يزيد قائما عند باب أهله، فظنّ أنه يواعد بعض نسائه، فارتصده على طريقه [1] وأمر بزبية [2] فحفرت على الطريق ثم أوقد فيها نارا ليّنة ثم اختبأ في مكان ومعه عبدان له وقال لهما: تبصّرا هل تريان أحدا؛ فلم يلبثا إلّا قليلا حتى خرجت بنت أخي فديك، وكان يقال لها وحشيّة، تتهادى في برودها لميعاد يزيد؛ فأيقظه/ العبدان؛ ومضت حتى وقعت على الزّبية فاحترق بعضها، وأمر بها فأخرجت، واحتملها العبدان فانطلقا بها إلى داره. فقال فديك:
شفى النفس من وحشيّة اليوم أنّها ... تهادى وقد كانت سريعا عنيقها [3]
فإلّا تدع خبط الموارد في الدّجى ... تكن قمنا [4] من غشية لا تفيقها
دواء طبيب كان يعلم أنّه ... يداوي المجانين المخلّى طريقها
فبلغ ذلك يزيد فقال:
ستبرأ من بعد الضّمانة [5] رجلها ... وتأتي الذي تهوى مخلّى طريقها
عليّ هدايا البدن إن لم ألاقها ... وإن لم يكن إلا فديك يسوقها
يحصّنها منّي فديك سفاهة ... وقد ذهبت فيها الكباس [6] وحوقها
تذيقونها شيئا من النّار كلّما ... رأت من بني كعب غلاما يروقها
قال: وإنما كانت وضعت رجلها فأحرقتها النار.
وقال يزيد أيضا:
يا سخنة العين [7] للجرميّ إذ جمعت ... بيني وبين نوار وحشة الدار
خبّرتهم عذّبوا بالنار جارتهم ... ومن يعذّب غير اللّه بالنار
فبلغ ذلك فديكا فقال:
__________
[1] في الأصول: «على طريقته».
[2] الزبية: الحفرة يصاد بها الأسد والذئب.
[3] العتيق: السير المنبسط.
[4] هو قمن بكذا وقمن منه (بفتح الميم) وقمن (بكسر الميم) وقمين أي حريّ وخليق وجدير. فمن فتح الميم لم يثن ولا جمع ولا أنث لأنه مصدر، ومن كسرها أو زاد الياء فقال قمين ثني وجمع وأنث لأنه وصف.
[5] الضمانة: الزمانة والعاهة. أراد احتراق رجلها.
[6] الكباس: الكمرة الضخمة. والحوق: ما استدار من حروفها.
[7] سخنت عينه سخنا وسخونة وسخنة. نقيض قرّت.
أحالفة عليك بنو قشير ... يمين الصّبر [1] أم متحرّجونا
/ - ويروى: يمين اللّه -
فإن تنكل قشير تقض جرم ... وتقض لها [2] مع الشبه اليقينا
أليس الجور أنّ أباك منّا ... وأنّك في قبيلة آخرينا
/ لعمر اللّه أنّ بني قشير ... لجرم في يزيد لظالمونا
فإلّا يحلفوا فعليك شكل [3] ... ونجر [4] ليس مما يعرفونا
وأعرف فيك سيّما آل صقر ... ومشيتهم إذا يتخيّلونا
قال: وكانت جرم تدّعيه، وقشير تدّعيه؛ فأراد أن يخبر أنه دعيّ.
وقال فديك بن حنظلة يهجوه:
وإنّا لسيّارون بالسّنّة التي ... أحلّت [5] وفينا جفوة حين نظلم
ومنّا الذي لاقته أمّك خاليا ... فلم تدر ما أيّ الشهور المحرّم
فقال يزيد يهجو فديكا:
أنعت عيرا من عيور القهر ... أقمر من شرّ خمير قمر [6]
صبّح أبيات فديك يجري ... منزلة اللّؤم ودار الغدر
فلقيته عند باب العقر [7] ... ينشطها والدّرع عند الصّدر
نشطك بالدّلو قراح الجفر [8]
حاور حسناء عرفته من حديثه:
أخبرنا يحيى بن عليّ إجازة عن حمّاد بن إسحاق عن أبيه قال حدّثنا أبو الحارث هانىء بن سعد الخفاجيّ قال:
/ ذكرت ليزيد بن الطّثريّة امرأة حدثة جميلة؛ فخرج حتى يدفع إليها، فوجد عندها رجلين قاعدين يتحدّثان، فسلّم عليهم؛ فأوجست أنه يزيد ولم تتثبّت [9]، ورأت عليه مسحة. فقالت: أيّ ريح جاءت بك يا رجل؟ قال:
__________
[1] يمين الصبر: هي التي يلزم بها المرء ويحبس عليها حتى يحلف بها؛ فلو حلف من غير إحلاف لم يكن قد حلف صبرا.
[2] في أ، ء: «بها».
[3] في ب، س: «ثكل» وهو تحريف.
[4] كذا في ح. والنجر: اللون. وفي «سائر الأصول»: «نحر» وهو تصحيف.
[5] في ح: «أجلت» بالجيم.
[6] القهر: موضع. والقمرة: لون إلى الخضرة، وقيل: بياض فيه كدرة.
[7] العقر: موضع. وينشطها: يرفعها.
[8] الجفر: البئر.
[9] في الأصول: «يثبت» بالياء.
الجنوب. قالت: فأيّ طير جرت لك الغداة؟ قال: عنز زنمة [1] رأيتها يداورها ثعلبان؛ فانقضّ عليها سرحان [2] فراغ الثعلبان. قال: فطفرت وراء سترها، وعرفت أنه يزيد.
ذهب معه قطريّ لرؤية نساء يحتجبن عنه، وشعره في ذلك:
قال إسحاق وحدّثني عطرّد قال:
قال قطريّ بن بوزل ليزيد بن الطّثريّة: انطلق معي إلى فلانة وفلانة فإنهنّ يبرزن لك ويستترن عنّي، عسى أن أراهنّ اليوم على وجهك. فذهب به معه، فخرج عليهما النّسوة وظلّا يتحدّثان عندهن حتّى تروّحا. وقال يزيد في ذلك:
على قطريّ نعمة إن جرى بها ... يزيد وإلّا يجزه اللّه لي أجرا
ذنوت به حتّى رمى الوحش بعدما ... رأى قطريّ من أوائلها نفرا
قصته مع رجل من صداء أحب خثعمية فأعانه عليها:
أخبرنا يحيى إجازة عن حمّاد بن إسحاق عن أبيه عن عطرّد قال:
نزل نفر من صداء [3] بناحية العقيق، وهو منزل ابن الطّثريّة، نصف النهار فلم يأتهم أحد؛ فأبصرهم ابن الطّثريّة فمرّ عليهم وهو منصرف وليسوا قريبا من أهله. فلما رآهم مرملين [4] أنفذ إليهم هديّة ومضى على حياله ولم يراجعهم. فسألوا عنه بعد حتى عرفوه، فحلا عندهم وأعجبهم. ثم إنّ فتى منهم وادّه فآخاه فأهدى له بردا وجبّة/ ونعلين. ثم أغار المقدّم بن عمرو بن همّام بن مطرّف بن الأعلم بن ربيعة بن عقيل على ناس من خثعم. وفي ذلك يقول الشاعر:
مغار ابن همّام على حيّ خثعما
فأخذ منهم إبلا ورقيقا، وكانت فيهنّ جارية من حسان الوجوه، وكان يهواها الذي آخى يزيد، فأصابه عليها بلاء عظيم حتى نحل جسمه وتغيّرت حاله؛ فأقبل الفتى حتّى نزل العقيق متنكّرا؛ فشكا إلى يزيد ما أصابه في تلك الجارية./ فقال: أفيك خير؟ قال نعم. قال: فإنّي أدفعها إليك. فخبأه في عريش له أيّاما حتى خطف الجارية فدفعها إليه. فبعث إليها قطريّ بن بوزل، فاعترض لها بين أهلها وبين السوق فذهب بها حتى دفعها إليه وقد وطّن له ناقة مفاجّة [5] فقال: النّجاة فإنك لن تصبح حتى تخرج من بلاد قشير وتصير إلى دار نهد فقد نجوت؛ وأنا أخفي أثرك فعفّى أثره، وقال لابنة خمّارة كان يشرب عندها: اسحبي ذيلك على أثره ففعلت. ثم بحث على ذلك حتى
__________
[1] عنز زنمة»: لها لحمتان متدليتان من حلقها.
[2] السرحان: الذئب.
[3] كذا في ح، ب، س. وصداء: مخلاف باليمن، بينه وبين صنعاء اثنان وأربعون فرسخا. وفي سائر الأصول: «كداء» وهو موضع بأعلى مكة.
[4] المرمل: الذي نفد زاده.
[5] المفاجة: التي تفرّج في المشي بين رجليها.
قيل: قد كان قطريّ أحدث الناس بها عهدا؛ فاستعدى عليه فظفر بيزيد فأخذ مكانه فحبس بحجر [1]، حبسه المهاجر. ففي ذلك يقول يزيد:
ألا لا أبالي إن نجا لي ابن بوزل ... ثوائي وتقييدي بحجر لياليا
إذا حمّ أمر فهو لا بدّ واقع ... له لا أبالي ما عليّ ولا ليا
هو العسل الماذيّ طورا وتارة ... هو السّمّ والذّيفان [2] واللّيث عاديا
نحر ناقة من إبل أخيه لنسوة فسبه فقال شعرا:
أخبرني أبو خليفة الفضل بن الحباب عن محمد بن سلّام الجمحيّ قال حدّثني أبو الغرّاف قال.
/ كان يزيد بن الطّثريّة صاحب غزل ومحادثة للنساء، وكان ظريفا جميلا من أحسن الناس كلّهم شعرا، وكان أخوه ثور سيّدا كثير المال والنّخل والرّقيق، وكان متنسّكا كثير الحج والصّدقة كثير الملازمة لإبله ونخله، فلا يكاد يلمّ بالحيّ إلا الفلتة [3] والوقعة، وكانت إبله ترد مع الرّعاء على أخيه يزيد بن الطّثريّة فتسقى على عينه. فبينا يزيد مارّ [4] في الإبل وقد صدر عن الماء إذ مرّ بخباء فيه نسوة من الحاضر؛ فلما رأينه قلن: يا يزيد، أطعمنا لحما.
فقال: أعطينني سكّينا فأعطينه، ونحر لهنّ ناقة من إبل أخيه. وبلغ الخبر أخاه؛ فلما جاءه أخذ بشعره وفسّقه وشتمه. فأنشأ يزيد يقول:
يا ثور لا تشتمن عرضي فداك أبي ... فإنما الشتم للقوم العواوير [5]
ما عقر ناب لأمثال الدّمى خرد ... عين كرام وأبكار معاصير [6]
عطفن حولي يسألن القرى أصلا ... وليس يرضين منّي بالمعاذير
هبهنّ ضيفا عراكم بعد هجعتكم ... في قطقط [7] من سقيط [8] اللّيل منثور [9]
وليس قربكم شاء ولا لين ... أيرحل الضيف عنكم غير مجبور
ما خير واردة للماء صادرة ... لا تنجلي عن عقير [10] الرّجل [11] منحور
__________
[1] حجر (بالضم): قرية باليمن.
[2] الماذيّ: العسل الأبيض. والذيفان (بالفتح ويكسر): السم الناقع.
[3] يريد الوقت بعد الوقت.
[4] في الأصول. «مارّا» وهو ظاهر الخطأ.
[5] العواوير: الجبناء.
[6] الخرد: جمع خريدة وهي المرأة الحيية، والبكر التي لم تمس، والعين: جمع عيناء وهي الواسعة العين، والمعاصير: جمع معصر وهي الجارية التي بلغت شبابها أو أدركت.
[7] القطقط (كزبرج): المطر الصغير أو المتتابع العظيم القطر، وقيل: هو دون الرذاذ.
[8] كذا في «طبقات الشعراء» لابن سلام. والسقيط: الندى والثلج. وفي الأصول: «سواد الليل».
[9] كذا في ح و «طبقات الشعراء» و «مهذب الأغاني». وفي سائر الأصول: «منشور».
[10] كذا في ح ونسخة الأستاذ الشنقيطي مصححة بقلمه. وفي سائر الأصول: «عقيل» باللام وهو تحريف.
[11] كذا في نسخة الشنقيطي مصححه بقلمه. وفي الأصول: «الرجل» وهو تصحيف.
أحب امرأة وعلم أن سعة يحبونها فقال شعرا:
أخبرني أبو خليفة قال ابن سلّام:
كان يزيد بن الطّثريّة يتحدّث إلى امرأة ويعجب بها. فبينما هو عندها إذ حدث لها شابّ سواه قد طلع عليه، ثم جاء آخر ثم آخر، فلم يزالوا كذلك حتى تمّوا سبعة وهو الثامن؛ فقال:
أرى سبعة يسعون للوصل كلّهم ... له عند ليلى دينة يستدينها
فألقيت سهمي وسطهم حين أوخشوا [1] ... فما صار لي من ذاك إلّا ثمينها
وكنت عزوف النّفس أشنأ أن أرى ... على الشّرك من ورهاء طوع قرينها [2]
فيوما تراها بالعهود وفيّة ... ويوما على دين ابن خاقان دينها
/ يدا بيد من جاء بالعين منهم ... ومن لم يجيء بالعين حيزت رهونها
وقال فيها وقد صارمها:
ألا بأبي من قد برى الجسم حبّه ... ومن هو موموق إليّ حبيب
ومن هو لا يزداد إلا تشوّقا ... وليس يرى إلّا عليه رقيب
وإنّي وإن أحموا [3] عليّ كلامها ... وحالت أعاد دونها وحروب
لمثن على ليلى ثناء يزيدها ... قواف بأفواه الرّواة تطيب
أليلى احذري نقض القوى لا يزل لنا ... على النأي والهجران منك نصيب
وكوني على الواشين لدّاء شغبة ... كما أنا للواشي ألدّ شغوب
فإن خفت ألا تحكمي مرّة القوى ... فردّي فؤادي والمزار قريب
كتب والي اليمامة إلى أخيه ليؤدبه فحلق لمته فقال شعرا:
أخبرنا محمد بن الحسن بن دريد قال حدّثنا عبد الرحمن ابن أخي الأصمعيّ عن عمه عن رجل من بني عامر ثم من بني خفاجة قال:
استعدت جرم على ابن الطّثريّة في وحشيّة (امرأة منهم كان يشبّب بها) فكتب بها صاحب اليمامة إلى ثور أخي يزيد بن الطّثريّة وأمره بأدبه، فجعل عقوبته حلق لمّته فحلقها، فقال يزيد:
أقول لثور وهو يحلق لمّتي ... بحجناء [4] مردود عليها نصابها
__________
[1] أوخشوا: خلطوا وصاروا إلى الوخاشة أي الرذالة، يقال: وخش الشيء (بالضم) وخاشة ووخوشة ووخوشا أي رذل وصار رديئا.
وفي «الأصول»: «أوحشوا» بالحاء المهملة، والتصويب عن «اللسان» (مادة وخش).
[2] الورهاء: الحمقاء. وطوع قرينها أي أن قرينها يطيعها، ولا تخضع هي لقرين، لأنها تستبدل بكل قرين من شاءت متى شاءت، فقرينها يطيعها وهي لا تطيع قرينا.
[3] أحمى: حرّم ومنع.
[4] في «الكامل للمبرد»: «بعقفاء». والعقفاء والحجناء بمعنى، وهي كل حديدة لوى طرفها.
- قال عبد الرحمن: كان عمّي يحتجّ في تأنيث الموسى بهذا البيت -
ترفّق بها يا ثور ليس ثوابها ... بهذا ولكن غير هذا ثوابها
ألا ربّما يا ثور قد غلّ [1] وسطها ... أنامل رخصات حديث خضابها
وتسلك [2] مدرى العاج في مدلهمّة ... إذا لم تفرّج مات غمّا صوابها
فراح بها ثور ترفّ [3] كأنها ... سلاسل درع خيرها [4] وانسكابها
منعّمة كالشّرية [5] الفرد جادها ... نجاء الثّريّا هطلها وذهابها
/ فأصبح رأسي كالصّخيرة أشرفت ... عليها عقاب ثم طارت عقابها
أخبار من حلق رؤوسهم:
ونظير هذا الخبر أخبار من حلقت جمّته فرثاها، وليس من هذا الباب، ولكن يذكر الشيء بمثله:
أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال أخبرني عبد الرحمن عن عمه قال:
شرب طخيم الأسديّ بالحيرة، فأخذه العبّاس بن معبد المرّيّ، وكان على شرط يوسف بن عمر، فحلق رأسه؛ فقال:
وبالحيرة البيضاء شيخ مسلّط ... إذا حلف الأيمان باللّه برّت
لقد حلقوا منّا غدافا كأنها ... عناقيد كرم أينعت فاسبطرّت [6]
يظلّ العذارى حين تحلق لمّتي ... على عجل يلقطنها حين جزّت
أخبرني محمد عن [7] عبد الرحمن عن عمه عن بعض بني كلاب قال:
أخذ فتى منّا مع بعض فتيات الحيّ، فحلق رأسه فقال:
يا لمّتي ولقد خلقت [8] جميلة ... وكرمت حين أصابك الجلمان
__________
[1] غل شعره بالطيب: أدخله في أصوله. وفي ب، س «عل» بالعين المهملة وهو تصحيف. وفي «الكامل» (ص 334 طبع أوروبا):
« ... يا ثور فرّق بينها».
[2] في «الكامل»: «فيهلك». ويهلك: يصل. والمدرى: شيء يعمل من حديد أو خشب على شكل سن من أسنان المشط وأطول منه يسرح به الشعر المتلبد، ويستعمله من لم يكن له مشط. ومدلهمه: سوداء.
[3] كذا في «الكامل». وفي الأصول: «تزف». وهو تصحيف: ورف لونه: برق وتلألأ. وفيه أيضا: فجاء بها» بدل «فراح بها».
[4] الخير: الهيئة. وفي ب، س: «خبؤها». ورواية هذا الشطر في «الكامل»: «سلاسل برق لينها وانسكابها». وسلاسل البرق هي ما استطال في عرض السحاب، ترى فيه هيئة انثناء والتواء.
[5] الشرية: شجرة الحنظل، تشبه اللمم بها لحسنها لأنها جعدة. والنجاء: جمع نجو كبحر بحار، وهو السحاب الذي هراق ماءه.
والذهاب: جمع ذهبة (بالكسر) وهي المطرة الضعيفة، وقيل: الجود. ورواية هذا البيت في «الكامل»:
خدارية كالشرية الفرد جادها ... من الصيف أنواه مطير سحابها
والخدارية: وصف للمّة، أي شديدة السواد.
[6] اسبطرت: طالت وامتدت.
[7] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «محمد بن عبد الرحمن» وهو تحريف. إذ أن محمدا هذا هو محمد بن الحسن بن دريد، وقد تقدّمت روايته في السند السابق وفي غيره عن عبد الرحمن ابن أخي الأصمعي.
[8] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «حلقت» بالحاء المهملة.
/
أمست تروق الناظرين وأصبحت ... قصصا [1] تكون [2] فواصل المرجان
شعره في أخيه ثور:
أخبرني وكيع قال حدّثني عليّ بن الحسين بن عبد الأعلى قال حدّثنا أبو محلّم قال:
كان ليزيد بن الطّثريّة أخ يقال له ثور أكبر منه، فكان يزيد يغير على ماله ويتلفه، فيتحمّله ثور لمحبته إيّاه.
فقال يزيد في ذلك:
/نغير على ثور وثور يسرّنا ... وثور علينا في الحياة صبور
وذلك دأبي ما حييت وما مشى ... لثور على عفر التّراب بعير
الحرب بين عقيل وبني حنيفة ومقتل يزيد وما رثاه به الشعراء:
وقتل يزيد بن الطّثريّة في خلافة بني العبّاس [3]، قتلته بنو حنيفة.
أخبرني عليّ بن سليمان الأخفش قال أخبرنا أبو سعيد السّكّريّ عن محمد بن حبيب عن ابن الأعرابيّ عن المفضّل بن سلمة عن أبي عبيدة وابن الكلبيّ، وأخبرنا يحيى بن عليّ عن حمّاد بن إسحاق عن أبيه عن أبي الجرّاح العقيلي قال:
أغارت بنو حنيفة على طائفة من بني عقيل ومعهم رجل من بني قشير جار لهم؛ فقتل القشيريّ ورجل من بني عقيل واطّردت [4] إبل من العقيليّين؛ فأتى الصّريخ [5] عقيلا فلحقوا القوم فقاتلوهم فقتلوا من بني حنيفة رجلا وعقروا أفراسا ثلاثة من خيل حنيفة وانصرفوا، فلبثوا سنة. ثم إن عقيلا انحدرت منتجعة من بلادها إلى بلاد بني تميم، فذكر لحنيفة وهم بالكوكبة [6] والقيضاف، فغزتهم حنيفة، وحذر العقيليّون وأتتهم النّذر من نمير فانكشفوا فلم يقدروا عليهم؛ فبلغ ذلك من بني عقيل وتلهفوا على بني حنيفة، فجمعوا جمعا ليغزوا حنيفة، ثم تشاوروا.
فقال بعضهم: لا تغزوا قوما/ في منازلهم ودورهم فيتحصّنوا دونكم ويمتنعوا منكم، ولا نأمن أن يفضحوكم، فأقاموا بالعقيق. وجاءت حنيفة غازية كعبا لا تتعدّاها حتى وقعت بالفلج، فتطاير الناس، ورأس حنيفة يومئذ المندلف، وجاء صريخ كعب إلى أبي لطيفة بن مسلم العقيليّ وهو بالعقيق أمير عليها؛ فضاق بالرسول ذرعا وأتاه
__________
[1] القصص (بالتحريك): ما قص من الشعر.
[2] في ب، س: «تفوق».
[3] قال ابن خلكان في ترجمة يزيد بن الطثرية: «و قال أبو بكر بن يحيى بن جابر البلاذري في كتاب «أنساب الأشراف»، بعد ذكر مقتل الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان الأموي الحكميّ ووقائع جرت في سنة ست وعشرين ومائة، فكان في أثناء ذلك وقعة قتل فيها المندلف بن إدريس الحنفي وقتل معه يزيد بن الطثرية المذكور على قرية يقال لها الفلج» ثم قال: وذكر أبو الحسن الطوسيّ المذكور في هذه الواقعة أن الراية كانت مع يزيد بن الطثرية، فلما قتل المندلف وهرب أصحابه ثبت يزيد بن الطثرية، وكان عليه جبة خز فتشبثت في عشرة (بضم العين وفتح الشين والراء) فعثر فضربه بنو حنيفة حتى قتلوه». ثم استنبط ابن خلكان أن قتل يزيد بن الطثرية كان في هذه السنة عقب مقتل الوليد بن يزيد. ثم نقل عن أبي الفرج قوله في أوّل «ديوان يزيد» الذي جمعه من شعره أنه قتل في خلافة بني العباس، وقال: والأوّل أصح.
[4] طرد الأبل: ساقها، والمطاوع له اطردت الإبل.
[5] الصريخ: الاستغاثة.
[6] لم نجد هذين الموضعين في «معجمات البلدان».
هول شديد، فأرسل في عقيل يستمدّها؛ فأتته ربيعة بن عقيل وقشير بن كعب والحريش بن كعب وأفناء خفاجة، وجاش [1] إليه الناس؛ فقال: إني قد أرسلت طليعة فانتظروها حتى تجيء ونعلم ما تشير [2] به. قال أبو الجرّاح:
فأصبح صبح ثالثة على فرس له يهتف: أعزّ اللّه نصركم وأمتعنا بكم! انصرفوا راشدين فلم يكن بأس؛ فانصرف الناس؛ وصار في بني عمّه ورهطه دنية. وإنما فعل ذلك لتكون له السّمعة والذّكر. فكان فيمن سار معه القحيف بن خمير [3] ويزيد بن الطّثريّة الشاعران؛ فساروا حتى واجهوا القوم، فواقعوهم، فقتلوا المندلف، رموه في عينه، وسبوا وأسروا ومثّلوا بهم وقطعوا أيدي اثنين منهم وأرسلوهما إلى اليمامة وصنعوا [4] ما أرادوا. ولم يقتل ممن كان مع أبي لطيفة غير يزيد بن الطّثريّة، نشب ثوبه في جذل [5] من عشرة فانقلب، وخبطه القوم فقتل. فقال القحيف يرثيه:
ألا نبكي سراة بني قشير ... على صنديدها وعلى فتاها
فإن يقتل يزيد فقد قتلنا ... سراتهم الكهول على لحاها
/ أبا المكشوح بعدك من يحامي ... ومن يزجي المطيّ على وجاها
/ وقال القحيف أيضا يرثيه:
إن تقتلوا منّا شهيدا صابرا ... فقد تركنا منكم مجازرا
عشرين لمّا يدخلوا المقابرا ... قتلى أصيبت قعصا [6] نحائرا
نعجا [7] ترى أرجلها شواغرا وهذه من رواية ابن حبيب وحده. وقال القحيف أيضا ولم يروها إلا ابن حبيب:
يا عين بكّي هملا على همل ... على يزيد ويزيد بن حمل
قتّال أبطال وجرّار حلل قال: ويزيد بن حمل قشيريّ قتل يومئذ أيضا. وقالت زينب بنت الطّثريّة ترثي أخاها يزيد - وعن أبي عمرو الشّيبانيّ أنّ الأبيات لأمّ يزيد، قال: وهي من الأزد. ويقال: إنها لوحشيّة الجرميّة: -
أرى الأثل من بطن العقيق مجاوري ... مقيما وقد غالت يزيد غوائله
__________
[1] جاش إليه الناس: ساروا إليه ليلا.
[2] كانت العبارة في الأصل «ما تشير».
[3] كذا في «شرح القاموس» (مادة قحف) وفي ب، س: «القحيف بن حمير». بالحاء المهملة، وهو تصحيف. وفي سائر الأصول «المحنف بن حمير» وهو تحريف.
[4] كذا في «تجريد الأغاني». وفي الأصول: «و تصنعوا ما أرادوا» وهو تحريف.
[5] الجذل: أصل الشجرة. والعشرة: شجرة من العضاه وهي من كبار الشجر ذات صمغ حلو وورق عريض.
[6] القعص (بالفتح وبالتحريك): القتل المعجل والموت الوحيّ، يقال: مات فلان قعصا إذا أصابته ضربة أو رمية فمات مكانه.
[7] كذا في أكثر الأصول ولعله: «نعجى» جمع نعج كزمن وزمني. ونعج الرجل ربا وانتفخ، وذلك ملحوظ في الميت بجلاء. وفي ب، س: «نفجا» بالفاء. وشواغر: مرفوعات.
فتى قدّ قدّ السّيف لا متضائل ... ولا رهل لبّاته وبآدله [1]
فتى لا ترى قدّ القميص بخصره ... ولكنّما توهي القميص كواهله
إذا نزل الضّيفان كان عذوّرا [2] ... على الحيّ حتى تستقلّ مراجله
يسرّك [3] مظلوما ويرضيك ظالما ... وكلّ الذي حمّلته فهو حامله
/ إذا جدّ عند الجد [4] أرضاك جدّه ... وذو باطل إن شئت ألهاك باطله
إذا القوم أمّوا بيته فهو عامد ... لأفضل ما أمّوا له فهو فاعله [5]
مضى وورثناه دريس مفاضة [6] ... وأبيض هنديّا طويلا حمائله
وقد كان يحمي المحجرين [7] بسيفه ... ويبلغ أقصى حجرة [8] الحيّ نائله
فتى ليس لابن العم كالذئب إن رأى ... بصاحبه يوما دما فهو آكله
سيبكيه مولاه إذا ما ترفّعت ... عن الساق عند الرّوع يوما ذلاذله
الذّلذل [9]: هدب الثياب.
وقد أخبرنا الحرميّ عن الزّبير عن عمر بن إبراهيم السّعديّ عن عباس بن عبد الصمد قال:
قال هشام بن عبد الملك للعجير السّلوليّ: أصدقت فيما قلت في ابن عمّك [10]؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، ألا إنّي قلت:
فتى قدّ قدّ السيف لا متضائل ... ولا رهل لبّاته وأباجله [11]
/فذكر هذا البيت وحده ونسبه إلى العجير السّلوليّ من الأبيات المنسوبة إلى أخت يزيد بن الطّثريّة أو إلى أمّه وأتى بأبيات أخر ليست منها، وسيذكر ذلك في أخبار العجير مشروحا إن شاء اللّه تعالى.
__________
[1] البآدل: جمع بأدلة وهي اللحمة بين العنق والترقوة.
[2] العذوّر: السيىء الخلق القليل الصبر عما يريده وما يهم به. والمراجل: جمع مرجل وهو القدر. واستقلالها: انتصابها على الأثافي.
وصفته بسوء الخلق والتشدّد في الأمر والنهي حتى تنصب المراجل وتهيأ المطاعم للضيفان ثم يعود إلى خلقه الأوّل.
[3] في «اللسان»: يعينك مظلوما وينجيك ظالما ويريد بقوله. ويرضيك ظالما أنك إن ظلمت فطولبت بظلمك حماك ومنع منك.
[4] كذا في أ، ء، م. وفي سائر الأصول: «عند الظلم».
[5] رواية «ديوان» الحماسة: «لأحسن ما ظنوا به ... إلخ».
[6] الدريس: الخلق من الدروع وغيرها. والمفاضة: الدرع الواسعة. وأبيض يعني سيفا. وجعله طويل الحمائل لطول قوامه. يريد: أنه أنفق ماله فيما نشر له حمدا فلم يكن إرثه إلّا ما ذكر من السلاح.
[7] المحجر: الحرم وما يمنعه القوم. ورواية هذا الشطر في الحماسة:
وقد كان يروي المشرفيّ بكفه
يريد أنه كان شديد النكاية في الأعداء.
[8] الحجرة (بالفتح): الناحية.
[9] في الأصول: «الذلذال» بزيادة ألف ولم نقف عليها في «كتب اللغة»، وإنما واحد الذلاذل ذلذل وذلذلة.
[10] كذا في «ترجمة العجير السلولي» (ج 11 ص 153 طبع بلاق). وفي الأصول: «في ابن عمر» وهو تحريف.
[11] الأباجل: جمع أبجل، وهو عرق غليظ في الرجل، وقيل: هو في باطن الذراع.
وممّا يغنّى فيه من شعر يزيد بن الطّثريّة قوله:
صوت
بنفسي من لا بدّ أنّي هاجره ... ومن أنا في الميسور والعسر ذاكره
/ ومن قد رماه الناس بي فاتّقاهم ... ببغضي إلّا ما تجنّ ضمائره
عروضه من الطويل. غنّى في هذين البيتين عبد اللّه بن العباس الرّبيعيّ لحنا من خفيف الثقيل بالبنصر. وغنّت فيه عريب وفي أبيات أضافتها إليها لحنا من خفيف الثقيل الأوّل آخر. وغنّت عليّة بنت المهديّ فيها خفيف رمل. وذكر الهشاميّ أن لإبراهيم فيها لحنا ماخوريّا. والأبيات المضافة:
بنفسي من لا أخبر الناس باسمه ... وإن حملت حقدا عليّ عشائره
بأهلي ومالي من جلبت له الأذى ... ومن ذكره منّي قريب أسامره
ومن لو جرت شحناء بيني وبينه ... وحاورني لم أدر كيف أحاوره
صوت من المائة المختارة
شأتك المنازل بالأبرق ... دوارس كالعين في المهرق
لآل جميلة قد أخلقت ... ومهما يطل عهده يخلق
فإن يقل الناس لي عاشق ... فأين الذي هو لم يعشق
ولم يبك نؤيا على عبرة ... بداء الصّبابة والمعلق
/ شأتك: بعدت عنك. والشأو. البعد. يقال: جرى الفرس شأوا، يريد طلقا. والمهرق: الصحيفة، والجمع المهارق. يريد أنّ الدار قد بقيت منها طرائق كالصّحف وما فيها.
الشعر للأحوص. والغناء لجميلة. ولحنها المختار خفيف رمل بالوسطى [1] عن إسحاق. وفيه لعطرّد ثقيل أوّل بالخنصر في مجرى الوسطى. وفيه لمعبد خفيف ثقيل عن حبش: وفيه رمل يقال: إنه لفريدة، ويقال: إنه لمالك. وقيل: إن الثقيل الأوّل لابن عائشة. وذكر عمرو بن بانة أن خفيف الرمل لعطرّد أيضا.
__________
[1] في ب، س: بالوسطى في مجراها عن إسحاق».
4 - ذكر جميلة وأخبارها
ولاء جميلة وشعر عبد الرحمن بن أرطأة فيها:
هي جميلة مولاة بني سليم ثم مولاة بطن منهم يقال لهم بنو بهز، وكان لها زوج من موالي بني الحارث بن الخزرج، وكانت تنزل فيهم، فغلب عليها ولاء زوجها، فقيل: إنها مولاة للأنصار، تنزل بالسّنح [1] وهو الموضع الذي كان ينزله أبو بكر الصّدّيق؛ ذكر ذلك إبراهيم بن زياد الأنصاري الأمويّ السّعيدي. وذكر عبد العزيز بن عمران أنها مولاة للحجّاج بن علاط السّلميّ وهي أصل من أصول الغناء، وعنها أخذ معبد وابن عائشة وحبابة وسلّامة وعقيلة العقيقية والشّمّاسيّتان خليدة وربيحة. وفيها يقول عبد الرحمن بن أرطأة:
صوت
إنّ الدّلال وحسن الغنا ... ء سط بيوت بني الخزرج
/ وتلكم جميلة زين النساء ... إذا هي تزدان للمخرج
إذا جئتها بذلت ودّها ... بوجه منير لها أبلج
الشعر لعبد الرحمن بن أرطأة. والغناء لمالك خفيف ثقيل أوّل مطلق في مجرى الوسطى، ويقال: فيه الدّلال وجميلة لحنان.
كانت أعلم خلق اللّه بالغناء:
أخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد عن أبيه عن أبي جعفر القرشيّ عن المحرزيّ [2] قال:
كانت جميلة أعلم خلق اللّه بالغناء؛ وكان معبد يقول: أصل الغناء جميلة وفرعه نحن، ولو لا جميلة لم نكن نحن مغنّين.
كيف تعلمت الغناء:
قال إسحاق وحدّثني أيّوب بن عباية قال حدّثني رجل من الأنصار قال:
سئلت جميلة: أنّى لك هذا الغناء؟ قالت: واللّه ما هو إلهام ولا تعليم ولكنّ أبا جعفر سائب خاثر كان لنا جارا وكنت أسمعه يغنّي ويضرب بالعود فلا أفهمه، فأخذت تلك النّغمات فبنيت عليها غنائي، فجاءت أجود من تأليف ذلك الغناء، فعلمت وألقيت، فسمعني موالياتي [3] يوما وأنا أغنّي سرّا ففهمنني ودخلن عليّ وقلن: قد علمنا فما تكتمينا. فأقسمن عليّ، فرفعت صوتي وغنّيتهنّ بشعر زهير بن أبي سلمى:
__________
[1] السنح (بالضم وبضمتين): موضع قرب المدينة.
[2] في ح: «المخرزي بالخاء المعجمة.
[3] موالياتي: هو جمع الجمع، كصواحبات.
وما ذكرتك إلّا هجت لي طربا ... إنّ المحبّ ببعض الأمر معذور
ليس المحبّ بمن [1] إن شطّ غيّره ... هجر الحبيب وفي الهجران تغيير
صوت
نام الخليّ فنوم العين تعذير [2] ... مما ادّكرت وهمّ النفس مذكور
ذكرت سلمى وما ذكري براجعها ... ودونها سبسب يهوي به المور [3]
- الشعر لزهير. والغناء في هذين البيتين لجميلة فقط رمل بالوسطى عن حبش - فحينئذ ظهر أمري وشاع ذكري، فقصدني الناس وجلست للتعليم؛ فكان الجواري يتكاوسنني [4]، فربما انصرف أكثرهنّ ولم يأخذن شيئا سوى ما سمعنني أطارح لغيرهنّ، ولقد كسبت لمواليّ ما لم يخطر لهنّ ببال، وأهل ذلك كانوا وكنت.
إجماع الناس على تقدمها في الغناء:
وحدّثني أبو خليفة قال حدّثني ابن سلّام قال حدّثني مسلمة بن محمد بن مسلمة الثّقفيّ قال:
كانت جميلة ممّن لا يشكّ في فضيلتها في الغناء، ولم يدّع أحد مقاربتها [5] في ذلك، وكلّ مدنيّ ومكيّ يشهد لها بالفضل.
وصف مجلس من مجالسها غنت فيه وغنى فيه مغنو مكة والمدينة:
قال إسحاق وحدّثني هشام بن المرّيّة المدنيّ قال حدّثني جرير المدنيّ - قال إسحاق: وكانا جميعا مغنّيين حاذقين شيخين جليلين عالمين ظريفين، وكانا قد أسنّا، فأمّا هشام فبلغ الثمانين، وأمّا جرير فلا أدري - قال جرير:
وفد ابن سريج والغريض وسعيد بن مسجح ومسلم بن محرز المدينة لبعض من وفدوا عليه، فأجمع رأيهم على النزول على جميلة مولاة بهز، فنزلوا عليها فخرجوا يوما إلى العقيق متنزّهين، فوردوا على معبد وابن عائشة فجلسوا إليهما فتحدّثوا ساعة؛ ثم سأل معبد ابن سريج وأصحابه أن يعرضوا عليهم بعض ما ألّفوا. فقال ابن عائشة:
إنّ للقوم أعمالا كثيرة حسنة ولك أيضا يا أبا عبّاد، ولكن قد اجتمع علماء مكة، وأنا وأنت من أهل المدينة، فليعمل كلّ واحد منّا صوتا ساعته ثم يغنّ به. قال/ معبد: يابن عائشة، قد أعجبتك نفسك حتى بلّغتك هذه المرتبة!. قال ابن عائشة: أو غضبت يا أبا عبّاد! إنّي لم أقل هذا وأنا أريد أن أتنقّصك فإنك لأنت المفاد منه. قال معبد: أمّا إذ قد اختلفّنا وأصحابنا المكّيّون سكوت فلنجعل بيننا حكما. قال ابن عائشة: إنّ أصحابنا شركاء في الحكومة. قال ابن سريج: على شريطة؛ قال [6]: على أن يكون ما نغنّي به من الشعر ما حكّمت فيه امرأة. قال ابن عائشة/ ومعبد:
__________
[1] في ب، س: «كمن».
[2] تعذير: قليل. وفي ب، س: «تقرير» وهو تحريف.
[3] المور: الغبار المتردد، وقيل: التراب تثيرة الريح.
[4] يتكاوسنني، تريد: يتكنفنني ويتزاحمن حولي. ضمن «تكاوس» بمعنى «تكنف» فتعدّى تعديته؛ إذ الموجود في «كتب اللغة» أن التكاوس التزاحم والتراكم، فهو فعل لازم؛ يقال: تكاوس النخل والشجر والعشب إذا كثر والتف، وتكاوس النبت إذا التف وسقط بعضه على بعض.
[5] في ح، أ: «مقارنتها» بالنون.
[6] كلمة «قال» هنا ظاهرة الزيادة.
رضينا، وهي أمّ جندب. فأجمع رأيهم على الاجتماع في منزل جميلة من غد. فلما حضروا قال ابن عائشة: ما ترى يا أبا عبّاد؟ قال: أرى أن يبتدىء أصحابنا أو أحدهم. قال ابن سريج: بل أنتما أولى. قالا: لم نكن لنفعل. فأقبل ابن سريج على سعيد بن مسجح فسأله أن يبتدىء فأبى. فأجمع رأي المكيّين على أن يبتدىء ابن سريج. فغنّى ابن سريج:
صوت
ذهبت من الهجران في غير مذهب ... ولم يك حقّا كلّ هذا التجنّب
خليليّ مرّا بي على أمّ جندب ... أقضّ [1] لبانات الفؤاد المعذّب
فإنّكما إن تنظراني ساعة ... من الدّهر تنفعني لدى أمّ جندب
ألم ترياني كلّما جئت طارقا ... وجدت بها طيبا وإن لم تطيّب
- الشعر لامرىء [2] القيس. ولابن سريج فيه لحنان ثاني ثقيل بالسّبابة في مجرى الوسطى، وخفيف رمل بالسّبابة في مجرى الوسطى جميعا عن أسحاق - وغنّى معبد:
صوت
فللّه عينا من رأى من تفرّق ... أشتّ وأنأى من فراق المحصّب [3]
علون بأنطاكيّة فوق عقمة ... كجرمة نخل أو كجنّة يثرب [4]
/فريقان منهم سالك بطن نخلة ... وآخر منهم جازع نجد كبكب [5]
فعيناك غربا جدول في مفاضة ... كمرّ خليج في سنيح مثقّب [6]
وغنّى ابن مسجح:
__________
[1] في الأصول هنا: «أقضى». وفي «شرح ديوانه»: لنقضى حاجات».
[2] يلاحظ أن البيت الأول من هذه الأبيات من شعر علقمة الفحل وهو مطلع قصيدة له.
[3] المحصب: موضع رمي الجمار بمكّة.
[4] علون: يعني الظعائن. وإنما يريد الإبل التي تحمل الظعائن، يعني علون بالخدور التي فيها ثياب أنطاكية أي علمت بأنطاكية.
والعقمة: ضرب من الوشى. والجرمة: ما جرم من البسر. شبه ما على الإبل من الألوان بالبسر الأحمر والأصفر. والجنة:
البستان. يريد نخل المدينة.
[5] بطن نخلة: موضع على ليلة من مكة. والجازع: القاطع، يقال: جزعت الوادي أي قطعته. وكبكب هو الجبل الأحمر الذي يجعله خلف ظهرك إذا وقفت مع الإمام بعرفة.
[6] كذا في «ديوان امرىء القيس» (نسخة مخطوطة محفوظة بدار الكتب المصرية تحت رقم 15 أدب ش). وفي الأصول: «مصوب» وهو تحريف. والغرب: الدلو الضخمة. والمفاضة هاهنا: الأرض الواسعة. والخليج: الخيط الذي يتناثر منه اللؤلؤ. والسنيح: اللؤلؤ.
شبه ما يسيل من عينيه بالغربين، وما يسيل من الغربين باللؤلؤ المتناثر. (عن شرح الديوان).
صوت
وقالت فإن يبخل عليك ويعتلل ... يسؤك وإن يكشف غرامك تدرب [1]
وإنّك لم يفخر عليك كفاخر [2] ... ضعيف ولم يغلبك مثل مغلّب
وإنك لم تقطع لبانة عاشق ... بمثل بكور أو رواح مؤوّب [3]
/بأدماء حرجوج كأنّ قتودها ... على أبلق الكشحين ليس بمغرب [4]
يغرّد بالأسحار في كلّ سدفة ... تغرّد ميّاح النّدامى المطرّب [5]
وغنّى ابن عائشة:
صوت
وقد أغتدي والطير في وكناتها ... وماء النّدى يجري على كل مذنب [6]
/بمنجرد قيد الأوابد لاحه ... طراد الهوادي كلّ شأو مغرّب [7]
إذا ما جرى شأوين وابتلّ عطفه ... تقول هزيز الرّيح مرّت بأثأب [8]
له أيطلا [9] ظبي وساقا نعامة ... وصهوة عير قائم فوق مرقب
/ وغنّى ابن محرز:
__________
[1] كل الشعر الماضي، ما عدا البيت الأوّل كما تقدّم، من قصيدة امرىء القيس. وقد اختلف في هذا البيت أهو من قصيدة امرىء القيس أم من قصيدة علقمة. (راجع كتاب «المقاصد النحوية في شرح شواهد شروح الألفية» للإمام العيني فقد فصل الكلام في ذلك).
وتدرب: من الدربة وهي التجربة. ومعنى البيت أنه إن بخل عليك بالوصال واعتل ساءك ذلك، وإن وصلت وكشف غرامك كان ذلك عادة لك ودربة. وإنما يريد أنها كانت لا تقطع وصاله كل القطع فيحمله ذلك على اليأس والسلو، ولا تصله كل الوصل فيتعود ذلك ويستكثر منه حتى يدعوه إلى الملل. (عن شواهد العيني). وفي الأصول: «تذرب» بالذال المعجمة وهو تصحيف.
[2] في ب، س: «كعاجز». والمغلب (بصيغة المفعول): الذي من عادته أن يغلب.
[3] المؤوب: المردّد المتكرر. ويصح أن يكون بالكسر باعتبار أن صاحبه يؤوب فيه أي يرده مع الليل بعد سير النهار كله. وهذا البيت من شعر علقمة.
[4] الأدماء: الناقة البيضاء. والحرجوج: الجسيمة الطويلة على وجه الأرض. والقتود: جمع قتد وهو أداة الرحل. وأبلق الكشحين:
أبيض الخاصرتين. والإغراب: بياض الأشفار والوجه، فالمغرب: الذي تتسع غرته حتى تأخذ عينيه وأشفاره. وقيل: الإغراب:
بياض الأرفاغ مما يلي الخاصرة. أو المغرب الذي كل شيء منه أبيض وهو أقبح البياض. أي ليس بلقه بإغراب. يريد: كأن قتود هذه الناقة على حمار وحشي موصوف بما ذكره بهذا البيت وما بعده لشدّة نشاطها. وفي الشطر الأوّل رواية أخرى أشار إليها شارح «الديوان» وهي: «بمجفرة حرف ... إلخ». والمجفرة: المنتفخة. والحرف: الضامرة.
[5] يغرد: يطرّب. وسدفة: طائفة من الليل، ومياح: وصف من ماح في مشيته يميح ميحا وميحوحة إذا تبختر. والندامى: الفتيان الذين يتنادمون، الواحد ندمان ونديم. يصف الحمار بأنه يرفع بالأسحار صوته كأنه يطرّب نفسه.
[6] المذنب: مسيل الماء إلى الروضة.
[7] المنجرد: القصير الشعر. والأوابد: الوحش. ولاحه: غيره وأهزله وأضناه. والطراد: المطاردة. والهوادي: السوابق المتقدّمات.
والشأو: الطلق وهو جري مرة إلى الغاية. والمغرّب: البعيد المدى.
[8] عطفه: ناحيته. وهزيز الريح: صوتها. والأثأب: شجر للريح في أضعاف أغصانه حفيف عظيم وشدّة صوت.
[9] الأيطل: الخاصرة. والصهوة: الظهر. والعير: حمار الوحش. وليس في الدواب أحسن موضع لبد من حمار الوحش. وإنما قال:
«قائم» لأنه إذا قام تمدد وإذا عدا اضطرب. والمرقب: المكان المرتفع من الأرض.
صوت
فللسّوط ألهوب وللساق درّة ... وللزّجر منه وقع أخرج مهذب [1]
فأدرك لم يجهد ولم يبل شدّه ... يمرّ كخذروف الوليد المثقّب [2]
تذبّ به طورا وطورا تمرّه ... كذبّ البشير بالرّداء المهذّب [3]
إذا ما ضربت الدّفّ أو صلت صولة ... ترقّب منّي غير أدنى ترقّب [4]
وغنّى الغريض:
صوت
أخائفة لا يلعن الحيّ شخصه ... صبورا على العلّات غير مسبّب [5]
رأينا شياها يرتعين خميلة ... كمشي العذارى في الملاء المجوّب [6]
/و ما أنت أم ما ذكرها ربعيّة ... تحلّ بإير أو بأكناف شربب [7]
أطعت الوشاة والمشاة بصرمها ... فقد أنهجت حبالها للتقضّب [8]
فقالت جميلة: كلّكم محسن وكلّكم مجيد في معناه ومذهبه. قال ابن عائشة: ليس هذا بمقنع دون التفضيل.
فقالت: أمّا أنت يا أبا يحيى [9] فتضحك الثّكلى بحسن صوتك ومشاكلته للنفوس. وأمّا أنت يا أبا عبّاد فنسيج وحدك [10] بجودة تأليفك وحسن نظمك مع عذوبة غنائك. وأمّا أنت يا أبا عثمان فلك أوّليّة هذا الأمر وفضيلته وأمّا أنت يا أبا جعفر فمع الخلفاء تصلح. وأمّا أنت يا أبا الخطّاب فلو قدّمت أحدا على نفسي لقدّمتك. وأمّا أنت يا
__________
[1] الإلهاب والألهوب: شدّة العدو الذي يثير اللهب وهو الغبار الساطع كالدخان المرتفع من النار. وللساق درة أي إن حرك بالساق درّ على ذلك وزاد في عدوه. والأخرج: الذكر من النعام الذي اختلف ريشه في لونه. والمهذب: الشديد العدو. أي إذا زجر أخرج منه الزجر عدوا كعدو الظليم.
[2] يريد أنه يدرك طريدته من غير جهد ولا مشقة. والخدروف: والدوّارة التي يلعب بها الصبيان.
[3] هذا البيت والذي بعده من شعر علقمة وهما في وصف ناقته. ويرجع الضمير في «به» إلى ذنبها الذي وصفه في البيت الذي قبل هذا البيت وهو:
كأن بحاذيها إذا ما تشذرت ... عثاكيل قنو من سميحة مرطب
وذب البشير أن يلمع للقوم بردائه إذا جاءهم بخبر خير. والمهدب: ذو الهدب. شبه خطران الناقة بذنبها بلمع البشير برداء ذي هدب.
[4] الدف: الجنب. وترقب: تلحظ السوط بمؤخر عينها من الخوف. وغير أدنى ترقب أي ترقبا شديدا.
[5] هذا البيت والأبيات التي بعده في «ديوان علقمة» وغير مسبب: غير مسبوب.
[6] شياه: بقر من الوحش. والخميلة: رملة فيها شجر قد صار لها كالخمل في الثوب. والمجوّب: المصنوع له جيب.
[7] قوله: وما أنت أم ما ذكرها: يوبخ نفسه وينكر عليها تتبع هذه المرأة مع بعد دارها. وإير: جبل لبني غطفان غربيّ جبل طيء.
وشربب: واد في ديار بني ربيعة بن مالك بن زيد مناة بن تميم في شمال اليمامة. والأكناف: النواحي.
[8] أنهجت: خلقت وبليت. والتقضب: التقطع.
[9] أبو يحيى كنيته ابن سريج، وأبو عباد كنية معبد، وأبو عثمان كنية سعيد بن مسجح، وأبو جعفر كنية ابن عائشة، وأبو الخطاب كنية ابن محرز، ومولى العبلات لقب الغريض.
[10] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «فنسيج وحده» وهو تحريف.
مولى العبلات فلو ابتدأت لقدّمتك عليهم. ثم سألوها جميعا أن تغنّيهم لحنا كما غنّوا؛ فغنّتهم بيتا لامرىء القيس وأربعة أبيات لعلقمة وهي:
خليليّ مرّا بي على أمّ جندب ... أقضّ لبانات الفؤاد المعذّب
ليالي لا تبلى [1] نصيحة بيننا ... ليالي حلّوا بالسّتار [2] فغرّب
/ مبتّلة [3] كأنّ أنضاء حليها ... على شادن من صاحة متربّب
محال [4] كأجواز الجراد ولؤلؤ ... من القلقيّ والكبيس الملوّب
إذا ألحم الواشون للشرّ بيننا ... تبلّغ رسّ الحبّ غير المكذّب [5]
فكلّهم أقرّوا لها وفضّلوها. فقالت لهم: ألا أحدّثكم بحديث يتمّ به حسن غنائكم [6] وتمام اختياركم؟ قالوا: بلى واللّه. قال الغريض: قد واللّه فهمته يا سيّدتي قالت: لعنك اللّه يا مخنّث! ما أجود فهمك وأحسن وجهك! وما يلام فيك أبو يحيى إذ عرفته؛ فهاته حدّثنا. قال: يا سيّدتي وسيّدة من حضر، واللّه لا نطقت بحرف منه وأنت حاضرة، ولك الفضل والعتبى. قالت: نازع امرؤ القيس علقمة بن عبدة الفحل الشعر؛ فقال له: قد حكّمت [7] بيني وبينك/ امرأتك أمّ جندب؛ قال: قد رضيت. فقالت لهما: قولا شعرا على رويّ واحد وقافية واحدة صفا فيه الخيل.
فقال امرؤ القيس:
خليليّ مرّا بي على أمّ جندب ... أقضّ لبانات الفؤاد لمعذّب
/ وقال علقمة:
ذهبت من الهجران في غير مذهب ... ولم يك حقّا كلّ هذا التجنّب
وأنشداها، فغلّبت علقمة. فقال لها زوجها: بأيّ شيء غلّبته؟ قالت: لأنك قلت:
__________
[1] كذا في «ديوان علقمة». وفي الأصول: «ليلى فلا تبلى» وهو تحريف.
[2] الستار (على وزن كتاب): جبل بعالية الحجاز. وغرب موضع تلقاءه. وهذا البيت واقع في «ديوان علقمة» بعد قوله:
ذهبت من الهجران في غير مذهب ... ولم يك حقا كل هذا التجنب
وهو مطلع القصيدة. يقول لنفسه: ذهبت من هجران هذه المرأة لك في غير مذهب يجب، أي لم تهجرك لريبة رابتك بها لكن إدلالا وتجنبا، ولم يكن تجنبها حقا، إذ لم تأت إليها ما يوجب التجنب. وقوله: ليالي لا تبلى أي فعلت هذا بك زمن المرتبع إذ كان حيها وحيك متجاورين، فكنا نجدد النصائح ونقرب الوسائل. (راجع شرح ديوان علقمة الفحل للأعلم الشنتمري).
[3] المبتلة: المكتنزة اللحم الضامرة الكشح. وأنضاء الحلى: ما دق منه ولطف. يعني قرطيها وقلائدها ولم يعن سوارا ولا خلخالا، لأنه إنما قصد إلى تشبيه جيدها وما عليه من الحلى يجيد الشادن. وصاحة: جبل أحمر بين الركاء والدخول، وقيل: صاحة هضبتان عظيمتان لهما زيادات وأطراف كثيرة، وهي من عماية (جبل بالبحرين ضخم) تلي مغرب الشمس بينهما فرسخ. (عن «معجم ما استعجم» للبكري). ومتربب: مربى.
[4] المحال: ضرب من الحلى يصاغ مفقرا (أي محززا) على تفقير وسط الجراد، والجوز: وسط الشي، والقلقي: ضرب من القلائد المنظومة من اللؤلؤ. قال صاحب «اللسان»: والظاهر أنها سميت بذلك لقلقها (أي اضطرابها). والكيس: حلى يصاغ مجوّفا ثم يحشى طيبا ثم يكبس. والملوّب: المعطر بالملاب، وهو نوع من العطر، وقيل: الملاب كل عطر مائع.
[5] ألحم: أدخل. يقال: ألحم بين بني فلان شرا إذا جناه لهم. وقوله: تبلغ رس الحب أي تبلغ في القلب وثبت فيه. والرس: الثابت الراسخ. وغير المكذب أي غير المنقطع الرائل.
[6] في ب، س: «غضارتكم».
[7] في الأصول: «حاكمت».
فللسّوط ألهوب وللساق درّة ... وللزّجر منه وقع أهوج منعب [1]
فجهدت فرسك بسوطك، ومريته [2] بساقك وزجرك، وأتعبته بجهدك. وقال علقمة:
فولّى على آثارهنّ بحاصب ... وغيبة شؤبوب من الشّدّ ملهب [3]
فأدركهنّ ثانيا من عنانه ... يمرّ كمرّ الرائح المتحلّبب [4]
فلم يضرب فرسه بسوط، ولم يمره بساق، ولم يتعبه بزجر. فقال ابن عائشة: جعلت فداك! أتأذنين أن أحدّث؟
قالت: هيه. قال: إنما تزوج أمّ جندب حين هرب من المنذر بن ماء السماء فأتى جبلي طيّ ء، وكان مفرّكا [5]. فبينا هو معها ذات ليلة إذ قالت له: قم يا خير الفتيان فقد أصبحت. فلم يقم؛ فكرّرت عليه فقام فوجد الفجر لم يطلع، فرجع فقال لها: ما حملك على ما صنعت؟ فأمسكت. وألحّ عليها فقالت: حملني أنك ثقيل الصدر، خفيف العجيزة، سريع الإراقة، بطيء الإفاقة. فعرف تصديق قولها وسكت. فلما أصبح أتى علقمة وهو في خيمته وخلفه أمّ جندب، فتذاكروا الشعر، فقال امرؤ القيس: أنا أشعر منك، وقال علقمة مثل ذلك، فتحاكما إلى أمّ جندب، ففضّلت أمّ جندب علقمة على امرىء القيس./ فقال لها: بم فضّلته عليّ؟ قالت: فرس ابن عبدة أجود من فرسك.
زجرت وضربت وحرّكت ساقيك، وابن عبدة جامد لا مقتدر [6]. فغضب من قولها وطلّقها، وخلف عليها علقمة.
فقالت جميلة: ما أحسن مجلسنا لو دام اجتماعنا!. ثم دعت بالغداء فأتى بألوان الأطعمة وأنواع من الفاكهة. ثم قالت: لو لا شناعة [7] مجلسنا لكان الشراب معدّا ولكنّ الليل بيننا. فلم يزالوا يومهم ذلك بأطيب مجلس وأحسن حديث. فلما جنّهم الليل دعت بالشراب ودعت لكل رجل منهم بعود، وأخذت هي عودا فضربت، ثم قالت:
اضربوا فضربوا عليها بضرب واحد، وغنّت بشعر امرىء القيس:
أأذكرت نفسك ما لن يعودا ... فهاج التّذكّر قلبا عميدا
تذكّرت هندا وأترابها ... وأيّام كنت لها مستقيدا [8]
ويعجبك اللّهو والمسمعات ... فأصبحت أزمعت منها صدودا
ونادمت قيصر في ملكه ... فأوجهني [9] وركبت البريدا
فما سمع السامعون بشيء أحسن من ذلك. ثم قالت: تغنّوا جميعا بلحن واحد؛ فغنّوها هذا الشعر والصوت بعينه
__________
[1] المنعب: الأحمق المصوت، كذا في «اللسان» واستشهد بالبيت. والمتعب أيضا: الذي يمد عنقه في العدو.
[2] مرى الفرس: استخرج جريه.
[3] على آثارهنّ: يعني البقر. وبحاصب: يعني بعدو شديد كالحاصب من المطر وهو العظيم القطر. والغيبة: المطرة التي تجيء شديدة. والشؤبوب: أول كل شيء وحدّته. وملهب: مثير للهب من شدّة جريه. واللهب: الغبار الساطع كالدخان المرتفع من النار.
[4] الرائح: يعني السحاب الذي يأتي بالعشيّ، والسحاب أغزر ما يكون بالعشيّ. والمتحلب: المتساقط المتتابع.
[5] المفرّك: الذي يبغضه النساء.
[6] كذا في أكثر الأصول. وفي ب، س: «مغتدر» بالغين المعجمة. وكلاهما غير واضح.
[7] تريد: لو لا شهرة مجلسمنا وقبح الأحدوثة عنه.
[8] استقاد له: أعطاه مقادته أي أطاعه له.
[9] أوجهه: شرفه وجعله وجيها.
كما غنّته. وعلم القوم ما أرادت بهذا الشعر؛ فقال ابن عائشة: جعلت/ فداك! نرجو أن يدوم مجلسنا، ويؤثر أصحابنا المقام بالمدينة فنواسيهم من كل ما نملكه. قال أبو عبّاد: وكيف بذاك!. فباتوا بأنعم ليلة وأحسنها. قال إسحاق قال أبي قال لي يونس: قال أبو عبّاد: لا أعرف يوما واحدا منذ عقلت ولا ليلة عند خليفة ولا غيره مثل ذلك اليوم، ولا أحسبه/ يكون بعد. قال يونس: ولا أدركنا نحن مثل ذلك اليوم ولا بلغنا. قال إسحاق: ولا أنا، ولا أحسب ذلك اليوم يكون بعد.
زارها عبد اللّه بن جعفر فصرفت من عندها وأقبلت عليه تلاطفه:
وحدّثني أبي قال حدّثنا يونس قال قال لي أبو عبّاد:
أتيت جميلة يوما وكان لي موعد ظننت [1] أنّي سبقت الناس إليها، فإذا مجلسها غاصّ؛ فسألتها أن تعلّمني شيئا؛ فقالت لي: إنّ غيرك قد سبقك ولا يجمل تقديمك على من سواك فقلت: جعلت فداك! إلى متى [2] تفرغين ممّن سبقني! قالت: هو ذاك، الحقّ يسعك ويسعهم. فبينا نحن كذلك إذ أقبل عبد اللّه بن جعفر - وإنه لأول يوم رأيته وآخره وكنت صغيرا كيّسا، وكانت جميلة شديدة الفرح - فقامت وقام الناس، فتلقّته وقبّلت رجليه ويديه، وجلس في صدر المجلس على كوم لها وتحوّق [3] أصحابه حوله، وأشارت إلى من عندها بالانصراف، وتفرّق الناس، وغمزتني أن لا أبرح فأقمت. وقالت: يا سيّدي وسيّد آبائي ومواليّ، كيف نشطت إلى أن تنقل قدميك إلى أمتك؟
قال: يا جميلة، قد علمت ما آليت على نفسك ألّا تغنّي أحدا إلّا في منزلك، وأحببت الاستماع وكان ذلك طريقا مادّا فسيحا. قالت: جعلت فداك! فأنا أصير إليك وأكفّر. قال: لا أكلّفك ذلك، وبلغني أنك تغنّين بيتين لامرىء القيس تجيدين الغناء فيهما، وكان اللّه أنقذ بهما جماعة من المسلمين من الموت. قالت: يا سيّدي نعم! فاندفعت تغنّي فغنّت بعودها، فما سمعت منها قبل ذلك ولا بعد إلى أن ماتت مثل ذلك الغناء؛ فسبّح عبد اللّه بن جعفر والقوم معه. وهما:
/و لما رأت أنّ الشّريعة همّها ... وأنّ البياض من فرائصها دامي [4]
تيمّمت العين التي عند ضارج ... يفيء عليها الظّلّ عرمضها طامي [5]
حديث عبد اللّه بن جعفر عن جماعة ضلوا الطريق فأنقذهم اللّه بشعر امرىء القيس
: - ولابن مسجح في هذا الشعر صوت وهذا أحسنهما - فلما فرغت قالت جميلة: أي سيّدي أزيدك؟ قال: حسبي.
فقال بعض من كان معه: بأبي جعلت فداك! وكيف أنقذ اللّه من المسلمين جماعة بهذين البيتين؟ قال: نعم، أقبل
__________
[1] جملة ظننت وما بعدها حال من فاعل أتيت، وليس من الضروري في مثل هذا المقام أن تقترن بالواو أو قد أو بها.
[2] هكذا في الأصول. وكلمة «إلى» في هذا المقام ظاهرة الزيادة.
[3] تحوّقوا حوله: استداروا حوله وأحاطوا به.
[4] الشريعة: مورد الماء الذي تشرع فيه الدواب. وهمها: طلبها. والفريضة: اللحم الذي بين الكتف والصدر. والفرائص أيضا:
العروق. والضمير في رأت للحمر. يريد أن الحمر لما أرادت شريعة الماء خافت على أنفسها من الرماة وأن تدمى فرائصها من سهامهم فعدلت إلى «ضارج» لعدم الرماة على العين التي فيها. و «ضارج»: موضع في بلاد بني عبس. والعرمض: الطحلب.
وطام: مرتفع. «عن اللسان» مادة ضرج.
[5] ورد في «اللسان» (مادة ضرج) بعد إيراد هذه الرواية: «قال ابن بري: ذكر النحاس أن الرواية في البيت: يفيء عليها الطلح».
قوم من أهل اليمن يريدون النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فضلّوا [1] الطريق ووقعوا على غيرها ومكثوا ثلاثا لا يقدرون على الماء، وجعل الرجل منهم يستذري [2] بفيء السّمر والطّلح يائسا من الحياة، إذ أقبل راكب على بعير له، وأنشد بعض القوم هذين البيتين فقال:
ولما رأت أن الشّريعة همّها ... وأن البياض من فرائصها دامي
تيمّمت العين التي عند ضارج ... يفيء عليها الظّلّ عرمضها طامي
فقال الراكب: من يقول هذا؟ قال: امرؤ القيس. قال: واللّه ما كذب؛ هذا ضارج عندكم، وأشار لهم إليه؛ فحبوا على الرّكب فإذا ماء [3] عذب وإذا عليه العرمض والظلّ يفيء عليه، فشربوا منه ريّهم وحملوا ما اكتفوا به حتى بلغوا الماء، فأتوا/ النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم/ فأخبروه وقالوا: يا رسول اللّه، أحيانا اللّه عزّ وجلّ ببيتين من شعر امرىء القيس، وأنشدوه الشعر. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «ذلك رجل مذكور في الدنيا شريف فيها، مسنيّ في الآخرة خامل فيها، يجيء يوم القيامة معه لواء الشعراء إلى النار». فكلّ استحسن الحديث. ونهض عبد اللّه بن جعفر ونهض القوم معه. فما رأيت مجلسا كان أحسن منه.
سئل عمر بن الخطاب عن الشعراء فقدّم أمرأ القيس:
قال إسحاق: حدّثني بعض أهل العلم عن ابن عيّاش عن الشّعبيّ قال:
رأيت دغفلا النسّابة يحدّث أنه رأى العباس بن عبد المطّلب سأل عمر بن الخطّاب عن الشعراء، فقال: امرؤ القيس سابقهم خسف لهم عين الشعر فافتقر عن [4] معان عور أصحّ بصرا [5]، قال إسحاق: معنى خسف: احتفر.
وهو من كندة من اليمن، وليست لهم فصاحة مضر، ولا شعرهم بجيّد. فجعل معاني اليمن معاني عورا وما قاله:
أصحّ بصرا [5] أي أجود شعرا. ومعنى افتقر: احتفر. والفقيرة: الحفيرة تحفر للفسيلة لتغرس. وكل ما ابتدأت حفره فهو فقير. والمعنى أنه قال شعرا جيّدا وليس هو في معنى شعر مضر.
حديث جرير عن طرفة وامرىء القيس وزهير وذي الرمة:
وقال عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير بن الخطفى:
سمعت أبي يقول: دخل جدّي على بعض ملوك بني أمية؛ فقال: ألا تخبرني عن الشعراء؟ قال بلى. قال: من أشعر الناس؟ قال: ابن العشرين (يعني طرفة). قال: فما تقول في امرىء القيس؟ قال: اتخذ الخبيث الشعر نعلين، فأقسم باللّه لو أدركته لرفعت له ذلاذله [6]. قال: فما رأيك في ابن أبي سلمى؟ قال: كان يبري/ الشعر. قال: فما رأيك في ذي الرّمّة؟ قال: قدر من طريف الكلام وغريبه وحسنه على ما لم يقدر عليه أحد حتى صنّف الشعر.
__________
[1] في الأصول: «فأضلوا». ولا يقال: أضللت الشيء إلّا إذا ضاع منك. وأما إذا أخطأت موضع الشيء الثابت مثل الدار والمكان قلت: ضللته، ولا تقل: أضللته.
[2] يستذري: يستظل.
[3] في أ، م: «عدّ». والماء العدّ: الدائم الذي له مادة لا انقطاع لها مثل ماء العين وماء البئر.
[4] كذا في «لسان العرب» (مادة فقر). وفي الأصول: «من معان».
[5] في جميع الأصول واللسان: «أصح بصر» ولم يظهر له عندنا وجه.
[6] كذا في ح. والذلاذل: أسافل القميص الطويل، الواحد ذلذل. وفي سائر الأصول: «زلازله» بزايين، وهو خطأ.
زيارة معبد ومالك لجميلة وغناء معبد وجميلة على طريقة واحدة ثم غناء كل منهم وحده:
أخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد عن أبيه قال حدّثني أيّوب بن عباية عن رجل من الأنصار قال:
زار معبد مالك بن أبي السّمح؛ فقال له: هل لك أن نصير إلى جميلة؟ فمضيا جميعا فقصداها؛ فأذنت لهما فدخلا، فأخرجت إليهما رقعة فيها أبيات، فقالت لمعبد: بعث بهذه الرقعة إليّ فلان أغنّي فيها [1]. فقال معبد:
فابتدئي؛ فابدأت جميلة فغنّت:
صوت
إنما الذّلفاء همّي ... فليدعني من يلوم
فغنّى معبد:
أحسن الناس جميعا ... حين تمشي وتقوم
فغنّت جميلة:
حبّب الذّلفاء عندي ... منطق منها رخيم
فغنّى معبد:
أصل الحبل لترضى ... وهي للحبل صروم
فغنّت جميلة:
حبّها في القلب داء ... مستكنّ لا يريم
طريقة واحدة - الشعر للأحوص. وذكر ابن النّطاح أنه للبختريّ [2] العباديّ. والغناء لمعبد، وله فيه لحنان خفيف ثقيل أوّل بالسبّابة في مجرى البنصر عن ابن/ المكيّ، وثقيل أوّل بالوسطى عن عمرو. وذكر أحمد بن سعيد المالكيّ أن له فيه خفيف ثقيل آخر. وذكر حمّاد بن إسحاق أن فيه لمالك وجميلة لحنين - وقالت لمعبد ولمالك:
يغنّي كلّ واحد منكما لحنا مما عمله. فغنّاها معبد بشعر قاله فيها الأحوص يصفها به، وكان معجبا بها، وكانت هي له/ مكرمة، وهو قوله:
شأتك المنازل بالأبرق ... دوارس كالعين في المهرق
لآل جميلة قد أخلقت ... ومهما يطل عهده يخلق
فإن يقل الناس لي عاشق ... فأين الذي هو لم يعشق
ولم يبك نؤبا على عبرة ... بداء الصّبابة والمعلق
- في هذه الأبيات ثقيل أوّل بالخنصر في مجرى الوسطى، ذكر إسحاق أنه لعطرّد، وذكر ابن المكيّ أنه لجميلة.
وفيها خفيف رمل بالوسطى في مجراها، ذكر إسحاق أنه لعطرّد أيضا وعمرو، وذكر الهشاميّ أنّ الثقيل الأوّل لابن
__________
[1] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «بها».
[2] في ب، س: «للبحتري العبادي» بالحاء المهملة، وهو تصحيف.
عائشة. وذكر حبش أنّ فيه خفيف ثقيل لمعبد وأن خفيف الرّمل لمالك - قال معبد: فسّرت جميلة بما غنّيتها به وتبسّمت وقالت: حسبك يا أبا عبّاد! ولم تكنني قبلها ولا بعدها. ثم قالت لمالك: يا أخا طيّىء هات ما عندك وجنّبنا مثل قول عبد ابن قطن [1]؛ فاندفع وغنّى بلحن لها، وقد تغنّى به أيضا معبد لها. واللحن:
ألا من لقلب لا يملّ فيذهل ... أفق فالتعزّي عن بثينة أجمل
فما هكذا أحببت من كان قبلها ... ولا هكذا فيما مضى كنت تفعل
فإنّ التي أحببت قد حيل دونها ... فكن حازما والحازم المتحوّل
- لحن جميلة هكذا ثقيل أوّل بالبنصر. وفيه ألحان عدّة مع أبيات أخر من القصيدة، وهي لجميل - فقالت جميلة:
أحسنت واللّه في غنائك وفي الأداء عنّى./ أمّا قوله: «شأتك» فأراد بعدت عنك. والشّأو: البعد، يقال: جرى الفرس شأوا أو شأوين أي طلقا أو طلقين. والمهرق: الصحيفة بما فيها من الكتاب، والجمع مهارق؛ قال ذو الرمّة:
كمستعبر في رسم دار كأنّها ... بوعساء تنضوها الجماهير [2] مهرق
الذلفاء التي شبب بها الأحوص:
والعين أن تتعيّن الإداوة أو القربة التي تخرز ويسيل الماء عن عيون الخرز. فشبّه ما بقي من الدار بتعيّن القربة وطرائق خروقها التي ينزل منها الماء شيئا بعد شيء. فأما الذّلفاء التي ذكرت فيها فهي التي فتن بها أهل المدينة.
وقال بعض من كانت عنده بعد ما طلّقها:
لا بارك اللّه في دار عددت بها ... طلاق ذلفاء من دار ومن بلد
فلا يقولن ثلاثا قائل أبدا ... إني وجدت ثلاثا أنكد العدد
فكان إذا عدّ شيئا يقول: واحد اثنان أربعة ولا يقول ثلاثة.
حديث بثينة لها عن عفة جميل وعن حالها لما سمعت نعيه:
وقالت جميلة: حدّثتني بثينة - وكانت صدوقة [3] اللسان جميلة الوجه حسنة البيان عفيفة البطن والفرج - قالت: واللّه ما أرادني جميل رحمة اللّه عليه بريبة قطّ ولا حدّثت أنا نفسي بذلك منه. وإنّ الحيّ انتجعوا موضعا، وإني لفي هودج لي أسير إذا أنا بها تف ينشد أبياتا، فلم أتمالك أن رميت بنفسي وأهل الحيّ ينظرون، فبقيت أطلب المنشد فلم أقف عليه، فناديت: أيها الهاتف بشعر جميل ما وراءك منه؟ وأنا أحسبه قد قضى نحبه ومضى لسبيله، فلم يجيبني مجيب؛ فناديت ثلاثا، وفي كل ذلك لا يردّ عليّ أحد شيئا. فقال صواحباتي: أصابك يا بثينة طائف/ من الشيطان؟ فقلت: كلّا! لقد سمعت قائلا يقول! قلن:/ نحن معك ولم نسمع! فرجعت فركبت مطيّتي وأنا حيرى والهة العقل كاسفة البال، ثم سرنا. فلما كان في الليل إذا ذلك الهاتف يهتف بذلك الشعر بعينه، فرميت بنفسي وسعيت إلى الصوت، فلما قربت منه انقطع؛ فقلت: أيها الهاتف، ارحم حيرتي وسكّن عبرتي بخبر هذه
__________
[1] تعني معبدا، إذ هو مولى ابن قطن.
[2] الوعساء: الرملة اللينة. والجمهور: الرمل الكثير المتراكم الواسع.
[3] التاء في صدوقة اللسان لتوكيد المبالغة؛ فإن «فعولا» بمعنى الفاعل لا تلحقه التاء الفارقة بين المؤنث والمذكر.
الأبيات؛ فإن لها شأنا! فلم يردّ عليّ شيئا. فرجعت إلى رحلي فركبت وسرت وأنا ذاهبة العقل؛ وفي كل ذلك لا يخبرني صواحباتي أنهنّ سمعن شيئا. فلما كانت الليلة القابلة نزلنا وأخذ الحيّ مضاجعهم ونامت كلّ عين، فإذا الهاتف يهتف بي ويقول: يا بثينة، أقبلي إليّ أنبئك عمّا تريدين. فأقبلت نحو الصوت، فإذا شيخ كأنه من رجال الحيّ، فسألته عن اسمه وبيته. فقال: دعي هذا وخذي فيما هو أهمّ عليك [1]. فقلت له: وإن هذا لممّا يهمّني.
قال: اقنعي بما قلت لك. قلت له: أنت المنشد الأبيات؟ قال نعم. قلت: فما خبر جميل؟ قال: نعم فارقته وقد قضى نحبه وصار إلى حفرته رحمة اللّه عليه. فصرخت صرخة آذنت [2] منها الحيّ، وسقطت لوجهي فأغمي عليّ، فكأنّ صوتي لم يسمعه أحد، وبقيت سائر ليلتي، ثم أفقت عند طلوع الفجر وأهلي يطلبونني فلا يقفون على موضعي، ورفعت صوتي بالعويل والبكاء ورجعت إلى مكاني. فقال لي أهلي: ما خبرك وما شأنك؟ فقصصت عليهم القصّة. فقالوا: يرحم اللّه جميلا. واجتمع نساء الحيّ وأنشدتهنّ الأبيات فأسعدنني بالبكاء، فأقمن [3] كذلك لا يفارقنني ثلاثا، وتحزّن الرجال أيضا وبكوا ورثوه وقالوا كلّهم: يرحمه اللّه، فإنه كان عفيفا صدوقا! فلم أكتحل بعده بإثمد ولا فرقت رأسي بمخيط [4] ولا مشط ولا دهنته إلا من صداع خفت على/ بصري منه ولا لبست خمارا مصبوغا ولا إزارا ولا أزال أبكيه إلى الممات. قالت جميلة: فأنشدتني الشعر كلّه وهذا الغناء بعضه، وهو:
ألا من لقلب لا يملّ فيذهل ... أفق فالتعزّي عن بثينة أجمل
مدحها ابن سريج فردت عليه مدحه ثم غنت وغنى هو ومعبد ومالك بشعر حاتم الطائي:
قال ابن سلّام حدّثني جرير قال:
زار ابن سريج جميلة ليسمع منها ويأخذ عنها. فلما قدم عليها أنزلته وأكرمته وسألته عن أخبار مكة فأخبرها.
وبلغ معبدا الخبر [5]. [و كانت تطارحه وتسأله عن أخبار مكة فيخبرها]. وكانت عندها جارية محسنة لبقة ظريفة، فابتدأت تطارحها. فقال ابن سريج: سبحان اللّه! نحن كنّا أحقّ بالابتداء. قالت جميلة: كلّ إنسان في بيته أمير وليس للداخل أن يتأمّر عليه. فقال ابن سريج: صدقت جعلت فداءك! وما أدري أيّهما أحسن أدبك أم غناؤك!.
فقالت له: كفّ يا عبيد، فإنّ النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «احثوا في وجوه المدّاحين التراب» [6]. فسكت ابن سريج. وطارحت الجارية بشعر حاتم الطائي:
أتعرف آثار الديار توهّما [7] ... كخطّك في رقّ كتابا منمنما
__________
[1] يريد: فيما هو أجدى عليك.
[2] في ب، س: «آذيت» وهو تصحيف.
[3] كذا في أ، م. وفي سائر الأصول: «فلم نزل كذلك إلخ».
[4] لعله: «بخيط».
[5] هذه الجملة المحصورة بين قوسين وردت في ب، س، ح. وفي سائر الأصول: «و بلغ معبدا الخبر فوجد عندها جارية إلخ».
[6] المراد بالمداحين هنا الذين عادتهم مدح الناس لغرض من الأغراض كتحصيل المال أو الجاه، وأما المدح على الفعل الحسن للتحريض على عمل الخير فليس منه. وحثو التراب في وجوههم، يراد به تجنبهم وترك التحفي بهم.
[7] رواية هذا الشطر في «ديوانه»: أتعرف أطلالا ونؤيا مهدّما.
أذاعت به الأرواح [1] بعد أنيسها ... شهورا وأيّاما وحولا مجرّما [2]
فأصبحن [3] قد غيّرن ظاهر تربه ... وغيّرت الأنواء ما كان معلما
/ وغيّرها طول التقادم والبلى ... فما أعرف الأطلال إلا توهّما
قال [4]: فحدّثت أنه حضر ذلك المجلس جماعة من حذّاق أهل الغناء، فكلّهم قال: مزامير داود!. قال ابن سريج لها: أفأسمعك صوتا لي في هذا الشعر؟ قالت: هاته؛ فغنّى:
ديار التي قامت تريك وقد عفت ... وأقوت من الزّوّار كفّا ومعصما
تهادى عليها حليها ذات بهجة ... وكشحا كطيّ السابريّة [5] أهضما
فبانت لطيّات [6] لها وتبدّلت ... به بدلا مرّت به الطير أشؤما
وعاذلتان هبّتا بعد هجعة ... تلومان متلافا مفيدا ملوّما
قالت جميلة: أحسنت يا عبيد، وقد غفرّنا لك زلّتك لحسن غنائك. قال معبد: جعلت فداءك! أفلا أسمعك أنا أيضا لحنا عملته في هذا الشعر؟ قالت: هات وإنّي لأعلم أنك تحسن. فاندفع فغنّى:
فقلت وقد طال العتاب عليهما ... وأوعدتاني أن تبينا وتصرما
ألا لا تلوماني على ما تقدّما ... كفى بصروف الدّهر للمرء محكما
تلومان لما غوّر النجم ضلّة ... فتى لا يرى الإنفاق في الحقّ مغرما [7]
قالت جميلة: ما عدوت الظنّ بك ولا تجاوزت الطريقة التي أنت عليها. قال: مالك: أفلا أغنّيك أنا أيضا؟ قالت:
ما علمتك إلّا تجيد الغناء وتحسن، فهات. فاندفع فغنّى في هذا الشعر:
يضيء لنا البيت الظّليل [8] خصاصه [9] ... إذا هي ليلا حاولت أن تبسّما
/ إذا انقلبت [10] فوق الحشيّة مرّة ... ترنّم وسواس الحليّ ترنّما
ونحرا كفاثور [11] اللّجين يزينه ... توقّد ياقوت وشذر [12] منظّما
__________
[1] الأرواح: جمع ريح. واذاعت به الأرواح أي أذهبته وطمست معالمه، ومنه قول الراعي:
ربع قواء أذاع المعصرات به
[2] حولا مجرّما: تاما كاملا.
[3] رواية «الديوان»: دوارج قد غيرن إلخ».
[4] في الأصول: «قالت».
[5] السابرية: الثياب الرقيقة. والأهضم: اللطيف الكشح.
[6] كذا في «ديوانه». وفي الأصول: «فبانت لآيات به ... إلخ».
[7] يقع هذا البيت في «الديوان» قبل البيتين السابقين.
[8] كذا في «ديوانه». وفي الأصول: «يضيء لها البيت القليل إلخ».
[9] الخصاص: المنافذ.
[10] كذا في «ديوانه». وفي الأصول: «انصرفت» وهو تحريف.
[11] الفاثور: الخوان الذي يتخذ من فضة، وبه يشبه الصدر الواسع.
[12] كذا في «ديوانه». وفي الأصول: «و شذرا» والسياق يقتضي أن يكون معطوفا على ياقوت. وهذا البيت في «ديوانه» بعد قوله:
«و كشحا كطيّ السابرية أهضما». والشذر: اللؤلؤ الصغير والخرز يفصل به بين الجواهر في النظم.
كجمر الغضى هبّت [1] به بعد هجعة ... من الليل أرواح الصّبا فتنسّما [2]
فقالت: جميل ما قلت وحسن ما نظمت، وإنّ صوتك يا مالك لممّا يزيد العقل قوّة والنفس طيبا والطبيعة سهولة، وما أحسب أن مجلسنا هذا إلّا سيكون علما وفي آخر الزمان متواصفا؛ والخبر ليس كالمشاهدة، والواصف ليس كالمعاين وخاصّة في الغناء.
زارها ابن أبي عتيق وابن أبي ربيعة والأحوص فغنّتهم:
وحدّثني الحسن بن عتبة اللّهبيّ قال حدّثني من رأى ابن أبي عتيق وابن أبي ربيعة والأحوص بن محمد الأنصاريّ وقد أتوا منزل جميلة فاستأذنوا عليها فأذنت لهم، فلما جلسوا سألت عمر وأحفت؛ فقال لها: إنّي قصدتك من مكة للسلام عليك. فقالت له: أهل الفضل أنت. قال: وقد أحببت أن تفرّغي لنا نفسك اليوم وتخلي لنا مجلسك؛ قالت: أفعل. قال لها الأحوص: أحبّ ألّا تغنّي إلّا ما أسألك. قالت: ليس المجلس لك، والقوم شركاؤك فيه. قال: أجل. قال عمر: إن ترد أن تفعل ذلك بك يكن. قال الأحوص: كلّا!. قال عمر: فإنّي أرى أن نجعل الخيار إليها. قال ابن أبي عتيق: وفّقك اللّه. فدعت بالعود وغنّت:
/تمشي الهوينى إذا مشت فضلا ... مشي النّزيف المخمور في الصّعد [3]
تظلّ من زور [4] بيت جارتها ... واضعة كفّها على الكبد
/ يا من لقلب متّيم سدم ... عال رهين مكلّم كمد [5]
أزجره وهو غير مزدجر ... عنها وطرفي مكحّل السّهد
فلقد سمعت للبيت زلزلة وللدار همهمة. فقال عمر: للّه درّك يا جميلة! ماذا أعطيت! أنت أوّل الغناء وآخره!. ثم سكتت ساعة وأخذوا في الحديث، ثم أخذت العود وغنّت:
شطّت سعاد وأمسى البين قد أفدا ... وأورثوك سقاما يصدع الكبدا
لا أستطيع لها هجرا ولا ترة ... ولا تزال أحاديثي بها جددا
- الغناء فيه لسياط خفيف رمل مطلق في مجرى الوسطى عن إسحاق. ولم يذكر حبش لحن جميلة. وذكر إبراهيم أن فيه لحنا لحكم الوادي. وذكر الهشاميّ وابن خرداذبه أنه من ألحان عمر بن عبد العزيز بن مروان في سعاد [6] وأن طريقته من الثقيل الثاني بالوسطى. وذكر إبراهيم أن لابن جامع فيه أيضا صنعة - فاستخفّ [7] القوم أجمعين، وصفقوا بأيديهم وفحصوا بأرجلهم وحرّكوا رؤوسهم، وقالوا: نحن فداؤك من السوء ووقاؤك من المكروه، ما أحسن ما غنّيت وأجمل ما قلت!. وأحضر الغداء فتغدّى القوم بأنواع من الأطعمة الحارّة والباردة ومن الفاكهة
__________
[1] كذا في «ديوانه». وفي الأصول: «له».
[2] كذا في «ديوانه». وفي الأصول: «فتبسما» وهو تصحيف.
[3] تمشي فضلا أي تمشي مبتذلة في ثوب واحد. والنزيف: السكران. والصعد: الصعود والارتفاع ويريد هنا المكان العالي.
[4] الزور. مصدر كالزيارة.
[5] السدم: الشديد العشق المهموم الحزين. والمكلم: المجرح.
[6] راجع هذه الألحان في «ج 8 ص 158 من الأغاني طبع بلاق».
[7] مرجع الضمير في «استخف» الغناء المفهوم من قوله: «و غنت».
الرّطبة واليابسة، ثم دعت بأنواع من الأشربة. فقال عمر: لا أشرب، وقال ابن أبي عتيق مثل ذلك، فقال الأحوص:
لكنّني أشرب؛ وما جزاء جميلة أن يمتنع/ من شرابها!. قال عمر: ليس ذلك كما ظننته. قالت جميلة: من شاء أن يحملني بنفسه ويخلط روحي بروحه شكرناه، ومن أبى ذلك عذرناه، ولم يمنعه ذلك عندنا ما يريد من قضاء حوائجه والأنس بمحادثته. قال ابن أبي عتيق: ما يحسن بنا إلا مساعدتك. قال عمر: لا أكون أخسّكم، إفعلوا ما شئتم تجدوني سميعا مطيعا. فشرب القوم أجمعون. فغنّت صوتا بشعر لعمر:
ولقد قالت لجارات لها ... كالمها يلعبن في حجرتها
خذن عنّي الظّلّ لا يتبعني ... ومضت تسعى إلى قبّتها
لم تعانق [1] رجلا فيما مضى ... طفلة غيداء في حلّتها
لم يطش قطّ لها سهم ومن ... ترمه لا ينج من رميتها
- لم يذكر طريقة لحنها في هذا الصوت. وذكر الهشاميّ أنّ فيه لابن المكّيّ رملا بالبنصر. وذكر عليّ بن يحيى أنّ فيه لابن سريج رملا بالوسطى - فصاح عمر: ويلاه! ويلاه! ثلاثا ثم عمد إلى جيب قميصه فشقّه إلى أسفله فصار قباء، ثم آب إليه عقله فندم واعتذر وقال: لم أملك من نفسي شيئا. قال القوم: قد أصابنا كالذي [2] أصابك وأغمي علينا، غير أنّا فارقناك في تخريق الثياب. فدعت جميلة بثياب فخلعتها على عمر، فقبلها ولبسها، وانصرف القوم إلى منازلهم. وكان عمر نازلا على ابن أبي عتيق، فوجّه عمر إلى جميلة بعشرة آلاف درهم وبعشرة أثواب كانت معه، فقبلتها جميلة. وانصرف عمر إلى مكة جذلان مسرورا.
حجت ومعها الشعراء والمغنون والمغنيات ووصف ركبها في مكة وفي المدينة حين آبت من الحج:
قال إسحاق وحدّثني أبي عن سياط وابن جامع عن يونس قالا [3]: حجّت جميلة، وأخبرني/ إسماعيل بن يونس قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثنا إسحاق/ ابن إبراهيم قال حدّثني أبي عن سياط وابن جامع عن يونس الكاتب، وأخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا أحمد بن سعيد الدّمشقيّ قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثني عمّي مصعب قالوا جميعا:
إنّ جميلة حجّت - وقد جمعت رواياتهم لتقاربها، وأحسب الخبر كلّه مصنوعا وذلك بيّن فيه - فخرج معها من المغنّين مشيّعين حتى وافوا مكة ورجعوا معها من الرجال المشهورين الحذّاق بالغناء هيت [4] وطويس والدّلال وبرد الفؤاد ونومة الضّحى وفند ورحمة [5] وهبة اللّه - هؤلاء مشايخ وكلّهم طيّب الغناء - ومعبد ومالك وابن عائشة ونافع بن طنبورة وبديح المليح ونافع الخير، ومن المغنّيات الفرهة [و] [6] عزّة الميلاء وحبابة وسلّامة وخليدة
__________
[1] في أ، م، ء: «لم تعاين».
[2] في ج: «كل الذي أصابك».
[3] في الأصول: «قال».
[4] كذا في الأصول و «المشتبه في أسماء الرجال»، وذهب جماعة إلى أنه «هنب» (بالنون والباء). وقد رجح الأزهريّ أنه بالياء والتاء، واحتج برواية الشافعي له هكذا. (راجع «القاموس وشرحه واللسان» مادتي هنب وهيت).
[5] كذا في ب، س. وفي سائر الأصول: «رحة».
[6] التكملة عن «نهاية الأرب» (ج 5 ص 44 من الطبعة الأولى)».
وعقيلة والشّمّاسيّة وفرعة وبلبلة [1] ولذّة العيش وسعيدة والزّرقاء، ومن غير المغنّين ابن أبي عتيق والأحوص وكثيّر عزّة ونصيب وجماعة من الأشراف، وكذلك من النساء من مواليها وغيرهنّ [2]. وأما سياط فذكر أنه حجّ معها من القيان مشيّعات لها ومعظّمات لقدرها ولحقّها زهاء خمسين قينة، وجّه بهنّ مواليهنّ معها فأعطوهنّ النفقات وحملوهنّ على الإبل في الهوادج والقباب وغير ذلك؛ فأبت جميلة أن تنفق واحدة منهنّ درهما فما فوقه حتى رجعن. وأما يونس فذكر أنه حجّ معها من الرجال المغنين مع من سمّينا زهاء ثلاثين رجلا، وتخايروا في اتخاذ أنواع اللّباس العجيب الظّريف وكذلك في الهوادج والقباب. وقيل، فيما/ قال أهل المدينة،: إنهم ما رأوا مثل [3] ذلك الجمع سفرا طيبا وحسنا وملاحة. قالوا: ولما قاربوا مكة تلقّاهم سعيد بن مسجح وابن سريج والغريض وابن محرز والهذليّون وجماعة من المغنّين من أهل مكة وقيان كثير لم يسمّين لنا، ومن غير المغنّين عمر بن أبي ربيعة والحارث بن خالد المخزوميّ والعرجيّ وجماعة من الأشراف. فدخلت جميلة مكة وما بالحجاز مغنّ حاذق ولا مغنّية إلا وهو معها وجماعة من الأشراف ممن سمّينا وغيرهم من الرجال والنساء. وخرج أبناء أهل مكة من الرجال والنساء ينظرون إلى جمعها وحسن هيئتهم. فلما قضت حجّها سألها المكيّون أن تجعل لهم مجلسا. فقالت: للغناء أم للحديث؟ قالوا: لهما جميعا. قالت: ما كنت لأخلط جدّا بهزل، وأبت أن تجلس للغناء. فقال عمر بن أبي ربيعة: أقسمت على من كان في قلبه حبّ لاستماع غنائها إلّا خرج معها إلى المدينة، فإني خارج. فعزم القوم الذين سمّيناهم كلّهم على الخروج ومعهم جماعة ممّن نشط، فخرجت في جمع أكثر من جمعها بالمدينة. فلما قدمت المدينة تلقّاها أهلها وأشرافهم من الرجال والنساء، فدخلت أحسن مما خرجت به منها، وخرج الرجال والنساء من بيوتهم فوقفوا على أبواب دورهم ينظرون إلى جمعها وإلى القادمين معها. فلما دخلت منزلها وتفرّق الجمع إلى منازلهم ونزل أهل مكة على أقاربهم وإخوانهم أتاها الناس مسلّمين، وما استنكف من ذلك كبير ولا صغير. فلما مضى لمقدمها عشرة أيام جلست للغناء؛ فقالت لعمر بن أبي ربيعة: إني جالسة لك ولأصحابك، وإذا شئت/ فعد الناس لذلك اليوم، فغصّت الدار بالأشراف من الرجال والنساء. فابتدأت جميلة فغنّت صوتا بشعر عمر:
وصف مجلس غنائها بالمدينة بعد عودها من الحج
:/
هيهات من أمة الوهّاب منزلنا ... إذا حللنا بسيف البحر من عدن
واحتلّ أهلك أجيادا [4] فليس لنا ... إلا التذكّر أو حظّ من الحزن
لو أنها أبصرت بالجزع عبرته ... وقد تغرّد قمريّ على فنن
إذا رأت غير ما ظنّت بصاحبها ... وأيقنت أن عكّا [5] ليس من وطني
ما أنس لا أنس يوم الخيف موقفها ... وموقفي وكلانا ثمّ ذو شجن
__________
[1] في «نهاية الأرب»: «نبيلة».
[2] في الأصول: «و غيرهم» ومرجع الضمير جمع مؤنث.
[3] في ح: «قبل ذلك الجمع».
[4] أجياد: موضع بمكة يلي الصفا.
[5] كذا في ب، س و «ديوانه». وروايته فيما تقدّم (ج 1 ص 111 من هذه الطبعة): «أن لحجا ... ». وعك: قبيلة يضاف إليها مخلاف باليمن. ولحج: مخلاف باليمن. وفي سائر الأصول هنا: «أن نجحا ... » وهو محرّف عن «لحج».
وقولها للثّريّا وهي باكية [1] ... والدمع منها على الخدّين ذو سنن
باللّه قولي له في غير معتبة ... ماذا أردت بطول المكث في اليمن
إن كنت حاولت دنيا أو نعمت بها ... فما أصبت بترك الحجّ من ثمن
فكلّهم استحسن الغناء، وضجّ القوم من حسن ما سمعوا. ويقال: إنهم ما سمعوا غناء قطّ أحسن من غنائها ذلك الصوت في ذلك اليوم. ودمعت عين عمر حتى جرى الدمع على ثيابه ولحيته. وإنه ما رئي عمر كذلك في محفل غيره [2] قطّ. ثم أقبلت على ابن سريج فقالت: هات؛ فاندفع يغنّي ورفع صوته بشعر عمر [3]:
غنى ابن سريج في مجلسها بشعر عمر:
... أليست بالتي قالت ... لمولاة لها ظهرا
أشيري بالسلام له ... إذا هو نحونا نظرا
وقولي في ملاطفة ... لزينب نوّلي عمرا
وهذا سحرك النّسوا ... ن قد خبّرتني الخبرا
غناء ابن مسجح:
فسمع من ابن سريج في هذا اللّحن من الحسن ما يقال إنه ما سمع مثله. ثم قالت لسعيد بن مسجح: هات يا أبا عثمان؛ فاندفع فغنّى:
قد قلت قبل البين لمّا خشيته ... لتعقب ودّا أو لتعلم ما عندي
لك الخير هل من مصدر تصدرينه [4] ... يريح كما سهّلت لي سبل الورد
فلمّا شكوت الحبّ صدّت كأنّما ... شكوت الذي ألقى إلى حجر صلد
تولّت فأبدت غلّة دون نقعها ... كما أرصدت من بخلها إذا بدا وجدي
غناء معبد:
فاستحسن ذلك منه وبرع فيه. ثم قالت: يا معبد هات؛ فغنّى:
أحارب من حاربت من ذي عداوة ... وأحبس مالي إن غرمت فأعقل [5]
وإنّي أخوك الدائم العهد لم أحل ... إن ابزاك [6] خصم أو نبابك منزل
__________
[1] في «الديوان»: «و قولها للثريا يوم ذي خشب».
[2] في ب، س: في محفل ولا غيره «قط» وهو تحريف.
[3] في الأصول ما خلا ج: «و رفع صوته بشعر عمر فقال» بزيادة «فقال».
[4] يقال: صدر هو وصدر غيره وأصدره. فالثلاثي يتعدى ويلزم.
[5] يريد: فأعقل عنه. يقال: عقل عنه إذا غرم ما لزمه من دية. وأما عقلته فمعناه دفعت ديته. ومعنى البيت: إن أصابك غرم حبست مالي عليك واحتملت فيه الثقل عنك.
[6] لم أحل: لم أتغير. وأبزاك خصم، يحتمل أن يكون معناه قهرك وغلبك، من أبزيت بفلان إذا بطشت به وقهرته. ويجوز أن يكون «أبزي» منقولا بالألف عن بزي يبزي بزى (كفرح). والبزى هو دخول الظهر وخروج البطن. ويكون المعنى: إن خفض منك خصم
ستقطع في الدنيا إذا ما قطعتني ... يمينك فانظر أيّ كفّ تبدّل
قالت جميلة: أحسنت يا معبد اختيار الشعر والغناء - هذا الشعر لمعن [1] بن أوس -
غناء ابن محرز:
ثم قالت: هات يابن محرز؛ فإنّي لم أؤخّرك لخساسة بك ولا جهلا بالذي يجب في الصناعة، ولكنّني رأيتك تحبّ من الأمور كلّها أوسطها وأعدلها، فجعلتك حيث تحبّ واسطة بين/ المكيّين والمدنيّين. فغنّى:
وقفت بربع قد تحمّل أهله ... فأذريت دمعا يسبق الطّرف هامله
/ بسائلة الرّوحاء أو بطن مثغر [2] ... لها الضاحكات الرابيات سواهله [3]
هو الموت إلّا أن للموت مدّة ... متى يلق يوما فارغا فهو شاغله
غناء الغريض:
فقالت جميلة: يا أبا الخطّاب، كيف بدا لك في ثلاثة [4] وأنت لا ترى ذلك؟! قال: أحببت أن أواسي معبدا. قال معبد: واللّه ما عدوت ما أردت [5]. ثم قالت للغريض: هات يا مولى العبلات فاندفع يغنّي:
فوا ندمي على الشّباب ووا ندم ... ندمت وبان اليوم منّي بغير ذم
وإذ إخوتي حولي وإذ أنا شائخ ... وإذ لا أجيب العاذلات من الصّمم
أرادت عرارا [6] بالهوان ومن يرد ... عرارا لعمري بالهوان فقد ظلم
قالت جميلة: أحسن عمرو بن شأس ولم تحسن إذا أفسدت غناءك بالتعريض. واللّه ما وضعناك إلّا موضعك ولا نقصنا من حظّك! فبماذا أهنّاك! ثم أقبلت على الجماعة فقالت: يا هؤلاء، اصدقوه وعرّفوه نفسه ليقنع بمكانه.
فأقبل القوم عليه وقالوا له: قد أخطأت إن كنت عرّضت. فقال: قد كان ذلك، ولست بعائد. وقام إلى جميلة فقبّل طرف ثوبها واعتذر فقبلت عذره وقالت له: لا تعد. ثم أقبلت على ابن عائشة فقالت: يا أبا جعفر هات؛ فتغنّى بشعر النابغة [7]:
__________
وحملك من الثقل ما يبزى له ظهرك فلا تطيق الثبات تحته والنهوض به.
[1] شاعر فحل من مخضرمي الجاهلية والإسلام، وله ترجمة في «الأغاني (ج 10 طبع بلاق)».
[2] مثغر: ماء لجهينة.
[3] كذا في أكثر الأصول. وفي ب، س: «سواحله» وكلتا الروايتين غير واضحة.
[4] كذا في أكثر الأصول. وفي ب، س: «في ثالثة».
[5] هكذا في الأصول: والمراد في هذه الجملة كلها غير واضح.
[6] هو عرار بن عمرو بن شأس. وقد ورد في أكثر كتب الأدب، «كالحماسة» و «الكامل للمبرد» و «الشعر والشعراء» و «طبقات ابن سلام»، مضبوطا بالقلم بكسر العين. وضبطه شارح «القاموس» فقال: هو كسحاب. وهو ابن عمرو بن شأس من أمة له سوداء، وكان بينه وبين زوج أبيه أم حسان نزاع وخصام، فقد كانت تؤذيه وتعيره وتشتمه. وحاول عمرو أن يصلح ما بينهما فلم يفلح فطلقها.
[7] في الأصول: «بشعر حسان» وهو خطأ، فهذا الشعر للنابغة الذبياني وليس لحسان. «(راجع «ديوان النابغة» طبع باريس و «شعراء النصرانية»، و «معجم ما استعجم» للبكري، و «معجم البلدان» لياقوت في الكلام على جولان»).
غناء ابن عائشة
:/
سقى الغيث قبرا بين بصرى وجاسم [1] ... عليه من الوسميّ جود ووابل
وأنبت حوذانا [2] وعوفا منوّرا ... سأتبعه من خير ما قال قائل
بكى حارث الجولان [3] من هلك ربّه ... فحوران منه خاشع متضائل
وما كان بيني لو لقيتك سالما ... وبين الغنى إلّا ليال قلائل [4]
غناء نافع وبديح:
قالت جميلة: حسن ما قلت يا أبا جعفر. ثم أقبلت على نافع وبديح فقالت: أحبّ أن تغنّياني صوتا واحدا؛ فغنّيا جميعا بصوت واحد ولحن واحد:
ألا يا من يلوم على التصابي ... أفق شيئا لتسمع من جوابي
بكرت تلومني في الحبّ جهلا ... وما في حبّ مثلي من معاب
/ أليس من السعادة غير شكّ ... هوى متواصلين على اقتراب
كريم نال ودّا في عفاف ... وستر من منعّمة كعاب
غناء الهذليين الثلاثة:
فقالت جميلة: هواكما واللّه واحد وغناؤكما واحد، وأنتما نحتّما من بقيّة الكرم وواحد الشرف: عبد [5] اللّه بن جعفر بن أبي طالب. ثم أقبلت على الهذليّين الثلاثة فقالت: غنّوا صوتا واحدا؛ فاندفعوا فغنّوا بشعر عنترة العبسيّ:
__________
[1] كذا في «ديوانه» و «شعراء النصرانية» و «معجم ما استعجم». وبصري وجاسم: موضعان بالشأم. وفي الأصول: «فلا زال قبر بين بثي وجلق». وجلق: دمشق، وقيل موضع بقرية من قرى دمشق، وقيل غير ذلك. وأما «بثنى» فلم نقف في المراجع التي بين أيدينا إلا على «بثنة» وهي ناحية من نواحي دمشق.
[2] الحوذان: نبت يرتفع قدر ذراع، له زهرة حمراء في أصلها صفرة، وورقته مدوّرة. والعوف: نبت طيب الرائحة.
[3] الجولان (بالفتح والسكون): قرية، وقيل: جبل من نواحي دمشق ثم من عمل حوران. قال ابن دريد: يقال للجبل: حارث الجولان، وقيل: حارث قلة فيه. وحوران: كورة واسعة من أعمال دمشق من جهة القبلة ذات قرى كبيرة ومزارع وحرار، وما زالت منازل العرب، وذكرها في أشعارهم كثير، وقصبتها بصرى.
[4] هذا البيت ليس من شعر النابغة، وإنما هو من قصيدة للحطيئة يرثي بها علقمة بن علاثة والي حوران من قبل عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه. ومنها - كما في «الأغاني» (ج 15 ص 58 طبع بلاق)» و «المعجم البلدان» لياقوت في الكلام على حوران - :
لعمري لنعم المرء من آل جعفر ... بحوران أمسى أعلقته الحبائل
وأما بيت النابغة فهو - كما في «ديوانه» طبع أوروبا و «شرح الشواهد الكبرى» للعيني المطبوع على هامش خزانة الأدب 4 ص 167 طبع بلاق - :
فما كان بين الخير لو جاء سالما ... أبو حجر إلّا ليال قلائل
وهو من القصيدة التي ذكر المؤلف منها هذه الأبيات والتي مطلعها:
دعاك الهوى وأستجهلنك المنازل ... وكيف تصابي المرء والشيب شامل
يرثي بها النعمان بن الحارث بن أبي شمر الغساني. وأبو حجر (بالضم) كنيته، وحرك في البيت لضرورة الشعر.
[5] في «ب، س»: « ... وواحد الشرف عنت عبد اللّه ... ».
حيّيت من طلل تقادم عهده ... أقوى وأقفر بعد أمّ الهيثم
كيف المزار وقد تربّع أهلها ... بعنيزتين [1] واهلنا بالغيلم
/ إن كنت أزمعت الفراق فإنما ... زمّت ركابكم بليل مظلم
شربت بماء الدّحرضين [2] فأصبحت ... زوراء تنفر عن حياض الدّيلم
غناء نافع بن طنبورة:
قالت: ما رأيت شيئا أشبه بغنائكم من اتّفاق أرواحكم. ثم أقبلت على نافع بن طنبورة فقالت: هات يا نقش الغضار [3] ويا حسن اللسان؛ فاندفع يغنّي:
يا طول ليلي وبتّ لم أنم ... وسادي الهمّ مبطن سقمي
أن قمت يوما على البلاط فأب ... صرت رقاشا وليت لم أقم
فقالت جميلة: حسن واللّه - ولابن سريج في هذا اللحن أربعة أبيات في صوت -
غناء مالك بن أبي السمح:
ثم قالت: يا مالك هات؛ فإنّي لم أؤخّرك لأنك في طبقة آخرهم، ولكنّي أردت أن/ أختم بك يومنا تبرّكا بك وكي يكون أوّل مجلسنا كآخره ووسطه كطرفه، وإنك عندي ومعبدا لفي طريقة واحدة ومذهب واحد، لا يدفع ذلك إلا ظالم ولا ينكره إلا عاضل. الحقّ أقول، فمن شاء فلينكر؛ فسكت القوم كلّهم إقرارا لما قالت. واندفع يغنّي:
عدوّ لمن عادت وسلّم لسلمها ... ومن قرّبت سلمى أحبّ وقرّبا
هبيني امرأ إمّا بريئا ظلمته ... وإمّا مسيئا تاب بعد [4] وأعتبا
أقول التماس العذر لمّا ظلمتني ... وحمّلتني ذنبا وما كنت مذنبا
ليهنئك إشمات العدوّ بهجرنا ... وقطعك حبل الوصل حتى تقضّبا
اليوم الثاني من أيام المدينة وغناء طويس:
قالت جميلة: ليت صوتك يا مالك قد دام لنا ودمنا له. وقطعت المجلس وانصرف عامّة الناس وبقي خواصّهم.
فلما كان اليوم الثاني حضر القوم جميعا. فقالت لطويس: هات يا أبا عبد النّعيم. قال: فأنكر ما فعلت جميلة في
__________
[1] عنيزة: موضع بين البصرة ومكة. والغيلم: موضع في ديار بني عبس.
[2] الياء بمعنى «من» أي شربت من ماء الدحرضين. والدحرضان: اسم موضع، وقيل: هما وسيع ودحرض. ماءان ثناهما بلفظ الواحد كما يقال القمران للشمس والقمر. فدحرض لآل الزبرقان بن بدر، ووسيع لبني أنف الناقة. والديلم: الأعداء، وقيل: حياض الديلم بالغور، أو ماءة لبني عبس، وفيه غير ذلك أقوال كثيرة يرجع إليها في «اللسان» (مادة دلم) وفي «شرح التبريزي على المعلقات».
[3] الغضار: الطين اللازج الأخضر، وهو لقب له.
[4] كذا في «نهاية الأرب» للنويري (ج 5 ص 47 من طبعة دار الكتب المصرية الطبعة الأولى). وفي الأصول: «منه».
اليوم الأوّل؛ لأنّ طويسا لم يكن يرضى بذلك. فأخبرني ابن جامع أن جميلة صنّفتهم [1] طويسا [2] وأصحابه وابن سريج وأصحابه، ثم أقرعت بينهم؛ فخرجت القرعة الأولى لابن سريج وأصحابه والثانية لطويس وأصحابه. فابتدأ طويس [3] فغنّى:
قد طال ليلي وعاد لي طربي ... من حبّ خود كريمة الحسب
غرّاء مثل الهلال آنسة ... أو مثل تمثال صورة الذّهب
صادت فؤادي بجيد مغزلة [4] ... ترعى رياضا ملتفّة العشب
غناء الدلال:
فقالت جميلة: حسن واللّه يا أبا عبد النّعيم. ثم قالت للدّلال: هات يا أبا يزيد؛ فاندفع فغنّى:
قد كنت آمل فيكم أملا ... والمرء ليس بمدرك أمله
حتى بدا لي منكم خلف ... فزجرت قلبي فارعوى جهله [5]
ليس الفتى بمخلد أبدا ... حيّا وليس بفائت أجله
حيّ البغوم ومن بعقوتها [6] ... وقفا العمود وإن خلا أهله [5]
غناء برد الفؤاد ونومة الضحى:
قالت: حسن واللّه يا أبا يزيد. ثم قالت لهيت: إنّا نجلّك اليوم لكبر سنّك ورقّة عظمك. قال: أجل يا ماما. ثم قالت لبرد الفؤاد ونومة الضّحى: هاتيا جميعا لحنا واحدا؛ فغنّيا [7]:
/إني تذكّرت فلا تلحنى ... لؤلؤة مكنونة تنطق
مسكنها طيبة لم يغذها ... بؤس ولا وال بها يخرق
قد قلت والعيس سراع بنا ... ترقل إرقالا وما تعنق [8]
يا صاحبي شوقي أرى قاتلي ... وموردي منها جوى يقلق
غناء فند ورحمة وهبة اللّه:
قالت جميلة: أحسنتما. ثم قالت لفند ورحمة وهبة اللّه: هاتوا جميعا صوتا واحدا فإنكم متّفقون في الأصوات والألحان؛ فاندفعوا فغنّوا:
__________
[1] كذا في أكثر الأصول. وفي ب، س: «صفتهم طبقتين طويس ... » والمعنى مستقيم على كلتا الروايتين.
[2] في الأصول: «طويس» بالرفع. والإبدال في هذا المقام خير من القطع.
[3] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «فابتدأ طويس وأصحابه فغنى».
[4] المغزلة: الظبية ذات الغزال.
[5] تحريك عين الثلاثي الساكن إذا كان من الحروف الحلقية شائع كثير في الشعر وفي النثر أيضا.
[6] العقوة: ساحة الدار. والعمود: هضبة مستطيلة عندها ماء لبني جعفر. وقفاه: وراءه.
[7] في الأصول: «فغنتا» بتاء التأنيث وهو تصحيف.
[8] الإرقال: السير السريع. والإعناق: السير المنبسط.
أشاقك من نحو العقيق بروق ... لوامع تخفى تارة وتشوق
ومالي لا أهوى جواري بربر ... وروحي إلى أرواحهن تتوق
لهنّ جمال فائق وملاحة ... ودلّ على دلّ النساء يفوق
/ وكان بربر حاضرا، فقال: جواريّ واللّه على ما وصفتم، فمن شاء أقرّ ومن شاء أنكر.
غناء جميلة:
فقالت جميلة: صدق. ثم غنّت جميلة بشعر الأعشى - ولمعبد فيه صوت أخذه عنها - :
بانت سعاد وأمسى حبلها انقطعا ... واحتلّت الغور فالجدّين فالفرعا [1]
واستنكرّتني وما كان الذي نكرت ... من الحوادث إلا الشّيب والصّلعا
تقول بنتي وقد قرّبت مرتحلا ... يا ربّ جنّب أبي الأوصاب والوجعا
وكان شيء إلى شيء فغيّره ... دهر ملحّ على تفريق ما جمعا
اليوم الثالث من أيام المدينة:
فلم يسمع شيء [2] أحسن من ابتدائها بالأمس وختمها في اليوم الثاني. وقطعت المجلس فانصرف القوم وأقام آخرون [3]. فلما كان اليوم الثالث اجتمع الناس، فضربت ستارة وأجلست الجواري كلّهن فضربن وضربت فضربن على خمسين وترا فتزلزلت الدار؛ ثم غنّت على عودها وهنّ يضربن على ضربها بهذا الشعر:
فإن خفيت كانت لعينك قرّة ... وإن تبد يوما لم يعمّمك [4] عارها
من الخفرات البيض لم تر غلظة ... وفي الحسب الضّخم الرّفيع نجارها
فما روضة بالحزن طيّبة الثّرى ... يمجّ النّدا جثجاثها وعرارها [5]
بأطيب من فيها ذا جئت طارقا ... وقد أوقدت بالمندل الرّطب نارها
غناء عزة الميلاء:
فدمعت أعين كثير منهم حتى بلّ ثوبه وتنفّس الصّعداء وقال: بنفسي أنت يا جميلة!. ثم قالت للجواري: اكففن فكففن؛ وقالت: يا عزّ غنّي؛ فغنّت بشعر لعمر:
__________
[1] الجدان: موضع. والفرع (بالتحريك): موضع بين الكوفة والبصرة. ورواية هذا الشطر في «معجم البلدان» في الكلام على الجدين والفرع:
«فاحتلت الغمر ...
إلخ».
[2] في ب، س: «بشي ء».
[3] كذا في الأصول. ولعل صوابها: «فانصرف قوم وأقام آخرون».
[4] كذا في ب، س، ج. وفي م، أ، ء: «لم يعمرك عارها». ولعل صوابه: «لم يغمك عارها» أي لم تأت بعار فيغمك ويحزنك، لأنها عفيفة.
[5] قال أبو حنيفة الدينوري: الجثجاث، من أحرار الشجر، ينبت بالقيظ، له زهرة صفراء كأنها زهرة عرفجة، طيبة الريح، تأكله الإبل إذا لم تجد غيره. والعرار: بهار البر وهو نبت طيب الريح. قال ابن بري: وهو النرجس البريّ.
/
تذكّرت هندا وأعصارها [1] ... ولم تقض نفسك أوطارها
تذكّرت النفس ما قد مضى ... وهاجت على العين عوّارها [2]
لتمنح رامة منّا الهوى ... وترعى لرامة أسرارها
إذا لم نزرها حذار العدا ... حسدنا على الزّور زوّارها
غناء حبابة وسلامة:
فقالت جميلة: يا عزّ، إنك لباقية على الدهر، فهنيئا لك حسن هذا الصوت مع جودة هذا الغناء. ثم قالت لحبابة وسلّامة: هاتيا لحنا واحدا؛ فغنّتا:
/كفى حزنا أنى أغيب وتشهد ... وما نلتقي والقلب حرّان مقصد
ومن عجب [3] أنّى إذا الليل جنّني ... أقوم من الشوق الشديد وأقعد
أحنّ إليكم مثل ماحنّ تائق ... إلى الورد عطشان الفؤاد مصرّد [4]
ولي كبد حرّى يعذّبها الهوى ... ولي جسد يبلى ولا يتجدد
غناء خليدة:
فاستحسن غناؤهما. ثم أقبلت على خليدة فقالت لها: بنفسي أنت! غنّي؛ فغنّت:
ألا يا من يلوم على التّصابي ... أفق شيئا لتسمع من جوابي
بكرت تلومني في الحبّ جهلا ... وما في حبّ مثلي من معاب
أليس من السعادة غير شكّ ... هوى متواصلين على اقتراب
كريم نال ودّا في عفاف ... وستر من منعّمة كعاب
غناء عقيلة والشماسية:
فاستحسن منها ما غنّت، وهو بلحنها حسن جدّا. [ثم قالت لعقيلة والشّماسيّة: هاتيا، فغنّتا:
/هجرت الحبيب اليوم في غير ما اجترم ... وقطّعت من ذي ودّك الحبل فانصرم
أطعت الوشاة الكاشحين ومن يطع ... مقالة واش يقرع السنّ من ندم [5]]
غناء فرعة وبلبلة ولذة العيش:
ثم قالت لفرعة وبلبلة ولذّة العيش: هاتين فغنّين؛ فاندفعن بصوت واحد:
__________
[1] الأعصار: جمع عصر، يريد الأوقات التي كان يجتمع فيها معها.
[2] العوّار: ما عار في العين من القذى والرمد فأوجعها.
[3] في أ، م، د: «و ما عجبي».
[4] التصريد: سقي دون الريّ، ومنه:
يسقون منها شرابا غير تصريد.
[5] الموضوع بين قوسين انفردت به نسختا ب، س.
لعمري لئن كان الفؤاد من الهوى ... بغى سقما إنّي إذا لسقيم
عليّ دماء البدن إن كان حبّها ... على النأي في طول الزمان يريم
تلمّ ملمّات فينسين بعدها ... ويذكر منها العهد وهو قديم
فأقسم ما صافيت بعدك خلّة ... ولا لك عندي في الفؤاد قسيم
غناء سعدة والزرقاء:
قالت: أحسنتنّ! وهو لعمري حسن. وقالت لسعدة والزّرقاء: غنيّا؛ فغنّتا:
قد أرسلوني يعزّوني فقلت لهم ... كيف العزاء وقد سارت بها الرّفق
استهدت الرّيم عينيه فجادلها ... بمقلتيه ولم تترك له عنق
فاستحسن ذلك. ثم قالت للجماعة فغنّوا، وانقضى المجلس وعاد كلّ إنسان إلى وطنه. فما رثي مجلس ولا جمع أحسن من اليوم الأوّل ثم الثاني ثم الثالث.
طلب إبراهيم الموصلي الغناء لسماعه صوتا لها:
وحدّثتني [1] عمّتي - وكانت أسنّ من أبي وعمّرت بعده - قالت: كان السبب في طلب أبيك الغناء والمواظبة عليه لحنا سمعه لجميلة في منزل يونس بن محمد الكاتب، فانصرف وهو كئيب حزين مغموم لم يطعم ولم يقبل علينا بوجهه كما كان يفعل. فسألته عن السبب فأمسك، فألححت عليه فانتهرني، وكان لي مكرما، فغضبت وقمت من ذلك المجلس إلى بيت آخر، فتبعني وترضّاني وقال لي: أحدّثك ولا كتمان منك: عشقت صوتا لامرأة قد ماتت، فأنا بها وبصوتها هائم إن لم يتداركني اللّه منه برحمته. فقالت:/ أتظنّ أن اللّه يحيي لك ميّتا! قال: بل لا أشكّ. قالت: فما تعليقك قلبك بما لا يعطاه إلا نبيّ ولا نبيّ بعد محمد صلّى اللّه عليه وسلّم!. وأمّا عشقك الصوت فهو أن تحذقه وتغنّيه عشر مرار، فتملّه ويذهب عشقك له!. فكأنه ارعوى [2] ورجع إلى نفسه، وقام فقبّل رأسي ويدي ورجلي وقال لي: فرّجت عنّي ما كنت فيه من الكرب والغمّ،/ ثم تمثّل: «حبّك الشيء يعمي ويصمّ ولزم بيت يونس حتى حذق الصوت ولم يمكث إلا زمنا يسيرا حتى مات يونس وانضمّ إلى سياط، وكان من أحذق أهل زمانه بالغناء وأحسنهم أداء عمّن مضى. قالت عمّتي: فقلت لإبراهيم: وما الصوت؟ فأنشدني الشعر ولم يحسن أداء الغناء:
من البكرات عراقيّة ... تسمّى سبيعة أطريتها
من آل أبي بكرة الأكرمين ... خصصت بودّي فأصفيتها
ومن حبّها زرت أهل العراق ... وأسخطت أهلي وأرضيتها
أموت إذا شحطت دارها ... وأحيا إذا أنا لاقيتها
فأقسم لو أنّ ما بي بها ... وكنت الطبيب لداويتها
__________
[1] المتحدّث هو إسحاق بن إبراهيم الموصلي وهو راوي الخبر المتقدّم كما مرّ بك.
[2] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «فكان الإرعواء».
قالت عمّتي: هذا شعر حسن، فكيف به إذا قطّع ومدّد تمديد الأطربة [1] وضرب عليها بقضبان الدّفلى [2] على بطون المعزى! فما مضت الأيام والليالي حتى سمعت اللحن مؤدّى، فما خرق مسامعي شيء قطّ أحسن منه؛ ولقد أذكرني بما يؤثر من حسن صوت داود وجمال يوسف. فبينا أنا يوما جالسة [3] إذ طلع عليّ إبراهيم ضاحكا مستبشرا؛ فقال لي: ألا أحدّثك بعجب؟ قلت: وما هو؟ قال: إن لي شريكا/ في عشق صوت جميلة. قلت: وكيف ذلك؟ قال:
كنت عند سياط في يومنا هذا وأنا أغنّيه الصوت وقد وقّفني فيه على شيء لم أكن أحكمته عن يونس، وحضر عند سياط شيخ نبيل فسبّح على الصوت تسبيحا طويلا، فظننت أنه فعل ذلك لاستحسانه الصوت. فلما فرغت أنا وسياط من اللحن قال الشيخ: ما أعجب أمر هذا الشعر وأحسن ما غنّي به وأحسن ما قال قائله!. فقلت له دون القوم: وما بلغ من العجب به؟ قال: نعم! حجّت سبيعة من ولد عبد الرحمن بن أبي بكرة، وكانت من أجمل النساء، فأبصرها عمر بن أبي ربيعة، فلما انحدرت إلى العراق اتّبعها يشيّعها حتى بلغ معها موضعا يقال له الخورنق. فقالت له: لو بلغت إلى أهلي وخطبتني لزوّجوك. فقال لها: ما كنت لأخلط تشييعي إياك بخطبة، ولكن أرجع ثم آتيكم خاطبا؛ فرجع ومرّ بالمدينة فقال فيها:
قال ابن أبي ربيعة شعرا في سبيعة فلحنته وعلمته جارية من جواريه:
... من البكرات عراقيّة ... تسمّى سبيعة أطريتها
ثم أتى بيت جميلة فسألها أن تغنّي بهذا الشعر ففعلت. فأعجبه ما سمع من حسن غنائها وجودة تأليفها، فحسن موقع ذلك منه، فوجّه إلى بعض موالياته ممن كانت تطلب الغناء أن تأتي جميلة وتأخذ الصوت منها؛ فطارحتها إياه أيّاما حتى حذقت ومهرت به. فلما رأى ذلك عمر قال: أرى أن تخرجي إلى سبيعة وتغنّيها هذا الصوت وتبلّغيها رسالتي؛ قالت: نعم. جعلني اللّه فداك. فأتتها فرحّبت بها، وأعلمتها الرسالة، فحيّت وأكرمت، ثم غنّتها فكادت أن تموت فرحا وسرورا لحسن الغناء والشعر. ثم عادت رسول عمر فأعلمته ما كان وقالت له: إنها خارجة في تلك السنة.
حج سبيعة ثانية وسؤالها جميلة أن تغنيها بشعر عمر فيها:
فلما كان أوان الحج استأذنت سبيعة أباها في الحج، فأبى عليها وقال لها: قد حججت حجّة الإسلام. قالت له: تلك الحجّة هي التي أسهرت ليلي وأطالت/ نهاري/ وتوّقتني [4] إلى أن أعود وأزور البيت وذلك القبر؛ وإن أنت لم تأذن لي متّ كمدا وغمّا؛ وذلك أن بقائي إنما كان لحضور الوقت، فإن يئست فالموت لا شكّ نازل بي.
فلما رأى ذلك أبوها رقّ لها وقال: ليس يسعني منعها مع ما أرى بها، فأذن لها. ووافى عمر المدينة ليعرف خبرها؛ فلما قدمت علم بذلك. وسألها أن تأتى منزل جميلة، وقد سبق إليه عمر، فأكرمتها جميلة وسرّت بمكانها. فقالت لها سبيعة: جعلني اللّه فداك! أقلقني وأسهرني صوتك بشعر عمر فيّ، فأسمعيني إيّاه. قالت جميلة: وعزازة لوجهك الجميل! فغنّتها الصوت، فأغمي عليها ساعة حتى رشّ على وجهها الماء وثاب إليها عقلها. ثم قالت: أعيدي عليّ، فأعادت الصوت مرارا في كل مرّة يغشى عليها. ثم خرجت إلى مكة وخرج معها. فلما رجعت مرّت بالمدينة وعمر
__________
[1] هذا جمع غريب.
[2] الدفلي: نبت مر زهره كالورد الأحمر، وحمله كالخروب، وألفه للإلحاق عند جماعة فينوّن نكرة، وللتأنيث عند آخرين فلا ينون.
[3] في جميع الأصول: «جالس».
[4] كذا في ب، س. وفي سائر الأصول: «و ذوبت قلبي أن أعود ... إلخ».
معها، فأتت جميلة فقالت لها: أعيدي عليّ الصوت ففعلت؛ وأقامت عليها [1] ثلاثا تسألها أن تعيد الصوت. فقالت لها جميلة: إني أريد أن أغنّيك صوتا فاسمعيه. قالت: هاتيه يا سيّدتي؛ فغنّتها:
أبت المليحة أن تواصلني ... وأظنّ أني زائر رمسي
لا خير في الدنيا وزينتها ... ما لم توافق نفسها نفسي
لا صبر لي عنها إذا حسرت ... كالبدر أو قرن من الشمس
ورمت فؤادك عند نظرتها ... بملاحة الإيثار [2] والأنس
قالت سبيعة: لو لا أنّ الأوّل شعر عمر لقدّمت هذا على كلّ شيء سمعته. فقال عمر: فإنه واللّه أحسن من ذلك، فأمّا الشعر فلا. قالت جميلة: صدقت واللّه. قالت عمّتي قال لها أبي: لعمري إنّ ذلك على ما قالا.
/ ولابن سريج في هذا الشعر لحن عن جميلة وربما حكي بزيادة أو نقصان أو مثلا بمثل.
جمعت الناس في دارها وقصت عليهم رؤياها واعتزامها ترك الغناء فاختلفوا وخطب شيخ يحبذ الغناء فرجعت:
أخبرني من يفهم الغناء قال:
بلغني أنّ جميلة قعدت يوما على كرسيّ لها وقالت لآذنتها: لا تحجبي عنّا أحدا اليوم، واقعدي بالباب، فكل من يمرّ بالباب فاعرضي عليه مجلسي؛ ففعلت ذلك حتى غصّت الدار بالناس؛ فقالت جميلة: اصعدوا إلى العلاليّ؛ فصعدت جماعة حتى امتلأت السطوح. فجاءتها بعض جواريها فقالت لها: يا سيّدتي، إن تمادى أمرك على ما أرى لم يبق في دارك حائط إلّا سقط، فأظهري ما تريدين. قالت: اجلسي. فلما تعالى النهار واشتدّ الحرّ استستقى الناس الماء فدعت لهم بالسّويق [3]، فشرب من أراد؛ فقالت: أقسمت على كل رجل وامرأة دخل منزلي إلّا شرب، فلم يبق في سفل الدار ولا علوها أحد إلّا شرب، وقام على رؤوسهم الجواري بالمناديل والمراوح الكبار، وأمرت جواريها فقمن على كراسيّ [4] صغار فيما بين كلّ عشرة نفر جارية تروّح. ثم قالت لهم: إنّي قد رأيت في منامي شيئا أفزعني وأرعبني [5]، ولست أعرف ما سبب ذلك، وقد خفت أن يكون قرب أجلي، وليس ينفعني إلّا صالح عملي، وقد رأيت أن أترك الغناء كراهة أن يلحقني منه شيء عند ربي. فقال قوم منهم: وفّقك اللّه وثبّت عزمك! وقال آخرون: بل لا حرج عليك في الغناء. وقال شيخ منهم ذو سنّ وعلم وفقه وتجربة: قد تكلمت الجماعة، وكلّ حزب بما لديهم فرحون، ولم أعترض عليهم في قولهم ولا شركتهم في رأيهم، فاستمعوا الآن لقولي وأنصتوا/ ولا تشغبوا إلى وقت انقضاء كلامي؛ فمن قبل قولي فاللّه موفّقه، ومن خالفني فلا بأس عليه إذ كنت في طاعة ربي.
فسكت القوم جميعا. فتكلّم الشيخ فحمد اللّه وأثنى عليه وصلّى على محمد النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ثم قال: يا معشر أهل الحجاز، إنكم متى تخاذلتم فشلتم ووثب عليكم عدوّكم وظفر بكم ولا تفلحوا بعدها أبدا. إنكم قد انقلبتم على
__________
[1] في ب، س: «عليه».
[2] كذا، في ب، س. وفي سائر الأصول هكذا: «الأنياب» أو الأيناب». وجميع الروايات غير ظاهرة.
[3] السويق: شراب يتخذ من الحنطة والشعير.
[4] كلمة: «على كراسيّ صغار» ساقطة من ب، س.
[5] ذكر ابن الأعرابي في نوادره وثعلب في «الفصيح» أنه لا يقال: «أرعبه» بالهمز، وتبعهما الجوهري، وغيرهم رأى جوازه. (راجع «شرح القاموس» مادة رعب).
أعقابكم لأهل العراق وغيرهم ممّن لا يزال ينكر عليكم ما هو وارثه عنكم، لا ينكره عالمكم ولا يدفعه عابدكم بشهادة شريفكم ووضيعكم يندب إليه كما يندب جموعكم وشرفكم وعزكم [1]. فأكثر ما يكون عند عابدكم فيه الجلوس عنه لا للتحريم له لكن للزهد في الدنيا؛ لأن الغناء من أكبر اللذات وأسرّ النفوس من جميع الشهوات؛ يحيي القلب ويزيد في العقل ويسرّ النفس ويفسح في الرأي ويتيسّر به العسير وتفتح به الجيوش ويذلّل به الجبّارون حتى يمتهنوا أنفسهم عند استماعه، ويبرىء المرضى ومن مات قلبه وعقله وبصره، ويزيد أهل الثروة غنى وأهل الفقر قناعة ورضا باستماعه فيعزفون [2] عن طلب الأموال. من تمسّك به كان عالما ومن فارقه كان جاهلا؛ لأنه لا منزلة أرفع ولا شيء أحسن منه؛ فكيف يستصوب تركه ولا يستعان به على النشاط في عبادة ربّنا عزّ وجلّ. وكلام كثير غير هذا ذهب عن [3] المحدّث به، فما ردّ عليه أحد ولا أنكر ذلك منهم بشر، وكلّ عاد بالخطأ على نفسه وأقرّ بالحق [4] له. ثم قال لجميلة: أوعيت ما قلت ووقع من نفسك ما ذكرت؟ قالت: أجل وأنا أستغفر اللّه. قال لها:
فاختمي مجلسنا وفرّقي جماعتنا بصوت فقط؛ فغنّت:
أفي رسم دار دمعك المترقرق ... سفاها! وما استنطاق ما ليس ينطق
/ بحيث التقى جمع وأقصى محسّر [5] ... مغانيه قد كادت عن العهد تخلق
مقام لنا بعد العشاء ومنزل ... به لم يكدّره علينا معوّق
فأحسن شيء كان أوّل ليلنا ... وآخره حزن إذا نتفرّق
فقال الشيخ: حسن واللّه! أمثل هذا يترك [6]! فيم نتشاهد الرجال! لا واللّه ولا كرامة لمن خالف الحقّ. ثم قام وقام الناس معه، وقال: الحمد للّه الذي لم يفرّق جماعتنا على اليأس من الغناء ولا جحود فضيلته، وسلام عليك ورحمة اللّه يا جميلة.
وصف مجلس لها غنت فيه ورقصت وغنى المغنون ورقصوا:
وقال أبو عبد اللّه: جلست جميلة يوما ولبست برنسا طويلا، وألبست من كان عندها برانس دون ذلك، وكان في القوم ابن سريج، وكان قبيح الصّلع قد اتخذ وفرة شعر [7] يضعها على رأسه، وأحبّت جميلة أن ترى صلعته.
فلما بلغ البرنس إلى ابن سريج قال: دبّرت عليّ وربّ الكعبة! وكشف صلعته ووضع القلنسية على رأسه، وضحك القوم من قبح صلعته؛ ثم قامت جميلة ورقصت وضربت بالعود وعلى رأسها البرنس الطويل وعلى عاتقها بردة يمانية وعلى القوم أمثالها، وقام ابن سريج يرقص ومعبد والغريض وابن عائشة ومالك وفي يد كلّ واحد منهم عود يضرب به على ضرب جميلة ورقصها؛ فغنّت وغنّى القوم على غنائها:
__________
[1] وردت هذه الجملة هكذا في الأصول، وهي غير واضحة.
[2] في ج: «فيستغنون».
[3] في ب، س: «ذهب على المحدث» وهو تحريف».
[4] في ب، س: بالفضل له.
[5] جمع: علم للمزدلفة. ووادي محسر: موضع بين منى والمزدلفة وليس من منى ولا مزدلفة بل هو واد برأسه، وقيل فيه غير ذلك.
راجع «معجم البلدان» لياقوت.
[6] في ب، س: «أمثل هذا ينزل فيه مشاهد الرجال لا واللّه لا ينزل هذا ولا كرامة» وهي محرفة.
[7] كذا فيما سيأتي. وفي الأصول هنا: «و فرة شعرة» وهو تحريف. والوفرة: الشعر المجتمع على الرأس أو ما سال على الأذنين منه.
ذهب الشباب وليته لم يذهب ... وعلا المفارق وقع شيب مغرب [1]
/و الغانيات يردن غيرك صاحبا ... ويعدنك الهجران بعد تقرّب
/ إنّي أقول مقالة بتجارب ... حقّا ولم يخبرك مثل مجرّب
صاف الكريم وكن لعرضك صائنا ... وعن اللّئيم ومثله فتنكّب
ثم دعت بثياب مصبّغة ووفرة شعر مثل وفرة ابن سريج فوضعتها على رأسها، ودعت للقوم بمثل ذلك فلبسوا، ثم ضربت بالعود وتمشّت وتمشّى القوم خلفها، وغنّت وغنّوا بغنائها بصوت واحد:
يمشين مشي قطا البطاح تأوّدا ... قبّ البطون رواجح الأكفال
فيهنّ آنسة الحديث حيّية ... ليست بفاحشة ولا متفال [2]
وتكون ريقتها إذا نبّهتها ... كالمسك فوق سلافة الجريال [3]
ثم نعرت ونعر القوم طربا، ثم جلست وجلسوا وخلعوا ثيابهم ورجعوا إلى زيّهم، وأذنت لمن كان ببابها فدخلوا؛ وانصرف المغنّون وبقي عندها من يطارحها من الجواري.
استزارت عبد اللّه بن جعفر لمجلس غناء هيأته له فزارها:
وحدّثتني عمّتي قالت: سمعت سياطا يحدّث أباك يوما جميلة فقال: بنفسي هي وأمّي! فما كان أحسن وجهها وخلقها [4] وغناءها! ما خلّفت النساء مثلها شبيها؛ فأعجبني ذلك. ثم قال سياط: جلست جميلة يوما للوفادة عليها، وجعلت على رؤوس جواريها شعورا مسدلة كالعناقيد إلى أعجازهنّ، وألبستهنّ أنواع الثياب المصبّغة ووضعت فوق الشعور التيجان، وزينتهنّ بأنواع الحليّ، ووجّهت إلى عبد اللّه بن جعفر تستزيره، وقالت لكاتب أملت عليه: «بأبي أنت وأمّي! قدرك يجلّ عن رسالتي وكرمك [5] يحتمل زلّتي؛ وذنبي لا تقال عثرته ولا تغفر حوبته. فإن/ صفحت فالصفح لكم معشر أهل البيت يؤثر، والخير والفضل كله [6] فيكم مدّخر، ونحن العبيد وأنتم الموالي.
فطوبى لمن كان لكم مقاربا والي وجوهكم ناظرا! وطوبى لمن كان لكم [7] مجاورا، وبعزّكم قاهرا، وبضيائكم مبصرا! والويل لمن جهل قدركم ولم يعرف ما أوجبه اللّه على هذا الخلق لكم! فصغيركم كبير بل لا صغير فيكم، وكبيركم جليل بل الجلالة التي وهبها اللّه عزّ وجلّ للخلق هي لكم ومقصورة عليكم. وبالكتاب نسألك وبحقّ الرسول ندعوك إن كنت نشيطا لمجلس هيّأته لك لا يحسن إلّا بك ولا يتمّ إلا معك، ولا يصلح أن ينقل عن موضعه، ولا يسلك به غير طريقه». فلما قرأ عبد اللّه الكتاب قال: إنّا لنعرف تعظيمها لنا وإكرامها لصغيرنا وكبيرنا.
وقد علمت أنّها قد آلت ألية ألّا تغنّي أحدا إلّا في منزلها. وقال للرسول: واللّه قد كنت على الركوب إلى موضع
__________
[1] مغرب: أبيض.
[2] المتفال: المتغيرة الريح لترك التطيب والأدّهان.
[3] الجريال: من أسماء الخمر.
[4] في ب، س: « ... وجهها وخلقها وخلقها وغناءها ... ».
[5] في ب، س: «و لكن كرمك إلخ» بزيادة كلمة «لكن» ولعلها مقحمة من الناسخ.
[6] هذه الكلمة ساقطة في ب، س.
[7] في جميع الأصول عدّا. ب، س: «لمن كان لكم أيضا مجاورا».
كذا [1] وكان في عزمي المرور بها. فأمّا إذا وافق ذلك مرادها فإنّي جاعل بعد رجوعي طريقي عليها. فلمّا صار إلى بابها أدخل بعض من كان معه إليها وصرف بعضهم. فنظر إلى ذلك الحسن البارع والهيئة الباذّة [2]، فأعجبه ووقع من نفسه؛ فقال: يا جميلة! لقد أوتيت خيرا كثيرا، ما أحسن ما صنعت!. فقالت: يا سيّدي، إنّ الجميل للجميل يصلح، ولك هيّأت هذا المجلس. فجلس عبد اللّه بن جعفر وقامت على رأسه وقامت الجواري صفّين؛/ فأقسم عليها فجلست غير بعيد. ثم قالت: يا سيّدي، ألا أغنّيك؟ قال: بلى! فغنّت:
/بني شيبة [3] الحمد الّذي كان وجهه ... يضيء ظلام اللّيل كالقمر البدر
كهولهم خير الكهول ونسلهم ... كنسل الملوك لا يبور ولا يحرى [4]
أبو عتبة الملقي إليك جماله ... أغرّ هجان اللّون من نفر زهر
لساقي [5] الحجيج ثم للخير هاشم ... وعبد مناف ذلك السيّد الغمر
أبوكم قصيّ كان يدعى مجمّعا ... به جمّع اللّه القبائل من فهر
فقال عبد اللّه: أحسنت يا جميلة وأحسن حذافة ما قال! باللّه أعيديه عليّ فأعادته، فجاء الصوت أحسن من الارتجال. ثم دعت لكل جارية بعود وأمرتهنّ بالجلوس على كراسيّ صغار قد أعدّتها لهنّ، فضربن وغنّت عليهنّ هذا الصوت وغنّى جواريها على غنائها. فلمّا ضربن جميعا قال عبد اللّه: ما ظننت أنّ مثل هذا يكون! وإنّه لممّا يفتن القلب! ولذلك كرهه كثير من الناس لما علموا فيه. ثم دعا ببغلته فركبها وانصرف إلى منزله. وقد كانت جميلة أعدّت طعاما كثيرا، وكان أراد المقام، فقال لأصحابه: تخلّفوا للغداء، فتغدّوا وانصرفوا مسرورين. وهذا الشعر لحذافة [6] بن غانم [7] بن عبيد اللّه بن عويج بن عديّ بن كعب يمدح به عبد المطّلب.
أراد العرجي أن ينزل عليها حين فرّ من مكة فأبت وأنزلته على الأحوص:
قال وحدّثني بعض المكّيين قال:
كان العرجيّ (و هو عبد اللّه بن عمرو بن عثمان) شاعرا سخيّا شجاعا أديبا ظريفا. ويشبّه شعره بشعر عمر بن أبي ربيعة والحارث بن خالد بن هشام وإن كانا قدّما عليه؛ وقد نسب كثير من شعره إلى شعرهما، وكان صاحب صيد. فخرج يوما متنزّها من مكّة ومعه جماعة من غلمانه ومواليه ومعه كلابه وفهوده وصقوره وبوازيه نحو الطائف
__________
[1] في ب، س: «إلى موضع كذا وكذا».
[2] الهيئة الباذة: الغالبة الفائقة، وفي ح: «و الهيئة البارزة».
[3] شيبة الحمد: لقب عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، لقب بذلك لكثرة حمد الناس له، لأنه كان مفزع قريش في النوائب وملجأهم في الأمور، فكان شريف قريش وسيدها كمالا وفعالا غير مدافع. وقيل: لأنه ولد في رأسه شيبة، وفي لفظ كان وسط رأسه أبيض، أو سمى بذلك تفاؤلا بأن يبلغ سن الشيب. (راجع «ما يعوّل عليه في المضاف والمضاف إليه»). وفيه: وبنو شيبة الحمد».
[4] يبور: يهلك: ويحرى: ينقص.
[5] ساقي الحجيج هو عبد المطلب هذا، فهو الذي حفر زمزم.
[6] في «السيرة لابن هشام» و «معجم البلدان» لياقوت: «حذيفة». وقد نسب هذا الشعر أيضا لمطرود ابن كعب الخزاعي الشاعر. (راجع الطبري ص 1088، 1095 من القسم الأول طبع أوروبا، وصفحة 5 من «كتاب الأوائل» لأبي هلال العسكري المخطوط والمحفوظ بدار الكتب المصرية تحت رقم 2773 تاريخ).
[7] في الأصول: «عامر» وهو تحريف. (راجع «الطبري» ص 1095 من القسم الأول طبع أوروبا و «معجم البلدان» لياقوت ج 2 ص 144 طبع أوروبا والسيرة ج 1 ص 96، 111 طبع أوروبا، «و ما يعوّل عليه في المضاف والمضاف إليه»).
إلى مال له بالعرج - وبهذا الموضع سمّي العرجيّ - فجرى بينه وبينّ مولىّ لبني أميّة كلام، فأمضّه المولى فكفّ عنه العرجيّ حتى أوى إلى منزله، ثم هجم عليه ومعه غلمانه فأمرهم أن يوثقوه، ثم أمرهم أن ينكحوا امرأته وهو يراهم ففعلوا، ثم أخرجه فقتله. فبلغ أمير مكة ما فعل فطلبه، فخرج من منزله وأخرج معه غلمانه ومواليه وآلة الصّيد وتوجّه نحو المدينة وقد ركب أفراسه وأعدّ عدّته. فلم يزل يتصيّد ويقصف في طريقه حتى دخل المدينة ليلا، وأراد المقام في منزل جميلة، وكانت آلت ألّا تغنّي بشعره ولا تدخله منزلها لكثرة عبثه وسفهه وحداثة سنّه. فلما أعلمت بمكانه ليلا قالت: طارق! إن له لشأنا! فاستخبرت خبره فقيل لها: إنه قدم مستخفيا، ولم ير بالمدينة موضعا هو أطيب له من منزلك، والأيمان تكفّر، والأشراف لا يردّون. فقالت لرسولها إليه: منزلي منزل جواز. ولا يمكن مثلك الاستخفاء فيه، فعليك بالأحوص - وكان الأحوص مجانبا له لشيء جرى بينه وبينه في منزل جميلة - فقال:
أنّى لي بالأحوص مع الذي كان بيننا! قالت: ائته عنّي وقل له: قد غنّينا بذلك الشعر؛ فأنّ أحببت أن تظهر وتبقى مودّتنا لك، فأصلح ما بينك وبين عبد اللّه، إذ أصلح ما بيننا، وأنزله منزلك. قال لها: ليس هذا بمقنعي؛ أمّا إذ أبيت أن أقيم بمنزلك فوجّهي معي رسولا إلى الأحوص؛ فإنّ منزله/ أحبّ المنازل إليّ بعد منزلك./ فوجّهت معه إلى الأحوص بعض مولياتها؛ فأنزله الأحوص وأكرمه وأحسن جواره وستر أمره. فقال شعرا ووجّه به إلى جميلة:
ألا قاتل اللّه الهوى كيف أخلقا ... فلم تلفه إلّا مشوبا ممذّقا [1]
وما من حبيب يستزير حبيبه ... يعاتبه في الودّ إلا تفرّقا
أمرّ وصال الغانيات فأصبحت ... مضاضته يشجى بها من تمطّقا [2]
تعلّق هذا القلب للحين معلقا ... غزالا تحلّى عقد درّ ويارقا [3]
إذا قلت مهلا للفؤاد عن الّتي ... دعتك إليها العين أغضى وأطرقا
دعانا فلم نستبق حبّا بما نرى ... فما منك هذا العذل إلا تخرّقا [4]
فقد سنّ هذا الحبّ من كان قبلنا ... وقاد الصّبا المرء الكريم فأعنقا [5]
فلمّا قرأت شعره رقّت له وقالت: كيف لي بإيلائي ألّا يدخل منزلي ولا أغنّيه بشعره؟! فقيل لها: يدخل منزلك وتغنّين وتكفّرين عن يمينك. فوجّهت إليه أن صر إلينا والأحوص في تلك الليلة، فجاءاها؛ وعرّفت الأحوص تكفير اليمين؛ فقال لها: وأنا واللّه شفيعه إليك؛ ففرّجي ما به من غمّ فقد فارق من يحبّ ويهوى، فتؤنسينه وتسرّينه وتغنّينه بشعره. فغنّت:
ألا قاتل اللّه الهوى كيف أخلقا ... فلم تلفه إلّا مشوبا ممذّقا
__________
[1] ممذقا: مخلوطا، يقال: فلان يمذّق الود إذا لم يخلصه.
[2] تمطق: تذوق وتمضغ.
[3] اليارق: السوار.
[4] كذا في ب، س. وفي سائر الأصول:
دعانا فلم نسبق محبا بما نرى ... فما منك هذا الغدر إلّا تخرقا
[5] الإعناق: السير المنبسط. يريد أن الصبا إذا قاد المرء الكريم انقاد له وجرى في ميدانه.
وحدّثني بعض أهلنا قال قال يونس بن محمد:
كان الأحوص معجبا بها وملازما لها فصار إليها بغلام له جميل فأخرجته خوف الفتنة ثم دعتهما دعوة خاصة وغنّتهما:
كان الأحوص معجبا بجميلة، ولم يكن يكاد يفارق منزلها إذا جلست. فصار إليها يوما بغلام جميل الوجه يفتن من رآه، فشغل أهل المجلس، وذهبت اللحون عن/ الجواري وخلطن في غنائهنّ. فأشارت جميلة إلى الأحوص أن أخرج الغلام؛ فالخلل قد عمّ مجلسي وأفسد عليّ أمري. فأبى الأحوص وتغافل، وكان بالغلام معجبا، فآثر لذّته بالنظر إلى الغلام مع السماع. ونظر الغلام إلى الوجوه الحسان من الجواري ونظرن إليه، وكان مجلسا عاما. فلما خافت عاقبة المجلس وظهور أمره أمرت بعض من حضر بإخراج الغلام فأخرج؛ وغضب الأحوص وخرج مع الغلام ولم يقل شيئا؛ فأحمد [1] أهل المجلس ما كان من جميلة، وقال لها بعضهم: هذا كان الظنّ بك، أكرمك اللّه! فقالت: إنه واللّه ما استأذنني في المجيء به ولا علمت به حتى رأيته في داري، ولا رأيت له وجها قبل ذلك؛ وإنه ليعزّ عليّ غضب الأحوص، ولكن الحقّ أولى، وكان ينبغي له ألّا يعرّض نفسه وإيّاي لما نكره مثله. فلمّا تفرّق أهل المجلس بعثت إليه: الذنب لك ونحن منه برءاء؛ إذ كنت قد عرفت مذهبي؛ فلم عرّضتني للّذي كان؛ فقد ساءني ذلك وبلغ منّي؛ ولكن لم أجد بدّا من الذي رأيت إمّا حياء وإمّا تصنّعا. فردّ عليها: ليس هذا لك بعذر إنّ لم تجعلي لي وله مجلسا نخلو فيه جميعا تمحين به ما كان منك. قالت: أفعل ذلك سرّا؛ قال الأحوص: قد رضيت. فجاءاها ليلا فأكرمتهما، ولم تظهر واحدة من جواريها على ذلك إلّا عجائز من مواليها.
وسألها الأحوص وأقسم عليها أن تغنّيه/ من شعره:
وبالقفر دار من جميلة هيجت ... سوالف حبّ في فؤادك منصب
وكانت إذا تنأى نوى أو تفرّقت ... شداد الهوى لم تدر ما قول مشغب [2]
أسيلة مجرى الدمع خمصانة الحشا ... برود الثّنايا ذات خلق مشرعب [3]
/ترى العين ما تهوى وفيها زيادة ... من الحسن إذ تبدو وملهى لملعب [4]
قال يونس: مالها صوت أحسن منه، وابن محرز يغنّيه وعنها أخذه، وأنا أغنّيه فتعجبني نفسي ويدخلني [5] شيء لا أعرفه من النّخوة والتّيه. وقال المحدّث لي بهذا الحديث عن يونس: إنّ هذا للأحوص في جميلة. والذي عندي أنه لطفيل الغنويّ قاله في ابن زيد الخيل، وهو زيد بن [6] المهلهل بن المختلس بن عبد رضا أحد بني نبهان، ونبهان
__________
[1] أي رضوا ما كان منها وصار عندهم محمودا.
[2] كذا في أ، ء، م. والمشغب: المشاغب والعاند عن الحق. وفي ب، س: «لم تدر ما متشعب» ولعلها: «ما متشعبي» أي لم تدر مذهبي ولا أين طريق.
[3] المشرعب: الطويل.
[4] ألعب المرأة: جعلها تلعب أو جاءها بما تلعب به.
[5] لعلها: «و يداخلني».
[6] يلاحظ أن ما أورده المؤلف هنا من الأسماء في نسب زيد الخيل يخالف ما أورده في ترجمته (ج 16 ص 47 طبع بلاق).
لقب له، ولكنه سودان [1] بن عمرو بن الغوث بن طيّى ء، أغار على بني عامر فأصاب بني كلاب وبني كعب، واستحرّ القتل [2] في غنيّ بن أعصر ومالك بن أعصر؛ وأعصر هو الدخان، ولذلك قيل لهما ابنا دخان، وأخوهما الحارث وهو الطّفاوة [3] وهو مالك بن سعد بن قيس بن عيلان، وغطفان بن سعد عمّهم. وكانت غنيّ مع بني عامر في دارهم موالي [4] لنمير، وكان فيهم فرسان وشعراء. ثم إنّ غنيّا أغارت على طيّىء وعليهم سيار [5] بن هريم؛ فقال في ذلك قصيدته الطويلة:
وبالقفر دار من جميلة هيّجت ... سوالف شوق في فؤداك منصب
لحنت قصيدة لعمرو بن أحمر بن العمرد في عمر بن الخطاب لحنا جميلا، ونبذة عن ترجمة ابن أحمر:
وحدّثني أيّوب بن عباية قال:
كان عمرو بن [6] أحمر بن العمرّد بن عامر بن عبد شمس بن فرّاص بن معن بن مالك ابن أعصر بن قيس بن عيلان بن مضر من شعراء الجاهليّة المعدودين، وكان ينزل الشأم، وقد أدرك الإسلام وأسلم، وقال في الجاهليّة والإسلام شعرا كثيرا وفي الخلفاء الذين أدركهم: عمر بن الخطاب فمن دونه إلى عبد الملك [7] بن مروان، وكان في خيل خالد بن الوليد حين وجّه أبو بكر خالدا إلى الشأم؛ ولم يأت أبا بكر. وقال في خالد رحمه اللّه:
إذا قال سيف اللّه كرّوا عليهم ... كررت بقلب رابط الجأش صارم
وقال في عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه قصيدة له طويلة جيّدة:
أدركت آل أبي حفص وأسرته ... وقبل ذاك ودهرا بعده كلبا
قد ترتمى بقواف بيننا دول ... بين الهناتين [8] لا جدّا ولا لعبا
اللّه يعلم ما قولي وقولهم ... إذ يركبون جنانا [9] مسهبا وربا
وقال في عثمان بن عفّان رضي اللّه عنه:
حثّى فليس إلى عثمان مرتجع ... إلّا العداء وإلّا مكنع [10] ضرر
__________
[1] كذا في «أسد الغابة» في «ترجمة زيد الخيل. وفي ب، س: «أسود بن عمرو». وفي «سائر الأصول»: «أسودان بن عمرو». وكلاهما تحريف.
[2] كذا في ب، س. وفي أكثر الأصول: « ... واستحر القتل في غنى بن أعصر وأعصر اسمه مالك وأعصر هو الدخان ولذلك قيل لهما ابنا دخان وأخوهما ... إلخ». وظاهر أن في هذه العبارة خطأ. والذي في كتاب «المعارف» لابن قتيبة أن أعصر بن سعد ولد غنى بن أعصر ومعن بن أعصر وهو أبو باهلة ومنبه بن أعصر وهم الطفاوة». وفيما بينه وبين ما في الأصول هنا خلاف كبير.
[3] كذا في الأصول. ولعل صواب العبارة: «و هو الطفاوة بن أعصر بن سعد ... إلخ».
[4] في الأصول: «مواليا لنمير».
[5] كذا في ب، س. وفي سائر الأصول: «سنان بن هديم».
[6] كذا في نسخة المرحوم الشنقيطي و «الشعر والشعراء والمعارف» لابن قتيبة. وفي الأصول: «عمر بن أحمد بن العمرد». وهو تحريف.
[7] وقيل: إنه مات في عهد عثمان رضي اللّه عنه. (راجع «معجم الشعراء» للمرزباني).
[8] في ب، س: «بين الهباتين». ولم نهتد إلى الصواب فيه.
[9] الجنان: الأمر الخفيّ. والورب (و زان فرح): الفاسد. أي يركبون أمرا ملتبسا فاسدا. (راجع «اللسان» مادة جنن).
[10] كذا في أكثر الأصول. وفي ب، س: «مكبع صور» والمكنع: الذليل الحقير.
/
إخالها سمعت عزفا فتحسبه ... إهابة القسر ليلا حين تنتشر [1]
وقال في عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه:
/من مبلغ مألكا عنّي أبا حسن ... فارتح لخصم هداك اللّه مظلوم
فلما أنشدت جميلة قصيدته في عمر بن الخطاب، قالت: واللّه لأعملنّ فيها لحنا لا يسمعه أحد أبدا إلا بكى. قال إبراهيم: وصدقت؛ واللّه ما سمعته قطّ إلا أبكاني؛ لأني أجد حين أسمعه شيئا يضغط قلبي ويحرقه فلا أملك عيني، وما رأيت أحدا قطّ سمعه إلا كانت هذه حاله.
صوت من المائة المختارة
يا دار عبلة من مشارق مأسل ... درس الشؤون وعهدها لم ينجل
فاستبدلت عفر الظّباء كأنما ... أبعارها في الصّيف حبّ الفلفل
تمشي النّعام به خلاء حوله ... مشي النّصارى حول بيت الهيكل
إحذر محلّ السّوء لا تحلل به ... وإذا نبا بك منزل فتحوّل
الشعر، فيما ذكر يحيى بن عليّ عن إسحاق، لعنترة بن شدّاد العبسيّ. وما رأيت هذا الشعر في شيء من دواوين شعر عنترة، ولعله من رواية لم تقع إلينا؛ فذكر غير أبي أحمد أنّ الشعر لعبد قيس بن خفاف البرجميّ، إلا أنّ البيت الأخير لعنترة صحيح لا يشكّ فيه. والغناء لأبي دلف القاسم بن عيسى العجليّ، ولحنه المختار، على ما ذكره/ أبو أحمد، من الثقيل الأوّل. وذكر ابن خرداذبه أنّ لحن أبي دلف خفيف ثقيل بالوسطى. وذكر إسحاق أنّ فيه لمعبد لحنا من الثقيل الأوّل المطلق في مجرى الوسطى، وأن فيه لأبي دلف لحنا ولم يجنّسه. وذكر حبش أن فيه لابن محرز ثاني ثقيل بالوسطى، وأن لابن سريج في البيت الثاني ثقيلا أوّل، وذكر ابن خرداذبه أن خفيف الثقيل لمالك، وليس ممن يعتمد على قوله. وقد ذكر يونس أيضا أن فيه غناء لمالك ولم يذكر جنسه ولا طريقته.
__________
[1] العزف: الصوت. والإهابة: مصدر أهاب بالشيء إذا دعاه. والقسر: اسم رجل كان راعيا لابن أحمر هذا. وتنتشر: تتفرق، يقال:
انتشرت الإبل إذا تفرقت عن غرة من راعيها. وورد هذا البيت في ب، س:
إخالها شممت عرفا فتحسبه ... إهابة القصر ليلا حين تنتشر
وهو تحريف.
5 - ذكر عنترة ونسبه وشيء من أخباره
نسب عنترة:
أمه أمة حبشية، كان أبوه نفاه ثم ألحقه بنسبه:
هو عنترة بن شدّاد، وقيل: ابن عمرو بن شدّاد، وقيل: عنترة بن شدّاد بن عمرو بن معاوية بن قراد بن مخزوم بن ربيعة، وقيل: مخزوم بن عوف بن مالك ابن غالب بن قطيعة بن عبس بن بغيض بن الرّيث بن غطفان بن سعد بن قيس بن عيلان بن مضر. وله لقب يقال له عنترة الفلحاء؛ وذلك لتشقّق شفتيه. وأمّه أمة حبشيّة يقال لها زبيبة، وكان لها ولد عبيد من غير شدّاد، وكانوا إخوته لأمّه. وقد كان شدّاد نفاه مرّة ثم اعترف به فألحق بنسبه.
وكانت العرب تفعل ذلك، تستعبد بني الإماء، فإن أنجب اعترفت به وإلّا بقي عبدا.
حرشت عليه امرأة أبيه فضربه أبوه فكفته عنه فقال فيها شعرا:
فأخبرني عليّ بن سليمان النحويّ الأخفش قال أخبرنا أبو سعيد الحسن بن الحسين السكّريّ عن محمد بن حبيب، قال أبو سعيد وذكر ذلك أبو عمرو الشّيبانيّ، قالا: كان عنترة قبل أن يدّعيه أبوه حرّشت عليه امرأة أبيه وقالت: إنه يراودني عن نفسي؛ فغضب من ذلك شدّاد غضبا شديدا وضربه ضربا مبرّحا وضربه بالسيف؛ فوقعت عليه امرأة أبيه وكفّته عنه. فلما رأت ما به من الجراح بكت - وكان اسمها سميّة وقيل: سهيّة [1] - فقال عنترة:
صوت
أمن سميّة دمع العين مذروف ... لو أنّ ذا منك [2] قبل اليوم معروف
/ كأنّها يوم صدّت ما تكلّمني ... ظبي بعسفان [3] ساجي العين [4] مطروف
تجلّلتني إذ أهوى العصا قبلي ... كأنّها صنم يعتاد معكوف
العبد عبدكم والمال مالكم ... فهل عذابك عنّي اليوم مصروف
تنسى بلائي إذا ما غارة لحقت ... تخرج منها الطّوالات السّراعيف
__________
[1] كذا في أ، وهو المعروف. وفي سائر الأصول: «سمينة».
[2] كذا في «ديوانه» نسخة مخطوطة بقلم المرحوم الشنقيطي محفوظة بدار الكتب المصرية تحت رقم (1837 أ، ب، ش). وفيما سيأتي في ج، أفي شرح الأبيات، وفي الأصول هنا: «فيك».
[3] عسفان: منهلة من مناهل الطريق بين الجحفة ومكة، وقيل فيها غير ذلك.
[4] في بعض الأصول: «ساجي الطرف»، وهو الأكثر في الاستعمال.
يخرجن منها وقد بلّت رحائلها ... بالماء تركضها [1] الشّمّ الغطاريف
قد أطعن الطعنة النجلاء عن عرض ... تصفرّ كفّ أخيها وهو منزوف
غنّى في البيت الأوّل والثاني علّوية، ولحنه من الثقيل الأوّل مطلق في مجرى البنصر، وقيل: إنه لإبراهيم. وفيهما رمل بالوسطى يقال: إن لابن سريج، وهو من منحول ابن المكيّ.
قوله «مذروف»: من ذرفت عينه، يقال: ذرفت تذرف ذريفا وذرفا، وهو قطر يكاد يتصل. وقوله: «لو أنّ ذا منك قيل اليوم معروف». أي قد أنكرت هذا الحنوّ والإشفاق منك، لأنه لو كان معروفا قبل ذلك لم ينكره.
«ساجي العين». ساكنها. والساجي: الساكن من كل شيء. «مطروف»: أصابت عينه طرفة، وإذا كان كذلك فهو أسكن لعينه. «تجللتني»: ألقت نفسها عليّ. و «أهوى»: اعتمد. «صنم يعتاد» أي يؤتى مرّة بعد مرّة. و «معكوف»:
يعكف عليه. و «السّراعيف»: السّراع، واحدتها سرعوفة. و «الطّوالات»: الخيل. والرحائل: السروج. والشمم:
ارتفاع في الأنف. و «الغطاريف»: الكرام والسادة أيضا. والغطرفة: ضرب من السير والمشيء يختال فيه.
و «النجلاء»: الواسعة،/ يقال: سنان منجل: واسع الطعنة: «عن عرض» أي عن شقّ وحرف. وقال غيره: أعترضه اعتراضا حين أقتله.
سبب ادعاء أبيه إياه:
أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال حدّثني عمّي عن ابن الكلبيّ، وأخبرني إبراهيم بن أيّوب عن ابن قتيبة قال قال ابن الكلبيّ:
شدّاد جدّ عنترة غلب على نسبه، وهو عنترة بن عمرو بن شدّاد؛ وقد سمعت من يقول: إنما شدّادا عمّه، كان نشأ في حجره فنسب إليه دون أبيه. قال: وإنمّا ادّعاه أبوه بعد الكبر؛ وذلك لأن أمّه كانت أمة سوداء يقال لها زبيبة، وكانت العرب في الجاهليّة إذا كان للرجل منهم ولد من أمة استعبدوه. وكان لعنترة إخوة من أمّة عبيد. وكان سبب ادّعاه أبي عنترة إيّاه أنّ بعض أحياء العرب أغاروا على بني عبس فأصابوا منهم واستاقوا إبلا، فتبعهم العبسيّون فلحقوهم فقاتلوهم عمّا معهم وعنترة يومئذ فيهم؛ فقال له أبوه: كرّ يا عنترة. فقال عنترة: العبد لا يحسن الكرّ، إنما يحسن الحلاب والصّرّ. فقال: كرّ وأنت حرّ. فكرّ وهو يقول:
أنا الهجين عنتره ... كلّ امرىء يحمي حره
أسوده وأحمره ... والشّعرات [المشعره] [2]
الواردات مشفره [3] وقاتل يومئذ قتالا حسنا، فادّعاه أبوه بعد ذلك وألحق به نسبه.
وحكى غير ابن الكلبيّ/ أنّ السبب في هذا أنّ عبسا أغاروا على طيّى ء، فأصابوا نعما، فلما أرادوا القسمة قالوا لعنترة: لا نقسم لك نصيبا مثل أنصبائنا لأنك عبد. فلما طال الخطب بينهم كرّت عليهم طيّى ء؛ فاعتزلهم عنترة
__________
[1] كذا في «ديوانه» وفي الأصول: «يقدمها».
[2] التكملة عن الديوان. والشطر كله ساقط من ب، س.
[3] في أكثر الأصول: «مسفرة بالسين المهملة، والتصويب عن أوكتاب «الشعر والشعراء».
وقال: دونكم القوم، فإنّكم/ عددهم. واستنقذت طيّىء الإبل. فقال له أبوه: كرّ يا عنترة. فقال: أو يحسن العبد الكرّ! فقال له أبوه: العبد غيرك، فاعترف به، فكّر واستنقذ النّعم. وجعل يقول:
أنا الهجين عنتره ... كلّ امرىء يحمي حره
الأبيات.
قال ابن الكلبيّ: وعنترة أحد أغربة العرب، وهم ثلاثة [1]: عنترة وأمّه زبيبة، وخفاف بن عمير الشّريديّ وأمّه ندبة، والسّليك بن عمير السّعديّ وأمّه السّلكة، وإليهنّ ينسبون. وفي ذلك يقول عنترة:
إنّي امرؤ من خير عبس منصبا ... شطري وأحمي سائري بالمنصل
وإذا الكتيبة أحجمت وتلاحظت ... ألفيت خيرا من معمّ مخول
يقول: إنّ أبي من أكرم عبس بشطري، والشطر الآخر ينوب عن كرم أمّي فيه ضربي بالسيف، فأنا خير في قومي ممن عمّه وخاله منهم وهو لا يغني غنائي. وأحسب أنّ هذه القصيدة هي التي يضاف إليها البيتان اللذان يغنّى فيهما، وهذه الأبيات قالها في حرب داحس والغبراء [2].
حامى عن بني عبس حين انهزمت أمام تميم، فسبه قيس بن زهير فهجاه:
قال أبو عمرو الشّيبانيّ: غزت بنو عبس بني تميم وعليهم قيس بن زهير، فانهزمت بنو عبس وطلبتهم بنو تميم، فوقف لهم عنترة، ولحقتهم كبكبة من الخيل، فحامى عنترة عن الناس فلم يصب مدبر [3]. وكان قيس بن زهير سيّدهم، فساءه ما صنع عنترة يومئذ، فقال حين رجع: واللّه ما حمى الناس إلا ابن السوداء. وكان قيس أكولا.
فبلغ عنترة ما قال؛ فقال يعرّض به قصيدته التي يقول فيها:
صوت
بكرت تخوّفني الحتوف كأنّني ... أصبحت عن عرض الحتوف بمعزل
فأجبتها أنّ المنيّة منهل ... لا بدّ أن أسقى بكأس المنهل
فاقنى حياءك لا أبالك واعلمي ... أنّي امرؤ سأموت إن لم أقتل
إنّ المنيّة لو تمثّل مثلّت ... مثلي إذا نزلوا بضنك المنزل
إني امرؤ من خير عبس منصبا ... شطري وأحمي سائري بالمنصل
وإذا الكتيبة أحجمت وتلاحظت ... ألفيت خيرا من معمّ مخول
__________
[1] اقتصر المؤلّف على هذا العدد في أغربة العرب وهم الذين جاءهم السواد من قبل أمهاتهم. وذكر غيره أكثر من ذلك، فمنهم في الجاهلية عنترة بن شدّاد وخفاف بن عمير بن الحارث وقيل: إنه مخضرم، وأبو عمير بن الحباب السلميّ وسليك بن السلكة وهشام بن عقبة بن أبي معيط وهو مخضرم، ومنهم في الإسلام عبد اللّه بن خازم وعمير بن أبي عمير بن الحباب السلميّ وهمام بن مطرف التغلبيّ ومنتشر بن وهب الباهلي ومطر بن أوفى المازنيّ وتأبط شرّا والشنفري وحاجز غير منسوب. (راجع «القاموس وشرحه مادة غرب»).
[2] راجع عن حرب داحس والغبراء الحاشية رقم 4 ص 33 ج 5 من هذه الطبعة.
[3] في الأصول: «فلم يصب مدبرا».
والخيل تعلم والفوارس أنّني ... فرّقت جمعهم بصربة فيصل
إذ لا أبادر في المضيق فوارسي ... أو لا [1] أوكّل بالرّعيل الأوّل
إن يلحقوا أكرر وإن يستلحموا ... أشدد وإن يلفوا بضنك [2] أنزل
حين النزول يكون غاية مثلنا ... ويفرّ كلّ مضلّل مستوهل [3]
والخيل ساهمة الوجوه كأنما ... تسقى فوارسها نقيع الحنظل
/ ولقد أبيت على الطّوى وأظلّه ... حتى أنال به كريم المأكل
/ عروضه من الكامل. غنّت في الأربعة الأبيات الأول والبيت الثاني عريب خفيف رمل بالبنصر من رواية الهشاميّ وابن المعتزّ وأبي العبيس.
«الحتوف»: ما عرض للإنسان من المكاره والمتالف. «عن عرض» أي ما يعرف منها. «بمعزل» أي في ناحية معتزلة عن ذلك. و «منهل»: مورد. وقوله: «فاقني حياءك» أي احفظيه ولا تضيّعيه. و «الضّنك» الضيق. يقول: إن المنيّة لو خلقت مثالا لكانت في مثل صورتي. و «المنصب»: الأصل. و «المنصل»: السيف، ويقال منصل أيضا بفتح الصاد. وأحجمت: كعّت [4]. و «الكتيبة»: الجماعة إذا اجتمعت ولم تنتشر [5]. و «تلاحظت»: نظرت من يقدم على العدوّ. وأصل التلاحظ النظر من القوم بعضهم إلى بعض بمؤخر العين. و «الفيصل»: الذي يفصل بين الناس.
وقوله: «لا أبادر في المضيق فوارسي» أي لا أكون أوّل منهزم ولكني أكون حاميتهم. و «الرعيل»: القطعة من كل شيء. و «يستلحموا»: يدركوا [6]. والمستلحم: المدرك؛ وأنشد الأصمعيّ:
نجّى علاجا وبشرا كلّ سلهبة [7] ... واستلحم الموت أصحاب البراذين
و «ساهمة»: ضامرة متغيّرة، قد كلح [8] فوارسها لشدّة الحرب وهولها. وقوله: «و لقد أبيت على الطوى وأظله». قال الأصمعيّ: أبيت بالليل على الطّوى وأظلّ بالنهار كذلك حتى أنال به كريم المأكل أي ما لا عيب فيه عليّ، ومثله/ قوله: إنه ليأتي عليّ اليومان لا أذوقهما طعاما ولا شرابا أي لا أذوق فيهما. والطّوى: خمص البطن، يقال: رجل طيّان وطاوي البطن.
أنشد النبي صلّى اللّه عليه وسلّم بيتا من شعره فود لو رآه:
وأخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثنا ابن عائشة قال:
أنشد النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قول عنترة:
__________
[1] في الأصول: «و لا أوكل» بدون ألف الاستفهام، والتصويب عن «اللسان وشرح القاموس» (مادة رعل).
[2] «في الديوان»: «و إن يرموا بدهم أنزل».
[3] المستوهل: الضعيف الفزع.
[4] كع (من بابي ضرب ونصر): جبن وضعف.
[5] كذا في «المخصص» (ج 6 ص 198) وفي الأصول: «و لم تنشرف» وهو تحريف.
[6] عبارة «اللسان» (مادة «لحم»): واستلحم (مجهولا): روهق في القتال، واستلحم الرجل: إذا احتوشه العدوّ في القتال.
[7] السلهبة: الفرس الطويل، يطلق على الذكر والأنثى.
[8] هذا تفسير لقوله: «كأنما تسقى فوارسها نقيع الحنظل».
ولقد أبيت على الطّوى وأظلّه ... حتّى أنال به كريم المأكل
فقال صلّى اللّه عليه وسلّم: «ما وصف لي أعرابيّ قطّ فأحببت أن أراه إلّا عنترة».
كيف ألحق أخوته لأمه بنسب قومه:
أخبرني عليّ بن سليمان قال حدّثنا أبو سعيد السكّريّ عن محمد بن حبيب عن ابن الأعرابيّ وأبي عبيدة:
أن عنترة كان له إخوة من أمّه، فأحبّ عنترة أن يدّعيهم قومه؛ فأمر أخا له كان خيرهم في نفسه يقال له «حنبل»، فقال له: أرو مهرك من اللّبن ثم مرّ به عليّ عشاء. فإذا قلت لكم: ما شأن مهركم متخدّدا [1] مهزولا ضامرا، فاضرب بطنه بالسيف كأنّك تريهم أنك قد غضبت مما قلت: فمرّ عليهم، فقال له: يا حنبل، ما شأن مهركم متخدّدا أعجر [2] من اللبن؟ فأهوى أخوه بالسيف إلى بطن مهره فضربه فظهر اللبن. فقال في ذلك عنترة:
أبني زبيبة ما لمهركم ... متخدّدا وبطونكم عجر
ألكم بإيغال الوليد على ... أثر الشّياه بشدّة خبر [3]
/و هي قصيدة. قال: فاستلاظه [4] نفر من قومه ونفاه آخرون. ففي ذلك يقول عنترة:
ألا يا دار عبلة بالطّويّ ... كرجع الوشم في كفّ الهديّ [5]
وهي طويلة يعدّد فيها بلاءه وآثاره عند قومه.
جوابه حين سئل أنت أشجع العرب:
أخبرني عمّي قال أخبرني الكرانيّ عن/ النّضر بن عمرو عن الهيثم بن عديّ قال:
قيل لعنترة: أنت أشجع العرب وأشدّها؟ قال لا. قيل: فبماذا شاع لك هذا في الناس؟ قال: كنت أقدم إذا رأيت الإقدام عزما، وأحجم إذا رأيت الإحجام حزما، ولا أدخل إلا موضعا [6] أرى لي منه مخرجا، وكنت أعتمد الضعيف الجبان فأضربه الضربة الهائلة يطير لها قلب الشّجاع فأثنّي عليه فأقتله.
أخبرني حبيب بن نصر وأحمد بن عبد العزيز قالا حدّثنا عمر بن شبّة قال:
قال عمر بن الخطاب للحطيئة: كيف كنتم في حربكم؟ قال: كنا ألف فارس حازم. قال: وكيف يكون ذلك؟
قال: كان قيس بن زهير فينا وكان حازما فكنا لا نعصيه. وكان فارسنا عنترة فكنّا نحمل إذا حمل ونحجم إذا أحجم.
وكان فينا الرّبيع بن زياد وكان ذا رأي فكنا نستشيره ولا نخالفه. وكان فينا عروة بن الورد فكنّا نأتمّ بشعره، فكنا كما وصفت لك. فقال عمر: صدقت.
__________
[1] المتخدد: المهزول. وفي الأصول: «متخدرا» في المواضع الثلاثة. والتصويب عن «اللسان» (مادة عجر).
[2] بطن أعجر: ملآن.
[3] رواية هذا البيت في «الديوان»:
ألكم بآلاء الوشيج إذا ... مر الشياه بوقعة خبر
والمراد في كلتا الروايتين غامض.
[4] استلاطه قومه: ألصقوه بهم وادّعوه.
[5] الطويّ: موضع. والهديّ: العروس.
[6] كذا في م. وفي سائر الأصول: «و لا أدخل موضعا إلّا أرى منه مخرجا».
أخبرني عليّ بن سليمان قال حدّثنا أبو سعيد السكريّ قال قال محمد بن حبيب عن ابن الأعرابيّ عن المفضّل عن أبي عبيدة [1] وابن الكلبيّ قالا:
موته واختلاف الروايات في سببه:
أغار عنترة على بني نبهان من طيّىء فطرد [2] لهم طريدة وهو شيخ كبير، فجعل يرتجز وهو يطردها ويقول:
آثار ظلمان بقاع محرب [3] قال: وكان زرّ [4] بن جابر النّبهانيّ في فتوّة، فرماه وقال: خذها وأنا ابن سلمى، فقطع مطاه [5]؛ فتحامل بالرّمية حتى أتى أهله؛ فقال وهو مجروح:
وإنّ ابن سلمى عنده فاعلموه دمي ... وهيهات لا يرجى ابن سلمى ولا دمي
يحلّ بأكناف الشّعاب وينتمي [6] ... مكان الثّريّا ليس بالمتهضّم
رماني ولم يدهش بأزرق لهذم ... عشيّة حلّوا بين نعف [7] ومخرم
قال ابن الكلبي: وكان الذي قتله يلقّب بالأسد الرهيص [8]. وأما أبو عمرو الشّيبانيّ فذكر أنه غزا طيّئا مع قومه، فانهزمت عبس، فخرّ عن فرسه ولم يقدر من الكبر أن يعود فيركب؛ فدخل دغلا، وأبصره ربيئة [9] طيّىء فنزل إليه، وهاب أن يأخذه أسيرا فرماه وقتله.
وذكر أبو عبيدة أنه كان قد أسنّ واحتاج وعجر بكبر سنّه عن الغارات، وكان له على رجل من غطفان بكر، فخرج يتقاضاه إيّاه، فهاجت عليه ريح من صيف وهو بين شرج [10] وناظرة، فأصابته فقتلته.
كان أحد الذين يباليهم عمرو بن معد يكرب:
قال أخبرني أبو خليفة عن محمد بن سلّام قال:
كان عمرو بن معد يكرب يقول: ما أبالي من لقيت من فرسان العرب ما لم يلقني حرّاها وهجيناها. يعني بالحرّين عامر بن الطّفيل وعتيبة بن الحارث بن شهاب، وبالعبدين عنترة والسّليك بن السّلكة.
__________
[1] في الأصول: « ... عن المفضل وعن ابن حبيب عن ابن الكلبيّ قالا». والظاهر أنه محرف عما أثبتناه فقد تقدّمت رواية المفضل عن أبي عبيدة وابن الكلبيّ في أكثر من موضع في هذا الجزء والأجزاء السابقة، وبعيد أن تكون له رواية عن ابن حبيب.
[2] طرد الطريدة: ساقها. وفي الأصول: «فأطرد لهم طريدة» وليس في معجمات اللغة «أطرد» بمعنى ساق الذي هو المراد هنا.
[3] ظلمان (بضم الظاء وكسرها): جمع ظليم وهو ذكر النعام. والقاع: أرض سهلة مطمئنة تنفرج عنها الجبال والآكام. ومحرب، لعل صوابه «مجدب» بالدال.
[4] في ب، س، ج: «وزر بن جابر».
[5] المطا: الظهر.
[6] كذا في «ديوان عنترة» (نسخة مخطوطة محفوظة بدار الكتب المصرية برقم 1937 أدب). وفي الأصول: «إذا ما تمشي بين أجبال طي مكان الثريا إلخ».
[7] النعف: ما انحدر عن السفح وغلظ. والمخرم: منقطع أنف الجبلي.
[8] الأسد الرهيص: الذي لا يبرح مكانه كأنه رهص (شدخ) باطن حافره حجر، فهو كأنه لا يستطيع المشي خبثا وتيها.
[9] الربيئة: الطليعة.
[10] شرج وناظره: ماءان لبنى عبس.
هذه أخبار عنترة قد ذكرت فيها ما حضر.
***
6 - نبذة عن عبد قيس بن خفاف البرجمي:
وأمّا عبد قيس بن خفاف البرجميّ فإنّي لم أجد له خبرا أذكره إلّا ما أخبرني به جعفر بن قدامة قال: قرأت في كتاب لأبي عثمان المازنيّ: كان عبد قيس بن خفاف البرجميّ أتى حاتم طيّىء في دماء حملها عن قومه فأسلموه فيها وعجز عنها، فقال: واللّه لآتينّ من يحملها عنّي، وكان شريفا شاعرا شجاعا؛ فقدم على حاتم وقال له: إنه وقعت بيني وبين قومي دماء فتواكلوها، وإني حملتها في مالي وأهلي، فقدّمت مالي وأخّرت أهلي، وكنت أوثق الناس في نفسي. فإن تحمّلتها فكم من حقّ قضيته وهمّ/ كفيته، وإن حال دون ذلك حائل لم أذمم يومك ولم أنس غدك؛ ثم أنشأ يقول:
حملت دماء للبراجم جمّة ... فجئتك لمّا أسلمتني البراجم
وقالوا سفاها لم حملت دماءنا ... فقلت لهم يكفي الحمالة حاتم
متى آته فيها يقل لي مرحبا ... وأهلا وسهلا أخطأتك الأشائم
فيحملها عنّي وأن شئت زادني ... زيادة من حيزت إليه المكارم
يعيش النّدى ما عاش حاتم طيّىء ... وإن مات قامت للسخاء مآتم
ينادين مات الجود معك فلا نرى ... مجيبا له ما حام في الجوّ حائم
وقال رجال أنهب العام ماله ... فقلت لهم إنّي بذلك عالم
ولكنه يعطى من اموال طيّىء ... إذا حلق المال الحقوق اللّوازم
/ فيعطي الّتي فيها الغنى وكأنه ... لتصغيره تلك العطيّة جارم
بذلك أوصاه عديّ [1] وحشرج ... وسعد وعبد اللّه تلك القماقم
فقال له حاتم: إني كنت لأحبّ أن يأتيني مثلك من قومك، وهذا مرباعي [2] من الغارة على بني تميم فخذه وافرا، فإن وفى بالحمالة وإلا أكملتها لك، وهي مائتا بعير سوى نيبها [3] وفصالها، مع أنّي لا أحبّ أن تؤبّس [4] قومك بأموالهم. فضحك أبو جبيل [5] وقال: [لكم ما أخذتم منّا ولنا ما أخذنا [6] منكم]، وأيّ بعير دفعته إليّ وليس ذنبه في يد صاحبه فأنت منه بريء. فأخذها وزاده مائة بعير، وانصرف راجعا إلى قومه. فقال حاتم:
__________
[1] هؤلاء الذين وردوا في البيت هم أجداد حاتم، فهو حاتم بن عبد اللّه بن سعد بن الحشرج بن امرىء القيس بن عدي بن أخزم.
والقماقم: جمع قمقام وهو السيد العظيم.
[2] المرباع: ما يأخذه الرئيس من الغنيمة خاصة دون أصحابه وهو ربع الغنيمة.
[3] كذا في نسخة الشنقيطي مصححة بقلمه. وفي الأصول: «سوى بنيها» وهو تصحيف.
[4] تؤبس: توبخ وتؤنب.
[5] كذا في كتاب «المفضليات» للضبي ونسخة الشنقيطي مصححة بخطه. وفي الأصول: «أبو جميل» بالميم وهو تحريف. وأبو جبيل:
كنية عبد قيس بن خفاف، كما هو ظاهر من السياق.
[6] هذه الجملة غير واضحة المناسبة في هذا الكلام.
أتاني
البرجميّ أبو جبيل ... لهمّ في حمالته طويل
فقلت له خذ المرباع منها ... فإنّي لست أرضى بالقليل
على حال ولا عوّدت نفسي ... على علّاتها علل البخيل
فخذها إنها مائتا بعير ... سوى الناب الرذيّة والفصيل
ولا منّ عليك بها فإنّي ... رأيت المنّ بزري بالجميل
فآب البرجميّ وما عليه ... من اعباء الحمالة من فتيل
يجرّ الذّيل ينفض مذرويه [1] ... خفيف الظهر من حمل ثقيل
__________
[1] يقال: جاء فلان ينفض مذرويه، إذا جاء باغيا يتهدّد. والمذري: في الأصل: طرف الألية.
7 - ذكر أبي دلف ونسبه وأخباره
نسب أبي دلف ومكانته:
هو القاسم بن عيسى بن إدريس، أحد بني عجل بن لجيم بن صعب بن عليّ بن بكر بن وائل. ومحلّه في الشجاعة وعلوّ المحلّ عند الخلفاء وعظم الغناء في المشاهد وحسن الأدب وجودة الشعر محلّ ليس لكبير أحد [1] من نظرائه. وذكر ذلك أجمع مما لا معنى له لطوله؛ وفي هذا القدر من أخباره مقنع. وله أشعار جياد، وصنعة كثيرة حسنة. فمن جيّد شعره وله فيه صنعة قوله:
صوت
بنفسي يا جنان وأنت منّي ... محلّ الروح من جسد الجبان
/ ولو أنّي أقول مكان نفسي ... خشيت عليك بادرة الزمان
لإقدامي إذا ما الخيل حامت ... وهاب كماتها حرّ الطّعان
وله فيه لحن. وهذا البيت الأوّل أخذه من كلام إبراهيم النّظّام [2].
أخذ معنى من محاورة إبراهيم النظام لغلام:
أخبرني به عليّ بن سليمان الأخفش قال حدّثني محمد بن الحسن بن الحرون قال:
لقي إبراهيم النظّام غلاما حسن الوجه، فاستحسنه وأراد كلامه فعارضه، ثم قال له: يا غلام، إنك لو لا ما سبق من قول الحكماء مما جعلوا به السبيل لمثلي إلى مثلك في قولهم: لا ينبغي لأحد أن يكبر عن أن يسأل، كما أنه لا ينبغي لأحد أن يصغر عن أن يقول، لما أنبت [3] إلى مخاطبتك ولا انشرح صدري لمحادثتك، لكنه سبب الإخاء وعقد المودّة، ومحلّك من قلبي محلّ الروح من جسد الجبان. فقال له الغلام/ - وهو لا يعرفه - : لئن قلت ذلك أيها الرجل لقد قال أستاذنا إبراهيم النظّام: الطبائع تجاذب ما شاكلها بالمجانسة، وتميل إلى ما قاربها بالموافقة؛ وكياني مائل إلى كيانك بكلّيّتي. ولو كان الذي انطوى عليه عرضا لم أعتدّ به ودّا، ولكنه جوهر جسمي؛ فبقاؤه ببقاء النفس، وعدمه بعدمها؛ وأقول كما قال الهذليّ:
فتيقّني أن قد كلفت بكم ... ثم افعلي ما شئت عن علم
__________
[1] يظهر أن صوابه: «ليس لكبير آخر».
[2] هو إبراهيم بن سيار أبو إسحاق النظام المعتزلي أحد شيوخ المتكلمين والمعتزلة في دولة المعتصم.
[3] أنبت: رجعت. وفي ب، س: «لما أتيت».
فقال له النظّام: إنما كلّمتك بما سمعت وأنت عندي غلام مستحسن؛ ولو علمت أنّ محلّك مثل محلّ معمر [1] وطبقته في الجدل لما تعرّضت لك. قال أبو الحسن: ومن هذا أخذ أبو دلف قوله:
أحبّك يا جنان وأنت منّي ... محلّ الرّوح من جسد الجبان
ومن جيّد شعره وله فيه صنعة قوله:
صوت
في كلّ يوم أرى بيضاء طالعة ... كأنما أنبتت في ناظر البصر
لئن قصصتك بالمقراض عن بصري ... لما قطعتك عن همّي وعن فكري
بلغه طروق الشراة وهو بالسرادن مع جارية له فأسرع لحربهم وردهم:
أخبرني عليّ بن عبد العزيز الكاتب قال حدّثني أبي قال سمعت عبد العزيز بن دلف بن أبي دلف يقول: حدّثتني ظبية جارية أبي [2] قالت: إنّي لمعه ليلة بالسّرادن [3] وهو جالس يشرب معي وعليه ثياب ممسّكة، إذ أتاه الصريخ بطروق الشّراة أطراف عسكره؛ فلبس الجوشن ومضى فقتل وأسر وانصرف إليّ في آخر اللّيل وهو يغنّي - قالت:
والشعر له - :
صوت
ليلتي بالسّرادن ... كلّلت بالمحاسن
وجوار أوانس ... كالظّباء الشّوادن
بدّلت بالممسّكا ... ت ادّراع الجواشن
الشعر لأبي دلف. والغناء له رمل بالسبّابة في مجرى البنصر.
خرج مع الإفشين لحرب بابك فأراد قتله فأنقذه ابن أبي داود:
وقال أحمد بن أبي طاهر: كان أبو دلف القاسم بن عيسى في جملة من كان مع الإفشين [4] خيذر بن كاووس
__________
[1] هو أبو عبيدة معمر بن المثنى التيمي من تيم قريش البصري النحوي العلامة. قال الجاحظ فيه: لم يكن في الأرض خارجي ولا جماعي أعلم بجميع العلوم منه. أقدمه الرشيد من البصرة إلى بغداد سنة ثمان وثمانين ومائة. (عن وفيات الأعيان لابن خلكان ج 2 ص 154).
[2] كذا في «الأصول». ولعله يريد: «جدي».
[3] السرادن: موضع ببلاد فارس.
[4] قد وردت هذه الكلمة في «شرح القاموس» بكسر الشين مضبوطة بالعبارة وفي «كتب التاريخ» مضبوطة بالقلم. وفي «شعر أبي تمام» ما يؤيده إذا قال يمدحه من قصيدة:
لم يقر هذا السيف هذا الصبر في ... هيجاء إلّا عزّ هذا الدّين
قد كان عذرة مغرب فافتضها ... بالسيف فحل المشرق الإفشين
وفي «رسالة الغفران» طبع مصر ص 166 ما يدل على أن ضبطه بفتح الشين وإسكان الياء. وهو أحد قوّاد المعتصم المقدمين وولاته، ولاه حرب بابك الخرّمي، ثم غضب عليه وحبسه مضيقا عليه ثم قتله. (انظر الطبري ق 3 ص 1170، 1179، 1186، 1234، 1300، 1318).
لمّا خرج لمحاربة بابك [1]، ثم تنكّر له؛ فوجّه يوما بمن جاء به ليقتله. وبلغ المعتصم الخبر، فبعث إليه بأحمد/ بن أبي دواد وقال له: أدركه، وما أراك تلحقه، فاحتل في خلاصه منه كيف شئت. قال ابن أبي دواد: فمضيت ركضا حتى وافيته، فإذا أبو دلف واقف بين يديه وقد أخذ بيديه غلامان له تركيّان، فرميت بنفسي على البساط، وكنت إذا جئته دعا لي بمصلّى، فقال لي: سبحان اللّه! ما حملك على هذا؟ قلت: أنت أجلستني هذا المجلس. ثم كلّمته في القاسم وسألته فيه وخضعت له، فجعل لا يزداد إلّا غلظة. فلما رأيت ذلك قلت: هذا عبد وقد أغرقت في الرّفق به فلم ينفع، وليس إلا أخذه بالرّهبة والصّدق؛ فقمت/ فقلت: كم تراك قدرت! تقتل أولياء أمير المؤمنين واحدا بعد واحد، وتخالف أمره في قائد بعد قائد! قد حملت إليك هذه الرسالة عن أمير المؤمنين، فهات الجواب!. قال:
فذلّ حتى لصق بالأرض وبان لي الاضطراب فيه. فلما رأيت ذلك نهضت إلى أبي دلف وأخذت بيده، وقلت له: قد أخذته بأمر أمير المؤمنين. فقال: لا تفعل يا أبا عبد اللّه. فقلت: قد فعلت وأخرجت القاسم فحملته على دابّة ووافيت المعتصم. فلما بصر بي قال: بك يا أبا عبد اللّه وريت زنادي، ثم ردّ عليّ خبري مع الإفشين حدسا بظنّه ما أخطأ فيه حرفا؛ ثم سألني عما ذكره لي وهو كما قال، فأخبرته أنه لم يخطىء حرفا.
أنكر عليه أحمد بن أبي دواد الغناء مع جلالة قدره وكبر سنه:
وقال عليّ بن محمد حدّثني جدّي قال:
كان أحمد بن أبي دواد ينكر أمر الغناء إنكارا شديدا. فأعلمه المعتصم أن صديقه أبا دلف يغنّي؛ فقال: ما أراه مع عقله يفعل ذلك. فستر أحمد بن أبي دواد في موضع وأحضر أبا دلف وأمره أن يغنّي، ففعل ذلك وأطال؛ ثم أخرج أحمد بن أبي دواد عليه من موضعه والكراهة ظاهرة في وجهه. فلما رآه أحمد قال له: سوءة لهذا من فعل [2]! بعد هذه السّنّ وهذا المحلّ تضع نفسك كما أرى! فحجل أبو دلف وتشوّر [3]، وقال: إنهم أكرهوني على ذلك. فقال: هبهم أكرهوك على الغناء أفأكرهوك على الإحسان والإصابة!.
سمع المعتصم غناءه عند الواثق فمدحه:
قال عليّ وحدّثني جدّي: أنّ سبب منادمته للمعتصم أنه كان نديما للواثق، وكان أبو دلف قد وصف للمعتصم فأحب أن يسمعه، وسأل الواثق عنه؛ فقال: يا أمير المؤمنين، أنا على الفصد غدا وهم عندي. فقال له المعتصم:
أحبّ ألّا تخفي عليّ/ شيئا من خبركم. وفصد الواثق، فأتاه أبو دلف وأتته رسل الخليفة بالهدايا، وأعلمهم الواثق حضور أبي دلف عنده؛ فلم يلبث أن أقبل الخدم يقولون: قد جاء الخليفة. فقام الواثق وكلّ من عنده حتى تلقّوه حين برز من الدّهليز إلى الصّحن؛ فجاء حتى جلس، وأمر بندماء الواثق فردّوا إلى مجالسهم. قال حمدون [4]:
وخنست عن مجلسي الذي كنت فيه لحداثتي؛ فنظر المعتصم إلى مكاني خاليا، فسأل عن صاحبه فسمّيت له، فأمر بإحضاري فرجعت إلى مكاني، وأمر بأن يؤتى برطل من شرابه فأتي به؛ فأقبل على أبي دلف فقال له: يا قاسم، غنّ
__________
[1] هو بابك الخرّمي الطاغية الذي كاد أن يستولي على الممالك زمن المعتصم، كان يرى رأي المزدكية من المجوس الذين خرجوا أيام قباذ وأباحوا النساء والمحرّمات، وقتلهم أنوشروان. (عن شرح القاموس مادة خرم).
[2] كذا في «ج». وفي «سائر الأصول»: «سوءة لمن فعل هذا ... ».
[3] تشوّر: خجل.
[4] هو حمدون بن إسماعيل بن داود الكاتب أوّل من نادم الخلفاء من أهله.
أمير المؤمنين صوتا؛ فما حصر ولا تثاقل وقال: أغنّي أمير المؤمنين صوتا بعينه أو ما [1] اخترته؟ قال: بل غنّ صنعتك في شعر جرير:
بان الخليط برامتين فودّعوا فغنّاه إيّاه. فقال المعتصم: أحسن! أحسن! ثلاثا، وشرب الرّطل، ولم يزل يستعيده ويشرب عليه حتى والى بين سبعة أرطال، ثم دعا بحمار فركبه، وأمر أبا دلف أن ينصرف معه، وأمرني بالانصراف معهما، فخرجت أسعى/ مع ركابه، فثبّتّ في ندمائه من ذلك اليوم، وأمر لأبي دلف بعشرين ألف دينار.
نسبة الصوت الذي غنّاه أبو دلف
صوت
بان الخليط برامتين فودّعوا ... أو كلّما اعتزموا لبين تجزع
كيف العزاء ولم أجد مذغبتم ... قلبا يقرّ ولا شرابا ينقع
عروضه من الكامل. الشعر لجرير، والغناء لأبي دلف ثاني ثقيل بالبنصر عن الهشاميّ وعمرو بن بانة.
ما كان من جعفر بن أبي جعفر مع حماد الراوية:
أخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد عن أبيه قال:
كان جعفر بن أبي جعفر المنصور المعروف بابن الكرديّة يستخفّ مطيع بن إياس، وكان منقطعا إليه وله منه منزلة حسنة. فذكر له مطيع بن إياس حمّادا الراوية، وكان مطّرحا مجفوّا في أيّامهم. فقال له: دعني، فإنّ دولتي كانت في بني أميّة وما لي عند هؤلاء خير. فأبى مطيع إلا الذهاب به إليه. فاستعار سوادا وسيفا؛ ثم أتاه فدخل على جعفر فسلّم عليه وجلس. فقال له جعفر: أنشدني. فقال: لمن أيها الأمير؟ قال: لجرير. قال حماد: فسلخ اللّه شعره أجمع من قلبي إلّا قوله:
بان الخليط برامتين فودّعوا فاندفعت أنشده إيّاه حتى بلغت إلى قوله:
وتقول بوزع قد دببت على العصا ... هلّا هزئت [2] بغيرنا يا بوزع
قال حمّاد فقال لي جعفر: أعد هذا البيت فأعدته؛ فقال: إيش هو بوزع؟ قلت: اسم امرأة. قال: امرأة اسمها بوزع! هو بريء من اللّه ورسوله ومن العبّاس بن عبد المطّلب إن كانت بوزع إلا غولا من الغيلان! تركتني واللّه يا هذا لا أنام الليل من فزع بوزع! يا غلمان، قفاه. قال: فصفعت واللّه حتى لم أدر أين أنا. ثم قال: جرّوا برجله، فجرّوا برجلي
__________
[1] في «الأصول»: «بعينه وما أخترته».
[2] كذا فى «النقائض». وفي «الأصول»: «هذيت» بالذال المعجمة.
حتى أخرجت من بين يديه وقد تخرّق السواد وانكسر جفن السيف ولقيت شرّا عظيما مما جرى من ذلك. وكان أغلظ من ذلك عليّ غرامتي السواد والسيف. فلما انصرف إليّ مطيع جعل يتوجّع لي. فقلت له: ألم أخبرك أنّي لا أصيب منهم خيرا وأنّ حظّي قد مضى مع من مضى من بني أمية!.
/ رجع الحديث إلى أخبار أبي دلف.
كان جواد ممدّحا وشعر علي بن جبلة فيه:
وكان أبو دلف جواد ممدّحا؛ وفيه يقول عليّ بن جبلة:
إنما الدّنيا أبو دلف ... بين مغزاه ومحتضره
وإذا ولّى أبو دلف ... ولّت الدّنيا على أثره
وهي من جيّد شعره وحسن مدائحه. وفيها يقول:
ذاد ورد الغيّ عن صدره ... وارعوى [1] واللّهو من وطره
ندمي أنّ الشّباب مضى ... لم أبلّغه مدى أشره
حسرت عنّي بشاشته ... وذوى المحمود من ثمره
ودم أهدرت من رشأ ... لم يرد عقلا على هدره
فأتت دون الصّباهنة ... قلبت فوقي [2] على وتره
/ دع جدا قحطان أو مضر ... في يمانيه وفي مضره
وامتدح من وائل رجلا ... عصر الآفاق من عصره
المنايا في مقانبه ... والعطايا في ذرا [3] حجره
ملك تندى أنامله ... كانبلاج النّوء عن مطره
مستهلّ عن مواهبه ... كابتسام الرّوض عن زهره
جبل عزّت مناكبه ... أمنت عدنان في نفره
إنما الدّنيا أبو دلف ... بين مغزاه ومحتضره
فإذا ولّى أبو دلف ... ولّت الدنيا على أثره
/ كلّ من في الأرض من عرب ... بين باديه إلى حضره [4]
__________
[1] كذا في «ج» ونهاية الأرب (ج 4 ص 250 طبع دار الكتب المصرية طبعة أولى). وفي «سائر الأصول»: «و الهوى واللهو من وكره» وهو تحريف.
[2] الفوق من السهم: موضع الوتر.
[3] كذا في «نهاية الأرب». وفي «الأصول»: «في ذوي حجره» وهو تحريف.
[4] في «الأصول»: «بين باديه ومختصره». والتصويب عن «نهاية الأرب».
مستعير منه مكرمة ... يكتسيها يوم مفتخره
وهذان البيتان هما اللّذان أحفظا المأمون على عليّ بن جبلة حتى سلّ لسانه من قفاه، وقوله في أبي دلف أيضا:
أنت الذي تنزل الأيّام منزلها ... وتنقل الدهر من حال إلى حال
وما مددت مدى طرف إلى أحد ... إلّا قضيت بأرزاق وآجال
وسنذكر ذلك في موضعه من أخبار عليّ بن جبلة إن شاء اللّه تعالى؛ إذ كان القصد هاهنا أمر أبي دلف.
ذكرت قصة له في الكرم وأخرى لأبي البختري فكان هو أكرم:
أخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن عمّار قال:
كنّا عند أبي العباس المبرّد يوما وعنده فتى من ولد أبي البختري وهب بن وهب القاضي أمرد حسن الوجه، وفتى من ولد أبي دلف العجليّ شبيه به في الجمال. فقال المبرّد لابن أبي البختريّ: أعرف لجدّك قصّة ظريفة من الكرم حسنة لم يسبق إليها. قال: وما هي؟ قال: دعي رجل من أهل الأدب إلى بعض المواضع، فسقوه نبيذا غير الذي كانوا يشربون منه؛ فقال فيهم:
نبيذان في مجلس واحد ... لإيثار مثر على مقتر
فلو كان فعلك ذا في الطعام ... لزمت قياسك في المسكر
ولو كنت تطلب شأو الكرام ... صنعت صنيع أبي البختري
تتبّع إخوانه في البلاد ... فأغنى المقلّ عن المكثر
/ فبلغت الأبيات أبا البختريّ فبعث إليه بثلاثمائة دينار. قال ابن عمّار: فقلت: قد فعل جدّ هذا الفتى في هذا المعنى ما هو أحسن من هذا. قال: وما فعل؟ قلت: بلغه أنّ رجلا افتقر بعد ثروة، فقالت له امرأته: افترض في الجند؛ فقال:
إليك عنّي فقد كلّفتني شططا ... حمل السلاح وقيل الدّارعين قف
تمشي المنايا إلى غيري [1] فأكرهها ... فكيف أمشي إليها عاري الكتيف
حسبت أنّ نفاد المال غيّرني ... وأنّ روحي في جنبي أبي دلف
فأحضره أبو دلف ثم قال له: كم أمّلت امرأتك أن يكون رزقك؟ قال: مائة دينار. قال: وكم/ أمّلت أن تعيش؟
قال: عشرين سنة. قال: فذلك لك عليّ على ما أمّلت امرأتك في مالنا دون مال السلطان؛ وأمر بإعطائه إيّاه. قال:
فرأيت وجه ابن أبي دلف يتهلّل، وانكسر ابن أبي البختريّ انكسارا شديدا.
عاتب ابن جبلة على انقطاعه عنه فأجابه ورد عليه:
أخبرني عليّ بن سليمان الأخفش قال حدّثني محمد بن يزيد المبرّد قال أخبرني عليّ بن القاسم قال:
قال عليّ بن جبلة: زرت أبا دلف بالجبل [2]، فكان يظهر من إكرامي وبرّي والتّحفّي بي أمرا مفرطا، حتى
__________
[1] في ج: إلى قوم.
[2] بلاد، الجبل: مدن بين أذربيجان وعراق العرب وخوزستان وفارس وبلاد الديلم.
تأخّرت عنه حينا حياء. فبعث إليّ معقل بن عيسى، فقال: يقول لك الأمير: قد انقطعت عنّي، وأحسبك استقللت برّي بك، فلا يغضبنك ذلك، فسأزيد فيه حتى ترضى. فقلت: واللّه ما قطعني إلّا إفراطه في البرّ، وكتبت إليه.
هجرتك لم أهجرك من كفر نعمة ... وهل يرتجى نيل الزيادة بالكفر
/ ولكنّني لمّا أتيتك زائرا ... فأفرطت في برّي عجزت عن الشكر
فم الان لا آتيك إلا مسلّما ... أزورك في الشهرين يوما أو الشهر
فإن زدتني برّا تزايدت جفوة ... ولم تلقني طول الحياة إلى الحشر
فلمّا قرأها معقل استحسنها جدّا وقال: أحسنت واللّه! أما إنّ الأمير لتعجبه هذه المعاني. فلما أوصلها إلى أبي دلف قال: قاتله اللّه. ما أشعره وأدقّ معانيه! فأعجبته فأجابني لوقته - وكان حسن البديهة حاضر الجواب - :
ألا ربّ ضيف طارق قد بسطته ... وآنسته قبل الضّيافة بالبشر
أتاني يرجّيني فما حال دونه ... ودون القرى والعرف من نائلي ستري
وجدت له فضلا عليّ بقصده ... إليّ وبرّا زاد فيه على برّي
فزوّدته مالا يقلّ بقاؤه ... وزوّدني مدحا يدوم على الدهر
قال: وبعث إليّ بالأبيات مع وصيف له وبعث معه إليّ بألف دينار؛ فقلت حينئذ:
إنما الدنيا أبو دلف
الأبيات.
أخبرني عليّ بن سليمان قال أخبرنا المبرّد قال أخبرني إبراهيم بن خلف قال:
بينا أبو دلف يسير مع معقل، وهما إذ ذاك بالعراق، إذ مرّا بقصر، فأشرفت منه جاريتان؛ فقالت إحداهما للأخرى: هذا أبو دلف الذي يقول فيه الشاعر:
إنما الدنيا أبو دلف فقالت الأخرى: أو هذا! قد واللّه كنت أحبّ أن أراه منذ سمعت ما قيل فيه. فالتفت أبو دلف إلى معقل فقال: ما أنصفنا عليّ بن جبلة ولا وفيناه حقّه، وإن ذلك لمن كبير همّي. قال: وكان أعطاه ألف دينار.
صوت من المائة المختارة من رواية عليّ بن يحيى
أمّا القطاة فإنّي سوف أنعتها ... نعتا يوافق منها بعض ما فيها
سكّاء [1] مخطوبة [2] في ريشها طرق ... صهب قوادمها كدر خوافيها
عروضه من البسيط. والشعر مختلف في قائله، ينسب إلى أوس بن غلفاء الهجيميّ وإلى/ مزاحم العقيليّ وإلى
__________
[1] السكك: صغر الأذن ولصوقها بالرأس. يقال للقطاة سكاء لأنه لا أذن لها.
[2] كذا في «نهاية الأرب» (ج 10 ص 262 طبعة أولى). والمخطوبة: التي على لون الحنظلة إذا أخطبت أي أصفرّت وصارت فيها خطوط خضر. والطرق في الريش. أن يكون بعضه فوق بعض كأن الأعلى يلبس الأسفل. والصهبة: لون يضرب إلى الحمرة أو إلى الشقرة. وفي الأصول: «مخطوطة بالطاء المهملة.
العبّاس بن يزيد بن الأسود الكنديّ وإلى العجير السّلوليّ وإلى عمرو بن عقيل بن الحجّاج الهجيميّ وهو أصح الأقوال؛ رواه ثعلب عن أبي نصر عن الأصمعيّ. وعلى أنّ في هذه الروايات أبياتا ليست مما يغنّى فيه وأبياتا ليست في الرواية [1]. وقد روي أيضا أنّ الجماعة المذكورة تساجلوا هذه الأبيات فقال كل واحد منهم بعضا. وأخبار ذلك وما يحتاج إليه في شرح غريبه يذكر بعد هذا. والغناء في اللحن المختار لمعبد خفيف ثقيل أوّل بالوسطى. وفي هذين البيتين مع أبيات أخر من القصيدة اشتراك كثير بين المغنّين يتقدّم بعض الأبيات فيه بعضا ويتأخّر بعضها عن بعض على اختلاف تقديم ذلك وتأخيره. والأبيات تكتب هاهنا ثم تنسب صنعة كلّ صانع في شيء منها إليه؛ وهي بعد البيتين الأوّلين، إذ كانا قد مضيا واستغني عن إعادتهما،:
لمّا تبدّى لها طارت وقد علمت ... أن قد أظل وأنّ الحيّ غاشيها
/ تشتقّ [2] في حيث لم تبعد مصعّدة ... ولم تصوّب إلى أدنى مهاويها
تنتاش [3] صفراء مطروقا بقيّتها ... قد كاد يأزي عن الدّعموص آزيها
ما هاج عينك أم قد كاد يبكيها ... من رسم دار كسحق [4] البرد باقيها
فلا غنيمة توفّي بالذي وعدت ... ولا فؤادك حتى الموت ناسيها
بسيط مولى عبد اللّه بن جعفر خفيف ثقيل بإطلاق الوتر في مجرى البنصر من رواية إسحاق في «أمّا القطاة» والذي بعده، و «تنتاش [5] صفراء» خفيف ثقيل نصر عن عمرو. ولإبراهيم الموصليّ في «لما تبدّى لها» و «أمّا القطاة» خفيف رمل عن الهشاميّ. ولعمر الواديّ في «أمّا القطاة» ثقيل بالوسطى. ولابن جامع في «لما تبدّى لها» وبعده «أمّا القطاة» خفيف رمل. ولسياط في الأوّل والثاني وبعدهما «تشتق في حيث لم تبعد» خفيف ثقيل بالبنصر، ومن الناس من ينسب لحنه إلى عمر الواديّ وينسب لحن عمر إليه. ولعلّويه في «أمّا القطاة» والذي بعده رمل هو من صدور أغانيه ومقدّمها. فجميع ما وجدته في هذه الأبيات من الصنعة أحد عشر لحنا [6].
تفاخر جماعة من الشعراء فتسابقوا في وصف القطاة:
فأمّا خبر هذا الشعر، فإن ابن الكلبيّ زعم أنّ السبب فيه أنّ العجير السّلوليّ أوس بن غلفاء الهجيميّ ومزاحما العقيليّ والعباس بن يزيد بن الأسود الكنديّ وحميد بن ثور الهلاليّ اجتمعوا فتفاخروا بأشعارهم وتناشدوا وادّعى كل واحد منهم أنه أشعر من صاحبه. ومرّ بهم سرب قطا؛ فقال أحدهم: تعالوا حتى نصف القطا ثم نتحاكم إلى من نتراضى به، فأيّنا كان أحسن وصفا لها غلب أصحابه؛ فتراهنوا على ذلك. فقال أوس بن غلفاء الأبيات المذكورة وهي «أمّا القطاة». وقال حميد أبياتا وصف ناقته فيها، ثم خرج إلى صفة القطاة فقال:
__________
[1] في هذه الجملة غموض.
[2] تشتق: تقطع.
[3] سيشرح أبو الفرج فيما سيأتي هذا البييت.
[4] السحق: الثوب البالي.
[5] لعله: «و في تنتاشن صفراء خفيف ثقيل ... ».
[6] المذكور هنا سبعة ألحان فقط.
/
كما انصلتت [1] كدراء تسقي فراخها ... بشمظة [2] رفها والمياه شعوب
غدت لم تباعد في السماء ودونها ... إذا ما علت أهويّة [3] وصبوب
قرينة سبع [4] إن تواترن [5] مرّة ... ضربن فصفّت أرؤس وجنوب
/ فجاءت وما جاء القطا ثم قلّصت [6] ... بمفحصها والواردات تنوب
وجاءت ومسقاها الذي وردت به ... إلى الصّدر مشدود [7] العصام كتيب
تبادر أطفالا مساكين دونها ... فلا لا تخطّاه العيون رغيب [8]
وصفن لها مزنا بأرض تنوفة [9] ... فما هي إلّا نهلة وتؤوب
وقال العباس بن يزيد بن الأسود - هكذا ذكر ابن الكلبيّ، وغيره يرويها لبعض بني مرّة - :
حذّاء [10] مدبرة سكّاء مقبلة ... للماء في النحر منها نوطة [11] عجب
تسقى أزيغب ترويه مجاجتها [12] ... وذاك من ظمأة من ظمئها [13] شرب
/ منهرت الشّدق لم تنبت قوادمه ... في حاجب العين من تسبيده [14] زبب
تدعو القطا بقصير الخطو ليس له ... قدّام منحرها ريش ولا زغب
تدعو القطا وبه تدعى إذا انتسبت ... يا صدقها حين تدعوه وتنتسب
وقال مزاحم العقيليّ:
أذلك أم كدريّة هاج وردها ... من القيظ يوم واقد وسموم
__________
[1] انصلتت: أسرعت في السير.
[2] كذا في «معجم البلدان» لياقوت و «معجم ما استعجم». وشمظة: موضع بعكاظ، وهو الذي نزلت فيه قريش وحلفاؤها أوّل يوم اقتتلوا فيه من أيام الفجار. وفي الأصول: «شمطة» بالطاء المهملة وهو تصحيف. والرفه (بالكسر): أقصر الورد، وهو أن ترد الإبل الماء كل يوم أو متى شاءت. والشعوب: البعيدة، يقال: ماء شعب ومياه شعوب.
[3] كذا في ج و «معجم البلدان» لياقوت في الكلام على شمظة. والأهوية: الهاوية. والصبوب (بالفتح): منحدر الوادي. وفي الأصول:
«هوية وهبوب».
[4] كذا في ج و «اللسان» (مادة وتر). وفي سائر الأصول: «قريبة سبع».
[5] التواتر: التتابع، يقال: تواترت الإبل والقطا إذا جاء بعضها في إثر بعض ولم تجيء مصطفة.
[6] قلصت: انضمت وانزوت. والمفحص: مجثم القطاة. والواردات تنوب أي الواردات للماء ترجع.
[7] في أ، ج: «مسدود العصام». بالسين المهملة. وفي سائر الأصول: «مسرود العظام». والعصام: حبل تشدّ به القربة. وكتيب:
مخروز.
[8] رغيب: واسع.
[9] التنوفة: الأرض القفر.
[10] الحذاء: القصيرة الذنب.
[11] النوطة: الحوصلة.
[12] المجاجة: الريق.
[13] الظم ء: ما بين الشربين والوردين.
[14] التسبيد: أول ظهور ريش الفرخ. والزبب: كثرة الزغب.
غدت كنواة القسب [1] لا مضمحلّة ... وناة [2] ولا عجلى الفتور سئوم
تواشك رجع المنكبين وترتمى ... إلى كلكل، للهاديات [3] قدوم
فما انخفضت حتى رأت ما يسرّها ... وفيء الضّحى قد مال فهو ذميم
أباطح وانتصّت [4] على حيث تستقي ... بها شرك للواردات مقيم
سقتها سيول المدجنات فأصبحت ... علاجيم تجري مرّة وتدوم [5]
فلما استقت من بارد الماء وانجلى ... عن النفس منها لوحة [6] وهموم
دعت باسمها حين استقت فاستقلّها ... قوادم حجن [7] ريشهنّ مليم
بجوز [8] كحقّ الها جريّة زانه ... بأطراف عود الفارسيّ وشوم
- يعني حقّ الطيب. شبّه حوصلتها به. والوشوم يعني الشّية [9] التي في صدرها - :
لتسقي زغبا بالتّنوفة لم يكن ... خلاف مولّاها لهنّ حميم
ترائك [10] بالأرض الفلاة ومن بدع ... بمنزلها الأولاد فهو مليم
إذا استقبلتها الريح طمّت [11] رفيقة ... وهنّ بمهوى كالكرات جثوم
يراطنّ [12] وقصاء [13] القفا وحشة الشّوى ... بدعوى القطا لحن لهنّ قديم
فبتن قريرات العيون وقد جرى ... عليهن شرب فاستقين منيم
صبيب سقاء نيط قد بركت به ... معاودة سقي الفراخ رءوم
وقال العجير - فيما روى ابن الكلبيّ، وقد تروى لغيره - :
سأغلب والسماء ومن بناها ... قطاة مزاحم ومن انتحاها
__________
[1] القسب: تمر يابس يتفتت في الفم صلب ونواه شديد قوي.
[2] الوناة: البطيئة القيام والقعود.
[3] الهادية: المتقدّمة، يريد أنها توالي بين جناحيها مسرعة حتى تتقدّم غيرها من السابقات.
[4] يقال: انتصت العروس إذا جلست على المنصة لترى، هذا هو الأصل فيه. يريد أنها وقفت على الماء.
[5] المدجنات: السحائب الدائمة المطر. والعلاجيم: جمع علجوم وهو الماء الغمر الكثير. وتدوم: تسكن.
[6] اللوحة: العطشة.
[7] حجن: عوج. ومليم، كذا في الأصول، ولم نهتد إلى وجه الصواب في هذه الكلمة. وظاهر أنه يريد أن ريشهن كثير متكائف.
[8] في بعض الأصول: «تجوز». والهاجرية: المرأة الحضرية.
[9] في أكثر الأصول: «الثقبة». وفي ج: «الثقة» وظاهر أنه تحريف عن «الشيه» وهي لون يخالف معظم لون الشيء. والمراد النمنمة التي في الصدر.
[10] ظاهر أنه يريد بالترائك أو ضدها اللاتي تركتهن بالفلاة: والمليم (بضم الميم): الذي يفعل ما يلام عليه.
[11] طمت: أسرعت.
[12] كذا في ج: وفي سائر الأصول: «يواطئن».
[13] الوقصاء: القصيرة.
قطاة مزاحم وأبي المثنّى ... على حوزيّة [1] صلب شواها
غدت كالقطرة السّفواء [2] تهوي ... أمام مجلجل [3] زجل نفاها
/ تكفّأ كالجمانة لا تبالي ... أبا الموماة أضحت أم سواها
نبت منها العجيزة فاحزألّت [4] ... ونبّس [5] للتقتّل منكباها
/ كأنّ كعوبها أطراف نبل ... كساها الرّازقيّة [6] من براها
قال: واحتكموا إلى ليلى الأخيليّة، فحكمت لأوس بن غلفاء.
وأخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن عمّار قال حدّثنا يعقوب بن إسرائيل عن قعنب بن محرز الباهليّ قال حدّثني رجل عن أبي عبيدة قال أخبرنا حميد [7] بن ثور والعجير السّلوليّ ومزاحم العقيليّ وأوس بن غلفاء الهجيميّ أنهم تحاكموا إلى ليلى الأخيليّة لمّا وصفوا القطاة أيّهم أحسن وصفا لها؛ فقالت:
ألا كلّ ما قال الرّواة وأنشدوا ... بها غير ما قال السّلوليّ بهرج
وحكمت له. فقال حميد بن ثور يهجوها:
كأنّك ورهاء [8] العنانين بغلة ... رأت حصنا فعارضتهنّ تشحج
ووجدت هذه الحكاية عن أبي عبيدة مذكورة عن دماذ عنه وأنّه سأله عن أبيات العجير فأنشده:
تجوب الدّجى سكّاء من دون فرخها ... بمطلى أريك نفنف [9] وسهوب
فجاءت وقرن الشمس باد كأنّه ... هجان بصحراء الخبيب [10] شبوب
لتسقي أفراخا لها قد تبلّلت ... حلاقيم أسماط [11] لها وقلوب
قصار الخطا زغب الرؤوس كأنها ... كرات تلظّى مرّة وتلوب [12]
__________
[1] كذا في ج والحوزية (بالضم): الناقة المنحازة عن الإبل لا تخالطها، أو هي التي عندها سير مذخور من سيرها أي التي تغلب غيرها بالهويني وعندها سير مذخور لم تبتذله أو هي التي لها خلفة انقطعت عن الإبل في خلفتها وفراهتها كما تقول: منقطع القرين.
(راجع «القاموس وشرحه» مادة حوز). وفي سائر الأصول: «خرزية» وهو تحريف.
[2] السفواء: السريعة.
[3] المجلجل من السحاب: الذي فيه صوت الرعد. وغيث زجل: لرعده صوت.
[4] احزألت: ارتفعت.
[5] نبس: تحرّك. والتقتل: التثني والتبختر. وفي الأصول ما عدا ج: «للتفتل» بالفاء.
[6] الرازقية: ثياب كتان بيض.
[7] كذا في جميع الأصول. والمعروف أن أبا عبيدة معمر بن المثنى الذي كان يعاصر الرشيد لم يعاصر هؤلاء النفر الذين كانوا في صدر الدولة الأموية. ولعل صوابه: « ... عن أبي عبيدة قال: إن حميد بن ثور ... إلخ» أو أن في السند نقصا.
[8] الورهاء: الخرقاء.
[9] المطلى: مسيل ضيق من الأرض. وأريك (كأمير): واد بديار بني مرة. والنفنف: المفازة. والسهوب: الفلوات.
[10] هجان: أبيض. الخبيب: الأصل فيه حبل من رمل لا طيء بالأرض، ويريد هنا موضعا بعينه. وشبوب: تجاوز رجلاه يديه في العدو. شبه قرن الشمس بفرس أبيض تجاوز رجلاه يديه حين يشتد في العدو حتى يصير كالكرة.
[11] حلاقيم أسماط أي لا سمة فيها.
[12] تلوب: تعطش.
/ فأمّا ما ذكرت من رواية ثعلب في الأبيات التي فيها الغناء فإنه أنشدها عن أبي حاتم عن الأصمعيّ أن أبا الحضير أنشده لعمرو بن عقيل بن الحجّاج الهجيميّ:
أمّا القطاة فإني سوف أنعتها ... نعتا يوافق نعتي بعض ما فيها
صفراء مطروقة في ريشها خطب ... صفر قوادمها سود خوافيها
منقارها كنواة القسب قلّمها ... بمبرد حاذق الكفّين يبريها
تمشي كمشي فتاة الحيّ مسرعة ... حذار قوم إلى ستر يواريها
- قال الأصمعيّ: مطروقة يعني أنّ ريشها بعضه فوق بعض. والخطب: لون الرماد، يقال للمشبّه به أخطب - :
تنتاش صفراء مطروقا بقيّتها ... قد كاد يأزي عن الدّعموص آزيها
- تنتاش: تتناول بقية من الماء. والمطروق: الماء الذي قد خالطه البول. وقوله: يأزى أي يقلّ عن الدعموص فيخرج منه لقلته. والدّعموص: الصغير من الضفادع وجمعه دعاميص -
تسقي رذيّين بالموماة قوتهما ... في ثغرة النّحر من أعلى تراقيها
- الرذيّ: الساقط من الضعف. يعني فرخيها -
كأنّ هيدبة [1] من فوق جؤجئها ... أو جرو حنظلة لم يعد راميها
- جرو الحنظل: صغاره. وقوله: لم يعد من العداء، أي لم يعد عليها فيكسرها - /
تشتقّ من حيث لم تبعد مصعّدة ... ولم تصوّب إلى أدنى مهاويها
حتى إذا استأنسا للوقت واحتضرت [2] ... توجّسا الوحي منها عند غاشيها
- ويروى: حتى إذا استأنسا للصوت. وتوجّسا: تسمّعا. وحيها أي سرعة طيرانها. وغاشيها أي حين تغشاهما وتنتهي إليهما - /
ترفّعا عن شؤون غير ذاكية ... على لديدي أعالي المهد أدحيها [3]
- الذاكية: الشديدة الحركة. والمهد: أفحوصها. ولديداه: جانباه -
مدّا إليها بأفواه مزيّنة ... صعدا ليستنزلا الأرزاق من فيها
كأنّها حين مدّاها لجنأتها ... طلى بواطنها بالورس طاليها
- جنأتها أي جنأت عليهما بصدرها لتزقّهما -
حثّلين رضّا رفاض البيض عن زغب ... ورق [4] أسافلها بيض أعاليها
حثلين: دقيقين ضاويين. رضّا: كسرا. والرّفاض: ما ارفضّ وتفرّق -
__________
[1] الهيدبة: خمل الثوب.
[2] احتضرت: حضرت.
[3] الأدحى: موضع البيض الذي يفرخ فيه.
[4] الورقة: سواد في غبرة.
ترأّدا حين قاما ثمّت احتطبا ... على نحائف منآد محانيها
ترأّدا: تثنّيا. واحتطبا: دنوا. والمنآد: المنعطف. ومحانيها: حيث انحنت -
تكاد من لينها تنآد أسؤقها ... تأوّد الرّبل [1] لم تعرم نواميها
- تعرم: تشتد. ونواميها: أعاليها - :
لا أشتكي نوشة [2] الأيّام من ورقي ... إلّا إلى من أن سوف يشكيها [3]
لدلهم مأثرات قد عددن له ... إن المآثر معدود مساعيها
تنمي به في بني لأي دعائمها ... ومن جمانة لم نخضع سواريها
بنى له في بيوت المجد والده ... وليس من ليس يبنيها كبانيها
وأنشدني هذه الأبيات الحسن بن محمد الضّبعيّ الشاعر المعروف بابن الحدّاد قال: وجدتها بخط محمد بن داود بن الجرّاح عن إسماعيل بن يونس الشّيعي شيخنا رحمه/ اللّه عن أخيه عن أبيّ محلم مثل رواية ثعلب وزاد فيها: قال أبو محلّم: جمانة ابن جرير بن عبد ثعلبة بن سعد بن الهجيم، وهم أخوال [4] دلهم هذا الممدوح. ودلهم من بني لأي ثم من بني يزيد بن هلال بن بذل بن عمرو بن الهيثم، وكان أحد الشّجعان، وهو قتل الضحّاك [5] بن قيس الخارجيّ بيده مع مروان بن محمد ليلة كفرتوثا [6].
صوت من المائة المختارة عن علّي بن يحيى
أيّها القلب لا أراك تفيق ... طالما قد تعلّقتك العلوق [7]
من يكن من هوى حبيب قريبا ... فأنا النازح البعيد السّحيق
قدّر الحبّ بيننا فالتقينا ... وكلانا إلى اللقاء مشوق
الشعر لعمر بن أبي ربيعة وقد مضت أخباره. والغناء في اللحن المختار لبابويه الكوفيّ/ خفيف ثقيل بإطلاق الوتر في مجرى البنصر عن إسحاق. وفيه لابن سريج ثقيل أوّل بالخنصر في مجرى البنصر عن إسحاق. وفيه أيضا
__________
[1] الربل: ضروب من الشجر إذا برد الزمان عليها وأدبر الصيف تفطرت بورق أخضر من غير مطر.
[2] النوش: التناول.
[3] يشكيها: يريد ينصف منها ويزبل أسباب شكواها.
[4] كذا في ج. وفي سائر الأصول: «و هو أخ لدلهم» وهو تحريف، كما هو ظاهر من سياق نسب دلهم.
[5] هو الضحاك بن قيس الشيباني الحروري، خرج على مروان بن محمد سنة سبع وعشرين ومائة بالجزيرة واستولى على الموصل وكورها، فكتب إلى ابنه عبد اللّه وهو خليفته بالجزيرة يأمره أن يسير إليه، ثم سار إليه مروان وقتله. (انظر «الكامل» لأبي الأثير ج 5 ص 254، 265 - 267).
[6] كفرتوثا: قرية كبيرة من أعمال الجزيرة.
[7] العلوق: جمع علق، كأسود وأسد، وشجون وشجن، والعلق: الهوى والحب. يريد طالما تعلقت بك هموم الحب وأشجانه.
لمخارق [1] خفيف ثقيل بالوسطى عن الهشاميّ. وفيه لعلّويه رمل بالبنصر عنه [2] وعن الهشاميّ. وبابويه رجل من أهل الكوفة قليل الصنعة، ليس ممن خدم الخلفاء ولا الأكابر، ولا أعلم له خبرا فأذكره.
صوت من المائة المختارة
من لقلب أضحى بكم مستهاما ... خائفا للوشاة يخفي الكلاما
إنّ طرفي رسول نفسي ونفسي ... عن فؤادي تقرا عليك السلاما
لم يقع إلينا قائل الشعر فنذكر خبره. والغناء لرياض جارية أبي حمّاد خفيف ثقيل بالوسطى. وكان أبو حماد هذا أحد القوّاد الخراسانية ومن أولاد الدّعاة، وكان يعاشر إسحاق ويبرّه ويهاديه، فأخذت رياض عنه غناء كثيرا؛ وكانت محسنة ضاربة كثيرة الرواية؛ وأحبّ إسحاق أن ينوّه باسمها ويرفع من شأنها، فذكر صنعتها في هذا الصوت فيما اختاره للواثق قضاء لحقّ مولاها. وليس فيما قلته في هذا لأنّ الصوت غير مختار ولكن في الغناء ما هو أفضل منه بكثير ولم يذكره؛ وقد فعل ذلك بجماعة ممن كان يودّه ويتعصّب له مثل متيّم وأبي دلف وغيرهم. ومن يعلم هذه الصناعة يعرف صحّة ما قلناه. وماتت رياض هذه مملوكة لمولاها لم تخرج من يده ولا شهرت ولا روي لها خبر.
صوت من المائة المختارة عن عليّ بن يحيى
راح صحبي وعاود القلب داء ... من حبيب طلابه لي عناء
حسن الرأي والمواعيد لا يل ... فى لشيء مما يقول وفاء
من تعزّى عمن يحبّ فإني ... ليس لي ما حييت عنه عزاء
أمّ عثمان قد قتلت قتيلا ... عمد عين قتلته لا خطاء
لم يقع إلينا قائل هذا الشعر فنذكره. والغناء لنافع بن طنبورة، ولحنه المختار خفيف ثقيل أوّل بالسبّابة في مجرى الوسطى. وفي هذا الشعر لحن لعبد اللّه بن طاهر ثاني ثقيل/ من جيّد صنعته، وكان نسبه إلى لميس جاريته، وله خبر سنذكره في أخباره إذا انتيهنا. وكان نافع بن طنبورة يكنى أبا عبد اللّه، مغنّ [3] محسن من أهل المدينة، حسن الوجه نظيف الثوب، يلقّب نقش الغضار لحسن وجهه. وجعلتّه جميلة في المرتبة، لمّا اجتمع المغنّون إليها، بعد نافع وبديح وقبل مالك بن أبي السّمح. وغنّاها يومئذ:
يا طول ليلي وبتّ لم أنم ... وسادي الهمّ مبطن سقمي
أن قمت يوما على البلاط وأب ... صرت رقاشا فليت لم أقم [4]
__________
[1] في الأصول: «لابن مخارق» وظاهر أنه محرف عما أثبتناه.
[2] هذه الكلمة «عنه» وردت في جميع الأصول.
[3] في ب، س: «ابن معن» وهو تحريف.
[4] في ب، س: «أن نمت ... فليت لم أنم» وهو تحريف.
فقالت جميلة: أحسنت واللّه يا نقش الغضار ويا حلو اللسان ويا حسن البيان!. ولم يفارق/ ابن طنبورة الحجاز ولا خدم الخلفاء ولا انتجعهم بصنعة فخمل ذكره.
صوت من المائة المختارة عن عليّ بن يحيى
عتق الفؤاد من الصّبا ... ومن السّفاهة والعلاق
وحططت رحلي عن قلو ... ص الغيّ في قلص عتاق
ورفعت فضل إزاري ال ... مجرور عن قدمي وساقي
وكففت غرب النفس حتّ ... ى ما تتوق إلى متاق
الشعر لسعيد بن عبد الرحمن بن حسّان بن ثابت. والغناء لابن عبّاد الكاتب. ولحنه المختار من القدر الأوسط من الثقيل الأوّل بإطلاق الوتر في مجرى البنصر عن إسحاق. وفيه لإبراهيم خفيف ثقيل، وقيل: إنه لغيره.
8 - أخبار سعيد بن عبد الرحمن
سعيد بن عبد الرحمن ومنزلته في الشعر:
وقد مضى نسبه في نسب جدّه حسّان بن ثابت متدّما. وهو شاعر من شعراء الدولة الأمويّة، متوسّط في طبقته ليس معدودا في الفحول. وقد وفد إلى الخلفاء من بني أميّة فمدحهم ووصلوه. ولم تكن له نباهة أبيه وجدّه.
وفد على هشام فلم ينل منه ودعاه الوليد فأكرمه:
أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدّثني أحمد بن الهيثم بن فراس قال حدّثني أبو عمرو الخصّاف عن العتبيّ قال:
خرج سعيد بن عبد الرحمن بن حسّان مع جماعة من قريش إلى الشأم في خلافة هشام بن عبد الملك، وسألهم معاونته، فلم يصادفوا من هشام له نشاطا. وكان الوليد بن يزيد قد طلّق امرأته العثمانيّة ليتزوّج أختها، فمنعه هشام عن ذلك ونهى أباها أن يزوّجه. فمرّ يوما بالوليد وقد خرج من داره ليركب؛ فلما رآه وقف؛ فأمر به الوليد فدعي إليه؛ فلما جاءه قال: أنت ابن عبد الرحمن بن حسّان؟ قال: نعم أيها الأمير. فقال له: ما أقدمك؟ قال: وفدت على أمير المؤمنين منتجعا ومادحا ومستشفعا بجماعة صحبتهم من أهله، فلم أنل منه خطوة ولا قبولا. قال: لكنك تجد عندي ما تحبّ، فأقم حتى أعود. فأقام ببابه حتى دخل إلى هشام وخرج من عنده؛ فنزل ودعا بسعيد، فدخل إليه، فأمر بتغيير هيئته وإصلاح شأنه؛ ثم قال له: أنشدني قصيدة بلغتني لك فشوّقتني إليك، وغنّيت في بعضها، فلم أزل أتمنّى لقاءك. فقال: أيّ قصيدة أيها الأمير؟ قال قولك:
أبائنة سعدى ولم توف بالعهد ... ولم تشف قلبا تيّمته على عمد
/ نعم أفمود أنت إن شطّت النّوى ... بسعدى وما من فرقة الدهر من ردّ [1]
كأن قد رأيت البين لا شيء دونه ... فم الآن أعلن ما تسرّ من الوجد
لعلك منها بعد أن تشحط النّوى ... ملاق كما لاقى ابن عجلان [2] من هند
فويل ابن [3] سلمى خلّة غير أنها ... تبلّغ منّي وهي مازحة جدّي
/ وتدنو لنا في القول وهي بعيدة ... فما إن بسلمى [4] من دنوّ ولا بعد
__________
[1] في أ، م: «من بدّ».
[2] هو عبد اللّه بن عجلان بن عبد الأحب بن عامر بن كعب، جاهليّ يضرب به المثل في العشق. وهند هي بنت كعب بن عمرو بن الليث النهدي، تتصل بعبد اللّه هذا في النسب. (انظر قصتهما مطوّلة في كتاب «تزيين الأسواق» ج 1 ص 90، و«الأغاني» ج 19 ص 102 طبع بلاق).
[3] كذا في الأصول. ولعله «فويل أم سلمى إلخ» أو «فيا ويل سلمى».
[4] كذا في ج وفي سائر الأصول. «فما أن تسلى».
ومهما أكن جلدا عليه فإنّني ... على هجرها غير الصّبور ولا الجلد
إذا سمت نفسي هجرها قطعت [1] به ... فجانبته فيما أسرّ وما أبدي
كأنّي أرى في هجرها، أيّ ساعة ... هممت به، موتى وفي وصلها خلدي
ومن أجلها صافيت من لا تردّني ... عليه له قربى ولا نعمة عندي
وأغضيت عيني من رجال على القذى ... يقولون أقوالا أمضّوا بها جلدي
وأقصيت من قد كنت أدني مكانه ... وأدنيت من قد كنت أقصيته جهدي
فإن يك أمسى وصل سلمى خلابة ... فما أنا بالمفتون في مثلها وحدي
فأصبح ما منّتك دينا مسوّفا ... لواه غريم ذو اعتلال وذو جحد
تجود بتقريب الذي هو آجل ... من الوعد ممطول وتبخل بالنّقد
وقد قلت إذ أهدت إلينا تحيّة ... عليها سلام اللّه من نازح مهدي
سقي الغيث ذاك الغور ما سكنت به ... ونجدا إذا صارت نواها إلى نجد
/ قال: فجعل ينشدها ودموع الوليد تنحدر على خدّيه حتى فرغ منها. ثم قال له: لن تحتاج إلى رفد أحد ولا معونته ما بقيت، وأمر له بخمسمائة درهم، وقال: إبعث بها إلى أهلك وأقم عندي، فلن [2] تعدم ما تحبّه ما بقيت.
فلم يزل معه زمانا، ثم استأذنه وانصرف. وفي بعض هذه الأبيات غناء نسبته:
صوت
أبائنة سعدى ولم توف بالعهد ... ولم تشف قلبا أقصدته على عمد
ومهما أكن جلدا عليه فإنني ... على هجرها غير الصبور ولا الجلد
الغناء لمالك خفيف ثقيل أوّل بالوسطى عن الهشاميّ. من هذه القصيدة:
صوت
وأغضيت عيني من رجال على القذى ... يقولون أقوالا أمضّوا بها جلدي
إذا سمت نفسي هجرها قطعت به ... فجانبته فيما أسرّ وما أبدي
الغناء لابن محرز ثاني ثقيل بالبنصر عن عمرو.
قصته مع عبد الصمد بن عبد الأعلى:
أخبرني الحسن بن عليّ الخفّاف قال حدّثنا أحمد بن زهير قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثني عمّي ومحمد بن الضحّاك بن عثمان قالا [3]:
__________
[1] أي كلت وأعيت.
[2] كذا في أ. وفي سائر الأصول»: «فلم» وهو تحريف.
[3] في الأصول: «قال».
وفد سعيد بن عبد الرحمن بن حسّان على هشام بن عبد الملك وكان حسن الوجه؛ فاختلف إلى عبد الصمد بن عبد الأعلى مؤدّب الوليد بن يزيد بن عبد الملك، فأراده على نفسه، وكان لوطيّا زنديقا؛ فدخل سعيد على هشام مغضبا وهو يقول:
إنه واللّه لو لا أنت لم ... ينج منّي سالما عبد الصّمد
/ فقال له هشام: ولماذا؟ قال:
إنه قد رام منّي خطّة ... لم يرمها قبله منّي أحد
/ فقال: وما هي؟ قال:
رام جهلا بي وجهلا بأبي ... يدخل الأفعى إلى خيس الأسد
قال: فضحك هشام وقال له: لو فعلت به شيئا لم أنكر عليك.
سأل أبا بكر بن محمد حاجة لدى سليمان بن عبد الملك فلم يقضها وقضاها غيره فهجاه:
أخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن عمّار قال حدّثني عمر بن شبّة قال أخبرنا ابن عائشة [لا أعلمه [1] إلا عن أبيه] قال:
سأل سعيد بن عبد الرحمن بن حسّان صديقا له حاجة - وقال هشام بن محمد في خبره: سأل سعيد بن عبد الرحمن أبا بكر بن محمد بن عمرو بن حزم حاجة - يكلّم فيها سليمان بن عبد الملك فلم يقضها له، ففزع فيها إلى غيره فقضاها؛ فقال:
سئلت فلم تفعل وأدركت حاجتي ... تولّى سواكم حمدها واصطناعها
أبى لك كسب الحمد رأي مقصّر ... ونفس أضاق اللّه بالخير باعها
إذا ما أرادته على الخير مرّة ... عصاها وإن همّت بشرّ أطاعها
قال ابن عمّار: وقد أنشدنا هذه الأبيات سليمان بن أبي شيخ لسعيد بن عبد الرحمن ولم يذكر لها خبرا.
مدح عديّ بن الرقاع شعره:
أخبرني محمد بن يحيى الصّوليّ قال حدّثنا محمد بن زكريا الغلابيّ عن ابن عائشة قال:
قال رجل من الأنصار لعديّ بن الرّقاع: أكتبني [2] شيئا من شعرك. قال: ومن أيّ العرب أنت؟ قال: أنا رجل من الأنصار. قال: ومن منكم القائل:
/إنّ الحمام إلى الحجاز بهيج لي ... طربا ترنّمه إذا يترنّم
والبرق حين أشيمه متيامنا ... وجنائب الأرواح حين تنسّم
__________
[1] كذا وردت هذه الجملة في الأصول.
[2] كذا في أ. وأكتبه شعره وغيره: أملاه عليه. وفي سائر الأصول»: «اكتب لي ... ».
فقال له: سعيد بن عبد الرحمن بن حسّان بن ثابت. فقال: عليكم بصاحبكم فاكتب شعره، فلست تحتاج معه إلى غيره.
وفي أوّل هذه القصيدة غناء نسبته:
صوت
برح الخفاء فأيّ ما بك تكتم ... والشّوق [1] يظهر ما تسرّ فيعلم
وحملت سقما من علائق حبّها ... والحبّ يعلقه الصحيح فيسقم
الغناء لحكم خفيف رمل بالوسطى عن الهشاميّ، وذكره إبراهيم له ولم يجنّسه وفي هذه القصيدة يقول:
علويّة أمست ودون وصالها ... مضمار مصر وعابد [2] والقلزم
خود تطيف بها نواعم كالدّمى ... مما اصطفى ذو النّقية [3] المتوسّم
حلّين مرجان البحور وجوهرا ... كالجمر فيه على النحور ينظّم
قالت وماء العين يغسل كحلها ... عند الفراق بمستهلّ يسجم
يا ليت أنك يا سعيد بأرضنا ... تلقي المراسي ثاويا وتخيّم
فتصيب [4] لذّة عيشنا ورخاءه ... فنكون أجوارا فماذا تنقم
/ لا ترجعنّ إلى الحجاز فإنه ... بلد به عيش الكريم مذمّم
وهلمّ جاورنا فقلت لها اقصري ... عيش بطيبة ويح غيرك أنعم
/ أيفارق الوطن الحبيب لمنزل ... ناء ويشرى [5] بالحديث الأقدم
إنّ الحمام إلى الحجاز يهيج لي ... طربا ترنّمه إذا يترنّم
والبرق حين أشيمه متيامنا ... وجنائب الأرواح حين تنسّم
لو لحّ ذو قسم على أن لم يكن ... في الناس مشبهها لبرّ المقسم
من أجلها تركي القرار وخفضه ... وتجشّمي ما لم أكن أتجشّم
ولقد كتمت غداة بانت حاجة [6] ... في الصدر لم يعلم بها متكلّم
تشفي برؤيتها السقيم وترتمى ... حبّ القلوب، رميّها لا يسلم
__________
[1] كذا في «تجريد الأغاني» وفي الأصول: «و لسوف».
[2] كذا في «معجم البلدان» لياقوت في كلامه على القلزم. وعابد: جبل بمصر، وقيل: موضع أو صقع بها. وفي الأصول: «عائذ» وهو تصحيف. والقلزم: بلدة شرقي مصر قرب جبل الطور، إليها يضاف البحر الأحمر فيقال بحر القلزم.
[3] النيقة: اسم للتنوّق أي التخير.
[4] كذا في أ، م. وفي سائر الأصول: «فنصيب» بالنون.
[5] يشرى هنا؛ يباع. يقال: شراه إذا باعه، وشراه إذا ملكه بالشراء، فهو من أفعال الأضداد.
[6] كذا في ح وفي سائر الأصول: «حاجتي».
رقراقة في عنفوان شبابها ... فيها عن الخلق الدّنيّ تكرّم
ضنّت على مغرى بطول سؤالها ... صبّ كما يسل الغنيّ المعدم
سأل عنبسة بن سعيد أن يكلم له الخليفة فتأخر فسرق متاعه فقال شعر:
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدثني أبو مسلم عن الحرمازيّ قال:
خرج سعيد بن عبد الرحمن بن حسّان إلى عسكر يزيد بن عبد الملك، فأتى عنبسة بن سعيد بن العاصي، وكان أبوه صديقا لأبيه، فسأله أن يرفع أمره إلى الخليفة، فوعده أن يفعل؛ فلم يمكث إلّا يسيرا حتى طرقه لصّ فسرق متاعه وكلّ شيء كان معه؛ فأتى عنبسة فتنجّزه ما وعده؛ فاعتلّ عليه ودافعه؛ فرجع سعيد من عنده فارتجل وقال:
أعنبس قد كنت لا تعتزي [1] ... إلى عدّة منك كانت ضلالا
/ وعدت عدات لو انجزتها ... إذا لحمدت ولم ترز [2] مالا
وما كان ضرّك لو قد شفعت ... فأعطى الخليفة عفوا نوالا
وقد ينجز الحرّ موعوده ... ويفعل ما كان بالأمس قالا
فياليتني والمنى كاسمها ... وقد يصرف الدهر حالا فحالا
قعدت ولم ألتمس ما وعدت ... ويا ليت وعدك كان اعتلالا
وكانت نعم منك مخزونة ... وقلت من أوّل يوم ألالا
أرى كذب القول من شرّ ما ... يعدّ إذا الناس عدوّا الخصالا
فأبقيت لي عنك مندوحة ... ونفسا عزوفا تقلّ السؤالا
فإن عدت أرجوكم بعدها ... فبدّلت بعد العلاء السّفالا
أ أرجوك من بعد ما قد عزفت [3] ... لعمري لقد جئت شيئا عضالا
لقي الوليد لما حج فاستأنس به الوليد:
نسخت من كتاب عمرو بن أبي عمرو الشّيبانيّ يأثره عن أبيه قال:
كان سعيد بن عبد الرحمن بن حسّان إذا وفد إلى الشأم نزل على الوليد بن يزيد، فأحسن نزله وأعطاه وكساه وشفع له. فلما حجّ الوليد لقيه سعيد بن عبد الرحمن في أوّل من لقيه، فسلّم عليه، فردّ الوليد عليه السّلام وحيّاه وقرّبه وأمر بإنزاله معه وبسطه، ولم يأنس بأحد أنسه به. وأنشده سعيد قوله فيه:
يا لقومي للهجر بعد التّصافي ... وتنائى الجميع بعد ائتلاف
/ ما شجا القلب بعد طول اندمال ... غيرهاب [4] كالفرخ بين أثافي
__________
[1] تعتزي: تنتسب.
[2] ترز: أصلها «ترزأ» سهلت الهمزة ثم حذفت للجازم.
[3] كذا في ب، س: بالزاي المعجمة. وفي سائر الأصول: «عرفت» بالراء المهملة.
[4] الهابي: الرماد الدقيق أو التراب المنتشر في الجوّ كالهباء، وأنشد الأصمعيّ:
ونعيب الغراب في عرصة الدا ... ر ونؤي تسقي عليه السّوافي
/ وقد روى عن سعيد بن عبد الرحمن بن حسّان قال: رأى عليّ ابن عمر أوضاحا [1] فقال: ألقها عنك فقد كبرت.
صوت من المائة المختارة من رواية جحظة
ما جرت خطرة على القلب منّي ... فيك إلّا استترت [2] عن أصحابي
من دموع تجري فإن [3] كنت وحدي ... خاليا أسعدت دموعي انتحابي
إنّ حبّي إيّاك قد سلّ جسمي ... ورماني بالشيب قبل الشّباب
إرحمي [4] عاشقا لك اليوم صبّا ... هائم العقل قد ثوى في التّراب
الشعر للسيّد الحميريّ، والغناء لمحمد نعجة خفيف رمل أيضا. ولم أجد لهذا المغنّي خبرا ولا ذكرا في موضع من المواضع أذكره. وقد مضت أخبار السيّد متقدما.
صوت من المائة المختارة
أكرع الكرعة الرويّة منها ... ثم أصحو وما شفيت غليلي
كم أتى دون عهد أمّ جميل ... من أنّي [5] حاجة ولبث طويل
وصياح الغراب أن سر فأسرع ... سوف تحظى بنائل وقبول
الشعر للأحوص. والغناء للبردان خفيف ثقيل مطلق في مجرى البنصر.
__________
وهاب كجثمان الحمامة أجفلت ... به ريح ترج والصبا كل مجفل
[1] الأوضاح: حلى من الفضة.
[2] كذا في «الأغاني» ج 7 ص 228 من هذه الطبعة. وفي الأصول هنا: «إلّا اشهرت من أصحابي» وهو تحريف.
[3] كذا في «الأغاني» في الموضع السابق. وفي الأصول: «فأبكيت وحدي» وهو تحريف.
[4] ورد هذا الشطر فيما مرّ هكذا: «لو منحت اللقا شقى بك صبا».
[5] إني حاجة: إدراكها وبلوغها. والإنى: التأخير أيضا وهو المراد هنا.
9 - أخبار البردان
كان متولي السوق بالمدينة وأخذ عن معبد وجميلة وعزة الميلاء:
البردان لقب غلب عليه. ومن الناس من يقول: بردان من أهل المدينة، وأخذ الغناء عن معبد وقبله عن جميلة وعزّة الميلاء. وكان معدّلا مقبول الشّهادة، وكان متولّي السّوق بالمدينة.
قال هارون بن الزيّات حدّثني أبو أيّوب المدينيّ عن محمد بن سلّام قال: هو بردان بضم الباء وتسكين الراء.
أخبرني محمد بن مزيد بن أبي الأزهر وحسين بن يحيى قالا حدّثنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه، وأخبرني عليّ بن عبد العزيز عن ابن خرداذبه قال قال إسحاق:
كان بردان متولّي السوق بالمدينة. فقدّم إليه رجل خصما يدّعي عليه حقّا؛ فوجب الحكم عليه فأمر به إلى الحبس. فقال له الرجل: أنت بغير هذا أعلم منك بهذا. فقال: ردّوه فردّ؛ فقال: لعلك تعني الغناء! إني واللّه به لعارف؛ ولو سمعت شيئا جاء البارحة لا زددت علما بأني عارف، ومهما جهلت فإني بوجوب الحقّ عليك عالم؛ اذهبوا به إلى الحبس حتى يخرج إلى غريمه من حقّه.
رآه سياط بالمدينة وأخذ عنه أصواتا:
قال وحدّثني أبو أيّوب عن حمّاد عن أبيه عن ابن جامع عن سياط قال:
رأيت البردان بالمدينة يتولّى سوقها وقد أسنّ؛ فقلت له: يا عمّ، إني/ رويت لك صوتا صنعته، وأحببت أن تصحّحه لي. فضحك ثم قال: نعم يا بنيّ وحبّا وكرامة. لعله:
كم أتى دون عهد أمّ جميل فقلت: قال: مل بنا إلى هاهنا؛ فمال بي إلى دار في السّوق، ثم قال: غنّه؛ فقلت: بل تتمّ إحسانك يا عمّ وتغنّيني به فإنه أطيب لنفسي؛ فإن سمعته كما أقول/ غنّيته وأنا غير متهيّب، وإن كان فيه مستصلح استعدته [1]. فضحك ثم قال: أنت لست تريد أن تصحّح غنائك، إنما تريد أن تقول سمعتني وأنا شيخ وقد انقطعت وأنت شابّ. فقلت للجماعة [2]: إن رأيتم أن تسألوه أن يشفّعني فيما طلبت منه! فسألوه، فاندفع فغنّاه فأعاده ثلاث مرّات؛ فما رأيت أحسن من غنائه على كبر سنّه ونقصان صوته. ثم قال: غنّه فغنّيته؛ فطرب الشيخ حتى بكى، وقال: اذهب يا بنيّ،
__________
[1] لعلها: استفدته».
[2] لعله يعني جماعة كانوا في الدار التي مال به إليها.
فأنت أحسن الناس غناء، ولئن عشت ليكوننّ لك شأن. قال: وكان بردان خفيف الرّوح طيّب [1] الحديث مليح النادرة مقبول الشهادة قد لقي الناس، فكان بعد ذلك إذا رآني يدعوني فيأخذني معه إلى منزله ويسألني أن أغنّيه فأفعل؛ فإذا طابت نفسه سألته أن يطرح عليّ شيئا من أغاني القدماء فيفعل إلى أن أخذت عنه عدّة أصوات.
صوت من المائة المختارة
لمن الدّيار بحائل [2] فوعال ... درست وغيّرها سنون خوالي
درج البوارح [3] فوقها فتنكّرت ... بعد الأنيس معارف الأطلال
/ دمن تذعذعها [4] الرياح وتارة ... تعفو بمرتجز السّحاب ثقال
فكأنما هي من تقادم عهدها ... ورق نشرن من الكتاب بوالي
الشعر للأخطل، والغناء لسائب خاثر، ولحنه المختار من الثقيل الأوّل بالبنصر من أصوات قليلة الأشباه. وذكر عمرو بن بانة أنّ في الثاني والرابع من الأبيات للأبجر ثقيلا أوّل. وذكر حبش أنّ لمعبد فيه ثقيلا أوّل بالوسطى وأنّه أحد السبعة [5]، وأن لإسحاق فيه ثاني ثقيل، وذكر الهشاميّ أنّ لحن إسحاق خفيف ثقيل.
__________
[1] في أ، م: «حسن الحديث».
[2] حائل: موضع باليمامة. ووعال (كغراب): جبل قيل إنه بسماوة كلب بين الكوفة والشأم. (انظر «معجم البلدان» لياقوت و «شرح ديوان الأخطل» ص 156 طبع الآباء اليسوعيين).
[3] كذا في أ، م و «ديوانه». والبوارح: الرياح الحارة الشديدة. أي جرت الرياح عليها جريانا شديدا فغيرت هيئتها حتى لم تعد تعرف.
وفي سائر الأصول: «درج البواكر».
[4] كذا في ج و «ديوانه». وتذعذعها: تحركها تحريكا شديدا وتفرقها وتبددها. وفي سائر الأصول: «تزعزعها» بالزاي. والزعزغة:
التحريك.
[5] يريد سبعة أصوات معبد المعروفة بالمدن.
10 - ذكر الأخطل وأخباره ونسبه
نسب الأخطل:
هو غياث بن غوث بن الصّلت بن الطّارقة، ويقال ابن سيحان بن عمرو بن الفدوكس بن عمرو بن مالك بن جشم بن بكر بن حبيب بن عمر بن غنم بن تغلب. ويكنى أبا مالك. وقال المدائنيّ: هو غياث بن غوث بن سلمة بن طارقة، قال: ويقال لسلمة سلمة اللحّام [1]. قال: وبعث النّعمان بن المنذر بأربعة أرماح لفرسان العرب، فأخذ أبو براء عامر بن مالك رمحا، وسلمة بن طارقة اللحّام [2] رمحا وهو جدّ الأخطل، وأنس بن مدرك رمحا، وعمرو بن معد يكرب رمحا.
سبب تلقيبه بالأخطل والهجاء بينه وبين كعب ابن جعيل:
والأخطل لقب غلب عليه. ذكر هارون بن الزيّات عن ابن النطّاح عن أبي عبيدة أنّ السبب فيه أنه هجا رجلا من قومه؛ فقال له: يا غلام، إنك لأخطل، فغلبت عليه. وذكر يعقوب بن السّكّيت أنّ عتبة بن الزّعل [9] بن عبد اللّه بن عمر بن عمرو بن حبيب/ بن الهجرس [3] بن تيم بن سعد بن جشم بن بكر بن حبيب بن عمرو بن غنم بن تغلب حمل حمالة، فأتى قومه يسأل فيها؛ فجعل الأخطل يتكلّم وهو يومئذ غلام. فقال عتبة: من هذا الغلام الأخطل؟! فلقّب به.
قال يعقوب وقال غير أبي عبيدة: إنّ كعب بن جعيل كان شاعر تغلب، وكان لا يأتي منهم قوما إلا أكرموه وضربوا له قبّة؛ حتى إنه كان تمدّ له حبال بين وتدين فتملأ له غنما. فأتى في مالك بن جشم ففعلوا ذلك به؛ فجاء الأخطل وهو/ غلام فأخرج الغنم وطردها؛ فسبّه عتبة وردّ الغنم إلى مواضعها؛ فعاد وأخرجها وكعب ينظر إليه؛ فقال: إنّ غلامكم هذا لأخطل - والأخطل: السفيه - فغلب عليه. ولجّ الهجاء بينهما؛ فقال الأخطل فيه:
سمّيت كعبا بشرّ العظام ... [و كان [4] أبوك يسمّى الجعل
وإنّ محلّك من وائل ... محلّ القراد من است الجمل]
فقال كعب: قد كنت أقول لا يقهرني إلّا رجل له ذكر ونبأ، ولقد أعددت هذين البيين لأن أهجى بهما منذ كذا وكذا، فغلب عليهما هذا الغلام.
__________
[1] في ج: «سلمة اللجام» بالجيم.
[2] في ج: «ابن الزغل» بالزاي والغين المعجمتين. وورد في «الطبري» (ق 1 ص 2476 طبع أوروبا): «عتبة بن الوعل أحد بني سعد بن جشم».
[3] في ج: «ابن الهجر» وفي أ، م: «ابن البحر».
[4] التكملة عن «ديوانه».
وقال هارون بن الزيّات حدّثني قبيصة بن معاوية المهلّبيّ قال حدّثني عيسى بن إسماعيل قال حدّثني القحذميّ قال:
وقع بين ابني جعيل وأمّهما ذرء [1] من كلام، فأدخلوا الأخطل بينهم؛ فقال الأخطل:
لعمرك إنّني وابني جعيل ... وأمّهما لإستار [2] لئيم
فقال ابن جعيل: يا غلام، إنّ هذا لخطل من رأيك؛ ولو لا أنّ أمّي سميّة أمّك لتركت أمّك يحدو بها الرّكبان؛ فسمّي الأخطل بذلك. وكان اسم أمّهما وأمّ الأخطل ليلى.
وقال هارون حدّثني إسماعيل بن مجمّع عن ابن الكلبيّ عن قوم من تغلب في قصّة كعب بن جعيل والأخطل بمثل ما ذكره يعقوب عن غير أبي عبيدة ممن لم يسمّه، وقال فيها: وكان الأخطل يومئذ يقرزم [3] - والقرزمة:
الابتداء بقول/ الشعر - فقال له أبوه: أبقرزمتك تريد أن تقاوم ابن جعيل! وضربه. قال: وجاء ابن جعيل على تفئة [4] ذلك فقال: من صاحب الكلام؟ فقال أبوه: لا تحفل به فإنه غلام أخطل. فقال له كعب:
شاهد هذا الوجه غبّ الحمّه فقال الأخطل:
فناك كعب بن جعيل أمّه فقال كعب: ما اسم أمّك؟ قال: ليلى. قال: أردت أن تعيذها باسم أمّي. قال: لا أعاذها اللّه إذا. وكان اسم أمّ الأخطل [5] ليلى، وهي امرأة من إياد؛ فيسمّي الأخطل يومئذ، وقال:
هجا الناس ليلى أمّ كعب فمزّقت ... فلم يبق إلا نفنف [6] أنا رافعه
وقال فيه أيضا:
هجاني المنتنان ابنا جعيل ... وأيّ الناس يقتله الهجاء
ولدتم بعد إخوتكم من است ... فهلّا جئتم من حيث جاؤوا
فانصرف كعب، ولجّ الهجاء بينهما.
طبقته في الشعراء والخلاف فيه وفي جرير والفرزدق:
وكان نصرانيّا من أهل الجزيرة [7]. ومحلّه في الشعر أكبر من أن يحتاج إلى وصف. وهو وجرير والفرزدق
__________
[1] الذرء: الشيء اليسير من القول.
[2] إستار: أربعة.
[3] كذا في «معجمات اللغة». وفي الأصول: «يغرزم» بالغين المعجمة، وهو تصحيف.
[4] يقال: أتيته على تفئة ذلك أي على حينه وزمانه.
[5] كذا في الأصول، والظاهر أن صواب العبارة: «و كان اسم أم كعب ... إلخ».
[6] النفنف: الهواء. يريد: لم يبق إلّا شيء يسير.
[7] كذا في ج. والجزيرة: منازل تغلب قبيلة الأخطل. وفي سائر الأصول: «من أهل الحيرة».
طبقة واحدة، فجعلها ابن سلّام أوّل طبقات الإسلام. ولم يقع إجماع على أحدهم أنه أفضل، ولكل واحد منهم طبقة تفضّله عن [1] الجماعة.
/ أخبرنا محمد بن العبّاس اليزيديّ قال حدّثني عمّي الفضل قال حدّثني إسحاق بن إبراهيم عن أبي عبيدة قال:
جاء رجل إلى يونس فقال له: من أشعر الثلاثة؟ قال: الأخطل./ قلنا: من الثلاثة؟ قال: أيّ ثلاثة ذكروا فهو أشعرهم. قلنا: عمّن تروي هذا؟ قال: عن عيسى بن عمر وابن أبي إسحاق الحضرميّ [2] وأبي عمرو بن العلاء وعنبسة الفيل وميمون الأقرن الذين ماشوا [3] الكلام وطرقوه. أخبرنا به أحمد بن عبد العزيز قال قال أبو عبيدة عن يونس، فذكر مثله وزاد فيه: لا كأصحابك هؤلاء لا بدويّون ولا نحويّون. فقلت [4] للرجل: سله وبأيّ شيء فضّلوه؟
قال: بأنه كان أكثرهم عدد طوال جياد ليس فيها سقط ولا فحش وأشدّهم تهذيبا للشعر. فقال أبو وهب الدقّاق: أما إنّ حمّاد [5] وجنّادا كانا لا يفضّلانه. فقال: وما حمّاد وجنّاد! لا نحويّان ولا بدويّان ولا يبصران الكسور ولا يفصحان، وأنا أحدّثك عن أبناء تسعين أو أكثر أدّوا إلى أمثالهم ماشوا الكلام وطرقوه حتى وضعوا أبنيته فلم تشذّ عنهم زنة كلمة، وألحقوا السليم بالسليم والمضاعف بالمضاعف والمعتلّ بالمعتلّ والأجوف بالأجوف وبنات الياء بالياء وبنات الواو بالواو، فلم تخف عليهم كلمة عربيّة، وما علم حمّاد وجنّاد!.
/ قال هارون حدّثني القاسم بن يوسف عن الأصمعيّ:
أنّ الأخطل كان يقول تسعين بيتا ثم يختار منها ثلاثين فيطيّرها [6].
أخبرنا أبو خليفة الفضل بن الحباب قال أخبرنا محمد بن سلّام قال سمعت سلمة بن عيّاش وذكر أهل المجلس جريرا والفرزدق والأخطل ففضّله سلمة عليهما. قال: وكان إذا ذكر الأخطل يقول: ومن مثل الأخطل وله في كل [بيت] شعر بيتان! ثم ينشد قوله:
ولقد علمت إذا العشار تروّحت ... هدج الرّئال تكبّهنّ شمالا [7]
أنّا نعجّل بالعبيط [8] لضيفنا ... قبل العيال ونضرب الأبطالا
__________
[1] لعلها: «تفصله على الجماعة».
[2] كذا في «طبقات ابن سلام» ص (6، 7، 8، 16) نسخة الشنقيطي مصححة بقلمه. وفي الأصول: «الخضري».
[3] ماش الكلام: خلطه. ويقال: طرق النجاد الصوف إذا ضربه بالمطرقة وندفه. يريد أنهم يخلطون الكلام ثم يغر بلونه ليستخرجوا أحسنه. وفي ب، س: «ماثوا» بالثاء المثلثة، وهو أيضا بمعنى خلط.
[4] كذا في ج. وفي سائر الأصول: «فقال للرجل» وهو تحريف.
[5] يعني حمادا الراوية المعروف. وجناد هو جناد بن واصل الكوفي مولى بني عاضدة، من رواة الأخبار والأشعار لا علم له بالعربية، وكان يصحف ويكسر الشعر ولا يميز بين الأعاريض المختلفة فيخلط بعضها ببعض، وهو من علماء الكوفيين القدماء، وكان كثير الحفظ في قياس حماد الراوية عن «معجم الأدباء» لياقوت ج 2 ص 425).
[6] أي يذيعها.
[7] كذا في «ديوانه» ص 43. والعشار من الإبل:) التي أتت عليها عشرة أشهر من ملقحها. وتروّحت: ذهبت في الرواح. والرئال:
أولاد النعام. والهدج: عدو متقارب. وقوله: تكبهن شمالا أي تكبهن الريح شمالا، يريد وهي هابة شمالا، وفي ب، س:
ولقد علمت إذا الرياح تناوحت ... هوج الرئال تكبهن شمالا
وفي سائر الأصول: « ... الرياح تناوحت هدج الرئال ... ».
[8] العبيط من اللحم: الطري (الطازج) غير النضيج.
ثم يقول ولو قال:
ولقد علمت إذا العشا ... ر تروّحت هدج الرئال
كان شعرا، وإذا زدت فيه تكبهنّ شمالا، كان أيضا شعرا من رويّ آخر.
أخبرنا أبو خليفة قال حدّثنا محمد بن سلّام قال حدّثني أبو يحيى الضّبّيّ قال:
كعب بن جعيل لقّبه الأخطل، سمعه ينشد هجاء فقال: يا غلام إنك لأخطل اللّسان؛ فلزمته.
سأل نوح بن جرير عنه أباه فمدحه:
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثني أحمد بن معاوية قال حدّثنا بعض أصحابنا عن رجل من بني سعد قال:
/ كنت مع نوح بن جرير في ظلّ شجرة، فقلت له: قبحك اللّه وقبح أباك! أمّا أبوك فأفنى عمره في مديح عبد ثقيف (يعني الحجّاج). وأمّا أنت فامتدحت قثم بن العبّاس فلم تهتد لمناقبه ومناقب آبائه حتى امتدحته بقصر بناه.
فقال: واللّه لئن سؤتني في هذا الموضع لقد سؤت فيه أبي: بينا أنا آكل معه يوما وفي فيه لقمة وفي يده أخرى، فقلت: يا أبت، أنت أشعر أم الأخطل؟ فجرض [1] باللّقمة التي في فيه ورمى بالتي في يده وقال: يا بنيّ، لقد سررتني وسؤتني. فأمّا سرورك إيّاي فلتعهّدك لي مثل هذا وسؤالك عنه. وأما ما سؤتني به فلذكرك رجلا قد مات.
يا بنيّ أدركت الأخطل وله ناب واحد، ولو أدركته وله ناب آخر لأكلني به، ولكني أعانتني عليه خصلتان: كبر سنّ، وخبث دين.
آراء الأئمة والشعراء فيه:
أخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد وقال:
سئل حمّاد الراوية عن الأخطل، فقال: ما تسألوني عن رجل قد حبّب شعره إليّ/ النّصرانية!.
قال إسحاق وحدّثني أبو عبيدة قال قال أبو عمرو: لو أدرك الأخطل يوما واحدا من الجاهليّة ما قدّمت عليه أحدا.
قال إسحاق وحدّثني الأصمعيّ أن أبا عمرو أنشد بيت شعر، فاستجاده وقال: لو كان للأخطل ما زاد.
وذكر يعقوب بن السّكّيت عن الأصمعيّ عن أبي عمرو:
أنّ جريرا سئل أيّ الثلاثة أشعر؟ فقال: أمّا الفرزدق فتكلّف منّي ما لا يطيق. وأمّا الأخطل فأشدّنا اجتراء وأرمانا للفرائض. وأمّا أنا فمدينة الشعر.
/ وقال ابن النطّاح حدّثني الأصمعيّ قال:
إنما أدرك جرير الأخطل وهو شيخ قد تحطّم. وكان الأخطل أسنّ من جرير، وكان جرير يقول: أدركته وله
__________
[1] جرض: غص.
ناب واحد، ولو أدركت له نابين لأكلني. قال: وكان أبو عمرو يقول: لو أدرك الأخطل يوما واحدا من الجاهليّة ما فضّلت عليه أحدا.
أخبرني أبو خليفة عن محمد بن سلّام قال:
قال العلاء بن جرير: إذا لم يجيء الأخطل سابقا فهو سكّيت، والفرزدق لا يجيء سابقا [و لا سكّيتا، وجرير يجيى [1] سابقا] ومصلّيا وسكّيتا.
وقال يعقوب بن السّكّيت قال الأصمعيّ:
قيل لجرير: ما تقول في الأخطل؟ قال: كان أشدّنا اجتزاء بالقليل وأنعتنا للحمر [2] والخمر.
وروى إسماعيل عن عبيد اللّه عن مؤرّج عن شعبة عن سماك بن حرب:
أنّ الفرزدق دخل الكوفة، فلقيه ضوء بن اللّجلاج [3]؛ فقال له: من أمدح أهل الإسلام؟ فقال له: وما تريد إلى ذلك؟ قال: تمارينا فيه. قال: الأخطل أمدح العرب.
وقال هارون بن الزيّات حدّثني هارون بن مسلم عن حفص بن عمر قال:
سمعت شيخا كان يجلس إلى يونس كان يكنى أبا حفص، فحدّثه أنه سأل جريرا عن الأخطل فقال: أمدح الناس لكريم وأوصفه للخمر. قال: وكان أبو عبيدة يقول: شعراء الإسلام الأخطل ثم جرير ثم الفرزدق. قال أبو عبيدة: وكان أبو عمرو يشبّه الأخطل بالنابغة لصحّة شعره.
/ وقال ابن النطّاح حدّثني عبد اللّه بن رؤبة بن العجاج قال:
كان أبو عمرو يفضّل الأخطل.
وقال ابن النطّاح حدّثني عبد الرحمن بن برزج قال: كان حمّاد يفضّل الأخطل على جرير والفرزدق. فقال له الفرزدق: إنما تفضّله لأنه فاسق مثلك. فقال: لو فضّلته بالفسق لفضّلتك.
قال ابن النطّاح قال لي إسحاق بن مرّار الشّيبانيّ: الأخطل عندنا أشعر الثلاثة. فقلت: يقال إنه أمدحهم! فقال: لا واللّه! ولكن أهجاهم. من منهما يحسن أن يقول:
ونحن رفعنا عن سلول رماحنا ... وعمدا رغبنا عن دماء بني نصر
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا محمد بن موسى عن أحمد بن الحارث عن المدائنيّ قال:
قال الأخطل: أشعر الناس قبيلة بنو قيس بن ثعلبة، وأشعر الناس بيتا آل أبي [4] سلمى وأشعر الناس رجل [5] في قميصي.
__________
[1] التكملة عن «الأغاني» فيما تقدم في ترجمة جرير ص 6 من هذا الجزء.
[2] في «ج: «اللحم».
[3] كذا في «شرح القاموس» (مادة «ضوأ»). وفي الأصول: «ضوء بن الجلاح».
[4] يعني بيت زهير بن أبي سلمى الشاعر الجاهلي الأشهر. وفي ب، س، ج: «سلمة» وهو تحريف.
[5] كذا في الأصول. ومقتضي السياق أن يكون: «و أشعر الناس رجلا في قميصي» على أن يكون «رجل» تمييزا، كما كانت «قبيلة» و «بيت» وأن يكون «في قميصي» خبرا.
أنشد عبد الملك بن مروان مدحه فيه فأجازه:
أخبرني الحسن قال حدّثني محمد قال حدّثني الخرّاز عن المدائنيّ عن عليّ بن حمّاد - هكذا قال؛ وأظنه عليّ بن مجاهد - قال:
قال الأخطل لعبد الملك: يا أمير المؤمنين، زعم ابن المراغة أنه يبلغ مدحتك في ثلاثة أيّام وقد أقمت في مدحتك:
خفّ القطين فراحوا منك أو بكروا/ سنة فما بلغت كلّ ما أردت. فقال عبد الملك: فأسمعناها [1] يا أخطل؛ فأنشده إيّاها؛ فجعلت أرى عبد الملك يتطاول لها؛ ثم قال: ويحك/ يا أخطل! أتريد أن أكتب إلى الآفاق أنك أشعر العرب؟ قال: أكتفي بقول أمير المؤمنين. وأمر له بجفنة كانت بين يديه فملئت دراهم وألقى عليه خلعا، وخرج به مولى لعبد الملك على الناس يقول: هذا شاعر أمير المؤمنين، هذا أشعر العرب.
أنشد عبد الملك شعرا له وازنه بشعر لكثير:
وقال ابن الزيّات حدّثني جعفر بن محمد بن عيينة بن المنهال عن هشام عن عوانة قال:
أنشد عبد الملك قول كثيّر فيه:
فما تركوها عنوة عن مودّة ... ولكن بحدّ المشرفيّ استقالها
فأعجب به. فقال له الأخطل: ما قلت لك واللّه يا أمير المؤمنين أحسن منه. قال: وما قلت؟ قال قلت:
أهلّوا [2] من الشهر الحرام فأصبحوا ... موالي ملك لا طريف ولا غضب
جعلته لك حقّا وجعلك أخذته غصبا؛ قال: صدقت.
حلف باللات أنه أشعر من جرير والفرزدق:
قال أخبرنا أحمد بن عبد العزيز قال أخبرنا عمر بن شبّة قال أخبرنا أبو دقاقة [3] الشاميّ مولى قريش عن شيخ من قريش قال:
رأيت الأخطل خارجا من عند عبد الملك؛ فلما انحدر دنوت منه فقلت: يا أبا مالك، من أشعر العرب؟ قال:
هذان الكلبان المتعاقران من بني تميم. فقلت: فأين أنت منهما؟ قال: أنا واللّات أشعر منهما. قال: فحلف باللّات هزؤا واستخفافا بدينه.
/ وروى هذا الخبر أبو أيّوب المدينيّ عن المدائنيّ عن عاصم بن شبل الجرميّ أنه سأل الأخطل عن هذا، فذكر نحوه، وقال: واللّات والعزّى.
__________
[1] في ب، س: «ما سمعناها».
[2] أهلوا من الشهر الحرام: خرجوا في استهلاله. وموالي ملك أي يتولونه.
[3] في ج: «أبو دفافة» بفاءين.
نصح له شيباني بألا يهجو جريرا:
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدّثني عبد اللّه بن أبي سعد قال ذكر الحرمازيّ:
أنّ رجلا من بني شيبان جاء إلى الأخطل فقال له: يا أبا مالك، إنّا، وإن كنّا بحيث تعلم من افتراق العشيرة واتّصال الحرب والعداوة، تجمعنا ربيعة، وإنّ لك عندي نصحا. فقال: هاته، فما كذبت. فقلت: إنك قد هجوت جريرا ودخلت بينه وبين الفرزدق وأنت غنيّ عن ذلك ولا سيما أنه يبسط لسانه بما ينقبض عنه لسانك ويسبّ ربيعة سبّا لا تقدر على سبّ مضر بمثله والملك فيهم والنبوّة قبله؛ فلو شئت أمسكت عن مشارّته ومهارتّه. فقال: صدقت في نصحك وعرفت مرادك، وصلتك رحم! فوالصّليب والقربان لأتخلّصنّ إلى كليب خاصّة دون مضر بما يلبسهم خزيه ويشملهم عاره. ثم اعلم أنّ العالم بالشعر لا يبالي وحقّ الصليب إذا مرّ به البيت المعاير [1] السائر الجيّد، أمسلم قاله أم نصراني.
أنشد عبد الملك من شعره وتخيله في حانوت بدمشق فبحث عنه فكان كما ظن:
أخبرني وكيع قال حدّثني أبو أيّوب المدينيّ عن أبي الحسن المدائنيّ قال: أصبح عبد الملك يوما في غداة باردة، فتمثّل قول الأخطل:
إذا اصطبح الفتى منها ثلاثا ... بغير الماء حاول أن يطولا
مشى قرشيّة لا شكّ فيها ... وأرخى من مآزره الفضولا
ثم قال: كأنّي أنظر إليه الساعة مجلّل [2] الإزار مستقبل الشمس في حانوت من حوانيت دمشق؛ ثم بعث رجلا يطلبه فوجده كما ذكره.
قال أبو عمر لأبي حيّة وقد أنشده معجبا بنفسه: كأنك الأخطل:
وقال هارون بن الزيّات حدّثني طائع عن الأصمعيّ قال: أنشد أبو حيّة النّميريّ يوما أبا عمرو:
يا لمعدّ ويا للنّاس كلّهم ... ويا لغائبهم يوما ومن شهدا
/ كأنه معجب بهذا البيت؛ فجعل أبو عمرو يقول له: إنك لتعجب بنفسك كأنك الأخطل.
عرض عليه عبد الملك الإسلام وحواره معه في ذلك:
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا الغلابيّ عن عبد الرحمن التّيميّ عن هشام بن سليمان المخزوميّ:
أن الأخطل قدم على عبد الملك، فنزل على ابن سرحون [3] كاتبه. فقال عبد الملك: على من نزلت؟ قال:
__________
[1] المعاير: المتداول بين الناس. وفي ب، س: «العائر» وهو أيضا السائر بين الناس.
[2] لعل صوابه «مجللا بالإزار» أي مغطى به.
[3] كذا في الأصول. والذي في «العقد الفريد» (ج 2 ص 317): «و كان كاتبه - يعني عبد الملك - سرحون بن منصور الرومي». وذكره الطبري باسم «سرجون بن منصور الرومي» بالجيم، وذكر أنه كان كاتبا لمعاوية بن أبي سفيان ثم لمعاوية بن يزيد بن معاوية.
على فلان. قال: قاتلك اللّه! ما أعلمك بصالح المنازل! فما تريد أن ينزلك [1]؟ قال: درمك [2] من درمككم هذا ولحم وخمر من بيت رأس [3]. فضحك عبد الملك ثم قال له: ويلك! وعلى أيّ شيء اقتتلنا إلا على هذا!. ثم قال:
ألا تسلم فنفرض لك في الفيء [4] ونعطيك عشرة آلاف؟ قال: فكيف بالخمر؟ قال: وما تصنع بها وإنّ أوّلها لمرّ وإن آخرها لسكر! فقال: أمّا إذا قلت ذلك فإن فيما بين هاتين لمنزلة ما ملكك فيها إلّا كعلقة ماء من الفرات بالإصبع.
فضحك ثم قال: ألّا تزور الحجّاج! فإنه كتب يستزيرك. فقال: أطائع أم كاره؟ قال: بل طائع. قال: ما كنت لأختار نواله على نوالك ولا قربه على قربك؛ إنني إذا لكما قال الشاعر:
/كمبتاع ليركبه حمارا ... تخيّره [5] من الفرس الكبير
فأمر له بعشرة آلاف درهم وأمره بمدح الحجّاج؛ فمدحه بقوله:
صرمت حبالك زينب ورعوم [6] ... وبدا المجمجم [7] منهما المكتوم
ووجّه بالقصيدة مع ابنه إليه وليست من جيّد شعره.
حاج أبو غسان بن خاقان بيتين من شعره:
وقال هارون بن الزيّات حدّثني محمد بن إسماعيل عن أبي غسّان قال:
ذكروا الفرزدق وجريرا في حلقة المدائنيّ؛ فقلت لصباح بن خاقان: أنشدك بيتين للأخطل وتجيء لجرير والفرزدق بمثلهما؟ قال: هات؛ فأنشدته:
ألم يأتها أنّ الأراقم [8] فلّقت ... جماجم قيس بين راذان والحضر [9]
جماجم قوم لم يعافوا ظلامة ... ولم يعرفوا أين الوفاء من الغدر
قال: فسكت.
حديث يونس النحوي عن الأخطل وسبقه جريرا والفرزدق:
قال إسحاق وحدّثني أبو عبيدة أن يونس سئل عن جرير والفرزدق والأخطل: أيهم أشعر؟ قال: أجمعت العلماء على الأخطل. فقلت لرجل إلى جنبه: سله ومن هم؟ فقال: من شئت، ابن أبي إسحاق وأبو عمرو بن العلاء وعيسى بن عمر وعنبسة الفيل وميمون الأقرن، هؤلاء طرقوا الكلام وماشوه لا كمن تحكمون عنه لا بدويّين
__________
[1] أي يقدّم لك النزل، وهو ما يهيأ للضيف من طعام وغيره.
[2] الدرمك: دقيق الحواري.
[3] بيت رأس: اسم لقريتين في كل واحدة منهما كروم كثيرة، تنسب إليهما الخمر.
[4] في ج: «فنفرض لك في ألفين».
[5] في ب، س: «عن».
[6] كذا في «شعر الأخطل» ص 43 من النسخة التي نشرها أنطون صالحاني اليسوعي ومحفوظة بدار الكتب المصرية تحت رقم 3937 أدب. ورعوم: اسم امرأة كما في «شرح القاموس». في الأصول: «زعوم» بالزاي المعجمة.
[7] جمجم في صدره شيئا: أخفاه ولم يبده.
[8] الأراقم: هي من تغلب وهم جشم وبنو بكر ومالك والحارث ومعاوية.
[9] الحضر: اسم مدينة بإزاء تكريت بينها وبين الموصل والفرات. وراذان: قرية بنواحي نسا (بلد من خراسان).
ولا نحويّين. فقلت للرجل: سله: وبأيّ شيء فضّل على هؤلاء؟ قال: بأنه كان أكثرهم عدد قصائد طوال جياد ليس فيها فحش ولا سقط. قال أبو عبيدة:/ فنظرنا في ذلك فوجدنا للأخطل عشرا بهذه الصفة وإلى جانبها عشرا إن لم تكن مثلها فليست بدونها؛ ووجدنا لجرير بهذه الصفة ثلاثا. قال إسحاق: فسألت أبا عبيدة عن العشر فقال:
عفا واسط [1] من آل رضوى [2] فنبتل [3] وتأبّد الرّبع من سلمى بأحفار [4] وخفّ القطين فراحوا منك وابتكروا وكذبتك عينك أم رأيت بواسط ودع المعمّر لا تسأل بمصرعه ولمن الديار بحائل فوعال قال إسحاق: ولم أحفظ بقيّة العشر. قال: وقصائد جرير:
حيّ الهدملة من ذات المواعيس [5] وألا طرقتك وأهلي هجود وأهوّى أراك برامتين وقودا قال وقال أبو عبيدة:/ الأخطل أشبه بالجاهليّة وأشدّهم أسر شعر وأقلّهم سقطا وأخبرنا الجوهريّ عن عمر بن شبّة عن أبي عبيدة مثله. وفي بعض هذه القصائد التي ذكرت للأخطل أغان هذا موضع ذكرها.
/ منها:
صوت
تأبّد الرّبع من سلمى بأحفار ... وأقفرت من سليمى دمنة الدار
وقد تحلّ بها سلمى تجاذبني ... تساقط الحلي حاجاتي وأسراري
غنّاه عمر الواديّ هزجا بالسبّابة في مجرى الوسطى. وسنذكر خبر هذا الشعر في أخبار عبد الرحمن بن حسّان لمّا هجاه الأخطل وهجا الأنصار، إذ كان هذا الشعر قيل في ذلك.
ومنها:
__________
[1] واسط: في عدة مواضع، ومنها واسط الجزيرة، وهي التي يعنيها الأخطل في شعره، لأن الجزيرة منازل تغلب قبيلة الأخطل.
[2] كذا في «شرح القاموس» في مادتي «وسط ورضى» و «معجم ما استعجم» للبكري في الكلام على نبتل وياقوت في الكلام على واسط. وفي ج: «آل بنوى». وفي سائر الأصول: «آل بندى». ورضوى: اسم امرأة، كما جاء في «القاموس».
[3] نبتل: موضع بنجد، كذا في «معجم ما استعجم»، وساق البيت.
[4] أحفار: موضع في بلاد بني تغلب، كذا في «معجم ما استعجم»، واستشهد بالبيت.
[5] انظر شرحه في ترجمة جرير ص 84 من هذا الجزء.
صوت
خفّ القطين فراحوا منك وابتكروا ... وأزعجتهم نوى في صرفها غير
كأنّني شارب يوم استبدّ بهم ... من قهوة ضمّنتها حمص أو جدر [1]
جادت بها من ذوات القار مترعة ... كلفاء [2] ينحتّ عن خرطومها المدر
غنّاه إبراهيم خفيف ثقيل بالبنصر. ولابن سريج فيه رمل بالوسطى عن عمرو. وفيه رمل آخر يقال: إنه لعلّوية، ويقال: إنه لإبراهيم. وفيه لعلّوية خفيف ثقيل آخر لا يشكّ فيه.
سأله عمر بن الوليد عن أشعر الناس فأجابه:
وقال هارون بن الزيّات حدّثني ابن النطّاح عن أبي عمرو الشّيبانيّ عن رجل من كلب يقال له مهوش عن أبيه:
أنّ عمر بن الوليد بن عبد الملك سأل الأخطل عن أشعر الناس؛ قال: الذي كان إذا مدح رفع، وإذا هجا وضع. قال: ومن هو؟ قال: الأعشى. قال: ثم من؟ قال: ابن العشرين (يعني طرفة). قال: ثم من؟ قال: أنا.
أخر الراعي في حضرة بشر بن مروان:
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ قال أخبرنا عمر بن شبّة قال حدّثنا أبو بكر العليميّ قال حدّثنا أبو قحافة المرّيّ عن أبيه قال:
دخل الأخطل على بشر بن مروان وعنده الراعي؛ فقال له بشر: أنت أشعر أم هذا؟ قال: أنا أشعر منه وأكرم.
فقال للراعي: ما تقول! قال: أمّا أشعر منّي فعسى، وأمّا أكرم فإن كان في أمّهاته من ولدت مثل الأمير فنعم. فلمّا خرج الأخطل قال له رجل: أتقول لخال الأمير أنا أكرم منك!. قال: ويلك! إنّ أبا نسطوس وضع في رأسي أكؤسا ثلاثا، فو اللّه ما أعقل معها.
استنشده عبد الملك بن مروان فشرب خمرا ثم أنشده:
قال: ودخل الأخطل على عبد الملك بن مروان، فاستنشده؛ فقال: قد يبس حلقي، فمر من يسقيني. فقال:
اسقوه ماء. فقال: شراب الحمار، وهو عندنا كثير. قال: فاسقوه لبنا. قال: عن اللبن فطمت. قال: فاسقوه عسلا. قال: شراب المريض. قال: فتريد ماذا؟ قال: خمرا يا أمير المؤمنين. قال: أو عهدتني أسقي الخمر لا أمّ لك! لو لا حرمتك بنا لفعلت بك وفعلت!. فخرج فلقي فرّاشا لعبد الملك فقال: ويلك! إنّ أمير المؤمنين استنشدني وقد صحل [3] صوتي، فاسقني شربة خمر فسقاه؛ فقال: اعدله بآخر فسقاه آخر. فقال: تركتهما يعتركان في بطني، إسقني ثالثا فسقاه ثالثا. فقال: تركتني أمشي على واحدة، إعدل ميلي برابع فسقاه رابعا؛ فدخل على عبد الملك فأنشده:
/خفّ القطين فراحوا منك وابتكروا ... وأزعجتهم نوى في صرفها غير
__________
[1] جدر. قرية بين حمص وسليمة، تنسب إليها الخمر.
[2] الكلف: حمرة كدرة. وينحت عن خرطومها المدر أي يفض ختام الطين الذي على فيها.
[3] صحل صوته. بح.
فقال عبد الملك: خذ بيده يا غلام فأخرجه، ثم ألق [1] عليه من الخلع ما يغمره، وأحسن جائزته، وقال: إنّ لكل قوم شاعرا وإنّ شاعر بني أميّة الأخطل.
حوار بينه وبين ذهلي في شعره وشعر الفرزدق:
أخبرني أبو خليفة إجازة عن محمد بن سلّام قال قال أبان بن عثمان حدّثني سماك بن حرب عن ضوء بن [2] اللّجلاج قال:
دخلت حمّاما بالكوفة وفيه الأخطل؛ قال فقال: ممّن الرجل؟ قلت: من بني ذهل. قال: أتروي للفرزدق شيئا؟ قلت نعم. قال: ما أشعر خليلي! على أنه ما أسرع ما رجع في هبته. قلت: وما ذاك؟ قال قوله:
أبنى غدانة [3] إنّني حرّرتكم ... فوهبتكم لعطيّة بن جعّال
لو لا عطيّة لاجتدعت أنوفكم ... من بين ألام آنف وسبال [4]
وهبهم في الأول ورجع في الآخر. فقلت: لو أنكر الناس كلّهم هذا ما كان ينبغي أن تنكره أنت. قال: كيف؟ قلت:
هجوت زفر [5] بن الحارث ثم خوّفت الخليفة منه فقلت:
بني أميّة إنّي ناصح لكم ... فلا يبيتنّ فيكم آمنا زفر
مفترشا كافتراش اللّيث كلكله ... لوقعة كائن فيها له جزر [6]
ومدحت عكرمة بن ربعيّ فقلت:
قد كنت أحسبه قينا وأخبره ... فاليوم طيّر عن أثوابه الشّرر
/ قال [7]: لو أردت المبالغة في هجائه ما زدت على هذا. [فقال له الأخطل [8]]: واللّه لو لا أنك من قوم سبق لي منهم ما سبق لهجوتك هجاء يدخل معك قبرك. ثم قال:
ما كنت هاجي قوم بعد مدحهم ... ولا تكدّر نعمى بعد ما تجب
أخرج عنّي.
__________
[1] في ب، س، ج: «ثم ألقى» بإثبات الياء على أن الفعل ماض. والسياق يحتمله.
[2] في الأصول هنا: «الجلاح بن ضوء». (انظر الحاشية رقم 3 ص 286 من هذه الترجمة).
[3] بنو غدانة: بطن من يربوع. وعطية بن جعال بن مجمع كان من ساداتهم. (راجع الأغاني ج 19 ص 50 طبع بلاق).
[4] سبلة الرجل: الدائرة التي في وسط الشفة العليا، وقيل: السبلة: ما على الشارب من الشعر.
[5] هو زفر بن الحارث العامري الكلابي، خرج على مروان بن الحكم بمرج راهط مع الضحاك بن قيس. (انظر الطبري ق 2 ص 474).
[6] جزر: قتلى.
[7] كذا في أ. م. وفي سائر الأصول: «فقال»، على أن سياق الكلام غير محتاج إلى هذه الكلمة.
[8] زيادة يقتضيها السياق.
هو وزفر بن الحارث في حضرة عبد الملك بن مروان:
وقال هارون بن الزيّات حدّثني أحمد بن إسماعيل الفهريّ عن أحمد [1] بن عبد العزيز بن عليّ بن ميمون عن معن بن خلاد عن أبيه قال:
لمّا استنزل عبد الملك زفر بن الحارث الكلابيّ من قرقيسيا [2]، أقعده معه على سريره؛ فدخل عليه ابن ذي الكلاع [3]. فلما نظر إليه مع عبد الملك على السرير بكى. فقال له: ما يبكيك؟ فقال: يا أمير المؤمنين، كيف لا أبكي وسيف هذا يقطر من دماء قومي في طاعتهم لك وخلافه عليك، ثم هو معك على السرير وأنا على الأرض! قال: إني لم أجلسه معي أن يكون أكرم عليّ منك؛ ولكنّ لسانه لساني وحديثه يعجبني. فبلغت الأخطل وهو يشرب فقال: أما واللّه لأقومنّ في ذلك مقاما لم يقمه ابن ذي الكلاع! ثم خرج حتى دخل على عبد الملك. فلما ملأ عينه منه قال:
وكأس مثل عين الدّيك صرف ... تنسّي الشاربين لها العقولا
إذا شرب الفتى منها ثلاثا ... بغير الماء حاول أن يطولا
مشى قرشيّة لا شكّ فيها ... وأرخى من مآزره الفضولا
/ فقال له عبد الملك: ما أخرج هذا منك يا أبا مالك إلا خطّة في رأسك. قال: أجل واللّه يا أمير المؤمنين حين تجلس عدوّ اللّه هذا معك على السرير وهو القائل بالأمس:
وقد ينبت المرعى على دمن الثّرى [4] ... وتبقى حزازات النفوس كما هيا
/ قال: فقبض عبد الملك رجله ثم ضرب بها صدر زفر فقلبه عن السرير وقال: أذهب اللّه حزازات تلك الصدور.
فقال: أنشدك اللّه يا أمير المؤمنين والعهد الذي أعطيتني!. فكان زفر يقول: ما أيقنت بالموت قطّ إلا تلك الساعة حين قال الأخطل ما قال.
قال إني فضلت الشعراء وأنشد من عيون شعره:
وقال هارون بن الزيّات حدّثني هارون بن مسلم عن سعيد بن الحارث عن عبد الخالق بن حنظلة الشّيبانيّ قال:
قال الأخطل: فضلت الشعراء في المديح والهجاء والنّسيب بما لا يلحق بي فيه. فأمّا النّسيب فقولي:
ألا يا اسلمي يا هند هند بني بدر ... وإن كان حيّانا عدى [5] آخر الدّهر
__________
[1] كذا ورد هذا الاسم في الأصول.
[2] قرقيسيا: بلد على الفرات قرب رحبة مالك بن طوق.
[3] هو ابن ذي الكلاع الحميري، شهد صفين مع معاوية، وكان من رحالاته. (انظر «الطبري» ق 1 ص 3272، 3283، 3286 طبع أوروبا).
[4] يقول: قد يبدو على وجه المرء البشر وفي قلبه الحقد والعداوة، مثل نبات الدمن يبدو حسن المنظر ومنبته خبيث وبى ء.
[5] كذا في «ديوانه» طبع بيروت (ص 128) و «تجريد الأغاني» ونسخة الشنقيطي مصححة بقلمه. وفي الأصول:
«و إن كان حيّا قاعدا ...
إلخ» وهو تحريف.
من الخفرات البيض أمّا وشاحها ... فيجري وأمّا القلب [1] منها فلا يجري
تموت وتحيا بالضجيع وتلتوي ... بمطّرد المتنين منبتر الخصر
وقولي في المديح:
نفسي فداء أمير المؤمنين إذا ... أبدى النّواجذ يوما عارم ذكر [2]
الخائض الغمرة الميمون طائره ... خليفة اللّه يستسقى به المطر
/ وقولي في الهجاء:
وكنت إذا لقيت عبيد تيم ... وتيما قلت أيّهم العبيد
لئيم العالمين يسود تيما ... وسيّدهم وإن كرهوا مسود
قال عبد الخالق: وصدق لعمري، لقد فضلهم.
تزوّج مطلقة أعرابي فتذكرته، وكان هو طلق زوجته وشعره في ذلك:
أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدّثني عمر بن شبّة عن أحمد بن معاوية عن محمد بن داود قال:
طلّق أعرابيّ امرأته فتزوّجها الأخطل؛ وكان الأخطل قد طلّق امرأته قبل ذلك. فبينا هي معه إذ ذكرت زوجها الأوّل فتنفّست؛ فقال الأخطل:
كلانا على همّ يبيت كأنما ... بجنبيه من مسّ الفراش قروح
على زوجها الماضي تنوح وإنني ... على زوجتي الأخرى كذلك أنوح
حديثه مع عبد الملك بن المهلب:
أخبرني الحسن بن عليّ قال أخبرنا أحمد بن زهير بن حرب عن خالد بن خداش:
أنّ الأخطل قال لعبد الملك بن المهلّب: ما نازعتني نفسي قطّ إلى مدح أحد ما نازعتني إلى مدحكم؛ فأعطني عطيّة تبسط بها لساني؛ فو اللّه لأردّينكم أردية لا يذهب صقالها إلى يوم القيامة. فقال: أعلم واللّه يا أبا مالك أنك بذلك ملى ء، ولكني أخاف أن يبلغ أمير المؤمنين أنّي أسأل في غرم وأعطى الشعراء فأهلك ويظنّ ذلك منّي حيلة.
فلما قدم على إخوته لاموه كل اللّوم فيما فعله. فقال: قد أخبرته بعذري.
حديث جرير عنه:
أخبرني أبو خليفة عن محمد بن سلّام قال قال أبو الخطّاب حدّثني نوح بن جرير قال:
/ قلت لأبي: أنت أشعر أم الأخطل؟ فنهرني وقال: بئس ما قلت! وما أنت وذاك لا أمّ لك! فقلت: وما أنا وغيره! قال: لقد أعنت عليه بكفر وكبر سنّ، وما رأيته إلّا خشيت أن يبتلعني.
__________
[1] القلب: السوار.
[2] العارم: الشديد الشرس.
حديث أبي عمرو عن منزلة الأخطل:
أخبرني عمّي عن الكرانيّ عن دماذ عن أبي عبيدة قال:
قال رجل لأبي عمرو: يا عجبا للأخطل! نصرانيّ كافر يهجو المسلمين!. فقال أبو عمرو:/ يالكع! لقد كان الأخطل يجيء وعليه جبّة خزّ وحرز خزّ، في عنقه سلسلة ذهب فيها صليب ذهب تنفض لحيته خمرا حتى يدخل على عبد الملك بن مروان بغير إذن.
رأي أبي العسكر فيه وفي جرير والفرزدق:
وقال هارون حدّثني أحمد بن إسماعيل الفهريّ عن أحمد بن عبد اللّه بن عليّ الدّوسيّ عن معقل بن فلان عن أبيه عن أبي العسكر قال:
كنّا بباب مسلمة بن عبد الملك، فتذاكرنا الشعراء الثلاثة؛ فقال أصحابي: حكّمناك وتراضينا بك. فقلت:
نعم، هم عندي كأفراس ثلاثة أرسلتهن في رهان، فأحدها سابق الدهر كلّه، وأحدها مصلّ، وأحدها يجيء أحيانا سابق الريح وأحيانا سكّيتا وأحيانا متخلّفا. فأمّا السابق في كل حالاته فالأخطل. وأمّا المصلّى في كل حالاته فالفرزدق. وأمّا الذي يسبق الريح أحيانا ويتخلّف أحيانا فجرير؛ ثم أنشد له:
سرى لهم ليل كأنّ نجومه ... قناديل فيهنّ الذّبال المفتّل
وقال: أحسن في هذا وسبق. ثم أنشد:
التّغلبيّة مهرها فلسان ... والتغلبيّ جنازة الشّيطان
وقال: تخلّف في هذه. فخرجنا من عنده على هذا.
حديثه هو والفرزدق مع فتى من أهل اليمامة:
وقال هارون بن الزيّات حدّثني محمد بن عمرو الجرجانيّ عن أبيه:
أنّ الفرزدق والأخطل؛ بينا هما يشربان وقد اجتمعا بالكوفة في إمارة بشر بن مروان إذ دخل عليهما فتى من أهل اليمامة؛ فقالا له: هل تروي لجرير شيئا؟ فأنشدهما:
لو قد بعثت على الفرزدق ميسمي ... وعلى البعيث لقد نكحت الأخطلا
فأقبل الفرزدق فقال: يا أبا مالك، أتراه إن وسمني يتورّكك على كبر سنّك! ففزع الفتى فقام وقال: أنا عائذ باللّه من شرّكما. فقالا: اجلس لا بأس عليك! ونادماه بقية يومهما.
الفرزدق في ضيافته:
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ قال أخبرنا عمر بن شبّة قال حدّثنا أبو يعلى قال حدّثني عبد السلام بن حرب قال:
نزل الفرزدق على الأخطل ليلا وهو لا يعرفه، فجاءه بعشاء ثم قال له: إنّي نصرانيّ وأنت حنيف، فأيّ الشراب أحبّ إليك؟ قال: شرابك. ثم جعل الأخطل لا ينشد بيتا إلا أتمّ الفرزدق القصيدة. فقال الأخطل: لقد نزل
بي الليلة شرّ، من أنت؟ قال: الفرزدق بن غالب. قال: فسجد لي وسجدت له. فقيل للفرزدق في ذلك، فقال:
كرهت أن يفضلني. فنادى الأخطل: يا بني تغلب هذا الفرزدق. فجمعوا له إبلا كثيرة. فلما أصبح فرّقها ثم شخص.
كان خبيث الهجاء في عفة:
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ قال حدّثنا عمر بن شبّة قال:
كان ممّا يقدّم به الأخطل أنه كان أخبثهم هجاء في عفاف عن [1] الفحش. وقال الأخطل: ما هجوت أحدا قطّ بما تستحي العذراء أن تنشده أباها.
أجاز بيتا ليزيد بن معاوية:
أخبرني أحمد وحبيب بن نصر المهلّبيّ قالا حدّثنا بن شبّة قال حدّثني محمد بن عبّاد الموصليّ قال:
خرج يزيد بن معاوية معه عام حجّ بالأخطل. فاشتاق يزيد أهله فقال:
بكى كلّ ذي شجو من الشأم شاقه ... تهام فأنّى يلتقي الشّجيان
أجز يا أخطل، فقال:
/يغور الذي بالشأم أو ينجد الذي ... بغور تهامات فيلتقيان
مدح أبو العباس شعرا له في بني أمية:
أخبرني أحمد وحبيب قالا حدّثنا عمر بن شبّة قال:
قيل لأبي العبّاس أمير المؤمنين: إنّ رجلا شاعرا قد مدحك، فتسمع شعره؟ قال: وما عسى أن يقول فيّ بعد قول ابن النّصرانيّة في بني أميّة:
شمس العداوة حتى يستقاد لهم ... وأعظم الناس أحلاما إذا قدروا
أخبرني به وكيع عن حمّاد بن إسحاق عن أبيه عن الهيثم بن عديّ بمثله.
حادثة له مع أمه:
قال هارون وحدّثني هارون بن سليمان عن الحسن بن مروان التّميميّ عن أبي بردة الفزاريّ عن رجل من تغلب قال:
لحظ الأخطل شكوة [2] لأمّه فيها لبن وجرابا فيه تمر وزبيب، وكان جائعا وكان يضيّق عليه؛ فقال لها: يا أمّه، آل فلان يزورونك ويقضون حقّك وأنت لا تأتينهم وعندهم عليل، فلو أتيتهم لكان أجمل وأولى بك. قالت: جزيت خيرا يا بنيّ! لقد نبهت على مكرمة. وقامت فلبست ثيابها ومضت إليهم. فمضى الأخطل إلى الشّكوة ففرّغ ما فيها
__________
[1] في الأصول: «في عفاف من الفحش».
[2] الشكوة: وعاء من جلد للماء واللبن.
وإلى الجراب فأكل التمر والزّبيب كلّه./ وجاءت فلحّظت موضعها فرأته فارغا، فعلمت أنه قد دهاها، وعمدت إلى خشبة لتضربه بها؛ فهرب وقال:
ألمّ على عنبات العجوز ... وشكوتها من غياث [1] لمم
فظلّت تنادي ألا ويلها ... وتلعن واللعن منها أمم [2]
وذكر يعقوب بن السّكّيت هذه القصة، فحكى أنها كانت مع امرأة لأبيه لها منه بنون، فكانت تؤثرهم باللّبن والتمر والزبيب وتبعث به يرعى أعنزا لها. وسائر القصة والشعر متّفق. وقال في خبره: وهذا أوّل شعر قاله الأخطل.
نسب بأمامة ورعوم ابنتي سعيد بن إياس:
أخبرني الحسن بن عليّ عن ابن مهرويه عن عليّ بن فيروز عن الأصمعيّ عن أمامة ورعوم اللّتين قال فيهما الأخطل:
صرمت أمامة حبلها ورعوم ورعوم وأمامة بنتا سعيد بن إياس بن هانىء بن قبيصة، وكان الأخطل نزل عليه فأطعمه وسقاه خمرا وخرجتا وهما جويريتان فخدمتاه. ثم نزل عليه ثانية وقد كبرتا فحجبتا عنه؛ فسأل عنهما وقال: فأين ابنتاي؟ فأخبر بكبرهما، فنسب بهما. قال: والرّعوم هي التي كانت عند قتيبة بن مسلم وكان يقال لها أمّ الأخماس، تزوّجت في أخماس [3] البصرة محمد بن المهلّب وعامر بن مسمع وعبّاد بن الحصين وقتيبة بن مسلم؛ وكان يقال لها الجارود.
كان حكم بكر بن وائل:
أخبرنا محمد بن العبّاس اليزيدي قال حدّثنا الخرّاز عن المدائنيّ قال قال أبو عبد الملك:
كانت بكر بن وائل إذا تشاجرت في شيء رضيت بالأخطل، وكان يدخل المسجد فيقدمون إليه. قال: فرأيته بالجزيرة وقد شكي إلى القسّ وقد أخذ بلحيته وضربه بعصاه [4] وهو يصيء [5] كما يصيء الفرخ. فقلت له: أين هذا مما كنت فيه بالكوفة؟ فقال: يابن أخي، إذا جاء الدّين ذللنا.
استنشده داود بن المساور فأنشده ثم سأله عن أشهر الناس فأجابه:
وقال يعقوب بن السّكّيت زعم غيلان عن يحيى بن بلال عن عمر بن عبد اللّه عن داود بن المساور قال:
دخلت إلى الأخطل فسلّمت عليه، فنسبني [6] فانتسبت، واستنشدته فقال: أنشدك حبّة قلبي، ثم أنشدني:
__________
[1] غياث: اسم الأخطل، كما مر في أوّل الترجمة.
[2] أمم: قريب يسير.
[3] أخماس البصرة: خمسة، فالخمس الأوّل العالية، والخمس الثاني بكر بن وائل، والخمس الثالث تميم، والخمس الرابع عبد القيس، والخمس الخامس الأزد، وفي ب، س، ج: «الأحماس» بالحاء المهملة، وهو تصحيف.
[4] كذا في ب، س. وفي سائر الأصول: «و ضربه فعضله ... ».
[5] يصى ء: يصيح.
[6] نسبنى: سألني أن أنتسب.
/
لعمري لقد أسريت لا ليل عاجز ... بسلهبة [1] الخدّين ضاوية القرب [2]
إليك أمير المؤمنين رحلتها ... على [3] الطائر الميمون والمنزل الرّحب
فقلت: من أشعر الناس؟ قال: الأعشى. قلت: ثمّ من؟ قال: ثم أنا.
أعطاه هشام فاستقل عطاءه وفرّقه في الصبيان:
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا ابن مهرويه عن أبي أيّوب المدينيّ عن المدائنيّ قال:
إمتدح الأخطل هشاما فأعطاه خمسمائة درهم، فلم يرضها وخرج فاشترى بها تفّاحا وفرّقه على الصّبيان. فبلغ ذلك هشاما فقال: قبحه اللّه! ما ضرّ إلّا نفسه.
تمثل هشام بشطر بيت في ناقة، فأتمه جرير والفرزدق وهو فأخذها:
وقال يعقوب بن السّكّيت حدّثني سلمة النّميريّ - وتوفّي وله مائة وأربعون سنة - أنه حضر هشاما وله يومئذ تسع عشرة سنة وحضر جرير والفرزدق والأخطل عنده؛ فأحضر هشام ناقة له فقال متمثّلا:
أنيخها ما بدا لي ثم أرحلها ثم قال: أيّكم أتمّ البيت كما أريد فهي له. فقال جرير:
كأنّها نقنق [4] يعدو بصحراء فقال: لم تصنع شيئا. فقال الفرزدق:
كأنّها كاسر [5] بالدّوّ فتخاء فقال: لم تغن شيئا. فقال الأخطل:
ترخي المشافر واللّحيين إرخاء فقال: اركبها لا حملك اللّه!
هجته جارية من قومه فحذر أباها ثم هجاها:
وقال هارون بن الزيّات حدّثني الخرّاز عن المدائنيّ قال:
هجت الأخطل جارية من قومه؛ فقال لأبيها: يا أبا الدّلماء، إنّ ابنتك تعرّضت لي فاكففها. فقال له: هي امرأة مالكة لأمرها. فقال الأخطل.
ألا أبلغ أبا الدّلماء عنّي ... بأن سنان شاعركم قصير
__________
[1] سلهبة الخدين: طويلتهما.
[2] القرب: الخاصرة.
[3] كذا في «ديوانه». وفي الأصول: «عن الطائر ... » وهو تحريف.
[4] النقنق: الظليم وهو ذكر النعام.
[5] الدّوّ: الفلاة الواسعة. والكاسر: العقاب. والفتخاء: اللينة الجناح لأنها إذا انحطت كسرت جناحيها وغمزتهما.
فإن يطعن فليس بذي غناء ... وإن يطعن فمطعنه يسير
متى ما ألقه ومعي سلاحي ... يخرّ على قفاه فلا يحير [1]
فمشى [2] أبوها في رجال من قومه إلى الأخطل فكلّموه؛ فقال: أمّا ما مضى فقد مضى ولا أزيد.
وصيته عند موته:
أخبرنا أبو خليفة إجازة عن محمد بن سلّام قال:
لمّا حضرت الأخطل الوفاة قيل له: يا أبا مالك، ألا توصي؟ فقال:
أوصّي الفرزدق عند الممات ... بأمّ جرير وأعيارها
وزار القبور أبو مالك ... برغم العداة وأوتارها
رأي ابن سلام في شعر له وشعر لجرير:
أخبرنا أبو خليفة إجازة عن محمد بن سلّام قال قال لي معاوية بن أبي عمرو بن العلاء: أيّ البيتين عندك أجود: قول جرير:
ألستم خير من ركب المطايا ... وأندى العالمين بطون راح
أم قول الأخطل:
شمس العداوة حتى يستفاد لهم ... وأعظم الناس أحلاما إذا قدروا
فقلت: بيت جرير أحلى وأسير، وبيت الأخطل أجزل وأرزن. فقال: صدقت، وهكذا كانا في أنفسهما عند الخاصّة والعامّة.
رأي حماد الراوية في شعره:
أخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد عن أبيه عن الحلبيّ وجعفر بن سعيد أنّ رجلا سأل حمّادا الراوية عن الأخطل فقال: ويحكم! ما أقول في شعر رجل قد واللّه حبّب [3] إليّ شعره النّصرانية!.
فضله كثير من العلماء على صاحبيه:
أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال/ حدّثنا أبو عثمان الأشناندانيّ [4] عن أبي عبيدة قال: كان يونس بن حبيب وعيسى بن عمر وأبو عمرو يفضّلون الأخطل على الثلاثة [5].
__________
[1] في «شعر الأخطل» ص 118: «يخر على القفا وله نخير».
[2] في ب، س: «فمضى».
[3] في ب، س: «قد واللّه حبب إليّ شعر النصرانية».
[4] في أ، م: «و الاشنانادانى».
[5] لعل صوابها: «من الثلاثة» أو «على الاثنين».
فضله عمر بن عبد العزيز على جرير:
وقال هارون بن الزيّات حدّثني أبو عثمان المازنيّ عن العتبيّ عن أبيه:
أنّ سليمان بن عبد الملك سأل عمر بن عبد العزيز: أجرير أشعر أم الأخطل؟ فقال له: أعفني. قال: لا واللّه لا أعفيك. قال: إنّ الأخطل ضيّق عليه كفره القول، وإنّ جريرا وسّع عليه إسلامه قوله؛ وقد بلغ الأخطل منه حيث رأيت. فقال له سليمان: فضّلت واللّه الأخطل.
أثنى عليه الفرزدق:
قال هارون وحدّثني أبو عثمان عن الأصمعيّ عن خالد بن كلثوم قال:
قال عبد الملك للفرزدق: من أشعر الناس في الإسلام؟ قال: كفاك بابن النّصرانيّة إذا مدح.
مهاجاته جريرا في حضرة عبد الملك وقصة أبي سواج:
أخبرنا أحمد وحبيب قالا حدّثنا عمر بن شبّة قال:
حدّثت أنّ الحجّاج بن يوسف أوفد وفدا إلى عبد الملك وفيهم جرير. فجلس لهم ثم أمر بالأخطل فدعي له؛ فلما دخل عليه قال له: يا أخطل، هذا سبّك - يعني جريرا - وجرير جالس - فأقبل عليه جرير فقال: أين تركت خنازير أمّك؟! قال: راعية مع أعيار أمّك [1]؛ وإن أتيتنا قريناك منها. فأقبل جرير على عبد الملك فقال: يا أمير المؤمنين، إنّ رائحة الخمر لتفوح منه. قال: صدق يا أمير المؤمنين، وما اعتذاري من ذلك!.
تعيب الخمر وهي شراب كسرى ... ويشرب قومك العجب العجيبا
منيّ العبد عبد أبي سواج ... أحقّ من المدامة أن تعيبا
فقال عبد الملك: دعوا هذا، وأنشدني يا جرير، فأنشده ثلاث قصائد كلّها في الحجّاج يمدحه بها، فأحفظ عبد الملك، وقال له: يا جرير، إنّ اللّه لم ينصر الحجّاج وإنما نصر خليفته ودينه. ثم أقبل على الأخطل فقال:
/شمس العداوة حتى يستقاد لهم ... وأعظم الناس أحلاما إذا قدروا
فقال عبد الملك: هذه المزمّرة؛ واللّه لو وضعت على زبر [2] الحديد لأذابتها. ثم أمر له بخلع فخلعت عليه حتى غاب فيها، وجعل يقول: إنّ لكل قوم شاعرا، وإنّ الأخطل شاعر بني أميّة.
فأمّا قول الأخطل:
منيّ العبد عبد أبي سواج
فأخبرني بخبر أبي سواج عليّ بن سليمان الأخفش ومحمد بن العبّاس اليزيديّ قالا حدّثنا أبو سعيد السّكّريّ قال حدّثنا محمد بن حبيب وأبو غسّان دماذ عن أبي عبيدة معمر بن المثنّى أنّ أبا سواج وهو عبّاد بن خلف الضّبّيّ
__________
[1] في «تجريد الأغاني وطبقات ابن سلام»: «مع أعيار أبيك».
[2] الزبرة: القطعة الضخمة من الحديد.
جاور بني يربوع، وكانت له فرس يقال لها بذوة [1]، وكان لصرد بن جمرة اليربوعيّ فرس يقال لها القضيب، فتراهنا عشرين بعشرين، فسبقت بذوة فظلمه ابن جمرة حقّه ومنعه سبقه [2]، وجعل يفجر بامرأته. ثم إنّ أبا سواج ذهب إلى البحرين يمتار؛ فلما أقبل راجعا، وكان رجلا شديدا معجبا بنفسه، جعل يقول وهو يحدو:
يا ليت شعري هل بغت من بعدي
فسمع قائلا يقول من خلفه:
نعم بمكويّ قفاه جعدي
فعاد إلى قوله فأجابه بمثل ذلك. وقدم إلى منزله فأقام به مدّة، فتغاضب صرد على امرأة أبي سواج وقال: لا أرضى أو تقدّي من است أبي سواج سيرا. فأخبرت/ زوجها بذلك فقام إلى نعجة له فذبحها وقدّ من باطن أليتيها سيرا فدفعه إليها؛ فجعله/ صرد بن جمرة في نعله، فقال لقومه: إذا أقبلت وفيكم أبو سواج فسلوني من أين أقبلت ففعلوا، فقال: من ذي بليّان [3] وأريد ذابليّان، وفي نعلي شراكان، من است إنسان. فقام أبو سواج: فطرح ثوبه وقال: أنشدكم اللّه! هل ترون بأسا؟ ثم أمر أبو سواج غلامين له راعيين أن يأخذا أمة له فيتراوحاها؛ ودفع إليهما عسّا وقال: لئن قطرت منكما قطرة في غير العسّ لأقتلنّكما. فباتا يتراوحانها ويصبّان ما جاء منهما في العسّ، وأمرهما أن يحلبا عليه فحلبا حتى ملأاه؛ ثم قال لامرأته: واللّه لتسقنّه صرد أو لأقتلنّك: واختبأ وقال: ابعثي إليه حتى يأتيك ففعلت. وأتاها لعادتها كما كان يأتيها، فرحّبت به واستبطأته ثم قامت إلى العسّ فناولته إيّاه. فلما ذاقه رأى طعما خبيثا وجعل يتمطّق [4] من اللّبن الذي يشرب وقال: إني أرى لبنكم خاثرا، أحسب إبلكم رعت السّعدان.
فقالت: إنّ هذا من طول مكثه في الإناء، أقسمت عليك إلّا شربته. فلما وقع في بطنه وجد الموت، فخرج إلى أهله ولا يعلم أصحابه بشيء من أمره. فلما جنّ على أبي سواج اللّيل أتى أهله وغلمانه فانصرفوا إلى قومه وخلّف الفرس وكلبه في الدار؛ فجعل الكلب ينبح والفرس يصهل؛ وذلك ليظنّ القوم أنّه لم يرتحل. فساروا ليلتهم والدار ليس فيها غيره وكلبه وفرسه وعسّه. فلما أصبح ركب فرسه وأخذ العسّ فأتى مجلس بني يربوع فقال: جزاكم اللّه من جيران خيرا! فقد أحسنتم الجوار، وفعلتم ما كنتم له أهلا. فقالوا له: يا أبا سواج، ما بدا لك في الانصراف عنّا؟
قال: إنّ صرد بن جمرة لم يكن فيما بيني وبينه محسنا، وقد قلت في ذلك:
/إنّ المنيّ إذا سرى ... في العبد أصبح مسمغدّا [5]
أتنال سلمى باطلا ... وخلقت يوم خلقت جلدا
صرد بن جمرة هل لقي ... ت رثيئة لبنا وعصدا [6]
__________
[1] كذا في «تجريد الأغاني وشرح القاموس» مادة «سوج» وفي الأصول ندوة».
[2] السبق بفتح الباء الخطى الذي يوضع بين أهل السباق.
[3] ذو يليان: موضع وراء اليمن، وقال أبو نصر: أقصى الأرض، وقال غيره: ذوبليان من أعمال هجر. كذا في «معجم ما استعجم للبكري» وقد جاء في «معجم البلدان» لياقوت: ذوبليان موضع في قصة أبي سواج الضبيّ.
[4] يتمطق: يتذوّق.
[5] كذا في «تجريد الأغاني». والمسمغد: المرتوي من اللبن. وفي ب، س «مصمغدا». وفي ح: «مسعدا» بالسّين. وفي سائر الأصول «مصعدا» بالصاد، وكله تحريف.
[6] الرثيئة: اللبن الحامض. والعصد: تحريك العصيدة بالمسواط فتنقلب فلا يبقى في الإناء منها شيء إلّا انقلب.
واعلموا أنّ هذا القدح قد أحبل منكم رجلا وهو صرد بن جمرة. ثم رمى بالعسّ على صخرة فانكسر وركض فرسه.
وتنادوا: عليكم الرجل، فأعجزهم ولحق بقومه. وقال في ذلك عمر بن لجأ التّيميّ:
تمسّح يربوع سبالا لئيمة ... بها من منيّ العبد رطب ويابس
وإيّاه عنى الأخطل بقوله:
ويشرب قومك العجب العجيبا
حبسه القس ثم أطلقه بشفاعة هاشمي:
أخبرنا أبو خليفة قال حدّثنا محمد بن سلّام قال زعم محمد بن حفص بن عائشة التّيميّ عن إسحاق بن عبد اللّه بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلّب قال:
قدمت الشام وأنا شابّ مع أبي، فكنت أطوف في كنائسها ومساجدها؛ فدخلت كنيسة دمشق، وإذا الأخطل فيها محبوس، فجعلت أنظر إليه. فسأل عنّي فأخبر بنسبي، فقال: يا فتى، إنك لرجل شريف، وإنى أسألك حاجة.
فقلت: حاجتك مقضيّة. قال إنّ القسّ حبسني هاهنا فتكلّمه ليخلّي عنّي. فأتيت القسّ فانتسبت له، فرحّب وعظّم، قلت: إنّ لي إليك حاجة. قال: ما حاجتك؟ قلت:/ الأخطل تخلّي عنه. قال: أعيذك باللّه من هذا! مثلك لا يتكلّم فيه، فاسق يشتم أعراض الناس ويهجوهم! فلم أزل أطلب إليه حتى مضى معي متّكئا على عصاه، فوقف عليه/ ورفع عصاه وقال: يا عدوّ اللّه! أتعود تشتم الناس وتهجوهم وتقذف المحصنات! وهو يقول: لست بعائد ولا أفعل، ويستخذي له. قال: فقلت له: يا أبا مالك، الناس يهابونك والخليفة يكرمك وقدرك في الناس قدرك، وأنت تخضع لهذا هذا الخضوع وتستخذي له!. قال: فجعل يقول لي: إنّه الدّين! إنه الدّين!.
مر به أسقف فأمر امرأته أن تتمسح به:
أخبرنا اليزيديّ عن عمه عبيد اللّه عن ابن حبيب عن الهيثم بن عديّ قال:
كانت امرأة الأخطل حاملا، وكان متمسّكا بدينه. فمرّ به الأسقفّ يوما. فقال لها: الحقيه فتمسّحي به؛ فعدت فلم تلحق إلّا ذنب حماره فتمسّحت به ورجعت. فقال لها: هو وذنب حماره سواء.
هنأه هشام بالإسلام فأجابه:
أخبرنا أبو خليفة قال حدّثنا ابن سلّام قال حدّثني يونس قال قال أبو الغرّاف. سمع هشام بن عبد الملك الأخطل وهو يقول:
وإذا افتقرت إلى الذخائر لم تجد ... ذخرا يكون كصالح الأعمال
فقال: هنيئا لك أبا مالك هذا الإسلام!. فقال له: يا أمير المؤمنين [1]، مازلت مسلما في ديني.
__________
[1] ورد في ترجمته في «ذيل ديوانه» طبعة مطبعة الآباء اليسوعيين ببيروت أن الأخطل توفي في خلافة الوليد بن عبد الملك نحو سنة 710 ميلادية. وهشام بن عبد الملك ولي الخلافة بعد ذلك. وقد ورد هذا الخبر في «طبقات الشعراء» لابن سلام (ص 115 طبعة أوروبا) وليس فيه كلمة «يا أمير المؤمنين».
وفد على الغضبان بن القبعثري في حمالة فخيره في عطاءين، وقصة ذلك:
أخبرني أبو خليفة قال حدّثنا ابن سلّام قال حدّثني يونس وعبد الملك وأبو الغرّاف فألّفت ما قالوا، قالوا:
أتى الأخطل الكوفة، فأتى الغضبان بن القبعثري [1] الشيباني فسأله في حمالة، فقال: إن شئت أعطيتك ألفين، وإن شئت أعطيتك درهمين. قال: وما بال الألفين/ وما بال الدرهمين؟ قال: إن أعطيتك ألفين لم يعطكها إلّا قليل، وإن أعطيتك درهمين لم يبق في الكوفة بكريّ إلّا أعطاك درهمين؛ وكتبنا إلى إخواننا بالبصرة فلم يبق بكريّ بها إلّا أعطاك درهمين، فخفّت عليهم المثونة وكثر لك النّيل. فقال: فهذه إذا. فقال: نقسهما لك على أن ترد علينا. فكتب بالبصرة إلى سويد بن منجوف [2] السّدوسيّ فقدم البصرة - فقال يونس في حديثه - فنزل على آل الصّلت بن حريث الحنفي فأخبر من سمعه يقول [3]: واللّه لا أزال أفعل ذلك. ثم رجع الحديث الأوّل: فأتى سويدا فأخبره بحاجته. فقال نعم! وأقبل على قومه فقال: هذا أبو مالك قد أتاكم يسألكم أن تجمعوا له، وهو الذي يقول:
إذا ما قلت قد صالحت بكرا ... أبى البغضاء والنّسب البعيد
وأيّام لنا ولهم طوال ... يعضّ الهام فيهنّ الحديد
ومهراق الدماء بواردات [4] ... تبيد المخزيات ولا تبيد
هما أخوان يصطليان نارا ... رداء الحرب بينهما جديد
فقالوا: فلا واللّه لا نعطيه شيئا. فقال الأخطل:
فإن تبخل سدوس بدرهميها ... فإنّ الرّيح طيّبة قبول [5]
تواكلني [6] بنو العلّات [7] منهم ... وغالت مالكا ويزيد غول [8]
/صريعا [9] وائل هلكا جميعا ... كأنّ الأرض بعدهما محول [10]
وقال في سويد بن منجوف - وكان رجلا ليس بذي منظر - :
/و ما جذع سوء خرّب السّوس أصله ... لما حمّلته وائل بمطيق
__________
[1] الغضبان بن القبعثري من أشراف العراق، وكان من دعاة المروانية أيام حرب عبد الملك بن مروان مصعب بن الزبير. (انظر «الطبري» ج 2 ص 804 من القسم).
[2] سويد بن منجوف: من أشراف البصرة. (انظر الكلام عليه في «الطبري» ق 2 ص 443، 779).
[3] في ب، س: « ... سمعه بأنه يقول ... ».
[4] يريد يوم واردات وهو يوم كان بين بكر وتغلب في حروبهما (انظر الكلام مفصلا عليه في ج 5 ص 53 من «الأغاني» من هذه الطبعة).
[5] القبول: هي ريح الصبا.
[6] تواكل القوم: إذا اتكل بعضهم على بعض في الأمر.
[7] يقال: هم بنو العلات: إذا كان الأب واحدا والأمهات شتى.
[8] يريد مالك بن شيبان الجحدري من قيس بن ثعلبة، ويزيد بن الحارث بن زيد بن رويم الشيباني صاحب شرطة الحجاج.
[9] في «ديوانه» (طبع بيروت ص 125): «قريعا وائل» ويعني بهما بكرا وتغلب.
[10] كذا في «ديوانه» وفي الأصول «سحول» وهو تحريف.
كان مع مهارته وشعره يسقط أحيانا:
أخبرنا أبو خليفة قال قال محمد بن سلّام:
كان الأخطل مع مهارته وشعره يسقط أحيانا: كان مدح سماكا الأسديّ، وهو سماك الهالكيّ من بني عمرو بن أسد، وبنو عمرو يلقّبون القيون، ومسجد سماك بالكوفة معروف، وكان من أهلها؛ فخرج أيام عليّ هاربا فلحق بالجزيرة، فمدحه الأخطل فقال:
نعم المجير سماك من بني أسد ... بالقاع إذ قتلت جيرانها مضر
قد كنت أحسبه قينا وأخبره ... فاليوم طيّر عن أثوابه الشّرر
إنّ سماكا بني مجدا لأسرته ... حتى الممات وفعل الخير يبتدر
فقال سماك: يا أخطل: أردت مدحي فهجوتني، كان الناس يقولون قولا فحقّقته. فلما هجا سويدا قال له سويد:
واللّه يا أبا مالك، ما تحسن تهجو ولا تمدح [1]؛ لقد أردت مدح الأسديّ فهجوته - يعني قوله:
قد كنت أحسبه قينا وأنبؤه ... فاليوم طيّر عن أثوابه الشّرر
إنّ سماكا بني مجدا لأسرته ... حتى الممات وفعل الخير يبتدر
- وأردت هجائي فمدحتني، جعلت وائلا حمّلتني أمورها، وما طمعت في بني تغلب فضلا عن بكر.
أبى الصلّاة في مسجد بني رؤاس وهجاهم:
أخبرنا أبو خليفة عن محمد بن سلّام قال حدّثني أبان البجليّ قال:
مرّ الأخطل بالكوفة في بني رؤاس [2] ومؤذّنهم ينادي بالصلاة. فقال له بعض فتيانهم: ألا تدخل يا أبا مالك فتصلّي؟ فقال:
أصلّي حيث تدركني صلاتي ... وليس البرّ عند بني رؤاس
خلا في نزهة مع صديق له فطرأ عليهما ثقيل فهجاه:
أخبرنا أبو خليفة عن محمد بن سلّام قال حدّثني أبو الحصين الأمويّ قال:
بينا الأخطل قد خلا بخميرة له في نزهة مع صاحب له، وطرأ عليهما طارىء لا يعرفانه ولا يستخفّانه، فشرب شرابهما وثقيل عليهما. فقال الأخطل في ذلك:
صوت
وليس القذى بالعود يسقط في الإنا ... ولا بذباب خطبه أيسر الأمر
ولكنّ شخصا لا نسرّ بقربه ... رمتنا به الغيطان من حيث لا ندري
__________
[1] المعنى على تقدير «أن» أي ما تحسن أنّ تهجو ولا أن تمدح.
[2] بنو رؤاس: حي من بني عامر بن صعصعة، وهو رؤاس بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة.
ويروى:
ولكن قذاها زائر لا نحبّه
وهو الجيّد. الغناء لإبراهيم خفيف ثقيل بالوسطى عن عمرو. وقد أخبرنا بهذا الخبر محمد بن العبّاس اليزيديّ قال حدّثنا الخليل بن أسد قال حدّثنا العمريّ قال حدّثنا الهيثم بن عديّ عن ابن عيّاش قال:
بينا الأخطل جالس عند امرأة من قومه، وكان أهل البدو إذ ذاك يتحدّث رجالهم إلى النساء لا يرون بذلك بأسا، وبين يديه باطية شراب والمرأة تحدّثه وهو يشرب، إذ دخل رجل فجلس، فثقل على الأخطل وكره أن يقول له قم استحياء منه. وأطال الرجل الجلوس إلى أن أقبل ذباب فوقع في الباطية في شرابه؛ فقال الرجل: يا أبا مالك، الذّباب في شرابك. فقال:
/و ليس القذى بالعود يسقط في الخمر ... ولا بذباب نزعه أيسر الأمر
ولكن قذاها زائر لا نحبّه ... رمتنا به الغيطان من حيث لا ندري
قال: فقام الرجل فانصرف.
وأخبرني عمّي رحمه اللّه بهذا الحديث عن الكرانيّ عن الزّياديّ عن عليّ بن الحفّار أخي أبي الحجّاج [1]:
أنّ الأخطل جاء إلى معبد في قدمة قدمها إلى الشأم. فقال له معبد: إنّي أحبّ محادثتك. فقال له: وأنا أحبّ ذلك. وقاما يتصبّحان [2] الغدران حتى وقفا على غدير فنزلا وأكلا؛ فتبعهما [3] أعرابيّ فجلس معهما. وذكر الخبر مثل الذي قبله.
لبى دعوة شاب من أهل الكوفة وشعره في ذلك:
أخبرنا أبو خليفة عن محمد بن سلّام قال قال أبان بن عثمان حدّثني أبي قال:
دعا الأخطل شابّ من شباب أهل الكوفة إلى منزله. فقال له: يابن أخي، أنت لا تحتمل المئونة وليس عندك معتمد؛ فلم يزل به حتى انتجعه، فأتى الباب فقال: يا شقراء، فخرجت إليه امرأة، فقال لأمّه: هذا أبو مالك قد أتاني؛ فباعت غزلا لها واشترت له لحما ونبيذا وريحانا. فدخل خصّا لها فأكل معه وشرب، وقال في ذلك:
وبيت كظهر الفيل جلّ متاعه ... أباريقه والشارب المتقطر [4]
ترى فيه أثلام الأصيص [5] كأنها ... إذا بال فيها الشيخ جفر [6] معوّر
لعمرك ما لاقيت يوم معيشة ... من الدهر إلّا يوم شقراء أقصر
حواريّة لا يدخل الذّمّ بيتها ... مطهّرة يأوي إليها مطهّر
__________
[1] في ج: «عن علي بن علي الحفار أخي أبي العجاج».
[2] يتصبحان الغدران: يأتيانها صباحا.
[3] في الأصول «فتبعهم» وهو تحريف.
[4] كذا في أكثر الأصول وشعر الأخطل. والمتقطر: المصروع. وفي ب، س: «الشادن المتعطر».
[5] الأصيص: أسفل الدن كان يوضع ليبال فيه.
[6] الجفر: البئر الواسعة. والمعور: المكبوس بالتراب. وفي ب، س: «حير مقور» وهو تحريف.
/ وذكر هارون بن الزيّات هذا الخبر عن حمّاد عن أبيه أنه كان نازلا على عكرمة الفيّاض وأنه خرج من عنده يوما، فمرّ بفتيان يشربون ومعهم قينة يقال لها شقراء. وذكر الخبر مثل ما قبله، وزاد فيه: فأقام عندهم أربعة أيّام. وظنّ عكرمة أنه غضب فانصرف عنه. فلما أتاه أخبره بخبره، فبعث إلى الفتيان بألف درهم وأعطاه خمسة آلاف، فمضى بها إليهم وقال: إستعينوا بهذه على أمركم. ولم يزل ينادمهم حتى رحل.
حكم بين جرير والفرزدق بأمر بشر بن مروان:
أخبرني أبو خليفة عن محمد بن سلّام قال حدّثني أبو يحيى الضّبّيّ قال:
إجتمع الفرزدق وجرير والأخطل عند بشر بن مروان، وكان بشر يغري بين الشعراء. فقال للأخطل: احكم بين الفرزدق وجرير. فقال: أعفني أيها الأمير. قال: احكم بينهما، فاستعفاه بجهده فأبى إلا أن يقول؛ فقال: هذا حكم مشئوم؛ ثم قال: الفرزدق ينحت من صخر، وجرير يغرف من بحر. فلم يرض بذلك جرير، وكان سبب الهجاء بينهما. فقال جرير في حكومته:
يا ذا الغباوة [1] إنّ بشرا قد قضى ... ألّا تجوز حكومة النّشوان
فدعوا الحكومة لستم من أهلها ... إنّ الحكومة في بني شيبان
قتلوا كليبكم [2] بلقحة جارهم ... يا خزر تغلب لستم بهجان
فقال الأخطل يردّ على جرير:
ولقد تناسبتم [3] إلى أحسابكم ... وجعلتم حكما من السّلطان
/ فإذا كليب لا تساوي دارما ... حتى يساوي حزرم [4] بأبان
/ وإذا جعلت أباك في ميزانهم ... رجحوا وشال أبوك في الميزان
وإذا وردت الماء كان لدارم ... عفواته [5] وسهولة الأعطان
ثم استطارا في الهجاء.
مناقضة بينه وبين جرير
أخبرني أبو خليفة قال حدّثنا محمد بن سلّام قال حدّثنا أبو الغراف قال:
لما قال جرير:
إذا أخذت قيس عليك وخندف ... بأقطارها لم تدر من أين تسرح
__________
[1] في ج: «يا ذا العباءة».
[2] يشير إلى حادثة كليب وجساس بن مرة الشهيرة. واللقحة: الناقة الحلوب.
[3] في «ديوانه» ص (274): «و لقد تجاربتم على أحسابكم».
[4] حزوم: جبيل فوق الهضبة في ديار بني أسد. (عن «شرح القاموس» مادة حزرم). وأبان: جبل شرقي الحاجز فيه نخل وماء، ويعرف بالأبيض، وهو أيضا جبل لبني فزارة وهو المعروف بالأسود، وبينهما ميلان وقيل فيهما غير ذلك. (انظر «معجم البلدان» لياقوت و «شرح القاموس» مادة أبن).
[5] عفوة كل شي ء: صفوته وكثرته. والعطن: مناخ الإبل حول الورد.
قال الأخطل [1]. لا أين! سد واللّه عليّ الدنيا. فلما أنشد قوله:
فما لك في نجد حصاة تعدّها ... وما لك من غوري تهامة أبطح
قال الأخطل: لا أبالي واللّه ألّا يكون فتح لي والصّليب القول؛ ثم قال:
ولكن لنا برّ العراق وبحره ... وحيث ترى القرقور [2] في الماء يسبح
استشهد تغلبي بشعر لجرير في محاورة بينه وبين تميمي
أخبرنا أبو خليفة عن محمد بن سلّام قال حدّثني محمد بن الحجّاج الأسيّديّ قال:
خرجت إلى الصائفة [3] فنزلت منزلا ببني تغلب فلم أجد به طعاما ولا شرابا ولا علفا لدوابّي شرى ولا قرى ولم أجد ظلّا؛ فقتل لرجل منهم: ما في داركم هذه مسجد/ يستظلّ فيه؟ فقال: ممّن أنت؟ قلت: من بني تميم.
قال: ما كنت أرى عمّك جريرا إلّا قد أخبرك حين قال:
فينا المساجد والإمام ولا ترى ... في آل تغلب مسجدا معمورا
لقيه جرير حين خرج إلى الشام فتناشدا وتعارفا
أخبرني أبو خليفة قال أنبأنا محمد بن سلّام قال حدّثني شيخ من ضبيعة قال:
خرج جرير إلى الشام فنزل منزلا ببني تغلب فخرج متلثّما عليه ثياب سفره، فلقيه رجل لا يعرفه. فقال: ممّن الرجل؟ قال: من بني تميم. قال: أما سمعت ما قلت لغاوي بني تميم؟! فأنشده مما قال لجرير. فقال: أما سمعت ما قال لك غاوي بني تميم؟! فأنشده. ثم عاد الأخطل وعاد جرير في نقضه حتى كثر ذلك بينهما. فقال التغلبيّ: من أنت؟ لا حيّاك اللّه! واللّه لكأنك جرير. قال: فأنا جرير. قال: وأنا الأخطل.
دخل على عبد الملك وهو سكرارن فخلط في كلامه وأنشده
أخبرني عمّي قال أنبأنا الكرانيّ قال أنبأنا أبو عبد الرحمن عن المدائنيّ قال:
دخل الأخطل على عبد الملك وقد شرب، فكلّمه فخلّط في كلامه. فقال له: ما هذا؟ فقال:
إذا شرب الفتى منها ثلاثا ... بغير الماء حاول أن يطولا
مشى قرشيّة لا عيب فيها ... وأررخى من مآزره الفضولا
نزل به الفرزدق ضيفا في طريقه إلى الشام فتناشدا وتعارفا
أخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن عمّار قال حدّثني يعقوب بن إسرائيل قال أخبرني إسماعيل بن أبي محمد اليزيديّ قال أخبرني أبو محمد اليزيديّ قال:
خرج الفرزدق يؤمّ بعض الملوك من بني أميّة، فرفع له في طريقه بيت أحمر من أدم، فدنا منه وسأل فقيل
__________
[1] في ج، م، أ: «ظما أنشدها الأخطل قال ... ».
[2] القرقور: السفينة العظيمة.
[3] في أ، م: «الطائف» والصائفة: الغزو في الصيف.
له: [بيت] [1] الأخطل. فأتاه فقال: انزل. فلمّا نزل قام/ إليه الأخطل وهو لا يعرفه إلا أنه ضيف؛ فقعدا يتحدّثان.
فقال له الأخطل: ممّن الرجل؟ قال: من بني تميم. قال: فإنك إذا من رهط أخي الفرزدق. فقال: تحفظ من شعره شيئا؟ قال: نعم كثيرا. فما زالا يتناشدان ويتعجّب الأخطل من حفظه شعر الفرزدق إلى أن عمل فيه الشراب، وقد كان الأخطل قال له قبل ذلك: أنتم معشر/ الحنفيّة لا ترون أن تشربوا من شرابنا. فقال له الفرزدق: خفّض قليلا وهات من شرابك فاسقنا. فلمّا عملت الرّاح في أبي فراس قال: أنا واللّه الذي أقول في جرير فأنشده. فقام إليه الأخطل فقبّل رأسه وقال: لا جزاك اللّه عنّي خيرا! لم كتمتني نفسك منذ اليوم! وأخذا في شرابهما وتناشدهما، إلى أن قال له الأخطل: واللّه إنك وإيّاي لأشعر منه ولكنه أوتي من سير الشعر ما لم نؤته؛ قلت أنا بيتا ما أعلم أنّ أحدا قال أهجى منه، قلت:
قوم إذا استنبح الأضياف كلبهم ... قالوا لأمّهم بولي على النار
فلم يروه إلّا حكماء أهل الشعر. وقال هو:
والتغلبيّ إذا تنحنح للقرى ... حكّ استه وتمثّل الأمثالا
فلم تبق سقاة ولا أمثالها إلا رووه. فقضيا له أنه أسير شعرا منهما.
كان له دار ضيافة فمر به عكرمة الفياض وهو لا يعرفه فأكرمه
أخبرني إسماعيل بن يونس الشّيعيّ قال حدّثنا عمر بن شبّة قال قال المدائنيّ:
كان للأخطل الشاعر دار ضيافة، فمرّ به عكرمة الفيّاض وهو لا يعرفه، فقيل له: هذا رجل شريف قد نزل بنا.
فلمّا أمسى بعث إليه فتعشّى معه، ثم قال له: أتصيب من الشراب شيئا؟ قال: نعم. قال: أيه؟ قال: كلّه إلّا شرابك. فدعا له بشراب يوافقه، وإذا عنده قينتان هما خلفه وبينه وبينهما ستر، وإذا الأخطل أشهب اللّحية له ضفيرتان؛ فغمز الستر بقضيب في يده وقال: غنيّاني بأردية الشعر، فغنّتاه بقول عمرو بن شأس:
/و بيض تطلّى بالعبير كأنما ... يطأن وإن أعنقن [2] في جدد وحلا
لهونا بها يوما ويوما بشارب ... إذا قلت مغلوبا وجدت له عقلا
السبب في مدحه عكرمة بن ربعي الفياض
فأما السبب في مدح الأخطل عكرمة بن ربعيّ الفيّاض فأخبرنا به أبو خليفة عن محمد بن سلّام قال:
قدم الأخطل الكوفة فأتى حوشب بن رويم الشّيبانيّ، فقال: إني تحملت حمالتين لأحقن بهما دماء قومي فنهره، فأتى سيّار بن البزيعة، فسأله فاعتذر إليه، فأتى عكرمة الفيّاض، وكان كاتبا لبشر بن مروان، فسأله وأخبره بما ردّ عليه الرجلان؛ فقال: أمّا إني لا أنهرك ولا أعتذر إليك، ولكني أعطيك إحداهما عينا والأخرى عرضا. قال:
وحدث أمر بالكوفة فاجتمع له الناس في المسجد، فقيل له: إن أردت أن تكافىء عكرمة يوما فاليوم. فلبس جبّة خزّ وركب فرسا وتقلّد صليبا من ذهب وأتى باب المسجد ونزل عن فرسه. فلما رآه حوشب وسيّار نفسا عليه ذلك،
__________
[1] زيادة يقتضيها السياق.
[2] الإعناق: سير فسيح سريع. والجدد: الطرق.
وقال له عكرمة: يا أبا مالك، فجاء فوقف وابتدأ ينشد قصيدته [1]:
لمن الدّيار بحائل فوعال
حتى انتهى إلى قوله:
إنّ ابن ربعيّ كفاني سيبه ... ضغن العدوّ وغدرة المحتال [2]
أغليت حين تواكلتني وائل ... إنّ المكارم عند ذاك غوال
ولقد مننت على ربيعة كلّها ... وكفيت كلّ مواكل خذال
كابن البزيعة أو كآخر مثله ... أولى [3] لك ابن مسيمة الأجمال
/ إنّ اللّئيم إذا سألت بهرته ... وترى الكريم يراح [4] كالمختال
/ وإذا عدلت به رجالا لم تجد ... فيض الفرات كراشح الأوشال
قال: فجعل عكرمة يبتهج ويقول: هذه واللّه أحبّ إليّ من حمر النّعم.
ومما في شعر الأخطل من الأصوات المختارة:
صوت من المائة المختارة
أراعك بالخابور [5] نوق [6] وأجمال ... ودار عفتها الرّيح بعدي بأذيال
ومبنى قباب المالكيّة حولنا ... وجرد تغادى بين سهل وأجبال
عروضه من الطويل. الشعر للأخطل. والغناء لابن محرز، ولحنه المختار من خفيف الثقيل بإطلاق الوتر في مجرى البنصر عن إسحاق. وفيه خفيف رمل في هذا الوجه نسبه يحيى المكيّ إلى ابن محرز، وذكر الهشاميّ أنه منحول. وفيه لحنين الحيريّ ثقيل أوّل عن الهشاميّ.
__________
[1] عبارة «تجريد الأغاني»: «فلما رآه حوشب وسيّار نكسا رأسيهما، فقال له عكرمة الفياض: إلينا يا أبا مالك، فابتدأ ينشده قصيدته».
[2] وردت هذه الأبيات في «ديوانه» ص 159 باختلاف يسير عما هنا.
[3] أولى لك: ويل لك فهي كلمة تقال في مقام التهديد والوعيد وقال الأصمعي معناه: قاربك ما تكره أي نزل وحاق بك.
[4] راح الإنسان إلى الشي ء: إذا نشط له وسرّ به.
[5] الخابور: نهر بين رأس عين والفرات، وهو أيضا واد بالجزيرة.
[6] في ج: «برق».
11 - ذكر سائب خاثر ونسبه
نسب سائب خاثر
كان سائب خاثر مولى بني ليث. وأصله من فيء كسرى، واشترى عبد اللّه بن جعفر ولاءه من مواليه، وقيل:
بل اشتراه فأعتقه، وقيل: بل كان على ولائه لبني ليث، وإنما انقطع إلى عبد اللّه بن جعفر فلزمه وعرف به. وكان يبيع الطعام بالمدينة. واسم أبيه الذي أعتقه بنو ليث «يشا» [1].
هو أوّل من عمل العود بالمدينة وغنى به وأخذ عنه المغنون الأولون
قال ابن الكلبيّ وأبو غسّان وغيرهما: هو أوّل من عمل العود بالمدينة وغنّى به. وقال ابن خرداذبه: كان عبد اللّه بن عامر اشترى إماء صنّاجات [2] وأتى بهنّ المدينة، فكان لهنّ يوم في الجمعة يلعبن فيه، وسمع الناس منهنّ، فأخذ عنهنّ. ثم قدم رجل فارسيّ يسمّى بنشيط، فغنّى فأعجب عبد اللّه بن جعفر به. فقال له سائب خاثر:
أنا أصنع لك مثل غناء هذا الفارسيّ بالعربيّة، ثم غدا على عبد اللّه بن جعفر وقد صنع:
لمن الدّيار رسومها قفر
قال ابن الكلبيّ: وهو أوّل صوت غنّي به في الإسلام من الغناء العربيّ المتقن الصنعة. قال: ثم اشترى عبد اللّه بن جعفر نشيطا بعد ذلك، فأخذ عن سائب خاثر الغناء العربيّ وأخذ عنه ابن سريح وجميلة وعزّة الميلاء وغيرهم.
قتل يوم الحرة:
قال ابن الكلبيّ وحدّثني أبو مسكين قال:
كان سائب خاثر يكنى أبا جعفر، ولم يكن يضرب بالعود إنما كان يقرع بقضيب ويغنّي مرتجلا، ولم يزل يغنّي. وقتل يوم الحرّة. ومرّ به بعض القرشيّين وهو قتيل، فضربه برجله وقال: إنّ هاهنا لحنجرة حسنة. وكان سائب من ساكني المدينة.
قال ابن الكلبيّ: وكان سائب تاجرا موسرا يبيع الطعام، وكان تحته أربع نسوة، وكان انقطاعه إلى عبد اللّه بن جعفر، وكان مع ذلك يخالط سروات الناس وأشرافهم لظرفه وحلاوته وحسن صوته. وكان قد آلى ألا يغنّي أحدا سوى عبد اللّه بن جعفر، إلا أن يكون خليفة أو وليّ عهد أو ابن خليفة؛ فكان على ذلك إلى أن قتل. قال: وأخذ
__________
[1] في ج: «بشا» بالباء الموحدة. وفي «تجريد الأغاني»: «يسار».
[2] كذا في «نهاية الأرب» (ج 2 ص 237 من الطبعة الأولى). والصناجات: اللاعبات بالصنج وهو صفيحة مستديرة من نحاس تضرب بأخرى مثلها، وهو أيضا شيء ذو أوتار تختص به العجم. وفي الأصول: «نائحات».
معبد عنه غناء كثيرا فنحل الناس بعضه إليه [1]، وأهل العلم بالغناء يعرفون ذلك. وزعم ابن خرداذبه أنّ أمّ محمد/ ابن عمرو الواقديّ القاضي المحدّث بنت عيسى بن جعفر بن سائب خاثر.
هو أول من غنى بالعربية الغناء الثقيل:
وقال ابن الكلبيّ: سائب خاثر أوّل من غنّى بالعربيّة الغناء الثقيل؛ وأوّل لحن صنعه منه:
لمن الدّيار رسومها قفر
قال: فألفت هذا الصوت الفروح.
قال وحدّثني محمد بن يزيد أنّ أوّل صوت صنعه في شعر امرىء القيس:
أفاطم مهلا بعض هذا التدلّل
وأنّ معبدا أخذ لحنه فيه فغنّى عليه:
أمن آل ليلى باللّوى متربّع
وفد على معاوية مع عبد اللّه بن جعفر فسمع منه وأجازه:
أخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد عن أبيه عن ابن الكلبيّ عن لقيط قال:
وفد عبد اللّه بن جعفر على معاوية ومعه سائب خاثر فوقّع له في حوائجه، ثم عرض عليه حاجة لسائب خاثر؛ فقال معاوية: من سائب خاثر؟ قال: رجل من أهل المدينة ليثيّ يروي الشعر. قال: أو كلّ من روى الشعر أراد أن نصله! قال: إنه حسّنه. قال: وإن حسّنه! قال: أفأدخله إليك يا أمير المؤمنين؟ قال نعم. قال: فألبسته ممصّرتين [2] إزارا ورداء. فلما دخل قام على الباب ثم رفع صوته يتغنّى:
لمن الديار رسومها قفر
فالتفت معاوية إلى عبد اللّه بن جعفر فقال: أشهد لقد حسّنه! فقضى حوائجه وأحسن إليه.
نسبة هذا الصوت
لمن الديار رسومها قفر ... لعبت بها الأرواح والقطر
وخلالها من بعد ساكنها ... حجج مضين ثمان أو عشر
والزّعفران على ترائبها ... شرق [3] به اللّبّات والنّحر
الشعر ينسب إلى أبي بكر [4] بن المسور بن مخرمة الزّهريّ، وإلى الحارث بن خالد المخزوميّ، وإلى بعض
__________
[1] الذي في أمهات «كتب اللغة»: نحلة القول ينحله نحلا شبه إليه ونحلته القول أنحله نحلا بالفتح إذا أضفت إليه قولا قاله غيره وادّعيته عليه.
[2] كذا في «تجريد الأغاني». والممصر من الثياب: الذي فيه صفرة خفيفة. وفي الأصول: «مخصرتين» بالخاء المعجمة وهو تحريف.
[3] شرق الجسد بالطيب: امتلأ.
[4] كذا في ج: و «كتاب المعارف» لابن قتيبة ص 218، وفي سائر الأصول: «أبي ذكر» وهو تحريف. وقد ورد البيت الأخير في «لسان العرب» و «شرح القاموس» (مادة شرق) منسوبا للخيل.
القرشيّين من السبعة المعدودين من شعراء العرب. والغناء [1] لسائب خاثر ثقيل أوّل بالسبّابة عن الكلبيّ وحبش، وذكر أنّ لحن سائب خاثر ثقيل/ أوّل بالوسطى، ووافق إسحاق في ذلك، وذكر أنّ الثقيل الأوّل لنشيط. وذكر يونس أن فيه لحنا لمعبد ولم يجنّسه، وذكر الهشاميّ أن لحن معبد خفيف ثقيل، وأنّ فيه لابن سريج خفيف رمل.
سمعه معاوية عند ابنه يزيد فأعجبه وأمر يزيد بصلته:
أخبرنا أحمد بن عبيد اللّه بن عمّار وأحمد بن عبد العزيز الجوهريّ وإسماعيل بن يونس قالوا حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثني قبيصة بن عمرو قال حدّثنا محمد بن المنهال عن رجل حدّثه، وذكر ذلك أيضا ابن الكلبيّ عن لقيط قال:
أشرف معاوية بن أبي سفيان ليلا على منزل يزيد ابنه، فسمع صوتا أعجبه، واستخفّه السماع فاستمع قائما حتى ملّ، ثم دعا بكرسيّ فجلس عليه، واشتهى الاستزادة فاستمع بقية ليلته حتى ملّ. فلما أصبح غدا عليه يزيد.
فقال له: يا بنيّ! من كان جليسك البارحة؟ قال: أيّ جليس يا أمير المؤمنين؟ واستعجم عليه. قال: عرّفني فإنه لم يخف عليّ شيء من أمرك. قال: سائب خاثر. قال: فأخثر [2] له يا بنيّ من برّك وصلتك، فما رأيت بمجالسته بأسا.
سمعه معاوية عند ابن جعفر فأعجب به:
قال ابن الكلبيّ: قدم معاوية المدينة في بعض ما كان يقدم؛ فأمر حاجبه بالإذن للناس؛ فخرج الآذن ثم رجع فقال: ما بالباب أحد. فقال معاوية: وأين الناس؟ قال: عند ابن جعفر. فدعا ببغلته فركبها ثم توجّه إليهم. فلما جلس قال بعض القرشيّين/ لسائب خاثر: مطرفي هذا لك - وكان من خزّ - إن أنت اندفعت تغنّي ومشيت بين السّماطين وأنت تغنّي. فقام ومشى بين السماطين وغنّى:
لنا الجفنات الغرّ يلمعن بالضّحى ... وأسيافنا يقطرن من نجدة دما
فسمع منه معاوية وطرب وأصغى إليه حتى سكت وهو مستحسن لذلك، ثم قام وانصرف إلى منزله. وأخذ سائب خاثر المطرف.
قتله يوم الحرة وكلام يزيد فيه:
أخبرني حبيب بن نصر عن عمر بن شبّة عن الزّبيريّ، وأخبرني أبو بكر بن أبي شيبة البزّار قال حدّثنا أحمد بن الحارث الخرّاز عن المدائنيّ قال:
قتل سائب خاثر يوم الحرّة، وكان خشي على نفسه من أهل الشأم فخرج إليهم وجعل يحدّثهم ويقول: أنا مغنّ، ومن حالي وقصّتي كيت وكيت؛ وقد خدمت أمير المؤمنين يزيد وأباه قبله. قالوا: فغنّ لنا، فجعل يغنّي؛ فقام إليه أحدهم فقال له: أحسنت واللّه! ثم ضربه بالسيف فقتله. وبلغ يزيد خبره ومرّ به اسمه في أسماء من قتل يومئذ فلم يعرفه وقال: من سائب خاثر هذا؟ فقيل له: هو سائب خاثر المغنّي. فعرفه فقال: ويله!! ماله ولنا! ألم
__________
[1] هذه الألحان رويت هكذا في أكثر الأصول وفي أ، م: «و الغناء لسائب خاثر ثقيل أول بالوسطى ووافق إسحاق في ذلك وذكر أن الثقيل الأول للنشيط ... إلخ». وفي كلتا الروايتين اضطراب لا يخفى.
[2] أخثر: أكثر.
نحسن إليه ونصله ونخلطه بأنفسنا! فما الذي حمله على عداوتنا! لا جرم أن بغيه صرعه. وقال المدائنيّ في خبره:
فقال إنّ اللّه! أو بلغ القتل إلى سائب خاثر وطبقته! ما أرى أنه بقي بالمدينة أحد. ثم قال: قبحكم اللّه يأهل الشام! تجدهم صادفوه في حديقة أو حائط مستترا منهم فقتلوه.
أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال أنبأنا عمر بن شبّة قال حدّثني قبيصة بن عمرو قال حدّثني حاتم بن قبيصة قال حدّثني ابن جعدبة قال حدّثني مويلك عن أبيه قال قال لي سائب خاثر يوم الحرّة: هل سمعت شيئا صنعته؟ فغنّاني صوتا:
صوت
لمن طلل بين الكراع [1] إلى القصر ... يغيّب عنا آيه سبل القطر
إلى خالدات ما تريم وهامد ... وأشعث [2] ترسيه [3] الوليدة بالفهر [4]
/قال: فسمعت عجبا معجبا، ثم ذكر أهله وولده فبكى. فقلت له: وما يمنعك منهم؟ فقال: أمّا بعد شيء سمعته ورأيته من يزيد بن معاوية فلا! ثم تقدّم حتى قتل.
صوت من المائة المختارة
أقفر من أهله مصيف ... فبطن [5] نخلة فالعريف [6]
هل تبلغنّي ديار قومي ... مهريّة [7] سيرها زفيف
يا أمّ نعمان نوّلينا ... قد ينفع النائل الطّفيف
أعمامها الصّيد من لؤيّ ... حقّا وأخوالها ثقيف
الشعر لأبي فرعة الكنانيّ، والغناء لجرادتي عبد اللّه بن جدعان، ولحنه من خفيف الثقيل. وفيه في الثالث والرابع ثقيل أوّل مطلق.
__________
[1] كراع الأرض: ناحيتها وهو أيضا ما سال من أنف الجبل أو الحرة. وكراع الغميم: موضع بناحية الحجاز بين مكة والمدينة وهو واد أمام عسفان بثمانية أميال.
[2] الأشعث: الوتد.
[3] كذا في أ، م. وأرسى الشي ء: ثبته. وفي سائر الأصول «ترميه» بالميم وهو تحريف.
[4] الفهر: حجر يملأ الكف. وقد ورد هذا البيت في «اللسان» مادة «رسا» منسوبا للأحوص.
[5] بطن نخلة: موضع بين مكة والطائف.
[6] ظاهر أن مصيف والعريف: اسمان لموضعين. ولم نقف عليهما في «كتب البلدان» التي بين أيدينا.
[7] إبل مهرية: منسوبة إلى مهرة بن حيدان أبى قبيلة. وزفيف: سريع.
12 - ذكر جرادتي عبد اللّه بن جدعان وخبرهما وشيء من أخبار ابن جدعان
نسب عبد اللّه بن جدعان:
هو عبد اللّه بن جدعان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيّم بن مرّة بن كعب بن لؤيّ بن غالب.
كان جوادا فوهب لأميّة بن أبي الصلت أميّة الجرادتين:
قال ابن الكلبيّ: كانت لابن جدعان أمتان تسميّان الجرادتين تتغنيّان في الجاهليّة، سمّاهما [1] بجرادتي عاد.
ووهبهما عبد اللّه بن جدعان لأميّة بن أبي الصّلت الثّقفيّ، وقد كان امتدحه. وكان ابن جدعان سيّدا جوادا، فرأى أميّة ينظر إليهما هو عنده فأعطاه إيّاهما.
سؤال عائشة للنبي صلّى اللّه عليه وسلّم عنه:
وأخبرني أبو اللّيث نصر بن القاسم الفرائضيّ قال حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدّثنا حفص بن غياث عن داود عن الشّعبيّ عن مسروق عن عائشة قالت:
قلت: يا رسول/ اللّه إن ابن جدعان كان في الجاهليّة يصل الرّحم ويطعم المسكين فهل ذلك نافعه؟ قال:
«لا لم يقل يوما اغفر لي خطيئتي يوم الدّين».
قدم عليه أمية وهو عليل فضمنه قضاء دينه، فمدحه:
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثني جعفر بن الحسين قال حدّثني إبراهيم بن أحمد قال:
قدم أميّة بن أبي الصّلت على عبد اللّه بن جدعان؛ فلما دخل عليه قال له عبد اللّه: أمر ما أتى بك! فقال أميّة:
كلاب غرماء نبحتني ونهشتني. فقال له عبد اللّه: قدمت عليّ وأنا عليل من حقوق لزمتني ونهشتني، فأنظرني قليلا، ما في يدي [2]، وقد ضمنتك قضاء دينك ولا أسأل عن مبلغه. قال: فأقام أميّة أيّاما، فأتاه فقال:
/أأذكر حاجتي أم قد كفاني ... حياؤك إن شيمتك الحياء
وعلمك بالأمور وأنت قرم ... لك الحسب المهذّب والسّناء
كريم لا يغيّره صباح ... عن الخلق السّنيّ ولا مساء
__________
[1] في أ، م: «يسميهما».
[2] الطاهر أنه يريد: «ما في يدي شي ء».
تباري الرّيح مكرمة وجودا [1] ... إذا ما الكلب أحجره الشتاء
إذا أثنى عليك المرء يوما ... كفاه من تعرّضه الثناء
إذا خلّفت عبد اللّه فاعلم ... بأن القوم ليس لهم جزاء
فأرضك كلّ مكرمة بناها ... بنو تيم وأنت لهم سماء
فأبرز فضله حقّا عليهم ... كما برزت لناظرها السماء
فهل تخفى السماء على بصير ... وهل بالشمس طالعة خفاء
فلما أنشده أميّة هذا الشعر كانت عنده قينتان فقال: خذ أيّتهما شئت؛ فأخذ إحداهما وانصرف. فمرّ بمجلس من مجالس قريش فلاموه على أخذها وقالوا له: لقد لقيته عليلا، فلو رددتها عليه، فإن الشيخ يحتاج إلى خدمتها، كان ذلك أقرب لك عنده وأكثر من كل حقّ ضمنه لك، فوقع الكلام من أميّة موقعا وندم، ورجع إليه ليردّها عليه. فلما أتاه بها قال له ابن جدعان: لعلك إنّما رددتها لأن قريشا لا موك على أخذها وقالوا كذا وكذا، فوصف لأميّة ما قال له القوم. فقال أميّة: واللّه ما أخطأت يا أبا زهير. فقال عبد اللّه بن جدعان: فما الذي قلت في ذلك: فقال أميّة:
صوت
عطاؤك زين لامرىء إن حبوته ... ببذل وما كلّ العطاء يزين
وليس بشين لامرىء بذل وجهه ... إليك كما بعض السؤال يشين
/ غنّت فيه جرادتا عبد اللّه بن جدعان - فقال عبد اللّه لأميّة: خذ الأخرى؛ فأخذهما جميعا وخرج. فلما صار إلى القوم بهما أنشأ يقول - وقد أنشدنا هذه الأبيات أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ عن عمر بن شبّة وفيها زيادة - :
ومالي لا أحيّيه وعندي ... مواهب يطّلعن من النّجاد
لأبيض من بني تيم بن كعب ... وهم كالمشرفيّات الحداد
/ لكل قبيلة هاد [2] ورأس ... وأنت الرأس تقدم كلّ هادي
له بالخيف قد علمت معدّ ... وإن البيت يرفع بالعماد
له داع بمكّة مشمعلّ [3] ... وآخر فوق دارته ينادي
إلى ردح [4] من الشّيزي ملاء ... لباب البرّ يلبك بالشّهاد
وقال فيه أيضا:
ذكر ابن جدعان بخي ... ر كلّما ذكر الكرام
__________
[1] كذا في ج وفي سائر الأصول: «و مجدا».
[2] الهادي: العنق لأنها تتقدّم على البدن ولأنها تهدي الجسد وكل متقدم هاد.
[3] اشمعل القوم في الطلب إذا بادروا فيه وتفرقوا.
[4] ردح: جمع رداح وهي الجفنة العظيمة. والشيزي: خشب أسود تتخذ منه القصاع.
من لا يخون ولا يعقّ ... ولا تغيّره اللئام
نجب [1] النّجيبة والنجي ... ب له الرّحالة والزّمام
وفد على كسرى وأكل عنده الفالوذ فصنعه بمكة ودعا الناس إليه:
أخبرني محمد بن العباس اليزيديّ قال حدّثنا محمد بن إسحاق البغويّ قال حدّثنا الأثرم عن أبي عبيدة قال:
كان ابن جدعان سيّدا من قريش؛ فوفد على كسرى فأكل عنده الفالوذ، فسأل عنه فقيل له: هذا الفالوذ. قال:
وما الفالوذ؟ قالوا [2]: لباب البرّ يلبك مع عسل/ النحل. قال: ابغوني غلاما يصنعه؛ فأتوه بغلام يصنعه فابتاعه ثم قدم به مكة معه، ثم أمره فصنع له الفالوذ بمكة، فوضع الموائد بالأبطح إلى باب المسجد، ثم نادى مناديه: ألا من أراد الفالوذ فليحضر فحضر الناس؛ فكان فيمن حضر أميّة بن أبي الصّلت؛ فقال فيه:
ومالي لا أحيّيه وعندي ... مواهب يطّلعن من النّجاد
إليّ وإنّه للناس نهي [3] ... ولا يعتلّ بالكلم الصّوادي [4]
وذكر باقي الأبيات التي مضت متقدّما.
استشهاد سفيان بن عيينة في تفسير حديث بشعر لأمية فيه:
حدّثنا أحمد بن عبيد اللّه بن عمّار قال أخبرنا يعقوب بن إسرائيل مولى المنصور قال حدّثني محمد بن عمران الجرجانيّ - وليس بصاحب إسحاق الموصليّ؛ قال: وهو شيخ لقيته بجرجان - قال حدّثنا الحسين بن الحسن المروزيّ قال:
سألت سفيان بن عيينة فقلت: يا أبا محمد، ما تفسير قول النبي صلّى اللّه عليه وسلّم: «كان من أكثر دعاء الأنبياء قبلي لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير» وإنما هو ذكر وليس فيه من الدعاء شي ء؟
فقال لي: أعرفت حديث مالك بن الحارث: يقول اللّه جلّ ثناؤه: «إذا شغل عبدي ثناؤه عليّ عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين»؟ قلت: نعم! أنت حدّثتنيه عن منصور عن مالك بن الحارث. قال: فهذا تفسير ذلك، ثم قال: أما علمت ما قال أميّة بن أبي الصّلت حين خرج إلى ابن جدعان يطلب نائله وفضله. قلت: لا أدري؟ قال قال:
/أأذكر حاجتي أم قد كفاني ... حياؤك إنّ شيمتك الحياء
إذا أثنى عليك المرء يوما ... كفاه من تعرّضه الثناء
ثم قال سفيان: فهذا مخلوق ينسب إلى الجود فقيل له: يكفينا من مسألتك أن نثني عليك ونسكت حتى تأتي على حاجتنا، فكيف بالخالق!.
__________
[1] النجب: السخيّ الكريم كالنجيب.
[2] كذا في «تجريد الأغاني» وفي الأصول «قال» وهو تحريف.
[3] النهي: الغدير، وهو أيضا كل موضع يجتمع فيه الماء.
[4] الصوادي: العطاش. يريد أنه لا يلجأ إلى الكلم التي لا تجدي.
زاره أمية في احتضاره وقال فيه شعرا:
أخبرني الحرميّ قال حدّثنا الزّبير قال حدّثنا حميد بن حميد قال حدّثني جبّار ابن جابر قال:
دخل أميّة بن أبي الصّلت على عبد اللّه بن جدعان وهو يجود بنفسه؛ فقال له أميّة: كيف تجدك أبا زهير؟ قال:
إني لمدابر (أي/ ذاهب). فقال أميّة:
علم ابن جدعان بن عم ... رو أنّه يوما مدابر
ومسافر سفرا بعي ... دا لا يؤوب به المسافر
فقدوره بفنائه ... للضيف مترعة زواخر
تبدو الكسور [1] من انضرا [2] ... ج الغلي فيها والكراكر
فكأنهنّ بما حمي ... ن وما شحنّ [3] بها ضرائر
بذّ المعاشر كلّها ... بالفضل قد علم المعاشر
وعلا علوّ الشمس حتّى ... ما يفاخره مفاخر
دانت له أبناء فه ... ر من بني كعب وعامر
أنت الجواد ابن الجوا ... د بكم ينافر من ينافر
ترك الخمر قبل موته وذمها بشعر:
أخبرني عليّ بن سليمان الأخفش قال حدّثنا أبو سعيد السّكّريّ قال أخبرني أبو عبد الرحمن الغلابيّ عن الواقديّ عن ابن أبي الزّناد قال:
ما مات أحد من كبراء قريش في الجاهليّة إلّا ترك الخمر استحياء ممّا فيها من الدّنس؛ ولقد عابها ابن جدعان قبل موته فقال:
شربت الخمر حتى قال قومي ... ألست عن السّفاه بمستفيق
وحتى ما أوسّد في مبيت ... أنام به سوى التّرب السّحيق
وحتى أغلق [4] الحانوت رهني ... وآنست الهوان من الصديق
قال: وكان سبب تركه الخمر أن أميّة بن أبي الصّلت شرب معه فأصبحت عين أميّة مخضّرة يخاف عليها الذّهاب.
فقال له: ما بال عينك؟ فسكت. فلما ألحّ عليه قال له: أنت صاحبها أصبتها البارحة. فقال: أو بلغ منّي الشّراب
__________
[1] الكسور: جمع كسر وهو نصف العظم بما عليه من اللحم.
[2] الانضراج: الانفراج. يريد أن القدر إذا غلت واضطرب ماؤها بان اللحم الموضوع فيها. والكركرة: كالقهقهة ويعني بها صوت الماء في غليانه.
[3] كذا في أ، م و «شعراء النصرانية». وفي سائر الأصول: «و ما شحين».
[4] أغلق الرهن: أستحقه. والحانوت: الخمار، والحانوت أيضا: دكان الخمار.
الذي [1] أبلغ معه من جليسي هذا! لا جرم لأدينّها لك ديتين؛ فأعطاه عشرة آلاف درهم، وقال: الخمر عليّ حرام أن أذوقها أبدا، وتركها من يومئذ.
صوت من المائة المختارة
قد لعمري بتّ ليلي ... كأخي الداء الوجيع
ونجيّ الهمّ منّي ... بات أدنى من ضجيعي
كلما أبصرت ربعا ... خاليا فاضت دموعي
/ لا تلمنا إن خشعنا ... أو هممنا بالخشوع
إذا فقدنا سيّدا كا ... ن لنا غير مضيع
الشعر للأحوص. والغناء لسلّامة القسّ. ولحنه المختار من القدر الأوسط من الثقيل الأوّل بالوسطى في مجراها.
وقد قيل: إن الشعر والغناء جميعا لها، وقد قيل: إن الغناء لمعبد وإنها أخذته عنه.
__________
[1] يريد أو بلغ مني الشراب هذا الحد الذي يجري فيه لجليسي ذلك!.
13 - ذكر سلّامة القسّ وخبرها
نشأة سلامة القس ومن أخذت عنه الغناء، وسبب تسميتها بذلك:
كانت سلّامة مولّدة من مولّدات المدينة وبها نشأت. وأخذت الغناء عن معبد وابن عائشة وجميلة ومالك بن أبي السّمح وذويهم فمهرت. وإنما سمّيت سلّامة القسّ لأن رجلا يعرف بعبد الرحمن بن أبي عمّار الجشميّ من قرّاء أهل مكة، وكان يلقّب بالقسّ لعبادته، شغف بها وشهر، فغلب عليها لقبه. واشتراها يزيد بن عبد الملك في خلافة سليمان، وعاشت بعده، وكانت إحدى من اتّهم به الوليد من جواري أبيه حين قال له قتلته: ننقم عليك أنك تطأ جواري أبيك. وقد ذكرنا ذلك في خبر مقتله.
أخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد عن أبيه قال:
كانت حبابة وسلّامة القسّ من قيان أهل المدينة، وكانتا حاذقتين ظريفتين ضاربتين وكانت سلّامة أحسنهما غناء، وحبابة أحسنهما وجها، وكانت سلّامة تقول الشعر، وكانت حبابة تتعاطاه فلا تحسن. وأخبرني بذلك المدائنيّ عن جرير.
وحدّثني الزّبيريّ قال حدّثني من رأى سلّامة قال:
ما رأيت من قيان المدينة فتاة ولا عجوزا أحسن غناء من سلّامة. وعن جميلة أخذت الغناء.
كانت لسهيل بن عبد الرحمن، وشعر ابن قيس الرقيات فيها:
حدّثني أحمد بن عبيد اللّه بن عمّار وإسماعيل بن يونس قالا حدّثنا أبو زيد عمر بن شبّة قال حدّثني المدائنيّ قال:
كانت حبابة وسلّامة قينتين بالمدينة؛ أمّا سلّامة فكانت لسهيل بن عبد الرحمن، ولها يقول ابن قيس الرّقيّات:
/لقد فتنت ريّا وسلّامة القسّا ... فلم تتركا للقسّ عقلا ولا نفسا
فتاتان أمّا منهما فشبيهة ال ... هلال وأخرى منهما تشبه الشمسا
وغنّاه مالك بن أبي السّمح. وفيها يقول ابن قيس الرّقيّات:
أختان إحداهما كالشمس طالعة ... في يوم دجن وأخرى تشبه القمرا
قال: وفتن القسّ بسلّامة، وفيها يقول:
أهابك أن أقول بذلت نفسي ... ولو أنّي أطيع القلب قالا
حياء منك حتى سلّ جسمي ... وشقّ عليّ كتماني وطالا
سبب افتتان عبد الرحمن بن أبي عمار القس بها وشعره فيها:
قال: والقسّ هو عبد الرحمن بن أبي عمّار من بني جشم بن معاوية، وكان منزله بمكة. وكان سبب افتتانه بها فيما حدّثني خلّاد الأرقط قال سمعت من شيوخنا أهل مكة يقولون: كان القسّ من أعبد أهل مكة، وكان يشبّه بعطاء بن أبي رباح، وأنّه سمع غناء سلّامة القسّ على غير تعمّد منه لذلك. فبلغ غناؤها منه كلّ مبلغ؛ فرآه مولاها فقال له:
هل لك أن أخرجها إليك أو تدخل فتسمع! فأبى. فقال مولاها: أنا أقعدها في موضع تسمع غناءها ولا تراها فأبى؛ فلم يزل به حتى دخل فأسمعه غناءها فأعجبه. فقال له: هل لك في أن أخرجها إليك؟ فأبى. فلم يزل به حتى أخرجها فأقعدها بين يديه، فتغنّت فشغف بها وشغفت به، وعرف ذلك أهل مكة. فقالت له يوما: أنا واللّه أحبّك.
قال: وأنا واللّه أحبّك. قالت: وأحبّ أن أضع فمي على فمك. قال: وأنا واللّه أحبّ ذاك. قالت: فما يمنعك! فو اللّه إنّ الموضع لخال. قال: إنّي سمعت/ اللّه عزّ وجلّ يقول: الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ
[1] وأنا أكره أن تكون خلّة ما بيني وبينك تؤول إلى عداوة. ثم قام وانصرف وعاد إلى ما كان عليه من النّسك؛ وقال من فوره [1] فيها:
/إنّ التي طرقتك بين ركائب ... تمشي بمزهرها وأنت حرام
لتصيد قلبك أو جزاء مودّة ... إنّ الرفيق له عليك ذمام
باتت تعلّلنا وتحسب أنّنا ... في ذاك أيقاظ ونحن نيام
حتى إذا سطع الضّياء لناظر ... فإذا وذلك بيننا أحلام
قد كنت أعذل في السّفاهة أهلها ... فاعجب لما تأتى به الأيّام
فاليوم أعذرهم وأعلم أنما ... سبل الضّلالة والهدى أقسام
ومن قوله فيها:
ألم ترها لا يبعد اللّه دارها ... إذا رجّعت في صوتها كيف تصنع
تمدّ نظام القول ثم تردّه ... إلى صلصل [2] في صوتها يترجّع
وفيها يقول:
ألا قل لهذا القلب هل أنت مبصر ... وهل أنت عن سلّامة اليوم مقصر
ألا ليت أنّي حين صارت بها النّوى ... جليس لسلمى كلّما عجّ [3] مزهر
وقال في قصيدة له:
سلّام ويحك هل تحيين من ماتا ... أو ترجعين على المحزون ما فاتا
وقال أيضا:
__________
[1] عبارة أ، م: « ... من النسك من فوره وفيها يقول».
[2] الصلصلة: ترجيع الصوت.
[3] عج: رفع صوته وصاح.
سلّام هل لي منكم ناصر ... أم هل لقلبي عنكم زاجر
قد سمع الناس بوجدي بكم ... فمنهم اللّائم والعاذر
في أشعار كثيرة يطول ذكرها.
غنت هي وأختها ريا في شعر لابن قيس الرقيات وللأحوص وأجادتا في شعر الأحوص فحسده ابن قيس:
وأخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد عن أبيه قال حدّثني الجمحيّ قال:
كانت سلّامة وريّا أختين، وكانتا من أجمل النساء وأحسنهن غناء. فاجتمع الأحوص وابن قيس الرقيّات عندهما؛ فقال لهما ابن قيس الرقيّات: إنّي أريد أن أمدحكما بأبيات وأصدق فيها ولا أكذب؛ فإن أنتما غنّيتماني بذلك وإلّا هجوتكما ولا أقربكما. قالتا: فما قلت؟ قال قلت:
لقد فتنت ريّا وسلّامة القسّا ... فلم تتركا للقسّ عقلا ولا نفسا
فتاتان أمّا منهما فشبيهة ال ... هلال وأخرى منهما تشبه الشمسا
تكنّان أبشارا رقاقا وأوجها ... عتاقا [1] وأطرافا مخضّبة ملسا
فغنّته سلّامة واستحسنتاه. وقالتا للأحوص: ما قلت يا أخا الأنصار؟ قال قلت:
صوت
أسلام هل لمتيّم تنويل ... أم هل صرمت وغال ودّك غول
لا تصرفي عنّي دلالك إنّه ... حسن لديّ وإن بخلت جميل
/ أزعمت أنّ صبابتي أكذوبة ... يوما وأنّ زيارتي تعليل
- الغناء لسّلامة القسّ خفيف ثقيل أوّل بالبنصر عن الهشاميّ وحمّاد. وفيه لإبراهيم لحنان، أحدهما خفيف ثقيل بالبنصر في مجراها عن إسحاق وعمرو، والآخر ثقيل أوله استهلال عن الهشاميّ - فغنّت الأبيات. فقال ابن قيس الرّقيّات: يا سلّامة! أحسنت واللّه! وأظنّك عاشقة لهذا الحلقيّ [2]! فقال له الأحوص: ما الذي أخرجك [3] إلى هذا؟
قال: حسن غنائها بشعرك، فلو لا أنّ لك في قلبها محبّة مفرطة ما جاءها هكذا حسنا على هذه البديهة. فقال له الأحوص: على قدر حسن شعري على شعرك هكذا حسن الغناء به،/ وما هذا منك ألّا حسد، ونبيّن لك الآن ما حسدت عليه. فقالت سلّامة: لو لا أنّ الدخول بينكما يوجب بغضة لحكمت بينكما حكومة لا يردّها أحد. قال الأحوص: فأنت من ذلك آمنة. قال ابن قيس الرقيّات: كلّا! قد أمنت أن تكون الحكومة عليك، فلذلك سبقت بالأمان لها. قال الأحوص: فرأيك يدلّك على أن معرفتك بأنّ المحكوم عليه أنت؛ وتفرّقا. فلما صار الأحوص إلى منزله جاءه ابن قيس الرقيّات فقرع بابه، فأذن له وسلّم عليه واعتذر.
ومما قاله الأحوص في سلّامة القسّ وغنّي به:
__________
[1] العتق: الجمال والكرم.
[2] كذا في ج يقال: أتان حلقية (بالتحريك) إذا تداولتها الحمر فأصابها داء في رحمها. والمراد هنا واضح.
[3] في ح: «ما الذي أحوجك».
صوت
أسلام إنك قد ملكت فأسجحي ... قد يملك الحرّ الكريم فيسجح
منّي على عان أطلت عناءه ... في الغلّ عندك والعناة تسرّح
إنّي لأنصحكم وأعلم أنّه ... سيّان عندك من يغشّ وينصح
وإذا شكوت إلى سلامة حبّها ... قالت أجدّ منك ذا أم تمزح
الشعر للأحوص. والغناء لابن مسجح في الأوّل والثاني ثقيل أوّل بالوسطى عن عمرو. ولدحمان في الأربعة الأبيات ثقيل أوّل بالبنصر فيه استهلال. وفيه خفيف ثقيل يقال: إنه لمالك؛ ويقال: إنه لسلّامة القسّ.
أخبرني الحسين عن حمّاد عن أبيه قال قال أيّوب بن عباية:
كان عبد الرحمن بن عبد اللّه بن أبي عمّار من بني جشم بن معاوية، وكان فقيها عابدا من عبّاد مكة، يسمّى القسّ لعبادته؛ وكانت سلّامة بمكة لسهيل، وكان يدخل عليها الشعراء فينشدونها وتنشدهم وتعنّي من أحبّ الغناء؛ ففتن بها عبد الرحمن بن عبد اللّه بن أبي عمّار القسّ؛ فشاع ذاك وظهر، فسمّيت سلّامة القسّ بذلك.
سألها القس أن تغنيه بشعر له:
قال إسحاق وحدّثني أيوب بن عباية قال: سألها عبد الرحمن بن عبد اللّه بن أبي عمّار القسّ أن تغنّيه بشعر مدحها به ففعلت، وهو:
ما بال قلبك لا يزال يهيمه ... ذكر عواقب غيّهنّ سقام
إنّ التي طرقتك بين ركائب ... تمشي بمزهرها وأنت حرام
لتصيد قلبك أو جزاء مودّة ... إنّ الرفيق له عليك ذمام
باتت تعلّلنا وتحسب أننا ... في ذاك أيقاظ ونحن نيام
/ حتى إذا سطع الصباح لناظر ... فإذا وذلك بيننا أحلام
قد كنت أعذل في السّفاهة أهلها ... فاعجب لما تأتي به الأيّام
فاليوم أعذرهم وأعلم أنما ... سبل الغواية والهدى أقسام
أراد يزيد بن عبد الملك شراءها حين قدم مكة فأمرها أن تغني:
قال إسحاق وحدّثني المدائنيّ قال حدّثني جرير قال:
لمّا قدم يزيد بن عبد الملك مكة وأراد شراء سلّامة القسّ وعرضت عليه، أمرها أن تغنّيه، فكان أوّل صوت غنّته:
إنّ الّتي طرقتك بين ركائب ... تمشي بمزهرها وأنت حرام
والبيض تمشي كالبدور والدّمى ... ونواغم يمشين في الأرقام [1]
__________
[1] الرقم: ضرب مخطط من الوشي أو الخز أو البرود. وهذا البيت غير موجود في أ، م وفيه إقواء.
لتصيد قلبك أو جزاء مودّة ... إنّ الرفيق له عليك ذمام
فاستحسنه يزيد فاشتراها. فكان أوّل صوت غنّته لمّا اشتراها:
ألا قل لهذا القلب هل أنت مبصر ... وهل أنت عن سلّامة اليوم مقصر
ألا ليت أنّي حين صار بها النّوى ... جليس لسلمى حيث ما عجّ مزهر
/ وإنّي إذا ما الموت زال [1] بنفسها ... يزال بنفسي قبلها حين تقبر
إذا أخذت في الصوت كاد جليسها ... يطير إليها قلبه حين ينظر
كأنّ حماما راعبيّا [2] مؤدّيا ... إذا نطقت من صدرها يتغشمر [3]
فقال لها يزيد: يا حبيبتي، من قائل هذا الشعر؟ فقصّت عليه القصّة، فرقّ له وقال: أحسن وأحسنت!.
قال الأحوص شعرا وبعث به إليها حين رحل بها يزيد فغنت به يزيد:
قال إسحاق وحدّثني المدائنيّ قال:
لمّا اشترى يزيد بن عبد الملك سلّامة، وكان الأحوص معجبا بها وبحسن غنائها وبكثرة مجالستها؛ فلما أراد يزيد الرّحلة، قال أبياتا وبعث بها إلى سلّامة. فلما جاءها الشعر غنّت به يزيد وأخبرته الخبر، وهو:
صوت
عاود القلب من سلامة نصب [4] ... فلعينيّ من جوى الحبّ غرب
ولقد قلت أيها القلب ذو الشو ... ق، الّذي لا يحبّ حبّك حبّ
إنه قد دنا فراق سليمى ... وغدا [5] مطلب عن الوصل صعب
غنّاه ابن محرز ثاني ثقيل بالسبّابة في مجرى البنصر عن إسحاق. وفيه لابن مسجح خفيف ثقيل بالوسطى عن عمرو. وفيه لابن عبّاد وعلّويه رملان. وفيه لدحمان خفيف رمل. هذه الحكايات الثلاث عن الهشاميّ. وذكر حبش أنّ لسلّامة القسّ فيه ثاني ثقيل بالوسطى.
عاتبت حبابة حين استخفت بها لأثرتها عند يزيد:
قال إسحاق وحدّثني أيّوب بن عباية قال: كانت سلّامة وريّا لرجل واحد، وكانت حبابة لرجل، وكانت المقدّمة منهنّ سلّامة، حتى صارتا إلى يزيد بن عبد الملك، فكانت حبابة تنظر إلى سلّامة بتلك العين الجليلة المتقدّمة وتعرف فضلها عليها. فلمّا رأت أثرتها عند يزيد ومحبّة يزيد لها استخفّت بها. فقالت لها سلّامة! أي
__________
[1] زال: ذهب.
[2] الراعبي: جنس من الحمام، وحمامة راعبية: ترعب في صوتها ترعيبا وهو شدّة الصوت، جاء على لفظ النسب وليس به، وقيل: هو نسب إلى موضع لا أعرف صيغة اسمه. (عن «لسان العرب» مادة رعب).
[3] يتغشمر: يصوّت.
[4] النصب: الداء والبلاء. والغرب: الدمع.
[5] غدا هنا تامة يستغنى عن منصوبها.
أخيّه! نسيت لي فضلي عليك! ويلك! أين تأديب الغناء وأين حقّ التعليم! أنسيت قول جميلة يوما [و هي] [1] تطارحنا وهي تقول لك: خذي إحكام ما أطارحك من أختك سلّامة، ولن تزالي بخير ما بقيت لك وكان/ أمركما مؤتلفا!. قالت: صدقت خليلتي! واللّه لا عدت إلى شيء تكرهينه؛ فما عادت لها إلى مكروه. وماتت حبابة وعاشت سلّامة بعدها دهرا.
احتال ابن أبي عتيق على والي المدينة حتى جعله يسمع منها ويعدل عن إبعاد المغنين من المدينة:
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثني عمّي مصعب عن عبد الرحمن بن المغيرة الحزاميّ الأكبر قال:
لمّا قدم عثمان بن حيّان المرّيّ المدينة واليا عليها، قال له قوم من وجوه الناس: إنّك قد وليت على كثرة من الفساد؛ فإن كنت تريد أن تصلح فطهّرها من الغناء والزّنا. فصاح في ذلك وأجلّ أهلها ثلاثا يخرجون فيها من المدينة. وكان ابن أبي عتيق غائبا، وكان من أهل الفضل والعفاف والصلاح. فلما كان آخر ليلة من الأجل قدم فقال: لا أدخل منزلي حتى أدخل على سلّامة القسّ. فدخل عليها فقال: ما دخلت منزلي حتّى جئتكم أسلّم عليكم. قالوا: ما أغفلك عن أمرنا! وأخبروه الخبر. فقال: اصبروا عليّ [2] الليلة. فقالوا: نخاف ألّا يمكنك شيء وننكظ [3]./قال: إن خفتم شيئا فاخرجوا في السّحر. ثم خرج فاستأذن على عثمان بن حيّان فأذن له، فسلّم عليه وذكر له غيبته وأنه جاءه ليقضي حقّه، ثم جزاه خيرا على ما فعل من إخراج أهل الغناء والزّنا، وقال: أرجو ألّا تكون عملت عملا هو خير لك من ذلك. قال عثمان: قد فعلت ذلك وأشار به عليّ أصحابك. فقال: قد أصبت، ولكن ما تقول - أمتع اللّه بك - في امرأة كانت هذه صناعتها وكانت تكره على ذلك ثم تركته وأقبلت على الصّلاة والصيام والخير، وأتى رسولها إليك تقول: أتوجّه إليك وأعوذ بك أن تخرجني من جوار رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ومسجده؟
قال: فإنّي أدعها لك ولكلامك. قال ابن أبي عتيق: لا يدعك الناس، ولكن تأتيك وتسمع من كلامها وتنظر إليها، فإن رأيت أنّ مثلها ينبغي أن يترك تركتها؛ قال نعم. فجاءه بها وقال لها: اجعلي [4] معك سبحة وتخشعي ففعلت.
فلمّا دخل على عثمان حدّثته، وإذا هي من أعلم الناس بالناس وأعجب بها، وحدّثته عن آبائه وأمورهم ففكه لذلك. فقال لها ابن أبي عتيق: اقرئي للأمير فقرأت له؛ فقال لها احدي له ففعلت، فكثر تعجّبه. فقال: كيف لو سمعتها في صناعتها! فلم يزل ينزله شيئا شيئا حتى أمرها بالغناء. فقال لها ابن أبي عتيق: غنّي، فغنّت:
سددن خصاص [5] الخيم لمّا دخلنه ... بكلّ لبان [6] واضح وجبين
فغنّته؛ فقام عثمان من مجلسه فقعد بين يديها ثم قال: لا واللّه ما مثل هذه تخرج!. قال ابن أبي عتيق: لا يدعك الناس، يقولون: أقرّ سلّامة وأخرج غيرها. قال: فدعوهم جميعا؛ فتركوهم جميعا.
__________
[1] زيادة عن ح.
[2] كذا في «نهاية الأرب» (ح 5 ص 54 طبع دار الكتب المصرية طبعة أولى). وفي الأصول: «إلى الليلة».
[3] كذا في ح. يقال: أنكظة إذا أعجله عن حاجته. وفي سائر الأصول: «و تنكص».
[4] رواية، «أ، م»: «احملي».
[5] الخصاص: الخروق.
لما اشتراها رسل يزيد ورحلوا بها غنت مشيعيها عند سقاية سليمان بن عبد الملك:
أخبرني الحرميّ قال حدّثنا الزّبير قال حدّثنا عبد اللّه بن أبي فروة قال:
قدمت رسل يزيد بن عبد الملك المدينة فاشتروا سلّامة المغنّية من آل رمّانة بعشرين ألف دينار. فلما خرجت من ملك أهلها طلبوا إلى الرّسل أن يتركوها عندهم أيّاما ليجهّزوها بما يشبهها من حليّ وثياب وطيب وصبغ. فقالت لهم الرسل: هذا كلّه معنا لا حاجة بنا إلى شيء منه، وأمروها بالرّحيل. فخرجت حتى نزلت سقاية سليمان بن عبد الملك وشيّعها الخلق من أهل المدينة، فلما بلغوا السّقاية قالت للرسل: قوم كانوا يغشونني/ ويسلّمون عليّ، ولا بدّ لي من وداعهم والسلام عليهم، فأذن للناس عليها فانقضّوا حتى ملئوا رحبة القصر [1] ووراء ذلك؛ فوقفت بينهم [2] ومعها العود، فغنّتهم:
فارقوني وقد علمت يقينا ... ما لمن ذلق ميتة من إياب
إنّ أهل الحصاب قد تركوني ... مولعا موزعا بأهل الحصاب
أهل بيت تتايعوا [3] للمنايا ... ما على الدهر بعدهم من عتاب
سكنوا الجزع جزع بيت أبي مو ... سى إلى النخل من صفيّ السّباب [4]
كم بذاك الحجون [5] من حيّ صدق ... وكهول أعفّة وشباب
قال عيسى [6]: وكنت في الناس، فلم تزل تردّد هذا الصوت حتى راحت؛ وانتحب الناس بالبكاء عند ركوبها، فما شئت أن أرى باكيا إلّا رأيته.
كلفت الأحوص أن يحتال لدخول الغريض على يزيد حين قدم معه إلى دمشق:
أخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد عن أبيه قال:
وجّه يزيد بن عبد الملك إلى الأحوص في القدوم عليه، وكان الغريض معه، فقال له: اخرج معي حتى آخذ لك جائزة أمير المؤمنين وتغنّيه؛ فإنّي لا أحمل إليه شيئا هو أحبّ إليه منك، فخرجا. فلمّا قدم الأحوص على يزيد جلس له ودعا به. فأنشده مدائح فاستحسنها، وخرج من عنده؛ فبعثت إليه سلّامة جارية يزيد بلطف. فأرسل إليها:
إن الغريض عندي قدمت به هديّة إليك. فلمّا جاءها الجواب اشتاقت إلى الغريض وإلى الاستماع منه. فلمّا دعاها أمير المؤمنين تمارضت وبعثت إلى الأحوص: إذا دعاك أمير المؤمنين فاحتل له في أن تذكر له الغريض. فلما دعا يزيد الأحوص قال له يزيد: ويحك يا أحوص! هل سمعت شيئا في طريقك تطرفنا به؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين،
__________
[1] لعله يريد قصر سعيد بن العاص وهو بجوار المدينة. (انظر الكلام عليه في «الأغاني» ج 1 من هذه الطبعة في الكلام على أبي قطيفة).
[2] في «أ، م»: «فوقفت فيهم».
[3] تتابعوا: تهافتوا. (انظر الحاشية رقم 8 ص 321 ج 1 من هذه الطبعة).
[4] صفيّ السباب: موضع بمكة. (انظر الحاشية رقم 3 ص 322).
[5] الحجون: جبل بأعلى مكة عنده مدافن أهلها.
[6] كذا في الأصول. ولم يتقدّم لعيسى ذكر في هذا الخبر.
مررت في بعض الطريق فسمعت صوتا أعجبني حسنه وجودة شعره؛ فوقفت حتى استقصيت خبره، فإذا هو الغريض، وإذا هو يغنّي بأحسن صوت وأشجاه:
ألا هاج التذكّر لي سقاما ... ونكس الداء والوجع الغراما [1]
سلامة إنها [2] همّي ودائي ... وشرّ الداء ما بطن العظاما
فقلت له ودمع العين يجري ... على الخدّين أربعة سجاما [3]
عليك لها السلام فمن لصبّ ... يبيت الليل يهذي مستهاما
قال يزيد: ويلك يا أحوص! أنا ذاك في هوى خليلتي؛ وما كنت أحسب مثل هذا يتّفق، وإنّ ذاك لمما يزيد لها في قلبي. فلما صنعت يا أحوص حين/ سمعت ذاك؟ قال: سمعت ما لم أسمع يا أمير المؤمنين أحسن منه، فما صبرت حتى أخرجت الغريض معي وأخفيت أمره، وعلمت أنّ أمير المؤمنين يسألني عما رأيت في طريقي. فقال له يزيد: ائتني بالغريض ليلا وأخف أمره. فرجع الأحوص إلى منزله وبعث إلى سلّامة بالخبر. فقالت للرسول: قل له جزيت خيرا، قد انتهى إليّ كلّ ما قلت، وقد تلطّفت وأحسنت. فلمّا وارى الليل أهله بعث إلى الأحوص أن عجّل المجيء إليّ مع ضيفك. فجاء الأحوص مع الغريض فدخلا عليه. فقال غنّني الصوت الذي أخبرني الأحوص أنه سمعه منك - وكان الأحوص قد أخبر الغريض الخبر؛/ وإنما ذلك شعر قاله الأحوص يريد يحرّكه به على سلّامة ويحتال للغريض في الدخول عليه - فقال: غنّني الصوت الذي أخبرني الأحوص. فلما غنّاه الغريض دمعت عين يزيد ثم قال: ويحك!. هل يمكن أن تصير إلى مجلسي؟ قيل له: هي صالحة. فأرسل إليها فأقبلت. فقيل ليزيد: قد جاءت؛ فضرب لها حجاب فجلست، وأعاد عليه [4] الغريض الصوت؛ فقالت: أحسن واللّه يا أمير المؤمنين، فاسمعه منّي؛ فأخذت العود فضربته وغنّت الصوت، فكاد يزيد أن يطير فرحا وسرورا، وقال: يا أحوص، إنّك لمبارك! يا غريض غنّني في ليلتي هذا الصوت؛ فلم يزل يغنّيه حتى قام يزيد وأمر لهما بمال، وقال: لا يصبح الغريض في شيء من دمشق. فارتحل الغريض من ليلته، وأقام الأحوص بعده أيّاما ثم لحق به؛ وبعثت سلّامة إليهما بكسوة ولطف كثير.
رثت يزيد وناحت عليه حين مات:
أخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن عمّار قال حدّثني عليّ بن محمد النّوفليّ قال حدّثني رجل من أهلي من بني نوفل قال:
قدمت في جماعة من قريش على يزيد بن عبد الملك، فألفيناه في علّته التي مات فيها بعد وفاة حبابة، فنزلنا منزلا لاصقا بقصر يزيد، فكنّا إذا أصبحنا بعثنا بمولى لنا يأتينا بخبره، وربما أتينا الباب فسألنا، فكان يثقل في كلّ يوم. فإنّا لفي منزلنا ليلة إذ سمعنا همسا من بكاء ثم يزيد ذلك، ثم سمعنا صوت سلّامة القسّ وهي رافعة صوتها تنوح وتقول:
__________
[1] الغرام: الملازم الشديد.
[2] كذا في أ، م. وفي سائر الأصول: «إنما همي ... ».
[3] أربعة سجام: يريد بها اللحاظين والموقين للعينين، فإن الدمع يجري من الموقين، فإذا غلب وكثر جرى من اللحاظين أيضا.
[4] كذا في ج. وفي سائر الأصول: «عليها».
لا تلمنا إن خشعنا ... أو هممنا بخشوع
قد لعمري بتّ ليلي ... كأخي الداء الوجيع
كلّما أبصرت ربعا ... خاليا فاضت دموعي
قد خلا من سيّد كا ... ن لنا غير مضيع
ثم صاحت وا أمير المؤمنين! فعلمنا وفاته، فأصبحنا فغدونا في جنازته.
أخبرني الحرميّ قال حدّثنا الزّبير قال حدّثنا إسماعيل بن أبي أويس عن أبيه قال:
قال يزيد بن عبد الملك ما يقرّ عيني ما أوتيت من أمر الخلافة حتى أشتري سلّامة جارية مصعب بن سهيل الزّهريّ وحبابة جارية آل لاحق المكيّة؛ فأرسل فاشتريتا له. فلمّا اجتمعتا عنده قال: أنا الآن كما قال الشاعر:
فألقت عصاها واستقرّ بها النّوى ... كما قرّ عينا بالإياب المسافر
فلمّا توفّي يزيد رثته سلّامة فقالت وهي تنوح عليه هذا الشعر:
لا تلمنا إن خشعنا ... أو هممنا بخشوع
إذ فقدنا سيّدا كا ... ن لنا غير مضيع
وهو كاللّيث إذا ما ... عدّ أصحاب الدروع
يقنص الأبطال ضربا ... في مضيّ ورجوع
أخبرنا الحسين بن يحيى قال حدّثنا الزّبير والمدائنيّ أن سلّامة كانت لسهيل بن عبد الرحمن بن عوف، فاشتراها يزيد بن عبد الملك، وكانت مغنّية حاذقة جميلة ظريفة تقول الشعر، فما رأيت خصالا أربعا [1] اجتمعن في امرأة مثلها: حسن وجهها وحسن غنائها وحسن شعرها. قال: والشعر الذي كانت تغنّي به:
/لا تلمنا إن خشعنا ... أو هممنا بخشوع
للّذي حلّ بنا اليو ... م من الأمر الفظيع
وذكر باقي الأبيات مثل ما ذكره غيره.
قال إسحاق وحدّثني الجمحيّ قال حدّثنا من رأى سلّامة تندب يزيد بن عبد الملك بمرثية رثته بها، فما سمع السامعون بشيء أحسن من ذلك ولا أشجى؛ ولقد أبكت العيون وأحرقت القلوب وأفتنت [2] الأسماع، وهي:
يا صاحب القبر الغريب ... بالشأم في طرف الكثيب
بالشأم بين صفائح ... صمّ ترصّف بالجبوب [3]
__________
[1] لم يرد في الأصول إلّا ثلاث خصال.
[2] هكذا في الأصول بالهمز، وهي لغة أهل نجد، وأهل الحجاز يقولون فتنته المرأة وقد جاء باللغتين قول الشاعر:
لئن فتنتني لهي بالأمس أفتنت ... سعيدا فأمسى قد قلى كل مسلم
[3] كذا في م ونسخة الأستاذ الشنقيطي مصححة بقلمه. والجبوب: المدر المفتت. وفي ب، س، أ: «بالجنوب». وفي ج:
«بالجيوب» وكلاهما تصحيف.
لمّا سمعت أنينه ... وبكاءه عند المغيب
أقبلت أطلب طبّه ... والداء يعضل بالطبيب
/ الشعر لرجل من العرب كان خرج بابن له من الحجاز إلى الشأم بسبب امرأة هويها وخاف أن يفسد بحبّها، فلما فقدها مرض بالشأم وضني فمات ودفن بها. كذا ذكر ابن الكلبيّ، وخبره يكتب عقب أخبار سلّامة القسّ. والغناء لسلّامة ثقيل أوّل بالوسطى عن حبش. وفيه لحكم رمل مطلق في مجرى البنصر عن إسحاق. وفيه لحن لابن غزوان الدّمشقيّ من كتاب ابن خرداذبه غير مجنّس.
سألها الوليد بن يزيد أن تغنيه فيما رثت به أباه:
أخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد بن إسحاق عن أبيه قال حدّثني الجمحيّ قال:
حدّثني من حضر الوليد بن يزيد وهو يسأل سلّامة أن تغنّيه شعرها في يزيد وهي تتنغّص من ذلك وتدمع عيناها؛ فأقسم عليها فغنّته؛ فما سمعت شيئا أحسن من ذلك. فقال لها الوليد: رحم اللّه أبي وأطال عمري وأمتعني بحسن غنائك يا سلّامة!. بم كان أبي يقدّم عليك حبابة؟ قالت: لا أدري واللّه!. قال لها، لكنّني واللّه أدري! ذلك بما قسم اللّه لها. قالت: يا سيّدي أجل.
انتحل إسحاق الموصلي ما ناحت به على يزيد حين كلفته أم جعفر أن يصوغ لحنا تنوح به على الرشيد:
أخبرني يحيى بن عليّ بن يحيى قال حدّثني عبد اللّه بن عبد الملك الهداديّ عن بعض رجاله عن إسحاق بن إبراهيم الموصليّ قال:
سمعت نائحة مدنيّة تنوح بهذا الشعر:
قد لعمري بتّ ليلي ... كأخي الداء الوجيع
ونجيّ الهمّ منّي ... بات أدنى من ضلوعي
كلّما أبصرت ربعا ... دارسا فاضت دموعي
مقفرا من سيّد كا ... ن لنا غير مضيع
والشعر للأحوص. والنّوح لمعبد؛ وكان صنعه لسلّامة وناحت به سلّامة على يزيد. فلما سمعته منها استحسنته واشتهيته ولهجت به، فكنت أترنّم به كثيرا. فسمع ذلك/ منّي أبي فقال: ما تصنع بهذا؟ قلت: شعر قاله الأحوص وصنعه معبد لسلّامة وناحت به سلّامة على يزيد. ثم ضرب الدهر؛ فلما مات الرشيد إذا رسول أمّ جعفر قد وافاني فأمرني بالحضور. فسرت إليها؛ فبعثت إليّ: إني قد جمعت بنات الخلفاء وبنات هاشم لننوح [1] على الرشيد في ليلتنا هذه؛ فقل الساعة أبياتا رقيقة واصنعهن صنعة حسنة حتى أنوح بهن. فأردت نفسي على أن أقول شيئا فما حضرني وجعلت ترسل إليّ تحثّني، فذكرت هذا النّوح فأريت/ أنّي أصنع شيئا، ثم قلت: قد حضرني القول وقد صنعت فيه ما أمرت؛ فبعثت إليّ بكنيزة وقالت: طارحها حتى تطارحنيه. فأخذت كنيزة العود وردّدته عليها حتى أخذته، ثم دخلت فطارحته أمّ جعفر؛ فعبثت إليّ بمائة ألف درهم ومائة ثوب.
__________
[1] في الأصول: «لتنوح» بالتاء، وسياق الكلام يقتضي أن تكون بالنون، كما أثبتناها.
نسبة ما في هذه الأخبار من الأصوات
صوت
لقد فتنت ريّا وسلّامة القسّا ... فلم تتركا للقسّ عقلا ولا نفسا
فتاتان أمّا منهما فشبيهة ال ... هلال وأخرى منهما تشبه الشمسا
الشعر لعبد اللّه بن قيس الرّقيّات. والغناء لمالك خفيف ثقيل أوّل بالسبّابة في مجرى البنصر عن إسحاق. وفيه لابن سريح ثقيل أوّل عن الهشاميّ. وزعم عمرو بن بانة أن خفيف الثقيل لحنين الحيري. وقيل: إنّ الثقيل الأوّل لدحمان.
ومنها الشعر الذي أوّله:
أهابك أن أقول بذلت نفسي
صوت
أأثلة جرّ [1] جيرتك الزّيالا [2] ... وعاد ضمير ودّكم خبالا
فإنّي مستقيلك أثل لبّي ... ولبّ المرء أفضل ما استقالا
أهابك أن أقول بذلت نفسي ... ولو أنّي أطيع القلب قالا
حياء منك حتى سلّ جسمي ... وشقّ عليّ كتماني وطالا
الشعر للقسّ. والغناء لمعبد خفيف ثقيل أوّل مطلق في مجرى البنصر. وفيه لمعبد ثقيل أوّل بالوسطى، أوّله:
أهابك أن أقول بذلت نفسي
كيف تعلق القس بها وقصة لها معه:
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا هارون بن محمد بن عبد الملك الزيات قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثنا بكّار بن رباح قال:
كان عبد الرحمن بن عبد اللّه بن أبي عمّار من بني جشم بن معاوية، وقد كانت أصابت جدّه منّة من صفوان بن أميّة، وكان ينزل مكة، وكان من عبّاد أهلها، فسمّي القسّ من عبادته. فمرّ ذات يوم بسلّامة وهي تغنّي فوقف فتسمّع [3] غناءها. فرآه مولاها فدعاه إلى أن يدخله إليها فيسمع منها، فأبى عليه. فقال له: فإني أقعدك في مكان تسمع منها ولا تراها. فقال: أمّا هذا فنعم. فأدخله داره وأجلسه حيث يسمع غناءها؛ ثم أمرها فخرجت إليه. فلمّا رآها علقت بقلبه فهام بها، واشتهر وشاع خبره بالمدينة. قال: وجعل يتردّد إلى منزل مولاها مدّة طويلة. ثم إنّ/ مولاها خرج يوما لبعض شأنه وخلّفه مقيما عندها؛ فقالت له: أنا واللّه أحبّك! فقال لها: وأنا واللّه الذي لا إله إلا
__________
[1] جر جيرتك الزيالا أي سببوه وفي ج، م: «جد» بالدال المهملة والمستعمل متعديا في هذه المادة هو «أجد» وأما «جد» الثلاثي فيستعمل لازما.
[2] الزيال: الفراق. وفي ب، س: «الذيال» بالذال المعجمة، وهو تحريف.
[3] كذا في أ، م. وفي سائر الأصول: «فسمع».
هو. قالت: وأنا واللّه أشتهي أن أعانقك وأقبّلك! قال: وأنا واللّه. قالت: وأشتهي واللّه أن أضاجعك وأجعل بطني على بطنك وصدري على صدرك! قال: وأنا واللّه. قالت: فما يمنعك من ذلك؟ فو اللّه إنّ المكان لخال!. قال:
يمنعني منه قول اللّه عزّ وجل: الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ
فأكره أن تحول مودّتي لك عداوة يوم القيامة. ثم خرج من عندها وهو يبكي؛ فما عاد إليها بعد ذلك.
لما ملكها يزيد وملك حبابة صار لا يبالي بعدهما شيئا:
وأخبرنا إسماعيل بن يونس قال حدّثنا عمر بن شبّة عن المدائنيّ قال:
لما ملك يزيد بن عبد الملك حبابة وسلّامة القسّ تمثّل:
/فألقت عصاها واستقرّ بها النّوى ... كما قرّ عينا بالإياب المسافر
ثم قال: ما شاء بعد من أمر الدنيا فليفتني.
صوت من المائة المختارة
وإنّي ليرضيني قليل نوالكم ... وإن كنت لا أرضى لكم بقليل
بحرمة ما قد كان بيني وبينكم ... من الوصل إلّا عدتم بجميل
الشعر للعبّاس بن الأحنف. والغناء لسليمان الفزاريّ. ولحنه المختار من الرّمل بالسبّابة في مجرى البنصر عن إسحاق. وفيه خفيف رمل أوّله الثاني ثم الأوّل، ينسب إلى حكم الواديّ وإلى سليمان أيضا. وفيه لحن من الثقيل الأوّل يقال: إنه لمخارق، ذكر حبش أنّ لحن مخارق ثاني ثقيل.
14 - أخبار العباس بن الأحنف ونسبه
نسب العباس بن الأحنف:
هو - فيما ذكر ابن النطّاح - العبّاس بن الأحنف بن الأسود بن طلحة ابن جدّان [1] بن كلدة [2] من بني عديّ بن حنيفة.
وأخبرني محمد بن يحيى الصّوليّ قال حدّثني القاسم بن إسماعيل قال سمعت إبراهيم بن العبّاس يقول:
العبّاس بن الأحنف بن الأسود بن قدامة بن هميان من بني هفان بن الحارث بن الذّهل بن الدّول [3] بن حنيفة.
قال: وكان حاجب بن قدامة عمّ العبّاس من رجال الدّولة.
قال محمد بن يحيى وحدّثني أبو عبد اللّه الكنديّ قال حدّثني محمد بن بكر الحنفيّ الشاعر قال حدّثني أبي قال:
سمعت العبّاس بن الأحنف يذكر أنّ هوذة بن عليّ الحنفيّ قد ولده من قبل بعض أمهاته.
هو شاعر غزل عفيف لم يهج ولم يمدح:
وكان العبّاس شاعرا غزلا ظريفا [4] مطبوعا، من شعراء الدّولة العبّاسيّة، وله مذهب حسن، ولديباجة شعره رونق، ولمعانيه عذوبة ولطف. ولم يكن يتجاوز الغزل إلى مديح ولا هجاء، ولا يتصرّف في شيء من هذه المعاني. وقدّمه أبو العباس المبرّد في كتّاب الرّوضة على نظرائه، وأطنب في وصفه، وقال: رأيت جماعة من/ الرّواة للشعر يقدّمونه. قال: وكان العبّاس من الظّرفاء، ولم يكن من الخلعاء [5]، وكان غزلا ولم يكن فاسقا، وكان ظاهر النّعمة ملوكيّ المذهب شديد التّترّف [6]، وذلك بيّن في شعره. وكان قصده الغزل وشغله النسيب، وكان حلوا مقبولا غزلا غزير الفكر واسع الكلام كثير التصرّف في الغزل وحده، ولم يكن هجّاء ولا مدّاحا.
كان حلو الحديث:
أخبرني محمد بن يحيى قال حدّثنا أبو ذكوان قال:
__________
[1] في ابن خلكان (ج 1 ص 346): «حردان».
[2] كذا في «تجريد الأغاني» وابن خلكان. وفي ب، س، ج: «صلدة». وفي أ، م: «طرة».
[3] في الأصول: «الديل بن حنيفة» وهو تحريف. (راجع «القاموس وشرحه» مادة دول و «لسان العرب» وكتاب «المعارف» لابن قتيبة ص 47 طبعة أوروبا).
[4] في ب، س، ج: «شريفا».
[5] كذا في «تجريد الأغاني» وفي ب، س: «الحلفاء». وفي سائر الأصول: «الخلفاء» وكلاهما تصحيف.
[6] كذا في «تجريد الأغاني». والتترف: التنعم. وفي ب، س: «التزيف». وفي ج: «التتريف». وفي أ، م: «التزايف» وكله تحريف.
سمعت إبراهيم بن العباس يصف العبّاس بن الأحنف، فقال: كان واللّه ممّن إذا تكلّم لم يحبّ سامعه أن يسكت، وكان فصيحا جميلا ظريف اللّسان، لو شئت أن تقول كلامه كله شعر لقلت.
حدّثني محمد بن يحيى قال حدّثني عبيد اللّه بن عبد اللّه بن طاهر قال:
رأيت نسخا من شعر العبّاس بن الأحنف بخراسان، وكان عليها مكتوب: «شعر الأمير أبي الفضل العبّاس».
هو من عرب خراسان ومنشؤه بغداد:
أخبرني عليّ بن سليمان الأخفش قال حدّثنا محمد بن يزيد قال حدّثني صالح بن عبد الوهاب:
أنّ العبّاس بن الأحنف كان من عرب خراسان، ومنشؤه ببغداد، ولم تزل العلماء/ تقدّمه على كثير من المحدثين، ولا تزال قد ترى له الشيء البارع جدا حتى تلحقه بالمحسنين.
/ أخبرني محمد بن يحيى قال حدّثنا يموت بن المزرّع قال.
سمعت خالي (يعني الجاحظ) يقول: لو لا أنّ العبّاس بن الأحنف أحذق الناس وأشعرهم وأوسعهم كلاما وخاطرا ما قدّر أن يكثر شعره في مذهب واحد لا يجاوزه، لأنه لا يهجو ولا يمدح ولا يتكسّب ولا يتصرّف، وما نعلم شاعرا لزم فنا واحدا لزومه فأحسن فيه وأكثر.
حدّثني محمد بن يحيى قال حدّثنا محمد بن القاسم بن خلّاد قال: أنشد الحرمازيّ أبو عليّ وأنا حاضر للعبّاس بن الأحنف:
صوت
لا جزى اللّه دمع عيني خيرا ... وجزى اللّه كلّ خير لساني
نمّ دمعي فليس يكتم شيئا ... ورأيت اللّسان ذا كتمان
كنت مثل الكتاب أخفاه طيّ ... فاستدلّوا عليه بالعنوان
- الغناء لعريب رمل - ثم قال الحرمازيّ: هذا واللّه طراز يطلب الشعراء مثله فلا يقدرون عليه.
لعنه أبو الهذيل العلاف لشعر قاله فهجاه:
أخبرني محمد قال حدّثني حسين بن فهم قال سمعت العطويّ يقول:
كان العبّاس بن الأحنف شاعرا مجيدا غزلا، وكان أبو الهذيل العلّاف يبغضه ويلعنه لقوله:
إذا أردت سلوا كان ناصركم ... قلبي، وما أنا من قلبي بمنتصر
فأكثروا أو أقلّوا من إساءتكم ... فكلّ ذلك محمول على القدر
قال: فكان أبو الهذيل يلعنه لهذا ويقول: يعقد الكفر والفجور في شعره.
/ قال محمد بن يحيى: وأنشدني محمد بن العباس اليزيديّ شعرا للعباس أظنّه يهجو به أبا الهذيل - وما سمعت للعبّاس هجاء غيره - :
يا من يكذّب أخبار الرسول لقد ... أخطأت في كلّ ما تأتي وما تذر
كذّبت بالقدر الجاري عليك فقد ... أتاك منّي بما لا تشتهي القدر
سئل الأصمعي عن أحسن ما يحفظ للمحدثين فأنشد من شعره:
حدثني محمد بن يحيى قال حدّثني محمد بن سعيد عن الرياشيّ قال:
قيل للأصمعيّ - أو قلت له - ما أحسن ما تحفظ للمحدثين؟ قال: قول العبّاس بن الأحنف:
صوت
لو كنت عاتبة لسكّن روعتي ... أملي رضاك وزرت غير مرّاقب
لكن مللت فلم تكن لي حيلة ... صدّ الملول خلاف صدّ العاتب
الغناء للعبّاس أخي بحر رمل.
معاتبته الأصمعي في مجلس الرشيد:
أخبرني هاشم بن محمد الخزاعيّ ومحمد بن العبّاس اليزيديّ قالا، واللفظ لهاشم، قال حدّثنا عبد الرحمن ابن أخي الأصمعيّ قال:
دخل عمّي على الرشيد والعبّاس بن الأحنف عنده، فقال العبّاسي للرشيد: دعني أعبث بالأصمعيّ. قال له الرشيد: إنه ليس ممن يحتمل العبث. فقال: لست أعبث به عبثا يشقّ عليه. قال: أنت أعلم. فلما دخل عمّي قال له:
يا أبا سعيد، من الذي يقول:
إذا أحببت أن تصن ... ع شيئا يعجب الناسا
فصوّر هاهنا فوزا ... وصوّر ثمّ عبّاسا
فإن لم يدنوا حتّى ... ترى رأسيهما راسا
فكذّبها بما قاست ... وكذّبه بما قاسى
/ فقال له عمّي يعرّض بأنه نبطيّ: قاله الذي يقول:
إذا أحببت أن تبص ... ر شيئا يعجب الخلقا
فصوّر هاهنا دورا ... وصوّر هاهنا فلقا [1]
فإن لم يدنوا حتّى ... ترى خلقيهما خلقا
فكذّبها بما لاقت ... وكذّبه بما يلقى
قال: فخجل العبّاس، وقال له الرشيد: قد نهيتك فلم تقبل.
__________
[1] الظاهر من السياق أن «دورا» و«فلقا» اسمان من الأسماء النبطية.
حديث إبراهيم بن العباس مع ابن مهرويه عن شعره:
حدّثني الحسن بن عليّ قال حدّثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال أنشدني إبراهيم بن العبّاسي للعبّاس بن الأحنف:
صوت
قالت ظلوم سميّة الظّلم ... مالي رأيتك ناحل الجسم
يا من رمى قلبي فاقصده ... أنت العليم بموضع السّهم
فقلت له: إن أبا حاتم السّجستانيّ حكى عن الأصمعيّ أنه أنشد للعبّاس بن الأحنف:
صوت
أتأذنون لصبّ في زيارتكم ... فعندكم شهوات السمع والبصر
لا يضمر السّوء إن طال الجلوس به ... عفّ الضمير ولكن فاسق النظر
فقال الأصمعيّ: ما زال هذا الفتى يدخل يده في جرابه فلا يخرج شيئا، حتى أدخلها فأخرج هذا، ومن أدمن طلب شيء ظفر ببعضه. فقال إبراهيم بن العبّاس: أنا لا أدري ما قال الأصمعيّ، ولكن أنشدك للعبّاس ما لا تدفع أنت ولا غيرك فضله، ثم أنشدني قوله:
/و اللّه لو أنّ القلوب كقلبها ... مارقّ للولد الضعيف الوالد
وقوله:
لكن مللت فلم تكن لي حيلة ... صدّ الملول خلاف صدّ العاتب
وقوله:
حتى إذا اقتحم الفتى لجج الهوى ... جاءت أمور لا تطاق كبار
ثم قال: هذا واللّه ما لا يقدر أحد على أن يقول مثله أبدا.
طلب الحسن بن وهب من بنان أن تغنيه بشعر فتندرت عليه:
حدّثني عمّي قال حدّثني ميمون بن هارون قال: كنّا عند الحسن بن وهب فقال لبنان: غنّيني:
أتأذنون لصبّ في زيارتكم ... فعندكم شهوات السّمع والبصر
لا يضمر السوء إن طال الجلوس به ... عفّ الضمير ولكن فاسق النظر
قال: فضحكت ثم قالت: فأيّ خير فيه إن كان كذا أو أيّ معنّى! فخجل الحسن من نادرتها [1] عليه، وعجبنا من حدّة جوابها وفطنتها.
__________
[1] في ب، س: «بادرتها».
مدح سعيد بن جنيد شعره في إخفاء أمره:
حدّثني الصّوليّ قال أخبرنا أحمد بن إسماعيل النّصيبيني قال سمعت سعيد بن جنيد [1] يقول: ما أعرف أحسن من شعر العبّاس في إخفاء أمره حيث يقول:
/أريدك بالسلام فأتّقيهم ... فأعمد بالسلام إلى سواك
وأكثر فيهم ضحكي ليخفى ... فسنّي ضاحك والقلب باك
تمثل الواثق بشعره إذا كان غضبان على بعض جواريه:
حدّثني الصّولي قال حدّثني عليّ بن محمد بن نصر قال حدّثني خالي أحمد بن حمدون قال:
كان بين الواثق وبين بعض جواريه شرّ فخرج كسلان، فلم أزل أنا والفتح بن خاقان نحتال لنشاطه، فرآني أضاحك الفتح فقال: قاتل اللّه ابن الأحنف حيث يقول:
/عدل من اللّه أبكاني وأضحكها ... فالحمد للّه عدل كلّ ما صنعا
اليوم أبكي على قلبي وأندبه ... قلب ألحّ عليه الحبّ فانصدعا
فقال الفتح: أنت واللّه يا أمير المؤمنين في وضع التّمثّل موضعه أشعر منه وأعلم وأظرف.
تمثل بشعره في عتاب جارية له:
أخبرني الصّوليّ قال حدّثني أحمد بن يزيد المهلّبيّ عن أبيه قال:
قالت للواثق جارية له كان يهواها وقد جرى بينهما عتب: إن كنت تستطيل بعزّ الخلافة فأنا أدلّ بعزّ الحبّ.
أتراك لم تسمع بخليفة عشق قبلك قطّ فاستوفى من معشوقه حقّه؛ ولكنّي لا أرى لي نظيرا في طاعتك. فقال الواثق:
للّه درّ ابن الأحنف حيث يقول:
أما تحسبيني أرى للعاشقين ... بلى، ثم لست أرى لي نظيرا
لعلّ الذي بيديه الأمور ... سيجعل في الكره خيرا كثيرا
مدح الزبير بن بكار شعره:
حدّثني الصّوليّ قال حدّثني المغيرة بن محمد المهلّبيّ قال: سمعت الزبير يقول: ابن الأحنف أشعر الناس في قوله:
تعتلّ بالشّغل عنّا ما تكلّمنا ... الشغل للقلب ليس الشغل للبدن
ويقول: لا أعلم شيئا من أمور الدنيا خيرها وشرّها إلا وهو يصلح أن يتمثّل فيه بهذا النصف الأخير.
استظرف إسحاق الموصلي شعره في مجافاة النوم:
حدّثني الصّوليّ قال حدّثني محمد بن سعيد عن حماد بن إسحاق قال: كان أبي يقول: لقد ظرف ابن الأحنف في قوله يصف طول عهده بالنّوم:
__________
[1] في ج: «حنيذ».
قفا خبّراني أيّها الرجلان ... عن النوم إنّ الهجر عنه نهاني
وكيف يكون النوم أم كيف طعمه ... صفا النّوم لي إن كنتما تصفان
قال: على قلّة إعجابه بمثل هذه الأشعار.
كان سلمة بن عاصم معجبا بشعره حتى كان يحمله معه:
حدّثني الصّوليّ قال حدّثني ميمون بن هارون بن مخلد قال حدّثنا أحمد بن إبراهيم قال: رأيت سلمة بن عاصم ومعه شعر العباس بن الأحنف، فعجبت منه وقلت: مثلك - أعزّك اللّه - يحمل هذا! فقال: ألا أحمل شعر من يقول:
صوت
أسأت أن أحسنت ظنّي بكم ... والحزم سوء الظنّ بالنّاس
يقلقني الشوق فآتيكم ... والقلب مملوء من الياس
غنّى هذين البيتين حسين بن محرز خفيف رمل بالوسطى. وأوّل الصوت:
يا فوز يا منية [1] عبّاس ... واحربا من قلبك القاسي
أعجب أعرابي بشعره:
وروى أحمد بن إبراهيم قال: أتاني أعرابيّ فصيح ظريف، فجعلت أكتب عنه أشياء/ حسانا؛ ثم قال:
أنشدني لأصحابكم الحضريّين. فأنشدته للعبّاس بن الأحنف:
ذكرتك بالتّفّاح لمّا شممته ... وبالرّاح لما قابلت أوجه الشّرب
تذكّرت بالتفّاح منك سوالفا ... وبالرّاح طعما من مقبّلك العذب
فقال: هذا عندك وأنت تكتب عنّي! لا أنشدك حرفا بعد هذا.
فضل العباس بن الفضل بعض شعره على قول أهل العراق:
وحدّثني الصّوليّ قال حدّثني الحسين بن يحيى الكاتب قال سمعت عبد اللّه بن العبّاس بن الفضل يقول: ما
أعرف في العراق أحسن من قول ابن الأحنف:
... سبحان ربّ العلا ما كان أغفلني ... عما رمتني به الأيام والزمن
من لم يذق فرقة الأحباب ثم يرى ... آثارهم بعدهم لم يدر ما الحرن
قال أبو بكر: وقد غنّى عبد اللّه بن العبّاس فيه صوتا خفيف رمل.
__________
[1] كذا في «ديوانه» طبع مطبعة الجوائب ص 91، وقد ورد فيه هذا البيت هكذا:
يا فوز يا منية عباس ... قلبي يفدّى قلبك القاسي
وفي الأصول: «يا هيبة عباس» وهو تحريف.
مدح حسين بن الضحاك شعره واستجاده:
حدّثني الصّوليّ قال حدّثنا ميمون بن هارون قال: سمعت حسين بن الضّحّاك يقول:
لو جاء العبّاس بن الأحنف بقوله ما قاله في بيتين في أبيات لعذر، وهو قوله:
لعمرك ما يستريح المحبّ ... حتى يبوح بأسراره
فقد يكتم المرء أسراره ... فتظهر في بعض أشعاره
ثم قال: أمّا قوله في هذا المعنى الذي لم يتقدّمه فيه أحد فهو:
الحبّ أملك للفؤاد بقهره ... من أن يرى للسّتر فيه نصيب
وإذا بدا سرّ اللبيب فإنّه ... لم يبد إلّا والفتى مغلوب
أخبرني الصّوليّ قال حدّثني الغلابيّ قال حدّثني الزّبير بن بكّار قال قال أبو العتاهية: ما حسدت أحدا إلا العبّاس بن الأحنف في قوله:
إذا امتنع القريب فلم تنله ... على قرب فذاك هو البعيد
فإني كنت أولى به منه وهو بشعري أشبه منه بشعره. فقلت له: صدقت، هو يشبه شعرك.
استجاد الكندي ضروب شعره:
أخبرني الصّوليّ قال حدّثني أبو الحسن الأنصاريّ قال: سمعت الكنديّ يقول: العباس بن الأحنف مليح ظريف حكيم جزل في شعره، وكان قليلا ما يرضيني الشعر. فكان ينشد له كثيرا:
صوت
ألا تعجبون كما أعجب ... حبيب يسيء ولا يعتب
وأبغي رضاه على سخطه ... فيأبى عليّ ويستصعب
فيا ليت حظّي إذا ما أسأ ... ت أنّك ترضى ولا تغضب
/ كان إبراهيم الموصلي مشغوفا بشعره كثير الغناء فيه:
أخبرني الصوليّ قال حدّثنا محمد بن الفضل قال حدّثني حماد بن إسحاق قال:
كان جدّي إبراهيم مشغوفا بشعر العبّاس، فتغنّى في كثير من شعره، فذكر أشعارا كثيرة حفظت منها:
صوت
وقد ملئت ماء الشّباب كأنّها ... قضيب من الرّيحان ريّان أخضر
هم كتموني سيرهم حين أزمعوا ... وقالوا اتّعدنا للرّواح وبكّروا
/ ذكر الهشاميّ أنّ اللحن في هذين البيتين لعلّوية رمل، وفي كتاب ابن المكيّ أنه لابن سريح، وهو غلط.
كلمة المأمون لما أنشد بيتا له:
وقد أخبرني الحسن بن عليّ عن الحسين بن فهم قال:
أنشد المأمون قول عبّاس بن الأحنف:
هم كتموني سيرهم حين أزمعوا ... وقالوا اتّعدنا للرّواح وبكّروا
فقال المأمون: سخروا بأبي الفضل.
قال: وحفظت منها:
صوت
تمنّى رجال ما أحبّوا وإنما ... تمنّيت أن أشكو إليك وتسمعا
أرى كلّ معشوقيّن [1] غيري وغيرها ... قد استعذبا طول الهوى وتمتّعا
الغناء لإبراهيم ثقيل أوّل بالبنصر. وفيه ثقيل أوّل بالوسطى ينسب إلى يزيد حوراء وإلى سليم بن سلّام.
/ قال وحفظت منها:
بكت عيني لأنواع ... من الحزن وأوجاع
وأني كلّ يوم عن ... دكم يحظى بي السّاعي
أعيش الدّهر إن عشت ... بقلب منك مرتاع
وإن حلّ بي البعد ... سينعاني لك النّاعي
الغناء لإبراهيم الموصليّ ثاني ثقيل بالوسطى عن عمرو. وفي كتاب إبراهيم بن المهديّ الذي رواه الهشاميّ عنه أن لإبراهيم بن المهديّ فيه لحنين: ثقيلا أوّل وماخوريا. وفيه هزج محدث.
غنى إبراهيم الموصلي في شعره وشعر ذي الرمة أكثر ما غنى في شعر غيرهما:
أخبرني الصوليّ قال حدّثنا أصحابنا عن محمد بن الفضل عن حمّاد بن إسحاق قال:
ما غنّى جدّي في شعر أحد من الشعراء أكثر ممّا غنّى في شعر ذي الرّمّة وعبّاس بن الأحنف.
مدح ابن الأعرابي شعرا له غنى له في حضرة أحد أولاد الرشيد:
أخبرني الصّوليّ قال حدّثني محمد بن عبد اللّه التّميميّ قال:
كنا في مجلس ابن الأعرابيّ، إذ أقبل رجل من ولد سعيد بن سالم كان يلزم ابن الأعرابيّ، وكان يحبّه ويأنس به، فقال له: ما أخّرك عنّي؟ فاعتذر بأشياء ثم قال: كنت مع مخارق عند بعض بني الرّشيد فوهب له مائة ألف درهم على صوت غنّاه به، فاستكثر ذلك ابن الأعرابيّ واستهاله وعجب منه، وقال: ما هو؟ قال: غنّاه بشعر عبّاس بن الأحنف:
__________
[1] في ج: «كل مشغوفين».
بكت عيني لأنواع ... من الحزن وأوجاع
وأني كل يوم عن ... دكم يحظى بي السّاعي
فقال ابن الأعرابيّ: أمّا الغناء فما أدري ما هو، ولكن هذا واللّه كلام قريب مليح.
نوّه الواثق بشعره:
حدّثني الصّوليّ قال حدّثنا محمد بن الهيثم قال حدّثني محمد بن عمرو الرّوميّ [1] قال:
كنّا عند الواثق فقال: أريد أن أصنع لحنا في شعر معناه أنّ الإنسان كائنا من كان لا يقدر على الاحتراس من عدوّه، فهل تعرفون في هذا شيئا؟ فأنشدنا ضروبا من الأشعار؛ فقال: ما جئتم بشيء مثل قول عبّاس بن الأحنف:
قلبي إلى ما ضرّني داعي ... يكثر أسقامي وأوجاعي
كيف احتراسي من عدوّي إذا ... كان عدوّي بين أضلاعي
/ أسلمني للحبّ أشياعي ... لمّا سعى بي عندها السّاعي
لقلّما أبقى على كلّ ذا ... يوشك أن ينعاني النّاعي
قال: فعمل فيه الواثق لحنه الثقيل الأوّل، النّشيد [2] بالوسطى.
قصة للمتوكل وعليّ بن الجهم في صدد شعره:
حدّثني الصّوليّ قال حدّثني محمد بن موسى أو حدّثت به عنه عن عليّ بن الجهم قال:
انصرفت ليلة من عند المتوكل، فلما دخلت منزلي جاءني رسوله يطلبني، فراعني ذلك وقلت: بلاء تتبّعت به بعد انصرافي، فرجعت إليه وجلا، فأدخلت عليه وهو في مرقده. فلما رآني ضحك، فأيقنت بالسلامة؛ فقال: يا عليّ، أنا مذ فارقتك ساهر؛ خطر [3] على قلبي هذا الشعر الذي يغنّي فيه أخي، قول الشاعر:
قلبي إلى ما ضرّني داعي الأبيات. فحرصت أن أعمل مثل هذا فلم يجئني، أو أن أعمل مثل اللّحن فما أمكنني؛ فوجدت في نفسي نقصا، فقلت: يا سيّدي، كان أخوك خليفة يغنّي وأنت خليفة لا تغنّى؛ فقال: قد واللّه أهديت إلى عيني نوما، أعطوه ألف دينار، فأخذتها وانصرفت.
أنشد أبو الحارث جميز من شعره فقال: إنه قاله في طباخة:
وجدت في كتاب الشّاهيني بغير إسناد:
أنشد أبو الحارث جمّيز [4] قول العباس بن الأحنف.
قلبي إلى ما ضرّني داعي
__________
[1] كذا في ج: «عمرو الدوري».
[2] كذا في أكثر الأصول. وفي ح: الثقيل النشيد بالوسطى». ولعل الصواب: «الثقيل الأوّل بالوسطى».
[3] في ب، س: «فخطر» بزيادة الفاء.
[4] كذا في «شرح القاموس والأغاني (ج 1 ص 83 من هذه الطبعة)» وقد ورد فيهما خلاف وتصويب فيه فانظره. وفي أ، ء، م:
«حمين». وفي ب، س: «حميد» بالحاء المهملة. وكلاهما تحريف.
الأبيات. فبكى ثم قال: هذا شعر رجل جائع في جارية طبّاخة مليحة، فقلت له: من أين قلت ذاك؟ قال: لأنه بدأ فقال:
قلبي إلى ما ضرّني داعي
وكذلك الإنسان يدعوه قلبه وشهوته إلى ما يضرّه من الطّعام والشّراب فيأكله، فتكثر عللّه وأوجاعه، وهذا تعريض، ثم صرّح فقال:
كيف احتراسي من عدوّي إذا ... كان عدوّي بين أضلاعي
وليس للإنسان عدوّ بين أضلاعه إلّا معدته، فهي تتلف ماله، وهي سبب أسقامه، وهي مفتاح كلّ بلاء عليه، ثم قال:
إن دام لي هجرك يا مالكي ... أوشك أن ينعاني النّاعي
فعلمت أنّ الطبّاخة كانت صديقته، وأنها هجرته ففقدها وفقد الطّعام، فلو دام ذلك عليه لمات جوعا ونعاه النّاعي.
تمثل الحسن بن وهب بشعره في حادثة له مع بنان:
وحدّثني الصّوليّ قال حدّثني محمد بن عيسى قال:
جاء عبد اللّه بن العبّاس بن الفضل بن الرّبيع إلى الحسن بن وهب، وعنده بنان جارية محمد بن حمّاد، وهي نائمة سكرى وهو يبكي عندها. فقال له: مالك؟ قال: قد كنت نائما فجاءتني فأنبهتني وقالت: اجلس حتى تشرب فجلست، فو اللّه ما غنّت/ عشرة أصوات حتى نامت وما شربت إلّا قليلا، فذكرت قول أشعر الناس وأظرفهم، العبّاس بن الأحنف.
صوت
أبكى الذين أذاقوني مودّتهم ... حتى إذا أيقظوني للهوى رقدوا
فأنا أبكي وأنشد هذا البيت.
كلام ابنه إبراهيم في مدح شعر له وبلاغته وابشاده له:
وحدّثني الصّوليّ قال حدّثني القاسم بن إسماعيل قال:
سمعت إبراهيم بن العبّاس يقول: ما رأيت كلاما محدثا أجزل في رقّة، ولا أصعب في سهولة، ولا أبلغ في إيجاز، من قول العباس بن الأحنف:
تعالي تجدّد دارس العهد بيننا ... كلانا على طول الجفاء ملوم
قال الصّوليّ: ووجدت بخطّ عبد اللّه بن الحسن: أنشد أبو محمد الحسن بن مخلد قال: أنشدني إبراهيم بن العباس بن الأحنف:
صوت
إن قال لم يفعل وإن سيل لم ... يبذل وإن عوتب لم يعتب
صبّ بعصياني ولو قال لي ... لا تشرب [1] البارد لم أشرب
إليك أشكو ربّ ما حلّ بي ... من صدّ هذا المذنب المغضب
غنّى في هذه الأبيات أحمد بن صدقة هزجا بالوسطى. وفيها لحن آخر لغيره - قال الحسن بن مخلد [2]: ثم قال لي إبراهيم بن العباس: هذا واللّه الكلام الحسن المعنى، السهل المورد، القريب المتناول، المليح اللفظ، العذب المستمع.
مدح علي بن يحيى شعره وقال على رويه شعرا:
حدّثني الصّوليّ قال حدّثني أحمد بن يزيد المهلّبيّ قال:
سمعت عليّ بن يحيى يقول: من الشعر المرزوق [3] من المغنّين خاصّة [شعر [4]] العباس بن الأحنف، وخاصّة قوله:
نام من أهدى لي الأرقا ... مستريحا سامني قلقا
فإنه غنّى فيه جماعة من المغنّين، منهم إبراهيم الموصليّ وابنه إسحاق وغيرهما. قال: وكان يستحسن هذا الشعر، وأظن استحسانه إيّاه حمله على أن قال في رويّه وقافيته:
بأبي واللّه من طرقا ... كابتسام البرق إذ خفقا
وعمل فيه لحنا من خفيف الثقيل في الإصبع الوسطى. هكذا رواه الصّوليّ:
وأخبرني جحظة قال حدّثني حمّاد بن إسحاق قال: قال أبي: هذا الصوت:
نام من أهدى لي الأرقا
مدح إسحاق شعره وقال إنه محظوظ من المغنين:
من الأشعار المحظوظة في الغناء لكثرة ما فيه من الصّنعة واشتراك المغنين في ألحانه. وذكر محمد بن الحسن الكاتب عن عليّ بن محمد بن نصر عن جدّه حمدون [5] أنّه قال ذلك ولم يذكره عن إسحاق.
نسبة هذين الصوتين منهما
صوت
نام من أهدى لي الأرقا ... مستريحا زادني قلقا
لو يبيت الناس كلّهم ... بسهادي بيّض الحدقا
/ كان لي قلب أعيش به ... فاصطلى بالحبّ فاحترقا
__________
[1] في الأصول: «لم تشرب ... ». والتصويب عن الديوان.
[2] في الأصول هنا: «الحسن بن خالد».
[3] في ب، س، م: «الموزون» وهو تحريف.
[4] تكملة يقتضيها سياق الكلام. وعبارة «تجريد الأغاني» «و من رقيق شعر العباس المحظوظ في الغناء قوله ... إلخ».
[5] في الأصول: «ابن حمدون». وهو تحريف. (راجع «الاستدراك» الأول ص 537 ج 5 من هذه الطبعة).
أنا لم أرزق مودّتكم ... إنما للعبد ما رزقا
لإسحاق في هذا الشعر خفيف بالوسطى في مجراها. ولأبيه إبراهيم أيضا فيه خفيف ثقيل آخر. ولابن جامع فيه لحنان: رمل مطلق في مجرى الوسطى في الأوّل والثالث، وخفيف رمل مطلق في مجرى الوسطى أيضا في الأبيات كلها. وفيه لسليم هزج، وفيه لعّلويه ثقيل أوّل.
نسبة صوت علي بن يحيى
صوت
/بأبي واللّه من طرقا ... كابتسام البرق إذ خفقا
زادني شوقا بزورته ... وملا قلبي به حرقا
من لقلب هائم دنف ... كلّما سلّيته قلقا
زارني طيف الحبيب فما ... زاد أن أغرى بي الأرقا
الشعر لعليّ بن يحيى، وذكر الصّوليّ أن الغناء له خفيف ثقيل أوّل بالوسطى.
وذكر أبو العبيس بن حمدون أنّ هذا الخفيف الثقيل من صنعته. وفيه لعريب ثاني ثقيل بالوسطى أيضا.
مدح عبد اللّه بن المعتز شعره:
حدّثني الصّوليّ قال: سمعت عبد اللّه بن المعتزّ يقول: لو قيل: ما أحسن شيء تعرفه؟ قلت: شعر العبّاس بن الأحنف:
صوت
قد سحّب الناس أذيال الظنون بنا ... وفرّق الناس فينا قولهم فرقا
فكاذب قد رمي بالحبّ غيركم ... وصادق ليس يدري أنّه صدقا
/ قال: وللمسدود [1] في هذا الشعر لحن. قال: ولم يغنّ المسدود أحسن من غنائه في شعر العبّاس بن الأحنف. هكذا ذكر الصّوليّ، ولم يأت بغير هذا. ولإسحاق في هذين البيتين ثقيل أوّل بالبنصر من نسخة عمرو بن بانة الثانية. ولابن جامع ثقيل أوّل بالوسطى عن الهشاميّ. وليزيد حوراء خفيف ثقيل عنه. وللمسدود رمل.
ولعبد اللّه بن العباس الرّبيعيّ خفيف رمل.
شكا الفضل بن الربيع جاريته إلى إبراهيم الموصلي فأحاله على شعره:
وأخبرني الصّوليّ قال حدّثني محمد بن سعيد قال حدّثني حمّاد بن إسحاق عن أبيه قال:
غضب الفضل بن الربيع على جارية له كانت أحبّ الناس إليه، فتأخّرت عن استرضائه، فغمّه ذلك، فوجّه إلى
__________
[1] كذا في «الأغاني» في ترجمته (ج 21 ص 256) واسمه الحسن، وكنيته أبو علي، وكان أبوه قصابا، وكان هو مسدود فرد منخر ومفتوح الآخر، وكان يقول: لو كان منخري الآخر مفتوحا لأذهلت بغنائي أهل الحلوم وذوي الألباب. وفي الأصول هنا في كل المرات التي ذكر فيها: «المشدود» بالشين المعجمة، وهو تصحيف.
أبي يعلمه ويشكوها إليه. فكتب إليه أبي: لك العزّة والشرف، ولأعدائك الذّل والرّغم. واستعمل قول العباس بن الأحنف:
تحمّل عظيم الذنب ممّن تحبّه ... وإن كنت مظلوما فقل أنا ظالم
فإنك إلّا تغفر الذنب في الهوى ... يفارقك من تهوى وأنفك راغم
فقال: صدقت، وبعث إليها فترضّاها.
دافع مصعب الزبيري عن شعره:
أخبرني الصّوليّ قال حدّثني أبو بكر بن أبي خيثمة قال:
قيل لمصعب الزّبيري: إن الناس يستبردون شعر العباس بن الأحنف. فقال: لقد ظلموه، أليس الذي يقول:
صوت
قالت ظلوم سميّة الظّلم ... مالي رأيتك ناحل الجسم
يا من رمى قلبي فاقصده ... أنت العليم بموقع السّهم
الغناء لأبي العبيس أو ابنه إبراهيم، ماخوريّ.
قال شعرا في البكاء فأجازته أم جعفر:
أخبرني الصّوليّ قال حدّثنا ميمون بن هارون قال حدّثني أبو عبد اللّه الهشاميّ الحسن بن أحمد [1] قال حدّثنا عمرو بن بانة قال:
كنّا في دار أمّ جعفر جماعة من الشعراء والمغنّين، فخرجت جارية لها وكمّها مملوء دراهم، فقالت: أيّكم القائل:
/من ذا يعيرك عينة تبكي بها ... أرأيت عينا للبكاء تعار
فأومىء إلى العباس بن الأحنف، فنثرت الدراهم في حجره فنفضها فلقطها الفرّاشون، ثم دخلت ومعها ثلاثة نفر من الفرّاشين على عنق كلّ فرّاش بدرة فيها دراهم، فمضوا بها إلى منزل العبّاس بن الأحنف:
أنشد الرشيد شعره في البكاء فدعا عليه وسخط:
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثني محمد بن موسى قال:
أنشد الرشيد قول العبّاس بن الأحنف:
من ذا يعيرك عينه تبكي بها
فقال: من لا صحبه اللّه ولا حاطه.
__________
[1] في الأصول: أبو عبد اللّه الهشامي أحمد بن الحسين». وهو تحريف. (راجع الجزء السابع من هذه الطبعة ص 293).
سرق مخلد الموصلي من شعره فكشفه عبد اللّه بن ربيعة الرقي:
حدّثني الصّوليّ قال حدّثني عون بن محمّد الكنديّ قال:
/ كنّا مع مخلد الموصليّ في مجلس وكان معنا عبد اللّه بن ربيعة الرّقّيّ؛ فأنشد مخلد الموصلي قصيدة له يقول فيها:
كلّ شيء أقوى عليه ولكن ... ليس لي بالفراق منك يدان
فجعل يستحسنه ويردّده، فقال له عبد اللّه: أنت الفداء لمن ابتدأ هذا المعنى فأحسن فيه حيث يقول:
سلبتني من السّرور ثيابا ... وكستني من الهموم ثيابا
كلما أغلقت من الوصل بابا ... فتحت لي إلى المنيّة بابا
عذّبيني بكلّ شيء سوى الص ... دّ فما ذقت كالصدود عذابا
قال: فضحك الموصليّ. والشعر للعباس بن الأحنف.
مدح الرياشي شعره:
وأخبرني الصّوليّ قال حدّثني أبو الحسن الأسديّ قال:
سمع الرّياشيّ يقول، وقد ذكر عنده العباس بن الأحنف: واللّه لو لم يقلّ من الشعر إلا هذين البيتين لكفيا:
صوت
أحرم منكم بما أقول وقد ... نال به العاشقون من عشقوا
صرت كأني ذبالة نصبت ... تضيء للنّاس وهي تحترق
وفي هذين البيتين لحن لعبد اللّه بن العبّاس من الثقيل الثاني بالبنصر. وفيه لخزرج رمل أوّل عن عبد اللّه بن العبّاس:
أنت لا نعلمين ما الهمّ والحز ... ن ولا تعلمين ما الأرق [1]
اختلف الرشيد وإسحاق الموصلي في مدحه ومدح أبي العتاهية:
أخبرني عليّ بن سليمان الأخفش قال حدّثني محمد بن يزيد المبرّد قال حدّثني بعض مشايخ الأزد عن إسحاق بن إبراهيم الموصليّ قال:
كان الرشيد يقدّم أبا العتاهية حتى يجوز الحدّ في تقديمه، وكنت أقدّم العبّاس بن الأحنف؛ فاغتابني بعض الناس عند الرشيد وعابني عنده، وقال عقب ذلك: وبحسبك يا أمير المؤمنين أنه يخالفك في العباس بن الأحنف على حداثة سنّه وقلّة حذقه وتجريبه، ويقدّمه على أبي العتاهية مع ميلك إليه. وبلغني الخبر فدخلت على الرّشيد؛
__________
[1] ورد هذا البيت في الأصول مفردا، وهو وإن كان على رويّ البيتين السابقين إلّا أنه لم يمهد له فالظاهر أن في الأصول نقصا.
فقال لي ابتداء: أيما أشعر عندك: العباس بن الأحنف أو أبو العتاهية؟ فعلمت الذي يريد، فأطرقت كأني مستثبت ثم قلت: أبو العتاهية أشعر. قال: أنشدني لهذا ولهذا؛ قلت: فبأيّهما أبدأ؟ قال: بالعباس. قال: فأنشدته أجود/ ما أرويه للعبّاس، وهو قوله:
أحرم منكم بما أقول وقد ... نال به العاشقون من عشقوا
فقال لي: أحسن، فأنشدني لأبي العتاهية، فأنشدته أضعف ما أقدر عليه، وهو قوله:
كأنّ عتّابة من حسنها ... دمية قسّ فتنت قسّها
يا ربّ لو أنسيتنيها بما ... في جنّة الفردوس لم أنسها
إني إذا مثل التي لم تزل ... دائبة في طحنها كدسها [1]
حتى إذا لم يبق منها سوى ... حفنة برّ قتلت نفسها
قال: أتعيّره [2] هذا! فأين أنت عن قوله:
قال لي أحمد ولم يدر ما بي ... أتحبّ الغداة عتبة حقّا
فتنفّست ثم قلت نعم حبّ ... ا جرى في العروق عرقا فعرقا
/ ويحك! أتعرف لأحد مثل هذا، أو تعرف أحدا سبقه إلى قوله: «فتنفّست ثم قلت كذا وكذا»! اذهب ويحك فاحفظها؛ فقلت: نعم يا أمير المؤمنين، ولو كنت سمعت بها لحفظتها. قال إسحاق: وما أشكّ إني كنت أحفظ لها حينئذ من أبي العتاهية، ولكنّي إنما أنشدت ما أنشدت تعصّبا.
صحب الرشيد إلى خراسان وعرّض للرجوع بشعر فاذن له:
قال محمد بن يزيد:
وحدّثت من غير وجه أنّ الرشيد ألف العباس بن الأحنف؛ فلما خرج إلى خراسان طال مقامه بها، ثم خرج إلى أرمينية والعباس معه ماشيا إلى بغداد، فعارضه في طريقه فأنشده:
قالوا خراسان أقصى ما يراد بنا ... ثم القفول فقد جئنا خراسانا
ما أقدر اللّه أن يدني على شحط ... سكان دجلة من سكّان جيحان [3]
متى الذي كنت أرجوه وآمله ... أمّا الذي كنت أخشاه فقد كانا
عين الزمان أصابتنا فلا نظرت ... وعذّبت بصنوف الهجر ألوانا
- في هذين البيتين الأخيرين رمل بالوسطى ينسب إلى مخارق وإلى غيره - قال فقال له الرشيد: قد اشتقت يا عبّاس وأذنت لك خاصة، وأمر له بثلاثين ألف درهم.
__________
[1] التكدس: العرمة من الطعام والتمر والدراهم ونحو ذلك.
[2] في الأصول «أتعيره بهذا». وهي لغة رديئة.
[3] جيحان: اسم نهر.
لم يبتذل هو لا العراف شعرهما في رغبة ولا رهبة:
أخبرني الصّوليّ قال حدّثنا محمد بن القاسم قال: سمعت مصعبّا الزّبيريّ يقول: العباس بن الأحنف وعمرو العرّاف [1] ما ابتدلا شعرهما في رغبة ولا رهبة، ولكن فيما أحبّاه، فلزما فنّا واحدا لو لزمه غيرهما ممّن يكثر إكثارهما لضعف فيه.
__________
[1] كذا في أكثر الأصول. وفي ج: «العراق». والظاهر أنه تحريف عن «الوراق»، فقد كان عمرو الوراق شاعرا غزلا ظريفا معاصرا للعباس بن الأحنف.
ذكر الأصوات التي تجمع النّغم العشر
منها:
صوت
توهّمت بالخيف رسما محيلا ... لعزّة تعرف منه الطّلولا
تبدّل بالحيّ صوت الصّدى ... ونوح الحمامة تدعو هديلا
عروضه من المتقارب. الخيف الذي عناه كثيّر ليس بخيف منّي، بل هو موضع آخر في بلاد ضمرة.
والطّلول: جمع طلل، وهو ما كان [1] له شخص وجسم عال من آثار الدّيار. والرّسم/ ما لم يكن له شخص [و جسم] [2]. والصّدى هاهنا: طائر، وفي موضع آخر: العطش. ويزعم أهل الجاهليّة أن الصّدى طائر يخرج من رأس المقتول فلا يزال يصيح [أسقوني] [2] حتى يدرك بثأره. قال طرفة:
كريم يروّي نفسه في حياته ... ستعلم إن متنا صدّى أيّنا الصّدي [3]
والحمام: القماريّ ونحوها من الطير. والهديل: أصواتها.
الشعر لكثيّر والغناء لعبيد اللّه بن عبد اللّه بن طاهر، ونسبه إلى جاريته وكنى عنها، فذكر أن الصّنعة لبعض من كثرت دربته بالغناء وعظم علمه وأتعب نفسه حتى جمع النّغم العشر في هذا الصوت، وذكر أن طريقته من الثقيل الأوّل، وأنّه ليس يجوز أن ينسبه إلى موضع إصبع مفردة؛ لأن ابتداءه على المثنى مطلقا، ثم بسبّابة المثنى، ثم وسطى المثنى، ثم بنصر المثنى، ثم خنصر المثنى، ثم سبّابة الزّير، ثم وسطاه، ثم بنصره، ثم خنصره، ثم النّغمة الحادّة، وهي العاشرة. وفيه لابن محرز ثاني ثقيل مطلق في مجرى البنصر. وفيه لابن الهربذ رمل بالوسطى عن عمرو، وهذا الصوت من الثقيل/ الثاني، وهو الذي ذكر إسحاق في كتاب النّغم وعللها أن لحن ابن محرز فيه يجمع ثمانيا من النغم العشر، وأنه لا يعرف صوتا [4] يجمعها غيره، وأنه يمكن من كان له علم ثاقب بالصناعة أن يأتي في صوت واحد بالنّغم العشر، بعد تعب طويل ومعاناة شديدة. وذكر عبيد اللّه أن صانع هذا الصوت الذي كنى عنه فعل ذلك وتلطّف له حتى أتى بالنغم العشر في هذا متوالية من أوّلها إلى آخرها، وأتى بها في الصوت الذي بعده متفرّقة على غير توال إلّا أنها كلّها فيه، وذكر أن ذلك الصوت أحسن مسموعا وأحلى. وحكى ذلك أيضا عنه
__________
[1] في ح «ما بان».
[2] زيادة عن ح.
[3] الصدى: العطشان.
[4] في الأصول: «و أنه لا يعرف صوتا إلى عشرة يجمعها ... إلخ». والظاهر أن كلمة «إلى عشرة» مقحمة.
يحيى بن عليّ بن يحيى في «كتاب النّغم». وإذ فرغت من حكاية ما ذكره وحكاه عبيد اللّه في نسبة هذا الصوت فقد ينبغي ألّا أجرى الأمر فيه على التقليد دون القول الصحيح فيما ذكره وحكاه. والذي وصفه من جهة النغم العشر متوالية في صوت واحد محال لا حقيقة له، ولا يمكن أحدا بتّة [1] أن يفعله. وأنا أبيّن العلّة في ذلك على تقريب، إذ كان استقصاء شرحها طويلا. وقد ذكرته في رسالة إلى بعض إخواني في علل النغم، وشرحت هناك العلّة في أن قسّم الغناء قسمين وجعل على مجريين: الوسطى والبنصر دون غيرهما، حتى لا يدخل [2] واحدة منهما على صاحبتها في مجراها قرب مخرج الصوت، إذا كان على الوسطى منه [أو] [3] إذا كان على البنصر وشبهه به. فإذا أراد مريد إلحاق هذا بهذا لم يمكنه بتّة على وجه ولا سبب؛ ولا يوجد في استطاعة حيوان أن يتلو إحداهما بالأخرى. وإذا أتبعت [4] إحداهما بالأخرى في ناي أو آلة من آلات الزمر تفصّلت إحداهما/ من الأخرى. وإنما قلّت النغم في غناء الأوائل لأنهم قسّموها قسمين بين هاتين الإصبعين، فوجدوهما إذا دخلت إحداهما مع الأخرى في طريقتها لم يكن ذلك إلا بعد أن يفصل بينهما بنغم أخرى للسبّابة والخنصر يدخل بينهما حتى تتباعد المسافة بينهما، ثم لا يكون لذلك الغناء ملاحة ولا طيب للمضادّة في المجريين، فتركوه ولم يستعملوه؛ فإن كان صحّ لعبيد اللّه عمل في النغم العشر في صوت،/ فلعلّه صحّ له في الصوت الذي ذكر أنه فرّقها فيه؛ فأما المتوالية - على ما ذكره هاهنا - فمحال، ولست أقدر في هذا الموضع على شرح أكثر من هذا، وهو في الرسالة التي ذكرتها مشروح.
*** انتهى الجزء الثامن من كتاب الأغاني ويليه الجزء التاسع وأوّله نسب كثير وأخباره
__________
[1] المشهور في هذه الكلمة أنها لا تنكر. قال ابن بري: مذهب سيبويه وأصحابه، أن البتة لا تكون إلّا معرفة لا غير، وإنما أجاز تنكيرها الفراء وحده، وهو كوفي.
[2] في الأصول: «لا تدخل» بالتاء المثناة الفوقية.
[3] زيادة يقتضيها السياق.
[4] في الأصول: «و لا إذا اتبعت ... إلخ». والظاهر إنها محرفة عما أثبتناه.
(كتاب الأغاني)
تأليف أبي الفرج الأصفهاني
ترجمة حارثة بن بدر
لحق بالجزء الثامن من طبعة دار الكتب
بتحقيق إبراهيم الأبياري
(تقديم)
(1) هذه الترجمة، من تراجم الجزء الحادي والعشرين. وتقع فيه بعد ترجمة «أم جعفر» وقبل ترجمة «خالد الكاتب»، وقد رمزنا إلى هذا الجزء الحادي والعشرين بالحرف «س».
(2) لم يورد ابن واصل هذه الترجمة، وهو الذي أورد في كتابه «تجريد الأغاني» جميع التراجم المزيدة التي انفرد بها الجزء الحادي والعشرون.
(3) ذكر أبو الفرج حديثه عن «الصوت من المائة المختارة» هناك (7: 148 طبعة بلاق - 8: 235 طبعة دار الكتب)، وهو يقدم لعنترة، ثم كرره هنا بنصه - مع خلاف يسير - وهو يترجم لحارثة بن بدر.
(4) قوبلت هذه الترجمة على مخطوطتين من مخطوطات «الأغاني» المحفوظة في دار الكتب:
(أ) الأولى من هاتين المخطوطتين قطعة قديمة كانت من بين مخطوطات مكتبة «الظافر» الخليفة الفاطمي.
وتقع هذه المخطوطة في مائة وخمس وسبعين ورقة، وأخبار حارثة تشغل الثماني عشرة ورقة الأخيرة منها؛ وهذه النسخة تحمل رقم 427 أدب، وقد رمزنا إليها أثناء المقابلة بحرف «أ».
(ب) وثانية المخطوطتين، مصوّرة مأخوذة عن نسخة مكتبة «فيض اللّه» بتركيا، ويرجع تاريخ نسخها إلى القرن التاسع أو العاشر الهجري، وتضم مائة لوحة؛ تقع أخبار «حارثة» في اللوحات من 80 إلى 89. وهذه النسخة تحمل رقم 19020 ز. وقد رمزنا إليها بحرف «ب».
(5) تتفق المخطوطتان على إيراد أخبار «حارثة بن بدر» قبل أخبار «أبي دلف»، وبعد أخبار «جميلة».
صوت [1] من المائة المختارة
يا دار عبلة من مشارق مأسل ... درس الشّؤون وعهدها لم ينجل [2]
واستبدلت عفر الظّباء كأنما ... أبعارها في الصّيف حبّ الفلفل
ذكر يحيى بن عليّ أن الشعر لعنترة بن شدّاد، وليس ذلك بصحيح. وذكر غيره من الرّواة أنه لعبد قيس بن خفاف البرجمي، وليس ذلك بصحيح أيضا، والشعر لحارثة بن بدر الغداني من قصيدة له طويلة يفتخر فيها ويذكر سالف أيامه. وقد ذكرت المختار منها بعقب أخبار حارثة وبعد انقضائها. والغناء المختار لأبي دلف العجلي، ولحنه في المختار [ثقيل أول، وفيه ألحان كثيرة [3]].
__________
[1] جاء هذا الصوت من المائة المختارة (7: 148 طبعة بلاق - 8: 235 طبعة دار الكتب) لعقب أخبار جميلة وقبل أخبار عنترة. وقد أضاف أبو الفرج هناك إلى هذين البيتين بيتين آخرين وهما:
تمشي النعام به خلاء حوله ... مشى النصارى حول بيت الهيكل
أحذا محل السوء لا تحلل به ... وإذا نبا بك منزل فتحوّل
ثم عقب أبو الفرج على الأبيات الأربعة بقوله: «الشعر فيما ذكر يحيى بن على عن إسحاق، لعنترة بن شداد العبسي. وما رأيت هذا الشعر في شيء من دواوين شعر عنترة، ولعله من رواية لم تقع إلينا، فذكر غير أبي أحمد أن الشعر لعبد قيس بن خفاف البرجمي، إلّا أن البيت الأخير لعنترة صحيح لا يشك فيه. والغناء لأبي دلف القاسم بن عيسى العجلي. ولحنه المختار على ما ذكره أبو أحمد من الثقيل الأوّل». ثم مضى أبو الفرج يذكر ألحانا أخرى مختلفة.
[2] دارة مأسل: من ديار بني عقيل. («معجم البلدان» في رسم: دارة مأسل).
[3] تكملة من: ب.
15 - نسب حارثة بن بدر وأخباره [1]
نسبه:
حارثة بن بدر بن حصين بن قطن بن غدانة بن يربوع.
وقال خالد بن حبل:
حارثة بن بدر بن مالك بن كليب [2] بن غدانة بن يربوع [3].
نسب أمه:
وأم حارثة بن بدر امرأة من بني صريم بن الحارث، يقال لها: الصّدوف، بنت صدى [4].
رأي ابن الأهتم فيه وفي الأحنف وابن جبلة:
أخبرني أحمد بن عبد العزيز، قال: حدّثنا عمر بن شبّة، قال: حدّثني العلاء بن الفضل بن [عبد الملك بن [5]] أبي سويّة المنقري، قال:
مرّ عمرو بن الأهتم بحارثة بن بدر، والأحنف بن قيس، وزيد بن جبلة، وهم مجتمعون، فسلّم عليهم، ثم بقي مفكرا، فقالوا: مالك؟ فقال: ما في الأرض ثلاثة أنجب من آبائكم، حيث جاؤوا بأمثالكم من أمثال أمهاتكم! فضحكوا منه.
أمه وأما الأحنف وابن جبلة:
قال:
وأم الأحنف: الزّافرية، واسمها حبّي، من باهلة، وأم زيد بن جبلة: عمرة بنت حذلم، من بني الشّعيراء. وأم حارثة: الصّدوف بنت صدى [4]، من بني صريم بن الحارث.
وقد مضى نسب بني يربوع في نسب جرير وغيره [من عشيرته [6]] من هذا الكتاب.
__________
[1] ترجم له ابن عساكر في كتابه «تاريخ دمشق» (8: 133 - 142 تاريخ تيمور 1041) معتمدا فيما ترجم على كتاب «الأغاني» في الكثير مما نقل.
[2] أ، ب: «كلب».
[3] سياق النسب في الجمهرة لابن الكلبي (226): «حارثة ابن بدر بن حصين بن قطن بن مالك بن غدانة بن يربوع».
[4] أ، ب: «الصدى».
[5] التكملة من «تهذيب التهذيب».
[6] تكملة من أ، ب.
شعر الفرزدق في بني غدانة وحديث هذا:
وفي بني غدانة يقول الفرزدق:
أبني غدانة إنّني حرّرتكم ... فوهبتكم [1] لعطيّه بن جعال
لو لا عطيّة لاجتدعت أنوفكم ... من بين ألأم أعين وسبال [2]
وكان عطية استوهب منه أعراضهم لصهر كان بينه وبينهم، وكان عطية سيّدا من سادات بني تميم. فلما سمع هذا الشعر قال: واللّه لقد امتن عليّ أبو فراس بهذه الهبة وما [3] تممها حتى ارتجعها، ووصل الامتنان بتحريرهم بأقبح هجاء لهم.
عطية وشعر جرير فيه:
قال:
وكان عطية هذا جوادا، وفيه يقول جرير [4]:
إن الجواد على المواطن كلها ... وابن الجواد عطية بن جعال
يهب النجائب لا يملّ عطاءها ... والمقربات كأنهن سعالى [5]
شيء عن حارثة:
وحارثة بن بدر من فرسان بني تميم ووجوهها وساداتها [و جودائها [6]]، وأحسب أنه قد أدرك النبي صلّى اللّه عليه وسلّم في حال صباه وحداثته. وهو من ولد [7] بني الأحنف بن قيس، وليس بمعدود في فحول الشعراء، ولكنه كان يعارض نظراءه الشّعر، وله من ذلك أشياء كثيرة ليست مما يلحقه بالمتقدمين في الشعر والمتصرفين في فنونه.
هو وابن زياد وقد عاتبه على الشراب:
أخبرني أحمد بن عبد العزيز [الجوهري [8]]، قال: أنبأنا عمر بن شبّة، قال: أنبأنا المدائني، قال: كان زياد مكرما لحارثة بن بدر، قابلا لرأيه، محتملا لما يعلمه من تناوله الشراب. [فلما ولي عبيد اللّه بن زياد أخّر حارثة بعض التأخير، فعاتبه على ذلك. فقال له عبيد اللّه: إنك تتناول الشراب [9]]. فقال له: قد كان أبوك يعلم
__________
[1] في «الديوان (726)»: «و وهبتكم».
[2] السبال: جمع سبلة، بالتحريك، وهو الشارب.
[3] أ، ب: تمها».
[4] أ، ب: «و فيه يقول الشاعر وهو جرير». ولم يرد الشعر في «ديوان» جرير.
[5] النجائب: جمع نجيبة، وهي الكريمة العتيقة، من النوق والأفراس. والمقربات: جمع مقربة، وهي الفرس يقرب مربطها ومعلفها لكرامتها والسعال: جمع سعلاة، وهي الغول.
[6] التكملة من أ، ب: «و يقال في جمع الجواد من الرجال: جود، وأجواد، وأجاود، وجوداء.
[7] أ، ب: «من لدات». واللدات: جمع لدة، وهو من يولد معك.
[8] تكملة من أ، ب.
[9] التكملة من س.
هذا منّي، ويقربني [1] ويكرمني. فقال له: إن أبي كان لا يخاف من القالة في تقريبك ما أخاف، وإنّ اللسان إليّ فيك لأسرع منه إلى أبي. فقال حارثة:
وكم من أمير قد تجبّر بعد ما ... مريت له الدنيا بسيفي فدرّت [2]
إذا ما هي احلولت نفى حق مقسمي ... ويقسم لي منها إذا ما أمرّت [3]
إذا زبنته عن فواق يريده ... دعيت ولا أدعى إذا ما أقرّت [4]
شعره لابن زياد وقد شاوره:
وقال حارثة بن بدر أيضا، و [قد [5]] شاوره عبيد اللّه في بعض الأمر:
أهان وأقصى ثم ينتصحونني ... ومن ذا الذي يعطى نصيحته قسرا
رأيت أكفّ المصلتين عليكم ... ملاء وكفّي من عطاياكم صفرا
متى تسألوني ما عليّ وتمنعوا ... الذي لي لم أسطع على ذلكم صبرا [6]
فقال له عبيد اللّه: فإني معوّضك ومولّيك، فولّاه.
هجاء رجل من بني كليب له حين حوّل زياد دعوته في قريش:
أخبرني يحيى بن علي [7] إجازة، قال: أنبأنا أحمد بن يحيى بن جابر البلاذريّ، قال: قال لي أبو اليقظان: حوّل زياد دعوة حارثة بن بدر و «ديوانه» في قريش، لمكانه منه، فقال [8] [فيه] رجل من بني كليب يهجوه بذلك:
شهدت بأن حارثة بن بدر ... غدانيّ اللّهازم والكلام [9]
سجاح في كتاب اللّه أدنى ... له من نوفل وبني هشام
يعني: سجاح، التي ادّعت النبوة، وهي امرأة من بني تميم.
شعره في احتراق داره:
قال أحمد بن يحيى: وقال المدائني: احترقت دار حارثة بن بدر بالبصرة، أحرقها بعض أعدائه من بني عمه، فقال في ذلك:
__________
[1] أ، ب: «و هو يقريني».
[2] مريت له الدنيا: ذللتها لتعطي، وأصله من مري الناقة، إذا مسحت ضرعها لتدر.
[3] احلولت: صارت حلوة. وفي أ، ب: «احولت».
[4] الفواق، بالضم: اللبن يجتمع بين الحلبتين في الضرع. وزبنته: دفعته، وأصله في الناقة: إذا ضربت برجلها عند الحلب.
[5] التكملة من ب.
[6] أ، ب: «لا أستطيع لذلكم صبرا».
[7] ب «يحيى بن علي بن يحيى».
[8] التكملة من أ، ب.
[9] اللهازم: جمع لهزمه، بكسر اللام، وهي ما نتأ تحت الأذنين. وغدانيها: أي يشبه غدانة فيها، وهي قبيلة، كما يشبهها في الكلام.
رأيت المنايا بادئات وعوّدا ... إلى دارنا سهلا إليها طريقها [1]
لها نبعة [2] كانت تقينا فروعها ... فقد تلفت إلّا قليلا عروقها
احتراق أخيه:
قال: وكان لحارثة أخ يقال له: دارع [3]، فأحرق مع ابن الحضرمي بالبصرة.
هجاؤه لبني سليط وسبب ذلك:
وقال أحمد يحيى أيضا:
كان عطية بن جعال يهاجي حارثة بن بدر، ثم اصطلحا. وكان أيضا يهاجيه من قومه العكّمص، وكانت بنو سليط تروي هجاءه لحارثة بن بدر، فقال حارثة يهجوهم:
/أراوية عليّ بنو سليط ... هجاء الناس يا لبني سليط
فما لحمي لتأكله سليط ... شبيها بالذكيّ ولا العبيط [4]
هو وابن زنيم وابن زياد:
أخبرنا أحمد بن محمد [بن عبد اللّه [5]] بن صالح بن سمح بن عمرة [6] الأسدي أبو الحسن، قال: أنبأنا حماد بن إسحاق، عن أبيه، قال: قال: روح بن السّكن:
كان أنس بن زنيم الليثي صديقا لعبيد اللّه بن زياد، فرأى منه جفوة وأثرة لحارثة بن بدر الغداني، فقال:
أهان [7] وأقصى ثم ترجى نصيحتي ... وأيّ امرىء يعطي نصيحته قسرا
رأيت أكفّ المصلتين عليكم ... ملاء وكفّي من عطاياكم صفرا
فإن تسألوني ما عليّ وتمنعوا الّ ... ذي لي لم أسطع على ذلكم صبرا
رأيتكم تعطون من ترهبونه ... زربية قد وشحّت [8] حلقا [9] صفرا
وإنّي مع الساعي عليكم بسيفه [10] ... إذا عظمكم يوما رأيت به كسرا
__________
[1] العوّد: العائدات. والذي في أ، ب: «سهلا إلينا طريقها».
[2] س: «سعة».
[3] س: «دراع».
[4] الذكي: ما ذبح تذكية. والعبيط: لحم الذبيحة السمينة الفتية تنحر من غير داء.
[5] التكملة من س.
[6] أ: «شيخ بن عمرة». وفي ب: «شيخ بن عميرة».
[7] مرت الأبيات الثلاثة الأولى (ص 379) منسوبة لحارثة.
[8] الزربية: الطنفسة. ووشحت: غشيت. وقبل هذا البيت في أ، ب بيت آخر، هو:
فعمدا صدقت الناس عما يريبكم ... ولو شئت أغليت في حربكم قدرا
[9] س: «خلعا».
[10] س: «بسلعة».
فقال عبيد اللّه بن زياد لحارثة بن بدر: أجبه. فاستعفاه [1] لمودة كانت بينهما، فأكرمه على ذلك وأقسم عليه [ليجيبّنه [2]]، فقال:
/تبدلت من أنس إنّه ... كذوب المودّة خوّانها
أراه بصيرا بضرّ الخليل ... وخير [3] الأخلّاء عورانها [4]
فأجابه أنس فقال:
إن الخيانة شرّ الخليل ... والكفر عندك ديوانها
بصرت به في قديم الزمان ... كما بصر [5] العين إنسانها
فأجابه حارثة بن بدر فقال:
ألكنى [6] إلى أنس إنّه ... عظيم الحواشة [7] عندي مهيب
فما أبتغي عثرات الخليل ... ولا أبغين [8] عليه الوثوب [9]
وما إن أرى ماله مغنما ... من الدهر إن أعوزتني الكسوب [10]
فقال أنس:
أحار بن بدر وأنت امرؤ ... لعمري المتاع إليّ الحبيب [11]
متى كان مالك لي مغنما ... من الدهر إن أعوزتني الكسوب [12]
وشرّ الأخلّاء عند البلاء ... وعند الرزيّة خلّ [13] كذوب
/ قال: فتهادى أنس وحارثة الشعر عند عبيد اللّه زمانا، ووقع بينهما شرّ حتى قدم سلّم بن زياد من عند يزيد بن معاوية عاملا على خراسان وسجستان، فجعل ينتخب ناسا من أهل البصرة والكوفة، وكان الذي بين عبيد اللّه وبين سلم شيئا [14]، فأرسل سلّم إلى أنس يعرض عليه صحبته وجعل له أن يستعمله على كورة، فقال له أنس: أمهلني حتى أنظر في أمري، وكتب إلى عبيد اللّه بن زياد.
__________
[1] س: فأجابه واستعفاه».
[2] التكملة من أ، ب.
[3] س: «و شر».
[4] عوران: من جموع أعور. يريد الذين لا تقع عيونهم على الضر.
[5] س: «تبصر».
[6] الكنى إلى أنس: كن رسول إليه.
[7] أ، ب: «القرابة» وهما بمعنى. تقول: لي في بني فلان حواشة، أي من ينصرني من قرابة أو ذي مودة.
[8] س: «و لا ابتغى».
[9] أ، ب: «عليه الذنوب».
[10] أ، ب: «من الدهر نائبات الخطوب».
[11] أ، ب: «إليه حبيب».
[12] أ: «الخطوب». ب: «كسوب».
[13] أ، ب: «خب». والخب، بالفتح والكسر: الخداع الخبيث.
[14] س: «سبيبي».
ألم ترني خيّرت والأمر واقع [1] ... فما كنت لما قلت بالمتخيّر
رضاك على شيء سواه ومن يكن ... إذا اختار ذا حزم من الأمر [2] يظفر
فعدت لترضى عن جهاد وصاحب ... شفيق قديم الودّ كان موقّريّ [3]
على أحد الثّغرين ثم تركته ... وقد كنت في تأميره غير ممتري
فأمسكت عن سلم عناني [4] وصحبتي ... ليعرف وجه العذر قبل التعذر
فإن كنت لما تدر ما هي شيمتي ... فسل بي أكفائي وسل بي معشري
أ لست مع الإحسان والجود ذا غنى ... وبأس إذا ما كفّروا في التّستّر [5]
ورأي [6] وقد أعصى الهوى خشية الرّدى ... وأعرف غبّ الأمر قبل التّدبّر
وما كنت لو لا ذاك ترتدّ بغبتي ... عليّ ارتداد المظلم المتجبّر
قال: ودفعها إلى عبيد اللّه [بن [7] زياد] في صحيفة، فقرأها ثم دفعها إلى حارثة بن بدر، وقال له: اردد على أنس صحيفته فلا حاجة لنا فيها [8]. فقال حارثة:
/ ألكني إلى من قال هذا وقل له ... كذبت فما إن أنت بالمتخيّر
وإنك لو صاحبت سلما وجدته ... كعهدك عهد السّوء لم يتغيّر
أتنصح لي يوما ولست بناصح ... لنفسك فاغشش ما بدا لك أو ذر
كذبت ولكن أنت رهن بخزية [9] ... ويوم كأيام عبوس مذكّر [10]
كأشقر أضحى بين رمحين إن مضى ... على الرّمح ينحر أو تأخّر يعقر
(قال): وأعجبت [11] عبيد اللّه، وقال: لعمري لقد أجبته. على إرادتي وأمسك عبيد اللّه في يده الصحيفة، فلما دخل عليه أنس دفعها إليه، فنظر فيها، ثم قال لعبيد اللّه: لقد ردّ عليّ من لا أستطيع جوابه. وظنّ أن عبيد اللّه قالها [12]، وخرج أنس والصحيفة في يده، فلقيه عبد الرحمن بن رألان فدفعها إليه أنس، فلما قرأها قال: هذا شعر حارثة بن بدر، أعرفه. فقال له أنس: صدقت واللّه، ثم قال لحارثة:
عجبت لهرج [13] من زمان مضلّل ... ورأي لألباب الرجال مغيّر
ومن حقبة عوجاء [14] غول تلّبست ... على الناس جلد الأربد المتنمّر
فلا يعرف المعروف فيه لأهله ... وإن قيل فيه منكر لم ينكّر
__________
[1] أ، ب: «و الحزم».
[2] أ، ب: «القوم».
[3] أ، س: «مؤمري».
[4] ب: «لساني».
[5] أ، ب: «بالتستر».
[6] س: «ورائي».
[7] التكملة من أ، ب.
[8] أ، ب: «نصيحته فلا حاجة لي فيها».
[9] أ، ب: «لخزية».
[10] مذكر: شديد صعب.
[11] أ، ب: «فأعجبت».
[12] أ، ب: «قائلها».
[13] كذا في أ، ب. والهرج: الكذب والخداع. والذي في س. «هوج».
[14] كذا في أ، ب. والذي في س: «عقبة عرجاء».
لحارثة الهدي الخنى لي ظالما ... ولم أر مثل مدّر صيد مدّري [1]
لحار [2] بن بدر قد أتتني [3] مقالة ... فما بال نكر منك من غير منكر [4]
/أيروي عليك الناس ما لا تقوله ... فتعذر أم أنت امرؤ غير معذر
فإن يك حقا ما يقال فلا يكن ... دبيبا وجاهرني فما من تستّر
أقلّدك [5] إن كنت امرأ خان عرضه ... قوافي من باقي الكلام المشهّر
وقد كنت قبل اليوم جرّبت أنني ... أشقّ على ذي الشّعر والمتشعّر [6]
وأن لساني بالقصائد ماهر ... تعنّ له غرّ [7] القوافي وتنبري
أصادفها حينا يسيرا وأبتغي ... لها مرّة شزرا إذا لم تيسّر [8]
تناولني بالشتم في غير كنهه ... فمهلا [9] أبا الخيماء [10] وابن المعذّر
هجوت [11] وقد ساماك في الشعر خطّة ال ... ذّليل ولم يفعل [12] كأفعال منكر
قال: وقال أنس بن زنيم لعبيد اللّه بن زياد، وفيه غناء:
سل أميري ما الذي غيّره ... عن وصالي اليوم حتى ودّعه [13]
لا تهنّي بعد إكرامك [14] لي ... فشديد عادة منتزعه
لا يكن وعدك برقا خلّبا ... إنّ خير البرق ما الغيث معه
بينه وبين ابن ظبيان في شرب الخمر:
أخبرني محمد بن مزيد [بن أبي الأزهر [15]]، قال: حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه، قال:
__________
[1] المدّري: الذي يختل الصيد ليصيده. يريد: لم ير مثل صائد هو صيد لصائد.
[2] أ، ب: «أحار».
[3] أ: «أئتنا».
[4] أ، ب: ... «نكر قبل في غير منكر».
[5] سكنت الدال في جواب «إن».
[6] البيت ساقط من أ.
[7] الأصول: «عن». وظاهر أنه محرف عما أثبتنا.
[8] الشزر من الفتل: ما كان عن العسراء، أي اليسار، وهو أن يبدأ الفاتل من خارج ويرده إلى بطنه. وأمر الحبل شزرا: إذا فعل به ذلك، وأمره يسرا: إذا كان عن اليسراء، أي عن اليمين. يقول: حاوله عن اليسار فإن استعصى فعن اليمين، كما يفعل بالحبل عند فتله. والمعنى أنه يأتي الشعر من أي جانب شاء لا يستعصى عليه.
[9] أ، ب: «فهلا».
[10] أ: «ابن الخيماء»، ب: «أبا الخثماء».
[11] من: «هجرت».
[12] أ، ب: «تفعل».
[13] أ، ب: «وزعه».
[14] أ: «بعد أن أكرمتني».
[15] التكملة من أ، ب.
زعم عاصم بن الحدثان [1] أنّ حارثة بن بدر قال لعبيد اللّه بن ظبيان، وكانا في عرس لابن مسمع: هل لك في شراب؟ قال: نعم، فأتيا بنبيذ من زبيب وعسل، فأخذ ابن ظبيان العسّ فكرع فيه حتى كاد يأتي عليه [2]، ثم ناوله حارثة. فقال له حارثة: [يا بن ظبيان]، إنك لطب بحسوها [3]. فقال: أجل، واللّه إنّي لأشربها حلالا وأجاهر بها إذا أخفى غيري شرب الحرام. فقال له حارثة: من غيرك هذا؟ قال: سائلي عن هذا الأمر. فقال حارثة:
إذا كنت ندماني فخذها وسقّني [4] ... ودع عنك من رآك تكرع في الخمر
فإنّي امرؤ ولا أشرب الخمر في الدّجا ... ولكنني أحسو النبيذ من التمر
حيا وتقا للّه واللّه عالم ... بكل الذي نأتيه في السّر والجهر [5]
ومثلك قد جرّبته وخبرته ... أبا مطر [6] والحين [7] أسبابه تجري
حساها كمستدمى الغزال عتيقة ... إذا شعشعت بالماء طيّبة النّشر [8]
أقام عليها دهره كل ليلة ... يشافهها حتى يرى وضح الفجر
/ فأصبح ميتا ميتة الكلب صحكة ... لأصحابه حتى يدهده في القبر [9]
فما إن بكاه غير دنّ ومزهر ... وغانية كالبدر واضحة الثّغر
وباطية كانت له خدن زنية [10] ... يعاقرها [11] واللّيل معتكر السّتر
شعره في الرد على الأحنف وقد عاتبه على شربه الخمر:
أخبرني عمّي، قال: حدّثنا الكرانيّ، قال: حدثنا العمري عن عاصم بن الحدثان، قال:
عاتب الأحنف بن قيس حارثة بن بدر على معاقرة الشّراب وقال له: قد فضحت نفسك وأسقطت قدرك، وأوجعه عتابا. فقال له: إني سأعتبك [12]. فانصرف [13] الأحنف طامعا في صلاحه، فلما أمسى راح إليه فقال له:
اسمع يا أبا بحر [14] ما قلت لك. فقال: هات، فأنشده:
__________
[1] س: «الحارث».
[2] أ، ب: «على آخره».
[3] التكملة من أ، ب. والطب، بفتح الطاء وتشديد الباء: الحاذق الماهر.
[4] س: «و اسقني».
[5] البيت ساقط من أ، ب.
[6] أبا مطر: كنية ابن ظبيان.
[7] في أ، ب: «و الخير».
[8] مستدمى الغزال: دمه.
[9] الضحكة: بضم فسكون: من يضحك عليه. ويدهده في القبر: يدحرج إليه.
[10] الباطية: ناجود الخمر. وخدن زينة، أي رفيق غيّ.
[11] س: «يعاهرها».
[12] سأعتبك: سأقبل عتبك.
[13] أ، ب: «فأمسك وانصرف الأحنف».
[14] أبو بحر: كنية الأحنف.
يذمّ أبو بحر أمورا يريدها ... ويكرهها للأريحيّ المسوّد
فإن كنت عيّابا [1] فقل ما تريده ... ودع عنك شربي لست فيه بأوحد [2]
سأشربها صهباء كالمسك ريحها ... وأشربها في كل ناد ومشهد
فنفسك فانصح يا بن قيس وخلّني ... ورأيي فما رأيي برأي مفنّد [3]
وقائلة يا حار هل أنت ممسك ... عليك من التبذير قلت لها اقصدي
ضو لا تأمريني بالسّداد فإنني ... رأيت الكثير المال غير مخلّد
ولا عيب لي إلّا اصطباحي قهوة ... متى يمتزجها [4] الماء في الكأس تزبد
/ معتّقة صهباء كالمسك ريحها ... إذا هي فاحت [5] أذهبت غلّة الصّدي
ألا إنما الرّشد المبين طريقه ... خلاف الذي قد قلت إذ أنت مرشدي
سأشربها ما حجّ للّه راكب ... مجاهرة وحدي ومع كل مسعد
وأسعد ندماني وأتبع شهوتي ... وأبذل عفوا كلّ ما ملكت يدي
كذا العيش لا عيش ابن قيس وصحبه ... من الشّرب للماء القراح المصرّد [6]
فقال له الأحنف: حسبك، فإني أراك غير مقلع عن غيّك، ولن أعاتبك بعدها أبدا.
قال عاصم: ثم كان بعد ذلك بن الأحنف وحارثة كلام وخصومة، فافترقا عن مجلسهما متغاضبين، فبلغ حارثة أن الأحنف قال: أما واللّه لو لا ما يعلم لقلت فيه ما هو أهله. فقال حارثة: وهل يقدر على أن يذمني بأكثر من الشراب وحبّي له؟ وذلك أمر لست أعتذر منه إلى أحد، ثم قال في ذلك:
وكم لائم لي في الشراب زجرته ... فقلت له دعني وما «أنا شارب
فلست عن الصهباء ما عشت مقصرا ... وإن لا مني فيها اللئام الأشائب [7]
أ أترك لذّاتي وآتي هواكم ... ألا ليس مثلي يا بن قيس يخالب [8]
أنا الليث معدوّا عليه وعاديا ... إذا سلّت البيض الرّقاق القواضب
فأنت [9] حليم تزجر الناس عن هوى ... نفوسهم جهلا وحلمك عازب
__________
[1] أ: «عيارا».
[2] أ، ب: «لست في ذا بأوحد».
[3] المفند: المكذب.
[4] أ، ب: «المرء».
[5] ب: «هاجت». والبيت ساقط من أ.
[6] القراح: الخالص لا يخالطه شيء. والمصرد: القليل دون الري.
[7] الأشائب: جمع أشابه، وهم الأخلاط غير الصرحاء.
[8] يخالب: يخدع.
[9] أ، ب: «و أنت».
فحلمك صنه لا تذله [1] وخلّني ... وشأني وأركب كلّ ما أنت راكب
/ فإنّي امرؤ عوّدت نفسي عادة ... وكل امرىء لا شك ما اعتاد طالب [2]
أجود بمالي ما حييت سماحة ... وأنت بخيل يجتويك [3] المصاحب
فما أنت أو ما غيّ من كان غاويا ... إذا أنت لم تسدد عليك المذاهب
زيادة الوليد له في عطائه وقصة ذلك:
أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي، قال: أنبأنا أبو الأسود الخليل بن أسد، قال: أنبأنا العمري عن العتبي، قال: أجرى الوليد بن عبد الملك الخيل وعنده حارثة بن بدر الغداني، وهو حينئذ في ألف وستمائة من العطاء، فسبق الوليد، فقال حارثة: هذه فرصة. فقام فهنّاه ودعا له، ثم قال:
إلى الألفين [4] مطّلع قريب ... زيادة أربع لي قد بقينا
فإن أهلك فهنّ لكم وإلا ... فهنّ من المتاع لكم [5] سنينا
فقال له الوليد: فتشاطرني ذلك: لك مائتان ولي مائتان. فصيّر عطاءه ألفا وثمانمائة. ثم أجرى الوليد الخيل [6]، فسبق أيضا، فقال حارثة: هذه فرصة [أخرى [7]]. فقام فهنأه ودعا له، ثم قال:
وما احتجب الألفان إلّا بهيّن ... هما الآن أدنى منهما قبل ذالكا
فجد بهما تفديك نفسي فإنني ... معلّق آمالي ببعض حبالكا
فأمر الوليد له بالمائتين، فانصرف وعطاؤه ألفان.
شهادة زياد له بالبيان:
أخبرني [8] محمد بن يحيى، أنبأنا محمد بن زكريا، قال: أنبأنا مهدي بن سابق، قال: أنبأنا عبد الرحمن بن شبيب بن شيبة، عن أبيه، قال:
قال زياد يوما لحارثة بن بدر: من أخطب الناس، أنا أو أنت؟ فقال: الأمير أخطب مني إذا توعّد ووعد، وأعطى ومنع، وبرق ورعد، وأنا أخطب منه في الوفادة وفي الثناء والتّحبير، وأنا أكذب إذا خطبت، فأحشو كلامي بزيادة مليحة شهيّة، والأمير يقصد إلى الحقّ وميزان العدل ولا يزيد فيه شعيرة ولا ينقص منه. فقال له زياد: قاتلك
__________
[1] لا تذله: لا تبتذله.
[2] ب: «و كل امرىء ما اعتاد لا شك طالب». والبيت ساقط من أ.
[3] يجتو بك: يكرهك.
[4] أ، ب: «إلى ألفين».
[5] أ، ب: «لنا».
[6] أ، ب: «القرح».
[7] التكملة من أ، ب.
[8] الكلام من هنا إلى قوله «أخبرني محمد بن يحيى» (ص 395) ساقط من أ، ب.
اللّه! فلقد أجدت تخليص صفتك وصفتي، من حيث أعطيت نفسك الخطابة كلّها وأرضيتني وتخلّصت. ثم التفت إلى أولاده فقال: هذا لعمركم البيان الصريح.
هو وزياد في شربه الخمر صرفا:
أخبرني محمد بن يحيى، قال: أنبأنا محمد بن زكريا عن الحرمازيّ، قال:
شرب حارثة بن بدر مع بني زياد ليلة إلى الصّبح فأكثر، وصرف [1] ومزجوا، فلما أن غدا على زياد كان وجهه شديد الحمرة، ففطن له زياد، فقال: مالك يا حارثة؟ فقال: أكلت البارحة رمّانا فأكثرت. قال: قد عرفت مع من أكلته، ولكنهم قشّروه وأكلته بقشره فأصارك إلى ما ترى.
رثاؤه زيادا:
قال الحرمازي: قال بعض أهل العلم: إنّ زيادا استعمل حارثة على سرّق [2]. فمات زياد وهو بها، ثم إنه بلغه موته، فقال حارثة يرثيه:
/إن الرزيّة في قبر بمنزلة ... تجري عليها بظهر الكوفة المور [3]
أدّت إليه قريش نعش سيدها ... ففيه ضافي النّدى والحزم مقبور
أبا المغيرة والدنيا مغيّرة ... وإنّ من غرّ بالدنيا لمغرور
قد كان عندك للمعروف معرفة ... وكان عندك للنّكراء تنكير
وكنت تؤتي فتعطي الخير عن سعة ... فاليوم بابك دون الهجر مهجور
ولا تلين إذا عوسرت مقتسرا [4] ... وكلّ أمرك ما يوسرت ميسور
قال: وكان الذي أتاه بنعيه مسعود بن عمرو الأزديّ، فقال حارثة:
لقد جاء مسعود أخو الأزد غدوة ... بداهية غرّاء باد حجولها [5]
من الشر ظلّ الناس فيها كأنهم ... وقد جاء بالأخبار من لا يحيلها
بينه وبين سعد الرابية في مجلس ابن زياد:
أخبرني الحسن بن عليّ، قال: أنبأنا العمري عن أحمد بن خالد بن منجوف، عن مؤرّج السّدوسي، قال: دخل حارثة بن بدر على عبيد اللّه بن زياد وعنده سعد الرّابية أحد بني عمرو بن يربوع بن حنظلة، وكان شريرا يضحك ابن زياد ويلهيه، وله يقول الفرزدق:
__________
[1] صرف: أي شرب الشراب غير ممزوج.
[2] سرق، كسكر: كورة بالأهواز.
[3] المور: الريح المثيرة للتراب.
[4] مقتسرا: مكرها.
[5] حجولها: جمع حجل، بالكسر، وهو الخلخال، ولا يكون ذلك إلّا مع الشديد من الدواهي.
إني لأبغض سعدا أن أجاوره ... ولا أحبّ بني عمرو بن يربوع
قوم إذا حاربوا لم يخشهم أحد ... والجار فيهم ذليل غير ممنوع [1]
/فلما جلس حارثة قال له سعد: يا حارثة، أينع الكرم؟ قال: نعم، واستودع ماءه الأصيص [2]، فمه؟ قال: إني لم أرد بأسا. قال: أجل! ولست من أهل البأس: ولكن هل لك علم بالأتان إذا اعتاص رحمها [3]، كيف يسطى عليها، أكما يسطى على الفرس، أم كيف؟ قال: واحدة بواحدة، والبادي أظلم، سألتني عما لا علم لي به، وسألتك عما تعلم. قال: أنت بما سألتك عنه أعلم مني بما سألتني عنه، ولكن من شاء جهّل نفسه وأنكر ما يعرف. وقال حارثة يهجو سعدا:
لا ترج مني يا بن سعد هوادة ... ولا صحبة ما أرزمت أمّ حائل [4]
أ عند الأمير ابن الأمير تعيبني ... وأنت ابن عمرو مضحك في القبائل
ولو غيرنا يا سعد رمت حريمه ... بخسف لقد غودرت لحما لآكل
فشالت بك العنقاء أو صرت لحمة ... لأغبس عوّاء العشيّات عاسل [5]
هو وابن مسمع حين أراد أن يعرض به:
أخبرني هاشم بن محمد، قال: أنبأنا الرّياشي عن الأصمعي وأبي عبيدة، قالا:
كان حارثة بن بدر يجالس مالك بن مسمع فإذا جاء وقت يشرب فيه قام، فأراد مالك أن يعلم من حضره أنه قام ليشرب، فقال له: إلى أين تمضي يا أبا العنبس؟ قال، أجيء بعبّاد بن الحصين يفقأ عينك الأخرى - وقال الأصمعيّ: «أمضي فأفقأ عين عبّاد بن الحصين لآخذ لك بثأرك - وكان عباد فقأ عين مالك يوم المربد [6].
شعره في فتنة مسعود:
قال:
وذكر المدائنيّ أن حارثة بن بدر كان يومئذ - وهو يوم فتنة مسعود - على خيل حنظلة بإزاء بكر بن وائل، فجعل عبس بن مطلق بن ربيعة الصّريمي على الخيل بحيال الأزد، ومعه سعد والربّاب والأساورة، وقال حارثة بن بدر:
سيكفيك عبس أخو كهمس ... مقارعة الأزد بالمربد [7]
__________
[1] «الديوان» (527 - 528 طبعة الصاوي).
[2] الأصيص: الباطية، والدن المقطوع الرأس.
[3] اعتاص: التأث.
[4] أم حائل: كنية الناقة. وأرزمت. حنت إلى ولدها.
[5] الأغبس: الذئب، من الغبسة، وهي لونه التي هي بياض مع كدرة. والعاسل: الذي يضطرب في عدوه ويهز رأسه من مضائه، وهي مشية الذئب والفرس.
[6] حديث هذا كان يوم الجفرة وكان بين عبد الملك بن مروان ومصعب (ابن الأثير في حوادث سنة سبعين).
[7] في الشعر إقواء، وهو اختلاف اعراب القوافي.
ويكفيك عمرو وأشياعه ... لكيز بن أفصى وما عدّدوا
وأكفيك بكرّا إذا أقبلت ... بطعن يشيب له الأمرد
فلما اصطف الناس، أرسل مالك بن مسمع إلى ضرار بن القعقاع يسأله الصلح على أن يعطيه ما أحبّ، فقال له حارثة: إنه واللّه ما أرسل إليك نظرا لك ولا إبقاء عليك، ولكنه أراد أن يغري بينك وبين سعد. فمضى ضرار إلى راية الأحنف فحملها وحمل على مالك فهزمه، وفقئت عينه يومئذ.
هو ومسجد الأحامرة:
أخبرني محمد بن يحيى قال: أنبأنا محمد بن زكريا، عن محمد بن سلام، عن أبي اليقظان قال: مرّ حارثة بن بدر بالمسجد الذي يقال له «مسجد الأحامرة» بالبصرة فرأى مشيخة قد خضبوا لحاهم بالحنّاء فقال: ما هذه الأحامرة؟ فالمسجد الآن يلقّب «مسجد الأحامرة» منذ يوم قال حارثة هذا القول.
شعره في رجل من الخلج:
أخبرني محمد بن يحيى، قال: أنبأنا محمد بن زكريا، عن القحذمي، قال: عرض لحارثة بن بدر رجل من الخلج [1] في أمر كرهه عند زياد، فقال فيه حارثة:
/لقد عجبت وكم للدهر من عجب ... مما تزيّد في أنسابها الخلج
كانوا خسّا أو زكّا من دون أربعة ... لم يخلقوا وجدود الناس تعتلج [2]
الخسا: الفرد، والزّكا: الزوج.
أنشد الشعبي من شعره عبد اللّه بن جعفر فأجازه:
أخبرني الحسن بن عليّ، قال: أنبأنا أحمد بن يحيى، قال: أنبأنا محمدبن عمر بن زياد الكندي، قال: أنبأنا يحيى بن آدم، عن أبي زائدة، عن مجالد، عن الشعبي، قال: كنت عند عبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب فأنشدته لحارثة بن بدر:
وكان لنا نبع تقينا عروقه ... فقد بلغت إلا قليلا حلوقها [3]
وشيّب رأسي واستخفّ حلومنا ... رعود المنايا فوقنا وبروقها
وإنّا لتستحلي [4] المنايا نفوسنا ... ونترك أخرى مرّة ما تذوقها
رأيت المنايا بادئات وعودا ... إلى دارنا سهلا إليها طريقها
فقد قسّمت نفسي فريقين منهما ... فريق مع الموتى وعندي فريقها
__________
[1] الخلج: أولاد الحارث بن فهر. («جمهرة أنساب العرب» 176 - 177).
[2] أنشد ابن منظور البيت (خسا) منسوبا إلى الدبيرية.
[3] مرّ هذا البيت برواية أخرى (ص 380).
قال الشّعبي: فقال لي ابن جعفر: نحن كنا أحقّ بهذا الشعر. وجاءه غلامه بدراهم في منديل، فقال له: هذه غلّة أرضك بمكان كذا وكذا. فقال: ألقها في حجر الشّعبي. فألقاها في حجري.
شعر علقمة المازني في ولاية حارثة كوار:
أخبرني الحسن بن علي، قال: أنبأنا أحمد بن الحارث الخراز، عن المدائني، عن مسلمة بن محارب: أن زيادا استعمل حارثة بن بدر على كوار [1]، وهو إذ ذاك عامل عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه على فارس، وكان حارثة بن بدر صاحب شراب، فكتب زياد إلى حارثة يحثّه على جباية الخراج، فكتب إليه علقمة بن معبد المازني:
/ألم تر أنّ حارثة بن بدر ... يصلّي وهو أكفر من حمار [2]
وأن المال يعرف من حواه ... ويعرف بالزّواني والعقار [3]
شعره في بغلة مرت به وكان زياد أهداها له:
وقال المدائني في خبره هذا:
حمل زياد بن أبيه حارثة بن بدر على بغلة يقال لها «أطلال» كان خرزاذ بن الهربد ابتاعها بأربعة آلاف درهم وأهداها له، فركبها حارثة، وكان فيها نفار، فصرعته عن ظهرها، فقام فركبها، وقال:
ما هاج أطلال بجنبي حرمه ... تحمل وضّاحا رفيع الحكمه [4]
قرما إذا زاحم قرما زحمه
بينه وبين سليمان بن عمرو وقد قراه:
أخبرني [5] محمد بن يحيى، قال: أنبأنا محمد بن زكرياء، قال: أنبأنا إبراهيم بن عمر عن أبي عبيدة وعبد اللّه بن محمد، قالا:
مرّ سليمان بن عمرو بن مرثد بحارثة بن بدر وهو بفارس يريد خراسان، فأنزله وقراه وقرى أصحابه، وحملهم وإياه، فلما ركبوا للمسير قال سليمان [6]:
__________
[1] كوار: من نواحي فارس. (معجم البلدان).
[2] قال الميداني في كتابه «مجمع الأمثال»: «أكفر من حمار» هو رجل من عاد يقال له: حمار ابن مويلع - وقال الشرقي: هو حمار بن مالك بن نصر الأزدي - كان مسلما، وكان له واد طوله مسيرة يوم في عرض أربعة فراسخ، لم يكن ببلاد العرب أخصب منه، فيه من كل الثمار، فخرج بنوه يتصدون فأصابتهم صاعقة فهلكوا فكفر وقال: لا أعبد من فعل هذا ببنيّ. ودعا قومه إلى الكفر فمن عصاه قتله، فأهلكه اللّه تعالى وأخرب واديه، فضربت به العرب المثل في الكفر وأنشد البيت».
[3] العقار، بالضم: الخمر.
[4] حرمه، بالفتح ثم السكون: موضع في جانب حمى ضربة. «معجم البلدان».
[5] أ، ب: «أخبرني محمد بن مزيد بن أبي الأزهر قال: حدّثنا حماد بن إسحاق عن أبيه عن النضر بن حديد قال»:
[6] أ، ب: مر سليمان بن عمرو بن مرثد وهو يريد خراسان بحارثة بن بدر الغداني وهو بالأهواز ومعه أصحاب له، فنزلوا به فقراهم حارثة بن بدر وسقاهم وكساهم وحملهم، فقال سليمان يمدحه».
/
قريت فأحسنت القرى وسقيتنا ... معتّقة صهباء كالعنبر الرّطب
وواسيتنا [1] فيما ملكت تبرّعا ... وكنت ابن بدر نعم ذو منزل الرّكب
وأنت لعمري في تميم عمادها [2] ... إذا ما تداعت للعلى موضع القطب
وفارسها في كل يوم كريهة ... وملجؤها [3] إن حلّ خطب من الخطب
وعندكم نال الغنى [4] من أراده ... إذا ما خطرتم كالضّراغمة الغلب
يرى الحلق الماذيّ [5] فوق حمامتهم [6] ... إذا الحرب شبّت بالمهنّدة القضب [7]
وعند الرّخا والأمن غيث ورحمة ... لمن يعتريهم خائفا صولة الحرب
وجدتهم جودا صباحا وجوههم ... كراما على العلّات في فادح الخطب [8]
كأن دنانيرا على قسماتهم ... إذا جئتهم قد خفت نكبا من النّكب
فمن مبلغ عنّي تميما فخيركم ... غدانة حقّا قاله غير ذي لعب
فقال حارثة يجيبه:
وأسحم ملآن جررت لفتية ... كرام أبوهم خير بكر بن وائل [9]
وأطولهم كفّا وأصدقهم حيا ... وأكرمهم عند اختلاف المناصل
من المرثديّين الذين إذا انتدوا ... رأيت نديّا جدّه غير [10] خامل
فعالهم زين لهم ووجوههم ... تزين الذي يأتونه في المحافل
فسقيا ورعيا لابن عمرو بن مرثد ... سليمان ذي المجد التليد الحلاحل [11]
/فتى لم يزل يسمو إلى كل نجدة ... فيدرك ما أعيت [12] يد المتناول
فحسبك بي علما به وبفضله ... إذا ذكر الأقوام أهل الفضائل
__________
[1] أ، ب: «و آسيتنا».
[2] أ، ب: «و إنك قرم من تميم عماده».
[3] أ، ب: «و فارسهم ... وملجؤهم».
[4] أ، ب: «المنى».
[5] الحلق: الدروع. والماذيّ: ما كان من حديد.
[6] أ، ب: «كماتهم».
[7] أ، ب: «الشهب».
[8] هذا البيت ساقط من أ، ب.
[9] الأسحم: زق الخمر.
[10] أ، ب: «جدّهم».
[11] الحلاحل، بضم الحاء: السيد الشجاع الكثير المروءة.
[12] أ، ب: «ما أعيا».
بينه وبين أنس بن زنيم في حضرة ابن زياد:
أخبرني [1] عمي، قال: أنبأنا الكراني، قال: أنبأنا العمري، عن عطاء بن مصعب، عن عاصم بن الحدثان، قال: دخل أنس بن زنيم على عبيد اللّه بن زياد، وعنده حارثة بن بدر، وكان بينهما تعارض ومقارضة قبل ذلك، فلما خرج أنس قال عبيد اللّه لحارثة: أيّ رجل هو أنس عندك؟ قال: هو عندي - أصلح اللّه الأمير - كما قلت فيه:
يبيت بطينا من لحوم صديقه ... خميصا من التّقوى ومن طلب الحمد
ينام إذا ما الليل جنّ ظلامه ... ويسري إلى حاجاته نومة الفهد [2]
يراعي عذارى قومه كلما دجا ... له الليل والسو آت كالأسد الورد
جريئا على أكل الحرام وفعله ... جبانا عن الأقران معترم الكرد [3]
فلما كان من الغد، دخل أنس على عبيد اللّه، فقال له عبيد اللّه، بحضرة حارثة: إني سألت هذا عنك فأخبرني بما كرهته لك، ولم أكن إخالك كما نعتّ لي - فقال: أصلح اللّه الأمير، إن يكن قال خيرا فأنا أهله، وإن قال غير ذلك فلم يعد ما هو أولى به منّي، أما واللّه لو كان - أصلح اللّه الأمير - حقّا، لحفظ غيبتي، فلقد أوليته حسن الثّناء بما ليس أهله، واللّه يعلم أني كنت كاذبا، وما إخال ما قاله فيّ إلّا عقوبة، فإن عقوبة الكذب حاضرة، وثمرة الكذب الندامة، فقد لعمري أجنيتها بكذبي وقولي فيه ما ليس فيه. وهو عندي كما أقول - أصلح اللّه الأمير - وأنشد:
/يحلى لي الطرف ابن بدر وإنني ... لأعرف في وجه ابن بدر لي البغضا
رآني شجّا في حلقه ما يسيغه ... فما إن يزال الدهر يجرض بي جرضا [4]
وما لي من ذنب إليه علمته ... سوى أن رآني في عشيرته محضا
وإنّ ابن بدر في تميم مكركس ... إذا سيم خسفا أو مشنّعة أغضى [5]
فعش يا بن بدر ما بقيت كما أرى ... كثير الخنا لا تسأم الذلّ والغضّا
تعيب الرجال الصالحين وفعلهم ... وتبذل بخلا دون ما نلته العرضا
وترضى بما لا يرتضي الحرّ مثله ... وذو الحلم بالتّخييس والذّلّ لا يرضى [6]
قال: وقال أنس في حارثة بن بدر ينسبه إلى الخمر والفجور:
أحار بن بدر باكر الراح إنها ... تنسّيك ما قدّمت في سالف الدّهر
__________
[1] هذا الخبر ساقط من أ، ب.
[2] الفهد: حيوان معروف، وبه يضرب المثل في كثرة النوم.
[3] الكرد، بالفتح: العنق، أو أصله. ومعترمه: صلبه شديده.
[4] يجرض: خفص.
[5] المكركس، بفتح الكافين بينهما سكون: من ولدته الإماء.
[6] التخييس: الإذلال.
تنسّيك أسبابا عظاما ركبتها ... وأنت على عمياء في سنن تجري
أتذكر ما أسديت واخترت فعله ... وجئت من المكروه والشّر والنّكر
إذا قلت مهلا نلت عرضي فما الذي ... تعيب على مثلي هبلت أبا عمرو
أليس عظيما أن تكايد حرة ... مهفهفة الكشحين طيبة النّشر
فإن كنت قد أزمعت بشرك بالذي ... عرفت به إذ أنت تخزي ولا تدري
فدع عنك شرب الخمر وارجع إلى التي ... بها يرتضي أهل النباهة والذّكر
عليك نبيذ التمر إن كنت شاربا ... فإن نبيذ التمر خير من الخمر
ألا إنّ شرب الخمر يزري بذي الحجى ... ويذهب بالمال التّلاد وبالوفر
/ فصبرا عن الصّهباء واعلم بأنني ... نصيح وأنّي قد كبرت عن الزّجر
وأنك إن كفكفتني عن نصيحة ... تركتك يا حار بن بدر إلى الحشر
أ أبذل نصحي ثمّ تعصي نصيحتي ... وتهجرني عنها هبلت أبا بدر
بينه وبين أبي الأسود حين ولي سرق:
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري، قال: حدّثنا عمر بن شبّة، قال: حدّثنا عبد اللّه بن محمد بن حكيم، عن خالد بن سعيد، عن أبيه، قال:
[لما [1]] ولي حارثة بن بدر سرّق [2] خرج معه المشيّعون من البصرة وفيهم أبو الأسود الدّؤلي، فلما انصرف المشيعون دنا منه أبو الأسود فقال [له [3]]:
أحار بن بدر قد وليت إمارة ... فكن جرذا فيها تخون وتسرق [4]
ولا تحقرن يا حار شيئا تصيبه ... فحظّك من ملك العراقين سرّق
فإن جميع الناس إما مكذّب ... يقول بما يهوى وإما مصدّق
يقولون أقوالا بظنّ وشبهة ... فإن قيل هاتوا حقّقوا لم يحقّقوا
فلا تعجزن فالعجز أبطأ مركب ... وما كل من يدعى إلى الرّزق يرزق [5]
وكاثر تميما [6] بالغنى إن للغنى ... لسانا به يسطو العييّ وينطق [7]
__________
[1] التكملة من س.
[2] سرق: من كور الأهواز. «معجم البلدان».
[3] تكملة من أ، ب.
[4] أحار، أي حارثة، منادى مرخم.
[5] أ، ب:
ولا تعجزن فالعجز أبطأ مركب ... وما كل مدفوع إلى الرزق يرزق
[6] ب: «وبار».
[7] ب
لسانا به المرء الهيوبة ينطق
فقال له حارثة:
جزاك مليك الناس خير جزائه ... فقد قلت معروفا وأوصيت كافيا
أمرت بحزم لو أمرت بغيره ... لألفيتني فيه لرأيك عاصيا
ستلقى أخا يصفيك بالود حاضرا ... ويوليك حفظ الغيب إن كنت نائيا
نشيطة أصحابه بدولاب وهجاء غوث له:
أخبرني محمد بن مزيد، قال: حدّثنا حماد بن إسحاق، عن أبيه، عن عاصم ابن الحدثان، قال: لما ندب حارثة بن بدر لقتال الأزارقة بدولاب لقيهم، فلما حميت الحرب بينهم واشتدّت، قال حارثة لأصحابه:
كرنبوا ودولبوا ... وحيث شئتم فاذهبوا [1]
ثم انهزم، فقال غوث بن الحباب يهجوه ويعيّره [2] بالفرار، ويعيره بشرب الخمر [و معاقرتها [3]].
أحار بن بدر دونك الكأس إنها ... بمثلك أولى من قراع الكتائب
عليك بها صهباء كالمسك ريحها ... يظلّ أخوها للعدا غيرهائب
فدع عنك أقواما وليت قتالهم ... فلست صبورا عند وقع القواضب
وخذها كعين الدّيك تشفي من الجوى ... وتترك ذا الهمّات [4] حصر المذاهب [5]
إذا شعشعت بالماء خلت حبابها ... نظائم درّ أو عيون الجنادب
كأنك إذ تحسو ثلاثة أكؤس ... من التّيه قرم من قروم المرازب [6]
ودع عنك أبناء الحروب وشدّهم ... إذا خطروا مثل الجمال المصاعب
حمله حمالتين عن قومه:
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ، قال: حدّثنا عمر بن شبّة، قال: حدّثنا العلاء بن الفضل بن أبي سوية، قال: حدّثني أبي، قال:
/ كانت في تميم حمالتان [7]، فاجتمعوا في مقبرة بني شيبان، فقال لهم الأحنف: لا تعجلوا حتى يحضر
__________
[1] كرنبوا: خذوا طريق كرنبى، وكرنبى، بالفتح: موضع في نواحي الأهواز، ودولبوا خذوا طريق دولاب، ودولاب: قرية قريبة من الأهواز.
[2] أ، ب: «و يعيبه».
[3] التكملة من س.
[4] س: «التهمام».
[5] حصر المذاهب، أي مسدودة عليه مذاهبه فهو كالمحبوس.
[6] المرازب: جمع مرزبان، بفتح فسكون فضم: الرئيس من الفرس.
[7] الحمالة: الكفالة.
سيّدكم. فقالوا: من [1] سيدنا غيرك؟ قال: حارثة بن بدر. قال: وقدم حارثة من الأهواز بمال كثير فبلغه ما قال الأحنف، فقال: اغرمنيها واللّه ابن الزّافريّة! ثم أتاهم كأنه لم يعلم فيما اجتمعوا، [فقال فيم اجتمعتم؟ فأخبروه].
فقال [2]: لا تلقوا فيهما أحدا [فهما عليّ [2]]، ثم أتى منزله فقال:
خلت الديار فسدت غير مسوّد ... ومن الشّقاء [3] تفرّدي بالسّودد
تمثل سفيان بن عيينة ببيت له:
أخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن عمار، قال: حدثنا أحمد بن سليمان بن أبي شيخ عن أبيه، قال: خرج أصحاب الحديث [4] إلى سفيان بن عيينة فازدحموا، فقال: لقد هممت ألا أحدثكم شهرا. فقام إليه شاب من أهل العراق، فقال له: يا أبا محمد، ألن جانبك، وحسّن قولك، وتأسّ بصالحي سلفك، وأجمل مجالسة جلسائك، فقد أصبحت بقية الناس، وأمينا للّه ورسوله على العلم، واللّه إن الرجل ليريد الحجّ فتتعاظمه مشقته حتى يكاد أن يقيم، فيكون لقاؤه إياك وطمعه فيك أكثر [5] ما يحرّكه عليه. قال: فخضع سفيان [و تواضع [2]] ورقّ وبكى، ثم تمثّل بقول [6] حارثة:
خلت الديار فسدت غير مسوّد ... ومن الشقاء [7] تفرّدي بالسّودد
ثم حدّثهم بعد ذلك بكل ما أرادوا إلى أن رحلوا.
مدحه سعيد ابن قيس لإجارته حين أهدر على دمه
:/ أخبرني هاشم بن محمد الخزاعيّ ومحمد بن الحسين الكندي، قالا: حدثنا الخليل بن أسد، قال: حدثنا العمري، عن الهيثم بن عديّ، عن الحسن بن عمارة عن الحكم بن عتيبة [8]:
أن حارثة بن بدر الغداني كان سعى في الأرض فسادا، فأهدر [9] عليّ ابن أبي طالب عليه السّلام دمه، فهرب فاستجار [10] بأشراف الناس، فلم يجره أحد، فقيل له: عليك بسعيد بن قيس الهمدانيّ فلعله [أن [11]] يجيرك. فطلب سعيدا فلم يجده، فجلس في طلبه حتى جاء، فأخذ بلجام فرسه فقال [12]]: أجرني أجارك اللّه، قال: ويحك، مالك؟
قال: أهدر [13] أمير المؤمنين دمي. قال: وفيم [ذاك [14]]؟ قال: سعيت في الأرض فسادا. قال: ومن أنت؟ قال:
حارثة بن بدر الغداني. قال: أقم. وانصرف إلى عليّ عليه السّلام فوجده قائما على المنبر يخطب، فقال: يا أمير المؤمنين، ما جزاء الّذين يحاربون اللّه ورسوله ويسعون في الأرض فسادا؟ قال: أن يقتّلوا أو يصلّبوا أو تقطّع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض. قال: يا أمير المؤمنين، إلّا من؟ قال: إلّا من تاب. قال: فهذا حارثة بن
__________
[1] أ، ب: «قالوا: ومن سيدنا».
[2] التكملة من أ، ب.
[3] أ، ب: «و من البلاء».
[4] أ، ب: «على».
[5] أ، ب: «أكبر».
[6] أ، ب: «ثم تمثل قول».
[7] أ، ب: «و من البلاء».
[8] ب: «عتبة».
[9] أ، ب: «فنذر».
[10] أ، ب: «و استجار».
[11] التكملة من أ، ب.
[12] أ، ب: «و قال».
[13] أ، ب: «نذر».
[14] تكملة من ب.
بدر قد جاء تائبا، وقد أجرته. قال: أنت رجل من المسلمين وقد أجرنا من أجرت. ثم قال [1] عليّ عليه السّلام وهو على المنبر: أيها الناس [2]، إني كنت/ نذرت دم حارثة بن بدر، فمن لقيه فلا يعرض [3] له. فانصرف إليه سعيد بن قيس فأعلمه وحمله وكساه [9]، وأجازه [بجائزة سنية [4]]، فقال فيه حارثة:
اللّه يجزي سعيد الخير نافلة ... أعني سعيد بن قيس قرم همدان
أنقدني من شفا غبراء مظلمة ... لو لا شفاعته ألبست أكفاني
قالت تميم بن مرّ لا نخاطبه ... وقد أبت ذلكم قيس بن عيلان
قال الهيثم:
لم يكن الحسن بن عمارة يروي من هذا الشعر غير هذه الثلاثة الأبيات، وأخذت الشعر كلّه من حماد الرّاوية، فقلت له: ممّن أخذته قال: من سمّاك ابن حرب. وهو:
أساغ في الحلق ريقا كان يجرضني [5] ... وأظهر اللّه سرّي بعد كتمان
إني تداركني عفّ شمائله ... آباؤه حين ينمى خير قحطان
ينميه قيس وزيد والفتى كرب ... وذو جبائر من أولاد عثمان
وذو رعين وسيف وابن ذي يزن ... وعلقم قبلهم أعني ابن نبهان [6]
قال [7]: فلما أراد الانصراف إلى البصرة شيّعه سعيد بن قيس إلى نهر البصريين [8] في ألف راكب، وحمله وجهزه، فقال حارثة:
/لقد سررت غداة النهر إذ برزت ... أشياخ همدان فيها المجد والخير
يقودهم ملك جزل مواهبه ... واري الزّناد لدى الخيرات مذكور
أعني سعيد بن قيس خير ذي يزن [9] ... سامي العماد [10] لدى السّلطان محبور
ما إن يلين إذا ما سيم منقصة [11] ... لكن له غضب فيها وتنكير [12]
أغرّ أبلج يستسقى الغمام به ... جنابه الدهر يضحي وهو ممطور [13]
__________
[1] أ، ب: « ... وقد أجرناه. قال عليّ».
[2] أ، ب: «يا أيها الناس».
[3] أ، ب: «فلا يعرضنّ له».
[4] أ، ب: «و كساه وحمله».
[5] التكملة من س.
[6] أ، ب: «كنت أجرضه». ويجرضني: يغصني.
[7] أ، ب: «أعني ابن قيقان».
[8] تكملة من أ، ب.
[9] س: «النصرين».
[10] أ، ب: «خير ذي يمن».
[11] أ: «جمّ الفضال» ب: «حامي الديار».
[12] أ: «منقبة». وفي ب: «مندية».
[13] أ، ب: «و تدكير».
[14] البيت ساقط من ب.
أنس ابن زياد به وقصة ذلك:
أخبرني [1] محمد بن يحيى، قال: حدّثنا محمد بن زكريا، قال: حدّثنا محمد ابن معاوية الزيادي، عن القحذمي، قال:
كان حارثة بن بدر فصيحا بليغا عارفا بأخبار الناس وأيامهم، حلوا شاعرا ذا فكاهة، فكان زياد يأنس به طول حياته، فلما مات وولي عبيد اللّه ابنه، كان يجفوه، فدخل إليه في جمهور الناس، فجلس متواريا منه حتى خفّ الناس، ثم قام فأذكره بحقوقه على زياد وأنسه به. فقال له: ما أعرفني بما قلت! غير أنّ أبي كان قد عرفه الناس وعرفوا سيرته، فلم يكن يلصق به من أهل الرّيبة مثل ما يلحقني، مع الشباب وقرب العهد بالإمارة، فأما إن قلت ما قلت فاختر مجالستي إن شئت ليلا وإن شئت نهارا. فقال: الليل أحبّ إليّ. فكان يدعوه ليلا فيسامره، فلما عرفه استحلاه، فغلب عليه ليله ونهاره حتى كان يغيب فيبعث من يحضره، فجاءه ليلة وبوجهه آثار، فقال له: ما هذا يا حار؟ قال:/ ركبت فرسي الأشقر [2] فلجّج بي مضيقا [3] فسحجني. قال: لكنك لو ركبت أحد الأشهبين لم يصبك شيء من هذا. يعني: اللبن والماء [3].
طلاقه لزوجته وحسرته عليها:
أخبرني محمد بن يحيى، قال: أنبأنا محمد بن زكريا، قال: أنبأنا محمد ابن معاوية الزيادي، عن القحذمي، عن عمه، قال:
خرج حارثة بن بدر إلى سلّم بن زياد بخراسان فأوصى رجلا من غدانة أن يتعاهد امرأته الشّماء ويقوم بأمرها، فكان الغدانيّ يأتيها فيتحدث عندها ويطيل، حتى أحبّها وصبا بها، فكتب إلى حارثة يخبره أنها فسدت عليه وتغيّرت، ويشير عليه بفراقها، ويقول له: إنها قد فضحتك من تلعّب الرجال بها. فكتب إليها بطلاقها، وكتب في آخر كتابه:
ألا آذنا شمّاء بالبين إنه ... أبى أود الشمّاء أن يتقوّما
قال: فلما طلّقها وقضت عدّتها، خطبها الغدانيّ فتزوجها، وكان حارثة شديد الحبّ لها، وبلغه ذلك، وما صنعت، فقال:
لعمرك ما فارقت شمّاء عن قلى ... ولكن أطلت النّأي عنها فملّت
مقيما بمرورّوذ لا أنا قافل ... إليها ولا تدنو إذا هي حلّت
رثاء زوجته له:
أخبرني محمد بن يحيى، قال: أنبأنا محمد بن زكريا، قال: أنبأنا مهدي بن سابق، قال: أنبأنا عطاء، عن عاصم بن الحدثان، قال:
__________
[1] هذا الخبر والأخبار الثلاثة بعده ساقطة من أ، ب.
[2] يعني: الخمر.
[3] لجج: إذا خاض لجة.
تزوج حارثة بن بدر ميسة بنت جابر، وكانت تذكر بجمال وعقل ولسان، فلما هلك حارثة تزوّجها بشر بن شعاف بعده فلم تحمده، فقالت ترثي حارثة:
/بدّلت بشرا شقاء أو معاقبة ... من فارس كان قدما غير خوّار
يا ليتني قبل بشر كان عاجلني ... داع من اللّه أو داع من النّار
وقالت أيضا فيه:
ما خار لي ذو العرش لمّا استخرته ... وعذّبني أن صرت لابن شعاف
فما كان لي بعلا وما كان مثله ... يكون حليفا أو ينال إلا في
فيا ربّ قد أوقعتني في بليّة ... فكن لي حصنا منه ربّ وكاف [1]
ونحّ إلهي ربقتي من يد امرىء ... شتيم محيّاه لكل مصافي [2]
هو السّوأة السّواء لا خير عنده ... لطالب خير أو أحذّ قوافي [3]
يرى أكلة إن نلتها قلع ضرسه ... وما تلك زلفى يال عبد مناف
وإن حادث عضّ الشّعافيّ لم يكن ... صليبا ولا ذا تدرأ وقذاف [4]
بينه وبين ابن زنيم:
أخبرني محمد بن مزيد [5]، قال: أنبأنا حماد بن إسحاق عن أبيه، عن عاصم ابن الحدثان، قال:
لقي أنس بن زنيم الدّئلي حارثة بن بدر فقال له: يا حارثة، قد قلت لك أبياتا فاسمعها. فقال: هاتها، فأنشده:
فحتّى متى أنت ابن بدر مخيّم ... وصحبك يحسون الحليب من الكرم
فإن كان شرّا فاله عنه وخلّه ... لغيرك من أهل التّخبّط والظّلم
/ وإن كان غنما يا بن بدر فقد أرى ... سئمت من الإكثار من ذلك الغنم
وإن كنت ذا علم بها واحتسائها [6] ... فما لك تأتي ما يشينك عن علم
تق اللّه وأقبل يا بن بدر نصيحتي ... ودعها لمن أمسى بعيدا من الحزم
فلو أنها كانت شرابا محلّلا ... وقلت لي اتركها لأوضعت [7] في الحكم [8]
وأيقنت أن القول [9] ما قلت فانتفع ... بقولي ولا تجعل كلامي من الجرم
__________
[1] الوجه: «و كافيا»، فعدل عنها للقافية، وهذه من أقبح الضرورات.
[2] الربقة، بكسر الراء وسكون الباء: العقدة. وشتيم المحيا: كريهه.
[3] الأحذ: الذي لا يتعلق به شيء لجودته.
[4] الشعافي، هو بشر بن شعاف، المذكور قبل. وذو تدرأ: ذو عزة ومنعة. والقذاف: الرمي.
[5] ب: «يزيد».
[6] أ، ب: «بما في احتسائها».
[7] أوضعت: أسرعت.
[8] أ، ب: «في الحلم».
[9] أ، ب: «الحلم».
فربّ نصيح الجيب ردّ انتصاحه ... عليه بلا ذنب وعوجل بالشّتم [1]
فقال له حارثة: لقد قلت فأحسنت، ونصحت فبالغت [2]، جزيت الخير أبا زنيم [3]. فلما رجع إلى منزله، أتاه ندماؤه فذكر لهم ما قال ابن زنيم، فقالوا: واللّه ما نرى ذلك إلا حسدا [4]. ثم قال حارثة بن بدر لابن زنيم:
يعيب عليّ الرّاح من لو يذوقها ... لجنّ بها حتى يغيّب في القبر
فدعها [5] أو امدحها فإنّا نحبّها ... صراحا كما أغراك ربّك بالهجر [6]
علام تذمّ الرّاح والرّاح كاسمها ... تريح الفتى من همّه آخر الدّهر
فلمني فإن اللّوم فيها يزيدني ... غراما بها إن الملامة قد تغرى
وباللّه أولي صادقا لو شربتها ... لأقصرت عن عذلي وملت إلى عذري [7]
/و إن شئت [8] جرّبها وذقها عتيقة ... لها أرج كالمسك محمودة الخبر
فإن أنت لم تخلع عذارك فالحني ... وقل لي لحاك اللّه من عاجز غمر
وقبلك ما قد لامني في اصطباحها ... وفي شربها [9] بدر فأعرضت عن بدر
وحاسيتها قوما [10] كأنّ وجوههم ... دنانير في الّلأواء والزّمن النّكر
فدعني من التّعذل فيها فإنني ... خلقت أبيّا لا ألين على القسر
أجود وأعطي المنفسات تبرّعا ... وأغلي بها عند اليسارة والعسر
وأشربها حتى أخرّ مجدّلا ... معتّقة صهباء طيّبة النّشر
ولو لا النّهى لم أصح ما عشت ساعة ... ولكنني نهنهت نفسي عن الهجر
فقصّرت عنها بعد طول لجاجة ... وحبّ لها في سرّ أمري وفي الهجر [11]
وحقّ لمثلي أن يكفّ عن الخنى ... ويقصر عن بعض الغواية والنّكر [12]
هو وابن زياد في خراج نيسابور:
أخبرني الحسين [13] بن يحيى، عن حمّاد عن أبيه، عن أبي عبيدة:
أن عبيد اللّه بن زياد استعمل حارثة بن بدر على نيسابور [14] فغاب عنه أشهرا، ثم قدم فدخل عليه، فقال له: ما جاء بك ولم أكتب إليك؟ قال: استنظفت خراجك [15] وجئت به وليس لي [بها] [16] عمل، فما مقامي؟ قال: أو بذلك
__________
[1] نصيح الجيب: أمين.
[2] س: «فما بلغت».
[3] أ: «يا زنيم».
[4] أ، ب: «فقالوا: ما أراد إلّا تبكيتك. قال: وأنا واللّه أرى ذلك».
[5] أ، ب: «فعبها».
[6] صراح، بضم الصاد: صرفة غير ممزوجة.
[7] أولى صادقا: أحلف صادقا.
[8] أ، ب: «فإن شئت».
[9] أ، ب: «و في إدمانها».
[10] وحاسيتها قوما: شربتها معهم.
[11] أ: «في سر أمري والجهر».
[12] أ، ب: «و السكر».
[13] ب: «الحسن».
[14] ب: «هل جند نيسابور».
[15] استنطفت خراجك: استوفيته.
[16] تكملة من أ، ب.
أمرتك؟ ارجع فاردد عليهم الخراج وخذه منهم نجوما حتى تنقضي السنة وقد فرغت من/ ذلك [1]، فإنه أرفق بالرعيّة وبك، واحذر أن تحملهم على بيع غلّاتهم ومواشيهم ولا التّعنيف عليهم [2]. فرجع فردّ الخراج عليهم، وأقام يستخرجه منهم نجوما حتى مضت السنة.
شهادة الأحنف له:
أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي، قال: حدّثنا الرياشيّ عن الأصمعي، قال:
قال الأحنف بن قيس: ما غبت عن أمر قطّ فحضره حارثة بن بدر إلا وثقت بإحكامه إيّاه وجودة عقده له، وكان حارثة بن بدر من الدّهاة.
عوتب زياد على تقريبه إياه فأجاب:
أخبرني عليّ بن سليمان الأخفش، قال: حدّثنا أحمد بن يحيى، عن ابن الأعرابيّ، قال:
كان حارثة بن بدر يصيب من الشراب، وكان حظيّا عند زياد، فعوتب زياد على رأيه فيه. فقال: أتلومونني على حارثة؟ فو اللّه ما تفل في مجلسي قطّ، ولا حكّ ركابه ركابي، ولا سار معي في علاوة الريح [3] فغبّر عليّ، ولا دعوته قطّ فاحتجت إلى تجشّم الالتفات إليه حتى يوازيني، ولا شاورته في شيء إلا نصحني، ولا سألته عن شيء من أمر العرب وأخبارها إلا وجدته به بصيرا.
موقفه يوم دولاب:
أخبرني أحمد بن عبد العزيز [الجوهري] [4] وأحمد بن عبيد اللّه بن عمّار، قالا: حدّثنا عمر بن شبّة، قال:
حدّثنا الأصمعيّ، قال:
/ لما كان يوم دولاب وأفضت الحرب إلى حارثة بن بدر صاح: من جاءنا من الموالي فله فريضة العرب، ومن جاءنا من الأعراب فله فريضة المهاجر [5]. فلما رأى ما يلقى أصحابه من الأزارقة قال:
أير الحمار فريضة لشبابكم ... والخصيتان فريضة الأعراب
عضّ الموالي جلد أير أبيهم ... إن الموالي معشر الخيّاب
ثم قال:
كرنبوا ودولبوا ... وشرّقوا وغرّبوا
وحيث شئتم فاذهبوا
يعني بقوله «كرنبوا» أي خذوا طريق كرنبى، و «دولبوا»: خذوا طريق دولاب [6].
__________
[1] أ، ب: «و قد فرغت من خراجك».
[2] أ، ب: «و لا التغير عليها».
[3] علاوة الريح: أن تكون في مهبها.
[4] تكملة من أ، ب.
[5] ب: «العرب».
[6] مر بعض هذا الخبر (ص 400).
سؤال ابن زياد له وللأحنف عن الشراب:
أخبرني محمد بن زكريا الصحّاف، قال: حدّثنا قعنب بن محرز، قال: حدثنا الهيثم بن عديّ، عن ابن عيّاش [1]، عن المغيرة بن المنتشر، قال:
إنّا عند [2] عبيد اللّه بن زياد، وعنده الأحنف [بن قيس] [3] وحارثة بن بدر، وكان حارثة يتّهم بالشراب. فقال له عبيد اللّه: يا حارثة، أيّ الشراب أطيب؟ قال: برّة طبريّة [4]؛ بأقطة عنزبّة، بسمنة عربيّة، بسكرة سوسيّة [5]. فتبسّم عبيد اللّه، ثم قال للأحنف: يا أبا بحر، أيّ الشّراب أطيب؟ قال: الخمر. فقال له عبيد اللّه: وما يدريك ولست [6] من أهلها؟ قال: من يستحلّها لا يعدوها إلى غيرها، ومن يحرّمها يتأوّل فيها حتى يشربها. قال: فضحك عبيد اللّه.
هو ورجل أجاز له بيتا:
أخبرني أحمد بن محمد أبو الحسن الأسدي [7] وعمرو بن عبد اللّه العتكي، قالا: حدّثنا الرياشيّ. وقال العتكي في خبره: «عن أبي عبيدة»، ولم يقله الأسديّ ولا تجاوز الرياشيّ به:
إن حارثة كان بكوار [8] من أردشير [9] خره [يتنزه] [10] فقال:
ألم تر أن حارثة بن بدر ... أقام بدير أبلق [11] من كوارا
ثم قال لجند كانوا معه: من أجاز هذا البيت فله حكمه. فقال له رجل منهم: أنا أجيزه على أن تجعل لي الأمان من غضبك، وتجعلني رسولك إلى البصرة، وتطلب لي القفل [12] من الأمير. قال: ذلك لك. قال: ثم رد عليه نشيد البيت، فقال الرجل:
مقيما يشرب الصّهباء صرفا ... إذا ما قلت تصرعه استدارا
فقال له حارثة: لك شرطك، ولو كنت قلت لنا شيئا يسرنا لسررناك.
طلب منه الأبيرد ثوبين فأعطاه ما لم يرضه فهجاه:
كتب إليّ أبو خليفة الفضل بن الحباب، أخبرنا محمد بن سلّام، قال: قدم الأبيرد الرّياحيّ على حارثة بن بدر
__________
[1] س: «أبي عياش»، تحريف.
[2] أ، ب: «كنا عند».
[3] تكملة من أ، ب.
[4] س: «طيسارية».
[5] «سوسية»: نسبة إلى سوس. كورة بالأهواز.
[6] أ، ب: «و ما يدريك من أهلها».
[7] أ: «أخبرني محمد أبو الحسن الأسدي». س: «أخبرني محمدبن محمد الحسن الأسدي».
[8] كوار، بالضم وتخفيف الواو: بلدة بينها وبين شيراز عشرة فراسخ.
[9] أردشير خره: كورة بفارس، منها شيراز وكوار.
[10] تكملة من أ، ب.
[11] ذكر ياقوت هذا الدير في «دير الأبلق» وقال: «بكوار من ناحية أردشير حره» ثم أورد البيتين، هذا البيت والذي بعده منسوبين لحارثة.
[12] القفل، بالفتح: الرجوع، كالقفول.
فقال له: اكسني ثوبين أدخل بهما [1] على الأمير. فكساه ثوبين لم يرضهما، فقال فيه:
/أحارث أمسك فضل برديك إنما ... أجاع وأعرى اللّه من كنت كاسيا
وكنت إذا استمطرت منك سحابة ... لتمطرني عادت عجاجا وسافيا [2]
أحارث عاود شربك الخمر إنني ... رأيت زيادا عنك أصبح لاهيا [3]
فبلغت زيادا، وبلغت حارثة، فقال: قبحه اللّه! لقد شهد [عليّ [4]] بما لم يعلم، ولم أدع [5] جوابه إلّا لما يعلم.
مجاهرة الحكم ابن المنذر بالشراب لأبيات لحارثة:
أخبرني محمد بن مزيد، قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه، عن عاصم ابن الحدثان، قال:
كان الحكم بن المنذر بن الجارود يشرب الشراب، فقيل له في ذلك وعوتب، وعرف أن الصّلتان العبدي هجاه فقال فيه:
ترك الأشياء طرّا وانحنى [6] ... يشرب الصّهباء من ماء العنب
لا يخاف الناس قد أدمنها ... وهي تزري باللّئيم المؤتشب [7]
وهي بالأشراف أزرى وإلى ... غاية التّأنيب تدعو ذا الحسب
فدع الخمر أبا حرب وسد [8] ... قومك الأدنين من بين العرب
فقال: لعنه اللّه! واللّه ما ترك للصلح موضعا، ولقد صدق، ولو لا الشرب [9] لكنت الرجل الكامل، وما يخفي عليّ قبيحه [10] وسوء القالة فيه، ولكني سمعت حارثة بن بدر الغداني أنشد أبياتا يوما فحملتني على المجاهرة الشراب، وإن كان ذلك إليّ بغيضا. قيل له: وما الأبيات؟ قال: سمعته ينشد:
/أذهب عني الغمّ والهمّ والذي ... به تطرد [11] الأحداث شرب المروّق
فو اللّه ما أنفكّ [12] بالرّاح مهترا [13] ... ولو لا لام فيها كلّ حرّ موفّق
__________
[1] أ، ب: «فيهما».
[2] العجاج: الغبار. والسافي: التراب المتبدد.
[3] أ، ب: أرى ابن زياد عنك أصبح لاهيا.
[4] تكملة من أ، ب.
[5] أ، ب: «و ما أدع».
[6] س: «و الخنى».
[7] المؤتشب: الذي جمع ماله من الأشابات، وهي الأخلاط فيها الحرام.
[8] أ، ب: «تسد».
[9] أ، ب: «الشراب».
[10] أ، ب: «قبحه».
[11] أ، ب: «تطرق».
[12] أ، ب: «و لا أنفك».
[13] المهتر:؟؟؟
فما لائمي فيها وإن كان ناصحا ... بأعلم منّي بالرّحيق المعتّق
ولكنّ قلبي مستهام بحبها ... وحبّ القيان رأي كلّ محمّق
أحبّ التي لا أملك الدّهر بغضها ... وذلك فعل معجب كلّ أخرق
سأشربها صرفا وأسقي صحابتي ... وأطلب غرّات الغزال المنطّق [1]
هو ونديم له من قريش:
أخبرني محمد بن مزيد، قال: حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه، عن عاصم بن الحدثان، قال:
كان لحارثة بن بدر نديم من قريش يصيب معه الشراب، ولا يفارقه إذا شرب، وقال فيه.
وأبيض من أولاد سعد بن مالك ... سقيت من الصّهباء حتى تقطّرا [2]
وحتى رأى الشّخص القريب بسكره ... شخوصا فنادى يال سعد وكبّرا
فقلت أسكران؟ فقال مكابرا [3] ... أبى اللّه لي أن أستخفّ وأسكرا
فقلت له اشرب هذه بابليّة ... تخال بها مسكا ذكيا وعنبرا [4]
فلما حساها هرّها [5] ثمّ إنّه ... تماسك شيئا واجما متفكّرا
/ وقال أعدها قلت صبرا سويعة ... فهوّم شيئا ثم قام فبربرا [6]
فقلت له نم ساعة علّ ما أرى [7] ... من السّكر يبدي منك صرما مذكّرا [8]
قال إسحاق: قال عاصم بن الحدثان:
هو ومخارق بن صخر وقد دخل عليه وهو مصطبح:
كان أبو صخر مخارق بن صخر أحد بني ربيعة بن مالك شاعرا، وهو خال أبي حزانة، أو خال أبي جميعة [9]، وكان صديقا لحارثة بن بدر، فدخل عليه يوما. وهو مصطبح، فعاتبه [حارثة بن بدر [10]] وقال [11] [له]: قد أسقطت
__________
[1] المنطق: لابس المنطقة.
[2] تقطر: ألقى على قطره، أي ظهره.
[3] أ، س: «مكابر».
[4] أ، ب: «مخالطة مسكا ذكيا وعنبرا».
[5] كذا في أ، ب. وهرها: أطلقها من بطنه. وفي س: «هدها».
[6] هوّم: هز رأسه من النعاس. وبربر: خلط في كلامه هاذيا.
[7] أ، ب: «عل ما ترى».
[8] الصرم: الهجر. ومذكر: قاطع حاسم. يريد إقلاعا عن شرب الخمر لا رجعة بعده.
[9] أ، ب: «حنيفة».
[10] التكملة من أ.
[11] تكملة من أ، ب.
الخمر قدرك ومروءتك. قال له: دع عنك هذا الجنون وهلمّ نتساعد واسمع ما قلت.
قال: هاته، فأنشده:
غدا ناصحا لم يأل جهدا مخارق ... يلوم على شرب السّلاف المعتّق
فقلت أبا صخر دع الناس يجهلوا ... ودونكها صهباء ذات تألّق
تراها إذا ما الماء خالط جسمها ... تخايل في كفّ الوصيف المنطّق [1]
لها أرج كالمسك تذهب ريحها ... عماية حاسيها بحسن ترفّق
وكم لائم فيها بصير بفضلها ... رمته بسهم صائب متزلّق [2]
فظلّ لريّاها يعضّ ندامة ... يديه وأرغى بعد طول تمطّق [3]
وقال لك العذر ابن بدر على التي ... تسلّي هموم المستهام المشوّق
/ فلست ابن صخر تاركا شرب قهوة ... لقول لئيم جاهل [4] متحذلق
يعيب عليّ الشّرب والشرب همّه ... ليحسب ذا رأي أصيل مصدّق
فما أنا بالغرّ ابن صخر ولا الذي ... يصمّم في شيء من الأمر موبق [5]
فقال له مخارق بن صخر: إنما عاتبتك لأن الناس قد كثّروا [6] فيك، ورأيت النصيحة للّه واجبة عليّ، وكرهت [7] أن تضع لذّتك قدرك، فإن أطعتني في تركها وإلّا فلا تجاهر بها، فإنك قادر [على [8]] أن تبلغ حاجتك في ستر. فقال حارثة: ما عندي غير ما سمعت، فتركه وانصرف.
هو وأبو الأسود وقيل مولى زياد:
أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي، قال: أنبأنا الرياشيّ عن محمد بن سلام، عن يونس بن حبيب، قال:
لما بنى قيل مولى زياد داره [9] بالسّبابجة [10]، صنع طعاما ودعا أصحاب زياد، فدخلوا الحمام المعروف
__________
[1] أ، ب: «فكم لائم ... بسهم صائب لم يذلق».
[2] متزلق: محدد.
[3] التمطق: التصويت باللسان والغار الأعلى، وذلك عند استطابة الشيء.
[4] أ، ب: «عاجز».
[5] موبق: مهلك.
[6] أ، ب: «قد أكثروا».
[7] أ، ب: «و رأيت النصيحة لك واجبة، فكرهت أن».
[8] تكملة من أ، ب.
[9] أ: «لما بنى فيل مولى داره بالسبابجة». «س»: «لما بنى داره فيل مولى زياد بالسبابجة».
[10] السبابجة: قوم من السند، كانوا نواب البصرة جلاوزة وحراس السجن، يريد الحي الذي كانوا ينزلونه.
بحمّام [1] فيل، وخرجوا [2] فتغدّوا عنده، وركب فيل وأصحابه الهماليج والمقاريف [3] والبغال، واجتاز بهم معه [4] على حارثة بن بدر وأبي الأسود الدّؤليّ وهما جالسان، فقال أبو الأسود:
/لعمر أبيك ما حمّام كسرى ... على الثّلثين من حمّام فيل
فقال له حارثة:
وما إيجافنا خلف الموالي ... بسنّتنا على عهد الرّسول
تعقب الأحنف له في قول بلغه عنه بمحضر ابن زياد:
أخبرني محمد بن مزيد، قال: أنبأنا حماد عن أبيه، عن عاصم بن الحدثان، قال: حدثني عمي عن الحارث الهجيمي، قال:
ذكر حلم الأحنف بن قيس عند عبيد اللّه بن زياد وعنده حارثة بن بدر، فنفس عليه حارثة ذلك، فقال لعبيد اللّه:
أيها الأمير [5]، ما يبلغ حلم من لا قدرة له ولا يملك لعدوّه ضرّا ولا لصديقه نفعا. وإنما يتكلّف الدخول فيما لا يعنيه؟ فبلغ ذلك من قوله. الأحنف فقال: أهون بحارثة وكلامه؟ وما حارثة ومقداره؟ أليس الذي يقول - قبح اللّه رأيه - في قوله:
إذا ما شربت الراح أبدت مكارمي ... وجدت بما حازت يداي من الوفر
وإن سبّني جهلا نديمي لم أزد ... على اشرب سقاك اللّه طيّبة النّشر
أرى ذاك حقّا واجبا لمنادمي ... إذا قال لي غير الجميل من النّكر
هو وجاريته ميسة:
أخبرني عمّي، قال: أنبأنا الكرانيّ، قال: أنبأنا الرياشيّ عن الأصمعي [6]، قال:
كان لحارثة بن بدر جارية يقال لها «ميسة» وكان بها مشغوفا، فلما مات تزوجت بعده بشر بن شغاف. فهؤلاء الشّغافيون [7] من ولدها، وفيها يقول حارثة:
/خليليّ لو لا حبّ ميسة لم أبل ... أفي اليوم لاقيت المنيّة أم غدا
خليليّ إن أفشيت سرّي إليكما ... فلا تجعلا سرّي حديثا مبدّدا [8]
__________
[1] حمام فيل: بالبصرة. وكان أهل البصرة يضربون المثل به. «معجم البلدان».
[2] أ، ب: «ثم خرجوا».
[3] الهماليج: البراذين، جمع هملاج، بكسر الهاء. والمقاريف: الخيل غير الأصيلة، واحدها مقرف، بضم فسكون فكسر.
[4] أ: «و اجتازوهم معه». وفي ب: «و اجتازوا وهم معه».
[5] أ، ب: «و ما يبلغ ... ».
[6] أ، ب: «العتبي».
[7] س: «الشعافيون» تصحيف. «الاشتقاق» لابن دريد ص 277).
[8] هذا البيت ساقط من ب.
وإن أنتما أفشيتماه فلا رأت ... عيونكما يوم الحساب محمّدا
ولا زلتما في شقوة ما بقيتما ... تذوقان عيشا سيّ ء الحال [1] أنكدا
هو ومولاه في تسويد قومه له:
أخبرني حبيب بن نصر المهلّبيّ، قال: أنبأنا الحسين بن عليل، قال: أنبأنا مسعود بن بشر عن أبي عبيدة، قال:
اجتاز حارثة بن بدر الغداني بمجلس من مجالس قومه [من [2]] بني تميم ومعه كعب مولاه، فكلما اجتاز بقوم قاموا إليه وقالوا: مرحبا بسيدنا، فلما ولّى قال له كعب: ما سمعت كلاما قطّ أقرّ لعيني ولا ألذّ بسمعي [3] من هذا الكلام الذي سمعته اليوم. فقال له حارثة: لكني لم أسمع كلاما قطّ أكره لنفسي وأبغض إليّ مما سمعته. قال:
ولم! قال: ويحك يا كعب! إنما سوّدني قومي حين [4] ذهب خيارهم وأماثلهم، فاحفظ عني هذا البيت:
خلت الدّيار فسدت غير مسوّد ... ومن الشّقاء [5] تفرّدي بالسّودد
مطلبه في وفاته:
قال:
واشتكى حارثة [بن بدر] وأشرف [6] على الموت، فجعل قومه يعودونه [7] فقالوا له [8]: هل لك من حاجة أو شيء تريده؟ قال: نعم، اكسروا رجل مولاي كعب لئلا يبرح من عندي فإنه يؤنسني. ففعلوا، وأنشأ [9] يقول:
/يا كعب مهلا فلا تجزع على أحد ... يا كعب لم يبق منّا غير أجساد
يا كعب ما راح من قوم ولا بكروا [10] ... إلا وللموت في آثارهم حادي
يا كعب ما طلعت شمس ولا غربت ... إلّا تقرّب آجالا [11] لميعاد
يا كعب كم من حمى قوم نزلت به [12] ... على صواعق من زجر وإيعاد
__________
[1] ب: «البال».
[2] تكملة من أ، ب.
[3] أ، ب: «السمعي».
[4] أ، ب: «حيت».
[5] أ، ب: «و من البلاء».
[6] التكملة من أ، ب.
[7] أ، ب: «و دخل عليه قومه يعودونه».
[8] تكملة من س.
[9] أ، ب: «فأنشأ».
[10] أ، ب: «و لا ابتكروا».
[11] س: «آجال».
[12] أ، ب: «بهم».
فإن لقيت بواد حيّة ذكرا ... فاذهب ودعني [1] أمارس حيّة الوادي [2]
جاء بعقب هذه الترجمة في الجزء الحادي والعشرين:
صوت
عش فحبيّك سريعا قاتلي ... والضّنى إن لم تصلني واصلي
ظفر الشّوق بقلب دنف ... فيك والسّقم بجسم ناحل
فهما بين اكتئاب وضنى ... تركاني كالقضيب الذّابل
الشعر لخالد الكاتب، والغناء للمسدود، رمل مطلق في مجرى الوسطى. وذكر جحظة أن هذا الرمل أخذ عنه، وأنه أول صوت سمعه فكتبه.
* ثم جاءت بعد هذا أخبار خالد الكاتب.
__________
[1] أ: «و ذرني» «ب»: «فامرر وذرني فإني حية الوادي».
[2] حية الوادي: من هو نهاية في الداء والخبث والعقل.
فهرس التراجم التي في الجزء الثامن
الموضوع الصفحة
جرير 229
جميل 288
يزيد بن الطئرية 332
جميلة 353
عنترة 386
عبد قيس بن خفاف البرجمي 392
أبو دلف 394
سعيد بن عبد الرحمن 409
البردان 415
الأخطل 417
سائب خاثر 445
جرادتا عبد اللّه بن جدعان 449
سلامة القس 454
العباس بن الأحنف 466
ترجمة حارثة بن بدر 485
نسبه وأخباره 489
فهرس التراجم التي في الجزء الثامن 521
الجزء التاسع
[تتمة التراجم]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ*
(الجزء التاسع من كتاب الأغاني)
1 - ذكر أخبار كثير ونسبه
نسبه:
هو، فيما أخبرنا به محمد بن العباس اليزيديّ عن محمد بن حبيب عن ابن الأعرابيّ، أبو صخر كثيّر بن عبد الرحمن بن الأسود بن عامر بن عويمر بن مخلد [1] بن سعيد بن سبيع [2] بن جعثمة بن سعد بن مليح بن عمرو وهو [3] خزاعة بن ربيعة وهو يحيى بن حارثة بن عمرو وهو مزيقيا بن عامر وهو ماء السماء بن حارثة الغطريف بن امرىء القيس البطريق بن ثعلبة البهلول [بن مازن [4]] بن الأزد وهو درء [5] - وقيل دراء ممدودا - بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان.
وأخبرنا أبو عبد الرحمن أحمد بن محمد بن إسحاق الحرميّ قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثنا أبو صخر بن أبي الزّعراء الخزاعيّ عن أمّه ليلى بنت كثيّر قالت:/ هو كثّير بن عبد الرحمن بن الأسود بن عامر بن مخلد بن سبيع بن سعد بن مليح بن عمرو بن ربيعة بن حارثة بن عمرو بن عامر. وأمه جمعة بنت الأشيم بن خالد بن عبيد بن مبشّر بن رياح بن سيالة بن عامر بن جعثمة بن كعب بن عمرو بن ربيعة بن حارثة بن عمرو بن عامر. وكانت كنية الأشيم جدّه أبي أمّه أبا جمعة، ولذلك قيل له ابن أبي جمعة.
وكان له ابن يقال له ثواب من أشعر أهل زمانه، مات سنة إحدى وأربعين ومائة ولا ولد له.
ومات كثيّر سنة خمس ومائة في ولاية يزيد بن عبد الملك. وليس له اليوم ولد إلّا من بنته ليلى. ولليلى بنته ابن يكنى أبا سلمة شاعر، وهو الذي يقول:
صوت
وكان عزيزا أن تبيتي وبيننا ... حجاب فقد أمسيت منّي على شهر
ففي القرب تعذيب وفي النأي حسرة ... فيا ويح نفسي كيف أصنع بالدهر
__________
[1] كذا في «وفيات الأعيان» لابن خلكان و «تجريد الأغاني»، وسيأتي في النسب الذي يذكره عن ليلى بنت كثير: « ... بن عامر بن مخلد بن سبيع ... ». وفي الأصول هنا: «عويمر بن مخارق بن سعيد ... ».
[2] كذا ورد هذا الاسم في الأصول وفي «وفيات الأعيان» و «تجريد الأغاني» و «السيرة» لابن هشام في نسب أميّة بنت خلف. وقال أبو ذر بن مسعود الخشني في كتابه على السيرة (ج 1 ص 80 طبع مطبعة هدية) صوابه: «يثيع» بالياء المثناة والثاء المثلثة.
[3] في الأصول: «مليح بن عمرو بن خزاعة ... » وهو تحريف. (راجع في «القاموس» و «شرحه» مادة ملح والنسب الآتي الذي روي عن ليلى ابنته).
[4] زيادة من «وفيات الأعيان وتجريد الأغاني».
[5] في الأصول: «درى». والتصويب عن «القاموس».
في هذين البيتين غناء لمقاسة. ولحنه من الثقيل الأول بالخنصر عن حبس.
كنيته وطبقته في الشعراء ونحلته:
ويكنى كثيّر أبا صخر. وهو من فحول شعراء الإسلام، وجعله ابن سلّام في الطبقة الأولى منهم وقرن به جريرا والفرزدق والأخطل والرّاعي. وكان غاليا في التشيّع يذهب مذهب الكيسانيّة [1]، ويقول بالرّجعة والتّناسخ، وكان محمّقا مشهورا بذلك. وكان آل مروان يعلمون بمذهبه فلا يغيّرهم ذلك لجلالته في أعينهم ولطف محلّه في أنفسهم وعندهم. وكان من أتيه الناس وأذهبهم بنفسه على كل أحد.
الحديث عنه وعلى شعره:
أخبرني به [2] أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثني هارون بن عبد اللّه الزّهريّ قال حدّثني سليمان بن فليح قال: سمعت محمد بن عبد العزيز (يعني ابن عمر بن عبد الرحمن بن عوف) يقول ما قصّد القصيد ولا نعت الملوك مثل كثيّر.
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثني الزّبير بن بكّار قال كتب إليّ إسحاق بن إبراهيم الموصليّ حدّثني إبراهيم بن سعد قال: إني لأروي لكثيّر ثلاثين قصيدة لو رقي بها/ مجنون لأفاق.
أخبرني الحرميّ قال حدّثني الزبير قال حدّثني بعض أصحاب الحديث قال:
كنّا نأتي إبراهيم بن سعد وهو خبيث [3] النفس، فنسأله عن شعر كثيّر فتطيب نفسه ويحدّثنا.
أخبرني الحرميّ قال حدّثنا الزبير قال حدّثنا عمر بن أبي بكر المؤمّليّ [4] عن عبد اللّه بن أبي عبيدة قال:
من لم يجمع من شعر كثيّر ثلاثين لاميّة فلم يجمع شعره. قال الزبير قال المؤمّليّ: وكان ابن أبي عبيدة يملي شعر كثيّر بثلاثين دينارا. قال وسئل عمّي مصعب: من أشعر الناس؟ فقال: كثيّر بن أبي جمعة، وقال: هو أشعر من جرير والفرزدق والراعي وعامّتهم (يعني الشعراء)، ولم يدرك أحد في مديح الملوك ما أدرك كثيّر.
أخبرني أبو خليفة الفضل بن الحباب إجازة قال حدّثنا محمد بن سلّام الجمحيّ قال:
/ كان كثيّر شاعر أهل الحجاز، وهو شاعر فحل، ولكنه منقوص حظّه بالعراق.
أخبرني أبو خليفة قال أخبرنا ابن سلّام قال سمعت يونس النحويّ يقول:
كثيّر أشعر أهل الإسلام. قال ابن سلّام: وسمعت ابن أبي حفصة يعجبه مذهبه في المديح جدّا، ويقول: كان يستقصي المديح، وكان فيه مع جودة شعره خطل وعجب.
__________
[1] الكيسانية: فرقة من الشيعة الإمامية، وهم أصحاب كيسان مولى علي بن أبي طالب. (انظر الحاشية رقم 3 في ج 7 ص 231 من هذه الطبعة).
[2] وردت هذه الكلمة «به» في جميع الأصول.
[3] المراد بخبث النفس: غثيانها.
[4] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «الموصلي». (انظر الحاشية رقم 1 ص 123 من الجزء الرابع من هذه الطبعة، و «المشتبه» ص 300 طبع أوربا).
أخبرني الحرميّ قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثني محمد بن إسماعيل الجعفريّ قال أخبرني إبراهيم بن إبراهيم بن حسين بن زيد قال:
سمعت المسور بن عبد الملك يقول: ما ضرّ من يروي شعر كثيّر وجميل ألّا تكون عنده مغنّيتان مطربتان.
أخبرني حبيب بن نصر المهلّبي وأحمد بن عبد العزيز الجوهريّ قالا حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثني إسحاق بن إبراهيم عن المدائنيّ عن الوقّاصيّ قال:
رأيت كثيّرا يطوف بالبيت، فمن حدّثك أنه يزيد على ثلاثة أشبار فكذّبه؛ وكان إذا دخل على عبد العزيز بن مروان يقول: طأطىء رأسك لا يصبه السقف.
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثني إسحاق بن إبراهيم عن المدائنيّ، وعن ابن حبيب عن أبيه عن جدّه عن جدّ أبيه عبد العزيز وأمّه جمعة بنت كثيّر قال:
قال [جرير [1]] لكثيّر: أيّ رجل أنت لو لا دمامتك! فقال كثيّر:
إن أك قصدا [2] في الرجال فإنّني ... إذا حلّ أمر ساحتي لطويل
ما كان بينه وبين الحزين الديلي:
أخبرني حبيب بن نصر وأحمد بن عبد العزيز الجوهريّ قالا حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثني إسحاق بن إبراهيم عن المدائنيّ عن الوقّاصيّ قال، وأخبرنا الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزبير بن بكّار قال حدّثني محمد بن يحيى عن بعض أصحابهم الدّيليّين قال:
التقى كثيّر والحزين [3] الدّيليّ بالمدينة في دار ابن أزهر في سوق الغنم، فضمّهما المجلس. فقال كثيّر للحزين: ما أنت شاعر يا حزين، إنما توصل الشيء إلى الشيء. فقال له الحزين: أتأذن لي أن أهجوك؟ قال نعم.
وكان كثيّر قال قبل ذلك وهو ينتسب إلى بني الصّلت [4] بن النّضر بن كنانة:
أليس أبي بالنّضر أو ليس إخوتي ... بكلّ هجان من بني الصّلت أزهرا
فإن لم تكونوا من بني الصّلت فاتركوا ... أراكا بأذيال الخمائل [5] أخضرا
قال: فلما أذن كثيّر للحزين أن يهجوه قال الحزين:
/لقد علقت زبّ الذّباب كثيّرا ... أساود [6] لا يطنينه وأراقم
__________
[1] التكملة من «تجريد الأغاني»:
[2] في الأصول: «قصيرا» والتصويب عن «تجريد الأغاني». والقصد: الربعة من الرجال.
[3] اسمه عمرو بن عبيد بن وهيب بن مالك، والحزين لقبه، من شعراء الدولة الأموية، حجازي مطبوع ليس من فحول طبقته. وكان هجاء خبيث اللسان ساقطا يرضيه اليسير ويتكسب بالشعر وهجاء الناس. (انظر ترجمته في ج 14 ص 76 من «الأغاني» طبع بولاق).
[4] الصلت بن النضر: أبو خزاعة.
[5] كذا في نسخة الأستاذ الشنقيطي مصححة بقلمه. والخميلة: المنهبط الغامض من الرمل، وهي مكرمة للنبات. وفي الأصول:
«الحمائل» بالحاء المهملة.
[6] الأساود: الحيات. ولا يطنينه: لا يبقين عليه؛ يقال: رماه اللّه بأفعى لا تطنى أي لا يفلت لديغها. والأرقم: أخبث الحيات وأطلبها للناس.
قصير القميص فاحش عند بيته ... يعضّ القراد باسته وهو قائم
وما أنتم منّا ولكنكم لنا ... عبيد العصا ما ابتلّ في البحر عائم
وقد علم الأقوام أن بني استها ... خزاعة أذناب وأنّا القوادم
/ وو اللّه لو لا اللّه ثم ضرابنا ... بأسيافنا دارت عليها المقاسم
ولو لا بنو بكر لذلّت وأهلكت ... بطعن وأفنتها السيوف الصوارم
تهدده أبو الطفيل واستوهبه خندف الأسديّ:
قال: فقام كثيّر فحمل عليه فلكزه. وكان الحزين طويلا أيّدا. فقال له الحزين. أنت عن هذا أعجز، واحتمله فكان في يده مثل الكرة، فضرب به الأرض، فخلّصه منه الأزهريّون. فبلغ ذلك [أبا [1]] الطّفيل عامر بن واثلة وهو بالكوفة، فأقسم لئن ملأ عينيه من كثيّر ليضربنّه بالسيف أو ليطعننّه بالرمح. وكان خندف الأسديّ صديقا لأبي الطّفيل، فطلب إلى أبي الطفيل في كثيّر واستوهبه إيّاه فوهبه له. والتقيا بمكة وجلسا جميعا مع عمر بن عليّ بن أبي طالب، فقال: أمّا واللّه لو لا ما أعطيت خندفا من العهد لوفيت لك. فذلك قول كثيّر في قصيدته التي يرثي فيها خندفا:
ينال رجالا نفعه وهو منهم ... بعيد كعيّوق [2] الثّريّا المحلّق
أنكر على الأحوص ضراعته في الاستجداء:
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ وحبيب بن نصر المهلّبيّ قالا حدّثنا عمر بن شبّة قال:
قال كثيّر: في أيّ شعر أعطى هؤلاء الأحوص عشرة آلاف دينار؟ قالوا: في قوله فيهم:
وما كان مالي طارفا من تجارة ... وما كان ميراثا من المال متلدا
ولكن عطايا من إمام مبارك ... ملا الأرض معروفا وجودا وسوددا
فقال كثيّر: إنه لضرع قبحه اللّه! ألا قال كما قلت:
صوت
دع عنك سلمى إذ فات مطلبها ... واذكر خليليك [3] من بني الحكم
ما أعطياني ولا سألتهما ... إلّا وإنّي لحاجزي كرمي
إنّي متى لا يكن نوالهما ... عندي مما قد فعلت أحتشم
مبدي الرّضا عنهما ومنصرف ... عن بعض ما لو فعلت لم ألم
__________
[1] التكملة عن ترجمته في «الأغاني» (ج 13 ص 166 طبع بولاق) و «شرح القاموس» (مادة طفل)». وهو عامر بن واثلة بن عبد اللّه بن عمرو بن جابر بن خميس، له صحبة برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وعمر بعده طويلا، كان مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام وروي عنه وكان من وجوه شيعته.
[2] العيوق: كوكب أحمر مضيء بحيال الثريا في ناحية الشمال، ويطلع قبل الجوزاء.
[3] في الأصول: «خليلك» ويعني بهما عبد الملك وعبد العزيز ابني مروان بن الحكم.
لا أنزر النائل الخليل إذا ... ما اعتلّ نزر الظّؤور لم ترم [1]
عروضه من المنسرح. غنّى في هذا الشعر يونس ثاني ثقيل بالسبّابة في مجرى الوسطى عن إسحاق. وغنّى فيه الغريض ثاني ثقيل بالبنصر على مذهب إسحاق من رواية عمرو بن بانة. وفيه لحن من الثقيل الأوّل ينسب إلى معبد، وليس بصحيح له. قال الزّبير بن بكّار في تفسير قوله: «لا أنزر النائل الخليل» يقول: لا ألحّ عليه بالمسألة، يقال: نزرته أنزره إذا ألححت عليه. والظّؤور: المتعطّفة على [غير [2]] أولادها.
حديثه مع عبد الملك في استقطاعه أرضا له:
أخبرني الحرميّ قال حدّثني الزّبير قال حدّثنا المؤمّليّ عن أبي عبيدة، وأخبرنا أحمد بن عبد العزيز وحبيب بن نصر قالا حدّثنا عبد اللّه بن محمد بن حكيم عن خالد بن سعيد بن عمرو بن سعيد عن أبيه قال:
/ دخل كثيّر على عبد الملك بن مروان فقال: يا أمير المؤمنين، إنّ أرضا لك يقال لها غرّب [3] ربما أتيتها وخرجت إليها بولدي وعيالي فأصبنا من رطبها وتمرها بشراء/ مرّة وطعمة مرّة. فإن رأى أمير المؤمنين أن يعمّرنيها [4] فعل. فقال له عبد الملك: ذلك لك. فندّمه الناس وقالوا له: أنت شاعر الخليفة ولك عنده منزلة، فهلّا سألت الأرض قطيعة!. فأتى الوليد فقال: إنّ لي إلى أمير المؤمنين حاجة فأجلسني قريبا من البرذون. فلما استوى عليه عبد الملك قال له: إيه! وعلم أنّ له إليه حاجة. فقال كثيّر:
جزتك الجوازي عن صديقك نضرة ... وأدناك ربيّ في الرّفيق المقرّب
فإنّك لا يعطى عليك ظلامة ... عدوّ ولا تنأى عن المتقرّب
وإنّك ما تمنع فإنك مانع ... بحقّ، وما أعطيت لم تتعقّب
فقال له: أترغب غرّبا؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين. قال: اكتبوها له، ففعلوا.
هجاء الحزين له في مجلس ابن أبي عتيق:
أخبرني الحرميّ قال حدّثني الزّبير قال حدّثنا عمر بن أبي بكر المؤمّلي قال حدّثني عبد اللّه بن أبي عبيدة قال:
كان الحزين الكنانيّ قد ضرب على كل رجل من قريش درهمين في كل شهر، منهم ابن أبي عتيق. فجاءه لأخذ درهميه على حمار له أعجف - قال: وكثيّر مع ابن أبي عتيق - فدعا ابن أبي عتيق للحزين بدرهمين. فقال الحزين لابن أبي عتيق: من هذا معك؟ قال: هذا أبو صخر كثيّر بن أبي جمعة - قال: وكان قصيرا دميما - فقال له الحزين: أتأذن لي أن أهجوه ببيت من شعر؟ قال: لا! لعمري لا آذن لك أن تهجو جليسي، ولكني أشتري عرضه منك بدرهمين آخرين ودعا له بهما. فأخذهما ثم قال: لا بدّ من هجائه ببيت. قال: أو أشتري/ ذلك منك بدرهمين آخرين، ودعا له بهما. فأخذهما ثم قال: ما أنا بتاركه حتى أهجوه. قال: أو أشتري/ ذلك منك بدرهمين. فقال له
__________
[1] ترم: تحن وتعطف. وأصله «ترأم» سهلت الهمزة ثم حذفت لالتقاء الساكنين؛ فإن آخر الفعل ساكن بالجازم وحرك بالكسر للقافية.
[2] التكملة عن «معاجم اللغة».
[3] غرب: ماء بنجد ثم بالشريف من مياه بني نمير. وغرب أيضا: جبل دون الشام في ديار بني كلب وعنده عين ماء تسمى غربة. هذا ما ورد في «معجم البلدان» لياقوت. لعله يعني هنا موضعا آخر.
[4] يقال: عمر فلان فلانا كذا إذا جعله له طول عمره.
كثيّر: إيذن له، ما عسى أن يقول في بيت! فأذن له ابن أبي عتيق. فقال:
قصير القميص فاحش عند بيته ... يعضّ القراد باسته وهو قائم
قال: فوثب كثيّر إليه فلكزه، فسقط هو والحمار، وخلّص ابن أبي عتيق بينهما، وقال لكثيّر قبحك اللّه! أتأذن له وتسفه عليه! فقال كثيّر: أو أنا ظننته أن يبلغ بي هذا كلّه في بيت واحد!.
ادّعى أنه قرشي فرده الشعراء وسبه الكوفيون:
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ قال حدّثنا عمر بن شبّة ولم يتجاوزه، وأخبرني الحرميّ قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثنا عبد الرحمن بن الخضر الخزاعيّ عن ولد جمعة بنت كثيّر أنه وجد في كتب أبيه التي فيها شعر كثيّر: أنّ عبد الملك بن مروان قال له: ويحك! إلحق بقومك من خزاعة، فأخبر أنه من كنانة قريش، وأنشد كثيّر قوله:
أليس أبي بالصّلت أم ليس إخوتي ... بكل هجان من بني النّضر أزهرا
فإن لم تكونوا من بني النّضر فاتركوا ... أراكا بأذناب القوابل [1] أخضرا
أبيت التي قد سمتني ونكرتها ... ولو سمتها قبلي قبيصة [2] أنكرا
لبسنا ثياب العصب [3] فاختلط السّدى ... بنا وبهم والحضرميّ المخصّرا
/ فقال له عبد الملك: لا بدّ أن تنشد هذا الشعر على منبري الكوفة والبصرة، وحمله وكتب/ به إلى [4] العراق في أمره. قال عمر بن شبّة في خبره خاصّة: فأجابته خزاعة الحجاز إلى ذلك. وقال فيه الأحوص - ويقال: بل قاله سراقة البارقيّ - :
لعمري لقد جاء العراق كثيّر ... بأحدوثة من وحيه المتكذّب
أيزعم أنّي من كنانة أوّلى ... وما لي من أمّ هناك ولا أب
فإن كنت حرّا أو تخاف معرّة ... فخذ ما أخذت من أميرك واذهب
فقال كثيّر يجيبه - وفي خبر الزّبير: قال هذا لأبي علقمة الخزاعي - :
أيا خبث أكرم كنانة إنّهم ... مواليك إن أمر سما بك معلق
- وفي رواية الزّبير: «أبا علقم».
__________
[1] تقدمت فيه راوية أخرى: «بأذيال الخمائل». (راجع الحاشية رقم 3 ص 7 من هذه الترجمة).
[2] هو قبيصة بن ذؤيب الخزاعي الكعبي أبو سعيد وأبو إسحاق، ولد في حياة النبي صلى اللّه عليه وسلم. وتوفي سنة 86 (عن «شرح القاموس» مادة قبص).
[3] كذا في كتاب «السيرة» لابن هشام (ج 1 ص 61 طبع أوربا) و «الروض الأنف» للسهيلي. والعصب: برود يمنية يعصب غزلها (أي يجمع ويشد) ثم يصبغ وينسج فيأتي موشيا لبقاء ما عصب منه أبيض لم يأخذه صبغ. قال السهيلي في كتابه «الروض الأنف» في معنى هذا البيت: «يريد أن قدودنا من قدودهم، فسدي أثوابنا مختلط بسدي أثوابهم. والحضرمي: النعال المخصرة التي تضيق من جانبيها كأنها ناقصة الخصرين».
[4] وردت هذه العبارة في ج: «و كتب في أمره». وفي سائر الأصول: «و كتب به إلى العراق في أمره».
بنو النّضر ترمي من ورائك بالحصى ... أولو حسب فيهم وفاء ومصدق
يفيدونك المال الكثير ولم تجد ... لملكهم شبها لو انّك تصدق
إذا ركبوا ثارت عليك عجاجة ... وفي الأرض من وقع الأسنّة أولق [1]
فأجابه الأحوص بقوله:
دع القوم ما حلّوا ببطن قراضم [2] ... وحيث تفشّى [3] بيضه المتفلّق
فإنّك لو قاربت أو قلت شبهة ... لذي الحقّ فيها والمخاصم معلق
عذرناك أو قلنا صدقت وإنما ... يصدّق بالأقوال من كان يصدق
ستأبى بنو عمرو عليك وينتمي ... لهم حسب في جذم [4] غسّان معرق
فإنّك لا عمرا أباك حفظته ... ولا النّضر إن ضيّعت شيخك تلحق
/ ولم تدرك القوم الذين طلبتهم ... فكنت كما كان السّقاء المعلّق
بجذمة [5] ساق ليس منه لحاؤها [6] ... ولم يك عنها قلبه يتعلّق
فأصبحت كالمهريق فضلة مائه ... لبادي سراب بالملا [7] يترقرق
قال: فخرج كثيّر فأتى الكوفة، فرمي به إلى مسجد بارق. فقالوا له: أنت من أهل الحجاز؟ قال نعم. قالوا: فأخبرنا عن رجل شاعر ولد زنا يدعى كثيّرا. قال سبحان اللّه! أمّا تسمعون أيها المشايخ ما يقول الفتيان! قالوا: هو ما قاله لنفسه. فانسلّ منهم وجاء إلى والي الكوفة حسّان بن كيسان، فطّيره على البريد. وقال عمر بن شبّة في خبره: إنّ سراقة البارقيّ هو المخاطب له بهذه الشتيمة وإنه عرفه وقال له: إن قلت هذا على المنبر قتلتك قحطان وأنا أوّلهم، فانصرف إلى منزله ولم يعد إلى عبد الملك.
نبذة عن سراقة البارقي وقصته مع المختار حين أسر:
وكان سراقة هذا شاعرا ظريفا. فأخبرني عمّي قال حدّثني الكرانيّ عن النّضر بن عمر [8] عن الهيثم بن عديّ عن الأعمش عن إبراهيم قال:
كان سراقة البارقيّ من ظرفاء أهل العراق، فأسره المختار يوم جبّانة [9] السّبيع، وكانت للمختار فيها وقعة
__________
[1] الأولق: الجنون.
[2] قراضم: موضع بالمدينة.
[3] كذا في «معجم ياقوت» في الكلام على قراضم. وفي الأصول: «تغشى» بالغين المعجمة.
[4] الجذم: الأصل.
[5] كذا في ج: والجذمة: القطعة. وفي سائر الأصول: «بخدمة ساق». ويتعلق: لعل صوابه «يتفلق». أي ولم يكن قلبه منشقا عنها.
[6] اللحاء: قشر الشجرة.
[7] الملا: الصحراء.
[8] في ح هنا: «عمرو».
[9] جبانة السبيع: محلة بالكوفة مضافة إلى السبيع وهي قبيلة؛ وكانت وقعة المختار بن أبي عبيد الثقفي بها حين خرج للثأر من قتلة الحسن بن علي بن أبي طالب. الطبري (ق 2 ج 2).
منكرة، فجاء به الذي أسره إلى المختار فقال له: إنّي أسرت هذا. فقال له سراقة: كذب! ما هو الذي أسرني، إنما أسرني غلام أسود على برذون أبلق عليه ثياب خضر، ما أراه في عسكرك الآن، وسلّمني إليه. فقال المختار: أمّا إنّ الرجل قد عاين/ الملائكة! خلّوا سبيله فخلّوه، فهرب فأنشأ يقول:
/ألا أبلغ أبا إسحاق أنّي ... رأيت البلق دهما مصمتات [1]
أري عينيّ ما لم تبصراه ... كلانا عالم بالتّرّهات
كفرت بدينكم وجعلت نذرا ... عليّ قتالكم حتى الممات
كان يرى أن ابن الحنفية لم يمت وكان ذلك رأي السيد:
أخبرنا الحرميّ قال أخبرنا الزبير قال أخبرنا عمرو [2] ومحمد بن الضّحاك قالا: كان كثيّر يتشيّع تشيّعا قبيحا، يزعم أنّ محمد بن الحنفيّة لم يمت. قال: وكان ذلك رأي السيّد، وقد قال فيه (يعني السيّد) شعرا كثيرا، منه:
ألا قل للوصيّ فدتك نفسي ... أطلت بذلك الجبل المقاما
أضرّ بمعشر والوك منّا ... وسمّوك الخليفة والإماما
وعادوا فيك أهل الأرض طرّا ... مقامك عنهم ستّين عاما
وما ذاق ابن خولة [3] طعم موت ... ولا وارت له أرض عظاما
لقد أوفى بمورق شعب رضوى ... تراجعه الملائكة الكلاما
وإنّ له به لمقيل صدق ... وأندية تحدّثه كراما
هدانا اللّه إذ جرتم لأمر ... به ولديه نلتمس التّماما
تمام مودّة المهديّ حتّى ... تروا راياتنا تترى نظاما
وقال كثيّر في ذلك:
ألا إنّ الأئمّة من قريش ... ولاة الحقّ أربعة سواء
عليّ والثلاثة من بنيه ... هم الأسباط ليس بهم خفاء
فسبط سبط إيمان وبرّ ... وسبط غيّبته كربلاء
/ وسبط لا تراه العين حتّى ... يقود الخيل يقدمها [4] اللّواء
تغيّب لا يرى عنهم زمانا ... برضوى عنده عسل وماء
__________
[1] كذا في الطبري (ق 2 ص 665) وبه يستقيم الرويّ. وفي الأصول « ... عني أن البلق دهم مصمتات». ومصمت: لا يخالط لونه لون آخر. أي أن دهمتها خالصة لا يشوبها لون آخر.
[2] في ح: «عمر».
[3] خولة: اسم أم محمد بن الحنفية.
[4] كذا فيما تقدم (ج 7 ص 276 من هذه الطبعة). وفي الأصول هنا: «يتبعها».
شعره في ابن الحنفية حين سجنه ابن الزبير في سجن عارم:
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا الحارث بن محمد عن المدائنيّ عن أبي بكر الهذليّ قال:
كان عبد اللّه بن الزّبير قد أغري ببني هاشم يتبعهم بكل مكروه ويغري بهم ويخطب بهم على المنابر ويصرّح ويعرّض بذكرهم. فربما عارضه ابن عبّاس وغيره منهم. ثم بدا له فيهم فحبس ابن الحنفيّة في سجن عارم [1]، ثم جمعه وسائر من كان بحضرته من بني هاشم، فجعلهم في محبس وملأه حطبا وأضرم فيه النار. وقد كان بلغه أنّ أبا [2] عبد اللّه الجدليّ وسائر شيعة ابن الحنفيّة قد وافوا لنصرته ومحاربة ابن الزبير، فكان ذلك سبب إيقاعه به. وبلغ أبا عبد اللّه الخبر فوافى ساعة أضرمت النار عليهم فأطفأها واستنقذهم، وأخرج ابن الحنفيّة عن جوار ابن الزّبير منذ يومئذ. فأنشدنا محمد بن العبّاس اليزيديّ قال أنشدنا محمد بن حبيب لكثيّر يذكر ابن الحنفيّة وقد حبسه [3] ابن الزّبير في سجن يقال له سجن عارم:
من ير هذا الشيخ بالخيف من منّى ... من الناس يعلم أنّه غير ظالم
/ سميّ النبيّ المصطفى وابن عمّه ... وفكّاك أغلال ونفّاع غارم
أبي فهو لا يشري هدى بضلالة ... ولا يتّقي في اللّه لومة لائم
ونحن بحمد اللّه نتلو كتابه ... حلولا بهذا الخيف خيف المحارم
بحيث الحمام آمن الرّوع ساكن ... وحيث العدوّ كالصديق المسالم
/ فما فرح الدّنيا بباق لأهله ... ولا شدّة البلوى بضربة لازم
تخبّر [4] من لاقيت أنك عائذ ... بل العائذ المظلوم في سجن عارم
أنشد عليّ بن عبد اللّه شعرا له في ابن الحنفية وحديثه معه:
حدّثني أحمد بن محمد بن سعيد الهمدانيّ قال حدّثنا يحيى بن الحسن العلوي قال حدّثنا الزّبير بن بكّار، وأخبرني الحرميّ قال حدّثنا الزّبير قال حدّثني محمد بن إسماعيل الجعفريّ عن سعيد عن عقبة الجهنيّ عن أبيه قال:
سمعت كثيّرا ينشد عليّ بن عبد اللّه بن جعفر قوله في محمد بن الحنفيّة:
أقرّ اللّه عيني إذ دعاني ... أمين اللّه يلطف في السؤال
وأثنى في هواى عليّ خيرا ... وساءل عن بنيّ وكيف حالي
وكيف ذكرت حال أبي خبيب ... وزلّة فعله عند السّؤال
هو المهديّ خبّرناه كعب [5] ... أخو الأحبار في الحقب الخوالي
__________
[1] سجن بمكة.
[2] هو أبو عبد اللّه الجدلي عبدة بن عبد، أرسله المختار بن أبي عبيد نجدة لبني هاشم لما حبسهم ابن الزبير، كما هو ظاهر في القعمة.
(انظر الطبري ق 2 ص 693 - 695).
[3] في الأصول: «و قد حبسهم».
[4] يريد عبد اللّه بن الزبير، وكان يدّعي أنه عائذ بالبيت فلا يحل قتاله.
[5] هو كعب الأحبار بن ماتع ويكنى أبا إسحاق، وهو من حمير من آل ذي رعين، وكان على دين يهود فأسلم وقدم المدينة ثم خرج إلى
فقال له عليّ بن عبد اللّه: يا أبا صخر، ما يثني عليك في هواك خيرا إلّا من كان على مثل مذهبك. قال: أجل بأبي أنت وأمي!. قال: وكان كثيّر كيسانيا [1] يرى الرّجعة. قال الزّبير: أبو خبيب عبد اللّه بن الزّبير، كناه بابنه خبيب وهو أكبر ولده، وكان كثيّر سيّىء الرأي فيه. قال الزّبير: فأخبرني عمّي قال: لمّا قال كثيّر:
هو المهديّ خبّرناه كعب ... أخو الأحبار في الحقب الخوالي
/ فقيل له: ألقيت كعبا؟ قال: لا. قيل: فلم قلت «خبّرناه كعب»؟ قال: بالتوهّم.
غلوه في التشيع والقول بالرجعة وأخبار له في ذلك:
قال: وكان كثيّر شيعيا غاليا يزعم أن الأرواح تتناسخ، ويحتجّ بقول اللّه تعالى: فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ
ويقول: ألا ترى أنه حوّله من صورة [2] في صورة!.
قال: فحدّثني عمر بن أبي بكر المؤمّليّ عن عبد اللّه بن أبي عبيدة قال: خندف الأسديّ الذي أدخل كثيّرا في الخشبيّة.
أخبرنا الحرميّ قال حدّثنا الزّبير قال حدّثني إبراهيم بن المنذر الحزاميّ عن محمد ابن معن الغفاريّ قال:
كنّا بالسّيالة [3] في مشيخة نتحدّث، إذا بكثيّر قد طلع علينا متّكئا على عصا.
فقال: كنّا ببيداء [4] بأشراف السّيالة وبهذه الناحية، فما بقي موضع [5] ببيداء إلّا وقد جئته، فإذا هو على حاله ما تغيّر وما تغيّرت الجبال ولا الموضع الذي كنا نطوف فيه، وهذا يكون حتى نرجع إليه. وكان يؤمن بالرّجعة.
أخبرني الحرميّ قال حدّثنا الزّبير قال حدّثني يحيى بن محمد قال:
دخل عبد اللّه بن حسن على كثيّر يعوده في مرضه الذي مات فيه. فقال له كثيّر: أبشر! فكأنّك بي بعد أربعين ليلة قد طلعت عليك على فرس عتيق. فقال له عبد اللّه بن حسن: مالك عليك لعنة اللّه! فو اللّه لئن متّ لا أشهدك ولا أعودك ولا أكلّمك أبدا.
كان أبو هاشم يتجسس أخباره:
/ أخبرني الحرميّ قال حدّثنا الزّبير قال حدّثني يحيى بن محمد بن عبد الملك بن عبد العزيز أحسبه عن ابن الماجشون قال:
/ وكان أبو هاشم عبد اللّه بن محمد بن عليّ قد وضع الأرصاد على كثيّر فلا يزال يؤتّى بالخبر من حبره، فيقول له إذا لقيه: كنت في كذا وكنت في كذا، إلى أن جرى بين كثيّر وبين رجل كلام فأتي به أبو هاشم. فأقبل به على
__________
- الشام فسكن حمص حتى توفي بها سنة اثنتين وثلاثين في خلافة عثمان بن عفان. (انظر «طبقات ابن سعد» ج 7 ق 2 ص 156 طبع أوروبا).
[1] في ج: «خشبيا». والخشبية: قوم من الجهمية يقولون إن اللّه تعالى لا يتكلم وإن القرآن مخلوق. وقال ابن الأثير: هم أصحاب المختار بن أبي عبيد، ويقال: هم ضرب من الشيعة. وفي سبب تسميتهم بالخشبية خلاف ذكره شارح «القاموس» في مادة خشب.
[2] لعله: «إلى صورة».
[3] السيالة: بجوار المدينة، قيل: هي أوّل مرحلة لأهل المدينة إذا أرادوا مكة.
[4] بيداء: يريد بها موضعا بعينه.
[5] في الأصول: «فما بقي موضع ببيداء فيه إلّا وقد جئته ... إلخ». وظاهر أن كلمة «فيه» مقحمة من الناسخ.
أدراجه [1]، فقال له أبو هاشم: كنت الساعة مع فلان فقلت له كذا وكذا وقال لك كذا وكذا. فقال له كثيّر: أشهد أنّك رسول اللّه.
كان يقول عن الأطفال من آل البيت إنهم الأنبياء الصغار:
أخبرنا محمد بن جعفر النحويّ قال حدّثنا محمد، وأخبرنا! الحرميّ قال حدّثنا الزّبير قال حدّثنا محمد بن إسماعيل عن موسى بن عبد اللّه فيما أحسب قال:
نظر كثيّر إلى بني حسن بن حسن وهم صغار فقال: بأبي أنتم! هؤلاء الأنبياء الصغار. وكان يرى الرّجعة.
وروى عليّ [2] بن بشر بن سعيد الرازيّ عن محمد بن حميد عن أبي زهير عبد الرحمن بن مغراء الدّوسيّ عن محمد بن عمارة قال:
مرّ كثيّر بمعاوية بن عبد اللّه بن جعفر وهو في المكتب، فأكبّ عليه يقبّله وقال: أنت من الأنبياء الصغار وربّ الكعبة!.
أخبرنا أحمد بن عبيد اللّه بن عمّار قال حدّثنا محمد بن إسماعيل قال حدّثنا قعنب بن المحرز قال حدّثني إبراهيم بن داجة قال:
كان كثيّر شيعيا، وكان يأتي ولد حسن بن حسن إذا أخذ عطاءه، فيهب لهم الدراهم ويقول: وابأبي الأنبياء الصغار!. وكان يؤمن بالرّجعة. فيقول له محمد بن عبد اللّه بن عمرو بن عثمان، وهو أخوهم لأمّهم،: يا عمّ هب لي، فيقول: لا! لست من الشجرة.
كان عمرو بن عبد العزيز يعرف بحبه صلاح بني هاشم وفسادهم:
أخبرنا محمد بن العبّاس اليزيديّ قال حدّثنا أحمد بن يحيى ثعلب قال حدّثني الزّبير بن بكّار قال حدّثني عثمان بن عبد الرحمن عن إبراهيم بن يعقوب بن أبي عبيد اللّه قال:
قال عمر بن عبد العزيز: إني لأعرف صلّاح بني هاشم من فسّادهم بحبّ كثيّر: من أحبّه منهم فهو فاسد، ومن أبغضه فهو صالح، لأنه كان خشبيا يقول بالرجعة.
أخبرنا الحرميّ قال حدّثنا الزّبير قال حدّثني عبد العزيز بن محمد الدّراورديّ [3] عن أبي لهيعة عن رجاء بن حيوة قال: سمعت عمر بن عبد العزيز يقول: إن مما أعتبر به صلّاح بني هاشم وفسّادهم حبّ كثيّر، ثم ذكر مثله.
قال لعمته إنه يونس بن متى:
أخبرنا الحرميّ قال حدّثنا الزّبير قال حدّثنا عليّ بن صالح عن ابن دأب قال:
كان كثيّر يدخل على عمّه له برزة [4] فتكرمه وتطرح له وسادة يجلس عليها. فقال لها يوما: لا واللّه ما تعرفينني
__________
[1] لعله «فأقبل على أدراجه» يريد أنه حضر لوقته لم يلو على شي ء؛ فتكون كلمة «به» من زيادة النساخ.
[2] في ج: «علي بن سعيد بن بشر الرازي».
[3] الدراوردي: نسبة شاذة إلى دارابجرد (يقال: درابجرد): بلد بفارس ومحلّة بنيسابور أيضا. (راجع «لب اللباب في تحرير الأنساب» للسيوطي).
[4] البرزة: المرأة الكهلة التي لا تحتجب احتجاب الثواب وهي مع ذلك عفيفة عاقلة تجلس إلى الناس وتحدثهم.
ولا تكرمينني حقّ كرامتي! قالت: بلى واللّه إني لأعرفك. قال: فمن أنا؟ قالت: ابن فلان وابن فلانة، وجعلت تمدح أباه وأمّه. فقال: قد عرفت أنك لا تعرفينني. قالت: فمن أنت؟ قال: أنا يونس بن متّى.
كان عاقا لأبيه:
أخبرنا الحرميّ قال حدّثنا الزّبير قال حدّثني أبي قال:
كان كثيّر عاقا لأبيه [1]، وكان أبوه قد أصابته قرحة في إصبع من أصابع يده. فقال له كثيّر: أتدري لم أصابتك هذه القرحة في إصبعك؟ قال: لا أدري قال: مما ترفعها إلى اللّه في يمين كاذبة.
ضافه مزني وذمه بأنه لم يقم لصلاة الصبح:
أخبرنا الحرميّ قال حدّثنا الزبير قال حدثنا إبراهيم بن المنذر عن محمد بن معن الغفاريّ عن أبيه وغيره قال حدّثني رجل من مزينة قال:
ضفت كثيّرا ليلة وبتّ عنده ثم تحدّثنا ونمنا. فلما طلع الفجر تضوّر [2]، ثم قمت/ فتوضّأت وصلّيت وكثيّر راقد في لحافه. فلما طلع قرن الشمس تضوّر ثم قال: يا جارية اسجري لي ماء. قال قلت: تبّا لك سائر اليوم! أو هذه الساعة هذا! وركبت راحلتي وتركته. قال الزبير: أسخني لي ماء.
كان يهزأ به ويصدق ما يسمع عن نفسه:
أخبرنا الحرميّ قال حدّثنا الزبير قال حدّثني محمد بن إسماعيل عن عبد العزيز بن عمران عن محمد بن عبد العزيز عن ابن شهاب عن طلحة بن عبيد اللّه قال:
ما رأيت قطّ أحمق من كثيّر. دخلت عليه يوما في نفر من قريش وكنّا كثيرا ما نتهزّأ به، وكان يتشيّع تشيّعا قبيحا. فقلت له: كيف تجدك يا أبا صخر؟ وهو مريض، فقال: أجدني ذاهبا. فقلت: كلّا! فقال: هل سمعتم الناس يقولون شيئا؟ فقلت: نعم! يتحدّثون أنك الدجّال. قال: أما لئن قلت ذاك إنّي لأجد في عيني ضعفا منذ أيّام.
كان تياها ويستحمقه فتيان المدينة لذلك:
أخبرني الحرميّ قال حدّثنا الزّبير قال حدّثني محمد بن إسماعيل عن عبد العزيز بن عمران:
أن ناسا من أهل المدينة كانوا يلعبون بكثيّر فيقولون وهو يسمع: إن كثيّرا لا يلتفت من تيهه. فكان الرجل يأتيه من ورائه فيأخذ رداءه فلا يلتفت من الكبر ويمضي في قميص.
سأله عبد الملك عن شيء وحلفه بأبي تراب:
أخبرنا إبراهيم بن محمد بن أيّوب قال حدّثنا عبد اللّه بن مسلم بن قتيبة قال:
بلغني أن كثيّرا دخل على عبد الملك بن مروان، فسأله عن شيء فأخبره به. فقال وحقّ عليّ بن أبي طالب إنه
__________
[1] في الأصول: «بأبيه».
[2] التضوّر: التلوّي.
كما ذكرت؟ قال كثيّر: يا أمير المؤمنين، لو سألتني بحقّك لصدقتك. قال: لا أسألك إلّا بحقّ أبي تراب [1]. فحلف له به فرضي.
تمثل عبد الملك بشعر له حين منعته عاتكة من الخروج لحرب مصعب وحديثه معه عن هذه الحرب:
أخبرنا الفضل بن الحباب أبو خليفة قال حدّثنا محمد بن سلّام قال أخبرني عثمان بن عبد الرحمن، وأخبرنا محمد بن جعفر النحويّ قال حدّثنا محمد بن يزيد المبرّد قال، وأخبرنا أحمد بن عبد العزيز الجوهري وحبيب بن نصر المهلّبيّ قالا حدّثنا عمر بن شبة، وأخبرنا الحرميّ قال حدّثنا الزّبير قال حدّثنا المؤمّلي عن ابن أبي عبيدة، قالوا جميعا.
لما أراد عبد الملك الخروج إلى مصعب لاذت به عاتكة بنت يزيد بن معاوية وهي أمّ ابنه يزيد، وقالت: يا أمير المؤمنين، لا تخرج السنة لحرب مصعب، فإنّ آل الزّبير ذكروا خروجك، وابعث إليه الجيوش، وبكت وبكى جواريها معها. وجلس وقال: قاتل اللّه ابن أبي جمعة! فأين قوله:
صوت
إذا ما أراد الغزو لم تثن همّه ... حصان عليها عقد درّ يزينها
نهته فلما لم تر النّهي عاقه ... بكت فبكى مما شجاها قطينها [2]
- غنّاه ابن سريج ثاني ثقيل بالخنصر في مجرى البنصر عن إسحاق - واللّه لكأنه/ يراني ويراك يا عاتكة، ثم خرج.
قال محمد بن جعفر النحويّ في خبره - ووافقه عليه عمر بن شبّة - : فلما خرج عبد الملك نظر إلى كثيّر في ناحية عسكره يسير مطرقا، فدعا به وقال: لأعلم ما أسكتك وألقى عليك بثّك، فإن أخبرتك عنه أتصدقني؟ قال نعم! قال:
قل وحقّ أبي تراب لتصدقنّي، قال: واللّه لأصدقنّك. قال: لا أو تحلف به، فحلف به. فقال تقول: رجلان من قريش يلقي أحدهما صاحبه فيحاربه، القاتل والمقتول في النار، فما معنى سيرى مع أحدهما إلى الآخر ولا آمن سهما عائرا لعلّه أن يصيبني فيقتلني فأكون معهما! قال: واللّه يا أمير المؤمنين/ ما أخطأت. قال: فارجع من قريب، وأمر له بجائزة.
بكى لقتل آل المهلب فزجره يزيد وضحك منه:
أخبرنا وكيع قال حدّثني أحمد بن أبي طاهر قال حدّثنا أبو تمّام الطائيّ حبيب بن أوس قال حدّثني العطّاف بن هارون عن يحيى بن حمزة قاضي دمشق قال حدّثني حفص الأمويّ قال:
كنت أختلف إلى كثيّر أتروّى شعره. قال: فو اللّه إني لعنده يوما إذ وقف عليه واقف فقال: قتل آل المهلّب
__________
[1] أبو تراب: لقب عليّ بن أبي طالب عليه السّلام، لقبه بذلك النبي صلى اللّه عليه وسلم، وذلك أن عليا دخل على فاطمة رضي اللّه عنهما ثم خرج فاضطجع في المسجد. فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم: أين ابن عمك؟ قالت: في المسجد. فخرج إليه صلى اللّه عليه وسلم فوجد رداءه قد سقط عن ظهره وخلص التراب إلى ظهره؛ فجعل عليه الصلاة والسلام يمسح التراب عن ظهره ويقول له: أجلس يا أبا تراب (مرتين). (عن «شرح القسطلاني على صحيح البخاري» ج 6 ص 138).
[2] القطين: الخدم والأتباع والحشم.
بالعقر [1]. فقال: ما أجلّ الخطب! ضحّى آل أبي سفيان بالدّين [2] يوم الطّفّ، وضحّى بنو مروان بالكرم يوم العقر! ثم انتضحت عيناه باكيا. فبلغ ذلك يزيد بن عبد الملك فدعا به. فلما دخل عليه قال: عليك لعنة اللّه! أترابيّة [3] وعصبيّة! وجعل يضحك منه.
سأله عبد الملك عن أشعر الناس فأجابه:
أخبرنا الحرميّ قال حدّثنا الزّبير قال حدّثني محمد عن أبيه قال:
قال عبد الملك بن مروان لكثيّر: من أشعر الناس اليوم يا أبا صخر؟ قال: من يروي أمير المؤمنين شعره.
فقال عبد الملك: أما إنّك لمنهم.
جواب عبد الملك له وقد سأله عن شعره:
أخبرنا وكيع قال حدّثنا عمر بن محمد بن عبد الملك الزيّات قال حدّثنا حمّاد بن إسحاق عن ابن أبي [4] عوف عن عوانة قال:
قال كثيّر لعبد الملك: كيف ترى شعري يا أمير المؤمنين؟ قال أراه يسبق السحر، ويغلب الشعر.
كان عبد الملك يروي أولاده شعره:
أخبرنا عمّي عن الكرانيّ عن النّضر بن عمر قال:
كان عبد الملك بن مروان يخرج شعر كثيّر إلى مؤدّب ولده مختوما يروّيهم إياه ويرده.
نزل مرعي لإبله فضيق عليه أهله فذم جوارهم:
أخبرنا الحرميّ قال أخبرنا الزّبير قال حدّثنا عبد اللّه بن خالد الجهنيّ:
أن كثيّرا شبّ في حجر عمّ له صالح، فلما بلغ الحلم أشفق عليه أن يسفه، وكان غير جيّد الرأي ولا حسن النظر في عواقب الأمور. فاشترى له عمّه قطيعا من الإبل وأنزله فرش [5] ملل فكان به، ثم ارتفع فنزل فرع المسور بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف من جبل جهينة الأصغر، وكان قبل المسور لبني مالك بن أفصى، فضيّقوا على كثيّر وأساءوا جواره، فانتقل عنهم وقال:
__________
[1] هو عقر بابل قرب كربلاء من الكوفة قتل عنده يزيد بن المهلب بن أبي صفرة سنة 102، وكان خلع طاعة بني مروان ودعا إلى نفسه وأطاعه أهل البصرة والأهواز وواسط وخرج في مائة وعشرين ألفا. فندب له يزيد بن عبد الملك أخاه مسلمة فوافقه بالعقر من أرض بابل فأجلت الحرب عن قتله. (عن «معجم البلدان» لياقوت).
[2] كذا في «وفيات الأعيان» لابن خلكان (ج 1 ص 618). وفي الأصول: «بالدمن» وهو تحريف. والطف: أرض من ضاحية الكوفة في طريق البرية، فيها كان مقتل الحسين بن علي رضي اللّه عنه.
[3] يعني أنه من شيعة أبي تراب، وهو لقب علي بن أبي طالب كما أسلفنا.
[4] في ج: «عن أبي عوف عن عوانة».
[5] في الأصول: «فرش مالك». والتصويب عن «القاموس» و«شرحه». وفرش ملل: واد بين عميس الحمائم وصخيرات الثمامة بالقرب من ملل قرب المدينة، يقال له الفرش وفرش ملل، أضيف إلى ملل لقربه منه. وهذه كلها مواضع نزلها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حين مسيره إلى بدر. راجع «القاموس وشرحه» مادة فرش و«معجم البلدان» لياقوت في الكلام عن فرش).
/
أبت إبلي ماء الرّداة [1] وشفّها ... بنو العمّ يحمون النّضيح [2] المبرّدا
وما يمنعون الماء إلّا ضنانة ... بأصلاب عسرى [3] شوكها قد تخدّدا
فعادت فلم تجهد على فضل مائه ... رياحا ولا سقيا ابن طلق بن أسعدا
قال: ويروى أنّه أوّل شعر قاله.
روايته عن بدء قوله الشعر:
أخبرنا الحرميّ قال حدّثنا الزّبير قال حدّثني عمّي قال:
قال كثيّر: ما قلت الشعر حتى قوّلته. قيل له: وكيف ذاك؟ قال: بينا أنا يوما نصف النهار أسير على بعير لي بالغميم [4] أو بقاع حمدان [5]، إذا راكب قد دنا منّي حتى صار إلى جنبي، فتأمّلته فإذا هو من صفر [6] وهو يجرّ نفسه في الأرض جرا. فقال لي: قل الشعر وألقاه عليّ. قلت: من أنت؟ قال: أنا قرينك من الجنّ. فقلت الشعر.
عزة عشيقته وأول عشقه لها:
ونسب كثيّر لكثرة تشبيبه بعزّة الضّمريّة إليها، وعرف بها فقيل [7] كثيّر عزّة. وهي عزّة بنت حميل [8] بن وقّاص. أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير قال حدّثني محمد بن الحسن قال:
أبو بصرة [8] الغفاريّ المحدّث واسمه حميل بن وقّاص هو أبو عزّة التي كان ينسب بها كثيّر. وكان ابتداء عشقه إيّاها - على أنه قد قيل: إنه كان في ذلك/ كاذبا ولم يكن بعاشق، وذلك يذكر بعد خبره معها - فيما أخبرني به الحرميّ قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثني عبد اللّه بن إبراهيم/ السعديّ قال حدّثني إبراهيم بن يعقوب بن جميع الخزاعيّ:
أنه كان أوّل عشق كثيّر عزّة أن كثيّرا مرّ بنسوة من بني ضمرة ومعه جلب غنم، فأرسلن إليه عزّة وهي صغيرة، فقالت: يقلن [9] لك النسوة: بعنا كبشا من هذه الغنم وأنسئنا بثمنه إلى أن ترجع، فأعطاها كبشا وأعجبته. فلما رجع جاءته امرأة منهنّ بدراهمه، فقال: وأين الصبيّة التي أخذت منّي الكبش؟ قالت: وما تصنع بها! هذه دراهمك. قال:
لا آخذ دراهمي إلّا ممن دفعت الكبش إليها. وخرج وهو يقول:
قضى كلّ ذي دين فوفّى غريمه ... وعزّة ممطول معنّى غريمها
قال: فكان أوّل لقائه إياها.
__________
[1] الرداة: الصخرة.
[2] النضيح: الحوض. وفي الأصول: «النصيح» بالصاد المهملة وهو تصحيف.
[3] العسرى (بفتح العين وضمها): البقلة إذا يبست. ورواية «لسان العرب» (مادة عسر): «بأطراف عسرى».
[4] الغميم: موضع قرب المدينة بين رابغ والجحفة.
[5] ظاهر أنه موضع بعينه.
[6] الصفر: النحاس.
[7] عبارة أ، م: «و نسب كثير إلى عزة لكثرة تشبيبه بعزة الضمرية وغزله فيها فقيل ... إلخ».
[8] اختلف في اسم أبي بصرة هذا فقيل: هو حميل (بالحاء المهملة مصغرا) وقيل جميل (بالجيم) وكل ذلك مضبوط محفوظ. وهو أبو بصرة حميل (أو جميل) بن بصرة بن وقاص بن حبيب بن غفار؛ له صحبة برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وروي عنه أبو هريرة. في الأصول:
«حميد بن وقاص» وهو تحريف. (راجع «الاستيعاب في معرفة الأنساب»).
[9] إثبات نون النسوة هنا لغة ضعيفة.
أخبرني الحرميّ قال حدّثنا الزبير قال حدّثني عبد الرحمن بن الخضر [1] بن أبي بكر بن عبد العزيز بن عبد الرحمن أبي جندل [2] عن أبيه عبد العزيز الخزاعيّ - وأمّه جمعة بنت كثيّر - عن أمه جمعة عن أبيها كثيّر:
أنّ أوّل علاقته بعزّة أنه خرج من منزله يسوق خلف [3] غنم إلى الجار [4]، فلما كان بالخبت وقف على نسوة من بني ضمرة فسألهنّ عن الماء، فقلن لعزّة وهي جارية/ حين كعب ثدياها: أرشديه إلى الماء، فأرشدته وأعجبته.
فبينا هو يسقى غنمه إذ جاءته عزّة بدراهم، فقالت: يقلن لك النسوة: بعنا بهذه الدراهم كبشا من ضأنك: فأمر الغلام فدفع إليها كبشا، وقال: ردّي الدراهم وقولي لهنّ: إذا رحت بكنّ اقتضيت حقيّ. فلما راح مرّ بهنّ، فقلن له: هذا حقّك فخذه. فقال: عزّة غريمي [5]، ولست أقتضي حقّي إلّا منها. فمزحن معه وقلن: ويحك! عزّة جارية صغيرة وليس فيها وفاء لحقّك فأحله على إحدانا فإنها أملأ به منها وأسرع له أداء. فقال: ما أنا بمحيل حقّي عنها.
ومضى لوجهه، ثم رجع إليهنّ حين فرغ من بيع جلبه فأنشدهنّ فيها:
نظرت إليها نظرة وهي عاتق ... على حين أن شبّت وبان نهودها
وقد درّعوها وهي ذات مؤصّد ... مجوب ولمّا يلبس الدّرع ريدها [6]
من الخفرات البيض ودّ جليسها ... إذا ما انقضت أحدوثة لو تعيدها
في هذا البيت وأبيات أخر معه غناء يذكر بعد تمام هذا الخبر وما يضاف إليه من جنسه. وأنشدهنّ أيضا:
قضى كلّ ذي دين فوفّى غريمه ... وعزّة ممطول معنى غريمها
فقلن له: أبيت إلّا عزّة! وأبرزنها إليه وهي كارهة. ثم أحبّته عزّة بعد ذلك أشدّ من حبّه إيّاها. قال الزّبير: فسألت محمد بن أبي بكر بن عبد العزيز بن عبد الرحمن الخزاعيّ المعروف بأبي جندل عن هذا الحديث، فعرفه وحدّثنيه عن أبيه عن جدّه عبد العزيز بن أبي جندل عن أمه جمعة بنت كثيّر عن أبيها.
سؤال عبد الملك لعزة عن كثير وسبب إعجابه بها:
وأخبرني عمي الحسن بن محمد الأصفهاني رحمه اللّه قال حدّثني محمد بن سعد الكرانيّ قال حدّثنا النّضر بن عمرو قال حدّثني عمر بن عبد اللّه بن خالد المعيطيّ، وأخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن عمّار قال حدّثني يعقوب بن نعيم قال حدّثني إبراهيم بن إسحاق الطّلحيّ، وأخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا/ الزّبير قال حدّثني يعقوب بن عبد اللّه الأسديّ وغيره، قال الزبير وحدّثني محمد بن صالح الأسلميّ قال:
__________
[1] لعله: «عن أبي بكر بن عبد العزيز» إلخ.
[2] في الأصول: «عبد الرحمن بن جندل». وقد أصلحناه مما يأتي في الصفحة التالية.
[3] يحتمل أن يكون: «يسوق جلب غنم».
[4] الجار: موضع على ثلاث مراحل من المدينة بساحل البحر. والخبث في الأصل: المطمئن من الأرض فيه رمل، أو هو الوادي العميق الوطيء ينبت ضروب العضاء، واسم لعدة مواضع.
[5] في الأصول: «غريمتي». وفعيل بمعنى مفعول إذا ذكر موصوفه يستوي فيه المذكر والمؤنث.
[6] المؤصد: صدار تلبسه الجارية (الفتاة الصغيرة) فإذا أدركت درّعت. والمجوب: الذي جعل له جيب. وريدها: تربها وندها.
والأصل في «الرئد» بالهمز.
دخلت عزّة على عبد الملك بن مروان وقد عجزت، فقال لها أنت عزّة كثير! فقالت: أبا عزّة بنت حميل.
قال: أنت التي يقول لك كثيّر:
لعزّة نار ما تبوخ [1] كأنها ... إذا ما رمقناها من البعد كوكب
فما الذي أعجبه منك؟ قالت: كلّا يا أمير المؤمنين! فو اللّه لقد كنت في عهده أحسن من النار في الليلة القرّة. وفي حديث محمد بن صالح الأسلميّ: فقالت له: أعجبه منّي ما أعجب المسلمين منك حين صيّروك خليفة. قال:
وكانت له سنّ سوداء يخفيها، فضحك حتى بدت. فقالت له: هذا الذي أردت أن أبديه. فقال لها: هل تروين قول كثيّر فيك:
وقد زعمت أنّي تغيّرت بعدها ... ومن ذا الّذي يا عزّ لا يتغيّر
تغيّر جسمي والخليفة كالّتي ... عهدت ولم يخبر بسرّك مخبر
قالت [لا [2]!] ولكني أروي قوله:
كأنّي أنادي صخرة حين أعرضت ... من الصّمّ لو تمشي بها العصم زلّت
صفوحا [3] فما تلقاك إلّا بخيلة ... فمن ملّ منها ذلك الوصل ملّت
فأمر بها فأدخلت على عاتكة بنت يزيد - وفي غير هذه الرواية: أنها أدخلت على أمّ البنين بنت عبد العزيز بن مروان - فقالت لها: أرأيت قول كثيّر:
/قضى كلّ ذي دين فوفّى غريمه ... وعزّة ممطول معنّى غريمها
ما هذا الذي ذكره؟ قالت: قبلة وعدته إياها. قالت: أنجزيها وعليّ إثمها.
قصة غلام له مع عزة وإعتاقه بسبب ذلك:
أخبرنا الحسن بن الطيّب البجليّ الشّجاعيّ وأحمد بن عبد العزيز الجوهريّ وحبيب بن نصر المهلّبيّ قالوا حدّثنا عمر بن شبّة قال روى ابن جعدبة عن أشياخه، وأخبرنا الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثنا أبو بكر بن يزيد بن عياض بن جعدبة عن أبيه.
أنّ كثيّرا كان له غلام تاجر، فباع من عزّة بعض سلعه ومطلته مدّة وهو لا يعرفها. فقال لها يوما: أنت واللّه كما قال مولاي:
قضى كلّ ذي دين فوفّى غريمه ... وعزّة ممطول معنّى غريمها
فانصرف عنه خجلة. فقالت له امرأة: أتعرف عزّة؟ قال: لا واللّه!. قالت: فهذه واللّه عزّة. فقال: لا جرم واللّه لا آخذ منها شيئا أبدا ولا أقتضيها. ورجع إلى كثيّر فأخبره بذلك، فأعتقه ووهب له المال الذي كان في يده.
__________
[1] تبوخ: تسكن.
[2] هذه الكلمة ساقطة من ب، س.
[3] صفوحا: معرضة صادّة.
لقيت قسيمة بنت عياض عزة ووصفتها:
أخبرنا الحرميّ قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثني يعقوب بن حكيم السّلميّ عن قسيمة بنت عياض بن سعيد الأسلميّة، وكنيتها أمّ البنين، قالت:
سارت علينا عزّة في جماعة من قومها بين يدي يربوع وجهينة، فسمعنا بها، فاجتمعت جماعة من نساء الحاضر أنا فيهن، فجئناها فرأينا امرأة حلوة حميراء [1] نظيفة، فتضاء لنا لها، ومعها نسوة كلهن لها عليهن فضل من الجمال والخلق، إلى أن تحدّثت ساعة فإذا هي أبرع الناس وأحلاهم حديثا، فما فارقناها إلّا ولها علينا الفضل/ في أعيننا، وما نرى في الدّنيا امرأة تروقها [2] جمالا وحسنا وحلاوة.
سأل عبد الملك كثيّرا عن أعجب خبر له مع عزة فذكر له ملاقاتها له مع زوجها إذ أمرها بشتمه:
أخبرني عمّي قال حدّثني فضل اليزيديّ عن إسحاق الموصليّ عن أبي نصر (شيخ له) عن الهيثم بن عدي:
أنّ عبد الملك سأل كثيّرا عن أعجب خبر له مع عزّة، فقال:
حججت سنة من السنين وحج زوج عزة بها، ولم يعلم أحد منّا بصاحبه. فلمّا كنا ببعض الطريق أمرها زوجها بابتياع سمن تصلح به طعاما لأهل رفقته، فجعلت تدور الخيام [3] خيمة خيمة حتى دخلت إليّ وهي لا تعلم أنها خيمتي، وكنت أبري أسهما لي. فلما رأيتها جعلت أبري وأنا أنظر إليها ولا أعلم حتى بريت عظامي مرّات ولا أشعر به والدم يجري. فلما تبيّنت ذلك دخلت إليّ فأمسكت يدي وجعلت تمسح الدم عنها بثوبها، وكان عندي نحي [4] من سمن، فحلفت لتأخذنّه، فأخذته وجاءت إلى زوجها بالسمن. فلما رأى الدم سألها عن خبره فكاتمته، حتى حلف لتصدقنّه فصدقته، فضربها وحلف لتشتمنّي في وجهي. فوقفت عليّ وهو معها فقالت لي: يابن الزانيّة وهي تبكي، ثم انصرفا. فذلك حين أقول:
يكلّفها الخنزير شتمي وما بها ... هواني ولكن للمليك استذلّت
نسبة ما في هذه القصيدة من الغناء:
صوت
خليليّ هذا رسم [5] عزّة فاعقلا ... قلو صيكما ثم ابكيا حيث حلّت
وما كنت أدري قبل عزّة ما البكا ... ولا موجعات القلب [6] حتّى تولّت
/ فليت قلوصي عند عزّة قيّدت ... بحبل ضعيف بان منها فضلّت
وأصبح في القوم المقيمين رحلها ... وكان لها باغ سواي فبلّت [7]
__________
[1] أي بيضاء. والعرب يقولون الأحمر والحمراء في نعت الآدميين ويريدون الأبيض والبيضاء.
[2] لعله: «تفوقها».
[3] نصب «الخيام» إما على حذف حرف الجر، وإما على تضمين «تدور» معنى تجوز المتعدّي.
[4] النحى: زق للسمن.
[5] في «كتاب الشعر والشعراء»: «ربع عزة».
[6] في ج و «كتاب الشعر والشعراء»: «موجعات الحزن».
[7] يقال: بلت مطيته على وجهها إذا ذهبت في الأرض ضالة.
فقلت لها يا عزّ كلّ مصيبة ... إذا وطّنت يوما لها النفس ذلّت
أسيئي بنا أو أحسني، لا ملومة ... لدينا ولا مقليّة إن تقلّت [1]
هنيئا مريئا غير داء مخامر ... لعزّة من أعراضنا ما استحلّت
تمنّيتها حتّى إذا ما رأيتها ... رأيت المنايا شرّعا قد أظلّت
كأنّي أنادي صخرة حين أعرضت ... من الصّمّ لو تمشي بها العصم زلّت
صفوحا فما تلقاك إلّا بخيلة ... فمن ملّ منها ذلك الوصل ملّت
أصاب الرّدى أن كان يهوى لك الرّدى ... وجنّ اللواتي قلن عزّة جنّت
عروضه من الطويل. غنّى معبد في الخمسة الأول ثقيلا أوّل بالوسطى. وغنى إبراهيم في الثالث والرابع ثقيلا أوّل بالبنصر عن عمرو، وغنّى في «هنيئا مريئا» والذي بعده خفيف رمل بالوسطى. وغنّى إبراهيم في الخامس وما بعده ثاني ثقيل. وذكر الهشاميّ أنّ لابن سريج في «هنيئا مريئا» وما بعده ثاني ثقيل بالبنصر. وذكر أحمد بن المكيّ أن لإبراهيم في «كأني أنادي» والذي بعده وفي «أسيئي بنا أو أحسني» هزجا بالسبّابة في مجرى البنصر، ولإسحاق فيه هزج آخر به [2]. ولعريب في «كأني أنادي» أيضا رمل. ولإسحاق في «و ما كنت/ أدري» ثقيل أوّل. وله في «أصاب الردى» ثقيل أوّل آخر، وقيل: إن لإبراهيم في «فقلت لها يا عزّ» خفيف ثقيل ينسب إلى دحمان وإلى سياط.
اجتمعا ذات ليلة ووصف ذلك صديق له:
أخبرني الحرميّ وحبيب بن نصر قالا حدّثنا الزّبير قال حدّثنا يعقوب بن حكيم عن إبراهيم بن أبي عمرو الجهنيّ عن أبيه قال:
سارت علينا عزّة في جماعة من قومها، فنزلت حيالنا. فجاءني كثيّر ذات يوم فقال لي: أريد أن أكون عندك اليوم فأذهب إلى عزّة، فصرت به إلى منزلي. فأقام عندي حتى كان العشاء، ثم أرسلني إليها وأعطاني خاتمه وقال:
إذا سلّمت فستخرج إليك جارية، فادفع إليها خاتمي وأعلمها مكاني. فجئت بيتها فسلّمت فخرجت إليّ الجارية فأعطيتها الخاتم. فقالت: أين الموعد؟ قلت: صخرات أبي عبيد الليلة، فواعدتها هناك، فرجعت إليه فأعلمته.
فلما أمسى قال لي: انهض بنا، فنهضنا [3] فجلسنا هناك نتحدّث حتى جاءت من الليل فجلست فتحدّثا فأطالا، فذهبت لأقوم. فقال لي: إلى أين تذهب؟ فقلت: أخلّيكما ساعة لعلكما تتحدّثان ببعض ما تكتمان. قال لي:
اجلس! فو اللّه ما كان بيننا شيء قطّ. فجلست وهما يتحدّثان وإنّ بينهما لثمامة [4] عظيمة هي من ورائها جالسة حتى أسحرنا، ثم قامت فانصرفت، وقمت أنا وهو، فظلّ عندي حتى أمسى ثم انطلق.
سامته سكينة بجمله فلما رأى عزة معها تركه لهم:
أخبرنا الحرميّ قال حدّثنا الزّبير قال حدّثنا إسحاق بن إبراهيم عن عبد اللّه بن سعيد بن أبان بن سعيد بن العاصي قال:
__________
[1] تقلى: تبغض. أي لا هي ملومة لدينا ولا مقلية إن تقلت أي تبغضت. خاطبها أوّلا ثم غايب أي ذكرها بضمير الغيبة.
[2] لعله: «بها» أي بالسبابة في مجرى البنصر.
[3] في ج: «فمضينا».
[4] كذا في «تجريد الأغاني» والثمام: نبت ضعيف شبيه بالخوص. وفي الأصول: «لهامة» وهو تحريف.
خرج كثيّر في الحاجّ بجمل له يبيعه، فمرّ بسكينة بنت الحسين ومعها عزّة وهو لا يعرفها. فقالت سكينة: هذا كثيّر فسوموه بالجمل، فساموه فاستام مائتي درهم فقالت: ضع عنّا فأبى. فدعت له بتمر وزبد فأكل، ثم قالت له:
ضع عنا كذا وكذا (لشيء يسير) فأبى. فقالوا: قد أكلت يا كثيّر بأكثر مما نسألك! فقال:
/ ما أنا بواضع شيئا. فقالت سكينة: اكشفوا، فكشفوا عنها وعن عزّة. فلما رآهما استحيا وانصرف وهو يقول: هو لكم هو لكم!.
قال بعض الرواة إنه لم يكن صادقا في عشقه:
من ذكر أن كثيّرا كان يكذب في عشقه:
أخبرنا أبو خليفة قال حدّثنا ابن سلّام قال:
كان كثيّر مدّعيا ولم يكن عاشقا، وكان جميل صادق الصبّابة والعشق.
أخبرنا أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ وحبيب بن نصر المهلّبيّ قالا حدّثنا عمر بن شبّة قال [1] زعم إسحاق بن إبراهيم أنه سمع أبا عبيدة يقول: كان جميل يصدق في حبه، وكان كثيّر يكذب.
ومما وجدناه في أخباره ولم نسمعه من أحد أنه نظر إلى عزّة ذات يوم وهي منتقبة تميس في مشيتها، فلم يعرفها كثيّر، فاتّبعها وقال: يا سيّدتي! قفي حتّى أكلّمك فإني لم أر مثلك قطّ، فمن أنت ويحك؟ قالت: ويحك! وهل تركت عزّة فيك بقيّة لأحد؟ قال: بأبي أنت! واللّه لو أنّ عزّة أمة لي لوهبتها لك.
قالت: فهل لك في المخاللة؟ قال: وكيف لي بذلك؟ قالت: أنّي وكيف بما قلت في عزّة؟! قال: أقلبه فأحوّله إليك. فسفرت عن وجهها ثم قالت: أغدرا يا فاسق وإنك لهكذا! فأبلس [2] ولم ينطق وبهت. فلما مضت أنشأ يقول:
ألا ليتني قبل الذي قلت شيب لي ... من السمّ جدحات [3] بماء الذّرارح
فمتّ ولم تعلم عليّ خيانة ... وكم طالب للريح ليس برابح
/ أبوء بذنبي إنني قد طلمتها ... وإني بباقي سرّها غير بائح
لقي عزة في طريقه إلى مصر وتعاتبا:
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ قال حدّثني عمر بن شبّة قال زعم ابن الكلبيّ عن أبي المقوّم قال أخبرني سائب راوية كثيّر قال:
خرجت معه نريد مصر، فمررنا بالماء الذي فيه عزّة فإذا هي في خباء، فسلّمنا جميعا، فقالت عزة: وعليك السلام يا سائب. ثم أقبلت على كثيّر فقالت: ويحك! ألا تتّقي اللّه! أرأيت قولك:
بآية ما أتيتك أمّ عمرو ... فقمت لحاجتي والبيت خالي
__________
[1] في ج: «زعم لي إسحاق بن إبراهيم ... إلخ».
[2] أبلس: سكت وتحير.
[3] في ب، س: «بخضخاض». وفي سائر الأصول: «بخدخاد». والتصويب عن «تجريد الأغاني». والجدحة اللتة؛ يقال: جدح السويق: إذالته. والذرارح: دويبات أعظم من الذباب شيئا مجزعة مبرقشة بحمرة وسواد وصفرة لها أجنحة تطير بها وهي سم قاتل.
أخلوت معك في بيت أو غير بيت قطّ؟! قال. لم أقله، ولكنني قلت:
فأقسم لو أتيت البحر يوما ... لأشرب ما سقتني من بلال
وأقسم إنّ حبّك أمّ عمرو ... لداء عند [1] منقطع السّعال
قالت: أمّا هذا فنعم. فأتينا عبد العزيز [2] ثم عدنا، فقال كثيّر: عليك السلام يا عزّة قالت: عليك السلام يا جمل.
فقال كثيّر.
صوت
حيتك عزّة بعد الهجر فانصرفت ... فحيّ وحيك من حيّاك يا جمل
لو كنت حيّيتها ما زلت ذامقة [3] ... عندي وما مسّك الإدلاج والعمل
ليت التحيّة كانت لي فأشكرها ... مكان يا جمل حيّيت يا رجل
ذكر يونس أنّ في هذه الأبيات غناء لمعبد. وذكر الهشاميّ أن فيها لبثينة خفيف رمل بالبنصر. وذكر حبش أنّ فيها للغريض خفيف ثقيل أوّل بالوسطى، ولإبراهيم ثاني ثقيل بالوسطى.
قصته مع أم الحويرث الخزاعية وحديث عشقه لها:
أخبرني عمّي قال حدّثني الحسن بن عليل العنزيّ قال حدّثني عليّ بن محمد البرمكيّ قال حدّثني إبراهيم بن المهديّ قال:
قدم عليّ هشام بن محمد الكلبيّ فسألته عن العشّاق يوما فحدّثني قال: تعشّق كثيّر امرأة من خزاعة يقال لها أمّ الحويرث فنسب بها، وكرهت أن يسمّع بها ويفضحها كما سمّع بعزّة، فقالت له: إنك رجل فقير لا مال لك، فابتغ ما لا يعفّى [4] عليك ثم تعال فاخطبني كما يخطب الكرام. قال: فاحلفي لي ووثّقي أنّك لا تتزوّجين حتى أقدم عليك، فحلفت ووثّقت له. فمدح عبد الرحمن بن إبريق [5] الأزديّ، فخرج إليه، فلقيته ظباء سوانح ولقي غرابا يفحص التراب بوجهه، فتطيّر من ذلك حتى قدم على حيّ من لهب [6] فقال: أيّكم يزجر؟ فقالوا: كلّنا، فمن تريد؟
قال: أعلمكم بذاك. قالوا: ذاك الشيخ المنحني الصّلب. فأتاه فقصّ عليه القصة، فكره ذلك له وقال له: قد توفّيت أو تزوجت رجلا من بني عمّها. فأنشأ يقول:
صوت
تيمّمت لهبا أبتغى العلم عندهم ... وقد ردّ علم العائفين إلى لهب
__________
[1] كذا في «تجريد الأغاني». ويعني بمنقطع السعال: الصدر. وقد ورد هذا الشعر في كتاب «الشعر والشعراء» هكذا: «لدى جنبي ومنقطع السعال». وفي الأصول: «لداء عند منقطع السؤال» وهو تحريف.
[2] يريد عبد العزيز بن مروان والي مصر من قبل أخيه عبد الملك بن مروان.
[3] المقة: المحبة.
[4] أي يصلحك ويحل الغنى منك محل الفقر.
[5] في «تجريد الأغاني»: «عبد الرحمن بن الأبرش الأزدي».
[6] لهب: قبيلة من اليمن معروفة بالعيافة وزجر الطير.
تيمّمت شيخا منهم ذا بجالة [1] ... بصيرا بزجر الطير منحنى الصّلب
فقلت له ما ذا ترى في سوانح ... وصوت غراب يفحص الوجه بالتّرب
/ فقال جرى الطير السّنيح ببينها ... وقال غراب جدّ منهمر السّكب
فإلّا تكن ماتت فقد حال دونها ... سواك خليل باطن من بني كعب
- غنّاه مالك من رواية يونس ولم يجنّسه - قال: فمدح الرجل الأزديّ ثم أتاه فأصاب منه خيرا كثيرا، ثم قدم عليها فوجدها قد تزوجت رجلا من بني كعب،/ فأخذه الهلاس [2]، فكشح [3] جنباه بالنار. فلما اندمل [4] من علّته وضع يده على ظهره فإذا هو برقمتين، فقال: ما هذا؟ قالوا: إنه أخذك الهلاس وزعم الأطبّاء أنه لا علاج لك إلّا الكشح بالنار فكشحت بالنار. فأنشأ يقول:
صوت
عفا اللّه عن أمّ الحويرث ذنبها ... علام تعنّيني وتكمي [5] دوائيا
فلو آذنوني [6] قبل أن يرقموا بها ... لقلت لهم أمّ الحويرث دائيا
- في هذين البيتين لمالك ثقيل أوّل بالوسطى. ولابن سريج رمل بالبنصر كلاهما عن عمرو والهشاميّ. وقيل:
إن فيهما لمعبد لحنا - وقد أخبرني بهذا الخبر أحمد بن عبد العزيز وحبيب بن نصر المهلّبيّ قالا حدّثنا عمر بن شبّة ولم يتجاوزاه بالرواية فذكر نحو هذا وقال فيه: إنه قصد ابن الأزرق بن حفص بن المغيرة المخزوميّ الذي كان باليمن، وإنه فعل ذلك بعد موت عزّة. وسائر الخبر متقارب.
سأله ابن جعفر عن سبب هزاله فأجابه:
وأخبرني الحرميّ قال حدّثنا الزّبير قال حدّثني محمد بن إسماعيل الجعفريّ عن محمد بن سليمان بن فليح أو فليح بن سليمان - أنا شككت - عن أبيه عن جدّه قال:
جاء كثيّر إلى عبد اللّه بن جعفر وقد نحل وتغيّر. فقال له عبد اللّه: مالي أراك متغيرا يا أبا صخر؟ قال: هذا ما عملت بي أمّ الحويرث، ثم ألقى قميصه فإذا به قد صار مثل القشّ وإذا به آثار من كيّ، ثم أنشده:
عفا اللّه عن أمّ الحويرث ذنبها
الأبيات.
__________
[1] ذا بجالة: يبجله الناس ويعظمونه.
[2] الهلاس: داء يهزل الجسم أو هو السل.
[3] الكشح: الكيّ بالنار.
[4] أي تماثل وتراجع للبرء.
[5] تكمي: تستر.
[6] كذا في «تجريد الأغاني»: وفي الأصول: «و لو لا ذنوبي» وهو تحريف.
أغرت عزة به بثينة لتتبين حاله:
أخبرني عمّي قال حدّثني ابن أبيّ قال حدّثني الحزاميّ عمن حدّثه من أهل قديد [1]:
أنّ عزّة قالت لبثينة: تصدّي لكثيّر وأطمعيه في نفسك حتى أسمع ما يجيبك به. فأقبلت إليه وعزّة تمشي وراءها مختفية، فعرضت عليه الوصل، فقاربها ثم قال:
رمتني على عمد بثينة بعد ما ... تولّى شبابي وارججنّ [2] شبابها
وذكر أبياتا [3] أخر سقط من الكتّاب ذكرها. فكشفت عزّة عن وجهها، فبادرها الكلام ثم قال:
ولكنّما ترمين نفسا مريضة ... لعزّة منها صفوها ولبابها
فضحكت ثم قالت: أولى لك بها قد نجوت، وانصرفتا تتضاحكان.
قال لأهله إذ بكوا في مرضه سأرجع بعد أيام:
أخبرنا الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثني عبد الرحمن بن عبد اللّه الزّهري قال:
بكى بعض أهل كثيّر عليه حين نزل به الموت. فقال له كثيّر: لا بتك، فكأنّك بي بعد أربعين ليلة تسمع خشفة [4] نعلى من تلك الشّعبة راجعا إليكم.
مات هو وعكرمة في يوم واحد سنة 105:
أخبرني الفضل بن الحباب أبو خليفة قال حدّثنا محمد بن سلّام قال حدّثني ابن جعدبة وأبو اليقظان عن جويرية بن أسماء قال:
مات كثيّر وعكرمة مولى ابن عبّاس في يوم واحد، فاجتمعت قريش في جنازة كثيّر، ولم يوجد لعكرمة من يحمله.
/ أخبرنا الحرميّ قال حدّثنا الزّبير قال حدّثني عمر بن مصعب قال/ حدّثني الواقديّ قال حدّثني خالد بن القاسم البياضيّ قال:
مات عكرمة مولى ابن عبّاس وكثيّر بن عبد الرحمن الخزاعيّ صاحب عزّة في يوم واحد في سنة خمس ومائة، فرأيتهما جميعا صلّي عليهما في يوم واحد بعد الظهر في موضع الجنائز، فقال الناس: مات اليوم أفقه الناس وأشعر الناس.
ما جرى في جنازته بين أبي جعفر الباقر وزينب بنت معيقب:
وقال ابن أبي سعد الورّاق حدّثني رجاء بن سهل أبو نصر الصاغانيّ قال حدّثنا يحيى بن غيلان قال حدّثني المفضّل بن فضالة عن يزيد بن عروة قال:
__________
[1] قديد: اسم موضع قرب مكة.
[2] أرججن شبابها: يريد اهتز نضارة وحسنا.
[3] في ج: «و ذكر بيتا آخر سقط من الكتاب».
[4] خشفة النعل: صوتها.
مات عكرمة وكثيّر عزّة في يوم واحد، فأخرجت جنازتاهما، فما علمت تخلّفت امرأة بالمدينة ولا رجل عن جنازتيهما. قال: وقيل مات اليوم أشعر الناس وأعلم الناس. قال: وغلب النساء على جنازة كثيّر يبكينه ويذكرن عزّة في ندبتهنّ له. قال: فقال أبو جعفر محمد [1] بن عليّ: افرجوا لى عن جنازة كثيّر لأرفعها. قال: فجعلنا ندفع عنها النساء وجعل يضربهنّ محمد بن عليّ بكمّه ويقول: تنحّين يا صواحبات يوسف. فانتدبت له امرأة منهنّ فقالت:
يابن رسول اللّه لقد صدقت، إنّا لصواحبات يوسف وقد كنّا له خيرا منكم له. قال: فقال أبو جعفر لبعض مواليه:
احتفظ بها حتى تجيئني بها إذا انصرفنا. قال: فلما انصرف أتي بتلك المرأة كأنها شرارة النار. فقال لها محمد بن عليّ: أنت القائلة إنّكن ليوسف خير منّا؟ قال: نعم! تؤمنني غضبك يابن رسول اللّه؟ قال: أنت آمنة من غضبي فأبيني. قالت: نحن يابن رسول اللّه دعوناه إلى اللذّات من المطعم/ والمشرب والتمتّع والتنعّم، وأنتم معاشر الرجال ألقيتموه في الجبّ وبعتموه بأبخس الأثمان وحبستموه في السّجن. فأيّنا كان عليه أحنى وبه [2] أرأف؟! فقال محمد: للّه درّك! ولن تغالب امرأة إلّا غلبت. ثم قال لها: ألك بعل؟ قالت: لي من الرجال من أنا بعله. قال: فقال أبو جعفر: صدقت، مثلك من تملك بعلها ولا يملكها. قال: فلما انصرفت قال رجل من القوم: هذه زينب بنت معيقب [3].
نسبة ما في هذه الأخبار من الغناء:
صوت
نظرت إليها نظرة وهي عاتق ... على حين أن شبّت وبان نهودها
نظرت إليها نظرة ما يسّرني ... بها حمر أنعام البلاد وسودها
وكنت إذا ما جئت سعدى بأرضها ... أرى الأرض تطوى لي ويدنو بعيدها
من الخفرات البيض ودّ جليسها ... إذا ما انقضت أحدوثة لو تعيدها
عروضه من الطويل. البيت الأول لكثيّر، والثاني والثالث لنصيب من قصيدته التي أوّلها:
لقد هجرت سعدى وطال صدودها غنّى في البيت الثاني والثالث جحدر الراعي خفيف رمل بالبنصر. وغنّى فيهما الهذليّ رملا بالوسطى. وغنّى في الثالث والرابع دعامة ثقيلا أوّل بالبنصر.
عمر الوادي يأخذ صوتا عن راعي غنم في شعر له:
أخبرنا الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه قال: قال عمر الواديّ، وأخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثني مكين العذريّ قال:
/ سمعت عمر الواديّ يقول: بينا أنا أسير بين الرّوحاء والعرج إذ سمعت إنسانا يغنّي غناء لم أسمع/ قطّ مثله في بيتي كثيّر:
__________
[1] هو محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي أبو جعفر المدني المعروف بالباقر توفي سنة 114 ه.
[2] في الأصول: «فأينا كان به أحنى وعليه أرأف». والتصويب عن «تجريد الأغاني».
[3] في ج: «معيقيب».
وكنت إذا ما جئت سعدى بأرضها ... أرى الأرض تطوى لي ويدنو بعيدها
من الخفرات البيض ودّ جليسها ... إذا ما انقضت أحدوثة لو تعيدها
قال: فكدت أسقط عن راحلتي طربا، وقلت: واللّه لألتمسنّ الوصول إلى هذا الصوت ولو بذهاب عضو من أعضائي، فتيمّمت سمته [1] فإذا راع في غنم، فسألته إعادته عليّ. قال: نعم! ولو حضرني قرى أقريكه ما أعدته، ولكنّي أجعله قراك، فربما ترنّمت به وأنا غرثان فأشبع، وعطشان فأروى، ومستوحش فآنس، وكسلان فأنشط.
قال: فأعادهما عليّ حتى أخذتهما، فما كان زادي حتى ولجت المدينة غيرهما.
__________
[1] سمته: ناحيته وجهته.
2 - أخبار عبيد اللّه بن عبد اللّه بن طاهر
كان عالما ومغنيا ونسب غناءه لجاريته شاجي ترفعا:
هو عبيد اللّه بن عبد اللّه بن طاهر بن الحسين، ويكنى أبا أحمد. وله محلّ من الأدب والتصرّف في فنونه ورواية الشعر وقوله والعلم باللغة وأيّام الناس وعلوم الأوائل من الفلاسفة في الموسيقى والهندسة وغير ذلك مما يجلّ عن الوصف ويكثر ذكره. وله صنعة في الغناء حسنة متقنة عجيبة تدلّ على ما ذكرناه هاهنا من توصّله إلى ما عجز عنه الأوائل من جمع النّغم كلّها في صوت واحد تتبّعه هو وأتى به على فضله فيها وطلبه لها. وكان المعتضد باللّه، رحمة اللّه عليه، ربما كان أراد أن يصنع في بعض الأشعار غناء وبحضرته أكابر المغنّين مثل القاسم بن زرزور وأحمد بن المكيّ ومن دونهما مثل أحمد بن أبي العلاء وطبقتهم، فيعدل عنهم إليه فيصنع فيها أحسن صنعة، ويترفّع عن إظهار نفسه بذلك، ويومىء إلى أنه من صنعة جاريته شاجي [1]، وكانت إحدى المحسنات المبرّزات المقدّمات؛ وذلك بتخريجه وتأديبه، وكان بها معجبا ولها مقدّما.
كان المعتضد يتفقده لما رقت حاله وطلب منه جاريته ليسمع غناءها فأرسلها له:
فأخبرني أحمد بن جعفر جحظة قال: لمّا اختلت حال عبيد اللّه بن عبد اللّه بن طاهر كان المعتضد يتفقّده بالصّلات الفينة بعد الفينة. واتّفق يوما كان فيه مصطبحا أن غنّي بصوت الصنعة فيه لشاجي جارية عبيد اللّه؛ فكتب إليه كتابا يقسم أن يأمرها بزيارته ففعل. قال: فحدّثني من حضر من المغنّيات ذلك المجلس بعد موت المعتضد قالت: دخلت إلينا وما منّا إلّا من يرفل في الحليّ والحلل وهي في أثواب ليست كثيابنا، فاحتقرناها؛ فلمّا غنّت احتقرنا أنفسنا. ولم تزل تلك حالنا حتى صارت في أعيننا كالجبل وصرنا كلا شيء. قال: ولمّا انصرفت أمر لها/ المعتضد بمال وكسوة. ودخلت إلى مولاها فجعل يسألها عن أمرها وما رأت مما استظرفت وسمعت مما استغربت. فقالت: ما استحسنت هناك شيئا ولا استغربته من غناء ولا غيره إلا عودا من عود محفور [2] فإنّي استظرفته. قال جحظة: فما قولك فيمن يدخل دار الخلافة فلا يمدّ عينه لشيء يستحسنه فيها إلا عودا!.
كانت شاجي جاريته تلحن للمعتضد بعض الشعر:
قال محمد بن الحسن الكاتب وحدّثني النّوشجانيّ قال:
كان المعتضد إذا استحسن شعرا بعث به إلى شاجي جارية عبيد اللّه بن طاهر فتغنّى فيه. قال: وكانت صنعتها تسمّى في عصره غناء الدار.
__________
[1] في «نهاية الأرب» (ج 5 ص 66): «ساجي» بالسين المهملة.
[2] كذا في أ، م و «نهاية الأرب». وفي سائر الأصول: «مفحور» وهو تحريف.
ماتت شاجي فرثاها:
قال محمد بن الحسن: وماتت شاجي في حياة/ عبيد اللّه بن عبد اللّه بن طاهر وكان عليلا، فقال يرثيها - وله فيه صنعة من خفيف الثّقيل الأوّل بالوسطى - :
يمينا يقينا لو بليت بفقدها ... وبي نبض عرق للحياة أو النّكس
لأوشكت قتل النفس قبل فراقها ... ولكنها ماتت وقد ذهبت نفسي
له كتاب الآداب الرفيعة في الغناء:
ومن نادر صنعة عبيد اللّه وجيّد شعره قوله - وله فيه لحنان ثقيل أوّل وهزج، والثقيل الأوّل أجودهما - :
أنفق إذا أيسرت غير مقتّر ... وأنفق على ما خيلت حين تعسر
غير الجود يفنى المال والمال مقبل [1] ... ولا البخل يبقي المال والجدّ مدبر
وأشعاره كثيرة جيّدة كثيرة النادر والمختار. وكتابه في النّغم وعلل الأغاني المسمّى «كتاب الآداب الرفيعة» كتاب مشهور جليل الفائدة دالّ على فضل مؤلّفه.
قص عليه الزبير بن بكار قصة فاستحسنها وأمر له بمال:
أخبرني جحظة قال حدّثني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثني موسى بن هارون، فيما أرى، قال:
/ كنت عند عبيد اللّه بن عبد اللّه بن طاهر وقد جاءه الزّبير بن بكّار فأعلمه أن المتوكّل أو المعتزّ - وأراه المعتزّ - بعث إلى أخيه محمد بن عبد اللّه بن طاهر يأمر بإحضاره وتقليده القضاء. فقال له الزّبير بن بكّار: قد بلغت هذه السّنّ وأتولى القضاء! أو بعد ما رويت أنّ من ولي القضاء فقد ذبح بغير سكّين! فقال له: فتلحق بأمير المؤمنين بسرّ من رأى، فقال له: أفعل. فأمر له بمال ينفقه، وبظهر يحمله ويحمل ثقله. ثم قال له: إن رأيت يا أبا عبد اللّه أن تفيدنا شيئا قبل أن نفترق! قال: نعم! انصرفت من عمرة المحرّم؛ فبينا أنا بأثاية [2] العرج، إذا أنا بجماعة مجتمعة، فأقبلت إليهم وإذا رجل كان يقنص الظباء وقد وقع ظبي في حبالته فذبحه، فانتفض في يده فضرب بقرنه صدره فنشب القرن فيه فمات. وأقبلت فتاة كأنها المهاة، فلما رأت زوجها ميّتا شهقت ثم قالت:
يا حسن لو بطل لكنّه أجل ... على الأثاية ما أودى به البطل
يا حسن جمّع أحشائي وأقلقها ... وذاك يا حسن لو لا غيره جلل
أضحت فتاة نهد علانية ... وبعلها بين أيدي القوم محتمل
قال: ثم شهقت فماتت. فما رأيت أعجب من الثلاثة: الظبي مذبوح، والرجل جريح ميت، والفتاة ميتة [حرّى [3]].
__________
[1] الرواية المشهورة: «و الجد مقبل».
[2] الأثاية: موضع في طريق الجحفة بينه وبين المدينة خمسة وعشرون فرسخا وهو بين الرويثة والعرج، مر به النبي صلى اللّه عليه وسلم في خرجة له إلى مكة وهو محرم. ورواه بعضهم «أثاثة» بثاء مثلثة أخرى كما ورد في الأصول، ورواه آخرون «أثانة» بالنون. وكلاهما خطأ. راجع «معجم البلدان» لياقوت و «معجم ما استعجم» للبكري.
[3] زيادة عن ج.
فأمر له عبيد اللّه بمال آخر. ثم أقبل إلى أخيه محمد بن عبد اللّه بعد خروج الزبير فقال: أما إنّ الذي أخذناه من الفائدة في خبر حسن وفي قولها [1]:
أضحت فتاة بني نهد علانية
/ - تريد ظاهرة - أكثر عندي مما أعطيناه من الحباء والصّلة. وقد أخبرني الحسين بن عليّ عن الدمشقيّ عن الزبير بخبر حسن فقط، ولم يذكر فيه من خبر عبيد اللّه شيئا.
ومن الأصوات التي تجمع النّغم العشر:
صوت
لحنه في شعر ابن هرمة يجمع النغم العشر:
/ وهو يجمع النّغم العشر كلّها على غير توال:
وإنّك إذا أطمعتني منك بالرّضا ... وأيأستني من بعد ذلك بالغضب
كممكنة من ضرعها كفّ حالب ... ودافقة من بعد ذلك ما حلب
عروضه من الطويل. الشعر لإبراهيم بن عليّ بن هرمة. والغناء في هذا اللحن الجامع للنّغم لعبيد اللّه بن عبد اللّه بن طاهر، خفيف ثقيل أوّل بالوسطى في مجراها وعليها ابتدأ الصوت.
أثبت في كتابه نقد أبي نواس لشعر لابن هرمة وشعر لجرير:
وقال عمر بن محمد بن عبد الملك الزيّات حدّثني بعض أصحابنا عن أبي نواس أنه قال: شاعران قالا بيتين وضعا التشبيه فيهما في غير موضعه. فلو أخذ البيت الثاني من شعر أحدهما فجعل مع بيت الآخر، وأخذ بيت ذاك فجعل مع هذا لصار متّفقا معنى وتشبيها. فقلت له: أنّى ذلك؟ فقال: قول جرير للفرزدق:
فإنك إذ تهجو تميما وترتشى ... تبابين [2] قيس أو سحوق العمائم
كمهريق ماء بالفلاة وغرّه ... سراب أذاعته رياح السّمائم
وقول ابن هرمة:
وإنّي وتركي ندى الأكرمين ... وقدحي بكفّيّ زندا [3] شحاحا
/ كتاركة بيضها بالعراء ... وملبسة بيض أخرى جناحا
فلو قال جرير:
فإنك إذ تهجو تميما وترتشي ... تبابين قيس أو سحوق العمائم
__________
[1] في الأصول: «و في قوله». والتصويب عن «تجريد الأغاني».
[2] التبابين: جمع تبان وهو سراويل صغير مقدار شبر يستر العورة المغلظة فقط يكون للملاحين. والسحوق: جمع سحق، وهو الثوب الخلق البالي.
[3] كذا في «أكثر الأصول واللسان» مادة شح. وزند شحاح: لا يورى. وفي ب، س، هنا وفيما سيأتي في جميع الأصول: «زنادا شحاحا».
كتاركة بيضها بالعراء ... وملبسة بيض أخرى جناحا
لكان أشبه منه ببيته. ولو قال ابن هرمة مع بيته:
وإني وتركي ندى الأكرمين ... وقدحي بكفّيّ زندا شحاحا
كمهريق ماء بالفلاة وغرّه ... سراب أذاعته رياح السمائم
كان أشبه به. ثم قال: ولكن ابن هرمة قد تلافى ذلك بعد فقال:
وإنك إذ أطمعتني منك بالرضا ... وأيأستني من بعد ذلك بالغضب
كممكنة من ضرعها كفّ حالب ... ودافقة من بعد ذلك ما حلب
وقد أتى عبيد اللّه بن عبد اللّه بهذا الكلام بعينه في «الآداب الرفيعة» [1]. وإنما أخذه من أبي نواس على ما روي عنه.
ومما يجمع النغم العشر صوت ابن أبي مطر في شعر نصيب:
ووجدت في كتاب مؤلّف في النّغم غير مسمّى الصانع: أنّ من الأصوات التي تجمع النّغم العشر صوت ابن أبي مطر المكيّ في شعر نصيب وهو:
صوت
ألا أيّها الرّبع المقيم بعنبب [2] ... سقتك السّوافي من مراح ومعزب
بذي هيدب أمّا الرّبى تحت ودقه ... فتروى وأمّا كلّ واد فيزعب [3]
/عروضه من الطويل. ويروى «الربع الخلاء بعنبب» أي الخالي. وعنبب: موضع، ويروى «سقتك الغوادي من مراد». والمراد. الموضع الذي يرتاد فيرعى فيه الكلأ. والمراح: الموضع/ الذي تروح إليه المواشي وتبيت فيه [4].
وفي الحديث أنه رخّص في الصلاة في مراح الغنم ونهى عنها في أعطان الإبل. والمعزب: الموضع الذي يعزب فيه الرجل عن البيوت والمنازل. وأصل العزوب: البعد يقال عزب عنه رأيه وحلمه أي بعد، والعزب مأخوذ من ذلك.
وهيدب السماء أطراف [5] تراه في أذنابه كأنه معلّق به. قال أوس [6] بن حجر:
دان مسفّ فويق الأرض هيدبه ... يكاد يدفعه من قام بالراح
ويزعب: يطفح، يقال: زعبه السيل إذا ملأه [7]. الشعر لنصيب يقوله في عبد العزيز بن مروان.
__________
[1] في الأصول هنا: «الآداب التسعة» وهو تحريف، وقد تقدّم اسم هذا الكتاب.
[2] عنبب (بضم العين وسكون النون وضم الباء الأولى كما رواه السكري، وفي أمثلة سيبويه أنه بفتح الباء): موضع.
[3] أورد صاحب «اللسان» هذا البيت في مادة «رعب» بالراء المهملة. ورعب وزعب بمعنى، يستعملان لازمين فيقال رعب الوادي أو زعب إذا تملأ، ومتعديين فيقال رعب السيل الوادي أو زعبه إذا ملأه. وروي في البيت أيضا «فيروي» بضم الياء وكسر الواو، وبنصب «كل» على أن تكون «الربى» «وكل واد» مفعولين مقدمين. (راجع «اللسان» في مادة رعب).
[4] هذا المعنى للمراح بضم الميم. وأما بفتحها فهو الموضع الذي يروح إليه القوم أو يروحون منه كالمغدي للموضع الذي يغدي منه أو إليه.
[5] كذا في الأصول. ولعل صوابه: «أطراف تراها في أذنابه كأنها معلقة به». والمراد بالسماء السحاب.
[6] لقد ورد في «اللسان» في مادتي «هدب وسف» أن هذا البيت يروى أيضا لعبيد بن الأبرص.
[7] في الأصول: «إذا علاه» والتصويب عن «معاجم اللغة». وقول المؤلف «يطفح» تفسير لمعنى الفعل لازما. وقوله بعد ذلك: «يقال زعبه السيل إذا ملأه» تفسير لمعناه متعديا. فكان ينبغي أن يكون «و يقال ... إلخ» بالواو للدلالة على أنه لازم ومتعد.
وفد نصيب على عبد العزيز بن مروان ومدحه فأجازه:
أخبرنا الحرميّ قال حدّثنا الزّبير قال حدّثني جميع بن عليّ النّميريّ عن عبد اللّه بن عبد العزيز بن محجن بن النّصيب، قال الزبير وكتب إليّ بذلك عبد اللّه بن عبد العزيز يذكره عن عوضة بنت النّصيب قالت:
وفد أبي على عبد العزيز بن مروان بمصر، فوقف على الباب فاستأذن فلم يؤذن له. فأرسل إليه حاجبه فقال:
استنشده، فإن كان شعره رديئا فاردده، وإن كان جيّدا/ فأدخله. فقال نصيب: قد جلبنا شيئا للأمير، فإن قبله نشرناه عليه وإلّا طويناه ورجعنا به. فقال عبد العزيز: إنّ هذا لكلام رجل ذهن، فأدخله. فلمّا واجهه أنشده قصيدته التي يقول فيها:
ألا هل أتى الصقر بن مروان أنّني ... أردّ لدي الأبواب عنه وأحجب
وأنّي ثويت اليوم والأمس قبله ... على الباب حتى كادت الشمس تغرب
وأنّي إذا رمت الدخول تردّني ... مهابة قيس والرّتاج المضبّب [1]
قال: وكان حاجب عبد العزيز يسمى قيسا. قال: وتشبيب هذه القصيدة:
ألا أيها الرّبع المقيم بعنبب ... سقتك السّواقي من مراح ومعزب
قال: فلمّا دخل على عبد العزيز أعجب بشعره وأوجهه [2]، وقال للفرزدق: كيف تسمع هذا الشعر؟ قال: حسن إلّا من لغته. قال: هذا واللّه أشعر منك!. قال: وقال نصيب فيها أيضا:
وأهلي بأرض نازحون وما لهم ... كاسب غيري ولا متقلّب
فهل تلحقنّيهم بعبل [3] مواشك ... على الأين من نجب ابن مروان أصهب
أبو بكرات إن أردت افتحاله ... وذو ثبتات بالرّديفين متعب
فقال له عبد العزيز: أدخل على المهاري [4] فخذ منها ما شئت، فلو كنت سألت غيره لأعطيته. فدخل فردّه الجمّال.
فقال عبد العزيز: دعه فإنما يأخذ الذي نعت، فأخذه.
/ قال الزّبير وحدّثني بعض أصحابنا عن محمد بن عبد العزيز قال:
نزل عبد العزيز بن عبد الوهّاب على المهدي بعنبب من وادي السّراة الذي عنى نصيب بقوله:
ألا أيها الرّبع الخلاء بعنبب
والمهدي [5] هو الذي يقول فيه الشاعر:
اسلمي يا دار من هند ... بالسّويقات إلى المهدي
__________
[1] رتاج مضبب: مجعولة له ضبة.
[2] أوجهه: جعله وجيها وشرفه.
[3] العبل: الضخم. والمواشك: السريع. والأين: الإعياء والتعب. وفي هذا البيت إقواء.
[4] المهرية: إبل منسوبة إلى مهرة بن حيدان وهو أبو قبيلة.
[5] الظاهر أنه اسم موضع ولم نقف عليه. (و سويقة): اسم لمواضع كثيرة. ولعل «السويقات» موضع بعينه.
صوت له يجمع ثماني نغم وقد مدحه إسحاق
صوت
وهو يجمع من النّغم ثمانيا:
يا من لقلب مقصر ... ترك المنى لفواتها
/ وتظلّف النفس التي ... قد كان من حاجاتها
وطلابك الحاجات من ... سلمى ومن جاراتها
كتطرّد العنس الذّمو ... ل [1] الفضل من مثناتها
قوله: «يا من لقلب مقصر» تأسّف على شبابه، ويدلّ على ذلك قوله:
وتظلّف النفس التي ... قد كان من حاجاتها
يقال: اظلف نفسك عن كذا أي أمنعها منه لئلا بكون لها أثر فيه. وهو مأخوذ من ظلف الأرض وهو المكان [2] الذي لا أثر فيه. قال عوف بن الأحوص:
ألم أظلف [3] عن الشعراء عرضي ... كما ظلف الوسيفة بالكراع
/ الوسيقة: الجماعة من الإبل. يعني أنها تساق فلا يوجد لها أثر في الكراع، وهو منقطع الجبل. قال الشاعر:
أمست كراع الغميم [4] موحشة ... بعد الذي قد خلا، من العجب
وقوله:
كتطرّد العنس الذّمو ... ل الفضل من مثناتها
يقول: طلابك هذه الحاجات ضلال وتتابع كتطردّ العنس (و هي الناقة المذكّرة الخلق) الفضل من مثناتها. والتطرّد:
التتبّع، ومثله قول الشاعر:
خبطت الصّبا خبط البعير خطامه ... فلم أنتبه للشّيب حتى علانيا
الشعر لمسافر بن أبي عمرو بن أميّة بن عبد شمس. والغناء لابن محرز ثاني ثقيل مطلق في مجرى البنصر عن إسحاق. وهذا الصوت يجمع من النّغم ثمانيا، وكذلك ذكر إسحاق ووصف أنه لم يجمع شيء من الغناء قديمه وحديثه إلى عصره من النغم ما جمعه هذا الصوت، ووصف أنه لو تلطّف متلطّف لأن يجمع النّغم العشر في صوت واحد لأمكنه ذلك، بعد أن يكون فهما بالصناعة طويل المعاناة لها وبعد أن يتعب نفسه في ذلك حتى يصحّ له. فلم يقدر على ذلك سوى عبيد اللّه بن عبد اللّه إلى وقتنا هذا.
__________
[1] ناقة ذمول: تسير سيرا سريعا لينا. والمثناة الحبل.
[2] أي المكان الصلب الذي لا يبقى فيه أثر للمشي.
[3] أي عميت عليهم أثري. وقوله: «كما ظلف الوسيقة بالكراع» قال ابن الأعرابي: هذا رجل سل إبلا فأخذ في كراع من الأرض لئلا تستبين آثارها فتتبع. (عن «لسان العرب» مادة ظلف).
[4] كراع الغميم: موضع بين مكة والمدينة.
3 - ذكر مسافر ونسبه
نسبه وهو أحد السادات المعروفين بأزواد الركب:
مسافر بن أبي عمرو بن أميّة، ويكنى أبا أميّة. وقد تقدّم نسبه وأنساب أهله. وأمّه آمنة بنت أبان بن كليب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، وهي أمّ أبي معيط أبان بن عمرو بن أميّة. وأبو معيط ومسافر أخوان لأب وأمّ، وهما أخوا عمومتهما أبي العاصي وأخويه من بني أميّة الذين أمّهم آمنة، لأنّ أبا عمرو تزوجها بعد أبيه. وكان سيّدا جوادا، وهو أحد أزواد [1] الركب، وإنما سمّوا بذلك لأنهم كانوا لا يدعون غريبا ولا مارّ طريق ولا محتاجا يجتاز بهم إلّا أنزلوه وتكفّلوا به حتى يظعن.
مناقضاته عمارة بن الوليد:
وهو أحد شعراء قريش، وكان يناقض عمارة [2] بن الوليد الذي أمر النّجاشيّ السواحر فسحرته. فمن ذلك قول عمارة:
خلق البيض الحسان لنا ... وجياد الرّيط والأزر
كابرا كنّا أحقّ به ... حين صيغ الشمس والقمر
/ وقال مسافر يردّ عليه:
أعمار بن الوليد وقد ... يذكر الشّاعر من ذكره
هل أخو كأس محقّقها ... وموقّ صحبه سكره
ومحيّيهم إذا شربوا ... ومقلّ فيهم هذره
/ خلق البيض الحسان لنا ... وجياد الرّيط والحبره
كابرا كنّا أحقّ به ... كلّ حيّ تابع أثره
خطب هندا بنت عتبة ولما تزوجت أبا سفيان مرض واعتل حتى مات:
وله شعر ليس بالكثير. والأبيات التي فيها الغناء يقولها في هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس، وكان يهواها. فخطبها إلى أبيها بعد فراقها الفاكه بن المغيرة، فلم ترض ثروته وماله. فوفد على النّعمان يستعينه على أمره
__________
[1] أزواد الركب: ثلاثة نفر من قريش: مسافر بن أبي عمرو بن أمية، وزمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى بن قصيّ، وأبو أمية بن المغيرة بن عبد اللّه بن عمر بن مخزوم. سموا بذلك لأنه لم يكن يتزوّد معهم أحد في سفره وكانوا يطعمون كل من يصحبهم ويكفونه الزاد. وكان ذلك خلقا من أخلاق قريش؛ ولكن لم يسم بهذا الاسم إلّا هؤلاء الثلاثة. (راجع «ما يعول عليه في المضاف والمضاف إليه»).
[2] سيأتي الكلام عنه في هذه الترجمة.
ثم عاد، فكان أوّل من لقيه أبو سفيان، فأعلمه بتزويجه من هند. فأخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن عمّار قال حدّثني عمر بن محمد بن عبد الملك الزيّات قال حدّثني ابن أبي سلمة عن هشام، قال ابن عمّار وقد حدّثناه ابن أبي سعد عن عليّ بن الصبّاح عن هشام، قال ابن عمّار وحدّثنيه عليّ بن محمد بن سليمان النّوفليّ عن أبيه - دخل حديث بعضهم في بعض - :
أنّ مسافر بن أبي عمرو بن أميّة كان من فتيان قريش جمالا وشعرا وسخاء. قالوا: فعشق هندا بنت عتبة بن ربيعة وعشقته، فأتّهم بها وحملت منه. قال بعض الرواة: فقال معروف بن خرّبوذ: فلما بان حملها أو كاد قالت له:
اخرج، فخرج حتى أتى الحيرة، فأتى عمرو بن هند فكان ينادمه. وأقبل أبو سفيان بن حرب إلى الحيرة في بعض ما كان يأتيها، فلقي مسافرا، فسأله عن حال قريش والناس، فأخبره وقال له فيما يقول: وتزوّجت هندا بنت عتبة.
فدخله من ذلك ما اعتلّ معه حتى استسقى [1] بطنه. قال ابن خرّبوذ: قال مسافر في ذلك:
ألّا إنّ هندا أصبحت منك محرما ... وأصبحت من أدنى حموّتها حما
وأصبحت كالمقمور جفن سلاحه ... يقلّب بالكفّين قوسا وأسهما
فدعا له عمرو بن هند الأطبّاء، فقالوا: لا دواء له إلّا الكيّ. فقال له: ما ترى؟ قال: افعل. فدعا له الذي يعالجه فأحمى مكاويه، فلما صارت كالنار قال: ادع/ أقواما يمسكونه. فقال لهم مسافر: لست أحتاج إلى ذلك. فجعل يضع المكاوي عليه. فلما رأى صبره ضرط الطبيب، فقال مسافر:
قد يضرط العير والمكواة في النار
لما مات رثاه أبو طالب:
- فجرت مثلا - فلم يزده إلّا ثقلا. فخرج يريد مكة. فلما انتهى إلى موضع يقال له هبالة [2] مات فدفن بها، ونعي إلى قريش. فقال أبو طالب بن عبد المطّلب يرثيه:
ليت شعري مسافر بن أبي عم ... رو وليت يقولها المحزون
رجع الركب سالمين جميعا ... وخليلي في مرمس [3] مدفون
بورك الميّت الغريب كما بو ... رك نضر [4] الرّيحان والزيتون
بيت صدق على هبالة قدحا ... لت فياف من دونه وحزون
/ مدره يدفع الخصوم بأيد ... وبوجه يزينه العرنين
__________
[1] استسقى بطنه: اجتمع فيه ماء أسفر. وهو المعروف بمرض الاستسقاء.
[2] قال البكري في «معجم ما استعجم»: إن هبالة: موضع لبني عقيل. وقال ياقوت في كتابه «معجم البلدان» بعد كلام: وقال أبو زياد:
هبالة وهيبل من مياه بني نمير. ثم ذكر موت مسافر بن أبي عمرو بها ورثاه أبي طالب بن عبد المطلب له.
[3] المرمس: القبر.
[4] كذا في «معجم ياقوت»: وفي الأصول: «نضح الرمان». والنضح: «البلل. ولعله يعني به العصير.
صوت
كم خليل رزئته وابن عمّ ... وحميم قضت عليه المنون
فتعزّيت بالتّأسّي وبالصب ... ر وإنّي بصاحبي لضنين
غنّى في هذين البيتين يحيى المكّيّ ثاني ثقيل بالوسطى من رواية ابنه والهشاميّ.
وأنشدنا الحرميّ قال أنشدنا الزبير لأبي طالب بن عبد المطلّب في مسافر بن أبي عمرو:
ألا إنّ خير الناس غير مدافع ... بسرو سحيم [1] غيّبته المقابر
/ تبكّي أباها أمّ وهب وقد نأى ... وريسان [2] أمسى دونه ويحابر
على خير حاف من معدّ وناعل ... إذا الخير يرجى أو إذا الشرّ حاضر
تنادوا ولا أبو أميّة فيهم ... لقد بلغت كظّ النفوس الحناجر [3]
قال وقال النّوفليّ: إنّ البيتين:
ألا إنّ هندا أصبحت منك محرما
والذي بعده لهشام بن المغيرة، وكانت عنده أسماء بنت مخرمة النّهشليّة، فولدت له أبا جهل وأخاه الحارث، ثم غضب عليها فجعلها مثل ظهر أمّه - وكان أوّل ظهار كان - فجعلته قريش طلاقا. فأرادت أسماء الانصراف إلى أهلها، فقال لها هشام: وأين الموعد؟ قالت: الموسم. فقال لها ابناها: أقيمي معنا فأقامت معهما. فقال المغيرة بن عبد اللّه وهو أبو زوجها: أما واللّه لأزوجنّك غلاما ليس بدون هشام، فزوّجها أبا ربيعة ولده الآخر، فولدت له عيّاشا وعبد اللّه. فذلك قول هشام:
تحدّثنا أسماء أن سوف نلتقي ... أحاديث طسم [4]، إنما أنت حالم
وقوله:
ألا أصبحت أسماء حجرا محرّما ... وأصبحت من أدنى حموّتها حما
قال النّوفليّ في خبره وحدّثني أبي: أنه إنما كان مسافر خرج إلى النّعمان بن المنذر يتعرّض لإصابة مال ينكح به هندا، فأكرمه النعمان واستظرفه ونادمه وضرب عليه قبّة من أدم حمراء. وكان الملك إذا فعل ذلك برجل عرف قدره منه ومكانه عنده. وقدم أبو سفيان بن حرب في بعض تجاراته، فسأله مسافر عن حال الناس بمكة،/ فذكر له أنه تزوّج هندا؛ فاضطرب مسافر حتى مات. وقال بعض الناس: إنه استسقى بطنه فكوي فمات بهذا السبب. قال النّوفليّ: فهو أحد من قتله العشق.
__________
[1] كذا في ج: ونسخه الشنقيطي مصححة بقلمه. وسرو سحيم: موضع. وفي سائر الأصول: «بسرولنجم» وهو تحريف.
[2] في م: «ديسان». ويحابر: اسم قبيلة.
[3] يريد لقد بلغت القلوب الحناجر لكظ النفوس أي لكربها وامتلائها بالهم والحزن.
[4] طسم: إحدى القبائل العربية القديمة البائدة.
خبر طلاق هند بنت عتبة من الفاكه بن المغيرة:
فأمّا خبر هند وطلاق الفاكه بن المغيرة إيّاها، فأخبرني به أحمد بن عبيد اللّه بن عمّار قال حدّثني ابن أبي سعد قال حدّثني أبو السّكين زكريّا بن يحيى بن عمرو بن حصن بن حميد بن حارثة الطائيّ قال حدّثني عمّي زحر [1] بن حصن عن جدّه حميد بن حارثة قال:
كانت هند بنت عتبة عند الفاكه بن المغيرة، وكان الفاكه من فتيان قريش، وكان له بيت للضيافة بارز من البيوت يغشاه الناس من غير إذن. فخلا البيت ذات يوم، فاضطجع هو وهند فيه ثم نهض لبعض حاجته. وأقبل رجل ممّن كان يغشى البيت فولجه، فلما رآها رجع هاربا، وأبصره الفاكه فأقبل إليها فضربها برجله/ وقال: من هذا الذي خرج من عندك!؟ قالت: ما رأيت أحدا ولا أنتبهت حتى أنبهتني. فقال لها: ارجعي إلى أمّك. وتكلّم الناس فيها، وقال لها أبوها: يا بنيّة! إنّ الناس قد أكثروا فيك، فأنبئيني نبأك، فإن يكن الرجل عليك صادقا دسست عليه من يقتله فتنقطع عنك المقالة، وإن يك كذبا حاكمته إلى بعض كهّان اليمن. فقالت: لا واللّه ما هو عليّ بصادق. فقال له: يا فاكه، إنك قد رميت بنتي بأمر عظيم، فحاكمني إلى بعض كهّان اليمن. فخرج الفاكه في جماعة من بني مخزوم وخرج عتبة في جماعة من عبد مناف ومعهم هند ونسوة. فلمّا شارفوا البلاد وقالوا غدا نرد على الرجل تنكّرت حال هند. فقال لها عتبة: إنّي أرى ما حلّ بك من تنكّر الحال، وما ذاك إلّا لمكروه عندك.
قالت: لا واللّه يا أبتاه ما ذاك لمكروه، ولكنّي أعرف أنكم تأتون بشرا يخطىء ويصيب، ولا آمنه أن يسمني ميسما يكون عليّ سبّة. فقال/ لها: إني سوف أختبره لك، فصفر بفرسه حتى أدلى [2]، ثم أدخل في إحليله حبّة برّ وأوكأ عليها بسير. فلما أصبحوا قدموا على الرجل فأكرمهم ونحر لهم. فلما قعدوا قال له عتبة: جئناك في أمر وقد خبأت لك خبئا أختبرك به فانظر ما هو؟ قال: ثمرة في كمرة [3]. قال: إني أريد أبين من هذا. قال: حبّة برّ في إحليل مهر. قال: صدقت، أنظر في أمر هؤلاء النسوة. فجعل يدنو من إحداهن فيضرب بيده على كتفها ويقول: انهضي، حتى دنا من هند فقال لها: انهضي غير رسحاء [4] ولا زانية، ولتلدنّ ملكا يقال له معاوية. فنهض إليها الفاكه فأخذ بيدها، فنثرت يدها من يده وقالت: إليك عنّي! فو اللّه لأحرص أن يكون ذلك من غيرك، فتزوجها أبو سفيان.
وقد قيل: إنّ بيتي مسافر بن أبي عمرو أعني:
ألا إنّ هندا أصبحت منك محرما
لابن عجلان [5].
أخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدّثني عبد اللّه بن عليّ بن الحسن عن أبي نصر عن الأصمعيّ عن عبد اللّه بن أبي سلمة عن أيّوب عن ابن سيرين قال:
__________
[1] في الأصول: «أبو زحر» وهو خطأ. (راجع شرح «القاموس» مادة زحر).
[2] أدلى الفرس وغيره: أخرج جرذانه ليبول أو يضرب.
[3] الكمرة: رأس الذكر.
[4] الرسح: خفة العجيزة ولصوقها.
[5] هو عبد اللّه بن العجلان بن عبد الأحب بن عامر بن كعب، شاعر جاهلي وهو أحد المتيمين من الشعراء ومن قتله الحب منهم. وكان له زوجة يقال لها هند فطلقها ثم ندم على ذلك، فتزوجت زوجا غيره فمات أسفا عليها. (انظر ترجمته في «الأغاني» ج 19 ص 102 طبعة بولاق).
خرج عبد اللّه بن العجلان في الجاهليّة فقال:
ألا إنّ هندا أصبحت منك محرما ... وأصبحت من أدنى حموّتها حما
فأصبحت كالمقمور جفن سلاحه ... يقلّب بالكفّين قوسا وأسهما
/ شعر لمسافر في الفخر:
ثم مدّ بهما صوته فمات. قال ابن سيرين: فما سمعت أن أحدا مات عشقا غير هذا. ومما يغنّي فيه من شعر مسافر بن أبي عمرو وهو من جيّد شعره قوله يفتخر:
صوت
ألم نسق الحجيج ونن ... حر المذلاقة [1] الرّفدا
وزمزم من أرومتنا ... ونفقأ عين من حسدا
وإنّ مناقب الخيرا ... ت لم نسبق بها عددا
فإن نهلك فلم نملك ... وهل من خالد خلدا
غنّاه ابن سريج رملا بالخنصر في مجرى البنصر عن إسحاق. وفيه لسائب خائر لحن من خفيف الثقيل الأوّل بالوسطى من رواية حمّاد. وفيه للزّفّ ثقيل بالوسطى.
فأما خبر عمارة بن الوليد والسبب الذي من أجله أمر النّجاشيّ السواحر فسحرته
ما كان بين عمرو وعمارة لدى النجاشي:
فإن الواقديّ ذكره عن عبد اللّه بن جعفر بن أبي عون قال:
كان عمارة بن الوليد المخزوميّ بعد ما مشت [2] قريش بعمارة إلى أبي طالب خرج هو وعمرو بن العاص بن وائل السّهميّ، وكانا كلاهما تاجرين، إلى النجاشيّ، وكانت/ أرض الحبشة لقريش متجرا ووجها، وكلاهما مشرك شاعر فاتك وهما في جاهليّتهما، وكان عمارة معجبا بالنساء صاحب محادثة [3]؛ فركبا في السفينة ليالي فأصابا من خمر معهما. فلما انتشى عمّارة قال لامرأة عمرو بن العاص: قبّليني. فقال لها عمرو: قبّلي ابن عمّك فقبّلته. وحذر عمرو على زوجته فرصدها ورصدته، فجعل إذا شرب معه أقلّ عمرو من الشراب وأرقّ لنفسه بالماء مخافة أن يسكر فيغلبه عمارة على أهله. وجعل عمارة يراودها على نفسها فامتنعت منه. ثم إنّ عمرا جلس إلى ناحية السفينة يبول،
__________
[1] كذا في «اللسان» (مادتي ذلق ورفد). والمذلاقة: يريد بها النوق السريعة السير وفي الأصول: «الدلافة» وهو تحريف. والرفد: جمع رفود وهي التي تملأ الرفد (و هو بالفتح والكسر القدح الضخم) من النوق في حلبة واحدة.
[2] قال ابن إسحاق: ثم إن قريشا حين عرفوا أن أبا طالب قد أبى خذلان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وإسلامه وإجماعه لفراقهم في ذلك وعداوتهم مشوا إليه بعمارة بن الوليد بن المغيرة فقالوا له فيما بلغني: «يا أبا طالب هذا عمارة بن الوليد أنهد فتى في قريش وأجمله. فخذه فلك عقله ونصره واتخذه ولدا فهو لك وأسلم إلينا ابن أخيك هذا الذي قد خالف دينك ودين آبائك وفرق جماعة قومك وسفه أحلامهم فنقتله فإنما هو رجل كرجل. فقال: واللّه لبئس ما تسومونني! أتعطونني ابنكم أغذوه لكم وأعطيكم ابني تقتلونه! هذا واللّه ما لا يكون أبدا». («سيرة ابن هشام» ج 1 ص 169).
[3] يحتمل أن تكون: «صاحب مخادنة». والرجل يوصف بأنه حدث نساء كما يوصف بأنه خذنهن.
فدفعه عمارة في البحر. فلمّا وقع فيه سبح حتى أخذ بالقلس [1] فارتفع فظهر على السفينة. فقال له عمارة: أما واللّه لو علمت يا عمرو أنك تحسن السّباحة ما فعلت. فاضطغنها عمرو وعلم أنه أراد قتله. فمضينا على وجههما ذلك حتى قدما أرض الحبشة ونزلاها. وكتب عمرو بن العاص إلى أبيه العاص أن اخلعني وتبرّأ من جريرتي إلى بني المغيرة وجميع بني مخزوم. وذلك أنه خشي على أبيه أن يتبع بجريرته وهو يرصد لعمارة ما يرصد. فلما ورد الكتاب على العاص بن وائل مشى في رجال من قومه منهم نبيه ومنبّه ابنا الحجّاج [2] إلى بني المغيرة وغيرهم من بني مخزوم فقال: إنّ هذين الرجلين قد خرجا حيث علمتم، وكلاهما فاتك صاحب شرّ، وهما غير مأمونين على أنفسهما ولا ندري ما يكون. وإنّي أبرأ إليكما من عمرو ومن جريرته وقد خلعته. فقالت بنو المغيرة وبنو مخزوم:
أنت تخاف عمرا على عمارة! وقد خلعنا نحن عمارة وتبرّأنا كلّ قوم من صاحبهم ومما جرّ عليهم، فبعثوا مناديا ينادي بمكة بذلك. فقال الأسود بن المطّلب: بطل واللّه دم عمارة بن الوليد آخر الدهر!. فلما اطمأنّا بأرض الحبشة لم يلبث عمارة أن دبّ لامرأة النجاشيّ فأدخلته فاختلف إليها. فجعل إذا رجع من مدخله يخبر عمرو بن العاص بما كان من أمره. فجعل عمرو يقول: ما أصدّقك أنك قدرت على هذا الشأن، إنّ المرأة أرفع من ذلك.
فلما أكثر على عمرو مما كان يخبره، وقد كان صدّقه ولكن أحبّ التثبّت، وكان عمارة يغيب عنه حتى يأتيه في السّحر، وكان في منزل واحد معه، وجعل عمارة يدعوه إلى أن يشرب معه فيأبى عمرو ويقول: إنّ هذا يشغلك عن مدخلك، وكان عمرو يريد أن يأتيه بشيء لا يستطيع دفعه إن هو رفعه إلى النجاشيّ. فقال له في بعض ما يذكر له من أمرها: إن كنت صادقا فقل لها تدهنك من دهن النجاشيّ الذي لا يدّهن به غيره فإنّي أعرفه، لو أتيتني به لصدّقتك. ففعل عمارة [فجاء [4]] بقارورة من دهنه، فلمّا شمّه عرفه. فقال له عمرو عند ذلك: أنت صادق! لقد أصبت شيئا ما أصاب/ أحد مثله قطّ من العرب ونلت من امرأة الملك شيئا ما سمعنا بمثل هذا - وكانوا أهل جاهليّة - ثم سكت عنه، حتى إذا اطمأنّ دخل على النجاشيّ فقال: أيها الملك! إنّ ابن عمّي سفيه، وقد خشيت أن يعرّني [5] عندك أمره، وقد أردت أن أعلمك شأنه. [و لم أفعل [6]] حتى استثبتّ أنّه [7] قد دخل على بعض نسائك فأكثر. وهذا من دهنك قد أعطيه ودهنني منه. فلما شمّ النجاشيّ الدّهن قال: صدقت، هذا دهني الذي لا يكون إلّا عند نسائي. ثم دعا بعمارة/ ودعا بالسواحر، فجرّدوه من ثيابه فنفخن في إحليله، ثم خلى سبيله فخرج هاربا [8].
فلم يزل بأرض الحبشة حتى كانت خلافة عمر بن الخطّاب. فخرج إليه عبد اللّه بن أبي ربيعة - وكان اسمه قبل أن
__________
[1] القلس: حبل غليظ من حبال السفن.
[2] هما نبيه ومنبه ابنا الحجاج بن عامر بن بفة بن سعد بن سهم، كانا من أشراف قريش، ماتا على الشرك في غزوة بدر؛ قتل الأوّل حمزة بن المطلب، والثاني أبو اليسر أخو بني سلمة. («السيرة» ج 1 ص 324، 436، 475، 510).
[3] السهميون: قوم عمرو بن العاص، وبنو سهم من هصيص بن كعب بن لؤي.
[4] زيادة عن «تجريد الأغاني».
[5] عره: لطخه بعيب.
[6] التكملة عن «تجريد الأغاني».
[7] في الأصول: «حتى استثبت وأنه ... » بزيادة الواو.
[8] في «تجريد الأغاني» «فخرج هاربا هائما على وجهه مع الوحش. ومتى رأى الإنس هرب منهم وطلع له شعر غطى جميع بدنه.
ولم يزل كذلك مدّة أيام النبيّ صلى اللّه عليه وسلم وأيام أبي بكر رضي اللّه عنه وصدرا من خلافة عمر رضي اللّه عنه، فخرج إليه ... إلخ».
يسلم بحيرا فسمّاه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عبد اللّه - فرصده على ماء بأرض الحبشة، وكان يرده مع الوحش، فورد، فلما وجد ريح الإنس هرب، حتّى إذا أجهده العطش ورد فشرب حتى تملأ [1]، وخرجوا في طلبه. فقال عبد اللّه بن أبي ربيعة:
فسعيت إليه فالتزمته، فجعل يقول لي: يا بحير أرسلني! يا بحير أرسلني! إني أموت إن أمسكتموني. قال عبد اللّه:
وضغطته [2] فمات في يدي مكانه. فواراه ثم انصرف. وكان شعره قد غطّى على كل شيء منه.
قال الواقديّ عن ابن أبي الزّناد: وقال عمرو لعمارة: يا فائد، إن كنت تحبّ أن أصدّقك بهذا أو أقبله منك فأتني بثوبين أصفرين. فلمّا رأى النجاشيّ الثوبين قال له عمرو: أتعرف الثوبين؟ قال نعم.
وقال الواقديّ عن ابن أبي الزّناد عن أبيه، قال النجاشيّ لعمارة: إنّي أكره أن أقتل قرشيّا، ولو قتلت قرشيّا لقتلتك، فدعا بالسواحر.
شعر عمرو بن العاص في عمارة:
فقال عمرو بن العاص يذكر عمارة وما صنع به - قال الواقديّ أخبرني ابن أبي الزّناد أنه سمع ذلك من ابن ابنه عمرو بن شعيب بن عبد اللّه بن عمرو يذكره لحدّه - :
/تعلّم عمار أنّ من شرّ شيمة ... لمثلك أن يدعى ابن عمّ له ابنما
وإن كنت ذا بردين أحوى مرجّلا ... فلست براع [3] لابن عمّك محرما
إذا المرء لم يترك طعاما يحبّه ... ولم ينه قلبا غاويا حيث يمّما
قضى وطرا منه يسيرا وأصبحت ... إذا ذكرت أمثالها تملأ الفما
فليس الفتى ولو أتمّت [4] عروقه ... بذي كرم إلّا بأن يتكرّما
صحبت من الأمر الرفيق طريقه ... وولّيت غيّ الأمر من قد تلوّما
من الآن فانزع عن مطاعم جمّة ... وعالج أمور المجد لا تتندّما
شعر خولة بنت ثابت في عمارة:
قال إسحاق وحدّثني الأصمعيّ: أنّ خولة بنت ثابت أخت حسّان قالت في عمارة لمّا سحر:
يا ليلتي [5] لم أنم ولم أكد ... أقطعها بالبكاء والسّهد
أبكي على فتية رزئتهم ... كانوا جبالي فأوهنوا عضدي
كانوا جمالي ونصرتي وبهم ... أمنع ضيمي وكلّ مضطهد
فبعدهم أرقب النجوم وأذ ... ري الدمع والحزن والج كبدي
__________
[1] كذا في «تجريد الأغاني». وتملأ الرجل من الطعام والشراب: امتلأ. وفي الأصول: «ملأ».
[2] كذا في أ، م وفي سائر الأصول: «و ضبطته».
[3] كذا في «تجريد الأغاني». وفي الأصول: «براء».
[4] أتمت عروقه: بلغت تمامها في الكرم.
[5] في الأصول: «يا ليتني» وهو تحريف.
قال الأصمعيّ واجتاز ابن سريج بطويس ومعه فتية من قريش وهو يغنّيهم في هذا/ الصوت، فوقف حتى سمعه، ثم أقبل عليهم فقال: هذا واللّه سيّد من غنّاه.
هذه الأصوات التي ذكرتها الجامعة للنّغم العشر والثماني النّغم [1] منها هي المشهورة المعروفة عند الرّواة وفي روايات الرّواة وعند المغنّين.
كان عبيد اللّه يراسل المعتضد على لسان جواريه:
وكان عبيد اللّه بن عبد اللّه بن طاهر يراسل المعتضد باللّه إذا استزار جواريه على ألسنتهم ومع ذوي الأنس عنده من رسله: مع أحمد بن الطّيّب وثابت بن قرّة/ الطائي، يذكر النّغم وتفصيل مجاريها ومعانيها حتى فهم ذلك.
فصنع لحنا فجمع النّغم العشر في قول دريد بن الصّمّة:
يا ليتني فيها جذع ... أخبّ فيها وأضع
كان المكتفي يراسله في الغناء:
وصنع صنعة متقنة جيّدة، منها ما سمعناه من المحسنين والمحسنات ومنها ما لم نسمعه، يكون مبلغها نحو خمسين صوتا. وقد ذكرت من ذلك ما صلح في أغاني الخلفاء. ثم صنع مثل ذلك للمكتفي [2] باللّه لرغبته في هذه الصناعة.
فوجدت رقعة بخطه كتب بها إلى المكتفي نسختها: «قال إسحاق بن إبراهيم حين صاغ عند أبي العبّاس عبد اللّه بن طاهر بأمره لحنه في:
يوم تبدي لنا قتيلة عن جي ... د تليع [3] تزينه الأطواق
وشتيت كالأقحوان جلاه الطّل فيه عذوبة واتّساق إني نظرت مع إبراهيم وتصفّحت غناء العرب كلّه، فلم نجد في جميع غناء العرب صوتا أطول إيقاعا من:
عادك الهمّ ليلة الإيجاف [4] ... من غزال مخضّب الأطراف
ولحنه خفيف ثقيل لابن محرز؛ فإن إيقاعه ستة وخمسون دورا. ثم لحن معبد:
هريرة ودّعها وإن لام لائم ... غداة غد أم أنت للبين واجم
وهو أحد سبعته [5]. ولحنه خفيف ثقيل، ودور إيقاعه ستّة وخمسون دورا، إلا أن صوت ابن محرز سداسيّ في العروض من الخفيف، وصوت معبد ثمانيّ من الطويل؛ فصوت ابن محرز أعجب لأنه أقصر. وما زلنا حتى تهيّأ لنا شعر رباعيّ في سيّدنا أمير المؤمنين أطال اللّه بقاءه، دور إيقاعه ستّة وخمسون دورا، وهو يجمع من النّغم/ العشر ثمانيا؛ وهذا ظريف جدّا بديع لم يكن مثله. وأمّا الصوت الذي في تهنئة النّوروز فلأنفسنا عملناه؛ إذ لم يكن لنا من
__________
[1] في الأصول: «الثماني نغم» بدون أداة التعريف في المضاف إليه.
[2] في الأصول: «بالمكتفي» وهو تحريف.
[3] تليع: طويل.
[4] الإيجاف: سرعة السير.
[5] أي أحد أصواته السبعة وهي مدنه المعروفة. وفي الأصول: «أحد سبعاته».
يدبّر مثل هذا معه غيره. وقد كتبنا شعره وشعر الآخر، وإيقاع كلّ واحد منهما خفيف ثقيل، والصنعة فيهما تستظرف:
جمع الخلائف [1] كلّهم لجميع [2] ما ... بلغوا وأعطوا في الإمام المكتفي
وله الهدايا ألف نوروز وه ... ذا الشعر منها لحنه لم يعرف
والآخر:
دولة المكتفي الخلي ... فة تفنى مدى الدّول
يوم عيد ويوم عر ... س فما بعدها أمل
الصنعة في البيت الأوّل خاصّة تدور على ستة وخمسين إيقاعا».
هكذا وجدت في الرقعة بخط عبيد اللّه. وما سمعت أحدا يغنّي هذين الصوتين. وقد عرضتهما على غير واحد من المتقدّمين/ ومن مغنيّات القصور فما عرفهما أحد منهن. وذكرتهما في الكتاب لأنّ شريطته توجب ذكرهما.
الأرمال الثلاثة المختارة
الأرمال المختارة والكلام عنها:
أخبرني يحيى بن عليّ ومحمد بن خلف وكيع والحسين بن يحيى قالوا حدّثنا حمّاد بن إسحاق قال حدّثني أبي، قال أبو أحمد رحمه اللّه وأخبرني أبي أيضا عن إسحاق، وأخبرنا عليّ بن عبد العزيز قال حدّثنا عبيد اللّه بن خرداذبه قال قال إسحاق: أجمع العلماء بالغناء أن أحسن رمل غنّي رمل:
فلم أر كالتّجمير منظر ناظر
ثم رمل:
أفاطم مهلا بعض هذا التدلّل
ولو عاش ابن سريج حتى يسمع لحني الرمل:
لعلّك إن طالت حياتك أن ترى
لاستحيا أن يصنع بعده شيئا. وفي روايتي وكيع وعليّ بن يحيى «و لعلم [3] أني نعم الشاهد له».
__________
[1] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «الخلائق» بالقاف.
[2] كذا في الأصول: ولعله: «بجميع».
[3] لعل الواو من زيادات النساخ.
نسبة الأصوات وأخبارها:
صوت
الصوت الأوّل من هذه الأرمال في شعر ابن أبي ربيعة:
فلم أر كالتّجمير منظر ناظر ... ولا كليالي الحجّ أفلتن ذا هوى
فكم من قتيل ما يباء [1] به دم ... ومن غلق رهنا إذا لفّه منى
ومن مالىء عينيه من شيء غيره ... إذا راح نحو الجمرة البيض كالدّمى
يسحّبن أذيال المروط بأسوق [2] ... خدال وأعجاز مآكمها [3] روا
عروضه من الطويل. الشعر لعمر بن أبي ربيعة. والغناء لابن سريج رمل بالبنصر. وقد كان علّويه فيما بلغنا صنع فيه رملا، وفي «أفاطم مهلا» خفيف رمل، وفي «لعلّك إن طالت حياتك» رملا آخر، ولم يصنع شيئا وسقطت ألحانه فيها فما تكاد تعرف. وهذه الأبيات يقولها عمر بن أبي ربيعة في بنت مروان بن الحكم.
ابن أبي ربيعة وأم عمرو بنت مروان:
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثنا ابن كناسة عن أبي بكر بن عيّاش قال:
حجّت أمّ عمرو بنت مروان، فلما قضت نسكها أتت عمر بن أبي ربيعة وقد أخفت نفسها في نساء معها، فحادثته ثم انصرفت، وعادت إليه منصرفها من عرفات وقد أثبتها. فقالت له: لا تذكرني في شعرك، وبعثت إليه بألف دينار. فقبلها واشترى بها ثيابا من ثياب اليمن وطيبا فأهداه إليها فردّته. فقال: إذا واللّه أنهبه الناس فيكون مشهورا؛ فقبلته. وقال فيها:
أيّها الرائح المجدّ ابتكارا ... قد قضى من تهامة الأوطارا
من يكن قلبه الغداة خليّا ... ففؤادي بالخيف أمسى مطارا
ليت ذا الدهر كان حتما علينا ... كلّ يومين حجّة واعتمارا
قال ابن كناسة قال ابن عيّاش: فلما وجّهت منصرفة قال فيها:
فكم من قتيل ما يباء به دم ... ومن غلق رهنا إذا لفّه منى
/ قال: ويروى «و من غلق رهن» كأنه قال ومن رهن غلق؛ لا يجعل من نعت الرهن. كأنه جعل الإنسان غلقا وجعله رهنا؛ كما يقال: كم من عاشق مدنف، ومن كلف صبّ.
قال الزّبير وحدّثني مسلم بن عبد اللّه بن مسلم بن جندب عن أبيه قال: أنشده ابن أبي عتيق فقال: إن في نفس الجمل ما ليس في نفس الجمّال.
__________
[1] أباء فلان القتيل بالقاتل: قتله به. يريد: كم من قتيل يطل دمه ولا يؤخذ له بثأر. وغلق الرهن في يد المرتهن يغلق غلقا. لم يقدر الراهن على افتكاكه في الوقت المشروط. يريد: كم من قلوب أسيرة لا يقدر أصحابها على افتكاكها.
[2] الأسؤق: جمع ساق. والخدال: الممتلئة.
[3] المأكمة: العجيزة.
قال: وقال عبد اللّه بن عمر، وقد أنشده عمر بن أبي ربيعة شعره هذا: يابن أخي! أما اتّقيت اللّه حيث تقول:
ليت ذا الدهر كان حتما علينا ... كلّ يومين حجّة واعتمارا
فقال له عمر بن أبي ربيعة: بأبي أنت وأمي! إني وضعت ليتا حيث لا تغنى.
أمر عمر بن عبد العزيز بنفيه ثم خلاه لما تاب:
أخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد عن أبيه، وأخبرني عليّ بن عبد العزيز عن عبيد اللّه بن عبد اللّه عن إسحاق، وأخبرني ببعض هذا الخبر الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير بن بكار قال حدّثنا مصعب بن عثمان:
أنّ عمر بن عبد العزيز لمّا ولي الخلافة لم تكن له همة إلا عمر بن أبي ربيعة والأحوص. فكتب إلى عامله على المدينة: «قد عرفت عمر والأحوص بالخبث والشرّ. فإذا أتاك كتابي هذا فاشددهما واحملهما إليّ». فلما أتاه الكتاب حملهما إليه. فأقبل على عمر فقال له هيه!
فلم أر كالتّجمير منظر ناظر ... ولا كليالي الحجّ أفلتن ذا هوى
وكم ماليء عينيه من شيء غيره ... إذا راح نحو الجمرة البيض كالدّمى
فإذا لم يفلت الناس منك في هذه الأيام فمتى يفلتون! أما واللّه لو اهتممت بأمر حجّك لم تنظر إلى شيء غيرك! ثم أمر بنفيه. فقال: يا أمير المؤمنين، أو خير من ذلك؟ قال: وما هو؟ قال: أعاهد اللّه ألّا أعود إلى مثل هذا الشعر ولا أذكر النساء في شعر أبدا وأجدّد توبة على يديك. قال: أو تفعل؟ قال نعم. فعاهد اللّه على توبة وخلّاه. ثم دعا بالأحوص فقال هيه!
نفى الأحوص ولم يطلقه إلا يزيد بن عبد الملك:
اللّه بيني وبين قيّمها ... يهرب منّي بها وأتّبع
با اللّه بين قيّمها وبينك! ثم أمر بنفيه إلى بيش [1]، وقيل إلى دهلك وهو الصحيح، فنفي إليها، فلم يزل بها. فرحل إلى عمر عدّة من الأنصار فكلّموه في أمره وسألوه أن يقدمه وقالوا له: قد عرفت نسبه وقدمه وموضعه وقد أخرج إلى بلاد/ الشرك، فنطلب إليك أن تردّه إلى حرم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ودار قومه. فقال لهم عمر: من الذي يقول:
فما هو إلّا أن أراها فجاءة ... فأبهت حتى ما أكاد أحير
- وفي رواية الزبير «أجيب» مكان «أخير» - قالوا: الأحوص [2]. قال: فمن الذي يقول:
أدور ولو لا أن أرى أمّ جعفر ... بأبياتكم ما درت حيث أدور
وما كنت زوّارا ولكنّ ذا الهوى ... إذا لم يزر لا بدّ أن سيزرو
قالوا: الأحوص. قال: فمن الذي يقول:
__________
[1] بيش: من بلاد اليمن قرب دهلك. ودهلك جزيرة في بحر اليمن، مرسى بين بلاد اليمن والحبشة، بلدة ضيقة حرجة حارة وهي تجاه مصوع. وكان بنو أمية إذا سخطوا على أحد نفوه إليها. (عن «معجم البلدان» لياقوت).
[2] نسب هذا البيت لعروة بن حزام. (انظره في ترجمته ج 20 ص 156 من «الأغاني» طبع بلاق).
كأنّ لبنى صبير [1] غادية ... أو دمية زيّنت بها البيع
اللّه بيني وبين قيّمها ... يهرب منّي بها وأتّبع
/ قالوا: الأحوص. قال: إن الفاسق عنها يومئذ لمشغول، واللّه لا أردّه ما كان لي سلطان. فمكث هناك بعد ولاية عمر صادرا من ولاية يزيد بن عبد الملك ثم خلّاه.
قال: وكتب إلى عمر بن عبد العزيز من موضعه - قال الزّبير: أنشدنيها عبد الملك بن عبد العزيز ابن بنت الماجشون قال أنشدنيها يوسف بن الماجشون يعني هذه الأبيات - :
أيا راكبا إمّا عرضت فبلّغن ... هديت أمير المؤمنين رسائلي
وقل لأبي حفص إذا ما لقيته ... لقد كنت نفّاعا قليل الغوائل
أفي اللّه أن تدنوا ابن حزم [2] وتقطعوا ... قوى حرمات بيننا ووصائل [3]
/فكيف ترى للعيش طيبا ولذّة ... وخالك أمسى موثقا في الحبائل
وما طمع الحزميّ في الجاه قبلها ... إلى أحد من آل مروان عادل
وشى وأطاعوه بنا وأعانه ... على أمرنا من ليس عنّا بغافل
وكنت أرى أنّ القرابة لم تدع ... ولا الحرمات في العصور الأوائل
إلى أحد من آل مروان ذي حجّى [4] ... بأمر كرهناه مقالا لقائل
يسرّ بما أنهى العدوّ وإنه ... كنافلة لي من خيار النوافل
فهل ينقصنّي القوم أن كنت مسلما ... بريئا بلائي في ليال قلائل
ألا ربّ مسرور بنا سيغيظه ... لدي غبّ أمر عضّه بالأنامل
رجا الصّلح منّي آل حزم بن فرتنى ... على دينهم جهلا ولست بفاعل
ألا قد يرجّون الهوان فإنهم ... بنو حبق [5] ناء عن الخير فائل
على حين حلّ القول بي وتنظّرت ... عقوبتهم منّي رؤوس القبائل
فمن يك أمسى سائلا بشماتة ... بما حلّ بي أو شامتا غير سائل
فقد عجمت منّي العواجم ما جدا ... صبورا على عضّات تلك التلاتل [6]
إذا نال لم يفرح وليس لنكبة ... إذا حدثت بالخاضع المتضائل
قال الزبير: وقال الأحوص أيضا:
__________
[1] الصبير: السحابة البيضاء.
[2] يريد به أبا بكر بن محمد عمرو بن حزم والي المدينة لعمر بن عبد العزيز.
[3] في ح: «و وسائلي» والوصائل: جمع وصيلة، وهي ما يوصل به الشيء.
[4] كذا في ح: وفي سائر الأصول: «ذي حمى».
[5] الحبق، الضراط.
[6] التلاتل: الشدائد.
هل أنت أمير المؤمنين فإنّني ... بودّك من ودّ العباد لقانع
متمّم أجر قد مضى وصنيعة ... لكم عندنا أو ما تعدّ الصنائع
فكم من عدوّ سائل ذي كشاحة ... ومنتظر بالغيب ما أنت صانع
فلم يغن عنه ذلك ولم يخل سبيل عمر، حتى ولي يزيد بن عبد الملك فأقدمه وقد غنّته حبابة بصوت في شعره.
/ أخبرنا إسماعيل بن يونس قال حدّثنا عمر بن شبّة قال قال هشام بن حسّان:
كان السبب في ردّ يزيد بن عبد الملك الأحوص أن جميلة غنّته يوما:
كريم قريش حين ينسب والّذي ... أقرّت له بالملك كهلا وأمردا
فطرب يزيد وقال: ويحك! من كريم قريش هذا؟ قالت: أنت يا أمير المؤمنين، ومن عسى أن يكون ذلك غيرك! قال: ومن قائل هذا الشعر فيّ؟ قالت: الأحوص وهو منفيّ. فكتب بردّه/ وحمله إليه وأنفذ إليه صلات سنيّة. فلمّا قدم إليه أدناه وقرّبه وأكرمه. وقال له يوما في مجلس حافل: واللّه لو لم تمتّ إلينا بحقّ ولا صهر ولا رحم إلّا بقولك:
وإني لأستحييكم أن يقودني ... إلى غيركم من سائر الناس مطمع
لكفاك ذلك عندنا. قال: ولم يزل ينادمه وينافس به حتى مات. وأخبار الأحوص في هذا السبب وغيره قد مضت مشروحة في أوّل ما مضى من ذكره وأخباره؛ لأن الغرض ها هنا ذكر بقية خبره مع عمر بن أبي ربيعة في الشعرين اللّذين أنكرهما عليهما عمر بن عبد العزيز وأشخصا من أجلهما.
سليمان بن عبد الملك ونفيه ابن أبي ربيعة إلى الطائف:
أخبرنا محمد بن خلف وكيع قال حدّثنا أحمد بن زهير قال: مصعب بن عبد اللّه قال:
حجّ سليمان بن عبد الملك وهو خليفة، فأرسل إلى عمر بن أبي ربيعة فقال له: ألست القائل:
فكم من قتيل ما يباء به دم ... ومن غلق رهنا إذا لفّه منى
ومن مالىء عينيه من شيء غيره ... إذا راح نحو الجمرة البيض كالدّمى
يسحّبن أذيال المروط بأسؤق ... خدال وأعجاز مآكمها روا
/ أوانس يسلبن الحليم فؤاده ... فيا طول ما شوق ويا طول مجتلى [1]
قال نعم. قال لا جرم واللّه لا تحضر الحجّ العام مع الناس! فأخرجه إلى الطائف.
ابن أبي عتيق وغناء ابن سريج:
أخبرنا الحسين بن يحيى قال قال حمّاد قرأت على أبي حدّثني ابن الكلبيّ عن أبي مسكين وعن صالح بن حسّان قال:
قدم ابن أبي عتيق إلى مكة فسمع غناء ابن سريج:
__________
[1] كذا في أو «ديوانه» طبع مطبعة السعادة ص 16. وفي سائر الأصول: «و يا طول ما اجتلى».
فلم أر كالتجمير منظر ناظر ... ولا كليالي الحجّ أفلتن ذا هوى
فقال: ما سمعت كاليوم قطّ، وما كنت أحسب أن مثل هذا بمكة، وأمر له بمال وحدره معه إلى المدينة، وقال:
لأصغّرنّ [1] إلى معبد نفسه ولأهدينّ إلى المدينة شيئا لم ير أهلها مثله حسنا وظرفا وطيب مجلس ودماثة خلق ورقّة منظر ومقة [2] عند كل أحد. فقدم به المدينة وجمع بينه وبين معبد. فقال لابن سريج: ما تقول فيه؟ قال: إن عاش كان مغنّي بلاده.
أبو السائب وابن سريج:
وقال إسحاق وحدّثني المدائني عن جرير قال: قال لي أبو السائب يوما: ما معك من مرقصات ابن سريج؟
فغنّيته:
فلم أر كالتجمير منظر ناظر
فقال: كما أنت حتى أنحرّم لهذا بركعتين.
الوليد بن عبد الملك يأمر والي المدينة أن يشخص إليه ابن سريج:
حدّثني الحسين قال قال حمّاد قرأت على أبي وحدّثني أبو عبد اللّه الزبيري قال:
كتب الوليد بن عبد الملك إلى عامل مكة أن أشخص إليّ ابن سريج. فورد الرسول إلى الوالي، فمرّ في بعض طريقه على ابن سريج وهو جالس بين قرني بئر وهو يغنّي:
فلم أر كالتجمير منظر ناظر
/ فقال له الرسول: تاللّه ما رأيت كاليوم قطّ ولا رأيت أحمق ممّن يتركك ويبعث إلى غيرك. فقال له ابن سريج: أمّا واللّه ما هو بقدم ولا ساق، ولكنه بقسم وأرزاق. ثم مضى الرسول فأوصل الكتاب، وبعث الولي إلى ابن سريج فأحضره. فلما رآه الرسول قال: قد عجبت أن يكون المطلوب غيرك.
عبد اللّه بن الزّبير يعجب لسماع غناء ابن سريج:
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزبير بن بكّار قال حدّثني عمّي قال رقي عبد اللّه بن الزّبير أبا قبيس [3] ليلا، فسمع/ غناء فنزل هو وأصحابه يتعجّبون وقال: لقد سمعت صوتا إن كان من الإنس إنه لعجب، وإن كان من الجن لقد أعطوا شيئا كثيرا. فاتّبعوا الصوت فإذا ابن سريج يتغنّى في شعر عمر:
فلم أر كالتجمير منظر ناظر
ومن هذه الأرمال الثلاثة:
__________
[1] في جميع الأصول: «لأقصدن» وقد صححها الأستاذ الشنقيطي في نسخته كما صححناها.
[2] المقة: المحبة.
[3] أبو قبيس: جبل بمكة.
ثاني الأرمال الثلاثة في شعر امرىء القيس:
صوت
أفاطمّ مهلا بعض هذا التدّلل ... وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
أغرّك منّي أنّ حبّك قاتلي ... وأنّك مهما تأمري القلب يفعل
الشعر لامرىء القيس. والغناء في هذين البيتين من الرمل المختار لإسحاق بالبنصر. وفي هذين البيتين مع أبيات أخر من هذه القصيدة ألحان شتّى لجماعة نذكرها هاهنا ومن غنّى فيها، ثم نتبع ما يحتاج إلى ذكره منها، وقد يجمع سائر ما يغنّى فيه من القصيدة معه:
شيء من معلقته وشرحه:
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل ... بسقط اللّوى بين الدّخول فحومل
فتوضخ فالمقراة لمن يعف رسمها ... لما نسجتها من جنوب وشمال
أفاطم مهلا بعض هذا التّدلّل ... وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
/ وإن كنت قد ساءتك منّي خليفة ... فسلّي ثيابي من ثيابك تنسل
أغرّك منّي أنّ حبّك قاتلي ... وأنّك مهما تأمري القلب يفعل
وما ذرفت عيناك إلّا لتضربي ... بسهميك في أعشار قلب مقتّل
تسلّت عمايات الرجال عن الصّبا ... وليس فؤادي عن هواك بمنسلي
ألا أيّها اللّيل الطويل ألا انجل ... بصبح وما الإصباح فيك بأمثل
وبيضة خدر لا يرام خباؤها ... تمتّعت من لهو بها غير معجل
تجاوزت أحراسا إليها ومعشرا ... عليّ حراصا لو يسرّون مقتلي
ألا ربّ يوم صالح لك منهما [1] ... ولا سيما يوم بدارة جلجل
ويوم عقرت للعذارى مطيّتي ... فواعجبي من رحلها المتحمّل [2]
وقد أغتدي والطير في وكناتها ... بمنجرد قيد الأوابد هيكل
مكرّ مفرّ مقبل مدبر معا ... كجملود صخر حطّه السيل من عل
فقلت لها سيري وأرخي زمامه ... ولا تبعدينا من جناك المعلّل
عروضه من الطويل. وسقط اللوى منقطعه. واللّوى: المستدقّ من الرمل حيث يستدق فيخرج منه إلى اللّوى.
__________
[1] الضمير في «منهما» مرجعه في قوله:
كدأبك من أم الحويرث قبلها ... وجارتها أم الرباب بمأسل
ويروى: «صالح لك منهم» يعني النساء وأهلهن. قال التبريزي: وأجود الروايات: «ألا رب يوم لك منهن صالح» على ما فيه من الكف، وهو حذف النون من مفاعيلن. (راجع «شرح التبريزي للمعلقات» طبع أوروبا).
[2] لما نحر ناقته للعذارى اقتسمن متاع راحلته: تحمل هذه حشيته وتلك طنفسته فكان ذلك مثار عجبه.
والدّخول وحومل وتوضح والمقراة: مواضع ما بين إمّرة إلى أسود [1] العين. وقال أبو عبيدة في سقط اللوى وسقط الولد وسقط النار/ سقط وسقط وسقط ثلاث لغات. وقال أبو زيد: اللوى: أرض تكون بين الحزن والرمل فصلا بينهما. وقال الأصمعيّ: قوله «بين الدّخول فحومل» خطأ ولا يجوز إلا بواو «و حومل»؛ لأنه لا يجوز أن يقال:
رأيت فلانا بين زيد فعمرو، إنما يقال وعمرو؛ ويقال: رأيت زيدا فعمرا إذا رأى كلّ/ واحد منهما بعد صاحبه.
وقال غيره: يجوز «فحومل» كما يقال: مطرنا بين الكوفة فالبصرة، كأنه قال: من الكوفة إلى البصرة، يريد أن المطر لم يتجاوز ما بين هاتين الناحيتين؛ وليس هذا مثل بين زيد فعمرو. ويعف رسمها: يدرس. ونسجتها: ضربتها مقبلة ومدبرة فعفتها. يعني أن الجنوب تعفي هذا الرسم إذا هبّت وتجيء الشمأل فتكشفه. وقال غير أبي عبيدة: المقراة ليس اسم موضع إنما هو الحوض الذي يجمع فيه الماء. والرسم: الأثر الذي لا شخص له. ويروي «لما نسجته» يعني الرسم. ويقال عفا يعفو عفوّا وعفاء؛ قال الشاعر:
على آثار من ذهب العفاء
يعني محو الأثر. وفاطمة التي خاطبها فقال «أفاطم مهلا» بنت العبيد بن ثعلبة بن عامر بن عوف بن كنانة بن عوف بن عذرة، وهي التي يقول فيها:
لا وأبيك ابنة العامريّ [2]
«و أزمعت صرمي»، يقال أزمعت وأجمعت وعزمت وكله سواء. يقول: إن كنت عزمت على الهجر فأجملي. ويقول الأسير: أجملوا في قتلي، قتلة أحسن من هذه، أي على رفق وجميل. والصّرم: القطيعة، والصّرم المصدر؛ يقال:
/ صرمته أصرمه صرما مفتوح إذا قطعته، ومنه سيف صارم أي قاطع، ومنه الصّرام [3]، ومنه الصرائم وهي القطع من الرمل تنقطع من معظمه. قوله: «سلّي ثيابي من ثيابك» كناية، أي اقطعي أمري من أمرك. وقوله تنسل: تبن عنها. ويقال للسنّ إذا بانت فسقطت والنّصل إذا سقط: نسل ينسل، وهو النسيل والنّسال.
وقال قوم: الثياب: القلب. وقوله: «و ما ذرفت عيناك» أي ما بكيت إلّا لتضربي بسهميك في أعشار قلب مقتّل. قال الأصمعيّ: يعني أنك ما بكيت إلّا لتخرقي قلبا معشّرا، أي مكسّرا، شبهه بالبرمة إذا كانت قطعا، ويقال: برمة أعشار. قال: ولم أسمع للأعشار واحدا. يقول: لتضربي بسهميك أي بعينيك فتجعلي قلبي مخرّقا فاسدا كما يخرّق الجابر أعشار البرمة؛ فالبرمة تنجبر إذا أخرقت وأصلحت، والقلب لا ينجبر. قال: ومثله قوله:
رمتك ابنة البكريّ عن فرع ضالة
أي نظرت إليك فأفرحت قلبك. وقال غير الأصمعيّ وهو قول الكوفيين: إنما هذا مثل أعشار الجزور، وهي تنقسم
__________
[1] إمرة: منزل في طريق من البصرة بعد القريتين إلى جهة مكة، وبعد رامة وهي منهل. وأسود العين: جبل بنجد يشرف على طريق البصرة إلى مكة.
[2] يريد قوله:
فلا وأبيك ابنة العامري ... لا يدعي القوم أني أفرّ
في قصيدته التي مطلعها:
أحار بن عمرو كأني خمر ... ويعدو على المرء ما يأتمر
[3] الصرام (بفتح الصاد وكسرها): جذاذ النخل أي أوان إدراكه.
على عشرة أنصباء، فضربت فيها بسهميك المعليّ [1] وله سبعة أنصباء والرقيب وله ثلاثة أنصباء، فأراد أنها ذهبت بقلبه كلّه. مقتّل أي مذلّل، يقال بعير مقتّل أي مذلّل. تسلّت: ذهبت. يقال: سلوت عنه وسليت إذا طابت نفسك بتركه. قال رؤية:
لو أشرب السّلوان ما سليت
/ والعمايات: الجهالات. عدّ الجهل عمي. والصّبا: اللعب. قال ابن السّكّيت: صبا يصبو صبوا وصبوا [2] وصباء وصبا. انجل: انكشف. والأمر الجليّ: المنكشف. وقوله: أناابن جلا أي أنا ابن المكشوف الأمر المشهور غير المستور، ومنه جلاء العروس وجلاء السيف. وقوله «فيك بأمثل» يقول: إذا جاءني الصباح وأنا فيك فليس ذلك بأمثل، لأن الصبح قد يجيء والليل مظلم بعد. يقول: ليس الصبح بأمثل وهو فيك، أي يريد أن يجيء منكشفا منجليا لا سواد فيه. ولو أراد أن الصباح فيك أمثل من الليل لقال: منك بأمثل ومثله قول حميد بن ثور في ذكر مجي ء/ الصبح والليل باق:
فلما تجلّى الصبح عنها وأبصرت ... وفي غبش الليل الشخوص الأباعد
غبش الليل: بقيّته. هذا قول يعقوب بن السّكّيت. «و بيضة خدر» شبّه المرأة بالبيضة لصفائها ورقّتها. «غير معجل» أي لم يعجلني أحد عما أريده منها. والخباء: ما كان على عمودين أو ثلاثة. والبيت: ما كان على ستة أعمدة إلى تسعة. والخيمة: من الشّعر. وقوله: «يسرّون مقتلي»، قال الأصمعيّ: يسرّونه، وروى غيره: يشرّون بالشين المعجمة أي يظهرونه. وقال الشاعر:
فما برحوا حتى أتى اللّه نصره ... وحتى أشرّت بالأكفّ الأصابع [3]
أي أظهرت. وقال غيرهما: لو يسرّونه: من الإسرار أي لو يستطيعون قتلي لأسرّوه من الناس وقتلوني. قال أبو عبيدة: «دارة جلجل» في الحمى، وقال ابن الكلبيّ:
/ هي عند عين كندة. ويروى سيما مخفّفة وسيّما مشدّدة. ويقال: ربّ رجل وربّ رجل وربّت [4] رجل. ومن القرّاء من يقرأ رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا
مخفّفة. وقرأ عليه رجل «ربّما» فقال له: أظنّك يعجبك الرّبّ [5].
ويروى:
فيا عجبا من رحلها المتحمّل
__________
[1] سهام الميسر عشرة وهي: الفذ والتوءم والضريب ويقال له الرقيب والحلس (بالكسر) والنافس والمسبل (بضم الميم وكسر الباء) والمعلى، وثلاثة ليس لها شيء وهي الوغد والسفيح والمنيح. قال ابن الأنباري: فأما الفذ فله سهم واحد إن فاز وعلى صاحبه غرم سهم أن خاب. والتوءم له سهمان أن فاز وعليه سهمان إن خاب ... وهكذا على الترتيب.
[2] في الأصول: «صبيا»، والتصويب عن كتب اللغة.
[3] ورد هذا البيت في «اللسان» (مادة شرر) هكذا:
فما برحوا حتى رأى اللّه صبرهم ... وحتى أشرت بالأكف المصاحف
وذكر أنه لكعب بن جعيل أو للحصين بن الحمام المري يذكره يوم صفين. يريد: وحتى نشرت المصاحف ورفعها أصحاب معاوية بالأكف على أطراف الرماح.
[4] وفيها لغات أخرى غير ذلك.
[5] الرب: ما يطبخ من الثمر.
أي يا عجبا لسفهي وسبابي يومئذ. ويروي:
وقد أغتدي والطير في وكراتها
بالراء. قال أبو عبيدة: والأكنات في الجبال كالتّماريد [1] في السهل، والواحدة أكنة وهي الوقنات، والواحدة أقنة، وقد وقن يقن. وقال الأصمعيّ: إذا أوى الطير إلى وكره قيل وكر يكر ووكن يكن، ويقال: إنه جاءنا والطير وكّن ما خرجن. والمنجرد: القصير الشّعرة، وذلك من العتق. والأوابد: الوحش، وتأبّدت: توحّشت، وتأبّد الموضع إذا توحّش وقيد الأوابد: يعني الفرس. يقول: هو قيد لها لأنها لا تفوته كأنها مقيّدة. والهيكل: العظيم من الخيل ومن الشجر؛ ومنه سمّي بيت النصارى الهيكل. وقال أبو عبيدة: يقال: قيد الأوابد وقيد الرّهان، وهو الذي كأن طريدته في قيد له إذا طلبها، وكأن مسابقه في الرّهان مقيّد. قال أبو عبيدة: وأوّل من قيّدها امرؤ القيس. والمنجرد: القصير الشّعرة الصافي الأديم. والهيكل الذكر، والأنثى هيكلة، والجمع هياكل، وهو العظيم العبل الكثيف الليّن. وقوله «مكرّ مفرّ» يقول: إذا شئت أن أكرّ عليه وجدته، وكذلك إذا أردت أن أفرّ عليه أو أقبل أو أدبر. والجلمود:
الصخرة. ووصفها بأن السيل/ حطّها من عل لأنها إذا كانت في أعلى الجبل كان أصلب لها. «من عل»: من فوق.
ويقال من عل عل ومن علا ومن علو ومن عال ومن علو ومن معال. وقوله «سيري وأرخي زمامه» أي هوّني عليك الأمر ولا تبالي أعقر أم سلم. «و جناك» كلّ شيء اجتنيته من قبلة وما أشبه: ذلك هو الجنى، وهو من الإنسان مثل الجنى من الشجر أي ما اجتني من ثمره. والمعلّل: الملهّي.
غنّى في «قفا نبك»، و «أفاطم مهلا»، و «أغرّك» و «و ما ذرفت عيناك» معبد لحنا من الثقيل الأوّل بالسّبّابة في مجرى الوسطى. وغنّى معبد أيضا في الأوّل والرابع من هذه الأبيات خفيف رمل بالوسطى. وغنّى سعيد بن جابر في الأربعة الأبيات رملا. وغنّت عريب في:
أغرّك مني أن حبّك قاتلي
وبعده شعر ليس منه وهو:
/فلا تحرجي من سفك مهجة عاشق ... بلى فاقتلي ثم اقتلي ثم فاقتلي [2]
فلا تدعي أن تفعلي ما أردته ... بنا، ما أراك اللّه من ذاك فافعلي
ولحنها فيها خفيف رمل. وغنّى ابن محرز في «تسلّت عمايات الرجال» وبعده «ألا أيها الليل الطويل» ثاني ثقيل بالوسطى. وغنّى فيهما عبد اللّه بن العباس الرّبيعيّ ثاني ثقيل آخر بالسبّابة في مجرى البنصر. وغنّت جميلة في «تسلت عمايات الرجال» وبعده «ألا رب يوم لك» لحنا من الثقيل الأوّل عن الهشامي. وغنّت عزّة الميلاء في «تسلّت عمايات الرجال» وبعده «و يوم عقرت للعذارى مطيتي» ثقيلا أوّل آخر عن الهشاميّ. وغنّت حميدة جارية ابن تفّاحة في «و بيضة خدر» و «تجاوزت أحراسا» لحنا من الثقيل الأوّل بالوسطى. ولطويس في «قفانبك» / وبعده «فتوضح فالمقراة» ثقيل أوّل آخر. وفي «أفاطم مهلا» و «أغرّك مني أن حبّك قاتلي» ليزيد بن الرّحال هزج. ولأبي عيسى بن الرشيد في «وفد أغتدي» و «مكرّ مفرّ» ثقيل أوّل. ولفليح في «قفا نبك» وبعده «أغرّك منّي» رمل.
__________
[1] التماريد: جمع تمراد (بالكسر) وهو برج صغير للحمام.
[2] لعل صوابه: «ثمت اقتلي» لقبح اجتماع حرفي عطف متواليين.
وقيل: إن لمعبد في «و بيضة خدر» لحنا من الثقيل الأوّل، وقيل: هو لحن حميدة. ولعريب في هذين البيتين خفيف ثقيل من رواية أبي العبيس. وغنّى سلام بن الغسّال - وقيل بل عبيدة أخوه - في «و إن كنت قد ساءتك مني» و «أغرّك مني» رملا بالوسطى. وغنّى في «فقلت لها سيرى وأرخى زمامه» سعدويه بن نصر ثاني ثقيل. وغنّى في «قفا نبك» وبعده «فتوضح فالمقراة» إبراهيم الموصليّ ثقيلا أوّل بإطلاق الوتر في مجرى الوسطى عن ابن المكّيّ. وزعم حبش أن لإسحاق فيهما ثقيلا. وغنّى في «أغرّك مني» و «و ما ذرفت» ابن سريج خفيف رمل بالوسطى من رواية ابن المكّيّ، وقيل: بل هو من منحوله. وغنّى بديح مولى ابن جعفر في «و ما ذرفت عيناك» بيتا واحدا ثقيلا أوّل مطلقا في مجرى الوسطى عن ابن المكّيّ. فجميع ما جمع في هذه المواضع مما وجد في شعر «قفا نبك» من الأغاني صحيحها والمشكوك فيه منها اثنان وعشرون لحنا: منها في الثقيل الأوّل تسعة أصوات، وفي الثقيل الثاني ثلاثة أصوات، وفي الرمل أربعة أصوات، وفي خفيف الرمل صوتان، وفي الهزج صوت، وفي خفيف الثقيل ثلاثة أصوات.
4 - ذكر أمرىء القيس ونسبه وأخباره
نسبه من قبل أبويه:
قال الأصمعيّ: هو امرؤ القيس بن حجر بن الحارث بن عمرو بن حجر آكل المرار بن معاوية بن ثور وهو كندة. وقال ابن الأعرابيّ: هو امرؤ القيس بن حجر بن عمرو بن معاوية بن الحارث بن ثور وهو كندة. وقال محمد بن حبيب: هو امرؤ القيس بن حجر بن الحارث الملك ابن عمرو بن حجر آكل المرار بن عمرو بن معاوية بن الحارث بن يعرب بن ثور بن مرتع [1] بن معاوية بن كندة. وقال بعض الرّواة: هو امرؤ القيس بن السّمط بن امرىء القيس بن عمرو بن معاوية بن ثور وهو كندة. وقالوا جميعا: كندة هو كندة بن عفير بن عديّ بن الحارث بن مرّة بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان بن عابر بن شالخ بن أزفخشذ بن سام بن نوح. وقال/ ابن الأعرابيّ: ثور هو كندة بن مرتع بن عفير بن الحارث بن مرّة بن عديّ بن أدد ابن زيد بن عمرو بن مسمع بن عريب بن عمرو بن زيد بن كهلال.
وأمّ امرىء القيس فاطمة بنت ربيعة بن الحارث بن زهير أخت كليب ومهلهل ابني ربيعة التغلبيّين. وقال من زعم أنه امرؤ القيس بن السّمط: أمّه تملك بنت عمرو بن زبيد بن مذحج رهط عمرو بن معد يكرب. قال من ذكر هذا وأنّ أمّه تملك: قد ذكر ذلك امرؤ القيس في شعره فقال:
ألا هل أتاها والحوادث جمّة ... بأن امرأ القيس بن تملك بيقرا
بيقر أي جاء العراق والحضر. ويقال: بيقر الرجل إذا هاجر. وقال يعقوب بن السّكّيت: أمّ حجر أبي امرىء القيس أمّ قطام بنت سلمة امرأة من عنزة [2].
كنيته ولقبه:
ويكنى امرؤ القيس، على ما ذكره أبو عبيدة، أبا الحارث. وقال غيره: يكنى أبا وهب. وكان يقال له الملك الضّلّيل، وقيل له أيضا ذو القروح وإياه عنى الفرزدق بقوله:
وهب القصائد لي النوابغ إذ مضوا ... وأبو زيد وذو القروح وجرول
يعني بأبي يزيد المخبّل السّعديّ، وجرول الحطيئة.
__________
[1] ضبطه الحافظ في «التبصير» كمحسن وضبطه الصاغاني في «العباب» كمحدّث.
[2] صححها الشنقيطي في نسخته: «من كندة».
مولده ومنزله:
قال: وولد ببلاد بني أسد. وقال ابن حبيب: كان ينزل المشقّر من اليمامة. ويقال: بل كان ينزل في حصن بالبحرين.
سبب تسمية آبائه بأسمائهم:
وقال جميع من ذكرنا من الرّواة: إنما سمّي كندة لأنه كند أباه أي عقّه. وسمّي مرتع بذلك لأنه كان يجعل لمن أتاه من قومه مرتعا له ولماشيته. وسمّي حجر آكل المرار بذلك لأنه لما أتاه الخبر بأن الحارث بن جبلة كان نائما في حجر امرأته هند وهي تفليه جعل يأكل المرار (و هو نبت شديد المرارة) من الغيظ وهو لا يدري. ويقال: بل قالت هند للحارث وقد سألها: ما ترين حجرا فاعلا؟ قالت: كأنّك به قد أدركك في الخيل وهو كأنه بعير قد أكل المرار.
قال: وسمّي عمرو المقصور لأنه قد قصر [1] على ملك أبيه أي أقعد فيه كرها.
قصة جده الحارث بن عمرو مع قباذ وابنه أنو شروان:
أخبرني بخبره، على ما قد سقته ونظمته، أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ قال حدّثنا عمر بن شبة ولم يتجاوزه، وروى بعضه عن عليّ بن الصّبّاح عن هشام بن الكلبيّ، وأخبرنا الحسن بن عليّ قال حدّثنا محمد بن القاسم بن مهرويه، قال حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد عن عليّ بن الصّبّاح عن هشام بن الكلبيّ، قال ابن أبي سعد وأخبرني دارم بن عقال بن حبيب الغسّانيّ أحد ولد السّموءل بن عادياء عن أشياخه، وأخبرنا أبراهيم بن أيّوب عن ابن قتيبة، وأخبرني محمد بن العباس اليزيديّ/ قال حدّثني عمّي يوسف عن عمه إسماعيل، وأضفت إلى ذلك رواية ابن الكلبيّ مما لم أسمعه من أحد ورواية الهيثم بن عديّ ويعقوب بن السّكّيت والأثرم وغيرهم، لما في ذلك من الاختلاف، ونسبت رواية كلّ راو إذا خالف رواية غيره إليه، قالوا:
كان عمرو بن حجر وهو المقصور ملكا بعد أبيه، وكان أخوه معاوية وهو الجون [2] على اليمامة، وأمّهما شعبة بنت أبي معاهر بن حسان بن عمرو بن تبّع. ولما مات ملك بعده ابنه الحارث، وكان شديد الملك بعيد الصّيت. ولما ملك قباذ بن فيروز خرج في أيام ملكه رجل يقال له مزدك فدعا الناس إلى الزندقة وإباحة الحرم وألّا يمنع أحد منهم أخاه/ ما يريده من ذلك. وكان المنذر بن ماء السماء يومئذ عاملا على الحيرة ونواحيها. فدعاه قباذ إلى الدخول معه في ذلك فأبى. فدعا الحارث بن عمرو فأجابه؛ فشدّد له ملكه وأطرد [3] المنذر عن مملكته وغلب على ملكه. وكانت أمّ أنو شروان بين يدي قباذ يوما، فدخل عليه مزدك. فلما رأى أمّ أنو شروان قال القباذ: ادفعها لي لأقضي حاجتي منها؛ فقال: دونكها. فوثب إليه أنو شروان فلم يزل يسأله ويضرع إليه أن يهب له أمّه حتى قبّل رجله فتركها له؛ فكانت تلك في نفسه. فهلك قباذ على تلك الحال، وملك أنو شروان فجلس في مجلس الملك.
وبلغ المنذر هلاك قباذ فأقبل إلى أنو شروان وقد علم خلافه على أبيه فيما كانوا دخلوا فيه. فأذن أنو شروان للناس، فدخل عليه مزدك ثم دخل عليه المنذر. فقال أنو شروان: إني كنت تمنّيت أمنيّتين أرجو أن يكون اللّه قد جمعهما
__________
[1] في الأصول: «اقتصر».
[2] كذا في «شرح القاموس» ونسخة الأستاذ الشنقيطي مصححة بقلمه. وفي الأصول: «الجوف» بالفاء وهو تحريف.
[3] أي أمر بطرده.
لي. فقال مزدك: وما هما أيها الملك؟ قال: تمنّيت أن أملك فأستعمل هذا الرجل الشريف (يعني المنذر) وأن أقتل هؤلاء الزنادقة. فقال له مزدك: أو تستطيع أن تقتل/ الناس كلّهم؟! قال: إنك لها هنا يابن الزانية! واللّه ما ذهب نتن ريح جوربك من أنفي منذ قبّلت رجلك إلى يومي هذا! وأمر به فقتل وصلب، وأمر بقتل الزنادقة فقتل منهم ما بين جازر [1] إلى النّهروان إلى المدائن في ضحوة واحدة مائة ألف زنديق وصلبهم؛ وسمّي يومئذ أنو شروان. وطلب أنو شروان الحارث بن عمرو؛ فبلغه ذلك وهو بالأنبار، وكان بها منزله - وإنما سمّيت الأنبار لأنه كان يكون بها أهراء [2] الطعام وهي الأنابير - فخرج هاربا في هجائنه وماله وولده فمرّ بالثّويّة [3]؛ وتبعه المنذر بالخيل من تغلب وبهراء [4] وإياد، فلحق بأرض كلب [5] فنجا، وانتهبوا ماله وهجائنه. وأخذت بنو تغلب ثمانية وأربعين نفسا من بني آكل المرار؛ فقدم بهم على المنذر فضرب رقابهم بحفر الأملاك في ديار بني مرينا [6] العباديّين بين دير هند والكوفة.
فذلك قول عمرو بن كلثوم:
فآبوا بالنّهاب والسّبايا ... وأبنا بالملوك مصفّدينا
وفيهم يقول امرؤ القيس:
ملوك من بني حجر بن عمرو ... يساقون العشيّة يقتلونا
فلو في يوم معركة أصيبوا ... ولكن في ديار بني مرينا
ولم تغسل جماجمهم بغسل [7] ... ولكن في الدماء مرمّلينا [8]
تظلّ الطير عاكفة عليهم ... وتنتزع الحواجب والعيونا
/ قالوا: ومضى الحارث فأقام بأرض كلب. فكلب يزعمون أنهم قتلوه. وعلماء كندة تزعم أنه خرج إلى الصيد فألظّ [9] بتيس من الظّباء فأعجزه، فآلى أليّة ألّا يأكل أوّلا إلا من كبده. فطلبته الخيل ثلاثا فأتي بعد ثالثة وقد هلك جوعا، فشوي له بطنه، فتناول فلذة من كبده فأكلها حارّة فمات. وفي ذلك يقول الوليد بن عديّ الكنديّ في أحد بني بجيلة:
فشووا فكان شواؤهم خبطا له ... إن المنيّة لا تجلّ جليلا
/ وزعم ابن قتيبة أن أهل اليمن يزعمون أن قباذ بن فيروز لم يملّك الحارث بن عمرو وأن تبّعا الأخير هو الذي
__________
[1] كذا في «معجم البلدان» لياقوت. وجازر: قرية من نواحي النهروان. وفي أ، م: «جاذر» بالذال المعجمة. وفي سائر الأصول:
«حاذر» بالحاء المهملة وهو تحريف. والنهروان: ثلاث، أعلى وأوسط وأسفل، وهي كورة واسعة بين واسط وبغداد من الجانب الشرقي.
[2] كذا في «نسخة الأستاذ الشنقيطي مصححة بقلمه. والأهراء: الأكوام. وفي الأصول: «أهداء الطعام» بالدال وهو تحريف.
[3] الثوية: موضع قريب من الكوفة، وقيل بالكوفة.
[4] بهراء: قبيلة باليمن.
[5] كذا في أ، م، وهو موضع بين قومس والري. وفي سائر الأصول: «أرض كليب» وهو تحريف.
[6] بنو مرينا: قوم من أهل الحيرة.
[7] الغسل: ما يغسل به الرأس من خطمي وطين وأشنان ونحوه.
[8] مرملين: ملطخين.
[9] ألظ به: لزمه وألح عليه ليصطاده.
ملّكه. قال: ولما أقبل المنذر [1] إلى الحيرة هرب الحارث وتبعته خيل فقتلت ابنه عمرا وقتلوا ابنه مالكا بهيت [2].
وصار الحارث إلى مسحلان [3] فقتلته كلب. وزعم غير ابن قتيبة أنه مكث فيهم حتى مات حتف أنفه.
الحارث بن عمرو وتمليكه أولاده على قبائل العرب:
وقال الهيثم بن عديّ حدّثني حمّاد الراوية عن سعيد بن عمرو بن سعيد عن سعية [4] بن عريض من يهود تيماء قال: لمّا قتل الحارث بن أبي شمر الغسّانيّ عمرو بن حجر ملّك بعده ابنه الحارث بن عمرو، وأمّه بنت عوف بن محلّم بن ذهل بن شيبان ونزل الحيرة. فلما تفاسدت القبائل من نزار أتاه أشرافهم فقالوا: إنّا في دينك ونحن نخاف أن نتفانى فيما يحدث بيننا، فوجّه معنا بنيك ينزلون فينا فيكفّون بعضنا عن بعض. ففرّق ولده في قبائل العرب، فملّك ابنه حجرا على بني أسد وغطفان/ وملّك ابنه شرحبيل قتيل يوم الكلاب [5] على بكر بن وائل بأسرها وبني حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم [6] والرّباب. وملّك ابنه معد يكرب وهو غلفاء [7] (سمّي بذلك لأنه كان يغلّف رأسه) على بني تغلب والنّمر بن قاسط وسعد بن زيد مناة وطوائف من بني دارم [بن مالك] بن حنظلة والصنائع وهم بنو رقيّة قوم كانوا يكونون مع الملوك من شذّاذ العرب. وملّك ابنه عبد اللّه على عبد القيس، وملّك ابنه سلمة على قيس.
مقتل حجر أبي امرىء القيس:
وقال ابن الكلبيّ حدّثني أبي: أنّ حجرا كان في بني أسد، وكانت له عليهم إتاوة في كل سنة مؤقّتة؛ فغبر [8]
__________
[1] كذا في ج وهو المناسب لما سبق في هذه القصة. وفي سائر الأصول: «من الحيرة» وهو تحريف.
[2] هيت: بلدة على الفرات من نواحي بغداد فوق الأنبار.
[3] مسحلان: موضع.
[4] هو أخو السموءل.
[5] الكلاب (بضم أوله): اسم ماء بين الكوفة والبصرة، وقيل ماء بين جبلة وشمام. وكان للعرب يومان مشهوران بيوم الكلاب. فأمّا الأول فإن الحارث بن عمرو فرق أولاده على القبائل ملوكا كما ذكر المؤلف؛ فلما مات تداعت القبائل وتحزبت فوقعت حرب بين ولديه شر حبيل وأصحابه، وسلمة وأصحابه، فقتل شر حبيل يومئذ. وقد أشار إليه امرؤ القيس في قصيدته التي مطلعها:
أرانا موضعين لحتم غيب ... ونسحر بالطعام وبالشراب
فقال:
وأعلم أنني عما قليل ... سأنشب في شبا ظفر وناب
كما لاقى أبي حجر وجدي ... ولا أنسى قتيلا في الكلاب
وأما الكلاب الثاني فكان بين بني سعد والرباب، وبين بني الحارث بن كعب وقبائل اليمن، قتل فيه عبد يغوث بن صلاة الحارثي بعد أن أسر، وقال وهو مأسور قصيدته المشهورة التي مطلعها:
أيا راكبا إما عرضت فبلغن ... نداماي من نجران أن لا تلاقيا
(راجع «معجم البلدان» لياقوت).
[6] في ب، س، ح: « ... وبني حنظلة بن مالك بن زيد مناة وطوائف من بني دارم بن تميم» بزيادة «و طوائف من بني دارم» واعلم عليها في ح بالمداد الأحمر كأنه ترميج لها.
[7] كذا في نسخة الأستاذ الشنقيطي مصححة بقلمه و «اللسان» (مادة غلف) و «معجم البلدان» (في الكلام على الكلاب). وفي الأصول:
«غلفى». وغلف رأسه: لطخه بالمسك.
[8] غبر: لبث وبقي وفي الأصول: «فعمر».
ذلك دهرا. ثم بعث إليهم جابيه الذي كان يجبيهم، فمنعوه ذلك - وحجر يومئذ بتهامة - وضربوا رسله وضرجوهم [1] ضرجا شديدا قبيحا. فبلغ ذلك حجرا؛ فسار إليهم بجند من ربيعة وجند من جند أخيه من قيس وكنانة، فأتاهم/ وأخذ سراتهم، فجعل يقتّلهم بالعصا - فسمّوا عبيد العصا - وأباح الأموال، وصيّرهم إلى تهامة، وإلى باللّه ألّا يساكنوهم في بلد أبدا، وحبس منهم عمرو بن مسعود بن كندة [2] بن فزارة الأسديّ وكان سيّدا، وعبيد بن الأبرص الشاعر. فسارت بنو أسد ثلاثا. ثم إنّ عبيد بن الأبرص قام فقال: أيّها الملك اسمع مقالتي:
يا عين [3] فابكي ما بني ... أسد فهم أهل النّدامه
أهل القباب الحمر والنّ ... عم المؤبّل [4] والمدامه
وذوي الجياد الجرد والأسل المثقّفة المقامه حلّا [5] أبيت اللّعن حلّا إنّ فيما قلت آمه
في كلّ واد بين يث ... رب فالقصور إلى اليمامه
تطريب عان أو صيا ... ح محرّق أو صوت هامه
ومنعتهم نجدا فقد ... حلّوا على وجل تهامه
برمت بنو أسد كما ... برمت ببيضتها الحمامه
جعلت لها عودين من ... نشيم [6] وآخر من ثمامه
إمّا تركت تركت عف ... وا أو قتلت فلا ملامه
/ أنت المليك عليهم ... وهم العبيد إلى القيامه
ذلّوا لسوطك مثل ما ... ذلّ الأشيقر [7] ذو الخزامه
/ قال: فرقّ لهم حجر حين سمع قوله، فبعث في أثرهم فأقبلوا. حتى إذا كانوا على مسيرة يوم من تهامة تكهن كاهنهم، وهو عوف بن ربيعة بن سوادة [8] بن سعد بن مالك بن ثعلبة بن دودان بن أسد بن خزيمة، فقال لبني أسد:
يا عبادي! قالوا: لبّيك ربّنا. قال: من الملك الأصهب، الغلّاب غير المغلّب، في الإبل كأنها الرّبرب، لا يعلق رأسه الصّخب، هذا دمه ينثعب [9]، وهذا غدا أوّل من يسلب. قالوا: من هو يا ربّنا؟ قال: لو لا أن تجيش نفس جاشية،
__________
[1] ضرجه: أدماه أي جعل دمه يسيل من الضرب.
[2] في ح و «تجريد الأغاني»: «ابن كلدة».
[3] في «كتاب الشعر والشعراء»: «يا عين ما خابكي بني ... إلخ».
[4] المؤبل: المقتنى.
[5] حلا أي تحلل من يمينك. والآمة: العيب.
[6] النشم: شجر جبلي تتخذ منه القسيّ. والثمامة: نبت بالبادية.
[7] الأشيقر: تصغير الأشقر وهو الأحمر من الدواب. والخزامة: حلقة من شعر تجعل في وترة أنف البعير يشد بها الزمام فإن كانت من صفر فهي برة. وفي الأصول: «الحزامة» بالحاء المهملة وهو تصحيف.
[8] في ج: سواءة».
[9] كذا في «تجريد الأغاني» وانثعب الدم: جرى. وفي ب، س: «يتشعب». وفي سائر الأصول: «ينشعب» وهما تحريف.
لأخبرتكم أنه حجر ضاحية. فركبوا كلّ صعب وذلول، فما أشرق لهم النهار حتى أتوا على عسكر حجر فهجموا على قبّته. وكان حجّابه من بني الحارث بن سعد يقال لهم بنو خدّان بن خنثر منهم معاوية بن الحارث وشبيب ورقيّة ومالك وحبيب، وكان حجر قد أعتق أباهم من القتل. فلمّا نظروا إلى القوم يريدون قتله خيّموا عليه ليمنعوه ويجيروه. فأقبل عليهم علباء بن الحارث الكاهليّ، وكان حجر قد قتل أباه، فطعنه من خللهم فأصاب نساه فقتله.
فلما قتلوه قالت بنو أسد: يا معشر كنانة وقيس، أنتم إخواننا وبنو عمّنا، والرجل بعيد النسب منّا ومنكم، وقد رأيتم ما كان يصنع بكم هو وقومه. فانتهبوهم فشدّوا على هجائنه فمزّقوها ولفّوه في ريطة بيضاء وطرحوه على ظهر الطريق. فلمّا رأته قيس وكنانة انتهبوا أسلابه. ووثب عمرو بن مسعود فضمّ عياله وقال: أنا لهم جار قال ابن الكلبيّ: وعدّة قبائل من بني أسد يدّعون قتل حجر ويقولون: إنّ علباء كان الساعي في قتله وصاحب المشورة ولم يقتله هو.
قال ابن حبيب: خدّان في بني أسد وخدّان في بني تميم وفي بني جديلة بالخاء مفتوحة، وخدّان مضمومة في الأزد، وليس في العرب غير هؤلاء.
/ قال أبو عمرو الشّيبانيّ: بل كان حجر لمّا خاف من بني أسد استجار عوير بن شجنة أحد بني عطارد بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم لبنته هند بنت حجر وعياله. وقال لبني أسد لمّا كثروه: أمّا إذا كان هذا شأنكم فإني مرتحل عنكم ومخلّيكم وشأنكم؛ فواعدوه على ذلك. ومال على خالد بن خدّان أحد بني سعد بن ثعلبة.
فأدركه علباء بن الحارث أحد بني كاهل فقال: يا خالد اقتل صاحبك لا يفلت فيعرّك [1] وإيّانا بشرّ، فامتنع خالد.
ومرّ علباء بقصدة [2] رمح مكسورة فيها سنانها، فطعن بها في خاصرة حجر وهو غافل فقتله. ففي ذلك يقول الأسديّ:
وقصدة علباء بن قيس بن كاهل ... منيّة حجر في جوار ابن خدّان
وذكر الهيثم بن عديّ أنّ حجرا لمّا استجار عوير بن شجنة لبنيه وقطينه [3] تحوّل عنهم فأقام في قومه مدّة، وجمع لبني أسد جمعا عظيما من قومه وأقبل مدلّا بمن معه من الجنود. فتآمرت بنو أسد بينها وقالوا: واللّه لئن قهركم هذا ليحكمنّ عليكم حكم الصبيّ! فما خير عيش يكون بعد قهر وأنتم بحمد اللّه أشدّ العرب! فموتوا كراما.
فساروا إلى حجر وقد/ ارتحل نحوهم فلقوه فاقتتلوا قتالا شديدا. وكان صاحب أمرهم علباء بن الحارث، فحمل على حجر فطعنه فقتله، وانهزمت كندة وفيهم يومئذ امرؤ القيس فهرب على فرس له شقراء وأعجزهم، وأسروا من أهل بيته رجالا وقتلوا وملئوا أيديهم من الغنائم، وأخذوا جواري حجر ونساءه وما كان معه من شيء فاقتسموه بينهم.
وقال يعقوب بن السّكّيت حدّثني خالد الكربيّ قال: كان سبب قتل حجر أنه كان وفد إلى أبيه الحارث بن عمرو في مرضه الذي مات فيه وأقام عنده حتى هلك، ثم أقبل راجعا إلى بني أسد وقد كان أغار عليهم في النّساء وأساء ولايتهم، وكان يقدّم/ بعض ثقله أمامه ويهيّأ نزله ثم يجيء وقد هيّىء له من ذلك ما يعجبه فينزل، ويقدّم مثل ذلك إلى ما بين يديه من المنازل فيضرب له في المنزلة الأخرى. فلما دنا من بلاد بني أسد وقد بلغهم موت أبيه
__________
[1] عرّ فلان فلانا بشر: أصابه به.
[2] القصدة: القطعة.
[3] القطين هنا: الخدم والحاشية.
طمعوا فيه. فلما أظلّهم وضربت قبابه اجتمعت بنو أسد إلى نوفل بن ربيعة بن خدّان، فقال: يا بني أسد! من يتلقّى هذا الرجل منكم فيقتطعه؟ فإني قد أجمعت على الفتك به. فقال له القوم: ما لذلك أحد غيرك. فخرج نوفل في خيله حتى أغار على الثّقل فقتل من وجد فيه، وساق الثّقل وأصاب جاريتين قينتين لحجر، ثم أقبل حتى أتى قومه. فلما رأوا ما قد حدث وأتاهم به عرفوا أن حجرا يقاتلهم وأنه لا بدّ من القتال، فحشد الناس لذلك، وبلغ حجرا أمرهم، فأقبل نحوهم. فلما غشيهم ناهضوه القتال وهم بين أبرقين من الرمل في بلادهم يدعيان اليوم أبرقي حجر، فلم يلبثوا حجرا أن هزموا أصحابه وأسروه فحبسوه. وتشاور [1] القوم في قتله، فقال لهم كاهن من كهنتهم بعد أن حبسوه ليروا فيه رأيهم: أيّ قوم! لا تعجلوا بقتل الرجل حتّى أزجر لكم. فانصرف عن القوم لينظر لهم في قتله.
فلمّا رأى ذلك علباء خشي أن يتواكلوا في قتله؛ فدعا غلاما من بني كاهل، وكان ابن أخته وكالن حجر قتل أباه زوج أخت علباء، فقال: يا بنيّ، أعندك خير فتثأر بأبيك وتنال شرف الدهر وإنّ قومك لن يقتلوك؟!. فلم يزل بالغلام حتى حرّبه [2]، ودفع إليه حديدة وقد شحذها وقال: أدخل عليه مع قومك ثم اطعنه في مقتله: فعمد الغلام إلى الحديدة فخبأها ثم دخل على حجر في قبّته التي حبس فيها. فلمّا رأى الغلام غفلة وثب عليه فقتله، فوثب القوم على الغلام. فقالت بنو كاهل: ثأرنا وفي أيدينا. فقال الغلام: إنما ثأرت بأبي، فخلّوا عنه. وأقبل كاهنهم المزدجر فقال: أي قوم! قتلتموه! ملك شهر، وذلّ دهر. أما واللّه لا تحظون عند الملوك بعده أبدا.
وصيته لبنيه عند موته:
قال ابن السّكّيت: ولما طعن الأسديّ حجرا ولم يجهز عليه، أوصى ودفع كتابه إلى رجل وقال له: انطلق إلى ابني نافع - وكان أكبر ولده - فإن بكى وجزع فاله عنه، واستقرهم واحدا واحدا حتى تأتي امرأ القيس - وكان أصغرهم - فأيّهم لم يجزع فادفع إليه سلاحي وخيلي وقدوري ووصيّتي. وقد كان بيّن في وصيتّه من قتله وكيف كان خبره. فانطلق الرجل بوصيّته إلى نافع ابنه: فأخذ التراب فوضعه على رأسه. ثم استقراهم واحدا واحدا فكلّهم فعل ذلك، حتى أتى امرأ القيس فوجده مع نديم له يشرب الخمر ويلاعبه بالنّرد؛ فقال له: قتل حجر. فلم يلتفت إلى قوله، وأمسك نديمه. فقال له امرؤ القيس:/ إضرب فضرب. حتى إذا فرغ قال: ما كنت لأفسد عليك دستك. ثم سأل الرسول عن أمر أبيه كلّه فأخبره. فقال: الخمر عليّ والنساء حرام حتى أقتل من بني أسد مائة وأجزّ نواصي [3] مائة. وفي ذلك يقول:
أرقت ولم يأرق لما بي نافع ... وهاج لي الشوق الهموم الروادع
وقال ابن الكلبيّ: حدّثني أبي عن ابن الكاهن الأسديّ: أنّ حجرا كان طرد امرأ القيس وآلى ألّا يقيم معه أنفة من قوله الشعر، وكانت الملوك تأنف من ذلك، فكان يسير في أحياء العرب ومعه أخلاط من شذّاذ العرب من طيّىء وكلب وبكر بن وائل، فإذا صادف غديرا أو روضة أو موضع صيد أقام فذبح لمن معه في كل يوم، وخرج إلى الصيد فتصيّد ثم عاد فأكل وأكلوا معه وشرب الخمر وسقاهم وغنّته قيانه. ولا يزال كذلك حتى ينفد ماء ذلك الغدير ثم
__________
[1] في الأصول: «و شاور القوم».
[2] حربه: حرشه.
[3] يريد: حتى أقتل منهم مائة وآسر مائة. وكان من عادات العرب أنه إذا أسر الرجل منهم آخر وأراد أن يمن عليه جز ناصيته (و هي الشعر في مقدّم الرأس) وأطلقه، فتكون الناصية عنده فخرا.
ينتقل عنه إلى غيره. فأتاه خبر أبيه ومقتله وهو بدمّون من أرض اليمن، أتاه به رجل من بني عجل يقال له عامر الأعور أخو الوصّاف. فلما أتاه بذلك قال:
/تطاول الليل على دمّون ... دمّون إنّا معشر يمانون
وإنّنا [1] لأهلها محبّون
ثم قال: ضيّعني صغيرا وحمّلني دمه كبيرا. لا صحو اليوم ولا سكر غدا. «اليوم خمر، وغدا أمر» فذهبت مثلا. ثم قال:
خليليّ لا في اليوم مصحى لشارب ... ولا في غد إذ ذاك ما كان يشرب
ثم شرب سبعا. فلمّا صحا آلى ألا يأكل لحما، ولا يشرب خمرا، ولا يدّهن بدهن، ولا يصيب امرأة، ولا يغسل رأسه من جنابة، حتى يدرك بثاره. فلما جنّة الليل رأى برقا فقال:
أرقت لبرق بليل أهلّ ... يضيء سناه بأعلى الجبل
أتاني حديث فكذّبته ... بأمر تزعزع منه القلل
بقتل بني أسد ربّهم ... ألا كلّ شيء سواه جلل [2]
فأين ربيعة عن ربّها ... وأين تميم وأين الخول
ألا يحضرون لدي بابه ... كما يحضرون إذا ما أكل
وروى الهيثم عن أصحابه أنّ امرأ القيس لمّا قتل أبوه كان غلاما قد ترعرع، وكان في بني حنظلة مقيما لأنّ ظئرة كانت امرأة منهم. فلما بلغه ذلك قال:
يا لهف هند إذ خطئن [3] كاهلا ... القاتلين الملك الحلاحلا [4]
/تاللّه لا يذهب شيخي باطلا ... يا خير شيخ حسبا ونائلا
وخيرهم - قد علموا - فواضلا [5] ... يحملننا والأسل النّواهلا
وحيّ صعب والوشيج الذّابلا ... مستثفرات بالحصى جوافلا [6]
__________
[1] كذا في شرح «القاموس» (مادة دمن) و «معجم البلدان» لياقوت: وفي الأصول: «و إنما لأهلها محبون».
[2] جلل: ها هنا بمعنى هين.
[3] كذا في «ديوانه» ونسخة الأستاذ الشنقيطي مصححة بقلمه. وخطىء ها هنا بمعنى أخطأ. وكاهل أبو فخذ من بني أسد، وهو كاهل بن دودان بن أسد بن خزيمة. (راجع «ديوان امرىء القيس» ص 78 نسخة مخطوطة محفوظة بدار الكتب المصرية تحت رقم 15 أدب ش. وفي الأصول: «حظين» بالحاء المهملة والظاء المعجمة.
[4] الحلاحل: السيد الكريم. وقد ورد هذا الرجز في نسخ «ديوانه» مختلفا في ترتيب شطراته. ويريد بالضمير في خطئن الخيل وبالقاتلين بني أسد.
[5] ورد بدل هذا الشطر في إحدى نسخ «الديوان» قوله:
نحن جلبنا القرح القوافلا
والقرح: (بضم القاف وتشديد الراء مفتوحة) جمع قارح، وهو من الخيل ما كان في الخامسة من سنه.
والقوافل: الضوامر.
[6] جوافل: مسرعات، يقال: جفل وأجفل إذا أسرع.
يعني صعب بن عليّ بن بكر بن وائل. معنى قوله «مستثفرات بالحصى»: يريد أنها أثارت الحصى بحوافرها لشدّة جريها حتى ارتفع إلى أثفارها [1] فكأنها استثفرت به.
هند بنت حجر يجيرها عوير بن شجنة:
وقال/ الهيثم بن عديّ: لمّا قتل حجر انحازت بنته وقطينه إلى عوير بن شجنة. فقال له قومه: كل أموالهم فإنهم مأكولون، فأبى. فلما كان الليل حمل هندا وقطينها وأخذ بخطام جملها وأشأم بهم في ليلة طخياء مدلهمّة.
فلما أضاء البرق أبدى عن ساقيه وكانت حمشتين [2]. فقالت هند: ما رأيت كالليلة ساقي واف. فسمعها فقال يا هند: هما ساقا غدر شرّ. فرمى بها النّجاد حتى أطلعها نجران، وقال لها: إني لست أغني عنك شيئا وراء هذا الموضع، وهؤلاء قومك، وقد برئت خفارتي. فمدحه امرؤ القيس بعدّة قصائد، منها قوله في قصيدة له:
ألا إنّ قوما كنتم أمس دونهم ... هم منعوا جاراتكم آل غدران [3]
عوير ومن مثل العوير ورهطه ... أبرّ بميثاق وأوفى بجيران
هم أبلغوا الحيّ المضيّع أهله ... وساروا بهم بين الفرات ونجران
/ وقوله:
ألا قبح اللّه البراجم كلّها ... وجدّع يربوعا وعفّر دارما
فما فعلوا فعل العوير ورهطه ... لدى باب حجر إذ تجرّد قائما
وقال ابن قتيبة في خبره: إنّ القصة المذكورة عن عوير كانت مع أبي حنبل وجارية ابن مرّ. قال ويقال: بل كانت مع عامر بن جوين الطائيّ وإن ابنته أشارت عليه بأخذ مال حجر وعياله، فقام ودخل الوادي ثم صاح: ألا إنّ عامر بن جوين وفى، فأجابه الصّدى بمثل قوله، فقال: ما «أحسن هذا! ثم دعا ابنته بجذعة [4] من غنم فاحتلبها وشرب واستلقى على قفاه وقال:
واللّه لا أغدر ما أجزأتني جذعة. ثم نهض وكانت ساقاه حمشتين، فقالت ابنته: واللّه ما رأيت كاليوم ساقي واف.
فقال: وكيف بهما إذا كانتا ساقي غادر! هما واللّه حينئذ أقبح.
امرؤ القيس يستعدي بكرا وتغلب على بني أسد:
وقال ابن الكلبيّ عن أبيه ويعقوب بن السّكّيت عن خالد الكلابيّ:
إن امرأ القيس ارتحل حتى نزل بكرا وتغلب، فسألهم النصر على بني أسد. فبعث العيون على بني أسد فنذروا [5] بالعيون ولجئوا إلى بني كنانة. وكان الذي أنذرهم بهم علباء بن الحارث. فلما كان الليل قال لهم علباء:
__________
[1] الأثفار: جمع ثفر (بالتحريك) وهو السير الذي في مؤخرة السرج تحت ذنب الدابة. وأما الثفر (بفتح فسكون وبضم فسكون) فهو لجميع ضروب السباع ولكل ذات مخلب كالحياء للناقة.
[2] حمشتين: دقيقتين.
[3] آل غدران (بالضم): بطن من العرب.
[4] الجذعة: الفتية.
[5] نذروا: علموا فحذروا.
يا معشر بني أسد تعلمون! واللّه إنّ عيون امرىء القيس قد أتتكم ورجعت إليه بخبركم، فارحلوا بليل ولا تعلموا بني كنانة، ففعلوا. وأقبل امرؤ القيس بمن معه من بكر وتغلب حتى انتهى إلى بني كنانة وهو يحسبهم بني أسد فوضع السّلاح فيهم وقال: يا لثارات الملك! يا لثارات الهمام! فخرجت إليه عجوز من بني كنانة فقالت: أبيت اللّعن! لسنا لك بثأر،/ نحن من كنانة، فدونك ثأرك فاطلبهم فإن القوم قد شاروا بالأمس. فتبع بني أسد ففاتوه ليلتهم تلك - فقال في ذلك:
ألا يالهف هند إثر قوم ... هم كانوا الشفاء فلم يصابوا
وقاهم جدّهم [1] ببني أبيهم ... وبالأشقين ما كان العقاب
وأفلتهنّ علباء جريضا [2] ... ولو أدركنه صفر الوطاب
يعني ببني أبيهم [3] بني كنانة، لأن أسدا وكنانة ابني خزيمة أخوان.
أخبرني أبو خليفة عن محمد/ بن سلّام قال:
سمعت رجلا سأل يونس عن قوله «صفر الوطاب»، فقال: سألنا رؤبة عنه فقال: لو أدركوه قتلوه وساقوا إبله فصفرت وطابه من اللّبن. وقال غيره: صفر الوطاب أي إنه كان يقتل فيكون جسمه صفرا من دمه كما يكون الوطاب صفرا من اللّبن.
[و أدركهم [4]] ظهرا وقد تقطّعت خيله وقطع أعناقهم العطش، وبنو أسد جامّون [5] على الماء، فنهد إليهم فقاتلهم حتى كثرت الجرحى والقتلى فيهم، وحجز اللّيل بينهم، وهربت بنو أسد. فلما أصبحت بكر وتغلب أبوا أن يتّبعوهم وقالوا له: قد أصبت ثأرك. قال: واللّه ما فعلت ولا أصبت من بني كاهل ولا من غيرهم/ من بني أسد أحدا. قالوا: بلى، ولكنك رجل مشئوم. وكرهوا قتالهم بني كنانة [6] وانصرفوا عنه. ومضى هاربا لوجهه حتى لحق بحمير.
يلجأ إلى عمرو بن المنذر:
وقال ابن السّكّيت حدّثني خالد الكلابيّ: أن امرأ القيس لمّا أقبل من الحرب على فرسه الشّقراء لجأ إلى ابن عمّته عمرو بن المنذر - وأمّه هند بنت عمرو بن حجر بن آكل المرار، وذلك بعد قتل أبيه وأعمامه وتفرّق ملك أهل بيته، وكان عمرو يومئذ خليفة لأبيه المنذر ببقّة وهي بين الأنبار وهيت - فمدحه وذكر صهره ورحمه وأنه قد تعلّق بحباله ولجأ إليه. فأجاره، ومكث عنده زمانا. ثم بلغ المنذر مكانه عنده فطلبه، وأنذره عمرو فهرب حتى أتى حمير.
__________
[1] الجد: الحظ. والأشقين: جمع أشقى، أي وقى بني أسد حظهم إذ وقع العقاب بالأشقين بني أبيهم وهم كنانة.
[2] أفلتهنّ جريضا أي أفلتهنّ بعد جهد ومشقة. والأصل في الجرض: الغصص بالريق. وظاهر أن مرجع الضمير في «أفلتهن» و «أدركنه» الخيل التي كروا بها عليهم.
[3] في الأصول: يعني بأبيهم بني كنانة» وهو غير مستقيم.
[4] التكملة عن «تجريد الأغاني».
[5] كذا في أ، م: وجامون: مجتمعون مستريحون. وفي «تجريد الأغاني»: «جاثمون». وفي سائر الأصول: «حامون» بالحاء المهملة، وهو تصحيف.
[6] أظن أن صوابه: «بني أسد».
يستنصر أزدشنوءة:
وقال ابن الكلبيّ والهيثم بن عديّ وعمر بن شبّة وابن قتيبة:
فلمّا امتنعت بكر بن وائل وتغلب من اتّباع بني أسد خرج من فوره ذلك إلى اليمن فاستنصر أزدشنوءة، فأبوا أن ينصروه وقالوا: إخواننا وجيراننا.
ومرثد الخير الحميري:
فنزل بقيل يدعى مرثد الخير بن ذي جدن الحميريّ، وكانت بينهما قرابة، فاستنصره واستمدّه على بني أسد، فأمدّه بخمسمائة رجل من حمير؛ ومات مرثد قبل رحيل امرىء القيس بهم.
وقرمل بن الحميم:
وقام بالمملكة بعده رجل من حمير يقال له قرمل بن الحميم وكانت أمّه سوداء، فردّد امرأ القيس وطوّل عليه حتى همّ بالانصراف وقال:
وإذ نحن ندعو مرثد الخير ربّنا ... وإذ نحن لا ندعى عبيدا لقرمل
فأنفذ له ذلك الجيش؛ وتبعه شذّاذ من العرب، واستأجر من قبائل العرب رجالا، فسار بهم إلى بني أسد.
ومرّ بتبالة [1] وبها صنم للعرب تعظّمه يقال له/ ذو الخلصة [2]؛ فاستقسم [3] عنده بقداحة وهي ثلاثة الآمر والناهي والمتربّص، فأجالها فخرج الناهي، ثم أجالها فخرج الناهي، فجمعها وكسرها وضرب بها وجه الصنم وقال: مصصت بظر أمّك! لو أبوك قتل ما عقتني. ثم خرج فظفر ببني أسد. ويقال: إنه ما استقسم عند ذي الخلصة بعد ذلك بقدح حتى جاء أمر اللّه بالإسلام وهدمه جرير بن عبد اللّه البجليّ.
طلبه المنذر فهرب ونزل بالحارث بن شهاب:
قالوا: وألّح المنذر في طلب امرىء القيس ووجّه الجيوش في طلبه من إياد وبهراء وتنوخ ولم تكن لهم طاقة، وأمدّه أنو شروان بجيش من الأساورة فسرّحهم في طلبه. وتفرّقت حمير ومن كان معه عنه. فنجا في عصبة من بني آكل المرار حتى نزل بالحارث بن شهاب من بني يربوع بن حنظلة، ومع امرىء القيس أدراع خمسة: الفضفاضة والضيافة والمحصّنة والخربق [4] وأمّ الذيول كنّ لبني آكل المرار يتوارثونها ملكا عن/ ملك. فقلّما لبثوا عند الحارث بن شهاب حتى بعث إليه المنذر مائة من أصحابه يوعده بالحرب إن لم يسلم إليه بني آكل المرار فأسلمهم؛ ونجا امرؤ القيس ومعه يزيد بن معاوية بن الحارث وبنته هند (بنت امرىء القيس) والأدرع والسلاح ومال كان بقي معه، فخرج على وجهه حتى وقع في أرض طيّى ء.
ثم نزل على سعد بن الضباب الإيادي:
وقيل: بل نزل قبلهم [5] على سعد بن الضّباب الإياديّ سيّد قومه فأجاره.
__________
[1] تبالة: موضع بين مكة واليمن على مسيرة سبع ليال من مكة.
[2] ذو الخلصة: مروة بيضاء منقوش عليها كهيئة التاج، وكان سدنتها بني أمامة من باهلة بن أعصر وكانت تعظمها وتهدي لها خثعم وبجيلة وأزد السراة ومن قاربهم من بطون العرب من هوازن. («الأصنام» لابن الكلبي ص 43).
[3] الاستسقام بالأزلام: طلب معرفة ما فقسم للمرء مما لم يقسم.
[4] في أ، م: «الخريق». وفي «تجريد الأغاني»: «الحريق».
[5] كذا في «تجريد الأغاني»: وفي الأصول: «قبله».
/ قال ابن الكلبيّ: وكانت أمّ سعد بن الضّباب تحت حجر أبي امرىء القيس فطلّقها وكانت حاملا وهو لا يعرف، فتزوجها الضّباب فولدت سعدا على فراشه، فلحق نسبه به. فقال امرؤ القيس يذكر ذلك:
يفاكهنا سعد وينعم بالنا ... ويغدو [1] علينا بالجفان وبالجزر
ونعرف فيه من أبيه شمائلا ... ومن خاله ومن يزيد ومن حجر
سماحة ذا وبرّ ذا ووفاء ذا ... ونائل ذا إذا صحا وإذا سكر
والمعلّى بن تيم:
ثم تحوّل عنه فوقع في أرض طيّىء [2] فنزل برجل من بني جديلة يقال له المعلّى بن تيم. ففي ذلك يقول:
كأنّي إذ نزلت على المعلّى ... نزلت على البواذخ من شمام [3]
فما ملك العراق على المعلّى ... بمقتدر ولا ملك الشام
أقرّ حشى امرىء القيس بن حجر ... بنو تيم مصابيح الظلام
ثم ببني نبهان:
قالوا: فلبث عنده واتّخذ إبلّا هناك. فغدا قوم من بني جديلة يقال لهم بنو زيد فطردوا الإبل. وكانت لامرىء القيس رواحل مقيّدة عند البيوت خوفا من أن يدهمه أمر ليسبق عليهن. فخرج حينئذ فنزل ببني نبهان من طيّى ء، فخرج نفر منهم فركبوا الرواحل ليطلبوا له الإبل فأخذتهن جديلة، فرجعوا إليه بلا شيء. فقال في ذلك:
وأعجبني مشي الحزقّة خالد ... كمشي أتان حلّئت بالمناهل [4]
/فدع عنك نهبا صيح في حجراته [5] ... ولكن حديثا ما حديث الرّواحل
ففرّقت عليه بنو نبهان فرقا [6] من معزى يحلبها. فأنشأ يقول:
إذا ما لم تجد إبلا فمعزّى ... كأن قرون جلّتها [7] العصى
__________
[1] ورد هذا الشطر في «ديوانه» هكذا:
بمثنى الرقاق المترعات وبالجزر
[2] في الأصول: «من أرض طيّى ء» وهو تحريف. وعبارة «تجريد الأغاني»: «ثم تحول عنه فنزل بأرض طي عند رجل ... ».
[3] شمام: اسم جبل لباهلة.
[4] هذه رواية «الديوان». والحزقة: القصير الذي يقارب الخطو. وحلئت: منعت عن الماء وطردت مرة بعد مرة. وفي الأصول:
عجبت له مشى الحزقة خالد
[5] الحجرات: النواحي. يقول: دع النهب الذي صاح المنتهب في نواحيه وأخذه، وحدّثني حديث الرواحل وهي الإبل التي ذهبت بها ما فعلت. (راجع «اللسان» في مادة حجر و «شرح ديوانه»).
[6] الفرق: القطيع من الغنم والبقر والظباء، وقيل: هو ما دون المائة من الغنم. ومن جعل الألف في «معزى» للتأنيث منه من الصرف، ومن جعلها للإلحاق صرف، وهو الأرجح.
[7] الجلة: المسان (بفتح الميم وتشديد النون كبيرات السن). ويروى هذا الشطر في «ديوانه»:
ألا إلا تكن إبل فمعزى
إذا ما قام حالبها أرنّت [1] ... كأن القوم صبّحهم نعيّ
فتملأ بيتنا أقطا [2] وسمنا ... وحسبك من غنّى شبع وريّ
ثم نزل بعامر بن جوين:
فكان عندهم ما شاء اللّه. ثم خرج فنزل بعامر بن جوين واتخذ عنده إبلا، وعامر يومئذ أحد الخلعاء الفتّاك قد تبّرأ قومه من جرائره، فكان عنده ما شاء اللّه، ثم همّ أن يغلبه على أهله وماله، ففطن امرؤ القيس بشعر كان عامر ينطق به وهو قوله:
فكم بالصعيد [3] من هجان مؤبّلة ... تسير صحاحا ذات قيد ومرسله
أردت بها فتكا فلم أرتمض [4] له ... ونهنهت نفسي بعد ما كدت أفعله [5]
/و كان عامر أيضا يقول يعرّض بهند بنت امرىء القيس:
/ألا حيّ هندا وأطلالها ... وتظعان هند وتحلا لها
هممت بنفسي كلّ الهموم ... فأولى لنفسي أولى لها [6]
سأحمل نفسي على آلة [7] ... فإمّا عليها وإمّا لها
هكذا روى ابن أبي سعد عن دارم بن عقال. ومن الناس من يروي هذه الأبيات للخنساء في قصيدتها:
ألا ما لعيني ألا ما لها ... لقد أخضل الدمع سربالها
ثم بحارثة بن مر:
قالوا: فلما عرف امرؤ القيس ذلك منه وخافه على أهله وماله، تغفّله وانتقل إلى رجل من بني ثعل يقال له حارثة بن مرّ فاستجار به. فوقعت الحرب بين عامر وبين الثّعليّ، فكانت في ذلك أمور كثيرة. قال دارم بن عقال في خبره:
فلمّا وقعت الحرب بين طيّىء من أجله، خرج من عندهم فنزل برجل من بني فزارة يقال له عمرو بن جابر بن مازن، فطلب منه الجوار حتى يرى ذات عيبه [8]. فقال له الفزاريّ: يابن حجر، إني أراك في خلل من قومك وأنا أنفس [9]
__________
[1] رواية «الديوان» في هذا البيت:
إذا مشت حوالبها أرنت ... كأن الحي صبحهم نعى
ببناء الفعل (مشت) للمجهول. ومشت حوالبها: مسحت بالكف ليدر اللبن. والحوالب: العروق التي تدر اللبن في الضرع واحدها حالب. وأرنت: صوتت. ويحتمل أن تكون المعزى هى المرنة، وأن يكون الإرنان صوت الشخب الذي يقع في الإناء من كثرة اللبن.
[2] الأقط: شيء يتخذ من اللبن المخيض مثل الجبن.
[3] كذا في «تجريد الأغاني»: وفي ج: «فكم من سعيد». وفي سائر النسخ: «فكم بالصحيح» وهما تحريف.
[4] ارتمض: حزن، أي فلم أحزن ولم آسف له. ونهته: كف.
[5] نصب الفعل على تقدير «أن» أي بعد ما كدت أن أفعله، وهو شاذ.
[6] أولى لك: كلمة توعد وتهديد، وقد تكون كلمة تلهف، يقولها الرجل إذا حاول شيئا فأفلته من بعد ما كاد يصيبه.
[7] الآلة هنا: الحالة.
[8] يريد: ينظر في أمره ويصلح من شأنه.
[9] أنفس به: أضنّ به.
بمثلك من أهل الشرف، وقد كدت بالأمس تؤكل في دار طيّى ء، وأهل البادية أهل برّ لا أهل حصون تمنعهم، وبينك وبين أهل اليمن ذؤبان من قيس، أفلا أدلّك على بلد! فقد جئت قيصر وجئت النّعمان فلم أر لضيف نازل ولا لمجتد مثله ولا مثل صاحبه. قال: من هو وأين منزله؟ قال: السّموءل بتيماء، وسوف أضرب لك مثله، هو يمنع ضعفك حتى ترى ذات عيبك، وهو في حصن حصين وحسب كبير. فقال له امرؤ القيس/ وكيف لي به؟ قال: أوصلك إلى من يوصلك إليه؛ فصحبه إلى رجل من بني فزارة يقال له الرّبيع [1] بن ضبع الفزاري ممن يأتي السموءل فيحمله ويعطيه. فلمّا صار إليه قال له الفزاريّ: إنّ السموءل يعجبه الشعر. فتعال نتناشد له أشعارا. فقال امرؤ القيس: قل حتى أقول. فقال الربيع:
قل للمنيّة أيّ حين نلتقي ... بفناء بيتك في الحضيض المزلق
وهي طويلة يقول فيها:
ولقد أتيت بني المصاص مفاخرا ... وإلى السموءل زرته بالأبلق
فأتيت أفضل من تحمّل حاجة ... إن جئته في غارم أو مرهق
عرفت له الأقوام كلّ فضيلة ... وحوى المكارم سابقا لم يسبق
قال: فقال امرؤ القيس:
طرقتك هند بعد طول تجنّب ... وهنا ولم تك قبل ذلك تطرق
وهي قصيدة طويلة، وأظنّها منحولة لأنها لا تشاكل كلام امرىء القيس، والتوليد فيها بيّن، وما دوّنها في «ديوانه» احد من الثّقات؛ وأحسبها مما صنعه دارم لأنه من ولد السموءل ومما صنعه من روى عنه من ذلك فلم تكتب هنا [2].
قال فوفد الفزاريّ بامرىء القيس إليه. فلما كانوا ببعض الطريق إذا هم ببقرة وحشية مرميّة. فلما نظر إليها أصحابه قاموا فذكّوها. فبينما هم كذلك إذا هم بقوم قنّاصين من بني ثعل [3]. فقالوا لهم: من أنتم؟ / فانتسبوا لهم، وإذا هم من جيران السموءل فانصرفوا جميعا. وقال امرؤ القيس:
/ربّ رام من بني ثعل ... مخرج كفّيه من قتره [4]
عارض زوراء من نشم ... مع باناة على وتره [5]
- هكذا في رواية ابن دارم. ويروى «غير باناة» و «تحت باناة» -
__________
[1] في «المشتبه» أنه اختلف فيه هل هو بفتح الراء أو ضمها.
[2] وردت هذه الجملة هكذا في الأصول. ولعل صوابها «أو مما صنعه من روى عنه فلم تكتب هنا».
[3] ثعل: قبيلة من طيّى ء.
[4] القتر: جمع قترة وهي بيت الصائد الذي يكمن فيه للوحش لئلا تراه فتنفر منه.
[5] يقال: عرض الرامي القوس عرضا إذا أضجعها ثم رمى عنها. وزوراء: معوجة. والنشم: شجر تتخذ منه القسي. والرواية التي كتب عنها الشراح هي رواية «غير باناة» والباناة لغة طيّىء في البانية كما يقولون في ناصية ناصاة وفي قارية قاراة. والبانية من القسي: التي لصق وترها بكبدها حتى كاد ينقطع وترها في بطنها من لصوقه بها، وهو عيب. و «على» بمعنى «عن» أي غير بانية عن الوتر. وعلى هذا الوجه يكون «غير» بنصب الراء صفة لزوراء. ويجوز أن يكون بكسر الراء على أنه من صفة الرامي، يقال رجل باناة وهو الذي ينحني صلبه إذا رمى فيذهب سهمه على وجه الأرض، وعلى هذا تكون «على» هنا في موضعها.
إذ أتته الوحش واردة ... فتثنّى النزع في يسره [1]
فرماها في فرائصها ... بإزاء الحوض أو عقره [2]
برهيش [3] من كنانته ... كتلظّي الجمر في شرره
/ راشه من ريش ناهضة ... ثم أمهاه على حجره [4]
فهو لا تنمي رميّته [5] ... ما له لا عدّ من نفره
طلب إلى السموءل أن يكتب له إلى الحارث ليوصله إلى قيصر:
قال: ثم مضى القوم حتى قدموا على السّموءل، فأنشده الشعر، وعرف لهم حقّهم، فأنزل المرأة في قبّة أدم وأنزل القوم في مجلس له براح؛ فكان عنده ما شاء اللّه. ثم إنه طلب إليه أن يكتب له إلى الحارث بن أبي شمر الغسّانيّ بالشأم ليوصله إلى قيصر؛ فاستنجد له رجلا، واستودع [6] عنده المرأة والأدراع والمال، وأقام معها يزيد بن معاوية بن الحارث ابن عمّه. فمضى حتى انتهى إلى قيصر؛ فقبله وأكرمه وكانت له عنده منزلة.
لما وصل إلى قيصر دس له عنده الطماح حتى سمه بحلة خلعها عليه:
فاندسّ رجل من بني أسد يقال له الطمّاح، وكان امرؤ القيس قد قتل أخا له من بني أسد، حتى أتى إلى بلاد الروم فأقام مستخفيا. ثم إن قيصر ضمّ إليه جيشا كثيفا وفيهم جماعة من أبناء الملوك. فلما فصل قال لقيصر قوم من أصحابه: إن العرب قوم غدر ولا تأمن أن يظفر بما يريد ثم يغزوك بمن بعثت معه. وقال ابن الكلبيّ: بل قال له الطمّاح: إنّ امرأ القيس غويّ عاهر وإنه لمّا انصرف عنك بالجيش ذكر أنه كان يراسل ابنتك ويواصلها، وهو قائل
__________
[1] واردة: عطاشا. وتثنى: انعطف. ويروى: «فتنحى» و«فتمتى» أي تمطى ومعناه: مدّ ونزع. والنزع الرمي عن القوس. وفي يسره - كما في «شرح ديوانه»، رواية أبي سهل (نسخة مخطوطة محفوظة بدار الكتب المصرية تحت رقم 13 أدب ش) - أي في يسر السهم للرمي. قال أبو سهل: يقول القوس في يساره فإذا اشتدّ يساره تابع مدّه فنفذ السهم أجود وإلا لم ينفذ جيدا. وفي «اللسان» (مادة يسر) عن الجوهري أن اليسرة بالتحريك أسرار الكف (خطوطها) إذا كانت غير ملتزقة وهي تستحب. قال شمر: ويقال في فلان يسر؛ وأنشد:
فتمتى النزع في يسره
قال: هكذا روى عن الأصمعي وفسره حيال وجهه. ويروى: «في يسره» بضم الياء وفتح السين جمعا ليسرى، ويروى «في يسره» بضمتين جمعا ليسار.
[2] الفرائص: جمع فريصة وهي التي ترعد من الدابة عند مرجع الكتف تتصل بالفؤاد. وإزاء الحوض: مصب الماء فيه. وعقره: موضع الشاربة، يريد أن هذا الرامي حاذق خبير بالرمي لا يرميها إلا في مقتل. وخص إزاء الحوض أو عقره لأنه مكان تأمن فيه وتطمئن إليه، فهو أمكن له فيما يريد منها.
[3] الرهيش: السهم الضامر الخفيف.
[4] الناهض الذي وفر جناحه ونهض للطيران. وأدخل الهاء في ناهضة للمبالغة أو لأنه أراد الأنثى، كما يقال صقر وصقرة. قال أبو بكر: وخص ريش النواهض لأن ريشها ألين وأطول وريش المسان لا خير فيه. أمهاه: أرقه. وقال أبو عبيدة: أمهاه: سقاه الماء.
[5] أي لا ترتفع من مكانها الذي أصابها فيه السهم لحذق الرامي؛ يقال: أنميت الصيد فنمى ينمي وذلك أن ترميه فتصيبه ويذهب عنك فيموت بعد ما يغيب. ومعنى لا عد من نفره: أماته اللّه فلا يعد من قومه، والمراد التعجب منه، كما يقال: قاتله اللّه في موضع المدح والتعجب.
[6] في ج: «و استودعه».
في ذلك أشعارا يشهّرها بها في العرب فيفضحها ويفضحك. فبعث إليه حينئذ بحلّة وشي مسمومة منسوجة بالذهب وقال له: إني أرسلت إليك بحلّتي التي كنت ألبسها تكرمة لك، فإذا وصلت إليك فالبسها باليمن والبركة، واكتب إليّ بخبرك من منزل منزل. فلما/ وصلت إليه لبسها واشتدّ سروره بها؛ فأسرع فيه السمّ وسقط جلده؛ فلذلك سمّي ذا القروح، وقال في ذلك:
لقد طمح الطمّاح من بعد أرضه ... ليلبسني ممّا يلبّس أبؤسا [1]
فلو أنها نفس بموت سويّة ... ولكنّها نفس تساقط أنفسا
قال: فلما صار إلى بلدة من بلاد الروم تدعى أنقرة احتضر بها؛ فقال:
رب خطبة مسحنفره ... وطعنة مثعنجره [2]
وجفنة متحيّره ... حلّت بأرض أنقره
ورأى قبر امرأة من أبناء الملوك ماتت هناك فدفنت في سفح جبل يقال له عسيب؛ فسأل عنها فأخبر بقصتها، فقال:
/أجارتنا إنّ المزار قريب ... وإنّي مقيم ما أقام عسيب
/ أجارتنا إنّا غريبان هاهنا ... وكلّ غريب للغريب نسيب
ثم مات فدفن إلى جنب المرأة، فقبره هناك.
عبد الملك بن عمير يحدث عمر بن هبيرة بحديث عنه فيسرّ به ويجيزه:
أخبرني محمد بن القاسم عن مجالد بن سعيد عن عبد الملك بن عمير قال:
قدم علينا عمر بن هبيرة الكوفة، فأرسل إلى عشرة أنا أحدهم من وجوه الكوفة فسمروا عنده، ثم قال:
ليحدّثني كلّ رجل منكم أحدوثة وابدأ أنت يا أبا عمر [3]. فقلت أصلح اللّه الأمير! أحديث الحقّ أم حديث الباطل؟
قال: بل حديث الحق. قلت: إنّ امرأ القيس آلى بأليّة ألّا يتزوّج امرأة حتى يسألها عن ثمانية وأربعة وثنتين؛ فجعل
__________
[1] في «ديوانه»:
وبدلت قرحا داميا بعد صحة ... لعل منايانا تحولن أبؤسا
لقد طمح الطماح من بعد أرضه ... ليلبسني من دائه ما تلبسا
[2] يقال: اسحنفر في خطبته إذا مضى واتسع في كلامه. والمثعنجرة: السائلة، يقال: ثعجر الدم فاثعنجر إذا صبه فاتصب. والجفنة المتحيرة: الممتلئة طعاما ودسما. وهذه الشطرة الثالثة غير متزنة. وقد ورد هذا الشعر في مقدمة «ديوانه» المخطوط المحفوظ بدار الكتب المصرية برقم 13 أدب ش:
وطعنة مثعنجره ... وخطبة مسحنفره
وجفنة مدعثره ... تبقى غدا بأنقره
والجفنة المدعثرة: وورد في «اللسان» (مادة ثعجر) وكتاب «الشعر والشعراء» وليس فيهما هذا الشطر؛ ففي «اللسان»:
رب جفنة مثعنجره ... وطعنة مسحنفره
تبقى غدا بأنقره
وفي «الشعر والشعراء»:
وطعنة مسحنفره ... وجفنة مثعنجره
تبقى غدا بأنقره
[3] يكنى عبد الملك بن عمير أبا عمر وأبا عمرو.
يخطب النساء، فإذا سألهنّ عن هذا قلن أربعة عشر. فبينما هو يسير في جوف الليل إذا هو برجل يحمل ابنة له صغيرة كأنها البدر ليلة تمامه، فأعجبته، فقال لها: يا جارية! ما ثمانية وأربعة واثنتان؟. فقالت: أمّا ثمانية فأطباء الكلبة. وأمّا أربعة فأخلاف الناقة. وأمّا اثنتان فثديا المرأة. فخطبها إلى أبيها فزوّجه إيّاها. وشرطت هي عليه أن تسأله ليلة بنائها عن ثلاث خصال، فجعل لها ذلك، وأن يسوق إليها مائة من الإبل وعشرة أعبد وعشر وصائف وثلاثة أفراس ففعل ذلك. ثم إنه بعث عبدا له إلى المرأة وأهدى إليها نحيا [1] من سمن ونحيا من عسل وحلّة من عصب. فنزل العبد ببعض المياه فنشر الحلّة ولبسها فتعلّقت بعشرة فانشقّت، وفتح النّحيين فطعم أهل الماء منهما فنقصا. ثم قدم على حيّ المرأة وهم خلوف [2]. فسألها عن أبيها وأمّها وأخيها ودفع إليها هديّتها. فقالت له: أعلم مولاك أن أبي ذهب يقرّب بعيدا ويبعّد قريبا، وأن أمّي ذهبت تشقّ النّفس/ نفسين، وأنّ أخي يراعي الشمس، وأن سماءكم انشقّت، وأنّ وعاءيكم نضبا. فقدم الغلام على مولاه فأخبره. فقال: أمّا قولها إنّ أبي ذهب يقرّب بعيدا ويبعّد قريبا، فإنّ أباها ذهب يحالف قوما على قومه. وأمّا قولها ذهبت أمّي تشقّ النفس نفسين، فإنّ أمّها ذهبت تقبل [3] امرأة نفساء. وأمّا قولها: إنّ أخي يراعي الشمس، فإنّ أخاها في سرح له يرعاه فهو ينتظر وجوب الشمس ليروح به. وأمّا قولها: إن سماءكم انشقّت، فإن البرد الذي بعثت به انشقّ. وأمّا قولها إن وعاءيكم نضبا، فإنّ النّحيين اللّذين بعثت بهما نقصا، فاصدقني. فقال: يا مولاي، إني نزلت بماء من مياه العرب، فسألوني عن نسبي فأخبرتهم أنّي ابن عمّك، ونشرت الحلّة فانشقّت، وفتحت النّحيين فأطعمت منهما أهل الماء. فقال: أولى لك!.
ثم ساق مائة من الإبل وخرج نحوها ومعه الغلام، فنزلا منزلا. فخرج الغلام يسقي الإبل فعجز؛ فأعانه امرؤ القيس؛ فرمى به الغلام في البئر، وخرج حتى أتى المرأة بالإبل، وأخبرهم أنه زوجها. فقيل لها: قد جاء زوجك.
فقالت: واللّه ما أدري أزوجي هو أم لا! ولكن انحروا له جزورا وأطعموه من كرشها وذنبها ففعلوا. فقالت: اسقوه لبنا حازرا (و هو الحامض) فسقوه فشرب. فقالت: افرشوا له عن، الفرث [4] والدم، ففرشوا له فنام. فلما أصبحت أرسلت إليه: إني أريد أن أسألك. فقال: سلي عمّا شئت. فقالت: ممّ تختلج شفتاك؟ قال: لتقبيلي إيّاك. قالت:
فممّ يختلج كشحاك؟ قال: لالتزامي إيّاك. قالت: فممّ يختلج فخذاك؟ قال: لتورّكي إيّاك. قالت: عليكم العبد فشدّوا أيديكم/ به، ففعلوا. قال: ومرّ قوم فاستخرجوا امرأ القيس من البئر، فرجع إلى حيّه، فاستاق مائة من الإبل وأقبل إلى امرأته. فقيل لها: قد جاء/ زوجك. فقالت: واللّه ما أدري أهو زوجي أم لا، ولكن انحروا له جزورا فأطعموه من كرشها وذنبها ففعلوا. فلما أتوه بذلك قال: وأين الكبد والسّنام والملحاء [5]! فأبى أن يأكل.
فقالت: اسقوه لبنا حازرا. فأبى أن يشربه وقال: فأين الصّريف [6] والرّثيئة!. فقالت: افرشوا له عند الفرث والدم.
فأبى أن ينام وقال: افرشوا لي فوق التّلعة الحمراء، واضربوا عليها خباء. ثم أرسلت إليه: هلمّ شربطتي عليك في المسائل الثلاث. فأرسل إليها أن سلي عمّا شئت. فقالت: ممّ تختلج شفتاك قال: لشربي المشعشعات. قالت: فممّ
__________
[1] النحي: الزق.
[2] خلوف: غيب.
[3] يقال: قبلت القابلة المرأة إذا تلقت ولدها عند ولادته.
[4] الفرث: السرجين ما دام في الكرش.
[5] الملحاء: لحم في الصلب من الكاهل إلى العجز من البعير.
[6] الصريف: الحليب الحار ساعة يصرف عن الضرع. والرئينة: اللبن الحليب يصب عليه اللبن الحامض فيروب من ساعته.
يختلج كشحاك، قال: للبسي الحبرات. قالت: فممّ تختلج فخذاك؟ قال: لركضي المطهّمات. فقالت: هذا زوجي لعمري! فعليكم به، واقتلوا العبد، فقتلوه. ودخل امرؤ القيس بالجارية. فقال ابن هبيرة: حسبكم! فلا خير في الحديث في سائر الليلة بعد حديثك يا أبا عمرو؛ ولن تأتينا بأعجب منه فقمنا وانصرفنا. وأمر لي بجائزة.
مفاوضات امرىء القيس وقبائل أسد بعد موت حجر:
نسخت من كتاب جدّي يحيى بن محمد بن ثوابة بخطّه رحمه اللّه حدّثني الحسن بن سعيد عن أبي عبيدة قال أخبرني سيبويه النحويّ أنّ الخليل بن أحمد أخبره قال:
قدم على امرىء القيس بن حجر بعد مقتل أبيه رجال من قبائل بني أسد كهول وشبّان، فيهم المهاجرين خداش ابن عمّ عبيد بن الأبرص، وقبيصة بن نعيم، وكان في بني أسد مقيما وكان ذا بصيرة بمواقع الأمور وردا وإصدارا [1] يعرف ذلك له من كان محيطا بأكناف بلده من العرب. فلما علم بمكانهم أمر بإنزالهم وتقدّم بإكرامهم والإفضال عليهم، واحتجب عنهم ثلاثا. فسألوا من حضرهم من رجال كندة،/ فقال: هو في شغل بإخراج ما في خزائن حجر من السّلاح والعدّة. فقالوا: اللّهم غفرا، إنما قدمنا في أمر نتناسى به ذكر ما سلف ونستدرك به ما فرط، فليبلّغ ذلك عنّا. فخرج عليهم في قباء وخفّ وعمامة سوداء؛ وكانت العرب لا تعتمّ بالسّواد إلّا في التّرات.
فلمّا نظروا إليه قاموا له، وبدر إليه قبيصة: إنك في المحلّ والقدر والمعرفة بتصرّف الدهر وما تحدثه أيّامه وتتنقّل به أحواله بحيث لا تحتاج إلى تبصير واعظ ولا تذكرة مجرّب. ولك من سؤدد منصبك وشرف أعراقك وكرم أصلك في العرب محتمل يحتمل ما حمل عليه من إقالة العثرة، ورجوع عن هفوة. ولا تتجاوز الهمم إلى غاية إلّا رجعت إليك فوجدت عندك من فضيلة الرأي وبصيرة الفهم وكرم الصفح في الذي كان من الخطب الجليل الذي عمّت رزيته نزارا واليمن، ولم تخصص كندة بذلك دوننا للشّرف البارع. كان لحجر التاج والعمّة فوق الجبين الكريم وإخاء الحمد وطيب الشّيم. ولو كان يفدى هالك بالأنفس الباقية بعده لما بخلت كرائمنا على مثله ببذل ذلك ولفديناه منه، ولكن مضى به سبيل لا يرجع أولاه على أخراه ولا يلحق أقصاه أدناه. فأحمد الحالات في ذلك أن تعرف الواجب عليك في إحدى خلال: إمّا أن اخترت من بني أسد أشرفها بيتا، وأعلاها في بناء المكرمات صوتا، فقدناه إليك بنسعه [2] تذهب مع شفرات حسامك/ قصدته [3] فيقول رجل: امتحن بهلك عزيز فلم تستلّ سخيمته إلّا بتمكينه من الانتقام، أو فداء بما يروح من بني أسد من نعمها فهي ألوف تجاوز الحسبة فكان ذلك فداء رجعت به القضب إلى أجفانها لم يردده تسليط الإحن على البراءاء؛ وإما أن/ توادعنا حتى تضع الحوامل فنسدل الأزر ونعقد الخمر فوق الرايات.
قال: فبكى ساعة ثم رفع رأسه فقال: لقد علمت العرب أن لا كف ء لحجر في دم، وإني لن أعتاض به جملا أو ناقة فأكتسب بذلك سبّة الأبد وفتّ العضد. وأمّا النّظرة [4] فقد أوجبتها الأجنّة في بطون أمّهاتها، ولن أكون لعطبها سببا، وستعرفون طلائع كندة من بعد ذلك، تحمل القلوب حنقا وفوق الأسنّة علقا [5]
__________
[1] كان ينبغي أن يكون « ... بمواقع الأمور إيرادا وإصدارا» أو « ... وردا وصدرا».
[2] النسع: سير مضفور يجعل زماما للبعير وغيره. وفي الحديث: «يجر نسعة في عنقه».
[3] كذا في ج: والقصدة: العنق. وفي سائر الأصول: «قصيدته» وهو تصغير «قصدة» وقد ورد في الأصول: هكذا: «تذهب مع شفرات حسامك ثنائي قصيدته». ولم نفهم لكلمة «ثنائي» ها هنا معنى.
[4] النظرة: الإمهال.
[5] العلق: الدم.
إذا جالت الخيل في مأزق ... تصافح [1] فيه المنايا النفوسا
أتقيمون أم تنصرفون؟ قالوا: بل ننصرف بأسوأ الاختيار، وأبلى الاجترار لمكروه وأذيّة، وحرب وبليّة. ثم نهضوا عنه، وقبيصة يقول متمثّلا:
لعلك أن تستوخم [2] الموت إن غدت ... كتائبنا في مأزق الموت تمطر [3]
فقال امرؤ القيس: لا واللّه لا أستوخمه، فرويدا ينكشف لك دجاها عن فرسان كندة وكتائب حمير. ولقد كان ذكر غير هذا أولى بي إذ كنت نازلا بربعي؛ ولكنك قلت فأجبت. فقال قبيصة: ما نتوقّع فوق قدر المعاتبة والإعتاب. قال امرؤ القيس: فهو ذاك.
أصوات معبد المعروفة بالقابها وهي خمسة
أصوات معبد الخمسة وألقابها:
أخبرني محمد بن مزيد بن أبي الأزهر قال حدّثنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه، وأخبرني إسماعيل بن يونس الشّيعيّ قال حدّثنا عمر بن شبّة عن إسحاق، وأخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد بن إسحاق عن أبيه، وأخبرني عليّ بن عبد العزيز عن ابن خرداذبة عن إسحاق:
/ أن معبدا كان يسمّي صوته:
هريرة ودّعها وإن لام لائم
الدّوّامة لكثرة ما فيه من الترجيع. ويسمّي صوته:
عاود القلب من تذكّر جمل
المنمنم. ويسمّي صوته:
أمن آل ليلى بالملا متربّع
معقّصات القرون أي يحرك خصل الشعر. ويسمّي صوته:
[جعل [4] اللّه جعفرا لك بعلا
المتبختر. ويسمي صوته]:
ضوء برق بدا لعينيك أم شبّت ... بذي الأثل من سلامة [4] نار [مقطّع الأثفار [4]].
__________
[1] كذا في ج: وفي سائر الأصول: «تدافع».
[2] استوخم الشي ء: لم يستمرئه.
[3] لعلها «تخطر».
[4] التكملة أثبتناها من بيان نسبة الأصوات فيما يأتي ص 132.
نسبة هذه الأصوات وأخبارها
هريرة ودّعها وإن لام لائم ... غداة غد أم أنت للبين واجم
لقد كان في حول ثواء ثويته ... تقضّى لبانات ويسأم سائم
مبتّلة هيفاء رود شبابها ... لها مقلتا ريم وأسود فاحم
ووجه نقيّ اللّون صاف يزينه ... مع الحلي لبّات لها ومعاصم
الواجم: الساكت المطرق من الحزن، يقال: وجم يجم وجوما. وقوله: «لقد كان في حول ثواء ثويته»: قال الكوفيون: أراد لقد كان في ثواء حول ثويته، فجعل ثواء بدلا من حول. وأخبرنا أبو خليفة عن محمد بن سلّام عن يونس قال: كان أبو عمرو بن العلاء يعيب/ قول الأعشى:
لقد كان في حول ثواء ثويته
/ جدّا ويقول: ما أعرف له معنى ولا وجها يصحّ. قال أبو خليفة: وأمّا أبو عبيدة فإنه قال: معناه لقد كان في ثواء حول ثويته. واللّبانات والمآرب والحوائج والأوطار واحد. والمبتّلة: الحسنة الخلق. والهيفاء: اللطيفة الخصر. والرّئم: الظبي. والفاحم: الشديد السواد. وقال: لبّات لها وإنما لها لبّة واحدة ولكنّ العرب تقول ذلك كثيرا؛ يقال: لها لبّات حسان، يراد اللّبّة وما حولها. والمعاصم: موضع الأسورة، وواحدها معصم.
الشعر للأعشى. والغناء لمعبد، وله فيه لحنان، أحدهما وهو الملقّب بالدوّامة خفيف ثقيل أوّل بالسبّابة في مجرى الوسطى عن إسحاق، والآخر ثقيل عن الهشاميّ وابن خرداذبة.
5 - أخبار الأعشى ونسبه
نسبه وكنيته:
الأعشى هو ميمون بن قيس بن جندل بن شراحيل بن عوف بن سعد بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة الحصن بن عكابة بن صعب بن عليّ بن بكر بن وائل بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعميّ بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار. ويكنى أبا بصير.
لقب أبيه قتيل الجوع:
وكان يقال لأبيه قيس بن جندل قتيل الجوع، سمي بذلك لأنه دخل غارا يستظل فيه من الحرّ، فوقعت صخرة عظيمة من الجبل فسدّت فم الغار فمات فيه جوعا. فقال فيه جهنّام واسمه عمرو وهو من قومه من بني قيس بن ثعلبة يهجوه وكانا يتهاجيان:
أبوك قتيل الجوع قيس بن جندل ... وخالك عبد من خماعة [1] راضع
شاعر جاهلي:
وهو أحد الأعلام من شعراء الجاهلية وفحولهم وتقدّم على سائرهم، وليس ذلك بمجمع عليه لا فيه ولا في غيره.
أشعر الناس إذا طرب:
أخبرني أبو خليفة عن محمد بن سلّام قال سألت يونس النحوي: من أشعر الناس؟ قال: لا أوميء إلى رجل بعينه ولكني أقول: امرؤ القيس إذا غضب، والنابغة إذا رهب، وزهير إذا رغب، والأعشى إذا طرب.
قبيلته أشعر القبائل عند حسان:
أخبرني ابن عمّار عن ابن مهرويه عن حذيفة بن محمد عن ابن سلّام بمثله.
أخبرني عمّي قال حدّثنا ابن أبي سعد قال حدّثنا عليّ بن الصبّاح عن ابن الكلبيّ عن أبيه وأبي مسكين.
/ أن حسانا سئل: من أشعر الناس؟ فقال: أشاعر بعينه أم قبيلة؟ قالوا: بل قبيلة. قال: الزّرق من بني قيس بن ثعلبة، وهذا حديث يروى أيضا عن غير حسان.
فاخر ابن شفيع بقبيلته بني ثعلبة عبد العزيز بن زرارة:
أخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن عمّار عن ابن مهرويه قال حدّثنا عبدة بن عصمة عن فراس بن خندف عن عليّ بن شفيع قال:
__________
[1] خماعة: بطن من العرب سموا باسم خماعة بنت جشم بن ربيعة بن زيد مناة. والراضع: اللئم.
إني لواقف بسوق حجر [1] إذ أنا برجل من هيئته وحاله عليه مقطّعات خزّ وهو على نجيب مهريّ عليه رحل لم أر قطّ أحسن منه وهو يقول: من يفاخرني من ينافرني ببني عامر بن صعصعة فرسانا وشعراء وعددا وفعالا؟! قلت:
أنا. قال: بمن؟ قلت: ببني ثعلبة بن عكابة بن صعب بن عليّ بن بكر بن وائل. فقال: أما بلغك أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم نهى عن المنافرة؟ ثم ولّى هاربا. قلت: من هذا؟ قيل: عبد العزيز بن زرارة بن جزء بن سفيان الكلابيّ.
هو صناجة العرب:
أخبرني حبيب بن نصر المهلّبيّ وأحمد بن عبد العزيز الجوهريّ قالا حدّثنا/ عمر بن شبّة قال:
قال أبو عبيدة: من قدّم الأعشى يحتجّ بكثرة طواله الجياد وتصرفه في المديح والهجاء وسائر فنون الشعر، وليس ذلك لغيره. ويقال: هو أوّل من سأل بشعره، وانتجع به أقاصي البلاد. وكان يغنّى في شعره، فكانت العرب تسّمّيه صنّاجة العرب.
أخبرني المهلّبيّ والجوهريّ قالا حدّثنا عمر بن شبّة قال: سمعت خلّادا الأرقط يقول سمعت خلفا الأحمر يقول:
لا يعرف من أشعر الناس كما لا يعرف من أشجع الناس ولا من كذا ولا من كذا، لأشياء ذكرها خلف ونسيتها أنا. أبو زيد عمر بن شبّة يقول هذا.
كان أبو عمرو بن العلاء يقدمه:
أخبرني محمد بن العبّاس اليزيديّ قال حدّثني عمّي يوسف قال حدّثني عمّي إسماعيل بن أبي محمد قال أخبرني أبي قال: سمعت أبا عمرو بن العلاء يقدّم الأعشى.
سئل مروان بن أبي حفصة عن أشعر الناس فقدمه بشعره:
وقا هشام بن الكلبيّ أخبرني أبو قبيصة المجاشعيّ أن مروان بن أبي حفصة سئل: من أشعر الناس؟ قال: الذي يقول:
كلا أبويكم كان فرع دعامة ... ولكنّهم زادوا وأصبحت ناقصا
يعني الأعشى.
قدمه حماد على جميع الشعراء حين سأله المنصور عن ذلك:
أخبرني محمد بن العبّاس اليزيديّ قال حدّثني عمّي قال قال سلمة بن نجاح أخبرني يحيى بن سليم الكاتب قال:
بعثني أبو جعفر أمير المؤمنين بالكوفة [2] إلى حمّاد الراوية أسأله عن أشعر الشعراء. قال: فأتيت باب حمّاد فاستأذنت وقلت: يا غلام! فأجابني إنسان من أقصى بيت في الدار فقال: من أنت؟ فقلت: يحيى بن سليم رسول
__________
[1] حجر: مدينة باليمامة.
[2] لعل الأصل: «بعثني أبو جعفر أمير المؤمنين إلى حماد الراوية بالكوفة ... إلخ».
أمير المؤمنين. قال: ادخل رحمك اللّه! فدخلت أتسمّت [1] الصوت حتى وقفت على باب البيت، فإذا حمّاد عريان على فرجه دستجة [2] شاهسفرم. فقلت: إن أمير المؤمنين يسألك عن أشعر الناس. فقال: نعم! ذلك الأعشى صنّاجها.
أوصى أبو عمرو بن العلاء الناس بشعره:
أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدّثنا عمر بن شبّة قال سمعت أبا عبيدة يقول سمعت أبا عمرو بن العلاء يقول: عليكم بشعر الأعشى، فإني شبّهته بالبازي يصيد ما بين العندليب إلى الكركيّ.
وضعه جني في المرتبة الثالثة بعد امرىء القيس وطرفة:
أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدّثنا عمر بن شبّة قال سمعت أبا عبيدة يقول:
بلغني أن رجلا من أهل البصرة حجّ - وروى هذا الحديث ابن الكلبيّ عن شعيب بن عبد الرحمن أبي معاوية النحويّ عن رجل من أهل البصرة أنه حجّ - قال فإني لأسير في ليلة إضحيانة [3] إذ نظرت إلى رجل شابّ راكب على ظليم قد زمّه بخطامه وهو يذهب عليه ويجيء، وهو يرتجز ويقول:
هل يبلغنّيهم إلى الصّباح ... هقل [4] كأن رأسه جمّاح
الجمّاح: أطراف النبت الذي يسمى الحليّ وهو سنبله، إلّا أنه ليس بخشن [5] يشبه أذناب الثعالب [6]. قال:
والجمّاح أيضا سهيم يلعب به الصّبيان يجعلون مكان زجّه طينا - قال: فعلمت أنه ليس بإنسيّ، فاستوحشت منه.
فتردّد عليّ ذاهبّا وراجعا حتى أنست به؛ فقلت: من أشعر الناس يا هذا؟ قال: الذي يقول:
وما ذرفت عيناك إلّا لتضربي ... بسهميك في أعشار قلب مقتّل
قلت: ومن هو؟ قال: امرؤ القيس. قلت: فمن الثاني؟ قال: الذي يقول:
تطرد القرّ بحرّ ساخن ... وعكيك [7] القيظ إن جاء بقرّ
/ قلت: ومن يقوله؟ قال: طرفة. قلت: ومن الثالث؟ قال: الذي يقول:
وتبرد برد رداء العرو ... س بالصّيف رقرقت [8] فيه العبيرا
قلت: ومن يقوله؟ قال: الأعشى، ثم ذهب به.
__________
[1] تسمت الشي ء: قصد نحوه.
[2] كذا في أو «شفاء الغليل». والدستجة: الحزمة والشاهسفرم: نوع من الريحان يقال له الريحان السلطاني.، فارسي معرب. وفي سائر الأصول: «دستجة شاهسفره» وهو تحريف.
[3] ليلة إضحيانة: مضيئة.
[4] الهقل: الفتى من النعام.
[5] في الأصول: «بحسن» وهو تصحيف.
[6] ذنب الثعلب: نبات على هيئة أذناب الثعالب.
[7] العكيك: صفة من العك أو العكك وهو شدة الحر في سكون الريح. وورد البيت في «اللسان» وفيه لفظة «صادق» بدل «ساخن».
يصف جارية بأنها تطرد عن ملتزمها شدة برد الشتاء بحرارتها، وتطرد عنه شدة قيظ الصيف بطراوتها.
[8] رقرق الطيب في الثوب: أجراه فيه.
هو أستاذ الشعراء في الجاهلية وجرير أستاذهم في الإسلام:
أخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن عمّار قال حدّثني أبو عدنان قال وقال لي يحيى بن الجون العبديّ راوية بشّار:
نحن حاكة الشّعر في الجاهليّة والإسلام ونحن أعلم الناس به، أعشى بني قيس بن ثعلبة أستاذ الشعراء في الجاهليّة.
وجرير بن الخطفى أستاذهم في الإسلام.
حديث الشعبي عنه:
أخبرني محمد بن العبّاس اليزيديّ قال حدّثنا الرّياشيّ قال:
قال الشّعبيّ: الأعشى أغزل الناس في بيت، وأخنث الناس في بيت، وأشجع الناس في بيت. فأمّا أغزل بيت فقوله:
غرّاء فرعاء مصقول عوارضها ... تمشي الهوينى كما يمشي الوجي الوحل [1]
وأمّا أخنث بيت فقوله:
قالت هريرة لمّا جئت زائرها ... ويلي عليك وويلي منك يا رجل
وأمّا أشجع بيت فقوله:
قالوا الطّراد فقلنا تلك عادتنا ... أو تنزلون فإنا معشر نزل
حماد الراوية يسأل عن أشعر العرب فيجيب من شعره:
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا ابن مهرويه عن ابن أبي سعد قال ذكر الهيثم بن عديّ أن حمّادا الراوية سئل عن أشعر العرب، قال الذي يقول:
نازعتهم قضب الرّيحان متّكئا ... وقهوة مزّة [2] راووقها خضل
كان قدريا وكان لبيد مثبتا:
أخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن عمّار قال حدّثنا أبو عليّ العنزيّ قال حدّثني محمد بن معاوية الأسديّ قال حدّثني رجل عن أبان بن تغلب عن سماك بن حرب قال قال لي يحيى بن متّى راوية الأعشى وكان نصرانيّا عباديّا وكان معمّرا قال:
/ كان الأعشى قدريّا [3] وكان لبيد مثبتا. قال لبيد:
من هداه سبل الخير اهتدى ... ناعم البال ومن شاء أضلّ
وقال الأعشى.
إستأثر اللّه بالوفاء وبال ... عدل وولّى الملامة الرّجلا
__________
[1] الوجي: وصف من الوجي، وهو أن يجد ألما في رجليه عند المشي. والوحل: الماشي في الوحل.
[2] المزة والمزاء: التي فيها مزازة. والراووق: الباطية، أي إناء الخمر. واستعمال الراووق في الباطية قليل، والمعروف أن الراووق المصفاة التي تروّق وتصفى فيها الخمر. والخضل: الدائم الندى.
[3] القدرية: جاحد والقدر أي ينكرون أن اللّه قدّر على عباده الشر، وهو ما ذهبت إليه فرقة من المسلمين يقال لهم المعتزلة.
قلت: فمن أين أخذ الأعشى مذهبه؟ قال: من قبل العباديّين نصارى الحيرة، كان يأتيهم يشتري منهم الخمر فلقّنوه ذلك.
هريرة عشيقته:
أخبرني محمد بن العبّاس اليزيديّ قال حدّثنا أبو شراعة في مجلس الرّياشيّ قال حدّثنا مشايخ بني قيس بن ثعلبة قالوا:
كانت هريرة التي يشبّب بها الأعشى أمة سوداء لحسّان بن عمرو بن مرثد.
وأخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال حدّثنا أبو حاتم عن أبي عبيدة عن فراس بن الخندف قال:
كانت هريرة وخليدة أختين قينتين كانتا لبشر بن عمرو بن مرثد، وكانتا تغنّيانه النّصب [1]، وقدم بهما اليمامة لمّا هرب من النّعمان. قال ابن دريد فأخبرني عمّي عن ابن الكلبيّ بمثل ذلك.
مدح المحلق الكلابي وذكر بناته فتزوّجن:
وأخبرني محمد بن العبّاس اليزيديّ عن الرّياشيّ مما أجازه له عن العتبيّ عن رجل من قيس عيلان قال:
كان/ الأعشى يوافي سوق عكاظ في كلّ سنة، وكان المحلّق الكلابيّ مئناثا [2] مملقا. فقالت له امرأته: يا أبا كلاب، ما يمنعك من التعرّض لهذا الشاعر! / فما رأيت أحدا اقتطعه إلى نفسه إلا وأكسبه خيرا. قال: ويحك! ما عندي إلا ناقتي وعليها الحمل!. قالت: اللّه يخلفها عليك. قال: فهل له بدّ من الشّراب والمسوح [3]؟ قالت: إنّ عندي ذخيرة لي ولعلّي أن أجمعها. قال: فتلقّاه قبل أن يسبق إليه أحد وابنه يقوده فأخذ الخطام؛ فقال الأعشى: من هذا الذي غلبنا على خطامنا؟ قال: المحلّق. قال: شريف كريم، ثم سلّمه إليه فأناخه؛ فنحر له ناقته وكشط له عن سنامها وكبدها، ثم سقاه، وأحاطت بناته به يغمزنه ويمسحنه. فقال: ما هذه الجواري حولي؟ قال: بنات أخيك وهنّ ثمان شريدتهن قليلة. قال: وخرج من عنده ولم يقل فيه شيئا. فلما وافى سوق عكاظ إذا هو بسرحة قد اجتمع الناس عليها وإذا الأعشى ينشدهم.
لعمري لقد لاحت عيون كثيرة ... إلى ضوء نار باليفاع تحرّق
تشبّ لمقرورين يصطليانها ... وبات على النار النّدى والمحلّق
رضيعي لبان ثدي أمّ تحالفا ... بأسحم [4] داج عوض لا نتفرّق
فسلّم عليه المحلّق؛ فقال له: مرحبا يا سيّدي بسيّد قومه. ونادى: يا معاشر العرب، هل فيكم مذكار [5] يزوّج ابنه إلى الشريف الكريم!. قال: فما قام من مقعده وفيهنّ مخطوبة إلا وقد زوّجها. وفي أول القصيدة عناء وهو:
__________
[1] النصب: ضرب من أغاني العرب شبيه بالحداء.
[2] المثناث: الذي اعتاد أن يلد الإناث.
[3] المسوح: جمع مسح وهو كساء من شعر كثوب الرهبان.
[4] بأسحم داج: قيل المراد به الليل، وقيل سواد حلمة الثدي، وقيل الرحم. وعوض: أبدا. يقول: هو والندى رضعا من ثدي واحد وتحالفا ألا يتفرّقا أبدا. (راجع «لسان العرب» مادة عوض).
[5] المذكار: الذي اعتاد أن يلد الذكور.
صوت
أرقت وما هذا السّهاد المؤرّق ... وما بي من سقم وما بي معشق
ولكن أراني لا أزال بحادث ... أغادى بما لم يمس عندي وأطرق
/ غنّاه ابن محرز خفيف ثقيل أوّل بالسبّابة في مجرى البنصر عن إسحاق. وفيه لحن ليونس من كتابه غير مجنّس.
وفيه لابن سريج ثقيل بإطلاق الوتر في مجرى الوسطى عن إسحاق وعمرو.
اسم المحلق الكلابي وسبب كنيته وسبب اتصاله بالأعشى:
أخبرني أبو العباس اليزيديّ قال حدّثني عمّي عبيد اللّه عن ابن حبيب عن ابن الأعرابيّ عن المفضّل قال:
اسم المحلّق عبد العزّى [1] بن حنتم بن شدّاد بن ربيعة بن عبد اللّه بن عبيد وهو أبو بكر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة. وإنما سمّي محلّقا لأن حصانا له عضّه في وجنته فحلّق فيه حلقة.
قال: وأنشد الأعشى قصيدته هذه [كسرى [2]] ففسّرت له؛ فلما سمعها قال: إن كان هذا سهر لغير سقم ولا عشق فما هو إلا لصّ.
وذكر عليّ بن محمد النّوفليّ في خبر المحلّق مع الأعشى غير هذه الحكايات، وزعم أن أباه حدّثه عن بعض الكلابيّين من أهل البادية قال:
كان لأبي المحلّق شرف فمات وقد أتلف ماله، وبقي المحلّق وثلاث أخوات له ولم يترك لهم إلا ناقة واحدة وحلّتي برود حبرة كان يشهد فيهما الحقوق [3]. فأقبل الأعشى من بعض أسفاره يريد منزله باليمامة، فنزل الماء الذي به المحلّق، فقراه أهل الماء فأحسنوا قراه. فأقبلت عمّة المحلّق فقالت: يابن أخي! هذا الأعشى قد/ نزل بمائنا وقد قراه أهل الماء، والعرب تزعم أنه لم يمدح قوما إلّا رفعهم،/ ولم يهج قوما إلا وضعهم؛ فانظر ما أقول لك واحتل في زقّ من خمر من عند بعض التّجّار فأرسل إليه بهذه الناقة والزّقّ وبردي أبيك؛ فو اللّه لئن اعتلج الكبد والسّنام والخمر في جوفه ونظر إلى عطفيه في البردين، ليقولنّ فيك شعرا يرفعك به. قال: ما أملك غير هذه الناقة، وأنا أتوقّع رسلها [4]. فأقبل يدخل ويخرج ويهمّ ولا يفعل؛ فكلّما دخل على عمّته حضّته؛ حتى دخل عليها فقال:
قد ارتحل الرجل ومضى. قالت: الآن واللّه أحسن ما كان القرى! تتبعه ذلك مع غلام أبيك - مولى له أسود شيخ - فحيثما لحقه أخبره عنك أنك كنت غائبا عن الماء عند نزوله إيّاه، وأنّك لمّا وردت الماء فعلمت أنه كان به كرهت أن يفوتك قراه؛ فإنّ هذا أحسن لموقعه عنده. فلم تزل تحضّه حتى أتى بعض التّجار فكلّمه أن يقرضه ثمن زقّ خمر وأتاه بمن يضمن ذلك عنه فأعطاه؛ فوجّه بالناقة والخمر والبردين مع مولى أبيه فخرج يتبعه؛ فكلما مرّ بماء قيل:
ارتحل أمس عنه، حتى صار إلى منزل الأعشى بمنفوحة اليمامة فوجد عنده عدّة من الفتيان قد غدّاهم بغير لحم
__________
[1] في الأصول: «عبد العزيز بن خيثم». والتصويب عن شرح «القاموس» (مادة حلق وحنتم).
[2] تكملة عن «كتاب الشعر والشعراء».
[3] كذا في «تجريد الأغاني». وفي الأصول: «إلا ناقة واحدة وحلتي برود جيدة كان يسدّ بها الحقوق» وهو تحريف.
[4] الرسل: اللبن.
وصبّ لهم فضيخا [1] فهم يشربون منه، إذ قرع الباب فقال: انظروا من هذا؟ فخرجوا فإذا رسول المحلّق يقول كذا وكذا. فدخلوا عليه وقالوا: هذا رسول المحلّق الكلابيّ أتاك بكيت وكيت. فقال: ويحكم! أعرابيّ والذي أرسل إليّ لا قدر له! واللّه لئن اعتلج الكبد والسّنام والخمر في جوفي لأقولنّ فيه شعرا لم أقل قطّ مثله. فواثبه الفتيان وقالوا: غبت عنّا فأطلت الغيبة ثم أتيناك فلم تطعمنا لحما وسقيتنا الفضيخ واللّحم والخمر ببابك، لا نرضى بدا منك. فقال:
ائذنوا له؛ فدخل فأدّى الرسالة وقد أناخ الجزور بالباب ووضع الزّقّ والبردين بين يديه. قال: أقره السلام وقل له:
وصلتك رحم، سيأتيك ثناؤنا./ وقام الفتيان إلى الجزور فنحروها وشقّوا خاصرتها عن كبدها وجلدها عن سنامها ثم جاءوا بهما، فأقبلوا يشوون، وصبّوا الخمر فشربوا، وأكل معهم وشرب ولبس البردين ونظر إلى عطفيه فيهما فأنشأ يقول:
أرقت وما هذا السهاد المؤرّق
حتى انتهى إلى قوله:
أيا مسمع سار الذي قد فعلتم ... فأنجد أقوام به ثم أعرقوا [2]
هب تعقد الأحمال في كلّ منزل ... وتعقد أطراف الحبال وتطلق [3]
قال: فسار الشّعر وشاع في العرب. فما أتت على المحلّق سنة حتى زوّج أخواته الثلاث كلّ واحدة على مائة ناقة، فأيسر وشرف.
وذكر الهيثم بن عديّ عن حمّاد الراوية عن معقل عن أبي بكر الهلاليّ قال:
خرج الأعشى إلى اليمن يريد قيس بن معد يكرب، فمرّ ببني كلاب، فأصابه مطر في ليلة ظلماء، فأوى إلى فتى من بني بكر بن كلاب، فبصر به المحلّق وهو [عبد العزّى بن] حنتم بن شدّاد بن ربيعة بن عبد اللّه بن عبيد بن كلاب وهو يومئذ غلام له ذؤابة، فأتى أمّه فقال: يا أمّه! رأيت رجلا أخلق به أن يكسبنا مجدا. قالت: وما تريد يا بنيّ؟ قال: نضيفه اللّيلة. فأعطته جلبابها فاشترى به عشيرا [4] من جزور وخمرا؛ فأتى الأعشى، فأخذه/ إليه، فطعم وشرب واصطلى، ثم اصطبح فقال فيه:
/أرقت وما هذا السّهاد المؤرّق
والرواية الأولى أصحّ.
سألته امرأة أن يشيب ببناتها فشبب بهنّ فزوّجهنّ:
أخبرني أحمد بن عمّار قال حدّثنا يعقوب بن نعيم قال حدّثنا قعنب بن المحرز عن الأصمعيّ قال حدّثني رجل قال:
__________
[1] الفضيخ: شراب يتخذ من بسر مفضوخ وهو أن يجعل التمر في إناء ثم يصب الماء الحار عليه حتى تستخرج حلاوته.
[2] أعرقوا: أتوا العراق.
[3] الرواية في «تجريد الأغاني»:
به توضع الأحلاس في كل منزل ... وتعقد أطراف النسوع وتطلق
والأحلاس: جمع حلس وهو كل شيء ولي ظهر الدابة والبعير تحت الرحل والسرج والقتب.
[4] العشير: جزء من عشرة أجزاء كالعشر.
جاءت امرأة إلى الأعشى فقالت: إنّ لي بنات قد كسدن عليّ، فشبّب بواحدة منهنّ لعلها أن تنفق. فشبّب بواحدة منهنّ، فما شعر الأعشى إلا بجزور [1] قد بعث به إليه. فقال: ما هذا؟ فقالوا: زوّجت فلانة. فشبّب بالأخرى فأتاه مثل ذلك، فسأل عنها فقيل: زوّجت. فما زال يشبّب بواحدة فواحدة منهنّ حتى زوّجن جميعا.
أسره رجل من كلب كان قد هجاه فاستوهبه منه شريح بن السموءل:
أخبرني محمد بن العبّاس اليزيديّ قال حدّثنا سليمان بن أبي شيخ قال حدّثنا يحيى بن أبي سعيد الأمويّ عن محمد بن السائب الكلبيّ قال:
هجا الأعشى رجلا من كلب فقال:
بنو الشهر الحرام فلست منهم ... ولست من الكرام بني عبيد
ولا من رهط جبّار بن قرط ... ولا من رهط حارثة بن زيد
- قال: وهؤلاء كلّهم من كلب - فقال الكلبيّ: لا أبا لك! أنا أشرف من هؤلاء. قال: فسبّه الناس بعد بهجاء الأعشى إيّاه، وكان متغيّظا عليه. فأغار على قوم قد بات فيهم الأعشى فأسر منهم نفرا وأسر الأعشى وهو لا يعرفه، ثم جاء حتى نزل بشريح بن السموءل بن عادياء الغسّانيّ صاحب تيماء بحصنه الذي يقال له الأبلق. فمرّ شريح بالأعشى؛ فناداه الأعشى:
/شريح لا تتركنّي بعد ما علقت ... حبالك اليوم بعد القدّ أظفاري
قد جلت ما بين بانقيا [2] إلى عدن ... وطال في العجم تردادي وتسياري
فكان أكرمهم عهدا وأوثقهم ... مجدا أبوك بعرف غير إنكار
كالغيث ما استمطروه جاد وابله ... وفي الشدائد كالمستأسد الضاري
كن كالسموءل إذ طاف الهمام به ... في جحفل كهزيع اللّيل جرّار
إذ سامه خطّتي خسف فقال له ... قل ما تشاء فإني سامع حار [3]
فقال غدر وثكل أنت بينهما ... فاختر وما فيهما حظّ لمختار
فشكّ غير طويل ثم قال له ... اقتل أسيرك إنّي مانع جاري
وسوف يعقبنيه إن ظفرت به ... ربّ كريم وبيض ذات أطهار
لا سرّهنّ لدينا ذاهب هدرا ... وحافظات إذا استودعن أسراري
فاختار أدراعه كي لا يسبّ بها ... ولم يكن وعده فيها بختّار
- قال: وكان امرؤ القيس بن حجر أودع السموءل بن عادياء أدراعا مائة، فأتاه الحارث بن ظالم - ويقال الحارث بن أبي شمر الغسّانيّ - ليأخذها منه، فتحصّن منه السموءل؛ فأخذ الحارث ابنا له غلاما وكان في الصيد، فقال: إمّا أنّ
__________
[1] الجزور يقع على الذكر والأنثى.
[2] بانقيا: ناحية من نواحي الكوفة.
[3] حار أي يا حارث.
سلّمت الأدراع إليّ وإمّا أن قتلت ابنك. فأبى السموءل أن يسلم إليه الأدراع؛ فضرب الحارث وسط الغلام بالسيف فقطعه قطعتين، فيقال: إن جريرا حين قال للفرزدق:
بسيف أبي رغوان [1] سيف مجاشع ... ضربت ولم تضرب بسيف ابن ظالم
/ إنما عني هذه الضربة. فقال السموءل في ذلك:
وفيت بذمّة الكنديّ إنّي ... إذا ما ذمّ أقوام وفيت
/ وأوصى عاديا يوما بأن لا ... تهدّم يا سموءل ما بنيت
بنى لي عاديا حصنا حصينا ... وماء كلّما شئت استقيت
قال: فجاء شريح إلى الكلبيّ فقال له: هب لي هذا الأسير المضرور. فقال: هو لك، فأطلقه. وقال: أقم عندي حتى أكرمك وأحبوك. فقال له الأعشى: إنّ من تمام صنيعتك أن تعطيني ناقة نجيبة وتخلّيني الساعة. قال:
فأعطاه ناقة فركبها ومضى من ساعته. وبلغ الكلبيّ أنّ الذي وهب لشريح هو الأعشى. فأرسل إلى شريح: ابعث إلى الأسير الذي وهبت لك حتى أحبوه وأعطيه. فقال: قد مضى. فأرسل الكلبيّ في أثره فلم يلحقه.
مدح عامر بن الطفيل وهجا علقمة بن علاثة:
حدّثنا ابن علاثة عن محمد العبّاس اليزيديّ قال حدّثنا سليمان بن أبي شيخ قال حدّثنا يحيى بن سعيد بن يحيى الأمويّ عن محمد بن السائب قال:
أتى الأعشى الأسود العنسيّ [2] وقد امتدحه فاستبطأ جائزته. فقال الأسود: ليس عندنا عين ولكن نعطيك عرضا، فأعطاه خمسمائة مثقال دهنا وبخمسمائة حللا وعنبرا. فلمّا مرّ ببلاد بني عامر خافهم على ما معه، فأتى علقمة [3] بن علاثة فقال له: أجرني، فقال: قد أجرتك. قال: من الجنّ والإنس؟ قال نعم. قال: ومن الموت؟ قال لا. فأتى عامر بن الطّفيل فقال: أجرني، قد أجرتك. قال: من الجنّ/ والإنس؟ قال نعم. قال: ومن الموت؟ قال نعم. قال: وكيف تجيرني من الموت؟ قال: إن متّ وأنت في جواري بعثت إلى أهلك الدّية. فقال: الآن علمت أنك قد أجرتني من الموت. فمدح عامرا وهجا علقمة. فقال علقمة: لو علمت الذي أراد كنت أعطيته إيّاه.
قال الكلبيّ: ولم يهج علقمة بشيء أشدّ عليه من قوله:
تبيتون في المشتى ملاء بطونكم ... وجاراتكم غرثى يبتن خمائصا
فرفع علقمة يديه وقال: لعنه اللّه! إن كان كاذبا! أنحن نفعل هذا بجاراتنا!. وأخبار الأعشى وعلقمة وعامر تأتي مشروحة في خبر منافرتهما إن شاء اللّه تعالى.
__________
[1] أبو رغوان: لقب مجاشع، وهو مجاشع بن دارم بن مالك بن حنظلة.
[2] هو عبهلة بن كعب بن غوث يلقب ذا الخمار، خرج بعد حجة الوداع في عامّة مذ حج وادّعى النبوّة وكان كاهنا شعباذا (مشعوذا) وكان يريهم الأعاجيب ويسبي قلوب من سمع منطقه، قتله فيروز وداذويه وقيس غيلة. (انظر «تاريخ الطبري» ق 1 ص 1795 - 1798، 1853 - 1870).
[3] هو علقمة بن علاثة بن عوف بن الأحوص بن جعفر بن كلاب، أسلم في عهد النبي صلى اللّه عليه وسلم ثم ارتد بعد فتح الطائف وخرج حتى لحق بالشام ثم أسلم أيام أبي بكر رضي اللّه عنه. (الطبري ق 1 ص 1899 - 1900).
تزوّج امرأة من عنزة ثم طلقها وقال فيها شعرا:
أخبرني محمد بن العبّاس اليزيديّ قال حدّثني عمّي عبيد اللّه قال حدّثني محمد بن حبيب عن ابن الأعرابيّ عن المفضّل وغيره من أصحابه:
أنّ الأعشى تزوّج امرأة من عنزة ثم من هزّان - قال: وعنزة هو ابن أسد بن ربيعة بن نزار - فلم يرضها ولم يستحسن خلقها، فطلّقها وقال فيها:
بيني حصان الفرج غير ذميمة ... وموموقة فينا كذاك ووامقه
وذوقي فتى قوم فإنّي ذائق ... فتاة أناس مثل ما أنت ذائقه
لقد كان في فتيان قومك منكح ... وشبّان هزّان الطّوال الغرانقه
فبيني فإنّ البين خير من العصا ... وإلّا تري لي فوق رأسك بارقه
وما ذاك عندي أن تكوني دنيئة ... ولا أن تكوني جئت عندي ببائقه
ويا جارتا بيني فإنّك طالقه ... كذاك أمور الناس غاد وطارقه
/ أخبرنا أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثنا الحسين بن إبراهيم بن الحرّ قال حدجثنا المبارك بن سعيد عن سفيان الثّوريّ قال:
/ طلاق الجاهلية طلاق. كانت عند الأعشى امرأة فأتاها قومها فضربوه وقالوا: طلّقها فقال:
أيا جارتا بيني فإنّك طالقه ... كذاك أمور الناس غاد وطارقه
وذكر باقي الأبيات مثل ما تقدّم.
أخبرنا أحمد قال حدّثنا عمر قال حدّثنا عبد الصمد بن عبد الوارث قال حدّثنا عثمان البرقيّ في إسناد له قال:
أخذ قوم الأعشى فقالوا له: طلّق امرأتك؛ فقال:
أيا جارتا بيني فإنّك طالقه ... كذاك أمور الناس غاد وطارقه
ثم ذكر نحو الخبر الذي قبله على ما قدّمناه.
في هذه الأبيات غناء نسبته:
صوت
فبيني فإنّ البين خير من العصا ... وإلّا تري لي فوق رأسك بارقه
وما ذاك عندي أن تكوني دنيئة ... ولا أن تكوني جئت عندي ببائقه
ويا جارتا بيني فإنّك طالقه ... كذاك أمور الناس غاد وطارقه
الشعر للأعشى. والغناء للهذليّ خفيف ثقيل مطلق في مجرى البنصر عن إسحاق.
وفيه لابن جامع ثاني ثقيل بالبنصر عن الهشاميّ. قال الهشاميّ: وفيه لفليح خفيف ثقيل بالوسطى لا يشكّ فيه من غنائه. وذكر حبش أن الثقيل الثاني لابن سريج وذكر عبيد اللّه بن عبد اللّه بن طاهر أنّ الخفيف الثاني المنسوب إلى
فليح لأبيه عبد اللّه بن طاهر. وهذا الصوت يغنّى في هذا الزمان على ما سمعناه:
أيا جارتا دومي فإنك صادقه ... وموموقة فينا كذاك ووامقه
/ ولم نفترق أن كنت فينا دنيئة ... ولا أن تكوني جئت عندي ببائقه
وأحسبه غيّر في دور الطاهريّة على هذا.
فخر الأخطل بشعر له في الخمر فرد عليه الشعبي بشعره:
أخبرني عليّ بن سليمان الأخفش قال حدّثني سوّار بن أبي شراعة قال حدّثني أبي عن مسعود بن بشر عن أبي عبيدة قال:
دخل الأخطل على عبد الملك بن مروان وقد شرب خمرا وتضمّخ بلخالخ [1] وخلوق وعنده الشّعبيّ. فلما رآه قال: يا شعبيّ، ناك الأخطل أمّهات الشعراء جميعا. فقال له الشعبيّ: بأيّ شي ء؟ قال حين يقول:
وتظلّ تنصفنا [2] بها قرويّة ... إبريقها برقاعه [3] ملثوم
فإذا تعاورت الأكفّ زجاجها ... نفحت فشمّ رياحها المزكوم
فقال الأخطل [4] سمعت بمثل هذا يا شعبيّ؟! قال: إن أمنتك قلت لك. قال: أنت آمن. فقلت له: أشعر واللّه منك الذي يقول:
وأدكن [5] عاتق حجل ربحل ... صبحت براحه شربا كراما
من اللائي حملن على المطايا ... كريح المسك تستلّ الزّكاما
/ فقال الأخطل: ويحك! ومن يقول هذا؟ قلت: الأعشى أعشى بني قيس بن ثعلبة. فقال: قدّوس قدّوس! ناك الأعشى أمهات الشعراء جميعا وحقّ الصليب!.
أخبرني هاشم بن محمد الخزاعيّ قال حدّثنا أبو غسّان دماذ عن أبي عبيدة والهيثم بن عديّ، وحدّثني الصّوليّ قال حدّثني الغلابيّ عن العتبيّ عن أبيه، وذكر/ هارون بن الزيّات عن حمّاد عن أبيه عن عبد اللّه بن الوليد عن جعفر بن سعيد الضّبّيّ، قالوا جميعا:
قدم الأخطل الكوفة، فأتاه الشعبيّ يسمع من شعره. قال: فوجدته يتغدّى، فدعاني أتغدّى فأتيته، فوضع الشراب فدعاني إليه فأتيته. فقال ما حاجتك؟ قلت: أحبّ أن أسمع من شعرك، فأنشدني قوله:
صرمت أمامة حبلنا ورعوم
حتى انتهى إلى قوله:
__________
[1] لخالخ: جمع لخلخة وهي ضرب من الطيب.
[2] تنصفنا: تخدمنا.
[3] في «ديوان الأخطل»: «برقاعها».
[4] السياق مستغن عنها.
[5] الأدكن: الضارب إلى السواد. والعاتق: القديم. والجحل (بالفتح وتقديم الجيم على الحاء): السقاء الواسع وقد وردت هذه الكلمة في الأصول بتقديم الحاء على الجيم وهو تصحيف. والربحل: الضخم.
فإذا تعاورت الأكفّ ختامها ... نفحت فشمّ رياحها المزكوم
فقال: يا شعبيّ، ناك الأخطل أمّهات الشعراء بهذا البيت. قلت: الأعشى أشعر منك يا أبا مالك. قال:
وكيف؟ قلت: لأنه قال:
من خمر عانة قد أتى لختامها ... حول تسلّ غمامة [1] المزكوم
فضرب بالكأس الأرض وقال: هو والمسيح أشعر منّي! ناك واللّه الأعشى أمهات الشعراء إلّا أنا.
مدح سلامة ذا فائش فأجازه:
حدّثني وكيع قال حدّثني محمد بن إسحاق المعوليّ عن إسحاق الموصليّ عن الهيثم بن عديّ عن حمّاد الرواية عن سماك بن حرب قال:
قال الأعشى:
أتيت سلامة [2] ذا فائش فأطلت المقام ببابه حتى وصلت إليه، فأنشدته:
/إنّ محلّا وإن مرتحلا ... وإنّ في السّفر من مضى مهلا [3]
استأثر اللّه بالوفاء وبال ... عدل وولّى الملامة الرجلا
الشعر قلّدته سلامة ذا ... فائش والشيء حيث ما جعلا
فقال: صدقت، الشيء حيث ما جعل، وأمر لي بمائة من الإبل وكساني حللا وأعطاني كرشا مدبوغة مملوءة عنبرا وقال: إياك أن تخدع عما فيها. فأتيت الحيرة فبعتها بثلاثمائة ناقة حمراء.
أراد أن يفد على النبي ليسلم فردته قريش بجائزة فعثر به بعيره فمات:
أخبرني حبيب بن نصر المهلّبيّ وأحمد بن عبد العزيز الجوهريّ قالا حدّثنا عمر بن شبّة قال قال هشام بن القاسم الغنويّ وكان علّامة بأمر الأعشى:
إنه وفد إلى النبيّ صلى اللّه عليه وسلم وقد مدحه بقصيدته التي أولها:
ألم تغتمض عيناك ليلة أرمدا ... وعادك ما عاد السّليم المسهّدا [4]
وما ذاك من عشق النساء وإنما ... تناسيت قبل اليوم خلّة مهددا [5]
وفيها يقول لناقته:
__________
[1] الغمام: كزكام وزنا ومعنى.
[2] هو سلامة بن يزيد بن مرة اليحصبي أحد ملوك اليمن، وقد مدحه الأعشى. وقال هشام بن محمد الكلبيّ: الأعشى مدح سلامة الأصغر وهو سلامة بن يزيد بن سلامة ذي فائش. (راجع «القاموس» و «شرحه» مادة فيش).
[3] رواية تلخيص المفتاح التي كتب عليها شارحوه: «و إن في السفراذ مضوا مهلا». والمحل والمرتحل مصدران ميميان، والخبر محذوف. أي إن لنا في الدنيا حلولا وإن لنا عنها ارتحالا. والسفر: اسم جمع بمعنى مسافر. والمهل (بفتح الميم والهاء): مصدر بمعنى الإمهال وطول الغيبة.
[4] في «السيرة لابن هشام»: (ج 1 ص 55 طبع أوربا) «وبت كما بات السليم مسهدا».
[5] مهدد: معشوقة الأعشى.
فآليت لا أرثي لها من كلالة ... ولا من حفا حتى تزور محمدا
نبيّ يرى ما لا ترون وذكره ... أغار لعمري في البلاد وأنجدا
متى ما تناخي عند باب ابن هاشم ... تراحي وتلقي من فواضله يدا
فبلغ خبره قريشا فرصدوه على طريقه وقالوا: هذا صنّاجة العرب، ما مدح أحدا قطّ/ إلّا رفع في قدره: فلما ورد عليهم قالوا له: أين أردت يا أبا بصير؟ قال:/ أردت صاحبكم هذا لأسلم، قالوا: إنه ينهاك عن خلال ويحرّمها عليك، وكلّها بك رافق ولك موافق. قال: وما هنّ؟ فقال أبو سفيان بن حرب: الزّنا: قال: لقد تركني الزّنا ومما تركته؛ ثم ماذا؟ قال: القمار. قال: لعلّي إن لقيته أن أصيب منه عوضا من القمار؛ ثم ماذا؟ قالوا: الرّبا.
قال: ما دنت ولا ادّنت؛ ثم ماذا؟ قالوا: الخمر. قال: أوّه! أرجع إلى صبابة قد بقيت لي في المهراس [1] فأشربها.
فقال له أبو سفيان: هل لك في خير مما هممت به؟ قال: وما هو؟ قال: نحن وهو الآن في هدنة، فتأخذ مائة من الإبل وترجع إلى بلدك سنتك هذه وتنظر ما يصير إليه أمرنا، فإن ظهرنا عليه كنت قد أخذت خلفا، وإن ظهر علينا أتيته. فقال: ما أكره ذلك. فقال أبو سفيان: يا معشر قريش، هذا الأعشى! واللّه لئن أتى محمدا واتّبعه ليضر منّ عليكم نيران العرب بشعره، فاجمعوا له مائة من الإبل، ففعلوا؛ فأخذها وانطلق إلى بلده. فلما كان بقاع منفوحة [2] رمى به بعيره فقتله.
قبره بمنفوحة يتنادم عليه الفتيان:
أخبرني يحيى بن عليّ بن يحيى قال حدّثنا محمد بن إدريس بن سليمان بن أبي حفصة قال. قبر الأعشى بمنفوحة وأنا رأيته؛ فإذا أراد الفتيان أن يشربوا خرجوا إلى قبره فشربوا عنده وصبّوا عنده فضلات الأقداح.
أخبرني أبو الحسن الأسديّ قال حدّثنا عليّ بن سليمان النّوفلي قال حدّثنا أبي قال: أتيت اليمامة واليا عليها، فمررت بمنفوحة وهي منزل الأعشى التي يقول فيها:
بشطّ منفوحة فالحاجر
فقلت: أهذه قرية الأعشى؟ قالوا نعم. فقلت: أين منزله؟ قالوا: ذاك وأشاروا إليه. قلت: فأين قبره؟ قالوا:
بفناء بيته. فعدلت إليه بالجيش/ فانتهيت إلى قبره فإذا هو رطب. فقلت: مالي أراه رطبا؟ فقالوا: إن الفتيان ينادمونه فيجعلون قبره مجلس رجل منهم، فإذا صار إليه القدح صبّوه عليه لقوله: «أرجع إلى اليمامة فأشبع من الأطيبين الزنا والخمر».
صوت معبد المسمى بالدوامة في شعره:
وأخبرنا الحسن بن عليّ قال حدّثنا هارون بن محمد بن عبد الملك الزيّات قال حدّثنا الأطروش بن إسحاق بن إبراهيم عن أبيه:
أنّ ابن عائشة غنّى يوما:
هريرة ودّعها وإن لام لائم
__________
[1] المهراس: حجر منقور يسع كثيرا من الماء.
[2] منفوحة: قرية مشهورة من نواحي اليمامة.
فأعجبته نفسه ورآه ينظر في أعطافه. فقيل له: لقد أصبحت اليوم تائها! فقال: وما يمنعني من ذلك وقد أخذت عن أبي عبّاد معبد أحد عشر صوتا منها:
هريرة ودّعها وإن لام لائم
وأبو عبّاد مغنّي أهل المدينة وإمامهم!.
قال: وكان معبد يقول واللّه لقد صنعت صوتا لا يقدر أن يغنّيه شبعان ممتلى ء، ولا يقدر متكىء على أن يغنّيه حتى يجثو، ولا قائم حتى يقعد. قيل: وما هو يا أبا عبّاد؟ قال إسحاق فأخبرني بذاك محمد بن سلّام الجمحيّ أنه بلغه أن معبدا قاله. وأخبرني بهذا الخبر إسماعيل بن يونس الشّيعيّ قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثنا أبو غسّان محمد بن يحيى قال: قال معبد: واللّه لأغنّين صوتا لا يغنّيه مهموم ولا شبعان ولا حامل حمل، ثم غنّى:
ولقد قلت والضم ... ير كثير البلابل
ليت شعري تمنّيا ... والمنى غير طائل
هل رسول مبلّغ ... فيؤدّي رسائلي
لحن معبد هذا خفيف ثقيل بالسبّابة في مجرى الوسطى عن إسحاق ويونس. وفيه ثقيل أوّل ينسب إليه أيضا، ويقال: إنه لأهل مكة.
صوت معبد المسمى بالمنمنم:
ومنها الصوت المسمّى بالمنمنم.
صوت
هاج ذا القلب من تذكّر جمل ... ما يهيج [1] المتيّم المحزونا
إذا تراءت على البلاط فلمّا ... واجهتنا كالشمس تعشي العيونا
ليلة السبت إذ نظرت إليها ... نظرة زادت الفؤاد جنونا
الشعر لإسماعيل بن يسار. والغناء لمعبد ثقيل أوّل بالوسطى. وفيه لدحمان ثاني ثقيل بالبنصر، ذكر الهشاميّ أنّه لا يشكّ فيه من غنائه. وقد مضت أخبار إسماعيل بن يسار في المائة المختارة فاستغني عن إعادتها هاهنا.
صوت
صوت معبد المسمى بمعقصات القرون:
آمن آل ليلى بالملا متربّع ... كما لاح وشم في الذراع مرجّع
سأتبع ليلى حيث سارت وخيّمت ... وما الناس إلّا ألف ومودّع
الشعر لعمرو بن سعيد بن زيد، وقيل: إنه للمجنون وإنّ مع هذين البيتين أخر وهي:
__________
[1] في الأصول: «ما يهيم المتيم المحزونا». وهو لا يستقيم لغة. وورد في صدر البيت مما يرجح ما أثبتناه.
وقفت لليلى بعد عشرين حجّة ... بمنزلة فانهلّت العين تدمع
فأمرض قلبي حبّها وطلابها ... فيا آل ليلى دعوة كيف أصنع
سأتبع ليلى حيث حلّت وخيّمت ... وما الناس إلّا آلف ومودّع
كأنّ زماما في الفؤاد معلّقا ... تقود به حيث استمرّت وأتبع
/ والغناء لمعبد خفيف ثقيل أوّل بالسبّابة في مجرى الوسطى. وقد ذكر حمّاد بن إسحاق عن أبيه أن هذا الصوت منحول إلى معبد وأنه مما يشبه غناءه. وذكر ابن الكلبيّ عن محمد بن يزيد أن معبدا أخذ لحن سائب خاثر في:
أفاطم مهلا بعض هذا التدلّل
فغنّى فيه:
أمن آل ليلى بالملا متربّع
6 - نسب عمرو بن [1] سعيد بن زيد وأخباره
نسبه، وشيء عن أبيه سعيد بن زيد:
هو عمرو بن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل بن عبد العزّى بن رياح [2] بن عبد اللّه بن قرط [3] بن رزاح بن عديّ بن كعب بن لؤيّ بن غالب. وسعيد بن زيد يكنى أبا الأعور، وهو أحد العشرة الذين كانوا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على حراء فرجف بهم، فقال: «اثبت حراء [4] فليس عليك إلّا نبيّ أو صدّيق أو شهيد».
معبد وابن عائشة في حضرة الوليد بن يزيد:
أخبرني ابن أبي الأزهر قال حدّثنا حمّاد بن إسحاق قال حدّثني أبي قال حدّثني الهيثم بن سفيان عن أبي مسكين قال: جلس الوليد بن يزيد يوما للمغنّين وكانوا متوافرين عنده وفيهم معبد وابن عائشة؛ فقال لابن عائشة: يا محمد. قال: لبيّك يا أمير المؤمنين. قال: إنّي قد قلت شعرا فغنّ فيه. قال وما هو؟ فأنشده إيّاه، وترنّم به محمد ثم غنّاه فأحسن، وهو:
صوت
علّلاني واسقياني ... من شراب أصبهاني
من شراب الشيخ كسرى ... أو شراب القيروان
إنّ في الكأس لمسكا ... أو بكفّي من سقاني
أو لقد غودر فيها ... حين صبّت في الدّنان
كلّلاني توّجاني ... وبشعري غنّياني
__________
[1] لم يورد المؤلف شيئا من أخبار عمرو بن سعيد غير هذه الأسطر وكل ما يأتي بعد ليس مرتبطا به فلعل ها هنا خرما.
[2] كذا في «طبقات ابن سعد»: (ج 3 ص 190) و «كتاب المعارف»: لابن قتيبة. وفي الأصول: «رباح» بالباء الموحدة. وقد ورد هذا النسب في «المعارف» لابن قتيبة هكذا «عبد العزى بن قرط بن رياح بن عبد اللّه بن رزاح ... إلخ».
[3] كذا في أ: و «طبقات ابن سعد» و «المعارف» لابن قتيبة: وفي الأصول: «قرظ» بالظاء المعجمة وهو تصحيف.
[4] في «شرح القسطلاني على صحيح البخاري»: (ج 6 ص 114 - 115) «أن أنس بن مالك رضي اللّه عنه حدثهم أن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم صعد أحدا وأبو بكر وعمرو وعثمان فرجف بهم فقال: أثبت أحد فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان». وقد جاء في «سنن الترمذي» و «سنن أبي داود» كما جاء في الأصل.
أطلقاني بوثاقي ... واشدداني بعناني
إنّما الكأس ربيع ... يتعاطى بالبنان
وحميّا الكأس دبّت ... بين رجلي ولساني
- الغناء لابن عائشة هزج بالبنصر من رواية حبش - قال: فأجاد ابن عائشة واستحسن غناءه من حضر؛ فالتفت إلى معبد فقال: كيف ترى يا أبا عبّاد؟ فقال له معبد: شنت غناءك بصلفك. قال ابن عائشة: يا أحول! واللّه لو لا أنّك شيخنا وأنّك في مجلس أمير المؤمنين لأعلمتك من الشائن لغنائه أنا بصلفى أم أنت بقبح وجهك. وفطن الوليد بحركتهما فقال: ما هذا؟ فقال: خير يا أمير المؤمنين، لحن كان معبد طارحنيه فأنسيته فسألته عنه لأغنّي فيه أمير المؤمنين. فقال وما هو؟ قال:
أمن آل ليلى بالملا متربّع ... كما لاح وشم في الذّراع مرجّع
فقال: هات يا معبد، فغنّاه إيّاه؛ فاستحسنه الوليد وقال: أنت واللّه سيّد من غنّى. وهذا الخبر أيضا مما يدلّ على أن ما ذكره حمّاد من أنّ هذا الصوت منحول لمعبد لا حقيقة له.
أحمد بن أبي العلاء يغني المعتضد بشعر الوليد فيجيزه:
أخبرني محمد بن إبراهيم قريض قال حدّثني أحمد بن أبي العلاء المغنّي قال: غنّيت المعتضد صوتا في شعر له ثم أتبعته بشعر الوليد بن يزيد:
كلّلاني توّجاني ... وبشعري غنّياني
فقال: أحسن واللّه! هكذا تقول الملوك المترفون، وهكذا يطربون، وبمثل هذا يشيرون، وإليه يرتاحون! أحسنت يا أحمد الاختيار لما شاكل الحال، وأحسنت الغناء، أعد؛ فأعدته، فأمر لي بعشرة آلاف درهم وشرب رطلا ثم استعاده فأعدته، وفعل مثل ذلك حتى استعاده ستّ مرّات وشرب ستّة أرطال وأمر لي بعشرة آلاف درهم - وقال مرة أخرى بستمائة دينار - ثم سكر. وما رثي قبل ذلك ولا بعده أعطي مغنّيا هذه العطيّة. وفي الخبر زيادة وقد ذكرته في موضعت آخر يصلح له.
وقد ذكر محمد بن الحسن الكاتب عن أحمد بن سهل النّوشجاني أنه حضر أحمد بن أبي العلاء وقد غنّى المعتضد هذا الصوت في هذا المجلس وأمر له بهذا المال بعينه ولم يشرح القصّة كما شرحها أحمد.
ومنها صوت وهو المتبختر
صوت معبد المسمى بالمتبختر:
جعل اللّه جعفرا لك بعلا ... وشفاء من حادث الأوصاب
/ إذ تقولين للوليدة قومي ... فانظري من ترين بالأبواب
الشعر للأحوص. والغناء لمعبد خفيف ثقيل أوّل بالبنصر. وذكر حمّاد عن أبيه في كتاب معبد أنه منحول إلى معبد وأنه لكردم.
صوت وهو المسمى مقطّع الأثفار
ضوء نار بدا لعينك أم شبّ ... ت بذي الأثل من سلامة نار
تلك بين الرّياض والأثل والبا ... نات منّا ومن سلامة دار
/ وكذاك الزمان يذهب بالنا ... س وتبقى الرّسوم والآثار
الشعر للأحوص. والغناء لمعبد خفيف ثقيل بإطلاق الوتر في مجرى الوسطى عن إسحاق. وذكر يونس أن فيه صوتين لمعبد وعمر الواديّ رمل عن الهشاميّ. وفيه لعبد اللّه بن العبّاس خفيف رمل بالوسطى.
الأحوص وموسى شهوات:
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير قال حدّثنا عمّي قال:
مدح موسى شهوات أبا بكر بن عبد العزيز بن مروان بقصيدة أحسن فيها وأجاد وقال فيها:
وكذاك الزمان يذهب بالنا ... س وتبقى الديار والآثار
فقام الأحوص ودخل منزله وقال قصيدة مدح فيها أبا بكر بن عبد العزيز أيضا وأتى فيها بهذا البيت بعينه وخرج فأنشدها. فقال له موسى شهوات: ما رأيت يا أحوص مثلك! قلت قصيدة مدحت فيها الأمير فسرقت أجود بيت فيها وجعلته في قصيدتك. فقال له الأحوص: ليس الأمر كما ذكرت، ولا البيت لي ولا لك، هو للبيد سرقناه جميعا منه، إنما ذكر لبيد قومه فقال:
فعفا آخر الزمان عليهم ... فعلى آخر الزمان الدّبار [1]
وكذاك الزمان يذهب بالنا ... س وتبقى الرّسوم والآثار
قال: فسكت موسى شهوات فلم يحر جوابا كأنما ألقمه حجرا.
حديث سلامة مع الأحوص وعبد الرحمن بن حسان وهو كما يرى أبو الفرج موضوع:
ونسخت من كتاب أحمد بن سعيد الدّمشقي خبر الأحوص مع سلّامة التي ذكرها في هذا الشعر وهو موضوع لا أشكّ فيه لأن شعره المنسوب إلى الأحوص شعر ساقط سخيف لا يشبه نمط الأحوص، والتوليد بيّن فيه يشهد على أنه محدث./ والقصّة أيضا باطلة لا أصل لها؛ ولكنّي ذكرته في موضعه على ما فيه من سوء العهدة. قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثني أبو محمد الجزريّ قال: كانت بالمدينة سلامة من أحسن الناس وجها وأتمّهن عقلا وأحسنهن حديثا قد قرأت القرآن وروت الأشعار وقالت الشعر، وكان عبد الرحمن بن حسّان والأحوص بن محمد يختلفان إليها فيروّيانها الشعر ويناشدانها إيّاه.
فعلقت الأحوص وصدّت عن عبد الرحمن. فقال لها عبد الرحمن يعرّض لها بما ظنّه من ذلك:
أرى الإقبال منك على خليلي ... ومالي في حديثكم نصيب
فأجابته:
__________
[1] الدبار: الهلاك.
لأن اللّه علّقه فؤادي ... فحاز الحبّ دونكم الحبيب
/ فقال الأحوص:
خليلي لا تلمها في هواها ... ألذّ العيش ما تهوى القلوب
قال: فأضرب عنها ابن حسّان وخرج ممتدحا ليزيد بن معاوية فأكرمه وأعطاه. فلما أراد الانصراف قال له: يا أمير المؤمنين، عندي نصيحة. قال: وما هي؟ جارية خلّفتها بالمدينة لامرأة من قريش من أجمل الناس وأكملهم وأعقلهم ولا تصلح أن تكون إلّا لأمير المؤمنين وفي سمّاره: فأرسل إليها يزيد فاشتريت له وحملت إليه؛ فوقعت منه موقعا عظيما وفضّلها على جميع من عنده. وقدم عبد الرحمن المدينة فمرّ بالأحوص وهو قاعد على باب داره وهو مهموم، فأراد أن يزيده إلى ما به فقال:
يا مبتلى بالحب مفدوحا ... لاقى من الحبّ تباريحا
ألجمه الحبّ فما ينثني ... إلّا بكأس الشوق مصبوحا
وصار ما يعجبه مغلقا ... عنه وما يكره مفتوحا
/ قد حازها من أصبحت عنده ... ينال منها الشّمّ والرّيحا
خليفة اللّه فسلّ الهوى ... وعزّ قلبا منك مجروحا
فأمسك الأحوص عن جوابه. ثم إن شابّين من بني أميّة أرادا الوفادة إلى يزيد، فأتاهما الأحوص فسألهما أن يحملا له كتابا ففعلا. فكتب إليها معهما:
سلام ذكرك ملصق بلساني ... وعلى هواك تعودني أحزاني
مالي رأيتك في المنام مطيعة ... وإذا انتبهت لججت في العصيان
أبدا محبّك ممسك بفؤاده ... يخشى اللّجاجة منك في الهجران
إن كنت عاتبة فإنّي معتب ... بعد الإساءة فاقبلي إحساني
لا تقتلي رجلا يراك لما به ... مثل الشراب لغلّة الظمآن
ولقد أقول لقاطنين من اهلنا ... كانا على خلقي من الإخوان
يا صاحبيّ على فؤادي جمرة ... وبرى الهوى جسمي كما تريان
أمرقّيان [1] إلى سلامة أنتما ... ما قد لقيت بها وتحتسبان
لا أستطيع الصبر عنها إنها ... من مهجتي نزلت بكلّ مكان
قال: ثم غلبه جزعه فخرج إلى يزيد ممتدحا له. فلما قدم عليه قرّبه وأكرمه وبلغ لديه كلّ مبلغ. فدسّت إليه سلامة خادما وأعطته مالا على أن يدخله إليها. فأخبر الخادم يزيد بذلك؛ فقال: امض برسالتها. ففعل ما أمره به وأدخل الأحوص، وجلس يزيد بحيث يراهما. فلما بصرت الجارية بالأحوص بكت إليه وبكى إليها، وأمرت فألقي له
__________
[1] أمرقيان إلى سلامة أي أرافعان إليها.
كرسيّ فقعد عليه، وجعل كلّ واحد منهما يشكو إلى صاحبه شدّة الشوق. فلم يزالا/ يتحدّثان إلى السّحر ويزيد يسمع كلامهما من غير أن تكون بينهما ريبة. حتى إذا همّ بالخروج قال:
أمسى فؤادي في همّ وبلبال ... من حبّ من لم أزل منه على بال
/ فقالت:
صحا المحبّون بعد النأي إذ يئسوا ... وقد يئست وما أصحو على حال
فقال:
من كان يسلو بيأس عن أخي ثقة ... فعن سلامة ما أمسيت بالسّالي
فقالت:
واللّه واللّه لا أنساك يا سكني ... حتى يفارق منّي الرّوح أوصالي
فقال:
واللّه ما خاب من أمسى وأنت له ... يا قرّة العين في أهل وفي مال
ثم ودّعها وخرج. فأخذه يزيد ودعا بها فقال: أخبراني عمّا كان جرى بينكما في ليلتكما واصدقاني. فأخبراه وأنشداه ما قالاه، فلم يخرما حرفا ولا غيّرا شيئا مما سمعه. فقال له يزيد: أتحبّها يا أحوص؟ قال: إي واللّه يا أمير المؤمنين.
حبا شديدا تليدا غير مطّرف ... بين الجوانح مثل النار يضطرم
فقال لها: أتحبّينه؟ قالت: نعم يا أمير المؤمنين.
حبا شديدا جرى كالرّوح في جسدي ... فهل يفرّق بين الرّوح والجسد
فقال يزيد: إنكما لتصفان حبا شديدا، خذها يا أحوص فهي لك، ووصله بصلة سنيّة، وانصرف بها وبالجارية إلى الحجاز وهو من أقرّ الناس عينا. مضى الحديث.
أصوات معبد المسمّاة مدن معبد وتسمّى أيضا حصون معبد
مدن معبد أو حصونه:
أخبرني ابن أبي الأزهر والحسين بن يحيى عن حمّاد بن إسحاق عن أبيه، قال حسين في خبره واللفظ له عن إسماعيل بن جامع عن يونس الكاتب قال:
قال معبد وقد سمع رجلا يقول: إن قتيبة بن مسلم فتح سبعة حصون أو سبع مدن بخراسان فيها سبعة حصون صعبة المرتقى والمسالك لم يوصل إليها قطّ. فقال: واللّه لقد صنعت سبعة ألحان كلّ لحن منها أشدّ من فتح تلك الحصون. فسئل عنها فقال:
لعمري لئن شطّت بعثمة دارها
و:
هريرة ودّعها وإن لام لائم
و:
رأيت عرابة الأوسيّ يسمو
و:
كم بذاك الحجون من حيّ صدق
و:
لو تعلمين الغيب أيقنت أنني
و:
يا دار عبلة بالجواء تكلّمي
و:
ودّع هريرة إنّ الركب مرتحل
ومن الناس من يروي مدن معبد:
تقطّع من ظلّامة الوصل أجمع
و:
خمصانة قلق موشّحها
و:
يوم تبدي لنا قتيلة
/ مكان:
كم بذاك الحجون من حي صدق
و:
لو تعلمين الغيب أيقنت أنني
و:
يا دار عبلة بالجواء تكلّمي
نسبة هذه الأصوات وأخبارها
صوت
لعمري لئن شطّت بعثمة دارها ... لقد كدت من وشك الفراق أليح
أروح بهمّ ثم أغدو بمثله ... ويحسب أنّي في الثياب صحيح
/ عروضه من الطويل. شطّت: بعدت. ووشك الفراق: دنّوه وسرعته. وأليح: أشفق وأجزع. الشعر لعبيد اللّه بن عبد اللّه بن عتبة الفقيه. والغناء لمعبد خفيف ثقيل أوّل بالخنصر في مجرى البنصر من رواية يونس وإسحاق وعمرو وغيرهم. وفيه رمل يقال: إنه لابن سريج.
7 - ذكر عبيد اللّه بن عبد اللّه ونسبه
نسبه، وعداده في بني زهرة:
هو عبيد اللّه بن عبد اللّه بن عتبة بن مسعود بن غافل [1] بن حبيب بن شمخ [2] بن فأر [3] بن مخزوم بن صاهلة بن كاهل بن الحارث بن تميم بن سعد بن هذيل بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار. وهو في حلفاء بني زهرة من قريش وعداده فيهم.
كان لجده صحبة وليس بدريا:
وعتبة بن مسعود وعبد اللّه بن مسعود البدريّ صاحب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أخوان، ولعتبة صحبة بالنبيّ صلى اللّه عليه وسلم وليس من البدريّين.
استعمل أباه عمر بن الخطاب:
وكان ابنه عبد اللّه أبو عبيد اللّه بن عبد اللّه رجلا صالحا، واستعمله عمر بن الخطّاب فأحمده.
أخواه عون وعبد الرحمن وشيء عنهما:
ولعبيد اللّه بن عبد اللّه أخوان عون وعبد الرحمن.
وكان عون من أهل الفقه والأدب، وكان يقول بالإرجاء ثم رجع عنه. وقال - وكان شاعرا - :
فأوّل ما أفارق غير شكّ ... أفارق ما يقول المرجئونا
وقالوا مؤمن من آل جور ... وليس المؤمنون بجائرينا
وقالوا مؤمن دمه حلال ... وقد حرمت دماء المؤمنينا
وخرج مع ابن الأشعث، فلمّا هزم هرب، وطلبه الحّجاج؛ فأتى محمد بن مروان بن الحكم بنصيبين فأمّنه وألزمه ابنيه مروان بن محمد وعبد الرحمن بن محمد. فقال له: كيف رأيت ابني أخيك؟ قال: أمّا عبد الرحمن فطفل، وأمّا مروان فإني/ إن أتيته حجب، وإن قعدت عنه عتب، وإن عاتبته صخب، وإن صاحبته غضب. ثم تركه ولزم عمر بن عبد العزيز فلم يزل معه. ذكر ذلك كلّه ومعانيه الأصمعيّ عن أبي نوفل الهذليّ عن أبيه: ولعون يقول جرير:
يأيّها القارىء المرخي عمامته ... هذا زمانك إنّي قد مضى زمني
أبلغ خليفتنا إن كنت لاقيه ... أنّي لدى الباب كالمصفود في قرن
__________
[1] كذا في «طبقات ابن سعد»: (ج 2 ص 106) و «الاستيعاب في معرفة الأصحاب» (ج 1 ص 370) وفي الأصول: «وائل».
[2] كذا في «طبقات ابن سعد والاستيعاب»: وفي الأصول: «شيخ».
[3] كذا في «الطبقات والاستيعاب»: وفي الأصول: «قار» بالقاف.
وخبره يأتي في أخبار جرير [1].
كان فقيها، وهو أحد السبعة بالمدينة:
وأمّا عبد الرحمن فلم تكن له نباهة أخويه وفضلهما فسقط ذكره.
وأمّا عبيد اللّه فإنه أحد وجوه الفقهاء الذين روي عنهم الفقه والحديث. وهو أحد السبعة من أهل المدينة، وهم القاسم بن محمد بن أبي بكر الصدّيق، وعروة بن الزّبير، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وسعيد بن المسيّب، وعبيد اللّه بن عبد اللّه بن عتبة، وخازجة بن زيد بن ثابت، وسليمان بن يسار. وكان عبيد اللّه ضريرا. وقد روى عن جماعة من وجوه الصحابة مثل ابن عبّاس وعبد اللّه بن مسعود عمّه وأبي هريرة. وروى عنه الزّهريّ وابن أبي الزناد وغيرهما من نظرائهما.
كان يؤثره ابن عباس:
وكان عبد اللّه بن عباس يقدّمه ويؤثره.
أخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدّثنا عبد اللّه بن أحمد بن حنبل قال حدّثنا أبي قال حدّثنا يونس بن محمد قال حدّثنا حمّاد بن زيد عن معمر عن الزّهريّ قال:
كان/ عبيد اللّه بن عبد اللّه يلطف لابن عبّاس فكان يعزّه عزّا.
حديث الزهري عنه وكان كثير الاتصال به:
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير بن بكّار عن محمد بن الحسن عن مالك بن أنس عن ابن شهاب الزّهريّ قال:
/ كنت أخدم عبيد اللّه بن عبد اللّه بن عتبة حتى إن كنت لأستقي الماء الملح وإن كان ليسأل جاريته فتقول:
غلامك الأعمش.
أخبرني وكيع قال حدّثنا محمد بن عبد الملك بن زنجويه قال حدّثنا عبد الرزّاق عن معمر عن الزّهريّ قال:
أدركت أربعة بحور، عبيد اللّه بن عبد اللّه أحدهم.
أخبرني وكيع قال حدّثنا محمد قال حدّثنا حامد بن يحيى عن ابن عيينة عن الزّهريّ قال:
سمعت من العلم شيئا كثيرا، فلما لقيت عبيد اللّه بن عبد اللّه كأني كنت [2] في شعب من الشّعاب فوقعت في الوادي؛ وقال مرّة: صرت كأنّي لم أسمع من العلم شيئا.
أثنى عليه عمر بن عبد العزيز:
أخبرني وكيع قال حدّثني بشر بن موسى قال حدّثنا الحميديّ عن ابن عيينة عن عليّ بن زيد بن جدعان قال:
كان عمر بن عبد العزيز يقول: ليت لي مجلسا من عبيد اللّه بن عبد اللّه بن عتبة بدية.
__________
[1] مضى هذا الخبر في «ترجمة جرير»: في ج 8 ص 47 من هذه الطبعة.
[2] لعل صوابه: «صرت كأني كنت ... إلخ».
أخبرني وكيع قال حدّثنا أحمد بن عبد الرحمن بن وهب قال حدّثني عمّي عن يعقوب بن عبد الرحمن الزّهريّ عن حمزة بن عبد اللّه قال:
قال عمر بن عبد العزيز: لو كان عبيد اللّه بن عبد اللّه بن عبتة حيّا ما صدرت إلّا عن رأيه، ولوددت أنّ لي بيوم من عبيد اللّه غرما. قال ذلك في خلافته.
ما جرى بين عمر بن عبد العزيز وعروة في شأن عائشة وابن الزبير أمامه، ثم شعره لعمر حين أرسل إليه:
أخبرنا محمد بن جرير الطّبريّ وعمّ أبي عبد العزيز بن أحمد ومحمد بن العباس اليزيديّ والطّوسيّ ووكيع والحرميّ بن أبي العلاء وطاهر بن عبد اللّه الهاشميّ، قالوا حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثنا إبراهيم بن طلحة بن عبد اللّه بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصّدّيق وابن أخيه يحيى بن محمد بن طلحة جميعا عن عثمان بن عمر بن موسى عن الزّهريّ قال:
دخل عروة بن الزبير وعبيد اللّه بن عبد اللّه بن عتبة على عمر بن عبد العزيز وهو أمير المدينة. فقال عروة لشيء حدّث به من ذكر عائشة وعبد اللّه بن الزبير: سمعت عائشة تقول: ما أحببت أحدا حبّي عبد اللّه بن الزّبير لا أعني رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ولا أبويّ. فقال عمر: إنكم لتنتحلون عائشة لابن الزّبير انتحال من لا يرى لكل مسلم معه فيها نصيبا.
فقال عروة: بركة عائشة كانت أوسع من ألّا يرى لكل مسلم فيها حقّ، ولقد كان عبد اللّه منها بحيث وضعته الرّحم والمودّة التي لا يشرك كلّ واحد منهما فيه عند صاحبه أحد. فقال عمر: كذبت. فقال عروة: هذا عبيد اللّه بن عبد اللّه بن عتبة بن مسعود يعلم أنّي غير كاذب، وإنّ من أكذب الكاذبين من كذّب الصادقين. فسكت عبيد اللّه ولم يدخل بينهما في شيء. فأقّف بهما عمر وقال: اخرجا عنّي. ثم لم يلبث أن بعث إلى عبيد اللّه بن عبد اللّه رسولا يدعوه لبعض ما كان يدعوه إليه. فكتب إليه عبيد اللّه:
لعمر ابن ليلى [1] وابن عائشة التي ... لمروان أدّته، أب غير زمّل [2]
لو انهم عمّا وجدّا ووالدا ... تأسّوا فسنّوا سنّة المتعطّل
/ عذرت أبا حفص وإن كان واحدا ... من القوم يهدي هديهم ليس يأتلي
/ ولكنهم فاتوا وجئت مصلّيا ... تقرّب [3] إثر السابق المتمهل
وعمت [4] فإن تسبق فضن ء مبرّز ... جواد وإن تسبق فنفسك فاعذل
فمالك بالسلطان أن تحمل القذى ... جفون عيون بالقذى لم تكحّل
وما الحقّ أن تهوى فتسعف بالذي ... هويت إذا ما كان ليس بأعدل
أبى اللّه والأحساب أن ترأم [5] الخنى ... نفوس كرام بالخنا لم توكّل
__________
[1] ابن ليلى به يعني به عبد العزيز بن مروان وهي ليلى بنت زبان بن الأصبغ بن عمرو. وابن عائشة يريد به عبد الملك بن مروان وهي عائشة بنت معاوية بن المغيرة بن أبي العاص بن أمية.
[2] الزمل: الضعيف الساقط.
[3] التقريب: عدو دون الإسراع.
[4] عمت: سرت.
[5] ترأم الخنى: ترضاه وتستسغيه.
قال الزبير في خبره وحده: الضّن ء والضّن ء: الولد. قال: وأنشد الخليل بن أسد قال أنشدني دهثم:
ابن عجوز ضنؤها غير أمر [1] ... لو نحرت في بيتها عشر جزر
لأصبحت من لحمهنّ تعتذر ... تغدو على الحيّ بعود من سمر
حتى يفرّ أهلها كلّ مفرّ
حجبه عمر بن عبد العزيز فقال فيه شعرا ثم اعتذر فعذره:
أخبرني الحسن بن عليّ ووكيع قالا حدّثنا أحمد بن زهير قال حدّثنا الزّبير، وأخبرناه الحرميّ بن أبي العلاء إجازة قال حدّثنا الزّبير عن ابن أبي أويس عن بكّار بن حارثة عن عبد الرحمن بن أبي الزّناد عن هشام بن عروة:
أن عبيد اللّه بن عبد اللّه جاء إلى عمر بن عبد العزيز فاستأذن عليه، فردّه الحاجب وقال له: عنده عبد اللّه بن عمرو بن عثمان بن عفّان وهو مختل به، فانصرف غضبان. وكان في صلاحه ربما صنع الأبيات، فقال لعمر:
أبن لي فكن مثلي أو ابتغ صاحبا ... كمثلك إنّي تابع صاحبا مثلي
/ عزيز إخائي لا ينال مودّتي ... من الناس إلّا مسلم كامل العقل
وما يلبث الفتيان أن يتفرّقوا ... إذا لم يؤلّف روح شكل إلى شكل
قال: فأخبر عمر بأبياته؛ فبعث إليه أبا بكر بن سليمان بن أبي خيثمة وعراك بن مالك يعذرانه عنده ويقولان: إن عمر يقسم باللّه ما علم بأبياتك ولا بردّ الحاجب إياك، فعذره. قال الزّبير وقد أنشدني محمد بن الحسن قال أنشدني محزر بن جعفر لعبيد اللّه بن عبد اللّه هذه الأبيات وزاد فيها وهو أوّلها:
وإنّي امرؤ من يصفني الودّ يلفني ... وإن نزحت دار به دائم الوصل
عزيز إخائي لا ينال مودّتي ... من الناس إلّا مسلم كامل العقل
ولو لا اتّقائي اللّه قلت قصيدة ... تسير بها الرّكبان أبردها يغلي
بها تنقض الأحلاس [2] في كلّ منزل ... ، وينفي الكرى عنه بها صاحب الرّحل
كفاني يسير إذ أراك بحاجتي ... كليل اللسان ما تمرّ وما تحلي [3]
تلاوذ [4] بالأبواب منّي مخافة ال ... ملامة والإخلاف شرّ من البخل
وذكر الأبيات الأول بعد هذه.
شعره في عراك وابن حزم حين علم أنهما مرّا عليه ولم يسلما:
أخبرني وكيع قال حدّثني عليّ بن حرب الموصليّ قال حدّثنا إسماعيل بن ريّان الطائي قال سمعت ابن إدريس يقول:
__________
[1] الأمر: الكثير.
[2] الأحلاس: جمع حلس وهو كل ما ولي ظهر البعير والدابة تحت الرحل والقتب والسرج.
[3] ما تمر وما تحلى: ما تضر وما تنفع.
[4] تلاوذ: تراوغ.
كان عراك بن مالك وأبو بكر بن حزم وعبيد اللّه بن عبد اللّه بن عتبة يتجالسون بالمدينة زمانا. ثم أن ابن حزم ولي إمرتها وولي عراك القضاء، وكانا يمرّان بعبيد اللّه فلا يسلّمان عليه ولا يقفان، وكان/ ضريرا فأخبر بذلك، فأنشأ يقول:
/ألا أبلغا عنّي عراك بن مالك ... ولا تدعا أن تثنيا بأبي بكر
فقد جعلت تبدو شواكل منكما ... كأنّكما بي موقران من الصّخر
وطاوعتما بي داعكا [1] ذا معاكة ... لعمري لقد أزرى وما مثله يزري
ولو لا اتّقائي ثم بقياي فيكما ... للمتكما لوما أحرّ من الجمر
صوت
فمسّا تراب الأرض منها خلقتما ... ومنها المعاد والمصير إلى الحشر
ولا تأنفا أن تسألا وتسلّما ... فما خشي الإنسان شرّا من الكبر
فلو شئت أن ألفي عدوّا وطاعنا ... لألفيته أو قال عندي في السرّ
فإن أنا لم آمر ولم أنه عنكما ... ضحكت له حتى يلجّ ويستشري
عروضه من الطويل. غنّي في:
فمسّا تراب الأرض منها خلقتما
والذي بعده لحن من الثقيل الأوّل بالبنصر من رواية عمرو بن بانة وابن المكّيّ ويونس وغيرهم. وزعم ابن شهاب الزّهريّ أن عبيد اللّه قال هذه الأبيات في عمر بن عبد العزيز وعمرو بن عثمان، يعني [أن] الأبيات الأول ليست منها في شيء، وإنما أدخلت فيها لاتّفاق الرّويّ والقافية.
أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثنا إبراهيم بن المنذر الحزاميّ قال حدّثنا إبراهيم بن محمد بن عبد العزيز عن أبيه عن ابن شهاب قال:
/ جئت عبيد اللّه بن عبد اللّه يوما في منزله فوجدته ينفخ وهو مغتاظ؛ فقلت له: مالك؟ قال: جئت أميركم آنفا - يعني عمر بن عبد العزيز - فسلّمت عليه وعلى عبد اللّه بن عمرو بن عثمان، فلم يردّا عليّ، فقلت:
فمسّا تراب الأرض منها خلقتما
وذكر الأبيات الأربعة. قال فقلت له: رحمك اللّه! أتقول الشعر في فضلك ونسكك! قال: إنّ المصدور إذا نفث برأ.
قال أبو زيد حدّثنا إبراهيم بن المنذر، وأنشدني هذه الأبيات عبد العزيز بن أبي ثابت عن ابن أبي الزّناد له وذكر مثل ذلك وأنها في عمر بن عبد العزيز وعبد اللّه بن عمرو، وزاد فيها:
وكيف يريدان ابن تسعين حجّة ... على ما أتى وهو ابن عشرين أو عشر
__________
[1] الداعك: الأحمق. والمعاكة: الحمق.
شيء من شعره:
ولعبيد اللّه بن عبد اللّه شعر فحل جيّد ليس بالكثير. منه قوله:
إذا كان لي سرّ فحدّثته العدا ... وضاق به صدري فللنّاس أعذر
وسرّك ما استودعته وكتمته ... وليس بسرّ حين يفشو ويظهر
وقوله لابن شهاب الزّهريّ:
إذا قلت أمّا بعد لم يثن منطقي ... فحاذر إذا ما قلت كيف أقول
إذا شئت أن تلقى خليلا مصافيا ... لقيت وإخوان الثّقات قليل
استحسن جامع بن مرخية شعره فأجازه:
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير قال حدّثني عبد الجبار بن سعيد المساحقيّ عن ابن أبي الزّناد عن أبيه قال:
أنشد عبيد اللّه بن عبد اللّه جامع بن مرخية/ الكلابيّ لنفسه:
لعمر أبي المحصين أيام نلتقي ... لما لا نلاقيها من الدهر أكثر
/ يعدّون يوما واحدا إن أتيتها ... وينسون ما كانت على الدهر تهجر
وإن أولع الواشون عمدا بوصلنا ... فنحن بتجديد المودة أبصر
قال: فأعجبت أبياته هذه جامعا، فسرّ ذلك عبيد اللّه فكساه وحمله.
جامع بن مرخية هذا من شعراء الحجاز، وهو الذي يقول:
سألت سعيد بن المسيّب مفتى ال ... مدينة هل في حبّ ظمياء من وزر
فقال سعيد بن المسيّب إنما ... تلام على ما تستطيع من الأمر
فبلغ قوله سعيدا، فقال: كذب واللّه! ما سألني ولا أفتيته بما قال. أخبرني بذلك الحرميّ بن أبي العلاء عن الزّبير.
مختارات من شعره:
ومن جيّد شعر عبيد اللّه وسهله:
أعاذل عاجل ما أشتهي ... أحبّ من الآجل الرائث [1]
سأنفق مالي على لذّتي ... وأوثر نفسي على الوارث
أبادر إهلاك مستهلك ... لمالي أو عبث العابث
وقوله يفتخر في أبيات:
إذا هي حلّت وسط عوذ [2] ابن غالب ... فذلك ودّ نازح لا أطالعه
__________
[1] الرائث: البطيء.
[2] عوذ: جمع عائذ وهي الحديثة النتاج من الإبل وغيرها.
شددت حيازيمي [1] على قلب حازم ... كتوم لما ضمّت عليه أضالعه
أداجي رجالا لست مطلع بعضهم ... على سرّ بعض إنّ صدري واسعه
بنى لي عبد اللّه في ذروة العلا ... وعتبة مجدا لا تنال مصانعه
وقوله وفيه غناء:
صوت
إن يك ذا الدهر قد أضرّ بنا ... من غير ذحل [2] فربّما نفعا
أبكي على ذلك الزمان ولا ... أحسب شيئا قد فات مرتجعا
إذ نحن في ظلّ نعمة سلفت ... كانت لها كلّ نعمة تبعا
عروضه من المنسرح. غنّت فيها عريب خفيف رمل عن الهشاميّ.
قدمت المدينة مكية فتنت الناس فشبب بها:
حدّثنا محمد بن جرير الطبريّ والحرميّ بن أبي العلاء ووكيع قالوا حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثني إسماعيل بن يعقوب عن ابن أبي الزّناد عن أبيه قال:
قدمت المدينة امرأة من ناحية مكة من هذيل، وكانت جميلة فخطبها الناس، وكادت تذهب بعقول أكثرهم.
فقال فيها عبيد اللّه بن عبد اللّه بن عتبة:
أحبّك حبّا لو علمت ببعضه ... لجدت ولم يصعب عليك شديد
وحبّك يا أمّ الصبيّ مدلّهي ... شهيدي أبو بكر وأيّ شهيد [3]
ويعلم وجدي القاسم بن محمد ... وعروة ما ألقى بكم وسعيد
ويعلم ما أخفي سليمان علمه ... وخارجة يبدي لنا ويعيد
/ متى تسألي عمّا أقول فتخبري ... فللحبّ عندي طارف وتليد
فبلغت أبياته سعيد بن المسيّب، فقال: واللّه لقد أمن أن تسألنا وعلم أنها لو استشهدت بنا لم نشهد له بالباطل عندها.
وقال الزّبير: أبو بكر الذي ذكر والنّفر المسمّون معه: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، والقاسم بن محمد بن أبي بكر، وعروة بن الزّبير، وسعيد بن/ المسيّب، وسليمان بن يسار، وخارجة بن زيد بن ثابت، وهم الفقهاء الذين أخذ عنهم أهل المدينة.
__________
[1] الحيزوم: وسط الصدر.
[2] الذحل: الثأر.
[3] في هذا البيت إقواء.
عتب على زوجة عثمة في بعض الأمر فطلقها وشعره فيها:
أخبرني وكيع قال حدّثني عمر بن محمد بن عبد الملك الزيّات عن أحمد بن سعيد الفهريّ عن إبراهيم بن المنذر بن عبد الملك بن الماجشون:
أن أبيات عبيد اللّه بن عبد اللّه بن عتبة التي أوّلها:
لعمري لئن شطّت بعثمة دارها ... لقد كدت من وشك الفراق أليح
قالها في زوجة له كانت تسمّى عثمة، فعتب عليها في بعض الأمر فطلّقها. وله فيها أشعار كثيرة، منها هذه الأبيات، ومنها قوله يذكر ندمه على طلاقها:
كتمت الهوى حتى أضرّ بك الكتم ... ولامك أقوام ولومهم ظلم
وأخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير قال قال لي عمّي:
لقيني عليّ بن صالح فأنشدني بيتا وسألني من قائله؟ وهل فيه زيادة؟ فقلت: لا أدري، وقد قدم ابن أخي - أعنيك - وقلّما فاتني شيء إلّا وجدته عنده. قال الزبير: فأنشدني عمّي البيت وهو:
غراب وظبي أعضب [1] القرن ناديا ... بصرم وصردان [2] العشيّ تصيح
فقلت له: قائله عبيد اللّه بن عبد اللّه بن عتبة، وتمامها:
لعمري لئن شطّت بعثمة دارها ... لقد كدت من وشك الفراق أليح
أروح بهمّ ثم أغدو بمثله ... ويحسب أنّي في الثياب صحيح
فكتبهما عمّي عنّي وانصرف بهما إليه.
صوت
ألا من لنفس لا تموت فينقضي ... عناها ولا تحيا حياة لها طعم
أ أترك إتيان الحبيب تأثّما ... ألا إنّ هجران الحبيب هو الإثم
فذق هجرها قد كنت تزعم أنه ... رشاد ألا يا ربّما كذب الزّعم
عروضه من الطويل. غنّى يونس في هذه الأبيات الثلاثة لحنا ماخوريّا وهو خفيف الثقيل الثاني من رواية إسحاق ويونس [3] وابن المكّيّ وغيرهم. وغنّت عريب في:
أ أترك إتيان الحبيب تأثّما
لحنا من الثقيل الأوّل، وأضافت إليه بعده على الولاء بيتين ليسا من هذا الشعر وهما:
وأقبل أقوال الوشاة تجرّما ... ألا إن أقوال الوشاة هي الجرم
وأشتاق لي إلفا على قرب داره ... لأنّ ملاقاة الحبيب هي الغنم
__________
[1] الأعضب القرن: المكسور القرن.
[2] الصردان: جمع صرد وهو طائر أبقع أبيض البطن يتشاءم به.
[3] يلاحظ أن صاحب هذا الغناء هو يونس؛ ويبعد أن يكون من رواته.
ومما قاله عبيد اللّه أيضا في زوجته هذه وغنّي فيه:
صوت
عفت أطلال عثمة بالغميم ... فأضحت وهي موحشة الرّسوم
وقد كنّا نحلّ بها وفيها ... هضيم الكشح جائلة البريم
عروضه من الوافر. عفت. درست. والأطلال: ما شخص من آثار الديار. والرّسوم: ما لم يكن له شخص منها ولا ارتفاع وإنما هو أثر. والهضيم الكشح الخميص الحشى والبطن. والبريم: الخلخال، وقيل: بل هو اسم لكل ما يلبس من الحليّ في اليدين والرجلين. والجائل: ما يجول في موضعه لا يستقرّ. غنّى في هذين البيتين قفا النجّار.
ولحنه من القدر الأوسط من الثّقيل الأوّل بالخنصر في مجرى البنصر.
/ ومما قاله في زوجته عثمة وفيها غناء:
صوت
تغلغل حبّ عثمة في فؤادي ... فباديه مع الخافي يسير
تغلغل حيث لم يبلغ شراب ... ولا حزن ولم يبلغ سرور
صدعت القلب ثم ذررت فيه ... هواك فليم والتأم الفطور [1]
أكاد إذا ذكرت العهد منها ... أطير لو انّ إنسانا يطير
غنيّ النفس أن أزداد حبّا ... ولكنّي إلى صلة فقير
وأنفذ جارحاك سواد قلبي ... فأنت عليّ ما عشنا أمير
لمعبد في الأوّل والثاني من الأبيات هزج بالبنصر عن حبش، وذكر أحمد بن عبيد اللّه أنه منحول من المكّيّ. وفي الثالث ثم الثاني لأبي عيسى بن الرّشيد رمل.
قال ابن أبي الزّناد في الخبر الذي تقدّم ذكره عن عبيد اللّه وما قاله من الشعر في عثمة وغيرها: فقيل له: أتقول في مثل هذا؟! قال: في اللّدود راحة المفئود [2].
بلغه أن رجلا يقع ببعض الصحابة فجفاه:
أخبرني وكيع قال حدّثنا أحمد بن عبد الرحمن قال حدّثنا ابن وهب عن يعقوب يعني ابن عبد الرحمن عن أبيه قال:
كان رجل يأتي عبيد اللّه بن عبد اللّه ويجلس إليه. فبلغ عبيد اللّه أنه يقع ببعض أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. فجاءه الرجل فلم يلتفت إليه عبيد اللّه. وكان الرجل شديد العقل، فقال له: يا أبا محمد، إن لك لشأنا، فإن رأيت لي عذرا فاقبل عذري. فقال له: أتتّهم اللّه في علمه؟ قال: أعوذ باللّه. قال: أتتّهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم/ في حديثه؟ قال: أعوذ
__________
[1] الفطور: الشقوق.
[2] اللدود: ما يصب بالمسعط من الدواء في أحد شقي الفم.
والمفثود: الذي يشتكي فؤاده.
باللّه. قال: يقول اللّه عزّ وجل: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ
وأنت تقع في فلان وهو ممن بايع، فهل بلغك أن اللّه سخط عليه بعد أن رضي عنه؟! قال: واللّه لا أعود أبدا. قال: والرجل عمر بن عبد العزيز [1].
صوته:
أخبرني وكيع عن أحمد بن زهير عن يحيى بن معين قال:
مات عبيد اللّه بن عبد اللّه بن عتبة سنة اثنتين ومائة، ويقال سنة تسع وتسعين أخبرني محمد بن جرير الطبريّ والحسن بن عليّ عن الحارث [2] عن ابن سعد عن معن [3] عن محمد بن هلال: أن عبيد اللّه توفّي بالمدينة سنة ثمان وتسعين.
صوت من أصوات معبد المعروفة بالمدن:
ومنها [4]:
صوت
/ودّع هريرة إن الرّكب مرتحل ... وهل تطبق وداعا أيّها الرجل
غرّاء فرعاء مصقول عوارضها ... تمشي الهوينى كما يمشي الوجي الوحل [2]
تسمع للحلي وسواسا إذا انصرفت ... كما استعان بريح عشرق زجل
علّقتها عرضا وعلّقت رجلا ... غيري وعلّق أخرى غيرها الرّجل
قالت هريرة لمّا جئت زائرها ... ويلي عليك وويلي منك يا رجل
لم تمش ميلا ولم تركب على جمل ... ولم تر الشمس إلّا دونها الكلل
/ أقول للركب في درنى [5] وقد ثملوا ... شيموا وكيف يشيم الشارب الثّمل
كناطح صخرة يوما ليفلقها ... فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل
أبلغ يزيد بني شيبان مألكة ... أبا ثبيت أما تنفكّ تأتكل
إن تركبوا فركوب الخيل عادتنا ... أو تنزلون فإنّا معشر نزل
وقد غدوت إلى الحانوت يتبعني ... شاو نشول مشلّ شلشل شول
في فتية كسيوف الهند قد علموا ... أن ليس يدفع عن ذي الحيلة الحيل
نازعتهم قضب الرّيحان متّكئا ... وقهوة مزّة راووقها خضل
__________
[1] يبعد تصديق مثل ذلك عن عمر بن عبد العزيز وهو من هو صلاحا وتقوى.
[2] هو الحارث بن أبي أسامة. وابن سعد هو سليمان بن سعد. (راجع ج 6 ص 359 من هذه الطبعة).
[3] هو معن بن عيسى القزاز: (راجع «تهذيب التهذيب» ج 9 ص 498).
[4] يريد أصوات. معبد التي تسمى مدن معبد، وقد مرت في صفحة 137.
[5] درني: موضع بنواحي اليمامة، وقيل: بنواحي العراق.
غنّى معبد في الأوّل والثاني في لحنه المذكور في مدن معبد لحنا من القدر الأوسط من الثقيل الأوّل بإطلاق الوتر في مجرى البنصر عن إسحاق. وذكرت دنانير أن فيهما لابن سريج أيضا صنعة. ولمعبد أيضا في الرابع والخامس والثالث ثقيل أوّل، ذكره حبش، وقيل: بل هو لحن ابن سريج، وذلك الصحيح. ولابن محرز في الثقيل في «إن تركبوا» وفي «كناطح صخرة» ثاني ثقيل مطلق في مجرى الوسطى عن إسحاق. ولحنين الحيريّ في «أبلغ يزيد بني شيبان» و «إن تركبوا» ثاني ثقيل آخر. وذكر أحمد بن المكّيّ أن لابن محرز في «ودّع هريرة» و «تسمع للحلي» ثاني ثقيل بالخنصر في مجرى البنصر. وفي «و قد غدوت» وما بعده رمل لابن سريج ومخارق عن الهشامي. ولابن سريج في «تسمع للحلى» وقبله «ودّع هريرة» رمل بالسبابة في مجرى البنصر عن إسحاق. وللغريض في «قالت هريرة» و «علّقتها عرضا» رمل. وفي هذه الأبيات بعينها هزج ينسب إليه أيضا وإلى غيره. وفي «تسمع للحلى» و «قالت هريرة» هزج لمحمد بن حسن بن مصعب. وفي «لم تمش ميلا» و «أقول للركب» لابن سريج خفيف الثقيل الأوّل بالبنصر عن حبش. وفي «قالت/ هريرة» و «تسمع للحلى» لحن لابن سريج. وإن لحنين في البيتين الآخرين لحنا آخر. وقد مضت أخبار هريرة مع الأعشى في:
هريرة ودّعها وإن لام لائم
وأخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد عن أبيه عن الأصمعيّ قال قلت لأعرابيّة: ما الغرّاء؟ قالت: التي بين حاجبيها بلج وفي جبهتها اتساع تتباعد قصّتها معه عن حاجبيها فيكون بينهما نفنف [1]. وقال أبو عبيدة: الفرعاء:
الكثيرة الشعر. والعوارض: الأسنان. والهوينى تصغير الهونى، والهونى: مؤنث الأهون. والوجي: الظالع وهو الذي قد حفي فليس يكاد يستقلّ على رجله. والوحل: الذي قد وقع في الوحل./ والعشرق: نبت يبس فتحرّكه الريح؛ شبّه صوت حليها بصوته. الزّجل: المصوّت من العشرق. وعلّقتها: أحببتها. وعرضا: على غير موعد.
والوعل: التّيس الجبليّ، والجمع أوعال. مألكة: رسالة، والجمع مآلك. ما تنفكّ: ما تزال. وتأتكل: تتحرّق.
وقال أبو عبيدة: الشاوي: الذي يشوي اللحم: والنّشول: الذي ينشل اللحم من القدر. ومشلّ: سوّاق سريع يسوق به. وشلشل: خفيف. وشول: طيّب الرّيح.
ما وقع بين بني كعب وبني همام، وقصيدة الأعشى في ذلك:
الشعر للأعشى وقد تقدّم نسبه وأخباره. يقول هذه القصيدة ليزيد بن مسهر أبي ثابت الشّيباني. قال أبو عبيدة:
وكان من حديث هذه القصيدة أن رجلا من بني كعب بن سعد بن مالك بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة، يقال له ضبيع، قتل رجلا من بني همّام يقال له زاهر بن سيّار بن أسعد بن همّام بن مرّة بن ذهل بن شيبان، وكان ضبيع مطروقا [2] ضعيف العقل. فنهاهم يزيد بن مسهر أن يقتلوا ضبيعا بزاهر وقال:/ اقتلوا به سيّدا من بني سعد بن مالك بن ضبيعة، فحضّ بني سيّار بن أسعد على ذلك وأمرهم به. وبلغ بني قيس مما قاله، فقال الأعشى هذه الكلمة يأمره أن يدع بني سيّار وبني كعب ولا يعين بني سيّار؛ فإنه إن أعانهم أعانت قبائل بني قيس بني كعب، وحذّرهم أن تلقى شيبان منهم مثل ما لقوا يوم العين عين محلّم [3] بهجر.
__________
[1] النفنف: المهوى بين الشيئين.
[2] المطروق: الذي به هوج وجنون.
[3] عين محلم (بتشديد اللام وكسرها): قال أبو منصور: هي عين فوّارة بالبحرين، وما رأيت عينا أكثر ماء منها، وماؤها جار في منبعها، فإذا برد فهو ماء عذب. ولهذه العين إذا جرت في نهرها خلج كثيرة تتخلج منها تسقي قرى كثيرة ومزارع ونخلا
يوم عين محلم:
قال أبو عبيدة: وكان من حديث ذلك اليوم، كما زعم عمر بن هلال أحد بني سعد بن قيس بن ثعلبة، أن يزيد بن مسهر كان خالع أصرم بن عوف بن ثعلبة بن سعد بن قيس بن ثعلبة، وكان عوف أبو بني الأصرم يقال له الأعجف والضّيعة له وهي قرية باليمامة. فلما خلع يزيد أصرم من ماله خالعه على أن يرهنه ابنيه أفلت وشهابا ابني أصرم، وأمّهما فطيمة بنت شرحبيل بن عوسجة بن ثعلبة بن سعد بن قيس، وأن يزيد قمر أصرم فطلب أن يدفع إليه ابنيه رهينة، فأبت أمّهما وأبى يزيد إلّا أخذهما. فنادت قومها، فحضر الناس للحرب، فاشتملت فطيمة على ابنيها بثوبها، وفكّ قومها عنها وعنهما. فذلك قول الأعشى:
نحن الفوارس يوم العين ضاحية ... جنبي فطيمة لا ميل ولا عزل [1]
قال: فانهزمت بنو شيبان، فحذر الأعشى أن يلقى مسهر مثل تلك الحال.
قال أبو عبيدة: وذكر عامر ومسمع عن قتادة الفقيه أن رجلين من بني مروان تنازعا في هذا الحديث، فجرّدا رسولا في ذلك إلى العراق حتى قدم إلى الكوفة فسأل فأخبر أنّ فطيمة من بني سعد بن قيس كانت عند رجل من بني شيبان، وكانت له/ زوجة أخرى من بني شيبان، فتعايرتا فعمدت الشّيبانيّة فحلّت ذوائب فطيمة، فاهتاج الحيّان فاقتتلوا، فهزمت بنو شيبان يومئذ.
مسحل رئي الأعشى:
أخبرنا محمد بن خلف وكيع قال حدّثنا أحمد بن محمد القصير قال حدّثنا محمد بن صالح قال حدّثني أبو اليقظان قال حدّثني جويرية عن يشكر بن وائل اليشكريّ، وكان من علماء بكر بن وائل وولد أيام مسيلمة فجيء به إليه فمسح على رأسه فعمي، قال جويرية فحدّثني يشكر هذا قال حدّثني جرير بن عبد اللّه البجليّ قال:
سافرت في الجاهليّة فأقبلت على بعيري ليلة أريد أن أسقيه، فجعلت أريده على أن يتقدّم فو اللّه ما يتقدّم، فتقدّمت/ فدنوت من الماء وعقلته، ثم أتيت الماء فإذا قوم مشوّهون عند الماء فقعدت. فبينا أنا عندهم إذ أتاهم رجل أشدّ تشويها منهم فقالوا: هذا شاعرهم. فقالوا له: يا فلان أنشد هذا فإنه ضيف؛ فأنشد:
ودّع هريرة إن الركب مرتحل
فلا واللّه ما خرم منها بيتا واحدا حتى انتهى إلى هذا البيت.
تسمع للحلي وسواسا إذا انصرفت ... كما استعان بريح عشرق زجل
فأعجب به. فقلت: من يقول هذه القصيدة؟ قال: أنا. قلت: لو لا ما تقول لأخبرتك أن أعشى بني ثعلبة أنشدنيها عام أوّل بنجران. قال: فإنك صادق، أنا الذي ألقيتها على لسانه وأنا مسحل صاحبه، ما ضاع شعر شاعر وضعه عند ميمون بن قيس:
__________
[1] ضاحية: علانية. والميل: جمع أميل وهو الذي لا يثبت في الحرب مثل أبيض وبيض. والعزل: جمع أعزل، وحركت زايه للشعر.
صوت
رأيت عرابة الأوسيّ يسمو ... إلى الخيرات منقطع القرين
إذا ما راية رفعت لمجد ... تلقّاها عرابة باليمين
/ عروضه من الوافر. الشعر للشّماخ. والغناء لمعبد خفيف الثقيل الأوّل بالوسطى. وذكر إسحاق أنه من الأصوات القليلة الأشباه. وذكر ابن المكّيّ أن له فيه لحنا آخر من خفيف الثقيل. وقد أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدّثني عمر بن شبّة عن محمد بن يحيى أبي غسّان قال غنّى أبو نؤي:
رأيت عرابة الأوسي يسمو ... إلى الخيرات منقطع القرين
فنسبه الناس إلى معبد. ولعلّه يعني اللحن الآخر الذي ذكره ابن المكيّ. وقال هارون بن محمد بن عبد الملك الزيّات أخبرني حمّاد عن ابن أبي جناح قال: الناس ينسبون هذا الصوت إلى معبد.
8 - ذكر الشّمّاخ ونسبه وخبره
نسبه من قبل أبويه:
هو، فيما ذكر لنا أبو خليفة بن محمد بن سلّام، الشّمّاخ بن ضرار بن سنان بن أميّة [1] بن عمرو بن جحاش بن بجالة بن مازن بن ثعلبة بن سعد بن ذبيان. وذكر الكوفيّون أنه الشماخ بن ضرار بن حرملة بن صيفيّ بن إياس بن عبد بن عثمان بن جحاش بن بجالة بن مازن بن ثعلبة بن سعد بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان. وأمّ الشّماخ أنماريّة من بنات الخرشب ويقال: إنهنّ أنجب نساء العرب، واسمها معاذة بنت بجير بن خالد بن إياس.
مخضرم، وهو أحد من هجا عشيرته:
والشّماخ مخضرم ممّن أدرك الجاهليّة والإسلام، وقد قال للنبيّ صلى اللّه عليه وسلم.
تعلّم رسول اللّه أنا كأننا ... أفأنا بأنمار ثعالب ذي غسل [2]
يعني أنمار بن بغيض وهم قومه. وهو أحد من هجا عشيرته وهجا أضيافه ومنّ عليهم بالقرى. والشّماخ: لقب واسمه معقل، وقيل الهيثم، والصحيح معقل. قال جبل بن جوّال له في قصة كانت بينهما:
لعمري لعل الخير لو تعلمانه ... يمنّ علينا معقل ويزيد
/ منيحة [3] عنز أو عطاء فطيمة ... ألا أنّ نيل الثّعلبيّ زهيد
له أخوان جزء ومزرّد:
وللشمّاخ أخوان من أمّه وأبيه شاعران، أحدهما مزّرّد وهو مشهور، واسمه يزيد وإنما سمي مزرّدا لقوله:
/فقلت تزرّدها عبيد فإنني ... لدرد [4] الشيوخ في السنين مزرّد
والآخر جزء بن ضرار، وهو الذي يقول يرثي عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه:
عليك سلام من أمير وباركت ... يد اللّه في ذاك الأديم الممزّق
فمن يسع أو يركب جناحي نعامة ... ليدرك ما حاولت بالأمس يسبق
__________
[1] في «تجريد الأغاني»: «أمامة».
[2] ذو غسل: موضع. وقد ورد هذا البيت في «كتاب الشعر والشعراء» مع بيت آخر منسوبين إلى مزرّد أخي الشماخ.
[3] المنيحة: الناقة أو الشاة تعطيها غيرك ليحتلبها ثم يردّها عليك.
[4] كذا في «كتاب الشعر والشعراء» وفي ح: «بدرد الموالي» وفي سائر الأصول: «بزرد الموالي» وهو تحريف. والدرد: جمع أدرد وهو من لا أسنان له.
ناحت الجن على عمر بشعر فنحل لجزء أخيه:
وقد أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثنا شهاب بن عبّاد قال حدّثنا محمد بن بشر قال حدّثنا مسعر عن عبد الملك بن عمير عن الصّقر بن عبد اللّه عن عروة عن عائشة قالت:
ناحت الجنّ على عمر قبل أن يقتل بثلاث فقالت:
أبعد قتيل بالمدينة أظلمت ... له الأرض تهتزّ العضاه [1] بأسؤق
جزى اللّه خيرا من إمام وباركت ... يد اللّه في ذاك الأديم الممزّق
فمن يسع أو يركب جناحي نعامة ... ليدرك ما حاولت بالأمس يسبق
قضيت أمورا ثم غادرت بعدها ... بوائق [2] في أكمامها لم تفتّق
وما كنت أخشى أن تكون وفاته ... بكفّي سبنتى [3] أزرق العين مطرق
أخبرني أحمد قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثنا سليمان بن داود الهاشميّ قال أخبرنا إبراهيم بن سعد الزّهريّ عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عبد اللّه بن أبي ربيعة عن أم كلثوم بنت أبي بكر الصدّيق:
/ أن عائشة حدّثتها أن عمر أذن لأزواج النبي صلى اللّه عليه وسلم أن يحججن في آخر حجّة حجّها عمر. قال: فلما ارتحل عمر من المحصّب [4] أقبل رجل متلثّم فقال وأنا أسمع: هذا كان منزله، فأناخ في منزل [5] عمر ثم رفع عقيرته يتغنّى:
عليك سلام من أمير وباركت ... يد اللّه في ذاك الأديم الممزّق
فمن يجر أو يركب جناحي نعامة ... ليدرك ما قدّمت بالأمس يسبق
قضيت أمورا ثم غادرت بعدها ... بوائق في أكمامها لم تفتّق
قالت عائشة: فقلت لبعض أهلي: اعلموا لي علم هذا الرجل، فذهبوا فلم يجدوا في مناخه أحدا. قالت عائشة:
فو اللّه إني لأحسبه من الجنّ. فلما قتل عمر نحل الناس هذه الأبيات للشّمّاخ بن ضرار أو جمّاع بن ضرار. هكذا في الخبر، وهو جزء بن ضرار.
وضعه ابن سلام في الطبقة الثالثة:
وجعل محمد بن سلّام في الطبقة الثالثة الشمّاخ وقرنه بالنابغة ولبيد وأبي ذؤيب الهذليّ، ووصفه فقال: كان
__________
[1] العضاه: كل شجر يعظم وله شوك. والأسؤق: جمع ساق.
[2] البوائق: الشرور.
[3] السبنتى هنا: الجري ء: وأزرق العين: يريد به الأعجمي. والمطرق: المسترخي العين.
[4] في الأصول «من الحصبة» والتصحيح عن ابن سعد في العبارة الآتية.
[5] كذا في أ، م. وفي سائر الأصول: «في منزله عمر» وهو تحريف. وقد وردت هذه القصة في «كتاب الطبقات الكبير لابن سعد» (ج 3 ص 241) هكذا: «قال ابن شهاب فأخبرني إبراهيم بن عبد الرحمن بن أبي ربيعة أن أمه أم كلثوم بنت أبي بكر حدثته عن عائشة قالت: لما كان آخر حجة حجها عمر بأمهات المؤمنين قالت: إذ صدرنا هي عرفة مررت بالمحصب سمعت رجلا على راحلته يقول: أين كان عمر أمير المؤمنين فسمعت رجلا آخر يقول: ها هنا كان أمير المؤمنين. قال: فأناخ راحلته ثم رفع عقيرته ...
إلخ».
شديد متون الشعر أشدّ كلاما [1] من لبيد، وفيه كزازة [2]، ولبيد أسهل منه منطقا. أخبرنا بذلك أبو خليفة عنه.
قال الحطيئة إنه أشعر غطفان:
وقد قال الحطيئة في وصيّته: أبلغوا الشمّاخ أنه أشعر غطفان، قد كتب ذلك في شعر الحطيئة [3].
هو أوصف الناس للحمير:
وهو أوصف الناس للحمير. أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال حدّثني عمّي عن ابن الكلبيّ قال: أنشد الوليد بن عبد الملك شيئا من شعر الشمّاخ/ في صفة الحمير فقال: ما أوصفه لها! إني لأحسب أن أحد أبويه كان حمّارا.
أخبرني إبراهيم بن عبد اللّه قال حدّثنا عبد اللّه بن مسلم قال:
كان الشمّاخ يهجو قومه ويهجو ضيفه ويمنّ عليه بقراه. وهو أوصف الناس للقوس والحمار وأرجز الناس على البديهة.
حديث الشماخ ومزرّد مع أمهما:
أخبرني محمد بن العباس اليزيديّ قال حدّثنا عبد الرحمن ابن أخي الأصمعيّ عن عمّه قال:
قال مزرّد لأمّه: كان كعب بن زهير لا يهابني وهو اليوم يهابني. فقالت: يا بنيّ نعم! إنه يرى جرو الهراش موثقا ببابك. تعني أخاه الشمّاخ. وقد ذكر محمد بن الحسن الأحول هذا الخبر عن ابن الأعرابيّ عن المفضّل قال:
قالت معاذة بنت بجير بن خلف للشّماخ ومزرّد: عرّضتماني لشعراء العرب الحطيئة وكعب بن زهير. فقال: كلّا! لا تخافي. قالت: فما يؤمّنني؟ قالا: إنك ربطت بباب بيتك جروي هراش لا يجترىء أحد عليهما. يعينان أنفسهما.
منازعته قوم امرأته إلى كثير بن الصلت:
أخبرني أبو خليفة قال حدّثنا محمد بن سلّام قال أخبرني شعيب بن صخر قال:
كانت عند الشمّاخ امرأة من بني سليم أحد بني حرام بن سماك، فنازعته وادّعته طلاقا وحضر معها قومها فاختصموا إلى كثير بن الصّلت - وكان عثمان بن عفّان أقعده للنظر بين الناس، وهو رجل من كندة وعداده في بني جمح [و قد ولدتهم بنو جمح [4]] ثم تحوّلوا إلى بني العبّاس فهم فيهم اليوم - فرأى كثير عليهم يمينا، فالتوى الشمّاخ باليمين يحرّضهم عليها، ثم حلف وقال:
/أتتني سليم قضّها وقضيضها ... تمسّح حولي بالبقيع سبالها
يقولون لي يا احلف [5] ولست بحالف ... أخاتلهم عنها لكيما أنالها
__________
[1] عبارة ابن سلام «أشدّ أسر الكلام من لبيد».
[2] الكزازة: اليبس والتقبض.
[3] راجع الجزء الثاني ص 196 من هذه الطبعة.
[4] هذه الجملة في الأصول ولم ترد في «طبقات لابن سلام».
[5] في الأصول: «فاحلف» والتصويب عن «دي؟؟؟».
ففرّجت همّ النفس عنّي بحلفة ... كما شقّت الشّقراء عنها جلالها
أخبرني الحرميّ قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال:
قدم ناس من بهز المدينة يستعدون على الشّماخ وزعموا أنه هجاهم ونفاهم، فجحد ذلك الشماخ. فأمر عثمان كثير بن الصّلت أن يستحلفه على منبر النبيّ صلى اللّه عليه وسلم: ما هجاهم. فانطلق به كثير إلى المسجد ثم انتحاه دون بني بهز - وبهز: اسمه تيم بن سليم بن منصور - فقال له: ويلك يا شمّاخ! إنك لتحلف على منبر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، ومن حلف به آثما يتبوّأ مقعده من النار! قال: فكيف أفعل فداؤك أبي وأمّي؟! قال: إني سوف أحلّفك ما هجوتهم، فاقلب الكلام عليّ وعلى ناحيتي فقل: واللّه ما هجوتكم، فأردني وناحيتي بذلك، وإني سأدفع عنك. فلمّا وقف حلف كما قال له وأقبل كثير فقال: ما هجوتكم. فقالت بهز: ما عنى غيركم، فأعد اليمين عليه. فقال: مالي أتأوّله! هل استحلفته إلّا لكم! وما اليمين إلّا مرّة واحدة! انصرف يا شمّاخ. فانصرف وهو يقول:
أتتني سليم قضّها وقضيضها ... تمسّح حولي بالبقيع سبالها
يقولون لي يا احلف ولست بحالف ... أخادعهم عنها لكيما أنالها
فلو لا كثير نعّم اللّه باله ... أزلّت [1] بأعلى حجّتيك نعالها
/ ففرّجت همّ الموت عنّي بحلفة ... كما شقّت الشّقراء عنها جلالها
سألته امرأة لا تعرفه عن قصته مع زوجه، وشعره في ذلك:
ونسخت هذا الخبر على التمام من كتاب يحيى بن حازم قال حدّثني عليّ بن صالح صاحب المصلّى قال قال القاسم بن معن:
كان الشماخ تزوّج امرأة من بني سليم فأساء إليها وضربها وكسر يدها. فعرضت امرأة من قومها، يقال لها أسماء ذات يوم للطريق تسأل عن صاحبتها. فاجتاز الشمّاخ وهي لا تعرفه: فقالت له: ما فعل الخبيث شمّاخ؟ فقال لها: وما تريدين منه؟ قالت: إنه فعل بصاحبة لنا كيت وكيت. فتجاهل عليها وقال: لا أعلم له خبرا، ومضى وتركها وهو يقول:
تعارض أسماء الرّفاق عشيّة ... تسائل عن ضغن النساء النّواكح
وماذا عليها إن قلوص تمرّغت ... بعدلين أو ألقتهما بالصّحاصح [2]
فإنك [3] لو أنكحت دارت بك الرّحا ... وألقيت رحلي سمحة غير طامح
أ أسماء إنّي قد أتاني مخبّر ... بفيقة [4] ينبي منطقا غير صالح
__________
[1] أزلت: أزلقت. ومرجع الضمير فيه سليم خصومه.
[2] كذا في ج: والصحاصح: جمع صحصح وهو الأرض الجرداء المستوية. يريد: ماذا يهمها من امرأة أساءت عشرة زوجها فأدبها.
وفي سائر الأصول: «الصحائح» وهو تحريف.
[3] كذا في «ديوانه»: يريد: لو تزوجتك دارت بك الرحى أي انقلب أمرك وتغير. وألقيت رحلي أي أنزلتني عندك وأكرمت مثواي.
وسمحة: منقادة. وغير طامح: غير ملتفتة إلى الرجال. وفي الأصول: «فإياك إن أنكحت».
[4] فيقة الضحى: أولها وارتفاعها.
بعجت إليه البطن ثم انتصحته ... وما كلّ من يفشى إليه بناصح
وإنّي من قوم على أن ذممتهم [1] ... إذا أولموا لم يولموا بالأنافح [2]
وإنك من قوم تحنّ نساؤهم ... إلى الجانب الأقصى حنين المنائح [3]
/ثم دخل المدينة في بعض حوائجه، فتعلّقت به بنو سليم يطلبونه بظلامة صاحبتهم، فأنكر. فقالوا: احلف، فجعل يطلب إليهم ويغلّظ عليهم أمر اليمين وشدّتها عليه ليرضوا بها منه حتى رضوا، فحلف لهم وقال:
ألا أصبحت عرسي من البيت جامحا ... بغير [4] بلاء أيّ أمر بدالها
على خيرة [5] كانت أم العرس جامح ... فكيف وقد سقنا إلى الحيّ ما لها
سترجع غضبى رثّة الحال عندنا ... كما قطعت منّا بليل وصالها
فذكر بعد هذه الأبيات قوله:
أتتني سليم قضّها وقضيضها
إلى آخر الأبيات.
خطب امرأة فتزوّجها أخوه جزء فماتا متهاجرين:
وقال ابن الكلبيّ:
كان الشّماخ يهوى امرأة من قومه يقال لها كلبة بنت جوّال أخت جبل بن جوّال الشاعر ابن صفوان بن بلال بن أصرم بن إياس بن عبد تميم بن جحاش بن بجالة بن مازن بن ثعلبة، وكان يتحدّث إليها ويقول فيها الشعر؛ فخطبها فأجابته وهمّت أن تتزوّجه. ثم خرج إلى سفر له فتزوّجها أخوه جزء بن ضرار، فآلى الشمّاخ ألّا يكلّمه أبدا، وهجاه بقصيدته التي يقول فيها:
لنا صاحب قد خان من أجل نظرة ... سقيم الفؤاد حبّ كلبة شاغله
فماتا متهاجرين.
استنشد المهدي بن دأب من أشعر ما قالت العرب فأنشده من شعره:
أخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن عمّار قال حدّثني عبد اللّه بن أبي سعد الورّاق قال حدّثني أحمد بن محمد بن بكر الزّبيريّ قال حدّثنا الحسن بن موسى بن رباح مولى الأنصار عن أبي غزيّة الأنصاريّ قال:
كنت على باب المهديّ يوما، فخرج حاجبه فقال: أين ابن دأب؟ فقال: هأنذا. فقال: ادخل؛ فدخل ثم خرج فجلس. فقلت: يابن دأب،/ ما جرى بينك وبين أمير المؤمنين؟ قال قال لي: أنشدني أبياتا من أشعر ما
__________
[1] كذا في «ديوانه» وفي الأصول: «قضيتهم».
[2] الأنافح: جمع إنفحة (بكسر الهمزة وفتح الفاء) وهي كرش الحمل والجدي ما لم يأكلا، فإذا أكلا فهي كرش.
[3] المنائح: جمع منيحة وهي المعارة للبن فهي تحنّ لوطنها.
[4] كذا في «تجريد الأغاني». وفي «ديوانه»: «على غير شي ء». وفي الأصول: «بخير بلاء» وهو تحريف.
[5] أي على حالة خيرة. وأم للإضراب بمعنى بل.
قالت العرب؛ فأردت أن أنشده قول صاحبك أبي صرمة الأنصاريّ التي يقول فيها:
لنا صور يؤول الحقّ فيها ... وأخلاق يسود بها الفقير
ونصح للعشيرة حيث كانت ... إذا ملئت من الغشّ الصدور
وحلم لا يصوب الجهل فيه ... وإطعام إذا قحط الصّبير [1]
بذات يد على ما كان فيها ... نجود [2] به قليل أو كثير
فتركتها وقلت: إن من أشعر ما قالت العرب قول الشّمّاخ:
وأشعث قد قدّ السّفار [3] قميصه ... يجرّ شواء [4] بالعصا غير منضج
دعوت إلى ما نابني فأجابني ... كريم من الفتيان غير مزلّج [5]
فتى يملأ الشّيزى [6] ويروي سنانه ... ويضرب في رأس الكميّ المدجّج
فتى ليس بالراضي بأدنى معيشة ... ولا في بيوت الحيّ بالمتولّج
/ فقال: أحسنت! ثم رفع رأسه إلى عبد اللّه بن مالك فقال: هذه صفتك يا أبا العباس. فأكبّ عليه عبد اللّه فقبّل رأسه وقال: ذكرك اللّه بخير الذّكر يا أمير المؤمنين. قال أبو غزيّة فقلت له: الأبيات التي تركت واللّه أشعر من التي ذكرت.
عرابة الذي مدحه ونسبه:
أخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد بن إسحاق عن أبيه قال:
عرابة الذي عناه الشمّاخ بمدحه هو أحد أصحاب النبيّ صلى اللّه عليه وسلم وهو عرابة بن أوس بن قيظيّ بن عمرو بن زيد بن جشم بن حارثة بن الحارث بن الخزرج. وإنما قال له الشماخ: عرابة الأوسيّ، وهو من الخزرج، نسبة إلى أبيه أوس بن قيظيّ. ولم يصنع إسحاق في هذا القول شيئا. عرابة من الأوس لا من الخزرج؛ وفي الأوس رجل يقال له الخزرج ليس هذا هو الجدّ الذي ينتهي إليه الخزرجيّون الذي هو أخو الأوس، هذا الخزرج بن النّبيت بن مالك بن الأوس، وهكذا نسبه النسّابون.
أتى عرابة النبي في غزاة أحد مع غلمة فردّهم:
وأخبرني به الحرميّ بن أبي العلاء عن عبد اللّه بن جعفر بن مصعب عن جدّه مصعب الزّبيريّ عن ابن القدّاح:
وأتى النبيّ صلى اللّه عليه وسلم في غزاة أحد ليغزو معه؛ فردّه في غلمة استصغرهم: منهم عبد اللّه بن عمر بن الخطاب وزيد بن ثابت وأسيد بن حضير والبراء بن عازب وعرابة بن أوس وأبو سعيد الخدريّ.
__________
[1] الصبير: السحاب الأبيض لا يكاد يمطر.
[2] في الأصول: «يجود». والسياق يقتضي ما أثبتناه.
[3] السفار: السفر، أي رب أشعث شقت كثرة السفر وكثرة العمل لرفقائه ثوبه.
[4] في «ديوانه»: «و جر الشواء بالعصا غير منضج».
[5] المزلج: الملصق بالقوم وليس منهم، والرجل الناقص المروءة.
[6] الشيزي: خشب تتخذ منه القصاع.
أخبرني بذلك محمد بن جرير الطبريّ عن الحارث بن سعد عن الواقديّ عن محمد بن حميد بن سلمة عن ابن إسحاق.
قصة أبي عرابة وعمه مع النبي:
وأوس بن قيظيّ أبو عرابة من المنافقين الذين شهدوا أحدا مع النبيّ صلى اللّه عليه وسلم وهو الذي قال له: إنّ بيوتنا عورة.
وأخوه مربع [1] بن قيظيّ الأعمى/ الذي حثا في وجه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم التراب لمّا خرج إلى أحد وقد مرّ في حائطه [2] وقال له: إن كنت نبيّا فما أحلّ لك أن تدخل في حائطي. فضربه سعد بن زيد الأشهلي بقوسه فشجّه وقال: دعني يا رسول اللّه أقتله فإنه منافق. فقال صلى اللّه عليه وسلم: «دعوه فإنه أعمى القلب أعمى البصر». فقال أخوه أوس بن قيظي أبو عرابة:
لا واللّه/ ولكنها عداوتكم يا بني عبد الأشهل. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: «لا واللّه ولكنه نفاقكم يا بني قيظيّ».
كان عرابة سيدا في قومه وأبوه من وجوه المنافقين:
أخبرنا بذلك الحرميّ عن عبد اللّه بن جعفر الزّبيريّ عن جدّه مصعب عن ابن القدّاح:
أن عرابة كان سيّدا من سادات قومه وجوادا من أجوادهم، وكان أبوه أوس بن قيظيّ من وجوه المنافقين.
لقي الشماخ بالمدينة فأكرمه فمدحه:
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا أحمد بن الحارث عن المدائني عن ابن جعدبة، وأخبرني عليّ بن سليمان عن محمد بن يزيد، وأخبرني إبراهيم بن أيوب عن عبد اللّه بن مسلم:
أنّ الشمّاخ خرج يريد المدينة، فلقيه عرابة بن أوس فسأله عما أقدمه المدينة، فقال: أردت أن أمتار لأهلي.
وكان معه بعيران فأوقرهما له برّا وتمرا وكاسه وبرّه وأكرمه. فخرج عن المدينة وامتدحه بهذه القصيدة التي يقول فيها:
رأيت عرابة الأوسيّ يسمو ... إلى الخيرات منقطع القرين
سأله معاوية بأي شيء سدت فأجابه:
أخبرني محمد بن العبّاس اليزيديّ قال حدّثنا الرّياشي قال حدّثنا الأصمعيّ قال:
/ قال معاوية لعرابة بن أوس: بأي شيء سدت قومك؟ فقال: أعفو عن جاهلهم، وأعطي سائلهم، وأسعى في حاجاتهم، فمن فعل كما أفعل فهو مثلي، ومن قصّر عنه فأنا خير منه، ومن زاد فهو خير منّي. قال الأصمعيّ:
وقد انقرض عقب عرابة فلم يبق منهم أحد.
اعترض عليه ابن دأب في شعره لابن جعفر:
أخبرني أحمد بن يحيى بن محمد بن سعيد الهمداني قال قال يحيى بن الحسن بن جعفر بن عبيد اللّه بن الحسين بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه:
قال ابن دأب وسمع قول الشمّاخ بن ضرار في عبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب رضي اللّه عنه:
__________
[1] كذا في «سيرة ابن هشام» ص 559. وفي الأصول: «مرفع» بالفاء.
[2] الحائط: البستان.
إنك يابن جعفر نعم الفتى ... ونعم مأوى طارق إذا أتى
وجار ضيف طرق الحيّ سرى ... صادف زادا وحديثا ما اشتهى
إن الحديث طرف من القرى
فقال ابن دأب: العجب للشمّاخ! يقول مثل هذا لابن جعفر ويقول لعرابة:
إذا ما راية رفعت لمجد ... تلقّاها عرابة باليمين
ابن جعفر كان أحقّ بهذا من عرابة!.
نقد أبو نواس بيتا له ووازنه بعشر الفرزدق:
أخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدّثني الكرانيّ محمد بن سعد قال حدّثني طائع قال أخبرني أبو عمرو الكيّس قال قال لي أبو نواس: ما أحسن الشّماخ في قوله:
إذا بلغتني وحملت رحلي ... عرابة فاشرقي بدم الوتين [1]
/لا كما قال الفرزدق:
علام تلفّتين وأنت تحتي ... وخير النّاس كلّهم أمامي
متى تردي الرّصافة تستريحي ... من التّهجير [2] والدّبر الدّوامي
قلت أنا: وقد أخذ معنى قول الفرزدق هذا داود بن سلم في مدحه قثم بن العباس فأحسن فقال:
نجوت من حلّي ومن رحلتي ... يا ناق إن أدنيتني من قثم
إنك إن أذنيت منه غدا ... حالفنا اليسر ومات العدم
/ في كفّه بحر وفي وجهه ... بدر وفي العرنين منه شمم
أصمّ عن قيل الخنا سمعه ... وما عن الخير به من صمم
لم يدر ما «لا» و «بلى» قد درى ... فعافها واعتاض منها «نعم»
نقد عبد الملك بن مروان شعره:
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا الخرّاز عن المدائنيّ قال:
أنشد عبد الملك قول الشمّاخ في عرابة بن أوس:
إذا بلّغتني وحملت رحلي ... عرابة فاشرقي بدم الوتين
فقال: بئست المكافأة كافأها! حملت رحله وبلّغته بغيته فجعل مكافأتها نحرها!.
__________
[1] الوتين: عرق في القلب إذا انقطع مات صاحبه.
[2] التهجير: المشي في الهاجرة. والدبر (بفتحتين) جمع دبرة (بفتحتين) وهي قرحة الدابة.
المهلب والشعراء:
قال الخرّاز: ومثل هذا ما حدّثناه المدئنيّ عن ابن دأب أن رجلا لقي المهلّب فنحر ناقته في وجهه؛ فتطيّر من ذلك وقال له: ما قصّتك؟ فقال:
إني نذرت لئن لقيتك سالما ... أن تستمرّ بها شفار الجازر
فقال المهلّب: فأطعمونا من كبد هذه المظلومة، ووصله.
قال المدائنيّ: ولقيته امرأة من الأزد وقد قدم من حرب كان نهض إليها، فقالت: أيها الأمير، إني نذرت إن وافيتك سالما أن أقبّل يدك وأصوم يوما/ وتهب لي جارية صغديّة [1] وثلاثمائة درهم. فضحك المهلّب وقال: قد وفينا لك بنذرك فلا تعاودي مثله، فليس كل أحد يفي لك به.
المهدي وأبو دلامة:
وأخبرني الحسن قال حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد قال حدّثني بعض أصحابنا عن القحذميّ: أن أبا دلامة لقي المهديّ لمّا قدم بغداد، فقال له:
إني نذرت لئن رأيتك واردا ... أرض العراق وأنت ذو وفر
لتصلّينّ على النبيّ محمد ... ولتملأنّ دراهما حجري
فقال له: أمّا النبيّ فصلّى اللّه على النّبيّ محمد وآله وسلّم، وأمّا الدراهم فلا سبيل إليها. فقال له: أنت أكرم من أن تعطيني أسهلهما عليك وتمنعني الأخرى. فضحك وأمر له بما سأل. وهذا مما ليس يجري في هذا الباب ولكن يذكر الشيء بمثله.
لطيفة الأعرابي على مائدة عبد الملك بن مروان بسبب بيت له:
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ قال حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد قال حدّثنا مسعود بن عيسى العبديّ قال حدّثني أحمد بن طالب الكناني (كنانة تغلب)، وأخبرني به محمد بن أحمد بن الطّلّاس عن الخرّاز عن المدائنيّ لم يتجاوزه به قال:
نصب عبد الملك بن مروان الموائد يطعم الناس؛ فجلس رجل من أهل العراق على بعض تلك الموائد. فنظر إليه خادم لعبد الملك فأنكره، فقال له: أعراقيّ أنت؟ قال: نعم. قال: أنت جاسوس؟ قال: لا. قال: بلى. قال:
ويحك! دعني أتهنّأ بزاد أمير المؤمنين ولا تنغّصني به. ثم إن عبد الملك وقف على تلك المائدة فقال من القائل:
/إذا الأرطى [2] توسّد أبرديه ... خدود جوازىء بالرّمل عين
__________
[1] صغدية: نسبة إلى الصغد وهي كورة قصبتها سمرقند.
[2] قال البغدادي نقلا عن ابن قتيبة: الأرطى: شجر من أشجار البادية تدبغ به الجلود. وهو مفعول لفعل محذوف أي إذا توسد الأرطى.
وأبرديه بدل اشتمال من الأرطى. ومعنى توسد أبرديه: اتخذهما كالوسادة. والأبردان: الظل والفيء، سميا بذلك لبردهما، وأبردان أيضا: الغداة والعشي. وخدود فاعل توسد. والجوازى ء: الظباء وبقر الوحش، سميت جوازىء لأنها اجتزأت بأكل النبت الأخضر عن الماء. قال في «اللسان» في مادة جزأ: الظباء لا تعني في هذا البيت كما ذهب إليه ابن قتيبة؛ لأن الظباء لا تجزأ بالكلأ عن الماء، وإنما عني البقر. ويقوي ذلك أنه قال عين، والعين من صفات البقر لا من صفات الظباء. والعين. الواسعات العيون،
وما معناه؟ ومن أجاب فيه أجزناه، والخادم يسمع. فقال العراقيّ للخادم: أتحبّ أن أشرح لك قائله وفيم قاله؟
قال: نعم. قال: يقوله عديّ بن زيد في صفة البطّيخ الرّمسيّ. فقال ذلك الخادم. فضحك عبد الملك حتى سقط.
فقال له الخادم: أخطأت أم أصبت؟ فقال: بل/ أخطأت. فقال: يا أمير المؤمنين، هذا العراقيّ فعل اللّه به وفعل لقّننيه. فقال: أيّ الرجال هو؟ فأراه إياه. فعاد إليه عبد الملك وقال: أنت لقّنته هذا؟ قال: نعم. قال: أفخطأ لقّنته أم صوابا؟ قال: بل خطأ. قال: ولم؟ قال: لأني كنت متحرّما بمائدتك فقال لي كيت وكيت، فأردت أن أكفّه عنّي وأضحكك. قال: فكيف الصواب؟ قال: يقوله الشمّاخ بن ضرار الغطفانيّ في صفة البقر الوحشيّة قد جزأت بالرّطب عن الماء. قال: صدقت وأجازه، ثم قال له: حاجتك؟ قال: تنحّي هذا عن بابك فإنه يشينه.
سأل كثير يزيد بن عبد الملك عن معنى بيت له فسبه:
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال كتب إليّ إسحاق بن إبراهيم الموصليّ أن أبا عبيدة حدّثه عن غير واحد من أهل المدينة:
/ أن يزيد بن عبد الملك لمّا قدم عليه الأحوص وصله بمائة ألف درهم. فأقبل إليه كثيّر يرجو أكثر من ذلك، وكان قد عوّده من كان قبل يزيد من الخلفاء أن يلقى عليهم بيوت الشعر ويسألهم عن المعاني. فألقى على يزيد بيتا وقال: يا أمير المؤمنين، ما يعني الشمّاخ بقوله:
فما أروى وإن كرمت علينا ... بأدنى من موقّفة حرون [1]
تطيف على الرّماة فتتّقيهم ... بأوعال معطّفة القرون [2]
فقال يزيد: وما يضرّ يا ماصّ بظر أمّه ألّا يعلم أمير المؤمنين هذا! وإن احتاج إلى علمه سأل عبدا مثلك عنه!. فندم كثيّر وسكّته من حضر من أهل بيته، وقالوا له: إنه قد عوّده من كان قبلك من الخلفاء أن يلقى عليه أشباه هذا، وكانوا يشتهونه منه ويسألونه إياه؛ فطفىء عنه غضبه. وكانت جائزته ثلاثين ألفا، وكان يطمع في أكثر من جائزة الأحوص.
وأخبرنا أبو خليفة بهذا الخبر عن محمد بن سلّام فذكر أنه سأل يزيد عن قول الشمّاخ:
وقد عرقت مغابنها وجادت ... بدرّتها قرى حجن قتين [3]
__________
- جمع عيناء. والمعنى: أن الوحوش تتخذ كناسين عن جانبي الشجر تستتر فيهما من حر الشمس فترقد قبل زوال الشمس في الكناس الغربي، فإذا زالت الشمس إلى ناحية المغرب وتحول الظل فصار فيئا زالت عن الكناس الغربي ورقدت في الكناس الشرقي. (راجع «ديوانه» ص 94).
[1] كذا في ج و «ديوانه». وقد جاء فيه شرح هذا البيت هكذا: الموقفة: الأروية (أنثى الوعول) التي في قوائمها خطوط كأنها الخلاخيل.
والوقف: الخلخال. والتوقيف: البياض مع السواد. فأراد أن في قوائمها خطوطا تخالف لونها. والحرون: التي تحرن في أعلى الجبل فلا تبرح. وأروى: اسم محبوبته. يريد أن محبوبته ليست بأقرب من هذه الأروية التي لا تنال. وفي سائر الأصول: «مفوقة» وهو تحريف.
[2] أي تطيف بهذه الأروية الرماة فلا تبرح لأنها في أعلى الجبل ودونها أو عال فلا يصل إليها نبل الرماة، لأنهم يرمون الأوعال لأنها أقرب إليهم فكأنها تقي نفسها بها. وإنما يؤكد بهذا بعدها وأنها لا يقدر عليها.
[3] كذا في «ديوانه» و «اللسان» مادة «حجن وجحن» والمغابن: الآباط، وقيل: الأرفاغ. والقتين: مثل الحجن، أراد به قرادا سيىء الغذاء، وجعل عرق هذه الناقة قوتا له. وفي الأصول: «بدرتها بها حجن قتين».
/ فسكت عنه يزيد، فقال يزيد: وما على أمير المؤمنين لا أمّ لك ألّا يعرف هذا! هو القراد أشبه الدوابّ بك!.
تمثل ابن الزبير ببيت له في حواره لمعاوية:
نسخت من كتاب يحيى بن حازم حدّثنا عليّ بن صالح صاحب المصلّى قال حدّثنا ابن دأب قال:
قال معاوية لعبد اللّه بن الزّبير وهو عنده بالمدينة في أناس: يابن الزّبير، ألا تعذرني في حسن بن عليّ! ما رأيته مذ قدمت المدينة إلّا مرّة. قال: دع عنك حسنا، فأنت واللّه وهو كما قال الشمّاخ:
أجامل أقواما حياء وقد أرى ... صدورهم تغلي عليّ مراضها
واللّه لو يشاء حسن أن يضربك بمائة ألف سيف ضربك! واللّه لأهل العراق أرأم له من أمّ الحوار لحوارها. فقال معاوية رحمه اللّه: أردت أن تغريني به! واللّه لأصلنّ رحمه ولأقبلنّ عليه، وقال:
ألا أيّها المرء المحرّش بيننا ... ألا اقتل أخاك لست قاتل أربد
أبى قربه منّي وحسن بلائه ... وعلمي بما يأتي به الدهر في غد
- والشعر لعروة بن قيس - فقال ابن الزّبير: أما واللّه إنّي وإيّاه ليد عليك بحلف [1] /الفضول. فقال معاوية: من أنت! لا أعرض لك وحلف الفضول! واللّه ما كنت فيها إلا كالرّهينة/ تثخن معنا وتردى هزيلا، كما قال أخو همدان:
إذا ما بعير قام علّق رحله ... وإن هو أبقى بالحياة مقطّعا [2]
صوت من مدن معبد
صوت معبد في شعر كثير بن كثير بن المطلب:
وهو الذي أوّله:
كم بذاك الحجون من حيّ صدق ... أسعداني بعبرة أسراب
من شؤون كثيرة التّسكاب ... إن أهل الحصاب قد تركوني
موزعا مولعا بأهل الحصاب ... كم بذاك الحجون من حيّ صدق
وكهول أعفّة وشباب ... سكنوا الجزع جزع بيت أبي مو
سى إلى النخل من صفيّ السّباب
__________
[1] حلف الفضول: حلف تداعت له قريش واجتمعوا من أجله في دار عبد اللّه بن جدعان تعاهدوا فيه على ألا يجدوا بمكة مظلوما إلا ردوا عليه مظلمته، كان قبل البعث بعشرين سنة. وأوّل من دعا إليه الزبير بن عبد المطلب. وسببه أن رجلا من زبيد قدم مكة بتجارة له، فاشتراها منه العاص بن وائل وحبس عنه ثمنا. فاستعدى عليه الزبيدي الأحلاف من قريش فأبوا أن يعينوه على العاص لمكانته فيهم. فأرقى على أبي قبيس عند طلوع الشمس وقريش في أنديتهم حول الكعبة فصاح بأعلى صوته:
يا آل فهر لمظلوم بضاعته ... ببطن مكة نائي الدار والنفر
فقام الزبير بن عبد المطلب واجتمعت هاشم وزهرة وتيم في دار ابن جدعان وتعاهدوا ليكونن يدا واحدة مع المظلوم على الظالم حتى يؤدي عليه حقه. فسمي ذلك الحلف حلف الفضول وقالوا: لقد دخل هؤلاء في فضل من الأمر. ثم مشوا إلى العاص بن وائل فانتزعوا منه سلعة الزبيدي وردّوها إليه.
[2] كذا ورد هذا البيت في الأصول.
فارقوني وقد علمت يقينا ... ما لمن ذاق ميتة من إياب
فلي الويل بعدهم وعليهم ... صرت فردا وملّني أصحابي
عروضه من الخفيف. الشؤون: الشّعب التي يتداخل بعضها في بعض من عظام الرأس، واحدها شأن مهموزا.
والجزع: منعطف الوادي. وصفيّ [1] السّباب: جمع صفاة وهي الحجارة. ولقّبت صفيّ السّباب لأن قوما من قريش ومواليهم كانوا يخرجون إليها بالعشيّات يتشاتمون ويذكرون المعايب والمثالب التي يرمون بها؛ فسمّيت تلك الحجارة صفيّ السّباب.
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ عن عليّ بن محمد النّوفليّ عن أبيه قال يقال: صفا السّباب وصفيّ السّباب بفتح الفاء وكسرها جميعا، وهو شعب من/ شعاب مكة فيها صفّا أي صخر مطروح. وكانت قريش تخرج فتقف على ذلك الموضع فيفتخرون ثم يتشاتمون وذلك في الجاهلية فلا يفترقون إلا عن قتال؛ ثم صار ذلك في صدر من الإسلام أيضا حتى نشأ سديف مولى عتبة [2] بن أبي سديف وشبيب مولى بني أميّة، فكان هذا يخرج في موالي بني هاشم وهذا في موالي بني أميّة، فيفتخرون ثم يتشاتمون ثم يتجالدون بالسيوف. وكان يقال لهم السّديفيّة والشّبيبيّة. وكان أهل مكّة مقتسمين بينهما في العصبيّة؛ ثم درس ذلك فصارت العصبيّة بمكة بين الجزّارين والحنّاطين، فهي بينهم إلى اليوم، وكذلك بالمدينة في القمار وغيره.
الشعر لكثير بن كثير بن المطّلب بن أبي وداعة السّهميّ، وقيل: بل هو لكثيّر عزّة. وقد روي في ذلك خبر نذكره. والغناء لمعبد ثقيل أوّل بالوسطى في مجراها عن إسحاق. وذكر عمرو بن بانة أنّ فيه ثقيلا أوّل بالخنصر للغريض ولحنا آخر لابن عبّاد ولم يجنّسه. ولابن جامع في الخامس والسادس رمل بالوسطى. ولابن سريج في الأربعة الأول ثقيل أوّل بالسبّابة في مجرى الوسطى عن إسحاق. ولابن أبي دباكل الخزاعيّ فيها ثاني ثقيل بالوسطى عن الهشاميّ وأبي أيّوب المدنيّ وحبش. فمن روى هذا الشعر لكثيّر عزّة يرويه:
إنّ أهل الخضاب قد تركوني
ويزعم أن كثيّرا قاله في خضاب/ خضبته عزّة به.
ابن عائشة يذكر بحادثة لكثير وعزة فيغني بشعر:
أخبرني بخبره أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ قال حدّثنا عمر بن شبّة ولم يتجاوزه، وأخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد بن إسحاق عن أبيه قال حدّثني الزّبيريّ/ قال حدّثني بهذا الخبر أيضا وفيه زيادة وخبره أحسن وأكثر تلخيصا وأدخل في معنى الكتاب، قال الزّبيريّ حدّثني أبي قال:
خرجت إلى ناحية فيد [3] متنزّها، فرأيت ابن عائشة يمشي بين رجلين من آل الزّبير وإحدى يديه على يد هذا والأخرى على يد هذا، وهو يمشي بينهما كأنه امرأة تجلى على زوجها. فلمّا رأيتهم دنوت فسلّمت وكنت أحدث القوم سنا، فاشتهيت غناء ابن عائشة فلم أدر كيف أصنع. وكان ابن عائشة إذا هيّجته تحرّك. فقلت: رحم اللّه كثيّرا
__________
[1] صفيّ: جمع صفا، وصفا جمع صفاة. فصفّى جمع الجمع لصفاة.
[2] في ج: «مولى بني عتبة بن سديف».
[3] فيد: منزل بطريق مكة.
وعزّة! ما كان أوفاهما وأكرمهما وأصونهما لأنفسهما! لقد ذكرت بهذه الأودية التي نحن فيها خبر عزّة حين خضبت كثيّرا. فقال ابن عائشة: وكيف كان حديث ذلك؟ قلت: حدّثني من حضره بذلك - ومن ها هنا تتفق رواية عمر بن شبّة والزّبيريّ - قال: خرج كثيّر يريد عزّة وهي منتجعة بالصّواري وهي الأودية بناحية فدك، فلما كان منها قريبا وعلم أن القوم جلسوا عند أنديتهم للحديث بعث أعرابيا فقال له: اذهب إلى ذلك الماء فإنك ترى امرأة جسيمة لحيمة تبالط الرجال الشعر - قال إسحاق: المبالطة: أن تنشد أوّل الشعر وآخره - فإذا رأيتها فناد: من رأى الجمل الأحمر؟ مرارا. ففعل. فقالت له: ويحك قد أسمعت فانصرف إليه فأخبره. فلم يلبث أن أقبلت جارية معها طست وتور [1] وقربة ماء حتى انتهت إليه، ثم جاءت بعد ذلك عزّة فرأته جالسا محتبيا قريبا من ذراع راحلته. فقالت له: ما على هذا فارقتك!. فركب راحلته وهي باركة وقامت إلى لحيته فأخذت التّور فخضبته وهو على ظهر جمله حتى فرغت من خضابه، ثم نزل فجعلا يتحدّثان حتى علق الخضاب، ثم قامت إليه فغسلت لحيته ودهنته، ثم قام فركب وقال:
/إنّ أهل الخضاب قد تركوني ... موزعا مولعا بأهل الخضاب
وذكر باقي الأبيات كلّها. وإلى ها هنا رواية عمر بن شبّة. فقال ابن عائشة: فأنا واللّه أغنيّه وأجيده، فهل لكم في ذلك؟ فقلنا: وهل لنا عنه مدفع! فاندفع يغنّي بالأبيات، فخيّل إليّ أن الأودية تنطق معه حسنا. فلمّا رجعنا إلى المدينة قصصت القصّة، فقيل لي: إن ذلك أحسن صوت يغنّيه ابن عائشة؟ فقلت: لا أدري إلّا أني سمعت شيئا وافق محبّتي.
معبد وابن سريج يبكيان أهل مكة بغنائهما:
وقال عبد اللّه بن أبي سعد حدّثني عبد اللّه بن الصّبّاح عن هشام بن محمد عن أبيه قال:
زار معبد ابن سريج والغريض بمكة؛ فخرجا به إلى التّنعيم [2] ثم صاروا إلى الثّنيّة العليا ثم قالوا: تعالوا حتى نبكي أهل مكة؛ فاندفع ابن سريج فغنّى صوته في شعر كثير بن كثير السّهميّ:
أسعديني بعبرة أسراب ... من دموع كثيرة التّسكاب
فأخذ أهل مكة في البكاء وأنّوا حتى سمع أنينهم. ثم غنّى معبد:
صوت
يا راكبا نحو المدينة جسرة ... أجدا [3] تلاعب حلقة وزماما
/ اقرأ على أهل البقيع من امرىء ... كمد على أهل البقيع سلاما
كم غيّبوا فيه كريما ما جدا ... شهما ومقتبل الشباب غلاما
ونفيسة في أهلها مرجوّة ... جمعت صباحة صورة وتماما
__________
[1] تور: إناء صغير.
[2] التنعيم: موضع بمكة على بعد فرسخين منها. ومنه يحرم المكيون بالعمرة.
[3] ناقة جسرة: ضخمة. وأجد: قوية موثقة الخلق.
فنادوا من الدروب بالويل والحرب والسّلب، وبقي الغريض لا يقدر من البكاء والصّراخ أن يغنّي.
/ الشعر لعمر بن أبي ربيعة. والغناء لمعبد ثقيل أوّل بالوسطى، وذكر عمرو بن بانة أنه ليحيى المكي، وقد غلط. وذكر حبش أن لعلّويه فيه ثقيلا أوّل آخر.
صوت من مدن معبد في شعر قيس بن ذريح: ومن مدن معبد.
صوت
وقد أضيف إليه غيره من القصيدة:
سلي [1] هل قلاني من عشير صحبته ... وهل ذمّ رحلي في الرّفاق رفيق
وهل يجتوي القوم الكرام صحابتي ... إذا اغبرّ مخشيّ الفجاج عميق
ولو تعلمين الغيب أيقنت أنّني ... لكم والهدايا المشعرات صديق
تكاد بلاد اللّه يا أمّ معمر ... بما رحبت يوما عليّ تضيق
أذود سوام الطّرف عنك وهل لها ... إلى أحد إلّا إليك طريق
وحدّثتني يا قلب أنك صابر ... على البين من لبنى فسوف تذوق
مت كمدا أو عش سقيما فإنما ... تكلّفني ما لا أراك تطيق
بلبنى أنادى عند أوّل غشية ... ولو كنت بين العائدات أفيق
إذا ذكرت لبني تجلّتك زفرة ... ويثني لك الدّاعي بها فتفيق
عروضه من الطويل. الشعر لقيس بن ذريح. والغناء لمعبد في اللحن المذكور ثقيل أوّل بالخنصر في مجرى البنصر عن إسحاق في الأول والثاني والثالث. وذكر في موضع. آخر وافقته [2] دنانير أن لمعبد ثقيلا أوّل بالبنصر في مجرى الوسطى أوّله:
صوت
أتجمع قلبا بالعراق فريقه ... ومنه بأطلال الأراك فريق
فكيف بها لا الدار جامعة النّوى ... ولا أنت يوما عن هواك تفيق
ولو تعلمين الغيب أيقنت أنّني ... لكم والهدايا المشعرات صديق
البيتان الأوّلان يرويان لجرير وغيره، والثالث لقيس بن ذريح أضافه إليهما معبد. وذكر عمرو ويونس أن لحن معبد
__________
[1] في الأصول: «سلا» والخطاب لأنثى. وقبل البيت:
وإن كنت لما تخبريني فسائلي ... فبعض الرجال للرجال رموق
(راجع هذه القصيدة بتمامها في «الأمالي» ج 2 ص 257) والقصيدة فيه منسوبة لمضرس بن قرط بن الحارث المزني.
[2] كذا بالأصول: ولعله: ومرافقته دنانير. أو: وافقته فيه دنانير.
الأوّل في خمسة أبيات أولى من الشعر. وذكر عمرو بن بانة أنّ لبذل الكبيرة خفيف رمل بالوسطى في الرابع من الأبيات وبعده:
دعون الهوى ثم ارتمين قلوبنا ... بأعين أعداء وهنّ صديق
وبعده الخامس من الأبيات وهو «أذود سوامّ الطّرف». وزعم حبش أن في لحن معبد الثاني الذي أوّله: «أتجمع قلبا» لابن سريج خفيف رمل بالبنصر، وذكر أيضا أن للغريض/ في الأوّل والثاني والسابع ثاني ثقيل بالبنصر، ولابن مسجح خفيف رمل بالبنصر. وفي السادس وما بعده لحكم الوادي ثقيل أوّل بالسبّابة في مجرى البنصر عن إسحاق.
وذكر حبش أن للغريض فيها ثقيلا أوّل بالوسطى.
9 - ذكر قيس بن ذريح ونسبه وأخباره
نسبه:
هو، فيما ذكر الكلبيّ والقحذميّ وغيرهما، قيس بن ذريح بن سنّة بن حذافة بن طريف بن عتوارة بن عامر بن ليث بن بكر بن عبد مناة وهو عليّ بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار. وذكر أبو شراعة القيسيّ [1] أنه قيس بن ذريح بن الحباب بن سنّة؛ وسائر النسب متّفق. واحتجّ بقول قيس:
فإن يك تهيامي بلبنى غواية ... فقد يا ذريح بن الحباب غويت
وذكر القحذميّ أن أمّه بنت سنّة بن الذاهل [2] بن عامر الخزاعيّ، وهذا هو الصحيح؛ وأنه كان له خال يقال له عمرو بن سنّة شاعر، وهو الذي يقول:
ضربوا الفيل بالمغمّس [3] حتى ... ظلّ يحبو كأنه محموم
وفيه يقول قيس:
أنبئت أنّ لخالي هجمة [4] حبسا ... كأنّهن بجنب المشعر النّصل [5]
قد كنت فيما مضى قدما تجاورنا ... لا ناقة لك ترعاها ولا جمل
ما ضرّ خالي عمرا لو تقسّمها ... بعض الحياض وجمّ البئر محتفل [6]
هو رضيع الحسين بن علي:
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثني محمد بن موسى بن حمّاد قال حدّثني أحمد بن القاسم بن يوسف قال حدّثني جزء بن قطن قال حدّثنا جسّاس بن محمد بن عمرو/ أحد بني الحارث بن كعب عن محمد بن أبي السّري عن هشام بن الكلبيّ قال حدّثني عدد من الكنانيّين:
أن قيس بن ذريح كان رضيع الحسين بن عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنهما، أرضعته أمّ قيس.
__________
[1] كذا في ج و «الأغاني»: (ج 7 ص 232 من هذه الطبعة). وفي سائر الأصول: «أبو شراعة الضبي». وهو تحريف.
[2] في «تجريد الأغاني»: «الكاهل».
[3] المغمس: موضع قرب مكة في طريق الطائف.
[4] الهجمة من الإبل: أولها أربعون إلى ما زادت، أو ما بين السبعين إلى المائة.
[5] النصل: جمع نصيل، وهو حجر طويل رقيق كهيئة الصفيحة المحددة، يشبه به رأس البعير وخرطومه إذا رجف في سيره.
[6] جم الماء: معظمه. ومحتفل: ملآن. يريد: ما على خالي أن نصيب من ماله وهو غني مكثر.
أول عشيقه لبني ثم زواجه بها:
أخبرنا بخبر قيس ولبنى امرأته جماعة من مشايخنا في قصص متّصلة ومنقطة وأخبار منثورة ومنظومة، فألّفت ذلك أجمع ليتّسق حديثه إلّا ما جاء مفردا وعسر إخراجه عن جملة النظم فذكرته على حدة. فممّن أخبرنا بخبره أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ قال حدّثنا عمر بن شبّة ولم يتجاوزه إلى غيره، وإبراهيم بن محمد بن أيّوب عن ابن قتيبة، والحسن بن عليّ عن محمد بن موسى بن حمّاد البربريّ عن أحمد بن القاسم بن يوسف عن جزء بن قطن عن جسّاس بن محمد عن محمد بن أبي السّريّ عن هشام بن الكلبيّ وعلى روايته أكثر المعوّل. ونسخت أيضا من أخباره المنظومة أشياء ذكرها القحذميّ عن رجاله، وخالد بن كلثوم عن نفسه ومن روى عنه، وخالد بن جمل ونتفا حكاها اليوسفيّ صاحب الرسائل عن أبيه عن أحمد بن حمّاد عن جميل عن ابن أبي جناح الكعبيّ. وحكيت كلّ متّفق فيه متصلا، وكل مختلف في معانيه منسوبا إلى راويه. قالوا جميعا:
كان منزل/ قومه في ظاهر المدينة، وكان هو وأبوه من حاضرة المدينة. وذكر خالد بن كلثوم أن منزله كان يسرف [1]، واحتجّ بقوله:
الحمد للّه قد أمست مجاورة ... أهل العقيق وأمسينا على سرف
قالوا: فمرّ قيس لبعض حاجته بخيام بني كعب بن خزاعة، فوقف على خيمة منها والحيّ خلوف [2] والخيمة خيمة لبنى بنت الحباب الكعبيّة، فاستسقى ماء، فسقته وخرجت/ إليه به، وكانت امرأة مديدة القامة شهلاء [3] حلوة المنظر والكلام. فلما رآها وقعت في نفسه، وشرب الماء. فقالت له: أتنزل فتتبرّد عندنا؟ قال: نعم. فنزل بهم. وجاء أبوها فنحر له وأكرمه. فانصرف قيس وفي قلبه من لبنى حرّ لا يطفأ، فجعل ينطق بالشعر فيها حتى شاع وروي. ثم أتاها يوما آخر وقد اشتدّ وجده بها، فسلّم فظهرت له وردّت سلامه وتحفّت به؛ فشكا إليها ما يجد بها وما يلقى من حبّها، وشكت إليه مثل ذلك فأطالت؛ وعرف كلّ واحد منهما ما له عند صاحبه. فانصرف إلى أبيه وأعلمه حاله وسأله أن يزوّجه إياها. فأبى عليه وقال: يا بنيّ، عليك بإحدى بنات عمّك فهنّ أحقّ بك. وكان ذريح كثير المال موسرا، فأحبّ ألّا يخرج ابنه إلى غريبة. فانصرف قيس وقد ساءه ما خاطبه أبوه به. فأتى أمّه فشكا ذلك إليها واستعان بها على أبيه، فلم يجد عندها ما يحبّ. فأتى الحسين بن عليّ بن أبي طالب وابن أبي عتيق فشكا إليهما ما به وما ردّ عليه أبوه. فقال له الحسين: أنا أكفيك. فمشى معه إلى أبي لبنى. فلما بصر به أعظمه ووثب إليه، وقال له: يابن رسول اللّه، ما جاء بك؟ ألا بعثت إليّ فأتيتك! قال: إن الذي جئت فيه يوجب قصدك وقد جئتك خاطبا ابنتك لبنى لقيس بن ذريح. فقال: يابن رسول اللّه، ما كنّا لنعصي لك أمرا وما بنا عن الفتى رغبة، ولكن أحبّ الأمر إلينا أن يخطبها ذريح أبوه علينا وأن يكون ذلك عن أمره، فإنّا نخاف إن لم يسع أبوه في هذا أن يكون عارا وسبّة علينا. فأتى الحسين رضي اللّه عنه ذريحا وقومه وهم مجتمعون، فقاموا إليه إعظاما له وقالوا له مثل قول الخزّاعيّين. فقال لذريح: أقسمت عليك إلّا خطبت لبنى لابنك قيس. قال: السمع والطاعة لأمرك. فخرج معه في وجوه من قومه حتى أتوا لبنى فخطبها/ ذريح على ابنه إلى أبيها فزوّجه إيّاها، وزفّت إليه بعد ذلك.
__________
[1] سرف: موضع على ستة أميال من مكة.
[2] خلوف: غيب.
[3] الشهلاء: التي يخالط سواد عينيها زرقة.
أبواه يغريانه بطلاقها ويأبى هو:
فأقامت معه مدّة لا ينكر أحد من صاحبه شيئا. وكان أبرّ الناس بأمّه، فألهته لبنى وعكوفه عليها عن بعض ذلك، فوجدت أمّه في نفسها وقالت: لقد شغلت هذه المرأة ابني عن برّي؛ ولم تر للكلام في ذلك موضعا حتى مرض مرضا شديدا. فلما برأ من علّته قالت أمّه لأبيه: لقد خشيت أن يموت قيس وما يترك خلفا وقد حرم الولد من هذه المرأة، وأنت ذو مال فيصير مالك إلى الكلالة [1]، فزوّجه بغيرها لعل اللّه أن يرزقه ولدا، وألحّت عليه في ذلك. فأمهل قيسا حتى إذا اجتمع قومه دعاه فقال: يا قيس، إنك اعتللت هذه العلّة فخفت عليك ولا ولد لك ولا لي سواك. وهذه المرأة ليست بولود؛ فتزوّج إحدى بنات عمّك لعلّ اللّه أن يهب لك ولدا تقرّ به عينك وأعيننا. فقال قيس:/ لست متزوّجا غيرها أبدا. فقال له أبوه: فإن في مالي سعة فتسرّ بالإماء. قال: ولا أسوءها بشيء أبدا واللّه. قال أبوه: فإني أقسم عليك إلّا طلّقتها. فأبى وقال: الموت واللّه عليّ أسهل من ذلك، ولكني أخيّرك خصلة من ثلاث خصال. قال: وما هي؟ قال: تتزوّج أنت فلعلّ اللّه أن يرزقك ولدا غيري. قال: فما فيّ فضلة لذلك.
قال: فدعني أرتحل عنك بأهلي واصنع ما كنت صانعا لو متّ في علّتي هذه. قال: ولا هذه. قال: فأدع لبنى عندك وأرتحل عنك فلعليّ أسلوها فإني ما أحبّ بعد أن تكون نفسي طيّبة أنها في خيالي. قال: لا أرضى أو تطلّقها، وحلف لا يكنّه سقف بيت أبدا حتى يطلّق لبنى، فكان يخرج فيقف في حرّ الشمس، ويجيء قيس فيقف إلى جانبه فيظلة بردائه ويصلى هو بحرّ الشمس/ حتى يفيء الفيء فينصرف عنه، ويدخل إلى لبنى فيعانقها وتعانقه ويبكي وتبكي معه وتقول له: يا قيس، لا تطع أباك فتهلك وتهلكني. فيقول: ما كنت لأطيع أحدا فيك أبدا. فيقال: إنه مكث كذلك سنة. وقال خالد بن كلثوم: ذكر ابن عائشة أنه أقام على ذلك أربعين يوما ثم طلّقها. وهذا ليس بصحيح.
طلاقه لبنى ثم ندمه على فراقها، وشعره في ذلك:
أخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدّثني أحمد بن زهير قال حدّثني يحيى بن معين قال حدّثنا عبد الرزّاق قال أخبرنا ابن جريج قال أخبرني عمر بن أبي سفيان عن ليث بن عمرو:
أنه سمع قيس بن ذريج يقول لزيد بن سليمان: هجرني أبواي في لبنى عشر سنين أستأذن عليهما فيردّاني حتى طلّقتها. قال ابن جريح: وأخبرت أن عبد اللّه بن صفوان الطويل لقي ذريحا أبا قيس فقال له: ما حملك على أن فرّقت بينهما؟ أمّا علمت أن عمر بن الخطاب قال: ما أبالي أفرقت بينهما أو مشيت إليهما بالسيف. وروى هذا الحديث إبراهيم بن يسار الزّماديّ عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار قال قال الحسين بن عليّ رضي اللّه عنهما لذريح بن سنّة أبي قيس: أحلّ لك أن فرّقت بين قيس ولبنى؟! أما إني سمعت عمر بن الخطاب يقول: ما أبالي أفرّقت بين الرجل وامرأته أو مشيت إليهما بالسيف. قالوا: فلما بانت لبنى بطلاقه إيّاها وفرغ من الكلام، لم يلبث حتى استطير عقله وذهب به وحلقه مثل الجنون. وتذكّر لبنى وحالها معه فأسف وجعل يبكي وينشج أحرّ نشيج.
وبلغها الخبر فأرسلت إلى أبيها ليحتملها، وقيل: بل أقامت حتى انقضت عدّتها وقيس يدخل عليها. فأقبل أبوها بهودج على ناقة وبإبل تحمل أثاثها. فلما رأى ذلك قيس أقبل على جاريتها فقال: ويحك! ما دهاني فيكم؟ فقالت:
__________
[1] اختلف في معنى الكلالة فقيل: إن الكلالة الرجل الذي لا ولد له ولا والد؛ أو من عدا الأب والابن من الورثة؛ وقيل من عدا الأب والابن والأخ؛ وقيل ما لم يكن من النسب لحا، أي لاصقا؛ وقيل الإخوة لأم.
لا تسألني وسل لبنى. فذهب ليلمّ بخبائها/ فيسألها، فمنعه قومها. فأقبلت عليه امرأة من قومه فقالت له: ما لك ويحك تسأل كأنك جاهل أو تتجاهل! هذه لبنى ترتحل الليلة أو غدا. فسقط مغشيا عليه لا يعقل ثم أفاق وهو يقول:
وإنّي لمفن دمع عيني بالبكا ... حذار الذي قد كان أو هو كائن
وقالوا غدا أو بعد ذاك بليلة ... فراق حبيب لم يبن وهو بائن
وما كنت أخشى أن تكون منيّتي ... بكفّيك إلّا أنّ ما حان حائن
/ في هذه الأبيات غناء ولها أخبار قد ذكرت في أخبار المجنون. قال وقال قيس:
يقولون لبنى فتنة كنت قبلها ... بخير فلا تندم عليها وطلّق
فطاوعت أعدائي وعاصيت ناصحي ... وأقررت عين الشامت المتخلّق [1]
وددت وبيت اللّه أنّي عصيتهم ... وحمّلت في رضوانها كلّ موبق [2]
وكلّفت خوض البحر والبحر زاخر ... أبيت على أثباج موج مغرّق
كأنّي أرى الناس المحبّين بعدها ... عصارة ماء الحنظل المتفلّق
فتنكر عيني بعدها كلّ منظر ... ويكره سمعي بعدها كلّ منطق
قال: وسقط غراب قريبا منه فجعل ينعق مرارا، فتطيّر منه وقال:
لقد نادى الغراب ببين لبنى ... فطار القلب من حذر الغراب
وقال غدا تباعد دار لبنى ... وتنأى بعد ودّ واقتراب
فقلت تعست ويحك من غراب ... وكان الدهر سعيك في تباب
/ وقال أيضا وقد منعه قومه من الإلمام بها:
صوت
ألا يا غراب البين ويحك نبّني ... بعلمك في لبنى وأنت خبير
فإن أنت لم تخبر بما قد علمته ... فلا طرت إلّا والجناح كسير
ودرت بأعداء حبيبك فيهم ... كما قد تراني بالحبيب أدور
غنّى سليمان أخو حجبة رملا بالوسطى.
قالوا: وقال أيضا وقد أدخلت هودجها ورحلت وهي تبكي ويتبعها:
__________
[1] المتخلق: الذي يتكلف ما ليس في خلقه.
[2] الموبق: المهلك.
صوت
ألا يا غراب البين هل أنت مخبري ... بخير كما خبّرت بالنأي والشرّ
وقلت كذاك الدهر ما زال فاجعا ... صدقت وهل شيء بباق على الدهر
غنّى فيهما ابن جامع ثاني ثقيل بالبنصر عن الهشاميّ. وذكر حبش أنّ لقفا النجّار فيهما ثقيلا أوّل بالوسطى. قالوا:
فلما ارتحل قومها اتّبعها مليا، ثم علم أن أباها سيمنعه من المسير معها، فوقف ينظر إليهم ويبكي حتى غابوا عن عينه فكرّ راجعا. ونظر إلى أثر خفّ بعيرها فأكبّ عليه يقبّله ورجع يقبّل موضع مجلسها وأثر قدمها. فليم على ذلك وعنّفه قومه على تقبيل التراب؛ فقال:
وما أحببت أرضكم ولكن ... أقبّل إثر من وطىء التّرابا
لقد لاقيت من كلفي بلبنى ... بلاء ما أسيغ به الشّرابا
إذا نادى المنادي باسم لبنى ... عييت فما أطيق له جوابا
/ وقال وقد نظر إلى آثارها:
صوت
/ألا يا ربع لبنى ما تقول ... أبن لي اليوم ما فعل الحلول
فلو أن الديار تجيب صبّا ... لردّ جوابي الرّبع المحيل
ولو أنّي قدرت غداة قالت ... غدرت [1] وماء مقلتها يسيل
نحرت النفس حين سمعت منها ... مقالتها وذاك لها قليل
شفيت غليل نفسي من فعالي ... ولم أغبر بلا عقل أجول
غنّى فيه حسين بن محرز خفيف ثقيل من روايتي بذل وقريض. وتمام هذه الأبيات:
كأنّي واله بفراق لبنى ... تهيم بفقد واحدها ثكول
ألا يا قلب ويحك كن جليدا ... فقد رحلت وفات بها الذّميل [2]
فإنك لا تطيق رجوع لبنى ... إذا رحلت وإن كثر العويل
وكم قد عشت كم بالقرب منها ... ولكنّ الفراق هو السبيل
فصبرا كلّ مؤتلفين يوما ... من الأيام عيشهما يزول
قال: فلما جنّ عليه الليل وانفرد وأوى إلى مضجعه لم يأخذه القرار وجعل يتململ فيه تململ السليم، ثم وثب حتى أتى موضع خبائها، فجعل يتمرّغ فيه ويبكي ويقول:
__________
[1] كذا في «تجريد الأغاني»: وفي ب، س: «ودرت» وهو تحريف. وقد سقط هذا البيت من سائر الأصول.
[2] الذميل: السير اللين.
صوت
بتّ والهمّ يا لبينى ضجيعي ... وجرت مذ نأيت عنّي دموعي
وتنفّست إذ ذكرتك حتى ... زالت اليوم عن فؤادي ضلوعي
/ أتناساك كي يريغ [1] فؤادي ... ثم يشتدّ عند ذاك ولوعي
يا لبينى فدتك نفسي وأهلي ... هل لدهر مضى لنا من رجوع
غنّت في البيتين الأوّلين شارية خفيف رمل بالوسطى. وغنّى فيهما حسين بن محرز ثاني ثقيل، هكذا ذكر الهشاميّ؛ وقد قيل إنه لهاشم بن سليمان.
أخبرني محمد بن خلف وكيع قال قال الزّبير بن بكّار حدّثني عبد الجبّار بن سعيد المساحقيّ عن محمد بن معن الغفاريّ عن أبيه عن عجوز لهم يقال حمّادة بنت أبي مسافر قالت:
جاورت آل ذريح بقطيع لي فيه الرّائمة [2] وذات البوّ والحائل والمتبع. قالت: فكان قيس بن ذريح إلى شرف [3] في ذلك القطيع ينظر إلى ما يلقين فيتعجّب. فقلّما لبث حتى عزم عليه أبوه بطلاق لبنى فكاد يموت، ثم آلى أبوه لئن أقامت لا يساكن قيسا. فظعنت فقال:
أيا كبدا طارت صدوعا نوافذا ... ويا حسرتا ماذا تغلغل في القلب
فأقسم ما عمش العيون شوارف [4] ... روائم بوّ حائمات على سقب [5]
تشمّمنه لو يستطعن ارتشفنه ... إذا سفنه يزددن نكبا على نكب [6]
رئمن فما تنحاش منهنّ شارف ... وحالفن [7] حبسا في المحول وفي الجدب
/ بأوجد منّي يوم ولّت حمولها ... وقد طلعت أولى الرّكاب من النّقب
وكلّ ملمّات الزمان وجدتها ... سوى فرقة الأحباب هيّنة الخطب
/ أخبرني عمّي قال حدّثني الكرانيّ قال سمعت ابن عائشة يقول: قال إسحاق بن الفضل الهاشميّ: لم يقل الناس في هذا المعنى مثل قول قيس بن ذريح:
وكلّ مصيبات الزمان وجدتها ... سوى فرقة الأحباب هيّنة الخطب
قال وقال ابن النطّاح قال أبو دعامة:
__________
[1] كذا في «تجريد الأغاني»: ويريغ: يحيد. وفي الأصول: «يريع» بالعين المهملة وهو تصحيف.
[2] الرائمة: العاطفة على غير ولدها. والبوّ: جلد الحوار يحشى تماما أو تبنا أو غيرهما فيقرب من أم الفصيل فتعطف عليه فتدرّ.
والحائل: الناقة التي لا تحمل. والمتبع: التي يتبعها ولدها.
[3] الشرف: المكان العالي.
[4] الشوارف: جمع شارفة وهي الناقة المسنّة.
[5] السقب: ولد الناقة.
[6] ساف الشي ء: شمه. والنكب (محركة وقد سكنت لضرورة الشعر): ظلع البعير، وقيل: داء يأخذ الإبل في مناكبها تظلع منه وتمشي منحرفة.
[7] كذا في «تجريد الأغاني»: وفي الأصول: «و حاولن» وهو تحريف.
خرج في فتية إلى بلادها حتى رآها، وشعره في ذلك:
خرج قيس في فتية من قومه واعتلّ على أبيه بالصيد، فأتى بلاد لبنى، فجعل يتوقّع أن يراها أو يرى من يرسل إليها. فاشتغل الفتيان بالصيد؛ فلما قضوا وطرهم منه رجعوا إليه وهو واقف، فقالوا له: قد عرفنا ما أردت بإخراجنا معك وأنك لم ترد الصيد وأنما أردت لقاء لبنى، وقد تعذّر عليك فانصرف الآن. فقال:
وما حائمات حمن يوما وليلة ... على الماء يغشين العصيّ حوان
عوافي [1] لا يصدرن عنه لوجهة ... ولا هنّ من برد الحياض دوان
يرين حباب الماء والموت دونه ... فهنّ لأصوات السّقاة روان
بأجهد منّي حرّ شوق ولوعة ... عليك ولكنّ العدوّ عداني
خليليّ إني ميّت أو مكلّم ... لبينى بسرّي فامضيا وذراني
أنل حاجتي وحدي ويا ربّ حاجة ... قضيت على هول وخوف جنان
فإنّ أحقّ الناس ألا تجاوزا [2] ... وتطّرحا من لو يشاء شفاني
ومن قادني للموت حتى إذا صفت ... مشاربه السمّ الذّعاف سقاني
/ قال: فأقاموا معه حتى لقيها، فقالت له: يا هذا، إنك متعرّض لنفسك وفاضحي. فقال لها:
صدعت القلب ثم ذررت فيه ... هواك فليم فالتأم الفطور [3]
تغلغل حيث لم يبلغ شراب ... ولا حزن ولم يبلغ سرور
أبو السائب المخزومي وشعر قيس:
وقال القحذميّ حدّثني أبو الوردان قال حدّثني أبي قال: أنشدت أبا السّائب المخزوميّ قول قيس:
صدعت القلب ثم ذررت فيه ... هواك فليم فالتأم الفطور
فصاح بجارية له سنديّة تسمّى زبدة، فقال: أي زبدة عجّلي. فقالت: أنا أعجن. فقال: ويحك! تعالي ودعي العجين. فجاءت فقال لي: أنشد بيتي قيس فأعدتهما. فقال لها: يا زبدة، أحسن قيس وإلّا فأنت حرّة! إرجعي الآن إلى عجينك أدركيه لا يبرد.
حسرته على فراقها وتأنيبه نفسه:
قالوا: وجعل قيس يعاتب نفسه في طاعته أباه في طلاقه لبنى ويقول: فألّا رحلت بها عن بلده فلم أر ما يفعل ولم يرني! فكان إذا فقدني أقلع عمّا يفعله وإذا فقدته لم أتحرّج من فعله! وما كان عليّ لو اعتزلته وأقمت في حيّها أو في بعض بوادي العرب، أو عصيته فلم أطعه! هذه جنايتي على نفسي فلا لوم على أحد! وهأنذا ميّت مما فعلته،
__________
[1] العوافي: جمع عافية وهي التي ترد الماء.
[2] كذا في ج: وفي سائر الأصول: «فإني أحق الناس ألا تحاورا».
[3] الفطور: الشقوق.
فمن يردّ روحي إليّ! وهل لي سبيل إلى لبنى بعد الطلاق؟! وكلّما قرّع نفسه وأنّبها بلون من التقريع والتأنيب بكى أحرّ بكاء وألصق خدّه بالأرض ووضعه على آثارها ثم قال:
صوت
/ويلي وعولي ومالي حين تفلتني ... من بعد ما أحرزت كفّي بها الظّفرا
قد قال قلبي لطرفي وهو يعذله ... هذا جزاؤك منّي فاكدم الحجرا
قد كنت أنهاك عنها لو تطاوعني ... فاصبر فما لك فيها أجر من صبرا
غنّاه الغريض خفيف ثقيل أوّل بالوسطى عن عمرو. وفيه لإبراهيم ثقيل أوّل بالوسطى عن حبش. وفي الثالث والأوّل خفيف رمل يقال إنه لابن الهربذ.
قالوا وقال أيضا:
بانت لبينى فأنت اليوم متبول ... والرأي عندك بعد الحزم مخبول
أستودع اللّه لبنى إذ تفارقني ... بالرغم منّي وقول الشيخ مفعول
وقد أراني بلبنى حقّ مقتنع ... والشمل مجتمع والحبل موصول
قال خالد بن كلثوم وقال:
ألا ليت لبنى في خلاء تزورني ... فأشكو إليها لوعتي ثم ترجع
صحا كلّ ذي لبّ وكلّ متيّم ... وقلبي بلبنى ما حييت مروّع
فيامن لقلب ما يفيق من الهوى ... ويا من لعين بالصّبابة تدمع
قالوا وقال في ليلته تلك:
قد قلت للقلب لا لبناك فاعترف ... واقض اللّبانة ما قضّيت وانصرف
قد كنت أحلف جهدا لا أفارقها ... أفّ لكثرة ذاك القيل والحلف
حتى تكنّفني الواشون فاقتلتت [1] ... لا تأمنن أبدا من غشّ مكتنف
هيهات هيهات قد أمست مجاورة ... أهل العقيق وأمسينا على سرف
/ - قال: وسرف على ستة أميال [2] من مكة. والعقيق: واد باليمامة -
حيّ يمانون والبطحاء منزلنا ... هذا لعمرك شمل غير مؤتلف
من شعره في لبنى وقد سنحت له ظبية:
قالوا: فلمّا أصبح خرج متوجّها نحو الطريق الذي سلكته يتنسّم روائحها، فسنحت له ظبية فقصدها فهربت منه فقال:
__________
[1] افتلتت: أخذت بغتة.
[2] كذا في «معجم ما استعجم» للبكري: وفي الأصول: «أيام» وهو تحريف من النساخ.
ألا يا شبه لبنى لا تراعي ... ولا تتيمّمي قلل القلاع
وهي قصيدة طويلة يقول فيها:
فوا كبدي وعاودني رداعي [1] ... وكان فراق لبنى كالخداع
تكنّفني الوشاة فأزعجوني ... فياللّه للواشي المطاع
فأصبحت الغداة ألوم نفسي ... على شيء وليس بمستطاع
كمغبون يعضّ على يديه ... تبيّن غبنه بعد البياع
بدار مضيعة تركتك لبنى ... كذاك الحين يهدى للمضاع
وقد عشنا نلذّ العيش حينا ... لو ان الدهر للإنسان داع
ولكنّ الجميع إلى افتراق ... وأسباب الحتوف لها دواع
غنّاه الغريض من القدر الأوسط من الثقيل الأوّل بإطلاق الوتر في مجرى البنصر عن/ إسحاق. وفيه لمعبد خفيف ثقيل أوّل بالوسطى عن عمرو والهشاميّ. ولشارية في البيتين الأوّلين ثقيل أوّل آخر بالوسطى. ولابن سريج رمل بالوسطى عن الهشاميّ في:
بدار مضيعة تركتك لبنى
وقبله:
فواكبدي وعاودني رداعي
ولسياط في البيتين الأوّلين خفيف رمل بالبنصر عن حبش.
أغرت أمه فتيات الحي بأن يعبن عنده لبنى ليسلوها فلم يسل، وشعره في ذلك:
حدّثني عمّي عن الكرانيّ عن العتبيّ عن أبيه قال:
بعثت أمّ قيس بن ذريح بفتيات من قومه إليه يعبن إليه لبنى ويعبنه بجزعه وبكائه ويتعرّضن لوصاله، فأتينه فاجتمعن حواليه وجعلن يمازحنه ويعبن لبنى عنده ويعيّرنه ما يفعله. فلما أطلن أقبل عليهنّ وقال:
صوت
يقرّ بعيني قربها ويزيدني ... بها كلفا من كان عندي يعيبها
وكم قائل قد قال تب فعصيته ... وتلك لعمري توبة لا أتوبها
فيا نفس صبرا لست واللّه فاعلمي ... بأوّل نفس غاب عنها حبيبها
- غنّاه دحمان ثقيلا أوّل بالوسطى. وفيه هزج بالبنصر لسليم، وذكر حبش أنه لإسحاق - قال: فانصرفن عنه إلى أمّه فأيأسنها من سلوته. وقال سائر الرّواة الذين ذكرتهم: اجتمع إليه النّسوة فأطلن الجلوس عنده ومحادثته وهو ساه
__________
[1] الرداع: النكس، وقيل: وجع الجسد كله.
عنهنّ، ثم نادى: يا لبنى! فقلن له: مالك ويحك! فقال: خدرت رجلي، ويقال: إن دعاء الإنسان باسم أحبّ الناس إليه يذهب عنه خدر الرّجل فناديتها لذلك. فقمن عنه، وقال:
إذا خدرت رجلي تذكرت من لها ... فناديت لبنى باسمها ودعوت
دعوت التي لو أنّ نفسي تطيعني ... لفارقتها من حبّها وقضيت
برت نبلها للصيد لبنى وريّشت ... وريّشت أخرى مثلها وبريت
فلمّا رمتني أقصدتني بسهمها ... وأخطأتها بالسّهم حين رميت
/ وفارقت لبنى ضلّة فكأنني ... قرنت إلى العيوق ثم هويت
فيا ليت أنّي متّ قبل فراقها ... وهل ترجعن فوت القضيّة ليت
فصرت وشيخي كالذي عثرت به ... غداة الوغى بين العداة كميت
فقامت ولم تضرر هناك سويّة ... وفارسها تحت السّنابك ميت
فإن يك تهيامي بلبنى غواية ... فقد يا ذريح بن الحباب غويت
فلا أنت ما أمّلت فيّ رأيته ... ولا أنا لبنى والحياة حويت
فوطّن لهلكي منك نفسا فإنّني ... كأنك بي قد يا ذريح قضيت
حديثه في مرضه مع عوّاده ومع طبيبه عن لبنى، وشعره في ذلك:
وقال خالد بن كلثوم: مرض قيس، فسأل أبوه فتيات الحي أن يعدنه ويحدّثنه لعلّه أن يتسلّى أو يعلق بعضهن، ففعلن ذلك. ودخل إليه طبيب ليداويه والفتيات معه، فلما اجتمعن عنده جعلن يحادثنه وأطلن السؤال عن سبب علّته، فقال:
صوت
/عيد قيس من حبّ لبنى ولبنى ... داء قيس والحبّ داء شديد
وإذا عادني العوائد يوما ... قالت العين لا أرى من أريد
ليت لبنى تعودني ثم أقضي ... إنها لا تعود فيمن يعود
ويح قيس لقد تضمّن منها ... داء خبل فالقلب منه عميد
- غنّاه ابن سريج خفيف رمل عن الهشاميّ. وفيه للحجبيّ ثقيل أوّل بالوسطى. وفيه ليحيى المكي رمل - قالوا:
فقال له الطبيب: منذكم هذه العلّة؟ ومنذكم وجدت بهذه المرأة ما وجدت؟ فقال:
صوت
تعلّق روحي روحها قبل خلقنا ... ومن بعد ما كنّا نطافا وفي المهد
فزاد كما زدنا فأصبح ناميا ... وليس إذا متنا بمنصرم العهد
/ ولكنّه باق على كلّ حادث ... وزائرنا في ظلمة القبر واللّحد
- غنّاه الغريض ثقيلا أوّل بالوسطى من رواية حبش - قالوا: فقال له الطبيب: إن مما يسليك عنها أن تتذكر ما فيها من المساوىء والمعايب وما تعافه النفس من أقذار بني آدم؛ فإن النفس تنبو حينئذ وتسلو ويخفّ ما بها. فقال:
إذا عبتها شبّهتها البدر طالعا ... وحسبك من عيب لها شبه البدر
لقد فضّلت لبنى على الناس مثل ما ... على ألف شهر فضّلت ليلة القدر
صوت
إذا ما مشت شبرا من الأرض أرجفت ... من البهر حتى ما تزيد على شبر
لها كفل يرتجّ منها إذا مشت ... ومتن كغصن البان مضطمر الخصر
- غنّى في هذين البيتين ابن المكّيّ خفيف رمل بالوسطى. وفيهما رمل ينسب إلى ابن سريج وإلى ابن طنبورة عن الهشاميّ - قالوا: ودخل أبوه وهو يخاطب الطبيب بهذه المخاطبة، فأنّبه ولامه وقال له: يا بنيّ! اللّه اللّه في نفسك! فإنك ميّت إن دمت على هذا! فقال:
وفي عروة [1] العذريّ إن متّ أسوة ... وعمرو [2] بن عجلان الذي قتلت هند
وبي مثل ما ماتا به غير أنني ... إلى أجل لم يأتني وقته بعد
صوت
هل الحبّ إلّا عبرة بعد زفرة ... وحرّ على الأحشاء ليس له برد
وفيض دموع تستهلّ إذا بدا ... لنا علم من أرضكم لم يكن يبدو
غنّى في هذين البيتين زيد بن الخطّاب مولى سليمان بن أبي جعفر، وقيل: إنه مولى سليمان بن عليّ، ثقيلا أوّل بالوسطى عن الهشّامي.
إعجاب أبي السائب المخزومي بشعر له:
وأخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير، وأخبرنا اليزيديّ عن ثعلب عن الزّبير قال حدّثني إسماعيل بن أبي أويس قال:
جلست أنا وأبو السائب في النبّالين، فأنشدني قول قيس بن ذريح:
/عيد قيس من حبّ لبنى ولبنى ... داء قيس والحبّ داء شديد
ليت لبنى تعودني ثم أقضي ... إنها لا تعود فيمن يعود
__________
[1] هو عروة بن حزام بن مهاصر أحد بني حزام بن ضبة بن عبد بن كبير بن عذرة، شاعر إسلامي، أحد المتيمين الذين قتلهم الهوى، لا يعرف له شعر إلّا في عفراء بنت عمه. (انظر ترجمته في ج 20 ص 152 من «الأغاني» طبع بولاق).
[2] ورد هذا الاسم في تزيين الأسواق كما جاء في الأصول. وذكره البحتري أيضا فقال:
هوى لا جميل في بثينة ناله ... بمثل ولا عمرو بن عجلان في هند
وذكر أبو الفرج ترجمته (في ج 19 ص 102 من «الأغاني» طبع بولاق) فقال: هو عبد اللّه بن العجلان بن عبد الأحب، شاعر جاهلي أحد المتيمين من الشعراء ومن قتله الحب منهم. وكان له زوجة يقال لها هند فطلقها ثم ندم عليها. ولما زوجت زوجا غيره مات أسفا.
قال: فأنشدته أنا لقيس:
تعلّق روحي روحها قبل خلقنا ... ومن بعد ما كنّا نطافا وفي المهد
فزاد كما زدنا وأصبح ناميا ... وليس إذا متنا بمنتقض العهد
ولكنّه باق على كل حادث ... وزائرنا في ظلمة القبر واللّحد
فحلف لا يزال يقوم ويقعد حتى يرويها. فدخل زقاق النّبالين وجعلت أردّدها عليه ويقوم ويقعد حتى رواها.
رجع الخبر إلى سياقته.
زوجه أبوه غيرها ليسلوها فتزوّجت لبنى، وما قال في ذلك من الشعر:
وقال خالد بن جمل: فلمّا طال على قيس ما به أشار قومه على أبيه بأن يزوّجه امرأة جميلة فلعلّه أن يسلو بها عن لبنى. فدعاه إلى ذلك فأباه وقال:
لقد خفت ألّا تقنع النفس بعدها ... بشيء من الدنيا وإن كان مقنعا
وأزجر عنها النفس إذ حيل دونها ... وتأبى إليها النفس إلّا تطلّعا
/ فأعلمهم أبوه بما ردّ عليه. قالوا: فمره بالمسير في أحياء العرب والنزول عليهم فلعلّ عينه أن تقع على امرأة تعجبه. فأقسم عليه أبوه أن يفعل. فسار حتى نزل بحيّ من فزارة، فرأى جارية حسناء قد حسرت برقع خزّ عن وجهها وهي كالبدر ليلة تمّه، فقال لها: ما اسمك يا جارية؟ قالت: لبنى. فسقط على وجهه مغشيّا عليه، فنضحت على وجهه ماء وارتاعت لما عراه، ثم قالت: إن لم يكن هذا قيس بن ذريح إنه لمجنون! فأفاق فنسبته فانتسب.
فقالت: قد علمت أنك قيس، ولكن نشدتك باللّه وبحقّ لبنى إلّا أصبت من طعامنا. وقدّمت إليه طعاما، فأصاب منه بإصبعه. وركب فأتى على أثره أخ لها كان غائبا، فرأى مناخ ناقته، فسألهم عنه فأخبروه، فركب حتى ردّه إلى منزله، وحلف عليه ليقيمنّ عنده شهرا. فقال له: لقد شققت عليّ، ولكنّي سأتبع هواك، والفزاريّ يزداد إعجابا بحديثه وعقله وروايته، فعرض عليه الصّهر. فقال له: يا هذا إن فيك لرغبة، ولكنّي في شغل لا ينتفع بي معه.
فلم يزل يعاوده والحيّ يلومونه ويقولون له: قد خشينا أن يصير علينا فعلك سبّة. فقال: دعوني، ففي مثل هذا الفتى يرغب الكرام. فلم يزل به حتى أجابه وعقد الصّهر بينه وبينه على أخته المسماة لبنى، وقال له: أنا أسوق عنك صداقها. فقال: أنا واللّه يا أخي أكثر قومي مالا، فما حاجتك إلى تكلّف هذا؟ أنا سائر إلى قومي وسائق إليها المهر. ففعل وأعلم أباه الذي كان منه، فسرّه وساق المهر عنه. ورجع إلى الفزاريّين حتى أدخلت عليه زوجته، فلم يروه هشّ إليها ولا دنا منها ولا خاطبها بحرف ولا نظر إليها. وأقام على ذلك أياما كثيرة. ثم أعلمهم أنه يريد الخروج إلى قومه أياما فأذنوا له في ذلك، فمضى لوجهه إلى المدينة. وكان له صديق من الأنصار بها؛ فأتاه فأعلمه الأنصاريّ أن خبر تزويجه بلغ لبنى فغمّها وقالت: إنه لغدّار! ولقد كنت أمتنع من إجابة قومي إلى التزويج فأنا الآن أجيبهم، وقد كان/ أبوها شكا قيسا إلى معاوية/ وأعلمه تعرّضه لها بعد الطلاق. فكتب إلى مروان بن الحكم يهدر دمه إن تعرّض لها، وأمر أباها أن يزوّجها رجلا يعرف بخالد بن حلّزة من بني عبد اللّه بن غطفان - ويقال: بل أمره بتزويجها رجلا من آل كثير بن الصّلت الكنديّ حليف قريش - فزوّجها أبوها منه. قال: فجعل نساء الحيّ يقلن ليلة زفافها:
لبينى زوجها أصب ... ح لا حرّ بواديه [1]
له فضل على الناس ... بما باتت تناجيه
وقيس ميّت حيّ ... صريع في بواكيه
فلا يبعده اللّه ... وبعدا لنواعيه
قال: فجزع قيس جزعا شديدا وجعل ينشج أحرّ نشيج ويبكي أحرّ بكاء. ثم ركب من فوره حتى أتى محلّة قومها، فناداه النساء: ما تصنع الآن ها هنا! قد نقلت لبنى إلى زوجها!. وجعل الفتيان يعارضونه بهذه المقالة وما أشبهها وهو لا يجيبهم حتى أتى موضع خبائها فنزل عن راحلته وجعل يتمعّك [2] في موضعها ويمرّغ خدّه على ترابها ويبكي أحرّ بكاء. ثم قال:
صوت
إلى اللّه أشكو فقد لبنى كما شكا ... إلى اللّه فقد الوالدين يتيم
يتيم جفاه الأقربون فجسمه ... نحيل وعهد الوالدين قديم
بكت دارهم من نأيهم فتهلّلت ... دموعي فأيّ الجازعين ألوم
أمستعبرا يبكي من الشوق والهوى ... أمّ آخر يبكي شجوه ويهيم
/ لابن جامع في البيتين الأولين ثقيل أوّل بالوسطى عن الهشاميّ. ولعريب فيهما ثاني ثقيل. وفي الثالث والرابع لميّاسة خفيف رمل بالبنصر عن عمرو وحبش والهشاميّ وتمام هذه الأبيات، وليست فيها صنعة، قوله:
تهيّضني من حبّ لبنى علائق ... وأصناف حبّ هولهن عظيم
ومن يتعلّق حبّ لبنى فؤاده ... يمت أو يعش ما عاش وهو كليم
فإنّي وإن أجمعت عنك تجلّدا ... على العهد فيما بيننا لمقيم
وإنّ زمانا شتّت الشمل بيننا ... وبينكم فيه العدا لمشوم
أفي الحقّ هذا أنّ قلبك فارغ ... صحيح وقلبي في هواك سقيم
وقد قيل: إن هذه الأبيات ليست لقيس وإنما خلطت بشعره، ولكنّها في هذه الرواية منسوبة إليه.
قال: وقال أيضا في رحيل لبنى عن وطنها وانتقالها إلى زوجها بالمدينة وهو مقيم في حيّها:
صوت
بانت لبينى فهاج القلب من بانا [3] ... وكان ما وعدت مطلا [4] وليّانا
__________
[1] في تزيين الأسواق (ج 1 ص 56 طبع بلاق): «يوازيه».
[2] يمتعك: يتمرّغ.
[3] في ج: «بانت لبينى فقلبي اليوم من بانا».
[4] ليان ومثله ليّ (بفتح اللام فيهما وكسرها): مصدر لوى بمعنى مطل. تقول لواه دينه وبدينه. وقال أبو الهيثم: لم يجيء من المصادر على فعلان إلّا ليان. وعن ابن زيد أن كسر اللام في هذا المصدر لغية.
وأخلفتك منى قد كنت تأملها ... فأصبح القلب بعد البين حيرانا
اللّه يدري وما يدري به أحد ... ماذا أجمجم من ذاكراك أحيانا
/ يا أكمل الناس من قرن إلى قدم ... وأحسن الناس ذا ثوب وعريانا
نعم الضّجيع بعيد النوم تجلبه ... إليك ممتلئا نوما ويقظانا
/ للغريض في هذه الأبيات ثاني ثقيل مطلق في مجرى البنصر عن إسحاق وعمرو. وذكر الهشاميّ أنّ فيه لابن محرز ثاني ثقيل آخر. وقال أحمد بن عبيد: فيه لحنان ليحيى المكّيّ وعلّويه. وتمام هذه القصيدة:
لا بارك اللّه فيمن كان يحسبكم ... إلّا على العهد حتى كان ما كانا
حتى استفقت أخيرا بعد ما نكحت ... كأنما كان ذاك القلب حيرانا
قد زراني طيفكم ليلا فأرّقني ... فبتّ للشوق أذري الدمع تهتانا
إن تصرمي الحبل أو تمسي مفارقة ... فالدهر يحدث للإنسان ألوانا
وما أرى مثلكم في الناس من بشر ... فقد رأيت به حيّا ونسوانا
شكاه أبوها إلى معاوية فأهدر دمه، وشعره في ذلك:
وقال ابن قتيبة في خبره عن الهيثم بن عديّ، ورواه عمر بن شبّة أيضا: أن أبا لبنى شخص إلى معاوية فشكا إليه قيسا وتعرّضه لابنته بعد طلاقه إيّاها. فكتب معاوية إلى مروان أو سعيد بن العاص يهدر دمه إن ألمّ بها وأن يشتدّ في ذلك. فكتب مروان أو سعيد في ذلك إلى صاحب الماء الذي ينزله أبو لبنى كتابا وكيدا، ووجّهت لبنى رسولا قاصدا إلى قيس تعلمه ما جرى وتحذّره. وبلغ أباه الخبر فعاتبه وتجهّمه وقال له: انتهى بك الأمر إلى أن يهدر السلطان دمك! فقال:
صوت
فإن يحجبوها أو يحل دون وصلها ... مقالة واش أو وعيد أمير
فلن يمنعوا عينيّ من دائم البكا ... ولن يذهبوا ما قد أجنّ ضميري
إلى اللّه أشكو ما ألاقي من الهوى ... ومن حرق تعتادني وزفير
ومن حرق [1] للحبّ في باطن الحشى ... وليل طويل الحزن غير قصير
/ سأبكي على نفسي بعين غزيرة ... بكاء حزين في الوثاق أسير
وكنّا جميعا قبل أن يظهر الهوى ... بأنعم حالي غبطة وسرور
فما برح الواشون حتى بدت لهم ... بطون الهوى مقلوبة لظهور
لقد كنت حسب النفس لو دام وصلنا ... ولكنّما الدنيا متاع غرور
- هكذا في هذا الخبر أن الشعر لقيس بن ذريح. وذكر الزّبير بن بكّار أنه لجدّه عبد اللّه بن مصعب - غنّى يزيد حوراء
__________
[1] الحرق بالتحريك: النار، ويحتمل أن تكون حرق بضم أوله جمع حرقة.
في الأوّل والثاني والسادس والثالث من هذه الأبيات خفيف رمل بالوسطى. وغنّى إبراهيم في الأوّل والثاني لحنا من كتابه غير مجنّس. وذكر حبش أنّ فيهما لإسحاق خفيف ثقيل بالوسطى. وفي الخامس وما بعده لعريب ثقيل أوّل ابتداؤه نشيد. وقال ابن الكلبيّ في خبره: قال قيس في إهدار معاوية دمه إن زارها:
إن تك لبنى قد أتى دون قربها ... حجاب منيع ما إليه سبيل
فإنّ نسيم الجوّ يجمع بيننا ... ونبصر قرن الشمس حين تزول
/ وأرواحنا بالّيل في الحيّ تلتقي ... ونعلم أنّا بالنهار نقيل
وتجمعنا الأرض القرار وفوقنا ... سماء نرى فيها النجوم تجول
إلى أن يعود الدهر سلما وتنقضي ... تراث بغاها عندنا وذحول
شعره فيما حين صادفها في موسم الحج:
ومما وجد في كتاب لابن النطّاح قال العتبيّ حدّثني أبي قال: حجّ قيس بن ذريح، واتّفق أن حجّت لبنى في تلك السنة، فرآها ومعها امرأة من قومها، فدهش وبقي واقفا مكانه ومضت لسبيلها. ثم أرسلت إليه بالمرأة تبلغه السلام وتسأله عن خبره؛ فألفته جالسا وحده ينشد ويبكي:
ويوم منّى أعرضت عنّي فلم أقل ... بحاجة [1] نفس عند لبنى مقالها
/ وفي اليأس للنفس المريضة راحة ... إذا النفس رامت خطّة لا تنالها
فدخلت خباءه وجعلت تحدّثه عن لبنى ويحدّثها عن نفسه مليّا، ولم تعلمه أنّ لبنى أرسلتها إليه. فسألها أن تبلغها عنه السلام، فامتنعت عليه؛ فأنشأ يقول:
إذا طلعت شمس النهار فسلّمي ... فآية تسليمي عليك طلوعها
بعشر تحيّات إذا الشمس أشرقت ... وعشر إذا اصفرّت وحان رجوعها
ولو أبلغتها جارة قولي أسلمي ... بكت جزعا وارفضّ منها دموعها
وبان الذي تخفي من الوجد في الحشى ... إذا جاءها عنّي حديث يروعها
- غنّى في البيتين الأوّلين علّويه خفيف رمل بالوسطى - قال: وقضى الناس حجّهم وانصرفوا. فمرض قيس في طريقه مرضا شديدا أشفى منه على الموت، فلم يأته رسولها عائدا لأن قومها رأوه وعلموا به؛ فقال:
ألبنى لقد جلّت عليك مصيبتي ... غداة غد إذ حلّ ما أتوقّع
تمنّينني نيلا وتلوينني به [2] ... فنفسي شوقا كلّ يوم تقطّع
وقلبك قطّ ما يلين لما يرى ... فواكبدي قد طال هذا التضرّع
ألومك في شأني وأنت مليمة ... لعمري وأجفى للمحبّ وأقطع
__________
[1] كذا في «تجريد الأغاني». وفي الأصول: «لحاجة نفس» باللام.
[2] كذا في ج و «تجريد الأغاني» و «تزيين الأسواق». وفي سائر الأصول «و تلوينني قلى».
أخبّرت أنّي فيك ميّت حسرتي ... فما فاض من عينيك للوجد مدمع
ولكن لعمري قد بكيتك جاهدا ... وإن كان دائي كلّه منك أجمع
صبيحة جاء العائدات يعدنني ... فظلّت عليّ العائدات تفجّع
فقائلة جئنا إليه وقد قضى ... وقائلة لا، بل تركناه ينزع
وروى القحذميّ ها هنا:
فما غشيت عينيك من ذاك عبرة ... وعيني على ما بي بذكراك تدمع
/ إذا أنت لم تبكي عليّ جنازة [1] ... لديك فلا تبكي غدا حين أرفع
قال: فبلغتها الأبيات، فجزعت جزعا شديدا وبكت بكاء كثيرا. ثم خرجت إليه ليلا على موعد فاعتذرت وقالت:
إنما أبقي عليك وأخشى أن تقتل، فأنا أتحاماك لذلك، ولو لا هذا لما/ افترقنا. وودّعته وانصرفت.
شعره فيها وقد بلغه أنها كذبت مرضه:
وقال خالد بن كلثوم: فبلغه أنّ أهلها قالوا لها: إنه عليل لما به وإنه سيموت في سفره هذا. فقالت لهم لتدفعهم عن نفسها: ما أراه إلا كاذبا فيما يدّعي ومتعلّلا لا عليلا. فبلغه ذلك فقال:
تكاد بلاد اللّه يا أمّ معمر ... بما رحبت يوما عليّ تضيق
تكذّبني بالودّ لبنى وليتها ... تكلّف منّي مثله فتذوق
ولو تعلمين الغيب أيقنت أنني ... لكم والهدايا المشعرات صديق
تتوق إليك النفس ثم أردّها ... حياء ومثلي بالحياء حقيق
أذود سوام النفس عنك وماله ... على أحد إلا عليك طريق
فإنّي وإن حاولت صرمي وهجرتي ... عليك من احداث الرّدى لشفيق
ولم أر أيّاما كأيّامنا التي ... مررن علينا والزمان أنيق
ووعدك إيّانا، ولو قلت عاجل، ... بعيد كما قد تعلمين سحيق
وحدّثتني يا قلب أنك صابر ... على البين من لبنى فسوف تذوق
فمت كمدا أو عش سقيما فإنّما ... تكلّفني مالا أراك تطيق
أطعت وشاة لم يكن لك فيهم ... خليل ولا جار عليك شفيق
فإن تك لمّا تسل عنها فإنّني ... بها مغرم صبّ الفؤاد مشوق
/ بلبنى أنادى عند أوّل غشية ... ويثني بها الدّاعي لها فأفيق
__________
[1] الجنازة (بالكسر ويفتح): الميت. وقيل: الجنازة بالكسر الميت وبالفتح السرير، وقيل عكس ذلك. والمراد هنا المريض المشرف على الموت.
شهدت على نفسي بأنك غادة ... رداح وأنّ الوجه منك عتيق [1]
وأنك لا تجزينني بصحابة ... ولا أنا للهجران منك مطيق
وأنك قسّمت الفؤاد فنصفه ... رهين ونصف في الحبال وثيق
صبوحي إذا ما ذرّت الشمس ذكركم ... ولي ذكركم عند المساء غبوق
إذا أنا عزّيت الهوى أو تركته ... أتت عبرات بالدموع تسوق
كأنّ الهوى بين الحيازيم والحشى ... وبين التّراقي واللّهاة [2] حريق
فإن كنت لمّا تعلمي العلم فاسألي ... فبعض لبعض في الفعال فؤوق
سلي هل قلاني من عشير صحبته ... وهل ملّ رحلي في الرّفاق رفيق
وهل يجتوي القوم الكرام صحابتي ... إذا اغبرّ مخشيّ الفجاج عميق
وأكتم أسرار الهوى فأميتها ... إذا باح مزّاح بهنّ بروق [3]
سعى الدهر والواشون بيني وبينها ... فقطّع حبل الوصل وهو وثيق
هل الصبر إلا أن أصدّ فلا أرى ... بأرضك إلّا أن يكون طريق
قصته مع لبنى وزوجها وقد باعه ناقة وهو لا يعرفه:
قال: ثم أتى قومه فاقتطع قطعة من إبله وأعلم أباه أنه يريد المدينة ليبيعها ويمتار لأهله بثمنها. فعرف أبوه أنه إنما يريد لبنى، فعاتبه وزجره عن ذلك؛ فلم يقبل منه، وأخذ إبله وقدم بها المدينة. فبينا هو يعرضها إذ ساومه زوج لبنى بناقة منها وهما لا يتعارفان، فباعه إيّاها./ فقال له: إذا كان غد فأتني في دار كثير بن الصّلت فاقبض الثمن؛ قال:
نعم. ومضى زوج لبنى إليها فقال لها: إني ابتعت ناقة من/ رجل من أهل البادية وهو يأتينا غدا ليقبض ثمنها، فأعدّي له طعاما، ففعلت. فلما كان من الغد جاء قيس فصوّت بالخادم: قولي لسيّدك: صاحب الناقة بالباب.
فعرفت لبنى نغمته فلم تقل شيئا. فقال زوجها للخادم: قولي له: ادخل، فدخل فجلس. فقالت لبنى للخادم: قولي له: يا فتى، مالي أراك أشعث أغبر؟ فقالت له ذلك. فتنفّس ثم قال لها: هكذا تكون حال من فارق الأحبّة واختار الموت على الحياة، وبكى. فقالت لها لبنى: قولي له: حدّثنا حديثك. فلما ابتدأ يحدّث به كشفت الحجاب وقالت: حسبك! قد عرفنا حديثك! وأسبلت الحجاب. فبهت ساعة لا يتكلّم ثم انفجر باكيا ونهض فخرج. فناداه زوجها: ويحك! ما قصّتك؟ ارجع اقبض ثمن ناقتك، وإن شئت زدناك. فلم يكلّمه وخرج فاغترز [4] في رحله ومضى. وقالت لبنى لزوجها: ويحك! هذا قيس بن دريح. فما حملك على ما فعلت به؟ قال: ما عرفته. وجعل قيس يبكي في طريقه ويندب نفسه ويوبّخها على فعله ثم قال:
__________
[1] الرداح: الثقيلة الأوراك. والعتيق: الجميل الكريم.
[2] الحيازيم: جمع حيزوم وهو وسط الصدر. والتراقي: جمع ترقوة وهي العظم الذي بين ثغرة النحر والعاتق. واللهاة: اللحمة المشرفة على الحلق في أقصى سقف الفم.
[3] في «الأمالي»: «نزوق».
[4] أي ركب، والغرز للجمل مثل الركاب للبغل.
صوت
أتبكي على لبنى وأنت تركتها ... وأنت عليها بالملا أنت أقدر
فإن تكن الدنيا بلبنى تقلّبت ... عليّ فللدنيا بطون وأظهر
لقد كان فيها للأمانة موضع ... وللكفّ مرتاد وللعين منظر
وللحائم العطشان ريّ بريقها ... وللمرح المختال خمر ومسكر
كأنّي لها أرجوحة بين أحبل ... إذا ذكرة منها على القلب تخطر
للغريض في البيتين الأوّلين ثقيل أوّل بالوسطى عن عمرو والهشامي وفيهما لعريب رمل. ولشارية خفيف رمل من رواية أبي العبيس.
/ أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثني عبد الملك بن عبد العزيز قال:
تزوّج رجل من أهل المدينة يقال له أبو درّة امرأة كانت قبله عند رجل آخر من أهل المدينة يقال له أبو بطينة؛ فلقيه زوجها الأوّل فضربه ضربة شلّت يده منها. فلقيه أبو السائب المخزومي فقال له: يا أبا درّة! أضربك أبو بطينة في زوجته؟ قال: نعم. قال: أما إني أشهد أنها ليست كما قال قيس بن ذريح في زوجته لبنى:
لقد كان فيها للأمانة موضع ... وللكفّ مرتاد وللعين منظر
وللحائم العطشان ريّ بريقها ... وللمرح المختال خمر ومسكر
قال: وكانت زوجة أبي درّة هذه سوداء كأنها خنفساء.
مرضه بعد هذه الحادثة:
قال: وعاد إلى قومه بعد رؤيته إيّاها وقد أنكر نفسه وأسف ولحقه أمر عظيم؛ فأنكروه وسألوه عن حاله فلم يخبرهم، ومرض مرضا شديدا أشرف منه على الموت. فدخل إليه إبوه ورجال قومه فكلّموه وعاتبوه وناشدوه اللّه.
فقال: ويحكم! أتروني أمرضت نفسي أو وجدت لها سلوة بعد اليأس فاخترت الهمّ والبلاء، أو لي في ذلك صنع! هذا ما اختاره لي أبواي وقتلاني به./ فجعل أبوه يبكي ويدعو به بالفرج والسّلوة. فقال قيس:
لقد عذّبتني يا حبّ لبنى ... فقع إمّا بموت أو حياة
فإنّ الموت أروح من حياة ... تدوم على التباعد والشّتات
وقال الأقربون تعزّ عنها ... فقلت لهم إذا حانت وفاتي
دست إليه رسولا يسأله لم تزوّج حتى تزوّجت هي:
قال: ودسّت إليه لبنى بعد خروجه رسولا وقالت له: استنشده، فإن سألك عن سبتك فانتسب له خزاعيّا؛ فإذا أنشدك فقل له: لم تزوّجت بعدها حتى أجابت/ إلى أن تتزوّج بعدك؟ واحفظ ما يقول لك حتى تردّه عليّ. فأتاه الرسول فسلّم وانتسب خزاعيا، وذكر أنه من أهل الشام واستنشده؛ فأنشده قوله:
فأقسم ما عمش العيون شوارف ... روائم بوّ حانيات على سقب
- وقد مضت هذه الأبيات - فقال له الرجل: فلم تزوّجت بعدها؟ فأخبره الخبر، وحلف له أنّ عينه ما اكتحلت بالمرأة التي تزوّجها، وأنه لو رآها في نسوة ما عرفها، وأنه ما مدّ يده إليها ولا كلّمها ولا كشف لها عن ثوب. فقال له الرجل: فإني جار لها وإنها من الوجد بك على حال قد تمنّى زوجها معها أن تكون بقربها لتصلح حالها بك؛ فحمّلني إليها ما شئت أؤدّه إليها. قال: تعود إليّ إذا أردت الرحيل، فعاد إليه لمّا أراد الرحيل. فقال تقول لها:
ألا حيّ لبنى اليوم إن كنت غاديا ... وألمم بها من قبل أن لا تلاقيا
وأهد لها منك النصيحة إنها ... قليل ولا تخش الوشاة الأدانيا
وقل إنّني والراقصات إلى منّى ... بأجبل جمع [1] ينتظرن المناديا
أصونك عن بعض الأمور مضنّة ... وأخشى عليك الكاشحين الأعاديا
تساقط نفسي حين ألقاك أنفسا ... يردن فما يصدرن إلّا صواديا
فإن أحي أو أهلك فلست بزائل ... لكم حافظا ما بلّ ريق لسانيا
أقول إذا نفسي من الوجد أصعدت ... بها زفرة تعتادني هي ما هيا
وبين الحشى والنحر منّي حرارة ... ولوعة وجد تترك القلب ساهيا
ألا ليت لبنى لم تكن لي خلّة [2] ... ولم ترني لبنى ولم أدر ماهيا
سلي الناس هل خبّرت سرّك منهم ... أخا ثقة أو ظاهر الغشّ باديا
يقول لي الواشون لمّا تظاهروا ... عليك وأضحى الحبل للبين واهيا
/ لعمري لقبل اليوم حمّلت ما ترى ... وأنذرت من لبنى الذي كنت لاقيا
خليليّ مالي قد بليت ولا أرى ... لبينى على الهجران إلّا كما هيا
ألا يا غراب البين مالك كلّما ... ذكرت لبينى طرت لي عن شماليا
أعندك علم الغيب أم لست [3] مخبري ... عن الحيّ إلّا بالذي قد بدا ليا
جزعت عليها لو أرى لي مجزعا ... وأفنيت دمع العين لو كان فانيا
/ حياتك لا تغلب عليها فإنه ... كفى بالذي تلقى لنفسك ناهيا
تمرّ الليالي والشهور ولا أرى ... ولوعي بها يزداد إلّا تماديا
فما عن نوال من لبينى زيارتي ... ولا قلّة الإلمام أن كنت قاليا
ولكنّها صدّت وحمّلت من هوى ... لها ما يؤود الشامخات الرواسيا
وهذه القصيدة تخلط بقصيدة المجنون التي في وزنها وعلى قافيتها لتشابههما، فقلّما يتميّزان.
__________
[1] جمع: المزدلفة.
[2] خلة: صديقة.
[3] كذا في س: وفي جميع الأصول: «أم أنت».
غنّى الحسين بن محرز في البيت الأوّل والبيت الخامس من هذه القصيدة ثقيلا أوّل بإطلاق الوتر في مجرى الوسطى من روايتي بذل والهشاميّ.
أنب لبنى زوجها لافتضاح أمره بشعر قيس فغضبت:
حدّثني المدائني عن عوانة عن يحيى بن عليّ الكنانيّ قال:
شهر أمر قيس بالمدينة وغنّى في شعره الغريض ومعبد ومالك وذووهم، فلم يبق شريف ولا وضيع إلّا سمع بذلك فأطربه وحزن لقيس ممّا به. وجاءها زوجها فأنّبها على ذلك وعاتبها وقال: قد فضحتني بذكرك. فغضبت وقالت: يا هذا، إني واللّه ما تزوّجتك رغبة فيك ولا فيما عندك ولا دلّس أمري عليك، ولقد علمت أني كنت زوجته قبلك وأنه أكره على طلاقي. وو اللّه ما قبلت التزويج حتى أهدر/ دمه إن ألمّ بحيّنا، فخشيت أن يحمله ما يجد على المخاطرة فيقتل، فتزوّجتك. وأمرك الآن إليك، ففارقني فلا حاجة بي إليك. فأمسك عن جوابها وجعل يأتيها بجواري المدينة يغنّينها بشعر قيس كيما يستصلحها بذلك؛ فلا تزداد إلّا تماديا وبعدا، ولا تزال تبكي كلّما سمعت شيئا من ذلك أحرّ بكاء وأشجاه.
وسط بريكة في لقائها، وشعره في ذلك:
رجع الحديث إلى سياقته.
وقال الحرمازيّ وخالد بن جمل: كانت امرأة من موالي بني زهرة يقال لها بريكة من أظرف النساء وأكرمهنّ، وكان لها زوج من قريش له دار ضيافة. فلما طالت علّة قيس قال له أبوه: إني لأعلم أن شفاءك في القرب من لبنى فارحل إلى المدينة. فرحل إليها حتى أتى دار الضيافة التي لزوج بريكة. فوثب غلمانه إلى رحل قيس ليحطّوه.
فقال: لا تفعلوا فلست نازلا أو ألقى بريكة فإنّي قصدتها في حاجة؛ فإن وجدت لها عندها موضعا نزلت بكم وإلّا رحلت. فأتوها فأخبروها. فخرجت إليه فسلّمت عليه ورحّبت به وقالت: حاجتك مقضية كائنة ما كانت، فانزل.
فنزل ودنا منها فقال: أذكر حاجتي؟ قالت: إن شئت. قال: أنا قيس بن ذريح. قالت: حيّاك اللّه وقرّبك! إنّ ذكرك لجديد عندنا في كل وقت. قال: وحاجتي أن أرى لبنى نظرة واحدة كيف شئت. قالت: ذلك لك عليّ. فنزل بهم وأقام عندها وأخفت أمره، ثم أهدى لها هدايا كثيرة وقال: لاطفيها وزوجها بهذا حتى يأنس بك. ففعلت وزارتها مرارا، ثم قالت لزوجها: أخبرني عنك: أنت خير من زوجي؟ قال: لا. قالت: فلبنى خير منّي؟ قال: لا. قالت:
فما بالي أزورها ولا تزورني؟ قال: ذلك إليها. فأتتها وسألتها الزيارة وأعلمتها أن قيسا عندها. فتسارعت إلى ذلك وأتتها. فلمّا رآها/ ورأته بكيا حتى كادا يتلفان. ثم جعلت تسأله عن خبره وعلّته فيخبرها، ويسألها فتخبره. ثم قالت: أنشدني ما قلت في علّتك؛ فأنشدها قوله:
أعالج من نفسي بقايا حشاشة [1] ... على رمق والعائدات تعود
/ فإن ذكرت لبنى هشثت لذكرها ... كما هشّ للثدي الدّرور وليد
أجيب بلبنى من دعاني تجلّدا ... وبي زفرات تتجلى وتعود
__________
[1] الحشاشة: بقية الروح في المريض والجريح.
تعيد إلى روحي الحياة وإنني ... بنفسي لو عاينتني لأجود
قال: وفي هذه القصيدة يقول:
صوت
ألا ليت أيّاما مضين تعود ... فإن عدن يوما إنني لسعيد
سقى دار لبنى حيث خلّت وخيّمت ... من الأرض منهلّ الغمام رعود
في هذين البيتين لعريب خفيف ثقيل أوّل مطلق في مجرى الوسطى، وقيل: إنه لغيرها. وتمام هذه القصيدة:
على كلّ حال إن دنت أو تباعدت ... فإن تدن منّا فالدنوّ مزيد
فلا اليأس يسليني ولا القرب نافعي ... ولبنى منوع ما تكاد تجود
كأنّي من لبنى سليم مسهّد ... يظلّ على أيدي الرجال يميد
رمتني لبينى في الفؤاد بسهمها ... وسهم لبينى للفؤاد صيود
سلا كلّ ذي شجو علمت مكانه ... وقلبي للبنى ما حييت ودود
وقائلة قد مات أو هو ميّت ... وللنفس منّي أن تفيض رصيد
أعالج من نفسي بقايا حشاشة ... على رمق والعائدات تعود
/ وقال الحرمازيّ في خبره خاصّة: وعاتبته على تزوّجه؛ فحلف أنه لم ينظر إليها ملء عينيه ولا دنا منها، فصدّقته.
وقال:
صوت
ولقد أردت الصبر عنك فعاقني ... علق بقلبي من هواك قديم
يبقى على حدث الزمان وريبه ... وعلى جفائك، إنه لكريم
فصرمته وصححت وهو بدائه ... شتّان بين مصحّح وسقيم
واربته [1] زمنا فعاد بحمله ... إنّ المحبّ عن الحبيب حليم
- لعريب في هذه الأبيات خفيف ثقيل، وللدّراميّ خفيف رمل من رواية الهشاميّ. ومن الناس من ينسب خفيف الثّقيل إليه وخفيف الرمل إليها - قالوا: فلم يزل يومه معها يحدّثها ويشكو إليها أعفّ شكوى وأكرم حديث حتى أمسى؛ فانصرفت ووعدته الرجوع إليه من غد فلم ترجع. وشاع خبره فلم ترسل إليه رسولا. فكتب هذه الأبيات في رقعة ودفعها إلى بريكة وسألها أن توصلها إليها، ورحل متوجّها إلى معاوية. والأبيات:
صوت
بنفسي من قلبي له الدّهر ذاكر ... ومن هو عنّي معرض القلب صابر
ومن حبّه يزداد عندي جدّة ... وحبّي لديه مخلق العهد دائر
__________
[1] المواربة: المخاتلة والمخادعة.
شكا إلى يزيد ما به وامتدحه فحقن دمه:
/ - غنّت في هذين البيتين ضنين جارية خاقان بن حامد خفيف رمل قالوا: ثم ارتحل إلى معاوية، فدخل إلى يزيد فشكا ما به إليه وامتدحه؛ فرقّ له وقال: سل ما شئت، إن شئت أن أكتب إلى زوجها فأحتّم عليه أن يطلّقها فعلت./ قال: لا أريد ذلك، ولكن أحبّ أن أقيم بحيث تقيم من البلاد، أتعرّف أخبارها وأقنع بذلك من غير أن يهدر دمي. قال: لو سألت هذا من غير أن ترحل إلينا فيه لما وجب أن تمنعه، فأقم حيث شئت؛ وأخذ كتاب أبيه له بأن يقيم حيث شاء وأحبّ ولا يعترض عليه أحد، وأزال ما كان كتب له في إهدار دمه؛ فقدم إلى بلده. وبلغ الفزاريّين خبره وإلمامه بلبنى، فكاتبوه في ذلك وعاتبوه. فقال للرسول: قل للفتى (يعني أخا الجارية التي تزوّجها): يا أخي ما غررتك من نفسي، ولقد أعلمتك أني مشغول عن كل أحد، وقد جعلت أمر أختك إليك فأمض فيه من حكمك ما رأيت. فتكرّم الفتى عن أن يفرّق بينهما، فمكثت في حباله [1] مدّة ثم ماتت.
لقبه عياش السعدي ذاهلا شارد اللب وأنشده من شعره فيها:
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثني سليمان بن عيّاش السّعديّ عن أبيه قال:
أقبلت ذات يوم من الغابة [2]؛ فلما كنت بالمذاد [3]، إذا ربع حديث العهد بالساكن، وإذا رجل مجتمع في جانب ذلك الربع يبكي ويحدّث نفسه. فسلّمت فلم يردّ عليّ سلاما. فقلت في نفسي: رجل ملتبس [4] به فولّيت عنه. فصاح بي بعد ساعة: وعليك السلام، هلمّ هلم إليّ يا صاحب السلام! فأتيته فقال: أما واللّه لقد فهمت سلامك ولكنّي رجل مشترك اللّبّ يضلّ عنّي أحيانا ثم يعود إليّ. فقلت: ومن/ أنت؟ قال: قيس بن ذريح اللّيثيّ.
قلت: صاحب لبنى؟ قال: صاحب لبنى لعمري وقتيلها!. ثم أرسل عينيه كأنهما مزادتان؛ فما أنسى حسن قوله:
أبائنة لبنى ولم تقطع المدى ... بوصل ولا صرم فييأس طامع
نهاري نهار الوالهين صبابة ... وليلي تنبو فيه عنّي المضاجع
وقد كنت قبل اليوم خلوا وإنّما ... تقسّم بين الهالكين المصارع
فلو لا رجاء القلب أن تسعف [5] النّوى ... لما حبسته بينهنّ الأضالع
له وجبات إثر لبنى كأنها ... شقائق برق في السماء لوامع
أبى اللّه أن يلقى الرشاد متيّم ... ألا كلّ أمر حمّ لا بدّ واقع
هما برّحابي معولين كلاهما ... فؤاد وعين جفنها الدّهر دامع
__________
[1] كذا في ج و «تجريد الأغاني». وفي سائر الأصول: «في خباء له» وهو تحريف.
[2] الغابة: بريد من المدينة على طريق الشام.
[3] المذاد: موضع بالمدينة حيث حفر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الخندق. وقيل: هو واد بين سلع وخندق المدينة. (راجع «معجم ما استعجم» للبكري و «معجم البلدان» لياقوت و «لسان العرب» مادة مذد).
[4] في «تجريد الأغاني»: «ملتبس» بدون كلمة «به». وفي الأصول: «مكتنس عنه». وقد اعتمدنا في إصلاحه على ما ورد في حديث المبعث: «فجاء الملك فشق عن قلبه قال فخفت أن يكون قد التبس بي» أي خولطت في عقلي.
[5] كذا في «تجريد الأغاني». وفي الأصول: «تسعر» ولعلها محرفة عن «تسعد».
عبد اللّه بن مسلم بن جندب ينشد من شعره:
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا أحمد بن سعيد قال حدّثنا الزّبير قال، وأخبرنا به وكيع عن أبي أيّوب المدينيّ، قال الزّبير قال حدّثتني ظبية قالت:
سمعت عبد اللّه بن مسلم بن جندب ينشد زوجي قول قيس بن ذريح:
إذا ذكرت لبنى تأوّه واشتكى ... تأوّه محموم عليه البلابل
يبيت ويضحي تحت ظلّ منيّة ... به رمق تبكي عليه القبائل
قتيل للبنى صدّع الحبّ قلبه ... وفي الحب شغل للمحبّين شاغل
فصاح زوجي: أوّه! واحرباه واسلباه!. ثم أقبل على ابن جندب فقال: ويلك! أتنشد هذا كذا! / قال: فكيف أنشده؟ قال: لم لا تتأوّه كما يتأوّه وتشتكي كما يشتكي!.
استنشده ابن أبي عتيق أحرّ ما قال في لبنى:
وقال القحذميّ: قال ابن أبي عتيق لقيس يوما: أنشدني أحرّ ما قلت في لبنى. فأنشده قوله:
/و إني لأهوى النّوم في غير حينه ... لعلّ لقاء في المنام يكون
تحدّثني الأحلام أنّي أراكم ... فياليت أحلام المنام يقين
شهدت بأني لم أحل عن مودّة ... وأنّي بكم لو تعلمين ضنين
وأن فؤادي لا يلين إلى هوى ... سواك وإن قالوا بلى سيلين
فقال له ابن أبي عتيق: لقلّ ما رضيت به منها يا قيس. قال: ذلك جهد المقلّ.
غنّى في البيتين الأوّلين قفا النجّار ثاني ثقيل بالوسطى عن حبش.
أنشد ثعلب من شعره وكان يستحسنه:
أخبرني أحمد بن جعفر جحظة قال أنشدني أحمد بن يحيى ثعلب لقيس بن ذريح وكان يستحسن هذه الأبيات من شعره:
سقى طلل الدّار التي أنتم بها ... حيا ثم وبل صيّف [1] وربيع
مضى زمن والناس يستشفعون بي ... فهل لي إلى لبنى الغداة شفيع
سأصرم لبنى حبلك اليوم مجملا ... وإن كان صرم الحبل منك يروع
وسوف أسلّي النفس عنك كما سلا ... عن البلد النائي البعيد نزيع [2]
وإن مسّني للضّرّ منك كآبة ... وإن نال جسمي للفراق خشوع
يقولون صب بالنساء موكّل ... وما ذاك من فعل الرجال بديع
__________
[1] في ب، س: «صيب» بالباء الموحدة.
[2] نزيع: غريب.
ندمت على ما كان منّي ندامة ... كما ندم المغبون حين يبيع
فقدتك من نفس شعاع ألم أكن ... نهيتك عن هذا وأنت جميع
فقرّبت لي غير القريب وأشرفت ... هناك ثنايا ما لهنّ طلوع
إلى اللّه أشكونيّة شقّت العصا ... هي اليوم شتّى وهي أمس جميع
فيا حجرات الدار حيث [1] تحمّلوا ... بذي سلم لا جادكنّ ربيع
صوت
فلو لم يهجني الظاعنون لها جني ... حمائم ورق في الدّيار وقوع [2]
تداعين فاستبكين من كان ذا هوّى ... نوائح لم تقطر لهنّ دموع
- غنّى في هذين البيتين ابن سريج خفيف ثقيل أوّل عن الهشاميّ -
صوت
إذا أمرتني العاذلات بهجرها ... أبت كبد عمّا يقلن صديع
وكيف أطيع العاذلات وذكرها ... يؤرّقني والعاذلات هجوع
غنّى في هذين البيتين إبراهيم ثاني ثقيل بالبنصر عن عمرو.
فكاهات لأبي السائب المخزومي في شعره وفي سيرته:
أخبرني الحرميّ قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثني عبد الملك بن عبد العزيز قال:
أنشدت أبا السائب المخزوميّ قول قيس بن ذريح:
صوت
أحبّك أصنافا من الحبّ لم أجد ... لها مثلا في سائر الناس يوصف
/ فمنهنّ حبّ للحبيب ورحمة ... بمعرفتي منه بما يتكلّف
ومنهن ألّا يعرض الدّهر ذكرها ... على القلب إلّا كادت النفس تتلف
وحبّ بدا بالجسم واللون ظاهر ... وحبّ لدى نفسي من الرّوح ألطف
قال أبو السائب: لا جرم واللّه لأخلصنّ له الصّفاء ولأغضبنّ لغضبه ولأرضينّ لرضاه. غنّى في البيتين الأوّلين الحسين بن محرز خفيف ثقيل عن الهشامي وبذل.
/ أخبرني الحرميّ قال حدّثنا الزّبير قال حدّثنا عبد الملك بن عبد العزيز عن أبي السائب المخزوميّ أنه أخبره أنه كان مع عبد الرحمن بن عبد اللّه بن كثير في سقيفة دار كثير، إذ مرّ بجنازة؛ فقال لي: يا أبا السائب، جارك ابن
__________
[1] كذا في ج: وفي سائر الأصول: «كيف».
[2] يقال: وقع الطير على شجر أو أرض، إذا نزلت، فهن وقوع ووقع.
كلدة، ألا تقوم بنا فنصلّي عليه! قال: قلت: بلى واللّه فديتك!. فقمنا حتى إذا كنّا عند دار أويس إذ ذكرت أن جدّه كان تزوّج لبنى ونزل بها المدينة، فرجعت فطرحت نفسي في السّقيفة وقلت: لا يراني اللّه أصلّي عليه. فرجع الكثيريّ فقال: أكنت جنبا؟ قلت: لا واللّه. قال: فعلى غير وضوء؟ قلت: لا واللّه. قال: فما لك؟ قلت: ذكرت أن جدّه كان تزوّج لبنى وفرّق بينها وبين قيس بن ذريح لمّا ظعن بها من بلادها، فما كنت لأصلّي عليه.
أخبرني محمد بن العبّاس اليزيديّ قال حدّثنا أحمد بن يحيى قال حدّثنا عبد اللّه بن شبيب قال حدّثني هارون بن موسى الفرويّ قال أخبرنا الخليل بن سعيد قال:
مررت بسوق الطّير، فإذا الناس قد اجتمعوا يركب بعضهم بعضا، فاطّلعت فأذا أبو السائب المخزوميّ قائم على غراب يباع وقد أخذ بطرف ردائه وهو يقول للغراب: يقول لك قيس بن ذريح:
ألا يا غراب البين قد طرت بالذي ... أحاذر من لبنى فهل أنت واقع
لم لا تقع! ويضربه بردائه والغراب يصيح. قال: فقال قائل له: أصلحك اللّه يا أبا السائب! ليس هذا ذاك الغراب.
فقال: قد علمت، ولكن آخذ البريء حتى يقع الجريء [1].
آلت لبنى ألا ترى غرابا إلّا قتلته لبيت قاله من قصيدة، وذكر المختار منها:
وقال الحرمازيّ في خبره: لمّا بلغ لبنى قول قيس:
ألا يا غراب البين قد طرت بالذي ... أحاذر من لبنى فهل أنت واقع
/ آلت ألّا ترى غرابا إلّا قتلته؛ فكانت كلّما رأته أو رأته خادم لها أو جارة ابتيع ممن هو معه وذبحته.
وهذه القصيدة العينيّة أيضا من جيّد شعر قيس. والمختر منها قوله:
أتبكي على لبنى وأنت تركتها ... وكنت كآت حتفه وهو طائع
فيا قلب صبرا واعترافا لما ترى [2] ... ويا حبّها قع بالذي أنت واقع
ويا قلب خبّرني إذا شطّت النّوى ... بلبنى وبانت عنك ما أنت صانع
أتصبر للبين المشتّ مع الجوى ... أم أنت امرؤ ناسي الحياء [3] فجازع
كأنّك بدع [4] لم تر الناس قبلها ... ولم يطّلعك الدهر فيمن [5] يطالع
ألا يا غراب البين قد طرت بالذي ... أحاذر من لبنى فهل أنت واقع
فليس محبّ دائما لحبيبه ... ولا ثقة إلّا له الدهر فاجع
/ كأنّ بلاد اللّه ما لم تكن بها ... وإن كان فيها الناس قفر [6] بلاقع
__________
[1] في ج: «النطف». والنطف: المريب.
[2] كذا في «الأمالي» (ج 2 ص 315 و «لسان العرب» مادة عرف). واعترف للأمر: صبر. وفي الأصول: «و اعترافا بحبها».
[3] كذا في «تجريد الأغاني» و «الأمالي». وفي الأصول: «الحياة» وهو تحريف.
[4] البدع: الغمر من الرجال، وهو الذي لم يجرب الأمور.
[5] كذا في «الأمالي». وفي الأصول: «فيما».
[6] كذا في «الأمالي»: وفي الأصول: «وحش بلاقع».
فما أنت إذ بانت لبينى بهاجع ... إذا ما اطمأنّت بالنّيام المضاجع
صوت
أقضّي نهاري بالحديث وبالمنى ... ويجمعني والهمّ بالليل جامع
نهاري نهار الناس حتى إذا دجا [1] ... لي الليل هزّتني إليك المضاجع
لقد رسخت في القلب منك مودّة ... كما رسخت في الراحتين الأصابع
/ أحال عليّ الهمّ من كلّ جانب ... ودامت فلم تبرح عليّ الفواجع
ألا إنّما أبكي لما هو واقع ... فهل جزعي من وشك ذلك نافع
وقد كنت أبكي والنّوى مطمئنّة ... بنا وبكم من علم ما البين صانع
وأهجركم هجر البغيض وحبّكم ... على كبدي منه كلوم [2] صوادع
وأعمد للأرض التي لا أريدها ... لترجعني يوما إليك الرواجع
وأشفق من هجرانكم وتروعني ... مخافة وشك البين والشّمل جامع
فما كلّ ما منّتك نفسك خاليا ... تلاقي ولا كلّ الهوى أنت تابع
لعمري لمن أمسى ولبنى ضجيعه ... من الناس ما اختيرت عليه المضاجع
فتلك لبينى قد تراخى مزارها ... وتلك نواها غربة ما تطاوع [3]
وليس لأمر حاول اللّه جمعه ... مشتّ ولا ما فرّق اللّه جامع
فلا تبكين في إثر لبنى ندامة ... وقد نزعتها من يديك النوازع
غنّى الغريض في الثالث والرابع والأوّل والعشرين وهو «لعمري لمن أمسى ولبنى ضجيعه» ثقيلا أوّل بالسبّابة في مجرى الوسطى عن إسحاق. وغنّى إبراهيم الموصليّ في العاشر وهو: «أقضّي نهاري بالحديث وبالمنى» والحادي عشر والثاني عشر رملا بالوسطى عن عمرو. وقد قيل: إن ثلاثة أبيات من هذه وهي: «أقضّي نهاري بالحديث وبالمنى» [و البيتان اللذان بعده [4]] لابن الدّمينة الخثعميّ؛ وهو الصحيح؛ وإنما أدخلها الناس من هذه الأبيات لتشابهها.
مصير قيس ولبنى وهل ماتا زوجين أو مفترقين:
وقد اختلف في آخر أمر قيس ولبنى؛ فذكر أكثر الرّواة أنهما ماتا على افتراقهما، فمنهم من قال: إنه مات قبلها وبلغها ذلك فماتت أسفا عليه. ومنهم من قال: بل ماتت قبله ومات بعدها أسفا عليها، وممن ذكر ذلك
__________
[1] في الأصول: «بدا».
[2] كذا في «الأمالي» وفي الأصول: «شؤون».
[3] رواية «الأمالى»:
ألا تلك لبنى قد تراخى مزارها ... وللبين غم ما يزال ينازع
[4] زيادة يقتضيها السياق. (راجع «الأغاني» ج 15 ص 154 طبع بولاق).
اليوسفيّ عن عليّ بن صالح المصلّى؛ قال قال لي أبو عمرو المدنيّ:
ماتت لبنى، فخرج قيس ومعه جماعة من أهله فوقف على قبرها فقال:
ماتت لبينى فموتها موتي ... هل تنفعن حسرتي على الفوت
وسوف أبكي بكاء مكتئب ... قضى حياة وجدا على ميت
ثم أكبّ على القبر يبكي حتى أغمي عليه؛ فرفعه أهله إلى منزله وهو لا يعقل، فلم يزل عليلا لا يفيق ولا يجيب مكلّما ثلاثا حتى مات فدفن إلى جنبها.
وذكر القحذميّ وابن عائشة/ وخالد بن جمل أن ابن أبي عتيق صار إلى الحسن والحسين ابني عليّ بن أبي طالب وعبد اللّه بن جعفر رضي اللّه عنهم وجماعة من قريش، فقال لهم: إن لي حاجة إلى رجل أخشى أن يردّني فيها، وإني أستعين بجاهكم وأموالكم فيها عليه. قالوا: ذلك لك مبتذل منّا. فاجتمعوا ليوم وعدهم فيه، فمضى بهم إلى زوج لبنى. فلمّا رآهم أعظم مصيرهم إليه وأكبره. فقالوا: لقد جئناك بأجمعنا في حاجة لابن أبي عتيق. قال:
هي مقضيّة كائنة ما كانت. قال ابن أبي عتيق: قد قضيتها كائنة ما كانت من ملك أو مال أو أهل؟ قال نعم. قال:
تهب لهم ولي لبنى زوجتك وتطلّقها. قال: فإني أشهدكم أنها طالق ثلاثا. فاستحيا القوم واعتذروا وقالوا: واللّه ما عرفنا حاجته، ولو علمنا أنها هذه ما سألناك إيّاها. وقال ابن عائشة: فعوّضه الحسن من ذلك مائة ألف درهم وحملها ابن أبي عتيق إليه. فلم تزل عنده حتى انقضت عدّتها./ فسأل القوم أباها فزوّجها قيسا، فلم تزل معه حتى ماتا. قالوا: فقال قيس يمدح ابن أبي عتيق:
جزى الرحمن أفضل ما يجازي ... على الإحسان خيرا من صديق
فقد جرّبت إخواني جميعا ... فما ألفيت كابن أبي عتيق
سعى في جمع شملي بعد صدع ... ورأي حدت فيه عن الطريق
وأطفأ لوعة كانت بقلبي ... أغصّتني حرارتها بريقي
قال: فقال له ابن أبي عتيق: يا حبيبي أمسك عن هذا المديح؛ فما يسمعه أحد إلّا ظنّني قوّادا. مضى الحديث.
صوت من مدن معبد في شعر عنترة:
ومن مدن معبد وهو الذي أوّله:
يا دار عبلة بالجواء تكلّمي
وقد جمع معه سائر ما يغنّى فيه من القصيدة.
منها:
صوت
هل غادر الشعراء من متردّم ... أم هل عرفت الدار [1] بعد توهم
يا دار عبلة بالجواء تكلّمي ... وعمي صباحا دار عبلة واسلمي
__________
[1] ويروي: «أم هل عرفت الربع» وهي الرواية التي كتب عليها المؤلف.
وتحلّ عبلة بالجواء وأهلنا ... بالحزن فالصّمّان فالمتثلّم [1]
كيف القرار [2] وقد تربّع أهلها ... بعنيزتين وأهلنا بالغيلم
حيّيت من طلل تقادم عهده ... أقوى وأقفر بعد أمّ الهيثم
/ ولقد نزلت فلا تظنّي غيره ... منّي بمنزلة المحبّ المكرم
ولقد خشيت بأن أموت ولم تدر ... للحرب دائرة على ابني ضمضم
الشّاتمي عرضي ولم أشتمهما ... والنّاذرين إذا لم القهما دمي
ولقد شفى نفسي وأبرأ سقمها ... قيل الفوارس ويك عنتر فاقدم
/ ما زلت أرميهم بثغرة نحره ... ولبانه حتى تسربل بالدّم
هلّا سألت الخيل يابنة مالك ... إن كنت جاهلة بما لم تعلمي
يخبرك من شهد الوقيعة أنّني ... أغشى الوغى وأعفّ عند المغنم
يدعون عنتر والرّماح كأنّها ... أشطان بئر في لبان الأدهم
فشككت بالرّمح الطويل ثيابه ... ليس الكريم على القنا بمحرّم
فإذا شربت فإنني مستهلك ... مالي، وعرضي وافر لم يكلم
وإذا صحوت فما أقصّر عن ندى ... وكما علمت شمائلي وتكّرمي
الشعر لعنترة بن شدّاد العبسيّ، وقد تقدّمت أخباره ونسبه. وغنّى في البيت الأوّل، على ما ذكره ابن المكّيّ، إسحاق خفيف ثقيل أوّل بالوسطى، وما وجدت هذا في رواية غيره. وغنّى معبد في البيت الثاني والثالث خفيف ثقيل أوّل بإطلاق الوتر في مجرى الوسطى عن إسحاق، وهو الصوت المعدود في مدن معبد. وغنّى سلّام الغسّال في السابع والثامن والثالث والعاشر رملا بالسبّابة في مجرى البنصر، ووجدت في بعض الكتب أن له أيضا في السابع وجده ثاني ثقيل أيضا، وذكر عمرو بن بانة أن هذا الثقيل الثاني بالوسطى لمعبد ووافقه يونس، وذكر ابن المكيّ أن هذا الثقيل الثاني للهذليّ، وذكر غيره أنه لابن محرز. وذكر أحمد بن عبيد أنّ في السابع ثقيلا أوّل للهذلّي، ووافقه حبش. وذكر حبش أن في الثاني لمعبد ثقيلا أوّل، وأن لابن سريج فيه رملا آخر غير رمل ابن الغسّال، وأن لابن مسجح/ أيضا فيه خفيف ثقيل بالوسطى. وفي كتاب أبي العبيس: له في الثالث لحن. وفي كتاب أبي أيّوب المدينيّ: لابن جامع في هذه الأبيات لحن. ولمعبد في الحادي عشر والثاني عشر والخامس عشر والسادس عشر خفيف ثقيل أوّل مطلق في مجرى الوسطى عن إسحاق أيضا. ولعلّويه في السادس والرابع ثاني ثقيل، وله أيضا في الرابع عشر والثالث عشر رمل. وفي كتاب هارون بن الزّيّات لعبد آل في الخامس ثقيل أوّل؛ وقد نسب الثقيل الثاني المختلف فيه لابن محرز. وفي كتاب هارون: لأحمد النّصبيّ في الرابع والخامس لحن.
«هل غادر الشعراء» البيت، يدفع أكثر الرواة أن يكون لعنترة؛ وممن يدفعه الأصمعيّ وابن الأعرابيّ. وأوّل
__________
[1] الصمان: موضع، ويقال: هو جبل. وقال أبو جعفر: الجواء بنجد، والحزن لبني يربوع، والصمان لبني تميم. والمتثلم: مكان.
(انظر «شرح القصائد العشر» للتبريزي).
[2] في «المعلقات»: «كيف المزار».
القصيدة عندهما «يا دار عبلة». فذكر أبو عمرو الشّيبانيّ أنه لم يكن يرويه حتى سمع أبا حزام العكليّ يرويه له.
قوله: «هل غادر الشعراء من متردّم» يقول: هل تركوا شيئا ينظر فيه لم ينظروا فيه؟. والمتردّم: المتعطّف، وهو مصدر. يقول: هل تركوا شيئا يتردّم عليه أي يتعطّف؛ ويقال: تردّمت الناقة على ولدها إذا تعطّفت عليه، وثوب مردّم وملدّم إذا سدّت خروقه بالرّقاع. والرّبع: المنزل، سمّي ربعا لارتباعهم فيه؛ والرّبيعة: الصخرة. حكى أبو نصر أنه يقول: هل ترك الشعراء من خرق لم يرقعوه وفتق لم يرتقوه! وهو أشبه بقوله من متردّم. وقال غيره:
يعني بقوله من متردّم البناء وهو الرّدم، أي لم يتركوا بناء إلّا بنوه؛ قال اللّه عز وجل: أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً
يعني بناء؛ وردم فلان حائطه أي بناه./ والجواء: بلد بعينه؛ والجواء أيضا: جمع جوّ وهو البطن الواسع من الأرض. عمي صباحا، وانعمي صباحا: تحيّة. تربّع أهلها: نزلوا في الرّبيع. وعنيزتين: أكمة سوداء بين البصرة ومكة. والغيلم: موضع. والطّلل: ما كان/ له شخص من الدار مثل أثفيّة [1] أو وتد أو نؤي، وتقول العرب: حيّا اللّه طللك، أي شخصك. وابنا ضمضم: حصين وهرم المرّيّان. وثغرة نحره: موضع لبّته. واللّبان: مجرى لببه من صدره وهو الصدر نفسه. ويروى «بغرّة وجهه». وتسربل، أي صار له سربال من الدم. وقوله: «هلّا سألت الخيل» يريد فرسان الخيل؛ كما قال اللّه تعالى: وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ
والوقيعة: الوقعة. والوغى والوحى: أصوات الناس وجلبتهم في الحرب؛ وقال الشاعر:
وليل كساج [2] الحميريّ ادّرعته ... كأنّ وغى حافاته لغط العجم
والأشطان: الحبال، واحدها شطن. شبّه اختلاف الرّماح في صدر فرسه بالأشطان. وشككت بالرمح: نظمت.
وقال أبو عمرو: يعني بثيابه قلبه. والعرض: موضع المدح والذّمّ من الرجل؛ يقال: طيّب العرض أي طيّب ريح الجسم. والكلوم: الجراح. والوافر: التامّ. وشمائلي: أخلاقي، واحدها شمال. يقال: فلان حلو الشّمائل والنّحائت والضّرائب والغرائز.
عنترة يقول معلقته لأن رجلا سبه وعيره سواده:
أخبرني عليّ بن سليمان الأخفش قال حدّثنا أبو سعيد السّكّريّ قال قال أبو عمرو الشّيبانيّ:
قال عنترة هذه القصيدة لأن رجلا من بني عبس سابّه فذكر سواده وسواد أمّه وإخوته وعيّره ذلك. فقال عنترة:
واللّه إن الناس ليترافدون [3] بالطّعمة، فو اللّه ما حضرت مرفد الناس أنت ولا أبوك ولا جدّك قطّ. وإنّ الناس ليدعون في الفزع فما رأيتك في خيل قطّ، ولا كنت في أوّل النساء. وإن اللّبس (يعني الاختلاط) ليكون بيننا فما حضرت أنت ولا أحد من أهل بيتك لخطّة فيصل قطّ،/ وكنت فقعا بقرقرة [4]. ولو كنت في مرتبتك ومغرسك الذي أنت فيه ثم ما جدتك لمجدتك، أو طاولتك لطلتك. ولو سألت أمّك وأباك عن هذا لأخبراك بصحته. وإنّي لأحتضر الوغى،
__________
[1] الأثفية: الحجر توضع عليه القدر.
[2] الساج: الطيلسان الأسود.
[3] يترافدون: يتعاونون.
[4] ويقال أيضا فقع قرقرة. وهو مثل يضرب للضعيف الذليل الذي لا يمتنع على من يضيمه. والفقع: هجين الكمأة، وهو أبيض ضخم سريع الفساد قليل الصبر عن الحيا لا يمتنع على من اجتناه، وقيل: لأنه يداس دائما بالأرجل، وقيل: لأنه لا أصل له ولا أغصان.
والقرقرة والقرقر: الأرض المستوية السهلة. (انظر ما يعول عليه في المضاف والمضاف إليه).
وأوفّى المغنم، وأعفّ عن المسألة، وأجود بما ملكت، وأفصل الخطّة الصّمعاء [1]. فقال له الآخر: أنا أشعر منك.
فقال: ستعلم!. وكان عنترة لا يقول من الشّعر إلّا البيت أو البيتين في الحرب فقال هذه القصيدة. ويزعمون أنها أوّل قصيدة قالها. وكانت العرب تسمّيها المذهّبة.
بقية مدن معبد:
نسبة الأصوات التي جعلت مكان بعض هذه الأصوات في مدن معبد، وهنّ:
(صوت من مدنه في شعر كثير عزة:)
صوت
تقطّع من ظلّامة الوصل أجمع ... أخيرا على أن لم يكن يتقطّع
وأصبحت قد ودّعت ظلّامة التي ... تضرّ وما كانت مع الضّرّ تنفع
الشعر لكثيّر. والغناء لمعبد خفيف ثقيل أوّل بالبنصر عن عمرو ويونس.
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثني سليمان بن عيّاش السّعديّ قال قال السائب راوية كثيّر، وأخبرني إسماعيل بن يونس قال حدّثنا عمر بن شبّة قال زعم/ ابن الكلبيّ عن أبي المقوّم قال حدّثني سائب راوية كثيّر قال:
كنت مع كثيّر عند ظلّامة فأقمنا أيّاما. فلما أردنا الانصراف عقدت له في علاقة سوطه عقدا وقالت: احفظها.
ثم انصرفنا فمررنا على ماء لبنى ضمرة،/ فقال: إن في هذه الأخبية جارية ظريفة ذات جمال، فهل لك أن تستبرزها؟ فقلت: ذاك إليك. قال: فملنا إليهم فخرجت إلينا جاريتها فأخرجتها إلينا، فإذا هي عزّة، فجلس معها يحادثها، وطرح سوطه بينه وبينها إلى أن غلبته عيناه. وأقبلت عزّة على تلك العقد تحلّها واحدة واحدة. فلما استيقظ انصرفنا. فنظر إلى علاقة سوطه فقال: أحلّتها؟ قلت: نعم! فلا وصلها اللّه! واللّه إنك لمجنون. قال:
فسكت عنّي طويلا ثم رفع السّوط فضرب به واسطة رحله وأنشأ يقول:
تقطّع من ظلّامة الوصل أجمع ... أخيرا على أن لم يكن يتقطّع
وأصبحت قد ودّعت ظلّامة التي ... تضرّ وما كانت مع الضّرّ تنفع
وقد سدّ من أبواب ظلّامة التي ... لنا خلف للنّفس منها ومقنع
ثم وصل عزّة بعد ذلك وقطع ظلّامة.
ومنها:
وهو الذي أوّله:
«خمصانة قلق موشّحها»
__________
[1] الصمعاء: الحازمة.
صوت من مدنه في شعر الحارث بن خالد:
صوت
أقوى من آل ظليمة الحزم ... فالغمرتان فأوحش الخطم [1]
فجنوب أثبرة فملحدها ... فالسّدرتان فما حوى دسم [2]
وبما أرى شخصا به حسنا ... في القوم إذ حيّتكم نعم
إذ ودّها صاف ورؤيتها ... أمنيّة وكلامها غنم
/ لفّاء [3] مملوء مخلخلها ... عجزاء ليس لعظمها حجم
خمصانة قلق موشّحها ... رؤد الشباب علا بها عظم
وكأنّ غالية [4] تباشرها ... تحت الثياب إذا صغا [5] النّجم
أظليم إنّ مصابكم رجلا ... أهدى السلام تحية ظلم
أقصيته وأراد سلمكم ... فليهنه إذ جاءك السّلم
عروضه من الكامل. الشعر للحارث بن خالد المخزوميّ. والغناء لمعبد، ولحنه من القدر الأوسط من الثقيل الأوّل بالخنصر في مجرى البنصر. قال: ولحن معبد [6]:
خمصانة قلق موشّحها
وأوّل لحن [7] مالك:
أقوى من آل ظليمة الحزم
__________
[1] أقوى: خلا. والحزم: موضع أمام خطم الحجول. والغمرة: منهل من مناهل طريق مكة ومنزل من منازلها.
[2]» أثبرة: عدة جبال بمكة، واحدها ثبير. والسدرتان: موضع. ودسم: موضع قرب مكة فيه قبر ابن سريج المغني.
[3] كذا في ج. وفي سائر الأصول: «هيفا». ولفاء: ضخمة الفخذين مكتنزة.
[4] الغالية: ضرب من الطيب.
[5] صغا النجم: مال للغروب.
[6] لعله: «و أوّل لحن معبد».
[7] يلاحظ أنه لم يتقدم لمالك لحن في هذا الشعر.
10 - ذكر الحارث بن خالد ونسبه وخبره في هذا الشعر
الحارث بن خالد بن العاصي بن هشام بن المغيرة بن عبد اللّه بن عمر بن مخزوم؛ وقد تقدّم ذكره وأخباره في كتاب المائة المختارة في بعض الأغاني المختارة التي شعرها له وهو:
إنّ امرأ تعتاده ذكر
تزوّج حميدة بنت النعمان بن بشير ثم طلقها:
أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدّثنا عمر بن شبّة قال:
بلغني/ أن الحارث بن خالد بن العاصي بن هشام بن المغيرة - ويقال: بل خالد بن المهاجر بن خالد بن الوليد بن المغيرة - كان تزوّج حميدة بنت النّعمان بن بشير بدمشق لمّا قدم على عبد الملك بن مروان. فقالت فيه:
نكحت المدينيّ إذ جاءني ... فيالك من نكحة غاويه
كهول دمشق وشبّانها ... أحبّ إلينا من الجاليه
صنان لهم كصنان التّيو ... س أعيا على المسك والغاليه
فقال الحارث يجيبها:
صوت
أسنا ضوء نار ضمرة بالقف ... رة أبصرت أم سنا ضوء برق
قاطنات الحجون أشهى إلى قل ... بي من ساكنات دور دمشق
يتضوّ عن لو تضمّخن بالمس ... ك صنانا كأنّه ريح مرق [1]
غنّاه مالك بن أبي السّمح خفيف ثقيل أوّل بالسبّابة في مجرى البنصر من رواية إسحاق. وفيه لابن محرز [2] لحن من رواية عمرو بن بانة ثقيل أوّل بالوسطى.
__________
[1] المرق (بالفتح): صوف العجاف والمرضى وهو منتن، أو هو الجلد المنتن.
[2] في ج: لابن مسجع».
رجعت الرواية إلى خبر الحارث
قال: وطلّقها الحارث؛ فخلف عليها روح بن زنباع. قال: وكان الحارث خطب أمة لمالك بن عبد اللّه بن خالد، بن أسيد، وخطبها عبد اللّه بن مطيع. فتزوّجها عبد اللّه ثم طلّقها أو مات عنها، فتزوّجها الحارث بن خالد بعد ذلك وقال فيها قبل أن يتزوّج:
أقوى من آل ظليمة الحزم ... فالغمرتان فأوحش الخطم
الأبيات التي فيها الغناء.
قال وأخبرني محمد بن العبّاس اليزيديّ قال حدّثنا سليمان بن أبي شيخ قال حدّثنا محمد بن الحكم عن عوانة بهذا الخبر فذكر مثله، ولم يذكر أنّ الحارث هو المتزوّجها، وفسّر قولها:
أحبّ إلينا من الجاليه
وقال: الجالية أهل الحجاز، كان أهل الشام يسمّونهم بذلك لأنهم كانوا يجلون عن بلادهم إلى الشام. وقال في الحديث: فبلغ عبد الملك قولها فقال: لو لا أنها قدّمت الكهول على الشبّان لعاقبتها.
قتل مصعب أختها عمرة بعد قتل زوجها المختار:
قال عوانة: وكانت لحميدة أخت يقال لها عمرة، وكانت تحت المختار بن أبي عبيد الثّقفيّ، فأخذها مصعب بعد قتله المختار وأخذ امرأته الأخرى وهي بنت سمرة بن جندب، فأمرهما بالبراءة من المختار. أمّا بنت سمرة فبرئت منه، وأبت ذلك عمرة. فكتب به مصعب إلى أخيه عبد اللّه. فكتب إليه: إن أبت أن تبرأ منه فاقتلها.
فأبت فحفر لها حفيرة وأقيمت فيها فقتلت. فقال عمر بن أبي ربيعة في ذلك:
/إنّ من أعجب العجائب عندي ... قتل بيضاء حرّة عطبول [1]
قتلت حرّة على غير جرم ... إنّ للّه درّها من قتيل
كتب القتل والقتال علينا ... وعلى الغانيات جرّ الذيول
رجع الحديث إلى رواية عمر بن شبّه
/ قال أبو زيد وحدّثني ابن عائشة عن أبيه بهذا الخبر ونحوه، وزاد فيه أن الحارث لمّا تزوّجها قالت فيه:
نكحت المدينيّ إذ جاءني ... فيا لك من نكحة غاويه
تهاجي حميدة مع زوجها روح بن زنباع:
وذكر الأبيات المتقدّمة. وقال عمر بن شبّة فيه: وتزوّجها روح بن زنباع؛ فنظر إليها يوما تنظر إلى قومه جذام، وقد اجتمعوا عنده فلامها. فقالت: وهل أرى إلّا جذام! فو اللّه ما أحبّ الحلال منهم فكيف بالحرام!.
وقالت تهجوه:
__________
[1] العطبول: المرأة الفتية الجميلة الممتلئة الطويلة العنق.
بكى الخزّ من روح وأنكر جلده ... وعجّت عجيجا من جذام المطارف
وقال العبا قد كنت حينا لباسكم ... وأكسية كرديّة وقطائف
فقال روح:
إن تبك منّا تبك ممن يهينها ... وإن تهوكم تهو اللّئام المقارفا [1]
وقال روح:
أثني [2] عليّ بما علمت فإنّني ... مثن عليك لبئس حشو المنطق [3]
فقالت:
أثني عليك بأنّ باعك ضيّق ... وبأن أصلك في جذام ملصق
/ فقال روح:
أثني عليّ بما علمت فإنّني ... مثن عليك بمثل ريح الجورب
فقالت:
فثناؤنا شرّ الثّناء عليكم ... أسوا وأنتن من سلاح الثّعلب
وقالت:
وهل أنا إلّا مهرة عربيّة ... سليلة أفراس تجلّلها بغل
فإن نتجت مهرا كريما فبالحرى ... وإن يك إقراف [4] فما أنجب الفحل
فقال روح:
فما بال مهر رائع عرضت له ... أتان فبالت عند جحفلة [5] البغل
إذا هو ولّى جانبا ربخت [6] له ... كما ربخت قمراء [7] في دمس سهل
وقالت عمرة لأخيها أبان بن النّعمان:
أطال [8] اللّه شأوك من غلام ... متى كانت مناكحنا جذام
أترضى بالأكارع [9] والذّنابى ... وقد كنّا يقرّ بنا السّنام
__________
[1] المقارف: الأنذال. ويروى: «و ما صانها إلّا اللئام المقارف».
[2] الثناء: ما تصف به الإنسان من مدح أو ذم، وخص بعضهم به المدح.
[3] المنطق والنطاق (وزان منبر وكتاب): شبه إزار فيه تكة كانت المرأة تنتطق به. وفي حديث أم إسماعيل: أوّل ما اتخذ النساء المنطق.
[4] المقرف: الذي أمه عربية وأبوه ليس كذلك، ضد الهجين والمقرف أيضا: النذل. وعليه وجه هذا البيت.
[5] الجحفلة: لذي الحافر كالشفة للإنسان.
[6] ربخت: استرخت.
[7] القمراء: البيضاء.
[8] ستأتي فيه رواية أخرى (ج 14 ص 129 طبع بولاق): «أضل اللّه حلمك من غلام».
[9] في الأصول هنا: «بالفواسق والذنابي». والتصويب عن الموضع المذكور.
وقال ابن عمّ لروح:
رضي الأشياخ بالفطيون [1] فحلا ... وترغب للحماقة عن جذام
/ يهوديّ له بضع العذارى ... فقبحا للكهول وللغلام
تزفّ إليه قبل الزوج خود ... كأن شمسا تدلّت من غمام
فأبقى ذلكم عارا وخزيا ... بقاء الوحي [2] في صمّ السّلام
يهود جمّعوا من كلّ أوب ... وليسوا بالغطاريف الكرام
وقالت:
سمّيت روحا وأنت الغمّ قد علموا ... لا روّح اللّه عن روح بن زنباع
فقال روح:
لا روّح اللّه عمّن ليس يمنعنا ... مال رغيب وبعل غير ممناع
كشافع [3] جونة ثجل مخاصرها ... دبّابة شثنة الكفّين جبّاع
قال: والجبّاع: القصيرة. والجبّاع من السهام: الذي لا نصل له. والجبّاع: الرّصف [4]. وقالت:
/تكحّل عينيك برد العشيّ ... كأنّك مومسة زانيه
وآية ذلك بعد الخفوق ... تغلّف رأسك بالغاليه
وأنّ بنيك لريب الزما ... ن أمست رقابهم حاليه
فلو كان أوس لهم حاضرا ... لقال لهم إنّ ذا ماليه
وأوس رجل من جذام يقال: إنه استودع روحا مالا فلم يردّه عليه. فقال لها روح:
إن يكن الخلع من بالكم ... فليس الخلاعة من باليه
/ وإن كان من قد مضى مثلكم ... فأفّ وتفّ على الماضيه
وما إن برا اللّه فاستيقني ... ه من ذات بعل ومن جاريه
شبيها بك اليوم فيمن بقي ... ولا كان في الأعصر الخاليه
__________
[1] كذا في «نسخة الشنقيطي» مصححة بقلمه. والفطيون (بكسر الفاء وسكون الطاء): رجل من اليهود سيىء فاجر كانت اليهود تدين له إلى أن كانت لا تتزوّج امرأة منهم حتى تدخل عليه قبل دخولها على زوجها، ويقال إنه كان يفعل ذلك بنساء الأوس والخزرج. حتى كان زفاف أخت لمالك بن العجلان فأثارت في أخيها عوامل الحمية والغيرة فقتله. (راجع الجزء الثالث من هذه الطبعة ص 40 الحاشية رقم 3). وفي «الأصل» هنا: «القيطون» وهو تحريف.
[2] الوحي: الكتابة. والسلام: الحجارة.
[3] الشافع من النوق والشاء: التي في بطنها ولد ويتبعها آخر. وجونة: سوداء. وثجل: جمع أثجل أو ثجلاء. والثجل: عظم البطن وسعته. وشثنة الكفين: غليظتهما.
[4] الرصف: جمع رصفة وهي العقبة (و العقب: العصب الذي تعمل منه الأوتار) تلوي فوق الرعظ (و رعظ السهم: مدخل سنخ السهم في النصل).
فبعدا لمحياك إذ ما حييت ... وبعدا لأعظمك الباليه
تزوّجها بعده الفيض بن محمد بن الحكم:
وقال روح في بعض ما يتنازعان فيه: اللّهمّ إن بقيت بعدي فابتلها ببعل يلطم وجهها ويملأ حجرها قيئا:
فتزوّجها بعده الفيض بن محمد بن الحكم بن أبي عقيل وكان شابا جميلا يصيب من الشّراب فأحبّته. فكان ربّما أصاب من الشّراب مسكرا فيلطم وجهها ويقيء في حجرها؛ فتقول: يرحم اللّه أبا زرعة! قد أجيبت دعوته فيّ.
وقالت لفيض:
سمّيت فيضا وما شيء تفيض به ... إلّا سلاحك بين الباب والدار
فتلك دعوة روح الخير أعرفها ... سقى الإله صداه الأوطف [1] السّاري
وقالت لفيض أيضا:
ألا يا فيض كنت أراك فيضا ... فلا فيضا أصبت ولا فراتا
وقالت:
وليس فيض بفيّاض العطاء لنا ... لكنّ فيضا لنا بالقيء فيّاض
ليث اللّيوث علينا باسل شرس ... وفي الحروب هيوب الصدر جيّاض [2]
تزوّج ابنتها من الفيض الحجاج بن يوسف:
فولدت من الفيض ابنة فتزوّجها الحجّاج بن يوسف؛ وقد كانت قبلها عند الحجّاج أمّ أبان بنت النّعمان بن بشير. فقالت حميدة للحجّاج:
إذا تذكّرت نكاح الحجّاج ... من النّهار أو من اللّيل الداج
فاضت له العين بدمع ثجّاج ... وأشعل القلب بوجد وهّاج
/ لو كان نعمان قتيل الأعلاج [3] ... مستوي الشّخص صحيح الأوداج
لكنت منها بمكان النّسّاج ... قد كنت أرجو بعض ما يرجو الرّاج
أن تنكحيه ملكا أو ذا تاج
فقدمت حميدة على ابنتها زائرة. فقال لها الحجّاج: يا حميدة، إنّي كنت أحتمل مزاحك مرّة [4]، وأمّا اليوم فإني بالعراق وهم قوم سوء فإيّاك!. فقالت: سأكفّ حتى أرحل.
أخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدّثنا سليمان بن أيوب قال حدّثنا المدائنيّ عن مسلمة بن محارب قال:
قالت حميدة بنت النّعمان لزوجها روح بن زنباع، وكان أسود ضخما:/ كيف تسود وفيك ثلاث خصال:
__________
[1] الأوطف من السحاب: الداني من الأرض.
[2] الجياض: الروّاغ.
[3] في ج: «قتيل الإدلاج».
[4] لعله: «مدة».
أنت من جذام، وأنت جبان، وأنت غيور. فقال: أمّا جذام فأنا في أرومتها [1]، وبحسب الرجل أن يكون في أرومة قومه. وأما الجبن فإنما لي نفس واحدة، ولو كان لي نفسان لجدت بإحداهما. وأمّا الغيرة فهو أمر لا أحبّ أن أشارك فيه، وإن المرء لحقيق بالغيرة على المرأة مثلك الحمقاء الورهاء لا يأمن أن تأتي بولد من غيره فتقذفه في حجره. ثم ذكر باقي خبرها مثل ما تقدّم، وقال فيه: فخلف بعده عليها الفيض بن محمد عمّ يوسف بن عمر، فكان يشرب ويلطمها ويقيء في حجرها، فقالت:
سمّيت فيضا وما شيء تفيض به ... إلّا سلاحك بين الباب والدار
قال المدائنيّ: وتمثّل فيض يوما بهذا البيت:
إن كنت ساقية يوما على كرم ... صفو المدامة فاسقيها بني قطن
ثم تحرّك فضرط. فقالت: واسق هذه أيضا بني قطن!.
أبو عثمان المازني والواثق:
وهذا الصوت أعني:
أقوى من آل ظليمة الحزم
هو الصوت الذي أشخص الواثق له أبا عثمان المازنيّ بسبب بيت منه اختلف في إعرابه بحضرته، وهو قوله:
أظليم إنّ مصابكم رجلا ... أهدى السّلام تحيّة ظلم
وقال آخرون: «رجل». حدّثني بذلك عليّ بن سليمان الأخفش عن أبي العباس محمد بن يزيد عن أبي عثمان، وأخبرني محمد بن يحيى الصّوليّ قال حدّثنا القاسم بن إسماعيل وعون بن محمد وعبد الواحد بن العبّاس بن عبد الواحد والطيّب بن محمد الباهليّ، يزيد بعضهم على بعض، قالوا حدّثنا أبو عثمان المازنيّ قال:
كان سبب طلب الواثق لي أنّ مخارقا غنّى في مجلسه:
أظليم إنّ مصابكم رجلا ... أهدى السّلام تحيّة ظلم
فغنّاه مخارق «رجل» فتابعه بعض القوم وخالفه آخرون. فسأل الواثق عمّن بقي من رؤساء النحويين فذكرت له، فأمر بحملي. فلما وصلت إليه قال: ممن الرجل؟ قلت: من بني مازن. قال: أمن مازن تميم أم مازن قيس أم مازن ربيعة أم مازن اليمن؟ قلت: من مازن ربيعة. فقال لي با اسمك؟ (يريد ما اسمك وهي لغة كثيرة في قومنا) فقلت على القياس: مكر (أي بكر). فضحك فقال [2]: اجلس واطبئنّ (يريد: واطمئنّ) فجلست. فسألني عن البيت.
فقلت: «إن مصابكم رجلا» فقال: أين خبر «إن»؟ قلت: «ظلم» وهو الحرف الذي في آخر البيت. وقال الأخفش في خبره: وقلت له: إن معنى «مصابكم» إصابتكم، مثل ما تقول:/ إنّ قتلكم رجلا حيّاكم ظلم. ثم قلت: يا أمير المؤمنين، إن البيت كله معلّق لا معنى له حتى يتمّ بقوله «ظلم». ألّا ترى أنه لو قال: أظليم إن مصابكم رجل أهدى السلام تحية، لما احتيج إلى «ظلم» ولا كان له معنى، إلّا أن يجعل التحية بالسلام ظلما، وذلك محال، ويجب حينئذ أن يقول:
__________
[1] الأرومة (بالفتح وتضم): الأصل.
[2] لعله: «و قال».
أظليم إن مصابكم رجل ... أهدى السّلام تحيّة ظلما
ولا معنى لذلك، ولا هو، لم كان له وجه، معنى قول الشاعر في شعره. فقال: صدقت، ألك ولد؟ قلت: بنيّة لا غير. قال: فما قالت حين ودّعتها؟ قال قلت: أنشدت شعر الأعشى:
تقول ابنتي حين جدّ الرّحيل ... أرانا سواء ومن قد يتم
/ أبانا فلا رمت من عندنا ... فإنّا بخير إذا لم ترم
أرانا إذا أضمرتك البلا ... د نجفى وتقطع منّا الرّحم
قال: فما قلت لها؟ قال: قلت لها قول جرير:
ثقي باللّه ليس له شريك ... ومن عند الخليفة بالنّجاح
فقال: ثق بالنجاح إن شاء اللّه تعالى. إنّ ها هنا قوما يختلفون إلى أولادنا فامتحنهم، فمن كان منهم عالما ينتفع به ألزمناهم إيّاه، ومن كان بغير هذه الصورة قطعناه عنهم. فأمر فجمعوا إليّ فامتحنتهم فما وجدت فيهم طائلا؛ وحذروا ناحيتي، فقلت: لا بأس على أحد. فلمّا رجعت إليه قال: كيف رأيتهم؟ قلت: يفضل بعضهم بعضا في علوم، ويفضل الباقون في غيرها، وكلّ يحتاج إليه. فقال لي الواثق: إنى خاطبت منهم واحدا فكان في نهاية من الجهل في خطابه ونظره. فقلت: يا أمير المؤمنين، أكثر من تقدّم منهم بهذه الصفة؛ ولقد أنشدت فيهم:
/إنّ المعلّم لا يزال مضعّفا ... ولو ابتنى فوق السماء بناء
من علّم الصبيان أضنوا عقله ... مما يرقي غدوة ومساء
مضى الحديث:
صوت من مدن معبد في شعر الأعشى:
ومنها:
صوت
يوم تبدي لنا قتيلة عن جي ... د أسيل تزينه الأطواق
وشتيت كالأقحوان جلاه الطّلّ فيه عذوبة واتّساق الشعر للأعشى. والغناء لمعبد. وذكر إسحاق أن لحنه خفيف ثقيل من أصوات قليلات الأشباه، وذكر عمرو بن بانة أنّ لحنه من الثقيل الأوّل بالبنصر. ولإسحاق لحن من الثقيل أيضا وهو مما عارض فيه معبدا فانتصف منه، ومن أوائل أغانيه وصدورها.
أخبرنا إسماعيل بن يونس الشّيعيّ قال حدّثنا عمر بن شبّة عن إسحاق قال ذكر الحسن بن عتبة اللّهبيّ المعروف بفورك قال:
قتيلات معبد:
قال لي الوليد بن يزيد: أريد الحجّ، فما يمنعني منه إلّا أن يلقاني أهل المدينة بقتيلات معبد وبقصره ونخله
فأفتضح به طربا. يعني ثلاثة أصوات لمعبد من شعر الأعشى في قتيلة هذه، ونسبتها تأتي بعد. ويعني بقصره ونخله لحنه:
القصر فالنخل فالجمّاء بينهما
قال أبو زيد قال إسحاق وحدّثني عبد الملك بن هلال: وبلغني أن فتنة من قريش دخلوا إلى قينة ومعهم روح بن حاتم المهلّبيّ، فتماروا فيما يختارونه من الغناء. فقالت لهم: أغنّي لكم صوتا يزيل الاختلاف ويوقع بينكم الاجتماع، فرضوا بها. فغنّت:
/يوم تبدي لنا قتيلة عن جي ... د أسيل تزينه الأطواق
فرضوا به واتّفقوا على أنه أحسن صوت يعرفونه، وأقاموا عندها أسبوعا لا يسمعونه غيره.
نسبة أصوات معبد في قتيلة
الصوتان الباقيان من قتيلات معبد في شعر الأعشى:
منها:
أثوى وقصّر ليلة ليزوّدا ... فمضى وأخلف من قتيلة موعدا
يجحدن ديني بالنّهار وأقتضي ... ديني إذا وقذ [1] النّعاس الرّقّدا
/ وأرى الغواني لا يواصلن امرأ ... فقد الشّباب وقد يصلن الأمردا
الشعر للأعشى. والغناء لمعبد خفيف ثقيل أوّل بالوسطى.
أخبرني محمد بن العبّاس اليزيديّ قال حدّثنا أبو شراعة في مجلس الرّياشيّ قال:
حدّثت أنّ رجلا نظر إلى الأعشى يدور بين البيوت ليلا؛ فقال له: يا أبا بصير، إلى أين في هذا الوقت؟ فقال:
يجحدن ديني بالنّهار وأقتضي ... ديني إذا وقذ النّعاس الرّقّدا
أخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن عمّار قال حدّثنا يعقوب بن إسرائيل قال حدّثنا أحمد بن القاسم بن جعفر بن سليمان قال حدّثني إسحاق الموصليّ قال حدّثني أبي قال:
غنّيت بين يدي الرشيد وستارته منصوبة:
وأرى الغواني لا يواصلن امرأ ... فقد الشباب وقد يصلن الأمردا
/ فطرب واستعاده وأمر لي بمال. فلما أردت أن أنصرف قال لي: يا عاضّ كذا وكذا! أتغنّي بهذا الصوت وجواريّ من وراء ستارة يسمعنه! لو لا حرمتك لضربت عنقك!. فتركته واللّه حتى أنسيته.
ومنها:
صوت
ألمّ خيال من قتيلة بعد ما ... وهى حبلها من حبلنا فتصرّما
__________
[1] وقذه النعاس: غلبه.
فبتّ كأنّي شارب بعد هجعة ... سخاميّة [1] حمراء تحسب عندما
الشعر للأعشى. والغناء لمعبد خفيف ثقيل أوّل بالبنصر عن عمرو. وفيه لابن محرز ثاني ثقيل بالوسطى عنه وعن ابن المكيّ.
سبعة ابن سريج:
فأمّا السبعة التي جعلت لابن سريج بإزار سبعة معبد فإني قرأت خبرها في كتاب محمد بن الحسن، قال حدّثني الحسين بن أحمد الأكثميّ عن أبيه قال:
ذكرنا عند إسحاق يوما أصوات معبد السبعة فقال: واللّه ما سبعة ابن سريج بدونهنّ. فقلنا له: وأيّ سبعة؟
فقال: إن مغنّي المكّيين لمّا سمعوا بسبعة معبد وشهرتها لحقتهم لذلك غيرة، فاجتمعوا فاختاروا من غناء ابن سريج سبعة فجعلوها بإزاء سبعة معبد، ثم خايروا [2] أهل المدينة فانتصفوا منهم. فسألوا إسحاق عن السبعة السّريجيّة؛ فقال: منها.
تشكّى الكميت الجري لما جهدته
وقد مضت نسبته في الثلاثة الأصوات المختارة.
و ... لقد حبّبت نعم إلينا بوجهها
/ و
قرّب جيراننا جمالهم
و
أرقت وما هذا السّهاد المؤرّق
وقد مضى في أخبار الأعشى المذكورة في مدن معبد - و
بينا كذاك إذا عجاجة موكب
و
فلم أر كالتّجمير منظر ناظر
- وقد مضى في الأرمال المختارة - و
تضوّع مسكا بطن نعمان إن مشت
- وقد ذكر في المائة مع غيره في شعر النّميريّ - و
إن جاء فليأت على بغلة
__________
[1] خمر سخام وسخامية: لينة سلسة.
[2] أي غالبوهم، يقال: خايره في العلم وخيره مخايرة فخاره، أي غالبه فغلبه وكان خيرا منه.
نسبة ما لم تمض نسبته من هذه الأصوات إذ كان بعضها قد مضى متقدّما
الكلام على ما لم يمض الكلام عليه من هذه السبقة:
فمنها:
صوت
/لقد حبّبت نعم إلينا بوجهها ... مساكن ما بين الوتائر [1] فالنّقع
ومن أجل ذات الخال أعملت ناقتي ... أكلّفها سير الكلال مع الظّلع
عروضه من الطويل. والشعر لعمر بن أبي ربيعة، والغناء لابن سريج ثاني ثقيل بالبنصر. وذات الخال التي عناها ها هنا عمر امرأة من ولد أبي سفيان بن حرب، كان عمر يكني عنها بذلك.
عمر بن أبي ربيعة وذات الخال:
حدّثني عليّ بن صالح بن الهيثم قال حدّثني أبو هفّان عن إسحاق بن إبراهيم الموصليّ عن الزّبيريّ والمسيّبيّ ومحمد بن سلّام والمدائنيّ، وأخبرنا به الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير قال حدّثني عمّي ولم يتجاوزه:
/ أن عمر بن أبي ربيعة وابن أبي عتيق كانا جالبسين بفناء الكعبة، إذ مرّت بهما امرأة من آل أبي سفيان، فدعا عمر بكتف [2] فكتب إليها وكنى عن اسمها:
صوت
ألمّا بذات الخال فاستطلعا لنا ... على العهد باق ودّها أم تصرّما
وقولا لها إنّ النّوى أجنبيّة ... بنا وبكم قد خفت أن تتيمّما
- غنّاه ابن سريج خفيف ثقيل أوّل بالسبّابة في مجرى البنصر عن إسحاق - قال فقال له ابن أبي عتيق: سبحان اللّه! ما تريد إلى امرأة مسلمة محرمة أن تكتب إليها مثل هذا! قال: فكيف بما قد سيّرته في الناس من قولي:
لقد حبّبت نعم إلينا بوجهها ... مساكن ما بين الوتائر والنّقع
ومن أجل ذات الخال أعملت ناقتي ... أكلّفها سير الكلال مع الظّلع
ومن أجل ذات الخال يوم لقيتها ... بمندفع الأخباب [3] أخضلني دمعي
ومن أجل ذات الخال آلف منزلا ... أحلّ به لا ذا صديق ولا زرع
ومن أجل ذات الخال عدت كأنني ... مخامر سقم داخل أو أخو ربع [4]
__________
[1] الوتيرة: ماء بأسفل مكة لخزاعة. والنقع: موضع قرب مكة في جنبات الطائف.
[2] في ب، س: «بكاتب» وهو تحريف.
[3] موضع قرب مكة. وفي الأصول: «الأجناب» بالجيم والنون وهو تصحيف.
[4] الربع: النعش، ويكنى به عن الموت.
ألمّا بذات الخال إن مقامها ... لدى الباب زاد القلب صدعا على صدع
وأخرى لدى البيت العتيق نظرتها ... إليها تمشّت في عظامي وفي سمعي
وقال الحرميّ في خبره: أما ترى ما سار لي من الشعر! ما علم اللّه أنّي اطّلعت حراما قطّ! ثم انصرفنا. فلما كان من الغد التقينا. فقال عمر: أشعرت أنّ ذلك الإنسان قد ردّ الجواب؟ قال: وما كان من ردّه؟ قال: كتب.
صوت
أمسى قريضك بالهوى نمّاما ... فاربع هديت وكن له كتّاما
واعلم بأن الخال حين وصفته ... قعد العدوّ به عليك وقاما
لا تحسبنّ الكاشحين عدمتهم ... عما يسوءك غافلين نياما
لا تمكننّ من الدّفينة كاشحا ... يتلو بها حفظا عليك إماما
غنّى فيه سليم خفيف رمل بالبنصر عن عمرو. قال: وفيه لفريدة وإبراهيم لحنان.
وفي بعض النسخ: لإسحاق فيه ثقيل أوّل غير منسوب. وذكر حبش أن خفيف الرّمل لفريدة.
/ أخبرني محمد بن خلف وكيع قال أخبرنا أبو أيّوب المدينيّ عن محمد بن سلّام، قال وأخبرني حمّاد بن إسحاق عن أبيه عن محمد بن سلّام قال:
سألت عمر بن خليفة العبديّ - وكان عابدا وكان يعجبه الغناء - أيّ القوم كان أحسن غناء؟ قال: ابن سريج إذا تمعبد - يريد: إذا غنّى في مذهب معبد من الثقيل - قلت: مثل ماذا؟ قال: مثل صوته [1]
صوت
لقد حبّبت نعم إلينا بوجهها ... مساكن ما بين الوتائر فالنّقع
وقال حمّاد بن إسحاق حدّثني أبي قال حدّثني أبو محمد العامريّ قال:
جلس معبد والأبجر وجماعة من المغنّين فتذاكروا ابن سريج وما اشتهاه الناس من غنائه، فقالوا: ما هو إلّا من غناء الزّفّاف والمخنّثين. فنمي الحديث إلى ابن سريج فغنّى:
لقد حبّبت نعم إلينا بوجهها
/ فلمّا جاء معبد وأصحابه واجتمعوا غنّاهم إيّاه. فلمّا سمعوه قاموا هاربين، وجعل ابن سريج يصفّق خلفهم ويقول: إلى أين؟! إنما هو ابن ليلته فكيف لو اختمر!. قال فقال معبد: دعوه مع طرائقه الأول ولا تهيجوه على طرائقكم، وإلّا لم يدع لكم واللّه خبزا تأكلونه.
قال الزّبير في خبره عن عمّه: وعلق نعما هذه فقال فيها شعرا كثيرا. ونحن نذكرها هاهنا ما فيه غناء من ذلك.
فمنه قوله:
__________
[1] كذا في أ، م وفي سائر الأصول: «قوله».
صوت
خطرت لذات الخال ذكرى بعد ما ... سلك المطيّ بنا على الأنصاب [1]
أنصاب عمرة والمطيّ كأنّها ... قطع القطا صدرت عن الأحباب [2]
فانهلّ دمعي في الرّداء صبابة ... فسترته بالبرد عن أصحابي
فرأى سوابق دمعة مسكوبة ... بكر فقال بكى أبو الخطّاب
عروضه من الكامل. «بكر» الذي ذكره ها هنا عمر هو ابن أبي عتيق وهو يسمّيه في شعره ببكر وبعتيق، وإياه يعني بقوله:
لا تلمني عتيق حسبي الذي بي ... إنّ بي يا عتيق ما قد كفاني
الغناء في «خطرت لذات الخال» للغريض، ولحنه ثقيل أوّل بإطلاق الوتر في مجرى البنصر عن إسحاق. وذكر عمرو بن بانة أنّ فيه ثقيلا أوّل بالبنصر لأبي سعيد مولى فائد.
وأخبرني الحرميّ قال حدّثني الزّبير قال حدّثني عمّي:
أنّ عمر بن أبي ربيعة وافقها وهي تستلم الركن، فقرب منها. فلما رأته تأخّرت وبعثت إليه جاريتها. فقالت له:
تقول لك ابنة عمّك: إنّ هذا مقام/ لا بدّ منه كما ترى، وأنا أعلم أنك ستقول في موقفنا هذا فلا تقولنّ هجرا.
فأرسل إليها: لست أقول إلّا خيرا. ثم تعرّض لها وهي ترمي الجمار، فأعرضت عنه واستترت؛ فقال:
صوت
دين هذا القلب من نعم ... بسقام ليس كالسّقم
إن نعما أقصدت رجلا ... آمنا بالخيف إذ ترمي
/ اسمعي منّا تحاورنا ... واحكمي رضّيت بالحكم
بشتيت [3] نبته رتل ... طيّب الأنياب والطّعم [4]
يأتكم [5] منه بحجّته ... فله العتبى ولا أحمي [6]
عروضه من المديد. الغناء لإسحاق خفيف رمل بالوسطى عن عمرو. وفيها لمالك ثقيل أوّل من أصوات قليلات الأشباه عن إسحاق. وفيه لابن سريج رمل بالبنصر عن حبش. وفيه لابن مسجح ثقيل أوّل بالوسطى عن حبش أيضا. وذكر الهشاميّ أنّ الصوت مما يشكّ فيه أنه لمعبد أو غيره.
__________
[1] الأنصاب: موضع.
[2] الأجباب: جمع جب وهو البئر التي لم تطو أي لم تبن.
[3] الشتيت: المتفرق. والرتل: بياض الأسنان وحسن تناسقها.
[4] كذا في «ديوانه». وفي الأصول: «و اللغم».
[5] كذا في «ديوانه». وقد ورد فيه قبل هذا البيت بيت يرجح رواية «الديوان» وهو:
وانشديه هل أتيت له ... سخطا مني على علم
وفي الأصول: «وليأتكم».
[6] كذا في «الديوان». وفي الأصول: «و لم أحم».
قال: وقال فيها أيضا:
صوت
أبيني اليوم أي نعم ... أوصل منك أم صرم
فإن يك صرم عاتبة [1] ... فقد نغنى وهو سلم
/ تلومك في الهوى نعم ... وليس لها به علم
صحيح لو رأى نعما ... لخالط جسمه سقم
عروضه من الهزج. غنّاه مالك ولحنه ثقيل أوّل بالسبّابة في مجرى الوسطى عن إسحاق. وفيه لمتيّم خفيف رمل بالبنصر عن إسحاق [2]، وذكر أنّ فيه أيضا صنعة لابن سريج.
ومما يغنّى فيه مما قاله فيها - وهو من قصيدة طويلة - :
صوت
فقلت لجنّاد خذ السّيف واشتمل ... عليه بحزم وانظر الشمس تغرب
وأسرج لنا الدّهماء واعجل بممطري [3] ... ولا تعلمن خلقا من الناس مذهبي
عروضه من الطويل. غنّاه زرزور غلام المارقيّ خفيف ثقيل بالبنصر.
أخبرني الحرميّ قال حدّثنا الزّبير قال حدّثنا عمّي قال:
قيل لعمر بن أبي ربيعة: ما أحبّ شيء أصبته إليك؟ قال: بينا أنا في منزلي ذات ليلة إذ طرقني رسول مصعب بن الزّبير بكتابه يقول: إنه قد وقعت عندنا أثواب مما يشبهك، وقد بعثت بها إليك وبدنانير ومسك وطيب وبغلة. قال: فإذا بثياب من وشي وخزّ العراق لم أر مثلها قطّ وأربعمائة دينار ومسك وطيب كثير وبغلة. فلمّا أصبحت لبست بعض تلك الثياب وتطيّبت وأحرزت الدنانير وركبت البغلة وأنا نشيط لا همّ لي قد أحرزت نفقة سنتي؛ فما أفدت فائدة كانت أحبّ إليّ منها. وقلت في ذلك:
/ألا أرسلت نعم إلينا أن ائتنا ... فأحبب بها من مرسل متغضّب
فأرسلت أن لا أستطيع فأرسلت ... تؤكّد أيمان الحبيب المؤنّب
فقلت لجنّاد خذ السيف واشتمل ... عليه بحزم وانظر الشمس تغرب
وأسرج لي الدّهماء واعجل بممطري ... ولا تعلمن خلقا من الناس مذهبي
وموعدك البطحاء أو بطن يأجج [4] ... أو الشّعب بالممروخ [5] من بطن مغرب
__________
[1] كذا في «ديوانه». وفي الأصول: «غانية» وهو تصحيف.
[2] في ج: «عن حبش».
[3] الممطر: ما يلبس للوقاية من المطر.
[4] يأجج: مكان من مكة على ثمانية أميال.
[5] كذا في «الديوان». وفي الأصول: «أو الشعب ذي المسروح».
/
فلما التقينا سلّمت وتبسّمت ... وقالت مقال المعرض المتجنّب
أمن أجل واش كاشح بنميمة ... مشى بيننا صدّقته لم تكذّب
قطعت وصال الحبل منّا ومن يطع ... بذي [1] ودّه قول المحرّش يعتب
فبات وسادي ثني كفّ مخضّب ... معاود عذب لم يكدّر بمشرب
إذا ملت مالت كالكثيب رخيمة ... منعّمة حسّانة المتجلب
أخبرني الحرميّ قال حدّثنا الزّبير قال حدّثني عمّي قال:
بلغ عمر بن أبي ربيعة أنّ نعما اغتسلت في غدير؛ فنزل عليه ولم يزل يشرب منه حتى نضب.
قال الزّبير قال عمّي: «و قال فيها أيضا:
صوت
طال ليلي وعادني اليوم سقم ... وأصابت مقاتل القلب نعم
وأصابت مقاتلي بسهام ... نافذات وما تبيّن كلم
حرّة الوجه والشمائل والجو ... هر تكليمّها لمن نال غنم
/ هكذا وصف ما بدا لي منها ... ليس لي بالذي تغيّب علم
غير أني أرى الثياب ملاء ... في يفاع يزين ذلك جسم
وحديث بمثله تنزل العص ... م رخيم يشوب ذلك حلم
عروضه من الخفيف. غنّى ابن سريج في الأربعة الأبيات لحنا ذكره إسحاق وأبو أيّوب المديني في جامع غنائه ولم يجنّسه، وذكر حبش أنه خفيف رمل بالبنصر.
مناقشة بين إسحاق وإبراهيم بن المهدي في معبد وابن سريج:
أخبرني عمي قال حدّثني الحسين بن يحيى أبو الحمار قال حدّثني عمرو بن بانة قال:
كنت حاضرا مع إسحاق بن إبراهيم الموصليّ عند إبراهيم بن المهديّ. فتفاوضنا حديث المغنّين، حتى انتهوا إلى أن حكى إسحاق قول عمر بن أبي خليفة: «إذا تمعبد ابن سريج كان أحسن الناس غناء». فقال إبراهيم لإسحاق: حاشاك يا أبا محمد أم تقول هذا! فقد رفع اللّه علمك وقدر ابن سريج عن مثل هذا القول، وأغنى ابن سريج بنفسه عن أن يقال له تمعبد؛ وما كان معبد يضع نفسه هذا الموضع؛ وكيف ذلك وهو إذا أحسن يقول:
أصبحت اليوم سريجيّا. وما قد أنصف أبو إسحاق إبراهيم بن المهدي معبدا في هذا القول؛ لأن معبدا وإن كان يعظّم ابن سريج ويوفّيه حقّه فليس بدونه ولا هو بمرذول عنده. وقد مضى في صدر الكتاب خبر ابن سريج لمّا قدم المدينة مع الغريض ليستمنحا أهلها، فسمعاه وهو يصيد الطير يغنّي لحنه:
القصر فالنخل فالجمّاء بينهما
__________
[1] كذا في ج و «ديوانه». وفي الأصول: «لدى وده».
فرجع ابن سريج وردّ الغريض وقال: لا خير لنا عند قوم هذا غناء غلام فيهم يصيد الطير، فكيف بمن داخل الجونة!.
تعظيم ابن سريج لمعبد وأخذه عنه:
وأظرف من ذلك من أخباره وأدلّ على تعظيم ابن سريج معبدا ما أخبرني به أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ قال حدّثني عليّ بن سليمان النّوفليّ، قال حدّثني أبي قال:
التقى ابن سريج ومعبد ليلة بعد افتراق طويل وبعد عهد؛ فتساء لا عما صنعا من الأغاني بعد افترافهما؛ فتغنّى هذا وتغنّى هذا؛ ثم تغنّى ابن سريج لحنه في:
/أنا الهالك المسلوب مهجة نفسه ... إذا جاوزت مرّا [1] وعسفان عيرها
فغنّاه مرسلا لا صيحة فيه. فقال له معبد: أفلا حسّنته بصيحة! قال: فأين أضعها؟ قال: في:
غدت سافرا والشمس قد ذرّ قرنها
قال: فصح أنت فيه حتى أسمع منك. قال: فصاح فيه معبد الصّيحة التي يغنّى بها فيه اليوم. فاستعاده ابن سريج حتى أخذه فغنّى صوته كما رسمه معبد فحسن به جدّا. وفي هذا دليل يبين فيه التحامل على معبد في الحكاية.
صوت
غدت سافرا والشمس قد ذرّ قرنها ... فأغشى شعاع الشمس منها سفورها
وقد علمت شمس النهار بأنّها ... إذا ما بدت يوما سيذهب نورها
أنا الهالك المسلوب مهجة نفسه ... إذا جاوزت مرّا وعسفان عيرها
أهاجتك سلمى إذ أجدّ بكورها ... وهجّر يوما للرّواح بعيرها
الشعر يقال: إنه لطريف العنبريّ. والغناء لابن سريج خفيف ثقيل أوّل بالوسطى في مجراها عن ابن المكّيّ، وذكر عمرو أنه لسياط. ولإبراهيم في الثالث والأوّل والرابع خفيف رمل مطلق في مجرى الوسطى عن إسحاق وعمرو.
وفيه لبسباسة ثقيل/ أوّل بالبنصر عن حبش. وفيه لابن جامع لحن عن حبش من رواية أبي أيّوب المدينيّ.
ومن سبعة ابن سريج:
صوت
(أصوات من سبعة ابن سريج في شعر ابن أبي ربيعة:)
قرّب جيراننا جمالهم ... ليلا فأضحوا معا قد ارتفعوا
ما كنت أدري بوشك بينهم ... حتى رأيت الحداة [2] قد طلعوا
__________
[1] يريد مر الظهران وهو موضع على مرحلة من مكة. وعسفان على مرحلتين منها.
[2] كذا أ، م. وفي سائر الأصول: «الغداة» وهو تحريف.
على مصكّين من جمالهم ... وعنتر يسين فيهما شجع [1]
يا نفس صبرا فإنّه سفه ... بالحرّ أن يستفزّه الجزع
الشعر لعمر بن أبي ربيعة. والغناء لابن سريج ثقيل أوّل بالوسطى عن عمرو. وذكر حبش أن فيه للغريض ثقيلا أوّل بالبنصر. وذكر ابن أبي حسّان أن هبة اللّه بن إبراهيم بن المهديّ حدّثه عن أبيه عن ابن جامع قال: عيب على ابن سريج خفّة غنائه، فأخذ أبيات عمر بن أبي ربيعة:
قرّب جيراننا جمالهم
فغنّى فيها في كل إيقاع لحنا. فجميع ما فيها من الألحان له.
وأخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد عن أبيه قال حدّثني منصور بن أبي مزاحم قال حدّثني رزام أبو قيس مولى خالد بن عبد اللّه قال:
قال لي إسماعيل بن عبد اللّه: يا أبا قيس، أيّ رجل أنت لو لا أنك تحب السّماع!. قلت: أصلحك اللّه! أما واللّه لو سمعت فلانة تغنّيك:
قرّب جيراننا جمالهم ... ليلا فأضحوا معا قد ارتفعوا
لعذرتني. فقال: يا أبا قيس، لا عاتبتك بعد هذا أبدا.
/ ومنها:
صوت
بينا كذلك إذ عجاجة موكب ... رفعوا ذميل العيس في الصحراء
قالت أبو الخطّاب أعرف زيّه [2] ... ولباسه لا شكّ غير خفاء
الشعر لابن أبي ربيعة. والغناء لابن سريج ثقيل أوّل بالبنصر، وذكر الهشاميّ وأبو العبيس أنه لمعبد؛ وليس الأمر كما ذكرا.
ومنها:
صوت
وهو الذي أوّله:
إن جاء فليأت على بغلة
__________
[1] المصك: القوي. والعنتريس: الناقة الغليظة الوثيقة. والشجع في الإبل: سرعة نقل القوادم.
[2] كذا في «ديوانه». وقبل البيت:
قالت لجارتها انظري ها من أولى ... وتأملي من راكب الأدماء
وفي الأصول: «تعرف».
سلمى عديه سرحتي مالك ... أو الرّبا دونهما منزلا
إن جاء فليأت على بغلة ... إني أخاف المهر أن يصهلا
الشعر لعمر بن أبي ربيعة. والغناء لابن سريج من رواية يحيى بن المكّيّ والهشاميّ ثقيل أوّل بالبنصر، وذكر يونس أنه للغريض، وذكره إسحاق في أغاني الغريض ولم يجنّسه.
11 - أغاني الخلفاء وأولادهم وأولاد أولادهم
من ثبت عنه من الخلفاء أنه غنى ومن لم يثبت عنه ذلك:
قال مؤلف هذا الكتاب: المنسوب إلى الخلفاء من الأغاني والملصق بهم منها لا أصل لجلّه ولا حقيقة لأكثره، لا سيّما ما حكه ابن خرداذبة فإنه بدأ بعمر بن الخطاب رضي اللّه عنه فذكر أنه تغنّى في هذا البيت:
كأنّ راكبها غصن بمروحة
ثم والى بين جماعة من الخلفاء واحدا بعد واحد، حتى كأن ذلك عنده ميراث من مواريث الخلافة أو ركن من أركان الإمامة لا بدّ منه ولا معدل عنه، يخبط خبط العشواء ويجمع جمع حاطب الليل. فأمّا عمر بن الخطاب فلو جاز هذا أن يروى عن كل أحد لبعد عنه؛ وإنما روي أنه تمثّل بهذا البيت وقد ركب ناقة فاستوطأها، لا أنه غنّى به، ولا كان الغناء العربيّ أيضا عرف في زمانه إلا ما كانت العرب تستعمله من النّصب [1] والحداء، وذلك جار مجرى الإنشاد إلا أنه يقع بتطريب وترجيع يسير ورفع للصوت. والذي صحّ من ذلك عن رواة هذا الشأن فأنا ذاكر منه ما كان متقن الصّنعة لا حقا بجيّد الغناء قريبا من صنعة الأوائل وسالكا مذاهبهم لا ما كان ضعيفا سخيفا، وجامع منه ما اتصل به خبر له يستحسن ويجري مجرى هذا الكتاب وما تضمّنه.
فأوّل من دوّنت له صنعة منهم عمر بن عبد العزيز؛ فإنه ذكر عنه أنه صنع في أيّام إمارته على الحجاز سبعة ألحان يذكر سعاد فيها كلّها؛ فبعضها عرفت الشاعر القائل له فذكرت خبره، وبعضها لم أعرف قائله فأتيت به كما وقع إليّ. فإن مرّ/ بي بعد وقتي هذا أثبتّه في موضعه وشرحت من أخباره ما اتصل بي، وإن لم يقع لي ووقع إلى بعض من كتب هذا الكتاب فمن أقلّ الحقوق عليه أن يتكلّف إثباته ولا يستثقل تجشّم هذا القليل فقد وصل إلى فوائد جمّة تجشّمناها له ولنظرائه في هذا الكتاب، فحظي بها من غير نصب ولا كدح؛ فإن جمال ذلك موفّر عليه إذا نسب إليه، وعيبه عنّا ساقط مع/ اعتذارنا عنه إن شاء اللّه.
ومن الناس من ينكر أن تكون لعمر بن عبد العزيز هذه الصّنعة ويقول: إنها أصوات محكمة العمل لا يقدر على مثلها إلّا من طالت دربته بالصّنعة وحذق الغناء ومهر فيه وتمكّن منه. ولم يوجد عمر بن عبد العزيز في وقت من الأوقات ولا حال من الحالات اشتهر بالغناء ولا عرف به ولا بمعاشرة أهله، ولا جالس من ينقل ذلك عنه ويؤدّيه؛ وإنما هو شيء يحسّن المغنّون نسبته إليه. وروي من غير وجه خلاف لذلك وإثبات لصنعته إيّاها، وهو أصح القولين؛ لأن الذين أنكروا ذلك لم يأتوا على إنكارهم بحجّة أكثر من هذا الظن والدعوى، ومخالفوهم قد أيّدتهم أخبار رويت.
__________
[1] النصب: غناء للعرب يشبه الحداء إلا أنه أرق.
عمر بن عبد العزيز والغناء:
أخبرني محمد بن خلف وكيع والحسين بن يحيى عن حمّاد بن إسحاق قال حدّثني أبي عن أبيه وعن إسماعيل ابن جامع عن سياط عن يونس الكاتب عن شهدة أمّ عاتكة بنت شهدة عن كردم بن معبد عن أبيه:
أنّ عمر بن عبد العزيز طارحه لحنه في:
ألمّا صاحبيّ نزر سعادا
ونسخت هذا الخبر من كتاب محمد بن الحسين الكاتب قال حدّثني أبو يعلى زرقان غلام أبي الهذيل وصاحب أحمد بن أبي داود قال حدّثني محمد بن يونس قال/ حدّثني هاتف أراه قال أمّ ولد المعتصم قالت حدّثتني عليّة بنت المهديّ قالت حدّثتني عاتكة بنت شهدة عن أمّها شهدة عن كردم قال:
طرح عليّ عمر بن عبد العزيز لحنه:
علق القلب سعادا ... عادت القلب فعادا
كلّما عوتب فيها ... أو نهي عنها تمادى
وهو مشغوف بسعدى ... قد عصى فيها وزادا
قال كردم: وكان عمر أحسن خلق اللّه صوتا، وكان حسن القراءة للقرآن.
ونسخت من كتاب ابن الكرنبيّ بخطّة حدّثني أحمد بن الفتح الحجّاجيّ في مجلس حمّاد بن إسحاق قال أخبرني أحمد بن الحسين قال:
رأيت عمر بن عبد العزيز في النوم وعليه عمامة ورأيت الشّجّة في وجهه تدلّ على أنها ضربة حافر، فسمعته يقول: قال عمر بن الخطّاب: لا تعلّموا نساءكم الخلع [1]. قال حدّثني محمد [2] بن الحسين: فأقبلت عليه في نومي فقلت له: يا أمير المؤمنين، صوت يزعم الناس أنك صنعته في شعر جرير:
ألمّا صاحبيّ نزر سعادا ... لوشك فراقها وذرا البعادا
لعمرك إنّ نفع سعاد عنّي ... لمصروف ونفعي عن سعادا
إلى الفاروق ينتسب ابن ليلى ... ومروان الذي رفع العمادا
فتبسّم عمر ولم يردّ عليّ شيئا.
نسبة هذين الصوتين
صوت
ألمّا صاحبيّ نزر سعادا ... لوشك فراقها وذرا البعادا
/ لعمرك إنّ نفع سعاد عنّي ... لمصروف ونفعي عن سعادا
__________
[1] الخلع: تطليق المرأة ببذل منها للزوج.
[2] كذا في الأصول. ولعل صوابه «أحمد بن الحسين».
إلى الفاروق ينتسب ابن ليلى ... ومروان الذي رفع العمادا
الشعر لجرير يمدح عمر بن عبد العزيز بن مروان. والغناء لعمر بن عبد العزيز ثقيل أوّل مطلق في مجرى البنصر. وفيه خفيف ثقيل ينسب إلى معبد.
صوت
علق القلب سعادا ... عادت القلب فعادا
كلّما عوتب فيها ... أو نهي عنا تمادى
وهو مشغوف بسعدى ... قد عصى فيها وزادا
الغناء لعمر بن عبد العزيز خفيف ثقيل. وفيه ثاني ثقيل ينسب إلى الهذليّ.
12 - ذكر عمر بن عبد العزيز وشيء من أخباره
هو أشج بني مروان:
عمر بن عبد العزيز مروان بن الحكم بن أبي العاصي بن أميّة بن عبد شمس بن عبد مناف. ويكنى أبا حفص.
وأمّه أمّ عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه. وكان يقال له أشجّ قريش؛ لأنه كان في جبهته أثر يقال إنه ضربة حافر. فذكر يحيى بن سعيد الأمويّ عن أبيه أن عبد الملك بن مروان كان يؤثر عمر بن عبد العزيز ويرقّ عليه ويدنيه، وإذا دخل عليه رفعه فوق ولده جميعا إلّا الوليد. فعاتبه بعض بنيه على ذلك، فقال له: أو ما تعلم لم فعلت ذلك؟ قال لا. قال: إن هذا سيلي الخلافة يوما وهو أشجّ بني مروان الذي يملأ الأرض عدلا بعد أن تملأ جورا، فمالي لا أحبّه وأدنيه!.
أخبرني محمد بن يزيد قال حدّثنا الرّياشيّ قال حدّثنا سالم بن عجلان قال:
خرج عمر بن عبد العزيز يلعب فرمحته بغلة على جبينه. فبلغ الخبر أمّه أمّ عاصم، فخرجت في خدمها، وأقبل عبد العزيز بن مروان إليها فقالت: أمّا الكبير فيخدم، وأمّا الصغير فيكرم، وأما الوسط فيضيع! لم لا تتخذ لا بني حاضنا حتى أصابه ما ترى! فجعل عبد العزيز يمسح الدّم عن وجهه، ثم نظر إليها وقال لها: ويحك! إن كان أشجّ بني مروان، أو أشجّ بني أميّة، إنه لسعيد!.
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثني محمد بن أحمد المقدّميّ قال حدّثنا عبيد اللّه بن سعد الزّهريّ قال حدّثنا هارون بن معروف قال حدّثنا ضمرة قال سمعت ثروان مولى عمر بن عبد العزيز قال:
/ دخل عمر بن عبد العزيز وهو غلام إصطبل أبيه، فضربه فرس على وجهه، فأتي به أبوه يحمل. فجعل أبوه يمسح الدم عن وجهه ويقول: لئن كنت أشجّ بني أمية إنك لسعيد.
أمه أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب:
حدّثنا محمد بن العبّاس اليزيديّ قال حدّثنا سليمان بن أبي شيخ قال حدّثنا مصعب الزّبيريّ قال:
كانت بنت لعبيد اللّه بن عمر بن الخطّاب تحت إبراهيم بن نعيم النّحّام فماتت، فأخذ عاصم بن عمر بيده فأدخله منزله، وأخرج إليه ابنتيه حفصة وأمّ عاصم، فقال له: اختر فاختار حفصة فزوّجها إيّاه. فقيل له: تركت أمّ عاصم وهي أجملهما! فقال: رأيت جارية رائعة، وبلغني أن آل مروان ذكروها فقلت: علّهم أن يصيبوا من/ دنياهم.
فتزوّجها عبد العزيز بن مروان، فولدت له أبا بكر وعمر وكانت عنده. وقتل إبراهيم بن نعيم يوم الحرّة. وماتت أمّ عاصم عند عبد العزيز بن مروان؛ فتزوّج أختها حفصة بعدها، فحملت إليه بمصر؛ فمرّت بأيلة [1] وبها مخنّث أو
__________
[1] أيلة: هي المعروفة الآن باسم «العقبة» وهي التي تقع على نهاية الساحل الشرقي لخليج العقبة. وكانت قديما تابعة لمصر، وهي الآن من بلاد إمارة شرق الأردن.
معتوه وقد كان أهدى لأمّ عاصم حين مرّت به فأثابته. فلمّا مرت به حفصة أهدى لها فلم تثبه. فقال: «ليست حفصة من رجال أمّ عاصم» فذهبت مثلا.
لما ولي بدأ بأهل بيته وأخذ ما كان في أيديهم وسمى أعمالهم المظالم:
أخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن عمّار قال حدّثنا أبو بكر الرّماديّ وسليمان بن أبي شيخ قالا حدّثنا أبو صالح كاتب اللّيث قال حدّثني الليث قال:
لمّا ولي عمر بن عبد العزيز، بدأ بلحمته [1] وأهل بيته، فأخذ ما كان في أيديهم وسمّى أعمالهم المظالم.
ففزعت بنو أميّة إلى فاطمة بنت مروان عمّته. فأرسلت/ إليه: إنه قد عناني أمر لا بدّ من لقائك فيه. فأتته ليلا فأنزلها عن دابّتها. فلمّا أخذت مجلسها قال: يا عمّة، أنت أولى بالكلام لأنّ الحاجة لك فتكلّمي. قالت: تكلّم يا أمير المؤمنين. فقال: إنّ اللّه تبارك وتعالى بعث محمدا صلى اللّه عليه وسلم رحمة، لم يبعثه عذابا، إلى الناس كافّة، ثم اختار له ما عنده فقبضه إليه، وترك لهم نهرا شربهم فيه سواء. ثم قام أبو بكر فترك النّهر على حاله. ثم ولي عمر فعمل على عمل صاحبه، فلما ولي عثمان اشتقّ من ذلك النهر نهرا. ثم ولي معاوية فشقّ منه الأنهار. ثم لم يزل ذلك النهر يشقّ منه يزيد ومروان وعبد الملك والوليد وسليمان حتى أفضى الأمر إليّ، وقد يبس النهر الأعظم ولن يروى أصحاب النهر حتى يعود إليهم النهر الأعظم إلى ما كان عليه. فقالت له: قد أردت كلامك ومذاكرتك. فأمّا إذ كانت هذه مقالتك فلست بذاكرة لك شيئا أبدا. ورجعت إليهم فأبلغتهم كلامه.
وقال سليمان بن أبي شيخ في خبره: فلمّا رجعت إلى بني أميّة قالت لهم: ذوقوا مغبّة أمركم في تزويجكم آل عمر بن الخطاب.
كثير والأحوص ونصيب عند عمر بن عبد العزيز:
أخبرني محمد بن خلف وكيع قال أخبرني عبد اللّه بن دينار مولى بني نصر بن معاوية قال حدّثنا محمد بن عبد الرحمن التّيميّ قال حدّثنا محمد بن عبد الرحمن بن سهيل عن حمّاد الراوية، وأخبرني محمد بن حسين الكندي خطيب القادسيّة قال حدّثنا الرّياشيّ قال حدّثنا شيبان بن مالك قال حدّثنا عبد اللّه بن إسماعيل الجحدريّ عن حمّاد الراوية، والروايتان متقاربتان وأكثر اللفظ للرّياشي، قال:
دخلت المدينة ألتمس العلم، فكان أوّل من لقيت كثيّر عزّة. فقلت: يا أبا صخر، ما عندك من بضاعتي؟
قال: عندي ما عند الأحوص ونصيب. قلت: وما هو؟ / قال: هما أحقّ بإخبارك. فقلت له: إنّا لم نحثّ المطيّ نحوكم شهرا نطلب ما عندكم إلّا ليبقى لكم ذكر، وقلّ من يفعل ذلك، فأخبرني عما سألتك ليكون ما تخبرني به حديثا آخذه عنك. فقال: إنه لمّا كان من أمر عمر بن عبد العزيز ما كان، قدمت أنا ونصيب والأحوص وكلّ واحد منا يدلّ بسابقته عند عبد العزيز وإخائه لعمر. فكان أوّل من لقينا مسلمة بن عبد الملك وهو يومئذ فتى العرب، وكلّ واحد منّا ينظر في عطفيه لا يشكّ أنه شريك الخليفة في الخلافة، فأحسن ضيافتنا وأكرم مثوانا، ثم قال: أما علمتم أن إمامكم لا يعطي الشعراء شيئا؟ قلنا: قد جئنا الآن، فوجّه لنا في هذا الأمر/ وجها. فقال: إن كان ذو دين من آل مروان قد ولي الخلافة فقد بقي ذوي دنياهم من يقضي حوائجكم ويفعل بكم ما أنتم له أهل. فأقمنا على بابه
__________
[1] لحمته: قرابته.
أربعة أشهر لا نصل إليه، وجعل مسلمة يستأذن لنا فلا يؤذن. فقلت: لو أتيت المسجد يوم الجمعة فتحفّظت من كلام عمر شيئا!. فأتيت المسجد فأنّا أوّل من حفظ كلامه، سمعته يقول في خطبة له: لكل سفر زاد لا محالة، فتزوّدوا من الدنيا إلى الآخرة التّقوى، وكونوا كمن عاين ما أعدّ اللّه له من ثوابه وعقابه، فعمل طلبا لهذا وخوفا من هذا. ولا يطولنّ عليكم الأمد فتقسو قلوبكم، وتنقادوا لعدوّكم. واعلموا أنه إنما يطمئنّ بالدنيا من وثق بالنّجاة من عذاب اللّه في الآخرة. فأما من لا يداوي جرحا إلّا أصابه جرح من ناحية أخرى، فكيف يطمئنّ بالدنيا! أعوذ باللّه أن آمركم بما أنهى نفسي عنه فتخسر صفقتي، وتبدو عيلتي، وتظهر مسكنتي يوم لا ينفع فيه إلّا الحقّ والصدق. فارتجّ المسجد بالبكاء، وبكى عمر حتى بلّ ثوبه، حتى ظننّا أنه قاض نحبه. فبلغت إلى صاحبيّ فقلت: جدّدا لعمر من الشّعر غير ما أعددناه، فليس الرجل بدنيويّ. ثم إن مسلمة استأذن لنا يوم جمعة بعد ما أذن للعامّة. فدخلنا فسلّمنا عليه بالخلافة فردّ علينا. فقلت له:/ يا أمير المؤمنين، طال الثّواء وقلّت الفائدة وتحدّثت بجفائك إيانّا وفود العرب. فقال: يا كثيّر، أما سمعت إلى قول اللّه عزّ وجلّ في كتابه إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ
أفمن هؤلاء أنت؟ فقلت له وأنا ضاحك: أنا ابن سبيل ومنقطع به. قال: أو لست ضيف أبي سعيد؟ قلت بلى. قال: ما أحسب من كان ضيف أبي سعيد ابن سبيل ولا منقطعا به. ثم استأذنته في الإنشاد، فقال: قل ولا تقل إلّا حقا؛ فإنّ اللّه سائلك. فقلت:
وليت فلم تشتم عليّا ولم تخف ... بريّا ولم تتبع مقالة مجرم
وقلت فصدّقت الذي قلت بالذي ... فعلت، فأضحى راضيا كلّ مسلم
ألا إنّما يكفي الفتى بعد زيغه ... من الأود الباقي ثقاف المقوّم
لقد لبست لبس الهلوك ثيابها [1] ... وأبدت لك الدنيا بكفّ ومعصم
وتومض أحيانا بعين مريضة ... وتبسم عن مثل الجمان المنظّم
فأعرضت عنها مشمئزا كأنما ... سقتك مدوفا [2] من سمام وعلقم
وقد كنت من أجبالها في ممنّع ... ومن بحرها في مزبد الموج مفعم
وما زلت سبّاقا إلى كلّ غاية ... صعدت بها أعلى البناء المقدّم
فلما أتاك الملك عفوا ولم يكن ... لطالب دنيا بعده من تكلّم
تركت الذي يفنى وإن كان مونقا ... وآثرت ما يبقى برأي مصمّم
فأضررت بالفاني وشمّرت للذي ... أمامك في يوم من الهول مظلم
ومالك أن كنت الخليفة مانع ... سوى اللّه من مال رغيب ولا دم
/ سما لك همّ في الفؤاد مؤرّق ... صعدت به أعلى المعالي بسلّم
__________
[1] الهلوك من النساء: الفاجرة المتساقطة على الرجال. وفي الأصول: «لبس الملوك ببابها». وظاهر «أنه تحريف».
[2] مدوفا: مخلوطا. وأكثر ما يستعمل هذا اللفظ في الدواء والطيب. والسمام: السم.
/
فما بين شرق الأرض والغرب كلّها ... مناد ينادي من فصيح وأعجم
يقول: أمير المؤمنين ظلمتني ... بأخذ لدينار ولا أخذ درهم
ولا بسط كفّ لامرىء ظالم له ... ولا السفك منه ظالما ملء محجم
فلو يستطيع المسلمون تقسّموا ... لك الشّطر من أعمارهم غير ندّم
فعشت به ما حجّ للّه راكب ... مغذّ مطيف بالمقام وزمزم
فأربح بها من صفقة لمبايع ... وأعظم بها أعظم بها ثم أعظم
فقال لي: يا كثيّر، إن اللّه سائلك عن كل ما قلت. ثم تقدّم إليه الأحوص فاستأذنه فقال: قل ولا تقل إلّا حقّا؛ فإن اللّه سائلك. فأنشده:
وما الشعر إلّا خطبة من مؤلّف ... بمنطق حقّ أو بمنطق باطل
فلا تقبلن إلّا الذي وافق الرّضا ... ولا ترجعنّا كالنساء الأرامل
رأيناك لم تعدل عن الحقّ يمنة ... ولا يسرة فعل الظّلوم المجادل
ولكن أخذت القصد جهدك كلّه ... وتقفو مثال الصالحين الأوائل
فقلنا ولم نكذب بما قد بدا لنا ... ومن ذا يردّ الحقّ من قول عاذل
ومن ذا يردّ السّهم بعد مروقه [1] ... على فوقه إن عار [2] من نزع نابل
ولو لا الذي قد عوّدتنا خلائف ... غطاريف كانت كالليوث البواسل
لما وخدت شهرا برحلي جسرة ... تفلّ متون البيد بين الرّواحل
ولكن رجونا منك مثل الذي به ... صرفنا قديما من ذويك الأفاضل
/ فإن لم يكن للشعر عندك موضع ... وإن كان مثل الدّرّ من قول قائل
وكان مصيبا صادقا لا يعيبه ... سوى أنه يبنى بناء المنازل
فإنّ لنا قربى ومحض مودّة ... وميراث آباء مشوا بالمناصل
فذادوا عدوّ السّلم عن عقر دراهم ... وأرسوا عمود الدّين بعد تمايل
فقبلك ما أعطى الهنيدة [3] جلّة ... على الشعر كعبا من سديس وبازل
رسول الإله المصطفى بنبوّة ... عليه سلام بالضّحى والأصائل [4]
__________
[1] كذا في أ. وفي سائر الأصول: «صدوفه» وهو تحريف.
[2] السهم العائر: «الذي لا يدري من أين أتى. وأنشد أبو عبيده:
أخشى على وجهك يا أمير ... عوثرا من جندل تعير
وفي الأصول: «عاد» بالدال وهو تحريف.
[3] هنيدة: اسم للمائة من الإبل خاصة، وقيل اسم للمائة من الإبل وغيرها. ويريد بكعب كعب بن زهير. والسديس من الإبل ما دخل في السنة الثامنة. والبازل الذي فطر نابه أي انشق، وذلك في السنة التاسعة.
[4] المعروف المحفوظ في كتب السير أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لما أنشده كعب بن زهير قصيدته اللامية «بانت سعاد» ووصل فيها إلى قوله:
فكلّ الذي عدّدت يكفيك بعضه ... ونيلك خير من بحور السوائل
فقال له عمر: يا أحوص، إنّ اللّه سائلك عن كلّ ما قلت. ثم تقدّم إليه نصيب فاستأذن في الإنشاد، فأبى أن يأذن له وغضب عضبا شديدا، وأمره باللّحاق بدابق [1]. وأمر لي وللأحوص لكلّ واحد بمائة وخمسين درهما.
وقال الرّياشيّ في خبره: فقال لنا: ما عندي ما أعطيكم، فانتظروا حتى يخرج عطائي فأواسيكم منه. فانتظرنا حتى خرج، فأمر لي وللأحوص بثلاثمائة درهم، وأمر لنصيب بمائة وخمسين درهما. فما رأيت أعظم بركة من الثلاث المائة التي أعطاني، ابتعت بها وصيفة فعلّمتها الغناء فبعتها بألف دينار.
خبر دكين الراجز معه:
أخبرني عمّي عبد العزيز بن أحمد قال حدّثنا أحمد بن الحارث الخرّاز عن المدائنيّ قال:
/ قال دكين/ الراجز: امتدحت عمر بن عبد العزيز وهو والي المدينة، فأمر لي بخمس عشرة ناقة كرائم، فكرهت أن أرمي بهنّ الفجاج، ولم تطب نفسي ببيعهنّ. فقدمت علينا رفقة من مصر، فسألتهم الصّحبة، فقالوا:
ذاك إليك، ونحن نخرج الليلة، فأتيته فودّعته وعنده شيخان لا أعرفهما. فقال لي: يا دكين، إن لي نفسا توّاقة، فإن صرت إلى أكثر مما أنا فيه فأتني ولك الإحسان. قلت: أشهد لي بذلك. قال: أشهد اللّه به. قلت: ومن خلقه؟
قال: هذين الشيخين. فأقبلت على أحدهما فقلت: من أنت أعرفك؟ قال: سالم بن عبد اللّه بن عمر. فقلت له: لقد استسمنت الشاهد. وقلت للآخر: من أنت؟ قال: أبو يحيى مولى الأمير. فخرجت إلى بلدي بهنّ، فرمى اللّه في أذنابهنّ بالبركة حتى اعتقدت [2] منهن الإبل والعبيد. فإنّي لبصحراء فلج [3] إذا ناع ينعى سليمان. قلت: فمن القائم بعده؟ قال: عمر بن عبد العزيز. فتوجّهت نحوه، فلقيني جرير متصرفا من عنده. فقلت: يا أبا حزرة، من أين؟
فقال: من عند من يعطي الفقراء، ويمنع الشعراء. فانطلقت فإذا هو في عرصة دار وقد أحاط الناس به، فلم أخلص إليه فناديت:
يا عمر الخيرات والمكارم ... وعمر الدّسائع [4] العظائم
إني امرؤ من قطن بن دارم ... طلبت ديني من أخي مكارم
إذ تنتحي والليل غير نائم [5] ... عند أبي يحيى وعند سالم
فقام أبو يحيى فقال: يا أمير المؤمنين، لهذا البدوي عندي شهادة عليك، فقال: أعرفها؛ أدن يا دكين، أنا كما ذكرت لك، إن نفسي لم تنل شيئا قطّ إلّا تاقت/ لما هو فوقه، وقد نلت غاية الدنيا فنفسي تتوق إلى الآخرة، واللّه
__________
-
إن الرسول لنور يستضاء به ... مهند من سيوف اللّه مسلول
ألقى عليه بردة كانت عليه، بذل له فيها معاوية عشرة آلاف درهم، فقال: ما كنت لأوثر بثوب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أحدا. فلما مات كعب بعث معاوية إلى ورثته بعشرين ألفا فأخذها منهم.
[1] دابق: قرية قرب حلب بينها وبين حلب أربعة فراسخ.
[2] اعتقد الشي ء: اشتراه أو اقتناه.
[3] فلج: واد بين البصرة وحمى ضرية.
[4] الدسائع: الشمائل أو العطايا.
[5] كذا في «العقد الفريد»: وفي الأصول: إذا تنتحي واللّه غير نائم.
ما رزأت من أموال الناس شيئا، ولا عندي إلا ألف درهم، فخذ نصفها. قال: فو اللّه ما رأيت ألفا كان أعظم بركة منه. قال: ودكين الذي يقول:
إذا المرء يدنس من اللّؤم عرضه ... فكلّ رداء يرتديه جميل
وإن هو لم يرفع عن اللؤم نفسه ... فليس إلى حسن الثّناء سبيل [1]
زهده بعد أن ولي الخلافة:
أخبرني الحرميّ عن الزّبير عن هارون بن صالح عن أبيه قال:
كنّا نعطي الغسّال الدراهم الكثيرة حتى يغسل ثيابنا في أثر ثياب عمر بن عبد العزيز من كثرة الطّيب فيها يعني المسك. قال: ثم رأيت ثيابه بعد ذلك وقد ولي الخلافة فرأيت غير ما كنت أعرف.
حبه آل البيت:
أخبرني محمد بن العبّاس اليزيديّ قال حدّثنا الرّياشيّ قال حدّثنا الأصمعيّ عن نافع بن أبي نعيم قال:
قدم عبد اللّه بن الحسن بن الحسن على عمر بن عبد العزيز فقال: إنك لا تغنم أهلك شيئا خيرا من نفسك فارجع، وأتبعه حوائجه.
قال الرّياشيّ وحدّثنا نصر بن عليّ قال حدّثنا أبو أحمد محمد بن الزّبير الأسديّ عن سعيد بن أبان قال:
رأيت عمر بن عبد العزيز آخذا بسرّة عبد اللّه بن حسن وقال: اذكرها عندك تشفع لي يوم القيامة.
/ حدّثني أبو عبيد الصّيرفيّ قال حدّثنا الفضل بن الحسن المصريّ قال حدّثنا عبد اللّه بن عمر القواريريّ قال حدّثنا يحيى بن سعيد عن سعيد بن أبان القرشيّ قال:
دخل عبد اللّه بن حسن على عمر بن عبد العزيز وهو حديث السّنّ وله وفرة [2]، فرفع مجلسه وأقبل عليه/ وقضى حوائجه، ثم أخذ عكنة من عكنه فغمزها حتى أوجعه وقال له: أذكرها عندك للشّفاعة. فلمّا خرج لامه أهله وقالوا:
فعلت هذا بغلام حديث السنّ! فقال: إن الثّقة حدّثني حتى كأنّي أسمعه من في رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: «إنما فاطمة بضعة منّي يسرّني ما يسرّها» وأنا أعلم أن فاطمة لو كانت حيّة لسرّها ما فعلت بابنها. قالوا: فما معنى غمزك بطنه وقولك ما قلت؟ قال: إنه ليس أحد من بني هاشم إلّا وله شفاعة، فرجوت أن أكون في شفاعة هذا.
أكرم يزيد بن عيسى لأنه مولى عليّ:
أخبرنا محمد بن العبّاس اليزيديّ قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثنا عيسى بن عبد اللّه بن محمد بن عمر بن عليّ قال أخبرني يزيد بن عيسى بن مورق قال:
كنت بالشام زمن ولي عمر بن عبد العزيز، وكان بخناصرة [3]، وكان يعطي الغرباء مائتي درهم. قال: فجئته
__________
[1] المعروف أن هذين البيتين للسموءل بن عادياء اليهودي. ويروى، كما في «الحماسة والأمالي» لأبي علي القالي، صدر البيت الثاني:
وإن هو لم يحمل عن النفس ضيمها
[2] الوفرة: الشعر المجتمع على الرأس.
[3] خناصرة: بلبدة من أعمال حلب.
فأجده متكئا على إزار وكساء من صوف. فقال لي: ممن أنت؟ قلت: من أهل الحجاز. قال: من أيّهم؟ قلت: من أهل المدينة. قال: من أيّهم؟ قلت: من قريش. قال: من أيّ قريش؟ قلت: من بني هاشم. قال: من أيّ بني هاشم؟ قلت: مولى عليّ. قال: من عليّ؟ فسكتّ. قال: من؟! فقلت: ابن أبي طالب. فجلس وطرح الكساء ثم وضع يده على صدره وقال: وأنا واللّه مولى عليّ، ثم قال: أشهد على عدد ممّن أدرك النبيّ صلى اللّه عليه وسلم/ يقول: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: «من كنت مولاه فعليّ مولاه». أين مزاحم [1]؟ كم تعطي مثله؟ قال: مائتي درهم. قال: أعطه خمسين دينارا لو لائه من عليّ. ثم قال: أفي فرض أنت؟ قلت لا. قال: وافرض له، ثم قال: الحق بلادك فإنه سيأتيك إن شاء اللّه ما يأتي غيرك.
سمى عمر بن علي نحله غلامه مورقا:
قال أبو زيد فحدّثني عيسى بن عبد اللّه قال حدّثني أبي عن أبيه قال قال أبي:
ولد لي غلام يوم قام عمر بن عبد العزيز، فغدوت عليه فقلت له: ولد لي في هذه الليلة غلام. فقال لي:
ممّن؟ قلت: من التّغلبيّة. قال: فهب لي اسمه. قلت نعم. قال: قد سمّيته اسمي ونحلته غلامي مورقا، وكان نوبيّا فأعتقه عمر بن عبد العزيز بعد ذلك؛ فولده اليوم موالينا.
كان يكرم عبد اللّه بن الحسن:
أخبرني محمد بن العبّاس قال حدّثنا عمر قال حدّثنا عيسى بن عبد اللّه قال أخبرني موسى بن عبد اللّه بن حسن عن أبيه قال:
كان عمر بن عبد العزيز يراني إذا كانت لي حاجة أتردّد إلى بابه. فقال لي: ألم أقل لك: إذا كانت لك حاجة فارفع بها إليّ! فو اللّه إني لأستحي من اللّه أن يراك على بابي.
لم يفد من ولايته شيئا وخلف ولده فقراء:
أخبرني عمّي قال حدّثني الكرانيّ قال حدّثني العمريّ عن العتبيّ عن أبيه قال:
لمّا حضرت عمر بن عبد العزيز الوفاة جمع ولده حوله، فلما رآهم استغبر ثم قال: بأبي وأمّي من خلّفتهم بعدي فقراء!. فقال له مسلمة بن عبد الملك: يا أمير المؤمنين، فتعقّب فعلك وأغنهم، فما يمنعك أحد في حياتك ولا يرتجعه الوالي بعدك. فنظر إليه نظر مغضب متعجّب فقال: يا مسلمة، منعتهم إيّاه في حياتي وأشقى به/ بعد وفاتي! إن ولدي بين رجلين: إمّا مطيع للّه فاللّه مصلح له شأنه ورازقه ما يكفيه، أو عاص له فما كنت لأعينه على معصيته. يا مسلمة، إني حضرت أباك لمّا دفن فحملتني عيني عند قبره فرأيته قد أفضى إلى أمر من أمر اللّه راعني وهالني، فعاهدت اللّه ألّا أعمل بمثل عمله إن وليت؛ وقد اجتهدت في ذلك طول حياتي، وأرجو أن أفضي إلى عفو من اللّه/ وغفران. قال مسلمة: فلمّا دفن حضرت دفنه، فما فرغ من شأنه حتى حملتني عيني، فرأيته فيما يرى النائم وهو في روضة خضراء نضرة فيحاء وأنهار مطّردة وعليه ثياب بيض؛ فأقبل عليّ فقال: يا مسلمة، لمثل هذا فليعمل العاملون. هذا أو نحوه، فإن الحكاية تزيد أو تنقص.
__________
[1] هو مزاحم بن أبي مزاحم مولى عمر بن عبد العزيز.
رثاه مسلمة بن عبد الملك:
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا محمد بن القاسم قال حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد قال حدّثنا سليمان بن أبي شيخ عن يحيى بن سعيد الأمويّ قال:
لمّا مات عمر بن عبد العزيز وقف مسلمة عليه بعد أن أدرج في كفنه فقال: رحمك اللّه يا أمير المؤمنين! فقد أورثت صالحينا بك اقتداء وهدى، وملأت قلوبنا بمواعظك وذكرك خشية وتقى، وأثّلت لنا بفضلك شرفا وفخرا، وأبقيت لنا في الصالحين بعدك ذكرا.
كتابه إلى أسارى قسطنطينية:
أخبرني الحسن قال أخبرنا الغلابيّ عن ابن عائشة عن أبيه:
أنّ عمر بن عبد العزيز كتب إلى الأسارى بقسطنطينيّة: أمّا بعد، فإنكم تعدّون أنفسكمم أسارى ولستم أسارى.
معاذ اللّه! أنتم الحبساء في سبيل اللّه. واعلموا أنّي لست أقسم شيئا بين رعيّتي إلّا خصصت أهلكم بأوفر ذلك وأطيبه. وقد بعثت إليكم خمسة دنانير، خمسة دنانير. ولو لا أنّي خشيت إن زدتكم أن يحبسه عنكم/ طاغية الرّوم لزدتكم. وقد بعثت إليكم فلان بن فلان يفادي صغيركم وكبيركم، ذكركم وأنثاكم، حرّكم ومملوككم بما يسأل، فأبشروا ثم أبشروا.
كتاب الحسن البصري له وردّه عليه:
أخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن عمّار وأحمد بن عبد العزيز الجوهريّ قالا حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثنا عبد اللّه بن مسلم قال زعم لنا سليمان بن أرقم قال:
كتب الحسن البصريّ إلى عمر بن عبد العزيز، وكان يكاتبه، فلما استخلف كتب إليه: «من الحسن البصريّ إلى عمر بن عبد العزيز». فقيل له: إن الرجل قد ولي وتغيّر. فقال: لو علمت أنّ غير ذلك أحبّ إليه لاتّبعت محبّته.
ثم كتب: «من الحسن بن أبي الحسن إلى عمر بن عبد العزيز. أما بعد، فكأنك بالدنيا لم تكن، وكأنك بالآخرة لم تزل». قال: فمضيت إليه بالكتاب فقدمت عليه به. فإني عنده أتوقّع الجواب إذ خرج يوما غير يوم جمعة حتى صعد المنبر واجتمع الناس. فلما كثروا قام فحمد اللّه وأثنى عليه ثم قال: أيها النّاس، إنكم في أسلاب الماضين، وسيرثكم الباقون حتى تصيروا إلى خير الوارثين. كلّ يوم تجهّزون غاديا إلى اللّه ورائحا، قد حضر أجله، وطوي عمله، وعاين الحساب، وخلع الأسلاب، وسكن التراب، ثم تدعونه غير موسّد ولا ممهّد. ثم وضع يديه على وجهه فبكى مليّا ثم رفعهما فقال: يأيّها الناس، من وصل إلينا منكم بحاجته لم نأله خيرا، ومن عجز فو اللّه لوددت أنه وآل عمر في العجز سواء. قال: ثم نزل. فأرسل إليّ فدخلت إليه؛ فكتب: «بسم اللّه الرحمن الرحيم. أمّا بعد، فإنك لست بأوّل من كتب عليه الموت، وقد مات. والسلام».
آخر خطبة له:
أخبرني ابن عمّار قال حدّثني سليمان بن أبي شيخ قال حدّثنا أبو مطرّف المغيرة بن مطرّف عن شعيب بن صفوان عن أبيه:
/ أنّ عمر بن عبد العزيز خطب بخناصرة خطبة لم يخطب بعدها، حمد اللّه وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس،
إنكم لم تخلقوا عبثا ولم تتركوا سدى؛ وإن لكم معادا يتولّى اللّه فيه الحكم فيكم والفصل بينكم،/ فخاب وخسر من خرج من رحمة اللّه التي وسعت كلّ شيء، وحرم الجنّة التي عرضها السماوات والأرض. واعلموا أنّ الأمان غدا لمن حذر اللّه وخافه، وباع قليلا بكثير، ونافدا بباق، وخوفا بأمان. ألا ترون أنكم في أسلاب الهالكين وسيخلفها من بعدكم الباقون، وكذلك حتى تردّوا إلى خير الوارثين. ثم إنكم في كلّ يوم وليلة تشيّعون غاديا إلى اللّه ورائحا، قد قضى نحبه، وانقضى أجله، ثم تضعونه في صدع من الأرض في بطن لحد، ثم تدعونه غير موسّد ولا ممهّد، قد خلع الأسلاب، وفارق الأحباب، ووجّه للحساب، غنيّا عمّا ترك، فقيرا إلى ما قدّم. وايم اللّه إني لأقول لكم هذه المقالة ولا أعلم عند أحد منكم أكثر مما عندي، وأستغفر اللّه لي ولكم. وما يبلغنا أحد منكم حاجته يسعها ما عندنا إلا سددنا من حاجته ما قدرنا عليه، ولا أحد يتّسع له ما عندنا إلا وددت أنه بدىء بي وبلحمتي الذين يلونني حتى يستوي عيشنا وعيشكم. وايم اللّه لو أردت غير هذا من عيش أو غضارة لكان اللسان به منّي ناطقا ذلولا عالما بأسبابه، ولكنه من اللّه عزّ وجلّ كتاب ناطق، وسنّة عادلة، دلّ فيهما على طاعته ونهى فيهما عن معصيته. ثم بكى فتلقّى دموعه بطرف ردائه؛ ثم نزل فلم ير على تلك الأعواد بعد حتى قبضه اللّه إليه. رحمه اللّه عليه.
اشترى موضع قبره بعشرة دنانير:
أخبرنا محمد بن العبّاس اليزيديّ قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثني أبو سلمة المدينيّ. عن إبراهيم بن ميسرة: أن عمر بن عبد العزيز اشترى موضع قبره بعشرة دنانير.
وفاته:
أخبرني اليزيديّ قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثني أبو سلمة المدينيّ قال أخبرني ابن مسلمة بن عبد الملك قال حدّثني أبى مسلمة قال:
كنّا عند عمر في اليوم الذي توفّي فيه أنا وفاطمة بنت عبد الملك؛ فقلنا له: يا أمير المؤمنين، إنّا نرى أنّا قد منعناك النّوم، فلو تأخّرنا عنك شيئا عسى أن تنام! قال: ما أبالي لو فعلتما. قال: فتنحّيت أنا وهي وبيننا وبينه ستر.
قال: فما نشبنا أن سمعناه يقول: حيّ الوجوه حيّ الوجوه. فابتدرناه أنا وهي فجئناه وقد أغمض ميّتا، فإذا هاتف يهتف في البيت لا نراه: تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ
من أصواته في سعاد:
(و من أصوات عمر في سعاد)
صوت
ألا يا دين قلبك من سليمى ... كما قد دين قلبك من سعادا
هما سبتا الفؤاد وأصبتاه ... ولم يدرك بذلك ما أرادا
قفا نعرف منازل من سليمى ... دوارس بين حومل أو عرادا [1]
__________
[1] عراد: جبل.
ذكرت بها الشّباب وآل ليلى ... فلم يرد الشباب بها مرادا
فإن تشب الذّؤابة أمّ زيد ... فقد لاقيت أيّاما شدادا
عروضه من الوافر. الشعر لأشهب بن رميلة فيما ذكر ابن الأعرابيّ وأبو عمرو الشّيباني. وحكى ابن الأعرابيّ أنه سمع بعض بني ضبّة يذكر أنها لابن أبي رميلة الضّبّيّ. والغناء لعمر/ بن عبد العزيز رمل بالوسطى عن الهشاميّ وحبش وغيرهما. وفي نسخة عمرو بن بانة الثانية: لخزرج رمل بالبنصر.
13 - نسب الأشهب بن رميلة وأخباره
نسبه:
رميلة أمّه، وهي أمة لخالد بن مالك بن ربعيّ بن سلمى بن جندل بن نهشل بن دارم بن عمرو بن تميم. وهو الأشهب بن ثور بن أبي حارثة بن عبد الدار بن جندل بن نهشل بن دارم في النّسب. قال أبو عمرو: وولدها يزعمون أنها كانت سبيّة من سبايا العرب، فولدت لثور بن أبي حارثة أربعة نفر، وهم رباب، وحجناء، والأشهب، وسويد.
إخوته وعزّهم في الجاهلية والإسلام:
فكانوا من أشدّ إخوة في العرب لسانا ويدا، وأمنعهم جانبا. وكثرت أموالهم في الإسلام. وكان أبوهم ثور ابتاع رميلة في الجاهليّة، وولدتهم في الجاهليّة، فعزّوا عزّا عظيما، حتى كانوا إذا وردوا ماء من مياه الصّمّان [1] حظروا على الناس ما يريدون منه. وكانت لرميلة قطيفة حمراء، فكانوا يأخذون الهدب من تلك الفطيفة فيلقونه على الماء، أي قد سبقنا إلى هذا، فلا يرده أحد لعزّهم، فيأخذون من الماء ما يحتاجون إليه ويدعون ما يستغنون عنه.
يوم الصمان بينهم وبين أبناء عمومتهم:
فوردوا في بعض السنين ماء من مياه الصّمّان وورد معهم ناس من بني قطن بن نهشل. وكانت بنو قطن بن نهشل وبنو زيد بن نهشل وبنو مناف بن درام حلفاء. وكانت الأعجاز حلفاء عليهم، وهم جندل وجرول وصخر بنو نهشل. فأورد بعضهم بعيره فأشرعه حوضا قد حظروا عليه. وبلغهم ذلك فغضبوا منه واجتمعوا وأحلافهم، واجتمعت الأحلاف عليهم، فاقتتلوا قتالا شديدا، فضرب رباب بن رميلة رأس نسير بن صبيح المعروف بأبي بدّال، وأمّه بنت أبي الحمام بن قراد بن مخزوم. وقال رباب في ذلك:
/ضربته عشيّة الهلال ... أوّل يوم عدّ من شوّال
ضربا على رأس أبي بدّال ... ثمّت ما أبت ولا أبالي
ألّا يؤوب آخر اللّيالي
فجمع كلّ واحد منهما لصاحبه. فقالت بنو قطن: يا بني جرول ويا بني صخر ويا بني مناف [2]، ضرب صاحبكم صاحبنا ضربة لا ندري أيموت منها أم يعيش، فأنصفونا؛ فأبى القوم أن يفعلوا؛ فاقتتلوا يومهم ذلك إلى الليل.
وكان أبيّ بن أشيم أخو بني جرول وهو سيّدهم خرج في حاجة له، فلقيه بعض بني قطن فأسره وأتى به أصحابه.
فقال نهشل [3] بن حرّيّ: يا بني قطن، أطيعوني اليوم واعصوني أبدا. قالوا: نعم، فقل. فقال: إن هذا لم يشهد
__________
[1] الصمان: جبل في أرض تميم.
[2] يلاحظ أن بني مناف ليسوا حلفاء لبني جرول وبني صخر، وإنما هم حلفاء بني قطن بن نهشل وبني زيد بن نهشل.
[3] هو نهشل بن حريّ بن ضمرة، كان شاعرا وهو القائل:
شرّكم ولا حربكم، ولا يحلّ لكم دمه، وإنّ قومه أحرّ من يقاتلكم وشوكتهم؛ فخذوا عليه العهد أن يصرفهم عنكم وخلّوا سبيله. قالوا: افعل ما رأيت. فأتاه نهشل بن حرّيّ فقال له: يا أبا أسماء، إنّ قومك قد حالوا بيننا وبين حقّنا وقاتلوا دونه، وقد أمكننا اللّه منك، وأنت واللّه أوفى دما عندنا من بني رميلة، فو اللّه لأقتلنّك أو تعطيني ما أسألك.
قال: سل. قال: تجعل أن تصرف بني جرول جميعا، فإن لم يطيعوك انصرفت ببني أشيم، فإن لم يطيعوك أتيتنا.
قال نعم. فخلّي سبيله/ تحت الليل. فأتاهم وهم بحيث يرى بعضهم بعضا فقال: يا بني جرول انصرفوا؛ أتعترضون على قوم يريدون حقّهم! ألا تتّقون اللّه! واللّه لقد أسرني القوم ولو أرادوا قتلي لكان/ فيه وفاء بحقّهم، ولكنّهم يكرهون حربكم فلا تبغوا عليهم. فانصرف منهم أكثر من سبعين رجلا. فلما رأى ذلك بنو صخر وبنو جرول قالوا: واللّه إنا لنظلم [1] قومنا إن قاتلناهم؛ وانصرفوا، وتخاذل القوم. فلما رأى ذلك الأشهب بن رميلة قال:
ويلكم! أفي ضربة من عصا لم تصنع شيئا تسفكون دماءكم! واللّه ما به من بأس، فأعطوا قومكم حقّهم. فقال حجناء ورباب: واللّه لننصرفنّ فلنلحقنّ بغيركم ولا نعطي ما بأيدينا. فجعل الأشهب بن رميلة يقول: ويلكم! أتخرّبون دار قومكم في ضربة عصا لم تبلغ شيئا!. فلم يزل بهم حتى جاءوا برباب فدفعوه إلى بني قطن، وأخذوا منهم أبا بدّال وهو المضروب فمات في تلك الليلة في أيديهم؛ فكتموه، وأرسلوا إلى عبّاد بن مسعود، ومالك بن ربعيّ، ومالك بن عوف، والقعقاع بن معبد، فعرضوا عليهم الدّية. فقالوا: وما الدّية وصاحبنا حيّ! قالوا: فإن صاحبكم ليس بحيّ. فأمسكوا وقالوا: ننظر. ثم جاءوا إلى رباب فقالوا: أوصنا بما بدا لك. قال: دعوني أصلّي. قالوا:
صلّ. فصلّى ركعتين ثم قال: أما واللّه إنّي إلى ربّي لذو حاجة، وما منعني أن أزيد في صلاتي إلا أن تروا أن ذلك فرق من الموت، فليضربني منكم رجل شديد السّاعد حديد السيف. فدفعوه إلى أبي خزيمة بن نسير المكنيّ بأبي بدّال فضرب عنقه، فدفنوه؛ وذلك في الفتنة بعد مقتل عثمان بن عفّان. فقال الأشهب يرثي أخاه ويلوم نفسه في دفعه إليهم لتسكن الحرب:
أعينيّ قلّت عبرة من أخيكما ... بأن تسهرا ليل التّمام وتجزعا
وباكية تبكي الرّباب وقائل ... جزى اللّه خيرا ما أعفّ وأمنعا
وأضرب في الهيجا إذا حمس الوغى ... وأطعم إذ أمسى المراضيع جوّعا
/ إذا ما اعترضنا من أخينا أخاهم ... روينا ولم نشف الغليل فينقعا
قرونا دما والضّيف منتظر القرى ... ودعوة داع قد دعانا فأسمعا
مردنا [2] وكانت هفوة من حلومنا ... بثدي إلى أولاد ضمرة أقطعا
وقد لامني قومي ونفسي تلومني ... بما فال رأيي في رباب وضيّعا
__________
-
إنا بني نهشل لا ندّعي لأب ... عنه ولا هو بالأبناء يشرينا
إن تبتدر غاية يوما لمكرمة ... تلق السوابق منا والمصلينا
(انظر ترجمته في «الشعر والشعراء» ص 404 - 405).
[1] في أ، م: «لنضيع».
[2] مرد الصبي ثدي أمه: مرسه.
فلو كان قلبي من حديد أذابه ... ولو كان من صمّ الصّفا لتصدّعا
مضى الحديث.
أصوات عمر في سعاد:
ونسخت من كتاب محمد بن الحسن الكاتب حدّثني محمد بن أحمد بن يحيى المكّي عن أبيه قال:
لعمر بن عبد العزيز في سعاد سبعة ألحان.
منها:
يا سعاد التي سبتني فؤادي ... ورقادي هبي لعيني رقادي
ولحنه رمل مطلق.
ومنها:
حظّ عيني من سعاد ... أبدا طول السّهاد
ولحنه رمل بالسبّابة في مجرى البنصر.
ومنها:
سبحان ربّي برا سعادا ... لا تعرف الوصل والوداد
/ ولحنه خفيف [1] رمل.
/ ومنها:
لعمري لئن كانت سعاد هي المنى ... وجنّة خلد لا يملّ خلودها
ولحنه ثقيل أوّل.
ومنها:
أسعاد جودي لا شقيت سعادا ... واجزي محبّك رأفة وودادا
ولحنه خفيف رمل.
ومنها:
ألمّا صاحبيّ نزر سعادا
ومنها:
ألا يا دين قلبك من سليمى
وقد ذكرت طريقتهما.
__________
[1] في ج: «خفيف ثقيل».
كان محدثا وفقيها وراويا:
وقد روي عن عمر بن عبد العزيز حديث كثير وفقه، وحمل عنه أهل العلم.
أخبرنا محمد بن جرير الطّبريّ قال حدّثنا عمران بن بكّار الكلاعيّ قال حدّثنا خالد بن عليّ قال حدّثنا بقيّة بن الوليد عن مبشّر بن إسماعيل عن بشر بن عمر بن عبد العزيز عن أبيه عمر عن جدّه عبد العزيز عن معاوية بن أبي سفيان قال:
قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: «من أحبّ أن تمثل له الرجال قياما فليتبوّأ مقعده من النار».
أخبرني محمد بن عمران الصّيرفيّ وعمّي قالا حدّثنا العنزيّ قال حدّثني وزير بن محمد أبو هاشم الغسّانيّ قال حدّثني محمد بن أيّوب بن سعيد السّكّريّ عن عمر بن عبد العزيز عن أمّه عن أبيها عاصم بن عمر عن أبيه عمر بن الخطاب قال:
قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: «نعم الإدام الخلّ».
غناء يزيد بن عبد الملك:
وممن حكي عنه أنه صنع في شعره غناء يزيد بن عبد الملك، ولم يأت ذلك برواية عمّن يحصّل قوله كما حكي عن عمر بن عبد العزيز، وإنما وجد في الكتب أنه صنع لحنا في شعره، وذكره من لا يوثق به، ولم نروه عن أحد فلم نأت بأخباره ها هنا مشروحة، وأتيت بها في أخباره مع حبابة بحيث يصلح. وأما اللحن الذي ذكر أنه صنعه فهو:
صوت
أبلغ حبابة أسقى ربعها المطر ... ما للفؤاد سوى ذكراكم وطر
إن سار صحبي لم أملل بذكركم ... أو عرّسوا فهموم النفس والفكر
في هذين البيتين ثقيل أوّل يقال إنه ليزيد بن عبد الملك. وذكر ابن المكّيّ أنه لحبابة.
وحكي عن الهيثم بن عديّ أن يزيد بن عبد الملك لمّا رأى حبابة تعلّقها ولم يقدر على ابتياعها خوفا من أخيه سليمان أو من عمر بن عبد العزيز، وقال فيها هذين البيتين وهو راحل عن الحجاز، وغنّاه فيهما معبد، فوصله بعد ذلك بما كان يغنيه، وأخذته حبابة وغيرها عنه. وذكر الهشاميّ أنه مما لا يشكّ فيه من غناء معبد. وقد مضت أخبار يزيد بن عبد الملك وحبابة في صدر هذا الكتاب فاستغني عن إعادتها هنا.
غناء الوليد بن يزيد:
وممن غنّى منهم الوليد بن يزيد:
وله أصوات صنعها مشهورة، وقد كان يضرب بالعود ويوقع بالطبل ويمشي بالدّفّ على مذهب أهل الحجاز.
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثني محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدّثني عبد اللّه بن أبي سعد عن الفطرانيّ عن محمد بن جبر قال حدّثني من سمع خالد/ صامة يقول:
/ كنت يوما عند الوليد بن يزيد وأنا أغنّيه:
أراني اللّه يا سلمى حياتي
وهو يشرب حتى سكر. ثم قال لي: هات العود، فدفعته إليه، فغنّاه أحسن غناء؛ فنفست عليه إحسانه، ودعوت بطبل فجعلت أوقع عليه وهو يضرب حتى دفع العود وأخذ الطّبل فجعل يوقع به أحسن إيقاع، ثم دعا بدفّ فأخذه ومشى به وجعل يغنّي أهزاج طويس حتى قلت قد عاش، ثم جلس وقد انبهر. فقلت: يا سيّدي، كنت أرى أنك تأخذ عنّا ونحن الآن نحتاج إلى الأخذ عنك! فقال: أسكت ويلك! فو اللّه أن سمع هذا منك أحد ما دمت حيّا لأقتلنّك. فو اللّه ما حكيته عنه حتى قتل.
أخبرنا يحيى بن عليّ بن يحيى قال أخبرنا أبو أيّوب المدينّي قال ذكر أبو الحسن المدائني أن يحيى مولى العبلات المعروف بفيل وهو الذي غنّى:
أزرى بنا أننا شالت نعامتنا
كان مقيما بمكة. فلمّا قدمها الوليد بن يزيد سأل عن أحسن الناس غناء وحكاية لابن سريج؛ فقيل له: فيل.
فدعاه وقال له: امش لي بالدّفّ، ففعل. ثم قال له الوليد: هاته حتى أمشي به، فإن أخطأت فقوّمني. فمشى به أحسن من مشية فيل. فقال له يحيى: جعلت فداءك! إيذن لي حتى أختلف إليك لأتعلّم منك.
فمن مشهور صنعته في شعره:
وصفراء في الكأس كالزعفران ... سباها التّجيبيّ من عسقلان
تريك القذاة وعرض الإناء ... ستر لها دون لمس البنان
لحنه فيه خفيف رمل. وفيه لأبي كامل ثاني ثقيل بالسبّابة في مجرى الوسطى عن إسحاق ويونس. ولعمر الواديّ فيه ثقيل أوّل بالوسطى عن يونس والهشاميّ. وقد مضت أخباره مشروحة في المائة الصوت المختارة.
غناء الواثق:
ومن دوّنت صنعته من خلفاء بني العبّاس الواثق باللّه.
ولم نعلمه حكي ذلك عن أحد منهم قبله إلّا ما قدّمنا سوء العهدة فيه عن ابن خرداذبة؛ فإنه حكى أن للسّفّاح والمنصور وسائرهم غناء وأتى فيها بأشياء غثّة لا يحسن لمحصّل ذكرها.
غنى الواثق في شعر لأبي العتاهية بحضرة إسحاق ووصله:
وأخبرني يحيى بن محمد الصّوليّ قال حدّثني أحمد بن محمد بن إسحاق قال حدّثنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه قال:
دخلت يوما دار الوائق بغير إذن إلى موضع أمر أن أدخله إذا كان جالسا. فسمعت صوت عود من بيت وترنّما لم أسمع أحسن منه قطّ، فأطلع خادم رأسه ثم ردّه وصاح بي فدخلت فإذا الواثق. فقال: أيّ شيء سمعت؟ فقلت:
الطّلاق لازم لي وكلّ مملوك لي حرّ لقد سمعت ما لم أسمع مثله قطّ حسنا! فضحك فقال: وما هو! إنما هذه فضلة أدب وعلم مدحه الأوائل واشتهاه أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وسلم ورحمهم والتابعون بعدهم وكثر في حرم اللّه ومهاجر رسول اللّه. أتحبّ أن تسمعه منّي؟ قلت: إي والذي شرّفني بخطابك وجميل رأيك. فقال: يا غلام، هات العود وأعط إسحاق رطلا. فدفع الرّطل إليّ وضرب وغنّى في شعر لأبي العتاهية بلحن صنعه فيه:
أضحت قبورهم من بعد عزّهم ... تسفي عليها الصّبا والحرجف الشّمل
/
لا يدفعون هواما عن وجوههم ... كأنهم خشب بالقاع منجدل
فشربت الرّطل ثم قمت فدعوت له؛ فأجلسني وقال: أتشتهي أن تسمعه ثانية؟ فقلت: إي واللّه، فغنّانيه ودعا لي برطل، ففعلت كما فعلت ثانية ثم ثالثة. وصاح ببعض خدمه وقال له: إحمل إلى إسحاق ثلاثمائة ألف درهم. ثم قال: يا إسحاق،/ قد سمعت ثلاثة أصوات وشربت ثلاثة أرطال وأخذت ثلاثمائة ألف درهم، فانصرف إلى أهلك ليسرّوا بسرورك؛ فانصرفت بالدراهم.
صنع مائة صوت ليس فيها صوت ساقط:
أخبرني محمد قال سمعت أحمد بن محمد بن الفرات يقول سمعت عريب تقول: صنع الواثق مائة صوت ما فيها صوت ساقط. ولقد صنع في هذا الشعر:
هل تعلمين وراء الحبّ منزلة ... تدني إليك فإنّ الحبّ أقصاني
هذا كتاب فتى طالت بليّته ... يقول يا مشتكى بثّى وأحزاني
لحنا من الرّمل تشبّه فيه بصنعة الأوائل.
نسبة هذا الصوت
الشعر ليعقوب بن إسحاق الرّبعيّ المخزوميّ. والغناء للواثق رمل بالوسطى من رواية الهشاميّ.
أخبرني محمد بن العبّاس اليزيديّ والحرميّ بن أبي العلاء وعليّ بن سليمان الأخفش قالوا حدّثنا أحمد بن يحيى ثعلب قال قال الزّبير بن بكّار:
كتب ابن أبي مسرّة المكّيّ إلى أهل المدينة بيتين وهما:
هذا كتاب فتى طالت بليّته ... يقول يا مشتكى بثّي وأحزاني
هل تعلمين وراء الحبّ منزلة ... تدني إليك فإنّ الحبّ أقصاني
قال الزّبير: وكنت غائبا، فلما قدمت قال لي أهل المدينة ذلك. فقلت لهم: أيكتب إليكم صاحبكم يعاتبكم فلا تجيبونه!.
شعر يعقوب بن إسحاق الربعي:
أنشدني يعقوب بن إسحاق الرّبعيّ المخزوميّ لنفسه:
قال الوشاة لهند عن تصارمنا ... ولست أنسى هوى هند وتنساني
يعقوب ليس بمتبول ولا كلف ... ويح الوشاة فإنّ الداء أضناني
/ ما بي سوى الحبّ من هند وإن بخلت ... حبّي لهند برى جسمي وأبلاني
قد قلت حين بدا لي بخل سيّدتي ... وقد تتابع بي بثّي وأحزاني
هل تعلمين وراء الحبّ منزلة ... تدني إليك فإنّ الحبّ أقصاني
قالت نعم قلت ما ذاكم أسيّدتي ... وطاعة الحبّ تنفي كلّ عصيان
قالت فدعنا بلا صرم ولا صلة ... ولا صدود ولا في حال هجران
حتى يشكّ وشاة قد رموك بنا ... وأعلنوا بك فينا أيّ إعلان
ومن غناء الواثق باللّه:
صوت
(غناؤه في شعر لذي الرمة:)
خليليّ عوجا من صدور الرّواحل ... بجرعاء حزوى وابكيا في المنازل
/ لعلّ انحدار الدمع يعقب راحة ... من الوجد أو يشفي نجيّ البلابل
الشعر لذي الرّمة. والغناء للواثق باللّه رمل مطلق في مجرى الوسطى عن الهشاميّ. ولإسحاق فيهما رمل بالسبّابة في مجرى البنصر. ولحن الواثق منهما الذي أوّله البيت الثاني وهو اللحن المحثوث المسجح وله ردّة في «لعل». ولحن إسحاق أوّله البيت الأوّل ثم الثاني وهو أشدّهما إمساكا وفيه صياح.
غنى إسحاق الموصلي بحضرته صوتا أخذته عنه شاجى فأجازه:
أخبرنا أبو أحمد يحيى بن عليّ بن يحيى قال حدّثنا أبو أيّوب المدينيّ قال حدّثنا محمد بن عبد اللّه بن مالك الخزاعيّ قال حدّثني إسحاق بن إبراهيم الموصليّ:
أنه دخل على إسحاق بن إبراهيم الطاهريّ وقد كان تكلّم له في حاجة فقضيت. فقال له: أعطاك اللّه أيها الأمير ما لم تحط به أمنيّة ولم تبلغه رغبة. قال: فاشتهي هذا الكلام فاستعاده فأعدته. قال: ثم مكثنا ما شاء اللّه؛ وأرسل الواثق إلى محمد بن إبراهيم يأمره بإشخاصي إليه في الصوت الذي أمرني أن أتغنّى فيه وهو:
لقد بخلت حتى لو انّي سألتها
/ فأمر لي بمائة ألف درهم. فأقمت ما شاء اللّه ليس أحد من مغنّيهم يقدر على أن يأخذ هذا الصوت منّي. فلما طال مقامي قلت: يا أمير المؤمنين، ليس أحد من هؤلاء المغنّين يقدر على أن يأخذ هذا الغناء منّي. فقال لي: ولم ويحك؟ قلت: لأني لا أصحّحه ولا تسخو نفسي لهم به. فلما فعلت يا أمير المؤمنين في الجارية التي أخذتها منّي؟
(يعني شجا، وهي التي كان أهداها إلى الواثق وعمل لها المصنّف الذي في أيدي الناس لإسحاق). قال: وكيف؟
فقلت: لأنها تأخذه منّي وأطيب به لها نفسا، وهم يأخذونه منها. قال: فأمر بها فأخرجت وأخذته على المكان.
فأمر لي بمائة ألف درهم أخرى، وأذن لي في الانصراف. وكان إسحاق بن إبراهيم الطاهريّ حاضرا عنده، فقلت له عند وداعي إيّاه: أعطاك اللّه يا أمير المؤمنين ما لم تحط به أمنيّة ولم تبلغه رغبة. فالتفت إليّ إسحاق بن إبراهيم فقال لي: ويحك يا إسحاق! تعيد الدعاء! فقلت: إي واللّه أعيده قاصّ أنا أو مغنّ. فانصرفت إلى بغداد وأقمت، حتى قدم إسحاق فجئته مسلّما. فقال: ويلك يا إسحاق! أتدري ما قال أمير المؤمنين بعد خروجك من عنده؟ قلت:
لا، أيها الأمير. قال: قال لي: ويحك! كنّا أغنى الناس عن أن نبعث إسحاق على لحننا فيفسده علينا. هذه رواية أبي أيّوب.
تقدير إسحاق لغناء الواثق:
قال أبو أحمد يحيى بن عليّ بن يحيى وأخبرني أبي رحمه اللّه عن إسحاق أنه قال: لمّا صنعت لحني في:
خليليّ عوجا من صدور الرواحل
غنّيته الواثق فاستحسنه وعجب من صحّة قسمته، ومكث صوته أيّاما ثم قال لي: يا إسحاق، قد صنعت لحنا في صوتك وفي إيقاعه، وأمر فغنّيت به؛ فقلت:/ يا أمير المؤمنين، بغّضت إليّ لحني وسمّجته عندي. وقد كنت استأذنته مرّات في الانحدار إلى بغداد بعد أن ألقيت اللحن الذي كان أمرني بصنعه في:
لقد بخلت حتى لو اني سألتها فمنعني ودافعني بذلك. فلما صنع لحنه الرّمل في:
خليليّ عوجا من صدور الرّواحل
قلت له: يا أمير المؤمنين، قد واللّه اقتصصت وزدت؛ فأذن لي بعد ذلك. قال أبو الحسن عليّ بن يحيى قلت لإسحاق: فأيّهما أجود الآن لحنك/ فيه أو لحنه؟ فقال: لحني أجود قسمة وأكثر عملا، ولحنه أظرف، لأنه جعل ردّته من نفس قسمته، فليس يقدر على أدائه إلا متمكّن من نفسه. قال أبو الحسن: فتأمّلت اللحنين بعد ذلك فوجدتهما كما ذكر إسحاق. قال وقال لي إسحاق: ما كان يحضر مجلس الواثق أعلم منه بالغناء.
فأمّا نسبة هذين الصوتين، فإن أحدهما قد مضى ومضت نسبته. والآخر:
صوت
أيا منشر الموتى أقدني من التي ... بها نهلت نفسي سقاما وعلّت
لقد بخلت حتى لو انّي سألتها ... قذى العين من ضاحي التّراب لضنّت
الشعر لأعرابيّ رواه إسحاق عنه ولم يذكر اسمه، والناس يغلطون فينسبونه إلى كثيّر ويظنّونه من قصيدته التي أوّلها:
خليليّ هذا رسم عزّة فاعقلا ... قلوصيكما ثم ابكيا حيث حلّت
وهذا خطأ ممن قال ذلك. والغناء للواثق ثاني ثقيل بالوسطى. ولإسحاق في البيت الثاني وبعده بيت ألحقه به ليس من الشعر ثقيل أوّل بالسبّابة في مجرى الوسطى. والبيت الذي ألحقه إسحاق به من شعره:
/فإن بخلت فالبخل منها سجية ... وإن بذلت أعطت قليلا وأكدت
كان يعرض غناءه على إسحاق فيدلي فيه برأيه:
أخبرني عمّي رحمه اللّه قال حدّثني أبو جعفر بن الدّهقانة النّديم قال:
كان الواثق إذا أراد أن يعرض صنعته على إسحاق نسبها إلى غيره وقال: وقع إلينا صوت قديم من بعض العجائز ما سمعه أحد، ويأمر من يغنّيه إيّاه. وكان إسحاق يأخذ نفسه في ذلك بقول الحق أشدّ أخذ، فإن كان جيّدا من صناعته قرّظه ووصفه واستحسنه، وإن كان مطّرحا أو فاسدا أو متوسّطا ذكر ما فيه. فربّما كان للواثق فيه هوّى فيسأله عن تقويمه وإصلاح فساده، وربما اطّرحه بقول إسحاق فيه؛ إلى أن صنع لحنا في قول الشاعر:
لقد بخلت حتى لو انّي سألتها ... قذى العين من ضاحي التراب لضنّت
كان عنده مخارق لإسحاق فجفاه وأصلحت بينهما فريدة:
فأعجب به واستحسنه، وأمر المغنّين فغنّوا فيه، وأمر بإشخاص إسحاق إليه من بغداد ليسمعه.
فكاده مخارق عنده وقال: يا أمير المؤمنين، إن إسحاق شيطان خبيث داهية، وإن قولك له فيما تصنعه: هذا صوت وقع إلينا، لا يخفى عليه به أنّ الصوت لك ومن صنعتك ولا يوقع في فهمه أنه قديم، فيقول لك وبحضرتك ما يقارب هواك، فإذا خرج عن حضرتك قال لنا ضدّ ذلك. فأحفظ الواثق قوله وغاظه، وقال له: أريد على هذا القول منك دليلا. قال: أنا أقيم عليه الدليل إذا حضر. فلما قدم به وجلس في أوّل مجلس اندفع مخارق يغنّي لحن الواثق:
لقد بخلت حتّى لو انّي سألتها
فزاد فيه زوائد أفسدت قسمته فسادا شديدا وخفيت على الواثق لكثرة زوائد مخارق في غنائه. فسأله الواثق عنه؛ فقال: هذا غناء/ فاسد غير مرضيّ عندي. فغضب الواثق وأمر بإسحاق فسحب حتى أخرج من المجلس. فلما كان من الغد/ قالت فريدة للواثق: يا أمير المؤمنين، إن إسحاق رجل يأخذ نفسه بقول الحق في صناعته على كل حال ساءته أو سرّته، لا يخاف في ذلك ضررا ولا يرجو نفعا؛ وما لك منه عوض. وقد كاده مخارق عندك فزاد في صدر الصوت من زوائده التي تعرف، وتركه في المصراع الثاني على حاله، ونقص من البيت الثاني، وقد تبيّنت ذلك.
وأنا أعرضه على إسحاق وأغنيّه إيّاه على صحّته، واسمع ما يقول. وما زالت تلطف للواثق حتى رضي عنه وأمر بإحضاره. فغنّته إيّاه فريدة كما صنعه الواثق. فلمّا سمعه قال: هذا صوت صحيح الصّنعة والقسمة والتجزئة، وما هكذا سمعته في المرة الأولى. ثم أخبر الواثق عن مواضع فساده حينئذ، وأبان ذلك له بما فهمه. وغنّته فريدة عدّة أصوات من القديم والحديث كلّها يقول فيها بما عنده من مدح لبعضها وطعن على بعض. فاستحسن الواثق ذلك وأجازه يومئذ وحباه، وجفا مخارقا مدّة لما فعله به.
أخبرني جحظة قال حدّثني ابن المكّيّ عن أبيه قال:
كان الواثق إذا صنع شيئا من الغناء أخبر إسحاق به وعرضه عليه حتى يصلح ما فيه ثم يظهره.
وقد أخبرني الحسن بن عليّ عن يزيد بن محمد المهلّبيّ بهذا الخبر فذكر نحو ما ذكرته ها هنا وفي ألفاظه اختلاف. وقد تقدّم ذكره [1] وابتدأناه في أخبار إسحاق. والأبيات الثانية التي غنّى فيها الواثق وإسحاق أنشدنيها عليّ بن سليمان الأخفش وعليّ بن هارون بن عليّ بن يحيى جميعا عن هارون بن عليّ بن يحيى عن أبيه عن إسحاق لأعرابيّ، وأنشدناها محمد بن العبّاس اليزيديّ قال أنشدني أحمد بن يحيى ثعلب لبعض الأعراب:
/ألا قاتل اللّه الحمامة غدوة ... على الغصن ماذا هيّجت حين غنّت
فغنّت بصوت أعجميّ فهيّجت ... هواي الذي كانت ضلوعي أكنّت
فلو قطرت عين امرىء من صبابة ... دما قطرت عيني دما وألمّت
فما سكتت حتى أويت لصوتها ... وقلت أرى هذي الحمامة جنّت
__________
[1] راجع ج 5 ص 360 - 361 من هذه الطبعة.
ولي زفرات لو يدمن قتلنني ... بشوق إلى نادي التي قد تولّت
إذا قلت هذي زفرة اليوم قد مضت ... فمن لي بأخرى في غد قد أظلّت
أيا منشر الموتى أعنّي على التي ... بها نهلت نفسي سقاما وعلّت
لقد بخلت حتى لو انّي سألتها ... قذى العين من سافي [1] التراب لضنّت
فقلت ارحلا يا صاحبيّ فليتني ... أرى كلّ نفس أعطيت ما تمنّت
حلفت لها باللّه ما أمّ واحد ... إذا ذكرته آخر الليل أنّت
وما وجد أعرابيّة قذفت بها ... صروف النّوى من حيث لم تك ظنّت
إذا ذكرت ماء العضاه وطيبه ... وبطن الحصى من بطن خبت أرنّت
بأعظم من وجدي بها غير أنني ... أجمجم أحشائي على ما أجنّت
غناه إسحاق فوصله وشعره فيه:
أخبرني جحظة وابن أبي الأزهير ويحيى بن عليّ والحسين بن يحيى قالوا جميعا أخبرنا/ حمّاد بن إسحاق عن أبيه، وقد جمعت روايتهم في هذا الخبر وزدت فيه ما نقصه كل واحد منهم حتى كملت ألفاظه، قال:
ما وصلني أحد من الخلفاء بمثل ما وصلني به الواثق؛ وما كان أحد منهم يكرمني إكرامه. ولقد غنّيته لحني:
لعلّك إن طالت حياتك أن ترى ... بلادا بها مبدى لليلى ومحضر
فاستعاده منّي ليلة [2] لا يشرب على غيره، ثم وصلني بثلاثمائة ألف درهم. ولقد قدمت عليه في بعض قدماتي، فقال لي: ويحك يا إسحاق! أما اشتقت إليّ! فقلت: بلى واللّه يا سيّدي! وقلت في ذلك أبياتا إن أمرتني أنشدتها.
قال: هات؛ فأنشدته:
أشكو إلى اللّه بعدي عن خليفته ... وما أقاسيه من همّ ومن كبر
لا أستطيع رحيلا إن هممت به ... يوما إليه ولا أقوى على السفر
أنوي الرحيل إليه ثم يمنعني ... ما أحدث الدهر والأيّام في بصري
ثم استأذنته في إنشاد قصيدة مدحته بها فأذن لي؛ فأنشدته قصيدتي التي أقول فيها:
لمّا أمرت بإشخاصي إليك هوى ... قلبي حنينا إلى أهلي وأولادي
ثم اعتزمت فلم أحفل ببينهم ... وطابت النفس عن فضل وحمّاد
كم نعمة لأبيك الخير أفردني ... بها وخصّ بأخرى بعد إفرادي
فلو شكرت أياديكم وأنعمكم ... لما أحاط بها وصفي وتعدادي
لأشكرنّك ما غار النجوم وما ... حدا على الصّبح في إثر الدّجى حاد
__________
[1] ويروى: «ضاحي التراب» (راجع ص 280 ص 15).
[2] في ح: «جمعة».
قال عليّ بن يحيى خاصّة في خبره: فقال لي أحمد بن إبراهيم: يا أبا الحسن، أخبرني لو قال الخليفة لإسحاق:
أحضر لي فضلا وحمّادا أليس كان يفتضح إسحاق! (يعني من دمامة خلقتهما وتخلّف شاهدهما).
خرج معه إسحاق إلى النجف، وشعره فيها وفي حنينه إلى ولده:
قال إسحاق: ثم انحدرت مع الواثق إلى النّجف، فقلت: يا أمير المؤمنين، قد قلت في النّجف قصيدة.
فقال: هاتها؛ فأنشدته قولي:
يا راكب العيس لا تعجل بنا وقف ... نحيّ دارا لسعدى ثم ننصرف
/ لم ينزل الناس في سهل ولا جبل ... أصفى هواء ولا أغذى من النّجف
حفّت ببرّ وبحر في جوانبها ... فالبرّ في طرف والبحر في طرف
ما إن يزال نسيم من يمانية ... يأتيك منها بريّا روضة أنف
حتى انتهيت إلى مديحه فقلت وقد انتهيت إلى قولي فيه:
لا يحسب الجود يفني ماله أبدا ... ولا يرى بذل ما يحوي من السّرف
فقال لي: أحسنت يا أبا محمد! فكنّاني، وأمر لي بألف درهم. وانحدرنا إلى الصالحيّة التي يقول فيها أبو نواس:
فالصالحيّة من أكناف كلواذا [1]
وذكرت الصبيان وبغداد فقلت:
أتبكي على بغداد وهي قريبة ... فكيف إذا ما ازددت منها غدا بعدا
لعمرك ما فارقت بغداد عن قلى ... لو انّا وجدنا من فراق لها بدّا
/ إذا ذكرت بغداد نفسي تقطّعت ... من الشوق أو كادت تموت بها وجدا
كفى حزنا أن رحت لم تستطع لها ... وداعا ولم تحدث لساكنها عهدا
فقال لي: يا موصليّ، لقد اشتقت إلى بغداد! فقلت: لا واللّه يا أمير المؤمنين، ولكني اشتقت إلى الصبيان، وقد حضرني بيتان. فقال هاتهما. فقلت:
حننت إلى الأصيبية الصّغار ... وشاقك منهم قرب المزار
وكلّ مفارق يزداد شوقا ... إذا دنت الدّيار من الديار
فقال لي: يا إسحاق، سر إلى بغداد فأقم شهرا مع صبيانك ثم عد إلينا، وقد أمرت لك بمائة ألف درهم.
امتياز إسحاق على المغنين في مجلسه:
أخبرني جحظة عن ابن حمدون: أن إسحاق كان يحضر مجالس الخلفاء إذا جلسوا للشّرب في جملة المغنّين وعوده معه إلى أيام الواثق، فإنه كان إذا قدم عليه يحضر مع الجلساء بغير عود، ويدنيه الواثق ولا يغنّي حتى يقول له: غنّ، فإذا قال له غنّ جاءوه بعود فغنّى به، وإذا فرغ رفع العود من بين يديه إكراما من الواثق له.
__________
[1] راجع الحاشية رقم 1 ص 357 ج 5 من هذه الطبعة.
برّز إسحاق عليه في لحن اشتركا فيه:
أخبرني الحسين بن يحيى عن وسواسة بن الموصليّ عن حمّاد بن إسحاق قال:
كتب حمدون بن إسماعيل إلى أبي: إن أمير المؤمنين الواثق يأمرك أن تصنع لحنا في هذا الشعر:
لقد بخلت حتى لو انّي سألتها
وقد كان الواثق غنّى فيه غناء أعجبه؛ فغنّى فيه أبي. فلما سمعه الواثق قال: أفسد علينا إسحاق ما كنّا أعجبنا به من غنائنا. قال حمّاد: ثم لم أعلم أن أبي صنع بعده غناء حتى مات.
ومن مشهور أغاني الواثق:
صوت
سقى العلم الفرد الذي في ظلاله ... غزالان مكحولان مؤتلفان
أرغتهما ختلا فلم أستطعهما ... ورميا ففاتاني وقد رمياني [1]
ولحنه فيه من الثقيل الأوّل. ولإسحاق فيه رمل.
قصة لأعرابي عاشق مع إسحاق بن سليمان بن علي:
أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد قال أخبرني محمد بن منصور بن عليّة القرشيّ قال أخبرني جعفر بن عبيد اللّه بن جعفر الهاشميّ عن إسحاق بن سليمان بن عليّ قال:
/ لقيت أعرابيّا بالسّميّة [2] فصيحا، فاستخففته وتأمّلته فإذا هو مصفرّ شاحب ناحل الجسم، فاستنشدته فأنشدني الشيء بعد الشيء على استكراه منّي له. فقلت له: ما بالك؟ فو اللّه إنك لفصيح! فقال: أما ترى الجبلين؟
قلت بلى. قال: في ظلالهما واللّه يمنعني من إنشادك ويشغلني ويذهلني عن الناس. قلت: وما ذاك؟ قال: بنت عمّ لي قد تيّمتني وذهبت بعقلي، واللّه إنه لتأتي عليّ ساعات ما أدري أفي السماء أنا أم في الأرض، ولا أزال ثابت العقل ما لم يخامر ذكرها قلبي، فإذا خامره بطلت حواسّي وعزب عنّي لبّي. قلت: فما يمنعك منها؟ أقلّة ما في يدك؟ قال: واللّه ما يمنعني منها غير ذلك. قلت: وكم مهرها؟ قال: مائة ناقة. قلت: فأنا أدفعها إليك إذا لتدفعها إليهم. قال: واللّه لئن فعلت ذلك إنك لأعظم الناس عليّ منّة. فوعدته بذلك واستنشدته ما قال فيها، فأنشدني أشياء كثيرة منها قوله:
/سقى العلم الفرد الذي في ظلاله ... غزالان مكحولان مؤتلفان
البيتان. فقلت له: يا أعرابيّ، واللّه لقد قتلتني بقولك «ففاتاني وقد قتلاني» وأنا بريء من العبّاس أن لم أقم بأمرك.
ثم دعوت بمركوب فركبته وحملت معي الأعرابيّ، فصرنا إلى أبي الجارية في جماعة من أهلي ومواليّ حتى زوّجته إيّاها وضمنت عنه الصّداق واشتريت له مائة ناقة فسقتها عنه؛ وأقمت عندهم ثلاثا ونحرت لهم ثلاثين جزورا، ووهبت للأعرابيّ عشرة آلاف درهم وللجارية مثلها، وقلت: استعينا بهذا على اتّصالكما وانصرفت. فكان الأعرابيّ يطرقنا في كلّ سنة وامرأته معه فأهب له وأصله وينصرف.
__________
[1] ويروى: «و قد قتلاني» (انظر الصفحة الآتية).
[2] السمية: جبل، كما في «معجم البلدان» لياقوت.
غناؤه في شعر حسان:
ومن أغانيه - أخبرني به ذكاء وجه الرّزّة عن أحمد بن العلاء عن مخارق وأنه أخذه عنه - :
صوت
إنّ التي عاطيتها فرددتها ... قتلت قتلت فهاتها لم تقتل
كلتاهما حلب العصير فعاطني ... بزجاجة أرخاهما للمفصل
يروي: «كلتاهما جلب العصير» و «حلب العصير». ويروي: «للمفصل» و «للمفصل». والمفصل: الواحد من المفاصل، والمفصل هو اللسان. ذكر ذلك عليّ بن سليمان الأخفش عن محمد بن الحسن الأحول عن ابن الأعرابيّ.
الشعر لحسّان بن ثابت. والغناء للواثق خفيف رمل بالبنصر. وفيه لإبراهيم الموصليّ رمل مطلق في مجرى الوسطى. وهذه الأبيات من قصيدة حسّان المشهورة التي يمدح بها بني جفنة، وأوّلها:
أسألت رسم الدار أم لم تسأل
وهي من فاخر المديح، منها قوله:
أولاد جفنة عند قبر أبيهم ... قبر ابن مارية الكريم المفضل
يسقون من ورد البريص [1] عليهم ... بردى يصفّق بالرّحيق السّلسل
بيض الوجوه كريمة أنسابهم ... شمّ الأنوف من الطّراز الأوّل
يغشون حتى ما تهرّ كلابهم ... لا يسألون عن السّواد المقبل
تفسير القاضي عبيد اللّه بن الحسن لهذا الشعر:
نسخت من كتاب الشّاهينيّ: حدّثني ابن عليل العنزيّ قال حدّثني أحمد بن عبد الملك بن أبي السّمّال السّعديّ قال حدّثني أبو ظبيان الحمّانيّ قال:
/ اجتمعت جماعة من الحيّ على شراب لهم، فتغنّى رجل منهم بشعر حسّان:
إنّ التي عاطيتني فرددتها ... قتلت قتلت فهاتها لم تقتل
كلتاهما حلب العصير فعاطني ... بزجاجة أرخاهما للمفصل
فقال رجل من القوم: ما معنى قوله «إن التي عاطيتني» فجعلها واحدة، ثم قال: «كلتاهما حلب العصير» فجعلهما ثنتين؟ فلم يعلم أحد منّا الجواب. فقال رجل من القوم: امرأته طالق ثلاثا إن بات أو يسأل القاضي عبيد اللّه بن الحسن عن تفسير هذا الشعر. قال أبو ظبيان: فحدّثني بعض أصحابنا السعديّين قال: فأتيناه نتخطّى إليه الأحياء حتى أتيناه وهو في/ مسجده يصلّي بين العشاءين. فلما سمع حسّنا أوجز في صلاته، ثم أقبل علينا وقال: ما حاجتكم؟ فبدأ رجل منّا كان أحسننا بقيّة [2] فقال: نحن، أعزّ اللّه القاضي، قوم نزعنا إليك من طرف البصرة في
__________
[1] البريص: اسم غوطة دمشق. وبردى: نهر دمشق.
[2] أي أحسننا رأيا وفضلا. وإنما سمي ذلك بقية، لأن الرجل يستبقي مما يخرجه أجوده وأفضله.
حاجة مهمّة فيها بعض الشيء. فإن أذنت لنا قلنا. قال: قولوا. فذكر يمين الرجل والشعر. فقال: أمّا قوله «إن التي ناولتني [1]» هي الخمرة. وقوله: «قتلت» يعني مزجت بالماء. وقوله: «كلتاهما حلب العصير» يعني به الخمر ومزاجها، فالخمر عصير العنب، والماء عصير السّحاب؛ قال اللّه عزّ وجلّ: وَأَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ ماءً ثَجَّاجاً
انصرفوا إذا شئتم.
غناؤه لحنا على مثال لحن لمخارق:
أخبرني محمد بن يحيى قال حدّثني أحمد بن يزيد المهلّبيّ عن أبيه قال:
غنّى مخارق يوما بحضرة الواثق:
حتى إذا الليل خبا ضوءه ... وغابت الجوزاء والمرزم [2]
/خرجت والوطء خفيّ كما ... ينساب من مكمنه الأرقم
فاستملح الواثق الشعر واللحن، فصنع في نحوه:
قالت إذا الليل دجا فأتنا ... فجئتها حين دجا الليل
خفيّ وطء الرّجل من حارس ... ولو درى حلّ بي الويل
ولحنه فيه من الرّمل. وصنع فيه الناس ألحانا بعده: منها لعريب خفيف رمل، ومنها ثقيل أوّل لا أعلم لمن هو؛ وسمعت ذكاء ومحمد بن إبراهيم قريضا يغنّيانه وذكرا أنهما أخذاه عن أحمد بن أبي العلاء، ولا أدري لمن هو.
تحدّث إسحاق إليه بقصة أعرابيّ عاشق وغنى في شعره فوصله ووصل الأعرابيّ:
حدّثني محمد بن مزيد بن أبي الأزهر قال حدّثنا حمّاد بن إسحاق قال حدّثني أبي قال:
سرت إلى سرّمن رأى بعد قدومي من الحجّ، فدخلت إلى الواثق فقال: بأي شيء أطرفتني من أحاديث الأعراب وأشعارهم؟ فقلت: يا أمير المؤمنين جلس إليّ فتى من الأعراب في بعض المنازل، فحادثني فرأيت منه أحلى ما رأيت من الفتيان منظرا وحديثا وأدبا. فاستنشدته فأنشدني:
سقى العلم الفرد الذي في ظلاله ... غزالان مكحولان مؤتلفان
إذا أمنا التفّا بجيدي تواصل ... وطرفاهما للرّيب مسترقان [3]
أرغتهما ختلا فلم أستطعهما ... ورميا ففاتاني وقد قتلاني
ثم تنفّس تنفّسا ظننت أنه قد قطع حيازيمه. فقلت: مالك بأبي أنت؟ فقال: إن لي وراء هذين الجبلين شجنا، وقد حيل بيني وبين المرور به ونذروا دمي، وأنا أتمتّع بالنظر إلى الجبلين تعلّلا بهما إذا قدم الحاجّ، ثم يحال بيني وبين ذلك. فقلت له: زدني مما قلت في ذلك. فأنشدني:
/إذا ما وردت الماء في بعض أهله ... حضور فعرّض بي كأنّك مازح
__________
[1] الرواية المتقدمة في البيت: « ... عاطيتني».
[2] الجوزاء: برج في السماء، سميت بذلك لأنها معترضة في جوز السماء أي وسطها. والمرزمان: نجمان مع الشعريين.
[3] الاستراق: اختلاس النظر والسمع، ومثله التسرق والمسارقة.
فإن سألت عنّي حضور فقل لها ... به غبّر [1] من دائه وهو صالح
فأمرني الواثق فكتبت له الشعرين. فلمّا كان بعد أيّام دعاني فقال: قد صنع بعض عجائز دارنا الشعرين لحنا فاسمعه، فإن ارتضيته أظهرناه وإن رأيت فيه موضع إصلاح أصلحته. فغنّي لنا من وراء الستار، فكان في نهاية الجودة، وكذلك كان يفعل إذا صنع شيئا. فقلت له: أحسن واللّه صانعه يا أمير المؤمنين ما شاء!. فقال: بحياتي؟
فقلت: وحياتك،/ وحلفت له بما وثق به، وأمر لي برطل فشربته، ثم أخذ العود فغنّاه ثلاث مرات، وسقاني ثلاثة أرطال وأمر لي بثلاثين ألف درهم. فلما كان بعد أيّام دعاني فقال: قد صنع أيضا عندنا في الشعر الآخر، وأمر فغنّي به؛ فكانت حالي فيه مثل الحال في الأوّل. فلما استحسنته وحلفت له على جودته ثلاث مرات، سقاني ثلاثة أرطال وأمر لي بثلاثين ألف درهم. ثم قال لي: هل قضيت حقّ هديّتك؟ فقلت: نعم يا أمير المؤمنين؛ فأطال اللّه بقاءك، وتمّم نعمتك، ولا أفقدنيها منك وبك. ثم قال: لكنك لم تقض حقّ جليسك الأعرابيّ ولا سألتني معونته على أمره، وقد سبقت مسألتك وكتبت بخبره إلى صاحب الحجاز وأمرته بإحضاره، وخطبت المرأة له وحمل صداقها إلى قومها عنه من مالي. فقبّلت يديه وقلت: السّبق إلى المكارم لك، وأنت أولى بها من عبدك ومن سائر الناس.
نسبة ما في هذه الأخبار من الأغاني:
منها الصوتان اللذان في الأخبار المتقدّمة.
صوت
حتى إذا الليل خبا ضوءه ... وغابت الجوزاء والمرزم
أقبلت والوطء خفيّ كما ... ينساب من مكمنه الأرقم
ذكر يحيى المكيّ أنّ اللحن لابن سريج رمل بالسبّابة في مجرى البنصر، وذكر الهشاميّ أنه منحول.
طرب شيخ لسماع مغنية فرمى بنفسه في الفرات:
فأخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن عمّار وإسماعيل بن يونس وغيرهما قالوا حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثني إسحاق بن إبراهيم عن ابن كناسة قال:
إصطحب شيخ مع شباب في سفينة في الفرات ومعهم مغنّية. فلمّا صاروا في بعض الطريق قالوا للشيخ: معنا جارية لبعضنا وهي مغنّية، فأحببنا أن نسمع غناءها فهبناك، فإن أذنت لنا فعلنا. قال: أنا أصعد إلى طلل [2] السفينة، فاصنعوا أنتم ما شئتم. فصعد، وأخذت الجارية عودها فغنّت:
حتى إذا الصبح بدا ضوءه ... وغابت الجوزاء والمرزم
أقبلت والوطء خفيّ كما ... ينساب من مكمنه الأرقم
__________
[1] غبر الشي ء: بقيته.
[2] في الأصول: «ظلال السفينة» بالظاء المعجمة. والتصويب عن كتب اللغة. وطلل السفينة: جلالها، وهو غطاء تغشى به كالسقف للبيت.
فطرب الشيخ وصاح ثم رمى بنفسه بثيابه في الفرات، وجعل يغوص في الفرات ويطفو ويقول: أنا الأرقم! أنا الأرقم! فألقوا أنفسهم خلفه، فبعد لأي ما استخرجوه، وقالوا له: يا شيخ، ما حملك على ما صعنت؟ فقال: إليكم عنّي! فإنّي واللّه أعرف من معاني الشعر ما لا تعرفون. وقال إسماعيل في خبره/ فقلت له: ما أصابك؟ فقال: دبّ شيء من قدمي إلى رأسي كدبيب النمل ونزل في رأسي مثله، فلمّا وردا على قلبي لم أعقل ما عملت.
وأمّا ما في الخبر من الصّنعة في: «قالت إذا الليل دجا» فإنّ لحن الواثق هو المشهور، وما وجدت في كتب «الأغاني» غيره، بل سمعت محمد بن إبراهيم المعروف بقريض وذكاء وجه الرّزّة يغنّيان فيه لحنا من الثقيل الأوّل المذموم؛ فسألتهما عن صانعه فلم يعرفاه، وذكرا جميعا أنّهما أخذاه/ عن أحمد بن أبي العلاء.
علمه بالغناء وعدد أصواته وذكر المشهور منها:
وأخبرني الصولي عن أحمد بن محمد بن إسحاق عن حمّاد بن إسحاق قال:
كان الواثق أعلم الخلفاء بالغناء، وبلغت صنعته مائة صوت، وكان أحذق من غنّى بضرب العود. قال: ثم ذكرها فعدّ منها:
يفرح الناس بالسّماع وأبكي ... أنا حزنا إذا سمعت السّماعا
ولها في الفؤاد صدع مقيم ... مثل صدع الزّجاج أعيا الصّناعا
الشعر للعبّاس بن الأحنف. والغناء للواثق خفيف ثقيل. وفيه لأبي دلف خفيف رمل.
ومنها:
ألا أيّها النفس التي كادها الهوى ... أفأنت إذا رمت السّلوّ غريمي
أفيقي فقد أفنيت صبري أو اصبري ... لما قد لقيتيه عليّ ودومي
الشعر والغناء للواثق خفيف رمل.
ومنها:
سقى العلم الفرد الذي في ظلاله ... غزالان مكحولان مؤتلفان
أرغتهما ختلا فلم أستطعهما ... ورميا ففاتاني وقد قتلاني
/ الغناء للواثق ثقيل أوّل. وفيه لإسحاق رمل وهو من غريب صنعته، يقال إنه صنعته بالرّقّة.
ومنها:
كلّ يوم قطيعة وعتاب ... ينقضي دهرنا ونحن غضاب
ليت شعري أنا خصصت بهذا ... دون ذا الخلق أم كذا الأحباب
فاصبر النفس لا تكونن جزوعا ... إنما الحبّ حسرة وعذاب
فيه للواثق رمل، ولزرزور ثقيل أوّل، ولعريب هزج.
ومنها:
ولم أر ليلى بعد موقف ساعة ... بخيف منى ترمي جمار المحصّب
ويبدي الحصى منها إذا قذفت به ... من البرد أطراف البنان المخضّب
فأصبحت من ليلى الغداة كناظر ... مع الصبح في أعقاب نجم مغرّب
ألا إنما غادرت يا أمّ مالك ... صدى أينما تذهب به الريح يذهب
الصنعة في هذا الشعر ثقيل أوّل وهو لحن الواثق فيما أرى. ونسبه حبش، وهو قليل التحصيل، إلى ابن محرز في موضع، وإلى سليم في موضع آخر، وإلى معبد في موضع ثالث.
ومنها:
أمست وشاتك قد دبّت عقاربها [1] ... وقد رموك بعين الغشّ وابتدروا
تريك أعينهم ما في صدورهم ... إنّ الصدور يؤدّي غيبها النظر
الشعر للمجنون. والغناء للواثق ثاني ثقيل. وفيه لمتيّم ثقيل أوّل. وقد نسب لحن كل واحد منهما إلى الآخر.
/ ومنها:
عجبت لسعي الدهر بيني وبينها ... فلمّا انقضى ما بيننا سكن الدهر
فيا هجر ليلى قد بلغت بي المدى ... وزدت على ما لم يكن بلغ الهجر
الغناء للواثق رمل. وفيه لمعبد ثاني ثقيل بالوسطى، ولابن سريج ثقيل أوّل بالبنصر،/ ولعريب ثقيل أوّل آخر.
ومنها:
كأنّ شخصي وشخصه حكيا ... نظام نسرينتين في غصن
فليت ليلي وليله أبدا ... دام ودمنا به فلم نبن
الشعر أظنّه لعليّ بن هشام أو لمراد [2]. ولحن الواثق فيه ثقيل أوّل. وفيه لعريب ثقيل أوّل آخر. وفيه لأبي عيسى بن الرشيد ولمتيّم لحنان لم يقع إليّ جنسهما.
ومنها:
أهابك إجلالا وما بك قدرة ... عليّ ولكن ملء عين حبيبها
وما فارقتك النفس يا ليل أنها ... قلتك ولكن قلّ منك نصيبها
لحن الواثق فيه ثقيل أوّل مطلق في مجرى الوسطى. وفيه لغيره لحن.
ومنها [3]:
في فمي ماء وهل ين ... طق من في فيه ماء!
أنا مملوك لمملو ... ك عليه الرّقباء
__________
[1] لو كان: «عقاربهم» لا تحدث الضمائر.
[2] مراد: شاعرة علي بن هشام وهي التي رثته لما قتله المأمون. (راجع ص 304 من الجزء السابع من هذه الطبعة).
[3] في الأصول: «و منه».
كنت حرّا هاشميّا ... فاسترقّتني الإماء
وسباني من له كا ... ن على الكره السّباء
/ أحمد اللّه على ما ... ساقه نحوي القضاء
ما بعينيّ دموع ... أنفد الدمع البكاء
الغناء للواثق رمل.
ومنها [1]:
أيّ عون على الهموم ثلاث ... مترعات [2] من بعدهنّ ثلاث
بعدها أربع تتمّة عشر ... لا بطاء لكنهنّ حثاث
فيه رمل ينسب إلى الواثق وإلى متيّم.
ومنها [1]:
أيا عبرة العينين قد ظمىء الحدّ ... فما لكما من أن تلمّا به بدّ
ويا مقلة قد صار يبغضها الكرى ... كأن لم يكن من قبل بينهما ودّ
لئن كان طول العهد أحدث سلوة ... فموعد بين العين والعبرة الوجد [3]
وما أنا إلّا كالذين تخرّموا ... على أنّ قلبي من قلوبهم فرد
الشعر والغناء للواثق رمل. وفيه لأبي حشيشة هزج، ذكر ذلك الهشاميّ الملقّب بالمسك، وأخبرني جحظة أنه للمسدود. وأخبرني جحظة أن من صنعة أبي حشيشة في شعر الواثق خفيف رمل وهو:
سألته حويجة فأعرضا ... وعلق القلب به ومرضا
فاستلّ منّي سيف عزم منتضى ... فكان ما كان وكابرنا القضا
قال: وفي هذا الشعر أيضا بعينه للواثق رمل، ولقلم الصالحيّة فيه هزج. وقد غلط جحظة في هذا الشعر، وهو لسعيد بن حميد مشهور، وله فيه خبر قد ذكرناه في موضعه [4].
غاضبه خادم له فقال فيه شعرا غنى فيه:
أخبرني عمّي عن عليّ بن محمد بن نصر عن جدّه [5] ابن حمدون عن أبيه حمدون بن إسماعيل قال:
كان الواثق يحبّ خادما له كان أهدي إليه من مصر، فغاضبه يوما وهجره، فسمع الخادم يحدّث/ صباحا له
__________
[1] في الأصول: «و منه».
[2] كذا في ج. وفي سائر الأصول: «متبعات».
[3] الوجد: اللقاء.
[4] راجع الجزء السابع عشر من «الأغاني» ص 2 - 9 طبع بولاق.
[5] كذا في الأصول. والمعروف أن ابن حمدون خال علي بن محمد بن نصر لا جدّه. (راجع «الاستدراك الأول» في الجزء الخامس ص 537 من هذه الطبعة).
بحديث أغضبه عليه، إلى أن قال له: واللّه إنه ليجهد منذ أمس على أن أصالحه فما أفعل. فقال الواثق في ذلك:
يا ذا الذي بعذابي ظلّ مفتخرا ... هل أنت إلّا مليك جار إذ قدرا
لو لا الهوى لتجازينا على قدر ... وإن أفق مرّة منه فسوف ترى
قال: وغنّى الواثق وعلّويه فيه لحنين، ذكر الهشاميّ أن لحن الواثق خفيف ثقيل، وفي أغاني علّويه: لحنه في هذا الشعر خفيف رمل.
غنى في شعر لعلي بن الجهم:
حدّثني الصّوليّ قال حدّثني بن أبي العيناء عن أبيه عن إبراهيم بن الحسن بن سهل قال:
كنّا وقوفا على رأس الواثق في أوّل مجالسه التي جلسها لمّا ولي الخلافة، فقال: من ينشدنا شعرا قصيرا مليحا؟ فحرصت على أن أعمل شيئا فلم يجئني، فأنشدته لعليّ بن الجهم:
لو تنصّلت إلينا ... لوهبنا لك ذنبك
ليتني أملك قلبي ... مثلما تملك قلبك
أيّها الواثق بالل ... ه لقد ناصحت ربّك
سيّدي ما أبغض العي ... ش إذا فارقت قربك
أصبحت حجّتك العلي ... ا وحزب اللّه حزبك
/ فاستحسنها وقال: لمن هذه؟ فقلت: لعبدك عليّ بن الجهم. فقال: خذ ألف دينار لك وله؛ وصنع فيها لحنا كنّا نغنّي به بعد ذلك.
يوم له مع المغنين بسر من رأى:
أخبرني محمد بن يحيى بن أبي عبّاد قال حدّثني أبي قال:
لما خرج المعتصم إلى عمّوريّة استخلف الواثق بسرّ من رأى، فكانت أموره كلّها كأمور أبيه. فوجّه إلى الجلساء والمغنّين أن يبكّروا إليه يوما حدّد لهم، ووجّه إلى إسحاق، فحضر الجميع. فقال لهم الواثق: إني عزمت على الصّبوح، ولست أجلس على سرير حتى أختلط بكم ونكون كالشيء الواحد، فاجلسوا معي حلقة، وليكن كلّ جليس إلى جانبه مغنّ، فجلسوا كذلك. فقال الواثق: أنا أبدأ؛ فأخذ عودا فغنّى وشربوا وغنّى من بعده، حتى انتهي إلى إسحاق فأعطي العود فلم يأخذه. فقال: دعوه. ثم غنّوا دورا آخر. فلما بلغ الغناء إلى إسحاق لم يغنّ، وفعل هذا ثلاث مرّات. فوثب الواثق فجلس على سريره وأمر الناس فأدخلوا، فما قال لأحد منهم: اجلس. ثم قال: عليّ بإسحاق!. فلما رآه قال: يا خوزيّ يا كلب! أتنزّل لك وأغنّي وترتفع عنّي! أترى لو أنّي قتلتك كان المعتصم يقيدني بك! ابطحوه! فبطح فضرب ثلاثين مقرعة ضربا خفيفا، وحلف ألّا يغنّي سائر يومه سواه. فاعتذر وتكلّمت الجماعة فيه، فأخذ العود وما زال يغنّي حتى انقضى ذلك اليوم، وعاد الواثق إلى مجلسه.
شعره في خادم يهواه:
وجدت في بعض الكتب عن ابن المعتزّ قال: كان الواثق يهوى خادما له فقال فيه:
سأمنع قلبي من مودّة غادر ... تعبّدني خبثا بمكر مكاشر
خطبت إليه الوصل خطبة راغب ... فلاحظني زهوا بطرف مهاجر
قال أبو العبّاس عبد اللّه بن المعتزّ: وللواثق في هذا الشعر لحن من الثقيل الأوّل.
ألقى على غلمانه صوتا فأخذوه عنه:
/ أخبرني محمد بن يحيى قال حدّثني الحسين بن يحيى أبو الحمار قال حدّثني عبد أمّ غلام الواثق قال:
دعا بنا الواثق مع صلاة الغداة وهو يستاك فقال: خذوا هذا الصوت، ونحن عشرون غلاما كلّنا يغنّي ويضرب، ثم ألقى علينا:
أشكو إلى اللّه ما ألقى من الكمد ... حسبي بربّي فلا أشكو إلى أحد
فما زال يردّده حتى أخذناه عنه.
نسبة هذا الصوت
أشكو إلى اللّه ما ألقى من الكمد ... حسبي بربّي فلا أشكو إلى أحد
أين الزمان الذي قد كنت ناعمة ... مهلّة بدنوّي منك يا سندي
وأسأل اللّه يوما منك يفرحني ... فقد كحلت جفون العين بالسّهد
شوقا إليك وما تدرين ما لقيت ... نفسي عليك وما بالقلب من كمد
الغناء للواثق ثقيل أوّل بالبنصر. وفيه لعريب أيضا ثقيل أوّل بالوسطى.
كان إسحاق يصحح له غناءه:
أخبرني أحمد بن جعفر جحظة قال حدّثني محمد بن أحمد المكّيّ قال حدّثني أبي قال:
كان الواثق يعرض صنعته على إسحاق، فيصلح الشيء بعد الشيء ممّا يخفى على الواثق؛ فإذا صحّحه أخرجه إلينا وسمعناه.
أمر مخارقا وعلويه وعريب أن يعارضوا لحنا له:
حدّثنا جحظة قال حدّثني حمّاد بن إسحاق قال حدّثني مخارق قال:
لمّا صنع الواثق لحنه في:
حوراء ممكورة [1] منعّمة ... كأنما شفّ وجهها نزف
/ وصنع لحنه في «سأذكر سربا طال ما كنت فيهم» أمرني وعلّويه وعريب أن نعارض صنعته فيهما؛ ففعلنا واجتهدنا ثم غنّيناه. فضحك فقال: أمنّا معكم أن نجد من يبغّض إلينا صنعتنا كما بغّض إسحاق إلينا «أيا منشر الموتى». قال حمّاد: هذا آخر لحن صنعه أبي. يعني الذي عارض به لحن الواثق في «أيا منشر الموتى».
__________
[1] الممكورة: المدمجة الخلق من النساء، وقيل: المستديرة الساقين. وقوله: «كأنما شف وجهها نزف» يريد أنها رقيقة المحاسن وكأن دمها ودم وجهها نزف. والمرأة أحسن ما تكون غب نفاسها لأنه يكون قد ذهب تهيج الدم فتصير رقيقة المحاسن.
غناه إسحاق صوتا فتطير به:
أخبرني جحظة قال حدّثني حمّاد بن إسحاق عن أبيه قال:
دخلت يوما إلى الواثق وهو مصطبح، فقال لي: غنّي يا إسحاق بحياتك عليك صوتا غريبا لم أسمعه منك حتى أسرّ به بقيّة يومي. فكأن اللّه أنساني الغناء كلّه إلّا هذا الصوت:
يا دار إن كان البلى قد محاك ... فإنه يعجبني أن أراك
أبكي الذي قد كان لي مألفا ... فيك فأتي الدار من أجل ذاك
- والغناء في هذا اللحن للأبجر رمل بالوسطى عن ابن المكّيّ وهو الصواب، وذكر عمرو بن بانة أنه لسليم - قال فتبينت الكراهية في وجهه، وندمت على ما فرط منّي. وتجلّد فشرب رطلا كان في يده، وعدلت عن الصوت إلى غيره. فكان واللّه ذلك اليوم آخر جلوسي معه.
وممّن حكي عنه أنه صنع في شعره وشعر غيره المنتصر
(غناه المنتصر:) فإنّي ذكرت ما روي عنه أنه غنّى فيه على سوء العهدة في ذلك وضعف الصنعة، لئلا يشذّ عن الكتاب شيء قد روي وقد تداوله الناس. فممّا ذكر عنه أنه غنّى فيه:
صوت
سقيت كأسا كشفت ... عن ناظريّ الخمرا
فنشّطتني ولقد ... كنت حزينا خاثرا
الشعر للمنتصر، وهو شعر ضعيف ركيك إلّا أنه يغنّي فيه.
كان متحلفا في قول الشعر ومتقدما في غيره وكان يغني قبل الخلافة:
وحدّثني الصّوليّ عن أحمد بن يزيد المهلّبي عن أبيه قال:
كان طبع المنتصر متخلّفا في قول الشعر وكان متقدّما في كل شيء غيره؛ فكان إذا قال شعرا صنع فيه وأمر المغنّين بإظهاره، وكان حسن العلم بالغناء. فلمّا ولي الخلافة قطع ذلك وأمر بستر ما تقدّم منه. من ذلك صنعته في شعره وهو من الثقيل الأوّل المذموم:
سقيت كأسا كشفت ... عن ناظريّ الخمرا
قال: ومن شعره الذي غنّى فيه ولحنه ثاني ثقيل:
صوت
متى ترفع الأيّام من وضعنه ... وينقاد لي دهر عليّ جموح
أعلّل نفسي بالرجاء وإنني ... لأغدو على ما ساءني وأروح
قال: وكان أبي يستجيد هذين البيتين ويستحسنهما. ونذكرها هنا شيئا من أخبار المنتصر في هذا المعنى دون غيره أسوة ما فعلنا في نظرائه.
أراد الشرب علانية فجاء الناس ليروه فقال شعرا فتفرقوا:
أخبرني محمد بن يحيى الصّوليّ قال حدّثني محمد بن يحيى بن أبي عبّاد قال حدّثني أبي قال:
أراد المنتصر أن يشرب في الزّقاق، فوافى الناس من كل وجه ليروه ويخدموه؛ فوقف على شاطىء دجلة وأقبل على الناس فقال:
لعمري لقد أصحرت خيلنا ... بأكناف دجلة للملعب
والشعر «بأكناف دجلة للمصعب» ولكنّه غيّره لأنه تطيّر من ذكر المصعب -
فمن يك منّا يبت آمنا ... ومن يك من غيرنا يهرب
قال: فعلم أنه يريد الخلوة بالنّدماء والمغنّين، فانصرفوا، فلم يبق معه إلّا من يصلح للأنس والخدمة.
جفا يزيد المهلبي لاختصاصه بالمتوكل ثم عفا عنه وأكرمه:
حدّثني الصّوليّ قال حدّثني أحمد بن يزيد المهلّبيّ قال: كان أبي أخصّ الناس بالمنتصر، وكان يجالسه قبل مجالسته المتوكّل. فدخل المتوكّل يوما على المنتصر على غفلة، فسمع كلامه فاستحسنه، فأخذه إليه وجعله في جلسائه. وكان المنتصر يريد منه أن يلازمه كما كان، فلم يقدر على ذلك لملازمته أباه؛ فعتب عليه لتأخّره عنه على ثقة بمودّة وأنس به. فلما أفضت إليه الخلافة استأذن عليه؛ فحجبه وأمر بأن يعتقل في الدار فحبس أكثر يومه. ثم أذن له فدخل وسلّم وقبّل الأرض بين يديه ثم قبّل يده، فأمره بالجلوس؛ ثم التفت إلى بنان بن عمرو وقال له: غنّ، وكان العود في يده:
غدرت ولم أغدر وخنت ولم أخن ... ورمت بديلا بي ولم أتبدّل
- قال: والشعر للمنتصر - فغنّاه بنان. وعلم أبي أنه أراده بذلك فقام فقال: واللّه ما اخترت/ خدمة غيرك ولا صرت إليها إلّا بعد إذنك. فقال: صدقت؛ إنما قلت هذا مازحا؛ أتراني أتجاوز بك حكم اللّه عزّ وجلّ إذ يقول: وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَاتُمْ بِهِ وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً
ثم استأذنه في الإنشاد فأذن له فأنشده:
ألا يا قوم قد برح الخفاء ... وبان الصبر منّي والعزاء
تعجّب صاحبي لضياع مثلي ... وليس لداء محروم دواء
جفاني سيّد قد كان برّا ... ولم أذنب فما هذا الجفاء
حللت بداره وعلمت أنّي ... بدار لا يخيب بها الرجاء
فلمّا شاب رأسي في ذراه ... حجبت بعقب ما بعد اللّقاء [1]
فإن [2] تنأى ستور الإذن عنّا ... فما نأت المحبّة والثناء
__________
[1] كذا في أ. وفي سائر الأصول: «ما يعد الرخاء» وهو تحريف.
[2] في ح: «تثني».
/
وإن يك كادني ظلما عدوّ ... فعند البحث ينكشف الغطاء
ألم تر أنّ بالآفاق منّا ... جماجم حشو أقبرها الوفاء
وقد وصف الزمان لنا زياد [1] ... وقال مقالة فيها شفاء
ألا يا ربّ مغموم سيحظى ... بدولتنا ومسرور يساء
أمنتصر الخلائف جدت فينا ... كما جادت على الأرض السماء
وسعت الناس عدلا فاستقاموا ... بأحكام عليهنّ الضياء
وليس يفوتنا ما عشت خير ... كفانا أن يطول لك البقاء
قال: فقال له المنتصر: واللّه إنك لمن ذوي ثقتي وموضع اختياري، ولك عندي الزّلفى، فطب نفسا. قال ووصلني بثلاثة آلاف دينار.
شعر الحسين بن الضحاك فيه:
حدّثني الصّولي قال حدّثني عون بن محمد الكنديّ قال:
لمّا ولي المنتصر الخلافة دخل عليه الحسين بن الضحّاك فهنّأه بالخلافة وأنشده:
تجدّدت الدنيا بملك محمد ... فأهلا وسهلا بالزمان المجدّد
هي الدولة الغرّاء راحت وبكّرت ... مشهّرة [2] بالرّشد في كل مشهد
لعمري لقد شدّت عرا الدّين بيعة ... أعزّ بها الرحمن كلّ موحّد
هنتك أمير المؤمنين خلافة ... جمعت بها أهواء أمّة أحمد
قال: فأظهر إكرامه والسرور به، وقال له: إن في بقائك بهاء للملك، وقد ضعفت عن الحركة، فكاتبني بحاجاتك ولا تحمل على نفسك بكثرة الحركة. ووصله بثلاثة آلاف دينار ليقضي بها دينا بلغه أنه عليه.
/ قال: وقال الحسين بن الضحّاك فيه وقد ركب الظهور وراءه الناس، وهو آخر شعر قاله:
ألا ليت شعري أبدر بدا ... نهارا أم الملك المنتصر
إمام تضمّن أثوابه ... على سرجه قمرا من بشر
حمى اللّه دولة سلطانه ... بجند القضاء وجند القدر
فلا زال ما بقيت مدّة ... يروح بها الدهر أو يبتكر
/ قال: وغنّى فيه بنان وعريب.
__________
[1] يريد زياد ابن أبيه وهو معروف.
[2] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «مشمرة».
شعر يزيد المهلبي فيه:
حدّثني الصّوليّ قال حدّثني أحمد بن يزيد المهلّبيّ قال: أوّل قصيدة أنشدها أبي في المنتصر بعد أن ولي الخلافة:
ليهنك ملك بالسعادة طائره ... موارده محمودة ومصادره
فأنت الذي كنّا مرجّي فلم نخب ... كما يرتجى من واقع الغيب باكره
بمنتصر باللّه تمّت أمورنا ... ومن ينتصر باللّه فاللّه ناصره
فأمر المنتصر عريب أن تغنّي نشيدا في أوّل الأبيات وتجعل البسيط في البيت الأخير؛ فعملته وغنّته به.
حدّثني الصّوليّ قال حدّثني أحمد بن يزيد قال: صلّى المنتصر بالناس في الأضحى سنة سبع وأربعين ومائتين؛ فأنشده أبي لمّا انصرف:
ما استشرف الناس عيدا مثل عيدهم ... مع الإمام الذي باللّه ينتصر
غدا بجمع كجنح الليل يقدمه ... وجه أغرّ كما يجلو الدّجى القمر
يؤمّهم صادع بالحق أحكمه ... حزم وعلم بما يأتي وما يذر
لو خيّر الناس فاختاروا لأنفسهم ... أحظّ منك لما نالوه ما قدروا
قال: فأمر له بألف دينار، وتقدّم إلى ابن المكّيّ أن يغنّي في الأبيات.
غناه بنان بن عمرو بشعر مروان فأمره ألا يغني في شعر آل أبي حفصة:
حدّثني الصّوليّ قال حدّثني الحسين بن يحيى قال حدّثني بنان بن عمرو المغنّي قال: غنّيت يوما بين يدي المنتصر:
هل تطمسون من السماء نجومها ... بأكفّكم أو تسترون هلالها
فقال لي: إيّاك وأن تغنّي بحضرتي هذا الصوت وأشباهه، فما أحبّ أن أغنّى إلّا [1] في أشعار آل أبي حفصة خاصّة.
غناء المعتز باللّه:
وممن هذه سبيله في صنعة الغناء المعتزّ باللّه:
فإني لم أجد له منها شيئا إلا ما ذكره الصّوليّ في أخباره؛ فأتيت بما حكاه للعلّة التي قدّمتها من أنّي كرهت أن يخلّ الكتاب بشيء قد دوّنه الناس وتعارفوه. فممّا ذكر أنه غنّى فيه:
صوت
لعمري لقد أصحرت خيلنا ... بأكناف دجلة للمصعب
فمن يك منّا يبت آمنا ... ومن يك من غيرنا يهرب
__________
[1] لعله: «فما أحب أن أغني في أشعار إلخ» بحذف «إلا»؛ لأن هذا البيت من قصيدة مشهورة لمروان بن أبي حفصة مطلعها:
طرقتك زائرة فحي خيالها ... بيضاء تخلط بالجمال دلالها
الشعر لعديّ بن الرّقاع. والغناء للمعتزّ خفيف رمل. وهذه الأبيات من قصيدة لعديّ يقولها في الوقعة التي كانت بين عبد الملك بن مروان والمصعب بن الزّبير بطسّوج [1] مسكن، فقتل فيها مصعب بقرية من مسكن يقال لها دير الجاثليق، وذكرته الشعراء في هذه الأبيات:
لعمري لقد أصحرت خيلنا ... بأكناف دجلة للمصعب
/ يهزّون كلّ طويل القنا ... ة لدن ومعتدل الثّعلب [2]
فداؤك أمّي وأبناؤها ... وإن شئت زدت عليها أبي
وما قلتها رهبة إنما ... يحلّ العقاب على المذنب
/ إذا شئت نازلت مستقتلا ... أزاحم كالجمل الأجرب
فمن يك منّا يبت آمنا ... ومن يك من غيرنا يهرب
__________
[1] الطسوج: القرية أو الناحية. وطسوج مسكن: بالعراق. ودير الجاثليق يقع من طسوج مسكن غربي دجلة قرب بغداد من آخر السواد وأوّل أرض تكريت.
[2] الثعلب هنا: رأس الرمح.
14 - أخبار عديّ بن الرّقاع ونسبه
نسبه:
هو عديّ بن زيد بن مالك بن عديّ بن الرّقاع بن عصر بن عكّ [1] بن شعل [2] بن معاوية بن الحارث وهو عاملة بن عديّ بن الحارث بن مرّة بن أدد. وأمّ معاوية بن الحارث عاملة بنت وديعة من قضاعة، وبها سمّوا عاملة.
ونسبه الناس إلى الرّقاع، وهو جدّ جدّه، لشهرته؛ أخبرني بذلك أبو خليفة عن محمد بن سلّام.
شاعر أموي اختص بالوليد بن عبد الملك جعله ابن سلام في الطبقة الثالثة:
وكان شاعرا مقدّما عند بني أميّة مدّاحا لهم خاصّا بالوليد بن عبد الملك. وله بنت شاعرة يقال لها سلمى، ذكر ذلك ابن النّطّاح. وجعله محمد بن سلّام في الطبقة الثالثة من شعراء الإسلام. وكان منزله بدمشق. وهو من حاضرة الشعراء لا من باديتهم. وقد تعرّض لجرير وناقضه في مجلس الوليد بن عبد الملك، ثم لم تتمّ بينهما مهاجاة، إلّا أنّ جريرا قد هجاه تعريضا في قصيدته:
حيّ الهدملة [3] من ذات المواعيس
ولم يصرّح لأن الوليد حلف إن هو هجاه أسرجه وألجمه وحمله على ظهره، فلم يصرّح بهجائه.
ما جرى بينه وبين جرير في حضرة الوليد بن عبد الملك:
أخبرني أبو خليفة إجازة قال حدّثنا محمد بن سلّام قال أخبرني أبو الغرّاف قال:
دخل جرير على الوليد بن عبد الملك وهو خليفة وعنده عديّ بن الرّقاع العامليّ. فقال الوليد لجرير: أتعرف هذا؟. قال: لا يا أمير المؤمنين. فقال الوليد:/ هذا عديّ بن الرّقاع. فقال جرير: فشرّ الثياب الرّقاع، قال: ممّن هو؟ قال: العامليّ. فقال جرير: هي التي يقول [فيها] اللّه عزّ وجلّ عامِلَةٌ ناصِبَةٌ تَصْلى ناراً حامِيَةً
ثم قال:
يقصّر باع العامليّ عن النّدى ... ولكنّ أير العامليّ طويل
فقال له عديّ بن الرّقاع:
أ أمّك كانت أخبرتك بطوله ... أم انت امرؤ لم تدر كيف تقول
فقال لا! بل أدري كيف أقول. فوثب العامليّ إلى رجل الوليد فقبّلها وقال: أجرني منه. فقال الوليد لجرير: لئن شتمته لأسرجنّك ولألجمنّك حتى يركبك فيعيّرك الشعراء بذلك. فكنى جرير عن اسمه فقال:
__________
[1] كذا في الأصول. وفي شرح «القاموس» مادة (رقع): «عدي». وفي «المقتضب» لياقوت (ص 79): «عدة».
[2] كذا في شرح «القاموس» و «و الاشتقاق» لابن دريد و «المقتضب». وفي الأصول: «شغل» بالغين المعجمة، وهو تصحيف.
[3] الهدملة والمواعيس: موضعان.
إني إذا الشاعر المغرور حرّبني ... جار لقبر على مرّان [1] مرموس
قد كان أشوس آباء فورّثنا ... شغبا على الناس في أبنائه الشّوس [2]
أقصر فإنّ نزارا لن يفاضلها [3] ... فرع لئيم وأصل غير مغروس
وابن اللّبون إذا ما لزّ في قرن ... لم يستطع صولة البزل القناعيس
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ قال حدّثنا عمر بن شبّة قال قال أبو عبيدة:
دخل جرير على الوليد بن عبد الملك وعنده عديّ بن الرّقاع العامليّ. فقال له الوليد: أتعرف هذا؟ قال: لا، فمن هو؟ قال: هذا ابن الرّقاع. قال فشرّ الثياب الرّقاع، فممّن هو؟ قال: من عاملة. قال: أمن التي قال اللّه تعالى فيها: عامِلَةٌ ناصِبَةٌ تَصْلى ناراً حامِيَةً
!. فقال الوليد: واللّه ليركبنّك! / لشاعرنا ومادحنا والراثي لأمواتنا تقول هذه المقالة!! يا غلام بإكاف [4] ولجام. فقام إليه عمر بن الوليد فسأله أن يعفيه فأعفاه. فقال: واللّه لئن هجوته لأفعلنّ ولأفعلنّ. فلم يصرّح بهجائه وعرّض، فقال قصيدته التي أوّلها:
حيّ الهدملة من ذات المواعيس
وقال فيها يعرّض به:
قد جرّبت عركتي في كلّ معترك ... غلب الأسود فما بال الضّغابيس [5]
فضل جرير عليه كثيرا في مجلس بعض الخلفاء:
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثني الزّبير بن بكّار قال حدّثني سليمان بن عيّاش السّعديّ قال:
ذكر كثيّر وعديّ بن الرّقاع العامليّ في مجلس بعض خلفاء بني أميّة، فامتروا فيهما أيّهما أشعر وفي المجلس جرير. فقال جرير: لقد قال كثيّر بيتا هو أشهر وأعرف في الناس من عديّ بن الرّقاع نفسه؛ ثم أنشد قول كثيّر:
أ أن زمّ أجمال وفارق جيرة ... وصاح غراب البين أنت حزين
قال: فحلف الخليفة لئن كان عديّ بن الرّقاع أعرف في الناس من بيت كثيّر ليسرجنّ جريرا وليلجمنّه وليركبنّ عديّ بن الرّقاع على ظهره. فكتب إلى واليه بالمدينة: إذا فرغت من خطبتك فسل الناس من الذي يقول:
أ أن زمّ أجمال وفارق جيرة ... وصاح غراب البين أنت حزين
وعن نسب ابن الرّقاع. فلمّا فرغ الوالي من خطبته قال: إنّ أمير المؤمنين كتب إليّ أن أسألكم من الذي يقول:
أ أن زمّ أجمال وفارق جيرة
__________
[1] أراد قبر تميم بن مر يمرّان على أربع مراحل من مكة إلى البصرة. وحربني: أغضبني، يقال: منه حرب الرجل يحرب حربا (من باب فرح).
[2] الشوس (بالتحريك): التكبر والنظر بمؤخر العين.
[3] كذا في «ديوانه» المخطوط. وفي أكثر الأصول: «لن يفاخركم». وفي س: «لن يفاخرهم».
[4] الإكاف: برذعة الحمار.
[5] الغلب: جمع أغلب وهو الغليظ الرقبة. والضغابيس: جمع ضغبوس وهو الضعيف.
/ قال: فابتدروا من كل وجه يقولون: كثيّر كثيّر. ثم قال: وأمرني أن أسأل عن نسب ابن الرّقاع؛ فقالوا: لا ندري؛ حتى قام أعرابيّ من مؤخّر المسجد فقال: هو من عاملة.
نقد محمد بن المنجم بيتا من شعره:
أخبرنا يحيى بن عليّ بن يحيى عن أبيه قال قال لي محمد بن المنجّم: ما أحد ذكر لي فأحببت أن أراه فإذا رأيته أمرت بصفعه إلا عديّ بن الرّقاع. قلت: ولم ذلك؟ قال: لقوله:
وعلمت حتى ما أسائل عالما ... عن علم واحدة لكي أزدادها
فكنت أعرض عليه أصناف العلوم، فكلما مرّ به شيء لا يحسنه أمرت بصفعه.
جاءه شعراء ليعارضوه فردت عليهم بنته فأفحمتهم:
حدّثني إبراهيم بن محمد بن أيّوب قال حدّثنا عبد اللّه بن مسلم قال:
كان عديّ بن الرّقاع ينزل بالشام، وكانت له بنت تقول الشعر. فأتاه ناس من الشعراء ليماتنوه [1] وكان غائبا؛ فسمعت بنته وهي صغيرة لم تبلغ دور وعيدهم، فخرجت إليهم وأنشأت تقول:
تجمّعتم من كل أوب وبلدة ... على واحد لا زلتم قرن واحد
فأفحمتهم:
كان من أوصف الشعراء للمطية:
وقال عبد اللّه بن مسلم:
وممّا ينفرد به ويقدّم فيه وصف المطيّة؛ فإنه كان من أوصف الشعراء لها.
استحسن أبو عمرو شعره:
حدّثني أحمد بن عبيد اللّه بن عمّار قال حدّثنا محمد بن عبّاد بن موسى قال: كنت عند أبي عمرو أعرض أو يعرض عليه رجل بحضرتي من شعر عديّ بن الرّقاع، وقرأت أو قرأ هذه الأبيات:
/لو لا الحياء وأنّ رأسي قد عسا [2] ... فيه المشيب لزرت أمّ القاسم
/ وكأنها وسط النساء أعارها ... عينيه أحور من جآذر جاسم
وسنان أقصده النّعاس فرنّقت ... في عينه سنة وليس بنائم
فقال أبو عمرو: أحسن واللّه!. فقال رجل كان يحضر مجلسه أعرابيّ كأنه مدنيّ: أما واللّه لو رأيته مشبوحا بين أربعة وقضبان الدّفلى [3] تأخذه لكنت أشدّ له استحسانا. يعني إذا كان يغنّي به على العود.
__________
[1] ماتنه في الشعر: عارضه.
[2] عسا: اشتد.
[3] الدفلي: نبت مرّ زهره كالورد الأحمر وحمله كالخروب
استحسن أبو عبيدة بيتا له:
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثني محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدّثني عبد اللّه بن أبي سعد عن عليّ بن المغيرة قال:
كان أبو عبيدة يستحسن بيت عديّ بن الرّقاع:
وسنان أقصده النّعاس فرنّقت ... في عينه سنة وليس بنائم
جدّا ويقول: ما قال أحد في مثل هذا المعنى أحسن منه في هذا الشعر. وفي هذا الشعر غناء، نسبته:
صوت
لو لا الحياء وأن رأسي قد عسا ... فيه المشيب لزرت أمّ القاسم
وكأنّها وسط النساء أعارها ... عينيه أحور من جآذر جاسم
وسنان أقصده النّعاس فرنّقت ... في عينه سنة وليس بنائم
ألمم على طلل عفا متقادم ... بين الذّؤيب [1] وبين غيب النّاعم
/ عروضه من الكامل. الجآذر: جمع جؤذر وهي أولاد البقر الوحشيّة. وجاسم: موضع. ويروى في هذا الشعر «عاسم» مكان «جاسم». والوسنان: النائم، والوسن النوم، الواحدة منه سنة. والتّرنيق: الدنوّ من الشيء يريد أن يفعله، يقال: رنّقت العقاب لصيدها إذا دنت منه، وترنيقها أيضا أن تقصّر عن الخفقان بجناحيها. ويقال: طير مرنّقة إذا جاءت تطير ثم أرادت الوقوع ومدّت أجنحتها فلم تخفق وترجّحت. ويقال للقوم إذا قصّروا في سيرهم، وللسابح إذا قصّر في الخفق بيديه ورجليه: قد رنّقوا ترنيقا. الشعر لعديّ بن الرّقاع. والغناء لابن مسجح خفيف ثقيل أوّل بالسبّابة في مجرى الوسطى عن إسحاق، وفيه ثقيل أوّل بالبنصر ينسب إليه أيضا، وذكر الهشاميّ أنه من منحول يحيى بن المكّيّ إليه.
استحسن أبو عمرو شعره واستحسن مدني الغناء به:
أخبرني محمد بن يحيى الصّوليّ قال حدّثني محمد بن عبد اللّه المعروف بالحزنبل عن عمرو بن أبي عمرو قال:
كنت عند أبي ورجل يقرأ عليه شعر عديّ بن الرّقاع. فلما قرأ عليه القصيدة التي يقول فيها:
لو لا الحياء وأنّ رأسي قد عسا ... فيه المشيب لزرت أمّ القاسم
قال أبي: أحسن واللّه عديّ بن الرّقاع!. قال: وعنده شيخ مدنيّ جالس، فقال الشيخ: واللّه لئن كان عديّ أحسن لما أساء أبو عبّاد. قال أبي: ومن هو أبو عبّاد؟ قال: معبد. واللّه لو سمعت لحنه في هذا الشعر لكان طربك أشدّ واستحسانك له أكثر. فجعل أبي يضحك.
__________
[1] كذا في «معجم البلدان» في الكلام عن الذؤيب وغيب الناعم. وفي الأصول: «الركيك» وهو تحريف. والذؤيب: ماء بنجد لبني دهمان بن نصر بن معاوية. وذكر ياقوت أن غيب الناعم موضع في شعر عدي بن الرقاع، وذكر البيت.
مدح عبيدة بن عبد الرحمن حين عزله الوليد فجفاه الوليد ثم رضي عنه:
أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدّثنا أحمد بن جرير عن محمد بن سلّام قال:
/ عزل الوليد بن عبد الملك عبيدة بن عبد الرحمن عن الأردنّ وضربه وحلقه وأقامه للناس وقال/ للمتوكّلين به: من أتاه متوجّعا وأثنى عليه فأتوني به. فأتى عديّ بن الرّقاع، وكان عبيدة إليه محسنا، فوقف عليه وأنشأ يقول:
فما عزلوك مسبوقا ولكن ... إلى الخيرات سبّاقا جوادا
وكنت أخي وما ولدتك أمّي ... وصولا باذلا لي مسترادا
وقد هيضت لنكبتك القدامى ... كذاك اللّه يفعل ما أرادا
فوثب المتوكّلون به إليه، فأدخلوه إلى الوليد وأخبروه بما جرى. فتغيّظ عليه الوليد وقال له: أتمدح رجلا قد فعلت به ما فعلت!. فقال: يا أمير المؤمنين، إنه كان إليّ محسنا، ولي مؤثرا، وبي برّا؛ ففي أيّ وقت كنت أكافئه بعد هذا اليوم!. فقال: صدقت وكرمت! فقد عفوت عنك وعنه لك! فخذه وانصرف. فانصرف به إلى منزله.
عدّه جرير أنسب الشعراء لشعر له:
أخبرني محمد بن القاسم الأنباريّ قال حدّثني أحمد بن يحيى ثعلب قال: قال نوح بن جرير لأبيه: يا أبت، من أنسب الشعراء؟ قال له: أتعني ما قلت؟ قال: إنّي لست أريد من شعرك إنما أريد من شعر غيرك. قال: ابن الرّقاع في قوله:
لو لا الحباء وأنّ رأسي قد عسا ... فيه المشيب لزرت أمّ القاسم
الثلاثة الأبيات. ثم قال لي: ما كان يبالي أن لم يقل بعدها شيئا.
عجب جرير من توفيقه في تشبيه دقيق:
أخبرني الحسن بن عليّ عن هارون بن محمد بن عبد الملك عن أحمد بن الحارث الخرّاز عن المدائنيّ قال:
قال جرير: سمعت عديّ بن الرّقاع ينشد:
تزجي أغنّ كأنّ إبرة روقه [1]
/فرحمته من هذا التشبيه فقلت: بأيّ شيء يشبّهه ترى! فلما قال:
قلم أصاب من الدّواة مدادها
رحمت نفسي منه
تابع روح بن زنباع ثم خالفه وتابع نائل بن قيس في نسبهم:
أخبرني اليزيديّ قال حدّثني عمّي عبيد اللّه عن ابن حبيب عن أبي عبيدة قال:
مال روح بن زنباع الجذاميّ إلى يزيد بن معاوية لمّا فصل بين الخطبتين فقال: يا أمير المؤمنين، ألحقنا
__________
[1] الروق: القرن.
بإخوتنا من معدّ فإنا معدّيّون، واللّه ما نحن من قصب الشأم ولا من زعاف [1] اليمن. فقال يزيد: إن أجمع قومك على ذلك جعلناك حيث شئت. فبلغ ذلك عديّ بن الرّقاع فقال:
إنّا رضينا وإن غابت جماعتنا ... ما قال سيّدنا روح بن زنباع
يرعى ثمانين ألفا كان مثلهم ... ممّا يخالف أحيانا على الرّاعي
قال: فبلغ ذلك نائل بن قيس الجذاميّ، فجاء يركض فرسه حتى دخل المقصورة في الجمعة الثانية. فلمّا قام يزيد على المنبر، وثب فقال: أين الغادر الكاذب روح بن زنباع؟! فأشاروا إلى مجلسه. فأقبل عليه وعلى يزيد ثم قال:
يا أمير المؤمنين، قد بلغني ما قال لك هذا، وما نعرف شيئا منه ولا نقرّ به، ولكنّا قوم من قحطان يسعنا ما يسعهم ويعجز عنّا ما يعجز عنهم. فأمسك روح ورجع عن رأيه. فقال عديّ بن الرّقاع في ذلك:
أضلال ليل ساقط أكنافه ... في الناس أعذر أم ضلال نهار
قحطان والدنا الذي ندعى له ... وأبو خزيمة خندف بن نزار
/ أنبيع والدنا الذي ندعى له ... بأبي معاشر غائب متواري
تلك التجارة لا زكاء لمثلها ... ذهب يباع بآنك [2] وإبار
/ فقال له يزيد: غيّرت يابن الرّقاع. قال: إنّ ناثلا واللّه عليّ أعزّهما سخطا، وأنصحهما لي ولعشيرتي. قال أبو عبيدة: الإبار: جمع إبرة.
ما كان بينه وبين ابن سريج في حضرة الوليد بن عبد الملك:
أخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد بن إسحاق عن أبيه عن جدّه إبراهيم:
أن الأحوص وابن سريج قدما المدينة [3]، فنزلا في بعض الخانات ليصلحا من شأنهما، وقد قدم عديّ بن الرّقاع وكانت هذه حاله، فنزل عليهما. فلما كان في بعض الليل أفاضوا في الأحاديث؛ فقال عديّ بن الرّقاع لابن سريج: واللّه لخروجنا كان إلى أمير المؤمنين أجدى علينا من المقام معك يا مولى بني نوفل. قال: وكيف ذلك؟
قال: لأنك توشك أن تلهينا فتشغلنا عمّا قصدنا له. فقال له ابن سريج: أو قلّة شكر أيضا!. فغضب عديّ وقال:
أنك لتمنّ علينا أن نزلنا عليك؛ وإني أعاهد اللّه ألّا يظلّني وإياك سقف إلا أن يكون بحضرة أمير المؤمنين. وخرج من عندهما. وقدم الوليد من باديته فأذن لهما فدخلا. وبلغه خبر ابن الرّقاع وما جرى بينه وبين ابن سريج؛ فأمر بابن سريج فأخفي [4] في بيت ودعا بعديّ فأدخله؛ فأنشده قصيدة امتدحه بها. فلما فرغ، أومأ إلى بعض الخدم فأمر ابن سريج فغنّى في شعر عديّ بن الرّقاع يمدح الوليد:
عرف الديار توهّما فاعتادها ... من بعد ما شمل البلى أبلادها [5]
__________
[1] كذا في الأصول: ولعله «من رعان اليمن» أي جبالها أو «من زعانف اليمن».
[2] الآنك: الرصاص.
[3] كذا في الأصول. والأحرى أن تكون «دمشق» إذ المعروف أن دمشق كانت عاصمة ملك بني أمية التي كان يقصد إليها الروّاد والوافدون وبها ينزلون.
[4] كذا في أ، م. وفي سائر الأصول: «فأدخل».
[5] اعتادها: أعاد النظر إليها مرة بعد أخرى لدروسها حتى عرفها. وشمل: عم. والأبلاد: الآثار.
/ فطرب عديّ وقال: لا واللّه ما سمعت يا أمير المؤمنين بمثل هذا قطّ ولا ظننت أن يكون مثله طيبا وحسنا. ولو لا أنه في مجلس أمير المؤمنين لقلت طائف من الجنّ. أيأذن لي أمير المؤمنين أن أقول؟ قال: قل. قال: مثل هذا عند أمير المؤمنين وهو يبعث إلى ابن سريج يتخطّى به قبائل العرب فيقال: ابن سريج المغنّي مولى بني نوفل بعث أمير المؤمنين إليه!. فضحك ثم قال للخادم: أخرجه فخرج. فلما رآه عديّ أطرق خجلا ثم قال: المعذرة إلى اللّه وإليك يا أخي، فما ظننت أنك بهذه المنزلة، وإنك لحقيق أن تحتمل على كل هفوة وخطيئة. فأمر لهم الوليد بمال سوّى بينهم فيه، ونادمهم يومئذ إلى الليل.
نسبة هذا الصوت المذكور في هذا الخبر وسائر ما مضى في أخبار عدي قبله من الأشعار التي فيها غناء:
صوت
عرف الدّار توهّما فاعتادها ... من بعد ما شمل البلى أبلادها
إلّا رواكد كلّهن قد اصطلى ... حمراء أشعل أهلها إيقادها
عروضه من الكامل. الشعر لعديّ بن الرّقاع. والغناء لابن محرز خفيف ثقيل أوّل بإطلاق الوتر في مجرى البنصر عن إسحاق.
أفحمه كثير في حضرة الوليد بن عبد الملك:
أخبرني عيسى بن الحسين الورّاق قال حدّثني أحمد بن الهيثم بن فراس قال حدّثني العمريّ عن الهيثم بن عديّ قال:
أنشد عديّ بن الرّقاع الوليد بن عبد الملك قصيدته التي أوّلها:
عرف الديار توهّما فاعتادها
وعنده كثيّر وقد كان يبلغه عن عديّ أنه يطعن على شعره ويقول: هذا شعر حجازيّ مقرور إذا أصابه قرّ الشأم جمد وهلك. فأنشده إيّاها حتى أتى على قوله:
/و قصيدة قد بتّ أجمع بينها ... حتى أقوّم ميلها وسنادها [1]
فقال له كثيّر: لو كنت مطبوعا أو فصيحا أو عالما لم تأت فيها بميل ولا سناد فتحتاج إلى أن تقوّمها. ثم أنشد:
نظر المثقّف في كعوب قناته ... حتى يقيم ثقافه منآدها
فقال له كثيّر: لا جرم أنّ الأيام إذا تطاولت عليها عادت عوجاء، ولأن تكون مستقيمة لا تحتاج إلى ثقاف أجود لها.
ثم أنشد:
وعلمت حتى ما أسائل واحدا ... عن علم واحدة لكي أزدادها
فقال كثيّر: كذبت وربّ البيت الحرام! فليمتحنك أمير المؤمنين بأن يسألك عن صغار الأمور دون كبارها حتى يتبيّن جهلك. وما كنت قطّ أحمق منك الآن حيث تظنّ هذا بنفسك. فضحك الوليد ومن حضر، وقطع بعديّ بن الرّقاع حتى ما نطق.
__________
[1] يريد بالسناد هنا عيبا في الشعر. والسناد في اصطلاح العروضيين هو اختلاف الحرف الذي قبل الردف بالفتح والكسر. والردف هو حرف اللين الذي قبل الرويّ. (انظر الكلام عليه في «العقد الفريد» ج 3 ص 222 - 223 طبع بولاق، و «اللسان» مادة «سند»).
15 - أخبار المعتزّ في الأغاني ومع المغنّين وما جرى هذا المجرى
شعره في جارية يهواها:
حدّثني محمد بن يحيى الصّوليّ قال حدّثني عليّ بن محمد بن نصر [1] قال حدّثني جدّي حمدون بن إسماعيل قال:
اصطبح المعتزّ في يوم ثلاثاء ونحن بين يديه ثم وثب فدخل، واعترضته جارية كان يحبّها ولم يكن ذلك اليوم من أيامها فقبّلها وخرج؛ فحدّثني بما كان وأنشدني لنفسه في ذلك:
صوت
إني قمرتك يا سؤلي ويا أملي ... أمرا مطاعا بلا مطل ولا علل
حتّى متى يا حبيب النفس تمطلني ... وقد قمرتك [2] مرّات فلم تف لي
يوم الثلاثاء يوم سوف أشكره ... إذ زارني فيه من أهوي على عجل
فلم أنل منه شيئا غير قبلته ... وكان ذلك عند أعظم النّفل
قال: وعمل فيه لحن خفيف وشربنا عليه سائر يومنا. الغناء في هذه الأبيات لعريب رمل عن الهشاميّ. ولأبي العبيس في الثالث والرابع هزج.
طارحه بنان المغني في بيت من الشعر وتغنى فيه:
أخبرني محمد بن يحيى الصّوليّ قال حدّثني أحمد بن يزيد المهلّبيّ قال حدّثني أبي قال:
كان المعتزّ يشرب على بستان مملوء من النّمّام [3] وبين النّمّام شقائق النعمان، فدخل إليه يونس بن بغا وعليه قباء أخضر؛ فقال المعتزّ:
صوت
شبّهت حمرة خدّه في ثوبه ... بشقائق النّعمان في النّمّام
ثم قال: أجيزوا. فابتدر بنان المغنّي، وكان ربّما عبث بالبيت بعد البيت، فقال:
والقدّ منه إذا بدا في قرطق [4] ... كالغصن في لين وحسن قوام
فقال له المعتزّ: فغنّ فيه الآن، فعمل فيه لحنا. لحن بنان في هذين البيتين من خفيف الثقيل الثاني وهو الماخوريّ.
__________
[1] في الأصول: «محمد بن علي بن نصر». وقد تقدّم هذا الاسم غير مرة كما أثبتناه.
[2] كذا في أ، م. وفي سائر الأصول: «قصدتك».
[3] النمام: نبت ورقة كالسذاب عطريّ قويّ الرائحة. سمي بذلك لسطوع رائحته.
[4] القرطق: قباء ذو طاق واحد (معرب).
أخبر بوفاة أم يونس بن بغا ففتر المجلس ثم عاد أحسن ما كان:
أخبرني محمد بن يحيى قال حدّثني محمد بن يحيى بن أبي عبّاد قال حدّثني عمر بن محمد بن عبد الملك قال:
شرب المعتزّ ويونس بن بغا بين يديه يسقيه والجلساء والمغنّون بين يديه وقد أعدّ الخلع والجوائز، إذ دخل بغا فقال: يا أمير المؤمنين،/ والدة عبدك يونس في الموت وهي تحبّ أن تراه؛ فأذن له فخرج. وفتر المعتزّ ونعس بعده، وقام الجلساء وتفرّق المغنّون، إلى أن صلّيت المغرب، وعاد المعتزّ إلى مجلسه، ودخل يونس وبين يديه الشموع. فلما رآه المعتزّ دعا برطل فشربه وسقى يونس رطلا وغنّاه المغنّون، وعاد المجلس أحسن ما كان؛ فقال المعتزّ:
صوت
تغيب فلا أفرح ... فليتك ما تبرح
وإن جئت عذّبتني ... بأنّك لا تسمح
فأصبحت ما بين ذي ... ن لي كبد تجرح
على ذاك يا سيّدي ... دنوّك لي أصلح
ثم قال: غنّوا فيه، فجعلوا يفكّرون. فقال المعتزّ لسليمان بن القصّار الطّنبوريّ: ويلك! ألحان الطّنبور أملح وأخفّ فغنّ فيه أنت؛ فغنّى فيه لحنا؛ فدفع إليه دنانير/ الخريطة وهي مائة دينار مكيّة ومائتان مكتوب على كلّ دينار منها «ضرب هذا الدينار بالجوسق بخريطة [1] أمير المؤمنين المعتزّ باللّه» ثم دعا بالخلع والجوائز لسائر الناس، فكان ذلك المجلس من أحسن المجالس.
لحن سليمان بن القصّار في هذه الأبيات رمل مطلق.
لما قتل بغا هنأه الناس بالظفر:
حدّثني الصّوليّ قال حدّثني محمد بن عبد السميع الهاشميّ قال حدّثني أبي قال:
لمّا قتل بغا [2] دخلنا فهنأنا المعتزّ بالظّفر، فاصطبح ومعه يونس بن بغا، وما رأينا قطّ وجهين اجتمعا أحسن من وجهيهما. فما مضت ثلاث ساعات حتى سكر، ثم خرج علينا المعتزّ فقال:
ما إن ترى منظرا إن شئته حسنا ... إلّا صريعا يهادى [3] بين سكرين
سكر الشراب وسكر من هوى رشأ ... تخاله والذي يهواه غصنين
__________
[1] لعله: «لخريطة أمير المؤمنين» أي ضربت لخزانته الخاصة.
[2] هو أحد قوّاد الأتراك المبرزين وقد اشترك في قتل المتوكل بدسيسة من ابنه المنتصر، وكان يتولى الحرس ليلة قتل فسهل للقتلة الدخول للقصر. خدم عدّة خلفاء في الدولة العباسية. وجفاه المعتز فوكل به وليدا المغربي فقتله غيلة وحمل رأسه إليه، فوهبه عشرة آلاف دينار وخلع عليه خلعة، ونصب رأسه بسامرا ثم ببغداد. (راجع الطبري القسم الثالث ص 1458 - 1461، 1694 - 1497).
[3] جاء فلان يهادي بين اثنين مهاداة (بالبناء للمفعول): جاء يتمايل.
ثم أمر فتغنّى فيه بعض المغنّين.
قصة المعتز ويونس بن بغا مع ديراني:
حدّثني الصّوليّ قال حدّثني أحمد بن محمد بن إسحاق الخراسانيّ قال حدّثني الفضل بن العباس [1] بن المأمون قال:
/ كنت مع المعتزّ في الصيد، فانقطع عن الموكب وأنا ويونس بن بغا معه، ونحن بقرب قنطرة [2] وصيف، وكان هناك دير فيه ديرانيّ يعرفني وأعرفه، نظيف ظريف مليح الأدب واللفظ. فشكا المعتزّ العطش. فقلت: يا أمير المؤمنين، في هذا الدير ديرانيّ أعرفه خفيف الروح لا يخلو من ماء بارد، أفترى أن نميل إليه؟ قال نعم. فجئناه فأخرج لنا ماء باردا، وسألني عن المعتزّ ويونس فقلت: فتيان من أبناء الجند؛ فقال: بل مفلتان من حور الجنّة.
فقلت له: هذا ليس في دينك. فقال: هو الآن في ديني. فضحك المعتزّ. فقال لي الدّيرانيّ: أتأكلون شيئا؟ قلت نعم. فأخرج شطيرات وخبزا وإداما نظيفا، فأكلنا أطيب أكل، وجاءنا بأطراف [3] أشنان. فاستظرفه المعتزّ وقال لي:
قل له فيما بينك وبينه: من تحبّ أن يكون معك من هذين لا يفارقك. فقلت له، فقال: «كلاهما [4] وتمرا».
فضحك المعتزّ حتى مال على حائط الدّير. فقلت للدّيرانيّ: لا بدّ من أن تختار. فقال: الأختيار واللّه في هذا دمار، وما خلق اللّه عقلا يميّز بين هذين. ولحقهما الموكب، فارتاع الدّيرانيّ./ فقال له المعتزّ: بحياتي لا تنقطع عما كنا فيه، فإنّي لمن ثمّ مولى ولمن هاهنا صديق. فمزحنا ساعة؛ ثم أمر له بخمسمائة [5] ألف درهم. فقال [6]: واللّه ما أقبلها إلّا على شرط. قال: وما هو؟ قال: يجيب/ أمير المؤمنين دعوتي مع من أراد. قال: ذلك لك. فاتّعدنا ليوم جئناه فيه، فلم يبق غاية، وأقام للموكب كلّه ما احتاج إليه، وجاءنا بأولاد النصارى يخدموننا. ووصله المعتزّ يومئذ صلة سنيّة؛ ولم يزل يعتاده ويقيم عنده.
ولي الخلافة وله سبع عشرة سنة، وشعره في ذلك:
حدّثني الصّوليّ قال حدّثنا عبد اللّه بن المعتزّ قال:
بويع للمعتزّ بالخلافة وله سبع عشرة سنة كاملة وأشهرّ. فلما انقضت البيعة قال:
توحّدني الرحمن بالعزّ والعلا ... فأصبحت فوق العالمين أميرا
__________
[1] كذا في «مسالك الأبصار» (ح 1 ص 282 طبع دار الكتب المصرية) و«معجم البلدان» في كلامهما عن دير مرمار - وفي «معجم البلدان»: «دير مرماري» بياء - وفي الأصول: «العباس بن المفضل بن المأمون». وذكر اليعقوبي في تاريخه أن المأمون خلف من الولد الذكور ستة عشر وذكر منهم «العباس» و«الفضل».
[2] كذا في ج و«مسالك الأبصار». وفي سائر الأصول: منظرة وصيف».
[3] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «بأظرف إنسان» وهو تحريف.
[4] في «مسالك الأبصار»: «فقال: كلاهما» بدون «و تمرا». و«كلاهما وتمرا» مثل قائله عمرو بن حمران وقد مر به رجل أضر به العطش والسغوب وبين يديه زبد وتامك وتمر. فقال له الرجل: أطعمني من هذا الزبد والتامك. فقال عمرو: «نعم كلاهما وتمرا» فصارت مثلا في زيادة الإكرام. أي لك كلاهما وأزيد تمرا. ويروي «كليهما وتمرا» بالنصب على تقدير فعل محذوف أي أطعمك.
[5] في «مسالك الأبصار»: «بخمسين ألف درهم».
[6] في الأصول: «فقبلها فقال ... إلخ» بزيادة كلمة «فقبلها». وظاهر أنها من زيادات النساخ، إذ يأباها سياق الكلام، وليست موجودة في «مسالك الأبصار».
هكذا ذكر الصّوليّ في قافية الشعر. ووجدته في أغاني بنان مرفوع القافية، وله فيه صنعة. ولعلّ المعتزّ قال البيت، فأضاف بنان إليه آخر وجعل المخاطبة عن نفسه للمعتزّ فقال:
صوت
توحّدك الرحمن بالعز والعلا ... فأنت على كل الأنام أمير
تقاتل عنك التّرك والخزر كلّها ... كأنّهم أسد لهنّ زئير
الغناء لبنان [لحنان [1]] خفيف ثقيل وخفيف رمل. ومما قاله المعتزّ وغنّى فيه قوله - ذكر الصّوليّ أن عبد اللّه بن المعتزّ أنشده إيّاه لأبيه - :
صوت
ألا حيّ الحبيب فدته نفسي ... بكأس من مدامة خانقينا [2]
فإنّي قد بقيت مع الليالي ... أقاسي الهمّ في يده سنينا
الغناء فيه لعريب خفيف رمل، ولبنان هزج.
/ وممّن ذكر أن له صنعة من الخلفاء المعتمد.
غناء المعتمد:
قال محمد بن يحيى الصّوليّ ذكر عبد اللّه بن المعتزّ عن القاسم بن زرزور أن المعتمد ألقى عليه لحنا صنعه في هذا الشعر وهو:
ليس الشّفيع الذي يأتيك مؤتزرا ... مثل الشّفيع الذي يأتيك عريانا
الشعر للفرزدق. والغناء للمعتمد، ولحنه فيه خفيف ثقيل. هذه حكاية الصّوليّ. وفي غناء عريب: لها في هذا البيت خفيف ثقيل. ولا أعلم لمن هو منهما على صحة، إلّا أنّ المشهور في أيدي الناس أنه لعريب. ولم أسمع للمعتمد غناء إلّا من هذه الجهة التي ذكرتها.
__________
[1] زيادة عن ح.
[2] خانقبن: بلدة من نواحي السواد في طريق همذان من بغداد.
16 - ذكر أخبار الفرزدق في هذا الشعر خاصة دون غيره
لأنّ أخباره كثيرة جدّا، فكرهت أن أثبتها ها هنا في غناء مشكوك فيه، فذكرت نسبه وخبره في هذا الشعر خاصة، وأخباره تأتي بعد هذا في موضع مفرد يتسع لطول أحاديثه
نسبه:
الفرزدق لقب غلب عليه. واسمه همّام بن غالب بن صعصعة بن ناجية بن عقال بن محمد بن سفيان بن مجاشع بن دارم بن مالك [بن حنظلة بن مالك] بن زيد مناة بن تميم.
هو وجرير والأخطل أشعر طبقات الإسلاميين:
وهو وجرير والأخطل أشعر/ طبقات الإسلامييّن والمقدّم في الطبقة الأولى منهم. وأخباره تذكر مفردة في موضع آخر يتّسع لها، ونذكر هاهنا في هذا المعنى. فأخبرني خبره في ذلك جماعة. فممّن أخبرني به أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ قال حدّثنا عمر بن شبّة، وأخبرني به أبو خليفة إجازة عن محمد بن سلّام، وأخبرني به محمد ابن العباس اليزيديّ عن السّكّريّ عن محمد بن حبيب عن أبي عبيدة وابن الأعرابيّ، قال عمر بن شبّة خاصّة في خبره حدّثني محمد بن يحيى قال حدّثني أبي:
حديث الفرزدق والنوار وذمه بني قيس وزهيرا وبني أم النسير لمعاونتهم إياها:
أنّ عبد اللّه بن الزّبير تزوّج تماضر بنت منظور بن زبّان، وأمّها مليكة بنت خارجة بن سنان بن أبي حارثة، فخاصم الفرزدق امرأته النّوار إلى ابن الزّبير. هكذا ذكر محمد بن يحيى ولم يذكر السبب في الخصومة، وذكرها عمر بن شبّة ولم يروها عن أحد، وذكرها ابن حبيب عن أصحابه، وذكرها أبو غسّان دماذ عن أبي عبيدة: أن رجلا من بني أميّة خطب النّوار بنت أعين المجاشعيّة، فرضيته وجعلت أمرها إلى الفرزدق. فقال لها: أشهدي لي بذلك على نفسك شهودا ففعلت، واجتمع الناس لذلك. فتكلّم الفرزدق ثم قال: اشهدوا أنّي قد تزوّجتها وأصدقتها كذا وكذا، فأنا ابن عمّها/ وأحقّ بها. فبلغ ذلك النّوار فأبته واستترت من الفرزدق وجزعت ولجأت إلى بني قيس بن عاصم المنقريّ. فقال فيها:
بني عاصم لا تلجئوها فإنكم ... ملاجىء للسّوءات دسم العمائم [1]
بني عاصم لو كان حيّا أبوكم ... للام بنيه اليوم قيس بن عاصم
فقالوا: واللّه لئن زدت على هذين البيتين لتقتلنّك غيلة. فنافرته إلى عبد اللّه بن الزّبير وأرادت الخروج إليه؛ فتحامى الناس كراءها. ثم إن رجلا من بني عديّ يقال له زهير بن ثعلبة وقوما يعرفون ببني أمّ النّسير أكروها؛ فقال الفرزدق:
__________
[1] دسمت عمائمهم، أي وسخت وقذرت.
ولو لا أن تقول بنو عنديّ ... أليست أمّ حنظلة النّوار
أتتكم يا بني ملكان عنّي ... قواف لا تقسّمها [1] التّجار
يعني بالنّوار هاهنا بنت جلّ [2] بن عديّ بن عبد مناة وهي أمّ حنظلة بن مالك بن زيد مناة وهي إحدى جدّاته. وقال فيها أيضا:
سرى بالنّوار عوهجيّ [3] يسوقه ... عبيد قصير الشّبر [4] نائي الأقارب
تؤمّ بلاد الأمن دائبة السّرى ... إلى خير وال من لؤيّ بن غالب
فدونك عرسي [5] تبتغي نقض عقدتي ... وإبطال حقّي باليمين الكواذب
/ وقال أيضا:
ولو لا أنّ أمّي من عديّ ... وأني كاره سخط الرّباب
إذا لأتى الدواهي [6] من قريب ... جزاء غير منصرف العقاب
وصلت على بني ملكان منّي ... بجيش غير منتظر الإياب [7]
وقال لزهير أيضا:
لبئس العب ء يحمله زهير ... على أعجاز صرمته [8] نوار
/ لقد أهدت وليدتنا إليكم ... عوائر [9] لا تقسّمها التّجار
وقال لبني أمّ النّسير:
لعمري لقد أردى النّوار وساقها ... إلى الغور أحلام خفاف عقولها
أطاعت بني أمّ النّسير فأصبحت ... على قتب يعلو الفلاة دليلها
وقد سخطت منّي النّوار الذي ارتضى ... به قبلها الأزواج خاب رحيلها
__________
[1] لعله يريد أن التجار يروونها كلها في رحلاتهم لا ينقصون منها شيئا لجودتها، فلا يختارون بعضها دون بعض لأنها كلها جيدة مختارة.
[2] كذا في «شرح القاموس» مادة «جلل» و «النقائض» ص 804 وفي الأصول: «حل» بالحاء المهملة وهو تصحيف.
[3] عوهجي: طويلي العنق. يريد جملا.
[4] كذا في أ، م: و «النقائض». وقصير الشير: متقارب الخطو. ونائي الأقارب: غريب بعيد عن أهله. وفي سائر الأصول: «السير» بالسين المهملة وهو تصحيف.
[5] كذا في «النقائض»، وقد ورد فيها البيت هكذا:
فدونك عرسي تبتغي نقض عهدتي ... وإبطال حقي بالمنى والأكاذب
وفي الأصول: «فدونك أرشا» وهو تحريف.
[6] كذا في «النقائض». وفي الأصول: «الزواهر» وهو تحريف.
[7] لعله يريد أنه يغزو ويحتل فلا يعود ولا ينتظر إيابه.
[8] الصرمة: القطعة من الإبل نحو الثلاثين.
[9] عواثر: سوائر. يريد قصائده.
وإن امرأ أمسى تحبّب زوجتي ... كماش إلى أسد الشّرى يستبيلها [1]
ومن دون أبوال الأسود بسالة ... وبسطة أيد يمنع الضّيم طولها
وإنّ أمير المؤمنين لعالم ... بتأويل ما أوصى العباد رسولها
فدونكها يابن الزّبير فإنها ... مولّعة يوهي الحجارة قيلها
استشفعت النوار إلى ابن الزبير امرأته فاستشفع هو بابنه حمزة:
فلما قدمت مكّة نزلت على بنت منظور بن زبّان، واستشفعت بها إلى زوجها عبد اللّه. وانضمّ الفرزدق إلى حمزة بن عبد اللّه بن الزّبير، وأمّه بنت منظور هذه، ومدحه فقال:
/أصبحت قد نزلت بحمزة حاجتي ... إنّ المنوّه باسمه الموثوق
الأبيات. وقال فيه أيضا:
يا حمز هل لك في ذي حاجة غرضت [2] ... أنضاؤه بمكان غير ممطور
فأنت أحرى قريش أن تكون لها ... وأنت بين أبي بكر ومنظور
بين الحواريّ والصّدّيق في شعب ... نبتن في طيّب الإسلام والخير
هذه الأبيات كلّها من رواية أبي زيد خاصّة. قالوا جميعا: وقال في النّوار:
هلمّي لابن عمّك لا تكوني ... كمختار على الفرس الحمارا
وقال فيها أيضا:
تخاصمني النّوار وغاب فيها ... كرأس الضّبّ يلتمس الجرادا
قال أبو زيد في خبره خاصّة: فجعل أمر الفرزدق يضعف وأمر النّوار يقوى. وقال الفرزدق:
أمّا بنوه [3] فلم تقبل شفاعتهم ... وشفعت بنت منظور بن زبّانا
صوت
ليس الشّفيع الذي يأتيك مؤتزرا ... مثل الشّفيع الذي يأتيك عريانا
- غنّت في هذا البيت عريب خفيف ثقيل أوّل بالبنصر - فبلغ ابن الزّبير هذا فدعا النّوار فقال: إن شئت فرّقت بينكما وقتلته فلا يهجونا أبدا، وإن شئت سيّرته إلى بلاد العدوّ. فقالت: ما أريد واحدة منهما. قال: فإنه ابن عمّك وهو فيك راغب، أفأزوّجه إيّاك؟ قالت نعم. فزوّجه إيّاها. فكان الفرزدق يقول: خرجنا متباغضين ورجعنا متحابّين.
__________
[1] كذا في ج: و «اللسان» مادة «بول» أي يأخذ بولها في يده. وفي الأصول: «يستغيلها» بالغين المعجمة، وهو تحريف.
[2] كذا في «ديوانه». وفي الأصول: «عرضت» بالعين المهملة. وغرض بالمكان: مل وضجر. والأنضاء: جمع نضو وهو المهزول من الإبل.
[3] كذا في ج و «النقائض». وفي سائر الأصول: «بنوك».
هدده ابن الزبير وغيره جلاء قومه تميم عن البيت فقال في ذلك شعرا:
أخبرني أحمد قال حدّثني عمرو بن شبّة قال قال عثمان بن سليمان:
شهدت الفرزدق يوم نازع النّوار فتوجّه القضاء عليه، فأشفق من ذلك وتعرّض لابن الزّبير بكلام أغضبه، وكان ابن الزّبير حديدا. فقال له ابن الزّبير: أيا ألأم الناس! وهل أنت وقومك إلا جالية العرب! وأمر به/ فأقيم. وأقبل علينا فقال: إن بني تميم كانوا وثبوا على البيت قبل الإسلام بمائة وخمسين سنة فاستلبوه؛ وأجمعت العرب عليها لما انتهكت ما لم ينتهكه أحد قطّ فأجلتها من أرض تهامة. فلما كان في طائفة من ذلك اليوم لقيني الفرزدق فقال:
هيه! أيعيّرنا ابن الزّبير جلاءنا [1] عن البيت! اسمع! ثم قال:
فإن تغضب قريش ثم تغضب ... فإنّ الأرض ترعاها [2] تميم
هم عدد النجوم وكلّ حيّ ... سواهم لا تعدّ لهم نجوم
فلو لا بنت [3] مرّ من نزار ... لما صحّ المنابت والأديم
بها كثر العديد وطاب منكم ... وغيركم أحذّ [4] الرّيش هيم
فمهلا عن تذلّل من عززتم ... بخولته وعزّ به الحميم
أعبد اللّه مهلا عن أذاتي ... فإنّي لا الضعيف ولا السّؤوم
ولكنّي صفاة لم تؤبّس [5] ... تزلّ الطير عنها والعصوم [6]
/أنا ابن العاقر الخور [7] الصّفايا ... بصوءر [8] حيث فتّحت العكوم [9]
وذكر الزّبير بن بكّار عن عمه أن عبد اللّه بن الزّبير لمّا حكم على الفرزدق قال: إنما حكمت عليّ بهذا لأفارقها فتثب عليها؛ وأمر به فأقيم، وقال له ما قال في بني تميم. قال: ثم خرج عبد اللّه بن الزّبير إلى المسجد فرأى الفرزدق في بعض طرق مكة وقد بلغته أبياته التي قالها، فقبض ابن الزّبير على عنقه فكاد يدقّها، ثم قال:
__________
[1] في الأصول: «أيعيرنا ابن الزبير بجلائنا» وهي لغة رديئة.
[2] كذا صححها الأستاذ الشنقيطي في نسخته. وفي ج: «ترغبها» وهو تصحيف عن «ترعيها». وفي سائر الأصول: «ترضاها» وهو تحريف.
[3] كذا صححها الأستاذ الشنقيطي. وفي الأصول: «نبت» وهو تصحيف.
[4] أحذ الريش: قصيره. والهيم: العطاش. ولعله يكنى بذلك عن الضعف والذلة.
[5] كذا في ج ونسخة الشنقيطي. وتؤبس: تكسر. وفي سائر الأصول: «تؤنس» بالنون، وهو تصحيف.
[6] لعله جمع عصم (بالضم) الذي هو جمع عصماء. والعصم الظباء.
[7] كذا صححها الأستاذ الشنقيطي. والخور: جمع خوّارة، وهي الغزيرة اللبن من النوق والشاء، على غير قياس. وفي ج: «الجول».
والجول: الجماعة من الإبل. وفي سائر الأصول: «الحور» بالحاء المهملة وهو تصحيف.
[8] صوءر: ماء لكلب فوق الكوفة مما يلي الشام، وهو الماء الذي تعاقر عليه غالب بن صعصعة أبو الفرزدق وسحيم بن وئيل الرياحي، وكان قد عقر غالب ناقة وفرقها على بيوت الحي، وجاء إلى سحيم منها بجفنة، فغضب سحيم وردها فقام وعقر ناقة؛ فعقر غالب أخرى وتعاقرا حتى أقصر سحيم.
[9] العكوم: جمع عكم، وهو العدل (بكسر العين) أو الكارة وهي وعاء الثياب والطعام. لعله يريد أنه ينهب ما تحمله هذه النوق ثم يذبحها.
لقد أصبحت عرس الفرزدق ناشزا ... ولو رضيت رمح استه [1] لاستقرّت
قال الزّبير: وهذا الشعر لجعفر بن الزّبير.
ما كان بينه وبين ابن الزبير بعد ما قال له ما حاجتك بالنوار وقد كرهتك:
أخبرنا أبو خليفة قال أخبرنا ابن سلّام قال أخبرنا إبراهيم بن حبيب الشّهيد قال:
قال ابن الزّبير للفرزدق: ما حاجتك بها وقد كرهتك! كن لها أكره وخلّ سبيلها. فخرج وهو يقول: ما أمرني بطلاقها إلا ليثب عليها. فبلغ ذلك ابن الزّبير فخرج وقد استهلّ هلال ذي الحجّة ولبس ثياب الإحرام يريد البيت الحرام، فألفى الفرزدق بباب المسجد عند الباعة، فأخذ بعنقه فغمزها حتى جعل رأسه بين ركبتيه وقال:
لقد أصبحت عرس الفرزدق ناشزا ... ولو رضيت رمح استه لاستقرّت
قال الزّبير: وهذا البيت لجعفر بن الزبير.
هجاه جعفر بن الزبير فنهاه أخوه عن ذلك:
أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدّثنا عمر بن شبّة عن محمد بن يحيى عن أبيه قال:
لمّا قال الفرزدق في ابن الزّبير:
أمّا بنوه فلم تقبل شفاعتهم ... وشفّعت بنت منظور بن زبّانا
قال جعفر بن الزّبير:
ألّا تلكم عرس الفرزدق جامحا ... ولو رضيت رمح استه لاستقرّت
فقال عبد اللّه بن الزّبير: أتجزرنا كلبا [2] من كلاب بني تميم! لئن عدت لم أكلّمك أبدا.
قال: وتماضر التي عناها الفرزدق أمّ خبيب وثابت ابني عبد اللّه بن الزّبير. وماتت عند/ عبد اللّه، فتزوّج أختها أمّ هاشم فولدت له هاشما وحمزة وعبّادا.
قال: وفي أمّ هاشم يقول الفرزدق يستعينها على ابن الزّبير ويشكو طول مقامه:
تروّحت الرّكبان يا أمّ هاشم ... وهنّ مناخات لهنّ حنين
وخيّسن [3] حتى ليس فيهنّ نافق ... لبيع ولا مركوبهن سمين
قال: وهذا يدلّ على أن النّوار كانت استعانت بأمّ هاشم لا بتماضر.
فلما أذنت النوار في تزويجها منه استعان في مهرها سلم بن زياد فأعانه:
فما أذنت النّوار لعبد اللّه في تزويجها بالفرزدق حكم لها عليه بمهر مثلها عشرة آلاف درهم. فسأل: هل بمكة أحد يعينه؟ فدلّ على سلم بن زياد، وكان ابن الزّبير حبسه، فقال فيه:
__________
[1] رمح الأست: الكناية فيه واضحة.
[2] يقال: أجزرت القوام إذ أعطيتهم شاة يذبحونها. يريد: أتعرض أعراضنا للفرزدق ينهشها.
[3] خيسن: لم يسرّحن.
دعي مغلقي الأبواب دون فعالهم ... ومرّي تمشّي بي - هبلت - إلى سلم
إلى من يرى المعروف سهلا سبيله ... ويفعل أفعال الكرام التي تنمي
/ ثم دخل على سلم فأنشده. فقال له: هي لك ومثلها نفقتك، ثم أمر له بعشرين ألفا فقبضها. فقالت له زوجته أمّ عثمان بنت عبد اللّه بن عثمان بن أبي العاصي الثّقفيّة: أتعطي عشرين ألفا وأنت محبوس! فقال:
ألا بكرت عرسي تلوم سفاهة ... على ما مضى منّي وتأمر بالبخل
فقلت لها والجود منّي سجيّة ... وهل يمنع المعروف سؤّاله مثلي
ذريني فإنّي غير تارك شيمتي ... ولا مقصر عن السّماحة والبذل
ولا طارد ضيفي إذا جاء طارقا ... فقد طرق الأضياف شيخي من قبلي
أ أبخل! إنّ البخل ليس بمخلد ... ولا الجود يدنيني إلى الموت والقتل
أبيع بني حرب بآل خويلد [1] ... وما ذاك عند اللّه في البيع بالعدل
وأشري [2] ابن مروان الخليفة طائعا ... بنجل بني العوّام! قبّح من نجل
فإن تظهروا لي البخل آل خويلد ... فما دلّكم دلّي ولا شكلكم شكلي
وإن تقهروني حيث غابت عشيرتي ... فمن عجب الأيام أن تقهروا مثلي
لم تحسن النوار عشرته فتزوّج عليها حدراء بنت زيق ومدحها وذمّ النوار:
قال دماذ في خبره: ثم اصطلحا ورضيت به، وساق إليها مهرها ودخل بها وأحبلها قبل أن تخرج من مكة ثم خرج بها وهما عديلان في محمل. فكانت لا تزال تشارّه وتخالفه، لأنها كانت صالحة حسنة الدّين وكانت تكره كثيرا من أمره. فتزوّج عليها حدراء بنت زيق بن بسطام بن قيس بن مسعود بن قيس بن خالد بن عبد اللّه بن عمرو بن الحارث بن همّام بن مرّة بن ذهل بن شيبان، فتزوّجها على مائة من الإبل. فقالت له النّوّار: ويلك! تزوّجت أعرابيّة دقيقة السّاقين بوّالة على عقبيها على مائة بعير!. فقال الفرزدق يفضّلها عليها ويعيّرها أنها كانت تربّيها أمة:
/لجارية بين السّليل عروقها ... وبين أبي الصّهباء [3] من آل خالد
أحقّ بإغلاء المهور من التي ... ربت وهي تنزو في حجور الولائد
ومدحها أيضا فقال:
/عقيلة من بني شيبان ترفعها ... دعائم للعلا من آل همّام
من آل مرّة بين المستضاء بهم ... من رهط صيد مصاليت وحكّام
بين الأحاوص [4] من كلب مركّبها ... وبين قيس بن مسعود وبسطام
__________
[1] خويلد: هو الجد الثاني لابن الزبير.
[2] أشري: أبيع.
[3] أبو الصهباء: يعني بساطم بن قيس. والسليل: هو السليل بن قيس أخو بسطام.
[4] الأحاوص: عوف وعمرو وشريح وربيعة، أولاد الأحوص بن جعفر بن كلاب.
وقال أيضا يمدحها ويعرّض بالنّوار:
لعمري لأعرابيّة في مظلّة [1] ... تظلّ بأعلى [2] بيتها الرّيح تخفق
كأمّ غزال أو كدرّة غائص ... إذا ما أنت مثل الغمامة تشرق
أحبّ إلينا من ضناك [3] ضفنّة ... إذا وضعت عنها المراوح تعرق
فقال بعض [4] باهلة يجيبه:
أعوذ باللّه من غول مغوّلة ... كأنّ حافرها في الحدّ ظنبوب [5]
تستروح الشاة من ميل إذا ذبحت ... حبّ اللّحام كما يستروح الذّيب
هاجاه جرير بإغراء النوار:
وأغضب الفرزدق النّوار بمدحه إيّاها، فقالت: واللّه لأخزينّك يا فاسق! وبعثت إلى جرير فجاءها؛ فقالت: ألا ترى ما قال لي الفاسق! وشكت إليه. فقال:
/فلا أنا معطي الحكم عن شفّ [6] منصب ... ولا عن بنات الحنظليّين راغب
وهنّ كماء المزن يشفى به الصّدى ... وكانت ملاحا غيرهنّ المشارب
لقد كنت أهلا أن تسوق دياتكم [7] ... إلى آل زيق أن يعيبك عائب
وما عدلت ذات الصّليب [8] ظعينة ... عتيبة والرّدفان منها وحاجب
ألا ربّما لم نعط زيقا بحكمه ... وأدّى إلينا الحكم والغلّ [9] لازب
__________
[1] المظلة (بفتح الميم وكسرها): الخباء الكبير.
[2] في ح و «النقائض» «بروقي بيتها». والروق من البيت: رواقه أي شقته التي دون الشقة العليا.
[3] الضناك (بكسر الضاد): الضخمة من النساء. والضفنة (بكسر الضاد وفتح الفاء وكسرها وتشديد النون): الحمقاء مع عظم خلق.
[4] هو عبد اللّه بن الحجاج بن عبد اللّه المعروف بالأصم الباهلي.
[5] في ح و «النقائض»: «في حد ظنبوب». والظنبوب: حرف الساق اليابس من قدم. وبعده في «النقائض»:
وركبناها سلاح ما يقوم لها ... إلا الشياطين في تلك الأعاريب
[6] الشف (هاهنا) النقصان، وقد يكون الشف الفضل أيضا. («النقائض» ص 807).
[7] أي لقد كنت أهلا أن يعيبك عائب لأجل سوقك الديات إلى آل زيق. والمراد بالديات المائة من الإبل التي ساقها الفرزدق مهرا إلى آل زيق.
[8] ذات الصليب: يريد بها حدراء، وذلك أن أجدادها كانوا نصارى فعيره ذلك. وظعينة: امرأة. والأصل في الظعينة المرأة تكون على البعير، ثم استعمل العرب الظعينة حتى صيروا المرأة ظعينة بغير بعير. وعتيبة: يريد عتيبة بن الحارث بن شهاب بن عبد قيس بن كناس بن جعفر بن ثعلبة بن يربوع بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم، وقد رأس وكان فارس مضر في زمانه. وحاجب: هو حاجب بن زرارة بن عدس بن زيد بن عبد اللّه بن دارم. والردفان هما: عتاب بن هرميّ بن رياح بن يربوع، وعوف بن عتاب بن هرميّ، والردف: الذي يردف الملك يعادله في ركوبه ويجلس في مجلسه إذا قام من مجلسه. (عن «النقائض» ص 808 إلى 809 ببعض تصرف).
[9] كذا في «النقائض» وفي الأصول: «و النعل» وهو تحريف. ولازب: لازم.
حوينا أبا زيق وزيقا وعمّه ... وجدّه زيق قد حوتها المقانب [1]
فأجابه الفرزدق بقصيدة منها:
أ لست إذ القعساء [2] أنسل [3] ظهرها ... إلى آل بسطام بن قيس بخاطب
/ فنل مثلها من مثلهم ثم لمهم ... بملكك من مال مراح وعازب
فلو كنت من أكفاء حدراء لم تلم ... على دارميّ بين ليلى وغالب
وإني لأخشى إن خطبت إليهم ... عليك التي لاقى يسار الكواعب
- يسار كان عبدا لبني غدانة، فأراد مولاته على نفسها، فنهته مرّة بعد مرة، وألحّ فوعدته، فجاء فقالت له: إني أريد أن أبخّرك فإن رائحتك متغيّرة؛ فوضعت تحته مجمرة وقد أعدّت له حديدة حادّة، فأدخلت يدها فقبضت على ذكره وهو يرى أن ذلك لشيء، فقطعته بالموسى؛ فقال: «صبرا على مجامر الكرام» فذهبت مثلا - عاد الشعر:
ولو قبلوا منّي عطيّة سقته ... إلى آل زيق من وصيف مقارب [4]
هم زوّجوا قبلي ضرارا وأنكحوا ... لقيطا وهم أكفاؤنا في المناسب
ولو تنكح الشمس النجوم بناتها ... إذا لنكحناهنّ قبل الكواكب
وقال جرير:
/يا زيق أنكحت قينا باسته حمم ... يا زيق ويحك من أنكحت يا زيق [5]
غاب المثنّى فلم يشهد نجيّكما ... والحوفزان ولم يشهدك مفروق
أين الألى أنزلوا النعمان مقتسرا ... أم أين أبناء شيبان الغرانيق
يا ربّ قائلة بعد البناء بها ... لا الصّهر راض ولا ابن القين معشوق
وقال الفرزدق [6] لجرير في هذا:
إن كان أنفك قد أعياك محمله ... فاركب أتانك ثم اخطب إلى زيق
/ قال: ولامه الحجّاج وقال: أتزوّجت ابنة نصرانيّ على مائة ناقة؟! قال: وما هي في جود الأمير! قال:
فاشترى الإبل وساقها.
رأى في طريقه إلى حدراء كبشا مذبوحا فتشاءم بموتها وشعره حين أخبر بوفاتها:
فلمّا كان في بعض الطريق ومعه أوفى بن خنزير أحد بني التّيم بن شيبان بن ثعلبة دليله رأى كبشا مذبوحا،
__________
[1] المقانب: جمع مقنب، وهو الجماعة من الخيل تجتمع للغارة.
[2] القعساء من النساء: الداخلة الصلب العظيمة البطن. وإنما عني هاهنا أتانا. يعني أن بني كليب قالوا لجرير: مالك وقد حسنت حال أعيارك لا تأتي آل بسطام فتخطب إليهم كما فعل الفرزدق. («النقائض» ص 813).
[3] كذا في «النقائض». وأنسل ظهرها أي طرّت فسقط وبرها القديم ونبت وبر جديد وذلك لسمنها. وفي الأصول: «أنحل ظهرها».
[4] عطية: هو أبو جرير. والمقارب: الدون، وقيل: هو الوسط بين الجيد والرديء.
[5] راجع هذا الشعر وشرحه في ترجمة جرير في الجزء الثامن من هذه الطبعة ص (85 - 86).
[6] في الأصول: «و قال جرير للفرزدق» وقد صححها كما أثبتناها الأستاذ الشنقيطي في نسخته.
فقال: يا أوفى، هلكت واللّه حدراء!. قال: ما لك بذلك من علم!. فلمّا بلغ قال له بعض قومها: هذا البيت فانزل، وأمّا حدراء فهلكت. وقد عرفنا الذي يصيبكم في دينكم من ميراثها وهو النصف فهو لك عندنا. فقال: لا واللّه لا أرزأ منه قطميرا، وهذه صدقتها [1] فاقبضوها. فقال: يا بني دارم! واللّه ما صاهرنا أكرم منكم. قال: وفي هذه القصة يقول الفرزدق:
عجبت لحادينا المقحّم سيره ... بنا موجفات من كلال وظلّعا
ليدنينا ممن إلينا لقاؤه ... حبيب ومن دار أردنا لتجمعا
ولو يعلم الغيب الذي من أمامنا ... لكرّ بنا حادي المطيّ فأسرعا
يقولون زر حدراء والتّرب دونها ... وكيف بشيء وصله قد تقطّعا
ومامات عند ابن المراغة مثلها ... ولا تبعته ظاعنا حيث ودّعا
يقول ابن خنزير بكيت ولم تكن ... على امرأة عينا أخيك لتدمعا
وأهون رزء لامرىء غير جازع ... رزيّة مرتجّ الرّوادف أفرعا
استعان الحجاج في مهر حدراء فعذله فشفع له عنبسة بن سعيد:
وقال ابن سلّام فيما أخبرنا به أبو خليفة عنه قال حدّثني حاجب بن زيد وأبو الغرّاف قالا:
تزوّج الفرزدق حدراء بنت زيق بن بسطام بن قيس بن مسعود بن قيس بن خالد بن ذي الجدّين وهو عبد اللّه بن عمرو بن الحارث بن همّام بن مرّة بن ذهل بن شيبان على حكم أبيها، فاحتكم مائة من الإبل. فدخل على الحجّاج/ فعذله فقال: أتزوّجتها على حكمها وحكم أبيها مائة بعير وهي نصرانية وجئتنا متعرّضا أن نسوقها عنك! اخرج ما لك عندنا شي ء!. فقال عنبسة بن سعيد بن العاصي وأراد نفعه: أيها الأمير، إنها من حواشي إبل الصدقة؛ فأمر له بها. فوثب عليه جرير فقال:
يا زيق قد كنت من شيبان في حسب ... يا زيق ويحك من أنكحت يا زيق
أنكحت ويحك قينا باسته حمم ... يا زيق ويحك هل بارت بك السّوق
ثم ذكر باقي القصيدة بمثل رواية دماذ.
أراد أن تحمل حدراء فاعتلوا بموتها وشعر لجرير في ذلك:
قال ابن سلّام: وأراد الفرزدق أن تحمل؛ فاعتلّوا عليه وقالوا: ماتت، كراهة أن يهتك جرير أعراضهم. فقال جرير:
/و أقسم ما ماتت ولكنّه التوى ... بحدراء قوم لم يروك لها أهلا
رأوا أن صهر القين عار عليهم ... وأن لبسطام على غالب فضلا
إذا هي حلّت مسحلان [2] وحاربت ... بشيبان لاقى القوم من دونها شغلا
__________
[1] الصدقة: المهر.
[2] مسحلان: موضع في بلاد بني يربوع.
وحدراء هذه هي التي ذكرها الفرزدق في أشعاره. ومن ذلك قوله:
صوت
عزفت بأعشاش [1] وما كدت تعزف ... وأنكرت من حدراء ما كنت تعرف
ولجّ بك الهجران حتى كأنّما ... ترى الموت في البيت الذي كنت تألف [2]
عروضه من الطويل. عزفت عن الشيء انصرفت عنه، عزف يعزف عزوفا. الشعر للفرزدق. والغناء لسلسل، ثاني ثقيل بالوسطى. وفيه لحن للغريض من الثّقيل الأوّل بالبنصر من رواية حبش.
قصة ما كان بينه وبين ابن أبي بكر بن حزم حين أنشده من شعر حسان في المسجد:
أخبرني عليّ بن سليمان الأخفش ومحمد بن العباس اليزيديّ قالا حدّثنا أبو سعيد السّكّريّ قال حدّثنا محمد بن حبيب وأبو غسّان دماذ عن أبي عبيدة قال قال اليربوعيّ:
قال إبراهيم بن محمد بن سعد بن أبي وقّاص الزّهريّ: قدم الفرزدق المدينة في إمارة أبان بن عثمان. قال:
فإني والفرزدق وكثيّرا لجلوس في المسجد نتناشد الأشعار، إذ طلع علينا غلام شخت [3] آدم في ثوبين ممصّرين (أي مصبوغين بصفرة غير شديدة) ثم قصد نحونا حتى جاء إلينا فلم يسلّم، فقال: أيّكم الفرزدق؟ فقلت مخافة أن يكون من قريش: أهكذا تقول لسيّد العرب وشاعرها! فقال: لو كان كذلك لم أقل هذا له. فقال له الفرزدق: ومن أنت لا أمّ لك؟! قال: رجل من بني الأنصار ثم من بني النّجّار ثم أنا ابن أبي بكر بن حزم. بلغني أنك تزعم أنك أشعر العرب وتزعم مضر ذلك لك، وقد قال صاحبنا حسّان شعرا فأردت أن أعرضه عليك وأؤجّلك سنة؛ فإن قلت مثله فأنت أشعر العرب وإلا فأنت كذّاب منتحل.
ثم أنشده قول حسّان:
لنا الجفنات الغرّ يلمعن بالضّحى ... وأسيافنا يقطرن من نجدة دما
متى ما تزرنا من معدّ عصابة ... وغسّان نمنع حوضنا أن يهدّما
- قيل إن قوله: «و غسان» هاهنا قسم أقسم به، لأن غسّان لم تكن تغزوهم مع معدّ -
أبى فعلنا المعروف أن ننطق الخنا ... وقائلنا بالعرف إلّا تكلّما
ولدنا بني العنقاء وابني محرّق ... فأكرم بنا خالا وأكرم بنا ابنما
/ فأنشده القصيدة إلى آخرها وقال له: إني قد أجّلتك فيها حولا، ثم انصرف. وانصرف الفرزدق مغضبا يسحب رداءه ما يدري أيّ طريق يسلك، حتى خرج من المسجد. قال: فأقبل كثيّر عليّ فقال: قاتل اللّه الأنصاريّ! ما أفصح لهجته، وأوضح حجّته، وأجود شعره!. قال: فلم نزل في حديث الفرزدق والأنصاريّ بقيّة يومنا. حتى إذا كان الغد خرجت من منزلي إلى مجلسي الذي كنت فيه بالأمس؛ وأتاني كثيّر فجلس معي. فإنّا لنتذاكر الفرزدق ونقول: ليت
__________
[1] أعشاش: موضع في بلاد بني تميم لبني يربوع بن حنظلة.
[2] في «النقائض»: «الذي كنت تيلف» وهي لغة تميم.
[3] الشخت: الدقيق الضامر أصلا لا هزالا.
شعري ما فعل، إذ طلع علينا في حلّة أفواف [1] يمانية موشّاة، له غديرتان، حتى/ جلس في مجلسه بالأمس، ثم قال: ما فعل الأنصاريّ؟ قال: فنلنا منه وشتمناه. فقال: قاتله اللّه! ما رميت بمثله ولا سمعت بمثل شعره! فارقتكما فأتيت منزلي فأقبلت أصعّد وأصوّب في كلّ فنّ من الشعر، فلكأنّي مفحم أو لم أقل قطّ شعرا حتى نادى المنادي بالفجر، فرحلت ناقتي ثم أخذت بزمامها فقدتها حتى أتيت ذبابا [2]، ثم ناديت بأعلى صوتي: أخاكم أبا لبنى - وقال سعدان [3]: أبا ليلى! - فجاش صدري كما يجيش المرجل، ثم عقلت ناقتي وتوسّدت ذراعها؛ فما قمت حتى قلت مائة وثلاثة عشر بيتا. فبينا هو ينشدنا، إذ طلع علينا الأنصاريّ حتى انتهى إلينا فسلّم ثم قال: أما إني لم آتك لأعجلك عن الأجل الذي وقّتّه لك، ولكنّي أحببت ألّا أراك إلا سألتك عما صنعت. فقال: اجلس، ثم أنشده:
عزفت بأعشاش وما كدت تعزف
فلمّا فرغ الفرزدق من إنشاده قام الأنصاريّ كئيبا. فلمّا توارى طلع أبوه وهو أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم في مشيخة من الأنصار، فسلّموا علينا وقالوا:/ يا أبا فراس، قد عرفت حللنا ومكاننا من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ووصيّته بنا.
وقد بلغنا أنّ سفيها من سفهائنا تعرّض لك، فنسألك باللّه لمّا حفظت فينا وصيّة النبيّ صلى اللّه عليه وسلم ووهبتنا له ولم تفضحنا.
قال إبراهيم بن محمد: فأقبلت أكلّمه أنا وكثيّر؛ فلما أكثرنا عليه قال: اذهبوا فقد وهبتكم لهذا القرشيّ.
قال: وقد كان جرير قال:
ألا أيّها القلب الطّروب المكلّف ... أفق ربّما ينأى هواك ويسعف
ظللت وقد خبّرت أن لست جازعا ... لربع بسلمانين [4] عينك تذرف
فجعل الفرزدق هذه القصيدة نقيضة لها.
نسبة ما في الخبر من الأصوات
منها:
صوت
لنا الجفنات الغرّ يلمعن بالضّحى ... وأسيافنا يقطرن من نحدة دما
ولدنا بنى العنقاء وابنى محرّق ... فأكرم بنا خالا وأكرم بنا ابنما
عروضه من الطويل. الشعر لحسّان بن ثابت. والغناء لمعبد خفيف ثقيل أوّل بالبنصر عن عمرو بن بانة.
ما كان بين النابغة وحسان بسوق عكاظ حين مدح النابغة الخنساء:
أخبرني عمّي الحسن بن محمد قال حدّثني محمد بن سعد الكرانيّ عن أبي عبد الرحمن الثّقفي، وأخبرني
__________
[1] الأفواف: جمع فوف (بالضم) وهو القطن.
[2] ذباب (رواه الحزامي بكسر أوله والعمراني بضمه): جبل بالمدينة.
[3] لم يتقدم في سند هذا الخبر شخص بهذا الاسم.
[4] سلمانان (بضم أوّله وتكرير النون): اسم موضع، تضاف إليه البرقة المعروفة ببرقة سلمانين. (راجع «معجم البلدان» في سلمانين و «برقة سلمانين»).
أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ قال حدّثنا عمر بن شبّة، وأخبرنا إبراهيم بن أيّوب الصائغ عن ابن قتيبة:
/ أن نابغة بني ذبيان كان تضرب له قبة من أدم بسوق عكاظ يجتمع إليه فيها الشعراء؛ فدخل إليه حسّان بن ثابت وعنده الأعشى وقد أنشده شعره وأنشدته الخنساء قولها:
قذى بعينك أم بالعين عوّار
حتى انتهت إلى قولها:
وإنّ صخرا لتأتمّ الهداة به ... كأنه علم في رأسه ثار
وإنّ صخرا لمولانا وسيّدنا ... وإن صخرا إذا نشتو لنحّار
فقال: لو لا أن أبا بصير أنشدني قبلك لقلت: إنك أشعر الناس! أنت واللّه أشعر من كل ذات/ مثانة [1]. قالت: واللّه ومن كلّ ذي خصيتين. فقال حسّان: أنا واللّه أشعر منك ومنها. قال: حيث تقول ماذا؟ قال: حيث أقول:
لنا الجفنات الغرّ يلمعن بالضّحى ... وأسيافنا يقطرن من نجدة دما
ولدنا بني العنقاء وابني محرّق ... فأكرم بنا خالا وأكرم بنا ابنما
فقال: إنك لشاعر لو لا أنك قلّلت عدد جفانك وفخرت بمن ولدت ولم تفخر بمن ولدك. وفي رواية أخرى: فقال له: إنك قلت «الجفنات» فقلّلت العدد ولو قلت «الجفان» لكان أكثر. وقلت «يلمعن في الضّحى» ولو قلت «يبرقن بالدّجى». لكان أبلغ في المديح لأن الضيف بالليل أكثر طروقا. وقلت «يقطرن من نجدة دما» فدللت على قلة القتل ولو قلت «يجرين» لكان أكثر لانصباب الدّم. وفخرت بمن ولدت ولم تفخر بمن ولدك. فقام حسّان منكسرا منقطعا.
مما يغنّي فيه من قصيدة الفرزدق الفائية قوله:
صوت
ترى الناس ما سرنا يسيرون خلفنا ... وإن نحن أومأنا إلى الناس وقّفوا
فيه رمل بالوسطى، يقال: إنه لابن سريج، وذكر الهشاميّ أنه من منحول يحيى المكّيّ.
انتحل بيتا لجميل:
أخبرنا الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثني أبو مسلمة موهوب بن رشيد الكلابيّ قال:
وقف الفرزدق على جميل والناس مجتمعون عليه وهو ينشد:
ترى الناس ما سرنا يسيرون خلفنا ... وإن نحن أومأنا إلى الناس وقّفوا
فأشرع إليه رأسه من وراء الناس وقال: أنا أحقّ بهذا البيت منك. قال: أنشدك اللّه يا أبا فراس!. فمضى الفرزدق وانتحله.
__________
[1] المثانة: المراد بها هنا موضع الولد من الأنثى.
عرّض هو وكثير كل منهما للآخر أنه سرق بيتا من جميل:
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثني الزّبير قال حدّثني أبي عن جدّي:
أن الفرزدق لقي كثيّرا فقال له: ما أشعرك يا كثيّر في قولك:
أريد لأنسى ذكرها فكأنّما ... تمثّل لي ليلى بكلّ سبيل
فعرّض له بسرقته إيّاه من جميل:
أريد لأنسى ذكرها فكأنّما ... تمثّل لي ليلى على كلّ مرقب
فقال له كثيّر: أنت يا فرزدق أشعر منّي في قولك:
ترى الناس ما سرنا يسيرون خلفنا ... وإن نحن أومأنا إلى الناس وقّفوا
- قال: وهذا البيت لجميل سرقه الفرزدق - فقال الفرزدق لكثيّر: هل كانت أمّك ترد البصرة؟ قال: لا! ولكن أبي كان نزيلا لأمّك.
أخبرني الحرميّ قال حدّثنا الزّبير قال حدّثني محمد بن إسماعيل عن عبد العزيز بن عمران عن محمد بن عبد العزيز عن ابن شهاب عن طلحة بن عبد اللّه بن عوف قال: لقي الفرزدق كثيّرا بقارعة البلاط وأنا وهو نمشي؛ فقال له الفرزدق: يا أبا صخر! أنت أنسب العرب حيث تقول:
/أريد لأنسى ذكرها فكأنما ... تمثّل لي ليلى بكلّ سبيل
قال: وأنت يا أبا فراس أفخر العرب حيث تقول:
/ترى الناس ما سرنا يسيرون خلفنا ... وإن نحن أومأنا إلى الناس وقّفوا
- قال عبد العزيز: وهذان البيتان جميعا لجميل، سرق أحدهما الفرزدق، وسرق الآخر كثيّر - فقال له الفرزدق: يا أبا صخر، هل كانت أمّك ترد البصرة؟ قال: لا! ولكن أبي كان كثيرا يردها. قال طلحة: فو الذي نفسي بيده لقد تعجّبت من كثيّر وجوابه، وما رأيت أحدا قطّ أحمق منه؛ لقد دخلت عليه يوما في نفر من قريش، وكنّا كثيرا نهزأ به، وكان يتشيّع تشيّعا قبيحا، فقلنا له: كيف تجدك يا أبا صخر؟ فقال: بخير. هل سمعتم الناس يقولون شيئا؟
قلت: نعم! يتحدّثون أنك الدجّال. قال: واللّه إن قلت ذلك إنّي لأجد في عيني هذه ضعفا منذ أيام!.
ولجرير قصيدة يناقض بها هذه القصيدة في أوّلها غناء نسبته:
ألا أيّها القلب الطّروب المكلّف ... أفق ربّما ينأى هواك ويسعف
ظللت وقد خبّرت أن لست جازعا ... لربع بسلمانين عينك تذرف
الشعر لجرير. والغناء لمحمد بن الأشعث الكوفيّ ثاني ثقيل بالبنصر، عن عمرو بن بانة. وقال حبش: فيه ثقيل أوّل بالوسطى. وليس ذلك بصحيح.
رجع الحديث إلى سياقه حديث الفرزدق والنّوار:
تزوّج رهيمة بنت غنيم اليربوعية:
قال دماذ: وتزوّج الفرزدق على النّوار امرأة من اليرابيع، وهم بطن من النّمر بن قاسط حلفاء لبنى الحارث بن عباد القينيّ، وقد انتسبوا فيهم. فقالت له النّوار: وما عسى أن تكون القينيّة؟! فقال:
/أرتك [1] نجوم اللّيل والشمس حيّة ... زحام بنات الحارث بن عباد
نساء أبوهنّ الأغرّ ولم تكن ... من الحتّ [2] في أجبالها وهداد [3]
ولم يكن الجوف [4] الغموض محلّها ... ولا في الهجاريّين رهط زياد
أبوها الذي أدنى النّعامة بعد ما ... أبت وائل في الحرب غير تماد
- يعني بأبيها الذي أدنى النعامة الحارث بن عباد، وأراد قوله:
قرّبا مربط النّعامة منّي
-
عدلت بها ميل النّوار فأصبحت ... مقاربة لي بعد طول بعاد
وليست وإن أنبأت أنّي أحبّها ... إلى دار ميّات النّجار جياد
وقال أبو عبيدة حدّثني أعين بن لبطة قال: تزوّج الفرزدق، مضارّة للنّوار، امرأة يقال لها رهيمة بنت غنيم بن درهم من اليرابيع، قوم من النّمر بن قاسط في بني الحارث بن عباد. وأمّها الحميضة [5] من بني الحارث. فنافرته الحميضة فاستعدت عليه. فأنكرها الفرزدق وقال: أنا منها بريء، وطلّق ابنتها وقال:
إن الحميضة كانت لي ولا بنتها ... مثل الهراسة [6] بين النّعل والقدم
إذا أتت أهلها منّي مطلّقة ... فلن أردّ عليها زفرة النّدم
/ مضى الحديث. ولم أجد لأحد من الخلفاء الذين ذكرتهم والذين لم أذكرهم، بعد الواثق، صنعة يعتدّ بها إلا المعتضد، فإنه صنع صنعة متقنة عجيبة، أبرّت [7] على صنعة سائر الخلفاء/ سوى الواثق، وفضل فيها أكثر أهل الزمان الذي نشأ فيه. وإنما ذكرت صنعة من بينهما، لأنها قد رويت، فأمّا حقيقة الغناء الجيّد فليس بينهما مثلهما.
__________
[1] في «ديوانه»: «أراك». وفي «النقائض»: «سوف يريك النجم».
[2] الحت: قبيلة من كندة.
[3] هداد: حي من اليمن.
[4] الجوف: المطمئن من الأرض. ويحتمل أن يكون الغموض بفتح الغين صيغة مبالغة من غمض المكان إذا تطامن وخفي. ويحتمل أن يكون جمع غمض، وهو المكان المنخفض المطمئن. وإنما وصف المفرد بالجمع لإرادة الجنس، كما يقال الدينار الصفر، والدرهم البيض. ومنه قول الفرزدق نفسه على رواية «الأغاني» كما تقدّم في صفحة 325 من هذا الجزء:
وإبطال حقي باليمين الكواذب
[5] في «النقائض» ص 595: «الخميصة» بالخاء المعجمة والصاد المهملة.
[6] الهراسة: واحدة الهراس، وهو شوك كأنه حسك.
[7] كذا في ج. «و أبرأت: علت. وفي سائر الأصول: «أبرزت» وهو تحريف.
وذكر عبيد اللّه بن عبد اللّه بن طاهر صنعة المعتضد فقرّظها، وقال: لم أجد لحنا قديما قد جمع من النّغم ما جمعه لحن ابن محرز في شعر مسافر بن أبي عمرو وهو:
يا من لقلب مقصر ... ترك المنى لفواتها
فإنه جمع من النغم العشر ثمانيا، ولحن ابن محرز أيضا في شعر كثيّر:
توهّمت بالخيف رسما محيلا ... لعزّة تعرف منه الطّلولا
وهو أيضا يجمع ثمانيا من النّغم. وقد تلطّف بعض من له دربة وحذق بهذه الصناعة حتى جمع النّغم العشر في هذا الصوت الأخير متوالية، وجمعها في صوت آخر غير متوالية، وهو في شعر ابن هرمة:
فإنّك إذ أطمعتني منك بالرضا ... وأيأستني من بعد ذلك بالغضب
وأعجب من ذلك ما عمله أمير المؤمنين المعتضد باللّه؛ فإنه صنع في رجز دريد بن الصّمّة «يا ليتني فيها جذع» لحنا من الثقيل الأوّل يجمع النّغم العشر، فأتى به مستوفى الصنعة محكم البناء، صحيح الأجزاء والقسمة، مشبع المفاصل، كثير الأدوار، لا حقا بجيّد صنعة الأوائل. وإنما زاد فضله على من تقدّمه لأنه عمله في ضرب من الرجز/ قصير جدّا، واستوفى فيه الصنعة كلّها على ضيق الوزن، فصار أعجب مما تقدّمه؛ إذ تلك عملت في أوزان تامّة وأعاريض طوال يتمكّن الصانع فيها من الصنعة ويقتدر على كثرة التصرّف؛ وليس هذا الوزن في تمكّنه من ذلك فيه مثل تلك.
نسبة هذا اللحن
صوت
يا ليتني فيها جذع ... أخبّ فيها وأضع [1]
أقود وطفاء [2] الزّمع ... كأنها شاة صدع [3]
الشعر لدريد بن الصّمّة. والغناء للمعتضد، ولحنه ثقيل أوّل يجمع النّغم العشر.
__________
[1] الجذع: الصغير السن. والخبب والوضع: نوعان من السير.
[2] الزمع: هنات شبه أظفار الغنم في الرسغ، في كل قائمة زمعتان كأنما خلقتا من قطع القرون؛ أو الزمعة: الشعرة المدلاة في مؤخر رجل الشاة والظبي والأرنب. ووطفاء: كثيرة الشعر سابغته. يريد فرسا هذه صفتها.
[3] الصدع من الأوعال والظباء والإبل والحمر: الفتى الشاب القوي منها.
فهرس موضوعات الجزء التاسع
الموضوع الصفحة
كثير عزة 5
عبيد اللّه بن عبد اللّه بن طاهر 30
مسافر بن أبي عمرو بن أمية 36
- خبر عمارة بن الوليد والسبب الذي من أجله سحر 40
- الأرمال الثلاثة المختارة 44
ذكر امرىء القيس ونسبه وأخباره 55
أخبار الأعشى ونسبه 75
نسب عمرو بن سعيد بن زيد وأخباره 90
أصوات معبد المسماة مدن معبد وتسمّى أيضا حصون معبد 94
ذكر عبيد اللّه بن عبد اللّه بن عتبة ونسبه 96
- صوت من أصوات معبد المعروفة بالمدن 105
ذكر الشماخ ونسبه وخبره 109
- صوت من مدن معبد 119
ذكر قيس بن ذريح ونسبه وأخباره 124
- صوت من مدن معبد في شعر عنترة 150
- صوت من مدن معبد في شعر الحارث بن خالد المخزومي 153
ذكر الحارث بن خالد ونسبه 155
- نسبه أصوات معبد في قتيلة 162
- سبعة ابن سريج 163
أغاني الخلفاء وأولادهم وأولاد أولادهم 172
ذكر عمر بن عبد العزيز وشيء من أخباره 175
نسب الأشهب بن رميلة وأخباره 185
- عود إلى أخبار عمر بن عبد العزيز 188
- غناء الوليد بن يزيد 188
- غناء الواثق 189
- غناء المنتصر 205
- غناء المعتز باللّه 208
أخبار عديّ بن الرقاع ونسبه 210
أخبار المعتز في الأغاني ومع المغنّين وما جرى هذا المجرى 217
ذكر أخبار الفرزدق في هذا الشعر خاصة دون غيره 221
الجزء العاشر
[مقدمة التحقيق]
بيان حول الجزء العاشر
بحمد اللّه وحسن توفيقه، تمّ هذا الجزء بعد مقابلته بأصوله المخطوطة والمطبوعة، وبعد تصحيح ما وفّقنا له، وضبط ما ينبغي ضبطه من لغة وأسماء، وتحرّي وجه الصواب جهد الطاقة فيما وضعناه من شروح وتعليقات.
والأصول التي اعتمدنا عليها في المراجعة هي الأصول التي اعتمدنا عليها في مراجعة الأجزاء السابقة، وقد تقدّم وصف هذه الأصول جميعا في تصدير الجزء الأول. وتقدّم في هذا التصدير أن النسخة التي اصطلحنا على أن نرمز لها بحرف «أ» مكتوبة بخطوط مختلفة.
والمجلد الذي راجعنا عليه في هذا الموضع من هذه النسخة مكتوب بالخط المغربي، كتبه - كما هو وارد في آخر صفحة منه - بثغر الجزائر محمد بن محمد المدعو السلاوي الحسني الفاسي المنشأ والدار في أواخر جمادي الثانية من سنة ست وتسعين ومائة وألف هجرية. وهو أكبر حجما من سائر مجلدات هذه النسخة؛ إذ يبلغ طول صحفة 31 سنتيمترا، وعرضها 20 وطول ما رسم من الكتابة في الصحف 22 بعرض 13 وفي كل صفحة 29 سطرا. أما سائر الأجزاء فهي دونه في الحجم وفي عدد السطور. وأوّل هذا المجلد محلى ومجدول بالذهب، ويقع في 303 ورقة وباقي الصحف مجدول بالمداد الأحمر.
ويبتدىء هذا المجلد بأخبار عنترة بن شدّاد العبسي التي تقع في أوّل صفحة 237 من الجزء الثامن من هذه الطبعة، وينتهي بأخبار أبي زبيد وتقع في الجزء الثاني عشر من هذه الطبعة.
وهذا الاختلاف بين هذا المجلد وسائر المجلدات يدل على أنه ليس من أسفار النسخة التي في دار الكتب المصرية والمرقومة برقم 1318 أدب، وإنما جمع معها وسلك في رقمها. وفي آخره ما يدل على ذلك صراحة إذ ورد فيه: «تم السفر الثالث من كتاب الأغاني ... » وهذا السفر يصل إلى قريب من نصف الكتاب مع أن هذه النسخة تقع في أربعة عشر مجلدا كما قلنا في وصفها في تصدير الكتاب. وواضح من هذا أن هذا المجلد لا بد أن يكون جزءا من نسخة أخرى لا تعدو أسفارها ستة أو سبعة على الأكثر.
وقد اطلع على هذا المجلد كما اطلع على سائر مجلدات هذه النسخة الأستاذ الكبير شيخ الأزهر الشيخ حسن بن محمد العطار من جلّة العلماء والأدباء في القرن الثالث عشر الهجري.
وقد وضعت لهذا الجزء فهارس كاملة كالأجزاء السابقة، غير أنا توسعنا في فهرس هذا الجزء عند ذكر أسماء رجال السند؛ إذ لم نكتف بذكر رقم أو رقمين لكل رجل بل أثبتنا كل أرقام الراوي إذا اختلف من روى عنهم أو من رووا عنه، ليكون ذلك مرجعا للرجال الذين روى عنهم أبو الفرج أخباره التي ذكرها في كتابه.
[تتمة التراجم]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ*
(الجزء العاشر من كتاب الأغاني)
1 - أخبار دريد بن الصمة ونسبه
نسبه:
هو دريد بن الصّمّة. واسم الصّمّة، فيما ذكر أبو عمرو، معاوية الأصغر بن الحارث بن معاوية الأكبر بن بكر بن علقة، وقيل علقمة، بن خزاعة بن غزيّة بن جشم بن معاوية بن بكر بن هوازن. وأما أبو عبيدة فقال: هو دريد بن الصّمّة، واسمه معاوية بن الحارث بن بكر بن علقة ولم يذكر معاوية. وقال ابن سلّام: الحارث بن معاوية بن بكر بن علقة.
صفاته:
ودريد بن الصّمّة فارس شجاع شاعر فحل، وجعله محمد بن سلّام أوّل شعراء الفرسان. وقد كان أطول الفرسان الشعراء غزوا، وأبعدهم أثرا، وأكثرهم ظفرا، وأيمنهم نقيبة عند العرب، وأشعرهم دريد [1] بن الصّمّة.
قتل يوم حنين:
وقال أبو عبيدة: كان دريد بن الصّمّة سيّد بني جشم وفارسهم وقائدهم، وكان مظفّرا ميمون النّقيبة، وغزا نحو مائة غزاة ما أخفق في واحدة منها، وأدرك/ الإسلام فلم يسلم، وخرج مع قومه في يوم حنين مظاهرا للمشركين، ولا فضل فيه للحرب، وإنّما أخرجوه تيمّنا به وليقتبسوا من رأيه، فمنعهم مالك بن عوف من قبول مشورته، وخالفه لئلا يكون له ذكر، فقتل دريد يومئذ على شركه. وخبره يأتي بعد هذا.
إخوته:
وكان لدريد أخوة وهم عبد اللّه الذي قتلته غطفان، وعبد يغوث قتله بنو مرّة، وقيس قتله بنو أبي بكر بن كلاب، وخالد قتله بنو الحارث بن كعب، أمّهم جميعا ريحانة بنت معد يكرب الزّبيديّ أخت عمرو بن معد يكرب كان الصّمّة سباها ثم تزوّجها فأولدها بنيه. وإيّاها يعني أخوها عمرو بقوله في شعره:
أمن ريحانة الدّاعي السّميع ... يؤرّقني وأصحابي هجوع
/ إذا لم تستطع شيئا [2] فدعه ... وجاوزه إلى ما تستطيع
__________
[1] يلاحظ بأدنى تأمل أن سياق الكلام مستغن عن ذكر هذا الاسم.
[2] في «أ، ح، م»: «أمزا».
ابنه وبنته شاعران:
وكان لدريد ابن يقال له سلمة، وكان شاعرا وهو الذي رمى أبا عامر الأشعريّ [1] بسهم فأصاب ركبته فقتله وارتجز فقال:
إن تسألوا عنّي فإني سلمه ... ابن سمادير [2] لمن توسّمه
أضرب بالسيف رؤوس المسلمه
وكانت لدريد أيضا بنت يقال لها عمرة [و كانت] [3] شاعرة، ولها فيه مراث كثيرة.
شعره في الصبر على النوائب:
أخبرني بخبره هاشم بن محمد الخزاعيّ قال: حدّثنا أبو غسّان دماذ عن أبي عبيدة وأخبرني به محمد بن الحسن بن دريد عن أبي حاتم عن أبي عبيدة، وأخبرني بأخبار/ له مجموعة ومتفرّقة جماعة من شيوخنا أذكرهم في مواضعهم، وأخبرني أيضا بخبره محمد بن خلف بن المرزبان عن صالح بن محمد عن أبي عمرو الشّيبانيّ وقد بيّنت رواية كل واحد منهم في موضعها، قال أبو عبيدة سمعت أبا عمرو بن العلاء يقول: أحسن شعر قيل في الصبر على النوائب قول دريد بن الصّمّة حيث يقول:
تقول ألا تبكي أخاك! وقد أرى ... مكان البكا لكن بنيت على الصبر
لمقتل عبد اللّه والهالك الذي ... على الشّرف الأعلى قتيل أبي بكر
وعبد يغوث أو خليلي خالد ... وعزّ مصابا حثو [4] قبر على قبر
أبى القتل إلّا آل صمّة إنهم ... أبوا غيره والقدر يجري إلى القدر
فإمّا ترينا ما تزال دماؤنا ... لدى واتر يشقى بها آخر الدهر
فإنّا للحم السيف غير نكيرة ... ونلحمه [5] حينا وليس بذي نكر
يغار علينا واترين فيشتفى ... بنا إن أصبنا، أو نغير على وتر
بذاك قسمنا الدّهر شطرين قسمة ... فما ينقضي إلا ونحن على شطر
وأخبرني ابن عمّار قال: حدّثني يعقوب بن إسرائيل قال حدّثني محمد بن القاسم الأسديّ عن صاعد مولى الكميت بن زيد يقول: أحسن شعر قيل في الصبر على النوائب قول دريد بن الصّمّة، وذكر هذه الأبيات.
يوم اللوى ومقتل أخيه عبد اللّه وما رثاه به من الشعر:
قال أبو عبيدة: فأما عبد اللّه بن الصّمّة فإن السبب في مقتله إنه كان غزا غطفان ومعه بنو جشم وبنو نصر
__________
[1] أبو عامر الأشعري هو ابن عم أبي موسى الأشعري، وقد كان هذا الحادث يوم حنين.
[2] سمادير اسم أم سلمة امرأة دريد بن الصمة.
[3] الزيادة عن «ح».
[4] في «أ»: «حثى قبر» يقال: حثوت عليه التراب أحثوه حثوا وحثيته أحثية حثيا، والياء أعلى.
[5] لحمه (من باب فتح): أطعمه اللحم. وفي «الصحاح»: «و لا تقل ألحمه والأصمعي يقوله».
أبناء معاوية فظفر بهم وساق أموالهم في يوم يقال له يوم اللّوى ومضى بها. ولما كان منهم غير بعيد قال: انزلوا بنا، فقال له/ أخوه دريد: يا أبا فرعان - وكانت لعبد اللّه ثلاث كنى: أبو فرعان، وأبو ذفافة، وأبو أوفى، وكلّها قد ذكرها دريد في شعره - : نشدتك اللّه ألّا تنزل فإنّ غطفان ليست بغافلة عن أموالها، فأقسم لا يريم حتى يأخذ مرباعه [1] وينقع نقيعه [2]، فيأكل ويطعم ويقسم البقيّة بين أصحابه، فبينا هم في ذلك وقد سطعت الدّواخن، إذا بغبار قد ارتفع أشدّ من دخانهم، وإذا عبس وفزارة وأشجع قد أقبلت فقالوا لربيئتهم [3]: انظر ما ذا ترى؟ فقال أرى قوما جعادا كأن سرابيلهم قد غمست في الجاديّ [4] قال: تلك أشجع، ليست بشيء. ثم نظر فقال: أرى قوما كأنهم الصّبيان، أسنّتهم عند آذان خيلهم./ قال: تلك فزارة. ثم نظر فقال: أرى قوما أدمانا [5] كأنما يحملون الجبل [6] بسوادهم، يخدّون [7] الأرض بأقدامهم خدّا، ويجرّون رماحهم جرّا، قال: تلك عبس والموت معهم! فتلاحقوا بالمنعرج من رميلة اللّوى فاقتتلوا فقتل رجل من بني قارب وهم من بني عبس عبد اللّه بن الصّمّة فتنادوا: قتل أبو ذفافة! فعطف دريد فذبّ عنه فلم يغن شيئا وجرح دريد فسقط فكفّوا عنه وهم يرون أنه قتل، واستنقذوا المال ونجا من هرب. فمرّ الزّهدمان وهما من بني عبس، وهما زهدم وقيس ابنا حزن بن وهب بن رواحة وإنما قيل لهم الزّهدمان تغليبا لأشهر الاسمين عليهما، كما قيل العمران لأبي بكر وعمر رضي اللّه عنهما، والقمران للشمس والقمر. قال دريد: فسمعت زهدما العبسيّ يقول لكردم الفزاريّ إني لأحسب دريدا حيّا/ فانزل فأجهز عليه، قال: قد مات، قال: انزل فانظر إلى سبّته [8] هل ترمّز؟ قال دريد: فسددت من حتارها [9] أي من شرجها، قال فنظر فقال: هيهات، أي قد مات، فولّى عنّي، قال ومال بالزّجّ في شرج دريد فطعنه فيه فسال دم كان قد احتقن في جوفه، قال دريد فعرفت الخفّة حينئذ فأمهلت، حتى إذا كان الليل مشيت وأنا ضعيف قد نزفني [10] الدّم حتى ما أكاد أبصر، فجزت بجماعة تسير [11] فدخلت فيهم، فوقعت بين عرقوبي بعير ظعينة، فنفر البعير فنادت: نعوذ باللّه منك، فانتسبت لها فأعلمت الحيّ بمكاني، فغسل عنّي الدم وزوّدت زادا وسقاء فنجوت، وزعم بعض الغطفانيّين أن المرأة كانت فزاريّة وأنّ الحيّ كانوا علموا بمكانه فتركوه فداوته المرأة حتى برأ ولحق بقومه، قال: ثم حجّ كردم بعد ذلك في نفر من بني عبس، فلما قاربوا ديار دريد تنكّروا خوفا، ومرّ بهم فأنكرهم، فجعل يمشي فيهم ويسألهم من هم؟ فقال له كردم: عمّن تسأل؟ فدفعه دريد، وقال:
أمّا عنك وعمّن معك فلا أسأل أبدا، وعانقه، وأهدي إليه فرسا وسلاحا، وقال له: هذا بما فعلت بي يوم اللّوى.
__________
[1] المرباع بكسر أوله: ربع الغنيمة، وهو حظ الرئيس في الجاهلية.
[2] نقع الشيء في الماء وغيره ينقعه (من باب فتح) فهو نقيع، ومثله أنقعه. نبذه: أي اتخذ منه النبيذ.
[3] الربيئة: الطليعة.
[4] الجاديّ: الزعفران.
[5] الأدمان: جمع آدم على مثال سودان وحمران. والآدم من الناس: الأسمر.
[6] في ج م: «الأرض».
[7] يخدون: يشقون.
[8] السبة بالضم: الإست. وترمز (بحذف إحدى تاءيها): تضطرب وتتحرك.
[9] الحتار بالكسر: ما أحاط بالشيء كحتار الغربال والمنخل.
[10] يقال: نزف الدم فلانا فهو منزوف ونزيف أي سال منه دم كثير حتى يضعف.
[11] في «أ، م»: «قيس».
وقال دريد يرثي أخاه عبد اللّه:
أرثّ جديد الحبل من أمّ معبد ... بعاقبة [1] وأخلفت كلّ موعد
وبانت ولم أحمد إليك جوارها ... ولم ترج منّا ردّة اليوم أوغد
/ وهي طويلة وفيها يقول:
أعاذلتي كّلّ امرىء وابن أمّه ... متاع كزاد الراكب المتزوّد
أعاذل إن الرّزء أمثال خالد [2] ... ولا رزء ممّا أهلك المرء عن يد
نصحت لعارض وأصحاب عارض ... ورهط بني [3] السّوداء والقوم شهّدي
فقلت لهم ظنّوا [4] بألفي مدجّج ... سراتهم في الفارسيّ المسرّد
أمرتهم أمري بمنعرج اللّوى ... فلم يستبينوا الرّشد إلّا ضحى الغد
فلما عصوني كنت منهم وقد أرى ... غوايتهم وأنّني [5] غير مهتد
وهل أنا إلّا من غزيّة [6] إن غوت ... غويت، وإن ترشد غزيّة أرشد
دعاني أخي والخيل بيني وبينه ... فلما دعاني لم يجدني بقعدد [7]
تنادوا فقالوا أردت الخيل فارسا ... فقلت أعبد اللّه ذلكم الرّدي
/ فإن يك عبد اللّه خلّى مكانه ... فلم يك وقّافا ولا طائش اليد
/ ولا برما [8] إذا الرياح تناوحت ... برطب العضاه والهشيم المعضّد
نظرت إليه والرّماح تنوشه [9] ... كوقع الصّياصي في النّسيج الممدّد
فطاعنت عنه الخيل حتى تبدّدت ... وحتى علاني اشقر اللّون مزبد [10]
__________
[1] بعاقبة أي بأخرة.
[2] ذكر المؤلف فيما مر إخوة دريد وذكر منهم خالدا وعبد اللّه. والتصريح بهذا الاسم في هذا الشعر الذي قاله دريد في رثاء أخيه عبد اللّه خاصة يدل على أن عبد اللّه وخالدا وعارضا (المذكور في البيت التالي) ثلاثة أسماء لشخص واحد وقد صرح بذلك شارح الحماسة ج 2 ص 156 حيث قال: «عارض هو أخو دريد وكانت له ثلاثة أسماء عارض وعبد اللّه وخالد، وثلاث كنى كان يكنى أبا أوفى وأبا ذفافة وأبا فرعان أو أبا فرغان».
[3] رهط بني السوداء يعني بهم أصحاب أخيه عبد اللّه. والقوم شهدي أي شهودي.
[4] ظنو: أي أيقنوا أو معناه ما ظنكم بألفين من الأعداء راصدين لكم يرقبونكم. والمدجج: التام السلاح، من الدجة وهي شدة الظلمة لأن الظلمة تستر كل شيء، والمدجج يستر نفسه بالسلاح. وسراتهم: أشرافهم وسادتهم. والفارسي المسرد عني به الدروع المتتابعة الحلق في نسجها.
[5] كذا في «ح» و «الحماسة». وفي «سائر الأصول»: «أو».
[6] غزية: قبيلة من هوازن. وهي رهط الشاعر.
[7] القعدد كقنفذ: الجبان اللئيم القاعد عن المكارم.
[8] البرم: الضجر. وتناوحت الرياح هبت صبا مرة وشمالا مرة وجنوبا مرة، وذلك آية الجدب. والعضاه: كل شجر يعظم وله شوك.
والهشيم: النبت اليابس المتكسر. والمعضد: المقطع بالمعضد.
[9] تنوشه: تتناوله. والصياصي: جمع صيصية وهي شوكة الحائك التي يسوى بها السداة واللحمة.
[10] هذه رواية الأصول وفيه إقواء. ورواية «الحماسة»،
فما رمت حتى خرّقتني رماحهم ... وغودرت أكبو في القنا المتقصّد [1]
قتال امّرىء واسى أخاه بنفسه ... وأيقن أنّ المرء غير مخلّد
صبور على وقع المصائب حافظ ... من اليوم أعقاب الأحاديث في غد
في بعض هذه الأبيات غناء وهو:
صوت
تمثل عليّ عليه السّلام بشعره:
أمرتهم أمري بمنعرج اللّوى ... فلم يستبينوا الرّشد إلّا ضحى الغد
فلما عصوني كنت منهم وقد أرى ... غوايتهم وأنّني غير مهتد
وهل أنا إلّا من غزيّة إن غوت ... غويت وإن ترشد غزيّة أرشد
الغناء ليحيى المكيّ ثاني ثقيل بالسبّابة في مجرى البنصر من رواية ابنه أحمد، وذكره إسحاق في هذه الطريقة ولم ينسبه إلى أحمد. وهذه الأبيات تمثّل بها أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه عند منصرفه من صفّين.
/ حدّثني أحمد بن عيسى بن أبي موسى العجليّ قال حدّثنا حسين بن نضر بن مزاحم قال حدّثنا عمر بن سعيد عن أبي مخنف عن رجاله أن عليّا عليه السّلام لمّا اختلفت كلمة أصحابه في أمر الحكمين وتفرّقت الخوارج وقالوا له ارجع عن أمر الحكمين وتب واعترف بأنك كفرت إذ حكّمت، ولم يقبل ذلك منهم، وخالفوه وفارقوه تمثّل بقول دريد:
أمرتهم أمري بمنعرج اللّوى ... فلم يستبينوا الرّشد إلّا ضحى الغد
الأبيات:
أخوه عبد اللّه وأسماؤه وكناه:
قال أبو عبيدة: كانت لعبد اللّه بن الصّمّة ثلاثة أسماء وثلاث كنى: عبد اللّه ومعبد وخالد. ويكنى أبا ذفافة وأبا فرعان وأبا أوفى.
وقال دريد:
أبا ذفافة من للخيل إذ طردت ... فاضطرّها الطعن في وعث [2] وإيجاف
يا فارس الخيل في الهيجاء إذ شغلت ... كلتا اليدين درورا غير وقّاف
له أفضل بيت في الصبر على النوائب:
__________
فطاعنت عنه الخيل حتى تنفست ... وحتى علاني حالك اللون أسودي
قال التبريزي: ويروي أسود على الإقواء. وأسودي يريد أسوديا كما قيل في الأحمر أحمري وفي الدوّار دوّاري ثم خففت ياء النسب بحذف إحداهما.
[1] المتقصد: المتكسر.
[2] الوعث هنا: الطريق الخشن الغليظ العسر. والإيجاف: سرعة السير.
أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال حدّثنا أبو حاتم عن أبي عبيدة عن يونس أنه كان يقول: أفضل بيت قالته العرب في الصبر على النوائب قول دريد بن الصّمّة:
قليل التّشكّي للمصيبات حافظ ... من اليوم أعقاب الأحاديث في غد
عاتبته زوجته أم معبد على بكائه أخاه فطلقها وقال شعرا:
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء عن الزّبير عن أبي المهاجر، وذكر مثله أبو عمرو الشّيبانيّ، أنّ أمّ معبد التي ذكرها دريد في شعره هذا كانت امرأته فطلّقها، لأنها/ رأته شديد الجزع على أخيه، فعاتبته على ذلك وصغّرت شأن أخيه وسبّته، فطلّقها وقال فيها:
أرثّ جديد الحبل من أم معبد ... بعاقبة وأخلفت كلّ موعد
/ وبانت ولم أحمد إليك جوارها ... ولم ترج منا ردّة اليوم أوغد
فقالت له أمّ معبد: بئس واللّه ما أثنيت عليّ يا أبا قرّة! لقد أطعمتك مأدومي، وبثثتك مكتومي، وأتيتك باهلا [1] غير ذات صرار وما استفرمت [2] قبلك إلّا من حيض.
وقال أبو عبيدة في خبره: بلغ دريد بن الصّمّة أن زوجته سبّت أخاه فطلّقها وألحقها بأهلها وقال في ذلك:
أعبد اللّه إن سبّتك عرسي ... تقدّم بعض لحمي قبل بعض
إذا عرس امرىء شتمت أخاه ... فليس فؤاد شانئه بحمض [3]
معاذ اللّه أن يشتمن رهطي ... وأن يملكن إبرامي ونقضي
حارب غطفان يوم الغدير طلبا بثأر أخيه وقال شعرا:
أخبرنا هاشم بن محمد قال حدّثنا أبو غسّان دماذ عن أبي عبيدة قال:
أغار دريد بن الصّمّة بعد مقتل أخيه عبد اللّه على غطفان يطالبهم بدمه، فاستقراهم [4] حيّا حيّا، وقتل من بني عبس ساعدة بن مرّ، وأسر ذؤاب بن أسماء بن زيد بن قارب، أسره مرّة بن عوف الجشميّ. فقالت بنو جشم: لو فاديناه [5]! فأبى ذلك دريد عليهم، وقتله بأخيه عبد اللّه، وقتل من بني فزارة رجلا يقال له حزام وإخوة له، وأصاب/ جماعة من بني مرّة ومن بني ثعلبة بن سعد ومن أحياء غطفان، وذلك في يوم الغدير. وفي هذا اليوم وفي من قتل فيه منهم يقول:
تأبّد من أهله معشر ... فجوّ سويقة [6] فالأصفر
__________
[1] الباهل «في الأصل»: الناقة لإصرار عليها، تريد أنها أباحته نفسها.
[2] كذا في «ح»، واستفرمت المرأة: تضيقت بالفرم (بفتح أوله وإسكان ثانيه) أي عالجت ذلك الموضع منها ليضيق ويستحصف، وربما تتعالج بحب الزبيب ونحوه تضيق به متاعها.
[3] فؤاد حمض: فاسد متغير.
[4] استقراهم: تتبعهم.
[5] فاداه: أطلقه وقبل فديته. وفي «القرآن الكريم» وَإِنْ يَاتُوكُمْ أُسارى تُفادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ
[6] تأبد: أقفر. ومعشر وجو سويقة والأصفر أسماء مواضع.
فجزع الحليف [1] إلى واسط ... فذلك مبدى وذا محضر
فأبلغ سليمى وألفافها [2] ... وقد يعطف النّسب الأكبر
بأنّي ثأرت بإخوانكم ... وكنت كأنّي بهم مخفر [3]
صبحنا فزارة سمر القنا ... فمهلا فزارة لا تضجروا
وأبلغ لديك بني مازن ... فكيف الوعيد ولم تقرروا
فإن تقتلوا فتية أفردوا ... أصابهم الحين أو تظفروا
فإنّ حزاما لدى معرك ... وأخوته حولهم أنسر
ويوم يزيد بني ناشب ... وقبل يزيدكم الأكبر
أثرنا صريخ بني ناشب ... ورهط لقيط فلا تفخروا
تجرّ الضّباع [4] بأوصالهم ... ويلقحن منهم ولم يقبروا
/ ويقول في ذلك أيضا دريد بن الصّمّة في قصيدة له أخرى:
جزينا بني عبس جزاء موفّرا ... بمقتل عبد اللّه يوم الذّنائب [5]
ولو لا سواد الليل أدرك ركضنا ... بذي الرّمث والأرطى [6] عياض بن ناشب
قتلنا بعبد اللّه خير لداته ... ذؤاب بن أسماء بن زيد بن قارب
قال أبو عبيدة: أنشد عبد الملك بن مروان شعر دريد بن الصّمّة هذا فقال: كاد دريد أن ينسب ذؤاب بن أسماء إلى آدم. فلما بلغ المنشد قوله:
ولو لا سواد الليل أدرك ركضنا ... بذي الرّمث والأرطى عياض بن ناشب
/ قال عبد الملك: ليت الشمس كانت بقيت له قليلا حتى يدركه.
قال أبو عبيدة وقال دريد أيضا في هذه الوقعة:
قتلنا بعبد اللّه خير لداته ... وخير شباب الناس لو ضمّ أجمعا
ذؤاب بن أسماء بن زيد بن قارب ... منيّته أجرى [7] إليها وأوضعا
فتى مثل متن السيف يهتزّ للنّدى ... كعالية الرّمح الرّدينيّ أروعا
__________
[1] الجزع: منعطف الوادي. والحليف وواسط: موضعان.
[2] ألفافها: قومها المجتمعون حولها، مفرده لف بالكسر.
[3] أخفره: نقض عهده وغدره. والهمزة فيه للإزالة أي أزال خفارته كأشكاه إذا أزال شكواه.
[4] يشير إلى ما هو معروف عن الضبع من أنها إذا لقيت قتيلا بالعراء وورم وانتفخ غرموله تأتيه فتركبه وتقضي حاجتها منه ثم تأكله (راجع «نهاية الأرب» ج 9 ص 274 طبع دار الكتب المصرية و «الحيوان» للجاحظ طبع مصر ج 5 ص 40).
[5] الذنائب يوم من أيام العرب المشهورة (راجع «الأغاني» ج 5 ص 35 - 63 طبع دار الكتب المصرية).
[6] ذو الرمث: موضع. والرمث والأرطى نبتان.
[7] أجرى إليها: قصد إليها.
أغرته أمه بالاستعانة بأخواله في ثأر أخيه فأبى وقتل ذؤاب بن أسماء:
وقال ابن الكلبيّ: قالت ريحانة بنت معد يكرب لدريد بن الصّمّة بعد حول من مقتل أخيه: يا بنيّ إن كنت عجزت عن طلب الثأر بأخيك فاستعن بخالك وعشيرته من زبيد، فأنف من ذلك وحلف لا يكتحل ولا يدّهن ولا يمسّ طيبا ولا يأكل لحما ولا يشرب خمرا حتى يدرك ثأره، فغزا هذه الغزاة وجاءها بذؤاب بن أسماء فقتله بفنائها، وقال: هل بلغت ما في نفسك؟! قالت: نعم متّعت بك! وروي عن ابن الكلبيّ لريحانة في هذا المعنى أبيات لم تحضرني وقد كتبت خبرها.
أخوه قيس بن الصمة ومقتله:
وأمّا قتيل أبي بكر الذي ذكره دريد فإنه أخوه قيس بن الصّمّة، قتله بنو أبي بكر بن كلاب. وكان السبب في ذلك، فيما أخبرني به هاشم بن محمد عن دماذ عن أبي عبيدة، أنّه غزا في قومه بني خزاعة من بني جشم، فأغاروا على إبل لبني كعب بن أبي بكر بن كلاب، فانطلقوا بها. وخرج بنو أبي بكر بن كلاب في طلبها حتى إذا دنوا منهم قال عمرو بن سفيان الكلابيّ، وكان حازما عاقلا، امكثوا، ومضى هو متنكّرا حتى لقي رجلا من بني خزاعة فسلّم عليه واستسقاه فسقاه وانتسب له هلاليّا، فسأله عن قومه وأين مرعى إبلهم، وأعلمه أنه جاء رائدا [1] لقومه يريد مجاورتهم، فخبّره الرجل بكلّ ما أراد، فرجع إلى قومه وقد عرف بغيته، فصبح القوم فظفرت بهم بنو كلاب وقتلوا قيس بن الصّمّة، وذهبوا بإبل بني خزاعة وارتجعوا إبلهم [2]. وكان يقال لعمرو بن سفيان ذو السيفين، لأنه كان يلقى الحرب ومعه سيفان خوفا من أن يخونه أحدهما. وإيّاه عنى دريد بن الصّمّة بقوله:
إنّ امرءا بات عمرو بين صرمته [3] ... عمرو بن سفيان ذو السّيفين مغرور
يا آل سفيان ما بالي وبالكمو ... هل تنتهون وباقي القول مأثور؟
يا آل سفيان ما بالي وبالكمو ... أنتم كبير وفي الأحلام عصفور
هلّا نهيتم أخاكم عن سفاهته ... إذ تشربون وغاوي الخمر مدحور؟
لا أعرفن لمّة سوداء داجية ... تدعو كلابا وفيها الرمح مكسور
لن تسبقوني ولو أمهلتكم [4] شرفا ... عقبى إذا أبطأ الفحج [5] المخاصير [6]
خبر الحرب بين بني عامر وبني جشم وبين أسد وغطفان:
وأخبرنا بخبر ابتداء هذه الحروب محمد بن العبّاس اليزيديّ قال قرأت على أحمد بن يحيى عن ابن الأعرابيّ قال:
__________
[1] في ب، س، ح: «زائرا» وهو تحريف.
[2] في ب، س: «أموالهم».
[3] الصرمة بكسر الصاد: القطيع من الإبل والغنم اختلف في عدده.
[4] في ب، س: «أهملتكم».
[5] الفحج بضم الفاء وسكون الحاء: جمع أفحج أو فحجاء، وصف من الفحج بفتح الفاء والحاء وهو تباعد ما بين أوساط الساقين من الرجل والدابة.
[6] المخاصير: جمع مخصور وهو الذي يشتكي خصره.
أغارت بنو عامر بن صعصعة وبنو جشم بن معاوية على أسد وغطفان، وكان دريد بن الصّمّة وعمرو بن سفيان بن ذي اللّحية متساندين [1]، فدريد على بني جشم بن معاوية، وعمرو بن سفيان على بني عامر. فقال عبد اللّه بن الصّمّة/ لأخيه: إنّي غير معطيك الرّياسة، ولكنّ لي في هذا اليوم شأنا. ثم اشترك عبد اللّه وشراحيل بن سفيان، فلما أغار القوم أخذ عبد اللّه من نعم بني أسد ستّين وأصاب القوم ما شاءوا. وأدرك رجل من بني جذيمة عبد اللّه بن الصّمّة فقال له عبد اللّه بن الصّمّة: ارجع فإني كنت شاركت شراحيل بن سفيان، فإن استطاع دريد فليأته وليأخذ مالي منه. وأقام دريد في أواخر الحيّ فقال له عمرو: ارتحل بالناس قبل أن يأتيك الصّراخ [2]، فقال: إني أنتظر أخي عبد اللّه. حتى إذا أطال عليه قال له: إن أخاك قد أدرك فوارس من الحليفيّين يسوقون بظعنهم فقتلوه. فانطلقوا حتى إذا كانوا بحيث يفترقون قال دريد لشراحيل [3]: إن عبد اللّه أنبأني ولم يكذبني قطّ أن له شركة مع شراحيل فأدّوا إلينا شركته. فقالوا له: ما شاركناه قطّ. فقال دريد: ما أنا بتارككم حتى أستحلفكم عند ذي الخلصة (وثن من أوثانهم). فأجابوه إلى ذلك وحلفوا، ثم جاء عبد اللّه بغنيمة عظيمة فجاءوه ينشدونه الشّرك. فقال لهم دريد: ألم أحلّفكم حين ظننتم أن عبد اللّه قد قتل. فقالوا: ما حلفنا وجعلوا يناشدون عبد اللّه أن يعطيهم، فقال: لا، حتى يرضى دريد، فأبى أن يرضى فتوعّدوه أن يسرقوا إبله. فقال دريد في ذلك:
/هل مثل قلبك في الأهواء معذور ... والحبّ بعد مشيب المرء مغرور
وذكر الأبيات التي تقدّمت في الخبر قبل هذا وزاد فيها:
إذا غلبتم صديقا تبطشون به ... كما تهدّم في الماء الجماهير [4]
وأنتم معشر في عرقكم شنج [5] ... بزخ الظهور وفي الأستاه تأخير
قد علم القوم أنّي من سراتهم ... إذا تقبّض في البطن المذاكير
وقد أروع سوام القوم ضاحية ... بالجرد يركضها الشّعث المغاوير [6]
يحملن كلّ هجان [7] صارم ذكر [8] ... وتحتهم شزّب [9] قبّ مضامير
أو عدتمو إبلي كلّا سمينعها ... بنو غزيّة لا ميل ولا صور [10]
__________
[1] التساند: التعاضد.
[2] الصراخ: صوت الاستغاثة.
[3] بالتأمل في سياق هذه القصة يلاحظ أن هذه الكلمة زائدة.
[4] الجماهير: الرمال الكثيرة المتراكمة.
[5] العرق: الأصل. والشنج: التقبض والتقلص، والبزخ: تقاعس الظهر عن البطن، وقيل هو خروج الصد ودخول الظهر يريد أنهم مشوهو الأجسام غير أهل للرياسة.
[6] الجرد: جمع أجرد وهو الفرس القصير الشعر. والشعث جمع أشعث وهو المغبر الرأس المتلبد الشعر. والمغاوير جمع مغوار وهو المقاتل الكثير الغارات.
[7] الهجان: الكريم.
[8] كذا في «ح». وفي «سائر الأصول»: «كرم».
[9] الشزب: جمع شازب، وهو الضامر اليابس، والقب: جمع أقب وهو من الخيل الدقيق الخصر الضامر البطن.
[10] الصور: جمع أصور وهو المائل وفي ح، أ، م «و لا عور».
أخوه عبد يغوث ومقتله وما رثاه به:
وأمّا عبد يغوث بن الصّمّة وخبر مقتله فإنه كان ينزل بين أظهر بني الصّادر فقتلوه. قال أبو عبيدة في خبره:
قتله مجمّع بن مزاحم أخو شجنة بن مزاحم وهو من بني يربوع بن غيظ بن مرّة. فقال دريد بن الصّمّة:
أبلغ نعيما وأوفى إن لقيتهما ... إن لم يكن كان في سمعيهما صمم
فما أخي بأخي سوء فينقصه ... إذا تقارب بابن الصّادر القسم
/ ولن يزال شهابا يستضاء به ... يهدي المقانب [1] ما لم تهلك الصّمم [2]
عاري الأشاجع [3] معصوب بلمّته ... أمر الزّعامة، في عرنينه شمم
خالد بن الصمة ومقتله:
قال أبو عبيدة: أمّا قوله «أو نديمي خالد»، فإنه يعني خالد بن الصّمّة؛ فإن بني الحارث بن كعب غزت بني جشم بن معاوية، فخرجوا إليهم فقاتلوهم فقتلت بنو الحارث خالد بن الصّمّة، وإيّاه عنى. وقال غير أبي عبيدة:
خالد بن الحارث [4] الذي عناه دريد هو عمّه خالد بن الحارث أخو الصّمّة/ بن الحارث قتلته أحمس (بطن من شنوءة)، وكان دريد بن الصّمّة أغار عليهم في قومه فظفر بهم واستاق إبلهم وأموالهم وسبى نساءهم وملأ يديه وأيدي أصحابه، ولم يصب أحد ممّن كان معه إلّا خالد بن الحارث عمّه، رماه رجل منهم بسهم فقتله؛ فقال دريد بن الصّمّة يرثيه:
يا خالدا خالد الأيسار والنّادي ... وخالد الرّيح إذ هبّت بصرّاد [5]
وخالد القول والفعل المعيش به ... وخالد الحرب إذ عضّت بأزراد [6]
وخالد الرّكب إذ جدّ السّفار بهم ... وخالد الحيّ لمّا ضنّ بالزاد
/ وقال أبو عبيدة: قال دريد يرثي أخاه خالدا:
أميم أجدّي عافي الرّزء واجشمي ... وشدّي على رزء ضلوعك وابأسي
حرام عليها أن ترى في حياتها ... كمثل أبي جعد فعودي أو اجلسي
أعفّ وأجدى نائلا لعشيرة ... وأكرم مخلود [7] لدى كلّ مجلس
وألين منه صفحة لعشيرة ... وخيرا أبا ضيف وخيرا لمجلس
__________
[1] المقانب: جمع مقنب وهو الجماعة من الخيل تجتمع للغارة.
[2] الصمم: جمع صمة وهو الشجاع. ولعله عنى قومه.
[3] الأشاجع: أصول الأصابع التي تتصل بعصب ظاهر الكف، وقيل هي عروق ظاهر الكف واحدها أشجع. والعرنين: الأنف.
[4] كذا في «الأصول». ولعله: «خالد الذي عناه دريد هو عمه خالد بن الحارث ... إلخ».
[5] الصراد: الغيم الرقيق لا ماء فيه.
[6] كذا في أ، م،. والأزراد: جمع زرد وهي الدرع المزرودة؛ سميت بذلك للينها وتداخل بعضها في بعض. وفي «سائر الأصول»:
«قصت بأوراد». والأوراد: جمع ورد، والورد من معانيه القطيع من الطير والجيش على التشبيه به.
[7] كذا في الأصول.
تقول هلال خارج من غمامة ... إذا جاء يجري في شليل [1] وقونس
يشدّ متون الأقربين بهاؤه ... ويخبث نفس الشانىء المتعبّس
وليس بمكباب [2] إذا الليل جنّه ... نؤوم إذا ما أدلجوا في المعرّس
ولكنّه مدلاج ليل إذا سرى ... يندّ [3] سراه كلّ هاد مملّس [4]
هذه رواية أبي عبيدة.
يوم ثيل:
وأخبرني محمد بن الحسن بن دريد عن عمّه العبّاس بن هشام عن أبيه أن خالد بن الصّمّة قتل في غارة أغارتها بنو الحارث بن كعب على بني نصر بن معاوية في يوم يقال له يوم ثيل [5]، فأصابوا ناسا من بني نصر.
وبلغ الخبر بني جشم فلحقوهم، ورئيس بني جشم يومئذ مالك بن حزن، فاستنقذوا ما كان في أيديهم من غنائم بني نصر، فأصابوا ذا القرن الحارثيّ أسيرا وفقئوا عين شهاب بن أبان الحارثيّ بسهم،/ وقتل يومئذ خالد بن الصّمّة وكان مع مالك بن حزن، وأصابت بنو جشم منهم ناسا، وكان رئيس بني الحارث بن كعب يومئذ شهاب بن أبان، ولم يشهد دريد بن الصّمّة ذلك اليوم؛ فلما رجعوا قتلوا ذا القرن بخالد بن الصّمّة، ولما قدّم لتضرب عنقه، صاح بأوس بن الصّمّة، وكان له صديقا، ولم يكن أوس حاضرا، فلم ينفعه ذلك وقتل. فلما قدم أوس غضب وقال: أقتلتم رجلا استجار باسمي! فقال عوف بن معاوية في ذلك:
نبّئت أوسا بكى ذا القرن إذ شربا ... على عكاظ بكاء غال مجهودي [6]
إنّي حلفت بما جمّعت من نشب ... وما ذبحت على أنصابك السّود
لتبكينّ قتيلا منك مقتربا ... إنّي رأيتك تبكي للأباعيد
قصة زواجه بامرأة وجدها ثيبا:
أخبرني هاشم بن محمد الخزاعيّ قال حدّثنا أبو غسّان دماذ عن أبي عبيدة، وأخبرني عبد اللّه بن مالك النحويّ الضّرير قال حدّثنا محمد بن حبيب عن ابن الأعرابيّ قال:
تزوّج دريد بن الصّمّة امرأة فوجده ثيّبا، وكانوا قالوا له إنها بكر، فقام عنها قبل أن يصل إليها،/ وأخذ سيفه فأقبل به إليها ليضربها، فتلقّته أمّها لتدفعه عنها، فوقف يديها (أي حزّهما ولم يقطعهما)، فنظر إليها بعد ذلك وهي معصوبة فقال:
أقرّ العين أن عصبت يديها ... وما إن تعصبان على خضاب
__________
[1] الشليل: الغلالة تلبس تحت الدرع. والقونس: أعلى بيضة الحديد، وقيل مقدم البيضة.
[2] المكباب: الكثير النظر إلى الأرض.
[3] ينذّ: يشر، وينفر.
[4] كذا في الأصول. والظاهر أنها محرفة عن «عملس» وهو القوي الشديد على السفر أو القوي على السير السريع، ومثله «العمرس».
[5] لم نجد يوما بهذا الاسم فيما راجعنا من مصادر. وفي ياقوت: «ثيتل بالفتح ثم السكون ماء قرب النباج كانت به وقعة مشهورة».
[6] في «ج»: «مجلودي».
فأبقاهنّ أن لهنّ جدّا ... وواقية كواقية الكلاب
قالوا: يريد أن الكلب يصيبه الجرح فيلحس نفسه فيبرأ.
ما جرى بينه وبين عياض الثعلبي:
قال أبو عبيدة وابن الأعرابيّ جميعا في هذه الرواية: أسر دريد بن الصّمّة عياضا الثّعلبيّ أحد بني ثعلبة بن سعد بن ذبيان فأنعم [1] عليه. ثم إن دريدا أتاه بعد ذلك يستثيبه. فقال له: إيت رحلك حتى أبعث إليك بثوابك؛ فانصرف دريد. فبعث إليه بوطب [2] نصفه لبن ونصفه بول. فغضب دريد ولم يلبث إلّا قليلا حتى أغار على بني ثعلبة، واستاق إبل عياض، وأفلت عياض منه جريحا؛ فقال دريد في ذلك من قصيدة:
فإن تنج يدمى عارضاك فإنّنا ... تركنا بنيك للضّباع وللرّخم [3]
جزيت عياضا كفره وعقوقه ... وأخرجته من المدفّأة [4] الدّهم
ألا هل أتاه ما ركبنا سراتهم ... وما قد عقرنا من صفيّ [5] ومن قرم
هجا عبد اللّه بن جدعان ثم مدحه:
أخبرني هاشم بن محمد الخزاعيّ قال حدّثنا دماذ عن أبي عبيدة قال: هجا دريد بن الصّمّة عبد اللّه بن جدعان التّيميّ تيم قريش فقال:
هل بالحوادث والأيام من عجب ... أم بابن جدعان عبد اللّه من كلب
إست حميت [6] وهي في عكم ربّته ... في يوم حرّ شديد الشرّ والهرب
إذا لقيت بني حرب وأخوتهم ... لا يأكلون عطين [7] الجلد والأهب
لا ينكلون ولا تشوي [8] رماحهم ... من الكماة ذوي الأبدان والجبب [9]
/فاقعد بطينا مع الأقوام ما قعدوا ... وإن غزوت فلا تبعد من النّصب
فلو ثقفتك [10] وسط القوم ترصدني ... إذا تلبّس منك العرض [11] بالحقب
__________
[1] أنعم عليه: أطلقه.
[2] الوطب: سقاء للبن يتخذ من جلد.
[3] الرخم: (بضم الراء وسكون الخاء): جمع رخمة (بفتح الراء والخاء). وهي طائر أبقع على شكل النسر خلقة إلا أنه مبقع بسواد وبياض يقال له الأنوق.
[4] المدفأة: الإبل الكثيرة الأوبار والشحوم.
[5] الصفي: الناقة الغزيرة اللبن. والقرم: الفحل.
[6] الحميت: المتين. والعكم (بكسر العين وسكون الكاف): العدل يجعل فيه المتاع ويشد عليه بالعكام أي الحبل. ويلاحظ أن هذا الشطر غير واضح.
[7] العطين: الجلد المدبوغ.
[8] تشوي: تصيب الشوى ولا تقتل. والشوى: الأطراف.
[9] الأبدان: جمع بدن وهو هنا الدرع القصيرة. والجبب: جمع جبة وهي هنا الدرع أيضا.
[10] ثقفه: صادفه.
[11] العرض هنا: الجسد، والحقب شيء تتخذه المرأة تعلق به معاليق الحلي تشده على وسطها. يريد إذا صادفتك وسط القوم لبست
وما سمعت بصقر ظلّ يرصده ... من قبل هذا بجنب المرج [1] من خرب [2]
قال: فلقيه عبد اللّه بن جدعان بعكاظ فحيّاه وقال له: هل تعرفني يا دريد؟ قال لا. قال: فلم هجوتني؟
قال: ومن أنت؟ قال: أنا عبد اللّه بن جدعان. قال: هجوتك لأنك كنت امرأ كريما، فأحببت أن أضع شعري موضعه. فقال له عبد اللّه: لئن كنت هجوت لقد مدحت؛ وكساه وحمله على ناقة برحلها. فقال دريد يمدحه:
إليك ابن جدعان أعملتها ... مخفّفة للسّرى والنّصب
فلا خفض حتّى تلاقي امرأ ... جواد الرّضا وحليم الغضب
وجلدا إذا الحرب مرّت به ... يعين عليها بجزل الحطب
رحلت البلاد فما إن أرى ... شبيه ابن جدعان وسط العرب
سوى ملك شامخ ملكه ... له البحر يجري وعين الذّهب
تغزل في الخنساء وخطبها فامتنعت وتهاجيا:
/ أخبرنا أبو خليفة عن محمد بن سلّام موقوفا عليه لم يتجاوزه إلى غيره، وحدّثني حبيب بن نصر المهلّبيّ وأحمد بن عبد العزيز الجوهريّ قالا حدّثنا عمر بن شبّة عن الأصمعيّ وأبي عبيدة، وأخبرني هاشم بن محمد الخزاعيّ قال حدّثنا أبو غسّان دماذ عن أبي عبيدة، وأخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدثني عليّ بن المغيرة عن أبي عبيدة، وأخبرني محمد بن خلف بن المرزبان/ قال حدّثني أبو بكر العامريّ قال حدّثني ابن نوبة [3] عن أبي عمرو الشّيبانيّ، وأخبرني عمّي قال حدّثنا ثعلب عن ابن الأعرابيّ [4]، وقد جمعت أخبارهم على اختلاف ألفاظهم في هذا الموضع، أن دريد بن الصّمّة مرّ بالخنساء بنت عمرو بن الشّريد، وهي تهنأ بعيرا لها وقد تبذّلت حتى فرغت منه، ثم نضت عنها ثيابها فاغتسلت ودريد بن الصّمّة يراها وهي لا تشعر به فأعجبته؛ فانصرف إلى رحله وأنشأ يقول:
حيّوا تماضر واربعوا صحبي ... وقفوا فإن وقوفكم حسبي
أخناس قد هام الفؤاد بكم ... وأصابه تبل من الحبّ
ما إن رأيت ولا سمعت به ... كاليوم طالي أينق جرب
متبذّلا تبدو محاسنه ... يضع الهناء مواضع النّقب [5]
متحسّرا نضح الهناء به ... نضح العبير بريطة العصب [6]
__________
لبسة النساء واستخفيت.
[1] كذا في «الأصول». ولعله «المرخ» وهو شجر سريع الورى يقتدح به.
[2] الخرب: ذكر الحباري، وقيل الحباري كلها.
[3] الذي في ج، أ: « ... وأخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدّثني أبو نوبة ... إلخ».
[4] في أ، م هنا زيادة، هي: «و أخبرني محمد بن خلف قال حدثني أبو بكر العامري عن ابن الأعرابي».
[5] الهناء: القطران. والنقب (بضم النون وتسكين القاف أو فتحها): القطع المتفرقة من الجرب. والواحدة نقبة، وقيل هي أول ما يبدو من الجرب.
[6] في ب، س: «العطب». والعطب (بالضم وبضمتين): القطن.
فسليهم عنّي خناس إذا ... عضّ الجميع الخطب ما خطبي
- قالوا: وتماضر اسمها. والخنساء لقب غلب عليها - فلما أصبح غدا على أبيها [1] فخطبها إليه. فقال له أبوها: مرحبا بك أبا قرّة! إنك للكريم لا يطعن في حسبه، والسيّد لا يردّ عن حاجته، والفحل لا يقرع أنفه. - وقال أبو عبيدة خاصّة مكان «لا يطعن في حسبه» «لا يطعن في عيبه» [2] - ولكن لهذه المرأة في نفسها ما ليس لغيرها، وأنا ذاكرك لها/ وهي فاعلة. ثم دخل إليها وقال لها: يا خنساء، أتاك فارس هوازن وسيّد بني جشم دريد بن الصّمّة يخطبك وهو من تعلمين، ودريد يسمع قولهما. فقالت: يا أبت، أتراني تاركة بني عمّي مثل عوالي الرّماح وناكحة شيخ بني جشم هامة [3] اليوم أو غد!. فخرج إليه أبوها فقال: يا أبا قرّة قد امتنعت، ولعلّها أن تجيب فيما بعد.
فقال: قد سمعت قولكما، وانصرف. هذه رواية من ذكرت. وقال ابن الكلبيّ: قالت لأبيها: أنظرني حتى أشاور نفسي، ثم بعثت خلف دريد وليدة فقالت لها: انظري دريدا إذا بال، فإن وجدت بوله قد خرق الأرض ففيه بقيّة، وإن وجدته قد ساح على وجهها فلا فضل فيه. فاتّبعته وليدتها ثم عادت إليها فقالت: وجدت بوله قد ساح على وجه الأرض، فأمسكت. وعاود دريد أباها فعاودها فقالت له هذه المقالة المذكورة؛ ثم أنشأت تقول:
أتخطبني، هبلت، على دريد ... وقد أطردت [4] سيّد آل بدر!
معاذ اللّه ينكحني حبركى [5] ... يقال أبوه من جشم بن بكر
/ ولو أمسيت في جشم هديّا [6] ... لقد أمسيت في دنس وفقر
فغضب دريد من قولها وقال يهجوها:
وقاك اللّه يابنة آل عمرو ... من الفتيان أمثالي ونفسي
فلا تلدي ولا ينكحك مثلي ... إذا ما ليلة طرقت بنحس
/ لقد علم المراضع في جمادى ... إذا استعجلن عن حزّ [7] بنهس
بأنّي لا أبيت بغير لحم ... وأبدأ بالأرامل حين أمسي
وأنّى لا ينال الحيّ ضيفي [8] ... ولا جاري يبيت خبيث نفس
إذا عقب القدور تكنّ مالا [9] ... تحتّ حلائل الأبرام عرسي
__________
[1] في «الأمالي» ج 2 ص 161 طبع دار الكتب المصرية أنه خطبها إلى أخيها معاوية.
[2] كذا في الأصول. ولعلها: «في غيبة» بالغين المعجمة.
[3] يقال: فلان هامة اليوم أو غد؛ إذا شاخ وأشرف على الموت.
[4] أطردت: أمرت بطرده.
[5] الحبركى: الغليظ الطويل الظهر القصير الرجلين، والأنثى منه حبركاة. وقد ورد هذا البيت في «اللسان» هكذا:
ولست بمرضع ثديي حبركي ... قصير الشبر من جشم بن بكر
[6] الهدي: العروس.
[7] الحز: القطع. والنهس: تعرّق ما على العظم وانتزاعه بمقدم الأسنان.
[8] رواية «الأمالي»:
وأني لا يهر الضيف كلبي
أي لا ينبح في وجهه لأنسه به.
[9] كذا في «ح». وفي «سائر الأصول»: «تكن ملأى» وهو تحريف. ورواية هذا الشطر في «الأمالي» و «اللسان» (في مادة برم): «إذا
وأصفر من قداح النّبع صلب ... خفيّ الوسم في ضرس [1] ولمس
دفعت إلى المفيض [2] إذا استقلّوا ... على الرّكبات [3] مطلع كلّ شمس
فإن أكدى [4] فتامكة تؤدّى [5] ... وإن أربى فإني غير نكس
وتزعم أنني شيخ كبير ... وهل خبّرتها أني ابن أمس
/ تريد شرنبث [6] القدمين شثنا ... يبادر بالجدائر كلّ كرس
وما قصرت يدي عن عظم أمر ... أهمّ به ولا سهمي بنكس
وما أنا بالمزجّى [7] حين يسمو ... عظيم في الأمور ولا بوهس
قال: فقيل للخنساء: ألا تجيبينه؟ فقالت: لا أجمع عليه أن أردّه وأهجوه.
آخر أيامه وشعره بعد أن أسن وضعف جسمه:
أخبرني هاشم بن محمد قال حدّثنا دماذ عن أبي عبيدة قال: لما أسنّ دريد جعل له قومه بيتا مفردا عن البيوت، ووكّلوا به أمة تخدمه، فكانت إذا أرادت أن تبعد في حاجة قيّدته بقيد الفرس. فدخل إليه رجل من قومه فقال له: كيف أنت يا دريد؟ فأنشأ يقول:
أصبحت أقذف أهداف المنون [8] كما ... يرمي الدّريئة [9] أدنى فوقة [10] الونر
__________
عقب القدور عددن مالا». وعقبه القدر: ما التزق بأسفلها من تابل وغيره. وتحت: تعجل، يقال حته دراهمه إذا عجل له النقد.
وقد وردت هذه الكلمة في الأصول «تحب» والتصويب عن «اللسان». يريد أنه إذا اشتد القحط وعدّت عقب القدور مالا عجلت زوجته العطاء لزوجات الأبرام. والأبرام: اللئام، الواحد: برم، وهو في «الأصل» الذي لا يدخل مع القوم في الميسر.
[1] ضرس السهم: عجمه.
[2] المفيض: الضارب بالقداح.
[3] في الأصول: «الركبان» والتصويب عن «الأمالي»؛ ويروى فيه:
دفعت إلى النجيّ وقد تجاثوا ... على الركبات مطلع كل شمس
قال أبو علي قال لنا أبو بكر قال أبو حاتم عن الأصمعي: هذا غلط، إنما هو مغرب كل شمس، لأن الأيسار إنما يتياسرون بالعشيات.
[4] أكدى: أخفق ولم يصب.
[5] كذلك في الأصول. ويلاحظ أنه لم يرد في «كتب اللغة» إلا التامك بدون هاء التأنيث. والتامك: الناقة العظيمة السنام أو السنام نفسه. والنكس: الرجل الضعيف لا خير فيه.
[6] الشرنبث: الغليظ. والشئن: الغليظ أيضا. والكرس: ما تكرس أي صار بعضه فوق بعض. والجدائر: جمع جديرة وهي الحظيرة.
وقد رواه أبو علي في «الأمالي»:
تريد أفيحج الرجلين شثنا ... يقلع بالجديرة كل كرس
وقال: ويروى:
تريد شرنبث الكفين شئنا ... يقلع بالجدائر كل كرس
[7] المزجي من القوم: المزلج وهو الملصق بالقوم وليس منهم، والرجل الناقص المروءة، والدون من كل شيء، والبخيل. والوهس:
الذليل الموطوء.
[8] في أ، م: «السنين». وفي ح: «المئين».
[9] الدريئة: حلقة يتعلم عليها الرامي الرمي؛ قال عمرو بن معد يكرب:
ظلت كأني للرماح دريئة ... أقاتل عن أبناء جرم وفرّت
[10] في «اللسان»: «الفوق: مشق رأس السهم حيث يقع الوتر. وحرفاه: زنمتاه. وهذيل تسمى الزنمتين الفوقتين.
في منصف [1] من مدى تسعين من مائة ... كرمية الكاعب العذراء بالحجر
في منزل نازح م الحيّ منتبذ ... كمربط العير لا أدعى إلى خبر
/ كأنّني خرب [2] قصّت قوادمه ... أو جثّة من بغاث في يدي خصر [3]
يمضون أمرهم دوني وما فقدوا ... منّي عزيمة أمر ما خلا كبري
ونومة لست أقضيها وإن متعت [4] ... وما مضى قبل من شأوي ومن عمري
وأنني رابني قيد حبست به ... وقد أكون وما يمشى على أثري
إن السّنين إذا قرّبن من مائة ... لوين مرّة [5] أحوال على مرر
أخبرني هاشم بن محمد قال حدّثنا دماذ عن أبي عبيدة قال: قالت امرأة دريد له: قد أسننت وضعف جسمك وقتل أهلك وفني شبابك، ولا مال لك ولا عدّة، فعلى أيّ شيء تعوّل إن طال بك العمر أو على أي شيء تخلّف أهلك إن قتلت؟ فقال دريد:
صوت
أعاذل إنما أفنى شبابي ... ركوبي في الصّريخ إلى المنادي
مع الفتيان حتى كلّ جسمي ... وأقرح عاتقي حمل النّجاد
أعاذل إنه مال طريف ... أحبّ إليّ من مال تلاد
أعاذل عدّتي بدني [6] ورمحي ... وكلّ مقلّص شكس القياد
ويبقى بعد حلم القوم حلمي ... ويفنى قبل زاد القوم زادي
هذا الشعر رواه أبو عبيدة لدريد، وغيره يرويه لعمرو بن معد يكرب، وقول أبي عبيدة أصحّ. لابن [7] محرز في هذه الأبيات ثاني ثقيل بالخنصر في مجرى البنصر/ عن إسحاق. وذكر عمرو بن بانة أن لابن سريج فيها ثاني ثقيل بالبنصر. وخلط المغنّون بهذا الشعر قول عمرو بن معد يكرب في هذين اللحنين:
أريد حياته [8] ويريد قتلي ... عذيرك من خليلك من مراد
ولو لا قيتني ومعي سلاحي ... تكشّف شحم قلبك عن سواد
__________
[1] منصف الشي ء: وسطه.
[2] الخرب: ذكر الحباري.
[3] كذا في الأصول. ولعلها «هصر». ويقال ليث هصور وهصر (ككتف) وهصر (كصرد).
[4] متعت: طابت.
[5] المرة: طاقة الحبل.
[6] البدن هنا: الدرع. وفرس مقلص (بكسر اللام): طويل القوائم منضم البطن.
[7] في الأصول هنا. «و لابن محرز ... إلخ».
[8] في ب، س: «حباءه».
قتلت بنو يربوع الصمة أباه فغزاهم:
وقال أبو عبيدة فيما رويناه عن دماذ عنه: قتلت بنو يربوع الصّمّة أبا دريد غدرا، وأسروا ابن عمّ له؛ فغزاهم دريد ببني نصر فأوقع ببني يربوع وبني سعد جميعا، فقتل فيهم. وكان فيمن قتل عمّار بن كعب؛ وقال فيهم:
دعوت الحيّ نصرا فاستهلّوا ... بشبّان ذوي كرم وشيب
على جرد كأمثال السّعالي ... ورجل مثل أهمية [1] الكثيب
فما جبنوا ولكنّا نصبنا ... صدور الشّرعبيّة [2] للقلوب
فكم غادرن من كاب صريع ... يمجّ نجيع جائفة [3] ذنوب
وتلكم عادة لبني رباب ... إذا ما كان موت من قريب
فأجلوا والسّوام لنا مباح ... وكلّ كريمة خو عروب
وقد ترك ابن كعب في مكرّ ... حبيسا بين ضبعان وذيب
كان أبوه شاعرا:
قال أبو عبيدة: وكان الصّمة أبو دريد شاعرا، وهو الذي يقول في حرب الفجار التي كانت بينهم وبين قريش:
/لاقت قريش غداة العقي ... ق أمرا لها وجدته وبيلا
وجئنا إليهم كموج الأتيّ [4] ... يعلو النّجاد ويملا المسيلا
وأعددت للحرب خيفانة [5] ... ورمحا طويلا وسيفا صقيلا
ومحكمة من دروع القيو ... ن تسمع للسيف فيها صليلا
وكان أخوه مالك شاعرا:
قال: وكان أخوه مالك بن الصّمّة شاعرا؛ وهو القائل يرثي أخاه خالدا:
أبني غزيّة إنّ شلوا [6] ماجدا ... وسط البيوت السّود مدفع كركر [7]
لا تسقني بيديك إن لم ألتمس ... بالخيل بين هبولة [8] فالقرقر
__________
[1] كذا في أكثر الأصول. وفي م، ح: «أمهية» ولا معنى لهما. فلعل الصواب «أهيلة» جمع هيال وهو ما انهال من الرمال.
[2] الشرعبية: الطويلة، يريد الرماح.
[3] الجائفة: الطعنة التي تنفذ إلى الجوف. وذنوب: طويلة الشر والأذى؛ ومثله قولهم: يوم ذنوب إذا كان طويل الشر لا ينقضي.
[4] الأتي: السيل لا يدري من أين أتى.
[5] الخيفانة: الفرس.
[6] الشلو (بالكسر) هنا: الجسد.
[7] كركر: علم على عدة مواضع.
[8] هبولة والقرقر: موضعان.
تحالف مع معاوية بن عمرو بن الشريد ورثاه:
/ أخبرني هاشم بن محمد قال حدثنا أبو غسّان دماذ عن أبي عبيدة قال: تحالف دريد بن الصّمّة ومعاوية بن عمرو بن الشّريد وتواثقا إن هلك أحدهما أن يرثيه الباقي بعده، وإن قتل أن يطلب بثأره. فقتل معاوية بن عمرو بن الشّريد، قتله هاشم بن حرملة بن الأشعر المرّيّ. فرثاه دريد بقصيدته التي أولها:
ألا هبّت تلوم بغير قدر ... وقد أحفظتني ودخلت ستري
وإلّا تتركي لومي سفاها ... تلمك عليه نفسك غير عصر
وفيها يقول:
فإنّ الرّزء يوم وقفت أدعو ... فلم أسمع معاوية بن عمرو
ولو أسمعته لأتاك يسعى ... حثيث السّعي أو لأتاك يجري
بشكّة [1] حازم لا غمز فيه ... إذا لبس الكماة جلود نمر [2]
/عرفت مكانه فعطفت زورا [3] ... وأين مكان زور يابن بكر
على إرم [4] وأحجار ثقال ... وأغصان من السلمات سمر
وبنيان القبور أتى عليها ... طوال الدهر شهرا بعد شهر
حديث عارض الجشمي عنه وقد خرف:
أخبرني عبد اللّه بن مالك النحويّ قال حدّثنا محمد بن حبيب عن ابن الأعرابيّ قال:
وقف عارض الجشميّ على دريد وقد خرف وهو عريان وهو يكوّم كوم بطحاء [5] بين رجليه يلعب بذلك؛ فجعل عارض يتعجّب مما صار إليه دريد. فرفع رأسه دريد إليه وقال:
كأنّني رأس حضن [6] ... في يوم غيم ودجن [7]
يا ليتني عهد زمن ... أنفض رأسي وذقن
كأنّني فحل حصن ... أرسل في حبل عنن
أرسل كالظّبي الأرن [8] ... ألصق أذنا بأذن
قال: ثم سقط؛ فقال له عارض: انهض دريد! فقال:
__________
[1] الشكة: السلاح.
[2] يقال: لبس فلان لفلان جلد النمر إذا تنكر له. وكانت ملوك العرب إذا جلست لقتل إنسان لبست جلود النمر ثم أمرت بقتل من تريد قتله.
[3] الزور في اللغة: الجمل القوي، ولعله هنا اسم جملة.
[4] الإرم: حجارة تنصب علما في المفازة.
[5] البطحاء هنا: الحصى الصغار.
[6] حضن: سم جبل.
[7] الدجن: جمع دجنة وهي الظلمة.
[8] الأرن: النشيط.
لا نهض في مثل زماني الأوّل ... محنّب الساق شديد [1] الأعصل
ضخم الكراديس [2] خميص الأشكل [3] ... ذي [4] حنجر رحب وصلب أعدل
خرج في حرب حنين وهو شيخ ونصح مالك بن عوف فخالفه:
حدّثنا محمد بن جرير الطّبري قال حدّثنا محمد بن حميد قال حدثنا سلمة بن الفضل عن محمد بن إسحاق عن الزّهريّ عن عبيد اللّه بن عبد اللّه قال:
لمّا فتح رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مكة أقام بها خمس عشرة ليلة يقصر [5]، وكان فتحها في عشر ليال بقين من شهر رمضان. قال ابن إسحاق: وحدّثني عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه قال: لمّا سمعت به هوازن جمعها مالك بن عوف النّصريّ، فاجتمعت إليه ثقيف مع هوازن، ولم يجتمع إليه من قيس إلّا هوازن وناس قليل من بني هلال، وغابت عنها كعب وكلاب، فجمعت نصر وجشم وسعد وبنو بكر وثقيف واحتشدت، وفي بني جشم دريد بن الصّمّة شيخ كبير فان ليس فيه شيء إلا التيمّن برأيه ومعرفته بالحرب، وكان شيخا مجرّبا، وفي ثقيف في الأحلاف قارب بن الأسود بن مسعود، وفي بني مالك ذو الخمار سبيع/ بن الحارث، وجماع أمر الناس إلى مالك بن عوف. فلمّا أجمع مالك المسير حطّ مع الناس أموالهم وأبناءهم ونساءهم. فلمّا نزلوا بأوطاس [6] اجتمع إليه الناس وفيهم دريد بن الصّمّة في شجار [7] له يقاد به. فقال لهم دريد: بأيّ واد أنتم؟ قالوا:
بأوطاس. قال: نعم مجال الخيل، ليس بالحزن الضّرس [8] ولا السّهل الدّهس [9]. مالي أسمع رغاء الإبل ونهيق الحمير وبكاء الصغير وثغاء الشاء؟! قالوا: ساق مالك بن عوف مع الناس أبناءهم ونساءهم وأموالهم. فقال: أين مالك؟ فدعي له به. فقال له: يا مالك، إنك قد أصبحت رئيس قومك، وإنّ هذا اليوم كائن له ما بعده من الأيام!. مالي أسمع رغاء البعير ونهيق الحمير وبكاء الصّبيان وثغاء الشاء؟! قال: سقت مع الناس نساءهم وأبناءهم وأموالهم. قال:/ ولم؟ قال: أردت أن أجعل مع كلّ رجل أهله وماله ليقاتل عنهم. قال: فانقضّ به ووبخّه ولامه، ثم قال: راعي ضأن واللّه (أي أحمق)! وهل يردّ المنهزم شي ء! إنها إن كانت لك لم ينفعك إلّا رجل بسيفه ورمحه، وإن كانت عليك فضحت في أهلك ومالك. ثم قال: ما فعلت كعب وكلاب؟ قال: لم يشهدها أحد منهم. قال: غاب الحدّ والجدّ! لو كان يوم علاء ورفعة لم تغب عنه كعب وكلاب! ولوددت أنكم
__________
[1] التحنيب: أحديداب في وظيفي يدي الفرس، وهو مما يوصف صاحبه بالشدّة. والأعصل: المعوج الصلب من كل شيء، ومنه ناب أعصل أي معوج شديد؛ قال أوس بن حجر:
رأيت لها نابا من الشر أعصلا
وفي الأصول: «أعضل» بالضاد وهو تصحيف.
[2] الكراديس: جمع كردوس وهو كل عظم تام ضخم.
[3] ليس في «كتب اللغة» إلا الشاكلة بمعنى الخاصرة وهي المرادة في هذا الشعر.
[4] كذا في «جميع الأصول»: المراد به ليس واضحا.
[5] قصر الصلاة: أن يترك من ذوات الأربع ركعتين ويصلي ركعتين.
[6] أوطاس: واد بديار هوازن.
[7] الشجار: مركب أصغر من الهودج.
[8] الضرس: الصعب.
[9] الدهس: اللين السهل.
فعلتم مثل ما فعلوا. فمن شهدها منهم؟ قالوا: بنو عمرو بن عامر وبنو عوف بن عامر. قال: ذانك الجذعان [1] من عامر لا ينفعان ولا يضرّان. ثم قال: يا مالك إنك لم تصنع بتقديم البيضة [2] بيضة هوازن إلى نحور الخيل شيئا. ارفعهم إلى أعلى [3] بلادهم وعلياء قومهم ثم الق القوم بالرجال على متون الخيل، فإن كانت لك لحق بك من وراءك، وإن كانت عليك كنت قد أحرزت أهلك ومالك ولم تفضح في حريمك. قال: لا واللّه ما أفعل ذلك أبدا! إنك قد خرفت وخرف رأيك وعلمك. واللّه لتطيعنّني يا معشر هوازن أو لأتكئنّ على هذا السيف حتى يخرج من وراء ظهري - فنفس على دريد أن يكون له في ذلك اليوم ذكر ورأي - فقالوا له: أطعناك وخالفنا دريدا. فقال دريد: هذا يوم لم أشهده ولم أغب عنه. ثم قال:
يا ليتني فيها جذع ... أخبّ فيها وأضع
أقود وطفاء الزّمع ... كأنّها شاة صدع
قال: فلما لقيهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم انهزم المشركون فأتوا الطائف ومعهم مالك بن عوف، وعسكر بعضهم بأوطاس وتوجّه بعضهم نحو نخلة [4]، وتبعت خيل/ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من سلك نخلة، فأدرك ربيعة بن رفيع السّلميّ أحد بني يربوع بن سمّال [5] بن عوف دريد بن الصّمّة فأخذ بخطام جمله وهو يظن أنه [6] امرأة، وذلك أنه كان في شجار له، فأناخ به فإذا هو برجل شيخ كبير ولم يعرفه الغلام. فقال له دريد: ماذا تريد؟ قال:
أقتلك. قال: ومن أنت؟ قال: أنا ربيعة بن رفيع السّلميّ. فأنشأ دريد يقول:
ويح ابن أكمة [7] ماذا يريد ... من المرعش الذّاهب الأدرد
فأقسم لو أنّ بي قوّة ... لولّت فرائصه ترعد
ويا لهف نفسي ألّا تكون ... معي قوّة الشارخ [8] الأمرد
/ ثم ضربه السّلميّ بسيفه فلم يغن شيئا. فقال له: بئس ما سلّحتك أمّك! خذ سيفي هذا من مؤخّر رحلي في القراب فاضرب به وارفع عن العظام واخفض عن الدّماغ، فإنّي كذلك كنت أفعل بالرجال، ثم إذا أتيت أمّك فأخبرها أنك قتلت دريد بن الصّمّة، فربّ يوم قد منعت فيه نساءك!. فزعمت بنو سليم أن ربيعة قال: لمّا ضربته بالسيف سقط فانكشف، فإذا عجانه [9] وبطن فخذيه مثل القراطيس من ركوب الخيل أعراء [10]. فلمّا رجع ربيعة
__________
[1] الجذع: الشاب الحدث.
[2] بيضة القوم: أصلهم ومجتمعهم.
[3] في السيرة: «متمنع بلادهم».
[4] نخلة: المراد هنا نخلة اليمانية، وهي واد يصب فيه يدعان (اسم واد) وبه مسجد لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وبه عسكرت هوازن يوم حنين («معجم البلدان» لياقوت).
[5] في الأصول: «سماك» والتصويب من «السيرة لابن هشام» و «القاموس».
[6] كذا في السيرة. وفي الأصول: «أنها».
[7] كذا في الأصول. وفي «مختصر الأغاني»: «تكمة». وقد جاء في «سيرة ابن هشام» (ج 2 ص 852) أن ربيعة بن رفيع هذا يقال له ابن الدغنة وهي أمه فغلبت على اسمه، ويقال: ابن لذعة.
[8] كذا في «مختصر الأغاني». وفي سائر الأصول: «الشامخ» والشارخ: الشاب.
[9] العجان: الدبر، وقيل هو ما بين الدبر والقبل.
[10] فرس عري: غير مسرج، وصف بالمصدر، ثم جعل اسما فجمع فقيل خيل أعراء. ولا يقال فرس عريان كما لا يقال رجل عري.
إلى أمّه أخبرها بقتله إياه؛ فقالت له: لقد أعتق قتيلك ثلاثا من أمهاتك. وبعث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في آثار من توجّه قبل أوطاس أبا عامر الأشعريّ ابن عمّ أبي موسى الأشعريّ، فهزمهم/ اللّه جلّ وعزّ وفتح عليه. فيزعمون أنّ سلمة بن دريد بن الصّمّة رماه بسهم فأصاب ركبته فقتله (يعني أبا عامر).
فقالت عمرة بنت دريد ترثيه:
جزى عنّا الإله بني سليم ... وأعقبهم بما فعلوا عقاق [1]
وأسقانا إذا سرنا إليهم ... دماء خيارهم يوم التّلاقي
فربّ منوّه بك من سليم ... أجيب وقد دعاك بلا رماق [2]
وربّ كريمة أعتقت منهم ... وأخرى قد فككت من الوثاق
وقالت عمرة ترثيه أيضا:
قالوا قتلنا دريدا قلت قد صدقوا ... وظلّ دمعي على الخدّين يبتدر [3]
لو لا الذي قهر الأقوام كلّهم ... رأت سليم وكعب كيف تأتمر
إذا لصبّحهم غبّا وظاهرة [4] ... حيث استقرّ نواهم جحفل ذفر [5]
استحثه قومه على الأخذ بثأر أخيه خالد من بني الحارث فقال شعرا وأجابه عبد اللّه بن عبد المدان:
ونسخت من كتاب مترجم بأنه نسخ من نسخة عمرو بن أبي عمرو الشّيبانيّ يأثره عن أبيه قال قال محمد بن السّائب الكلبيّ:
كان دريد بن الصّمّة يوما يشرب مع نفر من قومه، فقالوا له: يا أبا ذفافة - وكان يكنى بأبي ذفافة وبأبي قرّة - أينجو بنو الحارث بن كعب منك وقد قتلوا/ أخاك خالدا!؟ فقال لهم: إنّ القوم جمرة [6] مذحج، وهم أكفاء جشم، ولا يجمل بي هجاؤهم. فأحفظوه بكثرة القول وأغضبوه، فقال:
يا بني الحارث أنتم معشر ... زندكم وار وفي الحرب بهم [7]
__________
[1] في «لسان العرب» و «السيرة لابن هشام»: «و عقتهم» بدل «و أعقبهم». وعقاق (بالبناء على الكسر): العقوق.
[2] الرماق من العيش: البلغة والقليل يمسك الرمق.
[3] في أ، م: «ينحدر». وفي «سيرة ابن هشام» «فظل دمعي على السربال ينحدر».
[4] كذا في «السيرة» لابن هشام. وقد جاء في «لسان العرب» (في مادة «غبب»): «و من كلامهم لأضربنك غب الحمار وظاهرة الفرس؛ فغب الحمار أن يرعى يوما ويشرب يوما، وظاهرة الفرس أن يشرب كل يوم نصف النهار». وفي الأصول: «عنا وظاهرهم» وهو تحريف.
[5] كذا في «السيرة». والذفر: المتغير الرائحة؛ يقال: كتيبة ذفرا. أي إنها سهكة من الحديد وصدئه. وفي الأصول «زفر» بالزاي وهو تحريف.
[6] يقال: بنو فلان جمرة، إذا كانوا أهل منعة وشدّة. والجمرة: كل قوم يصبرون لقتال من قاتلهم لا يخالفون أحدا ولا ينضمون إلى أحد، تكون القبيلة نفسها جمرة تصبر لفراغ القبائل، كما صبرت عبس لقبائل قيس. قال أبو عبيدة: جمرات العرب ثلاثة بنو ضبة بن أد، وبنو الحارث بن كعب، وبنو نمير بن عامر، وطفئت منهم جمرتان: طفئت ضبة لأنها حالفت الرباب، وطفئت بنو الحارث لأنها حالفت مذحج، وبقيت نمير لم تطفأ لأنها لم تحالف.
[7] بهم: جمع بهمة وهو الشجاع.
ولكم خيل عليها فتية ... كأسود الغاب يحمين الأجم
ليس في الأرض قبيل مثلكم ... حين يرفضّ العدا غير جشم
لست للصّمّة إن لم آتكم ... بالخناذيذ [1] تبارى في اللّجم
فتقرّ العين منكم مرّة ... بانبعاث الحرّ نوحا تلتدم [2]
وترى نجران منكم بلقعا ... غير شمطاء وطفل قد يتم
فانظروها كالسّعالي [3] شزّبا ... قبل رأس الحول إن لم أخترم
قال: فنمي قوله إلى عبد اللّه بن عبد المدان، فقال يجيبه:
نبّئت أنّ دريدا ظلّ معترضا ... يهدي الوعيد إلى نجران من حضن [4]
/كالكلب يعوي إلى بيداء مقفرة ... من ذا يواعدنا بالحرب لم يحن [5]
إن تلق حيّ بني الدّيّان تلقهم ... شمّ الأنوف إليهم عزّة [6] اليمن
ما كان في الناس للدّيّان من شبه ... إلّا رعين وإلّا آل ذي يزن
/ أغمض جفونك عمّا لست نائله ... نحن الذين سبقنا الناس بالدمن
نحن الذين تركنا خالدا عطبا ... وسط العجاج كأنّ المرء لم يكن
إن تهجنا تهج أنجادا شرامحة [7] ... بيض الوجوه مرافيدا على الزمن
أورى زياد لنا زندا ووالدنا ... عبد المدان وأورى زنده قطن [8]
رده أسماء بن زنباع عن ظعينته زينب وطعنه فأصاب عينه:
أخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدّثنا أبو بكر العامريّ عن ابن الأعرابيّ قال:
أغار دريد بن الصّمّة في نفر من أصحابه، فمرّوا بأسماء بن زنباع الحارثي ومعه ظعينته زينب، فأحاطوا به لينتزعوها في يده، فقاتلهم دونها فقتل منهم وجرح، ثم اختلف هو ودريد طعنتين: فطعنه دريد فأخطأه، وطعنه أسماء فأصاب عينه، وانهزم دريد ولحق بأصحابه؛ فقال دريد في ذلك:
شلّت يميني ولا أشرب معتّقة ... إذ أخطأ الموت أسماء بن زنباع
قال: وهي قصيدة.
__________
[1] الخناذيذ: جياد الخيل، واحدها خنذيذ.
[2] تلتدم: تضرب صدرها في النياحة.
[3] السعالي: الغيلان، واحدها سعلاة. والشزب: جمع شازب وهو الضامر.
[4] حضن: جبل بنجد.
[5] لم يحن: لم يهلك.
[6] في الأصول: «غرة» بالراء المهملة وهو تصحيف.
[7] الشرامحة: جمع شرمح وهو القوي والطويل.
[8] في هذا البيت إقواء وهو اختلاف حركة الروي.
قصته مع أنس بن مدركة الخثعمي ويزيد بن عبد المدان وشعره في ذلك:
ونسخت من كتاب أبي عمرو الشّيبانيّ الذي ذكرته يأثره عن محمد بن السّائب الكلبيّ قال:
جاور رجل من ثمالة عبد اللّه بن الصمّة، فهلك عبد اللّه وأقام الرجل في جوار دريد. وأغار أنس بن مدركة الخثعميّ على بني جشم، فأصاب مال الثّماليّ وأصاب ناسا من ثمالة كانوا جيرانا لدريد؛ فكفّ دريد عن طلب القوم وشغل بحرب من يليه، وقال لجاره ذلك: أمهلني عامي هذا. فقال الثماليّ: قد أمهلتك عامين. وخرج دريد ليلة لحاجته وقد أبطأ في أمر الثّماليّ، فسمعه يقول:
/كساك دريد الدهر ثوب خزاية ... وجدّعك الحامي حقيقته أنس
دع الخيل والسّمر الطّوال لخثعم ... فما أنت والرّمح الطويل وما الفرس
وما أنت والغزو المتابع للعدا ... وهمّك سوق العود والدّلو والمرس [1]
فلو كان عبد اللّه حيّا لردّها ... وما أصبحت إبلي بنجران تحتبس
ولا أصبحت عرسي بأشقى معيشة ... وشيخ كبير من ثمالة في تعس
يراعي نجوم الليل من بعد هجعة ... إلى الصبح محزونا يطاوله النّفس
وكنت وعبد اللّه حيّ وما أرى ... أبالي من الأعداء من قام أو جلس
فأصبحت مهضوما حزينا لفقده ... وهل من نكير بعد حولين تلتمس
قال: فضاق دريد ذرعا بقوله، وشاور أولي الرأي من قومه؛ فقالوا له: ارحل إلى يزيد بن عبد المدان؛ فإنّ أنسا قد خلّف المال والعيال بنجران للحرب التي وقعت بين خثعم، وإن يزيد يردّها عليك. فقال دريد: بل أقدّم إليه قبل ذلك مدحة ثم أنظر ما موقعي من الرجل، فقال هذه القصيدة وبعث بها إلى يزيد:
/بني الدّيّان ردّوا مال جاري ... وأسرى في كبولهم [2] الثّقال
وردّوا السّبي إن شئتم بمنّ ... وإن شئتم مفاداة بمال
فأنتم أهل عائدة وفضل ... وأيد في مواهبكم طوال
متى ما تمنعوا شيئا فليست ... حبائل أخذه غير السؤال
وحربكم بني الدّيّان حرب ... يغصّ المرء منها بالزّلال
وجارتكم بني الدّيّان بسل [3] ... وجاركم يعدّ مع العيال
حذا عبد المدان لكم حذاء ... مخصّرة الصدور على مثال
/ بني الدّيّان إنّ بني زياد ... هم أهل التكرّم والفعال
فأولوني بني الدّيّان خيرا ... أقرّ لكم به أخرى الليالي
__________
[1] العود: المسن من الإبل. والمرس: الحبل، والمراد هنا حبل الاستقاء.
[2] في أ، م، ح: «في كبولكم».
[3] البسل: الحرام.
قال: فلما بلغ يزيد شعره قال: وجب حقّ الرجل! فبعث إليه أن اقدم علينا. فلما قدم عليه أكرمه وأحسن مثواه. فقال له دريد يوما: يا أبا النّضر، إني رأيت منكم خصالا لم أرها من أحد من قومكم: إني رأيت أبنيتكم متفرّقة، ونتاج خيلكم قليلا، وسرحكم يجيء معتّما، وصبيانكم يتضاغون [1] من غير جوع. قال: أجل! أمّا قلّة نتاجنا فنتاج هوازن يكفينا وأمّا تفرّق أبنيتنا فللغيرة على النساء. وأمّا بكاء صبياننا فإنّا نبدأ بالخيل قبل العيال. وأمّا تمسّينا بالنّعم فإنّ فينا الغرائب والأرامل، تخرج المرأة إلى مالها حيث لا يراها أحد. قال: وأقبلت طلائعهم على يزيد، فقال شيخ منهم:
أتتك السلامة فارع النّعم ... ولا تقل الدّهر إلّا نعم
وسرّح دريدا بنعمى جشم ... وإن سالك المرء إحدى القحم [2]
فقال له دريد: من أين جاء هؤلاء؟ فقال: هذه طلائعنا لا نسرح ولا نصطبح حتى يرجعوا إلينا. فقال له: ما ظلمكم من جعلكم جمرة مذجح. وردّ يزيد عليه الأسارى من قومه وجيرانه، ثم قال له: سلني ما شئت؛ فلم يسأله شيئا إلّا أعطاه إيّاه. فقال دريد في ذلك:
مدحت يزيد بن عبد المدان ... فأكرم به من فتى ممتدح
إذا المدح زان فتى معشر ... فإنّ يزيد يزين المدح
حللت به دون أصحابه ... فأورى زنادي لمّا قدح
/ وردّ النساء بأطهارها ... ولو كان غير يزيد فضح
وفكّ الرجال وكلّ امرىء ... إذا أصلح اللّه يوما صلح
وقلت له بعد عتق النساء ... وفكّ الرّجال وردّ اللّقح [3]
أجرلي فوارس من عامر ... فأكرم بنفحته إذا نفح
وما زلت أعرف في وجهه ... بكرّي السؤال ظهور الفرح
رأيت أبا النّضر في مذحج ... بمنزلة الفجر حين اتّضح
إذا قارعوا عنه لم يقرعوا ... وإن قدّموه لكبش نطح
/ وإن حضر الناس لم يخزهم ... وإن وازنوه بقرن رجح
فذاك فتاها وذو فضلها ... وإن نابح بفخار نبح
قصته مع مسهر بن يزيد الحارثي وشعره:
قال وقال ابن الكلبيّ: خرج دريد بن الصّمّة في فوارس من قومه في غزاة له، فلقيه مسهر بن يزيد الحارثيّ، الذي فقأ عين عامر بن الطّفيل، يقود بامرأته أسماء بنت حزن الحارثيّة. فلما رآه القوم قالوا: الغنيمة،
__________
[1] تضاغى من الطوى: تضوّر من الجوع وصاح.
[2] القحم: جمع قحمة وهي الأمر الشاق لا يكاد يركبه أحد.
[3] اللقح: جمع لقحة وهي الناقة الحلوب.
هذا فارس واحد يقود ظعينة، وخليق أن يكون الرجل قرشيّا. فقال دريد: هل منكم رجل يمضي إليه فيقتله ويأتينا به وبالظّعينة؟ فانتدب إليه رجل من القوم فحمل عليه، فلقيه مسهر فاختلفا طعنتين بينهما، فقتله مسهر بن الحارث. ثم حمل عليه آخر فكانت سبيله سبيل صاحبه؛ حتى قتل منهم أربعة نفر. وبقي دريد وحده فأقبل إليه؛ فلما رآه ألقى الخطام من يده إلى المرأة وقال: خذي خطامك؛ فقد أقبل إليّ فارس ليس كالفرسان الذين تقدّموه؛ ثم قصد إليه وهو يقول:
أما ترى الفارس بعد الفارس ... أرداهم عامل رمح يابس
/ فقال له دريد: من أنت للّه أبوك؟ قال: رجل من بني الحارث بن كعب. قال: أنت الحصين؟ قال لا. قال:
فالمحجّل هوذة؟ قال لا. قال: فمن أنت؟ قال: أنا مسهر بن يزيد. قال: فانصرف دريد وهو يقول:
أمن ذكر سلمى ماء عينيك يهمل ... كما انهلّ خزر من شعيب مشلشل [1]
وماذا ترجّي بالسلامة بعد ما ... نأت حقب وابيضّ منك المرجّل [2]
وحالت عوادي الحرب بيني وبينها ... وحرب تعلّ الموت صرفا وتنهل
قراها إذا باتت لديّ مفاضة ... وذو خصل نهد المراكل هيكل [3]
كميش [4] كتيس الرّمل أخلص متنه ... ضريب [5] الخلايا والنّقيع المعجّل
عتيد لأيّام الحروب كأنّه ... إذا انجاب ريعان العجاجة أجدل [6]
يجاوب [7] جردا كالسّراحين [8] ضمّرا ... ترود بأبواب البيوت وتصهل
على كل حيّ قد أطلّت بغارة ... ولا مثل ما لاقى الحماس وزعبل
- الحماس وزعبل: قبيلتان من بني الحارث بن كعب -
غداة رأونا بالغريف [9] كأنّنا ... حبيّ [10] أدرّته الصّبا متهلّل
بمشعلة تدعو هوازن، فوقها ... نسيج من الماذيّ [11] لأم مرفّل
/ لدى معرك فيها تركنا سراتهم ... ينادون، منهم موثق ومجدّل
__________
[1] شلشل الماء: قطر.
[2] المرجل: الشعر؛ يقال: رجل الشعر إذا سرحه.
[3] المفاضة هنا: الدرع. وذو خصل: يريد فرسا. والمراكل: جمع مركل وهو حيث تصير رجلك من الدابة؛ يقال فرس نهد المراكل أي واسع الجوف. والهيكل: الضخم.
[4] الكميش: السريع.
[5] الضريب: اللبن. والخلايا: جمع خلية وهي الناقة المخلاة للحلب. يريد أن هذا الفرس معتنى به.
[6] الأجدل: الصقر.
[7] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «يحارب» وهو تحريف.
[8] السراحين: الذئاب واحدها سرحان.
[9] كذا في الأصول. ولعلها العزيف أو نحو ذلك.
[10] الحبي: السحاب المتراكم. وفي الأصول: «حيي» بياءين.
[11] الماذي: الدروع اللينة السهلة. واللأم: الدروع، واحدها لأمة. والمرفل: المسبغ.
نجذّ جهارا بالسيوف رؤوسهم ... وأرماحنا منهم تعلّ وتنهل
ترى كلّ مسودّ العذارين فارس ... يطيف به نسر وعرفاء [1] جيأل
قال مؤلّف هذا الكتاب: هذه الأخبار التي ذكرتها عن ابن الكلبيّ موضوعة كلّها، والتوليد بيّن فيها وفي أشعارها، وما رأيت شيئا منها في ديوان دريد بن الصّمّة على سائر الروايات. وأعجب من ذلك هذا الخبر الأخير؛ فإنه ذكر فيه ما لحق دريدا من الهجنة والفضيحة في أصحابه وقتل من قتل معه وانصرافه منفردا، وشعر دريد هذا يفخر فيه/ بأنّه ظفر ببني الحارث وقتل أمائلهم؛ وهذا من أكاذيب ابن الكلبيّ. وإنما ذكرته على ما فيه لئلا يسقط من الكتاب شيء قد رواه الناس وتداولوه.
__________
[1] كذا في ج والعرفاء: الضبع؛ سميت بذلك لكثرة شعر رقبتها. وجيأل: من أسماء الضبع أيضا، معرفة بغير ألف ولام. وقال كراع: الجيأل، فأدخل عليها الألف واللام، وشاهده قول العجاج:
يدعن ذا الثروة كالمجبل ... وصاحب الإقتار لحم الجيأل
وفي سائر الأصول: «و غربال جيأل» وهو تحريف.
2 - أخبار المعتضد في صنعة هذا اللحن وغيره من الأغاني
( - دون أخباره في غير ذلك لأنها كثيرة تخرج عن حدّ الكتاب - وشيء من أخباره مع المغنّين وغيرهم يصلح لما ها هنا)
راسل عبيد اللّه بن عبد اللّه بن طاهر في أمر النغم العشر حتى فهمها وجمعها في صوت:
حدّثني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدّثني عبيد اللّه بن عبد اللّه بن طاهر أن المعتضد بعث إليه - لما صنعت جاريته شاجي اللحن الذي يجمع النّغم العشر - بظبي وحبيب جاريتي أخيه سليمان بن عبد اللّه بن طاهر حتى أخذتا اللحن عنه ونقلتاه إليه وألقتاه على جواريه. قال: ولم يزل يراسلني مع عبد اللّه بن أحمد بن حمدون في أمر النّغم العشر ويسألني عنها وأشرحها له، حتى فهمها جيّدا وجمعها في صوت صنعه في شعر دريد بن الصّمّة:
يا ليتني فيها جذع ... أخبّ فيها وأضع
وألقاه عليهما حتى أدّتاه إليّ مستعلما بذلك هل هو صحيح القسمة والأجزاء أم لا، فعرّفته صحّته ودللته على ذلك حتى تيقّنه فسرّ بذلك؛ وهو لعمري من جيّد الصنعة ونادرها. وقد صنع المعتضد ألحانا في عدّة أشعار قد صنع فيها الفحول من القدماء والمحدثين وعارضهم بصنعته فأحسن وشاكل وضاهى، فلم يعجز ولا قصّر ولا أتى بشيء يعتذر منه. فمن ذلك أنه صنع في:
أمّا القطاة فإنّي سوف أنعتها ... نعتا يوافق نعتي بعض ما فيها
لحنا في الثقيل الأوّل بالبنصر في نهاية الجودة، سمعت إبراهيم بن القاسم بن زرزور يغنّيه، فكان من أحسن ما صنع في هذا الصوت على كثرة الصنعة فيه واشتراك/ القدماء والمحدثين في صنعته مثل معبد ونشيط ومالك وابن محرز وسنان وعمر الوادي وابن جامع وإبراهيم وابنه إسحاق وعلّويه. وأظرف من ذلك أنه صنع في:
تشكّى الكميت الجري لمّا جهدته ... وبيّن لو يستطيع أن يتكلّما
لحنا من الثقيل الأوّل [1] بالوسطى، وقد صنع قبله ابن سريج لحنا هو من الألحان الثلاثة المختارة من الغناء كلّه، فما قصّر في صنعته ولا عجز عن بلوغ الغاية فيها؛ هذا بعد أن صنع إسحاق فيها لحنا من الثقيل الثاني عارض ابن سريج به في لحنه، فما امتنع من أن يتلو مثل هذين ولا نظير لهما في القدماء والمحدثين، ثم جوّد غاية التجويد فيما اتّبعهما به وعارضهما فيه. هذا مع أصوات له صنعها تزاهي [2] المائة صوت، ما فيها ساقط ولا مرذول، وسأذكر منها ما يصلح ذكره في موضعه إن شاء اللّه تعالى.
__________
[1] في أ، م: «الثاني».
[2] تزاهي: تضاهي. وزهاء الشي ء: قدره.
ومن نادر صنعة المعتضد:
صوت
أناة فإن تغن عقّب بعدها ... وعيدا، فإن لم يغن أغنت عزائمه
/ الشعر لإبراهيم بن العبّاس، والغناء للمعتضد ثقيل أوّل. هذا بيت قاله إبراهيم وهو لا يعلم أنه شعر، وإنما كتب به في رسالة عن المعتصم [1] إلى بعض أصحاب الأطراف فقال في فصل منه: «و إن عند أمير المؤمنين في أمرك أناة، فإن لم تغن عقّب بعدها وعيدا، فإن لم يغن أغنت عزائمه». فلما تأمّله أنه شعر وأنه بيت نادر فأخرجه في شعره.
__________
[1] في ج: «عن المعتضد».
3 - أخبار إبراهيم بن العباس ونسبه
نسبه، وشيء عن آبائه:
إبراهيم بن العبّاس بن محمد بن صول، وكان صول رجلا من الأتراك، ففتح يزيد بن المهلّب بلده وأسلم على يديه، فهم موالي يزيد. ولما دعا يزيد إلى نفسه لحق به صول لينصره فصادفه قد قتل. وكان يقاتل كلّ من بينه وبين يزيد من جيش بني أميّة ويكتب على سهامه: صول يدعوكم إلى كتاب اللّه وسنّة نبيّه. فبلغ ذلك يزيد بن عبد الملك، فاغتاظ وجعل يقول: ويلي على ابن الغلفاء! وماله وللدّعاء إلى كتاب اللّه وسنّة ونبيّه! ولعلّه لا يفقه صلاته!. وكان ابنه محمد بن صول من رجال الدولة العبّاسية ودعاتها، وقد كان بعض أهليهم ادّعوا أنه عرب وأن العباس بن الأحنف خالهم. وأمّا صول فإنّ خالد بن خداش [1] ذكر عن أهله قالوا: كان صول وفيروز أخوين ملكا على جرجان، وكانا تركيّين تمجّسا وتشبّها بالفرس. فلما حضر يزيد بن المهلّب جرجان أمّنهما، فأسلم صول على يديه ولم يزل معه حتى قتل يوم العقر [2]. وكان محمد بن صول يكنى [3] أبا عمارة، أحد الدّعاة، وقتله عبد اللّه بن عليّ لما خالف مع مقاتل بن حكيم العكّيّ [4] وعدّة آخرين.
كان يقول الشعر ثم يختاره:
وأمّا إبراهيم بن العباس وأخوه عبد اللّه فإنهما كانا من وجوه الكتّاب، وكان عبد اللّه أسنّهما وأشدّهما تقدّما، وكان إبراهيم آدبهما وأحسنهما شعرا، وكان يقول الشعر ثم يختاره، ويسقط رذله، ثم يسقط الوسط، ثم يسقط ما يسبق إليه، فلا يدع من القصيدة إلا اليسير، وربما لم يدع منها إلّا بيتا أو بيتين؛ فمن ذلك قوله:
/و لكنّ الجواد أبا هشام ... وفيّ العهد مأمون المغيب
وهذا ابتداء يدلّ على أنّ قبله غيره؛ وقوله في أخيه:
ولكنّ عبد اللّه لما حوى الغنى ... وصار له من بين إخوته مال
وهذا أيضا ابتداء يدلّ على أنّ قبله غيره. وكان إبراهيم وأخوه عبد اللّه من صنائع ذي الرّياستين، اتّصلا به فرفع منهما. وتنقّل إبراهيم في الأعمال الجليلة والدواوين إلى أن مات وهو يتقلّد ديوان الضّياع والنفقات بسرّ من رأى في سنة ثلاث وأربعين ومائتين للنصف من شعبان.
قال محمد [5] بن داود وحدّثني أحمد بن سعيد بن حسّان قال حدّثني ابن إبراهيم قال سمعت دعبلا يقول:
__________
[1] في الأصول «خراش» بالراء. وقد تقدم خالد بن خداش غير مرة في الأجزاء السابقة.
[2] هو عقر بابل وهو موضع عند كربلاء قتل عنده يزيذ بن المهلب (انظر الحاشية رقم 1 ص 22 ح 9 من «الأغاني» طبع دار الكتب المصرية).
[3] كذا في الأصول. ولعله: «و يكنى أبا عمارة إلخ».
[4] هو أحد قواد أبي مسلم الخراساني صاحب الدعوة العباسية. (انظر الكلام عليه في «تاريخ الطبري» ق 2 ص 2001 - 2003، 2005، 2016 طبعة أوربا).
[5] كذا في ب، س. وفي سائر الأصول: «أحمد بن داود».
لو تكسّب إبراهيم بن العبّاس بالشعر لتركنا في غير شيء. قال: ثم أنشدنا له، وكان يستحسن ذلك من قوله:
إنّ امرأ ضنّ بمعروفه ... عنّي لمبذول له عذري
ما أنا بالراغب في عرفه ... إن كان لا يرغب في شكري
هجاؤه محمد بن عبد الملك الزيات وتشفيه بموته:
/ وكان إبراهيم بن العباس صديقا لمحمد بن عبد الملك الزيّات، ثم آذاه وقصده وصارت بينهما شحناء عظيمة لم يمكن تلافيها، فكان إبراهيم يهجوه؛ فمن قوله فيه:
أبا جعفر خف خفضة بعد رفعة ... وقصّر قليلا عن مدى غلوائكا
لئن كان هذا اليوم يوما حويته ... فإن رجائي في غد كرجائكا
وله فيه أيضا:
دعوتك في بلوى ألمّت صروفها ... فأوقدت من ضغن عليّ سعيرها
فإنّي إذا أدعوك عند ملمّة ... كداعية عند القبور نصيرها
/ وقال فيه لمّا مات:
لمّا أتاني خبر الزيّات ... وأنّه قد صار في الأموات
أيقنت أنّ موته حياتي
هجره صديقه الحارث بن بسخنر مرضاة لمحمد بن عبد الملك الزيّات فقال في ذلك شعرا:
أخبرني حجظة قال حدّثني ميمون بن هارون قال: لما انحرف محمد بن عبد الملك الزيّات عن إبراهيم تحاماه الناس أن يلقوه، وكان الحارث بن بسخنّر صديقا له مصافيا، فهجره فيمن هجره من إخوانه؛ فكتب إليه:
تغيّر لي فيمن تغيّر حارث ... وكم من أخ قد غيّرته الحوادث
أحارث إن شوركت فيك فطالما ... غنينا وما بيني وبينك ثالث
وقد قيل: إن هذه الأبيات لإسحاق بن إبراهيم الموصليّ.
ومن جيّد قول إبراهيم بن العباس وفيه غناء:
صوت
خلّ النّفاق لأهله ... وعليك فالتمس الطّريقا
واذهب بنفسك أن ترى ... إلّا عدّوا أو صديقا
الغناء لأبي العبيس بن حمدون، ثقيل أوّل.
قصة عشقه لقينة وانكماشه لتأخرها وشعره فيها:
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال: كان إبراهيم بن العباس يهوى قينة بسرّ من رأى، فكان لا يكاد يفارقها. فجلس يوما للشرب ومعه إخوان له، ودعا جماعة من جواري القيان، ودعاها فأبطأت، فتنغّص عليهم يومهم لما رأوا من شغل قلبه بتأخّرها، ثم وافت فسرّي عنه وطابت نفسه وشرب وطرب، ثم دعا بدواة فكتب:
ألم ترنا يومنا إذ نأت ... فلم تأت من بين أترابها
وقد غمرتنا دواعي السرور ... بإشعالها وبإلها بها
/ ومدّت علينا سماء النعيم ... وكلّ المنى تحت أطنابها [1]
ونحن فتور إلى أن بدت ... وبدر الدّجى بين أثوابها
فلمّا نأت كيف كنّا لها ... ولمّا دنت كيف صرنا بها
وأمر من حضر فقرأ عليها الأبيات؛ فتجنّت وقالت: ما القصّة كما وصفت، وقد كنتم في قصفكم مع من حضر. وإنما تجمّلتم لي لمّا حضرت. فأنشأ يقول:
يا من حنيني إليه ... ومن فؤادي لديه
/ ومن إذا غاب من بي ... نهم أسفت عليه
إذا حضرت فما [1] من ... هم من اصبو إليه
من غاب غيرك منهم ... فأمره في يديه
قال: فرضيت عنه، وأتممنا يومنا على أحسن حال.
أجازه دعبل في شعر:
وقال محمد بن داود حدّثني محمد بن القاسم قال حدّثني إبراهيم بن المدبّر قال حدّثني إبراهيم بن العباس - قال حدّثني به دعبل أيضا فكانا متفقين في الرواية - قال: كنّا نطلب جميعا بالشعر، فخرجنا وكنا في محمل، فابتدأت أقول في المطّلب بن عبد اللّه بن مالك:
أ مطّلب أنت مستعذب
فقال دعبل:
لسمّ الأفاعي ومستقتل
فقلت:
فإن أشف منك تكن سبّة
فقال دعبل:
__________
[1] الأطناب: جمع طنب: وهو حبل طويل يشدّ به سرادق البيت.
وإن أعف عنك فما تفعل
روى له الأخفش أبياتا كان يفضلها ويستجيدها:
أنشدني الأخفش لإبراهيم بن العباس وكان يفضّلها ويستجيدها:
أميل مع الذّمام على ابن أمّي ... وآخذ للصّديق من الشقيق
وإن ألفيتني حرّا مطاعا ... فإنك واجدي عبد الصديق
أفرّق بين معروفي ومنّي ... وأجمع بين مالي والحقوق
جوابه لأبي أيوب:
أخبرني عمّي قال حدّثني أبو الحسن بن أبي البغل قال حدّثني عمّي قال:
اجتاز محمد [1] بن عليّ برد الخيار على أبي أيوب ابن أخت الوزير وهو متولّي ديار مضر فلم يتلقّه، ونزل الرّقّة فلم يصل إليه ولم يبرّه، وخرج عنها فلم يشيّعه. فلامه إخوانه وقالوا: يشكوك إلى إبراهيم بن العباس.
فكتب إلى إبراهيم يعتذر مما جرى بعلّة.
فكتب إليه إبراهيم على ظهر كتابه:
أبدا معتذر لا يعذر ... وركوب للتي لا تغفر
وملقّى بمساو كلّها ... منه تبدو وإليه تصدر
هي من كل الورى منكرة ... وهي منه وحده لا تنكر
كان يهوى جارية اسمها «سامر» أهدت له جاريتين:
أخبرني عمّي قال حدّثني ابن برد الخيار عن أبيه قال:
كان إبراهيم بن العباس يهوى جارية لبعض المغنّين بسرّ من رأى يقال لها سامر، وشهر بها، فكان منزله لا يخلو منها. ثم دعيت في وليمة لبعض أهلها فغابت عنه أياما ثم جاءته ومعها جاريتان لمولاتها. وقالت له: قد أهديت صاحبتيّ إليك عوضا من مغيبي عنك؛ فأنشأ يقول:
صوت
أقبلن يحففن مثل الشمس طالعة ... قد حسّن اللّه أولاها وأخراها
ما كنت فيهن إلّا كنت واسطة ... وكنّ دونك يمناها ويسراها
الغناء لسلسل مولى بني هاشم، ثاني ثقيل بالوسطى مطلق. وليس لسلسل خبر يدوّن ولا هو من المشهورين ولا ممّن خدم الخلفاء أو دوّن له حديث. وذكر حبش أنه لسلسل مولاة محمد بن حرب الهلاليّ.
وسلسل هذه كانت من أحسن الناس وجها وغناء، وكانت لبعض المغنّين بالبصرة، وكان محمد بن حرب هذا
__________
[1] كذا في الأصول و «تاريخ الطبري» (ق 3 ص 1499). وفي «معجم الأدباء» لياقوت في الكلام على إبراهيم بن العباس: «محمد بن علي بن برد الخباز» بالزاي.
يتعشّقها ولم تكن مولاته. فأخبرني الحرميّ بن أبي/ العلاء قال حدّثنا إسحاق بن محمد النّخعيّ قال حدّثني حمّاد بن إسحاق قال: أتى أبان بن عبد الحميد الشاعر رجلا بالبصرة وله قينة يقال لها سلسل، فصادف عندها محمد بن قطن الهلاليّ وعثمان بن الحكم بن صخر الثّقفيّ فقال:
فتنت سلسل قلب ابن قطن ... ثم ثنّت بابن صخر فافتتن
فأتيت اليوم كي أنقذهم ... فإذا نحن جميعا في قرن
فأظنّ الغلط وقع على حبش من ها هنا أو سمع هذا الخبر فتوهّم أنّها مولاة محمد بن حرب.
ذهابه مع دعبل ورزين وركوبهم حمير أهل الشوك وشعرهم في ذلك:
أخبرني عمّي ووكيع قالا حدّثنا الحسن بن عليل العنزيّ قال حدّثني محمد بن عيسى بن عبد الرحمن قال:
خرج إبراهيم بن العباس ودعبل بن عليّ وأخوه رزين في نظرائهم من أهل الأدب رجّالة إلى بعض البساتين في خلافة المأمون، فلقيهم قوم من أهل السواد من أصحاب الشّوك، فأعطوهم شيئا وركبوا تلك الحمير؛ فأنشأ إبراهيم يقول:
/أعيضت بعد حمل الشّو ... ك أحمالا من الحرف [1]
نشاوى لا من الصّهبا ... ء بل من شدّة الضّعف
فقال رزين:
فلو كنتم على ذاك ... تؤولون إلى قصف
تساوت حالكم فيه ... ولم تبقوا على خسف
فقال دعبل:
وإذا فات الذي فات ... فكونوا من بني الظّرف
ومرّوا نقصف اليوم ... فإني بائع خفّي
فانصرفوا معه فباع خفّه وأنفقه عليهم.
رثاؤه لابنه:
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثني محمد بن القاسم بن مهرويه قال قال لي عليّ بن الحسين الإسكافيّ:
كان لإبراهيم ابن قد يفع وترعرع، وكان معجبا به فاعتلّ علّة لم تطل ومات؛ فرثاه بمرات كثيرة، وجزع عليه جزعا شديدا. فممّا رثاه به قوله:
كنت السواد لمقلتي ... فبكى عليك النّاظر
من شاء بعدك فليمت ... فعليك كنت أحاذر
فيه رمل لابن القصّار. ومن مراثيه إيّاه قوله:
__________
[1] كذا في الأصول.
وما زلت مذلد أعطيته ... أدافع عنه حمام الأحل
أعوّذه دائبا بالقران ... وأرمي بطرفي إلى حيث حلّ
فأضحت يدي قصدها واحد ... إلى حيث حلّ فلم يرتحل
عاتبه أبو وائلة في لهوه فقال شعرا:
وقال أحمد بن أبي طاهر حدّثني أبو وائلة قال: قلت لإبراهيم بن العبّاس: قد أخملت نفسك ورضيت أن تكون تابعا أبدا لاقتصارك على القصف واللعب؛ فأنشأ يقول:
/إنّما المرء صورة ... حيث حلّت تناهت
أنا مذ كنت في التصرّف لي حال ساعتي
وهبه أخوه عبد اللّه ثلث ماله وأخته الثلث الآخر وشعره في ذلك:
أخبرنا محمد بن يحيى الصّوليّ قال حدّثني ابن السّخيّ قال:
وهب عبد اللّه بن العبّاس لأخيه إبراهيم ثلث ماله، ووهب لأخته الثلث الآخر، فسار مساويا لهما في الحال؛ فقال إبراهيم:
/و لكنّ عبد اللّه لمّا حوى الغنى ... وصار له من بين أخوته مال
رأى خلّة منهم تسدّ بماله ... فساهمهم حتى استوت بهم الحال
وهذا مما عيب على إبراهيم قوله ابتداء «و لكنّ عبد اللّه». وقد كرّره في شعره فقال:
ولكنّ الجواد أبا هشام ... وفيّ العهد مأمون المغيب
بطيء عنك ما استغنيت عنه ... وطلّاع عليك مع الخطوب
والسبب في ذلك اختياره شعره وإسقاطه ما لم يرضه منه.
عزله عن الأهواز:
وقرأت في بعض الكتب: لمّا عزل إبراهيم بن العبّاس عن الأهواز في أيام محمد بن عبد الملك الزيّات اعتقل بها وأوذي، وكان محمد قبل الوزارة صديقه، وكان يؤمّل منه أن يسامحه ويطلقه، فكتب إليه:
فلو إذ نبا دهر وأنكر صاحب ... وسلّط أعداء وغاب نصير
تكون عن الأهواز داري بنجوة ... ولكن مقادير جرت وأمور
وإني لأرجو بعد هذا محمدا ... لأفضل ما يرجى أخ ووزير
فأقام محمد على قصده وتكشّفه والإساءة إليه حتى بلغ منه كلّ مكروه، وانفرجت الحال بينهما على ذلك، وهجاه إبراهيم هجاء كثيرا.
أرسل ابن الزيات أبا الجهم للنكاية به:
وأخبرني محمد بن يحيى الصّولي قال حدّثني أبو عبد اللّه الباقطانيّ أو الطّالقانيّ قال حدّثني عليّ بن الحسين بن
عبد الأعلى قال:
وجّه محمد بن عبد الملك بأبي الجهم أحمد بن سيف إلى الأهواز ليكشف إبراهيم بن العبّاس، فتحامل عليه تحاملا شديدا. فكتب إبراهيم إلى محمد بن عبد الملك يعرّفه ذلك ويشكوه إليه ويقول له: أبو الجهم كافر لا يبالي ما عمل، وهو القائل لمّا مات غلامه يخاطب ملك الموت:
وأقبلت تسعى إلى واحدي ... ضرارا كأنّي قتلت الرسولا
تركت عبيد بني طاهر ... وقد ملئوا الأرض عرضا وطولا
فسوف أدين بترك الصلاة ... وأصطبح الخمر صرفا شمولا
فكان محمد لعصبيّته على إبراهيم وقصده له يقول: ليس هذا الشعر لابي الجهم، إنما إبراهيم قاله ونسبه إليه.
مدح المتوكل ببيتين وغنى بهما جعفر بن رفعة:
أخبرني أحمد بن جعفر بن رفعة قال حدّثني أبي قال دعاني إبراهيم بن العبّاس وقال: قد مدحت أمير المؤمنين المتوكّل ببيتين، فغنّ فيهما وأشعهما، ودعا لي بطيب كثير فأعطانيه، وخلع عليّ خلعة سريّة، فغنّيت فيهما. والبيتان:
صوت
ما واحد من واحد ... أولى بفضل أو مروّه
ممّن أبوه وجدّه ... بين الخلافة والنّبوّه
وأشعتهما وغنّى فيهما المتوكّل فاستحسنهما ووصله صلة سنيّة.
لحن جعفر بن رفعة في هذين البيتين رمل بالبنصر.
مدح الرضا لما عقدت ولاية العهد فأجازه:
/ أخبرني محمد بن يونس الأنباريّ قال حدّثني أبي:
أن إبراهيم بن العباس الصّوليّ دخل على الرّضا لمّا عقد له المأمون وولّاه العهد، فأنشده قوله:
أزالت عزاء القلب بعد التجلّد ... مصارع أولاد النبيّ محمد
/ - صلى اللّه عليه وسلم - فوهب له عشرة آلاف درهم من الدراهم التي ضربت باسمه. فلم تزل عند إبراهيم، وجعل منها مهور نسائه، وخلّف بعضها لكفنه وجهازه إلى قبره.
آذى إسحاق ابن أخي زيدان فهدّده فكف عنه:
أخبرني محمد بن يحيى الصّوليّ قال حدّثني أبو العبّاس بن الفرات والباقطانيّ قالا:
كان إسحاق بن إبراهيم ابن أخي زيدان صديقا لإبراهيم بن العبّاس، فأنسخه شعره في مدح الرّضا، ثم ولي إبراهيم بن العبّاس في أيام المتوكّل ديوان الضّياع، فعزله عن ضياع كانت بيده بحلوان، وطالبه بمال وجب عليه، وتباعد بينهما. فقال إسحاق لبعض من يثق به: قل لإبراهيم بن العبّاس: واللّه لئن لم يكفف عمّا يفعله فيّ
لأخرجنّ قصيدته في الرّضا بخطّه إلى المتوكّل. فأحجم عنه إبراهيم وتلافاه، ووجّه من ارتجع القصيدة منه وجعله على ثقة من أنه لا يظهرها، ثم أفرج عنه وأزال ما كان يطالبه به.
نادرته في ثقيل:
أخبرني محمد بن يحيى قال حدّثنا إبراهيم بن المدبّر قال:
راكبت إبراهيم بن العبّاس، فلقينا رجل كان إبراهيم يستثقله، فسلّم عليه. فلمّا مضى قال: يا أبا إسحاق إنه جرميّ. فقلت: ما كان عندي إلا أنه من أهل السّواد. فضحك وقال: إنما أردت قول الشاعر:
تسائل عن أخي جرم ... ثقيل والذي خلقه
كتابه في شفاعة لرجل إلى بعض إخوانه:
أخبرني الصّوليّ قال حدّثني محمد [1] بن السّخيّ قال حدّثني الحسن بن عبد اللّه الصّوليّ قال:
/ كتب عمّي إبراهيم بن العبّاس شفاعة لرجل إلى بعض إخوانه: فلان ممّن يزكو شكره، ويحسن ذكره، ويعني أمره، والصنيعة عنده واقعة موقعها، وسالكة طريقها.
وأفضل ما يأتيه ذو الدّين والحجا ... إصابة شكر لم يضع معه أجر
مدحه عبيد اللّه بن يحيى عند المتوكل:
أخبرني عمّي عن أبي العيناء قال:
كان عبيد اللّه بن يحيى يقول للمتوكّل: يا أمير المؤمنين، إن إبراهيم بن العبّاس فضيلة خبأها اللّه لك، وذخيرة ذخرها لدولتك.
طلب إليه المتوكل وصف القدور الإبراهيمية ومجونهما في ذلك:
وذكر عن عليّ بن يحيى:
أنّ المتوكل بعث إلى إبراهيم بن العبّاس يأمره أن يصف له القدور الإبراهيميّة، وكان ابتدعها؛ فكتب له صفتها، وكتب في آخرها في ذكر الأبازير: «و وزن دانق» ونسي أن يكتب من أيّ شيء. فلمّا وصلت إليه الصفة اغتاظ ثم قال لعليّ بن يحيى: احلف بحياتي أن تقول له ما آمرك به، ففعل. فقال له: قل وزن دانق من أي شي ء؟
أمن بظر أمّك! قال عليّ بن يحيى: فدخلت إليه فقلت: إني جئتك في رسالة عزيز عليّ أن أؤدّيها؛ فقال: هاتها، فأدّيتها. قال: فارجع إليه وقل له عنّي: يا سيّدي، إن عليّ بن يحيى أخي وصديقي وقد أدّى الرسالة؛ فإن رأيت أن تجعل وزن الدّانق من بظر أمّي وبظر أمّه جمعا تفضّلت بذلك. فقلت: قبحك اللّه! وأنا أيش ذنبي! قال: قد أدّيت الرسالة وهذا جوابها. فدخلت إلى المتوكّل فقال: إيه ما قال لك؟ فقلت: قبح اللّه ما جئتك به! وأخبرته بالجواب؛ فضحك حتى فحص برجله وجعل يشرب عليه بقيّة يومه. وإذا لقيته قال لي: يا عليّ، وزن دانق أيش! فأقول: لعنة اللّه على إبراهيم.
__________
[1] كذا في جميع الأصول هنا. وقد جاء في صفحة 55 في جميع الأصول أيضا: «أحمد بن السخي». وليس لدينا ما يرجع إحدى الروايتين.
داعب الحسن بن وهب وشعره في ذلك:
أخبرني محمد بن يحيى قال حدّثني محمد بن موسى بن حمّاد قال:
دعا الحسن بن وهب إبراهيم بن العبّاس؛ فقال له: أركب وأجيئك عشيّا فلا تنتظرني بالغداة./ فأبطأ عليه، وأسرع الحسن في شربه فسكر ونام، وجاء إبراهيم فرآه على تلك الحال، فدعا بدواة وكتب:
رحنا إليك وقد راحت بك الرّاح ... وأسرعت فيك أوتار وأقداح
قال: وحدّثني محمد بن موسى قال:
نظر إبراهيم بن العباس الحسن بن وهب وهو مخمور فقال له:
عيناك قد حكتا مبي ... تك كيف كنت وكيف كانا
ولربّ عين قد أرت ... ك مبيت صاحبها عيانا
فأجابه الحسن بن وهب بعشرين بيتا وطالبه بمثلها؛ فكتب إليه بأربعة أبيات وطالبه بأربعين بيتا. وأبيات إبراهيم:
أ أبا عليّ خير قولك ما ... حصّلت أنجعه ومختصره
ما عندنا في البيع من غبن ... للمستقلّ بواحد عشرة
أنا أهل ذلك غير محتشم ... أرضى القديم وأقتفي أثره
ها نحن وفّيناك أربعة ... والأربعون لديك منتظره
أخبرني الصّوليّ قال حدّثني القاسم بن إسماعيل قال:
سمعت إبراهيم بن العبّاس وقد لبس سواده يوما يقول: يا غلام هات ذلك السيف الذي ما ضرّ اللّه به أحدا قطّ غيري.
كان يستثقل ابن أخيه وحكايات عنه في ذلك:
قال: وسأل يوما عن ابن أخيه طماس وهو أحمد بن عبد اللّه بن العبّاس فقيل له:
هو مشغول بطبيب ومنجّم عنده، وكان يستثقله، فقال قل له يا غلام: واللّه ما لك في الناس طبع؛ ولا في السماء نجم، فما لك تكلّف هذا التّكلّف.
/ أخبرني الصّوليّ قال حدّثني أحمد بن السّخيّ قال:
أمر إبراهيم بن العبّاس أن يجمع كلّ أعور يمرّ في الطريق، فجمعوهم ووقفوهم وخرج ومعه طماس، فلما رأى العور مجتمعين قال لطماس: كلّهم مثلك، فاترك هذا الصّلف فإنه داعية إلى التّلف.
أخبرني الصّوليّ قال حدّثني ميمون بن موسى قال:
قال الحسن بن وهب لإبراهيم بن العبّاس: تعال حتى نعدّ البغضاء؛ قال: ابدأ بي أوّلا من أجل ابن أخي طماس ثم ثنّ بمن شئت.
أمر الحسن بن مخلد بأمر فأبطأ فيه فقال شعرا:
أخبرني الصّوليّ قال قال جعفر بن محمود:
ركبت بين يدي إبراهيم بن العبّاس. فأمر الحسن بن مخلّد [1] بأمر فاستبطأه فيه فنظر إليه فقال:
معجب عند نفسه ... وهو لي غير معجب
إن أقل لا يقل نعم ... عاتب غير معتب
مولع بالخلاف لي ... عامدا والتجنّب
قلت فيه بضدّ ما ... قيل في أمّ جندب
يريد قول امرىء القيس:
«خليليّ مرّا بي على أمّ جندب»
أي فأنا لا أريد أن أمرّ بك.
تنادر بابن الكلبي عند المتوكل لما جاء كتابه:
قال وأخبرني الصّوليّ قال حدّثنا أحمد بن يزيد المهلّبيّ عن أبيه قال:
كان المتوكل قد ولّى ابن الكلبيّ البريد، وأحلفه بالطّلاق ألّا يكتمه شيئا من أمر الناس جميعا ولا من أمره هو في نفسه. فكتب إليه يوما أن امرأته/ خرجت مع حبّتها في نزهة، وأن حبّتها [2] /عربدت عليها فجرحتها في صدغها. فقرأه إبراهيم بن العبّاس على المتوكّل ثم قال له: يا أمير المؤمنين، قد صحّف ابن الكلبيّ، إنما هو: «جرحتها في سرمها» [3]، فضحك المتوكّل وقال: صدقت. ما أظن القصة إلّا هكذا. قال: ولم يكن أبن الكلبيّ هذا من العرب، إنما كان أبوه يلقّب «كلب الرّحل» فقيل له الكلبيّ.
استعطافه محمد بن عبد الملك الزيات:
أخبرني عمّي قال حدّثنا ميمون بن هارون قال:
كتب إبراهيم بن العبّاس إلى محمد بن عبد الملك يستعطفه: كتبت إليك وقد بلغت المدية المحزّ [4]، وعدت الأيام بك عليّ، بعد عدوي بك عليها، وكان أسوأ ظنّي وأكثر خوفي، أن تسكن في وقت حركتها، وتكفّ عند أذاها، فصرت عليّ أضرّ منها، وكفّ الصديق عن نصرتي خوفا منك، وبادر إليّ العدوّ تقرّبا إليك.
وكتب تحت ذلك:
أخ بيني وبين الدّه ... ر صاحب أيّنا غلبا
__________
[1] هو الحسن بن مخلد بن الجراح. تولى «ديوان الضياع» للمتوكل بعد موت إبراهيم بن العباس هذا. (انظر الكلام عليه في «تاريخ الطبري»: ق 3 ص 1435 و1444 - 1447 و1647 - 1648).
[2] الحبة: المحبوبة.
[3] في الأصول: «صرمها» بالصاد. وهو تحريف.
[4] كذا في «معجم الأدباء» لياقوت. وفي الأصول: «المحزة».
صديقي
ما استقام فإن ... نبا دهر عليّ نبا
وثبت على الزمان به ... فعاد به وقد وثبا
ولو عاد الزمان لنا ... لعاد به أخا حدبا
قال وكتب إليه: أما واللّه لو أمنت ودّك لقلت؛ ولكني أخاف منك عتبا لا تنصفني فيه، وأخشى من نفسي لائمة لا تحتملها لي. وما قد قدّر فهو كائن، وعن كل حادثة أحدوثة. وما استبدلت بحالة كنت فيها مغتبطا حالة أنا في مكروهها وألمها أشدّ عليّ من أنّي فزعت إلى ناصري عند ظلم لحقني، فوجدت من يظلمني أخفّ نيّة في ظلمي منه، وأحمد اللّه كثيرا. ثم كتب في أسفلها:
/و كنت أخي بإخاء الزمان ... فلما نبا صرت حربا عوانا
وكنت أذمّ إليك الزمان ... فأصبحت فيك أذمّ الزمانا
وكنت أعدّك للنائبات ... فأصبحت أطلب منك الأمانا
هجا محمد بن عبد الملك وكان قد أغرى به الواثق:
أخبرني الصّوليّ قال أخبرني الحسين بن فهم قال:
كان محمد بن عبد الملك قد أغرى الواثق بإبراهيم بن العبّاس، وكان إبراهيم يعاتبه على ذلك ويداريه، ثم وقف الواثق على تحامله عليه فرفع يده عنه وأمر أن يقبل منه ما رفعه، وردّه إلى الحضرة مصونا، فلما أحسّ إبراهيم بذلك بسط لسانه في محمد، وحسن ما بينه وبين [1] ابن أبي دواد. وهجا محمد بن عبد الملك هجاء كثيرا؛ منه قوله:
قدرت فلم تضرر عدوّا بقدرة ... وسمت بها أخوانك الذّلّ والرّغما
وكنت مليئا بالتي قد يعافها ... من الناس من يأبى الدّنيئة والذّما
تمادح هو وأبو تمام:
أخبرني الصّوليّ قال حدّثنا ابن السّخيّ قال حدثني الحسين بن عبد اللّه قال:
سمعت إبراهيم بن العبّاس حدّثنا يقول لأبي تمّام الطائي وقد أنشده شعرا له في المعتصم: يا أبا تمّام، أمراء الكلام رعيّة لإحسانك. فقال له أبو تمّام: ذلك لأني أستضيء بك وأرد شريعتك.
اعتذر له إبراهيم بن المدبر عن أخيه فقال شعرا:
أخبرني محمد بن يحيى الصّوليّ قال سمعت إبراهيم بن المدبّر يقول:
جرى بين إبراهيم/ بن العبّاس وبين أخي أحمد بن المدبّر شيء، وكان يودّني دون أخي؛ فلقيته فاعتذرت إليه عنه؛ فقال لي: يا أبا إسحاق:
__________
[1] يعني بهذا أن محمد بن عبد الملك كان يعادي أحمد بن أبي دواد يهجوه. (انظر خبر ذلك مفصلا في ج 20 ص 51 من «الأغاني» طبع بلاق).
صوت
خلّ النّفاق لأهله ... وعليك فالتمس الطّريقا
واذهب بنفسك أن ترى ... إلّا عدوّا أو صديقا
الغناء لأبي العبيس.
احتال على المتوكل لينجي بعض عماله من العقوبة:
أخبرني الصّوليّ قال حدّثني القاسم بن إسماعيل قال:
انصرف إبراهيم بن العبّاس يوما من دار المتوكّل فقال لنا: أنا واللّه مسرور بشيء مغموم منه. فقلنا له: وما ذاك أعزّك اللّه؟ قال: كان أحمد بن المدبّر رفع إلى أمير المؤمنين أن بعض عمّالي اقتطع مالا، وصدق في الذي قاله، وكنت قد رأيت هلال الشهر ونحن مع أمير المؤمنين على وجهه فدعوت له، وضحك إليّ فقال لي: إن أحمد قد رفع على عاملك كذا وكذا فآصدقني عنه؛ فضاقت عليّ الحجّة، وخفت أن أحقّق قوله إن اعترفت، ثم لا أرجع منه إلى شيء فيعود عليّ الغرم، فعدلت عن الحجّة إلى الحيلة فقلت: أنا في هذا يا أمير المؤمنين كما قلت فيك:
صوت
ردّ قولي وصدّق الأقوالا ... وأطاع الوشاة والعذّالا
أتراه يكون شهر صدود ... وعلى وجهه رأيت الهلالا
قال: لا يكون واللّه ذلك بحياتي يا إبراهيم! روّ هذا الشعر بنانا حتى يغنّيني فيه. فقلت: نعم يا سيّدي على ألّا يطالب صاحبي بقول أحمد. فقال للوزير: تقبّل قول صاحبه في المال. فسررت بالظّفر، واغتممت لبطلان هذا المال وذهابه بمثل هذه الحيلة، ولعله قد جمع في زمن طويل وتعب شديد.
سرق ابن دريد وابن الرومي شعره:
أنشدت عمّي رحمه اللّه أبياتا لابن دريد يمدح رجلا من أهل البصرة:
يا من يقبّل كفّ كلّ مخرّق ... هذا ابن يحيى ليس بالمخراق
قبّل أنامله فلسن أناملا ... لكنّهنّ مفاتح الأرزاق
فقال: يا بنيّ هذا سرقه هو وابن الرّوميّ جميعا من إبراهيم بن العبّاس؛ قال إبراهيم بن العبّاس يمدح الفضل بن سهل:
لفضل بن سهل يد ... تقاصر عنها الأمل
فباطنها للنّدى ... وظاهرها للقبل
وبسطتها للغنى ... وسطوتها للأجل
وسرقه ابن الرّوميّ فقال:
أصبحت بين خصاصة ومذلّة ... والحرّ بينهما يموت هزيلا
فامدد إليّ يدا تعوّد بطنها ... بذل النّدى وظهورها التّقبيلا
قال ثعلب إنه كان أشعر المحدثين:
أخبرني الصّوليّ قال سمعت أحمد بن يحيى ثعلبا يقول:
كان إبراهيم بن العبّاس أشعر/ المحدثين. قال: وما روى ثعلب شعر كاتب قطّ قال: وكان يستحسن كثيرا قوله:
لنا إبل كوم [1] يضيق بها الفضا ... ويفترّ عنها أرضها وسماؤها
فمن دونها أن تستباح دماؤنا ... ومن دوننا أن تستباح دماؤها
حمى وقرى فالموت دون مرامها ... وأيسر خطب يوم حقّ فناؤها
ثم قال: واللّه لو كان هذا لبعض الأوائل لاستجيد له.
مدح الحسن بن سهل:
أخبرني عليّ بن سليمان الأخفش قال حدّثنا محمد بن يزيد قال سمعت الحسن بن رجاء يقول:
كنّا بفم [2] الصّلح أيام بنى المأمون ببوران بنت الحسن بن سهل؛ فقدم إبراهيم بن العبّاس علينا ودخل إلى الحسن بن سهل فأنشده:
ليهنئك أصهار أذّلّت بعزّها ... خدودا وجدّعت الأنوف الرّواغما
جمعت بها الشملين من آل هاشم ... وحزت بها للأكرمين الأكارما
بنوك غدوا آل النبيّ ووارثو ال ... خلافة والحاوون كسرى وهاشما
فقال له الحسن: «شنشنة أعرفها [3] من أخرم» أي إنّك لم تزل تمدحنا، ثم قال له: أحسن اللّه عنّا جزاءك يا أبا إسحاق؛ فما الكثير من فعلنا بك بجزاء لليسير من حقّك.
قال شعرا في قينة اسمها «سامر» كان يهواها فغضبت عليه:
أخبرني عمّي قال حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد قال:
أنشدني إبراهيم بن العبّاس لنفسه في قينة اسمها سامر كان يهواها فغضبت عليه:
وعلّمتني كيف الهوى وجهلته ... وعلّمكم صبري على ظلمكم ظلمي
وأعلم ما لي عندكم فيردّني ... هواي إلى جهل فأقصر عن علمي
__________
[1] الكوم: الإبل الضخمة العظيمة السنام، الواحد أكوم والأنثى كوماء.
[2] فم الصلح: نهر كبير فوق واسط عليه عدة قرى وفيه كانت دار الحسن بن سهل. («معجم البلدان» لياقوت).
[3] هذا مثل، قاله أبو أخزم الطائي وكان له ابن يقال له أخزم؛ قيل: كان عاقا فمات وترك بنين، فوثبوا يوما على جدهم فأدموه، فقال:
إن بني ضرّجوني بالدم ... شنشنة أعرفها من أخزم
من يلق آساد الرجال يكلم
شعره في قصر الليل:
أخبرني الصّوليّ قال:
سمعت عبيد اللّه بن عبد اللّه بن طاهر يقول: لا يعلم لقديم ولا لمحدث في قصر اللّيل أحسن من قول إبراهيم بن العبّاس:
/و ليلة من اللّيالي الزّهر ... قابلت فيها بدرها ببدر
لم تك غير شفق وفجر [1] ... حتى تولّت وهي بكر الدّهر
تنكر له ابن الزيات لصلته بابن أبي دواد فاعتذر له بشعر:
أخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن عمّار قال: حدّثني أحمد بن بشر المرثديّ قال: كان إبراهيم بن العبّاس يوما عند أحمد بن أبي دواد، فلمّا خرج من عنده لقيه محمد بن عبد الملك الزيّات وهو خارج من داره؛ فتبيّن إبراهيم في وجه محمد الغضب فلم يخاطبه في العاجل بشيء. فلما انصرف إلى منزله كتب إليه.
دعني أواصل من قطع ... ت يراك بي إذ لا يراكا
إنّي متى أهجر لهج ... رك لا أضرّ به سواكا
وإذا قطعتك في أخي ... ك قطعت فيك غدا أخاكا
حتى أرى متقسّما ... يومي لذا وغدي لذاكا
مسح المداد بكم ثوبه وشعره في ذلك:
أخبرني الصّوليّ قال حدّثني أبو العيناء قال:
كنت عند إبراهيم بن العبّاس وهو يكتب كتابا، فنقّط من القلم نقطة مفسدة فمسحها بكمّه؛ فتعجّبت من ذلك؛ فقال: لا تعجب، المال/ فرع والقلم أصل، ومن هذا السّواد جاءت هذه الثياب، والأصل أحوج إلى المراعاة من الفرع. ثم فكّر قليلا وقال:
إذا ما الفكر ولّد حسن لفظ ... وأسلمه الوجود إلى العيان
ووشّاه فنمنمه مسدّ [2] ... فصيح في المقال بلا لسان
ترى حلل البيان منشّرات ... تجلّى بينها صور المعاني
اتهمه المأمون بإفشاء سر مقتل الفضل بن سهل ثم عفا عنه بشفاعة هشام الخطيب:
أخبرني الصّوليّ قال حدّثني محمد بن صالح بن النطّاح قال:
__________
[1] في ب وس: «و بدر».
[2] مسد: مصيب السداد.
لمّا عزم [1] المأمون على الفتك بالفضل بن سهل، وندب له عبد العزيز بن عمران الطائيّ، ومؤنسا البصريّ، وخلفا المصريّ، وعليّ بن أبي سعد ذا القلمين، وسراجا الخادم، نمي الخبر إلى الفضل، فأظهره للمأمون وعاتبه عليه. فلمّا قتل الفضل وقتل المأمون قتلته، سأل من أين سقط الخبر إلى الفضل؟ فعرّف أنه من جهة إبراهيم بن العبّاس، فطلبه فاستتر. وكان إبراهيم عرف هذا الخبر من جهة عبد العزيز بن عمران، وكان الفضل استكتب إبراهيم لعبد العزيز بن عمران، فأخبر به الفضل. قال: وتحمّل إبراهيم بالناس على المأمون، وجرّد في أمره هشاما الخطيب المعروف بالعبّاسيّ وكان جريئا على المأمون لأنه ربّاه، وشخص إليه إلى خراسان في فتنة إبراهيم بن المهديّ، فلم يجبه المأمون إلى ما سأل. فلقيه إبراهيم مستترا وسأله عمّا عمل في حاجته.
فقال له هشام: قد وعدني في أمرك بما تحبّ. فقال له إبراهيم: أظنّ أن الأمر على غير هذا! قال: وما تظنّ؟
قال: محلّك عند أمير المؤمنين أجلّ من أن يعدك شيئا فترضى بتأخيره، وهو أكرم من أن يعد مثلك شيئا فيؤخّره، ولكنك سمعت ما لا تحبّ فيّ فكرهت أن تغمّني به فقلت لي هذا القول، وأحسن اللّه على كل الأحوال جزاءك، فمضى هشام إلى المأمون فعرّفه خبر إبراهيم، فعجب من فطنته وعفا عنه. قال: وفي هشام يقول إبراهيم بن العبّاس:
من كانت الأموال ذخرا له ... فإنّ ذخري أملي في هشام
فتى يقي اللّامة عن عرضه ... وأنهب المال قضاء الذّمام
مدح الفضل بن سهل:
أخبرني عمّي قال حدّثني أبو الحسين بن أبي البغل قال:
دخل إبراهيم بن العبّاس على الفضل بن سهل فاستأذنه في الإنشاد، فقال هات، فأنشده:
يمضي الأمور على بديهته ... وتريه فكرته عواقبها
فيظلّ يصدرها ويوردها ... فيعمّ حاضرها وغائبها
وإذا ألمّت صعبة عظمت ... فيها الرزيّة كان صاحبها
المستقلّ بها وقد رسبت ... ولوت على الأيام جانبها
وعدلتها بالحقّ فاعتدلت ... ووسعت راغبها وراهبها
وإذا الحروب غلت بعثت لها ... رأيا تفلّ به كتائبها
رأيا إذا نبت السيوف مضى ... عزم بها فشفى مضاربها
أجرى إلى فئة بدولتها ... وأقام في أخرى نوادبها
/ وإذا الخطوب تأثّلت ورست ... هدّت فواصله نوائبها
وإذا جرت بضميره يده ... أبدت به الدّنيا مناقبها
وأنشدني عمّي لإبراهيم بن العبّاس في الفضل بن سهل وفيه غناء:
__________
[1] راجع الطبري في هذه القصة (ق 3 ص 1025 - 1028) ففيها اختلاف عما هنا.
صوت
فلو كان للشكر شخص يبين ... إذا ما تأمّله النّاظر
لمثّلته لك حتى تراه ... فتعلم أنّي امرؤ شاكر
الغناء لأبي العبيس ثقيل أوّل. وفيه لرذاذ ثاني ثقيل. حدّثني أبو يعقوب إسحاق بن يعقوب النّوبختيّ قال حدّثني جماعة من عمومتي وأهلنا أن رذاذا صنع في هذين البيتين لحنا أعجب به الناس واستحسنوه، فلما كثر ذلك صنع فيه أبو العبيس لحنا آخر، فسقط لحن رذاذ واختار الناس لحن أبي العبيس.
مدح المتوكل وولاة العهود فأجازوه:
أخبرني حنظلة قال حدّثني ميمون بن هارون قال:
لمّا عقد المتوكّل لولاة العهود من ولده ركب بسرّ من رأى ركبة لم ير أحسن منها، وركب ولاة العهود بين يديه، والأتراك بين أيديهم أولادهم يمشون بين يدي المتوكّل بمناطق الذهب، في أيديهم الطّبرزينات [1] المحلّاة بالذّهب، ثم نزل في الماء فجلس فيه والجيش معه في الجوانحيّات [2] وسائر السفن، وجاء حتى نزل في القصر الذي يقال له العروس، وأذن للناس فدخلوا إليه. فلما تكاملوا بين يديه، مثل إبراهيم بن العبّاس بين الصفّين، فاستأذن في الإنشاد فأذن له، فقال:
ولمّا بدا جعفر في الخمي ... س بين المطلّ [3] وبين العروس
بدا لا بسا بهما حلّة ... أزيلت بها طالعات النّحوس
ولمّا بدا بين أحبابه ... ولاة العهود وعزّ النفوس
غدا قمرا بين أقماره ... وشمسا مكلّلة بالشموس
لإيقاد نار وإطفائها ... ويوم أنيق ويوم عبوس
ثم أقبل على ولاة العهود فقال:
أضحت عرى الإسلام وهي منوطة ... بالنّصر والإعزاز والتأييد
بخليفة من هاشم وثلاثة ... كنفوا الخلافة من ولاة عهود
قمر توافت حوله أقماره ... فحففن مطلع سعده بسعود
رفعتهم الأيام وارتفعوا به ... فسعوا بأكرم أنفس وجدود
قال: فأمر له المتوكّل بمائة ألف درهم، وأمر له ولاة العهود بمثلها.
__________
[1] الطبرزين: آلة من السلاح تشبه الطبر (الفأس) أو هو الطبر بعينه. وهذا أصح لأن أصل معناه الطبر المعلق في السرج. فالفرس كان من عادتهم أن يعلقوا الطبر في السروج. (كتاب «الألفاظ الفارسية المعربة»).
[2] الجوانحيات: نوع من السفن كما هو ظاهر من السياق.
[3] المطل: اسم مكان أو قصر، كما هو ظاهر من السياق. ولم نقف عليه فيما بين أيدينا من معجمات البلدان.
فضل ابن برد الخيار شعره على شعر محمد بن عبد الملك الزيات:
أخبرني عمّي قال: اجتمعت أنا وهارون بن محمد بن عبد الملك وابن برد الخيار في مجلس عبيد اللّه بن سليمان قبل وزارته، فجعل هارون ينشد من أشعار أبيه محاسنها، ويفضلها ويقدّمها. فقال له ابن برد الخيار: إن كان لأبيك مثل قول إبراهيم بن العبّاس:
أسد ضار إذا هيّجته ... وأب برّ إذا ما قدرا
/ يعرف الأبعد إن أثرى ولا ... يعرف الأدنى إذا افتقرا
أو مثل قوله:
تلج السنون بيوتهم وترى لهم ... عن جار بيتهم ازورار مناكب
وتراهم بسيوفهم وشفارهم ... مستشرفين لراغب أو راهب
حامين أو قارين حيث لقيتهم ... نهب العفاة ونهزة للرّاغب
فاذكره وافخر به، وإلّا فأقلل من الافتخار والتّطاول بما لا طائل فيه؛ فحجل هارون. وقال عبيد اللّه بن سليمان: لعمري ما في الكتّاب أشعر من أبي إسحاق وأبي عليّ، (يعني عمّه الحسن بن وهب) ثم أمر بعض كتّابه بكتب المقطوعتين اللتين أنشدهما ابن برد الخيار.
هنأ الحسن بن سهل بصهر المأمون:
أنشدني عليّ بن سليمان الأخفش لإبراهيم بن العبّاس يهنّىء الحسن بن سهل بصهر المأمون:
هنتك أكرومة جلّلت نعمتها ... أعلت وليّك واجتثّت أعاديكا
ما كان يحيا [1] بها إلا الإمام وما ... كانت إذا قرنت بالحقّ تعدوكا
هجا محمد بن عبد الملك الزيات:
أخبرني عمّي قال حدّثني محمد بن داود بن الجرّاح قال حدّثني أبو محمد الحسن بن مخلد قال:
/ أودع محمد بن عبد الملك الزيّات مالا عظيما وجوهرا نفيسا، وقد رأى تغيّرا من الواثق فخافه وفرّق ذلك في ثقاته من أهل الكرخ ومعامليه من التّجار. وكان إبراهيم بن العبّاس يعاديه ويرصد له بالمكاره لإساءته إليه، فقال أبياتا وأشاعها حتى بلغت الواثق يغريه به:
نصيحة شانها وزير ... مستحفظ سارق مغير
ودائع جمّة عظام ... قد أسبلت دونها السّتور
تسعة آلاف ألف ألف ... خلالها جوهر خطير
بجانب الكرخ عند قوم ... أنت بما عندهم خبير
والملك اليوم في أمور ... تحدث من بعدها أمور
__________
[1] كذا في جميع الأصول ولعلها «يحبو».
قد شغلته محقّرات ... وصاحب الكارة [1] الوزير
مدح المعتز بشعر:
أنشدني عليّ بن سليمان الأخفش لإبراهيم بن العبّاس يمدح المعتزّ وفيه غناء:
صوت
سحور محاجر الحدقه ... مليح والذي خلقه
سواء في رعايته ... مجانبه ومن عشقه
لعيني في محاسنه ... رياض محاسن أنقه
فأحيانا أنزّهها ... وطورا في دم غرقه
يقول فيها في مدح المعتزّ باللّه:
فيا قمرا أضاء لنا ... يلألىء نوره أفقه
يشبّهه سنا المعتزّ ... ذو مقة إذا رمقه
أمير قلّد الرحم ... ن أمر عباده عنقه
/ وفضّله وطيّبه ... وطّهر في الورى خلقه
في الأربعة الأبيات الأول رمل ذكر الهشاميّ أنه لابن القصّار، ووجدته في بعض الكتب لعريب.
هنأه أحمد بن المدبر وكان يحرّض عليه فقال شعرا:
أنشدني الأخفش لإبراهيم بن العبّاس يقولها لأحمد بن المدبّر وقد جاءه بعد خلاصة من النكبة مهنّئا، وكان استعان به في أمر نكبته فقعد عنه، وبلغه أنه كان يحرّض عليه ابن الزيّات:
وكنت أخي بالدّهر حتى إذا نبا ... نبوت فلمّا عاد عدت مع الدّهر
فلا يوم إقبال عددتك طائلا ... ولا يوم إدبار عددتك في وتر
وما كنت إلّا مثل أحلام نائم ... كلا حالتيك من وفاء ومن غدر
عاتبه ابن المدبر فقال شعرا:
وأنشدني الصّوليّ له في أحمد بن المدبر أيضا وقد عاتبه أحمد بن المدبّر على شيء بلغه فقال:
هب الزّمان رماني ... الشأن في الخلّان
فيمن رماني لمّا ... رأى الزمان رماني
ومن ذخرت لنفسي ... فصار ذخر الزمان
لو قيل لي خذ أمانا ... من أعظم الحدثان
__________
[1] الكارة: ما يجمع ويشد، ويعني بها السرة التي فيها المال.
لما أخذت أمانا ... إلّا من الإخوان
ومن أخبار المعتضد باللّه الجارية مجرى هذا الكتاب.
المعتضد وغلامه بدر:
حدّثني عمّي عن جدّي رحمهما اللّه قال قال لي عبيد اللّه بن سليمان، وكان يأنس بي أنسا شديدا لقديم الصّحبة وائتلاف المنشأ: دعاني المعتضد يوما فقال:
/ ألا تعاتب بدرا [1] على ما لا يزال يستعمله من التخرّق في النّفقات والإثابات والزيادات والصّلات! وجعل يؤكّد القول عليّ في ذلك؛ فلم أخرج عن حضرته حتى دخل إليه بدر فجعل يستأمره في إطلاقات مسرفة ونفقات واسعة وصلات سنيّة وهو يأذن له في ذلك كلّه. فلما خرج رأى في وجهي إنكارا لما فعله بعد ما جرى بيني وبينه؛ فقال لي: يا عبيد اللّه قد عرفت ما في نفسك، وأنا وإيّاه كما قال الشاعر:
صوت
في وجهه شافع يمحو إساءته ... من القلوب مطاع حيثما شفعا
مستقبل الذي يهوى وإن كثرت ... منه الإساءة مغفور لما صنعا
وفي هذين البيتين خفيف رمل.
كان المعتضد يطرب لغناء ابن العلاء في شعر الوليد بن يزيد:
حدّثني محمد بن إبراهيم قريض قال حدّثني أحمد بن العلاء قال:
غنّيت المعتضد:
كلّلاني توّجاني ... وبشعري غنّياني [2]
أطلقاني من وثاقي ... واشدداني بعناني
فاستحسنه جدّا، ثم قال لي: ويحك يا أحمد! أما ترى زهو الملك في شعره وقوله:
كلّلاني توّجاني ... وبشعري غنّياني
واستعاده مرارا، ثم وصلني كلّ مرّة استعاده بعشرة آلاف درهم، وما وصل بها مغنّيا قبلي/ ولا بعدي.
قال: واستعاده منّي ستّ مرّات ووهب لي ستّين ألفا، وقال النّوشجانيّ: بل وصله بعشرة آلاف درهم مرّة واحدة.
__________
[1] كان بدر هذا غلام المعتضد، ولاه الشرطة يوم ولي الخلافة، ثم ولاه بعد ذلك فارس. (انظر «تاريخ ابن الأثير» ص 317، 328، 332، 335 ج 7). قتله المكتفي سنة 289 لأنه أبى أن يبايعه. (انظر سبب مقتله بإسهاب في «تاريخ الطبري» ق 3 ص 2209 - 2216).
[2] هذا من شعر الوليد بن يزيد (انظر ج 7 ص 93 من هذه الطبعة).
صنعة أولاد الخلفاء الدّكور منهم والإناث
فأوّلهم وأتقنهم صنعة وأشهرهم ذكرا في الغناء إبراهيم بن المهديّ؛ فإنه كان يتحقّق [1] به تحقّقا شديدا ويبتذل نفسه ولا يستتر منه ولا يحاشي أحدا. وكان في أوّل أمره لا يفعل ذلك إلّا من وراء ستر وعلى حال تصوّن عنه وترفّع، إلا أن يدعوه إليه الرّشيد في خلوة والأمين بعده. فلمّا أمّنه المأمون تهتّك بالغناء وشرب النّبيذ بحضرته والخروج من عنده ثملا ومع المغنّين، خوفا منه وإظهارا له أنه قد خلع ربقة الخلافة من عنقه وهتك ستره فيها حتى صار لا يصلح لها. وكان من أعلم الناس بالنّغم والوتر والإيقاعات وأطبعهم في الغناء وأحسنهم صوتا. وهو من المعدودين في طيب الصّوت خاصّة؛ فإنّ المعدودين منهم في الدولة العبّاسية: ابن جامع وعمرو بن أبي الكنّات وإبراهيم ابن المهديّ ومخارق. وهؤلاء من الطبقة الأولى، وإن كان بعضهم يتقدّم. وكان إبراهيم مع علمه وطبعه مقصّرا عن أداء الغناء القديم وعن أن ينحوه في صنعته، فكان يحذف نغم الأغاني الكثيرة العمل حذفا شديدا ويخفّفها على قدر ما يصلح [2] له ويفي بأدائه. فإذا عيب ذلك عليه قال: أنا ملك وابن ملك، أغنّي كما أشتهي وعلى ما ألتذّ. فهو أوّل من أفسد الغناء القديم، وجعل للناس طريقا إلى الجسارة على تغييره. فالناس إلى الآن صنفان: من كان منهم على مذهب إسحاق وأصحابه ممّن كان ينكر تغيير الغناء القديم ويعظم الإقدام عليه ويعيب من فعله، فهو يغنّي الغناء القديم على جهته أو قريبا منها. ومن أخذ بمذهب إبراهيم بن المهديّ أو اقتدى به مثل مخارق وشارية وريّق ومن أخذ عن هؤلاء إنما يغنّي الغناء القديم كما/ يشتهي هؤلاء لا كما غنّاه من ينسب إليه، ويجد على ذلك مساعدين ممّن يشتهي أن يقرب عليه مأخذ الغناء ويكره ما ثقل وثقلت أدواره، ويستطيل الزمان في أخذ الغناء الجيّد على جهته بقصر معرفته. وهذا إذا اطّرد فإنّما الصنعة لمن غنّى في هذا الوقت لا للمتقدّمين؛ لأنهم إذا غيّروا ما أخذوه كما يرون وقد غيّره من أخذوه عنه وأخذ ذلك أيضا عمّن غيّره، حتى يمضي على هذا خمس طبقات أو نحوها. لم [3] يتأدّ إلى الناس في عصرنا هذا من جهة الطبقة غناء قديم على الحقيقة البتّة. وممن أفسد هذا الجنس خاصّة بنو حمدون بن إسماعيل فإن أصلهم فيه مخارق، وما نفع اللّه أحدا قطّ بما أخذ عنه، وزرياب الواثقيّة فإنها كانت بهذه الصورة تغيّر الغناء كما تريد، وجواري شارية وريّق. فهذه الطبقة على ما ذكرت. ومن عداهم من الدّور بمثل [4] دور غريب ودور جواريها والقاسم بن زرزور وولده ودور بذل الكبرى ومن أخذ عنها، وجواري البرامكة وآل هاشم وآل يحيى بن معاذ ودور آل الرّبيع ومن جرى مجراهم ممّن [5] تمسّك بالغناء القديم وحمله كما سمعه، فعسى أن يكون قد بقي ممّن أخذ بذلك المذهب قليل من كثير، وعلى [6] أن/ الجميع من
__________
[1] كذا في الأصول. ولعلها «يتحفى به تحفيا ... إلخ».
[2] في الأصول: «ما أصلح له» وهو تحريف.
[3] في الأصول: «فلم».
[4] لعله: «مثل».
[5] لعله: «فقد».
[6] لعله: «على».
الصحيح والمغيّر قد انقضى في عصرنا هذا.
فمن مشهور غناء إبراهيم بن المهديّ:
صوت
هل تطمسون من السماء نجومها ... بأكفّكم أو تسترون هلالها
أو تدفعون مقالة من ربّكم ... جبريل بلّغها النبيّ فقالها
طرقتك زائرة فحيّ خيالها ... زهراء تخلط بالدّلال جمالها
الشعر لمروان بن أبي حفصة. والغناء لإبراهيم بن المهديّ، ثقيل أوّل بالبنصر، وذكر حبش أن فيه لآبن جامع لحنا ماخوريّا.
4 - أخبار مروان بن أبي حفصة ونسبه
نسبه وشيء من أخبار آبائه:
هو مروان بن سليمان بن يحيى بن أبي حفصة. ويكنى أبا السّمط. واسم أبي حفصة يزيد. وذكر النّوفليّ عن أبيه أنه كان يهوديّا، فأسلم على يدي مروان بن الحكم. وأهله ينكرون ذلك ويذكرون أنه من سبي إصطخر [1]، وأنّ عثمان اشتراه فوهبه لمروان بن الحكم. وأخبرنا يحيى بن عليّ بن يحيى قال حدّثنا محمد بن إدريس بن سليمان بن يحيى بن أبي حفصة بمثل ذلك. قال: وشهد أبو حفصة الدّار [2] مع مولاه مروان بن الحكم، وقاتل قتالا شديدا وقتل رجلا من أسلم يقال له بنان. وجرح مروان يومئذ، أصابته ضربة قطعت علباءه [3] فسقط، فوثب عليه أبو حفصة واحتمله، فجعل يحمله مرّة على عنقه ومرّة يجرّه، فيتأوّه؛ فيقول له:
اسكت واصبر؛ فإنه إن علموا أنك حيّ قتلت. فلم يزل به حتى أدخله دار امرأة من عنزة فداواه فيها حتى برى ء؛ فأعتقه مروان ونزل له عن أمّ ولد له يقال لها سكّر كانت له منها بنت يقال لها حفصة؛ فحضنها، فكني أبا حفصة؛ فحفصة بنت مروان. قال: وكان مروان إذا ولي المدينة وجّه أبا حفصة إلى اليمامة - وكانت مضافة إلى المدينة - ليجمع ما فيها من المال ويحمله إليه. قال: فمرّ أبو حفصة بقرية من قرى اليمامة يقال لها العرض، فوقف على باب فاستسقى ماء، فخرجت إليه جارية معصر [4] فسقته فأعجبته؛ فسأل عنها ليشتريها؛ فقيل له:
هي حرّة، وهي مولاة لبني عامر بن حنيفة. فمضى حتى قدم حجرا [5]، ثم تبعتها نفسه/ فتزوّجها، فلم يخرج من اليمامة حتى حملت بيحيى بن أبي حفصة، ثم حملت بمحمد ثم بعبد اللّه ثم بعبد العزيز. فلما وقعت فتنة ابن الزّبير خرج أبو حفصة مع مروان إلى الشأم.
قال محمد بن إدريس وحدّثني أبي قال كان مروان بن أبي الجنوب يقول: أمّ يحيى بن أبي حفصة لحناء [6] بنت ميمون من ولد النابغة الجعديّ، وإنّ الشعر أتى آل أبي حفصة بذلك السبب. قال: وشهد أبو حفصة مع مروان يوم الجمل وقاتل قتالا شديدا. فلما ظفر عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه، لجأ مروان إلى مالك بن مسمع فدخل داره ومعه أبو حفصة، فقال لمالك: أغلق بابك. فقال له مالك: إن لم أمنعك والباب مفتوح لم أمنعك والباب مغلق. فطلب عليّ رضي اللّه عنه مروان منه، فلم يدفعه إليه إلا برهينة، فدفع مالك الرهنية إلى أبي/ حفصة، ومضى مروان إلى عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه، وقال لأبي حفصة: إن حدث حدث بصاحبك
__________
[1] إصطخر: بلدة بفارس، وهي من أعيان حصونها ومدنها.
[2] يريد دار عثمان بن عفان رضي اللّه تعالى عنه، وذلك أنه يوم هاجت الفتنة عليه لزم داره فحصروه فيها حتى قتلوه وسمي ذلك بيوم الدار.
[3] العلباء: عصبة صفراء في صفحة العنق.
[4] أعصرت المرأة: بلغت عصر شبابها وأدركت.
[5] حجر: حاضرة اليمامة.
[6] في ابن خلكان (ج 2 ص 133): «حيا بنت ميمون».
فعليك بالرّهينة. فلما أتى مروان عليّا كساه كسوة، فكساها مروان أبا حفصة، فغدا فيها أبو حفصة. وبلغ عليّا رضي اللّه عنه ذلك فغضب وقال: كسوته كسوة فكساها عبدا!. وشهد أبو حفصة مع مروان مرج [1] راهط، وكان له بلاء. وكان أبو حفصة شاعرا.
قال أبو أحمد قال لي محمد بن إدريس أخبرني أبي أنّ أبا السّمط مروان بن أبي الجنوب أنشده لأبي حفصة يوم الدّار:
وما قلت يوم الدّار للقوم صالحوا ... أجل لا، ولا اخترت الحياة على القتل
ولكنّني قد قلت للقوم جالدوا ... بأسيافكم لا يخلصنّ إلى الكهل
/ قال: وأنشدني لأبي حفصة أيضا:
لست على الزّحام بالأصر [2] ... إني لورّاد حياض الشرّ
معاود للكرّ بعد الكرّ
قال يحيى وأخبرني محمد بن إدريس قال:
عكل تدّعي أنّ أبا حفصة منهم، يقولون: هو من كنانة بن عوف بن عبد مناة بن طابخة بن إلياس بن مضر، وقد كانوا استعدوا عليه مروان بن الحكم، وقالوا: إنما باعته عمّته لمجاعة؛ فأبى هو أن يقرّ لهم بذلك. ثم استعدوا عليه عبد الملك بن مروان أيضا؛ فأبى إلّا أنه رجل من العجم من سبي فارس، نشأ في عكل وهو صغير.
قال محمد بن إدريس: وولد السّموءل بن عادياء يدّعونه، والسموءل من غسّان. قال محمد: وزعم أهل اليمامة وعكل وغيرهم أنّ ثلاثة نفر أتوا مروان بن الحكم وهم أبو حفصة ورجل من تميم ورجل من سليم، فباعوا أنفسهم منه في مجاعة نالتهم؛ فاستعدى أهل بيوتاتهم عليهم، فأقرّ أحدهم وهو السّلميّ أنه إنما أتى مروان فباعه نفسه وأنه من العرب؛ فدسّ إليه مروان من قتله. فلمّا رأى ذلك الآخران ثبتا على أنهما موليان لمروان. فأخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثني محمد بن القاسم بن مهرويه قال: زعم المدائنيّ أنه كان لأبي حفصة ابن يقال له مروان سمّاه مروان بن الحكم باسمه، وليس بالشّاعر، وأنه كان شجاعا مجرّبا، وأمدّ به عبد الملك بن مروان الحجّاج وقال له: قد بعثنا إليك مولاي ابن أبي حفصة وهو يعدل ألف رجل. فشهد معه محاربة ابن الأشعث، فأبلى بلاء حسنا وعقرت تحته عدّة خيول، فاحتسب بها الحجّاج عليه من عطائه. فشكاه إلى عبد الملك وذمّ الحجّاج عنده؛ فعوّضه مكان ما أغرمه الحجّاج. وكان يحيى جدّ مروان بن سليمان جوادا ممدّحا.
جرير يودع ابنه يحيى بن أبي حفصة:
أخبرنا محمد العبّاس اليزيديّ قال حدّثنا أبو سعيد السّكّريّ عن محمد بن حبيب عن ابن الأعرابيّ قال:
أراد جرير أن يوجّه ابنه بلال بن جرير إلى الشام في بعض أمره، فأتى يحيى بن أبي حفصة فأودعه إيّاه، ثم بلغ بلالا أنّ بعض بني أميّة يريد الخروج، فقال لأبيه: لو كلّفت هذا القرشيّ أمري! فقال له جرير:
__________
[1] مرج راهط: في غوطة دمشق من ناحية الشرق، وفيه كانت الواقعة بين مروان بن الحكم والضحاك بن قيس داعية ابن الزبير، فقتل مروان فيها الضحاك وخلصت له الخلافة.
[2] من الصرير يقال: صر الرجل إذا صاح صياحا شديدا.
أزادا سوى يحيى تريد وصاحبا ... ألا إنّ يحيى نعم زاد المسافر
/ وما تأمن الوجناء [1] وقعة سيفه ... إذا أنفضوا [1] أو قلّ ما في الغرائر
يحيى بن أبي حفصة يتزوّج بنت زياد بن هوذة:
أخبرني أبو الحسن الأسديّ قال حدّثني الحسن بن عليل العنزيّ قال:
تزوّج يحيى بن أبي حفصة بنت زياد بن هوذة بن شمّاس بن لأي بن أنف الناقة؛ فاستعدى عليه عمّاها عبد الملك بن مروان وقالا: أينكح إبراهيم بن عديّ وهو من كنانة منك وإليك بنتها، وينكح هذا العبد هذه!.
فقال عبد الملك: بل العبد ابن العبد واللّه إبراهيم بن عديّ - وكان مغمور النسب في الإسلام - واللّه لهذا أشرف منه، وإن لأبيه من البلاء في الإسلام ما ليس لأبيها ولا لأبيكما، وما أحبّ أنّ لي بيحيى ألفا منكما. واللّه لو تزوّج بنت قيس بن عاصم ما نزعتها منه. ومن زوّجه فقد زوّج ابني هذا، وأشار إلى ابنه سليمان. فخرجا وتخلّف يحيى بعدهما، فقال: يا أمير المؤمنين، إنهما قد أنضيا ركابهما وأخلقا ثيابهما والتزما مؤونة في سفرهما، فإن رأى أمير المؤمنين أن يعوّضهما عوضا! فقال: أبعد ما قالا فيك!! قال: نعم يا أمير المؤمنين. قال: بل أعطيك أنت ما سألت لهما وتعطيهما ما شئت. فكساه ووصله وحمله. فخرج يحيى إليهما ففرّق ذلك عليهما، وزوّج ابنه سليمان بنت أحدهما، وولدت بنت زياد منه أولادا.
يهنىء الوليد بن عبد الملك ويعزيه:
أخبرني عليّ بن سليمان الأخفش قال حدّثنا الفضل اليزيديّ قال حدّثني إسحاق بن إبراهيم الموصليّ قال حدّثني مروان بن أبي حفصة قال:
دخل يحيى بن أبي حفصة على الوليد بن عبد الملك لمّا بويع له بالخلافة بعد أبيه، فهنّأه وعزّاه وأنشده:
إنّ المنايا لا تغادر واحدا ... يمشي ببزّته ولا ذا جنّه
لو كان خلق للمنايا مفلتا ... كان الخليفة مفلتا منهنّه
بكت المنابر يوم مات وإنما ... بكت المنابر فقد فارسهنّه
لمّا علاهنّ الوليد خليفة ... قلن ابنه ونظيره فسكنّه
لو غيره قرع المنابر بعده ... لنكرنه فطرحنه عنهنّه
زوج بنيه من بنات مقاتل المنقري فهجاه القلاح فرد عليه:
أخبرني أبو الحسن الأسديّ قال حدّثنا العنزيّ قال:
خطب يحيى بن أبي حفصة إلى مقاتل بن طلبة بن قيس بن عاصم المنقريّ ابنته وأختيه، فأنعم [2] له بذلك. فبعث يحيى إلى بنيه سليمان وعمر وجميل، فأتوه بالجفر [3] فزوّجهن بنيه ثلاثتهم، ودخلوا بهنّ ثم حملوهن إلى حجر. فقال القلاح بن حزن المنقريّ في ذلك:
__________
[1] الوجناء: الناقة الشديدة. وأنفض القوم: أرملوا، وقيل هلكت أموالهم وفني زادهم.
[2] أنعم له: أفضل وقال نعم.
[3] جفر: علم على أسماء مواضع كثيرة. (انظر «معجم البلدان» لياقوت في الكلام عليه).
سلام على أوصال قيس بن عاصم ... وإن كنّ رمسا في التراب بواليا
أضيّعتموا خيلا عرابا فأصبحت ... كواسد لا ينكحن إلّا المواليا
فلم أر أبرادا أجرّ لخزية ... وألأم مكسوّا وألأم كاسيا
من الخزّ واللائي بحجر عليكم ... نشرن فكنّ المخزيات البواقيا
/ فقال يحيى يردّ عليه:
ألا قبح اللّه الفلاح ونسوة ... على البئر يعطشن الكلاب من النّتن
نكحنا بنات القرم قيس بن عاصم ... وعمدا رغبنا عن بنات بني حزن
/ أبا كان خيرا من أبيك أرومة ... وأوسط في سعد وأرجح في الوزن
لبيت بني حزن من الذّلّ وهنة ... كوهنة بيت العنكبوت التي تبني
ولم تر حزنيّا، ولو ضمّ أربعا ... وأبرز [1]، في فرج يعفّ ولا بطن
وضيف بني حزن يجوع وجارهم ... إذا أمن الجيران ناء من الأمن
يذكر خروج ابن المهلب:
أخبرنا يحيى بن عليّ قال أنشدني محمد بن إدريس ليحيى يذكر خروج يزيد بن المهلّب ويتأسّف على الحجّاج:
لا يصلح الناس إلّا السيف إذ فتنوا ... لهفي عليك ولا حجّاج للدين
لو كان حيّا غداة الأزد إذ نكثوا ... لم يحص قتلاهم حسّاب ديرين
لم تأته الأزد عند الباب تربصه ... مثل الجراد تنزّى في التّبابين [2]
من كلّ أفحج [3] ذي حنف مخالفة ... أرفت به السّفن علجا غير مجنون
قال أبو أحمد: وأنشدني ليحيى في سفيان بن عمرو وإلى اليمامة:
لقد عصاني ابن عمرو إذ نصحت له ... ولو أطعت [4] لما زلّت به القدم
لو كنت أنفخ في فحم لقد وقدت ... ناري ولكن رماد ماله حمم
بخل مروان بن أبي حفصة ونوادر له في ذلك:
وليحيى أشعار كثيرة؛ وإنما ذكرنا ها هنا منها ما ذكرنا لنعرف أعراق مروان في الشعر. وكان مروان أبخل الناس على يساره وكثرة ما أصابه من الخلفاء، لا سيّما من بني العبّاس، فإنه كان رسمهم أن يعطوه بكل بيت يمدحهم به ألف درهم.
__________
[1] أبرز: اتخذ الأبريز وهو الذهب الخالص يريد باتخاذ الإبريز كثرة المال.
[2] تربصه: تنتظره. والتبابين: جمع تبان، وهو سراويل صغير، فارسي معرب.
[3] الأفحج: ذو الفحج، يقال رجل أفحج وامرأة فحجاء. والفحج هو تداني صدور القدمين وتباعد العقبين. والحنف: اعوجاج الرجل إلى الداخل. وأرفت السفينة: دنت من الشط. وغير مجنون: غير مغطى، من جنه الشيء إذا ستره يريد علجا لا شك فيه.
[4] في الأصول: «اطقت» بالقاف وظاهر أنه مصحف عما أثبتناه.
أخبرنا أحمد بن عمّار وقال حدّثنا عليّ بن محمد النّوفليّ قال سمعت أبي يقول:
كان المهديّ يعطي مروان وسلما الخاسر عطيّة واحدة، وكان سلم يأتي باب المهديّ على البرذون قيمته عشرة آلاف درهم، والسّرج واللجام المقذوذين [1]؛ ولباسه الخزّ والوشي وما أشبه ذلك من الثياب الغالية الأثمان، ورائحة المسك والغالية والطّيب تفوح منه، ويجيء مروان وعليه فرو كبش، وقميص كرابيس [2] وعمامة كرابيس، وخفّا كبل [3] وكساء غليظ منتن الرائحة، وكان لا يأكل اللّحم بخلا حتى يقرم [4] إليه، فإذا قرم أرسل غلامه فاشترى له رأسا فأكله. فقيل له: نراك لا تأكل إلّا الرؤوس في الصّيف والشتاء، فلم تختار ذلك؟ قال:
نعم! الرأس أعرف سعره، ولا يستطيع الغلام أن يغبنني فيه، وليس بلحم يطبخه الغلام فيقدر أن يأكل منه، إن مسّ عينا أو أذنا أو خدّا وقفت عليه، فآكل منه ألوانا، آكل عينيه لونا، وأذنيه لونا، وغلصمته [5] لونا، وأكفى مؤنة طبخه، فقد اجتمعت لي فيه مرافق.
أخبرنا يحيى بن عليّ قال أخبرنا أبو الفضل أحمد بن أبي طاهر عن أبي العلاء المنقريّ قال حدّثني موسى بن يحيى قال:
أوصلنا إلى مروان بن أبي حفصة في وقت من الأوقات سبعين ألف درهم، وجمع إليها مالا حتى تمّت مائة وخمسين ألف درهم، وأودعها يزيد بن مزيد.
/ قال: فبينا نحن عند يحيى بن خالد إذ دخل يزيد بن مزيد، وكانت فيه دعابة، فقال: يا أبا عليّ أودعني مروان خمسين ومائة ألف درهم وهو يشتري الخبز من البقّال. قال فغضب يحيى ثم قال: عليّ/ بمروان، فأتي به. فقال له: أخبرني أبو خالد لما أودعته من المال وما تبتاعه من البقّال، واللّه لما يرى من أثر البخل عليك أضرّ من الفقر لو كان بك.
أخبرنا يحيى قال وحدّثني عمر بن شبّة عن أبي العلاء المنقريّ عن موسى بهذا الخبر، إلّا أنه قال: فقال له يحيى: يا مروان، واللّه لا بالبخل أسوأ عليك أثرا من الفقر لو صرت إليه، فلا تبخل.
أخبرنا يحيى قال حدّثني عمر بن شبّة قال:
بلغني أن مروان بن أبي حفصة قال ما فرحت بشيء قطّ فرحي بمائة ألف وهبها لي أمير المؤمنين المهديّ، فوزنتها فزادت درهما فاشتريت به لحما.
أخبرنا يحيى قال حكى أبو غسّان عن أبي عبيدة عن جهم بن خلف قال:
أتينا اليمامة فنزلنا على مروان بن أبي حفصة، فأطعمنا تمرا، وأرسل غلامه بفلس وسكرّجة [6] ليشتري له زيتا. فلما جاء بالزّيت قال لغلامه: خنتني! قال: من فلس كيف أخونك! قال: أخذت الفلس لنفسك واستوهبت الزيت.
__________
[1] المقذوذ: المزين المسوّى.
[2] الكرابيس: جمع كرباس وهو هنا الثوب الخشن.
[3] الكبل: الكثير الصوف من الفراء.
[4] كذا في أ، ح وقرم إلى اللحم اشتدت شهوته له. وفي «الأصول»: «يقدم» بالدال المهملة وهو تحريف.
[5] الغلصمة: اللحم بين الرأس والعنق، وقيل رأس الحلقوم بشواربه.
[6] السكرجة: الصحفة.
أخبرنا يحيى قال أخبرنا أصحاب التّوّزيّ عنه قال:
مرّ مروان بن أبي حفصة في بعض سفراته وهو يريد منى [1] بأمرأة من العرب فأضافته، فقال: للّه عليّ إن وهب لي الأمير مائة ألف أن أهب لك درهما، فأعطاه ستين ألف درهم، فأعطاها أربعة دوانق.
/ أخبرنا يحيى قال أخبرني أبي عن أبي دعامة قال:
اشترى مروان لحما بنصف درهم، فلما وضعه في القدر وكاد أن ينضج، دعاه صديق له، فردّه على القصّاب بنقصان دانق. فشكاه القصّاب وجعل ينادي: هذا لحم مروان، وظنّ أنه يأنف لذلك. فبلغ الرشيد ذلك فقال: ويلك! ما هذا! قال: أكره الإسراف.
قصة له مع أبي الشمقمق:
أخبرنا يحيى قال أخبرني أبي عن أبي دعامة قال:
أنشدت لرجل من بني بكر بن وائل في مروان:
وليس لمروان على العرس غيرة ... ولكنّ مروانا يغار على القدر
أخبرنا يحيى قال أخبرني أبو هفّان قال حدّثني يحيى بن الجون العبديّ قال:
فرّق المهديّ على الشعراء جوائز، فأعطى مروان ثلاثين ألفا. فجاءه أبو الشّمقمق فقال له: أجزني من الجائزة. فقال له: أنا وأنت نأخذ ولا نعطي. قال: فاسمع منّي بيتين. قال: هات. فقال أبو الشّمقمق:
لحية مروان تقي عنبرا ... خالط مسكا خالصا أذفرا [2]
فما يقيمان بها ساعة ... إلّا يعودان جميعا خرا
فأمر له بدرهمين. وأخبرني بهذا الخبر أحمد بن جعفر جحظة عن أبي هفّان فذكر مثل الخبر الماضي وزاد فيه. فأعطاه عشرة دراهم، فقال له خذ هذه ولا تكن رواية الصّبيان.
مدح الهادي فداعيه في المعجل والمؤجل ووصله:
أخبرني محمد بن مزيد بن أبي الأزهر قال حدّثنا الزبير بن بكّار قال حدّثني عمّي مصعب عن جدّي عبد اللّه بن مصعب قال.
/ دخل مروان بن أبي حفصة على موسى الهادي، فأنشده قوله فيه:
تشابه يوما بأسه ونواله ... فما أحد يدري لأيّهما الفضل
فقال له الهادي: أيّما أحبّ إليك: أثلاثون ألفا معجّلة أم مائة ألف تدوّن في الدّواوين؟ فقال له: يا أمير المؤمنين أنت تحسن ما هو خير من هذا ولكنّك نسيته، أفتأذن لي/ أن أذكّرك؟ قال نعم. قال: تعجّل لي الثلاثين ألفا وتدوّن المائة الألف [3] في الدّواوين. فضحك وقال: بل يعجّلان جميعا؛ فحمل المال إليه أجمع.
__________
[1] كذا في م. وفي ب، ح، س: «و هو يريد مغني امرأة». وفي أ: «و هو يريد مغني بامرأة» وكلاهما تحريف.
[2] الأذفر: الجيد من المسك.
[3] في الأصول المائة ألف.
مدح المهدي فلحنه اليزيدي فاعترض على سوء أدبه:
أخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن عمّار قال حدّثني محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدّثني سليمان بن جعفر قال حدّثني أحمد بن عبد الأعلى قال:
اجتمع مروان بن أبي حفصة وأبو محمد اليزيديّ عند المهديّ؛ فابتدأ مروان ينشد:
طرقتك زائرة فحيّ خيالها
فقال اليزيديّ: لحن واللّه وأنا أبو محمد. فقال له مروان: يا ضعيف الرأي أهذا لي يقال! ثم قال:
بيضاء تخلط بالجمال دلالها
فقال له [1] بعض من حضر: يا أمير المؤمنين أيتكنّى في مجلسك! (يعني اليزيديّ) فقال: اعذروا شيخنا، فإن له حرمة.
سأله الرشيد عن الوليد بن يزيد فأجابه:
أخبرنا أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثني إسحاق الموصليّ قال أخبرني مروان بن أبي حفصة قال قال لي الرشيد: هل دخلت على الوليد بن يزيد؟ فقلت: نعم دخلت مع عمومتي إليه.
قال: فأخبرني عنه. قال:/ فذهبت أتزحزح. فقال لي: إنّ أمير المؤمنين لا يكره ما تقول، فقل ما شئت.
فقلت: يا أمير المؤمنين، كان من أجمل الناس وأشدّهم وأشعرهم وأجودهم. دخلت عليه مع عمومتي ولي لمّة فينانة، فجعل يغمز القضيب فيها ويقول: ولدتك سكّر؟ - وهي أمّ ولد لمروان بن الحكم فوهبها [2] لجديّ أبي حفصة فولدت منه - فقلت له: نعم. قال لي الرشيد: فهل تحفظ من شعره شيئا؟ قلت: نعم، سمعته ينشد في خلافته وذكر هشاما وتحامله عليه وما كان يريد من نقض أمره وولايته:
ليت هشاما عاش حتى يرى ... مكتله [3] الأوفر قد أترعا
كلنا له الصاع التي كالها ... وما ظلمناه بها أصوعا
وما أتينا ذاك عن بدعة ... أحلّه الفرقان لي أجمعا
فقال الرشيد: يا غلام، الدواة والقرطاس، فأتي بهما، فأمر الأبيات فكتبت.
فضل خلف الأحمر شعرا له على شعر للأعشى:
أخبرنا أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ وحبيب بن نصر المهلّبيّ قالا حدّثنا عمر بن شبّه قال حدّثني خلّاد الأرقط قال:
جاءنا مروان بن أبي حفصة إلى حلقة يونس، فأخذ بيد خلف الأحمر فأقامه، وأخذ خلف بيدي فقمنا إلى دار أبي [4] عمير فجلسنا في الدهليز. فقال مروان لخلف: نشدتك اللّه يا أبا محرز إلّا نصحتني في شعري فإن
__________
[1] كذا في الأصول ولعلها من زيادات النساخ.
[2] كذا ب: الأصول ولعله «وهبها».
[3] المكتل: زبيل يعمل من الخوص يحمل فيه التمر وغيره يسع خمسة عشر صاعا.
[4] في ج: «ابني عمير».
الناس يخدعون في أشعارهم، وأنشده قوله:
طرقتك زائرة فحيّ خيالها ... بيضاء تخلط بالجمال دلالها
فقال له: أنت أشعر من الأعشى في قوله:
رحلت سميّة غدوة أجمالها
/ فقال له مروان: أتبلغ بي الأعشى هكذا! ولا كلّ ذا! قال: ويحك! إنّ الأعشى قال في قصيدته هذه:
فأصاب حبّة قلبها وطحالها
والطّحال ما دخل قطّ في شيء إلا أفسده، وأنت قصيدتك سليمة كلّها. فقال له مروان: إني إذا أردت أن أقول القصيدة رفعتها في حول، أقولها في أربعة أشهر، وأنتخلها [1] في أربعة أشهر، وأعرضها في أربعة أشهر.
عرض شعرا له على يونس فمدحه وفضله على شعر للأعشى:
وأخبرني بهذا الخبر هاشم بن محمد الخزاعيّ قال حدّثنا عيسى بن إسماعيل عن محمد بن سلّام قال أبو دلف هاشم بن محمد وحدّثني به الرّياشيّ عن الأصمعي قال:
جاء مروان بن أبي حفصة إلى حلقة يونس،/ فسلّم ثم قال لنا: أيّكم يونس؟ فأومأنا إليه. فقال له:
أصلحك اللّه! إني أرى قوما يقولون الشعر، لأن يكشف أحدهم سوءته ثم يمشي كذلك في الطريق أحسن له من أن يظهر مثل ذلك الشعر. وقد قلت شعرا أعرضه عليك، فإن كان جيّدا أظهرته، وإن كان رديئا سترته. فأنشده قوله:
طرقتك زائرة فحيّ خيالها
فقال له يونس: يا هذا اذهب فأظهر هذا الشعر فأنت واللّه فيه أشعر من الأعشى في قوله:
رحلت سميّة غدوة أجمالها
فقال له مروان: سررتني وسؤتني. فأمّا الذي سررتني به فارتضاؤك الشعر. وأمّا الذي ساءني فتقديمك إيّاي على الأعشى وأنت تعرف محلّه. فقال: إنما قدّمتك عليه في تلك القصيدة لا في شعره كلّه لأنه قال فيها:
فأصاب حبّة قلبها وطحالها
والطّحال لا يدخل في شيء إلّا أفسده، وقصيدتك سليمة من هذا وشبهه.
قال الأصمعي إنه مولد ولا علم له باللغة:
أخبرني هاشم بن محمد قال حدّثني العبّاس بن ميمون طائع قال:
سمعت الأصمعيّ ذكر مروان بن أبي حفصة فقال: كان مولّدا، لم يكن له علم باللغة.
أنشد شعر جماعة من الشعراء فقال عن كل واحد منهم إنه أشعر الناس:
أخبرني هاشم بن محمد قال حدّثني أحمد بن عبيد اللّه عن العتبيّ قال حدّثني بعض أصحابنا قال:
__________
[1] في الأصول: «أنتحلها» بالحاء المهملة وهو تصحيف.
أنشدنا مروان بن أبي حفصة يوما شعر زهير ثم قال: زهير واللّه أشعر الناس، ثم أنشد للأعشى فقال:
الأعشى أشعر الناس، ثم أنشد شعرا لامرىء القيس فقال: امرؤ القيس أشعر الناس، ثم قال: والناس واللّه أشعر الناس. أي إن أشعر الناس من أنشدت له فوجدته قد أجاد، حتى ينتقل إلى شعر غيره.
اشترى من أعرابي شعرا مدح به مروان بن محمد فمدح هو به معن بن زائدة فأكرمه:
أخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن عمّار قال حدّثني عليّ بن محمد النّوفليّ قال حدّثني أبي قال:
إجتاز مروان بن أبي حفصة برجل من باهلة من أهل اليمامة وهو ينشد قوما كان جالسا إليهم شعرا مدح به مروان بن محمد، وإن قتل قبل أن يلقاه وينشده إيّاه، أوّله:
مروان يابن محمد أنت الذي ... زيدت به شرفا بنو مروان
فأعجبته القصيدة، فأمهل الباهليّ حتى قام من مجلسه، ثم أتاه في منزله فقال له: إني سمعت قصيدتك وأعجبتني، ومروان قد مضى ومضى أهله وفاتك ما قد رمته [1] عنده؛ أتبيعني القصيدة حتى أنتحلها، فإنه خير لك من أن تبقى عليك وأنت فقير؟ قال نعم. قال: بكم؟ قال: بثلاثمائة درهم. قال: قد ابتعتها؛ فأعطاه الدراهم وحلّفه بالطلاق/ ثلاثا وبالأيمان المحرجة ألّا ينتحلها أبدا ولا ينسبها إلى نفسه ولا ينشدها، وانصرف بها إلى منزله، فغيّر منها أبياتا وزاد فيها، وجعلها في معن، وقال في ذلك البيت:
معن بن زائدة الذي زيدت به ... شرفا إلى شرف بنو شيبان
ووفد بها إلى معن بن زائدة فملأ يديه، وأقام عنده مدة حتى أثرى واتّسعت حاله. فكان معن أوّل من رفع ذكره ونوّه به. قال: وله فيه مدائح بعد ذلك شريفة ومراث حسنة.
نقل قصة فرار معن أن عبدا أسود طلقه تكرما بعد ما عرفه:
أخبرني حبيب بن نصر المهلّبيّ قال حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد قال حدّثني محمد بن نعيم البلخيّ أبو يونس قال حدّثني مروان بن أبي حفصة وكان لي صديقا قال:
كان المنصور قد طلب معن بن زائدة طلبا شديدا، وجعل فيه مالا؛ فحدّثني معن بن زائدة باليمن أنه اضطرّ لشدّة/ الطلب إلى أن أقام في الشمس حتى لوّحت وجهه، وخفّف عارضيه ولحيته، ولبس جبّة صوف غليظة، وركب جملا من الجمال النّقّالة ليمضي إلى البادية فيقيم بها، وكان قد أبلى في حرب [2] يزيد بن عمر بن هبيرة بلاء حسنا غاظ المنصور وجدّ في طلبه. قال معن: فلما خرجت من باب حرب [3] تبعني أسود متقلّدا سيفا، حتى إذا غبت عن الحرس قبض علي خطام جملي فأناخه وقبض عليّ؛ فقلت له: مالك؟ قال: أنت طلبة أمير المؤمنين. قلت: ومن أنا حتى يطلبني أمير المؤمنين! قال: معن بن زائدة. فقلت: يا هذا اتّق اللّه! وأين أنا من معن! قال: دع هذا عنك فأنا واللّه أعرف به منك. فقلت له: فإن كانت القصّة كما تقول/ فهذا جوهر حملته معي
__________
[1] في ج: «ما قدرته».
[2] هو يزيد بن عمر بن هبير. أبو خالد أحد رجالات بني أمية وفرسانهم وولاتهم، أبلى مع مروان بن محمد في الدعوة العباسية، قتله أبو جعفر المنصور سنة 132 ه (انظر الكلام عليه في الطبري ق 2 ص 1363، 1372، 1913 - 1916، ق 3 ص 61 - 73).
[3] موضع ببغداد ينسب إلى حرب بن عبد اللّه البلخي ويعرف بالراوندي أحد قوّاد أبي جعفر المنصور. (انظر «معجم البلدان» لياقوت في الكلام على الحربية).
يفي بأضعاف ما بذله المنصور لمن جاءه بي، فخذه ولا تسفك دمي. قال: هاته فأخرجته إليه؛ فنظر إليه ساعة وقال:
صدقت في قيمته، ولست قابله حتى أسألك عن شيء، فإن صدقتني أطلقتك. فقلت: قل. قال: إن الناس قد وصفوك بالجود، فأخبرني هل وهبت قطّ مالك كلّه؟ قلت لا. قال: فنصفه؟ قلت لا. قال: فثلثه؟ قلت لا.
حتى بلغ العشر فاستحييت فقلت: أظنّ أنّي قد فعلت هذا. فقال: ما أراك فعلته! أنا واللّه راجل، ورزقي من أبي جعفر عشرون درهما، وهذا الجوهر قيمته آلاف دنانير، وقد وهبته لك، ووهبتك لنفسك ولجودك المأثور عنك بين الناس، ولتعلم أن في الدنيا أجود منك، فلا تعجبك نفسك ولتحقر بعد هذا كلّ شيء تفعله، ولا تتوقّف عن مكرمة. ثم رمى بالعقد في حجري وخلّى خطام البعير وانصرف. فقلت: يا هذا قد واللّه فضحتني، ولسفك دمي أهون عليّ ممّا فعلت، فخذ ما دفعته إليك فإنّي غنيّ عنه. فضحك ثم قال: أردت أن تكذّبني في مقامي هذا، واللّه لا آخذه ولا آخذ بمعروف ثمنا أبدا، ومضى. فو اللّه لقد طلبته بعد أن أمنت وبذلت لمن جاءني به ما شاء فما عرفت له خبرا، وكأن الأرض ابتلعته.
سبب رضا المنصور عن معن بن زائدة:
قال: وكان سبب رضا المنصور عن معن أنه لم يزل مستترا حتى كان يوم الهاشميّة [1]، فلما وثب القوم على المنصور وكادوا يقتلونه، وثب معن وهو متلثّم فانتضى سيفه وقاتل فأبلى بلاء حسنا، وذبّ القوم عنه حتى نجا وهم يحاربونه بعد،/ ثم جاء والمنصور راكب على بغلة ولجامها بيد الرّبيع؛ فقال له: تنحّ فإنّي أحقّ باللّجام منك في هذا الوقت وأعظم فيه غناء. فقال له المنصور: صدق فادفعه إليه؛ فأخذه ولم يزل يقاتل حتى انكشفت تلك الحال. فقال له المنصور: من أنت للّه أبوك؟ قال: أنا طلبتك يا أمير المؤمنين معن بن زائدة.
قال: قد أمّنك اللّه على نفسك ومالك، ومثلك يصطنع. ثم أخذه معه وخلع عليه وحباه وزيّنه. ثم دعا به يوما وقال له: إنّي قد أمّلتك لأمر، فكيف تكون فيه؟ قال: كما يحبّ أمير المؤمنين - قال: قد ولّيتك اليمن، فابسط السيف فيهم حتى ينقض حلف ربيعة واليمن - قال: أبلغ من ذلك ما يحبّ أمير المؤمنين. فولّاه اليمن وتوجّه إليها فبسط السيف فيهم حتى أسرف.
عاتب المنصور معنا على أكرامه له فأجابه إنما أكرمه لمدحه هو:
قال مروان: وقدم معن بعقب ذلك فدخل على المنصور فقال له بعد كلام طويل: قد بلغ أمير المؤمنين عنك شيء لو لا مكانك عنده ورأيه فيك لغضب عليك. قل: وما ذاك يا أمير المؤمنين؟ فو اللّه ما تعرّضت لك منك، قال: إعطاؤك مروان بن أبي حفصة ألف دينار لقوله/ فيك:
معن بن زائدة الذي زيدت به ... شرفا إلى شرف بنو شيبان
إن عدّ أيام الفعال فإنّما ... يوماه يوم ندى ويوم طعان
فقال: واللّه يا أمير المؤمنين ما أعطيته ما بلغك لهذا الشعر، وإنما أعطيته لقوله:
ما زلت يوم الهاشميّة معلما ... بالسيف دون خليفة الرحمن
__________
[1] الهاشمية: مدينة بناها السفاح بالكوفة. وذلك أنه لما ولي الخلافة نزل بقصر ابن هبيرة واستتم بناءه وجعله مدينة وسماها الهاشمية.
فلما توفي دفن بها. واستخلف المنصور فنزلها واستتم بناء كان بقي فيها وزاد فيها ما أراد. وكانت فيها وقعة بين أبي جعفر المنصور والراوندية، وهم قوم يقولون بتناسخ الأرواح ويزعمون أن روح آدم حلت في أحد رجالات المنصور، وأن ربهم الذي يطعمهم ويسقيهم هو أبو جعفر المنصور وأن الهيثم بن معاوية جبريل. (راجع «معجم البلدان» لياقوت و «تاريخ الطبري» ق 3 ص 129، 131).
فمنعت حوزته وكنت وقاءه ... من وقع كلّ مهنّد وسنان
فاستحيا المنصور وقال: إنما أعطيته ما أعطيته لهذا القول؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين! واللّه لو لا مخافة النّقمة [1] عندك لأمكنته من مفاتيح بيوت الأموال وأبحته إيّاها، فقال له المنصور: للّه درّك من أعرابيّ! ما أهون عليك ما يعزّ على الرجال وأهل الحزم!
مدح المهدي فرده لمدحه معنا ثم مدحه العام المقبل فأجازه مائة ألف درهم:
أخبرني حبيب بن نصر قال حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد قال حدّثني عبد اللّه بن محمد بن موسى قال أخبرني محمد بن موسى بن حمزة قال أخبرني الفضل بن الرّبيع قال:
رأيت مروان بن أبي حفصة وقد دخل على المهديّ بعد وفاة معن بن زائدة في جماعة من الشعراء فيهم سلم الخاسر وغيره، فأنشده مديحا فيه، فقال له: ومن أنت؟ قال: شاعرك يا أمير المؤمنين وعبدك مروان بن أبي حفصة. فقال له المهديّ: ألست القائل:
أقمنا باليمامة بعد معن ... مقاما لا نريد به زوالا
وقلنا أين نرحل بعد معن ... وقد ذهب النّوال فلا نوالا
قد ذهب النّوال فيما زعمت، فلم جئت تطلب نوالنا؟ لا شيء لك عندنا، جرّوا برجله؛ فجرّوا برجله حتى أخرج. قال: فلما كان من العام المقبل تلطّف حتى دخل مع الشعراء - وإنما كانت الشعراء تدخل على الخلفاء في كلّ عام مرّة - فمثل بين يديه وأنشده بعد رابع أو بعد خامس من الشعراء:
طرقتك زائرة فحيّ خيالها ... بيضاء تخلط بالجمال [2] دلالها
قادت فؤادك فآستقاد ومثلها ... قاد القلوب إلى الصّبا فأمالها
قال: فأنصت الناس لها حتى بلغ إلى قوله:
هل تطمسون من السماء نجومها ... بأكفّكم أو تسترون هلالها
أو تجحدون مقالة عن ربّكم ... جبريل بلّغها النّبيّ فقالها
شهدت من الأنفال آخر آية [3] ... بتراثهم فأردتم إبطالها
/ قال: فرأيت المهديّ قد زحف من صدر مصلّاه حتى صار على البساط إعجابا بما سمع، ثم قال: كم هي؟ قال: مائة بيت. فأمر له بمائة ألف درهم. فكانت أوّل مائة ألف درهم أعطيها شاعر في أيام بني العبّاس.
مدح الرشيد فرده لمدحه معنا ثم مدحه بعد أيام فأجازه لكل بيت ألفا:
قال: ومضت الأيام وولي هارون الرشيد الخلافة، فدخل إليه مروان؛ فرأيته واقفا مع الشعراء ثم أنشده قصيدة امتدحه بها. فقال له: من أنت؟ قال: شاعرك وعبدك يا أمير المؤمنين مروان بن أبي حفصة. قال له:
__________
[1] في ج «الشنعة».
[2] في ج في هذا الموضع: «بالحياء».
[3] يريد قوله تعالى: وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْ ءٍ عَلِيمٌ
أ لست القائل في معن بن زائدة! وأنشده البيتين اللّذين أنشده إيّاهما المهديّ، ثم قال: خذوا بيده فأخرجوه، لا شيء لك عندنا، فأخرج. فلما كان بعد ذلك بأيام تلطّف حتى دخل؛ فأنشده قصيدته التي يقول فيها:
/لعمرك ما أنسى غداة المحصّب ... إشارة سلمى بالبنان المخضّب
وقد صدر الحجّاج إلّا أقلّهم ... مصادر شتى موكبا بعد موكب
قال: فأعجبته، فقال: كم قصيدتك من بيت؟ فقال: ستون أو سبعون. فأمر له بعدد أبياتها ألوفا. فكان ذلك رسم مروان عندهم حتى مات.
مدح المهدي في الرصافة فأجازه:
أخبرني عمّي قال حدّثني الفضل بن محمد اليزيديّ عن إسحاق قال:
دخل مروان بن أبي حفصة على المهديّ في أوّل سنة قدم عليه. قال: فدخلت عليه في قصره بالرّصافة فأنشدته قولي فيه:
أمرّو أحلى ما بلا الناس طعمه ... عذاب أمير المؤمنين ونائله
فإنّ طليق اللّه من أنت مطلق ... وإنّ قتيل اللّه من أنت قاتله
كأنّ أمير المؤمنين محمدا ... أبو جعفر في كلّ أمر يحاوله
قال: فأعجب بها، وأمر لي بمال عظيم؛ فكانت تلك الصلة أوّل صلة سنيّة وصلت إليّ في أيام بني هاشم.
مدح المهدي وذم عنده يعقوب بن داود فأجازه من خالص ماله:
أخبرني الحسن بن عليّ الخفّاف قال حدّثني محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدّثني محمد بن عبد اللّه العبديّ الراوية قال حدّثني حسين بن الضحّاك قال حدّثني مروان بن أبي حفصة قال:
دخلت على المهديّ في قصر [1] السلام، فلما سلّمت عليه، وذلك بعقب سخطه على يعقوب [2] بن داود، قلت [3]: يا أمير المؤمنين إنّ يعقوب رجل رافضيّ وإنه سمعني أقول في الوراثة:
أنّى يكون وليس ذاك بكائن ... لبني البنات وراثة الأعمام
فذلك الذي حمله على عداوتي. ثم أنشدته:
كأنّ أمير المؤمنين محمدا ... لرأفته بالناس للناس والد
على أنه من خالف الحقّ منهم ... سقته يد الموت الحتوف الرّواصد
ثم أنشدته:
__________
[1] كذا في الأصول. والذي في كتابي ما يعول عليه في «المضاف والمضاف إليه» و «معجم البلدان» لياقوت أن قصر السلام من أبنية الرشيد بن المهدي بالرقة. والذي بناه المهدي هو قصر السلامة وهو القصر الذي بناه بالآجر في عيساباذ الكبرى (انظر «تاريخ الطبري» ق 3 ص 502، 517).
[2] هو يعقوب بن داود السلمي، كان وزير للمهدي ثم غضب عليه وسجنه في المطبق وما زال به حتى أيام هارون الرشيد. وقد ذكره أبو الفرج في ترجمة بشار بن برد في «الأغاني» (ج 3 من هذه الطبعة).
[3] في الأصول: «فقلت».
أحيا أمير المؤمنين محمد ... سنن النبيّ حرامها وحلالها
قال فقال لي المهديّ: واللّه ما أعطيك إلا من صلب مالي فاعذرني، وأمر لي بثلاثين ألف درهم، وكساني جبّة ومطرفا، وفرض لي على أهل بيته ومواليه ثلاثين ألفا أخرى.
مدح مغنا فأعطاه عطايا سنية لم يستكثرها عليه ابن الأعرابي:
أخبرني عيسى بن الحسين الورّاق قال حدّثنا أحمد بن الحارث الخرّاز قال حدّثنا ابن الأعرابيّ أن مروان بن أبي حفصة أخبره أنه وفد على معن بن زائدة فأنشده قوله:
/بنو مطر يوم اللّقاء كأنّهم ... أسود لها في بطن خفّان [1] أشبل
هم يمنعون الجار حتّى كأنما ... لجارهم بين السّماكين منزل
لهاميم [2]، في الإسلام سادوا ولم يكن ... كأوّلهم في الجاهليّة أوّل
هم القوم إن قالوا أصابوا وإن دعوا ... أجابوا وإن أعطوا أطابوا وأجزلوا
ولا يستطيع الفاعلون فعالهم ... وإن أحسنوا في النائبات وأجملوا
قال: فأمر لي بصلة سنيّة وخلع عليّ وحملني وزوّدني. قال ثم قال لنا ابن الأعرابيّ: لو أعطاه كلّ ما يملك لما وفاه حقّه. قال: وكان ابن الأعرابيّ يختم به الشعراء، وما دوّن لأحد بعده/ شعرا.
سئل عن جرير والفرزدق أيهما أشعر فأجاب بشعر:
أخبرني حبيب بن نصر قال حدّثني عبد اللّه بن أبي سعد قال أخبرني أحمد بن موسى بن حمزة قال:
رأيت مروان بن أبي حفصة في أيام محمد بن زبيدة في دار الخلافة وهو شيخ كبير، فسألته عن جرير والفرزدق أيّهما أشعر، فقال لي: قد سئلت عنهما في أيام المهديّ وعن الأخطل قبل ذلك، فقلت فيهم قولا عقدته في شعر ليثبت. فسألته عنه فأنشدني:
ذهب الفرزدق بالهجاء وإنّما ... حلو القريض ومرّه لجرير
ولقد هجا فأمضّ أخطل تغلب ... وحوى النّهى ببيانه المشهور
كلّ الثلاثة قد أجاد فمدحه ... وهجاؤه قد سار كلّ مسير
ولقد جريت ففتّ غير مهلّل [3] ... بجراء لا قرف [4] ولا مبهور
إني لآنف أن أحبّر مدحة ... أبدا لغير خليفة ووزير
ما ضرّني حسد اللئام ولم يزل ... ذو الفضل يحسده ذوو التقصير
قال: فلم ير أن يقدّم على نفسه غيرها. وكتبت الأبيات عن فيه.
__________
[1] خفان كحسان: موضع كثير الغياض قرب الكوفة وهو مأسدة.
[2] اللهاميم: جمع لهميم وهو السابق الجواد.
[3] هلل الرجل: جبن وفرّ.
[4] القرف: الشديد الحمرة ولعله يعني به الهجين.
مدح معنا فسأله عن أمله فأعطاه إياه واستقله له:
أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال حدّثني أبو حاتم السّجستانيّ قال حدّثني العنسيّ قال:
لمّا قدم معن بن زائدة من اليمن، دخل عليه مروان بن أبي حفصة والمجلس غاصّ بأهله، فأخذ بعضادتي [1] الباب وأنشأ يقول:
وما أحجم الأعداء عنك بقيّة [2] ... عليك ولكن لم يروا فيك مطمعا
له راحتان الجود والحتف فيهما ... أبى اللّه إلا أن تضرّا وتنفعا
قال فقال له معن: احتكم، قال: عشرة آلاف درهم. فقال معن: ربحنا عليك تسعين ألفا. قال: أقلني.
قال: لا أقال اللّه من يقيلك.
رمى محرز معنا بالظلم فرد عليه بما أخجله:
أخبرني عمّي قال حدّثني عبد اللّه بن أبي سعد قال حدّثني أبي قال:
لما قدم معن بن زائدة من اليمن استقبله الناس، وتلقّاه مروان بن أبي حفصة، فأنشده قصيدة يهنّئه فيها بقدومه وبرأي المنصور فيه، وتلقّاه فيمن تلقّاه أبو القاسم [3] محرز فجعل يقول له: سفكت الدماء، وظلمت الناس، وتعدّيت طورك بذلك. فلما أكثر على معن التفت إليه ثم قال له: يا محرز أخبرني بأي خفّيك تضرب اليوم: أبا السّباعيّ أم بالثّمانيّ؟ قال: فانقطع وسكت خجلا.
ودخل معن على المنصور، فلما سلّم عليه وسأله قال له: يا معن، أعطيت ابن حفصة مائة ألف درهم عن قوله فيك:
معن بن زائدة الذي زيدت به ... شرفا إلى شرف بنو شيبان
فقال له: كلّا يا أمير المؤمنين بل أعطيته لقوله:
ما زلت يوم الهاشميّة معلما ... بالسيف دون خليفة الرحمن
فاستحيا المنصور من تهجينه إيّاه فتبسّم وقال: أحسنت يا معن في فعلك.
ترك يحيى بن منصور الشعر فلما سمع بكرم معن مدحه وقال مروان في ذلك شعرا:
أخبرني الحسن بن عليّ المصريّ قال حدّثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدّثني عليّ بن ثور قال حدّثني أبو العبّاس العدويّ قال:
لمّا ولي معن بن زائدة اليمن كان يحيى بن منصور الذّهليّ قد تنسّك وترك الشعر. فلما بلغته أفعال معن وفد إليه ومدحه، فقال مروان بن أبي حفصة:
__________
[1] عضادتا الباب. خشبتاه من جانبيه.
[2] البقية: الإبقاء.
[3] هو أبو القاسم محرز بن إبراهيم أحد قواد أبي مسلم الخراساني صاحب الدعوة العباسية. انظر الكلام عليه في الطبري (ق 3 ص 1955 - 1957).
لا تعدموا راحتي معن فإنّهما ... بالجود أفتنتا يحيى بن منصور
/ لما رأى راحتي معن تدفّقتا ... بنائل من عطاء غير منزور [1]
ألقى المسوح التي قد كان يلبسها ... وظلّ للشعر ذا رصف وتحبير
تزوجت امرأة من أهله في بني مطر فلم يرضهم وقال شعرا:
أخبرني محمد بن مزيد وعيسى بن الحسين قالا حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثني عبد الملك بن عبد العزيز قال:
ورد على مروان بن أبي حفصة كتاب وهو بالمدينة أن امرأة من أهله تزوّجت في قوم لم يرض صهرهم يقال لهم بنو مطر؛ فقال في ذلك لأخيها:
لو كنت أشبهت يحيى في مناكحه ... لما تنقّيت فحلا جدّه مطر
للّه درّ جياد كنت سائسها ... ضيّعتها وبها التّحجيل والغرر
نبّئت خولة قالت يوم أنكحها ... قد طالما كنت منك العار أنتظر
تهكم بالجنى الشاعر فهجاه ولم يعف عنه حتى حقره:
أخبرني الحسن بن عليّ الخفّاف قال حدّثنا الحسن بن عليّ المعروف بحدّان [2] عن محمد بن حفص بن عمرو بن الأيهم الحنفيّ قال:
مرّ مروان بن أبي حفصة برجل من تيم الّلات بن ثعلبة يعرف بالجنّيّ؛ فقال له مروان: زعموا أنك تقول الشعر. فقال له: إن شئت عرّفتك ذلك. فقال له مروان: ما أنت والشعر، ما أرى ذلك من طريقتك ولا مذهبك ولا تقوله! فقال الجنّيّ: اجلس واسمع فجلس؛ فقال الجنّي يهجوه:
/ثوى اللؤم في العجلان يوما وليلة ... وفي دار مروان ثوى آخر الدّهر
غدا اللؤم يبغي مطرحا لرحاله ... فنقّب في برّ البلاد وفي البحر
فلمّا أتى مروان خيّم عنده ... وقال رضينا بالمقام إلى الحشر
وليست لمروان على العرس غيرة ... ولكنّ مروانا يغار على القدر
فقال له مروان: ناشدتك اللّه إلّا كففت، فأنت أشعر الناس. فحلف الجنيّ بالطلاق ثلاثا أنه لا يكفّ حتى يصير إليه بنفر من رؤساء أهل اليمامة ثم يقول بحضرتهم: قاق في استي بيضة. فجلبهم إليه مروان وفعل ذلك بحضرتهم، وكان فيهم جدّي يحيى بن الأيهم، فانصرفوا وهم يضحكون من فعله.
عزى الهادي في المهدي ببيتين تناقلهما الناس:
أخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن عمّار قال حدّثني أبو عبد اللّه بن سليمان بن زيد الدّوسيّ قال حدّثني الفضل بن العبّاس بن سعيد بن سلم بن قتيبة الباهليّ قال حدّثنا محمد بن حرب بن قطن بن قبيصة بن مخارق الهلاليّ قال:
__________
[1] يقال: أعطاه عطاء غير منزور: إذا لم يلح عليه فيه بل أعطاه عفوا.
[2] سمي بحدان: وحدان بضم أوله وفتحه.
لمّا مات المهديّ وفدت العرب على موسى يهنّئونه بالخلافة ويعزّونه عن المهديّ؛ فدخل مروان بن أبي حفصة فأخذ بعضادتي الباب ثم قال:
لقد أصبحت تختال في كل بلدة ... بقبر أمير المؤمنين المقابر
ولو لم تسكّن بابنه في مكانه ... لما برحت تبكي عليه المنابر
قال فخرج الناس بالبيتين.
مدح عمرو بن مسعدة في مرضه:
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدّثني إبراهيم بن المدبّر قال:
مرض عمرو بن مسعدة، فدخل عليه مروان بن أبي حفصة وقد أبّل من مرضه فأنشأ يقول:
صحّ الجسم يا عمرو ... لك التّمحيص والأجر
/ وللّه علينا الحم ... د والمنّة والشكر
فقد كان شكا شوقا ... إليك النّهي والأمر
قال فنحا نحوه مسلم بن الوليد فقال:
قالوا أبو الفضل محموم فقلت لهم ... نفسي الفداء له من كل محذور
يا ليت علّته بي غير أن له ... أجر العليل وأنّي غير مأجور
رأي الغول في بعض سفراته ففزع:
أخبرني حبيب بن نصر المهلّبيّ قال حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد قال حدّثنا أبو حذيفة قال حدّثني رجل من بني سليم في مسجد الرّصافة قال أخبرني مروان بن أبي حفصة قال:
وفدت في ركب إلى الرشيد فصرنا في أرض موحشة قفر، وجنّ علينا الليل فسرنا لنقطعها، فلم نشعر إلّا بامرأة تسوق بنا إبلنا وتحدو في آثارنا، فإذا هي الغول. فلما لاح الفجر عدلت عنّا وأخذت عرضا [1] وجعلت تقول:
يا كوكب الصّبح إليك عنّي ... فلست من صبح وليس منّي
قال: فما أذكر أني فزعت من شيء قطّ فزعي ليلتئذ.
عارضه التغلبي في شعره في وراثة بني العباس:
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثني محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدّثني عليّ بن الحسن الكوفيّ قال حدّثني محمد بن يحيى بن أبي مرّة التّغلبيّ قال:
مررت بجعفر بن عفّان الطائيّ يوما وهو على باب منزله، فسلّمت عليه، فقال لي: مرحبا يا أخا تغلب، اجلس فجلست. فقال لي: أما تعجب من ابن أبي حفصة لعنه اللّه حيث يقول:
__________
[1] العرض: الناحية.
أنّى يكون وليس ذاك بكائن ... لبني البنات وراثة الأعمام
فقلت بلى واللّه إني لأتعجّب منه وأكثر اللّعن له، فهل قلت في ذلك شيئا؟ فقال: نعم قلت:
/لم لا يكون وإنّ ذاك لكائن ... لبني البنات وراثة الأعمام
للبنت نصف كامل من ماله ... والعمّ متروك بغير سهام
ما للطّليق وللتّراث وإنّما ... صلّى الطليق مخافة الصّمصام
لازمه صالح بن عطية الأضجم أياما ثم قتله:
أخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن عمّار قال حدّثني عليّ بن محمد بن سليمان النّوفليّ قال حدّثني صالح بن عطية الأضجم قال:
لما قال مروان:
أنى يكون وليس ذاك بكائن ... لبني البنات وراثة الأعمام
لزمته وعاهدت اللّه أن أغتاله فأقتله أيّ وقت أمكنني ذلك، وما زلت ألاطفه وأبرّه وأكتب أشعاره، حتى خصصت به، فأنس بي جدا، وعرفت ذلك بنو حفصة جميعا فأنسوا بي، ولم أزل أطلب له غرّة حتى مرض من حمّى أصابته، فلم أزل أظهر له الجزع عليه وألازمه وألاطفه، حتى خلا لي البيت يوما فوثبت عليه فأخذت بحلقه فما فارقته حتى مات، فخرجت وتركته، فخرج إليه أهله بعد ساعة فوجدوه ميتا، وارتفعت الصّيحة فحضرت وتباكيت وأظهرت الجزع عليه حتى دفن، وما فطن بما فعلت أحد ولا اتهمني به.
نشأته ونسب أمه شكلة:
ثم نعود إلى ذكر إبراهيم بن المهديّ وأمّه شكلة [1]. ويكنى أبا إسحاق. وشكلة أمّه مولّدة، كان/ أبوها من أصحاب المازيار، يقال له شاه أفرند، فقتل مع المازيار وسبيت بنته شكلة، فحملت إلى المنصور، فوهبها لمحيّاة أمّ ولده فربّتها وبعثت بها إلى الطائف فنشأت هناك وتفصّحت؛ فلما كبرت ردّت إليها. فرآها المهديّ/ عندها فأعجبته، فطلبها من محيّاة فأعطته أيّاها، فولدت منه إبراهيم. وكان رجلا عاقلا فهما ديّنا [2] أديبا شاعرا راوية للشعر وأيّام العرب خطيبا فصيحا حسن العارضة.
مدحه إسحاق الموصلي:
وكان إسحاق الموصليّ يقول: ما ولد العبّاس بن عبد المطّلب بعد عبد اللّه بن العباس: رجلا أفضل من إبراهيم بن المهديّ. فقيل له: مع ما تبذّل له من الغناء؟ فقال: وهل تمّ فضله إلا بذاك!. حدّثني بذلك محمد بن يزيد عن حمّاد عن أبيه.
كان ينسب ما يصنع لشاريه وريق جاريتيه:
وكان أشدّ خلق اللّه إعظاما للغناء، وأحرصهم عليه، وأشدّهم منافسة فيه. وكانت صنعته ليّنة، فكان إذا صنع شيئا
__________
[1] ضبط في «القاموس» بالقلم بفتح أوّله. وفي الطبري بفتح أوّله وكسره.
[2] هذه الكلمة ليس في ج.
نسبه إلى شارية وريّق، لئلا يقع عليه في طعن أو تقريع، فقلّت صنعته في أيدي الناس مع كثرتها لذلك. وكان إذا قيل له فيها شيء قال: إنما أصنع تطرّبا لا تكسّبا، وأغنّى لنفسي لا للناس فأعمل ما أشتهي.
كان ينازع إسحاق ويجادله وجرت بينهما مناظرات في الغناء:
وكان حسن صوته يستر عوار ذلك كلّه. وكان الناس يقولون لم ير في جاهليّة ولا إسلام أخ وأخت أحسن غناء من إبراهيم بن المهديّ وأخته عليّة. وكان يماظّ [1] إسحاق ويجادله، فلا يقوم له ولا يفي به، ولا يزال إسحاق يغلبه ويغصّه بريقه ويغصّ منه بما يظهر عليه من السّقطات ويبيّنه من خطئه في وقته [2] وعجزه عن معرفة الخطأ الغامض إذا مرّ به؛ وقصوره عن أداء الغناء القديم فيفضحه بذلك. وقد ذكرت قطعة من هذه الأخبار في أخبار إسحاق وأنا أذكرها هنا منها ما لم أذكر هناك.
وممّا خالف إبراهيم بن المهديّ ومن قال بقوله على إسحاق فيه: الثّقيلان وخفيفهما؛ فإنّه سمّى الثقيل الأوّل وخفيفه الثقيل الثاني وخفيفه، وسمّى الثقيل الثاني وخفيفه الثقيل الأوّل وخفيفه؛ وجرت بينهما في ذلك مناظرات ومجادلات ومراسلة ومكاتبة ومشافهة، وحضرهما النّاس، فلم يكن فيهم من يفي بفصل/ ما بينهما والحكم لأحدهما على صاحبه. ووضع لذلك [3] مكاييل لتعرف بها أقدار الطرائق، وأمسك كلّ واحد منهما إلى آخر أقداره، فلم يصحّ شيء يعمل عليه، إلّا أن قول إبراهيم بن المهديّ اضمحلّ وبطل وترك، وعمل الناس على مذهب إسحاق؛ لأنّه كان أعلم الرجلين وأشهرهما. وأوضح إسحاق أيضا لذلك وجوها فقال: إنّ الثقيل الأوّل يجيء منه قدران، الثّقيل الأوّل التّامّ، والقدر الأوسط من الثقيل الأوّل، وجميعا طريقته واحدة لاتّساعه والتمكّن منه، والثقيل الثاني لا يجيء هذا فيه ولا يقاربه. والثّقيل الأوّل يمكن الإدراج في ضربه لثقله، والثّقيل الثاني لا يندرج لنقصه عن ذلك. ولهما في هذا كلام كثير ومخاطبات قد ذكرتها في أخبارهما، وشرحت العلل مبسوطة في كتاب ألّفته في النّغم شرحا ليس هذا موضعه ولا يصلح فيه. وأمّا التّجزئة والقسمة فإنّهما أفنيا أعمارهما في تنازعهما فيهما، حتى كان يمضي لهما الزمان الطويل لا تنقطع مناظرتهما ومكاتبتهما في قسمة وتجزئة صوت واحد فيه، وحتى كانا يخرجان إلى كلّ قبيح، وحتى إنهما ماتا جميعا وبينهما منازعة في هذا الصوت/ وقسمته:
حيّيا أمّ يعمرا ... قبل شحط من النّوى
لم يفصل بينهما فيها إلى أن افترقا. ولو ذهبت إلى ذكر ذلك وشرح سائر أخبار إبراهيم بن المهديّ وقصصه لمّا ولي الخلافة وغير ذلك من وصفه بفصاحة اللسان، وحسن البيان، وجودة الشعر، ورواية العلم، والمعرفة بالجدل، وجزالة الرأي، والتصرّف في الفقه واللّغة، وسائر الآداب الشريفة، والعلوم النفيسة، والأدوات الرفيعة، لأطلت. وإنّما الغرض في هذا الكتاب الأغاني أو ما جرى مجراها، لا سيما لمن كثرت الروايات والحكايات عنه؛ فلذلك اقتصرت على ما ذكرته من أخباره دون ما يستحقّه من التفضيل والتّبجيل والثناء الجميل.
__________
[1] يماظ: ينازع.
[2] في الأصول: «وقت».
[3] لعله: ووضع كلاهما أو كل منهما أو نحو ذلك.
كلمة لإبراهيم بن المهدي عن نفسه في صنعة الغناء:
أخبرني عمّي رحمه اللّه قال حدّثني عليّ بن محمد بن بكر عن جدّه حمدون بن إسماعيل قال قال لي إبراهيم بن المهديّ:
لو لا أنّي أرفع نفسي عن هذه الصناعة لأظهرت فيها ما يعلم الناس معه أنهم لم يروا قبلي مثلي.
غنى الرشيد وعنده ابن جامع وإبراهيم الموصلي فأطرياه:
أخبرني عمّي قال حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد قال حدّثنى أحمد بن القاسم بن جعفر بن سليمان الهاشميّ قال حدّثني أحمد بن إبراهيم بن المهديّ عن أبيه قال:
دخلت يوما إلى الرشيد وفي رأسي فضلة خمار، وبين يديه ابن جامع وإبراهيم الموصليّ. فقال: بحياتي يا إبراهيم غنّني. فأخذت العود ولم ألتفت إليهما لما في رأسي من الفضلة فغنّيت:
أسرى بخالدة [1] الخيال ولا أرى ... شيئا ألذّ من الخيال الطّارق
فسمعت إبراهيم يقول لآبن جامع: لو طلب هذا بهذا الغناء ما نطلب لما أكلنا خبزا أبدا. فقال ابن جامع:
صدقت. فلمّا فرغت من غنائي وضعت العود ثم قلت: خذا في حقّكما ودعا باطلنا.
نسبة هذا الصوت
صوت
أسرى بخالدة [1] الخيال ولا أرى ... شيئا ألذّ من الخيال الطارق
إنّ البليّة من تملّ [2] حديثه ... فانقع فؤادك من حديث الوامق
أهواك فوق هوى النفوس ولم يزل ... مذ بنت قلبي كالجناح الخافق
/ طربا إليك ولم تبالي حاجتي ... ليس المكاذب كالخيل الصّادق [3]
الشعر لجرير. والغناء لابن عائشة رمل بالوسطى عن عمرو.
غنى الرشيد وعنده سليمان بن أبي جعفر وجعفر بن يحيى:
أخبرني جحظة قال أخبرني هبة اللّه بن إبراهيم المهديّ قال حدّثني أبي، وحدّثني الصوليّ قال حدّثني عون بن محمد قال حدّثني هبة اللّه - ولم يذكر عن أبيه - قال:
كان الرشيد يحبّ أن يسمع أبي. وقال جحظة عن هبة اللّه عن إبراهيم قال: كان الرشيد يحب أن يسمعني، فخلا بي مرّات إلى أن سمعني. ثم حضرته مرّة وعنده سليمان بن أبي جعفر؛ فقال لي: عمّك وسيّد ولد
__________
[1] رواية «الديوان»: «أسرى لخالدة إلخ».
[2] في «ديوان جرير»: «يمل» بالبناء المجهول.
[3] في الأصول:
شوقا إليك ولم تجاز مودتي ... ليس المكذب بالحبيب الصادق
والتصويب عن «الديوان».
المنصور بعد أبيك وقد أحبّ أن يسمعك؛ فلم يتركني حتى غنّيت بين يديه:
إذ أنت فينا لمن ينهاك عاصية ... وإذ أجرّ إليكم سادرا رسني
/ فأمر لي بألف ألف درهم، ثم قال لي ليلة ولم يبق في المجلس إلّا جعفر بن يحيى: أنا أحبّ أن تشرّف جعفرا بأن تغنّيه صوتا. فغنّيته لحنا صنعته في شعر الدّارميّ:
كأنّ صورتها في الوصف إذ وصفت ... دينار عين من المصريّة العتق
نسبة هذين الصوتين، منهما [1]
صوت
سقيا لربعك من ربع بذي سلم ... وللزمان به إذ ذاك من زمن
إذ أنت فينا لمن ينهاك عاصية ... وإذ أجرّ إليكم سادرا رسني
الشعر للأحوص. والغناء لآبن سريج ثقيل أوّل بالوسطى عن عمرو.
/ أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثني أحمد بن زهير عن مصعب قال: أنشد منشد وابن أبي عبيدة عندنا قول الأحوص:
إذ أنت فينا لمن ينهاك عاصية ... وإذ أجرّ إليكم سادرا رسني
فوثب قائما وألقى طرف ردائه وجعل يخطو إلى طرف المجلس ويجرّه. ثم فعل ذلك حتى عاد إلينا. فقلنا له: ما حملك على ما صنعت؟ فقال: إنّي سمعت هذا الشعر مرّة فأطربني، فجعلت على نفسي ألّا أسمعه أبدا إلّا جررت رسني.
والآخر من الصوتين:
صوت
كأنّ صورتها في الوصف إذ وصفت ... دينار عين من المصريّة العتق
أو درّة أعيت الغوّاص في صدف ... أو ذهب صاغه الصّوّاغ في ورق
الشعر للدّارميّ. والغناء لمرزوق الصّوّاف رمل بالبنصر عن ابن المكيّ. وذكر عمرو أن هذا اللّحن للدّارميّ أيضا. وذكر الهشاميّ أنه لابن سريج. وفي هذا الخبر أنه لإبراهيم بن المهديّ. وفيه خفيف رمل يقال إنه لحن مرزوق الصّوّاف، ويقال إنه لمتيّم ثاني ثقيل عن الهشاميّ وابن المعتزّ.
غنى صوتا على أربع طبقات:
أخبرني يحيى بن المنجّم قال ذكر لي عبيد اللّه بن عبد اللّه بن طاهر عن إسحاق بن عمر بن بزيع قال:
كنت أضرب على إبراهيم بن المهديّ صوتا [2] ذكره فغنّاه على أربع طبقات. على الطبقة التي كان العود
__________
[1] لعله: «الأول منهما إلخ».
[2] كذا في أ، م وفي سائر الأصول: «ضربا».
عليها، وعلى ضعفها، وعلى إسجاحها، وعلى إسجاح الإسجاح. قال أبو أحمد قال عبيد اللّه: وهذا شيء ما حكي لنا عن أحد غير إبراهيم،/ وقد تعاطاه بعض الحذّاق بهذا الشأن، فوجده صعبا متعذّرا لا يبلغ إلّا بالصوت القويّ وأشدّ ما في إسجاح الإسجاح؛ لأن الضّعف لا يبلغ إلّا بصوت قويّ مائل إلى الدقة، ولا يكاد ما اتّسع مخرجه يبلغ ذلك. فإذا دق حتى يبلغ الإضعاف لم يقدر على الإسجاح فضلا عن إسجاح الإسجاح. فإذا غلظ حتى يتمكّن من هذين لم يقدر على الضّعف.
غنى صوتا لمعبد:
أخبرني عمّي قال حدّثني ابن أبي سعد قال حدّثني أحمد بن القاسم بن جعفر بن سليمان الهاشميّ قال حدّثني محمد بن سليمان بن موسى الهادي قال:
دعاني إبراهيم بن المهديّ يوما فصرت/ إليه، وغنّى صوتا لمعبد:
أ في الحقّ هذا أنّني بك مولع ... وأنّ فؤادي نحوك الدّهر نازع
فقال لي: لمن هذا الغناء؟ فقلت: يا سيّدي يقولون إنه لمعبد، ولا غنّى واللّه معبد كذا قطّ، ولا سمعت أحدا يقول كذا، لا واللّه ما في الدنيا كذا. قال: فضحك ثم قال: واللّه يا بنيّ ما قمت بنصف ما كان يقوم به معبد.
نسبة هذا الصوت
أمّا اللّحن فمن الثقيل الثاني، وقد ذكر في هذا الخبر أنه لمعبد، وما وجدته في شيء من الكتب له. وذكر الهشاميّ أنه لأبن المكيّ.
عاب مخارقا عند المأمون:
أخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن محمد بن عمّار قال حدّثني يعقوب بن نعيم قال حدّثني إسحاق بن محمد قال حدّثني عيسى بن محمد القحطبيّ قال حدّثني محمد بن الحارث بن بسخنّر قال:
لمّا قدم المأمون من خراسان لم يظهر لمغنّ بالمدينة مدينة السلام غيري، فكنت أنادمه سرّا، ولم يظهر للنّدماء أربع سنين، حتى ظفر بإبراهيم بن المهديّ./ فلمّا ظفر به وعفا عنه ظهر للندماء ثم جمعنا؛ ووجّه إلى إبراهيم فحضر في ثياب مبتذلة. لمّا رآه المأمون قال: ألقى عمّي رداء الكبر عن منكبيه، ثم أمر له بخلع فاخرة وقال: يا فتح [1] غدّ عمّي؛ فتغدّى إبراهيم بحيث يراه المأمون ثم تحوّل إلينا، وكان مخارق حاضرا، فغنّى مخارق:
هذا وربّ مسوّفين [2] صبحتهم ... من خمر بابل لذّة للشارب
فقال له إبراهيم: أسأت فأعد؛ فأعاده، فقال: قاربت ولم تصب. فقال له المأمون: إن كان أساء فأحسن أنت. فغنّاه إبراهيم ثم قال لمخارق: أعده فأعاده، فقال: أحسنت. فقال للمأمون: كم بين الأمرين؟ فقال:
__________
[1] هو فتح خادم المأمون. انظر الطبري (ق 3 ص 1041).
[2] المسوفون: الصبر؛ يقال: إن فلانا لمسوّف (بالبناء للفاعل) إذا كان صبورا. (راجع «لسان العرب» في مادة سوف).
كثير. فقال لمخارق: إنما مثلك كمثل الثّوب الفاخر إذا غفل عنه أهله وقع عليه الغبار فأحال لونه، فإذا نفض عاد إلى جوهره. ثم غنّى إبراهيم:
يا صاح يا ذا الضّامر العنس ... والرّحل ذي الأقتاد والحلس [1]
أمّا النّهار فما تقصّره ... رتكا [2] يزيدك كلّما تمسي
ضنّ على مخارق بصوت:
قال: وكانت لي جائزة قد خرجت، فقلت: يا أمير المؤمنين، تأمر سيّدي بإلقاء هذا الصّوت عليّ مكان جائزتي فهو أحبّ إليّ منها. فقال: يا عمّ ألق هذا الصّوت على مخارق، فألقاه عليّ، حتى إذا كدت أن آخذه قال: اذهب فأنت أحذق الناس به. فقلت: إنه لم يصلح لي بعد. قال: فاغد عليّ. فغدوت عليه فغنّاه متلوّيا؛ فقلت: أيها الأمير، لك في الخلافة ما ليس لأحد، أنت ابن الخليفة وأخو الخليفة وعمّ الخليفة،/ تجود بالرّغائب وتبخل عليّ بصوت! فقال: ما أحمقك! إن المأمون لم يستبقني محبّة فيّ ولا صلة لرحمي ولا رباء للمعروف عندي، ولكنه سمع من هذا الجرم [3] ما لم يسمع من غيره. قال: فأعلمت المأمون مقالته؛ فقال: إنّا لا نكدّر على أبي إسحاق عفونا عنه، فدعه. فلما كانت أيّام المعتصم نشط للصّبوح يوما فقال: أحضروا عمّي.
فجاء في درّاعة من غير طيلسان. فأعلمت المعتصم خبر الصّوت سرّا. فقال: يا عمّ غنّني:
يا صاح يا ذا الضّامر العنس
فغنّاه؛ فقال: ألقه على مخارق. فقال: قد فعلت، وقد سبق منّي/ قول ألّا أعيده عليه. ثم كان يتجنّب أن يغنّيه حيث أحضره.
نسبة ما في هذا الخبر من الغناء
صوت
هذا وربّ مسوّفين صبحتهم ... من خمر بابل لذّة للشارب
بكروا عليّ بسحرة فصبحتهم ... بإناء ذي كرم كقعب الحالب
بزجاجة ملء اليدين كأنّها ... قنديل فصح [4] في كنيسة راهب
الشعر لعديّ بن زيد. والغناء لحنين خفيف ثقيل أوّل بالسبّابة في مجرى البنصر عن إسحاق.
صوت
يا صاح يا ذا الضّامر العنس ... والرّحل ذي الأقتاد والحلس
__________
[1] يقال جمل ضامر، وناقة ضامر (بغير هاء) وضامرة. والعنس: الناقة الصلبة القوية. والحلس: كل شيء ولي ظهر البعير والدابة تحت الرحل والقتب والسرج.
[2] الرتك: سير للإبل سريع.
[3] الجرم هنا: الحلق أو الصوت.
[4] الفصح (بالكسر): عيد للنصارى.
أمّا النّهار فما تقصّره ... رتكا يزيدك كلّما تمسي
الشعر لخالد بن المهاجر بن خالد بن الوليد.
طلبت إليه أخته أسماء سماع غنائه:
وذكر أحمد بن أبي طاهر عن أثير مولاة منصور بن المهديّ عن ذؤابة مولاته أيضا قالت قالت لي أسماء بنت المهديّ:
قلت لأخي إبراهيم: يا أخي أشتهي واللّه أن أسمع من غنائك شيئا. فقال: إذا واللّه يا أختي لا تسمعين مثله، عليّ وعليّ، وغلّظ في اليمين، إن لم يكن إبليس ظهر لي وعلّمني النّقر والنّغم وصافحني وقال لي: اذهب فأنت منّي وأنا منك.
غضب عليه الأمين ثم رضي عنه:
أخبرني عمّي قال حدّثني عبد اللّه بن أبي سعد قال حدّثني هبة اللّه بن إبراهيم بن المهديّ عن أبيه قال:
غضب عليّ محمد الأمين في بعض هناته، فسلّمني إلى كوثر [1]، فحبسني في سرداب وأغلقه عليّ فمكثت فيه ليلتي. فلما أصبحت إذا أنا بشيخ قد خرج عليّ من زاوية السّرداب، ودفع إليّ وسطا [2] وقال: كل فأكلت، ثم أخرج قنّينة شراب فقال: اشرب فشربت، ثم قال لي: غنّ:
لي مدّة لا بدّ أبلغها ... معلومة فإذا انقضت متّ
لو ساورتني الأسد ضارية ... لغلبتها ما لم يج الوقت
فغنّيته. وسمعني كوثر فصار إلى محمد وقال: قد جنّ عمّك وهو جالس يغنّي بكيت وكيت. فأمر بإحضاري فأحضرت وأخبرته بالقصّة، فأمر لي بسبعمائة ألف درهم ورضي عنّي.
طارح أخته علية فأطربا المأمون وأحمد بن الرشيد:
أخبرني عمّي قال حدّثني ابن أبي سعد قال سمعت ينشو يحدّث عن أبي أحمد بن الرشيد قال:
كنت يوما بحضرة المأمون وهو يشرب، فدعا بياسر وأدخله فسارّه [3] بشيء ومضى وعاد. فقام المأمون وقال لي: قم، فدخل دار الحرم ودخلت معه، فسمعت غناء/ أذهل عقلي ولم أقدر أن أتقدّم ولا أتأخّر. وفطن المأمون لما بي فضحك ثم قال: هذه عمتّك عليّة تطارح عمّك إبراهيم:
ما لي أرى الأبصار بي جافيه
نسبة هذا الصوت
ما لي أرى الأبصار بي جافيه ... لم تلتفت منّي إلى ناحيه
__________
[1] هو كوثر خادم محمد الأمين. (انظر فقرا عليه في الطبري ق 3 ص 899، 928، 939، 956، 965).
[2] كذا في الأصول وظاهر أنه يريد نوعا من الطعام.
[3] في الأصول: «فسره».
/
لا ينظر الناس إلى المبتلى ... وإنما الناس مع العافيه
وقد جفاني ظالما سيّدي ... فأدمعي منهلّة هاميه [1]
صحبي سلوا ربّكم العافيه ... فقد دهتني بعدكم داهيه
الشعر والغناء لعليّة بنت المهديّ خفيف رمل. وأخبرني ذكاء وجه الرّزّة أن لعريب فيه خفيف رمل آخر مزمورا، وأنّ لحن عليّة مطلق.
كتب إليه إسحاق بجنس صوت فغناه من غير أن يسمعه:
أخبرني يحيى بن عليّ بن يحيى قال حدّثني أبي عن إبراهيم عن عليّ بن هشام أنّ إسحاق كتب إلى إبراهيم بن المهديّ بجنس صوت صنعه وإصبعه ومجراه وإجراء لحنه؛ فغنّاه إبراهيم من غير أن يسمعه فأدّى ما صنعه. والصوت:
حييّا أمّ يعمرا ... قبل شحط من النّوى
قلت لا تعجلوا الرّوا ... ح فقالوا ألا بلى
أجمع الحيّ رحلة ... ففؤادي كذي الأسى
نسبة هذا الصوت
الشّعر لعمر بن أبي ربيعة. والغناء لابن سريج، ولحنه من القدر الأوسط من الثقيل الأوّل مطلق في مجرى الوسطى. وذكر عمرو بن بانة أنه لمالك. وفيه للهذليّ خفيف ثقيل أوّل بالبنصر عن ابن المكيّ، وزعم الهشاميّ أنه لحن مالك. وفيه/ لحنان من الثقيل الثاني أحدهما لإسحاق وهو الذي كتب به إسحاق إلى إبراهيم بن المهدي.
والآخر زعم الهشامي أنه لإبراهيم، وزعم عبد اللّه بن موسى بن محمد بن إبراهيم الإمام أنّه لابن محرز.
أخبرني عمّي قال حدّثني الحسين بن يحيى أبو الجمان: أنّ إسحاق بن إبراهيم لمّا صنع صوته:
قل لمن صدّ عاتبا
اتّصل خبره بإبراهيم بن المهديّ فكتب يسأله عنه؛ فكتب إليه بشعره وإيقاعه وبسيطه ومجراه وإصبعه وتجزئته وأقسامه ومخارج نغمه ومواضع مقاطعه ومقادير أدواره وأوزانه، فغنّاه. قال: ثم لقيني فغنّانيه، ففضلني فيه بحسن صوته.
نسبة هذا الصوت
قل لمن صدّ عاتبا ... ونأى عنك جانبا
قد بلغت الذي أرد ... ت وإن كنت لاعبا
الشعر والغناء في هذا اللحن لإسحاق، ثاني ثقيل بالبنصر في مجراها. وفيه لغيره ألحان.
__________
[1] في، ب، س، ج: «واهبة».
سمعه أحمد بن أبي داود فذهل عن نفسه ورجع عن إنكاره الغناء:
أخبرني ابن عمّار قال حدّثني يعقوب بن نعيم قال حدّثني إسحاق بن محمد عن أبيه قال:
سمعت أحمد بن أبي دواد يقول: كنت أعيب الغناء وأطعن على أهله، فخرج المعتصم يوما إلى الشّمّاسيّة في حرّاقة يشرب، ووجّه في طلبي فصرت إليه؛ فلما قربت منه سمعت غناء حيّرني وشغلني عن كلّ شيء، فسقط سوطي من يدي؛ فالتفتّ إلى زنقطة غلامي أطلب منه سوطه، فقال لي: قد واللّه سقط سوطي. فقلت له:
فأيّ شيء كان سبب سقوطه؟ قال: صوت سمعته شغلني عن كلّ شيء فسقط سوطي من يدي؛ فإذا قصّته قصّتي. قال: وكنت أنكر/ أمر الطّرب على/ الغناء وما يستفزّ الناس منه ويغلب على عقولهم، وأناظر المعتصم فيه. فلما دخلت عليه يومئذ أخبرته بالخبر؛ فضحك وقال: هذا عمّي كان يغنّيني:
إنّ هذا الطويل من آل حفص ... نشر المجد بعد ما كان ماتا
فإن تبت ممّا كنت تناظرنا عليه في ذمّ الغناء سألته أن يعيده. ففعلت وفعل، وبلغ بي الطّرب أكثر ممّا يبلغني عن غيري فأنكره؛ ورجعت عن رأيي منذ ذلك اليوم. وقد أخبرني بهذا الخبر أبو الحسن عليّ بن هارون بن عليّ بن يحيى المنجّم عن أبيه عن عبيد اللّه بن عبد اللّه بن طاهر فذكر هذه القصّة أو قريبا منها لزيادة اللّفظ ونقصانه، وذكر أنّ الصوت الذي غنّاه إبراهيم:
طرقتك زائرة فحيّ خيالها ... بيضاء تخلط بالحياء دلالها
هل تطمسون من السماء نجومها ... بأكفّكم أو تسترون هلالها
اتخذ لنفسه حراقة بحذاء داره:
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثني الحسن بن عليل قال:
سمعت هبة اللّه بن إبراهيم بن المهديّ يقول: اتّخذ أبي حرّاقة فأمر بشدّها في الجانب الغربيّ بحذاء داره، فمضيت إليها ليله فكان أبي يخاطبنا من داره بأمره ونهيه، فنسمعه وبيننا عرض دجلة وما أجهد نفسه.
ثناء ابن أبي ظبية عليه:
أخبرني عمي قال سمعت عبد اللّه بن مسلم بن قتيبة يقول حدّثني ابن أبي ظبية قال: كنت أسمع إبراهيم بن المهديّ يتنحنح فأطرب.
غنى وعنده عدّة من المغنين وغنّى بعده مخارق فأعاد هو فأطرب:
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا محمد القاسم بن مهرويه قال حدّثني عبد اللّه بن أبي سعد قال حدّثني القطراني المغنّي عن محمد بن جبر عن عبد اللّه بن العباس الرّبيعيّ قال:
/ كنّا عند إبراهيم بن المهديّ ذات يوم وقد دعا كلّ مطرب محسن من المغنّين يومئذ وهو جالس يلاعب أحدهم بالشّطرنج. فترنّم [1] بصوت فريدة:
__________
[1] كذا في ج. وفي أ: «فترتم بعضهم». وفي سائر الأصول: «فترنم أحدهم» وكلاهما تحريف. وفي «نهاية الأرب» (ج 4 ص 228.
طبع دار الكتب المصرية): «فترنم إبراهيم».
قال لي أحمد ولم يدر ما بي ... أتحبّ الغداة عتبة حقّا
وهو متّكى ء. فلما فرغ منه ترنّم به مخارق فأحسن فيه وأطربنا وزاد على إبراهيم، فأعاده إبراهيم وزاد في صوته فعفّى على غناء مخارق. فلما فرغ ردّه مخارق وغنّى فيه بصوته كلّه وتحفّظ فيه، فكدنا نطير سرورا.
واستوى إبراهيم جالسا وكان متّكئا فغنّاه بصوته كلّه ووفّاه نغمه وشذوره، ونظرت إلى كتفيه تهتزّان وبدنه أجمع يتحرّك حتى فرغ منه، ومخارق شاخص نحوه يرعد وقد انتقع لونه وأصابعه تختلج؛ فخيّل لي واللّه أنّ الإيوان يسير بنا. فلمّا فرغ منه تقدّم إليه مخارق فقبّل يده وقال: جعلني اللّه فداك أين أنا منك! ثم لم ينتفع مخارق بنفسه بقيّة يومه في غنائه، واللّه لكأنما كان يتحدث.
نسبة هذا الصوت
قال لي أحمد ولم يدر ما بي ... أتحبّ الغداة عتبة حقّا
فتنفّست ثم قلت نعم حبّ ... ا جرى في العروق عرقا فعرقا
ما لدمعي عدمته ليس يرقا [1] ... إنما يستهلّ غسقا فغسقا [2]
طربا نحو ظبية تركت قلبي من الوجد قرحة ما تفقّا [3] /الشعر لأبي العتاهية. والغناء لفريدة خفيف رمل بالوسطى. وفيه لإبراهيم بن المهديّ خفيف رمل آخر.
ولفريدة أيضا لحن من الثقيل الثاني في أبيات من هذه القصيدة وهي:
قد لعمري ملّ الطبيب وملّ ال ... أهل منّي مما أداوى وأرقى
ليتني متّ فاسترحت فإنّي ... أبدا ما حييت منها ملقّى [4]
غنى الأمين فأطربه:
أخبرني عمّي قال حدّثني عبد اللّه بن أبي سعد قال حدّثني هبة اللّه بن إبراهيم بن المهديّ قال حدّثني عمّي منصور بن المهديّ:
أنه كان عند أبي في يوم كانت عليه فيه نوبة لمحمد الأمين، فتشاغل أبي بالشّرب في بيته ولم يمض، وأرسل إليه عدّة رسل فتأخّر. قال منصور: فلما كان من غد قال: ينبغي أن تعمل على الرّواح إليّ لنمضي إلى أمير المؤمنين فنترضّاه؛ فما أشكّ في غضبه عليّ. ففعلت ومضينا. فسألنا عن خبره فأعلمنا أنه مشرف على حير [5] الوحش وهو مخمور، وكان من عادته ألّا يشرب إذا لحقه الخمار. فدخلنا؛ وكان طريقنا على حجرة تصنع فيها الملاهي. فقال لي أخي: اذهب فاختر منها عودا ترضاه، وأصلحه غاية الإصلاح حتى لا تحتاج إلى
__________
[1] يرقا: يجف وينقطع، وأصله الهمز.
[2] الغسق: الانصباب؛ يقال: غسقت العين تغسق (من باب ضرب) غسقا وغسقانا إذا دمعت.
[3] تفقا: تنفلق وتنشق، وأصله الهمز.
[4] الملقى: الممتحن الذي لا يزال يلقاه مكروه إثر مكروه.
[5] الحير: الحظيرة والبستان.
تغييره البتّة عند الضّرب؛ ففعلت وجعلته في كمّي. ودخلنا على الأمين وظهره إلينا. فلما بصرنا به من بعيد قال:
أخرج عودك فأخرجته، واندفع يغنيّ:
وكأس شربت على لذّة ... وأخرى تداويت منها بها
لكي يعلم الناس أنّي امرؤ ... أتيت الفتوّة من بابها
/ وشاهدنا الجلّ [1] والياسم ... ين والمسمعات بقصّابها
وبربطنا [2] دائم معمل ... فأيّ الثلاثة أزرى بها
فاستوى الأمين جالسا وطرب طربا شديدا وقال: أحسنت واللّه يا عمّ وأحييت لي طربا، ودعا برطل فشربه على الرّيق وامتدّ في شربه. قال منصور: وغنّى إبراهيم يومئذ على أشدّ طبقة يتناهى إليها في العود، وما سمعت مثل غنائه يومئذ قطّ. ولقد رأيت منه شيئا عجيبا لو حدّثت به ما صدّقت، كان إذا ابتدأ يغنّي أصغت الوحش إليه ومدّت أعناقها، ولم تزل تدنو منّا حتى تكاد أن تضع رؤوسها على الدّكّان الذي كنّا عليه، فإذا سكت نفرت وبعدت منّا حتى تنتهي إلى أبعد غاية يمكنها التّباعد فيها عنّا، وجعل الأمين يعجب من ذلك، وانصرفنا من الجوائز بما لم ننصرف بمثله قطّ.
كتب له إسحاق بصوت صنعه فغناه وأجاده:
أخبرني عمّي والصّوليّ قالا حدّثنا الحسين بن يحيى الكاتب أبو الجمان أنّ إسحاق كتب إلى إبراهيم بن المهديّ بصوت صنعه في شعر له وهو:
قل لمن صدّ عاتبا ... ونأي عنك جانبا
قد بلغت الذي أرد ... ت وإن كنت لاعبا
وبيّن له شعره وإيقاعه وبساطه ومجراه وإصبعه وتجزئته وقسمته ومخارج نغمه ومواضع مقاطعه ومقادير أوزانه، فغنّاه إبراهيم، ثم لقيه بعد ذلك فغنّاه إيّاه فما خرم منه شذرة ولا نغمة. قال: وفاقني فيه بحسن صوته.
نسبة هذا الصوت
/قل لمن صد عاتبا ... ونأى عنك جانبا
قد بلغت الذي أرد ... ت وإن كنت لاعبا
/ واعترفنا بما ادّعي ... ت وإن كنت كاذبا
فافعل الآن ما أرد ... ت فقد جئت تائبا
يقال: إنّ الشعر لإسحاق، ولم أجده في مجموع شعره. ووجدت فيه لحنا لحكم الواديّ في ديوان أغانيه ولحنه من الماخوريّ، وهو خفيف من خفيف [3] الثقيل الثاني بالبنصر. وكذلك ذكرت دنانير أنّه لحكم الواديّ؛
__________
[1] أنظر شرح هذا البيت مفصلا في «الأغاني» ج 6 ص 299 من هذه الطبعة.
[2] البربط: العود، فارسي معرب. وفي أوم: «و إبريقنا دائما معمل».
[3] في أوم: «و هو خفيف من الثقيل الثاني ... إلخ».
ويشبه أن يكون الشعر لغيره. ولحن إسحاق الذي كتب به إلى إبراهيم بن المهديّ ثاني ثقيل بالبنصر في مجراها.
وفيه ثقيل أوّل مطلق في مجرى البنصر لم يقع إليّ نسبته إلى صانعه، وأظنّه لحن حكم.
غنى أبا دلف العجلي وأهداه جارية:
أخبرني عمّي قال حدّثنا أبو عبد اللّه المرزبان قال حدّثني إبراهيم بن أبي دلف العجليّ قال:
كنّا مع المعتصم بالقاطول [1]، وكان إبراهيم بن المهديّ في حرّاقته بالجانب الغربيّ وأبي وإسحاق الموصليّ في حرّاقتيهما في الجانب الشرقيّ، فدعاهما يوم جمعة فعبرا إليه في زلال [2] وأنا معهما وأنا صغير وعليّ أقبية ومنطقة. فلما دنونا من حرّاقة إبراهيم نهض ونهضنا ونهضت بنهوضه صبيّة له يقال لها غضّة، وإذا في يديه كأسان وفي يديها كأس. فلما صعدنا إليه اندفع فغنّى:
حيّا كما اللّه خليليّا ... إن ميّتا كنت وإن حيّا
إن قلتما خيرا فأهل له ... أو قلتما غيّا فلا غيّا
ثم ناول كلّا منهما كأسا وأخذ هو الكأس التي كانت في يد الجارية وقال: اشربا على ريقكما، ثم دعا بالطعام فأكلوا وشربوا، ثم أخذوا العيدان فغنّاهما ساعة/ وغنّياه؛ وضرب وضربا معه، وغنّت الجارية بعدهم.
فقال لها أبي: أحسنت مرارا. فقال له: إن كنت أحسنت فخذها إليك، فما أخرجتها إلّا إليك.
سمع من مخارق لحنا فأطراه:
أخبرني عمّي قال حدّثنا عليّ بن محمد بن نصر قال حدّثني أبو العبيس بن حمدون قال: لمّا صنع مخارق في شعر العتّابي.
أخضنى المقام الغمر إن كان غرّني ... سنا خلّب أو زلّت القدمان
غنّاه إبراهيم بن المهديّ؛ فقال له: أحسنت وحياتي ما شئت! فسجد مخارق سرورا بقول إبراهيم ذلك له.
غنى عمرو بن بانة لحنا وحدّثه حديثه:
أخبرني عمّي قال حدّثني عبد اللّه بن أبي سعد قال حدّثني القطرانيّ عن عمرو بن بانة قال: غنّى إبراهيم بن المهديّ يوما:
أدارا بحزوى هجت للعين عبرة ... فماء الهوى يرفضّ أو يترقرق
فاستحسنته وسألته إعادته عليّ حتى آخذه عنه ففعل. ثم قال لي: إنّ حديث هذا الصوت أحسن منه.
قلت: وما حديثه أعزّك اللّه؟ قال: غنّانيه ابن جامع والصنعة فيه له، فلما أخذته عنه غنّيته إيّاه ليسمعه منّي، فاستحسنه جدّا وقال: كأنّي واللّه ما سمعته قطّ إلّا منك ثم كان صوته بعد ذلك على نسبة هذا الصوت.
__________
[1] القاطول: اسم نهر كأنه مقطوع من دجلة، وهو نهر كان في موضع سامرا قبل أن تعمر، وكان الرشيد أول من حفر هذا النهر وبنى على فوهته قصرا سماه أبا الجند.
[2] ظاهر أنه نوع من السفن ولم نقف عليه.
قصته مع ابن بسخنر وجاريته شارية ومخارق وعلوية:
/ أخبرني عليّ بن إبراهيم الكاتب قال حدّثنا عبيد اللّه بن عبد اللّه بن خرداذبه قال حدّثني محمد بن الحارث بن بسخنّر قال:
وجّه إليّ إبراهيم بن المهديّ يوما يدعوني، وذلك في أوّل خلافة المعتصم، فصرت إليه وهو جالس وحده وشارية جاريته خلف السّتارة، فقال: إني قلت شعرا وغنّيت فيه وطرحته على شارية فأخذته وزعمت أنّها أحذق به منّي، وأنا أقول/ إني أحذق به منها، وقد تراضينا بك حكما بيننا لموضعك من هذه الصناعة، فاسمعه منّي ومنها واحكم ولا تعجل حتى تسمعه ثلاث مرّات. فقلت نعم. فاندفع يغنّي بهذا الصوت:
أضنّ بليلى وهي غير سخيّة ... وتبخل ليلى بالهوى وأجود
فأحسن وأجاد. ثم قال لها: تغنّي، فغنّته فبرّزت فيه حتى كأنه كان معها في أبيجاد، ونظر إليّ فعرف أنّي قد عرفت فضلها عليه، فقال: على رسلك! وتحدّثنا ساعة وشربنا. ثم اندفع فغنّاه ثانية فأضعف في الإحسان، ثم قال لها: تغنّي، فغنّت فبرت وزادت أضعاف زيادته، وكدت أشقّ ثيابي طربا. فقال لي: تثبّت ولا تعجل. ثم غنّاه ثالثة فلم يبق غاية في الإحكام، ثم أمرها فغنّت، فكأنه إنما كان يلعب. ثم قال لي: قل، فقضيت لها؛ فقال: أصبت، فكم تساوي عندك؟ فحملني الحسد له عليها والنّفاسة بمثلها أن قلت: تساوي مائة ألف درهم.
فقال: أو ما تساوي على هذا الإحسان وهذا التّفضيل إلّا مائة ألف! قبح اللّه رأيك! واللّه ما أجد شيئا أبلغ في عقوبتك من أن أصرفك، قم فانصرف إلى منزلك مذموما. فقلت له: ما لقولك اخرج من منزلي جواب، وقمت وانصرفت، وقد أحفظني كلامه وأرمضني [1]. فلمّا خطوت خطوات التفتّ إليه فقلت له: يا إبراهيم! أتطردني من منزلك! فو اللّه ما تحسن أنت ولا جاريتك شيئا. وضرب الدّهر ضربانه، ثم دعانا المعتصم بعد ذلك وهو بالوزيريّة في قصر التّل [2]، فدخلت أنا ومخارق وعلّويه، وإذا أمير المؤمنين مصطبح وبين يديه ثلاث جامات:
جام قضّة مملوءة دنانير جددا، وجام ذهب مملوءة دراهم جددا، وجام قوارير مملوءة عنبرا، فظننّا أنها لنا بل لم نشكّ في ذلك، فغنّيناه وأجهدنا/ أنفسنا، فلم يطرب ولم يتحرّك لشيء من غنائنا. ودخل الحاجب فقال:
إبراهيم بن المهديّ. فأذن له فدخل، فغنّاه أصواتا أحسن فيها، ثم غنّاه بصوت من صنعته وهو:
ما بال شمس أبي الخطّاب قد غربت ... يا صاحبيّ أظنّ الساعة اقتربت
فاستحسنه المعتصم وطرب له، وقال: أحسنت واللّه! فقال إبراهيم: يا أمير المؤمنين فإن كنت أحسنت فهب لي إحدى هذه الجامات؛ فقال: خذ أيّتها شئت، فأخذ التي فيها الدنانير؛ فنظر بعضنا إلى بعض. ثم غنّاه إبراهيم بشعر له وهو:
فما مزّة قهوة قرقف ... شمول تروق براووقها [3]
فقال: أحسنت واللّه يا عمّ وسررت. فقال: يا أمير المؤمنين إن كنت أحسنت فهب لي جاما أخرى؛ فقال:
خذ أيّتهما شئت، فأخذ الجام التي فيها الدراهم؛ فعند ذلك انقطع رجاؤنا منها. وغنّاه بعد ساعة:
__________
[1] في أ، م: «و أمضني».
[2] في ب، س: «قصر الليل».
[3] المزة والقهوة والفرقف والشمول: من أسماء الخمر. والراووق: باطية الخمر.
/
ألا ليت ذات الخال تلقى من الهوى ... عشير [1] الذي ألقى فيلتئم الحبّ
فارتجّ بنا المجلس الذي كنا فيه، وطرب المعتصم واستخفّه الطرب فقام على رجليه، ثم جلس فقال:
أحسنت واللّه يا عمّ ما شئت! قال: فإن كنت قد أحسنت يا أمير المؤمنين فهب لي الجام الثالثة؛ فقال: خذها فأخذها. وقام أمير المؤمنين، ودعا إبراهيم بمنديل فثناه طاقتين ووضع الجامات فيه وشدّه، ودعا بطين فختمه ودفعه إلى غلامه، ونهضنا إلى الانصراف، وقدّمت دوابّنا. فلما ركب إبراهيم التفت إليّ فقال: يا محمد بن الحارث، زعمت أنّي لا أحسن أنا وجاريتي شيئا، وقد رأيت ثمرة الإحسان. فقلت في نفسي: قد رأيت، فخذها لا بارك اللّه لك فيها! ولم أجبه بشيء.
نسبة هذه الأصوات
صوت
ما بال شمس أبي الخطّاب قد غربت ... يا صاحبيّ أظنّ الساعة اقتربت
أم لا فما بال ريح كنت آملها ... غدت عليّ بصرّ [2] بعد ما خبئت
أشكو إليك أبا الخطّاب جارية ... غريرة بفؤادي اليوم قد لعبت
رأيت قيّمها يوما يحدّثها [3] ... يا ليتها قربت منّي وما بعدت
الشّعر والغناء لإبراهيم بن المهديّ رمل بالبنصر. وفيه هزج بالبنصر، ذكر عمرو بن بانة أنه لإبراهيم الموصليّ، وذكر غيره أنه لإبراهيم بن المهديّ.
صوت
ألا ليت ذات الخال تلقى من الهوى ... عشير الذي ألقى فيلتئم الحبّ
وصالكم صدّ وقربكم قلى ... وعطفكم سخط وسلمكم حرب
الشعر للعبّاس بن الأحنف. والغناء لإبراهيم.
شعره في باقة نرجس غنى به المعتصم:
وقال ابن أبي طاهر حدّثني المؤمّل بن جعفر قال: سمعت أبي يقول: كانت في يد المعتصم باقة نرجس فقال لإبراهيم بن المهديّ: يا عمّ قل فيها أبياتا وغنّ فيها. فنكت في الأرض بقضيب في يده هنيهة ثم قال:
صوت
ثلاث عيون من النّرجس ... على قائم أخضر أملس
يذكّرنني طيب ريّا الحبيب ... فيمنعنني لذّة المجلس
__________
[1] العشير: جزء من عشرة كالعشر.
[2] ريح صر: شديدة الصوت والبرد.
[3] كذا في أ، م وفي ج: «و النأي عندكم». وفي سائر النسخ: «و الشوق يغلبني».
وصنع فيه لحنا وغنّاه به، فأعجبه وأمر له بجائزة. لحن إبراهيم في هذين البيتين خفيف رمل بالبنصر، ذكر لي ذكاء وغيره ذلك.
غضب عليه المأمون وسجنه فاستعطفه حتى عفا عنه:
أخبرني عليّ بن سليمان الأخفش قال حدّثني محمد بن يزيد النّحوي عن الجاحظ، وأخبرني به محمد بن يحيى الصّوليّ قال حدّثنا يموت بن المزرّع عن الجاحظ قال:
أرسل إليّ ثمامة [1] يوم جلس المأمون لإبراهيم بن المهديّ وأمر بإحضار الناس على مراتبهم فحضروا فجيء بإبراهيم، وأخبرني عمّي قال حدّثنا الحسن بن عليل قال حدّثني محمد بن عمرو الأنباريّ من أبناء خراسان قال:
لمّا ظفر المأمون بإبراهيم بن/ المهديّ أحبّ أن يوبّخه على رؤوس الناس. قال: فجيء بابراهيم يحجل في قيوده، فوقف على طرف الإيوان وقال: [2]: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة اللّه وبركاته. فقال له المأمون: لا سلّم اللّه عليك ولا حفظك ولا رعاك ولا كلأك يا إبراهيم. فقال له إبراهيم: على رسلك يا أمير المؤمنين! فلقد أصبحت وليّ ثأري، والقدرة تذهب الحفيظة، ومن مدّ له الاغترار في الأمل هجمت به الأناة على التّلف. وقد أصبح ذنبي فوق كلّ ذنب، كما أنّ عفوك فوق كلّ عفو - وقال الحسن بن عليل في خبره: وقد أصبحت فوق كلّ ذي ذنب، كما أصبح كلّ ذي عفو دونك - فإن تعاقب فبحقّك، وإن تعف فبفضلك. قال:
فأطرق مليّا ثم رفع رأسه فقال: إنّ هذين أشارا عليّ بقتلك. فالتفت فإذا المعتصم والعبّاس بن المأمون، فقال:
يا أمير المؤمنين، أمّا حقيقة الرأي في معظم تدبير الخلافة والسياسة فقد أشارا عليك به وما غشّاك إذ كان ما كان منّي، ولكنّ اللّه عوّدك من العفو عادة جريت عليها دافعا ما تخاف بما ترجو، فكفاك اللّه. فتبسّم المأمون وأقبل على ثمامة ثم قال: إنّ من الكلام ما يفوق الدرّ ويغلب السّحر، وإن كلام عمّي منه، أطلقوا عن عمّي/ حديده وردّوه إليّ مكرّما. فلما ردّ إليه قال: يا عمّ صر إلى المنادمة وارجع إلى الأنس، فلن ترى منّي أبدا إلّا ما تحبّ.
فلمّا كان من الغد بعث إليه بدرج [3] فيه:
يا خير من ذملت يمانية به ... بعد الرسول لآيس أو طامع
وأبرّ من عبد الإله على الهدى ... نفسا وأحكمه بحقّ صادع
عسل الفوراع ما أطعت فإن تهج ... فالموت في جرع السّمام النّاقع [4]
متيقّظا حذرا وما يخشى العدا ... نبهان من وسنات ليل الهاجع
واللّه يعلم ما أقول فإنها ... جهد الأليّة من حنيف راكع
__________
[1] ثمامة: هو ثمامة بن أشرس أبو معن النميري أحد المعتزلة البصريين، ورد بغداد واتصل بهارون الرشيد وغيره من الخلفاء، وله أخبار ونوادر يحكيها عنه أبو عثمان الجاحظ وغيره. (انظر «تاريخ بغداد» ج 7 ص 145).
[2] انظر في هذا المقام الطبري ق 3 ص 1076 طبع أوربا و «تاريخ بغداد» ج 6 ص 144 طبع مصر.
[3] الدرج (بالفتح ويحرّك): ما يكتب فيه.
[4] رواية الطبري:
فالصاب يمزج بالسمام الناقع
قسما وما أدلي إليك بحجّة ... إلّا التّضرّع من محبّ خاشع
ما إن عصيتك والغواة تمدّني ... أسبابها إلّا بنيّة طائع
حتى إذا علقت حبائل شقوتي ... بردى على حفر المهالك هائع [1]
لم أدر أنّ لمثل ذنبي غافرا ... فأقمت أرقب أيّ حتف صارعي
ردّ الحياة إليّ بعد ذهابها ... ورع الإمام القاهر المتواضع
أحياك من ولّاك أطول مدّة ... ورمى عدوّك في الوتين بقاطع
إنّ الذي قسم الفضائل [2] حازها ... في صلب آدم للإمام السابع
كم من يد لك لا تحدّثني بها ... نفسي إذا آلت إليّ مطامعي
أسديتها عفوا إليّ هنيئة ... فشكرت مصطنعا لأكرم صانع
ورحمت أطفالا كأفراخ القطا ... وعويل عانسة كقوس النّازع
وعفوت عمّن لم يكن عن مثله ... عفو ولم يشفع إليك بشافع
إلّا العلوّ عن العقوبة بعد ما ... ظفرت يداك بمستكين خاضع
/ قال: فبكى المأمون ثم قال: عليّ به، فأتي به فخلع عليه وحمله وأمر له بخمسة آلاف دينار، ودعا بالفرّاش فقال له: إذا رأيت عمّي مقبلا فاطرح له تكأة، فكان ينادمه ولا ينكر عليه شيئا. وروي بعض هذا الخبر عن محمد بن الفضل الهاشميّ فقال فيه: لمّا فرغ المأمون من خطابه دفعه إلى ابن أبي خالد [3] الأحول وقال:
هو صديقك فخذه إليك. فقال: وما تغني صداقتي عنه وأمير المؤمنين ساخط عليه! أما إنّي وإن كنت له صديقا لا أمتنع من قول الحقّ فيه. فقال له: قل فإنّك غير متّهم. قال وهو يريد التّسلّق على العفو عنه [4]: إن قتلته فقد قتلت الملوك قبلك أقلّ جرما منه، وإن عفوت عنه عفوت عمّن لم يعف قبلك عن مثله. فسكت المأمون ساعة ثم تمثّل:
فلئن عفوت لأعفون جللا ... ولئن سطوت لأوهنن عظمي [5]
قومي هم قتلوا أميم أخي ... فإذا رميت أصابني سهمي
خذه يا أحمد إليك مكرّما، فانصرف به. ثم كتب إلى المأمون قصيدته العينيّة. فلمّا قرأها رقّ له وأمر بردّه إلى منزله [6] وردّ ما قبض منه من أمواله وأملاكه. وفي خبر عمّي عن الحسن بن عليل قال: حدّثني محمد بن إسحاق الأشعريّ عن أبي داود: أن المأمون تقدّم إلى محمد بن مزداد لمّا أطلق إبراهيم أن يمنعه داري الخاصّة
__________
[1] الهائع هنا: المنتشر.
[2] في الطبري: «الخلافة».
[3] هو أحمد بن أبي خالد الأحول أحد رجالات المأمون وموضع ثقته. (انظر الطبري ق 3 ص 1038، 1042، 1064، 1065، 1075).
[4] في الأصول: «قال وهو يريد التسلق على العفو عنه فقال ... إلخ» وكلمة «فقال» لا موضع لها في الكلام.
[5] هذا شعر الحارث بن وعلة الذهلي. (انظر «أشعار الحماسة» ص 96 طبع أوربا).
[6] لعله: «منزلته».
والعامّة، ويوكّل به رجلا من قبله يثق به ليعرّفه أخباره وما يتكلّم به. فكتب إليه الموكّل به أنّ إبراهيم لمّا بلغه منعه من داري الخاصّة والعامّة تمثّل:
يا سرحة الماء قد سدّت موارده ... أما إليك طريق غير مسدود [1]
/لحائم حام حتى لا حيام له ... محلّأ عن طريق الماء مطرود
فلما قرأها المأمون بكى وأمر بإحضاره من وقته مكرّما وإنزاله في مرتبته؛ فصار إليه محمد فبشّره بذلك وأمره بالرّكوب فركب. فلما دخل على المأمون قبّل البساط ثم قال:
البرّ بي منك وطّا العذر عندك لي ... دون اعتذاري فلم تعذل ولم تلم
وقام علمك بي فاحتجّ عندك لي ... مقام شاهد عدل غير متّهم
رددت مالي ولم تمنن عليّ به ... وقبل ردّك مالي قد حقنت دمي
تعفو بعدل وتسطو إن سطوت به ... فلا عدمناك من عاف ومنتقم
فبؤت منك وقد كافأتها بيد ... هي الحياتان من موت ومن عدم
فقال له: اجلس يا عمّ آمنا مطمئنّا، فلن ترى أبدا منّي ما تكره، إلا أن تحدث حدثا أو تتغيّر عن طاعة؛ وأرجو ألّا يكون ذلك منك إن شاء اللّه.
بذ أحمد بن يوسف الكاتب في حسن المحاضرة:
أخبرني أحمد بن جعفر جحظة قال حدّثني ابن حمدون عن أبيه قال:
كنت أحبّ أن أجمع بين إبراهيم بن المهدي وأحمد بن يوسف الكاتب بما كنت أراه من تقدّم أحمد وغلبته الناس جميعا بحفظه وبلاغته وأدبه في كل محضر ومجلس. فدخلت يوما على إبراهيم بن المهديّ وعنده أحمد بن يوسف وأبو العالية الخزريّ، فجعل إبراهيم يحدّثنا فيضيف شيئا إلى شيء، مرّة يضحكنا ومرّة يعظنا/ ومرّة ينشدنا ومرة يذكّرنا، وأحمد بن يوسف ساكت. فلما طال بنا المجلس أردت أن أخاطب أحمد، فسبقني إليه أبو العالية فقال:
مالك لا تبح يا كلب الدّوم ... قد كنت نبّاحا فمالك اليوم
فتبسّم إبراهيم ثم قال: لو رأيتني في يد جعفر بن يحيى لرحمتني كما رحمت أحمد منّي.
أثنى عليه إسحاق:
أخبرني يحيى بن عليّ قال حدّثني أبي قال قال لي إسحاق: ليس فيمن يدّعي العلم بالغناء مثل إبراهيم بن المهديّ وأبي دلف القاسم بن عيسى العجليّ. فقيل له: فأين محمد بن الحسن بن مصعب منهما؟ فقال: لو قيل لك إن محمد بن الحسن يبصر الغناء لكان ينبغي لك أن تقول: وكيف يبصر الغناء من نشأ بخراسان لا يسمع من الغناء العربيّ إلّا ما لا يفهمه!.
__________
[1] هذا الشعر لإسحاق الموصلي.
إقرار ابن بانة له ولإسحاق بالعلو في فن الغناء:
أخبرني يحيى قال حدّثني أبو العبيس بن حمدون عن عمرو بن بانة قال:
رأيت إسحاق الموصليّ يناظر إبراهيم بن المهديّ في الغناء، فتكلّما فيه بما فهماه ولم نفهم منه شيئا.
فقلت لهما: لئن كان ما أنتما فيه من الغناء ما نحن منه في قليل ولا كثير.
فضل المأمون غناءه على غناء إسحاق في شعر للأخطل:
أخبرني عمّي عن عليّ بن محمد بن نصر عن جدّه حمدون: أنّ المأمون قال لإسحاق: غنّني لحنك في شعر الأخطل:
يا قلّ خير الغواني كيف رغن به ... فشربه وشل منهنّ تصريد [1]
فغنّاه أيّاه فاستحسنه، ثم قال لإبراهيم بن المهديّ: هل صنعت في هذا الشعر شيئا؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين.
قال: فهاته؛ فغنّاه فاستحسنه المأمون وقدّمه على صنعة إسحاق، ولم يدفع إسحاق ذلك.
علمه إسحاق لحنا فطرب له الأمين وقصة ذلك:
أخبرني أبو الحسن عليّ بن هارون بن عليّ بن يحيى الموصليّ قال ذكر أبي عن جدّي عن عبد اللّه بن عيسى الماهانيّ قال:
دخلت يوما على إسحاق بن إبراهيم الموصليّ في حاجة، فرأيت عليه مطرف خزّ أسود ما رأيت قطّ أحسن منه؛ فتحدّثنا إلى أن أخذنا في أمر المطرف فقال: لقد كانت/ لكم أيّام حسنة ودولة عجيبة، فكيف ترى هذا؟
فقلت له: ما رأيت مثله. فقال: إن قيمته مائة ألف درهم، وله حديث عجيب. فقلت له: ما أقوّمه إلّا نحوا من مائة دينار. فقال إسحاق: اسمع حديثه: شربنا يوما من الأيّام، فبتّ وأنا مثخن، فانتبهت لرسول محمد الأمين، فدخل عليّ فقال لي: يقول لك أمير المؤمنين عجّل إليّ - وكان بخيلا على الطعام فكنت آكل قبل أن أذهب إليه - فقمت فتسوّكت وأصلحت أمري، وأعجلني الرسول عن الغداء. فدخلت عليه وإبراهيم بن المهديّ جالس عن يمينه وعليه هذا المطرف وجبّة خزّ دكناء. فقال لي محمد: يا إسحاق تغدّيت؟ فقلت: نعم يا سيّدي. فقال:
إنّك لنهم، أهذا وقت غداء! فقلت: أصبحت يا أمير المؤمنين وبي خمار، فكان ذلك ممّا حداني [2] على الأكل.
فقال لهم: كم شربنا؟ فقالوا: ثلاثة أرطال. فقال: اسقوه مثلها. فقلت: إن رأيت أن تفرّقها عليّ! فقال: تسقى رطلين ورطلا. فدفع إليّ رطلان فجعلت أشربهما وأنا أتوهّم أنّ نفسي تسيل معهما، ثم دفع إليّ رطل آخر فشربته فكأنّ شيئا انجلى عنّي. فقال غنّني:
كليب لعمري كان أكثر ناصرا ... وأيسر جرما منك ضرّج بالدّم
فغنّيته؛ فقال: أحسنت وطرب، ثم قام فدخل. وكان يفعل ذلك كثيرا، يدخل إلى النساء/ ويدعنا.
فقمت في أثر قيامه فدعوت غلاما لي فقلت: اذهب إلى منزلي وجئني
__________
[1] كذا في «ديوان الأخطل» (طبع المطبعة الكاثوليكية ببيروت سنة 1891 م). وفي الأصول: «لشربة». والشرب (بالكسر) هنا:
الحظ من الماء. والوشل هنا: القليل. والتصريد: السقي دون الري. يريد بهذا الشطر أن حظه منهن قليل.
[2] كذا في ج. وفي سائر الأصول: «جرأني».
ببزماوردتين [1] ولفّهما في منديل واذهب ركضا وعجّل. فمضى الغلام فجاءني بهما. فلما وافى الباب ونزل عن الدّابة انقطع البرذون فنفق من شدّة ما ركضه، فأدخل إليّ البزماوردتين فأكلتهما ورجعت إليّ نفسي وعدت الى مجلسي. فقال/ لي إبراهيم: إن لي إليك حاجة أحبّ أن تقضيها لي. فقلت: إنما أنا عبدك وابن عبدك، قل ما شئت. قال: تردّ عليّ:
كليب لعمري كان أكثر ناصرا
وهذا المطرف لك. فقلت: أنا لا آخذ منك مطرفا على هذا، ولكنّي أصير إليك إلى منزلك فألقيه على الجواري وأردّه عليك مرارا. فقال: أحبّ أن تردّه عليّ الساعة وأن تأخذ هذا المطرف فإنه من لبسك ومن حاله كذا وكذا.
فرددت عليه الصوت مرارا حتى أخذه. ثم سمعنا حركة محمد فقمنا حتى جاء فجلس ثم قعدنا، فشرب وتحدّثنا. فغنّاه إبراهيم:
كليب لعمري كان أكثر ناصرا
فكأنّي واللّه لم أسمعه قبل ذلك حسنا، وطرب محمد طربا عجيبا وقال: أحسنت واللّه يا عمّ! أعط يا غلام عشر بدر لعمّي الساعة، فجاءوا بها. فقال: يا أمير المؤمنين إنّ لي فيها شريكا. قال: ومن هو؟ قال: إسحاق. قال:
وكيف؟ قال: إنما أخذته الساعة منه لمّا قمت. فقلت له: ولم! أضاقت الأموال على أمير المؤمنين حتى يشركك فيما تعطاه! قال: أمّا أنا فأشركك وأمير المؤمنين أعلم. فلما انصرفنا من المجلس أعطاني ثلاثين ألفا وأعطاني هذا المطرف. فهذا أخذ به مائة ألف درهم وهي قيمته.
حج مع الرشيد وقصته مع جارية رآها:
أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدّثنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه قال قال لي إبراهيم بن المهديّ:
حججت مع الرشيد؛ فلما صرنا بالمدينة خرجت أدور في عرصاتها، فانتهيت إلى بئر وقد عطشت وجارية تستقي منها، فقلت: يا جارية، امتحي لي دلوا. فقالت: أنا واللّه عنك في شغل بضريبة مواليّ عليّ. فنقرت بسوطي على سرجي وغنّيت:
صوت
رام قلبي السّلوّ عن أسماء ... وتعزّى وما به من عزاء
سخنة في الشتاء باردة الصي ... ف سراج في الليلة الظلماء
كفّناني إن متّ في درع أروى ... وامتحالي من بئر عروة مائي
- الشّعر للأحوص. والغناء لمعبد رمل مطلق في مجرى الوسطى عن إسحاق - وتمام هذه الأبيات:
إنّني والذي تحجّ قريش ... بيته سالكين نقب كداء [2]
لملمّ بها وإن أبت منها ... صادرا كالذي وردت بداء
__________
[1] البزماورد: طعام يسمى «لقمة القاضي» و «فخذ الست» و «لقمة الخليفة»، وهو مصنوع من اللحم المقلي بالزبد والبيض. (انظر كتاب «التاج» للجاحظ ص 173 هامشة 3).
[2] كداء بأعلى مكة عند المحصب.
ولها مربع ببرقة خاخ [1] ... ومصيف بالقصر قصر قباء
قلبت لي ظهر المجنّ فأمست ... قد أطاعت مقالة الأعداء
ولمعبد أيضا في البيت الأخير من هذه الأبيات ثم الأوّل والثاني خفيف ثقيل عن الهشاميّ. ولابن سريج في:
ولها مربع ببرقة خاخ
وكفّناني إن متّ في درع أروى
رمل عن الهشاميّ أيضا. ولإبراهيم في: «رام قلبي» وما بعده ثاني ثقيل عن حبش - قال إبراهيم/ بن المهدي في الخبر: فرفعت الجارية رأسها إليّ فقالت: أتعرف بئر عروة؟ قلت لا. قالت: هذه واللّه بئر عروة، ثم سقتني حتى رويت، وقالت: إن رأيت أن تعيده ففعلت، فطربت وقالت: واللّه لأحملنّ قربة إلى رحلك!. فقلت: افعلي، ففعلت وجاءت معي تحملها. فلما رأت الجيش والخدم فزعت. فقلت/ لها: لا بأس عليك! وكسوتها ووهبت لها دنانير وحبستها عندي، ثم صرت إلى الرشيد فحدّثته حديثها؛ فأمر بابتياعها وعتقها؛ فما برحت حتى اشتريت وأعتقت، وأخذت لها منه صلة وافترقنا.
حواره مع المأمون حين استعطفه بكلام سعيد بن العاص لمعاوية:
حدّثني عليّ بن سليمان الأخفش ومحمد بن خلف بن المرزبان قالا حدّثنا محمد بن يزيد النّحويّ قال حدّثنا الفضل بن مروان قال:
لمّا أدخل إبراهيم بن المهديّ على المأمون وقد ظفر به، كلّمه إبراهيم بكلام كان سعيد بن العاص كلّم به معاوية بن أبي سفيان في سخطة سخطها عليه واستعطفه به. وكان المأمون يحفظ الكلام، فقال له المأمون:
هيهات يا إبراهيم! هذا كلام سبقك به فحل بني العاص بن أميّة وقارحهم سعيد بن العاص وخاطب به معاوية.
فقال له إبراهيم [2]: مه يا أمير المؤمنين؟! وأنت أيضا إن عفوت فقد سبقك فحل بني حرب وقارحهم إلى.
العفو، فلا تكن حالي عندك في ذلك أبعد من حال سعيد عند معاوية، فإنّك أشرف منه، وأنا أشرف من سعيد، وأنا أقرب إليك من سعيد إلى [3] معاوية، وإن أعظم الهجنة أن تسبق أميّة هاشما إلى مكرمة. فقال: صدقت يا عمّ، وقد عفوت عنك.
غضب عليه الأمين فاستعطفه:
أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدّثنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه قال:
جرى بين محمد الأمين وبين إبراهيم بن المهديّ كلام على النّبيذ، فوجد عليه محمد. فلمّا كان بعد أيام بعث إليه إبراهيم بألطاف فلم يقبلها؛ فوجّه إليه وصيفة مليحة مغنيّة معها عود معمول من عود هنديّ، وقال هذه الأبيات وغنّى فيها وألقاها عليها حتى أخذت الصنعة وأحكمتها، ثم وجّه بها إليه. فوقفت الجارية بين يديه
__________
[1] برقة خاخ: قرب المدينة، وكذلك قباء.
[2] في ب، س: «فقال له إبراهيم فكان مه يا أمير المؤمنين» وكلمة «فكان» لا موقع لها في الكلام.
[3] كذا في ح. وفي سائر النسخ: «عند».
وقالت له: عمّك وعبدك يا أمير المؤمنين يقول لك - واندفعت تغنّي بالشعر وهو - :
هتكت الضمير بردّ اللّطف ... وكشّفت هجرك لي فانكشف
/ وإن كنت تنكر شيئا جرى ... فهب للخلافة ما قد سلف
وجد لي بصفحك عن زلّتي ... فبالفضل يأخذ أهل الشرف
قال: فسرّ محمد بها، وبعث إلى إبراهيم فأحضره ورضى عنه وأمر له بخمسة آلاف دينار وتمّم يومه معه.
صالح جاريته صدوف:
أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال أخبرني سعيد بن صالح الأسديّ قال حدّثني جعفر بن محمد الهاشميّ قال حدّثني بعض خدم إبراهيم بن المهديّ قال:
كانت لإبراهيم بن المهديّ جارية يقال لها صدوف، وكان لها من نفسه موضع. فحسدها جواريه على محلّها منه، فلم يزلن يبلغنه عنها ما يكره حتى غضب عليها وجفاها أياما؛ ثم شقّ ذلك عليه واغتمّ به، ولم يطب نفسا بمراجعتها وصلحها. فدخل عليه الأعرابيّ أخو معلّلة صاحبة الفضل بن الربيع، وكان حسن الشّعر حلو اللفظ فصيحا، وكان إبراهيم يأنس به، فقال له: مالي أرى الأمير منكسرا منذ أيّام؟ فأمسك. فقال: قد عرفت حال الأمير وقلت في/ أمره أبياتا إن أذن لي أنشدته إيّاها. فتبسّم وقال: هات؛ فأنشده:
أعتبت أم عتبت عليك صدوف ... وعتاب مثلك مثلها تشريف
لا تقعدنّ تلوم نفسك دائبا ... فيها وأنت بحبّها مشغوف
إن الصّريمة لا ينوء بحملها ... إلّا القويّ بها وأنت ضعيف
فاستحسن إبراهيم الأبيات وأمر له بمائتي دينار، وبعث إلى صدوف فخرجت إليه ورضي عنها، وبعثت إليه صدوف بمائة دينار.
قيل له تب وأحرق دفاتر الغناء فقال ريق تحفظ كل غنائي:
أخبرني الحسين بن القاسم الكوكبيّ قال حدّثني أحمد بن عليّ بن حميدة قال حدّثتني ريّق قالت:
/ مرض إبراهيم بن المهديّ مرضة أشرف منها على الموت، فجعل يتذكّر شغفه بالغناء وما سلف له فيه ويتندّم عليه. فقال له بعض من حضر: فتب وأحرق دفاتر الغناء. فحرّك رأسه ساعة ثم قال: يا مجانين! فهبني أحرقت دفاتر الغناء كلّها، ريّق أيش أعمل بها؟ أأقتلها وهي تحفظ كلّ شيء في دفاتر الغناء!!
رأى عليا في النوم:
أخبرني جعفر بن قدامة والحسين بن القاسم الكوكبيّ قال حدّثني المبرّد عن أحمد بن الربيع عن إبراهيم بن المهديّ قال:
رأيت عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه في النوم، فقلت له: إن الناس قد أكثروا فيك وفي أبي بكر وعمر، فما عندك في ذلك؟ فقال لي: إخسأ! ولم يزدني على ذلك. وأخبرني الكوكبيّ بهذا الخبر عن الفضل بن الرّبيع عن أبيه قال:
كان إبراهيم شديد الانحراف عن عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه؛ فحدّث المأمون يوما أنه رأى عليّا في النوم، فقال له: من أنت؟ فأخبره أنه عليّ بن أبي طالب. قال: فمشينا حتى جئنا قنطرة فذهب يتقدّمني لعبورها؛ فأمسكته وقلت له: إنما أنت رجل تدّعي هذا الأمر بامرأة ونحن أحقّ به منك! فما رأيت له في الجواب بلاغة كما يوصف عنه. فقال: وأيّ شيء قال لك؟ فقال: ما زادني على أن قال سلاما سلاما. فقال له المأمون: قد واللّه أجابك أبلغ جواب. قال: وكيف؟ قال: عرّفك أنك جاهل لا يجاوب مثلك؛ قال اللّه عز وجل: وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً
فخجل إبراهيم وقال: ليتني لم أحدّثك بهذا الحديث.
تمنى له الأمين طول العمر:
أخبرني الكوكبيّ قال حدّثني المفضّل بن سلمة عن هبة اللّه بن إبراهيم بن المهديّ عن أبيه قال:
قلت للأمين يوما: يا أمير المؤمنين جعلني اللّه فداءك! فقال: بل جعلني اللّه فداءك؛ فأعظمت ذلك. فقال:
يا عمّ لا تعظمه فإنّ لي عمرا لا يزيد ولا ينقص؛/ فحياتي مع الأحبّة أطيب من تجرّعي فقدهم، وليس يضرّني عيش من عاش بعدي منهم.
غنى للأمين لحنا فطرب وطلب إليه أن يلقنه إحدى جواريه، وقصة ذلك:
حدّثني جحظة قال حدّثني هبة اللّه بن إبراهيم بن المهديّ قال حدّثني أبي قال: كنت يوما بين يدي الأمين أغنّيه؛ فغنّيته:
صوت
أقوت منازل بالهضاب ... من آل هند والرّباب
خطّارة بزمامها ... وإذا ونت ذلل [1] الرّكاب
ترمي الحصاء بمناسم ... صمّ صلادمة صلاب
قال: فاستحسن اللّحن وسألني عن صانعه؛ فعرّفته أن ابن جامع حدّثني عن سياط أنه لآبن/ عائشة؛ فلم يزل يشرب عليه لا يتجاوزه، ثم انصرفنا ليلتنا تلك. ووافاني رسوله حين انتبهت من النوم وأنا أستاك، فقال لي:
يقول لك: بحياتي يا عمّ لا تشتغل بعد الصلاة بشيء غير الركوب إليّ. فصلّيت وتناولت طعاما خفيفا وأنا ألبس ثيابي خوفا من رجوع رسوله، وركبت إليه. فلما رآني من بعيد صاح بي: يا عمّ بحياتي:
خطّارة بزمامها
فلمّا دخلت المجلس ابتدأته وغنّيته؛ فأمر بإحضار صبيّة كان يتحظّاها، فأخرجت إليّ صبيّة كأنها لؤلؤة في يدها العود. فقال: بحياتي يا عمّ ألقه عليها! فأعدته مرارا وهو يشرب؛ حتى إذا ظننت أنها قد أخذته أمرتها أن تغنّيه فغنّته، فإذا هو قد استوى لها إلّا في موضع كان فيه وكان صعبا جدّا فجهدت جهدي أن يقع لها طلبا لمسرّته، وكان حقيقا منّي بذلك، فلم يقع لها البتّة. ورأى جهدي في أمرها وتعذّره عليها، فأقبل عليها/ وقد سكر ثم قال: نفيت من الرشيد وكلّ أمة لي حرّة وعليّ عهد اللّه لئن لم تأخذيه في المرّة الثالثة لآمرنّ بالقائك في دجلة!
__________
[1] ذلل: جمع ذلول وهو السهل المنقاد من الناس والدواب، الذكر والأنثى فيه سواء.
قال: ودجلة تطفح وبيننا وبينها نحو ذراعين وذلك في الربيع، فتأمّلت القصّة، فإذا هو قد سكر، وإذا الجارية لا تقوله كما أقوله أبدا. فقلت: هذه واللّه داهية، ويتنغّص عليه يومه وأشرك في دمها، فعدلت عمّا كنت أغنّيه عليه وتركت ما كنت أقوله، وغنّيته كما كانت هي تقوله، وجعلت أردّده حتى انقضت ثلاث مرّات أعيده فيها على ما كانت هي تقوله، وأريته أنّى أجتهد. فلما انقضت الثلاث المرّات قلت لها: هاتيه الآن، فغنّته على ما كان وقع لها. فقلت: أحسنت يا أمير المؤمنين، وردّدته معها ثلاث مرّات، فطابت نفسه وسكن، وأمر لي بثلاثين ألف درهم.
حدث لجحظة مع طرخان ما حدث له هو مع الأمين:
قال جحظة: وقد لحقني مثل هذا؛ فإنّ طرخان [1] بن محمد بن إسحاق بن كنداجيق استحسن صوتا غنّيته وهو:
أعياني الشّادن الرّبيب ... أكتب أشكو فلا يجيب
من أين أبغي شفاء دائي ... وإنما دائي الطّبيب
- ولحنه رمل - فقال: أحبّ أن تطرحه على زهرة جاريتي، فمكثت أتردّد إليها شهرا وأكثر وأردّده عليها وهو يصلني ويخلع عليّ ويعطيني كلّ شيء حسن يكون في مجلسه، فلا تأخذه منّي ولا يقع لها. فلمّا كان بعد شهر قلت له: أيّها الأمير قد واللّه استحييت من كثرة ما تعطيني بسبب هذا الصوت، وقد أعياني أن تأخذه زهرة؛ ثم حدّثته حديث إبراهيم بن المهديّ وقلت له: لو لا أني آمنك عليها لقلته أنا كما تقوله هي حتى نتخلّص جميعا.
وليس وحياتك تأخذه أبدا كما أقوله ولا فيه حيلة. فقال لي: فدعه إذا.
غنى بحضرة المأمون لحنا وأراد ابن بسخنر أن يأخذه عنه فضلله:
حدّثني جحظة قال حدّثني هبة اللّه بن إبراهيم قال حدّثني محمد بن الحارث بن بسخنّر قال:
غنّى إبراهيم بن المهديّ يوما بحضرة المأمون:
صوت
يا صاح يا ذالضّامر العنس ... والرّحل ذي الأنساع والحلس
أمّا النّهار فأنت تقطعه ... رتكا وتصبح مثل ما تمسي
- في هذين البيتين لحن لمالك خفيف ثقيل عن يونس والهشاميّ. قال: ولمعبد فيه ثقيل أوّل،/ وقد نسب قوم لحن كلّ واحد منهما إلى الآخر. قال محمد بن الحارث بن بسخنّر في الخبر: واللحن لمالك بن أبي السّمح وهو من قصاره. هكذا في الخبر - قال: فاستحسنه المأمون، وذهبت آخذه، ففطن لي إبراهيم فجعل يزيد فيه مرّة وينقص منه أخرى بزوائده التي كان يعملها في الغناء، وعلمت ما هو يصنع فتركته. فلمّا قام قلت للمأمون: يا سيّدي إن رأيت أن تأمر إبراهيم أن يلقي عليّ:
يا صاح يا ذا الضّامر العنس
__________
[1] كان من الأمراء. (انظر الكلام عليه في «صلة تاريخ الطبري» ص 63).
قال: أفعل. فلما عاد قال له: يا إبراهيم ألق على محمد:
يا صاح يا ذا الضّامر العنس
فألقاه عليّ كما كان يغنّيه مغيّرا، ثم انقضى المجلس وسكر المأمون. فقال لي إبراهيم: قم الآن فأنت أحذق الناس به، فخرجت وخرج. ثم جئته إلى منزله فقلت له: ما في الأرض أعجب منك! أنت ابن الخليفة وأخو الخليفة وعمّ الخليفة تبخل على وليّ لك مثلي لا يفاخرك بالغناء ولا يكاثرك بصوت!! فقال لي: يا محمد ما في الدنيا أضعف عقلا منك! واللّه ما استبقاني المأمون محبّة لي ولا صلة لرحمي، ولكنه سمع من هذا الجرم شيئا فقده من سواه فاستبقاني لذلك. فغاظني فعله. فلما دخلت/ على المأمون حدّثته بما قال لي. فقال المأمون: يا محمد هذا أكفر الناس لنعمة! وأطرق مليّا ثم قال لي: لا نكدّر على أبي إسحاق عفونا عنه ولا نقطع رحمه، فدع هذا الصوت الذي ضنّ به عليك إلى لعنة اللّه.
قال بيتا يكيد به لدعبل:
حدّثني الحسن بن عليّ قال حدّثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدّثني محمد بن يزيد قال:
قلت لدعبل: باللّه أسألك أنت القائل:
كذلك أهل الكهف في الكهف سبعة ... إذا حسبوا يوما وثامنهم كلب
فقال: لا واللّه! فقلت: من قاله؟ قال: من حشا اللّه قبره نارا إبراهيم بن المهديّ، كافأني بذلك عن هجائي إيّاه ليشيط [1] بدمي.
خطأ مخارقا في لحن غناه للمأمون ثم لقنه إياه على وجهه:
أخبرني محمد بن مزيد قال حدّثنا حمّاد بن إسحاق قال حدّثني محمد بن الحارث بن بسخنّر قال:
لمّا رضي المأمون عن إبراهيم بن المهديّ ونادمه، دخل عليه متبذّلا في ثياب المغنّين وزيّهم. فلما رآه وضحك وقال: نزع عمّي ثياب الكبر عن منكبيه. فدخل وجلس، وأمر المأمون بأن يخلع عليه فألبس الخلع. ثم ابتدأ مخارق فغنّى:
صوت
خليليّ من كعب ألمّا هديتما ... بزينب لا يفقد كما أبدا كعب
من اليوم زوارها فإنّ مطيّنا ... غداة غد عنها وعن أهلها نكب [2]
فقال له إبراهيم: أسأت وأخطأت. فقال له المأمون: يا عمّ إن كان أساء وأخطأ فأحسن أنت. فغنّى إبراهيم الصوت. فلمّا فرغ منه قال لمخارق: أعده الآن، فأعاده فأحسن. فقال إبراهيم: يا أمير المؤمنين كم بين الصوت الآن وبينه في أوّل الأمر؟ / قال: ما أبعد ما بينهما! فالتفت إلى مخارق ثم قال: إنما مثلك يا مخارق مثل الثوب الوشي الفاخر، إذا تغافل عنه أهله سقط عليه الغبار فحال لونه، فإذا نفض عاد إلى جوهره.
__________
[1] أشاط دمه وبدمه: أذهبه.
[2] نكب: مائلات، واحدها أنكب ونكباء.
سأله الرشيد عن أحسن الأسماء وأسمجها فأجابه:
أخبرني جعفر بن قدامة [1] قال حدّثتني شارية الكبرى مولاة إبراهيم بن المهديّ قالت: سمعت مولاي إبراهيم بن المهديّ يحدّث قال:
كنت بين يدي الرشيد جالسا على طرف حرّاقة من حرّاقاته وهو يريد الموصل/ وقد بلغنا إلى السودقانية [2]، والمدّادون يمدّون السفن، والشّطرنج بيني وبينه، والدّست متوجّه له، إذ أطرق هنيهة ثم قال لي:
يابن أمّ، ما أحسن الأسماء عندك؟ قلت: محمد اسم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. قال: ثم أيّ شيء بعده؟ قلت: هارون اسم أمير المؤمنين. قال: فما أسمج الأسماء؟ قلت: إبراهيم. فزجرني ثم قال: ويحك! أتقول هذا! أليس هو اسم إبراهيم خليل الرحمن! فقلت له: بشؤم هذا الاسم لقي من نمرود ما لقي وطرح في النار. قال: فإبراهيم ابن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم؟ قلت: لا جرم أنه لم يعمّر من أجله. قال: فإبراهيم الإمام؟ قلت بحرفة [3] اسمه قتله مروان في حرّان [4]. وأزيدك يا أمير المؤمنين: إبراهيم بن الوليد خلع، وإبراهيم بن عبد اللّه بن حسن قتل، وعمّه إبراهيم بن حسن سقط عليه السجن فمات، وما رأيت واللّه أحدا يسمّى/ بهذا الاسم إلّا قتل أو نكب أو رأيته مضروبا أو مقذوفا أو مظلوما. ثم ما انقضى الكلام حتى سمعت ملّاحا يصيح بآخر: مدّ يا إبراهيم يا عاضّ بظر أمّه مدّ.
فقلت له: أبقي لك شيء بعد هذا! ليس واللّه في الدنيا اسم أشأم من إبراهيم والسلام. فضحك واللّه حتى أشفقت عليه.
غنى المأمون لحنا عرض فيه بالحسن بن سهل:
حدّثني جحظة قال حدّثني أبو عبد اللّه الهشاميّ عن أبيه قال:
دخل الحسن بن سهل على المأمون وهو يشرب؛ فقال له: بحياتي وبحقّي عليك يا أبا محمد إلّا شربت معي قدحا، وصبّ له من نبيذه قدحا. فأخذه بيده وقال له: من تحبّ أن يغنّيك؟ فأومأ إلى إبراهيم بن المهديّ فقال له المأمون: غنّه يا عمّ، فغنّاه:
تسمع للحلي وسواسا إذا انصرفت
يعرّض به لما كان لحقه من السوداء والاختلاط. فغضب المأمون حتى ظنّ إبراهيم أنّه سيوقع به، ثم قال له:
أبيت إلّا كفرا يا أكفر خلق اللّه لنعمه! واللّه ما حقن دمك غيره! ولقد أردت قتلك فقال لي: إن عفوت عنه فعلت فعلا لم يسبقك إليه أحد، فعفوت واللّه عنك لقوله. أفحقّه أن تعرّض به ولا تدع كيدك ولا دغلك! أو أنفت من إيمائه إليك بالغناء!. فوثب إبراهيم قائما وقال: يا أمير المؤمنين، لم أذهب حيث ظننت، ولست بعائد؛ فأعرض عنه.
__________
[1] في ب، س: «جعفر بن محمد بن قدامة». وقد تقدم هذا الاسم في رجال السند غير مرة.
[2] ظاهر من السياق أنها موضع.
[3] كذا في الأصول وهو تحريف والمعنى المراد واضح إذ هو يريد بشؤم اسمه أو نحو ذلك.
[4] في بعض الأصول هكذا: «في جراب النورة» وفي بعضها: «في حراب النورة» وكلاهما تحريف. والمذكور في كتب التاريخ: أن إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد اللّه بن عباس القائم بالدعوة العباسية قتله مروان بن محمد وهو في سجنه بحران، وقيل: إنه مات بالطاعون فيه، وقيل: إنه مات مسموما. وحران مدينة عظيمة وهي قصبة ديار مضر على طريق الموصل والشام والروم. (انظر «تاريخ الطبري» ق 3 ص 24 - 27 «و معجم البلدان» لياقوت في الكلام على «حران»).
غنى للمعتصم لحنا وسمعه أحمد بن أبي دواد فمال للغناء بعد أن كان يتجنبه:
أخبرني الحسين بن القاسم الكوكبيّ قال حدّثني جرير بن أحمد بن أبي دواد قال حدّثني أخي عن أبي قال:
كنت أتجنّب الغناء وأطعن على أهله وأذمّ لهجهم به؛ فوجّه المعتصم إليّ عند خروجه من مدينة السلام:
الحق بي؛ فلحقت به بباب الشمّاسيّة ومعي غلامي زنقطة، فوجدته قد ركب الزورق، وسمعت عنده صوتا أذهلني حتى سقط سوطي/ من يدي ولم أشعر به، ثم احتجت وقد أعنق بي برذوني أن أكفّه بسوطي. فقلت لغلامي: هات سوطك؛ فقال: سقط واللّه من يدي لمّا سمعت هذا الغناء. فغلبني الضّحك حتى بان في وجهي.
ودخلت إلى المعتصم بتلك الحال. فلمّا رآني قال لي: ما يضحكك يا أبا عبد اللّه؟ فحدّثته، فقال: أتتوب الآن من الطعن علينا في السماع؟ فقلت له: قبل ذلك من كان يغنّيك؟ قال: عمّي إبراهيم، كان يغنّيني:
إنّ هذا الطويل من آل حفص ... أنشر المجد بعد ما كان ماتا
ثم قال: أعده يا عمّ ليسمعه أبو عبد اللّه فإني أعلم أنه لا يدع مذهبه. فقلت: بلى واللّه لأدعنّه/ في هذا ولا لمتك عليه. فقال: أمّا إذ [1] كانت توبته على يديك يا عمّ فلقد فزت بفخرها وعدلت برجل ضخم عن رأيه إلى شأننا.
فضله مخارق على نفسه وعلى إبراهيم الموصلي وابن جامع:
حدّثني أحمد بن عبيد اللّه بن عمّار قال حدّثني طلحة بن عبد اللّه الطّلحيّ قال حدّثني الحسين بن إبراهيم [2] قال:
كنت أسأل مخارقا: أيّ النّاس أحسن غناء؟ فيجيبني جوابا مجملا حتى حففت [3] عليه يوما قال: كان إبراهيم الموصليّ أحسن غناء من ابن جامع بعشر طبقات، وأنا أحسن غناء من إبراهيم الموصليّ بعشر طبقات، وإبراهيم بن المهديّ أحسن غناء منّي بعشر طبقات. قال ثم قال لي: أحسن الناس غناء أحسنهم صوتا، وإبراهيم بن المهديّ أحسن الجنّ والإنس والوحش والطير صوتا، وحسبك هذا.
سمع إسحاق الموصلي صوتا من لحنه وشعره فطرب له واستعاده عامة يومه وقصة ذلك:
حدّثني عليّ بن هارون المنجّم قال حدّثني محمد بن أحمد بن عليّ بن يحيى قال سمعت جدّي عليّ بن يحيى يقول حدّثني محمد بن الفضل الجرجرائي [4] قال:
/ انتبهت يوما مغلّسا، فدخل إليّ الغلام فقال لي: إسحاق الموصليّ بالباب قبل أن أصلّي الغداة. فقلت:
يدخل، في الدنيا إنسان يستأذن لإسحاق! فدخل فقال: حملني الشوق إليك على أن بكرت هذا البكور، وقد حملت معي نبيذي وعملت على المقام عندك. فقلت: مرحبا بك وأهلا. ودعوت طبّاخي فسألته عمّا في
__________
[1] كذا في ج. وفي سائر الأصول: «إذا» وهو تحريف.
[2] في ب، س: «الحسين بن إبراهيم بن رياح» وورد في الأصول المخطوطة كما أثبتناه.
[3] يقال حفه القوم وبه وحواليه إذا أحدقوا به وأطافوا وعكفوا، فلعله يريد هنا حتى أحدقت به مضيفا عليه بالجواب.
[4] كذا في الطبري (ق 3 ص 1379، 1407، 1514) وفي الأصول: «الجرجاني» وهو تحريف.
المطبخ، فذكر أشياء يسيرة، منها قطعة جدي وطباهج [1] ودرّاج معلّق. فقال: ما أريد غير ذلك، هاته الساعة.
فقلت للطبّاخ: عجّل بإحضاره، وعملت على الأكل معه وعلى أن نأخذ في شأننا. فدخل حاجبي فقال: رسول الأمير إسحاق [2] بن إبراهيم بالباب، وإذا فرانق يذكر أنه وجّه به إلى محمد بن الفضل ليحضره. قال فقال لي إسحاق: قم في حفظ اللّه واجتهد في أن تتعجّل. قال: فتقدّمت إلى الخادم بإخراج الجواري إليه ووضع النّبيذ بين يديه، ولبست ثيابي وخرجت وركبت. فلمّا سرت قليلا قلت في نفسي: أنا أخسر النّاس صفقة إن تركت إسحاق بن إبراهيم الموصليّ في منزلي ومضيت إلى إسحاق بن إبراهيم المصعبيّ، ولا أدري ما يريد منّي. فقلت لفرانق: هل لك في خير؟ قال: وما هو؟ قلت: تأخذ ثلاثين درهما وتمضي فتقول: إنك وجدتني شارب دواء.
قال نعم. فدفعت إليه ثلاثين درهما، وختمت له ختما ورجعت. فقال لي إسحاق: أسرعت الكّرة، فأخبرته بما صنعت؛ فقال وفّقت. فجلست وكان يأكل فأكلت معه، فأخذنا في شأننا. وخرج الجواري إليه فغنّين حتى مرّ صوت إبراهيم بن المهديّ في شعره وهو:
جدّد الحبّ بلايا ... أمرها ليس يسيرا
/ - ولحنه من الثّقيل الثاني - قال: فطرب إسحاق طربا ما رأيته طرب مثله قطّ، وعجب من إحسانه في صنعته وجودة قسمته، ولم يزل صوتنا يومنا أجمع لا نغنّي غيره حتى شرب إسحاق قطر ميزة [3]، وفيه من المشمّس [4] الذي كان يشربه ثلاثة عشر رطلا، وكلّما حضرت صلاة قام إسحاق يصلّي بنا، فصلّى بنا العتمة وقد فني قطر ميزه فشرب من نبيذي رطلين على الصوت. قال: وكان محمد بن الفضل ينزل بسوق الثلاثاء وإسحاق ينزل على نهر المهديّ. وقد وزّر محمد بن الفضل للمتوكّل قبل عبيد اللّه بن يحيى.
نسبة هذا الصوت
جدّد الحبّ بلايا ... أمرها ليس يسيرا
كبر الحبّ وقدما ... كان إذ حلّ صغيرا
ذلّل [5] الحبّ رقابا ... كان أدناها عسيرا
ليس لي من حبّ إلفي ... غير حرماني السرورا
الشّعر والغناء لإبراهيم بن المهديّ ثاني ثقيل.
أحب جارية عند بعض أهله وقال فيها شعرا:
أخبرني محمد بن يحيى الصّوليّ قال حدّثني محمد بن موسى بن حمّاد قال حدّثني عبد الوهّاب بن محمد بن عيسى قال:
__________
[1] الطباهج: الكباب. (فارسي معرب). والدراج: ضرب من الطير يطلق على الذكر والأنثى.
[2] هو إسحاق بن إبراهيم المصعبي حاكم بغداد في أيام المأمون والمعتصم والواثق، وهو من أرباب المكانة العالية في الرواية والأدب ونقد الغناء. (انظر الحاشية رقم 1 من كتاب «التاج» للجاحظ ص 31).
[3] القطرميز: قلة كبيرة من الزجاج، فارسي معرب.
[4] كذا في ج ولعله يعني به نبيذا من الأنبذة صنع في الشمس. وفي أ، م: «المشمشي». وفي ب، س: «المشمش».
[5] في أ، م: «ملك».
استتر إبراهيم بن المهديّ عند بعض أهله من النّساء، فوكّلت بخدمته جارية جميلة وقالت همسا: إن أرادك لشيء فطاوعيه وأعلميه ذلك حتى يتّسع له، فكانت توفّيه حقّه في الخدمة والإعظام ولا تعلمه بما قالت لها؛ فجلّ مقدارها في نفسه إلى أن قبّل يوما يدها، فقبّلت الأرض بين يديه. فقال:
يا غزالا لي إليه ... شافع من مقلتيه
/ والذي أجللت خدّ ... يه فقبّلت يديه
بأبي وجهك ما أك ... ثر حسّادي عليه
أنا ضيف وجزاء الضّ ... يف إحسان إليه
قال: وعمل فيه بعد ذلك لحنا في طريقة الهزج.
غنى للمأمون بشعر له وكان يخشى بطشه فرق له وأمنه:
وقال أحمد بن أبي طاهر:
غنّى إبراهيم بن المهديّ يوما والمأمون مصطبح، وقد كان خافه وبلغه عنه تنكّره:
ذهبت من الدنيا وقد ذهبت منّي ... هوى الدهر بي عنها وولّى بها عنّي
فرقّ له المأمون لمّا سمعه، وقال له: واللّه لا تذهب نفسك يا إبراهيم على يد أمير المؤمنين، فطب نفسا؛ فإنّ اللّه قد أمّنك إلّا أن تحدث حدثا يشهد عليك فيه عدل، وأرجو ألّا يكون منك حدث إن شاء اللّه.
نسبة هذا الصوت
صوت
ذهبت من الدّنيا وقد ذهبت منّي ... هوى الدّهر بي عنها وولّى بها عنّي
فإن أبك نفسي أبك نفسا نفيسة ... وإن أحتسبها أحتسبها على ضنّ
الشّعر والغناء لإبراهيم بن المهديّ ثاني ثقيل بالوسطى. وهذا الشعر قاله إبراهيم بن المهديّ لمّا أخرج الجند عيسى [1] بن محمد ابن أخي خالد من الحبس، وله في ذلك خبر طويل، وقد شرطنا ألّا نذكر من أخباره إلا ما كان من جنس الغناء.
وفي هذه القصيدة يقول:
/و أفلتني عيسى وكانت خديعة ... حللت بها ملكي وفلّت بها سنّي
قال ابن أبي طاهر وحدّثني أبو بكر بن الخصيب قال حدّثني محمد بن إبراهيم قال:
غنّى إبراهيم بن المهديّ يوما عند المأمون فأحسن، وبحضرة المأمون كاتب لطاهر يكنى أبا زيد، فطرب
__________
[1] كان من القوّاد، وقد ناصر إبراهيم بن المهدي في وثوبه على الخلافة، وكان من وجوه شيعته ثم غضب عليه وأمر بضربه وحبسه لخيانة ظهرت منه. (انظر «تاريخ الطبري» «ق 3 ص 1002، 1004، 1006، 1007، 1011، 1022، 1023، 1030 - 1034).
حتى وثب فأخذ طرف ثوب إبراهيم فقبّله. فنظر إليه المأمون منكرا لفعله. فقال/ ما تنظر! أقبّله واللّه ولو قتلت عليه! فتبسّم المأمون وقال: أبيت إلّا ظرفا.
أراد الحسن بن سهل أن يضع منه فعرض هو به:
قال آبن أبي طاهر وحدّثني عليّ بن محمد قال سمعت بعض أصحابنا يقول:
اجتمع إبراهيم بن المهديّ والحسن بن سهل عند المأمون؛ فأراد الحسن أن يضع [1] من إبراهيم فقال له: يا أبا إسحاق أيّ صوت تغنّيه العرب أحسن؟ يريد بذلك أن يشهّر إبراهيم بالغناء والعلم به. فقال إبراهيم: بيت الأعشى:
تسمع للحلي وسواسا إذا انصرفت
أي إنك موسوس، وكان بالحسن شيء من هذا.
غنت مغنية بحضرته فداعبها:
أخبرني عمّي عن جدّي عن عليّ بن يحيى المنجّم قال:
غنّت مغنّية وإبراهيم بن المهديّ حاضر:
من رأى نوقا غدت سحرا
فقال إبراهيم: أنا رأيت هذا. قيل له: وأين رأيته أيها الأمير؟ قال: رأيت ولد عليّ بن ريطة يمضون في السّحر إلى الصيد.
سمعته رومية أعجمية فبكت تأثرا من صوته:
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثني الحسن بن عليل العنزيّ قال حدّثني بعض الكتّاب عن ريّق قالت:
/ خرجت يوما إلى سيّدي (تعني إبراهيم بن المهديّ) وقد صنع لحنه في:
وإذا تباع كريمة أو تشترى ... فسواك بائعها وأنت المشتري
وإذا صنعت صنيعة أتممتها ... بيدين ليس نداهما بمكدّر
وجارية لنا روميّة أعجميّة لا تفصح في أقصى الدار تكنس، وهو يطرح الصوت على شارية، والأعجميّة تبكي أحرّ بكاء سمعته قطّ، فجعلت أعجب من بكائها وأنظر إليها حتى سكت، فلما سكت قطعت البكاء، فعلمت أنّ هذا من غلبته بحسن صوته لكلّ طبع فصيح وأعجميّ.
غنى الأمين صوتا فأجازه:
أخبرني الحسين بن يحيى وابن المكّيّ وابن أبي الأزهر عن حمّاد بن إسحاق عن أبيه قال:
غنّى إبراهيم بن المهديّ ليلة محمدا الأمين صوتا لم أرضه في شعر لأبي نواس وهو:
يا كثير النّوح في الدّمن ... لا عليها بل على السّكن
سنّة العشّاق واحدة ... فإذا أحببت فاستكن
__________
[1] في ب، س: «يسمع» وهو تحريف.
ظنّ بي من قد كلفت به ... فهو يجفوني على الظّنن
رشأ لو لا ملاحته ... خلت الدّنيا من الفتن
فأمر له بثلاثمائة ألف درهم [1]. قال إسحاق فقال إبراهيم له: يا أمير المؤمنين قد أجزتني إلى هذه الغاية بعشرين ألف [2] درهم، فقال: هل هي إلا خراج بعض الكور!. هكذا ذكر إسحاق. وقد روى محمد بن الحارث بن بسخنّر هذه الحكاية عن إبراهيم فقال: لمّا أردت الانصراف قال: أوقروا زورق عمّي دنانير، فانصرفت بمال جليل.
كان يحسن الإيقاع على الطبل والناي:
أخبرني أبو الحسن عليّ بن هارون قال ذكر لي أبو عبد اللّه الهشاميّ عن أهله قال قال إبراهيم بن المهديّ - وقد خرج إلى ذكر الطّبل والإيقاع به - فقال إبراهيم:
/ هو من الآلات التي لا يجوز أن تبلغ نهايتها. فقيل له: وكيف خصّ الطّبل بذلك؟ فقال: لأن عمل اليدين فيه عمل واحد، ولا بدّ من أن يلحق اليسار فيه نقص عن اليمين، ودعا بالطّبل ليرينا كيف ذلك فأوقع إيقاعا لم نكن نظنّ أن مثله يكون، وهو مع ذلك يرينا موضع زيادة اليمين على اليسار. قال وقال له الأمين في بعض خلواته: يا عمّ أشتهي أن أراك تزمر. فقال: يا أمير المؤمنين، ما وضعت على فمي نايا قطّ ولا/ أضعه، ولكن يدعو أمير المؤمنين بفلانة - من موالي المهديّ - حتى تنفخ في النّاي وأمرّ يدي عليه. فأحضرت ووضعت النّاي على فيها وأمسكه إبراهيم، فكلما مرّ الهواء أمرّ أصابعه، فأجمع سائر من حضر أن لم يسمع مثله قطّ.
حسن ترجيعه في لحن:
وأخبرني أبو الحسن عليّ بن هارون أيضا قال حدّثني أبي قال حدّثني عبيد اللّه بن عبد اللّه وأبو عبد اللّه الهشاميّ قالا:
كان إبراهيم بن المهديّ إذا غنّى لحنه:
هل تطمسون من السماء نجومها ... بأكفّكم أو تسترون هلالها
فبلغ إلى قوله:
جبريل بلّغها النبيّ فقالها
هزّ حلقه فيه ورجّعه ترجيعا تتزلزل منه الأرض.
غنت متيم الهشامية لحنا فاختلس إيقاعه منها:
أخبرني محمد بن إبراهيم قريض قال حدّثني عبد اللّه بن المعتزّ قال حدّثني الهشاميّ قال:
كانت متيّم الهشاميّة ذات يوم جالسة بين يدي المعتصم ببغداد وإبراهيم بن المهديّ حاضر، فتغنّت متيّم في الثقيل الأوّل:
__________
[1] في ب، س: «دينار».
[2] في ب، س: بعشرين ألف ألف درهم هل هي إلخ».
لزينب طيف تعتريني طوارقه
/ فأشار إليها إبراهيم أن تعيده. فقالت متيّم للمعتصم: يا سيّدي إن إبراهيم يستعيدني الصوت وأظنّه يريد أن يأخذه. فقال لها: لا تعيديه. فلما كان بعد أيام كان إبراهيم حاضرا بمجلس المعتصم وكانت متيّم غائبة عنه، فانصرف إبراهيم بالليل إلى منزله ومتيّم في منزلها بالميدان وطريقه عليها وهي في منظرة لها مشرفة على الطريق وهي تطرح هذا الصوت على بعض جواري بني هاشم، فتقدّم إلى المنظرة على دابّته وتطاول حتى أخذ الصوت، ثم ضرب باب المنظرة بمقرعته وقال: قد أخذناه بلا حمدك.
نسبة هذا الصوت
لزينب طيف تعتريني طوارقه ... هدوءا إذا النّجم ارجحنّت [1] لواحقه
سيبكيك مرنان [2] العشيّ يجيبه ... لطيف بنان الكفّ درم [3] مرافقه
إذا ما بساط اللّهو مدّ وقرّبت ... للذّاته أنماطه ونمارقه [4]
الشعر للنّميريّ. والغناء لمعبد، ولحنه من القدر الأوسط من الثّقيل الأول بالبنصر في مجراها عن إسحاق.
وفيه لمالك خفيف ثقيل أوّل بالبنصر عن يونس والهشاميّ.
برهان محمد بن موسى المنجم على أنه أحسن الناس غناء:
أخبرني عليّ بن هارون قال حدّثني عبيد اللّه بن عبد اللّه بن طاهر قال:
كان محمد بن موسى المنجّم يقول: حكمت أنّ إبراهيم بن المهديّ أحسن الناس كلّهم غناء ببرهان، وذلك أنّي كنت أراه بمجالس الخلفاء مثل المأمون والمعتصم يغني المغنون ويغنّي، فإذا ابتدأ الصوت لم يبق من الغلمان والمتصرّفين في الخدمة وأصحاب الصناعات والمهن الصّغار والكبار أحد إلّا ترك ما في يده وقرب من أقرب موضع يمكنه أن يسمعه، فلا يزال مصغيا إليه لاهيا عمّا كان فيه ما دام يغنّي، حتى إذا أمسك وتغنّى غيره رجعوا إلى التّشاغل بما كانوا فيه ولم يلتفتوا إلى ما يسمعون./ ولا برهان أقوى من هذا في مثل هذا من شهادة الفطن له واتّفاق الطّبائع - مع اختلافها وتشعّب طرقها - على الميل إليه والانقياد له.
كانت له أشياء لم يكن لأحد مثلها:
حدّثني أحمد بن جعفر جحظة قال حدّثني هبة اللّه بن إبراهيم بن المهديّ قال:
قلت للمعتصم: كانت لأبي أشياء لم يكن لأحد/ مثلها. فقال: وما هي؟ قلت: شارية وزامرتها معمعة.
فقال: أمّا شارية فعندنا، فما فعلت الزّامرة؟ قلت: ماتت. قال: وماذا؟ قلت: وساقيته مكنونة، ولم ير أحسن وجها ولا ألين ولا أظرف منها. قال: فما فعلت؟ قلت: ماتت. قال: وماذا؟ قلت: نخلة كانت تحمل رطبا طول الرّطبة
__________
[1] ارجحن النجم: مال نحو المغرب.
[2] المرنان: الكثير الرنين، ويقال: سحابة مرنان وقوس مرنان، أي كثيرة الرنين. والمراد هنا: آلة الطرب.
[3] درم: جمع أدرم وهو من لا حجم لعظامه.
[4] نسب هذا البيت في «الكامل» للمبرد ص 708 طبع أوربا لنصيب.
منها شبر. قال: فما فعلت؟ قلت: جمّرتها [1] بعد وفاته. قال: وماذا؟ قلت: قدحه الضّخضاح. قال: وما فعل؟
قلت: الساعة واللّه حجمني فيه أبو حرملة فسألته أن يهبه لي ففعل، ووجّهت به إلى منزلي فغسل ونظّف وأعيد إلى خزانتي، فرأيت أبي فيما يرى النائم في ليلتي تلك وهو يقول لي:
أيترع ضخضاحي دما بعد ما غدت ... عليّ به مكنونة مترعا خمرا
فإن كنت منّي أو تحبّ مسرّتي ... فلا تغفلن قبل الصّباح له كسرا
فانتبهت فزعا وما فرق [2] الصبح حتى كسرته.
كتب إليه إسحاق الموصلي فأجابه:
فأمّا المماظّة [3] التي كانت بينه وبين إسحاق فقد مضى في خبر إسحاق منها طرف. ونذكر ها هنا منها ما جرى مجرى محاسن إبراهيم والقيام بحجّته إن كانت له، وعذره [4] فيما عيب عليه لأنه بذلك حقيق. فمن ذلك نسخت من كتاب أعطانيه أبو الفضل العبّاس بن أحمد بن ثوابة رحمه اللّه بخطّ إسحاق في قرطاس - وأنا أعرف خطّه - وجواب لإبراهيم بن المهديّ في ظهره بخطّ ضعيف وأظنّه خطّه؛ لأنه لو كان خطّ/ كاتب [5] لكان أجود من ذلك الخطّ، وقد ذهب أوّل الكتاب فذهب منه أوّل الابتداء والجواب، ونسخت بقيّته؛ فكان ما وجدته من ابتداء إسحاق:
وكنت - جعلت فداءك - كتبت في كتابك إلى محمد بن واضح تذكر أنك مولاي وسيدي [6]. فمتى دفعت ذلك! وهل لي فخر غيره! أو لأحد عليّ وعلى أبي رحمه اللّه من قبلي نعمة سواكم!. وأحبّ [7] ذلك أن يكون، وأرجو أن أموت قبل أن يبتليني اللّه بذلك إن شاء اللّه. فأمّا ذكرك - جعلت فداءك - الصناعة فقد أجلّ اللّه قدرك عن الحاجة إلى دفعها والاعتذار عنها. وأمّا أنا المسكين فأنت تعلم أني لم أتّخذ ما نحن فيه صناعة قطّ، وأني لم أردها إلّا لكم شكرا لنعمتكم وحبّا للقرب منكم وإليكم. فليس ينبغي أن يعيبني ذلك عندكم، ولا يجوز لأحد أن يعيبني به إذ كان لكم. وقد علمت أنك لم تضعني من علّويه ومخارق بحيث وضعتني إلّا لغضب أحوجك إلى ذلك، وإلّا فأنت تعلم أنهما لو كانا مملوكين لي لآثرت تعجيل الرّاحة منهما بعتقهما أو تخلية سبيلهما على ثمن أصيبه ببيعهما أو حمد أكتسبه بثمنهما، فكيف أظنّ أني عندك مثلهما، أو أنك تقرنني [8] إليهما وتذكرني معهما!. أو تلومني الآن على أن أخرس فلا أنطق بحرف، وأن أفرّ من الغناء فرارك من الخطأ فيه، وأمتعض منه امتعاضك ممن يخفي عليك شيئا من علومه!. كيف ترى - جعلت فداءك - الآن سبابي وأنت ترى أنّ أحدا لا
__________
[1] جمر النخلة: قطع جمارها.
[2] فرق الصبح: تبين واتضح.
[3] المماظة: المخاصمة والمنازعة.
[4] في الأصول: «و عذر» من غيرهاء الضمير.
[5] كذا في ب، س. وفي سائر النسخ: «كتابه».
[6] كذا في أ، م. وفي سائر النسخ: «مولى وسيد».
[7] كذا في الأصول ولعل صوابه: «و لا أحب ذلك أن يكون إلخ».
[8] في الأصول: «تقربني» وهو تحريف.
يحسن [1] السّبّ غيرك!. قد أحدثت لي - جعلت فداءك - أدبا وزدتني بصيرة فيما أحبّ من تركه وترك الكلام فيه. فإن ظننت أنّ هذا فرار من الحجّة وتعريد [2] عن المناظرة، كما قلت، فقد ظفرت وصرت إلى ما أحببت؛ وإلّا فإنه لا ينبغي للحرّ أن يتلهّى بما لا تقوم لذّته بمعرّته،/ ولا لعاقل أن يبذل ما عنده لمن لا يحمده، ولعلّه لا يقلّب العين فيه حتى يلحقه ما يكره منه. وأمّا ما قاله أبي - رحمه اللّه - من أنه لم يزل يتمنّى أن يرى من/ سادته من يعرف قدره حقّ معرفته ويبلغ علمه بهذه الصناعة الغاية العظمى حتى رآك، فقد صدق، ما زال يتمنّى ذلك وما زلت أتمنّاه. فهل رأيت - جعلت فداءك - حظّي [3] منه إلّا بأن ساويت به [4] من لم يكن يساوي شسعه، ولعلك لا ترضى في بعض القوم حتى تفضّله عليه، لا تنفعه عندك معرفة به، ولا رعاية لطول الصّحبة والخدمة، ولا حفظ لآثار محمودة باقية نذكرها ونحتجّ بها. ثم ها أنا من بعده تضعني بالموضع الذي تضعني به، وتنسبني إلى ما تنسبني إليه؛ لأني توخّيت الصواب واجتهدت في البذل والمناصحة، لا يدفعك عنّي حفظ لسلف، ولا صيانة لخلف، ولا استدامة لقديم ما نعلم، ولا مصانعة لما تطلب، ولا ولاء مما أكره أن أقوله [5]. فما أرى - جعلت فداءك - من معرفتك بما في أيدينا إلّا تجرّع الحسرات، وتطلّبك لنا العثرات، واللّه المستعان. كيف أصنع جعلت فداءك! إن سكتّ لم تقبل ذلك مني، وإن صدقت كذّبتني، وإن كذبت ظفرت بي، وإن مزحت لأطربك وأضحكك وأقرب من أنسك وآخذ بنصيبي من كرمك غضبت وسببت، ولو كنت قريبا منك لضربت! وليتك فعلت، فكان ذلك أيسر من غضبك. ثم من أعظم المصائب عندي أمرك إيّاي أن أسأل محمد بن واضح عن قول قلته فيّ عند عمرو بن بانة. فو اللّه - جعلت فداءك - إني لأبشع [6] بذكره فكيف أحبّ أن أذكره وأذكر له!. وإني لأرثي لك من النّظر إليه، وأعجب من صبرك عليه، مع أني - أعوذ باللّه من ذلك - لو رغبت في هذا منه ومن مثله لكفيتك ونفسي ذلك بأن أكسوه ثوبين، أو أهب له دينارين، أو أقول له أحسنت في صوتين، حتى نبلغ أكثر مما أردت لي أو أريده لنفسي. فالحمد للّه الذي جعل/ حظّي منك هذا! ومثله غير مستصغر لشأنك ولا مستقلّ لقليل حسن رأيك. واللّه أسأل أن يطيل بقاءك، ويحسن جزاءك، ويجعلني فداءك. قد طال الكتاب، وكثر العتاب. وجملة ما عندي [7] من الإعظام والإجلال اللّذين لا أخاف أن أجعلهما عندك، والمحبة التي لا أمتنع منها ولا أعرف سواها، والسمع والطاعة في تسليم ما تحب تسليمه والإقرار بما أحببت أن أقرّ به، وسأشهد على ذلك محمد بن واضح وأشهد لك به من أحببت وأؤدّي الخراج. ولكن لا بدّ من فائدة وإلّا انكسر، فهات - جعلت فداءك - وأوف واستوف فإنك واجد صحة واستقامة إن شاء اللّه. مدّ اللّه في عمرك، وصبّرني عليك، وقدّمني قبلك، وجعلني من كل سوء فداءك.
__________
[1] كذا في الأصول.
[2] التعريد: الفرار.
[3] لعله: «حظه».
[4] كذا في ج. وفي سائر الأصول «فيه» وهو تحريف.
[5] كذا في الأصول.
[6] بشع بالأمر: ضاق به ذرعا.
[7] كذا في الأصول ولعلها: «و جملة ما عندي الإعظام والإجلال اللذان إلخ».
نسخة جواب إبراهيم بعد ما ذهب منه
وأيّة سلامة أقدر لك عليها إلّا أسوقها إليك، أعطاني اللّه ما أحبّ من ذلك لك. فأمّا أن أتكلّم من ورائك بشيء تستثقله متعمّدا؛ فما أنا إذا بحرّ ولا كريم، معاذ اللّه من ذلك!. ولئن جمعني وإيّاك وعليّ بن هشام مجلس لأستشهدنّه على أشياء لم أذكرها لك، ولم أكتب بها إليك، إجلالا لقدر حالك عندي من اعتداد بمثل ذلك مني، وأنت عنه غافل، واللّه به عليم. وأما الرشوة [1] فأرجو أن تجيئك على ما تشتهي آتاك اللّه ما تحب فيما تحب وتكره وجعلك له شاكرا. وأمّا الفوائد التي وعدت ورودها علينا فإنّي لواثق أنك لا تفيدني شيئا فأنظر فيه إلّا وجدتني فيه فطنا أجيد تفتيشه وأعرف كنهه وأفيدك فيه وفيما استنبطت منه ما لا تجد عند نفسك/ أكثر منه، فأما غيرك فالهباء المنثور. ويا رأس المشنّعين [2] تقول إني عيّرتك بالصّناعة ثم تحتج بحذقك في تحريف الأقوال واكتساب الحجج، لتفحم خصمك، وتعلي حجّتك،/ فكيف أعيبك بحاجتي إليك، وما أنا داخل فيه معك! لا! ولكني قلت لك: إني لست كفلان وفلان ممن لو كان عنده أمر ينازعك به ثقل عليك، إنما أنا رجل من مواليك متوسّل إليك بما يسرّك، أو كصاحب لك تناظره بما تحب أن تجد من تناظره فيه، فليكن ذلك بالإنصاف وطلب الصواب أصبته أو أخطأته، لا بالحميّة والأنفة والحيلة لتردّ الحقّ بالباطل. هذا معنى قولي؛ وقد استشهدت عليك فيه أبا جعفر، وجاءني كتابك وهو عندي يشهد لي. والكتاب الذي هذا فيه بخطّي عنده [3] لم يردّه عليّ، فتتبّع ما فيه وخذني به. فلعمري لئن كنت قرنتك بمن ذكرت لأعيبك بالتشبيه لك بهم ما عبت غير رأيي، ولا جهّلت غير نفسي. ولست أعتذر من هذا لأنك تشهد لي بالحقّ فيه، وإنما تريد أن تخصمني [4] بلا حجّة، فيكفيني علمك بما عندي، وإلّا فأنت إذا بي أجهل منّي بك. وقلت: «تذكرني معهما [5]» فقد ذكر اللّه النار مع الجنة، وموسى مع فرعون، وإبليس مع آدم، فلم يهن بذلك موسى ولا آدم ولا أكرم فرعون وإبليس، فأعفني من المغالطة لي والتحريف لقولي، واستمتع بي وأمتعني بالمصادقة. فإن أنت لم تفعل بقيت واحدا مستوحشا، ولم تجد غيري إن علم ما تعلم لم ينقصك، وإن علم أكثر منك لم يشنك، وإن أفهمته كافاك، وإن استفهمته شفاك. لا واللّه ما أردت إلا ما ذكرته لك، ولا أحسبك ظننت فيّ غير ذلك؛ لأنك لا تجهلني فأنا عندك غير جاهل. وواحدة هي لك دوني، وو اللّه ما كنت أبالي ألّا أسمع من مخارق وعلّويه شيئا حتى أسمع بنعيهما، ولا أراهما حتى أراهما ميّتين، وما في هذا غيرك والإعظام لك والإكرام. وذلك أنهما كانا لك غلامين فصيّرتهما ندّين تقول فيهما ويقولان فيك، وإنّما هما صنيعتاك وخرّيجا/ تأديبك وإن كانا غير طائل. فلو أعرضت عن انتقاصهما ورفعت ما رفع اللّه من قدرك عن الإفراط في عيبهما، لكان ذلك أشبه بك وأجمل بمحلّك وخطرك ومكانك. وكذلك الذي ترثي له منه وصاحبه محمد بن الحارث، فو اللّه ما أحبّ لك في أدبك وفضلك ودينك ومحلّك أن تشهّر نفسك لهما بهذا ومثله، وأن ينتهي إليهما ذلك عنك. أقول يعلم اللّه في ذلك لا لهما [6]. وإنّ
__________
[1] لعل إبراهيم يشير بهذا ونحوه إلى أشياء خاصة جرت بينه وبين إسحاق.
[2] كذا في ج وفي سائر الأصول: «المغنين».
[3] في ب، س: «عندك لم تردّه عليّ».
[4] خصمه يخصمه (بكسر الصاد في المضارع): غلبه في الخصومة. وكسر عين الفعل في المضارع هنا شاذ في هذا الباب.
[5] يريد مخارقا وعلويه، كما سيأتي في السياق.
[6] كذا في الأصول. ولعل صواب العبارة: «أقول - يعلم اللّه - ذلك لك لا لهما».
ذلك، لو صرت إليه، لأجمل بك وأجلّ لقدرك وإن كنت لتتخوّلهما به. ولو أردت ذلك، وإن زهدت فيه، لم تضع نفسك ومحلّك مع غلمان أحداث يبسطون ألسنتهم فيك بما بسطته منهم على نفسك، ولو لم تفعل لكنت أعظم في عيونهم من بعض مواليهم الذين تولّوا منّتهم. هذا رأيي لك بما هو أكبر لأمرك وأشبه بمحلّك. وو اللّه ما غششتك ولا أوطأتك عشواء، فاختر لنفسك ما رأيت. ولا واللّه لا سمعا بهذا أبدا ولا بما قلته فيّ إلا خزيا حتى يموتا، ولا أردت - يشهد اللّه - بهذا غيرك. وأمّا من ذكرت أنّي أسوّيه بأبي إسحاق رحمه اللّه وهو لا يساوي شسعه فإنك عنيت ابن جامع. وأنت لا تدخل بيني وبين أبي إسحاق رضي اللّه عنه، ولا أظنك واللّه أشدّ حبّا له مني، ولا كان لك أشدّ حبّا منه لي، فقد تعلم كيف كان لي، ولكن لا أظلم ابن جامع كما تظلمه أنت/ يا أظلم البشر. ولئن ضمنت أن تنصفني لأكلمنّك فيه بما لا تدفعه، ولكنّي لا أكلّمك في شيء حتى أثق بهذه منك، وإلّا وسعني من السكوت ما وسعك. ومن العجب الذي لم أر مثله والمكابرة التي لا يشبهها شيء اعتداؤك عليّ في التجزئة حيث [1] تقول:
حيّيا أمّ يعمرا ... قبل شحط من النّوى
/ يا أخي وحبيب نفسي فانظركم في هذا من العيوب!! قولك: «ييا» ليكون مثل «شحط» في الوزن، أيكون مثل هذا في الكلام! في الجزء الثاني «حيّ» حتى يكون مثل «قبل»، هل يكون مثل هذا! أو ليس في «ييا» المشدّدة أربع ياءات، وفي «حي» التي عطفت بها ثلاث فتصير سبع ياءات، وإنّما هي ثلاث في الأصل: الياء المشدّدة وياء الإثنين حيث [2] تقول «حييا»!. والناس في هذا بيني وبينك بهائم، فمن أستعدي عليك! ولو أنصفت لعلمت أنّه لا يمكن في:
حيّيا أمّ يعمرا
غير ما جزّأت أنا إلّا بهذا الغلط الذي لا يحول من تحريك ساكن تجعله أوّل الكلام فقد زدت قبله حرفا، أو تسكين متحرّك فتريد بعده حرفا؛ كقولك «أم يعمرا قابل شحطن» حيث جعلت قبل الباء ألفا، وكقولك «أم يعمرن قبلا» فزدت الألف لتسكت عليها لأن السكوت على متحرّك لا يمكن. فأيّة حجّة هذه! أو من يصبر لك على هذا! وإنما أردت أنا ما يجوز فجئني بتجزئة واحدة، لا أريد غير ذلك منك. مالك يا أخي تنفس عليّ الصواب فيما لا نقيصة عليك فيه ولا عيب، ثم اتخذت تحمّدي إليك، بما قلت لك أن تسأل محمدا عن [3] قولي فيك بظهر الغيب. ذنبا بطبعك على الظلم والتحريف، حتى كأني أعلمتك أن أحدا تنقّصك فحميت لذلك، ولم يكن غير الردّ عليه. واللّه ما مثلي يمنّ بهذا، ولكنّي كنت إذا تحدّثت مع محمد خاليا كلّمته بمثل ما أكلّمك به من الردّ والجدل، فلما كان عندنا من يحتشم كان كلامي بما يجب [4] أن أتكلّم به من الإكرام والتقديم، فقال لي: أيّ شيء هذا الذي أرى؟ فقلت له: هذا كلام الحشمة وذلك كلام الأنس. فأردت بإعلامك هذا أن تعلم أنّي لا أريد بما أنازعك فيه شيئا يزيغ عما تعرف مني، وأني أذكرك/ بما يشبهك في موضعه. فلو اتّقيت اللّه وأبقيت على الإخاء لما كنت تحرّف هذا بشيء، وهو جميل أرضاه من نفسي، فتصيّره قبيحا تريد أن أعتذر إليك منه.
وأما أداء الخراج والإشهاد، فهذا شيء لم أطلبه منك، إنما أنت طلبته منّي ظالما لي. وذلك لأني لم أنازعك إلّا منازعة مناظر يحبّ أن يعرف حسن فحصه وثاقب نظره.
__________
[1] في ج، ب، س: «حتى».
[2] في ج، ب، س: «حتى».
[3] في الأصول: «من».
[4] في الأصول: «يحب».
وأمّا الرّياسة فقد جعلها اللّه لك على أهل هذا العمل، ولا رياسة لي عليهم ولا لك عليّ؛ لأني في العلم مناظر وفي العمل متلذّذ. فلا تظلمني ولا نفسك لي.
ومن بعد فإني أحبّ أن تخبرني كيف أنت اليوم بعد. واللّه غممتني، لاغمّك اللّه ولا غمّني بك. ولو شئت أرسلت إلى يحيى بن خالد طبيب أخي عبيد اللّه فإنه رفيق مبارك عليم، وهو منك قريب في دار الرّوم، أخذت برأيه ومن علاجه. وهب اللّه لك العافية ووهبها لي فيك برحمته.
وإنّما ذكرت هذا الابتداء وجوابه على طولهما، وهما قليل من كثير من مكاتباتهما، لتعرف بهما طرفا من مقدارهما في المنازعة والمجادلة، وأن إسحاق كان يريد من إبراهيم التّواضع له والخنوع برياسته ويتحامل عليه في بعض/ الأوقات، وينحو إبراهيم نحو ما فعله به؛ لأنّ نفسه تأبى ما يريده إسحاق منه، فيستعمل معه من المباينة مثل ما استعمله، ويكونان في طرفين من الظّلم يبعد كلّ واحد منهما عن إنصاف صاحبه. وقد روى يوسف بن إبراهيم أخبارا فيما جرى بينهما - فوجدت كلامهما مرصوفا رصف إبراهيم بن المهديّ ومنظوما نظم منطقه - فيها تحامل على إسحاق شديد، وحكايات ينسب من نقلها إلى جهل بصناعته كان إسحاق بعيدا من مثله، فعلمت أن إبراهيم عمل ذلك وألّفه وأمر يوسف بنشره في الناس ليدور في أيديهم ذكر له يفضل به. وذلك بعيد وقوعه، ولن تدفع الحقائق بالأكاذيب، ولا يزيل/ الخطأ الصواب، ولا الخطل السداد. وكفى من نضح عن إسحاق بأن أغاني إبراهيم بن المهديّ لا يكاد يعرف منها صوت ولا يروى منها إلّا اليسير، وأنّ كلامه في تجنيس الطرائق اطّرح، وعمل على مذهب إسحاق، وانقضى الصّنع لإبراهيم بذلك مع انقضاء مدّته، كما يضمحلّ الباطل مع أهله. فعدلت عن ذكر تلك الأخبار؛ لا لأنّها لم تقع إليّ، ولكنّها أخبار يتبين فيها التحامل والحنق، وتتضمّن من السبّ لإسحاق والشتم والتجهيل ما يعلم أنه لم يكن يقضي على مثله لأحد ولو خاف القتل [1]، فاستبردت ذلك واطّرحته، واعتمدت من أخبار إبراهيم على الصحيح، وما جرى مجرى هذا الكتاب من خبر مستحسن وحكاية ظريفة دون ما يجري مجرى التحامل؛ فقد مضى في صدر الكتاب من أخبارهما وإغصاص إسحاق إيّاه بريقه وتجريعه أمرّ من الصبر ما ينبىء عن بطلان غيره.
وممن صنع من أولاد الخلفاء عليّة بنت المهديّ، ولا أعلم أحدا منهم بعد إبراهيم أخيها كان يتقدّمها. وكان يقال: ما اجتمع في الجاهلية ولا الإسلام أخ وأخت أحسن غناء من إبراهيم بن المهديّ وعليّة أخته. وأخبارها تذكر بعد هذا تالية لما أذكره من غنائها. فمن صنعتها:
صوت
تضحك عمّا لو سقت منه شفا ... من أقحوان بلّه قطر النّدى
أغرّ يجلو عن غشا العين العشا ... حلو بعيني كلّ كهل وفتى
إنّ فؤادي لا تسلّيه الرّقى ... لو كان عنها صاحيا لقد صحا
الشعر لأبي النّجم العجليّ. والغناء لعليّة بنت المهديّ رمل بالوسطى.
__________
[1] في هذه الجملة غموض. ولعلها تصح على هذا الوجه « ... ما يعلم أنه لم يكن يقضي بمثله على أحد ولو خاف القتلى» أو نحو ذلك.
5 - أخبار أبي النّجم ونسبه
أصله ونسبه، وهو في الطبقة الأولى من الرجاز:
قال أبو عمرو الشّيبانيّ: اسمه المفضّل، وقال ابن الأعرابيّ: اسمه الفضل بن قدامة بن عبيد اللّه بن عبد اللّه بن الحارث بن عبدة بن الحارث بن إلياس بن عوف بن ربيعة بن مالك بن ربيعة بن عجل بن لجيم بن صعب بن عليّ بن بكر بن وائل بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعميّ بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار. وهو من رجّاز الإسلام الفحول المقدّمين وفي الطبقة الأولى منهم.
هو أبلغ في النعت من العجاج:
أخبرني أبو خليفة الفضل بن الحباب الجمحيّ إجازة عن محمد بن سلّام وذكر ذلك الأصمعيّ أيضا قالا قال أبو عمرو بن العلاء:
كان أبو النّجم أبلغ في النّعت من العجّاج.
انتصف مع الرجاز من الشعراء:
/ أخبرنا محمد بن خلف وكيع قال حدثني أبو أيّوب المدينيّ قال حدّثني الفضل بن العبّاس الهاشميّ عن أبي عبيدة قال:
ما زالت الشعراء تغلب [1] حتى قال أبو النّجم:
الحمد للّه الوهوب المجزل
وقال العجّاج:
قد جبر الدين الإله فجبر
وقال رؤبة:
وقاتم الأعماق خاوي المخترق [2]
فانتصفوا منهم.
أعظمه رؤبة وقام له عن مكانه:
ووجدت في أخبار أبي النّجم عن أبي عمرو الشّيبانيّ قال:
__________
[1] كذا في ج. وفي سائر النسخ: «تقصر بالرجاز حتى ... إلخ».
[2] المخترق: الممر.
قال له فتيان من عجل: هذا رؤبة بالمربد [1] يجلس فيسمع شعره وينشد الناس ويجتمع إليه فتيان من بني تميم، فما يمنعك من ذلك؟ قال: أو تحبّون هذا؟ قالوا نعم. قال: فأتوني بعسّ [2] من نبيذ فأتوه به، فشربه ثم نهض وقال:
إذا اصطبحت أربعا عرفتني ... ثم تجشمت الذي جشّمتني
فما رآه رؤبة أعظمه وقام له عن مكانه وقال: هذا رجّاز العرب. وسألوه أن ينشدهم فأنشدهم:
الحمد للّه الوهوب المجزل
وكان إذا أنشد أزبد ووحش بثيابه (أي رمى بها). وكان من أحسن الناس إنشادا. فلما فرغ منها قال رؤبة:
هذه أمّ الرّجز. ثم قال: يا أبا النّجم، قد قرّبت مرعاها إذ جعلتها بين رجل وابنه. يوهم عليه رؤبة أنه حيث قال:
تبقّلت [3] من أوّل التّبقّل ... بين رماحي مالك ونهشل
أنه يريد نهشل بن مالك بن حنظلة بن زيد مناة بن تميم. فقال له أبو النّجم: هيهات! الكمر [4] تشابه. أي إني إنما أريد مالك بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن عليّ بن بكر بن وائل. ونهشل قبيلة من ربيعة وهؤلاء يرعون الصّمّان [5] /و عرض الدّهناء. قال أبو عمرو: وكان سبب ذكر هاتين القبيلتين (يعني بني مالك ونهشل) أنّ دماء كانت بين بني دارم وبني نهشل وحروبا في بلادهم، فتحامى جميعهم الرّعي فيما بين فلج [6] والصّمّان مخافة أن يعرّوا [7] بشرّ حتى عفا [8] كلؤه وطال، فذكر أنّ بني عجل جاءت لعزّها إلى ذلك الموضع فرعته ولم تخف من هذين الحيّين، ففخر به أبو النّجم. قال: ويدلّ على ذلك قول الفرزدق:
أ ترتع بالأحياء سعد بن مالك ... وقد قتلوا مثنى بظنّة [9] واحد
فلم يبق بين الحيّ سعد بن مالك ... ولا نهشل إلا دماء الأساود [10]
ترتيب الرجاز في رأي بعض الرواة:
وقال الأصمعيّ: قيل لبعض رواة العرب: من أرجز النّاس؟ قال: بنو عجل ثم بنو سعد ثم بنو عجل ثم بنو سعد. (يريد الأغلب ثم العجّاج ثم أبا النّجم ثم رؤبة).
__________
[1] يعني مربد البصرة وهو من أشهر محالها، وكانت به سوق الإبل قديما ثم صار محلّة عظيمة سكنها الناس، وبه كانت مفاخرات الشعراء ومجالس الخطباء.
[2] العس: القدح الكبير.
[3] تبقلت: خرجت لطلب البقل.
[4] الكمر: جمع كمرة، وهي رأس الذكر. يريد أن الرجال اختلطت عليك. وقد صار هذا مثلا، ولفظه «الكمر أشباه الكمر».
[5] الصمان: أرض فيها غلظ وارتفاع، وفيها قيعان واسعة ورياض معشبة، وإذا أخصبت ربعت العرب جميعا. وكان الصمان في قديم الدهر لبني حنظلة، والحزن لبني يربوع، والدهناء لجماعتهم، والصمان متاخم للدهناء والعرض: الوادي.
[6] فلج: علم على عدّة مواضع.
[7] يعروا: يصابوا. وفي الأصول: «يغروا». بالغين المعجمة وهو تصحيف.
[8] عفا: كثر.
[9] الظنة: التهمة.
[10] الأساود: شخوص القتلى، وهو جمع الجمع للسواد؛ ومنه قول الأعشى:
تناهيتم عنا وقد كان فيكم ... أساود صرعى لم يسوّد قتيلها
كان يتسرع إلى رؤبة فيكفه عنه المسمعي:
أخبرني أبو خليفة عن محمد بن سلّام قال قال عامر بن عبد الملك المسمعيّ:
كان رؤبة وأبو النّجم يجتمعان عندي فأطلب لهما النبيذ، فكان أبو النّجم يتسرّع إلى رؤبة حتى أكفّه عنه.
ناجز العجاج حتى هرب منه:
ونسخت من كتاب أبي عمرو الشّيبانيّ قال حدّثني بعض البصريّين منهم أبو برزة المرثديّ - قال وكان عالما راوية - قال:
خرج العجّاج متحفّلا [1] عليه جبّة خزّ وعمامة خزّ على ناقة له قد أجاد رحلها حتى وقف بالمربد والناس مجتمعون، فأنشدهم قوله:
قد جبر الدّين الإله فجبر
/ فذكر فيها ربيعة وهجاهم. فجاء رجل من بكر بن وائل إلى أبي النّجم وهو في بيته فقال له: أنت جالس وهذا العجّاج يهجونا بالمربد قد اجتمع عليه الناس!! قال: صف لي حاله وزيّه الذي هو فيه، فوصف له. فقال:
ابغني/ جملا طحّانا قد أكثر عليه من الهناء [2]، فجاء بالجمل إليه. فأخذ سراويل له فجعل إحدى رجليه فيها واتّزر بالأخرى وركب الجمل ودفع خطامه إلى من يقوده، فانطلق حتى أتى المربد. فلمّا دنا من العجّاج قال: اخلع خطامه فخلعه، وأنشد:
تذكّر القلب وجهلا ما ذكر
فجعل الجمل يدنو من الناقة يتشمّمها ويتباعد عنه العجّاج لئلا يفسد ثيابه ورحله بالقطران، حتى إذا بلغ إلى قوله:
شيطانه أنثى وشيطاني ذكر
تعلّق الناس هذا البيت وهرب العجاج.
غلب الشعراء عند عبد الملك بن مروان أو سليمان بن عبد الملك وظفر منه بجارية:
ونسخت من كتاب أبي عمرو قال حدّثني أبو الأزهر ابن بنت أبي النّجم عن أبي النجم أنّه كان عند عبد الملك بن مروان - ويقال عند سليمان بن عبد الملك - يوما وعنده جماعة من الشعراء، وكان أبو النّجم فيهم والفرزدق، وجارية واقفة على رأس سليمان أو عبد الملك تذبّ عنه، فقال: من صبّحني بقصيدة يفتخر فيها وصدق في فخره فله هذه الجارية. فقاموا على ذلك ثم قالوا: إن أبا النّجم يغلبنا بمقطّعاته (يعنون بالرّجز)، قال: فإني لا أقول إلّا قصيدة. فقال من ليلته قصيدته التي فخر فيها وهي:
علق الهوى بحبائل الشّعثاء
/ ثم أصبح ودخل عليه ومعه الشعراء فأنشده، حتى إذا بلغ إلى قوله:
__________
[1] متحفلا: متزينا.
[2] الهناء: القطران.
منّا الذي ربع [1] الجيوش لظهره ... عشرون وهو يعدّ في الأحياء
فقال له عبد الملك: قف، إن كنت صدقت في هذا البيت فلا نريد ما وراءه. فقال الفرزدق: وأنا أعرف منه ستة عشر، ومن ولد ولده أربعة كلّهم قد ربع. فقال عبد الملك أو سليمان: ومن ولد ولده هم ولده، إدفع إليه الجارية يا غلام. قال: فغلبهم يومئذ.
قال: وبلغني من وجه آخر أنه قال له: فإذا أقررت له بستة عشر فقد وهبت له أربعة، ودفع إليه الجارية، فقدم بها البادية؛ فكان بينه وبين أهله شرّ من أجلها.
وصف جارية لخالد بن عبد اللّه القسري لساعته فوهبها له:
وقال أبو عمرو:
بعث الجنيد بن عبد الرحمن المرّيّ إلى خالد بن عبد اللّه القسريّ بسبي من الهند بيض، فجعل يهب لأهل البيت كما هو للرّجل من قريش ومن وجوه الناس، حتى بقيت جارية منهنّ جميلة كان يدّخرها وعليها ثياب أرضها فوطتان. فقال لأبي النّجم: هل عندك فيها شيء حاضر وتأخذها الساعة؟ قال: نعم أصلحك اللّه! فقال العريان بن الهيثم النّخعيّ: كذب واللّه ما يقدر على ذلك.
فقال أبو النّجم:
علقت خودا من بنات الزّطّ [2] ... ذات جهاز [3] مضغط ملطّ [4]
رابي المجسّ جيّد المحطّ ... كأنّما قطّ على مقطّ
إذا بدا منها الذي تغطّي ... كأنّ تحت ثوبها المنعطّ [5]
/شطّا [6] رميت فوقه بشطّ ... لم ينز في البطن ولم ينحطّ
فيه شفاء من أذى التّمطّي ... كهامة الشيخ اليماني الثّطّ [7]
وأومأ بيده إلى هامة العريان بن الهيثم. فضحك خالد وقال للعريان: كيف ترى!. أحتاج إلى أن يروّي [8] فيها يا عريان؟! قال: لا واللّه! ولكنّه ملعون ابن ملعون:
وقال أبو عمرو في هذه الرواية وأخبرني به عليّ بن سليمان الأخفش قال حدّثنا محمد بن يزيد المبرّد قال حدّثني محمد بن المغيرة [9] بن محمد عن الزّبير بن بكّار عن فليح بن إسماعيل بن جعفر بن أبي كثير قال:
__________
[1] ربع الجيوش: أخذ ربع أموالهم، وكان ذلك حظ الرئيس عند الغلبة، واسم هذا النصيب المرباع.
[2] الزط: جبل أسود من السند.
[3] الجهاز هنا: فرج المرأة.
[4] ملط: مستور، من ألط الشيء إذا ستره.
[5] انعط الثوب: انشق.
[6] الشط: جانب السنام.
[7] الثط: الخفيف اللحية.
[8] يروي: يتروى ويفكر.
[9] في أ، م: «المغيرة بن محمد».
غضب عليه هشام ثم سمر معه ليلة فرضي عنه:
ورد أبو النّجم على هشام/ بن عبد الملك في الشعراء. فقال لهم هشام: صفوا لي إبلا فقطّروها [1] وأوردوها وأصدروها حتى كأنّي أنظر إليها. فأنشدوه وأنشده أبو النّجم:
الحمد للّه الوهوب المجزل
حتى بلغ إلى ذكر الشمس فقال «و هي على الأفق كعين ... » وأراد أن يقول «الأحول» ثم ذكر حولة هشام فلم يتمّ البيت وأرتج عليه. فقال هشام: أجز البيت. فقال «كعين الأحول» وأتمّ القصيدة. فأمر هشام فوجيء [2] عنقه وأخرج من الرّصافة، وقال لصاحب شرطته: يا ربيع إيّاك وأن أرى هذا!، فكلّم وجوه الناس صاحب الشّرطة أن يقرّه ففعل، فكان يصيب من فضول أطعمة الناس ويأوي إلى المساجد. وقال الزّبير في خبره قال أبو النّجم: ولم يكن أحد بالرّصافة يضيف إلّا سليم بن كيسان الكلبيّ وعمرو بن بسطام التّغلبيّ، فكنت آتي سليما فأتغدّى عنده، وآتي عمرا فأتعشّى عنده، وآتي المسجد فأبيت فيه. قال: فاهتمّ هشام ليلة وأمسى لقس النّفس/ وأراد محدّثا يحدّثه، فقال لخادم له: ابغني محدّثا أعرابيّا أهوج شاعرا يروي الشعر. فخرج الخادم إلى المسجد فإذا هو بأبي النّجم، فضربه برجله وقال له: قم أجب أمير المؤمنين. قال: إنّي رجل أعرابيّ غريب.
قال: إيّاك أبغي، فهل تروي الشعر؟ قال: نعم وأقوله. فأقبل به حتى أدخله القصر وأغلق الباب، قال: فأيقن بالشرّ ثم مضى به فأدخله على هشام في بيت صغير، بينه وبين نسائه ستر رقيق والشّمع بين يديه تزهر [3]. فلما دخل قال له هشام: أبو النّجم؟! قال: نعم يا أمير المؤمنين طريدك. قال: اجلس. فسأله وقال له: أين كنت تأوي ومن كان ينزلك؟ فأخبره الخبر. قال: وكيف اجتمعا لك؟ قال: كنت أتغدّى عند هذا وأتعشّى عند هذا.
قال: وأين كنت تبيت؟ قال: في المسجد حيث وجدني رسولك. قال: ومالك من الولد والمال؟ قال: أمّا المال فلا مال لي، وأمّا الولد فلي ثلاث بنات وبنيّ يقال له شيبان. فقال: هل زوّجت [4] من بناتك أحدا؟ قال: نعم زوّجت اثنتين، وبقيت واحدة تجمز [5] في أبياتنا كأنّها نعامة. قال: وما وصّيت به الأولى؟ - وكانت تسمّى «برّة» بالراء - فقال:
أوصيت من برّة قلبا حرّا ... بالكلب خيرا والحماة شرّا
لا تسأمي ضربا لها وجرّا ... حتى ترى حلو الحياة مرّا
وإن كستك ذهبا ودرّا ... والحيّ عمّيهم بشرّ طرّا
فضحك هشام وقال: فما قلت للأخرى؟ قال قلت:
سبّي الحماة وابهتي [6] عليها ... وإن دنت فازدلفي إليها
__________
[1] قطر الإبل: قرب بعضها من بعض على نسق.
[2] في ب، س: «بوج ء عنقه وإخراجه». يقال وجأه باليد وبالسكين إذا ضربه.
[3] زهر السراج: تلألأ.
[4] في ح، ب، س: «أخرجت».
[5] جمز: عدا وأسرع.
[6] بهته: قذفه بالباطل. وهي هنا على تضمين ابهتي معنى افترى عليها فتتعدى بعلى.
وأوجعي بالفهر [1] ركبتيها ... ومرفقيها واضربي جنبيها
/ وظاهري النّذر لها عليها ... لا تخبري الدّهر به ابنتيها
قال: فضحك هشام حتى بدت نواجذه وسقط على قفاه. فقال: ويحك! ما هذه وصيّة يعقوب ولده! فقال: وما أن كيعقوب يا أمير المؤمنين. قال: فما قلت للثالثة؟ قال قلت:
أوصيك يا بنتي فإني ذاهب ... أوصيك أن تحمدك القرائب
والجار والضيف الكريم السّاغب ... لا يرجع المسكين وهو خائب
/ ولا تني أظفارك السّلاهب [2] ... منهنّ في وجه الحماة كاتب
والزوج إنّ الزوج بئس الصاحب
قال: فكيف قلت لها هذا ولم تتزوّج؟ وأيّ شيء قلت في تأخير تزويجها؟ قال قلت فيها:
كأنّ ظلّامة أخت شيبان ... يتيمة ووالداها حيّان
الرأس قمل كلّه وصئبان [3] ... وليس في الساقين إلّا خيطان
تلك التي يفزع منها الشيطان
قال: فضحك هشام حتى ضحك النساء لضحكه، وقال للخصيّ: كم بقي من نفقتك؟ قال: ثلاثمائة دينار.
قال: أعطه إيّاها ليجعلها في رجل ظلّامة مكان الخيطين.
كان أسرع الناس بديهة:
وقال الأصمعيّ أخبرني عمّي وأخبرني ببعض هذا الحديث ابن بنت أبي النّجم أنّ أبا النّجم قال:
الحمد للّه الوهوب المجزل
في قدر ما يمشي الإنسان من مسجد الأشياخ إلى حاتم الجزّار. ومقدار ما بينهما غلوة [4] أو نحوها.
قال: وكان أسرع الناس بديهة.
سئل الأصمعي أي الرجز أحسن وأجود فقال رجز أبي النجم:
أخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدّثنا أبو أيوب المدينيّ قال حدّثنا أبو الأسود النوجشاني [5] قال:
مرّ أبي بالأصمعي وأنا عنده فقال له: يا أبا سعيد أيّ الرّجز أحسن وأجود؟ قال: رجز أبي النّجم.
سأله هشام بن عبد الملك عن رأيه في النساء فأجابه:
__________
[1] الفهر: الحجر يملأ الكف.
[2] السلاهب: الطويلة.
[3] الصئبان: جمع صؤابة وهي بيضة القمل.
[4] الغلوة: رمية سهم أبعد ما يقدر عليه، ويقال: هي قدر ثلاثمائة ذراع إلى أربعمائة.
[5] كذا في الأصول. ولم نقف على هذه النسبة فيما لدينا من كتب «الأنساب». والظاهر أنها محرفة عن «النوشجاني» نسبة إلى نوشجان بلدة بفارس.
نسخت من كتاب أحمد بن الحارث الخرّاز قال حدّثنا المدائنيّ قال:
دخل أبو النّجم على هشام بن عبد الملك وقد أتت له سبعون سنة. فقال له هشام: ما رأيك في النساء؟
قال: إنّي لأنظر إليهنّ شزرا [1] وينظرن إليّ خزرا. فوهب له جارية وقال له: اغد عليّ فأعلمني ما كان منك. فلما أصبح غدا عليه. فقال له: ما صنعت؟ فقال: ما صنعت شيئا ولا قدرت عليه، وقد قلت في ذلك أبياتا. ثم أنشده:
نظرت فأعجبها الذي في درعها ... من حسنه ونظرت في سرباليا
فرأت لها كفلا يميل بخصرها ... وعثا [2] روادفه وأجثم [3] جاثيا
ورأيت منتشر العجان [4] مقلّصا ... رخوا مفاصله وجلدا باليا
أدني له الرّكب [5] الحليق كأنما ... أدني إليه عقاربا وأفاعيا
إنّ النّدامة والسّدامة فاعلمن ... لو قد صبرتك للمواسي خاليا
ما بال رأسك من ورائي طالعا ... أظننت أنّ حر الفتاة ورائيا
فاذهب فإنّك ميّت لا ترتجى ... أبد الأبيد ولو عمرت لياليا
/ أنت الغرور إذا خبرت وربما ... كان الغرور لمن رجاه شافيا
لكنّ أيري لا يرجّى نفعه ... حتى أعود أخا فتاء ناشيا
فضحك هشام وأمر له بجائزة أخرى.
حدث هشام بن عبد الملك عن نفسه فأضحكه:
قال أبو عمرو الشّيبانيّ قال ابن كناسة:
قال هشام بن عبد الملك لأبي النّجم: يا أبا النّجم حدّثني. قال: عنّي أو عن غيري؟ قال: لا بل عنك.
قال: إنّي لمّا كبرت عرض لي البول، فوضعت عند رجلي شيئا أبول فيه. فقمت من الليل أبول، فخرج منّي صوت فتشدّدت، ثم عدت فخرج منّي صوت آخر، فأويت إلى فراشي، فقلت: يا أمّ الخيار هل/ سمعت شيئا؟
فقالت: لا واللّه ولا واحدة منهما! فضحك. قال: وأمّ الخيار التي يعني بقوله:
قد أصبحت أمّ الخيار تدّعي ... عليّ ذنبا كلّه لم أصنع
وهي أرجوزة طويلة.
ذكر فتاة في شعره فتزوجت:
وقال أبو عمرو الشّيباني:
__________
[1] الشزر: النظر بجانب العين في إعراض. والخزر: هو أن يكون الإنسان كأنه ينظر بمؤخر عينه. وتسكين الزاي في الخزر لغة.
[2] الوعث: اللين.
[3] الكناية هنا ظاهرة.
[4] العجان: القضيب الممدود من الخصية إلى الدبر.
[5] الركب: الفرج.
أتت مولاة لبني قيس بن ثعلبة أبا النّجم فذكرت له أنّ بنتا لها أدركت منذ سنتين، وهي من أجمل النساء وأمدّهنّ قامة ولم يخطبها أحد، فلو ذكرتها في الشعر! فقال: أفعل، فما اسمها؟ قالت: نفيسة. فقال:
نفيس يا قتّالة الأقوام ... أقصدت قلبي منك بالسّهام
وما يصيب القلب إلّا رام ... لو يعلم العلم أبو هشام
ساق إليها حاصل الشام ... وجزية الأهواز كلّ عام
وما سقى النّيل من الطعام ... إذ ضاق منها موضع الإدغام [1]
/أجثم جاث مستدير حام ... يعضّ في كين [2] له تؤام
عضّ النجاريّ [3] على اللّجام
فقالت: حسبك حسبك! ووفد إلى الشأم، فلما رجع سمع الزّمر والجلبة، فقال: ما هذا؟ فقالوا: نفيسة تزوّجت.
وصف فهود عبد الملك بن بشر بن مروان:
قال أبو عمرو وذكر عليّ بن المسور بن عمرو عن الأصمعيّ قال أخبرني بعض الرّواة وحدّثني ابن أخت أبي النّجم:
أنّ عبد الملك بن بشر بن مروان قال لأبي النّجم: صف لي فهودي هذه. فقال:
إنا نزلنا خير منزلات ... بين الحميرات المباركات
في لحم وحش وحباريات [4] ... وإن أردنا الصيد ذا اللّذّات
جاء مطيعا لمطاوعات ... علّمن أو قد كنّ عالمات
فسكّن الطّرف بمطرفات ... تريك آماقا مخطّطات
مدح الحجاج برجز وطلب إليه واديا في بلاده:
ونسخت من كتاب الخرّاز عن المدائنيّ عن عثمان بن حفص أنّ أبا النّجم مدح الحجّاج برجز يقول فيه:
ويل امّ دور عزّة ومجد ... دور ثقيف بسواء نجد
أهل الحصون والخيول الجرد
فأعجب الحجّاج رجزه وقال: ما حاجتك؟ قال تقطعني ذا الجبنين. فوجم لها وسكت، ثم دعا كاتبه فقال: انظر ذا الجبنين ما هو! فإن ذا الأعرابيّ سألنيه لعلّه نهر من أنهار العراق. فسألوا عنه فقيل: واد في بلاد بني عجل أعلاه حشفة [5] وأسفله سبخة يخاصمه فيه بنو عمّ له. فقال: اكتبوا له به. قال: فأهله به إلى اليوم.
__________
[1] الكناية في «موضع الإدغام» ظاهرة يفسرها البيت التالي.
[2] الكين: لحم باطن الفرج.
[3] لم نعثر على هذه النسبة في مظانها. ولعله يريد به فرسا كريم النجار.
[4] حباريات: مفردها حباري وهو طائر يضرب به المثل في البلاهة والحمق.
[5] الحشفة: صخرة رخوة في سهل من الأرض. والسبخة: أرض ذات نز وملح.
أخطأ في أشياء أخذت عليه:
أخبرنا يحيى بن عليّ قال حدّثني أبو أيّوب المدينيّ قال قال الأصمعيّ:
أخطأ أبو النّجم في أشياء أخذت عليه، منها قوله:
وهي على عذب رويّ المنهل ... دحل أبي المرقال خير الأدحل
من نحت عاد في الزمان الأوّل
قال الأصمعي: الدّحل لا تورده الإبل إنما تورد الرّكايا [1]. وقد عيب بهذا وعيب بقوله في البيت الذي يليه: إنّ هذا الدّحل من نحت عاد. قال: والدّحلان لا تحفر ولا تنحت، إنما هي/ خروق وشعاب في الأرض والجبال لا تصيبها الشمس، فتبقى فيها المياه؛ وهي هوّة في الأرض يضيق فمها ثم يتّسع فيدخلها ماء السماء.
قال الأصمعيّ: وقال يصف فرسه وقد أجراه في حلبة:
تسبح أخراه ويطفو أوّله
قال الأصمعيّ: أخطأ في هذا؛ لأنه إذا سبح أخراه كان حمار الكساح أسرع منه. قال الأصمعيّ: وحدّثني أبي أنّه رأى فرسه هذا فقوّمه بسبعين درهما. وإنّما يوصف الجواد بأنه تسبح أولاه وتلحق رجلاه. قال: وخير عدو الذكور أن تشرف، وخير عدو الإناث أن تنبسط وتصغى [2] كعدو الذئب.
__________
[1] الركايا: جميع ركية وهي البئر.
[2] تصغى: تميل.
6 - أخبار عليّة بنت المهديّ ونسبها ونتف من أحاديثها
أمها مكنونة أم ولد اشتريت للمهدي في حياة أبيه:
عليّة بنت المهديّ أمّها أمّ ولد مغنّية يقال لها مكنونة، كانت من جواري المروانيّة المغنيّة.
نسخت من كتاب محمد بن هارون بن محمد بن عبد الملك الزيّات أن ابن القدّاح [1] حدّثه قال:
كانت مكنونة جارية المروانيّة - وليست من آل مروان بن الحكم، هي زوجة الحسين بن عبد اللّه بن عبيد اللّه بن عبّاس - مغنّية، وكانت أحسن جارية بالمدينة وجها، وكانت رسحاء [2]، وكان بعض من يمازحها يعبث بها فيصيح: طست طست [3]. وكانت حسنة الصدر والبطن، فكانت توضح بهما وتقول: ولكن [4] هذا!.
فاشتريت للمهديّ في حياة أبيه بمائة ألف درهم، فغلبت عليه، حتى كانت الخيزران تقول: ما ملك امرأة أغلظ عليّ منها. واستتر أمرها عن المنصور حتى مات، فولدت له عليّة بنت المهديّ.
بعض صفاتها:
أخبرني عمّي قال حدّثني عليّ بن محمد النّوفليّ عن عمّه قال:
كانت عليّة بنت المهديّ من أحسن الناس وأظرفهم تقول الشّعر الجيّد وتصوغ فيه الألحان الحسنة، وكان بها عيب، كان في جبينها فضل سعة حتى تسمج [5]، فاتّخذت العصائب المكلّلة بالجوهر لتستر بها جبينها، فأحدثت واللّه شيئا ما رأيت فيما ابتدعته النساء وأحدثته أحسن منه.
كانت حسنة الدين ولا تشرب ولا تغني إلا أيام حيضها:
أخبرني الحسين بن يحيى ووكيع قالا حدّثنا حمّاد بن إسحاق قال سمعت إبراهيم بن إسماعيل الكاتب يقول:
كانت عليّة حسنة الدّين، وكانت لا تغنّي ولا تشرب النّبيذ إلّا إذا كانت معتزلة الصلاة، فإذا طهرت أقبلت على الصلاة والقرآن وقراءة الكتب، فلا تلذّ بشيء غير قول الشعر في الأحيان، إلّا أن يدعوها الخليفة إلى شيء فلا تقدر على خلافه. وكانت تقول: ما حرّم اللّه شيئا إلّا وقد جعل فيما حلّل منه عوضا، فبأيّ شيء يحتجّ عاصيه والمنتهك لحرماته!. وكانت تقول: لا غفر اللّه لي فاحشة ارتكبتها قطّ، ولا أقول في شعري إلا عبثا.
__________
[1] في أ، م: «أبا القداح».
[2] الرسحاء: القليلة لحم العجز والفخذين.
[3] لعل المراد تشبيهها في استواء عجزها مع ظهرها وفخذيها باستواء قعر الطست.
[4] في ب، س: «و يكنّ هذا».
[5] في أ، م: «تسفّح» (بتشديد الفاء). وفي ح: «تسبح». وعبارة «النجوم الزاهرة» (ج 2 ص 191 طبع دار الكتب المصرية): «و كان في جبهتها سعة تشين وجهها».
لم يجتمع في الإسلام أخ وأخت أحسن غناء منها ومن أخيها:
أخبرني محمد بن يحيى قال حدّثني عون بن محمد الكنديّ قال سمعت عبد اللّه بن العبّاس بن الفضل بن الرّبيع يقول:
ما اجتمع في الإسلام قطّ أخ وأخت أحسن غناء من إبراهيم بن المهديّ وأخته عليّة، وكانت تقدّم عليه.
كانت تحب المكاتبة بالشعر وكاتبت طلا فمنعها الرشيد:
أخبرني محمد قال حدّثنا عون بن محمد الكنديّ قال حدّثنا سعيد بن إبراهيم قال:
كانت عليّة تحب أن تراسل بالأشعار من تختصّه، فاختصّت خادما يقال له «طلّ» من خدم الرشيد، فكانت تراسله بالشعر، فلم تره أيّاما، فمشت على ميزاب وحدّثته وقالت في ذلك:
/قد كان ما كلّفته زمنا ... يا طلّ من وجد بكم يكفي
حتى أتيتك زائرا عجلا ... أمشي على حتف إلى حتف
فحلف عليها الرشيد ألّا تكلّم طلّا ولا تسمّيه باسمه، فضمنت له ذلك. واستمع عليها يوما وهي تدرس [1] آخر سورة البقرة حتى بلغت إلى قوله عزّ وجلّ: فَإِنْ لَمْ يُصِبْها/ وابِلٌ فَطَلٌ
وأرادت أن تقول: «فطلّ» فقالت: فالذي نهانا عنه أمير المؤمنين. فدخل فقبّل رأسها وقال: قد وهبت لك طلّا، ولا أمنعك بعد هذا من شيء تريدينه. ولها في طلّ هذا عدّة أشعار فيها لها صنعة. منها:
صوت
يا ربّ إني قد غرضت [2] بهجرها ... فإليك أشكو ذاك يا ربّاه
مولاة سوء تستهين بعبدها ... نعم الغلام وبئست المولاه
«طلّ» ولكنّي حرمت نعيمه ... ووصاله إن لم يغثني اللّه
يا ربّ إن كانت حياتي هكذا ... ضرّا عليّ فما أريد حياه
الشعر والغناء لها خفيف ثقيل مطلق في مجرى الوسطى. وقد ذكر ابن خرداذبه أن الشعر والغناء لنبيه الكوفيّ، وأنه هوي جارية تغنّي، فتعلّم الغناء من أجلها وقال الشعر، ولم يزل يتوصّل إليها بذلك حتى صار مقدّما في المغنّين، وأنّ هذا الشعر له فيها والصنعة أيضا.
حجب عنها طل فقالت فيه شعرا وصحفت اسمه:
أخبرني أحمد بن محمد أبو الحسن الأسديّ قال حدّثني محمد بن صالح بن شيخ بن عمير عن أبيه قال:
حجب طلّ عن عليّة فقالت وصحّفت اسمه في أوّل بيت:
أيا سروة [3] البستان طال تشوّقي ... فهل لي إلى ظلّ لديك سبيل
__________
[1] كذا في أكثر النسخ. وفي أ، م: «تريد» وهي محرفة عن «تذبر» بالذال بمعنى تقرأ.
[2] غرضت بهجرها أي ضجرت. وفي الأصول: «عرضت» بالعين المهملة وهو تصحيف.
[3] السرو: شجر حسن الهيئة قويم الساق، وقد فسر به صاحب «القاموس» العرعر.
متى يلتقي من ليس يقضى خروجه ... وليس لمن يهوى إليه دخول
عسى اللّه أن نرتاح من كربة لنا ... فيلقى اغتباطا خلّة وخليل
/ عروضه من الطويل. الشعر والغناء لعليّة خفيف رمل. كذا ذكر ميمون بن هارون، وذكر عمرو بن بانة أنه لسلسل خفيف رمل بالوسطى. وأوّل الصوت:
متى يلتقي من ليس يقضى خروجه
وذكر حبش أنه للهذليّ خفيف رمل بالبنصر.
أخبرني محمد بن يحيى قال حدّثنا أحمد بن محمد بن إسحاق الطّالقانيّ قال حدّثني أبو عبد اللّه أحمد بن الحسين الهشاميّ قال:
قالت عليّة في طلّ وصحّفت اسمه في هذا الشعر وغنّت فيه:
صوت
سلّم على ذاك الغزال ... الأغيد الحسن الدّلال
سلّم عليه وقل له ... يا غلّ ألباب الرجال
خلّيت جسمي ضاحيا ... وسكنت في ظلّ الحجال [1]
وبلغت منّي غاية ... لم أدر فيها ما احتيالي
الشعر والغناء لعليّة خفيف رمل. وذكر غير هذا أن الغناء لأحمد بن المكيّ في هذه الطريقة.
أنت تقول الشعر في خادمها رشأ وتكنى عنه بزينب:
أخبرني محمد بن يحيى قال حدّثني ميمون بن هارون عن محمد بن عليّ بن عثمان/ الشّطرنجيّ:
أن عليّة كانت تقول الشعر في خادم لها يقال له «رشأ» وتكني عنه. فمن شعرها فيه وكنت عنه بزينب:
صوت
وجد الفؤاد بزينبا ... وجدا شديدا متعبا
أصبحت من كلفي بها ... أدعى سقيما [2] منصبا
/ ولقد كنيت عن اسمها ... عمدا لكي لا تغضبا
وجعلت زينب سترة ... وكتمت أمرا معجبا
قالت وقد عزّ الوصا ... ل ولم أجد لي مذهبا
واللّه لا نلت المودّة ... أو تنال الكوكبا
هكذا ذكر ميمون بن هارون، وروايته فيه عن المعروف بالشّطرنجيّ ولم يحصّل ما رواه. وهذا الصوت شعره لابن
__________
[1] الحجال: جمع حجلة وهي ستر العروس في جوف البيت.
[2] في أ، م: «شقيا».
رهيمة المدنيّ. والغناء ليونس الكاتب، ولحنه من الثقيل الأوّل بإطلاق الوتر في مجرى البنصر، وهو من زيانب يونس المشهورات وقد ذكرته معها [1]. والصحيح أنّ عليّة غنّت فيه لحنا من الثقيل الأوّل بالوسطى، حكى ذلك ابن المكيّ عن أبيه، وأخبرني به ذكاء عن القاسم بن زرزور.
أخبرني محمد بن يحيى قال حدّثني الحسين بن يحيى الكاتب أو الجماز [2] قال حدّثني عبيد اللّه بن العبّاس الرّبيعيّ قال:
لمّا علم من عليّة أنها تكني عن رشأ بزينب قالت:
صوت
القلب مشتاق إلى ريب ... يا ربّ ما هذا من العيب
قد تيّمت قلبي فلم أستطع ... إلّا البكايا عالم الغيب
خبأت في شعري اسم الذي ... أردته كالخب ء في الجيب
قال: وغنّت فيه لحنا من طريقه خفيف الرّمل الأوّل فصحّفت اسمها في ريب.
هجت طغيان حين وشت بها إلى رشأ:
قال: وكانت لأم جعفر جارية يقال لها طغيان، فوشت بعليّة إلى رشأ وحكت عنها ما لم تقل، فقالت عليّة:
لطغيان خفّ مذ ثلاثين حجّة ... جديد فلا يبلى ولا يتخرّق
وكيف بلى خفّ هو الدّهر كلّه ... على قدميها في الهواء معلّق
فما خرقت خفّا ولم تبل جوربا ... وأمّا سراويلاتها فتمزّق
شعرها حين امتنع رشأ عن شرب النبيذ:
قال: وحلف رشأ ألّا يشرب النبيذ سنة، فقالت:
صوت
قد ثبت [3] الخاتم في خنصري ... إذ جاءني منك تجنّيك
حرّمت شرب الراح إذ عفتها ... فلست في شيء أعاصيك
فلو تطوّعت لعوّضتني ... منه رضاب الرّيق من فيك
فيالها عندي من نعمة ... لست بها ما عشت أجزيك
يا زينبا قد أرّقت مقلتي ... أمتعني اللّه بحبّيك
__________
[1] انظر الجزء الرابع من «الأغاني» من هذه الطبعة ص 402 وما بعدها.
[2] مر هذا الاسم في الجزء الخامس ص 273 باسم «الحسين بن يحيى أبي الجمان» وفي الجزء السابع ص 208 باسم «الحسين بن يحيى أبي الحمار».
[3] الكناية هنا غير مفهومة وإن كان المعنى الإجمالي واضحا.
/ غنّت فيه عليّة هزجا.
غنى عقيد للمعتصم بشعر فسأل عنه فقال محمد بن إسماعيل إنه لها فغضب وأعرض عنه:
أخبرني جحظة ومحمد بن يحيى قالا حدّثنا ميمون بن هارون قال حدّثني الحسن [1] بن إبراهيم بن رباح قال: قال لي محمد بن إسماعيل بن موسى الهادي:
كنت عند المعتصم وعنده مخارق وعلّويه ومحمد بن الحارث وعقيد، فتغنّى عقيد وكنت أضرب عليه:
صوت
نام عذّالي ولم أنم ... واشتفى الواشون من سقمي
وإذا ما قلت بي ألم ... شكّ من أهواه في ألمي
/ فطرب المعتصم وقال: لمن هذا الشعر والغناء؟ فأمسكوا. فقلت: لعليّة، فأعرض عنّي، فعرفت غلطي وأنّ القوم أمسكوا عمدا، فقطع [2] بي. وتبيّن حالي، فقال: لا ترع يا محمد؛ فإنّ نصيبك فيها مثل نصيبي.
الغناء لعليّة خفيف رمل. وقد قال قوم: إنّ هذا اللحن للعبّاس بن أشرس الطّنبوريّ مولى خزاعة، وإن الشعر لخالد الكاتب.
غنى بنان للمنتصر بلحن لها في شعر الرشيد:
أخبرني محمد بن يحيى قال حدّثني أحمد بن يزيد قال حدّثني أبي قال:
كنّا عند المنتصر، فغنّاه بنان لحنا من الرمل الثاني وهو خفيف الرمل:
صوت
يا ربّة المنزل بالبرك [3] ... وربّة السلطان والملك
تحرّجي باللّه من قتلنا ... لسنا من الدّيلم والتّرك
فضحكت. فقال لي: ممّ ضحكت؟ قلت: من شرف قائل هذا الشعر، وشرف من عمل اللّحن فيه، وشرف مستمعه. قال: وما ذاك؟ قلت: الشعر فيه للرشيد، والغناء لعليّة بنت المهديّ. وأمير المؤمنين مستمعه. فأعجبه ذلك وما زال يستعيده.
أخذت من إسحاق لحنا وغنته الرشيد ثم غناه هو للمأمون فعنفه:
حدّثني إبراهيم بن محمد بن بركشة قال سمعت شيخا يحدّث أبي وأنا غلام فحفظت عنه ما حدّثه به ولم أعرف اسمه، قال حدّثني إسحاق بن إبراهيم الموصليّ قال:
عملت في أيام الرّشيد لحنا وهو:
__________
[1] في ب، س: «الحسين».
[2] قطع بي: يريد سدّت عليّ مسالك القول.
[3] البرك: علم على عدّة مواضع.
صوت
سقيا لأرض إذا ما نمت نبّهني ... بعد الهدوّ بها قرع النّواقيس
كأنّ سوسنها في كلّ شارقة ... على الميادين أذناب الطّواويس
/ قال: فأعجبني وعملت على أن أباكر به الرّشيد. فلقيني في طريقي خادم لعليّة بنت المهديّ، فقال:
مولاتي تأمرك بدخول الدّهليز لتسمع من بعض جواريها غناء أخذته عن أبيك وشكّت فيه الآن. فدخلت معه إلى حجرة قد أفردت لي كأنها كانت معدّة فجلست، وقدّم لي طعام وشراب فنلت حاجتي منهما، ثم خرج إليّ خادم فقال لي: تقول لك مولاتي: أنا أعلم أنك قد غدوت إلى أمير المؤمنين بصوت قد أعددته له محدث، فأسمعنيه ولك جائزة سنيّة تتعجّلها، ثم ما يأمر به لك بين يديك، ولعله لا يأمر لك بشيء أو لا يقع الصوت منه بحيث توخّيت، فيذهب سعيك باطلا. فاندفعت فغنّيتها إيّاه، ولم تزل تستعيده مرارا، ثم أخرجت إليّ عشرين ألف درهم وعشرين ثوبا، وقالت: هذه جائزتك، ولم تزل تستعيده مرارا. ثم/ قالت: اسمعه منّي الآن؛ فغنّته غناء ما خرق سمعي مثله. ثم قالت: كيف تراه؟ قلت: أرى واللّه ما لم أر مثله. قالت: يا فلانة أعيدي له مثل ما أخذ؛ فأحضرت لي عشرين ألفا أخرى وعشرين ثوبا. فقالت: هذا ثمنه، وأنا الآن داخلة إلى أمير المؤمنين، أبدأ أتغنّى [1] به، وأخبر أنّه من صنعتي. وأعطي اللّه عهدا لئن نطقت أنّ لك فيه صنعة لأقتلنّك! هذا إن نجوت منه إن علم بمصيرك إليّ. فخرجت من عندها وو اللّه إنّي لكالموقن [2] بما أكره من جائزتها أسفا على الصوت، فما جسرت واللّه بعد ذلك أن أتنغّم به في نفسي فضلا عن أن أظهره حتى ماتت. فدخلت على المأمون في أوّل مجلس جلسه للّهو بعدها، فبدأت به أوّل ما غنّيت. فتغيّر لون المأمون وقال: من أين لك ويلك هذا؟! قلت:
ولي الأمان على الصدق؟ قال: ذلك لك. فحدّثته الحديث. فقال: يا بغيض! فما كان في هذا من النفاسة حتى شهرته وذكرت هذا منه مع ما قد أخذته من العوض! وهجّنني فيه هجنة وددت معها أنّي لم أذكره. فآليت ألّا أغنّيه/ بعدها أبدا. الشعر في هذا الصوت لإسماعيل بن يسار النّسائي، وقيل: إنه لإسحاق. ولحنه من الثقيل الأوّل مطلق في مجرى الوسطى. وذكر حبش أنه للهذليّ، ولم يحصّل ما قاله.
طارحت أخاها إبراهيم الغناء وسمعها من في مجلس المأمون:
أخبرني عمّي قال حدّثني الحسن بن عليل العنزيّ قال حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد قال قال لي ينشو المغنّي حدّثني أبو أحمد بن الرشيد قال:
كنت يوما عند المأمون وإلى جانبي منصور وإبراهيم عمّاي، فجاء ياسر دخلة فسارّ المأمون. فقال المأمون لإبراهيم: إن شئت يا إبراهيم فانهض، فنهض. فنظرت إلى ستر قد رفع مما يلي دار الحرم، فما كان بأسرع من أن سمعت شيئا أقلقني. فنظر إليّ المأمون وأنا أميل فقال لي: يا أبا أحمد مالك تميل؟ فقلت: إني سمعت شيئا ما سمعت بمثله. فقال: هذه عمّتك عليّة تطارح عمّك إبراهيم:
مالي أرى الأبصار بي جافيه
__________
[1] في ب، س: «و لن أبدأ بغناء غيره».
[2] في أ، م: «و واللّه إني لأكاد أموت بما أكره إلخ».
نسبة هذا الصوت:
صوت
ما لي أرى الأبصار بي جافيه ... لم تلتفت منّي إلى ناحيه
لا ينظر الناس إلى المبتلى ... وإنّما الناس مع العافيه
صحبي سلوا ربّكم العافيه ... فقد دهتني بعدكم داهيه
صارمني بعدكم سيّدي ... فالعين من هجرانه باكيه
الشعر لأبي العتاهية، وذكر ابن المعتز أنّه لعليّة وأنّ اللحن لها خفيف رمل. وذكر أنه لغيرها خفيف رمل مطلق، ولحن عليّة مزموم.
أرسلت إلى الرشيد ومنصور شرابا مع خلوب وغنتهما بلحن لها:
أخبرني عمّي قال حدّثني أبو العبّاس أن بشرا المرثديّ قال قالت لي ريّق:
كنت يوما بين يدي الرشيد وعنده أخوه منصور وهما يشربان، فدخلت إليه خلوب [1] (جارية لعليّة) ومعها كأسان مملوءتان وتحيّتان، ومع خادم يتبعها عود، فغنّتهما قائمة والكأسان في أيديهما والتحيتان بين أيديهما:
صوت
حيّا كما اللّه خليليّا ... إن ميّتا كنت وإن حيّا
/ إن قلتما خيرا فخير لكم ... أو قلتما غيّا فلا غيّا
فشربا. ثم دفعت إليهما رقعة فإذا فيها: «صنعت يا سيّديّ أختكما هذا اللّحن اليوم، وألقته على الجواري، واصطبحت فبعثت لكما به، وبعثت من شرابي إليكما ومن تحياتي وأحذق جواريّ لتغنّيكما. هنأكما اللّه وسرّكما وأطاب عيشكما وعيشي بكما».
دعا إبراهيم بن المهدي إسحاق وأبا دلف وغنتهم جاريته لحنا لها:
أخبرني عمّي قال حدّثني بنحو من هذا أبو عبد اللّه المرزبان قال حدّثني إبراهيم بن أبي دلف العجليّ قال:
كنّا مع المعتصم بالقاطول [2] وكان إبراهيم بن المهديّ في حرّاقته بالجانب الغربيّ، وأبي وإسحاق بن إبراهيم الموصليّ في حرّاقتيهما بالجانب الشرقيّ. فدعاهما في يوم جمعة، فعبرا إليه من زلال [3] وأنا معهما وأنا صغير، عليّ أقبية ومنطقة فلما دنونا من حرّاقة إبراهيم فرآنا نهض ونهضت بنهوضه صبيّة له يقال لها «غضّة» وإذا
__________
[1] في أ، م: «خلوى».
[2] القاطول: اسم نهر كأنه مقطوع من دجلة، وهو نهر كان في موضع سامرا قبل أن تعمر، وكان الرّشيد أوّل من حفر هذا النهر وبنى على فوهته قصرا.
[3] ظاهر من السياق أنه نوع من السفن كالزورق ونحوه. وقد ورد هذا الاسم في كتاب «تزيين الأسواق» لداود الأنطاكي صفحة 258 طبع حجر بمصر سنة 1279 هجرية في قوله: «فعزمت على واسط لأن لي بها صديقا من الكتاب فجئت فرأيت زلالا مهيأ فطلبت النزول معهم فقالوا نحملك بدرهمين، ولكن الزلال لهاشمي لا يريد معه غريبا، فتزيّ بزينا كأنك بعض الملاحين ... » وكتب مصححه بالهامش: «قوله زلالا كأنه نوع من السفن كالزورق كما يظهر من بقية الكلام» ا ه وانظر الكلام عليه في «قاموس دوزي».
في يديها كأسان وفي يده كأس. فلما صعدا إليه اندفع فغنّى:
/حيّا كما اللّه خليليّا ... إن ميّتا كنت وإن حيّا
إن قلتما خيرا فأهلا [1] به ... أو قلتما غيّا فلا غيّا
ثم ناول كلّ واحد منهما كأسا، وأخذ هو الكأس الثالث [2] الذي في يد الجارية وقال: هلمّ نشرب على ريقنا قدحا. ثم دعا بالطعام فأكلنا، ووضع النبيذ فشربنا، وغنّياه وغنّاهما وضربا معه وضرب معهما، وغنّت الصبيّة، فطرب أبي وقال لها: أحسنت أحسنت!. فقال له إبراهيم: إن كانت أحسنت فخذها، فما أخرجتها إلّا لك.
شكت إليها أم جعفر انقطاع الرشيد فقالت شعرا وغنت به فرجع إليها:
أخبرني عليّ بن صالح بن الهيثم وإسماعيل بن يونس قالا حدّثنا أبو هفّان قال:
أهديت إلى الرشيد جارية في غاية الجمال والكمال، فخلا معها يوما وأخرج كلّ قينة في داره واصطبح، فكان جميع من حضره من جواريه المغنّيات والخدمة في الشراب زهاء ألفي جارية في أحسن زيّ من كلّ نوع من أنواع الثياب والجوهر. واتّصل الخبر بأمّ جعفر فغلظ عليها ذلك، فأرسلت إلى عليّة تشكو إليها. فأرسلت إليها عليّة: لا يهولنّك هذا، فو اللّه لأردنّه إليك، قد عزمت أن أصنع شعرا وأصوغ فيه لحنا وأطرحه على جواريّ، فلا تبقى عندك جارية إلّا بعثت بها إليّ وألبسيهنّ ألوان الثياب ليأخذن الصوت مع جواريّ، ففعلت أمّ جعفر ما أمرتها به عليّة. فلما جاء وقت صلاة العصر لم يشعر الرشيد إلا وعليّة قد خرجت عليه من حجرتها، وأم جعفر من حجرتها معها زهاء ألفي جارية من جواريها وسائر جواري القصر، عليهنّ غرائب اللباس، وكلهنّ في لحن واحد هزج صنعته عليّة:
صوت
منفصل عنّي وما ... قلبي عنه منفصل
يا قاطعي اليوم لمن ... نويت بعدي أن تصل
/ فطرب الرّشيد وقام على رجليه حتى استقبل أمّ جعفر وعليّة هو على غاية السرور، وقال: لم أر كاليوم قطّ. يا مسرور لا تبقينّ في بيت المال درهما إلا نثرته. فكان مبلغ ما نثره يومئذ ستة آلاف ألف درهم، وما سمع بمثل ذلك اليوم قطّ.
كانت تحب لحن الرمل:
أخبرني عليّ بن سليمان الأخفش قال/ حدّثني محمد بن يزيد المبرّد قال:
كانت عليّة تقول: من لم يطربه الرمل لم يطربه شيء. وكانت تقول: من أصبح وعنده طباهجة [3] باردة ولم يصطبح فعليه لعنة اللّه.
__________
[1] كذا في ح. وفي أ، م: «فأهلا له». وفي ب س: «فخير لكم».
[2] كذا في الأصول. ويلاحظ أن الكأس مؤنثه.
[3] الطباهجة: ضرب من اللحم المقلي.
غنت هي وأخوها إبراهيم وزمر عليهما أخوهما يعقوب:
حدّثني عمّي قال حدّثني هبة اللّه بن إبراهيم بن المهديّ قال حدّثني يوسف بن إبراهيم قال قالت لي عريب:
أحسن يوم رأيته وأطيبه يوم اجتمعت فيه مع إبراهيم بن المهديّ عند أخته عليّة وعندهم أخوهم يعقوب، وكان أحذق الناس بالزّمر. فبدأت عليّة فغنّتهم من صنعتها وأخوها يعقوب يزمر عليها:
صوت
تحبّب فإن الحبّ داعية الحبّ ... وكم من بعيد الدّار مستوجب القرب
وغنّى إبراهيم في صنعته وزمر عليه يعقوب:
صوت
يا واحد الحبّ مالي منك إذ كلفت ... نفسي بحبّك إلّا الهمّ والحزن
لم ينسنيك سرور لا ولا حزن ... وكيف لا! كيف ينسى وجهك الحسن
ولا خلا منك قلبي لا ولا جسدي ... كلّي بكلّك مشغول ومرتهن
نور تولّد من شمس ومن قمر ... حتى تكامل منه الرّوح والبدن
فما سمعت مثل ما سمعته منهما قطّ، وأعلم أني لا أسمع مثله أبدا.
تمارت خشف وعريب في عدد أصواتها بحضرة المتوكل:
قال ميمون بن هارون قلت لعريب:
رأيت في النوم كأنّي سألت عليّة بنت المهديّ عن أغانيها فقالت لي: هي نيّف وخمسون صوتا. فقالت لي عريب: هي كذلك. وقد أخبرني بنحو هذا الخبر عبد اللّه بن الرّبيع الرّبيعيّ قال حدّثني وسواسة وهو أحمد بن إسماعيل بن إبراهيم قال حدّثتني خشف الواضحيّة أنها تمارت هي وعريب في غناء عليّة بحضرة المتوكّل أو غيره من الخلفاء، فقالت هي: هي ثلاثة وسبعون صوتا. فقالت عريب: هي اثنان وسبعون صوتا. فقال المتوكّل: غنّيا غناءها، فلم تزالا تغنّيان غناءها حتى مضى اثنان وسبعون صوتا، ولم تذكر خشف الثالث والسبعين فقطع بها واستولت عريب عليها وانكسرت. قالت: فلمّا كان الليل رأيت عليّة فيما يرى النائم فقالت: يا خشف خالفتك عريب في غنائي! قلت: نعم يا سيّدتي. قالت: الصواب معك، أفتدرين ما الصوت الذي أنسيته؟ قلت: لا واللّه! ولوددت أني فديت ما جرى بكلّ ما أملك. قالت هو:
صوت
بني الحبّ على الجور فلو ... أنصف المعشوق فيه لسمج
ليس يستحسن في حكم الهوى ... عاشق يحسن تأليف الحجج
لا تعيبن من محبّ ذلّة ... ذلّة العاشق مفتاح الفرج
وقليل الحب صرفا خالصا ... لك خير من كثير قد مزج
وكأنّها قد اندفعت تغنّيني به، فما سمعت أحسن مما غنّته، ولقد زادت لي فيه أشياء في نومي لم أكن أعرفها. فانتبهت وأنا لا أعقل فرحا به. فباكرت الخليفة وذكرت له القصّة. فقالت عريب: هذا شيء صنعته أنت لما جرى بالأمس، وأمّا الصوت فصحيح. فخلفت للخليفة بما رضي/ به أنّ القصة كما حكيت. فقال: رؤياك واللّه/ أعجب، ورحم اللّه عليّة! فما تركت ظرفها حيّة وميّتة، وأجازني جائزة سنيّة. ولعليّة في هذا الصوت أعني:
بني الحب على الجور فلو
لحنان: خفيف ثقيل وهزج. وقيل إن الهزج لغيرها.
سمع الرشيد لحنين لها من جاريتيها عند إبراهيم الموصلي فرجع إليها وسمعهما منها ومدحهما:
ونسخت من كتاب محمد بن الحسن الكاتب حدّثني أحمد بن محمد الفيرزان [1] قال حدّثني بعض خدم السلطان عن مسرور الكبير، ونسخت هذا الخبر بعينه من كتاب محمد بن طاهر يرويه عن ابن الفيرزان [1]، وفيهما خلاف يذكر في موضعه، قال:
اشتاق الرشيد إلى إبراهيم الموصليّ يوما، فركب حمارا يقرب من الأرض، ثم أمر بعض خدم الخاصة بالسعي بين يديه، وخرج من داره، فلم يزل حتى دخل على إبراهيم. فلما أحسّ به استقبله وقبّل رجليه. وجلس الرشيد فنظر إلى مواضع قد كان فيها قوم ثم مضوا، ورأى عيدانا كثيرة، فقال: يا إبراهيم ما هذا؟ فجعل يدافع.
فقال: ويلك! اصدقني. فقال: نعم يا أمير المؤمنين، جاريتان أطرح عليهما. قال: هاتهما. فأحضر جاريتين ظريفتين، وكانت الجاريتان لعليّة بنت المهديّ بعثت بهما يطرح عليهما. فقال الرشيد لإحداهما: غنّي، فغنّت - وهذا كله من رواية محمد بن طاهر - :
بني الحبّ على الجور فلو ... أنصف المعشوق فيه لسمج
ليس يستحسن في حكم الهوى ... عاشق يحسن تأليف الحجج
لا تعيبن من محبّ ذلّة ... ذلّة العاشق مفتاح الفرج
وقليل الحب صرفا خالصا ... لك خير من كثير قد مزج
فأحسنت جدّا. فقال الرشيد: يا إبراهيم لمن الشعر؟ ما أملحه! ولمن اللحن؟ ما أظرفه! فقال: لا علم لي. فقال للجارية، فقالت: لستّي. قال: ومن ستّك؟ قالت: عليّة/ أخت أمير المؤمنين. قال: الشعر واللحن؟! قالت نعم! فأطرق ساعة ثم رفع رأسه إلى الأخرى فقال: غنّي؛ فغنّت:
صوت
تحبّب فإن الحبّ داعية الحبّ ... وكم من بعيد الدار مستوجب القرب
تبصّر فإن حدّثت أنّ أخا هوى ... نجا سالما فارج النّجاة من الحب
إذا لم يكن في الحب سخط ولا رضا ... فأين حلاوات الرسائل والكتب
- الغناء لعليّة خفيف ثقيل. وفي كتاب علّويه: الغناء له - فسأل إبراهيم عن الغناء والشعر؛ فقال: لا علم
__________
[1] في أ، م: «الغيزران».
لي يا أمير المؤمنين. فقال للجارية: لمن الشعر واللحن؟ فقالت لستّي. قال: ومن ستّك؟ فقالت: عليّة أخت أمير المؤمنين. فوثب الرشيد وقال: يا إبراهيم احتفظ بالجاريتين. ومضى فركب حماره وانصرف إلى عليّة. هذا كله في رواية محمد بن طاهر، ولم يذكره محمد بن الحسن، ولكنه قال في خبره: إن الرشيد زار الموصلّي هذه الزيارة ليلا، وكان سببها [1] أنه انتبه في نصف الليل فقال: هاتوا حماري فأتي بحمار كان له أسود يركبه في القصر قريب من الأرض، فركبه وخرج في درّاعة [2] وشيء متلثّما بعمامة وشي ملتحفا برداء وشي، وخرج بين يديه مائة/ خادم أبيض سوى الفرّاشين. وكان مسرور الفرغاني جريئا عليه لمكانته عنده، فلما خرج على باب القصر قال: أين يريد أمير المؤمنين في هذه الساعة؟ قال: أردت منزل الموصليّ. قال مسرور: فمضى ونحن بين يديه حتى انتهى إلى منزل إبراهيم، فتلقّاه وقبّل حافر حماره وقال: يا أمير المؤمنين، جعلني اللّه فداءك، أفي مثل هذه الساعة تظهر!! قال: نعم! شوق طرق بي. ثم نزل فجلس في طرف الإيوان وأجلس إبراهيم. فقال له إبراهيم: يا سيّدي/ أتنشط لشيء تأكله؟ قال: نعم، وما هو؟ قال: خاميز [3] ظبي. فأتي به كأنّما كان معدّا له فأصاب منه شيئا يسيرا، ثم دعا بشراب كان حمل معه. فقال له إبراهيم الموصليّ: أوّ غنّيك يا سيّدي أم يغنّيك إماؤك؟ فقال: بل الجواري. فخرج جواري إبراهيم فأخذن صدر الإيوان وجانبيه. فقال: أيضربن كلّهن أم واحدة واحدة؟ فقال: بل تضرب اثنتان اثنتان وتغنّي واحدة فواحدة. ففعلن ذلك حتى مرّ صدر الإيوان وأحد جانبيه والرّشيد يسمع ولا ينشط لشيء من غنائهنّ، إلى أن غنّت صبيّة من حاشية الصّفّ.
صوت
يا موري الزّند قد أعيت قوادحه ... اقبس إذا شئت من قلبي بمقباس
ما أقبح الناس في عيني وأسمجهم ... إذا نظرت فلم أبصرك في الناس
فطرب لغنائها واستعاد الصوت مرارا وشرب أرطالا، ثم سأل الجارية عن صانعه فأمسكت، فاستدناها فتقاعست، فأمر بها فأقيمت إليه، فأخبرته بشيء أسرّته إليه. فدعا بحماره فانصرف والتفت إلى إبراهيم فقال: ما عليك ألّا تكون خليفة! فكادت نفسه تخرج، حتى دعا به بعد وأدناه. هذا نظم رواية محمد بن الحسن في خبره.
وقال محمد بن طاهر في خبره: فقال للموصليّ: احتفظ بالجاريتين، وركب من ساعته إلى عليّة فقال: قد أحببت أن أشرب عندك اليوم. فتقدّمت فيما تصلحه، وأخذا في شأنهما. فلمّا أن كان في آخر الوقت حمل عليها بالنبيذ، ثم أخذ العود من حجر جارية فدفعه إليها، فأكبرت ذلك. فقال: وتربة المهديّ لتغنّنّ!. قالت: وما أغنّي؟ قال: غنّي:
بني الحبّ على الجور فلو
/ فعلمت أنه قد وقف على القصة فغنّته. فلمّا أتت عليه قال لها غنّي:
تحبّب فإنّ الحبّ داعية الحب
فلجلجت ثم غنّته. فقام وقبّل رأسها وقال: يا سيّدي هذا عندك ولا أعلم! وتمّم يومه معها.
__________
[1] في الأصول: «سببه».
[2] الدراعة: ضرب من الثياب، أو هي جبة مشقوقة المقدم.
[3] الخاميز: مرق السكباج المبرد المصفى من الدهن. أعجمي معرب.
عادها أخوها إبراهيم وكرر السؤال عنها فخجل من جوابها:
حدّثني جحظة قال حدّثني أبو العبيس بن حمدون قال قال إبراهيم بن المهديّ:
ما خجلت قطّ خجلتي من عليّة أختي. دخلت عليها يوما عائدا فقلت: كيف أنت يا أختي جعلت فداءك وكيف حالك وجسمك؟ فقالت: بخير والحمد للّه. ووقعت عيني على جارية كانت تذبّ عنها فتشاغلت بالنظر إليها فأعجبتني وطال جلوسي، ثم استحييت من عليّة فأقبلت عليها فقلت: وكيف أنت يا أختي جعلت فداءك وكيف حالك وجسمك؟ فرفعت رأسها إلى حاضنة لها وقالت: أليس هذا قد مضى مرّة وأجبنا عنه! فخجلت خجلا ما خجلت مثله قطّ، وقمت وانصرفت.
أمرها الرشيد بالغناء فغنته من وراء ستار وكان معه جعفر فعرفه بها:
أخبرني عبد اللّه بن الرّبيع الرّبيعيّ قال حدّثني أحمد بن إسماعيل عن محمد بن جعفر بن يحيى بن خالد قال:
شهدت أبي جعفرا وأنا صغير وهو يحدّث يحيى بن خالد جدّي في بعض/ ما كان يخبره به من خلواته مع الرّشيد، قال: يا أبت، أخذ بيدي أمير المؤمنين ثم أقبل على حجرة يخترقها حتى انتهى إلى حجرة مغلقة ففتحت له، ثم رجع من كان معنا من الخدم، ثم صرنا إلى حجرة مغلقة ففتحها بيده ودخلنا جميعا وأغلقها من داخل بيده، ثم صرنا إلى رواق ففتحه وفي صدره مجلس مغلق فقعد على باب المجلس، فنقر هارون الباب بيده نقرات فسمعنا حسّا، ثم أعاد النّقر فسمعنا صوت عود، ثم أعاد النّقر ثالثة فغنّت جارية ما ظننت واللّه أنّ اللّه خلق مثلها في حسن الغناء وجودة الضّرب. فقال لها أمير المؤمنين بعد أن غنّت أصوتا: غنّي صوتي، فغنّت صوته، وهو:
صوت
ومخنّث شهد الزّفاف وقبله ... غنّى الجواري حاسرا ومنقّبا
لبس الدّلال وقام ينقر دفّه ... نقرا أقرّ به العيون وأطربا
إنّ النساء رأينه فعشقنه ... فشكون شدّة ما بهنّ فأكذبا
- في هذا اللحن خفيف رمل نسبه يحيى المكيّ إلى ابن سريج ولم يصحّ له، وفيه خفيف ثقيل في كتاب عليّة أنه لها، وذكر عبد اللّه بن محمد بن عبد الملك الزيّات أنه لريّق. واللّحن مأخوذ من:
إنّ الرجال لهم إليك وسيلة
وهو خفيف ثقيل للهذليّ، ويقال إنه لابن سريج، وهو يأتي في موضع آخر - قال: فطربت واللّه طربا هممت معه أن أنطح برأسي الحائط. ثم قال غنّي:
طال تكذيبي وتصديقي
فغنّت:
صوت
طال تكذيبي وتصديقي ... لم أجد عهدا لمخلوق
إنّ ناسا في الهوى غدروا ... أحدثوا [1] نقض المواثيق
لا تراني بعدهم أبدا ... أشتكي عشقا لمعشوق
- لحن عليّة في هذا الصوت هزج. والشعر لأبي جعفر محمد بن حميد الطّوسيّ وله فيه لحن خفيف ثقيل. ولعريب فيه ثقيل أوّل وخفيف ثقيل آخر - قال: فرقص الرشيد ورقصت معه، ثم قال: امض بنا فإنّي أخاف أن يبدو منّا ما هو أكثر من هذا، فمضينا. فلما صرنا إلى الدّهليز قال وهو قابض على يدي: أعرفت هذه المرأة؟
قال قلت: لا يا أمير المؤمنين. قال: فإني أعلم أنك ستسأل عنها ولا تكتم ذلك، وأنا أخبرك/ أنها عليّة بنت المهديّ. وو اللّه لئن لفظت به بين يدي أحد وبلغني لأقتلنّك. قال: فسمعت جدّي يقول له: فقد واللّه لفظت به، وو اللّه ليقتلنّك! فاصنع ما أنت صانع.
نسبة الصوت الذي أخذ منه:
ومخنّث شهد الزّفاف وقبله
صوت
إنّ الرجال لهم إليك وسيلة ... إن يأخذوك تكحّلي وتخضّبي
وأنا امرؤ إن يأخذوني عنوة ... أقرن إلى سير الرّكاب وأجنب
/ ويكون مركبك القعود [2] وحدجه ... وابن النّعامة يوم ذلك مركبي
الناس يروون هذه الأبيات لعنترة بن شدّاد العبسيّ، وذكر الجاحظ أنها لخزز [3] بن لوذان، وهو الصحيح.
وخزر شاعر قديم يقال إنه قبل امرىء القيس. وقد اختلف في معنى قوله «ابن النعامة» فقال أبو عبيدة والأصمعيّ: النعامة فرسه وابنها ظلّها. يقول: أقاد في الهاجرة إلى جنبها فيكون ظلّي كالراكب لظلّها. وقال أبو عمرو الشّيبانيّ: ابن النّعامة مقدّم رجله مما يلي الأصابع. يقول: فلا يكون لي مركب إلّا رجلي. وقال خالد بن كلثوم: ابن النعامة الخشبة التي يصلب عليها. يقول: أقتل وأصلب فتكون الخشبة مركبي. واحتجّ من ذكر أنه يعنى ظلّ فرسه وأنه يكون كالراكب له بقول الشاعر:
إذ ظلّ يحسب كلّ شيء فارسا ... ويرى نعامة ظلّه فيحول
قال: وابن النعامة: ظلّ كلّ شيء. وقد مضى هذا الصوت مفردا مع خبره في موضع آخر.
أمرها الرشيد بالغناء فنظمت فيه شعرا وغنته به فطرب:
أخبرني محمد بن يحيى قال حدّثنا أحمد بن يزيد المهلّبيّ قال حدّثنا حمّاد بن إسحاق قال:
زار الرّشيد عليّة فقال لها: باللّه يا أختي غنّيني. فقالت: وحياتك لأعملنّ فيك شعرا ولأعملنّ فيه لحنا، فقالت من وقتها:
__________
[1] في ب، س: «حسنوا».
[2] القعود: من الإبل ما اتخذه الراعي للركوب وحمل الزاد والمتاع. والحدج: مركب من مراكب النساء نحو الهودج والمحفة.
[3] كذا في «القاموس» (في مادة «لوذ»). وفي الأصول: «حزن» وهو تحريف.
صوت
تفديك أختك قد حبوت بنعمة ... لسنا نعدّ لها الزمان عديلا
إلّا الخلود، وذاك قربك سيّدي ... لا زال قربك والبقاء [1] طويلا
وحمدت ربّي في إجابة دعوتي ... فرأيت حمدي عند ذاك قليلا
وعملت فيه لحنا من وقتها في طريقة خفيف الرّمل، فأطرب الرّشيد وشرب عليه بقيّة يومه.
طلب الرشيد أختها ولم يطلبها فقالت شعرا وبعثت من غناه له فأحضرها:
قال: وقالت للرّشيد أيضا وقد طلب أختها ولم يطلبها.
صوت
ما لي نسيت وقد نودي بأصحابي ... وكنت والذّكر عندي رائح غادي
أنا التي لا أطيق الدّهر فرقتكم ... فرقّ لي يا أخي من طول إبعاد
قال: وغنّت فيه لحنا من الثقيل الثاني، وبعثت من غنّاه للرشيد، فبعث فأحضرها.
حجت وتأخرت فتكدر الرشيد فنظمت شعرا وغنته فرضي عنها:
أخبرني محمد بن يحيى قال حدّثني عون بن محمد قال حدّثني زرزور الكبير غلام جعفر بن موسى الهادي:
أنّ عليّة حجّت في أيّام الرّشيد، فلمّا انصرفت أقامت بطيزناباذ [2] أيّاما، فانتهى ذلك إلى الرشيد فغضب.
فقالت عليّة:
صوت
أيّ ذنب أذنبته أيّ ذنب ... أي ذنب لو لا رجائي لربّي
بمقامي بطيزناباذ يوما ... بعده ليلة على غير شرب
ثم باكرتها عقارا شمولا ... تفتن النّاسك الحليم وتصبي
قرقفا قهوة تراها جهولا ... ذات حلم فرّاجة كلّ كرب
قال: وصنعت في البيتين الأوّلين لحنا خفيف الثقيل، وفي البيتين الأخيرين لحنا من/ الرّمل. فلمّا جاءت وسمع الشعر واللحنين رضي عنها.
اشتاقها الرشيد وهو بالرقة فطلبها فجاءته وقالت شعرا وعملت فيه لحنا:
أخبرني محمد بن يحيى قال حدّثني عبد اللّه بن المعتزّ قال حدّثني عبد اللّه بن إبراهيم بن المهديّ قال:
__________
[1] في أ، م: «في البقاء».
[2] كذا في «معجم البلدان» لياقوت. وطيزناباذ: موضع بين الكوفة والقادسية، كان من أنزه المواضع محفوفا بالكروم والشجر والحانات والمعاصر، وكان من المواضع المقصودة للهو والبطالة. وفي الأصول: «طيرتاباذ» وهو تحريف.
اشتاق الرّشيد إلى عمّتي عليّة بالرّقّة، فكتب إلى خالها يزيد بن منصور في إخراجها إليه فأخرجها. فقالت في طريقها:
صوت
اشرب وغنّ على صوت النّواعير ... ما كنت أعرفها لو لا ابن منصور
لو لا الرجاء لمن أمّلت رؤيته ... ما جزت بغداد في خوف وتغرير
وعملت فيه لحنا في طريقة الثقيل الأوّل.
كانت مع الرشيد في الري فحنت إلى العراق بشعر فردها:
أخبرني محمد بن يحيى قال: حدّثني أحمد بن محمد بن إسحاق قال: حدثنا الهشاميّ أبو عبد اللّه قال:
لمّا خرج الرّشيد إلى الرّيّ أخذ أخته عليّة معه. فلمّا صار بالمرج [1] عملت شعرا وصاغت فيه لحنا في طريقة الرمل وغنّت به، وهو:
صوت
/و مغترب بالمرج يبكي لشجوه ... وقد غاب عنه المسعدون على الحبّ
إذا ما أتاه الرّكب من نحو أرضه ... تنشّق يستشفي برائحة الرّكب
فلمّا سمع الصّوت علم أنها قد اشتاقت إلى العراق وأهلها به فردّها.
غنت الرشيد في يوم فطر:
ونسخت من كتاب هارون بن محمد الزّيّات حدّثني بعض موالي أبي عيسى بن الرّشيد عن أبي عيسى: أن عليّة غنّت الرّشيد في يوم فطر:
صوت
طالت عليّ ليالي الصّوم واتّصلت ... حتى لقد خلتها زادت على الأبد
شوقا إلى مجلس يزهى بصاحبه ... أعيذه بجلال الواحد الصّمد
الغناء لعليّة ثاني ثقيل لا يشكّ فيه، وذكر بعض الناس أنه للواثق، وذكر آخرون أنه لعبد اللّه بن العبّاس الرّبيعي. والصحيح أنه لعليّة. وفيه لعريب ثقيل أوّل غنّته المعتمد يوم فطر فأمر لها بثلاثين ألف درهم.
ضربت وكيلها سباعا وحبسته لخيانته فشفع فيه جيرانه فقالت شعرا:
وقال ميمون بن هارون حدّثني أحمد بن يوسف أبو الجهم قال:
كان لعليّة وكيل يقال له سباع، فوقفت على خيانته فضربته وحبسته، فاجتمع جيرانه إليها فعرّفوها جميل مذهبه وكثرة صدقه، وكتبوا بذلك رقعة، فوقّعت فيها:
__________
[1] المرج: يريد به مرج القلعة، بينه وبين حلوان منزل إلى جهة همذان. كذا ذكر ياقوت في «معجمه» وذكر البيتين الواردين في هذه القصة.
ألا أيّهذا الرّاكب العيس بلّغن ... سباعا وقل إن ضمّ داركم [1] السّفر [2]
أتسلبني مالي وإن جاء سائل ... رققت له إن حطّه نحوك الفقر
كشافيه المرضى بعائدة الزّنا ... تؤمّل أجرا حيث ليس لها أجر
تركت الغناء لموت الرشيد فألح عليها الأمين فغنته:
أخبرني محمد بن يحيى قال حدّثني ميمون بن هارون قال حدّثتني علم السّمراء جارية عبد اللّه بن موسى الهادي أنّها شهدت عليّة غنّت الأمين في شعر لها، وهو آخر شعر قالته فيه، وطريقته من الثقيل الثاني. وكانت لمّا مات الرّشيد جزعت جزعا شديدا وتركت النّبيذ والغناء. فلم يزل بها الأمين حتى عادت فيهما على كره.
والشعر:
صوت
أطلت عاذلتي لومي وتفنيدي ... وأنت جاهلة شوقي وتسهيدي
/ لا تشرب الراح بين المسمعات وزر ... ظبيا غريرا نقيّ الخدّ والجيد
قد رنّحته شمول فهو منجدل ... يحكي بوجنته ماء العناقيد
قام الأمين فأغنى الناس كلّهم ... فما فقير على حال بموجود
لحن عليّة في هذا الشعر ثاني ثقيل. ولعريب فيه هزج، وقيل إنّ الهزج لإبراهيم بن المهديّ.
قالت شعرا في لبانة بنت أخيها علي بن المهدي وغنت فيه:
وقال ميمون بن هارون حدّثني محمد بن أبي عون قال حدّثتني عريب أنّ عليّة قالت في لبانة بنت أخيها عليّ بن المهديّ شعرا وغنّت فيه من الثّقيل الأول:
صوت
وحدّثني عن مجلس كنت زينه ... رسول أمين والنساء شهود
فقلت له كرّ [3] الحديث الذي مضى ... وذكرك من ذاك [4] الحديث أريد
وقد ذكر الهشاميّ أنّ هذا اللحن لإسحاق غنّاه بالرّقّة. وليس ذلك بصحيح.
سمعها إسماعيل بن الهادي تغني مستترة عند المأمون فأذهله غناؤها:
أخبرني محمد بن يحيى عن عون بن محمد عن أبي أحمد بن الرّشيد. ونسخت هذا الخبر من كتاب محمد بن الحسن عن عون بن محمد عن أبي أحمد بن الرّشيد واللفظ له قال:
دخل يوما إسماعيل بن الهادي إلى المأمون، فسمع غناء أذهله. فقال له المأمون: مالك؟ قال: قد سمعت
__________
[1] كذا في الأصول. والأظهر أن تكون «ضم ركبكم» أو «حل - أو جاز - داركم السفر» أو نحو ذلك.
[2] السفر: القوم المسافرون.
[3] في ح: «فقلت لها كرى».
[4] في ب، س: «من بين الحديث».
ما أذهلني، وكنت أكذّب بأن الأرغن الرّوميّ يقتل طربا، وقد صدّقت الآن بذلك. قال: أو لا تدري ما هذا؟ قال: لا واللّه! قال: هذه عمّتك عليّة تلقي على عمّك إبراهيم صوتا من غنائها. إلى ها هنا رواية محمد بن يحيى. وفي رواية محمد بن الحسن قال: هذه عمّتك تلقى على عمّك إبراهيم صوتا استحسنه من غنائها. فأصغيت إليه فإذا هي تلقى عليه:
صوت
ليس خطب الهوى بخطب يسير ... ليس ينبيك عنه مثل حبير
ليس أمر الهوى يدبّر بالرأ ... ي ولا بالقياس والتفكير
اللّحن في هذا لعليّة ثقيل أوّل. وفيه لإبراهيم بن المهديّ ثاني ثقيل عن الهشاميّ.
توفيت ولها خمسون سنة، وسبب وفاتها:
أخبرني جحظة قال حدّثني هبة اللّه بن إبراهيم بن المهديّ عن أبيه:
أنّ عليّة بنت المهديّ ولدت سنة ستين ومائة، وتوفّيت سنة عشر ومائتين [1] ولها خمسون سنة. وكانت عند موسى بن عيسى بن موسى بن محمد بن عليّ بن عبد اللّه بن عبّاس. وأخبرني محمد بن يحيى عن عون بن محمد قال حدّثني محمد بن عليّ بن عثمان قال: ماتت عليّة سنة تسع ومائتين، وصلّى عليها المأمون. وكان سبب وفاتها أنّ المأمون ضمّها إليه وجعل يقبّل رأسها، وكان وجهها مغطّى، فشرقت من ذلك وسعلت ثم حمّت بعقب هذا أيّاما يسيرة وماتت.
وممّن صنع أولاد الخلفاء أبو عيسى بن الرّشيد
فمن صنعته:
صوت
قام بقلبي وقعد ... ظبي نفى عنّي الجلد
خلّفني مدلّها ... أهيم في كلّ بلد
أسهرني ثم رقد ... وما رثى لي من كمد
ظبي إذا ازددت له ... تذلّلا تاه وصدّ
/ واعطشا إلى فم ... يمجّ خمرا من برد
عروضه من مجزوء الرّجز. والشعر والغناء لأبي عيسى بن الرّشيد، ولحنه فيه ثقيل أوّل مطلق في مجرى الوسطى من روايتي عبد اللّه بن المعتزّ والهشاميّ. وذكر الهشاميّ أنّ له أيضا فيه لحنا من ثقيل الرّمل، وذكر حبش أنّ الرّمل لحسين بن محرز. وفيه لأبي العبيس بن حمدون خفيف ثقيل.
__________
[1] في الأصول: «ست عشرة ومائتين» والتصويب عن «نهاية الأرب» و «النجوم الزاهرة».
7 - أخبار أبي عيسى بن الرّشيد ونسبه
شيء من أوصافه:
اسمه أحمد، وقيل بل اسمه صالح بن الرشيد. وهذا النّسب أشهر من أن يشرح. وأمّه أمّ ولد بربريّة.
وكان من أحسن النّاس وجها ومجالسة وعشرة، وأمجنهم وأحدّهم نادرة وأشدّهم عبثا. وكان يقول شعرا ليّنا طيّبا من مثله.
كان جميل الوجه:
أخبرني الحسن بن عليّ الخفاف قال حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد الورّاق قال حدّثني محمد بن عبد اللّه بن طاهر أنه سمع أباه يقول: سمعت أبي (يعني طاهر بن الحسين) يحدّث أنه سمع الرشيد يقول للمأمون: أنت تعلم أنك أحبّ الناس إليّ، ولو أستطيع أن أجعل لك وجه أبي عيسى لفعلت.
كان إذا ركب جلس له الناس لرؤية حسنه:
أخبرني محمد بن يحيى الصّوليّ قال حدّثني مسيّح بن حاتم العكليّ قال حدّثنا إبراهيم بن محمد قال:
كان يقال: انتهى جمال ولد الخلافة إلى أولاد الرشيد، ومن أولاد الرشيد إلى أولاد محمد وأبي عيسى. وكان أبو عيسى إذا عزم على الركوب جلس الناس له حتى يروه أكثر مما يجلسون للخلفاء.
مدحت عريب حسنه وغناءه:
حدّثني محمد قال حدّثني يعقوب بن بنان قال حدّثني عليّ بن الحسين الإسكافيّ قال:
كنت عند أبي الصّقر إسماعيل بن بلبل وعنده عريب، فسمعتها تقول: انتهى جمال الرشيد إلى محمد الأمين وأبي عيسى، ما رأى الناس مثلهما، وكان المعتزّ في طرازهما. قال: وسمعتها تقول لأبي العباس بن حمدون: ما غناؤك [1] من غناء أبي عيسى بن الرّشيد! وما سمعت قطّ غناء أحسن من غنائه، ولا رأيت وجها أحسن من وجهه.
عجب الرشيد من جواب له في صباه وقبله:
أخبرني محمد قال حدّثني الغلابيّ قال حدّثنا يعقوب بن جعفر قال:
قال الرّشيد لأبي عيسى ابنه وهو صبيّ: ليت جمالك لعبد اللّه (يعني المأمون). فقال له: على أنّ حظّه منك لي. فعجب من جوابه على صباه وضمّه إليه وقبّله.
سخط من رؤية هلال شهر رمضان:
__________
[1] كذا في أ، م. وفي ح: «في غنائك من غناء أبي عيسى إلخ». وفي ب، س: «في غنائك مشابهة من غناء أبي عيسى إلخ».
وأخبرني الحسن بن عليّ وأحمد بن عبيد اللّه بن عمّار قالا حدّثنا عبد للّه بن أبي سعد عن محمد بن عبد اللّه بن طاهر عن أبيه قال:
حدّثني من شهد المأمون ليلة وهم يتراءون هلال شهر رمضان وأبو عيسى أخوه معه وهو مستلق على قفاه، فرأوه وجعلو يدعون. فقال أبو عيسى قولا أنكر عليه في ذلك المعنى. كأنه كان متسخّطا لورود الشهر، فما صام بعده.
أخبرني محمد بن يحيى قال حدّثنا الحسين بن فهم قال: قال أبو عيسى بن الرشيد:
دهاني شهر الصّوم لا كان من شهر ... وما صمت شهرا بعده آخر الدّهر
فلو كان يعديني الإمام بقدرة ... على الشهر لاستعديت جهدي على الشّهر
فناله بعقب قوله هذا الشعر صرع، فكان يصرع في اليوم مرّات إلى أن مات، ولم يبلغ شهرا آخر.
مدح إبراهيم بن المهدي غناءه:
وذكر عليّ بن الهشاميّ عن جدّه ابن حمدون قال: قلت لإبراهيم بن المهديّ:/ من أحسن الناس غناء؟
قال: أنا. قلت: ثم من؟ قال: أبو عيسى بن الرّشيد. قلت: ثم من؟ قال: مخارق.
عابث طاهر بن الحسين أمام المأمون فغضب فترضاه:
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثني ابن أبي سعد قال حدّثنا محمد بن عبد اللّه بن طاهر قال حدّثنا محمد بن سعيد أخو غالب الصّعديّ [1] قال:
كان أبو عيسى بن الرشيد وطاهر بن الحسين يتغدّيان مع المأمون، فأخذ أبو عيسى هندباءة [2] فغمسها في الخلّ وضرب بها عين طاهر الصحيحة. فغضب طاهر/ وشقّ ذلك عليه وقال: يا أمير المؤمنين إحدى عينيّ ذاهبة، والأخرى على يدي عدل، يفعل هذا بي بين يديك!! فقال له المأمون: يا أبا الطّيّب إنه واللّه ليعبث بي [3] أكثر من هذا العبث.
عرّص بيعقوب بن المهديّ فضحك المأمون ونهاه:
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا ابن أبي سعد قال حدّثني محمد بن عبد اللّه بن طاهر قال حدّثني أبو عيسى بن عليّ بن عيسى بن ماهان قال:
بينا المأمون يخطب يوم الجمعة على المنبر بالرّصافة وأخوه أبو عيسى تلقاء وجهه في المقصورة، إذ أقبل يعقوب بن المهديّ وكان أفسى الناس، معروفا بذلك. فلما أقبل وضع أبو عيسى كمّه على أنفه، وفهم المأمون ما أراد فكاد أن يضحك. فلمّا انصرف بعث إلى أبي عيسى فأحضره وقال له: واللّه لهممت أن أبطحك فأضربك مائة درّة! ويلك! أردت أن تفضحني بين أيدي الناس يوم جمعة وأنا على المنبر! إيّاك أن تعود لمثل هذه!. قال: وكان
__________
[1] هذه النسبة إلى صعدة، وهي من بلاد اليمن.
[2] الهندباء: صنفان من النبات: أحدهما قريب الشبه من الخس عريض الورق، والآخر أدق وأرق منه وفي طعمه مرارة. (انظر «مفردات ابن البيطار» طبعة بلاق ج 2 ص 118).
[3] في ح، ب، س: «معي».
يعقوب بن المهديّ لا يقدر أن يمسك الفساء إذا جاءه. فاتخذت له داية مثلّثة وطيّبتها وتنوّقت فيها. فلمّا وضعتها تحته فسا، فقال: هذه ليست بطيّبة. فقالت له الداية: فديتك! هذه قد كانت طيّبة وهي مثلثة، فلما ربّعتها فسدت.
قال: وكان يعقوب هذا محمّقا، كان يخطر بباله الشيء فيشتهيه فيثبته في إحصاء خزائنه. فضجّ خازنه من ذلك، فكان يثبت الشيء ثم يثبت تحته أنه ليس عنده، وإنما أثبته ليكون ذكره عنده إلى أن يملكه. فوجد في دفتر له [1] فيه ثبت ثياب: «ثبت ما في الخزانة من الثّياب المثقّلة الإسكندرانيّة والهشاميّة، لا شي ء - أستغفر اللّه - بل عندنا منها زرحية [2] كانت للمهدي. الفصوص الياقوت الأحمر التي من حالها كذا وكذا لا شي ء - أستغفر اللّه - بل عندنا منها درج كان فيه/ للمهديّ خاتم هذه صفته». فحمل ذلك الدفتر إلى المأمون، فضحك لمّا قرأه حتى فحص برجله وقال: ما سمعت بمثل هذا قطّ!.
كان المأمون يحبه ويتمنى أن يلي الأمر بعده:
أخبرني محمد بن يحيى قال حدّثنا سليمان بن داود المهلّبيّ قال حدّثني الهيثم بن محمد بن عبّاد عن أبيه قال:
كان المأمون أشدّ الناس حبّا لأبي عيسى أخيه، كان يعدّه للأمر بعده، وتذاكرنا ذلك كثيرا، وسمعته يقول يوما: إنه ليسهل عليّ أمر الموت وفقد الملك، وما يسهل شيء منهما على أحد، وذلك لمحبّتي أن يلي أبو عيسى الأمر من بعدي لشدّة حبّي إيّاه.
كان يحب صيد الخنازير فوقع عن دابته، وكان ذلك سبب موته:
أخبرني محمد بن عليّ قال حدّثني عبد اللّه بن المعتزّ قال:
كان سبب موت أبي عيسى بن الرّشيد أنه كان يحب صيد الخنازير، فوقع عن دابّته فلم يسلم دماغه، فكان يتخبّط في اليوم مرّات إلى أن مات.
عزاء محمد بن عباد المأمون فيه:
حدّثني محمد قال حدّثنا أبو العيناء قال حدّثنا محمد بن عبّاد المهلّبيّ قال:
لمّا مات أبو عيسى بن الرّشيد دخلت إلى المأمون وعمامتي عليّ، فخلعت عمامتي ونبذتها وراء ظهري - والخلفاء لا تعزّى في العمائم - ودنوت. فقال لي: يا محمد، حال القدر/ دون الوطر. فقلت: يا أمير المؤمنين، كلّ مصيبة أخطأتك تهون، فجعل اللّه الحزن لك لا عليك.
مات سنة تسع ومائتين:
أخبرنا محمد قال حدّثنا عون بن محمد قال سمعت هبة اللّه بن إبراهيم يقول: مات أبو عيسى بن الرّشيد سنة تسع ومائتين، وصلّى عليه المأمون ونزل في قبره، وامتنع من الطعام أياما حتى خاف أن يضرّ ذلك به.
وجد عليه المأمون وجدا شديدا:
أخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن عمّار قال حدّثني أبو العيناء قال سمعت محمد بن عبّاد يقول:
__________
[1] كذا في ح. وفي سائر الأصول: « ... دفتر عنده له فيه».
[2] ظاهر من السياق أنها ضرب من الثياب، ولم نعثر عليها فيما عرفناه من مظان.
/ لمّا توفّي أبو عيسى بن الرّشيد وجد المأمون عليه وجدا شديدا، وكان له محبّا وإليه مائلا. فركب إلى داره حتى حضر أمره وصلّى عليه، وحضره الناس، وكنت فيمن حضر، فما رأيت مصابا حزينا قطّ أجمل أمرا في مصيبة ولا أحرق وجدا منه من رجل صامت تجري دموعه على خدّيه من غير كلح [1] ولا استنثار.
بكاه المأمون وتمثل شعرا وعزاه فيه ابن أبي دواد وعمرو بن مسعده وناحت عليه عريب:
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا ابن أبي سعد الورّاق قال حدّثني محمد بن عبد اللّه بن طاهر قال حدّثني أبي قال قال أحمد بن أبي دواد:
دخلت على المأمون في أوّل صحبتي أيّاه وقد توفّي أخوه أبو عيسى وكان له محبّا وهو يبكي ويمسح عينيه بمنديل، فقعدت إلى جنب عمرو بن مسعدة وتمثّلت قول الشاعر:
نقص من الدّنيا وأسبابها ... نقص المنايا من بني هاشم
ولم يزل على تلك الحال ساعة يبكي، ثم مسح عينيه وتمثّل:
سأبكيك ما فاضت دموعي فإن تغض ... فحسبك منّي ما تجنّ الجوانح
كأن لم يمت حيّ سواك ولم تنح ... على أحد إلّا عليك النوائح
ثم التفت إليّ فقال: هيه يا أحمد! فتمثّلت قول عبدة بن الطّبيب:
عليك سلام اللّه قيس بن عاصم ... ورحمته ما شاء أن يترحّما
تحيّة من أوليته منك نعمة ... إذا زار عن شحط بلادك سلّما
وما كان قيس هلكه هلك واحد ... ولكنّه بنيان قوم تهدّما
فبكى ساعة ثم التفت إلى عمرو بن مسعدة فقال: هيه يا عمرو! قال: نعم يا أمير المؤمنين
بكّوا حذيفة لم تبكّوا مثله ... حتى تعود قبائل لم تخلق
/ فإذا عريب وجوار معها يسمعن ما يدور بيننا، فقلن: اجعلوا لنا معكم في القول نصيبا. فقال لها المأمون: قولي، فربّ صواب منك كثير. فقالت:
كذا [2] فليجلّ الخطب وليفدح الأمر ... وليس لعين لم يفض ماؤها عذر
كأنّ بني العبّاس يوم وفاته ... نجوم سماء خرّ من بينها البدر
فبكى وبكينا. ثم قال لها المأمون: نوحي، فناحت وردّ عليها الجواري. فبكى المأمون حتى قلت: قد خرجت نفسه، وبكينا معه أحرّ بكاء، ثم أمسكت. فقال لها المأمون: اصنعي فيه لحنا وغنّي به. فصنعت فيه لحنا على مذهب النّوح وغنّته إيّاه على العود. فو الذي لا يحلف بأجلّ منه لقد بكينا عليه غناء أكثر ممّا بكينا عليه نوحا.
__________
[1] كذا في الأصول. والذي في «كتب اللغة». كلح وجه الرجل كلوحا وكلاحا (كغراب): تكشر في عبوس أو عبّس فأفرط في تعبسه.
والاستنثار: إخراج ما في الأنف من أذى.
[2] يلحظ أن هذا الشعر لأبي تمام في رثاء محمد بن حميد الطوسي، وقد قتل هذا الأمير في حرب كانت بينه وبين أصحاب بابك الخرمي سنة 214 هجرية. والمروي هنا أن أبا عيسى بن الرشيد مات سنة 209 هجرية، فتأمل هذا، وأصل الشعر «كأن بني نبهان» فغير وجعل «كأن بني العباس».
طلب المأمون من أبي العتاهية أن يسليه عنه:
أخبرني محمد بن يحيى قال حدّثنا الطّبيب [1] بن محمد الباهليّ قال حدّثني موسى بن سعيد عن أخيه عمرو قال:
لمّا مات/ أبو عيسى بن الرشيد وجد عليه المأمون وجدا شديدا حتى امتنع من النّوم ولم يطعم شيئا.
فدخل عليه أبو العتاهية، فقال له المأمون: حدّثني يا أبا إسحاق بحديث بعض الملوك ممن كان في مثل حالنا وفارقها. فقال: يا أمير المؤمنين، لبس سليمان بن عبد الملك أفخر ثيابه ومسّ أطيب طيبه وركب أفره خيله وتقدّم إلى جميع من معه أن يركب في مثل زيّه وأكمل سلاحه، ونظر في مرآته فأعجبته هيئته وحسنه، فقال: أنا الملك الشابّ، ثم قال لجارية له: كيف ترين؟ فقالت:
أنت نعم المتاع لو كنت تبقى ... غير أن لا بقاء للإنسان
أنت خلو من العيوب وممّا ... يكره الناس غير أنّك فاني
/ فأعرض بوجهه، فلم تدر عليه الجمعة إلّا وهو في قبره. قال: فبكى المأمون والناس، فما رأيت باكيا أكثر من ذلك اليوم. قال: وهذان البيتان لموسى شهوات.
بعض أصواته:
ومن غناء أبي عيسى وجيّد صنعته، والشعر له، وطريقته من الثقيل الثاني مطلق في مجرى البنصر. وذكر حبش أن فيه لحسين بن محرز أيضا صنعة من خفيف الرّمل:
صوت
رقدت عنك سلوتي ... والهوى ليس يرقد
وأطار السّهاد نو ... مي فنومي مشرّد
أنت بالحسن منك يا ... حسن الوجه تشهد
وفؤادي بحسن وج ... هك يشقى ويكمد
ومن غنائه أيضا وهو من صدور صنعته في شعر الأخطل - ولحنه من الثقيل الأوّل - :
صوت
إذا ما زياد علّني ثم علّني ... ثلاث زجاجات لهنّ هدير
خرجت أجرّ الذيل حتى كأنني ... عليك أمير المؤمنين أمير
ولإسحاق في هذا الشعر رمل بالبنصر عن عمرو.
__________
[1] في ب، س: «الطيب».
وممن عرفت له صنعة من أولاد الخلفاء عبد الله بن موسى الهادي
صوته في شعر له:
فمن صنعته:
صوت
تقاضاك دهرك ما أسلفا ... وكدّر عيشك بعد الصّفا
فلا تجز عنّ فإنّ الزمان ... رهين بتشتيت ما ألّفا
وما زال قلبك مأوى السرور ... كثير الهوى ناعما مترفا
ألحّ عليك بروعاته ... وأقبل يرميك مستهدفا
الشعر والغناء لعبد اللّه بن موسى. ولحنه ماخوريّ وهو خفيف الثقيل الثاني بالوسطى.
اختلف مع ثقيف الخادم في صوت فضرب ثقيف رأسه بالعود فحلم عليه، وكان معربدا:
أخبرني أحمد بن جعفر حجظة قال حدّثني أبو حشيشة قال:
كان عبد اللّه بن موسى الهادي أضرب الناس بالعود وأحسنهم غناء. وكان له غلام أسود يقال له قلم، فعلّمه الصوت وحذّقه. فاشترته منه أمّ جعفر بثلاثمائة ألف درهم. قال أبو حشيشة فحدّثني/ دلشاد غلام عبد اللّه بن موسى قال: كنت أنا وثقيف الخادم الأسود مولى الفضل بن الربيع نضارب مولاي عبد اللّه بن موسى وقد أخذ النّبيذ من الجماعة. فضرب عبد اللّه وثقيف صوتا فاختلفا فيه وتشاجرا. فقال عبد اللّه: كذا أخذته من منصور زلزل. وقال ثقيف: كذا أخذته منه، وطال تشاجرهما فيه. وكان ثقيف معربدا يذهب عقله من أدنى شيء يشربه، وكان عبد اللّه أيضا معربدا. فغضب ثقيف ورفع العود وهو لا يعقل، فضرب به رأس عبد اللّه بن موسى فطوّقه إيّاه.
وابتدر خدم عبد اللّه؛ فقال لهم عبد اللّه بن موسى: لا تمسّوه وأخرجوا العود من عنقي فأخرجوه. وكان عبد اللّه بن موسى أشدّ خلق اللّه عربدة أيضا، فرزق في ذلك اليوم حلما لم ير مثله، وقال لخدمه: إن قتلته قتلت كلبا وتحدّث الناس بذلك، ولكن اخلعوا عليه وهبوا له ولا يدخل منزلي أبدا.
دعا الحفصي فآثر عليه أخاه إسماعيل:
قال جحظة قال أبو حشيشة أخبرني الحفصيّ المعزفيّ قال:
دعاني عبد اللّه بن موسى يوما ودعاني أخوه إسماعيل؛ فآثرت إسماعيل لما كان في عبد اللّه من العربدة. فلم نشعر إلّا بعبد اللّه قد وافانا وقت العصر على برذون أشهب متقلّدا سيفا وهو سكران. فلما رأيناه تطايرنا في الحجر، فنزل عن دابّته وجلس. وجثا إسماعيل بين يديه إجلالا له، وقال له: يا سيّدي قد سررتني بتفضّلك ومصيرك إليّ. قال: دعني من هذا، من عندك؟ قال: فلان وفلان، فعدّ جماعة من كان عنده. قال له: هاتهم.
فدعا بنا فخرجنا وقد متنا فزعا. فأقبل عليّ من بينهم فقال لي: يا حفصيّ! أبعث إليك ثلاثة أيام تباعا فتدعني وتجيء إلى إسماعيل! وضرب بيده إلى سيفه،/ فقام إسماعيل بيني وبينه وقال: نعم! يجيئني ويدعك؛ لأنه لا ينصرف من عندك إلّا بشجّة أو عربدة مع حرمان، ولا ينصرف من عندي إلّا ببرّ مع خلعة ووعد محصّل، أفتلومه على ذلك!. فكفّ عبد اللّه وكان شديد العربدة وقام وانصرف.
قال شعرا في خادم لصالح بن الرشيد:
أخبرني الصّوليّ قال حدّثني عون بن محمد الكنديّ قال حدّثني محمد بن إسماعيل عن أبيه سليمان بن داود - وكان يكتب لأبي جعفر - قال:
كنت جالسا مع عبد اللّه بن موسى الهادي، فمرّ به خادم لصالح بن الرّشيد. فقال له: ما اسمك؟ فقال له:
اسمي «لا تسل». فأعجبه حسنه وحسن منطقه فقال لي: قم بنا حتى نسرّ اليوم بذكر هذا البدر، فقمت معه.
فأنشدني في ذلك اليوم:
وشادن مرّبنا ... يجرح باللّحظ المقل
مظلوم خصر ظالم ... منه إذا يمشي الكفل
اعتدلت قامته ... واللحظ منه ما عدل
بدر تراه أبدا ... طالع سعد ما أفل
سألته عن اسمه ... فقال لي اسمي «لا تسل»
وأطلعت في وجنتي ... ه وردتان من خجل
فقلت ما أخطأ من ... سمّاك بل قال المثل
لا تسألن عن شادن ... فاق جمالا وكمل
/ قال: وقال فيه - وقد قيل إنه من هذه الأبيات - :
عزّ الذي نهوى وذلّ ... صبّ الفؤاد مختبل
لجّ به الهجر وذا ال ... هجر إذا لجّ قتل
من شادن منتطق ... فاق جمالا وكمل
تناصف الحسن به ... فلا تسل عن «لا تسل»
كان له ابن جيد الضرب وطلب إلى المكي أن يقومه موهما أنه مملوك:
وقال حدّثني محمد بن أحمد المكيّ عن أبيه قال:
دعاني عبد اللّه بن موسى يوما فقال لي: أتقوّم غلاما ضاربا مغنّيا قيمة عدل لا حيف فيه على البائع ولا على المشتري؟ فقلت نعم. فأخرج إليّ ابنه القاسم وكنت قد عرفته، وهو أحسن من القمر ليلة البدر، فأخذ عودا فضرب، فأكببت على يديه أقبّلهما. فقال لي عبد اللّه: أتقبّل يد غلام مملوك!! قلت: بأبي وأمّي هو من مملوك! وقبّلت رجله أيضا. فقال: أمّا إذ عرفته فأحبّ أن تضاربه، ففعلت. فلمّا رأى الغلام زيادتي عليه في الضّرب اغتمّ وأقبل على أبيه فقال له كالمعتذر من ذنبه: أنا متلذّذ وهذا متكسّب. فضحكت وقلت: هو ذاك يا سيّدي.
وعجبت من حدّة جوابه معتذرا على صغر سنّه.
كان كريما ممدحا:
أخبرني الصّوليّ قال حدّثني عبد اللّه بن المعتزّ قال:
كان عبد اللّه بن موسى جوادا كريما ممدّحا، وفيه يقول الشاعر - وفيه لعلويه لحن من خفيف الثّقيل الأول بالبنصر - :
صوت
أعبد اللّه أنت لنا أمير ... وأنت من الزمان لنا مجيز
حكيت أباك موسى في العطايا ... إمام النّاس والملك الكبير
غنى بشعر لعمر بن أبي ربيعة:
قال محمد بن يحيى والعتّابيّ: ولعبد اللّه بن موسى غناء في قول عمر بن أبي ربيعة:
صوت
إنّ أسماء أرسلت ... وأخو الشوق مرسل
أرسلت تستزيرني ... وتفدّي وتعذل
ولحنه فيه رمل. قال: وفيه لابن سريج والغريض ومالك ألحان.
عربد على المأمون فحبسه ثم سمه فمات:
أخبرني عليّ بن سليمان الأخفش في كتاب المغتالين قال حدّثني أبو سعيد السّكّريّ عن محمد بن حبيب قال:
كان عبد اللّه بن موسى الهادي معربدا، وكان قد أحفظ [1] المأمون مما يعربد عليه إذا شرب معه. فأمر بأن يحبس في منزله فلا يخرج منه؛ وأقعد على بابه حرسا. ثم تذمّم من ذلك فأظهر له الرّضا وصرف الحرس عن بابه، ثم نادمه فعربد عليه أيضا وكلّمه بكلام أحفظه. وكان عبد اللّه مغرما بالصّيد، فأمر المأمون خادما من خواصّ خدمه يقال له «حسين» فسمّه في درّاج وهو بمرسى [2] أباد، فدعا عبد اللّه بالعشاء، فأتاه حسين بذلك الدّرّاج فأكله. فلما أحسّ بالسمّ ركب في الليل وقال لأصحابه: هو آخر ما تروني. قال: وأكل معه من الدّرّاج خادمان، فأمّا أحدهما فمات من وقته، وأمّا الآخر فبقي مدّة ثم مات، ومات عبد اللّه بعد أيام.
__________
[1] في ج: «و كان قد أعضل بالمأمون» أي أعياه أمره وضاقت به الحيل فيه.
[2] لم نقف على هذا الموضع.
وممن رويت له صنعة من أولاد الخلفاء عبد اللّه بن محمد الأمين
فمن مشهور صنعته:
ألا يا [1] دير حنظلة المفدّى ... لقد أورثتني سقما وكدّا
أزفّ من العقار إليك دنّا [2] ... وأجعل تحته الورق المندّى
الشعر والغناء لعبد اللّه بن محمد الأمين، أخبرني بذلك محمد بن يحيى الصّوليّ عن عبد اللّه بن المعتزّ وله فيه لحنان خفيف رمل وخفيف ثقيل. وفيه لعبد اللّه بن موسى الهادي رمل. وفيه ثاني ثقيل، وذكر حبش - وهو ممن لا يحصّل قوله - أنه لحنين، ولم يصحّ عندنا من صانعه.
__________
[1] سيذكر المؤلف هذا الدير في ص 200 - 201 من هذا الجزء.
[2] في أ، م، ح: «زفا» بالفاء وهي مصحفة عن «زقا» بالقاف.
8 - أخبار عبد الله بن محمد ونسبه:
نسبه:
عبد اللّه بن محمد الأمين بن هارون الرّشيد بن محمد المهديّ بن عبد اللّه المنصور بن محمد بن عليّ بن عبد اللّه بن العباس بن عبد المطلب. وأمّ عبد اللّه بن محمد أمّ ولد. وكان ظريفا غزلا يقول شعرا ليّنا ويصنع صنعة صالحة. وأمّ محمد الأمين زبيدة بنت جعفر بن المنصور. وزبيدة لقب غلب عليها، واسمها أمة العزيز. وكان المنصور يرقّصها وهي صغيرة - وكانت سمينة حسنة البدن - فيقول لها: يا زبيدة يا زبيدة، فغلب عليها ذلك.
كان صديقا لأبي نهشل فأحب جارية اشتراها أخوه فكتب له شعرا فأخذها له منه:
أخبرني الصوليّ قال حدّثني عون بن محمد الكنديّ قال:
كانت بين عبد اللّه بن محمد الأمين وبين أبي نهشل بن حميد مودّة. فاعترض عبد اللّه جارية مغنّية لبعض نساء بني هاشم وأعطى بها مالا عظيما. فعرفت منه رغبة فيها فزادت عليه في السّوم، فتركها ليكسرهم. فجاء أخ لأبي نهشل بن حميد فاشتراها وزاد. فتبعتها نفس عبد اللّه، فسأل أبا نهشل أن يسأل أخاه النزول له عنها، فسأله ذلك فوعده ودافعه. فكتب عبد اللّه إلى أبي نهشل:
يابن حميد يا أبا نهشل ... مفتاح باب الحدث المقفل
يا أكرم الناس ودادا وأر ... عاهم لحقّ ضائع مهمل
أحسنت في ودّي وأجملت بل ... جزت فعال المحسن المجمل
بيتك في ذي يمن شامخ ... تقصر عنه قنّتا يدبل [1]
خلفت فينا حاتما ذا النّدى ... وجدت جود العارض المسبل
أيّ أخ أنت لذي وحدة ... تركته بالعزّ في جحفل
/ نجوم حظّي منك مسعودة ... فيما أرجّي لسن بالأفّل
فصدّق الظنّ بما قلته ... وسهّل الأمر به يسهل
لا تحرمنّي ولديك المنى ... باللّه صيد الرّشأ الأكحل
رميت منه بسهام الهوى ... وما درى بالرّمي [2] في مقتلي
أدنيتني بالوعد في صيده ... إدناء عطشان من المنهل
__________
[1] يذبل: جبل مشهور الذكر بنجد.
[2] في ح: «ما الرمي».
ثم تناسيت وأسلمتني ... إلى مطال موحش المنزل
تركتني في لحّة عمائما ... لا أعرف المدبر من مقبل
/ صرّح بأمر واضح بيّن ... لا خير في ذي لبس [1] مشكل
قال: فلم يزل أبو نهشل بأخيه حتى نزل له عنها.
خرج إلى ضيعته وتكاتب هو ونديمه أبو نهشل بشعر:
وأخبرني الصّوليّ أيضا بغير إسناد، ووجدت هذا الخبر في كتاب لمحمد بن الحسن الكاتب يرويه عن أبي حسّان الفزاريّ قال:
كان أبو نهشل بن حميد صديقا لعبد اللّه بن محمد الأمين ونديما. وكانت لعبد اللّه ضيعة بالسّواد تعرف بالعمريّة، فخرج إليها وأقام بها أيّاما. فكتب إليه أبو نهشل:
سقى اللّه بالعمريّة الغيث منزلا ... حللت به يا مؤنسي وأميري
فأنت الذي لا يخلق الدهر ذكره ... وأنت أخي حقّا وأنت سروري
فأجابه عبد اللّه:
لئن كنت بالعمريّة اليوم لاهيا ... فإنّ هواكم حيث كنت ضميري
فلا تحسبنّي في هواكم مقصّرا ... وكن شافعي من سخطكم ومجيري
قال محمد بن الحسن في خبره: وصنع عبد اللّه في هذه الأبيات الأربعة لحنا، وصنع فيها [2] سليم بن سلّام لحنا آخر.
نادم الواثق والخلفاء من بعده إلى المعتمد، وشعر له فيه:
أخبرني محمد بن يحيى الصوليّ قال حدّثنا عبد اللّه بن المعتز قال:
كان عبد اللّه بن محمد الأمين ينادم الواثق ثم نادم بعده سائر الخلفاء إلى المعتمد.
قال: وأنشدني له في المعتمد:
رأيت الهلال على وجهكا ... فما زلت أدعو إلهي لكا
فلا زلت تحيا وأحيا معا ... وآمنني اللّه من فقدكا
قال: ومن شعره - وله فيه لحن من الرّمل الثاني وهو خفيف الرمل - :
صوت
يا من به كلّ خلق ... تراه صبّا متيّم
ومن تجالل تيها ... فما تراه يكلّم
__________
[1] حرّك لضرورة الشعر.
[2] في الأصول: «فيه».
لا شيء أعجب عندي ... ممن يراك فيسلم
فأمّا دير حنظلة الذي ذكره في شعره وفيه الغناء المذكور من صنعته متقدّما، فإنه دير بالجزيرة. أخبرني بخبره هاشم بن محمد أبو دلف الخزاعيّ قال حدّثنا الرّياشيّ قال أنشدني أبو المحلّم لحنظلة بن أبي عفراء أحد بني حيّة الطائيّين وهم رهط أبي زبيد [1] ورهط إياس [2] بن قبيصة:
ومهما يكن ريب الزمان فإنني ... أرى قمر الليل المغرّب كالفتى
يهلّ صغيرا ثم يعظم ضوءه ... وصورته حتى إذا ما هو استوى
تقارب يخبو ضوءه وشعاعه ... ويمصح [3] حتى يستسرّ فلا يرى
/ كذلك زيد المرء ثم انتقاصه ... وتكراره في دهره [4] بعد ما مضى
تصبّح أهل الدّار والدّار زينة [5] ... وتأتي الجبال من شماريخها العلا
فلا ذاغنى [6] يرجئن عن فضل ماله ... وإن قال أخّرني وخذ رشوة أبى
ولا عن فقير يأتخرن لفقره ... فتنفعه الشكوى إليهنّ إن شكا
/ قال: وكان حنظلة هذا قد تعبّد في الجاهليّة وتفكّر في أمر الآخرة وتنصّر وبنى ديرا بالجزيرة؛ فهو الآن يعرف به يقال له دير حنظلة. وفيه يقول الشاعر:
يا دير حنظلة المهيّج لي الهوى ... قد تستطيع دواء عشق العاشق
__________
[1] هو حرملة بن المنذر بن معد يكرب الطائي، كان نصرانيا وهو ممن أدرك الجاهلية والإسلام. (انظر ترجمته في «الأغاني» ج 11 ص 24 طبع بلاق).
[2] كان واليا لكسرى على الحيرة بعد قتله النعمان بن المنذر. (انظر «تاريخ ابن الأثير» ج 1 ص 356 - 369).
[3] مصح: ذهب وانقطع.
[4] في «معجم البلدان»: «في إثره».
[5] في الأصول: «ريبة» والتصويب عن «معجم البلدان».
[6] يلاحظ أن الضمائر في هذا البيت بعده متباينة، والمراد بها واحد هو الموت، فإذا كان ضمير جمع فالمراد المنايا.
وممن صنع من أولاد الخلفاء أبو عيسى بن المتوكّل
كان عبد اللّه بن المتوكّل جمع له صنعة مقدارها أكثر من ثلاثمائة صوت، منها الجيّد الصنعة ومنها المتوسط، قد سمعنا كثيرا منها؛ إلّا أني أذكر من ذلك ما عرفت شاعره وكان له خبر يتّصل به حسب ما شرطناه في هذا الكتاب وضمّنّاه إيّاه من الأخبار، ثم أذكر أخبار أبي عيسى بعد ذلك.
قال ابن المعتز حدّثني النّميريّ قال سمعت أبا عيسى بن المتوكّل يقول: إذا أتممت صنعة ثلاثمائة صوت وستين صوتا عدد أيّام السنة تركت الصنعة، فلمّا صنعها ترك الصنعة. فمنها - وهو لعمري من جيّد الغناء وفاخر الصنعة، ولو لم يصنع غيره لكفاه - في شعر أبي العتاهية:
صوت
يضطرب الخوف والرجاء إذا ... حرّك موسى القضيب أو فكّر
ولحنه من الثّقيل الأوّل. والشعر لأبي العتاهية، وقد مضت أخباره؛ وإنما قدّمت ذكره بجودة صنعته وأنه شبّه فيه بصنعة الفحول ومحكم أغاني الأوائل.
ومنها:
صوت
هي النّفس ما حمّلتها تتحمّل ... وللدّهر أيّام تجور وتعدل
وعاقبة الصّبر الجميل جميلة ... وأفضل أخلاق الرجال التّجمّل
الشعر لعليّ بن الجهم. والغناء لأبي عيسى بن المتوكّل، ثاني ثقيل بالوسطى.
9 - أخبار عليّ بن الجهم ونسبه
نسبه ونسب قبيلته بني سامة:
هو عليّ بن الجهم بن بدر بن الجهم بن مسعود بن أسيد بن أذينة بن كرّاز بن كعب بن مالك [1] بن عيينة [2] بن جابر بن الحارث [3] بن عبد البيت بن الحارث بن سامة بن لؤيّ بن غالب. هكذا يدّعون، وقريش تدفعهم عن النّسب وتسمّيهم بني ناجية، ينسبون إلى أمّهم ناجية، وهي امرأة سامة بن لؤيّ. وكان سامة، فيما يقال، خرج إلى ناحية البحرين مغاضبا لأخيه كعب بن لؤيّ في مماظّة [4] كانت بينهما، فطأطأت ناقته رأسها إلى الأرض لتأخذ شيئا من العشب، فعلق بمشفرها أفعى فعطفته على قتبها فحكّته به، فدبّ الأفعى على القتب حتى نهش ساق سامة فقتله. فقال أخوه يرثيه [5]:
عين جودي لسامة بن لؤيّ ... علفت ساق ساقه العلّاقه [6]
ربّ كأس هرقتها ابن لؤيّ ... حذر الموت لم تكن مهراقه
وقال من يدفع بني سامة من نسّابي قريش: وكانت معه امرأته ناجية. فلمّا مات تزوّجت رجلا من أهل البحرين فولدت منه الحارث، ومات أبوه وهو صغير. فلمّا ترعرع طمعت أمّه في أن تلحقه بقريش، فأخبرته أنه ابن سامة بن لؤيّ. فرحل/ من البحرين [7] إلى عمّه/ كعب وأخبره أنه ابن أخيه سامة. فعرف كعب أمّه وظنّه صادقا في دعواه. ومكث عنده مدّة، حتى قدم مكة ركب من أهل البحرين، فرأوا الحارث فسلّموا عليه وحادثوه ساعة. فسألهم عنه كعب بن لؤيّ ومن أين يعرفونه، فقالوا له: هذا ابن رجل من أهل بلدنا يقال له فلان، وشرحوا له خبره. فنفاه كعب ونفى أمّه، فرجعا إلى البحرين فكانا هناك، وتزوّج الحارث وأعقب هذا العقب.
وروي عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: «عمّي سامة لم يعقب». وكان بنو ناجية ارتدّوا عن الإسلام. ولما ولي عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه الخلافة دعاهم إلى الإسلام؛ فأسلم بعضهم وأقام الباقون على الرّدّة فسباهم واسترقّهم؛ فآشتراهم مصقلة [8] بن هبيرة منه وأدّى ثلث ثمنهم وأشهد بالباقي على نفسه، ثم أعتقهم وهرب من تحت ليله إلى
__________
[1] في «ابن خلكان»: «بن كعب بن جابر بن مالك».
[2] في «ابن خلكان»: «عتبة».
[3] في «ابن خلكان»: « ... ابن الحارث بن قطن بن خديج بن قطن بن أحزم بن ذهل بن عمرو بن مالك بن عبيدة بن الحارث بن سامة ... إلخ».
[4] المماظة: المخاصمة والمنازعة.
[5] ورد في «لسان العرب» (في مادّة «فوق») أن امرأة رجل من الأزد هي التي قالت هذا الشعر ترثيه وكان سامة نزل على زوجها ضيفا.
فلما أصبح قعد يستن، فنظرت إليه زوجة الأزدي فأعجبها. فلما رمى سواكه أخذتها فمصتها. فنظر إليها زوجها، فحلب ناقة وجعل في حلابها سما وقدّمه إلى سامة، فغمزته المرأة فهراق اللبن وخرج يسير. فبينا كان في موضع يقال له جوف الخميلة نهشه أفعى، كما جاء في الأصل. وانظر بقية هذا الشعر في «لسان العرب».
[6] العلاقة: في الأصل المنية. ويريد هنا الحية.
[7] في الأصول: «من أهل البحرين».
[8] انظر هذه القصة مفصلة في الطبري ق 1 ص 3439 - 3442).
معاوية، فصاروا أحرارا، ولزمه الثمن، فشعّث [1] عليّ بن أبي طالب شيئا من داره، وقيل بل هدمها. فلم يدخل مصقلة الكوفة حتى قتل عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه.
وزعم ابن الكلبيّ: أنّ سامة بن لؤيّ ولد غالب بن سامة وأمّه ناجية، ثم هلك سامة فخلف عليها ابنه الحارث بن سامة، ثم هلك ابنا سامة ولم يعقبا [2]، وأنّ قوما من بني ناجية بنت [3] جرم بن ربّان [4] علاف ادّعوا أنهم بنو سامة بن لؤيّ، وأنّ أمّهم ناجية/ هذه ونسبوها هذا النسب، وانتموا إلى الحارث بن سامة وهم الذين باعهم عليّ بن أبي طالب إلى مصقلة. قال: ودليل ذلك وأنّ هؤلاء بنو ناجية بنت جرم قول علقمة الخصيّ التّميميّ أحد بني ربيعة بن مالك:
زعمتم أنّ ناجي بنت جرم ... عجوز بعد ما بلي السّنام
فإن كانت كذاك فألبسوها ... فإنّ الحلى للأنثى تمام
وهذا أيضا قول الهيثم بن عديّ. فأمّا الزّبير بن بكّار فإنّه أدخلهم في قريش وقال: هم قريش العازبة. وإنما سمّوا العازبة لأنهم عزبوا عن قومهم فنسبوا إلى أمّهم ناجية بنت جرم بن ربّان وهو علاف، وهو أوّل من اتخذ الرّحال العلافيّة فنسبت إليه. واسم ناجية ليلى؛ وإنما سمّيت ناجية لأنها سارت في مفازة معه فعطشت فاستسقته ماء، فقال لها: الماء بين يديك، وهو يريها السّراب، حتى جاءت الماء فشربت وسمّيت ناجية. وللزّبير في إدخالهم في قريش مذهب وهو مخالفة فعل أمير المؤمنين عليّ رضي اللّه عنه وميله إليهم لإجماعهم على بغضه رضي اللّه عنه، حسب المشهور المأثور من مذهب الزّبير في ذلك.
كان شاعرا فصيحا اختص بالمتوكل وهجاء عليا وشيعته:
وكان عليّ بن الجهم شاعرا فصيحا مطبوعا؛ وخصّ بالمتوكّل حتى صار من جلسائه، ثم أبغضه لأنه كان كثير السّعاية إليه بندمائه والذّكر لهم بالقبيح عنده، وإذا خلا به عرّفه أنهم يعيبونه ويثلبونه ويتنقّصونه، فيكشف عن ذلك فلا يجد له حقيقة، فنفاه بعد أن حبسه مدّة. وأخباره تذكر على شرح بعد هذا. وكان ينحو نحو مروان بن أبي حفصة في هجاء آل أبي طالب وذمّهم والإغراء بهم وهجاء الشّيعة، وهو القائل:
ورافضة تقول بشعب رضوى ... إمام، خاب ذلك من إمام
إمام من له عشرون ألفا ... من الأتراك مشرعة السّهام
/ وفيه يقول البحتريّ:
إذا ما حصّلت عليا قريش ... فلا في العير أنت ولا النّفير
__________
[1] يريد أنه نقض بعضا منها.
[2] في أ، م: «ثم هلك ابن سامة ولم يعقب».
[3] في الأصول هنا: «ابن جرم».
[4] ربان علاف: بالراء المهملة المفتوحة والباء الموحدة المشدّدة، وليس في العرب غيره، ومن سواه فبالزاي المعجمة. وقد ورد هذا الاسم في الأصول محرفا بصور شتى، وفي أكثرها زيادة «ابن» بين ربان وعلاف، وهما لشخص واحد، كما ذكر ذلك المؤلف في الصفحة التالية. (راجع «القاموس» و «شرحه» في مادتي ربن وعلف).
وما رغثاؤك [1] الجهم بن بدر ... من الأقمار ثمّ ولا البدور
ولو أعطاك ربّك ما تمنّى ... لزاد الخلق في عظم الأيور [2]
علام هجوت مجتهدا عليّا ... بما لفّقت من كذب وزور
أما لك في استك الوجعاء شغل ... يكفّك عن أذى أهل القبور
وسمعه أبو العيناء يوما يطعن على عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه، فقال له: أنا أدري لم تطعن على عليّ أمير المؤمنين. فقال له: أتعني قصّة بيعه أهلي من مصقلة بن هبيرة؟ قال: لا! أنت أوضع من ذلك، ولكن لأنه قتل الفاعل فعل قوم لوط والمفعول به، وأنت أسفلهما.
هجا بختيشوع فسبه عند المتوكل فحبسه سنة ثم نفاه وقال في ذلك شعرا:
أخبرني عمّي قال حدّثني محمد بن سعد الهشاميّ قال:
كان عليّ بن الجهم قد هجا بختيشوع [3]، فسبّه عند المتوكّل فحبسه المتوكّل. فقال عليّ بن الجهم في حبسه عدّة قصائد كتب بها إلى المتوكل فأطلقه بعد سنة، ثم نفاه بعد ذلك إلى خراسان. فقال أوّل ما حبس قصيدة كتب بها إلى أخيه، أوّلها قوله:
توكّلنا على ربّ السماء ... وسلّمنا لأسباب القضاء
ووطّنّا على غير اللّيالي ... نفوسا سامحت بعد الإباء
وأفنية الملوك محجّبات ... وباب اللّه مبذول الفناء
/ هي الأيّام تكلمنا وتأسو ... وتأتي بالسعادة والشقاء
وما يجدي الثّراء على غنيّ ... إذا ما كان محظور العطاء
حلبنا الدّهر أشطره ومرّت ... بنا عقب [4] الشّدائد والرّخاء
وجرّبنا وجرّب أوّلونا ... فلا شيء أعزّ من الوفاء
ولم ندع الحياء لمسّ ضرّ ... وبعض الضرّ يذهب بالحياء
ولم نحزن على دنيا تولّت ... ولم نسبق إلى حسن العزاء
توقّ النّاس يابن أبي وأمّي ... فهم تبع المخافة والرّجاء
ولا يغررك من وغد إخاء ... لأمر ما غدا حسن الإخاء
ألم تر مظهرين عليّ عيبا [5] ... وهم بالأمس إخوان الصّفاء
__________
[1] الرغثاء: أصلها عصب أو عرق في الثدي يدر اللبن. واستعملها البحتري هنا في الأب.
[2] في «ديوان البحتري» طبع مطبعة الجوائب:
ولو أعطاك ربك ما تمنى ... عليه لزاد في غلظ الأيور
[3] هو بختيشوع بن جبريل بن بختيشوع الأكبر المتطبب. (انظر الطبري ق 3 ص 667، 1437، 1447، 1790).
[4] العقب: جمع عقبة وهي النوبة.
[5] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «عتبا» وهو تصحيف.
فلمّا أن بليت غدوا وراحوا ... عليّ أشدّ أسباب البلاء
أبت أخطارهم أن ينصروني ... بمال أو بجاه أو ثراء
وخافوا أن يقال لهم خذلتم ... صديقا فادّعوا قدم الجفاء
تضافرت الرّوافض والنّصارى ... وأهل الاعتزال على هجائي
- يعني بأهل الاعتزال عليّ بن يحيى المنجّم وقد كان بلغه عنه ذكر له: -
وعابوني وما ذنبي إليهم ... سوى علمي بأولاد الزّناء
/ فبختيشوع يشهد لابن عمرو ... وعزّون لهارون المرائي
وما الجذماء بنت أبي سمير ... بجذماء اللّسان عن الخناء
إذا ما عدّ مثلكم رجالا ... فما فضل الرجال على النساء
عليكم لعنة اللّه ابتداء ... وعودا في الصّباح وفي المساء
/ إذا سمّيتم للنّاس قالوا ... أولئك شرّ من تحت السّماء
أنا المتوكّليّ هوى ورأيا ... وما بالواثقيّة من خفاء
وما حبس الخليفة لي بعار ... وليس بمؤيسي منه التنائي
قال أبو الشبل شعره في الحبس كشعر عدي بن زيد:
أخبرني عمّي قال حدّثنا محمد قال قال لي أبو الشّبل البرجميّ: ما شعر عليّ بن الجهم في الحبس بدون شعر عديّ بن زيد [1].
حبسه المتوكل بسعاية جلسائه ونفاه إلى خراسان فعذبه طاهر بن عبد اللّه فقال شعرا:
أخبرني عمّي قال حدّثنا محمد قال:
كان سبب حبس المتوكّل عليّ بن الجهم أنّ جماعة من الجلساء سعوا به إليه وقالوا له: إنه يجمّش [2] الخدم ويغمزهم، وإنّه كثير الطعن عليك والعيب لك والإزراء على أخلاقك؛ ولم يزالوا به يوغرون صدره عليه حتى حبسه؛ ثم أبلغوه عنه أنه هجاه. فنفاه إلى خراسان وكتب بأن يصلب إذا وردها يوما إلى الليل. فلما وصل إلى الشاذياخ [3] حبسه طاهر بن عبد اللّه بن طاهر بها، ثم أخرج فصلب يوما إلى الليل مجرّدا ثم أنزل. فقال في ذلك:
لم ينصبوا بالشّاذياخ عشيّة ... الإثنين مسبوقا ولا مجهولا
__________
[1] عدي بن زيد الشاعر حبسه النعمان، وله شعر في حبسه. (انظر ترجمته في الجزء الثاني ص 97 وما بعدها من هذه الطبعة).
[2] يجمش الخدم: يلاعبهم ويقرّصهم.
[3] الشاذياخ: من ضواحي نيسابور أم بلاد خراسان، وكانت قديما بستانا لعبد اللّه بن طاهر بن الحسين ملاصقا مدينة نيسابور، فبنى فيه دارا له، ثم أمر الجند بالبناء حوله فعمرت حتى اتصل بناؤها ببناء نيسابور وصارت من جملة محالها. (عن «معجم البلدان» لياقوت).
نصبوا بحمد اللّه ملء قلوبهم ... شرفا وملء صدورهم تبجيلا
ما ازداد إلا رفعة بنكوله [1] ... وازدادت الأعداء عنه نكولا
هل كان إلّا الليث فارق غيله ... فرأيته في محمل محمولا
/ لا يأمن الأعداء من شدّاته ... شدّا يفصّل هامهم تفصيلا
ما عابه أن بزّ عنه لباسه ... فالسيف أهول ما يرى مسلولا
إن يبتذل فالبدر لا يزري به ... أن كان ليلة تمّه مبذولا
أو يسلبوه المال يحرن فقده ... ضيفا ألمّ وطارقا ونزيلا
أو يحبسوه فليس يحبس سائر ... من شعره يدع العزيز ذليلا
إنّ المصائب ما تعدّت دينه ... نعم وإن صعبت عليه قليلا
واللّه ليس بغافل عن أمره ... وكفى بربك ناصرا ووكيلا
ولتعلمنّ [2] إذا القلوب تكشّفت ... عنها الأكنّة من أضلّ سبيلا
كتب المتوكل لطاهر بإطلاقه فأطلقه فقال شعرا:
أخبرني عمّي قال حدّثنا محمد بن سعد قال:
كتب المتوكّل إلى طاهر بن عبد اللّه بإطلاق عليّ بن الجهم. فلمّا أطلقه قال:
أطاهر إنّي عن خراسان راحل ... ومستخبر عنها فما أنا قائل
أ أصدق أم أكني عن الصّدق [3] أيّما ... تخيّرت أدّته إليك المحافل
وسارت به الرّكبان واصطفقت به ... أكفّ قيان واجتبته القبائل
/ وإنّي بغالي الحمد والذّمّ عالم ... بما فيهما نامي الرّميّة [4] ناضل
وحقّا أقول الصّدق إنّي لمائل ... إليك وإن لم يحظ بالودّ مائل
ألا حرمة ترعى ألا عقد ذمّة ... لجار ألا فعل لقول مشاكل
ألا منصف إن لم نجد متفضّلا ... علينا ألا قاض من الناس عادل
/ فلا تقطعن غيظا عليّ أناملا ... فقبلك ما عضّت عليّ الأنامل
__________
[1] يريد بنكوله الأولى التنكيل به، وبالثانية الفرار عنه والإحجام. ويلاحظ في الأولى أنه يقال: نكل به تنكيلا ونكل به مخفف والاسم النكال بالفتح.
[2] في أ، م: «و ليعلمن» بالياء المثناة من تحت.
[3] في أ، م: «عن الحق».
[4] الرمية النامية: التي أصيبت ثم غابت عن الرامي وماتت؛ يقال أنمى فلان الصيد فنمى؛ قال امرؤ القيس يهجو:
فهو لا تنمي رميته ... ما له لا عدّ من نفره
يريد علي بن الجهم أنه يصيب مرماه. وناضل: وصف من نضله إذا سبقه أو غلبه في المناضلة وهي المباراة في الرمي.
أطاهر إن تحسن فإنّي محسن ... إليك وإن تبخل فإنّي باخل
فقال له طاهر: لا تقل إلّا خيرا فإني لا أفعل بك إلّا ما تحبّ؛ فوصله وحمله وكساه.
جمش جارية فباعدته فقال شعرا فأجابته:
أخبرني عمّي قال حدّثني محمد قال:
كان عليّ بن الجهم في مجلس فيه قينة، فعابثها وجمّشها، فباعدته وأعرضت عنه، فقال فيها:
خفي [1] اللّه فيمن قد تبلت فؤاده ... وغادرته نضوا كأنّ به وقرا
دعي البخل لا أسمع به منك إنّما ... سألتك أمرا ليس يعري لكم ظهرا
فقالت له: صدقت يا أبا الحسن، ليس يعري لنا ظهرا، ولكنّه يملأ بطنا!!
كان يتشاءم من الحارثي فرآه فقال شعرا:
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدّثنا إبراهيم بن المدبّر قال حدّثنا علي بن الجهم قال:
كان الحارثيّ يجيء إلى حلوان [2] وأنا أتولّاها - وكان عليّ بن الجهم على مظالمها - فإذا وردها وقع الإرجاف [3]، فلم يزل متّصلا حتى يخرج، فإذا خرج سكن الإرجاف. فأتاني مرّة وظهر كوكب الذّنب في تلك الليلة، فقلت:
لمّا بدا أيقنت بالعطب ... فسألت ربّي خير منقلب
لم يطلعا إلّا لآبدة [4] ... الحارثيّ وكوكب الذّنب
/ قال ابن المدبّر: وكان الحارثيّ أعور مقبّح الوجه، وفيه يقول أبو عليّ البصير:
يا معشر البصراء لا تتطرّفوا [5] ... جيشي ولا تتعرّضوا لنكيري
ردّوا عليّ الحارثيّ فإنّه ... أعمى يدلّس نفسه في العور [6]
انتحل شعرا لإبراهيم بن العباس:
أخبرني الحسن قال حدّثنا ابن مهرويه قال أنشدني إبراهيم بن المدبّر لعليّ بن الجهم وذكر أن عليّا أنشده إيّاه لنفسه:
__________
[1] كذا في الأصول بإثبات الياء في «خفي» في هذا البيت، وفي «دعي» في البيت بعده. ونحسب أن هذه الياء من زيادات النساخ، وأن الخطّاب لمذكر والمراد به أنثى، كما يدل عليه سياق الكلام. وإلا فبعيد أن يقع مثل عليّ بن الجهم في هذا الخطأ اللغوي؛ إذ الأمر من «خاف» للمخاطبة «خافي».
[2] حلوان: مدينة بالعراق.
[3] الإرجاف هنا: الزلزلة؛ يقال رجفت الأرض وأرجفت.
[4] الآبدة: الداهية الخالدة الذكر، والأمر العظيم تنفر منه وتستوحش.
[5] تطرف الشي ء: تحيفه وأخذ من أطرافه.
[6] كذا في ح. وفي سائر النسخ: «بالعور».
أميل مع الذّمام على ابن أمّي ... وآخذ للصّديق من الشّقيق
وإن ألفيتني حرّا مطاعا ... فإنّك واجدي عبد الصديق
أفرّق بين معروفي ومنّي ... وأجمع بين مالي والحقوق
فقال إبراهيم: كذب واللّه عليّ بن الجهم وأثم. واللّه لهذا الشعر أشهر [1] بإبراهيم بن العبّاس من إبراهيم بالعباس أبيه.
قال المتوكل إنه كذاب وأثبت كذبه بكلامه له:
أخبرني الحسن قال حدّثني ابن مهرويه قال حدّثنا إبراهيم بن المدبّر قال قال المتوكّل:
عليّ بن الجهم أكذب خلق اللّه. حفظت عليه أنّه أخبرني أنه أقام بخراسان ثلاثين سنة، ثم مضت مدّة أخرى وأنسي ما أخبرني به، فأخبرني أنه أقام بالثغور ثلاثين سنة، ثم مضت مدّة أخرى وأنسي الحكايتين جميعا، فأخبرني أنه أقام بالجبل/ ثلاثين سنة، ثم مضت مدّة أخرى فأخبرني أنه أقام بمصر والشأم ثلاثين سنة، فيجب أن يكون عمره على هذا وعلى التقليل مائة وخمسين سنة [2]، وإنما يزاهي سنّه الخمسين سنة. فليت شعري أيّ فائدة له في هذا الكذب وما معناه فيه!!
عربد عليه بعض ولد علي بن هشام فهجاهم:
أخبرني محمد بن إبراهيم قال حدّثنا عبد اللّه بن المعتزّ، وحدّثني عمّي قال حدّثنا محمد بن سعد قال:
إجتمع عليّ بن الجهم مع قوم من ولد عليّ بن هشام في مجلس، فعربد عليه بعضهم، فغضب وخرج من المجلس، واتّصل الشرّ بينهم حتى تقاطعوا وهجروه وعابوه واغتابوه. فقال يهجوهم:
بني متيّم هل تدرون ما الخبر ... وكيف يستر أمر ليس يستتر
حاجبتكم: من أبوكم يا بني عصب ... شتّى ولكنّما للعاهر الحجر
قد كان شيخكم شيخا له خطر ... لكنّ أمّكم في أمرها نظر
ولم تكن أمّكم - واللّه يكلؤها - ... محجوبة دونها الحرّاس والسّتر
كانت مغنّية الفتيان إن شربوا ... وغير ممنوعة منهم إذا سكروا
وكان إخوانه غرّا غطارفة ... لا يمكن الشيخ أن يعصي إذا أمروا
قوم أعفّاء إلّا في بيوتكم ... فإنّ في مثلها قد تخلع العذر
فأصبحت كمراح [3] الشّول حافلة ... من كلّ لاقحة في بطنها درر
__________
[1] في ب، س: «أشبه».
[2] يلاحظ أن مجموع السنين التي ذكرها لا يبلغ مائة وخمسين.
[3] في الأصول: «كمريح» والمراح: مأوى الإبل. والشول من النوق: التي خف لبنها وارتفع ضرعها وأتى عليها سبعة أشهر من يوم نتاجها أو ثمانية، فلم يبق في ضروعها إلا شول من اللبن أي بقية مقدار ثلث ما كانت تحلب حدثان (بكسر أوّله وسكون ثانيه) نتاجها. واحدتها شائلة، وهو جمع على غير قياس. وأما الناقة الشائل (بغير هاء) فهي اللاقح التي تشول بذنبها للفحل أي ترفعه، فذلك آية لقاحها، وترفع مع ذلك رأسها وتشمخ بأنفها، وهي حينئذ شامذ، وجمعها شوّل وشمذ. والمراد من البيت ظاهر.
فجئتم عصبا من كلّ ناحية ... نوعا [1] مخانيث في أعناقها الكبر [2]
فواحد كسرويّ في قراطقه [3] ... وآخر قرشيّ حين يختبر
ما علم أمّكم من حلّ مئزرها ... ومن رماها بكم يأيّها القذر
/ قوم إذا نسبوا فالأم واحدة ... واللّه أعلم بالآباء إذ كثروا
لم تعرفوا الطّعن إلّا في أسافلكم ... وأنتم في المخازي فتية صبر
أحببت إعلامكم إنّي بأمركم ... وأمر غيركم من أهلكم خبر
تفكّهون بأعراض الكرام وما ... أنتم وذكركم السادات يا عرر [4]
هذا الهجاء الذي تبقى مياسمه [5] ... على جباهكم ما أورق الشّجر
سعى عند المتوكل بندمائه وبلغه أنه هجاه فحبسه، وأحسن شعره في الحبس:
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا ابن مهرويه قال حدّثني إبراهيم بن المدبّر قال:
كتب صاحب الخبر إلى المتوكّل أن الحسن بن عبد الملك بن صالح احترق فمات. فقال عليّ بن الجهم:
قد بلغني أنّ العامل قتله وصانع صاحب الخبر حتى كتب بهذا. وكان يسعى بالجلساء إلى المتوكّل فأبغضه وأمره بأن يلزم بيته، ثم بلغه أنه هجاه فحبسه. وأحسن شعر قاله في الحبس قصيدته التي أوّلها:
قالت [6] حبست فقلت ليس بضائري ... حبسي وأيّ مهنّد لا يغمد
أو ما رأيت اللّيث يألف غيله ... كبرا وأوباش السّباع تردّد
والشمس لو لا أنّها محجوبة ... عن ناظريك لما أضاء الفرقد
والبدر يدركه السّرار [7] فتنجلي ... أيّامه وكأنّه متجدّد
/ والغيث يحصره الغمام فما يرى ... إلّا وريّقه يروع [8] ويرعد
والزاعبيّة [9] لا يقيم كعوبها ... إلّا الثّقاف [10] وجذوة تتوقّد
والنار في أحجارها مخبوءة ... لا تصطلى إن لم تثرها الأزند
__________
[1] كذا في الأصل أي وهما نوعا مخانيث ... إلخ، فسرهما في البيت الثاني، وإن كان مع ذلك يحتمل أنها حرفت عن كلمة على وزن فعل بضم أوله جمعا لأفعل، مثل نوك جمع أنوك أو نحو ذلك.
[2] الكبر: الطبل. معرب.
[3] القراطق: جمع قرطق وهو القباء.
[4] العرر: جمع عرة وهو الرجل يكون شين القوم؛ يقال: فلان عرة أهله.
[5] المياسم: جمع ميسم (بكسر الميم) وهو هنا أثر الوسم والجمع مواسم على الأصل باعتباره من وسم، ومياسم على اللفظ.
[6] في ب، س: «قالوا».
[7] السرار: (بالفتح والكسر) آخر أيام الشهر.
[8] في الأصول: «يراع».
[9] الزاعبية: رماح منسوبة إلى رجل من الخزرج يقال له زاعب كان يعمل الأسنة.
[10] الثقاف: آلة من خشب تسوّي بها الرماح.
/
والحبس ما لم تغشه لدنيّة ... شنعاء نعم المنزل المتورّد [1]
بيت يجدّد للكريم كرامة ... ويزار فيه ولا يزور ويحمد
لو لم يكن في الحبس إلّا أنّه ... لا يستذلّك بالحجاب الأعبد
كم من عليل قد تخطّاه الرّدى ... فنجا ومات طبيبه والعوّد
يا أحمد بن أبي دواد إنّما ... تدعى لكلّ عظيمة يا أحمد
أبلغ أمير المؤمنين فدونه ... خوض الرّدى ومخاوف لا تنفد
أنتم بنو عمّ النبيّ محمد ... أولى بما شرع النبيّ محمّد
ما كان من كرم فأنتم أهله ... كرمت مغارسكم وطاب المحتد
أمن السّويّة يابن عمّ محمد ... خصم تقرّبه وآخر تبعد
إنّ الذين سعوا إليك بباطل ... حسّاد نعمتك التي لا تجحد
شهدوا وغبنا عنهم فتحكّموا ... فينا وليس كغائب من يشهد
لو يجمع الخصماء عندك مجلس ... يوما لبان لك الطريق الأقصد
فبأيّ جرم أصبحت أعراضنا ... نهبا تقسّمها اللئيم الأوغد
دخل على المتوكل والطبيب يفحص علته وكانت جاريته قبيحة أغضبته فضربها ثم اغتم لذلك فقال هو في ذلك شعرا:
أخبرني جعفر بن قدامة قال حدّثني حمّاد بن إسحاق قال قال لي أبو الفضل الرّبعيّ [2] قال قال لي عليّ بن الجهم:
دخلت على المتوكّل وقد بلغني أنّه كلّم قبيحة جاريته فأجابته بشيء أغضبه، فرماها بمخدّة فأصابت عينها فأثّرت فيها، فتأوّهت وبكت وبكى المعتزّ لبكائها؛ فخرج المتوكّل وقد حمّ من الغمّ والغضب. فلما بصر بي دعاني وإذا الفتح [3] يري بختيشوع القارورة ويشاوره فيها. فقال لي: قل يا عليّ في علّتي هذه شيئا وصف أنّ الطبيب ليس يدري ما بي؛ فقلت:
/تنكّر حال علّتي الطّبيب ... وقال أرى بجسمك ما يريب
جسست العرق منك فدلّ جسّي ... على ألم له خبر عجيب
فما هذا الذي بك هات قل لي ... فكان جوابه منّي النّحيب
وقلت أيا طبيب الهجر دائي ... وقلبي يا طبيب هو الكئيب
فحرّك رأسه عجبا لقولي ... وقال الحب ليس له طبيب
__________
[1] المتورد: الذي يورد ويزار مثل المورود. وفي ب، س: «المتودد» وهو تحريف.
[2] في أ، م: «الربيعي».
[3] هو الفتح بن خاقان وزير المتوكل ونديمه.
فأعجبني الذي قد قال جدّا ... وقلت بلى إذا رضي الحبيب
فقال هو الشفاء فلا تقصّر ... فقلت أجل ولكن لا يجيب
ألا هل مسعد يبكي لشجوي ... فإنّي هائم فرد غريب
فقال: أحسنت وحياتي! يا غلام اسقني قدحا؛ فجاءه بقدح فشرب وسقيت الجماعة مثله. وخرجت إليه فضل الشاعرة بأبيات أمرتها قبيحة أن تقولها عنها. فقرأها فإذا هي:
/أكتمنّ الذي في القلب من حرق ... حتى أموت ولم يعلم به الناس
ولا يقال شكا من كان يعشقه ... إنّ الشّكاة لمن تهوى هي الياس
ولا أبوح بشيء كنت أكتمه ... عند الجلوس إذا ما دارت الكاس
فقال المتوكّل: أحسنت يا فضل. وأمر لها ولي بعشرين ألف درهم، ودخل إلى قبيحة فترضّاها.
خرج مع جماعة إلى الشام فقطع عليهم الأعراب الطريق ففرّ أصحابه وثبت هو وقال شعرا:
أخبرني عمّي قال حدّثني محمد بن سعد قال:
خرج عليّ بن الجهم إلى الشام في قافلة، فخرجت عليهم الأعراب في خساف [1] فهرب من كان في القافلة من المقاتلة، وثبت عليّ بن الجهم فقاتلهم قتالا شديدا، وثاب الناس إليه فدفعهم ولم يحظوا بشيء. فقال في ذلك:
/صبرت ومثلي صبره ليس ينكر ... وليس على ترك التّقحّم يعذر
غريزة حرّ لا اختلاق تكلّف ... إذا خام [2] في يوم الوغى المتصبّر
ولمّا رأيت الموت تهفو بنوده ... وبانت علامات له ليس تنكر
وأقبلت الأعراب من كلّ جانب ... وثار عجاج أسود اللّون أكدر
بكلّ مشيح [3] مستميت مشمّر ... يجول به طرف [4] أقبّ مشمّر
بأرض خساف حين لم يك دافع ... ولا مانع إلّا الصّفيح [5] المذكّر
فقلّل في عينيّ عظم جموعهم ... عزيمة قلب فيه ما جلّ يصغر
بمعترك فيه المنايا جواسر ... ونار الوغى بالمشرفيّة تسعر
فما صنت وجهي عن ظبات سيوفهم ... ولا انحزت عنهم والقنا تتكسّر
ولم أك في حرّ الكريهة محجما ... إذا لم يكن في الحرب للورد مصدر
__________
[1] في الأصول «حساف» بالحاء المهلمة وهو تصحيف. وخساف: برية بين بالس وحلب. («معجم البلدان» لياقوت).
[2] خام: نكص وجبن.
[3] المشيح: المجد.
[4] الطرف: الكريم من الخيل. والأقب: الدقيق الخصر الضامر البطن.
[5] الصفيح هنا: السيف العريض.
إذا ساعد الطّرف الفتى وجنانه ... وأسمر خطّيّ وأبيض مبتر [1]
فذاك، وإن كان الكريم بنفسه، ... إذا اصطكّت الأبطال في النّقع عسكر
منعتهم من أن ينالوا قلامة ... وكنت شجاهم والأسنّة تقطر
وتلك سجايانا قديما وحادث ... بها عرف الماضي وعزّ المؤخّر
أبت لي قروم أنجبتني أن أرى ... وإن جلّ خطب خاشعا أتضجّر
أولئك آل اللّه فهر بن مالك ... بهم يجبر العظم الكسير ويكسر
هم المنكب العالي على كلّ منكب ... سيوفهم تفني وتغني وتفقر
قال إن أباه حبسه في الكتاب وهو صبيّ فكتب إلى أمّه شعرا فكذبه إبراهيم بن المدبر:
أخبرني عيسى بن الحسين الورّاق والحسن بن عليّ قالا جميعا حدّثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدّثني عيسى بن أبي حرب قال حدّثني عليّ بن الجهم قال:
حبسني أبي في الكتّاب، فكتبت إلى أمي:
يا أمّتا أفديك من أمّ ... أشكو إليك فظاظة الجهم
قد سرّح الصّبيان كلّهم ... وبقيت محصورا بلا جرم
قال: وهو أوّل شعر قلته وبعثت به إلى أمّي؛ فأرسلت إلى أبي: واللّه لئن لم تطلقه لأخرجنّ حاسرة حتى أطلقه. قال عيسى فحدّثت بهذا الخبر إبراهيم بن المدبّر فقال: عليّ بن الجهم/ كذّاب، وما يمنعه من أن يكون ولّد هذا الحديث وقال هذا الشعر وله ستون سنة، ثم حدّثكم أنه قاله وهو صغير، ليرفع من شأن نفسه!.
مدح أحمد بن أبي دواد وكان منحرفا عنه ليشفع له في حبسه فقعد عنه فهجاه وشمت به بعد أن نفاه المتوكل:
أخبرني عمّي قال حدّثنا محمد بن سعد قال:
كان أحمد بن أبي دواد منحرفا عن عليّ بن الجهم لاعتقاده مذهب الحشويّة [2]. فلما حبس عليّ بن الجهم مدح أحمد بن أبي دواد عدّة مدائح، وسأله أن يقوم بأمره ويشفع فيه، فلم يفعل وقعد عنه. فمنها قوله:
يا أحمد بن أبي دواد إنّما ... تدعى لكلّ عظيمة يا أحمد
أبلغ أمير المؤمنين ودونه ... خوض الرّدى ومخاوف لا تنفد
أنتم بنو عمّ النبيّ محمد ... أولى بما شرع النبيّ محمّد
وهذه الأبيات من قصيدته التي أوّلها:
قالت حبست فقلت ليس بضائري
__________
[1] المعروف في «كتب اللغة» أن يقال سيف باتر وبتار (بتشديد التاء) وبتار (وزان غراب) وبتور. ولكن عليّ بن الجهم استعمل هنا هذه الصيغة، فرجحنا هذا الضبط؛ إذ المستعمل في القطع من هذه المادة إنما هو «بتر» الثلاثي، واسم الالة منه مبتر.
[2] الحشوية: طائفة يقولون: حكم الأحاديث كلها واحد، وعندهم أن تارك النفل كتارك الفرض. وهم فرقة من المرجئة. (انظر «الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي ج 4 ص 162 طبع دار الكتب المصرية).
/ فلمّا نفى المتوكّل أحمد بن أبي دواد شمت به عليّ بن الجهم وهجاه فقال:
يا أحمد بن أبي دواد دعوة ... بعثت إليك جنادلا وحديدا
ما هذه البدع التي سمّيتها ... بالجهل منك العدل والتوحيدا
أفسدت أمر الدّين حين وليته ... ورميته بأبي الوليد [1] وليدا
لا محكما جزلا [2]، ولا مستطرفا [3] ... كهلا، ولا مستحدثا معمودا [4]
شرها، إذا ذكر المكارم والعلا ... ذكر القلايا [5] مبدئا ومعيدا
ويودّ لو مسخت ربيعة كلّها ... وبنو إياد صحفة وثريدا
وإذا تربّع في المجالس خلته ... ضبعا وخلت بني أبيه قرودا
وإذا تبسّم ضاحكا شبّهته ... شرقا تعجّل شربه مردودا
لا أصبحت بالخير عين أبصرت ... تلك المناخر والثّنايا السّودا
كتب من حبسه شعرا لطاهر بن عبد اللّه بن طاهر بن الحسين:
أخبرني عمّي قال حدّثنا محمد قال:
كتب عليّ بن الجهم إلى طاهر من الحبس [6]:
إن كان لي ذنب فلي حرمة ... والحقّ لا يدفعه الباطل
وحرمتي أعظم من زلّتي ... لو نالني من عدلكم نائل
ولي حقوق غير مجهولة ... يعرفها العاقل والجاهل
وكلّ إنسان له مذهب ... وأهل ما يفعله الفاعل
وسيرة الأملاك منقولة ... لا جائر يخفى ولا عادل
وقد تعجّلت الذي خفته ... منك ولم يأت الذي آمل
شعره في مقين كان ينزل عنده في جماعة بالكرخ:
حدّثني عمّي قال حدّثنا محمد قال:
كان عليّ بن الجهم يعاشر جماعة من فتيان بغداد لما أطلق من حبسه وردّ من النفي، وكانوا يتقاينون [7] ببغداد، ويلزمون منزل مقيّن بالكرخ يقال له المفضّل. فقال فيه عليّ بن الجهم:
__________
[1] أبو الوليد هو محمد بن أحمد بن أبي دواد، كان يتولى المظالم بسامرا وعزله المتوكل سنة 237 ه.
[2] الجزل هنا: الجيد الرأي أصيله.
[3] لعلها «مستظرفا» بالظاء المعجمة أي معدودا ظريفا.
[4] لعلها: «محمودا».
[5] القلايا: المقليات، مفرده قلية.
[6] بعد هذه الكلمة وقبل الشعر كلمة «صوت» في ح، ب، س: ولم يذكر فيه ألحانا حتى يكون لهذه الكلمة موقع.
[7] ظاهر أن معناه: يجالسون القيان، وأن معنى مقين صاحب قيان.
نزلنا بباب الكرخ أطيب منزل ... على محسنات من قيان المفضّل
/ فلابن سريج والغريض ومعبد ... بدائع في أسماعنا لم تبدّل
أوانس ما للضّيف منهنّ حشمة ... ولا ربّهنّ بالجليل المبجّل
يسرّ إذا ما الضّيف قلّ حياؤه ... ويغفل عنه وهو غير مغفّل
ويكثر من ذمّ الوقار وأهله ... إذا الضّيف لم يأنس ولم يتبذّل
ولا يدفع الأيدي المريبة غيرة ... إذا نال حظّا من لبوس ومأكل
ويطرق إطراق الشّجاع مهابة ... ليطلق طرف الناظر المتأمّل
أشر بيد واغمز بطرف ولا تخف ... رقيبا إذا ما كنت غير مبخّل
وأعرض عن المصباح والهج بمثله ... فإن خمد المصباح فادن وقبّل
وسل غير ممنوع وقل غير مسكت ... ونم غير مذعور وقم غير معجل
لك البيت ما دامت هداياك جمّة ... وكنت مليّا بالنّبيذ المعسّل
فبادر بأيّام الشّباب فإنّها ... تقضّى وتفنى والغواية تنجلي
ودع عنك قول الناس أتلف ماله ... فلان فأضحى مدبرا غير مقبل
هل الدهر إلّا ليلة طرحت بنا ... أواخرها في يوم لهو معجّل
/ سقى اللّه باب الكرخ من متنزّه ... إلى قصر [1] وضّاح فبركة [2] زلزل
مساحب أذيال القيان ومسرح ال ... حسان ومثوى كلّ خرق معذّل [3]
لو انّ امرأ القيس بن حجر يحلّها ... لأقصر عن ذكر الدّخول وحومل [4]
إذا لرأى [5] أن يمنح الودّ شادنا ... مقصّر أذيال القبا غير مسبل
إذا الليل أدنى مضجعي منه لم يقل [6] ... عقرت بعيري يا امرأ القيس فانزل
__________
[1] قصر وضاح: قصر بني للمهدي قرب رصافة بغداد، وقد تولى النفقة عليه رجل من أهل الأنبار يقال له وضاح فنسب إليه. وقيل وضاح من موالي المنصور. وقال الخطيب: لما أمر المنصور ببناء الكرخ قلد ذلك رجلا يقال له الوضاح بن شبا، فبنى القصر الذي يقال له قصر الوضاح. («معجم البلدان» لياقوت).
[2] بركة زلزل: ببغداد بين الكرخ والصراة (بفتح أوّله) وباب المحول (بتشديد الواو مع فتحها) وسويقة أبي الورد تنسب إلى زلزل الضارب. («معجم البلدان» لياقوت).
[3] الخرق من الرجال: الكريم الذي يتخرق في كرمه أي يتسع فيه. والمعذل: الذي يكثر الناس عذله ولومه على إسرافه في الكرم.
[4] رواية «معجم البلدان»:
منازل لا يستتبع الغيث أهلها ... ولا أوجه اللذات عنها بمعزل
منازل لو أن أمرا القيس حلها ... لأقصر عن ذكر الدخول فحومل
[5] في ياقوت:
إذا لرآني أمنح الود شادنا ... مقلص .......
[6] في الأصول: «لم أقل». والتصويب من «معجم البلدان» لياقوت عند الكلام على قصر وضاح.
أنشد إبراهيم بن المدبر شعرا لنفسه فكذبه وقال إن الشعر لإبراهيم بن العباس:
حدّثني الحسن بن عليّ قال حدّثنا ابن مهرويه قال حدّثني إبراهيم بن المدبّر قال أنشدني عليّ بن الجهم لنفسه:
وإذا جزى اللّه امرأ بفعاله ... فجزى أخا لي ماجدا سمحا
ناديته عن كربة فكأنّما ... أطلعت عن ليل به صبحا
فقلت له: ويلك! هذا لإبراهيم بن العبّاس يقوله في محمد بن عبد الملك الزيّات! فجحدني وكابر. فدخل يوما عليّ بن الجهم إلى إبراهيم بن العبّاس وأنا عنده. فلمّا رآني قال: اجتمع الإبراهيمان. فتركته ساعة ثم أنشدت البيتين، وقلت لإبراهيم بن العباس: إنّ هذا يزعم أنّ هذين البيتين له. فقال: كذب، هذان لي في محمد/ ابن عبد الملك الزيّات. فقال له عليّ بن الجهم بقحة: ألم أنهك أن تنتحل شعري! فغضب إبراهيم وجعل يقول له بيده: سوءة عليك سوءة لك! ما أوقحك! وهو لا ينكر [1] في ذلك ولا يخجل. ثم التقينا بعد مدّة فقال:
أ رأيت كيف أخزيت إبراهيم بن العباس!! فجعلت أعجب من صلابة وجهه.
شعر له في الفراق:
حدّثني [2] عمّي قال أنشدنا محمد بن سعد لعليّ بن الجهم وفيه غناء:
اعلمي يا أحبّ شيء إليّا ... أنّ شوقي إليك قاض عليّا
/ إن قضى اللّه لي رجوعا إليكم ... لا ذكرت الفراق ما دمت حيّا
إنّ حرّ الفراق أنحل جسمي ... وكوى القلب منك بالشّوق كيّا
كان محمد بن عبد الملك الزيات منحرفا عنه ويسبعه عند الخليفة فهجاه:
حدّثني [2] عمّي قال حدّثنا محمد بن سعد قال:
كان محمد بن عبد الملك الزيّات منحرفا عن عليّ بن الجهم وكان يسبعه [3] عند الخليفة ويعيبه ويذكره بكلّ قبيح. فقال فيه عليّ بن الجهم:
لعائن اللّه متابعات ... مصبّحات ومهجّرات
على ابن عبد الملك الزيّات ... عرّض شمل الملك للشّتات
وأنفذ الأحكام جائرات ... على كتاب اللّه ذاريات [4]
وعن عقول الناس خارجات ... يرمي الدواوين بتوقيعات
__________
[1] في ح، ب، س: «لا يفكر».
[2] في ب، س، ح: «قال حدّثني إلخ» وكلمة «قال» هنا لا موقع لها.
[3] سبعه (من باب ضرب ومنع) شتمه ووقع فيه. وهذه الكلمة محرفة في الأصول، ففي ب، س: «يسبه» وفي أ، م: «يبشعه» وفي ح: «يسيعه».
[4] كذا في الأصول بالذال المعجمة. وذاريات من ذرت الريح التراب تذروه وتذريه: فرقته وأطارته. يريد أنها تعفى كتاب اللّه.
ويحتمل أن يكون زاريات بالزاي أي عائبات.
معقّدات كرقى الحيّات ... سبحان من جلّ عن الصّفات
بعد ركوب الطّوف [1] في الفرات ... وبعد بيع الزّيت بالحبّات
/ صرت وزيرا شامخ الثّبات [2] ... هارون [3] يابن سيّد السّادات
أما ترى الأمور مهملات ... تشكو إليك عدم الكفاة
فعاجل العلج بمرهفات ... من بعد ألف [4] صخّب الأصوات
بمثمرات [5] غير مورقات ... ترى بمتنيه مرصّفات
ترصّف الأسنان في اللّثات
استرفد عمر بن الفرج فلم يرفده ثم قبض على عمر فشمت به وقال شعرا:
أخبرني عمي قال حدّثني محمد بن سعد قال:
كان عليّ بن الجهم سأل عمر بن الفرج الرّخّجيّ [6] معاونته، واسترفده في نكبته فلم يعاونه ولم يرفده، ثم قبض على عمر بن الفرج وأسلم إلى نجاح [7] ليصادره. فقال عليّ بن الجهم له:
أبلغ نجاحا فتى الفتيان مألكة [8] ... تمضي بها الرّيح إصدارا وإيرادا
لن يخرج المال عفوا من يدي عمر ... أو يغمد السّيف في فوديه إغمادا
الرّخّجيّون لا يوفون ما وعدوا ... والرّخّجيّات لا يخلفن ميعادا
قال وقال في عمر بن الفرج أيضا:
جمعت أمرين ضاع الحزم بينهما ... تيه الملوك وأفعال المماليك
/ أردت شكرا بلا برّ ومرزئة [9] ... لقد سلكت طريقا غير مسلوك
ظننت عرضك لا يرمى بقارعة ... وما أراك على حال بمتروك
__________
[1] الطوف: قرب ينفخ فيها ويشد بعضها إلى بعض كهيئة السطح يركب عليها في الماء ويحمل عليها.
[2] كذا في الأصول والنفس غير مرتاحة لها (؟).
[3] يريد هارون الواثق الخليفة العباسي.
[4] يريد ألفا من السياط.
[5] مثمرات: لها ثمر. والثمرة من السوط: عقدة في طرفه تشبيها بالثمر في الهيئة والتدلي عنه كتدلي الثمر.
[6] كان هو وأبوه فرج من أعيان الكتاب في أيام المأمون إلى أيام المتوكل. عضب عليه المتوكل؛ لأن الواثق وكله به حين غضب عليه يكتب عنه ويحفظ أخباره. فلما ولي الخلافة نكبه في شهر رمضان سنة 233 ه وأمر بحبسه ومصادرة أمواله. (راجع الطبري ق 3 ص 1370 ص 1377).
[7] هو نجاح بن سلمة أبو الفضل، كان على ديوان التوقيع والتتبع على العمال في عهد المتوكل، ثم نكبه عنده عبيد اللّه بن يحيى بن خاقان سنة 245، وكان متمكنا من المتوكل واليه الوزارة وعامة أعماله. (راجع الطبري ق 3 ص 1440 - 1447).
[8] المألكة: الرسالة.
[9] يقال: رزأه ماله من باب قطع وعلم رزءا ومرزئة إذا أصاب منه خيرا.
تمثل بشعره نديم لسليمان بن وهب وكان عربد عليه وأغضبه فرضي عنه:
أخبرني عمّي قال حدّثني الحسن بن الحسن بن رجاء عن أبيه قال:
كان لسليمان بن [1] وهب نديم يأنس به ويألفه، فعربد عليه ليلة من الليالي عربدة قبيحة، فاطّرحه وجفاه مدّة. فوقف له على الطريق. فلما مرّ به وثب إليه [2] فقال له: أيها الوزير، ألا تكون في أمري كما قال عليّ بن الجهم:
القوم إخوان صدق بينهم نسب ... من المودّة لم يعدل بها نسب
تراضعوا درّة الصّهباء بينهم ... فأوجبوا لرضيع الكأس ما يجب
/ لا تحفظنّ على السّكران زلّته ... ولا تريبنك من أخلاقه ريب
فقال له سليمان: قد رضيت عنك رضا صحيحا، فعد إلى ما كنت عليه من ملازمتي.
وأوّل هذه الأبيات:
الورد يضحك والأوتار تصطخب ... والنّاي يندب أشجانا وينتحب
والرّاح تعرض في نور الرّبيع كما ... تجلى العروس عليها الدّرّ والذّهب
واللّهو يلحق مغبوقا بمصطبح ... والدور [3] سيّان محثوث ومنتخب
وكلّما انسكبت في الكأس آونة ... أقسمت أنّ شعاع الشّمس ينسكب
أنشد عبد اللّه بن طاهر شعرا وكان مغتما فسرى عنه:
أخبرني عمّي قال حدّثنا محمد بن سعد قال حدّثني أسلم مولى عبد اللّه بن طاهر قال:
دخل عليّ بن الجهم يوما على عبد اللّه بن طاهر في غدوة من غدوات الرّبيع وفي السماء غيم رقيق والمطر يجيء قليلا ويسكن قليلا، وقد كان عبد اللّه عزم على الصّبوح. فغاضبته حظيّة له، فتنغّص عليه عزمه وفتر. فخبّر عليّ بن الجهم بالخبر وقيل له: قل في هذا المعنى شيئا، لعله ينشط للصّبوح. فدخل عليه فأنشده:
صوت
أما ترى اليوم ما أحلى شمائله ... صحو وغيم وإبراق وإرعاد
كأنّه أنت يا من لا شبيه له ... وصل وهجر وتقريب وإبعاد
فباكر الرّاح واشربها معتّقة ... لم يدّخر مثلها كسرى ولا عاد
واشرب على الرّوض إذ لاحت زخارفه ... زهر ونور وأوراق وأوراد
__________
[1] هو أبو أيوب سليمان بن وهب بن سعيد. كتب للمأمون وهو ابن أربع عشرة سنة ثم لإيتاخ ثم لأشناس، ثم ولي الوزارة للمهتدي باللّه ثم للمعتمد على اللّه، وقد مدحه خلق كثير من أعيان الشعراء كأبي تمام والبحتري. وتنقل سليمان المذكور في الدواوين الكبار والوزارة. ولم يزل كذلك حتى توفي مقبوضا عليه في منتصف صفر سنة 272. (راجع ابن خلكان).
[2] في ب، س، ح: «عليه».
[3] كذا في الأصول.
كأنّما يومنا فعل الحبيب بنا ... بذل وبخل وإيعاد وميعاد
وليس يذهب عنّي كلّ فعلكم ... غيّ ورشد وإصلاح وإفساد
فاستحسن الأبيات وأمر له بثلاثمائة دينار؛ وحمله وخلع عليه، وأمر بأن يغنّى في الأبيات. الغناء لبذل الطّاهريّة، خفيف رمل. وفيه لغيرها هزج.
جلس في المقابر بعد خروجه من السجن وقال شعرا:
حدّثني عمّي قال حدّثني محمد بن سعد قال حدّثني رجل من أهل خراسان قال:
رأيت عليّ بن الجهم بعد ما أطلق من حبسه جالسا في المقابر؛ فقلت له: ويحك! ما يجلسك ها هنا؟!
فقال:
يشتاق كلّ غريب عند غربته ... ويذكر الأهل والجيران والوطنا
وليس لي وطن أمسيت أذكره ... إلّا المقابر إذ صارت لهم وطنا
شعر له وفيه غناء:
حدّثني عمّي قال أنشدنا أحمد بن عبيد ومحمد بن سعد لعليّ بن الجهم وفيه غناء:
صوت
لو تنصّلت إلينا ... لوهبنا لك ذنبك
بأبي ما أبغض العي ... ش إذا فارقت قربك
ليتني أملك قلبي ... مثل ما تملك قلبك
أيّها الواثق باللّه لقد ناصحت ربّك
ما رأى النّاس إماما ... أنهب الأموال نهبك
أصبحت حجّتك العل ... يا وحزب اللّه حزبك
الغناء لعريب رمل. وفيه لغيرها هزج.
مدح أبا أحمد بن الرشيد فلم يعطه شيئا فهجاه:
حدّثني عمّي قال حدّثنا محمد بن سعد قال:
كان عليّ بن الجهم قد مدح أبا أحمد بن الرّشيد فلم يعطه شيئا، فقال يهجوه:
/يا أبا أحمد لا ين ... جي من الشّعر الفرار
لبني العبّاس أحلا ... م عظام ووقار
ولهم في الحرب إقدا ... م ورأي واصطبار
ولهم ألسنة تب ... ري كما تبري الشّفار
ووجوه كنجوم اللّيل تهدي من يحار ونسيم كنسيم الرّوض جادته القطار
ولعطفيك عن المج ... د شماس وازورار
إن تكن منهم بلا شكّ فللعود قتار [1]
رثى عبد اللّه بن طاهر بشعر وأنشده ابنه يعزيه:
حدّثني جحظة وعمّي قالا حدّثنا عبيد اللّه بن عبد اللّه بن طاهر قال:
دخل إلينا عليّ بن الجهم بعقب موت أبي والمجلس حافل بالمعزّين، فمثل قائما وأنشدنا يرثيه:
أيّ ركن وهى من الإسلام ... أيّ يوم أخنى على الأيّام
جلّ رزء الأمير عن كلّ رزء ... أدركته خواطر الأوهام
سلبتنا الأيّام ظلّا ظليلا ... وأباحت حمى عزيز المرام
يا بني مصعب حللتم من النا ... س محلّ الأرواح في الأجسام
فإذا رابكم من الدّهر ريب ... عمّ ما خصّكم جميع الأنام
انظروا هل ترون إلّا دموعا ... شاهدات على قلوب دوامي
من يداوي الدّنيا ومن يكلأ المل ... ك لدى فادح الخطوب العظام
نحن متنا بموته وأجلّ ال ... خطب موت السّادات والأعلام
لم يمت والأمير طاهر [2] حيّ ... دائم الإنتقام والإنعام
وهو من بعده نظام المعالي ... وقوام الدّنيا وسيف الإمام
قال: فما أذكر أني بكيت أو رأيت في دورنا باكيا أكثر من يومئذ.
غنت عريب المعتز بشعر له فطرب وفرّق مالا:
حدّثني عمّي قال حدّثنا أبو الدّهقانة النّديم قال:
دخلنا يوما إلى المعتزّ وهو مصطبح على صوت اختاره واقترحه على عريب، وأظنّ الصنعة لها، فلم يزل يشرب عليه بقيّة يومه، فلمّا سكر أمر لها بثلاثين ألف درهم، وفرّق على الجلساء كلّهم الجوائز والطّيب والخلع.
والصوت:
/العين بعدك لم تنظر إلى حسن ... والنّفس بعدك لم تسكن إلى سكن
كأنّ نفسي إذا ما غبت غائبة ... حتى إذا عدت لي عادت إلى بدني
والشعر لعليّ بن الجهم.
__________
[1] القتار: ريح العود المحرق.
[2] يريد طاهر بن عبد اللّه بن طاهر بن الحسين.
خرج مع عبد اللّه بن طاهر للصيد وشربوا فقال شعرا يصف ذلك:
حدّثني جحظة ومحمد بن خلف وكيع وعمّي قالوا جميعا حدّثنا عبيد اللّه بن عبد اللّه بن طاهر قال:
لمّا أطلق أبي طاهر عليّ بن الجهم من الحبس أقام معه بالشّاذياخ [1] مدّة. فخرجوا يوما إلى الصّيد، واتّفق لهم مرج كثير الطير والوحش، وكانت أيّام الزّعفران، فاصطادوا صيدا كثيرا حسنا، وأقاموا يشربون على الزّعفران. فقال علي بن الجهم يصف ذلك:
وطئنا رياض الزّعفران وأمسكت ... علينا البزاة البيض حمر الدّرارج [2]
ولم تحمها الأدغال منّا وإنّما ... أبحنا حماها بالكلاب النوابج [3]
بمستروحات [4] سابحات بطونها ... على الأرض أمثال السّهام الزّوالج [5]
ومستشرفات بالهوادي [6] كأنها ... وما عقفت منها رؤوس الصّوالج
/ ومن دالعات ألسنا فكأنّها ... لحى من رجال خاضعين كواسج [7]
/فلينا بها الغيطان فليا كأنّها ... أنامل إحدى الغانيات الحوالج [8]
فقل لبغاة الصّيد هل من مفاخر ... بصيد وهل من واصف أو مخارج [9]
قرنّا بزاة بالصّقور وحوّمت ... شواهيننا من بعد صيد الزّمامج [10]
كتب من حبسه إلى المتوكل شعرا:
حدّثني عمّي قال حدّثنا محمد بن سعد قال:
كتب عليّ بن الجهم إلى المتوكّل وهو محبوس:
صوت
أقلني أقالك من لم يزل ... يقيك ويصرف عنك الرّدى
ويغذوك بالنّعم السابغات ... وليدا وذا ميعة أمردا
وتجري مقاديره بالذي ... تحبّ إلى أن بلغت المدى
__________
[1] راجع الحاشية رقم 3 صفحة 208 من هذا الجزء.
[2] الدرارج: جمع درّاج وهو طير جميل المنظر ملوّن الريش. وفي الأصول: «التدارج» وهو تحريف.
[3] نباج الكلب: نباحه. وفي أ، ح، م: «النوابح» بالحاء المهملة، وهو تصحيف. وفي ب، س «البوارج» وهو تحريف.
[4] استروح الشي ء: تشممه. وسابحات: سريعات.
[5] الزوالج: هنا بمعنى السريعة. يقال سهم زالج أي يزلج على وجه الأرض ثم يمضي.
[6] الهوادي هنا: الأعناق. وعقفت: عطفت وعوجت.
[7] دالعات ألسنا: مخرجات ألسنها من أفواهها. والكوسج: الذي لحيته على ذقنه لا على عارضيه.
[8] حوالج: جمع حالجة وهي التي تندف القطن حتى يخلص الحب منه.
[9] خارجه: ناهده. يريد: هل من مناهض يناهضنا في الصيد.
[10] كذا في أكثر الأصول. والزمامج: جمع زمج (وزان سكر) وهو نوع من الطير يصاد به دون العقاب، تغلب على لونه الحمرة. وفي ب، س: «الروامج». جمع رامج، وهو ملواح تصاد به الجوارح كالصقور ونحوها. وهذا لا يصلح في هذا المقام.
ويعليك حتى لو انّ السماء ... تنال لجاوزتها مصعدا
فما بين ربّك جلّ اسمه ... وبينك إلّا نبيّ الهدى
فشكرا لأنعمه إنّه ... إذا شكرت نعمة جدّدا
وعفوك عن مذنب خاضع ... قرنت المقيم به المقعدا
إذا ادّرع الليل أفضى به ... إلى الصّبح من قبل أن يرقدا
عفا اللّه عنك ألا حرمة ... تعوذ بفضلك أن أبعدا
لئن جلّ ذنب ولم أعتمد ... لأنت أجلّ وأعلى يدا
أ لم تر عبدا عدا طوره ... ومولى عفا ورشيدا هدى
/ ومفسد أمر تلافيته ... فعاد فأصلح ما أفسدا
فلا عدت أعصيك فيما أمر ... ت حتى أزور الثّرى ملحدا
وإلّا فخالفت ربّ السماء ... وخنت الصّديق وعفت النّدى
وكنت كعزّون أو كابن عمرو ... مبيح العيال لمن أولدا
يكثّر في البيت صبيانه ... يغيظ بهم معشرا جسّدا
شمت بأحمد بن أبي دواد حين فلج وقال شعرا يهجوه:
حدّثني عمّي قال حدّثنا محمد بن سعد قال:
لمّا فلج ابن أبي دواد شمت به عليّ بن الجهم وأظهر ذلك له وقال فيه:
لم يبق منك سوى خيالك لامعا ... فوق الفراش ممهّدا بوساد
فرحت بمصرعك البريّة كلّها ... من كان منهم موقنا بمعاد
كم مجلس للّه قد عطّلته ... كي لا يحدّث فيه بالإسناد
ولكم مصابيح لنا أطفأتها ... حتى يزول عن الطريق الهادي
ولكم كريمة معشر أرملتها ... ومحدّث أوثقت في الأقياد
إنّ الأسارى في السّجون تفرّجوا ... لمّا أتتك مواكب العوّاد
وغدا لمصرعك الطبيب فلم يجد ... شيئا لدائك حيلة المرتاد
/ فذق الهوان معجّلا ومؤجّلا ... واللّه ربّ العرش بالمرصاد
لا زال فالجك الذي بك دائبا ... وفجعت قبل الموت بالأولاد
شعر له غنت فيه عريب:
أنشدني عمّي لابن الجهم وفيه غناء لعريب:
نطق الهوى بجوى هو الحقّ ... وملكتني فليهنك الرّقّ
رفقا بقلبي يا معذّبه ... رفقا وليس لظالم رفق
وإذا رأيتك لا تكلّمني ... ضاقت عليّ الأرض والأفق
وأنشدني له وفيه غناء أيضا، ويقال إنه آخر شعر قاله:
يا رحمة للغريب بالبلد الن ... ازح ما ذا بنفسه صنعا
فارق أحبابه فما انتفعوا ... بالعيش من بعده وما انتفعا
هجا مغنيا بشعر:
وقال لمغنّ حضر معه مجلسا وكان غير طيّب:
كنت في مجلس فقال مغنّي ال ... قوم كم بيننا وبين الشتاء
فذرعت البساط منّي إليه ... قلت هذا المقدار قبل الغناء
فإذا ما عزمت أن تتغنّى ... آذن الحرّ كلّه بانقضاء
استشفع بقبيحة إلى المتوكل وهو في حبسه فأرسلت إليه ابنها المعتز:
أخبرني عليّ بن العبّاس بن أبي طلحة قال حدّثني عبد اللّه بن المعتزّ قال:
لمّا حبس أمير المؤمنين المتوكّل عليّ بن الجهم، وأجمع الجلساء على عداوته وإبلاغ الخليفة عنه كلّ مكروه ووصفهم مساويه، قال هذه القصيدة يمدحه ويذكّره حقوقه عليه، وهي:
عفا اللّه عنك ألا حرمة ... تعوذ بعفوك أن أبعدا
ووجّه بها إلى بيدون الخادم، فدخل بها إلى قبيحة وقال لها: إنّ عليّ بن الجهم قد لاذبك وليس له ناصر سواك، وقد قصده هؤلاء النّدماء والكتّاب لأنه رجل من أهل السنّة وهم روافض، فقد اجتمعوا على الإغراء بقتله. فدعت المعتزّ وقالت له: اذهب بهذه الرّقعة يا بنيّ إلى سيّدك وأوصلها إليه، فجاء بها ووقف بين يدي أبيه. فقال له: ما معك فديتك؟ فدنا منه وقال: هذه رقعة دفعتها إليّ أمّي. فقرأها المتوكّل وضحك. ثم أقبل عليهم فقال: أصبح أبو عبد اللّه - فديته - خصمكم. هذه رقعة عليّ بن الجهم يستقيل [1]، وأبو عبد اللّه شفيعه، وهو ممن لا يردّ، وقرأها عليهم. فلمّا بلغ إلى قوله:
فلا عدت أعصيك فيما أمرت ... إلى أن أحلّ الثّرى ملحدا
/ وإلّا فخالفت ربّ السماء ... وخنت الصّديق وعفت النّدى
وكنت كعزّون أو كابن عمرو ... مبيح العيال لمن أولدا
وثب [2] ابن حمدون وقال للمعتزّ: يا سيّدي فمن دفع هذه الرّقعة إلى السيّدة؟ قال بيدون الخادم: أنا.
__________
[1] يستقيل: يطلب الإقالة من ذنبه والعفو عنه.
[2] في الأصول: «فوثب».
فقالوا له: أحسنت تعادينا وتوصل رقعة عدوّنا في هجائنا!! فانصرف بيدون وقام المعتزّ فانصرف. واستلب ابن حمدون قوله:
وكنت كعزّون أو كابن عمرو ... مبيح العيال لمن أولدا
/ فجعل ينشدهم إيّاه وهم يشتمون ابن حمدون ويضجّون والمتوكّل يضحك ويصفّق ويشرب حتى سكر ونام، وسرقوا قصيدته من بين يدي المتوكّل وانصرفوا، ولم يوقّع بإطلاقه ونسيه. فقالوا لابن حمدون: ويلك! تعيد هجاءنا وشتمنا!! فقال: يا حمقى واللّه لو لم أفعل ذلك فيضحك ويشرب حتى يسكر وينام لوقّع في إطلاقه ووقعنا معه في كلّ ما نكره.
هنأ المتوكل بفتح أرمينية:
أخبرني عليّ بن الحسين قال حدّثني جعفر بن هارون بن زياد قال حدّثني أحمد بن حمدون قال:
لمّا افتتحت أرمينية وقتل إسحاق بن إسماعيل [1] دخل عليّ بن الجهم فأنشد المتوكّل قصيدته التي يهنّيه فيها بالفتح ويمدحه، فقال فيها وأومأ بيده إلى الرسول الوارد بالفتح وبرأس إسحاق بن إسماعيل:
أهلا وسهلا بك من رسول ... جئت بما يشفي من الغليل
بجملة تغني عن التفصيل ... برأس إسحاق بن إسماعيل
قهرا بلا ختل ولا تطويل
/ فاستحسن جميع من حضر ارتجاله هذا وابتداءه، وأمر له المتوكّل بثلاثين ألف درهم، وتمّم القصيدة. وفيها يقول:
جاوز نهر الكرّ [2] بالخيول ... تردي بفتيان كأسد الغيل
معوّدات طلب الذّحول [3] ... خزر [4] العيون طيبي [5] النّصول
شعث على شعث من الفحول ... جيش يلفّ الحزن بالسّهول
كأنّه معتلج [6] السّيول ... يسوسه كهل من الكهول
لا ينثني للصّعب والذّلول ... على أغرّ واضح الحجول
حتى إذا أصحر [7] للمخذول ... ناجزه بصارم صقيل
ضربا طلحفا [8] ليس بالقليل ... ومنجنيق [9] مثل حلق الفيل
__________
[1] هو إسحاق بن إسماعيل مولى بني أمية، ظفر به بغا وأحرق مدينة تفليس سنة 238 ه.
[2] الكر (بضم أوّله): نهر بين أرمينية وأرّان يشق مدينة تفليس. وتردى الخيل رديا ورديانا: ترجم الحصا بحوافرها من شدة وطئها.
[3] في أكثر الأصول: «الدخول» بالدال والخاء وهو تصحيف وفي ج: «الدحول» بالدال والحاء المهملتين. والذحول: جمع ذحل وهو الثأر.
[4] خزر: جمع أخزر وخزراء. وخزر العين: ضيقها، وهو كناية عن الغضب.
[5] في ج: «طيب» وفي أ، م هكذا: «حيتي». وفي ب، س: «صيتي».
[6] اعتلجت الأمواج والسيول: التطمت.
[7] أصحر: برز.
[8] طلحفا: شديدا.
[9] المنجنيق: آلة ترمى بها الحجارة. فارسي معرّب.
ترفضّ عن خرطومه الطويل ... صواعق من حجر السّجّيل [1]
تترك كيد القوم في تضليل ... ما كان إلّا مثل رجع القيل
حتى انجلت عن حزبه المفلول ... وعن نساء حسّر ذهول
صوارخ يعثرن في الذّيول ... ثواكل الأولاد والبعول
لا والذي يعرف العقول ... من غير تحديد ولا تمثيل
ما قام للّه وللرسول ... بالدّين والدّنيا وبالتّنزيل
خليفة كجعفر المأمول
مدح المتوكل بقصيدة وأرسلها من حبسه مع علي بن يحيى:
أخبرني علي بن العبّاس قال حدّثني محمد بن عبد السلام قال:
رأيت مع عليّ بن يحيى المنجّم قصيدة عليّ بن الجهم يمدح المتوكّل ويصف الهارونيّ [2]، فقلت له: يا أبا الحسن، ما هذه القصيدة معك؟ فضحك وقال: قصيدة لعليّ بن الجهم سألني عرضها على أمير المؤمنين فعرضتها. فلمّا سمع قوله:
/و قبّة ملك كأنّ النّجو ... م تصغي [3] إليها بأسرارها
تخرّ الوفود لها سجّدا ... إذا ما تجلّت لأبصارها
وفوّارة ثأرها في السماء ... فليست تقصّر عن ثارها
تردّ على المزن ما أنزلت ... إلى الأرض من صوب مدرارها
تهلّل وجهه واستحسنها. فلما انتهيت إلى قوله:
تبوّأت بعدك قعر السّجون ... وقد كنت أرثي لزوّارها
غضب وتربّد وجهه وقال: هذا بما كسبت يداه، ولم يسمع تمام القصيدة.
شاع مذهبه وشره فسافر لحلب فقتل في الطريق وقال شعرا قبل موته:
أخبرني عليّ بن العبّاس قال حدّثني الحسين بن موسى قال:
لمّا شاع في الناس مذهب عليّ بن الجهم وشرّه وذكره كلّ أحد بسوء من صديقه وعدوّه تحاماه الناس، فخرج عن بغداد إلى الشأم، فاتّفقنا في قافلة إلى حلب. وخرج علينا نفر من الأعراب، فتسرّع إليهم قوم من المقاتلة، وخرج فيهم فقاتل قتالا شديدا وهزم الأعراب. فلمّا كان من غد خرج علينا منهم خلق كثير، فتسرّعت إليهم المقاتلة وخرج فيهم فأصابته طعنة قتلته، فجئنا به واحتملناه وهو ينزف دمه. فلما رآني بكى وجعل يوصيني بما يريد. فقلت له: ليس عليك بأس. فلما أمسينا قلق قلقا شديدا وأحسّ بالموت، فجعل يقول:
/أزيد في الليل ليل ... أم سال بالصّبح سيل
__________
[1] السجيل: حجارة كالمدر.
[2] الهاروني: قصر قرب سامراء ينسب إلى هارون الواثق باللّه. وهو على دجلة بينه وبين سامراء ميل.
[3] يحتمل جدا أن تكون: «تفضى».
ذكرت أهل دجيل [1] ... وأين منّي دجيل
فأبكى كلّ من كان في القافلة، ومات مع السّحر، فدفن في ذلك المنزل على مرحلة من حلب.
ومن صنعة أبي عيسى بن المتوكّل
صوت
إن الناس غطّوني تغطّيت عنهم ... وإن بحثوا عنّي ففيهم مباحث
وإن حفروا بئري حفرت بئارهم ... فسوف ترى ماذا تثير النّبائث [2]
الشعر لأبي دلامة. والغناء لأبي عيسى بن المتوكّل، ولحنه ثقيل أوّل عن المعتزّ.
__________
[1] دجيل: نهر مخرجه من أعلى بغداد بين تكريت وبينها مقابل القادسية دون سامرا.
[2] النبائث: جمع نبيثة، وهي تراب البئر.
10 - أخبار أبي دلامة ونسبه
نسبه وهو مولى لبني أسد وكان فاسد الدين متهتكا:
أبو دلامة زند بن الجون. وأكثر الناس يصحّف اسمه فيقول «زيد» بالياء، وذلك خطأ، وهو زند بالنون.
وهو كوفيّ أسود، مولى لبني أسد. كان أبوه عبدا لرجل منهم يقال له فضافض فأعتقه. وأدرك آخر أيّام بني أميّة، ولم يكن له في أيّامهم نباهة، ونبغ في أيام بني العبّاس، وانقطع إلى أبي عبّاس وأبي جعفر المنصور والمهديّ، فكانوا يقدّمونه ويصلونه ويستطيبون مجالسته ونوادره. وقد كان انقطع إلى روح بن حاتم المهلّبيّ أيضا في بعض أيّامه. ولم يصل إلى أحد من الشعراء ما وصل إلى أبي دلامة من المنصور خاصّة. وكان فاسد الدّين، رديء المذهب، مرتكبا للمحازم، مضيّعا للفروض، مجاهرا بذلك، وكان يعلم هذا منه ويعرف به، فيتجافى عنه للطف محلّه.
أول شعر عرف به:
وكان أوّل ما حفظ من شعره وأسنيت/ الجوائز له به قصيدة مدح بها أبا جعفر المنصور وذكر قتله أبا مسلم. فأخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن عمّار قال حدّثني محمد بن داود بن الجرّاح عن محمد بن القاسم عن أحمد بن حبيب قال: لمّا قال أبو دلامة قصيدته في قتل أبي مسلم التي يقول فيها:
أبا مسلم خوّفتني القتل فانتحى ... عليك بما خوّفتني الأسد الورد
أبا مسلم ما غيّر اللّه نعمة ... على عبده حتى يغيّرها العبد
أنشدها المنصور في محفل من الناس، فقال له: احتكم. قال: عشرة آلاف درهم، فأمر له بها. فلمّا خلا به قال له: إيه!! أما واللّه لو تعدّيتها لقتلتك.
أخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن عمّار قال حدّثني عليّ بن مسلم عن أبيه: سمّى لي أبو دلامة نفسه زندا (بالنون) ابن الجون. وأسلم مولاه فضافض، وله أيضا شعر، وكان في الصّحابة.
أعفاه المنصور من لبس السواد والقلانس دون الناس:
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثني جعفر بن الحسين المهلّبيّ قال:
كان أبو جعفر المنصور قد أمر أصحابه بلبس السّواد وقلانس طوال تدعم بعيدان من داخلها، وأن يعلقوا السّيوف في المناطق، ويكتبوا على ظهورهم: فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ
فدخل عليه أبو دلامة في هذا الزّيّ. فقال له أبو جعفر: ما حالك؟ قال: شرّ حال، وجهي في نصفي، وسيفي في استي، وكتاب اللّه وراء ظهري، وقد صبغت بالسّواد ثيابي، فضحك منه وأعفاه وحده من ذلك، وقال له: إيّاك أن يسمع هذا منك أحد.
ونسخت من كتاب لابن النطّاح فذكر مثل هذه القصة سواء وزاد فيها:
وكنّا نرجّي من إمام زيادة ... فجاد بطول زاده في القلانس
تراها على هام الرجال كأنّها ... دنان يهود جلّلت بالبرانس
فضحك منه وأعفاه.
طلب من المنصور أو السفاح، كلب صيد ثم تدرج في الطلب إلى أشياء كثيرة:
أخبرني عليّ بن سليمان الأخفش قال حدّثني محمد بن يزيد النحويّ قال حدّثني الجاحظ قال:
كان أبو دلامة بين يدي المنصور واقفا - وأخبرني إبراهيم بن أيّوب عن ابن قتيبة أنه كان واقفا بين يدي السّفّاح - فقال له: سلني حاجتك. قال أبو دلامة: كلب أتصيّد به. قال: أعطوه إيّاه. قال: ودابّة أتصيّد عليها.
قال: أعطوه. قال: وغلام يصيد بالكلب ويقوده. قال: أعطوه غلاما. قال: وجارية تصلح لنا الصّيد وتطعمنا منه. قال: أعطوه جارية. قال: هؤلاء يا أمير المؤمنين عبيدك فلا بدّ لهم من دار يسكنونها. قال: أعطوه دارا تجمعهم. قال: فإن لم تكن لهم ضيعة فمن أين/ يعيشون! قال: قد أعطيتك مائة جريب [1] عامرة ومائة جريب غامرة. قال: وما الغامرة؟ قال: ما لا نبات فيه. فقال: قد أقطعتك أنا يا أمير المؤمنين خمسمائة ألف جريب غامرة من فيافي بني أسد. فضحك وقال: اجعلوها كلّها عامرة. قال: فأذن لي أن أقبّل يدك. قال: أمّا هذه فدعها. قال: واللّه ما منعت عيالي شيئا أقلّ ضررا عليهم منها. قال الجاحظ: فانظر إلى حذقه بالمسألة ولطفه فيها: إبتدأ بكلب فسهّل القصّة به، وجعل يأتي بما يليه على ترتيب وفكاهة، حتى نال ما لو سأله بديهة لما وصل إليه.
كني باسم جبل بمكة:
أخبرني عليّ بن سليمان الأخفش قال حدّثني السّكّريّ عن محمد بن حبيب قال: اسم/ أبي دلامة زند بالنون، ومن الناس من يرويه بالياء، وكنّي أبا دلامة باسم جبل بمكة يقال له أبو دلامة، كانت قريش تئد فيه البنات في الجاهليّة؛ وهو بأعلى مكة.
أنشد المنصور شعرا فأجازه:
وأخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ قال حدّثنا عمر بن شبّة، وأخبرني عمّي قال حدّثني الكرانيّ عن العمريّ عن الهيثم قال:
دخل أبو دلامة على المنصور فأنشده قصيدته التي يقول فيها:
إنّ الخليط أجدّ البين فانتجعوا [2] ... وزوّدوك خبالا بئس ما صنعوا
واللّه يعلم أن كادت لبينهم ... يوم الفراق حصاة القلب تنصدع
عجبت من صبيتي يوما وأمّهم ... أمّ الدّلامة لمّا هاجها الجزع
لا بارك اللّه فيها من منبّهة ... هبّت تلوم عيالي بعد ما هجعوا
__________
[1] الجريب من الأرض: ثلاثة آلاف وستمائة ذراع، وقيل: عشرة آلاف ذراع.
[2] كان الأفضل أن يكون «أجدّوا البين فانتجعوا» ليتفق الضميران. على أنه يجوز أن يكون ضمير «الخليط» منفردا وجمعا.
ونحن مشتبهو الألوان أوجهنا ... سود قباح وفي أسمائنا شنع
إذا تشكّت إليّ الجوع قلت لها ... ما هاج جوعك إلّا الرّيّ والشّبع
/ - ويروى وهو الجيّد:
أذابك الجوع مذ صارت عيالتنا ... على الخليفة منه الرّيّ والشّبع
لا والذي يا أمير المؤمنين قضى ... لك الخلافة في أسبابها الرّفع
مازلت أخلصها كسبي فتأكله ... دوني ودون عيالي ثم تضطجع
شوهاء مشنأة في بطنها ثجل ... وفي المفاصل من أوصالها فدع [1]
ذكّرتها بكتاب اللّه حرمتنا ... ولم تكن بكتاب اللّه تنتفع
فاخرنطمت [2] ثم قالت وهي مغضبة ... أأنت تتلو كتاب اللّه يا لكع
اخرج لتبغ لنا مالا ومزرعة ... كما لجيراننا مال ومزدرع
واخدع خليفتنا عنها بمسألة ... إنّ الخليفة للسّؤّال ينخدع
فضحك أبو جعفر وقال: أرضوها عنّي واكتبوا له بمائتي جريب عامرة ومائتي جريب غامرة - وقال الهيثم:
بستمائة جريب عامرة وغامرة - فقال له: أنا أقطعك يا أمير المؤمنين أربعة آلاف جريب غامرة فيما بين الحيرة والنّجف، وإن شئت زدتك. فضحك وقال: اجعلوها كلّها عامرة.
شهد عند ابن أبي ليلى لجارة له وقال شعرا فأمضى ابن أبي ليلى شهادته:
حدّثني محمد بن أحمد بن الطّلّاس قال حدّثنا أحمد بن الحارث الخرّاز عن المدائنيّ قال:
شهد أبو دلامة بشهادة لجارة له عند ابن أبي ليلى [3] على أتان نازعها فيها رجل. فلمّا فرغ من الشهادة قال: اسمع ما قلت فيك قبل أن آتيك ثم اقض ما شئت. قال: هات؛ فأنشده:
/إن الناس غطّوني تعطّيت عنهم ... وإن بحثوا عنّي ففيهم مباحث
وإن حفروا بئري حفرت بئارهم ... ليعلم يوما كيف تلك النّبائث
ثم أقبل على المرأة فقال: أتبيعينني الأتان؟ قالت نعم. قال: بكم؟ قالت: بمائة درهم. قال: ادفعوها إليها ففعلوا. وأقبل على الرجل فقال: قد وهبتها لك، وقال لأبي دلامة: قد أمضيت شهادتك ولم أبحث عنك، وابتعت ممّن شهدت له، ووهبت ملكي لمن رأيت. أرضيت؟ قال نعم، وانصرف.
شرب مع السيد الحميري أو أبي عطاء السندي فذم ابنته وأخبر المنصور فأكرمه:
/ أخبرني الحسن بن عليّ الخفّاف قال حدّثنا أبو بكر أحمد بن أبي خيثمة قال حدّثنا محمد بن سلّام عن عليّ بن إسماعيل قال:
__________
[1] الثجل: عظم البطن واسترخاؤه. والفدع: الاعوجاج.
[2] اخرنطمت: رفعت أنفها واستكبرت وغضبت.
[3] هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى قاضي الكوفة. أوّل من استقضاه على الكوفة يوسف بن عمر الثقفي واستقضاه بعد ذلك بنو العباس.
كنت أسقي أبا دلامة والسيّد، إذ خرجت بنت لأبي دلامة، فقال فيها أبو دلامة:
فما ولدتك مريم أمّ عيسى ... ولا ربّاك لقمان الحكيم
أجزيا أبا هاشم. فقال السيد [1]:
ولكن قد تضمّك أمّ سوء ... إلى لبّاتها وأب لئيم
فضحك لذلك. ثم غدا أبو دلامة إلى المنصور فألفاه في الرّحبة يصلح فيها شيئا يريده، فأخبره بقصّة بنته وأنشده البيتين، ثم اندفع فأنشده بعدهما:
لو كان يقعد فوق الشمس من كرم ... قوم لقيل اقعدوا يا آل عبّاس
ثم ارتقوا في شعاع الشمس كلّكم ... إلى السماء فأنتم أظهر الناس
وقدّموا القائم المنصور رأسكم ... فالعين والأنف والأذنان في الرأس
/ فاستحسنها، وقال له: بأيّ شيء تحبّ أن أعينك على قبح ابتنك هذه؟ فأخرج خريطة قد كان خاطها من الليل فقال: تملأ لي هذه دراهم، فملئت فوسعت أربعة آلاف درهم.
وقد أخبرني بهذا الخبر عمّي قال حدّثنا الكرانيّ قال حدّثني العمريّ عن الهيثم بن عديّ قال:
دخل أبو عطاء السّنديّ يوما إلى أبي دلامة فاحتبسه عنده، ودعا بطعام فأكلا وشبعا، وخرجت إلى أبي دلامة صبيّة له فحملها على كتفه، فبالت عليه فنبذها عن كتفه، ثم قال:
بللت عليّ - لا حيّيت - ثوبي ... فبال عليك شيطان رجيم
فما ولدتك مريم أمّ عيسى ... ولا ربّك لقمان الحكيم
ثم التفت إلى أبي عطاء فقال له: أجز. فقال:
صدقت أبا دلامة لم تلدها ... مطهّرة ولا فحل كريم
ولكن قد حوتها أمّ سوء ... إلى لبّاتها وأبّ لئيم
فقال له أبو دلامة: عليك لعنة اللّه! ما حملك على أن بلغت بي هذا كلّه! واللّه لا أنازعك بيت شعر أبدا.
فقال أبو عطاء: لأن يكون الهرب من جهتك أحبّ إليّ.
رثى السفاح عند المنصور فغضب وأراد إخراجه إلى الحرب فاسترضاه:
أخبرني محمد بن يحيى قال حدّثني عبد اللّه بن المعتزّ قال حدّثني أبو مالك عبد اللّه بن محمد قال حدّثني أبي قال:
لمّا توفّي أبو العبّاس السفّاح دخل أبو دلامة على المنصور والناس عنده يعزّونه؛ فأنشأ أبو دلامة يقول:
أمسيت بالأنبار يابن محمد ... لم تستطع عن عقرها تحويلا
__________
[1] كذا في ح. وفي سائر النسخ: «السندي». وقد رجحنا رواية ح لأن أبا هاشم كنية السيد الحميري. وسيأتي في الصفحة التالية هذا الخبر بين أبي دلامة وأبي عطاء السندي. فلعل ذلك هو الذي أوقع النساخ في هذا اللبس.
ويلي عليك أهلي كلّهم ... ويلا وعولا في الحياة طويلا
/ فلتبكينّ لك النساء بعبرة ... وليبكينّ لك الرّجال عويلا
مات النّدى إذ متّ يابن محمد ... فجعلته لك في الثّراء [1] عديلا
إنّي سألت الناس بعدك كلّهم ... فوجدت أسمح من سألت بخيلا
ألشقوتي أخّرت بعدك للتي ... تدع العزيز من الرجال ذليلا
/ فلأ حلفنّ يمين حقّ برّة ... باللّه ما أعطيت بعدك سولا [2]
قال: فأبكى الناس قوله. فغضب المنصور غضبا شديدا وقال: لئن سمعتك تنشد هذه القصيدة لأقطعنّ لسانك. فقال أبو دلامة: يا أمير المؤمنين، إنّ أبا العباس أمير المؤمنين كان لي مكرما وهو الذي جاء بي من البدو كما جاء اللّه بإخوة يوسف إليه، فقل كما قال يوسف لإخوته: لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ
فسرّي عن المنصور وقال: قد أقلناك يا أبا دلامة، فسل حاجتك. فقال: يا أمير المؤمنين، قد كان أبو العبّاس أمر لي بعشرة آلاف درهم وخمسين ثوبا وهو مريض ولم أقبضها. فقال المنصور: ومن يعرف هذا؟ فقال: هؤلاء، وأشار إلى جماعة ممنن حضر. فوثب سليمان بن مجالد وأبو الجهم فقالا: صدق أبو دلامة، نحن نعلم ذلك. فقال المنصور لأبي أيوب الخازن وهو مغيظ: يا سليمان ادفعها إليه وسيّره إلى هذا الطاغية (يعني عبد اللّه بن عليّ [3]، وقد كان خرج بناحية الشام، وأظهر الخلاف). فوثب أبو دلامة فقال: يا أمير المؤمنين، إني أعيذك باللّه أن أخرج معهم، فو اللّه إني لمشؤوم. فقال المنصور: امض فإن يمني يغلب شؤمك فاخرج.
/ فقال: واللّه يا أمير المؤمنين ما أحبّ لك أن تجرّب ذلك منّي على مثل هذا العسكر؛ فإني لا أدري أيّهما يغلب: أيمنك أم شؤمي، إلّا أني بنفسي أوثق وأعرف وأطول تجربة. قال: دعني من هذا فمالك من الخروج بد. فقال: إني أصدقك الآن، شهدت واللّه تسعة عشر عسكرا كلّها هزمت؛ وكنت سببها. فإن شئت الآن على بصيرة أن يكون عسكرك العشرين فافعل. فاستغرب [4] أبو جعفر ضحكا، وأمره أن يتخلّف مع عيسى [5] بن موسى بالكوفة.
أغضب المنصور لكثرة مدحه السفاح:
أخبرني عمّي قال حدّثنا الكرانيّ قال حدّثني العمريّ عن الهيثم بن عديّ قال:
لمّا مات أبو العبّاس السفّاح وولي المنصور، دخل عليه أبو دلامة، فقال له أبو جعفر: ألست القائل لأبي العبّاس:
__________
[1] الثراء: لغة في الثري. وسيرد في الصفحة التالية رواية أخرى: «بالتراب».
[2] السول (يهمز ولا يهمز): ما سألته.
[3] هو عبد اللّه بن علي بن عبد اللّه بن عباس عم الخليفة المنصور، خرج عليه سنة ست وثلاثين ومائة ودعا لنفسه؛ فوجه إليه المنصور أبا مسلم الخراساني ووقعت له معه وقعة هائلة دارت فيها الدائرة أخيرا على عبد اللّه.
[4] أي أكثر من الضحك وبالغ فيه.
[5] هو عيسى بن موسى بن محمد بن علي الهاشمي العباسي أمير الكوفة. وكان وليّ عهد المنصور بعهد من السفاح ثم قدّم المنصور عليه في ولاية العهد ابنه المهدي، ثم خلعه المهدي من ولاية العهد.
وكنّا بالخليفة قد عقدنا ... لواء الأمر فانتقض اللواء
فنحن رعيّة هلكت ضياعا ... تسوق بنا إلى الفتن الرّعاء
قال: ما قلت هذا يا أمير المؤمنين. قال: كذبت واللّه! أفلست القائل:
هلك النّدى إذ بنت يابن محمد ... فجعلته لك في التراب عديلا
ولقد سألت الناس بعدك كلّهم ... فوجدت أكرم من سألت بخيلا
ولقد حلفت على يمين برّة ... باللّه ما أعطيت بعدك سولا
فقال أبو دلامة: إنّ أخاك صلّى اللّه عليه غلبني على صبري، وسلبني عزيمتي، وعزّني بإحسانه إليّ وجزعي عليه، فقلت ما لم أتأمّله، وإني أرغب في الثمن فاستفره السّلعة حيّا وميّتا. فإن أعطيت ما أعطى، أخذت ما أخذ. فأمر به فحبس ثلاثا ثم خلّى سبيله ودعاه إليه فوصله، ثم عاد له إلى ما كان عليه.
أمره روح بن حاتم بمبارزة خارجى فخدعه:
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثني أحمد بن سعيد الدّمشقيّ قال حدّثني أبو دلامة قال:
أتي بي المنصور أو المهديّ وأنا سكران، فحلف ليخرجنّي/ في بعث حرب، فأخرجني مع روح بن حاتم [1] المهلّبيّ لقتال الشّراة [2]. فلما التقى الجمعان قلت لروح: أما واللّه لو أنّ تحتي فرسك ومعي سلاحك لأثّرت في عدوّك اليوم أثرا ترتضيه. فضحك وقال: واللّه العظيم لأدفعنّ ذلك إليك، ولآخذنّك بالوفاء بشرطك. ونزل عن فرسه ونزع سلاحه ودفعهما إليّ، ودعا بغيرهما فاستبدل به. فلمّا حصل ذلك في يدي وزالت عنّي حلاوة الطمع، قلت له: أيها الأمير، هذا مقام العائذ بك، وقد قلت بيتين فاسمعهما. قال: هات، فأنشدته:
إني استجرتك أن أقدّم في الوغى ... لتطاعن وتنازل وضراب
فهب السّيوف رأيتها مشهورة ... فتركتها ومضيت في الهرّاب
ماذا تقول لما يجيء وما يرى ... من واردات الموت في النّشّاب
فقال: دع عنك هذا وستعلم. وبرز رجل من الخوارج يدعو للمبارزة، فقال: اخرج إليه يا أبا دلامة.
فقلت: أنشدك اللّه أيّها الأمير في دمي. قال: واللّه لتخرجنّ. فقلت: أيها الأمير فإنه أوّل يوم من الآخرة. وآخر يوم من الدنيا، وأنا واللّه جائع ما شبعت منّي جارحة من الجوع، فمر لي بشيء آكله ثم أخرج. فأمر لي برغيفين ودجاجة، فأخذت ذلك وبرزت عن الصفّ. فلما رآني الشاري أقبل نحوي عليه فرو وقد أصابه المطر فابتلّ، وأصابته الشمس فاقفعلّ [3] وعيناه تقدان، فأسرع إليّ./ فقلت له: على رسلك يا هذا كما أنت، فوقف.
فقلت: أتقتل من لا يقاتلك؟ قال لا. قلت: أتقتل رجلا على دينك؟ قال لا. قلت: أفتستحلّ ذلك قبل أن تدعو من تقاتله إلى دينك؟ قال: لا، فاذهب عنّي إلى لعنة اللّه. قلت: لا أفعل أو تسمع منّي. قال: قل. قلت: هل كانت بيننا قطّ عداوة أو ترة، أو تعرفني بحال تحفظك عليّ، أو تعلم بين أهلي وأهلك وترا؟ قال: لا واللّه.
__________
[1] هو روح بن حاتم بن قبيصة بن المهلب بن أبي صفرة، ولي إفريقية والبصرة وغيرهما، وكان جليلا شجاعا جوادا.
[2] الشراة: الخوارج.
[3] كذا في ح. واقفعل: تقبض. وفي سائر النسخ: «فانفعل». هو تحريف.
قلت: ولا أنا واللّه لك إلا جميل الرأي، وإني لأهواك وأنتحل مذهبك وأدين دينك وأريد السّوء لمن أراده لك.
قال: يا هذا جزاك اللّه خيرا فانصرف. قلت: إنّ معي زادا أحبّ أن آكله معك، وأحبّ مواكلتك لتتوكّد المودّة بيننا، ويرى أهل العسكر هوانهم علينا. قال: فافعل. فتقدّمت إليه حتى اختلفت أعناق دوابّنا وجمعنا أرجلنا على معارفها والناس قد غلبوا ضحكا. فلما استوفينا ودّعني. ثم قلت له: إنّ هذا الجاهل إن أقمت على طلب المبارزة ندبني إليك فتتعبني وتتعب. فإن رأيت ألّا تبرز اليوم فافعل. قال: قد فعلت، ثم انصرف وانصرفت.
فقلت لروح: أمّا أنا فقد كفيتك قرني فقل لغيري أن يكفيك قرنه كما كفيتك، فأمسك. وخرج آخر يدعو إلى البراز، فقال لي: اخرج إليه. فقلت [1]:
إني أعوذ بروح أن يقدّمني ... إلى البراز فتخزى بي بنو أسد
إنّ البراز إلى الأقران أعلمه ... مما يفرّق بين الروح والجسد
قد حالفتك المنايا إذ صمدت [2] لها ... وأصبحت لجميع الخلق بالرّصد
/ إنّ المهلّب حبّ الموت أورثكم ... وما ورثت اختيار الموت عن أحد
لو أنّ لي مهجة أخرى لجدت بها ... لكنّها خلقت فردا فلم أجد
فضحك وأعفاني.
أ أمره مروان بن محمد بمبارزة خارجي ففر منه:
أخبرني إبراهيم بن أيّوب عن ابن قتيبة قال قال أبو دلامة:
كنت/ في عسكر مروان [3] أيام زحف إلى سنان الخارجيّ. فلمّا التقى الزّحفان خرج منهم رجل فنادى:
من يبارز! فلم يخرج إليه أحد إلّا أعجله ولم ينهنهه [4]. فغاظ ذلك مروان وجعل يندب الناس على [5] خمسمائة، فقتل أصحاب الخمسمائة، فزاد مروان وندبهم على ألف، ولم يزل يزيدهم حتى بلغ خمسة آلاف درهم. وكان تحتي فرس لا أخاف خونه؛ فلمّا سمعت بالخمسة [6] آلاف ترقّبته [7] واقتحمت الصّفّ. واقتحمت الصّفّ. فلمّا نظرني الخارجيّ علم أنّي خرجت للطمع؛ فأقبل إليّ متهيّئا وإذا عليه فرو قد أصابه المطر فابتلّ، ثم أصابته الشمس فأقفعلّ، وإذا عيناه تقدان كأنّهما من غورهما في وقبين [8]. فلمّا دنا منّي أنشأ يقول:
__________
[1] وردت هذه الأبيات في «وفيات الأعيان» لابن خلكان هكذا:
إني أعوذ بروح أن يقدمني ... إلى القتال فيخزي بي بنو أسد
إن المهلب حب الموت أورثكم ... ولم أرث أنا حب الموت من أحد
إن الدنوّ إلى الأعداء أعلمه ... مما يفرق بين الروح والجسد
[2] في الأصول: «إن صدمت» وهو تحريف.
[3] يعني مروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية.
[4] نهنهه: كفه وزجره. وسياق الكلام يقتضي أن يكون «و لم يمهله».
[5] في الأصول: «عن».
[6] هذه لغة ضعيفة وأفصخ اللغات: «بخمسة الآلاف».
[7] ترقبته: رصدته.
[8] الوقب هنا: نقرة في الجبل يجتمع فيها الماء.
وخارج أخرجه حبّ الطّمع ... فرّ من الموت وفي الموت وقع
من كان ينوي أهله فلا رجع
فلمّا وقرت في أذني انصرفت عنه هاربا. وجعل مروان يقول: من هذا الفاضح؟ إيتوني به، فدخلت في غمار النّاس فنجوت.
أعطاه موسى بن داود مالا ليحج معه فهرب إلى السواد وسكر بالمال:
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثني أحمد بن سعيد قال حدّثنا الزّبير قال حدّثنا جعفر بن الحسين اللّهبيّ قال:
/ عزم موسى بن داود بن عليّ الهاشميّ [1] على الحج. فقال لأبي دلامة: احجج معي ولك عشرة آلاف درهم. فقال: هاتها؛ فدفعت إليه، فأخذها وهرب إلى السّواد، فجعل ينفقها هناك ويشرب بها الخمر. فطلبه موسى فلم يقدر عليه، وخشي فوت الحج فخرج. فلمّا شارف القادسيّة إذا هو بأبي دلامة خارجا [2] من قرية إلى أخرى وهو سكران، فأمر بأخذه وتقييده وطرحه في محمل بين يديه ففعل ذلك به. فلمّا سار غير بعيد أقبل على موسى وناداه:
يأيّها الناس قولوا أجمعون [3] معا ... صلّى الإله على موسى بن داود
كأنّ ديباجتي خدّيه من ذهب ... إذا بدا لك في أثوابه السّود
إنّي أعوذ بداود وأعظمه ... من أن أكلّف حجّا يابن داود
خبّرت أنّ طريق الحجّ معطشة ... من الشراب وما شربي بتصريد [4]
واللّه ما فيّ من أجر فتطلبه ... ولا الثناء على ديني بمحمود
فقال موسى: ألقوه لعنه اللّه عن المحمل ودعوه ينصرف، فألقي وعاد إلى قصفه بالسّواد، حتى نفدت العشرة آلاف [5] درهم.
أمره المنصور بملازمة الجماعة في مسجد القصر فقال شعرا يستعفيه:
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير عن جعفر بن الحسين اللّهبيّ، وأخبرني عمّي عن الكرانيّ عن العمري عن الهيثم بن عديّ قالا [6]:
قال أبو أيّوب الموريانيّ لأبي جعفر، وكان يشنأ أبا دلامة،: إنّ أبا دلامة معتكف على الخمر فما يحضر
__________
[1] هو ابن عم السفاح، كان أبوه داود أمير مكة والمدينة، واستخلف حين احتضر على عمله ولده موسى. فاستعمل السفاح خاله زيادا على مكة، وموسى بن داود هذا على إمرة المدينة.
[2] في الأصول: «خارج».
[3] في الأصول المخطوطة: «أجمعين».
[4] صرد شربه: قطعه.
[5] راجع الحاشية رقم 4 في الصفحة السابقة.
[6] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «قال» وهو تحريف.
صلاة ولا مسجدا، وقد أفسد فتيان العسكر. فلو أمرته/ بالصلاة معك لأجرت فيه وفي غيره من فتيان عسكرك بقطعه عنهم. فلمّا دخل عليه أبو دلامة قال له: يابن اللّخناء، ما هذا المجون الذي يبلغني عنك!. قال أبو دلامة: يا أمير المؤمنين ما أنا والمجون وقد شارفت باب قبري!. قال: دعني من استكانتك وتضرّعك، وإيّاك أن تفوتك صلاة الظهر والعصر في مسجدي. فلئن فاتتاك لأحسننّ أدبك ولأطيلنّ حبسك. فوقع في شرّ ولزم المسجد أيّاما،/ ثم كتب قصّته ودفعها إلى المهديّ فأوصلها إلى أبيه، وكان فيها:
ألم تعلما أنّ الخليفة لزّتي [1] ... بمسجده والقصر مالي وللقصر!
أصلّي به الأولى جميعا وعصرها ... فويلي من الأولى وويلي [2] من العصر
أصلّيهما بالكره في غير مسجدي ... فمالي في الأولى ولا العصر من أجر
لقد كان في قومي مساجد جمّة ... سواه ولكن كان قدرا من القدر
يكلفني من بعد ما شبت خطّة ... يحطّ بها عنّي الثقيل من الوزر
وما ضرّه واللّه يغفر ذنبه ... لو انّ ذنوب العالمين على ظهري
قال: فلمّا قرأ المنصور قصّته ضحك وأعفاه من الحضور معه، وأحلفه أن يصلّي الصلاة في مسجد قبيلته.
أخبرنا محمد بن العبّاس اليزيديّ قال حدّثنا أحمد بن سعيد عن الزّبير عن عمّه، ونسخت من بعض الكتب عن نصر بن محمد الخرّاز [3] عن أبيه عن الهيثم بن عديّ وروّانيه بعض من روى عن الزّبير.
أنّ أبا جعفر كان يحبّ العبث بأبي دلامة - وقال الآخر: إنّ أبا العبّاس السّفّاح كان يحب ذلك - فكان يسأل عنه فيوجد في بيوت الخمّارين لا فضل فيه. فعاتبه/ على انقطاعه عنه؛ فقال: إنما أفعل ذلك خوفا أن تملّني.
فعلم أنه يحاجزه [4]، فأمر الربيع أن يوكّل به من يحضره الصلوات معه في جماعة في الدار. فلمّا طال ذلك عليه قال:
ألم تريا أنّ الخليفة لزّني ... بسمجده والقصر مالي وللقصر!
فقد صدّني عن مسجد أستلذّه ... أعلّل فيه بالسّماع وبالخمر
وكلّفني الأولى جميعا وعصرها ... فويلي من الأولى وعولي من العصر
أصلّيهما بالكره في غير مسجدي ... فمالي من الأولى ولا العصر من أجر
يكلّفني من بعد ما شبت توبة ... يحطّ بها عني المثاقيل من وزري
لقد كان في قومي مساجد جمّة ... ولم ينشرح يوما لغشيانها صدري
وواللّه مالي نيّة في صلاته ... ولا البرّ والإحسان والخير من أمري
وما ضرّه واللّه يغفر ذنبه ... لو انّ ذنوب العالمين على ظهري
__________
[1] لزه بكذا: ألزمه إياه.
[2] في ج: «وعولي».
[3] في ح: «الخرزي». وفي أ، م: «الخرازي».
[4] يعني: يتخلص منه وينتحل المعاذير الباطلة لانقطاعه عنه.
ألزمه المنصور بالقيام شهر رمضان فكتب إلى ريطة شعرا يستشفع بها للمهدي:
فبلغته الأبيات فقال: صدق! ما يضرّني ذلك، واللّه لا يصلح هذا أبدا، فدعوه يعمل ما يشاء. وقال الهيثم في خبره: فقال له أبو جعفر: قد أعفيناك من هذه الحال، ولكن على ألّا تدع القيام معنا في ليالي شهر رمضان فقد أظل [1]. فقال: أفعل. قال: إنك إن تأخّرت لشرب الخمر علمت ذلك. وو اللّه لئن فعلت لأحدّنّك. فقال أبو دلامة: البليّة في شهر أصلح منها في طول الدهر، سمعا وطاعة. فلمّا حضر شهر رمضان لزم المسجد. وكان المهديّ يبعث إليه في كل ليلة حرسيّا يجيء به؛ فشقّ ذلك عليه، وفزع إلى الخيزران وأبي عبيد [2] اللّه وكلّ من كان يلوذ بالمهديّ ليشفعوا له في الإعفاء/ من القيام، فلم يجبهم. فقال له أبو عبيد اللّه: الدّالّ على الخير كفاعله، فكيف شكرك؟ قال: أتمّ شكر. قال: عليك بريطة [3] فإنّه لا يخالفها. قال: صدقت واللّه،/ ثم رفع إليها رقعة يقول فيها:
أبلغا ريطة أنّي ... كنت عبدا لأبيها
فمضى يرحمه الل ... ه وأوصى بي إليها
وأراها نسيتني ... مثل نسيان أخيها
جاء شهر الصّوم يمشي ... مشية ما أشتهيها
قائدا لي ليلة القد ... ركأنّي أبتغيها
تنطح القبلة شهرا ... جبهتي لا تأتليها
ولقد عشت زمانا ... في فيافيّ وجيها
في ليال من شتاء ... كنت شيخا أصطليها
قاعدا أوقد نارا ... لضباب أشتويها
وصبوح وغبوق ... في علاب [4] أحتسيها
ما أبالي ليلة القد ... ر ولا تسمعنيها [5]
فاطلبي لي فرجا من ... ها وأجري لك فيها
فلمّا قرأت الرّقعة ضحكت وأرسلت إليه: إصطبر حتى تمضي ليلة القدر. فكتب إليها: إني لم أسألك أن تكلّميه في إعفائي عاما قابلا؛ وإذا مضت ليلة القدر فقد فني الشّهر. وكتب تحتها أبياتا:
/خافي إلهك في نفس قد احتضرت ... قامت قيامتها بين المصلّينا
__________
[1] أظل: غشى وأشرف وأقبل.
[2] هو أبو عبيد اللّه معاوية بن عبيد اللّه بن يسار الأشعري الكاتب الوزير. كان من رجالات المنصور ثم المهدي. عزله المهدي عن الوزارة ثم جعله على ديوان الرسائل، ثم عزله عنه سنة 167 ه.
[3] ريطة: هي ابنة الخليفة أبي العباس السفاح وزوجة المهدي.
[4] العلاب: جمع علبة وهي قدح ضخم من جلود الإبل أو هي قدح من خشب.
[5] لا هنا نافية، وهو خبر يراد به النهي.
ما ليلة القدر من همّي فأطلبها ... إنّي أخاف المنايا قبل عشرينا
يا ليلة القدر قد كسّرت أرجلنا ... يا ليلة القدر حقّا ما تمنّينا!؟
لا بارك اللّه في خير أؤمّله ... في ليلة بعد ما قمنا ثلاثينا
فلما قرأت الأبيات ضحكت، ودخلت إلى المهديّ فشفعت له إليه، وأنشدته الشعرين، فضحك حتى استلقى، ودعا به وريطة معه في الحجلة [1] فدخل؛ فأخرج رأسه إليه وقال: قد شفّعنا ريطة فيك، وأمرنا لك بسبعة آلاف درهم. فقال: أمّا شفاعة سيّدتي فيّ حتى أعفيتني فأعفاها اللّه من النار. وأمّا السبعة الآلاف فما أعجبني ما فعلته؛ إمّا أن تتمّها بثلاثة آلاف فتصير عشرة، أو تنقصني منها ألفين فتصير خمسة آلاف، فإنّي لا أحسن حساب السبعة. فقال: قد جعلتها خمسة. قال: أعيذك باللّه أن تختار أدنى الحالين وأنت أنت. فعبث به المهديّ ساعة ثم تكلّمت فيه ريطة فأتمّها له عشرة آلاف درهم.
أنشد المهدي شعره في نخاس فضحك منه:
أخبرني الحسين بن عليّ عن حمّاد عن أبيه قال:
مرّ أبو دلامة بنخّاس يبيع الرقيق، فرأى عنده منهنّ من كل شيء حسن، فانصرف مهموما، فدخل إلى المهدي فأنشده:
إن كنت تبغي العيش حلوا صافيا ... فالشعر أعزبه وكن نخّاسا
تنل الطّرائف من ظراف نهّد ... يحدثن كلّ عشيّة أعراسا
/ والربح فيما بين ذلك راهن ... سمحا بيعك كنت أو مكّاسا [2]
دارت على الشعراء حرفة نوبة [3] ... فتجرّعوا من بعد كأس كاسا
/ وتسربلوا قمص الكساد فحاولوا ... بالنّخس كسبا يذهب الإفلاسا
فجعل المهديّ يضحك منه.
لفق رؤيا للمنصور وأخذ منه ثيابا:
نسخت من كتاب ابن النطّاح قال:
دخل أبو دلامة على المنصور فأنشده:
رأيتك في المنام كسوت جلدي ... ثيابا جمّة وقضيت ديني
فكان بنفسجيّ الخزّ فيها ... وساج [4] ناعم فأتمّ زيني
__________
[1] الحجلة: بيت يزين بالثياب والأسرة والستور.
[2] مكس في البيع يمكس (من باب ضرب): نقص الثمن. والمراد هنا المشاحة في البيع والشراء.
[3] لعل صوابها: «نوبة حرفة».
[4] الساج: الطيلسان الأخضر وقيل الأسود وقيل المقور ينسج كذلك، وفي الأساس: «لبسوا السيجان وهي الطيالسة المدوّرة الواسعة».
فصدّق بافدتك النفس [1] رؤيا ... رأتها في المنام كذاك عيني
فأمر له بذلك وقال له: لا تعد أن تتحلّم [2] عليّ ثانية، فأجعل حلمك أضغاثا ولا أحقّقه.
حبسه المنصور لسكره فبعث له من الحبس شعرا فعفا عنه:
ثم خرج من عنده ومضى فشرب في بعض الحانات فسكر وانصرف وهو يميل. فلقيه العسس فأخذوه، وقيل له:
من أنت وما دينك؟ فقال:
ديني على دين بنى العبّاس ... ما ختم الطين على القرطاس
إنّي اصطبحت أربعا بالكاس ... فقد أدار شربها براسي
فهل بما قلت لكم من باس
فأخذوه ومضوا، وخرقوا ثيابه وساجه وأتي به أبو جعفر - وكان يؤتى بكلّ من أخذه العسس - فحبسه مع الدّجاج في بيت. فلمّا أفاق جعل ينادي غلامه مرّة وجاريته أخرى فلا يجيبه أحد، وهو في ذلك يسمع صوت الدّجاج وزقاء الدّيوك. فلمّا أكثر قال له السّجّان: ما شأنك؟ قال: ويلك من أنت وأين أنا؟ قال: في الحبس، وأنا فلان السّجّان. قال: ومن حبسني؟ قال: أمير المؤمنين. قال:/ ومن خرق طيلساني؟ قال: الحرس. فطلب منه أن يأتيه بدواة وقرطاس ففعل، فكتب إلى أبي جعفر:
أمير المؤمنين فدتك نفسي ... علام حبستني وخرقت ساجي
أمن صفراء صافية المزاج ... كأنّ شعاعها لهب السّراج
وقد طبخت بنار اللّه حتّى ... لقد صارت من النّطف [3] النّضاج
تهشّ لها القلوب وتشتهيها ... إذا برزت [4] ترقرق في الزّجاج
أقاد إلى السّجون بغير جرم ... كأنّي بعض عمّال الخراج
ولو معهم حبست لكان سهلا ... ولكنّي حبست مع الدّجاج
وقد كانت تخبّرني ذنوبي ... بأنّي من عقابك غير ناجي
على أني وإن لاقيت شرّا ... لخيرك بعد ذاك الشّرّ راجي
فدعا به وقال: أين حبست يا أبا دلامة؟ قال: مع الدّجاج. قال: فما كنت تصنع؟ قال: أقوقي معهنّ حتى أصبحت. فضحك وخلّى سبيله وأمر له بجائزة. فلمّا خرج قال له الرّبيع: إنه شرب الخمر يا أمير المؤمنين. أما سمعت قوله «و قد طبخت بنار اللّه» (يعني الشمس). فأمر بردّه ثم قال: يا خبيث شربت الخمر؟ قال لا. قال:
أفلم تقل «طبخت بنار اللّه» تعني الشمس. قال: لا واللّه/ ما عنيت إلّا نار اللّه الموقدة التي تطّلع على فؤاد الرّبيع. فضحك وقال: خذها يا ربيع ولا تعاود التعرّض.
__________
[1] في ب، س: «الناس».
[2] تحلم فلان: قال حلمت بكذا وهو كاذب.
[3] النطفة: الماء الصافي قل أو كثر.
[4] في أ، م: «برقت». وترقرق: تلألأ أي تجيء وتذهب.
لفق رؤيا لتمار وأخذ منه تمرا:
قال ابن النطّاح: ومرّ أبو دلامة بتمّار بالكوفة فقال له:
رأيتك أطعمتني في المنام ... قواصر [1] من تمرك البارحة
/ فأمّ العيال وصبيانها ... إلى الباب أعينهم طامحه
فأعطاه جلّتي [2] تمر وقال له: إن رأيت هذه الرؤيا ثانية لم يصحّ تفسيرها. فأخذهما وانصرف.
هنأ المهدي بقدومه من الري فملا حجره دراهم:
وقال ابن النطّاح:
لمّا قدم المهديّ من الرّيّ دخل عليه أبو دلامة فأنشأ يقول:
إنّي نذرت لئن رأيتك سالما ... بقرى العراق وأنت ذو وفر
لتصلّينّ على النبيّ محمد ... ولتملأنّ دراهما حجري
فقال: صلى اللّه عليه وسلم، وأمّا الدراهم فلا. فقال له: أنت أكرم من أن تفرّق بينهما ثم تختار أسهلهما. فأمر بأن يملأ حجره دراهم.
ومثل هذا وإن لم يكن منه ما حدّثني به الحسن بن عليّ عن أحمد بن الحارث عن المدائنيّ قال:
قدم المهلّب من بعض غزواته، فلقيته عجوز من الأزد فقالت: أيّها الأمير، أسألك باللّه والرّحم إلّا وقفت فوقف، فدنت وقبّلت يده وقالت: هذا نذر كان عليّ، إنّي نذرت عليّ للّه أن أقبّل يدك إن قدمت سالما وتهب لي أربعمائة درهم وجارية صغديّة تخدمني. فضحك وقال: أمّا نحن فقد وفّينا بنذرك؛ ادفعوا إليها ذلك، وإيّاك يا أمّاه وهذه النّذور؛ فليس كلّ أحد يفي لك بها وينشط لتحليلك منها.
ضجر من الصوم والحر فكتب للمهدي شعرا فعجل جائزته:
قال ابن النطّاح:
وصام الناس في سنة شديدة الحرّ على عهد المهديّ، وكان أبو دلامة يتنجّز جائزة أمر له المهديّ بها.
فكتب إليه أبو دلامة رقعة يشكو فيها أذى الحرّ والصوم وهي:
/أدعوك بالرّحم التي هي جمّعت ... في القرب بين قريبنا والأبعد
إلّا سمعت وأنت أكرم من مشى ... من منشد يرجو جزاء المنشد
جاء الصيام فصمته متعبّدا ... أرجو رجاء الصائم المتعبّد
ولقيت من أمر الصّيام وحرّه ... أمرين قيسا بالعذاب المؤصد [3]
__________
[1] قواصر: واحدها قوصرة، وهي وعاء من قصب يرفع فيه التمر من البواري.
[2] الجلة (بالضم): قفة كبيرة للتمر.
[3] المؤصد: المطبق.
وسجدت حتى جبهتي مشجوجة ... ممّا يناطحني الحصا في المسجد
فامنن بتسريحي بمطلك بالذي ... أسلفتنيه من البلاء المرصد
فلمّا قرأ المهديّ رقعته غضب وقال: يا عاضّ كذا من أمّه أيّ قرابة بيني وبينك؟! قال: رحم آدم وحوّاء، أنسيتهما يا أمير المؤمنين! فضحك وقال: لا واللّه ما نسيتهما؛ وأمر بتعجيل ما أجازه به وزاد فيه. وأخبرني بهذا الخبر الحسن بن عليّ قال حدّثنا الخزاعيّ عن المدائنيّ وزاد فيه قال: وأنشده أيضا في ذمّ الصّوم:
هل في البلاد لرزق اللّه مفترش ... أم لا ففي جلده من خشنة برش
- يعني أنّ جلد الرّزق خشن الملمس [1] فهو يحترش [2] كما يحترش الضّبّ - الشّعر:
أضحى الصّيام منيخا وسط عرصتنا ... ليت الصيام بأرض دونها حرش [3]
إن صمت أوجعني بطني وأقلقني ... بين الجوانح مسّ الجوع والعطش
/ وإن خرجت بليل نحو مسجدهم ... أضرّني بصر قد خانه العمش
عزى أم سلمة بنت يعقوب في السفاح فأضحكها:
أخبرني محمد بن العبّاس اليزيديّ عن أحمد بن زهير عن الزّبير عن عمّه، ونسخت من كتاب ابن النطّاح قال اليزيديّ في خبره:
/ دخل أبو دلامة على ريطة بعد وفاة المهديّ، وقال ابن النطّاح: دخل على أمّ سلمة [4] بنت يعقوب بن سلمة بعد وفاة أبي العبّاس، وهو الصحيح، فعزّاها به وبكى وبكت معه، ثم أنشدها:
من مجمل في الصبر عنك فلم يكن ... صبري عليك غداة بنت جميلا
يجدون أبدالا به وأنا امرؤ ... لو متّ وجدا ما وجدت بديلا
إنّي سألت الناس بعدك كلّهم ... فوجدت أجود من سألت بخيلا
فقالت أمّ سلمة: لم أر أحدا أصيب به غيري وغيرك يا أبا دلامة. فقال: ولا سواء يرحمك اللّه، لك منه ولد وما ولدت أنا منه. فضحكت - ولم تكن منذ مات أبو العبّاس ضحكت إلا ذلك الوقت - وقالت له: لو حدّثت الشيطان لأضحكته.
خدع المهدي بموت زوجته وخدعت زوجته الخيزران بموته كذلك فضحكا منهما:
أخبرنا محمد بن يحيى الصّوليّ قال حدّثنا الغلابيّ قال حدّثنا عبد اللّه بن الضحّاك قال:
دخل أبو دلامة على المهديّ وهو يبكي. فقال له: مالك؟ قال: ماتت أمّ دلامة، وأنشده لنفسه فيها:
__________
[1] في الأصول: «الملبس» بالباء.
[2] احترش الضب وحرشه: صاده، وهو أن يحرك يده على حجرة لظنه حية فيخرج ذنبه ليضر بها فيأخذه. ومنه المثل: «أتعلمني بضب أنا حرشته» يخاطب به العالم بالشيء من يريد تعليمه.
[3] الحرش (بالتحريك) لغة: الخشونة. يتمنى لو كان بينه وبين الصوم من غلظ الأرض وخزونها ما يحول دونه.
[4] أم سلمة: هي أم سلمة المخزومية امرأة الخليفة أبي العباس السفاح، وتزوجها بعده عبد اللّه بن عبد الحميد المخزومي. (انظر «الأغاني» ج 4 ص 335 من هذه الطبعة).
وكنّا كزوج من قطا مفازة ... لدى خفض عيش ناعم مؤنق رغد
فأفردني ريب الزّمان بصرفه ... ولم أرشيأ قطّ أوحش من فرد
فأمر له بثياب وطيب ودنانير، وخرج. فدخلت أمّ دلامة على الخيزران فأعلمتها أنّ أبا دلامة قد مات، فأعطتها مثل ذلك، وخرجت. فلمّا التقى المهديّ والخيزران عرفا حيلتهما فجعلا يضحكان لذلك ويعجبان منه.
فرض له المنصور على كل هاشمي عطاء فنقصه العباس بن محمد دينارين فذمه:
أخبرنا أحمد بن عبد العزيز قال حدّثنا عمر بن شبّة، ونسخت أنا من كتاب ابن النطّاح قال:
دخل أبو دلامة على المنصور فأنشده:
أما وربّ العاديات ضبحا [1] ... حقّا وربّ الموريات قدحا
إنّ المغيرات عليّ صبحا ... والناكئات [2] من فؤادي قرحا [3]
عشر ليال بينهن ضبحا [4] ... يجلفن [5] مالي كلّ عام صبحا
فقال له أبو جعفر: وكم تذبح يا أبا دلامة؟ قال: أربعا وعشرين شاة. ففرض له على كل هاشميّ أربعة وعشرين دينارا، فكان يأخذها منهم. فأتى العباس بن محمد في عشر الأضحى يتنجّزها. فقال: يا أبا دلامة، أليس قد مات ابنك؟ قال بلى. قال: انقصوه دينارين. قال: أصلح اللّه الأمير لا تفعل، فإنه ترك عليّ ولدين.
فأبى إلّا أن ينقصه. فخرج وهو يقول:
أخطاك ما كنت ترجوه وتأمله ... فاغسل يديك من العبّاس بالياس
واغسل يديك بأشنان [6] فأنقهما ... مما تؤمّل من معروف عبّاس
جزاك ربّك يا عبّاس عن فرج ... جنّات عدن وعنّي جرزتي [7] آس
/ فبلغ ذلك أبا جعفر فضحك، واغتاظ على العبّاس، وأمره بأن يبعث إليه بأربعة وعشرين دينارا أخرى.
هذه رواية يزيد.
قيل إن هذه القصة مع علي بن صالح:
وأمّا ابن النطّاح فإنه ذكر أن الذي نقصه/ الدينارين عليّ بن صالح وقال له: إنما نقصتك دينارين لموت ابنك دلامة. فحلف ألّا يأخذ إلّا خمسين دينارا، ثم قام مغضبا؛ فأتبعه الرسول فأعطاه إيّاها. فقال له:
__________
[1] الضبح: صوت أنفاس الخيل إذا عدت ليس بصهيل ولا حمحمة.
[2] نكأ القرح: قشره قبل أن يبرأ فيندي. وقد وردت هذه الكلمة في الأصول محرفة؛ ففي ح: «الناكثات». وفي أ، م: «الناكنات».
وفي ب، س: «الفاتكات».
[3] في الأصول: «قدحا» بالدال، وهو تحريف.
[4] في أ، م: «صبحا» بالصاد المهملة. وهي في كلتا صورتيها غير واضحة.
[5] يجلفن: يستأصلن. وفي ب، س: «يتلفن». وفي سائر الأصول. «يحلفن» بالحاء المهملة. وهو مصحف عما أثبتناه، كما يحتمل أن يكون مصحفا عن «يحلقن» بالقاف بمعنى يستأصلن أيضا.
[6] الأشنان (بالضم): حمض تغسل به الأيدي.
[7] الجرزة: الحزمة.
أولى [1] له. أمّا ما سبق فلا حيلة فيه، والمستأنف فقد أمنه. وقد كان قال فيه:
لعليّ بن صالح بن عليّ ... نسب لو يعينه بسماح
وبنو مالك كثير ولكن ... ما لنا في بقائهم من فلاح
غير فضل فإنّ للفضل فضلا ... مستبينا على قريش البطاح
تخاصم إلى عافية القاضي وداعبه:
أخبرني محمد بن أحمد عن محمد بن العبّاس اليزيديّ قال حدّثنا أحمد بن الحارث الخرّاز عن المدائنيّ قال:
خاصم رجل أبا دلامة في داره، فارتفعا إلى عافية القاضي؛ فأنشأ أبو دلامة يقول:
لقد خاصمتني دهاة الرّجال ... وخاصمتها سنة وافيه
فما أدحض اللّه لي حجّة ... ولا خيّب اللّه لي قافيه
ومن خفت من جوره في القضاء ... فلست أخافك يا عافيه
فقال له عافية: أما واللّه لأشكونّك إلى أمير المؤمنين ولأعلمنّه أنك هجوتني. قال: إذا يعزلك. قال: ولم؟
قال: لأنّك لا تعرف المديح من الهجاء. فبلغ ذلك المنصور فضحك وأمر لأبي دلامة بجائزة.
أمره المهدي بهجاء أحد الحضور فهجا نفسه:
أخبرني محمد بن أحمد عن أحمد بن الحارث عن المدائنيّ قال:
دخل أبو دلامة على المهديّ وعنده إسماعيل بن محمد وعيسى بن موسى والعبّاس بن محمد ومحمد بن إبراهيم الإمام وجماعة من بني هاشم. فقال له: أنا أعطي اللّه عهدا لئن لم تهج واحدا ممّن في البيت لأقطعنّ لسانك - ويقال إنه قال: لأضربنّ عنقك - فنظر إليه القوم، فكلّما نظر إلى واحد منهم غمزه بأنّ عليه رضاه. قال أبو دلامة: فعلمت أنّي قد وقعت وأنها عزمة من عزماته لا بدّ منها، فلم أر أحدا أحقّ بالهجاء منّي، ولا أدعى إلى السلامة من هجاء نفسي، فقلت:
ألا أبلغ إليك أبا دلامه ... فليس من الكرام ولا كرامه
إذا لبس العمامة كان قردا ... وخنزيرا إذا نزع العمامه
جمعت دمامة وجمعت لؤما ... كذاك اللّؤم تتبعه الدّمامه
فإن تك قد أصبت نعيم دنيا ... فلا تفرح فقد دنت القيامه
فضحك القوم ولم يبق منهم أحد إلّا أجازه.
قال شعرا في المهدي وعلي بن سليمان وقد خرجا للصيد فأصاب الأوّل وأخطأ الثاني:
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير عن عمّه قال:
__________
[1] أولى له: معناها: التهدد والتوعد.
خرج المهديّ وعليّ بن سليمان إلى الصّيد، فسنح لهما قطيع من ظباء، فأرسلت الكلاب وأجريت الخيل، فرمى المهديّ ظبيا بسهم فصرعه، ورمى عليّ بن سليمان فأصاب بعض الكلاب فقتله. فقال أبو دلامة:
قد رمى المهديّ ظبيا ... شكّ بالسهم فؤاده
وعليّ بن سليما ... ن رمى كلبا فصاده
فهنيئا لهما كلّ ... امرىء يأكل زاده
/ فضحك المهديّ حتى كاد أن يسقط عن سرجه، وقال: صدق واللّه أبو دلامة، وأمر له بجائزة/ سنيّة.
أخبرني بهذا الخبر عمّي عن الكرانيّ عن العمريّ عن الهيثم بن عديّ فذكر مثل ما ذكره وقال فيه: فلقّب عليّ بن سليمان «صائد الكلب» وعلق به.
أنشد المنصور شعرا فأعطاه دارا وكسوة ثم احتاج إلى الدار وعوّضه بدلها:
قال ابن النطّاح: وأنشد أبو دلامة المنصور يوما:
هاتيك والدتي عجوز همّة [1] ... مثل البليّة درعها في المشجب [2]
مهزولة اللّحيين [3] من يرها يقل ... أبصرت غولا أو خيال القطرب [4]
ما إن تركت لها ولا لآبن لها ... مالا يؤمّل غير بكر أجرب
ودجائجا [5] خمسا يرحن إليهم ... لمّا يبضن وغير عير [6] مغرب
كتبوا إليّ صحيفة مطبوعة [7] ... جعلوا عليها طينة كالعقرب
فعلمت أنّ الشّرّ عند فكاكها ... ففككتها عن مثل ريح الجورب
وإذا شبيه بالأفاعي رقّشت ... يوعدنني بتلمّظ وتثؤّب [8]
يشكون أنّ الجوع أهلك بعضهم ... لزبا [9] فهل لك في عيال لزّب
لا يسألونك غير طلّ سحابة ... تغشاهم من سيلك المتحلّب
يا باذل الخيرات يابن بذولها ... وابن الكرام وكلّ قرم منجب
أنتم بنو العبّاس يعلم أنّكم ... قدما فوارس كلّ يوم أشهب
__________
[1] الهمة: العجوز الفانية.
[2] المشجب (و مثله الشجاب): خشبات موثقة منصوبة توضع عليها الثياب وتنشر. يريد أن أمه فنيت حتى أشهت خشبات المشجب.
[3] اللحى: عظم الحنك وهو الذي عليه الأسنان.
[4] القطرب هنا: ذكر الغيلان أو الصغير من الجن.
[5] يجوز في تابع المستثنى بغير مراعاة اللفظ ومراعاة المعنى. وقد روعي هنا المعنى.
[6] العير (بالفتح): الحمار. والمغرب: الذي اشتد بياضه حتى نبيضّ محاجره وأرفاغه.
[7] مطبوعة: مختومة.
[8] في الأصول «و تثاؤب» ويقال لغة تثاءب وتثأب التضعيف. وقد آثرنا الثانية لأنه على رواية الأصول تكون في القافية ألف الأساس، وإذا كانت لزمت في القصيدة كلها.
[9] اللزب (بالتحريك): ضيق العيش.
/
أحلاس [1] خيل اللّه وهي مغيرة ... يخرجن من خلل الغبار الأكهب [2]
قال: فأمر له بدار يسكنها وكسوة ودراهم. وكانت الدار قريبة من قصره، فأمر بأن تزاد في قصره بعد ذلك لحاجة دعته إليها. فدخل عليه أبو دلامة فأنشده قوله:
يابن عمّ النبيّ دعوة شيخ ... قد دنا هدم داره ودماره
فهو كالماخض التي اعتادها الطّل ... ق فقرّت وما يقرّ قراره
إن تحز عسره بكفّيك يوما ... فبكفّيك عسره ويساره
أو تدعه فللبوار، وأنّى ... ولماذا وأنت حيّ بواره
هل يخاف الهلاك شاعر قوم ... قدمت في مديحهم أشعاره
لكم الأرض كلّها فأعيروا ... شيخكم ما احتوى عليه جداره
فكأن قد مضى وخلّف فيكم ... ما أعرتم وأقفرت منه داره
فاستعبر المنصور، وأمر بتعويضه دارا خيرا منها ووصله.
عابه عند المهدي محرز ومقاتل ابنا ذؤال فهجاهما بحضرته:
قال ابن النطّاح:
ودخل أبو دلامة على المهديّ وعنده محرز ومقاتل ابنا ذؤال يعاتبانه على تقريبه أبا دلامة ويعيبانه عنده.
فقال أبو دلامة:
ألا أيّها المهديّ هل أنت مخبري ... وإن أنت لم تفعل فهل أنت سائلي
ألم ترحم اللّحيين من لحيتيهما ... وكلتاهما في طولها غير طائل
وإن أنت لم تفعل فهل أنت مكرمي ... بحلقهما من محرز ومقاتل
فإن يأذن المهديّ لي فيهما أقل ... مقالا كوقع السيف بين المفاصل
/ وإلّا [3] تدعني والهموم تنوبني ... وقلبي من العجلين جمّ البلابل
/ فقال: أو آخذ لك منهما عشرة آلاف درهم يفديان بها أعراضهما منك؟ قال: ذلك إلى أمير المؤمنين.
فأخذها له منهما وأمسك عنهما.
مدح سعيد بن دعلج فأجازه:
قال ابن النطّاح:
ودخل أبو دلامة على سعيد بن دعلج [4] مولى بني تميم فقال:
__________
[1] أحلاس الخيل هنا: الملازمون ظهورها.
[2] الكهبة: غبرة مشربة سوادا.
[3] فعل الشرط محذوف أي وإلا تفعل تدعني.
[4] كان أميرا على شرطة البصرة وأحداثها لأبي جعفر المنصور، ثم ولي البحرين له أيضا وعزله بعد ذلك. وولي للمهدي طبرستان -
إذا جئت الأمير فقل سلام ... عليك ورحمة اللّه الرحيم
وأمّا بعد ذاك فلي غريم ... من الأعراب قبّح من غريم
غريم لازم بفناء بيتي ... لزوم الكلب أصحاب الرّقيم [1]
له مائة عليّ ونصف أخرى ... ونصف النّصف في صكّ قديم
دراهم ما انتفعت بها ولكن ... وصلت بها شيوخ بني تميم
أتوني بالعشيرة يسألوني ... ولم أك في العشيرة باللّئيم
فضحك وأمر له بمائتين وخمسة وسبعين درهما وقال: ما أساء من أنصف، وقد كافأتك عن قومك وزدتك مائة
داعب المنصور في جنازة بنت عمه حتى ضحك:
أخبرني الحرميّ قال حدّثنا الزّبير عن جعفر بن الحسين اللّهبيّ عن عمّه مصعب:
أنّ حمّادة بنت عيسى توفّيت وحضر المنصور جنازتها. فلمّا وقف على حفرتها قال لأبي دلامة: ما أعددت لهذه الحفرة؟ قال: بنت عمّك يا أمير المؤمنين حمّادة بنت عيسى يجاء بها الساعة فتدفن فيها. فضحك المنصور حتى غلب فستر وجهه.
سأل الخيزران جارية فوعدته بها وأبطأت فاستنجزها بشعر، وقصة زوجته وابنه مع هذه الجارية:
أخبرني عمّي رحمه اللّه تعالى قال حدّثنا محمد بن سعد الكرّانيّ قال قال أبو عمر حفص بن عمر العمريّ حدّثنا الهيثم قال:
جحّت الخيزران، فلمّا خرجت صاح بها أبو دلامة. قالت: سلوه ما أمره. قالوا له: ما أمرك؟ فقال:
أدنوني من محملها. قالت: أدنوه، فأدني. فقال: أيّتها السيّدة، إنّي شيخ كبير وأجرك فيّ عظيم. قالت: فمه.
قال: تهبين لي جارية من جواريك تؤنسني وترفق بي وتريحني من عجوز عندي، قد أكلت رفدي، وأطالت كدّي، وقد عاف جلدي جلدها، وتمنّيت بعدها، وتشوّقت فقدها. فضحكت الخيزران وقالت: سوف آمر لك بما سألت. فلما رجعت تلقّاها وذكّرها، وخرج معها إلى بغداد فأقام حتى غرض [2]. ثم دخل على أمّ عبيدة حاضنة موسى وهارون، فدفع إليها رقعة قد كتبها إلى الخيزران فيها:
__________
وعزله عنها. (انظر ابن الأثير ج 6 ص 6 و7 و26 و27 و39 و41).
[1] قال الزمخشري في تفسير قوله تعالى: أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً:
«الرقيم اسم كلبهم، قال أمية بن أبي الصلت:
وليس بها إلا الرقيم مجاورا ... وصيدهم والقوم في الكهف همّد
وقيل هو لوح من رصاص رقمت فيه أسماؤهم جعل على باب الكهف، وقيل إن الناس رقموا حديثهم نقرا في الجبل، وقيل: هو الوادي الذي فيه الكهف، وقيل الجبل، وقيل قريتهم، وقيل مكانهم بين غضبان وأيلة دون فلسطين». وفي «اللسان» مادة رقم: «قال أبو القاسم الزجاجي في الرقيم خمسة أقوال: أحدها عن ابن عباس أنه لوح كتبت فيه أسماؤهم. الثاني أنه الدواة بلغة الروم عن مجاهد. الثالث القرية عن كعب. الرابع الوادي. الخامس الكتاب عن الضحاك وقتادة، وإلى هذا القول يذهب أهل اللغة».
[2] غرض: ضجر وملّ.
أبلغي سيّدتي باللّه يا أمّ عبيده أنها أرشدها اللّه وإن كانت رشيده
وعدتني قبل أن تخ ... رج للحجّ وليده
فتأنّيت وأرسل ... ت بعشرين قصيده
/ كلمّا أخلقن [1] أخلف ... ت لها أخرى جديده
ليس في بيتي لتمهي ... د فراشي من قعيده
غير عجفاء عجوز ... ساقها مثل القديده
وجهها أقبح من حو ... ت طريّ في عصيده
/ ما حياة مع أنثى ... مثل عرسي بسعيده
فلمّا قرئت عليها الأبيات ضحكت واستعادتها منه لقوله «حوت طريّ في عصيده» وجعلت تضحك، ودعت بجارية من جورايها فائقة فقالت لها: خذي كل ما لك في قصري ففعلت، ثم دعت ببعض الخدم وقالت له:
سلّمها إلى أبي دلامة. فانطلق الخادم بها فلم يصادفه في منزله. فقال لامرأته: إذا رجع فادفعيها إليه، وقولي له: تقول لك السّيدة: أحسن صحبة هذه الجارية فقد آثرتك بها؛ فقالت له نعم. فلمّا خرج دخل ابنها دلامة فوجد أمّه تبكي. فسألها عن خبرها فأخبرته وقالت: إن أردت أن تبرّني يوما من الدهر فاليوم. فقال: قولي ما شئت فإني أفعله. قالت: تدخل عليها فتعلمها أنّك مالكها وتطؤها فتحرم عليه، وإلّا ذهبت بعقله وجفاني وجفاك. ففعل ودخل إلى الجارية فوطئها ووافقها ذلك منه، وخرج. ثم دخل أبو دلامة فقال لامرأته: أين الجارية؟ قالت: في ذلك البيت. فدخل إليها شيخ محطّم ذاهب، فمدّ يده إليها وذهب ليقبّلها. فقالت له: مالك ويلك! تنحّ وإلّا لطمتك لطمة دققت منها أنفك. فقال لها: أبهذا أوصتك السيّدة!. فقالت: إنّها قد بعثت بي إلى فتى من حاله وهيئته كيت وكيت، وقد كان عندي آنفا، ونال منّي حاجته. فعلم أنه قد دهي من أمّ دلامة وابنها.
فخرج إليه أبو دلامة فلطمه ولبّبه [2] وحلف/ ألّا يفارقه إلّا عند المهديّ. فمضى به ملبّبا حتى وقف على باب المهديّ. فعرّف خبره وأنه قد جاء بابنه على تلك الحالة فأمر بإدخاله. فلمّا دخل قال له: مالك ويلك؟! قال:
عمل بي هذا ابن الخبيثة ما لم يعمل ولد بأبيه، ولا ترضيني إلّا أن تقتله. فقال له: ويلك فما فعل؟ فأخبره الخبر. فضحك حتى استلقى ثم جلس. فقال له أبو دلامة: أعجبك فعله فتضحك منه؟ فقال: عليّ بالسيف والنّطع. فقال له دلامة: قد سمعت حجّته يا أمير المؤمنين فاسمع حجّتي. قال: هات. قال: هذا الشيخ أصفق الناس وجها، بنيك أمّي منذ أربعين سنة ما غضبت، ونكت جاريته مرّة واحدة فغضب وصنع بي ما ترى! فضحك المهديّ أكثر من ضحكه الأوّل، ثم قال: دعها له يا أبا دلامة وأنا أعطيك خيرا منها. قال: على أن تخبأها لي بين السماء والأرض، وإلّا ناكها واللّه كما ناك هذه. فتقدّم إلى دلامة ألّا يعاود بمثل فعله، وحلف أنه إن عاود قتله، ووهب له جارية أخرى كما وعده.
__________
[1] كذا في أ. وفي سائر الأصول: «أخلفن» بالفاء الموحدة.
[2] لببه: أخذ بتلبيبه أن جمع ثيابه عند صدره ونحره في الخصومة ثم جرّه.
سأله المهدي عن شاعر فأطراه فأجازه لحسن محضره:
وقال ابن النطّاح:
دخل أبو دلامة على المهديّ وعنده شاعر ينشده. فقال له: ما ترى فيه؟ قال: إنه قد جهد نفسه لك فاجهد نفسك له. فقال المهديّ: وأبيك إنها لكلمة عذراء منك، أحسبك تعرفه! قال: لا واللّه ما عرفته ولا قلت أنا إلّا حقّا. فأمر للشاعر بجائزة، ولأبي دلامة بمثلها لحسن محضره.
خلع عليه العقيلي من ثيابه التي عليه:
قال ابن النطّاح وحدّثني أبو عبد اللّه العقيليّ قال:
رأيت على أبي دلامة فروة في الصّيف، فقلت له: ألا تملّ هذه الفروة! قال: بلى، وربّ مملول لا يستطاع فراقه. فنزعت فاضل ثيابي في موضعي ودفعتها إليه.
فزع من رؤية الفيل وقال فيه شعرا:
قال: وأهدي للمهديّ فيل، فرآه أبو دلامة فولّى هاربا وقال:
يا قوم إني رأيت الفيل بعدكم ... لا بارك اللّه لي في رؤية الفيل
/ أبصرت قصرا له عين يقلّبها ... فكدت أرمي بسلحي في سراويلي
أنشد المهدي شعرا في بغلته واستوهبه أخرى غيرها:
/ قال ابن النطّاح:
ودخل أبو دلامة على المهديّ فأنشده قصيدته في بغلته المشهورة:
أتاني بغلة [1] يستام [2] منّي ... عريق في الخسارة والضّلال
فقال تبيعها؟ قلت ارتبطها ... بحكمك إن بيعي غير غالي
فأقبل ضاحكا نحوي سرورا ... وقال أراك سمحا ذا جمال
هلمّ إليّ يخلو بي خداعا ... وما يدري الشّقيّ بمن يخالي
فقلت بأربعين فقال أحسن ... إليّ فإن مثلك ذو سجال [3]
فاترك خمسة منها لعلمي ... بما فيه يصير من الخبال
فقال المهديّ: لقد أفلتّ من بلاء عظيم. قال: واللّه يا أمير المؤمنين لقد مكثت شهرا أتوقّع صاحبها أن يردّها. قال: ثم أنشده:
فأبدلني بها يا ربّ طرفا [4] ... يكون جمال مركبه جمالي
__________
[1] في ج: «أتاني خائب».
[2] استام: طلب السوم أن تعيين الثمن.
[3] السجال هنا: المباراة والمساجلة يريد أنه لا يماكس في الثمن.
[4] الطرف من الخيل: الكريم.
فقال لصاحب دوابّه: خيّره من الإصطبل مركبين [1]. قال: يا أمير المؤمنين إن كان الاختيار لي وقعت في شرّ من البغلة، ولكن مره أن يختار لي، فقال: اختر له. وأخبرني به عمّي عن الكرانيّ عن العمريّ عن الهيثم بن عديّ، وخبره أتمّ.
احتال على العباس بن محمد بشعر وأخذ منه ألفي درهم وكان راهن المهدي على ذلك فأخذ منه ستة آلاف:
وأخبرني محمد بن خلف عن أحمد بن الهيثم عن العمريّ عن الهيثم بن عديّ قال:
دخل أبو دلامة يوما على المهديّ، فحادثه ساعة وهو يضحك وقال له: هل بقي أحد من أهلي لم يصلك؟
قال: إن أمّنتني أخبرتك، وإن أعفيتني فهو أحبّ إليّ. قال: بل تخبرني وأنت آمن. قال كلّهم قد وصلني إلّا حاتم بني العبّاس. قال:/ ومن هو؟ قال: عمّك العبّاس بن محمد. فالتفت إلى خادم على رأسه وقال: جأ [2] عنق العاضّ بظر أمّه. فلمّا دنا منه صاح به أبو دلامة: تنحّ يا عبد السّوء لا تخنث مولاك وتنكث عهده وأمانه.
فضحك المهديّ وأمر الخادم فتنحّى عنه، ثم قال لأبي دلامة: ويلك! واللّه عمّي أبخل الناس. فقال أبو دلامة:
بل هو أسخى الناس. فقال له المهديّ: واللّه لو متّ ما أعطاك شيئا. قال: فإن أنا أتيته فأجازني؟ قال: لك بكل درهم تأخذه منه ثلاثة دراهم. فانصرف أبو دلامة فحبّر للعبّاس قصيدة ثم غدا بها عليه وأنشده:
قف بالديار وأيّ الدهر لم تقف ... على المنازل بين الظّهر [3] والنّجف
وما وقوفك في أطلال منزلة ... لو لا الذي استدرجت من قلبك الكلف
إن كنت أصبحت مشغوفا بساكنها ... فلا وربّك لا تشفيك من شغف
دع ذا وقل في الذي قد فاز من مضر ... بالمكرمات وعزّ [4] غير مقترف [5]
هذي رسالة شيخ من بني أسد ... يهدي السلام إلى العبّاس في الصّحف
تخطّها من جواري المصر كاتبة ... قد طالما ضربت في اللام والألف
وطالما اختلفت صيفا [6] وشاتية ... إلى معلّمها باللّوح والكتف
حتّى إذا نهد الثّديان وامتلأا ... منها وخيفت على الإسراف والقرف [7]
صينت ثلاث سنين ما ترى أحدا ... كما يصون تجار درّة الصّدف
/ فبينما الشيخ يهوي نحو مجلسه ... مبادرا لصلاة الصّبح بالسّدف [8]
__________
[1] في ب، س: «بين مركبين».
[2] جأ: اضرب.
[3] الظهر: موضع. والنجف (بالتحريك): موضع بظهر الكوفة وهو دومة الجندل بعينها، والقرب منه قبر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب.
[4] في ب، س: «عزم».
[5] مقترف: مكتسب.
[6] في ب، س: «ضيفا» بالضاد المعجمة وهو تصحيف.
[7] القرف: التهمة.
[8] السدف: الظلمة.
حانت له لمحة منها فأبصرها ... مطلّة بين سجفيها من الغرف
/ فخرّ واللّه ما يدري غداتئذ ... أخرّ منكشفا أم غير منكشف
وجاءه الناس أفواجا بمائهم ... ليغسلوا الرجل المغشيّ بالنّطف [1]
ووسوسوا بقران في مسامعه ... مخافة [2] الجنّ والإنسان لم يخف
شيئا ولكنّه من حبّ جارية ... أمسى وأصبح موقوفا على التّلف
قالوا: لك الويل ما أبصرت؟ قلت لهم ... تطلّعت من أعالي القصر ذي الشّرف
فقلت أيّكم واللّه يأجره ... يعين قوّته فيها على ضعف
فقام شيخ بهيّ من رجالهم ... قد طالما خدع الأقوام بالحلف
فابتاعها لي بألفي درهم فأتى ... بها إليّ فألقاها على كتفي
فبتّ ألثمها طورا وألزمها ... طورا وأصنع بعض الشيء في اللّحف
فبين [3] ذاك كذا إذ جاء صاحبها ... يبغي الدراهم بالميزان ذي الكفف
وذكر حقّ على زند وصاحبه ... والحقّ في طرف والطّين في طرف
وبين ذاك شهود لا يضرّهم ... أكنت معترفا أم غير معترف
فإن يكن منك شيء فهو حقّهم ... أو لا فإنّي مدفوع إلى التّلف
قال: فضحك العبّاس وقال: ويحك أصادق أنت؟ قال: نعم واللّه. قال: يا غلام ادفع إليه ألفي درهم ثمنها. قال: فأخذها ثم دخل على المهديّ فأخبره القصّة وما احتال له به. فأمر له المهديّ بستة آلاف درهم.
وقال له المهديّ: كيف لا يضرّهم ذلك؟ قال: لأنّي معدم لا شيء عندي. وقال عمّي في خبره: فقال له العبّاس بن محمد شاركني في هذه الجارية. قال: أفعل ولكن على شريطة. قال: وما هي؟ قال: الشّركة لا تكون إلّا مفاوضة [4]، فاشتر معها أخرى، ليبعث كلّ واحد منا إلى صاحبه ما عنده/ ويأخذ الأخرى مكانها ليلة وليلة. فقال له العباس: قبحك اللّه وقبح ما جئت به! خذ الدراهم لا بارك اللّه لك فيها وانصرف.
أمره أبو مسلم بمبارزة رجل فقال شعرا أضحكه فأعفاه:
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثني محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدّثني العبسيّ قال:
كان أبو دلامة مع أبي مسلم في بعض حروبه مع بني أميّة. فدعا رجل إلى البراز؛ فقال له أبو مسلم: أبرز إليه. فأنشأ يقول:
ألا لا تلمني إن فررت فإنّني ... أخاف على فخّارتي أن تحطّما
__________
[1] النطف: جمع نطفة (بالضم) وهي الماء الصافي قل أو أكثر.
[2] في ح، ب، س: «فخافه» وهو تحريف.
[3] المشهور في مثل هذا أن يقال: فبينا ذاك كذا أو «بينما». وقد جاء بها أبو دلامة هنا على الأصل.
[4] شركة المفاوضة: هي الشركة العامة في كل ما يملكه الشريكان.
فلو أنّني في السّوق أبتاع مثلها ... وجدّك ما باليت أن أتقدّما
فضحك وأعفاه.
وعدته ريطة جارية فاستنجزها بشعر:
ونسخت من كتاب ابن النطّاح:
أنّ ريطة وعدت أبا دلامة جارية فمطلته حتى امتدحها بعدّة قصائد، كلّ ذلك لا تفي له، ثم خرجت إلى مكّة ورجعت. وكانت لها جارية يقال لها أمّ عبيدة تخرج وتكلّم الرجال وتبلّغ عنها الرسائل. فقال أبو دلامة لأمّ عبيدة حين عيل صبره:
أبلغي سيّدتي إن ... شئت يا أمّ عبيده
/ أنّها أرشدها الل ... ه وإن كانت رشيده
وعدتني قبل أن تخ ... رج للحجّ وليده
فتنظّرت وأرسل ... ت بعشرين قصيده
كلّما تخلق أولى ... بدّلت أخرى جديده
إنّني شيخ كبير ... ليس في بيتي قعيده
غير مثل الغول عندي ... ذات أوصال مديده
/ وجهها أسمج من حو ... ت طريّ في عصيده
ذات رجل ويد كل ... تاهما مثل القديده
فدخلت على ريطة فأنشدتها الشعر، فأمرت له بجارية ومائتي دينار للنفقة عليها.
اشترى لأضيافه نبيذا من نباذه ولم يعطها الثمن وقال فيها شعرا:
أخبرني الحسين بن يحيى نسخت من كتاب إسحاق الموصليّ حدّثني أبي عن جدّي [1]:
أنّ أبا دلامة نزل بالكوفة، فأتاه أضياف فغدّاهم، ثم بعث إلى سنديّة نبّاذة يقال لها دومة، فبعثت إليهم جرّة من نبيذ فشربوها، ثم أعاد فبعثت إليهم بأخرى، ثم جاءت تتقاضى الثمن. فقال: ليس عندي الثمن، ولكني أمدحك بما هو خير من نبيذك. فقال:
ألا يا دوم دام لك النّعيم ... وأحمر ملء [2] كفّك مستقيم
__________
[1] يلاحظ أن جدّ إسحاق بن إبراهيم الموصلي فارسي وهو ماهان أو ميمون بن بهمن، وأنه مات وابنه طفل في الثانية أو الثالثة، فلا يعقل أن يكون إبراهيم روى عن أبيه. على أن ماهان لم يعرف أنه من رواة الأدب العربي. فلعل في كلمة «عن جدي» تحريفا أو هي من زيادات النساخ. (راجع ترجمة إبراهيم الموصلي في الجزء الخامس من هذه الطبعة ص 154).
[2] كذا في ج. وفي سائر الأصول: «مثل» وهو تحريف. وقد ورد هذا الشعر في الجزء العاشر صفحة 94 من «الأغاني» طبع بلاق في ترجمة الأقيشر، وروايته:
ألا يا دوم دام لك النعيم ... واسمر ملء كفك مستقيم
شديد الأسر ينبض حالباه ... يحتم كأنه رجل سقيم
شديد الأصل ينبذ [1] حالباه ... يئنّ كأنّه رجل سقيم
وهذا الخبر يروى عن الأقيشر أيضا.
قال شعرا في الجنيد النخاس يذمه ويمدح جارية له:
قال إسحاق وحدّثني أبي:
أنّ أبا دلامة كان كثير الزيارة للجنيد النخّاس، وكان يتعشّق جارية له ويبغضه. فجاءه يوما فقال: أخرج لي فلانة. فقال: إلى متى تخرج إليك ولست بمشتر!! / قال: فإن لم أكن مشتريا فإني أخ يمدح ويطرى. قال: ما أنا بمخرجها إليك أو تقول فيها شعرا. قال: فاحلف بعتقها أن تروّيها إيّاه وتأمرها بإنشاده من أتاك يعترضها ولا تحجبها. فحلف لا يحجبها. فقال أبو دلامة:
إنّي لأحسب أن سأمسي ميّتا ... أو سوف أصبح ثم لا أمسي
من حبّ جارية الجنيد وبغضه ... وكلاهما قاض على نفسي
فكلامها يشفى به سقمي ... فإذا تكلّم عاد لي نكسي
عاد إسحاق الأزرق وعنده طبيبه فقال شعرا ينصحه فيه بمجانبة الطبيب:
أخبرني عمّي قال حدّثنا الكرانيّ قال حدّثنا العمريّ عن الهيثم بن عديّ قال:
دخل أبو دلامة على إسحاق الأزرق يعوده، وكان إسحاق قد مرض مرضا شديدا، ثم تعافى منه وأفاق، فكان من ذلك ضعيفا، وعند إسحاق طبيب يصف له أدوية تقوّي بدنه. فقال أبو دلامة للطبيب: يابن الكافرة! أتصف هذه الأدوية لرجل أضعفه المرض! ما أردت واللّه إلّا قتله. ثم التفت إلى إسحاق فقال: اسمع أيها الأمير منّي. قال: هات ما عندك يا أبا دلامة. فأنشأ يقول:
نحّ عنك الطبيب واسمع لنعتي ... إنّني ناصح من النّصّاح
ذو تجاريب قد تقلّبت في الصحّ ... ة دهرا وفي السّقام المتاح
غاد هذا الكباب كلّ صباح ... من متون الفتيّة السّحّاح [2]
/فإذا ما عطشت فاشرب ثلاثا ... من عتيق في الشمّ كالتّفّاح
ثم عند المساء فاعكف على ذا ... وعلى ذا بأعظم الأقداح
فتقوّي ذا الضعف منك وتلفى ... عن [3] ليال أصحّ هذي الصّحاح
ذا شفاء ودع مقالة هذا ... ناك ذا أمّه بأير رباح [4]
__________
يروّيه الشراب فيزدهيه ... وينفخ فيه شيطان رجيم
[1] ينبذ: ينبض.
[2] السحاح: السمان، واحدها ساح وساحة، بالحاء المشدّدة.
[4] عن ليال أي بعد ليال.
[4] رباح: القرد.
/ فضحك إسحاق وعوّاده، وأمر لأبي دلامة بخمسمائة درهم. وكان الطبيب نصرانيا فقال: أعوذ باللّه من شرّك يا ركل (يريد يا رجل). وقال الطبيب: اقبل منّي أصلحك اللّه ولا تسألني عن شيء قدّامه. فقال أبو دلامه:
أمّا وقد أخذت أجرة صفقتي [1] وقضيت الحق في نصح صديقي، فانعت له الآن أنت ما أحببت.
تنادر بسلمة الوصيف في حضرة المهدي:
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدّثني أبو الشّبل عاصم بن وهب البرجميّ قال:
دخل أبو دلامة على المهديّ وبين يديه سلمة الوصيف واقفا، فقال: إنّي أهديت إليك يا أمير المؤمنين مهرا ليس لأحد مثله. فإن رأيت أن تشرّفني بقبوله. فأمره بإدخاله إليه. فخرج وأدخل إليه دابّته التي كان تحته، فإذا به برذون محطّم أعجف هرم. فقال له المهديّ: أيّ شيء هذا ويلك! ألم تزعم أنه مهر!. فقال له: أو ليس هذا سلمة الوصيف بين يديك قائما تسمّيه الوصيف وله ثمانون سنة، وهو عندك وصيف! فإن كان سلمة وصيفا فهذا مهر. فجعل سلمة يشتمه والمهديّ يضحك. ثم قال لسلمة: ويلك، إنّ لهذه منه أخوات، وإن أتى بها في محفل فضحك. فقال أبو دلامة: واللّه لأفضحنّه يا أمير المؤمنين؛ فليس من مواليك أحد إلّا وقد وصلني غيره، فإنّي ما شربت له الماء قطّ. قال: فقد حكمت عليه أن يشتري نفسه منك بألف درهم حتى يتخلّص من يدك.
قال: قد فعلت على أن لا يعاود. فقال له: ما ترى؟ قال: أفعل، فلو لا أنّي ما أخذت منه شيئا قطّ ما فعلت معه مثل هذه. فمضى سلمة فحملها إليه.
عبث به ابنه فأراد أن يخصيه فحكم زوجته:
أخبرني عمّي قال حدّثني محمد بن سعد الكرانيّ قال حدّثني الخليل بن أسد عن عبد الرحمن بن صالح قال:
/ جاء ابن أبي دلامة يوما إلى أبيه وهو في محفل من جيرانه وعشيرته جالس، فجلس بين يديه، ثم أقبل على الجماعة فقال لهم: إن شيخي، كما ترون، قد كبرت سنّه، ورقّ جلده، ودقّ عظمه، وبنا إلى حياته حاجة شديدة، فلا أزال أشير عليه بالشيء يمسك رمقه ويبقي قوّته، فيخالفني فيه. وأنا أسألكم أن تسألوه قضاء حاجة لي أذكرها بحضرتكم، فيها صلاح لجسمه، وبقاء لحياته، فأسعفوني بمسألته. فقالوا: نفعل حبّا وكرامة. ثم أقبلوا على أبي دلامة بألسنتهم وتناولوه بالعتاب حتى رضي وهو ساكت، فقال قولوا للخبيث فليقل ما يريد، فستعلمون أنّه لم يأت إلّا ببليّة. فقالوا له: قل. فقال: إنّ أبي إنما يقتله كثرة الجماع، فتعاونوني عليه حتى أخصيه، فلن يقطعه عن ذلك غير الخصاء، فيكون أصحّ لجسمه وأطول لعمره. فعجبوا من ذلك وعلموا أنه إنما أراد أن يعبث بأبيه ويخجّله حتى يشيع ذلك عنه فيرتفع له بذلك ذكر، فضحكوا منه. ثم قالوا لأبي دلامة: قد سمعت فأجب. قال: قد سمعتم أنتم وعرّفتكم أنه لن يأتي بخير. قالوا: فما عندك في هذا؟ قال: قد جعلت أمّه حكما بيني وبينه فقوموا بنا إليها. فقاموا بأجمعهم فدخلوا إليها، وقصّ/ أبو دلامة القصّة عليها، وقال لها: قد حكّمتك. فأقبلت على الجماعة فقالت: أنّ ابني - أصلحه اللّه - قد نصح أباه وبرّه ولم يأل جهدا، وما أنا إلى بقاء
__________
[1] كذا في جميع الأصول. ولعله: «أجرة صفتي إلخ».
أبيه بأحوج منّي إلى بقائه، وهذا أمر لم تقع به تجربة منّا، ولا جرت بمثله عادة لنا، وما أشكّ في معرفته بذلك.
فليبدأ بنفسه فليخصها؛ فإذا عوفي ورأيناه ذلك قد أثّر عليه أثرا محمودا استعمله أبوه. فنعر [1] أبوه وجعل يضحك به، وخجل ابنه، وانصرف القوم يضحكون ويعجبون من خبثهم جميعا واتّفاقهم في ذلك المذهب.
أمر المهديّ مروانيا بقتل خارجي فنبا السيف في يده فقال هو في ذلك شعرا:
أخبرني عمّي قال حدّثنا ميمون بن هارون عن أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل عن أبيه قال:
كان عند المهديّ رجل من بني مروان، فدخل إليه وسلّم عليه. فأتى المهديّ بعلج [2] فأمر المروانيّ بضرب عنقه، فأخذ السيف وقام فضربه فنبا السيف عنه، فرمى به المروانيّ وقال: لو كان من سيوفنا ما نبا. فسمع المهديّ الكلام فغاظه حتى تغيّر لونه وبان فيه. فقام يقطين [3] فأخذ السيف وحسر عن ذراعيه ثم ضرب العلج فرمى برأسه، ثم قال: يا أمير المؤمنين، إنّ هذه سيوف الطاعة لا تعمل إلّا في أيدي الأولياء ولا تعمل في أيدي أهل المعصية. ثم قام أبو دلامة فقال: يا أمير المؤمنين، قد حضرني بيتان أفأقولهما؟ قال: قل. فأنشده:
أيّهذا الإمام سيفك ماض ... وبكفّ الوليّ غير كهام [4]
فإذا ما نبا بكفّ علمنا ... أنّها كفّ مبغض للإمام
قال: فسرّي عن المهديّ وقام من مجلسه، وأمر حجّابه بقتل الرجل المروانيّ فقتل.
__________
[1] نعر: صاح وصوّت بخيشومه.
[2] العلج: الرجل من كفار العجم.
[3] يقطين: هو يقطين بن موسى البغدادي. (انظر الكلام عليه في الحاشية رقم 2 ص 285 ج 6 من كتاب «الأغاني» من هذه الطبعة).
[4] الكهام من السيوف: الكليل الذي لا يقطع.
[/ 11 - أخبار عبد اللّه بن المعتزّ]
وممن صنع من أولاد الخلفاء فأجاد وأحسن وبرع وتقدّم جميع أهل عصره فضلا وشرفا وأدبا وشعرا وظرفا وتصرّفا في سائر الآداب أبو العبّاس عبد اللّه بن المعتزّ باللّه.
أدبه وشعره ودفاع أبي الفرج عن مذهبه في الأدب:
وأمره، مع قرب عهده بعصرنا هذا، مشهور في فضائله وآدابه شهرة تشرك في أكثر فضائله الخاصّ والعامّ.
وشعره وإن كان فيه رقّة الملوكيّة وغزل الظّرفاء وهلهلة المحدثين، فإن فيه أشياء كثيرة تجري في أسلوب المجيدين ولا تقصر عن مدى السابقين، وأشياء ظريفة من أشعار الملوك في جنس ما هم بسبيله، ليس عليه أن يتشبّه فيها بفحول الجاهليّة. فليس يمكن واصفا لصبوح، في مجلس شكل ظريف، بين ندامى وقيان، وعلى ميادين من النّور والبنفسج والنّرجس ومنضود من أمثال ذلك، إلى غير ما ذكرته من جنس المجالس وفاخر الفرش ومختار الآلات، ورقّة الخدم، أن يعدل بذلك عما يشبهه من الكلام السّبط [1] الرقيق الذي يفهمه كلّ من حضر، إلى جعد الكلام ووحشيّه، وإلى وصف البيد والمهامه والظّبي والظّليم [2] والناقة والجمل والديار والقفار والمنازل الخالية المهجورة؛ ولا إذا عدل عن ذلك وأحسن قيل له مسيء، ولا أن يغمط حقّه كلّه إذا أحسن الكثير وتوسّط في البعض وقصّر في اليسير، وينسب إلى التقصير في الجميع، لنشر المقابح وطيّ المحاسن. فلو شاء أن يفعل هذا كلّ أحد بمن تقدّم لوجد مساغا. ولو أنّ قائلا أراد الطعن على صدور الشعراء، لقد رأى أن يطعن على الأعشى - / وهو أحد من يقدّمه الأوائل على سائر الشعراء - بقوله: «فأصاب حبّة قلبه وطحالها [3]».
وبقوله:
/و يأمر لليحموم [4] كلّ عشيّة ... بقتّ وتعليق فقد كاد يسنق
__________
[1] السبط: السهل المرسل. والجعد: المعقد.
[2] الظليم: ذكر النعام.
[3] العيب في هذا ورود كلمة الطحال فيه وهي مما يأباها الذوق. وقد ورد كلام فيه في هذا الجزء (ص 81 - 82) فراجعه.
[4] كذا في «لسان العرب» وكتاب «نسب الخيل» لابن الكلبي وكتاب «الشعر والشعراء» لابن قتيبة. واليحموم: اسم فرسه. والقت:
حب بري. والتعليق: ما تعلفه الدابة من شعير ونحوه. ويسنق: يأكل حتى يصيبه كالبشم. وقد ورد هذا البيت في ب، س هكذا:
وقد كان يأمر همو كل ليلة ... بقت وتعليق فقد كاد يسبق
وفي الأصول المخطوطة:
وقد كان يأمر همو في كل ليلة ... يقت وتعليق فقد كاد يسبق
وهما تحريف وعيب هذا البيت أنه مدح به ملك الحيرة وهو لا يمدح به رجل من خساس الجنود؛ لأنه ليس من أحد له فرس إلا وهو يعلفه قتا ويقضمه شعيرا. وهذا مديح كالهجاء. وقال أبو محمد عبد اللّه بن مسلم بن قتيبة: «و لست أرى هذا عيبا؛ لأن الملوك تعد فرسا على أقرب الأبواب من مجالسها بسرجه ولجامه خوفا من عدوّ يفجؤها أو أمر ينزل أو حاجة تعرض لقلب الملك فيريد البدار، فلا يحتاج إلى أن يتلوّم على إسراج فرسه وإلجامه. وإذا كان واقفا غدى وعشى. فوضع الأعشى هذا المعنى ودل به على ملكه وعلى حزمه». (راجع كتاب «الشعر والشعراء» صفحة 141 - 142 طبع أوربا).
وأمثال لهذا كثيرة. وإنما على الإنسان أن يحفظ من الشيء أحسنه، ويلغي [1] ما لم يستحسنه، فليس مأخوذا به. ولكنّ أقواما أرادوا أن يرفعوا أنفسهم الوضيعة، ويشيدوا بذكرهم الخامل، ويعلوا أقدارهم الساقطة بالطعن على أهل الفضل والقدح فيهم، فلا يزدادون بذلك إلّا ضعة، ولا يزداد الآخر إلّا ارتفاعا. ألا ترى إلى ابن المعتزّ قد قتل أسوأ قتلة، ودرج فلم يبق له خلف يقرّظه ولا عقب يرفع منه، وما يزداد بأدبه وشعره وفضله وحسن أخباره وتصرّفه في كلّ فنّ من العلوم إلّا رفعة/ وعلوّا. ولا نظر إلى أضداده كلّما ازدادوا في طعنه وتقريظ أنفسهم وأسلافهم الذين كانوا مثلهم في ثلبه والطعن عليه، زادوها سقوطا وضعة، وكلّما وصفوا أشعارهم وقرّظوا آدابهم، زادوا بها ثقلا ومقتا. فإذا وقع عليهم المحصّل الموافق، عدلوا عن ثلبه في الآداب، إلى التشنيع عليه بأمر الدين وهجاء آل أبي طالب، وهم أوّل من فعل ذلك وشنّع به على آل أبي طالب عند المكتفي حتى نهاهم عنه، فعدلوا عن عيب أنفسهم بذلك إلى عيبه، وارتكبوا أكثر منه. وأنا أذكر ذلك بعقب أخبار عبد اللّه، مصرّحا به على شرح إن شاء اللّه تعالى.
علمه بصناعة الموسيقى:
وكان عبد اللّه حسن العلم بصناعة الموسيقي، والكلام على النغم وعللها. وله في ذلك وفي غيره من الآداب كتب مشهورة، ومراسلات جرت بينه وبين عبيد اللّه بن عبد اللّه بن طاهر وبين بني حمدون، وغيرهم، تدلّ على فضله وغزارة علمه وأدبه.
كتاب عبيد اللّه بن عبد اللّه بن طاهر له وقد بعث إليه برسالة إلى ابن حمدون:
ولقد قرأت بخطّ عبيد اللّه بن عبد اللّه بن طاهر رقعة إليه بخطّه، وقد بعث إلى برسالة إلى ابن حمدون في أنه يجوّز ولا ينكر أن يغيّر الإنسان بعض نغم الغناء القديم، ويعدل بها إلى ما يحسن في حلقه ومذهبه. وهي رسالة طويلة، وشاوره فيها. فكتب إليه عبيد اللّه: «قرأت - أيّدك اللّه - الرسالة الفاضلة البارعة الموفّقة. فأنا واللّه أقرؤها إلى آخرها، ثم أعود إلى أوّلها مبتهجا، وأتأمّل وأدعو مبتهلا، وعين اللّه التي لا تنام عليك وعلى نعمه عندك. فإنها - علم اللّه - النعمة المعدومة المثل. ولقد تمثّلت وأنا أكرّر نظري فيها قول القائل في سيّدنا وابن سيّدنا عبد اللّه بن العبّاس:
كفى وشفى ما في النفوس ولم يدع ... لذي إربة في القول جدّا ولا هزلا
ولا واللّه ما رأيت جدّا في هزل، ولا هزلا في جدّ يشبه هذا الكلام في بلاغته وفصاحته وبيانه وإنارة برهانه وجزالة ألفاظه. ولقد خيّل إليّ أنّ لسان جدّك/ العبّاس عليه السّلام ينقسم على أجزاء، فلك - أعزّك اللّه - نصفها، والنصف الآخر مقسوم بين أبي جعفر المنصور والمأمون رحمة اللّه عليهما. ولو أنّ هذه الرسالة جبهت الإبراهيمين إبراهيم بن المهديّ وإبراهيم الموصليّ وابنه إسحاق وهم مجتمعون لبهت منهم الناظر، وأخرس الناطق، ولأقرّوا لك بالفضل في السّبق، وظهور حجّة الصّدق، ثم كان قولك لهم فرقا بين الحقّ والباطل، والخطأ والصواب. وو اللّه ما تأخذ في فنّ من الفنون، إلّا برّزت فيه تبريز الجواد الرّائع، المغبّر في وجه كلّ حصان تابع. عضد اللّه الشرف ببقائك، وأحيا الأدب/ بحياتك، وجمّل الدنيا وأهلها بطول عمرك».
هذا كلام العقلاء وذوي الفضل في مثله، لا كلام الثقلاء وذوي الجهل. والإطالة في هذا المعنى مستغنى عنها.
__________
[1] كذا في الأصول. ويحتمل أن يكون: «يلقى» بالقاف.
والمشهور عنه وعن أضداده وما يأتي من أخباره بعد ذلك ففي معنى ما شرطته من جنس ما هو المقصد في كتابي هذا.
أصوات له في أشعار مختلفة:
فمن صنعة عبد اللّه بن المعتز في شعره على أنّ أكثرها هذه سبيله فيها:
صوت
هل ترجعنّ ليال قد مضين لنا ... والدار جامعة أزمان أزمانا [1]
صنعته في بيت واحد، ولحنه ثقيل أوّل.
/ ومن صنعته في الثقيل الأوّل أيضا - وفيه لعلّويه رمل قديم، وما لحنه بدون لحن علّويه - :
صوت
سقى جانب القصرين فالدّير فالحمى ... إلى الشّجر المحفوف بالطّين والمدر [2]
ومن صنعته الظّريفة [3] الشّكلة مع جودتها:
صوت
وإبلائي من محضر ومغيب ... وحبيب منّي بعيد قريب
لم ترد ماء وجهه العين إلّا ... شرقت قبل ريّها برقيب
زارته زرياب في يوم الشعانين وغناها:
خفيف ثقيل، ابتداؤه نشيد.
ومن صنعته، وله خبر أخبرني به عليّ بن هارون بن المنجّم عن زرياب قالت: زرت عبد اللّه بن المعتزّ في يوم [4] السّعانين، فسرّ بورودي وصنع من وقته لحنا في شعر عبد اللّه بن العبّاس الرّبيعيّ الذي له فيه هزج وهو:
__________
[1] يقول: هل تعود ليال لنا مضت أزمان أزمان والدار جامعة أسباب سرورنا ولهونا. وأزمان أزمان يراد به أزمان لهونا وأزمان سرورنا أو نحو ذلك مما يضاف إليه أزمان ويناسب المقام. ومثل هذا التركيب مما يجب فيه البناء على فتح الجزأين كالمركب المزجى.
وكل ما ركب تركيب المزج من الظروف زمانية كانت أو مكانية يجب بناؤه، مثل قولك فلان يأتينا صباح مساء أي كل صباح ومساء، فحذف العاطف وركب الظرفان قصدا للتخفيف تركيب خمسة عشر. قال الشاعر:
ومن لا يصرف الواسين عنه ... صباح مساء يبغوه خيالا
وتقول: فلان يأتينا يوم يوم أي يوما فيوما؛ قال الشاعر:
آت الرزق يوم يوم فأجمل ... طلبا وابغ للقيامة زادا
ومثال ما ركب من ظروف المكان قولهم: سهلت الهمزة بين بين؛ ومنه قول الشاعر:
نحمي حقيقتنا وبع ... ض القوم يسقط بين بينا
والأصل بين هؤلاء وبين هؤلاء. (راجع شرح «شذور الذهب في معرفة كلام العرب» لابن هشام الأنصاري طبع بلاق سنة 1282 ص 30، 31). وقد ورد هذا البيت في الأصول: «أزمان أزمان» والنون عارية من الشكل، وليس فيها ألف الإطلاق. ورجعنا إلى «ديوانه» المطبوع فلم نجد فيه هذا البيت.
[2] المدر: التراب المتلبد، أو هو قطع الطين اليابس.
[3] كذا في ح. وفي ب، س: «الظريفة الشكل». وفي أ، م: «الطريفة الشكل».
[4] في «لسان العرب» (في مادة سعن): «قال ابن الأثير: هو عيد لهم معروف قبل عيدهم الكبير بأسبوع، وهو سرياني، معرّب. وقيل:
صوت
/أنا في قلبي من الظّبي كلوم ... فدع اللّوم فإنّ اللّوم لوم [1]
حبّذا يوم السّعانين وما ... نلت فيه من سرور لو يدوم
الشعر لعبد اللّه بن العبّاس، ولحنه فيه هزج - قالت: فصنع عبد اللّه بن المعتزّ في البيت الثاني، وبعده بيت أضافه إليه، هزجا وهو:
زارني مولاي فيه ساعة ... ليته واللّه ما عشت يقيم
ولحن ابن المعتزّ في «حبذا يوم السّعانين» هذا البيت خفيف رمل، وهو من نهايات الأغاني التي صنعها.
ومن صنعته التي تظارف [2] فيها وملح:
زاحم كمّي كمّه فالتويا ... وافق قلبي قلبه فاستويا
وطالما ذاقا الهوى فاكتويا ... يا قرّة العين ويا همّي ويا
أراد هنا بقوله «و يا» ما يقوله الناس في حكاية الشيء الذي يخاطبون به الإنسان من جميل أو قبيح، فيقولون: قلت له يا سيّدي ويا مولاي ويا ويا، وكذلك ضدّه ليستغنى بالإشارة بهذا النّداء عن الشرح. ولحن ابن المعتزّ في هذا هزج.
حرجت عليه نشر في صورة جميلة فقال فيها شعرا على البديهة:
حدّثني جعفر بن قدامة قال:
كنّا عند ابن المعتزّ يوما وعنده نشر وكان يحبها ويهيم بها، فخرجت علينا من صدر البستان/ في زمن الربيع، وعليها غلالة معصفرة وفي يديها جنّابي [3] باكورة
__________
- هو جمع واحده سعنون» اه. والمشهور فيه «الشعانين» بالشين المعجمة؛ فقد ورد في «صبح الأعشى» (ج 2 ص 415) في كلامه على أعياد القبط: «الثاني - الزيتونة، وهو عيد الشعانين، وتفسيره بالعربية التسبيح، يعملونه في سابع أحد من صومهم. وسنتهم فيه أن يخرجوا بسعف النخل من الكنيسة، وهو يوم ركوب المسيح لليعفور (و هو الحمار) في القدس ودخوله صهيون وهو راكب والناس يسبحون بين يديه، يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر» اه.
[1] لوم: مخفف لؤم بالهمز.
[2] في ب، س: «تظافر». وفي سائر الأصول: «تضافر». وظاهر أن كليهما تحريف.
[3] كتب المرحوم العلامة أحمد تيمور باشا عن هذه الكلمة فيما كتبه عن لعب العرب في العدد الأوّل من المجلة السلفية (السنة الثانية ص 34) شرحا لهذه اللعبة رأينا أن ننقله كله لما حواه من قيمة علمية كعادة الباشا عليه الرحمة والرضوان فيما يكتبه. قال:
«الجنابي - في «القاموس»: «و الجناباء (بفتح أوله وثانيه) وكسماني (بضم أوله وفتح ثانيه) لعبة للصبيان». وفي «اللسان»: «الجناباء والجنابي لعبة للصبيان يتجانب الغلامان فيعتصم كل واحد من الآخر» ونحوه في «المخصص»».
وبعد أن نقل هذه العبارة عن «الأغاني» و «معاهد التنصيص» قال: «قلنا قوله «جنابي» باقلاء يظهر أنه شيء كالسلة ولم نعثر عليه في اللغة، ولعله مولد سمي بذلك لأنه يحمل في الجنب. والمفهوم من القصة أنه بتشديد النون لأن الجارية أرادت بقولها التجنيس باسم اللعبة، وهو وارد بالتشديد في شعر ابن المعتز كما ترى وإليه مال شارح «القاموس». وعبارته: «و الجناباء بالمد والجنابي كسماني مخففا مقصورا هكذا في النسخ التي رأيناها وفي «لسان العرب» بالضم وتشديد النون. ويدل على ذلك أن المؤلف ضبط سماني بالتشديد في (س م ن) فليكن هذا الأصح، ثم أنه في بعض النسخ بالمد في الثاني وكذا في «لسان العرب» أيضا، والذي قيده الصاغاني بالضم والتخفيف ككسالى». انتهى وتتبعه مصححه بأنه سهو منه لأن المؤلف إنما ضبط سماني في (س م ن) بوزن حبارى اه. ونقول: السهو من الشارح في تعيين المادة وكأنه يريد مادة (ح ور) لقول المؤلف فيها «و أحمد بن أبي الحواري كسكارى، وكسماني أبو القاسم الحوّاري، الزاهدان معروفان» وقد ناقشه فيها هناك ولا يبعد أن يكون قوله وكسماني حرفه النساخ عن
فقالت له: يا سيّدي تلعب معي جنّابي؟ فالتفت إلينا وقال على بديهته غير متوقّف ولا مفكّر:
/فديت من مرّ يمشي في معصفرة ... عشيّة فسقاني ثم حيّاني
وقال تلعب جنّابي فقلت له ... من جاد [2] بالوصل لم يلعب بهجران
وأمر فغنّي فيه. غنّت فيما أرى فيه هزار لحنا، وهو رمل مطلق.
جدر خادمه نشوان فجزع عليه ثم عوفي فسرّ وقال شعرا:
حدّثني جعفر قال:
كان لعبد اللّه بن المعتزّ غلام يحبّه، وكان يغنّي غناء صالحا، يقال له «نشوان». فجدر وجزع عبد اللّه لذلك جزعا شديدا، ثم عوفي ولم يؤثّر الجدريّ في وجهه أثرا قبيحا. فدخلت إليه ذات يوم فقال لي: يا أبا القاسم، قد عوفي فلان بعدك، وخرج أحسن مما كان، وقلت فيه بيتين وغنّت زرياب فيهما رملا ظريفا، فاسمعهما إنشادا إلى أن تسمعهما غناء. فقلت: يتفضّل الأمير، أيّده اللّه تعالى، بإنشادي إيّاهما. فأنشدني:
لي قمر جدّر لمّا استوى ... فزاده حسنا فزادت هموم
أظنّه غنّى لشمس الضّحى ... فنقّطته طربا بالنجوم
فقلت: أحسنت واللّه أيّها الأمير. فقال لي: لو سمعته من زرياب كنت أشدّ استحسانا له. وخرجت زرياب فغنّته لنا في طريقة الرّمل في أحسن غناء، فشربنا عليه عامّة يومنا.
غضب عليه غلامه نشوان فقال شعرا يترضاه به:
حدّثني جعفر قال:
غضب هذا الغلام على عبد اللّه بن المعتزّ؛ فجهد في أن يترضّاه، فلم تكن له فيه حيلة. فدخلت إليه فأنشدني فيه:
بأبي أنت قدتما ... ديت في الهجر والغضب
/ واصطباري على صدو ... دك يوما من العجب
ليس لي إن فقدت وج ... هك في العيش من أرب
رحم اللّه من أعا ... ن على الصلح واحتسب
قال: فمضيت إلى الغلام؛ ولم أزل أداريه وارفق به حتى ترضّيته وجئته به، فمرّ لنا يومئذ أطيب يوم
__________
(و كشقارى) كما نبه عليه المصحح على حاشية هذه المادة في نسخة «القاموس» المطبوعة ببلاق سنة 1303.
بقي قول شارح «القاموس» إن (الجنابي) وردت بتشديد النون وبالمد أيضا في «لسان العرب». ولعلها وردت كذلك؟؟؟ طة بالقلم في النسخة التي كانت عنده؛ فإن النسخة التي بأيدينا ليس فيها إلا ما ذكرناه.
وبعد، فتشديد هذه الفظة في البيت إما أن يكون عن لغة فيها محكية اطلع عليها ابن المعتز أو عن خطأ شاع بين المولدين فجرت به ألسنة الشعراء. واللّه أعلم اه».
[1] في «معاهد التنصيص» طبع بلاق سنة 1274 ص 194: «جنابي من باكورة باقلاء».
[2] في «معاهد التنصيص»: «من جدّ» وهي رواية جيدة.
وأحسنه، وغنّتنا هزار في هذا الشعر رملا عجيبا.
زار في حداثته أبا عيسى بن المتوكل وأنشده من شعره في كره البنات فمدحه:
أخبرني الحسين بن القاسم الكاتب قال حدّثني إبراهيم بن خليل الهاشميّ قال:
دخلت يوما إلى أبي عيسى بن المتوكّل، فوجدت عبد اللّه بن المعتزّ وقد جاءه مسلّما، وسنّه يومئذ دون عشرين سنة، إذ دخل عليّ [1] بن محمد بن أبي الشّوارب القاضي، فأكرمه أبو عيسى ونهض إليه. فلما استقرّ به المجلس قال لأبي عيسى: قد احتجت إلى معونتك في أمر دفعت إليه لم أستغن فيه عن تكليفك المعاونة. قال:
وما هو؟ قال: زوّجت بنتا من بناتنا رجلا من أهلنا، فخرج عن مذاهبنا، وأساء عشرة أهله، وجعل منزل عيسى بن هارون أكثر مظانّه وأوطانه، ويهدّدنا ويوعدنا بشرّه، حتى لقد نالنا من عيسى بسط ليده ولسانه فينا بالقبيح والقول السيى ء، وكثرة معاونته له على ما يزري بدينه ونسبه. وقد توعّدنا بأنه يكشف وجهه لنا في معاونة صهرنا هذا الغاوي علينا. ولو لا نسبه الذي فخره لنا وعاره علينا، لانتصفنا منه بالحق دون التعدّي، إلّا أنّي أستعيذك منه./ فقال له أبو عيسى: أنا أوجّه إليه بعد انصرافك، وأراسله بما أنا المتكفّل بعده بألّا يعود إلى عشرته،/ والضامن أن أردّ [2] هذا الصّهر إلى حيث تحبّ ويقع بموافقتك. فشكره ودعا له وانصرف. فقال أبو عيسى: ألا ترون إلى هذا الرجل النّبيه الفاضل السّريّ الشريف يدفع إلى مثل هذا! طوبى لمن لم تكن له بنت.
فقال عبد اللّه بن المعتزّ: أيّها الأمير إنّ لولدك في هذا المعنى شيئا قاله واستحسنه جماعة ممن يعلم ويقول الشعر.
فقال: هاته فداك عمّك. فأنشده لنفسه:
وبكر قلت موتي قبل بعل ... وإن أثرى وعدّ من الصّميم
أ أمزج باللّئام دمي ولحمي ... فما عذري إلى النّسب الكريم
فقال له أبو عيسى: أمتع اللّه أهلك ببقائك، وأحسن إليهم في زيادة إحسانه إليك، وجمّلهم بكمال محاسنك، ولا أرانا شرّا فيك.
كان يعمر داره ويبيضها وقال شعرا في ذلك:
أخبرني الحسين بن القاسم قال حدّثني عبد اللّه بن موسى الكاتب قال:
دخلت على عبد اللّه بن المعتزّ وفي داره طبقات من الصّنّاع، وهو يبني داره ويبيّضها. فقلت: ما هذه الغرامة الحادثة؟ فقال: ذلك السّيل الذي جاء مذ ليال أحدث في داري ما أحوج إلى الغرامة والكلفة، وقال:
ألا من لنفس وأحزانها ... ودار تداعى بحيطانها
أظلّ نهاري في شمسها ... شقيّا معنّى ببنيانها
أسوّد وجهي بتبييضها ... وأهدم كيسي بعمرانها
__________
[1] هو علي بن محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب الأموي البصري قاضي القضاة أبو الحسن. كان ولي القضاء بسر من رأى، وكان عالما عفيفا ثقة. توفي سنة 283 ه (عن «النجوم الزاهرة» ج 3 ص 97 طبع دار الكتب المصرية).
[2] في ب، س: «و أنا الضامن إن أراد هذا الصهر إلا حيث» وهو تحريف.
خفف النميري صلاته وأطال السجود بعدها فقال هو شعرا:
حدّثني جعفر بن قدامة قال:
كنت عند عبد اللّه بن المعتزّ ومعنا النّميريّ، وحضرت الصلاة، فقام النّميريّ فصلّى صلاة خفيفة جدّا، ثم دعا بعد انقضاء صلاته وسجد سجدة طويلة جدّا، حتى استثقله جميع من حضر بسببها، وعبد اللّه ينظر إليه متعجّبا ثم قال:
/صلاتك بين الورى نقرة ... كما اختلس الجرعة الوالغ
وتسجد من بعدها سجدة ... كما ختم المزود [1] الفارغ
انقطعت عنه بنت الكراعة وكان يحبها فقال شعرا:
أخبرني الحسين بن القاسم قال حدّثني عبيد [2] اللّه بن موسى الكاتب قال:
كانت بنت الكراعة تألف عبد اللّه بن المعتزّ، وكان يحب غناءها ويستظرفها ويحبّها ويواصل إحضارها، ثم انقطعت عنه فقال:
ليت شعري بمن تشاغلت بعدي ... وهو لا شكّ جاهل مغرور
هكذا كنت مثله في سرور ... وغدا في الهموم مثلي يصير
كان يحب جارية قبيحة الصورة فاعترض عليه النميري فأجابه بشعر:
حدّثني جعفر بن قدامة قال:
كنا عند ابن المعتز يوما ومعنا النّميريّ، وعنده جارية لبعض بنات المغنّين تغنّيه، وكانت محسنة إلّا أنها كانت في غاية من القبح، فجعل عبد اللّه يجمّشها ويتعلّق بها. فلمّا قامت قال له النّميريّ: أيّها الأمير، سألتك باللّه أتتعشّق هذه التي ما رأيت قطّ أقبح منها؟ فقال عبد اللّه هو يضحك:
قلبي وثّاب إلى ذا وذا ... ليس يرى شيئا فيأباه
/ يهيم بالحسن كما ينبغي ... ويرحم القبح فيهواه
راسل خزامى فتأخرت عنه فقال شعرا فأجابته:
أخبرنا الحسين بن القاسم قال حدّثني أبو الحسن الأمويّ قال حدّثني عبد اللّه بن المعتزّ قال:
كانت خزامى جارية الضبط المغنّى تنادمني وأنا حدث ثم تركت النبيذ. وكانت مغنّية محسنة شاعرة ظريفة.
فراسلتها مرارا فتأخّرت عنّي، فكتبت إليها:
رأيتك قد أظهرت زهدا وتوبة ... فقد سمجت من بعد توبتك الخمر
فأهديت وردا كي يذكّر عيشة ... لمن لم يمتّعنا ببهجتها الدّهر
__________
[1] المزود: وعاء الزاد.
[2] كذا في جميع الأصول هنا. وتقدم في الصفحة الماضية: «عبد اللّه بن موسى» وذلك أيضا باتفاق الأصول.
/ فأجابت:
أتاني قريض يا أميري محبّر ... حكى لي نظم الدّرّ فصّل بالشّذر [1]
أ أنكرت يابن الأكرمين إنابتي ... وقد أفصحت لي ألسن الدهر بالزّجر
وآذنني شرخ الشّباب ببينه ... فيا ليت شعري بعد ذلك ما عذري
شعره في موسم الربيع:
حدّثني جعفر بن قدامة قال:
كنت أسرح مع عبد اللّه بن المعتزّ في يوم من أيّام الرّبيع بالعبّاسيّة [2] والدنيا كالجنّة المزخرفة. فقال عبد اللّه:
حبّذا آذار شهرا ... فيه للنّور انتشار
ينقص الليل إذا جا ... ء ويمتدّ النهار
وعلى الأرض اخضرار ... واصفرار واحمرار
فكأنّ الرّوض وشي ... بالغت فيه التّجار
نقشه آس ونسري [3] ... ن وورد وبهار [4]
هنأ عبيد اللّه بن عبد اللّه بن طاهر بولاية ابنه محمد شرطة بغداد:
أخبرني محمد بن يحيى الصّوليّ قال:
كتب عبد اللّه بن المعتزّ إلى عبيد اللّه بن عبد اللّه بن طاهر وقد استخلف مؤنس [5] ابنه محمد بن عبيد اللّه على الشّرطة ببغداد:
/فرحت بما أضعافه دون قدركم ... وقلت عسى قد هبّ من نومه الدّهر
فترجع فينا دولة طاهريّة ... كما بدأت، والأمر من بعده الأمر
عسى اللّه، إنّ اللّه ليس بغافل ... ولا بدّ من يسر إذا ما انتهى العسر
فكتب إليه عبيد اللّه قصيدة منها:
ونحن إذا ما نالنا مسّ جفوة ... فمنّا على لأوائها الصّبر والعذر
وإن رجعت من نعمة اللّه دولة ... إلينا فمنّا عندها الحمد والشكر
__________
[1] الشذر: خرز تفصل به الجواهر في النظم.
[2] العباسية: محلة كانت ببغداد منسوبة إلى العباس بن محمد بن علي بن عبد اللّه بن العباس.
[3] النسرين: ورد أبيض عطري قويّ الرائحة. فارسي معرب.
[4] البهار: نبت طيب الريح جعد له فقاحة صفراء ينبت أيام الربيع.
[5] مؤنس: هو مؤنس الخادم. وكان يلقب بالمظفر لما عظم أمره. وكان شجاعا مقداما فاتكا مهيبا. عاش تسعين سنة منها ستون سنة أميرا. وكان قد أبعده المعتضد إلى مكة. ولما بويع المقتدر بالخلافة أحضره وقرّبه وفوّض إليه الأمور. قتل سنة 321 ه (انظر «النجوم الزاهرة» ج 3 ص 239).
انقطع عنه محمد هذا مدة طويلة فكتب له شعرا يعاتبه:
قال: وجاءه محمد بن عبيد اللّه بعقب هذا شاكرا لتهنئته، ثم لم يعد إليه مدّة طويلة. فكتب إليه عبد اللّه بن المعتزّ:
قد جئتنا مرّة ولم تعد ... ولم تزر بعدها ولم تعد
لست أرى واجدا بنا عوضا ... فاطلب وجرّب واستقص واجتهد
ناولني حبل وصله بيد ... وهجره جاذبا له بيد
فلم يكن بين ذا وذا أمد ... إلّا كما بين ليلة وغد
أبيات من معلقة زهير وشرحها:
صوت
أمن [1] أمّ أوفى دمنة لم تكلّم ... بحومانة الدّرّاج فالمتثلّم
بها العين والآرام يمشين خلفة ... وأطلاؤها [2] ينهضن من كلّ مجثم
وقفت بها من بعد عشرين حجّة ... فلأيا عرفت الدار بعد توهمّ
/ فلمّا عرفت الدار قلت لربعها ... ألا عم صباحا أيّها الرّبع واسلم
ومن يعص أطراف الزّجاج فإنّه ... يطيع العوالي ركّبت كلّ لهذم
ومن هاب أسباب المنيّة يلقها ... ولو رام أسباب السماء بسلّم
عروضه من الطويل. الحومانة، فيما ذكر الأصمعيّ، الأرض الغليظة، وجمعها حوامين. وقال غيره:
الحومانة: ما كان دون الرّمل. والدّرّاج والمتثلّم. موضعان. وروى أبو عمرو عن بعض ولد زهير «الدّرّاج» مضمومة الدال. والعين: البقر. والآرام [3] تسكن الجبال. خلفة: يذهب فوج ويجيء فوج يخلفه مكانه.
ويروى: مجثم ومجثم. فمن قال مجثم قال: جثم يجثم جثوما، ومن قال مجثم قال: جثم يجثم جثما، والّلأي: البطء. الزّجاج: جمع زجّ. قال: وأصله أنّ القوم كانوا إذا أرادوا صلحا قلبوا زجاج الرماح إلى فوق، فإن أبوا إلّا الحرب قلبوا الأسنّة. واللّهذم: السّنان المحدّد؛ يقال رمح لهدم وسنان لهذم: حادّ. وأمّ أوفى:
امرأة كانت لزهير فطلّقها. وله في ذلك خبر يذكر بعد هذا.
الشعر لزهير بن أبي سلمى. والغناء للغريض، ثاني ثقيل بإطلاق الوتر في مجرى البنصر عن إسحاق في الأوّل والثاني من الأبيات. وفيها لبذل الكبيرة ثقيل أوّل بالبنصر. ولعلّويه في الثالث والرابع ثقيل أوّل. ولإبراهيم ثاني ثقيل بالوسطى في الخامس والسادس. وفيهما ثقيل أوّل يقال إنه ليزيد حوراء:
__________
[1] أمن أمّ أوفى: يريد أمن منازل أمّ أوفى.
[2] الأطلاء: جمع طلا وهو ولد البقرة والظبية الصغير. وقوله ينهضن: يعني أنهن ينمن أولادهن إذا أرضعنهن ثم يرعين، فإذا ظنن أولادهن قد أنفدن ما في أجوافهن من اللبن صوتن بأولادهن فينهضن من مجاثمهن للأصوات ليرضعن. (عن شرح «ديوان زهير» للأعلم الشنتمري).
[3] الآرام من الظباء: البيض الخالصة البياض، كما قال ذلك الأصمعي وأبو زيد. وفي «اللسان» أنها تسكن الرمال.
12 - نسب زهير وأخباره
نسبه:
هو زهير بن أبي سلمى [1]. واسم أبي سلمى ربيعة [2] بن رياح بن قرّة بن الحارث بن مازن بن ثعلبة بن ثور بن هرمة بن الأصمّ بن عثمان بن [3] عمرو بن أدّ بن طابخة بن إلياس بن مضر بن نزار. ومزينة أمّ عمرو بن أدّ هي بنت كلب بن وبرة.
هو أحد الثلاثة المقدّمين على سائر الشعراء:
وهو أحد الثلاثة المقدّمين على سائر الشعراء، وإنما اختلف في تقديم أحد الثلاثة على صاحبيه. فأمّا الثلاثة فلا اختلاف فيهم، وهم امرؤ القيس وزهير والنّابغة الذّبيانيّ.
قال جرير هو شاعر الجاهلية:
أخبرني أبو خليفة عن محمد بن سلّام عن أبي قيس عن عكرمة بن جرير عن أبيه قال: شاعر أهل الجاهليّة زهير.
قال عمر لابن عباس إنه شاعر الشعراء:
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثنا هارون بن عمر قال حدّثنا أيّوب بن سويد قال حدّثنا يحيى بن يزيد عن عمر بن عبد اللّه اللّيثيّ [عن ابن عباس] [4] قال:
قال عمر بن الخطاب ليلة مسيره إلى الجابية [5]: أين ابن عبّاس؟ فأتيته [6]؛ فشكا تخلّف عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه. فقلت [6]: أولم يعتذر إليك؟ قال بلى،/ قلت: فهو ما اعتذر به. ثم قال: أوّل من ريّثكم عن هذا الأمر أبو بكر. إنّ قومكم كرهوا أن يجمعوا لكم الخلافة والنبوّة - ثم ذكر قصّة طويلة ليست من هذا الباب
__________
[1] سلمى بضم السين. وليس في العرب سلمى بضم السين غيره.
[2] في «شرح التبريزي على المعلقات»: « ... ربيعة بن رياح بن قرة بن الحارث بن مازن بن ثعلبة بن برد بن لاطم (و في هامش نسخة مخطوطة للزوزني محفوظة بدار الكتب المصرية برقم 47 أدب م «الأطم») بن عثمان بن مزينة بن أد بن طابخة بن الياس بن مضر».
وفي «طبقات الشعراء» لابن سلام: « ... ربيعة بن رياح بن قرط بن الحارث بن مازن بن ثعلبة بن ثور بن هزمة بن لام بن عثمان بن مزينة».
[3] في ح «بن عثمان وهو عمرو إلخ».
[4] تكملة في السند يقتضيها سياق الخبر.
[5] الجابية: «قرية من أعمال دمشق ثم من عمل الجيدور من ناحية الحولان قرب مرج الصفر في شمال حوران. ويقال لها جابية الحولان أيضا. (عن «معجم البلدان» لياقوت).
[6] كذا في أ، م. وفي سائر الأصول: «فأتاه ... فقال ... ».
فتركتها [1] أنا - ثم قال: هل تروي لشاعر الشعراء؟ قلت: ومن هو؟ قال: الذي يقول:
/و لو أنّ حمدا يخلد الناس أخلدوا ... ولكنّ حمد النّاس ليس بمخلد
قلت: ذاك زهير. قال: فذاك شاعر الشعراء. قلت: وبم كان شاعر الشعراء؟ قال: لأنه كان لا يعاظل في الكلام وكان يتجنّب وحشيّ الشعر، ولم يمدح أحدا إلّا بما فيه. قال الأصمعيّ: يعاظل بين الكلام: يداخل فيه [2]. ويقال: يتّبع حوشيّ الكلام، ووحشيّ الكلام، والمعنى واحد.
كان قدامة بن موسى يقدّمه على سائر الشعراء:
أخبرنا أبو خليفة قال قال ابن سلّام وأخبرني عمر بن موسى الجمحيّ عن أخيه قدامة بن موسى - وكان من أهل العلم - : أنه كان يقدّم زهيرا. قلت: فأيّ شيء كان أعجب إليه؟ قال: الذي يقول فيه:
قد جعل المبتغون الخير من هرم ... والسائلون إلى أبوابه طرقا
قال جرير هو أشعر أهل الجاهلية:
قال ابن سلّام وأخبرني أبو قيس العنبريّ - ولم أر بدويّا يفي به - عن عكرمة بن جرير قال:
قلت لأبي: يا أبت من أشعر الناس؟ قال: أعن الجاهلية تسألني أم عن الإسلام؟ قلت: ما أردت إلّا الإسلام. فإذا ذكرت الجاهلية فأخبرني عن أهلها. قال: زهير أشعر أهلها. قلت: فالإسلام؟ قال: الفرزدق نبعة الشعر./ قلت: فالأخطل؟ قال: يجيد مدح الملوك ويصيب وصف الخمر. قلت فما تركت لنفسك؟ قال:
نحرت الشعر نحرا.
قال عنه الأحنف بن قيس هو أشعر الشعراء:
أخبرني الحسن بن عليّ قال أخبرنا الحارث بن محمد عن المدائنيّ عن عيسى بن يزيد قال:
سأل معاوية الأحنف بن قيس عن أشعر الشعراء، فقال: زهير. قال: وكيف؟ قال: ألقى عن المادحين فضول الكلام. قال: مثل ماذا؟ قال: مثل قوله:
فما يك من خير أتوه فإنّما ... توارثه آباء آبائهم قبل
مدح عمر بن الخطاب شعره وروى منه:
أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثنا عبد اللّه بن عمرو القيسيّ قال حدّثنا خارجة بن عبد اللّه بن سليمان عن زيد بن ثابت عن عبد اللّه بن أبي سفيان عن أبيه عن ابن عبّاس، قال: وحدّثنيه غيره وهو أتمّ من حديثه، قال قال ابن عبّاس:
خرجت مع عمر في أوّل غزاة غزاها. فقال لي ذات ليلة: يا بن عبّاس أنشدني لشاعر الشعراء. قلت: ومن هو يا أمير المؤمنين؟ قال: ابن أبي سلمى. قلت: وبم صار كذلك؟ قال: لأنه لا يتّبع حوشي الكلام، ولا يعاظل
__________
[1] ذكرت هذه القصة مفصلة في الطبري ق 1 ص 2768 - 2771 فراجعه.
[2] يعاظل الكلام: يحمل بعضه على بعض ويتكلم بالرجيع من القول ويكرر اللفظ والمعنى. أو يعقده ويوالي بعضه على بعض. وكل شيء ركب شيئا فقد عاظله. («اللسان» في مادة عظل).
من [1] المنطق، ولا يقول إلّا ما يعرف، ولا يمتدح الرجل إلّا بما يكون فيه. أليس الذي يقول:
إذا ابتدرت [2] قيس بن عيلان غاية ... من المجد من يسبق إليها يسوّد
/ سبقت إليها كلّ طلق [3] مبرّز ... سبوق إلى الغايات غير مزنّد
كفعل جواد يسبق الخيل عفوه ال ... سّراع [4] وإن يجهد ويجهدن يبعد
ولو كان حمد يخلد الناس لم تمت ... ولكنّ حمد النّاس ليس بمخلد
أنشدني له، فأنشدته حتى برق الفجر. فقال: حسبك الآن، إقرأ القرآن. قلت: وما أقرأ؟ قال: اقرأ الواقعة، فقرأتها ونزل فأذّن وصلّى.
أخبرني محمد بن القاسم الأنباريّ قال حدّثني أبي قال حدّثنا أحمد بن عبيد قال أخبرنا أبو عبيدة عن عيسى بن يزيد بن بكر قال قال ابن عبّاس: خرجت مع عمر، ثم ذكر الحديث نحو هذا.
استعاذ منه النبي صلى اللّه عليه وسلم فما قال شعرا حتى مات:
وجدت في بعض الكتب عن عبد اللّه/ بن شبيب عن الزّبير بن بكّار عن حميد بن محمد بن عبد العزيز الزّهريّ عن أخيه إبراهيم بن محمد يرفعه:
أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم نظر إلى زهير بن أبي سلمى وله مائة سنة فقال: «اللهم أعذني من شيطانه» فما لاك بيتا حتى مات.
خرج أبوه أبو سلمى مع خاله وابن خاله لغزو طيء فمنعاه حقه في المغنم، وشعره في ذلك:
قال ابن الأعرابيّ وأبو عمرو الشّيبانيّ:
كان من حديث زهير وأهل بيته أنهم كانوا من مزينة، وكان بنو عبد اللّه بن غطفان جيرانهم، وقدما ولدتهم بنو مرّة. وكان من أمر أبي سلمى أنه خرج وخاله أسعد بن العدير بن مرّة بن عوف بن سعد بن ذبيان بن بغيض وابنه كعب/ بن أسعد في ناس من بني مرّة يغيرون على طيء، فأصابوا نعما كثيرة وأموالا فرجعوا حتى انتهوا إلى أرضهم. فقال أبو سلمى لخاله أسعد وابن خاله كعب: أفردا لي سهمي، فأبيا عليه ومنعاه حقّه، فكفّ عنهما؛ حتى إذا كان الليل أتى أمّه فقال: والذي أحلف به لتقومنّ إلى بعير من هذه الإبل فلتقعدنّ عليه أو لأضربنّ بسيفي تحت قرطيك. فقامت أمّه إلى بعير منها فاعتنقت سنامه، وساق بها أبو سلمى وهو يرتجز ويقول:
__________
[1] الذي تقدّم في الصفحة السابقة: «يعاظل في الكلام». والذي في «اللسان» وشرح «القاموس» في استعمالات هذه المادة أنه يتعدى بنفسه، يقال عاظل الكلام كما يقال عاظل فيه وبينه.
[2] يقول: إذا تسابقت قيس بن عيلان لإدراك غاية من المجد تسوّد من سبق إليها كنت السابق إليها. وقيس بن عيلان: قبيلة. (راجع الجزء السادس من «الأغاني» حاشية رقم 1 ص 1 من هذه الطبعة).
[3] يقال: رجل طلق اليدين إذا كان معطاء. وظاهر أنه يريد أن يصف الجواد بأنه ماض يجود بما عنده من العدو. والمبرز: الذي سبق الناس إلى الكرم والخير. والمزند هنا: البخيل أو اللئيم. ويروى: «غير مجلد» أي ينتهي إلى الغايات من غير أن يجلد ويضرب.
[4] في الأصول: «فيسرع». والتصويب عن «الديوان» بشرح الأعلم، ورواية البيت فيه.
كفضل جواد الخيل يسبق عفوه ال ... سراع وإن يجهدن يجهد ويبعد
ويل لأجمال العجوز منّي ... إذا دنوت ودنون منّي
كأنّني سمعمع من جنّ
- سمعمع: لطيف الجسم قليل اللحم - وساق الإبل وأمّه حتى انتهى إلى قومه مزينة.
فذلك حيث يقول:
ولتغدون إبل مجنّبة ... من عند أسعد وابنه كعب
- مجنّبة: مجنوبة -
الآكلين صريح قومهما ... أكل الحبارى [1] برعم الرّطب [2]
البرعم [3]: شجرة ولها نور - قال: فلبث فيهم حينا، ثم أقبل بمزينة مغيرا على بني ذبيان. حتى إذا مزينة أسهلت وخلّفت بلادها ونظروا إلى أرض غطفان، تطايروا عنه راجعين، وتركوه وحده. فذلك حيث يقول:
من يشتري فرسا لخير غزوها ... وأبت عشيرة ربّها أن تسهلا
/ يعني أن تنزل السّهل. قال: وأقبل حين رأى ذلك من مزينة حتى دخل في أخواله بني مرّة. فلم يزل هو وولده في بني عبد اللّه بن غطفان إلى اليوم.
قال معلقته في مدح هرم بن سنان والحارث بن عوف وقد حملا دية هرم بن ضمضم في مالهما:
أمن أمّ أوفى دمنة لم تكلّم
قالها زهير في قتل ورد بن حابس العبسيّ هرم بن ضمضم المرّيّ الذي يقول فيه عنترة وفي أخيه:
ولقد خشيت بأن أموت ولم تدر ... للحرب دائرة على ابني ضمضم
ويمدح بها هرم بن سنان والحارث بن عوف بن سعد بن ذبيان المرّيّين لأنهما احتملا ديته في مالهما؛ وذلك قول زهير:
سعى ساعيا غيظ بن مرّة بعدما [4] ... تبزّل ما بين العشيرة بالدّم
يعني بني غيظ بن مرّة بن عوف بن سعد بن ذبيان.
قال الأثرم أبو الحسن حدّثني أبو/ عبيدة قال:
كان ورد بن حابس العبسيّ قتل هرم بن ضمضم المرّيّ، فتشاجر عبس وذبيان قبل الصلح، وحلف حصين بن ضمضم ألّا يغسل رأسه حتى يقتل ورد بن حابس أو رجلا من بني عبس ثم من بني غالب، ولم يطلع
__________
[1] الحبارى: طائر يضرب به المثل في البلاهة والحمق، وهو طائر صحراوي يبيض في الرمال النائية.
[2] الرطب: الرعي الأخضر من البقل والشجر، وقبيل جماعة العشب الأخضر.
[3] الذي في «اللسان»: أن البرعم كم ثمر الشجر والنور، وقيل هو زهرة الشجر ونور النبت قبل أن يتفتح. وقد استشهد بهذا البيت.
[4] ما والفعل بتأويل المصدر. وتبزل: تشقق، وبالدم: يريد بسفك الدم. يقول: سعى هذان السيدان (هرم بن سنان والحارث بن عوف) في إحكام العهد بين عبس وذبيان بعد تشقق الألفة والمودة بين القبيلة بسبب سفك الدماء بين عبس وذبيان. (انظر «شرح ديوان زهير» للأعلم الشنتمري).
على ذلك أحدا، وقد حمل الحمالة [1] الحارث بن عوف بن أبي حارثة، وقيل بل أخوه حارثة بن [2] سنان.
فأقبل [3] رجل/ من بني عبس ثم أحد بني مخزوم، حتى نزل بحصين بن ضمضم. فقال له حصين: من أنت أيّها الرجل؟ قال: عبسيّ. قال: من أيّ عبس؟ فلم يزل ينتسب حتى انتسب إلى بني غالب، فقتله حصين. وبلغ ذلك الحارث بن عوف وهرم بن سنان فاشتدّ عليهما، وبلغ بني عبس فركبوا نحو الحارث. فلمّا بلغه ركوبهم إليه وما قد اشتدّ عليهم من قتل صاحبهم وأنّهم يريدون قتل الحارث، بعث إليهم بمائة من الإبل معها ابنه، وقال للرسول: قل لهم: الإبل أحبّ إليكم أم أنفسكم؟ فأقبل الرسول حتى قال لهم ذلك. فقال لهم الرّبيع بن زياد: يا قوم إنّ أخاكم قد أرسل إليكم: «الإبل أحبّ إليكم أم ابني تقتلونه مكان قتيلكم». فقالوا نأخذ الإبل ونصالح قومنا، ونتمّ الصّلح. فذلك حين يقول زهير يمدح الحارث وهرما:
أمن أمّ أوفى دمنة لم تكلّم
وهي أوّل قصيدة مدح بها هرما، ثم تابع ذلك بعد.
قصة زواج الحارث بن عوف ببهيسة بنت أوس وتحمله الدية في ماله بين عبس وذبيان:
وقد أخبرني الحسن بن عليّ بهذه القصة، وروايته أتمّ من هذه، قال حدّثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد قال حدّثنا محمد بن إسحاق المسيّبيّ قال حدّثني إبراهيم بن محمد بن عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه قال:
قال الحارث بن عوف بن أبي حارثة: أتراني [4] أخطب إلى أحد فيردّني؟ قال نعم. قال: ومن ذاك؟ قال:
أوس بن حارثة بن لأم الطّائيّ. فقال الحارث لغلامه: ارحل بنا، ففعل. فركبا حتى أتيا أوس بن حارثة في بلاده فوجداه في منزله. فلمّا رأى الحارث بن عوف قال: مرحبا بك يا حار. قال:/ وبك. قال: ما جاء بك يا حار؟
قال: جئتك خاطبا. قال: لست هناك. فانصرف ولم يكلّمه. ودخل أوس على امرأته مغضبا وكانت من عبس فقالت: من رجل وقف عليك فلم يطل ولم تكلّمه؟ قال: ذاك سيّد العرب الحارث بن عوف بن أبي حارثة المرّيّ. قالت: فما لك لم [5] تستنزله؟ قال: إنه استحمق. قالت: وكيف؟ قال: جاءني خاطبا. قالت: أفتريد أن تزوّج بناتك؟ قال نعم. قالت: فإذا لم تزوّج سيّد العرب فمن؟ قال: قد كان ذلك. قالت: فتدارك ما كان منك. قال بماذا؟ قالت: تلحقه فتردّه. قال: وكيف وقد فرط منّي ما فرط إليه؟ قالت تقول له: إنك لقيتني مغضبا بأمر لم تقدّم فيه [6] قولا، فلم يكن عندي فيه من الجواب إلا ما سمعت، فانصرف ولك عندي كلّ ما أحببت فإنه سيفعل. فركب في أثرهما. قال خارجة بن سنان: فو اللّه إني لأسير إذ حانت منّي التفاتة فرأيته، فأقبلت على الحارث وما يكلّمني غمّا فقلت له: هذا أوس بن حارثة في أثرنا. قال: وما نصنع به! امض! فلمّا
__________
[1] الحمالة: الدية.
[2] في «شرح التبريزي» وابن الأنباري على «المعلقات» والأعلم الشنتمري و «شرح ثعلب لديوان زهير»: «و قد حمل الحمالة الحارث بن عوف بن أبي حارثة وهرم بن سنان بن أبي حارثة».
[3] في الأصول: «فأقبل على رجل إلخ» والتصويب عن المصادر المتقدّمة.
[4] هكذا في الأصول. ولم يذكر المخاطب الذي كان يحدثه. وباقي القصة يعين أنه خارجة بن سنان.
[5] في ب، س: «لاستنزله».
[6] كذا في ج. وفي سائر الأصول: «لم تقدّم مني فيه قولا».
رآنا لا نقف عليه صاح: يا حار اربع عليّ ساعة. فوقفنا له فكلّمه بذلك الكلام فرجع مسرورا. فبلغني أن أوسا لمّا دخل منزله قال لزوجته أدعي لي فلانة (لأكبر بناته) فأتته، فقال: يا بنية، هذا الحارث بن عوف سيّد من سادات العرب، قد جاءني طالبا خاطبا، وقد أردت أن أزوّجك منه فما تقولين؟ قالت: لا تفعل./ قال: ولم؟ قالت: لأني امرأة في وجهي ردّة [1]، وفي خلقي بعض العهدة [2]، ولست بابنة عمّه فيرعى رحمي، وليس بجارك في البلد فيستحي منك، ولا آمن أن يرى منّي ما يكره فيطلّقني فيكون عليّ في ذلك ما فيه. قال: قومي بارك اللّه عليك.
ادعي لي فلانة (لابنته الوسطى)؛ فدعتها، ثم قال لها مثل قوله لأختها؛ فأجابته بمثل/ جوابها وقالت: إني خرقاء وليست بيدي صناعة، ولا آمن أن يرى مني ما يكره فيطلّقني فيكون عليّ في ذلك ما تعلم، وليس بابن عمّي فيرعى حقّي، ولا جارك في بلدك فيستحييك. قال: قومي بارك اللّه عليك. أدعي لي بهيسة (يعني الصغرى)، فأتي بها فقال لها كما قال لهما. فقالت: أنت وذاك. فقال لها: إني قد عرضت ذلك على أختيك فأبتاه. فقالت - ولم يذكر لها مقالتيهما - لكنّي واللّه الجميلة وجها، الصّناع يدا، الرفيعة خلقا، الحسيبة أبا، فإن طلّقني فلا أخلف اللّه عليه بخير.
فقال: بارك اللّه عليك. ثم خرج إلينا فقال: قد زوّجتك يا حارث بهيسة بنت أوس. قال: قد قبلت. فأمر أمّها أن تهيّئها وتصلح من شأنها، ثم أمر ببيت فضرب له، وأنزله إيّاه. فلمّا هيّئت بعث بها إليه. فلمّا أدخلت إليه لبث هنيهة ثم خرج إليّ. فقلت: أفرغت من شأنك؟ قال: لا واللّه. قلت: وكيف ذاك؟ قال: لمّا مددت يدي إليها قالت: مه! أعند أبي وإخوتي!! هذا واللّه ما لا يكون. قال: فأمر بالرّحلة فارتحلنا ورحلنا بها معنا، فسرنا ما شاء اللّه. ثم قال لي: تقدّم فتقدمت، وعدل بها عن الطريق، فما لبث أن لحق بي. فقلت: أفرغت؟ قال لا واللّه. قلت: ولم؟ قال:
قالت لي: أكما يفعل بالأمة الجليبة أو السبيّة الأخيذة! لا واللّه حتى تنحر الجزر، وتذبح الغنم وتدعو العرب، وتعمل ما يعمل لمثلي. قلت: واللّه إني لأرى همّة وعقلا، وأرجو أن تكون المرأة منجبة إن شاء اللّه. فرحلنا حتى جئنا بلادنا، فأحضر الإبل والغنم، ثم دخل عليها وخرج إليّ. فقلت: أفرغت؟ قال لا. قلت: ولم؟ قال: دخلت عليها أريدها، وقلت لها قد أحضرنا من المال ما قد ترين، فقالت: واللّه لقد ذكرت لي من الشرف ما لا أراه فيك.
قلت: وكيف؟ قالت: أتفرغ لنكاح النّساء والعرب تقتل بعضها! (و ذلك في أيام حرب عبس وذبيان). قلت: فيكون ماذا؟ قالت: اخرج/ إلى هؤلاء القوم فأصلح بينهم، ثم ارجع إلى أهلك فلن يفوتك. فقلت: واللّه إني لأرى همّة وعقلا، ولقد قالت قولا. قال: فاخرج بنا. فخرجنا حتى أتينا القوم فمشينا فيما بينهم بالصلح، فاصطلحوا على أن يحتسبوا القتلى؛ فيؤخذ الفضل ممن هو عليه، فحملنا عنهم الدّيات، فكانت ثلاثة آلاف بعير في ثلاث سنين، فانصرفنا بأجمل الذّكر. قال محمد بن عبد العزيز: فمدحوا بذلك، وقال فيه زهير بن أبي سلمى قصيدته:
أمن أمّ أوفى دمنة لم تكلّم
فذكرهما فيها فقال:
تداركتما عبسا وذبيان بعد ما ... تفانوا ودقّوا بينهم عطر منشم [3]
__________
[1] الردة: القبح مع شيء من الجمال.
[2] العهدة: الضعف.
[3] منشم زعموا أنها امرأة عطارة من خزاعة، فتحالف قوم فأدخلوا أيديهم في عطرها على أن يقاتلوا حتى يموتوا، فضرب زهير بها المثل، أي صار هؤلاء في شدة الأمر بمنزلة أولئك. وقيل: هي امرأة من خزاعة كانت تبيع عطرا فإذا حاربوا اشتروا منها كافورا لموتاهم فتشاءموا بها، وكانت تسكن مكة. وفيه أقوال أخرى كثيرة راجعها في «لسان العرب» (في مادة نشم) وأمثال الميداني في
فأصبح يجري فيهم من تلادكم ... مغانم شتّى من إفال [1] المرنّم
ينجّمها [2] قوم لقوم غرامة ... ولم يهريقوا بينهم ملء محجم
وذكر قيامهم في ذلك فقال:
«صحا القلب عن سلمى وقد كاد [3] لا يسلو»
/ وهي قصيدة يقول فيها:
تداركتما الأحلاف [4] قد ثلّ عرشها ... وذبيان قد زلّت بأقدامها النّعل
وهذه لهم شرف إلى الآن، ورجع فدخل بها، فولدت له بنين وبنات.
مدح بقصيدته القافية هرما وأباه وإخوته:
ومما مدح به هرما وأباه وإخوته وغنّي فيه قوله:
صوت
إنّ الخليط [5] أجدّ البين فانفرقا ... وعلق القلب من أسماء ما علقا
وأخلفتك ابنة البكريّ ما وعدت ... فأصبح الحبل منها واهنا [6] خلقا
قامت تبدّى بذي ضال لتحزنني ... ولا محالة أن يشتاق من عشقا
بجيد مغزلة أدماء خاذلة ... من الظباء تراعي شادنا خرقا
انفرق: انفعل، من الفرقة. وأجدّ وجدّ بمعنى واحد، من الجدّ خلاف اللعب. والواهن والواهي واحد.
والحبل: السّبب في المودّة [7]. والضّال: السّدر الصّغار، واحدتها ضالة. والجيد: العنق. والمغزلة: الظبية التي لها غزال. والأدماء: البيضاء. والخاذلة: المقيمة على ولدها ولا تتبع الظباء. والشّادن: الذي قد شدن أي تحرّك ولم يقو بعد. والخرق: الدّهش.
غنّى مالك في الأوّل والثاني من الأبيات خفيف رمل بالوسطى، وقيل إنه لابن جامع، وقيل بل لحن ابن
__________
«أشأم من منشم» وفي «شرح الأعلم الشنتري» لديوان زهير.
[1] الإفال: جمع أفيل وهو الصغير من الإبل، والمزنم: اسم فحل معروف. والتلاد: المال القديم الموروث. وإنما خص الإفال لأنهم كانوا يغرمون في الدينة صغار الإبل. (عن الأعلم). ويروي هذا البيت في شرح «القاموس» (في مادة «زنم») هكذا):
فأصبح يحدي فيهم من تلادكم ... مغانم شتى من إفال مزنم
[2] ينجمها قوم: أي تجعل نجوما أي أقساطا على غارمها. يريد أن هذين الساعيين حملا دماء من قتل وغرم فيها قوم من رهطهما على أنهم لم يصبوا ملء محجم من دم، أي أعطوا فيها ولم يقتلوا (عن الأعلم).
[3] في أ، م: «كان».
[4] الأحلاف: أسد وغطفان وطيء. وثل عرشها: أي أصابها ما كسرها وهدمها. وذبيان: قبيلة الممدوحين وهم من غطفان. وإنما فصلهم منهم لأن حصين بن ضمضم المري جنى عليهم الحرب وهو منهم لأن مرة من ذبيان. ويقال «زلت بأقدامها النعل» إذا وقعت القبيلة في حيرة وضلال. (عن الأعلم).
[5] الخليط: المخالط، ويقال للجمع أيضا خليط.
[6] في أ، م: «واهيا» بالياء المثناة.
[7] في أ، م: «المحبة».
جامع بالبنصر. وفي الثالث والرابع لابن المكّيّ رمل صحيح من روايتي بذل والهشاميّ.
/ وفي هذه القصيدة يقول يمدح هرما:
قد جعل المبتغون الخير من هرم ... والسائلون إلى أبوابه طرقا
من يلق يوما على علّاته هرما ... يلق السماحة منه والنّدى خلقا
ليث بعثر [1] يصطاد اللّيوث [2] إذا ... ما اللّيث كذّب [3] عن أقرانه صدقا
يطعنهم ما ارتموا حتى إذا اطّعنوا ... ضارب حتى إذا ما ضاربوا اعتنقا [4]
خرف سنان بن أبي حارثة ثم مات فرثاه:
ومن مدائحه [5] إيّاهم قوله يمدح أبا هرم سنان بن أبي حارثة. وذكر ابن الكلبيّ أنه هوي امرأة فاستهيم بها؛ وتفاقم به ذلك حتى فقد فلم يعرف له خبر. فتزعم بنو مرّة أنّ الجنّ استطارته فأدخلته بلادها، واستعجلته لكرمه. وذكر أبو عبيدة أنّه قد كان هرم حتى بلغ مائة وخمسين سنة؛ فهام على وجهه خرقا ففقد. قال: فزعم لي شيخ من علماء بني مرّة أنه خرج لحاجته بالليل فأبعد، فلمّا رجع ضلّ [6] فهام طول ليلته حتى سقط فمات، وتبع قومه أثره فوجدوه ميّتا فرثاه [7] زهير بقوله:
إنّ الرّزيّة لا رزيّة مثلها [8] ... ما تبتغي غطفان يوم أضلّت [9]
/إنّ الرّكاب [10] لتبتغي ذا مرّة ... بجنوب نجد [11] إذا الشهور أحلّت
ينعين خير الناس عند شديدة ... عظمت مصيبته هناك وجلّت
ومدفّع ذاق الهوان ملعّن ... راخيت عقدة حبله [12] فانحلّت
ولنعم حشو الدّرع كان إذا سطا [13] ... نهلت من العلق [14] الرّماح وعلّت
__________
[1] عثر: (بتشديد الثاء) اسم موضع باليمن، وقيل: هي أرض مأسدة بناحية تبالة.
[2] في ح و «الديوان»: «الرجال».
[3] كذب: أي لم يصدق الحملة. يقال: كذب الرجل عن كذا إذا رجع عنه. يقول: إذا رجع الشجاع عن قرنه ولم يصدق الحملة عليه فهذا الممدوح يصدقها. (عن الأعلم).
[4] اعتنق: التزم قرنه. يقول: إذا ارتمى الناس في الحرب بالنبل دخل هو تحت الرمي فجعل يطاعنهم، فإذا تطاعنوا ضارب بالسيف، فإذا تضاربوا بالسيوف اعتنق قرنه والتزمه، أي أنه يزيد عليهم في كل حال من أحوال الحرب. (عن الأعلم).
[5] الأبيات الآتية في الرثاء. والرثاء ضرب من المدح.
[6] في الأصول: «مثل» وهو تحريف.
[7] في الأعلم: «و قيل إنما رثى بالأبيات حصن بن حذيفة».
[8] في أ، م: «بعدها».
[9] يقال: ضل فلان الطريق وأضل بعيره يقال الأوّل للثابت والثاني لغيره.
[10] الركاب: الإبل، والمراد راكبوها. وذا مرة أي ذا عقل ورأي مبرم. وقوله «إذا الشهور أحلت» أي إذا دخلت الشهور التي يحل فيها الغزو.
[11] في «ديوان زهير بشرح الأعلم» النحوي: «بجنوب نخل».
[12] في أ، م: «كبله» والكبل: القيد.
[13] في «شرح الأعلم»: «و لنعم حشو الدرع أنت لنا إذا».
[14] العلق: الدم.
أشعار له غنّى فيها:
/ والذي فيه غناء من مدائح زهير قوله:
صوت
أمن أمّ سلمى [1] عرفت الطّلولا ... بذي حرض ما ثلاث مثولا
بلين وتحسب آياتهن ... على [2] فرط حولين رقّا محيلا [3]
الماثل هاهنا: اللاطىء بالأرض، وفي موضع آخر: المنتصب القائم. وذو حرض: موضع. والحرض:
الأشنان. وآياتهنّ: علاماتهنّ. وفرط حولين: تقدّم حولين، والفارط: المتقدّم.
غنّى في هذين البيتين إسحاق، وله فيهما لحنان: أحدهما ثاني ثقيل بإطلاق الوتر في مجرى البنصر، من كتابه. والآخر ما خوريّ من مجموع غنائه، وروايته عن الهشاميّ. وفيهما للزّبير بن دحمان خفيف ثقيل أوّل بالبنصر عن عمرو. يقول فيها:
إليك سنان الغداة الرّحي ... ل أعصي النّهاة وأمضي الفؤولا
جمع فأل، أي لا أتطيّر.
/فلا تأمني [4] غزو أفراسه ... بني وائل واحذريه جديلا
وكيف اتقاء امرىء لا يؤو ... ب بالقوم في الغزو حتى يطيلا [5]
ومن الغناء في مدائح هرم قوله:
صوت
قف بالدّيار التي لم يعفها القدم ... بلى وغيّرها الأرواح والدّيم
كأنّ عيني وقد سال السّليل بهم ... وعبرة [6] ما هم لو أنّهم أمم
غرب على بكرة أو لؤلؤ قلق ... في السّلك خان به ربّاته النّظم
الدّيم: جمع ديمة وهو المطر الذي يدوم يوما أو يومين مع سكون. سال السّليل بهم: أي ساروا فيه سيرا سريعا. والسّليل: واد. وقوله وعبرة ما هم أي هم عبرة [7]، وما هاهنا صلة. لو أنهم أمم أي قصد كنت أزوهم. والأمم: بين القريب والبعيد. والقلق: الذي لم يستقرّ لما انقطع الخيط. والنّظم: جمع واحدها نظام، شبّه دموعه بلؤلؤ انقطع سلكه، وبماء سال من الغرب.
__________
[1] في «شرح الأعلم»: «أمن آل ليلى إلخ».
[2] في «شرح الأعلم»: «عن».
[3] المحيل: الذي أتى عليه حول. شبه رسوم الدار برق مكتوب قد أتى عليه حول بحيث يتغير ويدرس.
[4] يريد: يا بني وائل لا تأمني غزو فرسانه، ويا جديلة احذريه. وجديلة أم فهم وعدوان، وكان سنان يجاورهم. (عن الأعلم).
[5] أي هو مطيل للغزو لأنه يتتبع أقصى أعدائه فلا يؤوب بالقوم من غزوه إلا بعد مدة طويلة. فاتقاء مثل هذا أشد اتقاء. (عن الأعلم).
[6] روي في «لسان العرب» مادة أمم: «و جيرة» وكذلك روي في مادة سلل مردفا بقوله: «و يروى: وعبرة».
[7] أي هم سبب بكائي وحزني.
الغناء في هذه الأبيات رمل لابن المكيّ بالوسطى عن عمرو. وذكر عمرو أن لإسحاق فيها لحنا أيضا.
وذكر يونس أن فيها لحنا لمالك.
صوت
لمن الدّيار بقنّة الحجر [1] ... أقوين مذحجج [2] ومذدهر
/ لعب الرّياح بها وغيّرها ... بعدي سوافي الرّيح [3] والقطر
دع ذا وعدّ القول في هرم ... خير الكهول وسيّد الحضر
لو كنت من شيء سوى بشر ... كنت المنوّر ليلة البدر
القنّة: الجبل الذي ليس بمنتشر. أقوين: خلون. والسّوافي: ما تسفي الرياح [4]. قال: والقطر مخفوضة بنسقه على الرّيح [5]، والقطر لا سوافي [6] له. وهذا تفعله العرب في المجاورة، وهو مثل/ قولهم: حجر ضبّ خرب.
غنّى في هذه الأبيات سائب خائر من رواية حمّاد عن أبيه، ولم يجنّسه. وفيه ثقيل أوّل بالبنصر نسبه عمرو بن بانة إلى معبد، ونسبه غيره إلى سائب، وإلى الأوسيّة مما ذكر حبش. قال: وهي من قيان الحجاز القدائم مولاة للأوس.
ومنها قوله يمدح سنان بن أبي حارثة:
صوت
صحا القلب عن سلمى وقد كاد [7] لا يسلو ... وأقفر من سلمى التّعانيق فالثّقل
وقد كنت من سلمى سنين ثمانيا ... على صير أمر ما يمرّ وما يحلو
وكنت إذا ما جئت يوما لحاجة ... مضت وأجمّت حاجة الغد ما تخلو
وكلّ محبّ أحدث النأي عنده ... سلوّ فؤاد غير حبّك ما يسلو
تأوّبني ذكر الأحبّة بعد ما ... هجعت ودوني قلّة الحزن فالرّمل
/ فأقسمت جهدا بالمنازل من منى ... وما سحفت فيه المقاديم [8] والقمل
__________
[1] الحجر: موضع بعينه وهو حجر اليمامة.
[2] في ج و «ديوانه»: «من حجج ومن شهر».
[3] في «شرح الأعلم»: «المور» وهو التراب.
[4] هذا على الرواية التي ذكره المؤلف. وعلى رواية الأعلم يراد بالسوافي الرياح، يعني أن الرياح والأمطار تردّدت على هذه الديار حتى عفت رسومها وغيرت آثارها بما سفت الرياح عليها من التراب ومحت الأمطار من الآثار.
[5] في الأصول: «على الرياح».
[6] إذا فسرت السوافي بالرياح فيصح أن يكون القطر مما تسفيه الرياح.
[7] في أ، م: «كان».
[8] المقاديم: جمع مقدم الرأس، وأراد بالقمل: الشعر الذي فيه القمل، على تقدير مضاف، أي وشعر القمل. وقد يراد على معناه فإنه تابع ومسحوف مع المقاديم وشعرها.
لأرتحلن بالفجر ثم لأدأبن ... إلى الليل إلّا أن يعرّجني طفل
وهل ينبت الخطّيّ إلّا وشيجه ... وتغرس إلّا منابتها النّخل [1]
التّعانيق والثّقل: موضعان. ويروى: فالنّخل. وقوله على صير أمر: أي على شرف أمر. وأجمّت:
دنت. وتأوّبني: أتاني ليلا. والتأويب: سير يوم إلى الليل. سحفت: حلقت، يقال سحف رأسه وسبته وجلطه:
حلقه. وقوله «يعرّجني طفل» قال يقال الطّفل: الليل، ويقال الطّفل: مغيب الشمس، وقال أبو عبيدة: الطفل:
الحزن، وإيقاده نار [2] التّحيير. والخطّيّ: رماح نسبها إلى الخطّ وهي من جزيرة بالبحرين ترفأ إليها سفن الرماح. والوشيج: القنا واحدها وشيجة. والوشوج: دخول الشيء بعضه في بعض.
غنّى إبراهيم الموصليّ في الأوّل والثاني ثقيلا أوّل بالبنصر من رواية الهشاميّ وعمرو. وغنّى إبراهيم أيضا في السادس والسابع والثامن خفيف ثقيل. وفي الثالث لمعبد خفيف ثقيل. ولعلّويه في السابع والثامن خفيف رمل. وذكر حبش أن لإبراهيم في الثامن لحنا ماخوريّا.
ومن الغناء في مدائحه هرما قوله:
صوت
لمن طلل برامة لا يريم [3] ... عفا وأحاله عهد قديم [4]
/تطالعني خيالات لسلمى ... كما يتطالع الدّين الغريم
غنّاه دحمان ثاني ثقيل بالبنصر عن عمرو. وعفا: درس ها هنا، وفي موضع آخر: كثر، وهو من الأضداد.
وخيالات: جمع خيال.
أنشد عمر رضي اللّه عنه شعرا له في هرم بن سنان فمدحه:
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ وحبيب بن نصر المهلّبيّ قالا حدّثنا عمر بن شبّة، وقال المهلّبيّ في خبر له عن الأصمعيّ قال:
أنشد عمر بن الخطاب قول زهير في هرم بن سنان يمدحه:
دع ذا وعدّ القول في هرم ... خير الكهول وسيّد الحضر
لو كنت من شيء سوى بشر ... كنت المنوّر ليلة البدر
ولأنت أوصل منح سمعت به ... لشوابك الأرحام والصّهر
/ ولنعم حشو الدّرع أنت إذا ... دعيت نزال ولجّ [5] في الذّعر
__________
[1] هذا البيت وارد في «ديوانه» في القصيدة بعد أبيات عدّة لم يذكرها أبو الفرج، وقبله:
فما يك من خير أتوه فإنما ... توارثه إباء آبائهم قبل
[2] نار التحيير: هي النار التي توقد لهداية الحائر.
[3] لا يريم: لا يبرح.
[4] رواية «الديوان»: عفا وخلاله حقب قديم
[5] في أ، م: «لز» بالزاي.
وأراك تفري [1] ما خلقت وبع ... ض القوم يخلق ثم لا يفري
أثني عليك بما علمت وما ... أسلفت في النّجدات من ذكر
والسّتر دون الفاحشات ولا ... يلقاك دون الخير من ستر
فقال عمر: ذلك رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم.
قال عمر لبعض ولد هرم قد خلد ذكره لكم:
قال وقال عمر لبعض ولد هرم: أنشدني بعض مدح زهير أباك، فأنشده. فقال عمر: إن كان ليحسن فيكم القول. قال: ونحن واللّه إن كنّا لنحسن له العطاء. فقال: قد ذهب ما أعطيتموه وبقي ما أعطاكم.
حلف هرم أن يعطيه كلما لقيه:
قال: وبلغني أنّ هرما كان قد حلف ألّا يمدحه زهير إلّا أعطاه، ولا يسأله إلّا أعطاه، ولا يسلّم عليه إلّا أعطاه: عبدا أو وليدة أو فرسا. فآستحيا زهير مما كان يقبل منه، فكان إذا رآه في ملأ قال: عموا صباحا غير هرم، وخيركم استثنيت. وروى المهلّبيّ: وخيركم تركت.
سأل عمر ابنه عن الحلل التي كساه إياها هرم فأجابه:
أخبرني الجوهريّ والمهلّبيّ قالا حدّثنا عمر بن شبّه قال:
قال عمر لابن زهير: ما فعلت الحلل التي كساها هرم أباك؟ قال: أبلاها الدهر. قال: لكنّ الحلل التي كساها أبوك هرما لم يبلها الدهر. وقد ذكر الهيثم بن عديّ أن عائشة خاطبت بهذه المقالة بعض بنات زهير.
شعر له مدح به هرما ولم يسبقه إليه أحد:
وقال أبو زيد عمر بن شبّة: ومما سبق فيه زهير في مدح هرم ولم يسبقه إليه أحد قوله:
قد جعل المبتغون الخير من هرم ... والسائلون إلى أبوابه طرقا
من يلق يوما على علّاته هرما ... يلق السّماحة منه والنّدى خلقا
يطلب شأو امر أين قدّما حسبا [2] ... بذّا الملوك وبذّا هذه السّوقا
هو الجواد فإن يلحق بشأوهما ... على تكاليفه فمثله لحقا
أو يسبقاه على ما كان من مهل [3] ... فمثل ما قدّما من صالح سبقا
__________
[1] تفري: تقطع. وخلقت أي قدرت الأديم وهيأته للقطع والخرز. والمعنى: أنك إذا تهيأت لأمر مضيت له وأنفذته ولم تعجز عنه، وبعض القوم يقدر الأمر ويتهيأ له ثم لا يقدم عليه ولا يمضيه عجزا وضعف همة. (عن «شرح الأعلم»).
[2] رواية هذا البيت في «شرح الأعلم» للديوان.
يطلب شأو امرأين قدّما حسنا ... نالا الملوك وبذّا هذه السوقا
وأراد بالمرأين: أباه وجده. يقول: تساوى أبواه بالملوك وسبقا أوساط الناس وهو يطلب سبقهما، وذلك شديد لأنهما لا يجاريان في فعل. (عن «شرح الأعلم»).
[3] المهل: التقدّم. يقال أخذ فلان المهلة والمهل على فلان إذا تقدمه. يقول: إن الممدوح معذور إذا سبقه أبواه وأخذا عليه المهلة في الشرف؛ لأن مثل فعلهما وما قدماه من صالح سعيهما سبق من جاراهما. (عن «شرح الأعلم»).
مدح عبد الملك بن مروان شعره في مدح آل أبي حارثة:
أخبرني الجوهريّ والمهلّبيّ قالا حدّثنا عمر بن شبّة قال قال المدائنيّ:
قال عبد الملك بن مروان: ما يضرّ من مدح بما مدح به زهير آل أبي حارثة من قوله:
على مكثريهم رزق من يعتريهم [1] ... وعند المقلّين السّماحة والبذل
ألّا يملك أمور الناس (يعني الخلافة). قال ثم قال: ما ترك منهم زهير غنيّا ولا فقيرا إلّا وصفه ومدحه.
مدج عثمان بن عفان شعرا له:
وقال ابن الأعرابيّ قال أبو زياد الكلابيّ: أنشد عثمان بن عفّان قول زهير:
ومنهما تكن عند امرىء من خليقة ... وإن خالها تخفى على النّاس تعلم
فقال: أحسن زهير وصدق، لو أنّ رجلا دخل بيتا في جوف بيت لتحدّث به الناس. قال وقال النبيّ صلى اللّه عليه وسلم:
«لا تعمل عملا تكره أن يتحدّث عنك به».
تمثل عروة بن الزبير ببيت له وقد استخف به عبد الملك بن مروان:
قال وقال عليّ بن محمد المدائنيّ حدّثني ابن جعدويه:
أنّ عروة بن الزّبير لحق بعبد الملك بن مروان بعد قتل أخيه عبد اللّه بن الزّبير. فكان إذا دخل إليه منفردا أكرمه، وإذا دخل عليه وعنده أهل الشام استخفّ به. فقال له يوما: يا أمير المؤمنين، بئس المزور أنت؛ تكرم ضيفك في الخلا، وتهينه في الملا، وقال [2]: للّه درّ زهير حيث يقول:
/فقرّي في بلادك إنّ قوما ... متى يدعوا بلادهم يهونوا
ثم استأذنه في الرّجوع إلى المدينة، فقضى حوائجه وأذن له. وهذا البيت من قصيدة لزهير قالها في بني تميم، وقد بلغه أنها حشدت لغزو غطفان؛ أوّلها:
/ألا أبلغ لديك بني تميم ... وقد يأتيك بالخبر الظّنون
الظّنون: الذي لست منه على ثقة. والظنين: المتّهم.
شعره في الحارث بن ورقاء وقد أخذ إبله وغلا:
كان الحارث بن ورقاء الصّيداوي من بني أسد أغار على بني عبد اللّه بن غطفان فغنم فاستاق [3] إبل زهير وراعيه يسارا. فقال زهير:
بان [4]
الخليط ولم يأووا لمن تركوا ... وزوّدوك اشتياقا أيّة سلكوا
__________
[1] يعتريهم: يقصدهم ويطلب ما عندهم.
[2] في أكثر النسخ: «فقال» وفي ج: «قال».
[3] كذا في ب، س. وفي سائر النسخ: «فاستخف».
[4] كذا في «الديوان». وفي الأصول: «إن الخليط». والخليط: الأصحاب المخالطون في الدار. ولم يأووا: أي لم يرحموا ولم يرقوا.
وهي طويلة يقول فيها:
لئن حللت بجوّ [1] في بني أسد ... في دين [2] عمرو وحالت بيننا فدك
ليأتينّك مني منطق قذع ... باق كما دنّس القبطيّة [3] الودك
فاردد يسارا ولا تعنف عليه ولا ... تمعك [4] بعرضك إنّ الغادر المعك
ولا تكونن كأقوام علمتهم ... يلوون ما عندهم حتى إذا نهكوا [5]
طابت نفوسهم عن حقّ خصمهم ... مخافة الشّرّ وارتدّوا لما تركوا [6]
/و في هذه القصيدة مما يغنّى فيه:
صوت
أهوى لها أسفع الخدّين مطّرق ... ريش القوادم لم ينصب [7] له شرك
وقد [8] أكون أمام الحيّ تحملني ... جرداء لا فحج فيها ولا صكك
أهوى لها - يعني القطاة تقدّم وصفه إيّاها - صقر. ورواه الأصمعيّ: «هوى لها» وقال: هوى: انقضّ، وأهوى: أوفى. ومطّرق: ريشه بعضه على بعض ليس بمنتشر، وهو أعتق له. وقوله لم ينصب له شرك: أي لم يصطد ولم يذلّل. والقوادم: العشر المتقدّمات. والفحج: تباعد ما بين الفخذين. والصّكك: اصطكاك العرقوبين في الدوابّ، وفي الناس الركبتين. قال: فلمّا أنشد الحارث هذا الشعر بعث بالغلام إلى زهير. وقيل: بل أنشد قول زهير:
تعلّم أنّ شرّ النّاس حيّ ... ينادى في شعارهم يسار [9]
__________
[1] جو: واد.
[2] كذا في ج و «الديوان» وياقوت في كلامه على فدك. والمراد بدين عمرو: طاعته وسلطانه. وعمرو هو عمرو بن هند الملك. وفي سائر النسخ وياقوت في كلامه على دير عمرو: «دير عمرو». وقال: «دير عمرو: جبال في طيء قرب قرية لهم يقال لها جو». ثم ذكر هذا البيت والذي بعده. وفدك: قرية بالحجاز بينها وبين المدينة يومان أو ثلاثة.
[3] كذا في «الديوان». والقبطية (بضم القاف): ثياب كتان بيض رقاق تعمل بمصر منسوبة إلى القبط (بكسر القاف) على غير قياس.
وفي الأصول «القطيفة» وهو تحريف. والودك: الدسم. يقول: لئن حللت بحيث لا أدركك ليردن عليك هجوي ولأدنسنّ به عرضك كما يدنس الودك القبطية.
[4] المعك: المطل وزنا ومعنى. والمعك (بكسر العين): المطول. يقول: لا تمطلني بيسار فمطلك غدر. وكلما مطلني لحق ذلك بعرضك.
[5] يلوون ما عندهم أي يمطلون بما عليهم من الدين. ونهكوا: شتموا وبولغ في هجائهم. (عن «شرح الأعلم»).
[6] أي لما أوذوا بالهجاء دفعوا الحق إلى صاحبه وارتدوا إلى إعطاء ما كانوا تركوه ومنعوه من الحق مخافة من الشر وإبقاء على أعراضهم. (عن «شرح الأعلم»).
[7] رواية «لديوان بشرح الأعلم»: «لم ينصب له الشبك». ونصب ريش القوادم على التشبيه بالمفعول به، كما تقول: زيد حسن الوجه، بنصب الوجه. (راجع «شرح الأعلم»).
[8] هكذا غنى في هذا البيت. وأصله كرواية «الديوان»:
وقد أروح أمام الحيّ مقتنصا ... قمرا مراتعها القيعان والنّبك
وصاحبي وردة نهد مراكلها ... جرداء لا فحج فيها ولا صكك
[9] الشعار: علامة القوم في سفرهم: اسم رجل أو شيء قد عرفوه فيما بينهم إذا دعوا به عرفوه. وإنما أراد أن يسارا صار عيبا عليهم
ولو لا عسبه [1] لرددتموه ... وشرّ منيحة [2] أير [3] معار
إذا جمحت [4] نساؤكم إليه ... أشظّ [5] كأنّه مسد مغار
/ يبربر [6] حين يعدو [7] من بعيد ... إليها وهو قبقاب قطار
فردّه عليه. فلامه قومه وقالوا له: اقتله ولا ترسل به إليه، فأبى عليهم. فقال زهير عند ذلك:
أبلغ لديك بني الصّيداء كلّهم ... أنّ يسارا أتانا غير مغلول
ولا مهان ولكن عند ذي كرم ... وفي حبال وفيّ العهد [8] مأمول
وهي قصيدة. فقال الحارث لقومه: أيّما أصلح: ما فعلت أو ما أردتم؟ قالوا: بل ما فعلت.
كان يذكر في شعره بنو غطفان وأحوال بني مرة ويمدحهم:
قال ابن/ الأعرابيّ وحدّثني أبو زياد الكلابيّ:
أنّ زهيرا وأباه وولده كانوا في بني عبد اللّه بن غطفان، ومنزلهم اليوم بالحاجر [9]، وكانوا فيه في الجاهلية.
وكان أبو سلمى تزوّج إلى رجل من بني فهر بن مرّة بن عوف بن سعد بن ذبيان يقال له الغدير [10] - والغدير هو أبو بشامة الشاعر [11] - فولدت له زهيرا وأوسا، وولد لزهير من امرأة من بني سحيم. وكان زهير يذكر في شعره بني مرّة وغطفان ويمدحهم. وكان زهير في الجاهلية سيّدا كثير المال حليما معروفا بالورع.
شكا إليه رجل من غطفان بني عليم بن جناب فهجاهم:
قال وحدّثني حمّاد الرواية عن سعيد الرواية عن سعيد بن عمرو بن سعيد:
أنه بلغه أنّ زهيرا هجا آل بيت من كلب من بني عليم بن جناب [12]، وكان بلغه عنهم شيء من وراء وراء، وكان رجل من بني عبد اللّه بن غطفان أتى بني عليم [13]، وأكرموه لمّا نزل بهم وأحسنوا جواره، وكان رجلا مولعا
__________
يعرفون به كما يعرف كل قوم بشعارهم. (عن «شرح الديوان» لثعلب).
[1] العسب: الضراب والنكاح أو هو ماء الفحل.
[2] المنيحة: العارية.
[3] في «شرح الأعلم»: «عسب».
[4] رواية «اللسان» في مادة شظظ: «جنحت».
[5] كذا في «الديوان». وأشظ: أنعظ واشتدّ. وفي الأصول: «أشد». والمسد: الحبل. والمغار: الشديد الفتل.
[6] يبربر: يصوت. والقبقاب: من القبقبة وهي هدير الفحل. والقطار (بضم أوله): وصف من القطر أي يسيل، وقيل عن أبي محمد:
المنتصب الرافع رأسه. (عن «شرح ثعلب»).
[7] كذا في ح و «الديوان» بشرح الأعلم. وفي «الديوان» بشرح ثعلب: «يغدو» بالغين المعجمة. وفي سائر الأصول: «يبدو».
[8] ورد هذا الشطر في «شرح الديوان» للأعلم الشنتمري هكذا: «و في حبال وفيّ غير مجهول». والحبال: العهود والذمم.
[9] في الأصول: «بالحاجز» بالزاي وهو تصحيف.
[10] كذا في «شرح ثعلب»، وقد صححه المرحوم الأستاذ الشنقيطي كذلك في نسخته، ويرجحه ما سيأتي في ص 312 من هذه الترجمة. وفي الأصول هنا: «الغابر».
[11] كذا في «شرح الديوان» لثعلب في الدخول على قصيدته الهمزية. وفي الأصول: «هو أبو يسار هذا» وهو تحريف.
[12] كذا في «شرح ثعلب» و «المعارف» لابن قتيبة. وفي الأصول: «حبان» وهو تحريف.
[13] في الأصول: «غليب» وهو تحريف.
بالقمار فنهوه عنه، فأبى إلّا المقامرة. قمر مرة فردّوا عليه، ثم قمر أخرى فردّوا عليه، ثم قمر الثالثة فلم يردّوا عليه، فترحّل عنهم وشكا ما صنع به إلى زهير، والعرب حينئذ يتّقون الشعراء اتقاء شديدا. فقال: ما خرجت في ليلة ظلماء إلّا خفت أن يصيبني اللّه بعقوبة لهجائي قوما ظلمتهم. قال: والذي هجاهم به قوله:
عفا من آل فاطمة الجواء ... فيمن فالقوام فالحساء [1]
فذو هاش [2] فميث عريتنات [3] ... عفتها الرّيح بعدك والسماء
جرت سنحا فقلت لها أجيزي ... نوى مشمولة فمتى اللّقاء
كأنّ أو ابد الثّيران فيها ... هجائن في مغابنها الطّلاء
لقد طالبتها ولكلّ شيء ... وإن طالت لجاجته انتهاء
وقد أغدو على شرب [4] كرام ... نشاوى واجدين لما نشاء
لهم طاس [5] وراووق ومسك ... تعلّ به جلودهم وماء
الجواء: أرض. ويمن والقوادم: في بلاد غطفان. والميث: جمع ميثاء. قال أبو عمرو: إذا كان مسيل الماء مثل نصف الوادي أو ثلثيه فهي ميثاء. والسماء ها هنا:/ المطر. والسّانح: ما أقبل من شمالك يريد يمينك. والبارح: ضدّه. وقال أبو عبيدة: سمعت يونس بن حبيب يسأل رؤبة عن السانح والبارح فقال: السانح:
ما ولّاك ميامنه. والبارح: ما ولّاك مشائمه. وأجيزي: انفذي. قال الأصمعيّ: يقال أجزت الوادي إذ قطعته وخلّفته، وجزته: إذا سرت فيه فتجاوزته. والأوابد: الوحشية. والهجائن: إبل بيض. والمغابن: الأرفاغ، واحدها مغبن.
ومشمولة: سريعة الانكشاف. أخذه من الريح الشّمال إذا كانت مع السحاب لم يلبث أن يذهب [6]. وجعل مشمولة ها هنا في النوى لأن نيّتهم كانت سريعة، فأحرى ذلك مجرى الذّمّ، فهذه السّنح.
غنّى في الأوّل والثاني والسابع معبد ثقيلا أوّل بالسبّابة في مجرى الوسطى عن إسحاق. وذكر عليّ بن يحيى أنّ للغريض فيها خفيف ثقيل. وذكر حبش أن فيه للهذليّ ثاني ثقيل بالوسطى. وفي الثالث والرابع مع بيت ليس لزهير أضيف إلى الشعر وهو:
بنفسي من تذكّره سقام ... أعالجه ومطلبه عناء
في [7] هذه الأبيات الثلاثة خفيف ثقيل أوّل بالوسطى في مجراها، ذكر إسحاق أنه للغريض،/ وغيره ينسبه إلى ابن سريج وإلى ابن عائشة. وفي الرابع والخامس لعلّويه رمل لا يشكّ فيه من عنائه.
__________
[1] الحساء: في بلاد غطفان.
[2] ذو هامش: موضع في بلاد غطفان.
[3] عريتنات: اسم واد.
[4] رواية «الديوان»:
وقد أغدو على ثبة كرام
والثبة: الجماعة من الناس.
[5] رواية «الديوان»: «لهم راح».
[6] في الأصول: «لم تلبث أن تذهب». وعبارة «لسان العرب»: « ... وقال ابن السكيت: مشمولة سريعة الانكشاف، أخذه من أن الريح الشمال إذا هبت بالسحاب لم يلبث أن ينحسر ويذهب».
[7] في الأصول: «و في».
طلب من خاله بشامة وهو يحتضر أن يقسم له من ماله فقال له أورثتك الشعر:
وقال ابن الأعرابيّ حدّثني أبو زياد، وذكر بعض هذا الخبر إسحاق الموصليّ عن حمّاد الرواية وعن ابن الكلبيّ عن أبيه قال:
/ وكان بشامة بن الغدير خال [زهير بن [1]] أبي سلمى، وكان زهير منقطعا إليه وكان معجبا بشعره. وكان بشامة رجلا مقعدا ولم يكن له ولد، وكان مكثرا من المال، ومن أجل ذلك نزل إلى هذا البيت في غطفان لخئولتهم. وكان بشامة أحزم الناس رأيا، وكانت غطفان إذا أرادوا أن يغزوا أتوه فاستشاروه وصدروا عن رأيه، فإذا رجعوا قسموا له مثل ما يقسمون لأفضلهم، فمن أجل ذلك كثر ماله. وكان أسعد غطفان في زمانه. فلما حضره الموت جعل يقسم ماله في أهل بيته وبين بني إخوته. فأتاه زهير فقال: يا خالاه لو قسمت لي من مالك!! فقال: واللّه يابن أختي لقد قسمت لك أفضل ذلك وأجزله. قال: وما هو؟ قال: شعري ورثتنيه، وقد كان زهير قبل ذلك قال الشعر، وقد كان أوّل ما قال. فقال له زهير: الشعر شيء ما قلته فكيف تعتدّ به عليّ؟
فقال له بشامة: ومن أين جئت بهذا الشعر! لعلك ترى أنّك جئت به من مزينة، وقد علمت العرب أن حصاتها وعين مائها في الشعر لهذا الحيّ من غطفان ثم لي منهم، وقد رويته [2] عنّي. وأحذاه [3] نصيبا من ماله ومات.
بشامة خاله شاعر مجيد وشيء من شعره:
وبشامة شاعر مجيد وهو الذي يقول:
صوت
ألا ترين وقد قطّعتني [4] قطعا ... ماذا من الفوت بين البخل والجود
إلّا يكن ورق يوما أراح به ... للخابطين فإنّي ليّن العود [5]
الغناء لإسحاق ثقيل أوّل بالبنصر، وقيل: إنه لإبراهيم.
طلق زوجته أم أوفى ثم ندم فقال شعرا:
قال ابن الأعرابيّ:
أمّ أوفى التي ذكرها زهير في شعره كانت امرأته، فولدت منه أولادا ماتوا، ثم تزوّج بعد ذلك امرأة أخرى، وهي أمّ ابنيه كعب وبجير؛ فغارت من ذلك وآذته، فطلّقها ثم ندم فقال فيها:
لعمرك والخطوب مغيّرات ... وفي طول المعاشرة التّقالي
لقد باليت مظعن أمّ أوفى ... ولكن أمّ أوفى ما تبالي [6]
__________
[1] وضعنا هذه التكملة لما تقدّم في ص 309.
[2] يحتمل أن يكون: «و قد ورثته عني».
[3] أحذاه: أعطاه.
[4] كذا في ب، س. وفي سائر الأصول: «قطعنني» بالنون. ويظهر أن الخطاب لزوجته أو للائمة تلومه في الكرم.
[5] يقال: راحت الريح الشيء إذا أصابته. ويقال: خبط الشجرة إذا شدها ثم نقض ورقها.
[6] في أ، م: «لا تبالي».
فأمّا إذ نأيت فلا تقولي ... لذي صهر أذلت ولم تذالي [1]
أصبت بنيّ منك ونلت منّي ... من اللّذات والحلل الغوالي
عانت امرأة ابنه سالما فمات فرثاه:
وقال ابن الأعرابيّ:
كان لزهير ابن يقال له سالم، جميل الوجه حسن الشّعر. فأهدى رجل إلى زهير بردين [2]، فلبسهما الفتى وركب فرسا له، فمرّ بامرأة من العرب بماء يقال له النّتاءة [3]، فقالت: ما رأيت كاليوم قطّ رجلا ولا بردين [2] ولا فرسا. فعثر به الفرس فاندقّت عنقه وعنق الفرس وانشقّ البردان [2]. فقال زهير يرثيه:
رأت رجلا لاقى من العيش غبطة ... وأخطأه فيها الأمور العظائم
وشبّ له فيها بنون وتوبعت ... سلامة أعوام له وغنائم
/ فأصبح محبورا [4] ينظّر حوله ... بغبطته [5] لو أنّ ذلك دائم
وعندي من الأيّام ما ليس عنده ... فقلت تعلّم أنّما أنت حالم [6]
/لعلّك يوما أن تراعى بفاجع ... كما راعني يوم النّتاءة سالم
قال ابن الأعرابيّ:
هو وقومه شعراء:
كان لزهير في الشعر ما لم يكن لغيره، وكان أبوه شاعرا، وخاله شاعرا، وأخته سلمى شاعرة، وابناه كعب وبجير شاعرين، وأخته الخنساء شاعرة، وهي القائلة ترثيه:
وما يغني توقّي الموت [7] شيئا ... ولا عقد التّميم ولا الغضار
- والغضار: كان أحدهم إذا خشي على نفسه يعلّق في عنقه خزفا أخضر -
إذا لاقى منيّته فأمسى ... يساق به وقد حقّ الحذار
ولا قاه من الأيّام يوم ... كما من قبل لم يخلد قدار [8]
وابن ابنه المضرّب [9] بن كعب بن زهير شاعر، وهو القائل:
__________
[1] أذال المرأة: هزلها وأهانها. وفي المثل: «أخيل من مذالة» وهي الأمة لأنها تهان وهي تتبختر من حمقها.
[2] في الأصول: «بردتين ... البردتان» قال ابن سيدة: البرد ثوب فيه خطوط وخص بعضهم به الوشي. والبردة: كساء يلتحف به، وقيل غير ذلك. (راجع «اللسان» في مادة برد).
[3] النتاءة: ماء لبني عميلة أو ماء لغني. وقال الحفصي. النتاءة نخيلات لبني عطارد. ويوم النتاءة من أيام العرب. («معجم البلدان» لياقوت).
[4] المحبور: المنعم. ومنه قوله تعالى: فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ
أي ينعمون. وينظر حوله أي ينظر حوله يمينا وشمالا.
[5] كذا في «معجم البلدان» في الكلام على النتاءة. وفي «الأصول»: «تغبطه». وفي «الديوان» بشرح ثعلب: «بمغبطة». ولم ترد هذه الأبيات في «شرح الأعلم».
[6] يخاطب ابنه. بقول: ما أنت فيه من السرور والشباب بمنزلة الحلم.
[7] في «اللسان» (في مادة غضر): «توقي المرء».
[8] قدار: هو قدار بن سالف عاقر الناقة.
[9] في «شرح القاموس» (في مادة ضرب): «و كمحدث (بكسر الدال المشددة) ومعظم (بفتح الظاء المشددة) لقب عقبة بن كعب بن
إني لأحبس نفسي وهي صادية ... عن مصعب ولقد بانت لي الطّرق
/ رعوى [1] عليه كما أرعى على هرم ... جدّي زهير وفينا ذلك الخلق
مدح الملوك وسعي في مسرّتهم ... ثم الغنى ويد الممدوح تنطلق
ما امتاز به شعره وكان سبب تقديمه:
أخبرني أبو خليفة عن محمد بن سلّام قال:
من قدّم زهيرا احتجّ بأنه كان أحسنهم شعرا، وأبعدهم من سخف، وأجمعهم لكثير من المعاني في قليل من الألفاظ، وأشدّهم مبالغة في المدح، وأكثرهم أمثالا في شعره.
مرثية ابنه سالم:
أخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد عن أبيه عن الأصمعيّ قال:
كان لزهير ابن يقال له سالم، وكان من أمّ كعب بن زهير؛ فمات أو قتل، فجزع عليه كعب [2] جزعا شديدا، فلامته امرأته وقالت: كأنه لم يصب غيرك من الناس! فقال:
رأت رجلا لاقى من العيش غبطة ... وأخطأه فيها الأمور العظائم
وشبّ له فيها بنون وتوبعت ... سلامة أعوام له وغنائم
فأصبح محبورا ينظّر حوله ... بغبطته لو أنّ ذلك دائم
وعندي من الأيّام ما ليس عنده ... فقلت له مهلا فإنك حالم
لعلك يوما أن تراعي بفاجع ... كما راعني يوم النّتاءة سالم
صوت
عزفت ولم تصرم وأنت صروم ... وكيف تصابي من يقال حليم
صددت فأطولت الصدود ولا أرى ... وصالا على طول الصّدود يدوم
/ عروضه من الطويل. عزفت عن الشي ء: إذا تركته وأبته نفسك. قال ابن الأعرابيّ: يقول لم تصرم صرم بتات. ولكن صرمت صرم دلال. وأطولت الصدود أي أطلته. وإنما قال هذا ضرورة [3]. الشعر للمرّار بن سعيد الفقعسيّ. والغناء لإسحاق رمل.
__________
- زهير. وبالوجهين ضبط في نسخة الصحاح». وفي كتاب «الشعر والشعراء» أنه شبب بامرأة من بني أسد فقال:
ولا عيب فيها غير أنك واجد ... ملاقيها قد ديثت بركوب
فضربه أخوها مائة ضربة بالسيف فلم يمت وأخذ الدية، فسمي المضرب.
[1] رعوى عليه: أي بقيا عليه؛ يقال: أرعى فلان على فلان إذا أبقى عليه.
[2] تقدم في ص 313 أن هذا الشعر قاله زهير في ابنه سالم.
[3] في «لسان العرب» (في مادة طول): «و أطلت الشيء وأطولت على النقصان والتمام بمعنى المحكم: وأطال الشيء وطوّله وأطوله:
جعله طويلا. وكأن الذين قالوا ذلك إنما أرادوا أن ينهبوا على أصل الباب. قال: فلا يقاس هذا إنما يأتي للتنبيه على الأصل».
13 - ذكر المرّار وخبره ونسبه
نسبه وكان قصيرا ضئيل الجسم:
هو المرّار بن سعيد بن حبيب بن خالد بن نضلة بن الأشيم بن جحوان [1] بن فقعس بن طريف بن عمرو بن قعين [2] بن الحارث بن ثعلبة [3] بن ذودان [4] بن أسد بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار. وأمّ المرار بنت مروان بن منقذ [5] الذي أغار على بني عامر بثهلان [6] فقتل منهم/ مائة بحبيب بن منقذ [5] عمّه [7]، وكانوا قتلوه.
وكان المرّار قصيرا مفرط القصر ضئيل الجسم. وفي ذلك يقول:
عدّوني الثعلب عند العدد ... حتى استثاروا بي إحدى الإحد [8]
ليثا هزبرا ذا سلاح معتدي [9] ... يرمي بطرف كالحريق الموقد
كان يهاجي المساور بن هند:
وكان يهاجي المساور بن هند بن قيس بن زهير بن جذيمة العبسيّ. وفيه يقول المرّار:
شقيت بنو سعد بشعر مساور ... إنّ الشقيّ بكلّ حبل يخنق
والمساور القائل فيه:
__________
[1] كذا في ج وهو الصحيح كما في «شرح القاموس» (في مادة حجو). وفي «سائر الأصول»: «هوازن» وهو تحريف.
[2] كذا في ح. وفي سائر الأصول: «معين» بالميم وهو تحريف.
[3] في جميع الأصول: «تغلب». والتصويب عن «شرح القاموس» (في مادتي قعن وجحو).
[4] كذا في أ، م و «نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب» للقلقشندي وقد أورده في باب الذال المعجمة مع الواو. وفي سائر الأصول:
«دودان» بالدال المهملة.
[5] كذا في ح. وفي أ، م: «منقد» بالدال المهملة. ويظهر أنه مصحف عن منقذ بالذال المعجمة إذ لم يسم بهذا الاسم. وفي ب، س:
«منقر» بالراء المهملة.
[6] ثهلان: جبل ضخم بالعالية عن أبي عبيدة. وقال نصر: ثهلان جبل لبني نمير بن عامر بن صعصعة بناحية الشريف به ماء ونخيل.
(عن «معجم البلدان» لياقوت).
[7] يلاحظ أنه أخوه لاعمه إلا أن يكون منقذ جدّ مروان وسقط اسم أبيه.
[8] إحدى الإحد: الأمر المنكر الكبير. قال الشاعر:
بعكاظ فعلوا إحدى الإحد
وإحدى الإحد الداهية. يقول: حسبوني من عداد الثعالب عند لقاء الأبطال أروغ عنهم ولا أكافحهم حتى استثاروا مني داهية.
[9] المعتدي: وصف من العدوان إلا أنه وقف على لغة ربيعة في تسكين المنصوب. وفي الأصول: «معند» بالنون وبدون ياء.
ويحتمل أن يكون مصحفا عن «معتد» وصف من أعتد الشيء إذا هيأه وأعده، وعلى هذا يكون وصفا للسلاح. ويرمي بطرف كالحريق الموقد: أراد أن عينه في غضبه حمراء كالنار الموقدة الملتهبة. (راجع «لسان العرب» في مادة أحد، «و خزانة الأدب» للبغدادي ج 3 ص 293 و294).
ما سرّني أنّ أمّي من بني أسد ... وأنّ ربّي ينجيني من النار
أو أنّهم زوّجوني من بناتهم ... وأنّ لي كلّ يوم ألف دينار
من مخضرمي الدولتين أغار هو وأخوه بدر على بني عبس ونهبا إبلهم فحبسهما الوالي:
والمرّار من مخضرمي الدولتين. وقد قيل: إنّه لم يدرك الدولة العبّاسيّة.
وقال هذه القصيدة وهو محبوس. ذكر محمد بن حبيب عن ابن الأعرابيّ عن المفضّل والكوفيّين:
أنّ المرّار بن سعيد كان أتى حصين بن برّاق من بني عبس، فوقف على بيوتهم فجعل يحدّث نساءهم وينشدهنّ الشعر. فنظروا إليه وهم مجتمعون على الماء فظنّوا أنه يعظهنّ. ثم انصرف من عند النساء حتى وقف على الرجال. فقال له بعضهم: أنت يا مرّار تقف على أبياتنا وتنشد النساء الشعر! فقال: إنّما كنت أسألهن.
فجرى بينه وبينهم كلام غليظ، فوثبوا عليه وضربوه وعقروا بعيره؛ فانصرف من عندهم إلى بني فقعس فأخبرهم الخبر، فركبوا معه حتى أتوا بني عبس فقاتلوهم فهزموهم، وفقأت بنو فقعس من بني عبس عينا وقتلوا رجلا ثم انصرفوا. فحمل أبو شدّاد النّصريّ لبني عبس مائتي بعير وغلّظوا عليهم في الدّية. ثم إنّ بدر بن سعيد أخا المرّار قال: قد استوفت عبس حقّها، فعلام أترك ضرب أخي وعقر جمله! فخرج حتى أتى جمالا لبني عبس في المرعى فرمى بعضها فعقرها ثم انصرف. فقال للمرّار: إنّه واللّه ما يقنع بهذا ولكن اخرج بنا. فخرجا حتى أغارا على إبل لبني عبس فطرداها وتوجها بها نحو تيماء [1]. فلمّا كانا في بعض الطريق انقطع بطان راحلة بدر/ فندر [2] عن رحله. فقال له المرّار: يا أخي أطعني وانصرف ودع هذه الإبل في النار، فأبى عليه. ثم سارا، فلمّا كانا في بعض الطريق عرض لهما ظبي أعضب [3] أحد القرنين. فقال المرّار لبدر: قد تطيّرت من هذا السفر، ولا واللّه ما نرجع من هذا السفر أبدا، فأبى عليه بدر. فتفرّقت عبس فرقتين في طلب الإبل، فعمدت فرقة إلى وادي القرى [4]، وفرقة إلى تيماء؛ فصادفوا الإبل بتيماء تباع، فأخذوا المرّار وبدرا فرفعوهما إلى الوالي. وعرفت سمات عبس على الإبل فدفعت إليهم، ورفع المرّار وأخوه إلى المدينة فضربا وحبسا، فمات بدر في الحبس.
فكلّمت عدّة من قريش زياد بن عبد اللّه النّصريّ في المرّار فخلّاه. وقال في حبسه:
صرمت ولم تصرم وأنت صروم
وهي طويلة.
مات أخوه بدر في الحبس فرثاه:
وقال يرثي أخاه بدرا:
ألا يا لقومي للتّجلّد والصبر ... وللقدر السّاري إليك وما تدري
/ وللشيء تنساه وتذكر غيره ... وللشيء لا تنساه إلّا على ذكر
__________
[1] تيماء: بليد في أطراف الشام بين الشام ووادي القرى على طريق حاج الشام ودمشق.
[2] ندر عن رحله: سقط.
[3] الأعضب: المكسور.
[4] وادي القرى: واد بين المدينة والشام من أعمال المدينة كثير القرى.
ومالكما بالغيب علم فتخبرا ... ومالكما في أمر عثمان من أمر
وهي طويلة، يقول فيها:
ألا قاتل اللّه المقادير والمنى ... وطيرا جرت بين السّعافات [1] والحبر [2]
وقاتل تكذيبي [3] العيافة بعد ما ... زجرت فما أغنى اعتيافي ولا زجري
/ تروّح فقد طال الثّواء وقضّيت ... مشاريط كانت نحو غايتها تجري
- المشاريط: العلامات والأمارات -
وما لقفول [4] بعد بدر بشاشة ... ولا الحيّ آتيهم ولا أوبة السّفر
تذكّرني بدرا زعازع حجرة [5] ... إذا عصفت إحدى عشيّاتها الغبر
- الزعازع: الشديدة الهبوب. والحجرة [5]: السنة الشديدة -
إذا شولنا [6] لم نؤت منها بمحلب ... قرى الضّيف منها بالمهنّد ذي الأثر
وأضيافنا إن نبّهونا ذكرته ... فكيف إذا أنساه غابرة الدهر
إذا سلّم السّاري تهلّل وجهه ... على كل حال من يسار ومن عسر
تذكّرت بدرا بعد ما قيل عارف [7] ... لما نابه يا لهف نفسي على بدر
إذا خطرت منه على النفس خطرة ... مرت [8] دمع عيني فاستهلّ على نحري
وما كنت بكّاء ولكن يهيج [9] لي ... على ذكره طيب الخلائق والخبر
أعينيّ إني شاكر ما فعلتما ... وحقّ لما أبليتماني بالشكر
سألتكما أن تسعداني فجدتما ... عوانين [10] بالتّسجام باقيتي [11] قطر
__________
[1] في «معجم البلدان»: «السعافات بضم أوله وبعد الألف فاء وآخره تاء مثناة من فوق موضع في قول المرار». واستشهد بهذا البيت.
[2] الحبر (بالكسر ثم السكون): اسم واد، كذا ذكره ياقوت في «معجم البلدان» واستشهد بأبيات من هذه القصيدة. وفي الأصول:
«الحجر» بالجيم.
[3] في ياقوت: «و قاتل تئريب العيافة».
[4] في ح: «و ما لقفولي».
[5] في الأصول: «حجرة» بتقديم الحاء المهملة على الجيم وهو تصحيف. وفي ياقوت: «لزبة» وسنة لزبة: شديدة.
[6] الشول: جمع شائلة، وهي من الإبل ما أتى عليها من وضعها أو حملها سبعة أشهر فارتفع ضرعها وخف لبنها. والمحلب: إناء يحلب فيه. والأثر (بالفتح وبالكسر وبضمتين): فرند السيف ورونقه. ورواية هذا البيت في كتاب «الشعر والشعراء». ص 441 طبع.
أوربا: «إذا شولنا لم نسع فيها بمرفد ... إلخ».
[7] عرف للأمر: صبر.
[8] مرت دمع عيني: أرسلته وأسبلته. واستهل: سال.
[9] في ب، س: «يهيجني».
[10] العوان: النصف في سنها من كل شيء. والحرب العوان: التي قوتل فيها مرة بعد أخرى، كأنهم جعلوا الأولى بكرا. والحرب العوان هي أشد الحروب. فلعله يريد أن عينيه سجمتا الدمع أي أسالتاه مرة بعد أخرى.
[11] كذا في كتاب «الشعر والشعراء». ووردت هذه الكلمة في الأصول مصحفة، ففي بعضها: «يا قنتي» وفي بعضها الآخر: «يا قبتي».
/
فلمّا شفاني اليأس عنه بسلوة ... وأعذرتما لابل أجلّ من العذر
نهيتكما أن تسهراني [1] فكنتما ... صبورين بعد اليأس طاويتي غبر
يقول: طويتما أغبار دمعكما. والأغبار: البقايا كأغبار اللّبن.
خرج حاجا وأضافه قرشي بالأبطح:
أخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد عن أبيه قال حدّثني رجل عن واصل بن زكريّا بن المرّار أنّ المرّار قال:
خرجت حاجّا فأنخت بناحية الأبطح، فجاء قوم فنحّوني عن موضعي وضربوا فيه قبّة لرجل من قريش.
فلمّا جاء وجلس أتيته فقلت:
هذا قعودي باركا بالأبطح ... عليه عكما [2] أكمر [3] لم تفتح
فقال: وما قصّتك؟ فأخبرته. فقال: واللّه لا تفتح منهما شيئا حتى تنصرف، فأقم معنا، يدك مع أيدينا، وقعودك مع أبا عرنا [4]. فو اللّه ما فتحت العدلين حتى انصرفت بهما إلى أهلي. فما هجاني أحد قطّ هجاءه.
حبس هو وأخوه بدر، وشعره في الحبس:
أخبرني هاشم بن محمد الخزاعيّ قال حدّثنا أبو غسّان دماذ عن أبي عبيدة قال أخبرني أبو موهب رتيل الزّبيري أحد بني زبير بن عمرو بن قعين قال:
كان المرّار بن سعيد وأخوه بدر لصّين، وكان بدر أشهر منه بالسرقة وأكثر غارات على الناس. فأغار بدر على ذود [5] لبعض بني غنم بن ذودان [6] فطردها، فأخذ/ ورفع إلى عثمان بن حيّان/ المرّيّ، وهو يومئذ على المدينة فحبسه. وطرد المرّار طريدة فأخذ معها وهو يبيعها بوادي القرى أو ببرمة [7]، فرفع إلى عثمان بن حيّان فحبسه. قال: فاجتمعا ومكثا في السجن مدّة؛ ثم أفلت المرّار وبقي بدر في السجن حتى مات محبوسا مقيّدا.
فقال المرّار وهو في الحبس:
أنار بدت من كوّة السّجن ضوءها [8] ... عشيّة حلّ الحيّ بالجرع [9] العفر
__________
[1] في كتاب «الشعر والشعراء»: «أن تشمتابي».
[2] العكم: العدل وهو الغرارة.
[3] أكمر: جمع كمر (بكسر الكاف وسكون الميم) نحو ذئب وأذؤب. وهذا الجمع سماعي في مثل هذا الوزن. والكمر من البسر: ما لم يرطب على نخلة ولكنه سقط فأرطب على الأرض.
[4] كذا في أ، م. وفي سائر الأصول: «أقاعدنا» وهذا الجمع لم يرد في «كتب اللغة» في جمع قعود.
[5] الذود: ثلاثة أبعرة إلى التسعة، وقيل إلى العشرة، وقيل غير ذلك. ولا يكون إلا من الإناث. وهو واحد وجمع كالفلك.
[6] راجع الحاشية رقم 4 ص 317 وغنم هو أخو ثعلبة المذكور في تلك الصفحة. (راجع كتاب «سبائك الذهب في معرفة قبائل العرب» للسويدي ص 58 طبع بغداد سنة 1270 هجرية).
[7] برمة (بكسر أوله): عرض من أعراض المدينة بين خيبر ووادي القرى.
[8] كذا في الأصول، بتأنيث الفعل لإضافة الفاعل إلى ضمير المؤنث.
[9] كذا في ح بالراء المهملة. والجرع بالتحريك: جمع جرعة بالتحريك أيضا وهي هنا الرملة العذاة الطيبة التي لا وعوثة فيها. وفي سائر الأصول: الجزع بالزاي المعجمة وهو تصحيف.
عشيّة حلّ الحيّ أرضا خصيبة ... يطيب بها مسّ الجنائب [1] والقطر
فيا ويلتا [2] سجن اليمامة أطلقا ... أسيركما ينظر إلى البرق ما يفري [3]
فإن تفعلا أحمد كما ولقد أرى ... بأنكما لا ينبغي لكما شكري
ولو فارقت رجلي القيود وجدتني ... رفيقا بنصّ العيس [4] في البلد القفر
جديرا إذا أمسى بأرض مضلّة [5] ... بتقويمها حتى يرى وضح الفجر
خاصم رجلا من قومه وسابه، وقال في ذلك شعرا:
وقال أبو عمرو الشّيبانيّ:
كان بين المرّار بن سعيد وبين رجل من قومه لحاء، فتقاذفا وتسابّا، ثم صارا إلى الضرب بالعصا؛ فقال في ذلك:
صوت
ألم تربع فتخبرك المغاني ... فكيف وهنّ مذ حجج ثمان
برئت من المنازل غير شوق ... إلى الدار التي بلوى أبان [6]
لإسحاق في هذين البيتين هزج بالخنصر في مجرى البنصر من كتاب ابن المكّيّ.
كان أخوه بدر شاعرا، وشيء من شعره:
وكان بدر بن سعيد [7] أخو المرّار شاعرا وهو الذي يقول:
صوت
يا حبّذا حين تمسي الريح باردة ... وادي أشيّ [8] وفتيان به هضم [9]
مخدّمون كرام في مجالسهم ... وفي الرّحال إذا لاقيتهم خدم
__________
[1] الجنائب: جمع جنوب وهي الريح التي تقابل الشمال. ومنه إذا جاءت الجنوب معها خير وتلقيح.
[2] هكذا في جميع الأصول: ويا ويلتا بمعنى يا فضيحتا. وقد أشكل علينا مرجع الضمير المثنى في قوله «أطلقا أسيركما». ولهذا يحتمل أن تكون هذه الكلمة محرفة عن مثل قوله «فيا حارسي سجن اليمامة» أو نحو ذلك.
[3] يفري: يشق؛ والبرق يشق الظلام.
[4] نص العيس: استحثاثها واستقصاء آخر ما عندها من السير.
[5] أرض مضلة (بفتح الضاد وتكسر): يضل فيها الطريق.
[6] أبان: يطلق على موضعين هما أبان الأبيض وأبان الأسود. فالأبيض شرقي الحاجر فيه نخل وماء وهو لبني فزارة وعبس.
والأسود: جبل لبني فزارة خاصة، وبينه وبين الأبيض ميلان. (عن «معجم البلدان» لياقوت).
[7] في «لسان العرب» (في مادة هضم) و «معجم البلدان» في الكلام على أشي وشعوب ونقم أن قائله زياد بن منقذ. وفي «شرح الحماسة» للتبريزي طبع أوربا ص 608 أن قائله زياد بن حمل بن سعد بن عميرة بن حريث ويقال زياد بن منقذ. ومثله في «لسان العرب» (في مادة أشى) غير أنه ورد فيه: «زياد بن حمد» بالدال محرفا.
[8] أشي: موضع بالوشم. والوشم: واد باليمامة؛ ذكر ذلك ياقوت واستشهد بالأبيات.
[9] هضم: جمع هضوم. وفتيان هضم: يهضمون المال أي يكسرونه وينفقونه.
وما أصاحب من قوم فأذكرهم ... إلّا يزيدهم حبّا إليّ هم [1]
الغناء لابن محرز ثاني ثقيل بالخنصر والبنصر عن ابن المكّيّ. وفيه لمتيّم خفيف رمل. وذكر حبش، أن الثقيل للهذليّ. وفيه لمحمد بن الحارث بن بسخنّر ثقيل أوّل عن الهشاميّ.
صوت
صوت ابن صاحب الوضوء في شعر النابغة:
خطاطيف حجن في حبال متينة ... تمدّ بها أيد إليك نوازع
فإن كنت لا ذا الضّغن عنّي مكذّبا ... ولا حلفي عند البراءة نافع
فإنك كالليل الذي هو مدركي ... وإن خلت أن المنتأى عنك واسع
عروضه من الطّويل. يقول: أنا في قبضتك متى شئت قدرت عليّ كأني في خطاطيف تجذبني إليك ولا أقدر على الهرب منك. ويروى «و إن خلت أن المنتوى» أي الموضع الذي أنتوي قصده. والمنتأى: المفتعل من النأي والحجن: المعوجّة. والنّوازع: الجواذب. والضّغن: الحقد.
الشعر للنابغة الذّبيانيّ. والغناء لآبن صاحب الوضوء من رواية إسحاق وعمرو ما خوريّ بالبنصر.
انتهى الجزء العاشر من كتاب الأغاني ويليه الجزء الحادي عشر وأوّله أخبار النابغة ونسبه
__________
[1] ارتفع «هم» الأخير بيزيد. وقد وضع الضمير المنفصل موضع المتصل؛ لأنه كان الوجه أن يقول إلا يزيدونهم حبا إليّ؛ ومثله لطرفة:
أصرمت حبل الحي إذ صرموا ... يا صاح بل ص؟؟؟ لوصال هم
(عن «شرح ديوان الحماسة» للتبريزي).
فهرس موضوعات الجزء العاشر
الموضوع الصفحة
- أخبار دريد بن الصمة ونسبه 243
- أخبار المعتضد في صنعة هذا اللحن وغيره من الأغاني 269
- أخبار إبراهيم بن العباس ونسبه 271
- صنعة أولاد الخلفاء الذكور منهم والإناث 290
- أخبار مروان بن أبي حفصة ونسبه 292
بعض أخبار إبراهيم بن المهدي 308
- أخبار أبي النجم ونسبه 344
- أخبار علية بنت المهدي ونسبها ونتف من أحاديثها 353
- أخبار أبي عيسى بن الرشيد ونسبه 370
وممن عرفت له صنعة من أولاد الخلفاء: عبد اللّه بن موسى الهادي 375
وممن رويت له صنعة من أولاد الخلفاء: عبد اللّه بن محمد الأمين 378
- أخبار عبد اللّه بن محمد ونسبه 379
وممن صنع من أولاد أبو عيسى بن المتوكل 382
- أخبار علي بن الجهم ونسبه 383
ومن صنعة أبي عيسى بن المتوكل 406
- أخبار أبي دلامه ونسبه 407
- أخبار عبد اللّه بن المعتز 434
أبيات من معلقة زهير 442
- نسب زهير وأخباره 443
- ذكر المرّار وخبره ونسبه 462
فهرس موضوعات الجزء العاشر 469
الجزء الحادي عشر
[تتمة التراجم]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ*
1 - أخبار النابغة ونسبه
نسب النابغة:
النابغة اسمه زياد بن معاوية بن ضباب بن جناب [1] بن يربوع بن غيظ بن مرّة بن عوف بن سعد بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس بن عيلان بن مضر. ويكنى أبا أمامة [2]. وذكر أهل الرّواية أنه إنما لقّب النّابغة لقوله:
فقد نبغت لهم منّا شؤون
من الطبعة الأولى:
وهو أحد الأشراف الذين غضّ الشعر منهم. وهو من الطبقة الأولى المقدّمين على سائر الشعراء.
سأل عمر بن الخطاب عن شعر فلما أخبر أنه له قال إنه أشعر العرب:
أخبرنا أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ وحبيب بن نصر المهلّبيّ قالا حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثنا أبو نعيم قال حدّثنا شريك عن مجاهد عن الشّعبيّ عن ربعيّ بن حراش قال:
/ قال عمر: يا معشر غطفان، من الّذي يقول:
أتيتك عاريا خلقا ثيابي ... على خوف تظنّ بي الظّنون
قلنا: النابغة. ذاك أشعر شعرائكم.
أخبرني أحمد وحبيب قالا حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثنا عبيد بن جنّاد قال حدّثنا معن بن عبد الرحمن عن عيسى بن عبد الرحمن السّلميّ عن جدّه عن الشّعبيّ قال: قال عمر: من أشعر الناس؟ قالوا: أنت أعلم يا أمير المؤمنين. قال: من الّذي يقول:
إلّا سليمان إذ قال الإله له [3] ... قم في البريّة فاحددها عن الفند [4]
وخبّر [5] الجنّ أنّي قد أذنت لهم ... يبنون تدمر [6] بالصّفّاح والعمد [7]
__________
[1] في «شرح التبريزي للمعلقات العشر»: «جابر بن يربوع» بدل «جناب بن يربوع».
[2] ويكنى أيضا: «أبا ثمامة». كني بابنتيه أمامة وثمامة. (راجع «شرح المعلقات العشر» للتبريزي وكتاب «الشعر والشعراء».)
[3] ويروى: «إذ قال المليك». (و الروايات المشار إليها هنا وفيما يأتي عن «شرح التبريزي للمعلقات العشر»).
[4] فاحددها: فامنعها. ويروى: «فازجرها». والفند: الخطأ.
[5] في «ج» و «ديوانه» و «شرح التبريزي»: «و خيس الجن إني إلخ» أي ذللهم.
[6] تدمر: مدينة قديمة مشهورة كانت ببرية الشام. وكانوا يزعمون أنها مما بنته الجن لسليمان عليه السلام.
[7] الصفاح (بالضم): حجارة دقاق عراض، واحدها صفاحة. والعمد (بفتحتين وبضمتين): جمع عمود.
قالوا: النابغة. قال: فمن الذي يقول:
أتيتك عاريا خلقا ثيابي ... على خوف تظنّ بي الظنون
قالوا: النابغة. قال: فمن الذي يقول:
حلفت فلم أترك لنفسك ريبة ... وليس وراء اللّه للمرء مذهب
لئن كنت قد بلّغت عنّي خيانة ... لمبلغك الواشي أغشّ وأكذب
/ ولست بمستبق أخا لا تلمّه [1] ... على شعث أيّ الرجال المهذّب
قالوا: النابغة. قال: فهو أشعر العرب.
أخبرنا أحمد قال حدّثنا عمر بن شبّه قال حدّثنا عبد الصمد بن عبد الوارث قال حدّثنا عمر بن أبي زائدة عن الشّعبيّ قال: ذكر الشّعر عند عمر؛ ثم ذكر مثله.
سئل ابن عباس عن أشعر الناس فأمر أبا الأسود بالجواب فذكره:
أخبرني أحمد قال حدّثنا عمر قال حدّثني عليّ بن محمد عن المدائنيّ عن عبد اللّه بن الحسن عن عمر بن الحباب عن أبي المؤمّل قال:
قام رجل إلى ابن عبّاس فقال: أيّ الناس أشعر؟ فقال ابن عباس: أخبره يا أبا الأسود الدّؤليّ: قال الذي يقول:
فإنّك كاللّيل الذي هو مدركي ... وإنّ خلت أنّ المنتأى [2] عنك واسع
حوار في شعر له في مجلس الجنيد بن عبد الرحمن:
أخبرني الحسين بن يحيى قال قال حمّاد قرأت على أبي جرير بن شريك بن جرير بن عبد اللّه البجليّ قال: كنّا عند الجنيد بن عبد الرحمن بخراسان وعنده بنو مرة وجلساؤه من الناس، فتذاكروا شعر النابغة حتى أنشدوا قوله:
فإنّك كاللّيل الذي هو مدركي ... وإن خلت أنّ المنتأي عنك واسع
/ فقال شيخ من بني مرّة: ما الّذي رأى في النّعمان حيث يقول له هذا! وهل كان النّعمان إلا على منظرة من مناظر الحيرة! وقالت ذلك القيسيّة فأكثروا. فنظر إليّ/ الجنيد وقال: يا أبا خالد! لا يهولنّك قول هؤلاء الأعاريض [3]! فأقسم باللّه أن لو عاينوا من النّعمان ما عاين صاحبهم لقالوا أكثر مما قال، ولكنهم قالوا ما تسمع وهم آمنون.
كان يجلس للشعراء بعكاظ فمدح شعر الخنساء وحواره مع حسان:
أخبرني حبيب بن نصر وأحمد بن عبد العزيز قالا حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثنا أبو بكر العليميّ قال حدّثني
__________
[1] استبقى الصاحب: عفا عن زلله فاستبقى مودّته. ولم الأمر: جمعه وأصلحه. والشعث (بالفتح وبالتحريك): انتشار الأمر وفساده؛ يقال: لم اللّه شعثه يلمه لما أي جمع ما تفرّق من أموره وأصلحه. وقوله «أي الرجال المهذب» يقول: وأي الناس لا تكون فيه خصلة غير مرضية.
[2] المنتأي: اسم مكان من انتأى إذا بعد.
[3] كذا في «الأصول»: ولعلها: «هؤلاء الأعاريب».
عبد الملك بن قريب [1] قال:
كان يضرب للنابغة قبّة من أدم بسوق عكاظ، فتأتيه الشعراء فتعرض عليه أشعارها. قال: وأوّل من أنشده الأعشى ثم حسّان بن ثابت ثم أنشدته الشعراء، ثم أنشدته الخنساء بنت عمرو بن الشّريد:
وإنّ صخرا لتأتمّ الهداة به ... كأنّه علم في رأسه نار
فقال: واللّه لو لا أنّ أبا بصير أنشدني آنفا لقلت إنك أشعر الجنّ والإنس. فقام حسّان فقال: واللّه لأنا أشعر منك ومن أبيك!. فقال له النابغة: يابن أخي، أنت لا تحسن أن تقول:
فإنّك كاللّيل الذي هو مدركي ... وإن خلت أنّ المنتأي عنك واسع
خطاطيف [2] حجن في حبال متينة ... تمدّ بها أيد إليك نوازع
قال: فخنس [3] حسّان لقوله.
تذاكر قوم الشعر وهم في الصحراء فإذا هم بجني يقول إنه أشعر الناس:
أخبرنا أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ وحبيب بن نصر المهلّبيّ قالا حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثنا الأصمعيّ قال حدّثنا أبو عمرو بن العلاء قال قال فلان لرجل سمّاه فأنسيته:
بينا نحن نسير بين أنقاء [4] من الأرض تذاكرنا الشعر، فإذا راكب أطيلس [5] يقول أشعر الناس زياد بن معاوية؛ ثم تملّس [6] فلم نره.
فضله أبو عمرو على زهير:
أخبرني أحمد قال حدّثنا عمر قال حدثنا الأصمعيّ قال سمعت أبا عمرو يقول: ما كان ينبغي للنابغة إلّا أن يكون زهير أجيرا له.
سأل عبد الملك عن شعر له في اعتذاره للنعمان وقال إنه أشعر العرب:
__________
[1] عبد الملك بن قريب: هو اسم الأصمعي الراوية المشهور.
[2] الخطاطيف: جمع خطاف (بالضم). وخطاف البئر: حديدة حجناء تستخرج بها الدلاء وغيرها. وحجن: معوجة، واحدها أحجن والأنثى حجناء ونوازع: جواذب. يقول: لك خطاطيف هذه صفتها أجرّ بها إليك. وهذا تمثيل. يريد أنه في قبضة يده وأنه لا مفرّ له منه.
[3] خنس: انقبض، أو رجع وتنحى.
[4] الأنقاء: جمع نقا وهو القطعة من الرمل تنقاد محدودبة. ويقال في تثنيته نقوان ونقيان.
[5] أطيلس: تصغير أطلس، وهو ما في لونه غيرة إلى السواد.
[6] تملس: تملص وأفلت.
أخبرني أحمد قال حدّثنا عمر قال عمرو بن المنتشر المراديّ:
وفدنا على عبد الملك بن مروان فدخلنا عليه، فقام رجل فاعتذر من أمر وحلف عليه. فقال له عبد الملك: ما كنت حريّا أن تفعل ولا تعتذر. ثم أقبل على أهل الشأم فقال: أيّكم يروي من اعتذار النابغة إلى النّعمان:
حلفت فلم أترك لنفسك ريبة ... وليس وراء اللّه للمرء مذهب
فلم يجد فيهم من يرويه؛ فأقبل عليّ فقال: أترويه؟ قلت نعم! فأنشدته القصيدة كلّها؛ فقال: هذا أشعر العرب.
سئل حماد بم تقدّم النابغة فأجاب:
أخبرنا حبيب بن نصر وأحمد بن عبد العزيز قالا حدّثنا عمر بن شبّة قال:
قال معاوية بن بكر الباهليّ قلت لحمّاد الراوية: بم تقدّم النابغة؟ قال: باكتفائك بالبيت الواحد من شعره، لا بل بنصف بيت، لا بل بربع بيت، مثل قوله:
/حلفت فلم أترك لنفسك ريبة ... وليس وراء اللّه للمرء مذهب
[كلّ نصف يغنيك عن صاحبه، وقوله: «أيّ الرجال المهذّب» ربع بيت يغنيك عن غيره [1]].
وهذه القصيدة العينيّة [2] يقولها في النّعمان بن المنذر يعتذر إليه بها وبعدّة قصائد قالها فيه تذكر في مواضعها.
ولقد اختلفت الرّواة في السبب الذي دعاه إلى ذلك.
كان أثيرا عند النعمان فدخل على زوجته المتجردة فوصفها:
فأخبرني حبيب بن نصر المهلّبيّ وأحمد بن عبد العزيز الجوهريّ قالا حدّثنا عمر بن شبّة عن أبي/ عبيدة وغيره من علمائمهم:
انّ النابغة كان كبيرا [3] عند النّعمان خاصّا به وكان من ندمائه وأهل أنسه؛ فرأى زوجته المتجرّدة يوما وغشيها تشبيها [4] بالفجاءة، فسقط نصيفها واستترت بيدها وذراعها، فكادت ذراعها تستر وجهها لعبالتها وغلظها؛ فقال قصيدته التي أوّلها:
أمن آل ميّة رائح [5] أو مغتدي ... عجلان ذا زاد وغير مزوّد
زعم البوارح أنّ رحلتنا غدا ... وبذاك تنعاب الغراب الأسود
لا مرحبا بغد ولا غير أنّ ركابنا ... لمّا تزل برحالنا وكأن قد
في إثر غانية رمتك بسهمها ... فأصاب قلبك غير أن لم تقصد [6]
__________
[1] التكملة عن «شرح الديوان» للوزير أبي بكر عاصم بن أيوب البطليوسي.
[2] هي قصيدته التي مطلعها:
عفا ذو حسا من فرتني فالفوارع ... فجنبا أريك فالقلاع الدوافع
[3] في «ج» أ، «كثيرا». ولعل صوابه: «كان أثيرا عند النعمان ... إلخ».
[4] لعله «شبيها بالفجاءة» أي غشيها غشيانا شبيها بالمفاجأة.
[5] رائح: خبر لمحذوف، والتقدير: أمن آل مية أنت رائح، كما قال الأصمعي.
[6] تقصد: تقتل؛ يقال: أقصد الشيء إذا ضربه أو رماه فمات مكانه.
بالدّرّ
والياقوت زيّن نحرها ... ومفضّل من لؤلؤ وزبرجد
/ عروضه من الكامل. وغنّاه أبو كامل من رواية حبش ثقيلا أول بالبنصر. وغنّاه الغريض من روايته ثاني ثقيل بالوسطى. وغنّاه ابن سريج من رواية إسحاق ثقيلا أوّل بالسبّابة في مجرى الوسطى.
قوله: أمن آل ميّة: يخاطب نفسه كالمستثبت. وعجلان: من العجلة، نصبه على الحال. والزاد في هذا الموضع: ما كان من تسليم وردّ نحيّة. والبوارح: ما جاء من ميامنك إلى مياسرك فولّاك مياسره. والسانح ما جاء من مياسرك فولّاك ميامنه؛ حكى ذلك أبو عبيدة عن رؤبة وقد سأله يونس عنه. وأهل نجد يتشاءمون بالبوارح، وغيرهم من العرب تتشاءم بالسانح وتتيمّن بالبارح؛ ومنهم من لا يرى ذلك شيئا؛ قال بعضهم [1]:
ولقد غدوت وكنت لا ... أغدو على واق وحاتم [2]
فإذا الأشائم كالأيا ... من والأيامن كالأشائم
وتنعاب الغراب: صياحه؛ يقال: نعب الغراب ينعب نعيبا ونعبانا، والتنعاب تفعال من هذا. وكان النابغة قال في هذا البيت: «و بذاك خبّرنا الغراب الأسود» ثم ورد يثرب فسمعه يغنّى فيه، فبان له الإقواء، فغيّره في مواضع من شعره.
كان يقوى فلما ذهب إلى يثرب تبين له هذا العيب فأصلحه:
وأخبرنا الحسين بن يحيى قال قال حماد بن إسحاق قرأت على أبي:
قال أبو عبيدة: كان فحلان من الشعراء يقويان: النابغة وبشر بن أبي خازم. فأمّا النابغة فدخل يثرب فهابوه أن يقولوا له لحنت وأكفأت [3]، فدعوا قينة وأمروها أن تغنّي في شعره ففعلت. فلمّا سمع الغناء و «غير مزوّد» و «الغراب الأسود» وبان له ذلك في اللحن فطن لموضع الخطأ فلم يعد. وأمّا بشر بن أبي خازم فقال له أخوه سوادة: إنّك تقوي. قال) وما ذاك؟ قال: قولك:
وينسي مثل ما نسيت جذام [4]
__________
[1] هو مرقش السدومي، وقيل: إنه لخزز (بضم ففتح) بن لوزان. (عن «لسان العرب»).
[2] الواقي (وزان القاضي) هنا: الصرد (بضم ففتح) وهو طائر فوق العصفور كانت العرب تتطير بصوته. والحاتم هنا: الغراب الأسود.
وقبل البيتين:
لا يمنعنك من بغا ... الخير تعقاد التمائم
وبعدهما:
وكذاك لا خير ولا ... شر على أحد بدائم
قد خط ذلك في ذلك في الزبو ... ر الأوّليات القدائم
«الزبور»: الكتب، واحدها زبر (بالكسر). (راجع «لسان العرب» مادتي وقى وحتم).
[3] الإكفاء في الشعر عند العرب: الفساد في قوافيه باختلاف الحركات أو الحروف القريبة المحارج بأن يكون روي القافية ميما ثم يجييء الرويّ في بعض القصيدة نونا. والإكفاء عند أهل العروض: اختلاف إعراب القوافي.
[4] في «الأصول»:
أمن الأحلام إذ صحبي نيام
والتصويب من «خزانة الأدب» (ج 2 ص 262)؛ فإن الشطر الأوّل في «الأصول» من الرمل، والثاني من الوافر. وتمام البيت الأوّل:
ألم تر أن طول الدهر يسلي ... وينسي مثل ما نسيب جذام
ثم قلت بعده «إلى البلد الشآم». ففطن فلم يعد.
أخبرنا أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ قال حدّثنا عمر بن شبة قال حدّثنا خلّاد الأرقط وغيره من علمائنا قالوا:
كان النابغة يقول: إنّ في شعري لعاهة ما أقف عليها. فلمّا قدم المدينة غنّي في شعره؛ فلمّا سمع قوله:
«و اتّقتنا باليد» و «يكاد من اللّطافة يعقد» تبيّن له لمّا مدّت «باليد» فصارت الكسرة ياء ومدّت «يعقد» فصارت الضمّة كالواو؛ ففطن فغيّره وجعله:
غنم على أغصانه لم يعقد
/ وكان يقول: وردت يثرب وفي/ شعري بعض العاهة، فصدرت عنها وأنا أشعر الناس. وقوله لا مرحبا: لا سعة؛ ونصبه ها هنا شبيه بالمصدر؛ كأنه قال لا رحب رحبا ولا أهل أهلا. وأزف: قرب.
قال: وقال في قصيدته هذه يذكر ما نظر إليه من المتجرّدة وسترها وجهها بذراعها:
صوت
سقط النّصيف ولم ترد إسقاطه ... فتناولته واتّقتنا باليد
بمخضّب رخص كأنّ بنانه ... عنم على أغصانه لم يعقد
ويفاحم رجل أثيث نبته ... كالكرم مال على الدّعام المسند
نظرت إليك بحاجة لم تقضها ... نظر السّقيم إلى وجوه العوّد
غنّاه ابن سريج، ولحنه من خفيف الثّقيل الأوّل بالوسطى عن عمرو. والنّصيف: الخمار، والجمع أنصفة ونصف.
والعنم، فيما ذكر أبو عبيدة، يساريع [1] حمر تكون في البقل في الربيع. وقال الأصمعيّ: الغنم: شجر يحمرّ وينعم [2] نبته. والفاحم: الشديد السواد. والرّجل: الذي ليس بجعد. والأثيث: المتكاثف؛ قال امرؤ القيس:
أثيث [3] كقنو النخلة المتعثكل
ويقال: شعر رجل ورجل. ويروى:
ورنت إليّ بمقلتي مكحولة
/ والمكحولة: البقرة. وقوله: لم تقضها: يعني المرأة أي لم تقدر على الكلام من مخافة أهلها، فهي كالسّقيم الذي ينظر إلى من يعوده.
غنّاه ابن سريج خفيف ثقيل أوّل بالوسطى على مذهب إسحاق من رواية عمرو بن بانة.
__________
- تمام البيت الثاني:
وكانوا قومنا فبغوا علينا ... فسقناهم إلى البلد الشآم
[1] اليساريع: جمع يسروع (بضم الياء وفتحها، ويقال فيها أسروع بضم الهمزة وفتحها) وهي دودة حمراء تكون في البقل، تشبه بها الأصابع.
[2] نعم العود (من باب فرح): أخضرّ ونضر.
[3] صدر البيت:
وفرع يغشى المتن أسود فاحم
والفرع: الشعر الطويل. والمتن: الظهر. والقنو: العذق (و هو من المخل كالعنقود من العنب). والمتعثكل: ذو العثاكيل (الشماريخ).
قال صالح بن حسان إنه كان مخنثا:
وأخبرنا محمد بن العبّاس اليزيديّ قال حدّثنا الخليل بن أسد قال حدّثنا العمريّ قال:
قال الهيثم بن عديّ قال لي صالح بن حسّان: كان واللّه النابغة مخنّثا. قلت: وما علمك به؟ أرأيته قط؟ قال:
لا واللّه!. قلت: أفأخبرت عنه؟ قال لا.
قلت: فما علمك به؟ قال: أما سمعت قوله:
سقط النّصيف ولم ترد إسقاطه ... فتناولته وأتّقتنا باليد
لا واللّه ما أحسن هذه الإشارة ولا هذا القول إلا مخنّث.
هروبه من النعمان إلى ملوك غسان واختلاف الرواة في سببه:
قال: فأنشدها النابغة مرّة بن سعد القريعيّ، فأنشدها مرّة النّعمان، فامتلأ غضبا فأوعد النابغة وتهدده؛ فهرب منه فأتى قومه، ثم شخص إلى ملوك غسّان بالشأم فامتدحهم. وقيل: إنّ عصام بن شهبر الجرميّ حاجب النّعمان أنذره [1] وعرّفه ما يريده النّعمان، وكان صديقه، فهرب. وعصام الذي يقول فيه الراجز:
نفس عصام سوّدت عصاما ... وعلّمته الكرّ والإقداما
وجعلته ملكا هماما
/ وقال من رويت عنه خبر النابغة: إنّ السبب في هربه من النّعمان أنّ عبد القيس بن خفاف التّميميّ ومرّة بن [2] سعد بن قريع السّعديّ عملا هجاء في النّعمان على لسانه، وأنشدا النّعمان منه أبياتا يقال فيها:
ملك يلاعب أمّه وقطينه ... رخو المفاصل أيره كالمرود
ومنه:
قبّح اللّه ثم ثنّى بلعن ... وارث الصائغ الجبان الجهولا
من يضرّ الأدنى ويعجز عن ضرّ الأقاصي ومن يخون الخليلا/
يجمع الجيش ذا الألوف ويغزو ... ثم لا يرزأ العدوّ فتيلا
يعني بوارث الصائغ النّعمان؛ وكان جدّه لأمّه صائغا بفدك [3] يقال له عطيّة. وأمّ النّعمان سلمى بنت عطيّة.
فأخبرني محمد بن العبّاس اليزيديّ قال حدّثني عمي عبيد اللّه عن ابن حبيب عن ابن الأعرابيّ عن المفضّل: أنّ مرّة بن سعد القريعيّ الذي وشى بالنابغة كان له سيف قاطع يقال له ذو الرّيقة من كثرة فرنده وجوهره، فذكر النابغة للنعمان، فأخذه. فاضطغن ذلك حتى وشى به إلى النّعمان وحرّضه عليه.
وأخبرنا الحسين بن يحيى عن حمّاد عن أبيه عن محمد بن سلّام عن يونس بن حبيب عن أبي عمرو بن العلاء، وأخبرنا إبراهيم بن أيّوب عن ابن قتيبة، وأخبرنا أحمد بن عبد العزيز عن عمر بن شبّة، قالوا جميعا:
__________
[1] أنذره: أعلمه.
[2] في «خزانة الأدب» (ج 1 ص 371 و427) و «شرح لديوانه»: «ابن ربيعة» بدل «ابن سعد».
[3] فدك: قرية بالحجاز من نواحي خيبر.
/ إنّ الذي من أجله هرب النابغة من النّعمان أنه كان والمنخّل بن عبيد بن عامر اليشكريّ جالسين عنده، وكان النّعمان دميما أبرش [1] قبيح المنظر، وكان المنخّل بن عبيد من أجمل العرب، وكان يرمى بالمتجرّدة زوجة النّعمان، ويتحدّث العرب أنّ ابني النّعمان منها كانا من المنخّل. فقال النّعمان للنابغة: يا أبا أمامة، صف المتجرّدة في شعرك؛ فقال قصيدته التي وصفها فيها ووصف بطنها وروادفها وفرجها. فلحقت المنخّل من ذلك غيرة، فقال للنّعمان: ما يستطيع أن يقول هذا الشعر إلّا من جرّبه. فوقر ذلك في نفس النّعمان. وبلغ النّابغة فخافه فهرب فصار في غسّان.
كان المنخل اليشكري يهوى هندا بنت عمرو بن هند فتغزل فيها فقتله:
قالوا: وكان المنخّل يهوى هندا بنت عمرو بن هند، وفيها يقول:
صوت
ولقد دخلت على الفتا ... ة الخدر في اليوم المطير
الكاعب الحسناء تر ... فل في الدّمقس وفي الحرير
فدفعتها [2] فتدافعت ... مشي القطاة إلى الغدير
ولثمتها فتنفّست ... كتنفّس الظّبي البهير [3]
- غنّاه إبراهيم الموصليّ من رواية عمرو بن بانة ثاني ثقيل بالوسطى على مذهب إسحاق.
/ وبدت [4] وقالت يا منخّل ما بجسمك من فتور؟
ما مسّ جسمي غير حبّك فاهدئي [5] عنّي وسيري
ولقد شربت من المدا ... مة بالكبير وبالصغير
فإذا سكرت فإنّني ... ربّ الخورنق والسّدير [6]
وإذا صحوت فإنّني ... ربّ الشّويهة والبعير
يا هند هل من نائل ... يا هند للعاني الأسير
وأحبّها وتحبّني ... وتحبّ [7] ناقتها بعيري
- وقال حمّاد بن إسحاق عن أبيه في كتاب أغاني ابن مسحج: في هذا الصوت لمالك ومعبد وابن سريج وابن
__________
[1] الأبرش: الذي في لونه اختلاف بأن تكون نقطة حمراء وأخرى سوداء أو غبراء أو نحو ذلك.
[2] في «الأغاني» في ترجمة «المنخل اليشكري» (ج 18 ص 154 طبعة بلاق): «دافعتها». وفي رواية هذه القصيدة هنا وفي ترجمة المنخل فيما سيأتي في «الأغاني» وفي كتاب «الشعر والشعراء». اختلاف في بعض الكلمات سنشير إلى بعضه ها هنا.
[3] البهير: الذي تتابع نفسه من الإعباء والتعب؛ يقال: انبهر وبهر (مبنيا للمجهول) فهو مبهور وبهير. ورواية البيت في كتاب «الشعر والشعراء»:
وعطفتها فتعطفت ... كتعطف الظبي الغرير
[4] في ترجمة «المنخل»: «ورنت». وفي كتاب «الشعر والشعراء»: «فترت».
[5] كذا في ح، أ، وترجمة «المنخل» فيما يأتي وكتاب «الشعر والشعراء». وفي سائر الأصول هنا: «فاعزبي».
[6] الخورنق والسدير: قصران، وقيل: هما نهران.
[7] في ترجمة «المنخل» وكتاب «الشعر والشعراء»: «و يحب».
محرز والغريض وابن مسحج لكلهم فيه ألحان - قال: فبلغ عمرا خبر المنخّل فأخذه فقتله. وقال المنخل قبل أن يقتله وهو محبوس في يده يحضّ قومه على طلب الثأر به:
/ظلّ وسط العراق قتلي بلا جر ... م وقومي ينتّجون السّخالا
رجع الخبر إلى سياقه. قالوا جميعا: فلمّا صار النّابغة إلى غسّان نزل بعمرو بن الحارث الأصغر بن الحارث الأعرج بن الحارث الأكبر بن أبي شمر [1] - وأمّ الحارث الأعرج مارية بنت ظالم بن وهب بن الحارث بن معاوية بن ثور بن مرتع [2] الكنديّة/ وهي ذات القرطين اللّذين يضرب بهما المثل فيقال لما يغلى به الثمن «[خذه ولو [3]] بقرطي مارية». وأختها هند الهنود امرأة حجر آكل المرار. وإيّاها عنى حسّان بقوله في جبلة بن الأيهم:
أولاد جفنة حول قبر أبيهم ... قبر ابن مارية الجواد المفضل
مدح عمرو بن الحارث الأصغر الغساني وأخاه النّعمان:
ولذلك خبر يأتي في موضعه - فمدحه النابغة ومدح أخاه النّعمان. ولم يزل مقيما مع عمرو حتى مات، وملك أخوه النّعمان؛ فصار معه إلى أن استطلعه [4] النّعمان فعاد إليه. فممّا مدح به عمرا قوله:
صوت
كليني لهمّ يا أميمة [5] ناصب ... وليل أقاسيه بطيء الكواكب
وصدر أراح الليل عازب همّه ... تضاعف فيه الحزن من كلّ جانب
تقاعس حتى قلت ليس بمنقض ... وليس الذي يهدي النّجوم بآئب
عليّ لعمرو نعمة بعد نعمة ... لوالده ليست بذات عقارب
عروضه من الطويل. غنّي في البيتين الأوّلين ابن محرز خفيف ثقيل أوّل بالبنصر على مذهب إسحاق من رواية عمرو. وغنّى فيه الأبجر من رواية حبش ثاني ثقيل بالوسطى. وغنّى مالك في البيت الرابع ثاني ثقيل بالسبابة في مجرى الوسطى من رواية هارون بن محمد بن عبد الملك الزيّات. وغنى في الأربعة الأبيات عبد اللّه ابن العبّاس الرّبيعيّ ماخوريّا عن حبش، وغنّى فيها طويس رملا بالوسطى بحكايتين عن حبش./ هكذا روي قوله «يا أميمة» مفتوح الهاء. قال الخليل: من عادة العرب أن تنادي المؤنّث بالترخيم فتقول يا أميم ويا عزّ ويا سلم؛ فلمّا لم يرخّم لحاجته إلى الترخيم [6] أجراها على لفظها مرخّمة [7] وأتى بها بالفتح. وكليني أي دعيني. ووكلته إلى كذا أكله وكالة [8].
__________
[1] يقال فيه أيضا شمر (بكسر أوله وسكون ثانيه). (راجع «خزانة الأدب» ج 1 ص 371).
[2] ضبطه الحافظ في «التبصير» كمحسن، وضبطه الصاغاني في «العباب» كمحدّث. (عن «القاموس وشرحه»).
[3] التكملة عن كتب الأمثال.
[4] استطلعه: طلب طلوعه إليه. يريد: استقدمه إليه.
[5] أميمة: تصغير أمامة وهي بنته. وأقاسيه: أكابده وأعالج طوله.
[6] لعل صوابه: «لحاجته إلى ترك الترخيم» لأن الترخيم هنا يفسد وزن الشعر.
[7] هذا رأي الجمهور، قالوا: إن أميمة مرخم، والأصل يا أميم، ثم دخلت الهاء غير معتد بها، وفتحت لأنها وقعت موقع ما يستحق الفتح وهو ما قبل هاء التأنيث. وفيه آراء أخرى مبسوطة في كتب النّحو.
[8] الذي في كتب اللغة أنه يقال: وكل الأمر إليه يكله وكلا ووكولا إذا سلمه إليه وتركه، ووكله إلى نفسه وكلا ووكولا. والوكالة (بالفتح وبالكسر أيضا): اسم من التوكيل.
وناصب [1]: متعب. وبطيء الكواكب أي قد طال حتى إن كواكبه لا تجري ولا تغور. أراح: ردّ. يقال أراح الرجل إبله أي ردّها. فيقول: ردّ هذا الليل إليّ ما عزب من همّي بالنهار؛ لأنه يتعلّل نهارا بمحادثة النّاس والتشاغل بغير الفكر، فإذا خلا بالليل راح إليه همّه. وتقاعس تأخّر؛ وأصل التقاعس الرجوع إلى خلف القهقري، فشبّه اللّيل في طوله بالمتقاعس. والذي يهدي النّجوم أوّلها، شبهها بهواديها [2]. وقوله «ليست بذات عقارب» أي لا يكدّرها ولا يمنّها.
/ ومما يغنّى فيه هذه القصيدة:
حلفت يمينا غير ذي مثنويّة [3] ... ولا علم إلّا حسن ظنّي [4] بصاحب
لئن كان للقبرين قبر بجلّق [5] ... وقبر بصيداء الذي عن حارب
وللحارث [6] الجفنيّ سيّد قومه ... ليلتمسن بالجيش دار المحارب
- غنّاه إسحاق خفيف ثقيل أوّل بالبنصر على مذهبه من رواية عمرو بن بانة عنه ومن رواية/ حبش. وغنّاه ابن سريج ثاني ثقيل بالبنصر. يقول: ليس لي علم بما يكون من صاحبي إلا أنّي أحسن الظنّ به. وقوله: «لئن كان للقبرين» يعني لئن كان عمرو ابنا للمدفونين في هذين القبرين، يعني قبر أبيه وجدّه وهما الحارث الأكبر والحارث الأعرج، ليلتمسنّ جيشه دار المحارب له؛ يحرّضه بذلك ويروي «أرض المحارب» -
ولا عبيب فيهم غير أنّ سيوفهم ... بهنّ فلول [7] من قراع الكتائب
إذا استنزلوا [8] عنهنّ للطعن أرقلوا ... إلى الموت إرقال الجمال المصاعب
__________
[1] أي فناصب بمعنى منصب من النّصب (بالتحريك) وهو التعب جيء به على طرح الزوائد. وحمله سيبويه على النّسب أي ذو نصب، كما يقال، طريق خائف أي ذو خوف. وقال أبو عمرو: همّ ناصب من قولك نصب به الهم أي حل. وقال ابن الأعرابي: نصب له الهم إذا كان لا يفارقه. (راجع «خزانة الأدب البغدادي» ج 1 ص 370، وشروح «ديوان» النابغة).
[2] في هذه الجملة غموض، قد يرجع إلى سهو النّساخ عن بعض الكلام. ومعنى «و ليس الذي يهدي النّجوم بآئب»، كما في شروح «الديوان»، أن الذي يهدي النّجوم ما يتقدّمها؛ إذ هادي كل شيء ما يتقدّمه. فقيل المراد به أوّل النّجوم، ومعنى كونه غير آئب: غير راجع إلى مسقطه ومغيبه. وقيل المراد بهادي النّجوم الشمس لأنها تتقدّم النّجوم في المغيب، ومعنى كونها غير آئبة: غير راجعة إلى مشرقها؛ فكأنه ليل لا نهار بعده. ويروى: «و ليس الذي يرعى النّجوم ... ».
[3] غير ذي مثنوية: حال من فاعل حلفت أي لم أستثن فيها.
[4] رواية «ديوان» النابغة وشروحه: «إلا حسن ظن» بتنكير الظن.
[5] جلق (بكسر الجيم وتشديد اللام مكسورة أو مفتوحة): موضع بالشام، وقيل: هو اسم مدينة دمشق نفسها، وقيل: اسم لكورة الغوطة كلها، وقيل موضع بقرية من قرى دمشق. وصيداء: مدينة على ساحل بحر الشام شرقي صور بينهما ستة فراسخ. وحارب: موضع.
[6] الحارث الجفني: هو الحارث بن أبي شمر الجفني الغساني.
[7] فلول: ثلوم. والقراع: المجالدة، يقال: قارعه مقارعة وقراعا. والكتيبة: الجيش أو القطعة منه. وهذا الضرب من الاستثناء يسميه أصحاب البديع تأكيد المدح بما يشبه الذم، ومثله:
فتى كملت أخلاقه غير أنه ... جواد فما يبقى من المال باقيا
[8] الضمير في «عنهن» للخيل في قوله:
على عارفات للطعان عوابس
وهو وارد في «الديوان» قبل هذا البيت مباشرة.
صوت
لهم شيمة لم يعطها اللّه غيرهم ... من النّاس والأحلام غير عوازب
على عارفات للطّعان عوابس ... بهنّ كلوم بين دام وجالب
ولا عيب فيهم غير أنّ سيوفهم ... بهن فلول من قراع الكتائب
إذا استنزلوا عنهنّ للطعن أرقلوا ... إلى الموت إرقال الجمال المصاعب
حبوت بها غسّان إذ كنت لاحقا ... بقومي وإذ أعيت عليّ مذاهبي
وجدت في كتاب لهارون بن محمد بن عبد الملك الزيّات في البيتين [1] والثالث والرابع لحنا منسوبا إلى معبد من خفيف الرمل بالوسطى. وأحسبه من لحن يحيى المكّيّ. الشّيمة: الطبيعة، وجمعها شيم. غير عوازب أي لا تعزب أحلامهم فتنفذ عنهم. وعارفات للطعان أي صابرات عليه عوّدت أن يحارب عليها. وعوابس كوالح. وجالب أي عليه جلبة وهي قشرة تكون على الجرح؛ يقال جلب الجرح يجلب جلوبا وأجلب إجلابا. والإرقال: مشي يشبه الخبب سريع. والمصاعب واحدها مصعب وهو الفحل الذي لم يمسسه الحبل وإنما يقتنى للفحلة، ويقال له قرم ومقرم. وقوله «حبوت بها» يعني بالقصيدة. وروى أبو عبيدة «إذ كنت لاحقا بقوم» وقال: يعني إذ كنت لاحقا بغيركم أي بقوم آخرين، فكنتم أحقّ بالمدح منهم.
قالوا: فنظر إلى النّعمان بن الحارث أخى عمرو وهو يومئذ غلام فقال:
هذا غلام حسن وجهه ... مقتبل الخير سريع التّمام
للحارث الأكبر والحارث ال ... أصغر والأعرج خير الأنام [2]
/ثم لهند ولهند فقد ... أسرع في الخيرات منه إمام [3]
خمسة آباء وهم ما هم ... هم خير من يشرب صوب الغمام [4]
غنّاه حنين خفيف رمل بالبنصر عن حبش.
فضله الشعبي على الأخطل في مواجهته في مجلس عبد الملك:
أخبرنا أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثنا هارون بن عبد اللّه الزبيريّ قال حدّثنا شيخ يكنى أبا داود عن الشعبيّ قال:
دخلت على عبد الملك بن مروان وعنده الأخطل وأنا لا أعرفه. فقلت حين دخلت: عامر بن شراحيل الشّعبيّ. فقال [5]: على علم ما أذنّا لك. فقلت في نفسي: خذ واحدة على وافد أهل العراق. فسأل عبد الملك
__________
[1] كذا في «الأصول» (؟).
[2] كذا في كتاب «الشعر والشعراء» و «خزانة الأدب». وفي «الأصول» هنا وفيما يأتي: «و الحارث خير الأنام».
[3] في كتاب «الشعر والشعراء» و «خزانة الأدب»:
........ وقد
ينجع في الروضات ماء الغمام
[4] في هذين المصدرين: «يشرب صفو المدام».
[5] أي الأخطل.
الأخطل: من أشعر النّاس؟ قال: أنا يا أمير المؤمنين. فقلت لعبد الملك: من هذا يا أمير المؤمنين؟ فتبسّم وقال:
هذا الأخطل. فقلت في نفسي: خذها ثنتين على وافد أهل العراق، فقلت: أشعر منك الذي يقول:
/هذا غلام حسن وجهه ... مستقبل الخير سريع التّمام
للحارث الأكبر والحارث ال ... أصغر والأعرج خير الأنام
خمسة آباء وهم ما هم ... هم خير من يشرب ماء الغمام
- والشعر للنابغة - فقال الأخطل: إنّ أمير المؤمنين إنما سألني عن أشعر أهل زمانه، ولو سألني عن أشعر أهل الجاهليّة لكنت حريّا أن أقول كما قلت أو شبيها به. فقلت في نفسي: خذها ثلاثا على وافد أهل العراق. (يعني أنه أخطأ ثلاث مرات). ونسخت هذا الخبر من كتاب أحمد بن الحارث الخرّاز ولم أسمعه من/ أحد، ووجدته أتمّ مما رأيت في كل موضع، فأتيت به في هذا الموضع وإن لم يكن من خاصّ خبر النّابغة لأنه أليق به. قال أحمد بن الحارث الخرّاز حدّثني المدائنيّ عن عبد الملك بن مسلم قال:
كتب عبد الملك إلى الحجّاج: إنه ليس شيء من لذّة الدنيا إلّا وقد أصبت منه، ولم يكن عندي شيء ألذّه إلا مناقلة الإخوان للحديث. وقبلك عامر الشّعبيّ، فابعث به إليّ يحدّثني. فدعا الحجّاج الشغبيّ فجهّزه وبعث به إليه وقرّظه وأطراه في كتابه. فخرج الشعبيّ، حتى إذا كان بباب عبد الملك قال للحاجب: استأذن لي. قال: من أنت؟
قال: أنا عامر الشعبيّ. قال: حيّاك اللّه! ثم نهض فأجلسني على كرسيّه. فلم يلبث أن خرج إليّ فقال: ادخل يرحمك اللّه. فدخلت، فإذا عبد الملك جالس على كرسيّ وبين يديه رجل أبيض الرأس واللّحية على كرسيّ، فسلّمت فردّ عليّ السلام، ثم أومأ إليّ بقضيبه فقعدت عن يساره، ثم أقبل على الذي بين يديه فقال: ويحك! من أشعر النّاس؟ قال: أنا يا أمير المؤمنين. قال الشعبيّ. فأظلم عليّ ما بيني وبين عبد الملك، فلم أصبر أن قلت: ومن هذا يا أمير المؤمنين الذي يزعم أنه أشعر النّاس؟! - قال: فعجب عبد الملك من عجلتي قبل أن يسألني عن حالي - قال: هذا الأخطل. فقلت: يا أخطل! أشعر واللّه منك الذي يقول:
هذا غلام حسن وجهه ... مستقبل الخير سريع التّمام
للحارث الأكبر والحارث ال ... أصغر والأعرج خير الأنام
ثم لهند ولهند فقد ... أسرع في الخيرات منه إمام
خمسة آباء وهم ما هم ... هم خير من يشرب صوب الغمام
فردّدتها حتى حفظها عبد الملك. فقال الأخطل: من هذا يا أمير المؤمنين؟ قال: هذا الشعبيّ. قال فقال: صدق واللّه يا أمير المؤمنين، النابغة واللّه أشعر منّي. فقال الشعبيّ: ثم أقبل عليّ فقال: كيف أنت يا شعبيّ؟ قلت: بخير يا أمير المؤمنين فلا زلت به. ثم ذهبت لأضع معاذيري لما كان من خلافي [1] على الحجاج مع عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث؛ فقال: مه [2]! إنّا لا نحتاج إلى هذا المنطق ولا تراه منّا في قول ولا فعل حتى تفارقنا. ثم أقبل عليّ فقال: ما تقول في النّابغة؟ قال قلت: يا أمير المؤمنين، قد فضّله عمر بن الخطّاب في غير موطن على الشعراء
__________
[1] كذا في «أمالي السيد المرتضى» (ج 3 ص 102 الطبعة الأولى بمطبعة السعادة بالقاهرة). وفي «الأصول»: « ... خلافي عن الحجاج».
[2] مه: اسم فعل بمعنى أكفف.
أجمعين، وببابه وفد غطفان فقال: يا معشر غطفان، أيّ شعرائكم الذي يقول:
حلفت فلم أترك لنفسك ريبة ... وليس وراء اللّه للمرء مذهب
/ لئن كنت قد بلّغت عنّي خيانة ... لمبلغك الواشي أغشّ وأكذب
ولست بمستبق أخا لا تلمّه ... على شعث أيّ الرجال المهذّب
قالوا: النابغة يا أمير المؤمنين. قال: فأيّكم الذي يقول:
فإنك كاللّيل الذي هو مدركي ... وإن خلت أن المنتأي عنك واسع
خطاطيف جحن في حبال متينة ... تمدّ بها أيد إليك نوازع
قالوا: النابغة. قال: فأيّكم الذي يقول:
إلى اين محرّق أعملت نفسي ... وراحلتي وقد هدت [1] العيون
أتيتك عاريا خلقا ثيابي ... على خوف تظنّ بي الظّنون
فألفيت الأمانة لم تخنها ... كذلك كان نوح لا يخون
قالوا: النابغة يا أمير المؤمنين. قال: هذا أشعر شعرائكم. قال: ثم أقبل على الأخطل فقال: أتحبّ أنّ لك قياضا [2] بشعرك شعر أحد من العرب أو [3] تحبّ أنك قلته؟ قال: لا واللّه يا أمير المؤمنين، إلّا أنّي وددت أن كنت قلت أبياتا قالها رجل منّا، كان واللّه ما علمت مغدف [4] القناع قليل السّماع قصير الذّراع. قال: وما قال؟ فأنشد قصيدته:
إنّ محيّوك فاسلم أيّها الطّلل ... وإن بليت وإن طالت بك الطّيل [5]
ليس الجديد به [6] تبقى بشاشته ... إلا قليلا ولا ذو خلّة يصل
والعيش لا عيش إلّا ما تقرّ به ... عين ولا حال إلّا سوف تنتقل
إن ترجعي من أبي عثمان منجحة [7] ... فقد يهون على المستنجح العمل
والناس من يلق خيرا قائلون له ... ما يشتهي ولأمّ المخطىء الهبل
قد يدرك المتأنّي بعض حاجته ... وقد يكون مع المستعجل الزلل
حتى أتى على آخرها. قال الشعبيّ: فقلت: قد قال القطاميّ أفضل من هذا. قال: وما قال؟ قلت قال:
__________
[1] أصله «هدأت» بالهمز، فسهلت الهمزة ثم حذفت لالتقاء الساكنين.
[2] كذا في «ج» و «أمالي السيد المرتضى». وفي سائر الأصول: «نياطا» وهو تحريف.
[3] كذا في «أمالي السيد المرتضى». وفي الأصول: «أم تحب».
[4] كذا في «أمالي السيد المرتضى». وقد وردت هذه الكلمة في «الأصول» محرفة؛ ففي بعضها: «مفرق القناع»، وفي بعضها: «مغرف القناع». وإغداف القناع: إرساله على الوجه.
[5] الطلل: ما شخص من آثار الديار. والطيل: جمع طيلة وهي الدهر.
[6] الضمير في «به» للدهر في بيت قبل هذا البيت وهو:
كانت منازل منا قد نحل بها ... حتى تغير دهر خائن خبل
[7] الخطاب لناقته. ومنجحة: ظافرة. والمستنجح: طالب النجاح.
طرقت
جنوب رحالنا من مطرق ... ما كنت أحسبها قريب المعنق [1]
/قطعت إليك بمثل جيد جداية [2] ... حسن معلّق تومتيه مطوّق
ومصرّعين من الكلال كأنما ... شربوا [3] الغبوق من الرّحيق المعرق
متوسّدين ذراع [4] كلّ نجيبة ... ومفرّج عرق المقذّ منوّق
وجثت [5] على ركب تهدّ بها الصّفا ... وعلى كلاكل كالنّقيل المطرق
وإذا سمعن إلى هماهم [6] رفقة ... ومن النجوم غوابر [7] لم تخفق
جعلت تميل خدودها آذانها ... طربا بهنّ إلى حداء السّوق
كالمنصتات إلى الغناء سمعنه ... من رائع لقلوبهن مشوّق
وإذا نظرن إلى الطريق رأينه ... لهقا [8] كشاكلة الحصان الأبلق
وإذا تخلّف بعدهنّ لحاجة ... حاد يشسّع نعله [9] لم يلحق
/ وإذا يصيبك والحوادث جمّة ... حدث حداك إلى أخيك الأوثق
/ لئن الهموم عن الفؤاد تفرّقت [10] ... وخلا التّكلّم للسّان المطلق
قال: فقال عبد الملك: هذا واللّه أشعر، ثكلت القطاميّ أمّه!. قال: فالتفت إليّ الأخطل فقال: يا شعبيّ، إن لك
__________
[1] وفي الأصول: «قريب المعنق». والتصويب من «ديوان القطامي» و «أمالي السيد المرتضى» و «لسان العرب». والمعنق: المكان الذي أعنقت منه. يقول: لم أظن أنها تقدر على أن تعنق وتسرع من هذا المكان. والعنق: ضرب من السير سريع؛ يقال عانق وأعنق إذا أسرع.
[2] الجداية (بالفتح ويكسر): الغزال. والتومة (بالضم): اللؤلؤة، والقرط فيه حبة كبيرة.
[3] في الأصول: «سمر والغبوق من الرحيق المغبق». والتصويب من «الديوان» و «لسان العرب» (مادة عرق). وفيهما «الطلاء» بدل الرحيق. والكلال: الإعياء والتعب. والغبوق: ما يشرب بالعشي، وهو أيضا الشرب بالعشي. والرحيق: من أسماء الخمر.
والمعرق: القليل الماء؛ يقال: أعرقت الكأس وعرّقتها (بتشديد الراء) إذا أقللت ماءها.
[4] في «لسان العرب» (مادة فرج): «زمام كل نجيبة»: والنجيبة من الإبل: الكريمة. والمفرج: ما بان مرفقه عن إبطه، وهي صفة ممدوحه في الإبل. والمقذ: ما خلف الأذن. وعرق (بضم ففتح): كثير العرق. وبعير منوّق: مذلل كأنه ناقة، أو هو الذي قد اختير وتنوّق فيه.
[5] جثا يجثو وجثى يجثي جثوا وجثيا (على فعول فيهما): جلس على ركبتيه. والصفا: جمع صفاة وهي الحجر الصلد الضخم.
والكلاكل: الصدور، واحدها كلكل. والنقيل: رقاع النعل والخف، واحدتها نقيلة. والمطرق: الذي وضع بعضه فوق بعض، أي هي شديدة كأنها نعال مرقعة.
[6] رواية «الديوان»: «فإذا سمعن هماهما من رفقة». والهماهم: جمع همهمة وهي الكلام الخفي أو ترديد الصوت في الصدر.
[7] كذا في «الديوان». وغوابر: بواق. تخفق: تغيب. وفي الأصول: «غوائر لم تلحق».
[8] كذا في «ج» و «الديوان». وفي سائر الأصول: «كهفا» وهو تحريف. واللهق (بكسر الهاء وفتحها): الشديد البياض. والشاكلة:
الخاصرة. والأبلق من الخيل: الذي ارتفع تحجيله إلى فخذيه.
[9] شسع نعله (بالتشديد): جعل لها شسعا. ومثله شسع (بالتخفيف) وأشسع. والشسع (بالكسر): أحد سيور النعل، وهو الذي يدخل بين الأصبعين ويدخل طرفه في الثقب الذي في صدر النعل.
[10] كذا في «الديوان». وفيه «تفرجت» بدل «تفرقت». وجواب القسم في البيت الذي بعده وهو:
لأعلقن على المطي قصائدا ... أذر الرواة بها طويلى المنطق
وفي «الأصول»: «ليت الهموم ... ».
فنونا في الأحاديث، وإنما لنا فنّ واحد؛ فإن رأيت ألّا تحملني على أكتاف قومك فأدعهم حرضا [1]!. فقلت: لا أعرض لك في شيء من الشعر أبدا، فأقلني في هذه المرّة. قال: من يتكفّل بك؟ قلت: أمير المؤمنين. فقال عبد الملك: هو عليّ ألّا يعرض لك أبدا؛ ثم قال: يا شعبيّ، أيّ نساء الجاهليّة أشعر؟ قلت: خنساء. قال: ولم فضّلتها على غيرها؟ قلت: لقولها:
وقائلة والنّعش [2] قد فات خطوها ... لتدركه يا لهف نفسي على صخر
ألا ثكلت أمّ الذين غدوا به ... إلى القبر! ماذا يحملون إلى القبر
فقال عبد الملك: أشعر منها واللّه التي تقول [3]: ... مهفهف [4] الكشح والسربال منخرق
عنه القميص لسير الليل محتقر ... / لا يأمن الناس ممساه ومصبحه
في كلّ فجّ وإن لم يغز ينتظر [5]
ثم قال: يا شعبيّ، لعلّك شقّ عليك ما سمعت. قلت: إي واللّه يا أمير المؤمنين أشدّ المشقّة. إني أحدّثك منذ شهرين لم أفدك [6] إلّا أبيات النابغة في الغلام. قال: يا شعبيّ، إنما أعلمتك هذا لأنه بلغني أنّ أهل العراق يتطاولون على أهل الشام، يقولون: إن كانوا غلبونا على الدولة فلم يغلبونا على العلم والرواية؛ وأهل الشأم أعلم بعلم أهل العراق من أهل العراق؛ ثم ردّ عليّ الأبيات أبيات ليلى [7] حتى حفظتها، ولم أزل عنده؛ فكنت أوّل داخل وآخر خارج. قال: فمكثت كذلك سنين [8]، وجعلني في ألفين من العطاء وعشرين رجلا من ولدي وأهل بيتي في ألفين ألفين؛ فبعثني إلى أخيه عبد العزيز بن مروان بمصر وكتب إليه: يا أخي، إني قد بعثت إليك الشعبيّ، فانظر هل رأيت مثله قطّ؟! ثم أذن فانصرفت.
__________
[1] الحرض (بالتحريك) الرديء من الناس. يريد: أجعلهم بهجائي من أراذل الناس. والحرض يوصف به المفرد مذكرا ومؤنثا والمثنى والجمع بلفظ واحد لأنه مصدر. ويقال رجل حرض (بكسر الراء) وحارض؛ وهذان الوصفان مؤنثان ويثنيان ويجمعان.
[2] في الأصول: «و الناس». والتصويب من «أمالي السيد المرتضى» (ج 3 ص 105).
[3] هي ليلى أخت المنتشر بن وهب الباهلي - وقيل الدعجاء أخته - ترثيه بقصيدة منها هذان البيتان. والذي في «الكامل» للمبرد أن هذين البيتين من قصيدة لأعشى باهلة يرثي بها المنتشر هذا.
[4] مهفهف الكشح: ضامره. وهفهفة السربال: رقته وخفته. ومنخرق عنه القميص أي «لا يبالي كيف كانت ثيابه لأنه لا يزين نفسه، إنما يزين حسبه ويصون كرمه. وقيل معناه أنه غليظ المناكب، وإذا كان كذلك أسرع الخرق إلى قميصه. وقيل:
أرادت أنه كثير الغزوات متصل الأسفار؛ فقميصه منخرق لذلك». بهذا شرح أبو زكريا التبريزي قول ليلى الأخيلية في «ديوان الحماسة»:
ومخرّق عنه القميص تخاله ... وسط البيوت من الحياء سقيما
[5] رواية «الكامل» للشطر الأوّل من البيت الأوّل:
مهفهف أهضم الكشحين منخرق
وللشطر الثاني من البيت الثاني:
من كل أوب وإن لم يأت ينتظر
[6] كذا في «ج»، و «أمالي السيد المرتضى». و «لم أفدك» جملة حالية وفي «أ، م»: «إلا أفدك إلا ... » وفي «ب، س»: «إني إن أحدثك» بزيادة «إن» قبل «أحدثك».
[7] تراجع الحاشية رقم 4 من ص 25 من هذا الجزء.
[8] في «ج»: «سنتين».
حديث حسان عنه حين وفد على النعمان:
أخبرني الحسين بن عليّ قال حدّثنا أحمد بن الحارث الخرّاز عن المدائنيّ، وأخبرني ببعضه أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ قال حدّثني عمر بن شبّة عن أبي بكر الهذليّ قال:
/ قال حسّان بن ثابت: قدمت على النّعمان بن المنذر وقد امتدحته، فأتيت حاجبه عصام بن شهبر فجلست إليه، فقال: إنّي لأرى عربيا، أفمن الحجاز أنت؟ قلت نعم. قال: فكن قحطانيّا. فقلت: فأنا قحطانيّ. قال: فكن يثربيا.
قلت: فأنا يثربيّ. قال: فكن خزرجيا. قلت: فأنا خزرجيّ. قال: فكن حسّان بن ثابت. قلت: فأنا هو. قال: أجئت بمدحة الملك؟ قلت نعم. قال: فإني أرشدك: إذا دخلت إليه فإنه يسألك عن جبلة بن الأيهم ويسبّه، فإيّاك أن تساعده على ذلك، ولكن أمرّ ذكره إمرارا لا توافق فيه ولا تخالف، وقل: ما دخول مثلي أيّها الملك بينك وبين جبلة وهو منك وأنت منه!. وإن دعاك إلى الطعام فلا تؤاكله، فإن أقسم عليك فأصب منه اليسير إصابة بارّ قسمه متشرّف بمؤاكلته لا أكل جائع سغب، ولا تطل محادثته، ولا تبدأه بإخبار عن شيء حتى يكون هو السائل لك، ولا تطل الإقامة في مجلسه. فقلت: أحسن اللّه رفدك! قد أوصيت واعيا. ودخل ثم خرج إليّ فقال لي: ادخل. فدخلت فسلّمت وحيّيت تحيّة الملوك. فجاراني من أمر جبلة ما قاله عصام كأنه/ كان حاضرا، وأجبت بما أمرني، ثم استأذنته في الإنشاد فأذن لي فأنشدته. ثم دعا بالطعام، ففعلت ما أمرني عصام به، وبالشراب ففعلت مثل ذلك. فأمر لي بجائزة سنيّة وخرجت.
فقال لي عصام: بقيت عليّ واحدة لم أوصك بها، قد بلغني أنّ النابغة الذّبيانيّ قدم [1] عليه، وإذا قدم فليس لأحد منه حظّ سواه، فاستأذن حينئذ وانصرف مكرّما خير من أن تنصرف مجفوا، فأقمت ببابه شهرا. ثم قدم عليه الفزاريّان وكان بينهما وبين النعمان دخلل (أي خاصّة) وكان معهما النابغة قد استجار بهما/ وسألهما مسألة النعمان أن يرضى عنه.
فضرب عليهما قبّة من أدم، ولم يشعر بأنّ النابغة معهما. ودّس النابغة قينة تغنيّه بشعره:
يا دار ميّة بالعلياء فالسّند
فلمّا سمع الشعر قال: أقسم باللّه إنه لشعر النابغة! وسأل عنه فأخبر أنه مع الفزارييّن، فكلّماه فيه فأمنه.
وقال أبو زيد عمر بن شبّة في خبره: لمّا صار معهما إلى النعمان كان يرسل إليهما بطيب وألطاف مع قينة من إمائه، فكانا يأمرانها أن تبدأ بالنابغة قبلهما. فذكرت ذلك للنّعمان، فعلم أنّه النابغة. ثم ألقى عليها شعره هذا وسألها أن تغنّيه به إذا أخذت فيه الخمر، ففعلت فأطربته، فقال: هذا شعر علويّ [2]، هذا شعر النابغة!. قال: ثم خرج في غبّ سماء، فعارضه الفزاريّان والنابغة بينهما قد خضب بحنّاء فقنأ [3] خضابه. فلما رآه النّعمان قال: هي بدم كانت أحرى أن تخضب. فقال الفزاريّان: أبيت اللّعن! لا تثريب [4]، قد أجرناه، والعفو أجمل. فأمّنه واستنشده أشعاره. فعند ذلك قال حسّان بن ثابت: فحسدته على ثلاث لا أدري على أيتّهن كنت له أشدّ حسدا:
على إدناء النّعمان له بعد المباعدة ومسامرته [5] له وإصغائه إليه، أم على جودة شعره، أم على مائة بعير من
__________
[1] لعله «قادم عليه».
[2] علوي (بالضم): نسبة إلى العالية على غير القياس، وهي ما فوق نجد إلى أرض تهامة إلى ما وراء مكة وقرى بظاهر المدينة.
[3] في «الأصول»: «فأفنأ». والتصويب من كتب اللغة. وقنوه الخضاب: اشتداد حمرته.
[4] التثريب: اللوم والتعيير بالذنب والتذكير به.
[5] في «ج»: «و مسايرته له».
عصافيره [1] أمر له بها.
قال أبو عبيدة: قيل لأبي عمرو: أفمن مخافته امتدحه وأتاه بعد هربه منه أم لغير ذلك؟ فقال: لا لعمر اللّه ما لمخافته فعل، إن كان لآمنا من أن يوجّه النعمان له/ جيشا، وما كانت عشيرته لتسلمه لأوّل وهلة، ولكنه رغب في عطاياه وعصافيره. وكان النابغة يأكل ويشرب في آنية الفضّة والذهب من عطايا النعمان وأبيه وجدّه، لا يستعمل غير ذلك. وقيل: إنّ السبب في رجوعه إلى النّعمان بعد هربه منه أنه بلغه عليل لا يرجى، فأقلقه ذلك ولم يملك الصبر على البعد عنه مع علّته وما خافه عليه وأشفق من حدوثه به، فصار إليه وألفاه محمولا [2] على سريره ينقل ما بين الغمر وقصور الحيرة. فقال لعصام بن شهبر حاجبه - فيما أخبرنا به اليزيديّ عن عمّه عبيد اللّه وابن حبيب عن ابن الأعرابيّ عن المفضّل - :
صوت
ألم أقسم عليك لتخبرنّي ... أمحمول على النّعش الهمام
فإنّي لا ألومك في دخولي ... ولكن ما وراءك يا عصام
فإن يهلك أبو قابوس [3] يهلك ... ربيع النّاس والشهر الحرام
ونمسك [4] بعده بذناب عيش ... أجبّ الظهر ليس له سنام
غنّاه حنين ثقيلا أوّل بالبنصر عن حبش.
قال أبو عبيدة: كانت ملوك العرب إذا مرض/ أحدهم حملته الرجال على أكتافها يتعاقبونه، فيكون كذلك على أكتاب الرجال، لأنه عندهم أوطأ من الأرض.
/ وقوله:
فإني لا ألومك في دخولي
أي لا ألومك في ترك الإذن لي في الدخول، ولكن أخبرني بكنه أمره. وقوله:
ربيع الناس والشهر الحرام
يريد أنه كالربيع في الخصب لمجتديه، وكالشهر الحرام لجاره، لا يوصل إلى من أجاره كما لا يوصل في الشهر الحرام إلى أحد.
__________
[1] العصافير: إبل نجائب كانت للملوك.
[2] في «الأصول»: مجموما على سريره وهو تحريف.
[3] أبو قابوس: كنية النعمان بن المنذر.
[4] نمسك معطوف على جواب الشرط في البيت الذي قبله، فيجوز فيه الجزم بالعطف، والنصب بأن مقدرة، والرفع على الاستئناف.
ويروى: «و نأخذ بعده». وذناب كل شيء (بكسر أوّله): عقبه ومؤخره. وأجب الظهر: مقطوع السنام، كأن سنامه قد جب أي قطع من أصله، يقال: بعير أجب، وناقة جباء. يقول: ونمسك بعده بطرف عيش قليل الخير بمنزلة البعير المهزول الذي ذهب سنامه وانقطع لشدّة هزاله. والأحسن في «الظهر» الجر بالإضافة، ويجوز في مثله الرفع على قبح، والنصب على ضعف. قال ابن مالك في الكافية:
والرفع والنصب حكوا والجرا ... في قول من قال أجب الظهرا
صوت
مما يغنى فيه من شعره:
رأيتك ترعاني [1] بعين بصيرة ... وتبعث حراسا عليّ وناظرا [2]
فآليت [3] لا آتيك إن كنت مجرما ... ولا أبتغي جارا سواك مجاورا
وأهلي فداء لامرىء إن أتيته [4] ... تقبّل معروفي وسدّ [5] المفاقرا [6]
ألا أبلغ النّعمان حيث لقيته ... وأهدي له اللّه الغيوث البواكرا
غنّاه خليد [7] الواديّ رملا بالبنصر من رواية حبش.
/ ومما يغنّى فيه من قصائد النابغة التي يعتذر فيها إلى التعمان:
صوت
يا دار ميّة بالعلياء فالسّند ... أقوت وطال عليها سالف الأمد
وقفت فيها أصيلانا أسائلها ... أعيّت جوابا وما بالرّبع من أحد
إلا الأواريّ لأيا ما أبيّنها ... والنّؤى كالحوّض بالمظلومة الجلد
ردّت عليه أقاصيه ولبّده ... ضرب الوليدة بالمسحاة في الثأد [8]
خلّت سبيل اتيّ كان يحبسه ... ورفّعته إلى السّجفين فالنّضد
أضحت خلاء وأضحى وأضحى أهلها احتملوا ... أخنى عليها الذي أخنى على لبد
الغناء لمعبد ثقيل أوّل بالسبّابة في مجرى البنصر عن إسحاق. وفيه لجميلة ثاني ثقيل بالبنصر عن عمرو وحبش.
قال الأصمعيّ: قوله «يا دار ميّة» يريد أهل دار ميّة، كما فال امرؤ القيس:
ألاعم صباحا أيّها الطّلل البالي
يريد أهل الطلل. وقال الفرّاء. إنما نادى الدار لا أهلها أسفا عليها وتشوّقا إلى أهلها وتمنّيه أن تكون أهلا.
__________
[1] ترعاني: تحرسني وتحفظني.
[2] في «شرح لديوانه» (طبع المطبعة الوهبية بمصر سنة 1293 ه): «و ناصرا».
[3] آليت: أقسمت. ومجرما: مذنبا، يقال: جرم فهو جارم، وأجرم فهو مجرم. بقول: أقسمت لا آتيك حتى أعتبك وأرضيك.
ويروي «محرما» بالحاء المهملة. أي لا أتيك ومعي حرمة من أحد. وقيل: معنى «محرم» داخل في الشهر الحرام، ومن دخل في الشهر الحرام أمن. أي لا آتيك في الشهر الحرام من خوفك ولكني آتيك في شهور الحل وأنا آمن بأمانك.
[4] في بعض نسخ «الديوان»: «إذ أتيته». قال الوزير أبو بكر عاصم بن أيوب البطليوسي: رواية الطوسي «إذ أتيته» وفسره فقال: «إذ لما مضى، وهو الآن غائب عنه، فأخبر بإتيانه إياه فيما مضى وإحسانه إليه».
[5] يريد بمعروفه الذي تقبله ثناءه عليه ومدحه إياه.
[6] يقال: سدّ اللّه مفاقره أي أغناه وسد وجوه فقره، لا واحد له من لفظه، وقيل: هو جمع فقر على غير قياس، كحسن ومحاسن.
[7] هو خليد بن عتيك أحد المغنين بوادي القرى. (راجع ص 280 س 12 ج 6 من هذه الطبعة).
[8] الكلام على حذف مضاف أي في موضع الثأد، وموضع الثأد التراب الندي المبلول، وهو إذا ضرب بالمسحاة التصق بعضه ببعض وانخفض.
والعلياء: المكان المرتفع بناؤه، يقال من ذلك علا يعلو وعلي يعلى، مثل حلا يحلو وحلي، وسلا يسلو وسلي يسلي. والسّند: سند الجبل وهو ارتفاعه حيث يسند فيه أي يصعد. أقوت: أقفرت وخلت من أهلها. وقال أبو عبيدة في قوله يا دارميّة ثم قال أقوت ولم يقل أقويت: إنّ من شأن العرب أن يخاطبوا الشيء ثم يتركوه ويكفّوا عنه.
وروي الأصمعيّ «أصيلانا [1]» وهو/ تصغير أصلان [2]. ويروي «عيّت [3] جوابا» أي عييت بالجواب. والأواريّ:
جمع آري [4]. ولأيا: بطئا. والمظلومة: التي لم يكن فيها أثر فحفر أهلها فيها حوضا، وظلمهم إيّاها إحداثهم فيها ما لم يكن فيها. شبّه النّؤى بذلك الحوض لاستدارته. والجلد: الأرض الصّلبة الغليظة من غير حجارة. وإنما جعلها جلدا لأنّ الحفر فيها لا يسهل. وقوله «ردّت عليه [5] أقاصيه» يعني أمة فعلت ذلك، أضمرها ولم يكن جرى لها ذكر. وأقاصيه: يعني أقاصي النّؤي على أدناه ليرتفع. ولبّده: طأمنه [6]. والوليدة: الأمة الشابّة. والثأد: النّدى.
والسبيل: الطريق. والأتيّ: النهر المحفور، والأتيّ: السيل من حيث كان. يقول: لمّا/ أفسدت طريق الأتيّ سهلّت له طريقا حتى جرى. ورفعته أي قدّمت الحفر إلى موضع السجفين، وليس رفعته ها هنا من ارتفاع العلوّ [7].
والسّجفان: ستران رقيقان يكونان في مقدّم البيت. والنّضد:/ ما نضد من المتاع. وأخنى: أفسد [8]. ولبد. آخر نسور لقمان التي اختار أن يعمّر مثل أعمارها، وله حديث ليس هذا موضعه.
صوت
أسرت [9] عليه من الجوزاء سارية ... تزجي الشمال عليه جامد البرد [10]
فارتاع من صوت كلّاب فبات له ... طوع الشّوامت من خوف ومن صرد
فبثّهن [11] عليه واستمرّ به ... صمع الكعوب بريّات من الحرد
__________
[1] ويروى «أصيلالا» بابدال النون لاما. ويروى «أصيلا كي أسائلها». ويروى «طويلا كي أسائلها».
[2] أصلان: قيل: إنه جمع أصيل وهو العشي، كرغيف ورغفان. ورد هذا القول بأنه لو كان جمع كثرة لما صح تصغيره، إذ يدل بصيغته على التكثير وبتصغيره على التقليل، فيكون المرء مكثرا مقللا، وهذا لا يكون، وأن الصحيح أنه مفرد بني من الأصيل على وزن الغفران والتكلان.
[3] هذه هي الرواية الصحيحة، يقال: عيّ بالجواب (بالإدغام) وعي بالجواب (بالتصحيح). وأما أعيا ففي المشي، يقال: أعيا الرجل في المشي فهو معي. وفي «لسان العرب» في الكلام على هذا البيت: «و لا ينشد أعيت جوابا».
[4] الأريّ: الآخية التي تشدّ بها الدابة.
[5] ويروي: «ردت» بضم الراء بالبناء للمفعول. وتنتفي على هذه الرواية ضرورة تسكين الياء في «أقاصيه»، وضرورة إضمار الفاعل من غير أن يجري له ذكر.
[6] طامنه: خفضة وسكنه.
[7] قال البطليوسي في شرحه «لديوانه»: «معنى البيت أن الأمة لما خافت من السيل على بيتها خلت سبيل الماء في الأتي بتنقيتها له من التراب كأنه كان انكبس فكنسته ومحت ما فيه من مدر وغير ذلك مما كان يحبس الماء فيه حتى بلغت بحفرها إلى موضع السجفين ... والهاء في رفعته تعود على النؤى أي قدمت النؤى حتى بلغت إلى سجفي البيت لتقى السجفين ومتاع البيت من السيل».
[8] قال التبريزي في «شرح المعلقات»: «أخنى: فيه قولان، أحدهما أن المعنى: أتى عليها. والقول الآخر، وهو الجيد، أن المعنى أفسد، لأن الخنا الفساد والنقصان».
[9] هذه رواية الأصمعي، ويروي أيضا: «سرت» بدون ألف وهي المناسبة لقوله «سارية». ويرى الأصمعي أنه جاء باللغتين.
[10] البرد (بالتحريل): حب الغمام.
[11] بثهن: فرقهن. وفاعل «استمر» «صمع الكعوب» أي مضت به كعوبه الصمع. يريد أنه جدّ وأسرع.
وكان ضمران [1] منه حيث يوزعه ... طعن المعارك عند المحجر النّجد
شكّ الفريصة بالمدرى فأنفذها ... طعن المبيطر إذ يشفى من العضد
غنى فيه إبراهيم الموصليّ هزجا بالبنصر من رواية عمرو بن بانة. وفيه لحن لمالك. يعني أنّ سحابة مرّت عليه ليلا وأن أنواء الجوزاء أسرت عليه بها. وتزجي: تسوق وتدفع. عليه أي على الثور [2]. والكلّاب: صاحب الكلاب. وقوله «بات له طوع/ الشوامت» أي بات له ما يسرّ السوامت اللّواتي شمتن [3] به. وصمع الكعوب: يعني قوائمه أنها لازقة محدّدة الأطراف ليست برهلات. وأصل الصّمع رقّة الشيء ولطافته. والحرد [4]: داء يعيبه، يقال بعير أحرد، وناقة حرداء. والمحجر: الملجأ. والنّجد [5]: الشجاع. والفريصة: مرجع الكتف إلى الخاصرة والمدري: القرن.
والمبيطر: البيطار. والعضد: داء يأخذ في العضد.
وفي لحن إبراهيم الموصليّ بعد «فارتاع من صوت كلّاب»:
كأنّ رحلي وقد زال النّهار بنا ... يوم الجليل على مستأنس [6] وحد
من وحش وجرة موشيّ أكارعه ... طاوي المصير كسيف الصّيقل الفرد
قال الأصمعيّ: زال النهار بنا أي انتصف. و «بنا» ها هنا في موضع «علينا». ومن روى «مستوجس» فإنه يعني أنه قد أوجس شيئا خافه [7] فهو يستوجس. والجليل [8]: الثّمام، واحدته جليلة. ووجرة: طرف السّيّ [9] وهي فلاة بين مرّان وذات عرق وهي/ ستون ميلا يجتمع فيها الوحش. وموشيّ أكارعه أي أنه أبيض في قوائمه نقط سود وفي وجهه سفعة [10]. وطاوي المصير: ضامر. والمصير المعى، وجمعه المصران. والفرد: المنقطع القرين، يقال:
فرد وفرد وفرد.
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثني إسحاق بن إبراهيم الموصليّ قال:
__________
[1] ضمران: اسم كلب: وكان الرياشي يرويه بالفتح عن الأصمعي. ويوزعه: يغريه. أي كان الكلب من الثور بالمكان الذي يغريه الكلاب، كما تقول للرجل: أنا حيث يحب. ونصب طعن بمحذوف أي طعنه طعن المعارك. والمعارك: المقاتل. يريد أنه لما دنا الكلب من الثور طعنه الثور فنشب في قرنه. وإذا ففي الكلام إيجاز بالحذف.
[2] الثور المذكور في قوله: «كأن رحلى ... إلخ» البيتين الآتيين، وهما مذكوران في «الديوان» قبل هذا البيت.
[3] هذا الشرح الذي ذكره المؤلف إنما هو على رواية «طوع الشوامت» بالرفع. قال ابن السكيت في بيان هذه الرواية: يقول بات له ما أطاع شامته من البرد والخوف أي بات له ما تشتهي شوامته. قال: وسرورها به هو طوعها، ومن ذلك يقال: اللهم لا تطيعن بي شامتا أي لا تفعل بي ما يحب فتكون كأنك أطعته. ويروي «طوع الشوامت» بالنصب. والشوامت على هذه الرواية هي القوائم، واحدتها شامتة. يقول: فبات له الثور طوع شوامته أي قوائمه أي بات قائما. (راجع «لسان العرب» في مادة شمت).
[4] الحرد: استرخاء عصب في يدي البعير من شد العقال وربما كان خلقه. وإذا كان به هذا الداء نفض يديه وضرب بهما الأرض ضربا شديدا.
[5] هذا على رواية ضم الجيم، وهو حينئذ صفة للمعارك. ويروي «النجد» بكسر الجيم وصفا من النجد (بالتحريك) وهو العرق من عمل أو كرب أو غيره. وهو على هذه الرواية يكون وصفا للمحجر، أي المحجر المكروب.
[6] قال ابن الأعرابي: الاستئناس: النظر والتوجس كأنه يخاف الإنس.
[7] في «الأصول»: «عاقه» وهو تحريف.
[8] والجليل أيضا: اسم موضع ينبت فيه الثمام، ولعله هو المراد.
[9] السيّ (بكسر أوله): موضع بتلك الجهة التي ذكرها المؤلف.
[10] السفعة: السواد أو هي سواد مشرب حمرة.
غنّى مخارق بين يدي الرشيد:
سرت عليه من الجوزاء سارية
فلمّا بلغ إلى قوله:
فارتاع من صوت كلّاب فبات له
قال: فارتاع (بضم العين)، فأردت أن أردّ عليه خطأه، ثم خفت أن يغضب الرشيد ويظنّ أنّي حسدته على منزلته منه وأردت إسقاطه. فالتفت إليه بعض من حضر - أظنّه قال محمد بن عمر الروميّ - فقال له: ويلك يا مخارق! أتغنّي بمثل هذا الخطأ القبيح لسوقة فضلا عن الملوك! ويلك! / لو قلت: «فارتاع» كان أخفّ على اللسان وأسهل من قولك «فارتاع». فخجل مخارق، وكفيت ما أردته بغيري. قال: وكان مخارق لحّانا.
ومنها:
صوت
قالت ألا ليتما هذا الحمام [1] لنا ... إلى حمامتنا ونصفه فقد
يحفّه جانبا نيق وتتبعه ... مثل الزّجاجة لم تكحل من الرّمد
/ فحسبوه فألفوه كما حسبت [2] ... تسعا وتسعين لم تنقص ولم تزد
فكمّلت مائة فيها حمامتها ... وأسرعت حسبة في ذلك العدد
غنّاه ابن سريج خفيف ثقيل عن الهشاميّ. هذا خبر روي عن زرقاء اليمامة [3]، ويروى عن بنت الخسّ [4].
أخذ معنى لزرقاء اليمامة:
حدثنى محمد بن العباس اليزيدي قال سمعت أبا العباس محمد بن الحسن الأحول يقول: هذا أخذه النابغة من زرقاء اليمامة، قالت:
ليت الحمام ليه ... ونصفه قديه [5]
إلى حماميته ... تمّ الحمام ميه
فسلخه النابغة. وقال الأصمعيّ: سمعت أناسا من أهل البادية يتحدّثون أنّ بنت الخسّ كانت قاعدة في جوار، فمرّ بها قطا وارد في مضيق من الجبل، فقالت:
يا ليت ذا القطاليه ... ومثل نصف معيه
إلى قطاة أهليه ... إذا لنا قطا ميه
__________
[1] يروي بنصب الحمام على أن «ليت» عاملة، ويروي بالرفع على أنها مكفوفة عن العمل بما.
[2] ويروي: «كما زعمت».
[3] زرقاء اليمامة: امرأة من بقايا طسم وجديس كانت حديدة النظر وكانوا يزعمون أنها تبصر مسيرة ثلاثة أيام.
[4] بنت الخس: امرأة من إياد كانت مشهورة بالفصاحة، اسمها هند، وقيل: جمعة.
[5] قديه: حسبي، والهاء الساكنة للسكت.
وأتبعت فعدّت على الماء فإذا هي ستّ وستّون. وقوله: «فقد» أي فحسب. ويحفّه [1] أي يكون من ناحية هذا الثّمد، يقال: حفّ القوم بالرجل أي اكتنفوه./ والنّيق: الجبل. ومثل الزجاجة: يريد عينا صافية كصفاء الزجاجة.
الحسبة: الهيئة التي تحسب، يقال: ما أحسن حسبته، مثل الجلسة واللّبسة والرّكبة.
ومنها:
صوت
نبّئت أنّ أبا قابوس أو عدني ... ولا قرار على زأر من الأسد
مهلا فداء لك الأقوام كلّهم ... وما أثمّر من مال ومن ولد
إن كنت قلت الذي بلّغت معتمدا ... إذا فلا رفعت سوطي إليّ يدي
هذا الثناء فإن تسمع به حسنا ... فلم أعرّض أبيت اللّعن بالصّفد
غنّاه الهذليّ، ولحنه من الثقيل الأوّل عن الهشاميّ. أثمّر: أصلح وأجمع. والزّأر: صياح الأسد، يقال: زأر زئيرا وهو الزأر. والصّفد [2]: العطيّة، يقال: أصفده يصفده إصفادا إذا أعطاه، وصفده يصفده صفدا [3] إذا أوثقه.
رواية أخرى في حديث حسان عنه حين وفد على النعمان:
أخبرنا أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثني الصّلت بن مسعود قال حدّثنا أحمد بن شبّويه عن سليمان بن صالح عن عبد اللّه بن المبارك عن فليح بن سليمان عن رجل قد سمّاه عن حسّان بن ثابت، ونسخت من كتاب ابن أبي خيثمة عن أبيه عن مصعب الزبيريّ قال قال حسّان بن ثابت، وأخبرنا محمد بن العباس اليزيديّ قال حدّثني عمّي يوسف بن محمد عن عمه إسماعيل/ بن أبي محمد قال قال أبو عمرو الشيبانيّ قال حسان بن ثابت - وقد جمعت رواياتهم وذكرت اختلافهم فيها، وأكثر اللفظ للجوهريّ - قال: خرجت إلى النّعمان بن المنذر، فلقيت رجلا - وقال اليزيديّ في خبره: فلقيت صائغا من أهل فدك - فلما رآني/ قال: كن يثربيا، فقلت: الأمر كذلك. قال: كن خزرجيا، قلت: أنا خزرجيّ. قال: كن نجّاريا، قلت: أنا نجّاريّ. قال: كن حسّان بن ثابت، قلت: أنا هو. فقال: أين تريد؟ قلت: إلى هذا الملك. قال: تريد أن أسدّدك إلى أين تذهب ومن تريد؟ قلت نعم. قال: إن لي به علما وخبرا. قلت: فأعلمني ذلك. قال: فإنك إذا جئته متروك شهرا قبل أن يرسل إليك ثم عسى أن يسأل عنك رأس الشهر، ثم إنك متروك أخر بعد المسألة ثم عسى أن يؤذن لك. فإن أنت خلوت [4] به وأعجبته فأنت مصيب منه خيرا، فأقم ما أقمت، فإن رأيت أبا أمامة فاظعن، فلا شيء لك عنده. قال:
فقدمت ففعل بي ما قال الرجل ثم أذن لي وأصبت منه مالا كثيرا ونادمته وأكلت معه. فبينا أنا على ذلك وأنا معه في قبّة له إذا رجل يرتجز حولها:
__________
[1] يريد الشاعر أن جانبي الجبل أحاطا بالحمام فكان الحمام بينهما. قال الأصمعيّ: «إذا كان الحمام بين جانبي نيق ضاق عليه فركب بعضه بعضا أشدّ لعده وجزره، وإذا كان في موضع واسع كان أسهل لعده، فكان أحكم لها إذا أصابته في هذه الحال». وبهذا يعلم ما في الأصول لشرح كلمة «بحقه» هنا من غموض.
[2] ويقال فيه أيضا الصفد (بسكون الفاء).
[3] ومثله صفده تصفيدا.
[4] في «الأصول»: «خلوته». والذي في كتب اللغة أنّه يقال: خلا الرجل بصاحبه وإليه ومعه، إذا اجتمع معه في خلوة.
أصمّ أم يسمع ربّ القبّه ... يا أوهب الناس لعنس [1] صلبه
ضرّابة بالمشفر الأذبّه [2] ... ذات هباب [3] في يديها جلبة [4]
في لاحب [5] كأنّه الأطبّه
- وفي رواية اليزيدي «في يديها خدبة [6]» أي طول واضطراب. والأطبّة: جمع طباب [7] وهو الشّراك يجمع فيه بين الأديمين في الخرز. وقال عمر بن شبّة في خبره: قال/ فليح بن سليمان: أخذت هذا الرجز عن ابن دأب - قال فقال: أليس بأبي أمامة؟ قالوا بلى. قال: فأذنوا له. ودخل فحيّاه وشرب معه. ثم وردت النّعم السّود، ولم يكن لأحد من العرب بعير أسود يعرف مكانه ولا يفتحل أحد بعيرا أسود غير النعمان. فاستأذنه في أن ينشده كلمته على الباء، فأذن له أن ينشده قصيدته التي يقول فيها:
فإنّك شمس والملوك كواكب ... إذا طلعت لم يبد منهن كوكب
ووردت عليه مائة من الإبل السّود الكلبيّة فيها رعاؤها وبيتها وكلبها، فقال: شأنّك بها يا أبا أمامة، فهي لك بما فيها. قال حسّان. فما أصابني حسد في موضع ما أصابني يومئذ، وما أدري أيّما كنت أحسد له عليه: ألما أسمع من فضل شعره، أم ما أرى من جزيل عطائه، فجمعت جراميزي [8] وركبت إلى بلادي. وقد روى الواقديّ عن محمد بن صالح الخبر فذكر أن حسّان قدم على جبلة بن أبي شمر، ولعله غلط. أخبرنا به محمد بن العبّاس اليزيديّ قال حدّثني عمّي يوسف قال حدّثني عمّي إسماعيل عن الواقديّ عن محمد بن صالح قال:
كان حسّان بن ثابت يقدم على جبلة بن الأيهم سنة ويقيم سنة في أهله. فقال: لو وفدت على الحارث، فإن له قرابة ورحما بصاحبي، وهو أبذل الناس لمعروف، وقد يئس منّي أن أقدم عليه لما يعرف من انقطاعي إلى جبلة.
فخرجت في السنة التي كنت أقيم فيها بالمدينة حتى قدمت على الحارث وقد هيّأت مديحا. فقال لي حاجبه وكان لي ناصحا: إنّ الملك قد سرّ يقدومك/ عليه، وهو لا يدعك حتى تذكر جبلة. فإيّاك أن تقع فيه فإنه يختبرك، فإنّك إن وقعت فيه زهد فيك وإن ذكرت محاسنه ثقل عليه، فلا تبتدىء بذكره، فإن سألك عنه فلا تطنب/ في الثناء عليه ولا تعبه، امسح ذكره مسحا وجاوزه. وإنه سوف يدعوك إلى الطعام وهو يثقل عليه أن يؤكل طعامه أو يشرب شرابه، فلا تضع يدك في شيء حتى يدعوك إليه. فشكرت له ذلك. ثم دعاني فسألني عن البلاد والناس وعن عيشنا في الحجاز وكيف ما بيننا من الحرب، وكلّ ذلك أخبره، حتى انتهى إلى ذكر جبلة فقال: كيف تجد جبلة، فقد انقطعت إليه وتركتنا؟ فقلت له: إنما جبلة منك وأنت منه، فلم أجر معه في مدح ولا ذمّ، وفعلت في الطعام
__________
[1] في ج، م: «لعيس». والعنس: الناقة القوية. والعيس من الإبل: التي تضرب إلى الصفرة أو هي البيض مع شقرة يسيرة، واحدها أعيس والأنثى عيساء.
[2] الأذبة: جمع قلة الذباب.
[3] الهباب (بالكسر): النشاط والسرعة، يقال: هب يهب (بالكسر) هبا وهبوبا وهبابا إذا نشط وأسرع. وفي «الأصول»: «ذات هيات» وهو تصحيف.
[4] كذا في «أ». وفي «سائر الأصول»: «خلبة» بالخاء المعجمة.
[5] اللاحب: الطريق الواضح.
[6] في «أكثر الأصول»: «جذبة». والتصويب من «أ، م».
[7] طباب: جمع طبابة (بكسر الطاء) ومعناها ما ذكره المؤلّف في تفسير جمعها.
[8] يقال: جمع فلان إليه جراميزه إذا رفع ما انتشر من ثيابه ثم مضى.
والشراب كما قال لي الحاجب. قال: ثم قال لي الحاجب: قد بلغني قدوم النابغة وهو صديقه وآنس به، وهو قبيح أن يجفوك بعد البرّ، فاستأذنه من الآن فهو أحسن. فاستأذنته فأذن لي وأمر لي بخمسمائة دينار وكسا وحملان [1]، فقبضتها وانصرفت إلى أهلي.
صوت
ملوك وإخوان إذا ما لقيتهم ... أحكّم في أموالهم وأقرّب
ولكنّني كنت امرأ لي جانب ... من الأرض فيه مستراد ومطلب
الغناء لإبراهيم ثقيل أوّل. الجانب هنا: المتّسع من الأرض. والمستراد: المختلف يذهب فيه ويجيء، ويقال: راد الرجل لأهله إذا خرج رائدا لهم في طلب الكلا ونحوه. ثم ذكر مستراده فقال: «ملوك وإخوان».
ومن القصيدة العينيّة:
صوت
عفا ذو حسا من قرتنا فالفوارع ... فجنبا أريك فالتّلاع الدوافع [2]
/فمجتمع الأشراج غيّر رسمها ... مصايف مرّت بعدنا ومرابع [3]
توهّمت آيات لها فعرفتها ... لستّة [4] أعوام وذا العام سابع
رماد ككحل العين ما إن أبينه [5] ... ونؤي كجذم الحوض أثلم خاشع
غنّاه معبد من رواية حبش رملا بالبنصر.
صوت
آذنتنا ببينها أسماء ... ربّ ثاو يملّ منه الثّواء
بعد عهد لها ببرقة شمّا ... ء فأدنى ديارها الخلصاء
عروضه من الخفيف. آذنتنا: أعلمتنا. والبين: الفرقة. والثاوي: المقيم، يقال ثوى ثواء. والبرقة: أرض ذات رمل وطين. وشمّاء والخلصاء: موضعان. الشعر للحارث بن حلّزة اليشكريّ. والغناء لمعبد، ثقيل أوّل بالوسطى عن عمرو، ومن الناس من ينسبه إلى حنين.
__________
[1] الحملان (بالضم): دواب الحمل في الهبة خاصة.
[2] عفا: درس وامجى، يقال: عفت الدار، وعفت الريح الدار، فهو لازم ومتعدّ. وذو حسا وأريك: موضعان. وفرتنا: اسم امرأة.
والفوارع: تلال مشرفات المسايل. وفي «الأصول»: «فالقوارع» والتصويب من نسخ «الديوان». والتلاع: جمع تلعة، وهي هنا:
مجرى الماء من أعلى الوادي إلى بطون الأرض. والدوافع: التي تدفع بالماء إلى الوادي.
[3] الأشراج: جمع شرج (بالفتح ويجمع جمع كثرة على شراج وشروج) وهو مجرى الماء من الحرار إلى السهولة. والمصايف: جمع مصيف من الصيف، ومثله المرابع من الربيع. أي غير رسمها ما يحدث في المصايف والمرابع من رياح وأمطار، أو غيره تعاقبهما عليها وطول اختلافهما.
[4] اللام هنا بمعن «بعد» أي بعد ستة أعوام.
[5] في بعض نسخ «الديوان»: لأيا أبيته» أي أبيته بعد جهد ومشقة. والنؤي: حفير حول الخيمة ليحجز عنها الماء. وجذم كل شي ء:
أصله. ذكر الشاعر في هذا البيت بعض الآيات التي توهمها فعرف بها الدار، وهي رماد ككحل العين في سواده، وقلته، ونؤي متثلم متكسر قد ذهب شخصه ولم يبق منه إلّا ما يبقى من الحوض إذا تهدّم.
2 - أخبار الحارث بن حلزة ونسبه
نسب الحارث بن حلزة:
هو الحارث بن حلّزة بن مكروه بن يزيد [1] بن عبد اللّه بن مالك بن عبد بن سعد بن جشم بن عاصم بن ذبيان بن كنانة بن يشكر بن بكر بن وائل بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعميّ بن/ جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار.
السبب في قول قصيدته المعلقة:
قال أبو عمرو الشيبانيّ: كان من خبر هذه القصيدة والسبب الذي دعا الحارث إلى قولها أنّ عمرو بن هند الملك، وكان جبّارا عظيم الشأن والملك، لمّا جمع بكرا وتغلب ابني وائل وأصلح بينهم، أخذ من الحيّين رهنا من كلّ حيّ مائة غلام ليكفّ بعضهم عن بعض، فكان أولئك الرّهن يكونون معه في مسيره ويغزون معه، فأصابتهم سموم في بعض مسيرهم فهلك عامّة التّغلبيّين وسلم البكريّون. فقالت تغلب لبكر: أعطونا ديات أبنائنا، فإن ذلك لكم لازم، فأبت بكر بن وائل. فاجتمعت تغلب إلى عمرو بن كلثوم وأخبروه بالقصة. فقال عمرو [ابن كلثوم لتغلب: بمن ترون بكرا تعصب أمرها اليوم؟ قالوا: بمن عسى إلّا برجل من أولاد ثعلبة. قال عمرو [2]]: أرى واللّه الأمر سينجلي عن أحمر أصلج [3] أصمّ من بني يشكر. فجاءت بكر بالنّعمان بن هرم أحد بني ثعلبة بن غنم بن يشكر، وجاءت تغلب بعمرو بن كلثوم. فلما اجتمعوا عند الملك قال عمرو بن كلثوم للنعمان بن هرم: يا أصمّ! جاءت بك أولاد ثعلبة تناضل عنهم وهم يفخرون عليك!. فقال النّعمان: وعلى من أظلتّ/ السماء كلّها يفخرون ثم لا ينكر ذلك. فقال عمرو بن كلثوم له: أما واللّه لو لطمتك لطمة ما أخذوا لك بها. فقال له النّعمان: واللّه لو فعلت ما أفلتّ بها قيس أير أبيك. فغضب عمرو بن هند وكان يؤثر بني تغلب على بكر، فقال: يا جارية [4] أعطيه لحيا بلسان [5] أنثى (أي سبّيه بلسانك). فقال: أيها الملك أعط ذلك أحبّ أهلك إليك. فقال: يا نعمان أيسرّك أنّي أبوك؟ قال: لا! ولكن وددت أنّك أميّ فغضب عمرو بن هند غضبا شديدا حتى همّ بالنّعمان. وقام الحارث بن حلّزة فارتجل قصيدته هذه ارتجالا، توكّأ على قوسه وأنشدها وانتظم [6] كفّه وهو لا يشعر من الغضب حتى فرغ منها. قال ابن الكلبيّ: أنشد الحارث عمرو بن هند هذه القصيدة وكان به
__________
[1] في شرح «المعلقات العشر للتبريزي»: «بديد».
[2] الزيادة من شرح «المعلقات السبع لابن الأنباري» (نسخة مخطوطة بدار الكتب المصرية رقم 153 أدب ش) وشرح «المعلقات العشر للتبريزي».
[3] في «شرحي ابن الأنباري والتبريزي للمعلقات»: «أصلع». والأصلج: الأصم، والأصلج في لغة بعض قيس: الأصلع.
[4] كذا في «ج». وفي «سائر الأصول»: «يا حارثة» وهو تصحيف.
[5] في «الأصول»: لحنا» بالنون، والتصويب من «شرح المعلقات العشر للتبريزي» و «شرح المعلقات السبع لابن الأنباري». والعبارة فيهما: «أعطيه لحيا بلسان. يقول الحية».
[6] كذا في «ج» و «شرح ابن الأنباري والتبريزي للمعلقات». وانتظم هنا: طعن. يريد: وجرح كفه. وفي «م»: «و اقتط». وفي «سائر الأصول»: واقتطم».
وضح [1]، فقيل لعمرو بن هند: إنّ به وضحا، فأمر أن يجعل بينه وبينه ستر. فلمّا تكلّم أعجب بمنطقه، فلم يزل عمرو يقول: أدنوه أدنوه حتى أمر بطرح السّتر وأقعده معه قريبا منه لإعجابه به. هذه رواية أبي عمرو. وذكر الأصمعيّ نحوا من ذلك وقال: أخذ منهم ثمانين غلاما من كل حيّ وأصلح بينهم بذي المجاز [2]، وذكر أنّ الغلمان من بني تغلب كانوا معه في حرب فأصيبوا. وقال في خبره: إنّ الحارث بن حلّزة لمّا ارتجل هذه القصيدة بين يدي عمرو قام عمرو بن كلثوم فارتجل قصيدته:
قفي قبل التفرّق يا ظعينا
وغير الأصمعيّ ينكر ذلك وينكر أنه السبب في قول عمرو بن كلثوم.
/ وذكر ابن الكلبيّ عن أبيه أنّ الصلح كان بين بكر وتغلب عند المنذر بن ماء السماء، وكان قد شرط: أيّ رجل وجد قتيلا في دار قوم فهم ضامنون لدمه، وإن وجد بين محلّتين قيس ما بينهما فينظر أقربهما إليه فتضمن ذلك القتيل. وكان الذي ولي ذلك واحتمى لبني تغلب قيس بن شراحيل بن مرة بن همّام. ثم إنّ المنذر أخذ من الحيّين أشرافهم وأعلامهم فبعث بهم إلى مكة، فشرط بعضهم على بعض وتواثقوا على ألّا يبقي واحد منهم لصاحبه غائلة ولا يطلبه بشيء مما كان من الآخر من الدّماء. وبعث المنذر معهم رجلا من بني تميم يقال له الغلّاق. وفي ذلك يقول الحارث بن حلّزة:
فهلّا سعيت لصلح الصّديق ... كصلح ابن مارية الأقصم [3]
/و قيس تدارك بكر العراق ... وتغلب من شرّها الأعظم
وبيت شراحيل في وائل ... مكان الثّريا من الأنجم
فأصلح ما أفسدوا بينهم ... كذلك فعل الفتى الأكرم
- ابن مارية هو قيس بن شراحيل. ومارية أمّه بنت الصبّاح بن شيبان من بني هند - فلبثوا كذلك ما شاء اللّه، وقد أخذ المنذر من الفريقين رهنا بأحداثهم، فمتى التوى أحد منهم بحقّ صاحبه أقاد من الرّهن. فسرّح النّعمان بن المنذر ركبا من بني تغلب إلى جبل طيّىء في أمر من أمره، فنزلوا بالطرفة [4] وهي لبنى شيبان وتيم اللات. فذكروا أنهم أجلوهم عن الماء وحملوهم على المفازة، فمات القوم عطشا. فلما بلغ ذلك بني تغلب غضبوا وأتوا عمرو بن هند فاستعدوه على بكر، وقالوا: غدرتم ونقضتم العهد وانتهكتم الحرمة وسفكتم الدّماء وقالت بكر: أنتم الذين فعلتم ذلك،/ قذفتمونا بالعضيهة [5] وسمّعتم الناس بها، وهتكتم الحجاب والسّتر بادّعائكم الباطل علينا قد سقيناهم إذ وردوا، وحملناهم على الطريق إذ خرجوا، فهل علينا إذ حار القوم وضلّوا!. ويصدّق ذلك قول الحارث بن حلّزة:
لم يغرّوكم غرورا ولكن ... يرفع [6] الآل جرمهم والضّحاء
__________
[1] الوضح هنا: البرص.
[2] ذو المجاز: «موضع سوق من أسواق العرب بعرفة.
[3] الأقصم: المكسور الثنية من النصف.
[4] لم نجد هذا الاسم في «كتب البلدان».
[5] العضيهة: الإفك والبهتان والقالة القبيحة.
[6] في «الأصول»: «يدفع» بالدال، والتصويب من «المعلقات». والآل: السراب، وهو ما يرى كالماء نهارا بين السماء والأرض يرفع الشخوص. وقيل: الآل ما كان في الضحى والعشي، والسراب ما كان نصف النهار. والضحاء: ارتفاع النهار. يقول: ما أتوكم على -
كان أبو عمرو الشيباني يعجب لارتجاله معلقته في موقف واحد، وشرح أبيات منها:
وقال يعقوب بن السّكّيت: كان أبو عمرو الشيبانيّ يعجب لارتجال الحارث هذه القصيدة في موقف واحد ويقول: لو قالها في حول لم يلم. قال: وقد جمع فيها ذكر عدّة من أيّام العرب عيّر ببعضها بني تغلب تصريحا، وعرّض ببعضها لعمرو بن هند، فمن ذلك قوله:
أعلينا جناح كندة أن يغ ... نم غازيهم ومنّا الجزاء
قال: وكانت كندة قد كسرت الخراج على الملك، فبعث إليهم رجالا من بني تغلب يطالبونهم بذلك، فقتلوا ولم يدرك بثأرهم، فعيّرهم بذلك. هكذا ذكر الأصمعيّ. وذكر غيره أنّ كندة غزتهم فقتلت وسبت واستاقت، فلم يكن في ذلك منهم [1] شيء ولا أدركوا ثأرا. قال: وهكذا البيت الذي يليه وهو:
أم علينا جرّى [2] قضاعة أم لي ... س علينا فيما جنوا أنداء [3]
/فإنه عيّره بأن قضاعة كانت غزت بني تغلب ففعلت بهم فعل كندة، ولم يكن منهم في ذلك شيء ولا أدركوا منهم ثأرا. قال: وقوله:
أم علينا جرّى حنيفة أم ما ... جمّعت من محارب غبراء [4]
قال: وكانت حنيفة محالفة لتغلب على بكر، فأذكر الحارث عمرو بن هند بهذا البيت قتل شمر بن عمرو الحنفّي أحد بني سحيم المنذر بن ماء السماء غيلة لمّا حارب الحارث بن جبلة الغسّانيّ، وبعث الحارث إلى المنذر بمائة غلام تحت لواء شمر هذا يسأله الأمان على أن يخرج له عن ملكه ويكون من قبله، فركن المنذر إلى ذلك وأقام الغلمان معه، فاغتاله شمر بن عمرو الحنفيّ فقتله غيلة، وتفرّق من كان مع المنذر، وانتهبوا عسكره. فحرّضه بذلك على حلفاء بني تغلب بني حنيفة. قال وقوله:
وثمانون من تميم بأيدي ... هم رماح صدورهنّ القضاء [5]
/يعني عمرا أحد بني سعد [بن زيد] مناة، خرج في ثمانين رجلا من تميم فأغار على قوم من بني قطن من تغلب يقال لهم بنو رزاح كانوا يسكنون أرضا تعرف بنطاع قريبة من البحرين، فقتل فيهم وأخذ أموالا كثيرة، فلم يدرك منه بثأر. قال: وقوله:
ثمّ خيل [6] من بعد ذاك مع الغلّاق ولا رأفة ولا إبقاء
__________
- غرة وإنما أتوكم نهارا ظاهرين وأنتم ترونهم، يرفع الآل أشخاصهم ويكشفها الضحاء. ويروي. «يرفع الآل شخصهم»، ويروي: «جمعهم».
[1] في «الأصول هنا»: «تغيير» بدل «شي ء»، وقد تكررت هذه العبارة بعد ثلاثة أسطر، فأثبتناها هنا كما وردت هناك.
[2] الجرى (و يمد): الجناية.
[3] وردت هذه الكلمة محرفة في «الأصول» بين «أتواء» و «أنواء» و «أفراء» والتصويب من «المعلقات». والأنداء: جمع ندى، وهو هنا ما يلحق الإنسان من الشر، يقال: ما لحقني من فلان ندى أي شر، وما نديني من فلان شيء أكرهه أي ما بلني ولا أصابني.
[4] غبراء أي جماعة غبراء، يريد الفقراء والصعاليك، وقيل لهم غبراء لما عليهم من أثر الفقر والضر. يريد: أم ما جمعت صعاليك محارب. والغبراء أيضا: الأرض، ويقال للفقراء بنو غبراء، لأنهم لا مأوى لهم إلّا الصحراء وما أشبهها.
[5] القضاء هنا: الموت.
[6] يريد: ثم غزتهم من بعد بني تميم خيل مع الغلاق فقتلت فيهم ولم يدرك منها بثأر. ومعنى قوله: لا رأفة ولا إبقاء أي ليس لأصحاب الغلاق رأفة بهم ولا إبقاء عليهم.
قال: الغلّاق صاحب هجائن النّعمان بن المنذر، وكان من بني حنظلة بن زيد مناة تميميا.
/ وكان عمرو بن هند دعا بني تغلب بعد قتل المنذر إلى الطلب بثأره من غسّان، فامتنعوا وقالوا: لا نطيع أحدا من بني المنذر أبدا! أيظنّ ابن هند أنّاله رعاء!. فغضب عمرو بن هند وجمع جموعا كثيرة من العرب، فلما اجتمعت آلى ألّا يغزو قبل تغلب أحدا، فغزاهم فقتل منهم قوما، ثم استعطفه من معه لهم واستوهبوه جريرتهم، فأمسك عن بقيّتهم، وطلّت [1] دماء القتلى. فذلك قول الحارث:
من أصابوا من تغلبيّ فمطلو ... ل عليه [2] إذا تولّى العفاء
ثم اعتدّ على عمرو بحسن بلاء بكر عنده فقال:
من لنا عنده من الخير آيا ... ت ثلاث في كلّهن القضاء [3]
آية شارق [4] الشّقيقة إذ جا ... ءوا جميعا لكل حيّ لواء
حول قيس مستلئمين [5] بكبش ... قرظيّ كأنه عبلاء
فرددناهم [6] بضرب كما يخ ... رج من خربة المزاد الماء
ثم حجرا [7] أعني ابن أمّ قطام ... وله فارسيّة [8] خضراء
/ أسد في اللّقاء ذو [9] أشبال ... وربيع إن شنّعت [10] غبراء
فرددناهم بطعن كما تن ... هز [11] في جمّة الطّويّ الدّلاء
وفككنا غلّ امرىء القيس عنه ... بعد ما طال حبسه والعناء
وأقدناه [12] ربّ غسّان بالمن ... ذر كرها وما تكال [13] الدّماء
__________
[1] طل دمه: أهدر ولم يثأر به، يقال: طل دمه وأطل مبنيين للمفعول. وجوز أبو عبيدة والكسائي أن يقال: طل دمه مبينا للفاعل.
[2] في «الأصول»: «عليهم» والتصويب من المعلقات. ويروي: «إذا أصيب» بدل «إذا تولى».
وعليه العفاء: دعاء. والعفاء هنا: الدروس والهلاك، أي ينسى فيصير كالشيء الدارس.
[3] الآيات: العلامات. وقوله «في كلهن القضاء» أي في كلهن يقضي لنا بولاء الملك.
[4] شارق: جاء من قبل المشرق.
[5] المستلئم: لابس اللّامة وهي الدرع. والمراد بالكبش هنا الرئيس. وقرظيّ: نسبة إلى البلاد التي ينبت بها القرظ وهي اليمن.
والعبلاء: الصخرة البيضاء.
[6] ويروي: «فجبهناهم» أي تلقينا جباههم بضرب ... إلخ. والخربة ها هنا: عزلاء المزادة (القربة) وهي مسيل الماء منها. فشبه خروج الدم ونزوه من الجروح التي يصيبونهم بها بخروج الماء من أفواه القرب وثقوبها.
[7] نصب حجر بالنسق على الضمير المتصوب في «فرودناهم» أي ثم رددنا حجرا.
[8] فارسية: يريد كتيبة سلاحها من عمل فارس. ووصفها بالخضرة لكثرة ما تحمل من سلاح.
[9] ويروي: «ورد هموس» والورد: الذي يضرب لونه إلى الحمرة. والهموس: المختال الذي يخفي وطأه حتى يأخذ فريسته.
[10] شنعت: جاءت بأمر شنيع. والغبراء هنا: السنة التي لا مطر بها.
[11] نهز الدلاء: تحريكها لتمتلى ء، يقال: نهزت بالدلو في البئر إذا ضربت بها في الماء لتمتلى ء، ونهزتها إذا نزعت بها. والجمة (بالفتح): المكان الذي يجتمع فيه الماء، والجمة (بالضم): الماء الكثير أو معظم الماء. والطويّ: البئر المطوية، أي المبنية بالحجارة.
[12] أقدت القاتل بالقتيل: قتلته به. ورب غسان: ملكها.
[13] في «الأصول»: «و ما تطل الدماء»، والتصويب من «المعلقات». ومعنى «و ما تكال الدماء» أي لا تحصى لكثرتها، أو لا يقام لها كيل ولا وزن فتذهب هدرا. ويروى: «إذ ما تكال».
وفديناهم بتسعة أملا ... ك كرام أسلابهم [1] أغلاء
[و مع الجؤن [2] جون آل بني الأو ... س عنود [3] كأنها دفواء]
يعني بهذه الأيّام أيّاما كانت كلها لبكر مع المنذر، فمنها يوم الشّقيقة وهم قوم من شيبان جاءوا مع قيس بن معد يكرب ومعه جمع عظيم من أهل اليمن يغيرون على إبل لعمرو بن هند، فردّتهم بنو يشكر وقتلوا فيهم، ولم يوصل إلى شيء من إبل عمرو بن هند. ومنها يوم غزا حجر الكنديّ، وهو حجر بن أمّ قطام، امرأ القيس وهو/ ماء السماء بن المنذر، لقيه ومع حجر جمع كثير من كندة، وكانت بكر مع امرىء القيس، فخرجت إلى حجر فردّته وقتلت جنوده. وقوله:
ففككنا غلّ امرىء القيس عنه
وكانت غسّان أسرته يوم قتل المنذر أبيه، فأغارت بكر بن وائل على بعض بوادي الشام فقتلوا ملكا من ملوك غسّان واستنقذوا امرأ القيس بن المنذر، وأخذ عمرو بن هند بنتا لذلك الملك يقال لها ميسون. وقوله: «و فديناهم بتسعة ... » يعني بني حجر آكل المرار. وكان المنذر وجّه خيلا من بكر في طلب بني حجر، فظفرت بهم بكر بن وائل فأتوا المنذر بهم وهم تسعة، فأمر بذبحهم في ظاهر الحيرة/ فذبحوا بمكان يقال له جفر الأملاك. قال: والجون جون آل بني الأوس: ملك من ملوك كندة وهو ابن عم قيس بن معد يكرب. وكان الجون جاء ليمنع بني آكل المرار ومعه كتيبة خشناء، فحاربته بكر فهزموه، وأخذوا بني الجون فجاءوا بهم إلى المنذر فقتلهم.
قال: فلمّا فرغ الحارث من هذه القصيدة حكم عمرو بن هند أنه لا يلزم بكر بن وائل ما حدث على رهائن تغلب، فتفرقوا على هذه الحال. ثم لم يزل في نفسه من ذلك شيء حتّى هم باستخدام أمّ عمرو بن كلثوم تعرّضا لهم وإذلالا، فقتله عمرو بن كلثوم. وخبره يذكر هناك.
قصيدة له دالية:
قال يعقوب بن السّكّيت أنشدني النّضر بن شميل للحارث بن حلّزة - وكان يستحسنها ويستجيدها ويقول: للّه درة ما أشعره - :
صوت
من حاكم بيني وبي ... ن الدّهر مال عليّ عمدا
أودى بسادتنا وقد ... تركوا لنا حلقا وجردا [4]
/خيلي وفارسها وربّ أبيك كان أعزّ فقدا فلو انّ ما يأوي إليّ أصاب من ثهلان [5] هدّا
__________
[1] الأسلاب: جمع سلب (بالتحريك) وهو ما يكون مع القوم من ثياب وسلاح ودواب. وأغلاء: غالية.
[2] أثبتنا هذا البيت زيادة على ما في «الأصول» لأن المؤلّف سيتعرّض له في شرحه.
[3] عنود: يريد هنا كتيبة، كأنها تعند في سيرها أي تطغي وتجور عن القصد. والدفواء: المائلة. والدفواء: العقاب لعوج منقارها.
فيحتمل أنه يريد: كأنها مائلة من بغيها، أو كأنها عقاب لأنها تنقض على العدو كما تنقض العقاب على الصيد.
[4] الحلق هنا: الدروع. والجرد: الخيل القصيرة الشعر، واحدها أجرد.
[5] ثهلان: جبل.
فضعي قناعك إنّ ري ... ب الدّهر قد أفنى معدّا
فلكم رأيت معاشرا ... قد جمّعوا مالا وولدا
وهم زباب حائر [1] لا يضر ... لا تسمع [2] الآذان رعدا
فعش بجدّ [3] لا يضر ... ك النّوك ما لا قيت جدا
والعيش خير قي ظلا ... ل النّوك ممن عاش كذا [4]
في البيت الأوّل من القصيدة والبيتين الأخيرين خفيف ثقيل أوّل بالوسطى لعبد اللّه بن العبّاس الرّبيعيّ، ومن الناس من ينسبه إلى بابويه.
صوت
ألا [5] هبيّ بصحنك فاصبحينا ... ولا تبقي خمور الأندرينا
/ مشعشعة [6] كأنّ الحصّ فيها ... إذا ما الماء خالطها سخينا [7]
عروضه من الوافر. الشعر لعمرو بن كلثوم التّغلبيّ. والغناء لإسحاق ثقيل أوّل بالخنصر في مجرى الوسطى من روايته. وفيه لإبراهيم ثاني ثقيل بالوسطى عن عمرو.
__________
[1] الزباب: ضرب من الفثرة لا تسع، يشبه بها الجاهل، والواحدة زبابة.
[2] أي لا تسمع آذانها الرعد لما بها من صمم.
[3] الجد (بفتح الجيم): الحظ. والنوك (بالضم وبالفتح): الحمق. ويحتمل أن يكون الأصل: «عيشن بجد» إلخ ..
[4] استشهد أصحاب المعاني بهذا البيت على الإيجاز المخل. إذ هو يريد أن العيش الناعم في ظل النوك خير من العيش الشاق في ظل العقل، وألفاظ البيت لا تفي بهذا المعنى.
[5] هبي: قومي من نومك، يقال: هب من نومه هبا إذا انتبه وقام من مضجعه. والصحن: القدح الواسع الضخم. واصبحينا: اسقينا الصبوح وهو شراب الغداة. وأندرين: قرية كانت جنوبي حلب في طرف البرية وكانت من القرى الشهيرة بالخمر. وقد قال اللغويون فيها غير هذا القول أقوالا كثيرة فندها جميعا ياقوث في كتابه «معجم البلدان».
[6] مشعشعة: ممزوجة بالماء وأرق مزجها. وهي منصوبة على أنها مفعول «أصبحينا» أو على أنها حال من «خمور الأندرين» أو بدل منها، ويجوز الرفع على تقدير هي مشعشعة. والحص (بالضم): الورس (نبت أصفر باليمن) أو هو الزعفران. شبه صفرتها بصفرته.
[7] سخينا: حال من الماء، قال أبو عمرو الشيباني: كانوا يسخنون لها الماء ثم يمزجونها به، أو نعت لمحذوف، والمعنى: فاسقينا شرابا سخينا. وقيل: أن «سخينا» فعل وفاعل أي جدنا. وفي فعل «سخا» لغات، يقال: سخى يسخى (و زان فرح) سخا وسخوة، وسخا يسخو، وسخا يسخى (و زان فتح) سخاء، وسخو يسخو (و زان كرم) سخاء وسخوّا وسخاوة.
3 - نسب عمرو بن كلثوم وخبره
نسب عمرو بن كلثوم من قبل أبويه:
هو عمرو بن كلثوم بن مالك بن عتّاب بن سعد بن زهير بن جشم [بن بكر [1]] بن حبيب بن عمرو بن غنم بن تغلب بن وائل بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعميّ بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معدّ بن عدنان. وأمّ عمرو بن كلثوم ليلى بنت مهلهل أخي كليب، وأمّها بنت بعج [2] بن عتبة بن سعد بن زهير.
أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال حدّثني العكليّ [3] عن العبّاس بن هشام عن أبيه عن خراش بن إسماعيل عن رجل من بني تغلب ثم من بني عتّاب قال: سمعت الأخذر - وكان نسّابة - يقول:
لمّا تزوّج مهلهل بنت بعج بن عتبة أهديت [4] إليه،/ فولدت له ليلى بنت مهلهل. فقال مهلهل لآمرأته هند:
اقتليها. فأمرت خادما لها أن تغيبّها عنها. فلمّا نام هتف به هاتف يقول:
كم من فتى يؤمّل ... وسيّد شمردل [5]
وعدّة لا تجهل ... في بطن بنت مهلهل
واستيقظ فقال: يا هند أين بنتي؟ قالت: قتلتها. قال: كلّا وإله ربيعة! - فكان أوّل من حلف بها - فاصدقيني، فأخبرته. فقال: أحسني غداءها. فتزوّجها كلثوم بن مالك بن عتّاب. فلما حملت بعمرو بن كلثوم قالت: إنّه أتاني آت في المنام فقال:
/يا لك ليلى من ولد ... يقدم إقدام الأسد
من جشم فيه العدد ... أقول قيلا لا قند
فولدت غلاما فسّمته عمرا. فلما أتت عليه سنة قالت أتاني ذلك الآتي في الليل أعرفه، فأشار إلى الصبيّ وقال:
إنّي زعيم لك أمّ عمرو ... بماجد الجدّ كريم النّجر [6]
أشجع من ذي لبد [7] هزبر ... وقّاص أقران [8] شديد الأسر [9]
__________
[1] زيادة عن «خزانة الأدب» (ج 1 ص 519) و «شرح التبريزي» لل «معلقات» وكتاب «المعارف» لابن قتيبة و «شرح ديوان المفضليات» لأبي محمد الأنباري.
[2] لم نوفق لضبط هذا الاسم. والذي في «خزانة الأدب»: «هند بنت عتيبة» بحذف «بعج» وتصغير «عتبة».
[3] في «الأصول»: « ... حدّثني العكليّ بن العباس».
[4] هدى العروس إلى زوجها وأهداها: زفها إليه.
[5] الشمردل: القوي الفتيّ الحسن الخلق.
[6] النجر: الأصل.
[7] اللبدة: شعر الأسد الذي على كتفيه. والهزبر: من أسماء الأسد.
[8] وردت هذه الكلمة محرّفة في «الأصول». والتصويب من «خزانة الأدب». والوقص: الكسر والدق.
[9] شديد الأسر: معصوب الخلق غير مسترخ.
يسودهم في خمسة وعشر
قال الأخذر: فكان كما قال ساد وهو ابن خمسة عشر، ومات وله مائة وخمسون سنة.
قصة قتله لعمرو بن هند:
قال أبو عمرو حدّثني أسد بن عمرو الحنفيّ وكرد بن السّمعيّ وغيرهما، وقال ابن الكلبي حدّثني أبي وشرقّيّ بن القطاميّ، وأخبرنا إبراهيم بن أيّوب عن ابن قتيبة:
أنّ عمرو بن هند قال ذات يوم لندمائه: هل تعلمون أحدا من العرب تأنف أمّه من خدمة أمّي؟ فقالوا: نعم! أم عمرو بن كلثوم. قال: ولم؟ قالوا: لأنّ أباها مهلهل بن ربيعة، وعمّها كليب وائل أعزّ العرب، وبعلها كلثوم بن مالك أفرس العرب، وابنها عمرو وهو سيّد قومه. فأرسل عمرو بن هند إلى عمرو بن كلثوم يستزيره ويسأله أن يزير أمّه أمّه. فأقبل عمرو من الجزيرة إلى الحيرة في جماعة بني تغلب. وأمر عمرو بن هند برواقه فضرب فيما بين الحيرة والفرات، وأرسل إلى وجوه أهل مملكته فحضروا في وجوه بني تغلب. فدخل عمرو بن كلثوم على عمرو بن هند في رواقه،/ ودخلت ليلى وهند في قبّة من جانب الرّواق. وكانت هند عمّة أمرىء القيس بن حجر الشاعر، وكانت أمّ ليلى بنت مهلهل بنت أخي فاطمة بنت ربيعة التي هي أمّ امرىء القيس، وبينهما هذا النسب. وقد كان عمرو بن هند أمر أمّه أن تنحّي الخدم إذا دعا بالطّرف وتستخدم ليلى. فدعا عمرو بمائدة ثم دعا بالطّرف. فقالت هند:
ناوليني يا ليلى ذلك الطّبق. فقالت ليلى: لتقم صاحبة الحاجة إلى حاجتها. فأعادت عليها وألحّت. فصاحت ليلى:
واذلّاه! يا لتغلب! فسمعها عمرو بن كلثوم فثار الدّم في وجهه، ونظر إليه عمرو بن هند فعرف الشرّ في وجهه، فوثب عمرو بن كلثوم إلى سيف لعمرو بن هند معلّق بالرّواق ليس هناك سيف غيره، فضرب به رأس عمرو بن هند، ونادى في بني تغلب، فانتهبوا ما في الرّواق وساقوا نجائبه، وساروا نحو الجزيرة. ففي ذلك يقول عمرو بن كلثوم:
ألا هبّي بصحنك فاصبحينا
تعظيم تغلب بقصيدته المعلقة:
وكان قام بها خطيبا بسوق عكاظ وقام بها في/ موسم مكة. وبنو تغلب تعظّمها جدّا ويرويها صغارهم وكبارهم، حتى هجوا بذلك؛ قال بعض شعراء بكر بن وائل:
ألهى بني تغلب عن كل مكرمة ... قصيدة قالها عمرو بن كلثوم
يروونها [1] أبدا مذ كان أوّلهم ... يا للرجال لشعر غير مسئوم
فخر شعراء تغلب بقتله عمرو بن هند:
وقال الفرزدق يردّ على جرير في هجائه الأخطل:
ما ضرّ تغلب وائل أهجوتها ... أم بلت حيث تناطح البحران
قوم هم قتلوا ابن هند عنوة ... عمرا وهم قسطوا [2] على النّعمان
__________
[1] ويروى: «يفاخرون بها».
[2] قسطوا: جاروا؛ يقال: أقسط إذا عذل، وقسط إذا جار.
/ وقال أفنون [1] صريم التّغلبيّ يفخر بفعل عمرو بن كلثوم في قصيدة له:
لعمرك ما عمرو بن هند وقد دعا ... لتخدم ليلى [2] أمّه بموفّق
فقام ابن كلثوم إلى السيف مصلتا [3] ... فأمسك من ندمانه [4] بالمخنّق
وجلّله عمرو على الرأس ضربة ... بذي شطب [5] صافي الحديدة رونق
قال: وكان لعمرو أخ يقال له مرّة بن كلثوم، فقتل المنذر بن النّعمان وأخاه. وإيّاه عنى الأخطل بقوله لجرير:
أبني كليب إنّ عمّيّ اللّذا [6] ... قتلا الملوك وفكّكا الأغلالا
وكان لعمرو بن كلثوم ابن يقال له عبّاد، وهو قاتل بشر بن عمرو بن عدس. ولعمرو بن كلثوم عقب باق، ومنهم كلثوم [7] بن عمرو العتّابيّ الشاعر صاحب الرسائل.
أغار على بني تميم ثم انتهى إلى بني حنيفة فأسره يزيد ابن عمرو ثم أطلقه فمدحه:
أخبرني عليّ بن سليمان الأخفش قال حدّثني محمد بن الحسن الأحول عن ابن الأعرابيّ قال:
أغار عمرو بن كلثوم التغلبيّ على بني تميم ثم مرّ من غزوه ذلك على حيّ من بني قيس بن ثعلبة، فملأ يديه منهم وأصاب أسارى وسبايا؛ وكان فيمن أصاب/ أحمد بن جندل السّعديّ، ثم انتهى إلى بني حنيفة باليمامة وفيهم أناس من عجل، فسمع به [8] أهل حجر [9]؛ فكان أوّل من أتاه من بني حنيفة بنو سحيم عليهم يزيد بن عمرو بن شمر. فلما رآهم عمرو بن كلثوم ارتجز فقال:
من عاذ منّي بعدها فلا اجتبر ... ولا سقى الماء ولا أرعى الشّجر
بنو لجيم [10] وجعاسيس [11] مضر ... بجانب الدّوّ [12] يدهدون العكر
__________
[1] أفنون: لقب صريم بن معشر بن ذهل بن تيم بن عمرو بن تغلب، توفي بالألاهة (موضع) وله في وفاته بها قصة ذكرها ياقوت في «معجم البلدان». وفي «الأصول»: «أفنون بن صريم» بزيادة «ابن» وهو تحريف. (راجع «النقائض» ص 886 طبع أوربا و «القاموس» وشرحه و «معجم البلدان» لياقوت في كلامه على الألاهة).
[2] في «الأصول»: «لتخدم أمي أمه» والتصويب من «النقائض».
[3] أصلت السيف: جرّده من غمده؛ فهو مصلت (بكسر اللام) والسيف مصلت (بفتحها).
[4] الندمان «بفتح النون»: الذي ينادمك على الشراب. والمخنق: موضع حبل الخنق من العنق.
[5] شطب السيف: طرائقه في متنه من شدّة بريقه، الواحدة شطبه. والرونق: ماء السيف وصفاؤه وحسنه.
[6] أي اللذان، فحذف النون تخفيفا.
[7] له ترجمة في «الأغاني» في أوّل الجزء الثاني عشر من طبعة بلاق.
[8] في «الأصول»: «فسمع بها»، وظاهر أن مرجع الضمير عمرو بن كلثوم.
[9] حجر (بالفتح): عاصمة اليمامة.
[10] هو لجيم بن صعب؛ وحنيفة أبو القبيلة أحد أولاده. وسياق الكلام قبله يرجح أن يكون الخطاب لبني سحيم. فلعل «لجيما» محرف عن «سحيم».
[11] الجعاسيس: اللئام الخلق والخلق، والواحد جعسوس.
[12] الدوّ: الفلاة. ويدهدون: يدحرجون ويقلبون؛ يقال: «دهدي الشيء إذا قلب بعضه على بعض، مثل دهدهه. والعكر (بالتحريك) درديّ كل شيء. وفي «ج»: «يدهون» وفي «أ، م»: «نجائب الدوّ يدهون». وفي «ب، س»: «يديهون» وكله تحريف؛ إذ الظاهر أنه يريد أن يذم هؤلاء القوم فوصفهم بأنهم يعملون في أحقر الأشياء ولا شأن لهم ولا خطر.
فانتهى إليه يزيد بن عمرو فطعنه فصرعه عن فرسه وأسره. وكان يزيد شديدا جسيما، فشدّه في القدّ وقال له: أنت الذي تقول:
متى تعقد [1] قرينتنا بحبل ... تجذّ الحبل أو تقص القرينا
أما إنّي سأقرنك إلى ناقتي هذه فأطردكما [2] جميعا. فنادى عمرو بن كلثوم يا لربيعة! أمثلة!. قال: فاجتمعت بنو لجيم [3] فنهوه ولم يكن يريد ذلك به. فسار به حتّى أتى قصرا بحجر من قصورهم، وضرب عليه قبّة ونحر له وكساه وحمله على نجيبه وسقاه الخمر. فلما أخذت برأسه تغنّى:
/أأجمع صحبتي السّحر ارتحالا ... ولم أشعر ببين منك هالا [4]
ولم أر مثل هالة في معدّ ... أشبّه حسنها إلّا الهلالا
ألا أبلغ بني جشم بن بكر ... وتغلب كلّما أتيا حلالا [5]
/بأنّ الماجد القرم ابن عمرو ... غداة نطاع [6] قد صدق القتالا
كتيبته [7] ململمة رداح ... إذا يرمونها تفني النّبالا
جزى اللّه الأغرّ يزيد خيرا ... ولقّاه المسرّة والجمالا
بمأخذه ابن كلثوم بن عمرو ... يزيد الخير نازله نزالا
بجمع من بني قرّان [8] صيد ... يجيلون الطعان إذا أجالا
يزيد يقدم السفراء [9] حتى ... يروّي صدرها الأسل النّهالا
حواره مع عمرو بن أبي حجر الغساني حين مر ببني تغلب فلم يكرموه:
أخبرني عليّ بن سليمان قال أخبرنا الأحول عن ابن الأعرابيّ قال:
زعموا أنّ بني تغلب حاربوا المنذر بن ماء السماء فلحقوا بالشأم خوفا منه. فمرّ بهم عمرو [10] بن أبي حجر
__________
[1] رواية «المعلقات» في عدة نسخ «متى نعقد» بالنون. والفرينة: التي تقرن إلى غيرها أي تربط مع غيرها بحبل. وتجذ: تقطع، وهو مجزوم في جواب الشرط، فيجوز فيه الكسر لالتقاء الساكنين وهو المختار، والفتح للتخفيف، والضم اتباعا لضمة ما قبله. وتقص:
تكسر؛ يقال: وقص عنقه يقصها وقصا إذا كسرها ودقها.
[2] طرد الإبل: ساقها.
[3] تقدّم أن «لجيما» جد أعلى لهم، وأن الجد الذي ينتسبون إليه «سحيم».
[4] يريد: يا هالة.
[5] حلال: جمع حلة (بالكسر) وهي جماعة بيوت الناس، ومجتمع القوم.
[6] نطاع: أرض، وقد ذكرها المؤلف في صفحة 46 من هذا الجزء.
[7] الكتيبة: الجيش أو فرقة منه. وململمة: مجتمعة. ورداح: ثقيلة جرارة.
[8] قرّان حصن باليمامة، نسب إليه أهله كأنه أب لهم. (راجع شرح «ديوان المفضليات» لأبي محمد الأنباري ص 434 طبعة مطبعة الآباء اليسوعيين ببيروت سنة 1920 م)
[9] كذا في «الأصول». ولم نوفق لوجه الصواب فيه.
[10] في كتاب «الكامل» لابن الأثير أنه الحارث بن أبي شمر الغساني. وسياق هذا الخبر فيه أتم وأوضح مما هنا. وأحسب أن مصدر الغموض والاضطراب في «الأغاني» هنا سقوط كلام من النساخ. ونص الخبر في كتاب «الكامل»: « ..... فخرج ملك غسان بالشام وهو الحارث بن أبي شمر الغساني، فمر بأفاريق من تغلب فلم يستقبلوه. وركب عمرو بن كلثوم التغلبي فلقيه فقال له: ما
الغسّاني، فتلقّاه عمرو بن كلثوم. فقال له: يا عمرو، ما منع/ قومك أن يتلقّوني؟! فقال له: يا عمرو يا خير الفتيان، فإن قومي لم يستيقظوا لحرب قطّ إلا علا فيها أمرهم واشتدّ شأنهم ومنعوا ما وراء ظهورهم. فقال له:
أيقاظ [1] نومة ليس فيها حلم، أجتثّ فيها أصولهم، وأنفى فلّهم [2] إلى اليابس الجرد، والنازح الثّمد. فانصرف عمرو بن كلثوم وهو يقول:
ألا فاعلم أبيت اللّعن أنّا ... على عمد سنأتي ما نريد
تعلّم أنّ محملنا ثقيل ... وأنّ زناد كبتنا [3] شديد
وأنّا ليس حيّ من معدّ ... يوازينا إذا لبس الحديد
هجاؤه للنعمان بن المنذر:
قال: وقال ابن الأعرابيّ: بلغ عمرو بن كلثوم أنّ النعمان بن المنذر يتوعّده، فدعا كاتبا من العرب فكتب إليه:
ألا أبلغ النّعمان عنّي رسالة ... فمدحك حوليّ وذمّك قارح [4]
متى تلقني في تغلب ابنة وائل ... وأشياعها ترقى إليك المسالح [5]
وهجا النّعمان بن المنذر هجاء كثيرا، منه قوله يعيّره بأمّه سليمى:
حلّت سليمى بخبت [6] بعد فرتاج ... وقد تكون قديما في بني ناج
/ إذ لا ترجّي سليمى أن يكون لها ... من بالخورنق من قين ونسّاج
ولا يكون على أبوابها حرس ... كما تلفّف قبطيّ بديباج
تمشي بعدلين من لؤم ومنقصة ... مشي المقيّد في الينبوت [7] والحاج
__________
- منع قومك أن يتلقوني؟! فقال لم يعلموا بمرورك. فقال: لئن رجعت لأغزونهم غزوة تتركهم أيقاظا لقدومي. فقال عمرو: ما استيقظ قوم قط إلا نبل رأيهم وعزت جماعتهم؛ فلا توقظن نائمهم. فقال: كأنك تتوعدني بهم! أما واللّه لتعلمن إذا نالت (لعلها أجالت) غطاريف غسان الخيل في دياركم أن أيقاظ قومك سينامون نومة لا حلم فيها: تجتث أصولهم وينقى فلهم إلى اليابس الجرد والنازح الثمد. ثم رجع عمرو بن كلثوم عنه وجمع قومه وقال: ألا فاعلم ... إلخ».
[1] في «الأصول»: «أيقاظي» بياء في آخرها.
[2] الفل: القوم المنهزمون. والجرد (بالتحريك): من الأرض ما لا ينبت. والثمد (بالفتح بالتحريك): الماء القليل الذي لا مادّ له.
والنازح: الذي نفد ماؤه؛ يقال نزحنا البئر، ونزحت البئر، فهو لازم متعدّ. يريد أن ينفي المنهزمين منهم إلى أرض لا نبات فيها ولا ماء.
[3] كذا في «ج». والكبة (بالفتح): الحملة في الحرب والدفعة في القتال، وكبة كل شيء شدته ودفعته مثل كبة الشتاء والجري. وفي «أ، م»: «و أن زناد كتبنا» بتقديم التاء المثناة من فوق على الباء الموحدة. وفي «ب، س»: «زناد كتبتنا» بزيادة تاء قبل النون.
وأحسب أن صوابه: «و أن ذياد كبتنا شديد» أي أن دفع حملتنا في القتال شديد لا يطاق.
[4] الحولي: ما أتى عليه حول. والقارح من ذي الحافر: الذي شق نابه. وهو في السنة الأولى حولي ثم ثنى ثم رباع ثم قارح.
[5] المسالح: جمع مسلحة، وهي القوم ذوو السلاح.
[6] الخبت: المطمئن من الأرض، واسم لعدة مواضع. وفرتاج (بكسر الفاء): موضع. وبنو ناج: بطن من عدوان.
[7] في «أكثر الأصول»: «اليابوت». وفي «ج»: «اليلبوت»، وكلاهما تحريف. والينبوت: نبات، وهو ضربان، أحدهما ذو شوك، وهو المراد هنا. والحاج: الشوك أو ضرب منه. يريد أنها تمشي مثقلة بما تحمل من لؤم ومنقصة كما يمشي المقيد في هذين الضربين من الشوك.
قال وقال في النعمان:
لحا اللّه أدنانا إلى اللّؤم زلفة [1] ... وألأمنا خالا وأعجزنا أبا
وأجدرنا أن ينفخ الكير خاله ... يصوغ القروط والشّنوف بيثربا
وفاته ونصيحته لبنيه:
أخبرني الحسين بن عليّ قال حدّثنا أحمد بن سعيد الدّمشقيّ قال حدّثنا الزبير بن بكّار قال حدّثني عليّ بن المغيرة عن ابن الكلبيّ عن رجل من النّمر بن قاسط قال:
لمّا حضرت عمرو بن كلثوم الوفاة وقد أتت عليه خمسون ومائة سنة، جمع بنيه فقال: يا بنيّ، قد بلغت من العمر ما لم يبلغه أحد من آبائي، ولا بدّ أن ينزل بي ما نزل بهم من الموت. وإني واللّه/ ما عيّرت أحدا بشيء إلا عيّرت بمثله، إن كان حقّا فحقّا، وإن كان باطلا فباطلا. ومن سبّ سبّ؛ فكفّوا عن الشتم فإنه أسلم لكم، وأحسنوا جواركم يحسن ثناؤكم، وامنعوا من ضيم الغريب؛ فربّ رجل خير من ألف، وردّ خير من خلف. وإذا حدّثتم فعوا، وإذا حدّثتم فأوجزوا؛ فإن مع الإكثار تكون الأهذار [2]. وأشجع القوم العطوف بعد الكرّ، كما أنّ أكرم المنايا/ القتل. ولا خير فيمن لا رويّة له عند الغضب، ولا من إذا عوتب لم يعتب [3]. ومن الناس من لا يرجى خيره، ولا يخاف شرّه؛ فبكؤه [4] خير من درّه، وعقوقه خير من برّه. ولا تتزوّجوا في حيّكم فإنه يؤدّي إلى قبيح البغض.
صوت
لمن الديار ببرقة الرّوحان [5] ... إذ لا نبيع زماننا بزمان
صدع الغواني إذ رمين فؤاده ... صدع الزّجاجة ما لذاك تداني
إن زرت أهلك لم أنوّل حاجة ... وإذا هجرتك شفّني هجراني
الشعر لجرير يهجو الأخطل ويردّ عليه حكومته التي حكم بها للفرزدق عليه. والغناء، فيما ذكره عليّ بن يحيى المنجّم في كتابه الذي لقّبه بالمحدث، لمعبد ثقيل أوّل بالوسطى، وذكر الهشاميّ أنّه لحنين، قال ويقال: إنه لمعبد. وفيه ليزيد حوراء لحن ذكره عبد الملك بن موسى عنه، وقال: لا أدري أهو الثقيل الأوّل أم خفيف الرمل.
وذكر حبش أنّ الثقيل الأوّل للغريض وأنّ خفيف الرمل بالبنصر للدّلال.
__________
[1] ألزلفة (بالضم) - ومثلها الزلفى والزلف (بالتحريك) - : القربة والدرجة والمنزلة.
[2] الأهذار: جمع هذر (بالتحريك) وهو سقط الكلام.
[3] الإعتاب: رجوع المعتوب عليه إلى ما يرضى العاتب، والاسم منه العتبي.
[4] أصل البك ء: قلة اللبن أو انقطاعه، يقال: بكأت الناقة أو الشاة تبكأ بكئا (من باب فتح) وبكؤت تبكؤ (من باب كرم) بكاءة وبكوءا.
والمعنى المراد: فمنعه خير من عطائه.
[5] راجع الحاشية رقم 1 ص 63 من هذا الجزء.
4 - ذكر الخبر عن السبب في اتصال الهجاء بين جرير والأخطل
سبب التهاجي بين جرير والأخطل:
أخبرني عليّ بن سليمان الأخفش ومحمد بن العبّاس اليزيديّ قالا حدّثنا أبو سعيد السكّريّ عن محمد بن حبيب عن أبي عبيدة وعن أبي غسّان دماذ عن أبي عبيدة، وأخبرني محمد بن يحيى قال حدّثنا أبو ذكوان القاسم بن إسماعيل قال حدّثنا أبو غسّان عن أبي عبيدة، وأخبرنا الصّوليّ عن إبراهيم بن المعلّى الباهليّ عن الطوسيّ عن ابن الأعرابيّ وأبي عمرو الشيبانيّ، وقد جمعت رواياتهم. قال أبو عبيدة حدّثني عامر بن مالك المسمعيّ قال:
كان الذي هاج التهاجي بين جرير والأخطل أنّه لمّا بلغ الأخطل تهاجي جرير والفرزدق قال لابنه مالك - وهو أكبر ولده وبه كان يكنى - : انحدر إلى العراق حتّى تسمع منهما وتأتيني بخبرهما. فانحدر مالك حتى لقيهما وسمع منهما ثم أتى أباه. فقال له: كيف وجدتهما؟ قال: وجدت جريرا يغرف من بحر، ووجدت الفرزدق ينحت من صخر. فقال الأخطل: الذي يغرف من بحر أشعرهما؛ وقال يفضّل جريرا على الفرزدق:
إنّي قضيت قضاء غير ذي جنف ... لمّا سمعت ولمّا جاءني الخبر
أنّ الفرزدق قد شالت نعامته ... وعضّه حيّة من قومه ذكر
وفي رواية ابن الأعرابيّ «قد سال الفرات به». قال أبو عبيدة: ثم إن بشر بن مروان دخل الكوفة، فقدم عليه الأخطل، فبعث إليه محمد بن عمير بن عطارد بن حاجب بن زرارة بألف درهم وكسوة وبغلة وخمر، وقال له: لا تعن على شاعرنا،/ واهج هذا الكلب الذي/ يهجو بني دارم؛ فإنك قد قضيت على صاحبنا، فقل أبياتا واقض لصاحبنا عليه. فقال الأخطل:
أجرير إنّك والذي تسمو له ... كأسيفة [1] فخرت بحدج حصان
عملت لربّتها فلمّا عوليت [2] ... نسلت تعارضها مع الرّكبان
أتعدّ مأثرة لغيرك فخرها ... وثناؤها في سالف الأزمان
تاج [3] الملوك وفخرهم في دارم ... أيّام يربوع [4] مع الرّعيان
__________
[1] الأسيفة: الأمة. والحدج (بالكسر): مركب من مراكب النساء يشبه المحفة. والحصان العفيفة. ويعنى بها هنا الحرة لمقابلتها للأمة.
[2] في «ديوان» الأخطل: «حملت». وربتها: سيدتها. وعوليت: رفعت أي حملت على مركب. ونسلت: أسرعت في المشي؛ وقيل:
أصل النسلان للذئب ثم استعمل في غيره.
[3] رواية «الديوان»:
في دارم تاج الملوك وصهرها
[4] يربوع: جدّ لجرير.
وهي طويلة يقول فيها:
فاخسأ إليك كليب إنّ مجاشعا ... وأبا الفوارس نهشلا أخوان
سبقوا أباك بكلّ أعلى [1] تلعة ... في المجد عند مواقف الرّكبان
قوم إذا خطرت عليك قرومهم ... ألقتك بين كلاكل وجران [2]
وإذا وضعت أباك في ميزانهم ... رجحوا وشال أبوك في الميزان [3]
/و قال جرير يردّ حكومة الأخطل:
لمن الدّيار ببرقة الرّوحان [4] ... إذ لا نبيع زماننا بزمان
وهي طويلة يقول فيها:
يا ذا الغباوة [5] إنّ بشرا قد قضى ... ألّا تجوز حكومة النّشوان [6]
فدعوا الحكومة لستم من أهلها ... إنّ الحكومة في بني شيبان
قتلوا كليبكم بلقحة جارهم ... يا خزر تغلب لستم بهجان [7]
قصيدة للأخطل وشرح بعض كلماتها:
ومما غنيّ فيه من نقائض جرير والأخطل:
صوت
أناخوا فجرّوا شاصيات كأنّها ... رجال من السّودان لم يتسربلوا
فقلت اصبحوني [8] لا أبا لأبيكم ... وما وضعوا الأثقال إلّا ليفعلوا
تمرّ بها الأيدي سنيحا وبارحا ... وترفع [9] باللّهمّ حيّ وتنزل
الشاصيات: الشائلات القوائم من امتلائها. وعنى بالشاصيات ها هنا الزّقاق، لأنها إذا امتلأت شالت أكارعها؛
__________
[1] في «الديوان»: «مجمع تلعة».
[2] القرم (بالفتح): الفحل من الإبل، ويستعمل في السيد المعظم من الرجال على التشبيه. والكلاكل: الصدور. والجران: باطن عنق البعير أو مقدمة من مذبحه إلى منحره.
[3] شولان الميزان (بالتحريك): ارتفاع إحدى كفتيه؛ ويستعمل في المفاخرة على التمثيل؛ يقال: فاخرت فلانا فشال ميزانه أو شال في ميزانه، أي فخرته وغلبته.
[4] برقة الروحان: روضة باليمامة. وفي «الأصول» هنا: «ببرقة الريحان» والتصويب من «الأغاني» (ج 5 ص 186 من هذه الطبعة) و «النقائض» و «معجم البلدان» لياقوت.
[5] كذا في «كل الأصول» هنا. وقد أثبت في الجزء الثامن: «ياذ العباءة». (راجع فيه الحاشية رقم 5 ص 17).
[6] في «الأصول»: «النسوان» بالسين المهملة وهو تصحيف.
[7] اللقحة: الناقة الحلوب. والخزر (بالضم): جمع أخزره والخزر: صغر العين وضيقها. والهجان: البيض الكرام. يشير في هذا البيت إلى مقتل كليب بن ربيعة وسببه.
[8] صبحه: سقاه الصبوح وهو الشراب بالغداة. والأثقال: الأمتعة، واحدها ثقل (بالتحريك).
[9] في «بعض الأصول»: «و ترفعها باللم» وهو تحريف. يعني أنه يسمى عليها بذكر اللّه في رفعها وإنزالها. ويروى: «و توضع ......
وتحمل».
يقال) شصا برجله إذا رفعها، وشصا ببصره إذا شخص؛ قال الراجز يصف الشاخص.
/و بقر خماص [1] ... ينظرن من خصاص [2]
بأعين شواصي ... كفلق [3] الرّصاص
والسانح والسنيح: ما جاء عن يمينك يريد شمالك. والبارح: ما جاء عن شمالك يريد يمينك. والجابه: ما جاء من أمامك مواجها لك. والقعيد والخفيف: ما جاء من ورائك. شبّه دور الكأس واختلافها بينهم بالسوانح والبوارح.
الشعر للأخطل. والغناء لمالك، فيه لحنان كلاهما له، أحدهما رمل بالبنصر في مجراها في الأبيات الثلاثة على الولاء من رواية إسحاق، والآخر خفيف رمل بالوسطى في الثالث ثم الأوّل والثاني عن عمرو. وذكر عمرو أنّ الرمل ايضا لابن سريج وأنه بالوسطى. وفيه بالبنصر في الاول والثاني عن الهشاميّ وعمرو. وفيه لابن محرز خفيف ثقيل أوّل بالبنصر عن عمرو والهشاميّ.
ومنها:
صوت
خفّ القطين فراحوا منك أو بكروا ... وأزعجتهم نوّى في صرفها غير
كأنّني شارب يوم استبدّ بهم ... من قرقف ضمّنتها حمص [4] أو جدر
جادت بها ذوات القار مترعة ... كلفاء ينحتّ من خرطومها المدر
يا قاتل اللّه وصل الغانيات إذا ... أيقنّ أنّك ممن قد زها الكبر
أعرضن لمّا حنى قوسي موتّرها ... وابيضّ بعد سواد اللّمّة الشّعر
/ استبدّ بهم أي علي [5] عليهم. والقرقف: التي تأخذ شاربها رعدة لشدّتها. والكلفاء: الخابية في لونها كلف [6].
وقوله «زها الكبر» يعني استخفّه وأضعفه؛ يقال: زهاه وازدهاه. وقال أبو عبيدة: الأصل في زهاه رفعه؛ فكأنه أراد أنه رفعه في علوّ سنّه عما يردن منه. واللّمّة: الشعر المجتمع.
الشعر للأخطل يمدح عبد الملك بن مروان ويجهو قيسا وبني كليب ويقول فيها:
أمّا كليب بن يربوع فليس لها ... عند التفاخر [7] إيراد ولا صدر
مخلّفون ويقضي الناس أمرهم ... وهم بغيب وفي عمياء ما شعروا
__________
[1] خماص: ضامرات البطون، الواحد خمصان (بفتح الخاء وضمها) للمذكر، وخمصانة للمؤنث.
[2] الخصاص: الخروق، واحدها خصاصة.
[3] في «الأصول»: «تعلق بالرصاص». والتصويب من «لسان العرب» (مادة شصا). وفيه زيادة عما هنا، هي:
يا رب مهر شاص
وموضعه في أول الرجز.
[4] حمص: مدينة مشهورة بالشام بين دمشق وحلب في نصف الطريق. وجدر: قرية بين حمص وسلمية تنسب إليها الخمر.
[5] في «الأصول»: «علا عليهم» وهو تحريف. يعني أنهم غلبوا على أمرهم.
[6] الكلف: حمرة كدرة، أو هو لون بين السواد والحمرة.
[7] في «الديوان»: «عند التفارط»: والتفارط التقدم في طلب الماء.
ملطّمون بأعقار [1] الحياض فما ... ينفكّ من دارميّ فيهم أثر
بئس الصحاة [2] وبئس الشّرب شربهم ... إذا جرى فيهم المزّاء والسّكر
قوم تناهت إليهم كلّ مخزية ... وكلّ فاحشة سبّت بها مضر
الآكلون خبيث الزّاد وحدهم ... والسائلون بظهر الغيب ما الخبر
وهذه القصيدة من فاخر شعر الأخطل ومقدّمه ومما غلّب فيه على جرير. وقد احتاج جرير إلى سلخ [3] بيته هذا الأخير فردّه عليه بعينه في نقيضة هذه القصيدة، وضمّنه بيتين من شعره فقال:
/الاكلون خبيث الزّاد وحدهم ... والنازلون إذا واراهم الخمر [4]
والظاعنون على العمياء إن رحلوا ... والسائلون بظهر الغيب ما الخبر
وفي هذه القصيدة يقول الأخطل يمدح عبد الملك:
إلى امرىء لا تعرّينا [5] نوافله ... أظفره اللّه فليهنى ءّ له الظّفر
الخائض الغمر والميمون طائره ... خليفة اللّه يستسقى به المطر
والهمّ بعد نجيّ النفس يبعثه [6] ... بالحزم والأصمعان [7] القلب والحذر
وما الفرات إذا جاشت غواربه ... في حافتيه وفي أوساطه العشر [8]
وزعزعته [9] رياح الصّيف [10] واضطربت ... فوق الجآجيء [11] من آذيّه غدر
مسحنفر [12] من جبال [13] الروم يستره ... منها أكافيف [14] فيها دونه زور
__________
[1] الأعقار: جمع عقر (بالضم) وهو مؤخر الحوض حيث تقف الإبل إذا وردت، أو هو مقام الشاربة منه.
[2] كذا في «الديوان». وهو يريد أن يذم بني يربوع في حل سكرهم إذا شربوا وصحوهم. وفي «الأصول»: «بئس الصحاب». والمزاء (بالضم): من أسماء الخمر؛ سميت بذلك للذعها اللسان.
[3] كذا في «ج». وفي «سائر الأصول»: «نسخ بيته».
[4] الخمر (بالتحريك): ما واراك من شجر وغيره.
[5] كذا في «الديوان». وفي «أكثر الأصول»: «لا تعدينا». وفي «ح»: «لا يعدينا».
[6] في «الأصول»: «بلغته» والتصويب من «الديوان».
[7] في الأصول «و الأصمعين» والتصويب من «الديوان»؛ إذ المعنى المراد: والأصمعان القلب والحذر يبعثانه أيضا. والقلب الأصمع:
الذكي المتوقد الفطن، وكذلك يوصف بالصمع الرأي الحازم.
[8] جاشت: هاجت. والغوارب: المتون؛ يريد أمواجه وأعاليه. وفي «الديوان»: «حوالبه» وهي أمواجه. والعشر: شجر.
[9] زعزعته: حركته، وقيل حركته تحريكا شديدا. وفي «الديوان»: «ذعذعته» بالذال المعجمة، وهما بمعنى واحد.
[10] في «الأصول»: «رياح الطير» والتصويب من «الديوان».
[11] الجآجيّ: الصدور، واحدها جؤجؤ. والآذيّ: الموج. والغدر: جمع غدير. وفي «الأصول» عذر (بعين مهملة وذال معجمة) والتصويب من «الديوان».
[12] مسحنفر: سريع الجري.
[13] في «الأصول»: «من بلاد الروم» والتصويب من «الديوان» و «لسان العرب».
[14] في «الأصول»: «أكاليف» والتصويب من «الديوان» و «لسان العرب» (مادة كفف). وأكافيف الجبل: حيوده أي حروفه الناتئة في أعراضه. والزور (بالتحريك): الميل. يصف الفرات وجريه في جبال الروم المطلة عليه حتى يشق بلاد العراق.
/
يوما بأجود منه حين تسأله ... ولا بأجهر [1] منه حين يجتهر
في نبعة [2] من قريش يعصبون [3] بها ... ما إن يوازى بأعلى نبتها الشجر
حشد على الخير عيّافو الخنا أنف ... إذا ألمّت بهم مكروهة صبروا
لا يستقلّ [4] ذوو الأضغان حربهم ... ولا يبيّن في عيدانهم خور
شمس [5] العداوة حتى يستقاد لهم ... وأعظم الناس أحلاما إذا قدروا
مدح الرشيد بيتا للأخطل:
أخبرنا الحسن بن عليّ قال حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد قال حدّثنا عليّ بن الصبّاح عن أبيه:
أنّ الرشيد قال لجماعة من أهله وجلسائه: أيّ بيت مدح به الحلفاء منّا ومن بني أميّة أفخر؟ فقالوا وأكثروا.
فقال الرشيد: أمدح بيت وأفخره قول ابن النّصرانيّة في عبد الملك:
شمس العداوة حتى يستقاد لهم ... وأعظم الناس أحلاما إذا قدروا
مدح آدم بن عمر بن عبد العزيز بيتا للأخطل في مجلس المهدي فأغضبه:
أخبرني الحسن قال حدّثنا ابن مهرويه قال حدّثني أحمد بن الحارث عن المدائنيّ قال:
قال المهدي يوما وبين يديه مروان بن أبي حفصة: أين ما تقوله فينا من قولك في أمير المؤمنين المنصور:
/له لحظات عن حفافي سريره ... إذا كرّها فيها عقاب ونائل
فاعترضه آدم بن عمر بن عبد العزيز فقال: هيهات واللّه يا أمير المؤمنين أن يقول هذا ولا ابن هرمة كما قال الأخطل:
شمس العداوة حتى يستقاد لهم ... وأعظم الناس أحلاما إذا قدروا
قال: فغضب المهديّ حتى استشاط وقال: كذب واللّه ابن النّصرانيّة العاضّ بظر أمّه وكذبت يا عاضّ بظر أمّك! واللّه لو لا أن يقال: إني خفرت [6] بك لعرّفتك من أكثر شعرا! خذوا برجل ابن الفاعلة فأخرجوه عنّي! فأخرجوه على تلك الحال، وجعل يشتمه وهو يجرّ ويقول: يا بن الفاعلة! أراها في رؤوسكم وأنفسكم!.
صوت
إنّي أرقت ولم يأرق معي صاح ... لمستكفّ بعيد النّوم لوّاح
__________
[1] في «الأصول»: «بأجهد» والتصويب من «الديوان». أي بأعظم ولا أحسن مرآة منه؛ يقال جهرت قلانا واجتهرته إذا رأيته عظيما حسن المرآة في عينك.
[2] النبع: ضرب من الشجر وهو من أجوده.
[3] هذه رواية «الديوان». وفي «الأصول»: «يعصمون بها». ويعصبون بها: يطيفون بها ويلزمونها.
[4] استقل الشي ء: حمله. يريد أن خصومهم لا يستطيعون أن ينهضوا بحربهم. ويبين: يتضح ويظهر.
[5] شمس: جمع شموس، وهو من الرجال العسر في عداوته الشديد الخلاف على من عانده. والأصل في هذا الجمع أن يكون مضموم العين، ويجوز فيه التسكين كما ورد في البيت هنا.
[6] كذا في «الأصول». والذي في كتب اللغة أنه يقال: خفرت فلانا وخفرت به إذا أجرته وأمنته، وأخفرته إذا غدرته، ويقال خفرت ذمته إذا لم يوف بها.
دان مسفّ فويق الأرض هيدبه ... يكاد يدفعه من قام بالرّاح
عروضه من البسيط. الشعر لأوس بن حجر - وهكذا رواه الأصمعيّ، أخبرنا بذلك اليزيديّ عن الرّياشيّ عنه، ووافقه بعض الكوفيين، وغير هؤلاء يرويه لعبيد بن الأبرص - والغناء لإبراهيم الموصليّ ثقيل أوّل بإطلاق الوتر في مجرى الوسطى. ولحسين بن محرز لحن في البيت الثاني وبعده:
إن أشرب الخمر أو أغلى بها ثمنا ... فلا محالة يوما أنني صاح
وطريقته خفيف رمل بالوسطى.
/ قوله: مستكفّ: يعني مستديرا؛ وكلّ طرّة كفّة. أخبرنا محمد بن العبّاس اليزيديّ قال حدّثنا الريّاشيّ قال حدّثنا الأصمعيّ قال سمعت أبا مهديّ يقول وهو يصف شجاعا [1] عرض له في طريقه: تبعني شجاع من هذه الشّجعان، فمرّ خلفي/ كأنه سهم زالج، فحدت عنه، واستكفّ كأنه كفّة حابل، فرميته فنظرت ثلاثة أثنائه [2] وكذلك يقال كفّة الحابل وكفّة الميزان بالكسر، والأولى مضمومة [3]. ولوّاح: من قولهم لاح يلوح إذا ظهر.
ومسفّ: قد أسفّ على وجه الأرض إذا صار عليها أو قرب منها أو دنا إليها؛ ومن هذا يقال: أسفّ الطائر إذا طار على وجه الأرض؛ ويقال ذلك للسهم أيضا. وهيدبه: الذي تراه كالمتعلّق بالسحاب. يقول: هذا السحاب يكاد من مقام أن يمسّه ويدفعه براحته لقربه من الأرض؛ وهو أحسن ما وصف به السحاب.
__________
[1] الشجاع (بضم الشين وكسرها، وجمعه شجعان بضم الشين وكسرها): الحية الذكر، أو الحية مطلقا، أو هو ضرب من الحيات.
[2] أثناء الحية: مطاويها إذا تحوّت وتثنت، واحدها ثني (بالكسر). ويقال أيضا مثاني الحية، جمع مثناة (بفتح الميم وكسرها).
[3] لأهل اللغة في ضبط كلمة «كفة» في معانيها المختلفة آراء كثيرة مبسوطة في كتاب «لسان العرب». وغيره.
5 - ذكر أوس بن حجر وشيء من أخباره
نسب أوس بن حجر:
وقد اختلف في نسبه، فقال الأصمعي، فيما أخبرنا به محمد بن العبّاس اليزيديّ عن الرياشي عنه، هو أوس بن حجر بن مالك بن حزن بن عقيل بن خلف بن نمير. وقال ابن حبيب، فيما ذكره السكّريّ عنه،: هو أوس بن حجر من شعراء الجاهليّة وفحولها.
وذكر أبو عبيدة أنه من الطبقة الثالثة، وقرنه بالحطيئة نابغة بني جعدة.
في الشعر:
فأخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ قال حدّثنا عمر بن شبّة قال قال أبو عبيدة حدّثنا يونس عن [1] أبي عمرو قال:
كان أوس شاعر مضر حتى أسقطه النابغة وزهير، فهو شاعر تميم في الجاهليّة غير مدافع.
أخبرنا أحمد قال حدّثنا عمر قال حدّثنا الأصمعيّ قال سمعت أبا عمرو يقول: كان أوس بن حجر فحل الشعراء؛ فلما نشأ النابغة طأطأ منه. وأمّا الكلبيّ فإنه زعم أنّ من هذه الطبقة لبيد بن ربيعة والشّمّاخ بن ضرار. قال:
وتميم إلى الآن مقيمة على تقديم أوس. قال: ومنهم من يقول بتقديم عديّ؛ وأنشد لحارثة بن بدر الغدانيّ:
والشّعر كان مبيته ومظلّه ... عند العباديّ الذي لا يجهل
وقال يعقوب بن سليمان قال حمّاد: أدركت رجالا من بني تميم لا يفضّلون على عديّ في الشعر أحدا.
أخبرني اليزيديّ عن الرّياشيّ عن الأصمعيّ قال: تميم تروى هذه القصيدة الحائيّة لعبيد، وذلك غلط؛ ومن الناس من يخلطها بقصيدته التي على وزنها ورويّها لتشابهما.
غنت فتاة أعرابية بشعر له في السحاب:
أخبرني عليّ بن سليمان الأخفش قال أخبرنا أبو سعيد السّكّريّ قال حدّثنا عليّ بن الصبّاح قال حدّثني عبيد اللّه بن الحسين بن المسوّد بن وردان مولى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال:
خرج أعرابيّ مكفوف ومعه ابنة عمّ له لرعي غنم لهما. فقال الشيخ: أجد ريح النّسيم قد دنا، فارفعي رأسك فانظري. فقالت: أراها كأنها ربرب معزى هزلي. قال: ارعي واحذري. ثم قال لها بعد ساعة: إني أجد ريح النسيم قد دنا، فارفعي رأسك فانظري. فقال: أراها كأنها بغال دهم تجرّ جلالها. قال: ارعي واحذري. ثم مكث ساعة ثم قال: إني لأجد ريح النسيم قد دنا، فانظري. قالت: أراها كأنها بطن حمار أصحر. فقال: ارعي واحذري. ثم
__________
[1] في «الأصول»: «حدّثنا يونس بن أبي عمرو ... » وهو تحريف.
مكث ساعة فقال: إني لأجد ريح النسيم، فما ترين؟ قالت: أراها كما قال الشاعر:
دان مسفّ فويق الأرض هيدبه ... يكاد يدفعه من قام بالراح
/ كأنما بين أعلاه وأسفله ... ريط متشّرة أو ضوء مصباح
فمن بمحفله كمن بنجوته ... والمستكنّ كمن يمشي بقرواح
فقال: انجي لا أبالك! فما انقضى كلامه حتى هطلت السماء عليهما.
البيت الثاني من هذه الأبيات ليس من رواية ابن حبيب ولا الأصمعيّ.
معنى قول الجارية «كأنها بطن حمار أصحر»: تعني أنه أبيض فيه حمرة. والصحرة لون كذلك. وقوله: «فمن بمحفله كمن بنجوته»: يعني من هو بحيث احتفل السيل - واحتفال كل شيء معظمه - كمن في نجوته. وقد روي «بمحفشه»، وهما واحد، ومعناهما مجرى معظم السيل. يقول: فمن هو في هذا الموضع منه كمن بنجوته (أي ناحية عنه) سواء لكثرة المطر. والقرواح: الفضاء؛/ يقال قرواح وقرياح. ويقال في معنى المحفش: حفشت الأودية إذا سالت، وتحفّشت المرأة على ولدها إذا قامت عليه.
كان يسير ليلا فصرعته ناقته، فأكرمه فضالة بن كلدة، فمدحه:
أخبرني عليّ بن سليمان الأخفش قال حدّثني عليّ بن أبي عامر السّهميّ المصريّ قال حدّثني أبو يوسف الأصبهانيّ قال حدّثني أبو محمد الباهليّ عن الأصمعيّ، وذكر هذا الخبر أيضا التّوّزيّ عن أبي عبيدة، فجمعت روايتيهما، قالا:
كان أوس بن حجر غزلا مغرما بالنساء؛ فخرج في سفر، حتى إذا كان بأرض بني أسد بين شرج وناظرة [1]، فبينا هو يسير ظلاما إذ جالت به ناقته فصرعته فاندقّت فخذاه فبات مكانه؛ حتى إذا أصبح غدا جواري الحيّ يجتنين الكمأة وغيرها من نبات الأرض والناس في ربيع. فبينا هنّ كذلك إذ بصرن بناقته تجول وقد علق زمامها في شجرة وأبصرنه ملقى، ففزعن فهربن. فدعا بجارية منهن فقال لها: من أنت؟ قالت: أنا حليمة بنت فضالة بن كلدة، وكانت أصغرهن؛ فأعطاها حجرا وقال لها: اذهبي إلى أبيك فقولي له: ابن هذا يقرئك السلام. فأخبرته فقال: يا بنيّة، لقد أتيت أباك بمدح طويل أو هجاء طويل. ثم احتمل هو وأهله حتى بنى عليه بيته حيث صرع وقال: واللّه لا أتحوّل أبدا حتى تبرأ؛ وكانت حليمة تقوم عليه حتى استقلّ. فقال أوس بن حجر في ذلك:
جدلت [2] على ليلة ساهره ... بصحراء شرج إلى ناظره
تزاد لياليّ في طولها ... فليست بطلق ولا ساكره [3]
أنوء برجل بها ذهنها [4] ... وأعيت بها أختها الغابرة
__________
[1] شرج وناظره: موضعان.
[2] الجدل: الصرع؛ يقال: جدله وجدّله تجديلا فانجدل وتجدّل. وفي «الأصول» و «الديوان»: «خذلت» وظاهر أنه تصحيف.
[3] ليلة طلق وطلقة: طيبة لا خرّ فيها ولا برد ولا مطر ولا قر؛ ويقال: يوم طلق. وليلة ساكرة: ساكنة الريح؛ يقال: سكرت الريح تسكر (على وزان قعد) سكورا وسكرانا إذا سكنت بعد الهبوب.
[4] كذا في «اللسان» (في مادة ذهن). والذهن: القوّة. والغابرة: الباقية. وفي «الأصول» و «الديوان»: ... دهيها ... العاثره.
/ وقال في حليمة:
لعمرك ما ملّت ثواء ثويّها [1] ... حليمة إذ ألقى مراسي مقعد [2]
ولكن تلّقت باليدين ضمانتي [3] ... وحلّ بشرج م القبائل [4] عوّدي
ولم تلهها [5] تلك التكاليف إنّها ... كما شئت من أكرومة وتخرّد [6]
سأجزيك أو يجزيك [7] عنّي مثوّب ... وقصرك [8] أن يثنى عليك وتحمدي
رثى فضالة بن كلدة حين مات:
قالا: ثم مات فضالة بن كلدة، وكان يكنى أبا دليجة، فقال فيه أوس بن حجر يرثيه.
يا عين لا بدّ من سكب وتهمال ... على فضالة جلّ الرّزء العالي
/ ويروى «عينيّ». العالي: الأمر العظيم الغالب. وهي طويلة جدّا. وفيها مما يغنّى فيه:
صوت
أبا دليجة من توصي بأرملة ... أم من لأشعث [9] ذي طمرين ممحال
أبا دليجة من يكفي العشيرة إذ ... أمسوا من الأمر في لبس وبلبال
لا زال مسك وريحان له أرج ... على صداك [10] بصافي اللّون سلسال
/ غنّى فيه دحمان خفيف رمل بالوسطى عن عمرو. وذكر حبش أنّ فيه لابن عائشة رملا بالوسطى عن عمرو. وذكر حبش أنّ فيه لابن عائشة رملا بالبنصر، ولداود بن العباس ثاني ثقيل، ولابن جامع خفيف ثقيل.
ومن فاضل مراثيه إياه ونادرها قوله:
أيّتها النفس أجملي جزعا ... إنّ الذي تكرهين قد وقعا
إنّ الذي جمّع السماحة وال ... نّجدة والحزم والقوى جمعا
__________
[1] الثواء: الإقامة. والثوى هنا: الضيف.
[2] المقعد: الذي به داء يقعده. وفي بعض «الأصول» و «الديوان»: «مقعدي» بياء في آخره.
[3] الضمانة: الداء في الجسد من كبر أو بلاء أو غير ذلك. ومثل الضمانة الضمان والضمن (بالتحريك) والضمنة (بالتحريك) والضمنة (بالضم)؛ يقال: رجل ضمن (بالتحريك) لا يثنى ولا يجمع لأنه وصف بالمصدر، ورجل ضمن (بكسر عينه) وضمين؛ وهذان الوصفان يثنيان ويجمعان؛ وجمع الأوّل: ضمنون، والثاني: ضمني.
[4] أي من القبائل. وفي «الأصول»: «فالقبائل» والتصويب من «الديوان».
[5] يقال: لهى عن الشيء يلهى (و زان فرح) إذا كف عنه وتركه. يريد: لم يجعلها تتركه ما تلاقيه في القيام عليه من تكاليف.
[6] التخرد: الحياء والخفر؛ يقال: خردت الفتاة خردا (من باب فرح) وتخرّدت.
[7] المثّوب هنا: الذي يعطي المحسن ثواب ما عمل؛ يقال: أثابه اللّه وأثوبه وثوّبه.
[8] قصرك: غايتك وكفايتك؛ ومثله قصارك وقصاراك (بضم القاف فيهما).
[9] رجل أشعث: مغبر الرأس متلبد الشعر أو منتشره لقلة تعهده بالدهن والاستحداد. والطمر: الثوب الخلق. وممحال: مجدب. يريد أنّه فقير.
[10] الصدى هنا: جثة الميت في قبره. وبصافي اللون أي مع صافي اللون، يريد الماء. والدعاء للقبور بالسقيا معروف عند العرب.
المخلف المتلف [1] المرزّأ لم ... يمتع بضعف ولم يمت طبعا
أودى وهل تنفع الإشاحة [2] من ... شيء لمن قد يحاول البدعا
وهي قصيدة أيضا يمدحه بها في حياته ويرثيه بعد وفاته. وله فيه قصائد غير هذه.
صوت
رأيت زهيرا كلكل خالد ... فأقبلت أسعى كالعجول أبادر
فشلّت يميني يوم أضرب خالدا ... ويمنعه مني الحديد المظاهر
عروضه من الطويل. الشعر لورقاء بن زهير. والغناء لكردم، خفيف ثقيل أوّل بالوسطى في مجراها عن إسحاق، وذكر عمرو بن بانة أنه لمعبد، وذكر إسحاق أنه ينسبه إلى معبد من لا يعلم، وروى عن أبى سياط عن يونس أنه أخذه من كردم وأعلمه أن الصنعة فيه له.
__________
[1] المخلف المتلف: يريد أنه يتلف ماله كرما، ويخلفه نجدة؛ كما قال آخر:
فأتلف ذاك متلاف كسوب والمرزأ: الذي تناله الرزيات في ماله لما يعطي ويسأل. والإمتاع: الإقامة. يقول: لم يقم وهو ضعيف. والطبع: الدنس. وأصل الطبع (بالتحريك): الوسخ والصدأ يغشيان السيف وغيره. وقد استعير لما يغشي النفس من الخلال الذميمة.
[2] أودى هلك. والإشاحة: الحذر. يقول: هل ينفع الحذر والخوف شيئا لمن يحاول دفع الموت. وعبر عن محاولة دفع الموت بمحاولة البدع، إذ محاولة دفع الموت بدعة. وفي «الأصول»: «لمن قد يحاول النزعا». والتصويب من «لسان العرب» (مادة شيح) و «الكامل» للمبرد (ص 730 طبعة أوربا).
6 - خبر ورقاء بن زهير ونسبه وقصة شعره هذا:
هو ورقاء بن زهير بن جذيمة بن رواحة بن ربيعة من مازن بن الحارث بن قطيعة بن عبس [1] بن بغيض بن ريث بن غطفان، يقوله لما قتل خالد بن جعفر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة [2]، أباه زهير بن جذيمة. وكان السبب في ذلك - فيما أخبرني به أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ وحبيب بن نصر قالا حدّثنا عمر بن شبّة، ونسخت بعض هذا الخبر عن الأثرم ورواية ابن الكلبيّ، وأضفت بعض الروايات إلى بعض إلّا ما أفردته وجلبته عن راويه. قال أبو عبيدة حدّثني عبد الحميد بن عبد الواحد بن عاصم بن عبد اللّه بن رافع بن مالك بن عبد بن جلهمة بن حدّاق بن يربوع بن سعد بن تغلب بن سعد بن عوف بن جلّان بن غنم بن أعصر، قال حدّثني أبي عبد الواحد وعمّي صفوان ابنا عاصم عن أبيهما عاصم بن عبد اللّه عمن أدرك شأس بن زهير. قال: كان مولد عاصم قبل مبعث النبيّ صلى اللّه عليه وسلم، وكان عاصم جاهليّا. قال: وقال عبد الحميد حدّثني سيّار بن عمرو أحد بني عبيد بن سعد بن عوف بن جلّان بن غنم - / قال أبو عبيدة: وكان أعلم غنيّ [3] - عن شيوخهم - :
مقتل شأس بن زهير أخيه والبحث عن قاتله ثم محاولة الثأر منه:
أن شأس بن زهير بن جذيمة أقبل من عند ملك - قال أبو عبيدة: أراه النعمان - وكان بينه وبين زهير صهر - قال أبو عبيدة: ثم حدّثني مرّة أخرى قال: كانت ابنة زهير عنده - فأقبل شأس بن زهير من عنده وقد حباه أفضل/ الحبوة مسكا وكسا وقطفا وطنافس، فأناخ ناقته في يوم شمال وقرّ على ردهة [4] في جبل ورياح بن الأسكّ [5] أحد بني رباع بن عبيد بن سعد بن عوف بن جلّان على الرّدهة ليس غير بيته بالجبل؛ فأنشأ شأس يغتسل بين الناقة والبيت؛ فاستدبره رياح فأهوى له بسهم فبتر به صلبه. قال أبو عبيدة وحدّثني رجل يخيّل إليّ أنه أبو يحيى الغنويّ قال: ورد شأس وقد حباه الملك بحبوة فيها قطيفة حمراء ذات هدب وطيب، فورد منعجا [6] وعليه خباء ملقى لرياح بن الأسكّ فيه أهله في الظّهيرة؛ فألقى ثيابه بفنائه ثم قعد يهريق عليه الماء، والمرأة قريبة منه (يعني امرأة رياح) فإذا هو مثل الثور الأبيض. فقال رياح لامرأته: أنطيني [7] قوسي؛ فمدّت إليه قوسه وسهما، وانتزعت المرأة نصله لئلا يقتله؛ فأهوى عجلان إليه فوضع السهم في مستدقّ الصّلب بين فقارتين ففصلهما، وخرّ ساقطا؛ وحفر له حفرا فهدمه عليه، ونحر جمله وأكله. قال: وقال عبد الحميد: أكل ركوبته وأولج متاعه بيته. وقال
__________
[1] كذا في كتاب «المعارف» لابن قتيبة و«القاموس». وفي «الأصول»: «قطيعة بن قيس».
[2] في «الأصول»: «حفصة» وهو تحريف.
[3] كذا في ج. وفي «سائر الأصول»: «و كان بلغني عن شيوخهم» وهو تحريف.
[4] الردهة (بالفتح): النقرة في الجبل أو في الصخر يستنقع فيها الماء.
[5] في كتاب «الكامل» لابن الأثير (ج 1 ص 411): «رياح بن الأشل».
[6] منعج (بفتح فسكون فكسر): موضع.
[7] في «أ، م»: «أعطيني». وأنطيني لغة في أعطيني.
عبد الحميد: وفقد شأس وقصّ أثره ونشد، وركبوا إلى الملك فسألوه عن حاله. فقال لهم الملك: حبوته وسرّحته.
فقالوا: وما متّعته به؟ قال: مسك وكسا ونطوع وقطف. فأقبلوا يقصّون أثره فلم تتّضح لهم سبيله. فمكثوا كذلك ما شاء اللّه، لا أدري كم، حتى رأوا امرأة رياح باعت بعكاظ قطيفة حمراء أو بعض ما كان من حباء الملك، فعرفت وتيقّنوا أن رياحا ثأرهم. قال أبو عبيدة: وزعم الآخر قال: نشد [1] زهير بن جذيمة الناس، فانقطع ذكره على منعج وسط غنيّ، ثم أصابت الناس جائحة وجوع، فنحر زهير ناقة [2]، فأعطى امرأة شطّيها [3] /فقال: اشترى لي الهدب والطّيب. فخرجت بذلك الشحم والسّنام تبيعه حتى دفعت [4] إلى امرأة رياح، فقالت: إنّ معي شحما أبيعه في الهدب والطّيب؛ فاشترت المرأة منها. فأتت المرأة زهيرا بذلك، فعرف الهدب. فأتى زهير غنيّا، فقالوا: نعم! قتله رياح بن الأسكّ، ونحن برءاء منه. وقد لحق بخاله من بني الطمّاح وبني أسد بن خزيمة. فكان يكون اللّيل عنده ويظهر في أبان [5] إذا أحسّ الصبح، يرمي الأروى [6]؛ إلى أن أصبح ذات يوم وهو عنده وعبس تريغه [7]. فركب خاله جملا وجعله على كفل [8] وراءه. فبينا هو كذلك إذا دنت، فقالوا [9]: هذه خيل عبس تطلبك. فطمر [10] في قاع شجر فحفر في أصل سوقه. ولقيت الخيل خاله فقالوا: هل كان معك أحد؟ قال لا. فقالوا: ما هذا المركب وراءك؟ لتخبرنّا أو لنقتلنّك! قال: لا كذب، هو رياح في ذلك القاع. فلما دنوا منه قال الحصينان: يا بني عبس دعونا وثأرنا، فخنسوا [11] عنهما. فأخذ رياح نعلين من سبت [12] فصيّرهما على صدره حيال كبده، ونادى: هذا غزالكما الذي تبغيان. فحمل عليه أحدهما فطعنه، فأزالت النعل الرمح إلى حيث شاكلته، ورماه رياح مولّيا فجذم [13] صلبه. قال: ثم جاء الآخر فطعنه فلم يغن شيئا، ورماه مولّيا فصرعه. فقالت عبس: أين تذهبون إلى هذا! واللّه/ ليقتلنّ منكم عدد مراميه، وقد جرحاه فسيموت. قال: وأخذ رياح رمحيهما وسلبيهما وخرج حتى سند إلى أبان. فأتته عجوز وهو يستدمي [14] على الحوض ليشرب منه/ وقالت: استأسر تحي، فقال: جنّبيني [15] حتى أشرب. قال: فأبت ولم تنته. فلما غلبته أخذ مشقّصا [16] وكنّع [17] به كرسوعي يديها. قال فقال عبد الحميد: فلما
__________
[1] يريد: سأل الناس.
[2] كذا في «ح». وفي «سائر الأصول»: «ناقته».
[3] شطيها: جانبي سنامها.
[4] دفعت: انتهت.
[5] أبان: جبل.
[6] الأروى: اسم جمع للأروية وهي أنثى الوعول.
[7] تريغه: تطلبه.
[8] الكفل (بالكسر): شيء مستدير يتخذ من الخرق ونحوها ويوضع على سنام البعير.
[9] كذا في «الأصول». ولعل صوابه: «إذ دنت الخيل فقال هذه ... إلخ».
[10] طمر: معناها هنا استخفى.
[11] خنسوا: تأخروا وتنحوا.
[12] السبت: (بالكسر): الجلد المدبوغ.
[13] جذمه: قطعه بسرعة.
[14] يستدمي: يطأطىء رأسه يقطر منه الدم.
[15] جنبيني: ابعدي عني؛ يقال: جنبه تجنيبا وتجنبه وجانبه وتجانبه واجتنبه إذا بعد عنه. وفي «الأصول»: «اجنبيني» بزيادة الألف، وهو تحريف. ويقال: جنبه الشيء يجنبه (من باب نصر)، وجنّبه إياه تجنيبا، وأجنبه إياه، إذا نحاه عنه.
[16] المشقص: نصل عريض أو هو سهم فيه ذلك النصل.
[17] كتع (بالتضعيف): قطع. وفي بعض «الأصول»: «كنع» بالتاء، وهو تصحيف.
استبان لزهير بن جذيمة أنّ رياحا ثأره قال يرثي شأسا:
رثاء زهير بن جذيمة لابنه شأس:
بكيت لشأس حين خبّرت أنّه ... بماء غنيّ آخر اللّيل يسلب
لقد كان مأتاه الرّداه لحتفه ... وما كان لو لا غرّة اللّيل يغلب
فتيل غنيّ ليس شكل كشكله ... كذاك لعمري الحين للمرء يجلب
سأبكي عليه إن بكيت بعبرة ... وحقّ لشأس عبرة حين تسكب
وحزن عليه ما حييت وعولة ... على مثل ضوء البدر أو هو أعجب
إذا سيم [1] ضيما كان للضيم منكرا ... وكان لدي الهيجاء يخشى ويرهب
وإن صوّت الداعي إلى الخير مرّة ... أجاب لما يدعو له حين يكرب [2]
ففرّج عنه ثم كان وليّه ... فقلبي عليه لو بدا القلب ملهب
وقال زهير بن جذيمة حين قتل شأس: شأس وما شأس! والبأس وما البأس! لو لا مقتل شأس، لم يكن بيننا بأس.
قال: ثم انصرف إلى قومه، فكان لا يقدر على غنويّ إلّا قتله.
قال عبد الحميد: فغزت بنو عبس غنيّا قبل أن يطلبوا قودا أو دية مع أخي شأس الحصين بن زهير بن جذيمة والخصين بن أسيد بن جذيمة ابن أخي زهير. فقيل/ ذلك لغنيّ؛ فقالت لرياح: انج، لعلنا نصالح على شيء أو نرضيهم بدية وفداء. فخرج رياح رديفا لرجل من بين كلاب - وزعم أبو حيّة النّميريّ أنه من بني جعد [3] - وكان معهما صحيفة فيها آراب [4] لحم، لا يريان إلّا أنهما قد خالفا وجهة القوم، فأوجفا أيديهما في الصّحيفة فأخذ كل واخذ منهما وذرة [5] ليأكلها، مترادفين لا يقدران على النزول. قال: فمرّ فوق رءوسهما صرد [6] فصرصر، فألقيا اللحم وأمسكا بأيديهما وقالا: ما هذا! ثم عادا إلى مثل ذلك فأخذ كل واحد منهما عظما، ومرّ الصّرد فوق رؤوسهما فصرصر؛ فألقيا العظمين وأمسكا بأيديهما وقالا: ما هذا! ثم عادا الثالثة فأخذ كل واحد منهما قطعة، فمرّ الصّرد فوق رؤوسهما فصرصر، فألقيا القطعتين [7]؛ حتى فعلا ذلك ثلاث مرات، فإذا هما بالقوم أدنى ظلم (و أدنى ظلم [8] أي أدنى شي ء) وقد كانا يظنّان أنهما قد خالفا وجهة القوم. فقال صاحبه لرياح: اذهب فإني آتي القوم أشاغلهم عنك وأحدّثهم حتى تعجزهم ثم ماض إن تركوني. فانحدر رياح عن عجز الجمل فأخذ
__________
[1] سامه الأمر: كلفه إياه، وأكثر ما يستعمل في العذاب والشر والظلم.
[2] يكرب: يصيبه الكرب وهو الحزن والغم الذي يأخذ بالنفس.
[3] لم نجد المظان «بني جعد». فلعله «من بني جعدة».
[4] آراب لحم: قطع لحم. وفي «الأصول»: «أداب لحم» وهو تحريف.
[5] كذا في «ج». والوذرة (بالفتح ويحرك): القطعة الصغيرة من اللحم لا عظم فيها، وقيل: هي ما قطع من اللحم مجتمعا عرضها بغير طول. وفي «سائر الأصول»: «و ضرة» وهو تحريف.
[6] الصرد. طائر أبقع ضخم الرأس يكون في الشجر، نصفه أبيض ونصفه أسود، وهو من سباع الطير، ضخم المنقار عظيم البرثن، كانت العرب تتطير من صوته.
[7] كذا في «ح». وفي «سائر الأصول»: «العظمين».
[8] في «الأصول»: «و أدنى ظلام» وظاهر أنه تحريف؛ إذ هو ما قبله، وكرره المؤلف ليفسره.
أدراجه [1] وعدا أثر الراحلة حتى أتى ضفّة [2] فاحتفر تحتها مثل مكان الأرنب فولج فيه، ثم أخذ نعليه فجعل إحداهما على سرّته والأخرى على صفنه [3] ثم شدّ عليهما العمامة، ومضى صاحبه حتى لقي القوم، فسألوه فحدّثهم وقال: هذه غنيّ كاملة وقد دنوت منهم، فصدّقوه وخلّوّا سربه [4]. فلما ولّى رأوا مركب الرجل خلفه،/ فقالوا: من الذي كان خلفك/ فقال: لا مكذبة! ذلك رياح في الأول من السّمرات. فقال الحصينان لمن معهما: قفوا علينا حتى نعلم علمه فقد أمكننا اللّه من ثأرنا، ولم يريدا أن يشركهما فيه أحد، فمضيا ووقف القوم عنهما. قالوا قال رياح: فإذا هما ينقلان فرسيهما، فما زالا يريغاني، فابتدراني فرميت الأوّل فبترت صلبه، وطعنني الآخر قبل أن أرميه وأراد السّرّة فأصاب الرّبلة [5]، ومرّ الفرس يهوي به، فاستدبرته بسهم فرشقت به صلبه فانفقر منحنى الأوصال، وقد بترت صلبيهما. قال أبو عبيدة قال أبو حيّة: بل قال رياح: استدبرته بسهم وقد خرجت قدمه فقطعتها، فكأنما نشرت بمنشار. قال عبد الحميد: وندّ فرساهما فلحقا [6] بالقوم. قال رياح: فأخذت رمحيهما فخرجت بهما حتى أتيت رملة فسندت فغرزت الرمحين فيها ثم انحدرت. قال: وطلبه القوم، حتى إذا رفع لهم الرمحان لم يقربوهما علم اللّه حتى وجدوا أثر رياح خارجا قد فات. وانطلق رياح خارجا حتى ورد ردهة عليها بيت أنمار بن بغيض وفيه امرأة ولها ابنان قريبان منها وجمل لها راتع في الجبل، وقد مات رياح عطشا. فلمّا رأته يستدمي طمعت فيه ورجت أن يأتيها ابناها، فقالت له: استأسر. فقال لها: دعيني ويحك أشرب، فأبت. فأخذ حديدة إمّا سكّينا وإمّا مشقصا فجذم به رواهشها [7] فماتت، وعبّ في الماء حتى نهل [8] ثم توجّه إلى قومه. فقال رياح فيها وفي الحصينين:
قالت لي استأسر لتكتفني ... حينا ويعلو قولها قولي
ولأنت أجرأ من أسامة [9] أو ... منّي غداة وقفت للخيل
/ إذ الحصين لدى الحصين كما ... عدل الرّجازة جانب الميل
قال الأثرم: الرّجازة شيء يكون مع المرأة في هودجها، فإذا مال أحد الجانبين وضعته في الناحية الأخرى ليعتدل. قال أبو عبيدة: يعني حصين بن زهير بن جذيمة، وحصين بن أسيد بن جذيمة وهو ابن عمه.
قال أبو عبيدة قال عبد الحميد: واللّه لقد سمعت هذا الحديث على ما حدثتك به منذ ستين سنة قال عبد الحميد: وما سمعت أنّ بني عبس أدركوا بواحد منهم ولا اقتادوا ولا أنذروا، ولا سمعت فيه من الشعر لنا ولا لغيرنا في الجاهليّة بأكثر مما أنشدتك. وإلى هذا انتهى حديثنا وحديثه، ولا واللّه ما قتل خالد بن جعفر زهير بن جذيمة في حربنا، غير أنّ الكميت بن زيد الأسديّ، وكانت له أمّان من غنيّ، ذكر من مقتل
__________
[1] الأدراج: الطرق.
[2] الضفة: جانب النهر والوادي.
[3] الصفن (بالتحريك وبالفتح): وعاء الخصبة.
[4] السرب (بالفتح وهو الأرجح، وقال أبو عمرو بالكسر): الطريق.
[5] الربلة (بالفتح وبالتحريك وهو الأفصح): باطن الفخذ.
[6] في «الأصول»: «فلحقنا».
[7] الرواهش: العصب الذي في ظاهر الذراع، وقيل: هي عصب وعروق في باطن الذراع، واحدها راهشة وراهش.
[8] نهل هنا: روى.
[9] أسامة: اسم علم للأسد.
أخواله [1] من غنيّ في بني عبس ومن قتلوا من بني نمير بن عامر في كلمة له واحدة؛ فلعلّه لهذا الحديث قالها وذكر إدراكاتهم وذكر قتل شبيب بن سالم النّميريّ، فقال في ذلك:
أنا ابن غنيّ والداي كلاهما ... لأمّين فيهم في الفروع وفي الأصل
هم استودعوا هوى شبيب بن سالم [2] ... وهم عدلوا بين الحصينين بالنّبل
وهم قتلوا شأس الملوك ورغّموا ... أباه زهيرا بالمذلّة والثّكل
فما أدركت فيهم جذيمة وترها ... بما قود يوما لديها ولا عقل
/ قال أبو عبيدة: فذكر عبد الحميد أنه أتى عليهم هنيئة من الدهر لا أدرى كم وقت ذلك بعد انصرام أمر شأس. قال: فما زادوا على هذا فهو باطل. قال الأثرم: هنيئة من الدهر وهنيهة وبرهة وحقبة بمعنى الدهر.
__________
[1] في «ب، س»: «ذكر من قتل من أخواله .... ».
[2] كذا ورد هذا الشطر في «الأصول». ولم نهتد فيه إلى وجه نطمئن إليه.
7 - مقتل زهير بن جذيمة العبسيّ
قتله خالد بن جعفر وتعظيم هوازن له:
قتله خالد بن جعفر بن كلاب. قال أبو عبيدة قال أبو حيّة النّميريّ: كان بين انصراف حديث شأس وحديث قتل خالد بن جعفر زهير بن جذيمة ما بين العشرين سنة إلى الثلاثين سنة. قال أبو عبيدة: وهوازن بن منصور لا ترى زهير بن جذيمة إلّا ربّا [1]. قال: وهوازن يومئذ لا خير فيها؛ ولم تكثر [2] عامر بن صعصعة بعد، فهم أذلّ من يد في رحم [3]، وأنّما هم رعاء الشّاء في الجبال. قال: وكان زهير يعشرهم [4]، وكان إذا كان أيّام عكاظ أتاها زهير ويأتيها النّاس من كل وجه، فتأتيه هوازن بالإتاوة التي كانت له في أعناقهم فيأتونه بالسّمن والأقط والغنم؛ وذلك بعد ما خلع ذلك من أبي الجنّاد أخي بني أسيّد بن عمرو بن تميم. ثم إذا تفرّق الناس عن عكاظ نزل زهير بالنفرات [5].
حلف خالد بن جعفر أن يقتله وشعره في ذلك:
قال أبو عبيدة عن عبد الحميد وأبي حيّة النّميريّ قالا: فأتته عجوز رهيش [6] من بني نصر بن معاوية بن بكر بن هوازن - وقال أبو حيّة: بل أتته عجوز من هوازن - بسمن في نحي، واعتذرت إليه وشكت السنين التي تتابعن على الناس. فذاقه فلم يرض طعمه، فدعّها [7] بقوس في يده عطل [8] في صدرها، فاستلقت لحلاوة [9] القفا فبدت/ عورتها؛ فغضب من ذلك هوازن وحقدت [10] عليه إلى ما كان في صدرها من الغيظ والدّمن [11] وأوحرها [12] من الحسك [13]. قال: وقد أمرت [14] عامر بن صعصعة يومئذ؛ فآلى خالد بن جعفر فقال: واللّه لأجعلنّ ذراعي وراء عنقه حتى أقتل أو يقتل. قال: وفي ذلك يقول خالد بن جعفر بن كلاب:
__________
[1] الرب هنا: الملك والسيد.
[2] في «الأصول»: «و لم يلبث عامر بن صعصعة يعد فيهم أذل ... إلخ». والتصويب من «خزانة الأدب» (ج 4 ص 377) و «أمالي السيد المرتضى» (ج 1 ص 152).
[3] هذا مثل يضرب في الضعف والهوان.
[4] يعشرهم: يأخذ عشر أموالهم. وفي «الأصول»: «يعزهم» والتصويب من «خزانة الأدب».
[5] في «ح» «النقرات». وظاهر أنه هنا اسم مكان، ولم نجده في مظانة.
[6] عجوز رهيش: ضعيفة أو مهزولة.
[7] دعها: دفعها بعنف.
[8] قوس عطل: لا وتر عليها.
[9] حلاوة القفا (بفتح الحاء وضمها): وسطه.
[10] في «الأصول»: «و أصمدت عليه».
[11] الدمن هنا: الأحقاد.
[12] أوحرها: جعلها توحر أي تغضب وتحقد.
[13] كذا في «ج». والحسك هنا: العداوة والحقد. وفي «سائر الأصول»: «من الحسد».
[14] أمرت: كثرت. وفي «الأصول»: «و تذامرت ... ». والتصويب من «أمالي السيد المرتضى».
أديروني إدارتكم [1] فإنّي ... وحذفة كالشّجا تحت الوريد
مقرّبة أسوّيها بجزء [2] ... وألحفها ردائي في الجليد
وأوصي الرّاعيين ليؤثرها ... لها لبن الخليّة [3] والصّعود
تراها في الغزاة وهنّ شعث ... كقلب [4] العاج في الرّسغ الجديد
يبيت رباطها بالليل كفّي ... على عود الحشيش وغير عود
لعل اللّه [5] يمكنني [6] عليها ... جهارا من زهير أو أسيد
فإمّا تثقفوني فاقتلوني ... فمن أثقف فليس إلى خلود
/ وقيس في المعارك غادرته ... قناتي في فوارس كالأسود
ويربوع بن غيظ يوم ساق ... تركناهم كجارية وبيد [7]
تركت بها نساء بني عصيم ... أرامل ما تحنّ إلى [8] وليد
يلذن بحارث جزعا عليه ... يقلن لحارث لو لا تسود [9]
ومنّي بالظّويلم قارعات ... تبيد المخزيات ولا تبيد
/ وحكّت بركها [10] ببني جحاش ... وقد أجروا إليها من بعيد
تركت ابني جذيمة في مكرّ ... ونصرا قد تركت لها شهودي
وصف مقتله وما كان قبله من حوادث:
قال أبو عبيدة وحدّثني أبو سرّار الغنويّ قال: كان زهير رجلا عدوسا [11]، فانتقل من قومه ببنيه وبني أخويه
__________
[1] في كتاب «نسب الخيل» و «أمالي السيد المرتضى» و «خزانة الأدب»: «أريغوني إراغنكم». والإراغة: الطلب. يقول: افعلوا ما شئتم فإني وفرسي غصة في حلوق الأعداء.
[2] في «الأصول»: «بخز» والتصويب من كتاب «نسب الخيل». وجزء: اسم ابن له، وبه كان يكنى.
[3] الخلية: الناقة تنتج وهي غزيرة، فيجر ولدها من تحتها فيجعل تحت أخرى وتخلى هي للحلب. ولأهل اللغة في معنى الخلية أقوال أخرى غير هذا. والصعود: الناقة التي تخدج (تسقط) ولدها لغير تمام، فتعطف على ولد عام أوّل أو ولد غيرها فتدرّ عليه.
[4] القلب: السوار. والجديد: صفة للقلب.
[5] روى بجر اللّه؛ واستشهد بهذا البيت النحويون على أن «لعل» قد يجربها.
[6] كذا في كتاب «نسب الخيال» و «أمالي السيد المرتضى» و «خزانة الأدب». وفي «الأصول»: «يفردني». ولعله محرف عن «يقدرني» كما ورد في «خزانة الأدب» في رواية أخرى.
[7] كذا في «الأصول». ولعل صوابها: «كجارية وئيد». والجارية الوئيد: الفتاة التي تدفن حية، ويكون المعنى أنهم صيروا يربوع بن غيظ قتلى كالفتاة الوئيد. وقد ورد بعض أبيات من هذه القصيدة فيما يأتي (ص 94 من هذا الجزء) وفي روايتها هناك اختلاف عن روايتها هنا.
[8] الرواية فيما سيأتي «يشتكين» وهي الأنسب بالمقام، كما يفهم من سياق الكلام هناك.
[9] في هذا البيت والذي بعده إقواء.
[10] البرك: الصدر. يريد: نزلت بهم.
[11] عدوس: قوى على سير الليل.
زنباع وأسيد بركبة يريغ الغيث في عشراوات [1] له وشول. قال: وبنو عامر قريب منهم ولا يشعر بهم. قال عبد الحميد وأبو حيّة: بل بنو عامر بدمخ [2] وزهير بالنفرات وبينهم ليلتان أو ثلاث. قال فقال أبو سرّار: فأتى الحارث بني عامر، واللّه ما تغيّر طعم اللّبن الذي زوّده [3] الحارث بن عمرو بن الشّريد السّلميّ/ حتى أتى بني عامر فأخبرهم. قال أبو عبيدة أخبرني سليمان بن المزاحم المازنيّ عن أبيه قال: بل كانت بنو عامر بالجريثة [4] وزهير بالنفرات، وكانت تماضر بنت عمرو بن الشّريد بن رياح بن يقظة بن عصيّة بن خفاف السّلميّ امرأة زهير بن جذيمة وهي أمّ ولده. فمرّ بها أخوها الحارث بن عمرو. فقال زهير لبنيه: إنّ هذا الحمار لطليعة عليكم فأوثقوه. فقالت أخته لبنيها: أيزوركم خالكم فتوثقوه وتحرموه! فخلّوه. فقالت تماضر لأخيها الحارث: إنه ليريبني [اكبئنانك وقروبك، فلا يأخذنّ فيك] ما قال زهير؛ فإنه رجل بيذارة غيذارة شنوءة [5]. قال: ثم حلبوا له وطبا وأخذوا منه يمينا ألّا يخبر عنهم ولا ينذر بهم أحدا. قال أبو عبيدة: وزعم أبو حيّة النّميريّ أنه لمّا أتوه بقراهم أراهم أنه يشربه في الظّلمة وجعل يهوي به إلى جيبه فيصبّه بين سرباله وصدره أسفا وغيظا. قال: وكان الذي حلب له الوطب وقراه الحارث بن زهير، وبه سمّي. قال: فخرج يطير حتّى أتى عامرا عند ناديهم، فأتى حاذة [6] أو شجرة غيرها فألقى الوطب تحتها والقوم ينظرون، ثم قال: أيتها الشجرة الذليلة أشربي من هذا اللبن فانظري ما طعمه. فقال أهل المجلس: هذا رجل مأخوذ عليه [عهد] وهو يخبركم خبرا. فأتوه فإذا هو الحارث بن عمرو، وذاقوا اللّبن فإذا هو حلو لم يقرص بعد، فقالوا: إنه ليخبرنا أنّ طلبنا قريب. فركب معه ستّة فوارس لينظروا ما الخبر، وهم خالد بن جعفر بن كلاب على حذفة، وحندج بن البكّاء، ومعاوية بن عبادة بن عقيل فارس الهرّار وهو الأخيل جدّ ليلى الأخيلية - قال: والأخيل هو معاوية، قال: وهو يومئذ غلام له ذؤابتان، وكان/ أصغر من ركب - وثلاثة فوارس من سائر بني عامر؛ فاقتصّوا أثر السير، حتى إذا رأوا إبل بني جذيمة نزلوا عن الخيل. فقالت النساء: إنا لنرى حرجة [7] من عضاه أو غابة رماح بمكان لم نكن نرى به شيئا، ثم راحت الرّعاء فأخبروا بمثل ما للنساء. قال:
وأخبرت راعية أسيد بن جذيمة أسيدا بمثل ذلك؛ فأتى أسيد أخاه زهيرا فأخبره بما أخبرته به الرّاعية وقال: إنما رأت خيل بني عامر ورماحها. فقال زهير: «كلّ أزبّ [8] نفور» - فذهبت مثلا؛ وكان أسيد كثير الشّعر خناسيا [9] - وأين بنو عامر! أمّا بنو كلاب فكالحيّة إن تركتها تركتك، وإن وطئتها عضّتك. وأمّا بنو كعب فإنهم يصيدون الّلأي
__________
[1] العشراء من النوق: التي مضى لحملها عشرة أشهر ثم لا يزال يطلق عليها هذا الاسم إلى ما بعد الوضع، فهي بعد الوضع عشراء أيضا. قال ابن الأثير: قد اتسع في هذا حتى قيل لكل حامل عشراء. والشول: جمع شائلة، على غير قياس، وهي الناقة التي أتى عليها من يوم نتاجها سبعة أشهر فخف لبنها وارتفع ضرعها.
[2] دمخ: جبل.
[3] في «الأصول»: «زودت الحارث» بالتاء، وهو تحريف؛ إذ ليس في الكلام هنا ما يرجع إليه الضمير.
[4] في «أ، م»: «بالحريثة». ولم نجد هذا الاسم في مظانه.
[5] ورد بعض هذه الكلمات في «الأصول» محرفا تحريفا شنيعا. والتكملة والتصويب من «أمالي السيد المرتضى»، والاكبئنان هنا:
الغم.
والقروب: السكوت. وقال الأثرم: «و البيذارة: الكثير الكلام. والغيذارة: السيء الخلق». والشنوءة المبغض. (راجع «أمالي السيد المرتضى».).
[6] الحاذة: واحدة الحاذ، وهو ضرب من الشجر.
[7] الحرجة: الغيضة أي الشجر الكثير الملتف. والعضاه من الشجر: كل ما له شوك، وقيل هو أعظم الشجر.
[8] الزبب: كثرة الشعر وطوله. والبعير الأزب، وهو الذي يكثر شعر حاجبيه، ينفر إذا ضربت الريح شعرات حاجبيه.
[9] كذا في «الأصول»، ولم تجد لها معنى. فلعل «خناسيا» محرفة عن «جبان» أو ما يشبهها.
(يريد الثور الوحشيّ). وأمّا بنو نمير فإنهم يرعون إبلهم [1] في رؤوس الجبال. وأمّا بنو هلال فيبيعون العطر. قال:
فتحمّل عامّة بني رواحة، وآلي زهير لا يبرح مكانه حتى يصبح. وتحمّل من كان معه غير ابنيه ورقاء والحارث.
قال: وكان لزهير ربيئة [2] من الجنّ فحدّثه [3] /ببعض أمرهم حتى أصبح، وكانت له مظلّة دوج يربط فيها أفراسه لا تريمه [4] حذرا من الحوادث. قال: فلمّا أصبح صهلت فرس منها حين أحسّت بالخيل وهي القعساء. فقال زهير: ما لها؟! فقال ربيئته: أحسّت الخيل فصهلت إليهن. فلم تؤذنهم [5] بهم إلا والخيل دوائس [6] /محاضير بالقوم غديّة. فقال زهير وظنّ أنهم أهل اليمن: يا أسيد ما هؤلاء؟ فقال: هؤلاء الذين تعمّي حديثهم منذ اللّيلة.
قال: وركب أسيد فمضى ناجيا. قال: ووثب زهير وكان شيخا نبيلا [7] فتدثّر القعساء فرسه، وهو يومئذ شيخ قد بدن وهو يومئذ عقوق متّهم، واعرورى [8] ورقاء والحارث ابناه فرسيهما، ثم خالفوا جهة ما لهم ليعمّوا على بني عامر مكان ما لهم فلا يأخذوه. فهتف هاتف من بني عامر: يا ليحامر - يريد يحامر وهو شعار لأهل اليمن - لأن يعمّي على الجذميّين [9] من القوم. فقال زهير: هذه اليمن، قد علمت أنها أهل اليمن! وقال لابنه ورقاء: أنظر يا ورقاء ما ترى؟ قال ورقاء: أرى فارسا على شقراء يجهدها ويكدّها بالسّوط قد ألحّ عليها (يعني خالدا). فقال زهير:
«شيئا [10] مّا يريد السّوط إلى الشّقراء» فذهبت مثلا، وقال في المرة الثانية: «شيئا ما يطلب السّوط إلى الشقراء» وهي حذفة فرس خالد بن جعفر، والفارس خالد بن جعفر. قال: وكانت الشقراء من خيل غنيّ. قال: وتمرّدت [11] القعساء بزهير؛ وجعل خالد يقول: لا نجوت إن نجا مجدّع (يعني زهيرا). فلمّا تمعّطت [12] القعساء بزهير ولم تتعلّق بها حذفة، قال خالد لمعاوية الأخيل بن عبادة وكان على الهرّار (حصان أعوج) [13]: أدرك معاوي، فأدرك معاوية زهيرا، وجعل ابناه ورقاء والحارث يوطّشان [14] عنه (أي عن أبيهما). قال فقال خالد: اطعن يا معاوية/ في نساها، فطعن في إحدى رجليها فانخذلت القعساء بعض الانخذال وهي في ذلك تمعّط. فقال زهير: اطعن الأخرى، يكيده بذلك لكي تستوي رجلاها فتحامل [15]. فناداه خالد: يا معاوية أفدّ طعنتك (أي اطعن مكانا واحدا)، فشعشع الرّمح في رجلها فانخذلت. قال: ولحقه خالد على حذقة فجعل يده وراء عنق زهير، فاستخفّ به
__________
[1] في «ح»: «يرعون إليهم».
[2] ربيئة: طليعة يستطلع له الأشياء ويخبره بها.
[3] في «الأصول»: «فحدثته».
[4] لا تريمه: لا تبرحه.
[5] تؤذنهم: تعلمهم.
[6] يقال: أتتهم الخيل دوائس، أي يتبع بعضها بعضا. والمحاضير: جمع محضير أو محضار وهو الشديد الحضر (بالضم) أي العدو.
وفي «الأصول»: «دواس محاضر» وظاهر أنه تحريف.
[7] نبيلا هنا: جسيما. وتدثر فرسه: وثب عليها فركبها، وقيل: ركبها من خلفها.
[8] اعرورى فلان فرسه: ركبه عريانا أي ليس عليه سرج.
[9] نسبة إلى «جذيمة». وفي «الأصول»: «الجذيميين».
[10] «ما» زائدة. وهو يضرب لمن طلب حاجة وجعل يدنو من قضائها والفراغ منها.
[11] تمردت هنا: طغت وجاوزت الحد في عدوها.
[12] التمعط هنا: ضرب من العدو. وفي «لسان العرب»: «التمعط في حضر الفرس أن يمد ضبعيه حتى لا يجد مزيدا ويحبس رجليه حتى لا يجد مزيدا للحاق، ويكون ذلك منه في غير الاجتلاط (الغضب) يملخ بيديه ويضرح برجليه في اجتماعهما كالسابح».
[13] في «الأصول»: «حصان عوج». والأعوج من الخيل: ما اعوجت قوائمه، ويستحب ذلك فيها.
[14] يوطشان: يدفعان.
[15] أي فنتحامل، فحذفت التاء.
عن الفرس حتى قلبه، وخرّ خالد فوقع فوقه، ورفع المغفر عن رأس زهير وقال: يا لعامر اقتلونا معا! فعرفوا أنّهم بنو عامر. فقال ورقاء: وا انقطاع ظهراه! إنها لبنو عامر! سائر اليوم. وقال غيره: فقال بعض بني جذيمة: وا انقطاع ظهري!. قال: ولحق حندج بن البكّاء وقد حسر خالد المغفر عن رأس زهير فقال: نحّ رأسك يا أبا جزء، لم يحن [1] يومك. قال: فنحّى خالد رأسه وضرب حندج رأس زهير، وضرب ورقاء بن زهير رأس خالد بالسيف وعليه درعان، وكان أسجر [2] العينين، أزبّ أقمر، مثل الفالج، فلم يغن شيئا. قال: وأجهض [3] ابنا زهير القوم عن زهير فانتزعاه مرتثّا. فقال خالد حين استنقذ زهيرا ابناه. والهفتاه! قد كنت أظنّ أن هذا المخرج سيسعكم [4]! ولام حندجا. فقال حندج وكان لجلالته غصة [5] إذا تكلم. السيف حديد، والساعد شديد، وقد ضربته ورجلاي متمكّنتان في الركابين وسمعت السيف قال قب حين وقع برأسه، ورأيت على ظبته مثل ثمر المرار، وذقته فكان حلوا./ فقال خالد: قتلته بأبي أنت!. ونظر بنو زهير فإذا الضربة قد بلغت الدّماغ. ونهي بنو زهير أن يسقوا أباهم الماء، فاستسقاهم فمنعوه حتى نهك عطشا. قال: وذلك أنّ المأموم [6] /يخاف عليه الماء، حتى بلغ [7] منه العطش، فجعل يهتف: أميّت أنا عطشا [8]، وينادي: يا ورقاء - قال أبو حيّة: فجعل ينادي يا شأس - فلمّا رأوا ذلك سقوه فمات لثالثة، فقال ورقاء بن زهير:
شعر ورقاء بن زهير حين قتل والده:
رأيت زهيرا تحت كلكل خالد ... فأقبلت أسعى كالعجول [9] أبادر
إلى بطلين ينهضان كلاهما ... يريغان نصل السّيف والسيف نادر [10]
فشلّت يميني إذ ضربت ابن جعفر ... وأحرزه منّي الحديد المظاهر
قال أبو عبيدة: وسمعت أبا عمرو بن العلاء ينشد هذا البيت فيها:
وشلّت يميني يوم أضرب خالدا ... وشلّ بناناها وشلّ الخناصر
قال أبو عبيدة: وأنشدني أبو سرّار أيضا فيها:
فيا ليتني من قبل أيّام خالد ... ويوم زهير لم تلدني تماضر
تماضر بنت عمرو بن الشّريد بن رياح بن يقظة بن عصيّة بن خفاف السّلميّ امرأة زهير بن جذيمة. قال أبو عبيدة:
__________
[1] وردت هذه الكلمة محرفة في «الأصول» بين لم «يجز» و «لم يجز».
[2] سجرة العين أن يخالط بياضها حمرة. وأزب: كثير الشعر. والقمرة: لون إلى الخضرة، أو هي بياض فيه كدرة. والفالج هنا:
الجمل الضخم ذو السنامين.
[3] أي نحياهم عنه وغلباهم عليه. والمرتث: الذي يحمل من المعركة وبه رمق.
[4] كذا في «ج». وفي «سائر الأصول»: «سينفعكم».
[5] كذا في أكثر الأصول. وفي «ج»: «لجلالابه غصة ... ». ولعل صوابه: «و كان لجلاجا به غصة إذا تكلم». واللجلاج: الذي يجول لسانه في شدقه فلا يبين كلامه.
[6] المأموم: الذي أصيب في أم رأسه. وأم الرأس: الدماغ.
[7] في «الأصول»: «حتى بلغه العطش».
[8] كذا في «ج». وفي «سائر الأصول»: «أمية أنا عطش» وهو تحريف.
[9] العجول من النساء والإبل: الواله التي فقدت ولدها الثكلى لعجلتها في جيئتها وذهابها جزعا.
[10] أراغ الشي ء: طلبه وأراده. ونادر: ساقط.
أنشدني أبو سرّار [1] فيها:
لعمري لقد بشّرت بي إذ ولدتني ... فماذا الذي ردّت عليك البشائر
شعر لخالد بن جعفر يمنّ على هوازن بقتله زهير:
وقال خالد بن جعفر يمنّ على هوازن بقتله زهيرا ويصدق الحديث - قال أبو عبيدة أنشدنيه مالك بن عامر بن عبد اللّه بن بشر بن عامر ملاعب الأسنّة - :
/بل كيف تكفرني هوازن بعد ما ... أعتقهم فتوالدوا أحرارا
وقتلت ربّهم زهيرا بعد ما ... جدع الأنوف وأكثر الأوتارا [2]
وجعلت حزن بلادهم وجبالهم ... أرضا فضاء سهلة وعشارا
وجعلت مهر بناتهم ودمائهم ... عقل الملوك هجائنا أبكارا [3]
قال أبو عبيدة: ألا ترى أنه ذكر في شعره أنّ زهيرا كان ربّهم وقد كان جدعهم، وأنه قتله من أجلهم لا من أجل غنيّ، وأن غنيّا ليسوا من ذلك [4] في ذكر ولا لهم فيه معنى.
شعر لورقاء بن زهير:
قال: وقال ورقاء بن زهير:
أمّا كلاب فإنّا نسالمها ... حتى يسالم ذئب الثّلّة [5] الرّاعي
بنو جذيمة حاموا حول سيّدهم ... إلّا أسيدا نجا إذ ثوب الداعي
شعر للفرزدق ينعي فيه على بني عبس ضربة ورقاء خالدا:
قال: ثم نعى الفرزدق على بني عبس ضربة ورقاء خالدا، واعتذر بها إلى سليمان بن عبد الملك فقال:
إن يك سيف خان أو قدر أبى [6] ... لتأخير نفس حتفها غير شاهد
فسيف بني عبس وقد ضربوا به ... نبا بيدي ورقاء عن رأس خالد
كذاك سيوف الهند تنبو ظباتها ... وتقطع أحيانا مناط القلائد
ولو شئت قدّ السيف ما بين عنقه ... إلى علق تحت الشّراسيف [7] جامد
__________
[1] في «جميع الأصول» هنا: «أبو يسار». وقد ورد هذا الاسم في هذه القصة أكثر من مرة كما وضعناه.
[2] كذا في «ج» وكتاب «الكامل» لابن الأثير. وفي «أكثر الأصول»: «و أكثر الأوزارا».
[3] في كتاب «الكامل» لابن الأثير: «و بكارا».
[4] في «الأصول»: «و أن غنيا ليس ... ».
[5] الثلة (بالفتح): الجماعة من الغنم، أما الثلة (بالضم) فالجماعة من الناس.
[6] كذا في «ج» و «النقائض» (ص 384) وفيه الخرم، وهو حذف الحرف المتحرك من أول البيت، ويقع في أوّل القصيدة. وفي «سائر الأصول»:
فإن يك سيف خان أو قدر أتى
[7] العلق: الدم ما كان، وقيل هو الدم الجامد الغليظ. والشراسيف: أطراف الأضلاع، واحدها شرسوف.
/ قال: وكان ضلع بني عبس مع جرير، فقال الفرزدق فيهم هذه الأبيات. هذه رواية أبي عبيدة.
وأمّا الأصمعيّ فإنه ذكر، فيما رواه الأثرم عنه، قال حدّثني غير واحد من الأعراب أنّ سبب مقتل زهير العبسيّ أنّ ابنه شأس بن زهير وفد إلى بعض الملوك فرجع/ ومعه حباء [1] قد حبي به، فمرّ بأبيات من بني عامر بن صعصعة وأبيات من بني غنيّ على ماء لبني عامر أو غيرهم - الشكّ من الأصمعيّ - . قال: فاغتسل، فناداه الغنويّ: استتر، فلم يحفل بما قال. فقال: استتر ويحك! البيوت بين يديك؛ فلم يحفل. فرماه الغنويّ رياح بن الأسكّ بسهم أو ضربه فقتله والحيّ خلوف [2]، فاتّبعه أصحاب شأس وهم في عدّة، فركب الفلاة واتّبعوه فرهقوه [3]، فقتل حصينا وأخاه [4] حصينا، ثم نجا على وجهه حتى أدركه العطش، فلجأ إلى منزل عجوز من بني إنسان (و بنو إنسان حيّ من بني جشم). فقالت له العجوز: لا تبرح حتى يأتي بنيّ فيأسروك. قال الأصمعيّ: فأخبرني مخبران اختلفا؛ فقال أحدهما: إنه أخذ سكّينا فقطع عصبتي يديها، وقال الآخر: أخذ حجرا فشدخ به رأسها، ثم أنشأ يقول:
ولأنت أشجع من أسامة أو ... منّي غداة وقفت للخيل
إذ [5] الحصين لدى الحصين كما ... عدل الرّجازة جانب الميل
وإذا أنهنهها [6] لأفتلها ... جاشت ليغلب قولها قولي
/ قال: فضرب للزمان ضربانه [7]، فالتقى خالد بن جعفر بن كلاب وزهير بن جذيمة العبسيّ. فقال خالد لزهير:
أما أن لك أن تشتفي وتكفّ؟ - قال الأصمعيّ: يعني مما قتل بشأس - قال: فأغلظ له زهير وحقّره. قال الأصمعيّ:
وأخبرني طلحة بن محمد بن سعيد بن المسيّب أنّ ذلك الكلام بينهما كان بعكاظ عند قريش. فلمّا حقّره زهير وسبّه قال خالد: عسى إن كان! يتهدّده ثم قال: اللّهمّ أمكن يدي هذه الشقراء القصيرة من عنق زهير بن جذيمة ثم أعنيّ عليه. فقال زهير: اللهم أمكن يدي هذه البيضاء الطويلة من عنق خالد ثم خلّ بيننا. فقالت قريش: هلكت واللّه يا زهير!. فقال: إنكم واللّه الذين لا علم لكم.
قال الأصمعيّ: ثم نرجع إلى حديث العبسيّين والعامريّين، وبعضه من حديث أبي عمرو بن العلاء. قال:
فجاء [8] أخو امرأة زهير - وكانت امرأته فاطمة بنت الشّريد السّلميّة، وهي أمّ قيس بن زهير، وكان زهير قد أساء إليهم في شي ء - فجاء أخوها إلى بني عامر فقال: هل لكم في زهير بن جذيمة ينتج إبله ليس معه أحد غير أخيه أسيد بن جذيمة وعبد راع لإبله! وجئتكم من عنده، وهذا لبن حلبوه لي. فذاقوه فإذا هو ليس بحازر [9]، فعلموا أنّه قريب. فخرج حندج بن البكّاء وخالد بن جعفر ومعاوية [10] بن عبادة بن عقيل، ليس على أحدهم درع غير خالد
__________
[1] الحباء: العطاء.
[2] خلوف: غيب.
[3] رهقوه: غشوه ولحقوه.
[4] هو ابن عمه، كما تقدّم.
[5] في «الأصول» هنا: «عدل الحصين لدى الحصين ... ». وقد تقدّمت هذه الأبيات في ص 80 من هذا الجزء مع اختلاف في الرواية.
[6] نهنهه: زجره وكفه. وفلته عن كذا: صرفه ولواه، مثل لفته عنه. وجاشت: هاجت وغلت كما تجيش القدر.
[7] يقولون: ضرب الدهر ضربانه، ومن ضربانه، ومن ضربه إذا ذهب بعضه.
[8] في «الأصول»: «فجاءه» ولا يستقيم بها الكلام.
[9] في «ب، س»: «بخاثر».
[10] في «الأصول»: هنا: «و عمرو بن عبادة بن عقيل». والتصويب مما تقدّم في ص 85 و87.
كانت عليه درع أعاره إيّاها عمرو بن يربوع الغنويّ، وكانت درع ابن الأجلح المراديّ [1] كان قتله فأخذها منه. وكان يقال لها ذات الأزمّة. وإنما سميت بذلك لأنها كانت لها عرى تعلّق فضولها/ بها إذا أراد أن يشمّرها. قال:
فطلعوا. فقال أسيد بن جذيمة - قال الأصمعيّ: وكان أسيد شيخا كبيرا، وكان كثير شعر الوجه والجسد - أتيت وربّ الكعبة. فقال زهير: «كلّ أزبّ نفور» فذهبت مثلا. فلم يشعر بهم زهير إلّا في سواد اللّيل، فركب فرسه ثم وجّهها، فلحقه قوم أحدهم حندج أو العقيليّ - واختلفوا فيهما - فطعن فخذ الفرس طعنة خفيفة، ثم أراد أن يطعن الرّجل الصحيحة، فناداه خالد: يا فلان لا تفعل/ فيستويا، أقبل على السقيمة. قال: فطعنها فانخذلت الفرس فأدركوه. فلما أدركوه رمى بنفسه، وعانقه خالد فقال: اقتلوني ومجدّعا!. فجاء حندج - وكان أعجم اللّسان - فقال لخالد وهو فوق زهير: نحّ رأسك يا أبا جزء، فنحّى رأسه، فضرب حندج زهيرا ضربة على دهش، ثم ركبوا وتركوه. قال فقال خالد: ويحك يا حندج ما صنعت؟ فقال: ساعدي شديد، وسيفي حديد، وضربته ضربة فقال السيف قب، وخرج عليه مثل ثمرة المرار، فطعمته فوجدته حلوا (يعني دماغه). قال: إن كنت صدقت فقد قتلته. قال:
فجاء قوم زهير فاحتملوه ومنعوه الماء كراهة أن يبتلّ دماغه فيموت. فقال: يا آل غطفان أأموت عطشا! فسقي فمات، وذلك بعد أيّام. ففي ذلك يقول ورقاء بن زهير وكان قد ضرب خالدا ضربة فلم يصنع شيئا، فقال:
رأيت زهيرا تحت كلحكل خالد ... فأقبلت أسعى كالعجول أبادر
إلى بطلين ينهضان كلاهما ... يريدان نصل السّيف والسيف نادر
قال الأصمعيّ: فضرب الدهر من ضربانه إلى أن التقى خالد بن جعفر والحارث بن ظالم.
__________
[1] في «ب، س»: «المراري».
8 - ذكر مقتل خالد بن جعفر بن كلاب
مقتل خالد بن جعفر وسببه:
قتله الحارث بن ظالم المرّيّ. قال أبو عبيدة: كان الذي هاج من الأمر بين الحارث بن ظالم وخالد بن جعفر أنّ خالد بن جعفر أغار على رهط الحارث بن ظالم من بني يربوع بن غيظ بن مرّة وهم في واد يقال له حراض، فقتل الرجال حتى أسرع [1]، والحارث يومئذ غلام، وبقيت النساء. وزعموا أنّ ظالما هلك في تلك الوقعة من جراحة أصابته يومئذ. وكانت نساء بني ذبيان لا يحلبن النّعم، فلمّا بقين بغير رجال طفقن يدعون الحارث، فيشدّ عصاب [2] الناقة ثم يحلبنها، ويبكين رجالهن ويبكي الحارث معهن، فنشأ على بغض خالد. وأردف ذلك قتل خالد زهير بن جذيمة؛ فاستحقّ العداوة في غطفان. فقال خالد بن جعفر في تلك الوقعة:
تركت نساء يربوع بن غيظ ... أرامل يشتكين إلى وليد [3]
يقلن لحارث جزعا عليه ... لك الخيرات مالك لا تسود
تركت بني جذيمة في مكرّ ... ونصرا قد تركت لدى الشهود
ومنّي سوف تأتي قارعات ... تبيد المخزيات ولا تبيد
وقيس ابن المعارك غادرته ... قناتي في فوارس كالأسود
وحلّت بركها ببني جحاش ... وقد مدّوا إليها من بعيد
وحيّ بني سبيع يوم ساق ... تركناهم كجارية وبيد [4]
/قال أبو عبيدة. فمكث خالد بن جعفر برهة [5] من دهره، حتى كان [6] من أمره وأمر زهير بن جذيمة ما كان، وخالد يومئذ رأس هوازن. فلمّا استحقّ عداوة عبس وذبيان أتى النّعمان بن المنذر [7] ملك الحيرة لينظر ما قدره عنده، وأتاه بفرس؛ فألفى عنده الحارث بن ظالم قد أهدى له فرسا فقال: أبيت اللّعن، نعم صباحك، وأهلي
__________
[1] كذا في «الأصول»: ولعل صوابها. «حتى أسرف».
[2] عصاب الناقة: ما تشدّ به لتدر؛ يقال: عصب الناقة يعصيها عصبا وعصابا إذا شد فخذيها أو أدنى منخريها بحبل لتدر. ويقال للحبل الذي تشد به عصاب.
[3] تقدّمت هذه الأبيات ضمن أبيات من هذه القصيدة في صفحة 83 مع اختلاف في بعض الكلمات.
[4] راجع الحاشية رقم 1 من صفحة 84 من هذا الجزء.
[5] البرهة (بالضم وبالفتح): المدّة الطويلة.
[6] في «الأصول»: «حتى إذا كان» بزيادة «إذا». وظاهر أن الكلام لا يستقيم بها.
[7] الذي في «الكامل» لابن الأثير أن الملك الذي اجتمع عنده خالد بن جعفر والحارث بن ظالم ثم قتل الحارث خالدا في جواره ثم قتل ابنه بعد ذلك فأخذ يطارد الحارث لقتله ابنه ومن استجار به، هو النعمان بن امرىء القيس ملك الحيرة. ثم قال ابن الأثير بعد كلام كثير: وقيل إن الملك الذي قتل ابنه كان الأسود بن المنذر. ومن هذا نفهم معنى إلحاح الأسود في مطاردة الحارث في صفحة 106 وما بعدها؛ فإن ذلك بناء على هذا القول الآخر.
فداؤك! هذا فرس من خيل بني مرّة [1]، فلن تؤتى [2] بفرس يشقّ غباره، إن لم تنسبه [3] انتسب، كنت ارتبطته لغزو بني عامر بن صعصعة؛/ فلمّا أكرمت خالدا أهديته إليك. وقام الربيع بن زياد العبسيّ فقال: أبيت اللّعن! نعم صباحك، وأهلي فداؤك! هذا فرس من خيل بني عامر ارتبطت أباه عشرين سنة لم يخفق في غزوة ولم يعتلك [4] في سفر، وفضله على هذين الفرسين كفضل بني عامر على غيرهم. قال: فغضب النّعمان عند ذلك وقال: يا معشر قيس، أرى خيلكم أشباها [5]! أين اللواتي كأنّ أذنابها شقاق [6] أعلام وكأنّ مناخرها وجار [7] الضّباع، وكأنّ عيونها بغايا النساء،/ رقاق المستطعم [8] تعالك [9] اللّجم في أشداقها، تدور على مذاودها [10] كأنما يقضمن [11] حصى. قال خالد: زعم الحارث - أبيت اللّعن - أنّ تلك الخيل خيله وخيل آبائه. فغضب النعمان عند ذلك على الحارث بن ظالم. فلمّا أمسوا اجتمعوا عند قينة من أهل الحيرة يقال لها بنت عفزر يشربون. فقال خالد: تغنّي:
دار لهند والرّباب وفرتنى ... ولميس قبل [12] حوادث الأيّام
وهنّ خالات الحارث بن ظالم، فغضب الحارث بن ظالم حتى امتلأ غيظا وغضبا، وقال: ما تزال تتبع أولى بآخره!. قال أبو عبيدة: ثم إنّ النّعمان بن المنذر دعاهم بعد ذلك وقدّم لهم تمرا؛ فطفق خالد بن جعفر يأكل ويلقي نوى ما يأكل من التمر بين يدي الحارث. فلمّا فرغ القوم قال خالد بن جعفر: أبيت اللعن! انظر إلى ما بين يدي الحارث بن ظالم من النّوى! ما ترك لنا تمرا إلّا أكله. فقال الحارث: أمّا أنا فأكلت التمر وألقيت النّوى، وأمّا أنت فأكلته بنواه. فغضب خالد وكان لا ينازع، فقال: أتنازغني يا حارث وقد قتلت حاضرتك وتركتك يتيما في حجور النساء!. فقال الحارث: ذلك يوم لم أشهده، وأنا مغن اليوم بمكاني. قال خالد: فهلّا تشكر لي إذا قتلت زهير بن جذيمة وجعلتك سيّد غطفان!. قال: بلى أشكرك على ذلك. فخرج الحارث بن ظالم إلى بنت عفزر، فشرب عندها وقال لها تغنّي [13]:
تعلّم أبيت اللّعن أنّي فاتك ... من اليوم أو من بعده بابن جعفر
/ أخالد قد نبّهتني غير نائم ... فلا تأمنن فتكي يد الدهر واحذر
__________
[1] في «الأصول»: «من خيل بني قرة» وهو تحريف؛ إذ هو يفتخر بخيله وخيل آبائه من بني مرة.
[2] في «الأصول»: «نؤتي» بالنون.
[3] كذا في «ج». وفي «سائر الأصول»: «إن لم ننسبه» بالنون.
[4] لعل صوابه: « ... ولم يعتلل».
[5] في «أكثر الأصول»: «أي خيلكم أشباهنا». والتصويب في «ج».
[6] في «الأصول الخطية» جميعا: «شقاق الحلام». والشقاق: جمع شقة وهي نصب الشيء أو القطعة منه إذا شق. والشقاق أيضا:
جمع الشقة (بالضم) ضرب من الثياب معروف، وهي السبية المستطيلة.
[7] الوجار (بالفتح وبالكسر): حجر الضبع وغيرها. وكان ينبغي أن يكون «و جر الضباع» أو «أوجرة الضباع» ليكون تشبيه جمع بجمع.
[8] مستطعم الفرس: حجفلته وما حولها.
[9] كذا في «ب، س». ولم نجد في «معجمات اللغة» التي بين أيدينا هذا الفعل من علك. وفي «الأصول الخطية»: «تهالك اللجم ... ».
[10] المذاود: جمع مذود (وزان منبر) وهو معتلف الدابة. وفي «الأصول»: «على مداودها» بالدال المهملة وهو تصحيف.
[11] القضم: الأكل بأطراف الأسنان أو هو أكل الشيء اليابس.
[12] في «الأصول»: «قول حوادث الأيام». والتصويب للأستاذ المرحوم الشنقيطي في نسخته الخاصة من طبع بلاق.
[13] الذي في «ج»: «فشرب عندها ثم تغنى وقال».
أعيّرتني أن نلت منّا فوارسا ... غداة حراض مثل جنّان عبقر [1]
أصابهم الدّهر الختور بختره [2] ... ومن لا يق اللّه الحوادث يعثر
فعلّك يوما أن تنوء بضربة ... بكفّ فتى من قومه غير جيدر [3]
يغصّ بها عليا هوازن، والمنى ... لقاء أبي جزء [4] بأبيض مبتر
قال: فبلغ خالد بن جعفر قوله فلم يحفل به. فقال عبد اللّه بن جعدة - وهو ابن أخت خالد، وكان رجل قيس رأيا - لابنه: يا بنيّ ائت أبا جزء فأخبره أنّ الحارث بن ظالم سفيه موتور، فأخف مبيتك الليلة؛ فإنه قد غلبه الشراب. فإن أبيت فاجعل بينك وبينه رجلا ليحرسك. فوضعوا رجلا بإزائه، ونام ابن جعدة دون الرجل، وخالد من خلف الرجل.
وعرف أنّ ابن عتبة وابن جعدة يحرسان خالدا. فأقبل الحارث فانتهى إلى ابن جعدة فتعدّاه، ومضى إلى الرجل وهو يحسبه خالدا فعجنه بكلكله حتى كسره وجعل/ يكدمه [5] لا يعقل، فخلّى عنه والرجل تحته، ومضى إلى خالد وهو نائم، فضربه بالسّيف حتى قتله. فقال لعروة [6]: أخبر الناس أنّي قتلت خالدا. وقال في ذلك:
ألا سائل النّعمان إن كنت سائلا ... وحيّ كلاب هل فتكت بخالد
عشوت عليه [7] وابن جعدة دونه ... وعروة يكلا [8] عمّه غير راقد
/ وقد نصبا رجلا [9] فباشرت جوزه ... بكلكل مخشيّ العداوة حارد
فأضربه بالسّيف يأفوخ [10] رأسه ... فصمّم حتى نال نوط القلائد
وأفلت عبد اللّه منّي بذعره ... وعروة من بعد ابن جعدة شاهدي
فلمّا أبت غطفان أن تجيره غضبت لذلك بنو عبس. وبعث إليه قيس بن زهير بن جذيمة بهذه الأبيات:
شعر قيس بن زهير للحارث حين قتل خالدا وإجابته له:
جزاك اللّه خيرا من خليل ... شفى من ذي تبولته [11] الخليلا
أزحت بها جوّى ودخيل حزن ... تمخّخ [12] أعظمي زمنا طويلا
__________
[1] عبقر: موضع بالبادية كانت العرب تزعم أنه كثير الجن.
[2] الختر: الخديعة أو هو أسوأ الغدر وأقبحه.
[3] غير جيدر: غير قصير.
[4] أبو جزء: كنية خالد بن جعفر. وأبيض مبتر أي سيف قاطع.
[5] الكدم: العض والتأثير بحديدة ونحوها. وفي «الأصول الخطية»: «يكرمه». وفي «ب، س»: «و جعل يكلمه».
[6] هو عروة بن عتبة وهو ابن أخي خالد بن جعفر، كما يفهم من الشعر الذي بعده.
[7] في «أ، م»: «عشوت إليه».
[8] يكلا: يحفظ ويحرس. وهو مهموز. ولو ترك همزة جاز أن يقال فيه يكلا مثل يخشى (كما ورد هنا) ويكلو مثل يدعو. كذلك قال الفراء. («لسان العرب» في مادة كلأ).
[9] الرجل (بسكون الجيم): لغة في الرجل (بضمها). وجوز كل شي ء: وسطه. وحارد: غاضب.
[10] اليأفوح: ملتقى عظم مقدم الرأس مع عظم مؤخره، وهو الموضع الذي يتحرك من رأس الطفل. وصمم: خمضي. ونوط: جمع نياط. ونياط كل شيء معلقة. وفي «الأصول»: نيط القلائد» وهو تحريف.
[11] التبولة: جمع تبل (بالفتح) وهو هنا الثأر.
[12] تمخخ العظم: أخرج مخه.
كسوت الجعفريّ أبا جزيء ... ولم تحفل به سيفا صقيلا
أبأت [1] به زهير بني بغيص ... وكنت لمثلها ولها حمولا
كشفت له القناع وكنت ممن ... يجلّي العار والأمر الجليلا
فأجابه الحارث بن ظالم:
أتاني عن قييس بني زهير ... مقالة كاذب ذكر التّبولا
فلو كنتم كما قلتم لكنتم ... لقاتل ثأركم حرزا أصيلا
ولكن قلتم جاور سوانا ... فقد جلّلتنا حدثا جليلا
ولو كانوا هم قتلوا أخاكم ... لما طردوا الذي قتل القتيلا
إباء غطفان جوار الحارث ولحوقه ببني تميم وطلب بني عامر له:
قال أبو عبيدة: فلمّا منعته غطفان لحق بحاجب بن زرارة، فأجاره ووعده أن يمنعه من بني عامر. وبلغ بني عامر مكانه في بني تميم، فساروا في عليا هوازن./ فلمّا كانوا قريبا من القوم في أوّل واد من أوديتهم، خرج رجل من بني غنيّ ببعض البوادي، فإذا هو بامرأة من بني تميم ثم من بني حنظلة تجتني الكمأة، فأخذها فسألها عن الخبر، فأخبرته بمكان الحارث بن ظالم عند حاجب بن زرارة وما وعده من نصرته ومنعه. فانطلق بها الغنويّ إلى رحله؛ فانسلّت في وسط من الليل، فأتى الغنويّ الأحوص بن جعفر، فأخبره أنّ المرأة قد ذهبت وقال: هي منذرة عليك.
فقال له الأحوص: ومتى عهدك بها؟ قال: عهدي بها والمنيّ يقطر من فرجها. قال: وأبيك إنّ عهدك بها لقريب.
وتبع المرأة عامر بن مالك يقصّ أثرها حتى انتهى إلى بني زرارة والمرأة عند حاجب وهو يقول لها: أخبريني أيّ قوم أخذوك؟ قالت: أخذني قوم يقبلون بوجوه الظّباء، ويدبرون بأعجاز النّساء. قال: أولئك بنو عامر. قال: فحدّثيني من في القوم؟ قالت: رأيتهم يغدون على شيخ كبير لا ينظر بمأقيه [2] حتى يرفعوا له من حاجبيه. قال: ذلك الأحوص بن جعفر. قالت: ورأيت شابا شديد الخلق، كأنّ شعر ساعديه/ حلق الدّرع يعذم [3] القوم بلسانه عذم الفرس العضوض. قال: ذلك عتبة بن بشير بن خالد. قالت: ورأيت كهلا إذا أقبل معه فتيان [4]، يشرف القوم إليه، فإذا نطق أنصتوا. قال: ذلك عمرو بن خويلد، والفتيان ابناه زرعة ويزيد. قالت: ورأيت شابّا طويلا حسنا، إذا تكلّم بكلمة أنصتوا لها ثم يؤلّون [5] إليه كما تؤلّ الشّول [6] إلى فحلها. قال: ذلك عامر بن مالك. قال أبو عبيدة:
فدعا حاجب الحارث بن ظالم فأخبره برأيه وخبر القوم وقال: يا بن ظالم، هؤلاء بنو عامر قد أتوك، فما أنت صانع؟ قال الحارث: ذلك إليك، إن شئت أقمت/ فقاتلت [7] القوم، وإن شئت تنحّيت. قال حاجب: تنحّ عنّي
__________
[1] أبأت القاتل بالقتيل. قتلته به. والظاهر أن في الكلام قلبا، أي أبأته بزهير بني بغيض.
[2] الماق: لغة في موق العين وهو مؤخرها أو مقدّمها.
[3] العذم: العض. والمراد بعذم اللسان اللوم والتعنيف.
[4] ظاهر أن في الكلام نقصا، وتقدير الكلام: « ... إذا أقبل أقبل معه فتيان» أو « ... كان معه فتيان».
[5] الأل: السرعة.
[6] الشول: جمع شائلة وهي الناقة التي خف لبنها وارتفع ضرعها.
[7] في «الأصول الخطية»: «فقابلت» بالياء الموحدة.
غير ملوم. فغضب الحارث من ذلك وقال:
شعر الحارث حين أمره حاجب بالتنحي ورد حاجب عليه:
لعمري لقد جاورت في حيّ وائل ... ومن وائل جاورت في حيّ تغلب
فأصبحت في حيّ الأراقم لم يقل ... لي القوم يا حار بن ظالم اذهب
وقد كان ظنّي إذ عقلت إليكم ... بني عدس ظنّي بأصحاب يثرب
غداة أتاهم تبّع في جنوده ... فلم يسلموا المرين [1] من حيّ يحصب
فإن تك في عليا هوازن شوكة ... تخاف ففيكم حدّ ناب ومحلب
وإن يمنع المرء الزّراريّ جاره ... فأعجب بها من حاجب ثم أعجب
فغضب حاجب فقال:
لعمر أبيك الخير يا حار إنني ... لأمنع جارا من كليب بن وائل
وقد علم الحيّ المعدّيّ أنّنا ... على ذاك كنّا في الخطوب الأوائل
وأنّا إذا ما خاف [2] جار ظلامة ... لبسنا له ثوبي وفاء ونائل
وأنّ تميما لم تحارب قبيلة ... من النّاس إلا أولعت بالكواهل
ولو حاربتنا عامر يا بن ظالم ... لعضت علينا عامر بالأنامل
ولاستيقنت عليا هوازن أنّنا ... سنوطئها في دارها بالقنابل [3]
ولكنّني لا أبعث الحرب ظالما ... ولو هجتها لم ألف شحمة آكل
/ قال: فتنحّى الحارث بن ظالم عن بني زرارة فلحق بعروض اليمامة. ودعا معبدا ولقيطا ابني زرارة فقال: سيرا في الظّعن، فموعدكما رحرحان؛ فإنّا مقيمون في حامية الخيل حتى تأتينا بنو عامر. وخرج عامر بن مالك إلى قومه بالخبر. فقالوا: ما ترى؟ قال: أن ندعهم بمكانهم ونسبقهم إلى الظّعن. قال: فلقوها برحرحان، فاقتتلوا قتالا شديدا فأصابوها، وأسر معبد وجرح لقيط. فبعثوا بمعبد إلى رجل بالطائف كان يعذّب الأسرى. فقطّعه إربا إربا حتى قتله. وقال عامر [4] بن مالك يردّ على حاجب قوله:
__________
[1] كذا في «الأصول». وإن صحت هذه الحروف فلعل صوابه «المرأين» مثنى المرء، أو لعل «المرين» جمع مري (نسبة إلى مرة) بحذف ياء النسب، كما يقال أشعرون جمع أشعريّ. ولم نهتد إلى هذه الحادثة التي يشير إليها الحارث بن ظالم فيما رجعنا إليه من المظان.
[2] في «الأصول الخطية»: «إذا ما خاف جاء ظلامه». وفي «س، ب»: «إذا ما جاء جاء ... ». وقد أثبتناه كما ترى لاستقامة المعنى به مع مناسبته لسياق الكلام.
[3] في «الأصول»: «القبائل». والتصويب للأستاذ المرحوم الشنقيطي في نسخته. والقنابل: الجماعات من الخيل والناس، والواحدة قنبلة وقنبل (بالفتح فيهما).
[4] في «الأصول»: «عمر بن مالك» والتصويب للمرحوم الشنقيطي في نسخته.
شعر لعامر بن مالك يرد به على حاجب:
ألكني [1] إلى المرء الزّراريّ حاجب ... رئيس تميم في الخطوب الأوائل
وفارسها في كلّ يوم كريهة ... وخير تميم بين حاف وناعل
لعمري لقد دافعت عن حيّ مالك ... شآبيب [2] من حرب تلقّح حائل [3]
على كل جرداء السّراة طمرّة ... وأجرد خوّار العنان مناقل [4]
/نصحت له إذ قلت إن كنت لاحقا ... بقوم فلا تعدل بأبناء وائل
/ ولو ألجأته [5] عصبة تغلبيّة ... لسرنا إليهم بالقنا والقنابل [6]
ولو رمتم أن تمنعوه رأيتم ... هناك أمورا غيّها غير طائل
لشاب وليد الحيّ قبل مشيبه ... وعضّت تميم كلّها بالأنامل
وقامت رجال منكم خندقيّة ... ينادون جهرا ليتنا لم نقاتل
قتل الحارث لابن النعمان:
قال: فخرج الحارث بن ظالم من فوره ذلك حتى أتى سلمى بنت ظالم وفي حجرها ابن النّعمان، فقال لها: إنه لن يجيرني من النّعمان إلا تحرّمي بابنه، فادفعيه إليّ. وقد كان النّعمان بعث إلى جارات للحارث بن ظالم فسباهنّ؛ فدعاه ذلك إلى قتل الغلام فقتله.
أخذ النعمان عم الحارث فاعتذر إليه فخلى عنه، وقال شعرا:
فوثب النّعمان على عم الحارث بن ظالم فقال له: لأقتلنّك أو لتأتينّي بابن أخيك. فاعتذر إليه فخلّى عنه.
فأقبل ينطلق فقال:
يا حار إنّي [7] أحيا من مخبّأة ... وأنت أجرأ من ذي لبدة ضاري [8]
__________
[1] ألكني إلى فلان أي كن رسولي إليه. يقال: ألك بين القوم ألكا وألوكا إذا ترسل. والاسم منه الألوك والألوكة والمألكة والمألك (بضم اللام فيهما) بمعنى الرسالة. فإذا عدّيته بالهمزة قلت ألكته إليه برسالة. والأصل فيه «أألكته» بهمزتين، فأخرت الهمزة بعد اللام وخففت بنقل حركتها إلى ما قبلها وحذفت. فإن أمرت من هذا الفعل المتعدي بالهمزة قلت ألكني إليها برسالة. وكان مقتضى هذا اللفظ أن يكون معناه أرسلني إليها برسالة، إلا أنه جاء على القلب؛ إذ المعنى: كن رسولي إليها بهذه الرسالة. (عن «لسان العرب» في مادة ألك).
[2] كذا في «ح». وفي «أكثر الأصول»: «سبائب» وهو تحريف. والشآبيب: جمع شؤبوب. وشؤبوب كل شي ء: حده، أو الدفعة منه.
[3] يقال: تلقحت الناقة إذا شالت بذنبها لترى أنها لاقح وهي ليست كذلك. وحائل: غير حامل.
[4] الأجرد من الخيل: القصير الشعر، والخيل تمدح بذلك. والسراة: الظهر. والطمرة: أنثى الطمر (و يقال فيه الطمرير والطمرور) وهو الفرس الجواد، أو المشمر الخلق، أو المستفز للوثب والعدو، أو الطويل القوائم الخفيف. وفرس خوار العنان: سهل المعطف (أي إذا عطف كان لينا سهل الانقياد). والمناقل من الخيل: الذي يتقي في عدوه الحجارة وهو أن يضع يديه ورجله على غير حجر لحسن نقله في الحجارة.
[5] ألجأته هنا: عصمته.
[6] القنابل: الجماعات من الناس ومن الخيل الواحدة قنبلة وقنبل (بالفتح فيهما).
[7] في «الأصول»: «إنك». والتصويب للمرحوم الشنقيطي في نسخته.
[8] الضاري من السباع: الذي يضري بالصيد ويلهج بالفرائس.
قد كان بيتي فيكم بالعلاء فقد ... أحللت بيتي بين السّيل والنار
مهما أخفك على شيء تجيء به ... فلم أخفك على أمثالها حار
ولم أخفك على ليث لن تخاتله [1] ... عبل الذّراعين للأقران هصّار
وقد علمت بأنّي لن ينجّيني ... مما فعلت سوى الإقرار بالعار
فقد عدوت على النّعمان ظالمة ... في قتل طفل كمثل البدر ومعطار [2]
فاعلم بأنّك منه غير منفلت ... وقد عدوت على ضرغامة شاري [3]
شعر للحارث في قتله ابن النعمان:
وقال الحارث بن ظالم في ذلك:
قفا فاسمعا أخبركما إذ سألتما ... محارب [4] مولاه، وثكلان نادم
حسبت أبا قابوس أنّك سابقي [5] ... ولمّا تذق فتكي وأنفك راغم
أخصي حمار بات يكدم نحمة [6] ... أتؤكل جاراتي وجارك سالم
تمنّيته جهرا على غير ريبة ... أحاديث [7] طسم، إنما أنت حالم
فإن تك أذوادا [8] أصبت [9] ونسوة ... فهذا ابن سلمى أمره [10] متفاقم
__________
[1] في «الأصول»: «تختله» وهو تحريف. وتخاتله: تخادعه.
[2] معطار: يتعهد بالطيب ويكثر له منه. وهذا كناية عن أنه نعمة وترف.
[3] الضرغامة: الأسد، والرجل الشجاع، فإما أن يكون على تشبيهه بالأسد أو أن ذلك أصل فيه. شاري: وصف من شري يشري (وزان فرح) إذا غضب ولج في الأمر.
[4] شرح المؤلف هذا البيت فيما سيأتي (صفحة 108).
[5] سيأتي في «الأصول» ص 108: « ... فائت. ولما تذق ثكلا». وفي «ديوان المفضليات»:
« ... سالم. ولما تصب ذلا». وفي «الكامل» لابن الأثير: « ... مخفري. ولما تذق ثكلا». وهذا البيت يرجح أن يكون الملك الذي قتل الحارث ابنه وقتل خالد بن جعفر في جواره هو النعمان بن المنذر؛ فإن «أبا قابوس» كنية له. لكن الأصمعي قال عن هذا البيت إنه ليس من القصيدة؛ لأن المقتول ابن عمرو بن الحارث جدّ النعمان الذي كان يكنى أبا قابوس، والمقتول الغلام عم أبي قابوس.
(عن شرح ابن الأنباري ل «ديوان المفضليات» صفحة 616 طبع مطبعة الآباء اليسوعيين ببيروت سنة 1920 م). ويلاحظ أن كلام الأصمعي هذا لا يتفق مع ما ورد في شعر الحارث الذي رواه صاحب «الأغاني» في هذا المقام من توجيه الخطاب إلى «النعمان».
(و راجع الحاشية 3 صفحة 95 من هذا الجزء).
[6] يكدم: يعض بأدنى الفم. والنجم من النبات ما لا ساق له، والشجر ما له ساق طال أو قصر. ونجمة هنا: واحدة النجم وهو ضرب من النبت يقال له الثيل. شبهه بخصي الحمار لتحقيره وتصغيره، أو أنه مشنج الوجه متغضنه كخصي الحمار إذا كدم نجمة، وذلك لصلابتها. (راجع شرح «ديوان المفضليات»).
[7] في «ج»: «أحادث طسم». وفي «سائر الأصول»: «أحارث ظلما» وهو تحريف. وأحاديث طسم: يقال لما لا أصل له. تقول لمن يخبرك بما لا أصل له: «أحاديث طسم وأحلامها». وطسم: إحدى قبائل العرب البائدة.
[8] الذود: القطيع من الإبل الثلاث إلى التسع أو ما بين الثلاث إلى العشر، وفيه أقوال أخرى. ولا يكون إلا من الإناث.
[9] كذا في «أ، م» و «الكامل» لابن الأثير. وفي «سائر الأصول»:
فإن تك أذواد أصبن ونسوه
[10] كذا في «كل الأصول» هنا. وفي «أ، م» فيما يأتي (صفحة 108): «رأسه» وهي رواية «المفضليات» و «الكامل» لابن الأثير.
علوت بذي الحيّات [1] مفرق رأسه ... وكان سلاحي تجتويه [2] الجماجم
/ فتكت به فتكا [3] كفتكي بخالد ... وهل يركب المكروه إلا الأكارم
بدأت بهذي ثم أثني بمثلها ... وثالثة [4] تبيضّ منها المقادم
شفيت غليل [5] الصدر منه بضربة ... كذلك يأبى المغضبون القماقم [6]
فقال النعمان بن المنذر: ما يعني بالثالثة غيري. قال سنان بن أبي حارثة المرّيّ - وهو يومئذ رأس غطفان - : أبيت اللّعن! واللّه ما ذمّة الحارث لنا بذمّة، ولا جاره لنا بجار، ولو أمّنته ما أمّناه. فبلغ ابن ظالم قول سنان بن أبي حارثة، فقال في ذلك:
شعر للحارث يخاطب به النعمان:
ألا أبلغ النّعمان عنّي رسالة ... فكيف بخطّاب الحطوب الأعاظم
/ وأنت طويل البغي أبلخ [7] معور [8] ... فزوع إذا ما خيف إحدى العظائم
فما غرّه والمرء يدرك وتره ... بأروع ماضي الهمّ من آل ظالم
أخي ثقة ماضي الجنان مشيّع [9] ... كميش [10] التّوالي عند صدق العزائم
فأقسم لو لا من تعرّض دونه ... لعولي بهنديّ الحديدة صارم
فأقتل أقواما لئاما أذلّة ... يعضّون من غيظ أصول الأباهم
تمنّى سنان ضلّة أن يخيفني ... ويأمن، ما هذا بفعل المسالم
تمنّيت جهدا أن تضيع ظلامتي ... كذبت وربّ الراقصات الرّواسم [11]
يمين امرىء لم يرضع اللّؤم ثديه ... ولم تتكنّفه عروق الألائم
__________
[1] ذو الحيات: اسم سيف الحارث، كانت على سيفه تماثيل حيات.
[2] كذا في «ديوان المفضليات». وفي شرحه: «و قال يعقوب تجتويه لا يوافقها. يقال اجتويت بلدة كذا إذا لم توافقني». وفي «الأصول» و«الكامل» لابن الأثير. «تحتويه» بالحاء.
[3] رواية «المفضليات» و«الكامل» لابن الأثير و«الأصول» فيما سيأتي:
فتكت به كما فتكت بخالد
[4] ويروى: «و ثالثة» بالرفع.
[5] في «الأصول»: «عليك» وهو تحريف.
[6] القماقم: جمع قمقام، وهو من الرجال: السيد الكثير الخير الواسع الفضل.
[7] الأبلخ: المتكبر في نفسه الجريء على ما يأتي من الفجور. وفي «ج»: «أبلح» بالحاء المهملة. وفي «سائر الأصول»: «أبلج» بالجيم. والأبلج (بالجيم) وصف مدح فلا يناسب الهجو هنا.
[8] معور: قبيح السريرة، أو مريب.
[9] المشيع: الشجاع، لأن قلبه لا يخذله فكأنه يشيعه، أو لأن نفسه تشيعه على ما يقدم عليه - ومثله تشايعه - أي تتبعه وتشجعه.
[10] كميش التوالي: يريد أنه مشمر جادّ. وتوالي كل شي ء: أواخره.
[11] رقص الإبل: ضرب من سيرها وهو الخبب. والرسيم: ضرب من سيرها أيضا وهو فوق الذميل. والذميل: سيرلين.
أخذ مصدق للنعمان إبلا لديهث فاستجارت بالحارث فردها إليها:
قال: فأمّنه النعمان، وأقام حينا. ثم إنّ مصدّقا للنّعمان أخذ إبلا لامرأة من بني مرّة يقال لها ديهث؛ فأتت الحارث فعلّقت دلوها بدلوه ومعها بنيّ لها، فقالت: أبا ليلى! إني أتيتك مضافة [1]. فقال الحارث: إذا أورد القوم النّعم فنادي بأعلى صوتك:
دعوت باللّه ولم تراعي ... ذلك راعيك فنعم الرّاعي [2]
وتلك ذود الحارث الكساع [3] ... يمشي لها بصارم قطّاع
يشفي به [4] مجامع الصّداع
وخرج الحارث في أثرها يقول:
أنا أبو ليلى وسيفي المعلوب [5] ... كم قد أجرنا من حريب محروب
وكم رددنا من سليب مسلوب ... وطعنة طعنتها بالمنصوب
ذاك جهيز الموت عند المكروب
ثم قال لها: لا تردنّ عليك ناقة ولا بعير تعرفينه إلا أخذتيه ففعلت؛ فأتت على لقوح لها يحلبها حبشيّ، فقالت: يا أبا ليلى! هذه لي. فقال الحبشيّ: كذبت. فقال الحارث: أرسلها لا أمّ لك! فضرط الحبشيّ. فقال الحارث: «است الحالب أعلم»، فسارت مثلا. قال أبو عبيدة: ففي ذلك يقول في الإسلام الفرزدق:
كما كان أوفى إذ ينادي ابن ديهث ... وصرمته [6] كالمغنم المتنهّب
فقام أبو ليلى إليه ابن ظالم ... وكان متى ما يسلل السّيف يضرب
وما كان جارا غير دلو تعلّقت ... بحبلين في مستحصد [7] القدّ مكرب
خروج الحارث إلى صديق من كندة:
قال أبو عبيدة حدّثني أبو محمد عصام العجليّ قال: فلمّا قتل الحارث بن ظالم خالد بن جعفر في جوار الملك خرج هاربا حتى أتى صديقا له من كندة يحلّ شعبي - قال: شعبي غير ممدود - فلمّا ألحّ الأسود [8] في طلب
__________
[1] مضافة: ملجأة.
[2] في «الأصول»:
ذلك داعيك فنعم الداعي
بالدال. والتصويب للمرحوم الشنقيطي في نسخته. وسيأتي هذا الشطر بعد قليل في رجز آخر صحيحا.
[3] الكسع: الضرب على الدبر؛ يقال: ولي القوم فكسعهم بالسيف، إذا اتبع أدبارهم فضربهم به.
[4] في «الأصول»: «بها» ومرجع الضمير السيف الصارم في الشطر الذي قبل هذا الشطر.
[5] المعلوب: اسم سيف له.
[6] الصرمة هنا: القطعة من الإبل.
[7] في «ديوان» الفرزدق (نسخة مخطوطة محفوظة بدار الكتب المصرية تحت رقم 2605 أدب): «في مستحصد الحبل».
والمستحصد: الذي أحكم فتله. والمكرب: المشدود بالكرب (بالتحريك) وهو حبل يشد على عراقي الدلو ثم يثنى ويثلث. وفي «ديوان» الفرزدق: «و المكرب العقد الذي على عرقوه الدلو».
[8] راجع الهامشة 3 صفحة 95 من هذا الجزء.
الحارث قال له الكنديّ: ما أرى لك نجاة إلّا أن ألحقك بحضرموت ببلاد اليمن فلا يوصل إليك. فسار معه يوما وليلة، فلمّا غرّبه [1] قال: إنّني أنقطع ببلاد اليمن فأغترب بها، وقد برئت منك خفارتي.
لجوءه إلى بني عجل بن لجيم:
فرجع حتّى أتى أرض بكر بن وائل، فلجأ إلى بني عجل بن لجيم، فنزل على زبّان فأجاره وضرب عليه قبّة.
وفي ذلك يقول العجليّ:
ونحن منعنا بالرّماح ابن ظالم ... فظلّ يغنّي آمنا في خبائنا
/ قال أبو عبيدة: فجاءته بنو ذهل بن ثعلبة وبنو عمرو بن شيبان فقالوا: أخرج هذا المشئوم من بين أظهرنا، لا يعرّنا بشرّ؛ فإنّا لا طاقة بالملحاء [2] (و الملحاء كتيبة الأسود) فأبت عجل أن تخفره [3]، فقاتلوه فامتنعت بنو عجل. فقال الحارث بن ظالم في الكنديّ وفيهم:
يكلّفني الكنديّ سير تنوفة ... أكابد فيها كلّ ذي صبّة مثري
- الصّبّة: قطعة من الغنم أو بقيّة منها -
وأقبل دوني جمع ذهل كأنّني ... خلاة [4] لذهل والزّعانف من عمرو
ودوني ركب من لجيم مصمّم ... وزبّان جاري والخفير على بكر
لعمري لا أخشى ظلامة ظالم ... وسعد بن عجل مجمعون على نصري
لحوقه بطي ء:
قال أبو عبيدة: ثم قال لهم الحارث: إنّي قد اشتهر أمري فيكم ومكاني، وأنا راحل عنكم. فارتحل فلحق بطيى ء. فقال الحارث في ذلك:
لعمري لقد حلّت بي اليوم ناقتي ... إلى ناصر من طيّىء غير خاذل
فأصبحت جارا للمجرّة منهم ... على باذخ يعلو على المتطاول
أخذ الأسود أموال جارات له فردها هو إليهن:
قال أبو عبيدة وحدّثني أبو حيّة أنّ الأسود حين قتل الحارث خالدا سأل عن أمر يبلغ منه. فقال له عروة بن عتبة: إنّ له جارات من بليّ بن عمرو، ولا أراك تنال منه شيئا أغيظ له من أخذهنّ وأخذ أموالهنّ، فبعث الأسود فأخذهنّ واستاق أموالهنّ. فبلغ ذلك الحارث، فخرج من الحين فانساب في غمار الناس حتى عرف موضع جاراته ومرعى إبلهنّ، فأتى الإبل فوجد حالبين يحلبان ناقة لهنّ يقال لها اللّفاع، وكانت لبونا كأغزر الإبل، إذا حلبت
__________
[1] غربه: نجاه عن بلاده وأبعده.
[2] في «بعض الأصول»: «بالملجأ» وهو تحريف.
[3] الإخفار: الغدر ونقض العهد.
[4] الخلاة: واحدة الخلى وهو الرطب من الحشيش. يقول: أقبل دوني هؤلاء القوم كأني خلاة يأخذها الآخذ كيف شاء، والواقع أني في عز ومنعة.
اجترّت، ودمعت عيناها، وأصغت برأسها [1]، وتفاجّت [2] تفاجّ البائل، وهجمت في المحلب هجما حتى تسنّمه [3]، وتجاوبت أحاليلها [4] بالشّخب هثّا [5] وهثيما حتى تصفّ بين ثلاثة محالب [6]. فصاح الحارث بهما ورجز فقال:
إذا سمعت حنّة اللّفاع ... فادعي أبا ليلى ولا تراعي
ذلك راعيك فنعم الرّاعي ... يجبك رحب الباع والذّراع
منطّقا [7] بصارم قطّاع
/ خليّا عنها! فعرفاه فضرط البائن. فقال الحارث: «است الضارط [8] أعلم» فذهبت مثلا - قال الأثرم:
البائن الحالب الأيمن، والمستعلي الحالب الأيسر - ثم عمد إلى أموال جاراته وإلى جاراته فجمعهنّ وردّ أموالهن وسار معهنّ حتى اشتلاهنّ (أي أنقذهنّ).
رواية أخرى في قتله بن الملك:
قال أبو عبيدة: ولحق الحارث ببلاد قومه مختفيا. وكانت أخته سلمى بنت ظالم عند سنان بن أبي حارثة المرّيّ. قال أبو عبيدة: وكان الأسود بن المنذر قد تبنّى سنان بن أبي حارثة المرّيّ ابنه شرحبيل، فكانت سلمى بنت كثير بن ربيعة من بني غنم بن دودان [9] امرأة سنان بن أبي حارثة المرّيّ ترضعه وهي أمّ هرم، وكان هرم غنيّا يقدر على ما يعطي سائليه. فجاء الحارث، وقد كان اندسّ في بلاد غطفان، فاستعار سرج سنان، ولا يعلم سنان، وهم نزول بالشّربّة، فأتى به سلمى ابنة/ ظالم فقال: يقول لك بعلك: ابعثي بابن الملك مع الحارث حتى أستأمن له ويتخفّر به، وهذا سرجه آية إليك. فزيّنته ثم دفعته إلى الحارث، فأتى بالغلام، ناحية من الشّربّة فقتله، ثم أنشأ يقول:
قفا فاسمعا أخبركما إذ سألتما ... محارب مولاه، وثكلان نادم [10]
- ثكلان نادم: يعني الأسود لأنه قتل ابنه شرحبيل. محارب مولاه: يعني الحارث نفسه. ومولاه: سنان -
أخصيي حمار بات يكدم نجمة ... أتؤكل جاراتي وجارك سالم
حسبت أبيت اللّعن أنك فائت ... ولمّا تذق ثكلا وأنفك راغم
__________
[1] كذا في «الأصول». ويلاحظ أن «أصغى» يتعدّى بنفسه. فلعل صوابه: «صغت يرأسها» أو «أصغت رأسها».
[2] تفاجت: باعدت ما بين رجليها.
[3] تسنمه: تملؤه حتى يصير فوقه مثل السنام.
[4] الأحاليل: جمع إحليل، وهو هنا مخرج اللبن من الضرع. والشخب (بالفتح): صوت اللبن عند الحلب. والشخب (بالفتح وبالضم): ما يخرج من الضرع من اللبن. وقيل: الشخب (بالضم): ما امتد من اللبن حين يحلب متصلا بين الإناء والطبى.
[5] كذا في «الأصول الخطية». وفي «ب، س»: «هشا وهشيما». والهث: اختلاط الصوت في حرب أو صخب. والمراد هنا اختلاط أصوات الأحاليل عند الحلب. أما «الهيشم» أو «الهشيم» فلم نهتد لوجهه الصواب فيه.
[6] أي حتى تملأ ثلاثة محالب فيصف أحدها بعد الآخر.
[7] منطقا: مشدودا في وسطه.
[8] ويروى: «است البائن أعلم».
[9] في «الأصول»: « ... غنم بن وردان». والتصويب للمرحوم الأستاذ الشنقيطي في نسخته.
[10] تقدّمت هذه الأبيات في صفحة 103 من هذا الجزء، فلتراجع الحواشي التي كتبت عليها.
فإن تك أذوادا أصبت ونسوة ... فهذا ابن سلمى رأسه متفاقم
/ علوت بذي الحيّات مفرق رأسه ... وكان سلاحي تجتويه الجماجم
فتكت به كما فتكت بخالد ... ولا يركب المكروه إلّا الأكارم
بدأت بتلك وانثنيت بهذه ... وثالثة تبيضّ منها المقادم
قال: ففي ذلك يقول عقيل بن علّفة في الإسلام وهو من بني يربوع بن غيظ بن مرّة لمّا هاجى شبيب بن البرصاء، وأبوه يزيد، وهو من بني نشبة بن غيظ بن مرّة ابن عمّ سنان بن أبي حارثة، فعيّره بقتل الحارث بن ظالم شرحبيل لأنه ربيب بني حارثة بن مرّة [1] بن نشبة بن غيظ رهط شبيب، ففي ذلك يقول عقيل:
قتلنا شرحبيلا ربيب أبيكم ... بناصية المعلوب ضاحية غصبا [2]
فلم تنكروا أن يغمز القوم جاركم ... بإحدى الدّواهي ثم لم تطلعوا نقبا [3]
قال أبو عبيدة: وهرب الحارث، فغزا الأسود بني ذبيان إذ نقضوا العهد وبني أسد بشطّ أريك. قال أبو عبيدة:
وسألته عنه فقال: هما أريكان الأسود والأبيض، ولا أدري بأيّهما كانت الوقعة. قال أبو عبيدة وقال آخرون: إنّ سلمى امرأة سنان التي أخذ الحارث شرحبيل من عندها من بني أسد. قال: فإنّما غزا الأسود بني أسد لدفع الأسديّة سلمى ابنه إلى الحارث، فقتل فيهم قتلا ذريعا وسبى واستاق أموالهم. وفي ذلك يقول [الأعشى ميمون]:
وشيوخ [4] صرعى بشطّي أريك ... ونساء كأنّهن السّعالي [5]
/من نواصي دودان إذ نقضوا العه ... د وذبيان والهجان الغوالي
ربّ رفد هرقته ذلك اليو ... م وأسرى من معشر أقتال [6]
هؤلاء ثم هؤلاء كلّا احذي ... ت نعالا محذوّة بمثال
ورأى من عصاك أصبح مخذو ... لا وكعب الذي يطيعك عالي
__________
[1] في «الأصول»: « .. بني حارثة فعيره بن نشبة غيظ ... » وهو تحريف.
[2] في «الأصول»: «بناحية المغلوب ضاحية عضبا». وقد رجحنا ما وضعناه لدلاله سياق الكلام عليه. والمعلوب: سيف الحارث بن ظالم. وضاحية: علانية وجهرا.
[3] النقب: الطريق، أو الطريق الضيق في الجبل. ويظهر أنه كني بعدم طلوع النقب عن عدم السعي في طلب الثأر.
[4] موضع هذا البيت من القصيدة بعد قوله «رب رفد» البيت الآتي؛ فشيوخ مجرور بالعطف على المجرور برب في البيت الذي قبل هذا البيت في القصيدة. ويروى «و شيوخ حربى» جمع حريب؛ يقال حرب فلان ماله أي سلبه فهو محروب وحريب.
[5] السعالي: جمع سعلاة (بكسر السين) ويقال فيها سعلا (بالمد وبالقصر)، وهي الغول أو ساحرة الجن. وإذا كانت المرأة قبيحة الوجه سيئة الخلق شبهت بالسعلاة.
[6] المرفد (بالفتح وبالكسر) هنا: القدح الضخم. والمعنى المراد «رب قتلى» فإن إراقة الرفد يكنى به عن الموت؛ قال الزمخشري في أساس البلاغة: «و هريق رفد فلان إذا قتل، كما يقال: صفرت وطابه وكفئت جفنته». وقال شارح «ديوان الأعشى»: «أبو عبيدة:
رب رفد أهرقته، بألف. أي رب رجل كانت له إبل يحلبها فاستقتها فذهب ما كان يحلبه في الرفد، والرفد القدح بما فيه».
والأقتال: جمع قتل (بالكسر) وهو العدوّ، والشبيه في القتال؛ وبكلا المعنيين فسر البيت. ويروى: «من معشر أقيال». والقيل:
الملك، أو الملك من ملوك حمير، أو هو من دون الملك الأعلى.
وجود نعل شرحبيل بن الأسود في بني محارب وتعذيب الأسود لهم:
قال: ووجد نعل شرحبيل عند أضاخ. وهو من الشّربّة في بني محارب بن خصفة [1] بن قيس عيلان. قال:
فاحمي لهم الأسود الصّفا التي بصحراء أضاخ وقال لهم: إنّي أحذيكم نعالا، فأمشاهم على الصّفا المحمى فتساقط لحم أقدامهم. فلمّا كان الإسلام قتل جوشن/ الكنديّ رجلا من بني محارب فأقيد به جوشن بالمدينة. وكان الكنديّ من رهط عبّاس بن يزيد الكنديّ، فهجا بني محارب فعيّرهم بتحريق الأسود أقدامهم فقال:
على عهد كسرى نعّلتكم ملوكنا ... صفا من أضاخ حاميا يتلهّب
قال أبو عبيدة: وصار ذلك مثلا يتوعّد به الشعراء من هجوه ويحذّرونهم مثل ذلك. ومن ذلك أن ابن عتّاب [2] الكلبي ورد على بني النوس [3] من جديلة طيى ء، فسرقوا سهاما له؛ فقال يحذّرهم:
/بني النوس ردّوا أسهمي إن أسهمي ... كنعل شرحبيل التي [4] في محارب
وقال في الجاهليّة ابن أمّ كهف الطائيّ في مدحه لمالك بن حمار [5] الشّمخيّ، فذكر نعل شرحبيل فقال:
ومولاك الذي قتل ابن سلمى ... علانية شرحبيل ابن نعل
لأنه لو لا النعل لم يعرف، وإنما عرف بما صنع أبوه ببني محارب من أجل نعله التي وجدت في بني محارب.
أخذ الأسود لسنان بن أبي حارثة الذي قتل ابنه عنده واعتذار الحارث بن سفيان عنه:
قال أبو عبيدة: وأخذ الأسود سنان بن أبي حارثة؛ فأتاه الحارث بن سفيان أحد بني الصارد [6]، وهو الحارث بن سفيان بن مرّة بن عوف بن الحارث بن سفيان أخو سيّار بن عمرو بن جابر الفزاريّ لأمّه، فاعتذر إلى الأسود أن يكون سنان بن أبي حارثة علم أو اطّلع، ولقد كان أطرد الحارث من بلاد غطفان، وقال: عليّ دية ابنك ألف بعير دية الملوك، فحمّلها إيّاه وخلّى عن سنّان، فأدى إلى الأسود منها ثمانمائة بعير ثم مات. فقال سيّار بن عمرو أخوه لأمّه: أنا أقوم فيما بقي مقام الحارث بن سفيان. فلم يرض به الأسود. فرهنه سيّار قوسه، فأدّى البقيّة.
فلمّا مدح قراد بن حنش الصارديّ [7] بني فزارة جعل الحمالة كلّها لسيّار بن عمرو فقال:
ونحن رهنّا القوس تمّت فوديت ... بألف على ظهر الفزاري أقرعا [8]
بعشر مئين للملوك سعى بها [9] ... ليوفي سيّار بن عمرو فأسرعا
__________
[1] في «ب، س، ج»: «حفصة» وهو تحريف.
[2] الذي في «خزانة الأدب» (ج 4 ص 183): «ابن عباد الكلابي».
[3] كذا في «الأصول». وفي «خزانة الأدب»: «بني البوس». ولم نجد هذا الاسم في جديلة طيىء ولا في غيرها. فلعل صوابه «بني الأوس»؛ فإن من فروع جديلة طيىء بني الأوس.
[4] في «الأصول»: «الذي». والتصويب من «خزانة الأدب».
[5] في «ب، س»: «حماد» بالدال المهملة وهو تحريف.
[6] في «الأصول»: «بني الصادر» وهو تحريف. (راجع كتاب «الاشتقاق» لابن دريد صفحة 176 و «لسان العرب» في مادة صرد).
[7] في «الأصول»: «قراد بن حبش الصادري» وهو تحريف.
[8] بألف أقرع أي تام.
[9] في «الأصول»: «بعشر ملوك الملوك سفالها» والتصويب من «خزانة الأدب» (ج 3 ص 304). وقد صححها المرحوم الشنقيطي:
«؟؟».
رمينا صفاه بالمئين فأصبحت ... ثناياه [1] للساعين في المجد مهيعا
قال ويقال: بل قالها ربيع بن قعنب، فردّ عليه قراد فقال:
ما كان ثعلب ذي [2] عاج ليحملها ... ولا الفزاريّ جوفان بن جوفان [3]
لكن تضمّنها ألفا فأخرجها ... على تكاليفها حار بن سفيان [4]
وقال عويف القوافي بن عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر في الإسلام يفخر على أبي منظور الوبريّ حين هاجاه أحد بني وبر بن كلاب:
فهل وجدتم حاملا كحاملي ... إذ رهن القوس بألف كامل
بدية ابن الملك الحلاحل ... فافتكّها من قبل عام قابل
/ سيّار الموفي بها ذو السائل [5]
لحوق الحارث ببني دارم:
قال أبو عبيدة: فلمّا قتل الحارث شرحبيل لحق ببني دارم فلجأ إلى بني ضمرة. قال: وبنو عبد اللّه بن دارم يقولون: بل جاور معبد بن زرارة فأجاره، فجرّ جواره يوم رحرحان، وجرّ يوم رحرحان يوم جبلة. وطلبه الأسود ابن المنذر بخفرته [6].
/فلمّا بلغه نزوله ببني دارم أرسل فيه إليهم أن يسلموه فأبوا. فقال يمنّ على بني قطن بن نهشل بن دارم بما كان من النّعمان بن المنذر في أمر بني رشيّة وهي رميلة حين طلبهم من لقيط بن زرارة حتى استنقذهم. ورشيّة أمة كانت لزرارة [7] بن عدس بن زيد المجاشعيّ، فوطئها رجل من بني نهشل فأولدها؛ وكان زرارة يأتي بني نهشل يطلب الغلمة التي ولدت، وولدت الأشهب بن رميلة والرّباب بن رميلة وغيرهما، وكانوا يسمعونه ما يكره، فيرجع إلى ولده فيقول: أسمعني بنو عمّي خيرا وقالوا: سنبعث بهم إليك عاجلا، حتى مات زرارة. فقام لقيط ابنه بأمرهم؛ فلمّا أتاهم أسمعوه ما كره، ووقع بينهم شرّ. فذهب النهشليّ إلى الملك فقال: أبيت اللّعن! لا تصلني
__________
[1] الثنايا: جمع ثنية وهي طريق العقبة؛ من ذلك قولهم: فلان طلاع الثنايا، وإذا كان ساميا لمعالي الأمور. والمهيع: الطريق الواسع الواضح. والظاهر أنه يريد أن يقول: إننا حملناه من التكاليف ما حملناه فاحتملها، حتى أصبحت سبيله في ذلك سبيلا لمبتغى المجد.
[2] ذو عاج: واد في بلاد قيس.
[3] الجوفان (بالضم): أير الحمار. ولعله نبز الفزاريّ بذلك لما كانت تعير به فزارة من أكل الجوفان؛ قال سالم بن دارة:
لا تأمنن فزاريا خلوت به ... على قلوصك واكتبها بأسيار
لا تأمننه ولا تأمن بوائقه ... بعد الذي امتل أير العير في النار
امتله: وضعه في الملة. ويقول فيها:
أطعمتم الضيف جوفانا مخاتلة ... فلا سقاكم إلهي الخالق الباري
[4] يريد: حارث بن سفيان. والترخيم في غير النداء يأتي في الشعر قليلا.
[5] كذا في «الأصول». ولعل صوابها: «ذو النائل». والنائل: العطاء.
[6] الخفرة: (بالضم): الذمة.
[7] تقدّم في «ترجمة الأشهب بن رميلة» (ج 9 ص 269 من طبعة دار الكتب) أنها كانت أمة لخالد بن مالك بن ربعي ... (فليراجع ما هناك).
وتصل قومي بأفضل من طلبتك إلى لقيط الغلمة ليكفّ عنّي. فدعاه فشرب معه، ثم استوهبهم منه فوهبهم له. فقال الأسود بن المنذر في ذلك:
كأيّن لنا من نعمة في رقابكم ... بني قطن فضلا عليكم وأنعما
وكم منّة كانت لنا في بيوتكم ... وقتل كريم لم تعدّوه مغرما
فإنكم لا تمنعون ابن ظالم ... ولم يمس بالأيدي الوشيج المقوّما [1]
فأجابه ضمرة بن ضمرة فقال:
سنمنع جارا عائذا في بيوتكم [2] ... بأسيافنا حتى يؤوب مسلّما
إذا ما دعونا دارما حال دونه ... عوابس يعلكن الشّكيم المعجّما [3]
/و لو كنت حربا [4] ما وردت طويلعا ... ولا حوفه إلّا خميسا عرمرما
تركت بني ماء السماء وفعلهم ... وأشبهت تيسا بالحجاز مزنّما [5]
ولن أذكر النّعمان إلّا بصالح ... فإنّ له فضلا علينا وأنعما [6]
قال: وبلغ ذلك بني عامر، فخرج الأحوص عازيا لبني دارم طالبا بدم أخيه خالد بن جعفر حين انطووا على الحارث وقاموا دونه، فغزاهم فالتقوا برحرحان، فهزمت بنو دارم، وأسر معبد بن زرارة، فانطلقوا به حتى مات في أيديهم، وحديثه في يوم رحرحان يأتي بعد.
أسر بني قيس وبني هزان للحارث وحديثه معهم:
ثم أسر بنو هزّان الحارث بن الظالم. وقال أبو عبيدة: خرج الحارث من عندهم، فجعل يطوف في البلاد حتى سقط في ناحية من بلاد ربيعة، ووضع سلاحه وهو في فلاة ليس فيها أثر ونام، فمرّ به نفر من بني قيس ابن ثعلبة ومعهم قوم من بني هزّان من عنزة وهو نائم، فأخذوا فرسه وسلاحه ثم أوثقوه، فانتبه وقد شدّوه فلا يملك من نفسه شيئا. فسألوه من أنت؟ فلم يخبرهم وطوى عنهم الخبر، فضربوه ليقتلوه على تأن يخبرهم من هو فلم يفعل./ فاشتراه القيسيّون من الهزّانيّين بزقّ خمر وشاة - ويقال: اشتراه رجل من بني سعد
__________
[1] ورد هذا البيت هكذا ب «الأصول». والوشيج: شجر الرماح، أو هو من القنا أصلبه. والمقوّم هنا: الذي أزيل عوجه.
[2] لعله: «في بيوتنا».
[3] علكه: لاكه وحركه في فيه. والشكيمة من اللجام: الحديدة المعترضة في الفم والمعجم: المعضوض.
[4] ورد هذا البيت في «الأصول» هكذا:
ولو كنت حواما وردت طويلعا ... ولا حومة إلا خميسا عرمرما
وصوبنا ما فيه من تحريف عن «معجم البلدان» لياقوت في كلامه على طويلع و «لسان العرب» (في مادة حوف) ورواية البيت في «معجم البلدان»
فلو كنت حربا ما بلغت طويلعا ... ولا جوفه .......
إلخ وفي «لسان العرب»: « ... ما طلعت طويلعا. ولا حوفه ... ». وحوف الوادي: حرفه وناحيته. ثم قال: «و يروى جوفه، وجوّه».
والحرب: العدوّ المحارب. وطويلع: ماء أو واد. والخميس: الجيش. والعرمرم: الكثير.
[5] المزنم من الشاء: ما له هنة معلقة في حلقه تحت لحيته، وخص بعضهم به العنز. والمزنم أيضا: الذي تقطع أذنه وتترك زنمة.
[6] رواية «اللسان» (و قد ذكر هذا البيت والذي قبله في مادة زنم):
فإن له عندي يديا وأنعما ويديّ (على وزن فعول وفعيل مثل كلب وكليب): جمع يد بمعنى النعمة.
بإغلاق [1] /بكرة وعشرين من الشاء - ثم انطلقوا به إلى بلادهم. فقالوا له: من أنت؟ وما حالك؟ فلم يخبرهم.
فضربوه ليموت فأبى. قال: وهو قريب من اليمامة. قال: فبينما [2] هم على تلك الحال وهم يريغونه ضربا مرّة وتهدّدا أخرى ولينا مرّة ليخبرهم بحاله وهو يأبى، حتى ملّوه، فتركوه في قيده حتى انفلت ليلا، فتوجّه نحو اليمامة وهي قريب منه، فلقي غلمة يلعبون، فنظر إلى غلام منهم أخلقهم للخير عنده فقال: من أنت؟ قال: أنا بجير بن أبجر العجليّ، وله ذؤابة يومئذ وأمّه امرأة قتادة بن مسلمة الحنفيّ. فأتاه وأخذ بحقويه والتزمه وقال: أنا لك جار.
فيقال: إنّ عجلا أجارته في هذا اليوم لا في اليوم الأوّل الذي ذكرناه في أوّل الحديث. فأتى الغلام أباه فأخبره وأجاره وقال: ائت عمّك قتادة بن مسلمة الحنفيّ فأخبره؛ فأتى قتادة فأخبره فأجاره.
قال أبو عبيدة: وأمّا فراس [3] فزعم أنه أفلت من بني قيس فأقبل شدّا حتى أتى اليمامة، واتّبعوه حتى انتهى إلى نادي بني حنيفة وفيه قتادة بن مسلمة. فلمّا رأوه يهوي نحوهم قال: إنّ هذا لخائف، وبصر بالقوم خلفه فصاح به: الحصن الحصن! فأقبل حتى ولج الحصن. وجاءت بنو قيس، فحال دونه وقال: لو أخذتموه قبل دخوله الحصن لأسلمته إليكم، فأمّا إذ تحرّم بي فلا سبيل إليه. قال فقالوا: أسيرنا اشتريناه بأموالنا، وما هو لك بجار ولا تعرفه، وإنما أتاك هاربا من أيدينا، ونحن قومك وجيرنك. قال: أمّا أن أسلمه أبدا فلا يكون ذلك، ولكن اختاروا منّي: إن شئتم فانظروا ما اشتريتموه به فخذوه منّي، وإن شئتم أعطيته سلاحا كاملا وحملته على فرس ودعوه حتى يقطع الوادي بيني وبينه ثم دونكموه. فقالوا: رضينا. فقال ذلك للحارث فقال نعم. فألبسه سلاحا كاملا وحمله على فرسه وقال له: إن أفلّتهم فردّ إليّ الفرس والسلاح لك. قال: فخرج، وتركوه حتى جاز الوادي،/ ثم اتّبعوه ليأخذوه، فلم يزل يقاتلهم ويطاردهم حتى ورد بلاد بني قشير، وهو قريب من اليمامة أيضا بينهما أقلّ من يوم. فلمّا صار إلى بلاد بني قشير يئسوا منه فرجعوا عنه. وعرفه بنو قشير فانطووا عليه وأكرموه. وردّ إلى قتادة بن مسلمة فرسه وأرسل إليه بمائة من الإبل، لا أدري أأعطاه إيّاها بنو قشير من أموالهم ليكافىء بها قتادة أم كانت له، لم يفسّر أبو عبيدة أمرها ولا سألته عنها. فقال الحارث بن ظالم في ابني حلاكة وهما من الذين باعوه من القيسيّين وفيما كان من أمره - قال أبو عبيدة: ويقال أسره راعيان من بني هزّان يقال لهما ابنا حلاكة - :
أبلغ لديك بني قيس مغلغلة ... أنّي أقسّم في هزّان أرباعا
ابنا حلاكة باعاني بلا ثمن ... وباع ذو آل هزان بما باعا
يا بني حلاكة لمّا تأخذا ثمني ... حتّى أقسّم أفراسا وأدراعا
قتادة الخير نالتني حذيّته [4] ... وكان قدما إلى الخيرات طلّاعا
وقال في ذلك أيضا:
/همّت عكابة أن تضيم لجيما [5] ... فأبت لجيم ما تقول عكابه
__________
[1] أغلاق الرهن: إيجابه للمرتهن إذا لم يفك. والمراد هنا إعطاء من باعه بكرة وعشرين من الشاء.
[2] جواب «بينما» في هذه الجملة لم يصرح به.
[3] في «الأصول» هنا: «فراش» بالشين المعجمة وهو تصحيف. وفراس الذي يروى عنه أبو عبيدة هو أبو المختار فراس بن خندق القيسي.
[4] الحذية: العطية.
[5] لجيم: اسم القبيلة بضم اللام وفتح الجيم وسكون الياء؛ وبهذا لا يتزن الشعر. فلعل الشاعر تصرف فيه فشددد الياء.
فاسقي بجيرا من رحيق مدامة ... والسقي الخفير وطهّري أثوابه
جاءت حنيفة قبل جيئة يشكر ... كلّا وجدنا أوفياء [1] ذؤابه
مروره برجل من بني أسد:
وزعم أبو عبيدة أنّ الحارث لمّا هزمت بنو تميم يوم رحرحان مرّ برجل من بني أسد بن خزيمة؛ فقال: يا حار إنك مشئوم وقد فعلت ما فعلت، فانظر إذا كنت بمكان كذا وكذا من برقة رحرحان فإنّ لي به جملا أحمر فلا تعرض له. وإنما يعرّض/ له ويكره أن يصرّح فيبلغ الأسود فيأخذه. فلمّا كان الحارث بذلك المكان أخذ الجمل فنجا عليه، وإذا هو لا يساير من أمامه ولا يسبق من ورائه. فبلغ ذلك الأسود، فأخذ الأسود الأسديّ وناسا من قومه.
وبلغ ذلك الحارث بن ظالم فقال كأنه يهجوهم لئلا يتّهمهم الأسود:
أراني اللّه بالنّعم المندّى [2] ... ببرقة رحرحان وقد أراني
لحيّ الأنكدين وحيّ عبس ... وحيّ نعامة وبني غدان
لحوقه بمكة وانتماؤه إلى قريش:
قال: فلمّا بلغ قوله الأسود خلّى عنهم. ولحق الحارث بمكة وانتمى إلى قريش؛ وذلك قوله:
وما [3] قومي بثعلبة بن سعد ... ولا بفزارة الشّعر الرّقابا
وقومي إن سألت بنو لؤيّ ... بمكّة علّموا مضر الضّرابا
قال: فزوّده وحمله رواحة الجمحيّ على ناقة؛ فذلك قوله:
وهشّ رواحة الجمحيّ رحلي ... بناجية [4] ولم يطلب ثوابا
كأنّ الرّحل والأنساع منها ... وميثرتي [5] كسين أقبّ جابا
لحوقه بالشام عند ملك من غسان ومقتله:
- يروى «حشّ» و «هشّ» وهما لغتان. وحشّ سوّى - قال: فلحق الحارث بالشأم بملك من ملوك غسّان - يقال
__________
[1] في «ب، س»: «أربياء ذؤابة». وفي «الأصول المخطوطة»: «أرفياء». ولعله يريد أنه وجد كلا الفريقين أوفياء له لأنهم أجاروه، وهم سادة في قومهم. يقال فلان ذؤابة قومه وهم ذؤابة قومهم وذوائبهم إذا كانوا سادتهم وأشرافهم.
[2] كذا في «س» و «خزانة الأدب» (ج 1 ص 236)، وقد ورد هذا البيت فيها أول أبيات سنة منسوبة لمالك بن نويرة، وكذلك صححها المرحوم الأستاذ الشنقيطي في نسخته. وتندية الإبل: أن يوردها الرجل الماء حتى تشرب قليلا ثم يجيء حتى ترعى ساعة ثم يردها إلى الماء. وفي «سائر الأصول»: «المبدي» بالياء. يقال: أبديت الإبل وبديتها (بتشديد الدال) إذا أبرزتها إلى موضع الكلأ.
[3] في «الأصول»: فيما سيأتي (صفحة 125) و «ديوان المفضليات» (ص 619) و «الشواهد الكبرى» للعيني: «فما قومي» بالفاء.
والشعر: جمع أشعر؛ يقال رجل أشعر إذا كان كثير شعر الجسد. وقد استشهد النحويون بهذا البيت على نصب «الرقاب» بعد الصفة المشبهة على التشبيه بالمفعول به، أو أنه تمييز على مذهب من يجيز في التمييز أن يكون معرفة.
[4] الناجية: الناقة السريعة تنجو بمن ركبها.
[5] الأنساع: جمع نسع (بالكسر) وهو سير مضفور تشدّ به الرحال. والميثرة هنا: وطاء محشوّ يوضع على رحل البعير تحت الراكب.
والأقب: الضامر. والجاب (يهمز ولا يهمز): القوي الغليظ. يريد (كأن رحله وأدواته وضعت على عير وحشي أو ثور وحشي لقوّة الناقة التي رحل عليها وسرعتها.
[هو [1]] النّعمان، ويقال بل هو يزيد بن عمرو الغسّانيّ - فأجاره. وكانت للملك ناقة محمّاة في عنقها مدية وزناد وصرّة ملح، وإنما يختبر بذلك رعيّته هل يجترىء عليه أحد منهم. ومع الحارث امرأتان، فوحمت إحدى امرأتيه - قال أبو عبيدة: وأصابت الناس سنة شديدة - فطلبت الشّحم إليه. قال: ويحك! وأنّي لي بالشحم والودك! فألحت عليه، فعمد إلى الناقة فأدخلها بطن واد فلبّ في سبلتها [2] (أي طعن [3]). فأكلت امرأته ورفعت ما بقي من الشحم في عكّتها. قال: وفقدت الناقة فوجدت نحيرا لم يؤخذ منها إلّا السّنام، فأعلموا ذلك الملك، وخفي عليهم من فعله. فأرسل إلى الخمس التّغلبيّ - وكان كاهنا - فقال: من نحر الناقة؟ فذكر أنّ الحارث نحرها. فتذمّم [4] الملك وكذّب عنه. فقال: إن أردت أن تعلم علم ذلك فدسّ امرأة تطلب إلى امرأته شحما، ففعل. فدخل الحارث وقد أخرجت امرأته إليها شحما، فعرف [5] الداء فقتلها ودفنها في بيته. فلمّا فقدت المرأة قال الخمس: غالها ما غال الناقة، فإن كره الملك أن يفتّشه عن ذلك فليأمر بالرحيل، فإذا ارتحل بحث بيته، ففعل. واستثار الخمس مكان بيته؛ فوثب عليه الحارث فقتله؛ فأخذ الحارث فحبس. فاستسقى ماء فأتاه رجل بماء فقال: أتشرب؟ فأنشأ الحارث يقول:
/لقد قال لي عند المجاهد [6] صاحبي ... وقد حيل دون العيش [7] هل أنت شارب
وددت بأطراف البنان لو انّني ... بدى أرونى ترمي ورائي الثّعالب
/ - الثعالب: من مرّة وهم رماة. أرونى: مكان. وقال مرّة أخرى: الثعالب بنو ثعلبة. يقول: كانوا يرمون عنّي ويقومون بأمري - قال: فأمر الملك بقتله. فقال: إنك قد أجرتني فلا تغدرني [8]. فقال: لا ضير! إن غدرت بك مرّة فقد غدرت بي مرارا. فأمر مالك بن الخمس التغلبيّ أن يقتله بأبيه. فقال: يا بن شرّ الأظماء أنت تقتلني! فقتله. وقال ابن الكلبيّ: لمّا قام ابن الخمس إلى الحارث ليقتله قال: من أنت؟ قال: ابن الخمس. قال: أنت ابن شرّ الأظماء. قال: وأنت ابن شرّ الأسماء؛ فقتله فقال رجل من ضريّ [9] - وهم حيّ من جرهم - يرثي الحارث بن ظالم:
يا حار حنّيّا [10] ... حرّا قطاميّا
ما كنت ترعيّا [11] ... في البيت ضجعيّا
__________
[1] زيادة وضعها الشنقيطي، وهي ضرورية.
[2] سبلة البعير هنا: ثغرة نحره.
[3] يقال: لب البعير إذا ضربه في لبته أي طعنه في منحره.
[4] تذمم: استنكف.
[5] في «ب، س»: «فعرف الرأي».
[6] المجاهد: الشدائد.
[7] كذا في «ج». وفي «سائر الأصول»: «دون الميش». والميش: الخلط، كخلط الشعر بالصوف، والصدق بالكذب، والهزل بالجد، واللبن الحلو باللبن الحامض، وهو لا يتفق مع السياق هنا.
[8] يقال غدره، وغدر به.
[9] في «أ، م»: «من فرس». ولم نجد هاتين الكلمتين في أسماء القبائل.
[10] كذا في «الأصول». ولعل حنيا: منسوب إلى الحن (بكسر الحاء) وهو حيّ أو ضرب من الجن. والقطامي (قيس يفتحون القاف وسائر العرب يضمون): الصقر، ويستعمل في غير الصقر على التشبيه به.
[11] الترعي ومثله الترعية (بكسر التاء وضمها وتشديد الياء): الذي يجيد رعية الإبل؛ لأنه يحسن الالتماس والارتياد للكلأ، وهذا من -
أدعى [1] لباخيّا [2] ... مملّأ عيّا
وأخذ ابن الخمس سيف الحارث بن ظالم المعلوب، فأتى به سوق عكاظ في الحرم، فجعل يعرضه على البيع ويقول: هذا سيف الحارث بن ظالم. فاسترآه إيّاه [3] قيس بن زهير بن جذيمة فأراه إيّاه، فعلاه به حتى قتله في الحرم. فقال قيس بن زهير [4] يرثي الحارث بن ظالم:
/ما قصرت [5] من حاضن ستر بيتها ... أبرّ وأوفى منك حار بن ظالم
أعزّ وأحمى [6] عند جار وذمّة ... وأضرب في كاب من النّقع قاتم
هذه رواية أبي عبيدة والبصريّين. وأمّا الكوفيون فإنهم يذكرون أنّ النّعمان بن المنذر هو الذي قتله. أخبرني بذلك عليّ بن سليمان الأخفش قال حدّثنا أبو سعيد عن محمد بن حبيب عن ابن الأعرابيّ عن المفضّل قال:
لمّا هرب الحارث إلى مكة أسف النّعمان بن المنذر على فوته إيّاه، فلطف [7] له وراسله وأعطاه الأمان، وأشهد على نفسه وجوه العرب من ربيعة ومضر واليمن أنه لا يطلبه بذحل ولا يسوءه في حال، وأرسل به مع جماعة ليسكن الحارث إليهم، وأمرهم أن يتكفلوا له بالوفاء ويضمنوا له عنه أنه لا يهجيه، ففعلوا ذلك. وسكن إليه الحارث، فأتى النعمان وهو في قصر بني مقاتل، فقال للحاجب: استأذن لي، والناس يومئذ عند النعمان متوافرون، فاستأذن له، فقال النعمان: ائذن له وخذ سيفه. فقال له: ضع سيفك وادخل. فقال الحارث: ولم أضعه؟ قال:
ضعه، فلا بأس عليك. فلمّا ألحّ عليه وضعه ودخل ومعه الأمان. فلمّا دخل قال: انعم صباحا أبيت اللّعن. قال: لا أنعم اللّه صباحك!. فقال الحارث: هذا كتابك!. قال النّعمان: كتابي واللّه ما أنكره، أنا كتبته لك، وقد غدرت وفتكت مرارا، فلا ضير أن غدرت بك مرّة. ثم نادى: من يقتل هذا؟ فقام ابن الخمس التغلبيّ - وكان الحارث فتك بأبيه - فقال: أنا أقتله. وذكر باقي الخبر في قصّته مع ابن الخمس [مثل] ما ذكره أبو عبيدة.
__________
- عمل أصاغر الناس لا السادة والأشراف. والضجعي بكسر (الضاد وضمها): الذي يلزم البيت لا يكاد يبرح منزله ولا ينهض لمكرمة.
[1] لعلها «تدعى» لأن الظاهر أنه خطاب للحارث.
[2] لباخي: ضخم كثير اللحم.
[3] استرآه إياه: طلب إليه أن يريه إياه. وفي «الأصول»: «فاشتراه» وهو تصحيف.
[4] كذا في «س». وفي «سائر الأصول»: «قيس بن زحك».
[5] قصر الستر: أرخاه. ولعل نصب «أبر» على حذف الجار؛ أي ما أرخت حاضن ستر بيتها على أبر وأوفى منك ... إلخ.
[6] في «أ، م»: «و أوفى».
[7] في «أساس البلاغة» أنه يقال في المدينة «ألطف له في القول».
9 - خبر الحارث وعمرو بن الإطنابة
وإنما ذكرها هنا لاتّصاله بمقتل خالد بن جعفر، ولأنّ فيما تناقضاه من الأشعار أغاني/ صالح ذكرها في هذا الموضع.
عضب عمرو بن الإطنابة على الحارث لقتله خالدا وشعره في ذلك:
قال أبو عبيدة: كان عمرو بن الإطنابة الخزرجيّ ملك الحجاز، ولمّا بلغه قتل الحارث بن ظالم خالد بن جعفر، وكان خالد مصافيا له، غضب لذلك غضبا شديدا، وقال: واللّه لو لقي الحارث خالدا وهو يقظان لما نظر إليه، ولكنه قتله نائما، ولو أتاني لعرف قدره؛ ثم دعا بشرابه ووضع التاج على رأسه وعلى بقيانه، فتغنّين له:
علّلاني وعلّلا صاحبيّا ... واسقياني من المروّق [1] ريّا
إنّ فينا القيان يعزفن بالدّفّ ... لفتياننا وعيشا رخيّا [2]
يتبارين في النّعيم ويصبب ... ن خلال القرون مسكا ذكيّا
إنّما همّهنّ أن يتحلّي ... ن سموطا وسنبلا فارسيّا
من سموط المرجان فضّل بالشّذ ... ر فأحسن بجليهنّ حليّا
وفتى يضرب الكتيبة بالسّي ... ف إذا كانت السيوف عصيّا
إنّنا لا نسرّ في غير نجد ... إنّ فينا بها فتى خزرجيّا
يدفع الضّيم والظّلامة عنها ... فتجافي عنه لنا يامنيّا
أبلغ الحارث بن ظالم الرّع ... ديد والناذر النّذور عليّا
أنما يقتل [3] النّيام ولا يق ... تل يقظان ذا سلاح كميّا [4]
/و معي شكّتي [5] معابل كالجم ... ر وأعددت صارما مشرفيّا
لو هبطت البلاد أنسيتك القت ... ل كما ينسىء النّسيء النّسيا [6]
__________
[1] المروق من الشراب: المصفى.
[2] العيش الرخي: الناعم.
[3] في «كتاب سيبويه»: «أنما تقتل ...... » بتاء الخطاب.
[4] الكميّ: الشجاع المتكمي في سلاحه، لأنه كمى نفسه أي سترها بالدرع والبيضة، والجمع كماة، كأنهم جمعوا كاميا مثل قاض وقضاة.
[5] في «ج»: «و معي شكمتي». وفي «سائر الأصول»: «و معي مشتكي معابل ... ». والشكة: السلاح. والمعابل: جمع معبلة (بكسر الميم) وهي نصل طويل عريض. والمشرفي من السيوف: المنسوب إلى المشارف، وهي قرى من أرض اليمن، وقيل من بلاد العرب تدنو من الريف.
[6] كذا ورد هذا البيت.
مسير الحارث إلى عمرو وانخذال عمرو عنه وشعر الحارث في ذلك:
قال: فلمّا بلغ الحارث شعره هذا ازداد حنقا وغيظا، فسار حتى أتى ديار بني الخزرج، ثم دنا من قبّة عمرو بن الإطنابة، ثم نادى: أيّها الملك أغثني فإني جار مكثور [1] وخذ سلاحك، فأجابه وخرج معه. حتى برز له عطف عليه الحارث وقال: أنا أبو ليلى! فاعتركا مليّا من اللّيل. وخشي عمرو أن يقتله الحارث فقال له: يا حار، إني شيخ كبير وإنّي تعتريني سنة، فهل لك في تأخير هذا الأمر إلى غد؟ فقال: هيهات! ومن لي به في غد! فتجاولا ساعة، ثم ألقى عمرو الرّمح من يده وقال: يا حار ألم أخبرك أنّ النّعاس قد يغلبني! قد سقط رمحي فاكفف، فكفّ. قال: أنظرني إلى غد. قال: لا أفعل. قال: فدعني آخذ رمحي. قال: خذه. قال: أخشى أن تعجلني عنه أو تفتك بي إذا أردت أخذه. قال: وذمّة ظالم لا أعجلتك ولا قاتلتك ولا فتكت بك حتى تأخذه. قال: وذمّة الإطنابة لا آخذه ولا أقاتلك. فانصرف الحارث إلى قومه وقال مجيبا له:
اعزفا لي بلذّة قينتيّا ... قبل أن يبكر المنون عليّا
قبل أن يبكر العواذل إنّي ... كنت قدما لأمرهنّ عصيّا
ما أبالي أراشد فاصبحاني ... حسبتني عواذلي أم غويّا
بعد ألّا أصرّ للّه إثما ... في حياتي ولا أخون صفيّا
/ من سلاف كأنها دم ظبي [2] ... في زجاج تخاله رازقيّا [3]
/بلغتنا مقالة المرء عمرو ... فأنفنا وكان ذاك بديّا
قد هممنا بقتله إذا برزنا ... ولقيناه ذا سلاح كميّا
غير ما نائم تعلّل بالحل ... م معدّا بكفّه مشرفيّا
فمننّا عليه بعد علوّ ... بوفاء وكنت قدما وفيّا
ورجعنا بالصّفح عنه وكان ال ... منّ منا عليه بعد تليّا
نسبة ما في هذا الخبر من الأغاني
(منها في شعر عمرو بن الإطنابة:)
صوت
الغناء في شعر عمرو والحارث:
علّلاني صاحبيّا ... واسقياني من المروّق ربّا
إنّ فينا القيان يعزفن بالدفّ ... لفتياننا وعيشا رخيّا
__________
[1] مكثور: كثر أعداؤه أي غلبوه بكثرتهم.
[2] يصف الخمر بطيب الريح، فشبهها بدم الظبي وهو المسك؛ فإن المسك من دماء الظباء.
[3] الرازقي: الكتان أو ثياب بيض تتخذ منه، والرازقي أيضا: ضرب من عنب الطائف أبيض طويل الحب.
غنّته عزّة الميلاء من رواية حمّاد عن أبيه خفيف رمل بالوسطى. قال حمّاد أخبرني أبي قال بلغني أنّ معبدا قال:
دخلت على جميلة وعندها عزّة الميلاء تغنّيها لحنها في شعر عمرو بن الإطنابة الخزرجيّ:
علّلاني وعللا صاحبيّا
على معزفة [1] لها وقد أسنّت، فما سمعت قطّ مثلها وذهبت بعقلي وفتنتني، فقلت: هذا وهي كبيرة مسنّة! فكيف بها لو أدركتها وهي شابّة! وجعلت أعجب منها.
/ ومنها في شعر الحارث بن ظالم:
صوت
ما أبالي إذا اصطبحت ثلاثا ... أرشيدا حسبتني أم غويّا
من سلاف كأنها دم ظبي ... في زجاج تخاله رازقيّا
غنّاه فليح بن أبي العوراء رملا بالبنصر عن عمرو بن بانة. وغنّاه ابن محرز خفيف ثقيل أوّل بالخنصر من رواية حبش.
ومنها:
صوت
بلغتنا مقالة المرء عمرو ... فأنفنا وكان ذاك بديّا
قد هممنا بقتله إذا برزنا ... ولقيناه ذا سلاح كميّا
غنّاه مالك خفيف رمل بالبنصر من رواية حبش، وذكر إسحاق في مجرّده أنّ الغناء في هذين البيتين ليونس الكاتب، ولم ينسب الطريقة ولا جنّسها.
ونذكر هاهنا خبر رحرحان ويوم قتله إذ كان مقتل الحارث وخبره خبرهما
يوم رحرحان الثاني والسبب فيه:
أخبرني عليّ بن سليمان ومحمد بن العبّاس اليزيديّ في كتاب النقائض قالا قال أبو سعيد الحسن بن الحسين السّكّريّ عن محمد بن حبيب عن أبي عبيدة قال:
كان من خبر رحرحان [2] الثاني أنّ الحارث بن ظالم المرّيّ لمّا قتل خالد بن جعفر بن كلاب غدرا عند النّعمان بن المنذر بالحيرة هرب فأتى زرارة بن عدس فكان/ عنده، وكان قوم الحارث قد تشاءموا به فلاموه، وكره أن يكون لقومه زعم عليه و - الزعم المنّة - فلم يزل في بني تميم عند زرارة/ حتى لحق بقريش. وكان يقال [3]: إنّ
__________
[1] المعزفة: آلة العزف. وفي «الأصول»: «معرفة» بالراء المهملة وهو تصحيف.
[2] يوم رحرحان الأوّل كان بين دارم وعامر بن صعصعة. (راجع الحاشية رقم 1 ص 21 ج 5 من هذه الطبعة من «الأغاني»).
[3] عبارة «النقائض»: «و كان يقال إن مرة بن عوف بن سعد بن ذبيان هو مرة بن كعب بن لؤي بن غالب، وهو قول الحارث بن ظالم حين انتهى إلى قريش. رفعت السيف ... إلخ».
مرّة بن عوف من لؤيّ بن غالب، وهو قول الحارث بن ظالم ينتمي إلى قريش:
رفعت السّيف إذ قالوا قريش ... وبيّنت الشّمائل والقبابا [1]
فما قومي بثعلبة بن سعد ... ولا بفزارة الشّعر الرّقابا
وأتاهم لذلك النّسب، فكان عند عبد اللّه بن جدعان. فخرجت بنو عامر إلى الحارث بن ظالم حيث لجأ إلى زرارة وعليهم الأحوص بن جعفر، فأصابوا امرأة من بني تميم وجدوها تحتطب، وكان [في [2]] رأس الخيل التي خرجت في طلب الحارث بن ظالم شريج بن الأحوص، وأصابوا غلمانا يجتنون الكمأة. وكان الذي أصاب تلك المرأة رجلا من غنيّ، فأرادت بنو عامر أخذها منه، فقال الأحوص: لا تأخذوا أخيذة خالي. وكانت [3] أمّ جعفر (يعني أبا الأحوص) * خبيّة بنت رياح [الغنويّ [2]] وهي إحدى المنجبات. ويقال: أتى شريج بن/ الأحوص بتلك المرأة [إليه [3]]، فسألها عن بني تميم، فأخبرتهم أنهم لحقوا [بقومهم [4]] حين بلغهم مجيئكم. فدفعها الأحوص إلى الغنويّ فقال: اعفجها [5] الليلة واحذر أن تنفلت. فوطئها الغنويّ ثم نام، فذهبت على وجهها. فلمّا أصبح دعوا بها فوجدوها قد ذهبت. فسألوه عنها فقال: هذا حري رطبا من زبّها. وكانت المرأة يقال لها حنظلة [6]، وهي بنت أخي زرارة بن عدس. فأتت قومها، فسألها عمّها زرارة عمّا رأت، فلم تستطع أن تنطق. فقال بعضهم: اسقوها ماء حارّا فإن قلبها قد برد من الفرق، ففعلوا وتركوها حتى اطمأنّت. فقالت: يا عمّ! أخذني القوم أمس وهم فيما أرى يريدونكم، فاحذر أنت وقومك. فقال: لا بأس عليك يا بنت أخي، فلا تذعري قومك ولا تروعيهم، وأخبريني ما هيئة [القوم وما [4]] نعتهم. قالت: أخذني قوم يقبلون بوجوه الظّباء، ويدبرون بأعجاز النّساء. قال زرارة: أولئك بنو عامر، فمن رأيت فيهم؟ قالت: رأيت رجلا قد سقط حاجباه على عينيه فهو يرفع حاجبيه، صغير العينين، عن أمره يصدرون. قال: ذاك الأحوص بن جعفر. قالت: ورأيت رجلا قليل المنطق، إذا تكلّم اجتمع القوم لمنطقه كما تجتمع الإبل لفحلها، وهو من أحسن الناس وجها، ومعه ابنان له لا يدبر أبدا إلّا وهما يتبعانه، ولا يقبل إلّا وهما بين يديه. قال: ذلك مالك بن جعفر، وابناه عامر وطفيل. قالت: ورأيت رجلا أبيض هلقامة جسيما - والهلقامة الأفوه [7] - وقال: ذلك ربيعة بن عبد اللّه بن أبي بكر بن كلاب. [قالت: ورأيت رجلا أسود أخنس قصيرا، إذا تكلّم عذم [8] القوم عذم المنخوس. قال: ذلك ربيعة بن قرط بن عبد بن أبي بكر بن كلاب [4]]./قالت: ورأيت رجلا صغير العينين، أقرن الحاجبين، كثير شعر السّبلة، يسيل لعابه على لحيته إذا تكلّم. قال: ذلك حندج بن البكّاء. قالت:
__________
[1] كذا في «ديوان المفضليات» و «النقائض». وفي «الأصول»: «و العتابا» ما عدا «ج» فإن الإعجام فيها غير واضح. يقول: أظهرت لهم ما تجن صدورنا وتشتمل عليه أحشاؤنا من الود المكنون. ومعنى رفعت السيف: أريت الناس وقال الخلاف بيننا وأن آلة الحرب موضوعة فينا مستغنى عنها. (عن هامش «المفضليات» طبع مطبعة الآباء اليسوعيين ببيروت سنة 1920 م نقلا عن شرح المرزوقي لل «مفضليات» نسخة برلين). ورواية «المفضليات»: «رفعت الرمح ... وشبهت ... ».
[2] الزيادة من «النقائض» (طبعة أوربا صفحة 1061).
[3] وردت هذه العبارة في «الأصول» هكذا: «و كانت أم جعفر خبية يعني أبا الأحوص بنت رياح». وظاهر أن النساخ قد وضعوا «خبية» في غير موضعها. وعبارة «النقائض»: «و كانت أم بني جعفر خبية بنت رياح الغنوي ... ».
[4] التكملة من «النقائض».
[5] كذا في «ج». والعفج: الجماع. وفي «سائر الأصول»: «اعجفها» وهو تحريف. وفي «النقائض»: «اكفتها» أي ضمها إليك.
[6] في «النقائض» «حنطة».
[7] الأفوه: العظيم الفم.
[8] أصل العذم: العض، والمراد هنا اللوم.
ورأيت رجلا صغير العينين، ضيّق الجبهة طويلا يقود فرسا له، معه جفير لا يجاوز يده. قال: ذلك ربيعة بن عقيل.
قالت: ورأيت رجلا آدم، معه ابنان له حسنا الوجه أصهبان، إذا أقبلا نظر القوم إليهما [حتى ينتهيا، وإذا أدبرا نظروا إليهما [1]]. قال: ذلك عمرو بن خويلد بن نفيل بن عمرو بن كلاب، وابناه يزيد وزرعة. ويقال قالت: ورأيت فيهم رجلين أحمرين جسيمين ذوي غدائر لا يفترقان في ممشى ولا مجلس، فإذا أدبرا اتّبعهما القوم بأبصارهم، وإذا أقبلا لم يزالوا ينظرون إليهما حتى يجلسا. قال: ذانك خويلد وخالد/ ابنا نفيل. قالت: ورأيت رجلا آدم جسيما كأنّ رأسه مجزّ [2] غضورة - والغضورة: حشيش دقاق خشن قائم يكون بمكة. تريد أنّ شعره قائم خشن كأنه حشيش قد جزّ - . قال: ذلك عوف بن الأحوص. قالت: ورأيت رجلا كأنّ شعر فخذيه حلق الدّروع. قال: ذلك شريح بن الأحوص. قالت: ورأيت رجلا أسمر [3] طويلا يجول في القوم كأنه غريب. [قال: ذلك عبد اللّه بن جعدة. ويقال قالت: ورأيت رجلا كثير شعر الرأس، صخّابا لا يدع طائفة من القوم إلّا أصخبها [1]]. قال: ذلك عبد اللّه بن جعدة ابن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة.
أسر معبد بن زرارة ومقتله:
فسارت بنو عامر نحوهم، والتقوا برحرحان، وأسر يومئذ معبد بن زرارة، أسره عامر بن مالك، واشترك في أسره طفيل بن مالك ورحل من غنيّ يقال له أبو عميلة وهو عصمة بن وهب وكان أخا طفيل بن مالك من الرّضاعة.
وكان معبد/ بن زرارة [رجلا كثير المال. فوفد لقيط بن زرارة [4]] على عامر بن مالك في الشهر الحرام. وهو رجب، وكانت مضر تدعوه الأصمّ؛ لأنهم كانوا لا يتنادون فيه يا لفلان ويا لفلان، ولا يتغازون ولا يتنادون فيه بالشّعارات [5]، وهو أيضا منصل الألّ. والألّ: الأسنّة؛ كانوا إذا دخل رجب أنصلوا [6]، الأسنّة من الرّماح حتى يخرج الشهر. وسأل لقيط عامرا أن يطلق أخاه. فقال: أمّا حصّتي فقد وهبتها لك، ولكن أرض أخي وحليفي اللّذين اشتركا فيه. فجعل لقيط لكلّ واحد مائة من الإبل، فرضيا وأتيا عامرا فأخبراه. فقال عامر للقيط: دونك أخاك، فأطلق عنه. فلمّا أطلق فكّر لقيط في نفسه فقال: أعطيهم مائتي بعير ثم تكون لهم النعمة عليّ بعد ذلك! لا واللّه لا أفعل ذلك! ورجع إلى عامر فقال: إنّ أبي زرارة نهاني أن أزيد على مائة دية مضر، فإن أنتم رضيتم أعطيتكم مائة من الإبل. فقالوا: لا حاجة لنا في ذلك؛ فانصرف لقيط. فقال له معبد: مالي يخرجني من أيديهم. فأبى ذلك عليه فقال: إذا يقتسم العرب بني زرارة. فقال معبد لعامر بن مالك: يا عامر! أنشدك اللّه لمّا خلّيت سبيلي، فإنما يريد ابن الحمراء أن يأكل كلّ مالي - ولم تكن أمّه أمّ لقيط - . فقال له عامر: أبعدك اللّه! إن لم يشفق عليك أخوك فأنا أحقّ ألّا أشفق عليك. فعمدوا إلى معبد فشدّوا عليه القدّ وبعثوا به إلى الطائف، فلم يزل به حتى مات. فذلك قول شريح بن الأحوص:
__________
[1] التكملة من «النقائض».
[2] في «الأصول»: «مجن غضورة». والتصويب من «النقائض».
[3] في «النقائض»: «أشم طويلا».
[4] في «الأصول»: «و كان معبد بن زرارة أغار على عامر بن مالك ... ». والتكملة والتصويب من «النقائض».
[5] كذا في «ح» و «النقائض». وشعار القوم: علامتهم واصطلاحهم الذي يتنادون به في الحرب. وكان شعار أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم في غزوهم: «يا منصور أمت أمت». وفي «سائر الأصول»: «بالثارات».
[6] أنصل السنان من الرمح: أزاله عنه.
لقيط وأنت امرؤ ماجد ... ولكنّ حلمك لا يهتدي
/ ولمّا أمنت وساغ الشّرا ... ب واحتلّ بيتك في ثهمد [1]
رفعت برجليك فوق الفرا ... ش تهدي القصائد في معبد
وأسلمته عند جدّ القتال ... وتبخل بالمال أن تفتدي [2]
شعر لعوف بن عطية يعير لقيطا:
وقال في ذلك عوف بن عطيّة بن الخرع [3] التّيميّ يعيّر بن زرارة:
هلّا فوارس رحرحان هجوتهم ... عشرا تناوح في سرارة واد [4]
لا تأكل الإبل الغراث نباته ... ما إن يقوم عماده بعماد [5]
هلّا كررت على أخيّك [6] معبد ... والعامريّ يقوده بصفاد
وذكرت من لبن المحلّق شربة ... والخيل تعدو بالصّفاح بداد
- بداد [7]: متفرقة. والصّفاح: موضع. والمحلّق: موسومة بحلق على وجوهها. يقول ذكرت/ لبنها، يعني إبله -
لو كنت إذ لا تستطيع [8] فديته ... بهجان أدم طارف وتلاد
/ لكن تركته في عميق قعرها ... جزرا لخامعة [9] وطير عواد
لو كنت مستحيا [10] لعرضك مرّة ... قاتلت أو لفديت بالأذواد [11]
وفيها يقول نابغة بني جعدة:
__________
[1] ثهمد: جبل أحمر فارد بديار غنيّ.
[2] في «الأصول»: «يفتدي» بالمثناة من تحت. والتصويب من «النقائض».
[3] في «الأصول»: «الجزع» بجيم وزاي معجمة وهو تصحيف.
[4] العشر: من العضاة، وهو من كبار الشجر وله صمغ حلو، وهو عريض الورق، ينبت صعدا في السماء. وتناوح: تتقابل. وسرارة الوادي: وسطه وهي أفضل موضع فيه. يهجو فوارس رحرحان وهم قوم لقيط بن زرارة بأنهم لهم مظهر وليس لهم مخبر مثل عشر سرارة الوادي.
[5] أي هو أضعف العماد. والغراث: الجياع. يصف في هذا البيت الشجر الذي ذكره بأنه كريه وضعيف. ويروى: «إذ لا يقوم» و «أو لا يقوم». («النقائض» صفحة 228).
[6] كررت: رجعت. ويروى: «على ابن أمك». قال أبو عبيدة: «و ليست أمهما واحدة ولكن لهما أمهات تجمعهما فوق ذلك».
[7] كلمة «بداد» مبنية على الكسر.
[8] كذا في «ج» و «النقائض». وفي «سائر الأصول»: «يستطيع» بياء مثناة من تحت.
[9] الخامعة: الضبع، لأنها تخمع (تعرج) إذا مشت. ورواية «النقائض» و «خزانة الأدب»: «لجيألة». وجيألة (و مثلها جيأل): اسم علم للضيع.
[10] مستحيا: مستبقيا، وهو وصف من «استحى» لغة في «استحيا».
[11] الذود: القطيع من الإبل، ولا يكون إلا من الإناث. واختلف في مقدار الذود، فقيل من ثلاث إلى تسع، وقيل من ثلاث إلى خمس عشرة، وقيل فيه غير ذلك.
هلّا سألت بيومي رحرحان وقد ... ظنّت هوازن أنّ العزّ قد [1] زالا
مما قاله الشعراء في وقعة رحرحان:
وفيها يقول مقدام أخو [بني [2]] عدس بن زيد [3] في الإسلام، وقتلت بنو طهيّة ابنا للقعقاع بن معبد، فتوادوا [4] فأخذت بنو طهيّة منهم الفضل:
وأنتم بنو ماء السماء زعمتم ... ومات أبوكم يا بني معبد هزلا
وقال المخبّل السّعديّ يذكر معبدا:
فإن تك نالتنا كليب بقرّة ... فيومك فيهم بالمصيفة أبرد
هم قتلوا يوم المصيفة مالكا ... وشاط [5] بأيديهم لقيط ومعبد
وفيها يقول عياض بن مرثد بن أسيد بن قريط بن لبيد في الإسلام:
نحن أسرنا معبدا يوم معبد ... فما افتكّ حتّى مات من شدّة الأسر
ونحن قتلنا بالصّفا بعد معبد ... أخاه بأطراف الرّدينيّة السّمر
/*
وهذا يوم شعب جبلة:
السبب في يوم جبلة:
قال أبو عبيدة: وأمّا يوم جبلة، وكان من عظام أيّام العرب؛ وكان عظام أيّام العرب ثلاثة [6]: يوم كلاب [7]
__________
[1] في «ج»: «العر» بمهملتين. وفي «سائر الأصول»: «القر» والتصويب من «الأغاني» (ج 5 ص 15 من هذه الطبعة). وفي «النقائض»: «أن ألغى».
[2] الزيادة عن «النقائض».
[3] في «أكثر الأصول»: «ابن يزيد» والتصويب عن «ج» و «النقائض».
[4] في «الأصول»: «فتنادوا فأجابت». والتصويب عن «النقائض». وتوادوا أي دفع كل من الفريقين ديات قتلى الآخر.
[5] شاط هنا: هلك.
[6] كانت هذه الأيام كذلك لكثرة من كان فيها من المقاتلين.
[7] كذا في «الأصول». وعبارة «النقائض»: «و كانت عظام أيام العرب ثلاثة أيام يوم الكلاب، ويوم ذي قار لربيعة، ويوم جبلة».
والكلاب: ماء لبني تميم بين الكوفة والبصرة، بين أدناه وأقصاره مسيرة يوم، أعلاه مما يلي اليمن وأسفله مما يلي العراق. وللعرب في الكلاب يومان عظيمان: الأوّل كان بين شرحبيل وسلمة ابني الحارث بن عمرو المقصور بن حجر آكل المرار، وهو جد امرىء القيس الشاعر. وذلك أن الحارث كان قد فرق أولاده ملوكا على القبائل. فلما مات تفاسد ما بين القبائل، فوقعت حرب بين ابنه شرحبيل ومعه بكر والرباب وبنو يربوع، وابنه سلمة ومعه تغلب والنمر وبهراء، فقتل شرحبيل يومئذ وانهزمت شيعته.
وأما يوم الكلاب الثاني فإن بني تميم كانوا أغاروا على لطيمة (عير تحمل طيبا) لكسرى؛ فأوقع بهم كسرى بهجر حتى وهنوا؛ ويقال لهذا اليوم يوم الصفقة. فخشيت تميم أن تغير عليهم القبائل لما صاروا إليه من ضعف، فتشاوروا فيما بينهم فرأوا أن يلتجئوا إلى الكلاب ليستجموا فيه، وهم آمنون أن تقطع إليهم الصحاري التي دونه إذ كان الوقت قيظا. فرآهم في هذا المكان من دل بني الحارث بن عبد المدان عليهم، فجمعوا لهم، فكان بينهم ذلك اليوم المشهور الذي انتصرت فيه تميم على المغيرين عليها. وفي هذا اليوم أسر عبد يغوث ثم قتل، وقال في أسره قصيدته التي مطلعها:
أيا راكبا إما عرضت فبلغن ... نداماي من نجران أن لا تلاقيا
ربيعة، ويوم جبلة، ويوم ذي [1] قار. وكان الذي هاج ويوم جبلة أنّ بني عبس بن بغيض حين [2] خرجوا هاربين من بني ذبيان بن بغيض وحاربوا/ قومهم خرجوا متلدّدين [3]. فقال الربيع بن زياد العبسيّ: أما واللّه لأرمينّ العرب بحجرها، اقصدوا لبني [4] عامر؛ فخرج حتى نزل مضيقا من وادي بني عامر ثم قال: امكثوا. فخرج ربيع وعامر [5] ابنا زيد والحارث بن خليف [6] حتى نزلوا على ربيعة بن شكل بن كعب بن الحريش [7]، وكان العقد من بني عامر إلى [بني [8]] كعب بن ربيعة [و كانت الرياسة في بني كلاب بن ربيعة [9]]. فقال ربيعة بن شكل: يا بني عبس، شأنكم [10] جليل، وذحلكم الذي يطلب منكم عظيم، وأنا أعلم واللّه أنّ هذه الحرب أعزّ حرب [11] حاربتها العرب قطّ. ولا واللّه ما بدّ من بني كلاب، فأمهلوني حتى أستطلع طلع قومي. فخرج في قوم من بني كعب حتى جاءوا بني كلاب، فلقيهم عوف بن الأحوص فقال: يا قوم، أطيعوني في هذا الطّرف من غطفان، فاقتلوهم [12] واغنموهم لا تفلح غطفان بعده أبدا. وو اللّه إن تزيدون على أن تسمّنوهم وتمنعوهم ثم يصيروا لقومكم أعداء. فأبوا عليه، وانقلبوا حتى نزلوا على الأحوص بن جعفر فذكروا له من أمرهم [13]. فقال لربيعة بن شكل: أظلّلتهم ظلّك وأطعمتهم طعامك؟ قال نعم. قال: قد واللّه أجرت القوم!. فأنزلوا القوم وسطهم/ بحبوحة دارهم.
وذكر بشر بن عبد اللّه بن حيّان الكلابيّ أنّ عبسا لمّا حاربت قومها أتوا بني عامر وأرادوا عبد اللّه بن جعدة وابن الحريش ليصيروا حلفاءهم دون كلاب؛ فأتى قيس بن زهير وأقبل نحو بني جعفر هو والربيع بن زياد حتى انتهيا إلى الأحوص/ [جالسا قدام بيته [14]]. فقال قيس للربيع: إنه لا حلف ولا ثقة دون أن أنتهي إلى هذا الشيخ. فتقدّم إليه قيس فأخذ بمجامع ثوبه من وراء فقال: هذا مقام العائذ بك! قتلتم أبي فما أخذت له عقلا ولا قتلت به أحدا، وقد أتيتك لتجيرنا. فقال الأحوص: نعم! أنا لك جار مما أجير منه نفسي، وعوف بن الأحوص عن ذلك غائب. فلما سمع عوف بذلك أتى الأحوص وعنده بنو جعفر فقال: يا معشر بين جعفر، أطيعوني اليوم واعصوني أبدا، وإن كنت
__________
[1] ذو قار: واد متاخم لسواد العراق. ويوم ذي قار المعدود من عظام أيام العرب كان بين قبائل بكر بن وائل من العرب وكسرى ملك الفرس. وسببه أن النعمان بن المنذر لما قتل عدي بن زيد دس له ابنه زيد عند كسرى (راجع تفصيل كل هذا في ترجمة عدي بن زيد في «الأغاني» ج 2 ص 97 من هذه الطبعة) فطلب كسرى النعمان، فخشيه واستودع حريمه وأمواله وسلاحه عند هانىء بن قبيصة بن هانىء بن مسعود، ثم ذهب إلى كسرى فقتله، ثم طالب كسرى هانيء بن قبيصة بوادئعه فامتنع، فكان ذلك سبب يوم ذي قار المشهور بين قبائل بكر من العرب والفرس وكان الظفر فيه للعرب.
[2] في «الأصول»: «حيث» والتصويب من «النقائض».
[3] التلدد: التلفت يمينا وشمالا تحيرا.
[4] في «ب، س»: «بني عامر».
[5] في «النقائض»: «عمارة» بدل «عامر».
[6] كذا في «ح» و «النقائض». وفي «سائر الأصول»: «خلف».
[7] في «الأصول»: «الحارث» والتصويب من «النقائض» و «القاموس» وشرحه (في مادة حرش). وسيأتي كذلك في «الأصول» بعد أسطر.
[8] الزيادة من «النقائض».
[9] كذا في «ح» و «النقائض». وفي «سائر الأصول»: «شانئكم» وهو تحريف.
[10] كذا في «ح» و «النقائض». وفي «سائر الأصول»: «أعز حرب ما حاربتها العرب قط».
[11] في «الأصول»: «حتى جازوا». والتصويب من «النقائض».
[12] كذا في «النقائض» وفي «الأصول»: «فاقطعوهم».
[13] في «ح»: «فذكروا له ما أمرهم».
[14] ما بين المربعين ورد في «الأصول» مكانه: «قد لم ينته» فألصق النساخ الألف بالميم وصحفوا «بيته». والتصويب من «النقائض».
واللّه فيكم معصيّا. إنّهم واللّه لو لقوا بني ذبيان لولّوكم أطراف الأسنّة إذا نكهوا في أفواههم بكلام!. فابدءوا بهم فاقتلوهم واجعلوهم مثل البرغوث دماغه [في [1]] دمه. فأبوا عليه وحالفوهم. فقال: واللّه [2] لا أدخل في هذا الحلف!. قال: وسمعت بهم حيث قرّ قرارهم بنو ذبيان، فحشدوا واستعدّوا وخرجوا وعليهم حصن بن حذيفة بن بدر ومعه الحليفان أسد وذبيان يطلبون بدم حذيفة، وأقبل معهم شرحبيل [3] بن أخضر بن الجون - والجون هو معاوية؛ سمي بذلك لشدّة سواده - ابن آكل المرار الكنديّ في جمع من كندة، وأقبلت بنو حنظلة بن مالك والرّباب عليهم [لقيط بن زرارة [2]] يطلبون بدم معبد بن زرارة ويثربيّ بن عدس، وأقبل معهم حسّان [4] بن عمرو بن الجون في جمع عظيم من كندة وغيرهم، فأقبلوا إليهم [5] بوضائع [6] كانت تكون بالحيرة مع الملوك وهم الرابطة. وكان في الرّباب رجل من أشرافهم يقال له النّعمان بن قهوس التّيميّ، وكان معه لواء من سار إلى جبلة، وكان من فرسان العرب. وله تقول دختنوس بنت لقيط بن زرارة يومئذ:
شعر لدختنوس بنت لقيط تعير ابن قهوس:
قرّ ابن قهوس الشّجا ... ع بكفّه رمح متلّ
يعدو به خاظي البضي ... ع [7] كأنّه سمع أزلّ [8]
إنّك من تيم فدع ... غطفان إن ساروا وحلّوا
- متلّ: مستقيم، يتلّ [9] به كلّ شيء. الخاظي: الشيء المكتنز. والسّمع: ولد الضّبع [من الذّئب [10]].
والعسبار: ولد الذّئب من الكلبة - .
لا منك عدّهم ولا ... آباك إن هلكوا وذلّوا
فخر البغيّ [11] بحدج ربّ ... تها إذا النّاس استقلّوا
لاحدجها ركبت ولا ... لرغال [12] فيه مستظلّ
ولقد رأيت أباك وس ... ط القوم يربق [13] أو يجلّ
__________
[1] التكملة من «النقائض».
[2] في «الأصول»: «فقال رجل لا أدخل ... ». والتصويب من «النقائض».
[3] و «النقائض»: «و أقبل معهم معاوية بن شرحبيل ... ».
[4] كذا في «النقائض». ويؤيده ما ورد في شعر نابغة بني جعدة الآتي. وفي «الأصول» هنا: «كيسان».
[5] كذا في «النقائض». وفي «أ، م»: «إليه». وفي «سائر الأصول»: «عليه».
[6] الوضائع هنا: قوم من الجند يوضعون في كورة لا يغزون منها.
[7] البضيع: اللحم.
[8] أزل: أرسح أي قليل لحم الفخذين.
[9] يتل: يصرع.
[10] التكملة من «النقائض».
[11] البغي هنا: الأمة، وفي غير هذا الموضع الفاجرة. والحدج (بالكسر): مركب من مراكب النساء يشبه المحفة. وربتها: سيدتها.
[12] وردت هذه الكلمة في «الأصول» محرفة، بين «لرغاء فيها» و «لرعاء فيها». و «لوعاء فيها». والتصويب من «النقائض» و «لسان العرب» (في مادة رغل) ورغال: الأمة.
[13] في «الأصول المخطوطة»: «يبرق». وفي «ب، س»: «يبزو». والتصويب من «النقائض». ويربق: يشد البهيمة بالربقة وهي عروة في حبل تشد بها البهيمة.
متقلّدا ربق الفرا ... ر كأنه في الجيد غلّ
تشاور بني عامر في أمرهم:
- يجلّ: يلقط البعر. والفرار: أولاد الغنم، واحدها فرارة - .
قال: وكان معهم رؤساء بني تميم: حاجب بن زرارة ولقيط بن زرارة وعمرو بن عمرو وعتيبة [1] بن الحارث بن شهاب،/ وتبعهم غثاء من غثاء الناس يريدون الغنيمة، فجمعوا جمعا لم يكن الجاهليّة قطّ مثله أكثر كثرة، فلم تشكّ العرب في هلاك بني عامر. [فجاءوا [2]] حتى مرّوا ببني سعد/ بن زيد مناة، فقالوا لهم: سيروا معنا إلى بني عامر. فقالت لهم بنو سعد: ما كنّا لنسير معكم ونحن نزعم أنّ عامر بن صعصعة ابن سعد [بن زيد مناة [3]]. فقالوا: أمّا إذا أبيتم أن تسيروا [4] معنا فاكتموا علينا. فقالوا: أمّا هذا فنعم. فلمّا سمعت بنو عامر بمسيرهم اجتمعوا إلى الأحوص بن جعفر، وهو يومئذ شيخ كبير قد وقع حاجباه على عينية وقد ترك الغزو غير أنه يدبّر أمر الناس، وكان مجرّبا حازما ميمون النّقيبة، فأخبروه الخبر. فقال لهم الأحوص: قد كبرت، فما أستطيع أن أجيء بالحزم وقد ذهب الرأي منّي. ولكنّي إذا سمعت عرفت، فأجمعوا آراءكم ثم بيتوا ليلتكم هذه ثم اغدوا عليّ فاعرضوا عليّ آراءكم، ففعلوا. فلمّا أصبحوا غدوا عليه، فوضعت له عباءة بفتنائه فجلس عليها. ورفع حاجبيه عن عينيه بعصابة ثم قال: هاتوا ما عندكم. فقال قبس بن زهير العبسيّ: بات في كنانتي الليلة مائة رأي. فقال له الأحوص يكفينا منها رأي واحد حازم صليب مصيب، هات فانثر كنانتك. فجعل يعرض كلّ رأي رآه حتى أنفد. فقال له الأحوص: ما رأي بات في كنانتك الليلة رأي واحد!. وعرض الناس آراءهم حتى أنفدوا. فقال: ما أسمع شيئا وقد صرتم إليّ، احملوا [5] أثقالكم وضغفاءكم ففعلوا، ثم قال: احملوا ظعنكم فحملوها، ثم قال: اركبوا فركبوا، وجعلوه في محفّة، وقال: انطلقوا حتى تعلوا في اليمين [6]، فإن أدرككم أحد كررتم عليه، وإن أعجزتموهم مضيتم. فسار الناس حتى أتوا وادي بحار [7] ضحوة، فإذا الناس يرجع بعضهم على بعض. فقال الأحوص: ما هذا؟ قيل هذا عمرو بن عبد اللّه بن/ جعدة في فتيان [8] من بني عامر يعقرون [9] بمن أجاز بهم ويقطعون بالنّساء حواياهنّ [10].
فقال الأحوص: قدّموني، فقدّموه حتى وقف عليهم فقال: ما هذا الذي تصنعون؟! قال عمرو: أردت أن تفضحنا وتخرجنا هاربين من بلادنا ونحن أعزّ العرب، وأكثرهم [11] عددا وجلدا وأحدّهم شوكة! تريد أن تجعلنا موالي في
__________
[1] في «الأصول»: « ... وعمرو بن عمرو بن عيينة والحارث بن شهاب». والتصويب من «النقائض».
[2] الزيادة عن «النقائض».
[3] الزيادة عن «النقائض».
[4] كذا في «النقائض». وفي «الأصول»: «أن تصيروا ... ».
[5] كذا في «النقائض». وفي «الأصول»: «اجمعوا».
[6] لعله «في اليمن»؛ فإن الوادي الذي أتوه ضحوة وهو وادي بحار يقال أنه من بلاد اليمن. (راجع «معجم البلدان» في بحار).
[7] في «الأصول»: «وادي نجار». والتصويب من «النقائض» و«معجم البلدان» لياقوت.
[8] كاذ في «ج» و«النقائض». وفي «سائر الأصول»: «قدم في فتيان» بزيادة كلمة «قدم» وهي لا موضع لها هنا.
[9] في «الأصول»: «يعدون». والتصويب من «النقائض».
[10] الحوايا: جمع حوية وهي مركب من مراكب النساء.
[11] كذا في «النقائض». وفي «الأصول الخطية»: «و أكثره عددا وجلدا وأحده شوكة». وفي «ب، س»: وأكثر ... وأحدّ ... » بدون ضمير.
العرب إذ خرجت بنا هاربا [1]!. قال: فكيف أفعل وقد جاءنا ما لا طاقة لنا به! فما الرأي؟ قال: نرجع إلى شعب جبلة فتحرز النساء والضّعفة والذّراريّ والأموال في رأسه ونكون في وسطه ففيه ثمل [2] (أي خصب وماء). فإن أقام من جاءك أسفل أقاموا على غير ماء ولا مقام لهم، وإن صعودا عليك قاتلتهم من فوق رؤوسهم بالحجارة، فكنت في حرز وكانوا في غير حرز، وكنت على قتالهم أقوى منهم على قتالك. قال: هذا واللّه الرأي، فأين كان هذا عنك حين استشرت الناس؟ قال: إنما جاءني الآن. قال الأحوص للناس: ارجعوا فرجعوا. ففي ذلك يقول نابغة لبني جعدة:
ونحن حبسنا الحيّ عبسا وعامرا ... لحسّان وابن الجون إذ قيل أقبلا
وقد صعدت وادي بحار [3] نساؤهم ... كإصعاد [4] نسر لا يرومون منزلا
عطفنا لهم عطف الضّروس فصادفوا ... من الهضبة الحمراء عزّا ومعقلا [5]
- الضّروس: الناقة العضوض [6] - فدخلوا شعب جبلة. وجبلة: هضبة حمراء بين/ الشّريف/ والشّرف.
والشّريف: ماء لبني نمير. والشّرف: ماء لبني كلاب. وجبلة: جبل عظيم [7] له شعب عظيم واسع، لا يؤتى [8] الجبل إلا من قبل الشّعب، والشّعب متقارب [المدخل [9]] وداخله متّسع، وبه اليوم عرينة من بجيلة.
دخولهم شعب جبلة:
فدخلت بنو عامر شعبا منه يقال له مسلّح، فحصّنوا النساء والذراريّ والأموال في رأس الجبل، وحلّوا الإبل عن الماء، واقتسموا الشّعب بالقداح فأقرع بين القبائل في شظاياه [10]، فخرجت بنو تميم ومعهم بارق (حيّ من الأزد حلفاء يومئذ لبني نمير. وبارق هو سعد بن عديّ بن حارثة بن عمرو [11] مزيقياء بن عامر ماء السماء. وسمّي مزيقياء لأنه كان يمزّق عليه كلّ يوم حلّة) فولجوا الخليف (و الخليف: الطريق بين الشّعبين شبه الزّقاق [12]) لأنّ سهمهم تخلّف. وفيه يقول معقّر بن أوس بن حمار البارقيّ:
ونحن الأيمنون بنو نمير ... يسيل [13] بنا أمامهم الخليف
__________
[1] في «أ، م، ح»: «هرابا» جمع هارب.
[2] في «الأصول»: «ففيه تمثل». والتصويب من «النقائض».
[3] في «النقائض» و «معجم البلدان»: «عن ذي بحار». وراجع الحاشية الخامسة في الصفحة السابقة.
[4] في «الأصول»: «لإصعاد سير». والتصويب من «النقائض» و «معجم البلدان».
[5] كذا في «ج» و «النقائض» و «معجم البلدان». وفي «سائر الأصول»: «و مفضلا» وهو تحريف.
[6] الضروس: الناقة الحديثة النتاج. وإنما سميت ضروسا لأنه يعتريها عند نتاجها عضاض أياما حذارا على ولدها ثم يذهب عنها.
[7] في «النقائض»: «طويل».
[8] في «الأصول»: «لا ترى الجبل ... ». والتصويب من «النقائض».
[9] التكملة من «النقائض».
[10] في «الأصول»: «بالقداح والقرع بين القبائل في شكاياه» والتصويب من «النقائض». والشظايا: القطع من رؤوس الجبال، الواحدة شظية.
[11] في «الأصول»: « ... عمرو بن مزيقياء بن عامر بن ماء السماء». ومزيقياء لقب عمرو، وماء السماء لقب عامر.
[12] الزقاق: الطريق الضيق.
[13] في «الأصول»: «يسير». والتصويب من «النقائض».
قال: وكان معقّر يومئذ شيخا كبيرا ومعه هؤلاء ابنة له تقود به جمله. [فجعل يقول لها:] من أسهل [1] من الناس؟
فتخبره وتقول [2] هؤلاء بنو فلان، وهؤلاء بنو فلان، حتى إذ تناهى الناس قال: اهبطي، لا يزال الشّعب منيعا سائر هذا اليوم، وهبط [3]. وكانت كبشة بنت عروة الرّحّال بن عتبة بن جعفر بن كلاب يومئذ حاملا بعامر بن الطّفيل، فقالت: ويلكم يا بني عامر ارفعوني! فو اللّه إنّ في بطني لعزّ بني عامر./ فصفّوا [4] القسيّ على عواتقهم ثم حملوها حتى أثووها بالقنّة (يقال قنّة وقنان). فوعموا أنها ولدت عامرا يوم فرغ الناس من القتال.
من شهد الوقعة من القبائل:
فشهدت بنو عامر كلّها جبلة إلّا هلال بن عامر وعامر بن ربيعة بن عامر، وشهدها مع بني عامر من العرب بنو عبس بن رفاعة بن الحارث بن بهثة بن سليم وكان لهم بأس وحزم وعليهم مرداس بن أبي عامر، وهو أبو العبّاس بن مرداس. وكانت بنو عبس بن رفاعة حلفاء [5] بني عمرو بن كلاب.
تفرق بجيلة في بطون بنى عامر:
وزعم بعض بني عامر [6] أنّ مرداسا كان مع أخواله [غنيّ] [7]، و [كانت [7]] أمّه فاطمة بنت جلهمة الغنويّة.
وشهدتها غنيّ وباهلة وناس من بني سعد بن بكر وقبائل بجيلة كلّها إلا قسرا [8] لحرب كانت بين قسر وقومها، فارتحلت بجيلة فتفرقت في بطون بني عامر، فكانت عادية بن عامر بن قداد من بجيلة في بني عامر بن ربيعة، وكانت سحمة [9] من بجيلة في بني جعفر بن كلاب - ويقال: عمرو بن كلاب - وكانت عرينة من بجيلة في عمرو بن كلاب وكانت بنو قيس كبّة (لفرس يقال لها كبّة) من بجيلة في بني عامر بن ربيعة وكانت فتيان [10] في بني عامر بن ربيعة، وبنو قطيعة [11] من بجيلة في بني أبي بكر بن كلاب، ونصيب [12] بن عبد اللّه من بجيلة [في بني نمير، وكانت ثعلبة والخطام من بجيلة [7]]، في بني عامر بن ربيعة، وبنو عمرو بن معاوية بن زيد من بجيلة في بني أبي بكر بن كلاب معهم يومئذ نفير من عكل، فبلغ جمعهم ثلاثين ألفا. وعمي/ على بني عامر الخبر. فجعلوا لا يدرون ما قرب القوم من بعدهم.
__________
[1] في «الأصول»: « ... جملة من أسفل من الناس» والتكملة والتصويب من «النقائض».
[2] عبارة «النقائض»: «فتخبره وهو يقول هؤلاء بنو فلان حتى إذا تتاموا قال اهبطي ... إلخ».
[3] في «النقائض»: «و هبط الناس».
[4] في «النقائض»: «فوضعوا».
[5] في «النقائض»: « ... حلفاء في بني عامر بن كلاب».
[6] في «النقائض»: «و زعم بعضهم».
[7] الزيادة من «النقائض».
[8] في «الأصول»: « ... إلا قشير لحرب كانت بين قيس وقومها ... » والتصويب من «النقائض» و «القاموس».
[9] في «الأصول»: «شحمة» بالشين المعجمة. والتصويب من «النقائض» و «القاموس» و «معجم ما استعجم» للبكري.
[10] في «أكثر الأصول»: «قينان» والتصويب من «ج» و «القاموس» و «معجم ما استعجم». وفي «النقائض» بدل هذه العبارة: «و كانت بنو عامر بن معاوية بن زيد من بجيلة في بني عامر بن ربيعة».
[11] في «الأصول»: «و بنو قطيفة» بالفاء، وهو تحريف.
[12] كذا ورد هذا الاسم مضبوطا في «النقائض». وورد في «معجم ما استعجم» (ج 1 ص 40) مضبوطا بضم أوّله وفتح ثانيه. وقد سموا نصيبا مكبرا ومصغرا.
ما فعله كرب بن صفوان لتميم وأسد:
وأقبلت تميم وأسد وذبيان ولفهم نحو جبلة، فلقوا كرب بن صفوان بن شجنة بن عطارد بن عوف بن كعب بن سعد بن زيد مناة، فقالوا له: أين تذهب؟ أتريد أن تنذر بنا بني عامر؟ قال لا. قالوا: فأعطنا عهدا وموثقا ألّا تفعل؛ فأعطاهم فخلّوا سبيله. فمضى مسرغا على فرس له عري [1]، حتى إذا نظر إلى مجلس بني عامر/ وفيهم الأحوص نزل تحت شجرة حيث يرونه؛ فأرسلوا إليه يدعونه، قال: لست فاعلا، ولكن إذا رحلت فأتوا منزلي فإنّ الخبر فيه.
فلما [2] جاءوا منزله إذا فيه تراب في صرّة وشوك قد كسر رؤوسه وفرّق جهته، وإذا حنظلة موضوعة، وإذا وطب معلّق فيه لبن. فقال الأحوص: هذا رجل قد أخذ عليه المواثيق ألّا يتكلّم، وهو يخبركم أنّ القوم مثل التّراب كثرة، وأنّ شوكتهم كليلة [و هم متفرّقون [3]]، وجاءتكم بنو حنظلة. أنظروا ما في الوطب، فاصطبّوه فإذا فيه لبن حزر (قرص [4]). فقال: القوم منكم على قدر حلاب اللّبن إلى أن يحزر. فقال رجل من بني يربوع - ويقال قالته دختنوس بنت لقيط بن زرارة -
كرب بن صفوان بن شجنة لم يدع ... من دارم أحدا ولا من نهشل
أجعلت يربوعا كقورة دائر ... ولتحلفن باللّه أن لم تفعل
وذلك قول عامر بن الطّفيل بعد جبلة بحين:
ألا أبلغ لديك جموع سعد [5] ... فبتوا لن نهيجكم نياما
نصحتم بالمغيب ولم تعينوا [6] ... علينا إنكم كنتم كراما
/ ولو كنتم مع ابن الجون كنتم ... كمن أودى وأصبح قد ألاما
صعود بني عامر الشعب وتشاور أعدائهم في الصعود إليهم:
فلمّا استيقنت [7] بنو عامر بإقبالهم صعدوا الشّعب، وأمر الأحوص بالإبل التي ظمّئت قبل ذلك فقال:
اعقلوها كلّ بعير بعقالين [في [8]] يديه جميعا. وأصبح لقيط والناس نزول به، وكانت مشورتهم إلى لقيط؛ فاستقبلهم جمل عود [9] أجرب أخذ أعصل كاشر عن أنيابه؛ فقال الحزاة من بني أسد - والحازي العائف [10] -
__________
[1] في «ج» و «النقائض»: «عربي» بدل «عري». وفرس عري لا سرج عليه.
[2] في «النقائض»: «فلما رحل جاءوا منزله فإذا ... إلخ».
[3] التكملة من «النقائض».
[4] في «الأصول»: «فإذا فيه لبن جبن قارص» إلا «ج» ففيها «قرص» على الصحة. والتصويب من «النقائض».
[5] كذا في «النقائض». ويرجحه أن كرب بن صفوان المقول فيه هذا الشعر ينتهي نسبه إلى سعد. وفي «الأصول»: «جموع تيم».
[6] في «الأصول»: «و لن تغيبوا». والتصويب من «النقائض».
[7] كذا في «النقائض» وفي «الأصول»: «فلما استثبت ... ».
[8] التكملة من «النقائض».
[9] العود هنا: المسن من الإبل. والأحذ هنا: خفيف شعر الذنب، أو قصير الذنب. والأعصل: الملتوي الذنب.
[10] في «الأصول»: «فقال الحزارة من بني أسد والحازر والقائف» إلا «ج» «ففيها الحازي»، على الصحة، وهو تحريف. والعائف:
الذي يزجر الطير.
اعقروه. فقال لقيط: واللّه لا يعقر حتّى يكون فحل [1] إبلي غدا - . وكان البعير من عصافير المنذر التي أخذها قرّة بن هبيرة [2] بن عامر بن سلمة بن قشير. والعصافير: إبل كانت للملوك نجائب - ثم استقبلهم معاوية بن عبادة بن عقيل وكان أعسر فقال:
أنا الغلام الأعسر ... الخير فيّ والشّر
والشرّ [3] فيّ أكثر
فتشاءمت بنو أسد وقالوا: ارجعوا عنهم وأطيعونا. فرجعت بنو أسد فلم تشهد جبلة مع لقيط إلا نفيرا يسيرا، منهم شأس بن أبي بليّ [4] أبو عمرو بن شأس الشاعر، ومعقل بن عامر بن موءلة [5] المالكيّ. وقال الناس للقيط: ما ترى؟ فقال: أرى أن تصعدوا إليهم. فقال شأس: لا تدخلوا على بني عامر؛ فإني أعلم النّاس بهم، قد قاتلتهم وقاتلوني وهزمتهم وهزموني، فما رأيت قوما قطّ أقلق بمنزل من بني عامر! / واللّه ما وجدت لهم مثلا إلّا الشّجاع؛ فإنه لا يقرّ في حجره قلقا، وسيخرجون إليكم. واللّه لئن بتّم [6] هذه الليلة لا تشعرون بهم إلّا وهم منحدرون عليكم. فقال لقيط. واللّه لندخلنّ عليهم. فأتوهم وقد أخذوا حذرهم. وجعل الأحوص ابنه شريحا على تعبئة الناس. فأقبل لقيط وأصحابه مدلّين فأسندوا [7] إلى الجبل حتى ذرّت الشمس. فصعد لقيط في الناس وأخذ بحافتي الشّجن [8]. فقالت بنو عامر للأحوص: قد أتوك. فقال: دعوهم. حتى إذا نصفوا الجبل وانتشروا فيه، قال الأحوص: حلّوا عقل/ الإبل ثم احدروها واتّبعوا آثارهم [9]، وليتبع كلّ رجل منكم بعيره حجرين أو ثلاثة، ففعلوا ثم صاحوا بها، فلم يفجأ الناس إلّا الإبل تريد الماء والمرعى، وجعلوا يرمونهم بالحجارة والنّبل؛ وأقبلت الإبل تحطم كلّ شيء مرّت به، وجعل البعير يدهدي بيديه [10] كذا وكذا حجرا. وقد كان لقيط وأصحابه سخروا منهم حين صنعوا بالإبل ما صنعوا. فقال رجل من بني أسد:
زعمت أنّ العير لا تقاتل ... بلى إذا تقعقع [11] الرحائل
واختلف الهنديّ والذّوابل ... وقالت الأبطال من ينازل
بلى وفيها حسب ونائل
__________
[1] في «أ، م، ج»: «فحل أبي غدا». وفي «ب، س»: «محل أبي غدا». والتصويب من «النقائض»، وفيها «نذرا» بدل كلمة «غدا».
[2] في «الأصول»: «قرة بن زهير». والتصويب من «النقائض» و «تاريخ الطبري».
[3] كذا في «النقائض». وفي «الأصول»: «و الضرفيّ ... ».
[4] في «الأصول»: « ... شأس بن أبي ليلى ... » والتصويب من «النقائض» شرح التبريزي ل «ديوان الحماسة» ص 139 طبع مدينة بن سنة 1828 م).
[5] في «الأصول»: «موالكة». والتصويب من «النقائض» وكتب اللغة.
[6] كذا في «النقائض». وفي «الأصول»: «لئن نمتم ... ».
[7] أسندوا إلى الجبل: اعتمدوا عليه. فقال: سند وتساند وأسند إلى الشيء واستند إذا اعتمد عليه.
[8] الشجن: (بالفتح): أعلى الوادي. وفي «النقائض»: «بحافتي الشعب».
[9] في «النقائض»: «أدبارها».
[10] كذا في «النقائض». وفي «الأصول»: «بصدره».
[11] كذا في «النقائض». وفي «الأصول»: «إذا ما قعقع». وتقعقع الشي ء: اضطرب وتحرك. والرحائل: جمع رحالة وهي السرج من جلود لا خشب فيه يتخذ للركض الشديد.
شعر لبعض بني عامر في الوقعة:
فانحطّ الناس منهزمين من [1] الجبل حتى السّهل. فلمّا بلغ الناس السّهل لم يكن لأحد منهم همّة إلا أن يذهب على وجهه، فجعلت بنو عامر يقتلونهم ويصرعونهم بالسيوف في آثارهم، فانهزموا شرّ الهزيمة. فجعل رجل من بني عامر يومئذ يرتجز ويقول:
/لم أر يوما مثل يوم جبله ... يوم أتتنا أسد وحنظله
وغطفان والملوك أزفله [2] ... نضربهم بقضب منتخله [3]
لم تعد أن أفرش عنها الصّقله [4] ... حتى حدوناهم حداء الزّومله [5]
وجعل معقل بن عامر [6] يرتجز ويقول:
نحن حماة الشّعب [7] يوم جبله ... بكلّ عضب صارم ومعبله
وهيكل نهد معا [8] وهيكله
المعبلة: السهم إذا كان نصله عريضا فهو معبلة، والرقيق: القطبة.
قتال بني تميم ضد بني عامر:
وخرجت بنو تميم من الخليف على الخيل فكركروا الناس (يعني ردّوهم) وانقطع شريح بن الأحوص في فرسان حتى أخذ الجرف فقاتل الناس قتالا شديدا هناك، وجعل لقيط يومئذ [9] وهو على برذون له مجفّف [10] بديباج أعطاه إيّاه كسرى - وكان أوّل عربيّ جفّف - يقول:
عرفتكم والدمع العين يكف [11] ... لفارس أتلفتموه ما خلف
إنّ النّشيل والشّواء والرّغف ... والقينة الحسناء والكأس الأنف [12]
/و صفوة القدر وتعجيل اللّقف [13] ... للطاعنين الخيل والخيل قطف [14]
__________
[1] في «الأصول»: «في الجبل». والتصويب من «النقائض».
[2] الأزفلة: الجماعة. وفي «الأصول»: «أرفلة» بالراء. والتصويب من «النقائض».
[3] منتخلة: مختارة.
[4] أفرش عنه: أقلع. والصقلة: جمع صاقل، من صقل السيف إذا جلاه. يريد أنها حديثة الجلاء.
[5] الزوملة: الإبل. وفي «الأصول»: «حتى حذوناهم حذاء الرفله». والتصويب من «النقائض».
[6] في «الأصول»: «معقل بني عامر». والتصويب من «النقائض».
[7] كذا في «النقائض». وفي «الأصول»: «نحن سماة الخيل».
[8] هيكل هنا: ضخم. والنهد من الخيل: كثير اللحم حسن الجسم مع ارتفاع.
[9] في «الأصول الخطية»: «و جعل لقيط يومئذ وهو الحارث على برذون له ... » بزيادة «الحارث». وفي «النقائض»: «و جعل لقيط وهو يومئذ على الجرف على برذون ... ».
[10] مجفف: عليه تجفاف (بفتح التاء وكسرها) وهو شيء يتخذ من حديد أو غيره يجعل على ظهر الفرس ليقيه الأذى، وقد يلبسه الإنسان أيضا.
[11] كذا في «النقائض». ويكف: يسيل. وفي «الأصول»: «بالعين بكف».
[12] النشيل هنا: اللحم المطبوخ، أو الذي ينشل من القدر قبل النضج، واللبن ساعة يحلب. والشواء (بالكسر ويضم): ما شوي من اللحم وغيره أي عرض لحرارة النار فنضج وصلح للأكل. والكأس الأنف: التي لم يشرب بها قبل ذلك.
[13] اللقف: يريد به ما يلقف ويتناول من الطعام. وفي بعض الأصول: «و تعجيل اللفف» بفاءين.
[14] كذا في «النقائض». وقطف: جمع قطوف وهو المتقارب الخطو أو البطيء من الدواب. وفي «الأصول الخطية»: «جنف» وفي
وجعل لا يمرّ به أحد من الجيش إلّا قال [له [1]]: أنت واللّه قتلتنا وشتمتنا [2]. فجعل يقول:
يا قوم قد أحرقتموني باللّؤم ... ولم أقاتل عامرا قبل اليوم
فاليوم إذ قاتلتهم فلا لوم ... تقدّموا وقدّموني للقوم
شتّان هذا والعناق والنّوم ... والمضجع البارد في ظلّ الدّوم
وقال شأس بن أبي بليّ [3] يجيبه:
لكن أنا قاتلتها قبل اليوم ... إذ كنت لا تعصي أموري في القوم
وجعل لقيط يقول: من كرّ فله خمسون ناقة، وجعل يقول:
أكلّكم يزجركم أرحب [4] هلا ... ولن تروه الدّهر إلّا مقبلا
/ يحمل زغفا ورئيسا [5] حجفلا ... وسائلا في أهله ما فعلا
وجعل يقول أيضا:
أشقر [6] إن لم تتقدّم تنحر ... وإن تأخّر عن هياج تعقر
ثم عاد يقول:
إنّ الشواء والنّشيل والرّغف
/ فأجابه شريح بن الأحوص:
إن كنت ذا صدق فأقحمه الجرف ... وقرّب الأشقر حتى تعترف
وجوهنا إنّا بنو البيض العطف [7]
سقوط لقيط في الموقعة:
وبينه وبينه جرف منكر، فضرب لقيط فرسه وأقحمه عليه الجرف؛ فطعنه شريح [فسقط [8]]. وقد اختلفوا في ذلك، فذكروا أنّ الذي طعنه جزء بن خالد بن جعفر، وبنو عقيل تزعم أنّ عوف بن المنتفق العقيليّ قتله يومئذ وأنشأ يقول:
__________
- «ب، س»: «جفف» وهو تحريف.
[1] زيادة عن «النقائض».
[2] كذا في «النقائض». وفي «الأصول»: «و شاتمتنا».
[3] راجع الحاشية الثامنة من صفحة 140 المتقدّمة.
[4] في «الأصول»: «رحب هلا». والتصويب من «النقائض»، وفيها: «أكلهم يزجره». وأرحب وهلا: مما تزجر به الخيل؛ يقال للخيل: أرحب وأرحبي أي توسعي وتباعدي وتنحي. وهلا أي اسكني وقري.
[5] كذا في «ج». وفي «سائر الأصول»: «ربيا» بدل «رئيسا». ورواية هذا الشطر في «النقائض»:
يقود جيشا ورئيسا جحفلا
وليس فيها الشطر الأخير. والزغف والزغفة (و تحرك الغين فيهما): الدرع المحكمة أو اللينة، والجمع الزغف (بالفتح) كالواحد.
[6] أشقر: اسم فرسه يخاطبه.
[7] العطف: جمع عطوف، وهو وصف من عطف عليه يعطف عطفا إذا رجع عليه بما يكره أوله بما يريد.
[8] زيادة عن «النقائض».
ظلّت تلوم لما بها عرسي [1] ... جهلا وأنت حليمة أمس
إن تقتلوا بكري وصاحبه ... فلقد شفيت بسيفه نفسي
فقتلته في الشّعب أوّل فارس [2] ... في الشّرق قبل ترحّل الشمس
فزعموا أن عوفا هذا قتل يومئذ ستّة نفر، وقتل ابن له وابن أخ له. وأمّ العلماء فلا يشكّون أن شريحا قتله، وارتثّ وبه طعنات - والارتثاث أن يحمل وهو مجروح، فإن حمل ميّتا فليس بمرتثّ - فبقي يوما ثم مات. فجعل لقيط يقول عند موته:
يا ليت شعري عنك دختنوس ... إذا أتاك الخبر المرسوس [3]
أتحلق القرون أم تميس ... لا بل تميس إنّها عروس
دختنوس بنت لقيط بن زرارة، وكانت تحت عمرو بن عمرو بن عدس. وجعلت بنو عبس [4] يضربونه وهو ميّت، فقالت دختنوس:
شعر لدختنوس في أبيها:
ألا يا لها الويلات ويلات من بكى ... لضرب بني عبس لقيطا وقد قضى
لقد ضربوا وجها عليه مهابة ... وما تحفل [5] الصّمّ الجنادل من ردى
فلو أنّكم كنتم غداة لقيتم ... لقيطا صبرتم [6] للأسنّة والقنا
غدرتم ولكن كنتم مثل خضّب [7] ... أصاب [8] لها القنّاص من جانب الشّرى
فما ثأره فيكم ولكنّ ثأره ... شريح وأردته الأسنّة إذ هوى [9]
فإن تعقب الأيّام من عامر يكن [10] ... عليهم حريقا لا يرام إذا سما
ليجزيهم [11] بالقتل قتلا مضعّفا ... وما في دماء الحمس يا مال من بوا [12]
__________
[1] العرس: الزوجة. وفي البيت التفات من الغيبة إلى الخطاب.
[2] وردت هذه الكلمة في «الأصول» محرفة، ففي «ب، س»: «فقتله في الشعب وافرسي» وفي «أ، م»: «في الشعر كي وفارس» وفي «ج»: «أو فارس» والتصويب من «النقائض».
[3] المرسوس: اسم مفعول من قولهم: رس له الخبر إذا ذكره له.
[4] في «الأصول»: «بنو عامر» والتصويب من «النقائض»، ويؤيده ما في الشعر الذي بعده.
[5] في «ب، س، ج»: «و ما تحمل الضيم الجنادل». وفي «أ، م»: «و ما يحمل الصم الجنادل» والتصويب من «النقائض». وردى هنا:
رمى.
[6] كذا في «النقائض». وفي «الأصول»: «ضربتم بالأسنة». وجواب «لو» محذوف، أي لأصابكم منا القتل الذريع.
[7] الخضب: النعام. والظليم الخاضب: الذي احمرت ساقاه من أكل الربيع.
[8] في «الأصول»: «أضاءت». والتصويب من «النقائض»؛ وفيها: «أصاب له». وأصاب هنا: سقط ونزل ضد أصعد. والشرى:
موضع.
[9] في «الأصول»: «أأردته الأسنة أو هوى». والتصويب من «النقائض».
[10] كذا في «النقائض» في «الأصول»: « ... من فارس تكن. عليكم ........ ».
[11] في «ب، س»: «ليجزيكم».
[12] البواء (بالمد، وقصر هنا للشعر): السواء والتكافؤ؛ يقال فلان بواء فلان إذا كان كفؤه إذا قتل به.
ولو قتلتنا غالب كان قتلها ... علينا من العار المجدّع للعلا
لقد صبرت كعب وحافظت ... كلاب وما أنتم هناك لمن رأى
وقالت دختنوس أيضا:
لعمري لئن لاقت من الشرّ [1] دارم ... عناء لقد آبت حميدا ضرابها
/ فما جبنوا بالشّعب إذ صبرت لهم ... ربيعة يدعى كعبها وكلابها
/ عصوا [2] بسيوف الهند واعتكرت لهم [3] ... براكاء موت لا يطير غرابها
براكاء: مباركة القتال وهو الجدّ في القتال. يقال للرجل إذا وقع في خطب لا يطير غرابه [4]. وقالت دختنوس:
بكر النّعيّ بخير خن ... دف كهلها وشبابها
وبخيرها نسبا إذا ... عدّت إلى أنسابها
فرّت [5] بنو أسد حرو [6] ... د الطير عن أربابها
لم يحفلوا نسبا ولم ... يلووا لفيء عقابها [7]
من قتل في الموقعة ومن نجا وأخبارهم:
وقتل يومئذ قريظ بن معبد بن زرارة، وزيد بن عمرو بن عدس قتله الحارث بن الأبرص بن ربيعة بن عامر بن عقيل، وقتل الفلتان بن المنذر [بن سلمى [8] بن جندل بن نهشل، وقتل أبو إياس بن حرملة بن جعدة بن العجلان] بن حشورة بن عجب بن ثعلبة بن سعد بن ذبيان وهو يقول:
أقدم قطين [9] إنهم بنو عبس ... المعشر الحلّة في القوم الحمس
__________
[1] كذا في «النقائض». وفي «الأصول»:
لعمري لقد لاقت من الشق دارم ... عناء وقد آبت حميدا ضرابها
وفي «أ، م»: «من النسق» مكان «من الشق».
[2] يقال: عصا بالسيف يعصو، وعصى به يعصي (و زان فرح) إذا أخذه أخذ العصا أو ضرب به ضربه بها.
[3] كذا في «النقائض». واعتكرت: اختلط سوادها واشتد من النقع المثار. وفي بعض الأصول: «و اعتقلت». وفي بعضها:
«و اعتلقت».
[4] ظاهر أن في العبارة حذفا من النساخ. ومقتضى السياق أن تكون العبارة هكذا: «يقال للرجل إذا وقع في ضيق شديد: وقع فلان من خطب لا يطير غرابه».
[5] في «الأصول»: «قرت» والتصويب من «النقائض».
[6] كذا في «النقائض». والحرود: التنحي. وقد وردت هذه الكلمة في «الأصول» محرفة؛ ففي بعض الأصول: «و خر الطير». وفي بعضها: «و جزء الطير» وفي بعضها: «و خرء الطير».
[7] كذا ورد هذا البيت في «النقائض». وورد في «الأصول» محرفا هكذا:
لم يجعلوا كسبا ولم ... يأذوا لفيء عقابها
ولعل المراد بالعقاب هنا: الراية.
[8] التكملة من «النقائض».
[9] في «النقائض»: «أقدم قطيب». ومن أسماء خيلهم «قطيب» مكبرا ومصغرا، كما في «القاموس». وفي كتاب «أسماء خيل العرب وفرسانها» «صدام» وذكر هذا البيت.
/ الحلّة [1]: لم يكونوا يتشدّدون في دينهم. قال: واستلحم [2] [عمرو بن] حسحاس [3] بن وهب بن أعياء بن طريف الأسديّ، فاستنقذه [معقل بن] عامر بن موءلة فداواه وكساه. فقال معقل في ذلك:
يديت [4] على ابن حسحاس بن وهب ... بأسفل ذي الجذاة يد الكريم
قصرت له من الدّهماء لمّا ... شهدت وغاب من له من حميم [5]
ولو أنّي أشاء لكنت منه ... مكان الفرقدين من النّجوم
أخبّره بأن الجرح يشوي ... وأنّك فوق عجلزة جموم [6]
يقول: إن الجرح الذي بك شوّى لم يصب منك مقتلا -
ذكرت تعلّة الفتيان يوما ... وإلحاق الملامة بالمليم
قال: وحمل معاوية بن يزيد [7] الفزاريّ فأخذ كبشة بنت الحجّاج بن معاوية بن قشير، وكانت عند مالك بن خفاجة بن عمرو بن عقيل، فحمل معاوية بن خفاجة أخو [8] مالك على معاوية بن يزيد فقتله واستنقذ كبشة، وقال: يا بني عامر، إنهم/ يموتون، وقد كان [9] قيل لهم إنهم لا يموتون. ونزل حسّان بن عامر [10] بن الجون وصاح: يا آل كندة! فحمل عليه شريح بن الأحوص؛ فاعترض دون ابن الجون رجل من كندة يقال له حوشب، فضربه شريح بن الأحوص في رأسه فانكسر السيف فيه، فخرج يعدو بنصف [11] السيف وكان مما رعب [12] الناس مكانه. وشدّ طفيل بن مالك بن جعفر فأسر حسّان بن الجون، وشدّ عوف بن الأحوص على معاوية بن الجون فأسره وجزّ ناصيته وأعتقه على الثواب، فلقيته بنو عبس، فأخذه قيس بن زهير فقتله. فأتاهم عوف فقال: قتلتم طليقي فأحيوه أو ائتوني بملك مثله. فتخوّفت بنو عبس شرّه وكان مهيبا، فقالوا: أمهلنا.
فانطلقوا حتى أتوا أبا براء عامر بن مالك بن جعفر يستغيثونه على عوف، فقال: دونكم سلمى بن مالك فإنه نديمه/ وصديقه - وكانا مشتبهين أحمرين [13] أشقرين ضخمة أنوفهما، وكان في سلمى حياء -
__________
[1] عبارة «النقائض»: «الحمس قريش وما ولدت من قبائل العرب يتشدّدون في دينهم، والحلة لم يكونوا كذلك».
[2] استحلم الرجل (بالبناء للمجهول): روهق في القتال واحتوشه العدوّ.
[3] في «الأصول»: «و استحلم حسحاس بن مرة بن أعياء ... » والتكملة والتصويب من «النقائض»، ويؤيده الشعر الذي بعده.
[4] يديت: اتخذت عنده يدا، والأكثر في اتخاذ اليد أن يقال أيديت بالألف؛ أما يديت فقليل. ويقال يديت فلانا إذا أصبت يده؛ وهذا مطرد في سائر الأعضاء. وذو الجذاة (بفتح الجيم وكسرها كما في كتاب «معجم ما استعجم» للبكري): موضع.
[5] كذا في النقائض. وفي ج: «من لك من حميم». وفي أ، م: «من كد حميم». وفي «س»: «على كر الحميم». وفي «ب»: «من كرمن حميم» وفي «معجم البلدان» (في كلامه على الجداة بالجيم والدال المهملة): «عن دار الحميم».
[6] العجلزة (بكسر العين واللام لهجة قيس، وبفتحهما لهجة تميم): الشديدة الخلق القوية، توصف بها النوق والخيل، وفي الخيل أعرف. والجموم من الخيل: الذي إذ ذهب منه إحضار جاءه إحضار، يوصف به المذكر والمؤنث.
[7] في «النقائض»: «بدر» بدل «يزيد».
[8] في «الأصول»: «أبو مالك». والتصويب من «النقائض».
[9] عبارة «النقائض»: «يا بني عامر إنهم يموتون. أحمد: وقد يروى أنه قال إنهم لا يموتون».
[10] في «النقائض»: «عمرو».
[11] في «النقائض»: «بقصدة السيف».
[12] في «الأصول»: «رغب الناس» بالغين المعجمة. والتصويب من «النقائض».
[13] كذا في «النقائض». وفي «بعض الأصول»: «أخوين أشعرين». وفي بعضها: «أحويين أشعرين».
[فأتوه [1]] فقال: سأكلّم لكم طفيلا حتى يأخذ أخاه فإنه لا ينجيكم من عوف إلّا ذلك، وايم اللّه ليأتينّ شحيحا.
فانطلقوا إليه، فقال طفيل: قد أتوني بك، ما أعرفني بما جئتم له! أتيتموني تريدون منّي ابن الجون تقيدون به من عوف، خذوه، فأعطاهم إيّاه؛ فأتوا به [2] عوفا فجزّ ناصيته وأعتقه؛ فسمّي الجزّاز. فذلك قول نافع بن الخنجر [3] ابن الحكم بن عقيل بن طفيل بن مالك في الإسلام:
/قضينا الجون عن عبس وكانت ... منيّة [4] معبد فينا هزالا
قال: وشهدها لبيد بن ربيعة بن مالك بن جعفر وهو ابن تسع سنين، ويقال: كان ابن بضع عشرة سنة، وعامر بن مالك يقول له: اليوم يتمت من أبيك إن قتل أعمامك. وقتل يومئذ زهير بن عمرو بن معاوية، وجد مقتولا بين ظهراني صفوف بني عامر حيث لم يبلغ القتال؛ وهو [5] معاوية الضّباب بن كلاب. فقال أخوه حصين للذي قتله:
يا ضبعا عثواء لا تستأنسي [6] ... تلتقم الهبر من السّقب الرّذي [7]
أقسم باللّه وما حجّت بلي [8] ... [و ما على العزّى تعزّه غني
وقد حلفت عند منحر [9] الهدي] ... أعطيكم [10] غير صدور المشرفي
/ فليس مثلي عن زهير بغنى ... هو الشّجاع والخطيب اللّوذعي
والفارس الحازم والشهم الأبي ... والحامل الثّقل إذا ينزل بي
وذكروا أنّ طفيل بن مالك لما رأى القتال يوم جبلة قال: ويلكم! وأين نعم هؤلاء! فأغار على نعم عمرو وإخوته وهم من بني عبد اللّه بن غطفان ثم من بني الثّرماء، فاستاق ألف بعير. فلقيه عبيدة بن مالك فاستجداه، فأعطاه مائة بعير، وقال: كأنّي بك قد لقيت ظبيان بن مرّة بن خالد فقال لك: أعطاك من ألفه مائة! فجئت مغضبا. فلقى عبيدة ظبيان، فقال له: كم أعطاك؟ قال: مائة. فقال: أمائة من ألف! فغضب عبيدة. قال: وذكر أن عبيدة تسرّع يومئذ إلى
__________
[1] التكملة من «النقائض».
[2] هذه عبارة «النقائض». وعبارة «الأصول»: «فأتوه فجز ... ».
[3] كذا في «النقائض»، وقد سمت العرب خنجرا. وفي «أ، م»: «نافع بن الجنجرة» بجيمين. وفي «سائر الأصول»: «نافع بن الحنجرة بن الحكيم ... ».
[4] كذا في «النقائض». وفي «أكثر الأصول»: «صنيعة معبد». وفي «ج»: «منيعة معبد».
[5] كذا في «ج» و «النقائض». وفي «سائر الأصول»: « ... لم يبلغ القتال هو ومعاوية الضباب ... » وهو تحريف.
[6] في «ج»: «عشواء لا ستهافسي». وفي «سائر الأصول»: «عشواء لسترمانسي». والتصويب من «النقائض». والضبع العثواء: الكثيرة الشعر. والعثا: لون إلى السواد مع كثرة شعر.
[7] كذا في «النقائض». وورد هذا الشطر مضطربا في «الأصول»؛ ففي «ج، ب، س»: «تلتهم الهبر من الشعب الذوي». وفي «أ، م»:
تلتهم الخبز من السغب الردي». والهبر: قطع اللحم. والسقب: ولد الناقة أو هو ساعة يولد. والرذي (بالذال المعجمة»: المهزول الهالك. والردي: الهالك.
[8] بلى: قبيلة من العرب.
[9] في «الأصول بدل هذين الشطرين: «و ما على العدي من الهدي» والتكملة والتصويب من «النقائض». والعزى: شجرة من السمر كانت لغطفان يعبدونها وكانوا بنوا عليها بيتا وأقاموا عليها سدنة، فبعث إليها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم خالد بن الوليد فهدم البيت وأحرق السمرة وهو يقول:
يا عز كفرانك لا سبحانك ... إني رأيت اللّه قد أهانك
وغني: قبيلة من غطفان. والهدي (بفتح أوّله وكسر ثانيه وتشديد الياء مثل الهدي بالفتح): ما يهدي لمكة من النعم.
[10] يريد: لا أعطيكم. وحذف «لا» النافية في مثل هذا الموضع كثير، وهي أن تكون داخلة على فعل مضارع وقبلها قسم.
القتال، فنهاه أخواه عامر وطفيل أن يفعل حتى يرى مقاتلا، فعصاهما وتقدّم، فطعنه رجل [1] في كتفه حتى خرج السّنان من فوق ثديه فاستمسك فيه السنان، فأتى طفيلا فقال له: دونك السّنان فانزعه، فأبى أن يفعل ذلك غضبا، فأتى عامرا فلم ينزعه منه غضبا، فأتى سلمى [2] بن مالك فانتزعنه منه، وألقي جريحا مع النساء حتى فرغ القوم من القتال. وقتلت بنو عامر يومئذ من تميم ثلاثين [3] غلاما أغرل [4]. وخرج حاجب بن زرارة منهزما، وتبعه الزّهدمان زهدم وقيس ابنا حزن بن وهب بن عويمر بن رواحة العبسيان، فجعلا يطردان حاجبا ويقولان له: استأسر وقد قدرا عليه، فيقول: من أنتما؟ فيقولان: الزّهدمان، فيقول: لا أستأسر اليوم [5] لموليين. فبينما هم كذلك إذ أدركهم مالك ذو الرّقيبة بن سلمة بن قشير، فقال لحاجب: استأسر. قال:
/ ومن أنت؟ قال: أنا مالك ذو الرّقيبة. فقال: أفعل، فلعمري ما أدركتني حتى كدت أن أكون عبدا. فألقى إليه رمحه؛ واعتنقه زهدم فألقاه عن فرسه. فصاح/ حاجب: يا غوثاه. [و ندر السيف [6]]، وجعل زهدم يريغ [7] قائم السيف. فنزل مالك فاقتلع زهدما عن حاجب. فمضى زهدم وأخوه حتى أتيا قيس بن زهير بن جذيمة فقالا: أخذ مالك أسيرنا من أيدينا. قال: ومن أسيركما؟ قالا: حاجب بن زرارة. فخرج قيس يتمثّل قول حنظلة بن الشّرقيّ القينيّ أبي الطّمحان رافعا صوته يقول:
أجدّ بني الشّرقيّ أولع أنّني ... متى أستجر جارا وإن عزّ يغدر
إذا قلت أوفى أدركته دروكة ... فيا موزع الجيران بالغيّ أقصر
حتى وقف على بني عامر فقال: إنّ صاحبكم أخذ أسيرنا. قالوا: من صاحبنا؟ قال: مالك ذو الرّقيبة أخذ حاجبا من الزّهدمين. فجاءهم مالك فقال: لم آخذه منهما، ولكنه استأسر لي وتركهما. فلم يبرحوا حتى حكّموا حاجبا في ذلك وهو في بيت ذي الرّقيبة، فقالوا: من أسرك يا حاجب؟ فقال: أمّا من ردّني عن قصدي ومنعني أن أنجو ورأى منّي عورة فتركها فالزهدمان. وأمّا الذي استأسرت له فمالك؛ فحكّموني في نفسي. قال له القوم: قد جعلنا إليك الحكم في نفسك. فقال: أمّا مالك فله ألف ناقة، وللزهدمين مائة. فكان بين قيس بن زهير وبين الزهدمين مغاضبة [بعد [6] ذلك]؛ فقال قيس:
جزاني الزهدمان جزاء سوء ... وكنت المرء يجزى بالكرامه
وقد دافعت قد علمت معدّ ... بني قرط وعمّهم قدامه
/ ركبت بهم طريق الحقّ حتّى ... أثبتهم [8] بها مائة ظلامه
وقال جرير في ذلك:
__________
[1] في «الأصول»: «فطعنه رجل منهم». وكلمه «منهم» ليست في «النقائض» لا معنى لها في السياق.
[2] في «الأصول»: «سالم». والتصويب من «النقائض».
[3] في «النقائض»: «ثمانين غلاما».
[4] في «الأصول»: «أعزل». والتصويب من «النقائض». وأغرل: أقلف لم تقطع غزلته. يريد أنهم كانوا صغارا.
[5] في «النقائض»: «الدهر».
[6] زيادة عن «النقائض».
[7] يريغ: يطلب. وفي «الأصل» يراوغ» والتصويب من «النقائض».
[8] في «أكثر الأصول»: «أتيتهم بها» والتصويب من «ج» و «النقائض».
ويوم الشّعب قد تركوا لقيطا ... كأنّ عليه حلّة أرجوان [1]
وكبّل [2] حاجب بشمام [3] حولا ... فحكّم ذا الرّقيبة وهو عاني
وأمّا عمرو بن [عمرو بن] عدس فأفلت يومئذ. فزعمت بنو سليم أنّ الخيل عرضت على مرداس بن أبي عامر يوم جبلة، وكان أبصر الناس بالخيل، فعرضت عليه فرس لغلام من بني كلاب، فقال: واللّه لا أعجزها ولا أدركها ذكر ولا أنثى؛ فهذا ردائي بها وخمس وعشرون ناقة. فلمّا انهزم الناس يوم جبلة خرج الكلابيّ على فرسه تلك يطلب عمرو بن عمرو. قال [4] الكلابيّ: فراكضته نهارا على السّواء، واللّه ما علمت أنه سبقني بمقدار أعرفه، ثم زاد مكانه ونقصت [5]. فقلت: قمر واللّه مرداس. وهوى عمرو إلى فرسه فضربها [6] بالسّوط فانكشفت، فإذا هي خنثى، لا ذكر ولا أنثى، فأخبرتهم أنّي سبقت. فقالوا: قمر السّلميّ. فقلت لا، ثم أخبرتهم الخبر. فقال مرداس:
تمطّت كميت كالهراوة ضامر ... لعمرو بن عمرو بعد ما مسّ باليد
/ فلو لا مدى الخنثى وبعد جرائها ... لقاظ ضعيف النّهض حقّ مقيّد [7]
تذكّر ربطا [8] بالعراق وراحة ... وقد خفق الأسياف فوق المقلّد [9]
وزعم علماء بني عامر [10] أنه لمّا انهزم الناس خرجت بنو عامر وحلفاؤهم في آثارهم يقتلون/ ويأسرون ويسلبون، فلحق قيس بن المنتفق بن عامر [بن طفيل [11]] بن عقيل بن عمرو بن عمرو فأسره. فأقبل الحارث بن الأبرص بن ربيعة بن عقيل في سرعان الخيل [12]، فرآه عمرو مقبلا فقال لقيس: إن أدركني الحارث قتلني وفاتك ما تلتمس عندي، فهل أنت محسن إليّ وإلى نفسك! تجزّ ناصيتي فتجعلها في كنانتك، ولك العهد لأفينّ لك، ففعل.
وأدركهما الحارث وهو ينادي قيسا ويقول: اقتل اقتل. فلحق عمرو بقومه. فلمّا كان الشهر [13] الحرام خرج قيس إلى عمرو ويستثيبه، وتبعه الحارث بن الأبرص حتّى قدما على عمرو بن عمرو؛ فأمر عمرو بن عمر ابنة أخيه آمنة [14] بنت زيد بن عمرو فقال: اضربي على قيس الذي أنعم على عمّك هذه القبّة. وقد كان الحارث قتل أباها زيدا
__________
[1] الأرجوان: صبغ أحمر شديد الحمرة.
[2] وردت هذه الكلمة في «الأصول» محرفة، والتصويب من «النقائض».
[3] شمام: موضع، ويروى بالكسر على البناء مثل قطام، وبالفتح على أنه لا ينصرف.
[4] كذا في «النقائض». وفي «الأصول»: «و قال الكلابي» بزيادة الواو.
[5] في «الأصول»: «ثم ذلك مكانه ونهضت». والتصويب من «النقائض».
[6] في «ج» و «النقائض»: «و يهوى عمرو إلى فرسه فيضربها ... ».
[7] كذا في «ح» و «النقائض» (صفحة 671). ولعله يريد: لو لا سرعة الخنثى لوقع أسيرا فأقام مدّة القيط ضعيف النهض حق مقيد، أي مقيدا حق التقييد، وورد هذا الشطر في «سائر الأصول» محرفا. ويروى هذا البيت في «النقائض» (صفحة 409):
فلو لا مدى الخنثى وطول جرائها ... لرحت بطيء المشي حق مقيد
[8] في «ج»: «ريطا» والربط (بضمتين وسكنت عينه هنا، وهذا التسكين جائز في مثل هذا الجمع، والواحد ربيط): جماعات الخيل.
[9] خفوق السيف اضطرابه. والمقلد: موضع القلادة من العنق، وموضع نجاد السيف على المنكبين.
[10] هذه عبارة «النقائض». وفي «ج»: «و زعم علماء بني أنه». وفي «أكثر الأصول»: «و زعم علماؤنا أنهم لما انهزم الناس ... ».
[11] الزيادة من «النقائض».
[12] سرعان الخيل (بفتح الراء وسكونها): أوائلها.
[13] كذا في «النقائض». وفي «الأصول»: «في الشهر الحرام» بزيادة «في».
[14] في «النقائض» «أمية».
يوم جبلة. فجاءت بالقبّة فرأت الحارث أهيأهما [1]، وأجملهما، فظنّته قيسا فضربت القبّة على رأسه وهي تقول: هذا واللّه رجل/ لم يطّلع الدّهر عليه بما اطّلع به عليّ. فلمّا رجعت إلى عمّها عمرو قال: يابنة أخي، على من ضربت القبّة؟ فنعتت له نعت الحارث. فقال: ضربتها واللّه على رجل قتل أباك وأمر بقتل عمّك. فجزعت مما قال لها عمّها. فقال الحارث بن الأبرص:
أما تدرين يابنة آل زيد ... أمين [2] بما أجنّ اليوم صدري
فكم من فارس لم ترزئيه ... فتى الفتيان في عيص وقصر [3]
رأيت مكانه فصددت عنه ... فأعيا أمره وشدددت أزري
لقد امرته فعصى إماري ... بأمّ عزيمة [4] في جنب عمرو
أمرت به لتخمش [5] حنّتاه ... فضيّع أمره قيس وأمري
- الحنّة: الزوجة. يقال حنّته، وطلّته [6] - . ثم إن عمرا قال: يا حار، ما الذي جاء بك! فو اللّه ما لك عندي نعمة، ولقد كنت سيّ ء الرأي فيّ، قتلت [7] أخي وأمرت بقتلي. فقال: بل كففت [عنك [8]]، ولو شئت إذا أدركتك لقتلتك. قال: ما لك عندي من يد، ثم تذمّم منه فأعطاه مائة من الإبل، ثم انطلق فذهب الحارث فلمّا جاء [9] عمرا قيس أعطاه إبلا كثيرة، فخرج قيس بها، حتى إذا دنا من أهله سمع به/ الحارث بن الأبرص فخرج في فوارس من بني أبيه عرض لقيس فأخذ ما كان معه. فلمّا أتى قيس بني أبيه بني المنتفق اجتمعوا إليه وأرادوا الخروج. فقال: مهلا! لا تقاتلوا إخوتكم؛ فإنه يوشك أن يرجع وأن يؤول إلى الحق فإنه رجل حسود. فلمّا رأى الحارث أن قيسا قد كفّ عنه ردّ إليه ما أخذ منه.
وأمّا عتيبة بن الحارث بن شهاب فإنه أسر يومئذ فقيّد في القدّ، وكان يبول على قدّه حتى عفن. فلمّا دخل الشهر الحرام هرب فأفلت منهم بغير فداء.
وغنم مرداس بن أبي عامر [10] غنائم وأخذ رجلا فأخذ منه مائة [11] ناقة، فانتزعها منه بنو أبي بكر بن كلاب؛ فخرج مرداس إلى يزيد بن الصّعق، وكان له خليلا، فانتهى إليه مرداس وهو يقول:
لعمرك ما ترجو معدّ ربيعها ... رجائي يزيدا بل رجائي أكثر
__________
[1] في «الأصول»: «أحياهما». والتصويب من «النقائض».
[2] أمين: مصغر أمنة تصغير ترخيم. وفي «النقائض»: «أميّ» كروايته الأولى.
[3] كذا في «الأصول». وفي «النقائض» (في صفحة 672): «في عيص ويسر»، وفي 409 «أخي الفتيان في عرف ونكر».
[4] في «الأصول»: «بأم غوية». والتصويب من «النقائض» (ص 672). وفي 409 منها «بأم حزامة». يشير بهذا إلى قوله لقيس بن المنتفق حين أسر عمرو بن عمرو: اقتل اقتل، فأبى قيس أن يقتله.
[5] الخمش: الخدش في الوجه، وقد يستعمل في سائر الجسد. يريد: ليقتل فتبكى عليه حنتاه فتخمشا وجوههن من كثرة اللدم لها.
[6] في «الأصول»: «كلته» وهو تحريف.
[7] في «الأصول»: «و قتلت» بزيادة الواو وليست في «النقائض».
[8] زيادة من «النقائض».
[9] عبارة «النقائض»: «فلما خلا عمرو بقيس ... ».
[10] في «الأصول»: «أبي غاز»، والتصويب من «النقائض» ومن نسخة المرحوم الشنقيطي.
[11] في «الأصول»: «و أخذ رجلا ومائة ناقة» والتصويب من «النقائض».
يزيد بن عمرو خير من شدّ ناقة ... بأقتادها [1] إذا الرياح تصرصر
/ تداعت بنو بكر عليّ كأنما ... تداعت عليّ بالأحزّة [2] بربر
تداعوا [3] عليّ أن رأوني بخلوة ... وأنتم بأحدان [4] الفوارس أبصر
/ ويروى «بوحدان». فركب يزيد حتى أخذ الإبل من بني أبي بكر فردّها إليه. فطرقه البكريّون فسقوه الخمر حتى سكر، ثم سألوه الإبل فأعطاهم إيّاها. فلمّا أصبح ندم، فخرج إلى يزيد فوجد الخبر قد جاءه. فقال له يزيد: أصاح أنت أم سكران؟! فانصرف فاطّرد إبلا من إبل بني جعفر فذهب بها وأنشأ يقول:
أجنّ بليلى [5] قلبه أم تذكّرا ... منازل منها حول قرّى ومحضرا
تخرّ [6] الهدال فوق خيمات أهلها ... ويرسون حسّا بالعقال [7] مؤطّرا
- الحسّ: الفرس الخفيفة. والمؤطّر: المعطوف -
سآبى وأستغني كما قد أمرتني ... وأصرف عنك العسر لست بأفقرا
وإنّ سليما والحجاز مكانها ... متى آتهم أجد لبيتي مهجرا
- المهجر: الموضع الصالح؛ يقال: هذا أهجر من هذا إذا كان أجود [منه] وأصلح -
يفرّج عنّي حدّهم [8] وعديدهم ... وأسرج لبدي خارجيّا مصدّرا [9]
قصرت عليه الحالبين فجوده [10] ... إذا ما عدا بلّ الحزام وأمطرا
- الحالبين: الراعيين. يقول احتبستهما -
فخذ إبلا إنّ العتاب [11] كما ترى ... على خذم [12] ثم ارم للنصر جعفرا
__________
[1] الأقتاد: جمع قتد (بالتحريك وبالكسر) وهو خشب الرحل أو كل أداة الرحل. وفي «ب، س»: «أو أقتادها» وهو تحريف.
[2] كذا في «النقائض». والأحزة: جمع حزيز، وهو ما غلظ من الأرض وانقاد. وفي «ج»: «بالأخرة» (بالخاء المعجمة والراء المهملة) جمع خرير، وهو المكان المنهبط بين الربوتين ينقاد، وفي «سائر الأصول»: «بالأخيرة» وهو تحريف: وبربر: جيل من الناس.
[3] كذا في «النقائض». وفي «الأصول»: «تداعت» والتناسب بين الضمائر في البيت أولى.
[4] كذا في «ح» والنقائض». ووردت هذه الكلمة محرفة في «سائر الأصول». وأحدان: جمع واحد كراكب وركبان؛ يقال فيه وحدان على الأصل، وأحدان بقلب الواو همزة.
[5] في «الأصول»: «أحن بليل» والتصويب من «النقائض» و «معجم البلدان» في كلامه على «محضر». وقرى ومحضر: موضعان.
[6] في «أكثر الأصول»: «تحن الهزال». وفي «ج»: «تحن الهدال». وما أثبتناه عن «النقائض». والهدال هنا ضربت من الشجر يكون بالحجاز له ورق عراض، أو هو ما تدلي من الأغصان.
[7] في «الأصول»: «بالفعال» والتصويب من «النقائض».
[8] كذا في «النقائض». والحدّ هنا الشوكة والقوّة. وفي «الأصول»: «عدهم».
[9] المصدّر من الخيل: السابق.
[10] المراد بالجود هنا العرق.
[11] كذا في «الأصول» و «النقائض»!.
[12] الخذم (بالتحريك): السرعة في السير. وفي «النقائض»: «ادع» بدل «ارم».
/
فإنّ بأكناف البحار [1] إلى الملا ... وذي النّخل مصحى إن صحوت [2] ومسكرا
وأرعى من الأظلاف [3] أثلا وحمضة [4] ... وترعى من الأطواء أثلا وعرعرا
وانصرف يومئذ سنان بن أبي حارثة المرّيّ في بني ذبيان على حاميته، فلحق بهم معاوية بن الصّموت بن الكامل [5] الكلابيّ، وكان يسمّى الأسد المجدّع، ومعه حرملة العكليّ ونفر من النّاس، فلحق بسنان بن أبي حارثة ومالك بن حمار الفزاريّ في سبعين فارسا من بني ذبيان. فقال سنان: يا مالك كرّ واحمنا ولك خولة بنت سنان ابنتي أزوّجكها. فكرّ مالك فقتل معاوية، ثم اتّبعه حرملة العكليّ وهو يقول:
لأيّ يوم يخبأ المرء السّعه ... مودّع ولا ترى [6] فيه الدّعه
فكّر عليه مالك فقتله، ثم اتّبعه رجل من بني كلاب، فكرّ عليه مالك فقتله، ثم اتّبعه رجلان من قيس كبّة من بجيلة، فكرّ عليهما فقتلهما، ومضى مالك وأصحابه. فقال مالك في ذلك:
/و لقد صددت عن الغنيمة حرملا ... ولقيته لددا [7] وخيلي تطرد
أقبلته [8] صدر الأغرّ وصارما ... ذكرا فخرّ على اليدين الأبعد
وابن الصموت تركت حين لقيته ... في صدر مارنة يقوم ويقعد
وابنا ربيعة في الغبار كلاهما ... وابنا غنيّ عامر والأسود [9]
/حتى تنفّس بعد نكظ مجحرا [10] ... أذهبت عنه والفرائص ترعد
- النكظ الجهد. قال: -
يعدو ببزّي سابح ذو ميعة ... نهد المراكل ذو تليل [11] أقود
__________
[1] كذا في «النقائض». وفي «ج، ب، س»: «فإن بأكناف الرحال» وفي «أ، م»: «فإن بأكناف النجار». وهما تحريف. والبحار: جمع بحرة (بالفتح) وهي الفجوة من الأرض تتسع، أو هي الوادي الصغير يكون في الأرض الغليظة، أو هي الروضة العظيمة مع سعة.
والملا: الأرض الواسعة أو الفلاة.
[2] كذا في «النقائض». وفي «الأصول»: «إن سمعت».
[3] في «النقائض»: «من الأكلاء». والأظلاف: جمع ظلف (بالتحريك) وهو ما غلظ من الأرض وصلب.
[4] كذا في «النقائض». ولعل المراد بالحمضة الحمض لحقته هاء التأنيث. والحمض من النبات: كل نبت مالح أو حامض يقوم على سوق ولا أصل له. وفي «ج»: «و خضمة» بالضاد المعجمة. وفي «أ، م»: «و خصمة» بالصاد المهملة. وفي «ب، س»:
«و خطمة».
[5] كذا في «أكثر الأصول». وفي «ج»: «الكاهن». وفي «النقائض»: «الكاهل». ولم نهتد لوجه الصواب فيه.
[6] في «الأصول»: «و لا يرى فيها الدعة» والتصويب من «النقائض». والمودّع: المترف المنعم. والدعة هنا: الخفض في العيش والراحة. يقول: هو مترف منعم ولا ترى عليه آثار النعمة.
[7] وردت هذه الكلمة في «الأصول» مضطربة؛ ففي «ب، س»: «لدا». وفي «أ، م»: «لدوا». وفي «ج»: «للدا». والتصويب من «النقائض»، والرواية فيها: «و بغيته لددا». واللدد: مصدر لددت فلانا ألده إذا خصمته وجادلته.
[8] أقبلت الشيء الشي ء: جعلته قبالته.
[9] رواية «النقائض»:
وابنا بجيلة في الغبار كلاهما ... وابن الغني وعامر والأسود
[10] المجحر: المضطر الملجأ.
[11] في «الأصول»: «يعدو بين» بدون الياء. والتصويب من «النقائض». والسابح: الفرس الحسن مدّ اليدين في الجري. وميعة كل شي ء:
فخطب إليه مالك خولة فأبى أن يزوّجه.
وأمّا بنو جعفر فيزعمون أن عروة الرّحّال بن عتبة بن جعفر وجد سنان بن أبي حارثة وابنيه هرما ويزيد على غدير قد كاد العطش أن يهلكهم، فجرّ نواصيهم وأعتقهم. ثم إن عروة أتى سنانا بعد ذلك يستثيبه ثوابا يرضاه [فلم يثبه شيئا [1]].
فقال عروة في ذلك:
ألا من مبلغ عنّي سنانا ... ألوكا لا أريد بها عتابا
أ في الخضراء تقسم هجمتيكم [2] ... وعروة لم يثب إلا التّرابا
/ فلو كان الجعافر طاوعوني ... غداة الشّعب لم تذق [3] الشّرابا
أتجزي القين نعمتها عليكم ... ولا تجزي بنعمتها كلابا
وأمّا بنو عامر فيزعمون أن سنانا انصرف ذات يوم هو وناس من طيّىء وغيرهم قبل الوقعة، فبلغه أنّ بني عامر يقولون: مننّا عليه؛ فأنشأ يقول:
واللّه ما منّوا ولكن شكّتي ... منّت وحادرة المناكب صلدم [4]
بخرير شول [5] يوم يدعى عامر ... لا عاجز ورع [6] ولا مستسلم
وأمّا بارق فتدّعي أسر سنان يومئذ على الثّواب، ثم أتوه فلم يصنع بهم خيرا. فقال معقّر بن أوس بن حمار البارقيّ:
متى تك في ذبيان منك صنيعة ... فلا تحمدنها الدّهر بعد سنان
يظلّ يمنّينها بحسن ثوابه [7] ... لكم مائة يحدو بها فرسان
مخاض أؤدّيها وجلّ لقائح [8] ... وأكرم مثوى منكم من أتاني
/ فجئناه للنّعمى فكان ثوابه ... رغوث ووطبا حازر مذقان [9]
__________
- أوّله وأنشطه. والنهد: الجسم المرتفع. ومركل الدابة: حيث يركله الراكب برجله ليحثه على السير. والتليل: العنق. والأقود: إن كان وصفا لنهد فهو المنقاد الذليل، وإن كان وصفا لتليل فهو الطويل، ويكون في البيت إقواء.
[1] زيادة عن «النقائض».
[2] الخضراء من الناس: سوادهم ومعظمهم. والهجمة: القطعة الضخمة من الإبل واختلف في مقدارها على عدة أقوال.
[3] في «الأصول»: «يذق» بالياء المثناة من تحت. والتصويب من «النقائض».
[4] الشكة: السلاح. وحادرة المناكب: غليظتها. والمناكب: جمع منكب (بكسر الكاف) وهو من الإنسان وغيره مجتمع رأس الكتف والعضد. وقد عللوا ورود الجمع في مثل هذا فقال اللحياني: هو من الواحد الذي يفرّق فيجعل جمعا، والعرب تفعل هذا كثيرا.
وقياس قول سيبويه أن يكونوا ذهبوا في ذلك إلى تعظيم العضو، كأنهم جعلوا كل طائفة منه منكبا. وصلدم: صلب شديد أو هو شديد الحاقر. ويلحظ أن «حادرة المناكب» وصف لأنثى، «و صلدما» وصف مذكر، والأنثى «صلدمة» بهاء التأنيث.
[5] في «ج»: «بجزير سول». وفي «النقائض»: بجزير سول» بحاء مهملة وزايين معجمتين وقد أثبتنا ما ورد فيه.
[6] الورع: الجبان. والضعيف في رأيه وعقله وبدنه.
[7] في «أكثر الأصول»: «يظل فينأى محسن بثوابه» والتصويب من «ج» و «النقائض».
[8] ورد هذا الشطر في «النقائض» هكذا:
مخاض أؤديها لقائح مائة
[9] في «أكثر الأصول»: رغوثا ووطبا خازرا» والتصويب من «ج» و «النقائض». والمراد بالرغوث هنا: ذات اللبن. والوطب: سقاء
وظللّ ثلاثا يسأل الحيّ ما يرى ... يؤامرهم [1] فيناله أملان
فإن كنت هذا الدهر لا بدّ شاكرا ... فلا تثقن بالشكر في غطفان [2]
تاريخ يوم جبلة:
قال: وكان جبلة قبل الإسلام بتسع [3] وخمسين سنة قبل مولد النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم [4] بتسع عشرة سنة. وولد النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم عام الفيل، ثم أوحى اللّه إليه بعد أربعين سنة، وقبض وهو ابن ثلاث وستّين سنة، وقدم عليه عامر بن الطّفيل في السنة التي قبض فيها صلّى اللّه عليه وسلّم، قال: وهو ابن ثمانين سنة.
ما قيل في هذا اليوم من الشعر:
وقال المعقّر بن أوس بن حمار البارقيّ حليف بني نمير بن عامر:
أمن آل شعثاء [4] الحمول البواكر ... مع اللّيل أم [5] زالت قبيل الأباعر [6]
وحلت سليمى في هضاب وأيكة ... فليس عليها يوم ذلك قادر
وألقت عصاها واستقرّت بها النّوى ... كما قرّ عينا بالإياب المسافر
/ وصبّحها أملاكها بكتيبة ... عليها إذا أمست من اللّه ناظر
/ معاوية بن الجون ذبيان حوله ... وحسّان في جمع الرّباب مكاثر
فمرّوا بأطناب [7] البيوت فردّهم ... رجال بأطراف الرماح مساعر [8]
وقد جمعوا جمعا كأن زهاءه ... جراد هوى في هبوة [9] متطاير
فباتوا لنا ضيفا وبتنا بنعمة ... لنا مسمعات بالدّفوف وسامر
ولم نقرهم [10] شيئا ولكنّ قصدهم ... صبوح لدينا مطلع الشّمس حازر
__________
- اللبن. والحازر: الحامض. والمذق: اللبن المخلوط بالماء. يقال: مذقت اللبن أمذقه مذقا من باب نصر) إذا خلطته بالماء، فاللبن ممذوق ومذيق ومذق (بفتح فكسر) الأخيرة على النسب.
[1] يؤامرهم: يشاورهم.
[2] كذا ورد هذا البيت في «الأصول». وروايته في «النقائض»:
فإن كنت هذا الدهر لا بدّ منعما ... فلا تبغين الشكر في غطفان
والمعنى على هذه الرواية واضح؛ إذ هو يقول: إن كنت لا بدّ منعما في دهرك على أحد فلا تنعم على أحد من غطفان؛ فإنهم قوم يكفرون النعمة ويجحدون الصنيع. وظاهر أن الغموض في «رواية الأصل» يرجع إلى تحريف فيها.
[3] في «النقائض»: «بسبع».
[4] في «ب، س»: «آل شعفاء» بالفاء وهو تحريف.
[5] في «الأصول»: «أن زالت» والتصويب من «النقائض».
[6] كذا في «ج» و «النقائض». وفي «سائر الأصول»: «الأعاصر» وهو تحريف.
[7] الأطناب: حبال تشدّ بها البيوت. والمراد بأطناب البيوت هنا: أطرافها ونواحيها ومن ذلك الحديث: «ما بين طنبي المدينة أحوج مني إليها» أي ما بين طرفيها. والمراد بالبيوت هنا الخيام التي تشدّ بأطناب.
[8] مساعر: جمع مسعر (بكسر الميم وفتح العين) يقال: فلان مسعر حرب، إذا كان يؤرثها، فتحمي به الحرب.
[9] الهبوة: الغبار الثائر.
[10] في «الأصول»:
صبحناهم عند الشّروق كتائبا [1] ... كأركان سلمى شبرها متواتر
كأنّ نعام الدّوّ باض عليهم [2] ... وأعينهم تحت الحبيك جواحر [3]
- الحبيك في البيض إحكام عملها وطرائقها -
من الضاربين الكبش [4] يمشون مقدما ... إذا غصّ بالريق القليل الحناجر
وظنّ سراة القوم ألّا يقتّلوا [5] ... إذا دعيت بالسّفح [6] عبس وعامر
/ ضربنا حبيك البيض في غمر لجّة ... فلم يبق [7] في الناجين منهم مفاخر
ولم ينج إلّا من يكون طمرّة [8] ... يوائل أو نهد ملحّ مثابر
هوى زهدم تحت الغبار لحاجب ... كما انقضّ أقنى [9] ذو جناحين ماهر [10]
هما بطلان يعثران كلاهما ... أراد [11] رئاس السيف والسيف نادر
ولا فضل إلا أن يكون جراءة ... وذبيان تسمو [12] والرؤوس حواسر
ينوء وكفّا زهدم من ورثه ... وقد علقت ما بينهن الأظافر
يفرّج عنّا كلّ ثغر نخافه ... مسحّ كسرحان القصيمة ضامر [13]
- القصيدة من الرمل: ما أنبتت الغضى والرّمث -
وكلّ طموح في العنان كأنّها ... إذا اغتمست في الماء فتخاء [14] كاسر
__________
-
ولم يغرهم شيئا ولكن قصدهم ... صبوح لنا من مطلع الشمس خازر
والتصويب من «النقائض». وحازر: حامض.
[1] الكتائب: فرق الجيش، واحدها كتيبة. وسلمى هنا: جبل في بلاد طيى ء. والشبر: الإعطاء. ومتواتر: متتابع. يصف الكتائب بالضخامة كأنها أركان جبل سلمى المعروف. والمراد بإعطائها المتواتر: فتكها المتواصل.
[2] يريد تشبيه ما على رؤوسهم من بيض الحديد ببيض النعام.
[3] جواحر: غائرات. وفي «ب، س»: «جواهر» وهو تحريف.
[4] كبش القوم: رئيسهم وسيدهم أو هو حاميهم والمنظور إليه فيهم.
[5] في «ج» و «النقائض»: «أن لن يقتلوا».
[6] في «الأصول»: «بالصفح» والتصويب من «النقائض». وسفح الجبل: أسفله حيث يسفح فيه الماء. ولعله يعني به مكانا بعينه.
[7] في «النقائض»: «فلم ينج في الناجين».
[8] في «أكثر الأصول»: «بطمره. بوائل» والتصويب من «ح» و «النقائض». والطمر: الفرس الجواد، أو المستفز للوثب، أو هو الطويل القوائم الخفيف. ويوائل: يبادر إلى ملجأ لينجو. والنهد: القوي الضخم. يقال فرس نهد، وشاب نهد.
[9] القنا: تنوء في وسط قصبة الأنف وإشراف، وقيل: هو في الصقر والبازي اعوجاج في المنقار.
[10] في «أ، م»: «قاهر».
[11] وردت هذه الكلمة محرفة في «الأصول»؛ ففي «ح»: «إذا أراد بأس السيف». وفي «سائر الأصول». إذا ردّ بأس السيف».
والتصويب من «النقائض». ورئاس السيف مقبضه. ونادر: ساقط. يقول: إن كل واحد منهما يطلب رئاس السيف لقتل صاحبه.
[12] في «النقائض». «و ذو بدنين والرؤوس». والبدن هنا الدرع.
[13] في «النقائض»: «جاسر». والمسح: الفرس الجواد السريع كأنّه يصب الجري صبا، شبه بالمطر في سرعة انصبابه. والسرجان:
الذئب.
[14] الفتخاء الكاسر: العقاب. والفتح (بالتحريك): اللين في المفاصل وغيرها. والعقاب إذا انحطت كسرت جناحيها وغمزتها، وهذا
لها ناهض [1] في المهد قد مهدت له ... كما مهدت [2] للبعل حسناء عاقر
/ - وبهذا البيت سمّي معقّرا واسمه سفيان بن أوس. وإنما خصّ العاقر لأنها أقلّ دلّا [3] على الزوج من الولود فهي تصنع له وتداريه -
تخاف نساء يبتدرن حليلها ... محرّدة [4] قد خرّدتها الضراء
وقال عامر بن الطّفيل بعد ذلك بدهر:
ويوم الجمع لاقينا لقيطا ... كسونا رأسه عضبا حساما [5]
أسرنا حاجبا فثوى بقدّ [6] ... ولم نترك لنسوته سواما
وجمع الجون [7] إذ دلفوا إلينا ... صبحنا جمعهم جيشا لهاما [8]
وقال لبيد بن ربيعة في ذلك:
وهم حماة الشّعب يوم تواكلت ... أسد وذبيان الصّفا وتميم
فارتثّ [9] كلماهم عشيّة هزمهم ... حيّ [10] بمنعرج المسيل مقيم
/ تم اليوم والحمد للّه.
صوت
أيجمل ما يؤتى إلى فتياتكم ... وأنتم رجال فيكم عدد النّمل
فلو أننا كنا رجالا وكنتم ... نساء حجال لم نقرّ [11] بذا الفعل
/ الشعر لعفيرة بنت عفار [12] - وقيل بنت عبّاد - الجديسيّة التي يقال لها الشّموس. والغناء لعريب خفيف ثقيل أوّل
__________
- لا يكون إلا من اللبن، فهي فتخاء.
[1] الناهض: الفرخ الذي وفر جناحاه حتى المتقل للنهوض.
[2] في «الأصول»: «نهدت» والتصويب من «النقائض».
[3] في «ح» و «النقائض»: «دالة».
[4] التحريد هنا: من الحرد بمعنى الغيظ والغضب، أي إن ضرائرها أغضبتها وغظنها.
[5] العضب: السيف. وحسام: قاطع.
[6] كذا في «ح» و «النقائض». وفي «سائر الأصول»: «بقيد». والقدّ (بالكسر): سير بقد من جلد غير مدبوغ. والسوام: الإبل الراعية. يريد أنه لم يترك للنساء مالا.
[7] في «الأصول»: «و جمع الحزم». والتصويب من «النقائض».
[8] وردت هذه الكلمة في «الأصول»: محرفة؛ ففي «ح»: «كحيا لهاما». وفي «سائر الأصول»: «كجبال هاما». والتصويب من «النقائض». واللهام: الكثير.
[9] الأرتثاث: أن يحمل الجريح من المعركة وهو ضعيف قد أثخنته الجراح. والكلمي: جمع كليم وهو الجريح.
[10] في «ب، س»: «حتى» وهو تحريف.
[11] كذا في «ح» و «كل الأصول» فيما يأتي (ص 166). وفي «سائر الأصول» هنا: «لم نعير». وفي «كتاب الصبح المنير» في شعر أبي بصير (ص 74 طبع مطبعة آدلف هو لرهوسن بيانة): «لا نقر على الذل».
[12] كذا في «الصبح المنير» ونسخة من «الكامل» لابن الأثير أشير إليها في ذيل النسخة المطبوعة في أوربا (ج 1 ص 251). وفي «الأصول»: «بنت «عفان».
مطلق في مجرى البنصر. وفيه لحن من الثقيل الأوّل قديم.
عمليق ملك طسم وجديس وسبب قتله:
أخبرني بهذا الشعر والسبب الذي من أجله قيل عليّ بن سليمان الأخفش عن السّكّريّ عن محمد بن حبيب عن ابن الأعرابي عن المفضّل أن عمليقا ملك طسم بن لاوذ بن إرم بن سام بن نوح عليه السلام، وجديس بن لاوذ بن إرم بن سام بن نوح عليه السلام، وكانت منازلهم في موضع اليمامة، كان [1] في أوّل مملكته قد تمادى في الظّلم والغشم والسّيرة بغير الحقّ، وأنّ امرأة من جديس كان يقال لها هزيلة، وكان لها زوج يقال له قرقس [2]، فطلّقها وأراد أخذ ولدها منها، فخاصمته إلى عمليق، فقالت: «يأيها الملك إنّي حملته تسعا، ووضعته دفعا، وأرضعته شفعا، حتى إذا تمّت أوصاله، ودنا فصاله، أراد أن يأخذه منّي كرها، ويتركني من بعده ورها [3]». فقال لزوجها:
ما حجّتك؟ قال: «حجّتي أيها الملك أنّي قد أعطيتها المهر كاملا، ولم أصب منها طائلا، إلّا وليدا خاملا [4]، فافعل ما كنت فاعلا. فأمر بالغلام أن ينزع منهما جميعا ويجعل في غلمانه، وقال لهزيلة: «ابغيه ولدا،/ ولا تنكحي أحدا، واجزيه صفدا [5]». فقالت هزيلة: «أمّا النكاح فإنما يكون بالمهر، وأمّا السّفاح فإنما يكون بالقهر، وما لي فيهما من أمر». فلما سمع ذلك عمليق أمر بأن تباع هي وزوجها، فيعطى زوجها خمس ثمنها، وتعطى هزيلة عشر ثمن زوجها. فأنشأت تقول:
أتينا أخا طسم ليحكم بيننا ... فأنفذ حكما في هزيلة ظالما
لعمري لقد حكّمت لا متورّعا ... ولا كنت فيما تبرم [6] الحكم عالما
ندمت ولم أندم وأنّى بعثرتي [7] ... وأصبح بعلي في الحكومة نادما
أمر ألا تزوّج بكر من جديس حتى يفترعها:
فلمّا سمع عمليق قولها أمر ألّا تزوّج بكر من جديس وتهدى إلى زوجها حتى يفترعها هو قبل زوجها، فلقوا من ذلك بلاء وجهدا وذلّا. فلم يزل يفعل هذا حتى زوّجت الشّموس وهي عفيرة بنت عبّاد أخت الأسود الذي وقع [8] إلى جبل طيّىء فقتلته طيىء وسكنوا الجبل من بعده. فلمّا أرادوا حملها إلى زوجها انطلقوا بها إلى عمليق لينالها قبله، ومعها القيان يتغنّين:
ابدي [9] بعمليق وقومي فاركبي ... وبادري الصّبح لأمر معجب
__________
[1] في «الأصول الخطية»: «و كان ... » بزيادة الواو وهو تحريف.
[2] كذا في «ح». وفي «أ، م»: «فرس». وفي «ب، س»: «ما شق». ولم نهتد إليه.
[3] كذا في «الأصول»: وكتاب «الكامل» لابن الأثير. والورهاء (بالمد وقصرت هنا للسجع): الخرقاء. وفي نسخة من كتاب «الكامل» لابن الأثير أشير إليها في ذيل النسخة المطبوعة في أوربا: «و لهى». والوله: الحزن وذهاب العقل لفقدان الحبيب. وهذه الرواية هي المناسبة هنا.
[4] في «الأصول»: «حاملا» بالحاء المهملة، والتصويب من «الكامل» لابن الأثير و«الصبح المنير».
[5] الصفد (بالتحريك): العطاء.
[6] في «الأصول»: «يبرم» بالياء المثناة من تحت. وفي «الكامل» لابن الأثير: «فيمن يبرم». وفي «الصبح المنير»: «ممن يبرم».
[7] كذا في «ح» و«الكامل» لابن الأثير. وفي «ب، س»: لعترتي». وفي «أ، م»: «قدمت ولم أندم وأني بعترتي». وكلاهما تحريف.
[8] في «ب، س»: «دفع».
[9] ابدي: أمر للأنثى من «بدأ» مع تسهيل الهمزة.
فسوف تلقين الذي لم تطلبي ... وما لبكر عنده [1] من مهرب
تحريض عفيرة بنت عباد قومها عليه:
فلمّا أن دخلت عليه افترعها وخلّى سبيلها. فخرجت إلى قومها في دمائها شاقّة درعها من قبل ومن دبر والدّم يسيل وهي في أقبح منظر، وهي تقول:
/لا أحد أذلّ من جديس ... أهكذا يفعل بالعروس
/ يرضى بهذا يا لقومي حرّ [2] ... أهدى وقد أعطى وسيق المهر
لأخذة الموت كذا لنفسه ... خير من ان يفعل ذا بعرسه
وقالت تحرّض قومها فيما أتي إليها:
أيجمل ما يؤتى إلى فتياتكم ... وأنتم رجال فيكم عدد النّمل
وتصبح تمشي في الدّماء [3] عفيرة ... جهارا [4] وزفّت في النساء إلى بعل
ولو أننا كنا رجالا وكنتم ... نساء لكنّا لا نقرّ بذا الفعل
فموتوا كراما أو أميتوا عدوّكم ... ودبّوا لنار الحرب بالحطب الجزل
وإلا فخلّوا بطنها وتحمّلوا ... إلى بلد قفر وموتوا من الهزل
فللبين خير من مقام [5] على أذى ... وللموت خير من مقام على الذّلّ
وإن أنتم لم تغضبوا بعد هذه ... فكونوا نساء لا تعاب [6] من الكحل
ودونكم طيب العروس فإنما ... خلقتم لأثواب العروس وللغسل [7]
فبعدا وسحقا للذي ليس دافعا ... ويختال يمشي بيننا مشية الفحل
ائتمار جديس للغدر به وبقومه:
فلمّا سمع الأسود أخوها ذلك وكان سيّدا مطاعا قال لقومه: يا معشر جديس! إن هؤلاء القوم ليسوا بأعزّ منكم في داركم إلّا بما كان من ملك صاحبهم علينا وعليهم، ولو لا عجزنا وإدهاننا [8] ما كان له فضل علينا. ولو امتنعنا لكان لنا منه النّصف [9]. فأطيعوني فيما آمركم به، فإنّه عزّ الدهر، وذهاب الذلّ العمر، واقبلوا/ رأيي. قال: وقد أحمى
__________
[1] في «الصبح المنير»: «بعد ذا».
[2] في «الكامل»:
يرضى بذا يا قوم بعل حر
[3] في «ج»: «في الدجاء». وفي «سائر الأصول»: «في الرعاء». والتصويب من كتاب «الكامل» لابن الأثير و «الصبح المنير».
[4] هذه رواية «الكامل». وفي «الأصول»: «عفيرة زفت». وفي «الصبح المنير»: «عشية زفت».
[5] كذا في «ج» وكتاب «الكامل» و «الصبح المنير». وفي «سائر الأصول»: «من تماد».
[6] في «الصبح المنير»: «لا تغب عن الكحل».
[7] كذا في «ج» وكتاب «الكامل». وفي «سائر الأصول»: «و للنسل». والغسل (بالكسر): ما يغتسل به.
[8] الإدهان: المصانعة واللين مثل المداهنة.
[9] النصف (بالتحريك): إعطاء الحق مثل النصفة والإنصاف.
جديسا ما سمعوا من قولها فقالوا: نطيعك، ولكنّ القوم أكثر وأحمى وأقوى. قال فإنّي أصنع للملك طعاما ثم أدعوهم له جميعا. فإذا جاءوا يرفلون في الحلل ثرنا إلى سيوفنا وهم عارّون [1] فأهمدناهم بها. قالوا: نفعل.
فصنع طعاما كثيرا وخرج به إلى ظهر بلدهم، ودعا عمليقا وسأله أن يتغدى عنده هو وأهل بيته، فأجابه [2] إلى ذلك وخرج مع أهله يرفلون في الحلي والحلل، حتى إذا أخذوا مجالسهم ومدّوا أيديهم إلى الطعام، أخذوا سيوفهم من تحت أقدامهم فشدّ الأسود على عمليق فقتله، وكلّ رجل منهم على جليسه حتى أماتوهم. فلمّا فرغوا من الأشراف شدّوا على السّفلة فلم يدعوا منهم أحدا. فقال الأسود في ذلك:
ذوقي ببغيك يا طسم مجلّلة ... فقد أتيت لعمري أعجب العجب
إنّا أبينا [3] فلم ننفكّ نقتلهم ... والبغي هيّج منّا سورة الغضب
ولن يعود علينا بغيهم أبدا ... ولن يكونوا كذى أنف ولا ذنب
وإن رعيتم لنا قربى مؤكّدة ... كنّا الأقارب في الأرحام والنسب
غزوة حسان بن تبع لجديس وهروب الأسود وقتل طيىء له:
ثم إن بقيّة طسم لجئوا إلى حسّان بن تبّع، فغزا جديسا فقتلها وأخرب بلادها. فهرب الأسود قاتل عمليق، فأقام بجبلي طيّىء قبل نزول طيىء إيّاهما. وكانت طيىء تسكن الجرف من/ أرض اليمن، وهو اليوم محلّة مراد وهمدان، وكان سيّدهم يومئذ أسامة بن لؤيّ بن الغوث بن طيّى ء، وكان الوادي مسبعة، وهم قليل عددهم، وقد كان ينتابهم بعير في أزمان الخريف ولم يدر أين يذهب ولم يروه إلى قابل، وكانت/ الأزد قد خرجت من اليمن أيام العرم [4]، فاستوحشت طيّىء [5] لذلك وقالت: قد ظعن إخواننا فصاروا إلى الأرياف. فلما همّوا بالظّعن قالوا لأسامة: إنّ هذا البعير يأتينا من بلد ريف وخصب، وإنّا لنرى في بعره النّوى. فلو أننا نتعهّده عند انصرافه فشخصنا معه لكنا نصيب مكانا خيرا من مكاننا هذا. فأجمعوا أمرهم على ذلك. فلمّا كان الخريف جاء البعير فضرب في إبلهم، فلمّا انصرف احتملوا واتّبعوه يسيرون بسيره ويبيتون حيث يبيت حتى هبط على الجبلين. فقال أسامة بن لؤيّ:
اجعل طريبا كحبيب ينسى [6] ... لكل قوم مصبح وممسى
قال: وطريب [7] اسم الموضع الذي كانوا ينزلون به. فهجمت طيىء على النخل في الشّعاب وعلى مواش
__________
[1] الغارّ: الغافل: وأهمدنانهم: أمتناهم.
[2] في «الأصول»: «فأجابهم».
[3] كذا في «ج». وفي «سائر الأصول»: «أتيتا».
[4] كذا في «ج» وقد صححها كذلك المرحوم الشنقيطي في نسخته الخاصة من طبعة بلاق. وفي «سائر الأصول»: «أيام الصرم» وهو تحريف.
[5] في «الأصول»: «بلى» والتصويب من نسخة الشنقيطي.
[6] كذا صححه المرحوم الشنقيطي في نسخته. وفي «الأصول»: «جعلت طريفا كحب يبسا» وفي «ج»: «ينسى» وهو تحريف. وفي كتاب «صفة جزيرة العرب» لأبي محمد الحسن بن أحمد الهمداني صفحة 253 طبع مدينة ليدن سنة 1884 م: «و طريب موضع طيىء الذي انتجعوا منه إلى الجبلين».
[7] في «الأصول»: «و طريف» وهو تحريف كما تقدّم.
كثيرة، وإذا هم برجل في شعب من تلك الشّعاب وهو الأسود بن عبّاد، فهالهم ما رأوا من عظم خلقه وتخوّفوه، وقد نزلوا ناحية من الأرض واستبروها هل يرون بها أحدا غيره فلم يروا. فقال أسامة بن لؤيّ لابن له يقال له الغوث: أي بنيّ! إنّ قومك قد عرفوا فضلك عليهم في الجلد والبأس والرمي، فإن كفيتنا هذا الرجل سدت قومك آخر الدهر، وكنت الذي أنزلتنا هذا البلد. فانطلق الغوث حتى أتى الرجل فكلّمه وساءله. فعجب الأسود بن صغر خلق الغوث فقال له: من أين أقبلتم؟ قال: من اليمن، وأخبره خبر البعير ومجيئهم معه،/ وأنهم رهبوا ما رأوا من عظم خلقه وصغرهم عنه، وشغلوه بالكلام، فرماه الغوث بسهم فقتله، وأقامت طيىء بالجبلين بعده، فهم هنالك إلى اليوم.
صوت
إذا قبّل الإنسان آخر يشتهي ... ثناياه لم يحرج وكان له أجرا
فإن زاد زاد اللّه في حسناته ... مثاقيل يمحو اللّه عنه بها وزرا
الشعر لرجل من عذرة. والغناء لعريب ثقيل أوّل بالوسطى.
حديث عمر بن أبي ربيعة عن صاحبه الجعد بن مهجع العذري:
نسخت هذا الخبر من كتاب محمد بن موسى بن حمّاد قال ذكر الرّياشيّ قال قال حماد الراوية. أتيت مكة فجلست في حلقة فيها عمر بن أبي ربيعة، فتذاكروا من العذريّين، فقال عمر بن أبي ربيعة: كان لي صديق من عذرة يقال له الجعد بن مهجع، وكان أحد سلامان، وكان يلقى مثل الذي ألقى من الصّبابة بالنساء والوجد بهن، على أنه كان لا عاهر الخلوة ولا سريع السّلوة، وكان يوافي الموسم في كلّ سنة؛ فإذا راث [1] عن وقته ترجّمت [2] عنه الأخبار، وتوكفّت له الأسفار حتى يقدم. فغمّني ذات سنة إبطاؤه حتى قدم حجّاج عذرة، فأتيت القوم أنشد صاحبي، وإذا غلام قد تنفّس الصّعداء ثم قال: أعن أبي المسهر تسأل؟ قلت: عنه أسأل وإيّاه أردت. قال: هيهات هيهات! أصبح واللّه أبو المسهر لا مؤيسا فيهمل ولا مرجوا فيعلّل،/ أصبح واللّه كما قال القائل:
لعمرك ما حبّي لأسماء تاركي ... أعيش ولا أقضي به فأموت
/ قال قلت: وما الذي به؟ قال: مثل الذي بك من تهوّركما في الضّلال، وجرّكما أذيال الخسار، فكأنكما لم تسمعا بجنّة ولا نار. قلت: من أنت منه يابن أخي؟ قال: أخوه. قلت: أما واللّه يابن أخي ما يمنعك أن تسلك مسلك أخيك من الأدب وأن تركب منه مركبه إلا أنّك وأخاك كالبرد والبجاد لا ترقعه ولا يرقعك، ثم صرفت وجه ناقتي وأنا أقول:
أرائحة حجّاج عذرة وجهة ... ولمّا يرح في القوم جعد بن مهجع
خليلان نشكو ما نلاقي من الهوى ... متى ما يقل أسمع وإن قلت يسمع
ألا ليت شعري أيّ شيء أصابه ... فلى زفرات هجن ما بين أضلعي
__________
[1] راث: أبطأ.
[2] ترجمت: تظننت، من الرجم بمعنى الظن والحدس. وتوكفت توقعت وانتظرت. والأسفار: جماعة المسافرين؛ يقال قوم أسفار، وسفار (بضم السين وتشديد الفاء) وسفر بفتح فسكون)، وسافرة.
فلا يبعدنك اللّه خلّا فإنني ... سألقى كما لا قيت في كلّ مصرع
ثم انطلقت حتى وقفت موقفي من عرفات. فبينا أنا كذلك إذ أنا بإنسان قد تغيّر لونه وساءت هيئته، فأدنى ناقته من ناقتي حتى خالف بين أعناقهما، ثم عانقني وبكى حتى اشتدّ بكاؤه. فقلت: ما وراءك؟ فقال: برح العذل، وطول المطل، ثم أنشأ يقول:
لئن كانت عديّة ذات لبّ ... لقد علمت بأنّ الحبّ داء
ألم تنظر إلى تغيير جسمي ... وإنّي لا يفارقني البكاء
ولو أنّي تكلّفت الذي بي ... لقفّ [1] الكلم وانكشف الغطاء
فإنّ معاشري ورجال قومي ... حتوفهم الصّبابة واللّقاء
إذا العذريّ مات خليّ ذرع ... فذاك العبد يبكيه الرّشاء
/ فقلت: يا أبا المسهر إنها ساعة تضرب إليها أكباد الإبل من شرق الأرض وغربها، فلو دعوت اللّه كنت قمنا أن تظفر بحاجتك وأن تنصر على عدوّك. قال: فتركني وأقبل على الدعاء. فلمّا نزلت الشمس للغروب وهمّ الناس أن يفيضوا سمعته يتكلّم بشيء، فأصغيت إليه، فإذا هو يقول:
يا ربّ كلّ غدوة وروحه ... من محرم يشكو الضّحى ولوحه
أنت حسيب الخلق يوم الدّوحة
الجعد بن مهجع يذكر لعمر سبب عشقه ومسعى عمر في زواجه من عشقها:
فقلت له: وما يوم الدوحة؟ قال: واللّه لأخبرنّك ولو لم تسألني: فيمّمنا نحو مزدلفة، فأقبل عليّ وقال: إني رجل ذو مال كثير من نعم وشاء، وذو المال لا يصدره ولا يرويه الثّماد [2]. وقطر [3] الغيث أرض كلب، فانتجعت أخوالي منهم، فأوسعوا لي عن صدر المجلس وسقوني جمّة [4] الماء، وكنت فيهم في خير أخوال. ثم إنّي عزمت على موافقة إبلي بماء لهم يقال له الحوذان، فركبت فرسي وسمطت [5] خلفي شرابا كان أهداه إليّ بعضهم ثم مضيت، حتى إذا كنت بين الحيّ ومرعى النّعم رفعت [6] لي دوحة عظيمة، فنزلت عن فرسي وشددته بغصن من أغصانها وجلست في ظلّها. فبينا أنا كذلك إذ سطع غبار من ناحية الحيّ ورفعت لي شخوص/ ثلاثة، ثم تبيّنت فإذا فارس يطرد مسحلا [7] وأتانا، فتأمّلته فإذا عليه درع أصفر وعمامة خزّ سوداء، وإذا فروع شعره تضرب خصريه، فقلت: غلام حديث عهد بعرس أعجلته لذّة الصيد فترك ثوبه ولبس ثوب امرأته. فما جاز عليّ إلا يسيرا حتى طعن المسحل وثنّى طعنة للأتان فصرعهما، وأقبل راجعا نحوي وهو يقول:
__________
[1] قف: يبس، يريد التأم. يقول: لو أني حاولت الذي بي وتكلفته لسهل على أن أبرأ منه، ولكنه قدر من اللّه لا محيص منه.
[2] الثماد: جمع ثمد (بالتحريك وبالفتح) وهو الماء القليل الذي لا مادّ له.
[3] كذا في «ج». وفي «سائر الأصول»: «و نضر الغيث» وهو تحريف.
[4] جمة الماء (بالضم): معظمه.
[5] سمط هنا: علق.
[6] رفع لي الشي ء: أبصرته من بعيد.
[7] المسحل: الحمار الوحشي. والأتان: الحمارة الوحشية.
/
نطعنهم سلكى ومخلوجة ... كرّك لأمين على نابل [1]
فقلت: إنك قد تعبت وأتعبت، فلو نزلت! فثنى رجله فنزل فشدّ فرسه بغصن من أغصان الشجرة وألقى رمحه وأقبل حتى جلس، فجعل يحدّثني حديثا ذكرت به قول أبي ذؤيب:
وإنّ حديثا منك لو تبذلينه ... جنى النّحل في ألبان عوذ مطافل [2]
فقمت إلى فرسي فأصلحت من أمره ثم رجعت، وقد حسر العمامة عن رأسه، فإذا غلام كأنّ وجهه الدينار المنقوش. فقلت: سبحانك اللّهمّ! ما أعظم قدرتك وأحسن صنعتك! / فقال: ممّ ذاك؟ قلت: مما راعني من جمالك وبهرني من نورك. قال: وما الذي يروعك من حبيس التّراب، وأكيل الدوابّ، ثم لا يدري أينعم بعد ذلك أم يبأس. قلت: لا يصنع اللّه بك إلّا خيرا. ثم تحدّثنا ساعة، فأقبل عليّ وقال: ما هذا الذي أرى قد سمعت في سرجك؟ قلت: شراب أهداه إليّ بعض أهلك، فهل لك فيه من أرب؟ قال: أنت وذاك. فأتيته به، فشرب/ منه وجعل ينكت أحيانا بالسّوط على ثناياه، فجعل واللّه يتبيّن لي ظلّ السوط فيهن. فقلت: مهلا فإني خائف أن تكسرهنّ، فقال: ولم؟ قلت: لأنهن رقاق وهنّ عذاب. قال: رفع عقيرته يتغنّى:
إذا قبّل الإنسان آخر يشتهي ... ثناياه لم يأثم وكان له أجرا
فإن زاد زاد اللّه في حسناته ... مثاقيل يمحو اللّه عنه بها الوزرا
ثم قام إلى فرسه فأصلح من أمره ثم رجع. قال: فبرقت لي بارقة تحت الدّرع. فإذا ثدي كأنه حقّ عاج. فقلت:
نشدتك اللّه أمرأة؟ قالت: إي واللّه إلّا أنّي أكره العشير وأحبّ الغزل. ثم جلست فجعلت تشرب معي ما أفقد من أنسها شيئا حتى نظرت إلى عينيها كأنّهما عينا مهاة مذعورة. فو اللّه ما راعني إلّا ميلها على الدوحة سكرى. فزيّن لي واللّه الغدر وحسن في عيني، ثم إنّ اللّه عصمني منه، فجلست حجرة منها. فما لبثت إلّا يسيرا حتى انتبهت فزعة، فلاثت عمامتها برأسها، وجالت في متن فرسها، وقالت: جزاك اللّه عن الصّحبة خيرا. قلت: أو ما تزوّدينني منك زادا؟ فناولتني يدها، فقبّلتها فشممت واللّه منها ريح المسك المفتوت، فذكرت قول الشاعر:
كأنها إذ تقضّى النوم وانتبهت ... سحابة مالها عين ولا أثر
قلت: وأين الموعد؟ قالت: إنّ لي إخوة شرسا وأبا غيورا. وو اللّه لأن أسرّك أحبّ إليّ من أن أضرّك، ثم انصرفت.
فجعلت أتبعها بصري حتى غابت، فهي واللّه يابن ربيعة أحلّتني هذا المحلّ وأبلغتني. فقلت له: يا أبا المسهر إنّ الغدر بك مع ما تذكر لمليح. فبكى واشتدّ/ بكاؤه. فقلت: لا تبك؛ فما قلت لك ما قلت إلا مازحا، ولو لم أبلغ
__________
[1] البيت لامرىء القيس. والسلكى: الطعنة المستقيمة تلقاء الوجه. والمخلوجة: الطعنة المعوجة عن يمين وشمال. واللام: السهم عليه ريش لؤام. واللؤام من الريش: ما يلائم بعضه بعضا، وهو ما كان بطن القذة منه يلي ظهر الأخرى، وهو أجود ما يكون. فإذا التقى بطنان أو ظهران فهو لغاب ولغب. والنابل: صاحب النبل. يصف الطعن بأنه كان يذهب فيهم ويرجع سريعا كما تردّ سهمين على رام رمى بهما. وقيل سئل امرؤ القيس وهو يشرب مع علقمة بن عبدة عن معنى قوله «كرك لأمين» فقال: مررت بنابل وصاحبه يناوله الريش لؤاما وظهرا، فما رأيت أسرع منه فشبهت به. وقال القتيبي: إنما هو «كر كلامين» أي تكرير كلام بمعنى قول القائل للرامي: إرم إرم، أي ليس بين الطعن والطعن إلا بمقدار ارم ارم. وقال زيد بن كندة: يريد أن يطعن طعنتين مختلفتين ويوالي بينهما كما يوالي هذا القائل بين هاتين الكلمتين. (راجع «لسان العرب» في الموادّ خلج وسلك ولأم، وشرح «ديوان امرىء القيس» للوزير أبي بكر عاصم بن أيوب).
[2] عوذ، جمع عائذ وهي الحديثة النتاج إلى خمسة عشر يوما أو نحوها ثم هي بعد ذلك مطفل.
في حاجتك بمالي لسعيت في ذلك حتى أقدر عليه، فقال لي:/ خيرا. فلمّا انقضى الموسم شددت على ناقتي وشدّ على ناقته، ودعوت غلامي فشدّ على بعير له، وحملت عليه قبّة حمراء من أدم كانت لأبي ربيعة المخزوميّ، وحملت معي ألف دينار ومطرف خزّ، وانطلقنا حتى أتينا بلاد كلب، فنشدنا عن أبي الجارية فوجدناه في نادي قومه، وإذا هو سيّد الحيّ وإذا الناس حوله. فوقفت على القوم فسلّمت، فردّ الشيخ السلام، ثم قال: من الرجل؟
قلت: عمر بن أبي ربيعة بن المغيرة. فقال: المعروف غير المنكر، فما الذي جاء بك؟ قلت: خاطبا. قال: الكف، والرّغبة. قلت: إني لم آت ذلك لنفسي عن غير زهادة فيك ولا جهالة بشرفك، ولكني أتيت في حاجة ابن أختكم العذريّ، وها هو ذاك. فقال: واللّه إنّه لكفيء الحسب رفيع البيت، غير أنّ بناتي لم يقعن إلّا في هذا الحيّ من قريش. فوجمت لذلك، وعرف التغيّر في وجهي فقال: أما إنّي صانع بك ما لم أصنعه بغيرك. قلت: وما ذاك فمثلي من شكر؟ قال: أخيّرها فهي وما اختارت. قلت: ما أنصفتني إذ تختار لغيري وتولي الخيار غيرك. فأشار إليّ، العذريّ أن دعه يخيّرها. فأرسل إليها: إنّ من الأمر كذا وكذا. فأرسلت إليه: ما كنت لأستبدّ برأي دون القرشيّ، فالخيار في قوله، حكمه. فقال لي: إنها قد ولّتك أمرها فاقض ما أنت قاض. فحمدت اللّه عزّ وجلّ وأثنيت عليه وقلت: اشهدوا أنّي قد زوّجتها من الجعد بن مهجع وأصدقتها هذا الألف الدّينار، وجعل تكرمتها العبد والبعير والقبّة، وكسوت الشيخ المطرف، وسألته أن يبني بها عليه في ليلته. فأرسل إلى أمّها، فقالت: أتخرج ابنتي كما تخرج الأمة!. فقال الشيخ: هجّري [1] في جهازها، فما برحت حتى ضربت القبّة في وسط الحريم، ثم أهديت إليه ليلا، وبتّ أنا عند الشيخ. فلمّا أصبحت أتيت القبّة فصحت بصاحبي، فخرج إليّ وقد أثّر السرور/ فيه، فقلت:
كيف كنت بعدي وكيف هي بعدك؟ فقال لي: أبدت لي واللّه كثيرا مما كانت أخفته عنّي يوم لقيتها. فسألتها عن ذلك فأنشأت تقول:
صوت
كتمت الهوى لما رأيتك جازعا ... وقلت فتى بعض الصديق يريد
وأن تطرحنّي [2] أو تقول فتيّة ... يضرّبها برح الهوى فتعود
فورّيت عمّا بي وفي داخل الحشى ... من الوجد برح فاعملنّ شديد
فقلت: أقم على أهلك، بارك اللّه لك فبهم، وانطلقت وأنا أقول:
كفيت أخي العذريّ ما كان نابه ... وإني لأعباء النوائب حمّال
أما استحسنت منّي المكارم والعلا ... إذا طرحت! إنّي لمالي بذّال
وقال العذريّ:
إذا ما الخطّاب خلّى مكانه ... فأفّ لدنيا ليس من أهلها عمر
__________
[1] هجري: أي بادري وأسرعي.
[2] فتحنا الهمزة على تقدير وخشية أن تطرحني إلخ ... أي وكتمت الهوى خشية أن يكون ذلك. وفي «الأصول»: «يطرحني أو يقول ... » بالياء المثناة من تحت.
فلا حىّ فتيان الحجازين بعده ... ولا سقيت أرض الحجازين بالمطر
صوت
/إنّ الخليط قد ازمعوا تركي ... فوقفت في عرصاتهم أبكي
جنّيّة برزت لتقتلني ... مطليّة الأصداغ بالمسك
عجبا لمثلك لا يكون له ... خرج العراق ومنبر الملك
الشعر لابن قيس الرّقيّات يقوله في عائشة بنت طلحة. والغناء لمعبد، ثقيل أوّل السبّابة في مجرى البنصر.
والسبب في قول ابن قيس هذا الشعر فيها يذكر في أخبارها إن شاء اللّه تعالى.
10 - أخبار عائشة بنت طلحة ونسبها
نسب عائشة بنت طلحة:
عائشة بنت طلحة بن عبيد اللّه بن عثمان بن عامر [1] بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم. وأمّها أمّ كلثوم بنت أبي بكر الصّدّيق. أخبرني الحسن بن يحيى قال قال حمّاد قال أبي قال مصعب:
كانت لا تستر وجهها وعتاب مصعب لها في ذلك:
كانت عائشة بنت طلحة لا تستر وجهها من أحد. فعاتبها مصعب في ذلك، فقالت: إنّ اللّه تبارك وتعالى وسمني بميسم جمال أحببت أن يراه الناس ويعرفوا فضلي [2] عليهم، فما كانت لأستره، وو اللّه ما فيّ وصممة يقدر أن يذكرني بها أحد. وطالت مرادّة مصعب إيّاها في ذلك، وكانت شرسة الخلق. قال: وكذلك نساء بني تيم هنّ أشرس خلق اللّه وأحظاه [3] عند أزواجهن. وكانت عند الحسين بن عليّ صلوات اللّه عليهما أمّ إسحاق بنت طلحة، فكان يقول: واللّه لربّما حملت ووضعت وهي مصارمة لي لا تكلّمني.
غضبت على مصعب فبعث إليها ابن قيس الرقيات:
قال: نالت عائشة من مصعب وقالت: عليّ كظهر أمّي، وقعدت في غرفة وهيّأت فيها ما يصلحها. فجهد مصعب أن تكلّمه فأبت. فبعث إليها ابن قيس الرقيّات، فسألها كلامه، فقالت: كيف بيميني؟ فقال: ها هنا الشّعبيّ فقيه أهل العراق فاستفتيه. فدخل عليها فأخبرته، فقال: ليس هذا بشيء. فقالت: أتحلّني وتخرج خائبا! فأمرت له بأربعة آلاف درهم. وقال ابن قيس الرّقيّات لمّا رآها:
/جنّيّة برزت لتقتلنا ... مطليّة الأقراب [4] بالمسك
وذكر باقي الأبيات:
غضبت على مصعب فاسترضاها أشعب فرضيت:
أخبرني محمد بن العبّاس اليزيديّ قال حدّثنا محمد بن إسحاق اليعقوبيّ قال حدّثنا سليمان بن أبي شيخ عن محمد بن الحكم قال:
كان أشعب يألف مصعبا، فغضبت عليه عائشة بنت طلحة يوما، وكانت من أحبّ الناس إليه، فشكا ذلك إلى أشعب. فقال: ما لي إن رضيت؟ قال: حكمك. قال: عشرة آلاف درهم. قال: هي لك. فانطلق حتى أتى عائشة فقال: جعلت فداءك! قد علمت حبّي لك وميلي قديما وحديثا إليك من غير منالة ولا فائدة. وهذه حاجة قد عرضت
__________
[1] في الكتب التي وردت فيها ترجمة طلحة بن عبيد اللّه مثل كتاب «المعارف» لابن قتيبة وكتب «تراجم الصحابة التي بين أيدينا»:
«عثمان بن عمرو بن كعب ... إلخ» وليس فيها «عامر».
[2] في «ب، س»: «فضله» وهو تحريف.
[3] في «ب، س»: «أحظى عند أزواجهن» وهو تحريف.
[4] الأقراب: جمع قرب (بالضم وبضمتين) وهو الخاصرة. وإنما للإنسان قربان، ولكن العرب يتوسعون في مثل هذا فيجمعونه.
تقضين بها حقّي وترتهنين بها شكري. قالت: وما عناك؟ قال: قد جعل لي الأمير عشرة آلاف درهم إن رضيت عنه.
قالت: ويحك! لا يمكنني ذلك. قال: بأبي أنت فارض عنه حتى يطعيني ثم عودي إلى ما عوّدك اللّه من سوء الخلق. فضحكت منه ورضيت عن مصعب. وقد ذكر المدائنيّ أن هذه القصة كانت لها مع عمر بن عبيد اللّه بن معمر، وأن الرسول إليها والمخاطب لها بهذه المخاطبة ابن أبي عتيق.
وصف عزة الميلاء لها ولعائشة بنت عثمان وأم القاسم بنت زكريا:
وأخبرني الحسين/ بن يحيى قال قال حماد قال أبي حدّثت عن صالح بن حسّان قال:
كان بالمدينة امرأة حسناء تسمّى عزّة الميلاء يألفها الأشراف وغيرهم من أهل المروءات، وكانت من أظرف الناس وأعلمهم بأمور النساء. فأتاها مصعب بن الزبير وعبد اللّه بن عبد الرحمن بن أبي بكر وسعيد بن العاص، فقالوا: إنّا خطبنا/ فانظري لنا. فقالت لمصعب: يابن أبي عبد اللّه ومن خطبت؟ فقال: عائشة بنت طلحة. فقالت:
فأنت يابن أبي أحيحة؟ قال: عائشة بنت عثمان. قالت: فأنت يابن الصّدّيق؟ قال: أمّ القاسم بنت زكريّا بن طلحة.
قالت: يا جارية هاتي منقليّ (تعني خفّيها) فلبستهما وخرجت ومعها خادم لها، فإذا هي بجماعة يزحم بعضهم بعضا، فقالت: يا جارية انظري ما هذا. فنظرت ثم رجعت فقالت: امرأة أخذت مع رجل. فقالت: داء قديم، امض ويلك. فبدأت بعائشة بنت طلحة فقالت: فديتك! كنّا في مأدبة أو مأتم لقريش، فتذاكروا جمال النساء وخلقهن فذكروك، فلم أدر كيف أصفك فديتك. فألقي ثيابك، ففعلت فأقبلت وأدبرت فارتجّ كلّ شيء منها. فقالت لها عزّة: خذي ثوبك فديتك. فقالت عائشة: قد قضيت حاجتك وبقيت حاجتي. قالت عزّة: وما هي بنفسي أنت؟
قالت: تغنّيني صوتا. فاندفعت تغنّي لحنها:
صوت
خليليّ عوجا بالمحلّة من جمل ... وأترابها بين الأصيفر والخبل [1]
نقف بمغان قد محا رسمها البلى ... تعاقبها الأيّام بالريح والوبل
فلو درج النمل الصّغار بجلدها ... لأندب [2] أعلى جلدها مدرج النمل
وأحسن خلق اللّه جيدا ومقلة ... تشبّه في النسوان بالشادن [3] الطّفل
- الشعر لجميل بن عبد اللّه بن معمر العذريّ. والغناء لعزّة الميلاء ثقيل أوّل بالوسطى - فقامت عائشة فقبّلت ما بين عينيها ودعت لها بعشرة أثواب وبطرائف من أنواع/ الفضّة وغير ذلك، فدفعته إلى مولاتها فحملته. وأتت النسوة على مثل ذلك تقول ذلك لهن، حتى أتت القوم في السقيفة. فقالوا: ما صنعت؟ فقالت: يا بن أبي عبد اللّه، أمّا عائشة فلا واللّه إن رأيت مثلها مقبلة ومدبرة، محطوطة [4] المتنين، عظيمة العجيزة، ممتلئة الترائب [5]، نقيّة الثغر
__________
[1] لعل صوابها «و الحبل» بالحاء المهملة؛ فإننا لم نجد في المظان «الخبل» بالخاء المعجمة من أسماء الأمكنة.
[2] أندب أعلى جلدها: ترك فيه ندوبا. والندب (بالتحريك): أثر الجرح.
[3] الشادن من أولاد الظباء: الذي قوي وطلع قرناه واستغنى عن أمه. والطفل بالفتح: الناعم الرخص.
[4] محطوطة المتنين ممدودتهما. والمتنان. جنبتا الظهر، ويقال لهما المتنتان.
[5] الترائب: موضع القلادة أو هي عظام الصدر.
وصفحة الوجه، فرعاء [1] الشعر: لفّاء الفخذين، ممتلئة الصدر، خميصة [2] البطن، ذات عكن، ضخمة السّرّة، مسرولة الساق. يرتجّ ما بين أعلاها إلى قدميها. وفيها عيبان، أمّا أحدهما فيواريه الخمار، وأمّا الآخر فيواريه الخفّ: عظم القدم والأذن. وكانت عائشة كذلك. ثم قالت عزّة: وأما أنت يابن أبي أحيحة فإني واللّه ما رأيت مثل خلق عائشة بنت عثمان لامرأة قطّ، ليس فيها عيب. واللّه لكأنما أفرغت إفراغا، ولكن في الوجه ردّة [3]، وإن استشرتني أشرت عليك بوجه تستأنس به. وأمّا أنت يابن الصّدّيق فو اللّه ما رأيت مثل أمّ القاسم، كأنها خوط [4] بانة تنثني، وكأنها جدل عنان، أو كأنها جانّ [5] يتثنّى على رمل، لو شئت أن تعقد أطرافها لفعلت. ولكنها شختة الصدر وأنت عريض الصدر؛ فإذا كان ذلك كان قبيحا،/ لا واللّه حتى يملأ كلّ شيء مثله. قال: فوصلها الرجال والنساء وتزوجوهن.
/ أمها، وخالتها، وزواجها من ابن خالها وأولادها منه:
/ أخبرني الطّوسيّ وحرميّ عن الزّبير عن عمّه، وأخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد عن أبيه عن الزبيريّ والمدائنيّ، ونسخت بعض هذه الأخبار من كتاب أحمد بن الحارث عن المدائنيّ وجمعت ذلك، قالوا جميعا:
إنّ أمّ عائشة بنت طلحة أمّ كلثوم بنت أبي بكر الصّدّيق، وأمها حبيبة بنت خارجة بن زيد بن أبي زهير من بني الخزرج بن الحارث. قالوا: وكانت عائشة بنت طلحة تشبّه بعائشة أمّ المؤمنين خالتها. فزوّجتها عائشة عبد اللّه بن عبد الرحمن بن أبي بكر وهو ابن أخيها وابن خال عائشة بنت طلحة، وهو أبو عذرها [6]، فلم تلد من أحد من أزواجها سواه؛ ولدت له عمران وبه كانت تكنى، وعبد الرحمن، وأبا بكر، وطلحة، ونفيسة وتزوّجها الوليد بن عبد الملك، ولكلّ هؤلاء عقب. وكان ابنها طلحة من أجواد قريش، وله يقول الحزين الدّيليّ:
فإن تك يا طلح أعطيتني ... عذافرة [7] تستخفّ الضّفار [8]
فما كان نفعك لي مرّة ... ولا مرّتين ولكن مرارا
أبوك الذي صدّق المصطفى ... وسار مع المصطفى حيث سارا
وأمّك بيضاء تيميّة ... إذا نسب الناس كانوا نضارا
مصارمتها لزوجها وإيلاؤه منها:
قال: فصارمت عائشة بنت طلحة زوجها، وخرجت من دارها غضبى، فمرّت في المسجد وعليها ملحفة تريد عائشة
__________
[1] فرعاء الشعر: طويلته. واللفف في الفخذين: التفافهما أو ضخامتهما واكتناز لحمهما.
[2] خميصة البطن: ضامرته. والعكن: الأطواء في البطن من السمن، الواحدة عكنة (بالضم).
[3] الردّة: القبح مع شيء من الجمال.
[4] الخوط: الغصن الناعم.
[5] كذا في «ج». والجان هنا: حية كحلاء العينين لا تؤذي. شبهتها بالحية في اللين. وفي «سائر الأصول»: «أو كأنها خشف».
والخشف (مثلثة الخاء): ولد الظبية.
[6] أبو عذر المرأة وأبو عذرتها: الذي اقتضها وافترعها.
[7] العذافرة: الناقة الشديدة العظيمة.
[8] كذا في «ج». والضفار (بفتح الضاد): ما يشدّ به البعير من الشعر المضفور. أي تستخف زمامها لقوّتها. وفي «سائر الأصول»:
«تستخف العقارا». ولعله «القفار» بالقاف بدل العين.
أمّ المؤمنين، فرآها أبو هريرة فقال: سبحان اللّه! كأنها من الحور العين. فمكثت عند عائشة أربعة أشهر. وكان زوجها/ قد آلى منها، فأرسلت عائشة: إني أخاف عليك الإيلاء [1]، فضمّها إليه وكان موليا منها فقيل له: طلّقها، فقال:
يقولون طلّقها لأصبح ثاوبا ... مقيما عليّ الهمّ، أحلام نائم
وإنّ فراقي أهل بيت أحبّهم ... لهم زلفة عندي لإحدى العظائم
زواجها من مصعب بن الزبير:
فتوفي عبد اللّه بعد ذلك وهي عنده، فما فتحت فاها عليه، وكانت عائشة أمّ المؤمنين تعدّد عليها هذا في ذنوبها التي تعدّدها. ثم تزوّجها بعده مصعب بن الزبير، فأمهرها خمسمائة ألف درهم وأهدى لها مثل ذلك. وبلغ ذلك أخاه فقال: إن مصعبا قدّم أيره، وأخّر خيره. فبلغ ذلك من قوله عبد الملك بن مروان فقال: لكنّه أخّر أيره وخيره، وكتب ابن الزبير إلى مصعب يؤنّبه على ذلك ويقسم عليه أن يلحق به بمكة ولا ينزل المدينة ولا ينزل إلا بالبيداء، وقال له: إني لأرجو أن تكون الذي يخسف به بالبيداء، فما أمرتك بنزولها إلا لهذا. وصار إليه وأرضاه من نفسه، فأمسك عنه.
كانت تعاسر مصعبا فاحتال له كاتبه ابن أبي فروة حتى ياسرته:
قال وحدّثني المدائنيّ عن سحيم بن حفص قال:
كان مصعب بن الزبير لا يقدر عليها إلّا بتلاح ينالها منه وبضربها. فشكا ذلك إلى ابن أبي فروة كاتبه. فقال له: أنا أكفيك هذا إن أذنت لي. قال: نعم! افعل ما شئت فإنّها أفضل شيء نلته من الدنيا. فأتاها ليلا ومعه أسودان فاستأذن عليها. فقالت له: أفي مثل هذه الساعة! قال نعم. فأدخلته. فقال للأسودين: احفراها هنا بئرا. فقالت له جاريتها: وما تصنع بالبئر؟ قال:/ شؤم/ ملاتك، أمرني هذا الفاجر أن أدفنها حيّة وهو أسفك خلق اللّه لدم حرام.
فقالت عائشة: فانظرني أذهب إليه. قال: هيهات! لا سبيل إلى ذلك، وقال للأسودين: احفرا. فلمّا رأت الجدّ منه بكت ثم قالت: يا بن أبي فروة إنك لقاتلي ما منه بدّ؟ قال: نعم، وإني لأعلم أن اللّه سيجزيه بعدك، ولكنه قد غضب وهو كافر الغضب. قالت: وفي أيّ شيء غضبه. قال: في امتناعك عنه، وقد ظنّ أنك تبغضينه وتتعطلّعين إلى غيره فقد جنّ. فقالت: أنشدك اللّه إلّا عاودته. قال: إني أخاف أن يقتلني. فبكت وبكى جواريها. فقال: قد رققت لك، وحلف أنّه يغرّر بنفسه، ثم قال لها: فما أقول؟ قالت: تضمن عنّي ألّا أعود أبدا. قال: فما لي عندك؟ قالت: قيام بحقّك ما عشت. قال: فأعطيني المواثيق، فأعطته. فقال للأسودين: مكانكما، وأتى مصعبا فأخبره. فقال له:
استوثق منها بالأيمان، ففعلت وصلحت بعد ذلك لمصعب.
أخبار لها مع مصعب:
قال: ودخل عليها مصعب يوما وهي نائمة متصبّحة [2] ومعه ثماني لؤلؤات قيمتها عشرون ألف دينار، فأنبهها
__________
[1] الإيلاء: اليمين، وفي الشرع أن يقسم الزوج ألا يقرب امرأته. وحكمه أن يتربص به أربعة أشهر ثم يوقف، فإما أن يطلق بعد ذلك أو يرجع.
[2] التصبح: نوم الغداة.
ونثر اللؤلؤ في حجرها. فقالت له: نومتي كانت أحبّ إليّ من هذا اللؤلؤ.
قال: وصارمت مصعبا مرة، فطالت مصارمتها له وشقّ ذلك عليها وعليه، وكانت لمصعب حرب فخرج إليها ثم عاد وقد ظفر، فشكت عائشة مصارمته إلى مولاة لها. فقالت: الآن يصلح أن تخرجي إليه. فخرجت فهنّأته بالفتح وجعلت تمسح التراب عن وجهه. فقال لها مصعب: إني أشفق عليك من رائحة الحديد. فقالت: لهو واللّه عندي أطيب من ريح المسك الأذفر.
/ أخبرني ابن يحيى عن حماد عن أبيه عن المسعر قال:
كان مصعب من أشدّ الناس إعجابا بعائشة بنت طلحة، ولم يكن لها شبه في زمانها حسنا ودماثة وجمالا وهيئة ومتانة وعفّة، وإنها دعت يوما نسوة من قريش فلمّا جئنها أجلستهن في مجلس قد نضد فيه الريحان والفواكه والطّيب ومتانة وعفّة، وإنها دعت يوما نسوة من قريش فلمّا جئنها أجلستهن في مجلس قد نضد فيه الريحان والفواكه والطّيب [و [1]] المجمر، وخلعت على كل امرأة منهن، خلعة تامّة من الوشي والخزّ ونحوهما، ودعت عزة الميلاء ففعلت بها مثل ذلك وأضعفت، ثم قالت لعزّة: هاتي يا عزّة فغنّينا، فغنّتهن في شعر امرىء القيس:
وثغر أغرّ شتيت النبات ... لذيذ المقبّل والمبتسم
وما ذقته غير ظنّ به ... وبالظن يقضي عليك الحكم
وكان مصعب قريبا منهن ومعه إخوان له، فقام فانتقل حتى دنا منهن والستور مسبلة، فصاح: يا هذه إنّا قد ذقناه فوجدناه على ما وصفت، فبارك اللّه فيك يا عزّة! ثم أرسل إلى عائشة: أمّا أنت فلا سبيل لنا إليك مع من عندك، وأمّا عزّة فتأذنين لها أن تغنّينا هذا الصوت ثم تعود إليك، ففعلت. وخرجت عزّة إليه فغنّته هذا الصوت مرارا وكاد مصعب أن يذهب عقله فرحا. ثم قال لها: يا عزّة إنك لتحسنين القول والوصف، وأمرها بالعود إلى مجلسها، وتحدّث ساعة مع القوم ثم تفرّقوا.
خطبها بشر بن مروان فتزوجت عمر بن عبيد اللّه:
وقال المدائني، وذكر القحذميّ أيضا في خبره،: فلمّا قتل مصعب عن عائشة خطبها بشر بن مروان، وقدم عمر بن عبيد اللّه بن معمر التيميّ من الشام فنزل/ الكوفة، فبلغه أن بشر بن مروان خطبها،/ فأرسل إليها جارية لها وقال: قولي لابنة عمّي يقرؤك السلام ابن عمك ويقول لك أنا خير من هذا المبسور المطحول، وأنا ابن عمّك وأحقّ بك، وإن تزوّجت بك ملأت بيتك خيرا، وحرك أيرا. فتزوّجته فبنى بها بالحيرة ومهدت له سبعة أفرشة عرضها أربع أذرع، فأصبح ليلة بنى بها عن تسع. قال: فلقيته مولاة لها فقالت: أبا حفص فديتك! قد كملت في كل شيء حتى في هذا.
وقال مصعب في خبره إن بشرا بعث إليها عمر بن عبيد اللّه بن معمر يخطبها عليه، فقالت له: يا مصارع [2] قلة! أما وجد بشر رسولا إلى ابنه عمّك غيرك! فأين بك عن نفسك؟! قال: أو تفعلين؟ قالت نعم، فتزوّجها. وقال معصب الزبيريّ في خبره: لمّا بنى بها عمر قال لها: لأقتلنك الليلة، فلم يصنع إلا واحدة. فقالت له لمّا أصبح: قم يا قتّال. قال: وقالت له حينئذ:
__________
[1] الزياد عن «ج». والمجمر (بكسر فسكون ففتح وبضم فسكون فكسر): العود الذي تبخر به.
[2] كذا في «أكثر الأصول». وفي «ج» هكذا: «يا مصارع فكه». وظاهر أنها تريد أن تؤنبه، بيد أننا لم نهتد إلى وجه نطمئن إليه في هذه الكلمة.
قد رأيناك فلم تحل لنا ... وبلوناك فلم ترض الخبر
وهذه الحكاية تحامل من مصعب الزبيريّ وعصبيّة. والخبر في رضاها عنه والحكاية في هذا غير ما حكاه وهو ما سبق.
ما كان في يوم زواجها من عمر بن عبيد اللّه:
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا ابن مهرويه عن ابن أبي سعد عن القحذميّ أنّ عمر بن عبيد اللّه لمّا قدم الكوفة تزوّج عائشة بنت طلحة، فحمل إليها ألف ألف درهم: خمسمائة ألف درهم مهرا وخمسمائة ألف هديّة، وقال لمولاتها: لك عليّ ألف دينار إن دخلت بها اللّيلة. وأمر بالمال فحمل فألقى/ في الدار وغطّي بالثياب.
وخرجت عائشة فقالت لمولاتها: أهذا فرش أم ثياب؟ قالت: انظري إليه، فنظرت فإذا مال، فتبسّمت. فقالت:
أجزاء من حمل هذا أن يبيت عزبا! قالت: لا واللّه، ولكن لا يجوز دخوله إلا بعد أن أتزيّن له وأستعدّ. قالت: فيم ذا! فوجهك واللّه أحسن من كل زينة، وما تمدّين يدك إلى طيب أو ثوب أو مال أو فرش إلا وهو عندك. وقد عزمت عليك أن تأذني له. قالت: افعلي. فذهبت إليه فقالت له: بت بنا الليلة. فجاءهم عند العشاء الآخرة [1]، فأذني إليه طعام فأكل الطعام كلّه حتى أعرى الخوان، وغسل يده، وسأل عن المتوضّأ فأخبرته فتوضّأ، وقام يصلّي حتى ضاق صدري ونمت، ثم قال: أعليكم إذن؟ قلت: نعم، فدخل، فأدخلته وأسبلت السّتر عليهما. فعددت له في بقيّة الليل على قلّتها سبع عشرة مرة دخل المتوضّأ فيها. فلمّا أصبحنا وقفت على رأسه فقال: أتقولين شيئا؟ قلت: نعم! واللّه ما رأيت مثلك، أكلت أكل سبعة، وصلّيت صلاة سبعة، ونكت نيك سبعة. فضحك وضرب بيده على منكب عائشة، فضحكت وغطّت وجهها وقالت:
قد رأيناك فلم تحل لنا ... وبلوناك فلم نرض الخبر
ويدلّ أيضا على بطلان خبره أنه لمّا مات ندبته قائمة، ولم تندب أحدا من أزواجها إلا جالسة فقيل لها في ذلك، فقالت: إنه كان أكرمهم عليّ وأمسّهم رحما بي، وأردت ألّا أتزوّج بعده وكانت ندبة المرأة زوجها قائمة مما تفعله من لا تريد أن تتزوج بعد زوجها أخبرني بذلك الحسن بن عليّ عن أحمد بن زهير بن حرب عن محمد بن سلّام. وهذا دليل على خلاف ما ذكره مصعب.
ثم رجع الخبر إلى سياقة خبرها:
حديث امرأة عنها وقد اختلى بها عمر:
قال المدائنيّ في خبره: قالت امرأة: كنت عند عائشة بنت طلحة، فقيل لها: قد جاء الأمير، فتنحّيت، ودخل عمر بن عبيد اللّه، وكنت بحيث أسمع كلامهما، فوقع عليها فجاءت بالعجائب ثم خرج، فقلت لها: أنت في نفسك وموضعك وشرفك تفعلين هذا! فقالت: إنا نتشهّى لهذه الفحول بكل ما حرّكها وكلّ ما قدرنا عليه.
طلبت ضرتها من مولاة لها أن تراها متجردة ثم ندمت أن رأتها
قال المدائنيّ: وحدّثني مسلمة بن محارب قال:
__________
[1] في «ج، ب، س»: «الأخيرة» وهو تحريف.
قالت رملة بنت عبد اللّه بن خلف - وكانت تحت عمر بن عبيد اللّه بن معمر، وقد ولدت منه ابنه ظلحة الجود - لمولاة لعائشة بنت طلحة: أريني عائشة متجرّدة ولك ألفا درهم. فأخبرت عائشة بذلك. قالت: فإني أتجرّد، فأعلميها ولا تعرّفيها أني أعلم. فقامت عائشة كأنها تغتسل، وأعلمتها فأشرفت عليها مقبلة ومدبرة، فأعطت رملة مولاتها ألفي درهم، وقالت: لوددت أني أعطيتك أربعة آلاف درهم ولم أرها. قال: وكانت رملة قد أسنّت، وكانت حسنة الجسم قبيحة الوجه عظيمة الأنف. وفيها وفي عائشة يقول الشاعر:
انعم بعائش عيشا غير ذي رنق ... وانبذ برملة نبذ الجورب الخلق
ويقال: إنّ رملة قد أسنّت عند عمر بن عبيد اللّه، فكانت تجتنبه في أيّام أقرائها ثم تغتسل، تريه أنها تحيض، وذلك بعد انقطاع حيضها. فقال في ذلك بعض الشعراء:
جعل اللّه كلّ قطرة حيض ... قطرت منك في حماليق عين
/ أخبرنا بذلك الجوهريّ عن عمر بن شبّة.
أخبار لها مع عمر بن عبيد اللّه:
وذكر هارون بن الزيّات عن أبي محلّم عن أبي بكر بن عيّاش قال:
قال عمر بن عبيد اللّه لعائشة بنت طلحة وقد أصاب منها طيب نفس: ما مرّ بي مثل يوم أبي فديك [1].
فقالت له: اعدد أيّامك واذكر أفضلها، فعدّ يوم سجستان ويوم قطريّ بفارس ونحو ذلك. فقالت عائشة. قد تركت يوما لم تكن في أيّامك أشجع منك فيه. قال: وأيّ يوم؟ قالت: يوم أرخت عليها وعليك رملة السّتر.
تريد قبح وجهها.
قال: فمكثت عائشة عند عمر بن عبيد اللّه بن معمر ثماني سنين، ثم مات عنها في سنة اثنتين وثمانين، فتأيّمت بعده، فخطبها جماعة فردّتهم، ولم تتزوج بعده أحدا [2].
قال المدائنيّ: كان عمر بن عبيد اللّه من أشدّ الناس غيرة، فدخل يوما على عائشة وقد ناله حرّ شديد وغبار، فقال لها: انفضي التراب عنّي. فأخذت منديلا تنفض به عنه التراب، ثم قالت له: ما رأيت الغبار على وجه أحد قطّ كان أحسن منه على وجه مصعب، قال: فكاد عمر يموت غيظا.
وقال أحمد بن حمّاد بن جميل حدّثني القحذميّ قال.
كانت عائشة بنت طلحة من أشدّ الناس مغايظة لا زواجها، وكانت تكون لمن يجيء يحدّثها في رقيق الثياب، فإذا قالوا: قد جاء الأمير ضمّت عليها مطرفها/ وقطّبت. وكانت كثيرا ما تصف لعمر بن عبيد اللّه مصعبا وجماله، تغيظه بذلك فيكاد يموت.
__________
[1] أبو فديك هو عبد اللّه بن ثور من بني قيس بن ثعلبة، كان من الخوارج، فوجه إليه عبد الملك بن مروان سنة 73 ه عمر بن عبيد اللّه بن معمر وأمره أن يندب معه من أحب، فندب عشرة آلاف من أهل الكوفة وعشرة آلاف من أهل البصرة وسار بهم حتى انتهوا إلى البحرين. وهنالك التقوا بأبي فديك وأصحابه، فكانت بينهم وقعة شديدة قتل فيها أبو فديك وكثير من أصحابه، وأسر منهم فريق. (راجع «تاريخ الطبري» القسم الثاني صفحة 852 - 853).
[2] في «ج، ب، س»: «أبدا».
طلبت من الوليد بن عبد الملك أعوانا حين حجت:
وقال المدائنيّ حدّثني مسلمة بن محارب وعبيد اللّه بن فائد، وأخبرنا به حرميّ عن الزبير عن عمه ومحمد [1] ابن الضحّاك، قالوا:
دخلت عائشة بنت طلحة على الوليد بن عبد الملك وهو بمكّة، فقالت: يا أمير المؤمنين، مرلي/ بأعوان فضمّ إليها قوما يكونون معها، فحجّت ومعها ستّون بغلا عليها الهوادج والرحائل. فعرض لها عروة بن الزّبير فقال:
عائش يا ذات البغال الستّين ... أكلّ عام هكذا تحجّين
فأرسلت إليه: نعم يا عريّة، فتقدّم إن شئت؛ فكفّ عنها. ولم تتزوّج حتى ماتت.
حجت مع سكينة بنت الحسين وكانت أحسن آلة وثقلا:
وقال غير المدائنيّ: إن عائشة بنت طلحة حجّت وسكينة بنت الحسين عليهما السلام معا، وكانت عائشة أحسن آلة وثقلا [2]. فقال حاديها:
عائش يا ذات البغال الستّين ... لا زلت ما عشت كذا تحجّين
فشق ذلك على سكينة، ونزل حاديها فقال:
عائش هذي ضرّة تشكوك ... لو لا أبوها ما اهتدى أبوك
فأمرت عائشة حاديها أن يكفّ فكفّ.
بهر موكب عاتكة بنت يزيد في الحج:
وقال: إسحاق بن إبراهيم في خبره حدّثني محمد بن سلّام عن يزيد بن عياض قال:
استأذنت عاتكة بنت يزيد بن معاوية عبد الملك في الحجّ، فأذن لها وقال: ارفعي حوائجك واستظهري؛ فإنّ عائشة بنت طلحة تحجّ، ففعلت فجاءت بهيئته جهدت/ فيها. فلمّا كانت بين مكة والمدينة إذا موكب قد جاء فضغطها وفرّق جماعتها. فقالت: أرى هذه عائشة بنت طلحة، فسألت عنها فقالوا: هذه خازنتها. ثم جاء موكب آخر أعظم من ذلك فقالوا: عائشة عائشة، فضغطهم، فسألت عنه، فقالوا: هذا ما شطتها. ثم جاءت مواكب على هذا إلى سننها [3]. ثم أقبلت كوكبة فيها ثلاثمائة راحلة عليها القباب والهوادج. فقالت عاتكة: ما عند اللّه خير وأبقى.
وقال هارون بن الزيّات حدّثني قبيصة عن ابن عائشة عن أمّه عن سلّامة مولاة جدّته أثيلة بنت المغيرة بن عبد اللّه [4] بن معمر قالت:
__________
[1] في «ب، س»: «و يحيى بن الضحاك» وهو تحريف.
[2] الثقل: (بالتحريك): المتاع.
[3] كذا في «ح». وفي «ب، س»: «أي سننها». وفي «أ، م»: «إلى يسنها». وظاهر أن المراد «ثم جاءت مواكب على هذا السنن».
[4] كذا في «الأصول». ولعل عبد اللّه بن معمر أبا المغيرة عم عمر بن عبيد اللّه بن معمر.
كان كبر عجيزتها مثار العجب:
زرت مع مولاتي خالتها عائشة بنت طلحة وأنا يومئذ وصيفة [1]، فرأيت عجيزتها من خلفها وهي جالسة كأنها غيرها، فوضعت أصبعي عليها لأعلم ما هي، فلمّا وجدت مسّ أصبعي قالت: ما هذا؟ قلت: جعلت فداءك! لم أدر ما هو، فجئت لأنظر. فضحكت وقالت: ما أكثر من يعجب مما عجبت منه.
إعجاب أبي هريرة بجمالها:
وزعم بكر بن عبد اللّه بن عاصم مولى عرينة عن أبيه عن جدّه: أنّ عائشة نازعت زوجها إلى أبي هريرة، فوقع خمارها عن وجهها، فقال أبو هريرة: سبحان اللّه! ما أحسن ما غذّاك أهلك! لكأنما خرجت من الجنّة.
وفدت على هشام فأعجب سامروه بعلمها:
قال ابن عائشة وحدّثني أبي أنّ عائشة بنت طلحة وفدت على هشام، فقال لها: ما أوفدك؟ قالت: حبست السماء المطر، ومنع السلطان الحقّ. قال: فإني أبلّ رحمك وأعرف حقّك، ثم بعث إلى مشايخ بني أميّة فقال: إنّ عائشة عندي، فاسمروا عندي الليلة فحضروا، فما تذاكروا شيئا من أخبار العرب وأشعارها وأيّامها/ إلا أفاضت معهم فيه، وما طلع نجم ولا غار إلا سمّته. فقال لها هشام: أمّا الأوّل فلا أنكره، وأمّا النجوم فمن أين لك؟ قالت:
أخذتها عن خالتي عائشة. فأمر لها بمائة ألف درهم وردّها إلى المدينة.
مر بها النميري الشاعر فاستنشدته وخبره معها:
أخبرني عمّي عن الكرانيّ عن المغيرة بن محمد [2] المهلّبيّ عن محمد بن عبد الوهاب عن عبد الرحمن بن عبد اللّه قال/ حدّثني ابن عمران البزّازيّ قال:
لمّا تأيّمت عائشة بنت طلحة كانت تقيم بمكة سنة، وبالمدينة سنة، تخرج إلى مال لها بالطائف عظيم وقصر لها فتنزّه وتجلس فيه بالعشيّات، فتناضل بين الرّماة. فمرّ بها النّميريّ الشاعر، فسألت عنه فنسب لها، فقالت:
ائتوني به. فقالت له لمّا أتوها به: أنشدني ممّا قلت في زينب [3]. فامتنع وقال: ابنة عمّي وقد صارت عظاما بالية.
قالت: أقسمت لمّا فعلت. فأنشدها قوله:
نزلن بفخّ ثم رحن عشيّة ... يلبّين للرحمن معتمرات [4]
يخبّئن أطراف الأكفّ من التّقى ... ويخرجن شطر الليل معتجرات [5]
ولمّا رأت ركب النميريّ أعرضت ... وكنّ من ان يلقينه حذرات
__________
[1] أي جارية شابة.
[2] في «الأصول»: «عن المغيرة عن محمد المهلبي» وهو تحريف. والمغيرة بن محمد المهلبي ذكر كثيرا في «الأغاني».
[3] هي زينب بنت يوسف أخت الحجاج بن يوسف الثقفي.
[4] فخ: واد بمكة. وفيه يقول بلال يحن إليه:
ألا ليت شعري هلى أبيتن ليلة ... بفخ وعندي إذخر وجليل
والاعتمار: القصد والزيارة، وهو في الشرع: زيارة البيت الحرام بشروط مخصوصة معروفة في كتب الفقه.
[5] الاعتجار: ليّ الثوب على الرأس من غير أن يدار تحت الحنك.
تضوّع مسكا بطن نعمان أن مشت ... به زينب في نسوة خفرات
فقالت: واللّه ما قلت إلّا جميلا، ولا وصفت إلا كرما وطيبا وتقى ودينا، أعطوه ألف درهم. فلمّا كانت الجمعة الأخرى تعرّض لها، فقالت: عليّ به فجاء. فقالت:/ أنشدني من شعرك في زينب. فقال: أو أنشدك من قول الحارث فيك؟ فوثب مواليها، فقالت: دعوه؛ فإنه أراد يستقيد لابنة عمّه، هات. فأنشدها:
ظعن [1] الأمير بأحسن الخلق ... وغدوا بلبّك مطلع الشّرق
وتنوء تثقلها عجيزتها ... نهض الضعيف ينوء بالوسق
ما صبّحت زوجها بطلعتها ... إلّا غدا بكواكب الطّلق
قرشيّة عبق العبير بها ... عبق الدّهان بجانب الحقّ
بيضاء من تيم كلفت بها ... هذا الجنون وليس بالعشق
قالت: واللّه ما ذكر إلا جميلا، ذكر أنّي إذا صبّحت زوجا بوجهي غدا بكواكب الطّلق، وأني غدوت مع أمير تزوّجني إلى الشرق. أعطوه ألف درهم واكسوه حلّتين، ولا تعد لإتياننا يا نميريّ.
أخر الحارث بن خالد الصلاة لتتم طوافها:
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا أحمد بن أبي خيثمة عن محمد بن سلّام:
أن عبد الملك ولّى الحارث بن خالد على مكّة. فأذّن المؤذّن، وخرج للصلاة، فأرسلت إليه عائشة بنت طلحة: قد بقي من طوافي شيء لم آته، وكان يتعشّقها، فأمر المؤذّن فكفّ عن الإقامة، ففرغت من طوافها. وبلغ ذلك عبد الملك فعزله. فقال: ما أهون واللّه غضبه وعزله إيّاي عليّ عند رضاها عنّي.
كانت معناة بعجيزتها:
أخبرني أحمد بن عبد العزيز حدّثني عمر بن شبّة قال:
قال سلم بن قتيبة: رأيت عائشة بنت طلحة بمنى أو مسجد الخيف، فسألتني من أنت؟ قلت: سلم بن قتيبة.
فقالت: رحم اللّه مصعبا! ثم ذهبت تقوم ومعها/ امرأتان تنهضانها، فأعجزتها [2] أليتاها من عظمهما، فقالت: إنّي بكما لمعنّاة. فذكرت قول الحارث:
وتنوء تثقلها عجيزتها ... نهض الضعيف ينوء بالوسق
وروى هذا الخبر هارون بن الزيّات عن جعفر بن محمد عن أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثني أبو عمرو بن خلّاد عن المدائنيّ قال:
قال أبو هريرة/ لعائشة بنت طلحة: ما رأيت شيئا أحسن منك إلّا معاوية أوّل يوم خطب على منبر
__________
[1] مرت هذه الأبيات مع اختلاف يسير في «الرواية» في ترجمة الحارث بن خالد المخزومي في الجزء الثالث صفحة 319 من هذه الطبعة.
[2] في «ج»: «فانخزلت أليتاها» أي انقطعتا وتميزتا كأنهما شيء آخر؛ قال الأعشى:
إذا تقوم يكاد الخصر ينخزل
رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. فقالت: واللّه لأنها أحسن من النار في الليلة القرّة في عين المقرور.
خطبها أبان بن سعيد على يد أخيه فأبت:
أخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن عمّار قال حدّثنا سليمان بن أبي شيخ عن محمد بن الحكم عن عوانة قال:
كتب أبان بن سعيد إلى أخيه يحيى يخطب عليه عائشة بنت طلحة، ففعل. فقال ليحيى: ما أنزل أخاك أيلة؟
قال: أراد العزلة. قالت: اكتب إلى أخيك:
حللت محلّ الضّبّ لا أنت ضائر ... عدوّا ولا مستنفع بك نافع
صوت
إذا المال لم يوجب عليك عطاءه ... صنيعة تقوى أو صديق توامقه
منعت وبعض المنع حزم وقوّة ... فلم يفتلتك المال إلّا حقائقه [1]
/عروضه من الطويل. توامقه: تفاعله من الموامقة، أي تودّه ويودّك؛ يقال: ومقته أمقه أي أحببته. ويفتلتك أي يخرجه من يدك وقبضتك. الشعر لكثيّر. والغناء لمالك بن أبي السّمح، ويقال إنه للهذلي، خفيف ثقيل أوّل بالبنصر.
سئل ابن عمران الطلحيّ أن يعاون صيرفيا أفلس فتمثل ببيتين لكثير:
أخبرنا محمد بن خلف وكيع قال حدثنا طلحة بن عبد اللّه قال حدّثني أبو معمر عافية بن شيبة قال حدّثني العتبيّ قال:
أفلس صيرفيّ بالمدينة، فخرج قوم يسألون له، فمرّوا بابن عمران الطّلحي وقد فتح بابه واجتمع له أصحابه، فسألوه، فقرع بمخصرته [2] ثم رفع رأسه إليهم فقال:
إذا المال لم يوجب عليك عطاءه ... صنيعة تقوى أو صديق توامقه
بخلت وبعض البخل حزم وقوّة ... فلم يفتلتك المال إلّا حقائقه
إنّا واللّه ما نحيد عن الحق، ولا نتدفق في الباطل، وإنّ لنا لحوقا تشغل فضول أموالنا، وما كلّ من أفلس من صيارفة المدينة قدرنا أن نجبره، فوموا. قال: فقمنا نستبق الباب.
أن يفرض له فأبى فتمثل الأبرش ببيتين لكثير:
أخبرني محمد بن العباس اليزيديّ قال حدّثنا عمر شبّة قال حدّثنا أبو مسلمة [3] المدينيّ قال أخبرني أبي قال:
كان رجل من الأنصار من بني حارثة مملقا ليس في ديوان ولا عطاء، وكان صديقا لإبراهيم بن هشام بن إسماعيل. فقال له يوما: إنّ أمير المؤمنين مسابق عدا بين الخيل، وقد أمرت الحرس ألّا يعرضوا لك حتى تكلّمه.
قال: فسبق هشاما يومئذ ابن له، وكان السبق [4] يشتدّ عليه. فعرض له الأنصاريّ فقال:/ يا أمير المؤمنين، أنا
__________
[1] حقائقه أي حقوقه.
[2] المخصرة: ما يختصره الإنسان أي يمسكه ليتوكأ عليه مثل العصا والقضيب والمقرعة.
[3] في «ج»: «أبو سلمة المديني».
[4] هذه عبارة «ج». وفي «سائر الأصول»: «و كان إذا سبق يشتدّ عليه».
امرؤ من الأنصار، وقد بلغت هذه السنّ [1] ولست في ديوان، فإن رأى أمير المؤمنين أن يفرض لي فعل. قال: فأقبل عليه هشام فقال: واللّه لا أفرض لك حتّى مثل هذه الليلة من السنة المقبلة، ثم أقبل على الأبرش فقال: يا أبرش أخطأ أخو الأنصار المسألة. فقال: يا أمير المؤمنين، ابن أبي جمعة يقول:
إذا المال لم يوجب عليك عطاءه ... صنيعة تقوى أو خليل توامقه
منعت وبعض المنع حزم وقوّة ... فلم يفتلتك المال إلّا حقائقه
من شعر عمرو بن شأس:
صوت
/فوا ندمي على الشباب ووا ندم ... ندمت وبال اليوم منّي بغير ذم
وإذ إخوتي حولي وإذ أنا شامخ ... وإذ لا أجيب العاذلات من الصّمم
إرادت عرارا بالهوان ومن يرد ... عرارا لعمري بالهوان فقد ظلم
فإن كنت منّي أو تريدين صحبتي ... فكوني له كالسّمن ربّت له الأدم
وإلّا فبيني [2] مثل ما بان راكب ... تيمّم خمسا ليس في ورده يتم
فإنّ عرارا إن يكن ذا شكيمة ... تعافينها منه فما أملك الشّيم
وإنّ عرارا إن يكن غير واضح ... فإنّي أحبّ الجون ذا المنكب العمم
وإني لأعطي غثّها وسمينها ... وأسري إذا ما الليل ذو الظّلم ادلهم
حذارا على ما كان قدّم والدي ... إذا روّحتهم حرجف تطرد الصّرم
عروضه من الطويل. الشعر لعمرو بن شأس الأسديّ. والغناء في الأوّل والثاني من الأبيات لمعبد، ثاني ثقيل بالسبّابة في مجرى الوسطى، عن إسحاق. وذكر عمرو/ أن فيهما لمالك خفيف رمل بالبنصر. وفي الثامن والتاسع لابن جامع هزج بالوسطى عن الهشاميّ وعليّ بن يحيى، وفيهما لإبراهيم ماخوريّ بالبنصر من نسخة عمرو الثانية، ولابن سريج ثاني ثقيل بالبنصر عن حبش، وفيهما رمل مجهول وقيل: إنه لسليم. الشامخ: الذي يشمخ بأنفه زهوا وكبرا. وأصل الظلم وضع الشيء في غير موضعه. والشيمة: الطبيعة. ربّت له: يعني للسّمن فلا تفسده [3]. والأدم جمع واحدها أديم وجمعها [4] أدم، كما يقال أفيق وأفق [5]. واليتم: الغفلة [6] والضّيعة؛ واليتيم مأخوذ من هذا.
__________
[1] في «الأصول»: «هذا السن» والسن مؤنثة.
[2] ويروى هذا البيت في «ديوان الحماسة»:
وإلا فسيري مثل ما سار راكب ... تجشم خمسا ليس في سيره أمم
والأمم هنا: القرب والقصد.
[3] يريد أن الأدم التي هي أوعية السمن إذا دهنت بالرب، منعت فساد السمن وزادت في طيب ريحه. والرب: خلاصة التمر بعد طبخه وعصره.
[4] في «ج»: «و جمعت أدما».
[5] في «الأصول»: «أنيق وأنق» وهو تحريف. والأفيق والأديم كلاهما الجلد المدبوع.
[6] قيل معنى اليتم هنا الإبطاء. (راجع «لسان العرب» في مادة يتم).
واليتيم من البهائم: ما اختلج عن أمّه. والعرب تقول: «لا تخلج الفصيل عن أمه، فإنّ الذئب عالم بمكان الفصيل [اليتيم [1]]. ويقال: فلان شديد الشكيمة أي شديد اللسان كثير البيان؛ ومنه شكيمة اللّجام، وجمعها شكائم. قال عويف القوافي:
أقول لفتيان كرام تروّحوا ... على الجرد في أفواهن الشكائم
والواضح: الأبيض. والجون: الأسود والأبيض أيضا، وهو من الأضداد. والعمم: الطويل؛ يقال رجل عمم، وامرأة عمم، ورجل عميم، وامرأة عميمة، ونخل عميم، ونبت عميم. والسّرى: السير ليلا. وادلهمّ: اشتدّ سواده.
والحرجف: الريح الشديدة الباردة. والصّرم: جمع صرمة [2] وهي القطعة من الإبل. يعني أن هذه الريح إذا هبّت طرد الرعاء الإبل إلى مراحها وأعطانها فتسكن فيها.
11 - نسب عمرو بن شأس وأخباره في هذا الشعر وغيره:
نسب عمرو بن شأس:
هو عمرو بن شأس بن عبيد بن ثعلبة بن ذؤيبة [3] بن مالك بن الحارث بن سعد بن ثعلبة بن دودان بن أسد بن خزيمة. وهذا الشعر يقوله في امرأته أمّ حسّان وابنه عرار بن عمرو، وكانت تؤذيه وتعيّره بسواده.
كانت امرأته تؤذي ابنه عرارا وتشتمه ويشتمها، فقال هو شعرا يخاطبها به:
وأخبرني عليّ بن سليمان الأخفش قال حدّثنا محمد بن الحسن الأحول قال قال ابن الأعرابيّ:
كانت امرأة عمرو بن شأس من رهطه، ويقال لها أمّ حسّان، واسمها [4] حيّة بنت الحارث بن سعد، وكان له ابن يقال له عرار من أمة له سوداء/ وكانت تعيّره وتؤذي عرارا وتشتمه ويشتمها. فلمّا أعيت عمرا قال فيها:
ديار ابنة السّعديّ هيه تكلّمي ... بدافقة الحومان فالسّفح من رمم [5]
لعمر ابنة السّعديّ إنّي لأتّقي ... خلائق تؤبى [6] في الثّراء وفي العدم
وقفت بها ولم أكن قبل أرتجي ... إذا الحبل من إحدى حبائبي انصرم
وإنّي لمزر [7] بالمطيّ تنقّلي ... عليه وإيقاعي المهنّد بالعصم
وإنّي لأعطي غثّها وسمينها ... وأسرى إذا ما الليل ذو الظّلم ادلهم
/ إذا الثلج أضحى في الديار كأنه ... مناثر ملح في السّهول وفي الأكم [8]
__________
[1] التكملة من «لسان العرب» (في مادة يتم).
[2] كذا في «ج». وفي «سائر الأصول»: «جمع صريمة» وهو تحريف.
[3] الذي في شرح التبريزي ل «ديوان الحماسة» (طبع مدينة بن سنة 1828 م ص 139): «رويبة» بدل «ذؤيبة».
[4] كذا في «أ، م». وفي «سائر الأصول»: «و أمها».
[5] هيه: كلمة استزاده للحديث، مثل إيه. والحومان ورمم: موضعان.
[6] تؤبى: تغاف وتكره.
[7] مزر: مستخف متهاون. وتنقلي عليه: بدل من المطي. والعصم: القلائد، واحدتها عصمة، والمراد مواضعها يريد أنه كثير الأسفار كثير الإغارة.
[8] مناثر: جمع منثر (وزان مكتب)، وهو اسم مكان من نثر ينثر. وهو يريد كأن الثلج ملح منثور، فشبه مساقط الثلج بمناثر الملح.
حذارا على ما كان قدّم والدي ... إذا روّحتهم حرجف تطرد الصّرم
وأترك ندماني [1] يجرّ ثيابه ... وأوصاله من غير جرح ولا سقم
ولكنّها من ريّة بعد ريّة ... معتّقة صهباء راووقها رذم [2]
من العانيات [3] من مدام كأنها ... مذابح غزلان يطيب بها الشّمم
وإذ إخوتي حولي وإذ أنا شامخ ... وإذ لا أجيب العاذلات من الصمم
ألم يأتها أنّي صحوت وأنّني ... تحالمت حتى ما أعارم من عرم [4]
وأطرقت إطراق الشّجاع ولو يرى ... مساغا لنابيه الشجاع لقد أزم [5]
وقد علمت سعد بأنّي عميدها ... قديما وأنّي لست أهضم من هضم
- يقول: لا أظلم أحدا من قومي وأتهضّمه [6] فيطلبني بمثل ذلك، أي أرفع نفسي عن هذا -
خزيمة ردّاني [7] الفعال ومعشر [8] ... قديما بنوا لي سورة المجد والكرم
/ إذا ما وردنا الماء كانت حماته ... بنو أسد يوما على رغم من رغم [9]
أرادت عرارا بالهوان ومن يرد ... عرارا لعمري بالهوان فقد ظلم
لما يئس من الصلح بين امرأته وابنه طلقها ثم ندم وقال شعرا:
وذكر باقي الأبيات. قال ابن الأعرابيّ وأبو بكر الشّيبانيّ: فجهد عمرو بن شأس أن يصلح بين ابنه وامرأته أمّ حسّان فلم يمكنه ذلك، وجعل الشرّ يزيد بينهما. فلمّا رأى ذلك طلّقها، قم ندم ولام نفسه؛ فقال في ذلك:
تذكّر ذكرى أمّ حسّان فاقشعر ... على دبر لمّا تبيّن ما ائتمر [10]
فكدت أذوق الموت لو أنّ عاشقا ... أمر بموساه [11] الشوارب فانتحر
__________
- والأكم (بفتحتين وبضمتين): جمع أكمة (بفتحتين) وهي دون الجبل.
[1] الندمان: الذي يوافقك في شرابك. والأوصال: المفاصل، واحدها وصل (بكسر الواو وضمها).
[2] راووق الخمر: ناجودها الذي تروّق فيه والرذم (بالتحريك): اسم من الامتلاء وصف به.
[3] في «الأصول»: «من الغانيات» بالغين المعجمة، وهو تصحيف. والعانيات: الأسيرات، أي هي من المحتبسات في دنانها. وقوله «كأنها مذابح غزلان» يريد أن يصفها بطيب الريح، حتى كأنها مواضع شق نوافج المسك.
[4] يقال: عرم يعرم (من بابي نصر وضرب) وعرم (بكسر عين الفعل) وعرم (بضمها) عرامة وعراما (بضم أوله) إذا اشتدّ.
[5] الإطراق: السكوت في سكون. والشجاع هنا: الحية الذكر. وأزم عض؛ يقال: أزمه يأزمه وعليه (من باب ضرب) إذا عضه.
[6] كذا في «ج». وفي «سائر الأصول»: «و انهضه». وهو تحريف.
[7] ردّاني: ألبسني. والفعال (بالفتح): الخير. يريد: ورثني شمائل الخير.
[8] كذا في «الأصول». وقد أثبتها المرحوم الشيخ سيد بن علي المرصفي في كتابه «أسرار الحماسة». «و معشري» بياء المتكلم، وهي الأنسب بالسياق. وسورة المجد: يريد منزلة المجد. والسورة من البناء: ما حسن وطال.
[9] الرغم (مثلث أراء) هنا: الكره والقسر. ورغم: ذل؛ يقال رغم أنف فلان (بفتح الغين وكسرها وضمها) إذا ذل وانقاد.
[10] دبر كل شي ء: آخره. وأتمر هنا: عمل برأيه. والمؤتمر يصيب مرة ويخطىء أخرى. يقول: تذكر أم حسان أخيرا فاقشعر حين تبين له خطأ ما فعل.
[11] في العبارة هنا قلب أي أمر موساه بالشواب. والشوارب هنا: عروق في الحلق. والانتحار هنا: قتل المرء نفسه.
تذكّرتها وهنا وقد حال دونها ... رعان وقيعان بها الزّهر والشجر [1]
فكنت كذات البوّ [2] لما تذكّرت ... لها ربعا حنّت لمعهده سحر
حفاظا ولم تنزع هراي أثيمة ... كذلك شأوا المرء يخلجه القدر
قال ابن الأعرابيّ: الأثيمة الفعيلة من الإثم، وهي مرفوعة بفعلها، كأنه قال: [لم] تنزع الأثيمة هواي. تخلجه:
تصرفه. شأوه: همّه ونيّته. قال وقال فيها أيضا:
/ألم تعلمي يا أمّ حسّان أنني ... إذا عبرة نهنهتها [3] فتخلت
رجعت إلى صدر كجرّة حنتم [4] ... إذا قرعت صفرا من الماء صلّت
خبر ابنه عرار مع عبد الملك حين جاءه رسولا من قبل الحجاج:
/ أخبرني إسماعيل بن يونس قال حدّثنا عمر بن شبّة عن إسحاق بن محمد بن سلّام، وأخبرني إبراهيم بن أيوب عن ابن قتيبة قال قال ابن سلّام:
لمّا قتل الحجاج عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث بعث برأسه مع عرار بن عمرو بن شأس الأسديّ، فلمّا ورد به وأوصل كتاب الحجاج، جعل عبد الملك يعجب من بيانه وفصاحته مع سواده، فقال متمثّلا:
وإنّ عمرارا إن يكن غير واضح ... فإنّي أحبّ الجون ذا المنكب العمم
فضحك عرار من قوله ضحكا غاظ عبد الملك؛ فقال له: ممّ ضحكت ويحك قال: أتعرف عرارا يا أمير المؤمنين الذي قبل فيه هذا الشعر؟! قال لا. قال: أنا واللّه هو. فضحك عبد الملك ثم قال: حظّ وافق كلمة، وأحسن جائزته وسرّحه.
قال شعرا في قتل ملك من غسان يقال له عديّ:
وقال الطوسيّ: أغار ملك من ملوك غسّان يقال له عديّ وهو ابن أخت الحارث بن أبي شمر الغسّانيّ علي بني أسد، فلقيته بنو سعد بن ثعلبة بن دودان بالفرات ورئيسهم ربيعة بن حذار [5]، فاقتتلوا قتالا شديدا، فقتلت بنو سعد عديّا، اشترك في قتله عمرو وعمير ابنا حذار أخوا ربيعة، وأمّهما امرأة من كنانة يقال لها تماضر إحدى بني فرّاس بن غنم وهي التي يقال لها مقيّدة الحمار. فقالت فاختة بنت عديّ:
/لعمرك ما خشيت على عديّ ... رماح بني مقيّدة الحمار
ولكنّي خشيت على عديّ ... رماح الجنّ أو إيّاك حار
__________
[1] الوهن: نحو نصف الليل، أو بعد ساعة منه، أو هو حين يدبر الليل، ومثله الموهن. ورعان: جمع رعن (بالفتح) وهو أنف يتقدم الجبل، والجبل الطويل. والقيعان جمع قاع، وهو أرض سهلة مطمئنة قد انفرجت عنها الجبال والآكام.
[2] البوّ: جلد ولد الناقة أو البقرة يحشى تبنا أو نحوه ثم يقرب إلى أمه فتعطف عليه وتدر. والربع (بضم ففتح): الفصيل يسج في الربيع وهو أول انتاج، فإن نتج في آخره فهو هبع (بضم وفتح).
[3] العبرة: الدمعة قبل أن تفيض. ونهنهتها: كففتها.
[4] في «الأصول»:
« ... إلى صبر كطسة خنتم»
والتصويب من «اللسان» (في مادة حنتم). والحنتم: جرار خضر تضرب إلى الحمرة.
وصلت: صوّتت.
[5] وقيل في ضبطه إنه ككتاب.
- تغنى الحارث بن أبي شمر خاله -
قتيل ما قتيل ابني حذار ... بعيد الهمّ طلّاع النجار
ويروى: «جواب الصحاري». فقال عمرو بن شأس في ذلك:
صوت
متى تعرف العينان أطلال دمنة ... لليلى بأعلى ذي معارك [1] تدمعا
على النحر والسّربال حتى تبلّه [2] ... سجوم ولم تجزع على الدار مجزعا
خليليّ عوجا اليوم نقض لبانة ... وإلّا تعوجا اليوم لا ننطلق معا
وإن تنظراني اليوم أتبعكما غدا ... قياد النجنيب أو أذلّ وأطوعا [3]
وهي قصيدة. غنّى في هذه الأبيات إبراهيم ثقيلا أوّل بالوسطى عن الهشاميّ. والدمنة في هذا الموضع: آثار الناس وما سوّدوا، وهي في غير هذا الموضع الحقد؛ يقال: في صدره عليّ إحنة، وترة، وضبّ، وحسيكة، ودمنة.
وعوجا: احبسا وتلبّثا، عاج يعوج عياجا [4]. وما أعيج [5] بكلامك أي ما ألتفت إليه. واللّبانة: الحاجة؛/ يقال:
لي في كذا لبانة ولبونة [6] ولماسة، ووطر، وحوجاء ممدودة. وقوله: «لا ننطلق معا»، يقول إن لم تقفا تأخّرت عنكما فتفرّقنا. وتنظراني تنظراني؛ يقال نظرته أنظره، وأنظرته أنظره إنظارا ونطرة أيضا إذا أخّرته؛ قال اللّه عزّ وجلّ: فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ
والجنيب: المجنوب من فرس وغيره، والجنيب أيضا الذي يشتكي رئته من شدّة العطش.
خطب بنت رجل كان مجاورا له فلما أحس منه امتناعا أراد أن يصيبها سبية ثم تذمم وقال شعرا:
وقال الطوسيّ قال الأصمعيّ: جاور رجل من بني عامر بن صعصعة عمرو بن شأس ومعه بنت له من أجمل الناس وأظرفهم، فخطبها عمرو إلى أبيها./ فقال أبوها: أمّا دمت جارا لكم فلا، لأني أكره أن يقول الناس غصبه أمره، ولكن إذا أتيت قومي فأخطبها إليّ أزوّجكها. فوجد عمرو من ذلك في نفسه واعتقد ألّا يتزوّجها أبدا إلا أن يصيبها مسبيّة. فلمّا ارتحل أبوها همّ عمرو بغزو قومها، فسار في أثر أبيها. فلمّا وقعت عينه عليه وظفر به استحيا من جواره وما كان بينهما من العهد والميثاق، فنظر إلى الجارية أمامهم وقد أخرجت رأسها من الهودج تنظر إليه. فلمّا رآها رجع مستحييا متذمّما منها. وكان عمرو مع شجاعته ونجدته من أهل الخير؛ فقال في ذلك:
__________
[1] ذو معارك: موضع في ديار بني تميم. وفي «الأصول»: «ذي معازل» والتصويب من كتاب «معجم ما استعجم» و «طبقات الشعراء» لابن سلام. (صفحة 47 طبعة مدينة ليدن سنة 1916 م).
[2] الضمير المرفوع في «تبله» وما بعده مراد به العين. وجائز في مثل هذا المثنى أن يعود الضمير إليه مفردا. وفي «طبقات الشعراء» «رشاشا» بدل «سجوم». وقوله: ولم تجزع على الدار، يريد أن تذراف العين بالدموع لم يكن لجزعها على الدار، وإنما كان على أهلها الذين فارقوها.
[3] رواية «طبقات الشعراء»:
أذل قيادا من جنيب وأطوعا
[4] الذي في «القاموس»: عاج عوجا ومعاجا.
[5] عين هذا الفعل ياء، وعين الأول واو. وبنو أسد يقولون: ما أعوج بكلامك.
[6] لم نجد هذه الكلمة فيما لدينا من كتب اللغة.
صوت
إذا نحن أدلجنا [1] وأنت أمامنا ... كفى لمطايانا بوجهك هاديا
أليس يزيد العيس [2] خفّة أذرع ... وإن كنّ حسرى أن تكوني أماميا
/ ولو لا اتّقاء اللّه والعهد قد رأى ... منيّته منّي أبوك اللّياليا
ونحن بنو خير السّباع أكيلة ... وأحربه [3] إذا تنفّس عاديا
بنو أسد وزد يشقّ بنابه ... عظام الرجال لا يجيب الرّواقيا [4]
متى تدع قيسا أدع خندف إنّهم ... إذا ما دعوا أسمعت ثمّ الدّواعيا
لنا حاضر لم يحضر الناس مثله ... وباد إذا عدّوا علينا البواديا
الغناء لإسحاق الموصليّ ثاني ثقيل في الأوّل والثاني من الأبيات، وفيه لحن قديم.
سئل ابن سيرين عن النسيب فأنشد بيتين في شعره دلالة على جوازه:
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا ابن مهرويه قال حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد قال حدّثنا الحزاميّ قال حدّثنا معن بن عيسى عن رجل عن سويد بن أبي رهم قال: قلت لابن سيرين: ما تقول في الشعر؟ قال: هو كلام، حسننه حسن، وقبيحة قبيح. قلت: فما تقول في النّسيب؟ قال: لعلك تريد مثل قول الشاعر:
إذا نحن أدلجنا وأنت أمامنا ... كفى لمطايانا بوجهك هاديا
أليس يزيد العيس خفّة أذرع ... وإن كنّ حسرى أن تكوني أماميا
قال: وأراد بإنشاده إيّاهما أنك قد رأيتني أحفظ هذا الجنس وأرويه وأنشدتك إياه، فلو كان به بأس ما أنشدته.
صوت
فإن تكن القتلى بواء فإنّكم ... فتى ما قتلتم آل عوف بن عامر
فتى كان أحيا من فتاة حييّة ... وأشجع من ليث بخفّان خادر
/ عروضه من الطويل. البواء بالباء: التكافؤ؛ يقال ما فلان لفلان ببواء، أي ما هو له بكف ء أن يقتل به. و «ما» في قولها «فتى ما قتلتم» صلة. وآل عوف نداء. وخفّان: موضع مشهور. وخادر: مقيم في مكمنة وغيله، وهو مأخوذ من الخدر [5].
الشعر لليلى الأخيليّة ترثي توبة بن الخميّر. والغناء لإسحاق بن إبراهيم الموصليّ، رمل بإطلاق الوتر في مجرى البنصر. وفيه لإبراهيم خفيف ثقيل بالوسطى عن حبش. وفي هذه القصيدة عدّة أغان تذكر مع سائر ما قاله توبة/ في ليلى وقالت فيه من الشعر عند انقضاء الخبر في مقتله إن شاء اللّه تعالى.
__________
[1] الإدلاج: سير الليل.
[2] العيس من الإبل: البيض مع شقرة يسيرة، الواحد أعيس وعيساء. والحسرى: جمع حسير وهي الدابة المعيبة المتعبة.
[3] وأحربه: يريد أنه أحرب السباع أي أشدها في الحرب والمقاتلة. والعادي من السباع: الظالم الذي يفترس الناس.
[4] هذا كناية عن أن فريسته لا سبيل إلى شفائها وسلامتها.
[5] من معاني الخدر (بالكسر): أجمة الأسد، ومن معاني الخدر (بالفتح): الإقامة.
12 - ذكر ليلى ونسبها وخبر توبة بن الحميّر معها وخبر مقتله
نسب ليلى الأخيلية:
هي ليلى بنت عبد اللّه بن الرّحّال - وقيل ابن الرحّالة - بن شدّاد بن كعب بن معاوية، وهو الأخيل وهو فارس الهرّار [1]، ابن عبادة بن عقيل بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة. وهي من النساء المتقدّمات [2] في الشعر من شعراء الإسلام.
كان توبة بن الحمير يهواها ونسبه:
وكان توبة بن الحميّر يهواها. وهو توبة بن الحميّر بن حزم بن كعب بن خفاجة بن عمرو بن عقيل.
جاءها توبة يوما فسفرت له لتحذره:
أخبرني ببعض أخبارهما أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ ومحمد بن حبيب بن نصر المهلّبيّ قالا حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد الورّاق [3] قال حدّثنا محمد بن عليّ أبو المغيرة قال حدّثنا أبي عن أبي عبيدة قال حدّثني أنيس بن عمرو العامريّ قال:
كان توبة بن الحميّر أحد بني الأسديّة، وهي عامرة بنت والبة بن الحارث، وكان يتعشّق ليلى بنت عبد اللّه بن الرحّالة ويقول فيها الشعر، فخطبها إلى أبيها فأبى أن يزوّجه إيّاها وزوّجها في بني الأدلع. فجاء يوما كما كان يجيء لزيارتها، فإذا هي سافرة ولم ير منها إليه بشاشة، فعلم أنّ ذلك لأمر ما كان، فرجع إلى راحلته فركبها ومضى، وبلغ بني الأدلع أنّه أتاها فتبعوه ففاتهم. فقال توبة في ذلك:
/نأتك بليلى دارها لا تزورها ... وشطّت نواها واستمرّ مريرها [4]
وهي طويلة، يقول فيها:
وكنت إذا ما جئت ليلى تبرقعت ... فقد رابني منها الغداة سفورها
أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدّثنا عمر بن شبّة قال:
كان توبة بن الحميّر إذا أتى ليلى الأخيليّة خرجت إليه في برقع. فلمّا شهر أمره شكوه إلى السّلطان، فأباحهم دمه إن أتاهم. فمكثوا له في الموضع الذي كان يلقاها فيه. فلمّا علمت به خرجت سافرة حتى جلست في طريقه فلمّا رآها سافرة فطن لما أرادت وعلم أنه قد رصد، وأنها سفرت لذلك تحذّره، فركض فرسه فنجا. وذلك قوله:
__________
[1] ورد اسم هذا الفرس في «الأصول» هنا محرفا. وقد تقدم في صفحتي 85 و87 من هذا الجزء.
[2] في «أ، م»: «المقدمات».
[3] في «الأصول» هنا: «عبد اللّه بن عمرو بن أبي سعد الوراق». وقد ورد كثيرا من الأجزاء الماضية كما أثبتناه.
[4] يقال: نآه ونأي عنه إذا بعد عنه. وشطت. بعدت. والنوى هنا: الوجه الذي ينويه المسافر من قرب أو بعد، ومثله النية. واستمر:
استحكم. والمرير هنا: العزيمة، ومثله المريرة. يقال: استمرت مريرة فلان على كذا إذا استحكم أمره عليه وقويت شكيمته فيه وألفه واعتاده.
وكنت إذا ما جئت ليلى تبرقعت ... فقد رابني منها الغداة سفورها
قال أبو عبيدة وحدّثني غير أنيس أنه كان يكثر زيارتها، فعاتبه أخوها وقومها فلم يعتب [1]، وشكوه إلى قومه فلم يقلع، فتظلّموا منه إلى السّلطان فأهدر دمه إن أتاهم. وعلمت ليلى بذلك، وجاءها زوجها وكان غيورا فحلف لئن لم تعلمه بمجيئه ليقتلنّها، ولئن أنذرته بذلك ليقتلنّها. قالت ليلى: وكنت أعرف الوجه الذي يجيئني منه، فرصدوه بموضع ورصدته بآخر، فلمّا أقبل لم أقدر على كلامه لليمين، فسفرت وألقيت البرقع عن رأسي. فلمّا رأى ذلك أنكره فركب راحلته ومضى ففاتهم.
عرفها رجل من بنى كلاب وخبره معها ومع زوجها:
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد قال حدّثني أحمد بن معاوية بن بكر قال حدّثني أبو زياد الكلابيّ قال:
/ خرج رجل من بني كلاب ثم من بني الصحمة [2] يبتغي إبلا له حتى أوحش وأرمل [3]، ثم أمسى بأرض فنظر إلى بيت بواد، فأقبل حتى نزل حيث ينزل الضيف، فأبصر امرأة وصبيانا يدورون بالخباء فلم يكلّمه/ أحد. فلمّا كان بعد هدأة من الليل سمع جرجرة إبل رائحة، وسمع فيها صوت رجل حتى [4] جاء بها فأناخها على البيت، ثم تقدّم فسمع الرجل يناجي المرأة ويقول: ما هذا السّواد حذآءك؟ قالت: راكب أناخ بنا حين غابت الشمس ولم أكلّمه.
فقال لها: كذبت، ما هو إلا بعض خلّانك، ونهض يضربها وهي تناشده، قال الرجل: فسمعته يقول: واللّه لا أترك ضربك حتى يأتي ضيفك هذا فيغيثك. فلمّا عيل صبرها [5] قالت: يا صاحب البعير يا رجل! وأخذ الصحميّ هرواته ثم أقبل يحضر [6] حتى أتاها وهو يضربها، فضربه ثلاث ضربات أو أربعا، ثم أدركته المرأة فقالت: يا عبد اللّه، ما لك ولنا! نحّ عنّا نفسك، فانصرف فجلس على راحلته وأدلج ليلته كلّها وقد ظنّ أنه قتل الرجل وهو لا يدري من الحيّ بعد [7]، حتى أصبح في أخبية من الناس، ورأى غنما فيها أمة مولّدة، فسألها عن أشياء حتى بلغ به الذكر [8]، فقال: أخبريني عن أناس وجدتهم بشعب كذا [9]. فضحكت وقالت: إنك لتسألني عن شيء وأنت به عالم. فقال:
وما ذاك للّه بلادك؟ فو اللّه ما أنا به عالم. قالت: ذاك خباء ليلى الأخيليّة، وهي أحسن الناس وجها، وزوجها رجل غيور فهو يعزب بها عن الناس/ فلا يحلّ بها معهم، واللّه ما يقربها أحد ولا يضيفها، فكيف نزلت أنت بها؟ قال.
إنما مررت فنظرت إلى الخباء ولم أقربه، وكتمها الأمر. وتحدّث الناس عن رجل نزل بها فضربها زوجها فضربه الرجل ولم يدر من هو. فلمّا أخبر [10] باسم المرأة وأقرّ على نفسه تغنّى بشعر دلّ فيه على نفسه وقال:
__________
[1] أي لم يرضهم.
[2] في «مختار الأغاني»: «من بني الصمح» وكذلك ورد في الشعر الآتي: «أنا الصمحيّ» ولم نهتد لوجه الصواب فيه.
[3] أوحش هنا: جاع. وأرمل: نفد زاده.
[4] كلمة «حتى» ليست في «ج».
[5] في «مختار الأغاني» لابن منظور: «فلما عيل صبرها غوّثت وقالت ... ».
[6] في «ب، س»: «يحفز» وهو تحريف. والإحضار: العدو.
[7] زاد في «مختار الأغاني»: «و لا من الرجل».
[8] كذا في «مختار الأغاني». وفي «الأصول»: « ... بها الذكر».
[9] كذا في مختار الأغاني. وفي «الأصول» «بشعب كذا وكذا» ولا معنى لتكرار هذه الكلمة.
[10] في «مختار الأغاني»: «فلما أخبر باسم المرأة أقر على نفسه بشعر قاله وهو ... ».
ألا يا ليل أخت بني عقيل ... أنا الصّحميّ إن لم تعرفيني
دعتني دعوة فحجزت [1] عنها ... بصكّات رفعت بها يميني
فإن تك غيرة أبرئك منها ... وإن تك قد جننت فذا جنوني [2]
سألها الحجاج هل كان بينها وبين توبة ريبة وجوابها له:
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا رشد [3] بن خنتم الهلاليّ قال حدّثني أيّوب بن عمرو عن رجل يقال له ورقاء قال:
سمعت الحجّاج يقول لليلى الأخيليّة: إنّ شبابك قد ذهب، واضمحلّ أمرك وأمر توبة؛ فأقسم عليك إلّا صدقتني، هل كانت بينكما ريبة قطّ أو خاطبك في ذلك قطّ؟ فقالت: لا واللّه أيّها الأمير إلا أنّه قال لي ليلة وقد خلونا كلمة ظننت أنه قد خضع فيها لبعض الأمر، فقلت له.
وذي حاجة قلنا له لا تبح بها ... فليس إليها ما حييت سبيل
لنا صاحب لا ينبغي أن نخونه ... وأنت لأخرى فارغ وحليل [4]
/فلا واللّه ما سمعت منه ريبة بعدها حتى فرّق بيننا الموت. قال لها الحجاج: فما كان منه بعد ذلك؟
قالت: وجّه صاحبا له إلى حاضرنا فقال: إذا أتيت الحاضر من بني عبادة بن عقيل فاعل شرفا ثم اهتف بهذا البيت:
عفا اللّه عنها هل أبيتنّ ليلة ... من الدهر لا يسري إليّ خيالها
فلمّا فعل الرجل ذلك عرفت المعنى فقلت له:
/و عنه عفا ربّي وأحسن حفظه [5] ... عزيز علينا حاجة لا ينالها
نسبة ما في هذا الخبر من الغناء، وهو أجمع في قصيدة توبة.
نأتك بليلى دارها لا تزورها
صوت
حمامة بطن الواديين ترنّمي ... سقاك من الغرّ الغوادي مطيرها
أبيني لنا لا زال ريشك ناعما ... ولا زلت في خضراء دان بريرها [6]
__________
[1] حجزت: كففت ودفعت.
[2] في «ج»: «فذو جنون». وكلا الرسمين يستقيم به المعنى. ومعنى البيت: إن كان ما حملك على ضرب زوجك غيره فأنا أشفيك منها، وإن كان جنونا فأنا ذو جنون يغلب جنونك، أو فهذا الذي رأيته مني جنوني. وفي «مختار الأغاني»: «فذق جنوني».
[3] لم نعثر على ضبط هذا الاسم، وقد سموا رشدا (بضم فسكون) ورشدا (بالتحريك).
[4] في «بعض الأصول»: «و خليل». وفي كتاب «الأمالي» لأبي علي القالي (ج 1 ص 88 طبع مطبعة دار الكتب المصرية): «صاحب» بدل «فارغ». وحليل المرأة زوجها، وهي حليلته، لأن كليهما يحال الآخر أي يكون معه في محل واحد.
[5] في «الأمالي»:
« ... وأحسن حاله ... فعزت ... »
[6] في «الأمالي»: «غض نضيرها». والبرير: ثمر الأراك.
وأشرف بالقوز اليفاع [1] لعلّني ... أرى نار ليلى أو يراني بصيرها [2]
وكنت إذا ما جئت ليلى تبرقعت ... فقد رابني منها الغداة سفورها
عليّ دماء البدن [3] إن كان بعلها ... يرى لي ذنبا غير أنّي أزورها
وأنّي إذا ما زرتها قلت يا اسلمي ... وما كان في قولي اسلمي ما يضيرها
/ وغيّرني [4] إن كنت لمّا تغيّري ... هواجر تكتنّينها [5] وأسيرها
وأدماء [6] من سرّ المهاري كأنّها ... مهاة صوار [7] غير ما مسّ كورها
قطعت بها أجواز كلّ تنوفة ... مخوف رداها كلّما استنّ مورها [8]
ترى ضعفاء القوم فيها كأنّهم ... دعاميص [9] ماء نشّ [10] عنها غديرها
غنّى في الأربعة الأبيات الأول فليح بن أبي العوراء ثاني ثقيل بالبنصر عن عمرو. وغنّى في الثالث والرابع ابن سريح رملا بالوسطى عن الهشاميّ وعليّ بن يحيى المنجّم، وذكر غيرهما أنه لمحمد بن إسحاق بن عمرو بن بزيع.
وغنّى فيها الهذليّ ثقيلا أوّل بالبنصر عن حبش. وغنّى ابن محرز في «عليّ دماء البدن» والذي بعده خفيف رمل بالبنصر عن عمرو. وعن ابن مسجح في:
وغيّرني إن كنت لمّا تغيّري
وما بعده لحن ذكر أنّ عبد اللّه بن جعفر روّاه الأبيات وأمره أن يغنّي بها، أخبرني بذلك إسماعيل بن يونس الشّيعيّ عن عمر بن شبّة عن إسحاق الموصليّ عن ابن الكلبيّ في خبر قد ذكرته في أخبار ابن مسجح [11]، وذكر الهشاميّ أن اللحن ثقيل أوّل بالوسطى.
رأي الأصمعيّ فيما تضمنه شعر لتوبة:
__________
[1] كذا في «ج». والقوز: الكثيب من الرمل. واليفاع: المشرف. وفي «بعض الأصول» «بالغور» بالغين المعجمة، وفي بعضها الآخر «بالفور» بالفاء وهو تصحيف.
[2] أي أو يراني البصير المجاور للنار، فأضاف البصير إلى النار لهذه المناسبة. وظاهر أنه يريد بالبصير ليلى.
[3] البدن (بالضم، وبضمتين أيضا): جمع بدنة (بالتحريك) وهي الناقة أو البقرة تسمن وتذبح بمكة.
[4] تقدّمت هذه الأبيات الأربعة التي أوّلها هذا البيت في «الأغاني» (ج 3 ص 280 من هذه الطبعة).
[5] وردت هذه الكلمة محرفة ها هنا في «الأصول»، والتصويب مما تقدّم في الجزء الثالث وكتاب «منتهى الطلب من أشعار العرب».
[6] الأدمة في الإبل: لون مشرب سوادا أو بياضا أو هو البياض الواضح. والمهاري: جمع مهرية وهي إبل منسوبة إلى مهرة بن حيدان أبي حي من العرب، وقيل: هي منسوبة إلى بلد. وقال الأزهري: هي نجائب تسبق الخيل. وسرها: محضها وأفضلها. وفي «أكثر الأصول» هنا: «من حر المهاري» وما أثبتناه هو ما في «ج» والرواية فيما تقدّم. وفي كتاب «منتهى الطلب من أشعار العرب»: «من سر الهجان».
[7] كذا في «ج» و «منتهى الطلب» والرواية فيما تقدّم. وفي «سائر الأصول»: «مهاة صحار». والمهاة: البقرة الوحشية. والصوار:
قطيع البقر.
[8] أجواز: جمع جوز، وجوز كل شيء وسطه. والتنوفة: الفلاة التي لا ماء فيها. واستن: هاج وثار. والمور: الغبار تثيره الرياح.
[9] الدعاميص: دود أسود يكون في الغدران إذا نشّت.
[10] كذا في «ج» و «منتهى الطلب» وفيما تقدّم. وفي «سائر الأصول» هنا: «جف». ونش: يبس ونضب.
[11] راجع الجزء الثالث صفحة 280 من هذه الطبعة.
حدّثنا أحمد بن عبيد اللّه بن عمار قال حدّثني محمد بن يعقوب بالأنبار قال حدّثني من أنشد [1] الأصمعيّ:
عليّ دماء البدن إن كان زوجها ... يرى لي ذنبا غير أنّي أزورها
وأنّي إذا ما زرتها قلت يا اسلمى ... فهل كان من قولي اسلمي ما يضيرها
فقال الأصمعيّ: شكوى مظلوم، وفعل ظالم.
مقتل توبة وسببه وكيف كان:
أخبرني بالسبب في مقتل توبة محمد بن الحسن بن دريد إجازة عن أبي حاتم السّجستانيّ عن أبي عبيدة، والحسن بن عليّ الخفّاف قال حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد قال حدّثنا محمد بن عليّ بن المغيرة عن أبيه عن أبي عبيدة، وأخبرني عليّ بن سليمان الأخفش قال أخبرنا أبو سعيد السّكّري عن محمد بن حبيب عن ابن الأعرابي، ورواية أبي عبيدة أتمّ واللّفظ له. قال أبو عبيدة:
كان الذي هاج مقتل توبة بن الحميّر بن حزم [2] بن كعب بن خفاجة بن عمرو بن عقيل بن كعب بن ربيعة بن عامر/ بن صعصعة أنّه كان بينه وبين بني عامر بن عوف بن عقيل لحاء [3]، ثم إنّ توبة شهد بني خفاجة وبني عوف وهم يختصمون عند همّام بن مطرف العقيليّ في بعض أمورهم. قال: وكان مروان بن الحكم يومئذ أميرا/ على المدينة في خلافة معاوية بن أبي سفيان، فاستعمله على صدقات بني عامر. قال: فوثب ثور بن أبي سمعان بن كعب بن عامر بن عوف بن عقيل على توبة بن الحميّر فضربه بجرز [4] وعلى توبة الدرع والبيضة، فجرح أنف البيضة وجه توبة. فأمر همام بثور بن أبي سمعان فأقعد بين يدي توبة، فقال: خذ بحقّك يا توبة. فقال له توبة: ما كان هذا إلّا عن أمرك، وما كان ليجترىء عليّ عند غيرك. وأمّ همّام صوبانة بنت جون [5] بن عامر بن عوف بن عقيل، فاتّهمه توبة لذلك، فانصرف ولم يقتصّ منه. فمكثوا غير كثير، وإنّ توبة بلغة أنّ ثور بن أبي سمعان خرج في نفر من رهطه إلى ماء من مياه قومه يقال له قوباء [6] يريدون مالهم [7] بموضع يقال له جرير بتثليث - قال: وبينهما فلاة - فاتّبعه توبة في ناس من أصحابه، فسأل عنه وبحث حتى ذكر له أنه عند رجل من بني عامر بن عقيل يقال له سارية بن عمير [8] بن أبي عديّ وكان صديقا لتوبة. فقال توبة: واللّه لا نطرقهم [9] عند سارية الليلة حتى يخرجوا
__________
[1] في «الأصول»: «من أنشده الأصمعي ... إلخ».
[2] في «ج» هنا: «جون» بدل «حزم». وفي «منتهى الطلب»: «حزن». وفي «المختلف والمؤتلف» للآمديّ: «سفيان». وسيأتي في صفحة 222: « ... حمير بن ربيعة» وهي رواية أبي عبيدة عن مزرع.
[3] لحاء: مصدر لاحاه ملاحاة ولحاء إذا نازعه.
[4] الجرز (بالضم) عمود من حديد.
[5] في «مختار الأغاني»: «طوبانة بنت حزن». ولم نهتد لوجه الصواب فيه.
[6] كذا في «أكثر الأصول». وفي «ج»: «قويا». وفي «مختار الأغاني»: «هوفا». ولم نجد شيئا من هذه الرسوم في المظانّ. وفي كتاب «صفة جزيرة العرب» لأبي محمد الهمدانيّ: «القوفاء» وردت في قصيدة لشاعر نجدي يقال له الحزازة العامريّ، وقد كان ذهب مع قومه إلى البيت الحرام يستسقون، فوصف أرضهم بلدا بلدا وواديا واديا وجبلا جبلا، وورد في هذه القصيدة بعد «القوفاء» بقليل «تثليث». فلعل ما في «الأصول» محرف عنه.
[7] في ج و «مختار الأغاني»: «يريدون ماء لهم يقال له جرير ... ».
[8] في «مختار الأغاني»: «سارية بن عريم ... ».
[9] في «ب، س»: «و اللّه لأنظرنهم».
عنه. فأرادوا أن يخرجوا حين يصبحون. فقال لهم سارية. ادّرعوا [1] الليل؛ فإنّي لا آمن توبة عليكم الليلة فإنه لا ينام عن طلبكم. قال: فلمّا تعشّوا ادّرعوا الليل في الفلاة. وأقعد له توبة رجلين فغفل صاحبا توبة.
فلمّا/ ذهب الليل فزع توبة وقال: لقد اغتررت إلى رجلين ما صنعا شيئا، وإنّي لأعلم أنهم لم يصبحوا بهذا البلاد، فاقتصّ آثارهم، فإذا هو بأثر القوم قد خرجوا، فبعث إلى صاحبيه فأتياه، فقال: دونكما هذا الجمل فأوقراه من الماء في مزادتيه ثم اتّبعها أثري، فإن خفي عليكما أن تدركاني فإني سأنوّر لكما إن أمسيتما دوني.
وخرج توبة في أثر القوم مسرعا، حتى إذا انتصف النهار جاوز علما يقال له أفيح [2] في الغائط. فقال لأصحابه:
هل ترون سمرات إلى جنب قرون بقر؟ - وقرون بقر مكان هنالك - فإنّ ذلك مقيل القوم لم يتجاوزوه فليس وراءه [3] ظلّ. فنظروا فقال قائل: أرى رجلا يقود بعيرا [4] كأنه يقوده لصيد. قال توبة: ذلك ابن الحبتريّة، وذلك من أرمى من رمى. فمن له يختلجه [5] دون القوم فلا ينذرون [6] بنا؟ قال: فقال عبد اللّه أخو توبة: أنا له.
قال: فاحذر لا يضربنّك، وإن استطعت أن تحول بينه وبين أصحابه فافعل. فخلّي طريق فرسه في غمض [7] من الأرض، ثم دنا منه فحمل عليه، فرماه لابن الحبتريّة - قال: وبنو الحبتر [8] ناس من مذحج في بني عقيل - فعقر [9] فرس عبد اللّه أخي توبة واختلّ [10] السهم ساق عبد اللّه، فانحاز الرجل حتى أتى أصحابه فأنذرهم، فجمعوا ركابهم وكانت متفرّقة. قال: وغشيهم توبة ومن معه، فلمّا رأوا ذلك صفّوا رحالهم وجعلوا السّمرات في نحورهم وأخذوا سلاحهم ودرقهم، وزحف إليهم توبة، فارتمى القوم لا يغني أحد منهم شيئا/ في أحد. ثم إنّ توبة وكان يترّس [11] له أخوه عبد اللّه، قال: يا أخي لا تترّس لي؛ فإني رأيت ثورا كثيرا ما يرفع التّرس، عسى أن أوافق منه عند رفعه [12] مرمى فأرميه. قال: ففعل، فرماه توبة على حلمة ثديه فصرعه. وجال [13] /القوم فغشيهم توبة وأصحابه فوضعوا فيهم السّلاح حتى تركوهم صرعى وهم سبعة نفر. ثم إنّ ثورا قال انتزعوا هذا السهم عنّي. قال توبة: ما وضعناه لننتزعه. فقال أصحاب توبة: انج بنا نأخذ آثارنا ونلحق راويتنا، فقد أخذنا ثأرنا من هؤلاء وقد متنا عطشا [14]. قال توبة: كيف بهؤلاء القوم الذي لا يمنعون ولا يمتنعون!. فقالوا: أبعدهم اللّه. قال توبة: ما أنا بفاعل وما هم إلّا عشيرتكم، ولكن تجيء [15] الراوية فأضع لهم ماء وأغسل عنهم دماءهم
__________
[1] في «ج، ب، س»: ادّرعوا الليلة». يقال: ادّرع الليل وتدرعه إذا دخل فيه يسري، كأنه لبس ظلمته.
[2] ضبط الأصمعي «أفيح» بضم أوّله وفتح ثانيه، وضبطه غيره بفتح أوّله وكسر ثانيه.
[3] عبارة «مختار الأغاني»: «فإن ذلك مقيل لم يتجاوزه القوم وليس لهم وراءه ظل».
[4] في «الأصول»: «نرى رجلا يقود بعيرا له ... إلخ» والتصويب عن «مختار الأغاني».
[5] يختلجه: ينتزعه.
[6] فلا ينذرون بنا: فلا يعلمون.
[7] الغمش: المطمئن المنخفض من الأرض.
[8] في «الأصول»: «و بنو الحبترية» والتصويب من «مختار الأغاني».
[9] في «الأصول»: «فعقروا» بضمير الجمع، وهو تحريف.
[10] اختله السهم: أصابه ونفذه.
[11] يترس له: يستره بالترس.
[12] في «الأصول»: «عند رميه» والتصويب من «مختار الأغاني».
[13] في «الأصول»: «و جاء القوم» والتصويب من «مختار الأغاني».
[14] كذا في «مختار الأغاني». و «عبارة الأصول»: « ... انج فقد أخذنا ثأرنا ونلقى راويتنا فقد متنا عطشا».
[15] في «مختار الأغاني»: «و لكن حتى تجيء ... » بزيادة «حتى».
وأخيل [1] عليهم من السّباع والطير لا تأكلهم حتى أوذن قومهم بهم بعمق [2]. فأقام توبة حتّى أتته الراوية قبل اللّيل، فسقاهم من الماء وغسل عنهم الدماء، وجعل في أساقيهم [3] ماء، ثم خيّل لهم بالثّياب على الشجر، ثم مضى حتى طرق من اللّيل سارية بن عويمر [4] بن أبي عديّ العقيليّ فقال: إنّا قد تركنا رهطا من قومكم بسمرات من قرون بقر، فأدركوهم، فمن كان حيّا فداووه، ومن كان ميّتا فادفنوه، ثم انصرف فلحق بقومه. وصبّح/ سارية القوم فاحتملهم وقد مات ثور بن أبي سمعان ولم يمت غيره. فلم يزل توبة خائفا. وكان السّليل بن ثور المقتول راميا كثير البغي والشرّ، فأخبر [5] بغرّة من توبة وهو [6] بقنّة من قنان الشّرف يقال لها قنّة بني الحميّر، فركب في نحو ثلاثين فارسا حتى طرقه؛ فترقّى توبة ورجل من إخوته في الجبل، فأحاطوا بالبيوت، فناداهم وهو في الجبل: هأنذا من تبغون فاجتنبوا [7] البيوت. فقالوا: إنكم لن تستطيعوه وهو في الجبل، ولكن خذوا ما استدفّ [8] لكم من ماله، فأخذوا أفراسا له ولإخوته وانصرفوا. ثم إنّ توبة غزاهم، فمرّ على أفلت [9] بن حزن بن معاوية بن خفاجة ببطن بيشة [10]. فقال: يا توبة أين تريد؟ قال: أريد الصبيان من بني عوف بن عقيل. قال: لا تفعل فإنّ القوم قاتلوك، فمهلا. قال: لا أقلع عنهم ما عشت، ثم ضرب بطن فرسه فاستمرّ به يحضر [11] و [هو [12]] يرتجز ويقول:
تنجو إذا قيل لها يعاط [13] ... تنجو بهم من خلل الأمشاط
حتى انتهى إلى مكان، يقال له حجر الرّاشدة، ظليل، أسفله كالعمود، وأعلاه منتشر، فاستظلّ فيه [هو [12]] وأصحابه. حتى إذا كان بالهاجرة مرّت عليه إبل هبيرة بن السّمين أخي/ بني عوف بن عقيل واردة ماء لهم يقال له طلوب، فأخذها وخلّى طريق راعيها، وقال له: إذا أتيت صدغ البقرة [14] مولاك فأخبره أنّ توبة أخذ الإبل، ثم انصرف توبة [يطرد الإبل [15]]. قال: فلمّا ورد العبد على مولاه فأخبره نادى في بني عوف وقال: حتّام هذا!.
__________
[1] التخييل هنا: وضع خيال على الشيء لتفزع منه السباع، يقال: خيل له، وخيل عليه.
[2] عمق: موضع. وفي «مختار الأغاني»: «حتى أوذن قومهم يغمونهم».
[3] الأساقي: جمع أسقية، والأسقية: جمع سقاء (بالكسر) وهو وعاء الماء. فالأساقي جمع الجمع. وفي «مختار الأغاني»: «و جعل لهم في أشنانهم ماء». والأشنان: جمع شن، وهو القربة الخلق، وهي طيبة الماء لأنه ذهب منها ما يغير ماءها.
[4] تقدم في صفحة 211 «سارية بن عمير ... » ولم نهتد لوجه الصواب فيه.
[5] كذا في «مختار الأغاني». وفي «الأصول»: «و أخبر».
[6] في «الأصول»: «و هم» والتصويب من «مختار الأغاني».
[7] في «الأصول»: «هذا من تبغون فأجيبوا» والتصويب من «مختار الأغاني».
[8] كذا في «ج». واستدف: تهيأ وأمكن. يقال خذ ما دف لك واستدف، أي خذ ما تهيأ وأمكن وتسهل. وفي «سائر الأصول»: «ما استدنى».
[9] في «الأصول»: «قلب بن حزن» والتصويب من «مختار الأغاني».
[10] في «الأصول»: «يبطن نفسه». والتصويب من «مختار الأغاني».
[11] كذا في «ج» و «مختار الأغاني». والإحضار؛ عدو سريع. وفي «سائر الأصول»: «يخطر».
[12] زيادة عن «مختار الأغاني».
[13] في «الأصول»: «ينجو إذا قيل لهم معاط» وفي «ج»: «يعاط» صحيحة. والتصويب من «مختار الأغاني». وقد وردت البيت فيه هكذا:
تنجو إذا قيل لها نعاط ... تنجو ولو من خلل الأمشاط
ويعاط (وزان قطام): زجر للإبل، ويزجر به الذئب وغيره. وتنجو: تسرع.
[14] في «مختار الأغاني»: «ضرع البقرة».
[15] زيادة عن «مختار الأغاني».
فتعاقدوا بينهم نحوا من ثلاثين فارسا ثم اتّبعوه. ونهضت امرأة من بني خثعم من بني الهرّة [1] كانت في بني عوف وكانت تؤخّذ [2] لهم، فقالت: أروني أثره، فخرجوا بها فأروها أثره، فأخذت من ترابه فسافته فقالت: اطلبوه فإنّه [سيحبس [3]] عليكم. فطلبوه فسبقهم، فتلاوموا [بينهم [3]] وقالوا: ما نرى له أثرا، وما نراه إلا وقد سبقكم. قال:
وخرج توبة حتى إذا كان بالمضجع من أرض بني كلاب جعل نذارته [4] وحبس أصحابه. حتى إذا كان بشعب من هضبة قال لها هند [5] من كبد المضجع جعل ابن عمّ له [6] يقال له قابض بن عبد اللّه ربيئة [له [3]] على رأس الهضبة فقال: انظر فإن شخص لك شيء فأعلمنا./ فقال عبد اللّه [7] بن الحميّر: يا توبة إنّك حائن [8]، أذكّرك اللّه، فو اللّه ما رأيت يوما أشبه/ بسمرات بني عوف يوم أدركناهم في ساعتهم التي أتيناهم فيها منه [9]، فانج إن كان بك نجاة.
قال: دعني، فقد جعلت ربيئة ينظر لنا. قال: ويرجع بنو عوف بن عقيل حين لم يجدوا أثر توبة فيلقون رجلا من غنيّ، فقالوا له: هل أحسست في مجيئك أثر خيل أو أثر إبل؟ قال: لا واللّه. قالوا: كذبت وضربوه. فقال: يا قوم لا تضربوني، فإني لم أجد أثرا، ولقد رأيت زهاء كذا وكذا إبلا شخوصا في هاتيك الهضبة، وما أدري ما هو. فبعثوا رجلا منهم يقال له يزيد بن رويبة لينظر حتّى ما في الهضبة. فأشرف على القوم، فلما رآهم ألوى بثوبه لأصحابه حتّى جاءوا، فحمل أوّلهم على القوم حتى غشي [10] توبة، وفزع توبة وأخوه إلى خيلهما، فقام توبة إلى فرسه فغلبته لا يقدر على أن يلجمها ولا وقفت له، فخلّى طريقها، وغشيه [10] الرّجل فاعتنقه، فصرعه توبة وهو مدهوش وقد لبس الدّرع على السيف فانتزعه ثم أهوى به ليزيد بن رويبة فاتّقاه بيده فقطع منها، وجعل يزيد يناشده رحم صفيّة، وصفيّة أمّ له [11] من بني خفاجة. وغشي القوم توبة من ورائه فضربوه فقتلوه، وعلقهم عبد اللّه بن الحمّير يطعنهم بالرّمح حتى انكسر. قال: فلمّا فرغوا من توبة لووا على عبد اللّه بن الحميّر فضربوا رجله فقطعوها. فلمّا وقع بالأرض أشرع سيفه وحده ثم جثا على ركبتيه وجعل يقول: هلمّوا، ولم يشعر القوم بما أصابه. وانصرف بنو عوف بن عقيل، وولّى قابض منهزما حتى لحق بعبد العزيز بن زرارة الكلابيّ/ فأخبره الخبر. قال: فركب عبد العزيز حتى أتى توبة فدفنه وضمّ أخاه. ثم ترافع القوم إلى مروان بن الحكم، فكافأ بين الدّمين [12] وحملت الجراحات.
__________
[1] في «مختار الأغاني»: «من بني الهدة».
[2] تؤخذ لهم أي تعالج لهم السحر.
[3] زيادة عن «مختار الأغاني».
[4] النذارة: الإنذار. وإذ صح ما في «الأصول» فلعله يريد: وضع من ينذره أمر العدوّ أي وضعه حيث يعلم أمرهم إن قدموا فيخبره بهم، فاستعمل النذارة في المنذر. وعبارة «مختار الأغاني»: « ... جعل يحبس أصحابه».
[5] كذا في «الأصول». وفي كتاب «معجم ما استعجم» في الكلام على هيدة (بالدال المهملة): « ... ولم تختلف الرواية عن أبي عبيدة في كتابيه كتاب «أيام العرب» وكتاب «مقاتل الفرسان» أن الهضبة التي قتل فيها توبة اسمها بنت هند، على لفظ اسم المرأة ... ».
[6] في «الأصول»: «ابن عمة له». والتصويب من «مختار الأغاني». وفي كتاب «معجم ما استعجم» في الكلام على هيدة ذكر قول ليلى الأخيلية ترثي توبة:
تخلى عن أبي حرب فولى ... بهيدة قابض قبل القتال
ثم قال: «تعني قابض بن عبد اللّه المسلم لابن عمه توبة ... ».
[7] في «ب، س»: «عبد اللّه بن جسوسا بن الحمير» وهو غلط سببه أن قارئا لنسخة «ج» فسر «ربيئة» فقال «أي جاسوسا» فكان التفسير فوق «عبد اللّه» فظن الناشر أنه أبوه.
[8] الحائن: الهالك. وفي «ب، س»: «حائر» وهو تحريف.
[9] عبارة «مختار الأغاني»: «من هذه الساعة من هذا اليوم».
[10] غشيه هنا: لحقه وأدركه.
[11] كذا في «مختار الأغاني». وفي «الأصول»: «و صفية امرأة من بني خفاجة».
[12] في «ج»: «بين الدميين». ويقال في تثنية الدم دمان ودميان، وشذ دموان.
ونزل بنو عوف بن عقيل [1] البادية ولحقوا بالجزيرة والشام.
رواية لأبي عبيدة في مقتله وسببه:
قال أبو عبيدة: وقد كان توبة أيضا يغير زمن معاوية بن أبي سفيان على قضاعة وخثعم ومهرة وبني الحارث بن كعب. وكانت بينهم وبين بني عقيل مغاورات [2]، فكان توبة إذا أراد الغارة عليهم حمل الماء معه في الرّوايا ثم دفنه في بعض المفازة على مسيرة يوم منها؛ فيصيب ما قدر عليه من إبلهم فيدخلها المفازة فيطلبه [3] القوم، فإذا دخل المفازة أعجزهم فلم يقدروا عليه فانصرفوا عنه. قال: فمكث كذلك حينا. ثم إنه أغار في المرّة الأولى التي قتل فيها هو وأخوه [4] عبد اللّه بن الحميّر ورجل يقال له قابض بن أبي عقيل [5]، فوجد القوم قد حذروا فانصرف توبة مخفقا لم يصب شيئا. فمرّ برجل [6] من بني عوف بن عامر بن عقيل متنحّيا عن قومه، فقتله توبة وقتل رجلا كان معه من رهطه واطّرد إبلهما، ثم خرج عامدا يريد عبد العزيز بن زرارة بن جزء بن سفيان بن عوف بن كلاب، وخرج ابن عمّ لثور بن أبي سمعان [7] المقتول، فقال له خزيمة: صر إلى بني عوف بن عامر بن عقيل فأخبرهم الخبر. فركبوا في طلب توبة فأدركوه في أرض بني خفاجة، وقد أمن في نفسه فنزل، وقد كان أسرى يومه وليلته، فاستظلّ ببرديه وألقى عنه درعه وخلّى عن فرسه الخوصاء تتردّد/ قريبا [8] منه، وجعل قابضا ربيئة له ونام، فأقبلت بنو عوف بن عامر متقاطرين لئلّا يفطن لهم أحد، فنظر قابض فأبصر رجلا منهم فأقبل إلى توبة فأنبهه. فقال توبة: ما رأيت؟
قال: رأيت شخص/ رجل واحد، فنام ولم يكترث له، وعاد قابض إلى مكانه فغلبته عيناه فنام. قال: فأقبل القوم على تلك الحال فلم يشعر بهم قابض حتى غشوه، فلما رآهم طار على فرسه. وأقبل القوم إلى توبة، وكان أوّل من تقدّم غلام أمرد على فرس عري [9] يقال له يزيد بن رويبة بن سالم بن كعب بن عوف بن عامر بن عقيل؛ ثم تلاه ابن عمّه عبد اللّه بن سالم ثم تتابعوا. فلمّا سمع توبة وقع الخيل نهض وهو وسنان فلبس درعه على سيفه ثم صوّت بفرسه الخوصاء فأتته، فلمّا أراد أن يركبها أهوت ترمحه [10]، ثلاث مرّات، فلمّا رأى ذلك لطم وجهها فأدبرت، وحال القوم بينه وبينها. فأخذ رمحه وشدّ على يزيد بن رويبة فطعنه فأنفذ فخذيه جميعا [11]. وشدّ على توبة ابن عمّ الغلام عبد اللّه بن سالم فطعنه فقتله، وقطعوا رجل عبد اللّه. فلمّا رجع عبد اللّه بعد ذلك إلى قومه لاموه وقالوا له: فررت عن أخيك، فقال عبد اللّه بن الحميّر في ذلك [12]. قال أبو عبيدة وحدّثني أيضا مزرّع بن عبد اللّه بن همّام بن مطرّف بن الأعلم قال:
__________
[1] في «الأصول»: «و بنو عقيل» والتصويب من «مختار الأغاني».
[2] في «ب، س»: «غارات».
[3] في «ب، س»: «فيطلبهم» وهو تحريف.
[4] معطوف على فاعل «أغار».
[5] تقدّم في صفحة 215 أنه: «قابض بن عبد اللّه». فلعل «أبا عقيل» جدّ من أجداده، أو هو تحريف.
[6] الذي تقدّم في صفحة 214 أنه «مرت عليه إبل هبيرة بن السمين أخي بني عوف بن عقيل».
[7] في «الأصول» هنا: «أبي سفيان» وهو تحريف.
[8] في «ج»: «قريبة منه».
[9] في «الأصول»: «على فرس عربي». والفرس العري (بضم العين وسكون الراء): الذي لا سرج عليه.
[10] ترمحه: ترفسه.
[11] في «أ، م»: «فطعنه فقتله».
[12] أي قال القصيدة الآتية التي مطلعها:
تأوبني بعارمة الهموم
كان أهل دار من بني جشم بن بكر بن هوازن يقال لهم بنو الشّريد حلفاء لبني عداد [1] بن خفاجة في الإسلام، فكان بينهم وبين خميس بن ربيعة رهط قومه قتال على ماءة تدعى الحليفة وعامّتها لجدّ بن همّام. قال وشهد عبد اللّه بن الحميّر ذلك وهو/ أعرج، عرج يوم قتل توبة فلم يغن كثير غناء. فقالت بنو عقيل: لو توبة تلقّاهم لبلوا [منه [2]] بغير أفوق ناصل [3]. فقال عبد اللّه بن الحميّر يعتذر إليهم:
قصيدة لعبد اللّه بن الحمير يعتذر فيها إلى قومه بعد قتل أخيه:
تأوّبني [4] بعارمة الهموم ... كما يعتاد ذا الدّين الغريم
كأنّ الهمّ ليس يريد غيري ... ولو أمسى له نبط وروم
علام تقوم عاذلتي تلوم ... تؤرّقني [5] وما إنجاب الصّريم [6]
فقلت لها رويدا كي تجلّى ... غواشي النّوم والليل البهيم
ألمّا تعلمي أنّي قديما ... إذا ما شئت أعصي من يلوم
وأنّ المرء لا يدري إذا ما ... يهمّ علام تحمله الهموم
وقد تعدي [7] على الحاجات حرف ... كركن [8] الرّعن ذعلبة عقيم
مداخلة الفقار [9] وذات لوث ... على الحزّان [10] مقحمة غشوم
/ كأنّ الرّحل منها فوق جأب [11] ... بذات الحاذ [12] معقله الصّريم
__________
[1] لم نجد هذا الاسم في مظانه.
[2] زيادة عن «ج».
[3] الأفوق من السهام: الذي كسر فوقه وهو مشق الوتر منه. والناصل من السهام: ذو النصل، والذي سقط نصله. والمراد هنا ساقط النصل. ونصل السهم: الحديدة التي في رأسه. وفي حديث عليّ كرم اللّه وجهه يؤنب قوما: «و من رمى بكم فقد رمى بأفوق ناصل».
[4] تأويني الشي ء: رجع إلي ليلا. ويحتمل أن يكون «تتأوّبني» هنا فعلا مضارعا أي تتأوّبني. وعارمة: موضع. وفي «الأصول»: «بغازية» والتصويب من كتاب «منتهى الطلب».
[5] كذا في «ج». وفي «سائر الأصول»: «تؤنبني».
[6] الصريم: الليل، والصريم: الصبح، ضد. وقد وردت هذه الكلمة في «الأصول» محرّفة. وانجاب: انشق.
[7] تعدي: تعين. والحرف هنا: الناقة الصلبة الضامرة، شبهت بحرف الجبل في الصلابة.
[8] كذا في «ج» وكتاب «منتهى الطلب». وفي «ب، س»: «كركب الرعن» وفي «أ، م»: «كرعب الرعن» وهو تحريف. والرعن الجبل الطويل، وأنف يتقدم الجبل. وذعلبة: سريعة.
[9] في «منتهى الطلب»: «مداخلة الفقارة ذات لوث». واللوث هنا: القوة.
[10] كذا في «ج» و «منتهى الطلب». والحزان (بالضم وبالكسر): جمع حزيز وهو المكان الغليظ المنقاد. وفي «أ، م»: «الحران» بالراء المهملة وهو تصحيف. وفي «ب، س»: «الحرات». جمع حرة وهي أرض ذات حجارة نخرة سود كأنها أحرقت النار. ومن معاني المقحم: البعير الذي يسير في المفازة من غير راع ولا سائق. ولعل المراد بمقحمة هنا أنها تلقي بنفسها في السير من غير روية.
وغشوم: يريد أنها جريئة ماضية تركب رأسها إذا سارت لا يثنيها شيء عن هواها.
[11] الجأب (بالهمز وقد تسهل همزته): الغليظ الصلب من الحمر الوحشية والثيران الوحشية. وتشبيه الناقة بالحمار الوحشي أو الثور الوحشي في القوة والصلابة كثير مستغيض في الشعر العربي القديم.
[12] الحاذ: ضرب من الشجر واحده حاذة، والحاذ: موضع بنجد. قال طرفه بن العبد:
حيثما قاظوا بنجد وشتوا ... حول ذات الحاذ من ثنى وقر
طباه [1] برجلة البقّار برق ... فبات الليل منتصبا يشيم
فبينا ذاك إذ هبطت عليه ... دلوح [2] المزن واهية هزيم
تهبّ لها الشّمال فتمتريها [3] ... ويعقبها بنافحة نسيم
يكبّ [4] إذا الرّذاذ جرى عليه ... كما يصغي [5] إلى الآسي الأميم
إذا ما قال أقشع جانباه ... نشت [6] من كلّ ناحية غيوم
فأشعر [7] ليلة أرقا وقرّا ... يسهّره كما أرق السليم
/ ألا من يشتري رجلا برجل ... تخوّنها السّلاح فما تسوم [8]
/تلومك في القتال بنو عقيل ... وكيف قتال أعرج ولا يقوم
ولو كنت القتيل وكان حيّا ... لقاتل لا ألفّ [9] ولا سئوم
ولا جثّامة [10] ورع هيوب ... ولا ضرع إذا يمسي [11] جثوم
قال: ثم إنّ خفاجة رهط توبة جمعوا لبني عوف بن عامر عقيل الذين قتلوا توبة، فلمّا بلغهم الخبر لحقوا ببني الحارث بن كعب، ثم افترقت بنو خفاجة. فلمّا بلغ ذلك بني عوف رجعوا، فجمعت لهم بنو خفاجة أيضا قبائل عقيل. فلمّا رأت كذلك بنو عوف بن عامر بن عقيل لحقوا بالجزيرة فنزلوها؛ وهم رهط إسحاق بن مسافر بن ربيعة بن عاصم بن عمرو بن عامر بن عقيل. ثمّ إنّ بني عامر بن صعصعة صاروا في أمرهم إلى مروان بن الحكم وهو والي المدينة لمعاوية بن أبي سفيان، فقالوا: ننشدك [12] اللّه أن تفرّق جماعتنا،
__________
- والصريم هنا: القطعة المنقطعة من معظم الرمل، ومثله الصريمة. ويحتمل أنه يريد مكانا بعينه.
[1] طباه هنا: دعاه أو قاده. ورجلة البقار: موضع. ويشيم: ينظر.
[2] الدلوح من السحاب: كثيرة الماء. والمزن: السحاب أو أبيضه أو ذو الماء. الواهية من السحاب: التي تنبثق بالماء انبثاقا شديدا.
وهزيم هنا: تنبعج بالماء لا تستمسك.
[3] تمتريها: تحتلبها أي تنزل ماءها. والنافحة: وصف من نفحت الريح إذا هبت.
[4] كذا في «منتهى الطلب». وفي «الأصول»: «يلث إذا الرباب» وفي «ج»: «الرثاث» بمثلثة بدل «الرباب» وكله تحريف. ويكب: يريد أنه يطأطىء رأسه.
[5] كذا في «ج». و «منتهى الطلب» ويصغى يميل. وفي «أكثر الأصول» «يصفي» بالفاء وهو تصحيف. والآسي: الطبيب. والأميم: المشجوج في أم رأسه أي دماغه. يصف الجأب بأنه يميل رأسه إذا جرى ماء المطر عليه كما يفعل مشجوج الرأس حين يميل رأسه للطبيب.
[6] نشت: أصله نشأت، سهلت الهمزة ثم حذفت لالتقاء الساكنين.
[7] أي جعل القر والأرق شعارا له في ليلة. ويجوز أن يرفع «ليلة» على أن يجعل الأرق والقر شعارا له تجوزا في الإسناد، كما يقال نهار فلان صائم، وليله قائم. والسليم: اللديغ.
[8] تخوّنها: تنقصها وغيّر حالها. والسوم هنا: سرعة المر.
[9] الألف هنا: الثقيل الكثير اللحم، وهو عيب في الرجال دون النساء. والألف أيضا المقرون الحاجبين وهو غير مراد هنا. وسئوم:
ملول.
[10] الجثامة هنا: النؤوم الذي لا ينهض للكارم أو البليد، والجثامة أيضا: السيد الحليم وهو غير مراد هنا. والورع: الجبان والصغير الضعيف لا غناء عنده. والضرع (بالتحريك): الضعيف والجبان، يستوي فيه المفرد والجمع؛ والضرع (بالكسر): المتذلل الخاضع. والجثوم: الذي يلزم مكانه فلا يبرح، والذي يتلبد بالأرض.
[11] كذا في «ج» و «منتهى الطلب». وفي «سائر الأصول»: «يمشي» بالشين المعجمة، وهو تصحيف.
[12] أي نسألك باللّه أن تتلافى تفرق جماعتنا. يقال: نشدتك اللّه وباللّه أي سألتك واستحلفتك باللّه.
فعقل [1] توبة وعقل الآخرين معاقل العرب مائة من الإبل، فأدّتها بنو عامر. قال: فخرجت بنو عوف بن عامر قتله توبة/ فلحقوا بالجزيرة، فلم يبق بالعالية [2] منهم أحد، وأقامت بنو ربيعة بن عقيل وعروة بن عقيل وعبادة بن عقيل [3] بمكانهم بالبادية.
رواية أبي عبيدة عن مزرّع في مقتله وسببه:
قال أبو عبيدة وحدّثنا مزرّع [4] بن عمرو بن همّام - قال أبو عبيدة: وكان مع أبو الخطّاب وغيره - قال: توبة ابن حميّر بن ربيعة بن كعب بن خفاجة بن عمرو بن عقيل، وأمّه زبيدة. فهاج بينه وبين السّليل بن ثور بن أبي سمعان بن عامر ابن عوف بن عقيل كلام، وكان شرّيرا ونظير توبة في القوّة والبأس، فبلغ الحور [5] (و هو الكلام) إلى أن أوعد كلّ واحد منهما صاحبه، فالتقى بعد ذلك توبة والسّليل على غدير من ماء السماء، فرمى توبة السليل فقتله. ثم إنّ توبة أغار ثانية على إبل بني السّمين بن كعب بن عوف بن عقيل واردة ماءهم فاطّردها. واتبعوه وهم سبعة نفر: يزيد بن رويبة، وعبد اللّه بن سالم، ومعاوية بن عبد اللّه - قال أبو عبيدة: ولم يذكر غير هؤلاء - فانصرفوا يجنبون [6] الخيل يحملون المزاد، فقصّوا أثر توبة وأصحابه فوجدوهم وقد أخذوا في المضجع من أرض بني كلاب في أرض دمثة [7] تربة، فضلّت فرس توبة الخوصاء من اللّيل، فأقام واضطجع حتى أصبح، وساق أصحابه الإبل، وهم ثلاثة نفر سوى توبة: المحرز أحد بني عمرو بن كلاب، وقابض [8] بن أبي عقيل أحد بني خفاجة، وعبد اللّه بن حميّر أخو توبة لأمّه وأبيه. فلمّا/ أصبح توبة أذا فرسه الخوصاء راتعة أدنى ظلم [9] قريبة [10] منه ليس دونها وجاح [11] فأشلاها [12] حتى أتته، ثم خرج يعدو حتى لحق بأصحابه، فانتهوا إلى هضبة بكبد المضجع، فارتقى توبة فوقها ينظر الطّلب [13]، فرآه القوم ولم يرهم عند طلوع الشمس، وبالت الخوصاء حين انتهت إلى الهضبة، فقال القوم: إنه لطائر أو إنسان. فركب يزيد بن رويبة وكان أحدث القوم سنّا، وأمّه بنت عمّ توبة، فأغار ركضا حتى انتهى إلى الهضبة، فإذا بول الفرس وعليه بقيّة من رغوته، وإذا أثر توبة يعرفونه، فرجع فخبّر أصحابه. واندفع توبة وأصحابه حتى نزلوا إلى طرف هضبة يقال لها الشّجر من أرض بني/ كلاب، فقالوا بالظّهيرة، فلم يشعر شعره إلّا والإبل قد نفرت، وكانت بركا [14] بالهاجرة، من وئيد [15] الخيل. فوثب توبة، وكان لا يضع السيف، فصبّ الدّرع على السيف
__________
[1] عقل فلانا: وداه أي دفع ديته.
[2] العالية: اسم لكل ما كان من جهة نجد من المدينة من قراها وعمائرها إلى تهامة، وما كان دون ذلك من جهة تهامة فهي السافلة.
[3] في «الأصول»: «عبادة بن مقعل» وهو تحريف.
[4] تقدّم في صفحة 218: «مزرّع بن عبد اللّه بن همام».
[5] الحور: الاسم من المحاورة. يقال: إن فلانا لضعيف الحور، أين المحاورة، وهي المراجعة في الكلام.
[6] جنب الدابة: قادها إلى جنبه. وفي «الأصول»: «يجيبون» وهو تصحيف.
[7] في «الأصول»: «دمنة» وهو تصحيف. والأرض الدمثة: السهلة اللينة.
[8] كذا في «ج». وفي «سائر الأصول» هنا: «قابض بن عقيل». (راجع الحاشية رقم 6 من صفحة 217 من هذا الجزء طبعة دار الكتب).
[9] أدنى ظلم أي أدنى شيء. وقد شرح المؤلف هذه الكلمة فيما تقدّم (صفحة 79 من هذا الجزء طبعة دار الكتب).
[10] في «ج»: «قريبا منه».
[11] الوجاح (مثلث الأوّل): الستر. وفي «الأصول»: «وجاج» بجيمين وهو تصحيف.
[12] أشلى الدابة: دعاها إليه.
[13] الطلب هنا: جمع لطالب.
[14] البرك هنا: جماعة الإبل الباركة، الواحد بارك والأنثى باركة.
[15] الوئيد هنا: الصوت العالي الشديد.
متقلّده وهلا، وداجت [1] القوم، فطلب قائم السيف فلم يقدر عليه تحت الدّرع فلم يستطع سلّه، فطار إلى الرّمح فأخذه، فأهوى به طعنا إلى يزيد بن رويبة، وقد كان يزيد عاهد اللّه ليقتلنّه أو ليأخذنّه، فأنفذ فخذ يزيد، واعتنقه يزيد فعضّ بوجنتيه، واستدبره عبد اللّه بالسيف ففلق رأس توبة. وهيّت [2] توبة حين اعتوره الرجلان بقابض: يا قابض فلم يلو عليه، وفرّ قابض [و] الكلابيّ، وذبّ عبد اللّه/ بن حميّر عن أخيه؛ فأهوى له معاوية بن عبد اللّه بالسيف فأصاب ركبته فاختلعت (أي سقطت). فأتى قابض من فوره ذلك عبد العزيز بن زرارة أحد بين أبي بكر بن كلاب فقال: قتل توبة. فنادى في قومه، فجاءه أبوه زرارة فقال: أين تريد؟ فقال: قتل توبة. فقال أبوه طوط [3] سحقا لك! أتطلب بدم توبة أن قتلته بنو عقيل ظالما لها باغيا عاديا عليها! قال لكنّي أجنّه [4] إذا. قال أبوه. أمّا هذه فنعم. فألقى السّلاح وانطلق حتى أجنّه، وحمل أخاه عبد اللّه بن حميّر. قال: فأهل البادية يزعمون أنّ محرزا سحر فأخذ عن سيفه. فقالت ليلى الأخيلية بنت عبد اللّه بن الرحّالة بن شدّاد بن كعب بن معاوية فارس الهرّار ابن عبادة بن عقيل:
رثت ليلى توبة بعدّة قصائد:
نظرت وركن من ذقانين دونه ... مفاوز حوضي [5] أيّ نظرة ناظر
/ لأونس [6] إن لم يقصر الطّرف عنهم [7] ... فلم تقصر الأخبار والطّرف قاصري
فوارس أجلي شأوها عن عقيرة ... لعاقرها فيها عقيرة عاقر
شأوها [8]: سرعتها وهو الطّلق وجريها، وقال غيره: غايتها. عقيرة: تعني توبة. لعاقرها: تعني لعاقر توبة، تريد
__________
[1] كذا في «أكثر الأصول». وفي «ج»: «و دامت القوم». وظاهر أن فيه تحريفا، ويحتمل أن يكون صوابه: «و زاحف القوم» أو «و واجه القوم» أو ما يشبه ذلك، ويحتمل أن يكون محرفا عما يدل على القدوم أو الهجوم على أن يكون «القوم» فاعلا.
[2] هيت بفلان: صاح به ودعاه.
[3] كذا وردت هذه الكلمة في «أكثر الأصول». وفي «ج»: «ظوط» بظاء معجمة في أوله فطاء مهملة في آخره. ولم نجد في معاني هذه الكلمة ما يناسب المقام هنا. والظاهر من السياق أن المراد بها التهكم به، أو لعلها من زيادات النساخ.
[4] أجنه: كفنه وستره.
[5] وردت هذه الكلمة محرّفة في «الأصول»، بين «دفانين» و «دفاتين». و «دنانين». والتصويب من «معجم ما استعجم». وذقان (بكسر الذال) اسم جبل، وهما جبلان أحدهما لبني عمرو بن كلاب، والآخر لبني أبي بكر بن كلاب. (راجع «معجم ما استعجم» للبكري). ورواية هذا البيت في «منتهى الطلب من أشعار العرب»:
نظرت ودوني من عماية منكب ... وبطن الركاء أي نظرة ناظر
وفي «الكامل» للمبرد (طبعة أوربا):
نظرت وركن من بوانة دوننا ... وأركان حسمي أي نظرة ناظر
ويجوز في «أي نظرة ناظر» النصب والرفع، فالنصب على أنه معمول لنظرت، أي نظرت أيّ نظرة ناظر، ومعناه نظرت نظرة كاملة، كما تقول أنت رجل أي رجل، أي أنت رجل كامل في الرجولية. والرفع على القطع والابتداء والمخرج مخرج استفهام، وتقديره أي نظرة هي، كما تقول سبحان اللّه أي رجل زيد. (راجع «الكامل» للمبرد). وحوضي هنا: نجد من منازل بني عقيل، وحوضي أيضا: ماء لبني طهمان بن عمرو بن سلمة بن سكن بن قريط بن عبد بن أبي بكر بن كلاب إلى جنب جبل في ناحية الرمل. (راجع «معجم البلدان»).
[6] في «ب، س»: «لآنس» وهو تحريف.
[7] في «منتهى الطلب»: «دونهم».
[8] الذي في «لسان العرب». «الشأو: الطلق والشوط، والشأو: الغاية والأمد».
يزيد بن رويبة. ووجه آخر [1]: في عقيرة عاقر معنى مدح أي عقيرة كريمة لعاقرها. ووجه آخر: عقيرة لعاقرها: فيها الهلاك بعقرها -
فآنست خيلا بالرّقيّ [2] مغيرة ... سوابقها [3] مثل القطا المتواتر
قتيل بني عوف وأيصر [4] دونه ... قتيل بني عوف قتيل يحابر [5]
توارده أسيافهم فكأنّما ... تصادرن عن أقطاع [6] أبيض باتر
/ من الهندوانيات في كلّ قطعة ... دم زلّ عن أثر من السيف [7] ظاهر
أتته المنايا دون زغف [8] حصينة ... وأسمر خطّيّ وخوصاء ضامر
على كلّ حرداء السّراة [9] وسابح ... درأن [10] بشبّاك الحديد زوافر
عوابس تعدو الثّعلبيّة [11] ضمّرا ... وهنّ شواح بالشّكيم الشواجر
فلا يبعدنك اللّه يا توب [12] إنّما ... لقاء المنايا دارعا مثل حاسر [13]
__________
[1] ذكر المؤلف في معنى قوله: «لعاقرها فيها عقيرة عاقر» وجهين، وهذا الوجه هو الأوّل، وهو كقولهم «ثأر منيم» وهو الذي إذا أصابه المثئر هدأ واستقرّ لأنه أصاب كفؤا. ثم ذكر الوجه الثاني بعد.
[2] الرقيّ: موضع.
[3] في «منتهى الطلب»: «أوائلها». والمتواتر: الذي يجيء بعضه في إثر بعض.
[4] كذا في «رغبة الآمل» من كتاب «الكامل» للأستاذ المرحوم سيد بن عليّ المرصفي. وأيصر: موضع ببلاد بني عقيل، وقد ورد هذا الاسم أيضا في شعر ليلى الأخيلية:
ولم يملك الجرد الجياد يقودها ... بسرة بين الأشمسات فأيصر
وسيأتي هذا البيت في قصيدة لليلى في صفحة 232 وفي «الأصول المخطوطة»): «و يتبرونه» وفوق الواو في «أ، م» همزة. وفي «ب، س»: «و يثبر دونه» وفي «منتهى الطلب»:
قتيل بني عوف فواترتا له
والترة: الثأر.
[5] كذا في «ج» و «منتهى الطلب». ويحابر: قبيلة. وفي «سائر الأصول»: «قتيل لجابر». وفي «رغبة الآمل» من كتاب «الكامل»:
«قتيل لعامر». ولعل هذه الرواية هي المناسبة للسياق.
[6] في «منتهى الطلب»: «عن حامي الحديدة». والأقطاع: جمع قطع (بكسر فسكون) وهو ما قطع من حديد أو غيره. والأبيض الباتر:
السيف.
[7] الأثر (بالفتح) والإثر (بالكسر): فرند السيف ورونقه. وزاد في «لسان العرب» «الأثر» بضمتين، وزاد في «القاموس» «الأثير».
[8] الزغف: الدروع المحكمة. والأسمر الخطيّ: الرمح. والخوصاء الضامر: الفرس.
[9] الجرداء من الخيل: القصيرة الشعر، وهو مدح في الخيل. والسراة: الظهر. والسابح من الخيل: الحسن مدّ اليدين في الجري.
[10] كذا في «رغبة الآمل». والدره: الدفع. وفي «الأصول»: «لهن». وفي «منتهى الطلب»: «درأت». وشباك الحديد هنا: اللجم المشتبكة. وزوافر. مخرجات أنفاسهن. تصف الخيل بسرعة الاندفاع.
[11] الثعلبية: أن يعدو الفرس عدو الكلب. وشواح: فاتحات أفواهها. والشكيم: واحدته شكيمة وهي الحديدة المعترضة في الفم من اللجام. والشواجر: المشتبكة. وورد هذا البيت في «الأصول» هكذا:
عوابس تعدو التغلبية ضمرا ... وهن شواج بالشكيم السواجر
والتصويب من «منتهى الطلب»: و «رغبة الآمل» ونسخة الشنقيطي.
[12] كذا في «ج» و «منتهى الطلب». وفي «سائر الأصول»: «فلا يبعدنك اللّه توبة».
[13] تريد: إنما لقاء المنايا دارعا مثل لقائها حاسرا.
فإلّا تك [1] القتلى بواء فإنّكم ... ستلقون يوما ورده غير صادر
وإنّ السليل إذ يباوي قتيلكم ... كمرحومة من عركها غير طاهر [2]
/فإن تكن القتلى بواء فإنكم ... فتى ما قتلتم آل عوف بن عامر
/ فتى لا تخطّاه الرّفاق ولا يرى ... لقذر عيالا دون جار مجاور
ولا تأخذ الكوم الجلاد رماحها ... لتوبة في نحس الشّتاء الصّنابر [3]
إذا ما رأته قائما بسلاحه ... تقته [4] الخفاف بالثّقال البهازر
إذا لم يجد منها برسل فقصره ... ذرى المرهفت والقلاص التّواجر [5]
قرى سيفه منها مشاشا [6] وضيفه ... سنام المهاريس السّباط المشافر
وتوبة أحيا من فتاة حييّة ... وأجرأ من ليث بخفّان خادر [7]
/و نعم الفتى إن كان توبة فاجرا ... وفوق الفتى إن كان ليس بفاجر [8]
فتى ينهل الحاجات ثم يعلّها ... فيطلعها عنه ثنايا المصادر
__________
[1] في «منتهى الطلب» «فإن تكن القتلى».
[2] يباوي: يساوي، وأصله الهمز. تريد إذ يقتل بقتيلكم. وفي «الأصول»: «يباري» وهو تحريف. ومرحومة: بها داء في الرحم؛ يقال رحمت المرأة (بالبناء للمفعول) رحما (بالفتح) إذا أخذها داء في رحمها فهي تشتكي منه، ويقال أيضا رحمت رحما (وزان فرح فرحا) فهي رحمة، ورحمت (بضم عين الفعل) رحامة فهي رحوم ورحماء. والعرك: الحيض؛ يقال عركت المرأة تعرك (بالضم) عروكا فهي عارك. تقول: إن السليل الذي قتلناه منكم صغير القدر لا يباوي قتيلكم الذي قتلتموه منا، فهو مثل المرأة العارك ويشبه الساقطون من الرجال بالنساء العوارك؛ قال الشاعر:
أفي السلم أعيارا جفاء وغلظة ... وفي الحرب أمثال النساء العوارك
وفي «الأصول»: «كمرجومة» بالجيم، وهو تصحيف.
[3] الكوم: جمع كوماء وهي العظيمة السنام من الإبل. والجلاد من الإبل: الغزيرات اللبن كالمجاليد أو ما لا لبن لها ولا نتاج. يقال:
أخذت الإبل رماحها إذا حسنت في عين صاحبها فامتنع من نحرها نفاسة بها. وأخذ الإبل رماحها إنما هو على التمثيل. ونحس الشتاء: ريحه الباردة. وصنابر الشتاء: شدّة برده. والصنابر: جمع صنبر (بكسر الصاد وتشديد النون المفتوحة وتكسر، وسكون الباء)؛ يقال غداة صنبر. ولعل الصنابر وصف للشتاء باعتبار أيامه ولياليه، أو وصف لنحس الشتاء على أن يكون المراد بنحس الشتاء جمعا. ورواية البيت في «منتهى الطلب»:
ولا تأخذ الإبل الزهاري رماحها ... لتوبة عن صرف السرى في الصنابر
[4] كذا في «ج» و «منتهى الطلب». وفي «سائر الأصول»: «بسلاحه ات قته». ويقال اتقاه وتقاه (مثل قضى يقضي) بمعنى واحد.
والبهازر من الإبل: العظام، واحدتها بهزرة (بضم الباء والزاي وسكون الهاء بينهما).
[5] الرسل «بالكسر»: اللبن. والمرهفات الدقيقات. والقلاص: جمع قلوص وهي الشابة من النوق كالجارية من النساء. والتواجر هنا:
الإبل النافقة في التجارة وفي السوق. وفي «الأصول الخطية»: «النواحر». وفي «ب، س»: «النواجر» والتصويب من «منتهى الطلب».
[6] كذا في «ج» و «منتهى الطلب» و «رغبة الآمل». وفي «سائر الأصول» «منهن شأسا» وهو تحريف. والمشاش: رؤوس العظام مثل الركبتين والمرفقين، الواحدة مشاشة. والمهاريس من الإبل: الجسام الثقال، سميت بذلك لشدّة وطئها كأنها تهرس ما وطئته وتدقه. وفي «الأصول»: «البهاريس» والتصويب من «منتهى الطلب» و «رغبة الآمل». وسباط المشافر: طويلتها، وواحد السباط سبط ككتف. وفي «بعض الأصول: «السياط» بالمثناة وهو تصحيف. والمشفر للبعير كالشفة للإنسان.
[7] خفان: موضع قرب الكوفة وهو مأسدة. وخادر مقيم.
[8] كذا في «منتهى الطلب». وفي «الأصول»:
ونعم فتى الدنيا وإن كان فاجرا
صوت
كأنّ فتى الفتيان توبة لم ينخ ... قلائص يفحصن الحصا بالكراكر [1]
ولم يبن أبرادا عتاقا [2] لفتية ... كرام ويرحل قبل [3] فيء الهواجر
- في هذين البيتين لحن من الثّقيل الأوّل لمحمد بن إبراهيم قريض وهو من خاصّ صنعته وغنائه -
ولم يتجلّ الصّبح عنه وبطنه ... لطيف كطيّ السّبّ [4] ليس بحادر
فتى كان للمولى [5] سناء ورفعة ... وللطارق الساري قرى غير باسر
ولم يدع يوما للحفاظ وللنّدا [6] ... وللحرب يرمي [7] نارها بالشرائر
/ وللبازل الكوماء يرغو حوارها ... وللخيل تعدو بالكماة المساعر [8]
كأنّك لم تقطع [9] فلاة ولم تنخ ... قلاصا لدى [10] فأو من الأرض غائر [11]
وتصبح بموماة [12] كأنّ صريفها ... صريف خطاطيف الصّرى في المحاور
طوت نفعها عنّا كلاب وآسدت [13] ... بنا أجهليها بين غاو وشاعر
__________
[1] الكراكر: جمع كركرة (بالكسر) وهي هنا رحى زور البعير أو صدره.
[2] في «الكامل»: «أبرادا رقاقا» ثم شرحها المبرد فقال: «تريد الخيام».
[3] كذا في «ج» و «الكامل» للمبرد. ثم قال المبرد: «و قولها: ويرحل قبل فيء الهواجر، تريد أنه متيقظ ظعان». وفي «سائر الأصول»: «قبلهم في الهواجر».
[4] السب: الثوب الرقيق. والحادر هنا: الغليظ السمين. وفي «أكثر الأصول» «بحاذر» بالذال المعجمة؛ والتصويب من «ج» و «منتهى الطلب». تصفه بهضم الكشح، وهو مدح؛ قال زياد بن منقذ:
يغدو أمامهم في كل مربأة ... طلاع أنجدة في كشحه هضم
ورواية البيت في «منتهى الطلب»:
ولم يتخل الضيف عنه وبعلته ... خميص كطي السبت ليس بحادر
[5] المولى هنا: ابن العم أو الحليف الذي ينضم إليك فيعز بعزك ويمتنع بمنعتك. وباسر: عابس. وفي «رغبة الآمل» « ... قرى غير قاتر». وغير قاتر: غير ضيق، من قتر عيشه يقتر (بالكسر والضم) قترا وقتورا فهو قاتر ضاق لا يمسك إلا الرمق.
[6] كذا في «ج» و «منتهى الطلب». وفي «سائر الأصول»: «و للعدا».
[7] في «منتهى الطلب»: «يذكي».
[8] البازل: الناقة التي انشق نابها؛ وهي ما استكملت السنة الثامنة وطعنت في التاسعة. وهذا اللفظ مما يستوي فيه المذكر والمؤنث؛ يقال: ناقة بازل وجمل بازل. والكوماء: الناقة العظيمة السنام. والحوار (بالضم وقد يكسر): ولد الناقة من حين يوضع إلى أن يفطم، أو هو حوار ساعة تضعه أمه خاصة والمساعر: جمع مسعر (بكسر الميم وسكون السين وفتح العين). والمسعر هو الذي يوقد نار الحرب. يقال: فلان مسعر حرب إذا كان يؤرثها، أي تحمي به الحرب. وفي «الأصول»: «المشاعر» بالشين المعجمة.
والتصويب من «منتهى الطلب»، وقد صححها كذلك المرحوم الشنقيطي في نسخته.
[9] في «أكثر الأصول»: «كأن لم تكن تقطع» وفي «ج»: «كأنما لم تقطع». والتصويب من «منتهى الطلب».
[10] كذا في «ج». وفي «أكثر الأصول»: «لدى بأو» وهو تحريف. والفأو: بطن من الأرض تطيف به الرمال. وفي «منتهى الطلب» «لدى واد».
[11] في «الأصول»: «غابر» بالموحدة وهو تصحيف.
[12] في «منتهى الطلب» «جنوحا بموماة». والموماة: المفازة الواسعة أو التي لا ماء فيها ولا أنيس بها. والصريف: الصوت.
والخطاطيف: جمع خطاف (بالضم)، وهو حديدة حجناء تعقل بها البكرة من جانبيها وفيها المحور. والصري: الماء الذي طال مكثه فتغير. وهذه رواية «ج» و «منتهى الطلب». وفي «سائر الأصول»: «خطاطيف المدى في المحافر» وهو تحريف. والمحاور:
جمع محور وهو الحديدة التي تجمع بين الخطاف والبكرة، وهو أيضا الخشبة التي تجمع المحالة.
[13] كذا في «ج» و «منتهى الطلب». وفي «أ، م»: «و آسرت». وفي «ب، س»: «و أثرت» وكلاهما تحريف. وآسدت: هيجت
وقد كان حقّا أن تقول سراتهم ... لعا [1] لأخينا عاليا [2] غير عاثر
/ ودوّيّة قفر يحار بها القطا ... تخطّيتها بالنّاعجات [3] الضّوامر
فتا للّه تبني بيتها أمّ عاصم [4] ... على مثله أخرى [5] الليالي الغوابر
فليس شهاب الحرب توبة بعدها ... بغاز ولا غاد بركب مسافر [6]
وقد كان طلّاع النّجاد [7] وبيّن الل ... سان ومدلاج [8] السّرى غير فاتر
وقد كان قبل الحادثات إذا انتحى [9] ... وسائق أو معبوطة لم يغادر
وكنت إذا مولاك خاف ظلامة ... دعاك ولم يهتف [10] سواك بناصر
فإن يك عبد اللّه آسى ابن أمّه ... وآب بأسلاب الكميّ المغاور [11]
وكان [12] كذات البوّ تضرب عنده ... سباعا وقد ألقينه في الجراجر [13]
/فإنك [14] قد فارقته لك عاذرا ... وأنّي لحيّ عذر من في المقابر
فأقسمت أبكي [15] بعد توبة هالكا ... وأحفل من نالت صروف المقادر
__________
- وأغرت. يقال: آسدت الكلب وأوسدته (بقلب الهمزة واوا) بالصيد إذا أغريته به.
[1] في «أكثر الأصول»: «لما». والتصويب من «ج» و «منتهى الطلب». ولعا. كلمة يدعى بها للعاثر بأن ينتعش. يقال: لعا لفلان عاليا إذا دعى له، فإذا دعي عليه قيل: لا لعا له.
[2] في «الأصول»: «عائشا» وهو تحريف.
[3] الدوية، ومثلها الداوية: الفلاة الواسعة المستوية. والناعجات من الإبل: البيض الكريمة، أو هي التي يصاد بها فعاج الوحش من الظباء والبقر. والنعج (بفتح فسكون) ضرب من سير الإبل سريع.
[4] في «منتهى الطلب»: «أم عامر».
[5] في «الأصول»: «إحدى الليالي» والتصويب من «منتهى الطلب». والغوابر هنا: الباقيات. تقول: إن هذه المرأة لا يشتمل بيتها على مثله آخر الدهر؛ فإن الدهر بمثله بخيل.
[6] في «بعض الأصول»: «مماقر»، وفي بعضها «ممافر». والتصويب من «منتهى الطلب».
[7] يقال: فلان طلاع النجاد، وطلاع أنجد، وطلاع أنجدة، إذا كان ضابطا للأمور غالبا لها. وقال الجوهري: يقال فلان طلاع أنجد وطلاع الثنايا إذا كان ساميا لمعالي الأمور. (عن «لسان العرب»).
[8] في «منتهى الطلب»: «و مجذام السرى».
[9] انتحى: قصد. والوسيقة: الجماعة من الإبل ونحوها كفرقة من الناس، وصف من الوسق بمعنى الطرد لأنها إذا سرقت طردت معا. والمعبوطة: المذبوحة من غير داء ولا كسر. تريد أنه إذا قصد إبلا مغصوبة أو معبوطة لم يتركها تفلت منه.
[10] كذا في «منتهى الطلب». وفي «الأصول»: «و لم يعدل».
[11] آساه هنا: شاركه أو أصابه بخير. والكمي: الشجاع المتكمي في سلاحه لأنه كمى نفسه أي سترها بالدرع والبيضة، والجمع كماة كأنهم جمعوا كاميا مثل قاض وقضاة. والمغاور: المقاتل الكثير الغارات، ومثله المغوار.
[12] كذا في «منتهى الطلب». وفي «الأصول»: «فكان» بالفاء؛ وجواب الشرط إنما هو قوله: «فإنك قد فارقته ... » البيت الذي بعده.
[13] الجراجر: الحلوق.
[14] ورد هذا البيت في «الأصول» هكذا:
فإن تك قد فارقته لك غادرا ... وأي لحي غدر من في المقابر
والتصويب من «منتهى الطلب». والشطر الثاني في «منتهى الطلب».
وأني وأني عذر من في المقابر
[15] فأقسمت أبكي: أي لا أبكي. وحذف «لا» في مثل هذا كثير.
/
على مثل همّام ولابن مطرّف ... لتبك [1] البواكي أو لبشر بن عامر
غلامان كانا استوردا كلّ سورة [2] ... من المجد ثم استوثقا في المصادر
ربيعي حيا كانا يفيض نداهما ... على كلّ مغمور نداة [3] وغامر
كأنّ سنا ناريهما كلّ شتوة ... سنا البرق يبدو للعيون النواظر
وقالت أيضا ترثي توبة - عن أمّ حميّر، وأمّها ابنة أخي توبة، عن أمّها. قال أبو عبيدة: أم حميّر أخت أبي الجرّاح العقيليّ. قال: وأمها بنت أخي توبة بن حميّر. قال: وكان الأصمعيّ يعجب بها - :
أيا عين بكّي توبة ابن حميّر ... بسحّ كفيض الجدول المتفجّر
لتبك عليه من خفاجة [4] نسوة ... بماء شؤون الغبرة المتحدّر
سمعن بهيجا [5] أرهقت فذكرنه ... ولا يبعث الأحزان مثل التذكّر
/ كأنّ فتى الفتيان توبة لم يسر [6] ... بنجد ولم يطلع مع المتغوّر [7]
ولم يرد الماء السّدام [8] إذا بدا ... سنا الصّبح في بادي الحواشي منوّر [9]
ولم يغلب الخصم الضّجاج ويملأ ال ... جفان سديفا يوم نكباء صرصر [10]
ولم يعل بالجرد الجياد يقودها ... بسرّة بين الأشمسات فايصر [11]
وصحراء موماة يحار القطا ... قطعت على هول الجنان بمنسر [12]
__________
[1] في «الأصول»: «لتبكي». وفي «منتهى الطلب»: «تبكي».
[2] السورة (بالفتح) من «المجد»: أثره وعلامته وارتفاعه.
[3] في «ب، س»: «تراه» وهو تحريف.
[4] خفاجة: رهط توبة وهو جدّ له.
[5] الهيجا (بالمد والقصر): الحرب. وأرهقت: أدركت، أو ألحقت وأغشت، أي جعلت من فيها من المحاربين يغشون خصمهم ويلحقونه. وفي «منتهى الطلب»: «أضلعت»، أي أثقلت. وفي «الكامل» للمبرد: «أزحفت».
[6] في «الكامل» للمبرد (ص 733 طبعة أوربا): «لم ينخ».
[7] كذا في «أ، م» و «منتهى الطلب» و «الكامل». وفي «سائر الأصول»: «من المتغور». والمتغور: الذي يأتي الغور. والغور: ما انخفض من الأرض. والنجد: ما أشرف من الأرض.
[8] الماء السدام: القديم المندفن.
[9] رواية «الكامل»: «في أعقاب أخضر مدبر» وهي الرواية الواضحة المعنى. والأخضر هنا الليل. والعرب تسمى الأسود أخضر.
[10] في «الكامل»: «و لم يقدع الخصم الألد». والقدع. والكف. والألد: الشديد الخصام. والضجاج: مصدر ضاجه مضاجة وضجاجا إذا جادله وشارّه وشاغبه، والاسم الضجاج (بالفتح). وهو وصف بالمصدر للمبالغة. والسديف: قطع السنام. والنكباء: الريح التي تنحرف في مهبها فتجيء بين ريحين. والصرصر: الشديدة الصوت أو البرد.
[11] ورد في هذا الشطر تحريف في «الأصول» وفي «منتهى الطلب». وقد صوّبناه من كتاب «معجم ما استعجم»، وفيه: «و لم يملك الجرد» بدل: «و لم يعل بالجرد». وأشمس (بفتح أوّله وسكون ثانيه وفتح الميم وضمها معا): جبل في شق بلاد بني عقيل. وجمعته ليلى لأنها أرادت الجبل وما يليه من البقاع. كذا ذكر البكري في معجمه. وسرة وأيصر: موضعان.
[12] المنسر (وزان منبر ومجلس) هنا: قطعة من الجيش تمر قدّام الجيش الكبير، وهو أيضا الجماعة من الخيل، وفي مقدارها عدّة أقوال، وليس هذا المعنى مرادا هنا.
يقودون قبّا كالسّراحين لاحها ... سراهم وسير الراكب المتهجّر [1]
/فلمّا بدت أرض العدوّ سقيتها ... مجاج بقيّات المزاد المقيّر [2]
ولمّا أهابوا بالنّهاب حويتها ... بخاظي [3] البضيع كرّه غير أعسر
ممرّ [4] ككرّ الأندريّ مثابر ... إذا ما ونين [5] مهلب [6] الشّدّ محضر
فألوت بأعناق طوال وراعها ... صلاصل [7] بيض سابغ وسنوّر
ألم تر أنّ العبد يقتل ربّه ... فيظهر جدّ العبد من غير مظهر
قتلتم فتى لا يسقط الرّوع رمحه ... إذا الخيل جالت في قنا متكسّر
فيا توب للهيجا ويا توب للنّدى ... ويا توب للمستنبح [8] المتنوّر
ألا ربّ مكروب أجبت ونائل ... بذلت ومعروف لديك ومنكر
/ وقالت ترثيه:
أقسمت [9] أرثي بعد توبة هالكا ... وأحفل من دارت عليه الدوائر
لعمرك ما بالموت عار على الفتى ... إذا لم تصبه في الحياة المعاير
وما أحد حيّ وإن عاش سالما ... بأخلد ممن غيّبته المقابر
ومن كان مما يحدث الدهر جازعا ... فلا بدّ يوما أن يرى وهو صابر
وليس لذي عيش عن الموت مقصر [10] ... وليس على الأيّام والدهر غابر [11]
__________
[1] القب: الدقاق الخصور، والواحد أقب وقباء. والسراحين: الذئاب واحدها سرحان. ولاحها: غيّرها. والسري: سير الليل.
والمتهجر: الذي يسير في الهاجرة وهي نصف النهار عند زوال الشمس إلى العصر، والمراد سير النهار، أي غيرها سير الليل وسير النهار.
[2] في «أكثر الأصول»: «المغبر» والتصويب من «ح» «منتهى الطلب». ورواية «منتهى الطلب»:
فلما بدت أولى العدوّ سقيتها ... صبابة مثلوب المزاد المقير
وسقيتها أي الخيل. والمجاج (بضم الميم): اسم لما تمجه من فيك. والمزاد: الأسقية، الواحدة مزادة. والمقير: المطلي بالقار وهو الزفت.
[3] النهاب: جمع نهب وهو الغنيمة. والخاظي: المكتنز اللحم. والبضيع: اللحم. يريد جوادا هذه صفته.
[4] الممر: اسم مفعول من أمر فلان الحبل إذا أجاد فتله. تريد أنه مجدول الخلق. والكر هنا: الحبل الغليظ أو حبل يصعد به على النخل. والأندري: المنسوب إلى أندرين قرية كانت بالشام.
[5] ونين: فترن وضعفن، تريد الخيل. تصف الجواد بالمثابرة على العدو إذا فترت الخيل التي معه وضعفت.
[6] إلهاب الفرس للشد: متابعته للجري؛ يقال: هلب (مثل كتب) الفرس وأهلب إذا تابع جريه. وإحضار الفرس: ارتفاعه في عدوه.
[7] راعها: أفزعها. وصلاصل البيض: أصواتها، واحدتها صلصلة. والبيض من الحديد: ما يتقي به الرأس من السلاح، واحدته بيضة وهي الخوذة. والسنّور: جملة السلاح، وخص بعضهم به الدروع.
[8] المستنبح: الذي يكون في مضلة فيخرج صوته على مثل نباح الكلب ليسمعه كلب الحي فيتوهمه كلبا فينبح، فيستدل بنباحه فيهتدي. والمتنور: الذي يبصر النار من بعيد.
[9] أي أقسمت لا أرثي ... ولا أحفل. وحذف «لا» في مثل هذا الموضع جائز وكثير.
[10] تريد: ليس عنه محيد ولا مصرف.
[11] غابر هنا: باق.
ولا الحيّ مما يحدث الدهر معتب [1] ... ولا الميت إن لم يصبر الحيّ ناشر
/ وكلّ شباب أو جديد إلى بلى ... وكلّ امرىء يوما إلى اللّه صائر
وكلّ قريني ألفة لتفرّق ... شتاتا وإن ضنّا وطال التّعاشر
فلا يبعدنك اللّه حيّا وميّتا ... أخا الحرب إن دارت عليك الدوائر
ويروى:
(فلا يبعدنك اللّه يا توب هالكا ... أخا الحرب إن دارت عليك الدوائر)
فآليت لا أنفكّ أبكيك ما دعت ... على فنن ورقاء أو طار طائر
قتيل بني عوف فيا لهفتا له ... وما كنت أيّاهم عليه أحاذر
ولكنما أخشى عليه قبيلة ... لها بدروب الروم باد وحاضر
/ وقالت ترثيه:
كم هاتف بك من باك وباكية ... يا توب للضيف إذ تدعى وللجار
وتوب للخصم إن جاروا وإن عدلوا [2] وبدّلوا الأمر نقضا بعد إمرار [3]
إن يصدروا الأمر تطلعه [4] موارده ... أو يوردوا الأمر تحلله [4] بإصدار
وقالت ترثيه:
هراقت بنو عوف دما غير واحد ... له نبأ نجديّه [5] سيغور
تداعت له أفناء عوف [6] ولم يكن ... له يوم هضب الرّدهتين نصير
وقالت ترثيه:
يا عين بكّي بدمع دائم السّجم [7] ... وأبكي لتوبة عند الرّوع والبهم [8]
على فتى من بني سعد [9] فجعت به ... ماذا أجنّ به في الحفرة الرّجم [10]
من كلّ صافية صرف وقافية ... مثل السّنان وأمر غير مقتسم
__________
[1] معتب: اسم مفعول؛ يقال أعتبت فلانا إذا أرضيته. وناشر: وصف من نشر اللازم؛ يقال: نشر اللّه الميت، فنشر الميت، فهو لازم متعد.
[2] كذا في «مختار الأغاني». وفي «الأصول»: «و إن عندوا» وهو تحريف.
[3] في «الأصول»: «بعد إبراري» والتصويب من «مختار الأغاني».
[4] في «مختار الأغاني»: «يطلعه» في الموضعين وبضمير الغائب.
[5] في «الأصول»: «نجدية».
[6] أفناء الناس: أخلاطهم وهم النزاع من ها هنا وها هنا.
[7] ظاهر أنها تريد دائم القطران، فحركت الجيم للشعر. أما السجم (بالتحريك) فهو الماء والدمع.
[8] البهم هنا: مشكلات الأمور، واحدتها بهمة (بالضم).
[9] يلاحظ أن ليس في نسب توبة المتقدّم «سعد». وهذا مما يبعث الريب في هذا الشعر.
[10] الرجم (بالتحريك) هنا: القبر.
ومصدر حين يعيي القوم مصدرهم ... وجفنة عند نحس الكوكب الشّبم [1]
وقالت تعيّر قابضا:
جزى اللّه شرّا قابضا بصنيعه ... وكلّ امرىء يجزى بما كان ساعيا
/ دعا قابضا والمرهفات يردنه [2] ... فقبّحت مدعوّا ولبّيك داعيا
وقالت لقابض وتعذر عبد اللّه [3] أخا توبة:
دعا قابضا والموت يخفق ظلّه ... وما قابض إذ لم يجب بنجيب
وآسى عبيد اللّه ثمّ ابن أمّه ... ولو شاء نجّى يوم ذاك حبيبي
خرج توبة إلى الشام فلقيه زنجي وخبره معه:
أخبرني الحسن بن عليّ عن [4] عبد اللّه بن أبي سعد عن أحمد بن معاوية بن بكر قال حدّثني أبو الجرّاح العقيليّ عن أمّه دينار بنت خيبريّ بن الحميّر عن توبة بن الحمّير قال:
خرجت إلى الشام، فبينا أنا أسير ليلة في بلاد لا أنيس بها ذات شجر نزلت لأريح، وأخذت ترسي فألقيته فوقي، وألقيت نفسي بين المضطجع والبارك. فلمّا وجدت طعم النّوم إذا شيء قد تجلّلني عظيم ثقيل قد برك عليّ، ونشزت [5] عنه ثم قمصت [6] منه قماصا فرميت به على وجهه، وجلست إلى/ راحلتي فانتضيت السيف، ونهض نحوي فضربته ضربة انخزل منها، وعدت إلى موضعي وأنا لا أدري ما هو أإنسان أم سبع، فلمّا أصبحت إذا هو أسود زنجيّ يضرب برجليه وقد قطعت وسطه حتى كدت أبريه، وانتهيت إلى ناقة مناخة موقرة ثيابا من سلبه، وإذا جارية شابة ناهد وقد أوثقها وقرنها بناقته. فسألتها عن خبرها، فأخبرتني أنه/ قتل مولاها وأخذها منه. فأخذت الجميع وعدت إلى أهلي. قال أبو الجرّاح قالت أمّي: وأنا أدركتها في الحيّ تخدم أهلنا.
حديث معاوية مع ليلى في توبة:
أخبرنا اليزيديّ عن ثعلب عن ابن الأعرابيّ قال أخبرنا عطاء بن مصعب القرشيّ عن عاصم اللّيثيّ عن يونس بن حبيب الضّبيّ عن أبي عمرو بن العلاء قال:
سأل معاوية بن أبي سفيان ليلى الأخيليّة عن توبة بن الحميّر فقال: ويحك يا ليلى! أكما يقول الناس كان توبة؟ قالت: يا أمير المؤمنين ليس كل ما يقول الناس حقّا، والناس شجرة بغي يحسدون أهل النّعم حيث كانوا وعلى من كانت. ولقد كان يا أمير المؤمنين سبط البنان، حديد اللّسان، شجا للأقران، كريم المخبر [7]، عفيف
__________
[1] كذا في «ح». والشبم: البارد. ونحس الكوكب الشبم كناية عن الشتاء. وفي «سائر الأصول»: «الشئم» بالهمز وهو تصحيف.
[2] في «الكامل»: «ينشنه» أي يتناوله.
[3] في «الكامل»: «عبيد اللّه» بالتصغير. وقد ورد كذلك في البيت الأخير من البيتين الآتيين. ولكنه تقدّم غير مرة في ترجمة توبة في «الشعر والنثر» «عبد اللّه». فلعله صغر هنا للشعر.
[4] في «الأصول» هنا: « ... الحسن بن علي بن عبد اللّه بن أبي سعد» وهو تحريف.
[5] في «الأصول»: «و نشرت عنه» بالراء المهملة وهو تصحيف. يريد ارتفعت وبعدت. وفي «مختار الأغاني»: «و ثرت عنه».
[6] القماص (بالضم وبالكسر معا): الوثب.
[7] في «الأصول»: «كريم المختبر».
المئزر، جميل المنظر. وهو يا أمير المؤمنين كما قلت له. قال: وما قلت له؟ قالت قلت ولم أتعدّ الحقّ وعلمي فيه:
بعيد الثّرى لا يبلغ القوم قعره ... ألدّ ملدّ [1] يغلب الحقّ باطله
إذا حلّ ركب في ذراه وظلّه ... ليمنعهم مما تخاف نوازله
حماهم بنصل السّيف من كلّ فادح [2] ... يخافونه حتى تموت خصائله [3]
فقال لها معاوية: ويحك! يزعم الناس أنه كان عاهرا خاربا [4]. فقالت من ساعتها:
معاذ إلهي كان واللّه سيّدا ... جوادا على العلّات [5] جمّا نوافله
أغرّ خفاجيّا [6] يرى البخل سبّة ... تحلّب كفّاه النّدى وأنامله
/ عفيفا بعيد الهمّ صلبا قناته ... جميلا محيّاه قليلا غوائله
وقد علم الجوع الذي بات ساريا ... على الضّيف والجيران أنّك قاتله
وأنك رحب الباع يا توب بالقرى ... إذا ما لئيم القوم ضاقت منازله
يبيت قرير العين من بات جاره ... ويضحي بخير ضيفه ومنازله
فقال لها معاوية: ويحك يا ليلى! لقد جزت بتوبة قدره. فقالت: واللّه يا أمير المؤمنين لو رأيته وخبرته لعرفت أنّي مقصّرة في نعته وأنّي لا أبلغ كنه ما هو أهله. فقال لها معاوية: من أيّ الرجال كان؟ قالت:
أتته المنايا حين تمّ تمامه ... وأقصر عنه كلّ قرن يطاوله [7]
وكان كليث الغاب يحمي عرينه ... وترضى به أشباله وحلائله
غضوب حليم حين يطلب حلمه ... وسمّ زعاف [8] لا تصاب مقاتله
قال: فأمر لها بجائزة عظيمة وقال لها: خبّريني بأجود ما قلت فيه من الشعر. قالت: يا أمير المؤمنين، ما قلت فيه شيئا إلّا والذي فيه من خصال الخير أكثر منه. ولقد أجدت حين قلت:
جزى اللّه خيرا والجزاء بكفه ... فتى من عقيل ساد غير مكلّف
/ فتى كانت الدّنيا تهون بأسرها ... عليه ولا ينفكّ جمّ التّصرّف
ينال عليّات الأمور بهونة [9] ... إذا هي أعيت كلّ خرق مشرّف
__________
[1] الألد: الكثير الجدل والخصومة الشحيح الذي يزيغ إلى الحق. وملد وصف من ألددت بفلان إذا عسرت عليه في الخصومة.
[2] في «الأصول»: «من كل قادح» بالقاف. والفادح هنا: الخطب من خطوب الدهر.
[3] الخصائل: جمع خصيلة، وهي كل لحمة فيها عصب. والظاهر أنها كنت بموت خصائل الفادح عن سكونه وذهابه.
[4] خارب: لص.
[5] على العلات: أي على كل حال من عسره ويسره.
[6] خفاجي: منسوب إلى خفاجة وهو من آباء توبة.
[7] في «ب، س»: «يصاوله».
[8] السم الزعاف (و مثله الذعاف بالذال): القاتل لساعته. وفي «ب، س»: «ذعاق» بالقاف وهو تصحيف.
[9] الهونة: الرفق والسهولة. وأعياه الشي ء: أكله وأعجزه. والخرق (بالكسر): السخيّ أو الظريف في سخاوة، أو الفتى الحسن الكريم الخليفة. ومشرف: جعل له شرف.
/
هو الذّوب [1] بل أري الخلايا شبيهه ... بدرياقة من خمر بيسان قرقف
فياتوب ما في العيش خير ولا ندى ... يعدّ وقد أمسيت في ترب نفنف [2]
وما [3] نلت منك النّصف حتى ارتمت بك ال ... منايا بسهم صائب الوقوع أعجف
فيا ألف ألف كنت حيّا مسلّما ... لألقاك مثل القسور [4] المتطرّف
كما كنت إذ كنت المنحّى من الرّدى ... إذا الخيل جالت بالقنا المتقصّف [5]
وكم من لهيف محجر [6] قد أجبته ... بأبيض قطّاع الضّريبة مرهف
فأنقذته والموت يحرق [7] نابه ... عليه ولم يطعن ولم يتنسّف
ما كان بين توبة وجميل أمام بثينة:
أخبرني الحسن بن عليّ عن ابن مهرويه عن ابن سعد قال حدّثت عن القحذميّ عن محارب بن غصين [8] العقيليّ قال:
كان توبة قد خرج إلى الشام، فمرّ ببني عذرة، فرأته بثينة فجعلت تنظر إليه، فشقّ ذلك على جميل، وذلك قبل أن يظهر حبّه لها. فقال له جميل: من أنت؟ / قال: أنا توبة بن الحميّر. قال: هل لك في الصّراع؟ قال: ذلك إليك، فشدّت عليه بثينة ملحفة مورّسة [9] فأتزر بها، ثم صارعه فصرعه جميل. ثم قال: هل لك في النّضال [10]؟
قال نعم، فناضله فنضله جميل. ثم قال له: هل لك في السّباق؟ فقال نعم، فسابقه فسبقه جميل. فقال له توبة: يا هذا إنما تفعل هذا بريح هذه الجالسة، ولكن اهبط بنا الواديّ، فصرعه توبة ونضله وسبقه.
__________
[1] كذا ورد هذا الشطر في «ج». وفي «سائر الأصول»:
هو الذوب بل أسدي الخلايا شبيهة
وفي «معجم البلدان» (في الكلام على بيسان):
هو الذوب أو أرى الضحالي شبته
ولعل صوابه:
هو الذوب بل أرى الخليات شبته
والذوب: العسل. والأرى: العسل أيضا. والشوب: الخلط والمزج. والدرياقة: الخمر. وبيسان بلدة كانت بالشام مشهورة بالخمر. والقرقف: الخمر يرعد عنها صاحبها.
[2] النفنف هنا: المفازة.
[3] في «ج»: «و ما نيل» بدل: «و ما نلت». والنصف هنا: إعطاء الحق، مثل الإنصاف والنصف والنصفة (محركين). والسهم الأعجف: الرقيق.
[4] القسور: الأسد والمتطرف: المغير.
[5] القنا المتقصف: المتكسر. وجولان الخيل: كناية عن الحرب.
[6] المحجر: المضيق عليه.
[7] حرق الأنياب: حكها بعضها ببعض، وهو كناية عن الغضب والغيظ. وتنسف في الصراع: قبض بيده على خصمه ثم عرض له رجله فعثره.
[8] في «أ، م»: «ابن غص». وفي «سائر الأصول»: «ابن غضين» بالغين والضاد المعجمتين. وقد سموا غصينا وغصنا.
[9] مصبوغة: بالورس وهو نبت أصفر.
[10] النضال: المباراة في الرمي. ونضله: سبقه فيه.
سأل عبد الملك بن مروان ليلى عما رآه توبة فيها فأجابته:
أخبرنا إبراهيم بن أيّوب عن ابن قتيبة قال:
بلغني أنّ ليلى الأخيلية دخلت على عبد الملك بن مروان وقد أسنّت وعجزت، فقال لها: ما رأى توبة فيك حين هويك؟ قالت: ما رآه الناس فيك حين ولّوك. فضحك عبد الملك حتى بدت له سنّ سوداء كان يخفيها.
وفود ليلى على الحجاج وحديثه معها:
وأخبرني الحسن بن عليّ عن [ابن] أبي سعد عن أحمد بن رشيد بن حكيم الهلاليّ عن أيّوب بن عمرو عن رجل من بني عامر يقال له ورقاء قال:
كنت عند الحجاج بن يوسف، فدخل عليه الآذن فقال: أصلح اللّه الأمير، بالباب امرأة تهدر كما يهدر البعير النادّ [1]. قال: أدخلها. فلمّا دخلت نسبها فانتسبت له. فقال: ما أتى بك يا ليلى؟ قالت: إخلاف النّجوم [2]، [و قلّة الغيوم [3]]، وكلب [4] البرد، وشدّة الجهد، وكنت لنا بعد اللّه الرّدّ [5]. قال: فأخبريني عن الأرض. قالت:
الأرض مقشعرّة [6]، والفجاج مغبرّة، وذو الغنى مختلّ، وذو الحدّ منفلّ. قال: وما سبب ذلك؟ / قالت: أصابتنا سنون [7] مجحفة مظلمة، لم تدع لنا فصيلا ولا ربعا، ولم تبق عافطة؛ ولا ناقطة؛ فقد أهلكت الرجال، ومزّقت العيال، وأفسدت الأموال، ثم أنشدته الأبيات التي ذكرناها متقدّما [8]. وقال في الخبر: قال الحجّاج: هذه التي تقول [9]
نحن الأخايل لا يزال غلامنا ... حتّى يدبّ على العصا مشهورا
تبكي الرّماح إذا فقدن أكفّنا ... جزعا وتعرفنا الرّفاق بحورا
ثم قال لها: يا ليلى، أنشدينا بعض شعرك في توبة، فأنشدته قولها:
__________
[1] النادّ: الشارد.
[2] إخلاف النجوم: تريد امتناع المطر.
[3] زيادة من كتاب «الأمالي» لأبي علي القالي.
[4] كلب البرد: شدته.
[5] الرد (بالكسر): الكهف والمعقل.
[6] اقشعرار الأرض: تقبصها من المحل. والفجاج: جمع فج، وهو كل سعة بين نشازين. ومختل: محتاج، من الخلة (بالفتح) وهي الحاجة. ومنفل: منكسر متثلم.
[7] السنون هنا: القحوط. ومجحفة: قاشرة تجترف المال وتذهب به. وفي كتاب «الأمالي»: «مبلطة» يدل «مظلمة». والمبلطة:
المفقرة، أي تلزق الناس بالبلاط، وهو الأرض المستوية. والفصيل: ولد الناقة أو البقرة إذا فصل من أمه للفطام. وفي كتاب «الأمالي»: «لم تدع لنا هبعا ... » بضم الهاء وفتح الباء، وهو المناسب لما بعده. والهبع: ما نتج في الصيف. والربع ما نتج في الربيع. والعافطة: الضائنة. والناقطة: الماعزة.
[8] لم تتقدّم أبيات تتصل بالحجاج. والذي في «الأمالي» أنها أنشدته الأبيات التي أوّلها:
أحجاج لا يفلل سلاحك إنها ال ... منايا بكف اللّه حيث تراها
وستأتي هذه الأبيات في صفحة 48.
[9] في «أ، م»: «هذه التي يقول فيها قوله». وفي «سائر الأصول»: «هذه التي يقول فيها». والتصويب من كتاب «زهر الآداب» للحصري.
/
لعمرك ما بالموت عار على الفتى ... إذا لم تصبه في الحياة المعاير
وما أحد حيّ وإن عاش سالما ... بأخلد ممن غيّبته المقابر
فلا الحيّ [1] مما أحدث الدّهر معتب ... ولا الميت إن لم يصبر الحيّ ناشر
وكلّ جديد أو شباب إلى بلى ... وكلّ امرىء يوما إلى الموت صائر
قتيل بني عوف فيا لهفتا له ... وما كنت إيّاهم عليه أحاذر
ولكنّني أخشى عليه قبيلة ... لها بدروب الشأم باد وحاضر
/ فقال الحجّاج لحاجبه: اذهب فاقطع لسانها. فدعا لها بالحجّام ليقطع لسانها، فقالت: ويلك! إنّما قال لك الأمير اقطع لسانها بالصّلة والعطاء، فارّجع إليه واستأذنه. فرجع إليه فاستأمره [2]، فاستشاط عليه وهمّ بقطع لسانه، ثم أمر بها فأدخلت عليه، فقالت: كاد وعهد اللّه يقطع مقوليّ، وأنشدته:
حجّاج أنت الذي لا فوقه أحد ... إلّا الخليفة والمستغفر الصّمد
حجّاج أنت سنان الحرب إن نهجت [3] ... وأنت للنّاس في الداجي لنا تقد
أخبرنا الحسن قال حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد قال حدّثني أبو الحسن ميمون الموصليّ عن سلمة بن أيّوب بن مسلمة الهمدانيّ قال: كان جديّ عند الحجّاج، فدخلت عليه امرأة برزة [4]، فانتسبت له فإذا هي ليلى الأخيليّة.
وأخبرني بهذا الخبر محمد بن العبّاس اليزيديّ، وأخبرنا أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ [5] قال: كنت عند الحجاج.
وأخبرني وكيع عن إسماعيل بن محمد بن المدائني عن جويرية عن بشر [6] بن عبد اللّه بن أبي بكر: أنّ ليلى دخلت على الحجّاج، ثم ذكر مثل الخبر الأوّل، وزاد فيه: فلمّا قالت:
غلام إذا هزّ القناة سقاها
قال لها: لا تقولي «غلام»، قولي «همام». وقال فيه: فأمر لها بمائتين. فقالت: زدني، فقال: اجعلوها ثلاثمائة.
فقال بعض جلسائه: إنّها غنم. فقالت: الأمير/ أكرم من ذلك وأعظم قدرا من أن يأمر لي إلّا بالإبل. قال: فاستحيا وأمر لها بثلاثمائة بعير، وإنما كان أمر لها بغنم لا إبل.
وأخبرنا [به [7]] وكيع عن إبراهيم بن إسحاق الصالحيّ عن عمر بن شبّة عن عمرو بن أبي عمرو الشيبانيّ عن أبيه، وقال فيه: ألا قلت مكان غلام همام! وذكر باقي الخبر الذي ذكره من تقدّم، وقال فيه: فقال لها: أنشدينا ما
__________
[1] تقدّمت هذه الأبيات في صفحة 234 مع أبيات أخرى. (فراجع ما كتب على هذا البيت هناك).
[2] استأمره: استشاره.
[3] كذا في «الأصول». ونهجت: سلكت. ويخيل إلينا أن هذه الكلمة محرّفة عن «لقحت» كما وردت في «الأمالي». ورواية هذه البيت فيه:
حجاج أنت شهاب الحرب إن لقحت ... وأنت للناس نور في الدجى يقد
[4] المرأة البرزة: المتجاهرة الكهلة الجليلة تبرز للقوم يجلسون إليها ويتحدثون وهي عفيفة، والبرزة أيضا: البارزة المحاسن.
[5] كذا في «أ، م». وصاحب «الأغاني» يروي عن محمد بن العباس اليزيدي، وعن أحمد بن عبد العزيز الجوهري. وفي «سائر الأصول»: « ... اليزيدي أخبرنا ابن عبد العزيز الجوهري»، وهو تحريف. وظاهر أن في السند نقصا.
[6] في «أ، م»: «بشير». ولم نهتد إليه.
[7] تكملة يقتضيها سياق الكلام.
قلت في توبة، فأنشدته قولها:
فإن تكن القتلى بواء [1] فإنكم ... فتى ما قلتم آل عوف بن عامر
فتى كان أحيا من فتاة حييّة ... وأشجع من ليث بخفّان خادر
أتته المنايا دون درع حصينة ... وأسمر خطّيّ وجرداء ضامر
فنعم الفتى إن كان توبة فاجرا ... وفوق الفتى إن كان ليس بفاجر
كأنّ فتى الفتيان توبة لم ينخ ... قلائص يفحصن الحصا بالكراكر
فقال لها أسماء بن خارجة: أيتها المرأة إنك لتصفين هذا الرجل بشيء ما تعرفه العرب فيه. فقالت: أيها الرجل هل رأيت توبة قطّ؟ قال لا. فقالت: أما واللّه لو رأيته لوددت أنّ كلّ/ عاتق [2] في بيتك حامل منه؛ فكأنّما فقيء في وجه أسماء حبّ الرّمّان. فقال له الحجاج: وما كان لك ولها!.
وفاتها وكيف كانت:
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا ابن أبي سعد عن محمد بن عليّ بن المغيرة قال سمعت أبي يقول سمعت الأصمعيّ يذكر أنّ الحجّاج أمر لها بعشرة آلاف درهم، وقال لها: هل لك من حاجة؟ قالت: نعم أصلح اللّه الأمير، تحملني إلى ابن عمّي/ قتيبة بن مسلم، وهو على خراسان يومئذ فحملها إليه، فأجازها وأقبلت راجعة تريد البادية، فلمّا كانت بالرّيّ ماتت، فقبرها [3] هناك. هكذا ذكر الأصمعيّ في وفاتها وهو غلط. وقد أخبرني عمّي عن الحزنبل الأصبهانيّ عمّن أخبره عن المدائنيّ، وأخبرني الحسن بن عليّ عن ابن مهديّ عن ابن أبي سعد عن محمد بن الحسن النّخعيّ عن ابن الخصيب الكاتب، واللّفظ في الخبر للحزنبل، وروايته أتمّ:
أنّ ليلى الأخيليّة أقبلت من سفر، فمرّت بقبر توبة ومعها زوجها وهي في هودج لها. فقالت: واللّه لا أبرح حتى أسلّم على توبة، فجعل زوجها يمنعها من ذلك وتأبى إلّا أن تلمّ به. فلمّا كثر ذلك منها تركها، فصعدت أكمة عليها قبر توبة، فقالت: السلام عليك يا توبة، ثم حوّلت وجهها إلى القوم فقالت: ما عرفت له كذبة قطّ قبل هذا.
قالوا: وكيف؟ قالت: أليس القائل:
صوت
ولو أنّ ليلى الأخيليّة سلّمت ... عليّ ودوني [4] تربة وصفائح
لسلّمت تسليم البشاشة أو زقا [5] ... إليها صدى من جانب القبر صائح
وأغبط من ليلى بما لا أناله ... ألا كلّ ما قرّت به العين صالح
فما باله لم يسلّم عليّ كما قال!. وكانت إلى جانب القبر بومة كامنة، فلمّا رأت الهودج واضطرابه فزعت وطارت
__________
[1] وردت هذه الأبيات في قصيدة تقدّمت (صفحة 224 وما بعدها. فليراجع الكلام عليها هناك).
[2] العاتق: الشابة.
[3] في «ب، س»: «فقبرت هناك».
[4] في «ج»: «و فوقي». ويروى «جندل» بدل «تربة».
[5] زقا: صاح. والصدى هنا: طائر كالبومة كانت العرب تزعم أنه يخرج من رأس القتيل ويصيح اسقوني اسقوني حتى يؤخذ بثأره.
في وجه الجمل، فنفر فرمى بليلى على راسها، فماتت من وقتها، فدفنت إلى جنبه. وهذا هو الصحيح من خبر وفاتها.
/ غنّى في الأبيات المذكورة آنفا حكم الواديّ لحنين، أحدهما رمل بالوسطى عن عمرو، والآخر خفيف ثقيل أوّل بالوسطى عن حبش، وقال حبش: وفيها لحنان لجميلة والميلاء رملان بالبنصر، وذكر أبو العبيس بن حمدون أنّ الرمل لعمر الواديّ.
كان توبة شريرا كثير الغارات:
قال أبو عبيدة: كان توبة شرّيرا كثير الغارة على بني الحارث بن كعب وخثعم وهمدان، فكان يزور نساء منهن يتحدّث إليهن، وقال:
أيذهب ريعان الشّباب ولم أزر ... غرائر من همدان بيضا نحورها
قال أبو عبيدة: وكان توبة ربّما ارتفع إلى بلاد مهرة فيغير عليهم، وبين بلاد مهرة وبلاد عقيل مفازة منكرة لا يقطعها الطّير، وكان يحمل مزاد الماء فيدفن منه على مسيرة كلّ يوم مزادة ثم يغير عليهم فيطلبونه فيركب بهم المفازة، وإنما كان يتعمّد حمارّة القيظ وشدّة الحرّ، فإذا ركب المفازة رجعوا عنه.
خبر ليلى مع عبد الملك بن مروان حين رآها عند زوجته عاتكة:
أخبرني حرميّ عن الزّبير عن يحيى بن المقدام الرّبعيّ عن عمّه موسى بن يعقوب قال:
دخل عبد الملك بن مروان على زوجته عاتكة بنت يزيد بن معاوية، فرأى عندها امرأة بدويّة أنكرها، فقال لها: من أنت؟ قالت: أنا/ الوالهة الحرّى ليلى الأخيليّة. قال: أنت التي تقولين:
أريقت [1] جفان ابن الخليع فأصبحت ... حياض النّدى زالت [2] بهنّ المراتب
/ فعفاته لهفى يطوفون حوله [3] ... كما انقضّ عرش البئر والورد عاصب [4]
قالت: أنا الّتي أقول ذلك. قال: فما أبقيت لنا؟ قالت: الذي أبقاه اللّه لك. قال: وما ذاك؟ قالت: نسبا قرشيّا، وعيشا رخيّا، وإمرة مطاعة. قال: أفردته بالكرم! قالت: أفردته بما أفرده اللّه به. فقالت عاتكة: إنها قد جاءت
__________
[1] تريد أنه قد مات فأريقت جفانه ومات الندى بموته. والخليع: من آباء توبة. وفي شرح «القاموس»: «و قال ابن الكلبي»: ولد ربيعة بن عقيل رباحا وعمرا وعامرا وعويمرا وكعبا وهم الخلعاء». وكعب أحد هؤلاء الخلفاء من آباء توبة.
[2] كذا في «مختار الأغاني» لابن منظور. وفي «الأصول»: «زلت».
[3] في «الأصول»:
فلهى وعفى بطن قود وحوله
والتصويب من «مختار الأغاني». على أن فيه عيبا في الوزن وهو حذف الحرف الثالث من «فعولن»، وهو واقع في وتد، والأوتاد لا تدخلها العلل والزحافات. وإنما الجائز في الوتد من «فعولن» حذف أوّله إذا وقع في أوّل قصيدة. وهذا الحذف يسمى الخرم. على أنه يحتمل أن يكون صوابه «فعفاؤه» (بضم العين وتشديد الفاء) جمع عاف. وهذا الجمع في «فاعل» وصفا معتل العين نادر؛ يقال قوم عزّى وغزّاء، جمعا لغاز. والعفاة: طالبوا المعروف. واللهف (بالتحريك): الحزن والتحسر، والوصف منه لهف (ككتف) ولهيف ولهفان.
[4] المناسب من معاني «الورد» هنا: الماء المورود. وعاصب هنا: جامع. أي كما انقض عرش البئر وقد جمع «الورد المستقين».
ويحتمل أن يكون «عاصب» هنا شديدا، على أن يكون «الورد» العطش.
تستعين بنا عليك في عين تسقيها [1] وتحميها لها. ولست ليزيد إن شفّعتها في شيء من حاجاتها، لتقديمها أعرابيا جلفا على أمير المؤمنين. قال: فوثبت ليلى فقامت على رجلها واندفعت تقول:
ستحملني ورحلي ذات وخد [2] ... عليها بنت آباء كرام
إذا جعلت سواد الشّأم جنبا ... وغلّق دونها باب اللّئام
فليس بعائد أبدا إليهم ... ذوو الحاجات في غلس الظّلام
أعاتك لو رأيت غداء بنّا ... عزاء النّفس عنكم واعتزامي
إذا لعلمت واستيقنت أنّي ... مشيّعة ولم ترعي ذمامي
أ أجعل مثل توبة في نداه ... أبا الذّبّان [3] فوه الدّهر دامي
/ معاذ اللّه ما عسفت [4] برحلي ... تغذّ [5] السّير للبلد التّهامي [6]
أقلت خليفة فسواه أحجى ... بإمرته وأولى باللّثام
لثام الملك حين تعدّ كعب [7] ... ذوو الأخطار والخطط الجسام
فقيل لها: أيّ الكعبين عنيت؟ قالت: ما أخال كعبا [8] ككعبي.
رواية أخرى في وفودها على الحجاج:
أخبرنا اليزيديّ عن الخليل بن أسد عن العمريّ عن الهيثم بن عديّ عن أبي يعقوب الثّقفيّ عن عبد الملك بن عمير عن محمد بن الحجّاج بن يوسف قال:
بينا الأمير جالس إذ استؤذن لليلى. فقال الحجّاج: ومن ليلى؟ قيل: الأخيليّة صاحبة توبة. قال: أدخلوها.
فدخلت امرأة طويلة دعجاء العينين حسنة المشية إلى الفوه [9] ما هي، حسنة الثّغر، فسلّمت فردّ الحجّاج عليها ورحّب بها فدنت، فقال الحجّاج: دراك [10] ضع لها وسادة يا غلام، فجلست. فقال: ما أعملك إلينا؟ قالت:
السلام على الأمير، والقضاء لحقّه، والتعرّض لمعروفه. قال: وكيف خلفت قومك؟ قالت: تركتهم في حال خصب
__________
[1] تسقيها أي تجعلها لها سقيا.
[2] كذا في «مختار الأغاني». والوخد: ضرب من السير. وفي «الأصول»: «ذات رحل».
[3] أبو الذبان، كنية عبد الملك بن مروان لشدّة بخره وموت الذباب إذا دنت من فيه. (عن كتاب «ما يعول عليه في المضاف والمضاف إليه»).
[4] عسفت: سارت وخبطت.
[5] في «الأصول»: «تعد» بالعين والدال المهملتين، وهو تصحيف.
[6] في «مختار الأغاني»: «البلد الحرام».
[7] في «الأصول»:
...... تعد بكر ... ذوو الأخطار والخطى الحسام
وفي «ج»: «و الخطو الحسام» والتصويب من «مختار الأغاني».
[8] كعب: من آباء ليلى.
[9] الفوه: سعة الفم.
[10] كذا في «ج». ودراك: اسم فعل بمعنى أدرك. وفي «سائر الأصول»: «وراءك».
وأمن ودعة. أمّا الخصب ففي الأموال والكلأ. وأمّا الأمن فقد أمّنهم اللّه عزّ وجلّ بك. وأمّا الدعة فقد خامرهم من خوفك ما أصلح بينهم. ثم قالت: ألا أنشدك؟ فقال: إذا شئت. فقالت:
/ [أحجّاج إنّ اللّه أعطاك غاية ... يقصّر عنها من أراد مداها [1]]
أحجّاج لا يفلل سلاحك إنّما ال ... منايا بكفّ اللّه حيث تراها
إذا هبط الحجّاج أرضا مريضة ... تتبّع أقصى دائها فشفاها
شفاها من الدّاء العضال الّذي بها ... غلام إذا هزّ القناة سقاها
سقاها دماء المارقين وعلّها ... إذا جمحت يوما وخيف أذاها
/ إذا سمع الحجّاج رزّ [2] كتيبة ... أعدّ لها قبل النّزول قراها
أعدّ لها مصقولة فارسيّة ... بأيدي رجال يحلبون صراها [3]
أحجّاج لا تعط العصاة مناهم ... ولا اللّه يعطي للعصاة مناها
ولا كلّ حلّاف تقلّد بيعة ... فأعظم عهد اللّه ثم شراها
فقال الحجّاج ليحيى بن منقذ، للّه بلادها ما أشعرها!. فقال: ما لي بشعرها علم. فقال: عليّ بعبيدة بن موهب وكان حاجبه، فقال: أنشديه فأنشدته، فقال: عبيدة: هذه الشاعرة الكريمة، قد وجب حقّها. قال: ما أغناها عن شفاعتك! يا غلام مر لها بخمسمائة درهم؛ وأكسها خمسة أثواب أحدها كساء حّر، وأدخلها على ابنة عمّها هند بنت أسماء فقل لها: حلّيها. فقالت: أصلح اللّه الأمير. أضرّ بنا العريف في الصدقة، وقد خربت بلادنا، وانكسرت قلوبنا، فأخذ خيار المال. قال: اكتبوا لها إلى الحكم بن أيّوب فليبتع لها خمسة أجمال وليجعل أحدها نجيبا [4]،/و اكتبوا إلى صاحب اليمامة بعزل العريف الذي شكته. فقال ابن موهب: أصلح اللّه الأمير، أأصلها؟ قال نعم، فوصلها بأربعمائة درهم، ووصلتها [هند [5]] بثلاثمائة درهم، ووصلها محمد بن الحجّاج بوصيفتين.
قال الهيثم: فذكرت هذا الحديث لإسحاق بن الجصّاص فكتبه عنّي، ثم حدّثني عن حمّاد الراوية قال: لمّا فرغت ليلى من شعرها أقبل الحجّاج على جلسائه فقال لهم: أتدرون من هذه؟ قالوا: لا! واللّه ما رأينا امرأة أفصح ولا أبلغ منها ولا أحسن إنشادا. قال: هذه ليلى صاحبة توبة. ثم أقبل عليها فقال لها: باللّه يا ليلى أرأيت من توبة أمرا تكرهينه أو سألك شيئا يعاب؟ قالت: لا واللّه الذي أسأله المغفرة ما كان ذلك منه قطّ. فقال: إذا لم يكن فيرحمنا اللّه وإيّاه.
أخبرني أحمد [6] بن عبد العزيز الجوهري عن ابن شبّة عن عبد اللّه بن محمد ابن حكيم الطائيّ عن خالد بن
__________
[1] زيادة عن «مختار الأغاني».
[2] كذا في «ج» و «الأمالي» لأبي علي القالي. والرز: الصوت تسمعه من بعيد. وفي «سائر الأصول»: «صوت كتيبة».
[3] كذا في «الأمالي»: وفيه «مسمومة» بدل «مصقولة». وفي «أ، م»: «يحلبون مراها» وهو تحريف. وفي «سائر الأصول»: «يحسنون غذاها». والصري هنا بقية اللبن. والصري أيضا: اللبن يبقى فيتغير طعمه.
[4] النجيب: الكريم.
[5] التكملة من «مختار الأغاني».
[6] في «الأصول»: «محمد بن عبد العزيز». وهو تحريف.
سعيد عن أبيه قال: كنت عند الحجّاج فدخلت عليه ليلى الأخيليّة، ثم ذكر مثل الخبر الأوّل، وزاد فيه: فلمّا قالت:
غلام إذا هزّ القناة سقاها
قال: لا تقولي غلام، قولي همام.
صوت
سالني الناس أين يعمد هذا ... قلت أتي في الدّار قرما سريّا
ما قطعت البلاد أسري ولا يمّ ... مت إلّا إيّاك يا زكريّا
كم عطاء ونائل وجزيل ... كان لي منكم هنيّا مريّا
عروضه من الخفيف، الشّعر للأقيشر الأسديّ. والغناء لدحمان، وله فيه لحنان، أحدهما خفيف ثقيل من أصوات قليلة الأشباه عن إسحاق، [و الآخر] ثقيل أوّل بالبنصر في الثالث والثاني عن عمرو، وذكر يونس أنه للأبجر ولم يجنّسه، وذكر الهشاميّ أنّ لحن الأبجر خفيف ثقيل، وأنّ لحن ابن بلوع في الثالث ثاني ثقيل. وليحيى ابن واصل ثقيل أوّل بالوسطى.
13 - ذكر الأقيشر وأخباره
نسب الأقيشر واسمه ولقبه وكنيته:
/ الأقيشر: لقب [غلب عليه [1]]؛ لأنه كان أحمر الوجه أقشر [2]، واسمه المغيرة بن عبد اللّه بن معرض بن عمرو بن أسد بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار. وكان يكنى أبا معرض، وقد ذكر ذلك في شعره في مواضع عدّة، منها قوله:
فإنّ أبا معرض إذ حسا ... من الرّاح كأسا على المنبر
خطيب لبيب أبو معرض ... فإن ليم في الخمر لم يصبر
وعمّر عمرا طويلا، فكان أقعد [3] بني أسد نسبا، وما أخلقه بأن يكون ولد في الجاهليّة ونشأ في أوّل الإسلام؛ لأنّ سماك بن مخرمة الأسديّ صاحب مسجد سماك بالكوفة بناه في أيّام عمر، وكان عثمانيّا، وأهل تلك المحلّة إلى اليوم كذلك. فيروي أهل الكوفة أنّ عليّ بن أبي طالب - صلوات اللّه عليه - لم يصلّ فيه، وأهل الكوفة إلى اليوم يجتنبونه. وسماك الذي بناه هو سماك بن مخرمة بن حمين بن بلث [4] بن عمرو بن معرض بن عمرو بن أسد، والأقيشر أقعد [5] نسبا منه. وقال الأقيشر في ذكر مسجد سماك شعرا.
/ أخبرني محمد بن الحسن الكنديّ الكوفيّ قال أخبرني الحسن بن عليل العنزيّ عن محمد بن معاوية - وكنيته أبو عبد اللّه محمد بن معاوية - قال: الأقيشر من رهط خريم [6] بن فاتك الأسديّ. وخريم إنما نسب إلى جدّ أبيه فاتك، وهو خريم بن الأخرم [ابن شدّاد [7]] بن عمرو بن فاتك الأسديّ، وفاتك بن قليب بن عمرو بن أسد.
والأقيشر هو المغيرة بن عبد اللّه بن معرض بن عمرو بن أسد.
قال في مسجد سماك بالكوفة شعرا ذم فيه بني دودان ثم ترضاهم ببيت:
قال: وهو القائل لمّا بني سماك بن مخرمة مسجده الذي بالكوفة، وهو أكبر مسجد لبني أسد، وهو في خطّة بني نصر بن قعين:
__________
[1] زيادة عن «مختصر الأغاني». وفي «الأصول»: «الأقيشر لقب به».
[2] الأقشر: وصف من القشر (بالتحريك) وهو شدة الحمرة.
[3] أقعدهم نسبا أي أقلهم آباء إلى الجد الأكبر.
[4] ورد هذا النسب في «الأصول» محرفا؛ ففي «ج»: «سماك بن عمير بن ثلب بن عمرو ... إلخ». وعمير محرف عن «حمين» و «ثلب» مصحف عن «بلث». وفي «أ، م»: «سماك بن حرب بن ثابت بن عوف بن عمرو بن معرض ... » وفي «ب، س»:
سماك بن عمير بن ثابت بن عمرو ... » والتصويب من «القاموس» (في مادتي حمن وبلث) و «معجم البلدان» (في مسجد سماك).
[5] في «الأصول»: «أبعد» وهو تحريف.
[6] خريم بن فاتك هذا صحابي شهد بدرا. وروي أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: «نعم الرجل خريم الأسدي لو لا طول جمته وإسبال إزاره». فبلغ ذلك خريما فقطع جمته إلى أذنه ورفع إزاره إلى نصف ساقه.
[7] زيادة من الكتب التي ترجمت للصحابة رضوان اللّه عليهم.
غضبت دودان من مسجدنا ... وبه يعرفهم كلّ أحد
لو هدمنا غدوة بنيانه ... لانمحت أسماؤهم طول الأبد
اسمهم فيه وهم جيرانه ... واسمه الدّهر لعمرو بن أسد
كلّما صلّوا قسمنا أجره ... فلنا [1] النّصف على كلّ جسد
فحلف بنو دودان ليضربنّه. فأتاهم فقال: قد قلت بيتا محوت به كلّ ما قلت. قالوا: وما هو يا فاسق؟ قال قلت:
وبنو دودان حيّ سادة ... حلّ بيت المجد فيهم والعدد
فتركوه.
كان خليعا ماجنا مدمنا لشرب الخمر:
أخبرني وكيع عن إسماعيل بن مجمّع عن المدائنيّ قال، وأخبرني أبو أيّوب المدينيّ عن محمد بن سلّام قال:
كان الأقيشر كوفيّا خليعا ماجنا مدمنا لشرب الخمر، وهو الذي يقول لنفسه:
فإنّ أبا معرض إذ حسا ... من الرّاح كأسا على المنبر
خطيب لبيب أبو معرض ... فصار خليعا على المكبر [2]
أحلّ الحرام أبو معرض ... فإن ليم في الخمر لم يصبر
يجلّ [3] اللّئام ويلحى الكرام ... وإن أقصروا عنه لم يقصر
اجتاز على مجلس لبني عبس فناداه أحدهم بلقبه وكان يغضب منه فهجاه:
/ أخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد بن إسحاق عن أبيه عن المدائنيّ، وأخبرني عبد الوهّاب بن عبيد الصّحّاف الكوفيّ عن قعنب بن محرز الباهليّ عن المدائنيّ:
أنّ الأقيشر مرّ يريد الحيرة [4]، فاجتاز على مجلس لبني عبس، فناداه أحدهم: يا أقيشر، وكان يغضب منها، فزجره الأشياخ، ومضى الأقيشر ثم عاد إليه معه رجل وقال له: قف معي، فإذا أنشدت بيتا فقل لي: ولم ذلك، ثم انصرف، وخذ هذين الدرهمين. فقال له: أنا أصير معك إلى حيث شئت يا أبا معرض ولا أرزؤك شيئا، قال:
فافعل. فأقبل به حتى أتى مجلس القوم، فوقف عليهم ثم تأمّلهم وقد عرف الشابّ، فأقبل عليه وقال:
أتدعوني الأقيشر ذلك اسمي ... وأدعوك ابن مطفئة السّراج
فقال له الرجل: ولم ذاك؟ فقال:
تناجي خذنها باللّيل سرّا ... وربّ الناس يعلم ما تناجي
قال قعنب في خبره. فلقّب ذلك الرجل ابن مطفئة السراج.
__________
[1] في «الأصول»: «فلها» والتصويب من «مختار الأغاني». وفيه: على كل أحد».
[2] وضع هذا الشطر في «ب، س» موضع الشطر الذي بعده والذي بعد موضعه. والمكبر (وزان منزل) الكبر في السن.
[3] في «ج»: «يحب».
[4] كذا في «مختار الأغاني». وفي «الأصول»: «بدير الحيرة».
كتب له أبو الضحاك التميمي شعرا يذمه فرد عليه وتكرر ذلك:
وقال قعنب في خبره عن المدائنيّ أخبرنا به اليزيديّ عن الخرّاز عن المدائنيّ في كتاب الجوابات، ولم يروه الباقون:
كان الأقيشر يكتري بغلة أبي المضاء المكاري فيركبها إلى الخمّارين بالحيرة. فركبها يوما ومضى لحاجته، وعند أبي المضاء رجل من تميم يكنى أبا الضّحّاك، فقال له: من هذا؟ قال: الأقيشر. فأخذ طبق الميزان وكتب فيه:
عجبت لشاعر من حيّ سوء ... ضئيل الجسم مبطان هجين
وقال لأبي المضاء: إذا جاء فأقرئه هذا. فلمّا جاء أقرأه. فقال له الأقيشر: ممن هو؟ قال: من بني تميم. فكتب الأقيشر تحت كتابه:
فلا أسدا أسبّ ولا تميما ... وكيف يجوز سبّ الأكرمين
ولكنّ التّميمي حال بيني ... وبينك يا ابن مضرطة العجين [1]
فهرب إلى الكوفة فلم يزد على هذا.
وقال قعنب في خبره عن المدائنيّ: فجاء التميمي فقرأ ما كتب، فكتب تحته:
يأيها المبتغي حشّا [2] لحاجته ... وجه الأقيشر حشّ غير ممنوع
فلما قرأه قال: اللهم أني أستعديك عليه، وكتب تحته:
إنيّ أتاني مقال كنت آمنة ... فجاء من فاحش في الناس مخلوع
عبد العزيز أبو الضحّاك منيته ... فيه من اللّؤم وهي غير ممنوع
ولم تبت أمّه إلّا مطاحنة [3] ... وأن تؤاجر في سوق المراضيع
/ ينساب ماء البرايا في استها سربا [4] ... كأنما انساب في بعض البلاليع
من ثمّ جاءت به والبظر حنّكه ... كأنه في استها تمثال يسروع [5]
فلمّا جاءه جزع ومشى إليه بقوم من بني تميم، فطلبوا أن يكفّ ففعل. وأمّا عبد اللّه بن خلف فذكر عن أبي عمرو الشيبانيّ أنّ الأقيشر قال هذا في مسكين.
والشعر الذي فيه/ الغناء يقوله الإقيشر في زكريّا بن طلحة الذي يقال له الفيّاض، وكان مدّاحا له.
__________
[1] يريد أن أمه يستخدمها الناس في شؤونهم ومنها ملك العجين، فكنى بمضرطة العجين عن أنها خادم. وإضراط العجين: ما يسمع عند ملكه من صوت. وهذا المعنى واضح في البيت الثالث من الأبيات العينية الآتية.
[2] الحش هنا: بيت الخلاء.
[3] يريد أن الناس يؤاجرونها لطحن برهم.
[4] سربا: سائلا.
[5] حنكه هنا: أحكمه. واليسروع (بفتح الياء وضمها، ويقال فيه الأسروع بضم الهمزة وفتحها أيضا والجمع الأساريع): دودة حمراء الرأس بيضاء الجسد أو هي مخططة بسواد وحمرة.
سمع عبد الملك بن مروان شعرا له في طلحة الفياض فمدحه:
أخبرني الحسن بن عليّ عن العنزيّ عن [محمد بن] معاوية قال: غنّت جارية عند عبد الملك بن مروان بشعر الأقيشر:
قرّب اللّه بالسلام وحيّا ... زكريّا بن طلحة الفيّاض
معدن الضّيف إن أناخوا إليه ... بعد أين الطلائح الأنقاض [1]
ساهمات العيون خوص [2] رذايا ... قد براها الكلال بعد إياض [3]
زاده خالد ابن عمّ أبيه ... منصبا كان في العلا ذا انتقاض
فرع تيم من تيم مرّة حقّا ... قد قضى ذاك لابن طلحة قاض
/ فقال عبد الملك للجارية: ويحك! لمن هذا؟ قالت: للأقيشر. قال: هذا المدح لا على طمع ولا فرق، وأشعر الناس الأقيشر.
لقيه الكميت فسمع من شعره وأثنى عليه:
وذكر عبد اللّه بن خلف أنّ أبا عمرو الشيبانيّ أخبره أنّ الكميت بن زيد لقي الأقيشر في سفرة [4]، فقال له: أين تقصد يا أبا معرض؟ فقال:
سالني الناس أين يقصد هذا ... قلت آتى في الدار قرما سريّا
وذكر باقي الأبيات التي فيها الغناء، فلم يزل الكميت يستعيده إيّاها مرارا، ثم قال: ما كذب من قال إنك أشعر الناس.
كان عنينا فقال شعرا في ضدّ ذلك داعب به رجلا من قيس:
أخبرني عمّي عن الكرانيّ عن ابن سلّام قال:
كان الأقيشر عنّينا، وكان لا يأتي النساء، وكان كثيرا ما كان يصف ضدّ ذلك من نفسه. فجلس إليه يوما رجل من قيس، فأنشده الأقيشر:
ولقد أروح بمشرف ذي شعرة [5] ... عسر المكرّة ماؤه يتفصّد
__________
[1] معدن: اسم من عدن بالمكان إذا أقام به. والأين: التعب. وفي «الأصول»: «ابن» بالموحدة وهو تصحيف. والطلائح: جمع طليح وطليحة، وهو الذي أعياه السير. وفي «الأصول» ما عدا ج: «الطلائع»، وهو تحريف. والأنقاض: جمع نقض (بالكسر) وهو المهزول من السير.
[2] ساهمات العيون: متغيراتها. والمعروف في هذا أن يقال ساهم الوجه أي متغيره. قال عنترة:
والخيل ساهمة الوجوه كأنما ... يسقي فوارسها نقيع الحنظل
وخوص: غائرات العيون، الواحد أخوص وخوصاء. ورذايا: مهزولات، والواحد رذي ورذية.
[3] كذا في «أكثر الأصول». وفي «ج» هكذا: «أباض» بالباء الموحدة. ولم نهتد إلى ما نطمئن إليه في هذه الكلمة.
[4] في «الأصول»: «في سفره».
[5] في «أ، م»: «ذي كرة». ويتفصد: يسيل. وقد أورد هذين البيتين ومعهما ثالث الخطيب التبريزي في «شرح ديوان الحماسة» لأبي تمام هكذا:
مرح يطير من المراح لعابه ... وتكاد جلدته به تتقدّد [1]
ثم قال للرجل: أتبصر الشعر؟ قال نعم. قال: فما وصفت؟ قال: فرسا قال: أفكنت لو رأيته ركبته؟ قال: إي واللّه وأثني عطفه. فكشف عن أيره وقال: هذا وصفت، فقم فاركبه. فوثب الرجل من مجلسه وجعل يقول له: قبحك اللّه من جليس! سائر اليوم.
دعاه عابس وهو في جنازة بنت زياد العصفري لغداء وشراب فقال شعرا:
ونسخت من كتاب عبد اللّه بن خلف: حدّثني أبو عمرو الشيبانيّ قال:
ماتت بنت زياد العصفريّ، فخرج الأقيشر في جنازتها، فلمّا دفنوها انصرف، فلقيه عابس مولى عائذ اللّه، فقال له: هل لك في غداء وطلاء [2] أتيت به من طيزناباذ [3]؟ قال نعم. فذهب به إلى منزله فغدّاه وسقاه، فلمّا شرب قال:
فليت زيادا لا يزلن [4] بناته ... يمتن وألقى كلّما عشت عابسا
فذلك يوم غاب عنّي شرّه ... وأنجحت فيه بعد ما كنت آيسا
أخذه الشرط من حانة فتخلص منهم برشوة وقال شعرا:
ونسخت من كتابه: حدّثني أبو عمرو قال:
شرب الأقيشر في بيت خمّار بالحيرة، فجاءه الشّرط ليأخذوه، فتحرّز منهم وأغلق بابه وقال: لست أشرب، فما سبيلكم عليّ! قالوا: قد رأينا العسّ [5] في كفّك وأنت تشرب. قال: إنما شربت من لبن لقحة [6] لصاحب الدار، فلم يبرحوا حتى أخذوا منه درهمين. فقال:
إنّما لقحتنا باطية ... فإذا ما مزجت كانت عجب
/ لبن أصفر صاف لونه ... ينزع الباسور من عجب الذّنب
إنما نشرب من أموالنا ... فسلوا الشّرطيّ ما هذا الغضب
سأل عبد الملك وفد بني أسد عنه وقال إنه شاعرهم:
أخبرني الحسن بن عليّ عن العنزيّ عن محمد بن معاوية قال:
دخل وفد بني أسد على عبد الملك بن مروان، فقال: من شاعركم يا بني أسد؟ قالوا: إنّ فينا لشعراء ما يرضى
__________
-
ولقد غدوت بمشرف يأفوخه ... عسر المكره ماؤه يتفصد
مرح يمج من المراح لعابه ... ويكاد جلد إهابه يتقدّد
حتى علوت به مشق ثنية ... طورا أغور بها وطورا أنجد
[1] المراح (وزان كتاب): اسم من المرح وهو الأشر والنشاط. وتتقدد: تنقطع.
[2] الطلاء: من أسماء الخمر.
[3] طيزناباذ: موضع بين الكوفة والقادسية على حافة الطريق.
[4] أثبت الأقيشر هاهنا علامة الجمع في الفعل وهو غير الفصيح.
[5] العس: القدح العظيم.
[6] اللقحة (بالكسر ويفتح): الناقة الحلوب.
قومهم أن يفضّلوا عليهم أحدا. قال لهم: فما/ فعل الأقيشر؟ قالوا: مات. قال: لم يمت، ولكنه مشتغل بعشقه، وما أبعد أن يكون شاعركم إلّا أنه يضيع نفسه. أليس هو القائل:
يأيّها السائل عمّا مضى ... من علم هذا الزّمن الذاهب
إن كنت تبغي العلم أو أهله ... أو شاهدا يخبر عن غائب
فاعتبر الأرض بأسمائها ... واعتبر الصاحب بالصاحب
سأل جارا له طحانا كان يقرض الناس فلم يعطه فقال فيه شعرا:
وذكر عبد اللّه بن خلف عن أبي عمرو الشيبانيّ أنّ جارا للأقيشر طحّانا كان ينسىء [1] الناس يكنى أبا عائشة.
فأتاه الأقيشر يسأله فلم يعطه، فقال له:
يريد النساء ويأبى الرجال ... فما لي وما لأبي عائشه
أدام له اللّه كدّ الرّجال ... وأثكله ابنته عائشه
فأعطاه ما أراد واستعفاه من أن يزيد شيئا.
تعرض له رجل من هجيم فهجاهم فاستكفوه فكف:
سخت من كتاب عبيد اللّه بن محمد اليزيديّ بخطّه: قال الهيثم بن عديّ حدّثني عطّاف بن عاصم بن الحدثان قال:
مرّ أعرابيّ من بني تميم كان يهزأ بالأقيشر، فقال له:
أبا معرض كن أنت إن متّ دافني ... إلى جنب قبر فيه شلو المضلّل
فعلّي أن أنجو من النار إنّها ... تضرّم للعبد اللئيم المبخّل
بذلك أوصاها الإله ولم تزل ... تحشّ [2] بأوصال وترب وجندل
وأنت بحمد اللّه إن شئت مفلتي ... بحزمك فاحزم يا أقيشر واعجل
فقال له: ممن أنت؟ قال: من بني تميم ثم أحد بني الهجيم بن عمرو بن تميم، فقال الأقيشر:
تميم بن مرّ كفكفوا عن تعمّدي ... بذلّ فإنّي لست بالمتذلّل
أيهزأ بي العبد الهجيميّ ضلّة ... ومثلي رمي ذا التّدرأ [3] المتضلّل
__________
[1] ينسىء الناس: يريد ينسىء الناس الدين أي يقرضهم ويؤخرهم بالدين.
[2] حش النار أوقدها. والأوصال: المفاصل، واحدها وصل (بضم أوله وكسره وسكون ثانيه). والوصل: كل عظم على حدة لا يكسر ولا يخلط بغيره ولا يوصل به غيره. والجندل: الحجارة.
[3] في «الأصول الخطية»: «ذا النذرا» بالنون والذال المعجمة. وفي «ب، س»: «ذا الناذر» وهما تحريف. يقال: فلان ذو تدرإ أي ذو حفاظ ومنعة وقوّة على أعدائه ومدافعة، يكون ذلك في الحرب وفي الخصومة. والمتضلل إن جعل وصفا لذي تدرإ كان جره للمجاورة؛ كما قال امرؤ القيس:
كأنّ ثبيرا في عرانين وبله ... كبير أناس في بجاد مزمل
وإن جعل وصفا لتدرإ أي حفاظ وقوّة كان الوصف به على التجوّز، ويكون المعنى: ومثلي رمى ذا الحفاظ الأحمق العنيف.
بداهية دهياء لا يستطيعها ... شماريخ [1] من أركان سلمى ويدبل
وباللّه لو لا أنّ حلمي زاجري ... تركت تميما ضحكة كلّ محفل [2]
فكفّوا رماكم ذو الجلال بخزية ... تصبّحكم في كلّ جمع ومنزل
فأنتم لئام الناس لا تنكرونه ... وألأمكم طرّا حريث بن جندل
فصار إليه شيوخ من بني الهجيم واعتذروا إليه واستكفّوه فكفّ.
شرب مع مقعد وأعمى وغناهم مغن فطربوا فقال هو شعرا:
أخبرني الأخفش قال حدّثني أبو الفيّاض بن أبي شراعة عن أبيه قال:
شرب الأقيشر بالحيرة في بيت فيه خيّاط مقعد ورجل أعمى، وعندهم مغنّ مطرب، فطرب الأقيشر، فسقاهم من شربه، فلمّا انشتوا وثب الأعمى يسعى في حوائجهم، وقفز الخيّاط المقعد يرقص على ظلعة [3] /و يجهد في ذلك كلّ جهد. فقال الأقيشر:
/و مقعد قوم قد مشى من شرابنا ... وأعمى سقيناه ثلاثا [4] فأبصرا
شرابا كريح العنبر الورد ريحه ... ومسحوق هنديّ من المسك أذفرا [5]
من الفتيات الغرّ من أرض بابل ... إذا شفّها [6] الحاني من الدّنّ كبّرا
لها من زجاج الشام عنق غريبة ... تأنّق فيها صانع وتخيّرا
ذخائر فرعون التي جبيت له ... وكلّ يسمّى بالعتيق مشهّرا
إذا ما رآها بعد إنقاء غسلها ... تدور علينا صائم القوم أفطرا
كان صاحب سراب وندامى تفرق أصحابه فقال شعرا:
أخبرنا علي بن سليمان قال حدّثني سوّار قال حدّثني أبي قال:
كان الأقيشر صاحب شراب وندامى، فأشخص الحجّاج بعض ندمائه إلى بعض [النواحي [7]]، ومات بعضهم، ونسك بعضهم، وهرب بعضهم؛ فقال في ذلك:
غلب الصّبر فاعترتني هموم ... لفراق الثّقات من إخواني
مات هذا وغاب هذا وهذا ... دائب في تلاوة القرآن
__________
[1] الشماريخ هنا: رؤوس الجبال، واحدها شمراخ. وسلمى ويذبل جبلان.
[2] يريد: صيرتهم ضحكة في كل محفل.
[3] الظلع: العرج.
[4] في «ج»: «شرابا».
[5] المسك الأذفر: البالغ الغاية في الجودة.
[6] كذا في «الأصول»!. والحاني هنا: بائع الخمر، نسبة إلى الحانية وهي الحانوت: المكان الذي تباع فيه الخمر، أو نسبة إلى الحانة. وخففت ياء النسب للشعر.
[7] زيادة يقتضيها السياق.
ولقد كان قبل إظهاره النّس ... ك قديما من أظرف الفتيان [1]
شعر له في بغل أبي المضاء وكان يكتريه فيركبه إلى الحيرة:
وأخبرني أبو الحسن الأسديّ عن العنزيّ قال قال ابن الكلبيّ حدّثني سلمة بن عبد سواع [2] عن أبيه قال:
كان الأقيشر لا يسأل أحدا أكثر من خمسة دراهم، يجعل درهمين في كراء بغل إلى الحيرة، ودرهمين للشراب، ودرهما للطعام. وكان له جار يكنى أبا المضاء له بغل يكريه، وكان يعطيه درهمين ويأخذ بغله فيركبه إلى الحيرة، حتى يأتي بيت/ الخمّار فينزل عنده ويربطه بلجامه وسرجه - فيقال إنه أعطى ثمنه في الكراء - ثم يجلس فيشرب حتى يمسي، ثم يركبه وينصرف. فقال في ذلك:
يا بغل بغل أبي المضاء تعلّمن ... أنّي حلفت ولليمين نذور
لتعسّفنّ [3] وإن كرهت مهامها ... فيما أحبّ وكلّ ذاك يسير
بالرغم يا ولد الحمار قطعتها ... عمدا وأنت مذلّل مصبور
حتى تزور مسمّعا [4] في داره ... وترى المدامة بالأكفّ تدور
لا يرفعون بما يسوءك نعرة ... وإذا سخطت فخطب ذاك صغير
خدعته امرأة بأنها أم حنين الخمار وأخذت منه درهمين، فأخذ يهجو أم حنين حتى استرضاه حنين:
قال: فأتى يوما من الأيّام بيت الحمّار الذي كان يأتيه فلم يصادفه فجعل ينتظره، ودخلت الدار امرأة عباديّة [5]، فقال لها: ما فعل فلان؟ قالت: مضى في حاجة وأنا امرأته، فما تريد؟ قال: نبيذا. قالت بكم؟ قال:
بدرهمين. قالت: هلمّ درهميك وانتظرني. قال لا [6]. قالت: فذلك إليك، ومضت وتبعها، فدخلت دارا لها بابان وخرجت من أحدهما وتركته. فلمّا طال جلوسه خرج إليه بعض أهل الدار، قالوا: وما يجلسك؟ فأخبرهم. فقالوا له: تلك امرأة محتالة يقال لها أمّ حنين من العباديّين. فعلم أنه قد خدع، فانصرف إلى خمّاره فأخبره بالقصة وقال له: أنسئني [7] اليوم فاسقني ففعل. وأنشأ الأقيشر يقول:
/لم يغرّر بذات خفّ سوانا ... بعد أخت العباد أمّ حنين
وعدتنا بدرهمين نبيذا ... أو طلاء معجّلا غير دين
ثم ألوت بالدرهمين جميعا ... يا لقومي لضيعة [8] الدرهمين
__________
[1] في «ح»: «في أظرف الفتيان». وفي «أ، م»: «في أظهر الفتيان».
[2] كذا في «ج». وفي «سائر الأصول»: «عبد سراع» بالراء.
[3] عسف المفازة: (بالتشديد) مثل عسفها واعتسفها وتعسفها أي قطعها بغير قصد ولا هداية. والمهامة: جمع مهمه، وهو المفازة البعيدة والبلد القفر.
[4] في «ج»: «سميعا». ويجب أن يكون مشدّد الياء ليستقيم الوزن، وإنما سمى العرب سميعا (وزان زبير).
[5] عبادية: نسبة إلى العباد وهم قبائل شتى اجتمعوا على النصرانية بالحيرة.
[6] يريد: لا أنتظر، أما الدرهما فيدل سياق الكلام على أنه أعظاهما إياها.
[7] كذا في «ج». والإنساء والنسي ء: التأخير في الدين وفي العمر. وفي «سائر الأصول»: «أنشنى اليوم فامتعني».
[8] كذا في «ج». وفي «سائر الأصول»: «لصعبة الدرهمين» وهو تحريف.
وذكر هذا الخبر عبد اللّه بن خلف عن أبي عمرو الشّيبانيّ وزاد فيه: أنّ الخمّار كان يسمّى بحنين، وأنّ المرأة المحتالة قالت له: إنها أمّ حنين الخمّار الذي كان يعامله حتى أخذت الدرهمين ثم هربت منه، وذكر الأبيات الثلاثة التي تقدّمت، وبعدها:
عاهدت زوجها وقد قال إنّي ... سوف أغدو لحاجتي ولديني
فدعت كالحصان أبيض جلدا ... وافر الأير مرسل الخصيتين
قال ما أجرذا هديت فقالت ... سوف أعطيك أجره مرّتين
فأبدأ الآن بالسّفاح فلمّا ... سافحته أرضته بالأخريين
تلّها [1] للجبين ثمّ امتطاها ... عالم الأير أفحج [2] الحالبين
بينما ذاك منهما وهي تحوي ... ظهره بالبنان والمعصمين
جاءها زوجها وقد شام فيها ... ذا انتصاب موثّق الأخدعين [3]
فتأسّى وقال ويل طويل ... لحنين من عار أمّ حنين
قال: فجاء حنين الخمّار فقال له: يا هذا ما أردت بهجائي وهجاء أمّي؟!. قال: أخذت منّي درهمين ولم تعطيني شرابا. قال: واللّه ما تعرفك أمّي ولا أخذت منك شيئا قطّ، فانظر إلى أمّي فإن كانت هي صاحبتك غرمت لك الدرهمين. قال: لا واللّه ما أعرف غير أمّ حنين، ما قالت لي إلّا ذلك، ولا أهجو إلّا أمّ حنين/ وابنها، فإن كانت أمّك فإيّاها أعني. وإن كانت أمّ حنين أخرى فإيّاها أعني. فقال: إذا لا يفرّق الناس بينهما. قال: فما عليّ إذا! أترى درهميّ يضيعان! فقال له: هلمّ إذا أغرمهما لك وأقم ما تحتاج إليه، لا بارك اللّه لك! ففعل.
استكتبه العريان بن الهيثم من ملحه ثم أرسل له خمسين درهما فاستقلها وهجاه، ثم استرضاه أبوه الهيثم:
قال عبد اللّه وحدّثني أبو عمرو قال:
كان العريان بن الهيثم النّخعيّ صديقا للأقيشر، فقال له: يا أقيشر إنّي أريد أن أمتدّ إلى الشأم فأكتبني [4] من ملحك فأكتبه. فخرج إلى الشأم فأصاب مالا، فبعث إلى الأقيشر بخمسين درهما، ففعل [5] وقال: هات. قال المولى: على أن تهجوه إذ وضع منك؟ قال نعم، فأعطاه خمسين درهما. وقال الأقيشر:
وسألتني يوم الرّحيل قصائدا ... فملأتهنّ قصائدا وكتابا
إنّي صدقتك إذ وجدتك صادقا [6] ... وكذبتني فوجدتني كذّابا
وفتحت بابا للخيانة عامدا ... لمّا فتحت من الخيانة بابا
__________
[1] تلها للجبين: صرعها. يريد أنه قلبها وألقاها على وجهها.
[2] أفحج الحالبين: متباعد ما بينهما.
[3] الأخدعان: عرقان في جانبي العنق.
[4] الإكتاب هنا: الإملاء. وفي «ب، س»: «فاكتب لي» وهو تحريف.
[5] كذا في «الأصول». والكلام هنا غير واضح؛ وأحسب أنه وقع بين الأقيشر والمولى رسول العريان حوار سقط من النساخ.
[6] في «الأصول»: «كاذبا» وهو تحريف.
وكان أبو العريان على الشّرطة، فخافه الأقيشر من هجاء ابنه. وبلغ الهيثم هذه الأبيات فبعث إليه بخمسمائة درهم وسأله الكفّ عن ابنه وألّا يشهّره [1]، فأخذها وفعل.
خطب رجل من حضر موت امرأة من بني أسد وسأله عنها فهجاه:
قال أبو عمرو: وخطب رجل من حضر موت امرأة من بني أسد، فأقبل يسأل عنها وعن حسبها وأمّهاتها، حتى جاء الأقيشر فسأله عنها. فقال له: من [أين [2]] أنت؟ قال: من حضر موت./ فأنشأ يقول:
/حضر موت فتّشت أحسابنا ... وإلينا حضر موت تنتسب
إخوة القرد وهم أعمامه ... برئت منكم إلى اللّه العرب
طلبت إليه عمته أن يصلي فقال اختاري إما الصلاة أو الوضوء:
أخبرني الحسن بن عليّ عن أبي أيّوب المدينيّ قال قال أبو طالب الشاعر حدّثني رجل من بني أسد قال:
سمعت عمّة الأقيشر تقول له يوما: اتّق اللّه وقم فصلّ، فقال: لا أصلّي. فأكثرت عليه، فقال: قد أبرمتني، فاختاري خصلة من خصلتين. إمّا أن أصلّي ولا أتطهّر، وإمّا أن أتطهّر ولا أصلّي. قالت: قبحك اللّه! فإن لم يكن غير هذا فصّلّ بلا وضوء.
جاءه شرطي وهو يشرب فخافه وسقاه بأنبوب من ثقب الباب:
قال أبو أيّوب: وحدّثت أنه شرب يوما في بيت خمّار بالحيرة، فجاء شرطيّ من شرط الأمر ليدخل عليه، فغلّق الباب دونه. فناداه الشّرطيّ اسقني نبيذا وأنت آمن. فقال: واللّه ما آمنك، ولكن هذا ثقب في الباب فاجلس عنده وأنا أسقيك منه، ثم وضع له أنبوبا من قصب في الثّقب وصبّ فيه نبيذا من داخل والشرطيّ يشرب من خارج الباب حتّى سكر. فقال الأقيشر:
سأل [3] الشّرطيّ أن نسقيه ... فسقيناه بأنبوب القصب
إنما نشرب من أموالنا ... فسلوا الشّرطيّ ما هذا الغضب
أعطاه قيس بن محمد مالا ونجمه له فكرر ذلك مرارا فرده فهجاه:
أخبرني عمّي عن الكرانيّ عن قعنب بن المحرز، وحدّثنا [4] محمد بن خلف عن أبي أيّوب المدينيّ عن قعنب [5] بن الهيثم بن عديّ قال:
كان قيس بن محمد بن الأشعث ضرير البصر، فأتاه الأقيشر فسأله، فأمر قهرمانة [6] فأعطاه ثلاثمائة درهم،
__________
[1] كذا في ج. وفي «سائر الأصول»: «و الاستهزاء» وهو تحريف.
[2] زيادة يقتضيها السياق.
[3] في «ب، س»: «سالني».
[4] في «أكثر الأصول»: «قال حدّثنا محمد بن خلف ... ». والتصويب من ج. والمؤلف يروي كثيرا عن محمد بن خلف وكيع عن أبي أيوب المديني.
[5] لم نجد هذا الاسم في الرواة. ويخيل إلينا أن في السند تحريفا.
[6] القهرمان: الوكيل أو أمين الدخل والخرج.
فقال: لا أريدها جملة، ولكن مر القهرمان أن/ يعطيني في كلّ يوم ثلاثة دراهم حتى تنفد. فكان يأخذها منه، فيجعل درهما لطعامه، ودرهما لشرابه، ودرهما لدابّة تحمله إلى بيوت الخمّارين. فلمّا نفدت الدراهم أتاه الثانية فسأله فأعطاه وفعل مثل ذلك، وأتاه الثالثة فأعطاه وفعل مثل ذلك، وأتاه الرابعة فسأله. فقال له قيس: لا أبا لك! كأنّك قد جعلت هذا خراجا علينا. فانصرف وهو يقول:
ألم تر قيس الأكمه ابن محمد ... يقول ولا تلقاه للخير يفعل
رأيتك أعمى العين والقلب ممسكا ... وما خير أعمى العين والقلب يبخل
فلو صمّ تمّت لعنة اللّه كلّها ... عليه وما فيه من الشرّ أفضل
فقال قيس: لو نجا أحد من الأقيشر لنجوت منه.
كان سكران فحكموه في الصحابة فقال شعرا:
أخبرني أبو الحسن الأسديّ عن العنزيّ عن محمد بن معاوية قال:
اختصم قوم بالكوفة في أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ، فقالوا: نجعل بيننا أوّل من يطلع علينا. فطلع الأقيشر عليهم وهو سكران. فقال بعضهم لبعض: انظروا من حكمنا. فقالوا: يا أبا معرض قد حكّمناك. قال: فيماذا؟
فأخبروه. فمكث ساعة ثم أنشأ يقول:
إذا صلّيت خمسا كلّ يوم ... فإنّ اللّه يغفر لي فسوقي
ولم أشرك بربّ الناس شيئا ... فقد أمسكت بالحبل الوثيق
/ وهذا الحقّ ليس به خفاء ... ودعني من بنيّات الطّريق [1]
أعطاه ابن رأس البغل مهر ابنة عم له فمدحه فاعترض عليه فأجابه:
قال محمد بن معاوية: وتزوّج الأقيشر ابنة عمّ له يقال لها الرّباب، على أربعة آلاف درهم، ويقال على عشرة آلاف درهم، فأتى قومه فسألهم فلم يعطوه شيئا؛ فأتى ابن رأس البغل وهو دهقان الصّين وكان مجوسيّا، فسأله فأعطاه الصّداق. فقال الأقيشر:
كفاني المجوسيّ مهر الرّباب ... فدى للمجوسيّ خاليّ [2] وعم
شهدت بأنّك رطب [3] المشاش ... وأنّ أباك الجواد الخصم
وأنّك سيّد أهل الجحيم ... إذا ما تردّيت فيمن ظلم
تجاور قارون في قعرها ... وفرعون والمكتنى بالحكم
ذهب إلى عكرمة بن ربعيّ فلم يعطه فهجاه:
__________
[1] بنيات الطريق: الطرق الصغار المتشبعة من الطريق الأعظم. ويضرب بها المثل فيقال: «دع عنك بنيات الطريق» أي عليك بمعظم الأمر ودع الروغان. (عن كتاب ما يعول عليه في المضاف والمضاف إليه).
[2] في «ج»: «خال وعم».
[3] يقال: فلان لين المشاش إذا كان طيب النحيرة عفيفا عن الطمع. ويقال: فلان طيب المشاش إذا كان كريم النفس.
فقال له المجوسيّ: ويحك! سألت قومك فلم يعطوك وجئتني فأعطيتك، فجزيتني هذا القول ولم أفلت من شعرك وشرّك! قال: أو ما ترضى أن جعلتك مع الملوك وفوق [1] أبي جهل!. ثم جاء إلى عكرمة بن ربعيّ التميميّ فلم يعطه، فقال فيه:
سألت ربيعة من شرّها ... أبا ثم أمّا فقالوا لمه
فقلت لأعلم من شرّكم ... وأجعل بالسبّ فيه سمه [2]
فقالوا لعكرمة المخزيات ... وماذا يرى الناس في عكرمه
فإن يك عبدا زكا ماله ... فما غير ذا فيه من مكرمه
شرب بما معه وبثيابه ثم جلس في تبن وحديث الخمار معه:
قال ابن الكلبيّ: وشرب الأقيشر في حانة خمّار حتى أنفد ما معه، ثم شرب بثيابه حتى غلقت [3] فلم يبق عليه شيء، وجلس في تبن إلى جانب البيت إلى حلقه مستدفئا به. فمرّ رجل به ينشد ضالّة، فقال: اللّهمّ اردد عليه واحفظ علينا. فقال/ له الخمّار: نخنت عينك! أيّ شيء يحفظ عليك ربّك؟ قال: هذا التّبن لا تأخذه فأموت من البرد. فضحك الخمّار وردّ عليه ثيابه وقال: اذهب فاطلب ما تشرب به، ولا تجئني بثيابك فإنّي لا أشتريها بعد ذلك.
لقيه هشام الشرطي وهو سكران فحاوره في سكره:
قال ابن الكلبيّ: واجتاز الأقيشر برجل يقال له هشام [4] وكان على شرطة عمرو بن حريث وهو سكران، فدعا به فقال له: أنت سكران؟ قال لا. قال: فما هذه الرائحة؟ قال: أكلت سفرجلا، ثم قال:
يقولون لي انكه [5] شربت مدامة ... فقلت كذبتم بل أكلت سفر جلا
فضحك منه ثم قال: فإن لم تكن سكران فأخبرني كم تصلّي في كلّ يوم. فقال:
يسائلني هشام [6] عن صلاتي ... صلاة المسلمين فقلت خمس
صلاة العصر والأولى ثمان ... مواترة فما فيهنّ لبس
وعند مغيب قرن الشمس وتر ... وشفع بعدها فيهنّ حبس
وغدوة اثنتان معا جميعا ... ولمّا تبد للرائين شمس
وبعدهما لوقتهما صلاة ... لنسك بالضّحاء إذا نبسّ [7]
__________
[1] في «أ، م»: «و دون».
[2] سمة: علامة.
[3] الغلق هنا: ضد الفك. وهو يريد هنا حتى صارت حقا للخمار.
[4] كذا في «ج». وفي «سائر الأصول» هنا: «هشيم». ولم نهتد لوجه الصواب فيه. وقد ذكر هذا الاسم في هذا الخبر أربع مرات وسننبه على رسمه في كل موضع.
[5] نكه فلان (من بابي ضرب ومنع): أخرج نفسه إلى أنف آخر، ونكهه (من بابي سمع ومنع) واستنكهه: شم ريح فمه.
[6] في «كل الأصول» هنا: «هشيم».
[7] كذا في «ج». وفي «سائر الأصول»: «تبس» بالتاء. وللنبس عدّة معان، ولك منها معناه عمل من أعمال الحياة. ولعله يريد أن
/
أ أحصيت الصلاة أيا هشاما [1] ... فذاك مكدّر الأخلاق جبس [2]
/تعوّد أن يلام فليس يوما ... بحامده من [3] الأقوام إنس
قال: فضحك هشام [4] وقال: بلى قد أخبرتنا يا أبا معرض، فانصرف راشدا.
استنشد قتيبة بن مسلم مرداس بن جذام شعره في قدامة بن جعدة:
أخبرني محمد بن الحسن بن دريد عن أبي عبيدة قال:
قدم رجل من بني سلول على قتيبة بن مسلم بكتاب عامله على الريّ وهو المعلّى بن عمرو المحاربيّ، فرآه [5] على الباب قدامة بن جعدة بن هبيرة المخزوميّ وكان صديقا لقتيبة، فدخل عليه فقال له: ببابك ألأم العرب، سلوليّ رسول محاربيّ إلى باهليّ. فتبسّم قتيبة تبسّما فيه غيظ. وكان قدامة بن جعدة يتّهم بشرب الخمر، وكان الأقيشر ينادمه. فقال قتيبة: ادعوا لي مرداس بن جذام الأسديّ فدعي. فقال له: أنشدني ما قال الأقيشر في قدامة بن جعدة وهو بالحيرة. فأنشده [قوله [6]]:
ربّ ندمان كريم ماجد ... سيّد الجدّين من فرعي مضر
قد سقيت الكأس حتى هرّها [7] ... لم يخالط صفوها منه كدر
قلت قم صلّ فصلّى قاعدا ... تتغشّاه سمادير [8] السّكر
قرن الظّهر مع العصر كما ... تقرن الحقّة [9] بالحقّ الذّكر
/ ترك الفجر فما يقرؤها ... وقرا الكوثر من بين السّور
قال: فتغيّر لون القرشيّ [10] وخجل. فقال له قتيبة: هذه بتلك، والبادىء أظلم.
استنشده عبد الملك أبياته في الخمر وحاوره فيها:
أخبرني الأخفش عن محمد بن الحسن [11] بن الحرون قال حدّثنا الكسرويّ [12] عن الأصمعيّ قال:
قال عبد الملك للأقيشر: أنشدني أبياتك في الخمر، فأنشده قوله:
__________
- صلاة النسك بالضحاء تكون حين نقوم بشؤوننا في الحياة.
[1] كذا في «ج». وفي: «سائر الأصول»: «أبا هشام».
[2] في «الأصول»: «حبس». والحبس: الجامد الثقيل الروح، والفاسق، والجبان، واللئيم. ولعله يعرّض بشخص آخر.
[3] كذا في «أ، م». وفي «سائر الأصول»: «إلى الأقوام».
[4] في «كل الأصول» هنا: «هشام».
[5] في «الأصول» ما عدا «ج»: «فرأى» وهو تحريف.
[6] زيادة عن «ج».
[7] هرها: كرهها. ووردت هذه الكلمة في «الأصول» محرفة، ففي بعضها «هرما». وفي بعضها «مرها».
[8] السمادير هنا: شيء يتراءى للإنسان من ضعف بصره عند السكر.
[9] الحقة من الإبل: الداخلة في السنة الرابعة.
[10] كذا في «الأصول». ولعل صوابه «المخزومي» فإنه كذلك تقدم، وإن كان بنو مخزوم من قريش.
[11] راجع الحاشية رقم 4 صفحة 26 من الجزء الثاني من طبعة دار الكتب المصرية.
[12] في «أكثر الأصول»: «السكري» والتصويب من «ج». (و راجع الحاشية رقم 5 صفحة 26 ج 2 من طبعة دار الكتب المصرية).
تريك القذى من دونها وهي دونه ... لوجه أخيها في الإناء قطوب
كميت إذا فضّت وفي الكأس وردة ... لها في عظام الشاربين دبيب
فقال له: أحسنت يا أبا معرض! ولقد أجدت وصفها، وأظنّك قد شربتها، فقال: واللّه يا أمير المؤمنين إنه ليريبني منك معرفتك بهذا.
قصة له مع بعض ندمائه في حانة:
أخبرني الحسن بن يحيى عن حمّاد بن إسحاق عن ابن الكلبيّ عن رجل من الأزد قال:
كان الأقيشر يأتي إخوانا له يسألهم فيعطونه، فأتى رجلا منهم فأمر له بخمسمائة درهم، فأخذها وتوجّه إلى الحانة ودفعها إلى صاحبها وقال له: أقم لي ما أحتاج إليه ففعل ذلك، وانضمّ إليه رفقاء له، فلم يزل معهم حتى نفدت الدّراهم، فأتاهم بعد إنفاقها بيوم ثم أتاهم من غد فاحتملوه، فلمّا أتاهم في اليوم الثالث نظر إليه أصحابه من بعيد فقالوا لصاحب الحانة: أصعدنا إلى غرفتك هذه وأعلم الأقيشر أنّا لم نأت اليوم. فلمّا جاء الأقيشر أعلمه ما قالوه له. فعلم الأقيشر أنه لا فرج له عند صاحب/ الحانة إلا برهن، فطرح إليه ثيابه وقال له: أقم لي ما أحتاج إليه ففعل. فلما أخذ فيه الشراب أنشأ يقول:
يا خليليّ اسقيناني كأسا ... ثم كأسا حتّى أخرّ نعاسا
إنّ في الغرفة التي فوق رأسي ... لأناسا يخادعون أناسا
يشربون المعتّق الراح صرفا ... ثم لا يرفعون بالزّور راسا
/ فلمّا سمع أصحابه هذا الشعر فدّوه بآبائهم وأمّهاتهم ثم قالوا له: إمّا أن تصعد إلينا أو ننزل إليك، فصعد إليهم.
قصته مع عمه وبشر بن مروان حين مدح بشرا فوصله:
أخبرني الحسن بن عليّ عن ابن مهروية قال حدّثني أبو مسلم المستملي عن المدائني قال:
مدح الأقيشر بشر بن مروان ودخل إليه فأنشده القصيدة [1] وعنده أيمن بن خزيم بن فاتك الأسديّ، فقال أيمن: هذا واللّه كلام حسن من جوف خرب. فأجابه بالبيت [1] المذكور. وقال أبو عمرو أيضا في خبره: فلمّا صار الأقيشر إلى منزله بعث عمّه فأخذ منه الألف الدّرهم وقال: واللّه لا أخلّيك تفسدها وتشرب بها الخمر. قال: فتصنع بها ماذا؟ قال: أكسوك واكسو عيالك وأعدّ لك قوت عامك. فتركه ودخل على بشر فقال له:
أبلغ أبا مروان أنّ عطاءه ... أزاغ [2] به من ليس لي بعيال
قال: ومن ذلك؟ فأخبره الخبر. فأمر صاحب شرطته أن يحضر عمّه وينتزع منه الألف الدرهم ويسلّمها إليه، وقال:
خذها ونحن نقوم لعيالك بما يصلحهم.
مدح خمارة بشعر داعر فسرّت به:
أخبرني هاشم بن محمد عن أبي غسّان دماذ عن أبي عبيدة قال:
__________
[1] سياق هذا الخبر يدل على أن في الكلام سقطا من النساخ؛ فإن الكلام كله هاهنا مضطرب.
[2] كذا في «الأصول»!.
مرّ الأقيشر بخمّارة بالحيرة يقال لها دومة، فنزل عندها فاشترى منها نبيذا، ثم قال لها جوّدي لي الشّراب حتى أجيد لك المدح ففعلت. فأنشأ يقول:
ألا يا دوم دام لك النّعيم ... وأسمر ملء كفّك مستقيم
شديد الأسر ينبض [1] حالباه ... يحمّ كأنّه رجل سقيم
يروّيه الشراب فيزدهيه ... وينفخ فيه شيطان رجيم
قال: فسرّت به الخمّارة وقالت: ما قيل فيّ أحسن من هذا ولا أسرّ لي منه.
مدح فاتك بن فضالة حين وفد على عبد الملك:
أخبرني أبو الحسن الأسديّ عن حمّاد بن إسحاق عن أبيه عن أيّوب بن عباية قال: كان فاتك بن فضالة بن شريك الأسديّ كريما على بني أميّة، وهو الوافد على عبد الملك بن مروان قبل أن ينهض إلى حرب ابن الزّبير، فضمن له على أهل العراق طاعتهم وتسليم بلادهم إليه، وأن يسلموا مصعبا إذا لقيه ويتفرّقوا عنه. وله يقول الأقيشر في هذه الوفادة.
وفد الوفود فكنت أفضل وافد ... يا فاتك بن فضالة بن شريك
تولى الكوفة رجل من بني تميم فانكسر المنبر من تحته فهجاهم:
أخبرني عليّ بن سليمان الأخفش عن السّكّريّ قال حدّثني ابن حبيب قال:
ولي الكوفة رجل من بني تميم يقال له مطر [2]؛ فلما علا المنبر انكسرت الدّرجة من تحته فسقط عنها؛ فقال الأقيشر:
/ابني تميم ما لمنبر ملككم ... ما يستقرّ قراره يتمرّمر [3]
إنّ المنابر أنكرت أستاهكم ... فادعوا خزيمة يستقرّ المنبر
سئل عن قريظة بن قرظة فتكاسل عن ذكر اسمه فهجاه فرد عليه:
أخبرني محمد بن مزيد عن حمّاد بن إسحاق عن أبيه عن عاصم بن الحدثان قال:
مرّ رجل من محارب يقال له قريظة بن يقظة بالأقيشر الأسديّ وهو في مجلس من مجالس بني أسد، فسلّم على الأقيشر وكان به عارفا. فقال له القوم: من هذا يا أبا معرض؟ وكان/ مخمورا، فقال:
ومن لي بأن أستطيع أن أذكر اسمه ... وأعيا عقالا أن يطيق له ذكرا [4]
__________
[1] الأسر: شدّة الخلق. وينبض: يتحرك.
[2] في «ج، ب، س»: «مطرف» وهو تحريف. وهو مطر بن ناحية اليربوعي، كان غلب على الكوفة أيام الضحاك بن قيس الشاري.
(راجع كتاب «الشعر والشعراء» صفحة 353) وفيه بعد البيتين اللذين ذكرهما المؤلف:
خلعوا أمير المؤمنين وبايعوا ... مطرا لعمرك بيعة لا تظهر
واستخلفوا مطرا فكان كقائل ... بدل لعمرك من يزيد أعور
[3] يتمرمر: يهتز ويضطرب.
[4] كذا في «الأصول». ويحتمل أن يكون صوابه «و أوعيا عقالا أن أطيق له ذكرا» أي أعيا أنا أن أطيق له ذكر الاعتقال لساني. على أننا
قال: فضحك القوم وقالوا: سبحان اللّه! أيّ شيء تقول؟ فقال: اسمه ونسبه أعظم من أن أقدر على ذكرهما في يوم، فإن شئتم سميته اليوم ونسبته غدا، وإن شئتم نسبته اليوم وسمّيته غدا. قالوا: هات اسمه اليوم. فقال:
قريظة [1]. فقال رجل منهم: ينبغي أن يكون ابن يقظة. فقال الأقيشر: صدقت واللّه وأصبت، ولقد أثقلني اسمه حين ذكرته أن أقول نعم. فبلغ قريظة [2] قوله وكان شاعرا فقال:
لسانك من سكر ثقيل عن التّقى ... ولكنّه بالمخزيات طليق
وأنت حقيق يا أقيشر أن ترى ... كذاك إذا ما كنت غير مفيق
تسفّ من الصهباء صرفا تخالها ... جنى النّحل يهديه إليك صديق
فبلغ الأقيشر قول المحاربيّ وكان يكنى أبا الذيّال، فأجابه فقال:
عدمت أبا الذيّال من ذي نوالة [3] ... له في بيوت العاهرات طريق
/ أبا الخمر عيّرت امرأ ليس مقلعا ... وذلك رأيّ لو علمت وثيق
سأشربها ما دمت حيّا وإن أمت ... ففي النّفس منها زفرة وشهيق
سمع الرشيد من يتغنى بشعر له في توبته من الخمر فأعجب به:
أخبرني إسماعيل بن يونس الشّيعيّ قال حدّثنا عمر بن شبّة قال:
بلغني أنّ الرشيد سمع ليلة رجلا يغنّي:
إن كانت الخمر قدعزّت وقد منعت ... وحال من دونها الإسلام والحرج
فقد أباكرها صرفا وأشربها ... أشفي بها غلّتي صرفا وأمتزج [4]
وقد تقوم على رأسي مغنّية ... لها إذا رجّعت في صوتها غنج
وترفع الصوت أحيانا وتخفضه ... كما يطنّ ذباب الرّوضة الهزج
قال: فوجّه في أثر الصوت من جاءه بالرجل وهو يرعد، فقال: لا ترع فإنّما أعجبني حسن صوتك. فقال: واللّه يا أمير المؤمنين ما تغنّيت بهذا الشعر إلّا وأنا قد تبت من شرب النّبيذ، وهذا شعر يقوله الأقيشر في توبته من النّبيذ.
فقال له الرشيد: وما حملك على تركه؟ قال: خشية اللّه. وإنّي فيه يا أمير المؤمنين كما قال زيد بن ظبيان:
جاءوا بقاقزّة [5] صفراء مترعة ... هل بين ذي كبرة والخمر من نسب
__________
- لم نجد «عقالا» في «معجمات اللغة» بمعنى اعتقال اللسان.
[1] في «ج» «قرظة».
[2] في هذا البيت إقواء.
[3] كذا في «الأصول»!.
[4] في «ديوان أبي محجن» (نسخة مخطوطة بدار الكتب المصرية):
فقد أباكرها ريا وأشربها ... صرفا وأطرب أحيانا فأمتزج
وقال شارحه: «أراد فقد باكرتها وشربتها صرفا وربما طربت فمزجتها. وكان ينبغي أن يقول شربتها ممزوجة وربما طربت فأصرفتها. ولما قاله وجه، وهو أنه إذا طرب مزجها لئلا تدخله في السكر. وجاء بلفظ المستقبل وهو يريد الماضي».
[5] القاقزة: الصغيرة من القوارير (أي الكأس الصغيرة)، ويقال فيها «قاقوزة» و «قازوزة» فارسية معربة.
بئس الشّراب شرابا حين تشربه ... يوهي العظام وطورا مفتر العصب
إنّي أخاف مليكي أن يعذّبني ... وفي العشيرة أن يزري على حسبي
/ فقال له الرشيد: أنت [1] وما اخترت أعلم، فأعد الصوت، فأعاده. وأمر بإحضار المغنّين واستعاده، وأمرهم بأخذه عنه فأخذوه، ووصله وانصرف، وكان صوت الرّشيد أيّاما. هكذا ذكر إسماعيل بن يونس عن عمر بن شبّة في هذا الخبر أنّ الأبيات للأقيشر، ووجدتها في شعر أبي محجن الثّقفيّ له لمّا تاب من الشّراب.
خرج لغزو الشأم فباع حماره وأنفق ثمنه في الفجور ثم رجع مع الغازين:
أخبرني عليّ بن سليمان قال/ حدّثنا أبو سعيد عن محمد بن حبيب قال:
كان القباع [2]، وهو الحارث بن عبد اللّه بن أبي ربيعة، قد أخرج الأقيشر مع قومه لقتال أهل الشّأم، ولم يكن عند الأقيشر فرس فخرج على حمار، فلمّا عبر جسر سورا [3] فوصل لقرية يقال لها قنّين [4] توارى عند خمّار نبطيّ يبرز زوجته للفجور، فباع حماره وجعل ينفقه هناك ويشرب بثمنه ويفجر إلى أن قفل الجيش، وقال في ذلك:
خرجت من المصر الحواريّ [5] أهله ... بلا ندبة فيها احتساب ولا جعل
إلى جيش أهل الشّأم أغزيت [6] كارها ... سفاها بلا سيف حديد ولا نبل
ولكن بترس ليس فيه [7] حمالة ... ورمح ضعيف الزّجّ متصدع النّصل
/ حباني به ظلم القباع ولم أجد ... سوى أمره والسّير شيئا من الفعل
فأزمعت أمري ثم أصبحت غازيا ... وسلّمت تسليم الغزاة على أهلي
وقلت لعلّي أن أرى ثمّ راكبا ... على فرس أو ذا متاع على بغل
جوادي حمار كان حينا لظهره ... إكاف وإشناق [8] المزادة والحبل
وقد خان عينيه بياض وخانه ... قوائم سوء حين يزجر في الوحل [9]
إذا ما انتحى في الماء والوحل لم ترم ... قوائمه حتّى يؤخّر بالحمل
أنادي الرّفاق بارك اللّه فيكم ... رويدكم حتّى أجوز إلى السّهل
__________
[1] الواو هنا بمعنى الباء، أي أنت أعلم بما اخترت.
[2] راجع في «الأغاني» (ج 1 صفحة 110 من طبعة دار الكتب المصرية) بعض سيرته وسبب تلقيبه بالقباع.
[3] سورا (بالضم والقصر): قرية بالعراق من أرض بابل، وقد نسبوا إليها الخمر. وسوراء (بالضم والمدّ): موضع قرب بغداد، وقيل هو بغداد نفسها. وقد وردت هذه الكلمة في شعر الأقيشر الآتي ممدودة، فالظاهر أنه يريد الأخيرة، ويحتمل أن يكون أراد الأولى فمدها كما مدّها عبيد اللّه بن الحر في قوله:
ويوما بسوراء التي عند بابل ... أتاني أخو عجل بذي لجب مجر
[4] لم نهتد إلى هذه القرية في مظانها.
[5] أي الصديق أهله.
[6] في «الأصول»: «أغريت» بالراء المهملة. وهو تصحيف. وأغزاه: حمله على الغزو.
[7] في «الأصول» «فيها».
[8] كذا في «الأصول». والذي في كتب اللغة أنه يقال شنق المزادة وأشنقها إذا أوكاها وربطها. والبيت بعد ذلك غير واضح.
[9] الوحل (بسكون الحاء): لغة قليلة في الوحل (بالتحريك).
فسرنا إلى قنّين يوما وليلة ... كأنّا بغايا ما يسرن إلى بعل
إذا ما نزلنا لم نجد ظلّ ساحة ... سوى يابس الأنهار [1] أو سعف النخل
مررنا على سوراء نسمع جسرها ... يئطّ [2] نقيضا عن سفائنه الفضل [3]
فلمّا بدا جسر السّراة وأعرضت ... لنا سوق فرّاغ الحديث إلى شغل
نزلنا إلى ظلّ ظليل وباءة [3] ... حلال برغم القلطمان [4] وما نفل [5]
يشارطه [6] من شاء كان بدرهم ... عروسا بما بين السّبيئة [3] والنّسل
فأتبعت رمح السّوء سمية [3] نصله ... وبعت حماري واسترحت من الثّقل
/ تقول ظبايا قل قليلا ألا ليا ... فقلت لها إصوي فإنّي على رسل [7]
مهرت [8] لها جرديقة فتركتها ... بمرها كطرف العين شائلة الرّجل
مما يغنى فيه من شعره:
ومما يغنّى فيه من شعر الأقيشر:
صوت
لا أشربن [9] أبدا راحا مسارقة [10] ... إلّا مع الغرّ أبناء البطاريق [11]
أفنى تلادي وما جمّعت من نشب [12] ... قرع القواقيز أفواه الأباريق [13]
__________
[1] كذا في «الأصول»!.
[2] يئط: يصوّت. والنقيض: الصوت مثل صوت المحامل والرحال إذا ثقل عليها الركبان.
[3] الباءة: النكاح.
[4] كذا في «الأصول». وأحسب أنها محرفة عن «القلطبان» وهو الديوث الذي لا غيرة له على أهله مثل القرطبان.
[5] كذا في «الأصول». وأحسب أن صوابه: «و ما نغلي» أن تبلغ ما تريد من الباءة وغيرها دون أؤن نعطي ثمنا غاليا. ويجوز أن يكون «و ما يغلي» أي لا يطلب القلطبان ثمنا غاليا.
[6] كذا في «ج». وفي «سائر الأصول»: «بشارطة».
[7] كذا ورد في هذا البيت في «الأصول». وأحسب أن بعض كلماته نبطيّ أورده الشاعر حكاية لما كان بينه وبين من ظفر بها من بنات النبط من حوار.
[8] كذا ورد في هذا البيت في «الأصول»!.
[9] في الشواهد الكبرى للعيني: «لا تشربن» وهي الرواية التي توافق سياق القصيدة؛ إذ قبل هذا البيت:
عليك كل فتى سمح خلائقه ... محض العروق كريم غير ممذوق
ولا تصاحب لئيما فيه مقرفة ... ولا تزورن أصحاب الدوانيق
وأحسب أن ما هاهنا من تغيير المغنين.
[10] في حاشية الأمير على مغني اللبيب (في الباب الخامس): «مسردة» وفسر المسردة بالمتوالية.
[11] الغر هنا: السادة الأشراف؛ يقال رجل أغر إذا كان كريم الأفعال واضحها. والبطاريق: جمع بطريق وهو القائد أو العظيم من الروم. ويقال: إن البطريق عربي وافق العجمي.
[12] التلاد: المال القديم من تراث وغيره. والنشب: المال الثابت كالدار ونحوها، أو هو المال الأصيل من الناطق والصامت.
[13] القواقيز: ضرب من الرواطيم وهو الكؤوس الصغيرة. وإضافة القرع إلى القواقيز من إضافة المصدر إلى فاعله، وأفواه الأباريق مفعوله. ويروى برفع الأفواه، فيكون المصدر مضافا إلى مفعوله، والأفواه فاعله.
الغناء لحنين هزج بالبنصر عن عمرو. وفيه لعمر الواديّ رمل بالبنصر عن الهشاميّ. وفيه ثقيل أوّل ينسب إلى حنين وعمر وحكم جميعا. وهذا الغناء المذكور من قصيدة للأقيشر طويلة، أوّلها:
/إنّي يذكّرني هندا وجارتها ... بالطّفّ صوت حمامات على نيق [1]
صوت
دعاني دعوة والخيل تردي ... فلا أدري أبا سمي أم كناني
وكان إجابتي إيّاه أنّي ... عطفت عليه خوّار العنان
الشعر لابن الغريزة النّهشليّ. والغناء ليحيى المكيّ رمل بالوسطى عن الهشاميّ. وقد جعل المغنّون معه هذا البيت ولم أجده في قصيدته، ولا أدري أهو له أم لغيره.
ألا يا من لذا البرق اليماني ... يلوح كأنّه مصباح بان [2]
__________
[1] الطف: موضع بناحية الكوفة. والنيق: حرف من حروف الجبل، وأرفع موضع فيه.
[2] الباني هنا: الداخل بأهله. وأصله أنه كان كل من أراد منهم الزفاف بنى قبة على أهله، ثم قيل لكل داخل بان وإن كان قد دخل عليها دارا قد بنيت قبله. ويضرب بمصباح الباني المثل فيما يبقي ليله ولا يزول. (راجع «ما يعول عليه في المضاف والمضاف إليه»).
14 - أخبار ابن الغريزة [1] ونسبه
نسب ابن الغريزة:
كثير بن الغريزة التميميّ أحد بني نهشل. والغريزة أمّه. وهو مخضرم، أدرك الجاهليّة والإسلام، وقال الشعر فيهما. وهذا الشعر يقوله ابن الغريزة في غزاة غزاها الأقرع بن حابس وأخوه بالطّالقان [2] وجوزجان وتلك البلاد، فأصيب من أصحابه قوم بالطّالقان فرثاهم ابن الغريزة.
قصيدته التي يذكر فيها يوم الطالقان ويرثي من قتل فيه:
أخبرني الصّوليّ عن الحزنبل عن ابن أبي عمرو الشّيبانيّ عن أبيه قال:
بعث عمر بن الخطّاب الأقرع بن حابس وأخاه على جيش إلى الطّالقان وجوزجان وتلك البلاد، فأصيب من أصحابه قوم بالطّالقان، فقال ابن الغريزة النّهشليّ وقد شهد تلك الوقعة يرثيهم ويذكر ذلك اليوم:
سقى مزن السّحاب إذا استهلّت ... مصارع فتية بالجوزجان
إلى القصرين من رستاق خوط [3] ... أبادهم هناك الأقرعان [4]
وما بي أن أكون جزعت إلّا ... حنين القلب للبرق اليماني
ومحبور برؤيتنا يرجّي ال ... لقاء ولن أراه ولم يراني
/ وربّ أخ أصاب الموت قبلي ... بكيت ولو نعيت له بكاني
دعاني دعوة والخيل تردي [5] ... فما أدري أبا سمي أم كناني
فكان إجابتي إيّاه أنّي ... عطفت عليه خوّار العنان [6]
وأيّ فتى دعوت وقد تولّت ... بهنّ الخيل ذات العنظوان [7]
__________
[1] كذا في شرح التبريزي لل «ديوان الحماسة» (صفحة 460 طبعة مدينة «بن» سنة 1828 م) و «معجم البلدان» في الكلام على «جوزجان» و «معجم الشعر» للمرزباني. وفي «الأصول» في كل المواضع: «الغريرة» بالراء المهملة.
[2] الطالقان: بلدتان، إحداهما بخراسان بين مرو الروز وبلخ، بينها وبين مرو الروز ثلاث مراحل. والأخرى بلدة وكورة بين قزوين وأبهر، وبها عدّة قرى يطلق عليها هذا الاسم. (عن «معجم البلدان» لياقوت باختصار». وجوزجان: كورة واسعة من كور بلخ بخراسان، وهي بين مرو الروز وبلخ.
[3] القصران هنا: مدينة السيرجان بكرمان كانت تسمى القصرين. (عن «معجم البلدان»). وخوط هنا: من قرى بلخ. ورستاقها:
سوادها وقراها.
[4] يريد بالأقرعين الأقرع بن حابس وأخاه.
[5] ردت الفرس تردى (وزان رمى) ردبا (بالفتح) ورديانا (بالتحريك): رجمت الأرض بحوافرها، أو هو ضرب من السير بين العدو والمشي.
[6] خوّار العنان من الخيل: السهل المعطف الكثير الجري.
[7] كذا في «الأصول»!.
وأيّ فتى إذا ما متّ تدعو ... يطرّف [1] عنك غاشية السّنان
فإن أهلك فلم أك ذا صدوف [2] ... عن الأقران في الحرب العوان
ولم أدلج لأطرق عرس جاري [3] ... ولم أجعل على قومي لساني [4]
ولكنّي إذا ما هايجوني ... منيع الجار مرتفع البنان
ويكرهّني إذا استبسلت قرني ... وأقضي واحدا ما قد قضاني
فلا تستبعدا يومي فإنّي ... سأوشك مرّة أن تفقداني
ويدركني الّذي لا بدّ منه ... وإن أشفقت من خوف الجنان [5]
وتبكيني نوائح معولات ... تركن بدار معترك الزّمان
/ حبائس بالعراق منهنهات [6] ... سواحي الطّرف كالبقر الهجان
/ أعاذلتيّ من لوم دعاني ... وللرّشد المبيّن فاهدياني
وعاذلتيّ صوتكما قريب ... ونفعكما بعيد الخير واني
فردّا الموت عنّي إن أتاني ... ولا وأبيكما لا تفعلان
*
صوت
دار [7] لقاتلة الغرانق ما بها ... غير الوحوش خلت [8] له وخلالها
ظلّت تسائل بالمتيّم ما به ... وهي الّتي فعلت به أفعالها
الشعر لأعشى بني تغلب من قصيدة يمدح بها مسلمة بن عبد الملك ويهجو جريرا ويعين الأخطل عليه. ويروى «ربع لقانصة الغرانق [9]» وهو الصحيح هكذا، ويغنّى «دار لقاتلة» لأنّه يقول في آخر البيت «خلت له [10] وخلالها».
والغناء لعبد اللّه بن العبّاس ثاني ثقيل بالبنصر عن عمرو بن بانة وابن المكّيّ. وفيه لمخارق رمل من جميع أغانيه.
__________
[1] يقال: طرّف عن العسكر إذا قاتل عن أطرافه. وإنما أراد هنا يحميك ويصرف عنك غاشية السنان أي يجعلها عنك في طرف وناحية.
[2] في «الأصول»: «ذا صروف» وهو تحريف. والصدوف: الإعراض. يريد أنه لا يعرض عن أقرانه ولا يفر من لقائهم.
[3] الإدلاج: السير من أوّل الليل. وعرس الرجل: زوجه.
[4] يريد أنه لا يشتم قومه ولا يهجوهم.
[5] لعل الجنان هنا: الظلام، على أن يكون المخوف ظلام القبر.
[6] نهنه فلان دمعه: كفه. وسواجي الطرف. ساكنات العيون. والهجان: البيض.
[7] قيل هذا البيت:
ألمم على دمن تقادم عهدها ... بالجزع واستلب الزمان جمالها
والغرانق - ومثله الغرانيق - : جمع غرنوق (بالضم) وغرنوق (بكسر فسكون ففتح) وغرنيق (بالكسر) وهو الشاب الناعم.
[8] في «الأصول»: «خلت لها» والتصويب من شعر الأعشين، ويدل عليه كلام المؤلف بعد.
[9] في شعر الأعشين: «رسم لقاتلة الغرانق».
[10] في «الأصول»: «خلت لها» وهو لا يساير سياق الكلام.
15 - أخبار أعشى بني تغلب ونسبه
نسب أعشى تغلب وكان نصرانيا:
قال أبو عمرو الشيبانيّ: اسمه ربيعة. وقال ابن حبيب: اسمه النّعمان بن يحيى بن معاوية، أحد بني معاوية بن جشم بن بكر بن حبيب بن عمرو بن تغلب بن وائل بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعميّ بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار، شاعر من شعراء الدولة الأمويّة، وساكني الشأم إذا حضر، وإذا بدا نزل في بلاد قومه بنواحي الموصل وديار ربيعة. وكان نصرانيّا، وعلى ذلك مات.
قصته مع الحر بن يوسف:
أخبرني عليّ بن سليمان الأخفش عن أبي سعيد السّكّريّ [1] قال حدّثنا محمد بن حبيب عن أبي عمرو الشيبانيّ قال:
كان أعشى بني تغلب ينادم الحرّ بن يوسف بن يحيى بن الحكم. فشربا يوما في بستان له بالموصل، فسكر الأعشى فنام في البستان. ودعا الحرّ بجواريه فدخلن عليه قبّته. واستيقظ الأعشى فأقبل ليدخل القبّة، فمانعه الخدم، ودافعهم حتى كاد أن يهجم على الحرّ مع جواريه، فلطمه خصيّ منهم؛ فخرج إلى قومه فقال لهم: لطمني الحرّ. فوثب معه رجل من بني تغلب يقال له ابن أدعج وهو شهاب بن همّام بن ثعلبة بن أبي سعد، فاقتحما الحائط [2] وهجما على الحرّ حتى لطمه الأعشى ثم رجعا. فقال الأعشى:
كأنّي وابن أدعج إذ دخلنا ... على قرشيّك الورع [3] الجبان
/ هزبرا غابة وقصا [4] حمارا ... فظلّا حوله يتناهشان
أنا الجشميّ من جشم بن بكر ... عشيّة رعت طرفك بالبنان
- أي لطمتك. وقوله «أنا الجشميّ» أي مثلي يفعل ذلك بمثلك -
فما يستطيع ذو ملك عقابي ... إذا اجترمت يدي وجنى لساني
عشيّة غاب عنك بنو هشام ... وعثمان استها وبنو أبان
تروح إلى منازلها [5] قريش ... وأنت مخيّم بالزّرّقان
__________
[1] في «الأصول»: «السدي» وهو تحريف. ورواية علي بن سليمان الأخفش عن أبي سعيد السكري عن محمد بن حبيب وردت كثيرا في «الأغاني»، ومن ذلك ما ورد في الجزء الثالث (صفحة 10 من طبعة دار الكتب المصرية).
[2] الحائط: البستان.
[3] الورع: الضعيف الجبان.
[4] وقص عنقه: كسرها ودقها.
[5] كذا صححه الشنقيطي بقلمه في نسخته. وفي «الأصول»: «منازلنا». وهو تحريف.
/ والزّرّقان: قرية كانت للحرّ بسنجار [1].
مدح مدركا الكناني فأساء ثوابه فهجاه:
قال ابن حبيب: مدح أعشى بني تغلب مدرك بن عبد اللّه الكنانيّ أحد بني أقيشر بن جذيمة بن كعب فأساء ثوابه؛ فقال الأعشى:
لعمرك إنّي يوم أمدح مدركا ... لكالمبتني حوضا على غير منهل
أمرّ الهوى دوني وفيّل [2] مدحتي ... ولو لكريم قلتها لم تفيّل
شعره في شمعلة بن عامر حين قطع الخليفة بضعة من فخذه:
قال ابن حبيب: كان شمعلة بن عامر بن عمرو بن بكر أخو بني فائد وهم رهط الفرس [3] نصرانيّا وكان ظريفا، فدخل على بعض خلفاء بني أميّة، فقال: أسلم يا شمعلة. قال: لا واللّه أسلم كارها أبدا، ولا أسلم إلّا طائعا إذا شئت. فغضب فأمر به فقطعت بضعة من فخذه وشويت بالنار وأطعمها. فقال أعشى بني تغلب في ذلك:
أمن حذّة [4] بالفخذ منك تباشرت ... عداك فلا عار عليك ولا وزر
وإنّ أمير المؤمنين وجرحه ... لكالدّهر لا عار بما فعل الدهر
وفد على عمر بن عبد العزيز فلم يعطه فقال شعرا:
وقال ابن حبيب قال أبو عمرو:
كان الوليد بن عبد الملك محسنا إلى أعشى بني تغلب، فلمّا ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة وفد إليه ومدحه فلم يعطه شيئا، وقال: ما أرى للشّعراء في بيت المال حقّا، ولو كان لهم فيه حقّ لما كان لك؛ لأنّك امرؤ نصراني.
فانصرف الأعشى وهو يقول:
لعمري لقد عاش الوليد حياته ... إمام هدى لا مستزاد ولا نزر
كأنّ بني مروان بعد وفاته ... جلاميد لا تندى وإن بلّها القطر
شعره حين قعد مالك بن مسمع عن معاونة بني شيبان:
وقال ابن حبيب عن أبي عمرو: كانت بين بني شيبان وبين تغلب حروب، فعاون مالك بن مسمع بني شيبان في بعضها ثم قعد عنهم. فقال أعشى بني تغلب في ذلك:
بني أمّنا مهلا فإنّ نفوسنا ... تميت عليكم عتبها ومصالها [5]
وترعى بلا جهل قرابة بيننا ... وبينكم لمّا قطعتم وصالها
__________
[1] سنجار: مدينة مشهورة من نواحي الجزيرة بينها وبين الموصل ثلاثة أيام. (عن «معجم البلدان»).
[2] فيله: قبحه وخطأه. يريد أن الممدوح لم يقدر مدحته قدرها ولم يثبها ثوابها.
[3] كذا في «الأصول»!.
[4] في «الأصول»: «جذوة» بالجيم وهو تحريف. والحذة (بالضم): القطعة من اللحم.
[5] المصال: لعله هنا مصدر صال يصول إذا سطا.
جزى اللّه شيبانا وتيما ملامة ... جزاء المسيّ ء سعيها وفعالها
أبا مسمع من تنكر الحقّ نفسه ... وتعجز عن المعروف يعرف ضلالها
أ أوقدت نار الحرب حتّى إذا بدا ... لنفسك ما تجني الحروب فهالها
نزعت وقد جرّدتها ذات منظر ... قبيح مهين حيث ألقت حلالها [1]
ألسنا إذا ما الحرب شبّ سعيرها ... وكان صفيح [2] المشرفيّ صلالها [3]
/أجارتنا حلّ لكم أن تناولوا [4] ... محارمها وأن [5] تميزوا حلالها
كذبتم يمين اللّه حتى تعاوروا ... صدور العوالي بيننا ونصالها [6]
وحتى ترى عين الذي كان شامتا ... مزاحف [7] عقرى بيننا ومجالها
صوت
ويفرح بالمولود من آل برمك ... بغاة النّدى والرّمح والسّيف والنّصل
وتنبسط الآمال فيه لفضله ... ولا سيّما إن كان من ولد الفضل
الشعر لأبي النّضير. والغناء لإسحاق، ثقيل أوّل بالبنصر عن عمرو بن بانة من مجموع إسحاق. وقال حبش: فيه لإبراهيم الموصليّ ثقيل أوّل بالبنصر عن عمرو بن بانة من مجموع إسحاق. وقال حبش: فيه لإبراهيم الموصليّ ثقيل آخر بالوسطى. ولقضيب وبراقش جاريتي يحيى بن خالد فيه لحنان.
__________
[1] الحلال هنا: متاع الرحل.
[2] كذا في «أ، م». وفي «سائر الأصول»: «سفيح» بالسين. والصفيح: جمع صفيحة وهي هنا السيف العريض. والمشرفيّ: المنسوب إلى المشارف وهي قرى قرب حوران تنسب إليها السيوف المشرفية، نسب إلى المفرد. وقال الأصمعيّ: الشرفية منسوبة إلى مشارف وهي قرى من أرض العرب تدنو من الريف، وحكى الواحدي أنها بأرض اليمن. وأحسب أن صوابه «و كان الصفيح المشرفيّ».
[3] كذا!.
[4] في «ب، س»: «أن تنازلوا» وهو تحريف.
[5] في «أ، م»: «أو أن تميزوا». وكلمة «تميزوا» هاهنا غير واضحة في السياق، ولم نهتد إلى ما نطمئن إليه في تصويبها.
[6] تعاوروا الشي ء: تداولوه. والعوالي: أطراف الرماح، الواحدة عالية. والنصال: جمع نصل وهو حديدة السهم والرمح، وهو حديدة السيف ما لم يكن لها مقبض، فإن كان لها مقبض فهو سيف.
[7] المزاحف: جمع مزحف وهو مكان الزحف أي المشي. وعقرى: جمع عقير، كجريح وجرحى.
16 - أخبار أبي النّضير ونسبه
اسم أبي النضير ونسبه:
أبو النضير اسمه عمر بن عبد الملك، بصريّ، مولى لبني جمح.
أخبرنا بذلك عمّي عن ابن مهروية عن إسحاق بن محمد النّخعيّ عن إسحاق بن خلف الشاعر قال: قلت لأبي النّضير بن أبي الياس: لمن أنت [1]؟ فقال: لبني جمح.
هو شاعر بصري انقطع إلى البرامكة فأغنوه:
وذكر أبو يحيى اللّاحقيّ أنّ اسمه الفضل بن عبد الملك. شاعر من شعراء البصريّين، صالح المذهب، ليس من المعدودين [2] المتقدّمين ولا من المولّدين الساقطين. وكان يغنّي بالبصرة على جوار له مولّدات، ويظهر الخلاعة والمجون والفسق، ويعاشر جماعة ممن يعرف بذلك الشأن. وكان أبان اللّاحقيّ يعاشره ثم تصارما، وهجاه وهجا جواريه وافترقا على قلّى، ثم انقطع أبو النّضير إلى البرامكة فأغنوه إلى أن مات.
قال إسحاق الموصلي إنه أظرف الناس:
أخبرنا ابن أبي الأزهر عن حمّاد بن إسحاق قال سمعت أبي يقول: لو قيل لي من أظرف من رأيته قطّ أو عاشرته، لقلت: أبو النّضير.
دخل على الفضل بن يحيى فهنأه بمولود ارتجالا:
أخبرني عيسى الورّاق عن الفضل اليزيدي عن إسحاق، وأخبرني محمد بن مزيد عن حمّاد عن أبيه قال:
ولد للفضل بن يحيى مولود، فوفد عليه أبو النّضير ولم يكن عرف الخبر فيعدّ له تهنئة، فلمّا مثل بين يديه ورأى الناس يهنّئونه نثرا ونظما قال ارتجالا:
/و يفرح بالمولود من آل برمك ... بغاة النّدى والسّيف والرّمح والنّصل
وتنبسط الآمال فيه لفضله ... ............... ..
ثم أرتج عليه فلم يدر ما يقول. فقال الفضل يلقّنه
ولا سيّما إن كان من ولد الفضل
فاستحسن الناس بديهة الفضل في هذا، وأمر لأبي النّضير بصلة.
__________
[1] كذا في «أ»، وتبعتها «ب، س» من المطبوعتان. وفي «م»: «من أبي الياس لمن أنت». وفي «ج»: «ابن أبي الناس أنت». وظاهر أن فيها جميعا تحريفا من النساخ. ولعل صوابه: « ... قلت لأبي النضير من أي الناس أنت؟ فقال: من بني جمح» أو « ... لأي الناس أنت؟ فقال لبني جمح».
[2] في «الأصول»: «المعمودين».
نقد الفضل بن يحيى شعرا له في مدحهم فأجابه:
وأخبرني حبيب بن نصر عن هارون بن محمد بن عبد الملك الزيّات قال حدّثني بعض الموالي قال:
حضرت الفضل بن يحيى وقد قال لأبي النّضير: يا أبا النضير أنت القائل فيّا:
إذا كنت من بغداد في رأس فرسخ ... وجدت نسيم الجود من آل برمك
لقد ضيّقت علينا جدّا. قال: أفلأجل ذلك أيها الأمير ضاقت عليّ صلتك وضاقت عنّي مكافأتك وأنا الذي أقول:
تشاغل النّاس ببنيانهم ... والفضل في بنيانه جاهد
كلّ ذوي الفضل وأهل النّهى ... للفضل في تدبيره حامد
وعلى ذلك فما قلت البيت الأوّل كما بلغ الأمير، وإنّما قلت:
إذا كنت من بغداد منقطع الثّرى [1] ... وجدت نسيم الجود من آل برمك
فقال الفضل: إنّما أخّرت عنك لأمازحك، وأمر له بثلاثين ألف درهم.
كتب إلى عنان وكان يهواها فأجابته:
أخبرني ابن/ عمّار عن أبي إسحاق الطّلحيّ عن أبي سهيل [2] قال:
كان أبو النضير يهوى عنان جارية النّاطفيّ، وكتب إليها:
إنّ لي حاجة فرأيك فيها ... لك نفسي الفدا من الأوصاب
/ وهي ليست ممّا يبلّغه غي ... ري ولا أستطيعه بكتاب
غير أنّي أقولها حين ألقا ... ك رويدا أسرّها من ثيابي
فأجابته وقالت:
أنا مشغولة بمن لست أهوا ... ه وقلبي من دونه في حجاب
فإذا ما أردت أمرا فأسرر ... ه ولا تجعلنّه في كتاب
قال: وقال أبو النّضير فيها:
شعر له في عنان:
صوت
أنا واللّه أهواك ... وأهواك وأهواك
وأهوى قبلة منك ... على برد ثناياك
وأهوى لك ما أهوى ... لنفسي وكفى ذاك
__________
[1] أحسب أن صوابه «الندى» بمعنى الخير والمعروف.
[2] في «ج» هنا: «أبي سهل» وتبعتها «ب، س». وقد تكرر هذا السند في أخبار أبي النضير، وفي المواضع الآتية في «الأصول» جميعا: «أبو سهيل».
فهل ينفعني ذل ... ك يوما حين ألقاك
أنا واللّه أهواك ... وما يشعر مولاك
فإيّاك بأن يعل ... م إيّاك وإيّاك
فيه لعلّى بن المارقيّ رمل بالبنصر عن الهشاميّ.
طلبت منه مكتومة المغنية صوتا كان يغنيه فمازحها:
حدّثنا ابن عمّار عن الطّلحيّ عن أبي سهيل قال:
كان أبو النضير يغنّي غناء صالحا، فغنّى ذات يوم صوتا كان استفاده ببغداد. فقالت له قينة كانت ببغداد يقال لها مكتومة: اطرح عليّ هذا الصوت يا أبا النّضير. فقال: لا تطيب نفسي به محابيا، ولكنّي أبيعك إيّاه. قالت:
بكم؟ قال: برأس ماله. قالت: وما رأس ماله؟ قال: ناكني فيه الذي أخذته منه. فغطّت وجهها وقالت: عليك وعلى هذا الصوت الدّمار.
شعر له في مدح أبي جعفر عبد اللّه بن هشام:
أخبرني ابن عمّار الطّلحيّ عن أبي سهيل قال:
قال أبو النضير، وفيه غناء لإبراهيم،:
صوت
أيصحو فؤادك أم يطرب ... وكيف وقد شحطت زينب
جرى الناس قبل أبي جعفر ... زمانا فلم يدر من غلّبوا
فلمّا جرى بأبي جعفر ... بنو تغلب سبقت تغلب
قال أبو سهيل: وأبو جعفر الذي عناه أبو النّضير هو عبد اللّه بن هشام بن عمرو التّغلبيّ الذي يذكره العتّابيّ في شعره ورسائله، وكان جوادا سخيّا. وكان ابن هشام ولي السّند، وفيه يقول أبو النّضير:
ألا أيّها الغيث الّذي سحّ وبله ... كأنّك تحكي راحة ابن هشام
كأنّك تحكيها ولكنّ جوده ... يدوم وقد تأتي بغير دوام
وفيك جهام [1] ربّما كان مخلفا ... وراحته تغدو بغير جهام
كان يرى أن الغناء على تقطيع العروض:
أخبرني ابن عمّار عن الطّلحيّ عن أبي سهيل قال:
كان أبو النّضير يزعم أنّ الغناء على/ تقطيع العروض، ويقول: هكذا كان الذين مضوا يقولون، وكان مستهزئا بالغناء حتى تعاطى أن يغنّي، وكان إبراهيم الموصليّ يخالفه في ذلك ويقول: العروض محدث، والغناء قبله بزمان.
فقال إسحاق بن إبراهيم ينصر أباه:
__________
[1] الجهام: السحاب لا ماء فيه، والسحاب الذي هراق ماءه.
سكتّ عن الغناء فلا أماري ... بصيرا لا ولا غير البصير
مخافة أن أجنّن فيه نفسي ... كما قد جنّ فيه أبو النّضير
قاطعه أبان اللاحقي وقال شعرا يهجوه:
أخبرني الحسن بن عليّ عن ابن مهروية قال حدّثني أبو طلحة الخزاعيّ عن اللّاحقيّ قال:
كان جدّي أبان يشرب مع إخوان له على شاطيء دجلة بعد مصارمته أبا النّضير، وكان القوم أصدقاء له ولأبي النضير، فذكروه. فقال جدي: إن حضر آنصرفت، فأمسكوا. فقال جدي فيه:
ربّ يوم بشطّ دجلة لذّ ... وليال نعمت فيها لذاذ
غيبة لم تطل عليّ وماذا ... خير قرب المطرمذ الملّاذ [1]
ترك الأشربات ليس بعاط ... لرساطونها [2] ولا الرّاقياذ [3]
وحكى الأحمق الذي ليس يدري ... أنّ خير الشراب [4] هذا اللذاذ
ضلّ رأي أراه ذاك كما ض ... لّ غواة لا ذوا بشرّ ملاذ
أنت أعمى فيما ادّعيت كما لس ... ت لصوغ الألحان بالأستاذ
كان ذنبا أتوب منه إلى الل ... ه اختياريك صاحبا واتّخاذي
إنّ للّه صوم شهرين شكرا ... أن قضى منك عاجلا إنقاذي
لا لدين ولا لدنيا ولا يص ... لح [5] في علم ما ادّعى بنفاذ
كتب إلى حماد عجرد يسأله عن حاله في الشراب فأجابه:
حدّثني ابن عمّار عن الطّلحيّ عن أبي سهيل قال:
كتب أبو النّضير إلى الحمّاد عجرد يسأل عن حاله في الشّراب وشربه إيّاه ومن يعاشر عليه. فكتب إليه حمّاد:
أبا النّضير اسمع كلامي ولا ... تجعل سوى الإنصاف من بالكا
سألت عن حالي، وما حال من ... لم يلق إلّا عابدا ناسكا
يظهر لي ذا فمتى يفترص [6] ... شيئا تجده عاديا فاتكا
يعني حريث بن عمرو. وكان حمّاد نزل عليه، وكان حريث هذا مشهورا بالزّندقة، وكذلك حمّاد هذا كان مشهورا بها، فنزل عليه لذلك.
__________
[1] المطرمذ: الذي يقول ولا يفعل، والذي لا يحقق في الأمور. والملاذ: المطرمذ المتصنع الذي لا تصح مودته.
[2] العاطي: المتناول. والرساطون: شراب يتخذه أهل الشام من الخمر والعسل، والكلمة رومية.
[3] كذا في «أكثر الأصول». وفي «ج»: «الراقباذ» بالياء الموحدة. ولم تهتد إليه في المظان التي راجعناها. وظاهر أنّ المراد به ضرب من الشراب.
[4] في «ج»: «الشباب». واللذاذ: مصدر لذذت الشيء لذاذا ولذاذة أي وجدته لذيذا. وظاهر أن في هذا الشطر تحريفا لم نهتد إليه.
[5] في «الأصول»: «تصلح» بتاء الخطاب، ولا يستقيم به سياق الكلام.
[6] افترض الشي ء: انتهزه وأصابه واغتنمه.
كتب إلى حمدان اللاحقي يشكو إليه عمر بن يحيى ويهجوه:
أخبرني الحسن بن عليّ عن ابن مهروية عن أبي طلحة الخزاعيّ عن أبي يحيى اللّاحقيّ قال:
كتب أبو النضير إلى عمّي حمدان [1] بن أبان، وكان له صديقا، يشكو إليه عمر ابن يحيى الزّياديّ وكان عربد عليه وشتمه:
أقر حمدان سلام ال ... لّه من فضل وقل له
يا فتى لست بحمد ال ... لّه أخشى أن أملّه
ذاك أنّ اللّه قد أن ... هله الظّرف وعلّه
وذرابيت رقاش [2] ... وعلاها قد أحلّه
/ إنّ شتم السّفلة الكش [3] ... خان ذي القرنين ضلّه [4]
/و لو انّ القلب [5] هاجى ... عمرا يوما لغلّه [6]
ذاك أنّ اللّه قد أخ ... زى ابن يحيى وأذلّه
من يهاجي رجلا يس ... توعب الجردان [7] كلّه
ما يسيل الأير إلّا ... أدخل الأير وبلّه
وإذا عاين أيرا ... وافي الفيشة [8] غلّه
هذه قصّة من قد ... جعل المردان شغله
أنشد الفضل بن الربيع شعرا في امرأة تزوجها وطلقها:
حدّثني عمّي عن أبي العيناء عن أبي النّضير قال:
دخلت على الفضل بن الرّبيع فقال: هل أحدثت بعدي شيئا؟ قلت: نعم، قلت أبياتا في امرأة تزوّجتها وطلّقتها لغير علّة إلّا بغضي لها، وأنّها لبيضاء بضّة، كأنّها سبيكة فضّة. فقال لي: وما قلت فيها؟ فقلت قلت:
رحلت سكينة بالطّلاق ... فأرحت [9] من غلّ الوثاق
رحلت فلم تألم لها ... نفسي ولم تدمع مآقي
__________
[1] كذا في «ب، م» وفي «سائر الأصول»: «حماد» وهو تحريف. وقد ورد في أول الشعر الآتي «حمدان» صحيحا. ولحمدان بن أبان هذا شعر ورد في كتاب «الكامل» للمبرد (ص 475 طبعة أوربا).
[2] جدّ حمدان الأعلى كان مولى لبني رقاش، ونسبه: حمدان بن أبان بن عبد الحميد بن لاحق بن عفر مولى بني رقاش.
[3] الكشخان (بالفتح ويكسر): الديوث الذي لا غيرة له على أهله.
[4] أي ضلال.
[5] كذا في «الأصول»: وأحسب أن كلمة «القلب» محرفة عن «الكلب» أو نحوه.
[6] غلة هنا: وضع الغل في عنقه أو يده. على أنه يحتمل أن يكون «لفلّه» بالفاء بمعنى كسره أي غلبه وظهر عليه.
[7] الجردان: قضيب ذوات الحافر أو هو عام.
[8] الفيشة: أعلى هامة الذكر. غلة هنا: أدخله.
[9] أراح فلان: وجد راحة. ويجوز أن يكون «أرحت» مبنيا للمفعول.
لو لم تبن بطلاقها ... لأبنت نفسي بالإباق
وشفاء ما لا تشتهي ... ه النّفس تعجيل الفراق
فقال: يا غلام، الدواة والقرطاس، فأتي بهما، فأمرني فكتبت له الأبيات، ثم قلت له: أنت واللّه تبغض بنت أبي العبّاس الطّوسيّ. فقال: اسكت أخزاك اللّه! ثم ما لبث أن طلّقها.
صوت
ما بال عينك جائلا أقذاؤها ... شرقت بعبرتها وطال بكاؤها
ذكرت عشيرتها وفرقة بينها ... فطوت [1] لذلك غلّة أحشاؤها
الشعر لعبد اللّه بن عمر العبليّ. والغناء لأبي سعيد مولى فائد، رمل مطلق في مجرى الوسطى عن ابن المكيّ، وذكره إسحاق في هذه الطريقة ولم ينسبه إلى أحد، وقيل: إنه من منحول يحيى إلى أبي سعيد.
__________
[1] الغلة: العطش أو شدته، والمراد هنا حرارة الحزن، وطوت هنا: أضمرت. والمعنى: فانطوت أحشاؤها لذلك على غلة من الحزن.
17 - أخبار العلبيّ ونسبه
نسبه، وهو من مخضرمي الدولتين:
اسمه عبد اللّه بن عمر بن عبد اللّه بن عليّ بن عديّ بن ربيعة بن عبد العزّى بن عبد شمس بن عبد مناف، ويكنى أبا عديّ [1]، شاعر مجيد من شعراء قريش، ومن مخضرمي الدّولتين، وله أخبار مع بني أميّة وبني هاشم تذكر في غير هذا الموضع.
سبب نسبه إلى العبلات:
ويقال له عبد اللّه بن عمر العبليّ، وليس منهم؛ لأنّ العبلات من ولد أميّة الأصغر بن عبد شمس. سمّوا بذلك لأنّ أمّهم عبلة بنت عبيد بن حارك [2] بن قيس بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم، وهؤلاء يقال لهم براجم بني تميم، ولدت لعبد شمس بن عبد مناف [3] أميّة الأصغر، وعبد أميّة ونوفلا، وأمه من بني عبد شمس [4]، فهؤلاء يقال لهم العبلات، ولهم جميعا عقب. أمّا أميّة الأصغر فإنّهم بالحجاز، وهم بنو الحارث بن أميّة، منهم عليّ بن عبد اللّه بن الحارث، ومنهم الثّريا صاحبة ابن أبي ربيعة.
/ وأمّا بنو نوفل وعبد أميّة [5] فإنّهم بالشام كثير. وعبد العزّى بن عبد شمس كان يقال له أسد البطحاء. وإنّما أدخلهم النّاس في العبلات لمّا صار الأمر لبني أميّة الأكبر وسادوا وعظم شأنهم في الجاهليّة والإسلام وكثر أشرافهم، فجعل/ سائر بني عبد شمس من لا يعلم قبيلة واحدة، فسمّوهم أميّة الصّغرى، ثم قيل لهم العبلات لشهرة الاسم.
وعليّ بن عديّ جدّ هذا الشاعر شهد مع عائشة يوم الجمل. وله يقول شاعر بني ضبّة لعنة اللّه عليه:
يا ربّ اكبب [6] بعليّ جمله ... ولا تبارك في بعير حمله
إلّا عليّ بن عديّ ليس له
كان في أيام بني أمية يميل إلى بني هاشم ثم خرج على المنصور مع محمد بن عبد اللّه بن الحسن:
فأمّا عبد اللّه بن عمر هذا الشاعر فكان في أيّام بني أميّة يميل إلى بني هاشم ويذمّ بني أميّة، ولم يكن منهم إليه صنع جميل، فسلم بذلك في أيّام بني العبّاس، ثم خرج على المنصور في أيّامه مع محمد بن عبد اللّه بن الحسن.
فرّق هشام بن عبد الملك أموالا ولم يعطه فقال شعرا:
__________
[1] في «الأصول» هنا: «أبا عليّ» وهو تحريف.
[2] كذا في «الأصول»: وفي تاج العروس (في مادة عبل): « ... قال الدارقطني: هي عبلة بنت عبيد بن جادل بن قيس بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم. وقال غيره: هي عبلة بنت نافذ ابن قيس بن حنظلة». وفي كتاب «الأنساب» للسمعاني: (في الكلام على العبلي): « ... وعلبة بنت عبيد بن حافل بن قيس بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم ... ».
[3] في «الأصول»: «لعبد شمس بن مناة» وهو تحريف.
[4] كذا في «الأصول»: وجملة «و أمه من بني عبد شمس» غير واضحة.
[5] في كتاب «المعارف»: لابن قتيبة أن عبد أمية مات وهو أبن ثمان سنين.
[6] في «م»: وهامش «أ»: «اكسر».
أخبرني الحسن بن عليّ عن أحمد بن زهير عن مصعب الزّبيريّ قال:
العبليّ عبد اللّه بن عمر بن عبد اللّه بن عليّ بن عديّ بن ربيعة بن عبد العزّى ابن عبد شمس، ويكنى أبا عديّ، وله أخبار كثيرة مع بني هاشم وبني أميّة. وقسم هشام بن عبد الملك أموالا وأجاز بجوائز، فلم يعطه شيئا. فقال:
خسّ حظّي أن كنت من عبد شمس ... ليتني كنت من بني مخزوم
فأفوز الغداة منهم بسهم ... وأبيع الأب الشريف بلوم
استقدمه المنصور واستنشده فغضب عليه فذهب إلى المدينة:
فلمّا استخلف المنصور كتب إلى السّريّ بن عبد اللّه أن يوجّه به إليه ففعل. فلمّا قدم عليه قال له: أنشدني ما قلت في قومك، فاستعفاه. فقال: لا أعفيك. فقال: أعطني الأمان فأعطاه، فأنشده:
ما بال عينك جائلا أقذاؤها ... شرقت بعبرتها فطال بكاؤها
/ حتى انتهى إلى قوله:
فبنو أميّة خير من وطيء الحصى ... شرفا وأفضل ساسة أمراؤها
فقال له: اخرج عنّي لا قرّب اللّه دارك! فخرج حتى قدم المدينة، فألفى محمد بن عبد اللّه بن حسن قد خرج فبايعه.
أخذت حرمه وأمواله فمدح السفاح فأكرمه وردّ إليه ما أخذ منه:
أخبرني عمّي عن الكرانيّ عن العمريّ عن العتبيّ عن أبيه قال:
كان أبو عديّ الذي يقال له العبليّ مجفوّا في أيّام بني مروان وكان منقطعا إلى بني هاشم، فلمّا أفضت الدولة إليهم لم يبقوا على أحد من بني أميّة، وكان الأمر في قتلهم جدّا إلّا من هرب وطار على وجهه. فخاف أبو عديّ أن يقع به مكروه في تلك الفورة فتوارى؛ وأخذ داود بن عليّ حرمه وماله، فهرب حتّى أتى أبا العبّاس السفّاح، فدخل عليه في غمار النّاس متنكّرا وجلس حجرة [1] حتى تقوّض [2] القوم وتفرّقوا، وبقي أبو العبّاس مع خاصّته. فوثب إليه أبو عديّ فوقف بين يديه وقال:
ألا قل للمنازل بالسّتار [3] ... سقيت الغيث من دمن قفار
فهل لك بعدنا علم بسلمى ... وأتراب لها شبه الصّوار [4]
أوانس لا عوابس جافيات ... عن الخلق الجميل ولا عواري
/ وفيهنّ ابنة القصويّ سلمى [5] ... كهمّ النّفس مفعمة الإزار
/ تلوث خمارها بأحمّ جعد ... تضلّ الفاليات به المداري [6]
__________
[1] حجرة: ناحية.
[2] كذا في «الأصول الخطية»: يقال: تقوّض القوم إذا انقضوا وانصرفوا. وفي «ب، س»: «انقض القوم».
[3] الستار: اسم لعدّة مواضع.
[4] الصوار (بالكسر ويضم): القطيع من البقر.
[5] كذا في «ج»: والقصويّ: نسبة إلى قصيّ. وفي «سائر الأصول»: «سلمى» وهو تحريف.
[6] تلوث: تلف. والأحم: الأسود. والجعد من الشعر: خلاف السبط وهو ما فيه التواء وتقبض. والفاليات: من فلا الرأس يفلوه
برهرهة منّعمة نمتها ... أبوّتها إلى الحسب النّضار [1]
فدع ذكر الشباب وعهد سلمى ... فما لك منهما غير ادّكار
وأهد لهاشم غرر القوافي ... تنخّلها [2] بعلم واختيار
لعمرك إنّني ولزوم نجد ... ولا ألقى حباء [3] بني الخيار
لكالبادي لأبرد مستهل ... بحوباء كبطن العير عار [4]
سأرحل رحلة فيها اعتزام ... وجدّ في رواح وابتكار
إلى أهل الرسول غدت برحلي ... عذافرة [5] ترامى بالصّحاري
تؤمّ المعشر الأبرار تبغي ... فكاكا للنّساء من الإسار
أيا أهل الرسول وصيد [6] فهر ... وخير الواقفين على الجمار
أتؤخذ نسوتي ويحاز مالي ... وقد جاهرت لو أغنى جهاري
/ واذعر أن دعيت لعبد شمس ... وقد أمسكت بالحرم الصّواري [7]
بنصرة هاشم شهّرت نفسي ... بداري للعدا وبغير داري
بقربى هاشم وبحقّ صهر ... لأحمد لفّه طيب النّجار
ومنزل هاشم من عبد شمس ... مكان الجيد من عليا الفقار
فقال له السفّاح: من أنت؟ فانتسب له. فقال له: حقّ لعمري أعرفه قديما ومودّة لا أجحدها، وكتب له إلى داود بن عليّ بإطلاق من حبسه من أهله وردّ أمواله عليه وإكرامه، وأمر له بنفقة تبلّغه المدينة.
وفد على عبد اللّه بن حسن وأجازه هو وابناه وزوجه:
أخبرني أحمد بن محمد بن سعيد الهمدانيّ قال حدّثنا يحيى بن الحسن العلويّ عن موسى بن عبد اللّه بن موسى بن عبد اللّه بن حسن قال حدّثني أبي قال:
__________
- ويفليه. والمداري: جمع مدري. والمدري والمدارة: شيء يعمل من حديد أو خشب على شكل سن من أسنان المشط وأطول منه يسرح به الشعر المتلبد. وإضلال المداري في الشعر كناية عن كثرته.
[1] البرهرهة: التارّة التي تكاد ترعد من الرطوبة، أو هي البيضاء، وقيل هي الرقيقة الجلد كأن الماء يجري فيها من النعمة. والنضار هنا: الخالص الذي لم يشبه ما يدنسه.
[2] تنخلها: تخيرها.
[3] الحباء: العطاء.
[4] البادي: الخارج إلى البادية. والأبرد هنا: النمر. ومستهل هنا: رافع صوته. وبطن العير: المعروف أنه يقال للمكان الذي لا خير فيه جوف العير. والحوباء: النفس. وأحسب أن هذه الكلمة هنا محرّفة عما يدل على مكان مقفر. ولعلها «بموماة».
[5] العذافرة من الإبل: العظيمة الشديدة.
[6] الصيد: جمع أصيد، وهو هنا الذي يرفع رأسه كبرا. يريد سادات فهر وملوكها.
[7] كذا في «الأصول». فإن صح فلعل «الصواري» جمع «صائرة»، والأصل «الصوائر» فوقع فيه القلب، كما يقال «الأوالي» في «الأوائل». والصوائر: العاطفة؛ يقال صار فلان الشيء يصوره وأصاره إذا أماله. وفي حديث عمر وذكر العلماء فقال: تنعطف عليهم بالعلم قلوب لا تصورها الأرحام، أي لا تميلها.
قال سعيد بن عقبة الجهنيّ: إنّي لعند عبد اللّه بن الحسن إذ أتاه آت فقال له: هذا رجل يدعوك، فخرجت فإذا أنا بأبي عديّ الأمويّ الشاعر، فقال: أعلم أبا محمد. فخرج إليه عبد اللّه بن حسن وابناه وقد ظهرت المسوّدة وهم خائفون، فأمر له عبد اللّه بن حسن بأربعمائة دينار، فخرج من عندهم بألف دينار.
استنشده عبد اللّه بن حسن مما رثى به قومه ثم أكرمه هو وأهله:
وأخبرني حرميّ [1] عن الزّبير، وأخبرني الأخفش عن المبرّد عن المغيرة بن محمد المهلّبيّ عن الزّبير عن سليمان بن عيّاش السعديّ قال:
/ جاء عبد اللّه بن عمر بن عبد اللّه العبليّ [2] إلى سويقة [3] وهو طريد بني العبّاس، وذلك بعقب أيّام بني أميّة وابتداء خروج ملكهم إلى بني العباس، فقصده عبد اللّه والحسن ابنا الحسن بسويقة، فاستنشده عبد اللّه شيئا من شعره فأنشده. فقال له: أريد أن تنشدني شيئا مما رثيت به قومك، فأنشده:
تقول [4] أمامة لمّا رأت ... نشوزي عن المضجع الأنفس
/ وقلّة نومي على مضجعي ... لدى هجعة الأعين النّعّس
أبي ما عراك؟ فقلت الهموم ... عرون [5] أباك فلا تبلسي [6]
عرون أباك فحبّسنه ... من الذّلّ في شرّ ما محبس
لفقد العشيرة إذ نالها ... سهام من الحدث المبئس [7]
رمتها المنون بلا نصّل [8] ... ولا طائشات ولا نكّس [9]
بأسهمهما الخالسات النّفوس ... متى ما اقتضت مهجة تخلس [10]
فصرعاهم في نواحي البلا ... دتلقى بأرض ولم ترمس [11]
كريم أصيب وأثوابه ... من العار والذّام لم تدنس
وآخر قد طار خوف الرّدى ... وكان الهمام فلم يحسس [12]
__________
[1] في «ب، س»: «و أخبرني أحمد بن محمد بن سعيد حرمي ... » ومثله في «ح» إلا أنه وضع فوقه علامة الشطب.
[2] في «الأصول»: «العقيلي» وهو تحريف.
[3] سويقة هنا: موضع قرب المدينة كان يسكنه آل علي بن طالب رضي اللّه عنه.
[4] تقدّم أكثر أبيات هذه القصيدة في الجزء الرابع من هذه الطبعة (صفحة 339 وما بعدها) مع اختلاف في بعض الكلمات.
[5] في «الأصول» هنا: «منعن». والتصويب من الجزء الرابع.
[6] الإبلاس: اليأس والتحير، والسكوت من الغم والحزن.
[7] في «الأصلين المطبوعين» تحريف في هذا الشطر، وفي «الأصول المخطوطة» تحريف ونقص. والتصويب من الجزء الرابع.
[8] كذا في «ج». والنصل: جمع ناصل. والناصل من السهام هنا: الذي سقط نصله؛ والناصل أيضا: ذو النصل. وفي «سائر الأصول»: «بلا أنصل». وفي الجزء الرابع: «بلا نكل».
[9] الذي في كتب اللغة أنه يقال سهم نكس (بكسر أوّله وسكون ثانيه) وهو الذي ينكس أو يكسر فوقه فيجعل أعلاه أسفله، والجمع أنكاس. وغريب أن يكون «نكس» (بضم أوّله وتشديد ثانيه) وصقا للسهام.
[10] في «الأصول» هنا: «تخنس» والتصويب من الجزاء الرابع.
[11] لم ترمس: لم تدفن؛ يقال: رمست الميت وأرمسته إذا دفنته.
[12] رواية هذا البيت في الجزء الرابع:
فكم غادروا من بواكي العيو ... ن مرضى ومن صبية بؤّس
إذا [1] ما ذكرنهم لم تنم ... لحرّ الهموم ولم تجلس
يرجّعن مثل بكاء الحما ... م في مأتم قلق [2] المجلس
فذاك الذي غالني فاعلمي ... ولا تسأليني فتستنحسي [3]
وأشياء قد ضفنني [4] بالبلاد ... ولست لهنّ بمستحلس
أفاض المدامع قتلى كدى ... وقتلى بكثوة [5] لم ترمس
وقتلى بوجّ وباللّابتي ... ن من يثرب خير ما أنفس
وبالزّابيين نفوس ثوب ... وقتلى [6] بنهر أبي فطرس [7]
أولئك قوم تداعت بهم [8] ... نوائب من زمن متعس
/ أذلّت قيادي لمن رامني ... وألزقت الرّغم بالمعطس [9]
فما أنس لا أنس قتلاهم ... ولا عاش بعدهم من نسي
قال: فلمّا أتى عليها بكى محمد بن عبد اللّه بن حسن. فقال له عمّه الحسن بن حسن بن عليّ عليهم السلام: أتبكي على بني أميّة وأنت تريد ببني العبّاس ما تريد!. فقال: واللّه يا عمّ لقد كنّا نقمنا على بني أميّة ما نقمنا، فما بنو العبّاس إلّا أفلّ خوفا للّه منهم، وإنّ الحجّة على بني العبّاس لأوجب منها عليهم. ولقد كانت للقوم أخلاق ومكارم وفواضل ليست لأبي جعفر. فوثب حنس وقال: أعوذ باللّه من شرّك، وبعث إلى أبي عديّ بخمسين دينارا، وأمر له عبد اللّه بن حسن بمثلها، وأمر له كلّ واحد من محمد وإبراهيم ابنيه بخمسين خمسين، وبعثت إليه أمّهما هند بخمسين دينارا، وكانت منفعته بها كثيرة. فقال أبو عديّ في ذلك:
__________
-
وآخر قد دس في حفرة ... وآخر قد طار لم يحسس
أي لم يشعر به لاختفائه.
[1] في «الأصول»: «إذا ما ذكرتهم» بالتاء. ويرجح أن يكون بالنون قوله «يرجعن» بعد هذا البيت. ومرجع الضمير «بواكي العيون» ورواية هذا البيت في الرابع:
إذا عنّ ذكرهم لم ينم ... أبوك وأوحش في المجلس
[2] في «الأصول»: «فلق المجلس» بالفاء. وقلق المجلس: اضطراب من فيه من الحزن.
[3] يقال: استنحس فلان الأخبار ونحسها وتنحسها إذا تندّسها وتجسسها، واستنحس عنها: طلبها وتتبعها بالاستخبار. ورواية هذا الشطر في الرابع:
ولا تسألي بامرىء متعس
[4] ضفنني: نزلن بي. والمستحلس للشي ء: الملازم له.
[5] في «الأصول» هنا: «ببكة». والتصويب من «الجزء الرابع» و «معجم البلدان» (في كثوة واللايتين). وراجع الكلام على هذه المواضع والوقائع في الجزء الرابع.
[6] في الجزء الرابع و «معجم البلدان»: «و أخرى».
[7] في «الأصول» هنا: «أبي قرطس» وهو تحريف.
[8] في الرابع:
أولئك قومي أناخت بهم
[9] الرغم: التراب. والمعطس (كمجلس ومقعد): الأنف.
أقام ثويّ [1] بيت أبي عديّ ... بخير منازل الجيران جارا
تقوّض بيته وجلا [2] طريدا ... فصادف خير دور النّاس دارا
وإنّي إن نزلت بدار قوم ... ذكرتهم ولم أذمم جوارا
/ فقالت هند لعبد اللّه وابنيها منه: أقسمت عليكم إلّا أعطيتموه خمسين دينارا أخرى فقد أشركني معكم في المدح، فأعطوه خمسين دينارا أخرى عن هند.
ولى الطائف لمحمد بن عبد اللّه بن حسن ثم فرّ إلى اليمن وشعره في ذلك:
أخبرني عيسى بن الحسين الورّاق عن أبي أيّوب المدينيّ قال ذكر محمد بن موسى مولى أبي عقيل قال:
/ قدم أبو عديّ العبليّ الطائف واليا من قبل محمد بن عبد اللّه بن حسن أيّام خروجه على [3] أبي جعفر ومعه أعراب من مزينة وجهينة وأسلم فأخذ الطائف وأتى محمد بن أبي بكر العمريّ حتى بايع، وكان مع أبي عديّ أحد عشر رجلا من ولد أبي بكر الصّدّيق، فقدمها بين أذان الصّبح والإقامة، فأقام بها ثلاثا، ثم بلغه خروج الحسن [4] بن معاوية من مكة، فاستخلف على الطائف عبد الملك بن أبي زهير وخرج ليتلقّى الحسن بالعرج، فركب [الحسن [5]] البحر، ومضى أبو عديّ هاربا على وجهه إلى اليمن. فذلك حين يقول:
هيّجت للأجزاع حول عراب [6] ... واعتاد قلبك عائد الأطراب
وذكرت عهد معالم بلوي الثّرى [7] ... هيهات تلك معالم الأحباب
هيهات تلك معالم من ذاهب ... أمسى بحوضي أو بحقل قباب [8]
قد حلّ بين أبارق [9] ما إن له ... فيها من اخوان ولا أصحاب
شطّت نواه عن الأليف وساقه ... لقرّى يمانية حمام كتاب [10]
يا أخت آل أبي عديّ أقصري ... وذري الخضاب فما أوان خضاب
أتخضّبين وقد تخرّم غالبا [11] ... دهر أضرّ بها حديد الناب
__________
[1] الثويّ: الضيف.
[2] «تقوّض بيته» ليست في «الأصول الخطية»، وكذا قوله: «و إني إن نزلت بدار» من الشطر الأوّل في البيت الثالث. وهو تصويب حسن، نظن أن المصوّب رجع فيه إلى أصل صحيح. جلا عن بلده: خرج.
[3] في «الأصول»: «عن أبي جعفر».
[4] ولى مكة لمحمد بن عبد اللّه بن حسن وغلب عليها عامل أبي جعفر المنصور. (راجع «الطبري» في حوادث سنة 145).
[5] التكملة عن «أ، م».
[6] كذا في «الأصول». ولم نجد «عرابا» في المظان. وإنما الموجود «غراب» (بضم أوله) وهو جبل بناحية المدينة على طريق الشام، وموضع بالشام، وواد باليمامة، وجبل من جبال تهامة.
[7] في «أ، م»: «بلوى السرى».
[8] حوضي وحقل قباب: موضعان.
[9] الأبارق: جمع أبرق، وهو غلظ فيه حجارة وطين ورمل مختلطة.
[10] شطت: بعدت. والنوى هنا: الوجه الذي تقصده أو القصد لبلد غير البلد الذي أنت فيه مقيم. وحمام كتاب: قدره وقضاؤه.
[11] ظاهر أنه يريد قبيلة.
/
والحرب تعرك غالبا بجرانها [1] ... وتعضّ وهي حديدة الأنياب
أم كيف نفسك تستلذّ معيشة ... أو تنقعين لها ألذّ شراب
أنشد عبد اللّه بن حسن من شعره فبكى:
وذكر العبّاس بن عيس العقيليّ عن هارون بن موسى الفرويّ عن سعيد بن عقبة الجهنيّ قال: حضرت عبد اللّه بن عمر المكنّى أبا عديّ الأمويّ ينشد عبد اللّه بن حسن قوله:
أفاض المدامع قتلى كدى ... وقتلى بكثوة [2] لم ترمس
قال: فرأيت عبد اللّه بن حسن وإنّ دموعه لتجري على خدّه.
قيل إن القصيدة السينية اشترك فيها آخران معه حين أتاهم قتل بني أمية:
وقد أخبرني محمد بن مزيد عن حمّاد عن أبيه عن الهيثم بن عديّ عن أبي سعيد مولى فائد قال:
لمّا أتانا قتل عبد اللّه بن عليّ من قتل من بني أميّة كنت أنا وفتى من ولد عثمان وأبو عديّ العبليّ متوارين في موضع واحد، فلحقني من الجزع ما يلحق الرجل على عشيرته، ولحق صاحبيّ كما لحقني، فبكينا طويلا، ثم تناولنا هذه القصيدة بيننا، فقال كلّ واحد منّا بعضها غير محصّل [ما [3]] لكلّ واحد منّا فيها، قال: ثم أنشدنيها، فأخذتها من فيه:
تقول أمامة لمّا رأت ... نشوزي عن المضجع الأنفس
كان يكره ما يجري عليه بنو أمية من سب عليّ وشعره في ذلك:
أخبرني عيسى بن الحسين الورّاق قال حدّثنا محمد بن زكريّا الغلابيّ عن ابن عائشة قال:
/ كان أبو عديّ الأمويّ الشاعر يكره ما يجري عليه بنو أميّة من ذكر عليّ بن أبي طالب صلوات اللّه عليه وسبّه على المنابر، ويظهر الإنكار لذلك، فشهد عليه قوم من بني/ أميّة بمكة بذلك ونهوه عنه، فانتقل إلى المدينة وقال في ذلك:
شرّدوا بي عند امتداحي عليّا ... ورأوا ذاك فيّ داء دويّا
فو ربّي لا أبرح الدّهر حتى ... تختلى [4] مهجتي بحبّي عليّا
وبنيه لحبّ أحمد إنّي ... كنت أحببتهم بحبّي النبيّا
حبّ دين لا حبّ دنيا وشرّ ال ... حبّ حبّ يكون دنيا ويّا
صاغني اللّه في الذّؤابة منهم ... لا زنيما [5] ولا سنيدا دعيّا
__________
[1] عركتهم الحرب: دارت عليهم. والجران من البعير: مقدّم عنقه من مذبحه إلى منحره، وقد استعاره الشاعر هنا للحرب.
[2] في «الأصول» هنا: «بمكة». (راجع الحاشية رقم 6 من صفحة 299).
[3] تكملة يقتضيها سياق الكلام.
[4] تختلى: تقطع. وأصل الاختلاء قطع الخلى وهو الرطب من الحشيش؛ يقال: خلى الخلي واختلاه إذا قطعه. يريد الشاعر أنه يموت وهو على حبهم.
[5] الزنيم: الدعيّ الملصق بالقوم وليس منهم. وكذلك السنيد.
عدويّا خالي صريحا وجدّي ... عبد شمس وهاشم أبويّا
فسواء عليّ لست أبالي ... عبشميّا دعيت أم هاشميّا
دخل مع وفود قريش على هشام بن عبد الملك ومدحه ففضل هشام بني مخزوم فقال هو شعرا:
أخبرني عمّي قال حدّثنا الكرانيّ قال حدّثنا العمريّ عن العتبيّ عن أبيه قال:
وفد أبو عديّ الأمويّ إلى هشام بن عبد الملك وقد امتدحه بقصيدته التي يقول فيها:
عبد شمس أبوك وهو أبونا ... لا نناديك من مكان بعيد
والقرابات بيننا واشجات ... محكمات القوى بحبل شديد
فأنشده إيّاها، وأقام ببابه مدّة حتى حضر بابه وفود قريش فدخل فيهم، وأمر لهم بمال فضّل فيه بني مخزوم أخواله، وأعطى أبا عديّ عطيّة لم يرضها، فانصرف وقال:
خسّ حظّي أن كنت من عبد شمس ... ليتني كنت من بني مخزوم
فأفوز الغداة فيهم بسهم ... وأبيع الأب الكريم بلوم
/ غنّى في البيتين المذكورين في هذا الخبر اللّذين أولهما:
عبد شمس أبوك وهو أبونا
ابن جامع، ولحنه ثاني ثقيل بإطلاق الوتر في مجرى الوسطى عن إسحاق. وأوّل هذه القصيدة التي قالها في هشام:
ليلتي من كنود بالغور عودي ... بصفاء الهوى من أمّ أسيد
ما سمعنا [1] ذاك الهوى ونسينا ... عهده فارجعي به ثم زيدي
قد تولّى عصر الشباب فقيدا ... ربّ جار يبين غير فقيد
خلق الثّوب من شباب ولبس [2] ... وجديد الشّباب غير جديد
فاسرعنك الهموم حين تداعت [3] ... بعلاة مثل الفنيق [4] وخود
عنتريس [5] توفي الزّمام بفعم [6] ... مثل جذع الأشاءة المجرود
وارم جوز [7] الفلا بها ثم سمها ... عجر فيّ النّجاء بالتوخيد
__________
[1] كذا في «الأصول». ولعله: «ما سئمنا» أو ما في معناه.
[2] اللبس (بالكسر): ما يلبس.
[3] أسر عنك الهموم: ألقها عنك. يقال سروت الثوب وغيره عيني سروا، وسريته تسرية إذا ألقيته عنك ونضوته. وتداعت هنا:
تجمعت وأقبلت.
[4] كذا في «ح». وفي «بعض الأصول»: «العقيق» وفي بعضها: «العتيق». وهما تحريف. والفنيق: لفحل المكرم لا يؤذي لكرامته على أهله ولا يركب. شبه ناقته بالفحل في الضخامة والقوة. والعلاة هنا: الناقة المشرفة الصلبة. والوخود: كثيرة الوخد وهو السرعة في السير، وأن يرمي البعير بقوائمه كمشي النعام.
[5] العنتريس من النوق: الصلبة الوثيقة الشديدة الكثيرة اللحم الجواد الجريئة.
[6] في «الأصول»: «بنعم». ويريد بالفعم هنا العنق. والأشاءة: النخلة الصغيرة. والمجرود: المقشور.
[7] جوز كل شي ء: وسطه. والفلا: واحدته فلاة، وهي القفر أو المفازة لا ماء فيها أو الصحراء الواسعة. وسامه الشيء كلفه إياه.
/
وهشاما خليفة اللّه فاعمد ... واصرمن مرّة [1] القويّ الجليد
تلقه محكم القوى أريحيّا [2] ... ذا قرّى عاجل وسيب عتيد
ملكا يشمل الرعيّة منه ... بأياد ليست بذات خمود
أخضر الرّبع والجناب خصيب ... أفيح [3] المستراد للمستريد
ذكرت ناقتي البطاح فحنّت ... حين أن ورّكت [4] قبور ثمود
/ قلت بعض الحنين ياناق سيري ... نحو برق دعا لغيث عميد
فأغذّت في السّير [5] حتى أتتكم ... وهي قوداء في سواهم قود
قد براها السّرى إليك وسيري ... تحت حرّ الظّهيرة الصّيخود [6]
وطوى طائد العرائك [7] منها ... غول بيد تجتابها بعد بيد
وأتتكم حدب الظّهور وكانت ... مسنمات ممرّها بالكديد [8]
/و اطمأنّت [9] أرض الرّصافة بالخص ... ب ولم تلق رحلها بالصّعيد
نزلت بامرىء يرى الحمد غنما ... باذل متلف مفيد معيد
بذل العدل في القصاص فأضحى ... لا يخاف الضعيف ظلم الشديد
من بنى النّضر من ذرا منبت النّض ... ر بأورى زند وأكرم عود
فهو كالقلب في الجوانح منها ... واسط سرّ جذمها [10] والعديد
__________
- والنجاء: السرعة. والعجرفة والعجرفية في السير: السرعة. يريد: كلفها سيرا سريعا لا تقصد فيه لنشاطها. وفي «الأصول»:
«عجر في النجاد. وهو تحريف. والتوخيد: حمل الدابة على الوخد وهو ضرب من السير سريع.
[1] كذا في «الأصول». والمرة: قوة الخلق وشدّته.
[2] الأريحيّ: الواسع الخلق المنبسط إلى المعروف. والسيب: العطاء. والعتيد: الحاضر المهيأ.
[3] أفيح المستراد للمستريد: واسع المطلب للطالب. واخضرار الربع وخصب الجناب وفيح المستراد يراد به الكرم واتساع الجود.
[4] كذا في «ج». يقال: ورّك الجبل (بتشديد الراء) إذا جاوزه مثل واركه. وفي «سائر الأصول»: «وردت». وقبور ثمود: حيث كانت ديارهم بوادي القرى بين المدينة والشام، وقريتهم كانت تسمى الحجر. وديار ثمود تقع في طريق الشاعر في رحيله من الحجاز إلى الشام.
[5] أغذت في السير: أسرعت. والقوداء من الإبل: الطويلة العنق والظهر. والساهمة: الضامرة المتغيرة من السير.
[6] الظهيرة الصيخود: الهاجرة الشديدة الحر.
[7] كذا في «ب، س». وفي «الأصول الخطية»: «صائد العرائك». والطائد: الثابت. وهو غير واضح، وكذلك صائد العرائك.
والعرائك: جمع عريكة وهي السنام أو بقيته. وغول البيد (بفتح الغين): بعدها. والبيد: جمع بيداء وهي الفلاة. وتجنابها:
تقطعها.
[8] الحدب: جمع حدباء وهي من الدواب: التي بدت حراقفها من الهزال. والحرقفة: عظم الحجبة أي رأس الورك. والمسنمات:
التي أعظم الكلأ أسنمتها. يقال: سنم البعير يسنم سنما (وزان فرح) فهو سنم، وسنمة الكلأ (بتشديد النون) وأسنمه. وممرها هنا:
ظرف. يريد أن الإبل وصلت إلى القوم مهزولة وقد كانت سمينة حين مرت بالكديد. والكديد: موضع بالحجاز بين عسفان وأمج.
[9] يريد: نزلت أرض الرصافة مطمئنة بالخصب. فضمن «اطمأن» معنى «نزل» فعداه إلى المفعول.
[10] يقال: وسط فلان قومه وحسبه، ووسط في قومه وحسبه، إذا حل في المكان الأكرم منهم. والجذم (بالكسر ويفتح): الأصل.
وسر الجذم: صريحه وخالصه.
بين مروان والوليد فبخ بخ ... للكريم المجيد غير الزّهيد
لو جرى الناس نحو غاية مجد ... لرهان في المحفل المشهود
لعلاهم بسابغين [1] من المج ... د على الناس طارف وتليد
إنّكم معشر أبي اللّه إلّا ... أن تفوزوا بدرّها [2] المحشود
لم ير اللّه معشرا من بني [3] مر ... وإن أولى بالملك والتسويد
قادة سادة ملوك بحار ... وبها ليل للقروم الصّيد [4]
أريحيون [5] ماجدون خضمّو ... ن حماة عند اربداد الجلود
يقطعون النهار بالرأي والحز ... م ويحيون ليلهم بالسّجود
/ أهل رفد وسؤدد وحياء ... ووفاء بالوعد والموعود
ويرون الجوار من حرم الل ... ه فما الجار فيهم بوحيد
لو بمجد نال الخلود قبيل ... آل مروان فزتم بالخلود
يابن خير الأخيار من عبد شمس ... يا إمام الورى وربّ الجنود
عبد شمس أبوك وهو أبونا ... لا نناديك من مكان بعيد
ثم جدّي الأدنى وعمّك شيخي ... وأبو شيخك الكريم الجدود
فالقرابات بيننا واشجات ... محكمات القوى بحبل شديد
فأثبني ثواب مثلك مثلي ... تلقني للثّواب غير جحود
إنّ ذا الجدّ من حبوت بودّ ... ليس من لا تودّ بالمجدود
وبحسب امرىء من الخير يرجى ... كونه عند ظلّك الممدود
قصيدة له يندب فيها فرقة بني أمية:
وأمّا قصيدته التي أوّلها:
ما بال عينك جائلا أقذاؤها
وهي التي فيها الغناء المذكور، فإنه قالها في دولة بني أميّة عند اختلاف كلمتهم ووقوع الفتنة بينهم، يندب
__________
[1] في «ج»: «بسامعين». وأحسب أن صوابه «بسامقين». والسامق: العالي الطويل.
[2] في «الأصول»: «بدارها» وهو تحريف.
[3] أي لم ير اللّه معشرا أولى من بني مروان بالملك والتسويد.
[4] البهاليل: جمع بهلول، وهو هنا: السيد الجامع لكل خير. والقروم: جمع قرم (بالفتح) وهو هنا السيد العظيم. والصيد: جمع أصيد، وهو الذي لا يلتفت من زهوه يمينا ولا شمالا. يصفهم بأنهم سادة منسوبون لسادة عظام.
[5] الأريحي: الواسع الخلق المنبسط إلى المعروف. والخضم: السيد الحمول المعطاء، وهذا الوصف خاص بالرجال (عن «القاموس»). واربداد الجلود: تغير لونها من الغضب والشدّة. والربدة: لون إلى الغبرة.
بينهم [1]، وفيها يقول:
/و اعتادها ذكر العشيرة بالأسى ... فصباحها ناب بها ومساؤها
شركوا [2] العدا في أمرهم فتفاقمت [3] ... منها الفتون [4] وفرّقت أهواؤها
ظلّت هناك وما يعاتب بعضها ... بعضا فينفع ذا الرّجاء رجاؤها
إلّا بمرهفة الظّبات [5] كأنّها ... شهب تقلّ - إذا هوت - أخطاؤها
/ وبعسّل [6] زرق يكون خضابها ... علق النّحور إذا تفيض دماؤها
فبذاكم أمست تعاتب [7] بينها ... فلقد خشيت بأن يحمّ فناؤها
ماذا أؤمّل إن أميّة ودّعت ... وبقاء سكّان البلاد بقاؤها
أهل الرّياسة والسّياسة والنّدى ... وأسود حرب لا يخيم لقاؤها [8]
غيث البلاد هم وهم أمراؤها ... سرج يضيء دجى الظّلام ضياؤها
فلئن أميّة ودّعت وتتايعت [9] ... لغواية حميت لها خلفاؤها
ليودّعنّ من البريّة غزّها ... ومن البلاد جمالها ورجاؤها
ومن البليّة أن بقيت خلافهم ... فردا تهيجك دورهم وخلاؤها
لهفي على حرب العشيرة بينها ... هلّا نهى جهّالها حلماؤها
هلّا نهى تنهى الغويّ عن التي [10] ... يخشى على سلطانها غوغاؤها
وتقى وأحلام لها مضريّة ... فيها إذا تدمى الكلوم دواؤها [11]
لمّا رأيت الحرب توقد بينها ... ويشبّ نار وقودها إذكاؤها [12]
نوّهت بالملك المهيمن دعوة ... ورواح [13] نفسي في البلاء دعاؤها
__________
[1] أي يندب فرقتهم.
[2] كذا في «أ، م» أي أشركوا العدا في أمرهم. وفي «سائر النسخ»: «شرك».
[3] تفاقمت: عظمت واشتدّت.
[4] كذا في «الأصول». ونحسب أن صوابها «الفتوق»؛ فإن الفتنة، وهي ما يقع بين الناس من الخلاف والقتال، لا تجمع على «فتون».
[5] مرهفة الظبات السيوف.
[6] العسل: الرماح، وغسلان الرمح: شدّة اهتزازه. والزرقة في النصال: شدّة صفائها. وصف الشاعر الرماح بالزرقة وهي وصف نصالها.
[7] في «الأصول»: «تعاقب» وهو تحريف. ويحم: يقضي.
[8] خام: نكص وجبن وضعف. يريد أنهم أسود حرب لا تجبن عند اللقاء.
[9] في «الأصول»: «تتابعت» بالباء الموحدة. والتتابع: التهافت والإسراع إلى الشيء. ولا يكون التتابع إلا في الشر.
[10] كذا ورد في هذا الشطر في «ب، س». وورد في «الأصول الخطية» ناقصا هكذا: «ها الغوي عن التي». وكلمة «ها» ليس في «ج».
[11] كذا في «ج». وفي «سائر الأصول»: «دماؤها» وهو تحريف.
[12] كذا في «الأصول الخطية». وإذكاء النار وتذكيتها: إيقادها. وفي «ب، س»: «و تشب نار وقودها وذكاؤها».
[13] الرواح هنا - ومثله الراحة والراح - : الارتياح والاستراحة، وهو وجدانك روحا وخفة بعد مشقة.
/
ليردّ ألفتها ويجمع أمرها ... بخيارها فخيارها رحماؤها
فأجاب ربّي في أميّة دعوتي ... وحمى أميّة أن يهدّ بناؤها
وحبا [1] أميّة بالخلافة إنّهم ... نور البلاد وزينها وبهاؤها
فبنو أميّة خير من وطىء الثّرى ... شرفا وأفضل ساسة أمراؤها
وهي قصيدة طويلة اقتصرت منها على ما ذكرته.
* صوت
مهلا ذريني فإنّي غالني خلقي ... وقد أرى في بلاد اللّه متّسعا
ما عضّني الدّهر إلّا زادني كرما ... ولا استكنت له إن خان أو خدعا
الشعر لأبي جلدة [2] اليشكريّ من قصيدة يمدح بها مسمع بن مالك بن مسمع، والغناء لعلّويه رمل بالوسطى عن عمرو.
__________
[1] لم يرد هذا البيت إلا في «أ، م».
[2] في «الأصول»: «لأبي كلدة». وراجع الحاشية الأولى من الصفحة التالية.
18 - أخبار أبي جلدة [1] ونسبه
نسب أبي جلدة:
أبو جلدة بن عبيد بن منقذ بن حجر بن عبيد اللّه بن مسلمة بن حبيّب بن عديّ بن جشم بن غنم بن حبيّب بن كعب بن يشكر بن بكر بن وائل، شاعرّ إسلاميّ، من شعراء الدّولة الأمويّة، ومن ساكني الكوفة. وكان ممن خرج مع ابن الأشعث فقتله الحجّاج.
كان من أخص الناس بالحجاج ثم صار من أشدّهم تحريضا عليه حين خرج مع ابن الأشعث وقتل:
أخبرني بخبره في جملة ديوان شعره محمد بن العبّاس اليزيديّ وقرأته عليه قال حدّثني عمّي عبد اللّه قال حدّثني/ محمد بن حبيب، وأخبرني به عليّ بن سليمان الأخفش أيضا عن الحسن بن الحسن اليشكريّ عن ابن الأعرابيّ قال:
كان أبو جلدة اليشكريّ من أخصّ النّاس بالحجّاج، حتى إنه بعثه وبعث معه عبد اللّه بن شدّاد بن الهادي الليثيّ إلى عبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب عليه السلام، فخطب الحجّاج منه ابنته أمّ كلثوم. ثم خرج بعد ذلك مع ابن الأشعث، وكان من أشدّ الناس تحريضا على الحجّاج. فلمّا أتي الحجّاج برأسه ووضع بين يديه مكث ينظر إليه طويلا ثم قال: كم من سرّ أودعته [2] في هذا الرأس فلم يخرج حتى أتيت به/ مقطوعا. فلمّا كان يوم الزّاوية [3] خرج أبو جلدة بين الصّفّين، ثم أقبل على أهل الكوفة فأنشدهم قصيدته التي يقول فيها:
فقل للحواريّات [4] يبكين غيرنا ... ولا تبكنا إلّا الكلاب النوابح
بكين إلينا خشية أن تبيحها ... رماح النّصارى [5] والسيوف الجوارح
بكين لكيما يمنعوهنّ منهم ... وتأبى قلوب أضمرتها الجوانح
__________
[1] في «الأصول»: «أبي كلدة» وكذلك ورد في كل المواضع من هذه الترجمة. والتصويب من كتاب «المؤتلف والمختلف» لأبي القاسم الحسن بن بشر الآمديّ (صفحة 78 طبعة مكتبة القدسي بالقاهرة) وشرح «القاموس» (مادة جلد) و«تاريخ الطبري» (القسم الثاني صفحة 1102) و«لسان العرب» (في مادة حور) وكتاب «الشعر والشعراء» لابن قتيبة. على أنه يحتمل أن تكون في هذا الاسم لهجة أخرى تجعل الحرف الأوّل منه مثل الجيم القاهرية والقاف لدى أهل صعيد مصر، فكان رسمها بالكاف في «الأصول» إشارة إلى هذه اللهجة.
[2] كذا في «الأصول». والمعروف أنه يقال: أودعت كذا كذا. فلعل حرف الجر من زيادات النساخ.
[3] في «الأصول»: «الراوية» بالراء المهملة وهو تصحيف. والزاوية: موضع قرب البصرة كانت به الوقعة المشهورة بين الحجاج وعبد الرحمن بن محمد بن الأشعث قتل فيها خلق كثير من الفريقين وذلك في سنة ثلاث وثمانين للهجرة.
[4] في «الأصول»: «للجويريات». والتصويب من كتاب «المؤتلف والمختلف». و«لسان العرب» (في مادة حور). والحواريات نساء الأمصار، سمين بذلك لبياضهن وتباعدهن عن قشف الأعراب بنظافتهن. الواحدة حوارية. ويروى: «فقل لنساء المصر» كما في كتاب «المؤتلف والمختلف».
[5] في «اللسان»: «جعل أهل الشأم نصارى لأنها تلي الروم وهي بلادها».
وناديننا: أين الفرار وكنتم ... تغارون أن تبدو البرى [1] والوشائح
أ أسلمتمونا للعدوّ على القنا ... إذا انتزعت منها القرون النواطح
فما غار منكم غائر لحليلة ... ولا عزب عزّت عليه المناكح
قال: فلمّا أنشدهم هذه الأبيات أنفوا وثاروا فشدّوا شدّة تضعضع لهم عسكر الحجّاج، وثبت لهم الحجّاج وصاح بأهل الشأم فتراجعوا وثبتوا، فكانت الدائرة له، فجعل يقتّل الناس بقيّة يومه، حتى صاح به رجل: واللّه يا حجّاج لئن كنّا قد أسأنا في الذنب لما أحسنت في العفو، ولقد خالفت اللّه فينا وما أطعته. فقال له: وكيف ويلك؟ قال:
لأنّ اللّه تعالى يقول فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ/ حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ [2] فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها
وقد قتلت فأثخنت حتى تجاوزت الحدّ، فأسر ولا تقتل، ثم قال: أو امنن. فقال أولى لك [3]! ألا كان هذا الكلام منك قبل هذا الوقت! ثم نادى برفع السيف وأمّن الناس جميعا، قال ابن حبيب قال ابن الأعرابيّ: فبلغني أنّ الحجّاج قال يوما لجلسائه ما حرّض على أحد كما حرّض أبو جلدة؛ فإنه نزل على سرحة [4] في وسط عسكر لابن الأشعث ثم نزع سراويله فوضعه وسلح فوقه والناس ينظرون إليه. فقالوا له: ما لك ويلك أجننت! ما هذا الفعل! قال: كلّكم قد فعلتم مثل هذا إلّا أنكم سترتموه وأظهرته. فشتموه وحملوا عليّ، فما أنساهم وهو يقدمهم ويرتجز:
نحن جلبنا الخيل من زرنجا [5] ... ما لك يا حجّاج منّا منجى
لتبعجنّ [6] بالسيوف بعجا ... أو لتفرّنّ فذاك أحجى [7]
فو اللّه لقد كاد أهل الشأم يومئذ يتضعضعون لو لا أنّ اللّه تعالى أيّد بنصره.
قال وقال أبو جلدة يومئذ:
أيا لهفي ويا حزني جميعا ... ويا غمّ [8] الفؤاد لما لقينا
تركنا الدّين والدّنيا جميعا ... وخلّينا [9] الحلائل والبنينا
فما كنّا أناسا أهل دين ... فنصبر للبلاء إذا بلينا [10]
__________
[1] البري هنا: الخلاخيل، واحدها برة. والوشائح: جمع لوشاح (بضم أوله وكسره). وهو أديم عريض يرصع بالجوهر تشده المرأة بين عاتقها وكشحيها. ويجمع الوشاح أيضا على وشح (بضمتين) وأوشحة.
[2] أثخنتموهم: غلبتموهم وكثرت فيهم الجراح.
[3] أولى لك: دعاء عليه بمعنى ويل لك.
[4] السرحة: الشجرة العظيمة.
[5] زرنج: قصبة سجستان.
[6] في «الأصول»: «لنبعجن» بالنون. وقد أثبتناه كما ترى ليكون خطابا للحجاج. والبعج: الشق.
[7] في «ب، س»: «أو لنفرقن بذاك». وفي «ج»: أو لتفرن بذاك» ويقرأ «أو لنقرن بذاك» بالنون والقاف. وفي «أ، م»: «أو لنغرن بذاك» بالنون والغين. وقد أثبتناه كما ترى لأن له معنى يلائم السياق. وأحجى: أجدر وأخلق.
[8] في «الطبري»: «و يا حرّ الفؤاد».
[9] في «الطبري»: «و أسلمنا».
[10] في «الطبري»: «في البلاء إذا ابتلينا».
ولا كنّا أناسا أهل دنيا ... فنمنعها وإن لم نرج دينا
تركنا دورنا لطغام عكّ [1] ... وأنباط [2] القرى والأشعرينا [3]
ذم من القعقاع بن سويد بعض ما عامله به فقال فيه شعرا:
قال ابن حبيب: وكان أبو جلدة مع القعقاع بن سويد المنقريّ بسجستان، فذمّ منه بعض ما عامله به، فقال فيه:
ستعلم أنّ رأيك رأي سوء ... إذا ظلّ الإمارة عنك زالا
وراح بنو أبيك ولست فيهم ... بذي ذكر [4] يزيدهم جمالا
هناك تذكّر الأسلاف منهم [5] ... إذا اللّيل القصير عليك طالا
فقال له القعقاع: ومتى يطول عليّ الليل القصير؟ قال: إذا نظرت إلى السماء مربّعة. فلمّا عزل وحبس أخرج رأسه ليلة فنظر [6]، فإذا هو لا يرى السماء إلا بقدر تربيع السّجن، فقال: هذا واللّه الذي حذّرنيه أبو جلدة.
مدح مسمع بن مالك حين ولي سجستان ورثاه حين توفي:
قال: وولي مسمع بن مالك سجستان، وكان مكث أبي جلدة بها، فخرج إليه فتلقّاه ومدحه بقصيدته التي أوّلها:
بانت سعاد وأمسى حبلها انقطعا ... وليت وصلا لها من حبلها رجعا
شطّت بها غربة زوراء [7] نازحة ... فطارت النّفس من وجد بها قطعا
/ ما قرّت العين إذ زالت [8] فينفعها ... طعم الرّقاد إذا ما هاجع هجعا
منعت نفسي من روح تعيش به ... وقد أكون صحيح الصّدر فانصدعا
غدت تلوم على ما فات عاذلتي ... وقبل لومك ما أغنيت من منعا
مهلا ذريني فإنّي غالني [9] خلقي ... وقد أرى في بلاد اللّه متّسعا
فخري [10] تليد وما أنفقت أخلفه ... سيب الإله وخير المال ما نفعا
__________
[1] عك: قبيلة. وطغامها: أوغادها.
[2] في «الأصول»: «و أنماط القرى». والتصويب من «الطبري». والأنباط - ومثله النبط والنبيط - : جيل من الناس كانوا بالبطائح بين العراقين.
[3] الأشعرون: جمع أشعري (نسبة إلى الأشعر وهو أبو قبيلة باليمن). وحذفت ياء النسب في الجمع تخفيفا.
[4] في «ح»: «بذي ذخر».
[5] كذا في «أ، م». وفي «سائر الأصول»: «فيهم».
[6] في «أ، م»: «ينظر».
[7] شطت: بعدت. وغربة زوراء: بعيدة. ونازحة: بعيدة.
[8] في «الأصول»: «أذ زلت». وزالت: فارقت.
[9] غالني هنا: حبسني؛ يقال: ما غالك عنا؟ أي ما حبسك عنا.
[10] يحتمل أن يكون «مجدي».
ما عضّني الدهر إلّا زادني كرما ... ولا استكنت له إن خان أو خدعا
ولا تلين على العلّات [1] معجمتي [2] ... في النائبات إذا ما مسّني [3] طبعا
ولا تليّن من عودي غمائزه [4] ... إذا المغمّز منها لان أو خضعا
ولا أخاتل ربّ البيت غفلته ... ولا أقول لشيء فات ما صنعا
إنّي لأمدح أقواما ذوي حسب ... لم يجعل اللّه في أقوالهم قذعا [5]
الطيّبين على العلّات معجمة ... لو يعصر المسك من أطرافهم نبعا
بني شهاب بها أعني وإنّهم ... لأكرم النّاس أخلاقا ومصطنعا
/ قال: فوصله مسمع بن مالك وحمله وكساه وولّاه ناشيتكين [6] وكان مكتبه [7]. قال: ثم توفّي مسمع بن مالك سجستان، فقال أبو جلدة يرثيه:
أقول للنّفس تأساء وتعزية ... قد كان من مسمع في [8] مالك خلف
يا مسمع الخير من ندعو إذا نزلت ... إحدى النّوائب بالأقوام واختلفوا
/ يا مسمعا لعراق لا زعيم لها ... بمن ترى يؤمن المستشرف النّطف [9]
تلك العيون بحيث المصر [10] سادمة ... تبكيك إذا غالك الأكفان والجرف
قد وسّدوك يمينا غير موسدة ... وبذل جود لما أودي بك التلف
كنت الشّهاب الذي يرمى العدوّ به ... والبحر منه سجال الجود تغترف
__________
[1] على العلّات أي على أي حال من يسر أو عسر، وشدّة أو رخاء.
[2] المعجمة: القوة والصلابة؛ يقال: فلان صلب المعجم والمعجمة إذا كان عزيز النفس إذا جرسته وجدته عزيزا صلبا.
[3] يريد: «إذا ما مستني»، ومرجع الضمير النائبات، فاضطر، أو إذا ما مسني شيء منها. والطبع: هنا الضعف والخور. وأصله الوسخ والدنس يغشيان السيف، ثم استعير فيما يشبه ذلك من الأوزار والآثام وغيرهما من المقابح.
[4] ظاهر أن الغمائز هنا جمع غميزة اسم من الغمز بمعنى العصر والتليين. ولم نجد الغمائز بهذا المعنى فيما بين أيدينا من المظان، وإنما الغميزة العيب؛ يقال: ليس في فلان غميزة ولا غميز ولا مغمز، أي ليس فيه ما يغمز فيعاب به. ويحتمل أن يكون صوابه «مغامزة» جمع «مغمز» بمعنى العصر باليد والتليين.
[5] القذع (بالتحريك): الفحش من الكلام الذي يقبح ذكره.
[6] كذا في «أ، م». وفي «ب، س»: «ناشتكين» بدون ياء. وفي «ح»: «ناشئة كنن» ولم نهتد إلى وجه الصواب فيه.
[7] كذا في «الأصول». ولعل صوابه: «و كان بها مكثه» كما تقدّم نظيره في أول هذه الخبر.
[8] أحسب أن صوابه:
قد كان في مسمع من مالك خلف
[9] المستشرف: الظالم. يقال: استشرفه حقه إذا ظلمه. والنطف: المريب. وفي «الأصول»: «يأمن» ببناء الفعل للفاعل، وهو لا يستقيم به الكلام.
[10] في هذا البيت والذي بعده كلمات غير واضحة، وأحسب أن فيهما تحريفا، بل كلمات البيت الثاني غير ملتئمة مما يدل على أن في الشعر نقصا.
كان ينادم شقيق بن سليط واستثقل أخاه ثعلبة فهجاه:
قال ابن حبيب عن ابن الأعرابيّ قال:
كان أبو جلدة ينادم شقيق بن سليط بن بديل السّدوسيّ أخا بسطام بن سليط، وكان لهما أخ يقال له ثعلبة بن سليط، وكان ثقيلا بخيلا مبغّضا، وكان يطفّل عليهم ويؤذيهم. فقال فيه أبو جلدة:
أحبّ على لذاذتنا شقيقا ... وأبغض مثل ثعلبة الثّقيل [1]
له غمّ على الجلساء مؤذ ... نوافله إذا شربوا قليل
أعطى مسمع مالا لعشيرته وجفا بكر فقال هو شعرا فأكرمه وأرضاه:
قال ابن حبيب عن ابن الأعرابيّ:
وفرّق مسمع بن مالك في عشيرته بني قيس بن ثعلبة عطايا كثيرة وقرّبهم وجفا سائر بطون بكر بن وائل. فقال أبو جلدة:
إذا نلت مالا قلت قيس عشيرتي ... تجور علينا عامدا في قضائكا
وإن كانت الأخرى فبكر بن وائل ... بزعمك يخشى [2] داؤها بدوائكا
هنالك لا نمشي الضّراء [3] إليكم ... بني مسمع إنّا هناك أولئكا
عسى دولة [4] الذّهلين يوما ويشكر ... تكرّ علينا سبغة [5] من عطائكا
قال: فبعث إليه مسمع فترضّاه ووصله وفرّق في سائر بطون بكر بن وائل على جذمين، جذم يقال له الذّهلان، وجذم يقال له اللّهازم. فالذّهلان: بنو شيبان بن ثعلبة بن يشكر بن وائل، وبنو ضبيعة بن ربيعة [6]. واللّهازم:
قيس بن ثعلبة، وتيم اللّات بن ثعلبة، وعجل [7] بن لجيم، وعنزة [8] بن أسد بن ربيعة. قال الفرزدق:
وأرضى بحكم الحيّ بكر بن وائل ... إذا كان في الذّهلين أو في اللّهازم
/ قال: وقد دخل بنو قيس بن عكابة مع إخوتهم بني قيس بن ثعلبة بن عكابة. وأمّا حنيفة فلم تدخل في شيء من
__________
[1] في هذا الشعر إقواء.
[2] كذا في «الأصول».
[3] الضراء: الشجر الملتف، ويراد به أيضا الاستخفاء والمكر والخديعة؛ يقال: فلان يمشي الضراء إذا مشى فيما يواريه عمن يكيده ويختله، ويقال منه استضربت للصيد إذا قتلته من حيث لا يعلم. يقول الشاعر: هنالك نجاهركم ولا نخاتلكم يا بني مسمع، وسنكون هناك ظاهرين يشار إلينا.
[4] الدولة (بالفتح) العقبة في الحرب؛ يقال: كانت لنا عليهم الدولة، والدولة (بالضم) في المال؛ يقال: صار الفيء دولة بينهم يتداولونه: مرة لهذا ومرة لهذا، وقيل: هي في الحرب وفي المال بالفتح وبالضم.
[5] في «أكثر الأصول»: «صبغة». وفي «ح»: «سعة» بغير إعجام. والسبغة في العيش: السعة فيه.
[6] في «النقائض» (صفحة 764): «قال الذهلان شيبان بن ثعلبة وذهل بن ثعلبة. قال وإليهم تحلفت الذهلان. قال وبهم سموا، وهم شيبان وذهل ويشكر وضيعة بن ربيعة هذه الأربع القبائل الذهلان». وفي «اللسان» مادة ذهل: «و ذهل هي من بكر وهما ذهلان كلاهما من ربيعة أحدهما ذهل بن شيبان بن ثعلبة بن عكابة والآخر ذهل بن ثعلبة بن عكابة».
[7] في «الأصول»: وتيم اللات بن ثعلبة بن عجل بن لجيم» والتصويب من «النقائض».
[8] في «بعض الأصول»: «عنترة» وهو تحريف.
هذا لانقطاعهم عن قومهم باليمامة في وسط دار مضر، وكانوا لا ينصرون بكرا ولا يستنصرونهم. فلمّا جاء الإسلام ونزل [1] الناس مع بني حنيفة ومع بني عجل بن لجيم فتلهزموا [1] ودخل معهم حلفاؤهم بنو مازن بن جديّ بن مالك بن صعب [2] بن عليّ، فصاروا جميعا في اللهازم. وقال موسى بن جابر الحنفيّ السّحيميّ بعد ذلك في الإسلام:
وجدنا أبانا كان حلّ ببلدة ... سوى [3] بين قيس قيس عيلان والفزر
فلمّا نأت عنّا العشيرة كلّها ... أقمنا وحالفنا السيوف على الدهر
فما أسلمتنا بعد في يوم وقعة ... ولا نحن أغمدنا السيوف على وتر
كان جاره سيف يشرب ويعربد عليه فهجاه:
وقال ابن حبيب عن ابن الأعرابيّ قال:
كان لأبي جلدة بسجستان جار يقال له سيف من بني سعد، وكان يشرب الخمر ويعربد على أبي جلدة، فقال يهجوه:
قل لذوي سيف وسيف ألستم ... أقلّ بني سعد حصادا ومزرعا
كأنّكم جعلان دار [4] مقامة ... على عذرات [5] الحيّ أصبحن وقّعا
لقد نال سيف في سجستان نهزة ... تطاول منها فوق ما كان إصبعا
أصاب الزّنا والخمر حتّى لقد نمت ... له سرّة تسقى الشّراب المشعشعا [6]
/فلو لا هوان الخمر ما ذقت طعمها ... ولا سقت إبريقا بكفّك مترعا [7]
كما لم يذقها أن تكون عزيزة ... أبوك ولم يعرض عليها فيطمعا
وكان مكان الكلب أو من ورائه ... إذا ما المغنّي للّذاذة أسمعا
خبره مع القعقاع حين أرجف به فتهدّده بالعزل:
قال ابن حبيب: وكان أبو جلدة قد استعمله القعقاع بن سويد حين تولّى سجستان على بست [8] والرّخّج، فأرجف الناس بالقعقاع وأرجف به أبو جلدة معهم، وكتب القعقاع إليه يتهدّده؛ فكتب إليه أبو جلدة:
__________
[1] يحتمل أن يكون جواب «لما» «و نزل الناس» أو «و دخل بعضهم» بزيادة الواو. والواو قد تزاد في جواب «لما».
[2] في «الأصول»: «مصعب». والتصويب من «كتب الأنساب».
[3] يقال: مكان سوى (بضم السين وكسرها) وسواء (بالفتح والمد) إذا كان وسطا فيما بين الفريقين.
[4] كذا في «ح». وفي «سائر الأصول»: «دار مضامة» وهو تحريف.
[5] العذرة (بفتح فكسر): الغائط.
[6] الشراب المشعشع: الممزوج بالماء.
[7] ورد هذا البيت والذي بعده في «تكملة شعر الأخطل» للأب أنطوان صالحاني اليسوعي، وفيه:
ولا سفت إبريقا بأنفك مترعا
والسوف: الشم.
[8] بست (بالضم): مدينة بين سجستان وغزنين وهراة من نواحي كابل.
يهدّدني القعقاع في غير كنهه ... فقلت له بكر إذا رمتني ترسي
كأنّا وأيّاكم إذا الحرب بيننا ... أسود عليها الزّعفران مع الورس [1]
ترى كمصابيح الدّياجي وجوهنا ... إذا ما لقينا والهرقليّة [2] الملس
هناك السّعود السانحات جرت لنا ... وتجري لكم طير البوارح بالنّحس
وما أنت يا قعقاع إلّا كمن مضى ... كأنك يوما قد نقلت إلى الرّمس
أظنّ بغال البرد تسري إليكم ... به غطفانيّا وإلّا فمن عبس
وإلّا فبالبسّال [3] يا لك إن سرت ... به غير مغموز القناة ولا نكس [4]
فعمّالنا أوفى وخير بقيّة ... وعمّالكم أهل الخيانة واللّبس
وما لبني عمرو عليّ هوادة ... ولا للرّباب غير تعس من التّعس
/ قال: فلمّا انتهت هذه القصيدة إلى القعقاع وجّه برسول إلى أبي جلدة، وقال: انظر، فإن كان كتب هذا الكتاب بالغداة فاعزله، وإن كان كتبه باللّيل فأقرره على عمله ولا تعزله ولا تضربه. وكان أبو جلدة صاحب شراب، فقال للرسول: واللّه ما كتبته إلّا بالعشيّ. فسأله البيّنة على ذلك فأتاه بأقوام شهدوا له بما قال، فأقرّه على عمله وانصرف عنه.
شبب ببنت دهقان فأهدى له ليترك ذكرها:
قال ابن حبيب: ومرّ أبو جلدة بقصر من قصور بست ينزله رجل من الدّهاقين، فرأى ابنته تشرف من أعلى القصر، فأنشأ يقول:
إنّ في القصر ذي الخبا بدرتمّ ... حسن الدّلّ للفؤاد مصيبا
ولعا بالخلوق [5] يأرج منه ... ريح رند إذا استقلّ منيبا [6]
يلبس الخزّ والمطارف والق ... زّ وعصبا من اليماني قشيبا
ورأيت الحبيب يبرز كفّا ... ما رآه [7] المحبّ إلّا خضيبا
فبلغ ذلك من قوله الدّهقان، فأهدى له وبرّه وسأله ألّا يذكر ابنته في شعر بعد ذلك.
لحقه ضيم فلم يمنعه قومه فهتف بمسمع بن مالك وآخرين فسعى له قومه:
__________
[1] الزعفران: صبغ أصفر. والورس: نبت أصفر يكون باليمن تصبغ به الثياب.
[2] دياجي الليل: حنادسه (ظلماته) كأنه جمع ديجاة. والهرقلية: الدنانير، نسبة إلى هرقل ملك الروم.
[3] كذا في «ب، س». وفي «أ، م»: «و إلا فيا لستال». وفي «ح»: هكذا: «و إلا بنا لتسال». ولم نهتد إلى وجه الصواب فيه.
[4] غمز القناة: عصرها وتليينها. وإباء القناة أن تلين للغامز يراد به القوة وعدم الانقياد. والنكس: الضعيف.
[5] الخلوق: ضرب من الطيب مائع فيه صفرة لأن أعظم أجزائه من الزعفران. يأرج: يفيح وينتشر. والرند: شجر طيب الرائحة، وقيل هو العود أو الآس.
[6] استقل هنا: نهض. ومنيبا: راجعا.
[7] كذا في «الأصول». وتذكير «الكف» غلط أو لغة قليلة.
قال ابن حبيب: ولحق أبا جلدة ضيم من بعض الولاة، فهتف بقومه فلم يقدروا على منعه منه ولا معونته رهبة للسّلطان، فهتف بأعلى صوته: يا مسمع بن مالك، يا أمير بن أحمر، ثم أنشأ يقول:
ولمّا أن رأيت سراة قومي ... سكوتا لا يثوب لهم زعيم
هتفت بمسمع وصدى [1] أمير ... وقبر معمّر تلك القروم
/ قال: فأبكى جميع من حضر، وقاموا جميعا إلى الوالي فسألوه في أمره حتى كفّ عنه. قال: وأمير بن أحمر رجل من بني يشكر، وكان سيّدا جوادا، وفيه يقول زياد الأعجم:
لو لا أمير هلكت يشكر ... ويشكر هلكى على كلّ حال
قال ابن الأعرابيّ: كان أمير بن أحمر واليا على خراسان في أيّام معاوية.
ومعمّر الذي عناه أبو جلدة معمّر بن شمير [2] بن عامر بن جبلة بن ناعب بن صريم، وكان أمير سجستان، وكان سيّدا شريفا.
خطب خليعة بنت صعب فأبت وتزوّجت غيره فقال شعرا:
وقال: خطب أبو جلدة امرأة من بني عجل يقال لها خليعة [3] بنت صعب، فأبت أن تتزوّجه وقالت: أنت صعلوك فقير لا تحفظ مالك ولا تلفي شيئا إلّا أنفقته في الخمر، وتزوّجت غيره. فقال أبو جلدة في ذلك:
صوت
لمّا خطبت إلى خليعة [2] نفسها ... قالت خليعة ما أرى لك مالا
أودى بمالي يا خليع تكرّمي ... وتخرّقي وتحمّلي الأثقالا
إنّي وجدّك لو شهدت مواقفي [4] ... بالسّفح [5] يوم أجلّل الأبطالا
سيفي، لسرّك أن تكوني خادما ... عندي إذا كره الكماة نزالا
الغناء لإبراهيم الموصليّ ثاني ثقيل بالوسطى عن الهشاميّ من كتاب عليّ بن يحيى.
ضرط بين قوم فضحكوا فأكرههم على أن يضرطوا:
قال أبو سعيد السّكّريّ وعمر بن سعيد [6] صاحب الواقديّ:
إنّ أبا جلدة كان في قرية من قرى بست يقال لها الخيزران ومعهم عمرو بن صوحان أخو صعصعة في جماعة يتحدّثون ويشربون، إذ قام أبو جلدة ليبول فضرط، وكان عظيم البطن، فتضاحك القوم منه، فسلّ سيفه وقال:
__________
[1] الصدى هنا: جسد الإنسان بعد موته.
[2] في «الأصول»: «سمير» بالسين المهملة. والتصويب من كتاب «الاشتقاق».
[3] في «ج»: «خلية». وكذا في الشعر الآتي: «أودى بمالي يا خلي تكرمي».
[4] كذا في «أ، م». وفي «سائر الأصول»: «مواقعي».
[5] في «ج»: «بالسنح». والسنح (بالضم): اسم لعدّة مواضع. وسفح الجبل: أسفله حيث يسفح فيه الماء. ولعل السفح هنا موضع بعينه.
[6] كذا في «ج». وفي «سائر الأصول»: «عمرو بن سعد» ولم نهتد إلى الصواب فيه.
لأضربنّ من لا يضرط في مجلسه هذا ضربة بسيفي، أمنّي تضحكون لا أمّ لكم! فما زال حتّى ضرطوا جميعا غير عمرو بن صوحان. فقال له: قد علمت أنّ عبد القيس لا تضرط ولك بدلها عشر فسوات. قال: لا واللّه أو تفصح بها! فجعل عمرو يجثي [1] وينحني فلا يقدر عليها، فتركه. وقال أبو جلدة في ذلك:
أمن ضرطة بالخيزران ضرطتها ... تشدّد منّي دارة [2] وتلين
فما هو إلّا السيف أو ضرطة لها ... يثور دخان ساطع وطنين
قال: ولعمرو بن صوحان يقول أبو جلدة اليشكريّ وطالت صحبته إياه فلم يظفر منه بشي ء:
صاحبت عمرا زمانا ثم قلت له ... الحق بقومك يا عمرو بن صوحانا
فإن صبرت فإنّ الصبر مكرمة ... وإن جزعت فقد كان الّذي كانا
هجا زيادا الأعجم لهجوه بني يشكر:
قال ابن سعيد [3] وحدّثني أبو صالح قال:
بلغ أبا جلدة أنّ زيادا الأعجم هجا بني يشكر، فقال فيه:
/لا تهج يشكر يا زياد ولا تكن ... غرضا وأنت عن الأذى في معزل
واعلم بأنّهم إذا ما حصّلوا ... خير وأكرم من أبيك الأعزل
/ لو لا زعيم بني المعلّى لم نبت [4] ... حتّى نصبّحكم بجيش جحفل
تمشي الضّراء [5] رجالهم وكأنّهم ... أسد العرين بكلّ عضب منصل [6]
فاحذر زياد ولا تكن تدرأ [7] ... عند الرّجال ونهزة [8] للختّل
مدح سليمان بن عمرو بن مرثد كان صديقا له:
وقال ابن حبيب: كان سليمان بن عمرو بن مرثد البكريّ صديقا لأبي جلدة، وكان فارسا شجاعا، وقتله ابن خازم [9] لشيء بلغه فأنكره؛ وفيه يقول أبو جلدة:
إذا كنت مرتادا نديما مكرّرا ... نماه سراة من سراة بني بكر
__________
[1] جثا: جلس على ركبتيه، وهو كدعا ورمى.
[2] كذا في «الأصول». ولعلها «تارة» أي بتشدّد تارة وتلين أخرى.
[3] كذا في «ح، ب، س». وهو عمر بن سعيد، كما ورد في «ح» في الخبر السابق. وفي «أ، م»: «قال ابن سعد». (تراجع الهامشة الأولى من هذه الصفحة).
[4] في «ج»: «لم تبت» بالتاء. وفي «سائر الأصول»: «لم تثب».
[5] راجع الحاشية رقم 2 صفحة 316.
[6] العضب: السيف القاطع. والمنصل (بضم الميم والصاد وبفتح الصاد أيضا): اسم للسيف.
[7] ذو تدرأ: ذو حفاظ ومدافعة ومنعة.
[8] النهزة الفرصة. والختل: جمع خاتل. والختل: المخادعة في غفلة. وفي «الأصول»: «للمختل» وظاهر أنه تحريف.
[9] في «الأصول»: «ابن حازم» بالحاء المهملة. والتصويب بقلم المرحوم محمد محمود بن التلاميذ في نسخته. ونحسب أنه عبد اللّه بن خازم الذي كان واليا لخراسان.
فلا تعد ذا العليا سليمان عامدا [1] ... تجد ماجدا بالجود منشرح الصدر
كريما على علّاته [2] يبذل النّدى ... ويشربها صهباء طيّبة النّشر [3]
معتّقة كالمسك يذهب ريحها ال ... زّكام وتدعو المرء للجود بالوفر
وتترك حاسي الكأس منها مرنّحا ... يميد كما ماد الأثيم [4] من السكر
تلوح كعين الدّيك ينزو حبابها ... إذا مزجت بالماء مثل لظى الجمر
فتلك إذا نادمت من آل مرثد ... عليها نديما ظلّ يهرف [5] بالشّعر
/ يغنّيك تارات وطورا يكرّها ... عليك بحيّاك الإله ولا يدري
تعوّد ألّا يجهل الدّهر عندها ... وأن يبذل المعروف في العسر واليسر
وإنّ سليمان بن عمرو بن مرثد ... تألّى [6] يمينا أن يريش [7] ولا يبري
فهمّته بذل النّدى وابتنا العلا ... وضرب طلى [8] الأبطال في الحرب بالبتر
وفي الأمن لا ينفكّ يحسو [9] مدامة ... إذا ما دجا ليل إلى وضح الفجر
قال: فلمّا بلغت سليمان هذه الأبيات قال: هجاني أخي وما تعمّد، لكنه يرى أنّ الناس جميعا يؤثرون الصّهباء كما يؤثرها هو، ويشربونها كما يشربها. وبلغ قوله أبا جلدة فأتاه فاعتذر إليه، وحلف أنّه لم يتعمّد بذلك ما يكرهه وينكره. قال: قد علمت بذلك وشهدت لك به قبل أن تعتذر، وقبل عذره.
سأل الحضين بن المنذر شيئا فلم يعطه إياه فهجاه:
وقال ابن حبيب: سأل أبو جلدة الحضين بن المنذر الرّقاشيّ شيئا فلم يعطه إيّاه، وقال: لا أعطيه ما يشرب به الخمر. فقال أبو جلدة يهجوه:
يا يوم بؤس طلعت شمسه ... بالنّحس لا فارقت رأس الحضين
إنّ حضينا لم يزل باخلا ... مذكان بالمعروف كزّ [10] اليدين
__________
[1] كذا في «أ». وفي «سائر الأصول»: «عامرا» وهو تحريف.
[2] على علاته أي على حالاته المختلفة من عسر ويسر.
[3] النشر هنا: الرائحة.
[4] كذا في «الأصول». ولعله: «كما ماد الأميم». والأميم والمأموم: الذي أصابت الشجة أم رأسه وهي الدماغ حتى لا يبقى بينها وبين الدماغ إلا جلد رقيق.
[5] الهرف (بالفتح) هنا: الهذيان، والهرف أيضا: مجاوزة القدر في الثناء والمدح. وفي «بعض الأصول»: «يهرق» وهو تصحيف.
[6] تألّى: حلف.
[7] يقال: رشت فلانا، إذا قويت جناحه بالإحسان إليه، فارتاش وتريش. وبراه: هزله وأضعفه. ومثله قول الشاعر:
فرشني بخير طالما قد بريتني ... فخير الموالي من يريش ولا يبرى
[8] الطلي (بالضم): الأعناق. والبتر: جمع بتور، وهو السيف القاطع.
[9] كذا في «أ، م». وفي «سائر الأصول»: «نحو مدامة» وهو تحريف.
[10] رجل كز اليدين: بخيل.
فبلغ الحضين قول أبي جلدة، فقال يجيبه:
عضّ أبو جلدة من أمّه ... معترضا ما جاوز الأسكتين [1]
بظرا [2] طويلا غاشيا [3] رأسه ... أعقف كالمنجل ذا شعبتين
/ وقال أبو جلدة في حصين أيضا:
لعمرك إنّي يوم أسند حاجتي ... إليك أبا ساسان [4] غير مسدّد
/ فلا عالم بالغيب من أين ضرّه ... ولا خائف بثّ الأحاديث في غد
فليت المنايا حلّقت بي صروفها ... فلم أطلب المعروف عند المصرّد [5]
فلو كنت حرّا يا حضين بن منذر ... لقمت بحاجاتي ولم تتبلّد
تجهّمتني خوف القرى واطّرحتني ... وكنت قصير الباع غير المقلّد [6]
ولم تعد ما قد كنت أهلا لمثله ... من اللّؤم يابن المستذلّ المعبّد
تهدده بنو رقاش لهجائه الحضين فقال شعرا:
قال: فبلغ أبا جلدة أنّ بني رقاش [7] تهدّدوه بالقتل لهجائه الحضين بن منذر، فقال:
تهدّدني جهلا رقاش وليتني ... وكلّ رقاشيّ على الأرض في الحبل
فباست حضين واست أمّ رمت به ... فبئس محلّ الضّيف في الزّمن المحل
وإن أنا لم أترك رقاش وجمعهم ... أذلّ على وطء الهوان من النّعل
فشلّت يداي واتبعت سوى الهدى ... سبيلا وقّفت للخير والفضل
عظام الخصى ثطّ [8] اللّحى معدن الخنا ... مباخيل بالأزواد في الخصب والأزل [9]
إذا أمنوا ضرّاء دهر تعاظلوا [10] ... عظال الكلاب في الدّجنّة والوبل
/ وإن عضّهم دهر بنكبة حادث ... فأخور عيدانا من المرخ والأثل [11]
__________
[1] الأسكتان (بفتح الهمزة وكسرها): جانبا الفرج وهما قذتاه.
[2] البظر: هنة بين أسكتي المرأة.
[3] كذا في «الأصول». وأحسب أن صوابه «عاسيا» أي شديدا صلبا.
[4] أبو ساسان: كنية الحضين بن المنذر.
[5] التصريد: قلة العطاء.
[6] كذا في «الأصول»!.
[7] رقاش: مبنية على الكسر مثل حذام وقطام، وبعضهم يجريها مجرى ما لا ينصرف.
[8] ثط: جمع أثط وثط (بالفتح) وهو القليل شعر اللحية. والمعدن اسم مكان من عدن بالبلد يعدن (من بابي ضرب ونصر) عدنا وعدونا أي أقام.
[9] الأزل: الضيق والشدة.
[10] التعاظل - ومثله العظال والاعتظال والمعاظلة - : الملازمة في السفاد. ويقال: عظلت الكلاب (من بابي نصر وسمع) إذا ركب بعضها بعضا. والدجنة: الظلمة، والغيم المطبق الريان المظلم. والوبل: المطر الضخم القطر، مثل الوابل.
[11] المرخ والأثل: ضربان من الشجر.
أسود شرّى وسط النّديّ ثعالب [1] ... إذا خطرت [2] حرب مراجلها تغلي
شعره في دهقانة كان يختلف إليها:
أخبرني محمد بن يحيى الصّوليّ قال حدّثني محمد بن عبد اللّه الأصبهانيّ المعروف بالحزنبل عن عمرو [3] بن أبي عمرو الشيبانيّ عن أبيه قال:
عشق أبو جلدة اليشكريّ دهقانة ببست وكان يختلف إليها ويكون عندها دائما، وقال فيها:
وكأس كأنّ المسك فيها حسوتها ... ونازعنيها صاحب لي ملوّم [4]
أغرّ كأنّ البدر سنّة [5] وجهه ... له كفل واف وفرع ومبسم [6]
يضيء دجى الظّلماء رونق خدّه ... وينجاب عنه الليل والليل مظلم
وثديان كالحقّين والمتن مدمج ... وجيد عليه نسق درّ منظّم
وبطن طواه اللّه طيّا ومنطق ... رخيم وردف نيط بالحقو مفأم [7]
به تبلتني واستبتني وغادرت ... لظى في فؤادي نارها تتضّرم
أبيت بها أهذي إذا الليل جنّني ... وأصبح مبهوتا فما أتكلّم
فمن مبلغ قومي الدّنا [8] أنّ مهجتي ... تبين، لئن بانت ألا تتلوّم [9]
وعهدي بها - واللّه يصلح بالها - ... تجود على من يشتهيها وتنعم
فما بالها ضنّت عليّ بودّها ... وقلبي لها يا قوم عان متيّم
/ قال: فلمّا بلغها الشعر سألت عن تفسيره ففسّر لها. فلما انتهى المفسّر إلى هذين البيتين الأخيرين غضبت فقالت:
أنا زانية كما زعم! إن كلمته كلمة أبدا. أو كلّما اشتهاني إنسان بذلت له نفسي وأنعمت من روحي [10] إذا! أي أنا إذا زانية. فصرمته، فلم يقدر عليها وعذّب بها زمانا، ثم قال فيها لمّا يئس منها:
/صحا قلبي وأقصر بعد غيّ ... طويل كان فيه من الغواني
بأن قصد السبيل فباع جهلا ... برشد وارتجى عقبى الزّمان
__________
[1] في «الأصول»: «وسط الندى وثعالب» بزيادة الواو.
[2] في «أ، م»: «حضرت».
[3] في «الأصول»: «عن أبي عمرو» وهو تحريف.
[4] ملوّم: يلومه الناس كثيرا.
[5] سنة الوجه: دائرته أو صورته أو الجبهة والجبينان.
[6] المبسم (بكسر السين): الثغر.
[7] نيط بالحقو: علق به. والحقو (بالفتح ويكسر): الكشح. وردف مفأم: سمين.
[8] القوم الدنا: الأقربون.
[9] التلؤم: التلبث والانتظار.
[10] كذا في «م». وفي «سائر الأصول» هكذا: «من رومي» بالميم وهو تحريف.
وخاف الموت واعتصم ابن حجر [1] ... من الحبّ المبرّح [2] بالجنان
وقدما كان معترما [3] جموحا ... إلى لذّاته سلس العنان
وأقلع بعد صبوته وأضحى ... طويل [4] اللّيل يهرف بالقران
ويدعو اللّه مجتهدا لكيما ... ينال الفوز من غرف الجنان
قال شعرا في يزيد بن المهلب ثم تنصل منه:
قال ابن حبيب قال أبو عبيدة:
كان يزيد بن المهلّب يتّهم بالنّساء. فقال فيه أبو جلدة:
إذا اعتكرت [5] ظلماء ليل ونوّمت ... عيون رجال واستلذّوا المضاجعا
سما نحو جار البيت يستام عرسه [6] ... يزيد دبيبا للمعاناة [7] قابعا [8]
وإن أمكنته جارة البيت أو رنت ... إليه أتاها بعد ذلك طائعا
/ فشاعت الأبيات ورواها الناس لقتادة بن معرب [9]. فقال أبو جلدة:
أبا خالد ركني ومن أنا عبده ... لقد غالني الأعداء عمدا لتغضبا
فإن كنت قلت اللّذ أتاك به العدا ... فشلّت يدي اليمنى وأصبحت أعضبا [10]
ولا زلت محمولا عليّ بليّة ... وأمسيت شلوا للسّباع مترّبا [11]
فلا تسمعن قول العدا وتبيّنن ... أبا خالد عذرا وإن كنت مغضبا
سئل عنه البعيث فذكر شعرا لقتادة بن معرب يهجوه به:
وقال ابن حبيب: قال رجل للبعيث: أيّ رجل [12] هو أبو جلدة؟ فقال: قتادة بن معرب أعرف به حيث يقول:
__________
[1] حجر: من آباء الشاعر.
[2] هذا الشطر مكانه بياض في «الأصول الخطية». وهو مثبت هكذا في الأصلين المطبوعين.
[3] الاعترام هنا: الشراسة والبطر مثل العرام والعرامة. وفي «بعض الأصول»: «معتزما» بالزاي المعجمة.
[4] كذا في «الأصول». ولعله «طوال الليل».
[5] في «الأصول»: «اعتركت» وهو تحريف. واعتكار الظلام: اشتداده واختلاطه.
[6] يسنام عرسه: يطلب زوجته.
[7] كذا!.
[8] في «الأصول»: «قانعا» بالنون وهو تصحيف. والقبع تغطية الرأس بالليل لريبة؛ قال الشاعر:
ولا أطرق الجارات بالليل قابعا ... قبوع القرنبي أخطأته مجاحره
أي يدخل رأسه في ثوبه كما يدخل القرنبي رأسه في جسمه. والقرنبي: دويبة شبه الخنفساء أو أعظم منها شيئا طويلة الرجل.
[9] كذا في «الأصول» وكتاب «الاشتقاق». وورد في كتاب «الشعر والشعراء» «مغرب» بالغين المعجمة مضبوطا بضم أوّله وفتح ثانيه وتشديد الراء مكسورة، وفيه «و يقال مغرب» وضبط بضم فسكون فكسر وفي «ب، س» في «أخبار زياد الأعجم» (ج 14 ص 104 طبعة بلاق): «مقرب» بالقاف. ولم نهتد لوجه الصواب فيه. وقتادة بن معرب من بني يشكر.
[10] الأعضب هنا: القصير اليد، والأعضب: من لا ناصر له، ومن الغنم: المكسور القرن.
[11] المترب: الملطخ بالتراب.
[12] في «الأصول»: أتى رجل» وهو تحريف.
إنّ أبا جلدة من سكره ... لا يعرف الحقّ من الباطل
يزداد غيّا وانهماكا ولا ... يسمع قول الناصح العاذل
أعيا أبوه وبنو عمّه ... وكان في الذّروة من وائل
فليته لم يك من يشكر ... فبئس خدن الرجل العاقل
أعمى عن الحقّ بصير بما ... يعرفه كلّ فتى جاهل
يصبح سكران ويمسي كما ... أصبح، لا أسقي من الوابل
شدّ ركاب الغيّ ثم اغتدى ... إلى التي تجلب من بابل
فالسّجن إن عاش له منزل ... والسّجن دار العاجز الخامل
شعر له يناقض به قتادة بن معرب:
وقال أبو جلدة يجيبه:
قبحت لو كنت امرأ صالحا ... تعرف ما الحقّ من الباطل
كففت عن شتمي بلا إحنة ... ولم تورّط كفّة [1] الحابل
لكن أبت نفسك فعل النّهى ... والحزم والنّجدة والنائل
فتحت لي بالشّتم حتى بدا ... مكنون غشّ في الحشا داخل
فاجهد وقل لا تتّرك جاهدا ... شتم امرىء ذي نجّدة عاقل
/ تعذلني في قهوة مزّة ... درياقة تجلب من بابل
ولو رآها خرّ من حبّها ... يسجد للشيطان بالباطل
يا شرّ بكر كلّها محتدا ... ونهزة المختلس الآكل
عرضك وفّره ودعني وما ... أهواه يا أحمق من باقل [2]
عربد عليه ابن عم له فاحتمله وقال شعرا:
قال ابن حبيب: كان أبو جلدة يشرب مع ابن عمّ له من بكر بن وائل، فسكر نديمه فعربد عليه وشتمه، فاحتلمه أبو جلدة وسقاه حتّى نام، وقال في ذلك:
أبى لي أن ألحى نديمي إذا انتشى ... وقال كلاما سيّئا لي على السّكر
وقاري وعلمي بالشّراب وأهله ... وما نادم القوم الكرام كذي الحجر [3]
__________
[1] كفة الحابل: حبالته التي يصيد بها. وهي منصوبة على نزع الخافض، أو على تضمين تورط معنى فعل متعد.
[2] المعروف في المثل أنه يقال «أعيا من باقل». وهو رجل من إياد، وقيل من ربيعة، بلغ من عيه أنه اشترى ظبيا بأحد عشر درهما، فمر بقوم فقالوا له: بكم اشتريت الظبي؟ فمد يديه ودلع لسانه يريد أحد عشر، فشرد الظبي وكان تحت إبطه، فضرب بعيه المثل.
[3] ذو الحجر: ذو العقل.
فلست بلاح لي نديما بزلّة ... ولا هفوة كانت ونحن على الخمر
عركت بجنبي قول خدني وصاحبي ... ونحن على صهباء طيّبة النّشر [1]
/فلمّا تمادى قلت خذها عريقة ... فإنّك من قوم جحاجحة زهر
فما زلت أسقيه وأشرب مثل ما ... سقيت أخي حتّى بدا وضح [2] الفجر
وأيقنت أنّ السّكر طار بلبّه ... فأغرق في شتمي وقال وما يدري
ولاك لسانا كان إذ كان صاحيا ... يقلّبه في كلّ فنّ من الشّعر
شعر له وقد دعا رجلا من قومه للشراب فأبى:
أخبرني محمد بن مزيد قال حدّثنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه عن عاصم بن الحدثان قال:
كان أبو جلدة اليشكريّ قد خرج إلى تستر [3] في بعث، فشرب بها في حانة مع رجل من قومه كان ساكنا بها.
ثم خرج عنها بعد ذلك وعاد إلى بست والرّخج وكان مكتبه [4] هناك، فأقام بها مدّة، ثمّ لقي بها ذلك الرجل الذي نادمه بتستر ذات يوم، فسلّم عليه ودعاه إلى منزله، فأكلا، ثم دعا بالشّراب ليشربا، فامتنع الرجل وقال: إنّي قد تركتها للّه. فقال أبو جلدة وهو يشرب:
ألا ربّ يوم لي ببست وليلة ... ولا مثل أيّامي المواضي بتستر
غنيت بها أسقي سلاف مدامة ... كريم المحيّا من عرانين يشكر
نبادر شرب الراح حتّى نهرّها [5] ... وتتركنا مثل الصّريع المعفّر
فذلك دهر قد تولّى نعيمه ... فأصبحت قد بدّلت طول التّوقّر
فراجعني حلمي وأصبحت [6] منهج ال ... شّراب وقد ما كنت كالمتحيّر
وكل أوان [7] الحق أبصرت قصده ... فلست وإن نبّهت عنه بمقصر
/ سأركض في التّقوى وفي العلم بعدما ... ركضت إلى أمر الغويّ المشهّر
وباللّه حولي واحتيالي وقوّتي ... ومن عنده عرفي الكثير ومنكري
مر به مسمع بن مالك فوثب إليه وقال فيه شعرا:
أخبرني محمد بن العبّاس اليزيديّ قال حدّثنا محمد بن الحارث المدائنيّ قال: مرّ مسمع بن مالك بأبي جلدة،
__________
[1] يقال: عركت ذنبه بجنبي إذا احتملته. والخدن: الصديق. والنشر: الرئحة.
[2] كذا في كتاب «الشعر والشعراء». ووضح الفجر: بياض الصبح. وفي «الأصول»: «واضح الفجر».
[3] تستر: مدينة بخوزستان.
[4] لعله: «و كان مكثه هناك» كما تقدّم نظيره في صفحة 313 سطر 12.
[5] هرّه: كرهه.
[6] كذا!. ولعله صوابه «منهج السبيل» أي أصبحت واضحا طريقي الذي أسلكه وقد كنت قديما كالمتحير؛ يقال نهج الطريق وأنهج إذا وضح وبان.
[7] في «الأصول الخطية»: «و قل أوان الحق». ولم نوفق للصواب فيه.
فوثب إليه وأنشأ يقول:
يا مسمع بن مالك يا مسمع ... أنت الجواد والخطيب المصقع
فاصنع كما كان أبوك يصنع
/ فقال له رجل كان جالسا هناك: إن قبل منك واللّه يا أبا جلدة ناك أمّه. فقال له: وكيف ذلك ويحك؟ قال: لأنك أمرته أن يصنع كما كان أبوه يصنع!.
مدح مقاتل بن مسمع طمعا في مثل ما كان مسمع يعطيه فلما ردّه هجاه:
وقال أبو عمرو الشّيبانيّ: كان مسمع بن مالك يعطي [أبا جلدة، فقال فيه [1]]:
يسعى أناس لكيما يدركوك ولو ... خاضوا بحارك أو ضحضاحها [2] غرقوا
وأنت في الحرب لا رثّ القوى برم ... عند اللّقاء ولا رعديدة فرق [3]
كلّ الحلال الّتي يسعى الكرام لها ... إن [4] يمدحوك بها يوما فقد صدقوا
ساد العراق فحال الناس صالحة [5] ... وسادهم وزمان الناس منخرق
لا خارجيّ ولا مستحدث شرفا ... بل مجد آل شهاب كان مذ خلقوا
/ قال: ثم مدح مقاتل بن مسمع طمعا في مثل ما كان مسمع يعطيه، فلم يلتفت إليه وأمر أن يحجب عنه. فقيل له:
تعرّضت للسان أبي جلدة وخبثه. فقال: ومن هو الكلب! وما عسى أن يقول قبحه اللّه وقبح من كان منه! فليجهد جهده. فبلغ ذلك من قوله أبا جلدة فقال يهجوه:
قرى ضيفه الماء القراح ابن مسمع ... وكان لئيما جاره يتذلّل
فلمّا رأى الضيف القرى غير راهن [6] ... لديه تولّى هاربا يتعلّل
ينادي بأعلى الصوت بكر بن وائل ... ألا كلّ من يرجو قراكم مضلّل
عميدكم هرّ الضيوف فما لكم ... ربيعة [7] أمسى ضيفكم يتحوّل
وخفتم بأن تقروا الضيوف وكنتم ... زمانا بكم يحيا الضّريك المعيّل [8]
فما بالكم باللّه أنتم بخلتم ... وقصّرتم والضيف يقرى وينزل
__________
[1] هذه الزيادة ليست في «الأصول الخطية».
[2] الضحضاح: الماء القليل القعر.
[3] رث القوى: ضعيفها. والبرم هنا: الضجر الملول. والرعديدة: الجبان يرعد عند القتال جبنا. والفرق: الفزع الشديد الخوف.
[4] في «الأصول»: «ليمدحوك» ولا يستقيم بها الكلام.
[5] كذا في «ج». وهو يريد أن الممدوح ساد العراق فصلحت حال الناس بسيادته وكان حالهم حين ساده في اضطراب وفوضى. وفي «سائر الأصول»: «و حال الناس» بالواو.
[6] غير راهن: غير حاضر.
[7] ربيعة: من بطون بكر بن وائل.
[8] في «ج»: «المفيل» بالفاء. وفي «سائر الأصول»: «المقيل» بالقاف. والمعيل: ذو العيال. والضريك: الفقير السيء الحال.
ويكرم حتّى يقترى [1] حين يقترى ... يقول إذا ولّى جميلا فيجمل
فمهلا بني بكر دعوا آل مسمع ... ورأيهم لا يسبق الخيل محثل [2]
ودونكم أضيافكم فتحدّبوا ... عليهم وواسوهم فذلك أجمل
/ ولا تصبحوا أحدوثة مثل قائل [3] ... به يضرب الأمثال من يتمثّل
إذا ما التقى الرّكبان يوما تذاكروا ... بني مسمع حتّى يحمّوا [4] ويثقلو
فلا تقربوا أبياتهم إنّ جارهم ... وضيفهم سيّان أتّى توسّلوا
هم القوم غرّ الضيف منهم رواؤهم ... وما فيهم إلّا لئيم مبخّل
فلو ببني شيبان حلّت ركائبي ... لكان قراهم راهنا [5] حين أنزل
أولئك أولى بالمكارم كلّها ... وأجدر يوما أن يواسوا ويفضلوا
بني مسمع لا قرّب اللّه داركم ... ولا زال واديكم من الماء يمحل
فلم تردعوا الأبطال بالبيض والقنا ... إذا جعلت نار الحروب تأكّل
__________
[1] اقترى الأولى: تتبع، واقترى الأخرى: أضاف؛ يقال: افترى فلان الضيف، مثل قراه. يقول: إن من حق الضيف أن يكرم ما دام ثاويا، فإذا رحل وجب أن تتبعه الكرامة حيث حيل؛ كما قال الآخر:
ونكرم جارنا ما دام فينا ... ونتبعه الكرامة حيث سارا
وهذا البيت ليس في «ج».
[2] في «الأصول»: «محتل» بالمثناة، ولم نجد لها معنى. والمحثل (بالمثلثة): الضاوي الدقيق السيء الغذاء؛ يقال أحثلت الصبي إذا أسأت غذاءه، وأحثله الدهر: أساء حانه.
[3] كذا!.
[4] حم فلان: أصابته الحمى.
[5] في بعض «الأصول»: «واهنا» بالواو، وهو تحريف. والراهن: الحاضر.
19 - أخبار علّويه ونسبه
نسب علويه وأصله:
هو عليّ بن عبد اللّه بن سيف [1]. وكان جدّه من السّغد [2] الذين سباهم الوليد بن [3] /عثمان بن عفّان واسترقّ منهم جماعة اختصّهم بخدمته، وأعتق بعضهم، ولم يعتق الباقين فقتلوه. وذكر ابن خرداذبه، وهو ممن لا يحصّل قوله ولا يعتمد عليه، أنّه من أهل يثرب مولى بني أميّة، والقول الأوّل أصحّ.
مهارته في الغناء والضرب وبعض أخلاقه ونشأته وسبب وفاته:
ويكنى علّويه أبا الحسن. وكان مغنيّا حاذقا، ومؤدّبا محسنا، وصانعا متفنّنا، وضاربا متقدّما، مع خفّة روح، وطيب مجالسة، وملاحة نوادر. وكان إبراهيم الموصليّ علّمه وخرّجه وعني به جدّا، فبرع وغنّى لمحمد الأمين، وعاش إلى أيّام المتوكّل، ومات بعد إسحاق الموصليّ بمديدة يسيرة. وكان سبب وفاته أنّه خرج به جرب، فشكاه إلى يحيى ابن ماسويه، فبعث إليه بدواء مستهل وطلاء، فشرب الطّلاء، واطّلى بالدواء المسهل، فقتله ذلك. وكان إسحاق يتعصب له في أكثر أوقاته على مخارق. فأمّا التقديم والوصف فلم يكن إسحاق يرى أحدا من جماعته لهما [4] أهلا، فكانوا يتعصّبون عليه لإبراهيم بن المهديّ، فلا يضرّه ذلك مع تقدّمه وفضله.
رأي إسحاق الموصلي فيه وفي مخارق:
أخبرني محمد بن مزيد قال حدّثنا حمّاد بن إسحاق قال: قلت لأبي: أيّما أفضل عندك مخارق أو علّويه؟
فقال: يا بنيّ علّويه أعرفهما فهما بما يخرج من رأسه وأعلمهما بما يغنّيه ويؤدّيه، ولو خيّرت بينهما من يطارح جواريّ أو شاورني من يستنصحني لما أشرت إلّا بعلّويه؛ لأنه كان يؤدّي الغناء، وصنع صنعة محكمة. ومخارق بتمكّنه من حلقه وكثرة نغمه لا يقنع بالأخذ منه؛ لأنه لا يؤدّي صوتا واحدا كما أخذه ولا يغنّيه مرّتين غناء واحدا لكثرة زوائده فيه. ولكنّهما إذا اجتمعا عند خليفة أو سوقة غلب مخارق على المجلس والجائزة لطيب صوته وكثرة نغمه.
حدّثني جحظة قال حدّثني أبو عبد اللّه بن حمدون قال حدّثني أبي قال:
اجتمعت مع إسحاق يوما في بعض دور بني هاشم، وحضر علّويه فغنّى أصواتا ثم غنّى من صنعته:
__________
[1] كذا في كل «الأصول» و «مختصر الأغاني» لابن منظور. وكتب المرحوم الأستاذ الشنقيطي بهامش نسخته «يوسف» بدل «سيف».
[2] السغد: ناحية كثيرة المياه. والبساتين والأشجار بها قرى كثيرة بين بخارى وسمرقند، وربما قيل فيها «الصغد» بالصاد. ويقال لسكان تلك الناحية سغد.
[3] كذا في «ح» و «مختار الأغاني» و «نهاية الأرب». وفي سائر الأصول: «سباهم عثمان بن الوليد زمن عثمان بن عفان» وهو تحريف. والمعروف في كتب «التاريخ» أن الذي فتح تلك النواحي سنة 56 ه هو سعيد بن عثمان بن عفان.
[4] في الأصول الخطية: «لها».
صوت
ونبّئت ليلى أرسلت بشفاعة ... إليّ فهلّا نفس [1] ليلى شفيعها
- ولحنه ثاني ثقيل - فقال له إسحاق: أحسنت واللّه يا أبا الحسن! أحسنت ما شئت!. فقام علّويه من مجلسه فقبّل رأس إسحاق وعينيه وجلس بين يديه وسرّ بقوله سرورا شديدا، ثم قال: أنت سيدي وابن سيّدي، وأستاذي وابن أستاذي، ولي إليك حاجة. قال: قل، فو اللّه إني أبلغ فيها ما تحبّ. قال: أيّما أفضل عندك/ أنا أو مخارق؟
فإني أحبّ أن أسمع منك في هذا المعنى قولا يؤثر ويحكيه عنك من حضر، فتشرّفني [2] به. فقال إسحاق: ما منكم إلّا محسن مجمل، فلا ترد أن ترى في هذا شيئا. قال: سألتك بحقّي عليك وبتربية أبيك وبكلّ حقّ تعظّمه إلّا حكمت. فقال: ويحك! واللّه لو كنت أستجيز أن أقول غير الحق لقلته فيما تحبّ، فأمّا إذا أبيت إلّا ما ذكرت فهاك ما عندي: فلو خيّرت أنا من يطارح جواريّ أو يغنّيني لما اخترت غيرك، ولكنّما إذا غنّيتما بين يدي خليفة أو أمير غلبك على إطرابه واستبدّ عليك بجائزته. فغضب علّويه وقام وقال: أفّ من رضاك ومن غضبك!.
شاع له صوت كان الناس يظنونه لإسحاق:
حدّثني جعفر بن قدامة قال حدّثني عليّ بن يحيى المنجّم قال:
قدمت من سرّ من رأى قدمة إلى بغداد،/ فلقيت أبا محمد إسحاق بن إبراهيم الموصليّ، فجعل يسألني عن أخبار الخليفة وأخبار الناس حتّى انتهى إلى ذكر الغناء، فقال: أيّ شيء رأيت الناس يستحسونه في هذه الأيّام من الأغاني، فإنّ الناس ربما لهجوا بالصوت بعد الصوت؟ فقلت: صوتا من صنعتك. فقال: أيّ شيء هو؟ فقلت:
صوت
ألا يا حمامي قصر دوران [3] هجتما ... بقلبي الهوى لمّا تغنّيتما ليا
وأبكيتماني وسط صحبي ولم أكن ... أبالي دموع العين لو كنت خاليا
فضحك وقال: ليس هذا لي، هذا لعلويه، ولقد لعمري أحسن فيه وجوّد ما شاء.
لحن علّويه في هذين البيتين ثاني ثقيل بالوسطى.
أتاه بعض أصحابه فأطعمهم وغناهم ألحانا له:
حدّثني عمّي قال حدّثنا عبد اللّه بن عمرو قال حدّثني أحمد بن محمد بن عبد اللّه الأبزاريّ قال:
أتيت علّويه يوما بالعشيّ، فوجدت عنده خاقان بن حامد وعبد اللّه بن صالح صاحب المصلّى، وكنت حملت
__________
[1] هلا التي للتحضيض يليها الفعل؛ ولذلك تأوّل النحويون هذا البيت، فقيل هو على تقدير «كان» التي اسمها ضمير الشأن، وجملة «نفس ليلى شفيعها» خبرها. وقيل: «نفس ليلى» فاعل لفعل محذوف، والتقدير فهلا شفعت نفس ليلى، ويكون شفيعها خبرا لمحذوف، والتقدير: هي شفيعها أي نفسها شفيعها. على أن بعض النحويين يجيز مجيء الجمل الاسمية بعد أدوات التحضيض مستدلا بهذا البيت.
[2] في «ب، س»: «فشرفني به».
[3] دوران: موضع خلف جسر الكوفة كان به قصر لإسماعيل القسري أخي خالد بن عبد اللّه القسري أمير الكوفة. (عن «معجم البلدان» لياقوت).
معي قفص فراريج كسكريّة [1] مسمّنة وجرابي دقيق سميذ [2]، فسلّمته إلى غلامه، وبعث [3] إلى بشر بن حارثة:
أطعمنا ما عندك، فلم يزل يطعمنا فضلات حتى أدرك طعامه، ثم بعث إلى عبد الوهّاب بن الخصيب بن عمرو فحضر، وقدّم الطعام فأكل وأكلنا أكل معذّرين [4]، ثم قال: إنّي صنعت البارحة لحنا أعجبني، فاسمعوه وقولوا فيه ما عندكم، وغنّانا فقال:
صوت
هزئت عميرة أن رأت ظهري انحنى ... وذؤابتي [5] علّت بماء خضاب
لا تهزئي منّي عمير فإنّني ... محض كريم شيبتي وشبابي
- لحن علّويه في هذين البيتين من الثقيل الثاني بالوسطي - فقلنا له: حسن واللّه جميل يا أبا الحسن، وشربنا عليه [6] أقداحا. ثم استؤذن لعثعث غلام أحمد بن يحيى ابن معاذ، فأذن له، ومع عثعث كتاب من مولاه أحمد بن يحيى: سمعت يا سيّدي منك صوتا عند أمير المؤمنين (يعني المعتصم)، فأحبّ أن تتفضّل وتطرحه على عبدك عثعث. وهو:
صوت
فوا حسرتا لم أقض منك لبانة ... ولم أتمتّع بالجوار وبالقرب
يقولون هذا آخر العهد منهم ... فقلت وهذا آخر العهد من قلبي
لحن علّويه في هذا الشعر ثقيل أوّل، وهو من مقدّم أغانيه وصدورها. وأوّل هذا الصوت:
ألا يا حمام الشّعب شعب مورّق [7] ... سقتك الغوادي من حمام ومن شعب
قال: وإذا مع حسين [8] رقعة من مولاه: سمعتك يا سيّدي تغنّي عند الأمير أبي إسحاق إبراهيم بن المهديّ:
ألا يا حمامي قصر دوران هجتما ... بقلبي الهوى لمّا تغنّيتما ليا
أحبّ أن تطرحه على عبدك حسين. قال: فدعا بغلام له يسمّى عبد آل فطرحه عليهما حتى/ أحكماه ثم عرضاه عليه حتّى صحّ لهما. فما أعلم أنّه مرّ لنا يوم يقارب طيب ذلك اليوم وحسنه.
وصف الواثق له:
حدّثني جعفر بن قدامة قال حدّثني عبيد اللّه بن عبد اللّه بن طاهر قال:
__________
[1] كذا في «ج». وفي «سائر الأصول»: «دسكرية» وهو تحريف. والفراريج الكسكرية: منسوبة إلى كسكر، وهي كورة كانت بين البصرة والكوفة، وكانت قصبتها «واسط».
[2] السميذ (بالدال وبالذال، وبالمعجمة أفصح): الحوّاري، وهو خالص الدقيق بعد استخراج ما فيه من نخالة.
[3] كذا في «ج» وفي «سائر الأصول»: «و بعثت».
[4] المعذرون هنا: المقصرون الذين لم يبالغوا في الأكل.
[5] في «ج»: «و ذوائبي».
[6] زاد في «ج» هنا: «يومنا».
[7] الرواية فيما تقدم (ج 6 ص 295 من طبعة دار الكتب): «شعب مراهق».
[8] لم يتقدّم لحسين هذا ذكر في القصة.
سمعت أبي يقول سمعت الواثق يقول: علّويه أصحّ الناس صنعة بعد إسحاق، وأطيب الناس صوتا بعد مخارق، وأضرب الناس بعد ربرب وملاحظ، فهو مصلّي كلّ سابق قادر، وثاني كلّ أوّل واصل متقدّم. قال: وكان الواثق يقول: غناء علّويه مثل نقر الطّست يبقى ساعة في السمع بعد سكوته.
خطأ إسحاق لحنا غناه عند المعتصم فردّ هو عليه:
نسخت من كتاب أبي العبّاس بن ثوابة بخطّة: حدّثني أحمد بن إسماعيل أبو حاتم قال حدّثني عبد اللّه بن العبّاس الربيعيّ قال:
/ اجتمعت يوما بين يدي المعتصم وحضر إسحاق الموصليّ؛ فغنّى علّويه:
لعبدة دار ما تكلّمنا الدار ... تلوح مغانيها كما لاح أسطار [1]
فقال إسحاق: أخطأت فيه، ليس هو هكذا. فغضب علّويه وقال: أمّ من أخذنا عنه هكذا [2] زانية. فقال إسحاق:
وشتمنا قبحه اللّه، وسكت وبان ذلك فيه. قال: وكان علّويه أخذه من أبيه [3].
كان أعسر وعوده مقلوب الأوتار:
حدّثني عمّي قال حدّثنا هارون بن مخارق قال:
كان علّويه أعسر وكان عوده مقلوب الأوتار: البمّ أسفل الأوتار كلّها، ثم المثلث فوقه، ثم المثنى، ثم الزّبر، وكان عوده إذا كان في يد غيره مقلوبا على هذه الصفة، وإذا كان معه أخذه باليمنى وضرب باليسرى، فيكون مستويا في يده ومقلوبا في يد غيره.
كان بينه وبين ابن أخته الخلنجي القاضي منازعة فغنى بشعره للمأمون فعزله عن القضاء:
أخبرنا محمد بن خلف وكيع قال كان الخلنجيّ [4] القاضي، واسمه عبد اللّه [بن محمد [5]]، ابن أخت علّويه المغنّي، وكان تيّاها صلفا، فتقلّد في خلافة الأمين قضاء الشّرقيّة [6]، فكان يجلس إلى أسطوانة من أساطين المسجد فيستند إليها بجميع جسده ولا يتحرّك، فإذا تقدّم إليه الخصمان أقبل عليهما بجميع جسده وترك الاستناد حتّى يفصل بينهما ثم يعود لحاله. فعمد بعض المجّان إلى رقعة من الرّقاع التي يكتب فيها الدّعاوى فألصقها/ في موضع ذنبته [7] بالدّبق [8] ومكّن [9] منها الدّبق. فلمّا تقدّم إليه الخصوم وأقبل عليهم بجميع جسده كما كان يفعل انكشف رأسه وبقيت الذنبة موضعها مصلوبة ملتصقة، فقام الخلنجيّ مغضبا وعلم أنّها حيلة وقعت عليه، فغطّى
__________
[1] الأسطار: جمع سطر وهو الخط من الكتابة. وتشبيه آثار الديار بخطوط الكتاب مستفيض في الشعر العربي.
[2] في «الأصول» هنا: « ... هكذا في روايته». والتصويب مما تقدّم في «الأغاني» ج 5 ص 351 من طبعة دار الكتب.
[3] زاد في «ج» هنا: «يعني من أبي إسحاق وهو إبراهيم الموصلي» بالمداد الأحمر، مما يدل على أنه من وضع قارىء للنسخة، فأثبتت هذه الزيادة في «ب، س».
[4] في «الأصول»: ما عدا «ج»: «الخليجي» وهو تصحيف.
[5] زيادة من «مختصر الأغاني».
[6] الشرقية هنا: محلة بالجانب الغربي من بغداد.
[7] كذا في «مختصر الأغاني». وفي «الأصول»: «دنيته» وكذلك في الموضع الآتي. وظاهر أنها كانت من غطاء الرأس.
[8] الدبق: الغراء.
[9] كذا في «مختصر الأغاني». وفي «الأصول»: «بالدبق وتمكن منها. فلما تقدّم إلخ».
رأسه بطيلسانه وقام فانصرف وتركها مكانها، حتى جاء بعض أعوانه فأخذها. وقال بعض شعراء ذلك العصر فيه هذه الأبيات:
إنّ الخلنجيّ من تتايهه ... أثقل باد لنا بطلعته
ما إن لذي نخوة مناسبة [1] ... بين أخاوينه وقصعته
يصالح الخصم من يخاصمه ... خوفا من الجور في قضيّته
لو لم تدبّقه كفّ قانصه [2] ... لطارتيها [3] على رعيّته
قال: وشهرت الأبيات والقصّة ببغداد، وعمل له علّويه حكاية أعطاها للزفّانين [4] والمخنّثين فأحرجوه فيها، وكان علّويه يعاديه لمنازعه كانت بينهما ففضحه، واستعفى الخلنجيّ من القضاء ببغداد وسأل أن يولّى بعض الكور البعيدة، فولّي جند دمشق أو حمص. فلمّا ولي/ المأمون الخلافة غنّاه علّويه بشعر الخلنجيّ فقال:
برئت من الإسلام إن كان ذا الّذي ... أتاك به الواشون عنّي كما قالوا
/ ولكنّهم لمّا رأوك غريّة [5] ... بهجري تواصوا بالنميمة واحتالوا
فقد صرت أذنا للوشاة سميعة ... ينالون من عرضي وإن شئت ما نالوا
فقال له المأمون: من يقول هذا الشعر؟ فقال: قاضي دمشق. فأمر المأمون بإحضاره، فكتب إلى صاحب دمشق بإشخاصه فأشخص، وجلس المأمون للشّرب وأحضر علّويه، ودعا بالقاضي فقال له: أنشدني قولك:
برئت من الإسلام إن كان ذا الذي ... أتاك به الواشون عني كما قالوا
فقال له: يا أمير المؤمنين هذه أبيات قلتها منذ أربعين سنة وأنا صبيّ، والذي أكرمك بالخلافة وورّثك ميراث النبوّة ما قلت شعرا منذ أكثر من عشرين سنة إلّا في زهد أو عتاب صديق. فقال له: اجلس فجلس، فناوله قدح نبيذ التمر أو الزّبيب. فقال: لا واللّه يا أمير المؤمنين ما أعرف شيئا منها. فأخذ القدح من يده وقال: أما واللّه لو شربت شيئا من هذا لضربت عنقك، وقد ظننت أنّك صادق في قولك كلّه، ولكن لا يتولّى لي القضاء رجل بدأ في قوله بالبراءة من الإسلام، انصرف إلى منزلك. وأمر علّويه فغيّر الكلمة وجعل مكانها «حرمت مناي منك».
ضربه الأمين بوشاية ابن الربيع ثم تقرّب بذلك إلى المأمون فلم ير منه ما يحب:
حدّثني جعفر بن قدامة قال حدّثني محمد بن عبد اللّه بن مالك قال:
كان علّويه يغنّي بين يدي الأمين، فغنّى في بعض غنائه:
ليت هندا أنجزتنا ما تعد ... وشفت أنفسنا مما تجد
__________
[1] كذا في «الأصول الخطية». وفي «ب، س»: «مناشبة» بالشين المعجمة. والأخاوين: جمع خوان (بضم أوله وكسره) وهو ما يؤكل عليه الطعام.
[2] في «ب، س»: «قابضه» وهو تصحيف. والتدبيق: صيد الطائر بالدبق وهو الغراء يلزق بجناح الطائر فيصاد به. يقال: دبقه (من باب ضرب) ودبقه (بالتضعيف).
[3] في «الأصول»: «منها». والتصويب من «مختصر الأغاني».
[4] الزفانون: الرقاصون.
[5] غرية: مولعة. وفي «الطبري» (القسم الثالث صفحة 1150): «سريعة. إليّ».
وكان الفضل بن الربيع يطعن عليه، فقال للأمين: إنّما يعرّض بك ويستبطىء المأمون في محاربته؛ فأمر به فضرب خمسين سوطا وجرّ برجله، وجفاه مدّة،/ حتى ألقى نفسه على كوثر فترضّاه له وردّ إلى خدمته، وأمر له بخمسة آلاف دينار. فلمّا قدم المأمون تقرّب إليه بذلك، فلم [1] يقع له بحيث يحبّ، وقال له: إنّ الملك بمنزلة الأسد أو النار، فلا تتعرّض لما يغضبه، فإنه ربّما جرى منه ما يتلفك ثم لا تقدر بعد ذلك على تلافي ما فرط منه [2]، ولم يعطه شيئا.
غضب الأمين على إبراهيم الموصلي بعد موته لتقديم اسم المأمون عليه في شعره وترضاه ابنه إسحاق:
ومثل هذا من فعل الأمين، ما حدّثني به محمد بن مزيد بن أبي الأزهر قال حدّثنا حمّاد بن إسحاق قال حدّثني أبي قال:
دخلت على الأمين فرأيته مغضبا كالحا، فقلت له: ما لأمير المؤمنين - تمّم اللّه سروره ولا نغّصه [3] - أراه كالحائر؟ قال: عاظني أبوك الساعة لا رحمه اللّه! واللّه لو كان حيا لضربته خمسمائة سوط، ولو لاك لنبشت الساعة قبره وأحرقت عظامه. فقمت على رجلي وقلت: أعوذ باللّه من سخطك يا أمير المؤمنين! ومن أبي وما مقداره حتّى تغتاظ منه! وما الذي غاظك فلعلّ له فيه عذرا؟ فقال: شدّة محبّته للمأمون وتقديمه إيّاه حتّى قال في الرشيد شعرا يقدّمه فيه عليّ وغنّاه فيه، وغنّيته الساعة فأورثني هذا الغيظ. فقلت: واللّه ما سمعت بهذا قطّ ولا لأبي غناء إلّا وأنا أرويه، ما هو؟ فقال: قوله:
/أبو المأمون فينا والأمين ... له كفنان من كرم ولين
فقلت له: يا أمير المؤمنين لم يقدّم المأمون في الشعر لتقديمه إياه في الموالاة، ولكنّ الشعر لم يصحّ وزنه إلّا هكذا. فقال: كان ينبغي له إذ لم يصحّ الشعر إلّا هكذا أن يدعه إلى لعنة اللّه. فلم أزل أداريه وأرفق به حتى سكن.
فلمّا قدم المأمون سألني عن هذا الحديث فحدّثته به، فجعل يضحك ويعجب منه.
مدحه عبد اللّه بن طاهر:
حدّثني جعفر بن قدامة قال حدّثني عبيد اللّه بن عبد اللّه بن طاهر قال:
سمعت أبي يقول: لو خيّرت لونا من الطّعام لا أزيد عليه غيره لاخترت الدّرّاجة [4]؛ لأني إن زدت في خلّها صارت سكباجة [5]، وإن زدت في مائها صارت إسفيد باجة [6]، وإن زدت في تصبيرها بل في تشييطها صارت
__________
[1] في «الأصول»: «و لم» بالواو.
[2] في ب، س: «منك» وهو تحريف.
[3] في «ج، ب، من»: «و لا نقصه» بالقاف.
[4] الدراج (بالضم): ضرب من طير العراق أسود باطن الجناحين وظاهرهما أغبر، على خلقة القطا إلا أنه ألطف. وجعله الجاحظ من أقسام الحمام لأنه يجمع فراخه تحت جناحيه كما يجمع الحمام.
[5] السكباج: مرق يعمل من اللحم والخل، معرب «سكبا» مركب من «سك» أي خل، ومن «با» أي طعام. (عن كتاب الألفاظ الفارسية المعربة»).
[6] الاسفيدباجة: لون من الطعام يتكوّن من البصل والزبدة ومن أشياء أخرى. (عن «القاموس الفارسي الإنكليزي» لاستنجاس). ويبدو أن هذا التعريف لا يتفق مع ما يدل عليه سياق العبارة هنا، فإنه يدل على أنها تصير ضربا من الحساء.
مطجّنة [1]. ولو اقتصرت على رجل واحد لما اخترت سوى علّويه؛ لأنه إن حدّثني ألهاني، وإن غنّاني أشجاني، وإن رجعت إلى رأيه كفاني.
حضر عند سعيد بن عجيف فأكرمه ثم طلبه عجيف:
حدّثني عمي قال حدّثني عبد اللّه بن أبي سعد قال حدّثني محمد بن محمد الأبزاريّ قال:
كنت عند سعيد بن عجيف أنا وعبد الوهّاب بن الخصيب وعبد اللّه بن صالح صاحب المصلّى، إذ دخل عليه حاجبه فقال له: علّويه بالباب، فأذن له فدخل. فقال له: لا تحمدني فإنّي لم يجئني رسول رجل اليوم، فعرضت إخواني جميعا على قلبي فلم يقع عليه غيرك. فدعا له ببرذون ادهم بسرجه ولجامه فأهداه إليه، وجلسنا نشرب وعلّويه يغنّي. فلمّا توسّطنا أمرنا جاء رسول عجيف [2] يطلبه في منزله، فقالوا له: هو عند ابنه سعيد. فأتاه الرسول فقال له: أجب الأمير. فقلنا: هذا شيء ليس فيه حيلة. وقد جاء الرسول وهو يغنّي:
صوت
ألم تر أنّي يوم جوّ سويقة [3] ... بكيت فنادتني هنيدة ماليا
فقلت لها إنّ البكاء لراحة ... به يشتفي من ظنّ أن لا تلاقيا
- لحن علّويه في هذا رمل. والشعر للفرزدق - قال: فقام علّويه ثم قال: هو ذا، أمضى إلى الأمير فأحدّثه بحديثنا وأستأذنه في الانصراف بوقت يكون فيه فضل لكم. فانصرف بعد المغرب ومعه جام، فيه مسك وعشرة آلاف درهم ومنيان [4] فيهما رماطون [5]، فقال: جئت أشرب عندكم، وآخذه [6] وأنصرف إلى إنسان له عندي أياد (يعني عليّ بن معاذ أخا يحيى بن معاذ) فلم يزل عندنا حتّى همّ بالانصراف. فلمّا رأيت ذلك فيه قمت قبله فأتيت منزل عليّ بن معاذ، فقيل له: ابن الأبزاريّ بالباب. فبعث إليّ: إن أردت مضاء فخذه (يعني غلاما كان يغنّي)، فقلت له:
لست أريده، إنّما أريدك أنت، فأذن لي فدخلت. فقال: ألك حاجة في هذا الوقت؟ فقلت: الساعة يجيئك علّويه.
فقال: وما يدريك؟ فحدّثته بالحديث. ودخل علّويه، فقال لي: ما جاء بك إلى هاهنا فقلت [7]: ما كنت لأدع بقيّة ليلتي هذه تضيع، فما زال يغنّينا ونشرب حتى نام الناس ثم انصرفنا.
فضله عمرو بن بانة على نفسه:
حدّثني جعفر بن قدامة قال حدّثنا هارون بن مخارق قال حدّثني أبي قال:
__________
[1] مطجنة: مقلوة بالطاحن.
[2] هو عجيف بن عنبسة أحد رجالات دولة بني العباس ومن قوّاد المعتصم. (راجع «الطبري أوربا القسم الثالث صفحة 1166 - 168 و1256 - 1258 و1364 - 1266).
[3] جوّ سويقة: من جواء الصمان. (عن «معجم البلدان» لياقوت).
[4] المنى: مكيال يكيلون به السمن وغيره. وتثنيته منون ومنيان، والأوّل أعلى، وجمعه أمناء. وبنو تميم يقولون منّ (بتشديد النون) ومنان وأمنان.
[5] كذا في «ج». وأحسب أن الصواب: «فيهما رساطون». والرساطون: ضرب من الشراب يتخذ من الخمر والعسل، رومي معرب.
وفي «سائر الأصول»: «فيهما رمان». وظاهر أنه تحريف.
[6] مرجع الضمير ما كان معه من الجام وما نسق عليه.
[7] في «الأصول»: «فقال» وسياق الكلام يأباه.
/ قلت لعمرو بن بانة: أيّما أجود صنعتك أم صنعة علّويه؟ فقال: صنعة علّويه، لأنه ضارب وأنا مرتجل. ثم أطرق ساعة وقال: لا أكذبك يا أبا المهنّأ واللّه ما أحسن/ أن أصنع مثل صنعة علّويه.
فواحسرتا لم أقض منك لبانة ... ولم أتمتّع بالجوار وبالقرب
ولا مثل صنعته:
هزئت أميمة أن رأت ظهري انحنى ... وذؤابتي علّت بماء خضاب
ولا مثل صنعته:
ألا يا حمامي قصر دوران هجتما ... لقلبي الهوى لمّا تغنّيتما ليا
وقد مضت نسبة هذه الأصوات.
غنى في شعر هجى به عليّ بن الهيثم فأغرى الفضل بن الربيع بن الأمين حتى ضربه ثم رضي عنه:
حدّثني جحظة قال حدّثني أحمد بن الحسين بن هشام أبو عبد اللّه قال حدّثني أحمد بن الخليل بن هشام قال:
كان بين علّويه وبين عليّ بن الهيثم جونقا شرّ في عربدة وقعت بينهما بحضرة الفضل بن الربيع وتمادى الشرّ بينهما، فغنّى علّويه في شعر هجاه به أبو يعقوب [1] في حاجة، فهجاه وذكر أنه دعيّ. وكان جونقا يدّعي أنّه من بني تغلب، فقال فيه أبو يعقوب:
يا عليّ بن هيثم يا جونقا ... أنت عندي من الأراقم [2] حقّا
عربيّ وجدّه نبطيّ! ... فدبنقا لذا الحديث دبنقا [3]
/قد أصابتك في التقرّب عين ... فاستنارت لشهبها الفلك برقا [4]
وإذا قال إنني عربيّ ... فانتهزه وقل له أنت شفقا
- وللخريميّ فيه أهاج كثيرة نبطيّة - فغنّى علّويه لحنا صنعه في هذه الأبيات بحضرة الأمين، وكان الفضل بن الربيع حاضرا فقال: يا أمير المؤمنين عليّ بن الهيثم كابني، وإذا استخفّ به فإنّما استخفّ بي. فقال الأمين:
خذوه، فأخذوه وضرب ثلاثين درّة، وأمر بإخراجه. فطرح علّويه نفسه على كوثر فاستصلح له الفضل بن الربيع، وترضّى له الأمين حتى رضي عنه ووهب له خمسة آلاف دينار.
__________
[1] هو أبو يعقوب إسحاق بن حسان بن قوهى الشاعر المعروف بالخزيمي. نزل بغداد وأصله من خراسان من أبناء السفد، وكان متصلا بخريم بن عامر المري وآله فنسب إليه. وقيل: كان اتصاله بعثمان بن خريم. وكان عثمان هذا قائدا جليلا وسيدا شريفا. ومن شعر الخريمي:
رسا بالصغد أصل بني أبينا ... وأفرعنا بمهرو الشاهجان
وكم بالصغد لي من عم صدق ... وخال ماجه بالجوزجان
وكان شاعرا مجيدا من شعراء الدولة العباسية، توفي سنة 200 ه.
[2] الأراقم هنا: حيّ من تغلب.
[3] تظهر أن هذه الكلمة نبطية، وكذلك كلمة «شفقا» الآتية.
[4] كذا ورد هذا الشطر في «ب، س» وفي «ج»: «فشاب لها العلك برقا». وفي «أ، م»: «فسارب العلك برقا». وكل ذلك غير واضح ولا مستقيم.
ادعى أنه لو شاء جعل الغناء كالجوز فرد عليه إسحاق بما أخجله:
حدّثني جعفر بن قدامة قال حدّثني محمد بن عبد اللّه بن مالك قال حدّثني مخارق قال:
غنّى علّويه يوما بحضرة الواثق هذا الصوت:
صوت
من صاحب الدّهر لم يحمد تصرّفه ... عنا [1] وللدّهر إحلاء وإمرار
- ولحنه ثقيل أوّل - فاستحسنه الواثق وطرب عليه. فقال علّويه: واللّه لو شئت لجعلت الغناء في أيدي الناس أكثر من الجوز، وإسحاق حاضر بين يدي الواثق، فتضاحك ثم قال: يا أبا الحسن، إذا تكون قيمته مثل قيمة الجوز، ليتك إذ قلّلته [2] صنعت شيئا، فكيف إذا كثّرته!. فخجل علّويه حتى كأنّما ألقمه إسحاق حجرا، وما انتفع بنفسه يومئذ.
ترك موعد المأمون ليذهب إلى عريب ثم غناه بما صنعاه فاستظرفه:
حدّثني محمد بن يحيى الصّوليّ قال حدّثني عبد اللّه بن المعتزّ قال حدّثني عبد اللّه الهشاميّ قال:
/ قال لي علّويه: أمرنا المأمون أنّ نباكره لنصطبح، فلقيني عبد اللّه بن إسماعيل المراكبيّ مولى عريب، فقال:
أيها الظالم المعتدي أما ترحم ولا ترقّ، عريب هائمة من الشّوق إليك تدعو اللّه وتستحكمه عليك وتحلم بك في نومها في كلّ ليلة ثلاث مرّات. قال علّويه: فقلت/ أمّ الخلافة زانية، ومضيت معه. فحين دخلت قلت: استوثق من الباب، فأنا أعرف الناس بفضول الحجّاب، فإذا عريب جالسة على كرسيّ تطبخ ثلاث قدور من دجاج. فلمّا رأتني قامت فعانقتني وقبّلتني وقالت: أيّ شيء تشتهي؟ فقلت: قدرا من هذه القدور، فأفرغت قدرا بيني وبينها فأكلنا، ودعت بالنّبيذ فصبّت رطلا فشربت نصفه وسقتني نصفه، فما زلت أشرب حتى كدت أن أسكر. ثم قالت: يا أبا الحسن، غنّيت البارحة في شعر لأبي العتاهية أعجبني، أفتسمعه منّي وتصلحه؟ فغنّت:
صوت
عذيري من الإنسان لا إن جفوته ... صفا لي ولا إن صرت طوع يديه
وإنّي لمشتاق إلى ظلّ صاحب ... يروق ويصفو إن كدرت عليه
فصيّرناه مجلسا. وقالت: قد بقي فيه شيء، فلم [3] أزل أنا وهي حتى أصلحناه. ثم قالت: وأحبّ أن تغنّي أنت فيه أيضا لحنا، ففعلت. وجعلنا نشرب على اللّحنين مليّا. ثم جاء الحجّاب فكسروا الباب واستخرجوني، فدخلت إلى المأمون فأقبلت أرقص من أقصى الإيوان وأصفّق وأغنّي بالصوت، فسمع المأمون والمغنّون ما لم يعرفوه فاستظرفوه، وقال المأمون: ادن يا علّويه وردّه [4]، فرددته عليه سبع مرّات. فقال لي في آخرها عند قولي:
يروق ويصفو إن كدرت عليه
__________
[1] في «ج، ب، س»: «عني». وفي «أ»، م»: «عينا». والظاهر أنه العناء (بالمد) وهو النصب والمشقة، فقصره الشاعر.
[2] في «الأصول»: «ليتك إذا قلته ... فكيف إذا كسرته» وهو تحريف.
[3] في «الأصول»: «لم أزل» بدون الفاء.
[4] يقال: ردّ القول تردادا إذا كرره، مثل ردّده.
/ يا علّويه خذ الخلافة وأعطني هذا الصاحب.
لحن عريب في هذا الشعر رمل. وفيه لعلّويه لحنان: ثاني ثقيل، وماخوريّ.
سمع منه إبراهيم بن المهدي صوتين فحسده:
وقال العتّابيّ حدّثني أحمد بن حمدون قال:
غاب عنّا علّويه مدّة ثم صار إلينا. فقال له إبراهيم بن المهديّ: ما الذي أحدثت بعدي من الصّنعة يا أبا الحسن؟ قال: صنعت صوتين. قال: فهاتهما إذا؛ فغنّاه:
صوت
ألا إنّ لي نفسين نفسا تقول لي ... تمتّع بليلى ما بدا لك لينها
ونفسا تقول استبقى ودّك واتّئد ... ونفسك لا تطرح على من يهينها
- لحن علّويه في هذين البيتين خفيف ثقيل - قال: فرأيت إبراهيم بن المهديّ قد كاد يموت من حسده وتغيّر لونه، ولم يدر ما يقول له؛ لأنه لم يجد في الصوت مطعنا، فعدل عن الكلام في هذا المعنى وقال: هذا يدلّ على أن ليلى هذه كانت من لينها مثل الموم [1] بالبنفسج، فسكت علّويه. ثم سأله عن الصوت الآخر، فغنّاه.
صوت
إذا كان لي شيئان يا أمّ مالك ... فإنّ لجاري منهما ما تخيّرا
وفي واحد إن لم يكن غير واحد ... أراه له أهلا إذا كان مقترا
- والشعر لحاتم الطائيّ. لحن علّويه في هذين البيتين أيضا خفيف ثقيل. وقد روي أنّ إبراهيم الموصليّ صنعه ونحله إيّاه، وأنا أذكر خبره بعقب هذا الخبر - قال أحمد [2] بن حمدون: فأتى واللّه بما برّز على الأوّل وأوفى عليه، وكاد إبراهيم يموت غيظا/ وحسدا لمنافسته/ في الصّنعة وعجزه عنها. فقال له: وإن كانت لك امرأتان يا أبا الحسن حبوت جارك منهما واحدة؟ فخجل علّويه وما نطق بصوت بقية يومه.
نحله إبراهيم الموصلي صوتا فلم يظهره إلا أمام المأمون:
وحدّثني عمّي عن عليّ بن محمد بن جدّه حمدون هذا الخبر، ولفظه أقلّ من هذا.
فأمّا الخبر الذي ذكرته عن علّويه أنّ إبراهيم الموصليّ نحله هذا الصوت. فحدّثني جحظة قال حدّثني ابن المكيّ المرتجل وهو محمد بن أحمد بن يحيى قال حدّثني علّويه قال:
قال إبراهيم الموصليّ يوما: إنّي قد صنعت صوتا وما سمعه منّى أحد بعد، وقد أحببت أن أنفعك وأرفع منك بأن ألقيه عليك وأهبه لك، وو اللّه ما فعلت هذا بإسحاق قطّ وقد خصصتك به، فانتحله وادّعه، فلست أنسبه إلى نفسي وستكسب به مالا. فألقى عليّ قوله:
__________
[1] الموم هنا: الشمع.
[2] في «الأصول هنا»: «إبراهيم بن حمدون» وهو تحريف.
إذا كان لي شيئان يا أمّ مالك ... فإنّ لجاري منهما ما تخيّرا
فأخذته وادّعيته وسترته طول أيّام الرشيد خوفا من أن أتّهم فيه وطول أيّام الأمين حتى حدث عليه ما حدث. وقدم المأمون من خراسان وكان يخرج إلى الشمّاسيّة [1] دائما يتنزّه، فركبت في زلّال [2] وجئت أتبعه، فرأيت حرّاقة عليّ بن هشام، فقلت للملّاح: اطرح زلالي على الحرّاقة ففعل، واستؤذن لي فدخلت وهو يشرب مع الجواري - وما كانوا يحجبون جواريهم في ذلك الوقت ما لم يلدن - فإذا بين يديه متيّم وبذل [من] جواريه، فغنّيته الصوت فاستحسنه جدّا وطرب عليه وقال: لمن هذا؟ فقلت: هذا صوت صنعته وأهديته لك، ولم يسمعه أحد قبلك، فازداد به/ عجبا وطربا وقال لها: خذيه [3] عنه، فألقيته عليها حتى أخذته، فسرّ بذلك وطرب، وقال لي [4]: ما أجد لك مكافأة على هذه الهديّة إلّا أن أتحوّل عن هذه الحرّاقة بما فيها وأسلّمه إليك أجمع. فتحوّل إلى أخرى، وسلّمت الحرّاقة بخزانتها وجميع آلاتها إليّ وكلّ شيء فيها، فبعت ذلك بمائة وخمسين ألف درهم واشتريت بها ضيعتي الصالحيّة.
غنى المأمون لحنا في بيت لم يعرفه أحد ثم عرف بعد:
حدّثني جحظة قال حدّثني ابن المكيّ المرتجل عن أبيه قال قال [5] إسحاق بن حميد كاتب أبي الرازيّ، وحدّثني به عمّي قال حدّثني عبد اللّه بن أبي سعد قال حدّثني حسّان بن محمد الحارثيّ عن إسحاق بن حميد كاتب أبي الرازيّ قال:
غنّى علّويه الأعسر يوما بين يدي المأمون [6]
تخيّرت من نعمان عود أراكة ... لهند فمن هذا يبلّغه هندا
فقال المأمون: اطلبوا لهذا البيت ثانيا فلم يعرف، وسأل كلّ من بحضرته من أهل الأدب والرّواة والجلساء عن قائل هذا الشعر فلم يعرفه أحد. فقال إسحاق بن حميد: لمّا رأيت ذلك عنيت بهذا الشعر وجهدت في المسألة وطلبته ببغداد عند كلّ متأدّب وذي معرفة فلم يعرفه. وقلّد المأمون أبا الرازيّ كور دجلة وأنا أكتب له، ثم نقله إلى اليمامة والبحرين. قال إسحاق بن حميد: فلمّا خرجنا ركبت مع أبي الرازيّ في بعض اللّيالي [7] على حمارة، فابتدأ الحادي يحدو بقصيدة طويلة، وإذا البيت الذي كنت أطلبه، فسألته عنها فذكر أنها للمرقّش الأكبر، فحفظت منها هذه الأبيات:
/خليليّ عوجا بارك اللّه فيكما ... وإن لم تكن هند لأرضكما قصدا
/ وقولا لها ليس الضّلال أجازنا ... ولكنّنا جزنا لنلقاكم عمدا
__________
[1] الشماسية هنا: من ضواحي بغداد.
[2] الزلال: ضرب من الزوارق.
[3] الخطاب لإحدى الجاريتين.
[4] كذا في «نهاية الأرب». وفي «الأصول»: «و قال ما لي ما أجد لك ... ».
[5] في «الأصول»: «كان» وهو تحريف.
[6] زيد في «ج» هنا: «قال» وفي «سائر الأصول»: «فقال». وظاهر أنه لا مقتضى لهذه الكلمة هنا.
[7] في «ج»: « ... في بعض الليالي قبة على حمارة».
تخيّرت من نعمان عود أراكة ... لهند فمن هذا يبلغه هندا
وأنطيته [1] سيفي لكيما أقيمه ... فلا أودا فيه استبنت ولا خضدا [2]
ستبلغ هندا إن سلمنا قلائص [3] ... مهاري يقطّعن الفلاة بنا وخدا
فلمّا أنحنا العيس [4] قد طار سيرها ... إليهم وجدناهم لنا بالقرى حشدا [5]
فناولتها المسواك والقلب خائف ... وقلت لها يا هند أهلكتنا وجدا
فمدّت يدا في حسن دلّ تناولا ... إليه وقالت ما أرى مثل ذا يهدى
وأقبلت كالمجتاز أدّى رسالة ... وقامت تجرّ الميسنانيّ [6] والبردا
تعرّض للحيّ الذين أريدهم [7] ... وما التمست إلّا لتقتلني عمدا
فما شبه هند غير أدماء [8] خاذل ... من الوحش مرتاع مراع طلا فردا
/ قال: فكتب بها إلى المأمون فاستحسنت ورويت، وأمر علّويه فصنع في البيتين الأوّلين منها غناء يشبه [9].
أغاني علّويه في هذه الأبيات: اللحن [10] الأوّل في قوله:
تخيّرت من نعمان عود أراكة
غنّاه علّويه وليس اللحن له، اللحن لإبراهيم خفيف ثقيل بالبنصر. ولحنه الثاني الذي أمره أن يصنعه في:
خليليّ عوجا بارك اللّه فيكما
رمل.
دفع إلى المعتصم رقعة في أمر رزقه ثم غناه بشعر لابن هرمة:
حدّثني جعفر بن قدامة قال حدّثني محمد بن عبد اللّه بن مالك قال:
__________
[1] أنطى: لغة في أعطي. يريد أنه عرض العود على السيف ليقيم به أوده، فلم يستبن فيه أودا ولا كسرا.
[2] في الأصول: «و لا حصدا» بحاء وصاد مهملتين. وهو تصحيف. والخضد: كسر العود من غير أن يبين.
[3] قلائص: جمع قلوص. والقلوص من الإبل: الشابة. والمهاري (بفتح الراء وكسرها): جمع مهرية، نسبة إلى مهرة بن حيدان، حيّ من العرب.
[4] العيس من الإبل: البيض يخالط بياضها شقرة، واحدها أعيس وعيساء.
[5] الحشد (بالفتح، ومثله الحشد بالتحريك): الجماعة المحتشدون.
[6] الميسناني: ضرب من الثياب منسوب إلى ميسان، وهي كورة من كور دجلة بسواد العراق بين البصرة وواسط، والنسبة إليها «ميساني» على القياس، و «ميسناني» بزيادة نون.
[7] كذا في الأصول. ولعل صوابه: «أديرهم» أي أدوارهم وأحارفهم.
[8] الأدمة في الظباء والنوق: لون مشرب بياضا. والخاذل من الظباء: التي تتخلف عن صواحبها وتنفرد، أو أقامت على ولدها.
ومراع: وصف من راعاه يراعيه إذا حفظه أو رعي معه. والطلا هنا: ولد الظبية.
[9] كذا في الأصول الخطية. وفي الكلام حذف. ولعل تقديره: «يشبه اللحن الأوّل» وهو اللحن الذي في قوله:
تخيرت من نعمان عود أراكة
وفي ب، س: «شبه أغاني علوية ... ». وظاهر أن «أغاني علوية في هذه الأبيات» عنوان لما بعده.
[10] في ب، س: «و اللحن الأول ... » بزيادة الواو.
عرض علّويه على المعتصم رقعة في أمر رزقه وإقطاعه وهو يشرب دفعها إليه من يده، فلمّا أخذها اندفع علّويه يغنّي:
صوت
إنّي استحيتك أن أفوه بحاجتي ... فإذا قرأت صحيفتي فتفهّم
وعليك عهد اللّه إن خبّرته ... أحدا ولا أظهرته بتكلّم
فقرأ المعتصم الرّقعة وهو يضحك، ثم وقّع له فيها بما أراد.
الشعر لابن هرمة كتب به إلى بعض آل أبي طالب وهو إبراهيم بن الحسن يطلب منه نبيذا وقد خرج هو وأصحابه إلى السّيالة [1]، فكتب إليه البيت الأوّل على ما رويناه، والثاني غيّره المغنّون، وهو:
/و عليك عهد اللّه إن أعلمته ... أهل السّيالة إن فعلت وإن لم
فلمّا قرأت الرّقعة قال: عليّ عهد اللّه إن لم أعلم به عامل السّيالة. [و كتب إلى عامل السّيالة [2]]: إنّ ابن هرمة وأصحابا له سفهاء يشربون بالسّيالة، فاركب إليهم، حتّى تأخذهم، فركب إليهم ونذروا [3] به، فهرب، وقال يهجو إبراهيم:
كتبت إليك أستهدي نبيذا ... وأدلي بالمودّة والحقوق [4]
فخبّرت الأمير بذاك جهلا [5] ... وكنت أخا مفاضحة وموق [6]
حدّثني بذلك الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير. وقد ذكرته في أخبار ابن هرمة [7]. والغناء لعبادل.
غنى هو ومخارق معترضين بفرس كميت للمعتصم فأعطاهما غيره:
حدّثني جعفر بن قدامة قال حدّثني موسى بن هارون الهاشميّ قال/ حدّثني أبي قال:
كنت واقفا بين يدي المعتصم وهو جالس على حير [8] الوحش والخيل تعرض عليه وهو يشرب وبين يديه علّويه ومخارق يغنّيان، فعرض عليه فرس كميت أحمر ما رأيت مثله قطّ، فتغامز علّويه ومخارق، وغنّاه علّويه:
وإذا ما شربوها وانتشوا ... وهبوا كلّ جواد وطمرّ [9]
__________
[1] السيالة: أرض يطؤها طريق الحاج، قيل هي أوّل مرحلة لأهل المدينة إذا أرادوا مكة.
[2] التكملة من «الأغاني» فيما تقدّم (ج 6 ص 98 من طبعة دار الكتب). وقد وردت هذه القصة هناك منسوبة إلى «حسن بن حسن بن علي» وقد كتب هناك بأن هذه القصة لا يمكن أن تكون مع حسن بن حسن لتقدّم عصره على عصر ابن هرمة، بل الصحيح أنها كانت مع ابنه إبراهيم. (راجع الحاشية الثانية من تلك الصفحة).
[3] نذر به: علم به.
[4] الرواية فيما تقدّم: «بالجوار وبالحقوق».
[5] الرواية فيما تقدّم: «غدرا».
[6] الموق هنا: الحمق في غباوة.
[7] لم يذكره في أخبار ابن هرمة، وإنما ذكره في أخبار «عبادل». ج 6 ص 98 وما بعدها من طبعة دار الكتب.
[8] لم أقف على هذا الموضع. ومن معاني الحير في اللغة البستان.
[9] الطمرّ من الخيل: الجواد.
/ فتغافل عنه. وغنّاه مخارق:
يهب البيض كالظّباء وجردا [1] ... تحت أجلالها وعيس الرّكاب
فضحك ثم قال: اسكتا يا ابني الزّانيتين، فليس يملكه واللّه واحد منكما. قال: ثم دار الدّور، فغنّى علّويه:
وإذا ما شربوها وانتشوا ... وهبوا كلّ بغال وحمر
فضحك وقال: أمّا هذا فنعم، وأمر لأحدهما ببغل وللآخر بحمار.
اجتمع مع أصحاب له عند زلبهزة ومعهم هاشمي حصلوا منه بحيلة على مال:
حدّثني عمّي قال حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد قال حدّثني محمد بن محمد الأبزاريّ قال:
كنّا عند زلبهزة [2] النخّاس، وكانت عنده جارية يقال لها خشف ابتاعها من علّويه، وذلك في شهر رمضان، ومعنا رجل هاشميّ من ولد عبد الصّمد بن عليّ يقال له عبد الصمد، وإبراهيم بن عمرو بن نهبون وكان يحبّها، فأعطى بها زلبهزة أربعة آلاف دينار فلم يبعها منه، وبقيت معه حتى توفّيت، فغنيّتنا أصواتا كان فيها:
أشارت بطرف العين خيفة أهلها ... إشارة محزون ولم تتكلّم
فأيقنت أنّ الطّرف قد قال مرحبا ... وأهلا وسهلا بالحبيب المسلّم [3]
وأبرزت طرفي نحوها لأجيبها ... وقلت لها قول امرىء غير معجم [4]
هنيئا لكم قتلي وصفوا مودّتي ... وقد سيط [5] في لحمي هواك وفي دمي
- الغناء لابن عائشة ثقيل أوّل عن الهشامي - قال: فلما وثبنا للانصراف قال لنا وقد اشتدّ الحرّ: أقيموا عندي.
فوجّهت غلاما معي وأعطيته دينارا وقلت له ابتع/ فراريج بعشرة دراهم وثلجا بخمسة دراهم وعجّل، فجاء بذلك فدفعه إلى زلبهزة وأمره بإصلاح الفرارايج ألوانا، وكتبت إلى علّويه فعرّفته خبرنا، فجاءنا وأقام، وأمطرنا عند زلبهزة، وشرب منّا من كان يستجيز الشراب، وغنّى علّويه لحنا ذكر أنه لابن سريج ثقيل أوّل، فاستغربه [6] الجماعة، وهو:
صوت
يا هند إنّ الناس قد أفسدوا ... ودّك حتى عزّني المطلب
يا ليت من يسعى بنا كاذبا ... عاش مهانا في أذى يتعب
هبيه ذنبا كنت أذنبته ... قد يغفر اللّه لمن يذنب
وقد شجاني وجرت دمعتي ... أن أرسلت هند وهي تعتب
__________
[1] الجرد من الخيل: القصيرات الشعر، وهو مدح فيها، الواحد أجرد وجرداء. وعيس الركاب: النوق البيض.
[2] كذا ورد هذا الاسم في الأصول. وورد في «مختصر الأغاني» مرة «زليهدة»، ومرة «زلهدة». ولم نهتد لوجه الصواب فيه.
[3] في هامش أ: «المتيم» رواية أخرى.
[4] المعجم: الذي لا يفصح في كلامه. وفي ج، ب، س: «غير مفحم» والمفحم هنا: العيي.
[5] سيط: خلط ومزج، يقال: ساط الشيء يسوطه إذا ضربه فخلط بعضه ببعض.
[6] في ب، س: «فاستعذبه».
ما هكذا عاهدتنا [1] في منى ... ما أنت إلّا ساحر تخلب
حلفت لي باللّه لا تبتغي ... غيرك ما عشت ولا نطلب [2]
/قال: وقام عبد الصمد الهاشميّ ليبول. فقال علّويه: كلّ شيء قد عرفت معناه: أمّا أنت فصديق الجماعة، وهذا يتعشّق هذه، وهذا مولاها، وأنا ربّيتها وعلّمتها، وهذا الهاشميّ أيش معناه!. فقلت لهم: دعوني أحكّه [3] وآخذ لزلبهزة منه شيئا. فقال: لا واللّه ما أريد. فقلت له: أنت أحمق، أنا آخذ منه شيئا لا يستحي القاضي من أخذه.
فقال: إن كان هكذا فنعم. فقلت له إذا جاء عبد الصمد فقل لي: ما فعل الآجرّ الذي وعدتني به، فإنّ حائطي قد مال وأخاف أن يقع، ودعني والقصّة./ فلمّا جاء الهاشميّ قال لي زلبهزة ما أمرته به، فقلت: ليس عندي آجرّ، ولكن اصبر [4] حتّى أطلب لك من بعض أصدقائي، وجعلت أنظر إلى الهاشميّ نظر متعرّض به. قال الهاشمي: يا غلام دواة ورقعة، فأحضر ذلك. فكتب له بعشرة آلاف آجرّة إلى عامل له، وشربنا حتّى السّحر وانصرفنا. فجئت برقعته إلى الآجري ثم قلت: بكم تبيعه الآجرّ؟ فقال: بسبعة وعشرين درهما الألف. قلت: فبكم تشتريه منّي؟ قال:
بنقصان ثلاثة دراهم في الألف. فقلت: فهات، فأخذت منه مائتين وأربعين درهما، واشتريت منها نبيذا وفاكهة وثلجا ودجاجا بأربعين درهما، وأعطيت زلبهزة مائتي درهم وعرّفته الخبر، ودعونا علّويه والهاشمي وأقمنا عند زلبهزة ليلتنا الثانية. فقال علّوية: نعم! الآن صار للهاشميّ عندكم موضع ومعنى.
هو مصلى كل سابق في الصنعة والضرب وطيب الصوت:
أخبرني جحظة قال حدّثني أحمد بن حمدون قال حدّثني أبي قال:
قال لنا الواثق يوما: من أحذق الناس بالصّنعة؟ قلنا إسحاق. قال: ثم من؟ قلنا: علّويه. قال: فمن أضرب الناس؟ قلنا: ثقيف [5]. قال: ثم من؟ قلنا: علّويه. قال: فمن أطيب الناس صوتا؟ قلنا: مخارق. قال ثم من؟
قلنا: علّويه. قال: اعترفتم له بأنه مصلّي كلّ سابق، وقد جمع الفضائل كلّها وهي متفرّقة فيهم، فما ثمّ ثان لهذا الثالث [6].
غنى المأمون في دمشق بما أسرّه فغضب عليه وشتمه:
وحدّثني جحظة قال حدّثني محمد بن أحمد المكيّ المرتجل قال حدّثني أبي قال:
دخلت إلى علّويه أعوده من علّة اعتلّها ثم عوفي منها، فجرى حديث المأمون، فقال لي: كدت - علم اللّه - أذهب دفعة ذات يوم وأنا معه لو لا أنّ اللّه تعالى/ سلمني ووهب لي حلمه. فقلت: كيف كان السبب في ذلك؟
__________
[1] في أ، م: «عاهدتني».
[2] ورد هذا الشطر في ج محرّفا هكذا:
غير ما عشت ولا تطلب
وأحسب أنه محرّف عن رواية فيه تكون هكذا.
..... لا تبتغي ... غيري ما عشت ولا تطلب
[3] أحكه، يريد: أحتك به وأتعرض له.
[4] في الأصول: «اصبر لي» بزيادة «الي». وليست في «مختصر الأغاني».
[5] في الأصول هنا: «ثقف» والتصويب مما تقدّم في «الأغاني» ج 5 ص 352 من طبعة دار الكتب.
[6] في الأصول الخطية: «فها ثم ثان لهذا الثالث ... » وظاهر أن في هذه العبارة تحريفا.
فقال: كنت معه لمّا خرج إلى الشأم، فدخلنا دمشق فطفنا بها، وجعل يطوف على قصور بني أميّة ويتّبّع [1] آثارهم، فدخل صحنا من صحونه، فإذا هو مفروش بالرّخام الأخضر كلّه وفيه بركة ماء يدخلها ويخرج منها من عين تصبّ إليها، وفي البركة سمك، وبين يديها بستان على أربع [2] زواياه أربع سروات [3] كأنّها قصّت بمقراض من التفافها أحسن ما رأيت من السّرو [4] قطّ قدّا وقدرا. فاستحسن ذلك، وعزم على الصّبوح، وقال: هاتوا لي الساعة طعاما خفيفا، فأتي ببزماورد [5] فأكل، ودعا بشراب، وأقبل عليّ وقال: غنّي ونشّطني، فكأنّ اللّه عزّ وجلّ أنساني الغناء كلّه إلا هذا الصوت:
لو كان حولي بنو أميّة لم ... تنطق رجال أراهم نطقوا
فنظر إليّ مغضبا وقال: عليك وعلى بني أميّة لعنة اللّه! ويلك! أقلت لك سؤني أو سرّني! ألم يكن لك وقت تذكر فيه بين أميّة إلّا هذا الوقت تعرّض بي!. فتحيّلت عليه وعلمت أني/ قد أخطأت [6]، فقلت: أتلومني على أن أذكر بني أميّة! هذا مولاكم زرياب [7] عندهم يركب في مائتي غلام مملوك له، ويملك ثلاثمائة ألف/ دينار وهبوها له سوى الخيل والضّياع والرّقيق، وأنا عندكم أموت جوعا. فقال أو لم يكن لك شيء تذكّرني به نفسك غير هذا! فقلت:
هكذا حضرني حين ذكرتهم فقال: اعدل عن هذا وتنبّه على إرادتي. فأنساني اللّه كلّ شي أحسنه إلّا هذا الصوت:
الحين ساق إلى دمشق ولم أكن ... أرضى دمشق لأهلنا بلدا
فرماني بالقدح فأخطأني فانكسر القدح، وقال: قم عنّي إلى لعنة اللّه وحرّ سقر، وقام فركب. فكانت واللّه تلك الحال آخر عهدي به، حتى مرض ومات [8]. قال: ثم قال لي: يا أبا جعفر كم تراني أحسن! أغنّي ثلاثة آلاف صوت، أربعة آلاف صوت، خمسة آلاف صوت، أنا واللّه أغنّي أكثر من ذلك، ذهب علم اللّه كلّه حتى كأنّي لم أعرف غير ما غنّيت. ولقد ظننت أنه لو كانت لي ألف روح ما نجت منه واحدة منها، ولكنه كان رجلا حليما، وكان في العمر بقيّة.
نسبة هذين الصوتين المذكورين في الخبر
صوت
لو كان حولي بنو أميّة لم ... تنطق رجال أراهم نطقوا
__________
[1] أصله يتتبع (بتاءين)، فأدغمت التاء في التاء.
[2] في «الأصول»: أربعة زواياه». والتصويب من «مختصر الأغاني».
[3] السروة: واحدة السرو، وهو ضرب من الشجر حسن الهيئة قويم الساق.
[4] في «ج، ب، س»: «من السروات».
[5] في «أكثر الأصول»: «فأتى به بين ماء وورد». وفي «ج»: «فأتى بين ما ورد». والتصويب من «مختصر الأغاني» و «الأغاني» فيما تقدّم (جزء 4 صفحة 353 من هذه الطبعة). والبزماورد: طعام يتخذ من اللحم المقلي بالزبد والبيض. وفي شفاء الغليل: «زماورد معرّب، والعامة تقول بزماورد، وليس بغلط، لأنه [كلمة] فارسية، كما هو مسطور في لغاتهم، وهو الرقاق الملفوف باللحم ... ».
[6] في «ب، س»: «غلطت».
[7] يريد أن زريابا وهو علي بن نافع المغني مولى بني العباس ذهب إلى الأندلس فأكرمه الأمويون هناك. راجع الحاشية الأولى من صفحة 354 جزء 4 من طبعة دار الكتب.
[8] الذي في الجزء الرابع أنه غضب عليه عشرين يوما، فكلمه فيه عباس أخو بحر، فرضي عنه ووصله بعشرين ألف درهم.
من كلّ قرم محض ضرائبه ... عن منكبيه القميص ينخرق [1]
الشعر لعبد اللّه بن قيس الرّقيّات. والغناء لمعبد، ثقيل أوّل بالوسطى عن عمرو، وذكر الهشاميّ أنه لابن سريج. وذكر ابن خرداذبه أنّ فيه لدكين بن عبد اللّه بن عنبسة بن سعيد بن العاصي لحنا من الثقيل الأوّل، وأنّ دكينا مدنيّ كان منقطعا إلى جعفر بن سليمان.
صوت
الحين ساق إلى دمشق وما ... كانت دمشق لأهلنا بلدا
قادتك نفسك فاستقدت لها [2] ... وأريت [3] أمر غواية رشدا
لعمر الواديّ في هذا الشعر ثقيل أوّل بالوسطى عن ابن المكيّ. قال: وفيه ليعقوب الواديّ رمل بالبنصر.
اعترض علي خضابه فأجاب:
حدّثني عمّي قال حدّثنا هارون بن محمد بن عبد الملك الزيّات قال سمعت الحسن بن وهب الكاتب يحدّث:
أنّ علّويه كان يصطبح في يوم خضابه مع جواريه وحرمه، ويقول: أجعل صبوحي في أحسن ما يكون عند جواريّ. فقيل له: إنّ ابن سيرين كان يقول: لا بأس بالخضاب ما لم تغرّر به امرأة مسلمة. فقال: إنّما كره لئلّا يتصنّع به لمن لا يعرفه من الحرائر فيتزوّجها على أنه شابّ وهو شيخ، فأمّا الإماء فهنّ ملكي، وما أريد أن أغرّهنّ.
قال الحسن: فتعالل علّويه على المعتصم ثلاثة أيّام متوالية واصطبح فيها، فدعاني، وكان صوته على جواريه في شعر الأخطل:
/كأنّ عطّارة [4] باتت تطيف به ... حتى تسربل مثل [5] الورس وانتعلا [6]
فقال لي: كيف رويته؟ فقلت له: قرأت شعر الأخطل [7] وكان أعلم النّاس به، كان يختار «تسرول» ويقول: إنما وصف ثورا دخل روضة فيها نوّار أصفر فأثّر/ في قوائمه وبطنه فكان كالسّراويل، لا أنّه صار له سربل. ولو قال:
«تسريل» أيضا لم يكن فاسدا، ولكنّ الوجه «تسرول».
مدح إسحاق لحنا له:
أخبرني جعفر بن قدامة قال حدّثني عليّ بن يحيى المنجّم قال:
قدمت من سرّ من رأى قدمة بعد طول غيبة، فدخلت إلى إسحاق الموصليّ، فسلّم عليّ وسألني خبري وخبر
__________
[1] انخراق القميص عن الشخص فيه قولان: أحدهما أنه إشارة إلى جذب العفاة له. والآخر أنه يؤثر بجيد ثيابه فيكسوها غيره ويكتفي هو بمعاوزها.
[2] في «أكثر الأصول»: «فأمنت نفسك فاستعذت لها». وفي «ج»: «نامتك نفسك فاستعذت لها». والتصويب من «مختصر الأغاني».
[3] في «مختصر الأغاني»: «و رأيت».
[4] في «الأصول»: «عنظارة» والتصويب من كتاب «منتهى الطلب من أشعار العرب».
[5] كذا في «منتهى الطلب». وفي «الأصول»: «ماء الورس».
[6] في «الأصول» ما عدا «ج»: «و ابتلعا» وهو تحريف.
[7] ظاهر أنه يريد: «قرأت شعر الأخطل على فلان وكان أعلم الناس به ... إلخ» فسقط اسم من قرأ عليه من النساخ.
الناس حتّى انتهيا إلى ذكر الغناء، فسألني عمّا يتشاغل [1] الناس من الأصوات المستجادة [2]. فقلت له: تركت الناس كلّهم مغرمين بصوت لك. قال: وما هو؟ فقلت:
ألا يا حمامي قصر دوران هجتما
فقال: ليس ذلك لي، ذاك لعلّويه. وقد لعمري أحسن فيه وجوّد ما شاء.
قال المأمون أبياتا فغناه فيها فوصله:
أخبرني جعفر بن قدامة قال حدّثني محمد بن عبد اللّه بن مالك الخزاعيّ قال حدّثني علّويه قال:
خرج المأمون يوما ومعه أبيات قد قالها وكتبها في رقعة بخطّه، وهي:
صوت
خرجنا إلى صيد الظّباء فصادني ... هناك غزال أدعج العين أخور
غزال كأنّ البدر حلّ جبينه ... وفي خدّه الشّعرى المنيرة تزهر
فصاد فؤادي إذ رماني بسهمه ... وسهم غزال الإنس طرف ومحجر
/ فيا من رأى ظبيا يصيد ومن رأى ... أخا قنص يصطاد قهرا ويقسر
قال: فغنّيته [فيها [3]]، فأمر لي بعشرة آلاف درهم.
قال أبو القاسم جعفر بن قدامة: لحن علّويه في هذا الشعر ثقيل أوّل ابتداؤه نشيد.
غنى في مجلس الرشيد بما أغضبه عليه:
أخبرني محمد بن مزيد قال حدّثني حمّاد عن أبيه قال: غنّيت الرشيد يوما:
هما فتاتان لمّا يعرفا خلقي ... وبالشّباب على شيبي يدلّان
فطرب وأمر لي بألف دينار. فقال له ابن جامع - وكان أحسد الناس - : اسمع غناء العقلاء ودع غناء المجانين - وكنت أخذت هذا الصوت من مجنون بالمدينة كان يجيده - ثم غنّى قوله:
ولقد قالت لأتراب لها ... كلمها يلعبن في حجرتها
خذن عني الظّلّ لا يتبعني ... وغدت تسعى إلى قبّتها
فطرب وأمر له بألف وخمسمائة دينار. ثم تغنّى وجه القرعة:
يمشون فيها بكلّ سابغة ... أحكم فيها القتير والحلق [4]
فاستحسنه وشرب عليه وأمر له بخمسمائة دينار. ثم تغنّى علّويه:
__________
[1] كذا في «ب، س». و «يتشاغل» فعل لازم فالكلام به غير مستقيم. وفي «ج» هكذا: «يتشام» وفي «أ، م» هكذا: «يشاءم». وقد تقدم هذا الخبر نفسه في صفحة 335، وفيه: «فقال أي شيء رأيت الناس يستحسنونه في هذه الأيام من الأغاني ... إلخ».
[2] في «ج»: «المستحدة».
[3] زيادة يقتضيها السياق.
[4] الدرع السابغة: التي تجر في الأرض أو على الكعبين لطولها وسعتها. والقتير: مسامير الدرع.
وأرى الغواني لا يواصلن امرأ ... فقد الشّباب وقد يصلن الأمردا
فدعاه الرشيد وقال له: يا عاضّ بظر أمّه! تغنّي في مدح المرد وذمّ الشّيب وستارتي منصوبة وقد شبت! كأنّك إنّما عرّضت بي! ثم دعا بمسرور فأمره أن يأخذ بيده فيخرجه فيضربه/ ثلاثين درّة ولا يردّه إلى مجلسه، ففعل ذلك، ولم ينتفع الرشيد يومئذ بنفسه ولا انتفعنا به بقيّة يومنا، وجفا علّويه شهرا فلم يأذن له حتّى سالناه فأذن له.
نسبة هذه الأصوات التي تقدّمت
صوت
هما فتاتان لمّا يعرفا خلقي ... وبالشّباب على شيبي يدلّان
كلّ الفعال الّذي يفعلنه حسن ... يضني فؤادي ويبدي سرّ أشجاني
بل احذرا صولة من صول شيخكما ... مهلا عن الشّيخ مهلا يا فتاتان
لم يقع إليّ شاعره. فيه لابن سريج ثاني ثقيل بالسبّابة في مجرى الوسطى عن إسحاق. وفيه لابن سريج رمل بالبنصر عن عمرو. وفيه لسليمان المصاب رمل كان يغنّيه، فدسّ الرشيد إليه إسحاق حتّى أخذه منه، وقيل: بل دسّ عليه ابن جامع.
خبر أخذ إسحاق صوتا من سليمان المصاب:
أخبرني جعفر بن قدامة قال حدّثنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه قال:
دعاني الرشيد لمّا حجّ، فقال: صر إلى موضع كذا وكذا من المدينة؛ فإنّ هناك غلاما مجنونا يغنّي صوتا حسنا، وهو:
هما فتاتان لمّا يعرفا خلقي ... وبالشباب علي شيبي يدلّان
وله أمّ، فصر إليها وأقم عندها واحتل حتّى تأخذه. فجئت أستدلّ حتّى وقفت على بيتها، فخرجت إليّ فوهبت لها مائتي درهم، وقلت لها: أريد أن تحتالي على ابنك حتّى آخذ منه الصوت الفلانيّ. فقالت: نعم، وأدخلتني دارها، وأمرتني فصعدت إلى عليّة لها، فما لبثت أن جاء ابنها فدخل. فقالت له: يا سليمان فدتك نفسي! أمّك قد أصبحت اليوم خاثرة مغرمة [1]، فأحبّ أن تغنّي ذلك الصوت:
هما فتاتان لمّا يعرفا خلقي
فقال لها: ومتى حدث لك هذا الطّرب؟ قالت: ما طربت ولكنّني أحببت أن أتفرّج من همّ قد لحقني. فاندفع فغنّاه، فما سمعت أحسن من غنائه. فقالت/ له أمّه: أحسنت! فديتك! فقد واللّه كشفت عنّي قطعة من همّي، فأسألك أن تعيده. قال: واللّه ما لي نشاط، ولا أشتري غمّي بفرحك. فقالت: أعده مرّتين ولك درهم صحيح تشتري به ناطفا [2]. قال: ومن أين لك درهم؟ ومتى حدث لك هذا السخاء؟ فقالت: هذا فضول لا تحتاج إليه وأخرجت إليه درهما فأعطته إيّاه، فأخذه وغنّاه مرّتين، فدار لي وكان يستوي. فأومأت إليها من فوق أن تستزيده. فقالت: يا بنيّ
__________
[1] خاثرة: ثقيلة النفس غير طيبة ولا نشيطة. والمغرمة هنا: المصابة بألم يلازمها ويلح عليها.
[2] الناطف: ضرب من الحلوى يقال له القبيطي.
بحقّي عليك إلّا أعدته. فقال: أظنّ أنك تريدين أن تأخذيه فتصيري مغنّية. فقالت: نعم! كذا هو. قال: لا! وحقّ القبر لا أعدته إلّا بدرهم آخر. فأخرجت له درهما آخر، فأخذه وقال: أظنّك واللّه قد تزندقت وعبدت الكبش فهو ينقد لك هذه الدراهم، أو قد وجدت كنزا. فغنّاه مرّتين، وأخذته واستوى لي. ثم قام فخرج يعدو على وجهه.
فجئت إلى الرشيد فغنّيته به وأخبرته بالقصّة، فطرب وضحك وأمر لي بألف دينار، وقال لي: هذه بدل مائتي الدّرهم [1].
صوت
ولقد قالت لأتراب لها ... كالمها يلعبن في حجرتها
/ خذن عنّي الظّلّ لا يتبعني ... وعدت سعيا إلى قبّتها
لم يصبها نكد فيما مضى ... ظبية تختال في مشيتها
في هذه الأبيات رمل بالبنصر ذكر الهشاميّ أنه لابن جامع المكيّ، وذكر ابن المكيّ أنه لابن سريج. وهو في أخبار ابن سريج وأغانيه غير مجنّس.
صوت
يمشون فيها بكلّ سابغة ... أحكم فيها القتير والحلق
تعرف إنصافهم إذا شهدوا ... وصبرهم حين تشخص الحدق [2]
الغناء لابن محرز، خفيف ثقيل بالوسطى عن الهشاميّ وحبش.
صوت
يجحدنني ديني [3] النهار وأقتضي ... ديني إذا وقذ [4] النّعاس الرّقّدا
وأرى الغواني لا يواصلن امرأ ... فقد الشباب وقد يصلن الأمردا
الشعر للأعشى. والغناء لمعبد، خفيف ثقيل بالوسطى عن عمرو.
صوت
أيّة حال يابن رامين ... حال المحبّين المساكين
__________
[1] في الأصول: «بدل المائتي درهم» بتعريف المضاف وتنكير المضاف إليه، ولم يقل به أحد من النحويين. ومذهب البصريين في مثل هذا إدخال الألف واللام على الثاني، نحو:
ثلاث الأثافي والديار البلاقع
وجوّز الكوفيون لتعريف الجزأين في العدد إذا كان مضافا نحو الخمسة الأثواب.
[2] يقال: شخص بصر فلان إذا فتح عينيه وجعل لا يطرف. وشخوص الحدق هنا كناية عن الفزع وشدة الخوف في الحرب.
[3] في شعر الأعشى:
يلوينني ديني النهار وأجتزى
وليّ الدين: مطله.
[4] وقذ: صرع وغلب.
تركتهم موتى وما موّتوا ... قد جرّعوا منك الأمرّين [1]
وسرت في ركب على طيّة [2] ... ركب تهام ويمانين
يا راعي الذّود لقد رعتهم ... ويلك من روع المحبّين
الشعر لإسماعيل بن عمّار الأسدّي. والغناء لمحمد بن الأشعث بن فجوة الزّهريّ الكوفيّ، ولحنه خفيف ثقيل مطلق في مجرى الوسطى، عن الهشاميّ وأحمد بن المكيّ.
__________
[1] يقال: لقي منه الأمرين (على صيغة الجمع) أي الدواهي، ويقال أيضا: لقيت منه الأمرين (على صيغة المثنى). وقد كسرت نون جمع المذكر السالم في هذه القصيدة والتي بعدها للشعر أو هي لغة.
[2] الطية: النية أي الوجه والقصد الذي تنتويه وتريده.
20 - نسب إسماعيل بن عمار وأخباره
نسب إسماعيل بن عمار:
هو إسماعيل بن عمّار بن عيينة بن الطّفيل بن جذيمة بن عمرو بن خلف بن زبّان بن كعب بن مالك بن ثعلبة بن دوذان بن أسد بن خزيمة. أخبرني بذلك عليّ بن سليمان الأخفش عن السّكّرّي عن ابن حبيب.
من مخضرمي الدولتين وكان ينزل الكوفة:
وإسماعيل بن عمّار شاعر، مقلّ، مخضرم من شعراء الدولتين الأمويّة والهاشميّة. وكان ينزل الكوفة.
كان ممن يختلف إلى ابن رامين وجواريه:
قال ابن حبيب: كان في الكوفة صاحب قيان يقال له ابن رامين، قدمها من الحجاز؛ فكان من يسمع الغناء ويشرب النبيذ يأتونه ويقيمون عنده: مثل يحيى بن زياد الحارثيّ، وشراعة بن الزّندبوذ، ومطيع بن إياس، وعبد اللّه ابن العبّاس المفتون، وعون العباديّ الحيريّ، ومحمد بن الأشعث الزّهريّ المغنّي. وكان نازلا في بني أسد في جيران إسماعيل بن عمّار، فكان إسماعيل يغشاه ويشرب عنده. ثم انتقل من جواره إلى بني عائذ [اللّه [1]]، فكان إسماعيل يزوره هناك على مشقّة لبعد ما بينهما. وكان لابن رامين جوار يقال لهن سلّامة الزرقاء، وسعدة، وربيحة، وكنّ من أحسن الناس غناء، واشترى بعد ذلك محمد بن سليمان سلّامة الزرقاء التي يقول فيها محمد بن الأشعث:
/أمسى لسلّامة الزرقاء في كبدي ... صدع مقيم طوال الدّهر والأبد
لا يستطيع صناع القوم يشعبه ... وكيف يشعب صدع الحبّ في كبد [2]
قصيدة له في جواري ابن رامين:
وفي جواريه يقول إسماعيل بن عمّار:
هل من شفاء لقلب لجّ محزون ... صبا [3] وصبّ إلى رئم ابن رامين
إلى ربيحة إنّ اللّه فضّلها ... بحسنها وسماع [4] دي أفانين
وهاج قلبي [5] منها مضحك حسن ... ولثغة بعد [في [6]] زاي وفي سين
__________
[1] عائذ اللّه: حيّ من العرب.
[2] في بعض الأصول: «في كبدي».
[3] في أ، م: «صب يصيب». وفي سائر الأصول: «صب يغيب». وقد أثبتناه كما ورد في الأصول في ذكر خبر سلامة الزرقاء وخبر محمد بن الأشعث (جزء 13 صفحة 129 طبعة بلاق). وصبا يصبو: مال إلى الجهل والفتوّة. والصبابة: الشوق، وقيل: رقته وحرارته؛ يقال: صب فلان يصب (وزان فرح) صبابة فهو صب إذا عشق.
[4] السماع هنا: الغناء، وكل ما التذته الأذن من صوت حسن سماع.
[5] في ج: «قلبك».
[6] في الأصول: «بعد رائي»، وقد أثبتناه هكذا لاستقامة الوزن والمعنى به، وتكون لثغتها في أحرف الصفير، فتنطق بالزاي ذالا،
نفسي تأبّى لكم إلّا طواعية ... وأنت تأبين [1] لؤما أن تطيعيني
وتلك قسمة [2] ضيزى قد سمعت بها ... وأنت تتلينها [3] ما ذاك في الدّين
إن تسعفيني بذاك الشيء أرض به ... وإن ضننت به عنّي فزنّيني [4]
أنت الطبيب لداء قد تلبّس بي ... من الجوى فانفثي في فيّ وارقيني
نعم شفاؤك منها أن تقول لها ... أضنيتني يوم دير اللّج [5] فاشفيني
يا ربّ إنّ ابن رامين [6] له بقر ... عين وليس لنا غير [7] البراذين
/ لو شئت أعطيته مالا على قدر ... يرضى به منك غير [8] الرّبرب العين
لا أنس سعدة والزّرقاء يوم هما ... باللّجّ شرقيّه فوق الدّكاكين [9]
يغنّيان ابن رامين على طرب ... بالمسجحيّ وتشبيب [10] المحبّين
أذاك أنعم أم يوم ظللت به ... فراشي الورد في بستان شورين [11]
يشوي لنا الشيخ شورين دواجنه ... بالجردناج [12] وسحّاج [13] الشقابين
__________
- وبالسين ثاء. وأحرف الصفير الزاي والسين والصاد.
[1] الرواية فيما يأتي: «و أنت تحمين أنفا».
[2] قسمة ضيزى: جائرة. ولم تنون «قسمة» هنا للشعر.
[3] تتلينها: تتبعينها وتعملين بها.
[4] في أكثر الأصول هنا: فعينيني». وفي ج: «فيعنيني». والتصويب مما سيأتي في «الأغاني» (في ذكر خبر سلامة الزرقاء وخبر محمد بن الأشعث). وكان إسماعيل بن عمار كتب إلى سعدة بهذه الأبيات، فردّت عليه: «حاشاك من أن أزنيك، ولكني أسير إليك فأعنيك وألهيك وأرضيك».
[5] كذا في ج: وفي سائر الأصول: «دير الملح» وهو تحريف. ودير اللج: بالحيرة، بناه أبو قابوس النعمان بن المنذر في أيام ملكه، ولم يكن في ديارات الحيرة أحسن منه بناء ولا أنزه موضعا.
[6] الرواية فيما يأتي: «يا رب ما لابن رامين».
[7] في الأصول هنا: «إلا البراذين». والتصويب مما سيأتي.
[8] في ح، ب، س: «عين الربرب العين». وفي أ، م: «إلا الربرب العين». وهما تحريف. والرواية فيما يأتي: «غير الخرد العين».
والربرب: القطيع من بقر الوحش. والعين: الواسعة العيون، واحدتها عيناه. يريد جواريه اللاتي يشبهن بقر الوحش في سعة العيون.
[9] الدكاكين: جمع دكان، وهو بناء يسطح أعلاه للجلوس عليه، وهو المصطبة.
[10] في الأصول هنا: «للمسجحي بتشتيت المحبين». والتصويب مما سيأتي. والمسجحي: الغناء المنسوب لابن مسجح.
[11] كذا ورد هذا الاسم في الأصول هنا. وورد في خبر سلامة الزرقاء ومحمد بن الأشعث فيما سيأتي: «سورين» بالسين المهملة.
[12] الجردناج: الشواء المكبوب على الجمر أو الطابق بعد كبسه في مياه عطرة وأفاويه أو طبخه فيها نصف طبخة. وأصله فارسي.
[13] كذا في ب، س في خبر سلامة الزرقاء فيما سيأتي من الأغاني. وفي أكثر الأصول هنا «شجاج الشعانين» وفي بعضها:
«شجاج السقانين». والشقابين: جمع شقبان (بالتحريك) وهو طير نبطي. أما «سحاج» فأحسب أن صوابها «سحاح» (بضم السين وتشديد الحاء) جمع ساح بمعنى سمين. والمذكور في كتب اللغة أن جمع «ساح» سحاح (بضم السين وكسرها، وبتخفيف الحاء).
نسقى طلاء [1] لعمران [2] يعتّقه ... يمشي الأصحّاء منه كالمجانين
يزلّ [3] أقدامنا من بعد صحّتها ... كأنّها ثقلا يقلعن من طين
نمشي وأرجلنا مطويّة شللا [4] ... مشي الإوزّ التي تأتي من الصين
أو مشي عميان دير [5] لا دليل لهم ... سوى العصيّ إلى يوم السّعانين
/ في فتية من بني تيم لهوت بهم ... تيم بن مرّة لا تيم العديّين
خمر الوجوه كأنّا من تحشّمنا ... حسناء شمطاء وافت من فلسطين [6]
ما عائذ [7] اللّه لو لا أنت من شجني ... ولا [8] ابن رامين لو لا ما يمنّيني
في عائذ اللّه بيت ما مررت به ... إلّا وجئت [9] على قلبي بسكين
يا سعدة القينة [10] الخضراء أنت لنا ... أنس لأنّك في دار ابن رامين
ما كنت أحسب أنّ الأسد [11] تؤنسني ... حتى رأيت إليك القلب يدعوني
لو لا ربيحة ما استأنست ما عمدت [12] ... نفسي إليك ولو مثّلت من طين [13]
باع ابن رامين سلامة في حجه فقال هو شعرا:
قال: وحجّ ابن رامين وحجّ بجواريه [14] معه، وكان محمد بن سليمان إذ ذاك على الحجاز، فاشترى منه
__________
[1] الرواية فيما سيأتي: «شرابا». وفي «معجم ما استعجم» للبكري (في دير اللج): «يسقى شرابا كلون النار عتقه». ومرجع الضمير في «يسقي» ابن رامين في البيت قبله.
[2] ذكر المؤلف فيما سيأتي أنه «يعني عمران بن موسى بن طلحة بن عبيد اللّه».
[3] في الأصول المخطوطة: «ينزل». وفي ب، س: «تنزل». ومرجع الضمير في «يزل» الشراب في البيت قبله. والرواية فيما سيأتي و «معجم ما استعجم»:
نمشي إليها بطاء لا حراك بنا ... كأن أرجلنا يقلعن من طين
[4] الرواية فيما يأتي: «عوج مطارحها» بدل: «مطوية شللا». وفي «معجم ما استعجم»: «عوج مواقعها».
[5] في الأصول هنا: «عميان عم». والتصويب مما سيأتي و «معجم ما استعجم».
[6] هكذا ورد هذا الشطر الأخير في أكثر الأصول. ومكانه في ج. حينا ... من فلسطين». وفي ج: «تجمشنا» بالجيم بدل «تحشمنا» بالحاء.
[7] في ج: «ما عابد اللّه». وفي «سائر الأصول»: «يا عائذ اللّه». وعائذ اللّه: حيّ من العرب انتقل إلى جوارهم ابن رامين مع جواريه كما تقدّم. ورواية هذا البيت فيما سيأتي:
ما عائذ اللّه لي إلف ولا وطن ... ولا ابن رامين لو لا ما يمنيني
[8] في «الأصول»: «لو لا ابن رامين».
[9] وجئت: ضربت.
[10] كذا في «ب، س» فيما سيأتي. وفي «الأصول» هنا: «يا أسد القبة». والخضراء: يريد السوداء، وكانت سعدة كذلك.
[11] أحسب أن صوابه: «أن السود تؤنسني» فإن سعدة كانت سوداء.
[12] كذا ورد هذا الشطر فيما سيأتي. ومكان هذا الشطر في أ، م هنا بياض. وفي ح: «لو لا ... نسبت ما بقيت». وفي ب، س هنا:
لولاك تؤنسني بالقرب ما بقيت
وهي جميعا غير واضحة.
[13] فيما سيأتي: «و قد مثلت في طين».
[14] هكذا في الأصول!.
سلّامة الزّرقاء بمائة ألف درهم. فقال إسماعيل بن عمّار:
أيّة حال يا ابن رامين ... حال المحبّين المساكين
/ تركتهم موتى وما موّتوا ... قد جرّعوا منك الأمرّين
/ وسرت في ركب على طيّة ... ركب تهام ويمانين
حججت بيت اللّه تبغي به ال ... برّ ولم ترث لمحرون
يا راعي الذّود لقد زعتهم ... ويلك من روع المحبّين
فرّقت قوما لا يرى مثلهم ... ما بين كوفان [1] إلى الصّين
مات له ابن فرثاه:
أخبرني عليّ بن سليمان الأخفش قال حدّثنا السكّريّ عن محمد قال:
كان لإسماعيل بن عمّار ابن يقال له معن فمات، فقال يرثيه:
يا موت مالك مولعا بضراري ... إنّي عليك وإن صبرت لزاري [2]
تعدو عليّ كأنّني لك واتر ... وأؤول منك كما يؤول فراري [3]
نفس البعيد إذا أردت قريبة ... ليست بناجية مع [4] الأقدار
والمرء سوف وإن تطاول عمره ... يوما يصير لحفرة الجفّار
لمّا غلا عظم [5] به فكأنّه ... من حسن بنيته قضيب نضار [6]
فجعّتني بأعزّ أهلي كلّهم ... تعدو عليه عدوة الجبّار
هلّا بنفسي أو ببعض قرابتي ... أوقعت أو [7] ما كنت للمختار
وتركت ربتي [8] التي من أجلها ... عفت الجهاد وصرت في الأمصار
رفض أن يكون عاملا لما رأى العمال يعذبون وشعره في ذلك:
أخبرني عليّ بن سليمان قال حدّثني السكريّ عن محمد بن حبيب قال:
__________
[1] كوفان: الكوفة، وكوفان أيضا: قرية بهراة.
[2] يقال: فلان زار على فلان إذا كان عاتبا ساخطا غير راض. وفي «الأصول»: «إني إليك».
[3] في «ح»: «قراري» بالقاف.
[4] يحتمل أن يكون «من الأقدار».
[5] في «الأصول»: «لما علا عظمي به» وهو تحريف. يقال غلا بالجارية والغلام عظم، وذلك في سرعة شبابهما وسبقهما لداتهما.
وكل ما ارتفع فقد غلا وتغالى.
[6] النضار هنا: الأثل الطويل المستقيم الغصون.
[7] كذا في «الأصول»!.
[8] كذا في «الأصول». وأحسب أن صوابه: «و تركت زينتي ... » والزينة ابنه. وهذا إشارة إلى قوله تعالى: الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا
قال رجل من بني أسد كان وجها [1]، لإسماعيل بن عمّار: هلمّ أركب معك إلى يوسف بن عمر، فإنه صديق، حتى أكلّمه فيك يستعملك على عمل تنتفع به. فقال له إسماعيل: دعني حتى يقول الحول. فنظر إسماعيل إلى عمّال يوسف يعذّبون، فقال في ذلك:
رأيت صبيحة النّيروز أمرا ... فظيعا عن إمارتهم نهاني
فررت من العمالة بعد يحيى ... وبعد النّهشليّ أبي أبان
وبعد الزور وابن أبي كثير ... وفيقد أشجع وأبي بطان
فحاب بها أبا عثمان غيري ... فما شأن الإمارة لي بشان
أحاذر أن أقصّر في خراجي ... إلى النّيروز أو في المهرجان
أعجّل إن أتى أجلي بوقت ... وحسبي بالمجرّحة المتان [2]
فما عذري إذا عرّضت ظهري ... لألف من سياط الشّاهجان [3]
تعدّ ليوسف عدّا صحيحا ... ويحفظها عليه الجالدان
وأسحب في سراويلي بقيدي ... إلى حسّان معتقل اللّسان
فمنهم قائل بعدا وسحقا ... ومنهم آخران يفدّيان [4]
كفاني من إمارتهم عطائي ... وما أحذيت [5] من سبق الرّهان
/ كفاني ذاك منهم ما بقينا [6] ... كما فيما مضى لي قد كفاني
شعره في بوبة وصيفة عبد الرحمن ابن عنبسة:
/ وقال ابن حبيب في الإسناد الذي ذكرناه: إنه كانت لعبد الرحمن بن عنبسة بن سعيد بن العاصي وصيفة مغنّية يؤدّبها ويصنعها [7] ليهديها إلى هشام بن عبد الملك يقال لها بوبة. فقال فيها إسماعيل بن عمّار:
بوب حيّيت عن جليسك بوبا ... مخطئا في تحيّتي أو [8] مصيبا
ما رأينا قتيل حيّ حبا ألقا ... تل بالوتر أن يكون حبيبا
__________
[1] الوجه من الناس: سيد القوم مثل الوجيه.
[2] في «الأصول»: «بالمحرجة المثان». ويريد بالمجرّحة المتان السياط الشديدة التي تقطع جلد من يضرب بها. والشاعر يريد بهذا الأخبار الإشفاق والخوف.
[3] الشاهجان: هي مرو الشاهجان، كانت قصبة خراسان وأشهر مدنها.
[4] في «بعض الأصول» «يعذبان» وهو تصحيف.
[5] أحذيت: أعطيت. وهذا البيت ساقط من «أ، م». وفي «الأصول» التي ورد فيها: «و ما أحذمت» وفي بعضها «و ما أخدمت». وقد أثبتناه بما يستقيم به المعنى ولا يبعد كثيرا عن رسم «الأصول». والسبق (بالتحريك): ما يجعل من المال رهنا على المسابقة بين الخيل وغيرها. وأحسب أنه يريد ما يعطاه جوائز على إجادته في شعره وسبقه الشعراء.
[6] في «أ، م»: «ما تهيّا».
[7] صنع الجارية: ربّاها وأحن تغذيتها.
[8] في «الأصول» «أم».
غير ما قد رزقت يا بوب منّي ... فهنيئا وإن أتيت عجيبا
غير منّ به عليك وإن كن ... ت بقدر القيان طبّا طبيبا [1]
بنت عشر أديبة في قريش ... بخ فأكرم بهم أبا ونسيبا
أدّبت في بني أميّة حتّى ... كملت في حجورهم تأديبا
قال: ثم أهداها ابن عنبسة إلى هشام. فقال إسماعيل بن عمّار:
ألا حيّيت عنّا ث ... مّ سقيا لك يا بوبه
وأكرم بك مهداة ... وأحبب بك مطلوبه
وواها لك من بكر ... وواها لك مثقوبه
وواها لك ملقاة ... وواها لك مكبوبه
لقد عاين من يلقا ... ك من حسنك أعجوبه
ويا ويلي ويا عولي ... فنفسي الدّهر مكروبه
/ على هيفاء [2] حوراء ... على جيداء رعبوبه
إذا ضاجعها المولى ... فقد أدرك محبوبه
هجاؤه لجارية له كان يبغضها:
قال ابن حبيب في هذه الرواية: كان لإسماعيل بن عمّار جارية قد ولدت منه، وكانت سيئة الخلق قبيحة المنظر، وكان يبغضها وتبغضه، فقال فيها:
بليت بزمّردة [3] كالعصا ... ألصّ وأخبث من كندش [4]
تحبّ النساء وتأبى الرجال ... وتمشي مع الأسفه الأطيش
لها وجه [5] قرد إذا ازّيّنت [6] ... ولون كبيض القطا الأبرش [7]
__________
[1] الطب: الخبير الحاذق بعمله، ومثله الطبيب.
[2] هيفاء: دقيقة الخصر. وحوراء: شديدة بياض العين مع شدّة السواد واستدارة الحدقة. وجيداء: طويلة الجيد. والرعبوبة - ومثلها الرعبوب - : الشطبة التارّة أو هي البيضاء الناعمة.
[3] زمرّدة: لغة في «زنمردة» قلبت النون ميما وأدغمت في الميم. وتروى أيضا بفتح الزاي وكسر الميم، وبكسر الزاي وفتح الميم.
والزنمردة: المرأة التي تشبه الرجال خلقا وخلقا. والكلمة فارسية معربة. وشبهها بالعصا لقلة لحمها وهزالها. وقد نسب أبو تمام هذه القصيدة في «ديوان الحماسة» للغطمش الحنفي.
[4] كندش: لقب لص منكر كان معروفا عندهم، وقيل إنه العقعق، وذكر بعضهم إنه الفأرة. (راجع شرح التبريزي على «الحماسة»).
والعقعق: طائر على قدر الحمامة، على شكل الغراب وجناحاه أطول من جناحي الحمامة، وهو ذو لونين أبيض وأسود، طويل الذنب. وفي طبعه الزنا والخيانة، ويوصف بالسرقة والخبث، والعرب تضرب به المثل في جميع ذلك. (عن حياة الحيوان للدميري في كلامه على العقعق).
[5] ويروى: «لها شعر قرد».
[6] أصله «تزينت» فقلبت التاء زايا وأدغمت في الزاي، فلما سكن الأوّل اجتلبت همزة الوصل.
[7] البرش والبرشة: لون مختلف: نقطة حمراء وأخرى سوداء أو غبراء أو غير ذلك.
ومن فوقه لمّة جثلة [1] ... كمثل الخوافي من المرعش
/ وبطن خواصره كالوطا [2] ... ب زاد على كرش الأكرش
وإن نكهت [3] كدت من نتنها ... أخرّ على جانب المفرش
وثدي تدلّى على بطنها ... كقربة ذي الثّلّة المعطش [4]
وفخذان بينهما بسطة [5] ... إذا ما مشت مشية المنتشي [6]
وساق يخلخلها خاتم ... كساق الدّجاجة أو أحمش [7]
وفي كلّ ضرس لها أكلة [8] ... أصلّ [9] من القبر ذي المنبش
ولمّا رأيت خوا [10] أنفها ... وفيها وإصلال [11] ما تحتشي
/ إلى ضامر [12] مثل ظلف الغزال ... أشدّ اصفرارا من المشمش
/ فررت من البيت من أجلها ... فرار الهجين من الأعمش [13]
__________
[1] وردت هذه الكلمة في «الأصول» محرفة. والتصويب من «الحماسة»، وقد صححها كذلك المرحوم الشنقيطي في نسخته. واللمة:
الشعر المجاوز شحمة الأذن. وفي «الحماسة»:
لها جمة فوقها جثلة
والجمة من الشعر: دون اللمة في الطول. والجثلة: الكثيرة الملتفة. والخوافي من الريش: ما تخفى إذا ضم الطائر جناحيه.
والمرعش (بفتح أوّله وثالثه، وبعضهم يضم أوّله): جنس من الحمام أبيض يحلق في الهواء. وقال أبو العلاء: عني بالمرعش النسر الذي قد هرم. وقد اعتمدنا في شرح بعض هذا الشعر على شرح التبريزي ل «الحماسة».
[2] الوطاب: جمع وطب (بالفتح)، وهو سقاء اللبن يتخذ من جلد الجذع فما فوقه. والأكرش: عظيم البطن.
[3] نكه (من بابي ضرب ومنع): تنفس على أنف آخر.
[4] الثلثة (بالفتح): القطعة من الغنم. والمعطش: الذي عطشت غنمه. ورواية الشطر الأوّل في «الحماسة»:
وثدي يجول على نحرها
يصفها بعظم الثدي. ويحتمل أن يريد أن ثديها طويل وإن كانت خالية، فقد وصفه بالطول والتشنج. (عن شرح «الحماسة»).
[5] في «الأصول»: «بطشة» والتصويب بقلم المرحوم الشنقيطي. وفي «الحماسة»:
وفخذان بينهما نفنف
والنفنف هنا: المهواة بين الشيئين.
[6] المنتشي: السكران.
[7] في هذا البيت إقواء؛ لأن المعنى على تقدير أو هي أحمش. ورواية البيت في «الحماسة»:
وساق مخلخلها حمشة ... كساق الجرادة أو أحمش
والحموشة: الدقة، يقال: ساق حمشة (بالفتح) وحميشة وحمشاء أي دقيقة. والمخلخل: موضع الخلخال من الساق. وأنث الخبر - على رواية «الحماسة» - لإضافة المخلخل إلى ضمير الساق، والساق مؤنثة.
[8] الأكلة (بفتح أوّله وكسر ثانيه، وسكن هاهنا للشعر): داء يقع في العضو فيأتكل منه.
[9] أصلّ: أنتن. وفي «الأصول»: «أضل» بالضاد المعجمة. والتصويب بقلم الأستاذ المرحوم الشنقيطي.
[10] كذا في «ح». والخواء (بالمد): الهواء بين الشيئين. وقصره الشاعر هنا للشعر. ووردت هذه الكلمة في «سائر الأصول» محرفة بين «خدا» و «حذا».
[11] الإصلال: مصدر أصل اللحم إذا أنتن؛ يقال: صل اللحم وأصل، وما تحتشيه هنا: ما تضعه من القطن ونحوه في فرجها لتحبس به دم الحيض.
[12] يريد فرجها.
[13] كذا في «الأصول»!.
وأبرد من ثلج ساتيد ما [1] ... إذا راح كالعطب [2] المنفش [3]
وأرسح [4] من ضفدع عثّة [5] ... تنقّ على الشّطّ من مرعش [6]
وأوسع من باب جسر الأمير ... تمرّ المحامل لم تخدش
فهذي صفاتي فلا تأتها [7] ... فقد قلت طردا لها كشكشي [8]
هجا جارا له بنى مسجدا قرب داره:
وقال ابن حبيب: كان في جوار إسماعيل بن عمّار رجل من قومه ينهاه عن السّكر وهجاء الناس ويعذله، وكان إسماعيل له مغضبا. فبنى ذلك الرجل مسجدا يلاصق دار إسماعيل وحسّنه وشيّده، وكان يجلس فيه هو وقومه وذوو التستّر والصلاح منهم عامّة نهارهم، فلا يقدر إسماعيل أن يشرب في داره ولا يدخل إليه أحد ممن كان يألفه من مغنّ أو مغنّية أو غيرهما من أهل الرّيبة. فقال إسماعيل يهجوه - وكان الرجل يتولّى شيئا من الوقوف للقاضي بالكوفة - :
بنى مسجدا بنيانه من خيانة ... لعمري لقدما كنت غير موفّق
كصاحبة الرّمّان لمّا تصدّقت ... جرت مثلا للخائن المتصدّق
يقول لها أهل الصّلاح نصيحة ... لك الويل لا تزني ولا تتصدّقي
استعدى على غاضري كلف رهطه الطواف:
وقال ابن حبيب: ولّي العسس [9] رجل غاضريّ، فأخذ بني مالك وهم رهط إسماعيل ابن عمّار بأن كانوا معه، فطافوا إلى الغداة. فلمّا أصبح غدا على الوالي مستعديا على الغاضريّ. فقال له الوالي - وكان رجلا من همدان - : ماذا صنع بك؟ فأنشأ يقول:
عسّ بنا ليلته كلّها ... ما نحن في دنيا ولا آخره
يأمر أشياخ بني مالك ... أن يحرسوا دون بني غاضرة
واللّه لا يرضى بذا كائنا ... من حكم همدان إلى الساهره [10]
__________
[1] ساتيدما: جبل متصل من بحر الروم إلى بحر الهند.
[2] العطب (بضمتين ويسكن ثانيه): القطن.
[3] الذي في كتب اللغة أنه يقال: نفشت الصوف والقطن ونفشته (بتشديد الفاء) إذا ندفته.
[4] في «الأصول»: «و أرشح» بالشين المعجمة. والتصويب بقلم المرحوم الشنقيطي. والرسح: قلة لحم الفخذين والعجز.
[5] كذا في «ح». والعثة (بالعين المهملة): المحقورة والضئيلة الجسم. وفي «سائر الأصول»: «غثة» بالغين المعجمة. والغثة:
الرديئة.
[6] مرعش: مدينة بين الشام وبلاد الروم.
[7] في «الأصول»: «فلا تأبها» بالباء الموحدة.
[8] في «الأصول»: «كشكش» بدون الياء. والكشكشة هنا: الهرب. يريد: فقلت لها اذهبي.
[9] العسس: جمع أو اسم جمع لعاس، وهم طوّافو الليل لحراسة الناس والكشف عن أهل الريبة.
[10] كذا في «الأصول». والساهرة في اللغة: الأرض أو وجهها، وقيل هي الفلاة، وقيل هي الأرض التي لم توطأ، وقيل هي أرض يجدّدها اللّه يوم القيامة، وبهذه الأقوال فسر قوله تعالى: فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ
قال فقال له الوالي: قد لعمري صدقت، ووظّف على سائر البطون أن يطوفوا مع صاحب العسس في عشائرهم ولا يتجاوزوا قبيلة إلى قبيلة، ويكون ذلك بنوائب [1] بينهم.
كان منقطعا إلى خالد بن خالد بن وليد فلما مات رثاه:
وقال ابن حبيب: كان إسماعيل بن عمّار منقطعا إلى خالد بن الوليد بن عقبة بن معيط، وكان إليه محسنا، وكان ينادمه. فولي خالد بن خالد عملا للوليد بن يزيد بن عبد الملك فخرج إليه، وكان إسماعيل عليلا فتأخّر عنه، ثم لم يلبث خالد أن مات في عمله، فورد نعيه الكوفة في يوم فطر. فقال إسماعيل بن عمّار يرثيه:
ما لعيني [2] تفيض غير جمود [3] ... ليس ترقا ولا لها من هجود
فإذا قرّت العيون استهلّت ... فإذا نمن أولعت بالسّهود
ألنعي ابن خالد خالد الخي ... رات في يوم زينة مشهود
سنحت لي يوم الخميس غداة ال ... فطر طير بالنّحس لا بالسّعود
فتعيّفت [4] أنّهنّ لأمر ... مفظع ما جرين في يوم عيد
فنعت خالد بن أروى وجلّ ال ... خطب فقدان خالد بن الوليد
سعى به عثمان بن درباس فهجاه فاستعدى عليه السلطان فحبسه:
وقال ابن حبيب: كان لإسماعيل بن عمّار جار يقال له عثمان بن درباس، فكان يؤذيه ويسعى به إلى السلطان في كلّ حال، ثم سعى به أنّه يذهب مذهب الشّراة [5]، فأخذ وحبس. فقال يهجوه:
من كان يحسدني جاري ويغبطني ... من الأنام بعثمان بن درباس
فقرّب اللّه منه مثله أبدا ... جارا وأبعد منه صالح النّاس
جار له باب ساج [6] مغلق أبدا ... عليه من داخل حرّاس أحراس [7]
عبد وعبد وبنتاه وخادمه ... يدعون مثلهم ما ليس [8] من ناس
صفر الوجوه كأنّ السّلّ خامرهم ... وما بهم غير جهد الجوع من باس
له بنون كأطباء [9] معلّقة ... في بطن خنزيرة في دار كنّاس
__________
[1] نوائب: جمع نيابة بمعنى نوبة؛ فإنه يقال جاءت نوبة فلان، وجاءت نيابة فلان.
[2] في «الأصول»: «ما لعين» بدون ياء المتكلم.
[3] عين جمود: لا تدمع. ورقوء الدمع: جفافه وانقطاعه. والهجود: النوم.
[4] عيافة الطير: زجرها، وهو أن تعتبر بأسمائها ومساقطها وممرها وأصواتها فتتسعد أو تتشأم. والذي في كتب اللغة التي بين أيدينا أنه يقال عاف الطير يعيفها عيافة. أما «تعيف» فلم نجدها إلا في هذا الشعر.
[5] الشراة: الخوارج.
[6] الساج هنا: ضرب من الشجر ينبت ببلاد الهند ويعظم جدا، وخشبه أسود رزين لا تكاد الأرض تبليه.
[7] حراس وأحراس: كلاهما جمع لحارس.
[8] كذا في «ج». وفي «سائر الأصول»: «من» بدل «ما». يريد أن الحراس يستعينون بمثلهم من الكلاب عددا.
[9] الأطباء: حلمات الضرع لذي الخف والظلف والحافر والسبع، واحدها طبي (بالكسر ويضم).
إن يفتح الباب عنهم بعد عاشرة ... تظنّهم خرجوا من قعر أرماس [1]
فليت دار ابن درباس معلّقة ... بالنّجم بين سلاليم وأمراس [2]
فكان آخر عهدي منهم أبدا ... وابتعت دارا بغلماني وأفراسي
/ قال: وقال فيه أيضا:
ليت برذوني وبغلي ... وجوادي وحماري
كنّ في الناس وأبدل ... ت غدا جارا بجار
جار صدق بابن دربا ... س وإلّا بعت داري
فتبدّلت به من ... يمن أو من نزار
بدلا يعرف ما الل ... ه وما حقّ الجوار
لو تبدّلت سواه ... طاب ليلي ونهاري
واسترحنا من بلايا ... ه صغار أو كبار
لو جزيناه بها كنّ ... ا جميعا في فجار [3]
أو سكتنا كان ذلّا ... داخلا تحت الشّعار [4]
كتب إلى ابن أخيه شعرا من الحبس فأجابه:
قال: فلمّا قال فيه الشعر استعدى عليه السّلطان، وذكر أنّه من الشّراة، وأنّهم مجتمعون عنده، وأنّه من دعاة عبد اللّه [5] بن يحيى وأبي حمزة المختار. فكتب من السجن إلى ابن أخ له يقال له معان:
أبلغ معانا عنّي وأخوته ... قولا وما عالم كمن جهلا
بأنّني والمصبّحات منّى ... يعدون طورا وتارة رملا
لخائف [6] أن يكون ودّكم ... إيّاي بعد الصفاء قد أفلا
/ أئن عراني دهري بنائبة ... أصبح منها الفؤاد مشتعلا
/ حاولتم الصّرم أو لعلّكم ... ظننتم ما أصابني جللا
__________
[1] الأرماس: القبور.
[2] الأمراس: الحبال، واحدها مرس (بالتحريك).
[3] فجار: اسم للفجور، وهو معرفة مبني على الكسر مثل حذام وقطام.
[4] الشعار من الثياب: ما يلي البشرة. ودخول الذل تحت الشعار كناية عن الاتصاف به.
[5] هو عبد اللّه بن يحيى الكندي أحد بني عمر بن معاوية من حضر موت، خرج في أيام مروان بن محمد هو وأبو حمزة المختار بن عوف الأزدي ثم السلمي من أهل البصرة، وتبعهم جماعة، فغلبوا على اليمن والحجاز، ثم قتلوا أخيرا. (راجع «الأغاني» جزء 20 صفحة 97 وما بعدها من طبعة بلاق، ففيه تفصيل لخروجهم ومقتلهم).
[6] وقعت اللام هنا في خبر «أن» المفتوحة الهمزة، وهو شاذ.
لا تغفلونا بني أخي فلقد ... أصبحت لا أبتغي بكم بدلا
تمسّكوا بالّذي امتسكت به ... فإنّ خير الإخوان من وصلا
قال: فكتب إليه ابن أخيه:
يا عمّ عوفيت من عذابهم النّ ... كر وفارقت سجنهم عجلا
كتبت تشكو بني أخيك وقد ... أرسل من كان قبلنا مثلا
«أبدأهم بالصّراخ ينهزموا [1]» ... فأنت يا عمّ تبتغي العللا
زعمت أنّا نرى بلاءك في ... دار بلاء مكبّلا جللا
يا عمّ بئس الفتيان نحن إذا ... أمّا وفي رجلك الكبول فلا
عليّ إن كنت صادقا حجّ ... للبيت عامين حافيا رجلا
بعّد عنك الهموم فارج من ال ... لّه خلاصا وأحسن الأملا
أطلقه الحكم بن الصلت من السجن وشعره فيه حين عزل:
قال: ثمّ ولي الحكم بن الصّلت فأطلقه وأحسن إليه، فلم يزل يشكره ويمدحه. ثم عزل الحكم بعد ذلك، فقال إسماعيل فيه:
تبارك اللّه كيف أوحشت ال ... كوفة أن [2] لم يكن بها الحكم
الحكم العدل في رعيّته ال ... كامل فيه [3] العفاف والفهم
/ فأصبح القصر [4] والسّريران وال ... منبر [5] كالكل [6] من أب يتم [7]
يذري عليه السرير عبرته ... والمبتر المشرفيّ يلتدم [8]
والناس من حسن سيرة الحكم ب ... ن الصّلت يبكون كلّما ظلموا
مثل السّكارى في فرط وجدهم ... إلّا عدوّا عليه يتّهم
يوم جرى طائر النّحوس لهم ... ينزع منه القرطاس والقلم
__________
[1] أصل هذا المثل: «ابدأهم بالصراخ يفروا». أصله أن يكون الرجل قد أساء إلى الرجل فيتخوف لائمة صاحبه فيبدؤه بالشكاية والتجني ليرضى عنه بالسكوت. يضرب للظالم يتظلم ليسكت عنه.
[2] كذا في «ج». وفي «سائر الأصول»: «إذ لم يكن».
[3] في «ج»: «منه».
[4] في «الأصول»: «القبر». ولعل ما أثبتناه أقرب كلمة يستقيم بها المعنى مع قربها في الرسم مما في «الأصول».
[5] ما ورد في البيت الذي يليه يرجح أن يكون «المبتر» وهو السيف.
[6] كذا في «الأصول». ولعله: «فالكل» على ما في هذا من ضعف.
[7] اليتم (بالتحريك): لعله مصدر وصف به هنا.
[8] المشرفيّ من السيوف: المنسوب إلى المشارف وهي قرى من أرض اليمن، وقيل: من أرض العرب تدنو من الريف. واللدم والالتدام: ضرب المرأة صدرها أو وجهها من الحزن.
فأرغم اللّه حاسديه كما ... أرغم هود [1] القرود إذ رغموا
في سبتهم يوم كاب خطبهم ... واللّه ممّن عصاه ينتقم
إنا إلى اللّه راجعون أما ... للنّاس عهد يوفى ولا ذمم
حول علينا، وليلتان لنا ... من لذّة العيش، بئسما حكموا
لا حكم إلّا للّه يظهره ... يقضي لضيزائها [2] الّتي قسموا
ماذا ترجّي من عيشها مضر ... إن كان من شأنها الّذي زعموا
ذم ولاية خالد القسريّ:
وقال ابن حبيب: سمع إسماعيل بن عمّار رجلا ينشد أبياتا للفرزدق يهجو بها عمر بن هبيرة الفزاريّ لمّا ولي العراق ويعجب من ولايته إيّاها، وكان خالد القسريّ قد ولي في تلك الأيّام العراق، فقال إسماعيل: أعجب واللّه مما عجب منه الفرزدق من ولاية ابن هبيرة، [و هو [3]] ما لست أراه يعجب منه، ولاية خالد القسريّ وهو مخنّث دعيّ ابن دعيّ، ثم قال:
عجب الفرزدق من فزارة أن رأى ... عنها أميّة بالمشارق تنزع
/ فلقد رأى عجبا وأحدث بعده ... أمر تطير له القلوب وتفزع
بكت المنابر من فزارة شجوها ... فالآن من قسر تضجّ وتجزع
فملوك خندف أضرعونا [4] للعدا ... للّه درّ ملوكنا ما تصنع
كانوا كقاذفة بينها ضلّة ... سفها وغيرهم تربّ وترضع
شعر له في عينه وقلبه:
أخبرني حبيب بن نصر المهلّبيّ قال حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد قال حدّثنا عبد اللّه بن سعيد بن أسيد العامريّ قال حدّثني محمد بن أنس الأسديّ قال:
شعر له في عينه وقلبه:
جلست إلى إسماعيل بن عمّار، وإذا هو يفتل أصابعه متأسّفا، فقلت: علام هذا التأسّف والتلهّف؟
فقال:
عيناي مشؤمتان ويحهما ... والقلب حرّان مبتلى بهما
__________
[1] الهود: اليهود. وهو القرود: هم أهل القرية التي كانت حاضرة البحر، وكانت تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم، وكان محرما عليهم الصيد أو العمل في يوم السبت. فلما أخذوا يعدون في السبت وعتوا عما نهوا عنه، قال لهم اللّه:
كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ*
وأرغم اللّه فلانا: أذله. ورغم فلان، أو رغم أنف فلان: ذل. وفي «بعض الأصول»: «إذ زعموا».
[2] الضيزي: القسمة الجائزة غير العدل. وهي مقصورة، ومدها هنا للضرورة.
[3] زيادة يقتضيها سياق الكلام.
[4] أضرعونا: أذلونا وأخضعونا.
عرّفتاه الهوى لظلمهما ... يا ليتني قبل ذا عدمتهما
هما إلى الحين دلّتا وهما ... ذلّ [1] على من أحبّ دمعهما
سأعذر القلب في هواه وما ... سبّب كلّ البلاء غيرهما
شعر للأعشى وشرحه:
صوت
فكعبة نجران حتم علي ... ك حتّى تناخي بأبوابها
نزور يزيد وعبد المسيح ... وقيسا هم خير أربابها
وشاهدنا الجلّ [2] والياسمي ... ن والمسمعات بقصّابها [3]
وبربطنا [4] دائم معمل ... فأيّ الثلاثة أزرى بها
إذا الحبرات [5] فلوت بهم ... وجرّو أسافل هدّابها
فلمّا التقينا على آية [6] ... ومدّت إليّ بأسبابها
عروضه من المتقارب. الشعر للأعشى يمدح بني عبد المدان الحارثيّين من بني الحارث بن كعب. والغناء لحنين، خفيف ثقيل بالوسطى في مجراها عن إسحاق./ وذكر يونس أنّ فيه لحنا لمالك، وزعم عمرو بن بانة أنه خفيف ثقيل. وزعم أبو عبد اللّه الهشاميّ أنّ فيه لابن المكيّ خفيف رمل بالوسطى أوّله:
تنازعني إذ خلت بردها [7]
ومعه باقي الأبيات مخلّطة مقدّمة ومؤخّرة. والكعبة التي عناها الأعشى هاهنا يقال إنها بيعة بناها بنو عبد المدان
__________
[1] ذل الدمع: هان. وفي «بعض الأصول»: «دلا» وهو تحريف.
[2] ويروى: «و شاهدنا الورد» كما في شعر الأعشى. والجل (بالضم ويفتح): الورد أبيضه وأحمره وأصفره، واحده جلة.
[3] سيذكر المؤلف فيما بعد أن القصاب الأوتار. وقال أبو العباس ثعلب - في شرحه ل «ديوان الأعشى» صفحة 121 من طبعة مطبعة آدلف هلز هوسن سنة 1927 م - «قصاب جمع قاصب وهو الزامر. أبو عبيدة: قصابها أوتارها، وأصله من القصب، ويقال للمزامر قاصب، وما زال يقصب ... ». وقد تقدّمت هذه الأبيات (جزء 9 ص 299 من طبعة دار الكتب). فراجع ما كتب على هذه الكلمة هناك.
[4] البربط (وزان جعفر): العود. والكلمة فارسية معرّبة. قيل: شبه بصدر البط. و «بر»: الصدر. وفي شعر الأعشى «و مزهرنا».
والمزهر: العود أيضا.
[5] في «الأصول»: «إذا الخيرات فلوت بهم». والتصويب من شعر للأعشى و «مسالك الأبصار» (جزء أوّل صفحة 359 من طبعة دار الكتب المصرية). (و الحبرات بكسر الحاء وفتحها): ضرب من برود اليمن منمر.
[6] في «الأصول»: «على آلة». والتصويب من شعر الأعشى. والآية: العلامة، كما فسرها بذلك أبو العباس ثعلب. وجواب «لما» في البيت الذي بعده، وهو:
بذلنا لها حكمها عندنا ... وحادت بحكمي لألهي بها
[7] تمام البيت:
مفضلة غير جلبابها
وهو وارد في شعر الأعشى قبل قوله: «فلما التقينا ... ».
على بناء الكعبة، وعظّموها مضاهاة للكعبة، وسمّوها كعبة نجران، وكان فيها أساقفة يقيمون، وهم الذين جاءوا إلى النبيّ صلى اللّه عليه وسلم ودعاهم إلى المباهلة، وقيل: بل هي قبّة من أدم سمّوها الكعبة. وكان إذا نزل بها مستجير أجير، أو خائف أمن، أو طالب حاجة قضيت، أو مسترفد أعطي ما يريده. والمسمعات: القيان. والقصّاب: أوتار العيدان.
وقال الأصمعيّ: قلت لبعض الأعراب: أنشدني شيئا من شعرك. قال: كنت أقول الشّعر وتركته. فقلت: ولم ذاك؟
قال: لأنّني قلت شعرا وغنّى فيه حكم الواديّ وسمعته فكاد يذهل عقلي، فآليت ألّا أقول شعرا، وما حرّك حكم قصّابه إلّا توهّمت أنّ اللّه عزّ وجلّ مخلدي بها [1] في النّار.
* تم الجزء الحادي عشر، ويليه الجزء الثاني عشر وأوّله:
أخبار الأعشى وبني عبد المدان وأخباره مع غيرهم
__________
[1] لعل صوابه «به» أي الشعر الذي غنى فيه، أو أنث الضمير باعتبار أنه قصيدة.
فهرس موضوعات الجزء الحادي عشر
الموضوع الصفحة
أخبار النابغة ونسبه 5
أخبار الحارث بن حلزة ونسبه 29
نسب عمرو بن كلثوم وخبره 35
ذكر لخبر عن السبب في اتصال الهجاء بين جرير والأخطل 41
ذكر أوس بن حجر وشيء من أخباره 47
خبر ورقاء بن زهير ونسبه 51
مقتل زهير بن جذيمة العبسي 56
ذكر مقتل خالد بن جعفر بن كلاب 64
خبر الحارث وعمرو بن الإطنابة 83
خبر رحرحان الثاني 87
يوم شعب جبله 89
مقتل عمليق وسببه 113
عمر بن أبي ربيعة وصاحبه العذري 115
أخبار عائشة بنت طلحة ونسبها 120
نسب عمرو بن شأس وأخباره 132
شعر ليلى ونسبها وخبر توبة بن الحمير معها 137
ذكر الأقيشر وأخباره 167
أخبار ابن الغريزة ونسبه 186
أخبار أعشى بني تغلب ونسبه 188
أخبار أبي النضير ونسبه 191
أخبار العبليّ ونسبه 197
أخبار أبي جلدة ونسبه 209
أخبار علوية ونسبه 226
نسب إسماعيل بن عمارة وأخباره 247
الجزء الثاني عشر
[تتمة التراجم]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ*
1 - أخبار الأعشى وبني عبد المدان، وأخبارهم مع غيره [1]
كان الأعشى قدريّا ولبيد مجبرا
أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدّثنا أحمد بن الهيثم بن فراس قال حدّثنا العمريّ عن الهيثم بن عديّ عن حمّاد الراوية عن سماك بن حرب عن يونس بن متّى راوية الأعشى قال:
كان لبيد مجبّرا [2] حيث يقول:
من هداه سبل الخير اهتدى ... ناعم البال ومن شاء أضلّ
وكان الأعشى قدريّا [3] حيث يقول:
/استأثر اللّه بالوفاء [4] وبال ... عدل وولّى الملامة الرّجلا
فقلت له: من أين [أخذ] [5] هذا؟ فقال: أخذه من أساقفة نجران. وكان يعود في كلّ سنة إلى بني عبد المدان، فيمدحهم ويقيم عندهم يشرب الخمر معهم وينادمهم، ويسمع من أساقفة نجران قولهم؛ فكلّ شيء في شعره من هذا فمنهم أخذه.
__________
[1] في ب، س: «و أخباره مع غيرهم». ولم يرد هاهنا من أخبار الأعشى مع غير بني عبد المدان شي ء؛ وكل ما ورد من أخباره مع بني عبد المدان أنه كان يفد إليهم كل سنة فيمدحهم ويقيم عندهم يشرب الخمر. وفي الأصول الخطية:» وأخباره مع غيره». وقد صححنا العنوان بما يلائم الوارد هنا.
[2] المجبر: الذي يقول بالجبر، وهو عند أهل الكلام إسناد أفعال العبد إلى اللّه سبحانه إيجادا وتأثيرا. ويقول الجبرية: إنه لا قدرة للعبد أصلا لا مؤثرة ولا كاسبة، بل هو بمنزلة الجمادات فيما يوجد منها.
[3] في الأصول هنا: «مثبتا» وهو تحريف؛ فإن المثبت من يثبت القدر، وهو تحديد كل مخلوق بحده الذي يوجد عليه من حسن وقبح ونفع وضرر، وما يحويه من زمان ومكان، وما يترتب عليه من ثواب وعقاب؛ ومآل ذلك الى الجبر؛ فالمثبت والمجبر سواء. وقد ورد في «ترجمة الأعشى» (ج 9 ص 113 من هذه الطبعة): «كان الأعشى قدريا وكان لبيد مثبتا».
والقدري: من ينكر القدر أي ينكر أن يكون اللّه قد قدّر على عباده شيئا من خير أو شر، وإنما ذلك موكول إلى إرادتهم وقدرتهم؛ فمن عمل صالحا فلنفسه، ومن أساء فعليها. وفي كشاف اصطلاحات الفنون للتهانوى نقلا عن شرح المواقف: «و القدر يطلق عند أهل الكلام على إسناد أفعال العباد إلى قدرتهم؛ ولذا يلقب المعتزلة بالقدرية».
[4] كذا في «ديوان شعر الأعشى» وفي «ترجمة الأعشى» فيما تقدّم (جزء 9). وفي ج: «بالربا» وفي الأصول هنا: «بالبقاء».
[5] زيادة عن ترجمة الأعشى فيما مضى.
خبر أساقفة نجران مع النبيّ صلى اللّه عليه وسلم
(خبر أساقفة نجران مع النبي) فأمّا [1] خبر مباهلتهم [2] النبيّ صلى اللّه عليه وسلم، فأخبرني به عليّ بن العبّاس بن الوليد البجليّ المعروف بالمقانعيّ [3] الكوفيّ قال أنبأنا بكّار بن أحمد بن اليسع الهمداني قال حدّثنا عبد اللّه بن موسى عن أبي حمزة عن شهر بن حوشب.
قال بكّار وحدّثنا إسماعيل بن أبان العامريّ عن عيسى بن عبد اللّه بن محمد بن عمر بن عليّ عن أبيه عن جدّه عن عليّ عليه السلام، وحديثه أتم الأحاديث. وحدّثني [به] [4] جماعة آخرون بأسانيد مختلفة وألفاظ تزيد وتنقص:
فممن حدّثنى به [5] عليّ بن أحمد بن حامد التميميّ قال حدّثنا الحسن بن عبد الواحد قال حدّثنا حسن بن حسين عن حيّان بن علي [عن] [4] الكلبيّ عن أبي صالح عن ابن عبّاس، وعن الحسن بن الحسين/ عن محمد بن بكر عن محمد بن عبد اللّه بن عليّ بن أبي رافع عن أبيه عن جدّه عن أبي رافع. وأخبرني عليّ بن موسى الحميريّ في كتابه قال حدّثنا جندل بن والق [6] قال حدّثنا محمد بن عمر عن عبّاد الكليبيّ [7] عن كامل أبي العلاء عن أبي صالح عن ابن عبّاس. وأخبرني أحمد بن الحسين بن سعد [8] بن عثمان إجازة قال حدّثنا أبي قال حدّثنا حصين بن مخارق عن عبد الصمد بن عليّ عن أبيه عن ابن عبّاس. قال الحصين وحدّثني أبو الجارود وأبو حمزة الثّماليّ عن أبي جعفر، قال: وحدّثني حمد [9] بن سالم وخليفة بن حسان عن زيد بن عليّ عليه السلام. قال حصين وحدّثني سعيد بن طريف عن عكرمة عن ابن عباس. وممن حدّثني [أيضا] [10] بهذا الحديث عليّ بن العباس عن بكّار عن إسماعيل بن أبان عن أبي أويس المدني [11] عن جعفر بن محمد وعبد اللّه والحسن ابني الحسن. وممن حدّثني به أيضا محمد بن الحسين الأشنانيّ قال حدّثنا إسماعيل بن إسحاق الراشديّ قال حدّثني يحيى بن سالم عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام [12]. وممن أخبرني به أيضا الحسين [13] بن حمدان بن أيوب الكوفيّ عن محمد بن عمرو الخشّاب عن حسين الأشقر عن شريك عن جابر عن أبي جعفر، وعن شريك عن المغيرة عن الشعبيّ، واللفظ للحديث الأوّل. قالوا:
__________
[1] في ط، م: «و أما».
[2] المباهلة: الملاعنة.
[3] كذا في ط، ج. وفي م: «المقايعي». وفي سائر الأصول: «اليافعي» وكلاهما تحريف. والمقانعي: نسبة إلى المقانع جمع مقنعة وهي الخمار. والمشهور بها أبو الحسن علي بن العباس بن الوليد البجلي ... وقد توفي بعد شوال سنة ست وثلاثمائة. (عن كتاب «الأنساب» للسمعاني).
[4] زيادة عن ط، م.
[5] في الأصول: «بها».
[6] كذا في ط، م. وفي بعض الأصول: «و ألف» وفي بعضها: «رائق» تحريف.
[7] في بعض الأصول: «الكلبي»، وهو قول في نسبته.
[8] في ط، م: «سعيد» ولم نهتد إليه.
[9] كذا في ط، ج، م. وفي سائر الأصول: «أحمد».
[10] زيادة في ط، م.
[11] في بعض الأصول: «الرقي» تحريف.
[12] في ط، م: «رحمه اللّه».
[13] كذا في ط، م. وفي سائر الأصول: «الحسن» ولم نهتد إليه.
/ قدم وفد نصارى [1] نجران وفيهم الأسقفّ، والعاقب وأبو حبش [2]، والسّيّد، وقيس، وعبد المسيح، وابن عبد المسيح [3] الحارث وهو غلام - وقال شهر بن حوشب في حديثه: وهم أربعون حبرا [4] - حتى وقفوا على اليهود في بيت المدراس [5]، فصاحوا بهم: يا بن صوريّا يا كعب بن الأشرف، انزلوا يا إخوة القرود والخنازير. فنزلوا إليهم؛ فقالوا لهم: هذا الرجل عندكم منذ كذا وكذا سنة [قد غلبكم!] [6] أحضروا الممتحنة [لنمتحنه] [6] غدّا. فلمّا صلّى النبيّ صلى اللّه عليه وسلم الصبح، قاموا فبركوا/ بين يديه، ثم تقدّمهم الأسقفّ فقال: يا أبا القاسم، موسى من أبوه؟ قال: عمران.
قال: فيوسف من أبوه؟ قال: يعقوب. قال: فأنت من أبوك؟ قال: أبي عبد اللّه بن عبد المطلّب. قال: فعيسى من أبوه؟ فسكت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وآله؛ فانقضّ عليه جبريل عليه السلام فقال [7]: إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ
فتلاها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم؛ فنزا [8] الأسقفّ ثم دير به مغشيّا عليه، ثم رفع رأسه إلى النبيّ صلى اللّه عليه وسلم فقال [له] [9]:
أتزعم أنّ اللّه جلّ وعلا أوحي إليك أنّ عيسى خلق من تراب! ما نجد هذا فيما أوحي إليك، ولا نجده فيما أوحي إلينا؛ ولا تجد هؤلاء اليهود فيما أوحي إليهم. فأوحى اللّه تبارك وتعالى إليه: فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ
فقال [10]: أنصفتنا يا أبا القاسم، فمتى نباهلك؟ فقال: بالغداة إن شاء اللّه تعالى. وانصرف النصارى، وانصرفت اليهود وهي تقول: واللّه ما نبالي أيّهما أهلك اللّه الحنفيّة أو النّصرانيّة. فلمّا صارت النصارى إلى بيوتها قالوا؛ واللّه إنّكم لتعلمون أنّه نبيّ، ولئن باهلناه إنّا لنخشى أن نهلك، ولكن استقيلوه لعلّه يقيلنا. وغدا النبيّ صلى اللّه عليه وسلم من الصّبح وغدا معه بعليّ وفاطمة والحسن والحسين صلوات اللّه عليهم. فلمّا صلّى الصبح، انصرف فاستقبل الناس بوجهه، ثم برك باركا، وجاء بعليّ فأقامه بين يديه، وجاء بفاطمة فأقامها بين كتفيه، وجاء بحسن فأقامه عن يمينه،
__________
[1] في الأصول: «لمّا قدم صهيب من نجران ... الخ» وظاهر ما فيه من تحريف.
على أن في بعض الأسماء التي وردت هنا اختلافا عما ورد في كتب السيرة والتاريخ. ففي كتاب «السيرة النبوية لابن هشام» (ص 401 طبعة أوربا): «قدم على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وفد نصارى نجران ستون راكبا، فيهم أربعة عشر رجلا من أشرافهم، في الأربعة عشر منهم ثلاثة نفر إليهم يؤول أمرهم: العاقب أمير القوم وذو رأيهم وصاحب مشورتهم والذي لا يصدرون إلا عن رأيه، واسمه عبد المسيح، والسيد ثمالهم وصاحب رحلهم ومجتمعهم، واسمه الأيهم، وأبو حارثة بن علقمة أخو بكر بن وائل ... وأوس، والحارث، وزيد، وقيس، ويزيد، ونبيه، وخويلد، وعمرو، وخالد، وعبد اللّه، ويحنس، في ستين راكبا ... الخ».
وفي «الطبقات لابن سعد» (الجزء الأول، القسم الثاني ص 84 طبع ليدن): «و كتب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى أهل نجران، فخرج إليه وفدهم أربعة عشر رجلا من أشرافهم نصارى، فيهم العاقب وهو عبد المسيح رجل من كندة، وأبو الحارث بن علقمة رجل من بني ربيعة، وأخوه كرز، والسيد وأوس ابنا الحارث، وزيد بن قيس، وشيبة - في السيرة (نبيه) كما تقدم - وخويلد، وخالد، وعمرو وعبيد اللّه. وفيهم ثلاثة نفر يتولون أمورهم: العاقب وهو أميرهم وصاحب مشورتهم والذي يصدرون عن رأيه، وأبو الحارث أسقفهم وحبرهم وإمامهم وصاحب مدراسهم، والسيد وهو صاحب رحلتهم ... إلخ».
[2] في ط، م: «و العاقب أبو حبش».
[3] في ط، م: «و عبد المسيح وابن عبد المسيح وابن عبد المسيح الحارث ... ».
[4] في الأصول: «أحبارا» تحريف.
[5] بيت المدراس هنا: البيت الذي يتدارس اليهود فيه كتابهم.
[6] زيادة في ط، م.
[7] كذا في ط، م. وفي سائر الأصول: «و قال».
[8] نزا: وثب.
[9] زيادة عن ط، م.
[10] كذا في ط، م. ومرجع الضمير والأسقف. وفي سائر الأصول: «فقالوا».
وجاء بحسين فأقامه عن يساره. فأقبلوا/ يستترون بالخشب والمسجد فرقا أن يبدأهم بالمباهلة إذا رآهم، حتى بركوا بين يديه، ثم صاحوا: يا أبا القاسم، أقلنا أقالك اللّه عثرتك. فقال النبيّ صلى اللّه عليه وسلم: نعم - قال: ولم يسأل النبيّ صلى اللّه عليه وسلم شيئا قطّ إلّا أعطاه - فقال: قد أقلتكم [فولّوا] [1]. فلّما ولّوا قال النبيّ صلى اللّه عليه وسلم: «أما والّذي بعثني بالحقّ لو باهلتهم ما بقي على وجه الأرض نصرانيّ ولا نصرانية إلّا أهلكهم اللّه تعالى». وفي حديث شهر بن حوشب أنّ العاقب وثب فقال: أذكّركم اللّه أن نلاعن هذا الرجل! فو اللّه لئن كان كاذبا ما لكم في ملاعنته خير، ولئن كان صادقا لا يحول الحول ومنكم نافخ ضرمة [2] فصالحوه ورجعوا.
خبر قبة نجران
وأمّا خبر القبّة الأدم التي ذكرها الأعشى فأخبرني بخبرها عمّي وحبيب بن نصر المهلّبيّ قالا حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد قال حدّثني عليّ بن عمرو الأنصاريّ عن هشام بن محمد عن أبيه قال:
كان عبد المسيح بن دارس بن عربيّ بن معيقر [3] من أهل نجران، وكانت له قبّة من ثلاثمائة جلد أديم، وكان على/ نهر بنجران يقال النّحيردان [4]. قال: ولم يأت القبّة خائف إلّا أمن، ولا جائع إلا شبع؛ وكان يستغلّ من ذلك النهر عشرة آلاف دينار،/ [و كانت القبّة تستغرق ذلك كله] [5]. وكان [6] أوّل من نزل نجران [7] من بني الحارث بن كعب يزيد بن عبد المدان [بن الدّيّان. وذلك أنّ عبد المسيح بن دارس زوّج يزيد بن عبد المدان] [5] ابنته رهيمة، فولدت له عبد اللّه بن يزيد، فهم بالكوفة. ومات عبد المسيح، فانتقل ماله الى يزيد؛ فكان أوّل حارثيّ حلّ في نجران. وفي ذلك يقول أعشى قيس بن ثعلبة:
فكعبة نجران حتم علي ... ك حتّى تناحي بأبوابها
نزور يزيد وعبد المسيح ... وقيسا هم خير أربابها
خطب يزيد بن عبد المدان وعامر بن المصطلق بنت أمية بن الأسكر فزوّجها ليزيد:
أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال حدّثني عمّي عن العباس بن هشام [عن أبيه قال حدّثني بعض بني الحارث بن كعب، [و] أخبرني عمّي قال حدّثني عبد اللّه بن أبي سعد] [5] قال حدّثني عبد اللّه بن الصّبّاح عن ابن الكلبيّ عن أبيه قال:
اجتمع يزيد بن عبد المدان وعامر بن الطّفيل بموسم عكاظ، وقدم أمية بن الأسكر الكنانيّ ومعه ابنة [8] له من
__________
[1] زيادة عن ط، م.
[2] الضرمة: الجمرة؛ يقال ما في الدار نافخ ضرمة، أي ما فيها أحد.
[3] كذا في ط، م. وفي سائر الأصول: «معيفر» بالفاء. وفي «معجم البلدان» (ج 4 ص 756): «عبد المسيح بن دارس بن عدي بن معقل».
[4] كذا في ط، م. وفي سائر الأصول: «البجيروان».
[5] التكملة عن ط، ج، م.
[6] في ط، م: «ثم كان».
[7] في ط، م: «حل نجران».
[8] كذا في ط، م. وفي سائر الأصول: «و تبعته ابنة له».
أجمل أهل زمانها، فخطبها يزيد وعامر. فقالت أمّ كلاب امرأة أميّة بن الأسكر: من هذان الرجلان؟ فقال: هذا يزيد ابن عبد المدان بن الديّان، وهذا عامر بن الطّفيل. فقالت: أعرف بني الديّان ولا أعرف عامرا. فقال: هل سمعت بملاعب الأسنّة [1]؟ فقالت نعم. قال: فهذا ابن أخيه. وأقبل يزيد فقال: يا أمية، أنا ابن الديّان [2] صاحب الكثيب [3]،/و رئيس مذحج، ومكلّم العقاب، ومن كان يصوّب أصابعه فتنظف [4] دما، ويدلك راحتيه فتخرجان ذهبا. فقال أميّة: بخ بخ. [فقال عامر: جدّي الأخرم، وعمّي ملاعب الأسنّة، وأبي فارس قرزل. فقال أمية: بخ بخ!] [5] مرعى ولا كالسّعدان [6]. فأرسلها مثلا. فقال يزيد: يا عامر. هل تعلم شاعرا من قومي رحل [7] بمدحة إلى رجل من قومك؟ قال: اللّهم لا. قال: فهل تعلم أن شعراء قومك يرحلون بمدائحهم إلى قومي؟ قال: اللّهم نعم. قال: فهل لكم نجم يمان أو برد يمان أو سيف يمان أو ركن يمان؟ قال لا. قال: فهل ملكناكم ولم تملكونا؟ قال نعم. فنهض يزيد وأنشأ يقول:
أميّ يابن الأسكر بن مدلج ... لا تجعلن هوازنا كمذحج
إنّك إن تلهج بأمر تلجج ... ما النبع في مغرسه كالعوسج [8]
ولا الصّريح [9] المحض كالممزّج
قال: فقال مرّة بن دودان النّفيليّ [10] وكان عدوّا لعامر:
يا ليت شعري عنك يا يزيد ... ماذا الّذي من عامر تريد
/ لكلّ قوم فخركم عتيد ... أمطلقون [11] نحن أم عبيد
لا بل عبيد زادنا الهبيد [12]
قال: فزوّج أمية يزيد بن عبد المدان ابنته. فقال يزيد في ذلك:
يا للرجال لطارق الأحزان ... ولعامر بن طفيل الوسنان
__________
[1] هو أبو البراء عامر بن مالك؛ سمي بملاعب الأسنة لقول أوس بن حجر فيه:
فلاعب أطراف الأسنة عامر ... فراح له حظ الكتيبة أجمع
[2] في بعض الأصول: «إن ابن الديان» تحريف.
[3] كذا في ط، ج، م، والكثيب هنا: موضع بساحل بحر اليمن. وفي سائر الأصول: «صاحب الكتيبة» تحريف.
[4] تنظف: تقطر.
[5] التكملة عن ط، م. وقرزل: فرس لطفيل بن مالك أبي عامر بن الطفيل.
[6] السعدان: نبت، ومنابته السهول. وهو من أنجع المراعي في المال ولا تحسن على نبت حسنها عليه. وهو أخثر العشب لبنا. وإذا خثر لبن الراعية كان أفضل ما يكون وأطيب وأدسم. وهذا المثل يضرب للشيء يفضل على أقرانه وأشكاله. وقد ذكرته الخنساء بنت عمرو بن الشريد في بعض كلامها فقيل إنها أوّل من قاله، وقيل: هو لامرأة من طيء. (عن مجمع الأمثال بتصرف).
[7] في ب، س: «سار».
[8] النبع: ضرب من الشجر تتخذ منه القسى ومن أغصانه السهام، ينبت في قلل الجبال. والعوسج: ضرب من الشوك.
[9] الصريح: الخالص من كل شيء.
[10] كذا في ط، م. وفي ج، أ: «النقلي» وفي ب، س: «السلمي» ولم نهتد إلى الصواب فيه.
[11] كذا في ط، م. وفي سائر الأصول: «أمطمعون» وهو تحريف.
[12] الهبيد: حب الحنظل.
كانت إتاوة قومه لمحرّق [1] ... زمنا وصارت بعد للنّعمان
عدّ الفوارس من هوازن كلّها ... فخرا عليّ وجئت بالديّان
فإذا لي الشّرف المبين [2] بوالد ... صخم الدّسيعة [3] زانني ونماني
/ يا عام إنّك فارس ذو ميعة [4] ... غضّ الشّباب أخو ندى وقيان
واعلم بأنك بابن فارس قرزل ... دون الذي تسعى له وتداني
ليست فوارس عامر بمقرّة ... لك بالفضيلة في بني عيلان [5]
فإذا لقيت بني الحماس ومالك ... وبني الضّباب وحيّ آل قنان [6]
فاسأل عن الرّجل المنوّه باسمه ... والدافع الأعداء عن نجران
يعطى المقادة في فوارس قومه ... كرما لعمرك والكريم يماني
فقال عامر بن الطّفيل:
عجبا لواصف طارق الأحزان ... ولما يجيء به بنو الدّيّان
/ فخروا عليّ بحبوة [7] لمحرّق ... وإتاوة سيقت إلى النّعمان
ما أنت وابنّ محرّق وقبيلّه ... وإتاوة اللّخميّ في عيلان [8]
فاقصد بفخرك قصد قومك قصرة [9] ... ودع القبائل من بني قحطان
إن كان سالفة الإتاوة فيكم ... أو لا ففخرك فخر كلّ يماني
وافخر برهط بني الحماس ومالك ... وبني الضّباب وزعبل [10] وقنان [11]
فأنا المعظّم وابن فارس قرزل ... وأبو براء زانني ونماني
وأبو جزيء ذو الفعال ومالك ... منعا الذّمار صباح كلّ طعان
وإذا تعاظمت الأمور هوازن ... كنت المنوّه باسمه والباني
__________
[1] محرق، لقب به من ملوك لخم بالحيرة امرؤ القيس بن عمرو بن عدي ويقال له المحرق الأكبر، وعمرو بن هند ويقال له المحرق الثاني. ولقب به أيضا الحارث بن عمرو من ملوك غسان بالشام.
[2] كذا في ط، م. وفي سائر الأصول: «المتين».
[3] الدسيعة هنا: العطية.
[4] كذا في ط، م، أ. وميعة كل شي ء: أوّله. وفي سائر الأصول: «ذو منعة».
[5] كذا في ط، م. وفي سائر الأصول: «بني غيلان» بالغين المعجمة، تصحيف.
[6] الحماس، والضباب وقنان: قبائل من مذحج.
[7] الحبوة (مثلثة الحاء): العطية.
[8] راجع الحاشية الخامسة في الصفحة نفسها.
[9] كذا في ط، م. يقال هو ابن عمي قصرة (بفتح القاف وضمها) أي داني النسب. وفي سائر الأصول: «نصرهم» وهو تحريف.
[10] في بعض الأصول «و رعبل» بالراء المهملة. ولم نهتد إليه. وقد سموا زعبلا ورعبلا.
[11] في بعض الأصول: «و قيان» تصحيف.
طلب بنو عامر إلى مرة بن دودان أن يهجو بني الديان فأبى
فلمّا رجع القوم إلى بني عامر، وثبوا على مرّة بن دودان وقالوا له: أنت من بني عامر، وأنت شاعر، ولم تهج بني الدّيّان! فقال مرّة:
تكلّفني هوازن فخر قوم ... يقولون: الأنام لنا عبيد
أبونا مذحج وبنو أبيه ... إذا ما عدّت الآباء هود [1]
وهل لي إن فخرت بغير حقّ ... مقال والأنام لهم شهود
فأنّى تضرب الأعلام [2] صفحا ... عن العلياء أم من ذا يكيد [3]
فقولوا يا بني عيلان كنّا ... لهم قنّا [4]، فما عنها محيد
محاورة ابن جفنة ليزيد بن عبد المدان والقيسيين
وقال ابن الكلبيّ في هذه الرواية: قدم يزيد بن عبد المدان وعمرو بن معد يكرب ومكشوح المراديّ على ابن جفنة زوّارا، وعنده [5] وجوه قيس: ملاعب الأسنّة عامر بن مالك، ويزيد بن عمرو بن الصّعق، ودريد بن الصّمّة.
فقال ابن جفنة ليزيد بن عبد المدان: ماذا كان يقول الدّيّان إذا أصبح فإنه كان ديّانا [6]. فقال: كان يقول: آمنت بالذي رفع هذه (يعني السماء)، ووضع هذه (يعني الأرض)، وشقّ هذه (يعني أصابعه)، ثم يخرّ ساجدا ويقول:
سجد وجهي للّذي خلقه [7] وهو عاشم [8]، وما جشّمني من شيء فإنّي جاشم. فإذا رفع رأسه قال:
إن تغفر اللّهم تغفر جمّا ... وأيّ عبد لك ما ألمّا [9]
فقال ابن جفنة: إنّ هذا لذو دين. ثم مال [10] على القيسيين وقال: ألا تحدّثوني عن هذه الرياح/: الجنوب والشّمال والدّبور والصّبا والنّكباء، لم سمّيت بهذه الأسماء؛ فإنه قد أعياني علمها؟ فقال القوم: هذه أسماء وجدنا العرب عليها لا نعلم غير هذا فيها. فضحك يزيد بن عبد المدان ثم قال: يا خير الفتيان، ما كنت أحسب أنّ هذا يسقط [11] علمه على هؤلاء وهم أهل الوبر. إنّ العرب تضرب أبياتها [12] في القبلة مطلع الشمس، لتدفئهم في الشّتاء
__________
[1] هود: جمع هائد، وهو الراجع إلى الحق.
[2] في بعض الأصول: «الأعمال».
[3] في أ، ب، س: «تكيد» وهو تصحيف. والمعنى: كيف يضرب الأعلام المشهورون صفحا عن العلياء ويعرضوا عن السعي إليها مع أن ذلك سجية فيهم! أم من ذا يكيد عدوّه إذا لم يكد هؤلاء الأعلام عدوّهم! يصفهم بأنهم ذوو مكارم وقوة، ويقول: قوم هذا شأنهم كيف السبيل إلى هجوهم والنيل منهم!
[4] القن: العبد ملك هو وأبواه، يطلق على المفرد والجمع، أو يجمع أفنانا وأقنة.
[5] في ط، م. «فلقوا عنده».
[6] المناسب من معاني الديان هنا: الحاكم والسائس والقاضي.
[7] في ط، م، أ: «لمن خلقه».
[8] العاشم: الطامع.
[9] في ط، ج، م: «و كل عبد لك قد ألما». وألم: باشر اللمم أي صغار الذنوب.
[10] في ط، م: «ثم أقبل على ... ».
[11] كذا في جميع الأصول الخطية، بتضمين «يسقط» معنى «يخفى». وفي ب، س: «يسقط علمه عن».
[12] في ط، ح، م: «أبنيتها».
وتزول عنهم في الصيف. فما هبّ من الرّياح عن يمين البيت فهي الجنوب، وما هبّ عن شماله فهي الشّمال، وما هبّ من أمامه فهي الصّبا، وما هبّ من خلفه فهي الدّبور، وما استدار من الرياح بين هذه الجهات فهي النّكباء.
فقال ابن جفنة: إنّ هذا للعلم يابن عبد المدان.
سأل ابن جفنة القيسيين عن النعمان بن المنذر فعابوه فردّ عليهم يزيد
وأقبل/ على القيسيّين يسألهم عن النّعمان بن المنذر. فعابوه وصغّروه. فنظر ابن جفنة الى يزيد فقال له: ما تقول يابن عبد المدان؟ فقال يزيد [1]: يا خير الفتيان. ليس صغيرا من منعك العراق، وشركك في الشام، وقيل له:
أبيت اللّعن. وقيل لك: يا خير الفتيان، وألفى أباه ملكا كما ألفيت أباك ملكا؛ فلا يسرّك من يغرّك؛ فإن هؤلاء لو سألهم عنك النّعمان لقالوا فيك مثل ما قالوا فيه. وأيم اللّه ما فيهم رجل إلّا ونعمة النّعمان عنده عظيمة! فغضب عامر بن مالك وقال له: يابن الديّان! أما واللّه لتحتلبنّ [2] بها دما! فقال له: ولم؟ أزيد في هوازن [3] من لا أعرفه؟
فقال: لا! بل هم الذين تعرف. فضحك يزيد ثم قال: ما لهم جرأة [4] بني الحارث، ولا فتك مراد، ولا بأس زبيد، ولا كيد جعفيّ [5]، ولا مغارطيّ ء. وما هم ونحن يا خير الفتيان بسواء، ما قتلنا أسيرا قطّ ولا اشتهينا [6] حرّة قط، ولا بكينا قتيلا [حتى] [7] نبىء [8] به. وإن هؤلاء ليعجزون عن ثأرهم، حتى يقتل السّميّ بالسميّ. والكنيّ بالكنيّ، والجار بالجار. وقال يزيد بن عبد المدان فيما كان بينه وبين القيسيّين شعرا غدا به على ابن جفنة:
تمالا على النّعمان قوم إليهم ... موارده في ملكه ومصادره
على غير ذنب كان منه إليهم ... سوى أنّه جادت عليهم مواطره
فباعدهم من كلّ شرّ يخافه ... وقرّبهم من كلّ خير يبادره
فظنّوا - وأعراض الظنون [9] كثيرة - ... بأنّ الّذي قالوا من الأمر ضائره
فلم ينقصوه بالّذي قيل شعرة ... ولا فلّلت أنيابه وأظافره
/ وللحارث الجفنيّ أعلم بالّذي ... ينوء [10] به النّعمان إن خفّ طائره
فيا حار كم فيهم لنعمان نعمة ... من الفضل والمنّ الذي أنا ذاكره
ذنوبا عفا عنها ومالا أفاده ... وعظما كسيرا قوّمته جوابره
__________
[1] في ط، م: «فقال له يزيد».
[2] كذا في ط، ج، م. وفي ب، س: «لنحتلبن». بالنون والحاء. وفي أ: «لنجتلبن» بالتاء والجيم.
[3] كذا في ط، م. وفي سائر الأصول: «و لو أريد في هوازن» وهو تحريف.
[4] في ط، ج، م: «جمرة». والجمرة: الكثرة والعدد.
[5] في بعض الأصول: «جعف»، وهو تحريف.
[6] في ط، م: «و لا استهنا حرة». ولعلها: «امتهنا حرة».
[7] التكملة من ط. م.
[8] أباء القاتل بالقتيل: قتله به.
[9] كذا في ط، م. وفي سائر الأصول: المنون» وهو تحريف.
[10] كذا في ط، م. وفي سائر الأصول: «يبوء به النعمان إن جف» تصحيف. يقال خف طائر فلان إذا استخف واستفز. والوارد في كتب اللغة: طار طائر فلان. ويقال في ضد ذلك: وقع طائر فلان، وسكن طائره، وفلان ساكن الطير، إذا كان وقورا. ويقول إن الحارث الجفني أعلم الناس بما ينهض به النعمان ويقوم به من الأعمال إن استفزه مستفز وأغضبه.
ولو سأل عنك العائبين [1] ابن منذر ... لقالوا له القول الذي لا يحاوره [2]
قال: فلمّا سمع ابن جفنة هذا القول عظم يزيد في عينه، وأجلسه [3] معه على سريره، وسقاه بيده، وأعطاه عطيّة لم يعطها أحدا ممن وفد عليه قطّ.
استشفع جذامي إلى يزيد عند ابن جفنة فوهبه له
فلما قرّب يزيد ركائبه ليرتحل سمع صوتا إلى جانبه، وإذا هو رجل يقول:
أما من شفيع من الزائرين ... يحبّ الثّناء زنده ثاقب [4]
/يريد ابن جفنة إكرامه ... وقد يمسح الضّرّة الحالب
فينقذني من أظافيره ... وإلّا فإنّي غدا ذاهب
فقد قلت يوما على كربة ... وفي الشّرب [5] في يثرب غالب
ألا ليت غسّان في ملكها ... كلخم، وقد يخطىء الشارب
وما في ابن جفنة من سبّة ... وقد خفّ حلمي بها العازب [6]
كأنّي غريب من الأبعدين ... وفي الحلق منّي شجا ناشب
/ فقال يزيد: عليّ بالرجل، فأتي به. فقال: ما خطبك؟ أنت تقول هذا الشعر؟ قال: لا! بل قاله رجل من جذام جفاه ابن جفنة، وكان له عند النّعمان منزلة، فشرب فقال [7] على شرابه شيئا أنكره عليه ابن جفنة فحبسه، وهو مخرجه غدا فقاتله. فقال [له] [8] يزيد: أنا أغنيك [9]. فقال له: ومن أنت حتى أعرفك [10]؟ فقال: أنا يزيد بن عبد المدان. فقال: أنت لها وأبيك؟ قال: أجل! قد كفيتك أمر صاحبك [11]، فلا يسمعنّك أحد تنشد هذا الشعر.
وغدا يزيد على ابن جفنة ليودّعه؛ فقال له: حيّاك اللّه يابن الديّان! حاجتك. قال: تلحق قضاعة الشأم [بغسّان] [12]، وتؤثر من أتاك من وفود مذحج، وتهب لي الجذاميّ الذي لا شفيع له إلّا كرمك. قال: قد فعلت. أما إنّي حبسته لأهبه لسيّد أهل ناحيتك، فكنت [13] ذلك السيّد، ووهبه له. فاحتمله يزيد معه، ولم يزل مجاورا له بنجران في بني
__________
[1] كذا في م، أ. وفي سائر الأصول: «الغائبين» بالغين المعجمة، وهو تصحيف.
[2] كذا في ج أي لا يراجعه. وفي ط، م: «لا يجاوره» بالجيم. وفي سائر الأصول: «لا يحاذره».
[3] في ط: «فأجلسه».
[4] ثقوب الزند ووريه: كناية عن الكرم وغيره من الخصال المحمودة.
[5] الشرب (بالفتح): جماعة الشاربين.
[6] كذا في ط، م. وفي ب، س: «و قد خف حملا بها الغارب». وفي سائر الأصول: «حلمي» مثل ط، م، غير أن في ج: «الغارب» وفي أ: «القارب» تصحيف.
[7] كذا في ط، م. وفي سائر الأصول: «فقال له» بزيادة «له».
[8] زيادة عن ط، م.
[9] أغنيك أي أكفيك هذا الأمر الذي يشق عليك. وفي أ: «أعينك».
[10] في ط، ج، م: «و من أنت أعرفك».
[11] كذا في ط، م. وفي سائر الأصول: «أمره».
[12] هذه الكلمة ساقطة في ب، س.
[13] كذ في ط، م. وفي سائر الأصول: «و كنت» بالواو.
الحارث بن كعب. وقال ابن جفنة لأصحابه: ما كانت يميني لتفي إلا بقتله أو هبته لرجل من بني الديّان؛ فإنّ يميني كانت على هذين الأمرين. فعظم بذلك يزيد في عين أهل الشأم [1] ونبه ذكره وشرف.
استغاث هوازني يزيد في فلك أسر أخيه فأغاثه
وقال ابن الكلبيّ في هذه الرواية عن أبيه: جاور رجلان من هوازن، يقال لهما عمرو وعامر، في بني مرّة بن عوف بن ذبيان، وكانا قد أصابا دما في قومهما. ثم إنّ قيس بن عاصم المنقريّ أغار على بني مرّة بن عوف بن ذبيان، فأصاب عامرا أسيرا في عدّة أسارى كانوا عند بني مرّة، ففدى كلّ قوم أسيرهم من قيس بن/ عاصم وتركوا الهوازنيّ، فاستغاث أخوه بوجوه بني مرّة: سنان بن أبي حارثة والحارث بن عوف والحارث بن ظالم وهاشم بن حرملة والحصين بن الحمام فلم يغيثوه، فركب إلى موسم عكاظ، فأتى منازل مذحج ليلا فنادى:
دعوت سنانا وابن عوف وحارثا ... وعاليت دعوى بالحصين وهاشم
أعيّرهم [2] في كلّ يوم وليلة ... بترك أسير عند قيس بن عاصم
حليفهم الأدنى وجار بيوتهم ... ومن كان عما سرّهم غير نائم
فصمّوا وأحداث الزمان كثيرة ... وكم في بني العلّات [3] من متصامم
فيا ليت شعري من لإطلاق غلّه ... ومن ذا الذي يحظى به في المواسم
قال: فسمع صوتا من الوادي ينادي بهذه الأبيات:
ألا أيّهذا الّذي لم يجب ... عليك بحيّ يجلّي الكرب
عليك بذا الحيّ من مذحج ... فإنّهم للرّضا والغضب
/ فناد يزيد بن عبد المدان ... وقيسا وعمرو بن معديكرب
يفكّوا أخاك بأموالهم ... وأقلل بمثلهم في العرب
أولاك الرؤوس فلا تعدهم ... ومن يجعل الرأس مثل الذّنب!
قال: فاتبّع الصوت فلم ير أحدا، فغدا على المكشوح، واسمه قيس بن عبد يغوث المراديّ، فقال له: إنّي وأخي رجلان من بني جشم بن معاوية أصبنا دما في قومنا، وإنّ قيس بن عاصم أغار على بني مرّة وأخي فيهم مجاور فأخذه أسيرا، فاستغثت بسنان بن أبي حارثة والحارث بن عوف والحارث بن ظالم وهاشم بن حرملة فلم يغيثوني. فأتيت الموسم لاصيب به من يفكّ أخي، فانتهيت إلى منازل مذحج،/ فناديت بكذا وكذا، فسمعت من الوادي صوتا أجابني بكذا وكذا، وقد بدأت بك لتفكّ أخي. فقال له المكشوح: واللّه إنّ قيس بن عاصم لرجل ما قارضته معروفا قطّ ولا هو لي بجار، ولكن اشتر أخاك منه وعليّ الثمن، ولا يمنعك غلاؤه [4]. ثم أتى عمرو بن
__________
[1] في ط، ج، م: «فعظم بذلك يزيد في يمن الشام».
[2] كذا في ط، ج، م. وفي سائر الأصول: «أعيذهم» وهو تحريف.
[3] بنو العلات: بنو أمهات شتى من أب واحد.
[4] في ط، م: «و لا يمنعنك منه غلاء».
معديكرب فقال له مثل ذلك؛ فقال: هل بدأت بأحد قبلي؟ قال: نعم! بقيس المكشوح [1]. قال: عليك بمن بدأت به. فتركه، وأتى يزيد بن عبد المدان فقال له: يا أبا النّضر، إنّ من قصّتي كذا وكذا. فقال له: مرحبا بك وأهلا، أبعث إلى قيس بن عاصم؛ فإن هو وهب لي أخاك شكرته، وإلا أغرت عليه حتى يتّقيني بأخيك؛ فإن نلتها وإلّا دفعت إليك كلّ أسير من بني تميم بنجران فاشتريت بهم أخاك. قال: هذا الرضا. فأرسل يزيد إلى قيس بن عاصم بهذه الأبيات:
يا قيس أرسل أسيرا من بني جشم ... إنّي بكلّ الذي تأتي به جازي
لا تأمن الدّهر أن تشجى بغصّته ... فاختر لنفسك إحمادي وإعزازي
فافكك أخا منقر عنه وقل حسنا ... فيما سئلت وعقّبه بإنجاز
قال: وبعث بالأبيان رسولا إلى قيس بن عاصم؛ فأنشده إياها، ثم قال [له] [2]: يا أبا عليّ، إنّ يزيد بن عبد المدان يقرأ عليك السلام ويقول لك: إنّ المعروف قروض، ومع اليوم غد. فأطلق لي هذا الجشميّ؛ فإنّ أخاه قد استغاث بأشراف بني مرّة [3] وبعمرو بن معديكرب وبمكشوح مراد [4] فلم يصب عندهم حاجته فاستجار بي. ولو أرسلت إليّ في جميع أسارى مضر بنجران لقضيت حقّك. فقال/ قيس بن عاصم لمن حضره من بني تميم: هذا رسول يزيد بن عبد المدان سيّد مذحج وابن سيّدها ومن لا يزال له فيكم يد، وهذه فرصة لكم، فما ترون؟ قالوا:
نرى أن نغليه عليه ونحكم فيه شططا [5]؛ فإنه لن يخذله أبدا ولو أتى ثمنه على ماله. فقال قيس: بئس ما رأيتم! أما تخافون سجال الحروب ودول الأيّام ومجازاة القروض! فلمّا أبوا عليه قال: بيعونيه، فأغلوه عليه، فتركه في أيديهم، وكان أسيرا في يد رجل من بني سعد، وبعث إلى يزيد فأعلمه بما جرى، وأعلمه أنّ الأسير لو كان في يده أو في بني مقر [6] لأخذه وبعث به، ولكنه في يد رجل من بني سعد. فأرسل يزيد الى السعديّ أن سر [7] إليّ بأسيرك ولك فيه حكمك. فأتى به السعديّ يزيد بن عبد المدان؛ فقال له: احتكم. فقال: مائة ناقة ورعاؤها/. فقال له يزيد: إنّك لقصير الهمّة قريب الغنى جاهل بأخطار بني الحارث. أما واللّه لقد غبنتك يا أخا بني سعد، ولقد كنت أخاف أن يأتي ثمنه على جلّ أموالنا، ولكنكم يا بني تميم قوم قصار الهمم. وأعطاه ما احتكم. فجاوره الأسير وأخوه حتى ماتا عنده بنجران.
أغاز عبد المدان على هوازن في جماعة من بني الحارث فهزموا بني عامر
وقال ابن الكلبيّ: أغار عبد المدان على هوازن يوم السّلف [8] في جماعة من بني الحارث بن كعب، وكانت
__________
[1] في الأصول هنا بقيس بن المكشوح: «بزيادة ابن» تحريف.
[2] زيادة في ط، م.
[3] كذا في ط، م. وفي سائر الأصول: «فقد استعان بأشراف بني جشم».
[4] كذا في ط، ج. ومكشوح هنا مضاف إلى قبيلته مراد. وفي سائر الأصول: «و بمكشوح بن مراد» تحريف.
[5] الشطط: مجاوزة القدر في بيع أو طلب.
[6] كذا في ط، م. وفي سائر الأصول: «أو في يد منقر».
[7] في ط، ح، م: «أن صر إليّ».
[8] السلف: مخلاف باليمن.
حمته [1] على بني عامر خاصّة. فلمّا التقى القوم حمل على وبر [2] بن معاوية النّميريّ فصرعه، وثنّى بطفيل بن مالك فأجرّه [3] الرمح، وطار به فرسه قرزل فنجا، واستحرّ القتل في بني عامر، وتبعت خيل بني الحارث من انهزم من/ بني عامر، وفي هذه الخيل عمير [4] ومعقل وكانا من فرسان بني الحارث بن كعب، فلم يزالوا بقيّة يومهم لا يبقون على شيء أصابوه، فقال في ذلك عبد المدان:
عفا من سليمى بطن غول فيذبل [5] ... فغمرة فيف الرّيح فالمتنخّل [6]
ديار الّتي صاد الفؤاد دلالها ... وأغرت [7] بها يوم النّوى حين ترحل
فإن تك صدّت عن هواي وراعها [8] ... نوازل أحداث وشيب مجلّل
فيا ربّ خيل قد هديت بشطبة [9] ... يعارضها عبل الجزارة هيكل [10]
سبوح [11] إذا جال الحزام كأنّه ... إذا انجاب [12] عنه النّقع في الخيل أجدل
يواغل [13] جردا كالقنا حارثيّة ... عليها قنان والحماس وزعبل [14]
معاقلهم في كلّ يوم كريهة ... صدور العوالي والصّفيح المصقّل [15]
وزغف من الماذي بيض كأنّها ... نهاء مرتها بالعشيّات شمأل [16]
فما ذرّ قرن الشمس حتى تلاحقت ... فوارس يهديها عمير ومعقل
فجالت على الحي الكلابيّ جولة ... فباكرهم ورد من الموت معجل
/ فغادرن وبرا تحجل الطير حوله ... ونجّى طفيلا في العجاجة قرزل
__________
[1] كذا في ط، م. يريد: شدته. وفي سائر الأصول: «حمية». ولعلها «و كانت حميته» أي حملته وشدته؛ يقال: مضى فلان في حميته أي حملته. (عن «لسان العرب» مادة حمى).
[2] كذا في ط، م، وكذلك سيجيء في الشعر. وفي سائر الأصول: «يزيد» وهو تحريف.
[3] أجره الرمح: طعنه به وتركه فيه يجره.
[4] في بعضن الأصول: «عميرة».
[5] غول: موضع، جبل أو واد أو ماء، فيه أقوال. ولعله اسم لعدّة مواضع. ويذبل: جبل بنجد.
[6] غمرة، وفيف الريح، والمتنخل: مواضع.
[7] في بعض الأصول: «و أعربنها» تحريف.
[8] كذا في ط، م. وفي سائر الأصول: «فراعها».
[9] الشطبة (بالكسر ويفتح) من الخيل: الطويلة السبطة اللحم.
[10] عبل الجزارة: ضخم الأطراف، وهي اليدان والرأس والرقبة. فإذا قيل فرس عبل الجزارة، فإنما يريدون اليدين والرجلين وكثرة عصبهما؛ لأن عظم الرأس في الخيل هجنة. والهيكل: المرتفع.
[11] السبوح من الخيل: الذي يسبح بيديه أي يمدّهما في جريه.
[12] كذا في ط، م، ج. وفي سائر الأصول: «إذا انساب عند النقع». والأجدل: الصقر.
[13] يواغل جردا: يداخلها. والجرد من الخيل: القصار الشعر، وهو في الخيل مدح.
[14] الحماس، وقنان وزعبل: قبائل، وقد تقدمت في (ص 10).
[15] معاقلهم: حصونهم. والعوالي: الرماح. والصفيح المصقل: السيوف.
[16] الزغف: الدروع اللينة الواسعة المحكمة أو الرقيقة حسنة السلاسل. يقال: درع زغف وزغفة، ودروع زغف. والماذي هنا: السلاح من الحديد. ونهاه غدران، واحدها: نهى (بكسر أوله وفتحه). ومرتها، يريد مرت عليها فجعدت متونها وأصل المري مسح الحالب ضرع الحلوبة لتدر. والشمأل: ريح الشمال.
فلم ينج إلّا فارس من رجالهم ... يخفّف [1] ركضا خشية الموت أعزل
وليزيد بن عبد المدان أخبار مع دريد بن الصّمّة قد ذكرت مع أخبار دريد في صنعة المعتضد مع أغاني الخلفاء، فاستغني عن إعادتها في هذا الموضع.
أنعم يزيد بن عبد المدان على ملاعب الأسنة وأخيه فلما مات رثته أختهما
أخبرني عليّ بن سليمان قال أخبرني أبو سعيد السّكّري قال حدّثني محمد بن حبيب عن ابن الأعرابيّ وأبي عبيدة وابن الكلبيّ، قالوا:
أغار يزيد بن عبد المدان ومعه بنو الحارث بن كعب على بني عامر، فأسر عامر بن مالك ملاعب الأسنّة أبا براء وأخاه عبيدة بن مالك ثم أنعم عليهما. فلمّا مات يزيد بن عبد المدان - واسم عبد المدان عمرو، وكنيته أبو يزيد، وهو ابن الديّان بن قطن بن زياد بن الحارث بن مالك بن ربيعة بن كعب بن الحارث بن كعب بن عمرو - قالت زينب بنت مالك بن جعفر بن كلاب أخت ملاعب الأسنّة ترثي يزيد بن عبد المدان:
بكيت يزيد بن عبد المدا ... ن حلّت به الأرض أثقالها
شريك الملوك ومن فضله ... يفضل في المجد أفضالها
فككت أسارى بني جعفر ... وكندة إذ نلت أقوالها [2]
/و رهط المجالد قد جلّلت ... فواضل نعماك أجبالها
وقالت أيضا ترثيه:
سأبكي يزيد بن عبد المدان ... على أنّه الأحلم الأكرم
رماح من العزم مركوزة ... ملوك إذا برزت تحكم
/ قال: فلامها قومها في ذلك وعيّروها بأن بكت يزيد؛ فقالت زينب:
ألا أيّها الزاري عليّ بأنّني ... نزاريّة أبكي كريما يمانيا
ومالي لا أبكي يزيد وردّني ... أجرّ جديدا مدرعي وردائيا
صوت
أطل حمل [3] الشّناءة لي وبغضي ... وعش ما شئت فانظر من تضير
إذا أبصرتني أعرضت عنّي ... كأن الشمس من قبلي تدور
الشعر لعبد اللّه بن الحشرج الجعدي. والغناء لابن سريح ثقيل أوّل بالبنصر عن الهشاميّ.
__________
[1] في ب، س: «يخفق» بالقاف، تصحيف.
[2] الأقوال: جمع قيل، وهو الملك عند أهل اليمن. أصله «قيول» وزان سيد، ويجمع أقوالا وأقيالا.
[3] كذا في ط، ح، م. وفي سائر الأصول: «حبل الشناءة».
2 - أخبار عبد الله بن الحشرج
نسب عبد اللّه بن الحشرج وأخلاقه
هو عبد اللّه بن الحشرج بن الأشهب بن ورد بن عمرو بن ربيعة بن جعدة بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن. وكان عبد اللّه بن الحشرج سيّدا من سادات قيس وأميرا من أمرائها، ولي أكثر أعمال خراسان، ومن أعمال فارس، وكرمان. وكان جوادا ممدّحا. وفيه يقول زياد الأعجم [1]:
[إنّ السماحة والشّجاعة والنّدى ... في قبّة ضربت على ابن الحشرج
وله يقول أيضا [2]:]
إذا كنت مرتاد السّماحة والنّدى ... فسائل تخبّر عن ديار الأشاهب
نسبه إلى الأشهب جدّه. وفي بني الأشهب يقول نابغة بني جعدة:
أبعد فوارس يوم الشّري ... ف [3] آسى وبعد بني الأشهب
بعض أخبار أبيه وعمه زياد
وكان أبوه الحشرج بن الأشهب سيّدا شاعرا وأميرا كبيرا. وكان غلب على قهستان [4] في زمن عبد اللّه بن خازم، فبعث إليه عبد اللّه بن خازم المسيّب بن أوفى القشيريّ، فقتل الحشرج وأخذ قهستان. وكان عمّه زياد بن الأشهب أيضا شريفا سيّدا، وكان قد سار إلى أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب - عليه السلام - / يصلح بينه وبين معاوية على أن يولّيه الشأم فلم يجبه. وفي ذلك يقول نابغة بني جعدة يعتدّ على معاوية:
وقام زياد عند باب ابن هاشم ... يريد صلاحا بينكم ويقرّب
مدحه قدامة بن الأحرز فوصله واعتذر
أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدّثني أحمد بن الهيثم بن فراس قال: حدّثنا العمريّ عن عطاء بن مصعب عن عاصم بن الحدثان قال:
__________
[1] هو زياد بن سليمان مولى عبد القيس. كان ينزل إصطخر فغلبت العجمة على لسانه، فقيل له الأعجم. كان شاعرا جزل الشعر فصيح الألفاظ على لكنة لسانه. (انظر ترجمته. في ج 14 ص 102 من «الأغاني» طبع بولاق).
[2] كذا في ط، م. وهذه الزيادة ساقطة من ب، س. وفي سائر النسخ مضطربة.
[3] الشريف: ماء لبني نمير. ويوم الشريف من أيامهم.
[4] قهستان: (و أكثر ما تستعمل: قوهستان بالواو، وقد تخفف بحذفها): تطلق على عدّة مواضع ببلاد العجم، والمشهور بهذا الاسم ناحية بين هراة ونيسابور.
جاء الى عبد اللّه بن الحشرج وهو بقهستان رجل من قشير [1] يقال له قدامة بن الأحرز [2]، فدخل عليه وأنشأ يقول:
أخ وابن عمّ جاءكم متحرّما [3] ... بكم فارأبوا [4] خلّاته يابن حشرج
فأنت ابن ورد سدت غير مدافع ... معدّا على رغم المنوط المعلهج [5]
/فبرّزت [6] عفوا إذا جريت ابن حشرج ... وجاء سكيتا كلّ أعقد أفحج [7]
سبقت ابن ورد كلّ حاف وناعل ... بجدّ إذا حار [8] الأضاميم ممعج [9]
/بورد بن عمر فتّهم إنّ مثله ... قليل ومن يشر المحامد يفلج [10]
هو الواهب الأموال والمشتري اللّها [11] ... وضرّاب رأس المستميت المدجّج
قال: فأعطاه أربعة آلاف درهم، وقال: أعذرني يابن عمّي؛ فإنّي في حالة [12] اللّه بها عليم من كثرة الطّلّاب، وأنت أحقّ من عذرني. قال: واللّه لو لم تعطني شيئا مع ما أعلمه من جميل رأيك في عشيرتك ومن انقطع إليك لعذرتك، فكيف وقد أجزلت العطاء، وأرغمت الأعداء!
بلغه أن ابن عم له نال منه فقال فيه شعرا
وكان لابن الحشرج ابن عمّ يقول للقشيريّ: ويحك! ليس عنده خير، وهو يكذبك ويملذك [13]. فبلغ ذلك عبد اللّه بن الحشرج فقال:
أطل حمل [14] الشّناءة لي وبغضي ... وعش ما شئت فانظر من تضير
__________
[1] كذا في ط، م. وفي سائر الأصول: «قريش» وهو تحريف.
[2] في ط، م: «بن الأخزر». ومن أسمائهم «الأخزر» و «الأحرز».
[3] كذا في ط، م. وفي ب، س، أ: «متحرزا». وفي ح: «متخربا».
[4] في ب، س: «فعطفا على خلاته». وفي سائر الأصول: «بكم فاربؤا خلاته». والخلة (بالفتح): الحاجة والفقر. ورأبها: إصلاحها وسدّها.
[5] المنوط: الدعي الذي ينتمي إلى قوم ليس هو من أصلهم. والمعلهج: الأحمق الهذر اللئيم، والدعي، والهجين الذي ولد من جنسين مختلفين.
[6] كذا في ط، م. وفي سائر الأصول محرّفة بين «فمررت» و «فمردت».
[7] السكيت (و تشدّد الكاف أيضا): آخر خيل الحلبة. والأعقد: الملتوي الذنب. والأفحج: ذو الفحج، وهو تداني صدور القدمين وتباعد العقبين. يريد كل ناقص غير تام الخلق.
[8] كذا في ط، م. وفي سائر الأصول محرفة بين: «جاء» و «جاز».
[9] كذا في ط، م. وهذه الكلمة محرفة في سائر الأصول بين «ممنج» و «سمنج» «و سمحج». والممعج: الكثير المعج، وهو السرعة في المر. والأضاميم: الجماعات.
[10] يفلج: يظفر.
[11] اللها: جمع لهاة، وهي في الأصل اللحمة المشرفة على الحلق في أقصى سقف الفم. والشاعر يكنى بها هنا عن الثناء والمديح.
[12] في ب، س، أ: «على حالة».
[13] في ب، س: «يلمزك» تحريف. وملذة: أرضاه بكلام لطيف وأسمعه ما يسر من غير فعل.
[14] في الأصول هنا ما عدا ط، ح، م: «عمل» تحريف. (انظر الحاشية الثالثة ص 277) من هذه الطبعة.
فما بيديك خير أرتجيه ... وغير صدودك الخطب [1] الكبير
إذا أبصرتني أعرضت عنّي ... كأنّ الشمس من قبلي تدور
وكيف تعيب من تمسي [2] فقيرا ... إليه حين تحزبك [3] الأمور
ومن [4] إن بعت منزلة بأخرى ... حللت بأمره وبه تسير
/ أتزعم أنّني ملذ كذوب ... وأنّ المكرمات لديّ بور [5]
وكيف أكون كذّابا ملوذا ... وعندي يطلب الفرج الضّرير
أواسي في النّوائب من أتاني ... ويجبر بي [6] أخو الضرّ الفقير
كان يعطي كثيرا فلامته زوجه وأيدها صديق له فقال شعرا
أخبرني محمد بن خلف قال حدّثنا أحمد بن الهيثم عن العمريّ عن عطاء بن مصعب عن عاصم بن الحدثان قال:
أعطى عبد اللّه بن الحشرج بخراسان حتى أعطى منشفة [كانت] [7] عليه وأعطى فراشة ولحافه. فقالت له امرأته: لشدّ ما تلاعب [8] بك الشيطان، وصرت من إخوانه مبذّرا؛ كما قال اللّه عزّ وجل: إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ
فقال عبد اللّه بن الحشرج لرفاعة بن زويّ [9] النّهدي وكان أخا له وصديقا: يا رفاعة، ألا تسمع إلى ما قالت هذه الورهاء [10] وما تتكلّم به؟! فقال: صدقت واللّه وبرّت! إنّك لمبذّر، وإنّ المبذّرين لإخوان الشياطين. فقال ابن الحشرج في ذلك:
متى يأتنا الغيث المغيث تجد [11] لنا ... مكارم ما تعيا بأموالنا التّلد [12]
/مكارم ما جدنا به إذ تمنّعت ... رجال وضنّت في الرّخاء وفي الجهد
أردنا بما جدنا به من تلادنا ... خلاف الّذي يأتي خيار بني نهد
__________
[1] كذا في ط، م. وفي سائر الأصول: «الحرب» تحريف.
[2] كذا في ط، م. وفي سائر الأصول: «تمشي» بالشين.
[3] كذا ط، ح، م. وفي سائر الأصول: «تحزنك» بالنون، وهو تصحيف.
[4] في الأصول ما عدا ط: «و ما إن» تحريف.
[5] كذا في ط، م. وفي سائر الأصول: «إلى بور».
[6] كذا في ط، م، وتقرب منهما ح. وفي سائر الأصول: «و يخبرني» تصحيف.
[7] زيادة في ط، م.
[8] في ب، س، أ: «ما يتلاعب».
[9] في ط، م: «دويّ» بالدال المهملة والواو. وفي سائر الأصول: «روى» بالراء المهملة. والتصويب من كتاب «الاشتقاق» (ص 320).
[10] الورهاء: الحمقاء. وفي ط، م: «الزكا» محرفة عن «النوكاء» كما وردت في «معاهد التنصيص».
[11] كذا في «معاهد التنصيص» (ص 261 طبعة بلاق سنة 1274 ه). وفي سائر الأصول: «يجد».
[12] التلد (بالفتح وبالضم وبالتحريك): المال القديم، كالتالد والتليد. وفي الكلام قلب، أي تجد لنا مكارم ما تعيا بها أموالنا التلد.
تلوم على اتلافي المال طلّتي [1] ... ويسعدها نهد [2] بن زيد على الزّهد
أنهد بن زيد لست منكم فتشفقوا ... عليّ ولا منكم غواتي [3] ولا رشدي
- أراد «غوايتى» فحذف الياء ضرورة [4] -
أبيت [5] صغيرا ناشئا [6] ما أردتم ... وكهلا وحتّى تبصروني في اللّحد
/ سأبذل مالي إنّ مالي ذخيرة ... لعقبي وما أجني به ثمر الخلد
ولست بمبكاء على الزّاد باسل [7] ... يهرّ على الأزواد كالأسد الورد
ولكنّني سمح بما حزت باذل ... لما كلّفت كفّاي في الزّمن الجحد
بذلك أوصاني الرّقاد وقبله ... أبوه بأن أعطي وأوفي بالعهد
الرّقاد: ابن عمرو بن ربيعة بن جعدة بن كعب وهو من عمومته، وكان شجاعا سيّدا جوادا.
قال عطاء بن مصعب: وقال عبد اللّه بن الحشرج أيضا في [ذلك] [8] هذه القصيدة - وقد ذكر ابن الكلبيّ وأبو اليقظان شيئا من هذه القصيد في كتابيهما المصنّفين ونسبا [ها] [9] إليه - :
/سأجعل مالي دون عرضي وقاية ... من الذّمّ؛ إن المال يفنى وينفد
ويبقي لي الجود اصطناع عشيرتي ... وغيرهم والجود عزّ مؤبّد
ومتّخذ ذنبا [10] عليّ سماحتي ... بمالي، ونار البخل بالذّمّ توقد
يبيد الفتى والحمد ليس ببائد ... ولكنّه للمرء فضل مؤكّد
ولا شيء يبقى للفتى غير جوده ... بما ملكت كفّاه والقوم شهّد
ولائمة في الجود نهنهت غربها [11] ... وقلت لها بني [12] المكارم أحمد
__________
[1] كذا في ط، ج، م. وطلة الرجل: زوجه. وفي سائر الأصول: «خلتي» والحلة (بالضم): الصديقة. ولعلها «حنتي» بالحاء المهملة المفتوحة والنون المشدّدة. والحنة: الزوج أيضا.
[2] نهد بن زيد: القبيلة التي منها رفاعة بن زوي النهدي الذي تقدّم.
[3] كذا في ط، م. وفي سائر الأصول: «غواي».
[4] هذه الجملة ساقطة من م، وواردة في هامش ط، وفي صلب سائر الأصول. وفي الأصول ما عدا ط: «أراد غواي، فحذف التاء ضرورة».
[5] كذا في ب، س. وفي ط، م: «أردت» وفي ح «و معاهد التنصيص»: «أتيت».
[6] كذا في ط، م. وفي سائر الأصول: محرّفة بين «ناشدا» و «ناشزا» و «ناشرا».
[7] باسل هنا: غاضب.
[8] زيادة يقتضيها الكلام.
[9] التكملة عن ط، م.
[10] كذا في ط، م. وفي سائر الأصول: «دينا» تصحيف.
[11] نهنهت غربها: كفكفت حدّتها وزجرتها.
[12] كذا في ط، ج، م، ف. وفي سائر الأصول: «يبني» تحريف.
فلمّا ألحّت في الملامة واعترت [1] ... بذلك غيظي واعتراها التّبلّد
[عرضت عليها خصلتين سماحتي ... وتطليقها والكفّ عنّي أرشد] [2]
فلجّت وقالت أنت غاو مبذّر ... قرينك شيطان مريد [3] مفنّد
فقلت لها بيني فما فيك رغبة ... ولي عنك في النّسوان ظلّ ومقعد
وعيش أنيق والنّساء معادن ... فمنهنّ غلّ شرّها يتمرّد [4]
لها كلّ يوم فوق رأسي عارض ... من الشّرّ برّاق يد الدهر يرعد
وأخرى يلدّ العيش منها، ضجيعها ... كريم يغاديه من الطير أسعد
فيا رجلا حرّا خذ القصد واترك ال ... بلايا فإنّ الموت للنّاس موعد
فعش ناعما واترك مقالة عاذل ... يلومك في بذل النّدى ويفنّد
وجد باللّها [5] إنّ السماحة والنّدى ... هي الغاية القصوى وفيها التّمجّد
وحسب الفتى مجدا سماحة كفّه ... وذو المجد محمود الفعال محسّد
طلق امرأته لعذله إياه فلامه حنظلة بن الأشهب فقال شعرا
قال فقالت له امرأته: واللّه ما وفّقك اللّه لحظّك! أنهبت مالك وبذرته وأعطيته هيّان [6] بن بيّان ومن لا تدري من أيّ [7] هافية هو! قال: فغضب فطلّقها، وكان لها محبّا وبها معجبا. فعنّفه فيها ابن عمّ لها يقال له حنظلة بن الأشهب بن رميلة [8]، وقال له: نصحتك فكافأتها بالطّلاق! فو اللّه ما وفّقت لرشدك، ولا نلت حظّك، ولقد خاب سعيك بعدها عند ذوي الألباب. فهلّا مضيت لطيّتك [9]، وجريت على ميدانك، ولم تلتفت الى امرأة من أهل الجهالة والطّيش لم تخلق للمشورة ولا مثل رأيها يقتدى به! فقال ابن الحشرج لحنظلة:
أحنظل دع عنك الّذي نال ماله ... ليحمده الأقوام في كلّ محفل
فكم من فقير بائس قد جبرته ... ومن عائل [10] أغنيت بعد التّعيّل
__________
[1] كذا في الأصول. ولعلها: «امترت» أي أثارت غيظي واستخرجته.
[2] التكملة من ف.
[3] المريد: الخبيث المتمرّد الشرير. ومفند: مضعف الرأي.
[4] يتمرّد هنا: يتجاوز الحد.
[5] اللها: العطايا، واحدتها لهوة (بالضم والفتح).
[6] هيان بن بيان: يقال لمن لا يعرف هو ولا يعرف أبوه.
[7] كذا في ط، م. يقال هفت هافية من الناس أي طرأت. وفي سائر الأصول: محرفة بين «و ما تدري أيها فئة» و «ما تدري أيتها فئة».
[8] في ط، م: «ثرملة». وقد سموا «ثرملة». ولعل الأشهب بن رميلة أبا حنظلة هذا هو الأشهب بن ثور بن أبي حارثة الشاعر الشجاع الذي وردت ترجمته في الجزء التاسع (ص 219 من هذه الطبعة) ورميلة أمه.
[9] مضى لطيته أي لقصده ونيته التي انتواها.
[10] العائل هنا: الفقير.
/
ومن مترف عن منهج الحقّ جائر [1] ... علوت بعضب ذي غرارين مقصل [2]
وزار [3] عليّ الجود والجود شيمتي ... فقلت له دعني وكن غير مفضل
فمثلك قد عاصيت دهرا ولم أكن ... لأسمع أقوال اللئيم المبخّل
أبى لي جدّي البخل مذ كنت [4] يافعا ... صغيرا ومن يبخل يلم ويضلّل
ويستغن عنه الناس، فاركب محجّة ال ... كرام ودع ما أنت عنه بمعزل
/ فإنّي [5] امرؤ لا أصحب الدهر باخلا ... لئيما وخير النّاس كلّ معذّل
ومستحمق غاو أتته نذيرتي [6] ... فلجّ ولم يعرف معرّة مقولي [7]
نفحت ببيت يملأ الفم شارد ... له حبر كأنّه حبر مغول [8]
فكفّ - ولو لم أرمه شاع قوله - ... وصار كدرياق الذّعاف المثمّل [9]
وليل دجوجيّ سريت ظلامه ... بناجية كالبرج [10] وجناء عيهل [11]
إلى ملك من آل مروان ماجد ... كريم المحيّا سيّد متفضّل
يجود إذا ضنّت قريش برفدها ... ويسبقها في كلّ يوم تفضّل
أبوه أبو العاصي إذا الحرب [12] شمّرت ... مراها [13] بمسنون الغرارين منجل
وقور إذا هاجت به الحرب مرجم ... صبور عليها غير نكس مهلّل [14]
__________
[1] كذا في ط، م. وفي ج: بدل «منهج الحق» «منهل الحق». وفي سائر الأصول: «و من مرتق عن منهل الحق حائد». والمترف هنا:
الجبار الذي أطغته النعمة.
[2] كذا في ط، ج، م. والسيف المقصل: القطاع. وفي سائر الأصول: «منصل» تحريف.
[3] كذا في ط، م. وزار، أي عائب عليه وعاتب. والبيت ساقط من أ. وفي سائر الأصول: «و زاد» تصحيف.
[4] كذا في ط، م. وفي سائر الأصول: «مذ كان».
[5] ورد هذا البيت في أكثر الأصول بعد الذي يليه. وسياق الكلام يقتضي أن يكون موضعه هنا، كما هو في ط، م.
[6] النذيرة: طليعة الجيش التي تنبئه بأمر العدوّ. والمراد هنا الإنذار والكلام العنيف.
[7] معرة مقولي: أذى لساني.
[8] كذا في ط، م. وورد بعد هذا البيت فيهما: «قال الحبر الأثر». وفي سائر الأصول: «له خبر كأنه خبر مغول» تصحيف. والحبر بالتحريك وبكسر فسكون): الأثر يبقى من الضربة في الجسم. والمغول: شبه سيف قصير يشتمل به الرجل تحت ثيابه، أو هو سوط في جوفه سيف دقيق.
[9] الدرياق (و يقال فيه الترياق): دواء تعالج به السموم. والذعاف: السم القاتل لساعته. والمثمل: السم المنقع. وظاهر أن الضمير في «صار» راجع إلى «بيت» في قوله «نفحت ببيت».
[10] في ب، س: «كالبرق» والبرج: الحصن. يصفها بالضخامة.
[11] ليل دجوجي: مظلم شديد السواد. والناجية من النوق: السريعة. والوجناء: الشديدة. والعيهل: السريعة.
[12] كذا في ط، ج، م. وفي سائر الأصول: «إذا الخيل».
[13] كذا في ط، م. وفي ج: «عراها». وفي أكثر الأصول: «فراها» تحريف. ومرى الناقة. مسح ضرعها لتدر. والمرى هنا مجاز.
ومسنون الغرارين: كناية عن الرمح. والمنجل: الواسع الجرح من الأسنة.
[14] المرجم من الرجال: الشديد، كأنه يرجم به عدوّه. والنكس الضعيف الدنيء الذي لا خير فيه. والمهلل: الجبان؛ يقال: هلل الرجل، إذا فرّ وجبن.
أقام لأهل الأرض دين محمد ... وقد أدبروا وارتاب كلّ مضلّل
/ فما زال حتّى قوم الدّين سيفه ... وعزّ [1] بحزم كلّ قرم محجّل
وغادر أهل الشّك [2] شتّى، فمنهم [3] ... قتيل وناج فوق أجرد هيكل
نجا من رماح القوم قدما [4] وقد بدا ... تباشيره في العارض المتهلّل
قال عاصم: يعني بهذا المدح محمد بن مروان لمّا قتل مصعب بن الزّبير بدير الجاثليق [5]. وكان محمد بن مروان يقوم بأمره، ويولّيه الأعمال، ويشفع له إلى أخيه عبد الملك.
حواره مع ابن عم له لامه في تبذيره
أخبرني محمد بن خلف قال حدّثنا أحمد بن الهيثم قال حدّثنا العمريّ عن عطاء بن [6] مصعب عن عاصم بن الحدثان قال:
قال عبد اللّه بن الحشرج لابن عمّ له لامه في إنهاب ماله وتبذيره إيّاه، وقال له فيما يقول: امرأتك كانت أعلم بك، نصحتك فكافأتها بالطلاق. فقال له: يابن عمّ، إنّ المرأة لم تخلق للمشورة، وإنما خلقت وثارا للباءة [7].
وواللّه إنّ الرّشد واليمن لفي خلاف المرأة. يابن عمّ، إيّاك واستماع كلام النساء والأخذ به؛ فإنك إن أخذت به ندمت. فقال له ابن عمّه: واللّه ليوشكنّ أن تحتاج يوما إلى بعض ما أتلفت فلا تقدر عليه ولا يخلفه عليك هن وهن [8]. فقال ابن الحشرج:
/و عاذلة هبّت بليل تلومني ... وتعذلني فيما أفيد وأتلف
تلوّمتها [9] حتّى إذا هي أكثرت ... أتيت الذي كانت لديّ توكّف [10]
وقلت [11] عليك الفجّ [12] أكثرت في النّدى ... ومثلي تحاماه الألدّ المغطرف [13]
أبي لي ما قد سمتني غير واحد ... أب وجدود مجدها ليس يوصف
__________
[1] عز هنا: غلب. والقرم هنا: السيد من الرجال.
[2] كذا في ط، ج، م. وفي سائر الأصول: «أهل الشرك».
[3] كذا في ط، م. وفي أ: «شتى كأنهم». وفي ج، ب، س: «حتى كأنهم» تحريف.
[4] يقال: مضى فلان قدما (بضمتين، وقد يسكن كما هنا)، إذا مضى أمامه لم يعرج ولم يثنه شيء.
[5] دير الجاثليق: كان قرب بغداد، غربي دجلة بين السواد وأرض تكريت.
[6] في بعض الأصول: «عطاء عن مصعب» تحريف.
[7] كذا في ط، م. والوثار (بالفتح وبالكسر): الفراش الوطى ء. وفي سائر الأصول: «دثارا».
[8] هن: كناية عن اسم الإنسان، أي لا يخلفه عليك فلان وفلان.
[9] تلومتها: أمهلتها وانتظرت عليها.
[10] توكف: توقع. وأصله «تتوكف».
[11] كذا في ط، م. وفي سائر الأصول: «و قالت» تحريف.
[12] في ب، س: «الفخ» تصحيف. والفج: الطريق الواسع البين. أي الزمي الطريق الواضح. يريد بذلك تسريحها وتطليقها. وقوله أكثرت في الندى أي أكثرت الكلام واللوم فيه.
[13] تحاماه: توقاه واجتنبه والألد من الرجال: الشديد الخصومة والجدل. والمغطرف: المتكبر المختال.
/
كهول وشبّان مضوا لسبيلهم ... إذا ذكروا فالعين منّي تذرف
هم الغيث إن ضنّت سماء بقطرها ... وعندهم يرجو الحيا متلهّف
وحرب يخاف [1] النّاس شدّة عرّها [2] ... تظلّ [3] بأنواع المنيّة تصرف [4]
حموها وقاموا بالسّيوف لحميها [5] ... إذا فنيت أضحت لهم وهي تعصف
فلّما أبت إلا طماحا تّنمّروا ... بأسيافهم والقوم فيهم تعجرف [6]
فذلّت وأعطت بالقياد وأذعنت ... إذا ما اشتهى قومي وذو الذّلّ ينصف
وكانت طموح الرّأس يصرف [7] نابها ... من الشّرّ تارات وطورا تقفقف [8]
[فلمّا امترينا بالسيّوف خلوفها ... تأبّت علينا والأسنّة ترعف] [9]
/فدرّت طباقا [10] وارعوت بعد جهلها ... وكنّا رماما [11] للّذي يتصلّف
قال لابن زوي شعرا لأنه لامه في تبذيره
قال: وقال عبد اللّه بن الحشرج لرفاعة بن زويّ [12] النهديّ فيما كان يلومه فيه من التبذير والجود:
ألام على جودي وما خلت أنّني ... ببذلي وجودي جرت عن منهج [13] القصد
فيا لائمي في الجود أقصر فإنّني ... سأبذل مالي في الرّخاء وفي الجهد
وجدت الفتى يفنى وتبقى فعاله [14] ... ولا شيء خير في الحديث من الحمد
وإنّي وبالله احتيالي وحرفتي [15] ... أصيّر جاري بين أحشاي [16] والكبد
__________
[1] في ط، م: «يهاب».
[2] في ب، س: «حرها» والعر: الشر والأذى.
[3] كذا في ط، م. وفي سائر الأصول: «و ظل». تحريف.
[4] تصرف: تصوّت؛ يقال: صرف الإنسان والبعير نابه وبنابه، إذا حرقه فسمعت له صوتا.
[5] كذا في ط، ج، م. وفي سائر الأصول: «لحيها» تحريف.
[6] التعجرف، ومثله العجرفة والعجرفية: ركوبك الأمر لا تروّي فيه.
[7] كذا في ط، م. وفي سائر الأصول: «يصرف بابها» تصحيف.
[8] قفقف وتقفقف: ارتعد.
[9] زيادة في ط، م. وامترينا: حلبنا. والخلوف: جمع خلف (بالكسر) وهو هنا حلمة الضرع.
[10] كذا في ط، م. وفي سائر الأصول: «فذرت» بالمعجمة، تصحيف. وطباقا: دفعات متوالية.
[11] كذا في ط. والرمام: جمع رمة (بالضم) وهي قطعة يشدّ بها الأسير ويقلد بها البعير. وفي سائر الأصول: «زمانا» تحريف.
ويتكبر: بتكبر.
[12] ورد هذا الاسم محرّفا في الأصول هنا كما تقدّم في (ص 24).
[13] كذا في ط، م. وفي ج: «حزت عن منهل القصد». وفي سائر الأصول: «حدت عن منهل القصد».
[14] في ط، م: «و يبقى فعاله». وكلاهما مستقيم. والفعال (بفتح الفاء): اسم للكرم والفعل الحسن.
[15] كذا في ط، م. وفي سائر الأصول: «حرقتي» بالقاف، تصحيف.
[16] في ط، م: «بين أحشاء» على حذف الياء.
أرى حقّه في الناس ما عشت [1] واجبا ... عليّ وآتي ما أتيت على عمد
وصاحب صدق كان لي ففقدته ... وصيّرني دهري إلى مائق [2] وغد
يلوم فعالي كلّ يوم وليلة ... ويعدو على الجيران كالأسد الورد
يخالفني في كلّ حقّ وباطل ... ويأنف أن يمشي [3] على منهج الرّشد
فلّما تمادى قلت غير مسامح ... له: النّهج فاركب يا عسيف [4] بني نهد
مدحه زياد الأعجم فوصله
أخبرني هاشم بن محمد الخزاعيّ قال حدّثنا عيسى بن إسماعيل العتكيّ قال حدّثنا ابن عائشة قال:
/ وفد زياد الأعجم على عبد اللّه بن الحشرج الجعديّ وهو بسابور [5] أمير عليها، فأمر بإنزاله وألطفه وبعث إليه ما يحتاج إليه. ثم غدا عليه زياد فأنشده:
إنّ السّماحة والمروءة والنّدى ... في قبّة ضربت على ابن الحشرج
ملك أغرّ متوّج ذو نائل ... للمعتفين يمينه لم تشنج [6]
يا خير من صعد المنابر بالتّقى ... بعد النبيّ المصطفى المتحرّج [7]
لمّا أتيتك راجيا لنوالكم ... ألفيت باب نوالكم لم يرتج
قال: فأمر له بعشر آلاف درهم.
وقد قيل: إنّ الأبيات التي ذكرتها وفيها الغناء ونسبتها إلى عبد اللّه بن الحشرج لغيره. والقول الأصحّ هو الأوّل. أخبرني بذلك محمد بن العبّاس اليزيديّ قال حدّثنا الخليل بن أسد قال حدّثنا العمري عن هشام بن الكلبيّ:
أنه سمع أبا باسل الطائيّ ينشد هذا الشعر، فقلت: لمن هو؟ فقال: لعمّي عنترة بن الأخرس [8]. قال: وكان جدّي أخرس، فولد له سبعة أو ثمانية كلّهم شاعر أو خطيب [9]. ولعلّ هذا من أكاذيب ابن/ الكلبيّ، أو حكاه عن رجل ادّعى فيه ما لا يعلم.
__________
[1] في ط، م: «ما عشت في الناس».
[2] كذا في ط، م. والمائق: الأحمق. وفي سائر الأصول: محرّفة بين «سابق» و «سائق».
[3] في ط، م: «يمسي» بالمهملة.
[4] العسيف الأجير، والعبد المستهان به.
[5] كذا في ط، م. وأخبار زياد الأعجم (جزء 14 صفحة 105 طبعة بلاق). وفي سائر الأصول هنا: «بنيسابور». وسابور: كورة مشهورة بأرض فارس.
[6] شنجت يده: تقبضت؛ وتقبض اليد كناية عن البخل، وبسطها كناية عن الكرم.
[7] في بعض الأصول: «المستخرج» تحريف.
[8] أورد أبو تمام في الحماسة (ص 108 طبعة أوربا) بعض أبيات منها منسوبة له.
[9] في ط، م: «شاعر خطيب».
صوت
أصاح ألا هل من سبيل إلى نجد ... وريح الخزامى غضّة من ثرى جعد
وهل لليالينا بذي الرّمث [1] مرجع ... فنشفي جوى الأحزان من لاعج الوجد
عروضه من الطويل. الشعر للطّرمّاح بن حكيم. والغناء ليحيى المكيّ، ثقيل أوّل بالبنصر من كتابه.
__________
[1] ذو الرمث: واد لبني أسد. (عن «معجم البلدان»).
3 - أخبار الطّرمّاح ونسبه
نسب الطرمّاح وبعض أخباره
هو الطّرمّاح بن حكيم بن الحكم بن نفر بن قيس بن جحدر [1] بن ثعلبة بن عبد رضا بن مالك بن أمان [2] بن عمرو بن ربيعة بن جرول بن ثعل بن عمرو بن الغوث بن طيء. ويكنى أبا نفر، وأبا ضبينة [3]. والطّرمّاح: الطويل القامة. وقيل: إنّه [كان] [4] يلقّب الطّرّاح. أخبرني بذلك أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ قال حدّثني عليّ بن محمد النّوفليّ عن أبيه قال:
كان الطّرمّاح بن حكيم يلقّب الطّرّاح [5] لقوله:
[صوت]
[4]
ألا أيّها اللّيل الطويل ألّا ارتح ... بصبح [6] وما الإصباح منك بأروح
بلى إنّ للعينين في الصّبح راحة ... بطرحهما طرفيهما كلّ مطرح
في هذين البيتين لأحمد بن المكيّ ثقيل أوّل بالوسطى من كتابه.
والطّرمّاح من فحول الشعراء الإسلاميين وفصحائهم. ومنشؤه بالشأم، وانتقل إلى الكوفة بعد ذلك مع من وردها من جيوش أهل الشأم، واعتقد مذهب الشّراة الأزراقة [7].
/أخبرني إسماعيل بن يونس قال حدّثنا عمر بن شبّة عن المدائني عن أبي بكر الهذليّ قال:
قدم الطّرمّاح بن حكيم الكوفة، فنزل في تيم اللّات بن ثعلبة، وكان فيهم شيخ من الشّراة له سمت وهيئة،
__________
[1] في ج: «حجد» وفي سائر الأصول: «حجر». والتصويب من ط، م، و «المعارف» و «الشعر والشعراء» لابن قتيبة.
[2] كذا في ط، م. وفي سائر الأصول: «أبان» تحريف.
[3] في الأصول ما عدا ط، م: «أبا ضيبة» بالباء، تصحيف.
[4] التكملة من ط، م.
[5] في الأصول ما عدا ط، م: «الطرماح» تحريف.
[6] في هامش ط: «و يروي ببم» مكان قوله: بصبح». ورواية البيت في «الديوان» و «اللسان» (بمم)، و «معجم البلدان» (بمّ):
ألا أيها الليل الذي طال أصبحن ... ببمّ وما الإصباح فيك بأروح
وبمّ: مدينة بكرمان. في ط، م: «فيك» بدل «منك».
[7] الشراة: الخوارج. والأزارقة طائفة منهم، وهم أصحاب أبي راشد نافع بن الأزرق، خرجوا مع نافع من البصرة إلى الأهواز فغلبوا عليها وعلى كورها وما وراءها من بلدان فارس وكرمان، أيام عبد اللّه بن الزبير، وقتلوا عماله في تلك النواحي. ولهم بدع، منها أنهم يكفرون أصحاب الكبائر، حتى لقد كفروا عليا وعثمان وطلحة والزبير وعائشة وعبد اللّه بن عباس، رضي اللّه عنهم وسائر من معهم من المسلمين، وصوّبوا فعلة ابن ملجم في قتله عليا رضي اللّه عنه، وجوّزوا قتل المخالفين لهم وسبي نسائهم.
وكان الطّرمّاح يجالسه ويسمع منه، فرسخ كلامه في قلبه، ودعاه الشيخ إلى مذهبه، فقبله واعتقده أشدّ اعتقاد وأصحّه، حتى مات عليه.
أخبرني ابن دريد قال حدّثنا عبد الرحمن بن أخي الأصمعيّ عن عمّه قال قال رؤبة:
كان الطّرمّاح والكميت يصيران إليّ فيسألاني عن الغريب فأخبرهما به، فأراه بعد في أشعارهما.
أخبرني محمد بن العبّاس اليزيديّ قال سمعت محمد بن حبيب يقول:
سألت ابن الأعرابيّ عن ثماني عشرة مسألة كلّها من غريب شعر الطّرماح، فلم يعرف منها واحدة، يقول في جميعها: لا أدري، لا أدري.
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ قال حدّثنا عمر بن شبّة، وأخبرنا إبراهيم بن أيّوب قال حدّثنا ابن قتيبة، قالا:
كان الكميت بن زيد صديقا للطّرمّاح، لا يكادان يفترقان في حال من أحوالهما. فقيل للكميت: لا شيء أعجب من صفاء ما بينك وبين الطّرمّاح على تباعد ما يجمعكما من النّسب والمذهب والبلد [1]: هو شآمي قحطاني شاريّ، وأنت كوفيّ نزاريّ شيعيّ، فكيف اتّفقتما مع تباين المذهب وشدّة العصبيّة؟ فقال: اتّفقنا على بغض العامّة.
قال: وأنشد الكميت قول الطرمّاح:
/إذا قبضت نفس الطّرمّاح أخلقت ... عرى المجد واسترخى عنان القصائد
فقال: إي واللّه! وعنان الخطابة والرواية والفصاحة والشجاعة. وقال عمر بن شبّة: «و السماحة» مكان «الشجاعة».
وفد على مخلد بن زياد ومعه الكميت وقصتهما في ذلك
نسخت من كتاب جدّي لأمّي يحيى بن محمد بن ثوابة - رحمه اللّه تعالى - بخطه قال حدّثني الحسن [2] بن سعيد عن محمد بن حبيب عن ابن الأعرابيّ قال:
وفد الطّرمّاح بن حكيم والكميت بن زيد علي مخلد بن يزيد المهلّبيّ، فجلس لهما ودعاهما [3]. فتقدّم الطّرمّاح لينشد؛ فقال [4] له: أنشدنا قائما. فقال: كلّا واللّه! ما قدر الشعر أن أقوم له فيحطّ مني بقيامي وأحطّ منه بضراعتي، وهو عمود الفخر وبيت الذّكر لمآثر العرب. قيل له: فتنّح. ودعي بالكميت فأنشد قائما، فأمر له بخمسين ألف درهم. فلّما خرج الكميت شاطرها الطّرمّاح، وقال له: أنت أبا ضبينة أبعد همّة وأنا ألطف حيلة.
وكان الطرماح يكنى أبا نفر وأبا ضبينة.
__________
[1] كذا في ط. وفي سائر الأصول: «و البلاد».
[2] كذا في ط. وفي سائر الأصول هنا: «الحسين بن سعد» تحريف. (راجع السند الذي بعده، والجزء التاسع صفحة 103 سطر 12).
[3] في ط: «و دعا بهما».
[4] في ط: «فتقدّم الطرماح لسنه، فقيل له أنشد قائما فقال: كلا ... ».
كان هو والكميت في مسجد الكوفة فقصدهما ذو الرمة فاستنشدهما وأنشدهما
ونسخت من كتابه رضي اللّه عنه: أخبرني الحسن بن سعيد قال أخبرني ابن علّاق قال أخبرني شيخ لنا أنّ خالد بن كلثوم أخبره قال:
بينا أنا في مسجد الكوفة أريد الطّرمّاح والكميت وهما جالسان بقرب باب [1] الفيل، إذ رأيت أعرابيا قد جاء يسحب أهداما [2] له، حتى إذا توسّط المسجد خرّ ساجدا، ثم رمى ببصره فرأى الكميت والطّرمّاح فقصدهما.
فقلت: من هذا الحائن [3] الذي وقع بين هذين الأسدين! وعجبت من سجدته في غير موضع سجود وغير وقت صلاة. فقصدته، ثم سلّمت عليهم ثم جلست أمامهم. فالتفت إلي الكميت فقال: أسمعني شيئا يا أبا المستهلّ؛ فأنشده قوله:
أبت هذه النّفس إلّا ادّكارا
/ حتى أتى على آخرها. فقال له: أحسنت واللّه يا أبا المستهلّ في ترقيص هذه القوافي ونظم عقدها [4]! ثم التفت إلى الطّرمّاح فقال: أسمعني شيئا يا أبا ضبينة؛ فأنشده كلمته التي يقول فيها:
أساءك تقويض [5] الخليط المباين ... نعم والنّوى قطّاعة للقرائن
فقال: للّه درّ هذا الكلام! ما أحسن إجابته لرويّتك! إن كدت [6] لأطيل لك حسدا. ثم قال الأعرابيّ: واللّه لقد قلت بعدكما ثلاثة أشعار، أمّا أحدها فكدت أطير به في السماء فرحا. وأمّا الثاني فكدت أدّعي به الخلافة. وأمّا الثالث فرأيت [7] رقصانا استفزّني به الجذل حتّى أتيت عليه. قالوا: فهات؛ فأنشدهم [قوله] [8]:
أأن توهّمت من خرقاء منزلة ... ماء الصّبابة من عينيك مسجوم [9]
حتّى إذا بلغ قوله:
تنجو إذ جعلت تدمى أخشّتها ... وابتلّ بالزّبد الجعد الخراطيم [10]
__________
[1] باب الفيل: موضع بالكوفة. سمى بذلك لأن زياد بن أبيه لما تزوّج أم أيوب بنت عمارة بن عقبة بن أبي معيط وهي حدثة كان يأمر بفيل كان عنده فيوقف، فتنظر إليه أم أيوب. (الطبري ق 2 ص 27).
[2] الأهادم: جمع هدم (بالكسر) وهو الثوب البالي المرقع.
[3] الحائن: الهالك، وكل ما لم يوفق للرشاد فهو حائن.
[4] كذا في ط. وفي سائر الأصول: «و تعلم عقدها» تحريف.
[5] التقويض هنا: نزع القوم أعواد خيامهم وأطنابها. والخليط هنا: القوم الذين أمرهم واحد. وذلك أن العرب كانوا ينتجعون أيام الكلأ، فتجتمع منهم قبائل شتى في مكان واحد، فتقع ألفة، فإذا قوضوا خيامهم وافترقوا ورجعوا إلى أوطانهم ساءهم ذلك.
[6] كذا في ط. وفي سائر الأصول: «إن كنت» تحريف.
[7] في ط: «فلقد رأيت».
[8] زيادة في ط، م.
[9] في «ديوان ذي الرمة»: «أعن ترسمت» بإبدال الهمزة عينا. وترسمت الدار: نظرت رسومها. والصبابة: رقة الشوق. ومسجوم:
مصبوب.
[10] تنجو: تسرع. والأخشة: جمع خشاش وهو الحلقة التي توضع في أنف البعير ليجذب بها. والجعد بها. والجعد من الزبد: الثخين الغليظ، فإن كان رقيقا فهو هييّان (بتشديد الياء مكسورة).
قال: أعلمتم أنّي في طلب هذا البيت منذ سنة، فما ظفرت به إلّا آنفا، وأحسبكم قد رأيتم السجدة له. ثم أسمعهم قوله:
ما بال عينك منها الماء ينسكب
ثم أنشدهم كلمته الأخرى التي يقول فيها:
إذا اللّيل عن نشز تجلّى رمينة ... بأمثال أبصار النّساء الفوارك
/ قال: فضرب الكميت بيده على صدر الطّرمّاح، ثم قال: هذه واللّه الدّيباج لا نسجي ونسجك الكرابيس [1].
فقال الطرماح: لن أقول ذلك وإن أقررت بجودته. فقطّب [2] ذو الرّمّة وقال: يا طرمّاح! أأنت تحسن أن نقول:
وكائن تخطّت ناقتي من مفازة ... إليك ومن أحواض ماء مسدّم [3]
بأعقاره القردان هزلى كأنّها ... نوادر صيصاء الهبيد المحطّم [4]
فأصغى الطّرمّاح إلى الكميت وقال له: فانظر ما أخذ من ثواب هذا الشعر! - قال: وهذه قصيدة مدح بها ذو الرّمّة عبد الملك، فلم يمدحه فيها ولا ذكره إلّا بهذين البيتين، وسائرها في ناقته. فلمّا قدم على عبد الملك بها أنشده إيّاها. فقال له: ما مدحت بهذه القصيدة إلا ناقتك، فخذ منها الثّواب. وكان ذو الرّمّة غير محظوظ من المديح - قال: فلم يفهم ذو الرمّة قول الطرماح للكميت. فقال له الكميت: إنه ذو الرمّة وله فضله، فأعتبه [5] فقال له الطرماح: معذرة إليك! إنّ عنان الشّعر لفي كفّك، فارجع معتبا، وأقول فيك كما قال أبو المستهلّ.
مر يخطر بمسجد البصرة فسأل عنه رجل فأنشد هو شعرا
أخبرني الحسن بن علي ومحمد بن يحيى الصّولي قالا حدّثنا الحسن بن عليل العنزيّ قال حدّثني محمد بن إبراهيم بن عبّاد قال حدّثني أبو تمّام الطائيّ قال:
مرّ الطرماح بن حكيم في مسجد البصرة وهو يخطر في مشيته. فقال رجل: من هذا الخطّار؟ فسمعه فقال: أنا الذي أقول:
صوت
لقد زادني حبّا لنفس أنّني ... بغيض إلى كلّ امرىء غير طائل [6]
__________
[1] الكرابيس: جمع كرباس (بكسر الكاف) وهو ثوب غليظ من القطن.
[2] كذا في ط، م. وفي سائر الأصول: «فغضب».
[3] الماء المسدم: المتغير لطول العهد.
[4] في هذا البيت تحريف كثير في الأصول. والصواب في ط و «الديوان». والأعقار: جمع عقر. وعقر الحوض: مؤخره حيث تقف الإبل إذا وردت. وفي «الديوان»: «بأعطانه». وقد أشار شارح «الديوان» إلى روايتنا. والأعطان: مبارك الإبل. والهبيد: حب الحنظل.
والصيصاء: الضاوي الهزيل منه. يقول: القردان ليس لديها شيء تأكله فهي هزلى؛ فشبهها بما يشذ ويخرج من ضاوي حب الحنظل. (راجع شرح «الديوان»).
[5] أعتبه: أرضاه وأزال عتبه.
[6] رجل غير طائل أي دون خسيس.
وأنّي شقيّ باللّئام ولا ترى ... شقيّا بهم إلّا كريم الشمائل
إذا ما رآني قطّع اللحظ [1] بينه ... وبيني فعل العارف المتجاهل
ملأت عليه الأرض حتى كأنّها ... من الضّيق في عينيه كفّة [2] حابل
في هذه الأبيات لأبي العبيس بن حمدون خفيف ثقيل أوّل بالبنصر.
قصته مع خالد القسرى حين وفد عليه بمدح
أخبرني محمد بن خلف وكيع قال أخبرنا إسماعيل بن مجمّع قال حدّثنا هشام بن محمد قال أخبرنا ابن أبي العمرّطة الكنديّ قال:
مدح الطّرمّاح خالد بن عبد اللّه القسريّ، فأقبل على العريان [3] بن الهيثم فقال: إنّي قد مدحت الأمير فأحبّ أن تدخلني عليه. قال: فدخل إليه فقال له: إنّ الطّرمّاح قد مدحك وقال فيك قولا حسنا. فقال: مالي في الشعر من حاجة. فقال العريان للطرمّاح: تراء له. فخرج معه [4]، فلّما جاوز دار زياد وصعد المسنّاة [5] إذا شيء قد ارتفع له، فقال: يا عريان انظر، ما هذا؟ فنظر ثم رجع فقال: أصلح اللّه الأمير! هذا شيء بعث به إليك عبد اللّه بن أبي موسى من سجستان؛ فإذا حمر وبغال ورجال وصبيان ونساء. فقال: يا عريان، أين طرمّاحك هذا؟ قال: هاهنا. قال:
أعطه كلّ ما قدم به. فرجع إلى الكوفة بما شاء ولم ينشده. قال هشام: والطّرمّاح: الطويل.
سمع بيتا لكثير في عبد الملك فقال لم يمدحه بل موّه
أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال حدّثنا أبو حاتم قال حدّثني الحجّاجيّ [6] قال:
بلغني أنّ الطّرمّاح جلس في حلقة فيها رجل من بني عبس، فأنشد العبسيّ قول كثيّر في عبد الملك:
فكنت المعلّى إذ أجيلت [7] قداحهم ... وجال المنيح وسطها يتقلقل
/ فقال الطّرمّاح: أما إنه ما أراد به أعلامهم كعبا، ولكنه موّه عليه في الظاهر وعنى في الباطن أنه السابع من الخلفاء الذين كان كثيّر لا يقول بإمامتهم؛ لأنه أخرج عليّا عليه السلام منهم، فإذا أخرجه كان عبد الملك السابع، وكذلك المعلّى السابع من القداح؛ فلذلك قال ما قاله. وقد ذكر ذلك في موضع آخر فقال:
وكان الخلائف بعد الرّسو ... ل للّه كلّهم تابعا
شيدان من بعد صدّيقهم ... وكان ابن حرب [8] لهم رابعا
__________
[1] كذا في ط، م. وفي سائر الأصول: «اللحن» تحريف. وفي «الديوان»:
«الطرف دونه ... ودوني فعل ... الخ»
[2] كفة الصائد: حبالته، أي مصيدته.
[3] كان العريان بن الهيثم بن الأسود النخعي أحد أشراف العراق المقدمين حين كان خالد القسري أميرا على العراق.
[4] أي خرج العريان مع خالد.
[5] المسناة: الأحباس تبنى في وجه السيل.
[6] في ب، س، أ، ح: «المجاجي» تحريف.
[7] في أ، ح، ب، س: «أجلت». والمعلى من القداح، له أكبر نصيب من أنصبة قداح الميسر، وهي عشرة. والمنيح: قدح منها لا نصيب له.
[8] وردت هذه الكلمة في أكثر الأصول محرفة بين «خولى» و «حرلى» و «حولى» والصواب؛ في ط، م. وابن حرب هو معاوية بن أبي سفيان.
وكان ابنه بعده خامسا ... مطيعا لمن قبله سامعا
ومروان سادس من قد مضى ... وكان ابنه بعده سابعا
قال: فعجبنا من تنبّه الطرمّاح [1] لمعنى قول كثيّر، وقد ذهب على عبد الملك فظنّه مدحا.
فضله أبو عبيدة والأصمعيّ ببيتين له
أخبرني هاشم بن محمد الخزاعيّ قال حدّثنا أبو غسّان دماذ قال:
كان أبو عبيدة والأصمعي يفضّلان الطّرمّاح في هذين البيتين، ويزعمان أنّه فيهما أشعر الخلق:
/مجتاب حلّة برجد لسراته ... قددا وأخلف ما سواه البرجد [2]
يبدو وتضمره البلاد كأنّه ... سيف على شرف يسلّ ويغمد
اثني أبو نواس على بيت له
أخبرني هاشم بن محمد الخزاعيّ قال حدّثنا دماذ قال قال أبو نواس: أشعر بيت قيل بيت الطّرمّاح:
إذا قبضت نفس الطّرمّاح أخلقت ... عرى المجد واسترخى عنان القصائد
مناقضة بينه وبين حميد اليشكري
أخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد عن أبيه عن أبي عبيدة قال: فضّل الطرمّاح بني شمخ [3] في شعره على بني يشكر؛ فقال حميد اليشكريّ:
أتجعلنا إلى شمخ بن جرم [3] ... ونبهان فأفّ لذا زمانا [4]
ويوم الطّالقان حماك [5] قومي ... ولم تخضب بها طيّ سنانا
فقال الطرمّاح يجيبه:
لقد علم المعذّل يوم يدعو ... برمثة [6] يوم رمثة إذ دعانا
فوراس طيّىء منعوه لمّا ... بكى جزعا ولو لا هم لحانا [7]
فقال رجل من بني يشكر:
لأقضينّ قضاء غير ذي جنف ... بالحقّ بين حميد والطّرمّاح
__________
[1] في ط، م: «من فطنة الطرماح».
[2] مجتاب حلة: لابسها، من اجناب الشي ء: قطعه. والسراة: الظهر. والبرجد (بالضم): كساء من صوف أحمر. يريد أن يصف متن الثور الوحشي بالحمرة. وقيل: البرجد: كساء مخطط ضخم. والقدد: جمع قدة (بالكسر) وهي القطة من الشيء.
[3] في أكثر الأصول و «ديوان الطرماح» (ص 181) «سمح بن حزم» والصواب في ط، م. وشمخ ابن جرم ونبهان: بطنان من طيء.
[4] في أكثر الأصول و «ديوان الطرماح»: «فان لنا زمانا» والصواب في ط، م.
[5] في أكثر الأصول: «حمال» باللام. والصواب في ط، م. والطالقان: سام بلدتين، إحداهما بخراسان بين مرو الروذ بلخ، بينها وبين مرو الروذ ثلاث مراحل. والأخرى بلدة وكورة بين قزوين وأبهر.
[6] رمثة: ماء ونخل لبني ربيعة باليمامة.
[7] حان: هلك.
جرى الطّرمّاح حتى دقّ مسحله [1] ... وغودر العبد مقرونا بوّضّاح
يعني رجلا من بني تميم كان يهاجي اليشكريّ.
شعر له في الشراة
أخبرني إسماعيل بن يونس قال حدّثنا الرّياشيّ قال قال الأصمعيّ قال خلف: كان الطّرمّاح يرى رأي الشّراة، ثم أنشد له:
للّه درّ الشّراة إنّهم ... إذا الكرى مال بالطّلى [2] أرقوا
/ يرجعون الحنين آونة ... وإن علا ساعة بهم شهقوا
خوفا تبيت القلوب واجفة ... تكاد عنها الصدور تنفلق
كيف أرجّي الحياة بعدهم ... وقد مضى مؤنسيّ فانطلقوا
قوم شحاح على اعتقادهم ... بالفوز ممّا يخاف قد وثقوا
أنشد خالدا القسري شعرا في الشكوى فأجازه
أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال أخبرنا أبو عثمان عن التّوّزيّ عن أبي عبيدة عن يونس قال:
دخل الطّرمّاح على خالد بن عبد اللّه القسريّ فأنشده قوله:
وشيّبني ما لا أزال مناهضا ... بغير غنى أسمو به وأبوع [3]
وأنّ رجال المال أضحوا ومالهم ... لهم عند أبواب الملوك شفيع
أمخترمي ريب المنون ولم أنل ... من المال ما أعصى به وأطيع
فأمر له بعشرين ألف درهم وقال: امض الآن فاعص بها وأطع.
قال المفضل: كأنه يوحي إليه، في الهجاء. ثم أنشد من هجائه
أخبرني الحسن بن علي قال حدّثنا محمد بن القاسم بن مهروية قال حدّثنا حذيفة بن محمد الكوفيّ قال قال المفضّل:
إذا ركب الطرمّاح الهجاء فكأنّما [4] يوحى إليه، ثم أنشد له قوله:
لو حان ورد تميم ثم قيل [5] لها ... حوض الرّسول عليه الأزد لم ترد
/ أو أنزل اللّه وحيا أن يعذّبها ... إن لم تعد لقتال الأزد لم تعد
لا عزّ نصر امرىء أضحى له فرس ... على تميم يريد النصر من أحد
__________
[1] المسحل هنا: اللجام، وقيل فأس اللجام.
[2] الطلى: الأعناق، واحدها طلية.
[3] يبوع: يمد باعه. يريد يبسط يده بالإنفاق والبذل.
[4] في ط، م: «فكأنه».
[5] في أكثر الأصول: «ثم قال لها». والصواب في ط، م.
لو كان يخفى على الرحمن خافية ... من خلقه خفيت عنه بنو أسد [1]
افتقده بعض صحبه فلم يرعهم إلا نعشه
أخبرني إسماعيل بن يونس قال أخبرنا عمر بن شبّة قال حدّثني المدائنيّ قال حدّثني ابن دأب عن ابن شبرمة، وأخبرني محمد بن القاسم الأنباريّ قال أخبرني أبي قال حدّثني الحسن بن عبد الرحمن الرّبعيّ قال حدّثني محمد بن عمران قال حدّثني إبراهيم بن سوّار الضّبّيّ قال حدّثني محمد بن زياد القرشيّ عن ابن شبرمة قال:
كان الطّرمّاح لنا جليسا ففقدناه أيّاما كثيرة، فقمنا بأجمعنا لننظر ما فعل وما دهاه. فلما كنّا قريبا من منزله إذا نحن بنعش عليه مطرف أخضر، فقلنا: لمن هذا النّعش؟ فقيل: هذا نعش الطّرمّاح. فقلنا: واللّه ما استجاب اللّه له حيث يقول:
وإني لمقتاد جوادي وقاذف [2] ... به وبنفسي العام إحدى المقاذف
لأكسب مالا أو أؤول إلى غنى ... من اللّه يكفيني عدات [3] الخلائف
فيا ربّ إن حانت وفاتي فلا تكن [4] ... على شرجع يعلى بخضر [5] المطارف
ولكن قبري بطن نسر مقيله ... بجوّ السماء في نسور عواكف
/ وأمسى شهيدا ثاويا في عصابة ... يصابون في فجّ من الأرض خائف
فوارس من شيبان ألّف بينهم ... تقى اللّه تزّالون عند التّزاحف
إذا فارقوا دنياهم فارقوا الأذى ... وصاروا إلى ميعاد ما في المصاحف
[6]
صوت
هل بالدّيار التي [7] بالقاع من أحد ... باق فيسمع صوت المدلج السّاري
تلك المنازل من صفراء ليس بها ... حيّ يجيب [8] ولا أصوات سمّار
الشعر لبيهس الجرميّ. والغناء لابن محرز ثاني ثقيل بالبنصر، عن عمرو وقال ذكر ذلك يحيى المكيّ، وأظنّه من المنحول. وفيه لطيّاب بن إبراهيم الموصليّ خفيف ثقيل، وهو مأخوذ من لحن ابن صاحب الوضوء:
ارفع ضعيفك لا يحربك ضعفه [9]
__________
[1] ورد هذا البيت في ط. قبل البيت الذي سبقه.
[2] في «أساس البلاغة» (مادة قذف): «فقاذف».
[3] العدات: جمع عدة، وهي ما يوعد به من صلة. والخلائف: جمع خليفة.
[4] في «الديوان»: «اذا العرش إن حانت ... الخ». وفي «عيون الأخبار» (ج 2 ص 207 طبع دار الكتب): «فيا رب لا تجعل وفاتي إن أتت».
[5] في «الشعر والشعراء»، و «عيون الأخبار»: «يعلى بدكن». والشرجع: النعش، وهو السرير يحمل عليه الميت.
[6] في «الديوان»: «موعود ما في المصاحف».
[7] كذا في ط، م. وفي أكثر الأصول: «و هل» بدل «التي».
[8] في ب، س: «نار تضي ء» وكذلك وردت هذه الرواية فيهما في (ج 19 ص 107) وفيهما:
«و يروي: ..... ليس بها ... حي يجيب ...... »
[9] تمامه
يوما فتدركه العواقت قد نما
راجع «الأغاني» (ج 3 ص 134 من هذه الطبعة).
4 - أخبار بيهس ونسبه [1]
نسبه
هو بيهس بن صهيب [2] بن عامر بن عبد اللّه بن ناتل [3] بن مالك بن عبيد بن علقمة بن سعد بن كثير بن غالب ابن عديّ بن سميس [4] بن طرود بن قدامة بن جرم بن ربّان [5] بن حلوان بن عمران بن إلحاف بن قضاعة، شاعر فارس من شعراء الدولة الأمويّة. وكان يبدو بنواحي الشأم مع قبائل جرم وكلب وعذرة، ويحضر إذا حضروا فيكون بأجناد الشأم.
اتهم بقتل غلام من قيس فاستجار بمحمد بن مروان
قال أبو عمرو الشيبانيّ: لمّا هدأت الفتنة بعد وقعة مرج [راهط] [6] وسكن الناس، مرّ غلام من قيس بطوائف من جرم وعذرة وكلب، وكانوا متجاورين على ماء هناك لهم. فيقال: إنّ بعض أحداثهم نخس به ناقته فألقته، فاندقت عنقه فمات. واستعدى قومه عبد الملك بن مروان، فبعث إلى تلك البطون من جاءه بوجوههم وذوي الأخطار منهم، فهرب بيهس بن صهيب [2] الجرميّ - وكان قد اتّهم بأنه هو الذي نخس به - فنزل بمحمد بن مروان واستجار به، فأجاره إلّا من حدّ توجبه عليه شهادة، فرضي بذلك.
صوت
ألا يا حمامات اللّوى عدن عودة ... فإنّي إلى أصواتكنّ حرين
فعدن فلمّا عدن يمتنني ... وكدت بأسراري لهنّ أبين
__________
[1] هكذا ورد هنا نسب بيهس وخبر مبتور من أخباره. ولا ندري كيف وقع ذلك؛ إذ ترجمته الكاملة قد وردت في الجزء التاسع عشر صفحة 107 وما بعدها من طبعة بلاق. وهذا الخبر الوارد هنا لم يرد هناك.
[2] كذا في ط، م ومختار «الأغاني». لابن منصور وب، س في الجزء التاسع عشر. وفي سائر الأصول هنا: «نصيب».
[3] كذا في ط ومختار «الأغاني». وفي ح هنا وب، س في الجزء التاسع عشر: «نايل». وفي سائر الأصول: «ناثل» بالمثلثة.
[4] كذا في ط، م. وفي مختار «الأغاني»: «بيهس» بدل «سميس». وفي ب، س في التاسع عشر: «شمس» بدل «سميس». ويطرد النسب فيهما هناك كما في ط، م في أحد الموضعين (إذا تكررت فيها هذه الترجمة) و«مختار الأغاني» هنا. وفي ب، س، ح هنا:
«غالب بن عديّ بن بيهس بن عدي - في ح: ابن علي - بن بيهس بن طرود». وفي أ، م (في الموضع الآخر): «غالب بن عدي بن سمين بن علي بن بيهس بن طرود».
[5] في الأصول: «زبان» بالزاي المعجمة. وفي أحد موضعي م: «ريان» تصحيف. (راجع «تاج العروس» مادة «ربن»).
[6] التكملة من ط، م. ومرج راهط، بنواحي دمشق، كانت به وقعة بين مروان بن الحكم والضحاك بن قيس الفهري قتل بها الضحاك، وكان يدعو لعبد اللّه بن الزبير.
دعون بأصوات الهديل كأنّما ... شربن حميّا أو بهنّ جنون
فلم تر عيني مثلهنّ حمائما ... بكين ولم تدمع لهنّ عيون
الشعر لأعرابيّ، هكذا أنشدناه جعفر بن قدامة عن أحمد بن حمدون عن أحمد ابن إبراهيم بن إسماعيل.
والغناء لمحمد بن الحارث بن بسخنّر [1] خفيف رمل بالوسطى عن الهشاميّ. وقد قيل: إنّ الشعر لابن الدّمينة.
__________
[1] في أكثر الأصول: «بشخير» والصواب في ط. وكذلك ورد هذا الاسم محرّفا في الأصول ما عدا ط، في كل المواضع، في الترجمة الآتية.
5 - أخبار محمد بن الحارث بن بسخنّر
نسبه وبعض أخباره
هو محمد بن الحارث بن بسخنّر، ويكنى أبا جعفر. وهم، فيما يزعمون، موالي المنصور. وأحسبه ولاء خدمة ولا ولاء عتق. وأصلهم من الرّيّ. وكان محمد يزعم أنّه من ولد بهرام جوبين [1]. وولد محمد بالحيرة [2].
وكان يغنّي مرتجلا، إلا أنّ أصل ما غنّى عليه المعزفة، وكانت تحمل معه إلى دار الخليفة. فمرّ غلامه بها يوما، فقال قوم كانوا جلوسا على الطريق: مع هذا الغلام مصيدة الفأر، وقال بعضهم: لا، بل هي [3] معزفة محمد بن الحارث. فحلف يومئذ بالطّلاق والعتاق/ ألّا يغنّي بمعزفة أبدا أنفة من أن تشتبه [4] آلة يغنّي بها بمصيدة الفأر. وكان محمد أحسن خلق اللّه تعالى أداء وأسرعه أخذا للغناء، وكان لأبيه الحارث بن بسخنّر جوار محسنات. وكان إسحاق يرضاهنّ ويأمرهنّ أن يطرحن على جواريه. وقال يوما للمأمون وقد غنّى مخارق بين يديه صوتا فآلتاث [5] غناؤه فيه وجاء به مضطربا، فقال إسحاق للمأمون: يا أمير المؤمنين، إن مخارقا قد أعجبه صوته وساء أداؤه في غنائه، فمره بملازمة جواري الحارث بن بسخنّر حتى يعود إلى ما تريد.
هو أفضل من أخذ عن إسحاق أصواتا
أخبرني جحظة قال حدّثني أبو عبد اللّه الهشاميّ [6] قال:
سمعت إسحاق [7] بن إبراهيم بن مصعب يقول للواثق: قال لي إسحاق بن إبراهيم الموصليّ: ما قدر أحد قطّ أن يأخذ منّي صوتا مستويا إلّا محمد بن الحارث بن بسخنّر؛/ فإنّه أخذ منّي عدّة أصوات كما أغنّيها. ثم لم نلبث أن دخل علينا محمد بن الحارث. فقال له الواثق: حدّثني إسحاق بن إبراهيم عن إسحاق الموصليّ فيك بكذا وكذا.
فقال: قد قال إسحاق ذاك لي مرّات. فقال له الواثق: فأي شيء أخذت من صنعته أحسن عندك؟ فقال: هو يزعم أنه لم يأخذ منه أحد قطّ هذا الصوت كما أخذته منه:
__________
[1] في أكثر الأصول: «إبراهيم جوهر» والصواب في ط. وبهرام جوبين من ملوك الفرس، كان في أواخر القرن السادس الميلادي.
[2] كذا في ط، ح. وفي سائر الأصول: «بالكوفة بل بالحيرة».
[3] عبارة ط، ح: «لا هذه معزّفة».
[4] في ط: «تشبه». وفي ب، س: «تشتبه بآلة» تحريف.
[5] آلتاث هنا: اختلط.
[6] في أكثر الأصول «الهاشمي» والصواب من ط.
[7] إسحاق بن إبراهيم المصبغي هذا كان حاكم بغداد في عهد المأمون والمعتصم والواثق. (انظر كتاب «التاج للجاحظ» ص 31).
صوت
إذا المرء قاسى الدّهر وأبيضّ رأسه ... وثلّم تثليم الإناء جوانبه
فليس له في العيش خير وإن بكى ... على العيش أو رجّى الذي هو كاذبه
- الشعر والغناء لإسحاق، ولحنه فيه رمل بالوسطى - فأمره الواثق بأن يغنّيه، فغنّاه [إياه] [1] وأحسن ما شاء وأجاد. واستحسنه الواثق وأمره بأن يردّده، فردّده مرارا كثيرة، حتى أخذه الواثق وأخذه جواريه والمغنّون. قال جحظة قال الهشاميّ فحدّثت بهذا الحديث عمرو بن بانة فقال: ما خلق اللّه تعالى أحدا يغنّي هذا الصوت كما يغنّيه هبة اللّه بن إبراهيم بن المهديّ. فقلت له: قد سمعت ابن إبراهيم [2] يغنّيه، فاسمعه من محمد ثم احكم. فلقيني بعد ذلك فقال: الأمر كما قلت، قد سمعته من محمد فسمعت منه الإحسان كلّه.
ردّد صوتا آخر من جارية أخرى
أخبرني جعفر بن قدامة قال حدّثني عليّ بن يحيى المنجّم قال:
كنت يوما في منزلي، فجاءني محمد بن الحارث بن بسخنّر مسلّما وعائدا من علة كنت وجدتها؛ فسألته أن يقيم عندي ففعل، ودعوت بما حضر فأكلنا وشربنا، وغنّى [3] محمد بن الحارث هذا الصوت:
صوت
أمن ذكر خود عينك اليوم تدمع ... وقلبك مشغول بخودك مولع
وقائلة لي يوم ولّيت [4] معرصا ... أهذا فراق الحبّ أم كيف تصنع
فقلت كذاك الدّهر يا خود فاعلمي ... يفرّق بين الناس طرّا ويجمع
- أصل هذا الصوت يمان هزج بالوسطى. قال الهشاميّ: وفيه لفليح ثاني ثقيل، ولإسحاق خفيف رمل - قال عليّ بن يحي: فقلت له وقد ردّد هذا الصوت مرارا وغنّاه أشجى غناء: إنّ لك في هذا الصوت معنى، وقد كرّرته من غير أن يقترحه عليك أحد. فقال: نعم! هذا صوتي/ على جارية من القيان كنت أحبّها وأخذته منها. فقلت له: فلم لا تواصلها؟ فقال:
لو لم أنكها دام لي حبّها ... لكنّني نكت فلا نكت [5]
فأجبته فقلت:
أكثرت من نيكها والنّيك مقطعة ... فارفق بنيكك إنّ الرّفق [6] محمود
__________
[1] زيادة عن ط، ف.
[2] في أكثر الأصول: «قد سمعت أن إبراهيم ... » والصواب من ط.
[3] في ط: «و غنانا».
[4] في ط: «كيف وليت».
[5] كذا في ط، ح. ف. وفي سائر الأصول:
« ... دام لها حبي ... ... فلا نكتها»
[6] كذا في ط، م، ف. وفي سائر الأصول: «إن النيك محمود».
أخذ جواري الواثق منه غناء أخذه من إسحاق
وأخبرني جعفر بن قدامة عن عليّ بن يحيى أنّ إسحاق غنّى بحضرة الواثق لحنه [1]:
ذكرتك إذ [2] مرّت بنا أمّ شادن ... أمام المطايا تشرئبّ وتسنح
من المؤلفات الرّمل أدماء [3] حرّة ... شعاع الضّحى في متنها يتوضّح
/ - والشعر لذي الرّمّة. ولحن إسحاق فيه ثقيل أوّل - فأمره الواثق أن يعيده على الجواري، وأحلفه بحياته أن ينصح [4] فيه. فقال: لا يستطيع الجواري أن يأخذنه [5] مني، ولكن يحضر محمد بن الحارث فيأخذه منّي وتأخذه الجواري منه: [فأحضر وألقاه عليه، وأخذه منه، وأخذته الجواري منه] [6].
أخبرني أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل المعروف بوسواسة الموصليّ [7] قال حدّثني حمّاد [8] بن إسحاق قال:
قال لي محمد بن الحارث بن بسخنّر: أخذت جارية للواثق منّى صوتا أخذته من أبيك، وهو [9]:
[صوت]
[10]
أصبح الشّيب في المفارق شاعا ... واكتسى الرّأس من مشيب قناعا
وتوالّى الشّباب إلّا قليلا ... ثم يأبى القليل إلّا وداعا
- الشعر والغناء لأسحاق ثقيل أوّل - قال: فسمعه الواثق منها، فاستحسنه وقال لعلّويه ومخارق: أتعرفانه؟
فقال مخارق: أظنّه لمحمد بن الحارث. فقال علّويه: هيهات! ليس هذا مما يدخل في صنعة محمد، هو يشبه صنعة ذلك الشيطان إسحاق. فقال له الواثق: ما أبعدت. ثم بعث إليّ فأخبرني بالقصّة [11]؛ فقلت: صدق علّويه يا أمير المؤمنين، هذا لإسحاق ومنه أخذته.
غنت جارية صوتا أخذته عنه فأكرمها
حدّثني جعفر بن قدامة قال حدّثني عبد اللّه بن المعتز قال قال لي أحمد بن الحسين بن هشام:
جاءني محمد بن الحارث بن بسخنّر يوما فقال لي: قم حتّى أطفّل بك على صديق لي حرّ، وله جارية أحسن
__________
[1] كذا في ط، م، ف. وفي سائر الأصول: «لحنه فقال» بزيادة «فقال».
[2] في ط، م، ف: «أن مرت». وأم شادن: ظبية. وتشرئب: ترفع رأسها لتنظر. وتسنح: تعرض لك أو تأتي عن شمالك.
[3] الأدم من الظباء: البيض تعلوهن جدد فيها غبرة.
[4] في أكثر الأصول: «أنه ينصح» والتصويب من ط، ف.
[5] في ب، س: «فقال لا يستطعن أن يأخذن مني».
[6] التكملة من ط، م، ف.
[7] في ط، م، ف: « ... بوسواسة بن الموصلي». وقد تقدّم هذا الاسم في الأجزاء الماضية كما ورد هنا، «أو أحمد بن اسماعيل بن إبراهيم» أو «محمد بن أحمد بن اسماعيل بن إبراهيم». وكذا ورد «المعروف بوسواسة الموصلي» أو «بوسواسة بن الموصلي».
والرواية في أكثر المواضع عن حماد. ولم نهتد إلى وجه الصواب فيه.
[8] في أكثر الأصول: «محمد بن إسحاق» والتصويب من ف.
[9] كذا في ط، م، ف. وفي سائر الأصول: «و هو هذا».
[10] زيادة في ف.
[11] كذا في ط، م، ف. وفي سائر الأصول: «فأخبرني القصة».
خلق اللّه تعالى وجها وغناء. فقلت له: أنت طفيليّ وتطفّل بي! هذه واللّه أخسّ [1] حال. فقال لي: «دع المجون وقم بنا؛ فهو مكان لا يستحي حرّ أن يتطفل عليه. فقمت معه، فقصد بي دار رجل من فتيان أهل «سرّ من رأى» كان لي صديقا يكنى أبا صالح، وقد غيّرت كنيته على سبيل اللّقب [2] فكني أبا الصالحات، وكان ظريفا حسن المروءة، [يضرب بالعود على مذهب الفرس ضربا حسنا] [3]، وله رزق سنيّ في الموالى، وكان من أولادهم، ولم يكن منزله يخلو من طعام كثير نظيف [4] لكثرة قصد إخوانه منزله. فلمّا طرق بابه قلت له: فرّجت عنّي، [هذا صديقي] [5] وأنا طفيلي بنفسي لا أحتاج أن أكون في شفاعة طفيليّ. فدخلنا، وقدّم إلينا طعام عتيد طيّب نظيف فأكلنا، وأحضرنا النبيذ، وخرجت جاريته [6] إلينا من غير ستارة فغنّت غناء حسنا [7] شكلا ظريفا، ثم غنّت من صنعة محمد بن الحارث هذا الصوت وكانت قد أخذته عنه - وفيه أيضا لحن لإبراهيم، والشعر لابن أبي عيينة - :
صوت
ضيّعت عهد فتى لعهدك حافظ ... في حفظه عجب وفي تضييعك
إن تقتليه وتذهبي بفؤاده ... فبحسن وجهك لا بحسن صنيعك
/ فطرب محمد بن الحارث ونقّطها بدنانير مسّيفة [8] كانت معه في خريطته، ووجّه غلامه [9] فجاءه ببرنيّة غالية كبيرة [10] فغلّفها [11] منها ووهب لها الباقي. وكان لمحمد بن الحارث أخ طيّب ظريف يكنى أبا هارون فطرب ونعر ونخر، وقال لأخيه: أريد أن أقول لك شيئا في السّرّ. قال: قله علانية. قال: لا يصلح. قال: واللّه ما بيني وبينك شيء أبالي أن تقوله جهرا، فقله. فقال: أشتهي علم اللّه أن تسأل أبا [12] الصّالحات أن ينيكني، فعسى صوتي أن ينفتح ويطيب غنائي. فضحك أبو الصالحات وخجلت الجارية وغطّت وجهها وقالت: سخنت عينك! فإنّ حديثك يشبه [13] وجهك.
__________
[1] كذا في ط، م، ف. وفي سائر الأصول: «أحسن حال».
[2] في ب، س: «اللعب» تصحيف.
[3] التكملة من ط، م، ف.
[4] في ف: «طريف».
[5] زيادة عن ف.
[6] كذا في ط، م. وفي سائر الأصول: «جارية».
[7] هذه الكلمة ساقطة في ط، م، ف.
[8] في أكثر الأصول: «مسننة» والتصويب من ط، م، ف. يقال دينار أو درهم مسيف، إذا كانت جوانبه نقية من النقش.
[9] كذا في ف. وفي ط، م: «و وجه بغلامه». وفي ح: «و رجع بغلامه». وفي ب، س: «و دعا بغلامه». وفي أ: «و جاء بغلامه» تحريف.
[10] في ف: «فجاء ببرنية كبيرة فيها غالية».
[11] غلفها: ضمخها وطيبها.
[12] في ف: «أن تقول لأبي الصالحات».
[13] في ف: «إن حديثك هذا».
صوت
وأيّ أخ تبلو فتحمد أمره ... إذا لجّ خصم أو نبا بك منزل [1]
إذا أنت لم تنصف أخاك وجدته ... على طرف الهجران إن كان يعقل
ستقطع في الدّنيا إذا ما قطعتني ... يمينك فانظر أيّ كيف تبدّل
إذا انصرفت نفسي عن الشيء لم تكد ... إليه بوجه آخر الدّهر تقبل
الشعر لمعن بن أوس المزنيّ. والغناء لعريب [خفيف] [2] رمل بالوسطى.
__________
[1] في «ديوان الحماسة» لأبي تمام:
وإني أخوك الدائم العهد لم أخن ... إنّ أبزاك خصم أو نبا بك منزل
ويروى «لم أحل». وأبزى، يجوز أن يكون مثل بزاه يبزوه إذا قهره، ويجوز أن يكون على معنى: حملك على أن تصير أبزى.
والبزي: خروج الصدر ودخول الظهر، أي حمّلك ما لا تطيق.
[2] زيادة عن ط، م، ف.
6 - أخبار معن بن أوس ونسبه
نسبه، وهو شاعر فحل مخضرم
هو معن بن أوس [1] بن نصر بن زياد [2] بن أسحم [3] بن زياد [4] بن أسعد [5] بن أسحم بن ربيعة بن عديّ [6] بن ثعلبة بن ذؤيب [7] بن عدّاء بن عثمان بن مزينة بن أدّ بن طابخة ابن إلياس بن مضر بن نزار. ونسبوا إلى مزينة وهي امرأة: مزينة [8] بنت كلب بن وبرة، وأبوهم عمرو بن أدّ بن طابخة.
أخبرني عبيد اللّه بن محمد الرازيّ وهاشم بن محمد الخزاعيّ [9] وعمّي قالوا: حدّثنا أحمد بن الحارث الخرّاز عن المدائنيّ قال:
مزينة بنت كلب بن وبرة، تزوّجها عمرو بن أدّ بن طابخة، فولدت له عثمان وأوسا، فغلبت أمّهما على نسبهما. فعلى هذا القول عدّاء هو ابن عثمان بن عمرو بن أدّ بن طابخة.
ومعن شاعر مجيد فحل، من مخضرمي الجاهليّة والإسلام وله مدائح في جماعة من أصحاب النبيّ صلى اللّه عليه وسلم ورحمهم، منهم عبد اللّه بن جحش، وعمر [10] بن أبي سلمة المخزوميّ. ووفد إلى عمر بن الخطّاب رضي اللّه تعالى عنه مستعينا به على بعض أمره، وخاطبه بقصيدته التي أوّلها:
تأوّبه طيف بذات الجرائم [11] ... فنام رفيقاه وليس بنائم
وعمّر بعد ذلك إلى أيّام الفتنة بين عبد اللّه بن الزّبير ومروان بن الحكم.
أشعر الإسلاميين من مزينة
أخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد قال حدّثني إبراهيم بن المنذر الحزاميّ قال حدّثنا عبد الملك بن عبد العزيز عن يحيى بن عبد اللّه بن ثوبان عن علقمة بن محجن/ الخزاعيّ عن أبيه قال:
__________
[1] في «معجم الشعراء» للمرزباني (ص 399): «معن بن أبي أوس» وعلق عليه: «كتب فوقه (صح) والمعروف معن بن أوس».
[2] في ط، م: «زيادة». وفي سائر الأصول و «معجم الشعراء» و «الخزانة»: «زياد».
[3] في ف بعد هذا: «و قيل بن زيادة بن أسحم بن ربيعة.
[4] في ط، م، أ: «زيادة».
[5] كذا في أكثر الأصول. وفي ب، س، ح: «سعد».
[6] في «خزانة الأدب»: «عداء».
[7] في «معجم الشعراء» و «خزانة الأدب»: «ذؤيب سعد بن عداء».
[8] قبل هذه الكلمة في ط بياض بمقدار كلمة. ولعل المحذوف: «و هي أمهم».
[9] في ب، س: «الرازي» تحريف.
[10] في الأصول ما عدا ط، م: «عمرو» تحريف.
[11] ذات الجراثم: موضع.
كان معاوية يفضّل مزينة في الشّعر، ويقول: كان أشعر أهل الجاهليّة منهم وهو زهير، وكان أشعر أهل الإسلام منهم وهو ابنه كعب، ومعن بن أوس.
كان مئناثا وقال شعرا في فضل البنات
أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال حدّثنا عيسى بن إسماعيل تينة قال حدّثني العتبيّ قال:
كان معن بن أوس مئناثا [1]، وكان يحسن صحبة بناته وتربيتهنّ؛ فولد لبعض عشيرته بنت فكرهها وأظهر جزعا من ذلك؛ فقال معن:
رأيت رجالا [2] يكرهون بناتهم ... وفيهنّ - لا تكذب - نساء صوالح
وفيهنّ - والأيّام تعثر بالفتى - ... نوادب لا يمللنه ونوائح
مر به عبيد اللّه بن العباس، وقد كف بصره، فبعث إليه بهبة فمدحه
أخبرني محمد بن عمران الصّيرفيّ قال حدّثنا العنزيّ (يعني الحسن بن عليل) [3] قال حدّثني أحمد بن عبد اللّه بن عليّ بن سويد بن منجوف عن أبيه قال:
مرّ عبيد [4] اللّه بن العبّاس بن عبد المطّلب بمعن بن أوس المزنيّ وقد كفّ بصره فقال له: يا معن، كيف حالك؟ فقال له: ضعف بصري وكثر عيالي وغلبني الدّين. قال: وكم دينك؟ قال عشرة آلاف درهم. فبعث بها إليه. ثم مرّ به من الغد فقال له: كيف أصبحت يا معن؟ فقال:
/أخذت بعين المال حتّى [5] نهكته ... وبالدّين حتّى ما أكاد أدان
وحتّى سألت القرض عند ذوي الغنى ... وردّ فلان حاجتي وفلان
فقال له عبيد اللّه: اللّه المستعان، إنّا بعثنا إليك بالأمس لقمة فمالكتها حتى انتزعت من يدك، فأيّ شيء للأهل والقرابة والجيران! وبعث إليه بعشرة آلاف درهم أخرى. فقال معن يمدحه:
إنك فرع من قريش وإنّما ... تمجّ النّدى منها البحور الفوارع
ثووا قادة للنّاس بطحاء مكّة ... لهم وسقايات الحجيج الدّوافع
فلمّا دعوا للموت لم تبك منهم ... على حادث الدّهر العيون الدّوامع
شيء من خلقه ورحلته الى الشام
أخبرني محمد بن عمران قال حدّثني العنزيّ قال حدّثني الفضل بن العبّاس القرشيّ عن سعيد [6] بن عمرو الزّبيريّ قال:
__________
[1] رجل مئناث، من عادته أن يلد الإناث. وكذلك امرأة مئناث.
[2] كذا في ط، م. وفي سائر الأصول: «أناسا».
[3] زيادة في ب، س، م، أ: «العنزي».
[4] في ب، س: «عبد اللّه» تحريف.
[5] في ب، س: ح: «لما نهكنه» تحريف.
[6] في ح، ب، س: «عن أبي سعيد».
كان لمعن بن أوس امرأة يقال لها ثور وكان لها محبّا، وكانت حضريّة نشأت بالشأم، وكانت في معن أعرابيّة ولوثة [1]، فكانت تضحك من عجرفيّته [2]. فسافر إلى الشأم في بعض أعوامه [3]، فضلّت الرّفقة عن الطّريق وعدلوا عن الماء، فطووا منزلهم وساروا يومهم وليلتهم، فسقط فرس معن في وجار ضبّ دخلت يده فيه، فلم يستطع الفرس أن يقوم من شدّة العطش حتى حمله أهل الرّفقة حملا فأنهضوه، وجعل معن يقوده ويقول:
/لو شهدتني [4] وجوادي ثور ... والرّأس فيه ميل ومور [5]
لضحكت حتّى يميل الكور [6]
قدم على ابن الزبير بمكة فلم يحسن ضيافته، وأكرمه ابن عباس وابن جعفر فمدحهما وذم ابن الزبير
أخبرني عمّي قال حدّثنا محمد بن سعد الكراني قال حدّثنا العمريّ عن العتبيّ قال:
قدم معن بن أوس مكة على ابن الزّبير فأنزله دار الضّيفان، وكان ينزلها الغرباء وأبناء/ السبيل والضّيفان، فأقام يومه لم يطعم شيئا؛ حتّى إذا كان الليل جاءهم ابن الزّبير بتيس هرم هزيل فقال: كلوا من هذا، وهم نيّف وسبعون رجلا؛ فغضب معن وخرج من عنده، فأتى عبيد اللّه بن العبّاس، فقراه وحمله وكساه، ثم أتى عبد اللّه بن جعفر وحدّثه حديثه، فأعطاه حتى أرضاه، وأقام عنده ثلاثا ثم رحل [7]. فقال يهجو ابن الزّبير ويمدح ابن جعفر وابن عبّاس رضي اللّه تعالى عنهم أجمعين [8]:
ظللنا بمستنّ [9] الرّياح غديّة ... إلى أن تعالى اليوم في شرّ محضر
لدى ابن الزّبير حابسين [10] بمنزل ... من الخير والمعروف والرّفد مقفر
رمانا أبو [11] بكر وقد طال يومنا ... بتيس من الشّاء الحجازيّ أعفر [12]
وقال اطعموا منه ونحن ثلاثة ... وسبعون إنسانا فيالؤم مخبر
/ فقلت [13] له لا تقرنا [14] فأمامنا ... جفان ابن عبّاس العلا وابن جعفر
__________
[1] اللوثة (بالضم هنا: الحمق.
[2] العجرفية والعجرفة هنا: الجفوة في الكلام والخرق في العمل.
[3] في ف: «في بعض أيامه».
[4] في ف: «لو أبصرتني».
[5] المور هنا: الاضطراب والتحرّك.
[6] الكور هنا: الدور من العمامة يريد الدور مما تلف به رأسها.
[7] كذا في ط، م. وفي سائر الأصول: «حتى رحل».
[8] هذه الجملة الدعائية ساقطة من أكثر الأصول الخطية.
[9] مستن الرياح: مضطربها حيث تهب وتجري.
[10] خابسين أي ذوي حبس؛ فالوصف على النسبة؛ والمراد أنهم محبوسون. ونحوه قول الحصين بن الحمام:
مواليكم مولى الولادة منهم ... ومولى اليمين حابس قد تقسّما
راجع «شرح الحماسة» للتبريزي (صفحة 187 طبعة أوربا).
[11] أبو بكر: كنية عبد اللّه بن الزبير.
[12] أعفر: أغبر، لونه لون العفر وهو التراب.
[13] كذا في ط، م، ح، ف. وفي سائر الأصول: «فقلنا».
[14] كذا في ف. وفي سائر الأصول: «لا تقربن» وهي مصحفة عن «لا تقرين».
وكن آمنا وانعق [1] بتيسك إنّه ... له أعنز ينزو عليها [2] وأبشر
أنشده الفرزدق بيتا في هجاء مزينة فرد عليه بهجاء تميم
أخبرني محمد بن عمران الصّيرفي قال حدّثنا الحسن بن عليل العنزيّ قال حدّثنا أبو عبد اللّه محمد بن معاوية الأسدي قال:
قدم معن بن أوس المزنيّ البصرة، فقعد ينشد في المربد، فوقف عليه الفرزدق فقال: يا معن من الّذي يقول:
لعمرك ما مزينة رهط معن ... بأخفاف [3] يطأن ولا سنام
فقال معن: أتعرف يا فرزدق الذي يقول:
لعمرك ما تميم أهل فلج [4] ... بأرداف [5] الملوك ولا كرام
فقال الفرزدق: حسبك! إنّما جرّبتك [6]. قال قد جرّبت وأنت أعلم. فانصرف وتركه.
تمثل أحد أبناء روح بشعر له وهو على فاحشة
أخبرني هاشم بن محمد الخزاعيّ أبو دلف قال حدّثنا الرّياشيّ قال حدّثنا الأصمعيّ قال:
/ دخلت خضراء روح [7]، فإذا أنا برجل من ولده على فاحشة يوما [8]، فقلت: قبحك اللّه! هذا موضع كان أبوك يضرب فيه الأعناق ويعطي اللّهى وأنت تفعل [فيه] [9] ما أرى! فالتفت إليّ من غير أن يزول عنها وقال.
ورثنا المجد عن آباء صدق ... أسأنا في ديارهم الصّنيعا
إذا الحسب الرّفيع تواكلته ... بناة السّوء [10] أوشك أن يضيعا
قال: والشّعر لمعن بن أوس المزنيّ.
سافر إلى الشام وحلف ابنته في جوار ابن أبي سلمة وابن عمر بن الخطاب وقال شعرا
أخبرني محمد بن جعفر النحويّ صهر المبرّد قال حدّثنا أحمد بن عبيد أبو عصيدة عن الحرمازيّ قال:
سافر معن بن أوس إلى الشأم وخلّف ابنته ليلى في جوار عمر [11] بن أبي سلمة - وأمّه أمّ سلمة أمّ المؤمنين رضي اللّه تعالى عنها - وفي جوار عاصم بن عمر بن الخطّاب رضي اللّه تعالى عنه. فقال له بعض عشيرته: على من
__________
[1] كذا في ط، ح، ف، م (في أحد موضعيها). والنعبق هنا: دعاء الراعي الشاء. وفي سائر الأصول: «وارفق».
[2] في ط، م: «تنزو عليه».
[3] في أكثر الأصول: «بأجفان تطاق» والصواب من ط، م، ف.
[4] فلج هنا: واد بين البصرة وحمى ضربة من منازل عدي بن جندب بن العنبر بن عمرو بن تميم. (عن «معجم البلدان»).
[5] الأرداف: جمع ردف (بالكسر) وهو هنا: جليس الملك عن يمينه يشرب بعده ويخلفه إذا غزا.
[6] في ط، ف، م (في أحد الموضعين؛ إذ هذه الترجمة مما تكرر فيها): «فقال له الفرزدق حسبك فإنما ... ».
[7] لعل خضراء روح: بستان كان لروح بن حاتم المهلبي أحد الفرسان والأشراف في أيام المهدي.
[8] في ط، ف: « ... على فاحشة يؤتى».
[9] زيادة عن ط، م، ف.
[10] في أكثر الأصول: «بنات السوء» والصواب من ط، م.
[11] في ح، ب، س: «عمرو» تحريف.
خلّفت ابنتك ليلى بالحجاز وهي صبيّة ليس لها من يكفلها؟ فقال معن رحمه اللّه تعالى:
لعمرك مال ليلى بدار مضيعة ... وما شيخها أن غاب عنها بخائف
وإنّ لها جارين لن يغدرا [1] بها ... ربيب النبيّ وابن خير الخلائف
قال عبد الملك بن مروان عنه إنه أشعر الناس
/ أخبرني محمد بن عمران الصيرفيّ قال حدّثنا الحسن بن عليل العنزيّ قال حدّثني مسعود بن بشر عن عبد الملك بن هشام قال:
/ قال عبد الملك بن مروان يوما وعنده عدّة من أهل بيته وولده. ليقل كلّ واحد منكم أحسن شعر سمع به؛ فذكروا لامرىء القيس والأعشى وطرفة فأكثروا حتّى أتوا على محاسن ما قالوا فقال عبد الملك: أشعرهم واللّه الذي يقول
وذي رحم قلّمت أظفار ضغنه ... بحلمي عنه وهو ليس له حلم
إذا سمته وصل القرابة سامني ... قطيعتها، تلك السّفاهة والظّلم
فأسعى لكي أبني ويهدم صالحي ... وليس الذي يبني كمن شأنه الهدم
يحاول رغمي لا يحاول غيره [2] ... وكالموت عندي أن ينال له رغم [3]
فما زلت في لين له وتعطّف ... عليه كما تحنو على الولد الأمّ
لأستلّ منه الضّغن حتّى سللته ... وإن كان ذا ضغن يضيق به الحلم
قالوا: ومن قائلها يا أمير المؤمنين؟ قال: معن بن أوس المزنيّ.
خروجه إلى البصرة وزواجه من ليلى وطلاقها وقصة ذلك
أخبرني عيسى بن حسين الورّاق قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثني سليمان بن عيّاش [4] السّعديّ عن أبيه قال:
خرج معن بن أوس المزنيّ إلى البصرة ليمتار منها ويبيع إبلا له؛ فلمّا قدمها نزل بقوم من عشيرته، فتولّت ضيافته امرأة منهم يقال لها ليلى، وكانت ذات جمال ويسار، فخطبها فأجابته فتزوجها، وأقام عندها حولا في أنعم عيش، فقال لها بعد حول: يابنة عمّ، إنّي قد تركت ضيعة لي ضائعة، فلو أذنت لي فاطّلعت [5] [طلع] / أهلي
__________
[1] كذا في ط، م، ف. وفي أ، ح: «لن يغدرانها» بالنون؛ يقال: غدره وغدر به، كنصر وضرب وسمع. وفي ب، س: «لا يقدرانها» تحريف.
[2] في أكثر الأصول: «لا يحاول رغمه». والصواب في ط، م، ف.
[3] ومثل هذه الرواية في «تاريخ ابن عساكر» (ح 43 ص 93 - نسخة خطية بمكتبة المرحوم أحمد تيمور باشا). وفي مجموعة شعر معن المطبوعة في أوربا: «أن يعرّبه الرغم». وفي كتاب «الأمالي» لأبي علي القالي: (ح 2 ص 102): «أن يحل به الرغم». وفي «خزانة الأدب» (ح 3 ص 259): «أن يحل به رغم).
[4] في أكثر الأصول: «عباس». والتصويب من ط، م.
[5] اطلع طلعه: عرف أمره. وفي ف: «فاطلعت طلع مالي فقالت».
ورممت [1] من مالي! فقالت: كم تقيم؟ قال: [2] سنة، فأذنت له. فأتى أهله فأقام فيهم وأزمن عنها (أي طال مقامه). فلمّا أبطأ عليها رحلت إلى المدينة فسألت عنه، فقيل لها: إنّه بعمق (و هو ماء لمزينة). فخرجت، حتّى إذا كانت قريبة [3] من عمق نزلت منزلا كريما [4]. وأقبل معن في طلب ذود له قد أضلّها وعليه مدرعة من صوف وبتّ من صوف أخضر - قال: والبتّ: الطّيلسان [5] - وعمامة غليظة. فلمّا رفع [6] له القوم مال إليهم ليستسقي، ومع ليلى ابن أخ لها ومولى من مواليها جالس أمام خباء له. فقال له معن: هل من ماء؟ قال: نعم، وإن شئت سويقا، وإن شئت لبنا؛ فأناخ. وصاح مولى ليلى: يا منهلة - وكانت منهلة الوصيفة التي تقوم على معن عندهم بالبصرة - فلمّا أتته بالقدح وعرفها وحسر عن وجهه ليشرب عرفته وأثبتته [7]، فتركت القدح في يده وأقبلت مسرعة إلى مولاتها فقالت: يا مولاتي، هذا واللّه معن إلا أنّه في جبّة صوف وبتّ صوف. فقالت: هو واللّه عيشهم، الحقي مولاي فقولي له: هذا معن، فاحبسه. فخرجت الوصيفة مسرعة فأخبرت. فوضع معن القدح وقال له: دعني حتّى ألقاها في غير هذا الزّيّ. فقال: لست بارحا حتّى تدخل عليها. فلما رأته قالت: أهذا العيش الذي نزعت إليه يا معن؟! قال: إي واللّه يا بنة عمّ! أما إنّك لو أقمت إلى أيّام/ الرّبيع حتّى ينبت البلد الخزامى والرّخامى [8] والسّخبر والكمأة، لأصبت عيشا طيّبا. فغسلت رأسه وجسده، وألبسته ثيابا ليّنة، وطيبته، وأقام معها ليلته أجمع يهرجها [9]، ثم غدا متقدّما إلى عمق حتّى أعدّ لها طعاما/ ونحر ناقة وغنما [10]. وقدمت على الحيّ، فلم تبق [فيهم] [11] امرأة إلا أتتها وسلّمت عليها، فلم تدع منهنّ امرأة حتّى وصلتها. وكانت لمعن امرأة بعمق يقال لها أم حقّه. فقالت لمعن:
هذه واللّه خير لك منّي، فطلّقني، وكانت قد حملت فدخله [12] من ذلك وقام. ثم إنّ ليلى رحلت إلى مكة حاجّة
__________
[1] رممت من مالي: أصلحت.
[2] في ح ب، س: «قلت» تحريف.
[3] في ط، م، ف: «قريبا».
[4] «كريما» ليست في ط، م، ف.
[5] كذا في ط، م، ج. وهي جملة جىء بها لتفسير البيت. وفي بعض النسخ: «و قد لبس الطيلسان». وفي بعضها: «و قد لبث الطيلسان» تحريف.
[6] رفع له الشيء (مبنيا للمجهول): أبصره عن بعد.
[7] يقال: أثبت فلان فلانا، إذا عرفه حق المعرفة.
[8] قال أبو حنيفة: الخزامى: عشبة طويلة العيدان صغيرة الورق حمراء الزهرة طيبة الريح، لها نور كنور البنفسج. قال: ولم نجد من الزهر زهرة أطيب من نفحة الخزامى، وهي خيريّ البر. والخيري: المنثور (ضرب من الزهر) الأصفر. والرخامى: نبتة. قال أبو حنيفة: هي غبراء الحضرة لها زهرة بيضاء نقية ولها عرق أبيض تحفره الحمر بحوافرها، والوحش كله يأكل ذلك العرق لحلاوته وطيبه، ومنابتها الرمل.
والسخبر، قال أبو حنيفة: إنه يشبه الثّمام له جرثومة وعيدانه كالكراث في الكثرة، كأن ثمره مكاسح القصب أو أرق منها، وإذا طال تدلت رؤوسه وانحنت.
والكمأة: نبات يقال له شحم الأرض، والعرب تسميه جدري الأرض. قيل هو أصل مستدير كالفلقاس لا ساق له ولا عرق، لونه إلى الغبرة، يوجد في الربيع تحت الأرض.
[9] كذا في ط، م، ف. ويهرجها: يجامعها. وفي سائر الأصول: «يحدّثها».
[10] وغنما، ليست في ف.
[11] زيادة عن ط، م، ف.
[12] أي دخله شيء من ذلك.
ومن معها. فلمّا فرغا من حجّهما انصرفا، فلمّا حاذيا منعرج الطريق إلى عمق قال معن: يا ليلى، كأن فؤادي [1] ينعرج إلى ما هاهنا. فلو أقمت سنتنا هذه حتّى نحجّ من قابل ثم نرحل إلى البصرة! فقالت: ما أنا ببارحة مكاني حتّى ترحل معي إلى البصرة أو تطلّقني. فقال: أمّا إذ ذكرت الطلاق فأنت طالق. فمضت إلى البصرة [2]، ومضى إلى عمق، فلمّا فارقته وتبعتها [3] نفسه؛ فقال في ذلك:
/توهّمت ربعا بالمعبّر [4] واضحا ... أبت قرّتاه [5] اليوم إلّا تراوحا
أربّت عليه [6] رادة حضر ميّة ... ومرتجز كأنّ فيه المصابحا
إذا هي حلّت كربلاء فلعلعا ... فجوز العذيب دونها [7] فالنّوابحا [8]
وبانت [9] نواها من نواك وطاوعت ... مع الشّانئين [10] الشامتات الكواشحا
فقولا لليلى هل تعوّض نادما ... له رجعة قال الطلاق ممازحا
فإن هي قالت لا فقولا لها بلى ... ألا تتّقين الجاريات [11] الذّوابحا
/ وهي قصيدة طويلة. فلمّا انصرف وليست ليلى معه قالت له امرأته أمّ حقّة: ما فعلت ليلى؟ قال: طلّقتها.
قالت واللّه لو كان فيك خير ما فعلت ذلك، فطلّقني أنا أيضا. فقال لها معن:
__________
[1] في أكثر الأصول: «كأن الغوادي ينعرجن إلى هاهنا». والتصويب من ط، م، ف.
[2] هكذا في ط، م، ف. ومكانه في سائر الأصول: «فطلقها ومضى إلى عمق. فلما فارقته ... ».
[3] ف ط، م، ف: «و تتبعتها».
[4] في ف: «بالمغمس». ومعبر، قال أبو عبيد البكري في معجمه: بواحدة مكسورة مشدّدة، موضع تلقاء الوتدات من البقيع؛ قال طفيل:
أفدّية بالأم الحصان وقد حبت ... من الوتدات لي حبال معبّر
والحبال: حبال الرمل. يقول: ارتفعت له ولاحت هذه الحبال وهو بالوتدات. وفي «معجم البلدان» أنه جبل من جبال الدهناء، ثم ذكر أربعة أبيات من هذه القصيدة.
[5] قرتاه: الغداة والعشي. وفي صلب ف وهامش ط: «قرتاه: برداه، أوّله وآخره». وفي ب، س: «قرناه اليوم أن لا» تحريف.
[6] كذا في ط، م، ف و «معجم البلدان». ومرجع الضمير الربع. وفي سائر الأصول: «عليها». وأربت: أقامت. ورادة هنا: سحابة طوافة ترود وتجول. وحضرمية: منسوبة إلى حضرموت، أي تقبل من الجنوب. ومرتجز: سحاب يتتابع صوت رعده. وكأن فيه المصابح، لما يبدو فيه من لمعان البرق. يدعو للربع بالسقيا. ويقال مصباح ومصابيح ومصابح، بحذف الياء، كما يقال مفتاح ومفاتيح ومفاتح وفي ج، ب، س: «المصابحا» تصحيف.
[7] كذا في ط، م، ج، ف و «معجم ما استعجم» للبكري و «معجم البلدان». وفي سائر الأصول: «بعدها».
[8] في ب، س: «فالنوائحا» بالهمزة، وكذلك ورد في «معجم البلدان». ولعله وهم من ياقوت أو تصحيف من الناسخ أو المطبعة؛ فإن أبا عبيد البكري قال بالعبارة في معجمه: «النوابح، بفتح أوّله وبالباء المعجمة بواحدة والحاء المهملة على لفظ جمع نابحة».
وكربلاء ولعلع والعذيب والنوابح، كلها مواضع متقاربة بظاهر الكوفة. وفي «معجم البلدان» (في معبر - عليب) «فجوز العليب والعليب: موضع بين الكوفة والبصرة.
[9] في ج، ب، س: «و باتت» بالتاء، تصحيف. والنوى هنا: الوجه الذي يذهب فيه.
[10] كذا في ط، م، ف. ولعله على تقدير العطف أي والشامتات الكواشحا. وفي سائر الأصول: «مع الشاميين والشامتين الكواشحا».
فإن كانت الراوية «مع الشانئين الشامتين الكواشحا» كان فيه وصف «الشامتين» بالكواشح، وهو قليل.
[11] في الأصول ما عدا ط، م: «ألا تتبعين الحادثات» تحريف. وفي ج: «الجاريات» مثل ط، م.
أعاذلّ أقصري ودعي بياتي [1] ... فإنّك ذات لومات حمات [2]
فإنّ [3] الصّبح منتظر قريب ... وإنّك بالملامة لن تفاتي
نأت ليلى فليلى [4] لا تواتي ... وضنّت بالمودّة والبتات [5]
وحلّت [6] دارها سفوان [7] بعدي ... فذا قار فمنخرق [8] الفرات
تراعى الرّيف دائبة [9] عليها ... ظلال ألفّ مختلط النّبات
فدعها أو تناولها بعنس [10] ... من العيدي في قلص شخات [11]
/و هي قصيدة طويلة. قال: وقال لأم حقّة في مطالبتها [12] إيّاه بالطلاق:
كأن لم يكن يا أمّ حقّة قبل ذا ... بميطان [13] مصطاف لنا ومرابع
وإذ نحن في غصن [14] الشّباب وقد عسا [15] ... بنا الآن إلا أن يعوّض جازع [16]
فقد أنكرته أمّ حقة حادثا ... وأنكرها [17] ما شئت والودّ خادع
ولو آذنتنا أمّ حقّة إذ بنا ... شباب وإذ لمّا ترعنا الرّوائع
__________
[1] يريد: دعي لومي في المبيت.
[2] حمات: جمع حمة، وهي السم (عن صلب ف وهامش ط).
[3] في ط، م: «و إن».
[4] في الأصول ما عدا ط، م، ف: «و ليلى» بالواو.
[5] هكذا في ط، م، ف. والبتات هنا: الزاد. وفي سائر الأصول: «و الثبات».
[6] في الأصول ما عدا ط، م، ف: «و خلت» بالخاء المعجمة.
[7] سفوان (بالتحريك): ماء على أميال من البصرة بين ديار بني شيبان وديار بني مازن. وذوقار: ماء لبكر بن وائل قريب من الكوفة بينها وبين واسط.
[8] كذا في ط، ج، م، ف. وفي سائر الأصول: «بمنخرق».
[9] في الأصول ما عدا ط، م، ف:
« ... دانية عليها ... ظلال أنف»
والألف من الشجر: الذي كثر وتكاثف.
[10] في ب، س، ج: «بعس من العودي». وفي أ: «بعنش من العندي». والصواب من ط، م. والعنس من النوق: القوية. والعيدي:
نسبة إلى عيد: فحل معروف تنسب إليه النجائب العيدية، أو هو نسبة إلى رجل. والقلص: جمع قلوص (بالفتح) وهي الشابة من الإبل.
[11] في بعض الأصول: «سحات» بالسين والحاء المهملتين، وفي بعضها: «سخات» بالمهملة والمعجمة. والتصويب من ط، م، س.
والشخات: جمع شختة وشخت، وهو الدقيق الضامر لا هزالا.
[12] في ج، ب، س: «مطالبته إياه» تحريف.
[13] ميطان، قال ياقوت في معجمه: «بفتح أوّله ثم السكون وطاء مهملة، وآخره نون، من جبال المدينة - إلى أن قال - وهو لمزينة وسليم. وقد روى أهل المغرب غير ذلك، وهو خطأ. له ذكر في «صحيح مسلم» ثم ذكر هذه الأبيات. وفي «معجم ما استعجم» أنه بكسر أوّله وأنه موضع ببلاد مزينة من أرض الحجاز، ثم ذكر هذا البيت. وهذا ما نسبه ياقوت الى المغاربة من خطأ.
[14] في ط «و معجم البلدان»: «في عصر الشباب» وفي هامش ط إشارة إلى هذه الرواية.
[15] عسا النبات: غلظ ويبس.
[16] في الأصول ما عدا ط، م: «نعوض جارع» تصحيف.
[17] في الأصول ما عدا ط، م: «و أنكر ما شئت» تحريف.
لقلنا لها بيني بليل حميدة ... كذاك بلا ذمّ تؤدّي الودائع [1]
صوت
أعابدّ حيّيتم على النّأي عابدا ... سقاك الإله المنشآت الرّواعدا
أعابد ما شمس النّهار إذا بدت ... بأحسن مما بين عينيك عابدا
/ ويروى:
أعابد ما شمس النهار بدت لنا
ويروى:
أعابد ما الشّمس التي برزت لنا ... بأحسن مما بين ثوبيك عابدا
الشعر للحسين بن عبد اللّه بن عبيد اللّه بن العبّاس بن عبد المطّلب. والغناء لعطرّد ثاني ثقيل بالبنصر. وفيه ليونس لحن من كتابه غير مجنّس.
__________
[1] كذا في ط، م، ف ومعجم البلدان. وفي سائر الأصول: «الصنائع».
7 - أخبار الحسين بن عبد الله
شعره في عابدة قبل زواجه بها
قد تقدّم نسبه، وهو أشهر من أن يعاد. ويكنى أبا عبد اللّه. وكان من فتيان بني هاشم وظرفائهم وشعرائهم.
وقد روى الحديث وحمل عنه، وله شعر صالح. وهذه الأبيات يقولها في زوجته عابدة بنت شعيب بن محمد بن عبد اللّه بن عمرو بن العاص، وهي أخت عمرو بن شعيب لذى يروى عنه الحديث. وفيها يقول قبل أن يتزوّجها:
صوت
أعاذل [1] إنّ الحبّ لا شكّ قاتلي ... لئن لم تقارضني هوى النّفس عابده
أعابد خافي اللّه في قتل مسلم ... وجودي عليه مرّة قطّ واحده
فإن لم تريدي في أجرا [2] ولا هوى ... لكم [3] غير قتلي يا عبيد فراشده
فكم ليلة قد بتّ أرعى نجومها ... وعبدة لا تدري بذلك راقده
الغناء لحكم الواديّ، رمل بإطلاق الوتر في مجرى البنصر، عن إسحاق.
فممّا حمل عنه من الحديث ما حدّثني به أحمد بن سعيد قال حدّثني محمد بن عبيد اللّه [بن] [4] المنادي [5] قال حدّثني يونس بن محمد قال حدّثنا أبو أويس عن حسين بن عبد اللّه بن عبيد اللّه بن عباس عن عكرمة عن ابن عبّاس قال:
/ مرّ النبيّ صلى اللّه عليه وسلم على حسّان بن ثابت وهو في ظلّ فارع [6] وحوله أصحابه وجاريته سيرين تغنّيه بمزهرها:
هل عليّ ويحكما ... إن لهوت من حرج
فضحك النبيّ صلى اللّه عليه وسلم ثم قال: «لا حرج إن شاء اللّه».
وكانت أم عابدة هذه عمّة حسين بن عبد اللّه بن عبيد اللّه، أمّها عمرة بنت عبيد اللّه بن العبّاس، تزوّجها شعيب فولدت له محمدا وشعيبا ابني شعيب وعابدة، وكان يقال لها عابدة الحسن، وعابدة الحسناء.
__________
[1] كذا في ط، م. وفي سائر الأصول: «أعابد».
[2] كذا في ط، م، ف. وفي سائر الأصول: «هجرا» تحريف.
[3] كذا في ط، م، ف. وفي سائر الأصول: «فكم» تحريف.
[4] التكملة من ف.
[5] في أكثر الأصول: «المنارى» بالراء، والتصويب من ط، م، ف. وهو محمد بن عبيد اللّه بن يزيد البغدادي أبو جعفر بن أبي داود بن المنادي. (راجع «تهذيب التهذيب» ج 9 ص 325).
[6] فارع: حصن كان لحسان بن ثابت بالمدينة.
أخبرني الحرمي بن أبي العلاء والطّوسيّ قالا حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثني محمد بن يحيى قال:
خطب عابدة بنت شعيب بكّار بن عبد الملك وحسين بن عبد اللّه، فآمتنعت على بكّار وتزوّجت الحسين. فقال له بكّار: كيف تزوجتك العابدة واختارتك مع فقرك؟ فقال له الحسين: أتعيّرنا بالفقر [1] وقد نحلنا اللّه تعالى [2] الكوثر!
تنكر ما بينه وبين عبد اللّه بن معاوية فتعاتبا بشعر
أخبرني الحرمي والطّوسيّ قالا حدّثنا الزّبير بن بكّار عن عمّه قال:
كان حسين بن عبد اللّه أمّه أمّ ولد، وكان يقول شيئا من الشّعر، وتزوّج عابدة بنت شعيب وولدت منه، وبسببها ردّت على ولد عمرو بن العاص أموالهم في دولة بني العبّاس. وكان عبد اللّه بن معاوية بن عبد اللّه بن جعفر صديقا له، ثم تنكّر ما بينهما؛ فقال فيه ابن معاوية:
/إنّ ابن عمّك وابن أمّ ... ك معلم شاكي السّلاح
يقص [3] العدوّ وليس ير ... ضى حين يبطش بالجراح
لا تحسبنّ أدى ابن عمّ ... ك شرب ألبان اللّقاح
بل كالشّجاة ورا اللّها ... ة إذا تسوّغ بالقراح [4]
فاختر لنفسك من يجي ... بك تحت أطراف الرّماح
من لا يزال يسوءه [5] ... بالغيب أن يلحاك لاح [6]
فقال حسين له:
أبرق لمن يخشى وأو ... عد [7] غير قومك بالسّلاح
لسنا نقرّ لقائل ... إلّا المقرّط [8] بالصّلاح
قال: ولحسين يقول ابن معاوية:
__________
[1] الفصيح: عيّره كذا، لا بكذا.
[2] في ط، م: « ... اللّه جل وعز».
[3] وقصه يقصه: كسره.
[4] الشجا والشجاة: ما يعترض في الحلق من عظم ونحوه. واللهاة: اللحمة المشرفة على الحق. والقراح: الماء الخالص الذي لا يخالطه شيء.
[5] كذا في ف. وفي سائر الأصول:
من لا تزال تسوءه
بالتاء الفوقية، تصحيف.
[6] في أكثر الأصول: «لن يلحاك». والتصويب من ج ف. وهذا البيت وجملة: «فقال حسين له» ساقط في ط، م؛ كأن البيتين الآتيين من هذه القصيدة. ويلحاه هنا: يشتمه. والأكثر أن يقال لحاه يلحوه لحوا إذا شتمه. وحكى أبو عبيدة: لحيته ألحاه لحوا (وزان رضي يرضى) وهي نادرة. وهذا الشعر يؤيد ورودها. وأما لحاه يلحاه (وزان سعى يسعى) بمعنى لامه، فبالياء.
[7] هكذا في ط، م، ف. وفي سائر الأصول: «و أرعد» بالراء.
[8] المقرّط بالصلاح: الموسوم به.
قل لذي الودّ والصّفاء حسين ... أقدر الودّ بيننا قدره
ليس للدّابغ المحلّم [1] بد ... من عتاب الأديم ذي البشرة
/ لست إن راغ [2] ذو إخاء وودّ ... عن طريق بتابع أثره
بل أقيم القناة والودّ حتّى ... يتبع الحقّ بعد أو يذره
كان صديقا لابن أبي السمح ومدحه بشعر
أخبرني محمد بن مزيد قال حدّثنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه عن محمد بن سلّام قال:
كان مالك بن أبي السّمح الطائي المغنّي صديقا للحسين بن عبد اللّه بن عبيد اللّه بن العبّاس ونديما له، وكان يتغنّى في أشعاره. وله يقول الحسين رحمه اللّه تعالى:
لا عيش إلّا بمالك بن أبي السّم ... ح فلا تلحني ولا تلم
أبيض كالسيف [3] أو كما يلمع ال ... بارق في حندس من الظّلم
يصيب من لذّة الكريم ولا ... يهتك حقّ الإسلام والحرّم [4]
يا ربّ ليل لنا [5] كحاشية ال ... برد ويوم كذاك لم يدم
قد كنت فيه [6] ومالك بن أبي السم ... ح الكريم الأخلاق والشّيم
من ليس يعصيك إن رشدت ولا ... يجهل آي [7] الترخيص في اللّمم
/ قال: فقال له مالك: ولا إن غويت واللّه بأبي [أنت] [8] وأمي أعصيك [9]. قال وغنّى مالك بهذه الأبيات بحضرة الوليد بن يزيد، فقال له: أخطأ حسين في صفتك، إنما كان ينبغي أن يقول:
أحول كالقرد [10] أو كما يخرج ال ... سّارق في حالك من الظّلم
__________
[1] المحلم: الذي ينزع الحلم عن الجلد. والحلم (بالتحريك) دود يقع في الجلد فيفسده، واحدته حلمة؛ يقال: حلم الجلد يحلم حلما فهو حلم (وزان فرح يفرح فرحا فهو فرح) إذا وقع فيه الحلم فثقبه وأفسده. والمثل الذي يشير إليه الشاعر «إنما يعاتب الأديم ذو البشرة» أي إنما يعاود إلى الدباغ الأديم ذو البشرة، وهو الجلد الذي سلمت بشرته وهي ظاهره الذي ينبت عليه الشعر. بضرب لمن فيه مراجعة ومستعتب.
[2] كذا في ط، م، ف. وراغ الرجل والثعلب يروغ روغا وروغانا: مال وحاد عن الشيء. وفي أكثر الأصول: «زاغ» بالزاي. وزاغ:
مال.
[3] الرواية فيما تقدّم من «الأغاني» «ج 5 ص 110 من هذه الطبعة»: «كالبدر» بدل «كالسيف» و«في حالك» بدل «في حندس».
[4] ورد صدر هذا البيت فيما تقدّم صدرا للبيت الأخير هنا، وصدر البيت الأخير صدرا لهذا البيت. والبيتان متتاليان هناك.
[5] في أكثر الأصول: «يا رب يوم». والتصويب من ط، م، ف ومما تقدّم.
[6] في ف: «قد بت فيه» وفي هامش ط: «و يروي: لهوت فيه». والرواية فيما تقدّم: «نعمت فيه».
[7] كذا في ف. والجزء الخامس من هذه الطبعة. وفي ط، م: «أتى الترخيص». ولعله تحريف عن «آي الترخيص». وفي سائر الأصول هنا: «و لا يجهل منك الترخيص».
[8] التكملة عن ط، م، ف.
[9] كذا في ط، م، ف والجزء الخامس. وفي سائر الأصول: «لن أعصيك».
[10] في أكثر الأصول: «أخوك» والتصويب من ط، م، ف.
[أخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد عن أبيه قال:] كان الحسين بن عبد اللّه بن عبيد اللّه بن العباس إذا صلّى العصر دخل منزله وسمع الغناء عشيته. فأتاه قوم ذات عشية في حاجة لهم فقضاها، ثم جلسوا يحدّثونه. فلما أطالوا قال لهم: أتأذنون؟ فقالوا نعم. فقام في أصحاب له وهو يقول:
قوموا بنا ندرك من العيش لدّة ... ولا إنم [1] فيها للتّقّي ولا عارا [2]]
صوت
إنّ حربا وإنّ صخرا أبا سف ... يان حازا مجدا وعزّا تليدا
فهما وارثا العلا عن جدود ... ورثوها آباءهم والجدودا
الشعر لفضالة بن شريك الأسديّ* من قصيدة يمدح بها يزيد بن معاوية. وبعد هذين البيتين يقول:
/و حوى إرثها معاوية القر ... م [3] وأعطى صفو التّراث يزيدا
والغناء لأبراهيم بن خالد المعيطي ثقيل أوّل بالبنصر عن الهشاميّ. واللّه أعلم [4].
__________
[1] جملة هذا الشطر صفة للذة. وقد دخلت الواو في الجملة الوصفية وهو قليل. ومن ذلك قوله تعالى في سورة الحجر: وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ
[2] زيادة من ف.
[3] القرم: هنا السيد.
[4] هذه الكلمة ليست موجودة في أكثر الأصول الخطية.
8 - أخبار فضالة بن شريك ونسبه
نسبه وشعر لابنه عبد اللّه في ذم ابن الزبير
هو فضالة بن شريك بن سلمان [1] بن خويلد بن سلمة بن عامر موقد النّار بن الحريش بن نمير بن والبة بن الحارث بن ثعلبة بن دودان [بن أسد] [2] بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار. وكان شاعرا فاتكا صعلوكا مخضرما أدرك الجاهليّة والإسلام. وكان له ابنان شاعران، أحدهما عبد اللّه بن فضالة الوافد على عبد اللّه ابن الزّبير والقائل له: إنّ ناقتي قد نقبت [3] ودبرت فقال له. ارقعها بجلد واخصفها بهلب [4] وسربها البردين. فقال له: إنّي قد جئتك مستحملا لا مستشيرا [5]، فلعن اللّه [6] ناقة حملتني إليك. فقال له ابن الزّبير: إنّ [7] وراكبها.
فانصرف من عنده وهو يقول:
أقول لغلمتي شدّوا ركابي ... أجاوز بطن مكّة في سواد [8]
فمالي حين أقطع ذات عرق ... إلى ابن الكاهليّة من معاد [9]
/سيبعد بيننا نصّ المطايا ... وتعليق الأداوى والمزاد [10]
وكلّ معبّد قد أعلمته ... مناسمهنّ طلّاع النّجاد [11]
__________
[1] كذا في ط، م و «تاريخ دمشق» لابن عساكر (ج 34 ص 541) و «معجم الشعراء» للمرزباني. وفي سائر الأصول: «سليمان».
[2] التكملة عن ف (انظر كتاب «المعارف» لابن قتيبة» ص 31 طبعة أوربا).
[3] كذا في ط، م، ف وفي «لسان العرب» (مادة أنن): «نقب خفها»: يقال: نقب البعير، إذا حفي ورقت أخفافه. وفي سائر الأصول:
«تعبت». والدبر (بالتحريك): جرح يكون في ظهر الدابة.
[4] الهلب. الشعر. وخصفه: وضعه وإطباقه على الأخفاف ليقيها. والبردان: الغداة والعشي مثل الأبردين.
[5] زيد في «خزانة الأدب» و «تاريخ ابن عساكر» (ج 34 ص 543) بعد البردين: «تصح». وفي «الخزانة»: «لا مستوصفا» بدل «لا مستشيرا». وفي حاشية الأمير على معنى اللبيب: «ما أتيتك مستطبا وإنما أتيتك مستمنحا».
[6] كذا في ط، م، ف. وفي سائر الأصول: «اللّه تعالى».
[7] إن هنا بمعنى «نعم».
[8] في «خزانة الأدب» (ج 2 ص 101): «بطن مر». وبطن مر: موضع بقرب مكة. وفي سواد، أي في ظلام الليل.
[9] ذات عرق: موضع وهو الحد بين نجد وتهامة وعنده يهل أهل العراق. وابن الكاهلية، يريد ابن الزبير. وسيذكر المؤلف ذلك في آخر هذه الترجمة. ومعاد: مصدر بمعنى العود.
[10] نص المطايا: سيرها الشديد، على أن النص مضاف إلى فاعله، أو حثها واستخراج ما عندها من السير، على أن النص مضاف إلى مفعوله. وفي «تاريخ ابن عساكر»: «و قول ابن فضالة في شعره هذا «نص المطايا» ضرب من السير فيه ظهور وارتفاع. ومن هذا اشتق اسم المنصة بمعنى الارتفاع والظهور. وروي عن النبي صلى اللّه عليه وسلم، في قصة ذكرت، أنه كان يسير العنق، فإذا وجد فجوة نص. ومنه نصصت الحديث إلى صاحبه أي رفعته إليه. وقال امرؤ القيس:
وجيد كجيد الريم ليس بفاحش ... إذا هي نصته ولا بمعطل»
والأداوي: جمع إداوة (بكسر الهمزة)، وهي المطهرة. والمزاد: الأسقية، واحدها مزادة.
[11] في بعض الأصول: «أعملته». والمعبد هنا: الطريق الواضح الذي عبّد ومهّد من كثرة السير فيه. والمناسم: أطراف أخفاف الإبل،
أرى الحاجات عند أبي خبيب ... نكدن ولا أميّة بالبلاد [1]
من الأعياص أو من آل حرب ... أغرّ كغرّة الفرس الجواد
ابنه فاتك ومدح الأقيشر له
حدّثنا بذلك محمد بن العبّاس اليزيديّ قال حدّثنا أحمد بن الحارث الخرّاز عن المدائنيّ. فأمّا فاتك بن فضالة فكان سيّدا جوادا. وله يقول الأقيشر يمدحه:
وفد الوفود فكنت أفضل وافد [2] ... يا فاتك بن فضالة بن شريك
مرّ بعاصم بن عمر بن الخطاب فلم يقره فهجاه
أخبرني بما أذكر من أخباره هاهنا مجموعا عليّ بن سليمان الأخفش قال حدّثنا أبو سعيد السّكريّ عن محمد بن حبيب، وما ذكرته متفرّقا فأنا ذاكر إسناده [3] عمن أخذته. قال ابن حبيب:
مرّ فضالة بن شريك بعاصم بن عمر بن الخطّاب - رضي اللّه تعالى [4] عنهما - وهو متبدّ [5] بناحية المدينة، فنزل به فلم يقره شيئا ولم يبعث إليه ولا إلى أصحابه بشيء [6]، وقد عرّفوه مكانهم. فارتحلوا عنه. والتفت فضالة إلى مولى لعاصم فقال له: قل له: أمّا واللّه لأطوّقنّك طوقا لا يبلى. وقال يهجوه:
ألا أيها الباغي القرى لست واجدا ... قراك إذا ما بتّ في دار عاصم
إذا جئته تبغي القرى بات نائما ... بطينا وأمسى ضيفه غير [7] نائم
فدع عاصما أفّ لأفعال عاصم ... إذا حصّل [8] الأقوام أهل المكارم
فتى من قريش لا يجود بنائل [9] ... ويحسب أن البخل ضربة لازم
__________
() واحدها منسم (بفتح الميم وكسر السين). والنجاد: جمع نجد وهو ما ارتفع من الأرض. وطلاع النجاد: السامي لمعالي الأمور.
ووصف الطريق به هنا مجاز: إذ هو يريد: وكل طريق معبد لا يسلكه إلا السامون لمعالي الأمور الضابطون لأمورهم.
[1] أبو خبيب: كنية لعبد اللّه بن الزبير، ويكنى أيضا أبا بكر وأبا عبد الرحمن. ونكدن: تعسرن. واستشهد النحويون بهذا البيت من باب «لا» النافية للجنس. وذلك أن مدخول «لا» لا يكون إلا نكرة وهو هاهنا معرفة. وقد تؤوّل على تقدير «و لا أمثال أمية في البلاد»؛ أو على تقدير «و لا أجواد في البلاد». لأن بني أمية قد اشتهروا بالجود؛ فأوّل العلم باسم الجنس لشهرته بصفة الجود. وقد نسب بعضهم هذه الأبيات لعبد اللّه بن الزبير (بفتح الزاي) في عبد اللّه بن الزبير بن العوام وأنه هو الذي شكا إلى ابن الزبير لقب ناقته.
ونسبه بعضهم لفضالة، وسيذكر المؤلف ذلك في ترجمته.
[2] كذا في ط، م، ف. وفي سائر الأصول: «أوّل وافد».
[3] في أكثر الأصول ما عدا ط: «فأنا ذاكر أيضا إسناده».
[4] هذا الدعاء ليس في ط، م، ف.
[5] كذا في ط، م. ومتبدّ: مقيم بالبادية. وفي سائر الأصول: «منتبذ».
[6] هذه الكلمة ليست في ط، م.
[7] في ط، م، ف. و «تاريخ دمشق لابن عساكر»: «غير طاعم».
[8] في أكثر الأصول: «جهل» والتصويب من ط، ج، م.
[9] النائل: العطاء.
ولو لا يد الفاروق قلّدت عاصما ... مطوّقة يحدّى [1] بها في المواسم
فليتك من جرم بن زبّان أو بني ... فقم أو النّوكى أبان بن دارم
/ أناس إذا ما الضّيف حلّ بيوتهم ... غدا جائعا عيمان [2] ليس بغانم
[قال] [3]: فلمّا بلغت أبياته عاصما استعدى عليه عمرو بن سعيد بن العاص وهو يومئذ بالمدينة [4] أمير، فهرب فضالة بن شريك فلحق بالشأم، وعاذ بيزيد بن معاوية وعرّفة ذنبه وما تخوّف من عاصم؛ فأعاذه، وكتب إلى عاصم يخبره أنّ فضالة أتاه مستجيرا به، وأنّه يحبّ أن يهبه له. ولا يذكر لمعاوية شيئا من أمره، ويضمن له ألّا يعود لهجائه؛ فقبل ذلك عاصم وشفّع يزيد بن معاوية. فقال فضالة يمدح يزيد بن معاوية:
إذا ما قريش فاخرت بقديمها ... فخرت بمجد يا يزيد تليد
بمجد أمير المؤمنين ولم يزل ... أبوك أمين اللّه غير بليد
به عصم اللّه الأنام من الرّدى ... وأدرك تبلا من معاشر صيد [5]
ومجد أبي سفيان ذي الباع والنّدى ... وحرب وما حرب العلا بزهيد
فمن ذا الذي إن عدّد الناس مجدهم ... يجيء بمجد مثل مجد يزيد
وقال فيه القصيدة المذكور فيها الغناء في هذه القصّة بعينها [6].
هجا ابن مطيع حين طرده المختار عن ولاية الكوفة
أخبرني عليّ بن سليمان الأخفش قال حدّثني السّكريّ عن ابن حبيب قال:
كان عبد اللّه بن الزّبير قد ولّى عبد اللّه بن مطيع بن الأسود بن نضلة [7] بن عبيد بن عويج بن عديّ بن كعب، الكوفة، فطرده عنها المختار بن أبي عبيد حين ظهر؛ فقال فضالة بن شريك يهجو ابن مطيع:
/دعا ابن مطيع للبياع فجئته ... إلى بيعة قلبي بها [8] غير عارف
فقرّب لي خشناء لمّا لمستها ... بكفّي لم تشبه أكفّ الخلائف
معوّدة حمل الهراوي لقومها ... فرورا إذا ما كان يوم التّسايف [9]
__________
[1] كذا في ط، ج، م، ف و «تاريخ ابن عساكر». وفي سائر الأصول: «يخزي» تحريف.
[2] عيمان: عطشان.
[3] زيادة عن ط، م، ف.
[4] في ف: «على المدينة».
[5] في بعض الأصول: «نبلا» بالنون، تصحيف. والتبل هنا: الثأر. والصيد: جمع أصيد. يقال ملك أصيد، إذا كان لا يلتفت من زهوه يمينا ولا شمالا.
[6] هذه عبارة ط، م، ف. ومثلها جلولا تحريف في الكلمات. وفي سائر الأصول: «و قال فيه أيضا الأبيات المذكور فيها الغناء من هذه القصيدة بعينها».
[7] كذا في ط، ج، م، ف. وفي سائر الأصول: «فضالة» تحريف (راجع «أسد الغابة» ج 3 ص 262، «و الإصابة» ج 5 ص 65).
[8] في ط، م، ف: «لها غير عارف».
[9] التسايف: التضارب بالسيوف.
من الشّثنات [1] الكزم أنكرت لمسها [2] ... وليست من البيض السّياط اللّطائف
ولم يسم إذ بايعته من خليفتي ... ولم يشترط إلا اشتراط المجازف
متى تلق أهل الشأم في الخيل تلفني ... على مقرب [3] لا يزدهى بالمجاذف
ممرّ [4] كبنيان [5] العباديّ مخطف ... من الضّاريات بالدّماء الخواطف
هجا عامر بن مسعود لأنه تسوّل في جمع صداق زوجه
وقال ابن حبيب في هذا الإسناد: تزوّج عامر بن مسعود بن أميّة بن خلف الجمحيّ امرأة من بني نصر بن معاوية، وسأل في صداقها بالكوفة، فكان يأخذ من كلّ رجل سأله درهمين درهمين. فقال له فضالة بن شريك يهجوه بقوله:
أنكحتم يا بني نصر فتاتكم ... وجها يشين وجوه الرّبرب [6] العين
/ أنكحتم [7] لا فتى دنيا يعاش به ... ولا شجاعا إذا انشقّت عصا الدّين
قد كنت أرجو أبا حفص وسنّته ... حتّى نكحت [8] بأرزاق المساكين
هجا رجلا من بني سليم خان الأمانة
وقال ابن حبيب في هذا الإسناد: أودع فضالة بن شريك رجلا من بني سليم يقال له قيس ناقة، فخرج في سفر، فلمّا عاد طلبها منه، فذكر أنّها سرقت. فقال [فيه] [9]:
/و لو أنّني يوم بطن العقيق ... ذكرت وذو اللّبّ ينسى كثيرا
مصاب سليم لقاح [10] النّ ... بيّ لم أودع الدّهر فيهم بعيرا
__________
[1] يقال ششن الرجل (كفرح وكرم) فهو شئن (بالسكون) إذا كان غليظ الكف خشنها. ولعله حرك العين هنا وهي الثاء للضرورة، لأن عين الوصف لا تحرك في جمع المؤنث، أو هي لغة كفرح وفرحة، لم ترد في المعجمات. والكزم: جمع أكزم وكزماء، والكزم (بالتحريك) هنا: قصر في الأصابع شديد.
[2] في ف: «مسّها».
[3] المقرب من الخيل: الذي يقرب مربطه ومعلفه لكرامته. ولا يزدهى: لا يستخف و «المجاذف: ما يرمى به». وشرح الكلمة الأخير عن هامش ط.
[4] ممر: موثق الخلق.
[5] في ط، م: «كناز للعبادي». ولعل صوابه: «كزنار العبادي». والزنار: ما يشدّه النصراني على وسطه. والعباديون: نصارى الحيرة، على أن يكون قد وصف الفرس بأنه موثق الخلق مفتول كالزنار. والمخطف: الضامر. وضرى بالشي ء: لهج به وأغرم.
[6] الربرب: القطيع من بقر الوحش. والعين: الواسعة العيون، الواحد أعين وعيناه.
[7] في أ، ب، س، م (في أحد موضعيها): «أنكتم».
[8] في هذه الأصول أيضا: «أنيكت».
[9] زيادة عن ف.
[10] مصاب هنا: مصدر بمعنى إصابة. ومثله:
أظلوم إن مصابكم رجلا ... أهدى السلام تحية ظلم
واللقاح: ذوات الألبان من النوق، واحدتها لقوح ولقحة.
وقد فات قيس بعيرانة [1] ... إذا الظّلّ كان مداه قصيرا
من اللّاعبات بفضل الزّمام ... إذا أقلق السّير فيه الضّفورا [2]
ومن يبك منكم بني موقد ... ولم يرهم يبك شجوا كبيرا
هم العاسفون [3] صلاب القنا ... إذا الحيل كانت من الطّعن زورا [4]
/و أيسار لقمان [5] إذ أمحلوا ... وعزّ لمن جاءهم مستجيرا
فإن أنا لم يقض لي ألقهم [6] ... قرأت السّلام عليهم كثيرا
عود إلى شعر في ذم ابن الزبير قيل إنه لفضالة
وذكر ابن حبيب في هذه الرواية أنّ القصيدة التي ذكرتها عن المدائنيّ في خبر عبد اللّه بن فضالة بن شريك مع ابن الزّبير كانت مع فضالة وابن الزّبير لا مع ابنه، وذكر الأبيات وزاد فيها:
شكوت إليه أن نقبت [7] قلوصي ... فردّ جواب مشدود الصّفاد [8]
يضنّ بناقة ويروم ملكا ... محال ذلكم [9] غير السّداد
/ وليت إمارة فبخلت لما ... وليتهم بملك مستفاد
__________
[1] كذا في ط، ج، م، ف. وفي سائر الأصول: «بعيرانه» تصحيف. والعيرانة من النوق: القوية التي تشبه العير، وهو الحمار الوحشي، في القوّة والنشاط.
[2] في م، أ: «الصقورا» وفي چ ب، س: «القصورا» والتصويب من ط. والضفور: جمع ضفر (بالفتح) وهو ما يشدّ به البعير من الشعر المضفور.
[3] في أكثر الأصول: «العاشقون» والتصويب من ط، م.
[4] زور: مائلات، واحدها أزور وزوراء.
[5] الأيسار: أصحاب القداح المجتمعون على الميسر، الواحد يسر (بالتحريك). ولقمان هو ابن عاد صاحب النسور السبعة التي آخرها لبد، وهو غير لقمان الحكيم. قال المفضل الضبي في أمثاله (ص 74 طبعة الجوائب سنة 1300 ه): «زعموا أن لقمان بن عاد جاور حيا من العمالقة وهم عرب، فملأ عسّا له لبنا، ثم قال لجارية له: انطلق بهذا العس إلى سيد هذا الحي فأعطيه إياه، وإياك أن تسألي عن اسمه واسم أبيه. فانطلقت حتى أتتهم، فإذا هم بين لاعب وعامل في ضيعته ومقبل على أمره، حتى مرت بثمانية نفر منهم عليهم وقار وسكينة ولهم هيئة، فقامت تتفرّس فيهم أيهم تعطي العس. فمرت بها أمة، فقال لها جارية لقمان: إن مولاي أرسلني إلى سيد هذا الحي ونهاني أن أسأل عن اسمه واسم أبيه. فقالت لها الأمة: إن وصفتهم لك فخذي أيهم شئت أو ذري، وفيهم سيد الحي. ثم أخذت الأمة تصفهم واحدا واحدا بصفات كلها تمتّ إلى الكرم والشجاعة، وهي الخلال المحمودة في البادية، وهم بيض، وحممة، وطفيل، وذفافة، ومالك، وتميل، وقرزعة، وعمار؛ فأعطت الجارية العس من رأته من الوصف سيدهم. وقد ذكرت العرب أيسار لقمان في شعرها في الفخر والمدح؛ فقال شاعرهم: «قومي أيسار لقمان» أو «و هم أيسار لقمان».
قال طرفة:
وهم إيسار لقمان إذا ... أغلت الشتوة أبداء الجزر
وأبداء الجزور: أشرف أعضائها، واحدها بدء (بالفتح).
وقال أوس بن حجر:
وأيسار لقمان بن عاد سماحة ... وجودا إذا ما الشول أمست جرائرا
[6] جزم الفعل على البدل.
[7] كذا في ط، ج، م، ف. وفي سائر الأصول: «تعبت».
[8] الصفاد (بالكسر): ما يوثق به الأسير من قدّ أو قيد.
[9] في ط، م، ف: «ذاكم».
فإن وليت أميّة أبدلوكم ... بكلّ سميدع [1] واري الزّناد
من الأعياص أو من آل حرب ... أغرّ كغرّة الفرس الجواد
إذا لم ألقهم بمنى فإنّي ... ببيت لا يهشّ له [2] فؤادي
سيدنيني لهم نصّ المطايا ... وتعليق الأداوّي والمزاد
وظهر معبّد قد أعملته ... مناسمهنّ طلّاع النّجاد [3]
وعين الحمض حمض خناصرات [4] ... وما بالعرق من سبل الغوادي [5]
فهنّ خواضع الأبدان قود [6] ... كأنّ رؤوسهنّ قبور عاد
كأن مواقع الغربان منها ... منارات بنين [7] على عماد
طلب عبد الملك فضاله فلما وجده قد مات أكرم أهله
[قال] [8] فلمّا ولي عبد الملك بعث إلى فضالة يطلبه، فوجده قد مات، فأمر لورثته بمائة ناقة تحمل وقرها برا وتمرا. [قال] [8]: والكاهليّة التي ذكرها زهرة [9] بنت خنثر امرأة من بني كاهل بن أسد، وهي أمّ خويلد بن أسد بن عبد العزّى.
__________
[1] كذا في ط، م، ف. «سميدع» بالدال المهملة. وفي سائر الأصول: «سميذع» بالذال المعجمة. وإهمال الدال هو ما يفهم من كلام اللغويين، بل صرح بعضهم بأن إعجامها خطأ (راجع «تاج العروس» مادة سميدع). والسميدع: السيد الكريم الشريف السخي الموطأ الأكتاف، والشجاع، والرجل الخفيف في حوائجه. ويقال: إنه لواري الزناد، وواري الرند، ووريّ الزند، إذا رام أمرا أنجح فيه وأدرك ما طلب.
[2] كذا في ط، م، ف. وفي سائر الأصول: «لا يهش به».
[3] تقدم شرح ما في هذا البيت والذي قبله في ص 70.
[4] في أكثر الأصول: «و عين» بالواو. والصواب من ط، م، ف. وخناصرة بليدة من أعمال حلب تحاذي قنسرين نحو البادية، وهي قصبة كورة الأحص؛ قال عدي بن الرقاع:
وإذا الربيع تتابعت أنواؤه ... فسقى خناصره الأحص وزادها
وقد يجمع في الشعر كما هنا، كأن الشاعر يجعل كل موضع منها خناصرة. قال جران العود:
نظرت وصحبتي بخناصرات ... ضحيا بعد ما متع النهار
[5] في أكثر الأصول:
وما بالعرف من سبل الفؤاد
صوابه من ط، م، ف. وسبل الغوادي: مطرها. يريد ما أنبته المطر من مرعى.
[6] قود: جمع أقود وقوداء. والقود (بالتحريك): طول الظهر والعنق.
[7] كذا في ط. وفي أكثر الأصول: «تبين». والغرابان من الفرس والبعير: حرفا الوركين الأيسر والأيمن اللذان فوق الذنب حيث التقى رأسا الورك اليمنى واليسرى، والجمع غربان. والغراب أيضا: قذال الرأس؛ يقال: شاب غرابه أي شعر قذاله. يريد أن يصف المطايا بالضخامة والارتفاع، كما وصفها في البيت الذي قبله بالطول.
[8] زيادة عن ف.
[9] ورد هذان الاسمان محرفين في أكثر الأصول، ففيها جميعا: «زهراء» وفي ب، س، ح: «خثراء». وفي م، أ: «خشراء».
والتصويب من ط.
صوت
لقد طال عهدي بالإمام محمد ... وما كنت أخشى أن يطول به عهدي
فأصبحت ذا بعد وداري قريبة ... فواعجبا من قرب داري ومن بعدي
فيا ليت أنّ العيد لي عاد يومه ... فإنّي رأيت العيد وجهك لي يبدي
رأيتك في برد النبيّ محمد ... كبدر الدّجى بين العمامة [1] والبرد
الشعر لأبي السّمط مروان الأصفر بن أبي الجنوب بن مروان الأكبر بن أبي حفصة.
/ والغناء لبنان خفيف رمل مطلق ابتداؤه نشيد. وذكر الصّوليّ أنّ هذا الشعر ليحيى بن مروان. وهذا غلط قبيح.
__________
[1] في أكثر الأصول: «الغمامة» بالغين المعجمة. والتصويب من ط، ف.
9 - أخبار مروان الأصغر [1]
كان أهله شعراء وشعره دونهم
قد مرّ نسبه ونسب أبيه وأهله وأخبارهم متقدّما. وكان مروان هذا آخر من بقي منهم يعدّ في الشعراء، وبقي بعده منهم متوّج. وكان ساقطا بارد الشّعر. فذكر لي عن أبي هفّان أنه قال: شعر آل أبي حفصة بمنزلة الماء الحارّ.
ابتداؤه في نهاية الحرارة ثم تلين حرارته، ثم يفتر ثم يبرد، وكذا كانت أشعارهم، إلا أنّ ذلك الماء لمّا انتهى إلى متوّج جمد.
وهذا الشعر يقوله مروان في المنتصر، وكان قد أقصاه وجفاه، وأظهر خلافا لأبيه في سائر مذاهبه حتى في التشيّع، فطرد مروان لنصبه، وأخرجه عن جلسائه. فقال هذه الأبيات وسأل بنان بن عمرو فغنّى فيها المنتصر ليستعطفه. وخبره في ذلك يذكر في هذا الموضع من الكتاب.
مدح المتوكل وولاة عهده فأكرمه وأقطعه ضيعة
أخبرني عمّي وحبيب بن نصر المهلّبي قالا حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد قال حدّثني حمّاد بن أحمد بن سليمان الكلبي قال حدّثني أبو السّمط مروان الأصغر قال:
لمّا دخلت إلى المتوكّل مدحته ومدحت ولاة العهود الثلاثة، وأنشدته [2]:
سقى اللّه نجدا والسلام على نجد ... ويا حبّذا نجد على النّأي والبعد
نظرت إلى نجد وبغداد دونها ... لعلّي أرى نجدا وهيهات من نجد
ونجد بها قوم هواهم زيارتي ... ولا شيء أحلى من زيارتهم عندي
/ قال: فلمّا فرغت منها أمر لي بمائة وعشرين ألف درهم وخمسين ثوبا وثلاثة من الظّهر فرس وبغلة وحمار، ولم أبرح حتّى قلت قصيدتي التي أشكره فيها وأقول:
/تخيّر ربّ النّاس للنّاس جعفرا ... وملّكه أمر العباد تخيّرا
فلما صرت إلى هذا البيت:
فأمسك ندى كفّيك عنّي ولا تزد ... فقد كدت أن أطغى وأن أتجبّرا
قال لي لا واللّه لا أمسك حتّى أغرّقك بجودي.
وحدّثني عمّي بهذا الخبر قال حدّثني أحمد بن أبي طاهر قال حدّثني حماد بن أحمد بن يحي قال حدّثني
__________
[1] وردت في ط، م قبل ترجمة مروان هذا ترجمة يوسف بن الحجاج الصيقل. وهي واردة في ب جزء 20 ص 93 وما بعدها.
[2] كذا في ط، م، ف. وفي سائر الأصول: «و أنشدته هذا».
مروان بن أبي الجنوب، فذكر مثل هذا الخبر سواء، وقال بعد قوله: «لا واللّه لا أمسك حتّى أغرّقك»: سلني حاجتك. فقلت: يا أمير المؤمنين، الضّيعة التي أمرت أن أقطعها باليمامة - ذكر ابن المدبّر أنّها وقف المعتصم على ولده - فقال: قد قبّلتك [1] إيّاها مائة سنة بمائة درهم. فقلت: لا يحسن أن تضمن ضيعة بدرهم في السنة. فقال ابن المدّبر: فبألف درهم في كلّ سنة. فقلت نعم. فأمر ابن المدبّر أن [2] ينفد ذلك لي، وقال: ليست هذه حاجة، هذه قبالة، فسلني حاجتك. فقلت: ضيعة يقال لها السّيوح [3] أمر الواثق بإقطاعي إيّاها، فمنعنيها ابن الزيّات؛ فأمر بامضاء الإقطاع لي.
كان علي بن الجهم يطعن عليه حسدا له على موضعه من المتوكل، فهجاه هو في حضرة المتوكل وغلبه
حدّثني جعفر بن قدامة قال حدّثني علي بن يحي المنجّم قال:
كان عليّ بن الجهم يطعن على مروان بن أبي الجنوب ويثلبه حسدا له على موضعه من المتوكّل. فقال له المتوكّل [يوما] [4]: يا عليّ، أيّما أشعر أنت أو مروان؟ فقال: أنا يا أمير المؤمنين. فأقبل على مروان فقال له: قد سمعت، فما عندك؟ / قال: كلّ أحد أشعر منّي يا أمير المؤمنين، وما أصف نفسي ولا أزكّيها. وإذا رضيني أمير المؤمنين فما أبالي من زيّفني. فقال له: قد صدّقتك، عليّ يزعم سرا وجهرا أنّه أشعر منك. فالتفت إليه مروان فقال له: يا عليّ! أأنت أشعر منّي؟ فقال: أو تشكّ في ذاك؟ قال: نعم! أشكّ وأشكّ وهذا أمير المؤمنين بيننا. فقال له عليّ: إنّ أمير المؤمنين يحابيك. فقال المتوكل: هذا عيّ منك يا عليّ؛ ثم قال لابن حمدون: احكم بينهما. فقال:
طرحتني واللّه يا أمير المؤمنين بين أنياب ومخالب أسدين. قال: واللّه لتحكمّن بينهما. فقال له: أمّا إذ [5] حلفت يا أمير المؤمنين فأشعرهما عندي أعرفهما في الشّعر. فقال له المتوكل: قد سمعت يا عليّ. قال: قد عرف ميلك إليه فمال معه. فقال: دعنا منك، هذا كلّه عيّ، فإن كنت صادقا فاهج مروان. قال: [قد] [6] سكرت ولا فضل فيّ.
فقال المتوكل لمروان: اهجه أنت، وبحياتي لا تبق [7] غاية. فقال مروان [8]:
إن ابن جهم في المغيب يعيبني ... ويقول لي حسنا إذا لاقاني
صغرت مهابته وعظّم بطنه ... فكأنّما في بطنه ولدان
ويح ابن جهم ليس يرحم أمّه ... لو كان يرحمها لما عاداني
فإذا التقينا ناك شعري شعره ... ونزا على شيطانه شيطاني
قال: فضحك المتوكل والجلساء منه، وانخزل [9] ابن الجهم، فلم يكن عنده أكثر من أن قال: جمع حيلة
__________
[1] قبلتك إياها أي ضمنتها لك والتزمت بذلك. والاسم القبالة (بالفتح).
[2] في ف: «فأمر بأن ينفذ ... ».
[3] في ف: «السيوخ».
[4] زيادة من ف.
[5] في بعض الأصول: «إذا» تحريف.
[6] زيادة في ط، م.
[7] كذا في ط، ح، م. وفي سائر الأصول: «لا تبقي».
[8] زيد في ب، س، ح هنا: «قوله».
[9] كذا في ط، ح، م. وانخزل في كلامه: انقطع. وفي سائر الأصول: «انخذل» بالذال، تحريف.
الرّجال وحيلة النساء. فقال له المتوكل: هذا أيضا من/ عيك وبردك، إن كان عندك شيء فهاته؛ فلم يأت بشيء.
فقال لمروان: بحياتي إن حضرك شيء فهاته، ولا تقصّر في/ شتمك. فقال مروان:
لعمرك ما الجهم بن بدر بشاعر ... وهذا عليّ بعده يدّعي الشّعراء
ولكن أبي قد كان جارا لأمّه ... فلمّ أدّعى الأشعار أوهمني أمرا
قال: فضحك [المتوكل] وقال: زده بحياتي. فقال فيه:
يابن بدر يا عليّه ... قلت إنّي قرشيّه
قلت ما ليس بحقّ ... فاسكتي يا نبطيّه
اسكتي يا بنت جهم ... اسكتي يا حلقيّه [1]
فأخذ عبّادة هذه الأبيات فغنّاها على الطّبل وجاوبه من كان يغنّي، والمتوكل يضحك ويضرب بيديه ورجليه، وعليّ مطرق كأنّه ميّت، ثم قال: عليّ بالدواة فأتي بها، فكتب:
بلاء ليس يشبهه بلاء ... عداوة غير ذي حسب ودين
يبيحك منه عرضا لم يصنه ... ويرتع منك في عرض مصون
قال علي بن الجهم شعرا في حبسه، فعارضه فلم يطلقوه
أخبرني عليّ بن العبّاس بن أبي طلحة قال حدّثني جعفر بن هارون بن زياد قال حدّثني محمد بن السّريّ قال:
لمّا مدح عليّ بن الجهم وهو محبوس المتوكل بقوله
توكّلنا على ربّ السماء ... وسلمنا لأسباب القضاء
/ وذكر فيها جميع النّدماء وسبعهم [2] وهجاهم، انتدب له مروان بن أبي الجنوب فعارضه فيها، وقد كان المتوكل رقّ له، فلما أنشده مروان هذه القصيدة اعتورته ألسنة الجلساء فثلبوه واغتابوه وضربوا عليه، فتركه في محبسه. والقصيدة [3]:
ألم تعلم بأنّك يابن جهم ... دعيّ في أناس أدعياء
أعبد اللّه تهجو وابن عمر ... وبختيشوع أصحاب الوفاء
هجوت الأكرمين وأنت كلب ... حقيق بالشّتيمة والهجاء
أترمي بالزّناء بني حلال ... وأنت زنيم [4] أولاد الزّناء
أسامة من جدودك يا بن جهم! ... كذبت وما بذلك من خفاء
__________
[1] يقال أتان حلقية، إذا تداولها الحمر فأصابها داء في رحمها؛ ومنه الحلاق (بالضم) في الأتان، وهو ألا تشبع من السفاد.
[2] سبعه: شتمه ووقع فيه.
[3] في ح، ب، س: «و القصيدة قوله».
[4] الزنيم: المستلحق في قوم ليس منهم، والدعي، واللئيم المعروف بلؤمه أو شره.
قال في المعتصم شعرا بعد ما كان من أمر العباس بن المأمون وعجيف
أخبرني محمد بن يحيى الصّوليّ قال حدّثنا الحسين بن يحيى قال حدّثني إبراهيم بن الحسن قال:
لمّا كان من أمر العبّاس بن المأمون وعجيف ما كان، أنشد مروان بن أبي الجنوب المعتصم قصيدة أوّلها [1]:
ألا يا دولة المعصوم دومي ... فإنّك قلت للدّنيا استقيمي
فلمّا بلغ إلى قوله:
هوى العبّاس حين أراد غدرا ... فوافى إذ هوى قعر الجحيم
كذاك هوى كمهواه عجيف ... فأصبح في سواء لظى الحميم
[قال المعتصم: أبعده اللّه! [2]]
مدح أشناس فطرب له وأجازه من غير أن يفهمه
حدّثني جعفر بن قدامة قال حدّثنا أبو العيناء قال:
دخل مروان الأصغر بن أبي الجنوب على أشناس وقد مدحه بقصيدة فأنشده إيّاها، فجعل أشناس يحرّك رأسه/ ويومىء بيديه ويظهر طربا وسرورا، وأمر له بصلة. فلمّا خرج قال له كاتبه: رأيت الأمير قد طرب وحرّك رأسه ويديه لما كان يسمعه، فقد فهمه [3]؟ قال نعم. قال: فأيّ شيء كان يقول؟ قال: ما زال يقول علي رقية الخبز حتّى حصّل ما أراد وانصرف.
هجا علي بن يحيى المنجم فردّ عليه
حدّثني جعفر بن قدامة [4] قال حدّثني عليّ بن يحيى المنجّم قال: كان المتوكّل يعابثني [5] كثيرا، فقال في يوم من الأيّام لمروان بن أبي الجنوب: أهج عليّ بن يحيى؛ فقال مروان:
ألا إنّ يحيى لا يقاس إلى أبي ... وعرض ابن يحيى لا يقاس إلى عرضي
وهي أبيات تركت ذكرها صيانة لعليّ بن يحيى. قال: فأجبته عنها فقلت:
صدقت لعمري ما يقاس إلى أبي ... أبوك، ومن قاس الشّواهق بالخفض
وهل لك عرض طاهر فتقيسه ... إذا قيست الأعراض يوما إلى عرضي
ألستم موالي للّعين ورهطه ... أعادي بني العبّاس ذي الحسب المحض
توالون من عادى النبيّ ورهطه ... فترمون من والى أولي الفضل بالرّفض
وليس عجيبا أن أرى لك مبغضا ... لأنّك أهل للعداوة والبغض
__________
[1] في ح، ب، س: «أوّلها قوله».
[2] زيادة في ف.
[3] في ط: «فقد فهم».
[4] في ط، ب، س: «حدّثني جعفر بن قدامة لمروان قال حدّثني ... ».
[5] كذا في م، أ. وفي سائر الأصول: «يعاتبني» تصحيف.
نقد أبو العنبس الصيمري شعرا له فتهاجرا
حدّثني جحظة قال حدّثني عليّ بن يحيى قال: أنشد مروان بن أبي الجنوب المتوكّل ذات يوم:
إنّي نزلت بساحة المتوكّل ... ونزلت في أقصى ديار الموصل
فقال له بعض من حضر: فكيف الاتّصال بين هؤلاء والمراسلة؟ فقال أبو العنبس الصّيمري: كان له حمام [1] هدىّ يبعث بها إليه من الموصل حتّى يكاتبه على أجنحتها. فضحك المتوكّل حتى استلقى، وخجل مروان وحلف بالطلاق لا يكلّم أبا العنبس أبدا، فماتا متهاجرين. كذا أكبر حفظي أنّ جحظة حدّثني به عن عليّ بن يحيى؛ فإنّي كتبته عن حفظي.
أنشد المتوكل في مرضه بالحمى قصيدة، فقال عليّ بن الجهم أن بعضها منتحل
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا محمد بن القاسم بن مهروية قال حدّثني إبراهيم بن المدبّر قال قرأت في كتاب قديم:
قال عوف بن محلّم لعبد اللّه بن طاهر في علّة اعتلّها:
فإن تك حمّى [2] الرّبع شفّك وردها ... فعقباك منها أن يطول لك العمر
وقيناك لو نعطى المنى فيك والهوى ... لكان بنا الشّكوى وكان لك الأجر
قال: ثم حمّ المتوكّل حمّى الرّبع، فدخل عليه مروان بن أبي الجنوب بن مروان بن أبي حفصة، فأنشده قصيدة له على هذا الرّويّ، وأدخل البيتين فيها، فسرّ بها [3] /المتوكل. فقال له عليّ بن الجهم: يا أمير المؤمنين، هذا شعر مقول، والتفت إليّ وقال: هذا [4] يعلم. فالتفت إليّ [المتوكّل] وقال [5]: أتعرفه؟ فقلت: ما سمعته قبل اليوم. فشتم عليّ بن الجهم وقال له: هذا من حسدك وشرّك وكذبك. فلمّا خرجنا قال عليّ بن الجهم: ويحك! مالك قد جننت! أما تعرف هذا الشعر؟ قلت: بلى! وأنشدته إيّاه. فلّما عدت إلى المتوكّل من غد قال له: يا أمير المؤمنين، قد اعترف لي بالشّعر وأنشدنيه،. فقال لي: أكذاك هو؟ فقلت: كذب [يا أمير المؤمنين] [6]! ما سمعت به قطّ فازداد عليه غيظا وله شتما. فلمّا خرجنا قال لي: ما في الأرض شرّ منك. فقلت له: أنت أحمق، تريد منّي أن أجيء إلى شعر قد قاله فيه شاعر يحبّه ويعجبه شعره فأقول له: إنّي أعرفه فأوقع نفسي وعرضي/ في لسان الشاعر لترتفع أنت عنده، ويسقط ذاك ويبغضني [7] أنا!
__________
[1] الحمام الهدّاء: ضرب من الحمام يدرّب على السفر من مكان إلى مكان، فيرسل من أمكنة بعيدة فيذهب إلى حيث يراد منه أن يذهب، الواحد هاد، والجمع هدّى (بالقصر) وهدّاء (بالمدّ)؛ كما يقال غاز وغزىّ وغزّاء. وورود هذين الجمعين في الوصف المعتل اللام نادر.
[2] حمى الربع: التي تنوب في اليوم ثم تدع المريض يومين ثم ترده في اليوم الرابع.
[3] في ط، ف: «فأدخل البيتين فسر بهما ... ».
[4] في ف: «قال: وهذا يعلم».
[5] في ف: «فقال لي المتوكل: أتعرفه».
[6] زيادة في ف.
[7] كذا في ف. وفي سائر الأصول: «و يبغضني أيضا».
صوت
ما لأبراهيم في العل ... م بهذا الشّأن ثان
إنّما عمر أبي إس ... حاق زين للزّمان
فإذا غنّى أبو اسحا ... ق أجابته المثاني
منه يجنى ثمر اللّه ... وو ريحان الجنان
جنّة الدّنيا أبو إس ... حاق في كلّ مكان
عروضه من الرّمل. الشّعر لابن سيابة. والغناء لإبراهيم الموصليّ خفيف ثقيل بإطلاق الوتر في مجرى البنصر عن إسحاق ابنه.
10 - أخبار ابراهيم بن سيابة ونسبه
جدّه حجام وهو ظريف ويرمي بالأبنة
إبراهيم بن سيابة مولى بني هاشم.، وكان يقال: إنّ جدّه حجّام أعتقه بعض الهاشميين. وهو من مقاربي شعراء وقته، ليست له نباهة ولا شعر شريف، وإنّما كان يميل بمودّته [1] ومدحه إلى ابراهيم الموصليّ وابنه إسحاق، فغنّيا في شعره ورفعا منه، وكانا يذكرانه للخلفاء والوزراء ويذكّرانهم به إذا غنّيا في شعره، فينفعانه بذلك. وكان خليعا ماجنا، طيّب النادرة، وكان يرمى بالأبنة.
شعره في جارية سوداء لامه أهله في عشقه لها
أخبرني عيسى بن الحسين الورّاق قال حدّثنا يعقوب بن إسرائيل قال حدّثني أبو زائدة عن جعفر بن زياد قال:
عشق ابن سيابة جارية سوداء، فلامه أهله على ذلك وعاتبوه؛ فقال:
يكون الخال في وجه قبيح ... فيكسوه الملاحة والجمالا
فكيف يلام معشوق [2] على من ... يراها كلّها في العين خالا
قصته مع ابن سوّار القاضي ودايته رحاص
أخبرني محمد بن مزيد وعيسى بن الحسين والحسين بن يحيى قالوا حدّثنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه قال:
لقي [3] إبراهيم بن سيابة وهو سكران ابنا لسوّار بن عبد اللّه القاضي أمرد، فعانقه وقبّله، وكانت معه داية يقال لها رحاص، فقيل لها: إنّه لم يقبّله تقبيل السلام، إنّما قبّله قبلة شهوة [4] فلحقته الدّاية فشتمته وأسمعته كلّ ما يكره، وهجره الغلام بعد ذلك. فقال له:
قل للّذي ليس لي من ... يدي هواه خلاص
أأن لثمتك سرا ... فأبصرتني رحاص
/ وقال في ذاك قوم ... على انتقاصي حراص
هجرتني وأتتني شتيمة وانتقاص
فهاك فاقتصّ منّي ... إنّ الجروح قصاص
__________
[1] في ف: «و إنما كان منقطعا بمودّته ... ».
[2] كذا في الأصول: ولعلها «مفتون».
[3] كذا في ف. وفي سائر الأصول: «أتى».
[4] في ف: «تقبيل شهوة».
ويروى أنّ رحاص هذه مغنّية كان الغلام يحبّها، وأنه سكر ونام؛ فقبّله ابن سيابة. فلمّا انتبه قال للجارية:
ليت شعري ما كان خبرك مع ابن سيابة؟ فقالت له: سل عن خبرك أنت/ معه، وحدّثته بالقصّة؛ فهجره الغلام؛ فقال هذا الشعر.
جوابه لمن عاتبه على مجونه، ولمن سأل عنه وهو سكران محمول في طبق
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا بن مهروية قال حدّثنا علي بن الصّبّاح قال:
عاتبنا ابن سيابة على مجونه، فقال: ويلكم! لأن ألقى اللّه تبارك وتعالى بذلّ المعاصي فيرحمني، أحبّ إليّ من أن ألقاه أتبختر إدلالا بحسناتي فيمقتني.
قال: ورأيت ابن سيابة يوما وهو سكران وقد حمل في طبق يعبرون به على الجسر، فسألهم إنسان ما هذا؟
فرفع رأسه من الطبق وقال: هذا بقيّة ممّا ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة يا كشخان [1].
ولع به أبو الحارث جمبز حتى أحجله فهجاه
أخبرني الحسن بن علي قال حدّثنا محمد بن القاسم بن مهروية قال حدّثنا أبو الشّبل البرجمي قال:
ولع [يوما] [2] أبو الحارث جمّيز بابن سيابة حتى أخجله. فقال عند ذلك ابن سيابة يهجوه:
بنى أبو الحارث الجمّيز في وسط ... من ظهره وقريبا من ذراعين
ديرا لقسّ إذا ما جاء يدخله ... ألقى على باب دير القسّ خرجين
يعدو على بطنه شدّا على عجل ... لا ذو يدين ولا يمشي برجلين
جوابه لمن اقترض منه فاعتذر
أخبرني هاشم بن محمد الخزاعيّ قال حدّثنا عيسى بن إبراهيم تينة قال:
كتب ابن سيابة إلى صديق له يقترض منه شيئا؛ فكتب إليه يعتذر له ويحلف أنّه ليس عنده ما سأله. فكتب إليه: «إن كنت كاذبا فجعلك اللّه صادقا. وإن كنت ملوما فجعلك اللّه معذورا».
ضرط في جماعة فكلم استه
أخبرني محمد بن أبي الأزهر قال حدّثنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه قال:
كان ابن سيابة الشاعر عندنا يوما مع جماعة نتحدّث ونتناشد وهو ينشدنا شيئا من شعره، فتحرّك فضرط، فضرب بيده على استه غير مكترث، ثم قال: إمّا أن تسكتي حتّى أتكلّم، وإمّا أن تتكلّمي حتى أسكت.
غمز غلاما أمرد فأجابه
أخبرني عليّ بن صالح بن الهيثم الأنباريّ الكاتب قال حدّثني أبو هفّان قال:
غمز ابن سيابة غلاما أمرد ذات يوم فأجابه، ومضى به إلى منزله، فأكلا وجلسا يشربان. فقال له الغلام: أنت
__________
[1] الكشخان: الديوث.
[2] زيادة عن ف.
ابن سيابة الزّنديق؟ قال نعم. قال: أحبّ أن تعلّمني الزّندقة. قال: أفعل وكرامة. ثم بطحه على وجهه، فلمّا تمكّن منه أدخل عليه؛ فصاح الغلام أوّه! أيش هذا ويحك؟ قال سألتني أن أعلّمك الزندقة، وهذا أوّل باب من شرائعها.
يرى فقدان الدقيق أكبر مصيبة
أخبرني الحسين بن القاسم الكوكبيّ قال حدّثني محرز بن جعفر الكاتب قال:
قال لي إبراهيم بن سيابة الشاعر: إذا كانت في جيرانك جنازة وليس في بيتك دقيق فلا تحضر الجنازة، فإنّ المصيبة عندك أكبر منها عند القوم، وبيتك أولى بالمأتم من بيتهم.
سخط عليه الفضل ابن الربيع فاستعطفه بشعر فرضي عنه ووصله
أخبرني جعفر بن قدّامة ومحمد بن مزيد قالا حدّثنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه قال:
/ سخط الفضل بن الرّبيع على ابن سيابة، فسألته أن يرضى عنه فامتنع. فكتب إليه ابن سيابة بهذه الأبيات وسألني إيصالها:
إن كان جرمي قد أحاط بحرمتي ... فأحط بجرمي عفوك المأمولا
فكم ارتجيتك في الّتي لا يرتجى ... في مثلها أحد فنلت السّولا [1]
وضللت عنك فلم أجد لي مذهبا ... ووجدت حلمك لي عليك دليلا
/ هبني أسأت وما أسأت أقرّ كي ... يزداد عفوك بعد طولك طولا [2]
فالعفو أجمل والتّفضّل بامرىء ... لم يعدم الرّاجون منه جميلا
فلمّا قرأها الفضل دمعت عيناه ورضي عن ابن سيابة، وأوصله إليه وأمر له بعشرة آلاف درهم.
حواره المقدع مع بشار
أخبرني الحسن بن علي قال حدّثنا محمد بن القاسم بن مهروية قال حدّثنا الحسن بن الفضل قال سمعت ابن عائشة يقول:
جاء إبراهيم بن سيابة إلى بشّار فقال له: ما رأيت أعمى قطّ إلّا وقد عوّض من بصره إمّا الحفظ والذّكاء وإمّا حسن الصوت، فأيّ شيء عوّضت [أنت] [3]؟ قال: ألّا أرى ثقيلا مثلك، ثم قال له: من أنت ويحك؟ قال: إبراهيم بن سبابة. فتضاحك ثم قال [4]: لو نكح الأسد في استه لذلّ [5]. وكان إبراهيم يرمى بذلك. ثم تمثّل بشّار:
لو نكح اللّيث في استه خضعا ... ومات جوعا ولم ينل شبعا
كذلك السيف عند هزّته ... لو بصق النّاس فيه ما قطعا
__________
[1] السؤل والسؤلة؛ ويترك همزهما: ما سألته.
[2] الطول (بالفتح): الفضل.
[3] زيادة في ف.
[4] كذا في ف. وفي سائر الأصول: « ... بن سيابة. فقال».
[5] في ف: «ما افترس وذل».
نزل على سليمان بن يحيى بن معاذ بنيسابور
أخبرني حبيب بن نصر المهلّبي قال حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد قال حدّثني عبد اللّه بن أبي نصر المروزي قال حدّثني محمد بن عبد اللّه الطّلحي قال حدّثني سليمان بن يحيى بن معاذ قال:
قدم إبراهيم بن سيابة نيسابور فأنزلته عليّ؛ فجاءني ليلة من اللّيالي وهو مهرب [1]، فجعل يصيح بي. يا أبا أيّوب. فخشيت أن يكون قد غشيه شيء يؤذيه، فقلت: ما تشاء؟ فقال:
أعياني الشّادن الرّبيب
فقلت بماذا؟ فقال:
أكتب أشكو لا يجيب
قال فقلت له: داره وداوه؛ فقال:
من أين أبغي شفاء ما بي ... وإنّما دائي الطّبيب
فقلت: لا دواء إذا إلّا أن يفرّج اللّه تعالى. فقال:
يا ربّ فرّج إذا وعجّل ... فإنّك السّامع المجيب
ثم انصرف.
في هذا الشعر رمل طنبوريّ لجحظة.
من قصيدة أخت الوليد بن طريف في رثائه
صوت
أيا شجر الخابور مالك مورقا ... كأنّك لم تحزن على ابن طريف
فتى لا يحبّ الزّاد إلّا من التّقى ... ولا المال إلّا من قنّا وسيوف
/ الشعر لأخت الوليد بن طريف الشاريّ. والغناء لعبد اللّه بن طاهر ثقيل أوّل بالوسطى، من رواية ابنه عبيد اللّه عنه. وأوّل هذه الأبيات كما أنشدنا محمد بن العبّاس اليزيديّ عن أحمد بن يحيى ثعلب [2]:
بتلّ بناثا [3] رسم قبر كأنّه ... على علم فوق الجبال منيف
تضمّن جودا حاتميّا ونائلا ... وسورة مقدام وقلب [4] حصيف
__________
[1] أهرب فهو مهرب: جدّ في السير مذعورا.
[2] في بعض الأصول: «بن ثعلب» تحريف.
[3] كذا في ط، ف. وفي ب، س و«معاهد التنصيص» (ص 414): «نباتي». وفي «حماسة البحتري»: «تباثا» مضبوطا بضم الأوّل، ومثله في «الكامل لابن الأثير». (ج 6 ص 98) وفي سائر الأصول: «بناثا». وفي «وفيات الأعيان»: «بتل نهاكي». وقال ابن خلكان: وتل نهاكي أظنه في بلد نصيبين، وهو موقع الواقعة المذكورة.
[4] في وفيات الأعيان: «و رأى حصيف».
ألا قاتل اللّه الجثا حيث أضمرت ... فتى كان بالمعروف غير عفيف [1]
فإن يك أراده يزيد بن مزيد ... فيا ربّ خيل فضّها وصفوف [2]
ألا يا لقوم [3] للنّوائب والرّدى ... ودهر ملحّ بالكرام عنيف
/ وللبدر من بين الكواكب إذ هوى [4] ... وللشّمس همّت بعده بكسوف [5]
أيا شجر الخابور مالك مورقا ... كأنّك لم تحزن على ابن طريف [6]
/فتى لا يحبّ الزّاد إلّا من التّقى ... ولا المال إلّا من قنا وسيوف
ولا الخيل إلّا كلّ جرداء شطبة ... وكلّ حصان باليدين غروف [7]
فلا تجزعا يا ابنى طريف فإنّني ... أرى الموت نزّالا [8] بكلّ شريف
فقدناك فقدان الرّبيع وليتنا ... فديناك من دهمائنا [9] بألوف
وهذه الأبيات تقولها أخت الوليد بن طريف ترثيه، وكان يزيد بن مزيد قتله.
ذكر الخبر في ذلك
مقتل الوليد بن طريف
أخبرني عليّ بن سليمان الأخفش قال حدّثنا محمد بن يزيد عن عمّه عن جماعة من الرّواة قال:
__________
[1] في «حماسة البحتري» و «ابن الأثير»: «كيف أضمرت». وفي «معاهد التنصيص» و «وفيات الأعيان» و «حماسة البحتري»: «غير عيوف». والجثا: جمع جثوة «مثلثة الجيم» وهي ما يتجمع من حجارة أو تراب. وفي حديث عامر: «رأيت قبور الشهداء جثا» يعني أتربة مجموعة.
[2] في «الوفيات» و «معاهد التنصيص» و «حماسة ابن الشجري» و «حماسة البحتري»:
فرب زحوف لفها بزحوف
وفي الأخير: «فضها».
[3] في «معاهد التنصيص والوفيات»: «ألا يا لقومي».
[4] في ف: «قد هوى».
[5] في «معاهد التنصيص» و «الوفيات»: «لما أزمعت» بدل «همت بعده».
[6] في ف و «الوفيات» و «معاهد التنصيص» وابن الأثير و «العقد الفريد»: «لم تجزع».
[7] في «معاهد التنصيص» والوفيات:
ولا الدخر إلا كل جرداء صلدم ... معاودة للكر بين صفوف
وفي حماسة البحتري:
وأجرد عالي المنسجين غروف
والجرداء من الخيل: القصيرة الشعر. وقصر الشعر مما تمدح به الخيل. والشطبة (بالفتح وبكسر» من الخيل: السبطة اللحم، وقيل: هي الطويلة. وفي بعض الأصول: «عروف» بالعين المهملة، تصحيف. والغروف من الخيل: التي تغرف الجري غرفا فتنهب الأرض نهبا في سرعتها.
[8] في معاهد التنصيص» و «الوفيات» و «حماسة البحتري» و «العقد الفريد»: «وقاعا».
[9] في «الوفيات» و «معاهد التنصيص»: «من فتياننا». وفي «العقد الفريد»: «من ساداتنا». وفي «حماسة البحتري»:
فقدناه فقدان الربيع فليتنا ... فديناه .........
وفيها من هذه القصيدة أربعة وعشرون بيتا.
كان الوليد بن طريف الشّيبانيّ رأس الخوارج وأشدّهم بأسا وصولة وأشجعهم؛ فكان من بالشّمّاسيّة [1] لا يأمن طروقه [إياه] [2]، واشتدّت شوكته وطالت أيّامه. فوجّه إليه/ الرشيد يزيد بن مزيد الشّيبانيّ، فجعل يخاتله ويماكره. وكانت البرامكة منحرفة عن يزيد بن مزيد، فأغروا به أمير المؤمنين، وقالوا: إنما يتجافى عنه للرّحم، وإلّا فشوكة الوليد يسيرة، وهو يواعده وينتظر ما يكون من أمره. فوجّه إليه الرشيد كتاب مغضب يقول فيه: «لو وجّهت بأحد الخدم لقام بأكثر مما تقوم به، ولكنّك مداهن متعصّب. وأمير المؤمنين يقسم باللّه لئن أخّرت مناجزة الوليد ليوجّهنّ إليك من يحمل رأسك إلى أمير المؤمنين». فلقي الوليد عشيّة خميس في شهر رمضان. فيقال: إنّ يزيد جهد عطشا حتى رمى بخاتمه في فيه، فجعل يلوكه ويقول: اللّهمّ إنّها [3] شدّة شديدة فاسترها. وقال لأصحابه: فداكم أبي وأمّي، إنما هي الخوارج ولهم حملة، فاثبتوا لهم تحت التّراس [4]، فإذا انقضت حملتهم فاحملوا؛ فإنّهم إذا انهزموا لم يرجعوا. فكان كما قال، حملوا حملة وثبت يزيد ومن معه من عشيرته وأصحابه، ثم حمل عليهم فانكشفوا. ويقال: إنّ أسد بن يزيد كان شبيها بأبيه جدّا؛ وكان لا يفصل بينهما إلّا المتأمّل، وكان أكثر ما يباعده منه ضربة في وجه يزيد تأخذ من قصاص شعره [5] ومنحرفة على جبهته؛ فكان أسد يتمنّى مثلها. فهوت له ضربة فأخرج وجهه من التّرس فأصابته في ذلك الموضع. فيقال: إنّه لو خطّت على مثال ضربة أبيه ما عدا [6]، جاءت كأنّها هي. واتبع يزيد الوليد بن طريف فلحقه بعد مسافة بعيدة فأخذ رأسه. وكان الوليد خرج إليهم حيث خرج وهو يقول:
أنا الوليد بن طريف الشّاري ... قسورة لا يصطلى بناري
جوركم أخرجني من داري
خرجت أخته لتثأر له فزجرها يزيد بن مزيد
فلمّا وقع فيهم السّيف وأخذ رأس الوليد، صبّحتهم [7] أخته ليلى بنت طريف مستعدّة عليها الدّرع والجوشن، فجعلت تحمل على الناس فعرفت. فقال يزيد: دعوها، ثم خرج إليها فضرب بالرّمح قطاة [8] فرسها، ثم قال اغربي غرّب اللّه عليك [9]! فقد فضحت العشيرة؛ فاستحيت وانصرفت وهي تقول:
/أيا شجر الخابور مالك مورقا ... كأنّك لم تحزن على ابن طريف
فتى لا يحبّ الزّاد إلّا من التّقى ... ولا المال إلّا من قناّ وسيوف
__________
[1] الشماسية: محلّة كانت قريبة من بغداد.
[2] زيادة في ف.
[3] في ف: «ليلة شديدة».
[4] التراس: جمع ترس (بالضم)، وهو صفحة من الفولاذ مستديرة تحمل للوقاية من السيف ونحوه.
[5] في ط، ف: «شعره منحرفة» بدون الواو.
[6] ما عدا، أي ما جاوز خط ضربته مثال ضربة أبيه. وقوله. «جاءت كأنها هي» بيان لقوله: «ما عدا».
[7] في ح و«معاهد التنصيص»: «صحبتهم».
[8] قطاة الفرس: عجزها أو مقعد الرديف منها.
[9] كذا في ط و«معاهد التنصيص». وفي ب، س: «غرب اللّه عينيك». وفي «الكامل»: «اعزبي عزب اللّه عليك» بالزاي.
ولا الذّخر إلّا كلّ جرداء صلدم ... وكلّ رقيق الشّفرتين خفيف [1]
فلمّا انصرف يزيد بالظّفر حجب برأي البرامكة، وأظهر الرشيد السخط عليه. فقال: وحقّ أمير المؤمنين لأصفّينّ وأشتونّ على فرسي أو أدخل. فارتفع الخبر بذلك فأذن له فدخل. فلمّا رآه أمير المؤمنين ضحك وسرّ وأقبل يصيح: مرحبا بالأعرابيّ! حتى دخل وأجلس وأكرم وعرف بلاؤه ونقاء صدره.
من قصيدة مسلم بن الوليد في يزيد بن مزيد
ومدّحه الشعراء بذلك. فكان أحسنهم مدحا مسلم بن الوليد؛ فقال فيه قصيدته التي أولها:
أجررت حبل خليع في الصّبا غزل ... وشمّرت همم العذّال في عذلي [2]
/هاج البكاء على العين الطّموح هوى ... مفرّق بين توديع ومحتمل [3]
كيف السّلوّ لقلب بات مختبلا ... يهذي بصاحب قلب غير مختبل [4]
وفيها يقول:
يفترّ عند افترار الحرب مبتسما ... إذا تغيّر وجه الفارس البطل [5]
موف على مهج في يوم ذي رهج [6] ... كأنّه أجل يسعى إلى أمل
ينال بالرّفق ما يعيا الرّجال به ... كالموت مستعجلا يأتي على مهل
لا يرحل النّاس إلّا نحو حجرته [7] ... كالبيت يفضي إليه ملتقى السّبل
يقري المنيّة أرواح العداة كما ... يقري الضّيوف شحوم الكوم والبزل [8]
__________
[1] الصلدم من الخيل: الشديدة الحافر. ورقيق الشفرتين: السيف.
[2] كذا في ف. وفي «ديوان مسلم بن الوليد»: «في العذل». وفي سائر الأصول: «عن عذلي» تحريف. تقول العرب: أجررت فلانا رسنه إذا مهلت له في إرادته. وأصله أن تمهل للدابة في الرعي جارة رسنها. فيقول: أجررت حبل خليع في الصبا، أي حبل من خلع عذاره في الصبا. وغزل: ذي غزل ومجانة. وقوله «و شمرت ... » أي حين رأوني قد صبوت. والخليع أيضا: من يخلعه قومه لشرّه. فإن ذهب أحد إلى هذا فمعناه رجل قد تبرأ منه قومه. (عن «شرح ديوان مسلم» ببعض تصرف).
[3] في ف: «و مرتحل». والطموح: المرتفعة في النظر إلى الأحبة وهم سائرون. فيقول: هاج البكاء على العين هوى مفرق بين توديع ومحتمل، أي مقسم، بعضه في توديع الأحبة وبعضه في احتمالهم. (عن «شرح ديوان مسلم»).
[4] في ف و «ديوان مسلم»: «راح مختبلا». ومختبل: مخبول العقل فاسده. والهذيان: الكلام الذي يفضي بصاحبه إلى ما لا يفهم عنه.
وإنما يكون ذلك عن علة تفضي بصاحبها إلى الهذيان فيتكلم بما يأتيه دون أن يعرف ما يقول.
[5] افتر فلان ضاحكا: أبدى أسنانه عند الضحك. وافترار الحرب: تكشيرها عن أنيابها، وهذا كناية عن شدتها. يقول: يبتسم من قلة مبالاته بالحرب إذا تغير وجه الفارس البطل من هول الحرب وشدتها.
[6] في «ديوان مسلم»: «و اليوم ذو رهج». والرهج الغبار. يقول: يوفي على المهج بالقتل في يوم قد ثار نقعه من شدة القتال؛ فهو يعمل عمل الأجل في الأمل.
[7] كذا في ف والديوان. وفي سائر الأصول: « ... حول حجرته» يقول: لا يرحل الناس لطلب عطاء إلا نحو بيته، كالبيت (يعني بيت اللّه الحرام مكة) يفضي إليه ملتقى السبل، أي عنده ملتقى الطرق كلها.
[8] ف: «الكماة» بدل «العداة». والكوم من النوق: العظام الأسمنة، واحدتها كوماء. والبزل: جمع: بزول وهو ما بلغ من الإبل تسع سنين.
يكسو السّيوف رؤوس الناكثين به ... ويجعل الهام تيجان القنا الذّبل [1]
/إذا انتضى سيفه كانت مسالكه ... مسالك الموت في الأبدان والقلل [2]
لا تكذبنّ فإنّ المجد [3] معدنه ... وراثة في بني شيبان لم تزل [4]
إذا الشّريكيّ لم يفخر على أحد ... تكلّم الفخر عنه غير منتحل [5]
الزّائديّون قوم في رماحهم ... خوف المخيف وأمن الخائف الوجل [6]
كبيرهم لا تقوم الرّاسيات له ... حلما وطفلهم في هدي مكتهل
اسلم يزيد فما في الملك من أود ... إذا سلمت ولا في الدّين من خلل [7]
لو لا دفاعك بأس الرّوم إذ مكرت ... عن بيضة الدّين لم تأمن من الثّكل [8]
والمارق ابن طريف قد دلفت له ... بعارض للمنايا مسبل هطل [9]
لو أنّ غير شريكيّ أطاف به ... فاز الوليد بقدح النّاضل الخصل [10]
ما كان جمعهم لمّا دلفت لهم ... إلّا كمثل جراد ريع منجفل [11]
/كم آمن لك نائي الدّار ممتنع ... أخرجته من حصون الملك والخول [12]
تراه في الأمن في درع مضاعفة ... لا يأمن الدّهر أن يدعى على عجل
لا يعبق [13] الطّيب خدّيه ومفرقه ... ولا يمسّح عينيه من الكحل
/ يأبى لك الذّمّ في يوميك إن ذكرا ... عضب حسام وعرض غير مبتذل [14]
__________
[1] ويروي: «دماء الناكثين». والناكثون: الناقضون للعهد. والذابل من القنا وهي الرماح: الرقيق اللاصق الليط. ويجمع أيضا على ذبل (بضم الذال وتشديد الباء المفتوحة).
[2] ويروي: «في الأجسام» وانتضى سيفه: سله من غمده. والقلل: جمع قلة، وهي أعلى الشيء، وهي هنا: أعالي الرؤوس.
[3] في «الديوان» «الحلم».
[4] كذا في ف والديوان. وفي سائر الأصول: «لم يزل».
[5] الشريكي: نسبة إلى «شريك» جدّ من أجداد يزيد بن مزيد الممدوح. يقول: إن أفعالهم بادية ظاهرة في الناس، فلا يحتاجون هم إلى النطق بها لإظهارها، فقد كفوا ذلك.
[6] الزائديون: نسبة إلى «زائدة» جدّ أيضا. وقوله؛ «خوف المخيف» أي خوف من أخاف الناس، يعني الأشرار الذي يخيفون الرعية.
[7] في «الديوان»: «فما في الدين ... وما في الملك» ويروي: فما في الدين من حرج» أي ضيق والأود: العوج.
[8] في «الديوان»:
«إذ بكرت ... عن عترة الدين»
أي عن جماعة الإسلام. وفي ط، ج: «لم يأمن». والثكل، بالتحريك، ويجوز أن يكون بضمتين، بتحريك الكاف الساكنة.
[9] في «الديوان»: «بعسكر» بدل «بعارض». وأسبل السحاب: كثر مطره واتسع.
[10] الناضل: المصيب. والخصل مثله.
[11] في ف «و الديوان»: «لما لقيتهم». وفي الديوان: «إلا كمثل نعام».
[12] الخول: ما يعطاه المرء من النعم والعبيد والإماء وغيرهم من الحاشية، يقال للواحد والجمع والمذكر والمؤنث، ويقال للواحد خائل. ونائي الدار: بعيدها. يقول: كم من عدوّ قد أمنك لبعد داره عنك وامتناعه بحصونه، قد أخرجته من حصون ملكه ومن بين خوله.
[13] كذا في ط و «ديوان مسلم». وفي سائر الأصول: «لم يعبق».
[14] العضب هنا: السيف. والحسام: القطاع. يقول: يأبى لك أن يذمك أحد سيف قطاع تقتل به الأعداء، وعرض غير مبتذل للذم؛
فافخر فما لك في شيبان من مثل ... كذاك ما لبني شيبان من مثل
وقال محمد بن يزيد: يعني بقوله:
تراه في الأمن في درع مضاعفة
كان معن يقدمه على بنيه فعاتبته امرأته فأراها حالهم وحاله
خبر يزيد بن مزيد. وذاك أنّ امرأة معن بن زائدة عاتبت معنا في يزيد وقالت: إنك لتقدّمه وتؤخّر بنيك، وتشيد بذكره وتحمل ذكرهم، ولو نبّهتهم لانتبهوا، ولو رفعتهم لآرتفعوا. فقال معن: إن يزيد قريب لم [1] تبعد رحمه، وله عليّ حكم الولد إذ كنت عمّه. وبعد فإنّهم ألوط [2] بقلبي وأدنى من نفسي على ما توجبه واجبة الولادة للأبوّة من تقديمهم [3]، ولكنّي لا أجد عندهم ما أجده عنده. ولو كان ما يضطلع به يزيد في بعيد لصار قريبا، وفي عدوّ لصار حبيبا. وسأريك في ليلتي هذه ما ينفسح به/ اللّوم عني ويتبيّن به عذري. يا غلام إذهب فادع جسّاسا وزائدة وعبد اللّه وفلانا وفلانا، حتى أتى على أسماء ولده؛ فلم يلبث أن جاءوا في الغلائل المطيّبة والنّعال السّندية، وذلك بعد هدأة من اللّيل، فسلّموا وجلسوا. ثم قال: يا غلام ادع لي يزيد وقد أسبل سترا بينه وبين المرأة، وإذا به قد دخل عجلا وعليه السّلاح كلّه، فوضع رمحه بباب المجلس ثم أتى يحضر [4]. فلمّا رآه معن قال: ما هذه الهيئة أبا الزّبير؟ - وكان يزيد يكنى أبا الزّبير وأبا خالد - فقال: جاءني رسول الأمير فسبق إلى نفسي أنه يريدني لوجه، فقلت: إن كان مضيت ولم أعرّج، وإن يكن الأمر على خلاف ذلك فنزع هذه الآلة أيسر الخطب. فقال لهم:
انصرفوا في حفظ اللّه. فقالت المرأة: قد تبيّن عذرك. فأنشد معن متمثّلا:
نفس عصام سوّدت عصاما ... وعوّدته الكرّ والإقداما
وصيّرته ملكا [5] هماما
من شعر أخته في رثائه
وأخبرني محمد بن الحسن الكندي قال حدثنا الرّياشيّ قال: أنشدني الأصمعي لأخت الوليد بن طريف ترثيه:
ذكرت الوليد وأيّامه ... إذ الأرض من شخصه بلقع
فأقبلت أطلبه في السّماء ... كما يبتغي أنفه الأجدع
أضاعك قومك فليطلبوا ... إفادة مثل الذي ضيّعوا
لو أنّ السّيوف التي حدّها ... يصيبك تعلم ما تصنع
نبت عنك أو جعلت هيبة ... وخوفا لصولك لا تقطع
__________
() لأنك تصونه بالعطاء لكل من سألك، فلا تجعل لأحد سبيلا إلى عرضك.
[1] في ط: «و لم تبعد».
[2] ألوط بقلبي: ألصق به؛ يقال: لاط الشيء بقلبي يلوط ويليط لوطا وليطا، إذا حبب إليه ولزق به؛ فهو ألوط به وأليط به.
[3] في ف: «على قدر ما توجبه واجبة الأبوة».
[4] يحضر: يعدو ويسرع.
[5] في ف: «بطلا».
بعض أخلاق عبد اللّه بن طاهر
فأمّا خبر عبد اللّه بن طاهر في صنعته هذا الصوت، فإنّ عبد اللّه كان بمحلّ من علوّ المنزلة وعظم القدر ولطف مكان من الخلفاء، يستغني به عن التقريظ له والدّلالة عليه. وأمره في ذلك مشهور عند الخاصّة والعامّة، وله في الأدب مع ذلك المحلّ الذي لا يدفع، وفي السماحة والشجاعة ما لا يقاربه فيه كبير أحد.
فرّق خراج مصر وقال أبياتا أرضى بها المأمون
أخبرني عليّ بن سليمان الأخفش عن محمد بن يزيد المبرّد أنّ المأمون أعطى عبد اللّه بن طاهر مال مصر لسنة خراجها وضياعها، فوهبه كلّه وفرّقه في الناس، ورجع صفرا من ذلك، فغاظ المأمون فعله. فدخل إليه يوم مقدمه فأنشده أبياتا قالها في هذا المعنى، وهي:
/نفسي فداؤك والأعناق خاضعة ... للنّائبات أبيّا غير مهتضم
إليك أقبلت من أرض أقمت بها ... حولين بعدك في شوق وفي ألم
أقفو مساعيك الّلاتي خصصت بها ... حذو الشّراك على مثل من الأدم
فكان فضلي فيها أنّني تبع ... لما سننت من الإنعام والنّعم
ولو وكلت إلى نفسي غنيت بها ... لكن بدأت فلم أعجز ولم ألم
فضحك المأمون وقال: واللّه ما نفست عليك مكرمة نلتها ولا أحدوثة حسن عنك [1] ذكرها، ولكن هذا شيء إذا عوّدته نفسك افتقرت ولم تقدر على لمّ شعثك وإصلاح حالك. وزال ما كان في نفسه.
أتاه معلى الطائي ومدحه فأجازه
أخبرني وكيع قال حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد قال حدّثني عبد اللّه بن فرقد قال أخبرني محمد بن الفضل بن محمد بن منصور قال:
/ لمّا افتتح عبد اللّه بن طاهر مصر ونحن معه، سوّغه المأمون خراجها. فصعد المنبر فلم يزل حتّى أجاز بها كلّها ثلاثة آلاف ألف دينار أو نحوها. فأتاه معلىّ الطائيّ وقد أعلموه ما قد صنع عبد اللّه بن طاهر بالنّاس في الجوائز، وكان عليه واحدا، فوقف بين يديه تحت المنبر فقال: أصلح اللّه الأمير! أنا معلّى الطائيّ، وقد بلغ منّي ما كان منك [إليّ] [2] من جفاء وغلظ. فلا يغلظنّ عليّ قلبك، ولا يستخفّنّك الذي بلغك، أنا الذي أقول:
يا أعظم النّاس عفوا عند مقدرة ... وأظلم الناس عند الجود للمال
لو أصبح النّيل يجري ماؤه ذهبا ... لما أشرت إلى خزن بمثقال
تغلي [3] بما فيه رقّ الحمد تملكه ... وليس شيء أعاض الحمد بالغالي
تفكّ باليسر كفّ العسر من زمن ... إذا استطال على قوم بإقلال
__________
[1] في بعض الأصول: «حسن عندك» تحريف.
[2] زيادة في ف.
[3] أغلى بالشيء وأغلاه مثل غالى بالشيء وغالاه: جعله غاليا.
لم تخل كفّك من جود لمختبط [1] ... [أ] [2] ومرهف قاتل في رأس قتّال
وما بثثت رعيل الخيل في بلد ... إلّا عصفن بأرزاق وآجال
إن كنت منك على بال مننت به ... فإن شكرك من قلبي على بال
ما زلت منقضبا [3] لو لا مجاهرة ... من ألسن خضن في صدري بأقوال
قال فضحك عبد اللّه وسرّ بما كان منه، وقال: يا أبا السّمراء أقرضني عشرة آلاف دينار، فما أمسيت أملكها؛ فأقرضه فدفعها إليه.
أحسن إلى موسى بن خاقان ثم جفاه، فمدح موسى المأمون وعرض به
أخبرني عليّ بن عبد العزيز عن ابن خرداذبه قال:
كان موسى بن خاقان مع عبد اللّه بن طاهر بمصر، وكان نديمه وجليسه، وكان له مؤثرا مقدّما؛ فأصاب منه معروفا كثيرا وأجازه بجوائز سنيّة هناك وقبل ذلك. ثم إنّه وجد عليه في بعض الأمر، فجفاه وظهر له منه بعض ما لم يحبّه، فرجع حينئذ إلى بغداد وقال:
صوت
إن كان عبد اللّه خلّانا ... لا مبدئا عرفا وإحسانا
فحسبنا اللّه رضينا به ... ثم بعبد اللّه مولانا
يعني بعبد اللّه الثاني المأمون، وغنّت فيه جاريته ضعف لحنا من الثقيل الأوّل، وسمعه/ المأمون فاستحسنه ووصله وإيّاها. فبلغ ذلك عبد اللّه بن طاهر، فغاظه ذلك وقال: أجل! صنعنا المعروف إلى غير أهله فضاع.
وكانت ضعف إحدى المحسنات. ومن أوائل صنعتها وصدور أغانيها وما برّزت فيه وقدّمت فاختيرت، صنعتها في شعر جميل:
أمنك سرى يا بثن طيف تأوّبا ... هدوءا فهاج القلب شوقا وأنصبا
عجبت له أن زار في النوم مضجعي ... ولو زارني مستيقظا كان أعجبا
الشعر لجميل، والغناء لضعف ثقيل أوّل بالبنصر.
قصته مع محمد بن يزيد الأموي
أخبرني عمّي قال حدّثني أبو جعفر بن الدّهقانة النديم قال حدّثني العباس بن الفضل الخراسانيّ، وكان من وجوه قوّاد طاهر وابنه عبد اللّه، وكان أديبا عاقلا فاضلا، قال:
__________
[1] اختبطه وتخبطه: سأله المعروف بلا وسيلة من آصرة قربى أو مودة أو معرفة.
[2] زيادة في ف.
[3] في أكثر اوصول: «مقتضبا». وفي ف: «منقبضا». وفي أساس البلاغة: «و انقضب من أصحابه: انقطع». يقول: ما زلت منقطعا عنك أو عن الناس، وكنت أوثر أن التزم ذلك لو لا مجاهرة الألسنة وخوضها بالحديث فيما يكنه صدري من حب وولاء أو عداوة وبغضاء؛ فذلك الذي ألجأني أن أخرج عما أخذت به نفسي، وحفزني إلى الإقبال عليك.
/ لمّا قال عبد اللّه بن طاهر قصيدته التي يفخر فيها بمآثر أبيه وأهله ويفخر بقتلهم المخلوع، عارضه محمد بن يزيد الأموي الحصني، وكان رجلا من ولد مسلمة بن عبد الملك، فأفرط في السّبّ وتجاوز الحدّ في قبح الردّ، وتوسّط بين القوم وبين بني هاشم فأربى في التوسّط والتعصّب. فكان مما [1] قال فيه:
يابن بيت النّار موقدها ... ما لحاذيه سراويل [2]
من حسين من أبوك ومن ... مصعب! غالتكم غول
نسب في الفخر مؤتشب [3] ... وأبوّات أراذيل
قاتل المخلوع مقتول ... ودم المقتول مطلول
وهي قصيدة طويلة. فلمّا ولّي عبد اللّه مصر وردّ إليه تدبير أمر الشام، علم الحصنيّ أنّه لا يفلت منه إن هرب، ولا ينجو من يده حيث حلّ؛ فثبت في موضعه، وأحرز حرمه، وترك أمواله ودوابّه وكلّ ما كان يملكه في موضعه، وفتح باب حصنه وجلس عليه، ونحن نتوقّع من عبد اللّه بن طاهر أن يوقع به. فلما شارفنا بلده وكنّا على أنّ نصبّحه [4]، دعاني عبد اللّه في الليل فقال لي: بت عندي الليلة، وليكن فرسك معدّا عندك لا يردّ، ففعلت. فلمّا كان في السّحر أمر غلمانه وأصحابه ألّا يرحلوا حتى تطلع الشمس، وركب في السّحر وأنا وخمسة من خواصّ غلمانه [معه] [5]، فسار حتّى صبّح الحصنيّ، فرأى بابه مفتوحا ورآه جالسا مسترسلا، فقصده وسلّم عليه ونزل عنده وقال له: ما أجلسك ها هنا وحملك على أن فتحت بابك ولم تتحصّن من هذا الجيش المقبل ولم تتنحّ عن عبد اللّه بن طاهر مع ما في نفسه عليك وما بلغه عنك؟ فقال: إنّ/ ما قلت لم يذهب عليّ، ولكنّي تأمّلت أمري وعلمت أنّي أخطأت خطيئة حملني عليها نزق الشبّاب وغرّة الحداثة، وأنّي إن هربت منه لم أفته، فباعدت البنات والحرم، واستسلمت بنفسي وكلّ ما أملك؛ فإنّا أهل بيت قد أسرع القتل فينا، ولي بمن مضى أسوة؛ فإنّي أثق بأنّ الرجل إذا قتلني وأخذ مالي شفى غيظه ولم يتجاوز ذلك إلى الحرم ولا له فيهنّ أرب، ولا يوجب جرمي إليه أكثر مما بذلته.
قال: فو اللّه ما اتّقاه عبد اللّه إلّا بدموعه تجري على لحيته. ثم قال له: أتعرفني؟ قال: لا واللّه! قال: أنا عبد اللّه بن طاهر، وقد أمّن اللّه تعالى روعتك، وحقن دمك، وصان حرمك، وحرس نعمتك، وعفا عن ذنبك. وما تعجّلت إليك وحدي إلّا/ لتأمن من قبل هجوم الجيش، ولئلّا يخالط عفوي عنك روعة تلحقك. فبكى الحصنيّ وقام فقبّل رأسه؛ وضمّه [إليه] [6] عبد اللّه وأدناه، ثم قال له: إمّا [لا] [7] فلا بدّ من عتاب. يا أخي جعلني اللّه فداك! قلت شعرا
__________
[1] كذا في ف. وفي سائر الأصول: «فيما قال فيه».
[2] الحاذان من الدابة: ما وقع عليه الذنب من أدبار الفخذين. يريد هنا الفخذين.
[3] نسب مؤتشب (بفتح الشين): غير صريح.
[4] صبحه (بتشديد الباء): أتاه صباحا.
[5] زيادة في ف.
[6] زيادة عن ط، ف.
[7] التكملة عن ط. يزيد: إن كنت لا أؤاخذك بما وقع منك، فلا بدّ من عتاب. فحذفت «كان» واسمها وخبرها، وبقيت «لا» النافية، وعوض عن المحذوف «ما». وهذا أسلوب في العربية معروف. قال الشاعر:
أمرعت الأرض لو أن مالا ... لو أن نوقا لك أو جمالا
أو ثلة من غنم إمالا
التقدير: إن كنت لا تجدين غيرها (يراجع شرح الأشموني وغيره من كتب النحو في باب كان وأخواتها).
في قومي أفخر بهم لم أطعن فيه على حسبك ولا ادّعيت فضلا عليك. وفخرت بقتل رجل هو وإن كان من قومك، فهم القوم الذين ثأرك عندهم؛ فكان يسعك السكوت، أو إن لم تسكت لا تغرق ولا تسرف. فقال: أيها الأمير، قد عفوت، فاجعله العفو الذي لا يخلطه تثريب، ولا يكدّر صفوه تأنيب. قال: قد فعلت، فقم بنا ندخل إلى منزلك حتّى نوجب عليك حقّا بالضّيافة. فقام مسرورا فأدخلنا، فأتى بطعام كان قد أعدّه، فأكلنا وجلسنا/ نشرب في مستشرف له. وأقبل الجيش، فأمرني عبد اللّه أن أتلقّاهم فأرحّلهم، ولا ينزل أحد منهم إلّا في المنزل، وهو على ثلاثة فراسخ؛ [فنزلت فرّحلتهم. وأقام عنده إلى العصر] [1]. ثم دعا بدواة فكتب له بتسويغه خراجه ثلاث سنين، وقال له: إن نشطت لنا فالحق بنا، وإلّا فأقم بمكانك. فقال: فأنا أتجهّز وألحق بالأمير. ففعل فلحق بنا بمصر.
ولم يزل مع عبد اللّه لا يفارقه حتى رحل إلى العراق، فودّعه وأقام ببلده.
بعض الأشعار التي غنى فيها وذكر بعض أخبار استدعاها بيانها
فأمّا الأصوات التي غنّى فيها عبد اللّه بن طاهر فكثيرة [2]. وكان عبيد اللّه بن عبد اللّه إذا ذكر شيئا منها قال:
الغناء للدّار الكبيرة، وإذا ذكر شيئا من صنعته قال: الغناء للدار الصغيرة فمنها ومن مختارها وصدورها ومقدّمها لحنه في شعر أخت [عمرو بن] [3] عاصية - وقيل: إنه لّاخت مسعود بن شدّاد - فإنه صوت نادر جيّد. قال أبو العبيس بن حمدون وقد ذكره ففضّله: جاء [4] به عبد اللّه بن طاهر صحيح العمل مزدوج النّغم بين لين وشدّة على رسم الحذّاق من القدماء، وهو:
صوت
هلّا سقيتم بني سهم أسيركم ... نفسي فداؤك من ذي غلّة صادى
الطاعن الطّعنة النّجلاء يتبعها ... مضرّج بعد ما جادت بإزباد
الشعر لأخت عمرو بن عاصية السّلميّ [ترثيه] [1]. وكان بنو سهم، وهم بطن من هذيل، أسروه في حرب كانت بينهم ولم يعرفوه، فلمّا عرفوه قتلوه. وكان قد عطش فاستسقاهم، فمنعوه وقتلوه على عطشه. وقيل: إنّ هذا الشعر للفارعة أخت مسعود بن شدّاد. ولحن عبد اللّه بن طاهر خفيف ثقيل أوّل بالوسطى ابتداؤه استهلال.
/ أخبرني أحمد بن عبد العزيز [5] الجوهريّ وحبيب بن نصر المهلّبي قالا حدّثنا عمر بن شبة قال:
قتلت بنو سهم، وهم بطن من هذيل، عمرو بن عاصية السّلميّ، وكان رجلان منهم أخذاه أخذا، فاستسقاهما ماء فمنعاه ذلك، ثم قتلاه. فقالت أخته ترثيه، وتذكر ما صنعوا به:
__________
[1] التكملة عن ف.
[2] في بعض الأصول: «فكبيرة» بالباء الموحدة، تصحيف.
[3] التكملة من ف ومما سيأتي بعد أسطر.
[4] كذا في ف. وفي ط: «و قال جاء به». وفي سائر الأصول: «قال ما جاء ... ».
[5] في أكثر الأصول: «محمد بن عبد العزيز». والتصويب من ف.
شبّت هذيل [1] وبهز بينها إرة [2] ... فلا تبوخ ولا يرتدّ صاليها
[و يروى: «شبت هذيل وسهم»، وهو الصحيح، ولكن كذا قال [3] عمر بن شبّة].
إنّ ابن عاصية المقتول بينكما ... خلّى عليّ فجاجا كان يحميها
وقالت أيضا ترثيه:
/يا لهف نفسي لهفا دائما أبدا [4] ... على ابن عاصية المقتول بالوادي
هلّا سقيتم بني سهم أسيركم ... نفسي فداؤك من ذي غلّة صادي
قال: فغزا عرعرة بن عاصية هذيلا يطلبهم بدم أخيه، فقتل منهم نفرا وسبى امرأة فجرّدها، ثم ساقها معه عارية إلى بلاد بني سليم؛ فقالت عند ذلك [5]:
/ألامت [6] سليم في السّياق وأفحشت ... وأفرط في السّوق العنيف إسارها
لعلّ فتاة منهم أن يسوقها ... فوارس منا وهي باد شوارها [7]
فإن سبقت عليا سليم بذحلها ... هذيلا فقد باءت فكيف اعتذارها
ألا ليت شعري هل أرى الخيل شزّبا [8] ... تثير عجاجا مستطيرا غبارها
فترقا [9] عيون بعد طول بكائها ... ويغسل ما قد كان بالأمس عارها
هذه رواية عمر بن شبّة. فأمّا أبو عبيدة فإنه خالفه في ذلك، وذكر في مقتله، فيما أخبرني به محمد بن الحسن بن دريد إجازة عن أبي حاتم عن أبي عبيدة قال:
خرج عمرو بن عاصية السّلميّ ثم البهزيّ في جماعة من قومه، فأغاروا على هذيل بن مدركة، فصادفوا حيّا
__________
[1] كذا في ط و «شرح أشعار الهذليين» للسكري (ص 243 طبعة أوربا) و «ديوان الهذليين» (نسخة خطية محفوطة بدار الكتب المصرية برقم 6 أدب ش). وقد وضع هذا البيت فيهما في شعر جنوب أخت عمرو ذي الكلب ترثيه. قال السكري: «حدثنا الحلواني قال حدثنا أبو سعيد قال أبو عبد اللّه: ثم خرج عمرو ذو الكلب غازيا. فبينا هو في بعض غاراته نائم إذ وثب عليه نمران فأكلاه، فوجدت فهم سلاحه فادّعت قتله. فقالت أخته جنوب ترثيه». وأورد القصيدة البائية التي مطلعها:
كل امرىء بطوال العيش مكذوب ... وكل من غالب الأيام مغلوب
ثم الأبيات التي ورد فيها هذا البيت والرواية هناك: «شبت هذيل وفهم».
[2] كذا في ط و «شرح أشعار الهذليين». وأصل الإرة حفرة يوقد فيها. والمراد بها هنا الحرب. وفي سائر الأصول: «ترة» بدل «إرة» وكتبت هذه الكلمة في ط بين السطور. والترة: الثأر.
[3] زيادة في ف.
[4] في ف: «دائما جزعا».
[5] في ف: «فقالت امرأة من هذيل».
[6] ألامت: فعلت ما تستحق عليه اللوم. وأفحشت. أتت الفحشاء وهي الأمر القبيح. والسياق: مصدر ساقه يسوقه سوقا وسياقا.
والإسار: مصدر أسره يأسره أسرا وإسارا. وأصل الإسار: القيد، ويكون حبل الكتاف؛ ومنه سمي الأسير إذ كانوا يشدونه بالقد، فسمي كل أخيذ أسيرا وإن لم يشد به.
[7] الشوار: الحسن والهيئة والزينة واللباس.
[8] شرب: ضوامر، الواحد شازب.
[9] ترقأ: تجف، سهلت همزته.
من هذيل يقال لهم بنو سهم بن معاوية. وكانت امرأة من هذيل تحت رجل من بني بهز، فقالت لابن لها معه [1]: أي بني انطلق إلى أخوالك فأنذرهم بأنّ ابن عاصية السّلمي قد أمسى يريدهم، وذلك حين عزم ابن عاصية على غزوهم وأراد المسير إليهم. فانطلق الغلام من تحت ليلته حتى أتى أخواله فأنذرهم، فقال: ابن عاصية السّلميّ يريدكم، فخذوا حذركم؛ فبدر القوم واستعدّوا. وأصبح عمرو بن عاصية قريبا من الحيّ، فنزل فربأ لأصحابه على جبل [مشرف على القوم] [2]، فإذا هم حذرون. فقال لأصحابه: أرى القوم حذرين، إنّ لهم لشأنا، ولقد أنذروا علينا.
فكمن في الجبل يطلب غفلتهم، فأصابه وأصحابه عطش شديد، فقال/ ابن عاصية لأصحابه: هل فيكم من يرتوي لأصحابه؟ فقال أصحابه: نخاف القوم، وأبى أحد منهم أن يجيبه إلى ذلك. قال: فخرج على فرس له ومعه قربته.
وقد وضعت هذيل على الماء رجلا منهم رصدا، وعلموا أنّهم لابدّ لهم من أن يردوا الماء. فمرّ بهم عمرو بن عاصية وقد كمن له شيخ وفتيان من هذيل، فلما نظروا إليه همّ الفتيان أن يثاوراه [3]. فقال الشيخ: مهلا! فإنه لم يركما، فكفّا. فانتهى ابن عاصية إلى البئر، فنظر يمينا وشمالا فلم ير أحدا والآخرون يرمقونه من حيث لا يراهم.
فوثب نحو قربته فأخذها ثم دخل البئر فطفق يملأ القربة ويشرب. وأقبل الفتيان والشيخ معهما حتى أشرفوا عليه وهو في البئر، [فرفع رأسه فأبصر القوم]؛ فقالوا: [قد] [4] أخزاك اللّه يابن عاصية وأمكن منك! قال: ورمى [5] الشيخ بسهم فأصاب أخمصه فأنفذه فصرعه، وشغل الفتيان بنزع السهم من قدم الشيخ، ووثب ابن عاصية من البئر شدّا نحو أصحابه، وأدركه الفتيان قبل وصوله فأسراه. فقال لهما حين أخذاه: أروياني من الماء ثم اصنعا ما بدا لكما. فلم يسقياه وتعاوراه بأسيافهما حتى قتلاه. فقالت أخت عمرو بن عاصية ترثي أخاها:
يا لهف نفسي يوما ضلّة جزعا ... على ابن عاصية المقتول بالوادي
/ إذ جاء ينفض عن أصحابه طفلا ... مشي السّبنتي أمام الأيكة العادي [6]
هلّا سقيتم بني سهم أسيركم ... نفسي فداؤك من مستورد صادي [7]
/قال أبو عبيدة: وآب غزيّ [8] بني سليم بعد مقتل ابن عاصية. قال: فبلغ أخاه عرعرة بن عاصية قتل هذيل أخاه وكيف صنع به، فجمع لهم جمعا من قومه فيهم فوارس من بني سليم منهم عبيدة بن حكيم الشّريديّ وعمر بن الحارث الشّريديّ وأبو مالك البهزيّ وقيس بن عمرو أحد بني مطرود من بني سليم وفوارس من بني رعل. قال:
فسرى إليهم عرعرة، فالتقوا بموضع يقال له الجرف فاقتتلوا قتالا [9] شديدا، فظفرت بهم بنو سليم فأوجعوا فيهم
__________
[1] كذا في الأصول. ولعله «منه»، وهي ساقطة في ف.
[2] زيادة عن ف.
[3] ثاوره مثاورة وثوارا: واثبه، مثل ساوره.
[4] زيادة في ف.
[5] في ط: «و يرمي الشيخ فيصيب اخمصه فأنفذه».
[6] ينفض هنا: يكشف الطريق ويتجسس. والاسم النفيضة مثل الطليعة. وقد ضمن «ينفض» معنى يذب الأذى ويدفعه، فعدّاه ب «عن».
والطفل طفلان، أحدهما طفل الغداة وهو من لدن ذرور الشمس إلى استكمال ضوئها في الأرض. والأخر طفل العشي، وهو آخره عند غروب الشمس واصفرارها. والسبنتي: النمر أو الأسد.
[7] في ف: «من ذي غلة».
[8] الغزي: اسم جمع لغاز.
[9] كذا في ط، ف. وفي سائر الأصول: «قتلا».
وقتلوا منهم قتلى عظيمة، وأسروا أسرى، وأصابوا امرأة من هذيل فعرّوها من ثيابها واستاقوها مجرّدة فأفحشوا في ذلك. وقال عرعرة بن عاصية في ذلك يذكر من قتل:
ألا أبلغ هذيلا حيث حلّت ... مغلغلة تخبّ مع الشّفيق
مقامكم غداة الجرف لمّا ... تواقفت الفوارس بالمضيق
غداة رأيتم فرسان بهز ... ورعل ألبدت [1] فوق الطريق
تراميتم قليلا ثم ولّت ... فوارسكم توقّل كلّ نيق [2]
بضرب تسقط الهامات منه ... وطعن مثل إشعال الحريق
وقال لي: إنّ هذا الشعر الذي فيه صنعة عبد اللّه بن طاهر لمسعود بن شدّاد يرثي أخاه، وزعم أنّ جرما كانت قتلته وهو عطشان، فقال:
يا عين جودي لمسعود بن شدّاد ... بكل ذي عبرات شجوه بادي
هلّا سقيتم بنى جرم أسيركم ... نفسي فداؤك من ذي غلّة صادى
/ فأنشدنيها بعض أصحابنا قال أنشدني أبو بكر محمد بن [الحسن بن] [3] دريد قال أنشدني أبو حاتم عن أبي عبيدة لفارعة المرّية أخت مسعود بن شدّاد [4] ترثيه، فذكر من الأبيات البيت الأوّل، وبعده:
يا من رأى بارقا [5] قد بتّ أرمقه ... جودا على الحرّة السوداء بالوادي
أسقي به قبر من أعني وحبّ به ... قبرا إليّ ولو لم يفده فادي
شهّاد أندية رفّاع أبنية ... شدّاد ألوية [6] فتّاح أسداد
نحّار راغية [7] قتّال طاغية ... حلّال رابية فكّاك أقياد
قوّال محكمة نقّاض مبرمة ... فرّاج مبهمة حبّاس أوراد [8]
حلّال ممرعة حمّال مضلعة [9] ... قرّاع مفظعة طلّاع أنجاد
__________
[1] ألبد بالمكان: أقام به ولزمه.
[2] توقل: تتصعد. والنيق: أعلى الجبل. يريد: تتصعد كل عال فرارا من القتال.
[3] زيادة في ف.
[4] في ف: «بن شدّاد بن الهاد».
[5] أي سحابا ذا برق. وجودا: كثير المطر.
[6] في ف:
رفاع ألوية ... شدّاد أهوية
[7] الراغية: الناقة.
[8] أوراد: جمع ورد (بالكسر) وهو الجماعة الواردون للماء، والقطيع من الطير والإبل، والجيش. على التشبيه بقطيع الطير والإبل؛ قال جرير:
سأجمد يربوعا على أن وردها ... إذا ذيد لم يحبس وإن ذاد حكما
أي هو حباس للجيوش، أو حباس للواردين حتى يستقي هو ودوابه. وهذا مما يدل على القوّة والسلطان.
[9] في الأصول: «معضلة» وكتب في هامش ط: «مضلعة»، وعلى جانبيها: «صح». والمضلعة: المثقلة للأضلاع.
جمّاع كلّ خصال الخير قد علموا ... زين القرين وخطم [1] الظالم العادي
أبا زرارة لا تبعد فكلّ فتى ... يوما رهين صفيحات [2] وأعواد
والغناء في هذا الشعر لعبد اللّه بن طاهر خفيف ثقيل أوّل بالبنصر. قال عبيد اللّه بن عبد اللّه بن طاهر: لمّا صنع أبي هذا الصوت لم يحبّ أن يشيع عنه شيء من هذا ولا ينسب إليه؛ لأنّه كان يترفّع عن الغناء، وما جسّ بيده وترا قطّ ولا/ تعاطاه، ولكنه كان يعلم من هذا/ الشأن بطول الدّربة [و حسن الثقافة] [3] ما لا يعرفه كبير أحد. وبلغ من علم ذلك إلى أن صنع أصواتا كثيرة، فألقاها على جواريه، فأخذتها عنه وغنّين بها، وسمعها النّاس منهنّ وممن أخذ عنهنّ. فلما أن صنع هذا الصوت:
هلّا سقيتم بني جرم أسيركم ... نفسي فداؤك من ذي غلّة صادى
نسبه إلى مالك بن أبي السّمح. وكان لآل الفضل بن الربيع جارية يقال لها داحة، فكانت ترغب إلى عبد اللّه بن طاهر لمّا ندبه المأمون إلى مصر [في أن يأخذها معه] [3]، وكانت تغنيه، وأخذت هذا الصوت عن جواريه، وأخذه المغنّون عنها ورووه لمالك مدّة. ثم قدم عبد اللّه العراق فحضر مجلس المأمون، وغنّي الصوت بحضرته ونسب إلى مالك، فضحك عبد اللّه ضحكا كثيرا. فسئل عن القصّة فصدق فيها واعترف بصنعة الصوت. فكشف المأمون عن ذلك. فلم يزل كلّ من سئل عنه يخبر عمن أخذه [عنه]، فتنتهي القصّة إلى داحة ثم تقف ولا تعدوها.
فأحضرت داحة وسئلت فأخبرت بقصته؛ فعلم أنّه من صنعته حينئذ بعد أن جاز على إسحاق وطبقته أنّه لمالك.
ويقال: إنّ إسحاق لم يعجب من شيء عجبه من عبد اللّه وحذقه بمذاهب الأوائل وحكاياتهم.
قال: ومن غنائه أيضا:
صوت
راح صحبي وعاود القلب داء ... من حبيب طلابه لي عناء
حسن الرأي والمواعيد لا يل ... فى لشييء مما يقول وفاء
من تعزّى عمن يحبّ فإنّي ... ليس لي ما حييبت عنه عزاء
الغناء لابن طنبورة خفيف ثقيل أوّل بالسبّابة في مجرى الوسطى. ولحن عبد اللّه بن طاهر ثاني ثقيل بالبنصر.
/ ومنها:
فمن يفرح ببينهم ... فغيري إذ غدوا فرحا
شعر لعمر بن أبي ربيعة وسببه
صوت
يا خليليّ قد مللت ثوائي ... بالمصلّى وقد شنئت البقيعا
__________
[1] كذا في ح، وفي ف: «و نكل الظالم». وفي سائر الأصول: «و خطل الظالم». يقال: خطمه يخطمه خطما، إذا ضرب مخطمه (أنفه)، وهو وصف بالمصدر. تريد أنه يذل الظالم العادي ويكبحه عن طغيانه.
[2] الصفيحة هنا: الحجر العريض.
[3] زيادة عن ف.
بلّغني ديار هند وسلمى [1] ... وارجعا بي فقد هويت الرجوعا
الشعر لعمر بن أبي ربيعة. والغناء للغريض خفيف ثقيل بالوسطى في مجراها [عن إسحاق] [2]، وذكر الهشاميّ أنّه لابن سريح. وذكر حبش أنّ فيه رملا بالبنصر لإبراهيم. وفيه لحن لمعبد ذكره حمّاد بن إسحاق عن أبيه ولم يجنّسه.
أخبرني بخبر عمر بن أبي ربيعة في هذا الشعر وقوله إيّاه الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثنا سليمان بن عيّاش السّعديّ قال [أخبرني السائب بن ذكوان راوية كثيّر قال] [2]: قدم عمر بن أبي ربيعة المدينة، وأخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد عن أبيه عن عثمان بن حفص قال: وأخبرني عليّ بن صالح عن أبي هفّان عن إسحاق عن عثمان بن حفص والزّبيريّ والمسيّبيّ، وأخبرني به أحمد بن عبد العزيز [الجوهريّ] [2] قال حدّثنا عمر بن شبّة موقوفا عليه. وجمعت رواياتهم، وأكثر اللّفظ للزّبير [بن بكّار] [2] وخبره أتمّ:
أن عمر بن أبي/ ربيعة قدم المدينة؛ فزعموا أنّه قدمها من أجل امرأة من أهلها، فأقام بها شهرا؛ فذلك قوله:
يا خليليّ قد مللت ثوائي ... بالمصلّى وقد شنئت البقيعا
خرج هو والأحوص إلى مكة فمرّا بنصيب وكثير وتحاوروا
قال: ثمّ خرج إلى مكة، فخرج معه الأحوص واعتمرا.
/ قال الزّبير في خبره عن سائب راوية كثيّر إنّه قال: لمّا مرّا بالرّوحاء [3] استتلياني [4] فخرجت أتلوهما، حتى لحقتهما بالعرج [5] عند رواحهما. فخرجنا جميعا حتى وردنا ودّان [6]، فحبسهما النّصيب وذبح لهما وأكرمهما، وخرجنا وخرج معنا النّصيب. فلمّا جئنا كليّة [7] عدلنا جميعا إلى منزل كثيّر، فقيل لنا: هبط قديدا [8]، فذكر لنا أنّه في خيمة من خيامها. فقال لي ابن أبي ربيعة: اذهب فادعه لي. فقال النّصيب: هو أحمق وأشدّ كبرا من أن يأتيك.
فقال لي عمر: اذهب كما أقول [لك] [9] فادعه لي. فجئته، فهشّ لي وقال: «اذكر غائبا تره»، لقد جئت وأنا أذكرك. فأبلغته رسالة عمر؛ فحدّد إليّ نظرة وقال: أما كان عندك من المعرفة ما يردعك عن إتياني بمثل هذه الرسالة! قلت: بلى واللّه! ولكنّي سترت عليك فأبى اللّه إلّا أن يهتك سترك. فقال لي: إنّك واللّه يابن ذكوان ما أنت من شكليّ؛ فقل لابن أبي ربيعة: إن كنت قرشيّا فأنا قرشيّ. فقلت له: لا تترك هذا التّلصّق وأنت تقرف [10] عنهم
__________
[1] في ف: «و سعدى».
[2] زيادة عن ف.
[3] الروحاء: قرية كانت لمزينة بينها وبين المدينة واحد وأربعون ميلا. (عن «معجم ما استعجم»).
[4] استتلاه: طلب إليه أن يتلوه.
[5] العرج: قرية كانت جامعة في واد من نواحي الطائف، وإليها ينسب العرجي الشاعر.
[6] ودان هنا: قرية جامعة من نواحي الفرع بين مكة والمدينة.
[7] كلية: قرية بين مكة والمدينة.
[8] قديد: موضع قرب مكة.
[9] زيادة في ف.
[10] كذا في ط، ف. وفي سائر الأصول: «تفرق عنهم كما تفرق» تصحيف. يقول له: أنت لست بأصيل في قريش ولا بمتمكن فيهم كالصمغة من الشجرة؛ فإن الصمغة إذا قرفت وقلعت لم يبق لها أثر.
كما تقرف الصّمغة! فقال: واللّه لأنا أثبت فيهم منك في سدوس. ثم قال: وقل له: إن كنت شاعرا فأنا أشعر منك.
فقلت له: هذا إذا كان الحكم إليك. فقال: وإلى من هو ومن أولى بالحكم منّي! [و بعد هذا يا بن ذكوان فاحمد اللّه على لومك [1]؛ فقد منعك منّي] [1] اليوم؟ فرجعت إلى عمر، فقال: ما وراءك؟ فقلت: ما قال لك نصيب. فقال:
وإن. فأخبرته فضحك وضحك صاحباه ظهرا لبطن، ثم نهضوا معي إليه./ فدخلنا عليه في خيمة، فوجدناه جالسا على جلد كبش، فو اللّه ما أوسع للقرشيّ. فلمّا تحدثوا مليّا فأفاضوا في ذكر الشّعر [2]، أقبل على عمر فقال له: أنت تنعت المرأة فتنسب [3] بها ثم تدعها وتنسب بنفسك. أخبرني يا هذا عن قولك:
قالت تصدّى له ليعرفنا ... ثم اغمزيه يا أخت في خفر
قالت لها قد غمزته فأبى ... ثم اسبطرّت [4] تشتدّ في أثري
وقولها والدّموع تسبقها ... لنفسدنّ الطّواف في عمر
أتراك لو وصفت بهذا هرّة أهلك ألم تكن قد قبّحت وأسأت وقلت الهجر. إنما توصف الحرّة بالحياء والإباء والالتواء والبخل والامتناع، كما قال هذا - وأشار إلى الأحوص - :
أدور ولو لا أن أرى أمّ جعفر ... بأبياتكم ما درت حيث أدور
وما كنت زوّارا ولكنّ ذا الهوى ... إذا لم يزر لا بدّ أن سيزور
لقد منعت معروفها أمّ جعفر ... وإنّي إلى معروفها لفقير
قال: فدخلت الأحوص أبّهة وعرفت الخيلاء فيه. فلما استبان كثيّر ذلك فيه قال: أبطل آخرك أوّلك. أخبرني عن قولك:
فإن تصلي أصلك وإن تبيني ... بصرمك بعد وصلك لا أبالي
ولا ألفى كمن إن سيم صرما ... تعرّض كي يردّ إلى الوصال
/ أمّا واللّه لو كنت فحلا لباليت [5] ولو كسرت أنفك. ألا قلت كما قال هذا الأسود - وأشار إلى نصيب - :
/بزينب ألمم قبل أن يرحل الرّكب ... وقل إن تملّينا فما ملّك القلب
قال: فانكسر الأحوص، ودخلت النّصيب أبهة. فلمّا نظر أنّ الكبرياء قد دخلته، قال له: يابن السّوداء، فأخبرني عن قولك:
أهيم بدعد ما حييت فإن أمت ... فواكبدي من ذا يهيم بها بعدي
أهمّك من ينيكها بعدك! فقال نصيب: استوت القوق [6]، قال: وهي لعبة مثل المنقلة. ومن هذا الموضع
__________
[1] أي فاحمد اللّه على لومي إياك؛ فقد حصنك اللوم من الضرب.
[2] كذا في ط، ف. وفي أكثر الأصول: «في ذكر الشعراء».
[3] كذا في ط. وفي سائر الأصول: «فتشبب بها».
[4] كذا في ف والجزء الأوّل من هذه الطبعة. واسبطرّت: أسرعت. وفي سائر الأصول هنا: «استطرت».
[5] في ب، س: «لما باليت» تحريف.
[6] في ف: «الفيق». ولم نهتد إلى وجه الصواب فيه.
ينفرد الزّبير بروايته دون الباقين. قال سائب: فلّما أمسك كثيّر أقبل عليه عمر فقال له: قد أنصتنا لك فاسمع يا مذبوب [1] [إليّ] [2]! أخبرني عن تخيّرك لنفسك لمن تحبّ حيث تقول:
ألا ليتنا يا عزّ كنّا لذي غنى ... بعيرين نرعى في الخلاء ونعزب
كلانا به عرّ فمن يرنا يقل ... على حسنها جرباء تعدي وأجرب
إذا ما وردنا منهلا صاح أهله ... علينا فما ننفكّ نرمى ونضرب
وددت وبيت اللّه أنّك بكرة ... هجان وأنّي مصعب [3] ثم نهرب
نكون بعيري ذي غنى فيضيعنا ... فلا هو يرعانا ولا نحن نطلب
وقال: تمنّيت لها ولنفسك الرّقّ والجرب والرّمي والطّرد والمسخ، فأيّ مكروه لم تمنّ لها ولنفسك! لقد أصابها منك قول القائل: «معاداة عاقل خير من مودّة أحمق». قال؛ فجعل يختلج [4] جسده كله. ثم أقبل عليه الأحوص فقال: إليّ يا ابن استها [5] أخبرك بخبرك وتعرّضك للشرّ وعجزك عنه وإهدافك [6] لمن رماك. أخبرني عن قولك:
/و قلن - وقد يكذبن - فيك تعيّف ... وشؤم إذا ما لم تطع صاح ناعقه
وأعييتنا لا راضيا بكرامة ... ولا تاركا شكوى الذي أنت صادقه
فأدركت صفو الودّ منّا فلمتنا ... وليس لنا ذنب فنحن مواذقه [7]
وألفيتنا سلما فصدّعت بيننا [8] ... كما صدّعت بين الأديم خوالقه [9]
واللّه لو احتفل عليك هاجيك ما زاد على ما بؤت به على نفسك. قال: فخفق كما يخفق الطائر. ثم أقبل عليه النّصيب فقال: أقبل عليّ يا زبّ الذّباب! فقد تمنّيت معرفة غائب عندي علمه فيك حيث تقول:
وددت - وما تغني الودادة - أنّني ... بما في ضمير [10] الحاجبيّة عالم
فإن كان خيرا سرّني وعلمته ... وإن كان شرّا لم تلمني اللّوائم
انظر في مرآتك واطّلع في جيبك واعرف صورة وجهك، تعرف ما عندها [لك] [11]. فاضطرب اضطراب العصفور، وقام القوم يضحكون. وجلست عنده؛ فلّما هدأ شأوه [12] قال لي: أرضيتك فيهم؟ فقلت له: أمّا في
__________
[1] المذبوب: المجنون.
[2] زيادة في ف.
[3] بكرة هجان: بيضاء. والمصعب: الفحل.
[4] يختلج: يضطرب.
[5] يقال لابن الأمة عند تحقيره: «يا بن استها» يعنون أنها ولدته من استها.
[6] أهدف لكذا: تعرض له.
[7] مواذق: جمع ماذقة. يقال: مذق الود إذا لم يخلصه.
[8] البين هنا: الوصل.
[9] خوالق الأديم: اللائي يقدرنه قبل أن يقطعنه.
[10] في ف: «فؤاد الحاجبية».
[11] زيادة في ف.
[12] كذا في الأصول. والشأو: الشوط والطلق. ولعله يريد ما عراه من الاضطراب في الشأو الذي جرى بينه وبينهم.
نفسك فنعم! فقد نحس يومك معهم، وقد بقيت أنا عليك. فما عذرك - ولا عذر لك - في قولك:
/سقى دمنتين لم نجد لهما أهلا ... بحقل لكم يا عزّ قد رابنا حقلا
نجاء الثّريّا كلّ آخر ليلة ... يجودهما جودا ويتبعه وبلا
[ثم قلت [1] في آخرها]
وما حسبت ضمريّة حدريّة ... سوى التّيس ذي القرنين أنّ لها بعلا
/ أهكذا يقول الناس ويحك! ثم تظنّ أنّ ذلك قد خفي ولم يعلم به أحد، فتسبّ الرجال وتعيبهم! فقال: وما أنت وهذا؟ وما علمك بمعنى ما أردت؟ فقلت:
هذا أعجب من ذاك. أتذكر امرأة تنسب بها في شعرك وتستغزر لها الغيث في أوّل شعرك، وتحمل عليها التّيس في آخره! قال: فأطرق وذلّ وسكن. فعدت إلى أصحابي فأعلمتهم ما كان من خبره بعدهم. فقالوا: ما أنت بأهون حجارته التي رمي بها اليوم منّا. قال فقلت لهم: إنّه لم يترني فأطلبه بذحل، ولكنّي نصحته لئلّا يخلّ هذا الإخلال الشديد، ويركب هذه [2] العروض التي ركب في الطّعن على الأحرار والعيب لهم.
شدد والي مكة في الغناء، فخرج فتية إلى وادي محسر وبعثوا لابن سريج فغناهم
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ وإسماعيل بن يونس قالا حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثني إسحاق الموصليّ قال حدّثني ابن جامع عن السّعيديّ عن سهل بن بركة وكان يحمل عود ابن سريج قال:
كان على مكّة نافع بن علقمة الكنانيّ، فشدّد في الغناء والمغنّين والنبيذ، ونادى في المخنّثين. فخرج فتية من قريش إلى بطن [3] محسّر وبعثوا برسول لهم فأتاهم برواية من الشراب الطائفيّ. فلمّا شربوا وطربوا قالوا: لو كان معنا ابن سريج تمّ سرورنا. فقلت: هو عليّ لكم. فقال لي بعضهم: دونك تلك البغلة فاركبها وامض إليه. فأتيته فأخبرته بمكان القوم وطلبهم إيّاه. فقال لي: ويحك! وكيف لي بذاك مع شدّة السلطان في الغناء وندائه فيه؟ فقلت له: أفتردّهم؟ قال: لا واللّه! فكيف لي بالعود؟ فقلت له: أنا أخبؤه لك فشأنك. فركب وسترت العود/ وأردفني.
فلمّا كنّا ببعض الطريق إذا أنا بنافع بن علقمة قد أقبل، فقال لي: يا بن بركة هذا الأمير! فقلت: لا بأس عليك، أرسل عنان البغلة وامض ولا تخف، ففعل. فلمّا حاذيناه عرفني ولم يعرف ابن سريج، فقال لي بابن بركة: من هذا أمامك؟ فقلت: ومن ينبغي أن يكون! هذا ابن سريج. فتبسّم [ابن] علقمة ثم تمثّل:
فإن تنج منها يا أبان مسلّما ... فقد أفلت الحجّاج خيل شبيب
ثم مضى ومضينا. فلمّا كنّا قريبا من القوم نزلنا إلى شجرة نستريح، فقلت له: غنّ مرتجلا؛ فرفع صوته فخيّل إليّ أنّ الشجرة تنطق معه، فغنّى:
__________
[1] زيادة في ف.
[2] كذا في ط. وفي أكثر الأصول: «هذا العروض الذي ركب». والعروض (بالفتح): الطريق في عرض الجبل.
[3] بطن محسر: وادي المزدلفة بالقرب من مكة.
صوت
كيف الثّواء ببطن مكّة بعد ما ... همّ [1] الذين تحبّ بالإنجاد
أمّ كيف قلبك إذ ثويت مخمّرا [2] ... سقما خلافهم وكربك بادي
هل أنت إن ظعن [3] الأحبّة غادي [4] ... أم قبل ذلك مدلج بسواد
- الشعر للعرّجيّ. وذكر إسحاق في مجردّة أنّ الغناء فيه لابن عائشة ثاني ثقيل مطلق في مجرى الوسطى.
وحكى حماد ابنه عنه أن اللحن لابن سريج - قال سهل: فقلت: أحسنت والذي/ فلق الحبّة وبرأ النسمة، ولو أنّ كنانة كلّها سمعتك لاستحسنتك فكيف بنافع بن علقمة! المغرور من غرّه نافع. ثم قلت: زدني وإن كان/ القوم متعلّقة قلوبهم بك. فغنّى وتناول عودا من الشجرة فأوقع [5] به على الشجرة؛ فكان صوت الشجرة أحسن من خفق بطون [6] الضّأن على العيدان إذا أخذتها قضبان الدّفلى. قال: والصوت الذي غنّى:
صوت
لا تجمعي هجرا علي وغربة ... فالهجر في تلف الغريب سريع
من ذا - فديتك - يستطيع لحبّه ... دفعا إذا اشتملت عليه ضلوع
فقلت: بنفسي أنت واللّه من لا يملّ ولا يكدّ، واللّه ما جهل من فهمك! اركب - فدتك نفسي - بنا. فقال:
أمهلني كما أمهلتك اقض بعض شأني. فقلت: وهل عما تريد مدفع! فقام فصلّى ركعتين، ثم ضرب بيده على الشجرة وقال: أشهد أن لا إله إلّا اللّه وأشهد أنّ محمدا عبده ورسوله، ثم قال: يا حبيبتي إذا شهدت بذاك الشيء فاشهدي بهذا. ثم مضينا والقوم متشوّقون. فلما دنونا أحسّت الدوابّ بالبغلة فصهلت، وشحجت البغلة، وإذا الغريض يغنّيهم لحنه:
من خيل حيّ ما تزال مغيرة ... سمعت على شرف صهيل حصان
فبكى ابن سريج حتى ظننت أنّ نفسه قد خرجت، فقلت: ما يبكيك يا أبا يحيى؟ [جعلت فداك]!] [7] لا يسوءك اللّه ولا يريك سوءا [8]! قال: أبكاني هذا المخنّث بحسن غنائه وشجا صوته؛ واللّه ما ينبغي لأحد أن يغنّي وهذا الصبيّ حيّ [9]. ثم نزل فاستراح وركب. فلمّا سار هنيهة اندفع الغريض فغنّاهم لحنه:
يا خليليّ قد مللت ثوائي ... بالمصلّى وقد شنئت البقيعا
__________
[1] في ف: «لهج».
[2] المخمر: أصله المصدع من الخمر.
[3] كذا في ط، ف. وفي أكثر الأصول: «إذ ظعن».
[4] البيت مصرع. وفي ب، س: «غاديا» تحريف.
[5] في الأصول: «فوقع». والمعروف في الألحان «أوقع» لا «وقع».
[6] يريد ببطون الضأن الأوتار التي تتخذ من المعى. والدفلى: ضرب من النبت.
[7] زيادة في ف.
[8] في ف: «و لا يرينا سوءا فيك».
[9] في ف: «و صاحب هذا الصوت حي».
/ قال: ولصوته دويّ في تلك الجبال. فقال ابن سريج: ويلك يا بن بركة! أسمعت أحسن من هذا الغناء والشعر قطّ؟ قال: ونظروا إلينا فأقبلوا نشاوى يسحبون أعطافهم، وجعلوا يقبّلون وجه ابن سريج. فنزل فأقام عندهم ثلاثا والغريض لا ينطق بحرف [واحد] [1]، وأخذوا في شرابهم وقالوا: يا حبيب النفس وشقيقها أعطها بعض مناها؛ فضرب بيده إلى جيبه فأخرج منه مضرابا، ثم أخذه بيده ووضع العود في حجره، فما رأيت يدا أحسن من يده، ولا خشبة تخيّلت إليّ أنّها جوهرة إلّا هي، ثم ضرب فلقد سبّح القوم جميعا ثم غنّى فكلّ قال: لبّيك لبّيك! فكان مما غنّى فيه - واللحن له هزج - :
صوت
لبّيك يا سيّدتي ... لبّيك ألفا عددا
لبّيك من ظالمة ... أحببتها مجتهدا
قوموا إلى ملعبنا ... نحك الجواري الخرّدا ضوضع يد فوق يد
ترفعها يدا يدا
فكلّ قال: نفعل ذاك. فلقد رأيتنا نستبق أينّا تقع يده على يده. ثم غنّى:
صوت
ما هاج شوقك بالصّرائم ... ربع أحال [2] لأمّ عاصم
ربع تقادم عهده ... هاج المحبّ على التّقادم
فيه النّواعم والشّبا ... ب الناعمون مع النّواعم
من كل واضحة الجبي ... ن عميمة [3] ريّا المعاصم
/ ثم إنه غنّى:
صوت
شجانيّ [4] مغاني الحيّ وانشقّت العصا [5] ... وصاح غراب البين أنت مريض
ففاضت دموعي عند ذاك صبابة ... وفيهن خود كالمهاة غضيض [6]
وولّيت محزون الفؤاد مروّعا ... كتيبا ودمعي في الرّداء يفيض
- الغناء لابن محرز خفيف ثقيل مطلق في مجرى البنصر، وفيه خفيف ثقيل آخر لابن جندب - قال: فلقد
__________
[1] زيادة في ف.
[2] أحال الشي ء: مر عليه حول، مثل أحول الشيء.
[3] امرأة عميمة: تامة القوام والخلق طويلة.
[4] في ف: «شجاك».
[5] انشقاق العصا: كناية عن الفرقة.
[6] الخود من النساء: الحسنة الخلق الشابة أو الناعمة. والغضيض: الفاترة الطرف. يقال: امرأة غضيض، وطرف غضيض.
رأيت جماعة طير وقعن بقربنا وما نحسّ قبل ذلك منها شيئا؛ فقالت الجماعة: يا تمام السّرور وكمال المجلس! لقد سعد من أخذ بحظّه منك، وخاب من حرمك، يا حياة القلوب ونسيم [1] النفوس جعلنا [اللّه] [2] فداءك! غنّنا؛ فغنّى واللحن له.
صوت
يا هند إنّك لو علم ... ت بعاذلين تتابعا
- وهذا الصوت يأتي خبره مفردا لأنّ فيه طولا - فبدرت من بينهم فقبّلت بين عينيه، فتهافت القوم عليه يقبّلونه؛ فلقد رأيتني وأنا أرفعهم عنه شفقة عليه.
ما في الأشعار التي تناشدها عمر وأصحابه من أغان
وفي هذه الأشعار التي تناشدها كثيّر وعمر ونصيب والأحوص أغان.
منها:
صوت
أبصرتها ليلة ونسوتها ... يمشين بين المقام والحجر
ما إن طمعنا بها ولا طمعت ... حتّى التقينا ليلا على قدر
/ بيضا حسانا خرائدا قطفا [3] ... يمشين هونا كمشية البقر
الشعر لعمر. والغناء لابن سريج رمل بالوسطى عن الهشاميّ وحبش. وذكر عمرو أنّ فيه لابن سريج خفيف ثقيل أوّل بالبنصر. ولأبي سعيد مولى فائد ثقيل أوّل، وقيل: إنه لسنان الكاتب. ومن هذه القصيدة أيضا، وهذا أوّلها:
صوت
يا من لقلب متيّم كمد [4] ... يهذي بخود مريضة النّظر
تمشي رويدا [5] إذا مشت فضلا [6] ... وهي كمثل العسلوج البسر [7]
__________
[1] في ط: «قسيم النفوس».
[2] زيادة في ف.
[3] قطفا: بطيئات السير، الواحدة قطوف. وبين رواية ما ورد من هذه القصيدة هنا وبين ما في «الديوان» اختلاف كثير، سننبه إلى ما يحتاج إلى التنبيه إليه.
[4] في «ديوان عمر بن أبي ربيعة» (طبعة لبسك) «كلف» بدل «كمد».
[5] في ف: «الهويني».
[6] كذا في «الديوان». والمرأة الفضل: التي تتفضل في ثوب، وكذلك يقال رجل فضل (بضم الفاء والضاد). والفضل من النساء أيضا:
المختالة التي تفضل من ذيلها. («لسان العرب» مادة فضل). وفي الأصول: «قطفا».
[7] يريد «من البسر». وفي «الديوان»: «في الشجر». والعسلوج: ما لان واخضر من القضبان. والبسر: التمر قبل إرطابه.
ما زال طرفي يحار إذ برزت ... حتّى عرفت النّقصان في بصري
غنّاه ابن محرز، ولحنه من خفيف الثقيل الأوّل بإطلاق الوتر في مجرى الوسطى.
ومنها:
صوت
/قالت لترب لها تحدّثها ... لنفسدنّ الطّواف في عمر
قالت تصدّي له ليعرفنا ... ثمّ اغمزيه يا أخت في خفر
قالت لها قد غمزته فأبى ... ثم استطيرت [1] تشتدّ في أثري
/ غناء يونس خفيف ثقيل أوّل بالبنصر عن حبش. وقيل: إنّ فيه لعبد اللّه بن العبّاس لحنا جيّدا.
ومنها ما لم يمض ذكره في الكتاب:
صوت
ألا ليتنا يا عزّ من غير بغضه ... بعيرين نرعى في الخلاء ونعزب
كلانا به عرّ فمن يرنا يقل ... على حسنها جرباء تعدي وأجرب
إذا ما وردنا منهلا صاح أهله ... علينا فما ننفكّ نرمى ونضرب
الغناء لإبراهيم، رمل بالوسطى عن حبش.
فضلت عزة الأحوص في الشعر على كثير، فأنشدها من شعره فنقدته
أخبرنا محمد بن خلف وكيع قال حدّثنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه عن أبي عبيدة عن عوانة وعيسى بن يزيد:
أن كثيّرا دخل على عزّة ذات يوم، فقالت له: ما ينبغي لنا أن نأذن لك في الجلوس. قال: ولم؟ قالت: لأنّي رأيت الأحوص ألين جانبا [في شعره] [2] منك في شعرك وأضرع [3] خدّا للنساء، وإنّه لأشعر منك حين يقول:
يأيّها اللّائمي فيها لأصرمها ... أكثرت لو كان يغني منك إكثار
ارجع فلست مطاعا إذ [4] وشيت بها ... لا القلب سال ولا في حبّها عار
وإنّي استرققت قوله:
وما كنت زوّارا ولكن ذا الهوى ... إذا لم يزر لابدّ أن سيزور
/ وأعجبني قوله:
__________
[1] استطيرت: ذعرت. وقد تقدّمت الرواية غير مرة: «اسبطرت».
[2] زيادة عن ف.
[3] في ب، س: «أصعر» تحريف.
[4] في ف: «إن».
كم من دنيّ [1] لها قد صرت أتبعه ... ولو صحا [2] القلب عنها كان لي تبعا
وزادني كلفا بالحبّ أن منعت ... أحب شيء [3] إلى الإنسان ما منعا
وقوله أيضا:
وما العيش إلّا ما تلذّ وتشتهي ... وإن لام فيه ذو الشّنان [4] وفنّدا
فقال كثيّر: قد واللّه أجاد! فما الذي استجفيت من قولي؟ قالت: أخزاك اللّه! أما استحييت حين تقول:
يحاذرن مني غيرة قد عرفنها ... لديّ فما يضحكن إلّا تبسّما
فقال كثيّر:
وددت وبيت اللّه أنّك بكرة ... هجان وأنّي مصعب ثم نهرب
كلانا به عرّ فمن يرنا يقل ... على حسنها جرباء تعدي وأجرب
نكون لذي مال كثير مغفّل ... فلا هو يرعانا ولا نحن نطلب
فقالت لي: ويحك! لقد أردت بي الشقاء الطويل، ومن المنى ما هو أعفى من هذا وأطيب.
أبيات من شعر أبي زبيد وبيان ألحانه
صوت
قد كنت في منظر ومستمع ... عن نصر بهراء غير ذي فرس [5]
لا ترة عندهم فتطلبها ... ولا هم نهزة لمختلس
/ بكفّ حرّان ثائر بدم ... طلّاب وتر في الموت منغمس
إمّا تقارش بك الرّماح فلا ... أبكيك إلا للدّلو والمرس
تذبّ عنه كفّ بها رمق ... طيرا عكوفا كزوّر العرس
عما قليل يصبحن مهجته ... فهنّ من والغ ومنتهس
الشعر لأبي زبيد الطائيّ. والغناء لابن محرز في الأوّل والثاني خفيف ثقيل الأوّل بالسبّابة في مجرى البنصر عن إسحاق. وذكر عمرو بن بانة أنّ في الأربعة الأوّل خفيفي ثقيل كلاهما بالبنصر لمعبد وابن محرز، ووافقه الهشاميّ في لحن معبد في الأول والثاني وذكر أنّه بالوسطى. وفي كتاب ابن مسجح عن حمّاد له؛ فيه لحن يقال إنّه
__________
[1] الدني: الخسيس. وأصله دنيء بالهمز. وقد تقلب الهمزة ياء وتدغم في الياء.
[2] في ف: «و لو سلا القلب عنها صار ... ».
[3] يرويه النحويون: «و حب شي ء» على أن «حب» أفعل تفضيل حذفت همزته (راجع الحاشية الخامسة ص 299 في الجزء الرابع من هذه الطبعة).
[4] الشنان: البغض مثل الشنآن.
[5] سيرد هذا الشعر في أخبار أبي زبيد ضمن قصيدة طويلة، وسنشرح ما يحتاج إلى شرح هناك.
لابن محرز. ولابن سريج في الأوّل والخامس والسادس والسابع رمل بالوسطى عن عمرو. وذكر لنا حبش أنّ الرمل لمعبد، وذكر إسحاق أنّه لابن سريج أيضا، وأوّله:
تذبّ عنه كفّ بها رمق
وفيه لمالك في السادس والسابع خفيف ثقيل آخر. وفيه لابن عائشة رمل. وفيه لحنين ثاني ثقيل. هذه الحكايات الثلاث عن يونس، وطرائقها عن الهشاميّ. ولمخارق في الرابع والأوّل خفيف رمل. ولمتيّم في الأوّل والثاني خفيف رمل آخر. وذكر حبش أنّ لإبراهيم في الأوّل والثاني ثاني ثقيل بالوسطى، ولابن مسجح خفيف ثقيل بالوسطى.
11 - أخبار أبي زبيد ونسبه
اسم أبي زبيد ونسبه
هو حرملة بن المنذر، وقيل المنذر بن حرملة. والصحيح حرملة بن المنذر بن معد يكرب بن حنظلة بن النّعمان بن حيّة بن سعنة بن الحارث بن ربيعة بن مالك بن سكر بن هنىء بن عمرو بن الغوث بن طيّ ء بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان.
كان نصرانيا ومخضرما
وكان أبو زبيد نصرانيا وعلى دينه مات. وهو ممن أدرك الجاهليّة والإسلام فعدّ [1] في المخضرمين.
جعله ابن سلام في الطبقة الخامسة
وألحقه ابن سلام بالطبقة الخامسة من الإسلاميّين، وهم العجير السّلوليّ وذووه [2] وقد مضى أكثر أخباره مع أخبار الوليد بن عقبة بن أبي معيط [3].
كان من زوّار الملوك، وكان عثمان يقرّبه
أخبرني أبو خليفة الفضل بن الحباب الجمحيّ إجازة قال: حدّثني محمد بن سلّام الجمحيّ قال حدّثني أبو الغرّاف قال:
كان أبو زبيد الطائيّ من زوّار الملوك وخاصّة ملوك العجم، وكان عالما بسيرهم. وكان عثمان بن عفّان رضي اللّه تعالى عنه يقرّبه على ذلك ويدني مجلسه، وكان نصرانيّا. [فحضر ذات يوم عثمان وعنده المهاجرون والأنصار] [4]، فتذاكروا مآثر العرب وأشعارها.
استنشده عثمان فأنشده قصيدة فيها وصف الأسد
قال: فالتفت عثمان إلى أبي زبيد وقال: يا أخا تبّع المسيح أسمعنا بعض قولك؛ فقد أنبئت أنّك تجيد.
فأنشده قصيدته التي يقول فيها:
من مبلغ قومنا النائين إذ شحطوا ... أنّ الفؤاد إليهم شيّق ولع [5]
/و وصف [فيها] [6] الأسد. فقال عثمان رضي اللّه تعالى عنه: تاللّه تفتأ تذكر الأسد ما حييت. واللّه إنّي
__________
[1] كذا في ف. وفي سائر الأصول: «فعده» تحريف.
[2] هم العجير بن عبد اللّه السلولي، وعبد اللّه بن همام السلولي، ونافع بن لقيط الأسدي. (انظر «طبقات ابن سلام» ص 132).
[3] أخبار الوليد في الجزء الخامس من هذه الطبعة (ص 122 وما بعدها).
[4] زيادة عن «طبقات ابن سلام» (ص 133).
[5] شحطوا: بعدوا. وشيق: مشتاق.
[6] زيادة عن «طبقات ابن سلام» (ص 133)،
لأحسبك جبانا هدانا [1]. قال: كلا يا أمير المؤمنين، ولكنّي رأيت منه منظرا وشهدت منه مشهدا لا يبرح ذكره يتجدّد ويتردّد في قلبي، ومعذور أنا يا أمير المؤمنين غير ملوم. فقال له عثمان رضي اللّه عنه: وأنّى كان ذلك؟ قال:
خرجت في صيّابة [2] أشراف من أفناء [3] /قبائل العرب ذوي هيئة وشارة حسنة، ترتمي بنا المهارى [4] بأكسائها [5]، ونحن نريد الحارث بن أبي شمر الغسّانيّ ملك الشأم؛ فاخروّط [6] بنا السير في حمارّة القيظ، حتى إذا عصبت الأفواه [7]، وذبلت الشّفاه، وشالت المياه [8]، وأذكت الجوزاء المعزاء [9]، وذاب الصّيهد [10]، وصرّ الجندب [11]، وضاف العصفور الضّبّ وجاوره في حجره [12]، قال قائل: أيّها الرّكب غوّروا [13] بنا في ضوج [14] هذا الوادي،/ وإذا واد قد بدا لنا كثير الدّغل [15]، دائم الغلل [16]؛ شجراؤه مغنّة، وأطياره مرنّة [17]. فحططنا رحالنا بأصول دوحات كتهبلات [18] فأصبنا من فضلات الزّاد وأتبعناها الماء البارد. فإنّا لنصف حرّ يومنا ومماطلته [19]، إذ صرّ أقصى الخيل أذنيه [20]، وفحص الأرض بيديه. فو اللّه ما لبث أن جال، ثم حمحم [21] فبال، ثم فعل فعله الفرس الذي يليه واحدا فواحدا، فتضعضعت الخيل، وتكعكعت [22] الإبل، وتقهقرت البغال، فمن نافر بشكاله [23]، وناهض بعقاله؛ فعلمنا
__________
[1] كذا في ف، وهامش ط، «و طبقات ابن سلام». وفي «لسان العرب»، وفي «حديث عثمان»: «جبانا هدانا». والهدان (بكسر الهاء):
الأحمق الثقيل. وفي سائر الأصول: «جبانا هرابا».
[2] صباب القوم: خيارهم وسادتهم.
[3] كذا في ف، ج، «و طبقات ابن سلام». ومن أفناء قبائل العرب، أي لا يدري من أي القبائل هم، وفي سائر الأصول: «أبناء».
[4] المهاري: جمع مهرية، منسوبة إلى مهرة؛ حي من قضاعة من عرب اليمن، وقيل نسبة إلى البلد. والإبل المهرية؛ نجائب تسبق الخيل.
[5] أكساء: جمع كسي (بالضم) وهو مؤخر العجز. وفي «الطبقات»: «أنسائها».
[6] اخروّط: طال.
[7] عصبت الأفواه: جفت.
[8] شالت المياه: قلّت.
[9] المعزاء: الأرض الصلبة كثيرة الحصى.
[10] الصيهد: السراب الجاري وشدّة الحر.
[11] صر: صوّت. والجندب: الصغير من الجراد.
[12] كذا في ح، ط، م. وفي ف: «و ضاف العصفور الضب في حجره». وفي ب، س: «و أضاف العصفور الضب في وكره وجاوره في حجره» تحريف.
وقد جاء في «كتاب الحيوان» للجاحظ (ج 6 ص 38 طبعة التقدّم): «و ما أكثر ما يذكرون الضب إذا ذكروا الصيف مثل قول الشاعر:
سار أبو مسلم عنها بصرمته ... والضب في الحجر والعصفور مجتمع»
[13] غوّر الرجل: أتى الغور، وهو ما انحدر من الأرض.
[14] الضوج: منعطف الوادي.
[15] الدغل: الشجر الكثير الملتف.
[16] الغال: الماء الذي يجري بين الأشجار.
[17] مرنة: مصونة، يريد مغردة.
[18] الكنهبل (كسفرجل، وتضم باؤه): شجر عظام.
[19] مماطلته: طوله وامتداده.
[20] صر أذنيه: سوّاهما ونصبهما للاستماع.
[21] الحمحمة: صوت الفرس دون الصهيل.
[22] تكعكعت: تأخرت إلى وراء.
[23] الشكال (بالكسر): الحبل الذي تشدّ به قوائم الدابة.
أن قد أتينا وأنّه السّبع؛ ففزع كلّ رجل [1] منّا إلى سيفه فاستلّه من جربّانه [2]، ثم وقفنا [له] [3] رزدقا (أي صفّا) [4].
وأقبل أبو الحارث [5] من أجمته يتظالع في مشيته من نعته [6] كأنه مجنوب [7]، أو في هجار [8] [معصوب] [3]؛ لصدره نحيط [9]، ولبلاعمه غطيط، ولطرفه وميض، ولأرساغه نقيض [10]؛ كأنما يخبط هشيما، أو يطأ صريما [11]، وإذا هامة كالمجنّ [12]، وخدّ كالمسنّ [13]، وعينان سجراوان [14] كأنّهما سراجان/ يقدان [15] وقصره ربلة [16]، ولهزمة رهلة [17] وكتد مغبط [18]، وزور مفرط [19]؛ وساعد مجدول، وعضد مفتول؛ وكفّ شثنة البراثن [20]، إلى مخالب كالمحاجن [21]. فضرب بيده فأرهج [22]، وكشّر فأفرج، عن أنياب كالمعاول [23] مصقولة، غير مفلولة؛ وفم أشدق [24] كالغار الأخرق؛ ثم تمطّى فأسرع بيديه، وحفز [25] وركيه برجليه، حتى صار ظلّه [26] مثليه؛ ثم أقعى فاقشعرّ [27]، ثم
__________
[1] كذا في أكثر الأصول. وفي ب، س: «واحد». وفي «طبقات ابن سلام»: «امرى ء».
[2] كذا في أكثر الأصول «و طبقات ابن سلام». وجربان السيف: غمده. وفي ف، ب: «جرابه».
[3] زيادة عن ف.
[4] كذا في ف. وفي أكثر الأصول: «أرسالا» بدل: «أي صفا». والأرسال: جمع الرسل (محرّكة) أن الجماعة.
[5] أبو الحارث: كنية الأسد.
[6] كذا في أكثر الأصول. وفي «طبقات ابن سلام»: «من بعيد».
[7] المجنوب: المصاد بذات الجنب.
[8] الهجار: حبل يشد في رسغ رجل البعير ثم يشد إلى حقوه.
[9] نحيط: زفير.
[10] نقيض الأرساغ: صوتها.
[11] الصريم: الحب المقطوع من الزرع.
[12] المجن: الترس، وهو صفحة من الحديد مستديرة تحمل للوقاية من السيف ونحوه.
[13] المسن: الحجر الذي يسنّ به أو يسنّ عليه.
[14] عين سجراء: بينة السجر، وهو أن يخالط بياضها حمرة.
[15] كذا في أكثر الأصول. وفي ب، س «يتقدان».
[16] القصرة: أصل العنق إذا غلظت. والربلة: كل لحمة غليظة.
[17] اللهزمة: عظم ناتى ء، أو مضغة عليّة تحت الأذن. ورهلة: منتفخة.
[18] الكتد: ما بين الكاهل إلى الظهر. ومغبط: مرتفع.
[19] الزور: الصدر. ومفرط: جاوز قدره. يريد وصفه بضخامة الصدر.
[20] كذا في أكثر الأصول. وشثن البراثن: خشنها. والبراثن: جمع البرثن، وهو من السباع والطير بمنزلة الأصابع من الإنسان. وفي ط: «شثن البراجم». والبراجم: رؤوس السلاميات من ظهر الكف.
[21] المحجن: العصا المنعطفة الرأس كالصولجان.
[22] أرهج: أثار الغبار.
[23] المعاول: جمع المعول، وهو الفأس العظيمة التي ينقر بها الصخر.
[24] فم أشدق: واسع الشدقين.
[25] حفز: دفع.
[26] في ف: «طوله».
[27] أقعى: جلس على استه. واقشعر: تقلص جلده وقف شعره.
مثل فاكفهرّ [1]، ثم تجهّم فازبأرّ [2]. فلاوذو [3] بيته في السماء ما اتّقيناه إلا بأوّل أخ [4] لنا من فزارة، كان ضخم الجزارة [5]، فوقصه [6] ثم نفضه نفضة فقضقض متنيه [7]، فجعل يلغ في دمه. فذمرت أصحابي [8]، فبعد لأي ما استقدموا. فهجهجنا [9] به، فكرّ مقشعرّا بزبرته [10]، كأنّ به شيهما حوليّا [11]، فاختلج رجلا أعجر ذا حوايا [12]، فنفضه/ نفضة تزايلت [منها] [13] مفاصله، ثم نهم ففرفر [14]، ثم زفر فبربر [15]، ثم زأر فجرجر [16]، ثم لحظ [17]، فو اللّه لخلت البرق يتطاير من تحت جفونه، من عن شماله ويمينه. فأرعشت الأيدي، واصطكّت الأرجل، وأطّت الأضلاع [18]، وارتجّت الأسماع، وشخصت العيون، وتحقّقت الظّنون، وانخزلت المتون. فقال له عثمان: اسكت قطع اللّه لسانك! فقد أرعبت قلوب المسلمين.
خوفه من الأسد
أخبرني محمد بن العبّاس اليزيديّ قال حدّثنا الخليل بن أسد قال حدّثني العمريّ قال حدّثني شعبة قال:
قلت للطّرمّاح بن حكيم: ما شأن أبي زبيد وشأن الأسد؟ فقال: إنّه لقيه بالنّجف [19]، فلمّا رآه [20] سلح من فرقه - وقال مرة أخرى: فسلّحه - فكان بعد ذلك يصفه كما رأيت.
شعره في ضربة المكاء
أخبرني أبو خليفة عن محمد بن سلّام قال حدّثني أبي عمن يثق به أنّ رجلا من طيّىء من بني حيّة نزل به رجل من بني الحارث بن ذهل بن شيبان يقال له المكّاء [21]؛ فذبح له شاة وسقاه الخمر، فلما سكر الطائيّ قال: هلمّ
__________
[1] مثل: قام منتصبا. واكفهر: كشر.
[2] تجهم: صار وجهه كريها. وازبأر: تنفش حتى ظهرت أصول وبر شعره.
[3] ذو: بمعنى الذي في لغة طيى ء.
[4] كذا في ف. وفي «طبقات ابن سلام»: «إلا بأخ». وفي ج، ط، م: «ما اتقيناه بأول أخ». وفي ب، ص: «ما اتقيناه بأخ». تحريف.
[5] ضخم الجزارة: كبير الرأس واليدين والرجلين. يريد أنه عظيم الجسم.
[6] وقصه: دق عنقه.
[7] قضقض متنيه: كسر متني الظهر، وهما مكتنفا الصلب عن يمين وشمال من عصب ولحم.
[8] ذمر أصحابه: لامهم وحضهم وحثهم.
[9] هجهجنا به: صحنا به وزجرناه ليكف.
[10] كذا في ف. والزبرة: الشعر المجتمع بين كتفي الأسد. وفي سائر الأصول: «بزبره».
[11] الشيهم: ما عظم شوكه من ذكور القنافذ. والحولي: ما أتى عليه حول.
[12] اختلج رجلا: انتزعه. وأعجز: ممتلىء جدا، أو عظيم البطن. والحوايا: الأمعاء.
[13] زيادة عن ف.
[14] نهم: أخرج صوتا كالأنين. وفرفر: صاح.
[15] زفر: أخرج صوتا بعد مدّه إياه. وبربر؛ صاح.
[16] جرجر: ردّد صوته في حنجرته.
[17] لحظ: نظر بمؤخر العين عن يمين ويسار غاضبا.
[18] أطت الأضلاع: صوّتت.
[19] النجف (بالتحريك): قال السهيلي: «بالفرع» عينان يقال لأحدهما الربض وللأخرى النجف تسقيان عشرين ألف نخلة، وهو بظهر الكوفة كالمسناة تمنع مسيل الماء أن يعلو الكوفة ومقابرها. «راجع معجم البلدان».
[20] كذا في ف. وفي سائر الأصول: «لقيه».
[21] في ف هنا وفيما يأتي: «البكاء». تحريف «راجع خزانة الأدب» (ج 2 ص 153 - 154).
أفاخرك: أبنو حيّة أكرم/ أم بنو شيبان؟ فقال له الشيباني: حديث [حسن] [1]، ومنادمة كريمة أحبّ إلينا من المفاخرة. فقال/ الطائي: واللّه ما مدّ رجل قطّ يدا أطول من يدي. فقال الشيبانيّ: واللّه لئن أعدتها لأخضبنّها من كوعها. فرفع الطائيّ يده، [فضربها الشيباني بسيفه فقطعها] [2]. فقال أبو زبيد في ذلك:
خبّرتنا الرّكبان [3] أن قد فخرتم ... وفرحتم بضربة المكّاء
ولعمري لعارها كان أدنى ... لكم من تقى وحقّ وفاء
ظلّ ضيفا أخوكم لأخينا ... في صبوح ونعمة وشواء [4]
ثم لما رآه رانت به الخم ... ر وأن لا يريبه باتّقاء [5]
لم يهب حرمة النّديم وحقّت ... يا لقوم للسّوءة السوءاء [6]
ما قاله في كلبه أكدر حين لقيه الأسد فقتله
أخبرني محمد بن العباس اليزيديّ قال حدّثني عمي عبيد اللّه عن محمد بن حبيب عن ابن الأعرابيّ قال:
كان لأبي زبيد كلب يقال له أكدر، وكان له سلاح يلبسه أيّاه، فكان لا يقوم له الأسد، فخرج ليلة قبل أن يلبسه سلاحه، فلقيه الأسد فقتله، ويقال: أخذه فأفلت منه، فقال عند ذلك أبو زبيد:
/أحال أكدر مختالا كعادته [7] ... حتى إذا كان بين البئر والعطن [8]
لاقى لدى ثلل الأطواء داهية ... أسرت وأكدر تحت الليل في قرن [9]
حطّت به شيمة ورهاء تطرده ... حتى تناهى إلى الحولات في السّنن [10]
إلى مقابل خطو السّاعدين له ... فوق السّراة كذفرى الفالج القمن [11]
رئبال غاب فلا قحم ولا ضرع ... كالبغل يحتطم العلجين [12] في شطن
__________
[1] زيادة عن ح، ف.
[2] زيادة عن ف.
[3] الركبان: جمع ركب. والركب: أصحاب الإبل في السفر دون الدواب، وهم العشرة فما فوقها. ويجمع على أركب أيضا.
[4] الصبوح: ما أصبح عند القوم من الشراب فشربوه. والنعمة (بالفتح): التنعم والتمتع.
[5] أي ورأى أنه لا يريبه باتقاء.
[6] السوءة: ما يقبح كشفه. والسوءة السوءاء (مثل الليلة الليلاء): الخصلة القبيحة. ويا لقوم: استغاثة من هذه الفضيحة؛ وهي هتك حرمة النديم. ورواية «الخزانة»: «يا لقومي».
[7] أحال: أقبل. في الأصول: «مشيا لا لعادته». وانظر «الحيوان» (2: 274) طبعة الحلبي.
[8] العطن: مناخ الإبل حول الورد.
[9] كذا في أكثر الأصول. وثلة البئر: ما أخرج من ترابها، جمعه: ثلل. والأطواء: واحده الطوي، البئر المطوية بالحجارة. وأسرت:
سارت ليلا والقرن: الحبل يجمع به البعيران.
[10] الشيمة: الطبيعة والخلق والعادة. وورهاء: حمقاء أو خرقاء. والحولات: جمع حولة، بالضم، وهي الداهية.
[11] الفالج: البعير ذو السنامين. والقمن: السريع.
[12] في ف: «حطمه العلجان».
لامه قومه على كثرة وصفه الأسد مخافة أن تسبهم العرب فأجابهم
وهي قصيدة طويلة. فلامه قومه على كثرة وصفه للأسد، وقالوا له: قد خفنا أن تسبّنا العرب بوصفك له.
قال: لو رأيتم منه ما رأيت أو لقيكم ما لقي أكدر لما لمتموني. ثم أمسك عن وصفه فلم يصفه بعد ذلك في شعره حتى مات.
وصف النعمان بن المنذر وذكر ما حدث في مجلس له
أخبرني عليّ بن سليمان الأخفش قال حدّثني أبو سعيد السكّريّ قال حدّثني هارون بن مسلم بن سعدان أبو القاسم قال حدّثنا هشام ابن الكلبيّ قال: كان الأجلح الكنديّ يحدّث عن عمارة بن قابوس قال:
لقيت أبا زبيد الطائيّ فقلت له: يا أبا زبيد هل أتيت النّعمان بن المنذر؟ قال إي واللّه لقد أتيته وجالسته. قال قلت: فصفه لي. فقال: كان أحمر أزرق أبرش قصيرا. فقلت له: باللّه أخبرني أيسرّك أنه سمع مقالتك هذه وأنّ لك حمر النّعم؟ قال: لا واللّه ولا سودها؛ فقد رأيت ملوك حمير في ملكها، ورأيت ملوك غسّان في ملكها، فما رأيت أحدا قطّ كان أشدّ عزّا منه. وكان ظهر الكوفة ينبت الشقائق، فحمى ذلك المكان، فنسب إليه فقيل «شقائق النّعمان».
/ فجلس ذات يوم هناك وجلسنا بين يديه كأنّ على رؤوسنا الطّير، وكأنه باز. فقام رجل من الناس فقال له:
أبيت اللعن! أعطني فإنّي محتاج. فتأمّله طويلا ثم أمر به فأدنى حتّى قعد بين يديه، ثم دعا بكنانة فاستخرج منها مشاقص [1] فجعل يجأبها في وجهه [2] حتى سمعنا قرع العظام، وخضبت لحيته وصدره بالدم، ثم أمر به فنحّي.
ومكثنا مليّا.
ثم نهض آخر فقال له: أبيت اللّعن! أعطني. فتأمّله ساعة ثم قال: أعطوه ألف درهم، فأخذها وانطلق.
ثم التفت عن يمينه/ ويساره وخلفه، فقال: ما قولكم في رجل أزرق أحمر يذبح على هذه الأكمة، أترون دمه سائلا حتى يجري في هذا الوادي؟ فقلنا له: أنت - أبيت اللعن - أعلى برأيك عينا. فدعا برجل على هذه الصّفة فأمر به فذبح.
ثم قال: ألا تسألوني عما صنعت؟ فقلنا: ومن يسألك - أبيت اللعن - عن أمرك وما تصنع؟ فقال:
أما الأوّل فإني خرجت مع أبي نتصيّد، فمررت به وهو بفناء بابه وبين يديه عسّ من شراب أو لبن، فتناولته لأشرب منه، فثار إليّ فهراق الإناء فملا وجهي وصدري، فأعطيت اللّه عهدا لئن أمكنني منه لأخضبنّ لحيته وصدره من دم وجهه.
وأما الآخر فكانت له عندي يد كافأته بها، ولم أكن أثبته، فتأمّلته حتى عرفته [3].
وأما الذي ذبحته فإنّ عينا لي بالشام كتب إليّ: إنّ جبلة بن الأيهم قد بعث إليك برجل صفته كذا وكذا ليغتالك. فطلبته أياما فلم أقدر عليه، حتى كان اليوم.
__________
[1] المشقص، كمنبر: نصل عريض أو سهم فيه ذلك.
[2] الوج ء: الضرب.
[3] أثبته: عرفه حق المعرفة. والكلام من «و لم أكن» إلى هنا ساقط من ف.
مات نديم له في غيبته فرثاه وصب الخمر على قبره
أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه قال:
كان لأبي زبيد نديم يشرب معه بالكوفة، فغاب أبو زبيد غيبة، ثم رجع فأخبر بوفاته، فعدل إلى قبره قبل دخوله منزله، فوقف عليه ثم قال:
يا هاجري إذا جئت زائره ... ما كان من عاداتك الهجر
يا صاحب القبر السّلام على ... من حال دون لقائه القبر
ثم انصرف. وكان بعد ذلك يجيء إلى قبره فيشرب عنده ويصبّ الشراب على قبره.
والأبيات التي فيها الغناء المذكور يقولها في غلام له قتلته تغلب، وكان مجاورا فيهم، فدلّ بهراء على عورتهم وقاتلهم معهم فقتل.
شعره في غلبة تغلب على بهراء وقتل غلامه
أخبرني بخبره أبو خليفة قال حدّثني محمد بن سلام. وأخبرني محمد بن العباس اليزيديّ عن عمه عبيد اللّه عن محمد بن حبيب عن ابن الأعرابيّ قال:
كان أخوال أبي زبيد بني تغلب، وكان يقيم فيهم أكثر أيامه، وكان له غلام يرعى إبله، فغزت بهراء بني تغلب، فمرّوا بغلامه، فدفع إليهم إبل أبي زبيد وقال: انطلقوا أدلّكم على عورة القوم وأقاتل معكم. ففعلوا، والتقوا، فهزمت بهراء وقتل الغلام، فقال أبو زبيد هذه القصيدة وهي:
هل كنت في منظر ومستمع ... عن نصر بهراء غير ذي فرس
تسعى إلى فتية الأراقم واس ... ستعجلت قبل الجمان والقبس [1]
في عارض من جبال بهرائها ال ... أولى [2] مرين الحروب [3] عن درس [4]
/فبهرة من لقوا حسبتهم ... أحلى وأشهى من بارد الدّبس [5]
لا ترة عندهم فتطلبها ... ولا هم نهزة لمختلس
جود كرام إذا هم ندبوا ... غير لئام ضجر ولا كسس [6]
صمت عظام الحلوم إن قعدوا ... عن غير عيّ بهم ولا خرس
تقود أفراسهم نساؤهم ... يزجون أجمالهم مع الغلس
__________
[1] كذا في أكثر الأصول. وفي ط: «الحمار والعبس». وفي ف هنا وفيما سيأتي: «الحمار والعلس». والجمان والقبس: ناقتان. (انظر ص 138 من هذا الجزء).
[2] الأولى: الذين.
[3] كذا في ف. ومرين الحروب: حلبنها، والمراد أنهم تمرسوا بالحرب. وفي سائر الأصول: «مرين الحرور».
[4] درس جمع درسة بالضم. كغرفة وغرف، وهي الرياضة.
[5] بهرة، أراد بهراء. الدبس، بالكسر وبكسرتين: عسل التمر وعصارته.
[6] كسس: جمع أكسس، أي ليس فيهم خروج الأسنان السفلى على الحنك الأسفل.
صادفت لمّا خرجت منطلقا ... جهم المحيّا كباسل شرس
تخال في كفّه مثقّفة ... تلمع فيها كشعلة القبس [1]
/بكفّ حرّان ثائر بدم ... طلّاب وتر في الموت منغمس
إمّا تقارن بك الرماح فلا ... أبكيك إلّا للدّلو والمرس [2]
حمدت أمري ولمت أمرك إذ ... أمسك جلز السّنان بالنفس [3]
وقد تصلّيت حرّ نارهم ... كما تصلّى المقرور من قرس [4]
تذبّ عنه كفّ بها رمق ... طيرا عكوفا كزوّر العرس [5]
عما قليل علون جثّته ... فهنّ من والغ ومنتهس [6]
أخذ دية غلامه ثمن إبله من تغلب وقال شعرا
فلما فرغ أبو زبيد من قصيدته بعثت إليه بنو تغلب بدية غلامه وما ذهب من إبله، فقال في ذلك:
ألا أبلغ بني عمرو رسولا ... فإنّي في مودّتكم نفيس
/ هكذا ذكر ابن سلّام في خبره، والقصيدة لا تدلّ على أنها قيلت فيمن أحسن إليه وودى غلامه وردّ عليه ماله. وفي رواية ابن حبيب:
ألا أبلغ بني نصر بن عمرو
وقوله أيضا فيها:
فما أنا بالضعيف فتظلموني ... ولا جافي اللقاء ولا خسيس [7]
أفي حقّ مواساتي أخاكم ... بمالي ثم يظلمني السريس
- السريس: الضعيف الذي لا ولد له - وهذا ليس من ذلك الجنس. ولعل ابن سلام وهم.
من المعمرين
وأبو زبيد أحد المعمّرين، ذكر ابن الكلبي أنه عمر مائة وخمسين سنة.
أخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد عن أبيه عن ابن الكلبيّ عن أبيه قال: كان طول أبي زبيد ثلاثة عشر شبرا.
__________
[1] مثقفة: ثقف الرمح أي قومه وسواه.
[2] للدلو: أي لملئها. والمرس: جمع مرسة بالتحريك، وهو الحبل.
[3] جلز السنان: الحلقة المستديرة في أسفله.
[4] المقرور: الذي أصابه البرد. والقرس: البرد الشديد.
[5] الزور: جمع الزائر. والعرس: طعام الوليمة.
[6] الوالغ: الشارب بأطراف لسانه.
[7] خسيس: بالرفع عطفا على المحل بجعل ما تميمية، وبالجر عطفا على اللفظ فيكون في البيت إقواه.
كان يدخل مكة متنكرا لجماله
أخبرني أحمد بن عبد العزيز وأحمد بن عبيد اللّه بن عمار قالا حدثنا محمد بن عبد اللّه العبديّ أبو بكرة قال حدّثني أبو مسعر الجشميّ عن ابن الكلبيّ قال:
كان أبو زبيد الطائيّ ممّن إذا دخل مكّة دخلها متنكرا لجماله.
منادمته الوليد بن عقبة بعد اعتزال الوليد عليا ومعاوية
وأخبرني إبراهيم بن محمد بن أيوب قال حدّثنا محمد بن عبد اللّه بن مسلم قال:
لما صار الوليد بن عقبة إلى الرّقّة واعتزل عليّا عليه السلام ومعاوية، صار أبو زبيد إليه، فكان ينادمه، وكان يحمل في كل أحد إلى البيعة مع النصارى. فبينا هو يوم أحد يشرب والنصارى حوله رفع بصره إلى السماء فنظر ثم رمى بالكأس من يده وقال:
إذا جعل المرء الذي كان حازما ... يحلّ به حلّ الحوار ويحمل [1]
/فليس له في العيش خير يريده ... وتكفينه ميتا أعفّ وأجمل
دفن مع الوليد بن عقبة بوصية منه
ومات فدفن هناك على البليخ [2]. فلما حضرت الوليد بن عقبة الوفاة أوصى أن يدفن إلى جنب أبي زبيد. وقد قيل: إن أبا زبيد مات بعد الوليد؛ فأوصى أن يدفن إلى جنب الوليد.
[قال ابن الكلبيّ في خبره الذي ذكره إسحاق عنه:
هرب أبو زبيد من الإسلام فجاور بهراء فاستأجر منهم أجيرا لإبله فكان يقبّله [3] حلب الجمان والقيس [4]، وهما ناقتان كانتا له. فلما كان يوم حابس، وهو اليوم الذي التقت فيه بهراء وتغلب خرج أجير أبي زبيد مع بهراء، فقتل وانهزمت بهراء، فمرّ أبو زبيد به وهو يجود بنفسه، فقال فيه هذه القصيدة] [5].
أخبرني محمد بن يحيى ويحيى بن علي الأبوابيّ المدائنيّ قالا حدّثنا عقبة المطرفيّ قال:
كنا في الحمام ومعي ابن السّعديّ وأنا أقرأ القرآن، فدخل سعد الرّواسي [6] فغنى:
قد كنت في منظر ومستمع ... عن نصر بهراء غير ذي فرس
فقال ابن السعديّ: اسكت اسكت! فقد جاء حديث يأكل الأحاديث.
أوصى له الوليد بن عقبة حين احتضر بالخمر ولحوم الخنازير
[أخبرني عمي والحسن بن عليّ قالا حدّثني العمري قال حدّثني أحمد بن حاتم قال حدّثني محمد بن عمرو
__________
[1] الحوار بالضم والكسر: ولد الناقة قبل أن يفصل عنها. ويقال حل به حلا: جعله يحل.
[2] البليخ: نهر بالرقة يجتمع فيه الماء من عيون (انظر «معجم ياقوت»).
[3] من قولهم قبلت العامل العمل، أي جعلته في كفالته.
[4] في الأصول: «الحمار والعلس». وانظر ما سبق في صفحة 135.
[5] التكملة من نسخة ف.
[6] ما عدا ف: «الرواس».
الجمّاز قال حدّثني أبو عبيدة عن يونس وأبي الخطّاب النحوي: أن الوليد بن عقبة بن أبي معيط أوصى لما احتضر لأبي زبيد بما يصلحه في فصحه [1] وأعياده، من الخمر ولحوم الخنازير وما أشبه ذلك. فقال أهله وبنوه لأبي زبيد:
قد علمت أنّه لا يحلّ لنا هذا في ديننا، وإنما فعله إكراما/ لك وتعظيما لحقّك، فقدّره لنفسك ما شئت أن تعيش، وقوّم ما أوصى به لك حتّى نعطيك قيمته ولا تفضحنا وتفضح آباءنا بهذا، واحفظه واحفظنا فيه، ففعل أبو زبيد ذلك، وقبله منهم] [2].
صوت
/هل تعرف الدار من عامين أو عام ... دار لهند بجزع الحرج فالدام [3]
تحنو لأطلائها عين ملمّعة ... سفع الخدود بعيدات من الرامي [4]
الحرج والدام: موضعان، ويروي «مذ عامين». وهذا الأجود، وكلاهما رومي. وعين: بقر. وأطلاؤها:
أولادها، واحدها طلا. ويروى: «بعيدات من الذام» هو الذي يذم.
الحطيئة يمدح أبا موسى الأشعريّ حين توليته العراق
الشعر للحطيئة يمدح به أبا موسى الأشعريّ لما ولّاه عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه العراق [5]. والغناء لمالك، خفيف رمل مطلق في مجرى الوسطى عن إسحاق. وذكر أنّ فيه لابن جامع أيضا صنعة.
قال محمد بن حبيب: أتى الحطيئة أبا موسى يسأله أن يكتبه معه، فأخبره أنّ العدّة قد تمت، فمدحه الحطيئة بهذه القصيدة التي ذكرتها، وأوّلها:
هل تعرف الدار من عامين أو عام ... دار لهند بجزع الحرج فالدام
وفيها يقول:
وجحفل كسواد الليل منتجع ... أرض العدوّ ببؤس بعد إنعام
جمعت من عامر فيه ومن أسد ... ومن تميم ومن جاء ومن حام
- حاء من مذحج، وحام من خثعم -
وما رضيت لهم حتى رفدتهم ... من وائل رهط بسطام بأصرام [6]
/فيه الرماح وفيه كلّ سابغة ... جدلاء محكمة من نسج سلّام
- يعني سليمان النبي -
__________
[1] أي في عيد الفصح، وهو عيد من أعياد النصارى. وانظر تحقيقه في «الحيوان» (4: 534).
[2] التكملة من ف.
[3] ف: «دارا» بالنصب. والحرج ضبطه ياقوت بالفتح، والبكري بالضم. على أن الذي يقرن بالدام هو الخرج بالخاء، كما عند البكري.
[4] الملمعة: التي فيها بقع تخالف سائر لونها وقيل بقعة من السواد خاصة.
[5] ف: «الكوفة».
[6] أصرام: جماعات.
وكلّ أجرد كالسّرحان أضمره ... مسح الأكفّ وسقى بعد إطعام [1]
مستحقبات رواياها جحافلها ... يسمو بها أشعريّ طرفه سام [2]
- الروايا: الإبل التي تحمل أثقالهم وأزوادهم، وتجنب [3] الخيل إليها فتضع حجافلها [4] على أعجاز الإبل -
لا يزجر الطّير إن مرّت به سنحا ... ولا يفيض على قدح بأزلام [5]
وقال المدائني: لما مدح الحطيئة أبا موسى رضي اللّه عنه بهذه القصيدة وصله أبو موسى - وقد كان كتب من أراد وكملت العدّة - فبلغ ذلك عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه فكتب يلومه، فكتب إليه: إني اشتريت منه عرضي، فكتب إليه: أحسنت. قال: وزاد فيه حمّاد الراوية أنه - يعني نفسه - أنشدها بلال بن أبي بردة ولم يكن عرفها فوصله.
أخبرني القاضي أبو خليفة إجازة قال حدّثنا محمد بن سلام قال أخبرني أبو عبيدة عن يونس قال:
قدم حماد الراوية البصرة على بلال بن أبي بردة وهو عليها فقال له: ما أطرفتني شيئا يا حمّاد! فعاد إليه فأنشده قول الخطيئة في أبي موسى، فقال له: ويحك! يمدح الحطيئة أبا موسى وأنا أروي شعره كله ولا أعلم بهذه؟
أدعها تذهب في الناس.
وكانت ولاية أبي موسى الكوفة بعد أن أخرج أهلها سعيد بن العاصي عنها، وتحالفوا ألا يولّوا عليها إلا من يريدون [6].
وجوه أهل الكوفة من القراء يختلفون إلى سعيد بن العاص واختلافهم في تفضيل السهل على الجبل وما ترتب على ذلك
أخبرني بالسبب في ذلك أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ قال حدّثني عمر بن شبّة قال حدّثنا المدائني عن أبي مخنف عن عبد الملك بن نوفل بن مساحق قال:
كان قوم من وجوه أهل الكوفة من القرّاء يختلفون إلى سعيد بن العاص ويسألونه، فتذاكروا يوما السهل والجبل، فقال حسان بن محدوج: سهلنا خير من جبلنا: أكثر برّا وشعيرا، فيه أنهار مطّردة، ونخل باسقات، وقلّت فاكهة ينبتها الجبل إلا والسهل ينبت مثلها. فقال له/ عبد الرحمن بن حبيش: صدقتم، وددت أنه للأمير وأنّ لكم أفضل منه. فقال الأشتر: تمنّ للأمير أفضل ولا تتقرّب إليه بأموالنا، فقال: ما ضرّك ذلك. واللّه لو يشاء أن يكون له لكان. قال كذبت واللّه لو أراد ذلك ما قدر عليه. فقال سعيد: واللّه ما السواد إلا بستان لقريش، ما شئنا أخذنا منه،
__________
[1] السرحان: الذئب.
[2] مستحقبات، من استحقب الشي ء: شدّه في مؤخر الرحل واحتمله خلفه.
[3] تجنب إليها: تقاد إلى جنبها.
[4] جحافلها: شفاها.
[5] الأزلام: جمع زلم، وهو القدح الذي كان يستسقم به.
[6] في ف: «يختارون».
وما شئنا تركنا. فقال له الأشتر: أنت تقول هذا أصلحك اللّه وهذا من مركز رماحنا وفيئنا! ثم ضربوا عبد الرحمن ابن حبيش حتى سقط.
قال المدائني فحدّثني عليّ بن مجاهد عن محمد بن إسحاق عن الشعبي [و مجالد بن حمزة بن بيض عن الشعبيّ] [1] قال: بينا القرّاء عند سعيد بن العاص وهم يأكلون تمرا وزبدا إذ قال سعيد: السواد بستان قريش، فما شئنا أخذنا منه وما شئنا تركنا. فقال له عبد الرحمن بن حبيش وكان على شرطة سعيد: صدق الأمير. فوثب عليه القرّاء فضربوه، وقالوا له: يا عدوّ اللّه، يقول الباطل وتصدقه! فقال سعيد: اخرجوا من داري. فخرجوا، فلما أصبحوا أتو المسجد فداروا على الحلق فقالوا: إن أميركم زعم أنّ السواد بستان له ولقومه وهو فيئنا ومركز رماحنا، فو اللّه ما على هذا بايعنا ولا عليه أسلما. فكتب سعيد إلى عثمان رضي اللّه عنه: إنّ قبلي قوما يدعون القرّاء وهم السفهاء، وثبوا على صاحب/ شرطتي فضربوه واستخفوا بي. ومنهم عمرو بن زرارة، وكميل بن [زياد، والأشتر وحرفوص بن هبيرة، وشريح بن أوفى، ويزيد بن] [2] المكفّف، وزيد وصعصعة ابنا صوحان وجندب بن عبد اللّه.
فكتب إليهم عثمان رضي اللّه عنه يأمرهم أن يخرجوا إلى الشام ويغروا مغازيهم. وكتب إلى سعيد: قد كفيتك الذي أردت فأقرئهم كتابي فإني أراهم لا يخالفون إن شاء اللّه، واتق اللّه جلّ وعز وأحسن السيرة. فأقرأهم الكتاب، فخرجوا إلى دمشق فأكرمهم معاوية وقال: إنكم قدمتم بلدا لا يعرف أهله إلا الطاعة فلا تجادلوهم فتدخلوا الشكّ قلوبهم. فقال له الأشتر: إنّ اللّه جل وعز قد أخذ على العلماء في علمهم ميثاقا أن يبيّنوه للناس ولا يكتموه. فإن سألنا سائل عن شيء نعلمه لم نكتمه. فقال: قد خفت أن تكونوا مرصدين للفتنة، فاتقوا اللّه وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ
فقال عمرو بن زرارة: نحن الذين هدى اللّه. فأمر معاوية بحبسهم.
فقال له زيد بن صوحان: إن الذين أشخصونا إليك لم يعجزوا عن حبسنا لو أرادوا. فأحسنوا جوارنا، وإن كنا ظالمين فنستغفر اللّه، وإن كنا مظلومين فنسأل اللّه العافية. فقال له معاوية: إني لا أرى حبسك أمرا صالحا، فإن أحببت أن آذن لك فترجع إلى مصرك وأكتب إلى أمير المؤمنين بإذنك فعلت. قال حسبي أن تأذن لي وتكتب إلى سعيد. فكتب إليه، فأذن له، فلما أراد زيد الشخوص كلّمه في الأشتر وعمرو بن زرارة فأخرجهما. وأقام القوم بدمشق لا يرون أمرا يكرهونه؛ ثم أشخصهم معاوية إلى حمص، فكانوا بها، حتى أجمع أهل الكوفة على إخراج سعيد فكتبوا إليهم فقدموا.
قال أبو زيد قال المدائني حدّثني الوقاصي عن الزّهري:
أن أهل الكوفة لما قدموا على عثمان يشكون سعيدا قال لهم: أكتب إليه فأجمع بينكم وبينه. ففعل، فلم يحقّقوا عليه شيئا إلا قوله: «السواد بستان/ قريش»، وأثنى الآخرون عليه. فقال عثمان: أرى أصحابكم/ يسألون إقراره، ولم يثبتوا عليه إلا كلمة واحدة، لم ينتهك بها لأحد حرمة. ولا أرى عزله إلا أن تثبتوا عليه ما لا يحلّ لأحد تركه معه. فانصرفوا إلى مصركم. فرجع سعيد والفريقان معه، وتقدّمهم عليّ بن الهيثم السدوسيّ حتى دخل رحبة المسجد فقال: يا أهل الكوفة إنا أتينا خليفتنا فشكونا إليه عاملنا، ونحن نرى أنه سيصرفه عنا، فردّه إلينا وهو يزعم أن السواد بستان له. وأنا امرؤ منكم أرضى إذا رضيتم. فقالوا لا نرضى.
__________
[1] التكملة من ف.
[2] التكملة من ف.
الأشتر يخطب محرضا على عثمان
وجاء الأشتر فصعد المنبر فخطب خطبة ذكر فيها النبي صلى اللّه عليه وسلم وأبا بكر وعمر رضي اللّه عنهما، وذكر عثمان رضي اللّه عنه فحرّض عليه ثم قال: من كان يرى أنّ للّه جل وعز حقا فليصبح بالجرعة، ثم قال لكميل بن زياد: انطلق فأخرج ثابت بن قيس بن الخطيم، فأخرجه. واستعمل أهل الكوفة. أبا موسى الأشعريّ.
عثمان يخضع لقوة الرأي فيعزل سعيدا ويولي أبا موسى
أخبرني أحمد قال حدّثنا عمر قال حدّثنا عفّان قال حدّثنا أبو محصن قال حدّثنا حصين بن عبد الرحمن قال حدّثني جهيم قال:
أنا شاهد للأمر، قالوا لعثمان: إنك استعملت أقاربك. قال: فليقم أهل كلّ مصر فليسلموا صاحبهم. فقام أهل الكوفة فقالوا: اعزل عنا سعيدا واستعمل علينا أبا موسى الأشعريّ. ففعل.
ثناء امرأة على سعد بن أبي وقاص
قال أبو زيد: وكان سعيد قد أبغضه أهل الكوفة لأمور: منها أن عطاء النساء بالكوفة كان مائتين مائتين فحطّه سعيد إلى مائة مائة. فقالت امرأة من أهل الكوفة تذمّ سعيدا وتثني على سعد بن أبي وقّاص:
فليت أبا إسحاق كان أميرنا ... وليت سعيدا كان أول هالك [1]
يحطّط أشراف النساء ويتقي ... بأبنائهن مرهفات النّيازك [2]
هدية سعيد بن العاص إلى علي بن أبي طالب
حدّثني العباس بن علي بن العباس ومحمد بن جرير الطبري قالا حدّثنا يحيى بن معين قال حدّثنا أبو داود وأخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثنا أبو داود قال حدّثنا شعبة بن عمرو بن مرّة قال سمعت أبا وائل يحدّث عن الحارث بن حبيش قال: بعثني سعيد بن العاص بهدايا إلى المدينة وبعثني إلى علي عليه السلام وكتب إليه: إني لم أبعث إلى أحد بأكثر مما بعثت به إليك إلا شيئا في خزائن أمير المؤمنين. قال: فأتيت عليّا فأخبرته، فقال: لشدّ ما تحظر بنو أمية تراث محمد صلى اللّه عليه وسلم. أما واللّه لئن وليتها لأنفضنّها نفض القصّاب لتراب الوذمة.
قال أبو جعفر: هذا غلط إنما هو لوذام [3] التّربة.
قال أبو زيد وحدّثني عبد اللّه بن محمد بن حكيم الطائي عن السعدي عن أبيه قال: بعث سعيد بن العاص مع ابن أبي عائشة مولاه بصلة إلى عليّ بن أبي طالب عليه السلام: فقال: واللّه لا يزال غلام من غلمان بني أميّة يبعث إلينا مما أفاء اللّه على رسوله بمثل قوت الأرملة، واللّه لئن بقيت لأنفضنّها نفض القصّاب لوذام التربة. هكذا في هذه الرواية.
__________
[1] أبو إسحاق: كنية سعد بن أبي وقاص كما في «الإصابة» (ج 3 ص 83).
[2] النيازك: جمع نيزك، وهو الرمح القصير.
[3] الوذام: جمع وذمة: قطعة الكرش. والتربة: الكرش: «اللسان» (و ذم).
صوت
ربّ وعد منك لا أنساه لي ... أوجب الشّكر وإن لم تفعلي
أقطع الدّهر بظنّ حسن ... وأجلّي غمرة ما تنجلي
/ كلّما أمّلت يوما صالحا ... عرض المكروه لي في أملي
وأرى الأيّام لا تدني الّذي ... أرتجي منك وتدني أجلي
عروضه من الرمل؛ الشّعر لمحمد بن أميّة، والغناء لأبي حشيشة، رمل طنبوريّ وفيه لحن لحسين بن محرز ثاني ثقيل بالوسطى عن أبي عبد اللّه الهشاميّ.
12 - أخبار محمّد بن أميّة وأخبار أخيه عليّ بن أمية وما يغنّى فيه من شعرهما
نسب محمد بن أمية
سألت أحمد بن جعفر جحظة عن نسبه قلت له: إنّ النّاس يقولون ابن أمية وابن أبي أمية؛ فقال: هو محمد ابن أمية بن أبي أميّة.
منادمته إبراهيم بن المهدي
قال: وكان محمد كاتبا شاعرا ظريفا، وكان ينادم إبراهيم بن المهديّ، وربما عاشر عليّ بن هشام، إلّا أنّ انقطاعه كان إلى إبراهيم، وربّما كتب بين يديه. وكان حسن الخطّ والبيان. وكان أميّة بن أبي أمية يكتب للمهديّ على بيت المال. وكان إليه ختم الكتب بحضرته، وكان يأنس به لأدبه وفضله، ومكانه من ولائه، فزامله أربع دفعات حجّها في ابتدائه ورجوعه.
قال جحظة: وحدّثني بذلك أبو حشيشة.
إعجاب أبي العتاهية به في حضرة إبراهيم بن المهدي
وحدّثني جحظة أيضا قال حدّثني أبو حشيشة عن محمد بن عليّ بن أمية قال حدّثني عمي محمد بن أمية قال:
كنت جالسا بين يدي إبراهيم بن المهديّ، فدخل إليه أبو العتاهية وقد تنسّك ولبس الصوف وترك قول الشعر إلّا في الزّهد، فرفعه إبراهيم وسرّ به، وأقبل عليه بوجهه وحديثه؛ فقال له أبو العتاهية: أيّها الأمير بلغني خبر فتى في ناحيتك ومن مواليك يعرف بابن أمية يقول الشعر، وأنشدت له شعرا أعجبني، فما فعل؟ فضحك إبراهيم ثم قال: لعله أقرب الحاضرين مجلسا منك. فالتفت إلي فقال لي: أنت هو فديتك؟ فتشوّرت [1] وخجلت وقلت له:
أنا محمد بن أمية جعلت فداءك! وأمّا الشعر فإنما أنا شابّ أعبث بالبيت والبيتين والثلاثة كما يعبث الشابّ؛ فقال لي: فديتك، ذلك/ واللّه زمان الشعر وإبّانه، وما قيل فيه فهو غرره وعيونه، وما قصر من الشعر وقيل في المعنى الذي تومىء إليه أبلغ وأملح. وما زال ينشّطني ويؤنسني حتى رأى أني قد أنست به، ثم قال لإبراهيم بن المهديّ:
إن رأى الأمير - أكرمه اللّه - أن يأمره بإنشادي ما حضر من الشعر. فقال لي إبراهيم: بحياتي يا محمد أنشده.
فأنشدته:
ربّ وعد منك لا أنساه لي ... أوجب الشكر وإن لم تفعلي
وذكر الأبيات الأربعة. قال: فبكى أبو العتاهية حتى جرت دموعه على لحيته وجعل يردّد البيت الأخير منها وينتحب، وقام فخرج وهو يردّده ويبكي حتى خرج إلى الباب.
__________
[1] تشوّرت: استحييت.
هو وخداع جارية خال المعتصم وأشعاره فيها
أخبرني عمي قال حدّثني يعقوب بن إسرائيل قرقارة قال حدّثني محمد بن عليّ بن أمية قال:
كان عمي محمد بن أمية يهوى جارية مغنّية يقال لها خداع كانت لبعض جواري خال [1] المعتصم، فكان يدعوها، ويعاشره إخوانه إذا دعوه بها اتّباعا لمسرته. وأراد المعتصم الخروج والتأهّب للغزو، وأمر الناس جميعا بالخروج، والتأهب، فدعاه بعض إخوانه قبل خروجهم بيوم، فلما أضحى النّهار جاء من المطر أمر [2] عظيم لم يقدر معه [أحد] [3] أن يطلع رأسه من داره، فكاد/ محمد أن يموت غمّا، فكتب إلى صديقه الذي دعاه [و قد كان ركب إليه ثم رجع لشدة المطر] [3]، ولم يقدر على لقائه:
تمادى القطر وانقطع السبيل ... من الإلفين إذا جرت السيول
على أني ركبت إليك شوقا ... ووجه الأرض أودية تجول
وكان الشوق يقدمني دليلا ... وللمشتاق معتزما دليل
/ فلم أجد السبيل إلى حبيب ... أودّعه وقد أفد [4] الرحيل
وأرسلت الرسول فغاب عنّي ... فياللّه ما فعل الرسول!
وقال في ذلك أيضا:
مجلس يشفى به الوطر ... عاق عنه الغيم والمطر
ربّ خذ لي منهما فهما ... رحمة عمّت ولي ضرر
ما على مولاي معتبة [5] ... عذره باد ومستتر
شغلت عيني بعبرتها ... واستمالت قلبي الفكر
قال: ثم بيعت خداع هذه فاشتراها بعض ولد المهديّ وكان ينزل شارع الميدان، فحجبت عنه وانقطع ما بينهما إلّا مكاتبة ومراسلة.
قال محمد بن عليّ فأنشدني يوما عمّي محمد لنفسه فيها:
خطرات الهوى بذكر خداع ... هجن شوقي لا دارسات الطلول
حجبت أن ترى فلست أراها ... وأرى أهلها بكل سبيل
وإذا جاءها الرسول رآها ... ليت عيني مكان عين الرسول
قد أتاك الرسول ينعت ما بي ... فاسمعي منه ما يقول وقولي
__________
[1] كلمة «خال» ساقطة من ف.
[2] كذا في ف. وفي سائر النسخ: «فلما أصبحوا جاء المطر أمرا عظيما».
[3] التكملة من ف.
[4] أفد: دنا.
[5] المعتبة: الموجدة والسخط.
وقال فيها أيضا:
بناحية الميدان درب لو انني ... أسمّيه لم أرشد وإن كان مفسدي
أخاف على سكّانه قول حاسد ... يشير إليهم بالجفون وباليد
/ وصائف أبكار وعون [1] نواطق ... بألسنة تشفي جوى الهائم الصّدي
يقاربن أهل الودّ بالقول في الهوى ... وما النجم من معروفهن بأبعد
يزدن أخا الدنيا مجونا وفتنة ... ويشغفن [2] قلب الناسك المتعبّد
وليلة وافى النوم طيف سرى به ... إليّ الهوى منهن بعد تجرّد
فقاسمته الأشجان نصفين بيننا ... وأوردته من لوعة الحب موردي
ونلت الذي أمّلت بعد تمنّع ... وعاهدته عهد امرىء متوكّد
فلما افترقنا خاس بالعهد [4] بيننا ... وأعرض إعراض العروس من الغد
فواندما ألا أكون ارتهنته ... لأخبره في حفظ عهد وموعد
إعجاب أبي العتاهية بشعره
أخبرني الحسن بن عليّ وعمي قالا حدّثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدّثني حذيفة بن محمد قال قال لي محمد بن أبي العتاهية:
سمع أبي يوما مخارقا يغنّي:
أحبّك حبّا لو يفضّ [5] يسيره ... على الخلق مات الخلق من شدّة الحبّ
/ وأعلم أنّي بعد ذاك مقصّر ... لأنّك في أعلى المراتب من قلبي
فطرب ثم قال له: من يقول هذا يا أبا المهنأ؟ قال: فتى من الكتّاب يخدم الأمير إبراهيم بن المهديّ. فقال:
تعني محمد بن أميّة؟ قال: نعم. قال أحسن واللّه، وما يزال يأتي بالشّيء المليح يبدو له.
مزاحه مع مسلم بن الوليد
أخبرني عمي قال حدّثنا أحمد بن أبي طاهر قال حدّثني أحمد بن أمية بن أبي أمية قال:
/ لقي أخي محمّد بن أميّة مسلم بن الوليد وهو يمشي وطويلته [6] مع بعض رواته، فسلم عليه ثم قال له: قد حضرني شي ء؛ فقال: هاته؛ فقال: على أنّه مزاح لا يغضب منه؛ قال: هاته ولو أنه شتم. فقال:
__________
[1] الوصائف: جمع وصيفة وهي الجارية دون المراهقة. عون: جمع عوان وهي المرأة النصف.
[2] في ط: «و يشعفن».
[3] في س، ب. «متأكد».
[4] خاس بالعهد: نقضه وخانه.
[5] يفض: يفرق.
[6] الطويلة: يراد بها قلنسوة طويلة.
من رأى فيما خلا رجلا ... تيهه يربي على جدته [1]
يتباهى راجلا وله ... شاكريّ في قلنسيته [2]
فسكت عنه مسلم ولم يجبه، وضحك منه محمد وافترقا.
مداعبة مسلم له حين نفق برذونه
قال: وكان لمحمد بن أميّة برذون يركبه، فلقيه مسلم وهو راجل فقال: ما فعل برذونك؟ قال: نفق. قال:
الحمد للّه، فنجازيك إذا على ما كان منك إلينا. ثم قال مسلم:
قل لابن ميّ [3] لا تكن جازعا ... لن يرجع البرذون باللّيت [4]
طامن أحشاءك فقدانه [5] ... وكنت فيه عالي الصوت
وكنت لا تنزل عن ظهره ... ولو من الحشّ إلى البيت [6]
ما مات من حتف [7] ولكنّه ... مات من الشّوق إلى الموت
تعلقه بإحدى الجواري وما كان بينهما
أخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن عمار قال حدّثنا يعقوب بن إسرائيل قال حدّثني محمد بن علي بن أمية قال حدّثني حسين بن الضحاك قال:
دخلت أنا ومحمد بن أميّة منزل نخّاس بالرّقة أيام الرشيد وعنده جارية تغنّي فوقعت عينها على محمد، ووقعت عينه عليها، فقال لها: يا جارية، أتغنّين هذا الصوت:
/خبّريني من الرسول إليك ... واجعليه من لا ينمّ عليك
وأشيري إليّ من هو باللح ... ظ ليخفى على الذين لديك
وأقلّي المزاح في المجلس اليو ... م فإن المزاح بين يديك
فقالت له: ما أعرفه، وأشارت إلى خادم كان على رأسها واقفا. فمكثا زمانا والخادم [8] الرسول بينهما. قال:
تغنى بشعر له عمرو الغزال فتطير إبراهيم بن المهدي وعلم من في المجلس بنكبة البرامكة
حدّثني جحظة قال حدّثني ميمون بن هارون قال حدّثني بعض من كان يختلط بالبرامكة قال:
__________
[1] في ف: «أربي على جدته» وجدته، أي مقدار ما هو عليه من الغنى.
[2] الشاكري: الأجير والمستخدم. والقلنسية والقلنسوة: من لباس الرأس.
[3] كذا في ف و «ديوان مسلم» (ص 215) طبع ليدن. وفي سائر الأصول: «أمي» تحريف.
[4] الليت: أراد به التمني. ورواية هذا الشطر في «الديوان»: «ليت على البرذون من فوت».
[5] رواية «الديوان»: «طأطأ من تيهك فقدانه».
[6] الحش (بتثليث الحاء): يكنى به عن بيت الخلاء.
[7] في ف: «من سقم». والحتف: الهلاك، تقول العرب: مات فلان حتف أنفه، أي بلا ضر ولا قتل
[8] في ف: «و الخادم الأسود».
كنت عند إبراهيم بن المهديّ، وقد اصطبحنا [1] وعنده عمرو بن بانة، وعبيد اللّه بن أبي غسان، ومحمد بن عمرو الرومي، وعمرو الغزّال، ونحن في أطيب ما كنا عليه إذ غنّى عمرو الغزّال، وكان إبراهيم بن المهدي يستثقله، إلا أنه كان يتخفّف بين يديه ويقصده، ويبلغه عنه تقديم له وعصبيّة، فكان يحتمل ذاك منه، فاندفع عمرو الغزال، فتغنّى في شعر محمد بن أمية:
ما تمّ لي يوم سرور بمن ... أهواه مذ كنت إلى اللّيل
/ أغبط ما كنت بما نلته ... منه أتتني الرسل بالويل
لا والّذي يعلم كلّ الذي ... أقول ذي العزّة والطّول
ما رمت مذ كنت لكم سخطة ... بالغيب في فعل ولا قول
قال: فتطيّر إبراهيم، ووضع القدح من يده، وقال: أعوذ باللّه من شر ما قلت. فو اللّه ما سكت - وأخذنا نتلافى إبراهيم - إذ أتى حاجبه يعدو فقال: مالك [2]؟ فقال: خرج الساعة مسرور من دار أمير المؤمنين حتى دخل إلى جعفر بن يحيى، فلم يلبث أن خرج ورأسه بين يديه وقبض على أبيه وإخوته [3]. فقال إبراهيم: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ
ارفع يا غلام ارفع. فرفع ما كان بين أيدينا، وتفرقنا فما رأيت عمرا بعدها في داره.
كان يستطيب الشراب عند هبوب الجنوب
أخبرني محمد بن يحيى الصولي قال حدّثني الحسين بن يحيى الكاتب قال حدّثني محمد بن يحيى بن بسخنّر قال:
كنت عند إبراهيم بن المهدي بالرّقّة وقد عزمنا على الشراب ومعنا محمد بن أميّة في يوم من حزيران، فلما هممنا بذلك هبّت الجنوب، وتلطّخت السماء بغيم، وتكدّر ذلك اليوم، فترك إبراهيم بن المهدي الشّرب ولحقه صداع، وكان يناله ذلك مع هبوب الجنوب، فافترقنا؛ فقال لي محمّد بن أمية: ما أحبّ إليّ ما كرهتموه من الجنوب! فإن أنشدتك بيتين مليحين في معناهما تساعدني على الشرب اليوم؟ قلت: نعم. فأنشدني:
إنّ الجنوب إذا هبّت وجدت لها ... طيبا يذكّرني الفردوس إن نفحا
لمّا أتت بنسيم منك أعرفه ... شوقا تنفّست واستقبلتها فرحا
فانصرفت معه إلى منزله، وغنّيت في هذين البيتين وشربنا عليهما بقية يومنا.
ما قاله في تفاحة أهدتها إليه خداع
وجدت في بعض الكتب بغير إسناد: أهدت جارية يقال لها خداع إلى محمد بن أميّة - وكان يهواها - تفاحة مفلّجة [4] منقوشة مطيّبة حسنة، فكتب إليها محمد:
خداع أهديت لنا خدعة ... تفّاحة طيّبة النّشر
__________
[1] اصطبحنا: شربنا الصبوح.
[2] في ف: «ما الخبر».
[3] في ف: «و إخوته وأهله».
[4] مفلجة: مقسمة.
ما زلت أرجوك وأخشى الهوى ... معتصما باللّه والصّبر
حتى أتتني منك في ساعة ... زحزحت الأحزان عن صدري
حشوتها مسكا ونقّشتها ... ونقش كفيك من النّحر
سقيا لها تفاحة أهديت ... لو لم تكن [1] من خدع الدّهر
التقى بجارية يهواها وشعره في ذلك
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدّثني عبد اللّه بن جعفر اليقطيني قال حدّثني أبي جعفر بن علي بن يقطين قال:
/ كنت أسير أنا ومحمد بن أمية في شارع الميدان، فاستقبلتنا جارية - كان محمّد يهواها ثم بيعت - وهي راكبة، فكلّمها، فأجابته بجواب أخفته فلم يفهمه، فأقبل عليّ وقد تغيّر لونه فقال:
يا جعفر بن علي وابن يقطين ... أليس دون الذي لاقيت يكفيني
هذا الذي لم تزل نفسي تخوّفني ... منها فأين الذي كان تمنّيني
خاطرت إذ أقبلت نحوي وقلت لها ... تفديك نفسي فداء غير ممنون
/ فخاطبتني بما اخفته فانصرفت [2] ... نفسي بظنّين مخشيّ ومأمون
تمثل المنتصر ببيت له
حدّثني محمد بن يحيى الصّوليّ قال حدّثني أحمد بن يزيد المهلبيّ قال حدّثني أبي قال:
كنت بين يدي المنتصر جالسا فجاءته رقعة لا أعلم ممّن هي، فقرأها وتبسّم ثم إنه أقبل عليّ وأنشد:
لطافة كاتب وخشوع ضبّ ... وفطنة شاعر عند الجواب
ثم أقبل عليّ فقال: من يقول هذا يا يزيد؟ فقلت: محمد بن أميّة يا أمير المؤمنين. فضحك وقال: كأنه واللّه يصف ما في هذه الرّقعة.
عاتبه أخوه وابن قنبر لما لحقه من وله كالجنون لبيع جارية يحبها
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا محمّد بن القاسم بن مهرويه قال حدّثني حذيفة بن محمّد قال:
كنت أنا وابن قنبر عند محمد بن أميّة بعقب بيع جارية كان يحبّها وقد لحقه عليها وله كالجنون، فجعل ابن قنبر وأخوه عليّ بن أمية يعاتبانه على ما يظهر منه، فأقبل بوجهه عليهما ثم قال:
/لو كنت جرّبت الهوى يابن قنبر ... كوصفك إياه لألهاك عن عذلي
أنا وأخي الأدنى وأنت لها الفدا ... وإن لم تكونا في مودّتها مثلي
أأن حجبت عني أجود لغيرها ... بودّي وهل يغرى المحبّ سوى البخل
__________
[1] في ف: «إن لم تكن».
[2] في ف: «و انصرفت».
أسرّ بأن قالوا تضنّ بودّها ... عليك ومن ذا سرّ بالبخل من قبل
قال: فضحك ابن قنبر، وقال: إذا كان الأمر هكذا فكن أنت الفداء لها، وإن ساعدك أخوك فاتّفقا على ذلك، وأما أنا فلست أنشط لأن أساعدك على هذا. وافترقنا.
قطع الصوم بينه وبين خداع فقال شعرا
أخبرني علي بن سليمان الأخفش قال أنشدني محمد بن الحسن بن الحزوّر [1] لمحمد بن أمية في جارية كان يهواها وقطع الصوم بينهما، فقال يخاطب محمد بن عثمان بن خريم المرّيّ:
قفا فابكيا إن كنتما تجدان ... كوجدي وإن لم تبكيا فدعاني
ففي الدّمع مما تضمر النفس راحة ... إذا لم أطق إظهاره بلساني
أغصّ بأسراري إذا ما لقيتها ... فأبهت مشدوها أعضّ بناني
فيابن خريم يا أخي دون إخوتي ... ومن هو لي مثلي بكل مكان
تأمّل أحظّي من خداع وحبّها ... سوى خدع تذكي الهوى وأماني
وأصبح شهر الصوم قد خال بيننا ... فيا ليت شوّالا أتى بزمان
شعر له فيها استحسنه ابن المعتز
أنشدني جعفر بن قدامة قال أنشدني عبد اللّه بن المعتزّ قال أنشدني أبو عبد اللّه الهشاميّ لمحمد بن أمية، وفيه غناء لمتيّم، قال واستحسنه عبد اللّه:
صوت
عجبا عجبت لمذنب متغضّب ... لو لا قبيح فعاله لم أعجب
أخداع، طال على الفراش تقلّبي ... وإليك طول تشوّفي وتطرّبي
لهفي عليك وما يردّ تلهفي ... قصرت يداي وعزّ وجه المطلب [2]
الغناء لمتيّم، فيه لحنان: رمل عن ابن المعتز، وخفيف رمل عن الهشامي. وهذا من شعر محمد فيها بعد أن بيعت. قال: وغنتنا هزار هذا الصوت [3] يومئذ.
أشعاره فيها إذ فقدها وحين وجدها
حدّثني عمّي قال حدّثنا أحمد بن محمد/ الفيرزان [4] قال حدّثني شيبة بن هشام قال: دعانا محمد بن أميّة يوما ووجّه إلى جارية كان يحبها فدعاها، وبعث إلى مولاها يحدرها [5] مع رسوله، فأبطأ الرسول حتّى انتصف النهار ثم
__________
[1] في ف: «الحرون».
[2] هذا البيت ساقط من ط.
[3] كذا في ف. وفي سائر الأصول: «هذا اللحن».
[4] كذا في ط، ف. وفي سائر الأصول: «أحمد بن المرزبان».
[5] يحدرها: يريد يرسلها.
عاد وليست معه وقال: أخذوا مني الدراهم ثم ردوها عليّ، ورأيتهم مختلطين، ولهم قصة لم يعرّفونيها، وقالوا:
ليست هاهنا فإن عادت بعثنا بها إليكم. فتنغّص عليه يومه وتغيّر وجهه وتجمّل لنا؛ ثم بكرنا من غد بأجمعنا إلى منزل مولاها فإذا هي قد بيعت، فوجم طويلا [1]، وسار حتى إذا خلا لنا الطريق اندفع باكيا. فما أنسى حرقة بكائه وهو ينشدني:
تخطّى إليّ الدهر من بين من أرى ... وسوء مقادير لهنّ شئون
فشتّت شملي دون كلّ أخي هوى ... وأقصدني [2] بل كلّهم سيبين
ومهما تكن من ضحكة بعد فقدها ... فإنّي وإن أظهرتها لحزين
سلام على أيّامنا قبل هذه ... إذ الدار دار والسرور فنون
/ قال: ومضت على ذلك مدّة. ثم أخبرني أنه اجتاز بها، وهي تنظر من وراء شبّاك، فسلّم عليها فأومأت بالسلام إليه ودخلت، فقال:
تطالعني على وجل خداع ... من الشّبك التي عملت حديدا
مطالعتي، قفي باللّه حتّى ... أزوّد مقلتي نظرا جديدا
فقالت إن سها الواشون عنّا ... رجونا أن تعود وأن نعودا
وأنشدني أيضا في ذلك:
صوت
يا صاحب الشّبك الذي اس ... تخفى، مكانك غير خاف
أفما رأيت تلدّدي ... بفناء قصرك واختلافي [3]
أو ما رحمت تخشّعي [4] ... وتلفّتي بعد انصرافي
صوت
إنّ [5] الرجال لهم إليك وسيلة ... إن يأخذوك تكحّلي وتخضّبي
وأنا امرؤ إن يأخذوني عنوة ... أقرن إلى سير الركاب وأجنب
ويكون مركبك القعود وحدجه [6] ... وابن النّعامة يوم ذلك مركبي
__________
[1] في ف: «قليلا».
[2] أقصدني: طعنني ولم يخطئني.
[3] تلددي: مكثي ووقوفي. واختلافي: ترددي.
[4] تخشعي: تضرعي.
[5] هذا الشعر وما يليه حتى أوّل ترجمة المتوكل وأخباره ساقط من نسختي ط، م.
[6] الحدج (بالكسر): مركب من مراكب النساء نحو الهودج.
عروضه من الكامل. قال ابن الأعرابيّ في تفسير قوله:
وابن النعامة يوم ذلك مركبي
ابن النعامة: ظلّ الإنسان أو الفرس أو غيره. قال جرير:
إذ ظلّ يحسب كلّ شيء [1] فارسا ... ويرى نعامة ظلّه فيحول [2]
/يعني بنعامة ظلّه جسده. وقال أبو عمرو الشيبانيّ: النّعامة ما يلي الأصابع [3] في مقدّم الرّجل. يقول:
مركبي يومئذ رجلي. وقال الجاحظ: ذكر علماؤنا البصريون: أنّ النعامة اسم فرسه. يقول: إنّي أشدّ على ركابي السرج فإذا صار للفرس - وهو الذي يسمّى النعامة - ظلّ وأنا مقرون إليه صار ظله تحتي فكنت راكبا له. وجعل ظلها هاهنا ابنها.
الشعر للحارث بن [4] لوذان بن عوف بن الحارث بن سدوس بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة. وقال/ ابن سلام:
لخزز [5] لوذان. ومن الناس من ينسب هذا الشعر إلى عنترة، وذلك خطأ. وأحد من نسبه إليه إسحاق الموصليّ.
والغناء لعزة الميلاء. وأوّل لحنها:
لمن الديار عرفتها بالشّربب [6] ... ذهب الذين بها ولمّا تذهب
وبعده «إن الرجال».
وطريقته من خفيف الثقيل الأوّل بالبنصر من روايتي حمّاد وابن المكّيّ. وفيه للهذيل خفيف ثقيل بالوسطى عن الهشاميّ. وفيه لعريب خفيف رمل. وفيه لعزة المرزوقيّة لحن. وقال هارون بن محمد بن عبد الملك الزيات:
هذا اللحن لريق، سلخت لحن «و مخنث شهد الزفاف وقبله» فجعلته لهذا، وهو [7] لحن محرّك يشبه صنعة ابن سريج وصنعة حكم في محركاتهما، فمن هنا يغلط فيه ويظن أنه قديم الصنعة.
ابن أبي عتيق يعجب بغناء عزة الميلاء
أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه قال حدّثت عن صالح بن حسان قال: كان ابن أبي عتيق معجبا بغناء عزة الميلاء كثير الزيارة لها، وكان يختار عليها قوله:
لمن الديار عرفتها بالشّربب
/ فسألها يوما زيارته فأجابته إلى ذلك ومضت نحوه، فقال لها بعد أن استقرّ بها المجلس: يا عزة، أحبّ أن تغنيني صوتي الذي أنا له عاشق. فغنته هذا الصوت، فطرب كل الطرب وسر غاية السرور.
__________
[1] في «الديوان»: «كل شخص».
[2] كذا في ف، وفي سائر الأصول: «إن ضل ...... ورأى ...... ».
[3] في ب، س: «عامل الأصابع».
[4] في ف: «للحارث بن لوداد». وفي سائر النسخ: «للحز بن لوذان». والصواب ما أثبتنا من الجمع بينهما.
[5] كذا في ف، و «الحيوان» للجاحظ (ج 4 ص 363 طبعة الحلبي). وفي سائر الأصول: «الجرور بالراء».
[6] الشربب: واد في ديار بني ربيعة، وفي س، ب: «الشرنب» تحريف.
[7] كذا في ف. وفي سائر الأصول: «و له».
جارية ابن أبي عتيق ومعابثة فتى لها
وكانت له جارية، وكان فتى من أهل المدينة كثيرا ما يعبث بها؛ فأعلمت [ابن أبي عتيق بذلك؛ فقال لها:
قولي له: وأنا أحبّك؛ فإذا قال لك: وكيف لي بك؟ فقولي له: مولاي يخرج غدا إلى مال له، فإذا خرج أدخلتك المنزل. وجمع] [1] ابن أبي عتيق ناسا من أصحابه فأجلسهم في بيته [و معهم عزة الميلاء] [1]، وأدخلت الجارية [الرجل. وقال لعزة: غني فأعادت الصوت. وخرجت الجارية] [1] فمكثت ساعة ثم دخلت البيت كأنها تطلب حاجة، فقال لها: تعالي. فقالت: الآن آتيك. ثم عادت فدعاها فاعتلّت [2]، فوثب فأخذها فضرب بها الحجلة [3]، فضحك ابن أبي عتيق عليه هو وأصحابه، فقال لهم وهو غير مكترث: يا فسّاق ما يجلسكم ها هنا مع هذه المغنية! فضحك ابن أبي عتيق من قوله وقال له: استر علينا ستر اللّه تعالى عليك. فقالت له عزّة: يابن الصّدّيق [4]، ما أظرف هذا لو لا فسقه! فاستحيا الرجل فخرج، وبلغه أن ابن أبي عتيق قد آلى إن هو وقع في يده أن يصير به إلى السلطان.
فأقبل يعبث بها كلما خرجت، فشكت ذلك إلى مولاها، فقال لها: أو لم يرتدع من العبث بك! قالت: لا. قال:
فهيّئي الرحى وهيئي من الطعام طحين ليلة إلى الغداة. فقالت: أفعل يا مولاي. فهيّأت ذلك على ما أمرها به ثم قال لها: عديه الليلة فإذا جاء فقولي له: إن وظيفتي الليلة طحن هذا البّركلّه ثم اخرجي من البيت واتركيه. ففعلت، فلما دخل طحنت الجارية قليلا، ثم قالت [5] /له: إن كفّت الرحى فإن مولاي جاء إليّ أو بعض من وكله بي، فاطحن حتى نأمن أن يجيئنا أحد، ثم أصير إلى قضاء حاجتك. ففعل الفتى ومضت الجارية إلى مولاها وتركته.
وقد أمر ابن أبي عتيق عدّة من مولياته أن يتراوحن [6] على سهر ليلتهن ويتفقّدن أمر الطحين ويحثثن الفتى عليه كلما أمسك؛ ففعلن، وجعلن ينادينه كلما كفّ: يا فلانة إنّ مولاك مستيقظ؛ والساعة يعلم أنك كففت عن الطحن، فيقوم إليك بالعصا كعادته مع من كانت نوبتها قبلك إذا هي نامت وكفّت عن الطحن. فلم يزل الفتى كلّما سمع ذلك الكلام يجتهد في العمل والجارية تتعهد وتقول: قد استيقظ مولاي. والساعة ينام فأصير إلى ما تحب. فلم يزل الرجل يطحن حتى/ أصبح وفرغ من جميع القمح. فلما فرغ وعلمت الجارية أتته فقالت: قد أصبحت فانج بنفسك. فقال: أو قد فعلتها يا عدوّة اللّه! فخرج تعبا نصبا فأعقبه ذلك مرضا شديدا أشرف منه على الموت، وعاهد اللّه تعالى ألا يعود إلى كلامها، فلم تر منه بعد ذلك شيئا ينكر [7].
صوت
أجدّ اليوم جيرتك احتمالا ... وحثّ حداتهم بهم عجالا
__________
[1] الزيادة عن ف.
[2] اعتلت: اعتذرت.
[3] الحجلة بالتحريك: بيت كالقبة يستر بالثياب ويكون له أزرار كبار، وحجلة العروس: بيت يزين بالثياب والأسرّة والستور.
[4] تريد ابن أبي عتيق وهو عبد اللّه بن أبي عتيق محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر. «تهذيب التهذيب» (ج 6 ص 11).
[5] في ب، س: «كفت».
[6] يتراوحن: يتناوبن.
[7] كذا في ف. وفي سائر النسخ: «فلم ير بعد ذلك منه شيئا كثيرا».
وفي الأظعان آنسة لعوب ... ترى قتلى بغير دم حلالا [1]
عروضه من الوافر. الشعر للمتوكل الليثيّ، والغناء لابن محرز ثاني ثقيل بالسبابة في مجرى الوسطى عن إسحاق. وفيه لابن مسجح ثاني ثقيل آخر بالخنصر في مجرى البنصر عنه. وذكر حبش أن هذا اللحن لابن سريج، وفيه لإسحاق هزج.
__________
[1] الأظعان: جمع ظعينة وهي المرأة في الهودج، سميت به على حد تسمية الشيء باسم الشيء لقربه منه، لأن الظعينة: الهودج تكون فيه المرأة، وقيل: «أو لم تكن».
13 - نسب المتوكّل الليثي وأخباره
نسبه
هو المتوكل بن عبد اللّه بن نهشل بن مسافع بن وهب بن عمرو بن لقيط بن يعمر بن عوف [1] بن عامر بن ليث ابن بكر بن عبد مناة [2] بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار. من شعراء الإسلام، وهو من أهل الكوفة. كان في عصر معاوية وابنه يزيد، ومدحهما. ويكنى أبا جهمة. وقد اجتمع مع الأخطل وناشده عند قبيصة ابن والق، ويقال عند عكرمة بن ربعيّ الذي يقال له الفيّاض، فقدمه الأخطل.
وهذه القصيدة التي أوّلها الغناء قصيدة هجا بها عكرمة بن ربعيّ وخبره معه [3] يذكر بعد.
أخبرني بذلك الحسن بن عليّ عن أحمد بن سعيد الدمشقيّ عن الزبير بن بكّار عن عمه.
تناشد هو والأخطل الشعر
وأخبرني الحسن [4] بن عليّ عن أحمد بن سعيد الدمشقيّ قال حدّثني هارون بن محمد بن عبد الملك قال أخبرني هارون بن مسلم قال حدّثني حفص بن عمر العمريّ عن لقيط بن بكير [5] المحاربيّ قال:
قدم الأخطل الكوفة فنزل على قبيصة بن والق، فقال المتوكّل بن عبد اللّه الليثيّ [6] لرجل من قومه: انطلق بنا إلى الأخطل نستنشده ونسمع من شعره. فأتياه فقالا: أنشدنا يا أبا مالك. فقال: إني لخاثر [7] يومي هذا. فقال له المتوكل: أنشدنا أيها الرجل، فو اللّه لا تنشدني قصيدة إلا أنشدتك مثلها أو أشعر منها من/ شعري. قال: ومن أنت؟ قال: أنا المتوكل [8]. قال: أنشدني [9] ويحك من شعرك! فأنشده:
للغانيات بذي المجاز [10] رسوم ... فببطن مكة عهدهنّ قديم
فبمنحر البدن المقلّد من منى ... حلل تلوح كأنهنّ نجوم [11]
__________
[1] في «معجم الشعراء» للمرزباني: «عوف بن كعب بن عامر».
[2] إلى هذه الكلمة ينتهي النسب في ف.
[3] في ف: «و خبره يذكر بعد».
[4] في ف: «و أخبرني الحسن قال». وفي ح: «عن محمد بن سعيد».
[5] في ج: «ابن بكر». وفي ف: «ابن بكير قال».
[6] كلمة «الليثي» ليست في ف.
[7] يقال خثرت نفسه بالفتح: غثت وخبثت وثقلت واختلطت.
[8] في ج: «قال: المتوكل».
[9] في ف: «ويحك! أنشدني».
[10] ذو المجاز: موضع سوق بعرفة، وماء لهذيل بعرفة.
[11] الحلل: جمع حلّة، وهي جماعة بيوت القوم. كأنهن نجوم، أي تبدو بدوا ضئيلا كما يبدو النجم، أو هي متفرقة تفرق النجم.
لا تنه عن خلق وتأتي مثله ... عار عليك إذا فعلت عظيم [1]
والهمّ إن لم تمضه لسبيله ... داء تضمّنه الضلوع مقيم [2]
غنّى في هذه الأبيات سائب خاثر من رواية حماد عن أبيه ولم يجنّسه.
قال وأنشده أيضا:
الشّعر لبّ المرء يعرضه ... والقول مثل مواقع النّبل
منها المقصّر عن رميّته ... ونوافذ يذهبن بالخصل [3]
قال وأنشده أيضا:
/إنّنا معشر [4] خلقنا صدورا ... من يسوّي الصّدور بالأذناب
قال له الأخطل: ويحك يا متوكل [5]! لو نبحت الخمر في جوفك كنت أشعر الناس.
ما قاله في زوجه رهيمة حين طلبت الطلاق
قال الطوسيّ قال الأصمعيّ: كانت للمتوكل بن عبد اللّه الكنانيّ امرأة يقال لها رهيمة - ويقال أميمة - وتكنى أمّ بكر، فأقعدت، فسألته الطلاق، فقال: ليس هذا حين طلاق. فأبت عليه، فطلقها، ثم إنها برئت بعد الطلاق، فقال في ذلك:
/طربت وشاقني يا أمّ بكر ... دعاء حمامة تدعو حماما
فبتّ وبات همّي لي نجيّا ... أعزّى عنك قلبا مستهاما
إذا ذكرت لقلبك أمّ بكر ... يبيت كأنما اغتبق المداما
خدلجّة ترفّ غروب فيها ... وتكسو المتن ذا خصل سخاما [6]
أبى قلبي فما يهوى سواها ... وإن كانت مودّتها غراما [7]
ينام الليل كلّ خليّ همّ ... [و تأبى العين منّي أن تناما
أراعي التّاليات من الثّريّا] [8] ... ودمع العين منحدر سجاما [9]
__________
[1] هذا البيت يروى لأبي الأسود الدؤلي.
[2] في ف: «قديم».
[3] الخصل: الخطر، وهو السبق الذي يتراهن عليه.
[4] في ج: «إنا معشر».
[5] هذه العبارة، ساقطة من ف.
[6] الخدلجة: الممتلئة الذراعين والساقين. وترف: تبرق. وغروب الفم: ماؤه. والخصل: جمع خصلة، وهي اللفيفة من الشعر.
والسّخام: اللين الحسن والأسود.
[7] الغرام: العذاب. وصدر البيت في ج: «أيا قلبي فما تهوى سواها».
[8] زيادة عن ف.
[9] ورد هذا الشطر في أكثر النسخ عجزا للبيت السابق وفيه تحريف. والتصويب عن نسخة ف.
على حين ارعويت وكان رأسي ... كأنّ على مفارقه ثغاما [1]
سعى الواشون حتى أزعجوها ... ورثّ الحبل فانجذم انجذاما
فلست بزائل ما دمت حيّا ... مسرّا من تذكّرها هياما
ترجّيها وقد شحطت نواها ... ومنّتك المنى عاما فعاما
خدلجّة لها كفل وثير ... ينوء بها إذا قامت قياما
مخصّرة ترى في الكشح منها ... على تثقيل أسفلها انهضاما
إذا ابتسمت تلألأ ضوء برق ... تهلّل في الدّجنّة ثم داما
وإن قامت تأمّل رائياها ... غمامة صيّف ولجت غماما [2]
/إذا تمشي تقول دبيب أيم ... تعرّج ساعة ثم استقاما [3]
وإن جلست فدمية بيت عيد ... تصان ولا ترى إلا لماما
فلو أشكو الذي أكشو إليها ... إلى حجر لراجعني الكلاما
أحبّ دنوّها وتحبّ نأيي ... وتعتام التنائي [4] لي اعتياما
كأني من تذكّر أم بكر ... جريح أسنّة يشكو كلاما
تساقط أنفسا نفسي عليها ... إذا شحطت وتغتمّ اغتماما [5]
غشيت لها منازل مقفرات ... عفت إلا الأياصر والثّماما [6]
ونؤيا قد تهدّم جانباه ... ومبناها بذي سلم خياما [7]
صليني واعلمي أني كريم ... وأنّ حلاوتي خلطت عراما [8]
وأني ذو مجامحة صليب ... خلقت لمن يماكسني لجاما [9]
فلا وأبيك لا أنساك حتى ... تجاوب هامتي في القبر هاما [10]
__________
[1] الثغام كسحاب: نبت، ويقال أثغم الرأس إذا صار كالثغامة بياضا.
[2] الصيف: المطر الذي يجيء صيفا.
[3] كذا في ف. وفي ط، ب، م: «دبيب سيل». وفي سائر النسخ: «دبيب شول». والأيم: الحية.
[4] في ف: «و تعتام التباعد». وتعتام: تختار.
[5] شحطت: بعدت.
[6] الأياصر: جمع أيصر، وهو وتد الطنب، أو حبل صغير يشد به أسفل الخباء. والثمام: نبت ضعيف له خوص أو شبيه بالخوص، وربما حشى وسد به خصاص البيوت.
[7] النؤي: الحفير حول الخباء أو الخيمة يمنع السيل. في ف: «بذي السلم الخياما». وفي ط، م: «تهدم جانباها».
[8] عراما: شراسة وأذى. في س، ج؛ «عزاما».
[9] يماكسني: يشاكسني. وفي ف: «يشاكسني».
[10] الهامة: الرأس. والهام: جمع هامة، وهي طائر يزعمون أنه يخرج من رأس القتيل فيظل يصيح: اسقوني اسقوني، حتى يؤخذ بثأره.
شعر آخر له في امرأته يمدح فيه حوشبا الشيباني
والقصيدة التي فيها الغناء المذكور في أوّل خبر المتوكل يقولها أيضا في امرأته هذه/ ويمدح فيها حوشبا الشّيبانيّ، ويقول فيها:
إذا وعدتك معروفا لوته ... وعجّلت التّجرّم والمطالا [1]
لها بشر نقيّ اللون صاف ... ومتن حطّ [2] فاعتدل اعتدالا
/ إذا تمشى تأوّد جانباها ... وكاد الخصر ينخزل انخزالا [3]
تنوء بها روادفها إذا ما ... وشاحاها على المتنين جالا [4]
فإن تصبح أميمة قد تولّت ... وعاد الوصل صرما واعتلالا
فقد تدنو النوى بعد اغتراب ... بها وتفرّق الحيّ الحلالا [5]
تعبّس لي أميمة بعد أنس ... فما أدري أسحطا أم دلالا
أبيني لي فرب أخ مصاف ... رزئت وما أحب به بدالا [6]
أصرم منك هذا أم دلال ... فقد عنى الدلال إذا وطالا [7]
أم استبدلت بي ومللت وصلي ... فبوحي لي به ودعي المحالا [8]
فلا وأبيك ما أهوى خليلا ... أقاتله على وصلي قتالا
وكم من كاشح يا أمّ بكر ... من البغضاء يأتكل ائتكالا
لبست على قناع من أذاه ... ولو لا اللّه كنت له نكالا [9]
ومما يغنى به من هذه القصيدة قوله:
صوت
أنا الصقر الذي حدّثت عنه ... عتاق الطير تندخل اندخالا [10]
رأيت الغانيات صدفن لما ... رأين الشيب قد شمل القذالا
__________
[1] تجرم عليه: ادعى عليه الجرم.
[2] يقال: جارية محطوطة المتن؛ أي ممدودة.
[3] تأود: انعطف. وينخزل: ينقطع.
[4] في ف: «روادفها تنوء بها إذا ما». والوشاح ينسج من أديم عريضا ويرصع بالجواهر وتشدّه المرأة بين عاتقها وكشحيها.
[5] النوى: البعد، وهي مؤنثة. الحلال: القوم الذي يحلون موضعا وفيهم كثرة.
[6] المصافي: المخلص.
[7] عنى، من العناء: وهو التعب والنصب.
[8] المحال: الكيد والمكر.
[9] لم يذكر هذا البيت في ح.
[10] عتاق الطير: جوارحها.
فلم يلووا إذا رحلوا [1] ولكن ... تولّت عيرهم بهم عجالا
/ غنّى فيه عمر الواديّ خفيف رمل عن الهشاميّ. وذكر حبش أنّ فيه لابن محرز ثاني ثقيل بالوسطى، وأحسبه مضافا إلى لحنه الذي في أوّل القصيدة.
هجاه معن بن حمل فترفع عنه ثم هجاه واعتذر
وقال الطوسي قال أبو عمرو الشيباني:
هجا معن بن حمل بن جعونة [2] بن وهب، أحد بني لقيط بن يعمر المتوكل بن عبد اللّه الليثي؛ وبلغ ذلك المتوكل، فترفع عن أن يجيبه، ومكث معن سنين يهجوه والمتوكل معرض عنه. ثم هجاه بعد ذلك وهجا قومه من بني الديل هجاء قذعا استحيا منه وندم، ثم قال المتوكل لقومه يعتذر ويمدح يزيد بن معاوية:
خليليّ عوجا اليوم وانتظراني ... فإن الهوى والهمّ أمّ أبان
هي الشمس يدنو لي قريبا بعيدها ... أرى الشمس ما أسطيعها وتراني
نأت بعد قرب دارها وتبدّلت ... بنا بدلا والدهر ذو حدثان
فهاج الهوى والشوق لي ذكر حرّة ... من المرجحنّات الثقال حصان [3]
غنى في هذه الأبيات ابن محرز من كتاب يونس ولم يجنسه [4]:
سيعلم قومي أنني كنت سورة ... من المجد إن داعي المنون دعاني
/ ألا ربّ مسرور بموتي لو أتى [5] ... وآخر لو أنعى له لبكاني
خليليّ ما لام امرأ مثل نفسه ... إذا هي لامت فاربعا ودعاني [6]
ندمت على شتمي العشيرة بعدما ... تغنّى بها غوري [7] وحنّ يماني
/ قلبت لهم ظهر المجنّ وليتني ... رجعت بفضل من يدي ولساني
على أنني لم أرم في الشعر مسلما ... ولم أهج من روى وهجاني [8]
هم بطروا الحلم الذي من سجيّتي ... فبدّلت قومي شدّة بليان [9]
__________
[1] في ف: «و قد رحلوا».
[2] في ف: «معونة».
[3] مرجحنات: جمع مرجحنة، وهي المرأة السمينة. حصان: عفيفة.
[4] في ف: «و لم يجنسه يقول فيها».
[5] في ف: «إذ أتى».
[6] اربعا: توقفا وكفا وارفقا.
[7] كذا في ط، وفيه تخفيف المشدد ثم إسكانه. وفي ب، س، ح: «عود»، وفي ف:
« ....... بعد ما ... حدا بالقوافي مشئم ويماني»
[8] في ح: «و لا أهج إلا من ذوي وهجاني».
[9] بطروا: كرهوا.
ولو شئتم أولاد وهب نزعتم ... ونحن جميع شملنا أخوان
نهيتم أخاكم عن هجائي وقد مضى ... له بعد حول كامل سنتان
فلجّ ومنّاه رجال رأيتهم ... إذا قارنوني [1] يكرهون قراني
وكنت امرأ يأبى لي الضيمّ أنني ... صروم إذا الأمر المهمّ عناني [2]
وصول صروم لا أقول لمدبر ... هلمّ إذا ما اغتشّني وعصاني
خليليّ لو كنت امرأ بي سقطة ى ... تضعضعت أو زلّت بي القدمان
أعيش على بغي العداة ورغمهم ... وآتي الّذي أهوى على الشنآن
ولكنّني ثبت المريرة حازم ... إذا صاح طلّابي ملأت عناني [3]
خليليّ كم من كاشح قد رميته ... بقافية مشهورة ورماني
فكان كذات الحيض لم تبق ماءها ... ولم تنق عنها غسلها لأوان [4]
ثم إنه يقول فيها ليزيد بن معاوية:
أبا خالد حنّت إليك مطيّتي ... على بعد منتاب وهول جنان
أبا خالد في الأرض نأي ومفسح ... لذي مرّة [5] يرمى به الرّجوان [6]
فكيف ينام الليل حرّ عطاؤه ... ثلاث لرأس الحول أو مائتان
/ تناهت قلوصي بعد إسآدي السّرى ... إلى ملك جزل العطاء هجان [7]
ترى الناس أفواجا ينوبون بابه ... لبكر من الحاجات أو لعوان [8]
معن أجابه مفتخرا
فأجابه معن بن حمل فقال:
ندمت كذاك العبد يندم بعد ما ... غلبت وسار الشعر كلّ مكان
ولاقيت قرما في أرومة ماجد ... كريما عزيزا دائم الخطران [9]
__________
[1] كذا في ف. وفي سائر النسخ: «صارموني».
[2] في ح: «دعاني».
[3] في ف: «جازم إذا ماج».
[4] كذا في أكثر الأصول، وفي ج:
«لم يبق ماؤها ... ولم يبق عنها»
[5] كذا في ح، وفي سائر الأصول: «بذي مرة».
[6] الرجا: ناحية كل شيء، وخص بعضهم به ناحية البئر من أعلاها إلى أسفلها، ويرمى به الرجوان؛ أي استهين به؛ فكأنه يرمي به هنالك ويطرح في المهالك. انظر «اللسان» (رجا).
[7] الإساد: الإسراع في السير. والسرى: السير آخر الليل. والهجان: الرجل الحسيب.
[8] في ج: «غير عوان».
[9] القرم من الرجال: السيد المعظم.
أنا الشاعر المعروف وجهي ونسبتي ... أعفّ وتحميني يدي ولساني
وأغلب من هاجيت عفوا وأنتمي ... إلى معشر بيض الوجوه حسان [1]
فهات إذا يابن الأتان كصاحب ال ... ملوك أبي، أسيّد كمهان!
فهات كزيد أو كسيحان لا تجد ... لهم كفوا أو يبعث الثقلان
هو وعكرمة بن ربعي
أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال حدّثنا العتبيّ [2] عن العباس بن هشام عن أبيه عن عوانة قال:
أتى المتوكل الليثي عكرمة بن ربعيّ الذي يقال له الفياض، فامتدحه فحرمه،/ فقيل له: جاءك شاعر العرب فحرمته! فقال: ما عرفته. فأرسل إليه بأربعة آلاف درهم، فأبى أن يقبلها وقال: حرمني على رؤوس الناس ويبعث إليّ سرا.
نسيبه بحسناء وهو يعاني الرمد وهجاؤه عكرمة
فبينا المتوكل بالحيرة وقد رمد رمدا شديدا، فمرّ به قسّ منهم فقال: مالك؟ قال: رمدت. قال: أنا أعالجك.
قال: فافعل. فذرّه [3]، فبينا القس عنده وهو مذرور العين مستلق على ظهره، يفكر في هجاء عكرمة - وذلك غير مطّرد له ولا القول في معناه - إذ أتاه غلام له فقال: بالباب امرأة تدعوك. فمسح عينيه وخرج إليها، فسفرت عن وجهها فإذا الشمس [4] طالعة/ حسنا، فقال لها: ما اسمك؟ قالت: أمية. قال: فممن أنت؟ فلم تخبره. قال: فما حاجتك؟ قالت: بلغني أنك شاعر فأحببت أن تنسب بي في شعرك. فقال: أسفري. ففعلت فكرّ [5] طرفه في وجهها مصعّدا ومصوّبا، ثم تلثّمت وولّت عنه، فاطّرد له القول الذي كان استصعب عليه في هجاء عكرمة وافتتحه بالنسيب فقال:
أجدّ اليوم جيرتك احتمالا ... وحثّ حداتهم بهم الجمالا [6]
وفي الأظعان آنسة لعوب ... ترى قتلي بغير دم حلالا [7]
أميّة يوم دير القسّ ضنّت ... علينا أن تنوّلنا نوالا
أبيني لي فربّ أخ مصاف ... رزئت وما أحب به بدالا
وقال فيها يهجو عكرمة:
أقلني يابن ربعيّ ثنائي ... وهبها مدحة ذهبت ضلالا
__________
[1] في م، ط، ب، س: «و إنني».
[2] كذا في ط، م. وفي سائر الأصول: «العكلي».
[3] الذر: طرح الذرور في العين، وهو الكحل ونحوه.
[4] في ف: «فإذا الشمس حسنا».
[5] كذا في ف، ط. وفي سائر النسخ: «فكرر».
[6] في ف: «عجالا».
[7] في ف، ح: «كعوب».
وهبها مدحة لم تغن شيئا ... وقولا عاد أكثره وبالا
وجدنا العزّ من أولاد بكر ... إلى الذّهلين يرجع والفعالا [1]
أعكرم كنت كالمبتاع دارا [2] ... رأى بيع الندامة فآستقالا
بنو شيبان أكرم آل بكر ... وأمتنهم إذا عقدوا حبالا
رجال أعطيت أحلام عاد ... إذا نطقوا وأيديها الطوالا
وتيم اللّه حيّ حيّ صدق ... ولكنّ الرّحى تعلو الثّفالا [3]
صوت
سقى دمنتين لم نجد لهما أهلا ... بحقل لكم يا عزّ قد رابني حقلا [4]
فيا عزّ إن واش وشى بي عندكم ... فلا تكرميه أن تقولي له مهلا
كما نحن لو واش وشى بك عندنا ... لقلنا تزحزح لا قريبا ولا سهلا
ألم يأن لي يا قلب أن أترك الجهلا ... وأن يحدث الشيب الملمّ لي العقلا
على حين صار الرأس منّي كأنما ... علت [5] فوقه ندّافة العطب الغزلا
عروضه من الطويل. الدّمن: آثار الديار، واحدتها دمنة. والحقل: الأرض التي يزرع فيها. والعطب هو القطن.
الشعر لكثيّر كلّه إلا البيت الأوّل فإنه انتحله، وهو الأفوه الأوديّ. والغناء لابن سريج ثاني ثقيل بالوسطى عن الهشاميّ في الثلاثة الأبيات الأوّل متوالية. وذكر حبش أنه [6] لمعبد. وفي الرابع والخامس والثاني والثالث لحنين ثقيل/ أوّل بالسّبابة في مجرى البنصر [7] عن اسحاق، وفيه ثقيل أوّل بالبنصر؛ ذكر ابن المكيّ أنه لمعبد، وذكر الهشامي أنه من منحول [8] يحيى المكيّ.
__________
[1] كذا في ب، س، ح. وفي ف، ط: «الغر».
[2] كذا في ف، وهو الصواب. وفي سائر النسخ: «داء».
[3] الثفال: ما وقيت به الرحى من الأرض.
[4] نسب ياقوت هذا البيت لكثير وقال: «حقل مكان دون أيلة بستة عشر ميلا كان لعزة صاحبة كثير فيه يستان»، وروايته: «قد زانتا».
[5] كذا في الأصول. والبيت لم يرد في ف.
[6] كذا في ف* وفي سائر الأصول: «إنها».
[7] في ف: «الوسطى».
[8] في س، ط: «أنه منحول».
14 - نسب الأفوه الأوديّ وشيء من أخباره
نسبه
الأفوه لقب، واسمه صلاءة [1] بن عمرو بن مالك بن عوف بن الحارث بن عوف بن منبّه بن أود بن الصعب [2] ابن سعيد العشيرة. وكان يقال لأبيه عمرو بن مالك فارس الشوهاء؛ وفي ذلك يقول الأفوه:
أبي فارس الشوهاء [3] عمرو بن مالك ... غداة الوغى إذ مال بالجد عاثر
كان سيد قومه وقائدهم وشاعرهم
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدّثنا ابن أبي سعد عن عليّ بن الصّباح عن هشام [4] بن محمد الكلبيّ عن أبيه قال:
كان الأفوه من كبار الشعراء القدماء في الجاهلية، وكان سيد قومه وقائدهم في حروبهم، وكانوا يصدون عن رأيه. والعرب تعدّه من حكمائها. وتعدّ داليّته؛
معاشر ما بنوا مجدا لقومهم ... وإن بنى غيرهم ما أفسدوا عادوا [5]
أبياته التي أخذ منها كثير بيتا
من حكمة العرب وآدابها [6]. فأمّا البيت الذي أخذه كثيّر من شعر الأفوه وأضافه إلى أبياته التي ذكرناها وفيها الغناء آنفا فإنّه من قصيدة يقول فيها:
نقاتل أقواما فنسبي نساءهم ... ولم ير ذو عزّ لنسوتنا حجلا [7]
نقود ونأبى أن نقاد ولا نرى ... لقوم علينا في مكارمة فضلا
وإنا بطاء المشي عند نسائنا ... كما قيّدت [8] بالصّيف نجديّة بزلا
__________
[1] في ف، ب، ح: «صلاة». وفي س: «صلات».
[2] في ف: «بن صعب».
[3] الشوهاء: اسم فرس. والشوهاء: من الخيل الطويلة الرائعة.
[4] في ب، س، ح: «الهشامي».
[5] في ح: «يا معاشر لم بينوا». وفي ف:
لنا معاشر لم يبنوا لقومهم ... وإن بنى قومهم ما أفسدوا عادوا
[6] من أوّل نسب الأفوه حتى هذه الكلمة لم يرد في نسخة ط.
[7] الحجل، بالكسر: الخلخال.
[8] في ف: «كما قدت».
/
نظل غيارى عند كل ستيرة ... نقلّب جيدا واضحا وشوى عبلا [1]
وإنا لنعطي المال دون دمائنا ... ونأبى فما نستام دون دم عقلا [2]
سبب هذه الأبيات
قال أبو عمرو الشّيباني: قال الأفوه الأوديّ هذه الأبيات يفخر بها على قوم من بني عامر، كانت بينه وبينهم دماء، فأدرك بثأره وزاد، وأعطاهم ديات من قتل فضلا على قتلى قومه، فقبلوا وصالحوه.
بنو أود وبنو عامر
وقال أبو عمرو [3]: أغارت بنو أود - وقد جمعها الأفوه - على بني عامر، فمرض الأفوه مرضا شديدا، فخرج بدله زيد بن الحارث الأوديّ وأقام الأفوه حتى أفاق من وجعه، ومضى زيد بن الحارث حتى لقي بني عامر بتضارع [4]، وعليهم عوف بن الأحوص بن جعفر بن كلاب. فلما التقوا عرف بعضهم بعضا، فقال لهم بنو عامر:
ساندونا فما أصبنا كان بيننا وبينكم. فقالت بنو أود - وقد أصابوا منهم رجلين - : لا واللّه حتى نأخذ بطائلتنا [5]. فقام أخو المقتول، وهو رجل من بني كعب بن أود فقال: يا بني أود، واللّه لتأخذنّ بطالئتي أو لأنتحينّ على سيفي.
فاقتتلت أود وبنو عامر، فظفرت أود وأصابت مغنما كثيرا. فقال الأفوه في ذلك:
صوت
ألا يا لهف لو شهدت قناتي ... قبائل عامر يوم الصبيب
غداة تجمعت كعب إلينا ... حلائب بين أفناء الحروب [6]
فلمّا أن رأونا في وغاها ... كآساد الغريفة والحجيب [7]
/تداعوا ثم مالوا عن ذراها ... كفعل الخامعات من الوجيب [8]
/و طاروا كالنّعام ببطن قوّ ... مواءلة على حذر الرقيب [9]
__________
[1] الستيرة: المرأة المستورة. الشوى: اليدان. العبل: الممتلىء التام الخلق.
[2] العقل: الدية.
[3] من هذه الكلمة حتى البيت الثاني من الصفحة التالية لم يرد في ط.
[4] هذه الكلمة ساقطة من جميع الأصول عدا س، ب، وفيهما «يتصارعون» تحريف. وتضارع: موضع بالحجاز ذكره الأفوه في بيت من الأبيات المذكورة، قال:
وجرد جمعها بيضا خفافا ... على جنبي تضارع فاللهيب
وانظر «اللسان» (لهب) وياقوت (اللهيب).
[5] الطائلة: الثأر والوتر.
[6] كذا في ف، وفي سائر النسخ: «بين أبناء الحريب». والحلائب: الجماعات، والأفناء: الأخلاط.
[7] ورد هذا البيت في ف. والغريفة: الأجمة. والحجيب: موضع.
[8] كذا في ف. والخامعات: الضباع؛ سميت بذلك لأنها تجمع في مشيها، أي تعرج، وهي موصوفة بالحمق والجبن. والوجيب:
الخوف. وفي سائر الأصول: «كفعل معاتت أمن الرجيب».
[9] كذا على الصواب في ف، وفي سائر النسخ: «كالبغام». وبطن قوّ موضع المواءلة: طلب النجاة.
صوت
كأن لم تري قبلي أسيرا مكبّلا ... ولا رجلا يرمى به الرجوان [1]
كأني جواد ضمّه القيد بعدما ... جرى سابقا في حلبة ورهان
الشعر لرجل من لصوص بني تميم يعرف بأبي النّشناش، والغناء لابن جامع ثاني ثقيل بالبنصر من روايتي عليّ ابن يحيى والهشاميّ.
النشناش واعتراضه القوافل وهربه بعد الظفر به، وما كان بينه وبين اللهبي
أخبرني عليّ بن سليمان الأخفش قال حدّثنا أبو سعيد السكريّ عن محمد بن حبيب قال:
كان أبو النّشناش من ملاصّ [2] بني تميم، وكان يعترض القوافل في شذّاذ من العرب بين طريق الحجاز والشام فيجتاحها. فظفر به بعض عمال مروان فحبسه وقيده مدّة، ثم أمكنه الهرب في وقت غرّة فهرب، فمر بغراب على بانة ينتف ريشه وينعب، فجزع من ذلك [3]. ثم مر بحيّ من لهب فقال لهم: رجل كان في بلاء وشرّ وحبس وضيق فنجا من ذلك، ثم نظر عن يمينه فلم ير شيئا، ونظر عن يساره فرأى غرابا على شجرة بان ينتف ريشه وينعب. فقال له اللهبيّ: إن صدقت/ الطير يعاد [4] إلى حبسه وقيده، ويطول ذلك به، ويقتل ويصلب. فقال له: بفيك الحجر [5].
قال: لا بل بفيك. وأنشأ يقول:
وسائلة أين ارتحالي [6] وسائل ... ومن يسأل الصّعلوك أين مذاهبه!
مذاهبه أنّ الفجاج عريضة ... إذا ضنّ عنه بالنّوال أقاربه
إذا المرء لم يسرح سواما ولم يرح ... سواما ولم يبسط له الوجه صاحبه [7]
فللموت خير للفتى من قعوده ... عديما ومن مولى تعاف مشاربه [8]
ودوّيّة قفر يحار بها القطا ... سرت بأبي النّشناش فيها ركائبه [9]
ليدرك ثأرا أو ليكسب مغنما ... ألا إنّ هذا الدهر تترى عجائبه
فلم أر مثل الفقر ضاجعه الفتى ... ولا كسواد الليل أخفق طالبه
فعش معذرا أو مت كريما فإنني ... أرى الموت لا يبقى على من يطالبه [10]
__________
[1] انظر التعليق (رقم 8 ص 165) من هذا الجزء.
[2] ملاص: جمع ملصة (بفتح الميم)، وهو اسم جمع للص.
[3] في ج: «فجزع من ذلك ثم نظر عن يمينه».
[4] في ف: «فقال له اللهبي: يؤخذ فيعاد».
[5] في ف: «بفيك التراب».
[6] في ح، ب: «ارتحال».
[7] في ف:
«و لم يرح ... إليه»
[8] في ف
«من حياته ... فقيرا»
وفي ج:
«تدب عقاربه»
[9] الدوية: المفازة، وفي ف: «و نائية الأرجاء طامسة الصوى».
[10] المعذر: الذي له عذر. وفي ح: «مقترا».
صوت
أصادرة حجّاج كعب ومالك ... على كل فتلاء الذراعين محنق [1]
أقام قناة الودّ بيني وبينه ... وفارقني عن شيمة لم ترنّق [2]
عروضه من الطويل. الصادر: المنصرف، وهو ضدّ الوارد، وأصله من ورود الماء والصّدر عنه، ثم يقال لكل مقبل إلى موضع ومنصرف عنه. وكعب: من خزاعة./ ومالك: يعني مالك بن النضر بن كنانة: وكان كثير ينتمي [3] وينمي خزاعة إليهم. ومحنق: ضامرة. والشيمة: الخلق والطبيعة. وترنّق: تكدر. والرنق: الكدر.
الشعر لكثيّر عزّة يرثي خندقا الأسديّ، والغناء للهذليّ ثاني ثقيل بالخنصر في مجرى البنصر من رواية إسحاق. وفي الثاني من البيتين ثم الأوّل لسياط رمل بالبنصر عنه وعن الهشاميّ وعمرو. وفيهما لمعبد لحن ذكره يونس ولم يجنسه. وفي رواية حماد عن أبيه أنّ لحن الهذلي من الثقيل الأوّل، فإن كان ذلك/ كذلك فالثقيل الثاني لمعبد. وذكر أحمد بن عبيد أن الذي صح فيه ثقيل أوّل أو ثاني ثقيل.
__________
[1] في أكثر الأصول: «الذراع». وقد أثبتنا رواية ف، ح.
[2] في ح: «أقليم قناة».
[3] في ف: «كان كثير ينتمي إليهم».
15 - خبر كثيّر وخندق الأسديّ الذي من أجله قال هذا الشعر
كانا يقولان بالرجعة
حدّثني محمد بن العباس اليزيديّ قال حدّثني محمد بن حبيب. وأخبرني وكيع قال حدّثنا عليّ بن محمد النوفليّ عن أبيه. وأخبرنا أحمد بن عبد العزيز قال حدّثنا عمر بن شبة عن ابن داحة، قالوا:
كان خندق بن مرة الأسديّ - هكذا قال النوفليّ. وغيره يقول: خندق بن بدر - صديقا لكثيّر، وكانا يقولان بالرجعة [1]، فاجتمعا بالموسم فتذاكر التشيع. فقال خندق: لو وجدت من يضمن لي عيالي بعدي لوقفت بالموسم فذكرت فضل آل محمد صلّى اللّه عليه وسلّم، وظلم الناس لهم وغصبهم إياهم على حقهم، ودعوت إليهم وتبرأت من أبي بكر وعمر. فضمن كثيّر عياله، فقام ففعل ذلك وسب أبا بكر وعمر رضوان اللّه عليهما وتبرأ منهما.
قال عمر بن شبة في خبره فقال: أيها الناس إنكم على غير حق، تركتم أهل بيت نبيكم، والحقّ لهم وهم الأئمة - ولم يقل إنه سب أحدا - فوثب عليه الناس فضربوه ورموه حتى قتلوه. ودفن خندق بقنوني [2]. فقال إذ ذاك كثيّر يرثيه:
أصادرة حجّاج كعب ومالك ... على كل عجلى ضامر البطن محنق [3]
بمرثية فيها ثناء محبّر ... لأزهر من أولاد مرة معرق
كأنّ أخاه في النوائب ملجأ ... إلى علم من ركن قدس المنطّق [4]
ينال رجالا نفعه وهو منهم ... بعيد كعيّوق [5] الثريّا المعلّق [6]
/تقول ابنة الضّمري مالك شاحبا ... ولونك مصفرّ وإن لم تخلّق [7]
فقلت لها لا تعجبي، من يمت له ... أخ كأبي بدر وجدّك يشفق [8]
__________
[1] بعده في ف: «و كانا خشبيّين جميعا». وفي ح: «و كانا حسنيين».
[2] قنوني: واد من أودية السراة يصب إلى البحر في أوائل أرض اليمن من جهة مكة.
[3] في ف: «على كل فتلاء الذراعين محنق». عجلى: مسرعة.
[4] قدس: جبل عظيم بنجد. والمنطق: المرتفع.
[5] العيوق: نجم أحمر مضىء في أطراف المجرة الأيمن يتلو الثريا لا يتقدمها.
[6] في ف: «المحلق».
[7] في ج: «حاشبا». وتخلق: تطيب بالخلوق، وهو ضرب من الطيب مائع فيه صفرة لأن أكثر أجزائه من الزعفران.
[8] يشفق: يجزع، وفي ط: «يسبق». وفي ف: «يشتق».
وأمر يهمّ الناس غبّ نتاجه ... كفيت وكرب بالدّواهي مطرّق [1]
كشفت أبا بدر إذا القوم أحجموا ... وعضت ملاقي أمرهم بالمخنّق [2]
وخصم أبا بدر ألدّ أبتّه ... على مثل طعم الحنظل المتفلق [3]
جزى اللّه خيرا خندقا من كافىء ... وصاحب صدق ذي حفاظ ومصدق
أقام قناة الودّ بيني وبينه ... وفارقني عن شيمة لم ترنّق
حلفت - على أن قد أجنّتك حفرة ... ببطن قنوني - لو نعيش فنلتقي [4]
لألفيتني بالودّ بعدك دائما ... على عهدنا إذ نحن لم نتفرّق
إذا ما غدا يهتز للمجد والنّدى ... أشمّ كغصن البانة المتورّق
وإني لجاز بالذي كان بيننا ... بني أسد رهط ابن مرة خندق
كثير وإنكار الطفيل انتسابه إلى كنانة
أخبرني أحمد بن عبد العزيز [5] قال حدّثنا عمر بن شبّة:
إن كثيّرا لما انتمى إلى قريش وجرى بينه وبين الحزين الدّيليّ من المواثبة والهجاء ما جرى بلغ ذلك الطّفيل ابن عامر بن واثلة وهو بالكوفة، فأنكر أمر كثيّر وانتسابه إلى كنانة وتصييره خزاعة منهم، وما فعله الحزين. فحلف لئن رأى كثيّرا ليضربنه/ بالسيف أو ليطعننه بالرمح، فكلمه فيه/ خندق الأسديّ - وكان صديقا له ولكثير - فوهبه له، واجتمعا بمكة فجلسا مع ابن الحنفية. فقال طفيل: لو لا خندق لوفيت لك بيميني. فقال يرثيه، وعنه كان أخذ مقالته:
ونال رجالا نفعه وهو منهم ... بعيد كعيّوق الثريا المعلق [6]
وذكر باقي الأبيات.
نسيبه بعزة
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزبير بن بكار قال حدّثني محمد بن إسماعيل [7] قال حدّثني حميد بن عبد الرحمن أحد بني عتوارة بن جديّ قال:
كان كثيّر قد سلّطه اللّه ينسب بعزّة بنت عبد اللّه، أحد بني حاجب بن [8] عبد اللّه بن غفار، قال: وكان نسوانهم
__________
[1] مطرق؛ من قولهم طرقت القطاة: حان خروج بيضها.
[2] المخنق: موضع حبل الخنق من العنق.
[3] أبته: الفعل أصله أبات ثم أسند إلى تاء المخاطب، يقال: أبات اللّه إباتة حسنة.
[4] في ج: «عهدت».
[5] في ف: «ابن عبد العزيز الجوهري».
[6] في ح، ط، ف: «المحلق».
[7] لم يذكر محمد بن إسماعيل في ح.
[8] في ج: «أحد بني حاجب من بني غفار».
قد لقينها وهي سائرة في نسائهم في الجلاء [1]، في عام أصابت أهل تهامة فيه حطمة شديدة، وكانت عزّة من أجمل النساء وأدبهن وأعقلهن [2]، ولا واللّه ما رأى لها وجها قطّ، إلا أنه استهيم بها قلبه لما ذكر له عنها. فلقيه رجال من الحي لما بلغهم ذلك عنه، فقالوا له: إنك قد شهرت نفسك [3] وشهرتنا وشهرت صاحبتنا فاكفف نفسك. قال: فإني لا أذكرها بما تكرهون. فخرجوا جالين إلى مصر في أعوام الجلاء. فتبعهم على راحلته فزجروه، فأبى إلا أن يلحقهم بنفسه، فجلس له فتية من جديّ، قال: وكان بنو ضمرة كلّهم يهون عليهم نسيبه لما يعرفون من براءتها، إلا ما كان من بني جديّ [4] فإنهم كانوا صمعا غيرا [5]. فقعد له عون، أحد بني جديّ في تسعة نفر على محالج [6]، فلما جاز بهم تحت الليل أخذوه، ثم عدلوا به عن الطريق إلى جيفة حمار/ كانوا يعرفونها من النهار، فأدخلوه فيها وربطوا يديه ورجليه، ثم أوثقوا بطن الحمار، فجعل يضطرب فيه ويستغيث، ومضوا عنه، فاجتاز به خندق الأسديّ، فسمع استغاثته - وهو خندق بن بدر - فعدل إلى الصوت حين سمعه، فوجد في الجيفة إنسانا، فسأله من هو وما خبره؟ فأخبره. فأطلقه وحمله وألحقه ببلاده. فقال كثيّر في ذلك - قال الزّبير أنشدنيها عمر بن أبي بكر المؤمّليّ عن عبد اللّه بن أبي عبيدة معمر بن المثنّى -
أصادرة حجّاج كعب ومالك ... على كلّ فتلاء الذراعين محنق
وذكر القصيدة كلّها على ما مضت.
أخبرني الحرميّ [7] بن أبي العلاء قال حدّثنا الزبير قال حدّثنا عمر بن أبي بكر المؤمّلي عن أبي عبيدة قال:
خندق الأسديّ هو الذي أدخل كثيّرا في مذهب الخشبيّة [8].
كثير يرثي خندقا حين قتل بعرفة
أخبرني محمد بن العباس اليزيديّ قال حدّثنا محمد بن حبيب قال:
لما قتل خندق الأسديّ بعرفة رثاه كثيّر فقال:
شجا أظعان غاضرة الغوادي ... بغير مشورة عرضا فؤادي
أغاضر لو شهدت غداة بنتم ... حنوّ العائدات على وسادي [9]
أويت لعاشق لم تشكميه ... نوافذه [10] تلذّع بالزّناد
__________
[1] في بعض الأصول: «الحلاس»، وصوابه في ف.
[2] في ح، ط: «من أجمل نساء وآدبه وأعقله». وفي ف: «من أجمل نساء الناس».
[3] في ح: «شهرت نفسك فاكفف».
[4] ما بعده إلى «عون» ساقط من ف.
[5] صمع: ذوو حزم. غير: جمع غيور.
[6] في ف: «مخالج» وفي ط: «محالح». والمحالج: جمع محلج كمنبر، وهو الخفيف من الحمر.
[7] في ط، ف: «الحرمي قال».
[8] الخشبية: قوم من الجهمية يقولون إن اللّه تعالى لا يتكلم، وإن القرآن مخلوق. وقال ابن الأثير: هم أصحاب المختار بن أبي عبيد.
ويقال: هم ضرب من الشيعة، سموا بذلك لأنهم حفظوا خشبة زيد بن علي حين صلب. انظر «شرح القاموس» (مادة خشب)».
[9] في ح: «جنوء العائدات».
[10] أويت: رثيت وأشفقت. لم تشكميه: لم تجازيه. النوافذ: الفم وثقبا الأذنين والأنف. وفي «الديوان»: «جوانحه».
ويوم الخيل قد سفرت وكفّت ... رداء العصب عن رتل براد [1]
/ - الرتل: الثغر المستوي النبت [2] -
وعن نجلاء تدمع [3] في بياض ... إذا دمعت وتنظر في سواد
وعن متكاوس في العقص جثل ... أثيت النبت ذي عذر جعاد [4]
/و غاضرة الغداة وإن نأتنا ... وأصبح دونها قطر البلاد
أحبّ ظعينة وبنات نفسي ... إليها لو بللن بها صوادي [5]
ومن دون الذي أمّلت ودّا [6] ... ولو طالبتها خرط القتاد
وقال الناصحون تحلّ منها ... ببذل قبل شيمتها الجماد
- تحلّ: أصب. يقال: ما حليت من فلان بشيء ولا تحلّيت منه بشيء، ومنه حلوان الكاهن والراقي وما أشبه ذلك [7] -
فقد وعدتك لو أقبلت ودّا ... فلجّ بك التدلّل في تعاد [8]
فأسررت الندامة يوم نادى ... بردّ جمال غاضرة المنادى
تمادى البعد دونهم فأمست ... دموع العين لجّ بها التّمادي
لقد منع الرقاد فبتّ ليلي ... تجافيني الهموم عن الوساد
عداني أن أزورك غير بغض ... مقامك بين مصفحة شداد [9]
وإني قائل إن لم أزره ... سقت ديم السواري والغوادي
محلّ أخي بني أسد قنونى ... فما والى إلى برك الغماد [10]
/مقيم بالمجازة [11] من قنونى ... وأهلك بالأجيفر والثماد [12]
فلا تبعد فكل فتى سيأتي ... عليه الموت يطرق أو يغادي
__________
[1] البراد: البارد. وفي ف: «رداء العضب».
[2] لم ترد هذه العبارة في ف.
[3] في ف: «تلمع في بياض».
[4] المتكاوس: المتراكب. والجثل: الشعر الكثير. والأثيت: الكثير العظيم. والعذرة: الناصية؛ وقيل: الخصلة من الشعر.
[5] في ط: «لو تلين لها».
[6] في ف: «أملت منها».
[7] العبارة: «و ما أشبه ذلك» ساقطة من ح، ف.
[8] في ف: «في بعاد». والتعادي: التباعد.
[9] المصفحة: العريضة، ويريد حجارة القبر.
[10] برك الغماد: موضع وراء مكة بخمس ليال مما يلي البحر.
[11] المجازة: منزل من منازل طريق البصرة.
[12] الأجيفر: موضع في أسفل السبعان من بلاد قيس. والثماد: موضع في ديار بني تميم.
وكلّ ذخيرة لابدّ يوما ... ولو بقيت تصير إلى نفاد
يعزّ عليّ أن نغدو جميعا ... وتصبح ثاويا رهنا بواد
فلو فوديت من حدث المنايا ... وقيتك بالطّريف وبالتّلاد
في هذه القصيدة عدّة أصوات هذه نسبتها قد جمعت.
صوت
أغاضر لو شهدت غداة بنتم ... حنوّ العائدات على وسادي
رثيت لعاشق لم تشكميه ... نوافذه تلذّع بالزناد
عداني أن أزورك غير بغض ... مقامك بين مصفحة شداد
فلا تبعد فكل فتى سيأتي ... عليه الموت يطرق أو يغادي
لمعبد في البيتين الأوّلين لحن من خفيف الثقيل الأوّل بالوسطى عن عمرو وابن المكيّ والهشاميّ. وفيهما لإبراهيم ثقيل أوّل بالوسطى عن الهشاميّ وأحمد بن عبيد. وفيهما للغريض ثاني ثقيل عن ابن المكيّ. ومن الناس من ينسب لحن مالك إلى معبد أيضا. وفي الثالث والرابع لابن عائشة ثاني ثقيل مطلق في مجرى الوسطى عن إسحاق وعمرو وغيرهما. ويقال: إن لابن سريج وابن محرز وابن جامع فيهما ألحانا.
غاضرة هذه التي ذكرها كثيّر مولاة لآل مروان بن الحكم، وقد روي في ذكره إياها غير خبر مختلف.
أم البنين وما كان بينها وبين وضاح وكثير
فأخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزبير قال حدّثني عمر بن أبي بكر المؤمّلي قال/ حدّثني عبد اللّه بن أبي عبيدة قال:
حجّت أمّ البنين بنت عبد العزيز بن مروان فقالت لكثيّر ووضّاح: انسبا بي. فأمّا وضّاح فنسب بها، وأما كثير فنسب بجاريتها غاضرة حيث يقول:
شجا أظعان غاضرة الغوادي ... بغير مشورة [1] عرضا فؤادي
قال: وكانت زوجة [2] الوليد بن عبد الملك، فقتل وضّاحا ولم يجد على كثيّر سبيلا [3].
أخبرني الحرميّ قال حدّثنا الزبير قال حدّثني إبراهيم بن محمد بن عبد العزيز الزّهريّ عن محرز بن جعفر عن أبيه عن بديح قال:
قدمت أمّ البنين بنت عبد العزيز بن مروان - وهي عند الوليد بن عبد الملك - حاجّة، والوليد إذ ذاك خليفة.
__________
[1] في ح، ط، م، ف: «مشية» مسهل مشيئة.
[2] في ف: «و كانت أم البنين زوجة».
[3] كذا في ح، ف. وفي سائر النسخ: «و لم يجد لكثير سبيلا».
فأرسلت إلى كثيّر ووضّاح أن أنسبا بي [1]، فنسب وضّاح بها ونسب كثيّر بجاريتها غاضرة في شعره الذي يقول فيه:
شجا أظعان غاضرة الغوادي
قال: وكانت معها جوار قد فتن الناس بالوضاءة.
لابن قيس الرقيات في أم البنين
قال بديح: فلقيت عبيد اللّه بن قيس الرقيّات فقلت له: بمن نسبت من هذا القطين [2]؟ فقال لي:
ما تصنع بالشرّ ... إذا لم تك مجنونا
إذا قاسيت ثقل الشرّ ... حسّاك الأمرّينا [3]
وقد هجت بما قد قل ... ت أمرا كان مدفونا
/ قال بديح: ثم أخذ بيدي فخلا بي وقال لي: يا بديح، احفظ عني ما أقول لك فإنك موضع أمانة؛ وأنشدني:
أصحوت عن أمّ البني ... ن وذكرها وعنائها
وهجرتها هجر امرىء ... لم يقل حمل إخائها
من خيفة الأعداء أن ... يوهوا أديم صفائها
قرشيّة كالشّمس أش ... رق نورها ببهائها
زادت على البيض الحسا ... ن بحسنها ونقائها
لما اسبكرّت للشّبا ... ب وقنّعت بردائها [4]
لم تلتفت للداتها ... ومضت على غلوائها
غنّى ابن عائشة في الثلاثة الأبيات الأول لحنا من الثقيل الأول عن الهشاميّ عن يحيى المكيّ. وفي الرابع وما بعده لحنين لحنان: أحدهما ثاني ثقيل بالبنصر. والآخر خفيف ثقيل بالبنصر عن ابنه وغيره. وغنى إبراهيم الموصليّ في الأربعة الأول لحنا آخر من الثقيل الأول وهو اللحن الذي فيه استهلال. وذكر الهشاميّ أن الثقيل الثاني لابن محرز.
قال: فقتل الوليد وضّاحا ولم يجد على كثير سبيلا. قال: وحجّت بعد ذلك وقد تقدّم الوليد إليها وإلى من معها في الحجاب؛ فلقيني ابن قيس حيث خرجت ولم تكلّم أحدا ولم يرها، فقال لي: يا بديح:
__________
[1] في ح، ط، م: «انسيابي».
[2] القطين: الحشم والإماء.
[3] الأمرين؛ بكسر الراء مشدّدة: الشر والأمر العظيم. حساه: سقاه إياه. وفي ج: «حباك».
[4] اسبكرت: استقامت واعتدلت.
صوت
بان الخليط الذي به نثق ... واشتد دون المليحة القلق [1]
/من دون صفراء في مفاصلها ... لين وفي بعض بطشها خرق
إن ختمت جاز طين خاتمها ... كما تجوز العبديّة العتق [2]
/غنى في هذه الأبيات مالك بن أبي السّمح لحنا من الثقيل الأوّل بالبنصر، عن عمرو ويونس. وفيها لابن مسجح - ويقال لابن محرز، وهو مما يشبه غناءهما جميعا وينسب إليهما - خفيف ثقيل أوّل بالبنصر. والصحيح أنه لابن مسجح. وفيها ثاني ثقيل لابن محرز عن ابن المكّيّ. وذكر حبش أن لسياط فيها لحنا ماخوريّا بالوسطى. وفي هذه الأبيات زيادة يغنّى فيها ولم يذكرها الزبير في خبره، وهي:
إنّي لأخلي لها الفراش إذا ... قصّع [3] في حضن زوجه الحمق
عن غير بغض لها لديّ ول ... كن تلك منّي سجيّة خلق
قال الزبير: أراد بقوله في هذه الأبيات:
إن ختمت جاز طين خاتمها
أنها كانت عند سلطان جائز الأمر. والعبدية هي الدنانير، نسبها إلى عبد الملك. ثم وصل ابن قيس الرقيات هذه الأبيات - يعني الهائية - بأبيات يمدح بها عبد الملك فقال:
صوت
اسمع أمير المؤمني ... ن لمدحتي وثنائها [4]
أنت ابن عائشة التي ... فضلت أروم نسائها [5]
متعطّف الأعياص حو ... ل سريرها وفنائها [6]
ولدت أغرّ مباركا ... كالبدر وسط سمائها
غنّاه ابن عائشة من رواية يونس ولم يجنّسه. وهذا الشعر يقوله ابن قيس الرقيّات في عبد الملك لا الوليد.
إصرار ابن قيس الرقيات على كلمة في شعره وما كان بينه وبين عبد الملك في ذلك
أخبرني الحسين وابن أبي الأزهر عن حماد عن أبيه عن المدائنيّ: أن عبد الملك لما وهب لابن جعفر جرم عبيد اللّه بن قيس الرقيات وأمّنه، ثم تواثب أهل الشام ليقتلوه، قال: يا أمير المؤمنين، أتفعل هذا بي وأنا الذي أقول:
__________
[1] كذا في ف، ط، ورواية «الديوان»: «العلق».
[2] العتق: جمع عتيق، وهي كل نفيس قديم.
[3] قصع: لزم البيت ولم يبرحه، وفي الأصول: «قطع»، تحريف، صوابه عن «الديوان» 161، «و لسان العرب» (مادة قصع).
[4] هذه الأبيات: ساقطة من ج.
[5] الأروم: جمع أرومة، وهي الأصل.
[6] الأعياص من قريش: أولاد أمية بن عبد شمس الأكبر، وهم العاص وأبو العاص والعيص وأبو العيص.
اسمع أمير المؤمني ... ن لمدحتي وثنائها
أنت ابن معتلج البطا ... ح كديّها وكدائها [1]
ولبطن عائشة التي ... فضلت أروم نسائها
فلما أنشد هذا البيت قال له عبد الملك: قل «و لنسل عائشة». قال: لا بل «و لبطن عائشة». حتّى [2] ردّ ذلك عليه ثلاث مرات وهو يأبى إلّا «و لبطن عائشة». فقال له عبد الملك: اسحنفر [3] الآن. قال: وعائشة أمّ عبد الملك بنت معاوية بن المغيرة بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس. هذه رواية الزبير بن بكّار.
وقد حدّثنا به في خبر كثيّر مع غاضرة هذه بغير هذا محمد بن العباس اليزيديّ قال: حدّثنا محمد بن حبيب عن هشام بن الكلبيّ.
محاورة السائب بن حكيم لغاضرة ولم يكن قد عرفها
وأخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه عن ابن الكلبيّ عن أبي عبد الرحمن الأنصاريّ عن السائب بن حكيم السّدوسي راوية كثيّر قال:
واللّه إني لأسير يوما مع كثيّر، حتى إذا كنا ببطن/ جدار (جبل من المدينة على أميال) إذ أنا بامرأة في رحالة [4] متنقبة، معها عبيد لها يسعون معها، فمرّت جنابي فسلّمت ثم قالت: ممن الرجل [5]؟ قلت: من أهل الحجاز. قالت: فهل تروي لكثير/ شيئا؟ قلت: نعم. قالت: أما واللّه ما كان بالمدينة من شيء هو أحب إليّ من أن أرى كثيّرا وأسمع شعره، فهل تروي قصيدته:
أهاجك برق آخر الليل واصب
قلت: نعم: فأنشدتها إياها إلى آخرها. قالت: فهل تروي قوله:
كأنك لم تسمع ولم تر قبلها ... تفرّق ألّاف لهنّ حنين
قلت: نعم وأنشدتها. قالت: فهل تروي قوله أيضا:
لعزة من أيام ذي الغصن شاقني
قلت: نعم وأنشدتها إلى آخرها. قالت: فهل تروي قوله أيضا:
أأطلال سعدى باللوى تتعهّد
قلت: نعم وأنشدتها حتى أتيت على قوله:
فلم أر مثل العين ضنّت بمائها ... عليّ ولا مثلي على الدمع يحسد
قالت: قاتله اللّه! فهل قال مثل قول كثير أحد على الأرض. واللّه لأن أكون رأيت كثيّرا، أو سمعت منه
__________
[1] كدى وكداء: موضعان بمكة. وقيل: جبلان. كذا ذكر في «اللسان» واستشهد بالبيت.
[2] في ف، ج: «ردد».
[3] اسحنفر الرجل في منطقة: مضى فيه ولم يتمكث.
[4] الرحالة: مركب من جلود لا خشب فيه.
[5] في ط، ف، ج: «من الرجل».
شعره [1] أحبّ إليّ من مائة ألف درهم. قال: فقلت: هو ذاك الراكب أمامك [2]، وأنا السائب راويته. قالت: حياك اللّه تعالى. ثم ركضت بغلتها حتى أدركته فقالت: أنت كثيّر؟ قال: مالك ويلك! فقالت: أنت الذي تقول:
إذا حسرت عنه العمامة راعها ... جميل المحيّا أغفلته الدواهن
واللّه ما رأيت عربيا قطّ أقبح ولا أحقر ولا ألأم منك. قال: أنت واللّه أقبح مني وألأم. قالت له: أولست القائل:
/تراهنّ إلا أن يؤدّين نظرة ... بمؤخر عين أو يقلبن معصما
كواظم ما ينطقن إلا محورة ... رجيعة قول بعد أن يتفهّما [3]
يحاذرن مني غيرة قد عرفنها ... قديما فما يضحكن إلا تبسّما
لعن اللّه من يفرق [4] منك. قال: بل لعنك اللّه. قالت: أولست الذي تقول:
إذا ضمريّة عطست فنكها ... فإن عطاسها طرف الوداق [5]
قال: من أنت؟ قالت: لا يضرّك أن لم تعرفني ولا من أنا. قال: واللّه إني لأراك لئيمة الأصل والعشيرة.
قالت: حيّاك اللّه يا أبا صخر! ما كان بالمدينة رجل أحبّ إليّ وجها ولا لقاء منك. قال: لا حياك اللّه، واللّه ما [6] كان على الأرض أحد أبغض إليّ وجها منك. قالت: أتعرفني؟ قال: أعرف أنك لئيمة من اللئام. فتعرّفت إليه فإذا هي غاضرة أمّ ولد لبشر بن مروان. قال: وسايرها حتى سندنا [7] في الجبل من قبل زرود [8]. فقالت له: يا أبا صخر، أضمن لك مائة ألف درهم عند بشر بن مروان إن قدمت عليه. قال: أفي سّبك إياي أو سبّي إياك تضمنين لي هذا؟ واللّه لا أخرج إلى العراق على هذه الحال! فلما قامت تودّعه سفرت، فإذا هي أحسن من رأيت من أهل الدنيا وجها. فأمرت له بعشرة آلاف درهم، فبعد شدّ [9] ما قبلها وأمرت [10] لي بخمسة آلاف درهم. فلما ولّوا قال: يا سائب أين نعنّي أنفسنا إلى عكرمة، انطلق بنا نأكل/ هذه حتى يأتينا الموت. قال: وذلك قوله لما فارقتنا:
/شجا أظعان غاضرة الغوادي ... بغير [11] مشيئة عرضا فؤادي
__________
[1] في ج: «شعرا».
[2] في ف: «هو واللّه ذلك الراكب أمامك».
[3] المحورة: الجواب، يريد أنهن لا ينطقن إلا بعد أن يسألن.
[4] يفرق: يخاف.
[5] الوداق في كل ذات حافر: الغلمة.
[6] كذا في ف وفي سائر النسخ: «و لكن ما».
[7] سندنا: علونا.
[8] زرود: اسم جبل.
[9] في ب، س، ج: «سيرما».
[10] في ف: «له».
[11] في ط: «بغير مشية» بالتسهيل. وفي ف: حذف الشطر الثاني من البيت.
وقد روى الزبير أيضا في خبر هذه المرأة غير هذا، وخالف المعاني [1]
كثير وامرأة لقيها بقديد
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزبير بن بكّار قال حدّثني سليمان بن عيّاش السعديّ قال:
كان كثيّر يلقى حاجّ المدينة من قريش بقديد [2] في كل سنة، فغفل عاما من الأعوام عن يومهم الذي نزلوا فيه قديدا [3] حتى ارتفع النهار، ثم ركب جملا ثقالا [4] واستقبل الشمس [5] في يوم صائف، فجاء قديدا وقد كلّ وتعب، فوجدهم قد راحوا. وتخلّف فتى من قريش معه راحلته حتى يبرد [6]. قال الفتى القرشيّ: فجلس كثيّر إلى جنبي ولم يسلّم عليّ، فجاءت امرأة وسيمة جميلة، فجلست إلى خيمة من خيام قديد واستقبلت كثيّرا فقالت: أأنت كثيّر؟
قال: نعم. قالت: ابن أبي جمعة؟ قال: نعم. قالت: الذي يقول:
لعزّة أطلال أبت أن تكلّما
قال: نعم. قالت: وأنت الذي تقول فيها:
وكنت إذا ما جئت أجللن مجلسي ... وأظهرن منّي هيبة لا تجهّما
فقال: نعم. قالت: أعلى هذا الوجه هيبة؟ إن كنت كاذبا فعليك لعنة اللّه والملائكة والناس أجمعين. فضجر وقال: من أنت؟ فلم تجبه بشيء، فسأل الموليات اللواتي/ في الخباء بقديد عنها، فلم يخبرنه شيئا، فضجر واختلط. فلما سكن من شأوه [7] قال: أأنت الذي تقول:
متى تحسروا عنّي العمامة تبصروا ... جميل المحيّا أغفلته الدواهن
أهذا الوجه جميل المحيّا؟ إن كنت كاذبا فعليك لعنة اللّه والملائكة والناس أجمعين. فاختلط وقال: واللّه ما عرفتك، ولو عرفتك لفعلت وفعلت. فسكتت، فلما سكن من شأوه قالت: أأنت الذي تقول:
يروق العيون الناظرات كأنه ... هرقليّ وزن أحمر التّبر راجح [8]
أهذا الوجه يروق العيون الناظرات؟ إن كنت كاذبا فعليك لعنة اللّه ولعنة اللاعنين والملائكة والناس أجمعين.
فازداد ضجرا وغيظا واختلاطا وقال لها: قد عرفتك واللّه لأقطعنّك وقومك بالهجاء. ثم قال فالتفتّ في أثره، ثم رجعت طرفي نحو المرأة فإذا هي قد ذهبت، فقلت لمولاة من مولياتها بقديد: لك اللّه عليّ إن أخبرتني من هذه المرأة لأطوينّ لك ثوبيّ هذين إذا قضيت حجّي ثم أعطيكهما. فقالت: واللّه لو أعطيتني زنتهما ذهبا ما أخبرتك من هي؛ هذا كثيّر وهو مولاي قد سألني عنها فلم أخبره. قال الفتى القرشيّ: فرحت واللّه وبي أشدّ مما بكثيّر.
__________
[1] في ف: «في خبر هذه المرأة غير هذه الرواية، وخالف في معانيها».
[2] قديد: اسم موضع قرب مكة.
[3] الكلام بعده إلى «قديدا» التالية ساقط من ط.
[4] ثقالا: بطيئا.
[5] كلمة «الشمس»: ساقطة في جميع الأصول ما عدا ف.
[6] أبرد: دخل في آخر النهار.
[7] في ف: «سكن شأوه». والشأو: الحزن؛ يقال: شآه؛ أي حزنه.
[8] الهرقلي: الدينار؛ نسبة إلى هرقل ملك الروم، وهو أوّل من ضرب الدنانير والراجح: الموزون.
قال سليمان: وكان كثيّر دميما قليلا [1] أحمر أقيشر [2] عظيم الهامة قبيحا.
نسبة ما في هذه الأخبار من الشعر الذي يغنى به
صوت
منها:
أشاقك برق آخر الليل واصب ... تضمّنه فرش الجبا فالمسارب [3]
كما أومضت بالعين ثم تبسّمت ... خريع [4] بدا منها جبين وحاجب
/ وهبت لليلى ماءه ونباته ... كما كلّ ذي ودّ لمن ودّ واهب
عروضه من الطويل. الواصب: الدائم، يقال وصب يصب وصوبا أي دام. قال اللّه سبحانه: وَلَهُ الدِّينُ واصِباً
أي دائما.
ومنها:
صوت
لعزّة من أيّام ذي الغصن شاقني ... بضاحي قرار الرّوضتين رسوم [5]
هي الدار وحشا غير أن قد يحلّها ... ويغنى بها شخص عليّ كريم
فما برسوم الدّار لو كنت عالما ... ولا بالتّلاع المقويات أهيم
سألت حكيما أين شطّت بها النّوى ... فخبّرني ما لا أحبّ حكيم [6]
أجدّوا فأمّا آل عزّة غدوة ... فبانوا وأمّا واسط فمقيم [7]
لعمري لئن كان الفؤاد من الهوى ... بغى سقما إني إذا لسقيم
/ حكيم هذا [8] هو أبو السائب بن حكيم راوية كثير. ذكر ذلك لنا اليزيديّ عن ابن حبيب.
__________
[1] في ف: «عظيما». والقليل من الرجال: القصير الدقيق الجثة.
[2] الأقيشر: مصغر الأقشر، وهو الشديد الحمرة.
[3] فرش الجبا: موضع بالحجاز، ذكره ياقوت، واستشهد بالبيت. وفي الأصول: «فرش الحيا». وفي ف: «المشارب».
[4] الخريع: المرأة الحسناء. وفي ج: «حنين». وفي ف: «جبين وصاحب».
[5] جاء في «معجم البلدان» في «روضة الجام» بعد هذا البيت الآتي:
فروضة آجام تهيج لي البكا ... وروضات شوطى عهدهن قديم
[6] في ج، ف: «شطت بك».
[7] واسط: موضع أسفل من جمرة العقبة.
[8] كلمة «هذا»، ساقطة من ط.
في هذه الأبيات لمعبد لحنان، أحدهما في الثلاثة الأول خفيف ثقيل بالوسطى [1] عن الهشامي وابن المكّيّ وحبش، وفي الثلاثة الأخر التي أوّلها:
سألت حكيما أين شطّت بها النوى
له أيضا ثقيل أوّل بالبنصر عن يونس وحبش. وذكر حبش خاصة أن فيها لكردم خفيف ثقيل آخر، وفي الثالث والثاني لابن جامع خفيف رمل عن الهشامي. وقال أحمد بن عبيد: فيه ثلاثة ألحان: ثقيل أوّل وخفيفه، وخفيف رمل.
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكّار قال حدثني المؤمّليّ أن ابن أبي عبيدة كان إذا أنشد قصيدة كثيّر:
لعزّة من أيام ذي الغصن شاقني ... بضاحي قرار الروضتين رسوم
يتحازن حتى نقول: إنّه يبكي.
تمثل الحزين الكناني بشعر لكثير
أخبرني الحرميّ قال حدثنا الزبير بن بكّار قال حدّثني عمّي عن الضّحّاك بن عثمان قال: قال عروة بن أذينة:
كان الحزين الكناني الشاعر صديقا لأبي، وكان عشيرا له على النبيذ [2]، فكان كثيرا ما يأتيه، وكانت بالمدينة قينة يهواها الحزين ويكثر غشيانها، فبيعت وأخرجت عن المدينة، فأتى الحزين أبي، وهو كئيب حزين كاسمه، فقال له أبي: يا أبا حكيم مالك؟ قال: أنا واللّه يا أبا عامر كما قال كثيّر:
/لعمري لئن كان الفؤاد من الهوى ... بغى سقما إني إذا لسقيم
سألت حكيما أين شطّت بها النوى ... فخبّرني ما لا أحبّ حكيم
فقال له أبي: أنت مجنون إن أقمت على هذا.
قصيدة كثير في عزة لما أخرجت إلى مصر
وهذه القصيدة يقولها كثيّر في عزة لما أخرجت إلى مصر، وذلك قوله فيها:
ولست براء نحو مصر سحابة ... وإن بعدت إلّا قعدت أشيم [3]
فقد يوجد النّكس الدنيّ عن الهوى ... عزوفا ويصبو المرء وهو كريم [4]
وقال خليلي مالها إذ لقيتها ... غداة الشّبا [5] فيها عليك وجوم
/ فقلت له إن المودّة بيننا ... على غير فحش والصفاء قديم
__________
[1] في ط: «الأول بالوسطى».
[2] كذا في ف، وفي كل الأصول: «عشيرا على النسب».
[3] أشيم: أنظر إليها. في ط، ح: «تشيم».
[4] ما عدا ط، ف: «فقد يقعد».
[5] الشبا: واد بالأثيل من أعراض المدينة، وفي الأصول: «السبا»، وصوابه عن «معجم البلدان».
وإني وان أعرضت عنها تجلّدا ... على العهد فيما بيننا لمقيم
وإن زمانا فرّق الدهر بيننا ... وبينكم في صرفه لمشوم [1]
أفي الحق هذا أنّ قلبك سالم ... صحيح وقلبي في هواك سقيم [2]
وأن بجسمي منك داء مخامرا ... وجسمك موفور عليك سليم
لعمرك ما أنصفتني في مودّتي ... ولكنّني يا عزّ عنك حليم
فإمّا تريني اليوم أبدي جلادة ... فإني لعمري تحت ذاك كليم
ولست ابنة الضّمريّ منك بناقم ... ذنوب العدا إني إذا لظلوم
وإنّي لذو وجد إذا عاد وصلها ... وإنّي على ربي إذا الكريم [3]
/و منها:
صوت
لعزة أطلال أبت أن تكلّما ... تهيج مغانيها الفؤاد المتيّما
وكنت إذا ما جئت أجللن مجلسي ... وأظهرن منّي هيبة لا تجهّما
يحاذرن منّي غيرة قد عرفنها ... قديما فما يضحكن إلّا تبسّما
عروضه من الطويل. غنّى فيه مالك بن أبي السّمح لحنين عن يونس. أحدهما ثقيل أوّل بالخنصر في مجرى البنصر عن إسحاق، وغيره ينسبه إلى معبد. والآخر ثاني ثقيل بالوسطى عن حبش، وفيه لابن محرز خفيف ثقيل أوّل بالبنصر عن عمرو والهشامي. وغيره يقول: إنه لحن مالك. وفيه لابن سريج خفيف رمل بالبنصر عن عمرو والهشامي وعلي بن يحيى.
الرشيد ومسرور الخادم وما دار بينه وبين جعفر بن يحيى حين أمره بقتله
وأخبرني أحمد بن جعفر جحظة قال حدّثني ميمون بن هارون قال حدّثني من أثق به عن مسرور الخادم:
أن الرشيد [4] لما أراد قتل جعفر بن يحيى لم يطلع عليه أحدا بتّة [5]. ودخل عليه جعفر في اليوم الذي قتله في ليلته فقال له: اذهب فتشاغل اليوم بمن تأنس به واصطبح فإني مصطبح مع الحرم. فمضى جعفر، وفعل الرشيد ذلك. ولم يزل برّ الرشيد وألطافه [6] وتحفه وتحياته تتابع إليه لئلا يستوحش. فلما كان في الليل دعاني فقال لي [7]:
__________
[1] في ف: «فيه لجد مشوم».
[2] في ف: «من هواك».
[3] في ف، ط: «لئن عاد». وفي ج: «فاني على ربي».
[4] زايد في ج: «رحمه اللّه تعالى».
[5] هذه الكلمة ساقطة في ف.
[6] في ط، ف: «و لطفه» واللطف، بالتحريك: واحد الألطاف، وهو الهدية.
[7] هذه الكلمة ساقطة في ف، ج.
اذهب فجئني الساعة برأس جعفر بن يحيى، وضمّ إليّ جماعة من الغلمان، فمضيت حتى هجمت عليه منزله. وإذا أبو زكّار الأعمى يغنيّه بقوله [1]:
فلا تبعد فكل فتى سيأتي ... عليه الموت يطرق أو يغادي
/ فقلت له: في هذا المعنى ومثله واللّه جئتك فأجب. فوثب وقال: ما الخبر يا أبا الهشام جعلني اللّه فداءك! قلت: قد أمرت بأخذ رأسك. فأكبّ على رجلي فقبّلها وقال: اللّه اللّه، راجع أمير المؤمنين فيّ. فقلت: مالي إلى ذلك سبيل. قال: فأعهد؟ قلت: ذاك لك. فذهب يدخل إلى النساء فمنعته، وقلت: اعهد في موضعك. فدعا بدواة وكتب أحرفا على دهش ثم قال لي: يا أبا هشام بقيت واحدة. قلت: هاتها. قال: خذني معك إلى أمير المؤمنين حتى أخاطبه. قلت: مالي إلى ذلك سبيل. قال: ويحك لا تقتلني بأمره على النبيذ. فقلت: هيهات ما شرب [2] اليوم شيئا. قال:/ فخذني واحبسني عندك في الدار، وعاوده في أمري. قلت: أفعل. فأخذته، فقال لي أبو زكّار الأعمى: نشدتك اللّه إن قتلته إلّا ألحقتني به. قلت له: يا هذا لقد اخترت غير مختار. قال: وكيف أعيش بعده وحياتي كانت معه وبه، وأغناني عمّن سواه، فما أحب الحياة بعده، فمضيت بجعفر وجعلته في بيت وأقفلت عليه ووكّلت به، ودخلت إلى الرشيد، فلما رآني قال: أين رأسه ويلك؟ فأخبرته بالخبر. فقال يابن الفاعلة، واللّه لئن لم يجئني برأسه الساعة لآخذنّ رأسك! فمضيت إليه، فأخذت رأسه ووضعته بين يديه. ثم أخبرته خبره، وذكرت له خبر أبي زكّار الأعمى، فلما كان بعد مدة أمرني بإحضاره، فأحضرته، فوصله وبرّه وأمر بالجراية عليه.
صوت
(شعر في خولة غنى فيه)
قفا في دار خولة فاسألاها ... تقادم عهدها وهجرتماها
بمحلال يفوح المسك منه ... إذا هبّت بأبطحه صباها [3]
/أترعى حيث شاءت من حمانا ... وتمنعنا فلا [4] نرعى حماها
عروضه من الوافر. الشعر لرجل من فزارة. والغناء ذكر حماد عن أبيه أنه لمعبد، وذكر عنه في موضع آخر أنه لابن مسجح. وطريقته من الثقيل الأوّل مطلق في مجرى الوسطي.
نسب منظور بن زبان
وهذا الشعر يقول الفزاري في خولة بنت منظور بن زبّان بن سيّار بن عمرو بن جابر بن عقيل بن هلال بن سميّ ابن مازن بن فزارة بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان. وكان منظور بن زبّان سيد قومه غير مدافع، أمّه قهطم بنت
__________
[1] هذه الكلمة ساقطة في ط، ف.
[2] في ط: «فقلت ما شرب».
[3] المحلال: الأرض السهلة المخصبة. والأبطح: مسيل واسع فيه دقاق الحصى.
[4] في ج: «إذا نرعى».
هاشم بن حرملة - وقد ولدت [1] إيضا زهير بن جذيمة - فكان آخذا بأطراف الشرف في قومه. وهو أحد من طال حمل أمّه به.
سبب تسميته منظورا وشعر أبيه في ذلك
قال الزبير بن بكّار فيما أجاز لنا الحرميّ بن أبي العلاء والطّوسيّ روايته عنهما مما حدّثا به عنه حدّثتني مغيرة بنت أبي عديّ. قال الزبير وقد حدّثني هذا الحديث أيضا إبراهيم بن زياد عن محمد بن طلحة، وحدّثنيه أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة عن يحيى بن الحسن العلويّ عن الزبير قالا جميعا:
حملت قهطم بنت هاشم بمنظور بن زبّان أربع سنين، فولدته وقد جمع فاه فسماه أبوه منظورا لذلك - يعني لطول ما انتظره - وقال فيه على ما رواه محمد بن طلحة:
ما جئت حتى قيل ليس بوارد ... فسميت منظورا وجئت على قدر
وإنّي لأرجو أن تكون كهاشم ... وإني لأرجو أن تسود بني بدر
تزوّج مليكة زوج أبيه ففرّق عمر بينهما فتبعتها نفسه وقال شعرا
ذكر الهيثم بن عديّ عن ابن الكلبي وابن عيّاش، وذكر بعضه الزبير بن بكّار عن عمّه عن مجالد:
أنّ منظور بن زبّان تزوّج امرأة أبيه - وهي مليكة بنت [2] سنان بن أبي حارثة المرّيّ - فولدت له هاشما وعبد الجبّار وخولة، ولم تزل معه إلى خلافة عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه. وكان يشرب الخمر أيضا، فرفع أمره إلى عمر، فأحضره وسأله عما قيل، فاعترف به وقال: ما علمت أنها حرام [3]. فحبسه إلى وقت صلاة العصر، ثم أحلفه أنّه لم يعلم أن اللّه جلّ وعزّ حرّم ما فعله. فحلف - فيما ذكر - أربعين يمينا. فخلّى سبيله، وفرّق بينه وبين امرأة أبيه وقال: لو لا أنك/ حلفت لضربت عنقك.
قال ابن الكلبي في خبره: إنّ عمر قال له: أتنكح امرأة أبيك وهي أمك؟ أو ما علمت أن هذا نكاح المقت [4]!. وفرّق بينهما. فتزوّجها محمد بن طلحة.
قال ابن الكلبي في خبره:
فلما طلّقها أسف عليها وقال فيها:
ألا لا أبالي اليوم ما صنع الدهر ... إذا منعت منّي مليكة والخمر
فإن تك قد أمست بعيدا مزارها ... فحيّ ابنة المرّيّ ما طلع الفجر
لعمريّ ما كانت مليكة سوءة ... ولا ضمّ في بيت على مثلها ستر
وقال أيضا:
__________
[1] كذا في أخبار منظور التي طبعها ردلف برونو في الجزء الحادي والعشرين. وفي الأصول: «ولده» تحريف.
[2] في ف: «مليكة بنت خارجة بن سنان».
[3] في ف: «ما علمت أن هذا حرام».
[4] نكاح المقت: هو أن يتزوّج الرجل امرأة أبيه بعده.
لعمر أبي، دين يفرّق بيننا ... وبينك قسرا إنّه لعظيم
وقال حجر بن معاوية بن عيينة بن حصن بن حذيفة لمنظور:
/لبئس ما خلف الآباء بعدهم ... في الأمّهات عجان [1] الكلب منظور
قد كنت تغمزها والشيخ حاضرها ... فالآن أنت بطول الغمز معذور
تزوّجت ابنته خولة الحسن بن علي بعد موت زوجها
قال أبو الفرج الأصبهاني [2]: أخطأ ابن الكلبي في هذا. وإنما طلحة بن عبيد اللّه الذي تزوّجها؛ فأما محمد فإنه تزوّج خولة بنت منظور فولدت له إبراهيم بن محمد وكان أعرج، ثم قتل عنها يوم الجمل، فتزوّجها الحسن بن عليّ عليهما السلام، فولدت له الحسن بن الحسن عليهما السلام. وكان إبراهيم بن محمد بن طلحة نازع بعض ولد الحسين بن علي بعض ما كان بينهم وبين بني الحسن من مال عليّ عليه السلام، فقال الحسينيّ لأمير المدينة: هذا الظالم الضالع الظالع [3] - يعني إبراهيم - فقال له إبراهيم: واللّه [4] إني لأبغضك. فقال له الحسيني: صادق، واللّه يحب الصادقين، وما يمنعك من ذلك وقد قتل أبي أباك وجدّك، وناك عمي أمّك؟ - لا يكني - فأمر بهما فأقيما من بين يدي الأمير.
لقي مليكة بعد فراقها فتعرض لها ولزوجها
رجع الخبر إلى رواية ابن الكلبي قال: فلما فرّق عمر رضي اللّه عنه بينهما وتزوّجت رآها منظور يوما وهي تمشي في الطريق - وكانت جميلة رائعة الحسن - فقال: يا مليكة، لعن اللّه دينا فرّق بيني وبينك! فلم تكلمه وجازت، وجاز بعدها زوجها؛ فقال له منظور: كيف رأيت أثر أيري في حر مليكة؟ قال: كما رأيت أثر أير أبيك فيه، فأفحمه. وبلغ عمر رضي اللّه عنه الخبر فطلبه ليعاقبه، فهرب منه.
رجع إلى زواج ابنته خولة بالحسن
وقال الزبير في حديثه: فتزوّج محمد بن طلحة بن عبيد اللّه خولة بنت منظور فولدت له إبراهيم وداود وأمّ القاسم بني محمد بن طلحة، ثم قتل عنها يوم الجمل، فخلف عليها الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليهما السلام، فولدت له الحسن بن الحسن رضي اللّه عنهما.
/ قال الزبير: وقال محمد بن الضحاك الحزاميّ عن أبيه:
تزوّج الحسن عليه السلام خولة بنت منظور، زوّجه إياها عبد اللّه بن الزبير وكانت أختها تحته.
وأخبرني أحمد بن محمد بن سعيد قال حدّثني يحيى بن الحسن قال حدّثني موسى بن عبيد اللّه [5] بن الحسن قال:
__________
[1] العجان: الآست.
[2] في ف: «قال مؤلف هذا الكتاب».
[3] الضالع: الجائر، والظالع: المتهم.
[4] في ف: «اللّه يعلم أني أبغضك».
[5] في ط، ف: «عبد اللّه».
جعلت خولة أمرها إلى الحسن عليه السلام فتزوّجها، فبلغ ذلك منظور بن زبّان فقال: أمثلي يفتات عليه في ابنته! فقدم المدينة، فركز راية سوداء في مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فلم يبق قيسيّ بالمدينة إلا دخل تحتها، فقيل لمنظور بن زبان: أين يذهب بك! تزوّجها الحسن بن عليّ عليه السلام وليس مثله أحد. فلم يقبل. وبلغ الحسن/ عليه السلام ما فعل، فقال له: ها، شأنك [1] بها، فأخذها وخرج بها. فلما كان بقباء جعلت خولة تندّمه وتقول:
الحسن بن عليّ سيد شباب أهل الجنة. فقال: تلبّثي هاهنا، فإن كانت للرجل فيك حاجة فسيلحقنا هاهنا. قال:
فلحقه الحسن والحسين عليهما السلام وابن جعفر وابن عباس، فتزوّجها الحسن، ورجع بها. قال الزبير: ففي ذلك يقول جفير [2] العبسيّ:
إن النّدى من بني ذبيان قد علموا ... والجود في آل منظور بن سيّار
الماطرين بأيديهم ندىّ ديما ... وكلّ غيث من الوسميّ [3] مدرار
تزور جاراتهم وهنا [4] فواضلهم ... وما فتاهم لها سرّا بزوّار
ترضى قريش بهم صهرا لأنفسهم ... وهم رضا لبني أخت وأصهار
لما أسنت خولة بنته برزت للرجال وغناها معبد بشعر قيل فيها فطربت
أخبرني إسماعيل بن يونس الشّيعيّ قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثني ابن أبي أيّوب عن ابن عائشة المغنّي عن معبد:
أن خولة بنت منظور كانت عند الحسن بن عليّ عليهما السلام، فلما أسنّت مات عنها أو طلّقها، فكشفت قناعها وبرزت للرجال. قال معبد: فأتيتها ذات يوم أطالبها بحاجة، فغنيّتها لحني في شعر قاله فيها بعض بني فزارة، وكان خطبها فلم ينكحها أبوها:
قفا في دار خولة فاسألاها ... تقادم عهدها وهجرتماها
بمحلال كأن المسك فيه ... إذا فاحت [5] بأبطحه صباها
كأنّك مزنة برقت بليل ... لحرّان يضيء له سناها
فلم تمطر عليه وجاوزته ... وقد أشفى عليها أو رجاها
وما يملا فؤادي فاعلميه ... سلوّ النفس عنك ولا غناها
وترعى حيث شاءت من حمانا ... وتمنعنا فلا نرعى حماها
__________
[1] في ف: «فقال له شأنك بها».
[2] كذا في جميع الأصول، والذي يعرف من أسمائهم جيفر.
[3] الوسمي: مطر الربيع الأوّل.
[4] الوهن: نحو من نصف الليل أو بعد ساعة منه، والفواضل: الأيدي الجسيمة.
[5] كذا في ف، وفي سائر الأصول: «باحت».
قال [1]: فطربت العجوز لذلك، وقالت: يا عبد ابن قطن، أنا واللّه يومئذ أحسن من النار الموقدة في اللّيلة القرّة [2].
صوت
للّه در عصابة صاحبتهم ... يوم الرّصافة مثلهم لم يوجد
متقلّدين صفائحا هنديّة ... يتركن من ضربوا كأن لم يولد
وغدا الرجال الثائرون كأنّما ... أبصارهم قطع الحديد الموقد
عروضه من الكامل. الشعر للجحّاف السّلمي الموقع ببني تغلب في يوم البشر. والغناء للأبجر ثقيل أوّل بالبنصر في مجراها عن إسحاق.
__________
[1] زاد في ف: «عروضه من الوافر».
[2] القرة: الباردة.
16 - خبر الجحّاف ونسبه وقصّته يوم البشر
نسبه
هو الجحّاف بن حكيم بن عاصم بن قيس بن سباع بن خزاعيّ بن محاربيّ [1] بن فالج بن ذكوان بن ثعلبة بن بهثة بن سليم بن منصور.
قصته يوم البشر وسبب ذلك
وكان السبب في ذلك فيما أخبرنا به محمد بن/ العباس اليزيدي وعليّ بن سليمان الأخفش قالا حدّثنا أبو سعيد السكريّ عن محمد بن حبيب عن ابن الأعرابي، وأخبرنا إبراهيم بن أيوب عن ابن قتيبة، وأخبرنا أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ وحبيب بن نصر المهلّبي قالا حدّثنا عمر بن شبّة، وقد جمعت روايتهم. وأكثر اللفظ في الخبر لابن حبيب:
أن عمير بن الحباب لما قتلته بنو تغلب بالحشّاك - وهو إلى جانب الثّرثار، وهو قريب من تكريت - أتى تميم ابن الحباب أخوه زفر بن الحارث فأخبره بمقتل عمير، وسأله الطلب له بثأره، فكره ذلك زفر، فسار تميم بن الحباب بمن تبعه [2] من قيس، وتابعه على ذلك مسلم بن أبي ربيعة العقيلي. فلما توجهوا نحو بني تغلب لقيهم الهذيل في زراعة لهم؛ فقال: أين تريدون؟ فأخبروه بما كان من زفر، فقال: أمهلوني ألق الشّيخ. فأقاموا ومضى الهزيل فأتى زفر؛ فقال: ما صنعت! واللّه لئن ظفر بهذه العصابة إنه لعار عليك، ولئن ظفروا إنه لأشدّ؛ قال زفر:
فأحبس عليّ القوم؛ وقام زفر في أصحابه، فحرّضهم، ثم شخص واستخلف عليهم أخاه أوسا، وسار حتى انتهى إلى الثّرثار فدفنوا أصحابهم، ثم وجّه زفر بن الحرث يزيد بن حمران في خيل، فأساء إلى بني فدوكس من تغلب، فقتل رجالهم واستباح أموالهم، فلم يبق في ذلك الجوّ غير امرأة واحدة يقال لها حميدة بنت امرىء القيس عاذت بابن حمران فأعاذها. وبعث الهذيل إلى بني كعب بن زهير فقتل فيهم قتلا/ ذريعا. وبعث مسلم بن ربيعة إلى ناحية أخرى فأسرع في القتل. وبلغ ذلك بني تغلب واليمن، فارتحلوا يريدون عبور دجلة، فلحقهم زفر بالكحيل - وهو نهر أسفل الموصل مع المغرب - فاقتتلوا قتالا شديدا، وترجّل أصحاب زفر أجمعون، وبقي زفر على بغل له، فقتلوهم من ليلتهم، وبقروا ما وجدوا من النساء. وذكر أن من غرق في دجلة أكثر ممّن قتل بالسيف، وأنّ الدّم كان في دجلة قريبا من رمية سهم. فلم يزالوا يقتلون من وجدوا حتى أصبحوا؛ فذكر أن زفر دخل معهم دجلة وكانت فيه بحّة، فجعل ينادي ولا يسمعه أصحابه، ففقدوا [3] صوته وحسبوا أن يكون قتل، فتذامروا [4] وقالوا: لئن قتل شيخنا
__________
[1] في ب، س: «مخازي» وفي ط: «محاري»، تحريف، والتصحيح من «المقتضب من جمهرة النسب» (الورقة 45).
[2] في ف: «بمن معه».
[3] كذا في معظم الأصول، وفي ف: «فلا يسمع صوته ففقده أصحابه».
[4] تذامروا: حض بعضهم بعضا على القتال.
لما صنعنا شيئا، فاتبعوه فإذا هو في دجلة يصيح بالناس - وتغلب قد رمت بأنفسها تعبر في الماء - فخرج من الماء وأقام في موضعه. فهذه الوقعة الحرجيّة لأنهم أحرجوا فألقوا أنفسهم في الماء. ثم وجّه يزيد بن حمران وتميم بن الحباب ومسلم بن ربيعة والهذيل بن زفر في أصحابه، وأمرهم ألّا يلقوا أحدا إلا قتلوه، فانصرفوا من ليلتهم، وكلّ قد أصاب حاجته من القتل والمال، ثم مضى يستقبل الشّمال في جماعة من أصحابه، حتّى أتى رأس الأثيل، ولم يخلّ [1] بالكحيل أحدا - والكحيل على عشرة فراسخ من الموصل فيما بينها وبين الجنوب - فصعد قبل رأس الأثيل، فوجد به عسكرا من اليمن وتغلب، فقاتلهم بقية ليلتهم، فهربت تغلب وصبرت اليمن. وهذه الليلة تسميها تغلب ليلة الهرير. ففي ذلك يقول زفر بن الحارث، وقد ذكر أنها لغيره:
ولمّا أن نعى النّاعي عميرا ... حسبت سماءهم دهيت بليل
دهيت بليل، أي أظلمت نهارا كأن ليلا دهاها.
/و كان النجم يطلع في قتام [2] ... وخاف الذّلّ من يمن سهيل
/ وكنت قبيلها يا أمّ عمرو ... أرجّل لمّتي [3] وأجرّ ذيلي
فلو نبش المقابر عن عمير ... فيخبر من بلاء أبي الهذيل
غداة يقارع الأبطال حتى ... جرى منهم دما مرج [4] الكحيل
قبيل ينهدون [5] إلى قبيل ... تساقى الموت كيلا بعد كيل
وفي ذلك يقول جرير يعيّر الأخطل:
أنسيت يومك بالجزيرة بعد ما ... كانت عواقبه عليك وبالا!
حملت عليك حماة قيس خيلها ... شعثا عوابس تحمل الأبطالا
ما زلت تحسب كلّ شيء بعدهم ... خيلا تكرّ عليكم ورجالا
زفر الرئيس أبو الهذيل أبادكم ... فسبى النساء وأحرز الأموالا
أغراه الأخطل بشعره بأخذ الثار من تغلب ففعل وفر إلى الروم
فلما أن كانت سنة ثلاث وسبعين، وقتل عبد اللّه بن الزبير هدأت الفتنة واجتمع الناس على عبد الملك بن مروان، وتكافّت قيس وتغلب عن المغازي بالشام والجزيرة، وظنّ كلّ واحد من الفريقين أنّ عنده فضلا لصاحبه، وتكلم عبد الملك في ذلك ولم يحكم الصلح فيه، فبيناهم على تلك الحال إذ أنشد الأخطل عبد الملك بن مروان وعنده وجوه قيس قوله:
ألا سائل الجحاف هل هو ثائر ... بقتلى أصيبت من سليم وعامر
!
__________
[1] كذا في معظم الأصول، وفي ف: «لم يخلف أحدا»، وفي ج: «لم يتخلف أحد».
[2] القتام: الغبار. وفي البيت إقواه.
[3] اللمة: الشعر المجاوز شحمة الأذن.
[4] المرج: الفضاء أو أرض ذات كلأ ترعى فيها الدواب.
[5] ينهدون: ينهضون.
أجحاف إن نهبط عليك فتلتقي ... عليك بحور طاميات الزواخر
تكن مثل أبداء [1] الحباب الذي جرى ... به البحر تزهاه [2] رياح الصراصر
/ فوثب الجحاف يجرّ مطرفه وما يعلم من الغضب، فقال عبد الملك الأخطل: ما أحسبك إلا وقد كسبت قومك شرا. فافتعل الحجاف عهدا من عبد الملك على صدقات بكر وتغلب، وصحبه من قومه نحو من ألف فارس، فثار بهم حتى بلغ الرّصافة - قال: وبينها وبين شط الفرات ليلة، وهي في قبلة الفرات - ثم كشف لهم أمره، وأنشدهم شعر الأخطل، وقال لهم: إنما هي النار أو العار، فمن صبر فليقدم ومن كره فليرجع، قالوا: ما بأنفسنا عن نفسك رغبة، فأخبرهم بما يريد، فقالوا: نحن معك فيما كنت فيه من خير وشرّ، فارتحلوا فطرقوا صهين [3] بعد رؤبة [4] من الليل - وهي في قبلة الرصافة وبينهما ميل - ثم صبّحوا عاجنة الرّحوب في قبلة صهين والبشر - وهو واد لبني تغلب - فأغاروا على بني تغلب ليلا فقتلوهم، وبقروا من النساء من كانت حاملا، ومن كانت غير حامل قتلوها. فقال عمر بن شبّة في خبره: سمعت أبي يقول: صعد الجحاف الجبل - فهو يوم البشر، ويقال له أيضا يوم عاجنة الرّحوب، يوم مخاشن، وهو جبل إلى جنب البشر، وهو مرج السّلوطح لأنه بالرحوب - وقتل في تلك الليلة ابنا للأخطل يقال له أبو غياث، ففي ذلك يقول جرير له:
شربت الخمر بعد ابي غياث ... فلا نعمت لك السّوءات [5] بالا
قال عمر بن شبّة في خبره خاصّة:
ووقع الأخطل في أيديهم، وعليه عباءة دنسة، فسألوه/ فذكر أنّه عبد من عبيدهم، فأطلقوه، فقال ابن صفّار في ذلك:
لم تنج إلا بالتعبّد نفسه ... لمّا تيقن أنهم قوم عدا
وتشابهت برق [6] العباء عليهم ... فنجا ولو عرفوا عباءته هوى
/ وجعل ينادي: من كانت حاملا فإليّ، فصعدن إليه، فجعل يبقر بطونهنّ. ثم إن الجحاف هرب بعد فعله، وفرّق عنه أصحابه ولحق بالروم، فلحق الجحاف عبيدة بن همام التغلبيّ دون الدّرب، فكرّ عليه الجحاف فهزمه، وهزم أصحابه وقتلهم، ومكث زمنا في الروم، وقال في ذلك:
فإن تطردوني تطردوني وقد مضى ... من الورد يوم في دماء الأراقم [7]
__________
[1] كذا في الأصول، وفي «الديوان»: «أقذاء الحباب».
[2] زهت الريح الشجر تزهاه: هزته وحركته. وفي ف: «ترفيه».
[3] هكذا ضبط في ط.
[4] رؤبة: قطعة، وأصلها القطعة تسد بها ثملة الإناء.
[5] كذا في ط؛ وفي ج؛ ب، س: «النشوات».
[6] الأبرق: كل شيء اجتمع فيه سواد وبياض، وهي برقاء والجمع برق.
[7] الأراقم: حيّ من تغلب وهم جشم، أو هم بنو بكر وجشم ومالك والحارث ومعاوية، سموا كذلك تشبيها لعيونهم بعيون الأراقم من الحيات.
لدن ذرّ قرن الشمس حتى تلبّست ... ظلاما بركض المقربات الصلادم [1]
رجع بعد عفو عبد الملك عنه وتمثل بشعر الأخطل
حتّى سكن غضب عبد الملك، وكلّمته القيسية في أن يؤمنه، فلان وتلكأ، فقيل له: إنا واللّه لا نأمنه على المسلمين إن طال مقامه بالروم؛ فأمّنه، فأقبل فلما قدم على عبد الملك لقيه الأخطل فقال له الجحاف:
أبا مالك هل لمتني إذ حضضتني ... على القتل [2] أم هل لامني لك لائمي
أبا مالك إني أطعتك في الّتي ... حضضت عليها فعل حرّان حازم
فإن تدعني أخرى أجبك بمثلها ... وإني لطبّ [3] بالوغى جدّ عالم
قال ابن حبيب:
فزعموا أن الأخطل قال له: أراك واللّه شيخ سوء. وقال فيه جرير:
فإنّك والجحاف يوم تحضّه ... أردت بذاك المكث والورد أعجل
بكى دوبل لا يرقىء اللّه دمعة ... ألا إنما يبكي من الذّلّ دوبل [4]
وما زالت القتلى تمور دماؤهم ... بدجلة حتى ماء دجلة أشكل [5]
/فقال الأخطل: ما لجرير لعنه اللّه! واللّه ما سمّتني أمي دوبلا إلّا وأنا صبيّ صغير ثم ذهب ذلك عني لما كبرت. وقال الأخطل:
لقد أوقع الجحّاف بالبشر وقعة ... إلى اللّه منها المشتكى والمعوّل
فسائل بني مروان ما بال ذمّة ... وحبل ضعيف لا يزال يوصّل
فإلّا تغيّرها قريش بملكها ... يكن عن قريش مستراد ومزحل [6]
حمله الوليد دية قتلى البشر فاستطاع أن يأخذها من الحجاج
فقال عبد الملك حين أنشده هذا: فإلى أين يابن النّصرانية؟ قال: إلى النار قال: أولى لك لو قلت غيرها! قال: ورأى عبد الملك أنه إن تركهم على حالهم لم يحكم الأمر، فأمر الوليد بن عبد الملك، فحمل الدماء التي كانت قبل ذلك بين قيس وتغلب، وضمّن الجحّاف قتلى البشر، وألزمه إياها عقوبة له، فأدّى الوليد الحمالات، ولم يكن عند الجحاف ما حمّل، فلحق بالحجّاج بالعراق يسأله ما حمّل لأنه من هوازن، فسأل الإذن على الحجاج، فمنعه. فلقي أسماء بن خارجة؛ فعصب حاجته به فقال: إني لا أقدر لك على منفعة، قد علم الأمير بمكانك وأبى
__________
[1] المقربات من الخيل: التي ضمرت للركوب فهي قريبة معدّة. والصلادم: جمع صلدم، كزبرج وهو الفرس الصلب الشديد.
[2] في «معجم البلدان» «على الثأر».
[3] الطب: الخبير الحاذق.
[4] الدوبل: الخنزير أو ولده، ورقأ الدمع: جف وسكن.
[5] مار الدم: جرى، والأشكل: ما فيه بياض يضرب إلى الحمرة والكدرة.
[6] في «معجم البلدان»:
« ... بعدلها ... يكن عن قريش مستماز ومزحل»
بملكها، أي بقدرتها، والمستراد في الأصل: المرعى، من استرادت الدابة: رعت، ومزحل: مبعد، من زحل عن مكانه زال وتنحى.
أن يأذن لك؛ فقال: لا واللّه لا ألزمها غيرك أنجحت أو أكدت [1]، فلما بلغ ذلك الحجاج قال: ما له عندي شيء، فأبلغه ذلك؛ قال: وما عليك أن تكون أنت الذي توئسه فإنه قد أبى، فأذن/ له فلمّا رآه قال: أعهدتني خائنا لا أبا لك! قال: أنت سيد هوازن، وقد بدأنا بك، وأنت أمير العراقين [2]، وابن عظيم القريتين [3]، وعمالتك في كل سنة خمسمائة ألف درهم، وما بك بعدها حاجة إلى خيانة [4]؛ فقال: أشهد أن اللّه تعالى وفّقك، وأنّك نظرت بنور اللّه، فإذا صدقت فلك نصفها العام، فأعطاه وادّوا البقية.
تنسك وخرج إلى الحج في زي عجيب
قال: ثم تأله [5] الجحاف/ بعد ذلك، واستأذن في الحج، فأذن له، فخرج في المشيخة الذين شهدوا معه، قد لبسوا الصوف وأحرموا، وأبروا أنوفهم أي خزموها وجعلوا فيها البرى [6]، ومشوا إلى مكة فلما قدموا المدينة ومكة جعل الناس يخرجون فينظرون إليهم، ويعجبون منهم. قال: وسمع ابن عمر الجحاف وقد تعلق بأستار الكعبة وهو يقول: اللّهم اغفر لي وما أراك تفعل! فقال له ابن عمر: يا هذا، لو كنت الجحاف ما زدت على هذا القول؛ قال:
فأنا الجحاف، فسكت. وسمعه محمد بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام، وهو يقول ذلك؛ فقال: يا عبد اللّه، قنوطك من عفو اللّه أعظم من ذنبك! قال عمر بن شّبة في خبره: كان مولد الجحّاف بالبصرة.
دخل على عبد الملك بعد أن أمنه فأنشده شعرا
قال عبد اللّه بن إسحاق النحويّ: كان الجحاف معي في الكتّاب، قال أبو زيد في خبره أيضا: ولما أمّنه عبد الملك دخل عليه في جبّة صوف، فلبث قائما، فقال له عبد الملك: أنشدني بعض ما قلت في غزوتك هذه وفجرتك، فأنشده قوله:
صبرت سليم للطعان وعامر ... وإذا جزعنا لم نجد من يصبر
فقال له عبد الملك بن مروان: كذبت، ما أكثر من يصبر! ثم أنشده:
نحن الذين إذا علوا لم يفخروا ... يوم اللقا وإذا علوا لم يضجروا
فقال عبد الملك: صدقت، حدّثني أبي عن أبي سفيان بن حرب أنكم كنتم كما وصفت يوم فتح مكة.
عود إلى قصة يوم البشر
حدّثت عن الدمشقيّ عن الزبير بن بكار، وأخبرني، وكيع عن عبد اللّه بن شبيب عن الزبير بن بكار عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن عمر بن عبد العزيز بن مروان:
__________
[1] أكدى: أصله من أكدى الحافر: إذا حفر فبلغ الكدية وهي الصخرة فانقطع عن الحفر.
[2] العرافان: الكوفة والبصرة.
[3] القريتان: مكة والطائف.
[4] كذا في ف، وفي معظم الأصول «و ما بك بعدها إلى خيانة فقر».
[5] تأله: تعبد وتنسك.
[6] البرى: جمع بردّ، وهي الحلقة في أنف البعير.
أنه حضر الجحاف عند عبد الملك بن مروان يوما والأخطل حاضر في مجلسه ينشد:
ألا سائل الجحّاف هل هو ثائر ... بقتلى أصيب من سليم وعامر
/ قال: فتقبّض وجهه في وجه الأخطل. ثم إن الأخطل لمّا قال له ذلك قال له:
نعم سوف نبكيهم بكل مهنّد ... ونبكي عميرا بالرماح الخواطر [1]
ثم قال: ظننت أنك يابن النصرانية لم تكن تجترىء عليّ ولو رأيتني لك مأسورا. وأوعده، فما برح الأخطل حتى حمّ، فقال له عبد الملك: أنا جارك منه؛ قال: هذا أجرتني منه يقظان، فمن يجيرني منه نائما؟ قال: فجعل عبد الملك يضحك. قال: فأمّا قول الأخطل:
ألا سائل الجحّاف هل هو ثائر ... بقتلى أصيبت من سليم وعامر
فإنه يعني اليوم الذي قتلت فيه بنو تغلب عمير بن الحباب السّلميّ.
وكان السبب في ذلك فيما أخبرني به عليّ بن سليمان الأخفش قال حدّثني أبو سعيد السكريّ عن محمد بن حبيب عن أبي عبيدة عن ابن الأعرابيّ عن المفضل:
أن قيسا وتغلب تحاشدوا لما كان بينهم من الوقائع منذ ابتداء الحرب بمرج راهط، فكانوا يتغاورون [2].
وكانت بنو مالك بن بكر جامعة/ بالتوباذ وما حوله، وجلبت إليها طوائف تغلب وجميع بطونها، إلا أن بكر بن جشم لم تجتمع أحلافهم من النّمر بن قاسط. وحشدت بكر فلم يأت الجمع منهم على قدر عددهم. وكانت تغلب بدوا بالجزيرة لا حاضرة لها إلا قليل بالكوفة، وكانت حاضرة الجزيرة لقيس وقضاعة وأخلاط مضر، ففارقتهم قضاعة قبل حرب تغلب، وأرسلت تغلب إلى مهاجريها وهم بأذربيجان، فأتاهم شعيب بن مليل في ألفي فارس.
واستنصر عمير تميما وأسدا فلم يأته منهم أحد؛ فقال:
أيا أخوينا من تميم هديتما ... ومن أسد هل تسمعان المناديا
ألم تعلما مذ جاء بكر بن وائل ... وتغلب ألفافا تهزّ العواليا
/ إلى قومكم قد تعلمون مكانهم ... وهم قرب أدنى حاضرين وباديا
وكان من حضر ذلك من وجوه بكر بن وائل المجشّر بن الحارث بن عامر بن مرّة بن عبد اللّه بن أبي ربيعة بن ذهل بن شيبان، وكان من سادات شيبان بالجزيرة فأتاهم في جمع كثير من بني أبي ربيعة. وفي ذلك يقول تميم بن الحباب بعد يوم الحشّاك.
فإن تحتجز بالماء بكر بن وائل ... بني عمّنا فالدهر ذو متغيّر
فسوف نخيض [3] الماء أو سوف نلتقي ... فنقتصّ من أبناء عم المجشّر
وأتاهم زمام بن مالك بن الحصين من بني عمرو بن هاشم [4] بن مرّة في جمع كبير فشهدوا يوم الثرثار، فقتل.
__________
[1] خطر الرمح: اهتز فهو خاطر والجمع خواطر.
[2] يتغاورون: يغير بعضهم على بعض.
[3] أخاضه في الماء: جعله يخوضه.
[4] في ف: «عمرو بن همام».
وكان فيمن أتاهم من العراق من بكر بن وائل عبيد اللّه بن زياد بن ظبيان، ورهصة بن النعمان بن سويد بن خالد من بني أسعد [1] بن همّام، فلذلك تحامل المصعب بن الزبير على أبان بن زياد أخي عبيد اللّه بن زياد فقتله. وفي هذا السبب كانت فرقة عبيد اللّه لمصعب، وجمعت تغلب فأكثرت فلما أتى عميرا كثرة من أتى من بني تغلب وأبطأ عنه أصحابه قال يستبطئهم:
أناديهم وقد خذلت كلاب ... وحولي من ربيعة كالجبال
أقاتلهم بحيّ بني سليم ... ويعصر كالمصاعيب النّهال [2]
فدى لفوارس الثرثار قومي ... وما جمّعت من أهلي ومالي
فإمّا أمس قد حانت وفاتي ... فقد فارقت أعصر غير قال
/ أبعد فوارس الثرثار أرجو ... ثراء المال أو عدد الرجال!
ثم زحف العسكران، فأتت قيس وتغلب الثرثار، بين رأس الأثيل والكحيل، فشاهدوا القتال يوم الخميس.
وكان شعيب بن مليل وثعلبة بن نياط التغلبيان قدما في ألفي فارس في الحديد، فعبروا على قرية يقال لها لبّى [3] على شاطىء دجلة بين تكريت وبين الموصل، ثم توجهوا إلى الثرثار، فنظر شعيب إلى دواخن [4] قيس، فقال لثعلبة بن نياط: سر بنا إليهم، فقال له: الرأي أن نسير إلى جماعة قومنا فيكون مقاتلنا واحدا، فقال شعيب: واللّه لا تحدّث تغلب أني نظرت إلى دواخنهم ثم انصرفت عنهم، فأرسل ناسا من أصحابه قدّامه وعمير يقاتل/ بني تغلب. وذلك يوم الخميس، وعلى تغلب حنظلة بن هوبر، أحد بني كنانة بن تميم، فجاء رجل من أصحاب عمير إليه فأخبره أن طلائع شعيب قد أتته، وأنه قد عدل إليه، فقال عمير لأصحابه: أكفوني قتال ابن هوبر، ومضى هو في جماعة من أصحابه، فأخذ الذين قدمهم شعيب، فقتلهم كلّهم غير رجل من بني كعب بن زهير يقال له: قتب بن عبيد، فقال عمير: يا قتب، أخبرني ما وراءك؟ قال؛ قد أتاك شعيب بن مليل في أصحابه. وفارق ثعلبة بن نياط شعيبا، فمضى إلى حنظلة بن هوبر، فقاتل معه القيسيّة، فقتل، فالتقى عمير وشعيب فاقتتلوا قتالا شديدا، فما صلّيت العصر حتى قتل شعيب وأصحابه أجمعون، وقطعت رجل شعيب يومئذ، فجعل يقاتل القوم وهو يقول:
قد علمت قيس ونحن نعلم ... أن الفتى يفتك وهو أجذم [5]
فلما قتل شعيب نزل أصحابه، فعقروا دوابّهم، ثم قاتلوا حتى قتلوا، فلما رآه عمير قتيلا قال: من سرّه أن ينظر إلى الأسد عقيرا فها هو ذا. وجعلت تغلب يومئذ ترتجز وتقاتل وهي تقول:
__________
[1] في ب، س «أسد»، وما أثبتناه عن باقي الأصول.
[2] يعصر أو أعصر: قبيلة من قيس عيلان. وجمال مصاعب ومصاعيب: جمع مصعب (كمكرم): وهو الفحل الذي يترك من الركوب والعمل للفحلة، ونهل البعير كفرح: شرب حتى روي، وعطش: ضدّ، فهو ناهل وجمعه نهال، كنائم ونيام، ونهلان جمع نهال أيضا كعطشان وعطاش.
[3] كذا في ف؛ وهو الصحيح، وفي سائر النسخ: «أبا» تحريف.
[4] الدواخن: جمع داخنة، وهي المدخنة.
[5] أجذم: أقطع.
/
انعوا إياسا واندبوا مجاشعا ... كلاهما كان كريما فاجعا
ويه [1] بني تغلب ضربا ناقعا [1]
وانصرف عمير إلى عسكره، وأبلغ بني تغلب مقتل شعيب، فحميت على القتال وتذامرت على الصبر، فقال محصن بن حصين بن جنجور أحد الأبناء: مضيت أنا ومن أفلت من أصحاب شعيب بعد العصر، فأتينا راهبا في صومعته، فسألنا عن حالنا، فأخبرناه، فأمر تلميذا له، فجاء بخرق فداوي جراحنا، وذلك غداة يوم الجمعة. فلما كان آخر ذلك اليوم أتانا خبر مقتل عمير وأصحابه، وهرب من أفلت منهم.
صوت
إنّ جنبي على الفراش لناب ... كتجافي الأسرّ فوق الظّراب
من حديث نمى إليّ فما أط ... عم غمضا ولا أسيغ شرابي
لشر حبيل إذ تعاوره الأر ... ماح في حال شدّة وشباب
فارس يطعن الكماة جريء ... تحته قارح [2] كلون الغراب
عروضه من الخفيف. الأسرّ: البعير الذي يكون به السّرور، وهي قرحة تخرج في كركرته، لا يقدر أن يبرك إلا على موضع مستو من الأرض، والظراب: النشوز والجبال الصغار، واحدها ظرب. والشعر لغلفاء، وهو معد يكرب ابن الحارث بن عمرو بن حجر آكل المرار الكنديّ يرثي أخاه شرحبيل قتيل يوم الكلاب الأول، والغناء للغريض ثقيل أوّل بالسبابة في مجرى البنصر عن إسحاق ويونس وعمرو.
/ وكان السبب في مقتله وقصّة يوم الكلاب فيما أخبرنا به محمد بن العباس اليزيدي وعليّ بن سليمان الأخفش قالا حدّثنا أبو سعيد السكريّ قال أخبرنا محمد بن حبيب عن أبي عبيدة قال أخبرني إبراهيم بن سعدان عن أبيه عن أبي عبيدة قال أخبرني دماذ عن أبي عبيدة قال:
كان من الحديث/ الكلاب الأوّل أن قباذ ملك فارس لمّا ملك كان ضعيف الملك، فوثبت ربيعة على المنذر الأكبر بن ماء السماء - وهو ذو القرنين بن النعمان بن الشّقيّقة - فأخرجوه؛ وإنما سمّي ذا القرنين لأنه كانت له ذؤابتان، فخرج هاربا منهم حتى مات في إياد، وترك ابنه المنذر الأصغر فيهم - وكان أذكى ولده - فانطلقت ربيعة إلى كندة، فجاءوا بالحارث بن عمرو بن حجر آكل المرار، فملّكوه على بكر بن وائل، وحشدوا له، فقاتلوا معه، فظهر على ما كانت العرب تسكن من أرض العراق، وأبي قباذ أن يمدّ المنذر بجيش، فلما رأى ذلك المنذر كتب إلى الحارث بن عمرو: إني في غير قومي، وأنت أحقّ من ضمّني، وأنا متحوّل إليك؛ فحوله إليه وزوّجه ابنته هندا. ففرّق الحارث بنيه في قبائل العرب، فصار شرحبيل بن الحارث في بني بكر بن وائل وحنظلة بن مالك وبني أسيّد [3]، وطوائف من بني عمرو بن تميم والرّباب، وصار معد يكرب بن الحارث - وهو غلفاء - في قيس، وصار
__________
[1] كلمة ويه: إغراء وتحريض كما يقال: دونك يا فلان. ضربا ناقعا: بالغا قاتلا.
[2] القارح: الفرس إذا استتم السنة الخامسة ودخل في السادسة.
[3] كذا في ف، وفي سائر الأصول؛ وحنظلة بن الحارث في بني أسد.
سلمة بن الحارث في بني تغلب والنّمر بن قاسط وسعد بن زيد مناة. فلما هلك الحارث تشتّت أمر بنيه، وتفرقت كلمتهم، ومشت الرجال بينهم، وكانت المغاورة بين الأحياء الذين معهم، وتفاقم الأمر حتى جمع كلّ واحد منهم لصاحبه الجموع؛ فسار شرحبيل ومن معه من بني تميم والقبائل، فنزلوا الكلاب - وهو فيما بين/ الكوفة والبصرة على سبع ليال من اليمامة - وأقبل سلمة بن الحارث في تغلب والنّمر ومن معه، وفي الصنائع - وهم الذين يقال لهم بنو رقيّة، وهي أمّ لهم ينتسبون إليها. وكانوا يكونون مع الملوك - يريدون الكلاب. وكان نصحاء شرحبيل وسلمة قد نهوهما عن الحرب والفساد والتحاسد، وحذّروهما عثرات الحرب وسوء مغبّتها، فلم يقبلا ولم يبرحا، وأبيا إلّا التتابع واللجاجة في أمرهم، فقال امرؤ القيس [1] بن حجر في ذلك:
أنّى عليّ استتبّ لومكما ... ولم تلوما عمرا [2] ولا عصما
كلّا يمين الإله يجمعنا ... شيء وأخوالنا بني جشما
حتى تزور السباع ملحمة ... كأنها من ثمود أو إرما
وكان أوّل من ورد الكلاب من جمع سلمة سفيان بن مجاشع بن دارم، وكان نازلا في بني تغلب مع إخوته لأمّه، فقتلت بكر بن وائل بنين له، فيهم مرّة بن سيفان، قتله سالم بن كعب بن عمرو بن أبي ربيعة بن ذهل بن شيبان؛ فقال سفيان وهو يرتجز:
الشيخ شيخ ثكلان ... والجوف جوف حرّان
والورد ورد عجلان ... أنعى مرّة بن سفيان [3]
وفي ذلك يقول الفرزدق:
شيوخ منهم عدس بن زيد ... وسفيان الذي ورد الكلابا
وأوّل من ورد الماء من بني تغلب رجل من بني عبد بن جشم يقال له النعمان بن قريع بن حارثة بن معاوية بن عبد بن جشم، وعبد يغوث بن دوس، وهو عم الأخطل - دوس والفدوكس أخوان - على فرس له يقال له الحرون، وبه كان يعرف/ ثم ورد سلمة، بيني تغلب وسعد وجماعة الناس، وعلى بني تغلب يومئذ السفاح - واسمه سملة بن خالد بن كعب بن زهير بن تميم بن أسامة بن مالك بن بكر بن حبيب - / وهو يقول:
إنّ الكلاب ماؤنا فخلّوه ... وساجرا [4] واللّه لن تحلّوه
فاقتتل القوم قتالا شديدا، وثبت بعضهم لبعض؛ حتى إذا كان في آخر النهار من ذلك اليوم خذلت بنو حنظلة وعمرو بن تميم والرّباب بكر بن وائل، وانصرفت بنو سعد وألفافها عن بني تغلب، وصبر ابنا وائل: بكر وتغلب ليس معهم غيرهم، حتى إذا غشيهم الليل نادى منادى سلمة: من أتى برأس شرحبيل فله مائة من الإبل، وكان شرحبيل نازلا في بني حنظلة وعمرو بن تميم، ففرّوا عنه، وعرف مكانه أبو حنش - وهو عصم بن النعمان بن مالك
__________
[1] كذا في جميع الأصول، والذي في «شرح النقائض» ص 452، و «شرح المفضليات» ص 428: «فقال سلمة».
[2] كذا في ف، وفي سائر الأصول: «حجرا».
[3] هذا الشطر قد دخله الخزم بزيادة حرفين في أوله.
[4] ساجر: موضع بين ديار غطفان وديار بني تميم.
ابن غياث بن سعد بن زهير بن جشم بن بكر بن حبيب - فصمد نحوه، فلما انتهى إليه رآه جالسا وطوائف الناس يقاتلون حوله، فطعنه بالرمح، ثم نزل إليه فاحتزّ رأسه وألقاه إليه. ويقال إنّ بني حنظلة وبني عمرو بن تميم والرّباب لمّا انهزموا خرج معهم شرحبيل، فلحقه ذو السّنينة - واسمه حبيب بن عتيبة بن حبيب بن بعج بن عتبة بن سعد بن زهير بن جشم بن بكر وكانت له سنّ زائدة - فالتفت شرحبيل فضرب ذا السنينة على ركبته، فأطنّ [1] رجله، وكان ذو السنينة أخا أبي حنش لأمه، أمّهما سلمى بنت عديّ بن ربيعة بنت أخي كليب ومهلهل، فقال ذو السنينة:
قتلني أبو الرجل! فقال أبو حنش: قتلني اللّه إن لم أقتله، فحمل عليه، فلما غشيه قال: يا أبا حنش، أملكا بسوقه؟
قال: إنه كان ملكي، فطعنه أبو حنش، فأصاب رادفة [2] /السّرج، فورّعت [3] عنه، ثم تناوله فألقاه عن فرسه، ونزل إليه فاحتزّ رأسه، فبعث به إلى سلمة مع ابن عم له يقال له أبو أجأ بن كعب بن مالك بن غياث، فألقاه بين يديه؛ فقال له سلمة: لو كنت ألقيته إلقاء رفيقا! فقال: ما صنع بي وهو حيّ أشدّ من هذا، وعرف أبو أجأ الندامة في وجهه والجزع على أخيه، فهرب وهرب أبو حنش فتنحى عنه، فقال سعد يكرب أخو شرحبيل، وكان صاحب سلامة معتزلا عن جميع هذه الحروب:
ألا أبلغ أبا حنش رسولا ... فمالك لا تجيء إلى الثواب!
تعلّم أن خير الناس طرّا ... قتيل بين أحجار الكلاب
تداعت حوله جشم بن بكر ... وأسلمه جعاسيس [4] الرّباب
قتيل ما قتيلك يابن سلمى ... تضرّبه صديقك أو تحابي
فقال أبو حنش مجيبا له:
أحاذر أن أجيئكم فتحبو ... حباء أبيك يوم صنيبعات [5]
فكانت غدرة شنعاء تهفو ... تقلّدها أبوك إلى الممات
ويقال: إنّ الشعر الأوّل لسلمة بن الحارث.
وقال معد يكرب المعروف بغلفاء يرثي أخاه شرحبيل بن الحارث:
إنّ جنبي عن الفراش لنابي ... كتجافي الأسرّ فوق الظّراب
من حديث نمى إليّ فلا تر ... قأ عيني ولا أسيغ شرابي
/ مرّة كالذّعاف أكتمها النا ... س على حر ملّة كالشّهاب [6]
/من شرحبيل إذ تعاوره الأر ... ماح في حال لذّة وشباب
__________
[1] أطنّ رجله: قطعها.
[2] رادفة السرج: مؤخرته.
[3] ورّعت عنه: منعت.
[4] جعاسيس: جمع جعسوس وهو القصير الدميم.
[5] صنيبعات: موضع أو ماء نهشت عنده حية ابنا صغيرا للحارث بن عمرو، وكان مسترضعا في بني تميم؛ وبنو تميم وبكر في مكان واحد يومئذ على صنيبعات، فأتاه منهما قوم يعتذرون إليه، فقتلهم جميعا.
[6] الملة: الرماد الحار.
يا بن أمي ولو شهدتك إذ تد ... عو تميما، وأنت غير مجاب
لتركت الحسام تجري ظباه [1] ... من دماء الأعداء يوم الكلاب
ثم طاعنت من ورائك حتى ... تبلغ الرّحب أو تبزّ [2] ثيابي
يوم ثارت بنو تميم وولّت ... خيلهم يتّقين بالأذناب
ويحكم يا بني أسيّد إنّي ... ويحكم ربّكم وربّ الرّباب
أين معطيكم الجزيل وحابي ... كم على الفقر بالمئين الكباب [3]
فارس يضرب الكتيبة بالسي ... ف على نحره كنضح الملاب [4]
فارس يطعن الكماة جريء ... تحته قارح كلون الغراب
قال: ولما قتل شرحبيل قامت بنو سعد بن زيد مناة بن تميم دون عياله، فمنعوهم وحالوا بين الناس وبينهم، ودفعوا عنهم حتى ألحقوهم بقومهم ومأمنهم. ولى ذلك منهم عوف بن شجنة بن الحارث بن عطارد بن عوف بن سعد بن كعب، وحشد له فيه رهطه ونهضوا معه، فأثنى عليهم في ذلك امرؤ القيس بن حجر، ومدحهم به في شعره فقال:
ألا إنّ قوما كنتم أمس دونهم ... عن استنقذوا جاراتكم آل غدران
/ عوير ومن مثل العوير ورهطه ... وأسعد في يوم الهزاهز صفوان [5]
وهي قصيدة معروفة طويلة:
صوت
وعين الرّضا عن كلّ عيب كليلة ... ولكنّ عين السخط تبدي المساويا
وأنت أخي ما لم تكن لي حاجة ... فإن عرضت أيقنت أن لا أخاليا
الشعر لعبد اللّه بن معاوية بن عبد اللّه الجعفريّ، يقوله للحسين بن عبد اللّه بن عبيد اللّه بن العباس؛ هكذا ذكر مصعب الزبيريّ. وذكر مؤرّج فيما أخبرنا به اليزيديّ عن عمه أبي جعفر عن مؤرّج - وهو الصحيح - أنّ عبد اللّه بن معاوية قال هذا الشعر في صديق له يقال له قصيّ بن ذكوان، وكان قد عتب عليه. وأوّل الشعر:
رأيت قصيا كان شيئا ملفّفا ... فكشّفه التمحيص حتّى بداليا
فلا زاد ما بيني وبينك بعد ما ... بلوتك في الحاجات إلّا تنائيا
والغناء لبنان بن عمرون رمل بالوسطى. وفيه الثقيل الأوّل لعريب من رواية أبي العنبس وغيره.
__________
[1] الظبا: جمع ظبة، حدّ السيف.
[2] أي تنزع عني بموتي.
[3] كذا في ف؛ والكباب: الكثير من الإبل، وفي سائر الأصول: «اللباب»، ولباب الإبل: خيارها.
[4] الملاب: ضرب من الطيب؛ أو الزعفران.
[5] أسعد: أعان. الهزاهز: الفتن يهتز فيها الناس. عوير وصفوان: رجلان من القوم الذين ذكر أنهم منعوه وتحرّم بهم. وفي البيت إقواء.
17 - خبر عبد اللّه بن معاوية ونسبه
نسبه
هو عبد اللّه بن معاوية بن عبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف. وأمّ عبد اللّه بن جعفر وسائر بني جعفر أسماء بنت عميس بن معد [1] بن تميم بن مالك بن قحافة بن عامر بن ربيعة بن عامر بن معاوية بن زيد بن مالك بن بشر بن وهب اللّه بن/ شهران بن عفرس بن أفتل، وهو خماعة بن خثعم بن أنمار.
وأمّها هند بنت عوف، امرأة من جرش. هذه الجرشيّة أكرم الناس أحماء، أحماؤها: رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وعليّ وجعفر وحمزة والعباس وأبو بكر رضى اللّه تعالى عنهم، وإنما صار رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من أحمائها أنه كان لها أربع بنات: ميمونة زوجة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وأمّ الفضل زوجة العباس وأم بنته، وسلمى زوجة حمزة بن عبد المطلب، بنات الحارث، وأسماء بنت عميس أختهنّ لأمّهنّ، كانت عند جعفر بن أبي طالب، ثم خلف عليها أبو بكر رضى اللّه تعالى عنه ثم خلف عليها عليّ بن أبي طالب عليه السلام. وولدت من جميعهم. وهنّ اللواتي قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لهنّ: «إنهنّ مؤمنات».
حدّثني بذلك أحمد بن محمد بن سعيد قال حدّثني يحيى بن الحسن العلويّ قال حدّثنا هارون بن محمد بن موسى الفرويّ قال: حدّثنا داود بن عبد اللّه قال: حدّثني عبد العزيز الدّراورديّ عن إبراهيم بن عقبة عن كريب عن ابن عباس رضى اللّه تعالى عنهما قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «الأخوات المؤمنات: ميمونة، وأمّ الفضل، وسلمى، وأسماء بنت عميس أختهنّ لأمّهن».
/ حدّثني أحمد قال حدّثني يحيى قال حدّثنا الحسن بن علي قال حدّثني عبد الرزاق قال أخبرني يحيى بن العلاء البجليّ عن عمه شعيب بن خالد عن حنظلة بن سمرة بن المسيّب عن أبيه عن جدّه عن ابن عباس قال:
دخل النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم على فاطمة وعليّ، عليهما السلام - ليلة بنى بها - فأبصر خيالا من وراء السّتر؛ فقال: «من هذا؟» فقالت: أسماء؛ قال: «بنت عميس»؟ قالت: نعم، أنا التي أحرس بنتك يا رسول اللّه؛ فإنّ الفتاة [2] ليلة بنائها لابدّ لها من امرأة تكون قريبا منها، إن عرضت لها حاجة أفضت بذلك إليها؛ فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «فإني أسأل إلهي أن يحرسك من بين يديك ومن خلفك وعن يمينك وعن شمالك من الشيطان».
طائفة من أخبار عبد اللّه بن جعفر أدرك رسول اللّه وروى عنه
وقد أدرك عبد اللّه بن جعفر رحمه اللّه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وروى عنه.
__________
[1] في الأصول: «معقل»، وهو تحريف.
[2] كذا في ف، وفي سائر الأصول: «المرأة».
فمّما روى عنه ما حدّثنيه حامد بن محمد بن شعيب البلخيّ وأحمد بن محمد بن الجعد قالا حدّثنا محمد بن بكّار قال حدّثني إبراهيم بن سعد عن أبيه عن عبد اللّه بن جعفر قال: رأيت النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يأكل البطّيخ بالرّطب.
رآه النبيّ يلعب فداعبه
حدّثنا أحمد بن محمد بن سعيد قال حدّثنا يحيى بن الحسن قال حدّثنا سلمة بن شبيب قال حدّثنا عبد الرزاق قال أخبرني ابن يحيى وعثمان بن أبي سليمان قالا:
مرّ النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بعبد اللّه بن جعفر وهو يصنع شيئا من طين من لعب الصبيان فقال: «ما تصنع بهذا»؟ قال:
أبيعه، قال: «ما تصنع بثمنه»؟ قال: أشتري به رطبا فآكله؛ فقال النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «اللهم بارك له في صفقة يمينه». فكان يقال: ما اشترى شيئا إلا ربح فيه.
تعرّض له الحزين بالعقيق وطلب منه ثيابا
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء والطّوسيّ قالا حدّثنا الزبير بن بكّار قال حدّثني عمي مصعب عن جدّي عبد اللّه بن مصعب:
أنّ الحزين قمر [1] في العقيق في غداة باردة ثيابه، فمرّ به عبد اللّه بن جعفر وعليه مقطّعات خزّ؛ فاستعار الحزين من رجل ثوبا، ثم قال إليه فقال:
/أقول له حين واجهته ... عليك السلام أبا جعفر
فقال: وعليك السلام؛ فقال:
فأنت المهذّب من غالب ... وفي البيت منها الذي تذكر
فقال: كذبت يا عدوّ اللّه؛ ذاك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال:
فهذي ثيابي قد أخلقت ... وقد عضّني زمن منكر
قال: هاك ثيابي، فأعطاه ثيابه.
قال الزبير قال عميّ: أما البيت الثاني فحدثنيه عميّ عن الفضل بن الربيع عن أبي، وما بقي فأنا سمعته من أبي.
تعرّض له أعرابي هو على سفر عطاه راحلة بما عليها
حدّثنا أحمد بن محمد بن سعيد قال أخبرنا يحيى بن الحسن قال:
بلغني أن أعرابيا وقف على مروان بن عبد الحكم أيام الموسم بالمدينة فسأله، فقال: يا أعرابيّ، ما عندنا ما نصلك؛ ولكن عليك بابن جعفر. فأتى الأعرابيّ باب عبد اللّه بن جعفر فإذا ثقله [2] قد سار نحو مكة، وراحلته بالباب عليها متاعها وسيف معلّق، فخرج عبد اللّه من داره وأنشأ الأعرابي يقول:
__________
[1] قمر: غلب في القمار.
[2] الثقل: المتاع والحشم.
أبو جعفر من أهل بيت نبوّة ... صلاتهم للمسلمين طهور
أبا جعفر إن الحجيج ترحّلوا ... وليس لرحلي فاعلمنّ بعير
/ أبا جعفر ضنّ الأمير بماله ... وأنت على ما في يديك أمير
وأنت امرؤ من هاشم في صميمها ... إليك يصير المجد حيث تصير
فقال: يا أعرابي، سار الثّقل فدونك الراحلة بما عليها، وإياك أن تخدع عن السّيف فإني أخذته بألف دينار.
فأنشأ الأعرابيّ يقول:
حباني عبد اللّه، نفسى فداؤه ... بأعيس موّار سباط مشافزه [1]
وأبيض من ماء الحديد كأنه ... شهاب بدا والليل داج عساكره [2]
وكل امرىء يرجو نوال ابن جعفر ... سيجري له باليمن والبشر طائره
فيا خير خلق اللّه نفسا ووالدا ... وأكرمه للجار حين يجاوره
سأثني بما أوليتني يا بن جعفر ... وما شاكر عرفا كمن هو كافره
ذكر له شاعر أنه كساه في المنام، فكساه جبة وشى
وحدّثني أحمد بن يحيى عن رجل قال حدّثني شيخ من بني تميم بخراسان قال: جاء شاعر إلى عبد اللّه بن جعفر فأنشده:
رأيت أبا جعفر في المنام ... كساني من الخزّ درّاعة [3]
شكوت إلى صاحبي أمرها ... فقال ستؤتى بها الساعة
سيكسوكها الماجد الجعفريّ ... ومن كفّه الدهر نفّاعه
ومن قال للجود لا تعدني ... فقال لك السمع والطاعة
/ فقال عبد اللّه لغلامه: ادفع إليه درّاعتي الخزّ ثم قال له: كيف لو ترى جبتي المنسوجة بالذهب التي اشتريتها بثلاثمائة دينار! فقال له الشاعر: بأبي دعني اغفى إغفاءة أخرى فلعلي أرى هذه الجبة في المنام، فضحك منه وقال:
يا غلام ادفع إليه جبّتي الوشى.
اعترض ابن داب على شعر الشماخ في مدحه بأنه دون شعره في عرابة
حدّثنا أحمد قال/ قال يحيى قال ابن دأب: وسمع قول الشمّاخ بن ضرار الثعلبيّ في عبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب رحمه اللّه:
إنك يا بن جعفر نعم الفتى ... ونعم مأوى طارق إذا أتى
__________
[1] أعيس: واحد العيس وهي الإبل البيض يخالط بياضها شقرة. الموار: النشيط في سيره المفتول العضل يمور عضداه إذا ترددا في عرض جنبيه. المشافر، جمع مشفر كمنبر: ما يقابل الشفة في الإنسان. وسياط، يريد أنها لبنة.
[2] عسكر الليل: ظلمته.
[3] الدرّاعة: جبة مشقوقة المقدم.
وجار ضيف طرق الحيّ سرى ... صادف زادا وحديثا يشتهى
إن الحديث طرف من القرى
فقال ابن دأب: العجب للشمّاخ يقول مثل هذا القول لابن جعفر ويقول لعرابة الأوسي:
إذا ما رأية رفعت لمجد ... تلقّاها عرابة باليمين
عبد اللّه بن جعفر كان أحقّ بهذا من عرابة.
جوده على أهل المدينة
قال يحيى بن الحسن وكان عبد اللّه بن الحسن يقول كان أهل المدينة يدّانون بعضهم من بعض إلى أن يأتي عطاء عبد اللّه بن جعفر.
جوده على رجل جلب إلى المدينة سكرا كسد عليه.
أخبرني أحمد قال حدّثني يحيى قال: حدّثني أبو عبيد قال حدّثني يزيد بن هارون عن هشام عن ابن سيرين قال:
جلب رجل إلى المدينة سكّرا فكسد عليه فقيل له: لو أتيت ابن جعفر قبله منك وأعطاك الثّمن، فأتى ابن جعفر فأخبره، فأمره بإحضاره وبسط له، ثم أمر به/ فنثر، فقال: للناس إنتبهوا، فلما رأى الناس ينتبهون قال:
جعلت فداءك! آخذ معهم؟ قال: نعم، فجعل الرجل يهيل في غرائره، ثم قال لعبد اللّه: أعطني الثمن فقال: وكم ثمن سكّرك؟ قال: أربعة آلاف درهم، فأمر له بها.
أخبرنا أحمد قال حدّثني يحيى بن علي، وحدّثني ابن عبد العزيز قال حدّثنا أبو محمد الباهليّ حسن بن سعيد عن الأصمعيّ نحوه وزاد فيه، قال:
فقال الرجل: ما يدري هذا وما يعقل أخذ أم أعطى! لأطلبنّه بالثمن ثانية، فغدا عليه فقال: ثمن سكّري، فأطرق عبد اللّه مليّا ثم قال: يا غلام، أعطه أربعة آلاف درهم؛ فأعطاه إياها، فقال الرجل: قد قلت لكم: إن هذا الرجل لا يعقل: أخذ أم أعطى! لأطلبنّه بالثمن. فغدا عليه فقال: أصلحك اللّه! ثمن سكّري، فأطرق عبد اللّه مليا، ثم رفع رأسه إلى رجل، قال: إدفع إليه أربعة آلاف درهم فلما ولّى ليقبضها قال له ابن جعفر: يا أعرابي، هذه تمام اثنى عشر ألف درهم، فانصرف الرجل وهو يعجب من فعله.
باعه رجل جملا وأخذ ثمنه مرارا فمدحه
وأخبرني أبو الحسن الأسديّ عن دماذ عن أبي عبيدة:
أن أعرابيّا باع راحلة من عبد اللّه بن جعفر، ثم غدا عليه فاقتضى ثمنها فأمر له به، ثم عاوده ثلاثا، وذكر في الخبر مثل الذي قبله وزاد فيه: فقال فيه:
لا خير في المجتدى [1] في الحين تسأله ... فاستمطروا من قريش خير مختدع
__________
[1] المجتدى: الذي تطلب جدواه أي عطيته.
تخال فيه إذا حاورته [1] بلها ... من جوده وهو وافي العقل والورع
وهذا الشعر يروي لابن قيس الرّقيّات.
وفائه عام الجحاف
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء والطوسيّ قالا حدّثنا الزبير قال حدّثني مصعب بن عثمان قال:
لما ولي عبد الملك الخلافة جفا عبد اللّه بن جعفر، فراح يوما إلى الجمعة وهو يقول: اللهمّ إنك عوّدتني عادة جريت عليها، فإن كان ذلك قد أنقضى فاقبضني إليك، فتوفّي في الجمعة الأخرى. قال يحيى: توفّي عبد اللّه وهو ابن سبعين سنة في سنة ثمانين وهو عام الجحاف لسيل كان بمكّة جحف الحاجّ فذهب بالإبل عليها الحمولة، وكان الوالي على المدينة يومئذ أبان بن عثمان في خلافة عبد الملك بن مروان،/ وهو الذي صلّى عليه.
وقف عمرو بن عثمان على قبره ورثاه
حدّثني أحمد بن محمد قال أخبرنا يحيى قال حدّثنا الحسين بن محمد قال أخبرني محمد بن مكرم قال أخبرني أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن داود قال أخبرني الأصمعي عن الجعفريّ قال:
لمّا مات عبد اللّه بن جعفر شهده أهل المدينة كلّهم، وإنما كان عبد اللّه بن جعفر مأوى المساكين وملجأ الضعفاء، فما تنظر إلى ذي حجّا إلّا رأيته مستعبرا قد أظهر الهلع والجزع، فلما فرغوا من دفنه قام عمرو بن عثمان فوقف على شفير القبر فقال: رحمك اللّه يابن جعفر! إن كنت لرحمك لواصلا، ولأهل الشر لمبغضا، ولأهل الرّيبة لقاليا، ولقد كنت فيما بيني وبينك كما قال الأعشى:
رعيت الذي كان بيني وبينكم ... من الودّ حتى غيّبتك المقابر
فرحمك اللّه! يوم ولدت ويوم كنت رجلا ويوم متّ ويوم تبعث حيّا؛ واللّه لئن كانت هاشم أصيبت بك لقد عمّ قريشا كلّها هلكك، فما أظنّ أن يرى بعدك مثلك.
ووقف عمرو بن سعيد على قبره ورثاه
فقام عمرو بن سعيد بن العاص الأشدق فقال: لا إله إلا اللّه الذي يرث الأرض ومن عليها وإليه ترجعون، ما كان أحلى العيش بك يابن جعفر! وما أسمج ما أصبح بعدك! واللّه لو كانت عيني دامعة على أحد لدمعت عليك، كان واللّه حديثك غير مشوب بكذب، وودّك غير ممزوج بكدر.
نازع أحد ولد المغيرة عمرو بن سعيد على مدحه له فذمه وأسكته
فوثب ابن للمغيرة بن نوفل - ولم يثبت الأصمعيّ اسمه - فقال: يا عمرو، بمن تعرّض بمزج الودّ وشوب الحديث؟ أفبابني فاطمة؟ فهما واللّه خير منك ومنه، فقال: على رسلك يا لكع [2]! أردت أن أدخلك معهم؟ هيهات لست هناك، واللّه لو متّ أنت ومات أبوك ما مدحت ولا ذممت، فتكلم بما شئت فلن تجد لك مجيبا؛
__________
[1] في ف: «حاولته».
[2] اللكع: اللئيم والأحمق.
فما هو إلا أن سمعهما الناس يتكلمان حتى حجزوا بينهما وانصرفوا.
شعر ابن قيس الرقيات في علته التي مات فيها
قال يحيى وقال عبد اللّه بن قيس الرّقيّات في علة عبد اللّه بن جعفر التي مات فيها:
بات قلبي تشفّه [1] الأوجاع ... من هموم تجنّها [2] الأضلاع
من حديث سمعته منع النو ... م فقلبي مما سمعت يراع
إذ أتانا بما كرهنا أبو اللّس ... لاس، كانت بنفسه الأوجاع
قال ما قال ثم راح سريعا ... أدركت نفسه المنايا السّراع
قال يشكو الصّداع وهو ثقيل ... بك لا بالذي عنيت الصّداع
ابن أسماء لا أبا لك تنعى ... أنه غيرهالك نفّاع
هاشميّا بكفّه من سجال ال ... مجد سجل يهون فيه القباع [3]
/نشر الناس كلّ ذلك منه ... شيمة المجد ليس فيه خداع
لم أجد بعدك الأخلّاء إلّا ... كثماد به قذى أو نقاع [4]
بيته من بيوت عبد مناف ... مدّ أطنابه المكان اليفاع [5]
منتهى الحمد والنبوة والمج ... د إذا قصّر اللئام الوضاع [6]
فستأتيك مدحة من كريم ... ناله من ندى سجالك باع
/ من هذا الشعر الذي قاله ابن قيس في عبد اللّه بن جعفر بيتان يغنّى فيهما، وهما:
صوت
قد أتانا بما كرهنا أبو الّلس ... لاس كانت بنفسه الأوجاع
قال يشكو الصداع وهو ثقيل ... بك لا بالّذي ذكرت الصّداع
غنّاه عمرو بن بانه خفيف ثقيل، الأوّل بالوسطى على مذهب إسحاق. ويقال إن عمرو بن بانة صاغ هذا اللحن في هذا الشعر وغنّى به الواثق بعقب علّة نالته وصداع تشكّاه؛ قال: فاستحسنه وأمر له بعشرة آلاف درهم. وأمّ معاوية ابن عبد اللّه بن جعفر أمّ ولد. وكان من رجالات قريش، ولم يكن في ولد عبد اللّه مثله.
__________
[1] شفه الحزن: لذعه وأحرقه.
[2] أجنه: ستره.
[3] السجل: الدلو العظيمة مملوءة. والقباع: مكيال ضخم واسع.
[4] الثماد: الماء القليل لا مادّ له. النقاع جمع نقع: وهو الغبار.
[5] اليفاد: ما ارتفع من الأرض.
[6] الوضاع: جمع وضيع.
بشروه وهو عند معاوية بولد فسماه باسمه
حدّثنا محمد بن العبّاس اليزيديّ قال حدّثنا أحمد بن الحارث الخرّاز عن المدائنيّ عن أبي عبد الرحمن القرشيّ: أنّ معاوية بن عبد اللّه بن جعفر ولد وأبوه عبد اللّه عند معاوية، فأتاه البشير بذلك وعرف معاوية الخبر فقال: سمّه معاوية ولك مائة ألف درهم، ففعل، فأعطاه المال، وأعطاه عبد اللّه للّذي بشّره به. قال المدائنيّ: وكان عبد اللّه بن جعفر/ لا يؤدّب ولده، ويقول: إن يرد اللّه جلّ وعزّ بهم يتأدّبوا، فلم ينجب فيهم غير معاوية.
خبر ابن هرمة مع معاوية بن عبد اللّه بن جعفر
أخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدّثنا هرون بن محمّد بن عبد الملك الزيّات قال حدّثنا حماد بن إسحاق عن أبيه، قال هارون وحدّثني محمد بن عبد اللّه بن موسى بن خالد بن الزبير بن العوّام قال حدّثني عمرو بن الحكم السّعيديّ وإبراهيم بن محمد ومحمد بن معن بن عنبسة قالوا: كان معاوية بن عبد اللّه بن جعفر قد عوّد ابن هرمة البرّ، فجاءه يوما وقد ضاقت يده وأخذ خمسين دينارا بدين، فرفع إليه مع جاريته رقعة فيها مديح له يسأله فيه أيضا برّا، فقال للجارية: قولي له: أيدينا ضيّقة، وما عندنا شيء إلّا شيء أخذناه بكلفة، فرجعت جاريته بذلك، فأخذ الرقعة فكتب فيها:
فإني ومدحك غير المصي ... ب كالكلب ينبح ضوء القمر
مدحتك أرجو لديك الثواب ... فكنت كعاصر جنب الحجر
وبعث بالرّقعة مع الجارية، فدفعتها إلى معاوية، فقال لها: ويحك قد علم بها أحد! قالت: لا واللّه إنما دفعها من يده إلى يدي؛ قال: فخذي هذه الدنانير فادفعيها إليه، فخرجت بها إليه، فقال: كلّا، أليس زعم أنه لا يدفع إليّ شيئا؟
كان ابنه معاوية صديقا ليزيد بن معاوية فسمى ابنه باسمه
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء والطوسيّ قالا حدّثنا الزبير قال حدّثني عمّي مصعب قال:
سمّي عبد اللّه بن جعفر ابنه معاويّة بمعاويّة بن أبي سفيان. قال: وكان معاوية بن عبد اللّه بن جعفر صديقا ليزيد بن معاوية خاصة، فسمى ابنه بيزيد ابن معاوية.
وصيته لابنه معاوية عند وفاته
قال الزبير: وحدّثني محمد بن إسحاق بن جعفر عن عمه محمد:
أن عبد اللّه بن جعفر لما حضرته الوفاة دعا ابنه معاوية فنزع شنفا [1] كان في أذنه وأوصى إليه - وفي ولده من هو أسنّ منه - وقال له: إني لم أزل أؤمّلك لها فلما توفى احتال بدين أبيه وخرج فطلب فيه حتى قضاه، وقسم أموال أبيه بين ولده، ولم يستأثر عليهم بدينار ولا درهم ولا غيرهما.
__________
[1] الشنف: الذي يلبس في أعلى الأذن.
وأمّ عبد اللّه بن معاوية أمّ/ عون بنت عباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطّلب. ويقال: بنت عياش بن ربيعة. وقد روى عبّاس عن النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وكان معه يوم حنين، وهو أحد من ثبت معه يومئذ.
بعض صفات عبد اللّه بن معاوية
وكان عبد اللّه من فتيان بني هاشم وجودائهم وشعرائهم، ولم يكن محمود المذهب في دينه، وكان يرمى بالزندقة ويستولي عليه من يعرف ويشهر أمره فيها، وكان قد خرج بالكوفة في آخر أيام مروان بن محمد، ثم انتقل عنها إلى نواحي الجبل ثم إلى خراسان، فأخذه أبو مسلم فقتله هناك.
مدح ابن هرمة لعبد اللّه بن جعفر
ويكنى عبد اللّه بن جعفر أبا معاوية، وله يقول ابن هرمه:
أحب مدحا أبا معاوية الما ... جد لا تلقه حصورا [1] عيبّا
بل كريما يرتاح للمجد بسّا ... مّا إذا هزّه السّؤال حييا
إنّ لي عنده وإن رغم الأع ... داء حظّا من نفسه وقفيّا
قفيا: أثره، يقول: إن لي عنده لأثرة على غيري، وقال قوم آخرون: القفيّ: الكرامة [2]-
إن أمت تبق مدحتي وإخائي ... وثنائي من الحياة مليّا
يأخذ السبق بالتقدّم في الجر ... ي إذا ما النّدى انتحاه عليا
ذو وفاء عند العدات وأوصا ... ه أبوه ألّا يزال وفيّا
/ فرعى عقدة الوصاة فأكرم ... بهما موصيا وهذا وصيّا
يابن أسماء فاسق دلوى فقد أو ... ردتها منهلا يثجّ رويّا
يعني أمه أسماء، وهي أمّ عون بنت العباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب. وأوّل هذه القصيدة:
عاتب النفس والفؤاد الغويّا ... في طلاب الصّبا فلست صبيّا
قال يحيى بن عليّ فيما أجازه لنا:
أخبرني أبو أيوب المدينيّ وأخبرناه وكيع عن هارون بن محمد بن عبد الملك عن حماد بن إسحاق عن أبيه قالا: مدح ابن هرمه عبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب فأتاه، فوجد الناس بعضهم على بعض على بابه. قال ابن هرمة: ورآني بعض خدمه فعرفني، فسألته عن الذين رأيتهم ببابه فقال: عامّتهم غرماء له، فقلت: ذاك شرّ.
واستؤذن لي عليه فقلت: لم أعلم واللّه بهؤلاء الغرماء ببابك، قال: لا عليك أنشدني. قلت: أعيذك باللّه.
واستحييت أن أنشد، فأبى إلا أن أنشده قصيدتي التي أقول فيها:
حللت محلّ القلب من آل هاشم ... فعشّك مأوى بيضها المتفلّق
__________
[1] الحصور: الممسك البخيل الضيق، والضيق الصدر.
[2] هذا التفسير لم يرد إلا في ف وط.
ولم تك بالمعزى إليها نصابه [1] ... لصاقا ولا ذا المركب المتعلّق
فمن مثل عبد اللّه أو مثل جعفر ... ومثل أبيك الأريحيّ المرهّق [2]
فقال: من هاهنا من الغرماء؟ فقيل: فلان وفلان، فدعا باثنين منهم فسارّهما وخرجا، وقال لي [3]: اتبعهما.
قال: فأعطياني مالا كثيرا. قال يحيى: ومن مختار مدحه فيه منها قوله:
/فإلّا توات اليوم سلمى فربما ... شربنا بحوض اللهو غير المرنّق
فدعها فقد أعذرت في ذكر وصلها ... وأجريت فيها شأو غرب ومشرق [4]
/و لكن لعبد اللّه فأنطق بمدحه ... تجيرك من عسر الزمان المطبّق [5]
أخ قلت للأدنين لمّا مدحته [6] ... هلمّوا وساري الليل م الآن فاطرق [7]
شديد التأنّي في الأمور مجرّب ... متى يعر أمر القوم يفر ويخلق [8]
ترى الخير يجري في أسرّة وجهه ... كمالألأت في السيف جرية رونق [9]
كريم إذا ما شاء عدّ له أبا ... له نسب فوق السّماك المحلّق
وأمّا لها فضل على كلّ حرّة ... متى ما تسابق بابنها القوم تسبق
ومما يغنى فيه من قصيدة ابن هرمة اليائية التي مدح بها ابن معاوية قوله:
صوت
عجبت جارتي لشيب علاني ... عمرك اللّه هل رأيت بديّا [10]
إنما يعذر الوليد ولا يع ... ذر من عاش في الزمان عتيّا [11]
غنىّ فيهما فليح رملا بالبنصر من رواية عمرو بن بانة ومن رواية حبش فيهما لابن محرز خفيف ثقيل بالبنصر.
خروج عبد اللّه بن معاوية على بني أمية
حدّثنا بالسبب في خروجه أحمد بن عبيد اللّه بن عمار قال حدّثنا عليّ بن محمد النوفليّ عن أبيه وعمه عيسى،
__________
[1] كذا في ف، وفي سائر الأصول: «و لم تك فيها بالمعرى نصابه».
[2] المرهق: الكريم الجواد الذي يغشاه الناس.
[3] كذا في ف. وفي سائر الأصول: «و قال لابن هرمة».
[4] أعذر: بلغ أقصى الغاية في العذر، والشأو: الغاية.
[5] طبق الشي ء: عمّ.
[6] في ف: «لما صحبته».
[7] ورد في هامش ط أمام هذا البيت: «كأنه قال: قلت لأصحابي: هلموا من الآن ولساري الليل أطرق».
[8] في ف: «متى يعم». ويفري: يشق ويقطع. ويخلق: يقدّر، من خلق الأديم. قدّره لما يريد قبل القطع.
[9] أسرة الوجه: خطوطه، جمع سرار كسنان. لألأ البرق والنجم: أضاء ولمع، أو اضطرب بريقه، والرونق؛ ماء السيف وصفاؤه وحسنه.
[10] بدي مسهل بديء، والبدي ء: العجيب.
[11] عتا الشيخ عتيا: أسن وكبر.
قال ابن عمار وأخبرنا أيضا ببعض خبره أحمد بن أبي خيثمة عن مصعب الزبيريّ، قال ابن عمار وأخبرني أحمد بن الحارث الخرّاز عن المدائنيّ عن أبي اليقظان وشهاب بن عبد اللّه وغيرهما، قال ابن عمار وحدّثني به سليمان بن أبي شيخ عمن ذكره. قال أبو الفرج الأصبهاني: ونسخت أنا أيضا بعض خبره من كتاب محمد بن علي بن حمزة عن المدائنيّ وغيره فجمعت معاني ما ذكروه في ذلك كراهة الإطالة: أنّ عبد اللّه بن معاوية قدم الكوفة زائرا لعبد اللّه بن عمر بن عبد العزيز ومستميحا [1] له، فتزوج بالكوفة بنت الشرقيّ بن عبد المؤمن بن شبث بن ربعيّ الرياحيّ، فلما وقعت العصبية أخرجه أهل الكوفة على بني أمية، وقالوا له: أخرج فأنت أحقّ بهذا الأمر من غيرك، واجتمعت له جماعة، فلم يشعر به عبد اللّه بن عمر إلا وقد خرج عليه.
قال ابن عمار في خبره: إنه إنما خرج في أيام يزيد بن الوليد، ظهر بالكوفة ودعا إلى الرضا من آل محمد صلّى اللّه عليه وسلّم ولبس الصوف وأظهر سيمى الخير، فاجتمع إليه وبايعه بعض أهل الكوفة، ولم يبايعه كلّهم وقالوا: ما فينا بقيّة قد قتل جمهورنا مع أهل هذا البيت، وأشاروا عليه بقصد فارس وبلاد المشرق فقبل ذلك، وجمع جموعا من النواحي، وخرج معه عبد اللّه بن العباس التميميّ. قال محمد بن عليّ بن حمزة عن سليمان بن أبي شيخ عن محمد بن الحكم عن عوانة: إن ابن معاوية قبل قصده المشرق ظهر بالكوفة ودعا إلى نفسه، وعلى الكوفة يومئذ عامل ليزيد الناقص يقال له عبد اللّه بن عمر، فخرج إلى ظهر الكوفة مما يلي الحرّة، فقاتل ابن معاوية قتالا شديدا. قال محمد بن عليّ ابن حمزة عن المدائنيّ عن عامر بن حفص، وأخبرني به ابن عمار/ عن أحمد بن الحارث عن المدائنيّ: أن ابن عمر هذا دسّ إلى رجل من أصحاب ابن معاوية من وعده عنه مواعيد على أن ينهزم عنه/ وينهزم الناس بهزيمته، فبلغ ذلك ابن معاوية، فذكره لأصحابه وقال: إذا انهزم ابن حمزة فلا يهولنكم، فلما التقوا انهزم ابن حمزة وانهزم الناس معه فلم يبق غير ابن معاوية، فجعل يقاتل وحده ويقول:
تفرّقت الظباء على خداش ... فما يدري خداش ما يصيد
ثم ولى وجهه منهزما فنجا، وجعل يجمع من الأطراف والنواحي من أجابه، حتى صار في عدّة، فغلب على ماه الكوفة [2] وماه البصرة وهمذان وقمّ والرّيّ وقومس وأصبهان وفارس، وأقام هو بأصبهان. قال: وكان الذي أخذ له البيعة بفارس محارب بن موسى مولى بني يشكر، فدخل دار الإمارة بنعل ورداء واجتمع الناس إليه، فأخذهم بالبيعة؛ فقالوا: علام نبايع؟ فقال: على ما أحببتم وكرهتم، فبايعوا على ذلك.
وكتب عبد اللّه بن معاوية فيما ذكر محمد بن عليّ بن حمزة عن عبد اللّه بن محمد بن إسماعيل الجعفريّ عن أبيه عن عبد العزيز بن عمران عن محمد بن جعفر بن الوليد مولى أبي هريرة ومحرز بن جعفر: أن عبد اللّه بن معاوية كتب إلى الأمصار يدعو إلى نفسه لا إلى الرضا من آل محمد صلّى اللّه عليه وسلّم، قال: واستعمل أخاه الحسن على إصطخر، وأخاه يزيد على شيراز، وأخاه عليا على كرمان، وأخاه صالحا على قم ونواحيها، وقصدته بنو هاشم جميعا منهم السّفاح والمنصور وعيسى بن عليّ. وقال ابن أبي خيثمة عن مصعب: وقصده وجوه قريش من بني أمية وغيرهم، فممّن قصده من بني أمية سليمان بن هشام بن عبد الملك وعمر بن سهيل بن عبد العزيز بن مروان، فمن أراد منهم عملا قلّده، ومن أراد منهم صلة وصله.
__________
[1] استماحه: سأله العطاء.
[2] يراد بماه البقرة، نهاوند وبماه الكوفة الدينور «معجم البلدان» (نهاوند).
وجه إليه مروان بن محمد جيشا لمحاربته بقيادة ابن ضبارة
فلم يزل مقيما في هذه النواحي التي غلب عليها حتى ولى مروان بن محمد الذي يقال له مروان الحمار، فوجّه إليه عامر بن ضبارة في عسكر كثيف، فسار إليه حتى إذا قرب من أصبهان ندب له ابن معاوية أصحابه وحضهم على الخروج إليه، فلم يفعلوا ولا أجابوه، فخرج على دهش هو وإخوته قاصدين لخرسان - وقد ظهر أبو مسلم بها ونفى عنها نصر ابن سيار - فلما صار في بعض الطريق نزل على رجل من التّنّاء [1] ذي مروءة ونعمة وجاه [2]، فسأله معونته، فقال له: من أنت من ولد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم؟ أأنت إبراهيم الإمام الذي يدعى له بخرسان؟
قال: لا، قال فلا حاجة لي في نصرتك.
التجأ إلى أبي مسلم فحبسه
فخرج إلى أبي مسلم وطمع في نصرته، فأخذه أبو مسلم وحبسه عنده، وجعل عليه عينا يرفع إليه أخباره، فرفع إليه أنه يقول: ليس في الأرض أحمق منكم يأهل خراسان في طاعتكم هذا الرجل وتسليمكم إليه مقاليد أموركم من غير أن تراجعوه في شيء أو تسألوه عنه، واللّه ما رضيت الملائكة الكرام من اللّه تعالى بهذا حتى راجعته في أمر آدم عليه السلام، فقالت: أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ ... حتى قال لهم: إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ
كتابه إلى أبي مسلم وهو في حبسه
ثم كتب إليه عبد اللّه بن معاوية رسالته المشهورة التي يقول فيها: «إلى أبي مسلم، من الأسير في يديه، بلا ذنب إليه [3] ولا خلاف عليه. أما بعد، فإنك مستودع ودائع، ومولى صنائع؛ وإنّ الودائع مرعيّة، وإن الصنائع/ عاريّة؛ فاذكر القصاص، واطلب الخلاص؛ ونبّه للفكر قلبك، واتق اللّه ربّك؛ وآثر ما يلقاك غدا على ما لا يلقاك أبدا؛ فإنك لاق أما سلفت، وغير لاق ما خلّفت؛ وفقك اللّه لما ينجيك، وآتاك شكر ما يبليك [4]».
قتله أبو مسلم ووجه برأسه إلى ابن ضبارة
قال: فلما قرأ كتابه رمى به. ثم قال: قد أفسد علينا أصحابنا وأهل طاعتنا وهو محبوس في أيدينا، فلو خرج وملك أمرنا لأهلكنا، ثم أمضى تدبيره في قتله. وقال آخرون: بل دسّ إليه سّما فمات منه، ووجّه برأسه إلى ابن ضبارة فحمله إلى مروان، فأخبرني عمر بن عبد اللّه العتكيّ قال: حدّثنا عمر بن شبة قال حدّثنا محمد بن يحيى أنّ عبد العزيز بن عمران حدّثه عن عبد اللّه بن الربيع عن سعيد بن عمرو بن جعدة بن هبيرة أنه حضر مروان يوم الزاب وهو يقاتل عبد اللّه بن عليّ، فسأل عنه فقيل له: هو الشابّ المصفرّ الذي كان يسبّ عبد اللّه بن معاوية يوم جيء برأسه إليك فقال: واللّه لقد هممت بقتله مرارا، كلّ ذلك يحال بيني وبينه، وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً
__________
[1] التناء جمع تانى ء: وهو الدهقان؛ زعيم فلاحي العجم، أو رئيس الإقليم.
[2] كذا في ف، وفي سائر الأصول: «و جاءه».
[3] كذا في ف، وفي سائر الأصول: «بلا ذنب ولا خلاف عليه».
[4] الإبلاء هنا: الإنعام والإحسان.
كانت الزنادقة من خاصته
حدثني أحمد بن عبد اللّه بن عمار قال حدّثني النوفلّي عن أبيه عن عمه قال كان عمارة بن حمزة يرمى بالزندقة، فاستكتبه ابن معاوية، وكان له نديم يعرف بمطيع بن إياس، وكان زنديقا مأبونا، وكان له نديم آخر يعرف بالبقليّ وإنما سمي بذلك لأنه كان يقول: الإنسان كالبقلة فإذا مات لم يرجع، فقتله المنصور لما أفضت الخلافة إليه. فكان هؤلاء الثلاثة خاصّته، وكان له صاحب شرطة يقال له قيس، وكان دهريا [1] لا يؤمن باللّه معروفا بذلك، فكان يعسّ باللّيل فلا يلقاه أحد إلا قتله، فدخل يوما على ابن معاوية فلما رآه قال:
إن قيسا وإن تقنّع شيبا ... لخبيث الهوى على شمطة [2]
ابن تسعين منظرا ومشيبا ... وابن عشر يعدّ في سقطه
وأقبل على مطيع فقال: أجز أنت، فقال:
وله شرطة إذا جنّه اللي ... ل فعوذوا باللّه من شرطه
قسوته
قال ابن عمّار: أخبرني أحمد بن الحارث الخرّاز عن المدائنيّ عن أبي اليقظان وشباب [3] بن عبد اللّه وغيرهما، قال ابن عمار وحدّثني به سليمان بن أبي شيخ عمن ذكره:
أن ابن معاوية كان يغضب على الرجل فيأمر بضربه بالسياط وهو يتحدّث ويتغافل عنه حتى يموت تحت السياط، وأنه فعل ذلك برجل، فجعل يستغيث فلا يلتفت إليه، فناداه: يا زنديق، أنت الذي تزعم أنّه يوحى إليك! فلم يلتفت إليه وضربه حتى مات.
حدّثني أحمد بن عبيد اللّه بن عمار قال حدّثني النوفليّ عن أبيه عن عمه عيسى قال:
كان ابن معاوية أقسى خلق اللّه قلبا، فغضب على غلام له وأنا جالس عنده في غرفة بأصبهان، فأمر بأن يرمى به منها إلى أسفل، ففعل ذلك به فتعلّق بدرابزين كان على الغرفة، فأمر بقطع يده التي أمسكه بها، فقطعت ومر الغلام يهوي حتى بلغ إلى الأرض فمات.
بعض شعره
وكان مع هذه الأحوال من ظرفاء بني هاشم وشعرائهم، وهو الذي يقول:
ألا تزع [4] القلب عن جهله ... وعما تؤنّب من أجله!
/ فأبدل بعد الصبا حلمه ... وأقصر ذو العذل عن عذله
فلا تركبنّ الصنيع الذي ... تلوم أخاك على مثله
__________
[1] رجل دهري: ملحد لا يؤمن بالآخرة، ويقول ببقاء الدهر.
[2] الشمط: بياض الرأس يخالط سواده.
[3] في ف: «شبيب».
[4] وزعه: كفه.
ولا يعجبنّك قول امرىء ... يخالف ما قال في فعله
ولا تتبع الطّرف ما لا تنال ... ولكن سل اللّه من فضله
فكم من مقلّ ينال الغنى ... ويحمد في رزقه كلّه
/ أنشدنا هذا الشعر له ابن عمار عن أحمد بن خيثمة عن يحيى بن معين. وذكر محمد بن عليّ [1] العلويّ عن أحمد بن أبي خيثمة أن يحيى بن معين أنشده أيضا لعبد اللّه بن معاوية:
إذا افتقرت نفسي قصرت افتقارها ... عليها فلم يظهر لها أبدا فقري
وإن تلقني في الدهر [2] مندوحة الغنى ... يكن لأخلّائي التوسّع في اليسر
فلا العسر يزري بي إذا هو نالني ... ولا اليسر يوما إن ظفرت به فخري
وهذا الشعر الذي غنى به - أعني قوله:
وعين الرضا عن كل عيب كليلة
يقوله ابن معاوية للحسين بن عبد اللّه بن عبيد اللّه بن العباس بن عبد المطلب، وكان الحسين أيضا سيء المذهب مطعونا في دينه.
شعره في الحسين بن عبد اللّه بن عبيد اللّه بن العباس
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ قال حدّثني عليّ بن محمد بن سليمان النوفليّ قال حدّثني إبراهيم بن يزيد الخشاب قال:
كان ابن معاوية صديقا للحسين بن عبد اللّه بن عبيد اللّه بن العباس بن عبد المطلب، وكان حسين هذا وعبد اللّه ابن معاوية يرميان بالزندقة. فقال الناس: إنما تصافيا على ذلك، ثم دخل بينهما شيء من الأشياء فتهاجرا من أجله، فقال عبد اللّه بن معاوية:
وإنّ حسينا كان شيئا ملفّقا ... فمحّصه التكشيف حتى بداليا
وعين الرضا عن كلّ عيب كليلة ... ولكن عين السخط تبدي المساويا
وأنت أخي ما لم تكن لي حاجة ... فإن عرضت أيقنت أن لا أخاليا
/ وله في الحسين أشعار كلّها معاتبات، فمنها ما أخبرني به أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة. قال:
أنشدني يحيى بن الحسن لعبد اللّه بن معاوية؛ يقوله في الحسين بن عبد اللّه بن عبيد اللّه بن العباس بن عبد المطلب:
قل لذي الودّ والصفاء حسين ... أقدر الودّ بيننا قدره
ليس للدابغ المقرّظ بدّ ... من عتاب الأديم ذي البشره [3]
__________
[1] في ف: «محمد بن يحيى».
[2] المندوحة: السعة.
[3] قرظ الأديم: دبغة بالقرظ. وضمن البيت المثل: «إنما يعاتب الأديم ذو البشرة» والمعاتبة هنا: المعاودة، وبشرة الأديم: ظاهره الذي
قال وقال له أيضا:
إنّ ابن عمك وابن أم ... ك معلم شاكي السلاح [1]
يقص العدوّ وليس ير ... ضى حين يبطش بالجناح [2]
لا تحسبن أذى ابن عمّ ... ك شرب ألبان اللّقاح [3]
بل كالشجا تحت اللّها ... ة إذا يسوّغ بالقراح [4]
[فانظر لنفسك من يجي ... بك تحت أطراف الرماح] [5]
من لا يزال يسوءه ... بالغيب أن يلحاك لاحى [6]
خبره مع جده عبد الحميد بن عبيد اللّه
/ أخبرني الحرميّ والطوسيّ قالا حدّثنا الزبير وحدّثني أحمد بن محمد بن سعيد قال حدّثنا يحيى بن الحسن قال حدّثنا الزبير قال حدّثني محمد بن يحيى:
/ أن عبد اللّه بن معاوية مرّ بجدّه عبد الحميد في مزرعته بصرام [7] وقد عطش فاستسقاه، فخاض [8] له سويق لوز فسقاه إياه، فقال عبد اللّه بن معاوية:
شربت طبرزذا [9] بغريض مزن ... كذوب الثلج خالطه الرّضاب
قال يحيى قال الزبير: الرضاب ماء المسك، ورضاب كل شي ء: ماؤه. فقال عبد الحميد بن عبيد اللّه يجيب عبد اللّه بن معاوية على قوله:
ما إن ماؤنا بغريض مزن ... ولكنّ الملاح بكم عذاب
وما إن بالطبرزذ طاب لكن ... بمسّك لا به طاب الشراب
وأنت إذا وطئت تراب أرض ... يطيب إذا مشيت بها التراب
__________
- عليه الشعر، وأصله أن الجلد إذا لم تصلحه الدبغة الأولى أعيد إلى الدباغ إذا سلمت بشرته إذ يكون فيه محتمل وقوّة، أما إذا نغلت بشرته فإنه يصير ضعيفا ويترك لئلا يزيد ضعفا، ومعناه: إنما يراجع من تصلح مراجعته ويعاتب من الإخوان من لا يحمله العتاب على اللجاج.
[1] أعلم الفارس: جعل لنفسه علامة الشجعان. والشاكي: ذو الشوكة.
[2] وقصه: كسره ودقه.
[3] اللقاح: جمع لقحة، وهي الناقة الحلوب.
[4] الشجا: ما اعترض في الحلق من عظم ونحوه، واللهاة: اللحمة المشرفة على الحلق، والقراح: الماء الخالص، ويقال: أساغ الغصة بالماء.
[5] هذا البيت لم يذكر إلا في ف.
[6] لحاه: لامه.
[7] صرام، قال في «معجم البلدان»: «هو رستاق بفارس وأصله چرام فعربوه هكذا».
[8] خاض: خلط، والسويق: ما يعمل من الحنطة والشعير.
[9] الطبرزذ: السكر، والغريض: ماء المطر.
لأن نداك يطفى المحل [1] عنها ... وتحييها أياديك الرّطاب
تغنى إبراهيم الموصلي في شعره
قال هارون بن محمد بن عبد الملك الزيات حدّثني حماد بن إسحاق عن أبيه عن جدّه إبراهيم الموصلي قال:
بينا نحن عند الرشيد أنا وابن جامع وعمرو والغزال إذ قال صاحب السّتارة لابن جامع: تغنّ في شعر عبد اللّه ابن معاوية بن عبد اللّه بن جعفر، قال: ولم يكن ابن جامع يغني في شيء منه، وفطنت لما أراد من شعره، وكنت قد تقدّمت فيه، فأرتج على ابن جامع، فلما رأيت ما حلّ به اندفعت فغنيّت:
صوت
يهيم بجمل وما إن يرى ... له من سبيل إلى جمله
كأن لم يكن عاشق قبله ... وقد عشق الناس من قبله
فمنهم من الحب أودى به ... ومنهم من اشفى [2] على قتله
/ فإذا يد قد رفعت الستارة، فنظر إليّ وقال: أحسنت واللّه! أعد، فأعدته فقال: أحسنت! حتى فعل ذلك ثلاث مرّات، ثم قال لصاحب الستارة كلاما لم أفهمه، فدعا صاحب الستارة غلاما فكلمه، فمرّ الغلام يسعى فإذا بدرة دنانير قد جاءت يحملها فرّاش، فوضعت تحت فخذي اليسرى وقيل لي: اجعلها تكأتك [3]، قال: فلما انصرفنا قال لي ابن جامع: هل كنت وضعت لهذا الشعر غناء قبل هذا الوقت؟ فقلت: ما شعر قيل في الجاهلية ولا الإسلام يدخل فيه الغناء إلا وقد وضعت له لحنا خوفا من أن ينزل بي ما نزل بك. فلما كان المجلس الثاني وحضرنا قال صاحب الستارة: يا بن جامع، تغنّ في شعر عبد اللّه بن معاوية، فوقع في مثل الذي وقع فيه بالأمس، قال إبراهيم:
فلما رأيت ما حلّ به اندفعت فغنيت:
صوت
يا قوم كيف سواغ عي ... ش ليس تؤمن فاجعاته
ليست تزال مطلّة ... تغدو عليك منغّصاته
/ الموت هول داخل ... يوما على كره أناته
لابدّ للحذر النّفو ... ر من أن تقنّصه رماته
قد أمنح الود الخلي ... ل بغير ما شيء رزاته [4]
وله أقيم قناة ودّ ... ي ما استقامت لي قناته
__________
[1] المحل: القحط والجدب.
[2] أشفى: أشرف.
[3] كذا في م: وفي سائر الأصول «تكأك».
[4] أصله رزأته فسهل، ورزأه ماله: أصاب منه شيئا.
قال: فأومأ إلى صاحب الستارة أن أمسك، ووضع يده على عينه كأنه يومىء إليّ أنه يبكي، قال: فأمسكت ثم انصرفنا [1]، فقال لي ابن جامع: ما صبّ أمير المؤمنين/ على ابن جعفر؟ قلت: صبه اللّه عليه لبدرة الدنانير التي أخذتها. قال ثم حضر بعد ذلك، فلما اطمأنّ بنا مجلسنا قال ابن جامع بكلام خفيّ: اللهم أنسه ذكر ابن جعفر، قال فقلت: اللهم لا تستجب، فقال صاحب الستارة: يا بن جامع تغنّ في شعر عبد اللّه بن معاوية، قال: فقال ابن جامع: لو كان عندهم في عبد اللّه بن معاوية خير لطار مع أبيه [2] ولم يقبل على الشعر، قال إبراهيم: فسمعنا ضحكة من وراء الستارة. قال إبراهيم فاندفعت أغني في شعره:
صوت
سلا ربّة الخدر ما شأنها ... ومن أيّما شأننا تعجب؟
فلست بأوّل من فاته ... على إربه [3] بعض ما يطلب
وكائن تعرّض من خاطب ... فزوّج غير التي يخطب
وأنكحها [4] بعده غيره ... وكانت له قبلة تحجب
وكنا جديثا صفيّين لا ... نخاف الوشاة وما سبّبوا
فإن شطّت الدار عنّا بها ... فبانت وفي الناس مستعتب [5]
وأصبح صدع الذي بيننا ... كصدع الزجاجة ما يشعب [6]
وكالدّرّ [7] ليست له رجعة ... إلى الضّرع من بعد ما يحلب
غنى في البيتين الأوّلين إبراهيم الموصليّ خفيف ثقيل الأوّل بالوسطى من رواية أحمد بن يحيى المكّيّ ووجدتهما في بعض الكتب خفيف رمل غير منسوب. قال: فقال/ لي صاحب الستارة: أعد فأعدته، فأحسب أمير المؤمنين نظر إلى ابن جامع كاسف البال، فأمر له بمثل الذي أمر لي بالأمس، وجاءوني ببدرة دنانير فوضعت تحت فخذي اليسرى أيضا، وكان ابن جامع فيه حسد ما يستتر منه، فلما انصرفنا قال: اللهم أرحنا من ابن جعفر هذا، فما أشدّ بغضي له، لقد بغّض إليّ جدّه، فقلت: ويحك! تدري ما تقول! قال: فمن يدري ما يقول؟ إذا لوددت أني لم أر إقباله عليك وعلى غنائك في شعر هذا البغيض ابن البغيضة، وأني تصدّقت بها - يعني البدرة.
وهذا الصوت الأخير يقول شعره عبد اللّه بن معاوية في زوجته أم زيد بنت زيد بن علي بن الحسين عليهما السلام.
__________
[1] كذا في ف، وفي سائر الأصول: «ثم انصرفت».
[2] يريد جدّه جعفر بن أبي طالب وكان يلقب بالطيار وبذي الجناحين لأنه قاتل يوم موته حتى قطعت يداه فقتل. فقال النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: إن اللّه قد أبدله بيديه جناحين يطير بهما في الجنة حيث يشاء.
[3] الإرب: العقل والدهاء.
[4] أنكحها: زوّجها.
[5] شطت: بعدت. مستعتب. استرضاء.
[6] يشعب: يصلح.
[7] الدر هنا: اللبن.
شمتت به امرأته حين خطب امرأة وتزوّجها غيره فقال في ذلك شعرا
أخبرني الطوسي والحرميّ قالا حدّثنا الزبير بن بكار عن عمه قال:
خطب عبد اللّه بن معاوية ربيحة بنت محمد بن عبد اللّه بن عليّ بن عبد اللّه بن جعفر، وخطبها بكّار بن عبد الملك بن مروان، فتزوجت/ بكارا، فشمتت بعبد اللّه امرأته أمّ زيد بنت زيد [1] بن علي بن الحسين، فقال في ذلك:
سلا ربّة الخدر ما شأنها ... ومن أيّما شأننا تعجب
فقال ابن أبي خيثمة في خبره عن مصعب قالت له: واللّه ما شمتّ ولكني نفست [2] عليك، فقال لها: لا جرم! واللّه لا سؤتك أبدا ما حييت:
صوت
طاف الخيال من أمّ شيبة فاعترى ... والقوم من سنة نشاوى [3] بالكرى
طافت بخوص [4] كالقسيّ وفتية ... هجعوا قليلا بعدما ملّوا السّرى
الشعر لأبي وجزة السعديّ، والغناء لإسحاق، ثقيل أوّل بالبنصر.
__________
[1] كذا في ب، ش، ج، وفي باقي الأصول: «أم زيد بنت علي».
[2] نفس عليه بخير: حسد.
[3] نشاو، جمع نشوان، وهو السكران.
[4] الخوص: جمع أخوص وهو الغائر العينين.
18 - أخبار أبي وجزة ونسبه
نسبه
اسمه يزيد بن عبيد فيما ذكره أصحاب الحديث. وذكر بعض النسابين أنّ اسمه يزيد بن أبي عبيد، وأنه كان له أخ يقال له عبيد، وانتسب إلى بني سعد بن بكر بن هوزان لولائه فيهم.
دخل مع أبيه في بني سعد
وأصله من سليم من بني ضبيس بن هلال بن قدم بن ظفر بن الحارث بن بهثة بن سليم؛ ولكنه لحق أباه وهو صبي سباء في الجاهلية، فبيع بسوق ذى المجاز، فابتاعه رجل من بني سعد، واستعبده، فلما كبر استعدى عمر رضى اللّه عنه وأعلمه قصته، فقال له: إنه لا سباء على عربيّ، وهذا الرجل قد امتنّ عليك فإن شئت فأقم عنده، وإن شئت فالحق بقومك، فأقام في بني سعد وانتسب إليهم هو وولده [1].
كان بنو سعد أظآر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم
وبنو سعد أظآر [2] رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، كان مسترضعا فيهم عند امرأة يقال لها حليمة، فلم يزل فيهم عليه السلام حتى يفع، ثمّ أخذه جدّه عبد المطلب منهم فردّه إلى مكة، وجاءته حليمة بعد الهجرة، فأكرمها وبرّها وبسط لها رداءه فجلست عليه. وبنو سعد تفتخر بذلك على سائر هوزان، وحقيق بكل مكرمة وفخر من اتصل منه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بأدنى سبب أو وسيلة.
آثر أبوه الانتساب إلى بني سعد دون قومه بنى سليم
أخبرني بخبره الذي حكيت جملا منه في نسبه وولائه أبو دلف هاشم بن محمد الخزاعيّ قال حدّثنا عيسى بن إسماعيل العتكيّ قال حدّثنا محمد بن سلام الجمحيّ عن يونس. وأخبرني أبو خليفة فيما كتب به إليّ عن محمد بن سلّام عن يونس وأخبرني به عمي عن الكرّاني عن الرّياشيّ عن محمد بن سلام عن يونس وأخبرني عليّ بن سليمان الأخفش عن أبي سعيد السكّريّ عن يعقوب بن السّكّيت قالوا جميعا سوى يعقوب.
/ كان عبيد أبو أبي وجزة السعديّ عبدا بيع بسوق ذي المجاز في الجاهلية فابتاعه وهيب بن خالد بن عامر بن عمير بن ملّان بن ناصرة بن فصيّة بن نصر بن سعد بن بكر بن هوازن، فأقام عنده زمانا يرعى إبله، ثم إن عبيدا ضرب ضرع ناقة لمولاه فأدماه، فلطم وجهه، فخرج عبيد إلى عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه مستعديا فلما قدم عليه قال: يا أمير المؤمنين، أنا رجل من بني سليم، ثم من بني ظفر أصابني سباء في الجاهلية كما يصيب العرب بعضها
__________
[1] كذا في ف، وفي سائر الأصول: «والده».
[2] أظآر: جمع ظئرّ وهي العاطفة على ولد غيرها المرضعة له.
من بعض، وأنا معروف النسب، وقد كان رجل من بني سعد ابتاعني، فأساء إليّ وضرب وجهي، وقد بلغني أنه لا سباء في الإسلام،/ ولا رقّ على عربيّ في الإسلام. فما فرغ من كلامه حتّى أتى مولاه عمر بن الخطاب رضى اللّه تعالى عنه على أثره، فقال: يا أمير المؤمنين، هذا غلام ابتعته بذي المجاز، وقد كان يقوم في مالي، فأساء فضربته ضربة واللّه ما أعلمني ضربته غيرها قطّ، وإن الرجل ليضرب ابنه أشدّ منها فكيف بعبده، وأنا أشهدك أنه حرّ لوجه اللّه تعالى، فقال عمر لعبيد: قد امتن عليك هذا الرجل، وقطع عنك مؤنه البيّنة، فإن أحببت فأقم معه، فله عليك منّة، وإن أحببت فالحق بقومك، فأقام مع السعدّي وانتسب إلى بني سعد بن بكر بن هوازن، وتزوّج زينب بنت عرفطة المزنيّة، فولدت له أبا وجزة وأخاه، وقال يعقوب: «و أخاه عبيدا» وذكر أن أباهما كان يقال له أو عبيد، ووافق من ذكرت روايته في سائر الخبر، فلما بلغ ابناه طالباه بأن يلحق بأصله وينتمي إلى قومه من بني سليم، فقال: لا أفعل ولا ألحق بهم فيعيّروني كلّ يوم ويدفعوني، وأترك قوما يكرموني ويشرّفوني، فو اللّه لئن ذهبت إلى بني ظفر لا أرعى طمّة [1]، ولا أرد جمّة، إلا قالوا لي: يا عبد بني سعد قال: وطمّة: جبل لهم. فقال أبو وجزة في ذلك:
/أنمى فأعقل في ضبيس معقلا ... ضخما مناكبه تميم الهادي [2]
والعقد في ملّان غير مزلّج [3] ... بقوى متينات الحبال شداد
كان من التابعين وروى عن جماعة من أصحاب رسول اللّه
وكان أبو وجزة من التابعين، وقد روى عن جماعة من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، ورأى عمر بن الخطاب رضي اللّه تعالى عنه، ولم يسند إليه حديثا، ولكنه حدّث عن أبيه عنه بحديث الاستسقاء، ونقل عنه جماعة من الرواة.
أخبرني محمد بن خلف وكيع وعمي قالا حدّثنا عبد اللّه بن شبيب قال حدّثني إبراهيم بن حمزة قال حدّثني موسى بن شيبة قال:
سمعت أبا وجزة السعديّ يقول قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «ليس شعر حسان بن ثابت ولا كعب بن مالك ولا عبد اللّه ابن رواحة شعرا، ولكنه حكمة».
فأما خبر الاستسقاء الذي رواه عن أبيه عن عمر فإن الحسن بن عليّ أخبرنا به قال حدّثنا محمد بن القاسم قال حدّثني عبد اللّه بن عمرو عن علي بن الصبّاح عن هشام بن محمد عن أبيه عن أبي وجزة السعديّ عن أبيه قال:
شهدت عمر بن الخطاب رضي اللّه تعالى عنه وقد خرج بالناس ليستسقي عام الرّمادة؛ فقام وقام الناس خلفه، فجعل يستغفر اللّه رافعا صوته لا يزيد على ذلك؛ فقلت في نفسي: ما له لا يأخذ فيما جاء له؛ ولم أعلم أنّ الاستغفار هو الاستسقاء فما برحنا حتى نشأت [4] سحابة وأظلّتنا، فسقي الناس، وقلدتنا [5] السماء قلدا، كل خمس
__________
[1] كذا ضبط في ط، وفي: «معجم ما استعجم»: «طمية»، بضم الطاء وفتح الميم.
[2] نماه ينميه: نسبه، وعقل: لجأ إلى معقل، والهادي: العنق، والتميم: التام والشديد.
[3] المزلج: كل ما لم تبالغ فيه ولم تحكمه.
[4] نشأ السحاب: ارتفع وبدا، وذلك في أول ما يبدأ.
[5] قلدتنا: مطرتنا، والقلد (بالكسر): الحظ من الماء، و (بالفتح) المصدر.
عشرة ليلة، حتى رايت الأرينة [1] تأكلها صغار الإبل من وراء حقاق العرفط [2].
مات سنة ثلاثين ومائة
وأخبرني أبو الحسن الأسديّ وهاشم بن محمد الخزاعيّ جميعا عن الرياشيّ عن الأصمعيّ عن عبد اللّه بن عمر العمريّ عن أبي وجزة السعديّ عن أبيه، وذكر الحديث مثله. وأخبرني به إبراهيم بن أيوب عن عبد اللّه بن مسلم بن قتيبة، واللفظ متقارب وزاد الرّياشيّ في خبره: فقلت لأبي وجزة: ما حقاق العرفط؟ قال: نبات سنتين وثلاث.
وزاد ابن قتيبة في خبره عليهم/ قال: ومات أبو وجزة سنة ثلاثين ومائة.
هو أحد من شبب بعجوز
وهو أحد من شبّب بعجوز حيث يقول:
يأيّها الرجل الموكّل بالصبا ... فيم ابن سبعين المعمّر من دد؟ [3]
حتّام أنت موكّل بقديمة ... أمست تجدّد كاليماني الجيّد
زان الجلال كمالها ورسا بها ... عقل وفاضلة وشيمة سيّد
ضنّت بنائلها عليك وأنتما ... غرّان في طلب الشباب الأغيد
فالآن ترجو أن تثيبك نائلا ... هيهات! نائلها مكان الفرقد
روى صورة استسقاء عمر عن أبيه
وأخبرنا الحرميّ بن أبي العلاء والطوسيّ جميعا قالا حدّثنا الزبير بن بكار قال حدّثني محمد بن الحسن المخزوميّ عن عبد الرحمن بن عبد اللّه عن أبيه عن أبي وجزة السعديّ عن أبيه قال:
استسقى عمر بن الخطاب رضى اللّه تعالى عنه، فلما وقف على المنبر أخذ في الاستغفار، فقلت: ما أراه يعمل في حاجته! ثم قال في آخر كلامه: اللهم إني قد عجزت وما عندك أوسع لهم. ثم أخذ بيد العباس رضي اللّه تعالى عنه، ثم قال: وهذا عم نبيّك، ونحن نتوسل إليك به. فلما أراد عمر رضى اللّه تعالى عنه أن ينزل قلب رداءه، ثم نزل فتراءى الناس طرّة [4] في مغرب الشمس، فقالوا: ما هذا! / وما رأينا قبل قزعة [5] سحاب أربع سنين؟ قال:
ثم سمعنا الرعد، ثم انتشر، ثم اضطرب، فكان المطر يقلدنا قلدا في كل خمس عشرة ليلة، حتى رأيت الأرينة خارجة من حقاق العرفط تأكلها صغار الإبل.
مدح بني الزبير وأكرموه
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزبير بن بكار قال حدّثني عمي عن جدّي قال:
__________
[1] الأرينة: نبت عريض الورق.
[2] العرفط: شجر العضاه، وحقاق العرفط: صغارها وشوابها؛ تشبيها بحقاق الإبل، والحق (بالكسر): البعير إذا استكمل السنة الثالثة ودخل في الرابعة، والأنثى حقة.
[3] الدد: اللهو واللعب.
[4] الطرة: الطريقة من السحاب.
[5] القزعة: القطعة من السحاب.
خرج أبو وجزة السعديّ وأبو زيد الأسلميّ يريدان المدينة، وقد امتدح أبو وجزة آل الزبير، وامتدح أبو زيد إبراهيم بن هشام المخزوميّ، فقال له أبو وجزة: هل لك في أن أشاركك فيما أصيب من آل الزبير، وتشاركني فيما تصيب من إبراهيم؟ فقال: كلا واللّه، لرجائي في الأمير أعظم من رجائك في آل زبير. فقدما المدينة، فأتى أبو زيد دار إبراهيم، فدخلها وأنشد الشعر وصاح وجلب، فقال إبراهيم لبعض أصحابه: أخرج إلى هذا الأعرابي الجلف فاضربه وأخرجه، فأخرج وضرب. وأتى أبو وجزة أصحابه فمدحهم وأنشدهم، فكتبوا له إلى مال لهم بالفرع [1] أن يعطي منه ستين وسقا [2] من التمر، فقال أبو وجزة يمدحهم:
راحت قلوصي رواحا وهي حامدة ... آل الزبير ولم تعدل بهم أحدا
راحت بستّين وسقا في حقيبتها ... ما حمّلت حملها الأدنى ولا السّددا [3]
ذاك القرى لا كأقوام عهدتهم ... يقرون ضيفهم الملويّة الجددا
يعني السياط.
/ قال أبو الفرج الأصفهاني: قول أبي وجزة:
راحت بستّين وسقا في حقيبتها
أنها حملت ستّين وسقا ولا تحمل ناقة ذلك ولا تطيقه ولا نصفه، وإنما عنى أنه انصرف عنهم وقد كتبوا له بستين وسقا فركب ناقته والكتاب معه بذلك قد حملته في حقيبتها، فكأنّها [4] حاملة بالكتاب ستّين وسقا، لا أنها أطاقت حمل ذلك. وهذا البيت معنى يسأل عنه.
وقال يعقوب بن السكيت فيما حكيناه من روايته التي ذكرها الأخفش لنا عن السكري في شعر أبي وجزة وأخباره:
أحسن عمرو بن زيادة جواره فمدحه
كان أبو وجزة/ قد جاور مزينة، وانتجع بلادهم لصهره فيهم، فنزل على عمرو بن زياد بن سهيل بن مكدّم بن عقيل بن وهب بن عمرو بن مرّة بن مازن بن عوف بن ثور بن هذمة بن لاطم بن عثمان، فأحسن عمرو جواره وأكرم مثواه، فقال أبو وجزة يمدحه:
لمن دمنة بالنّعف عاف صعيدها ... تغيّر باقيها ومحّ جديدها [5]
لسعدة من عام الهزيمة إذ بنا ... تصاف وإذ لمّا يرعنا صدودها
وإذ هي أمّا نفسها فأربيه [6] ... للهو، وأما عن صبا فتذودها
__________
[1] الفرع: قرية من نواحي الربذة بينها وبين المدينة أربع ليال على طريق مكة. وفي ف: «العرج»، وهي قرية من عمل الفرع.
[2] الوسق: حمل بعير.
[3] السدد: الوفق.
[4] كذا في ف، وفي سائر الأصول: «فكانت».
[5] النعف: موضع، وأصله: ما انحدر من حزونة الجبل وارتفع عن منحدر الوادي. عاف: دارس ممحو. محّ: بلى.
[6] كذا في جميع الأصول ما عدا ج ففيها «فأبية».
تصيّد ألباب الرجال بدلّها ... وشيمتها وحشية لا نصيدها
كباسقة الوسميّ ساعة أسبلت ... تلألأ فيها البرق والبيضّ جيدها [1]
- الباسقة: التي فضلت غيرها من الغمام وطالت عليه، قال اللّه تبارك وتعالى: «و النّخل باسقات [2]» - .
/كبكر تراني فرقدين بقفرة ... من الرمل أو فيحان لم يعس عودها [3]
لعمرو الندى عمر بن آل مكدّم ... [كثير عليّات الأمور جليدها] [4]
[فتى بين مسروج وآل مكدّم] [4] ... وعمرو فتى عثمان طرّا وسيدها [5]
حليم إذا ما الجهل أفرط ذا النهي ... على أمره، حامي الحصاة شديدها [6]
وما زال ينحو فعل من كان قبله ... من ابائه يجني العلا ويفيدها
فكم من خليل قد وصلت وطارق ... وقرّبت من أدماء وار قصيدها [7]
وذي كربة فرّجت كربة همّه ... وقد ظل مستدّا عليه وصيدها [8]
تزوج زينب بنت عرفطة وقال فيها رجزا فأجابته برجز مثله
أخبرني عمي قال حدّثني العنزيّ قال حدّثنا محمد بن معاوية عن يعقوب بن سلام بن عبد اللّه بن أبي مسروج قال:
تزوّج أبو وجزة السعديّ زينب بنت عرفطة بن سهل بن مكدّم المزنيّة فولدت له عبيدا وكانت قد عنّست [9]، وكان أبو وجزة يبغضها، وإنما أقام عليها لشرفها، فقال لها ذات يوم:
أعطى عبيدا وعبيد مقنع ... من عرمس محزمها جلنفع [10]
/ذات عساس ما تكاد تشبع ... تجتلد الصحن وما إن تبضع [11]
__________
[1] الوسمي: مطر الربيع الأوّل. أسلبت: أمطرت.
[2] هذا التفسير لم يرد إلا في «ف».
[3] بقرة بكر: فتية. تراني: من الرنو، وهو إدامة النظر مع سكون الطرف. الفرقد: ولد البقرة. فيحان: اسم أرض. عسا: يبس وصلب.
[4] ما بين المربعين تكملة من ف.
[5] السيد: الأسد.
[6] أفرطه: أعجله، والحصاة: العقل.
[7] ناقة أدماء: بيضاء سوداء المقلتين. وار: سمين. القصيد: سنام البعير إذا سمن. وفي ف: «قريت قرى».
[8] الوصيد: فناء الدار.
[9] عنست: طال مكثها في منزل أهلها بعد إدراكها.
[10] العرمس: الناقة الصلبة الشديدة. المحزم: ما وضع عليه الحزام، يعني البطن. جلنفع: واسعة البطن.
[11] عساس: جمع عس (بالضم)، وهو القدح الضخم. اجتلد الإناء: شرب كل ما فيه. والصحن: العس العظيم، وفي جميع الأصول عداف: «الصخر» تصحيف. بضع من الماء وبه: روى وامتلأ.
تمرّ في الدار ولا تورّع ... كأنها فيهم شجاع أقرع [1]
فقالت زينب أمّ وجزة تجيبه:
أعطى عبيدا من شييخ ذي عجر ... لا حسن الوجه ولا سمح يسر [2]
يشرب عسّ المذق في اليوم الخصر ... كأنما يقذف في ذات السّعر [3]
تقاذف السيل من الشّعب المضرّ [4]
قال في ابنه عبيد رجزا فأجابه برجز أيضا
قال: وقال أبو وجزة لابنه عبيد:
يا راكب العنس كمرداة العلم ... أصلحك اللّه وأدنى ورحم [5]
إن أنت أبلغت وأدّيت الكلم ... عنى عبيدّ بن يزيد لو علم
قد علم الأقوام أن سينتقم ... منك ومن أمّ تلقّتك وعم
ربّ يجازي السيئات من ظلم ... أنذرتك الشّدّة من ليث أضم [6]
عاد أبي شبلين فرفار لحم ... فارجع إلى أمّك تفرشك ونم [7]
/إلى عجوز رأسها مثل الإرم ... واطعم فإنّ اللّه رزّاق الطّعم [8]
/فقال عبيد لأبيه:
دعها أبا وجزة واقعد في الغنم ... فسوف يكفيك غلام كالزّلم [9]
مشمّر يرقل في نعل خذم [10] ... وفي قفاه لقمة من اللقم [11]
قد ولّهت ألّافها غير لمم ... حتى تناهت في قفا جعد أحم [12]
هجاه أبو المزاحم وعيره بنسبه فردّ عليه
قال يعقوب: وقال أبو المزاحم يهجو أبا وجزة ويعيّره بنسبه:
__________
[1] تتورّع: تتحرّج. الشجاع: ضرب من الحيات دقيق، وشجاع أقرع: قد تمعط جلد رأسه لكثرة سمه وطول عمره.
[2] العجر (بالتحريك): عظم البطن.
[3] المذق: اللبن المخلوط، الخصر: البارد. السعر: حرّ النار.
[4] الشعب: مسيل الماء في بطن الأرض. المضرّ: الداني القريب يقال: سحاب مضر: مسف، وأضر السيل من الحائط: دنا منه.
[5] العنس: الناقة الصلبة. المرداة: الحجر الثقيل. العلم: الجبل.
[6] الشدّة: الحملة. أضم: غضوب.
[7] فرفار: يفرفر كل شيء، أي يكسره. لحم: كثير لحم الجسد. وأفرشه: فرش له.
[8] الإرم: الحجارة.
[9] الزلم: القدح (بالكسر) الدي لا ريش عليه.
[10] أرقل: أسرع في سيره، خذم: مقطع.
[11] كذا في معظم الأصول. وفي ف: «لهمة من اللهم»، وهو غير واضح.
[12] ولهت: أحزنت وحيرت. واللم: الجنون. الجعد: البخيل اللئيم. الأحم: الأسود.
[دعتك سليم عبدها فأجبتها ... وسعد، وما ندري لأيهما العبد؟
فأجابه أبو وجزة فقال [1]]:
أعيّرتموني أن دعتني أخاهم ... سليم وأعطتني بأيمانها سعد
فكنت وسيطا في سليم معاقدا ... لسعد، وسعد ما يحلّ لها عقد [2]
مدح عبد اللّه بن الحسن وإخوته فأكرموه
أخبرني أبو جعفر أحمد بن محمد بن نصر الضّبعيّ إجازة قال حدثنا محمد بن مسعود الزّرقيّ عن مسعود بن المفضّل مولى آل حسن بن حسن قال:
قدم أبو وجزة السعدي على عبد اللّه بن الحسن وإخوته سويقة [3]، وقد أصابت قومه سنة مجدبة، فأنشده قوله يمدحه:
/أثني على ابني رسول اللّه أفضل ما ... أثنى به أحد يوما على أحد
السيدين الكريمي كلّ منصرف ... من والدين ومن صهر ومن ولد
ذرّية بعضها من بعضها عمرت ... في أصل مجد رفيع السّمك والعمد
ماذا بنى لهم من صالح حسن ... وحسن وعليّ وابتنوا لغد [4]
فكرّم اللّه ذاك البيت تكرمة ... تبقى وتخلد فيه آخر الأبد
هم [5] السّدى والنّدى، ما في قناتهم ... إذا تعوّجت العيدان من أود
مهذّبون هجان أمّهاتهم ... إذا نسبن زلال البارق البرد [6]
بين الفواطم ماذا ثمّ من كرم ... إلى العواتك مجد غير منتقد [7]
ما ينتهي المجد إلا في بني حسن ... وما لهم دونه من دار ملتحد [8]
__________
[1] ما بين القوسين ساقط من جميع الأصول ما عدا ف.
[2] الوسيط: الحسيب في قومه.
[3] سويقة: موضع قرب المدينة كان يسكنه آل علي بن أبي طالب رضى اللّه عنه.
[4] هذا البيت دخله الخيل في أوّل الشطر الثاني، وهو حذف الثاني والرابع من مستفعلن.
[5] في جميع الأصول «ثمّ» وهو تحريف. والسدى: والمعروف، يقال: أسدى إليه سدى. والأود: الاعوجاج.
[6] هجان: كرام. البارق: السحاب ذو البرق. البرد: ذو البرد.
[7] يقال للحسن والحسين رضي اللّه عنهما ابنا الفواطم: أمهما فاطمة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وجدّتهما فاطمة بنت أسد بن هاشم أمّ أبيهما علي بن أبي طالب وكانت أسلمت، ومن الفواطم: فاطمة بنت عبد اللّه بن عمرو بن عمران بن مخزوم جدّته صلّى اللّه عليه وسلّم لأبيه. والعواتك:
جدّات النبي صلّى اللّه عليه وسلّم، قال يوم حنين: «أنا ابن العواتك من سليم» والعواتك من سليم ثلاث وهنّ: عاتكة بنت هلال بن فالج بن ذكوان أمّ عبد مناف بن قصي جدّ هاشم، وعاتكة بنت مرّة ابن هلال بن فالج بن ذكوان أمّ هاشم بن عبد مناف، وعاتكة بنت الأوقص بن مرّة بن هلال بن فالج بن ذكوان أمّ وهب بن عبد مناف بنّ زهرة جدّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
[8] الملتحد: الملجأ.
/ قال: فأمر له عبد اللّه بن الحسن وحسن وإبراهيم بمائة وخمسين دينارا وأوقروا [1] له رواحلة برّا وتمرا، وكسوه ثوبين ثوبين.
فرض له عبد الملك بن يزيد السعدي عطاء في الجند وندبه لحرب أبي حمزة فقال في ذلك رجزا.
أخبرني إسماعيل بن يونس الشيعيّ قال حدّثنا عمر بن شنّة قال حدّثني أبو غسان والمدائنيّ جميعا:
أن عبد الملك بن يزيد بن محمد بن عطية السعديّ كان قد ندب لقتال أبي حمزة الأزدي الشاري لما جاء إلى المدينة فغلب عليها، قال: وبعث إليه مروان بن محمد بمال، ففرّقه فيمن خف معه من قومه، فكان فيمن فرض [2] [له] منهم أبو وجزة وابناه، فخرج معترضا للعسكر على فرس، وهو يرتجز ويقول:
قل لأبي حمزة هيد هيد ... جئناك بالعادية الصّنديد [3]
بالبطل القرم أبي الوليد ... فارس قيس نجدها المعدود [4]
في خيل قيس والكماة الصّيد [5] ... كالسيف قد سلّ من الغمود
محض هجان ماجد الجدود ... في الفرع من قيس وفي العمود [6]
فدى لعبد الملك الحميد ... مالي من الطارف والتليد
/ يوم تنادى الخيل بالصعيد ... كأنه في جنن [7] الحديد
سيد مدلّ عزّ كلّ سيد [8]
/قال: وسار ابن عطية في قومه، ولحقت به جيوش أهل الشام، فلقي أبا حمزة في اثنى عشر ألفا، فقاتله يوما إلى الليل حتى أصاب صناديد عسكره، فنادوه. يا بن عطية، إن اللّه جل وعز قد جعل الليل سكنا، فاسكنوا حتى نسكن، فأبى وقاتلهم حتى قتلهم جميعا.
كان منقطعا لابن عطية مداحا له
قال: وكان أبو وجزة منقطعا إلى ابن عطية، يقوم بقوت عياله وكسوته ويعطيه ويفضل عليه، وكان أبو وجزة مداحا له، وفيه يقول:
حنّ الفؤاد إلى سعدى ولم تثب ... فيم الكثير من التّحنان والطرب
__________
[1] أوقر الدابة: حملها وقرا (بالكسر)؛ وهو الحمل الثقيل.
[2] فرض له في العطاء: جعل له فريضة ونصيبا.
[3] هيد هيد؛ كتب فوق هاتين الكلمتين في ط: «النجا، النجا»، وهو تفسير لهما، وأصله في زجر الإبل. و«جئناك» في ج، وهامش ط، وفي سائر الأصول: «أتاك» والتاء في «العادية» للمبالغة.
[4] القرم: السيد المعظم. النجد: الشجاع الشديد البأس الماضي فيما يعجز عنه غيره.
[5] الصيد: جمع أصيد وهو الذي يرفع رأسه كبرا.
[6] محض: خالص. رجل هجان: كريم الحسب نقيه. فرع كل شي ء: أعلاه.
[7] جنن جمع جنة، وهي كل ما وقى.
[8] السيد: الأسد. عز: فاق وغلب.
قالت سعاد أرى من شيبه عجبا ... مهلا سعاد فما في الشيب من عجب
غنّى في هذين البيتين إسحاق خفيف ثقيل أول بالوسطى في مجراها من كتابه:
إمّا تريني كساني الدهر شيبته ... فإن ما مرّ منه عنك لم يغب
سقيا لسعدى على شيب ألمّ بنا ... وقبل ذلك حين الرأس لم يشب
كأنّ ريقتها بعد الكرى اغتبقت ... صوب الثريا بماء الكرم من حلب [1]
وهي قصيدة طويلة يقول فيها:
أهدى قلاصا عنا جيجا أضرّبها ... نصّ الوجيف وتقحيم من العقب [2]
يقصدن سيّد قيس وابن سيدها ... والفارس العدّ منها غير ذي الكذب [3]
/محمد وأبوه وابنه صنعوا ... له صنائع من مجد ومن حسب
إني مدحتهم لمّا رأيت لهم ... فضلا على غيرهم من سائر العرب
إلّا تثبني به لا يجزني أحد ... ومن يثيب إذا ما أنت لم تثب
والأبيات التي ذكرت فيها الغناء المذكور معه أمر أبي وجزة من قصيدة له مدح بها أيضا عبد الملك بن عطية هذا. ومما يختار منها قوله:
حتى إذا هجدوا ألمّ خيالها ... سرّا، ألا بلمامه كان المنى
طرقت بريّا روضة من عالج ... وسميّة عذبت وبيتّها النّدى [4]
يا أمّ شيبة أيّ ساعة مطرق ... نبّهتنا، أين المدينة من بدا [5]؟
إني متى أقض اللّبانة أجتهد ... عنق العتاق الناجيات على الوجى [6]
حتى أزورك إن تيسّر طائري ... وسلمت من ريب الحوادث والردى
وفيها يقول:
فلأمدحنّ بني عطية كلّهم ... مدحا يوافي في المواسم والقرى
الأكرمين أوائلا وأواخرا ... والأحلمين إذا تخولجت الحبا [7]
__________
[1] اغتبق: شرب الغبوق وهو ما يشرب بالعشي. والصوب: المطر.
[2] العناجيج هنا: الإبل، واحده عنجوج كعصفور. نص ناقته: استخرج أقصى ما عندها من السير. والوجيف: ضرب من سير الخيل والإبل. والتقحيم: أن تقتحم الإبل المراحل واحدة بعد الأخرى تطويها فلا تنزل فيها. والعقب: جمع عقبة وهي قدر فرسخين، أو قدر ما تسيره.
[3] العدّ هنا: الذي لا تنفد شجاعته، من قولهم ما عدّ، أي دائم لا تنفد مادّته.
[4] الريا: الرائحة الطيبة. عالج: رملة بالبادية. وسمية: مطرت الوسمي وهو مطر الربيع الأوّل.
[5] بدا: موضع بالشام قرب وادي القرى.
[6] العنق: ضرب من سير الإبل. الناجيات: المسرعات. الوجا: شدّة الحفا.
[7] تخولجت: تنوزعت. الحبا: جمع حبوة، من احتبى: جمع بين ظهره وساقيه بعمامة ونحوها، وتنازع الحبا يكون عند الخصومة؛ يريد أنهم يحلمون حين يجهل غيرهم.
والمانعين من الهضمية جارهم ... والجامعين الراقعين لما وهى [1]
والعاطفين على الضّريك بفضلهم ... والسابقين إلى المكارم من سعى [2]
/و هي قصيدة طويلة يمدح فيها بني عطية جميعا ويذكر وقعتهم بأبي حمزة الخارجي، ولا/ معنى للإطالة بذكرها.
مدح عبد اللّه بن الحسن فغضب ابن الزبير فصالحة بشعر مدحه فيه
أخبرني محمد بن مزيد بن أبي الأزهر قال حدّثنا حماد بن إسحاق عن أبيه عن الهيثم بن عدي قال.
كان أبو وجزة السعديّ منقطعا إلى آل الزبير، وكان عبد اللّه بن عروة بن الزبير خاصّة يفضل عليه ويقوم بأمره، فبلغه أن أبا وجزة أتى عبد اللّه بن الحسن بن علىّ بن أبي طالب عليه السلام، فمدحه فوصله، فاطرّحه ابن عروة، وأمسك يده عنه، فسأل عن سبب غضبه فأخبره به الأصمّ بن أرطأة، فلم يزل أبو وجزة يمدح آل الزبير، ولا يرجع له عبد اللّه بن عروة إلى ما كان عليه ولا يرضى عنه حتى قال فيه:
آل الزبير بنو حرّة ... مروا بالسيوف صدورا خنافا [3]
سل الجرد عنهم وأيّامها ... إذا امتعطوا المرهفات الخفافا
- امتعظوا: سلّوا، ومنه ذئب أمعط، منسلّ من شعره - :
يموتون والقتل داء لهم ... ويصلون يوم السّياف السيّافا [4]
إذا فرج القتل عن عيصهم ... أبى ذلك العيص إلّا التفافا [5]
مطاعيم تحمد أبياتهم ... إذا قنّع الشاهقات الطّخافا [6]
وأجبن من صافر كلبهم ... إذا قرعته حصاة أضافا [7]
فلما أنشد ابن عروة هذه الأبيات رضى عنه وعادله إلى ما كان عليه.
__________
[1] الهضيمة: الظلم والغصب. وهي: تخرّق وتشقق.
[2] الضريك: الزمن والضرير والفقير السيء الحال.
[3] هذا البيت دخله الخرم. مرى الدم: استخرجه وأساله ومنه قوله:
مروا بالسيوف المرهفات دماءهم
خنافا: جمع خانف، خنف بأنفه: شمخ بأنفه من الكبر.
[4] سايفة: جالده بالسيف وضاربه.
[5] العيص: الشجر الكثير الملتف.
[6] قنعت: غطى رأسها. والطخاف: السحاب المرتفع.
[7] الصافر: طائر يتعلق من الشجر برجليه وينكس رأسه خوفا من أن ينام فيؤخذ، فيصفر منكوسا طول ليلته. وأضاف: خاف وأشفق وحذر، وفي الأصول: «أصاف» تصحيف.
صوت من المائة المختارة
ألا هل أسير المالكيّة مطلق ... فقد كاد لو لم يعفه اللّه يغلق [1]
فلا هو مقتول، ففي القتل راحة ... ولا منعم يوما عليه فمعتق
الشعر لعقيل بن علّفة البيت الأوّل منه، والثاني لشبيب بن البرصاء، والغناء لأحمد بن المكّيّ، خفيف ثقيل بالوسطى من كتابه، وفيه لدقاق رمل بالوسطى من كتاب عمرو بن بانة، وأوّله:
سلا أمّ عمرو فيم أضحى أسيرها ... يفادى الأسارى حوله وهو موثق
وبعده البيت الثاني وهو:
فلا هو مقتول ففي القتل راحة ... ولا منعم يوما عليه فمعتق
والبيتان على هذه الرواية لشبيب بن البرصاء
__________
[1] يغلق، من غلق الرهن: إذا بقي في يد المرتهن لا يقدر راهنه على تخليصه.
19 - أخبار عقيل بن علّفة
نسبه
عقيل بن علّفة بن الحارث بن معاوية بن ضباب بن جابر يربوع بن غيظ بن مرة بن سعد بن ذبيان بن بغيض بن الرّيث بن غطفان بن سعد بن قيس عيلان بن مضر، ويكنى أبا العملّس [1] وأبا الجرباء.
وأمّ عقيل بن علّفة العوراء، وهي عمرة بنت الحارث بن عوف بن أبي حارثة بن مرّة بن نشبة بن غيظ بن مرّة.
وأمها زينب بنت حصن بن حذيفة. هذا قول خالد بن كلثوم والمدائنيّ. وقال ابن الأعرابي: كانت عمرة العوراء أمّ عقيل بن علّفة والبرصاء أمّ شبيب بن البرصاء أختين، وهما ابنتا الحارث بن عوف. واسم البرصاء قرصافة، أمها بنت نجبة/ بن ربيعة بن رياح بن مالك بن شمخ.
كان يعتد بنسبه وكانت قريش ترغب في مصاهرته
وعقيل شاعر مجيد مقّل، من شعراء الدولة الأموية. وكان أعرج جافيا شديد الهوج والعجرفية والبذخ [2] بنسبه في بني مرّة، لا يرى أنّ له كفئا. وهو في بيت شرف في قومه من كلا طرفيه. وكانت قريش ترغب في مصاهرته.
تزوج إليه خلفاؤها وأشرافها، منهم يزيد بن عبد الملك، تزوج ابنته الجرباء، وكانت قبله عند ابن عم لعقيل يقال له مطيع بن قطعة بن الحارث بن معاوية. وولدت ليزيد بنيّا درج [3]. وتزوّج بنته عمرة سلمة بن عبد اللّه بن المغيرة، فولدت له يعقوب بن سلمة، وكان من أشراف قريش وجودائها. وتزوّج أمّ عمرو بنته ثلاثة نفر من بني الحكم بن أبي العاص: يحيى والحارث وخالد.
خطب إليه والي المدينة إحدى بناته فأنكر عليه فضربه فقال شعرا
أخبرني محمد بن جعفر النحويّ قال حدّثنا أحمد بن يحيى ثعلب عن ابن الأعرابيّ عن المفضّل قال:
دخل عقيل بن علّفة على عثمان بن حيّان وهو يومئذ على المدينة، فقال له عثمان: زوّجني ابنتك، فقال:
أبكرة من إبلي تعني؟ فقال له عثمان: ويلك! أمجنون أنت! قال: أيّ شيء قلت لي؟ قال: قلت لك: زوّجني ابنتك، فقال: أفعل إن كنت عينت بكرة من إبلي. فأمر به فوجئت [4] عنقه. فخرج وهو يقول:
كنا بني غيظ الرجال فأصبحت ... ببنو مالك غيظا وصرنا كمالك
__________
[1] في ب، س: «أبا العميس»، تحريف.
[2] البذخ: الكبر وتطاول الرجل بكلامه وافتخاره.
[3] درج: مات.
[4] وجأه باليد وبالسكين: ضربه. والعنق يذكر ويؤنث.
لحى اللّه دهرا ذعذع المال كلّه ... وسوّد أشباه [1] الإماء العوارك [2]
خطب إليه رجل من بني سلامان فكتفه وألقاه في قرية النمل
أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال حدّثنا أبو غسان دماذ عن أبي عبيدة قال: كان لعقيل بن علّفة جار من بني سلمان بن سعد، فخطب إليه ابنته، فغضب عقيل، وأخذ السّلامانيّ فكتفته [3]، ودهن استه بشحم، وألقاه في قرية [4] النمل، فأكلن خصييه حتى ورم جسده، ثم حلّه وقال: يخطب إليّ عبد الملك فأردّه، وتجترىء أنت عليّ! قال: ثم أجدبت مراعي بني مرّة، فانتجع عقيل أرض جذام وقربهم عذرة. قال عقيل: فجاءني هنيّ مثل البعرة، فخطب إليّ ابنتي أمّ جعفر. فخرجت إلى أكمة قريبة من الحيّ، فجعلت أنبح كما ينبح الكلب، ثم تحملت وخرجت، فاتّبعني جمع من حنّ (بطن من عذرة) فقالوا: اختر، إن شئت/ حبسناك، وإن شئت حدرناك [5] وبعيرة من رأس الجبل، فإن سبقتها خلّينا عنك. فأرسلوا بعيرة فسبقتها، فخلّوا سبيلي، فقلت لهم: ما طمعتم بهذا من أحد! قالوا: أردنا أن نضع منك حيث رغبت عنّا. فقلت فيهم:
لقد هزئت حنّ بنا وتلاعبت ... وما لعبت حنّ بذي حسب قبلي
رويدا بني حنّ تسيحوا وتأمنوا ... وتنتشر الأنعام في بلد سهل
واللّه لأموتنّ قبل أن أضع كرائمي إلّا في الأكفاء.
خرج إلى الشام مع أولاده ثم عادوا منها فقال شعرا أجازه ابنه وابنته فرمى ابنه بسهم فعقره
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزبير بن بكّار قال حدّثني محمد بن الضحّاك عن أبيه قال:
وجدت في كتاب بخطّ الضحّاك قال: خرج عقيل بن علّفة وابناه: علّفة وجثّامة، وابنته الجرباء حتى أتوا بنتا له ناكحا [6] في بني مروان بالشام فآمت [7]. ثم إنهم قفلوا بها حتّى كانوا ببعض الطريق، فقال عقيل بن علّفة:
/قضت وطرا من دير سعد [8] وطالما ... على عرض ناطحنه بالجماجم
إذا هبطت أرضا يموت غرابها ... بها عطشا أعطينهم بالخزائم [9]
__________
[1] في الأصول: «أستاه»، وهو تحريف.
[2] ذعذع المال: فرّقه وبدّده. وسوّده: جعله سيدا. والعوارك: الحيّض، ومنه قول بعضهم:
أفي السلم أعيارا جفاء وغلظة ... وفي الحرب أمثال النساء العوارك
والبيت في «اللسان» (ذعع) ينسبه إلى علقمة بن عبدة.
[3] كتف الرجل يكتفه (بالكسر)، وكتفه (بالتشديد): شدّ يديه من خلفه بالكتان وهو ما شدّ به.
[4] قرية النمل: مجتمع ترابها.
[5] حدرناك، من الحدر: وهو الحط من علو إلى سفل.
[6] ناكح وناكحة: ذات زوج.
[7] آمت المرأة: فقدت زوجها.
[8] دير سعد: بين بلاد غطفان والشام.
[9] الخزائم: جمع خزامة، وهي حلقة من شعر تجعل في أحد جانبي منخري البعير لينقاد بها. يريد أن الإبل منقادة. ومنه الحديث:
«و مرهم أن يعطوا القرآن بخزائمهم». قال ابن الأثير: يريد الانقياد لحكم القرآن.
ثم قال: أنفذ يا علّفة، فقال علّفة:
فأصبحن بالموماة يحملن فتية ... نشاوى عن الإدلاج ميل العمائم [1]
إذا علم غادرنه بتنوفة ... تذار عن بالأيدي لآخر طاسم [2]
/ثم قال: أنفذي يا جرباء، فقالت: وأنا آمنة؟ قال نعم. فقالت:
كأنّ الكرى سقّاهم ضرخديّة ... عقارا تمشّى في المطا والقوائم [3]
فقال عقيل: شربتها وربّ الكعبة! لو لا الأمان لضربت بالسيف تحت قرطك، أما وجدت من الكلام غير هذا! فقال جثّامة: وهل أساءت! إنما أجازت. وليس غيري وغيرك. فرماه عقيل بسهم فأصاب ساقه وأنفذ السهم ساقه والرّحل، ثم شدّ على الجرباء فعقر ناقتها ثم حملها على ناقة جثّامة وتركه عقيرا مع ناقة الجرباء. ثم قال: لو لا أن تسبّني بنو مرّة ما ذقت الحياة. ثم خرج متوجّها إلى أهله وقال: لئن أخبرت أهلك بشأن جثّامة، أو قلت لهم إنه أصابه غير الطاعون لأقتلنك. فلما قدموا على أهل أبير (و هم بنو القين) ندم عقيل على فعله بجثّامة، فقال لهم: هل لكم في جزور انكسرت؟ قالوا: نعم. قال: فالزموا أثر هذه الراحلة حتى تجدوا الجزور، فخرج القوم حتّى انتهوا إلى جثّامة فوجدوه قد أنزفه الدم، فاحتملوه وتقسّموا الجزور، وأنزلوه عليهم، وعالجوه حتى برأ، وألحقوه بقومه.
ونسخت هذا الخبر من كتاب أبي عبد اللّه اليزيديّ بخطه ولم أجده ذكر سماعه إياه من أحد قال:
قرىء على عليّ بن محمد المدائني عن الطّرمّاح بن خليل بن أبرد، فذكر مثل ما ذكره الزبير منه وزاد فيه: أن القوم احتملوا جثّامة ليلحقوه بقومه؛ حتى إذا كانوا قريبا منهم تغنى جثّامة:
أيعذر لاهينا [4] ويلحين في الصّبا ... وما هنّ والفتيان إلا شقائق
/ فقال له القوم: إنما أفلتّ من الجراحة التي جرحك أبوك آنفا، وقد عاودت ما يكرهه، فأمسك عن هذا ونحوه إذا لقيته لا يلحقك منه شرّ وعرّ [5]. فقال: إنّما هي خطرة خطرت، والراكب إذا سار تغنّى.
أصابه القولنج في المدينة فنعتت له الحقنة فأبى فقال ابنه شعرا في ذلك
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثني أحمد بن سعيد الدّمشقيّ قال حدّثنا الزبير بن بكار قال حدّثني عبد اللّه بن إبراهيم الجمحيّ قال:
__________
[1] الموماة: المفازة الواسعة. نشاوى: سكارى. الإدلاج: السير من أوّل الليل.
[2] العلم: شيء ينصب في الفلوات تهتدي به الضالة. التنوفة: المفازة. تذار عن: سرن، وأصله أن يذرع البعير بيديه في سيره ذرعا؛ إذا سار على قدر سعة خطوه. رسم طاسم: دارس.
[3] الصرخدية: نسبة إلى صرخد: بلد ملاصق لبلاد حوران من أعمال دمشق. العقار: الخمر المطا: الظهر.
[4] في الأصول: «لاحينا» وهو تحريف، صوابه من «الأمالي» لأبي علي القالي في حديث رجل كان قد عضل بناته (2، 105)، وروايته فيه:
أيزجر لاهينا ونلحي على الصبا ... وما نحن والفتيان إلا شقائق
[5] عرّة بمكروه: أصابه به وساءه.
قدم عقيل بن علّفة المدينة فنزل على ابن بنته يعقوب بن سلمة المخزوميّ، فمرض وأصابه القولنج [1]، فنعتت له الحقنة، فأبى. وقدم ابنه عليه فبلغه ذلك، فقال:
لقد سرني واللّه وقّاك شرّها ... نجاؤك منها حين جاء يقودها
كفى خزية ألّا تزال مجبّيا [2] ... على شكوة [3] توكى وفي استك عودها
شد على ابنه علفة بالسيف فحاد عنه وقال في ذلك شعرا
أخبرني عبيد اللّه بن محمد الرازيّ قال حدّثنا أحمد بن الحارث الخراز قال حدّثنا عليّ بن محمد عن زيد بن عياش التغلبي والربيع بن ثميل قالا:
غدا عقيل بن علّفة على أفراس له عند بيوته فأطلقها ثم رجع، فإذا بنوه مع بناته وأمّهم مجتمعون، فشدّ على عملّس فحاد عنه،/ وتغنى علّفة فقال:
قفي يابنة المرّيّ أسألك ما الذي ... تريدين فيما كنت منيتنا قبل
نخبّرك إن لم تنجزي الوعد أننا ... ذوا خلة لم يبق بينهما وصل
فإن شئت كان الصّرم ما هبّت الصبا ... وإن شئت لا يفنى التكارم والبذل
/ فقال عقيل: يا بن اللّخناء [4]، متى منّتك نفسك هذا! وشدّ عليه بالسيف - وكان عملّس أخاه لأمه - فحال بينه وبينه، فشدّ على عملّس بالسيف وترك علّفة لا يلتفت إليه [5]، فرماه بسهم، فأصاب ركبته؛ فسقط عقيل وجعل يتمعّك [6] في دمه ويقول:
إنّ بنىّ سربلوني [7] بالدّم ... من يلق أبطال [8] الرجال يكلم
ومن يكن ذا أود يقوّم ... شنشنة [9] أعرفها من أخزم
قال المدائني: «شنشنة أعرفها من أخزم» مثل ضربه. وأخزم: فحل كان لرجل من العرب، وكان منجبا، فضرب في إبل رجل آخر - ولم يعلم صاحبه - فرأى بعد ذلك من نسله جملا فقال: شنشنة أعرفها من أخزم [10].
__________
[1] القولنج: مرض معويّ.
[2] كذا في ب، س، ط، م. وفي ج «مجنبا»، وفي ف «محببا»، تصحيف، يقال: جبى فلان؛ إذا أكب على وجهه باركا.
[3] الشكوة: القربة الصغيرة. وتوكى: تربط.
[4] اللخناء؛ من اللخن، (بالتحريك)، وهو النتن.
[5] كذا في ف، وفي سائر الأصول: «عليه».
[6] يتمعك في دمه: يتمرغ.
[7] رواية «اللسان» مادة شنن: «زملوني».
[8] رواية «اللسان»: «آساد».
[9] الشنشنة: الخليقة.
[10] المثل في «اللسان» منسوب إلى أبي أخزم الطائيّ، قال: «قال ابن بري: كان أخزم عاقا لأبيه فمات وترك ابنين عقوا جدهم وضربوه وأدموه، فقال ذلك».
عاتبه عمر بن عبد العزيز في شأن بناته فأجابه
أخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدّثني سليمان المدائنيّ قال حدّثني مصعب بن عبد اللّه قال:
قال عمر بن عبد العزيز لعقيل بن علّفة: إنك تخرج إلى أقاصي البلاد وتدع بناتك في الصحراء لا كالىء لهنّ، والناس ينسبونك إلى الغيرة، وتأبى أن تزوّجهنّ إلا الأكفاء. قال: إني أستعين عليهنّ بخلّتين تكلآنهنّ، وأستغني عن سواهما. قال: وما هما؟ قال: العري والجوع.
رماه ابنه عملس فأصاب ركبته، فغضب وخرج إلى الشام، وقال في ذلك شعرا
نسخت من كتاب محمد بن العباس اليزيديّ:
/ قال خالد بن كلثوم: لما رمى عملّس بن عقيل أباه فأصاب ركبته غضب وأقسم ألّا يساكن بنيه، فاحتمل وخرج إلى الشّام، فلما استوى على ناقته المسماة بأطلال بكت ابنته جرباء وحنّت ناقته، فقال:
ألم تريا أطلال حنّت وشاقها ... تفرّقنا يوم الحبيب على ظهر [1]
وأسبل من جرباء دمع كأنّه ... جمان أضاع السلك أجرته في سطر [2]
لعمرك إني يوم أغذو عملّسا ... لكالمتربّي حتفه وهو لا يدري [3]
وإني لأسقيه غبوقي وإنني ... لغرثان منهوك الذّراعين والنحر [4]
خرج ابنه علفة إلى الشام أيضا وكتب إلى أبيه شعرا
قال: ومضى علّفة أيضا، فافترض [5] بالشام وكتب إلى أبيه:
ألا أبلغا عنّي عقيلا رسالة ... فإنك من حرب عليّ كريم
أما تذكر الأيام إذ أنت واحد ... وإذ كلّ ذي قربى إليك ذميم
وإذ لا يقيك الناس شيئا تخافه ... بأنفسهم إلا الذين تضيم
تناول شأو الأبعدين ولم يقم ... لشأوك بين الأقربين أديم
فأمّا إذا عضّت بك الحرب عضّة ... فإنك معطوف عليك رحيم
وأمّا إذا آنست أمنا ورخوة ... فإنك للقربى ألدّ ظلوم [6]
فلما سمع عقيل هذه الأبيات رضى عنه، وبعث إليه فقدم عليه.
__________
[1] حبيب: بلد من أعمال حلب بالشام.
[2] الجمان: اللؤلؤ الصغار أو حب يتخذ من الفضة أمثال اللؤلؤ.
[3] ترببه وترباه: أحسن القيام عليه ووليه.
[4] غرثان: جائع. النحر: الصدر.
[5] افترض الجند: أخذوا عطاياهم.
[6] الألد: الخصم الجدل الذي لا يرجع إلى الحق.
سب عمر بن عبد العزيز ابن أخته فعاتبه في ذلك
أخبرني هاشم بن محمد الخزاعيّ قال حدّثنا الرياشيّ عن محمد بن سلّام قال حدّثني ابن جعدبة قال:
/ عاتب عمر بن/ عبد العزيز رجلا من قريش، أمّه أخت عقيل بن علّفة فقال له: قبحك اللّه! أشبهت خالك في الجفاء. فبلغت عقيلا فجاء حتى دخل على عمر فقال له: ما وجدت لابن عمّك شيئا تعيّره به إلا خؤولتي! فقبح اللّه شرّكما خالا. فقال له صخير بن أبي الجهم العدويّ (و أمّه قرشية): آمين يا أمير المؤمنين. فقبح اللّه شرّكما خالا، وأنا معكما أيضا.
قرأ شيئا من القرآن فأخطأ فاعترض عليه عمر فأجابه
فقال له عمر: إنك لأعرابيّ جلف جاف، أما لو كنت تقدّمت إليك لأدّبتك. واللّه لا أراك تقرأ من كتاب اللّه شيئا، قال:
بلى، إني لأقرأ، قال: فاقرأ. فقرأ: إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها
حتى بلغ إلى آخرها فقرأ: «فمن يعمل مثقال ذرة شرا يره ومن يعمل مثقال ذرة خيرا يره»، فقال له عمر: ألم أقل لك إنك لا تحسن أن تقرأ؟ قال: أولم أقرأ؟
قال: لا، لأن اللّه جلّ وعزّ قدّم الخير وأنك قدّمت الشر. فقال عقيل:
خذا بطن هرشى أو قفاها فإنه ... كلا جانبي هرشى لهنّ طريق [1]
فجعل القوم يضحكون من عجرفيّته.
وروى هذا الخبر عليّ بن محمد المدائنيّ، فذكر أنه كان بين عمر بن عبد العزيز وبين يعقوب بن سلمة وأخيه عبد اللّه كلام، فأغلظ يعقوب لعمر في الكلام فقال له عمر: اسكت فإنك ابن أعرابيّة جافية. فقال عقيل لعمر: لعن اللّه شرّ الثلاثة، مني ومنك ومنه! فغضب عمر، فقال له صخير بن أبي الجهم: آمين. فهو واللّه أيها الأمير شرّ الثلاثة. فقال عمر: واللّه إني لأراك لو سألته عن آية من كتاب اللّه ما قرأها. فقال: بلى واللّه إني لقارىء لآية وآيات فقال: فاقرأ، فقرأ: إنّا بعثنا نوحا إلى قومه، فقال له عمر: قد أعلمتك/ أنك لا تحسن. ليس هكذا قال اللّه، قال:
فكيف قال؟ قال: إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً
فقال: وما الفرق بين أرسلنا وبعثنا!
خذا أنف هرشى أو قفاها فإنه ... كلا جانبي هرشى لهنّ طريق
دخل المسجد بخفين غليظين وجعل يضرب بهما فضحك الناس منه
أخبرني عبيد اللّه بن أحمد الرازيّ قال حدّثنا أحمد بن الحارث الخراز قال حدّثني علي بن محمد المدائنيّ عن عبد اللّه بن أسلم القرشيّ قال:
قدم عقيل بن علّفة المدينة، فدخل المسجد وعليه خفّان غليظان، فجعل يضرب برجليه، فضحكوا منه فقال:
ما يضحككم؟ فقال له يحيى بن الحكم - وكانت ابنة عقيل تحته - : يضحكون من خفيّك وضربك برجليك وشدّة جفائك. قال: لا، ولكن يضحكون من إمارتك؛ فإنّها أعجب من خفّي. فجعل يحيى يضحك.
__________
[1] هرشى: ثنية في طريق مكة قريبة من الجحفة.
خبره مع يحيى بن الحكم أمير المدينة وزواج ابنته
أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال حدّثنا عبد الرحمن ابن أخي الأصمعيّ قال حدّثني عمي عن عبد اللّه بن مصعب قاضي المدينة قال:
دخل عقيل بن علّفة على يحيى بن الحكم، وهو يومئذ أمير المدينة. فقال له يحيى: أنكح ابن خالي - يعني ابن أوفى - فلانة ابنتك؟ فقال: إن ابن خالك ليرضى مني بدون ذلك، قال: وما هو؟ قال: أن أكفّ عنه سنن [1] الخيل إذا غشيت سوامه [2]. فقال يحيى لحرسيّين بين يديه: أخرجاه. فأخرجاه، فلما ولّى قال: أعيداه إليّ، فأعاداه، فقال عقيل له: مالك تكرّني إكرار الناضح [3]؟ قال: أما واللّه إني لأكرك أعرج جافيا. فقال عقيل: كذلك قلت:
/تعجّبت إذ رأت رأسي تجلّله ... من الروائع شيب ليس من كبر
/ ومن أديم تولّى بعد جدّته ... والجفن يخلق فيه الصّارم الذكر [4]
فقال له يحيى، أنشدني قصيدتك، هذه كلها. قال: ما انتهيت إلّا إلى ما سمعت. فقال: أما واللّه إنك لتقول فتقصّر، فقال: إنّما يكفي من القلادة ما أحاط بالرقبة. قال: فأنكحني أنا إحدى بناتك. قال: أمّا أنت فنعم. قال:
أما واللّه لأملأنّك مالا وشرفا. قال: أما الشّرف فقد حمّلت ركائبي منه ما أطاقت، وكلفتها تجشّم ما لم تطق، ولكن عليك بهذا المال فإن فيه صلاح الأيّم ورضا الأبيّ. فزوّجه ثم خرج فهداها إليه، فلما قدمت عليه بعث إليها يحيى مولاة له انتظر إليها، فجاءتها فجعلت تغمز عضدها. فرفعت يدها، فدقّت أنفها. فرجعت إلى يحيى وقالت: بعثتني إلى أعرابية مجنونة صنعت بي ما ترى! فنهض إليها يحيى، فقال لها: مالك؟ قالت: ما أردت أن بعثت إليّ أمة تنظر إليّ! ما أردت بما فعلت إلا أن يكون نظرك إلي قبل كلّ ناظر، فإن رأيت حسنا كنت قد سبقت إلى بهجته، وإن رأيت قبيحا كنت أحق من ستره. فسرّ بقولها وحظيت عنده.
وذكر المدائني هذا الخبر مثله، إلا أنه قال فيه: فإن كان ما تراه حسنا كنت أول من رآه، وإن كان قبيحا كنت أوّل من واراه.
زواج يزيد بن عبد الملك ابنته الجرباء
أخبرني ابن دريد قال حدّثنا عبد الرحمن عن عمه قال:
خطب يزيد بن عبد الملك إلى عقيل بن علّفة ابنته الجرباء، فقال له عقيل: قد زوّجتكها، على أن لا يزّفها إليك إعلاجك [5]؛ أكون أنا الذي أجيء بها إليك.
/ قال: ذلك لك. فتزوّجها، ومكثوا ما شاء اللّه. ثم دخل الحاجب على يزيد فقال له: بالباب أعرابيّ على بعير، معه امرأة في هودج قال: أراه واللّه عقيلا. قال: فجاء بها حتى أناخ بعيرها على بابه، ثم أخذ بيدها فأذعنت،
__________
[1] السنن: استنان الخيل، وهو عدوها لمرحها ونشاطها.
[2] السوام: كل ما رعى من المال في الفلوات إذا خليّ يرعى حيث شاء.
[3] الناضح: الدابة يستقى عليها الماء.
[4] الذكر والذكير من الحديد: أيبسه وأشده وأجوده، وفي البيت إفواء.
[5] أعلاج. جمع علج (بكسر فسكون): الرجل الشديد الغليظ.
فدخل بها على الخليفة فقال له: إن أنتما ودن [1] بينكما، فبارك اللّه لكما، وإن كرهت شيئا فضع يدها في يدي كما وضعت يدها في يدك ثم برئت ذمتك. فحملت الجرباء بغلام ففرح به يزيد ونحله [2] وأعطاه.
موت ابنته وامتناعه عن أخذ ميراثها
ثم مات الصبيّ، فورثت أمّه منه الثّلث، ثم ماتت فورثها زوجها وأبوها فكتب إليه: إن ابنك وابنتك هلكا، وقد حسبت ميراثك منهما فوجدته عشرة آلاف دينار، فهلمّ فاقبضه. فقال: إن مصيبتي بابني وابنتي تشغلني عن المال وطلبه، فلا حاجة لي في ميراثهما، وقد رأيت عندك فرسا سبقت عليه الناس، فأعطينه أجعله فحلا لخيلي.
وأبى أن يأخذا المال، فبعث إليه يزيد بالفرس.
قال لرجل من قريش بالرفاء والبنين فأنكر عليه ذلك
أخبرنا عبيد اللّه بن محمد قال حدّثنا الخرّاز عن المدائنيّ عن إسحاق بن يحيى قال:
رأيت رجلا من قريش يقول له عقيل بن علّفة: بالرّفاء والبنين والطائر المحمود. فقلت له: يا بن علّفة؛ إنه يكره أن يقال هذا. فقال: يابن أخي، ما تريد إلى ما أحدث! إنّ هذا قول أخوالك في الجاهلية إلى اليوم لا يعرفون غيره.
قال: فحدّثت به الزّهري فقال: إن عقيلا كان من أجهل الناس. قال: وإنما قال لإسحق بن يحيى بن طلحة: «هذا قول أخوالك»، لأن أم يحيى بن طلحة مرّيّة.
خطب إليه رجل كثير المال مغموز في نسبه فقال فيه شعرا
قال المدائني وحدّثني عليّ بن بشر الجشميّ قال قال الرّميح:
خطب إلى عقيل رجل من بني مرّة كثير المال، يغمز في نسبه، فقال:
لعمري لئن زوّجت من أجل ماله ... هجينا [3] لقد حبّت إليّ الدراهم
/ أأنكح عبدا بعد يحيى وخالد ... أولئك أكفائي الرجال الأكارم
أبى لي أن أرضى الدنيّة أنني ... أمدّ عنانا لم تخنه الشكائم [4]
خطب إليه رجل من بني مرة فطعن ناقته بالرمح فصرعته
نسخت من كتاب محمد بن العباس اليزيديّ بخطّه يأثره [5] عن خالد بن كلثوم بغير إسناد متصل بينهما:
أن رجلا من بني مرّة يقال له داود أقبل على ناقة له، فخطب إلى عقيل بن علّفة بعض بناته، فنظر إليه عقيل - وإنّ السيف لا يناله - فطعن ناقته بالرمح فسقطت وصرعته، وشدّ عليه عقيل فهرب، وثار عقيل إلى ناقته فنحرها، وأطعمها قومه وقال:
__________
[1] الودن والودان: حسن القيام على العروس؛ ويقال: ودن العروس: أحسن القيام عليها.
[2] نحله، من النحل (بالضم)، وهو العطية والهبة.
[3] الهجين: العربيّ ابن الأمة.
[4] الشكيمة في اللجام، الحديدة المعترضة في فم الفرس.
[5] يأثره: ينقله ويرويه.
ألم تقل يا صاحب القلوص ... داود ذا الساج وذا القميص [1]
كانت عليه الأرض حيص بيص [2] ... حتى يلفّ عيصه بعيصي [3]
وكنت بالشبان ذا تقميص
فقال داود فيه من أبيات:
أراه فتى جعل الحلال ببيته ... حراما ويقرى الضيف عضبا مهندّا
فرت منه زوجته الأنمارية فردّها إلى عامل فدك
وقال المدائني حدّثني جوشن بن يزيد قال:
لما تزوّج عقيل بن علّفة زوجته الأنمارية - وقد كبر - فرّت منه، فلقيها جحّاف. أحد بنى قتال بن يربوع، فحملها إلى عامل فدك، وأصبح عقيل معها، فقال الأمير لعقيل: ما لهذه تستعدي عليك يا أبا الجرباء؟ فقال عقيل: كلّ ذكرى، وذهب ذفرى [4]، وتغايب نفري، فقال: خذ بيدها، فأخذها وانصرف، فولدت له بعد ذلك علّفة الأصغر.
شعره يحرض بني سهم على بني جوشن
أخبرني هاشم بن محمد الخزاعيّ قال حدثنا دماذ عن أبي عبيدة قال:
لما نشبت الحرب بين بني جوشن وبين بني سهم بن مرة رهط عقيل بن علّفة المريّ - وهو من بني غيظ بن مرة بن سهم بن مرّة إخوتهم - فاقتتلوا في أمر يهوديّ خمّار كان جارا لهم، فقتلته بنو جوشن من غطفان، وكانوا متقاربي المنازل وكان عقيل بن علّفة بالشأم غائبا عنهم، فكتب إلى بني سهم يحرّضهم [5].
فإمّا هلكت ولم آتكم ... فأبلغ أماثل سهم رسولا
بان التي سامكم قومكم ... لقد جعلوها عليكم عدولا
هوان الحياة وضيم الممات ... وكلّا أراه طعاما وبيلا
فإن لم يكن غير إحداهما ... فسيروا إلى الموت سيرا جميلا
ولا تقعدوا وبكم منّة ... كفى بالحوادث للمرء غولا [6]
قال: فلما وردت الأبيات عليهم تكفّل بالحرب الحصين بن الحمام المرّيّ أحد بني سهم، وقال: إليّ كتب
__________
[1] الساج: الطيلسان الضخم الغليظ.
[2] حيص بيص في الأصل: جحر الفأر ويقال: إنك لتحسب عليّ الأرض حيصا بيصا، بفتح الحاء والباء، وحيص بيص بكسرهما: أي ضيقة، وفي اللفظتين لغات عدّة لا تنفرد إحداهما عن الأخرى.
[3] عيص المرء: أصله.
[4] الذفر: شدة ذكاء الريح.
[5] وردت بعض هذه الآبيات في «المفضليات» (طبع أوربا ص 88) منسوبة إلى بشامة بن عمرو، مع اختلاف في بعض ألفاظها.
[6] الغول: كل ما أهلك الإنسان.
وبي نوّة، خاطب أماثل سهم وأنا من أماثلهم. فأبلى في تلك الحروب بلاء شديدا. وقال الحصين بن الحمام في ذلك من قصيدة طويلة له:
/يطأن من القتلى ومن قصد القنا ... خبارا فما ينهضن إلا تقحّما [1]
عليهنّ فتيان كساهم محرّق ... وكان إذا يكسو أجاد وأكرما [2]
صفائح بصرى أخلصتها قيونها ... ومطّردا من نسج داود محكما [3]
/تأخرت أستبقى الحياة فلم أجد ... لنفسي حياة مثل أن أتقدما
نهب بنو جعفر إبلا لجاره فردها إليه وقال شعرا في ذلك
وقال المدائني قال جرّاح بن عصام بن بجير:
عدت بنو جعفر بن كلاب على جار لعقيل فأطردت إبله وضربوه، فغدا عقيل على جار لهم فضربه، وأخذ إبله فأطردها، فلم يردّها حتى ردّوا إبل جاره وقال في ذلك:
إن يشرق الكلبيّ فيكم بريقه ... بني جعفر يعجل لجاركم القتل
فلا تحسبوا الإسلام غيّر بعدكم ... رماح مواليكم فذاك بكم جهل
بني جعفر إن ترجعوا الحرب بيننا ... ندنكم كما كنا ندينكم قبل
بدأتم بجاري فانثنيت بجاركم ... وما منهما إلا له عندنا حبل
أسره بنو سلامان وأطلقه بنو القين
وذكر المدائني أيضا:
أن عقيلا كان وحده في إبله، فمر به ناس من بني سلامان فأسروه، ومروا به في طريقه على ناس من بني القين، فانتزعوه منهم، وخلّوا سبيله. فقال عقيل في ذلك:
أسعد هذيم إنّ سعدا أباكم ... أبى لا يوافي غاية القين من كلب
/ وجاء هذيم والركاب مناخة ... فقيل تأخّر يا هذيم على العجب [4]
فقال هذيم إن في العجب مركبي ... ومركب آبائي وفي عجبها حسبي
قال: وسعد هذيم هم عذرة وسلامان والحارث وضبّة.
__________
[1] القصد: جمع قصدة، وهي القطعة من القناة المتكسرة. الخبار من الأرض: ما لان واسترخى.
[2] محرق: لقب عمرو بن هند وإنما سمي بذلك لأنه حرق مائة من بني تميم.
[3] قيون: جمع قين: وهو الحداد، ومطردا: أي درعا مطردا (و الدرع قد تذكر). اطرد الشي ء: تبع بعضه بعضا، والمعنى تتابعت حلقاتها واتصلت.
[4] العجب: أصل الذنب وهو العصعص.
مات ابنه علفة بالشام فرثاه
أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهروية قال حدثني أبو مسلم عن المدائني عن عبد الحميد بن أيوب بن محمد بن عميلة قال:
مات علّفة بن عقيل الأكبر بالشام، فنعاه مضرّس بن سوادة لعقيل بأرض الجناب، فلم يصدّقه وقال:
قبح الآله - ولا أقبّح غيره - ... ثفر [1] الحمار مضرّس بن سواد
تنعى امرؤ لم يعل أمّك مثله ... كالسّيف بين خضارم [2] أنجاد
ثم تحقق الخبر بعد ذلك، فقال يرثيه:
لعمري لقد جاءت قوافل خبّرت ... بأمر من الدنيا عليّ ثقيل
وقالوا ألا تبكي لمصرع فارس ... نعته جنود الشام غير ضئيل
فأقسمت لا أبكي على هلك هالك ... أصاب سبيل اللّه خير سبيل
[كأن المنايا تبتغي في خيارنا ... لها نسبا أو تهتدي بدليل [3]]
تحلّ المنايا حيث شاءت فإنها ... محلّلة بعد الفتى ابن عقيل
فتى كان مولاه يحلّ بربوة ... محلّ الموالي بعده بمسيل
حطم رجل من بني صرمة بيوته فأقبل ابنه عملس من الشام فانتقم له
أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال حدّثنا أبو حاتم عن أبي عبيدة: قال: كان عقيل بن علّفة قد أطرد بنية، فتفرقوا في البلاد، وبقي وحده. ثم إن رجلا من بني صرمة، يقال له بجيل - وكان كثير المال والماشية - حطم بيوت عقيل بماشيته، ولم يكن قبل ذلك أحد يقرب من بيوت عقيل إلا لقي شرا. فطردت صافنة (أمة له) الماشية، فضربها بجيل بعصا كانت معه فشجّها. فخرج إليه عقيل وحده - وقد هرم يومئذ وكبرت سنّه - فزجره فضربه/ بجيل بعصاه، واحتقره، فجعل عقيل يصيح: يا علّفة، يا عملّس، يا فلان، يا فلان، بأسماء أولاده مستغيثا بهم، وهو يحسبهم لهرمه أنهم معه. فقال له أرطأة بن سهيّة:
أكلت بنيك أكل الضبّ حتى ... وجدت مرارة الكلأ الوبيل
ولو كان الألى غابوا شهودا ... منعت فناء بيتك من بجيل
وبلغ خبر عقيل ابنه العملّس وهو بالشام، فأقبل إلى أبيه حتى نزل إليه، ثم عمد إلى بجيل فضربه ضربا مبرّحا، وعقر عدّة من إبله وأوثقه بحبل، وجاء به يقوده حتى ألقاه بين يدي أبيه، ثم ركب راحلته، وعاد من وقته إلى الشام، لم يطعم لأبيه طعاما، ولم يشرب شرابا.
__________
[1] الثفر: السير الذي في مؤخر السرج تحت ذنب الدابة.
[2] خضارم، جمع خضرم: الجواد الكثير العطية.
[3] هذا البيت لم يرد في ط وج.
خبر ابنه المقشعر مع أعرابي نزل
أخبرني عمي قال حدّثنا الكراني قال حدّثنا ابن عائشة قال:
نزل أعرابي على المقشعرّ بن عقيل بن علّفة المرّي فشربا حتى سكرا وناما، فانتبه الأعرابيّ مروّعا في الليل وهو يهذي، فقال له المقشعرّ: مالك؟ قال: هذا ملك الموت يقبض روحي. فوثب ابن عقيل فقال: لا واللّه ولا كرامة ولا نعمة [1] /عين له! أيقبض روحك وأنت ضيفي وجاري! فقال بأبي أنتم وأمي! طال واللّه ما منعتم الضّيم.
وتلفّف ونام.
تمت أخبار عقيل وللّه الحمد والمنة.
قد مضت أخبار عقيل فيما تقدّم من الكتاب، ونذكرها هنا أخبار شبيب بن البرصاء ونسبه، لأن المغنين خلطوا بعض شعره ببعض شعر عقيل في الغناء الماضي ذكره، ونعيد هاهنا من الغناء ما شعره لشبيب خاصة وهو:
صوت من المائة المختارة
سلام أمّ عمرو فيم أضحى أسيرها ... تفادى الأسارى حوله وهو موثق
فلا هو مقتول ففي القتل راحة ... ولا منعم يوما عليه فمطلق [2]
ويروي:
ولا هو ممنون عليه فمطلق
الشعر لشبيب بن البرصاء، والغناء لدقاق جارية يحيى بن الرّبيع. رمل بالوسطى عن عمرو. وذكر حبش أن فيه رملا آخر لطويس.
__________
[1] نعمة عين: قرتها.
[2] في ج «فمعتق».
20 - أخبار شبيب بن البرصاء ونسبه
نسبه
هو شبيب بن يزيد بن جمرة، وقيل جبرة بن عوف بن أبي حارثة بن مرّة بن نشبة بن غيظ بن مرة بن سعد بن ذبيان. والبرصاء أمه، واسمها قرصافة [1] بنت الحارث بن عوف بن أبي حارثة، وهو ابن خالة عقيل بن علّفة، وأم عقيل عمرة بنت الحارث بن عوف، ولقّبت قرصافة البرصاء لبياضها، لا لأنها كان بها برص.
هاجي عقيل بن علفة
وشبيب شاعر فصيح إسلاميّ من شعراء الدولة الأموية، بدويّ لم يحضر إلا وافدا أو منتجعا. وكان يهاجي عقيل بن علّفة ويعاديه لشراسة كانت في عقيل وشر عظيم. وكلاهما كان شريفا سيّدا في قومه، في بيت شرفهم وسؤددهم. وكان شبيب أعور، أصاب عينه رجل من طيء في حرب كانت بينهم.
هاجي أرطأة بن سهية
أخبرنا محمد بن الحسن بن دريد قال حدّثنا أبو حاتم السّجستانيّ عن أبي عبيدة قال:
دخل [2] أرطأة بن سهيّة على عبد الملك بن مروان - وكان قد هاج شبيب بن البرصاء - فأنشده قوله فيه:
/أبى كان خيرا من أبيك ولم يزل ... جنيبا [3] لآبائى وأنت جنيب
فقال له عبد الملك: كذبت! ثم أنشده البيت الآخر فقال:
وما زلت خيرا منك مذ عضّ كارها ... برأسك عاديّ النّجاد [4] ركوب [5]
/فقال له عبد الملك: صدقت. وكان أرطاة أفضل من شبيب نفسا، وكان شبيب أفضل من أرطأة بيتا.
فأخره عقيل بن علفة فقال شعرا يهجوه
أخبرني محمد بن يحيى الصوليّ قال حدّثنا الحزنبل عن عمرو بن أبي عمرو عن أبيه قال:
__________
[1] وقيل: إن اسمها أمامة وهو قول ابن الكلبي وقيل إنها لقبت البرصاء لأن أباها الحرث بن عوف جاء إلى النبي صلّى اللّه عليه وسلّم فخطب إليه صلّى اللّه عليه وسلّم ابنته فقال: إن بها وضحا فرجع وقد أصابها ولم يكن بها وضح («تاج العروس» و «شرح الأمالي» و «شرح الحماسة» للتبريزي.
[2] الخبر في «الأمالي» لأبي علي القالي ج 2 ص 3، 4 طبعة دار الكتب المصرية.
[3] الجنيب: المنقاد التابع.
[4] كذا في ج، وفي سائر النسخ «البجاد» بالباء. تصحيف.
[5] قال أبو علي القالي في شرح البيت: «ما زلت خيرا منك مذ عض برأسك فعل أمك (و الفعل بالفتح: فرج كل أنثى)، أي مذ ولدت.
والعاديّ: القديم، والنجاد: جمع نجد: وهو الطريق المرتفع. والركوب: المركوب الموطوء، وهو فعول في معنى مفعول. وإنما هذا تشبيه، جعل ما عض برأسه في فرجها مثل الطريق القديمة المركوبة في كثرة من يسلكها، يريد أنه قد ذلل حتى صار كتلك».
فاخر عقيل بن علّفة شبيب بن البرصاء فقال شبيب يهجوه، ويعيّر برجل من طيء كان يأتي أمه عمرة بنت الحارث يقال له حيّان، ويهجو غيظ بن مرّة:
ألسنا بفرع قد علمتم دعامة ... ورابية تنشقّ عنها سيولها [1]
وقد علمت سعد بن ذبيان أننا ... رحاها [2] الذي تأوى إليها وجولها [3]
إذا لم نسسكم في الأمور ولم نكن ... لحرب عوان لاقح من يئولها [4]
فلستم بأهدى في البلاد من التي ... تردّد حيرى حين غاب دليلها
دعت جلّ يربوع عقيلا لحادث ... من الأمر فاستخفى وأعيا عقيلها
فقلت له: هلّا أجبت عشيرة ... لطارق ليل حين جاء رسولها!
وكائن لنا من ربوة لا تنالها ... مراقيك أو جرثومة لا تطولها
فخرت بأيام لغيرك فخرها ... وغرّتها معروفة وحجولها
إذا الناس هابوا سوءة عمدت لها ... بنو جابر شبّانها وكهولها
/ فهلّا بني سعد صبحت بغارة ... مسوّمة قد طار عنها نسيلها [5]!
فتدرك وترا عند الأم [6] واتر ... وتدرك قتلى لم تتمّم عقولها [7]
افتخر عليه عقيل بمصاهرته للملوك فهجاه
وقال أبو عمرو: اجتمع عقيل بن علّفة وشبيب بن البرصاء عند يحيى بن الحكم فتكلّما في بعض الأمر، فاستطال عقيل على شبيب بالصّهر الذي بينه وبين بني مروان وكان زوّج ثلاثا من بناته فيهم، فقال شبيب يهجوه:
ألا أبلغ أبا الجرباء عنّي ... بآيات التباغض والتقالي
فلا تذكر أباك العبد وافخر ... بأمّ لست مكرمها وخال
وهبها مهرة لقحت ببغل ... فكان جنينها شرّ البغال
__________
[1] الفرع (بضم الفاء وسكون الراء المهملة ثم عين مهملة): عدة قرى آهلة على أربعة أيام من المدينة.
[2] رحى القوم: سيدهم الذي يصدرون عن رأيه وينتهون إلى أمره.
[3] الجول: الصخرة التي في الماء يكون عليها الطيّ فإن زالت تلك الصخرة تهوّر البئر.
[4] حرب عوان: قوتل فيها مرة كأنهم جعلوا الأولى بكرا، وحرب لاقح: من لقحت الناقة إذا حملت فهي لاقح، على التشبيه بالأنثى الحامل التي لا يدرى ما تلد، قال الحرث بن عباد:
لقحت حرب وائل عن حيال
وقال الأعشي:
إذا شمسرت بالناس شهباء لاقح ... عوان شديد همزها وأظلت
يئولها: يسومها، و «من» خبر «نكن»؛ أي سائسين لها.
[5] الغارة: الخيل المغيرة. مسوّمة: مرسلة وعليها ركبانها، أو معلمة. النسيل: ما سقط من شعر وصوف.
[6] كذا في ط، ف، م، وفي س، ب «الم».
[7] العقول: جمع عقل، وهو الدية.
إذا طارت نفوسهم شعاعا ... حمين المحصنات لدى الحجال [1]
بطعن تعثر الأبطال منه ... وصرب حيث تقتنص العوالي [2]
أبى لي أنّ آبائي كرام ... بنوا لي فوق أشراف طوال [3]
بيوت المجد ثم نموت [4] منها ... إلى علياء مشرفة القذال
تزلّ حجارة الرامين عنها ... وتقصر دونها نبل النّضال
أبا الحفّاث [5] شرّ الناس حيّا ... وأعناق الأيور بني قتال
رفعت مساميا لتنال مجدا ... فقد أصبحت منهم في سفال
/ قال أبو عمرو: بنو قتال إخوة بني يربوع رهط عقيل بن علّفة وهم قوم فيهم جفاء، قال أبو عمرو: مات رجل منهم فلفّه أخوه في عباءة له، وقال أحدهما للآخر: كيف تحمله؟ قال: كما تحمل القربة. فعمد إلى حبل فشدّ طرفه في عنقه وطرفه في ركبتيه وحمله على ظهره كما تحمل القربة، فلما صار به إلى الموضع الذي يريد دفنه فيه حفر له حفيرة، وألقاه فيها، وهال عليه التراب حتى واراه. فلما انصرفا قال له: يا هناه [6]، أنسيت الحبل في عنق أخي ورجليه، وسيبقى مكتوفا إلى يوم القيامة. قال: دعه يا هناه، فإن يرد اللّه به خيرا يحلله.
خطب بنت يزيد بن هاشم فردّه ثم قبله فأبى
وقال أبو عمرو: خطب شبيب بن البرصاء إلى يزيد بن هاشم بن حرملة المريّ ثم الصّرميّ ابنته، فقال: هي صغيرة، فقال شبيب: لا؛ ولكنك تبغي أن تردّني، فقال له يزيد: ما أردت ذاك، ولكن أنظرني هذا العام، فإذا انصرم فعليّ أن أزوّجك. فرحل شبيب من عنده مغضبا، فلما مضى قال ليزيد بعض أهله: واللّه ما أفلحت! خطب إليك شبيب سيّد قومك فرددته! قال: هي صغيرة، قال: إن كانت صغيرة فستكبر عنده. فبعث إليه يزيد: ارجع فقد زوّجتك، فإني أكره أن ترجع إلى أهلك وقد رددتك، فأبى شبيب أن يرجع وقال:
لعمري لقد أشرفت يوم عنيزة ... على رغبة لو شدّ نفسي مريرها [7]
ولكنّ ضعف الأمر ألا تمرّه ... ولا خير في ذي مرّة لا يغيرها [8]
تبيّن أدبار [9] الأمور إذا مضت ... وتقبل أشباها عليك صدورها
__________
[1] شعاعا: متفرقة. والحجال جمع حجلة كرقبة: وهي الكلة تهيأ للعروس.
[2] العوالي: جمع عالية وهي أعلى الرمح.
[3] أشراف: جمع شرف، وهو المكان العالي.
[4] كذا في ج، وفي ط، م «بنيت» وفي ب، س «نبوت» تصحيف.
[5] الحفاث: حيّة، على تشبيه قوم عقيل بها.
[6] هن: كلمة يكنى بها عن اسم الإنسان، فإذا ناديت مذكرا بغير التصريح باسمه قلت: يا هن أقبل، وقد تزاد الألف والهاء في آخره في النداء. خاصة فيقال: يا هناه أقبل، أي يا فلان، وتضم الهاء على تقدير أنها اخر الأسم، وتكسر لاجتماع الساكنين.
[7] المرير والمريرة: العزيمة. وعنيزة: موضع، وهي هضبة سوداء ببطن فلج بين البصرة وحمى ضرية.
[8] أمر الحبل: أحكم فتله. والمرة: القوة من قوى الحبل. وأغار الحبل: أحكم فتله.
[9] رواية الحماسة: «أعقاب».
/
لم ترجّي النفوس الشيء لا تستطيعه ... وتخشى من الأشياء ما لا يضيرها
ألا إنما يكفى النفوس إذا اتّقت ... تقى اللّه مما حاذرت فيجيرها
ولا خير في العيدان إلا صلابها ... ولا ناهضات الطير إلا صقورها
ومستنبح يدعو وقد حال دونه ... من الليل سجفا ظلمة وستورها [1]
رفعت له ناري فلما اهتدى لها ... زجرت كلابي أن يهرّ عقورها [2]
فبات وقد أسرى من الليل عقبة ... بليلة صدق غاب عنها شرورها [3]
وقد علم الأضياف أنّ قراهم ... شواء المتالي عندنا وقديرها [4]
إذا افتخرت سعد بن ذبيان لم يجد ... سوى ما بنينا ما يعدّ فخورها
وإني لتّراك الضغينة قد بدا ... ثراها من المولى فلا استثيرها [5]
مخافة أن تجنى عليّ وإنما ... يهيج كبيرات الأمور صغيرها
إذا قيلت العوراء ولّيت سمعها ... سواي ولم أسمع بها ما دبيرها [6]
وحاجة نفس قد بلغت وحاجة ... تركت إذا ما النفس شحّ ضميرها
حياء وصبرا في المواطن إنني ... حيّ لدى أمثال تلك ستيرها [7]
وأحبس في الحق الكريمة إنما ... يقوم بحق النائبات صبورها [8]
أحابي بها الحيّ الذي لا تهمّه ... وأحساب أموات تعدّ قبورها [9]
ألم تر أنّا نور قوم وإنما ... يبيّن في الظلماء للناس نورها
تمثل محمد بن مروان بشعره
/ أخبرني محمد بن عمران الصّيرفي قال حدّثنا الحسن بن عليل العنزيّ قال حدّثني محمد بن عبد اللّه بن آدم بن جشم العبديّ قال:
كانت بين بني كلب وقوم من قيس ديات، فمشى القوم إلى أبناء أخواتهم من بني أمية يستعينون بهم في
__________
[1] السجف: الستر.
[2] هرير الكلب: صوته وهو دون النباح.
[3] العقبة: قدر فرسخين، أو قدر ما تسيره.
[4] ناقة متلية ومتل: يتلوها ولدها أي يتبعها، أو هي التي تنتج في آخر النتاج. والقدير: اللحم المطبوخ في القدر.
[5] ثراها: أثرها، يقال: إني لأرى ثرى الغضب في وجه فلان: أي أثره، والمولى: الصاحب وابن العم.
[6] العوراء: الكلمة القبيحة. ويريد بدبيرها ما وراءها، وأصل الدبير في القتل ضد القبيل، فالقبيل: ما أقبل به القاتل على صدره والدبير ما أدبر به عن صدره.
[7] الستير: العفيف.
[8] يريد الناقة الكريمة.
[9] حاباه: نصره.
الحمالة [1]، فحملها محمد بن مروان كلّها عن الفريقين، ثم تمثل بقول شبيب بن البرصاء:
ولقد وقفت النفس عن حاجاتها ... والنّفس حاضرة الشّعاع تطلّع [2]
وغرمت في الحسب الرفيع غرامة ... يعيا بها الحصر الشّحيح ويظلع [3]
إنيّ فتى حرّ لقدري عارف ... أعطي به وعليه ممّا أمنع
نزل هو وأرطاة بن زفر وعويف القوافي على رجل من أشجع فلم يكرم ضيافتهم فهجوه
أخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدّثنا إسحاق بن محمد النّخعي قال. حدّثني الحرمازيّ قال:
نزل شبيب بن البرصاء وأرطاة بن زفر وعويف القوافي برجل من أشجع كثير المال يسمّى علقمة، فأتاهم بشربة لبن ممذوقة [4] ولم يذبح لهم، فلما رأوا ذلك منه قاموا إلى رواحلهم فركبوها ثم قالوا: تعالوا حتى نهجو هذا الكلب. فقال شبيب:
أفى حدثان الدهر أم في قديمه ... تعلّمت ألّا تقري الضيف علقما؟ [5]
/و قال أرطاة:
لبثنا طويلا ثم جاء بمذقة ... كماء السّلا في جانب القعب أثلما [6]
وقال عويف:
فلما رأينا أنه شرّ منزل ... رمينا بهنّ الليل حتى تخرّما [7]
عاد من سفر فعلم بموت جماعة من بني عمه فرثاهم
أخبرني هاشم بن محمد الخزاعيّ قال: حدّثنا عيسى بن إسماعيل عن القحذميّ قال:
غاب شبيب بن البرصاء عن أهله غيبة، ثم عاد بعد مدّة، وقد مات جماعة من بني عمّه، فقال شبيب يرثيهم:
تخرّم الدهر إخواني وغادرني ... كما يغادر ثور الطارد الفئد [8]
إني لباق قليلا ثم تابعهم ... ووارد منهل القوم الذي وردوا
__________
[1] الحمالة: الدية يحملها قوم عن قوم.
[2] نفس شعاع: متفرقة قد تفرقت هممها، قال قيس بن ذريح:
فلم ألفظك من شبع ولكن ... أقضي حاجة النفس الشعاع
[3] الحصر: البخيل، وظلع كمنع: غمز في مشيه، وهو شبيه بالعرج.
[4] ممذوقة: مخلوطة بالماء.
[5] حدثان: مصدر حدث، وهو هنا بمعنى حديث، وفي المعجمات: «و أما حدثان الأمر (أي أوّله وابتداؤه) فبكسر الحاء وسكون الدال» وهنا موضعه، لكن يمنع منه وزن البيت.
[6] السلا: الجلدة الرقيقة فيها الولد من الناس والمواشي، إن تنزع عن وجه الولد قتلته. والقعب: القدح يروي الرجل، وثلم الإناء كفرح: صارت فيه ثلمة فهو أثلم.
[7] تخرم: استؤصل وانقضى.
[8] الفئد: الذي يشكو فؤاده.
هاجى رجلا من غنى فأعانه أرطاة بن سهية عليه
قال أبو عمر: هاجى شبيب بن البرصاء رجلا من غنيّ، أو قال من باهلة، فأعانه أرطأة بن سهيّة على شبيب، فقال شبيب:
لعمري لئن كانت سهيّة أوضعت ... بأرطاة في ركب الخيانة والغدر [1]
فما كان بالطّرف العتيق فيشترى ... لفحلته، ولا الجواد إذا يجري [2]
أتنصر منى مشعرا لست منهم ... وغيرك أولى بالحياطة والنصر!
ويروي: «و قد كنت أولى بالحياطة» وهو أجود.
استعدى عليه رهط أرطاة عثمان بن حيان لهجائه إياهم فهدّده ابن حيان بقطع لسانه
وقال أبو عمرو: استعدى رهط أرطاة بن سهيّة على شبيب بن البرصاء إلى عثمان بن حيّان المرّي وقالوا له:
يعمّنا بالهجاء ويشتم أعراضنا، فأمر بإشخاصة إليه/ فأشخص، ودخل إلى عثمان وقد أتى بثلاثة نفر لصوص قد أفسدوا في الأرض يقال لهم بهدل ومثغور وهيصم، فقتل بهدلا وصلبه، وقطع مثغورا والهيصم، ثم أقبل على شبيب فقال: كم تسبّ أعراض قومك وتستطيل عليهم! أقسم قسما حقا لئن عاودت هجاءهم لأقطعنّ لسانك، فقال شبيب:
سجنت لساني يابن حيّان بعدما ... تولّى شبابي، إنّ عقدك محكم
وعيدك أبقى من لساني قذاذة [3] ... هيوبا، وصمتا بعد لا يتكلم.
/ رأيتك تحلو لي إذا شئت لأمرىء ... ومرّا مرارا فيه صاب وعلقم [4]
وكلّ طريد هالك متحيّر ... كما هلك الحيران والليل مظلم
أصبت رجالا بالذنوب فأصبحوا ... كما كان مثغور عليك وهيصم
خطاطيفك اللاتي تخطّفن بهدلا ... فأوفى به الأشراف جذع مقوّم [5]
يداك يدا خير وشرّ فمنهما ... تضرّ وللأخرى نوال وأنعم
ذهب دعيج بن سيف ببابله فخرج في طلبها فرماه دعج فأصاب عينه
وقال أبو عمرو: استاق دعيج بن سيف [6] بن جذيمة بن وهب الطائيّ ثم الجرميّ إبل شبيب بن البرصاء فذهب بها، وخرج بنو البرصاء في الطلب، فلما واجهوا بني جرم قال شبيب: اغتنموا بنى جرم، فقال أصحابه: لسنا
__________
[1] أوضعت: أسرعت.
[2] الطرف: الفرس الكريم الأطراف، أي الآباء والأمهات.
[3] القذاذة من كل شي ء: ما قطع منه.
[4] احلولي: حلا. المرار: شجر مرّ.
[5] أشراف الإنسان: أعلاه.
[6] في الأصول: «شبيب» تحريف.
طالبين إلا أهل القرحة [1]، فمضوا حتى أتوا دعيجا وهو برأس الجبل، فناداه شبيب: يا دعيج، إن كانت الطّراف حيّة فلك سائر الإبل، فقال: يا شبيب، تبصّر رأسها من بين الإبل، فنظر/ فأبصرها، فقال شبيب: شدّوا عليه واصعدوا وراءه، فأبوا عليه، فحمل شبيب عليه وحده، ورماه دعيج فأصاب عينه، فذهب بها - وكان شبيب أعور ثم عمي بعد ما أسنّ - فانصرف وانصرف معه بنو عمه، وفاز دعيج بالإبل، فقال شبيب:
أمرت بني البرصاء يوم حزابة ... بأمر جميع لم تشتّت مصادره
بشول ابن معروف وحسّان بعدما ... جرى لي يمن قد بدا لي طائره [2]
أيرجع حرّ دون جرم ولم يكن ... طعان ولا ضرب يذعذع عاسره؟ [3]
فأذهب عيني يوم سفح سفيرة ... دعيج بن سيف، أعوزته معاذره [4]
ولمّا رأيت الشّوال قد حال دونها ... من الهضب مغبرّ عنيف عمائره [5]
وأعرض ركن من سفيرة يتّقى ... بشمّ الذّرا لا يعبد اللّه عامره [6]
أخذت بني سيف ومالك موقع ... بما جرّ مولاهم وجرّت جرائره [7]
ولو أنّ رجلي يوم فرّ ابن جوشن ... علقن ابن ظبي أعوزته مغاوره [8]
هجاه أرطأة بن سهية ونفاه عن بني عوف
أخبرني عمي قال حدّثني الكرانيّ قال حدّثنا العمريّ عن عاصم بن الحدثان قال:
هجا أرطأة بن سهية شبيب بن البرصاء ونفاه عن بني عوف فقال:
فلو كنت عوفيا عميت وأسهلت ... كداك ولكنّ المريب مريب [9]
/قال: فعمي شبيب بن البرصاء بعد موت أرطاة بن سهيّة، فكان يقول: ليت ابن سهيّة حيّا حتى يعلم أني عوفيّ، قال: والعمى شائع في بني عوف، إذا أسنّ الرجل منهم عمى، وقلّ من يفلت من ذلك منهم.
امتدح شعره عبد الملك بن مروان وفضله على الأخطل
وحدّثني عمي قال حدّثني عبد اللّه بن أبي سعد قال حدّثني عليّ بن الصباح عن ابن الكلبيّ قال:
أنشد الأخطل عبد الملك بن مروان قوله:
__________
[1] القرحة في الأصل: الجراحة والمراد هنا الذين استاقوا إبلهم وآذوهم.
[2] الشول: النوق أتى عليها من حملها أو وضعها سبعة أشهر فشال لبنها أي ارتفع.
[3] يذعذع: يبدّد ويفرّق. العاسر: الناقة ترفع ذنبها في عدوها، والضمير فيه يعود على «حر».
[4] سفيرة: ناحية من بلاد طيء وقيل: صهوة لبني جذيمة في طيء يحيط بها الجبل، كذا في ج، وفي سائر الأصول «شفيرة» تصحيف.
[5] الهضب: جبل ينبسط على الأرض. عمائر جمع عمارة (بالفتح والكسر) وهي أصغر من القبيلة.
[6] الذرا الشمّ: العالية الرؤوس. عامرة: يعني به دعيجا.
[7] موقع: اسم موضع. جر جريرة: اقتّرف ذنبا.
[8] الرجل: جماعة الرجالة. «كشاك»، وفي ف «لذاك» وهو تحريف، والتصويب عن «الأمالي» ج 2 ص 3، و «التنبيه» ص 88.
[9] في الأصول: ما عداف: طبع الدار. والكديّ: جمع كدية وهي الأرض الصلبة.
بكر العواذل يبتدرن ملامتي ... والعاذلون فكلّهم يلحاني [1]
في أن سبقت بشربة مقديّة ... صرف مشعشعة بماء شنان [2]
فقال له عبد الملك: شبيب بن البرصاء أكرم منك وصفا لنفسه حيث يقول:
وإني لسهل الوجه يعرف مجلسي ... إذا أحزن القاذورة المتعبّس [3]
/يضيء سنا جودي لمن يبتغي القرى ... وليل بخيل القوم ظلماء حندس
ألين لذي القربى مرارا وتلتوي ... بأعناق أعدائي حبال تمرّس [4]
كان عبد الملك يتمثل بشعره في بذل النفس عند اللقاء ويعجب به.
قال: وكان عبد الملك يتمثّل بقول شبيب في بذل النفس عند اللقاء ويعجب به:
دعاني حصن للفرار فساءني ... مواطن أن يثنى عليّ فأشتما
فقلت لحصن نحّ نفسك إنما ... يذود الفتى عن حوضه أن يهدّما
/ تأخّرت أستبقى الحياة فلم اجد ... لنفسي حياة مثل أن أتقدّما
سيكفيك أطراف الأسنّة فارس ... إذا ريع نادى بالجواد وبالحمى
إذا المرء لم يغش المكاره أوشكت ... حبال الهوينى بالفتى أن تجذّما [5]
سبب مهاجاته عقيل بن علفة
نسخت من كتاب أبي عبد اللّه اليزيديّ ولم أقرأه عليه، قال خالد بن كلثوم:
كان الذي هاج الهجاء بين شبيب بن البرصاء وعقيل بن علّفة أنه كان لبني تشبة جار من بني سلامان بن سعد، فبلغ عقيلا عنه أنه يطوف في بني مرّة يتحدّث إلى النساء فامتلأ عليه غيظا، فبينا هو يوما جالس وعنده غلمان له وهو يجزّ إبلا له على الماء ويسمها إذ طلع عليه السّلاماني على راحلته، فوثب عليه وهو وغلمانه فضربوه ضربا مبرّحا، وعقر راحلته، وانصرف من عنده بشرّ، فلم يعد إلى ذلك الموضع، ولجّ الهجاء بينهما. وكان عقيل شرسا سيّ ء الخلق غيورا.
__________
[1] يلحاني: يلومني.
[2] مقدية: في الأصول «مقذية» وهو تصحيف، وخمر مقدية: نسبه إلى مقد وهي قرية بالأردن. صرف؛ خالصة. مشعشعة: ممزوجة.
الشنان: الماء البارد.
[3] أحزن: صار في الخزن (بالفتح)، وهو ضد السهل، والمراد هنا تشدّد، والقاذورة: السيء الخلق.
[4] تتمرّس: يشتدّ التواؤها.
[5] تجذم: تقطع.
21 - أخبار دقاق [1]
تزوّجت يحيى بن الربيع ثم بعدّه من القوّاد والكتاب فماتوا وورثتهم
كانت دقاق مغنّية محسنة جميلة الوجه قد أخذت عن أكابر مغنّي الدولة العباسية، وكانت ليحيى بن الربيع، فولدت له أحمد ابنه، وعمّر عمرا طويلا وحدّثنا عنه جحظة ونظراؤه من أصحابنا، وكان عالما بأمر الغناء والمغنين، وكان غنّي غناء ليس بمستطاب ولكنه صحيح. ومات يحيى بن الربيع فتزوّجت بعده من القوّاد والكتّاب بعدّة، فماتوا وورثتهم.
هجاها عيسى بن زينب
فحدّثني عمي قال حدّثني أحمد بن الطيب السّرخسيّ قال:
كانت دقاق - أمّ ولد يحيى ابن الربيع أحمد المعروف بابن دقاق - مغنية محسنة متقنة الأداء والصّنعة، وكانت قد انقطعت إلى حمدونة بنت الرشيد ثم إلى غضيض، وكانت مشهورة بالظّرف والمجون والفتّوة. قال أحمد بن الطيب: وعتقت دقاق فتزوّجها بعد مولاها ثلاثة من القوّاد [2] من وجوههم، فماتوا جميعا، فقال عيسى بن زينب يهجوها:
قلت لمّا رأيت دار دقاق ... حسنها قد أضرّ بالعشاق
حذّروا الرابع الشّقيّ دقاقا ... لا يكوننّ نجمه في محاق [3]
أله عن بضعها فإن دقاقا ... شؤم حرها قد سار في الآفاق [4]
لم تضاجع بعلا فهبّ سليما ... بل جريحا وجرحه غير راقى [5]
كتبت إلى حمدون تصف هنها فردّ عليها
أخبرني الحسين بن القاسم الكوكبيّ قال حدّثني الهداديّ الشاعر قال حدّثني أبو عبد اللّه بن حمدون وأخبرني جحظة عن ابن حمدون - ورواية الكوكبي أتمّ - قال:
كتبت دقاق/ إلى أبي تصف هنها [6] صفة أعجزه الجواب عنها، فقال له صديق له: ابعث إلى بعض المخنّثين.
__________
[1] كذا في ف، وهو يوافق ما في «تاج العروس» وفي سائر الأصول: «دفاق» تصحيف.
[2] عتق العبد كضرب: خرج عن العتق.
[3] المحاق: آخر الشهر؛ إذا امحق الهلال فلم ير.
[4] البضع (بالفتح): التزوج، والبضع (بالضم) النكاح.
[5] راقي مسهل راقي، من رقأ الدم أو الدمع: جف.
[6] هن المرأة: فرجها.
حتى يصف متاعك، فيكون جوابها، فأحضر بعضهم وأخبره الخبر، فقال: اكتب اليها: عندي القوق البوق [1]، الأصلع المزبوق [2]، والأقرع المفروق، المنتفخ العروق، يسدّ البثوق [3]، ويفتق الفتوق، ويرمّ [4] الخروق، ويقضي الحقوق، أسد بين جملين، بغل بين حملين، منارة بين صخرتين، رأسه رأس كلب، وأصله مترس [5] درب، إذا دخل حفر، وإذا خرج قشر، لو نطح الفيل كوّره، ولو دخل البحر كدّره، إذا رقّ الكلام، وتقاربت الأجسام، والتفت الساق، بالساق ولطخ باطنها [6] بالبصاق، وقرع البيض بالذكور [7]، وجعلت الرماح تمور، بطعن الفقاح [8]، وشقّ الأحراح [9]، صبرنا فلم نجزع، وسلّمنا طائعين فلم نخدع. قال: فقطعها.
مجلس بين ابنها وبين أبي الجاموس اليعقوبيّ
حدّثني عمي قال حدّثني أحمد بن الطيب قال حدّثني أحمد بن عليّ بن جعفر قال:
حضرت مرّة مجلسا وفيه ابن دقاق وفيه النصراني المعروف بأبي الجاموس اليعقوبيّ البزّاز قرابة بلال قال:
فعبث ابن دقاق بأبي الجاموس، فلما أكثر عليه/ قال: اسمعوا مني. ثم حلف بالحنيفية أنه لا يكذب، وحدثنا قال: مضيت وأنا غلام مع أستاذي إلى باب حمدونة بنت الرشيد، ومعنا بزّ نعرضه للبيع، فخرجت إلينا دقاق أمّ هذا تقاولنا [10] في ثمن المتاع، وفي يدها مروحة على أحد وجهيها منقوش: الحر إلى أيرين أحوج من الأير إلى حرين، وعلى الوجه الآخر: كما أن الرّحا إلى بغلين أحوج من البغل إلى رحوين، قال: فأسكته واللّه سكوتا علمنا معه أنه لو خرس لكان الخرس أصون لعرضه مما جرى.
كان لها غلامان خلاسيان فرماها الناس بهما
قال أحمد: وفي دقاق يقول عيسى بن زينب وكان لها غلامان خلاسيان [11] يروّحانها في الخيش، فتحدّث الناس أنها قالت لواحد منهما أن ينيكهما، فعجز فقالت له: نكني وانت حرّ، فقال لها نيكيني أنت وبيعيني في الأعراب، فقال فيها عيسى بن زينب:
أحسن من غنّى لنا أو شدا ... دقاق في خفض من العيش
لها غلامان ينيكانها ... بعلّة الترويح في الخيش
__________
[1] القوق: الفاحش الطول. والبوق: الذي ينفخ فيه ويزمر.
[2] المزبوق: المنتوف، وفي ف «المربوق» وفي سائر الأصول «المزنوق» تصحيف.
[3] البثوق: الشقوق.
[4] يرم: يصلح.
[5] المترس: خشبة توضع خلف الباب.
[6] في ب، ج، س: «رأسه».
[7] أخذه من قول مهلهل يرثى أخاه كليبا:
فلولا الريح أسمع أهل حجر ... صليل البيض تقرع بالذكور
والبيض في البيت: بيض الحديد الذي يلبس على الرأس. والذكور: السيوف من حديد غير أنيث.
[8] الفقاح: جمع فقحة (بالفتح)، وهي حلقة الدبر.
[9] الأحراح: جمع حرح (بكسر فسكون) وهو الفرج.
[10] تقاولنا: تفاوضنا.
[11] الخلاسيّ: الولد بين أبوين أبيض وأسود.
قال فيها إبراهيم بن المهدي شعرا
حدّثني جحظة قال حدّثني هبة اللّه بن إبراهيم بن المهدي قال:
كانت دقاق جارية يحيى بن الربيع تواصل جماعة كانوا يميلون إليها وترى كلّ واحد منهم أنها تهواه، وكانت أحسن أهل عصرها وجها، وأشأمهم على من رابطها [1] وتزوّجها، فقال فيها أبو إسحاق - يعني أباه:
صوت
عدمتك يا صديقة كلّ خلّق ... أكلّ الناس ويحك تعشقينا؟
فكيف إذا خلطت الغثّ منهم ... بلحم سمينهم لا تبشمينا [2]
/فيه خفيف مل ينسب إلى إبراهيم بن المهدي وإلى ريّق وإلى شارية.
قال فيها أبو موسى الأعمى شعرا
أخبرني عميّ قال حدّثني أحمد بن أبي طاهر قال حدّثنا أبو هفّان قال:
خرج يحيى بن الربيع مولى دقاق - وكانت قد ولدت منه ابنه أحمد بن يحيى - إلى بعض النواحي، وترك جاريته دقاق في داره فعملت بعده الأوابد [3]، وكانت من أحسن الناس وجها وغناء، وأشأمه على/ أزواجها ومواليها وربطائها، فقال أبو موسى الأعمى فيه:
قل ليحيى نعم صبرت على المو ... ت ولم تخش سهم ريب المنون
كيف قل لي أطلقت ويحك يا يح ... يى على الضّعف منك حمل القرون!
ويح يحيى ما مرّ باست دقاق ... بعد ما غاب من سياط البطون
صوت من المائة المختارة
تكاشرني كرها كأنك ناصح ... وعينك تبدي أنّ صدرك لي دوي [4]
لسانك لي حلو وعينك علقم ... وشرّك مبسوط وخيرك ملتوي [5]
الشعر ليزيد بن الحكم الثقفيّ والغناء لإبراهيم ثقيل أوّل مطلق في مجرى البنصر عن إسحاق، وفيه لجهم العطار خفيف ثقيل عن الهاشميّ:
__________
[1] رابطها: لازمها.
[2] بشم، كفرح: اتخم وفي ط، ب: «تسميننا».
[3] الأوابد: جمع آبدة، وهي الداهية يبقى ذكرها على الأبد.
[4] كاشره: ضحك في وجهه وباسطه. دوى كفرح: مرض، يقال إنه لدوى الصدر.
[5] كذا في أكثر الأصول، وفي ف: «منطوي».
22 - نسب يزيد بن الحكم وأخباره
نسبه وبعض أخبار آبائه
هو يزيد بن الحكم بن عثمان بن أبي العاص صاحب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، كذلك وجدت نسبه في نسخة ابن الأعرابيّ.
وذكر غيره أنه يزيد بن الحكم بن أبي العاص، وأن عثمان عمّه، وهذا هو القول الصحيح. وأبو العاص بن بشر بن عبد دهمان بن عبد اللّه بن همّام بن أبان بن يسار بن مالك بن حطيط بن جشم بن قسيّ وهو ثقيف.
روى جدّه عثمان الحديث عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم
وعثمان جدّه أو عمّ أبيه أحد من أسلم من ثقيف يوم فتح الطائف هو وأبو بكرة، وشطّ عثمان بالبصرة منسوب إليه؛ كانت له هناك أرض أقطعها وابتاعها وقد روى عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الحديث، وروى عنه الحسن بن أبي الحسن ومطرّف بن عبد اللّه بن الشّخّير وغيرهما من التابعين.
أخبرني الحسن بن علي قال حدّثنا بشر بن موسى قال حدّثنا الحميديّ قال حدّثنا سفيان، سمعه من محمد بن إسحاق، وسمعه محمد بن سعيد بن أبي هند، وسمعه سعيد بن أبي هند من مطرّف بن عبد اللّه بن الشّخّير قال:
سمعت عثمان بن أبي العاص الثقفيّ يقول: قال لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «أمّ قومك واقدرهم بأضعفهم فإن منهم الضعيف والكبير وذا الحاجة». قال الحميديّ وحدّثنا الفضيل بن عياض عن أشعب عن الحسن عن عثمان بن أبي العاص قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «اتخذوا مؤذّنا ولا يأخذ على أذانه أجرا».
مرّ به الفرزدق وهو ينشد شعرا فامتدحه
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ قال حدّثنا عمر بن شبة قال حدّثنا العلاء بن الفضل قال حدّثني أبي قال:
/ مرّ الفرزدق بيزيد بن الحكم بن أبي العاص الثقفيّ وهو ينشد في المجلس [1] شعرا فقال: من هذا الذي ينشد شعرا كأنه من أشعارنا؟ فقالوا: يزيد بن الحكم، فقال: نعم؛ أشهد باللّه أن عمّتي ولدته. وأم يزيد بكرة بنت الزّبرقان بن بدر، وأمها هنيدة بنت صعصعة بن ناجية. وكانت بكرة أوّل عربيّة ركبت البحر فأخرج بها إلى الحكم وهو يتوّج [2]، وكان الزبرقان يكنى أبا العباس، وكان له بنون منهم العباس وعيّاش.
__________
[1] في ف: «في مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم».
[2] توّج: بلد بفارس.
خبره مع الحجاج وقد ولاه كورة فارس
أخبرني حبيب بن نصر المهّلبيّ قال حدّثنا/ عبد اللّه بن شبيب قال حدّثنا الحزامي قال:
دعا الحجاج بن يوسف بيزيد بن الحكم الثقفيّ، فولّاه كورة فارس، ودفع إليه عهده بها، فلما دخل عليه ليودّعه قال له الحجّاج: أنشدني بعض شعرك، وإنّما أراد أن ينشده مديحا له، فأنشده قصيدة يفخر فيها ويقول:
وأبي الذي سلب ابن كسرى راية ... بيضاء تخفق كالعقاب الطائر
فلما سمع الحجّاج فخره نهض مغضبا، فخرج يزيد من غير أن يودّعه، فقال الحجّاج لحاجبه: ارتجع منه العهد، فإذا ردّه فقل له: أيهما خير لك: ما ورّثك أبوك أم هذا؟ فردّ على الحاجب العهد وقال: قل له:
ورثت جدّي مجده وفعاله ... وورثت جدّك أعنزا بالطائف
خرج عن الحجاج مغضبا ولحق بسليمان بن عبد الملك ومدحه
وخرج عنه مغضبا، فلحق بسليمان بن عبد الملك ومدحه بقصيدته التي أوّلها:
/أمسى بأسماء هذا القلب معمودا ... إذا أقول صحا يعتاده عيدا [1]
يقول فيها:
سمّيت باسم امرىء أشبهت شيمته ... عدلا وفضلا سليمان بن داودا [2]
أحمد به في الورى الماضين من ملك ... وأنت أصبحت في الباقين محمودا
لا يبرأ الناس من أن يحمدوا ملكا ... أولاهم في الأمور الحلم والجودا [3]
فقال له سليمان: وكم كان أجرى لك لعمالة فارس؟ قال عشرين ألفا. قال: فهي لك عليّ ما دمت حيا. وفي أوّل هذه القصيدة غناء نسبته:
صوت
أمسى بأسماء هذا القلب معمودا ... إذا أقول صحا يعتاده عيدا
كأنّ أحور من غزلان ذي بقر ... أهدى لها شبه العينين والجيدا [4]
أجري على موعد منها فتخلفني ... فلا أملّ ولا نومني المواعيدا
كأنني يوم أمسي لا تكلّمني ... ذو بغية يبتغي ما ليس موجودا
__________
[1] معمود: هذه العشق.
[2] رواية: «لسان العرب» «عود»:
سميت باسم نبي أنت تشبهه ... حلما وعلما سليمان بن داودا
[3] رواية «اللسان»: «لا يعذل الناس في أن يشكروا ملكا».
[4] ذو بقر: موضع، والحور: شدّة سواد المقلة في شدّة بياضها، وفي «اللسان»: «سنة العينين والجيدا» - والسنة: الصورة - وقد عقب على البيت فقال: «و كان أبو علي يرويه: «شبه العينين والجيدا» - كما في رواية «الأغاني» - أراد وشبه الجيد فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه. وقد قيل: إن أبا عليّ صحفه».
ومن الناس من ينسب هذه الأبيات إلى عمر بن أبي ربيعة وذلك خطأ.
/ عروضه من البسيط، والغناء للغريض، ثقيل أوّل بالبنصر في مجراها عن إسحاق. وذكر عمرو بن بانة أنه لمعبد ثقيل أوّل بالوسطى.
حديثه مع الحجاج وقد سمع شعره في رثاء ابنه عنبس
أخبرنا محمد بن العباس اليزيدي قال حدّثنا الخليل بن أسد قال حدّثني العمريّ عن الهيثم بن عدي قال أخبرنا ابن عياش عن أبيه قال:
سمعت الحجّاج - واستوى جالسا - ثم قال: صدق واللّه زهير بن أبي سلمى حيث يقول:
وما العفو إلّا لامرىء ذي حفيظة ... متى يعف عن ذنب امرىء السّوء يلجج
فقال له يزيد بن الحكم: أصلح اللّه الأمير، إني قد رثيت ابني عنبسا ببيت، إنه لشبيه بهذا. قال: وما هو؟ قال قلت:
ويأمن ذو حلم العشيرة جهله ... عليه، ويخشى جهله جهلاؤها
قال: فما منعك أن تقول مثل هذا لمحمد ابني ترثيه به؟ فقال: إن ابني واللّه كان أحبّ إليّ من ابنك.
وهذه الأبيات من قصيدة أخبرني بها عمّي عن الكرانيّ عن الهيثم بن عديّ. قال:/ كان ليزيد بن الحكم ابن يقال له عنبس، فمات فجزع عليه جزعا شديدا وقال يرثيه:
جزى اللّه عني عنبسا كلّ صالح ... إذا كانت الأولاد سيئا [1] جزاؤها
هو ابني وأمسى أجره لي وعزّني ... على نفسه ربّ إليه ولاؤها
جهول إذا جهل العشيرة يبتغى ... حليم ويرضى حلمه حلماؤها
/ وبعد هذا البيت المذكور في الخبر الأول.
فضله عبد الملك بن مروان على شاعر ثقيف في الجاهلية
أخبرني عمي قال حدّثنا الكراني قال حدّثنا العمريّ عن لقيط قال قال عبد الملك بن مروان:
كان شاعر ثقيف في الجاهليّة خيرا من شاعرهم في الإسلام فقيل له: من يعني أمير المؤمنين؟ فقال لهم: أمّا شاعرهم في الإسلام فيزيد بن الحكم حيث يقول:
فما منك الشباب ولست منه ... إذا سألتك لحيتك الخضابا
عقائل من عقائل أهل نجد ... ومكّة لم يعقّلن الرّكابا
ولم يطردن أبقع يوم ظعن [2] ... ولا كلبا طردن ولا غرابا
__________
[1] كذا في ف، ج، وفي باقي الأصول: «شيئا» تحريف.
[2] كذا في ف، وفي م، ط: «كلب»، وفي ب. ج،: «نجد». والغراب الأبقع: ما كان فيه سواد وبياض.
وقال شاعرهم في الجاهليّة:
والشيب إن يظهر فإنّ وراءه ... عمرا يكون خلاله متنفّس
لم ينتقص منيّ المشيب قلامة ... ولما بقي منّي ألبّ وأكيس [1]
شعره ليزيد بن المهلب حين خلع يزيد بن عبد الملك
أخبرني عميّ قال حدّثنا الكرانيّ قال حدّثنا العمريّ عن لقيط قال قال يزيد بن الحكم الثقفي ليزيد بن المهلب حين خلع يزيد بن عبد الملك:
أبا خالد قد هجت حربا مريرة ... وقد شمرت حرب عوان فشمّر
فقال يزيد بن المهّلب: باللّه أستعين، ثم أنشده، فلمّا بلغ قوله:
فإنّ بني مروان قد زال ملكهم ... فإن كنت لم تشعر بذلك فاشعر
فقال يزيد بن المهلب: ما شعرت بذلك، ثم أنشده فلما بلغ قوله:
فمت ما جدا أو عش كريما فإن تمت ... وسيفك مشهور بكفك تعذر
فقال: هذا ما لابدّ منه.
/ قال العمري: وحدّثني الهيثم بن عدي عن ابن عيّاش أن يزيد بن المهلّب إنما كتب إليه يزيد بن الحكم بهذه الأبيات، فوقّع إليه تحت البيت الأوّل: أستعين باللّه. وتحت البيت الثاني: ما شعرت. وتحت البيت الثالث: أمّا هذه فنعم.
مدح يزيد بن المهلب وهو في سجن الحجاج فأعطاه نجما حل عليه
أخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدّثني الغلّابي قال حدّثني ابن عائشة قال: دخل يزيد بن الحكم على يزيد ابن المهلّب في سجن الحجّاج وهو يعذّب، وقد حلّ عليه نجم كان قد نجّم [2] عليه، وكانت نجومه في كلّ أسبوع ستّة عشر ألف درهم فقال له:
أصبح في قيدك السماحة والجو ... د وفضل الصّلاح والحسب
لا بطر إن تتابعت نعم ... وصابر في البلاء محتسب
بززت سبق الجياد في مهل ... وقصّرت دون سعيك العرب
قال: فالتفت يزيد بن المهلب إلى مولىّ له، وقال: أعطه نجم هذا الأسبوع، ونصبر على/ العذاب إلى السبت الآخر.
وقد رويت هذه الأبيات والقصّة لحمزة بن بيض مع يزيد.
__________
[1] ألب وأكيس: أكثر عقلا وحزما.
[2] تنجيم الدين: أن يقدر دفعه في أوقات معلومة متتابعة مشاهرة أو مسناة، وأصله أن العرب كانت تجعل مطالع منازل القمر مواقيت حلول دينها.
روى ابنه العباس بعض شعره لجرير فأكرمه
أخبرني عمي قال حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد قال: حدّثني هارون بن مسلم قال حدّثني عثمان بن حفص قال حدّثني عبد الواحد عريف ثقيف بالبصرة:
أن العباس بن يزيد بن الحكم الثقفيّ هرب من يوسف بن عمر إلى اليمامة، قال: فجلست في مسجدها وغشيني قوم من أهلها، قال: فو اللّه إني لكذلك إذا إنا بشيخ قد دخل يترجّح في مشيته، فلما رآني أقبل إليّ، فقال القوم: هذا جرير،/ فأتاني حتى جلس إلى جنبي، ثم قال لي: السّلام عليك، ممّن أنت؟ قلت: [رجل من ثقيف.
قال: أعرضت الأديم، ثمّ ممن؟ قلت [1]:] رجل من بني مالك، فقال: لا إله إلا اللّه! أمثلك يعرف بأهل بيته! فقلت: أنا رجل من ولد أبي العاصي، قال: ابن بشر؟ قلت: نعم. قال: أيّهم أبوك؟ قلت: يزيد بن الحكم. قال:
فمن الذي يقول:
فني الشّباب وكلّ شيء فان ... وعلا لداتي شيبهم وعلاني
قلت: أبي، قال: فمن الذي يقول:
ألا لا مرحبا بفراق ليلى ... ولا بالشيب إذ طرد [2] الشبابا
شباب بان محمودا وشيب ... ذميم لم نجد لهما اصطحابا
فما منك الشباب ولست منه ... إذا سألتك لحيتك الخضابا
قلت: أبي، قال: فمن الذي يقول:
تعالوا فعدّوا يعلم الناس أيّنا ... لصاحبه في أوّل الدهر تابع
تزّيد يربوع بكم في عدادها ... كما زيد في عرض الأديم الأكارع [3]
قال: قلت: غفر اللّه لك، كان أبي أصون لنفسه وعرضه من أن يدخل بينك وبين ابن عمك، فقال: رحم اللّه أباك، فقد مضى لسبيله، ثم انصرف، فنزّلني بكبشين، فقال لي أهل اليمامة، ما نزّل أحدا قبلك قط.
شعره في جارية مغنية كان يهواها وقد ارتحلت عنه
أخبرني محمد بن مزيد بن أبي الأزهر قال حدّثنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه عن إبراهيم الموصلي عن يزيد حوراء المغنّي قال:
/ كان يزيد بن الحكم الثقفي يهوى جارية مغنّية، وكانت غير مطاوعة له، فكان يهيم بها، ثم قدم رجل من أهل الكوفة فاشتراها، فمرّت بيزيد بن الحكم مع غلمة لمولاها وهي راحلة، فلما علم بذلك رفع صوته فقال:
يأيها النازح الشّسوع ... ودائع القلب لا تضيع [4]
__________
[1] أعرض الشيء وعرّضه: جعله عريضا أي وسعه. وما بين القوسين وارد في ف. ساقط في غيرها.
[2] كذا في ف، وج. وفي باقي الأصول: «طرق».
[3] الأكارع: جمع كراع، وهو من البقر والغنم بمنزلة الوظيف من الفرس وهو مستدق الساق.
[4] الشسوع: الشاسع البعيد.
أستودع اللّه من إليه ... قلبي على نأيه نزوع [1]
إذا تذكرته استهلت ... شوقا إلى وجهه الدموع
كتاب الجارية إليه
ومضت الجارية وغاب عنه خبرها مدّة، فبينا هو جالس ذات يوم إذ وقف عليه كهل فقال له: أأنت يزيد بن الحكم؟ قال: نعم، فدفع إليه كتابا مختوما، ففضّه فإذا كتابها إليه وفيه:
لئن كوى قلبك الشّسوع ... فالقلب منّي به صدوع
وبي وربّ السماء فاعلم ... إليك يا سيدي نزوع
/ أعزز علينا بما تلاقي ... فينا وإن شفّنا الولوع
فالنفس حرّى عليك ولهى ... والعين عبرى لها دموع
فموتنا في يد التنائي ... وعيشنا القرب والرجوع
وحيثما كنت يا منايا ... فالقلب منّي به خشوع
ثم عليك السلام منّي ... ما كان من شمسها طلوع
قال: فبكى واللّه حتى رحمه من حضر، وقال لنا الكهل: ما قصته؟ فأخبرناه بما بينهما، فجعل يستغفر اللّه من حمله الكتاب إليه، وأحسب أن هذا الخبر مصنوع؛ ولكن هكذا أخبرنا به ابن أبي الأزهر.
شعر نسب إليه وإلى طرفة بن العبد
أخبرني هاشم بن محمد الخزاعيّ قال حدّثنا أبو غسان دماذ عن أبي عبيدة قال أنشدني أبو الزعراء - رجل من بني قيس بن ثعلبة - لطرفة بن العبد:
تكاشرني كرها كأنك ناصح ... وعينك تبدي أن صدرك لي جوي
قال: فعجبت من ذلك وأنشدته أبا عمرو بن العلاء وقلت له: أني كنت أرويه ليزيد بن الحكم الثقفيّ فأنشدنيه أبو الزعراء لطرفة بن العبد، فقال لي أبو عمرو: إنّ أبا الزعراء في سنّ يزيد بن الحكم، ويزيد مولّد يجيد الشعر، وقد يجوز أن يكون أبو الزعراء صادقا.
قال مؤلف هذا الكتاب: ما أظن أبا الزعراء صدق فيما حكاه، لأنّ العلماء من رواة الشعر رووها ليزيد بن الحكم، وهذا أعرابي لا يحصل ما يقوله، ولو كان هذا الشعر مشكوكا فيه أنه ليزيد بن الحكم - وليس كذلك - لكان معلوما أنه ليس لطرفة، ولا موجودا في شعره على سائر الروايات، ولا هو أيضا مشبها لمذهب طرفة ونمطه، وهو بيزيد أشبه، وله في معناه عدّة قصائد يعاتب فيها أخاه عبد ربّه بن الحكم وابن عمه عبد الرحمن بن عثمان بن أبي العاص. ومن قال إنه ليزيد بن الحكم بن عثمان قال إنّ عمه عبد الرحمن هو الذي عاتبه، وفيه يقول:
ومولى كذئب السّوء لو يستطيعني ... أصاب دمي يوما بغير قتيل
__________
[1] النزوع: المشتاق.
وأعرض عما ساءه وكأنما ... يقاد إلى ما ساءني بدليل
مجاملة منّي وإكرام غيره ... بلا حسن منه ولا بجميل
ولو شئت لولا الحلم جدّعت أنفه ... بإيعاب جدع بادىء وعليل [1]
حفاظا على أحلام قوم رزئتهم ... رزان يزينون الندىّ كهول
/ وقال في أخيه عبد ربّه:
أخي يسرّ الشّحناء يضمرها ... حتى ورى جوفه من غمره الداء [2]
حرّان ذو غصّة جرّعت غصّته ... وقد تعرّض دون الغصة الماء
حتى إذا ما أساغ الريق أنزلني ... منه كما ينزل الأعداء أعداء
أسعى فيكفر سعي ما سعيت له ... إني كذاك من الإخوان لقّاء
وكم يد ويد لي عنده ويد ... يعدّهن تراب وهي آلاء
فأمّا تمام القصيدة التي نسبت إلى طرفة فأنا أذكر منها مختارها ليعلم أنّ مرذول/ كلام طرفة فوقه:
تصافح من لاقيت لي ذا عداوة ... صفاحا وعنّي بين عينيك منزوي [3]
أراك إذا لم أهو أمرا هويته ... ولست لما أهوى من الأمر بالهوي
أراك اجتويت الخير مني وأجتوي ... أذاك، فكلّ يجتوي قرب مجتوي [4]
فليت كفافا كان خيرك كلّه ... وشرّك عني ما ارتوى الماء مرتوي [5]
عدوّك يخشى صولتي إن لقيته ... وأنت عدوّي، ليس ذاك بمستوي
وكم موطن لولاي صحت كما هوى ... بأجرامه من قلّة النّيق منهوي [6]
/إذا ما ابتنى المجد ابن عمك لم تعن ... وقلت ألا يا ليت بنيانه خوي [7]
كأنك إن نال ابن عمّك مغنما ... شج أو عميد أو أخو غلّة لوي [8]
وما برحت نفس حسود حشيتها ... تذيبك حتى قيل هل أنت مكتوي [9]
__________
[1] جدعت: قطعت. وأوعبه إيعابا: استوعبه.
[2] يقال: ورى القيح جوفه: أفسده. الغمر: الحقد والغل.
[3] بين، مرفوع بالابتداء، ومنزوي خبره (و انظر «الخزانة» 1: 497).
[4] اجتواه: كرهه.
[5] الكفاف: الذي لا يفضل عن الشيء ويكون بقدر الحاجة إليه، وهو خبر مقدّم لكان واسم ليت محذوف أو ضمير الشأن.
[6] طاح يطيح ويطوح: هلك. هوى وانهوى: سقط. أجرام: جمع جرم وهو الجسم. القلة: أعلى الجبل. النيق: أرفع موضع في الجبل.
[7] خوى المنزل: خلا من أهله.
[8] شج: حزين. العميد: المريض لا يستطيع الجلوس من مرضه حتى يعمد من جوانبه بالوسائد (أي يقام). لوى: أصابه اللوي؛ وهو وجع في الجوف، والغلة: حرارة الجوف.
[9] يقال حشي الرجل بنفسه وحشيها، (بالبناء للمجهول) من حشا الوسادة إذا ملأها.
جمعت وفحشا غيبة ونميمة ... ثلاث خصال لست عنهن نرعوي
ويدحو بك الداحي إلى كلّ سوءة ... فيا شرّ من يدحو إلى شر مدحوي [1]
بدا منك غشّ طالما قد كتمته ... كما كتمت داء ابنها أمّ مدّوي [2]
وهذا شعر إذا تأمّله من له في العلم أدنى سهم عرف أنّه لا يدخل في مذهب طرفة ولا يقاربه.
صوت من المائة المختارة
أبى القلب إلا أمّ عوف وحبّها ... عجوزا، ومن يعشق عجوزا يفنّد
كثوب يمان قد تقادم عهده ... ورقعته ما شئت في العين واليد
الشعر لأبي الأسود الدّؤلى والغناء لعلّوية، ثقيل أوّل بالبنصر عن عمرو بن بانة.
__________
[1] في جميع الأصول:
ويدعو بك الداعي إلى كل سوءة ... فيا شر من يدعو إلى شر من دعى
والتصويب عن «الخزانة» (ج 1 ص 499).
[2] أدوى: أكل الدواية (بالضم وبالكسر)، وهي جليدة رقيقة تعلو اللبن والمرق، وذلك أن خاطبة من الأعراب خطبت على ابنها جارية فجاءت أمها إلى أم الغلام لتنظر إليه، فدخل الغلام فقال: أأدوي يا أمي؟ فقالت: اللجام معلق بعمود البيت، أرادت بذلك كتمان زلة الابن وسوء عادته.
23 - أخبار أبي الأسود الدؤلي ونسبه
نسبه
اسمه ظالم بن عمرو بن سفيان بن جندل بن يعمر بم حلس بن نفاثة بن عديّ بن الدّئل بن بكر بن عبد مناة بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار، وهم إخوة قريش، لأن قريشا مختلف في الموضع الذي افترقت [فيه [1]] مع أبيها، فخصّت بهذا الأسم دونهم، وأبعد من قال في ذلك مدّى من زعم أن النضر بن كنانة منتهى نسب قريش، فأمّا النسّابون منهم فيقولون إن من لم يلده فهر بن مالك بن النضر فليس قرشيّا.
كان من وجوه التابعين وفقهائهم ومحدّثيهم
وكان أبو الأسود الدؤلي من وجوه التابعين وفقهائهم، ومحدّثيهم. وقد روى عن عمر بن الخطاب وعليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنهما [2]، فأكثر وروى عن ابن عباس وغيره، واستعمله عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنهم، وكان من وجوه شيعة عليّ. وذكر أبو عبيدة أنه أدرك أول الإسلام وشهد بدرا مع المسلمين [3]. وما سمعت بذلك عن غيره.
وأخبرني عمي عن ابن أبي سعد عن محمد بن عبد الرحمن بن عبد الصمد السّلميّ عن أبي عبيدة مثله.
ولاه عليّ البصرة
واستعمله عليّ رضى اللّه عنه على البصرة بعد ابن عباس، وهو كان الأصل في/ بناء النحو وعقد أصوله.
كان أول من وضع النحو ورسم أصوله
أخبرنا أبو جعفر بن رستم الطّبري النحويّ بذلك عن أبي عثمان المازنيّ عن أبي عمر الجرميّ عن أبي الحسن الأخفش عن سيبويه عن الخليل بن أحمد/ عن عيسى بن عمر عن عبد اللّه بن أبي إسحاق الحضرميّ عن عنبسة الفيل وميمون الأقرن عن يحيى بن يعمر الليثي.
أنّ أبا الأسود الدؤلي دخل إلى ابنته بالبصرة فقالت له يا أبت ما أشدّ الحرّ! (رفعت أشدّ) فظنّها تسأله وتستفهم منه: أيّ زمان الحرّ أشدّ؟ فقال لها: شهر ناجر، [يريد شهر صفر. الجاهلية كانت تسمى شهور السنة بهذه الأسماء [4]]. فقالت: يا أبت إنما أخبرتك ولم أسألك. فأتى أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام فقال: يا
__________
[1] زيادة من ف.
[2] الدعاء في ف: «صلوات اللّه عليه وآله».
[3] في ف: «مع المشركين».
[4] هذه الزيادة عن ف.
أمير المؤمنين، ذهبت لغة العرب لمّا خالطت العجم، وأوشك إن تطاول عليها زمان أن تضمحلّ، فقال له: وما ذلك؟ فأخبره خبر ابنته، فأمره فاشترى صحفا بدرهم، وأملّ عليه: الكلام كله لا يخرج عن اسم وفعل وحرف جاء لمعنى. (و هذا القول أول كتاب سيبويه)، ثم رسم أصول النحو كلّها، فنقلها النحويّون وفرّعوها. قال أبو الفرج الأصبهانيّ: هذا حفظته عن أبي جعفر وأنا حديث السنّ، فكتبته من حفظي، واللفظ يزيد وينقص وهذا معناه.
أمره زياد أن ينقط المصاحف فنقطها
أخبرني عيسى بن الحسين قال حدّثنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه عن المدائني قال:
أمر زياد أبا الأسود الدؤلي أن ينقط المصاحف، فنقطها ورسم من النحو رسوما، ثم جاء بعده ميمون الأقرن فزاد عليه في حدود العربية، ثم زاد فيها بعده عنبسة بن معدان المهريّ، ثم جاء عبد اللّه بن أبي إسحاق الحضرميّ وأبو عمرو بن العلاء فزادا فيه، ثم جاء الخليل بن أحمد الأزديّ وكان صليبة فلحب الطريق [1]. ونجم علي بن حمزة الكسائي مولى بني كاهل من أسد فرسم للكوفيّين رسوما هم الآن يعلمون عليها.
أخذ النحو عن عليّ بن أبي طالب
أخبرني عليّ بن سليمان الأخفش قال حدّثنا محمد بن يزيد النحويّ قال حدّثنا التّوّزيّ والمهريّ قالا حدّثنا كيسان بن المعرّف الهجيميّ أبو سليمان عن أبي سفيان بن العلاء عن جعفر بن أبي حرب بن أبي الأسود الدؤليّ عن أبيه قال:
قيل لأبي الأسود: من أين لك هذا العلم؟ - يعنون به النحو - فقال: أخذت حدوده عن عليّ بن أبي طالب عليه السلام.
خبره مع زياد في سبب وضع النحو
أخبرني أحمد بن العباس العسكريّ قال حدّثني عبيد اللّه بن محمد عن عبد اللّه بن شاكر العنبريّ عن يحيى بن آدم عن أبي بكر بن عيّاش عن عاصم بن أبي النجود قال:
أوّل من وضع العربيّة أبو الأسود الدؤليّ، جاء إلى زياد بالبصرة فقال له: أصلح اللّه الأمير، إني أرى العرب قد خالطت هذه الأعاجم، وتغيّرت ألسنتهم، أفتأذن لي أن أضع لهم علما يقيمون به كلامهم؟ قال: لا. قال: ثم جاء زيادا رجل فقال: مات أبانا وخلّف بنون، فقال زياد: مات أبانا وخلّف بنون! ردّوا إليّ أبا الأسود الدؤليّ، فردّ إليه، فقال: ضع للناس ما نهيتك عنه. فوضع لهم النحو. وقد روى هذا الحديث عن أبي بكر بن عياش يزيد بن مهران، فذكر أنّ هذه القصّة كانت بين أبي الأسود وبين عبيد اللّه بن زياد.
أول باب وضعه في النحو باب التعجب
أخبرني أحمد بن العبّاس قال حدّثنا العنزيّ عن أبي عثمان المازنيّ عن الأخفش عن الخيل بن أحمد عن عيسى ابن عمر عن عبد اللّه بن أبي إسحاق عن أبي حرب بن أبي الأسود قال:
__________
[1] صليبة: في «أساس البلاغة» «عربي صليب: خالص النسب. وامرأة صليبة: كريمة النسب عريقة» والمعنى: وكان ذا نسبة صليبة.
لحب الطريق: بينه.
أوّل باب وضعه أبي من النحو باب التعجب.
كان معدودا في طبقات من الناس وهو في كلها مقدم
وقال/ الجاحظ: أبو الأسود الدؤليّ معدود في طبقات من الناس، وهو في كلّها مقدّم، مأثور عنه الفضل في جميعها؛ كان معدودا في التابعين والفقهاء/ والشعراء والمحدّثين والأشراف والفرسان والأمراء والدّهاة والنحوييّن والحاضري الجواب والشيعة والبخلاء والصّلع الأشراف والبخر الأشراف.
حديثه عن عمر بن الخطاب
فما رواه من الحديث عن عمر مسندا عن النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، حدّثنا حامد بن محمد بن شعيب البلخيّ قال حدّثنا أبو خيثمة زهير بن حرب قال حدّثنا يونس بن محمد قال حدّثنا داود بن أبي الفرات عن عبد اللّه بن أبي بريدة عن أبي الأسود الدؤلي قال:
أتيت المدينة فوافقتها وقد وقع فيها مرض فهم يموتون موتا ذريعا، فجلست إلى عمر بن الخطاب رضي اللّه تعالى عنه، فمرّت به جنازة فأثني على صاحبها خير، فقال عمر رضي اللّه عنه: وجبت، ثم مرّ بأخرى فأثني على صاحبها بشرّ، فقال عمر: وجبت، فقال أبو الأسود: ما وجبت يا أمير المؤمنين؟ فقال: قلت كما قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «أيّما مسلم شهد له أربعة بخير أدخله اللّه الجنة» فقلنا: وثلاثة؟ قال: «و ثلاثة»، فقلنا: واثنان؟ قال:
«و اثنان»، ثم لم نسأله عن الواحد.
حدّثني حمّاد بن سعيد قال حدّثنا أبو خيثمة قال حدّثنا معاذ بن هشام قال حدّثني أبي عن قتادة عن أبي الأسود الدؤليّ قال:
خطب عمر بن الخطاب رضي اللّه تعالى عنه الناس يوم الجمعة فقال: إنّ نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلم قال: «لا تزال طائفة من أمّتي على الحقّ منصورة حتى يأتي أمر اللّه جلّ وعزّ».
حديثه عن علي بن أبي طالب
ومما رواه عن عليّ بن أبي طالب عليه السلام أخبرنا محمد بن عبد اللّه بن سليمان الحضرميّ قال حدّثنا هنّاد ابن السّريّ قال حدّثنا عبده بن سليمان عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أبي حرب بن أبي الأسود الدؤليّ عن ابيه أبي الأسود الدؤليّ عن عليّ كرم اللّه وجهه أنه قال في بول الجارية: يغسل، وفي بول الغلام: ينضح ما لم يأكلا الطعام.
تبع ابن عباس حين خرج من البصرة إلى المدينة ليردّه فأبى
أخبرني محمّد بن العبّاس اليزيديّ قال حدّثنا البغويّ قال حدّثنا عليّ بن الجعد قال حدّثنا معلّى بن هلال عن الشّعبيّ وأخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن عمار قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثنا المدائنيّ جميعا قالوا:
لما خرج ابن عباس رضي اللّه عنهما إلى المدينة من البصرة تبعه أبو الأسود في قومه ليردّه، فاعتصم عبد اللّه بأخواله من بني هلال فمنعوه، وكادت تكون بينهم حرب، فقال لهم بنو هلال: ننشدكم اللّه ألّا تسفكوا بيننا دماء تبقى معها العداوة إلى آخر الأبد، وأمير المؤمنين أولى بابن عمه، فلا تدخلوا أنفسكم بينهما، فرجعت كنانة عنه، وكتب أبو الأسود إلى عليّ عليه السلام فأخبره بما جرى، فولّاه البصرة.
كان كاتبا لابن عباس على البصرة
أخبرني حبيب بن نصر المهلّبي ووكيع وعمي قالوا جميعا حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد قال حدّثني محمد بن عمران الضّبّيّ قال حدّثني خالد بن عبد اللّه قال حدّثني أبو عبيدة معمر بن المثنّى قال:
كان أبو الأسود الدؤلي كاتبا لابن عباس على البصرة، وهو الذي يقول:
وإذا طلبت من الحوائج حاجة ... فادع الإله وأحسن الأعمالا
فليعطينّك ما أراد بقدرة ... فهو اللطيف لما أراد فعالا
/ إن العباد وشأنهم وأمورهم ... بيد الإله يقلّب الأحوالا
فدع العباد ولا تكن بطلابهم ... لهجا تضعضع [1] للعباد سؤالا
كان يكثر الخروج والركوب في كبره وتعليله ذلك
أخبرني هاشم بن محمد الخزاعيّ قال حدّثنا الرّياشيّ عن محمد بن سلام قال:
كان أبو الأسود الدؤلي قد أسنّ وكبر، وكان مع ذلك يركب إلى المسجد والسّوق ويزور أصدقاءه، فقال له رجل: يا أبا الأسود، أراك تكثر الركوب وقد ضعفت عن الحركة وكبرت، ولو لزمت منزلك كان أودع لك. فقال له أبو الأسود: صدقت/ ولكنّ الركوب يشّد أعضائي، وأسمع من أخبار الناس ما لا أسمعه في بيتي، وأستنشى الريح، وألقى إخواني، ولو جلست في بيتي لاغتمّ بي أهلي، وأنس بي الصبيّ، واجترأ عليّ الخادم، وكلّمني من أهلي من يهاب كلامي، لإلفهم إيّاي، وجلوسهم عندي؛ حتى لعلّ العنز وأن تبول عليّ فلا يقول لها أحد: هس [2].
سأله بنو الديل المعاونة في دية رجل فأبى وعلل امتناعه
أخبرني محمد بن القاسم الأنباريّ قال حدّثني أبي قال حدّثنا أبو عكرمة قال:
كان بين بني الدليل وبين بني ليث منازعة، فقتلت بنو الديل منهم رجلا، ثم اصطلحوا بعد ذلك على أن يؤدّوا ديته، فاجتمعوا إلى أبي الأسود يسألونه المعاونة على أدائها، وألحّ عليه غلام منهم ذو بيان وعارضة، فقال له: يا أبا الأسود، أنت شيخ العشيرة وسيّدهم، وما يمنعك من معاونتهم قلة ذات يد ولا سؤدد ولا جود، فلما أكثر أقبل عليه أبو الأسود، ثم قال له: قد أكثرت يابن أخي فاسمع مني: إن الرجل واللّه ما يعطي ماله إلا لإحدى خلال: إما رجل أعطى ماله رجاء مكافأة ممن يعطيه، أو رجل خاف على نفسه فوقاها بماله، أو رجل أراد وجه اللّه وما عنده في الدار الآخرة، أو رجل أحمق خدع عن ماله، وو اللّه ما أنتم إحدى هذه الطبقات. ولا جئتم في شيء من هذا، ولا عمّك الرجل العاجز فينخدع لهؤلاء، ولما أفدتك إياه في عقلك خير لك من مال أبي الأسود لو وصل إلى بني الديل، قوموا إذا شئتم. فقاموا يبادرون الباب.
__________
[1] تتضعضع: تخضع وتذل، وحذفت التاء الأولى.
[2] هس: زجر للغنم.
استهزأ به رجل فردّ علهى فأفحمه وقال في ذلك شعرا
أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال حدّثنا أبو حاتم عن أبي عبيدة قال:
كان طريق أبي الأسود الدؤليّ إلى المسجد والسوق في بني تيم اللّه بن ثعلبة وكان فيهم رجل متفحش يكثر الاستهزاء بمن يمرّ به، فمرّ به أبو الأسود الدؤليّ يوما/ فقال لقومه: كأنّ وجه أبي الأسود وجه عجوز راحت إلى أهلها بطلاق، فضحك القوم، وأعرض عنهم أبو الأسود. ثم مرّ به مرّة أخرى، فقال لهم: كأنّ غضون قفا أبي الأسود غضون الفقاح [1]. فأقبل عليه أبو الأسود فقال له: هل تعرف فقحة أمّك فيهنّ؟ فأفحمه، وضحك القوم منه، وقاموا إلى أبي الأسود، فاعتذروا إليه مما كان، ولم يعاوده الرجل بعد ذلك، وقال فيه أبو الأسود بعد ذلك حين رجع إلى أهله:
وأهوج ملجاج تصاممت قبله ... أن اسمعه وما بسمعي من باس
ولو شئت قد أعرضت حتى أصيبه ... على أنفه حدباء تعضل بالاسي [2]
فإن لساني ليس أهون وقعة ... وأصغر آثارا من النحت بالفاس
وذي إحنة لم يبدها غير أنه ... كذي الخبل تأبى نفسه غير وسواس [3]
صفحت له صفحا جميلا كصفحه ... وعيني - وما يدري - عليه وأحراسي [4]
/و عندي له إن فار فوّار صدره ... فما جبليّ لا يعاوده الحاسي
وخبّ لحوم الناس أكثر زاده ... كثير الخنا صعب المحالة همّاس [5]
تركت له لحمي وأبقيت لحمه ... لمن نابه من حاضر الجنّ والناس
فكّر قليلا ثم صدّ كأنما ... يعضّ بصمّ من صفا جبل راسي [6]
خبره مع أعرابي جاء يسأله
أخبرنا محمد بن العباس اليزيدي قال حدّثنا أحمد بن الحارث الخراز قال حدّثنا المدائنيّ قال:
خرج أبو الأسود الدؤلي ومعه جماعة أصحاب له إلى الصيد، فجاءه أعرابيّ فقال له: السلام عليك. فقال له أبو الأسود: كلمة مقولة. قال: أدخل؟ قال: وراؤك أوسع لك. قال: إن الرّمضاء قد أحرقت رجلي، قال: بل عليها أو ائت الجبل يفىء عليك. قال: هل عندك شيء تطعمنيه؟ قال: نأكل ونطعم العيال، فإن فضل شيء فأنت
__________
[1] الفقاح: جمع فقحة وهي حلقة الدبر.
[2] حدباء: صعبة شديدة، الآسي: المداوي. أعضل به الأمر: ضاقت عليه الحيل فيه.
[3] الإحنة: الضغينة والعداوة.
[4] الفحا: تواب القدور كالفلفل والكمون ونحوهما.
[5] الخب: الخدّاع.
[6] صم: جمع أصم وهو الحجر الصلب المصمت. وفي الأصول «من صدى» وهو تحريف.
أحقّ به من الكلب، فقال الأعرابي: ما رأيت قطّ ألأم منك. قال أبو الأسود: بلى قد رأيت؛ ولكنك قد أنسيت.
خبره مع ابن أبي الحمامة
أخبرني هاشم بن محمد الخزاعيّ قال حدّثنا عيسى بن إسماعيل عن المدائنيّ بهذا الخبر فقال فيه:
كان أبو الأسود جالسا في دهليزه وبين يديه رطب، فجاز به رجل من الأعراب يقال له ابن أبي الحمامة، فسلّم ثم ذكر باقي الخبر، مثل الذي تقدّمه، وزاد عليه فقال: أنا ابن أبي الحمامة. قال: كن ابن أبي طاوسة [1]، وانصرف. قال: أسألك باللّه إلا أطعمتني مما تأكل، قال: فألقى إليه أبو الأسود ثلاث رطبات، فوقعت إحداهنّ في التراب، فأخذها يمسحها بثوبه، فقال له أبو الأسود: دعها فإن الذي تمسحها منه أنظف من الذي تمسحها به، فقال: إنما كرهت أن أدعها للشيطان، فقال له: لا واللّه ولجبريل وميكائيل تدعها.
خطب امرأة من عبد القيس فمنعها أهلها وزوجوها ابن عمها فقال أبو الأسود شعرا في ذلك
أخبرني محمد بن عمران الضبيّ الصّيرفيّ قال حدّثنا الحسن بن عليل قال حدّثنا محمد بن معاوية الأسديّ قال ذكر الهيثم بن عديّ عن ابن عياش قال:
/ خطب أبو الأسود الدؤلي امرأة من عبد القيس يقال لها أسماء بنت زياد بن غنيم، فأسرّ أمرها إلى صديق له من الأزد يقال له الهيثم بن زياد، فحدّث به ابن عم لها كان يخطبها - وكان لها مال عند أهلها - فمشى ابن عمها الخاطب لها إلى أهلها الذين مالها عندهم، فأخبرهم خبر أبي الأسود، وسألهم أن يمنعوها من نكاحه، ومن مالها الذي في أيديهم، ففعلوا ذلك، وضارّوها حتى تزوّجت بابن عمها، فقال أبو الأسود الدؤلي في ذلك:
لعمري لقد أفشيت يوما فخانني ... إلى بعض من لم أخش سرّا ممنّعا
فمزّقه مزق العمى وهو غافل ... ونادى بما أخفيت منه فأسمعا
فقلت ولم أفحش لعّالك عاثرا ... وقد يعثر الساعي إذا كان مسرعا [2]
ولست بجازيك الملامة إنني ... أرى العفو أدنى للرشاد وأوسعا
ولكن تعلّم أنه عهد بيننا ... فبن غير مذموم ولكن مودّعا [3]
حديثا أضعناه كلانا فلا أرى ... وأنت نجيّا آخر الدهر أجمعا [4]
وكنت إذا ضيعت سرك لم تجد ... سواك له إلا أشتّ وأضيعا
قال: وقال فيه:
__________
[1] كذا في أكثر الأصول، وفي ف: «كن ابن أي طائر شئت».
[2] لعالك: كلمة يدعى بها للعاثر أن ينتعش.
[3] البين: الفراق.
[4] النجيّ: المسار.
/
أمنت امرأ في السرّ لم يك حازما ... ولكنه في النصح غير مريب
أذاع به في الناس حتى كأنه ... بعلياء نار أوقدت بثقوب [1]
وكنت متى لم ترع سرّك تلتبس ... قوارعه من مخطىء ومصيب [2]
فما كل ذي نصح بمؤتيك نصحه ... وما كل مؤت نصحه بلبيب
ولكن إذا ما استجمعا عند واحد ... فحقّ له من طاعة بنصيب
اشترى جارية حولاء فعابها أهله فمدحها في شعره
أخبرني عمي قال حدّثني الكراني قال حدّثنا العمري عن الهيثم بن عديّ عن ابن عياش قال:
اشترى أبو الأسود جارية، فأعجبته - وكانت حولاء - فعابها أهله عنده بالحول، فقال في ذلك:
يعيبونها عندي ولا عيب عندها ... سوى أن في العينين بعض التأخّر
فإن يك في العينين سوء فإنها ... مهفهفة الأعلى رداح المؤخّر [3]
تحاكم إليه ابنا عم وأحدهما صديق له فحكم على صديقه فقال في ذلك شعرا
أخبرني محمد بن الحسن بن يزيد دريد الأزدي قال حدّثنا عبد الرحمن بن أخي الأصمعي عن عمه قال:
كان لأبي الأسود الدؤليّ صديق من بني تميم ثم من بني سعد يقال له مالك بن أصرم، وكانت بينه وبين ابن عمّ له خصومة في دار له، وأنهما اجتمعا عند أبي الأسود فحكّماه بينهما، فقال له خصم صديقه: إني بالذي بينك وبينه عارف، فلا يحملنك ها ذاك على أن تحيف عليّ في الحكم - وكان صديق أبي الأسود ظالما - فقضى أبو الأسود على صديقه لخصمه بالحقّ، فقال له صديقه: واللّه ما بارك اللّه لي في صداقتك، ولا نفعني بعلمك وفقهك، ولقد قضيت عليّ بغير الحقّ، فقال أبو الأسود:
إذ كنت مظلوما فلا تلف راضيا ... عن القوم حتى تأخذ النّصف واغضب [4]
وإن كنت أنت الظالم القوم فاطّرح ... مقالتهم واشغب بهم كلّ مشغب
وقارب بذي جهل وباعد بعالم ... جلوب عليك الحقّ من كل مجلب
فإن حدبوا فاقعس وإن هم تقاعسوا [5] ... ليستمكنوا مما وراءك فاحدب
/ ولا تدعني للجور واصبر على التي ... بها كنت أقضي للبعيد على أبي
فإني امرؤ أخشى إلهي وأتّقي ... معادي وقد جرّبت ما لم تجرّب
__________
[1] الثقوب: ما أثقبت به النار أي أوقدتها به.
[2] القارعة: النازلة الشديدة.
[3] مهفهفة: ضامرة البطن: رداح: ضخمة العجيزة ثقيلة الأوراك.
[4] النصف: الانتصاف.
[5] حدب: خرج ظهره ودخل بطنه. وقعس: نقيضه.
كتب مستجديا إلى نعيم بن مسعود فأجابه، وإلى الحصين بن أبي الحرّ فرمى كتابه فقال في ذلك شعرا
كتب إليّ أبو خليفة يذكر أن محمد بن سلام حدّثه، وأخبرني محمد بن يحيى الصولي عن أبي ذكوان عن محمد بن سلام قال:
وجه أبو الأسود الدؤليّ إلى الحصين بن أبي الحرّ العنبريّ جد عبيد اللّه بن الحسن القاضي، وهو يلي بعض أعمال الخراج لزياد، وإلى نعيم بن مسعود النّهشليّ وكان يلي مثل ذلك برسول، وكتب معه إليهما وأراد أن يبرّاه، ففعل ذلك نعيم بن مسعود، ورمى الحصين بن أبي الحرّ بكتاب أبي الأسود وراء ظهره، فعاد الرجل فأخبره، فقال أبو الأسود للحصين:
حسبت كتابي إذ أتاك تعرّضا ... لسيبك، لم يذهب رجائي هنالكا [1]
وخبّرني من كنت أرسلت أنما ... أخذت كتابي معرضا بشمالكا
/ نظرت إلى عنوانه فنبذته ... كنبذك نعلا أخلقت من نعالكا
نعيم بن مسعود أحقّ بما أتى ... وأنت بما تأتي حقيق بذلكا
يصيب وما يدري ويخطي وما درى ... وكيف يكون النّوك إلا بذلكا [2]؟
قال محمد بن سلام: فتقدّم رجل إلى عبيد اللّه بن الحسن بن الحصين بن أبي الحرّ - وهو قاضي البصرة - مع خصم له فخلط في قوله، فتمثل عبيد اللّه بقول أبي الأسود:
يصيب وما يدري ويخطي وما درى ... وكيف يكون النّوك إلا كذلكا
فقال الرجل: إن رأى القاضي أن يدنيني منه لأقول شيئا فعل. فقال له: ادن، فقال له: إن أحق الناس بستر هذا الشعر أنت، وقد علمت فيمن قيل، فتبسم/ عبيد اللّه وقال له: إني أرى فيك مصطنعا [3] فقم إلى منزلك، وقال لخصمه: رح إليّ، فغرم له ما كان يطالب به.
أراد السفر إلى فارس في الشتاء فأبت عليه ابنته فقال في ذلك شعرا
أخبرني عمي قال حدّثنا الكراني عن ابن عائشة قال:
أراد أبو الأسود الدؤلي الخروج إلى فارس، فقالت له ابنته: يا أبت إنك قد كبرت، وهذا صميم الشتاء، فانتظر حتى ينصرم وتسلك الطريق آمنا، فإني أخشى عليك، فقال أبو الأسود:
إذا كنت معنيا بأمر تريده ... فما للمضاء والتوكل من مثل
توكل وحمل أمرك اللّه إن ما ... تراد به آتيك فاقنع بذي الفضل
ولا تحسبنّ السير أقرب للردى ... من الخفض في دار المقامة والثّمل [4]
__________
[1] السيب: العطاء.
[2] النوك: الحمق.
[3] أي محلا للصنيعة والجميل.
[4] الثمل: الإقامة والمكث.
ولا تحسبيني يا بنتي عزّ مذهبي ... بظنك، إن الظن يكذب ذا العقل
وإني ملاق ما قضى اللّه فاصبري ... ولا تجعلي العلم المحقّق كالجهل
وإنك لا تدرين: هل ما أخافه ... أبعدي يأتي في رحيلي أو قبلي؟
وكم قد رأيت حاذرا متحفّظا ... أصيب وألفته المنية في الأهل
خبره مع صديقه نسيب بن حميد وشعره في ذلك
أخبرني هاشم بن محمد قال حدّثنا عيسى بن إبراهيم [1] العتكي قال حدّثنا ابن عائشة عن أبيه قال:
كان لأبي الأسود صديق من بني سليم يقال له نسيب بن حميد، وكان ينشاه في منزله، ويتحدث إليه في المسجد، وكان كثيرا ما يحلف له أنه ليس بالبصرة أحد من قومه ولا من غيرهم آثر عنده منه، فرأى أبو الأسود يوما معه مستقة [2] مخملة أصبهانية/ من صوف، فقال له أبو الأسود: ما تصنع بهذه المستقة؟ فقال: أريد بيعها، فقال له أبو الأسود: انظر ما تبلغ فعرّفنيه حتى أبعث به إليك، فإنها من حاجتي، قال: لا بل أكسوكها، فأبى أبو الأسود أن يقبلها إلا بثمنها، فبعث بها إلى السوق فقومت بمائتي درهم، فبعث إليه أبو الأسود بالدراهم، فردّها وقال:
لست أبيعها إلا بمائتين وخمسين درهما، فقال أبو الأسود:
بعني نسيب ولا تثبني إنني ... لا أستثيب ولا أثيب الواهبا
إن العطية خير ما وجّهتها ... وحسبتها حمدا وأجرا واجبا
ومن العطية ما يعود غرامة ... وملامة تبقى ومنّا كاذبا
وبلوت أخبار الرجال وفعلهم ... فملئت علما منهم وتجاربا
/ فأخذت منهم ما رضيت بأخذه ... وتركت عمدا ما هنالك جانبا
فإذا وعدت الوعد كنت كغارم ... دينا أقرّ به وأحضر كاتبا
حتى أنفّذه على ما قلته ... وكفى عليّ به لنفسي طالبا
وإذا فعلت فعلت غير محاسب ... وكفى بربك جازيا ومحاسبا
وإذا منعت منعت منعا بيّنا ... وأرحت من طول العناء الراغبا
لا أشتري الحمد القليل بقاؤه ... يوما بذم الدهر أجمع واصبا [3]
ضرط في مجلس معاوية فطلب منه أن يسترها عليه، فوعده، ولكنه لم يفعل
أخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن محمد الرازي ومحمد بن العباس اليزيدي وعمي قالوا حدّثنا أحمد بن الحارث الخراز عن المدائني قال:
زعم أبو بكر الهذلي أن أبا الأسود الدؤلي كان يحدّث معاوية يوما فتحرك فضرط، فقال لمعاوية: استرها
__________
[1] في ف «اسماعيل».
[2] المستقة: فروة طويلة الكم، معربة وأصلها بالفارسية مشته. وثوب محمل: له خمل (كشمس)، أي هدب كهدب القطيفة.
[3] واصبا: دائما.
عليّ، فقال: نعم، فلما خرج حدّث بها معاوية/ عمرو بن العاص ومروان بن الحكم، فلما غدا عليه أبو الأسود قال عمرو: ما فعلت ضرطتك يا أبا الأسود بالأمس؟ قال: ذهبت كما تذهب الريح مقبلة ومدبرة، من شيخ ألان الدهر أعصابه ولحمه عن إمساكها، وكل أجوف ضروط، ثم أقبل على معاوية فقال: إن امرأ ضعفت أمانته ومروءته عن كتمان ضرطة لحقيق بألا يؤمن على أمور المسلمين.
تزوج امرأة برزة فخانته وأفشت سره، فطلقها وقال في ذلك شعرا
أخبرني عيسى بن الحسين الورّاق قال حدّثنا سليمان بن أبي شيخ قال حدّثنا محمد بن الحكم عن عوانة قال:
كان أبو الأسود يجلس إلى فناء امرأة بالبصرة فيتحدّث إليها، وكانت برزة [1] جميلة، فقالت له: يا أبا الأسود، هل لك في أن أتزوّجك؟ فإني صناع [2] الكفّ، حسنة التدبير، قانعة بالميسور، قال: نعم، فجمعت أهلها فتزوّجته؛ فوجد عندها خلاف ما قدّره، وأسرعت في ماله، ومدّت يدها إلى خيانته، وأفشت سرّه، فغدا على من كان حضر تزويجه إياها، فسألهم أن يجتمعوا عنده ففعلوا، فقال لهم:
أريت امرا كنت لم أبله ... أتاني فقال اتّخذني خليلا [3]
فخاللته ثم أكرمته ... فلم أستفد من له فتيلا
وألفيته حين جرّبته ... كذوب الحديث سروقا بخيلا
فذكّرته ثم عاتبته ... عتابا رفيقا وقولا جميلا
فألفيته غير مستعتب ... ولا ذاكر اللّه إلا قليلا [4]
أ لست حقيقا بتوديعه ... وإتباع ذلك صرما طويلا؟
/ فقالوا: بلى واللّه يا أبا الأسود! قال: تلك صاحبتكم، وقد طلقتها لكم، وأنا أحبّ أن أستر ما أنكرته من أمرها، فانصرفت معهم.
أنكر عليه معاوية بخره فرد عليه
حدّثنا اليزيدي قال حدّثنا البغويّ قال حدّثنا العمري قال:
كان أبو الأسود أبخر، فسارّ معاوية يوما بشيء فأصغى إليه ممسكا بكمّه على أنفه، فنحّى أبو الأسود يده عن أنفه، وقال: لا واللّه لا تسود حتى تصبر على سرار المشايخ البخر.
عابه زياد عند عليّ فقال في ذلك شعرا
أخبرني عبد اللّه بن محمد الرازيّ قال: حدّثنا محمد بن الحارث الخراز قال حدّثنا المدائنيّ عن أبي بكر الهذليّ قال:
__________
[1] امرأة برزة: كهلة جليلة تبرز للقوم فيجلسون إليها ويتحدثون.
[2] امرأة صناع اليدين: حاذقة ماهرة بعمل اليدين.
[3] أريت: أصله أرأيت، يقولون: أرأيتك (و التاء مفتوحة) بمعنى أخبرني. بلاه يبلوه: اختبره وامتحنه.
[4] استعتبه: استرضاه.
كان عليّ بن أبي طالب عليه السلام استعمل أبا/ الأسود على البصرة، واستكتب زياد بن أبيه على الديوان والخراج، فجعل زياد يسبع [1] أبا الأسود عند عليّ ويقع فيه ويبغي عليه، فلما بلغ ذلك أبا الأسود عنه قال فيه:
رأيت زيادا ينتحيني بشرّه ... وأعرض عنه وهو باد مقاتله
وكل امرى ء، واللّه بالناس عالم ... له عادة قامت عليها شمائله
تعوّدها فيما مضى من شبابه ... كذلك يدعو كلّ أمر أوائله
ويعجبه صفحي له وتجمّلي ... وذو الجهل يحذو [2] الجهل من لا يعاجله
فقلت له دعني وشأني إننا ... كلانا عليه معمل [3] هو عامله
فلولا الذي قد يرتجى من رجائه ... لجرّبت مني بعض ما أنت جاهله
لجرّبت أنّي أمنح الغنيّ من غوى ... عليّ وأجزي ما جزى وأطاوله
/ وقال لزياد أيضا في ذلك:
نبّئت أن زيادا ظلّ يشتمني ... والقول يكتب عند اللّه والعمل
وقد لقيت زيادا ثم قلت له ... وقبل ذلك ما خبّت به الرسل [4]
حتّام تسرقني في كل مجمعة ... عرضي، وأنت إذا ما شئت منتفل
كل امرىء صائر يوما لشيمته ... في كل منزلة يبلى بها الرجل
قال: فلما ادّعى معاوية زيادا وولّاه العراق كان أبو الأسود يأتيه فيسأله حوائجه، فربما قضاها وربما منعها لما يعلمه من رأيه وهواه في عليّ بن أبي طالب عليه السلام، وما كان بينهما في تلك الأيام وهما عاملان، فكان أبو الأسود يترضّاه ويداريه ما استطاع ويقول في ذلك:
رايت زيادا صدّ عنّي وجهه ... ولم يك مردودا عن الخير سائله
ينفّذ حاجات الرجال، وحاجتي ... كداء الجوى في جوفه لا يزايله
فلا أناس ناس ما نسيت فآيس ... ولا أنا راء ما رأيت ففاعله
وفي اليأس حزم للّبيب وراحة ... من الأمر لا ينسى ولا المرء نائله
أكرمه عبد الرحمن بن أبي بكرة وأفضل عليه فقال يمدحه
وقال المدائنيّ: نظر عبد الرحمن بن أبي بكرة [5] إلى أبي الأسود في حال رثّه فبعث إليه بدنانير وثياب، وسأله
__________
[1] سبعه: شتمه ووقع فيه.
[2] حذاه: أعطاه.
[3] معمل: عمل.
[4] خبت: سارت.
[5] أبو بكرة: هو أخو زياد لأمّه.
أن ينبسط إليه في حوائجه ويستمنحه إذا أضاق [1]، فقال أبو الأسود يمدحه:
أبو بحر أمنّ الناس طرا ... علينا بعد حيّ أبي المغيرة [2]
لقد أبقى لنا الحدثان منه ... أخا ثقة منافعه كثيره
/ قريب الخير سهلا غير وعر ... وبعض الخير تمنعه الوعوره
بصرت بأنّنا أصحاب حقّ ... ندلّ به وإخوان وجيره
وأهل مضيعة فوجدت خيرا ... من الخلّان فينا والعشيره [3]
وإنك قد علمت وكلّ نفس ... ترى صفحاتها ولها سريره
لذو قلب بذي القربى رحيم ... وذو عين بما بلغت بصيره
لعمرك ما حباك اللّه نفسا ... بها جشع ولا نفسا شريره [4]
/و لكن أنت لا شرس غليظ ... ولا هشم تنازعه خئورة [5]
كأنا إذا أتيناه نزلنا ... بجانب روضة ريّا مطيره
كان عبيد اللّه بن زياد يماطله في قضاء حاجاته فعاتبه في ذلك
قال المدائنيّ: وكان أبو الأسود يدخل على عبيد اللّه بن زياد، فيشكو إليه أنّ عليه دينا لا يجد إلى قضائه سبيلا، فيقول له: إذا كان غد فارفع إليّ حاجتك فإني أحب قضاءها، فيدخل إليه من غد، فيذكر له أمره ووعده فيتغافل عنه، ثم يعاوده فلا يصنع في أمره شيئا، فقال فيه أبو الأسود:
دعاني أميري كي أفوه بحاجتي ... فقلت فما ردّ الجواب ولا استمع
فقمت ولم أحسس بشيء ولم أصن ... كلامي وخير القول ما صين أو نفع
وأجمعت يأسا لا لبانة بعده ... ولليأس أدنى للعفاف من الطمع
سأله رجل فمنعه فأنكر عليه فاحتج ببيت لحاتم
أخبرنا محمد بن العباس اليزيديّ قال حدّثنا عيسى بن إسماعيل تينة قال حدّثني ابن عائشة قال:
/ سأل رجل أبا الأسود شيئا فمنعه، فقال له: يا أبا الأسود ما أصبحت حاتميا؟ قال: بلى قد أصبحت حاتميا من حيث لا تدري، أليس حاتم الذي يقول:
أماويّ إمّا مانع فمبيّن ... وإمّا عطاء لا ينهنهه الزجر [6]
__________
[1] أضاق: ذهب ماله.
[2] ورد هذا البيت في «اللسان» مادة «حيى»، وأبو المغيرة كنية زياد (انظر «الطبري» 6: 131).
[3] مضيعة: ضياع واطراح وهوان.
[4] شريرة: ذات شرّ.
[5] هشم: هشيم رخو. خئورة: ضعف وفتور.
[6] نهنهه: كفه.
شعره في جار له كان يحسده ويذمه
أخبرني حبيب بن نصر المهلّبي قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثنا ابن عائشة قال:
كان لأبي الأسود جار يحسده وتبلغه عنه قوارص، فلما باع أبو الأسود داره في بني الديل، وانتقل إلى هذيل، قال جار أبي الأسود لبعض جيرانه من هذيل: هل يسقيكم أبو الأسود من ألبان لقاحه؟ وكانت لا تزال عنده لقحه [1] أو لفحتان، وكان جاره هذا يصيب من الشراب، فبلغ أبا الأسود قوله، فقال فيه:
إن امرأ نبّئته من صديقنا ... يسائل هل أسقي من اللبن الجارا؟
وإني لأسقي الجار في قعر بيته ... وأشرب ما لا إثم فيه ولا عارا
شرابا حلالا يترك المرء صاحيا ... ولا يتولّى يقلس الإثم والعارا [2]
قصد صديقه حوثرة بن سليم فأعرض عنه فهجاه
أخبرني عبيد اللّه بن محمد الرازيّ قال حدّثنا أحمد بن الحارث الخرّاز قال حدّثنا المدائنيّ قال:
كان لأبي الأسود صديق من بني قيس بن ثعلبة يقال له حوثرة بن سليم، فاستعمله عبيد اللّه بن زياد على جيّ [3] وأصبهان، وكان أبو الأسود بفارس، فلما بلغه خبره أتاه فلم يجد عنده ما يقدّره، وجفاه حوثرة؛ فقال فيه أبو الأسود وفارقه:
/تروّحت من رستاق جيّ عشية ... وخلّفت في رستاق جيّ أخالكا
أخا لك إن طال التنائي وجدته ... نسيّا وإن طال التعاشر ملّكا
ولو كنت سيفا يعجب الناس حدّه ... وكنت له يوما من الدهر فلّكا [4]
ولو كنت أهدى الناس ثم صحبته ... وطاوعته ضلّ الهوى وأضلّكا
إذا جئته تبغي الهدى خالف الهدى ... وإن جرت عن باب الغواية دلّكا
ساومه جار له في شراء لقحة وعابها فأبى عليه وقال في ذلك شعرا
قال المدائني: وكان لأبي الأسود جار، يقال له وثاق من خزاعة، وكان يحبّ اتّخاذ اللقاح/ ويغالي بها ويصفها، فأتى أبا الأسود وعنده لقحة غزيرة يقال لها: الصّفوف [5] فقال له: يا أبا الأسود ما بلقحتك بأس لولا عيب كذا وكذا، فهل لك في بيعها؟ فقال أبو الأسود: على ما تذكر فيها من العيب؟ فقال: إني أغتفر ذلك لها لما أرجوه من غزارتها، فقال له أبو الأسود: بئست الخلّتان فيك، الحرص، والخداع، أنا لعيب مالي أشدّ اغتفارا؛ وقال أبو الأسود فيه:
__________
[1] اللقحة: الناقة الحلوب الغزيرة اللبن.
[2] أصله من قلست الكأس: قذفت بالشراب لشدّة الامتلاء، وقلست النحل العسل: ومجته، والمعنى هنا: يعقب الإثم.
[3] جيّ: مدينة ناحية أصبهان.
[4] قل السيف: ثلمه.
[5] كذا في ج، وفي باقي الأصول: «الصعوف»، تصحيف.
يريد وثاق ناقتي ويعيبها ... يخادعني عنها وثاق بن جابر
فقلت تعلّم يا وثاق بأنها ... عليك حمى أخرى الليالي الغوابر
بصرت بها كوماء حوساء جلدة ... من الموليات الهام حدّ الظواهر [1]
فحاولت خدعي والظنون كواذب ... وكم طامع في خدعتي غير ظافر
ساومه رجل من سدوس في لقحة له وعابها فأبى عليه بيعها وقال في ذلك شعرا
قال: وكانت له لقحة أخرى يقال لها الطّيفاء، وكان يقول: ما ملكت مالا قط أحبّ إليّ منها، فأتاه فيها رجل من بني سدوس يقال له أوس بن عامر، فجعل/ يماكر أبا الأسود ويعيبها، فألفاه بها بصيرا وفيها منافسا، فبذل له فيها ثمنا وافيا، فأبى أن يبيعه وقال فيه:
أتاني في الطيفاء أوس بن عامر ... ليخدعني عنها بجنّ ضراسها [2]
فسام قليلا ناسئا غير ناجز ... وأحصر نفسا وانتهى بمكاسها [3]
فأقسم لو أعطيت ما سمت مثله ... وضعفا له لما غدوت براسها
أغرّك منها أن نحرت حوارها ... لجيران أمّ السّكن يوم نفاسها [4]
فولّى ولم يطمع وفي النفس حاجة ... يردّدها مردودة بإياسها
جوابه لسائل ملحف
أخبرنا اليزيديّ قال حدّثنا عيسى عن ابن عائشة والأصمعيّ:
أنّ رجلا سأل أبا الأسود الدؤليّ فردّه فألحّ عليه، فقال له أبي الأسود: ليس للسائل الملحف مثل الردّ الجامس. قال: يعني بالجامس الجامد.
خطب امرأة من بني حنيفة فعارضه ابن عم لها فقال في ذلك شعرا
وقال المدائني: خطب أبو الأسود امرأة من بني حنيفة - وكان قد رآها فأعجبته - فأجابته إلى ذلك وأذنت له في الدخول إليها، فدخل دارها فخاطبها بما أراد، فلما خرج لقيه ابن عمّ لها قد كان خطبها على أخيه، فقال له: ما تصنع هاهنا؟ فأخبره بخطبته المرأة، فنهاه عن التعرّض لها، ووضع عليها أرصادا، فكان أبو الأسود ربّما مرّبهم واجتاز بقبيلتهم، فدسّوا إليه رجلا يوبّخه في كل محفل يراه فيه، ففعل، وأتاه وهو في نادي قومه فقال له: يا أبا الأسود، أنت رجل شريف، ولك سنّ وخطر وعرض، وما أرضى لك أن تلمّ بفلانة، وليست لك بزوجة/ ولا
__________
[1] الكوماء: الناقة العظيمة السنام، الحوساء: الشديدة النفس، والجلدة: القوية.
[2] يقولون في الناقة: «هي بجنّ ضراسها»، أي بحدثان نتاجها، وإذا كانت كذلك حامت عن ولدها، وعضت حالبها. وفي «اللسان» (ضرس) «الضبعاء»، وأورد البيت.
[3] فى الأصول:
«بائسا غير ناجز ... وأحضر»
وهو تصحيف، ونجز الحاجة: قضاها، وأحصره العدوّ: ضيق عليه. والمماكسة والمكاس في البيع: انتقاص الثمن واستحطاطه.
[4] الحوار: ولد الناقة إلى أن يفطم. وفي ف بعد هذا البيت: «و أم السكن امرأته».
قرابة، فإنّ أهلها قد أنكروا ذلك وتشكّوه، فإمّا أن تتزوّجها أو تضرب عنها، فقال له أبو الأسود:
لقد جدّ في سلمى الشكاة وللّذي ... يقولون - لو يبدو لك الرشد - أرشد
يقولون لا تمذّل بعرضك واصطنع ... معادك إنّ اليوم يتبعه غد [1]
وإياك والقوم الغضاب فإنهم ... بكل طريق حولهم تترصّد
تلام وتلحى كل يوم ولا ترى ... على اللوم إلا حولها تتردّد!
/ أفادتكها العين الصموح وقد ترى ... لك العين ما لا تستطيع لك اليد
وقال أبو الأسود:
دعوا آل سلمى ظنّتي وتعنّتي ... وما زلّ مني، إنّ ما فات فائت [2]
ولا تهلكوني بالملامة إنما ... نطقت قليلا ثم إني لساكت
سأسكت حتى تحسبوني أنني ... من الجهد في مرضاتكم متماوت
ألم يكفكم أن قد منعتم بيوتكم ... كما منع الغيل الأسود النواهت [3]
تصيبون عرضي كل يوم كما علا ... نشيط بفأس معدن البرم ناحت [4]
جفاه ابن عامر لهواه في علي بن أبي طالب فقال في ذلك شعرا
أخبرني حبيب بن نصر المهلبي قال حدّثنا عمر بن شبة قال ذكر الهيثم بن عديّ عن مجالد بن سعيد عن عبد الملك بن عمير قال:
كان ابن عباس يكرم أبا الأسود الدؤلي لما كان عاملا لعليّ بن أبي طالب عليه السلام على البصرة ويقضي حوائجه، فلما ولي ابن عامر جفاه وأبعده ومنعه حوائجه لما كان يعلمه من هواه في عليّ بن أبي طالب عليه السلام، فقال فيه أبو الأسود:
/ذكر ابن عباس بباب ابن عامر ... وما مرّ من عيشي ذكرت وما فضل
أميرين كان صاحبيّ كلاهما ... فكلّ جزاه اللّه عني بما فعل
فإن كان شرا كان شرا جزاؤه ... وإن كان خيرا كان خيرا إذا عدل
كان لابنه صديق من باهله فكره صداقته له
أخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدّثنا عبد اللّه بن شبيب قال حدّثنا إبراهيم بن المنذر الخزاميّ قال حدّثنا محمد بن فليح بن سليمان عن موسى بن عقبة قال قال أبو الأسود الدؤلي لابنه أبي حرب - وما كان له صديق من باهله يكثر زيارته - فكان أبو الأسود يكرهه ويستريب منه:
__________
[1] مذلت نفسه بالشي ء: سمحت.
[2] الظنة: التهمة.
[3] النواهت: جمع ناهت؛ يقال: نهت الأسد نهيتا، وهو صوت الأسد دون الزئير. الغيل: الأجمة وموضع الأسد.
[4] البرم: جمع برمة، وهي قدر من حجارة.
أحبب إذا أحببت حبا مقاربا ... فإنك لا تدري متى أنت نازع
وأبغض إذا أبغضت بغضا مقاربا ... فإنك لا تدري متى أنت راجع
وكن معدنا للحلم واصفح عن الخنا ... فإنك راء ما عملت وسامع
آذاه جار له فباع داره واشترى دارا في هذيل وقال في ذلك شعرا
وقال المدائني حدّثني أبو بكر الهذليّ قال:
كان لأبي الأسود جار من بني حليس بن يعمر بن نفاثة بن عديّ بن الديل، من رهطه دنية - ومنزل أبي الأسود يومئذ في بني الديل - فأولع جاره برميه بالحجارة كلما أمسى، فيؤذيه. فشكا أبو الأسود ذلك إلى قومه وغيرهم، فكلموه ولاموه، فكان ما اعتذر به إليهم أن قال: لست أرميه، وإنما يرميه اللّه لقطعه للرحم وسرعته إلى الظلم في بخله بماله، فقال أبو الأسود: واللّه ما أجاور رجلا يقطع رحمي ويكذب على ربي. فباع داره واشترى دارا في هذيل، فقيل له: يا أبا الأسود، أبعت دارك! قال: لم أبع داري، ولكن بعت جاري، فأرسلها مثلا وقال في ذلك:
رماني جاري ظالما برميّة ... فقلت له مهلا فأنكر ما أتى
/ وقال الذي يرميك ربّك جازيا ... بذنبك، والحوبات تعقب ما ترى [1]
/فقلت له لو أن ربي برمية ... رماني لما أخطا إلهي ما رمى
جزى اللّه شرّا كلّ من نال سوءة ... وينحل فيها ربّه الشرّ والأذى [2]
وقال فيه أيضا:
لحى اللّه مولى السّوء لا أنت راغب ... إليه ولا رام به من تحاربه
وما قرب مولى السوء إلا كبعده ... بل البعد خير من عدوّ تصاقبه [3]
وقال فيه أيضا:
وإني لتثنيني عن الشتم والخنا ... وعن سبّ ذي القربى خلائق أربع
حياء وإسلام ولطف وأنني ... كريم، ومثلي قد يضرّ وينفع
فإن أعف يوما عن ذنوب أتيتها ... فإن العصا كانت لمثلي تقرع [4]
وشتان ما بيني وبينك إنني ... على كل حال أستقيم وتظلع [5]
__________
[1] الحوبة: الإثم.
[2] نحله: نسبه إليه.
[3] صاقبه: قاربه.
[4] يشير إلى المثل: «إن العصا قرعت لذي الحلم»، ومعناه أن الحكيم إذا نبه انتبه، وأوّل من قرعت له العصا عامر بن الظرب لما طعن في السن أنكر من عقله شيئا، فقال لبنيه: إذا رأيتموني خرجت من كلامي وأخذت في غيره فاقرعوا إلى المجن بالعصا.
[5] ظلّع: غمز في مشيه.
قصته مع جار له آذاه، وشعره في ذلك
أخبرني عمي قال حدّثنا الكرانيّ قال حدّثنا الرياشيّ عن العتبي قال: كان لأبي الأسود جار في ظهر داره له باب إلى قبيلة أخرى، وكان بين دار أبي الأسود وبين داره باب مفتوح يخرج منه كل واحد منهما إلى قبيلة صاحبه إذا أرادها، وكان الرجل ابن عمّ أبي الأسود دنية، وكان شرسا سيء الخلق، فأراد سدّ ذلك الباب، فقال له قومه: لا تفعل فتضّر بأبي الأسود وهو شيخ، وليس عليك في هذا الباب ضرر ولا مؤنة، فأبى إلا سدّه، ثم ندم على ذلك لأنه أضرّ به، فكان إذا أراد سلوك الطريق التي كان يسلكها منه بعد عليه، فعزم على فتحه، وبلغ ذلك أبا الأسود فمنعه منه وقال فيه:
صوت
بليت بصاحب إن أدن شبرا ... يزدني في مباعده ذراعا
وإن أمدد له في الوصل ذرعي ... يزدني فوق قيس الذرع باعا [1]
أبت نفسي له إلا اتّباعا ... وتأبى نفسه إلا امتناعا
كلانا جاهد أدنو وينأى ... فذلك ما استطعت وما استطاعا
الغناء في هذه الأبيات لإبراهيم ثقيل أوّل بالبنصر، وفيه لعريب خفيف رمل. ولعلويه لحن غير منسوب. قال وقال أبو الأسود أيضا في ذلك:
لنا جيرة سدّوا المجازة بيننا ... فإن أذكروك السدّ فالسدّ أكيس
ومن خير ما ألصقت بالجار حائط ... تزلّ به سفع الخطاطيف أملس [2]
وقال أيضا في ذلك:
أخطأت حين صرمتني ... والمرء يعجز لا محاله [3]
والعبد يقرع بالعصا ... والحر تكفيه المقاله
نزل في بني قشير فآذوه فقال فيهم شعرا
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا محمد بن القاسم بن مهروية قال حدّثني إسحاق بن محمد النخعي عن ابن عائشة عن أبيه وأخبرني به محمد بن جعفر النحويّ قال حدّثنا/ أحمد بن القاسم البزّي قال حدّثني إسحاق بن محمد النخعيّ عن ابن عائشة ولم يقل عن أبيه له قال:
/ كان أبو الأسود الدؤلي نازلا في بني قشير، وكانت بنو قشير عثمانية، وكانت امرأته أمّ عوف منهم، فكانوا
__________
[1] قيس: قدر.
[2] سفع: سود تضرب إلى الحمرة.
[3] لا محالة: لابدّ، وفي «اللسان العرب» مادة (حول): وأنشد ابن بري لأبي دواد يعاتب امرأته في سماحته بماله:
حاولت حين صرمتني ... والمرء يعجز لا المحالة
والمحالة: «الحيلة».
يؤذونه ويسبّونه وينالون من عليّ عليه السلام بحضرته ليغيظوه به، ويرمونه بالليل، فإذا أصبح قال لهم: يا بني قشير، أيّ جوار هذا! فيقولون له: لم نرمك، إنما رماك اللّه لسوء مذهبك وقبح دينك، فقال في ذلك:
يقول الأرذلون بنو قشير ... طوال الدهر لا تنسى عليا!
فقلت لهم: وكيف يكون تركي ... من الأعمال مفروضا عليّا؟
أحب محمدا حبا شديدا ... وعباسا وحمزة والوصيّا [1]
بني عمّ النبي وأقربيه ... أحبّ الناس كلّهم إليّا
فإن يك حبّهم رشدا أصبه ... ولست بمخطىء إن كان غيّا
هم أهل النصيحة غير شكّ ... وأهل مودّتي ما دمت حيا
هوى أعطيته لما استدارت ... رحى الإسلام لم يعدل سويّا [2]
أحبهم لحبّ اللّه حتّى ... أجيء إذا بعثت على هويّا [3]
رأيت اللّه خالق كلّ شيء ... هداهم واجتبى منهم نبيّا
ولم يخصص بها أحدا سواهم ... هنيئا ما اصطفاه لهم مريا
قال: فقالت له بنو قشير: شككت يا أبا الأسود في صاحبك حيث تقول:
فإن يك حبهم رشدا أصبه
/ فقال: أما سمعتم قول اللّه عزّ وجلّ: وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ
أفترى اللّه جلّ وعزّ شكّ في نبيه! وقد روي أنّ معاوية قال هذه المقالة، فأجابه بهذا الجواب.
تهكّم معاوية به فأجابه بشعره
أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال حدّثنا أبو عثمان الأشناندانيّ عن الأخفش عن أبي عمر الجرمي قال:
دخل أبو الأسود الدؤليّ على معاوية، فقال له: لقد أصبحت جميلا يا أبا الأسود، فلو علّقت تميمة تنفى عنك العين! فقال أبو الأسود:
أفنى الشباب الذي فارقت جدّته ... كرّ الجديدين من آت ومنطلق
لم يتركا لي في طول اختلافهما ... شيئا تخاف عليه لذعة الحدق
خبره مع فتى دعاه أن يأكل معه فأتى على طعامه
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثني الحارث بن محمد قال قال حدّثنا المدائنيّ عن عليّ بن سليمان قال:
__________
[1] الوصي: علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه.
[2] الطريق السويّ: المستقيم.
[3] على هويا: على هواي، جرى فيه على لغة هذيل؛ يقلبون الف المقصورة ياء ويدغمونها في ياء المتكلم، قال: أبو ذؤيب الهذلي يرثي أولاده:
سبقوا هوىّ وأعنقوا لهواهم ... فتخرّموا ولكل جنب مصرع
كان أبو الأسود له على باب داره دكّان يجلس عليه، مرتفع عن الأرض إلى قدر صدر الرجل، فكان يوضع بين يديه خوان على قدر الدكان، فإذا مرّ به مارّ فدعاه إلى الأكل لم يجد موضعا يجلس فيه، فمرّ به ذات يوم فتى فدعاه إلى الغداء، فأقبل فتناول الخوان فوضعه أسفل، ثم قال له: يا أبا الأسود، إن عزمت على الغداء فانزل، وجعل يأكل وأبو الأسود ينظر إليه مغتاظا حتى أتى على الطعام، فقال له أبو الأسود: ما اسمك يا فتى؟ قال: لقمان الحكيم، قال: لقد أصاب أهلك حقيقة اسمك.
قال المدائني: وبلغني أنّ رجلا دعاه أبو الأسود إلى طعامه وهو على هذا الدكان، فمدّ يده ليأكل، فشب به فرسه فسقط عنه/ فوقص [1].
كان أبو الجارود صديقا له فلما ولى ولاية جفاه فقال فيه شعرا
أخبرني هاشم بن محمد قال حدّثنا دماذ عن أبي عبيدة قال:
كان أبو الجارود سالم بن سلمة بن نوفل الهذليّ صديقا لأبي الأسود، يهاديه الشعر، ويجيب كل واحد منهما صاحبه، ويتعاشران ويتزاوران، فولى أبو الجارود ولاية، فجفا أبا الأسود وقطعه، ولم يبدأه بالمكاتبة ولا أجابه عنها، فقال فيه أبو الأسود:
أبلغ أبا الجارود عني رسالة ... يروح بها الغادي لربعك أو يغدو
فيخبرنا ما بال صرمك بعد ما ... رضيت وما غيّرت من خلق بعد
أأن نلت خيرا سرّني أن تناله ... تنكّرت حتى قلت ذو لبدة ورد [2]؟
فعيناك عيناه وصوتك صوته ... تمثّله لي غير أنك لا تعدو
لئن كنت قد أزمعت بالصّرم بيننا ... لقد جعلت أشراط أوّله تبدو [3]
فإني إذا ما صاحب رثّ وصله ... وأعرض عني قلّ مني له الوجد
خبره مع الحارث بن خليد وشعره فيه
قال المدائنيّ: كان لأبي الأسود صديق يقال له الحارث بن خليد، وكان في شرف من العطاء، فقال لأبي الأسود: ما يمنعك من طلب الديوان؟ فإنّ فيه غنى وخيرا، فقال له أبو الأسود: قد أغناني اللّه عنه بالقناعة والتجمل، فقال: كلا، ولكنك تتركه إقامة على محبة ابن أبي طالب وبغض هؤلاء القوم. وزاد الكلام بينهما، حتى أغلظ له الحارث بن خليد، فهجره أبو الأسود، وندم الحارث على ما فرط منه، فسأل عشيرته أن تصلح بينهما، فأتوا أبا الأسود في ذلك وقالوا له: قد اعتذر إليك الحارث مما فرط منه وهو رجل حديد [4]، فقال أبو الأسود في ذلك:
__________
[1] وقص: دقت عنقه وكسرت.
[2] اللبدة: الشعر المتراكب بين كتفي الأسد. والورد: الأسد.
[3] أشراط: جمع شرط، كسبب؛ وهو العلامة.
[4] حديد: حادّ اللسان.
/
لنا صاحب لا كليل اللسان ... فيصمت عنا ولا صارم
وشرّ الرجال على أهله ... وأصحابه الحمق العارم
وقال فيه:
إذا كان شيء بيننا قيل إنه ... حديد فخالف جهله وترفّق
شنئت من الأصحاب من لست بارحا ... أدامله دمل السقاء المخرّق [1]
كتب إلى الحصين كتابا فتهاون به فقال فيه شعر
وقال المدائنيّ:
ولّى عبيد اللّه بن زياد الحصين بن أبي الحرّ العنبريّ ميسان، فدامت ولايته إياها خمس سنين، فكتب إليه أبو الأسود كتابا يتصدّى فيه لرفده، فتهاون به ولم ينظر فيه، فرجع إليه رسوله فأخبره بفعله، فقال فيه:
ألا أبلغا عنيّ حصينا رسالة ... فإنك قد قطّعت أخرى خلالكا
فلو كنت إذ أصبحت للخرج عاملا ... بميسان تعطي الناس من غير مالكا [2]
سألتك أو عرّضت بالود بيننا ... لقد كان حقّا واجبا بعض ذلكا
وخبّرني من كنت أرسلت أنما ... أخذت كتابي معرضا بشمالكا
نظرت إلى عنوانه ونبذته ... كنبذك نعلا أخلقت من نعالكا
حسبت كتابي إذ أتاك تعرّضا ... لسيبك، لم يذهب رجائي هنالكا
يصيب وما يدري ويخطي وما درى ... وكيف يكون النّوك إلا كذلكا
فبلغت أبيات أبي الأسود حصينا، فغضب وقال: ما ظننت منزلة أبي الأسود بلغت ما يتعاطاه من/ مساءتنا وتوعّدنا وتوبيخنا، فبلغ ذلك أبا الأسود فقال فيه:
/أبلغ حصينا إذا جئته ... نصيحة ذي الرأي للمجتنيها
فلا تك مثل التي استخرجت ... بأظلافها مدية أو بفيها [3]
فقام إليها بها ذابح ... ومن تدع يوما شعوب يجيها [4]
فظلت بأوصالها قدرها ... تحشّ الوليدة أو تشتويها [5]
وإن تأب نصحي ولا تنتهي ... ولم تر قولي بنصح شبيها
__________
[1] دامله: داراه ليصلح ما بينه وبينه.
[2] الخرج: الخراج.
[3] يشير إلى المثل: «كباحثة عن حتفها بظلفها»، وأصله أن رجلا كان جائعا بالفلاة القفر، فوجد شاة ولم يكن معه ما يذبحها به، فبحثت الشاة الأرض بأظلافها فسقطت على شفرة فذبحها بها.
[4] شعوب: المنية.
[5] حش النار: أوقدها.
أجرّعك صابا وكان المرا ... ر والصاب قدما شرابا كريها
خبره مع معاوية بن صعصعة وشعره في ذلك
وقال خالد بن كلثوم:
كان معاوية بن صعصعة يلقى أبا الأسود كثيرا فيحادثه ويظهر له المودّة، وكانت تبلغه عنه قوارص فيذكرها له فيجحدها أو يحلف أنه لم يفعل، ثم يعاود ذلك، فقال فيه أبو الأسود:
ولي صاحب قد رابني أو ظلمته ... كذلك ما الخصمان برّ وفاجر
وإني امرؤ عندي وعمدا أقوله ... لآتي ما يأتي امرؤ وهو خابر
لسانان معسول عليه حلاوة ... وآخر مسموم عليه الشّراشر [1]
فقلت ولم أبخل عليه نصيحتي ... وللمرء ناه لا يلام وزاجر
إذا أنت حاولت البراءة فاجتنب ... عواقب قول تعتريه المعاذر
فكم شاعر أرداه أن قال قائل ... له في اعتراض القول إنك شاعر
عطفت عليه عطفة فتركته ... لما كان يرضى قبلها وهو حاقر
/ بقافية حذّاء سهل رويّها ... وللقول أبواب ترى ومحاضر [2]
تعزّى بها من نومه وهو ناعس ... - إذ انتصف الليل - المكلّ المسافر [3]
إذا ما قضاها عاد فيها كأنه ... للذته سكران أو متساكر
شعره في عبد اللّه بن عامر وكان مكرما له ثم جفاه لتشيعه
أخبرني عمي قال حدّثنا الكراني قال حدّثني العمريّ عن العتبيّ قال:
كان عبد اللّه بن عامر مكرما لأبي الأسود ثم جفاه لما كان عليه من التشيع فقال فيه أبو الأسود:
ألم تر ما بيني وبين ابن عامر ... من الودّ قد بالت عليه الثعالب
وأصبح باقي الودّ بيني وبينه ... كأن لم يكن، والدهر فيه عجائب
إذا المرء لم يحببك إلا تكرّها ... بدا لك من أخلاقه ما يغالب
فللنأي خير من مقام على أذى ... ولا خير فيما يستقل المعاتب
قصته مع زوجتيه القشيرية والقيسية وشعره في ذلك
أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدّثنا عبيد اللّه بن محمد قال حدّثنا ابن النطاح قال ذكر الحرمازيّ عن رجل من بني الديل قال:
__________
[1] يريد أنه حاد، وفي «اللسان»: شرشر السكين أحدها.
[2] حذاء: سيارة أو منقحة لا يتعلق بها عيب.
[3] أكله: أتعبه.
كانت لأبي الأسود الدؤلي امرأة من بني قشير وامرأة من عبد القيس، فأسنّ وضعف عما يطيقه الشباب من أمر النساء، فأما القشيرية فكانت أقدامهما عنده وأسنهما، فكانت موافقة له صابرة عليه، وهي أم عوف القشيرية التي يقول فيها:
/أبى القلب إلا أم عوف وحبها ... عجوزا ومن يحبب عجوزا يفنّد
كسحق يمان قد تقادم عهده ... ورقعته ما شئت في العين واليد [1]
/و أما الأخرى التي من عبد القيس فهي فاطمة بنت دعميّ - وكانت أشبّهما وأجملهما - فالتوت عليه لما أسنّ، وتنكرت له وساءت عشرتها، فقال فيها أبو الأسود:
تعاتبني عرسي على أن أطيعها ... قد كذبتها نفسها ما تمنّت
وظنت بأني كلّ ما رضيت به ... رضيت به، يا جهلها كيف ظنت!
وصاحبتها ما لو صحبت بمثله ... على ذعرها أروية لاطمأنت [2]
وقد غرّها مني على الشيب والبلى ... جنوني بها، جنّت حيالي وحنّت
- يقال: جنّ وحنّ، وهو من الأتباع كما يقال: حسن بسن -
ولا ذنب لي قد قلت في بدء أمرنا ... ولو علمت ما علّمت ما تعنّت [3]
تشكّى إلى جاراتها وبناتها ... إذا لم تجد ذنبا علينا تجنّت
ألم تعلمي أني إذا خفت جفوة ... بمنزلة أبعدت منها مطيتي
وأني إذا شقّت عليّ حليلتي ... ذهلت ولم أحنن إذا هي حنّت [4]
وفيها يقول:
أفاطم مهلا بعض هذا التعبس ... وإن كان منك الجدّ فالصّرم موئسى
تشتّم لي لما رأتني أحبها ... كذى نعمة لم يبدها غير أبؤس
فإن تنقضي العهد الذي كان بيننا ... وتلوى به في ودّك المتحلّس [5]
فإني - فلا يغررك مني تجملي - ... لأسلى البعاد بالبعاد المكنّس [6]
وأعلم أن الأرض فيها منادح ... لمن كان لم تسدد عليه بمحبس [7]
__________
[1] السحق: الثوب البالي.
[2] الأروية: الأنثى من الوعول.
[3] تعناه: عناه وأوقعه في العناء.
[4] شق عليه: أوقعه في المشقة. ذهله وعنه: سلاه وطابت نفسه عن إلفه.
[5] تحلس بالمكان: أقام به.
[6] يقال: سلاه وسلا عنه، وسيله وسلى عنه.
[7] منادح: جمع مندوحة: وهي السعة.
وكنت امرأ لا صحبة السوء أرتجي ... ولا أنا نوّام بغير معرّس [1]
أرسل غلامه يشتري له جارية فأخذها لنفسه فقال شعرا في ذلك
وقال المدائني:
كان لأبي الأسود الدؤلي مولى يقال له نافع ويكنى أبا الصبّاح، فذكرت لأبي الأسود جارية تباع، فركب فنظر إليها فأعجبته، فأرسل نافعا يشتريها له فاشتراها لنفسه وغدر بأبي الأسود، فقال في ذلك:
إذا كنت تبغي للأمانة حاملا ... فدع نافعا وانظر لها من يطيقها
فإن الفتى خبّ كذوب وإنه ... له نفس سوء يحتويها صديقها
متى يخل يوما وحده بأمانة ... تغل جميعا أو يغل فريقها
على أنه أبقى الرجال سمانة ... كما كلّ مسمان الكلاب سروقها
خطبته في موت عليّ بن أبي طالب
أخبرني حبيب بن نصر المهلبيّ قال حدّثنا عمر بن شبة قال حدّثنا علي بن محمد المدائنيّ عن أبي بكر الهذليّ قال:
أتى أبا الأسود الدؤلي نعي أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام، وبيعة الحسن عليه السلام، فقام على المنبر فخطب الناس ونعى لهم عليا عليه السلام فقال في خطبته:
«و إن رجلا من أعداء اللّه المارقة عن دينه، اغتال أمير المؤمنين/ عليا كرم اللّه وجهه ومثواه في مسجد وهو خارج لتهجده في ليلة يرجى فيها مصادفة ليلة القدر فقتله، فياللّه هو من قتيل! وأكرم به وبمقتله وروحه من روح عرجت إلى اللّه تعالى بالبر والتقى والإيمان والإحسان! لقد أطفأ منه نور اللّه في أرضه لا يبين بعده أبدا، وهدم ركنا من أركان اللّه تعالى لا يشاد مثله؛ فإنّا للّه وإنا إليه راجعون، وعند اللّه نحتسب مصيبتنا بأمير المؤمنين، وعليه السلام ورحمة اللّه يوم ولد ويوم قتل ويوم يبعث حيا».
/ ثم بكى حتى اختلفت أضلاعه، ثم قال:
«و قد أوصى بالإمامة بعده إلى ابن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وابنه وسليله وشبيهه في خلقه وهديه، وإني لأرجو أن يجبر اللّه عز وجل به ما وهى، ويسدّ به ما انثلم، ويجمع به الشمل، ويطفىء به نيران الفتنة، فبايعوه ترشدوا».
كتب إليه معاوية يدعوه إلى أخذ البيعة له بالبصرة فقال شعرا يرثي فيه علي بن أبي طالب
فبايعت الشيعة كلها، وتوقف ناس ممن كان يرى رأي العثمانية ولم يظهروا أنفسهم بذلك، وهربوا إلى معاوية، فكتب إليه معاوية ودس إليه رسولا يعلمه أن الحسن عليه السلام قد راسله في الصلح، ويدعوه إلى أخذ البيعة له بالبصرة، ويعده ويمنّيه؛ فقال أبو الأسود:
ألا أبلغ معاوية بن حرب ... فلا قرّت عيون الشامتينا
__________
[1] المعرس: موضع التعريس؛ وهو نزول القوم في السفر آخر الليل للأستراحة.
أفي شهر الصيام فجعتمونا ... بخير الناس طرّا أجمعينا
قتلتم خير من ركب المطايا ... وخيّسها ومن ركب السفينا [1]
ومن لبس النعال ومن حذاها ... ومن قرأ المثاني والمئينا [2]
إذا استقبلت وجه أبى حسين ... رأيت الدر راق الناظرينا
لقد علمت قريش حيث حلت ... بأنك خيرها حسبا ودينا
لزم ابنه المنزل فحثه على العمل والسعي في طلب الرزق
أخبرني أبو الحسن الأسدي قال حدّثنا الرياشيّ عن الهيثم بن عديّ عن أبي عبيدة قال:
كان أبو حرب بن أبي الأسود قد لزم منزل أبيه بالبصرة لا ينتجع أرضا، ولا يطلب الرزق في تجارة ولا غيرها، فعاتبه أبوه على ذلك، فقال أبو حرب: إن كان لي رزق فسيأتيني، فقال له:
/و ما طلب المعيشة بالتمنيّ ... ولكن ألق دلوك في الدّلاء
تجئك بملئها يوما ويوما ... تجئك بحمأة وقليل ماء [3]
شعره في ابن مولاته لطيفة
قال المدائني:
كانت لأبي الأسود مولاة يقال لها لطيفة، وكان لها عبد تاجر يقال له ملمّ فابتاعت له أمة وأنكحته إياها، فجاءت بغلام فسمته زيدا، فكانت تؤثره على كل أحد، وتجد به وجد الأم بولدها، وجعلته على ضيعتها، فقال فيه أبو الأسود، وقد مرضت لطيفة:
وزيد هالك هلك الحبارى ... إذا هلكت لطيفة أو ملم [4]
تبنته فقال وأنت أمي ... فأنى بعدها لك زيد أمّ!
ترمّ متاعه وتزيد فيه ... وصاحبها لما يحوي مضمّ [5]
ستلقى بعدها شرا وضرا ... وتقصى إن قربت فلا تضمّ
وتلقاك الملامة كلّ وجه ... سلكت وينتحي حاليك ذم
/ قال فماتت لطيفة من علتها تلك، وورثها أبو الأسود، فطرد زيدا عما كان يتولاه من ضيعتها، وطالبه بما خانه من مالها فارتجعه، فكان بعد ذلك ضائعا مهانا بالبصرة كما قال فيه وتوعده.
__________
[1] خيسها: ذللها.
[2] حذاه نعلا: أعطاه إياها.
[3] الحمأة: الطين الأسود المنتّن.
[4] جاء في «لسان العرب»: «الحبارى: طائر، ومن أمثالهم فيه: «فلان ميت كمد الحبارى»، وذلك أنها تحسر مع الطير أيام التحسير فتلقي الريش، ثم يبطىء نبات ريشها، فإذا طار سائر الطير عجزت عن الطيران فتموت كمدا».
وفي «حياة الحيوان الكبرى» للدميري: «و هي من أكثر الطير حيلة في تحصيل الرزق، ومع ذلك تموت جوعا لهذا السبب».
[5] مضم: شديد الضم.
اشترى جارية للخدمة فتعرّضت له فقال في ذلك شعرا
قال المدائني أيضا:
أشترى أبو الأسود أمة للخدمة، فجعلت تتعرض منه للنكاح وتتطيب وتشتمل بثوبها، فدعاها أبو الأسود فقال لها: اشتريتك للعمل والخدمة، ولم أشترك للنكاح، فأقبلي على خدمتك، وقال فيها:
أصلاح إني لا أريدك للصّبا ... فدعي التشمل حولنا وتبذّلي [1]
إني أريدك للعجين وللرّحا ... ولحمل قربتنا وغلي المرجل
وإذا تروّح ضيف أهلك أو غدا ... فخذي لآخر أهبة المستقبل
أهدى إليه المنذر بن الجارود ثيابا فقال شعرا يمدحه فيه
أخبرنا الحسن بن الطيب الشجاعي قال حدّثنا أبو عشانة عن ابن عباس قال: كان المنذر بن الجارود العبدي صديقا لأبي الأسود الدؤلي تعجبه مجالسته وحديثه، وكان كل واحد منهما يغشي صاحبه؛ وكانت لأبي الأسود مقطّعة [2] من برود يكثر لبسها، فقال له المنذر: لقد أدمنت لبس هذه المقطعة، فقال له أبو الأسود: رب مملول لا يستطاع فراقه؛ فعلم المنذر أنه قد احتاج إلى كسوة فأهدى له ثيابا، فقال أبو الأسود يمدحه:
كساك ولم تستكسه فحمدته ... أخ لك يعطيك الجزيل وناصر
وإن أحق الناس إن كنت حامدا ... بحمدك من أعطاك والعرض وافر
أبيات أوصى فيها ابنه
أنشدني محمد بن العباس اليزيدي عن عمه عبيد اللّه عن ابن حبيب لأبي الأسود يوصي ابنه، وفي هذه الأبيات غناء:
صوت
لا ترسلن رسالة مشهورة ... لا تستطيع - إذا مضت - إدراكها
أكرم صديق أبيك حيث لقيته ... واحب الكرامة من بدا فحباكها
لا تبدينّ نميمة حدّثتها ... وتحفّظنّ من الذي انباكها
اعتذر لزياد في شيء جرى بينهما فلم يقبل عذره فقال في ذلك شعرا
أخبرني محمد بن خلف بن مرزبان قال حدّثنا أبو محمد المروزي عن القحذمي عن بعض الرواة أن أبا الأسود الدؤلي اعتذر إلى زياد في شيء جرى بينهما، فكأنه لم يقبل عذره فأنشأ يقول:
إنني مجرم وأنت أحق الن ... اس أن تقبل الغداة اعتذاري
فاعف عني فقد سفهت وأنت ال ... مرء تعفو عن الهنات الكبار
__________
[1] تبذل: لبس البذلة؛ وهي ثوب الخدمة والأعمّال. تشمل بالشملة (بالفتح): تغطي بها، وهي كساء دون القطيفة يلتحف به.
[2] المقطعات من الثياب: شبه الجباب من الخز وغيره.
فتبسم زياد وقال: أما إذا كان هذا قولك فقد قبلت عذرك وعفوت عن ذنبك.
استشير في رجل أن يولى ولاية فقال شعرا
أخبرني هاشم بن محمد قال حدّثني عبد الرحمن ابن أخي الأصمعيّ عن عمه عن عيسى بن عمر قال:
سئل أبو الأسود عن رجل، واستشير في أن يولّى ولاية، فقال أبو الأسود: هو ما علمته: أهيس أليس، ألدّ ملحس [1]، أن أعطى انتهر [2]، وإن سئل أزر [3]. قال الأصمعي: الأهيس: الحاد، ويقال في المثل:
إحدى لياليك فهيسي هيسي
/ قال: ويقال ناقة ليساء: إذا كانت لا تبرح من المبرك. قال: وهو مما يوصف به الشجاع [4]، وأنشد في صفة ثور.
/ أليس عن حوبائه [5] سخيّ
ضمن له كاتب بن عامر أن يقضي حاجة ثم نكث فقال شعرا في ذلك
أخبرني أحمد بن محمد بن عمران الصيرفيّ قال حدّثنا الحسن بن عليل العنزيّ قال حدّثني أحمد بن الأسود بن الهيثم الحنفي قال حدّثنا أبو محلّم عن مؤرّج السدوسيّ عن عبد الحميد بن عبد اللّه بن مسلم بن يسار قال - وكان من أفصح أهل زمانه - قال: أوصى أبو الأسود الدؤلي كاتبا لعبد اللّه بن عامر بحاجة له فضمن قضاءها ثم لم يصنع فيها شيئا، فقال أبو الأسود:
لعمري لقد أوصيت أمس بحاجتي ... فتى غير ذي قصد عليّ ولا رؤف [6]
ولا عارف ما كان بيني وبينه ... ومن خير ما أدلى به المرء ما عرف
وما كان ما أمّلت منه ففاتني ... بأول خير من أخي ثقة صرف
جفاه أبو الجارود فقال فيه شعرا
أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال حدّثني محمد بن القاسم مولى بني هاشم قال حدّثني أبو زيد الأنصاري سعيد بن أوس قال حدّثني بكر بن حبيب السهمي عن أبيه، وكان من جلساء أبى الأسود الدؤلي قال:
كان أبو الجارود سالم بن سلمة بن نوفل الهذلي شاعرا، وكان صديقا لأبي الأسود الدؤلي، فكان يهاديه الشعر، ثم تغير ما بينهما، فقال فيه أبو الأسود:
__________
[1] ألدّ: جدل شديد الخصومة. والملحس: الحريص، والذي يأخذ كل شيء يقدر عليه، والشجاع كأنه يأكل كل شيء يرتفع له.
[2] انتهره: زجره.
[3] أزر، كضرب: تضام وتقبض من بخله.
[4] الأليس: الشجاع الذي لا يبالي الحرب.
[5] الحوباء: النفس.
[6] رؤف: رءوف.
/
أبلغ أبا الجارود عني رسالة ... يروح بها الماشي ليلقاك أو يغدو
فيخبرنا ما بال صرمك بعد ما ... رضيت وما غيّرت من خلق بعد
أأن نلت خيرا سرني حين نلته ... تنكرت حتى قلت ذو لبدة ورد؟
فعيناك عيناه وصوتك صوته ... تمثله لي غير أنك لا تعدو
فإن كنت قد أزمعت بالصّرم بيننا ... وقد جعلت أسباب أوّله تبدو
فإني إذا ما صاحب رثّ وصله ... وأعرض عني قلت بالأبعد الفقد
وفاته
وكانت وفاة أبي الأسود فيما ذكره المدائني في «الطاعون الجارف» سنة تسع وستين وله خمس وثمانون سنة.
قال المدائنيّ: وقد قيل إنه مات قبل ذلك؛ وهو أشبه القولين بالصواب، لأنا لم نسمع له في فتنة مسعود وأمر المختار [1] بذكر، وذكر مثل هذا القول بعينه. والشك فيه هل أدرك «الطاعون الجارف» أولا، عن يحيى بن معين.
أخبرني به الحسن بن عليّ عن أحمد بن زهير عن المدائني ويحيى بن معين:
صوت
لعمرك أيها الرجل ... لأي الشكل تنتقل
أتهجر آل زينب أم ... تزورهم فتعتدل؟
هم ركب لقوا ركبا ... كما قد تجمع السّبل
فذلك دأبنا وبذا ... ك تجري بيننا الرسل
الشعر لأبي نفيس بن يعلى بن منية، والغناء لمعبد خفيف ثقيل أوّل بالسبابة في مجرى الوسطى، وفيه لابن سريج رمل بالوسطى، ولجميلة خفيف رمل بالبنصر.
__________
[1] هو المختار بن أبي عبيد بن مسعود الثقفي، كان قد خرج يطلب بدم الحسين رضي اللّه عنه ونشبت بينه وبين مصعب بن الزبير وقائع انتهب بقتله سنة 67.
24 - أخبار أبي نفيس ونسبه
نسبه
/ اسمه حييّ بن يحيى بن يعلى بن منية، وقيل بل اسم أبي نفيس يحيى بن ثعلبة بن منية، ومنية أمّه، ذكر ذلك الزبير بن بكّار عن عمرو بن يحيى بن عبد الحميد. قال الزبير: وكان عمي يقول: اسمه ميمون بن يعلى؛ وأمّه منية بنت غزوان أخت عتبة بن غزوان، وأبوه أميّة بن عبدة بن همام بن جشم بن بكر بن زيد بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم، وجدت ذلك بخطّ أبي محلّم النسابة. قال: ويقال لبني زيد بن مالك بنو العدويّة؛ وهي فكيهة بنت تميم بن الدئل بن حسل بن عديّ بن عبد مناة بن تميم، ولدت لمالك بن حنظلة زيدا وصديّا ويربوعا، فهل يدعون بني العدوية.
بعض أخبار جدّه يعلى بن منية
وكان يعلى بن منية حليفا لبني أميّة وعديدا [1] لهم، وبينه وبينهم صهر ومناسبة، وقد أدرك النبيّ صلى اللّه عليه وسلّم وسمع منه حديثا كثيرا وروى عنه حديثا كثير، وعمّر بعده؛ وكان مع عائشة يوم الجمل على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام.
أخبرني عميّ قال حدّثنا أحمد بن الحارث قال حدّثنا المدائنيّ عن أبي مخنف عن عبد الرحمن بن عبيد عن أبي الكنود قال: قال عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه: منيت - أو بليت - بأطوع الناس في الناس عائشة، وبأدهى الناس طلحة، وبأشجع الناس الزبير، وبأكثر الناس ما لا يعلى بن منية، وبأجود قريش عبد اللّه بن عامر؛ فقام إليه رجل من الأنصار فقال: واللّه يا أمير المؤمنين لأنت أشجع من الزبير، وأدهى من طلحة، وأطوع فينا من عائشة، وأجود من ابن عامر، ولمال اللّه أكثر من مال يعلى بن منية، وليكونن كما قال اللّه عز وجل: فَسَيُنْفِقُونَها ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ
فسر عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه بقوله: ثم قام إليه رجل آخر منهم فقال:
أما الزّبير فأكفيكه ... وطلحة يكفيكه وحوحه
ويعلى بن منية عند القتال ... شديد التثاؤب والنحنحة
وعايش يكفيكها واعظ ... وعائش في الناس مستنصحه
فلا تجزعنّ فإن الأمور ... إذا ما أتيناك مستنجحة
وما يصلح الأمر إلا بنا ... كما يصلح الجبن بالإنفحه [2]
__________
[1] العديد: الذي يعد من أهلك وليس منهم.
[2] الإنفحة: شيء يستخرج من بطن الجدي الراضع أصفر فيعصر في صوفة مبتلة في اللبن فيغلظ كالجبن.
قال: فسرّ علي عليه السلام بقوله، ودعا له وقال: بارك اللّه فيك. قال: فأما الزبير فناشده عليّ عليه السلام فرجع فقتله بنو تميم، وأما طلحة فناشده وحوحة، وكان صديقه وكان من القرّاء، فذهب لينصرف، فرماه رجل من عسكرهم فقتله.
فأما ما رواه عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلّم فكثير، ولكني أذكر منه طرفا كما ذكرت لغيره.
روى يعلى الحديث عن النبي صلى اللّه عليه وسلّم
أخبرني أحمد بن الجعد قال حدّثني محمد بن عباد المكيّ قال حدّثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عطاء بن أبي رباح عن صفوان بن يعلى بن منية عن أبيه أنه سمع النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يقرأ على المنبر: وَنادَوْا يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ
وقد روى يعلى عنه صلّى اللّه عليه وسلّم حديثا كثيرا اقتصرت منه على هذا لتعرف روايته عنه.
أقرض يعلى الزبير بن العوام يوم الجمل مالا، فقضاه عنه ابنه عبد اللّه بعد مقتله
أخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن عمار قال حدّثنا سليمان بن أبي شيخ قال حدّثنا محمد بن الحكم عن أبي مخنف قال/: أقرض يعلى بن منية الزبير بن العوّام حين خرج/ إلى البصرة في وقعة الجمل أربعين ألف دينار، فقضاها ابن الزبير بعد ذلك لأن أباه قتل يومئذ ولم يقضه إياها.
قال: ولما صاروا إلى البصرة تنازع طلحة والزبير في الصلاة، فاتفقا على أن يصلي ابن هذا يوما وابن هذا يوما، وقال شاعرهم في ذلك:
تبارى الغلامان إذ صلّيا ... وشحّ على الملك شيخاهما
ومالي وطلحة وابن الزبير ... وهذا بذي الجزع مولاهما [1]
فأمّهما اليوم غرّتهما ... ويعلى بن منية دلّاهما [2]
رثى يعلى زوجه حين توفيت بتهامة
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزبير بن بكار قال حدّثني محمد بن يحيى عن جدّه عبد الحميد قال:
كان يعلى بن منية - ويكنى أبا نفيس، وسمعت غير جدّي يقول اسمه يحيى وهو من بني العدوية من بني تميم من بني حنظلة - تزوج امرأة من بني مالك بن كنانة يقال لها زينب، ولهم حلف في بني غفار، وهي من بنات طارق اللاتي يقلن:
نحن بنات طارق ... نمشي على النمارق [3]
فتوفيت بتهامة فقال يرثيها:
يا ربّ ربّ الناس لما نحّبوا ... وحين أفضوا من منى وحصبوا [4]
__________
[1] جزع الوادي: منعطفه.
[2] أمهما: يعني عائشة أم المؤمنين.
[3] النمارق: جمع نمرقه وهي البساط.
[4] نحبوا: ساروا سيرا سريعا دائبا (يعني الحجيج). حصبوا: رموا بالحصباء؛ وهي الجمار.
لا يسقينّ ملح وعليب ... والمستراد لا سقاة الكوكب [1]
من أجل حمّاهن ماتت زينب
/ قال الزبير: وأنشدنيها عمي مصعب لأبي نفيس بن يعلى بن منية، قال: واسمه ميمون، وكان عمي يقول:
اسم أبي نفيس ميمون بن يعلى، وقال في الأبيات:
لا يسقين عنبب وعليب [2]
أخبرني الحرميّ قال حدّثنا الزبير قال حدّثني محمد بن يحيى عن جدّه غسّان بن عبد الحميد قال:
رأت عائشة زوج النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بنات طارق اللواتي يقلن:
نحن بنات طارق ... نمشي على النّمارق
فقالت: أخطأ من يقول: الخيل أحسن من النساء.
قال: وقالت هند بنت عتبة لمشركي قريش يوم أحد:
نحن بنات طارق ... نمشي على النمارق
الدّرّ في المخانق [3] ... والمسك في المفارق
إن تقبلوا نعانق ... أو تدبروا نفارق
فراق غير وامق
أخبرني الحرميّ قال: حدّثنا الزبير قال حدّثني محمد بن يحيى بن عبد الملك الهديريّ قال:
جلست ليلة وراء الضحّاك بن عثمان الحزاميّ في مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأنا متقنع، فذكر الضحّاك وأصحابه قول هند يوم أحد:
نحن بنات طارق
/ فقال: وما طارق؟ فقلت: النجم، فالتفت الضحاك فقال: أبا زكريا، وكيف بذاك؟ فقلت: قال اللّه عز وجل: وَالسَّماءِ وَالطَّارِقِ وَما أَدْراكَ مَا الطَّارِقُ النَّجْمُ الثَّاقِبُ
فقالت: إنما نحن بنات النجم، فقال: أحسنت.
صوت
/خليليّ قوما في عطالة فآنظرا ... أنارا أرى من نحو يبرين أم برقا [4]
فإن يك برقا فهو في مشمخرّة ... تغادر ماء لا قليلا ولا طرقا [5]
__________
[1] ملح: موضع من ديار بني جعدة باليمامة. وعليب: موضع بين الكوفة والبصرة. والمستراد: موضع في سواد العراق من منازل إياد.
والكوكب: الماء.
[2] عنبب: اسم موضع.
[3] المخنقة موضع: القلادة.
[4] عطالة: جبل منيف بديار بني سعد.
[5] المشمخر: الجبل العالي. الطرق: الماء المجتمع الذي خيض فيه فكدر فهو مطروق وطرق.
وإن تك نارا فهي نار بملتقى ... من الريح تسفيها وتصفقها صفقا [1]
- ويروى: «تزهاها وتعفقها [2] عفقا» -
لأمّ عليّ أوقدتها طماعة ... لأوبة سفر أن تكون لهم وفقا
العشر لسويد بن كراع، والغناء لابن محرز خفيف ثقيل أوّل بالوسطى عن يحيى المكي، وذكر غيره أنه لابن مسحج.
__________
[1] صفقته الريح: ضربته وحركته.
[2] زهت الريح النبات: هزته غب الندى. وعفقها: جمعها وضمها.
25 - أخبار سويد بن كراع ونسبه
سويد بن كراع [1] العكليّ، أحد بني الحارث بن عوف بن وائل بن قيس بن عكل. شاعر فارس مقدم من شعراء الدولة الأموية. وكان في آخر أيام جرير والفرزدق.
كان شاعرا محكما، وكان رجل بني عكل وذا الرأي والتقدّم فيهم
وذكر محمد بن سلام في كتاب الطبقات فيما أخبرنا عنه أبو خليفة قال:
كان سويد بن كراع شاعرا محكما، وكان رجل بني عكل وذا الرأي والتقدّم فيهم، وعكل وضبّة وعديّ وتيم هم الرّباب.
قال: وكان بعض بني عديّ ضرب رجلا من بني ضبّة، ثم من بني السيّد، وهم قوم نكد شرس [2]، وهم أخوال الفرزدق، فاجتمعوا حتى ألّم أن يكون بينهم شرّ، فجاء رجل من بني عديّ فأعطى يده رهينة [3] لينظروا ما يصنع المضروب، فقال خالد بن علقمة (ابن الطّيفان) [4] حليف بني عبد اللّه بن دارم:
أسالم إني لا إخالك سالما ... أتيت بني السيّد الغواة الأشائما
أسالم إن أفلتّ من شرّ هذه ... فوائل فرارا إنما كنت حالما [5]
أسالم ما أعطى ابن مامة مثلها ... ولا حاتم فيما بلا الناس حاتما
قال شعرا يردّ به على خالد بن علقمة
فقال سويد بن كراع يجيبه عن ذلك:
أشاعر عبد اللّه إن كنت لائما ... فإني لما تأتي من الأمر لائم
تحضّض أفناء الرباب سفاهة ... وعرضك موفور وليلك نائم [6]
/و هل عجب أن تدرك السّيد وترها ... وتصبر للحق السّراة الأكارم [7]
__________
[1] كراع: اسم أمه لا ينصرف، واسم أبيه عمرو، وقيل: سلمة العكلي (تاج العروس).
[2] نكد: جمع أنكد، وهو الرجل العسر الشديد الشرّ.
[3] أعطى يده رهينة: أسلم نفسه للاسر.
[4] الطيفان: أم خالد بن علقمة.
[5] واءل: طلب النجاة.
[6] أفناء: أخلاط.
[7] يريد بالحق هنا القصاص.
رأيتك لم تمنع طهيّة حكمها ... وأعطيت يربوعا وأنفك راغم [1]
وأنت امرؤ لا تقبل النصح طائعا ... ولكن متى تقهر فإنك رائم [2]
ووجدت هذا الخبر في رواية أبي عمرو الشيباني أتمّ منه هاهنا واوضح فذكرته؛ قال:
كان بين بني السيّد بن مالك، من ضبة، وبين بني عديّ بن عبد مناة ترام على خبراء بالصّمّان [3] يقال لها ذات الزّجاج، فرمي عمرو بن حشفة أخو بني شييم فمات، ورمت بنو السّيد رجلا منهم يقال له مدلج بن صخر العدويّ فمكث أياما لم يمت، فمرّ رجل من بني عديّ يقال له معلّل على بني السيد وهو لا يعلم الخبر، فأخذوه فشدّوه وثاقا فأفلت منهم، ومشى بينهم عصمة بن أبير [4] التيميّ سفيرا، فقال لسالم بن فلان العدويّ: لو رهنتهم نسفك فإن مات مدلج كان رجل برجل، وإن لم يمت حملت دية صاحبهم، ففعل ذلك سالم على أن يكون عند أخثم بن حميريّ أخي بني/ شييم من بني السيد، فكان عنده. ثم إن بني السيد لما أبطأ عليهم موت مدلج أتوا أخثم لينتزعوا منه سالما ويقتلوه، فقوّض عليه أخثم بيته ثم قال: يا آل أميّ - وكانت أمّه من بني عبد مناة بن بكر - فمنعه عبد مناة. ثم إن بني السيد قالوا لأخثم: إلى كم تمنع هذا الرجل؛ أما الدية فو اللّه لا نقبلها أبدا. فجعل لهم أجلا إن لم يمت مدلج فيه دفع إليهم سالما فقتلوه به. فلما كان قبل ذلك الأجل بيوم مات مدلج، فقتلوا [5] سالما، فقال في ذلك خالد بن علقمة أخو بني عبد اللّه بن دارم، وهو ابن الطّيفان:
أسالم ما منّتك نفسك بعد ما ... أتيت بني السّيد الغواة الأشائما؟
/ أسالم قد منتك نفسك أنما ... تكون ديات ثم ترجع سالما
كذبت ولكن ثائر متبسّل ... يلقّيك مصقول الحديدة صارما [6]
أسالم ما أعطى ابن مامة مثلها ... ولا حاتم فيما بلا الناس حاتما
أسالم إن أفلت من شرّ هذه ... فوائل فرارا إنما كنت حالما
وقد أسلمت تيم عديّا فأربعت ... ودلّت لأسباب المنيّة سالما [7]
فأجابه سويد بن كراع بالأبيات التي ذكرها ابن سلام، وزاد فيها أبو عمرو:
دعوتم إلى أمر النّواكة دار ما ... فقد تركتكم والنواكة دارم
__________
[1] طهية، من بني حنظلة، وبنو يربوع بن حنظلة أبناء عمومتهم.
[2] رائم: محب ألف.
[3] الخبراء: منبت الخبر، وهو شجر السدر، والصمان: جبل في أرض تميم.
[4] كذا في ج، وفي باقي الأصول: «وثير»، تصحيف.
[5] في الأصول: «فقتلوا به».
[6] تبسل: عبس غضبا أو شجاعة.
[7] أسلمت: خذلت. أربعت: أطمأنت، من قولهم: أربع القوم إذا أقاموا في المربع. دلت من التدلية، يقال: دلاه في حفرة القبر أي أرسله فيه، والأسباب: الحبال.
وكنت كذات البوّ شرّمت استها ... فطابقت لما خرّمتك الغمائم [1]
فلو كنت مولى مسلت ما تجللت ... به ضبع في ملتقى القوم واحم [2]
ولم يدرك المقتول إلا مجرّه ... وما أسأرت منه النسور القشاعم [3]
عليك ابن عوف لا تدعه فإنما ... كفاك موالينا الذي جرّ سالم
أتذكر أقواما كفوك شئونهم ... وشأنك إلا تركه متفاقم
/ قال: وقال سويد بن كراع في ذلك:
أرى آل يربوع وأفناء مالك ... أعضّوك في الحرب الحديد المنقّبا [4]
هم رفعوا فأس اللجام فأدركت ... لهاتك حتى لم تدع لك مشربا [5]
فإن عدت عادوا بالتي ليس فوقها ... من الشرّ إلا أن تبيت محجّبا
وتصبح تدرى الكعكبيّة قاعدا ... وينتف من ليتيك ما كان أزغبا [6]
- تدرى: تمشط بالمدرى [7] كما يفعل بالنساء والكعكبية: مشطة معروفة -
فهل سألوا فينا سواء الذي لهم ... وهل نحن أعطينا سواه فتعجبا [8]
ويروى:
فهل سألونا خصلة غير حقهم
وهو أجود.
استعدت بنو عبد اللّه سعيد بن عثمان عليه:
قال: فآستعدت بنو عبد اللّه سعيد بن عثمان بن عفّان على سويد بن كراع في هجائه إياهم، فطلبه ليضربه ويحسبه، فهرب منه، ول يزل متواريا حتى كلّم فيه، فأمّنه على ألّا يعاود، فقال سويد بن كراع:
تقول ابنة العوفيّ ليلى ألا ترى ... إلى ابن كراع لا يزال مفزّعا
__________
[1] البوّ: جلد الحوار يحشى تبنا فيقرب من الناقة فتعطف عليه فتدر. وشرمت استها: شققت. وانظر (اللسان) (شرم) وفي الأصول «سرمت». وطابقت: أذعنت وبخعت. الغمامة: خرقة كالكرة تدخل في أنف الناقة لئلا تشمّ.
[2] زعموا أن الرجل إذا ضربت عنقه سقط على وجهه فإذا انتفخ انتفخ غرموله وعظم، فقلبه عند ذلك على القفا، فإذا جاءت الضبع لتأكله، فرأته على تلك الحال استدخلت غرموله وقضت وطرها منه ثم أكلته. (الحيوان) 5: 117 (طبعة الحلبي) وتجلل الفحل الناقة: علاها، وفي الأصول: «تحللت» تصحيف، والواحم: المشتهية للضراب.
[3] أسأرت: أبقت. نسر قشعم: مسنّ.
[4] المنقب: المثقب. أعضوك الحديد: جعلوك تعضه.
[5] اللهاة: اللحمة المشرفة على الحلق. فأس اللجام: الحديدة القائمة في الحنك.
[6] الليت: صفحة العنق. الزغب: صغار الشعر.
[7] المدري: المشط.
[8] سواه وسوى واحد.
مخافة هذين الأميرين سهّدت ... رقادي وغشّتني بياضا تفرّعا [1]
/على غير جرم غير أن جار ظالم ... عليّ فجهزت القصيد المفرّعا
/ وقدها بني الأقوام لمّا رميتهم ... بفاقرة إن همّ أن يتشجعا [2]
أبيت بأبواب القوافي كأنما ... أصادي بها سربا من الوحش نزّعا [3]
أكالئها حتى أعرّس بعدما ... يكون سحير أو بعيد فأهجعا [4]
فجشّمني خوف ابن عثمان ردّها ... ورعيتها صيفا جديدا ومربعا
نهاني آبن عثمان الإمام وقد مضت ... نوافذ لو تردي الصفا لتصدعا [5]
عوارق ما يتركن لحما بعظمه ... ولا عظم لحم دون أن يتمزّعا [6]
أحقّا هداك اللّه أن جار ظالم ... فأنكر مظلوم بأن يؤخذا معا
وأنت ابن حكّام أقاموا وقوّموا ... قرونا وأعطوا نائلا غير أقطعا [7]
انتجع بقومه أرض بني تميم:
أخبرني محمد بن مزيد بن أبي الأزهر قال حدّثنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه عن الهيثم بن عديّ عن حمّاد الراوية قال:
انتجع سويد بن كراع بقومه أرض بني تميم، فجاور بني قريع بن عوف بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم، فأنزله بغيض بن عامر بن شماس بن لأي بن أنف الناقة بن قريع وأرعاه، ووصله وكساه. فلم يزل مقيما فيهم حتى أحيا [8]، ثم ودّعهم وأتى بغيضا وهو في نادي قومه وقد مدحه فأنشده قوله.
قال حماد: ومن لا يعلم يروي هذه القصيدة للحطيئة لكثرة مدحه بغيضا، وهي لسويد بن كراع:
/ارتعت للزّور إذ حيّا وأرّقني ... ولم يكن دانيا منّا ولا صددا [9]
ودونه سبسب تنضى المطيّ به ... حتى ترى العنس تلقي رحلها الأجدا [10]
__________
[1] يريد سعيد بن عثمان ومن ينوب عنه أو يحضر معه، كما جاء في (لسان العرب) (جزز). وفيه أن العرب ربما خاطبت الواحد بلفظ الأثنين. وروايته: «بياضا مقزعا» ورجل مقزع: دقيق شعر الرأس منفرقه لا يرى على رأسه إلا شعرات متفرقة تتطاير مع الريح.
[2] فاقرة: داهية تكسر الفقار.
[3] صاداه: داراه وساتره.
[4] أكالئها: أراقبها وأراعيها.
[5] رداه: رماه. الصفا: الحجارة الصلدة الضخمة واحدتها صفاة.
[6] عوارق: جمع عارقة، من عرق العظم: أكل ما عليه من اللحم. وفي ط: «يتجزعا».
[7] الأقطع في الأصل: المقطوع اليد.
[8] أحيا: حسنت حال مواشيه.
[9] الزور: الطيف. الصدد: القصد والقرب.
[10] سبسب: مفازة. أنضاه السفر: أهزله. العنس: الناقة الصلبة. ناقة أجد: قوية موثقة الخلق متصلة فقار الظهر.
إذا ذكرتك فاضت عبرتي دررا ... وكاد مكتوم قلبي يصدع الكبدا
وذاك منّي هوى قد كان أضمره ... قلبي فما ازداد من نقص ولا نفدا
وقد أرانا وحال الناس صالحة ... نحتلّ مربوعة أدمان أبو بردى [1]
ليت الشباب وذاك العصر راجعنا ... فلم نزل كالذي كنا به أبدا
أيام أعلم كم أعملت نحوكم ... من عرمس عاقد لم ترأم الولدا [2]
تصيخ عند السّرى في البيد سامية ... سطعاء تنهض في ميتائها صعدا [3]
كأن رحلي على حمش قوائمه ... برمل عرنان أمسى طاويا وحدا [4]
هاجت عليه من الجوزاء سارية ... وطفاء تحمل جونا مردفا نضدا [5]
/فألجأته إلى أرطاة عانكة ... فيحاء ينهال منها ترب ما التبدا [6]
تخال عطفيه من جول الرّذاذ به ... منظّما بيدي داريّة فردا [7]
حتى إذا ما انجلت عنه دجنّته ... وكشّف الصبح عنه الليل فاطّردا [8]
غدا كذي التاج حلّته أساورة ... كأنما اجتاب في حرّ الضحى سندا [9]
وهي طويلة اختصرتها، يقول فيها:
لا يبعد اللّه إذ ودّعت أرضهم ... أخي بغيضا ولكن غيره بعدا [10]
/لا يبعد اللّه من يعطي الجزيل ومن ... يحبو الخليل وما أكدى وما صلدا [11]
__________
[1] أدمان: شعبة بينها وبين بدر ثلاثة أيام. بردى: جبل بالحجاز. ربعت الأرض فهي مربوعة: أصابها مطر الربيع.
[2] العرمس: الناقة الصلبة. ناقة عاقد: تعقد بذنبها عند اللقاح. رئمت الناقة ولدها: عطفت عليه ولزمته.
[3] أصاخ له: استمع. سطعاء: طويلة العنق. الميتاء: الطريق المسلوك.
[4] على حمش قوائمه، أي على ثور وحشي قوائمه حمش أي دقاق، وهو في ذلك يتأثر قول النابغة الذبياني:
كأن رحلي وقد زال النهار بنا ... بذي الجليل على مستأنس وحد
من وحش وجرة موشيّ أكارعه ... طاوي المصير كسيف الصيقل الفرد
سرت عليه من الجوزاء سارية ... تزجي الشمال عليها جامد البرد
وعرنان: اسم واد دون وادي القرى إلى فيد، كثير الوحش، وفي الأصول: «يزيل غرثان» تصحيف. طاويا: ضامرا. وحدا: وحيدا منفردا.
[5] الجوزاء: من بروج السماء السارية: السحابة تسري ليلا. سحابة وطفاء: مسترخية لكثرة مائها، أو هي الدائمة السح الحثيثة.
والجون يطلق على الأسود والأبيض. مردفا: متتابعا متواليا. النضد: السحاب المتراكم.
[6] الأرطاة: واحدة الأرطي وهو شجر ينبت بالرمل، وعنك الرمل: تعقد وارتفع فلم يكن فيه طريق، ورملة عانك: فيها تعقد لا يقدر البعير على المشي فيها إلا أن يحبو، وفي الأصول «عاتكة» تصحيف. فيحاء: واسعة. التبد: تلبد بعضه على بعض.
[7] العطف: الجانب. جول: جولان. الداريّة: المنسوبة إلى دارين. فرد: (كسبب وعنق): منقطع القرين لا مثل له في جودته.
[8] الدجنة: الظلمة.
[9] اجتاب القميص: لبسه. السند: ضرب من البرود.
[10] بعد: هلك.
[11] أكدى: بخل وقل خيره. صلد: بخل.
ومن تلاقيه بالمعروف معترفا ... إذا اجرهدّ صفا المذموم أو صلدا [1]
لاقيته مفضلا تندى أنامله ... إن يعطك اليوم لا يمنعك ذاك غدا
تجيء عفوا إذا جاءت عطيّته ... ولا تخالط ترنيقا ولا زهدا [2]
أولاه بالمفخر الأعلى وأعظمه ... خلقا وأوسعه خيرا ومنتفدا [3]
إذا تكلّف أقوام صنائعه ... لاقوا - ولم يظلموا - من دونها صعدا [4]
/بحر إذا نكس الأقوام أو ضجروا ... لاقيت خير يديه دائما رغدا [5]
لا يحسب المدح خدعا حين تمدحه ... ولا يرى البخل منهاة له أبدا
إنّي لرافدة ودّي ومنصرتي ... وحافظ غيبه إن غاب أو شهدا
صوت
حنتني حانيات الدهر حتّى ... كأنّي خاتل يدنو لصيد
قريب الخطو يحسب من رآني ... - ولست مقيّدا - أنّي بقيد
عروضه من الوافر. الخاتل: الذي يتقتّر [6] للصيد وينحني حتى لا يرى. ويقال لكل من أراد خداع صيد أو إنسان: خلته، ورّى أمره فلم يظهره. ومن رواه: «كأني حابل» فإنه يعني الذي ينصب حبالة للصيد. الشعر لأبي الطّمحان القيني. والغناء لإبراهيم ما خوريّ وهو خفيف الثقيل الثاني بالوسطى. وذكر ابن حبيب أن هذا الشعر للمسجاح بن سباع الضبيّ، فإن كان ذلك على ما قال فلأبي الطمحان ممّا يغنّي فيه من شعره ولا يشكّ فيه أنّه له قوله:
صوت
أضاءت لهم أحسابهم ووجوههم ... دجى اللّيل حتى نظّم الجزع ثاقبه
الغناء لعريب ثاني ثقيل وخفيف رمل، وذكر ابن المعتزّ أن خفيف الرمل لها، وأن الثقيل الثاني لغيرها.
* تم الجزء الثاني عشر ويليه الجزء الثالث عشر وأوّله أخبار أبي الطمحان القينيّ
__________
[1] اجرهدت الأرض: لم يوجد فيها نبت ولا مرعى. صلد الزند: صوّت ولم يور، ويقال للبخيل: صلدت زناده.
[2] الترنيق: التكدير، والزهد: القلة.
[3] يقال في ماله منتقد، أي سعة.
[4] الصعد: المشقة.
[5] نكس رأسه: طأطأه.
[6] يتقتر: يتهيأ.
بيان
روجع هذا الجزء على النّسخ الّتي رمز إليها في الأجزاء السابقة بالحروف: أ، ج، م، ب، س، ط؛ وقد وصفت جميع هذه النسخ في مقدّمة الجزأين: الأول والثاني من هذه الطبعة. وروجع أيضا على نسخة مصوّرة بدار الكتب المصرية برقم 19018 ز، مأخوذة من معهد إحياء المخطوطات بجامعة الدول العربية عن النسخة الخطّيّة المحفوظة بمكتبة «فيض اللّه» بالآستانة تحت الأرقام: 1561، 1562، 1563، 1564. وقد رمز إليها بالحرف «ف».
وأصل هذه النّسخة نسخة تقع في أربعة وعشرين مجلدا، كتبت سنة 526، وجاء في آخرها ما نصه: «كتب هذا الجزء والأجزاء التي قبله، التي تشتمل على جملة الكتاب، وهي أربعة وعشرون جزءا هبة اللّه بن علي بن مسعود بن إبراهيم بن عبد الحميد الطبيب، حامدا اللّه تعالى، مصلّيا على نبيّه محمد المصطفى، وعلى آله الأخيار، وسلّم تسليما. وفرغ منها في جمادى الأولى من سنة ست وعشرين وخمسمائة، وحسبنا اللّه ونعم الوكيل. ربّ أنعمت فزد. واختم بخير في طاعتك».
والموجود من أجزائها: الثامن، والتاسع، والثاني عشر، والخامس عشر، السادس عشر، والتاسع عشر، والحادي والعشرون، والثالث والعشرون، والرابع والعشرون.
وفي أوّل كل جزء نصّ وقفيّة للكتاب كلّه، وقفها عبد الباسط بن خليل الشافعيّ على خزانته بالخانقاه الّتي أنشأها، بخطّ الكافوري، مؤرّخة في 14 شعبان سنة 826،/و بالصفحة الأولى من كلّ جزء حلية منقوشة بنقوش عربية، بداخلها بيان الجزء واسم مؤلّف الكتاب، وبكلّ جزء فهرس بمحتوياته.
وهذه النسخة مكتوبة بالخطّ النّسخ، ومسطرتها 15 سطرا.
وورد في آخر الجزء الثاني عشر هذه العبارة: «طالع الفقير في هذا المجلّد. وانتقى منه ما احتاجه لشرح شواهد مغنى اللبيب، وشرح شواهد الرضيّ على الكافية الحاجبيّة، كتبه عبد القادر البغدادي سنة 1073».
وفي آخر الجزء السادس عشر، والثالث والعشرين أيضا ما يثبت مطالعة عبد القادر البغدادي لهما.
ويبدأ الجزء الثامن ببقية أخبار «جميل»، وينتهي بآخر أخبار «سلّامة القسّ» وقد ذكرت في هذا الجزء أخبار حارثة بن بدر، وهي مما لم تذكر في طبعة بولاق، وقد أورد «برونو» هذه الأخبار فيما أسماه الجزء الحادي والعشرين. وفي هذا الجزء سقط يقع بعد النصف الأوّل من لوحة 88، يحتوي على آخر أخبار حارثة بن بدر وأخبار أبي دلف.
والجزء التاسع يبدأ بأخبار العباس بن الأحنف، وينتهي بأخبار الأشهب؛ وفي أخبار الأشهب سقط يقع بعد نهاية لوحة 165، وهو يوافق ص 168 سطر 17 إلى ص 169 سطر 16 من الجزء الثامن من طبعة بولاق.
والجزء الثاني عشر يبدأ بأخبار «علوية» وينتهي بأخبار «أبي الأسود الدؤلي». وفي أخبار «أبي وجزة» بعد نهاية.
لوحة 151 سقط يوافق ص 85 س 7 إلى ص 86 س 5 من الجزء الحادي عشر من بولاق، ويوجد بعد نهاية لوحة 156 أيضا سقط يوافق في بولاق ص 90 س 20 إلى 97 س 21 من الجزء الحادي عشر.
/ والجزء الخامس عشر يبدأ بذكر «حبابة» وينتهي بأخبار «يوم الكديد وقتل ربيعة بن مكدم» وفي ترجمة «عمر ابن معد يكرب» سقط يقع في النصف الأوّل من لوحة 50 إلى آخر ترجمته، وهي في بولاق من ص 32 س 17 إلى ص 31 س 20 من الجزء الرابع عشر. ويلاحظ أن السقط الموجود في بولاق ص 129 موجود في آخر هذا الجزء وأوّل الجزء السادس عشر.
والجزء السادس عشر يبدأ بأخبار «عنترة»، وينتهي بأخبار «ذات الخال». ويلاحظ أن أخبار عنترة الموجودة في هذا الجزء تقع في الجزء السابع ص 148 - 153 من بولاق. وفي ترجمة «أحمد بن يحيى المكي» بعد نهاية لوحة 121 سقط يوافق في بولاق ص 66 س 4 وينتهي في ص 67 س 3 من الجزء الخامس عشر. وفي أخبار «ذات الخال» بعد نهاية اللوحة 138 سقط يوافق في بولاق من ص 82 س 27 إلى ص 83 س 26 من الجزء الخامس عشر.
والجزء الثامن عشر يبدأ بأخبار «أبي عطاء السندي» وينتهي بأخبار «أشجع السلمي»، وفي آخر أخبار أبي عطاء سقط يتناول آخر أخباره وأوّل أخبار «خالد بن يزيد ورملة» ويوافق في بولاق ص 83 س 2 إلى آخر ص 89 من الجزء الخامس عشر. وفي أخبار «ذي الرّمة» بعد نهاية لوحة 44 سقط يقع في بولاق ص 125 س 4 إلى ص 126 س 1 من الجزء الخامس عشر.
والجزء التاسع عشر يبدأ بأخبار «يزيد بن مفرّغ» وينتهي بأخبار «عويف القوافي»، وفيه ترجمة كاملة «لمسلم ابن الوليد» وهي غير موجودة في بولاق. وتوافق ما نقله المستشرق «دي غويه» في آخر ديوان مسلم بن الوليد المطبوع في ليدن سنة 1875 نقلا عن نسخ ميونخ؛ وفي هذا الجزء أيضا أخبار عروة/ بن أذينة، ومخارق، وأبي محجن، وزهير بن جناب، مما لم يذكر في بولاق، وهو مما نشره «برونو» في الجزء الذي أسماه الحادي والعشرين.
والجزء الحادي والعشرون يبدأ بأخبار «خالد بن زيد الكتاب» وينتهي بأخبار «هدبة بن خشرم». وفيه أخبار تأبط شرا. وفيه من أخبار خالد بن زيد الكاتب، والمسدود، وسلمة بن عيّاش وأم جعفر، وأيمن بن خريم، وحجيّة ابن المضرّب، وأبي الهندي، وسعيد بن وهب، ورؤبة بن العجاج، وعمرو بن براق، والشنفري، والخليل بن عمرو، وعلقمة بن عبدة، وأبي خراش الهذلي، وابن دارة، ومسعود بن خرشة، وبحر بن العلاء، وهدبة بن خشرم؛ ومما لم يذكر في طبعة بولاق، وهي مما أورده «برونو» أيضا في الجزء الحادي والعشرين.
والجزء الثالث والعشرون يبدأ بأخبار «مرّة بن محكان»، وينتهي بأخبار «محمد بن الحارث» وفيه زيادة عن طبعة بولاق أخبار أبي حشيشة، وعنان، والحسن بن وهب، وفيه أخبار محمد بن عبد الملك الزيات تزيد عما في بولاق بمقدار 8 صفحات.
والجزء الرابع والعشرون يبدأ بأخبار «ماني الموسوس»، وينتهي بأخبار «عمارة»، وفيه زيادة عن بولاق أخبار «أبي صخر الهذليّ» - مما هو موجود في الجزء الحادي والعشرين - وأخبار «يحيى بن أبي طالب» وهي غير موجودة في بولاق. وهذا الجزء هو آخر الكتاب في هذه النسخة.
فهرس موضوعات الجزء الثاني عشر
الموضوع الصفحة
أخبار الأعشى وبني عبد المدان وأخبارهم مع غيره 265
أخبار مع عبد اللّه بن الحشرج 278
أخبار الطّرمّاح ونسبه 288
أخبار بيهس ونسبه 296
أخبار محمد بن الحارث بن بسخنر 298
أخبار معن بن أوس ونسبه 303
أخبار الحسين بن عبد اللّه 312
أخبار فضالة بن شريك ونسبه 316
أخبار مروان الأصغر 323
أخبار إبراهيم بن سيابة ونسبه 329
خبر مقتل الوليد بن طريف 333
بعض أخبار عبد اللّه بن طاهر 339
أخبار متفرقة 347
أخبار أبي زبيد ونسبه 356
أخبار متفرقة 367
أخبار محمد بن أمية وأخيه علي 370
بعض أخبار لابن أبي عتيق 379
نسب المتوكل الليثي وأخباره 381
نسب الأفوه الأودي وشيء من أخباره 389
خبر كثير وخندق الأسدي 393
أخبار منظور بن زبان 407
خبر الجحاف ونسبه وقصته يوم البشر 411
يوم الكلاب الأول وقتل شرحبيل 419
الموضوع الصفحة
خبر عبد اللّه بن معاوية ونسبه 422
أخبار أبي وجزة ونسبه 439
أخبار عقيل بن علفة 450
أخبار شبيب بن البرصاء ونسبه 462
أخبار دقاق 470
نسب يزيد بن الحكم وأخباره 473
أخبار أبي الأسود الدؤلي ونسبه 481
أخبار أبي نفيس ونسبه 508
أخبار سويد بن كراع ونسبه 512
بيان 518
الجزء الثالث عشر
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ*
[تتمة التراجم]
1 - أخبار أبي الطّمحان القينيّ
اسمه ونسبه
أبو الطّمحان اسمه حنظلة بن الشّرقيّ [1]، أحد بني القين بن جسر بن شيع اللّه، من قضاعة. وقد تقدّم هذا النسب في عدّة مواضع من الكتاب في أنساب شعرائهم.
إدراكه الجاهلية والإسلام واتصالة بالزبير بن عبد المطلب
وكان أبو الطّمحان شاعرا فارسا خاربا [2] صعلوكا. وهو من المخضرمين، أدرك الجاهلية والإسلام، فكان خبيث الدّين فيهما كما يذكر. وكان تربا للزّبير بن عبد المطّلب في الجاهلية ونديما له. أخبرنا بذلك أبو الحسن الأسديّ عن الرّياشيّ عن أبي عبيدة.
وقوع قيسبة السكوني في أسر العقيليين وحمل أبي الطمحان خيره إلى قومه
ومما يدلّ على أنه قد أدرك الجاهلية ما ذكره ابن الكلبيّ عن أبيه قال: خرج قيسبة بن كلثوم السّكونيّ، وكان ملكا، يريد الحج - وكانت العرب تحج في الجاهلية فلا يعر [3]، بعضها لبعض - فمرّ ببني عامر بن عقيل، فوثبوا عليه فأسروه وأخذوا/ ماله وما كان معه، وألقوه في القدّ [9]، فمكث فيه ثلاث سنين، وشاع باليمن أن الجنّ استطارته [4]. فبينا هو في يوم شديد البرد في بيت عجوز منهم إذ قال لها: أتأذنين/ لي أن آتي الأكمة فأتشرّق [5] عليها فقد أضرّ بي القرّ [6]؟! فقالت له نعم. كانت عليه جبة له حبرة [7] لم يترك عليه غيرها، فتمشّى في أغلاله
__________
[1] قال الآمدي في «المؤتلف والمختلف في أسماء الشعراء»: «أبو الطمحان القيني اسمه حنظلة بن الشرقي، كذا وجدته في «كتاب بني القين بن جسر». ووجدت نسبه في «ديوانه المفرد»: أبو الطمحان ربيعة بن عوف بن غنم بن كنانة بن القين بن جسر». وفي «الحماسة» طبع أوربا ص 558: «و اسمه حنظلة بن الشرقي وقيل ربيعة بن عوف بن غنم بن كنانة بن جسر».
[2] الخارب: سارق الإبل خاصة، ثم نقل إلى غيره اتساعا. قال الجوهري: خرب فلان بإبل فلان ويخرب خرابة مثل كتب يكتب كتابة، أي سرقها، وخرب فلان: صار لصا.
[3] القد: سير يقد من جلد غير مدبوغ، فتشدّ به الأقتاب والمحامل، ويتخذ منه السوط، ويقيد به الأسير. قال يزيد بن الصعق يعيب بعض بني أسد:
فرغتم لتمرين السياط وكنتم ... يصب عليكم بالقناكل مربع
فأجابه شاعرهم:
أعبتم علينا أن نمرّن قدّنا ... ومن لم يمرّن قدّه يتقطع
[4] استطارته الجن: ذهبت به. وفي حديث ابن مسعود: «فقدنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقلنا: أغتيل أو استطير»، أي ذهب به بسرعة، كأن الطير حملته أو اغتاله أحد.
[5] تشرق: جلس بالمشرقة، وهو موضع القعود للشمس، والموضع الّذي تشرق عليه الشمس.
[6] القرّ، بالضم: البرد، أو هو برد الشتاء خاصة؛ سمي بذلك من الاستقرار والسكون كأنه يسكن الحرّ ويطفئه.
[7] في «مختار الأغاني الكبير» (نسخة مأخوذة بالتصوير الشمسي ومحفوظة بدار الكتب المصرية تحت رقم 4646 أدب): «جبة من حبرة».
وقيوده حتى صعد الأكمة، ثم أقبل يضرب ببصره نحو اليمن، وتغشاه عبرة فبكى، ثم رفع طرفه إلى السماء وقال:
اللهم ساكن السماء فرّج لي مما أصبحت فيه. فبينا هو كذلك إذ عرض له راكب يسير، فأشار إليه أن أقبل، فأقبل الراكب، فلما وقف عليه قال له: ما حاجتك يا هذا؟ قال: أين تريد؟ قال: أريد اليمن. قال: ومن أنت؟ قال [أنا] [1] أبو الطّمحان القينيّ، فاستعبر باكيا. فقال [له] [1] أبو الطّمحان: من أنت؟ فإني أرى عليك سيما الخير ولباس الملوك، وأنت بدار ليس فيها ملك. قال: أنا قيسبة بن كلثوم السّكونيّ، خرجت عام كذا وكذا أريد الحج، فوثب عليّ هذا الحيّ فصنعوا بي ما ترى، وكشف عن أغلاله/ وقيوده؛ فاستعبر أبو الطمحان، فقال له قيسبة: هل لك في مائة ناقة حمراء؟ قال: ما أحوجني إلى ذلك! قال: فأنخ، فأناخ. ثم قال له: أمعك سكّين؟ قال نعم. قال:
ارفع لي عن رحلك، فرفع له عن رحله حتى بدت خشبة مؤخره [2]؛ فكتب عليها قيسبة بالمسند [3]، وليس يكتب به غير أهل اليمن:
بلّغا كندة [4] الملوك جميعا ... حيث سارت بالأكرمين الجمال
أن ردوا العين بالخميس [5] عجالا ... واصدروا عنه والرّوايا [6] ثقال
هزئت جارتي وقالت عجيبا ... إذ رأتني في جيدي الأغلال
إن تريني عاري العظام أسيرا ... قد براني تضعضع واختلال
فلقد أقدم الكتيبة بالسي ... ف عليّ السلاح والسربال
وكتب تحت الشعر إلى أخيه أن يدفع إلى أبي الطّمحان مائة ناقة. ثم قال له: أقرىء هذا قومي؛ فإنهم سيعطونك مائة ناقة حمراء. فخرج تسير به ناقته، حتى أتى/ حضر موت، فتشاغل بما ورد له ونسي أمر قيسبة حتى فرغ من حوائجه. ثم سمع نسوة من عجائز اليمن يتذاكرن قيسبة ويبكين، فذكر أمره، فأتى أخاه الجون بن كلثوم، وهو أخوه لأبيه وأمه، فقال له: يا هذا، إني أدلّك على قيسبة وقد جعل لي مائة من الإبل. قال له: فهي لك.
فكشف عن الرحل، فلما قرأه الجون أمر له بمائة ناقة، ثم أتى قيس بن معديكرب الكنديّ أبا الأشعث بن قيس، فقال له: يا هذا، إن أخي في بني عقيل أسير، فسر معي بقومك، فقال له: أتسير تحت لوائي حتى أطلب ثأرك وأنجدك، وإلا فامض راشدا. فقال له الجون: مسّ السماء أيسر من ذلك وأهون عليّ مما خيّرته. وضجّت
__________
[1] زيادة عن نسخة ط.
[2] يجوز فيه سكون الهمزة مع فتح الخاء وكسرها، وفتح الهمزة مع تشديد الخاء مفتوحة ومكسورة، كما يقال فيه آخرة الرحل وآخره ومؤخرته، وفي «مؤخرته» من اللغات ما في «مؤخره».
[3] المسند: هو خط حمير وهو مخالف لخطنا. وقد نشرت كلية الآداب بجامعة فؤاد الأوّل كتابا في حروف هذا الخط، وحل الآثار اليمنية المكتوبة به من تأليف الأستاذ أغناطيوس جويدي، اسمه «المختصر في علم اللغة العربية الجنوبية القديمة». ويعدّ أجود المراجع في خط اليمن ولغتها.
[4] كان قيسبة من قبيلة السكون. والسكون: بطن من كندة. لذلك استنجد بملوكهم.
[5] الخميس: الجيش الكامل، وهو المؤلف من خمس فرق: المقدمة، والقلب، والميمنة، والميسرة والساقة.
[6] الروايا: جمع راوية وهي هنا المزادة فيها الماء. وتطلق الرواية أيضا على البعير أو البغل أو الحمار الّذي يستقى عليه الماء. والرجل المستقى أيضا راوية. ومن الأوّل قول عمرو بن ملقط:
ذاك سنان محلب نصره ... كالجمل الأوطف بالراويه
ومن الثاني قول أبي طالب:
وينهض قوم في الحديد إليكمو ... نهوض الروايا تحت ذات الصلاصل
السّكون [1] ثم فاءوا ورجعوا وقالوا له: وما عليك من هذا! هو ابن عمك ويطلب لك بثأرك! فأنعم له بذلك [2].
اجتماع السكون وكندة لإنقاذ قيسبة
وسار قيس وسار الجون معه تحت لوائه، وكندة والسّكون معه؛ فهو أوّل يوم اجتمعت فيه السّكون وكندة لقيس، وبه أدرك الشرف. فسار حتى أوقع بعامر بن عقيل فقتل منهم مقتلة عظيمة واستنقذ قيسبة. وقال في ذلك سلامة بن صبيح الكنديّ:
لا تشتمونا إذ جلبنا لكم ... ألفي كميت كلّها سلهبه [3]
نحن أبلنا [4] الخيل في أرضكم ... حتى ثأرنا منكم قيسبه
/ واعترضت من دونهم مذحج ... فصادفوا من خيلنا مشغبه [5]
اعتراف أبي الطمحان بأدنى ذنوبه
حدّثنا إبراهيم بن محمّد بن أيّوب قال حدّثنا عبد اللّه بن مسلم قال:
بلغني أنّ أبا الطّمحان القينيّ قيل له، وكان فاسقا خاربا، ما أدنى ذنوبك؟ قال: ليلة الدّير. قيل له: وما ليلة الدير؟ قال: نزلت بديرانيّة فأكلت عندها طفيشلا [6] بلحم خنزير، وشربت من خمرها، وزنيت بها، وسرقت كساءها [7]، ثم انصرفت عنها.
التجاؤه إلى بني فزارة من جناية جناها وإقامته عندهم حتى هلك
أخبرني عمي قال حدّثني محمّد بن عبد اللّه الحزنبل عن عمرو بن أبي عمرو الشّيبانيّ عن أبيه قال:
جنى أبو الطّمحان القينيّ جناية وطلبه السلطان، فهرب من بلاده ولجأ إلى بني فزارة فنزل على رجل منهم يقال له: مالك بن سعد أحد بني شمخ؛ فآواه وأجاره وضرب عليه بيتا وخلطه بنفسه. فأقام مدّة، ثم تشوّق يوما إلى أهله وقد شرب شرابا ثمل منه، فقال لمالك: لو لا أن يدي تقصر عن دية جنايتي لعدت إلى أهلي. فقال له: هذه إبلي فخذ منها دية جنايتك واردد [8] ما شئت. فلمّا أصبح ندم على ما قاله وكره مفارقة موضعه ولم يأمن على نفسه، فأتى مالكا فأنشده:
سأمدح مالكا في كلّ ركب ... لقيتهم وأترك كل رذل
فما أنا والبكارة أو مخاض ... عظام جلّة سدس وبزل [9]
__________
[1] السكون كصبور: بطن من بطون العرب بكندة.
[2] أنعم له، أي قال له: نعم.
[3] الكميت: الّذي خالط حمرته سواد. السلهب: الطويل من الخيل والناس؛ يقال فرس سلهب وسلهبة إذا عظم وطال وطالت عظامه.
وفرس مسلهبّ: ماض.
[4] أبال الخيل واستبالها: وقفها للبول؛ يقال: لنبيلن الخيل في عرصاتكم.
[5] مشغبة: من الشغب بسكون الغين، وهو هيجاء القتال.
[6] الطفيشل كسميدع: نوع من المرق.
[7] كساء هنا: جمع كسوة مثل كسى كما ورد في القاموس.
[8] في «المختار»: «و ازدد» ولعلها أصوب.
[9] البكارة: جمع بكر. والبكر بالفتح: الفتيّ من الإبل بمنزلة الغلام من الناس، والأنثى بكرة. والمخاض: الحوامل من النوق. وجلة الإبل: مسانّها، وهو جمع جليل مثل صبي وصبية. والسدس: جمع سديس كرغيف ورغف، وهي من الإبل ما دخل في السنة
/
وقد عرفت كلابكم ثيابي ... كأنّي منكم ونسيت أهلي
نمت [1] بك من بني شمخ زناد ... لها ما شئت من فرع وأصل
قال فقال مالك: مرحبا! فإنك حبيب ازداد حبا، إنما اشتقت إلى أهلك وذكرت أنه يحبسك عنهم ما تطالب به من عقل [2] أو دية، فبذلت لك ما بذلت، وهو لك على كل حال، فأقم في الرّحب والسّعة. فلم يزل مقيما عندهم حتى هلك في دارهم.
قال أبو عمرو في هذه الرواية: وأخبرني أيضا بمثله محمّد بن جعفر النّحوي صهر المبرّد، قال حدّثنا ثعلب عن ابن الأعرابي قال:
شعره في الاعتذار لامرأته من ركوبه الأهوال
عاتبت أبا الطّمحان القينيّ امرأته في غاراته ومخاطرته بنفسه، وكان لصّا خاربا خبيثا، واكثرت لومه على ركوب الأهوال ومخاطرته بنفسه في مذاهبه، فقال لها:
لو كنت في ريمان [3] تحرس بابه ... أراجيل أحبوش وأغضف آلف
إذا لأتتني حيث كنت منيّتي ... يخبّ بها هاد بأمري قائف [4]
فمن رهبة آتي المتالف سادرا ... وأيّة أرض ليس فيها متالف [5]
شعره في بجير بن أوس الطائي وإطلاقه من الأسر
فأمّا البيت الّذي ذكرت من شعره أنّ فيه لعريب صنعة وهو:
أضاءت لهم أحسابهم ووجوههم
فإنه من قصيدة له مدح بها بجير بن أوس بن حارثة بن لأم الطائيّ، وكان أسيرا في يده. فلما مدحه بهذه القصيدة أطلقه وجزّ ناصيته، فمدحه بعد هذا بعدّة قصائد. وأوّل هذه الأبيات:
إذا قيل أيّ الناس خير قبيلة [6] ... وأصبر يوما لا توارى كواكبه
__________
- الثامنة، وذلك إذا ألقى السن الّتي بعد الرباعية. والبزل: جمع بازل، وهو الناقة والبعير إذا استكمل السنة الثامنة وطعن في التاسعة وفطر نابه. وفي قافية البيت إقواء.
[1] كذا في الأصول. والمعروف «ورت». وورى الزناد يضرب مثلا للظفر والنجاح أي هم ينجحون فيدركون ما يطلبون بك.
[2] العقل هو الدية، وهي ما يدفع فدية للقتيل.
[3] ريمان بفتح الراء موضعان: أحدهما حصن باليمن وهو المقصود هنا، وقصر باليمن وصفه الأعشى في أبياته الّتي يقول فيها:
يا من يرى ريمان أم ... سى خاويا خربا كعابه
والبيت في «معجم البكري» منسوب لأوس بن حجر. وأراجيل: جمع أرجال، وأرجال: جمع راجل كصاحب وأصحاب، وهو خلاف الفارس. والأحبوش: جماعة الحبش، أو الجماعة أيا كانوا؛ لأنهم إذا تجمعوا اسودّوا. وجمعه أحابيش. والأغضف:
المسترخي الأذن من الكلاب والآلف: المستأنس بمن يحرسهم، من الإلف بكسر الهمزة.
[4] يخب بها: يسير بها خببا، وهو ضرب من العدو السريع. والهادي بالأمر: العارف به، المهتدي. والقائف: متتبع الآثار العارف بها.
[5] السادر: الّذي لا يهتم بشيء، ولا يبالي ما صنع. والمتالف: المهالك.
[6] «قبيلة» منصوبة على التمييز، وكذلك «يوما»، ويعني بذكر اليوم الوقعات والحروب. وقوله لا توارى كواكبه، أي لا تتوارى، فحذفت إحدى التاءين تخفيفا. ويروى: لا توارى كواكبه (بضم التاء بالبناء للمفعول)، أي لا تستر. والأصل في هذا وما يجري مجرى الأمثال «يوم حليمة». وذلك أن غطيت عين الشمس في ذلك اليوم بالغبار الثائر في الجو فرئيت الكواكب ظهرا، على ما ذكروا فقيل: «ما يوم حليمة بسر» وصار الأمر إلى ما قيل في التوعد «لأرينك الكواكب ظهرا». (عن التبريزي في شرحه على حماسة أبي تمام ج 4 ص 73 طبع بولاق).
فإنّ بني لأم بن عمرو أرومة ... علت فوق صعب لا تنال مراقبه [1]
أضاءت لهم أحسابهم ووجوههم ... دجى الليل حتى نظّم الجزع [2] ثاقبه
// لهم مجلس لا يحصرون [3] عن النّدى ... إذا مطلب المعروف أجدب راكبه
/ وأمّا خبر أسره والوقعة الّتي اسر فيها فإن عليّ بن سليمان الأخفش أخبرني بها عن أحمد بن يحيى ثعلب عن ابن الأعرابيّ قال:
حرب جديلة والغوث الطائيين
كان أبو الطّمحان القيني مجاورا في جديلة من ظيّى ء، وكانت قد اقتتلت بينها وتحاربت الحرب الّتي يقال لها «حرب الفساد» [4] وتحزّبت حزبين: حزب جديلة وحزب الغوث، وكانت هذه الحرب بينهم أربعة أيام، ثلاثة منها للغوث ويوم لجديلة. فأمّا اليوم الّذي كان لجديلة فهو «يوم ناصفة». وأما الثلاثة الأيام الّتي كانت للغوث فإنها «يوم قارات حوق» [5] و «يوم البيضة» [6] و «يوم عرنان» [7] وهو آخرها وأشدّها وكان للغوث، فانهزمت جديلة هزيمة قبيحة، وهربت فلحقت بكلب وحالفتهم وأقامت فيهم عشرين سنة.
شعر أبي الطمحان لما أسر في هذه الحرب
وأسر أبو الطّمحان في هذه الحرب: أسره رجلان من طيّىء واشتركا فيه، فاشتراه منهما بجير بن أوس بن حارثة لمّا بلغه قوله:
/أرقت وآبتنى الهموم الطّوارق ... ولم يلق ما لاقيت قبلي عاشق
__________
[1] الأرومة: الأصل. والمراقب: جمع مرقبة، وهي المنظرة في رأس جبل أو حصن. وروى في «الكامل للمبرد» هذا البيت ضمن أبيات في هذه القصيدة لم يذكرها المؤلف، وها هي ذي:
وإني من القوم الذين هم هم ... إذا مات منهم سيد قام صاحبه
نجوم سماء كلما غار كوكب ... بدا كوكب تأوي إليه كواكبه
أضاءت لهم أحسابهم ووجوههم ... دجى الليل حتى نظم الجزع ثاقبه
وما زال منهم حيث كانوا مسود ... تسير المنايا حيث سارت كتائبه
(«الكامل» ص 30 طبع ليبسك).
[2] الجزع اليمائي: الخرز اليماني والصيني، وهو الّذي فيه سواد وبياض. وهو يختلط على ناظم العقد في الظلام.
[3] لا يحصرون عن الندى: لا يبخلون. وفعله من باب فرح.
[4] حرب الفساد من أيام العرب كانت كما قال المؤلف بين الغوث وجديلة من طيى ء، سميت بذلك لما حدث فيها من الفظائع والأهوال؛ فقد قيل إن هؤلاء خصفوا نعالهم بآذان هؤلاء، وهؤلاء شربوا الشراب بأقحاف رؤوس هؤلاء. وفيه يقول جابر بن الحريش الطائي:
إذ لا تخاف حد وجنا قذف النوى ... قبل الفساد إقامة ونذيرا
ويقال له أيضا: زمن الفساد، وعام الفساد.
[5] حوق بالضم: موضع. وهذا اليوم هو المعروف أيضا بيوم اليحاميم. وسببه أن الحارث بن جبلة النسائي كان قد أصلح بين طيى ء، فلما هلك عادت إلى حربها، فالتقت جديلة والغوث بموضع يقال له عرنان فقتل قائد بني جديلة وهو أسبع بن عمرو بن لأم عم أوس بن خالد بن حارثة بن لأم، وأخذ رجل من سنبس يقال له مصعب أذنيه فخصف بهما نعليه. وفي ذلك يقول أبو سروة السنبسي:
نخصف بالآذان منكم نعالنا ... ونشرب كرها منكم في الجماجم
وتناقل الحيان في ذلك أشعارا كثيرة. (ابن الأثير ج ص 476 طبع أوربا). وقارات جمع قارة وهي أصاغر الجبال والآكام.
[6] البيضة: عين ماء لبني دارم، كما ذكر أبو محمّد الأعرابي الأسود.
[7] عرنان: جبل بين تيماء وجبلي طيى ء.
إليكم بني لأم تخبّ هجانها ... بكلّ طريق صادفته شبارق [1]
لكم نائل غمر وأحلام سادة ... وألسنة يوم الخطاب مسالق [2]
ولم يدع داع مثلكم لعظيمة ... إذا وزمت بالساعدين السّوارق [3]
السوارق: الجوامع [4]، واحدتها سارقة.
قال فابتاعه بجير من الطائيّين بحكمهما، فجزّ ناصيته واعتقه.
جواره في بني جديلة وقتل تيس له غلاما منهم وشعره في ذلك
أخبرني الحسن بن عليّ قال: حدّثنا أبو أيّوب المديني قال: حدّثني مصعب بن عبد اللّه الزّبيري قال:
كان أبو الطّمحان القينيّ مجاورا لبطن من طيّىء يقال لهم بنو جديلة، فنطح تيس له غلاما منهم فقتله، فتعلّقوا أبا الطمحان وأسروه حتى أدّى [5] ديته مائة من الإبل. وجاءهم نزيله، وكان يدعى هشاما، ليدفع عنه فلم يقبلوا قوله؛ فقال له أبو الطمحان:
أتاني هشام يدفع الضّيم جاهدا ... يقول ألا ماذا ترى وتقول
فقلت له قم يا لك الخير أدّها ... مذلّلة إنّ العزيز ذليل
فإن يك دون القين أغبر شامخ ... فليس إلى القين الغداة سبيل [6]
انتعاش المأمون ببنين لأبي الطمحان في ساعة اكتئابه
أخبرني عمي قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد قال: حدّثني محمّد بن عبد اللّه بن مالك، عن إسحاق قال:
دخلت يوما على المأمون فوجدته حائرا متفكّرا غير نشيط، فأخذت أحدّثه بملح الأحاديث وطرفها، أستميله لأن يضحك أو ينشط، فلم يفعل. وخطر ببالي بيتان فأنشدته إيّاهما، وهما:
ألا علّلاني قبل نوح النّوائح [7] ... وقبل نشوز [8] النفس بين الجوانح
وقبل غد، يا لهف نفسي على غد ... إذا راح أصحابي ولست برائح [9]
__________
[1] تخب: تسير الخبب، وهو العدو السريع. والهجان: كرام الإبل. والشبارق: جمع شبرق بكسر الشين والراء، وهو شجر منبته نجد وتهامة، وثمرته شاكة صغيرة الجرم حمراء مثل الدم منبتها السباخ والقيعان، وإذا يبس فهو الضريع.
[2] مسالق: ذربة حادة؛ ومنه قوله تعالى: سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ
[3] في ب، س، ط: «إذا رزمت» وهو تحريف. ووزمت: عضت. ورواية «اللسان» و «أساس البلاغة» (مادة أزم): «إذا أزمت». والأزم:
العض كالوزم.
[4] الجوامع: القيود الّتي تشد بها سواعد الأسرى والمحبوسين.
[5] لعلّها: يؤدي.
[6] القين: قبيلة أبي الطمحان منسوبة إلى جدّه القين بن جسر. يقول: إنه منقطع عن قبيلته وأهل نصرته بما يقوم بينه وبينهم من مفازة وجبل، فلا مناص من أداء دية الغلام المقتول. وإذا كان في أدائها معنى من معاني الذل، لأن جرح العجماء جبار (بضم الجيم) وهو يذهب هدرا، فإن العزيز يذل إذا وقع في مثل ما وقع فيه أبو الطمحان.
[7] وفي «الحماسة»: «و يروى قبل صدح الصوادح». والصدح: شدّة صوت الديك والغراب وغيرهما.
[8] النشوز: ارتفاع الشيء عن موضعه، ونشوز النفس بين الجوانح: خروجها منها عند الموت. وفي «الحماسة»: «و قبل ارتقاء النفس فوق الجوانح». والجوانح: ضلوع الصدر. وارتقاء النفس فوقها: بلوغها التراقي.
[9] راح أصحابي: رجعوا في العشية إلى منازلهم وبقيت في قبري منفردا.
فتنبّه كالمتفزّع ثم قال: من يقول هذا ويحك؟ قلت: أبو الطّمحان القينيّ يا أمير المؤمنين. قال: صدق واللّه، أعدهما عليّ. فأعدتهما عليه حتى حفظهما. ثم دعا بالطعام فأكل، ودعا بالشراب فشرب. وأمر لي بعشرين ألف درهم.
استشهاد خالد بن يزيد ببيتين له في ريبة اعتذر عنها الحسن لعبد الملك
أخبرني حبيب بن نصر المهلّبيّ قال: حدّثني أحمد بن الحارث الخرّاز قال: [حدّثني] المدائنيّ قال:
عاتب عبد الملك بن مروان الحسن بن/ الحسن عليهما السلام على شيء بلغه عنه من دعاء أهل العراق إيّاه إلى الخروج معهم على عبد الملك، فجعل يعتذر إليه ويحلف له. فقال له خالد بن يزيد بن معاوية: يا أمير المؤمنين، ألا تقبل عذر ابن عمك وتزيل عن قلبك ما قد أشربته إيّاه؟ أما سمعت قول أبي الطّمحان القينيّ:
/إذا كان في صدر ابن عمّك إحنة ... فلا تستثرها سوف يبدو دفينها
وإن [1] حمأة المعروف أعطاك صفوها ... فخذ عفوه لا يلتبس بك طينها
استئذانه الزبير بن عبد المطلب في الرجوع إلى أهله وشعره في ذلك
قال المدائني: ونزل أبو الطمحان على الزّبير بن عبد المطّلب بن هاشم، وكانت العرب تنزل عليه، فطال مقامه لديه، واستأذنه في الرجوع إلى أهله وشكا إليه شوقا [2] إليهم، فلم يأذن له. وسأله المقام، فأقام عنده مدّة، ثم أتاه فقال له:
ألا حنّت المرقال وائتبّ [3] ربّها ... تذكّر أوطانا [4] وأذكر معشري
ولو عرفت صرف البيوع لسرّها ... بمكة أن تبتاع حمضا بإدخر [5]
أسرّك لو أنّا بجنبي عنيزة [6] ... وحمض [7] وضمران [8] الجناب وصعتر
/ إذا شاء راعيها استقى من وقيعة [9] ... كعين الغراب صفوها لم يكدّر
فلمّا أنشده إيّاها أذن له فانصرف، وكان نديما له.
__________
[1] الحمأة: الطين الأسود المنتن. والمقصود هنا عين الماء وفيها صفو وكدرة. وهو يوصيه بأخذ الصفو وترك الطين.
[2] في «المختار»: «شوقه».
[3] المرقال: الناقة تسرع في سيرها، من الإرقال، وهو ضرب من العدو فوق الخبب. وائتب: تهيأ للذهاب وتجهز، كأب الثلاثي من بابي نصر وضرب.
[4] رواية الشعر والشعراء ص 229: «أرماما». وأرمام: موضع، وله يوم يعرف بيوم أرمام.
[5] يقول: إن ناقته لو عرفت صرف البيوع، لسرها أن تنتقل من بلاد الإذخر إلى بلاد الحمض لشوقها إلى البادية. والحمض من النبات كل نبت مالح أو حامض يقوم على سوق ولا أصل له كالنجيل والرمث والطرفاء وما أشبهها. ومن الأعراب من يسمى كل نبات فيه ملوحة حمضا ضد الخلة من النبات وهو ما كان حلوا. والعرب تقول: الخلة خيز الإبل، والحمض فاكهتها. وإذا شبعت الإبل من الخلة اشتهت الحمض. والإذخر: حشيش طيّب الرائحة.
[6] عنيزة: قارة سوداء في بطن وادي فلج من ديار بني تميم.
[7] حمض بفتح أوله هنا: موضع بالبحرين. وإذخر هنا: مكان بمكة.
[8] الضمران: موضع، وصعتر بفتح أوّله وإسكان ثانيه: موضع. قاله أبو حنيفة عند ذكر الصعتر في أصناف النبات («معجم ما استعجم» ص 608). والبيت في رواية أبي حنيفة كما في «تاج العروس» (مادة: صعتر):
بودّك لو أنا بفرش عنازة ... بحمض وضمران الجناب وصعتر
[9] الوقيعة: مكان صلب يمسك الماء.
صوت
لا يعتري شربنا اللّحاء وقد ... توهب فينا القيان والحلل [1]
وفتية كالسّيوف نادمتهم ... لا حصر [2] فيهم ولا بخل
الشعر للأسود بن يعفر، والغناء لسليم، خفيف ثقيل أوّل بالبنصر./
__________
[1] الشرب (بالفتح): القوم يجتمعون على الشراب. واللحاء: النزاع. والقيان: جمع قينة، وهي الأمة المغنية. يقول: إنهم قوم لا يعتريهم النزاع، وقد يجود الواحد منهم بالقينة والحلة.
[2] الحصر هنا: البخل.
2 - أخبار الأسود ونسبه
نسبه ومنزلته في الشعر
الأسود بن يعفر - ويقال يعفر بضم الياء [1] - ابن عبد الأسود بن جندل بن نهشل بن دارم بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم. وأمّ الأسود بن يعفر رهم بنت العبّاب، من بني سهم بن عجل. شاعر متقدّم فصيح، من شعراء الجاهلية، ليس بالمكثر. وجعله محمّد بن سلام في الطبقة الثامنة [2] مع خداش بن زهير، والمخبّل السعديّ، والنّمر بن تولب العكلى. وهو من العشي - ويقال العشو بالواو - المعدودين في الشعراء.
وقصيدته الدالية المشهورة:
نام الخليّ وما أحسّ رقادي ... والهمّ مختصر لديّ وسادي
معدودة من مختار أشعار العرب وحكمها، مفضّلية مأثورة.
توقف سوّار القاضي في شهادة دارمي يجهل الأسود بن يعفر
أخبرني هاشم بن محمّد الخزاعيّ وأبو الحسن أحمد بن محمّد الأسديّ قالا: حدّثنا الرّياشيّ عن الأصمعيّ قال:
/ تقدّم رجل من أهل البصرة من بني دارم إلى سوّار بن عبد اللّه ليقيم عنده شهادة، فصادفه يتمثّل قول الأسود بن يعفر [3]:
ولقد علمت لو أنّ علمي نافعي [4] ... أنّ السّبيل سبيل ذي الأعواد [5]
إنّ المنيّة والحتوف كلاهما ... يوفي المخارم يرميان سوادي [6]
__________
[1] إذا فتحت الياء منع من الصرف لشبهه بالفعل. وإذا ضمت الياء مع الفاء صرف؛ لأنه زال عنه شبه الفعل. ويقال فيه أيضا: يعفر (بفتح الياء وكسر الفاء) كما يقال: يونس ويوسف (بضم النون والسين وكسرهما).
[2] كذا في جميع الأصول. وفي «خزانة الأدب» (ج 1 ص 195 طبع بلاق): «قال السيوطي: وجعله محمّد بن سلام في الطبقة الثانية مع خداش بن زهير، والمخبل السعدي، والنمر بن تولب».
والّذي في «طبقات الشعراء» لابن سلام تحت عنوان: الطبقة الخامسة: «و هم أربعة رهط: خداش بن زهير بن ربيعة ذي الشامة بن عمرو - وهو فارس الضحياء - بن عامر بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، والأسود بن يعفر بن عبد الأسود بن جندل بن نهشل بن دارم، وأبو يزيد المخبل بن ربيعة بن عوف بن قتال ابن أنف الناقة بن قريع، وتميم ابن أبي مقبل بن عوف بن حنيف بن العجلان بن عبد اللّه بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة».
[3] من قصيدة له هي إحدى مختارات المفضل الضبي، وهي عنده في ستة وثلاثين بيتا.
[4] في س: «نافع». ورواية الضبي لهذا الشطر: «و لقد علمت سوى الّذي نبأتني».
[5] ذو الأعواد، من أجداد أكثم بن صيفي حكيم تميم. وقيل له ذو الأعواد لسرير كانوا يحملونه عليه لما أسنّ، فكان سريره ملاذ الخائف وملجأ المحتاج. واسم ذي الأعواد مخاشن بن معاوية. يقول الأسود: إن سبيل كل حي سبيل ذي الأعواد بعد أن عمر طويلا، فكان مصيره إلى الموت.
[6] في ج والمفضليات وشعر الأعشين: «يرقبان» بدل «يرميان». ويوفى: يعلو. ورجع الضمير هنا مفردا وفي «يرميان» مثنى، وهو جائز. والمخارم: أفواه الفجاج والطرق في الجبال، واحدها مخرم. وسواد الرجل: شخصه.
ما ذا أؤمّل بعد آل محرّق ... تركوا منازلهم وبعد إياد [1] /
/ أهل الخورنق والسّدير وبارق ... والقصر ذي الشّرفات من سنداد [2]
نزلوا بأنقرة يفيض عليهم ... ماء الفرات يفيض من أطواد [3]
جرت الرّياح على محلّ ديارهم ... فكأنّما كانوا على ميعاد
ثم أقبل على الدارميّ فقال له: أتروي هذا الشعر؟ قال: لا. قال: أفتعرف من يقوله؟ قال: لا. قال: رجل من قومك له هذه النباهة وقد قال مثل هذه الحكمة لا ترويها ولا تعرفه! يا مزاحم، أثبت شهادته عندك، فإني متوقّف عن قبوله حتى أسأل عنه، فإني أظنّه ضعيفا.
أخبرني عميّ قال حدّثنا الكرانيّ عن الرياشيّ عن أبي عبيدة بمثله.
وعد الرّشيد بعشرة آلاف لمن يروي قصيدة «نام الخليّ ... »
أخبرني عمّي قال حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد قال حدّثني الحكم بن موسى السّلوليّ قال حدّثني أبي قال:
بينا نحن بالرافقة [4] على باب الرّشيد وقوف، وما أفقد أحدا من وجوه العرب من أهل الشام والجزيرة والعراق، إذ خرج وصيف كأنه درّة فقال: يا معشر الصحابة،/ إنّ أمير المؤمنين يقرأ عليكم السلام ويقول لكم:
من كان منكم يروي قصيدة الأسود بن يعفر:
نام الخليّ وما أحسّ رقادي ... والهمّ مختصر [5] لديّ وسادي
فليدخل فلينشدها أمير المؤمنين وله عشرة آلاف درهم. فنظر بعضنا إلى بعض، ولم يكن فينا أحد يرويها. قال:
فكأنما سقطت واللّه البدرة عن قربوسي [6]. قال الحكم: فأمرني أبي فرويت شعر الأسود بن يعفر من أجل هذا الحديث.
__________
[1] آل محرّق هنا: هم ملوك الحيرة من لخم. ومحرّق الّذي أضيفوا إليه هو امرؤ القيس بن عمرو بن عدي أحد ملوكهم، ويقال له:
المحرق الأكبر. ولقب به أيضا من اللخميين عمرو بن هند من ملوكهم، ويقال له: المحرّق الثاني. ومحرق أيضا: لقب الحارث بن عمرو أبي شمر ملك الشام من آل جفنة؛ لأنه أوّل من حرّق العرب في ديارهم. ويقال لآل جفنة أيضا: آل محرق.
(ملخص عن «اللسان» و «القاموس» و «شرحه» مادة حرق، و «المعارف» لابن قتيبة ص 317). وإياد: حي من معد بن عدنان، وهم بنو إياد بن نزار، منهم قس بن ساعدة الّذي يضرب به المثل في الجود والفصاحة. وكانت ديارهم مع العدنانية، وحين تكاثر بنو إسماعيل وتفردت مضر بالرياسة خرج بنو إياد إلى العراق، وكان لهم مع الأكاسرة أيام مشهودة إلى أن أغار عليهم سابور ذو الأكتاف من ملوك الأكاسرة فأبادهم وأفناهم. راجع كتاب («نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب» للقلقشندي ص 82 طبع مطبعة الرياض ببغداد).
[2] الخورنق كسفرجل: قصر من قصور الحيرة، والخورنق هو بالفارسية خورنكاه وهو بيت الضيافة، بناه شخص رومي اسمه سنمار للنعمان بن امرىء القيس اللخمي، وكمله في عشرين سنة، فلما وقف عليه النعمان استجاده وأثنى على سنمار فقال له سنمار: لو شئت أن أجعله يدور مع الشمس لفعلت، فأمر به أن يطرح من أعلى شرفاته، فضرب به المثل فقيل: «جزاه جزاء سنمار». (عن «مسالك الأبصار» ج 1 ص 230 طبع دار الكتب). والسدير: قصر كان ما بين نهر الحيرة إلى النجف إلى كسكر من هذا الجانب.
وبارق: ماء بالعراق، أو هو نهر كما في معجم البلدان بين القادسية والبصرة، وهو من أعمال الكوفة. وسنداد: منزل لإياد، وهو أسفل سواد الكوفة. وقال ابن الكلبي في القصر ذي الشرفات: إن العرب كانت تحج إليه.
[3] أنقرة: مدينة بالأناضول على طريق القسطنطينية وهي عاصمة الدولة التركية اليوم، لها ذكر في رحلة امرىء القيس إلى الروم، وافتتحها المعتصم في طريقه إلى عمورية سنة 223، وكانت إياد قد نزلتها لما نفاها كسرى عن بلاده.
[4] الرافقة: بلد متصل البناء بالزقة على ضفة الفرات، ثم خربت الرقة وغلب اسمها على الرافقة، وصار اسم المدينة الرقة، وهي من أعمال الجزيرة، وهي مدينة كبيرة كثيرة الخيرات (عن «معجم البلدان»).
[5] المحتضر: الحاضر.
[6] القربوس: حنو السرج وهو الجزء المعوج في السرج.
التمثل بشعره لما انتهى علي إلى مدائن كسرى
أخبرني محمّد بن القاسم الأنباريّ قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عبد اللّه بن عبد الرحمن المدائنيّ قال: حدّثنا [أبو] [1] أمية بن عمرو بن هشام الحرّانيّ قال: حدّثنا محمّد بن يزيد بن سنان قال: حدّثني جدّي سنان بن يزيد قال:
كنت مع مولاي جرير بن سهم التميميّ وهو يسير أمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام ويقول:
يا فرسي سيري وأمّي الشاما ... وخلّفي الأخوال والأعماما
وقطّعي الأجواز والأعلاما [2] ... وقاتلي من خالف الإماما
إني لأرجو إن لقينا العاما ... جمع بني أميّة الطّغاما
أن نقتل العاصي والهماما ... وأن نزيل من رجال هاما
فلما انتهى إلى مدائن كسرى وقف عليّ عليه السلام ووقفنا، فتمثّل مولاي قول الأسود بن يعفر:
جرت الرّياح على مكان ديارهم ... فكأنّما كانوا على ميعاد
/ فقال له عليّ عليه السلام: فلم لم تقل كما قال اللّه جلّ وعزّ: كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ. وَزُرُوعٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ. وَنَعْمَةٍ كانُوا فِيها فاكِهِينَ. كَذلِكَ وَأَوْرَثْناها قَوْماً آخَرِينَ
ثم قال: يابن أخي، إن هؤلاء كفروا النعمة، فحلّت بهم النّقمة، فإيّاكم وكفر النّعمة فتحلّ بكم النقمة.
التمثل بشعره لما مرّ عمر بن عبد العزيز بقصر لآل جفنة
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا محمّد بن موسى قال حدّثنا أحمد بن الحارث عن المدائنيّ قال:
مرّ عمر بن عبد العزيز ومعه مزاحم مولاه يوما بقصر من قصور ال جفنة، وقد خرب، فتمثّل مزاحم بقول الأسود بن يعفر:
جرت الرّياح على محلّ ديارهم ... فكأنّما كانوا على ميعاد
ولقد غنوا [3] فيها بأنعم عيشة ... في ظلّ ملك ثابت الأوتاد
فإذا النّعيم وكلّ ما يلهى به ... يوما يصير إلى بلى ونفاد
فقال له عمر: هلّا قرأت: كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ
، إلى قوله جلّ وعزّ: كَذلِكَ وَأَوْرَثْناها قَوْماً آخَرِينَ
ما قاله في استنقاذ إبل له أخذتها بكر بن وائل
نسخت من كتاب محمّد بن حبيب عن ابن الأعرابيّ عن المفضّل قال:
كان الأسود بن يعفر مجاورا في بني قيس بن ثعلبة ثم في بني مرّة بن عباد بالقاعة [4]، فقامرهم فقمروه، حتى حصل عليه تسعة عشر بكرا، فقالت لهم أمّه وهي رهم بنت العبّاب: يا قوم، أتسلبون ابن أخيكم [5] ماله؟ قالوا:
__________
[1] الزيادة عن نسخة ط.
[2] الأجواز جمع جوز بقصد الجهات. والأعلام: الجبال.
[3] غنوا: أقاموا. ويستعمل إذا كانت الإقامة في غنى ونعيم. ومنه المغنى وجمعه مغان.
[4] القاعة من بلاد سعد بن زيد مناة بن تميم قبل يبرين، وقيل منازل بني مرة بن عباد بن قيس بن ثعلبة، وتسمى الأجواف أيضا. (عن «معجم ما استعجم»).
[5] في نسخة ط: «ابن أختكم».
فماذا نصنع؟ قالت: احبسوا قداحه [1]./فلما راح القوم قالوا له: أمسك [2]. فدخل ليقامرهم فردّوا قداحه. فقال:
لا أقم بين قوم لا أضرب فيهم بقدح؛ فاحتمل قبل دخول الأشهر الحرم، فأخذت إبله طائفة من بكر بن وائل؛ فاستسعى الأسود بني مرّة بن [3] عباد وذكرّهم الجوار وقال لهم:
يال عباد دعوة بعد هجمة ... فهل فيكم من قوّة وزماع [4]
فتسعوا لجار حلّ وسط بيوتكم ... غريب وجارات تركن جياع
وهي قصيدة طويلة، فلم يصنعوا شيئا. فادّعى جوار بني محلّم بن ذهل بن شيبان، فقال:
قل لبني محلّم يسيروا ... بذمّة يسعى بها خفير [5]
لا قدح [6] بعد اليوم حتى توروا
ويروى «إن لم توروا». فسعوا معه حتى استنقذوا إبله، فمدحهم بقصيدته الّتي أوّلها:
أجارتنا غضّي من السّير أو قفي ... وإن كنت قد أزمعت بالبين فاصرفي [7]
أسائلك أو أخبرك عن ذي لبانة ... سقيم الفؤاد بالحسان مكلّف [8]
/يقول فيها:
تداركني أسباب آل محلّم ... وقد كدت أهوي بين نيقين نفنف [9]
هم القوم يمسي جارهم في غضارة ... سويّا سليم اللّحم لم يتحوّف [10]
فلما بلغتهم أبياته ساقوا إليه مثل إبله الّتي استنقذوها من أموالهم.
طلب طلحة من الأسود بن يعفر أن يسعى له في إبله
قال المفضّل: كان رجل من بني سعد بن عوف بن مالك بن حنظلة يقال له طلحة، جارا لبني ربيعة بن عجل بن لجيم [11]، فأكلو [12] إبله، فسأل في قومه حتّى أتى الأسود بن يعفر يسأله أن يعطيه ويسعى له في إبله. فقال له الأسود: لست جامعهما لك، ولكن اختر أيّهما شئت. قال: أختار أن تسعى لي بإبلي. فقال الأسود لأخواله من بني عجل:
يا جار طلحة هل تردّ لبونه ... فتكون أدنى للوفاء وأكرما
__________
[1] القداح جمع قدح: سهام الميسر الّتي كانوا يتقامرون بها. وفي س، ش: «أقداحه».
[2] كذا في ط. وفي سائر الأصول: «أمسك قدحك».
[3] في س، ب، ط: «فاستسعى الأسود بن مرة بن عباد» وهو تحريف. والتصويب عن نسخة ج.
[4] الزماع (كسحاب وكتاب): المضاء في الأمر والعزم عليه.
[5] الخفير هنا: المانع المجير.
[6] القدح: طلب الإيراء، يقال: قدح بالزند يقدح قدحا. واقتدح: رام الإيراء به. وتورون: تستخرجون نار الزند، يقال: ورى الزند خرجت ناره، وأوراه غيره إذا استخرج ناره. وورى الزناد وإيراؤها يراد به الإنجاح وإدراك المطالب.
[7] الصرف هنا: رد الشيء عن وجهه. يريد: اعدلي عما أزمعته من البين.
[8] مكلف: مولع.
[9] النيق: حرف من حروف الجبل، وأرفع موضع فيه. والنفنف: مهواة ما بين جبلين. وكل شيء بينه مهوى، فهو نفنف.
[10] الغضارة: النعمة والسعة في العيش. ويتحوف: يتنقص. وفي كل الأصول بالراء بدل الواو وهو تحريف.
[11] في ب، س، ج: «جشم» والتصويب من ط وكتب «الأنساب».
[12] يريد أخذوها.
تاللّه لو جاورتموه بأرضه ... حتّى يفارقكم إذا ما أحرما [1]
وهي قصيدة طويلة.
رد الإبل مكرمة للأسود
فبعث أخواله من بني عجل بإبل طلحة إلى الأسود بن يعفر فقالوا: أمّا إذ كنت شفيعه فخذها، وتولّ ردّها لتحرز المكرمة عنده دون غيرك.
النعمان يحث خالد بن مالك على المطالبة بثأر عمه الّذي قتله وائل وسليط العجليان
وقال ابن الأعرابيّ: قتل رجلان من بني سعد بن عجل يقال لهما وائل وسليط ابنا عبد اللّه، عمّا لخالد بن مالك بن ربعيّ النّهشليّ يقال له عامر بن ربعيّ، وكان خالد بن مالك عند النّعمان حينئذ ومعه الأسود بن يعفر.
فالتفت النعمان يوما إلى/ خالد بن مالك فقال له: أيّ فارسين/ في العرب تعرف هما أثقل على الأقران وأخفّ على متون الخيل؟ فقال له: أبيت اللّعن! أنت أعلم. فقال: خالا أبن عمّك الأسود بن يعفر وقاتلا عمّك عامر بن ربعيّ (يعني العجليّين وائلا وسليطا). فتغيّر لون خالد بن مالك. وإنّما أراد النّعمان أن يحثّه [2] على الطّلب بثأر عمّه. فوثب الأسود فقال: أبيت اللعن! عضّ بهن أمّه من رأى حقّ أخواله فوق حقّ أعمامه. ثم التفت إلى خالد بن مالك فقال: يابن عمّ، الخمر عليّ حرام حتى أثأر لك بعمك. قال: وعليّ مثل ذلك.
الأسود وخالد يجمعان جمعا ويغيران على كاظمة فقتل وائل وسليط
ونهضا يطلبان القوم؛ فجمعا جمعا من بني نهشل بن دارم فأغارا بهم على كاظمة [3]، وأرسلا رجلا من بني زيد بن نهشل بن دارم يقال له عبيد يتجسّس لهم الخبر، فرجع إليهم فقال: جوف كاظمة ملآن من حجّاج وتجار، وفيهم وائل وسليط متساندان [4] في جيش. فركبت بنو نهشل حتى أتوهم، فنادوا: من كان حاجّا فليمض لحجه، ومن كان تاجرا فليمض لتجارته. فلمّا خلص لهم وائل وسليط في جيشهما اقتتلوا، فقتل وائل وسليط، قتلهما هزّان بن زهير بن جندل بن نهشل، عادى بينهما [5]. وادّعى الأسود بن يعفر أنه قتل وائلا. ثم عاد إلى النّعمان فلما رآه تبسّم وقال: وفي نذرك يا أسود؟ قال: نعم أبيت اللّعن! ثم أقام عنده مدّة ينادمه ويؤاكله.
ما قاله الأسود في مرضه
ثم مرض مرضا شديدا، فبعث النعمان إليه رسولا يسأله عن خبره وهول ما به؛ فقال:
/نفع قليل إذا نادى الصّدى [6] أصلا ... وحان منه لبرد الماء تغريد
وودّعوني فقالوا ساعة انطلقوا ... أودى فأودى النّدى والحزم والجود
فما أبالي إذا ما متّ ما صنعوا ... كلّ امرىء بسبيل الموت مرصود
__________
[1] لعلها «ما أجرما».
[2] في ط: «يبعثه».
[3] كاظمة: موضع على سيف البحر في طريق البحرين من البصرة بينها وبين البصرة مرحلتان. وفيها ركايا كثيرة وماؤها شروب. وهي الواردة في «بردة البوصيري».
[4] متساندان: متعاونان يسند كل واحد منهما الآخر ويعضده، وكل منهما تحت راية.
[5] عادى الفارس بين رجلين، إذا طعنهما طعنتين متواليتين.
[6] الصدى هنا: الطائر الّذي يخرج من هامة الميت إذا بلى، وجمعه أصداء، وهو من خرافات العرب. وأصلا (بضمتين): جمع أصيل وهو العشيّ.
ونسخت من كتاب عمرو بن أبي عمرو الشّيبانيّ يأثره عن أبيه، قال:
ما قاله في فرس أخذها ابنه جراح من بني الحارث بن تيم اللّه واستولدها أمهارا
كان أبو جعل أخو عمرو بن حنظلة من البراجم قد جمع جمعا من شذّاذ أسد وتميم وغيرهم، فغزوا بني الحارث بن تيم اللّه بن ثعلبة، فنذروا [1] بهم وقاتلوهم قتالا شديدا حتى فضّوا جمعهم، فلحق رجل من بني الحارث بن تيم اللّه بن ثعلبة جماعة من بني نهشل فيهم جرّاح بن الأسود بن يعفر، والحرّ بن شمر بن هزّان بن زهير بن جندل، ورافع بن صهيب بن حارثة بن جندل، وعمرو والحارث ابنا حرير [2] بن سلمى بن جندل، فقال لهم الحارثيّ [3]: هلمّ إليّ طلقاء [4]؛ فقد أعجبني قتالكم سائر اليوم، وأنا خير لكم من العطش. قالوا نعم. فنزل ليجّز نواصيهم. فنظر الجرّاح بن الأسود إلى فرس من خيلهم فإذا هي أجود فرس في الأرض، فوثب فركبها وركضها ونجا عليها. فقال الحارثيّ للذين بقوا معه: أتعرفون هذا؟ قالوا: نعم نحن لك عليه خفراء. فلمّا أتى جرّاح أباه أمره فهرب بها في بني سعد فابتطنها [5] ثلاثة أبطن، وكان يقال لها: العصماء. فلما رجع النّفر النّهشليّون إلى قومهم قالوا إنّا خفراء فارس العصماء، فو اللّه لنأخذنّها، فأوعدوه [6]. وقال حرير [7] ورافع: نحن الخفيران/ بها.
وكان بنو جرول حلفاء بني سلمى بن جندل على بني حارثة بن جندل، فأعانه على ذلك التّيحان بن بلج بن جرول بن نهشل. فقال الأسود بن يعفر يهجوه:
//
أتاني ولم أخش الّذي ابتعثا به ... خفيرا بني سلمى حرير ورافع
هم خيّبوني يوم كلّ غنيمة ... وأهلكتهم [8] لو أنّ ذلك نافع
فلا أنا معطيهم عليّ ظلامة ... ولا الحقّ معروفا لهم أنا مانع
وإني لأقري الضيف وصّى به أبي ... وجار أبي التّيحان ظمآن جائع
فقولا لتيحان ابن عاقرة استها ... أمجر [9] فلاقي الغيّ أم أنت نازع [10]
ولو أنّ تيحان بن بلج أطاعني ... لأرشدته وللأمور مطالع
وإن يك مدلولا [11] عليّ فإنّني ... أخو الحرب لا قحم [12] ولا متجاذع [13]
__________
[1] نذر بالشيء وبالعدو (بكسر الذال) نذرا: علمه فحذره.
[2] في الأصول: «حدين» صوابه من نقل البغدادي في «الخزانة» 1: 195 عن «الأغاني».
[3] في سائر الأصول: «الحارث» وظاهر أنه تحريف، إذ هو الرجل الّذي لحق بجماعة بني نهشل. وهو منسوب إلى بني الحارث بن تيم اللّه بن ثعلبة، وسيأتي بعد سطور بلفظ «الحارثي».
[4] طلقاء: جمع طليق، وهو الأسير أطلق عنه إساره.
[5] ابتطنها: نتجها ثلاث مرات.
[6] أوعدوه: هددوه.
[7] كذا في ط. وفي سائر الأصول «جرير» بالجيم.
[8] كذا في الأصل و «خزانة الأدب».
[9] مجر: قاصد إلى الشر، يقال: أجرى إلى الشيء قصده؛ وأكثر ما يستعمل الإجراء، محذوف المفعول، في الأمر المنكر المذموم.
قال غلاق بن مروان بن الحكم بن زنباع:
هم قطعوا الأرحام بيني وبينهم ... وأجروا إليها واستحلوا المحارما
[10] النازع من النزوع وهو الكف عن الشيء، والانتهاء عنه.
[11] مدلولا علي: أي اجترأ القوم علي.
[12] القحم: الكبير السن.
[13] المتجاذع: الّذي يرى أنه صغير السن. والجذع: الصغير السن.
ولكنّ تيحان ابن عاقرة استها ... له ذنب [1] من أمره وتوابع
قال: فلمّا رأى الأسود أنهم لا يقلعون عن الفرس أو يردّوها، أحلفهم عليها فحلفوا أنهم خفراء لها، فردّ الفرس عليهم وأمسك أمهارها، فردّوا الفرس إلى صاحبها. ثم أظهر الأمهار بعد ذلك، فأوعدوه فيها أن يأخذوها.
فقال الأسود:
أحقّا بني أبناء سلمى بن جندل ... وعيدكم إياي وسط المجالس
فهلّا جعلتم نحوه من وعيدكم ... على رهط قعقاع ورهط ابن حابس
/ هم منعوا منك تراث أبيكم ... فصار التّراث للكرام الأكايس
هم أوردوكم ضفّة البحر طاميا ... وهم تركوكم بين خاز [2] وناكس [3]
رثاؤه مسروق بن المنذر النهشلي وكان كثير البر به
وقال أبو عمرو: كان مسروق بن المنذر بن سلمى بن جندل بن نهشل سيّدا جوادا، وكان مؤثرا للأسود بن يعفر، كثير الرّفد له والبرّ به. فمات مسروق واقتسم أهله ماله، وبان فقده على الأسود بن يعفر فقال يرثيه:
أقول لمّا أتاني هلك سيّدنا ... لا يبعد اللّه ربّ الناس مسروقا
من لا يشيّعه [4] عجز ولا بخل ... ولا يبيت لديه اللّحم موشوقا [5]
مردى حروب [6] إذا ما الخيل ضرّجها [7] ... نضخ الدماء وقد كانت أفاريقا [8]
والطاعن الطعنة النّجلاء تحسبها ... شنّا [9] هزيما [10] يمجّ الماء مخروقا
وجفنة [11] كنضيح [12] البئر متأقة [13] ... ترى جوانبها باللحم مفتوقا [14]
يسّرتها ليتامى أو لأرملة ... وكنت بالبائس المتروك محقوقا [15]
يا لهف أمّي إذ أودى وفارقني ... أودى ابن سلمى نقيّ العرض مرموقا
__________
[1] له ذنب: لأمره عواقب.
[2] الخازي، من خزي بالكسر يخزي خزيا، إذا ذل وهان، كما فسرها البغدادي في «الخزانة».
[3] الناكس: المطأطىء رأسه.
[4] يشيعه: يصحبه ويتبعه.
[5] الموشوق: المقدد. يقال وشق اللحم بشقه إذا شرحه وقدّده، يقول: إنه لكرمه لا يدّخر اللحم إلى غد.
[6] مردى حروب: شجاع صبور عليها، غالب؛ وأصل المردى: الحجر الّذي تكسر به الصخور، ويكسر به النوى، وأكثر ما يقال في الحجر الثقيل.
[7] ضرجها: لطخها.
[8] الأفاريق: جمع أفراق، وأفراق جمع فرقة وهي: الطائفة والجماعة.
[9] الشن: القربة القديمة الصغيرة.
[10] الهزيم: اليابس المتكسر.
[11] الجفنة: القصعة.
[12] نضيح البئر: حوضها.
[13] المتاقة: الممتلئة.
[14] المفتوق: المشقوق. قال في «اللسان» «مادة فتق» بعد أن ذكر هذا الشطر: «إنما أراد مفتوقة فأوقع الواحد موقع الجماعة». وفي ط و «اللسان»: « ... بالشحم مفتوقا».
[15] المحقوق هنا: الخليق. قال في «اللسان»: «قال شمر: تقول العرب: حق علي أن أفعل ذلك، وحق، وإني لمحقوق أن أفعل خيرا، وهو حقيق به، ومحقوق به، أي خليق له، والجمع أحقاء ومحقوقون».
ما أجاب به بنته وقد لامته على جوده
وقال أبو عمرو: عاتبت سلمى بنت الأسود بن يعفر أباها على إضاعته ماله فيما ينوب قومه من حمالة [1] وما يمنحه فقراءهم ويعين به مستمنحهم، فقال لها:
وقالت لا أراك تليق شيئا ... أتهلك ما جمعت وتستفيد [2]
فقلت بحسبها يسر وعار ... ومرتحل إذا رحل الوفود [3]
فلومي إن بدالك أو أفيقي ... فقبلك فاتني وهو الحميد
أبو العوراء لم أكمد عليه ... وقيس فاتني وأخي يزيد
مضوا لسبيلهم وبقيت وحدي ... وقد يغني رباعته الوحيد [4]
/فلو لا الشامتون أخذت حقّي ... وإن كانت بمطلبه كؤود [5]
ويروى:
وإن كانت له عندي كؤود
ما قاله في ابنه جراح وكان ضئيلا وضعيفا
قال أبو عمرو: وكان الجرّاح بن الأسود في صباه ضئيلا ضعيفا، فنظر إليه الأسود وهو يصارع صبيّا من الحيّ - وقد صرعه الصبيّ - والصبيان يهزءون منه، فقال:
سيجرح جرّاح وأعقل ضيمه ... إذا كان مخشيّا من الضّلع المبدي [6]
فآباء جرّاح ذؤابة دارم ... وأخوال جرّاح سراة بني نهد
قال: وكانت أمّ الجرّاح أخيذة، أخذها الأسود من بني نهد في غارة أغارها عليهم.
ما قاله لما أسنّ وكف بصره
وقال أبو عمرو: لمّا أسنّ الأسود بن يعفر كفّ بصره، فكان يقاد إذا أراد مذهبا. وقال في ذلك:
قد كنت أهدي ولا أهدى فعلّمني ... حسن المقادة أني أفقد البصرا
أمشي وأتبع جنّابا ليهديني ... إنّ الجنيبة مما تجشم الغدرا [7]
الجنّاب: الرجل الّذي يقوده كما تقاد الجنيبة. الجشم: المشي ببطء. والغدر: مكان ليس مستويا.
__________
[1] الحمالة: ما يحمله عنهم من مغارم.
[2] يقال: فلان ما يليق شيئا أي ما يمسك شيئا.
[3] اليسر: القوم المجتمعون على الميسر. والعاري: الّذي يعرو القوم يلتمس معروفهم. والمرتحل: الّذي يرتحل البعير، أي يركبه بالقتب.
[4] الرباعة، بالفتح وبالكسر: الشأن والأمر وهي القبيلة أيضا.
[5] كؤد صفة لموصوف محذوف وهو العقبة الّتي تعترض من الطريق، وكان تامة. ورواية ط:
فلو لا الشامتون لأخذ حقي ... وإن كانت بمطلبه كؤود
[6] أعقل: أحمل عنه. الضلع: الاعوجاج خلقة. والمعنى أن هذا العيب لا يمنع من أنه سيقوى فآباؤه وأخواله رؤساء وسادة ولن يتخلف عن صفاتهم وشمائلهم. والمبدي، لعلها «المندي» بالنون، أي المخزي.
[7] جناب بضم الجيم لا بالفتح: الّذي يسير مع الرجل إلى جنبه (كما ورد في «اللسان»). والجنيبة: الدابة تقاد. والغدر: ما واراك وسد بصرك.
شعر لأخيه حطائط وقد لامته أمه على جوده
وذكر محمّد بن حبيب، عن ابن الأعرابيّ، عن المفضّل: أن الأسود كان له أخ يقال له حطائط بن يعفر شاعر، وأن ابنه الجرّاح كان شاعرا أيضا. قال: وأخوه حطائط الّذي قال لأمّهما رهم بنت العبّاب، وعاتبته على جوده فقال:
تقول ابنة العبّاب رهم حربتني ... حطائط لم تترك لنفسك مقعدا [1]
إذا ما جمعنا صرمة بعد هجمة ... تكون علينا كابن أمّك أسودا [2]
فقلت ولم أعي الجواب: تأمّلي ... أكان هزالا حتف زيد وأربدا [3]
أريني جوادا مات هزلا لعلّني ... أرى ما ترين أو بخيلا مخلّدا
ذريني أكن للمال ربّا ولا يكن ... لي المال ربا تحمدي غبّه غدا
/ ذريني فلا أعيا بما حلّ ساحتي ... أسود فأكفى أو أطيع المسوّدا
ذريني يكن مالي لعرضي وقاية ... يقي المال عرضي قبل أن يتبدّدا
أجارة أهلي بالقصيمة لا يكن ... عليّ - ولم أظلم - لسانك مبردا [4]
صوت
أعاذلتي ألا لا تعذلينا ... أقلّي اللوم إن لم تنفعينا
فقد أكثرت لو أغنيت شيئا ... ولست بقابل ما تأمرينا
الشعر لأرطاة بن سهيّة، والغناء لمحمد بن الأشعث، خفيف رمل بالبنصر، من نسخة عمرو بن بانة.
__________
[1] حربتني: سلبتني مالي.
[2] في «الحماسة» (طبع أوربا ص 755): «أفدنا» بدل جمعنا. والصرمة: القطعة من الإبل نحو الثلاثين. والهجمة: أربعون من الإبل إلى سبعين فما دون المائة. فإذا بلغت المائة فهي الهنيدة. وقد روى «عليها» وفي الأصول: «علينا». يريد: تعود عليها سالكا طريق أخيك الأسود بن يعفر في السخاء بذلك المال.
[3] يقول: إن زيدا وأربد من كرام قومنا لم يموتا من هزال. وفي «الحماسة»: «نهد» بدل «زيد». وفيها أيضا: «و قيل إن بهذا وأربد كانا أخوين لحطائط».
[4] القصيمة: (بالفتح ثم الكسر) الرملة التي تنبت الغضى. وفي «معجم البلدان»: القصيمة بلفظ التصغير، ويضاف فيقال قصيمة الطرّاد.
قال الأسود بن يعفر:
بالجوّ فالأمراج حول مرامر ... فبضارج فقصيمة الطرّاد
3 - أخبار ارطاة ونسبه
نسبه من قبل أبويه وبيان أن أمه كانت لضرار بن الأزور فصارت إلى زفر وهي حامل بأرطاة
هو أرطاة بن زفر بن عبد اللّه بن مالك بن شدّاد بن عقفان [1] بن أبي حارثة بن مرّة بن نشبة بن غيظ بن مرّة [بن عوف] [2] بن سعد بن ذبيان. وقد تقدّم هذا النسب في عدّة مواضع من هذا الكتاب. وسهيّة أمّه؛ وهي بنت زامل بن مروان بن زهير بن ثعلبة بن حديج بن أبي جشم/ بن كعب بن عوف بن عامر بن عوف، سبيّة من كلب، وكانت لضرار بن الأزور ثم صارت إلى زفر وهي حامل فجاءت بأرطاة من ضرار على فراش زفر؛ فلما ترعرع أرطاة جاء ضرار إلى الحارث بن عوف فقال له:
يا حارث افكك لي بنيّ من زفر
- ويروى:
«يا حار أطلق لي»
-
في بعض من تطلق من أسرى مضر
إنّ أباه امرؤ سوء إن كفر [3]
فأعطاه الحارث إياه وقال: انطلق بابنك، فأدركه نهشل بن حرّيّ بن غطفان فانتزعه وردّه إلى زفر. وفي تصداق ذلك يقول أرطاة لبعض أولاد زفر:
فإذا خمصتم [4] قلتم يا عمّنا ... وإذا بطنتم [5] قلتم ابن الأزور
/ قال: ولهذا غلبت أمه سهيّة على نسبه فنسب إليها. وضرار بن الأزور هذا قاتل مالك بن نويرة الّذي يقول فيه أخوه متمّم:
نعم القتيل إذا الرّياح تناوحت ... تحت البيوت، قتلت يابن الأزور
منزلته في الشعر
وأرطاة شاعر فصيح، معدود في طبقات الشعراء المعدودين من شعراء الإسلام في دولة بني أميّة لم يسبقها ولم يتأخّر عنها. وكان أمرأ صدق شريفا في قومه جوادا.
إنشاده عبد الملك بعض ما ناقض به شبيب بن البرصاء
أخبرني هاشم بن محمّد الخزاعيّ قال حدّثنا أبو غسّان رفيع بن سلمة الملقّب بدماذ، قال: حدّثنا أبو عبيدة قال:
__________
[1] في الأصول: «غطفان» والتصويب مما سيأتي في الشعر. وقد صححها كذلك الشنقيطي في نسخته.
[2] الزيادة من «شرح شواهد المغني للبغدادي» (ج 2 ص 572) نسخة مخطوطة ومحفوظة بدار الكتب المصرية تحت رقم (2 نحو - ش) و «القاموس المحيط» مادة (غيظ) ومما تقدّم في هذا الكتاب ومن ذلك ما ورد في أخبار النابغة ونسبه. (الجزء الحادي عشر الصفحة الثالثة من هذه الطبعة).
[3] كفر: جحد حقه في أبوّته.
[4] خمصتم: جعتم.
[5] بطنتم: شبعتم.
دخل أرطاة بن سهيّة على عبد الملك بن مروان، فاستنشده شيئا مما كان يناقض [1] به شبيب بن البرصاء، فأنشده:
أبي كان خيرا من أبيك ولم يزل ... جنيبا لآبائي وأنت جنيب [2]
فقال له عبد الملك بن مروان: كذبت، شبيب خير منك أبا. ثم أنشده:
وما زلت خيرا منك مذ عضّ كارها ... برأسك عاديّ النّجاد رسوب [3]
معرفة عبد الملك مقادير الناس على بعدهم
فقال له عبد الملك: صدقت، أنت في نفسك خير من شبيب. فعجب من عبد الملك من حضر ومن معرفته مقادير الناس [4] على بعدهم منه في بواديهم، وكان الأمر على ما قال: كان شبيب أشرف أبا من أرطاة، وكان أرطاة أشرف فعلا ونفسا من شبيب.
ما قاله لعبد الملك وقد أسنّ
/ أخبرني هاشم بن محمّد الخزاعيّ قال حدّثنا عمرو بن بحر الجاحظ ودماذ أبو غسّان، قالا جميعا، قال أبو عبيدة:
دخل أرطاة بن سهيّة على عبد الملك بن مروان، فقال له: كيف حالك يا أرطاة؟ - وقد كان أسنّ - فقال:
ضعفت أوصالي، وضاع مالي، وقلّ منّي ما كنت أحبّ كثرته، وكثر مني ما كنت أحبّ قلّته. قال: فكيف أنت في شعرك؟ فقال: واللّه يا أمير المؤمنين ما أطرب ولا أغضب ولا أرغب ولا أرهب، وما يكون الشعر إلا من نتائج هذه الأربع، وعلى أنّي القائل:
رأيت المرء تأكله اللّيالي ... كأكل الأرض ساقطة الحديد
وما تبغي المنيّة حين تأتي ... على نفس ابن آدم من مزيد
وأعلم أنها ستكرّ حتّى ... توفّي نذرها بأبي الوليد
فارتاع عبد الملك ثم قال: بل توفّى نذرها بك ويلك! مالي ولك؟ فقال: لا ترع يا أمير المؤمنين،/ فإنّما عنيت نفسي - وكان أرطاة يكنى أبا الوليد فسكّن عبد الملك، ثم استعبر باكيا وقال: أما واللّه على ذلك لتلمّنّ [5] بي.
أخبرني به حبيب بن نصر المهلّبيّ قال: حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثني أبو غسّان محمّد بن يحيى عن عبد العزيز بن أبي ثابت، فذكر قريبا منه يزيد وينقص ولا يحيل [6] معنى.
مدحه مروان لما اجتمع له أمر الخلافة
أخبرني عبد الملك بن مسلمة القرشيّ الهشاميّ بأنطاكية [7] قال أخبرني أبي عن أهلنا أن أرطاة بن سهيّة دخل على مروان بن الحكم لما اجتمع له أمر الخلافة.
__________
[1] يناقض: يعارض، والمناقضة هي أن يعارض الشاعر غيره في قصيدته من نفس الوزن والروي.
[2] الجنيب: الطائع المنقاد.
[3] النجاد: حمائل السيف. وعادي النجاد: سيف قديم، كأنه لقدمه أدرك زمن عاد، والرسوب: الماضي الّذي يغيب في الضريبة ويرسب. وفي ب، س، ط: «ركوب» ولا وجه له.
[4] في ط «بسائر الناس».
[5] لتلمنّ بي: لتنزلن بي.
[6] أحال الكلام يحيله إحالة: عيره وفسده.
[7] أنطاكية (بتخفيف الياء): بلد معروف في شمال الساحل الشامي.
/ وفرغ من الحروب الّتي كان بها متشاغلا. وصمد [1] لإنفاذ الجيوش إلى ابن الزّبير لمحاربته، فهنّأه وكان خاصّا به وبأخيه يحيى بن الحكم، ثم أنشده:
تشكّى قلوصي إليّ الوجى ... تجرّ السّريج وتبلي الخداما [2]
تزور كريما له عندها [3] ... يد لا تعدّ وتهدي السّلاما
وقلّ ثوابا له أنّها ... تجيد القوافي عاما فعاما
وسادت معدّا على رغمها ... قريش وسدت قريشا غلاما
جعلت على الأمر فيه صغا [4] ... فما زال غمزك حتى استقاما
لقيت الزّحوف فقاتلتها ... فجرّدت فيهنّ عضبا حساما
تشقّ القوانس [5] حتى تنا ... ل ما تحتها ثم تبري العظاما
نزعت [6] على مهل سابقا ... فما زادك النّزع إلّا تماما
فزاد لك اللّه سلطانه ... وزاد لك الخير منه فداما
فكساه مروان وأمر له بثلاثين ناقة وأوقرهنّ له برّا وزبيبا وشعيرا.
هجاؤه شبيبا وقد وقع فيه عند يحيى بن الحكم
قال: وكان أرطأة يهاجي شبيب بن البرصاء، ولكلّ واحد منهما في صاحبه هجاء كثير، وكان كلّ واحد منهما ينفي صاحبه عن عشيرته في أشعاره، فأصلح بينهما/ يحيى بن الحكم، وكانت بنو مرّة تألفه وتنتجعه لصهره فيهم.
فلما افترقا سبعه [7] شبيب عند يحيى بن الحكم؛ فقال أرطاة له:
رمتك فلم تشو [8] الفؤاد جنوب ... وما كلّ من يرمي الفؤاد يصيب
وما زوّدتنا غير أن خلطت لنا ... أحاديث منها صادق وكذوب
ألا مبلغ فتيان قومي أنّني ... هجاني ابن برصاء اليدين شبيب
وفي آل عوف من يهود قبيلة ... تشابه منها ناشئون وشيب
أبي كان خيرا من أبيك ولم يزل ... جنيبا لآبائي وأنت جنيب [9]
__________
[1] صمد: قصد.
[2] القلوص: الناقة الشابة. الوجى: الحفا. والسريج: الّذي تشدّ به الخدمة فوق الرسغ. والخدام جمع خدمة (بالتحريك) هي السير الغليظ المحكم مثل الحلقة يشدّ في رسغ البعير ثم يشدّ إليها سرائج نعلها.
[3] في س: «عنده» وهو تحريف.
[4] الصغا: الميل.
[5] القوانس: جمع قونس، وهو أعلى البيضة من الحديد.
[6] نزعت: جريت.
[7] سبعه: شتمه ووقع فيه بالقول القبيح.
[8] لم تشو: لم تصب الشوى، والشوى: كل ما كان غير مقتل من الأعضاء. وجنوب: اسم امرأة.
[9] الجنيب: المنقاد.
وما زلت خيرا منك مذ عضّ كارها ... برأسك عاديّ النّجاد رسوب
فما ذنبنا إن أمّ حمزة جاورت ... بيثرب أتياسا لهنّ نبيب [1]
وإنّ رجالا بين سلع وواقم [2] ... لأير أبيهم في أبيك نصيب
فلو كنت عوفيّا عميت وأسهلت ... كداك ولكنّ المريب مريب [3]
حرص العوفيين على العمى عند الكبر
فأخبرني عمي قال حدّثنا الكرانيّ قال حدّثنا العمريّ عن العتبيّ قال: لمّا قال هذا الشعر أرطاة في شبيب بن البرصاء كان كلّ شيخ من بني عوف يتمنّى أن يعمى - وكان العمى شائعا/ في بني عوف كلّما أسنّ منهم رجل عمي - فعمر أرطاة ولم يعم، فكان شبيب يعيّره بذلك. ثم مات أرطاة وعمي شبيب، فكان يقول بعد ذلك: ليت أرطاة عاش حتى يراني أعمى فيعلم أنّي عوفيّ.
ما كان له مع شبيب وقد تمنى لقاءه في يوم قتال
ونسخت من كتاب ابن الأعرابيّ في شعر أرطاة قال: كان شبيب بن البرصاء يقول: وددت أنّي جمعني وابن الأمة أرطاة بن سهيّة يوم قتال فأشفي منه غيظي. فبلغ ذلك أرطاة فقال له:
إن تلقني لا ترى غيري بناظرة ... تنس السلاح وتعرف جهة الأسد [4]
ماذا تظنّك تغنى في أخي رصد ... من أسد خفّان جابي العين ذي لبد [5]
- جابي العين وجائب العين: شديد النظر -
أبى ضراغمة غبر يعوّدها ... أكل الرجال متى يبدأ لها يعد
يا أيها المتمنّي أن يلاقيني ... إن تنأ آتك أو إن تبغني تجد
نقض اللبانة من مرّ شرائعه ... صعب المقادة تخشاه فلا تعد [6]
متى تردني لا تصدر لمصدرة ... فيها نجاة وإن أصدرك لا ترد
لا تحسبنّي كفقع [7] القاع ينقره ... جان [8] بإصبعه أو بيضة [9] البلد
أنا ابن عقفان معروف له نسبي ... إلا بما شاركت أمّ على ولد
__________
[1] النبيب: صياح التيوس عند هياجها.
[2] سلع: جبل متصل بالمدينة. وواقم: أطم من آطامها وإليه تنسب حرة واقم.
[3] كدى: جمع كدية (بالضم) والكدية: الأرض الغليظة. يريد: لو كنت من بني عوف بن سعد بن ذبيان لعميت مثل كثيرين منهم ولسهلت أرضك الغليظة.
[4] الناظرة: العين.
[5] في ب، س «ماذا أظنك». والتصحيح من نسخة ط. أخي رصد، يقال رصده رصدا ورصدا بفتح الصاد: رقبه، كرصده. والراصد:
الأسد. والرصيد: السبع يرصد الوثوب، كما في «القاموس». وخفان: موضع قرب الكوفة كان مأسدة.
[6] الشرائع: (جمع شريعة) وهي مورد الشاربة، يقول: إن من يطمع في مواردي يجد ماء مرا.
[7] فقع القاع: الكمأة.
[8] الجاني: الّذي يجنيها.
[9] بيضة البلد: الخامل الّذي لا يعرف نسبه، ويضرب به المثل للذل.
لاقى الملوك فأثأى [1] في دمائهم ... ثم استقرّ بلا عقل ولا قود [2]
من عصبة يطعنون الخيل ضاحية [3] ... حتى تبدّد كالمزءودة [4] الشّرد [5]
ويمنعون نساء الحيّ إن علمت ... ويكشفون قتام [6] الغارة العمد
/ أنا ابن صرمة إن تسأل خيارهم ... أضرب برجلي في ساداتهم ويدي [7]
وفي بني مالك أم وزاقرة ... لا يدفع المجد من قيس إلى أحد [8]
ضربت فيهم بأعرافي كما ضربت ... عروق ناعمة في أبطح ثتد [9]
جدّي قضاعة معروف ويعرفني ... جبا رفيدة أهل السّرو والعدد [10]
خبر حبه لوجزة وبعض ما قال فيها
أخبرني عمي قال حدّثنا محمّد بن عبد اللّه الحزنبل عن عمرو بن أبي عمرو الشيبانيّ عن أبيه قال:
كان أرطاة بن سهيّة يتحدث إلى امرأة من غنيّ يقال لها وجزة، وكان يهواها ثم افترقا وحال الزمان بينهما وكبر أرطاة، ثم اجتمعت غنيّ وبنو مرّة في دار، فمرّ أرطاة بوجزة وقد هرمت وتغيّرت محاسنها وافتقرت، فجلس إليها وتحدّث معها وهي تشكو إليه أمرها، فلما أراد الانصراف أمر راعيه فجاء بعشرة من إبله فعقلها بفنائها وانصرف وقال:
مررت على حدثي [11] برمّان [12] بعد ما ... تقطّع أقران الصّبا والوسائل
فكنت كظبي مفلت ثمّ لم يزل ... به الحين [13] حتى أعلقته الحبائل [14]
أرطاة ينسب بوجزة
قال أبو الفرج الأصبهانيّ: وقد ذكر أرطاة بن سهية وجزة هذه، ونسب بها في مواضع شعره، فقال في قصيدة:
/و داوية [15] نازعتها الليل زائرا ... لوجزة تهديني النجوم الطوامس [16]
__________
[1] أثأى: جرح وطعن.
[2] أي لم يرزأ بدية ولا قصاص.
[3] الضاحية: البارزة.
[4] المزءودة: المذعورة.
[5] الشرد (جمع شرود): النافر.
[6] القتام: الغبار.
[7] صرمة: هو ابن مرة بن عوف بن سعد، من أسلاف أرطاة.
[8] زافرة الرجل: عشيرته وأنصاره.
[9] أعراقي: أصولي. والناعمة: النبتة الحسنة الغذاء والري. والأبطح: المسيل الواسع، وثئد: نديّ.
[10] قضاعة: جد الشاعر لأمه وهي سهية الكلبية. الجبا، بالفتح: الحوض، وما حول البئر. يعني به جماعة القبيلة. ورفيدة ابن ثور الجد الأعلى لقبائل كلب الذين تنسب إليهم أم الشاعر. والسرو: المروءة والندى.
[11] الحدث: المحدث والمسامر.
[12] رمان: جبل في بلاد طيى ء.
[13] الحين: الهلاك.
[14] الحبائل جمع حبالة (بالكسر) وهي: الّتي يصاد بها.
[15] الداوية، بتشديد الياء وتخفيفها: الفلاة الواسعة المستوية.
[16] النجوم الطوامس: الّتي ذهب نورها.
أعوج [1] بأصحابي عن القصد [2] تعتلي [3] ... بنا عرض كسريها [4] المطيّ [5] العرامس [6] /
فقد تركتني لا أعيج [7] بمشرب ... فأروى ولا ألهو إلى من أجالس
ومن عجب الأيام أن [8] كلّ منزل ... لوجزة من أكناف رمّان دارس
وقد جاورت قصر العذيب [9] فما يرى ... برمّان إلا ساخط العيش بائس
طلاب بعيد واختلاف من النوى ... إذا ما أتى من دون وجزة قادس [10]
لئن أنجح الواشون بيني وبينها ... وطال التنائي والنفوس النوافس [11]
لقد طالما عشنا جميعا وودّنا ... جميع إذا ما يبتغي الأنس آنس [12]
كذلك صرف الدهر ليس بتارك ... حبيبا ويبقى عمره المتقاعس
ش/ وقال ابن الأعرابيّ: كانت بين أرطاة بن سهيّة وبين رجل من بني أسد يقال له حيان مهاجاة، فاعترض بينهما حباشة الأسديّ فهجا أرطاة فقال فيه أرطاة:
أبلغ حباشة أني غير تاركه ... حتى أذلّله إذا كان ما كانا
الباعث القول يسديه ويلحمه ... كالمجتدي الثّكل إذ حاورت حيانا
إن تدع خندف بغيا أو مكاثرة ... أدع القبائل من قيس بن عيلانا
قد نحبس الحقّ حتى ما يجاوزنا ... والحقّ يحبسنا في حيث يلقانا
نبني لآخرنا مجدا نشيّده ... إنّا كذاك ورثنا المجد أولانا
وقال ابن الأعرابيّ: وفد أرطاة بن سهيّة إلى الشأم زائرا لعبد الملك بن مروان عام الجماعة [13]، وقد هنّاه
__________
[1] أعوج: أميل.
[2] القصد: استقامة الطريق.
[3] تعتلي: ترتفع.
[4] كسرا كل شي ء: ناحيتاه.
[5] المطي: جمع مطية، وهي الناقة الّتي يركب مطاها أي ظهرها.
[6] العرامس: جمع عرمس (بالكسر)، وهي الناقة الصلبة الشديدة.
[7] لا أعيج بمشرب: لا أكترث له ولا أباليه.
[8] أن هنا: مخففة من الثقيلة.
[9] العذيب: واد بظاهر الكوفة، أو هو ماء بين القادسية والمغيثة، بينه وبين القادسية أربعة أميال. وقصر العذيب: هو القصر الّذي أشرف منه سعد بن أبي وقاص على جيش المسلمين في قتاله مع جيش الفرس في وقعة القادسية. انظر «معجم ما استعجم للبكري»، و «معجم البلدان لياقوت» و «تاريخ الطبري» (القسم الأوّل ص 2351 طبع أوربا).
[10] النوى: النية، والقصد لبلد غير الّذي أنت مقيم فيه، والبعد والتحول. وقادس: أراد بها القادسية. قال الكميت:
كأني على حب البويب وأهله ... يرى بالجباتين العذيب وقادسا
انظر «معجم ما استعجم» في رسم: «الجأب».
[11] كذا في ج. والنوافس: جمع نافس، وهو الحاسد. وفي بقية الأصول: «النفائس» وهو تحريف لأن «فعائل» لا يطرد في «فاعل» سواء أكان اسما أو وصفا، وإنما الّذي يطرد فيه «فواعل». انظر «شرح الأشموني» (ج 3 ص 177 طبع بولاق).
[12] كذا في ب، س، وفي ط: «إلى ما يبتغي». وفي ج: «إلى من يبتغي».
[13] المعروف أن عام الجماعة هو عام 41 ه حينما تنازل الحسن رضي اللّه عنه عن الخلافة إلى معاوية وعبد الملك بن مروان ولي الخلافة سنة 65. وعام الجماعة هنا العام الّذي فرغ فيه عبد الملك من قتال الزبيريين والخوارج، وقتله عمرو بن سعيد الأشدق وكان يشارك عبد الملك في الخلافة.
بالظّفر، ومدحه فأطال المقام عنده، وأرجف أعداؤه بموته، فلما قدم - وقد ملأ يديه - بلغه ما كان منهم، فقال فيهم:
إذا ما طلعنا من ثنيّة لفلف [1] ... فخبّر رجالا يكرهون إيابي
وخبّرهم أني رجعت بغبطة ... أحدّد أظفاري ويصرف [2] نابي
وإني ابن حرب لا تزال تهرّني ... كلاب عدوّي أو تهرّ كلابي
أرطاة وزميل يتلاحيان
وقال أبو عمرو الشّيبانيّ: وقع بين زميل [3] قاتل ابن دارة وبين أرطاة بن سهيّة لحاء؛ فتوعده زميل، وقال:
إني لأحسبك ستجرع مثل كأس ابن دارة. فقال له أرطاة:
/يا زمل إني إن أكن لك سائقا ... تركض برجليك النجاة وألحق
لا تحسبنّي كامرىء صادفته ... بمضيعة فخدشته بالمرفق
إنّي امرؤ أوفي إذا قارعتكم ... قصب الرّهان وما أشأ أتعرّق [4]
فقال له زميل:
يا أرط إن تك فاعلا ما قلته ... والمرء يستحيي إذا لم يصدق
فافعل كما فعل ابن دارة سالم ... ثم امش هونك [5] سادرا لا تتّق
وإذا جعلتك بين لحيي شابك الأ ... نياب فارعد ما بدا لك وابرق
أخبرني أبو الحسن الأسديّ، قال: حدّثنا الرّياشيّ، قال: حدّثنا الأصمعيّ قال: قال أرطاة بن سهية للربيع بن قعنب:
لقد رأيتك عريانا ومؤتزرا ... فما عرفت أأنثى أنت أم ذكر؟
/ فقال له الربيع: لكن سهيّة قد عرفتني. فغلبه وانقطع أرطاة.
عبد الرحمن بن سهيل يتزوّج أم هشام ويأخذ عليها المواثيق عند وفاته ألا تتزوّج بعده ولكنها تزوجت عمر بن عبد العزيز
أخبرني عمي، قال: حدّثنا الحسن بن عليل العنزي قال: حدّثنا قعنب بن المحرز عن الهيثم بن الربيع عن عمرو بن جبلة الباهليّ قال: تزوّج عبد الرحمن بن سهيل بن عمرو أمّ هشام بنت عبد اللّه بن عمر بن الخطاب، وكانت من أجمل نساء قريش [6]، وكان يجد بها وجدا شديدا، فمرض مرضته الّتي هلك فيها، فجعل يديم النظر
__________
[1] لفلف: بلد تجاه برد من حرة ليلي. وهي من أداني ديار بني مرة (عن «معجم ما استعجم للبكري»). وفي هامش ط: «و يروى فبشر رجالا».
[2] صريف الأنياب: حرقها وسماع صوتها.
[3] زميل: هو زميل بن عبد مناف الفزاري، تولى قتل ابن دارة لأنه هجا ثابت بن رافع الفزاري وهجا كذلك فزارة جميعا فقال:
لا تأمنن فزاريا خلوت به ... على قلوصك واكتبها بأسيار
وابن دارة هذا: هو سالم بن مسافع. ودارة أمه. (انظر «الشعر والشعراء» ص 236 طبع ليبسك).
[4] أتعرق: أذهب.
[5] الهون ومثله الهوينى: التؤدة والرفق. والسادر هنا: الّذي لا يهتم لشيء ولا يبالي ما صنع.
[6] في أغلب النسخ: «قيس». والتصويب من ج ونسخة الشنقيطي.
إليها وهي عند رأسه، فقالت له: إنك لتنظر إليّ نظر رجل له حاجة، قال: إي واللّه إن لي إليك حاجة لو ظفرت بها لهان علي ما أنا فيه. قالت: وما هي؟ قال: أخاف أن تتزوّجي بعدي. قالت: فما يرضيك من ذلك؟ قال: أن توثّقي لي/ بالأيمان المغلّظة. فحلفت له بكلّ يمين سكنت إليها نفسه ثم هلك. فلما قضت عدتها خطبها عمر بن عبد العزيز وهو - أمير المدينة - فأرسلت إليه: ما أراك إلا وقد بلغتك يميني، فأرسل إليها: لك مكان كلّ عبد وأمة عبدان وأمتان، ومكان كلّ علق [1] علقان، ومكان كلّ شيء ضعفه. فتزوّجته، فدخل عليها بطال بالمدينة، وقيل:
بل كان رجلا من مشيخة قريش مغفّلا، فلما رآها مع عمر جالسة قال:
تبدلت بعد الخيزران جريدة ... وبعد ثياب الخزّ أحلام نائم
فقال له عمر: جعلتني ويلك جريدة وأحلام نائم! فقالت أمّ هشام: ليس كما قلت، ولكن كما قال أرطاة بن سهية:
وكائن ترى من ذات بثّ وعولة ... بكت شجوها بعد الحنين المرّجع
فكانت كذات البو [2] لمّا تعطفت ... على قطع من شلوه المتمزّع
متى لا تجده تنصرف لطياتها [3] ... من الأرض أو تعمد لإلف فتربع
عن الدهر فاصفح إنه غير معتب ... وفي غير من قدوارت الأرض فاطمع
وهذه الأبيات من قصيدة يرثي بها أرطاة ابنه عمرا.
أرطأة يقيم عند قبر ابنه حولا ويرق قومه لحاله بعد ذلك فيقيمون عامهم ذلك
أخبرني محمّد بن عمران الصّيرفيّ، قال: حدّثنا الحسن بن عليل، قال: حدّثنا قعنب بن المحرز عن أبي عبيدة، قال: كان لأرطاة بن سهيّة ابن يقال له: عمرو، فمات، فجزع عليه أرطاة حتى كاد عقله يذهب، فأقام على قبره، وضرب بيته عنده لا يفارقه حولا. ثم إن الحيّ أراد الرّحيل بعد حول لنجعة بغوها، فغدا على قبره، فجلس عنده/ حتى إذا حان الرواح ناداه: رح يا ابن سلمى معنا! فقال له قومه: ننشدك اللّه في نفسك وعقلك ودينك، كيف يروح معك من مات مذ حول؟ فقال: أنظروني الليلة إلى الغد. فأقاموا عليه، فلمّا أصبح ناداه: اغد يا ابن سلمى معنا، فلم يزل الناس يذكّرونه اللّه ويناشدونه، فانتضى سيفه وعقر راحلته على قبره، وقال: واللّه لا أتبعكم فامضوا إن شئتم أو أقيموا. فرقّوا له ورحموه، فأقاموا عامهم ذلك، وصبروا على منزلهم. وقال أرطاة يومئذ في ابنه عمرو يرثيه:
وقفت على قبر ابن سلمى فلم يكن ... وقوفي عليه غير مبكى ومجزع
هل انت ابن سلمى إن نظرتك رائح ... مع الركب أو غاد غداة غد معي
أ أنسى ابن سلمى وهو لم يأت دونه ... من الدهر إلا بعض صيف ومربع/
وقفت على جثمان عمرو فلم أجد ... سوى جدث عاف ببيداء بلقع
__________
[1] العلق: النفيس من كل شيء.
[2] البوّ: جلد الحوار يحشى ثماما أو تبنا أو غيرهما فيقرب من أم الفصيل فتعطف عليه فتدر.
[3] طياتها (غير مشددة): أراد بها طياتها (بالتشديد) فحذف الياء الثانية. وهي جمع طية. والطية هنا: الوجه الّذي يراد ويقصد. وقد نص صاحب «اللسان» على تخفيف ياء هذا الجمع في الشعر.
ضربت عمودى بانة [1] سموا معا ... فخرّت ولم أتبع قلوصي بدعدع
ولو أنها حادت [2] عن الرمس نلتها ... ببادرة من سيف أشهب [3] موقع
تركتك إن تحيي تكوسي [4] وإن تنؤ ... على الجهد تخذلها توال فتصرع
فدع ذكر من قد حالت الأرض دونه ... وفي غير من قد وارت الأرض فاطمع
أرطأة يناجي قبر ولده في العشي حولا كاملا
وقد أخبرني بهذا الخبر محمّد بن الحسن بن دريد عن أبي حاتم عن أبي عبيدة، فذكر أن أرطاة كان يجيء إلى قبر ابنه عشيّا فيقول: هل أنت رائح معي يا ابن سلمى؟ ثم ينصرف فيغدو عليه ويقول له مثل ذلك حولا، ثم تمثّل قول لبيد:
إلى الحول ثمّ اسم السلام عليكما ... ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر
/ أخبرني حبيب بن نصر المهلّبيّ، قال: حدّثنا عمر بن شبة قال حدّثنا المدائني قال: قال أرطاة بن سهيّة يوما للربيع بن قعنب كالعابث به:
لقد رأيتك عريانا ومؤتزرا ... فما دريت أأنثى أنت أم ذكر
فقال له الربيع:
لكن سهيّة تدري إذ أتيتكم ... على عريجاء لما احتلّت الأزر [5]
فغلبه الربيع، ولجّ الهجاء بينهما، فقال الربيع بن قعنب يهجو أرطاة:
وما عاشت بنو عقفان إلا ... بأحلام كأحلام الجواري
وما عقفان من غطفان إلا ... تلمّس مظلم بالليل ساري
إذا نحرت بنو غيظ جزورا ... دعوهم بالمراجل والشّفار
طهاة اللحم حتى ينضجوه ... وطاهي اللحم في شغل وعار
فقال أرطاة يجيبه ويعيّره بأن أمّة من عبد القيس:
وهذا الفسو [6] قد شاركت فيه ... فمن شاركت في أير الحمار [7]
وأيّ الناس أخبث من [8] هبلّ ... فزارىّ وأخبث ريح دار
__________
[1] البانة: واحدة شجر البان، وهو شجر يسمو ويطول في استواء. وسموا معا وارتفعا. وفي النسخ «شمرا» ولا وجه له. شبه بها راحلته الّتي عفرها على قبر ابنه. ودعدع: كلمة يدعى بها للعاثر في معنى قم وانتعش واسلم.
[2] في ط: «جارت».
[3] الأشهب: النصل الّذي برد بردا خفيفا فلم يذهب سواده كله. والموقع هنا: الوقيع. والوقيع من السيوف ما شحذ بالحجر.
[4] تكوسى: تمشى على ثلاث قوائم.
[5] عريجاء: موضع. احتلت، كذا وردت. والمعروف «انحلت».
[6] الفسو عرف به حي من عبد القيس يقال لهم الفساة. حكى أنه جاء رجل منهم يقال له زيد بن سلامة ببردى حبرة إلى سوق عكاظ فقال: من يشتري منا هذا الفسو بهذين البردين، فقام رجل من مهو، يقال له: عبد اللّه بن بيذرة فارتدى بأحدهما وائتزر بالآخر فسمى مشترى الفسو ببردى حبرة فضرب به المثل فقيل «أخيب صفقة من شيخ مهو». انظر اللسان والقاموس وشرحه (مادة فسا).
[7] نبزه بذلك لما كانت تعير به فزارة من أكل أير الحمار. قال سالم بن دارة:
لا تأمنن فزاريا خلوت به ... على قلوصك واكتبها بأسيار
لا تأمننه ولا تأمن من بواثقه ... من بعد ما امتل أير العير في النار
[8] الهبل: الثقيل المسن الكبير من الناس والإبل.
مسرف بن عقبة يطرد قومه ومعهم أرطاة لما استرفدوه بعد التهنئة والمديح بفوزه على أهل الحرة
أخبرني عبد اللّه بن محمّد اليزيديّ، قال: حدّثنا أحمد بن الحارث الخرّاز، قال: حدّثنا المدائنيّ عن أبي بكر الهذلي، قال: قدم مسرف بن [1] عقبة المريّ المدينة، وأوقع بأهل الحرة، فأتاه قومه من بني مرّة وفيهم أرطاة فهنّئوه بالظفر واسترفدوه [2] فطردهم ونهرهم، وقام أرطاة بن سهيّة ليمدحه فتجهّمه بأقبح قول وطرده. وكان في جيش مسرف رجل من أهل الشام من عذرة، يقال له عمارة، قد كان رأى أرطاة عند معاوية بن أبي سفيان، وسمع شعره، وعرف إقبال معاوية عليه، ورفده له، فأومأ إلى أرطاة فأتاه، فقال له: لا يغررك ما بدا لك من الأمير، فإنه عليل ضجر، ولو قد صحّ واستقامت الأمور لزال عما رأيت من قوله وفعله، وأنا بك عارف، وقد رأيتك عند أمير المؤمنين - يعني معاوية - ولن تعدم مني ما تحبّ. ووصله وكساه وحمله على ناقة، فقال أرطاة يمدحه ويهجو مسرفا:
/لحا اللّه فودى مسرف وابن عمه ... وآثار نعلي مسرف حيث أثرا
مررت على ربعيهما فكأنّني ... مررت بجبّارين [3] من سرو حميرا
- ويروى: «تضيّفت جبّارين» -
على أن ذا العليا عمارة لم أجد ... على البعد حسن العهد منه تغيّرا
حباني ببرديه وعنس [4] كأنما ... بنى فوق متنيها الوليدان قهقرا
أرطاة يسب من تطاولت على أمه ويضربها فيلومه قومه
وقال أبو عمرو الشيبانيّ: خاصمت امرأة من بني مرة سهية أمّ أرطاة بن سهيّة، وكانت من غيرهم أخيذة أخذها أبوه، فاستطالت عليها المرأة وسبّتها، فخرج أرطاة إليها فسبها وضربها، فجاء قومه، ولاموه، وقالوا له مالك تدخل نفسك في خصومات النساء! فقال لهم:
يعيّرني قومي المجاهل [5] والخنا ... عليهم وقالوا أنت غير حليم
هل الجهل فيكم أن أعاقب بعد ما ... تجوّز سبّي واستحلّ حريمي
إذا أنا لم امنع عجوزي منكم ... فكانت كأخرى في النساء عقيم
وقد علمت أفناء [6] مرّة أننا ... إذا ما اجتدانا [7] الشرّ كلّ حميم
__________
[1] مسرف: لقب مسلم بن عقبة المرى، لقب به لأنه أسرف في القتل في وقعة الحرة.
[2] استرفدوه: طلبوا الرفد وهو العطاء.
[3] الجبار هو: الملك أو هو المتكبر الّذي لا يرى لأحد عليه حقا. وسرو حمير: محلتهم. وبه فسر قول ابن مقبل:
بسرو حمير أبوال البغال به ... أني تسديت وهنا ذلك البينا
انظر «تاج العروس» مادة (سرو).
[4] العنس: الناقة الصلبة القوية. والوليد هنا: العبد أو الغلام. والقهقر: جمع القهقرة، وهي الصخرة العظيمة. يريد: إن ما على متنيها من اللحم مثل الصخرة العظيمة. وقد يكون «القهقر» لغة في «القهقور» كعصفور، وهو بناء من حجارة طويل يبنيه الصبيان.
«القاموس» (قهر).
[5] المجاهل: هذا الجمع ليس له واحد يجمع عليه إلا قولهم «جهل» وفعل لا يكسر على مفاعل، فمجاهل هنا: واحده جهل على غير قياس، كما كسروا ملامح ومحاسن على لمحة وحسن على غير قياس.
[6] كذا في ط. والأفناء: الأخلاط. وفي سائر الأصول «أبناء».
[7] اجتدانا الشر: طلب إلينا الشر، وهو يريد طلب معونتنا لدفع الشر. فسمى المعونة شرا للمشاكلة.
حماة لأحساب العشيرة كلّها ... إذا ذمّ يوم الرّوع كلّ مليم [1]
وتمام الأبيات الّتي فيها الغناء، المذكورة قبل أخبار أرطاة بن سهيّة، وذكرت في قوله في قتلى من قومه قتلوا يوم بنات قين [2] - هو:
فلا وأبيك لا ننفكّ نبكي ... على قتلى هنالك ما بقينا
على قتلى هنالك أو جعتنا ... وأنستنا رجالا آخرينا
/ سنبكي بالرّماح إذا التقينا ... على إخواننا وعلى بنينا
بطعن ترعد الأحشاء منه ... يردّ البيض والأبدان جونا [3]
كأنّ الخيل إذ آنسن كلبا [4] ... يرين وراءهم ما يبتغينا
صوت
عجبت لمسراها وأنّى تخلّصت ... إليّ وباب السجن بالقفل [5] مغلق
ألمّت فحيّت ثم قامت [6] فودّعت ... فلما تولت كادت النفس تزهق
الشعر لجعفر بن علبة الحارثيّ، والغناء لمعبد ثقيل أوّل بالسبّابة في مجرى البنصر عن إسحاق. وذكر عمرو بن بانة أن فيه خفيفا ثقيلا أوّل بالوسطى لابن سريج. وذكر حماد بن إسحاق أن فيه خفيف الثقيل للهذلي.
__________
[1] المليم: الّذي يأتي ذنبا يلام عليه.
[2] بنات قين: آكام معروفة في ديار بني كلب كانت بها وقعة لبني فزارة على كلب زمن عبد الملك بن مروان. قال عويف القوافي:
صبحناهم غداة بنات قين ... ململمة لها لجب طحونا
انظر «اللسان» (مادة قين) و «معجم ما استعجم للبكري».
[3] البيض: السيوف. والأبدان معناه: الدروع القصيرة. والجون هنا: الحمر من كثرة الدم السائل من الجراح.
[4] كلب: قبيلة.
[5] كذا في ب، س. وفي ج و «أشعار الحماسة» (طبع أوربا ص 22): «دوني مغلق».
[6] في ط: «ولت»، وكتب بهامشها: كلمة «قامت» وتحتها لفظة (صح).
4 - أخبار جعفر بن علبة الحارثي ونسبه
أخبار جعفر بن علبة الحارثي ونسبه
هو جعفر بن علبة بن ربيعة، بن عبد يغوث الشاعر أسير يوم الكلاب بن معاوية [1] بن صلاءة بن المعقّل بن كعب بن الحارث بن كعب، ويكنى أبا عارم، وعارم، ابن له قد ذكره في شعره. وهو من مخضرمي الدولتين الأموية والعباسية، شاعر مقلّ غزل فارس مذكور في قومه، وكان أبوه علبة بن ربيعة شاعرا أيضا، وكان جعفر قتل رجلا من بني عقيل: قيل:/ إنه قتله في شأن أمة كانا يزورانها فتغايرا عليها. وقيل: بل في غارة أغارها عليهم. وقيل: بل كان يحدّث نساءهم فنهوه فلم ينته، فرصدوه في طريقه إليهن فقاتلوه فقتل منهم رجلا فاستعدوا عليه السّلطان فأقاد [2] منه. وأخباره في هذه الجهات كلّها تذكر وتنسب إلى من رواها.
أخبرني محمّد بن القاسم الأنباريّ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني الحسن بن عبد الرحمن الرّبعيّ، قال:
حدّثنا أبو مالك اليمانيّ، قال: شرب جعفر بن علبة الحارثيّ حتى سكر فأخذه السّلطان فحبسه، فأنشأ يقول في حبسه:
لقد زعموا أني سكرت وربّما ... يكون الفتى سكران وهو حليم
لعمرك ما بالسّكر عار على الفتى ... ولكنّ عارا أن يقال لئيم
وإنّ فتى دامت مواثيق عهده ... على دون [3] ما لاقيته لكريم
/ قال: ثمّ حبس معه رجل من قومه من بني الحارث بن كعب في ذلك الحبس، وكان يقال له دوران [4]، فقال جعفر:
إذا باب دوران ترنّم في الدّجى ... وشدّ بأغلاق علينا وأقفال
وأظلم ليل قام علج بجلجل [5] ... يدور به حتّى الصباح بإعمال
__________
[1] كذا في جميع الأصول وفيما سيأتي في أخبار عبد يغوث ونسبه. والمعروف أن عبد يغوث أسير يوم الكلاب هو: عبد يغوث بن وقاص بن صلاءة. انظر «النقائض» ص 149 (طبع أوربا) و «الأمالي» ج 3 ص 130 (طبع دار الكتب) و «الأغاني» ج 15 ص 72 (طبع بولاق).
[2] أقاد منه: قتله به.
[3] في ج: «مثل».
[4] كذا في جميع الأصول. ولم نهتد إلى مكان هذا السجن فيما لدينا من المصادر. وإنما المعروف - كما في «معجم ما استعجم» و «معجم البلدان» - «دوّار» بفتح الدال وتشديد الواو. وهم اسم سجن باليمامة. قال جرير، وقد نهى قوما من بني كليب عن شيء وقع بينهم فلم ينتهوا فحبسوا وقيدوا في سجن اليمامة:
لما عصتني كليب اللؤم قلت لها ... ذوقي الحديد وشمي ريح دوّار
وقال السمهري وقد سجن فيه:
كانت منازلنا الّتي كنابها ... شتّى فألف بيننا دوّار
راجع «معجم ما استعجم للبكري» وكذلك «معجم البلدان لياقوت».
[5] العلج هنا: الرجل الشديد الغليظ. والجلجل: الجرس الصغير.
وحراس سوء ما ينامون حوله ... فكيف لمظلوم بحيلة محتال
ويصبر فيه ذو الشجاعة والنّدى ... على الذّل للمأمور والعلج والوالي
جعفر بن علبة وعلي بن جعدب يغيران على بني عقيل
فأما ما ذكر أن السبب في أخذ جعفر وقتله في غارة أغارها على بني عقيل، فإني نسخت خبره في ذلك من كتاب عمرو بن أبي عمرو الشيبانيّ يأثره عن أبيه، قال: خرج جعفر بن علبة وعليّ بن جعدب الحارثيّ القنانيّ والنضر بن مضارب المعاويّ، فأغاروا على بني عقيل، وإن بني عقيل خرجوا في طلبهم وافترقوا عليهم في الطريق ووضعوا عليهم الأرصاد على المضايق، فكانوا كلما أفلتوا من عصبة لقيتهم أخرى، حتى انتهوا إلى بلاد بني نهد فرجعت عنهم بنو عقيل، وقد كانوا قتلوا فيهم، ففي ذلك يقول جعفر:
/ألا لا أبالي بعد يوم بسحبل [1] ... إذا لم أعذّب أن يجيء حماميا
تركت بأعلى سحبل ومضيقه ... مراق دم لا يبرح الدّهر ثاويا
شفيت به غيظي وجرّب موطني [2] ... وكان سناء [3] آخر الدهر باقيا
أرادوا ليثنوني فقلت تجنبوا ... طريقي فمالي حاجة من ورائيا
فدى لبني عمّ أجابوا لدعوتي ... شفوا من بني القرعاء عمّي وخاليا
كأنّ بني القرعاء يوم لقيتهم ... فراخ القطا لاقين صقرا يمانيا
تركناهم صرعى كأنّ ضجيجهم ... ضجيج دبارى [4] اليّب لاقت مداويا
أقول وقد أجلت من اليوم عركة [5] ... ليبك العقيليّين من كان باكيا
فإنّ بقرّى [6] سحبل لأمارة ... ونضح دماء منهم ومحابيا
- المحابي: آثارهم، حبوا من الضعف للجراح الّتي بهم - /
ولم أتّرك لي ريبة غير أنني ... وددت معاذا كان فيمن أتانيا
- أراد: وددت أن معاذا كان أتاني معهم فأقتله - .
شفيت غليلي من خشينة بعد ما ... كسوت الهذيل المشرفيّ اليمانيا [7]
أحقّا عباد اللّه أن لست رائيا ... صحاريّ نجد والرّياح الذواريا
/ ولا زائرا شمّ العرانين أنتمى ... إلى عامر يحللن رملا معاليا
__________
[1] سحبل: موضع في ديار بني الحارث بن كعب. وهو الموضع الّذي أدركت فيه بنو عقيل جعفر بن علبة فقاتلهم وقتل منهم كما سيأتي. ويقال لكل ما عظم واتسع سحبل كالجراب والوطب.
[2] موطني: موقفي.
[3] السناء (بالمدّ): المجد والشرف والرفعة. والنيب جمع ناب، والناب: الناقة المسنة.
[4] دبارى النيب: الّتي أصابها الدبر.
[5] العركة: المرة من العراك.
[6] قرى هنا: موضع في بلاد بني الحارث بن كعب. وحكى البكري في «معجم ما استعجم» عن أبي حنيفة أن: قرّى ماءة قريبة من تبالة. وفي جميع الأصول: «بقرني» وهو تحريف. وما أثبتناه عن «معجم ما استعجم للبكري» و «معجم البلدان لياقوت» و «أشعار الحماسة» (ص 19 طبع أوربا).
[7] خشينة والهذيل: شخصان كانا فيمن التقى بجعفر من العقيليين فقتل جعفر خشينة وعرقب الهذيل: ضربه في عرقوبه.
إذا ما أتيت الحارثيات فانعني ... لهن وخبّرهنّ أن لا تلاقيا
وقوّد قلوصي بينهن فإنها ... ستبرد أكبادا وتبكي بواكيا [1]
أوصّيكم إن متّ يوما بعارم [2] ... ليغني شيئا أو يكون مكانيا
ويروى:
وعطّل قلوصي في الرّكاب فانها ... ستبرد أكبادا وتبكي بواكيا [3]
وهذا البيت بعينه يروى لمالك بن الرّيب في قصيدته المشهورة الّتي يرثي بها نفسه. وقال في ذلك جعفر أيضا:
وسائلة عنا بغيب وسائل ... بمصدقنا في الحرب كيف نحاول
عشية قرّى سحبل إذ تعطّفت ... علينا السرايا والعدوّ المباسل [4]
ففرج عنا اللّه مرحى [5] عدوّنا ... وضرب ببيض المشرفيّة خابل
إذا ما قرى [6] هام الرءوس اعترامها [7] ... تعاورها [8] منهم أكفّ وكاهل [9]
/إذا ما رصدنا مرصدا فرجت لنا ... بأيماننا بيض جلتها الصياقل
ولما أبوا إلا المضيّ وقد رأوا ... بأن ليس منا خشية الموت ناكل
حلفت يمينا برّة لم أرد بها ... مقالة تسميع ولا قول باطل [10]
ليختضمنّ الهندوانيّ منهم ... معاقد يخشاها الطبيب المزاول [11]
وقالوا لنا ثنتان لا بد منهما ... صدور رماح أشرعت أو سلاسل
__________
[1] قوّد: أكثر القياد. والقلوص: الفتية من الإبل بمنزلة الجارية الفتاة من النساء. وفي «أساس البلاغة»: «في الركاب» بدل «بينهن».
[2] عارم: ابن جعفر بن علبة وبه كان يكنى. وفي «مختار الأغاني الكبير» القسم الثاني ص 248 نسخة بالتصوير الشمسي: «أوصيهم» بدل «أوصيكم».
[3] رواية بيت مالك بن الريب في «الخزانة» (ج 1 ص 319 طبع بولاق) هي:
وعطل قلوصي في الركاب فإنها ... ستفلق أكبادا وتبكي بواكيا
وروايته في «الأمالي» (ج 3 ص 138 طبع دار الكتب المصرية) هي:
وعرّ قلوصي في الركاب فإنها ... ستفلق أكبادا وتبكي بواكيا
[4] السرايا: جمع سرية، وهي الطائفة من الجيش يبلغ أقصاها أربعمائة رجل. والمباسلة: المصاولة في الحرب. والبيت في «أشعار الحماسة» في إحدى روايتيه وفي «معجم البلدان» و «مختار الأغاني الكبير»:
ألهفى بقرّى سحبل حين أحلبت ... علينا الولايا والعدوّ المباسل
وأحلبت: جاءت من كل أوب للنصرة. والولايا هنا: العشائر والقبائل. وفي «معجم ما استعجم»: «أجلبت» بالجيم بدل «أحلبت» أي صار لها جلبة وضوضاء.
[5] المرحى: الموضع الّذي تدور عليه رحى الحرب.
[6] قراه: أطعمه القرى، وهو كناية عن كثرة الضرب.
[7] اعترامها: اشتدادها.
[8] تعاورها: تداولها.
[9] الكاهل: مقدّم أعلى الظهر مما يلي العنق، وهو الثلث الأعلى فيه ست فقر. وفي ج: «احتدامها» بدل «اعترامها».
[10] التسميع: التشهير والتشنيع. والبيت فيه إقواء.
[11] الاختضام: القطع. وفي الأصل: «ليختصمن».
فقلنا لهم تلكم إذا بعد كرة ... تغادر صرعى نهضها متخاذل [1]
وقتلى نفوس في الحياة زهيدة ... إذا اشتجر الخطّيّ والموت نازل
نراجعهم في قالة بدءوا بها ... كما راجع الخصم البذيّ المناقل [2]
لهم صدر سيفي يوم بطحاء سحبل ... ولي منه ما ضمّت عليه الأنامل
عامل مكة أخذ بحق بني عقيل ويقتل جعفر بن علبة
قال: فاستعدت عليهم بنو عقيل السّريّ بن عبد اللّه الهاشميّ عامل مكة لأبي جعفر؛ فأرسل إلى أبيه علبة بن ربيعة فأخذه بهم، وحبسه حتى دفعهم وسائر من كان معهم إليه، فأما النضر فاستقيد [3] منه بجراحة [4]، وأمّا عليّ بن جعدب فأفلت من الحبس، وأما جعفر بن علبة فأقامت عليه بنو عقيل قسامة [5]: أنه قتل صاحبهم فقتل به.
هذه رواية أبي عمرو.
وذكر ابن الكلبيّ أن الّذي هاج الحرب بين جعفر بن علبة وبني عقيل أن إياس بن يزيد الحارثيّ وإسماعيل بن أحمر العقيليّ اجتمعا عند أمة لشعيب بن صامت الحارثيّ، وهي في إبل لمولاها في موضع يقال له صمعر من بلاد بلحارث [6]، فتحدّثا/ عندها فمالت إلى العقيليّ،/ فدخلتهما مؤاسفة [7] حتى تخانقا بالعمائم، فانقطعت عمامة الحارثيّ وخنقه العقيليّ حتّى صرعه، ثم تفرّقا. وجاء العقيليّون إلى الحارثيّين فحكّموهم فوهبوا لهم، ثم بلغهم بيت قيل، وهو:
ألم تسأل العبد الزياديّ ما رأى ... بصمعر والعبد الزياديّ قائم
فغضب إياس من ذلك فلقي هو وابن عمه النضر بن مضارب ذلك العقيليّ، وهو إسماعيل بن أحمر، فشجه شجّتين وخنقه؛ فصار الحارثيّون إلى العقيليّين فحكموهم فوهبوا لهم. ثم لقى العقيليون جعفر بن علبة الحارثيّ فأخذوه فضربوه وخنقوه وربطوه وقادوه طويلا ثم أطلقوه. وبلغ ذلك إياس بن يزيد فقال يتوجع لجعفر:
أبا عارم كيف اغتررت ولم تكن ... تغرّ إذا ما كان أمر تحاذره
فلا صلح حتى يخفق [8] السيف خفقة ... بكفّ فتى جرّت عليه جرائره
ثم إن جعفر بن علبة تبعهم ومعه ابن أخيه جعدب، والنضر بن مضارب، وإياس بن يزيد، فلقوا المهديّ بن عاصم وكعب بن محمّد بحبرّ - وهو موضع بالقاعة [9] - فضربوهما ضربا مبرّحا، ثم انصرفوا فضلّوا عن الطريق، فوجدوا العقيليّين وهم تسعة، فاقتتلوا قتالا شديدا حتى خلّى لهم العقيليون الطريق ثم مضوا حتى وجدوا من عقيل جمعا آخر
__________
[1] في ط: «بعد عركة».
[2] المناقل: الّذي يتحدّث مع غيره ويراجعه.
[3] استقيد منه: اقتص منه.
[4] الجراحة: الضربة أو الطعنة.
[5] القسامة: الجماعة يقسمون على الشيء أو يشهدون. ويمين القسامة منسوبة إليهم. وراجع «اللسان» (مادة قسم) ففيه تفصيل واف عن القسامة.
[6] هم بنو الحارث بن كعب، كما في «معجم البلدان».
[7] المؤاسفة: المغاضبة.
[8] خفق السيف: اضطرابه. وفي ط: «خفقة» بالتاء.
[9] الّذي في «معجم البلدان» و «معجم ما استعجم» أنه جبل لبني سليم. وأنشد لابن مقبل:
سل الدار من جنبي حبر فواهب ... إذا ما رأى هضب القليب المضيح
بسحبل فاقتتلوا قتالا شديدا، فقتل جعفر بن علبة رجلا من عقيل يقال له خشينة، فاستعدى العقيليّون إبراهيم بن هشام المخزوميّ عامل مكة، فرفع الحارثيين [1] الأربعة من نجران حتى حبسهم بمكة، ثم أفلت منه رجل فخرج هاربا، فأحضرت عقيل قسامة: حلفوا أن جعفر قتل صاحبهم. فأقاده إبراهيم بن هشام./ قال وقال جعفر بن علبة قبل أن يقتل وهو محبوس:
عجبت لمسراها وأنّي تخلّصت ... إليّ وباب السجن بالقفل [2] مغلق
ألمّت فحيّت ثم قامت فودّعت ... فلما تولّت كادت النفس تزهق
فلا تحسبي أني تخشّعت بعدكم ... لشيء ولا أنّي من الموت أفرق
وكيف وفي كفي حسام مذلّق [3] ... يعضّ بها مات الرجال ويعلق
ولا أن قلبي يزدهيه وعيدهم ... ولا أنّني بالمشي في القيد أخرق [4]
ولكن عرتني من هواك [5] صبابة ... كما كنت ألقى منك إذ أنا مطلق
فأما الهوى والودّ مني فطامح ... إليك وجثماني بمكة موثق
وقال جعفر بن علبة لأخيه [ماعز] [6] يحرّضه:
وقل لأبي عون إذا ما لقيته ... ومن دونه عرض الفلاة يحول
- في نسخة ابن الأعرابي:
إذا ما لقيته ... ودونه من عرض الفلاة محول
بالميم، وبشمّ الهاء في «دونه» بالرفع وتخفيفها، وهي لغتهم خاصة - /
تعلّم وعدّ الشّكّ أنّي يشفّني ... ثلاثة أحراس معا وكبول [7]
إذا رمت مشيا أو تبوّأت مضجعا ... يبيت لها فوق الكعاب صليل
ولو بك كانت لابتعثت مطيّتي ... يعود الحفا أخفافها وتجول
/ إلى العدل حتى يصدر [8] الأمر مصدرا ... وتبرأ منكم قالة وعدول
__________
[1] رفعهم: أرسلم إلى الوالي.
[2] الرواية في «أشعار الحماسة»: «دوني» بدل «بالقفل».
[3] مذلق: محدّد.
[4] في ج و «أشعار الحماسة» و «مختار الأغاني» و «معاهد التنصيص» (ص 57 طبع بولاق): «وعيدكم». ورواية الشطر في «أشعار الحماسة»:
ولا أن نفسي يزدهيها وعيدكم
وقال التبريزي في شرحه لهذا البيت: (و يروى «وعيدهم»). والأخرق هنا: الدهش فزعا، أو هو القليل الرفق بالشيء.
[5] كذا في جميع الأصول. وفي معاهد التنصيص وط: «ضمانة». وكتب بهامشها: ويروى:
ولكنّ مابي من هواك ضمانة
والضمانة: المرض والزمانة.
[6] زيادة عن ج.
[7] يشفه: يهزله ويضمره ويذهب بعقله. والكبول: القيود، واحدها كبل (بالفتح وبكسر). والكبل: القيد أو هو أعظم ما يكون من القيود.
[8] في ط: «حتى تصدر» بالتاء.
ونسخت أيضا خبره من كتاب للنضر بن حديد، فخالف هاتين الرّوايتين، وقال فيه: كان جعفر بن علبة يزور نساء من عقيل بن كعب، وكانوا متجاورين هم وبنو الحارث بن كعب، فأخذته عقيل، فكشفوا دبر قميصه، وربطوه إلى جمّته، وضربوه بالسياط، وكتّفوه، ثم أقبلوا به وأدبروا على النّسوة اللاتي كان يتحدّث إليهن على تلك الحال ليغيظوهن، ويفضحوه عندهنّ، فقال لهم: يا قوم، لا تفعلوا فإن هذا الفعل مثلة، وأنا أحلف لكم بما يثلج صدوركم ألا أزور بيوتكم أبدا، ولا ألجها. فلم يقبلوا منه. فقال لهم: فإن لم تفعلوا ذلك فحسبكم ما قد مضى، ومنّوا عليّ بالكفّ عنّى فإني أعدّه نعمة لكم ويدا لا أكفرها أبدا، أو فاقتلوني وأريحوني، فأكون رجلا آذى قوما في دارهم فقتلوه. فلم يفعلوا، وجعلوا يكشفون عورته بين أيدي النساء، ويضربونه، ويغرون به سفهاءهم حتى شفوا أنفسهم منه، ثم خلّوا سبيله. فلم تمض إلا أيام قليلة حتى عاد جعفر ومعه صاحبان له، فدفع، راحلته حتى أولجها البيوت، ثم مضى. فلما كان في نقرة من الرمل أناخ هو وصاحباه، وكانت عقيل أقفى خلق اللّه لأثر، فتبعوه حتى انتهوا إليه وإلى صاحبيه، والعقيليّون مغترّون ليس مع أحد منهم عصا ولا سلاح، فوثب عليهم جعفر بن علبة وصاحباه بالسيوف فقتلوا منهم رجلا وجرحوا آخر وافترقوا، فاستعدت عليهم عقيل السريّ/ ابن عبد اللّه الهاشميّ عامل المنصور على مكة، فأحضرهم وحبسهم، فأقاد من الجارح، ودافع عن جعفر بن علبة - وكان يحبّ أن يدرأ عنه الحدّ لخؤولة أبي العباس السفاح في بني الحارث، ولأن أخت جعفر كانت تحت السريّ بن عبد اللّه، وكانت حظية عنده - إلى أن أقاموا عليه قسامة: أنه قتل صاحبهم. وتوعدوه بالخروج إلى أبي جعفر والتظلم إليه، فحينئذ دعا بجعفر فأقاد منه، وأفلت عليّ بن جعدب من السجن فهرب. قال وهو ابن أخي جعفر بن علبة. فلما أخرج جعفر للقود قال له غلام من قومه: أسقيك شربة من ماء بارد؟ فقال له: اسكت لا أمّ لك، إني إذا لمهياف [1].
وانقطع شسع نعله [2] فوقف فأصلحه، فقال له رجل: أما يشغلك عن هذا ما أنت فيه؟ فقال:
أشدّ قبال نعلي [3] أن يراني ... عدوّي للحوادث مستكينا
قال: وكان الّذي ضرب عنق جعفر بن علبة نحبة بن كليب أخو المجنون، وهو أحد بني عامر بن عقيل، فقال:
في ذلك:
شفى النفس ما قال ابن علبة جعفر ... وقولي له اصبر ليس ينفعك الصبر
هوى رأسه من حيث كان كما هوى ... عقاب تدلّى طالبا جانب الوكر [4]
أبا عارم، فينا عرام [5] وشدّة ... وبسطة أيمان سواعدها شعر
هم ضربوا بالسيف هامة جعفر ... ولم ينجه برّ عريض ولا بحر
وقدناه قود البكر قسرا وعنوة ... إلى القبر حتى ضم أثوابه القبر
/ وقال علبة يرثي ابنه جعفرا:
لعمرك إني يوم أسلمت جعفرا ... وأصحابه للموت لما أقاتل
لمتجنب حبّ المنايا وإنما ... يهيج المنايا كلّ حق وباطل
__________
[1] المهياف: الّذي لا يصبر على العطش.
[2] شسع النعل: أحد سيورها، وهو الّذي يدخل بين الإصبعين ويدخل طرفه في الثقب الّذي في صدر النعل المشدود في الزمام.
والزمام: السير الّذي يعقد فيه الشسع.
[3] قبال النعل (بالكسر): شسعها.
[4] كذا في الأصول ولا يستقيم بغيره الشعر، وفيه إقواء. والّذي في «كتب اللغة»: أن العقاب مؤنثة. وقيل العقاب يقع على الذكر والأنثى، إلا أن يقولوا: هذا عقاب. ذكره في «اللسان» مادة عقب.
[5] العرام (بالضم): الشدّة والقوّة والشراسة.
فراح بهم قوم ولا قوم عندهم ... مغلّلة أيديهم في السلاسل
ورب أخ لي غاب لو كان شاهدا ... رآه التباليّون [1] لي غير خاذل
وقال علبة أيضا لامرأته أمّ جعفر قبل أن يقتل جعفر:
لعمرك إن الليل يا أمّ جعفر ... عليّ وإن علّلتني لطويل
أحاذر أخبارا من القوم قد دنت ... ورجعة أنقاض لهنّ دليل [2]
فأجابته فقالت:
أبا جعفر أسلمت للقوم جعفرا ... فمت كمدا أو عش وأنت ذليل
بنت يحيى بن زياد تبكيه وتستجيد له الكفن وترثيه بأبياته
قال أبو عمرو في روايته: وذكر شداد بن إبراهيم أن بنتا ليحيى بن زياد بن عبيد اللّه الحارثيّ حضرت الموسم في ذلك العام لما قتل فكفّنته واستجادت له الكفن، وبكته وجميع من كان معها من جواريها، وجعلن يندبنه بأبياته الّتي قالها قبل قتله:
أحقا عباد اللّه أن لست رائيا ... صحاريّ نجد والرياح الذّواريا
وقد تقدمت في صدر أخباره. وفي هذه القصيدة يقول جعفر:
وددت معاذا كان فيمن أتانيا
/ فقال معاذ يجيبه عنها بعد قتله، ويخاطب أباه، ويعرّض له أنه قتل ظلما لأنهم أقاموا قسامة كاذبة عليه حين قتل، ولم يكونوا عرفوا القاتل من الثلاثة بعينه، إلا أن غيظهم على جعفر حملهم على أن ادّعوا القتل عليه:
أبا جعفر سلّب بنجران واحتسب ... أبا عارم والمسمنات العواليا [3]
وقوّد قلوصا أتلف السّيف ربها ... بغير دم في القوم إلا تماريا [4]
إذا ذكرته معصر [5] حارثيّة ... جرى دمع عينيها على الخد صافيا
فلا تحسبنّ الدّين يا علب منسأ ... ولا الثائر الحرّان ينسى التقاضيا
سنقتل منكم بالقتيل ثلاثة ... ونغلي وإن كانت دماء غواليا
تمنيت أن تلقى معاذا سفاهة ... ستلقى معاذا والقضيب اليمانيا
ووجدت الأبيات القافيّة الّتي فيها الغناء في نسخة النّضر بن حديد أتمّ مما ذكره أبو عمرو الشيبانيّ. وأوّلها:
ألا هل إلى فتيان لهو ولذّة ... سبيل وتهتاف الحمام المطوق [6]
__________
[1] التباليون: المنسوبون إلى تبالة، وهو بلد باليمن.
[2] الأنقاض: جمع نقض (بالكسر)، وهو المهزول من الإبل والخيل كأن السفر نقض بنيته. «ذليل» بدل «دليل» وفي «مختار الأغاني»:
«هزيل».
[3] سلب: ألبس ثياب الحداد السود. والأصل في التسلب أن يكون للمرأة الّذي يموت زوجها أو حميمها. يقال تسلب المرأة إذا لبست ثياب المأتم السود. والمسمنات: ذوات السمنة.
[4] قوّد: اجعلها تقاد ولا تركب. والقلوص: الشابة أو الباقية على السير، وأوّل ما يركب من إناثها إلى أن تثنى ثم هي ناقة والناقة الطويلة القوائم خاص بالإناث. تماريا: تكذيبا.
[5] المعصر: الجارية الّتي بلغت عصر شبابها وأدركت.
[6] المطوق من الحمام: ما كان له طوق في عنقه.
وشربة ماء من خدوراء [1] بارد ... جرى تحت أظلال [2] الأراك المسوّق
وسيري مع الفتيان [3] كلّ عشية ... أبارى مطاياهم [4] بصهباء سيلق
/ إذا كلحت [5] عن نابها مجّ شدقها ... لغاما [6] كمحّ البيضة المترقرق
وأصهب جونيّ كأن بغامه ... تبغّم مطرود من الوحش مرهق [7]
/برى [8] لحم دفّيه وأدمى أظله أج ... تيابي الفيافي سملقا بعد سملق [9]
وذكر بعده الأبيات الماضية. وهذا وهم من النضر، لأن تلك الأبيات مرفوعة القافية وهذه مخفوضة، فأتيت بكل واحدة منهما منفردة ولم أخلطهما لذلك.
علبة ينحر أولاد النوق والشياه لتصيح مع النسوة بكاء على جعفر
أخبرني الحسين بن يحيى المرداسيّ عن حماد بن إسحاق عن أبيه عن أبي عبيدة قال: لما قتل جعفر بن علبة قام نساء الحيّ يبكين عليه، وقام أبوه إلى كلّ ناقة وشاة فنحر أولادها، وألقاها بين أيديها وقال: ابكين معنا على جعفر! فما زالت النوق ترغو والشاء تثغو والنساء يصحن ويبكين وهو يبكي معهنّ؛ فما رئى يوم كان أوجع وأحرق مأتما في العرب من يومئذ.
صوت
/علّلاني إنما الدنيا علل ... واسقياني عللا بعد نهل [10]
أصحب الصاحب ما صاحبني ... وأكفّ اللوم عنه والعذل [11]
الشعر للعجير السلولي. والغناء لابن سريج ثقيل أوّل بالوسطى عن حبيش. وذكر الهشاميّ أنه من منحول يحيى المكّيّ.
__________
[1] خدوراء: موضع في بلاد بني الحارث بن كعب ذكره ياقوت في «معجم البلدان».
[2] في «معجم البلدان لياقوت» في روايته لهذا البيت: «أفنان» بدل «أظلال».
[3] في ط: «و سير مع الفتيان».
[4] كذا أصلحها الشنقيطي في نسخته، وفي سائر الأصول: «نداماهم». والأصهب من الإبل: الّذي يخالط بياضه حمرة، وهو أن يحمرّ أعلى الوبر وتبيض أجوافه. وإنما خص الإبل الصهب بالذكر لأنها خير الإبل لسرعتها. والسيلق: الماضية في سيرها. ورواية البيت في «اللسان» (مادة سلق):
وسيري مع الركبان كل عشية ... أباري مطاياهم بأدماء سيلق
والأدماء من الإبل: البيضاء ذات المقلتين السوداوين.
[5] كلحت: كشرت في عبوس.
[6] اللغام: زبد أفواه الإبل، وهو من البعير بمنزلة البزاق أو اللعاب من الإنسان. ومح البيضة ومحتها: صفرتها. وفي «اللسان» (مادة محح): «و قال ابن شميل: مح البيض: ما في جوفه من أصفر وأبيض كله مح. ومنهم من قال: المحة: الصفراء. والغرقى ء:
البياض الّذي يؤكل». والمترقرق: المتحرك جيئة وذهوبا.
[7] يريد: بعيرا جونيا، وهو الأسود المشرب حمرة. وبغامه: صوته. يقال بغمت الناقة تبغم (بالكسر) بغاما: قطعت الحنين ولم تمده.
ويكون ذلك للبعير أيضا. وتبغم (بالتشديد) لبغم. انظر «اللسان» (مادة بغم).
[8] في سائر الأصول: «ترى» بالتاء وهو تحريف. وما أثبتنا عن نسخة الشنقيطي مصصحا بقلمه.
[9] دفا البعير: جنباه. وأظله: باطن منسمه، أو هو باطن إصبعه. السملق: الأرض المستوية الجرداء لا نبات فيها.
[10] العل والعلل (محركة): الشربة الثانية، وقيل الشرب بعد الشرب تباعا. والنهل (بالتحريك): أول الشرب.
[11] العذل (بالتحريك): الاسم من عذله يعذله عذلا فاعتذل وتعذل: لامه فقبل منه وأعتب.
5 - أخبار العجير السّلوليّ ونسبه
أخبار العجير السلولي ونسبه
هو - فيما ذكر محمّد بن سلّام - العجير بن عبد اللّه بن عبيدة [1] بن كعب بن عائشة [2] بن الربيع [3] بن ضبيط بن جابر بن عبد اللّه بن سلول. ونسخت نسبه من نسخة عبيد اللّه بن محمّد اليزيديّ عن ابن حبيب قال: هو العجير بن عبيد اللّه بن كعب بن عبيدة بن جابر بن عمرو بن سلول [4] بن مرة بن صعصعة، أخي عامر بن صعصعة. شاعر مقلّ إسلاميّ من شعراء الدولة الأموية. وجعله محمّد بن سلام في طبقة أبي زبيد الطائيّ؛ وهي الخامسة من طبقات شعراء الإسلام.
أخبرني أبو خليفة في كتابه إليّ قال: حدّثنا محمّد بن سلّام الجمحيّ، قال: حدّثنا أبو الغرّاف [5] قال: كان العجير السّلوليّ دلّ عبد الملك بن مروان على ماء يقال له مطلوب [6]، وكان لناس من خثعم، فأنشأ يقول:
/لا نوم إلا غرار العين ساهرة ... إن لم أروّع بغيظ أهل مطلوب [7]
إن تشتموني فقد بدّلت أيكتكم ... ذرق الدّجاج بحفّان اليعاقيب [8]
وكنت أخبركم أن سوف يعمرها ... بنو أمية وعدا غير مكذوب
العجير يذهب ليلا إلى عبد الملك حين طلبه
قال: فركب رجل من خثعم يقال له أميّة إلى عبد الملك حتّى دخل عليه فقال: يا أمير المؤمنين، إنّما أراد العجير أن يصل إليك وهو شويعر سآل [9]. وحرّبه [10] عليه. فكتب إلى عامله بأن يشدّ يدي العجير إلى عنقه ثم يبعثه في الحديد. فبلغ العجير الخبر فركب في الليل حتّى أتى عبد الملك فقال له: يا أمير المؤمنين، أنا عندك فاحتبسني
__________
[1] عبيدة (بفتح العين وكسر الباء): هكذا ضبطه البغدادي في «خزانة الأدب». ثم قال بعد ذلك: «و يقال ابن عبيدة بضم العين».
[2] كذا في سائر الأصول ما عدا ط. وفي ط: «ابن عابسة».
[3] في المؤتلف والمختلف للآمدي: « ... بن ضبيط بن رفيع بن جابر بن عمرو بن مرة بن صعصعة وهم سلول».
[4] في «الخزانة» ما يفيد أن «سلول» اسم امرأة؛ ففيها: «و أم بني مرة سلول بنت ذهل بن شيبان بن ثعلبة غلبت عليهم وبها يعرفون.
وجاء في المعارف لابن قتيبة: «فأما بنو مرة فيعرفون ببني سلول وهي أمهم. منهم أبو مريم السلولي ومنهم العجير السلولي الشاعر وعبد اللّه بن همام الشاعر السلولي». انظر «خزانة الأدب» (ج 2 ص 298 طبع بلاق) والمؤتلف والمختلف (ص 166 طبع السلفية) و «المعارف لابن قتيبة» (ص 42 طبع أوربا).
[5] في الأصول: «العراف» بالعين المهملة، وهو تحريف والتصويب من «طبقات الشعراء لابن سلام» (ص 132 طبع أوربا).
[6] مطلوب: اسم بئر بين المدينة والشام بعيدة القعر يستقى منها بدلاء.
[7] غرار العين: قلّة نومها.
[8] الأيكة: الغيضة تنبت السدر والأراك ونحوهما من ناعم الشجر. وذرق الدجاج: خرؤه. واليعاقيب جمع يعقوب. وهو هنا ذكر الحجل. وحفان اليعاقيب: فراخها.
[9] السآل: الملحاح في السؤال.
[10] حربه: حرضه عليه وأثار عليه حرب الغضب.
وابعث من يبصر الأرضين والضياع، فإن لم يكن الأمر على ما أخبرتك فلك دمي حلّ [1] وبلّ، فبعث فاتخذ ذلك الماء، فهو اليوم من خيار ضياع بني أمية.
نافع الكناني يطلبه ليقيم الحد أو يقيم عليه ذلك بنو حنيفة فيهرب
نسخت من كتاب عبيد اللّه بن محمّد اليزيديّ عن ابن حبيب عن ابن الأعرابيّ قال: هجا العجير قوما من بني حنيفة وشتمهم، فأقاموا عليه البيّنة عند نافع بن/ علقمة الكنانيّ، فأمرهم بطلبه وإحضاره ليقيم عليه الحدّ وقال لهم: إن وجدتموه أنتم فأقيموا عليه الحد وليكن ذلك في ملأ يشهدون به لئلا يدّعي عليكم تجاوز الحق. فهرب العجير منهم ليلا حتى أتى نافع بن علقمة، فوقف له متنكرا حتى خرج من المسجد، ثم تعلق بثوبه وقال:
/إليك سبقنا السوط والسجن، تحتنا ... حيال يسامين الظلال ولقّح [2]
إلى نافع لا نرتجي ما أصابنا ... تحوم علينا السانحات وتبرح
فإن أك مجلودا فكن أنت جالدي ... وإن أك مذبوحا فكن أنت تذبح
فسأله عن المطر وكيف كان أثره، فقال له:
يا نافع يا أكرم البريه [3] ... واللّه لا أكذبك العشيّه
إنا لقينا سنة قسيّه [4] ... ثم مطرنا مطرة رويه
فنبت البقل ولا رعيه [5]
- يعني أن المواشي هلكت قبل نبات البقل - فقال له: آنج بنفسك فإنّي سأرضي خصومك، ثمّ بعث إليهم فسألهم الصفح عن حقّهم وضمن لهم أن لا يعاود هجاءهم.
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال:
حدّثنا الزبير بن بكّار قال: حدّثني عمر بن إبراهيم السعديّ عن عباس بن عبد الصمد السعديّ قال: قال هشام بن عبد الملك للعجير السلوليّ: أصدقت فيما قلته لابن عمك؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، إلا أني قلت:
فتى قدّ قدّ السيف لا متضائل ... ولا رهل لبّاته وبآدله [6]
/ - هذا البيت يروى لأخت يزيد بن الطّثريّة [7] ترثيه به -
__________
[1] حل: حلال. وبل: مباح مطلق. وبل من برد الماء أي أن دمي يبرد صدرك. وقيل: «بل» إتباع «لحل» أي توكيد. إلا أن أبا عبيدة وابن السكيت لم يرتضيا هذا الإتباع لمكان الواو بينهما. انظر «اللسان» (مادة بلل).
[2] حيال: جمع حائل. والحائل: الناقة الّتي ضربها الفحل فلم تحمل. ولقح: جمع لاقح. واللاقح: الناقة الحامل. ويسامين الظلال:
يبارينها. وفي ط: «طلح» بدل «لقح» وكتب بهامشها كلمة «لقح» إشارة إلى الروايتين. وطلح: جمع طالح. والطالح: الناقة الّتي أجهدها السير فأصابها الكلال والإعياء.
[3] رواية «اللسان» لهذا الشطر منسوبا إلى العجير السلولي (مادة قسا):
يا عمرو يأكيرم البريه
[4] القسية: الشديدة لا مطر فيها، من القسوة.
[5] الرعية: الماشية الراعية أو المرعية. (كما في «القاموس»).
[6] الرهل: يقال رهل لحمه اضطرب واسترخى أو ورم من غير داء. اللبة: موضع النحر. والبآدل: جمع بأدلة؛ وهي اللحمة بين العنق والترقوة. وفي «الأغاني» (ج 8 ص 183 طبع دار الكتب) وهامش ط: «أباجله». والأباجل: جمع أبجل؛ وهو عرق غليظ في الرجل، وقيل في باطن الذراع.
[7] في «أشعار الحماسة» (ص 416 طبع أوربا) ذكر هذا البيت ضمن أبيات ستة منسوبة إلى العجير السلولي، لكن مع اختلاف في تقديم
جميل إذا استقبلته من أمامه ... وإن هو ولّى أشعث الرأس جافله [1]
طويل سطيّ [2] الساعدين عذوّر [3] ... على الحيّ حتى تستقلّ مراجله
ترى جارزيه يرعدان وناره ... عليها عداميل الهشيم وصامله [4]
/يجران ثنيا [5] خيرها عظم جاره ... على عينه لم تعد [6] عنها مشاغله
تركنا أبا الأضياف في كل شتوة [7] ... بمرّ [8] ومردى [9] كلّ خصم يجادله
مقيما سلبناه دريسي مفاضة ... وأبيض هنديّا طوالا حمائله [10]
فقال هشام: هلك واللّه الرجل.
__________
- الأبيات وتأخيرها وكذلك في ألفاظ بعض الأبيات. وفي «أشعار الحماسة» أيضا (ص 468) و «الأمالي» (ج 2 ص 85 طبع دار الكتب) و «الأغاني» (ج 8 ص 182 طبع دار الكتب) ورد هذا البيت ضمن قصيدة لزينب بنت الطثرية ترثي أخاها يزيد بن الطثرية؛ وفي هذه القصيدة أبيات مما نسب للعجير مع اختلاف في اللفظ أيضا. والطثرية (بإسكان الثاء)؛ هكذا ضبطه ابن خلكان بالعبارة في ترجمته ليزيد بن الطثرية فقال: «و الطثرية بفتح الطاء وإسكان الثاء وبعدها راء ثم ياء النسب وهاء وهي أمة ينسب يزيد المذكور إليها؛ وهي من بني طثر بن عنز بن وائل. والطثرة: الخصب وكثرة اللبن. يقال: إن أمه كانت مولعة بإخراج زبد اللبن». وفي «القاموس وشرحه» (مادة طثر): «و طثرية (محركة): أم يزيد بن الطثرية الشاعر القشيري». وقد ضبط بالقلم في ط بإسكان التاء. وفي «أشعار الحماسة» و «الشعر والشعراء» و «طبقات ابن سلام» و «الكامل للمبرد» ضبط بالحركة بإسكان التاء أيضا.
[1] الشعث: تلبد الشعر واغبراره. يقال: شعث يشعث شعثا وشعوثة فهو شعث وأشعث وشعثان إذا أغبر شعره وتلبد. وجافله هنا: من الجفال؛ وهو الشعر الكثير. ورواية البيت في «الحماسة» و «الأمالي»:
كريم إذا لاقيته مبتسما ... وإما تولى أشعث الرأس جافله
[2] سطي الساعدين: ذو بطش، وهو مبالغة من سطا عليه وبه سطوا وسطوة، إذا بطش به برفع اليد.
[3] العذور: السيء الخلق. وإنما جعله عذورا لشدّة تهممه بأمر الأضياف وحرصه على تعجيل قراهم، حتى تنصب المراجل وتهيأ المطاعم للضيفان ثم يعود إلى خلقه الأول. ورواية البيت في «الحماسة» و «الأمالي»:
إذا نزل الأضياف كان عذوّرا ... على الحيّ حتى تستقل مراجله
[4] يرعدان: تصيبهما الرعدة إما من خوفه لاستعجاله إياهما وإما من البرد. يخبر أنه ينحر في الشتاء والجدب. وإنما جعل له جازرين على عادتهم في جعلهم أصحاب المهن فيهم اثنين اثنين؛ كالبائن والمستعلي في الحلب والماتح والقابل في الاستقاء. انظر «شرح التبريزي للحماسة» 470، وفي «اللسان»: «و للناقة حالبان أحدهما يمسك العلبة من الجانب الأيمن، والآخر يحلب من الجانب الأيسر. والّذي يحلب يسمى المستعلى والمعلى، والّذي يمسك يسمى البائن». والعداميل جمع عدمل: الضخم القديم من الشجر.
والصامل والصميل: اليابس. ويروي «عدولي» كما في ح و «اللسان» «مادة عدل». والعدولي هنا: نسبة إلى عدولي، وهو موضع بنواحي البحرين تنسب إليه السفن. والهشيم هنا: الشجرة البالية يأخذها الحاطب كيف شاء لأنها بدون ثمر. وصامله: يابسه.
يقول: على النار حطب يابس. وفي «اللسان» (مادة صمل) ورد هذا البيت منسوبا للعجير ولبنت الطثرية بلفظ «عداميل» بدل «عدولي». وفي بقية الأصول: « ... السنام وناصله» وهو تحريف. ورواية الشطر في الحماسة والأمالي:
عليها عداميل الهشيم وصامله
[5] الثنى: الناقة الّتي ولدت بطنين. وولدها الثاني يسمى ثنيا أيضا. وخيرها عظم جاره يريد أن خير عظم فيها يهديه لجاره.
[6] لم تعد: لم تصرف. يريد: لم يشغله عن نحرها ضنه بها لبصرة بقرى الأضياف والنحر لهم. وفي «الحماسة» و «الأمالي»: «بصيرا بها» يدل «على عينه».
[7] كذا في جميع الأصول. وفي «أشعار الحماسة»: «في ليلة الصبا»، وفي «معجم البلدان»: «في ليلة الدجا».
[8] «مر»: ماءة لبني أسد بينها وبين الخوة يوم شرقي سميراء وبهامات ابن عم العجير واسمه جابر بن زيد. (انظر «معجم البلدان» في رسم «مر»). وفي «أشعار الحماسة»: «مرو» وهو تحريف.
[9] المردى في الأصل: صخرة يكسر بها النوى. يقال: فلان مردى الحروب أو الخصوم أي يرمون به فيكسرهم.
[10] الدريس هنا: الدرع الخلقة. والمفاضة: الدرع الواسعة. وأبيض هنديا: يريد سيفا. وجعله طويل الحمائل لطول قوامه. يقول: إنه أنفق ماله فيما نشر له حمدا فلم يكن لإرثه إلا ما ذكر من السلاح. ورواية البيت في «الحماسة» و «اللسان» (مادة درس):
مضى وورثناه دريس مفاضة ... وأبيض هنديا طويلا حمائله
ونسخت من كتاب ابن حبيب قال ابن الأعرابي: اصطحب العجير وشاعر من خزاعة إلى المدينة فقصد الخزاعيّ الحسن بن الحسن بن عليّ عليهم السلام، وقصد العجير رجلا من بني عامر بن صعصعة كان قد نال سلطانا، فأعطى الحسن بن الحسن الخزاعيّ وكساه ولم يعط العامريّ العجير شيئا، فقال العجير:
العجير يقول حين حرمه العامري العطاء
يا ليتني يوم حزّمت القلوص له ... يمّمتها هاشميّا غير ممذوق [1]
محض النّجار [2] من البيت الّذي جعلت ... فيه النبوّة يجري غير مسبوق
لا يمسك الخير إلا ريث يسأله ... ولا يلاطم [3] عند اللحم في السوق [4]
فبلغت أبياته الحسن، فبعث إليه بصلة إلى محلّة قومه وقال له: قد أتاك حظّك وإن لم/ تتصدّ له.
العجير يشرب حتى ينتشي فيأمر بنحر حمله ويقول شعرا
أخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن عمار قال: حدّثنا محمّد بن الحسن بن دينار الأحول قال: حدّثني بعض الرواة أن العجير بن عبد اللّه السلولي مر بقوم يشربون فسقوه فلما انتشى قال: انحروا جملي وأطعمونا منه. فنحروا وجعلوا يطعمونه ويسقونه ويغنّونه بشعر قال يومئذ، وهو:
علّلاني إنما الدنيا علل ... واسقياني عللا بعد نهل
وانشلا [5] ما اغبرّ من قدريكما ... وأصبحاني [6] أبعد اللّه الجمل
أصحب الصاحب ما صاحبني ... وأكفّ اللّوم عنه والعذل
وإذا أتلف شيئا لم أقل ... أبدا يا صاح ما كان فعل
/ قال: فلما صحا سأل عن جمله فقيل له: نحرته البارحة. فجعل يبكي ويصيح: واغربتاه! وهم يضحكون منه. ثم وهبوا له بعيرا فارتحله [7] وانصرف إلى أهله.
ندمه على ذلك بعد صحوه وارتحاله على بعير وهب له
أخبرني عليّ بن سليمان الأخفش قال: حدّثنا محمّد بن يزيد قال: حجّ العجير السلوليّ فنظر إلى امرأته وكان قد حجّ بها معه وهي تلحظ فتى من بعد وتكلمه فقال فيها:
أيا ربّ لا تغفر لعثمة ذنبها ... وإن لم يعاقبها العجير فعاقب
أشارت وعقد اللّه بينى وبينها ... إلى راكب من دونه ألف راكب
حرام عليك الحجّ لا تقربنّه ... إذا حان حجّ المسلمات التوائب
__________
[1] المذق: الخلط. يريد أنه هاشمي صريح النسب.
[2] النجار (بالكسر وبضم): الأصل والحسب. ومحضه: خالصه.
[3] في جميع الأصول: «يطاعم» وهو تحريف. والتصويب عن المرحوم الشنقيطي في نسخته. والملاطمة: مفاعله من اللطم، وهو ضرب الجسد وصفحة الجسد بالكف مفتوحة.
[4] يريد أنه لا يشتري لضيفانه اللحم من السوق وإنما يذبح لهم في بيته.
[5] انشلا: أمر من نشل اللحم ينشله (بضم الشين وكسرها) نشلا إذا أخرجه من القدر بيده من غير مغرفة فهو نشيل. والنشيل: ما طبخ من اللحم بغير توابل. وما اغبر: ما بقي.
[6] أصبحاني: أعطياني الصبوح. وهو هنا ما أكل أو شرب عدوة.
[7] ارتحله: خط عليه الرحل.
العجير يكل زواجه ابنته إلى خالها ثم يطلقها من المولى بعد قدومه
وقال ابن الأعرابي: غاب العجير غيبة إلى الشآم، وجعل أمر ابنته إلى خالها، وأمره أن يزوّجها بكف ء.
فخطبها مولى لبني هلال كان ذا مال، فرغبت أمّها فيه وأمرت خال الصبية الموصى إليه بأمرها أن يزوّجها ففعل.
فلاذت الجارية بأخيها الفرزدق بن العجير، وبرجال من قومها، وبابن عمّ لها يقال له قيل، فمنعوا جميعا منها سوى ابن عمها القيل فإنّه ساعد أمها على ما أرادت، ومنع منها الفرزدق. فلما قدم العجير أخبر بما جرى ففسخ النكاح وخلع ابنته من المولى وقال:
ألا هل لبعجان الهلاليّ زاجر ... وبعجان مأدوم الطعام سمين
أ ليس أمير المؤمنين ابن عمها ... وبالحنو [1] آساد لها وعرين
وعاذت بحقوى [2] عامر وابن عامر ... وللّه قد بتت عليّ يمين
تنالونها [3] أو يخضب الأرض منكم ... دم خرّ عنه حاجب وجبين
/ وقال أيضا في ذلك:
إذا ما أتيت الخاضبات أكفّها ... عليهنّ مقصور الحجال المروّق [4]
فلا تدعونّ القيل [5] إلا لمشرب ... رواء ولكنّ الشجاع الفرزدق
هو ابن لبيضاء الجبين نجيبة ... تلقّت [6] بطهر لم يجيء وهو أحمق
تداعى إليه أكرم الحيّ نسوة ... أطفن بكسري بيتها حين تطلق [7]
فجاءت بعريان اليدين كأنّه ... من الطير باز ينفض الطّلّ أزرق
قول العجير في رفيق
وقال ابن الأعرابيّ: كان للعجير رفيق يقال له أصبح، وكانا يصيبان الطريق، وفيه يقول العجير:
ومنخرق عن منكبيه قميصه ... وعن ساعديه، للأخلّاء وواصل
إذا طال بالقوم المطافى تنوفة ... وطول السّرى ألفيته غير ناكل [8]
دعوت وقد دبّ الكرى في عظامه ... وفي رأسه حتّى جرى في المفاصل
كما دبّ صافي الخمر في مخّ شارب ... يميل بعطفيه، عن اللّبّ ذاهل
__________
[1] الحنو: حنو ذي قار قرب الكوفة.
[2] الحقو (بالفتح وبكسر): معقد الإزار. ويسمى الإزار كذلك حقوا لأنه يشد على الحقو، كما تسمى المزادة الراوية لأنها تحمل على الراوية، وهو الجمل. والعرب تقول: «عذت بحقوه إذا عاذ به ليمنعه».
[3] تنالونها: لا تنالونها. وحذف «لا» النافية في مثل هذا كثير.
[4] المروق: ذو الستور. والرواق: ستر دون السقف، أو مقدّم البيت. وورد في هامش ط: «المروق الّذي عليه رواق، أي ستر».
[5] كذا في ج وهامش ط، وفي سائر الأصول: «فلا يذعرنك القيل». والقيل: اللبن يشرب في القائلة.
[6] تلقت: علقت، أي حبلت.
[7] الكسر: جانب البيت أو الشقة السفلى. وتطلق بالبناء للمجهول من طلقت، كعنى، في المخاض أصابها وجع الولادة.
[8] المطا هنا: التمطي، والتمطي: السير الممتد. والتنوفة كالتنوفية: الأرض الواسعة البعيدة الأطراف وتسمى المفازة. والناكل هنا:
الجبان الضعيف.
فلبّى ليثنيني بثنيي لسانه ... ثقيلين من نوم غلوب الغياطل [1]
فقلت له قم فارتحل ليس هاهنا ... سوى وقفة السّاري مناخ لنازل
فقام اهتزاز الرمح يسرو قميصه ... ويحسر عن عاري الذّراعين ناحل [2]
/و قال ابن الأعرابيّ: كانت للعجير امرأة يقال لها أمّ خالد، فأسرع في ماله فأتلفه وكان جوادا، ثم جعل يدّان حتى أثقل بالدين ومد يده إلى مالها، فمنعته منه وعاتبته على فعله، فقال في ذلك:
تقول وقد غالبتها أمّ خالد ... على مالها أغرقت دينا فأقصر [3]
أبي القصر من يأوى إذا اللّيل جنّني ... إلى ضوء ناري من فقير ومقتر
أيا موقدي ناري ارفعاها لعلّها ... تشبّ لمقو [4] آخر الليل مقفر
أمن راكب أمسى بظهر تنوفة ... أواريك أم من جاري المتنظّر
ولا قدر دون الجار إلّا ذميمة ... وهذا المقاسي ليلة ذات منكر
تكاد الصّبا تبتزّه من ثيابه ... على الرّحل إلا من قميص ومئزر [5]
وماذا علينا أن يخالس ضوءها ... كريم نثاه شاحب المتحسّر [6]
- المتحسر: ما انكشف وتجرد من جسمه -
فيخبرنا عمّا قليل ولو خلت ... له القدر لم نعجب ولم نتخبّر
صوت [7]
سلي الطارق المعترّيا أمّ مالك ... إذا ما أتاني بين قدري ومجزرى [8]
أ أبسط وجهي أنّه أول القرى ... وأبذل معروفي له دون منكرى [9]
فلا قصر حتّى يفرج الغيث من أوى ... إلى جنب رحلي كلّ أشعث أغبر [10]
/أقي العرض بالمال التّلاد [11] وما عسى ... أخوك إذا ما ضيّع العرض يشترى
__________
[1] الغياطل: جمع غيطلة، والغيطلة هنا: غلبة النعاس.
[2] يسرو قميصه: يلقيه عنه. يقال: سروت الثوب عن سروا وسريته إذا ألقيته عنك ونضوته.
[3] الإقصار: الامتناع.
[4] المقوى: الّذي لا زاد معه، يقال: أقوى الرجل إذا نفد طعامه وفني زاده.
[5] الصبا: ريح مهبها من مطلع الثريا إلى بنات نعش وتبتزه: تجرده. والرحل بالحاء المهملة في ط، ووردت بالجيم في باقي الأصول، وهو تحريف.
[6] يخالس: ينتهز. والنثا: ما أخبرت به عن الرجل من حسن أو سيء.
[7] كلمة «صوت» ليس في ب، ج.
[8] الطارق: الآتي بالليل. والمعتر: الّذي يطيف بك يطلب ما عندك، سألك أو سكت عن السؤال. والجزر، وردت بفتح الزاي في ط خطأ والصواب كسرها مثل مشرق ومغرب.
[9] ورد في ج «قبل» بدل «دون».
[10] يفرج بكسر الراء.
[11] التلاد: المال القديم الأصلي الّذي ولد عندك من مالك أو نتج. وكل مال قديم من حيوان وغيره يورث عن الآباء. وهو التالد والتليد والمتلد.
يؤدّي إليّ النّيل [1] قنيان ماجد ... كريم ومالي سارحا مال مقتر
- القنيان [2]: ما اقتنى من المال. يقول: إنه لبذله القرى كأنه موسر، وإذا سرح ماله علم أنه مقتر [3] -
إذا متّ يوما فاحضري أمّ خالد ... تراثك من طرف وسيف وأقدر [4]
قال ابن حبيب: من الناس من يروي هذه الأبيات الأخيرة الّتي أوّلها:
سلي الطارق المعترّ يا أمّ مالك
لعروه بن الورد، وهي للعجير.
العجير يفد على عبد الملك فيقيم ببابه
أخبرني حبيب بن نصر المهلّبيّ قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد قال حدّثنا علي بن الصّبّاح عن هشام بن محمّد قال: وفد العجير السّلوليّ - وسلول بنو مرّة بن صعصعة - على عبد الملك بن مروان، فأقام ببابه/ شهرا لا يصل إليه لشغل عرض لعبد الملك، ثم وصل إليه فلما مثل بين يديه أنشد:
/ألا تلك أمّ الهبرزيّ تبيّنت ... عظامي ومنها ناحل وكسير [5]
وقالت تضاءلت الغداة ومن يكن ... فتى قبل عام الماء فهو كبير [6]
فقلت لها إنّ العجير تقلّبت ... به أبطن أبلينه وظهور
فمنهنّ إدلاجي على كلّ كوكب ... له من عمانيّ النجوم نظير [7]
__________
[1] النيل والنائل: ما نلته. ورواية ط لهذا الشطر:
يؤدي إليّ الليل قنوان ماجد
وفي مثل هذا المعنى قال الشاعر:
ليس العطاء من الفضول سماحة ... حتى تجود وما لديك قليل
[2] يقال بضم القاف وكسرها. وفي ط: «القنوان». وهي صحيحة وقافها مضمونة، بمعنى القنيان.
[3] في ط: «فقير».
[4] الطرف هنا: الكريم من الخيل. والأقدر: الفرس الّذي يجاوز حافرا رجليه مواقع حافري يديه.
[5] أم الهبرزي: الحمى. هكذا في «لسان العرب» و «تاج العروس» حيث رويا البيت منسوبا للعجير شاهدا على ذلك، مع اختلاف في بعض ألفاظ الشطر الأول. ومثله كذلك ما أورده المحييّ في «ما يعول عليه في المضاف والمضاف إليه» حيث قال: «أم الهبرزي هي الحمى». ثم قال في موضع آخر: «أم الهدبذي، بالدال والذال، هي الداهية والحمى». ثم أورد البيت شاهدا على ذلك، مع اختلاف في بعض ألفاظ الشطر الأول كذلك. ناحل: مهزول دقيق. وفي جميع الأصول: «ناصل»، والتصويب من «لسان العرب» و «تاج العروس» وما يعول عليه. ورواية البيت في «اللسان» و «التاج» (مادة هبرز):
فإن تك أم الهبرزي تمصرت ... عظامي فمنها ناحل وحسير
وتمصرت: اعتصرت. وحسير: تعب. وروايته في (ما يعول عليه):
فمنهن أم الهبرزي تتابعت ... عظامي فمنها ناحل وكسير
والكسير: المكسور.
[6] عام الماء، قال أبو حنيفة: «إذا كان عام خصيب مشهور بالكلأ والكمأة والجراد سمي عام الماء». انظر «المخصص» (10: 17).
ورواية البيت في «اللسان» (مادة عوم):
رأتني تحاذبت الغداة ومن يكن ... فتى عام عام الماء فهو كبير
قال في «اللسان» هنا: «فسره ثعلب. فقال: العرب تكرر الأوقات فيقولون: أتيتك يوم يوم قمت، ويوم تقوم». وانظر ما سيأتي في ص 75.
[7] العماني: المنسوب إلى عمان.
وقرعي بكفّي باب ملك كأنّما ... به القوم يرجون الأذين نسور [1]
/و يوم تبارى ألسن القوم فيهم ... وللموت أرحاء بهنّ تدور [2]
لو ان الجبال الصّمّ يسمعن وقعها ... لعدن وقد بانت بهنّ فطور [3]
فرحت جوادا والجواد مثابر ... على جريه، ذو علة ويسير
عطاء عبد الملك له لطول مقامه
فقال له: يا عجير ما مدحت إلّا نفسك، ولكنّا نعطيك لطول مقامك. وأمر له بمائة من الإبل يعطاها من صدقات بني عامر، فكتب له بها.
أخبرني حبيب بن نصر المهلّبيّ قال: حدّثنا محمّد بن سعد الكرانيّ قال: حدّثنا العمريّ عن العتبيّ قال: نظر أبي إلى فتى من بني العبّاس يسحب مطرف [4] خزّ عليه وهو سكران - وكان فتى متهتّكا - فحرك رأسه مليّا ثم قال:
للّه درّ العجير السّلوليّ حيث يقول:
وما لبس الناس من حلّة ... جديد ولا خلقا يرتدى [5]
كمثل المروءة للّابسين ... فدعني من المطرف المستدى [6]
فليس يغيّر فضل الكريم ... خلوقة أثوابه والبلى [7]
/و ليس يغيّر طبع اللّئيم ... مطارف خز رقاق السّدى [8]
يجود الكريم على كلّ حال ... ويكبو اللئيم إذا ما جرى
قوله في ابنه الفرزدق
أخبرني عمّي قال: حدّثني محمّد بن القاسم بن مهرويه قال: حدّثني أبو القاسم اللّهبيّ عن أبي عبيدة قال:
كان العجير السلولي له ابن يقال له الفرزدق، وفيه يقول العجير:
ولقد وضعتك غير متّرك ... من جابر [9] في بيتها الضّخم
واخترت أمّك من نسائهم ... وأبوك كلّ عذوّر شهم [10]
__________
[1] الأذين: الحاجب الّذي يبلغ إذن الملك للمثول بين يديه، وهو الآذن. والنسور: جمع نسر. وفي ج بالشين المعجمة، وهو تحريف.
والمعنى أن طلاب المغانم يتجمعون على باب الملك مثل تجمع النسور.
[2] الألسن: جمع لسان، و «اللسان»: المقول يذكر ويؤنث، ففي حالة التذكير يجمع على ألسنة كحصان وأحصنة، وفي حالة التأنيث يجمع على ألسن كذراع وأذرع. (انظر «اللسان» مادة لسن). ورواية البيت في ج:
ويوم تنادي ألسن القوم فيهم ... وللقوم أرحاء بهن تدور
[3] الفطور: الشقوق جمع فطر بالفتح.
[4] المطرف (بالضم ويكسر) وأحد المطارف، وهي أردية من خر مربعة لها أعلام.
[5] الحلة: إزار ورداء، بردا كان أو غيره. ولا تكون حلة إلا من ثوبين أو ثوب له بطانة. وخلق: بال، الذكر والأنثى فيه سواء.
[6] المستدى هنا: المنسوج.
[7] الخلوقة، بضم الخاء: البلى. وفي الأصل: «خلوقات».
[8] السدى من الثوب: ما مدّ منه، وهو خلاف اللحمة.
[9] من جابر: يريد من قبيلة جابر، وجابر من آباء العجير.
[10] العذور: السيء الخلق، القليل الصبر فيما يريده ويهم به.
فلئن كذبت المنح من مائة ... فلتقبلن بسائغ وخم [1]
إن الندى والفضل غايتنا ... ونجاتنا وطريق من يحمي
أخبرني عمّي قال: حدّثنا الكرانيّ قال قال الحرمازي: وقف العجير السّلولي لبعض الأمراء، وقد علق به غريم له من أهله فقال له:
أتيتك إنّ الباهلي يسوقني [2] ... بدين ومطلوب الدّيون رقيق
ثلاثتنا إن يسّر اللّه: فائر ... بأجر، ومعطى حقّه، وعتيق
فأمر بقضاء دينه.
بنت عمه تختار العامري عليه وتتزوجه ليساره
وقال ابن الأعرابيّ: كانت للعجير بنت عمّ وكان يهواها وتهواه، فخطبها إلى أبيها فوعده وقاربه [3]. ثم خطبها رجل من بني عامر موسر، فخيرها أبوها بينه وبين العجير،/ فاختارت العامريّ ليساره، فقال العجير في ذلك:
ألمّا على دار لزينب قد أتى ... لها بلوى ذي المرخ صيف ومربع [4]
وقولا لها قد طالما لم تكلّمي ... وراعاك بالعين الفؤاد المروّع
وقولا لها قال العجير وخصّني ... إليك، وإرسال الخليلين ينفع
أ أنت الّتي استودعتك السّرّ فانتحى ... لي الخون مرّاح من القوم أفرع [5]
إذا مت كان الناس نصفين: شامت ... ومثن بما قد كنت أسدي وأصنع [6]
ومستلحم قد صكّه القوم صكّة ... بعيد الموالي نيل ما كان يمنع [7]
رددت له ما أفرط القتل بالضحى ... وبالأمس حتى اقتاله فهو أصلع [8]
ولست بمولاه ولا بابن عمّه ... ولكن متى ما أملك النفع أنفع [9]
__________
[1] من مائة: يريد مائة من الإبل. «فلتقبلن» كذا في ط. وفي سائر الأصول: «فلتقتلن» وهو تحريف. بسائغ: في ط هكذا: «بسائغ» بإهمال الحرفين الأخيرين، وفي سائر الأصول: «بسائغ». الوخم: الّذي لا تحمد مغبته. وفي ب وس وط: «وحم» ولا وجه له.
وفي ج: «ضخم».
[2] كذا في جميع الأصول. وكتب على هامش ط إشارة إلى نسخة أخرى: «خ استرقني». واسترقني: أدخلني في الرق أي العبودة.
[3] قاربه: قرب منه في الرأي والموافقة.
[4] اللوى: منقطع الرمل، يقال: ألويتم فأنزلوا، وذلك إذا بلغوا لوى الرمل. وذو المرخ هنا: واد كثير الشجر قريب من فدك.
[5] انتحى: قصد. والخون: مصدر كالخيانة. ومراح مبالغة من المرح وهو نشاط الروح. وأفرع: له جمة، وافى الشعر.
[6] مثن في ج والشواهد الكبرى للعيني و «شرح الحماسة»، وفي بقية الأصول: «مسد». ورواية البيت في الشواهد:
إذا مت كان الناس صنفان: شامت ... وآخر مثن بالذي كنت أصنع
وصنفان خير الناس لا خبر «كان».
[7] المستلحم: الّذي أرهق في القتال واحتوشه العدو. صكه القوم: ضربوه ضربا شديدا. ونيل بالبناء للمجهول. أي نال القوم منه ما كان يمنعه، لضعفه.
[8] القتل، كذا في ج، وفي بقية الأصول «القيل» بالياء بعد القاف. «اقتاله» يقال اقتاله شيئا بشي ء: بدّله. وفي ج: «اقتاده»، بالدال قبل الهاء.
[9] في ط وشواهد العيني «الضر» في مكان «النفع» وهي أبلغ في المعنى، وبيان ذلك أنه في الحالة الّتي يستطيع فيها أن يضر ينفع.
تحبب العجير إلى امرأة من عامر فانتهبوا ماله، فشكاهم إلى محمّد بن مروان
وقال ابن الأعرابيّ: كان العجير يتحدث إلى امرأة من بني عامر يقال لها جمل فألفها وعلقها. ثم انتجع أهلها نواحي نصيبين، فتتّبعتها نفسه، فسار إليهم فنزل فيهم مجاورا [1]، ثم رأوه منازلا ملازما محادثة تلك المرأة فنهوه عنها وقالوا: قد رأينا أمرك فإمّا أن انقطعت عنها أو ارتحلت عنّا، أو فأذن بحرب [2]. فقال: ما بيني وبينها ما ينكر، وإنما كنت أتحدث إليها كما يتحدّث الرجل الكريم إلى المرأة الحرّة الكريمة، فأمّا الريبة فحاش للّه منها. ثم عاود محادثتها؛ فانتهبوا ماله وطردوه. فأتى محمّد بن مروان بن الحكم وهو يومئذ يتولّى الجزيرة لأخيه عبد الملك بن مروان، فأتاه مستعديا على بني عامر وعلى الّذي أخذ ماله خصوصيّة [3]، وهو رجل من بني كلاب يقال له ابن الحسام، وأنشده قوله:
عفا يافع من أهله فطلوب ... وأقفر لو كان الفؤاد يثوب [4]
وقفت بها من بعد ما حلّ أهلها ... نصيبين والرّاقي الدموع طبيب
وقد لاح معروف القتير وقد بدت ... بك اليوم من ريب الزمان ندوب [5]
وسالمت روحات المطيّ وأحمدت ... مناسم منها تشتكي وصلوب [6]
/و ما القلب أم ما ذكره أمّ صبية ... أريكة منها مسكن فهروب [7]
حصان الحميّا حرة حال دونها ... حليل لها شاكي السلاح غضوب [8]
شموس، دنّو الفرقدين اقترابها، ... لغيّ مقاريف الرجال سبوب [9]
أحقّا عباد اللّه أن لست ناظرا ... إلى وجهها إلا عليّ رقيب
عدتني العدا عنها بعيد تساعف ... وما أرتجي منها إليّ قريب [10]
لقد أحسنت جمل لو أنّ تبيعها ... إذا ما أرادت أن تثيب يثيب [11]
تصدّين حتّى يذهب اليأس بالمنى ... وحتّى تكاد النفس عنك تطيب
__________
[1] المجاور: الجار ولو من بعد. والمنازل: الّذي ينزل بجانب بيتك. والملازم: الّذي لا ينقطع عن البقاء في المنزل الّذي يجاور من يهواه.
[2] يقال ائذن بهذا الأمر، أي اعلمه.
[3] الخصوصية بفتح الخاء وضمها: اسم من خصه يخصه، أي خاصة.
[4] يافع: مكان. وطلوب: علم لقليب عن يمين سميراء في طريق الحاج، طيب الماء قريب الرشاء. عن «معجم البلدان لياقوت». وقال أبو عبيد البكري: إنه من مياه بني عوف بن عقيل.
[5] معروف القتير: هو الشيب الّذي لا يمكن نكرانه. ولاح: ظهر. والندوب آثار الجروح على الجلد.
[6] المراد من سالمت روحات المطي: أنها سلمت من عنائها في الغدو والرواح. وأحمدت: حمدت وأثنت. والمناسم: جمع منسم بفتح الميم وكسر السين: خف البعير. والصلوب بضم الصاد كما ورد في الأصول لم يعثر عليه في المعاجم، وهو جمع قياسي للصلب، والصلب يبدأ من الكاهل إلى أصل الذنب أي المؤخر.
[7] ما: اسم استفهام. وأم: حرف عطف. وأريكة: اسم جبل بالبادية. وقال الأصمعي أريكة: ماء لبني كعب («معجم البلدان» ج 1 ص 212). وهروب: من قرى صنعاء باليمن.
[8] الحصان: العفيفة أو المتزوّجة. والحميا: الحوزة والجانب.
[9] الشموس: الجامحة. ومقاريف الرجال: المتهمون. والسبوب: من السب والطعن.
[10] التساعف: الدنو والقرب والإقبال الشديد.
[11] التبيع: المولى والناصر. وتثيب: تعطف.
- هذا البيت يروى لابن الدّمينة، وهو بشعره أشبه، ولا يشاكل أيضا هذا المعنى ولا هو من طريقه؛ لأنه تشكى في سائر الشعر قومها دونها، وهذا بيت يصف فيه الصدّ منها، ولكن/ هكذا هو في رواية ابن الأعرابي -
وأنت المنى لو كنت تستأنفيننا ... بخير ولكن معتفاك جديب [1]
أيؤكل مالي وابن مروان شاهد ... ولم يقض لي وابن الحسام قريب
فتى محض أطراف العروق مساور ... جبال العلا طلق اليدين وهوب [2]
فأمر محمّد بن مروان بإحضار ابن الحسام الكلابي فأحضر، فحبسه حتى ردّ مال العجير، وأمر العجير بالانصراف إلى حيّه وترك النزول على المرأة أو في قومها. قال: وقال العجير فيها أيضا:
/هاتيك جمل بأرض لا يقرّبها ... إلّا هبلّ من العيدي معتقد [3]
ودونها معشر خزر عيونهم ... لو تخمد النار من حرّ لما خمدوا [4]
عدّوا علينا ذنوبا في زيارتها ... ليحجبوها وفي أخلاقهم نكد [5]
وحال من دونها شكس خلائقه ... كأنّه نمر في جلده الرّبد [6]
فليس إلا عويل كلما ذكرت ... أو زفرة طالما أنّت بها الكبد
وتيّمتني جمل فاستمرّ بها ... شحط من الدار لا أمّ ولا صدد [7]
قالوا غداة استقلت: ما لمقلته ... أمن قذى هملت أم عارها رمد [8]
فقلت لا بل غدت سلمى لطيّتها ... فليتهم مثل وجدي بكرة وجدوا [9]
إن كان وصلك أبلى الدّهر جدّته ... وكلّ شيء جديد هالك نفد [10]
فقد أراني ووجدي إذ تفارقني ... يوما كوجد عجوز درعها قدد [11]
تبكي على بطل حمّت منيته ... وكان واتر أعداء به ابتردوا [12]
وقد خلا زمن لو تصرمين له ... وصلي لأيقنت أنّي ميّت كمد [13]
__________
[1] تستأنفيننا: تعودين إلينا بخير وتجدّدين العودة. والمعتفى: الموضع الّذي يطلب فيه الحاجة.
[2] محض أطراف العروق: خالص الأصول طاهرها. والمساور: المواثب. وفي بعض الأصول «حبال» بالحاء، أما في ط فبالجيم.
[3] الهبل: الضخم أو الطويل يقال بكسر الهاء والباء، وبكسرها مع فتح الباء. والعيدي: منسوب إلى فحل معروف منجب، ويقال النجائب العيدية. والمعتقد: الموثق الظهر الصبور الشديد الصلب.
[4] خزر العيون: جمع أخزر، وهو ضيق العين، كناية عن العداوة.
[5] النكد: الشح والعسر والبخل.
[6] الشكس: الصعب. الربد: جمع ربدة، وهو السواد المنقطع فيه احمرار، أو الغبرة.
[7] الشحط: البعد. والأم: القصد. وفي الأصول: «أيم». والصدد: القرب. يريد أن المسافة بعيدة وأنها أرض لا يسهل قطعها.
[8] هملت: فاضت ودام نزول دمعها. وعارها: أصابها.
[9] طيتها: وجهها الّذي تريده ونيتها الّتي انتوتها. والطبية: الحاجة والوطر وتكون منزلا منتوى. وجدوا بفتح الجيم: اعتراهم الوجد، وهو الحب الشديد.
[10] نفد بالتحريك. وفي ط بكسر الفاء، وهو: الفاني.
[11] القدد: القطع، جمع قدة بالكسر.
[12] حمت: نزلت. والواتر: المفزع المدرك الأعداء. وابتردوا، معناه في الأصل: صبوا على أجسامهم الماء أو شربوه، أي أثلجت قلوبهم لموته.
[13] من الكمد، وهو الحزن الشديد.
/
أزمان تعجبني جمل وأكتمه ... جملا حياء، وما وجد كما أجد
فقد برئت على أني إذا ذكرت ... ينهلّ دمعي وتحيا غصّة تلد [1]
من عهد سلمى الّتي هام الفؤاد بها ... أزمان أزمان سلمى طفلة رؤد [2]
قد قلت للكاشح المبدي عداوته ... قد طالما كان منك الغشّ والحسد
ألا تبيّن لي لا زلت تبغضني ... حتّام أنت إذا ما ساعفت ضمد [3]
وصية عبد الملك لمؤدب ولده أن يرويهم مثل قول العجير
وقال ابن حبيب: قال عبد الملك لمؤدّب ولده: إذا روّيتهم شعرا فلا تروّهم إلّا مثل قول العجير السلولي:
يبين الجار حين يبين عنّي ... ولم تأنس إليّ كلاب جاري
وتظعن جارتي من جنب بيتي ... ولم تستر بستر من جداري [4]
وتأمن أن أطالع حين آتي ... عليها وهي واضعة الخمار
كذلك هدي ابائي قديما ... توارثه النّجار عن النّجار
فهديي هديهم وهم افتلوني ... كما افتلي العتيق من المهار [5]
/و قال ابن حبيب أيضا: نزل العجير بقوم فأكرموه وأطعموه وسقوه، فلما سكر قام إلى جمله فعقره، وأخرج كبده وجبّ سنامه، فجعل يشوى ويأكل ويطعم ويغني:
علّلاني إنما الدنيا علل ... واسقياني عللا بعد نهل [6]
وانشلا لي اللحم من قدريكما ... واصبحاني أبعد اللّه الجمل [7]
فلما أفاق سأل عن جمله فأخبر ما صنع به، فجعل يبكي ويصيح: واغربتاه! وهم يضحكون منه. ثم أعطوه جملا وزوّدوه، فانصرف حتّى لحق بقومه.
أخبرني عمّي بهذا الخبر قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد قال: حدّثنا الحكم بن موسى بن الحسين بن يزيد السلولي قال: حدّثني أبي عن عمّه فقال فيه:
مر العجير بفتيان من قومه يشربون نبيذا لهم فشرب معهم، وذكر باقي القصّة نحوا مما ذكر ابن حبيب، ولم يقل فيها: - فلما أصبح جعل يبكي ويصيح: واغربتاه! - ولكنه قال: فلمّا أصبح ساق قومه إليه ألف بعير مكان بعيره.
__________
[1] ينهل دمعي: يشتدّ انصبابه. والغصة: ما يعترض في الحلق ويدفع بالماء. قال الشاعر:
لو بغير الماء حلقي شرق ... كنت كالغصان بالماء اعتصاري
وتلد بفتح التاء واللام، وهي لغة في التلاد، وهو القديم.
[2] الرؤد: الشابة الحسنة. وانظر ما مضى من الكلام على تكرار الظرف في حواشي ص 68.
[3] الضمد، يقال ضمد فلان على فلان: حقد عليه.
[4] في ط «حذار» بالحاء بدل الجيم.
[5] افتلوني، يقال فلا الصبي والمهر فلوا وأفلاه وافتلاه: عزله عن الرضاع وفصله. وافتليته: فطمته أي: فطموني عن جهل الصبا وعقلت. والعتيق: الفرس الرائع الكريم. والمهار، بكسر الميم: جمع مهر بالضم، وهو ولد الفرس.
[6] عللاني: أشغلاني بطعام وحديث ونحوهما. والعلل: الشرب الثاني. والنهل: الشرب الأوّل.
[7] انشلاه: أخرجاه باليد من غير مغرفة. اصبحاني: اسقياني الصبوح من لبن النوق.
سليمان بن عبد الملك يعجب بشعر العجير ويأمر له بثلاثين ألفا ردها على قومه ووهبها لهم
أخبرني عمّي وحبيب بن نصر المهلبيّ قالا: حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد قال: حدّثني الحكم بن موسى بن الحسين السلولي قال: حدّثني أبي عن عمه قال: عرض العجير لسليمان بن عبد اللّه وهو في الطواف، وعلى العجير بردان يساويان مائة وخمسين دينارا، فانقطع شسع [1] نعله فأخذها بيده، ثم هتف بسليمان فقال:
ودلّيت دلوي في دلاء كثيرة ... إليك فكان الماء ريّان معلما [2]
/فوقف سليمان ثم قال: للّه درّه ما أفصحه، واللّه ما رضي أن قال ريان حتى قال معلما، واللّه إنه ليخيّل إليّ أنه العجير، وما رأيته قط إلا عند عبد الملك. فقيل له: هو العجير. فأرسل إليه: أن صر إلينا إذا حللنا. فصار إليه، فأمر له بثلاثين ألفا وبصدقات قومه، فردّها العجير عليهم ووهبها لهم.
رثاء العجير لابن عمه
أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال: حدّثني هرون بن موسى الفروي [3] قال: كان ابن عم للعجير السّلولي إذا سمع بأضياف عند العجير لم يدعهم حتى يأتي بجزور كوماء [4]، فيطعن في لبّتها عند بيته، فيبيتون في شواء وقدير [5]، ثم مات، فقال العجير يرثيه:
تركنا أبا الأضياف في ليلة الصّبا ... بمرّ ومردي كل خصم يجادله [6]
وأرعيه سمعي كلّما ذكر الأسى ... وفي الصّدر مني لوعة ما تزايله
وكنت أعير الدّمع قبلك من بكى ... فأنت على من مات بعدك شاغله
هكذا ذكر هرون بن موسى في هذا الخبر، والبيت الثالث من هذه الأبيات للشّمردل بن شريك لا يشّكّ فيه، من قصيدة له طويلة. فيه غناء قد ذكرته في أخباره.
صوت
فتاة كأن رضاب العبير ... بفيها يعلّ [7] به الزنجبيل
قتلت أباها على حبّها ... فتبخل إن بخلت أو تنيل
الشعر لخزيمة بن نهد، والغناء لطويس. خفيف رمل بالبنصر عن يحيى المكيّ.
__________
[1] الشسع: قبال النعل، والقيال ككتاب: زمام بين الإصبع الوسطى والّتي تليها.
[2] الريان: الكثير. المعلم: ما فيه علامة، أراد أنه مشهور معروف.
[3] الفروي: نسبة إلى جد له يقال له «أبو فروة».
[4] الكوماء: الناقة العظيمة السنام.
[5] القدير: ما يطبخ في القدر.
[6] مر، بفتح الميم: ماءة لبني أسد مات بها جابر بن زيد، وهو ابن عم العجير. انظر «معجم البلدان» (مر) حيث أنشد المرثية. وفي بعض الأصول: «بصر» تحريف. ومردى الخصومة والحرب: الصبور عليهما.
[7] يعل به: يخلط.
6 - أخبار خزيمة بن نهد ونسبه
أخبار خزيمة ونسبه
هو خزيمة بن نهد بن زيد بن ليث بن سود بن أسلم بن الحاف بن قضاعة. شاعر مقل من قدماء الشعراء في الجاهلية. وفاطمة الّتي عناها في شعره هذا: فاطمة بنت يذكر بن عنزه بن أسد بن ربيعة بن نزار، كان يهواها فخطبها من أبيها فلم يزوّجه إياها، فقتله غيلة. وإياها عني بقوله:
إذا الجوزاء أردفت الثّريا ... ظننت بآل فاطمة الظنونا [1]
خزيمة يشبب بفاطمة بنت يذكر بن عنزة
أخبرني بخبره محمّد بن خلف وكيع قال: حدّثنا عبيد اللّه بن سعد الزبيري قال: حدّثني عمّي قال حدّثني أبي - أظنه عن الزهري - قال: كان بدء تفرّق بني إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام عن تهامة ونزوعهم عنها إلى الآفاق، وخروج من خرج منهم عن نسبه، أنه كان أوّل من ظعن عنها وأخرج منها قضاعة بن معدّ. وكان سبب خروجهم أن خزيمة بن نهد بن زيد بن سود بن أسلم بن الحاف بن قضاعة بن معدّ كان مشؤوما فاسدا، متعرّضا للنساء، فعلق فاطمة بنت يذكر بن عنزة - واسم يذكر عامر - فشبب بها وقال فيها:
إذا الجوزاء أردفت الثريا ... ظننت بآل فاطمة الظنونا
وحالت دون ذلك من همومي ... هموم تخرج الشجن الدّفينا/
أرى ابنة يذكر ظعنت، فحلّت ... جنوب الحزن يا شحطا مبينا [2]
مقتل يذكر بن عنزة وإشعاله الشربين قضاعة ونزار
قال: فمكث زمانا، ثم إن خزيمة بن نهد قال ليذكر بن عنزة: أحب أن تخرج معي حتى نأتي بقرظ. فخرجا جميعا، فلما خلا خزيمة بن نهد بيذكر بن عنزة قتله، فلما رجع - وليس هو معه - سأله عنه أهله، فقال: لست أدري، فارقني وما أدري أين سلك. فكان في ذلك شرّ بين قضاعة ونزار ابني معد، وتكلموا فيه فأكثروا، ولم يصحّ على خزيمة عندهم شيء يطالبون به، حتى قال خزيمة بن نهد:
فتاة كأنّ رضاب العبير ... بفيها يعلّ به الزنجبيل [3]
قتلت أباها على حبّها ... فتبخل إن بخلت أو تنيل
__________
[1] الجوزاء: برج في السماء. أردفت الثريا: ردفتها وتلتها، وذلك يكون في شدّة الحرّ فتكبد السماء في آخر الليل، وعند ذلك تنقطع المياه وتجف ويتفرق الناس في طلبها. وظنه محتمل أمرين: أن تكون مجاورة له، فهي حينئذ تفارقه مع أهلها لطلب الماء. وقد تكون في موطن آخر، فهو متوقع أن يجمع بينهما ماء من المياه. انظر «الأزمنة والأمكنة» (2: 130 - 131).
[2] ظعنت: رحلت. والحزن: ما غلظ من الأرض. والشحط المبين: البعد الفني.
[3] بهامش ط: «العصير».
فلما قال هذين البيتين تثاور الحيّان فاقتتلوا وصاروا أحزابا، فكانت نزار بن معد وهي يومئذ تنتسب فتقول كندة بن جنادة بن معد. وحاء وهم يومئذ ينتمون فيقولون حاء بن عمرو بن أدّ بن أدد. وكانت قضاعة تنتسب إلى معد، وعك يومئذ تنتمي إلى عدنان فتقول: عك عدنان بن أدّ، والأشعريون ينتمون إلى الأشعر بن أدد. وكانوا يتبّدون [1] من تهامة إلى الشأم، وكانت منازلهم بالصّفّاح، وكان مرّ وعسفان لربيعة بن نزار، وكانت قضاعة بين مكة والطائف، وكانت كندة تسكن من الغمر إلى ذات عرق، فهو إلى اليوم يسمى غمر كندة. وإياه يعني عمر بن أبي ربيعة بقوله:
/إذا سلكت غمر ذي كندة ... مع الصبح قصد لها الفرقد [2]
هنالك إما تعزى الهوى ... وإما على إثرهم تكمد [3]
وكانت منازل حاء بن عمرو بن أدد، والأشعر بن أدد، وعكّ بن عدنان بن أدد، فيما بين جدّة إلى البحر.
القارظان
قال: فيذكر بن عنزة أحد القارظين [4] اللذين قال فيهما الهذلي:
/و حتّى يؤوب القارظان كلاهما ... وينشر في القتلى كليب لوائل
والآخر من عنزة، يقال له أبو رهم، خرج يجمع القرظ فلم يرجع ولم يعرف له خبر.
انهزام قضاعة وقتل خزيمة بن نهد
قال: فلما ظهرت نزار [5] على أن خزيمة بن نهد قتل يذكر بن عنزة قاتلوا قضاعة أشدّ قتال، فهزمت قضاعة وقتل خزيمة بن نهد وخرجت قضاعة متفرقين، فسارت تيم الّلات بن أسد بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة، وفرقة من بني رفيدة بن ثور بن كلب بن وبرة، وفرقة من الأشعريين، نحو البحرين حتى وردوا هجر، وبها يومئذ قوم من النبط، فنزلت عليهم هذه البطون فأجلتهم، فقال في ذلك مالك بن زهير:
نزعنا من تهامة أيّ حيّ ... فلم تحفل بذاك بنو نزار
ولم أك من أنيسكم ولكن ... شرينا دار آنسة بدار
الزرقاء بنت زهير تتحدّث بقول الكهان في الرحيل والنزول بأرض عبقر
/ فلما نزلوا هجر قالوا للزرقاء بنت زهير - وكانت كاهنة - ما تقولين يا زرقاء؟ قالت: «سعف [6] وإهان، وتمر وألبان، خير من الهوان». ثم أنشأت تقول:
ودّع تهامة لا وداع مخالق ... بذمامه لكن قلى وملام [7]
لا تنكري هجرا مقام غريبة ... لن تعدمي من ظاعنين تهام [8]
__________
[1] يتبدون: ينزلون البادية.
[2] وفي «ديوان عمر بن أبي ربيعة» طبع أوربا «قصد» بالرفع، وفي «معجم البلدان» بالنصب.
[3] في «معجم البلدان» و «ديوان عمر بن أبي ربيعة»: «الفؤاد» بدل «الهوى».
[4] القرظ محركة: ورق السلم أو ثمر السنط. والقارظ: مجتنبه.
[5] ظهر على الشي ء: عرفه.
[6] الإهان: العرجون.
[7] المخالق: الّذي يعاشر الناس على أخلاقهم.
[8] لا تكرهي المقام الجديد الغريب في هجر فستجدين معك مسافرين من تهامة.
فقالوا لها: فما ترين يا زرقاء؟ فقالت: «مقام وتنوخ، ما ولد مولود وأنقفت [1] فروخ [2]، إلى أن يجيء غراب أبقع، أصمع [3] أنزع [4]، عليه خلخالا ذهب، فطار فألهب [5]، ونعق فنعب، يقع على النخلة السّحوق [6]، بين الدّور والطريق، فسيروا على وتيرة، ثم الحيرة الحيرة!». فسمّيت تلك القبائل تنوخ لقول الزرقاء: «مقام وتنوخ». ولحق بهم قوم من الأزد فصاروا إلى الآن في تنوخ، ولحق سائر قضاعة موت ذريع؛ وخرجت فرقة من بني حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة يقال لهم: بنو تزيد، فنزلوا عبقر من أرض الجزيرة، فنسج نساؤهم الصّوف وعملوا منه الزرابيّ [7]؛ فهي الّتي يقال لها العبقرية، وعملوا البرود الّتي يقال لها التّزيدية [8]. وأغارت عليهم الترك، فأصابتهم، وسبت منهم. فذلك قول عمرو بن مالك:
ألا للّه ليل لم ننمه ... على ذات الخضاب مجنبّينا [9]
وليلتنا بآمد لم ننمها ... كليلتنا بميّا فارقينا [10]
بهراء تلحق بالبرك وتهزمهم
وأقبل الحارث بن قراد البهرانيّ ليعيث في بني حلوان، فعرض له أباغ بن سليح صاحب العين [11]، فاقتتلا، فقتل أباغ، ومضت بهراء حتى لحقوا بالترك، فهزموهم واستنقذوا ما في أيديهم من بني تزيد. فقال الحارث بن قراد في ذلك:
كأنّ الدهر جمّع في ليال ... ثلاث بتّهن بشهرزور [12]
صففنا للأعاجم من معدّ ... صفوفا بالجزيرة كالسّعير
سليح بن عمرو ونزولها ناحية فلسطين
وسارت سليح بن عمرو بن الحاف بن قضاعة يقودها الحدرجان بن سلمة حتى نزلوا ناحية فلسطين على بني أذينة بن السّميدع من عاملة. وسارت أسلم بن الحاف وهي عذرة ونهد وحوتكة وجهينة والحارث بن سعد، حتى نزلوا من الحجر إلى وادي القرى، ونزلت تنوخ/ بالبحرين سنتين. ثم أقبل غراب في رجليه حلقتا ذهب وهم في مجلسهم، فسقط على نخلة في الطريق، فينعق نعقات ثم طار؛ فذكروا قول الزرقاء، فارتحلوا حتّى نزلوا الحيرة.
__________
[1] أنفقت فروخ، بالنون والقاف: ثقبت بيضها وخرجت.
[2] الفروخ: جمع فرخ: وهو ولد الطير.
[3] الإصمع: صغير الأذن.
[4] الأبرع: منحسر الشعر من جانبي الجبهة.
[5] ألهب: اشتدّ في طيرانه كما يلهب الفرس في عدوه.
[6] السحوق: الطويلة.
[7] الزرابي: الوسائد والبسط، أو كل ما اتكىء عليه.
[8] في ط «الزيدية» وهو تحريف.
[9] المجنبون: الذين انقطعت ألبان إبلهم.
[10] ميافارقين بفتح أوله وتشديد ثانيه: أشهر مدينة بديار بكر.
[11] أي العين المشهورة بعين أباغ.
[12] شهرزور: معنى شهر بالفارسية: المدينة. قال مسعر بن مهلهل الأديب: شهرزور: مدينات وقرى فيها مدينة كبيرة، وهي قصبتها في وقتنا هذا يقال لها نيم أزراي. ومن طريف ما ورد فيها قول أبي محمّد جعفر بن أحمد السراج:
وعدت بأن تزوري بعد شهر ... فزوري قد تقضي الشهرزوري
وموعد بيننا نهر المعلى ... إلى البلد المسمى شهرزور
فأشهر صدك المحتوم حق ... ولكن شهر وصلك شهرزور
فهم أوّل من اختطّها [1]: منهم مالك بن زهير. واجتمع إليهم لمّا ابتنوا بها المنازل ناس كثير من سقّاط [2] القرى، فأقاموا بها زمانا؛ ثم أغار عليهم سابور [3] الأكبر، فقاتلوه فكان شعارهم يومئذ: يا آل عباد اللّه! / فسمّوا العباد، وهزمهم سابور، فصار معظمهم ومن فيه نهوض إلى الحضر من الجزيرة يقودهم الضّيزن بن معاوية التّنوخي، فمضى حتّى نزل الحضر وهو بناء بناه الساطرون [4] الجرمقاني، فأقاموا به، وأغارت حمير على بقية قضاعة، فخيّروهم بين أن يقيموا على خراج يدفعونه إليهم أو يخرجوا عنهم، فخرجوا عنهم، فخرجوا - وهم كلب، وجرم والعلاف، وهم بنو زبّان بن تغلب بن حلوان، وهو أوّل من عمل الرّحال العلافية، - وعلاف لقب زبّان - فلحقوا بالشام، فأغارت عليهم بنو كنانة بن خزيمة بعد ذلك بدهر، فقتلوا منهم مقتلة عظيمة، وانهزموا [5] فلحقوا بالسماوة، فهي منازلهم إلى اليوم.
صوت
إني امرؤ كفّني ربي ونّزهني ... عن الأمور الّتي في غبّها وخم [6]
وإنما أنا إنسان أعيش كما ... عاش الرجال وعاشت قبلي الأمم
الشعر للمغيرة بن حبناء، من قصيدة مدح بها المهلب بن أبي صفرة، والغناء لأبي العبيس بن حمدون، ثقيل أوّل بالبنصر، وهو من مشهور أغانيه وجيّدها.
__________
[1] اختطها: وضع أساسها.
[2] السقاط بضم السين المشدّدة: جمع ساقط، وهو النازل على القوم. وفي «اللسان»: «يقال سقط إليّ قوم: نزلوا علي».
[3] سابور: ملك من ملوك الفرس.
[4] الساطرون: ملك من ملوك العجم قتله سابور ذو الأكتاف، وسمي بذلك لأنه كان يخلع أكتاف الأسرى.
[5] السماوة: موضع بين الكوفة والشام.
[6] الوخم: الضار الّذي لا يوافق.
7 - نسب المغيرة بن حبناء وأخباره
المغيرة بن حبناء بن عمرو بن ربيعة بن أسيد بن عبد عوف بن ربيعة بن عامر بن ربيعة بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم. وحبناء لقب غلب على أبيه واسمه جبير بن عمرو، ولقّب بذلك لحبن [1] كان أصابه. وهو شاعر إسلاميّ من شعراء الدّولة الأموية، وأبوه حبناء بن عمرو شاعر، وأخوه صخر بن حبناء شاعر، وكان يهاجيه، ولهما قصائد يتناقضانها كثيرة، سأذكر منها طرفا. وكان قد هاجى زيادا الأعجم فاكثر كلّ واحد منهما على صاحبه وأفحش، ولم يغلب أحد منهما صاحبه، كانا متكافئين في مهاجاتهما ينتصف كلّ واحد منهما من صاحبه.
مديحة لطلحة الطلحات
أخبرني محمّد بن خلف بن المرزبان قال: أخبرني عبيد اللّه بن محمّد بن عبد الملك الزيات قال: حدّثني الحسن بن جهور عن الحرمازي قال: قدم المغيرة بن حبناء على طلحة الطلحات الخزاعيّ ثم المليحيّ، أحد بني مليح، فأنشده قوله فيه:
لقد كنت أسعى في هواك وأبتغي ... رضاك وأرجو منك ما لست لاقيا
وأبذل نفسي في مواطن غيرها ... أحبّ، وأعصي في هواك الأدانيا
حفاظا وتمسيكا لما كان بيننا ... لتجزيني ما لا إخالك جازيا [2]
رأيتك ما تنفكّ منك رغيبة ... تقصّر دوني أو تحلّ ورائيا [3]
أراني إذا استمطرت منك رغيبة ... لتمطرني عادت عجاجا وسافيا [4]
// وأدليت دلوي في دلاء كثيرة ... فأبن ملاء غير دلوي كماهيا
/ ولست بلاق ذا حفاظ ونجدة ... من القوم حرّا بالخسيسة راضيا
فإن تدن مني تدن منك مودتي ... وإن تنأ عني تلفني عنك نائيا
قال: فلما أنشده هذا الشعر، قال له: أما كنّا أعطيناك شيئا؟ قال: لا. فأمر طلحة خازنه فأخرج درجا فيه حجارة ياقوت، فقال له: اختر حجرين من هذه الأحجار أو أربعين ألف درهم. فقال: ما كنت لأختار حجارة على أربعين ألف درهم! فأمر له بالمال. فلما قبضه سأله حجرا منها، فوهبه له، فباعه بعشرين ألف درهم. ثم مدحه، فقال:
أرى الناس قد ملّوا الفعال ولا أرى ... بني خلف إلا رواء الموارد [5]
__________
[1] الحبن: ورم في البطن.
[2] التمسيك: الصيانة.
[3] تقصر دوني: لا تصل إلي.
[4] استمطرت رغيبة: طلبت. والرغيبة: ما يرغب فيه. والعجاج: الغبار. والساقي: الريح الّتي تحمل التراب، أو الغبار نفسه.
[5] الرواء: من الري. والرواء بفتح الراء: الماء العذب.
إذا نفعوا عادوا لمن ينفعونه ... وكائن ترى من نافع غير عائد [1]
إذا ما انجلت عنهم غمامة غمرة ... من الموت أجلت عن كرام مذاود [2]
تسود غطاريف [3] الملوك ملوكهم ... وماجدهم يعلو على كل ماجد
مديحة للمهلب بن أبي صفرة
أخبرني هاشم بن محمّد قال حدّثنا المغيرة بن محمّد المهلبي عن رواة باهلة، أن المهلب بن أبي صفرة لما هزم قطريّ بن الفجاءة بسابور [4] جلس للناس، فدخل إليه وجوههم يهنئونه وقامت الخطباء فأثنت عليه ومدحته الشعراء، ثم قام المغيرة بن حبناء في أخرياتهم فأنشده:
/حال الشّجا دون طعم العيش والسهر ... واعتاد عينك من إدمانها الدّرر [5]
واستحقبتك [6] أمور كنت تكرهها ... لو كان ينفع منها النّأي والحذر
وفي الموارد للأقوام تهلكة ... إذا الموارد لم يعلم لها صدر [7]
ليس العزيز بمن تغشى محارمه ... ولا الكريم بمن يجفى ويحتقر
حتى انتهى إلى قوله:
أمسى العباد بشرّ لا غياث لهم ... إلا المهلب بعد اللّه والمطر
كلاهما طيّب ترجى نوافله ... مبارك سيبه يرجى وينتظر [8]
لا يجمدان عليهم عند جهدهم ... كلاهما نافع فيهم إذا افتقروا [9]
هذا يذود ويحمي عن ذمارهم ... وذا يعيش به الأنعام والشّجر [10]
واستسلم الناس إذ حلّ العدوّ بهم ... فلا ربيعتهم ترجى ولا مضر
وأنت رأس لأهل الدين منتخب ... والرأس فيه يكون السمع والبصر
إن المهلّب في الأيام فضّله ... على منازل أقوام إذا ذكروا
حزم وجود وأيام له سلفت ... فيها يعدّ جسيم الأمر والخطر
ماض على الهول ما ينفكّ مرتحلا ... أسباب معضلة يعيا بها البشر [11]
سهل الخلائق يعفو عند قدرته ... منه الحياء ومن أخلاقه الخفر
__________
[1] وكائن: بمعنى كم، أي كثير. هؤلاء القوم يكررون النفع ويعودون وغيرهم ينفع مرة واحدة.
[2] الغمرة: الشدّة. والمذاود: جمع مذود وهو الكثير الذود والدفع عن العشيرة.
[3] الغطاريف: جمع غطريف: وهو السيد الشريف والسخي السري.
[4] سابور: كورة مشهورة بأرض فارس.
[5] الدرر: جمع درة بالكسر. هي كثرة اللبن، والمراد هنا انسكاب الدموع بغزارة.
[6] استحقتك: ادخرتك.
[7] الموارد: جمع مورد، وموارد الأمور: مداخلها. يقول: من لم يعرف عاقبة أمره الّذي دخل فيه هلك.
[8] السيب: العطاء.
[9] لا يجمدان: لا يبخلان.
[10] الذمار بكسر الذال: ما يلزمك حفظه وحمايته.
[11] مرتحلا: راكبا، أي هو يركب المعضلات من الأمور حتى يذللها وييسرها.
/
شهاب حرب إذا حلّت بساحته ... يخزي به اللّه أقواما إذا غدروا
تزيده الحرب والأهوال إن حضرت ... حزما وعزما ويجلو وجهه السفر
ما إن يزال على أرجاء مظلمة ... لو لا يكفكفها عن مصرهم دمروا [1]
/سهل إليهم حليم عن مجاهلهم ... كأنما بينهم عثمان أو عمر
كهف يلوذون من ذلّ الحياة به ... إذا تكنّفهم [2] من هولها ضرر
أمن لخائفهم فيض لسائلهم ... ينتاب نائله البادون والحضر
فلما أتى على آخرها قال المهلب: هذا واللّه الشّعر، لا ما نعلّل به، وأمر له بعشرة آلاف درهم وفرس جواد، وزاده في عطائه خمسمائة درهم.
والقصيدة الّتي منها البيتان اللذان فيهما الغناء المذكور بذكره أخبار المغيرة، من قصيدة له مدح بها المهلب بن أبي صفرة أيضا. وأوّلها:
أمن رسوم ديار هاجك القدم ... أقوت وأقفر منها الطّفّ والعلم [3]
وما يهيجك من أطلال منزلة ... عفّى معالمها الأرواح والديم [4]
بئس الخليفة من جار تضنّ به ... إذا طربت أثافي القدر والحمم [5]
دار الّتي كاد قلبي أن يجنّ بها ... إذا ألم به من ذكرها لمم [6]
إذا تذكرها قلبي تضيّفه ... همّ تضيق به الأحشاء والكظم [7]
/و البين حين يروع القلب طائفه ... يبدي ويظهر منهم بعض ما كتموا
إني امرؤ كفّني ربي وأكرمني ... عن الأمور الّتي في غبّها وخم [8]
وإنما أنا إنسان أعيش كما ... عاش الرجال وعاشت قبلي الأمم
سبب قوله قصيدة الصوت
وهي قصيدة طويلة، وكان سبب قوله إياها أنّ المهلب كان أنفذ بعض بنيه في جيش لقتال الأزارقة، وقد شدّت منهم طائفة تغير على نواحي الأهواز، وهو مقيم يومئذ بسابور، وكان فيهم المغيرة بن حبناء، فلما طال مقامه واستقر الجيش لحق بأهله، فألمّ بهم وأقام عندهم شهرا، ثم عاود وقد قفل الجيش إلى المهلب فقيل له: إن الكتّاب خطّوا على اسمه، وكتب إلى المهلب أنه عصى وفارق مكتبه بغير إذن، فمضى إلى المهلب، فلما لقيه أنشده هذه القصيدة واعتذر إليه فعذره، وأمر بإطلاق عطائه وإزالة العتب عنه، وفيها يقول يذكر قدومه إلى أهله بغير إذن:
__________
[1] يكفكفها: يردها. دمروا: هلكوا.
[2] يلوذون: يلحئون. تكنفهم واكتنفهم: أحاط بهم.
[3] الرسوم: الآثار أو بقيتها. أقوت: خلت وأقفرت. والطف والعلم: موضعان. الأرواح: الرياح.
[4] الديم جمع ديمة بكسر الدال: مطر يدوم في سكون بلا رعد وبرق، أو يدوم خمسة أيام.
[5] الخليفة هنا: الخلف والبدل. الأثافي: جمع أثفية بضم أوله وكسر ثانيه وتشديد ثالثه: الحجارة الثلاثة الّتي توضع عليها القدر.
والحمم بضم الحاء واحدته حممة: الفحم.
[6] ألم به: نزل به. واللمم: الجنون.
[7] الكظم: مخرج النفس.
[8] غبها: عاقبة فعلها. والوخم: المكروه.
ما عاقني عن قفول الجند إذ قفلوا ... عيّ بما صنعوا حولي ولا صمم
ولو أردت قفولا ما تجّهمني ... إذن الأمير ولا الكتّاب إذ رقموا [1]
إني ليعرفني راعي سريرهم ... والمحدجون إذا ما ابتلّت الحزم [2]
والطالبون إلى السلطان حاجتهم ... إذا جفا عنهم السلطان أو كزموا [3]
فسوف تبلغك الأنباء إن سلمت ... لك الشواحج والأنفاس والأدم [4]
إن المهلبّ إن أشتق لرؤيته ... أو امتدحه فإن الناس قد علموا
إن الكريم من الأقوام قد علموا ... أبو سعيد إذا ما عدّت النّعم
والقائل الفاعل الميمون طائره ... ابو سعيد وإن أعداؤه رغموا
/ كم قد شهدت كراما من مواطنه ... ليست بغيب ولا تقوالهم زعموا [5]
أيّام أيام إذ عض الزمان بهم ... وإذ تمنى رجال أنهم هزموا [6]
/و إذ يقولون: ليت اللّه يهلكهم ... واللّه يعلم لو زلت بهم قدم
أيام سابور إذ ضاعت رباعتهم ... لولاه ما أوطنوا دارا ولا انتقموا [7]
إذ ليس شيء من الدنيا نصول به ... إلا المغافر والأبدان واللجم [8]
وعاترات من الخطّيّ محصدة ... نفضي بهن إليهم ثم ندّعم [9]
سبب التهاجي بين زياد الأعجم والمغيرة بن حبناء
هكذا ذكر عمرو بن أبي عمرو الشيباني في خبر هذه القصيدة، ونسخت من كتابه. وذكر أيضا في هذا الكتاب أن سبب التهاجي بين زياد الأعجم والمغيرة بن حبناء، أن زيادا الأعجم والمغيرة بن حبناء وكعبا الأشقريّ، اجتمعوا عند المهلب وقد مدحوه، فأمر لهم بجوائز وفضّل زيادا عليهم، ووهب له غلاما فصيحا ينشد شعره، لأن زيادا كان ألكن لا يفصح، فكان راويته ينشد عنه ما يقوله، فيتكلف له مؤونة ويجعل له سهما في صلاته، فسأل المهلب يومئذ أن يهب له غلاما كان له يعرفه زياد بالفصاحة والأدب، فوهبه له، فنفسوا عليه ما فضّل به؛ فانتدب [10] له/ المغيرة من بينهم، فقال للمهلب: أصلح اللّه الأمير،. ما السبب في تفضيل الأمير زيادا علينا؟ فو اللّه ما يغني غناءنا - في
__________
[1] ما تجهمني: ما استقبلني بغير ما أحب.
[2] المحدجون: الذين يشدون الأحداج على الإبل.
[3] كزموا: هابوا.
[4] الشواحج: البغال. والأدم جمع أدماء وآدم، وضم داله للشعر. والأدماء: الناقة أشرب لونها سوادا أو بياضا.
[5] ولا تقوالهم زعموا: القول المزعوم زورا وبهتانا.
[6] انظر ما سبق من الكلام على تكرير الظروف في ص 68.
[7] رباعتهم: أمرهم الّذي كانوا عليه. وأوطنوا دارا: اتخذوها دار إقامة.
[8] المغافر جمع مغفر: الزرد من الدرع يلبس تحت القلنسوة، أو حلق يتقنع بها المتسلح، والأبدان جمع بدن بالتحريك: الدرع القصيرة.
[9] العاترات: المضطربات للبنها. والخطي: الرمح المنسوب إلى الخط بلد على سيف البحرين بكسر السين، وموضع في عمان.
وكانت الرماح تجلب إلى هذه المواضع فتقوم وتصقل ثم تباع. والمحصدة: بضم الميم وفتح الصاد: المحكمة الصنعة. وندعم:
نتكىء عليها ونأخذها دعامة.
[10] انتدب له: مطاوع ندبه للأمر: دعاه ووجهه إليه.
الحرب، ولا هو بأفضلنا شعبا، ولا أصدقنا ودا، ولا أشرفنا أبا، ولا أفصحنا لسانا! فقال له المهلب: أما إنّي واللّه ما جهلت شيئا مما قلت، وإن الأمر فيكم عندي لمتساو، ولكنّ زيادا يكرم لسنّه وشعره وموضعه من قومه، وكلّكم كذلك عندي، وما فضلته بما ينفس [1] به، وأنا أعوّضكم بعد هذا بما يزيد على ما فضلته به. فانصرف، وبلغ زيادا ما كان منه، فقال يهجوه:
أرى كلّ قوم ينسل اللؤم عندهم ... ولؤم بني حبناء ليس بناسل [2]
يشبّ مع المولود مثل شبابه ... ويلقاه مولودا بأيدي القوابل
ويرضّعه من ثدي أمّ لئيمة ... ويخلق من ماء امرىء غير طائل [3]
تعالوا فعدّوا في الزمان الّذي مضى، ... وكل أناس مجدهم بالأوائل
لكم بفعال يعرف الناس فضله ... إذا ذكر الأملاء عند الفضائل [4]
فغازيكم في الجيش الأم من غزا ... وقافلكم في الناس ألأم قافل [5]
وما أنتم من مالك غير أنكم ... كمغرورة بالبوّ في ظل باطل [6]
بنو مالك زهر الوجوه وأنتم ... تبّين ضاحي لؤمكم في الجحافل [7]
يعني برصا كان بالمغيرة بن حبناء.
/ أخبرني عبيد اللّه بن محمّد الرازيّ قال: حدّثنا أحمد بن الحارث الخراز قال: حدّثني المدائني قال:
عيّر زياد الأعجم المغيرة بن حبناء في مجلس المهلّب بالبرص، فقال له المغيرة إن عتاق الخيل لا تشينها الأوضاح [8]، ولا تعير بالغرر والحجول، وقد قال صاحبنا بلعاء بن قيس لرجل عيّره بالبرص: «إنما أنا سيف اللّه جلاه واستلّه على أعدائه» فهل تغني يا ابن العجماء غنائي، أو تقوم مقامي؟ ثم نشب الهجاء بينهما.
نسخت من نسخة ابن الأعرابي، قال: كان المغيرة بن حبناء يوما يأكل مع المفضّل بن المهلّب، فقال له المفضل:
فلم أر مثل الحنظليّ ولونه ... أكيل كرام أو جليس أمير
فرفع المغيرة يده وقام مغضبا، ثم قال له:
إني امرؤ حنظليّ حين تنسبني ... لام [9] العتيك ولا أخوالي العوق [10]
- العوق من يشكر، وكانوا أخوال المفضل -
__________
[1] ينفس به: يحسد عليه.
[2] ينسل: من قولهم نسل ريش الطائر: سقط.
[3] يقال للخسيس الدون: ما هو بطائل.
[4] الأملاء: جمع ملأ، وهم الأشراف الذين يملئون العين.
[5] القافل: الراجع، وسميت القافلة وهي ذاهبة قافلة تيمنا برجوعها.
[6] كمغرورة بالبو: أي مخدوعة بالجلد الّذي يحشى تبنا فتحن له. والمراد أن هذه القبيلة تنوهم أن نسبها إلى مالك نسب حقيقي.
[7] أراد بالجحافل الشفاه، جمع جحفلة. وأصل الجحفلة للخيل والحمر والبغال.
[8] الأوضاح: جمع وضح: التحجيل في القوائم بالبياض.
[9] لام العتيك: لا من العتيك. انظر «الحيوان» (5: 165).
[10] العتيك والعوق: قبيلتان.
لا تحسبنّ بياضا فيّ منقصة ... إن اللّهاميم [1] في ألوانها بلق
وبلغ المهلّب ما جرى، فتناول المفضل بلسانه وشتمه، وقال: أردت أن يتمضّغ هذا أعراضنا، ما حملك على أن أسمعته ما كره بعد مواكلتك إياه؟ أما إن كنت تعافه فاجتنبه أو لا تؤذه. ثم بعث إليه بعشرة آلاف درهم، واستصفحه عن المفضل، واعتذر إليه عنه، فقبل رفده وعذره، وانقطع بعد ذلك عن مواكلة أحد منهم./ - رجع الخبر إلى سياقته مع زياد والمغيرة - فقال المغيرة يجيب زيادا:
مناقضات زياد الأعجم والمغيرة بن حبناء
أزياد إنّك والّذي أنا عبده ... ما دون آدم من أب لك يعلم
فالحق بأرضك يا زياد ولا ترم ... ما لا تطيق وأنت علج [2] أعجم
أظننت لؤمك يا زياد يسدّه ... قوس سترت بها قفاك وأسهم
علج تعصّب ثم راق بقوسه [3] ... والعلج تعرفه إذا يتعمّم
ألق العصابة يا زياد فإنما ... أخزاك ربّي إذ غدوت ترنّم
واعلم بأنك لست منّي ناجيا ... إلا وأنت ببظر [4] أمك ملجم
تهجو الكرام وأنت ألأم من مشى ... حسبا وأنت العلج حين تكلّم
ولقد سألت بني نزار كلّهم ... والعالمين من الكهول فأقسموا
باللّه مالك في معدّ كلّها ... حسب وإنك يا زياد موذّم [5]
فقال زياد يجيبه:
ألم تر أنّني وتّرت قوسي ... لأبقع من كلاب بني تميم
عوى فرميته بسهام موت ... كذاك يردّ ذو الحمق اللئيم [6]
وكنت إذا غمزت قناة قوم ... كسرت كعوبها أو تستقيم [7]
/هم الحشو القليل لكل حيّ ... وهم تبع كزائدة الظليم [8]
__________
[1] اللهاميم ومفردها لهموم، وهو الجواد من الخيل.
[2] العلج: الرجل من كفار العجم.
[3] راق بقوسه أي ظن أنه راق بها، أي زاد فضلا.
[4] البظر: هنة بين أسكتي الفرج.
[5] الموذم بضم الميم وتشديد الذال: المقطع. وكلب موذم: جعلت في عنقه قلادة.
[6] بالبناء للمجهول. في ج «تردد الحمق».
[7] غمزت: عضضت. وقد نصب سيبويه يستقيم بأو وكذلك جميع البصريين. والحجة لسيبويه في هذا أنه سمع من العرب من ينشد هذا البيت بالنصب. وبالرفع يكون فيه إقواء. ويقال أقوى في الشعر: خالف بين قوافيه برفع بيت وجر آخر. وقلت قصيدة لهم بلا إقواء.
وأما الإقواء بالنصب فقليل (راجع «اللسان»). والإقواء يغلب على هذه القصيدة. والمعنى إذا اشتدّ على جانب قوم رمت تليينه لإضعافه أو يستقيم. وقد قيل: إنه هجا قوما زعم أنه أثارهم بالهجاء وهددهم إلا أن يتركوا سبه وهجاءه.
[8] الظليم: ذكر النعام. زائدة الظليم: هنة وراء الظلف، أو شبه أظفار الغنم في الرسغ في كل قائمة زائدتان كأنما خلقتا من قطع القرون، والشعرات المدلاة مؤخر رجل الشاة والظبي والأرنب.
فلست بسابقي هرما ولما ... يمرّ على نواجذك القدوم [1]
فحاول كيف تنجو من وقاعي ... فإنّك بعد ثالثة رميم [2]
سراتكم الكلاب البقع فيكم ... للؤمكم وليس لكم كريم
فقد قدمت عبودتكم ودمتم ... على الفحشاء والطبع اللّئيم [3]
أخبرني إسماعيل بن يونس الشيعي قال: حدّثنا عمر بن شبّة قال: حدّثنا المدائني قال: قال زياد الأعجم يهجو المغيرة بن حبناء:
عجبت لأبيض الخصيين عبد ... كأنّ عجانه الشّعري العبور [4]
فقيل له: يا أبا أمامة، لقد شرفته إذ قلت فيه:
كأنّ عجانه الشعري العبور
ورفعت/ منه. فقال: سأزيده رفعة وشرفا، ثم قال:
لا يبرح الدّهر منهم خارىء أبدا ... إلّا حسبت على باب استه القمرا
/ قال، وتقاولا في مجلس المهلّب يوما، فقال المغيرة لزياد:
أقول له وأنكر بعض شأني ... ألم تعرف رقاب بني تميم
فقال له زياد:
بلى فعرفتهنّ مقصّرات ... جباه مذلّة وسبال لوم [5]
المغيرة يهجو زيادا بتحريض من ربيعة
نسخت من كتاب عمرو بن أبي عمرو الشيباني، قال: كانت ربيعة تقول لزياد الأعجم: يا زياد، أنت لساننا، فاذبب عن أعراضنا بشعرك، فإنّ سيوفنا معك. فقال المغيرة بن حبناء فيه، وقد بلغه هذا القول من ربيعة له:
يقولون ذبّب يا زياد ولم يكن ... ليوقظ في الحرب الملمّة نائما
ولو أنّهم جاءوا به ذا حفيظة ... فيمنعهم أو ماجدا أو مراعما
ولكنّهم جاءوا بأقلف قد مضت ... له حجج سبعون يصبح رازما [6]
لئيما ذميما أعجميّا لسانه ... إذا نال دنّا لم يبال المكارما [7]
__________
[1] «يمر» في ح بالتاء وفي باقي الأصول بالياء، والاثنتان جائزتان. والقدوم: الّتي ينحت بها بفتح أوّله. والمراد أنه لم يجرب مثله ولم تهتم أسنانه.
[2] بعد ثالثة: أي بعد ليلة ثالثة.
[3] العبودة: العبودية، وهي الخضوع والتذلل.
[4] العجان: القضيب الممدود من الخصية إلى الدبر. والشعرى: كوكب يطلع بعد الجوزاء وطلوعه في شدة الحر. وتقول العرب: «إذا طلعت الشعري جعل صاحب النخل يرى». وسميت الشعري العبور أونها عبرت السماء عرضا ولم يعبرها عرضا غيرها. وكان العرب يعبدونها، فأنزل اللّه تعالى: وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرى
أي: رب الشعرى الّتي تعبدونها. والشعري الغميصاء وسميت بذلك لأن العرب قالت في حديثها: إنها بكت على إثر العبور حتى غمصت.
[5] السبال: جمع سبلة وهي مقدم الشعر أو مجتمعه في الذقن.
[6] الأقلف: الّذي لم تجر عليه موسى. والرازم: الّذي لا يقدر على النهوض ولا يتحرك هزالا وإعياء.
[7] الدن: وعاء الخمر.
وما خلت عبد القيس إلا نفاية ... إذا ذكر الناس العلا والعظائما [1]
إذا كنت للعبديّ جارا فلا تزل ... على حذر منه إذا كان طاعما
أناسا يعدّون الفساء لجارهم ... إذا شبعوا عند الجباة الدراهما [2].
من الفسو يقضون الحقوق عليهم ... ويعطون مولاهم إذا كان غارما
لهم زجل فيه إذا ما تجاوبوا ... سمعت زفيرا فيهم وهماهما [3]
/لعمرك ما نجّى ابن زروان إذ عوى ... ربيعة من يوم ذلك سالما
أظنّ الخبيث ابن الخبيثين أنّني ... أسلّم عرضي أو أهاب المقاوما
لعمرك لا تهدي ربيعة للحجا ... إذا جعلوا يستنصرون الأعاجما
عبد القيس تعتذر إلى المغيرة
قال: فجاءت عبد القيس إلى المغيرة، فقالوا: يا هذا، ما لنا ولك، تعمّنا بالهجاء لأن نبحك منّا كلب، فقال وقلت، قد تبرأنا إليك منه، فإن هجاك فاهجه، وخلّ عنا ودعنا، وأنت وصاحبك أعلم، فليس منّا له عليك ناصر.
فقال:
لعمرك إنّي لابن زروان إذ عوى ... لمحتقر في دعوة الودّ زاهد
وما لك أصل يا زياد تعدّه ... وما لك في الأرض العريضة والد
أ لم تر عبد القيس منك تبرّأت ... فلاقيت ما لم يلق في الناس واحد
وما طاش سهمي عنك يوم تبرّأت ... لكيز بن أفصى منك والجند حاشد
ولا غاب قرن الشّمس حتى تحدّثت ... بنفيك سكان القرى والمساجد [4]
- رفع «المساجد»، لأنه جعل الفعل لها، كأنه قال: وأهل المساجد، كما قال اللّه عزّ وجلّ: وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ
وتحدّثت المساجد، وإنما يريد من يصلّي فيها [5] -
فأصبحت علجا من يزرك ومن يزر ... بناتك يعلم أنّهن ولائد [6]
/و أصبحن قلفا يغتزلن بأجرة ... حواليك لم تجرح بهن الحدائد [7]
نفرن من الموسى وأقررن بالتي ... يقرّ عليها المقرفات الكواسد [8]
/بإصطخر لم يلبسن من طول فاقة ... جديدا ولا تلقى لهن الوسائد [9]
__________
[1] النفاية بالضم: الرديء.
[2] في ط: «سبعوا»، وفي س، ش، ح بالشين المعجمة والياء المثناة، والأصوب ما أثبتناه.
[3] الزجل: الصوت. والهماهم: تردّد الزئير في الصدر.
[4] قرن الشمس: ناحيتها.
[5] في ط: «وصل القصيدة» وكتب في الهامش: «أي وتحدّثت المساجد وإنما يريد من يصلي فيها».
[6] الولائد: جمع وليدة: وهي الجارية.
[7] القلف: جمع أقلف: من لم يختتن. والقلفة بالضم ويحرك: جلدة الذكر، هذا في الأصل. وقد استعمله هنا للنساء. ولم تجرح بهن، أي لم تستعمل في ختانهن.
[8] المقرفات: الهجينات.
[9] إصطخر: بلدة بفارس من أعيان حصون فارس ومدنها.
وما أنت بالمنسوب في آل عامر ... ولا ولدتك المحصنات المواجد [1]
ولا ربّبتك الحنظليّة إذ غذت ... بنيها ولا جيبت عليك القلائد [2]
ولكن غذاك المشركون وزاحمت ... قفاك وخدّيك البظور العوارد [3]
ولم أر مثلي يا زياد بعرضه ... وعرضك يستبّان والسيف شاهد [4]
ولو أنّني غشّيتك السيف لم يقل ... إذا مت إلّا مات علج معاهد [5]
المغيرة وجوائز المهلب
ونسخت من كتاب عمرو بن أبي عمرو أيضا، قال: رجع المغيرة بن حبناء إلى أهله وقد ملأ كفّيه بجوائز المهلب وصلاته والفوائد منه، وكان أخوه صخر بن حبناء أصغر منه، فكان يأخذ على يده وينهاه عن الأمر ينكر مثله، ولا يزال يتعتّب عليه في الشيء ممّا ينكره عليه، فقال فيه صخر بن حبناء:
صخر والمغيرة يتلاحيان لما تعتب المغيرة عليه
رأيتك لما نلت مالا وعضّنا ... زمان نرى في حدّ أنيابه شغبا [6]
تجنّى عليّ الدّهر أنّي مذنب ... فأمسك ولا تجعل غناك لنا ذنبا
فقال المغيرة يجيبه:
لحا اللّه أنآنا عن الضّيف بالقرى ... وأقصرنا عن عرض والده ذبّا
وأجدرنا أن يدخل البيت باسته ... إذا القفّ دليّ من مخارمه ركبا [7]
أ أنبأك الأفّاك عنّي أنّني ... أحرّك عرضي إن لعبت به لعبا
أخت صخر تشكوه إلى المغيرة
ونسخت من كتاب عمرو بن أبي عمرو، قال: جاءت أخت المغيرة بن حبناء إليه تشكو أخاها صخرا، وتذكر أنّه أسرع في مالها وأتلفه، وإنّها منعته شيئا يسيرا بقي لها، فمدّ يده إليها وضربها، فقال له المغيرة معنّفا:
ألا من مبلغ صخر بن ليلى ... فإني قد أتاني من نثاكا [8]
رسالة ناصح لك مستجيب ... إذا لم ترع حرمته رعاكا
وصول لو يراك وأنت رهن ... تباع، بماله يوما فداكا
يرى خيرا إذا ما نلت خيرا ... ويشجي في الأمور بما شجاكا
__________
[1] المواجد جمع ماجدة: الشريفة.
[2] لاجببت بالبناء للمجهول: أي ما وضعت.
[3] العوارد: جمع عاردة، وهي الغليظة الشديدة المنتصبة.
[4] يستبان بتشديد الياء: يتشاتمان.
[5] العلج: الكبير من كفار العجم. والمعاهد: الذمي. وهو يقصد أنه لا يقتل إن قتله، لما ورد عن رسول اللّه قوله: «لا يقتل مؤمن بكافر ولا ذو عهد في عهده» أي لا يقتل ذو عهد أي ذو ذمة وأمان ما دام على عهده الّذي عوهد عليه.
[6] الشغب: تهييج الشر.
[7] القف: بالضم: ما غلظ من الأرض وارتفع. والمخارم: جمع مخرم، وهو الطريق في الجبل.
[8] نثاك: أخبارك. والنثا: ما أخبرت به عن الرجل من حسن أو سيء، وهنا يقصد الشر.
فإنّك لا ترى أسماء أختا ... ولا ترينّني أبدا أخاكا
فإن تعنف بها أو لا تصلها ... فإنّ لأمّها ولدا سواكا
يبرّ ويستجيب إذا دعته ... وإن عاصيته فيها عصاكا
وكنت أرى بها شرفا وفضلا ... على بعض الرّجال وفوق ذاكا
جزاني اللّه منك وقد جزاني ... ومنّي في معاتبنا [1] جزاكا
وأعقب أصدق الخصمين قولا ... وولّى اللؤم أولانا بذاكا
/ فلا واللّه لو لم تعص أمري ... لكنت بمعزل عمّا هناكا
قال: فأجابه أخوه صخر بن حبناء فقال:
أتاني عن مغيرة ذرو قول ... تعمّده فقلت له كذاكا [2]
يعمّ به بني ليلى جميعا ... فولّ هجاءهم رجلا سواكا
/ فإن تك قد قطعت الوصل منّي ... فهذا حين أخلفني مناكا
تمنّيني إذا ما غبت عني ... وتخلفني مناي إذا أراكا
وتوليني ملامة أهل بيتي ... ولا تعطي الأقارب غير ذاكا
فإن تك أختنا عتبت علينا ... فلا تصرم لظنّتها أخاكا
فإنّ لها إذا عتبت علينا ... رضاها صابرين لها بذاكا
وإن تك قد عتبت عليّ جهلا ... فلا واللّه لا أبغي رضاكا
فقد أعلنت قولك إذ أتاني ... فأعلن من مقالي ما أتاكا
سيغني عنك صخرا ربّ صخر ... كما أغناك عن صخر غناكا
ويغنيني الّذي أغناك عنّي ... ويكفيني الإله كما كفاكا
أ لم ترني أجود لكم بمالي ... وأرمي بالنّواقر من رماكا [3]
وأنّي لا أقود إليك حربا ... ولا أعصيك إن رجل عصاكا
ولكنّي وراءك شمّريّ ... أحامي - قد علمت - على حماكا [4]
وأدفع ألسن الأعداء عنكم ... ويعنيني [5] العدوّ إذا عناكا
وقد كانت قريبة ذات حق ... عليك فلم تطالعها بذاكا
رأيت الخير يقصر منك دوني ... وتبلغني القوارص من أذاكا
__________
[1] المعاتب: جمع معتبة ومعتب، الملامة. وفي ج «و مناني» بدل «و منى» وهو تحريف. وفي «المؤتلف والمختلف» 105: «و منى في مغاتبتي».
[2] كذا في ط و «المؤتلف والمختلف» ص 106. والذرو، بالفتح: الطرف من القول. وفي «اللسان» (ذرأ): «ذرء قول»، وهو بمعناه.
وفي سائر النسخ: «زور قول».
[3] النواقر: جمع ناقرة، وهي الداهية.
[4] الشمري: الماضي في الأمور المجرب، والحركات الثلاثة على الشين والميم لاختلاف اللهجات.
[5] يعنيني: يقصدني.
حبناء بن عمرو ينتقل إلى نجران وامرأته تلومه لما ضرب ابنه
ونسخت من كتاب عمرو بن أبي عمرو أيضا قال: كان حبناء بن عمرو وقد غضب على قومه في بعض الأمر، فانتقل إلى نجران، وحمل معه أهله وولده، فنظرت امرأته سلمى إلى غلام من أهل نجران يضرب ابنه المغيرة - وهو يومئذ/ غلام - فقالت لحبناء: قد كنت غنيا عن هذا الذّلّ، وكان مقامك بالعراق في قومك أو في حيّ قريب من قومك أعزّ لك! فقال حبناء في ذلك:
تقول سليمى الحنظلية لابنها ... غلام بنجران الغداة غريب
رأت غلمة ثاروا إليه بأرضهم ... كما هرّ كلب الدار [1] بين كليب [2]
فقالت لقد أجرى أبوك لما ترى ... وأنت عزيز بالعراق مهيب
وقال أيضا:
لعمرك ما تدري أشيء تريده ... يليك أم الشيء الّذي لا تحاوله
متى ما يشأ مستقبس الشرّ يلقه ... سريعا وتجمعه إليه أنامله [3]
زياد الأعجم يهجو أسرة المغيرة بأدوائهم
أخبرني عيسى بن الحسن الورّاق، قال حدّثنا محمّد بن القاسم بن مهرويه، قال: حدّثني أبو الشّبل النّضري، قال: كان المغيرة بن حبناء أبرص، وأخوه صخر أعور، وأخوه الآخر/ مجذوما، وكان بأبيهم حبن، فلقّب حبناء - واسمه جبير بن عمرو - فقال زياد الأعجم يهجوهم:
إنّ حبناء كان يدعى جبيرا ... فدعوه من لؤمه حبناء
ولد العور منه والبرص والجذ ... مى، وذو الداء ينتج الأدواء [4]
زياد يمسك عن الهجاء
فيقال: إنّ هذه الأبيات كانت آخر ما تهاجيا به؛ لأنّ المغيرة قال - وقد بلغه هذا الشعر - : ما ذنبنا فيما ذكره، هذه أدواء ابتلانا اللّه عزّ وجلّ بها، وإني لأرجو أن يجمع اللّه عليه هذه الأدواء كلّها! فبلغ ذلك زيادا من قوله، وإنّه لم يهجه بعقب هذه الأبيات، ولا أجابه بشيء، فأمسك عنه، وتكافأ.
جادة المغيرة في تفضيل الأخ على أخيه
أخبرني محمّد بن الحسن بن دريد، قال: حدّثنا عبد الرحمن بن أخي الأصمعي عن عمه، وأخبرني به الحسن بن علي عن ابن مهرويه عن أبيه عن الأصمعي، قال:
لم يقل أحد في تفضيل أخ على أخيه وهما لأب وأمّ، مثل قول المغيرة بن حبناء لأخيه صخر:
أبوك أبي وأنت أخي ولكن ... تفاضلت الطّبائع والظّروف
وأمّك حين تنسب أمّ صدق ... ولكنّ ابنها طبع سخيف [5]
__________
[1] كذا. وفي الشعر: «سليمى» فلعله صغره في الشعر.
[2] الكليب جمع كلب: جماعة الكلاب. وفي هذا البيت إقواء.
[3] المستقبس، يقال قبس يقبس منه نارا واقتبسها: أخذها. يشير إلى أن من يطلب الشر يجده.
[4] الجذمي جمع أجذم: المقطوع اليد، أو الذاهب الأنامل.
[5] الطبع بفتح الطاء وكسر الباء: دنيء الخلق اللئيمة الدنس، لا يستحي من سوأة وعيب. والسخيف: قليل العقل شاذ التصرف. وقد
قال: وكان عبد الملك بن مروان إذا نظر إلى أخيه معاوية - وكان ضعيفا - يتمثّل بهذين البيتين.
قول الحجاج في يزيد بن المهلب
أخبرني الحسن بن علي، قال: حدّثني أحمد بن محمّد بن جدّان، قال: حدّثني أحمد بن محمّد بن مخلد المهلبي، قال:
نظر الحجّاج إلى يزيد بن المهلّب يخطر في مشيته، فقال: لعن اللّه المغيرة بن حبناء حيث يقول:
جميل المحيّا بختريّ إذا مشى ... وفي الدّرع ضخم المنكبين شناق [1]
فالتفت إليه يزيد، فقال: إنه يقول فيها:
شديد القوى من أهل بيت إذا وهى ... من الدّين فتق حمّلوا فأطاقوا [2]
مراجيح في الّلأواء إن نزلت بهم ... ميامين قد قادوا الجيوش وساقوا [3]
مصرع ابن حبناء وكتابته اسمه على صدره
أخبرني محمّد بن مزيد، قال: حدّثنا حماد بن إسحاق عن أبيه، قال: حدّثني من حضر ابن حبناء لما قتل - وهو يجود بنفسه - فأخذ بيده من دمه - وكتب بيده على صدره: «أنا المغيرة بن حبناء». ثم مات.
صوت
بسطت رابعة الحبل لنا ... فوصلنا الحبل منها ما [4] اتسع
كيف ترجون سقاطي بعد ما ... جلّل الرأس بياض وصلع [5]
ربّ من أنضجت غيظا صدره ... قد تمنّى لي موتا لم يطع [6]
ويراني كالشّجا في حلقه ... عسرا مخرجه ما ينتزع [7]
ويحيّيني إذا لاقيته ... وإذا أمكن من لحمي رتع [8]
وأبيت اللّيل ما أهجعه ... وبعينيّ إذا النّجم طلع [9]
__________
- ورد في معنى هذا البيت وسابقه قول الشاعر:
أبوك أبي والجد لا شك واحد ... ولكننا عودان آس وخروع
[1] البخترى، حسن المشي. والشناق، بالكسر: الطويل.
[2] الفتق: الشق والخرق. أطاقوا، يقال طاقه طوقا وإطاقة، وأطاق عليه إطاقة، والاسم: الطاقة. وهو في طوقي أي في وسعي.
[3] مراجيح: ذوو أحلام وبصر بالأمور.
[4] اتسع: امتد. ويروى: «فبسطنا الحبل» وروى: «بسطت رابعة الوصل لنا».
[5] سقاطي: يقال للرجل: «أنه لذو سقطات»، أي لا يزال يفتر فترة بعد فترة، وهي الانكسار والضعف.
[6] روى: «ربما أنضجت غيظا قلب من».
[7] الشجا: الغصص ونحوه مما يعترض في الحلق.
[8] روى: «و إذا يخلو له» راجع «المفضليات». رتع: أكل. وقد أرتع الرجل إذا ترك إبله ترعى.
[9] روي: «فأبيت الليل ما أرقده»، ويروى: «و يعنيني»، أي يتعبني. يصف أنه ساهر لا ينام، فهو يراعي النجوم، أي يمكث الليل ساهرا.
الحبل ها هنا: الوصل؛ والحبل أيضا: السبب يتعلّق به الرجل من صاحبه، يقال: علقت من فلان بحبل؛ والحبل:
العهد، والميثاق، والعقد يكون بين القوم؛ وهذه المعاني كلّها/ تتعاقب ويقوم بعضها مقام بعض. والشّجا: كلّ ما اغتصّ به من لقمة أو عظم أو غيرهما.
الشعر لسويد بن أبي كاهل اليشكريّ، والغناء لعلّويه، ثاني ثقيل بالبنصر، عن عمرو بن بانة في الأول والثاني من الأبيات، وليونس الكاتب في الثالث والرابع والثاني ما خوري بالوسطى، عن علي بن يحيى، والهشامي.
ولمالك فيها ثقيل بالبنصر، عن الهشامي أيضا، ولابن سريج فيها خفيف ثقيل، عن علي بن يحيى.
8 - أخبار سويد بن أبي كاهل ونسبه
سويد بن أبي كاهل بن حارثة بن حسل بن مالك بن عبد سعد بن جشم بن ذبيان بن كنانة بن يشكر. وذكر خالد بن كلثوم أنّ اسم أبي كاهل شبيب، ويكنى سويد أبا سعد.
أنشدني وكيع عن حماد، عن أبيه، لسويد بن أبي كاهل شاهدا بذلك:
أنا أبو سعد إذا اللّيل دجا ... دخلت في سرباله ثمّ النّجا [1]
طبقة سويد
وجعله محمّد بن سلام في الطبقة السادسة، وقرنه بعنترة العبسيّ وطبقته.
وسويد شاعر متقدّم من مخضرمي الجاهلية والإسلام، كذلك ذكر ابن حبيب. وكان أبوه أبو كاهل شاعرا، وهو الّذي يقول:
كأنّ رحلي على صقعاء حادرة ... طيّا قد ابتلّ من طلّ خوافيها [2]
قول الأصمعي في عينية سويد
أخبرني محمّد بن العباس اليزيدي، قال: حدّثنا محمّد بن إسحاق البغويّ، قال: حدّثنا أبو نصر صاحب الأصمعيّ أنّه قرأ شعر سويد بن أبي كاهل على الأصمعي، فلما قرأ قصيدته:
بسطت رابعة الحبل لنا ... فوصلنا الحبل منها ما اتّسع
فضّلها الأصمعي، وقال: كانت العرب تفضّلها وتقدّمها وتعدّها من حكمها. ثم قال الأصمعي: حدّثني عيسى بن عمر أنّها كانت في الجاهليّة تسمّى: «اليتيمة» [3].
بين سويد وزياد الأعجم
أخبرني محمّد بن خلف وكيع، قال: حدّثني محمّد بن الهيثم بن عديّ، قال: حدّثنا عبد اللّه بن عباس، قال:
قال زياد الأعجم يهجو بني يشكر:
إذا يشكريّ مسّ ثوبك ثوبه ... فلا تذكرنّ اللّه حتّى تطهّرا
فلو أنّ من لؤم تموت قبيلة ... إذا لأمات اللؤم لا شكّ يشكرا
__________
[1] روى: «تخال في سواده أرندجا».
[2] الصقعاء: ما لها بياض في وسط رأسها من الخيل والطير وغيرها. والحادرة من الحدرة بالتسكين: الحط من علو إلى أسفل كالحدور، والإسراع كالتحدير. الطيا: مؤنثة الطيان، وهو الجائع. والطوى: الجوع.
[3] هي آخر قصيدة في الجزء الأوّل من «المفضليات» طبع المعارف.
قال: فأتت بنو يشكر سويد بن أبي كاهل ليهجو زيادا، فأبى عليهم، فقال زياد:
وأنبئتهم يستصرخون ابن كاهل ... وللؤم فيهم كاهل وسنام [1]
فإن يأتنا يرجع سويد ووجهه ... عليه الخزايا غبرة وقتام [2]
دعيّ إلى ذبيان طورا، وتارة ... إلى يشكر ما في الجميع كرام
فقال لهم سويد: هذا ما طلبتم لي! وكان سويد مغلّبا [3]. وأما قوله:
دعيّ إلى ذبيان طورا وتارة ... إلى يشكر ...
خبر أم سويد وسبب تسميته
فإنّ أم سويد بن أبي كاهل كانت امرأة من بني غبر، وكانت قبل أبي كاهل عند رجل من بني ذبيان بن قيس بن عيلان، فمات عنها، فتزوّجها أبو كاهل، وكانت فيما يقال حاملا، فاستلاط أبو كاهل ابنها لمّا ولدته [4]، وسمّاه سويدا،/ واستلحقه [5]، فكان إذا غضب على بني يشكر ادّعى إلى بني ذبيان، وإذا رضي عنهم أقام على نسبه فيهم.
/ وذكر علّان الشّعوبي، أنّه ولد في بني ذبيان، وتزوّجت أمّه أبا كاهل - وهو غلام يفعة [6] - فاستلحقه أبو كاهل وادّعاه، فلحق به.
انتماء سويد إلى قيس
ولسويد بن أبي كاهل قصيدة ينتمي فيها إلى قيس، ويفتخر بذلك، وهي الّتي أوّلها:
أبى قلبه إلّا عميرة إن دنت ... وإن حضرت دار العدا فهو حاضر
شموس حصان السّرّ ريّا كأنها ... مربّبة مما تضمّن حائر [7]
ويقول فيها أيضا:
أنا الغطفاني زين ذبيان فابعدوا ... فللزّنج أدنى منكم ويحابر [8]
أبت لي عبس أن أسام دنيّة ... وسعد وذبيان الهجان وعامر [9]
وحيّ كرام سادة من هوازن ... لهم في الملمّات الأنوف الفواخر [10]
__________
[1] الكاهل: مقدم أعلى الظهر مما يلي العنق، وهو الثلث الأعلى وفيه ست فقر، أو ما بين الكتفين أو موصل العنق في الصلب.
[2] القتام: الغبار.
[3] المغلب: المغلوب مرارا، والمحكوم له بالغلبة، ضد.
[4] استلاطه: ادعاه ولدا وليس منه.
[5] استلحقه: ادعاه إليه.
[6] اليفع: المناهز البلوغ، من يفع: ترعرع وناهز البلوغ. ويقال رجل يفع ويفعة ورجلان ورجال يفعة.
[7] الشموس هنا: النافرة الّتي لا تخضع، ويقال شمس الفرس: منع ظهره. وحصان السر: أي هي عفيفة في السر، بله العلانية.
والمرببة: عنى بها الدرة الّتي يرببها الصدف في قعر الماء. وحائر البحر: مجتمع مائه. ومثله في قول حسان:
من درة بيضاء صافية ... مما تربب حائر البحر
ولأنت أحسن إذ برزت لنا ... يوم الخروج بساحة القصر
[8] يحابر كيقاتل، وهو يحابر بن مالك بن أدد أبو مراد، ثم سميت القبيلة يحابر.
[9] الهجان: الكريم الحسب النقية.
[10] الأنوف والفواخر: كناية عن ارتفاعها شمما وإباء للضيم.
سويد يهجو بني شيبان لأخذ ماله وينتقل عنهم
أخبرنا محمّد بن العباس اليزيديّ، قال: حدّثنا أحمد بن معتّب الأودي عن الحرمازي [1]، أنّ سويد بن أبي كاهل جاور في بني شيبان، فأساءوا جواره، وأخذوا/ شيئا من ماله غصبا، فانتقل عنهم وهجاهم فأكثر، وكان الّذي ظلمه وأخذ ماله أحد بني محلّم، فقال يهجوهم وإخوتهم بني أبي ربيعة:
حشر الإله مع القرود محلّما ... وأبا ربيعة ألأم الأقوام
فلأهدينّ مع الرّياح قصيدة ... منّي مغلغلة [2] إلى همّام
الظاعنين على العمى قدّامهم ... والنازلين بشرّ دار مقام [3]
والواردين إذا المياه تقسّمت ... نزح الرّكيّ وعاتم الأسدام [4]
وقال يهجو بني شيبان:
لعمري لبئس الحيّ شيبان إن علا ... عنيزة يوم ذو أهابيّ أغبر [5]
فلما التقوا بالمشرفية ذبذبت ... مولّية أستاه [6] شيبان تقطر
يعني يوم عنيزة، وكان لبني تغلب على بني شيبان، وفيه يقول مهلهل:
كأنّا غدوة وبني أبينا ... بجنب عنيزة رحيا مدير [7]
وقال أيضا:
فأدّوا إلى بهراء فيكم بناته ... وأبناءه إنّ القضاعيّ أحمر
يعير بني شيبان لأن بهراء ردت نساءهم حبالى بعد الأسر
كانت بهراء أغارت على بني شيبان، فأخذوا منهم نساء، واستاقوا نعما [8]، ثمّ إنهم اشتروا منهم النّساء وردّوهنّ [9]، فعيرهم سويد بأنهم رددن حبالى، فقال:
/ظللن ينازعن العضاريط أزرها ... وشيبان وسط القطقطانة حضّر [10]
فمنا يزيد إذ تحدّى جموعكم ... فلم تفرحوه [11]، المرزبان المسوّر
- يزيد: رجل من يشكر، برز يوم ذي قار إلى أسوار، وحمل على بني شيبان، فانكشفوا من بين يديه -
__________
[1] الحرمازي من الحرمزة، وهي الذكاء. وبنو الحرمازحي.
[2] المغلغلة: المحمولة السائرة من بلد إلى بلد.
[3] الظاعنون: المسافرون.
[4] نزح: جمع نزوح، وهي البئر الّتي نفد ماؤها. الركى جمع ركية: البئر. والعاتم: المحتبس البطيء. والأسدام جمع سدم، وهو الماء المندفن.
[5] ذو أهابيّ: ذو تراب مثار.
[6] الأستاء: جمع است وسته بفتح وسكون ويحرك، وهي العجز أو حلقة الدبر.
[7] الغدوة بالضم: البكرة، أو ما بين صلاة الفجر وطلوع الشمس كالغداة والغدية.
[8] النعم: الإبل والشاء، أو هو خاص بالإبل.
[9] في ط: «ردوهم».
[10] العضاريط: الأتباع والأجراء. والقطقطانة: موضع كان سجن النعمان بن المنذر.
[11] أفرحوه: غلبوه. والمرزبان: الفارس الشجاع المقدم على القوم، ويقال للأسد أيضا مرزبان. والمسور: المرتفع.
فاعترضه اليشكريّ دونهم، فقتله، وعادت شيبان إلى موقفها، ففخر بذلك عليهم، فقال:
وأحجمتم حتّى علاه بصارم ... حسام إذا مسّ الضّريبة يبتر [1] /
ومنّا الّذي أوصى بثلث تراثه ... على كلّ ذي باع يقلّ ويكثر
ليالي قلتم يا ابن حلّزة ارتحل ... فزابن لنا الأعداء واسمع وأبصر [2]
فأدّى إليكم رهنكم وسط وائل ... حباه بها ذو الباع عمرو بن منذر
يعني الحارث بن حلّزة، لما خطبه دون بكر بن وائل حتى ارتجع رهائنهم. وقد ذكر خبره في ذلك في موضعه.
بنو شيبان تستعدي عامر بن مسعود على سويد وقيس تتعصب له
قال: فاستعدت بنو شيبان عليه عامر بن مسعود الجمحي، وكان والي الكوفة، فدعا به، فتوعّده، وأمره بالكفّ عنهم بعد أن كان قد أمر بحبسه، فتعصّبت له قيس، وقامت بأمره حتى تخلّصته، فقال في ذلك:
يكفّ لساني عامر وكأنّما ... يكف لسانا فيه صاب وعلقم [3]
/أتترك أولاد البغايا وغيبتي ... وتحبسني عنهم ولا أتكلّم
أ لم تعلموا أنّي سويد وأنّني ... إذا لم أجد مستأخرا أتقدّم
حسبتم هجائي إذ بطنتم غنيمة ... عليّ دماء البدن إن لم تندّموا [4]
سويد وابن الغبري يتهاجيان ثم يهربان لما طلبهما عبد اللّه بن عامر وعامل الصدقة يحبسهما وبنو حمال يفكون ابن الغبري
قال الحرمازي في خبره هذا: وهاجى سويد بن أبي كاهل حاضر بن سلمة الغبري، فطلبهما عبد اللّه بن عامر بن كريز، فهربا من البصرة، ثم هاجى الأعرج أخا بني حمّال بن يشكر، فأخذهما صاحب الصدقة، وذلك في أيّام ولاية عامر بن مسعود الجمحي الكوفة، فحبسهما، وأمر أن لا يخرجا من السّجن حتّى يؤديا مائة من الإبل، فخاف بنو حمّال على صاحبهم ففكّوه، وبقي سويد، فخذله بنو عبد سعد، وهم قومه، فسأل بني غبر، وكان قد هجاهم لما ناقض شاعرهم، فقال:
ويخذل سويدا قومه
من سرّه النّيك بغير مال ... فالغبريّات على طحال [5]
شواغر يلمعن للقفّال [6]
__________
[1] الضريبة: المضروب بالسيف.
[2] زابن: دافع.
[3] الصاب: جمع صابة: شجر مر. والعلقم: الحنظل، وكل شيء مر.
[4] بطنتم، يقال بطن بالكسر: عظم بطنه من الشبع. ورجل مبطان: كثير الأكل ورجل بطن: لا هم له إلا بطنه. وبطن الرجل بالبناء للمفعول: اشتكى بطنه.
[5] طحال، بالكسر: موضع.
[6] الشواغر: المرفوعة أرجلها للنكاح. والإلماع: الإشارة. والقفال: الراجعون من السفر.
عبس وذبيان تستوهبه لمديحه لهم وإطلاقه بغير فداء
فلما سأل بني غبر، قالوا له: يا سويد «ضيعت البكار بطحال» فأرسلوها مثلا. أي إنك عممت جماعتنا بالهجاء في هذه الأرجوزة، فضاع منك ما قدّرت أنّا نفديك به من الإبل. فلم يزل محبوسا حتى استوهبته عبس وذبيان لمديحه لهم، وانتمائه إليهم، فأطلقوه بغير فداء.
صوت
أخضني المقام الغمر إن كان غرّني ... سنا خلّب أو زلّت القدمان [1]
أتتركني جدب المعيشة مقفرا ... وكفّاك من ماء النّدى تكفان [2]
الشعر للعتّابي، والغناء لمخارق، ثاني ثقيل بالوسطى، وقيل: إن فيه للواثق ثاني ثقيل آخر.
__________
[1] الغمر: الغزير. والخلب: البرق الّذي لا يعقبه مطر؛ وهو المطمع.
[2] تكفان: تقطران ماء غزيرا.
9 - أخبار العتابي ونسبه
هو كلثوم بن عمرو بن أيوب بن عبيد بن حبيش بن أوس بن مسعود بن عمرو بن كلثوم الشاعر، وهو ابن مالك عتاب بن سعد بن زهير بن جشم بن بكر بن حبيب بن عمرو بن غنم بن تغلب. شاعر مترسّل بليغ مطبوع، متصرّف في فنون الشّعر ومقدّم. من شعراء الدولة العباسية، ومنصور النّمريّ تلميذه وراويته، وكان منقطعا إلى البرامكة، فوصفوه للرّشيد، ووصلوه به، فبلغ عنده كلّ مبلغ، وعظمت فوائده منه، ثم فسدت الحال بينه وبين منصور وتباعدت. وأخبار ذلك تذكر في مواضعها.
وأخبرني الحسن بن علي، قال: حدّثني القاسم بن مهرويه، قال: حدّثني جعفر بن المفضّل، عن رجل من ولد إبراهيم الحرّاني [1]، قال: كثر الشّعراء بباب المأمون، فأوذن بهم، فقال لعليّ بن صالح صاحب المصلّى:
أعرضهم، فمن كان منهم مجيدا فأوصله إليّ، ومن كان غير مجيد فاصرفه. وصادف ذلك شغلا من عليّ بن صالح كان يريد أن يتشاغل به عن أمر نفسه، فقام مغضبا، وقال: واللّه لأعمّنّهم بالحرمان، ثم جلس لهم، ودعا بهم فجعلوا يتغالبون [2] على القرب منه، فقال لهم: على رسلكم فإنّ المدى أقرب من ذلك، هل فيكم من يحسن أن يقول كما قال أخوكم العتابيّ:
ماذا عسى مادح يثني عليك وقد ... ناداك في الوحي تقديس وتطهير
فتّ الممادح إلّا أنّ ألسننا ... مستنطقات بما تحوى الضّمائير
/ قالوا: لا واللّه ما بنا أحد يحسن أن يقول مثل هذا، قال: فانصرفوا جميعا.
قيل في شعر العتابيّ تكلف ونفاه آخرون
/ أخبرني الحسن، قال: حدّثنا ابن مهرويه، قال: حدّثني أبو بكر أحمد بن سهل، قال: تذاكرنا شعر العتّابيّ، فقال بعضنا: فيه تكلّف، ونصره بعضنا، فقال شيخ حاضر: ويحكم أيقال إن في شعره تكلفا؟ وهو القائل:
رسل الضّمير إليك تترى ... بالشّوق ظالعة وحسرى [3]
متزجّيات ما يني ... ن على الوجى من بعد مسرى [4]
ما جفّ للعينين بع ... دك يا قرير العين مجرى
فاسلم سلمت مبرّأ ... من صبوتي أبدا معرّى [5]
__________
[1] حران: مدينة عظيمة مشهورة بينها وبين الرها يوم، وبين الرقة يومان، على طريق الموصل والشام. وقيل إنها أول مدينة بنيت على الأرض بعد الطوفان. وحراني: منسوب إليها، ويقال حراني على غير قياس.
[2] يتغالبون: يتدافعون ويتسابقون.
[3] ظالعة: ظلع السائر: غمز في مشيته وظهر عرجه. الحسرى: المتعبة المعياة، من حسر كضرب وخرج: تعب وأعيا.
[4] المتزجيات: المنساقة. ما ينين: ما يبطئن ولا يفترن. والوجى: الحفا.
[5] الصبوة: جهلة الفتوة.
إن الصّبابة لم تدع ... منّي سوى عظم مبرّى [1]
ومدامع عبرى على ... كبد عليك الدّهر حرّى [2]
- في هذين البيتين غناء - أو يقال: إنه متكلّف؟ وهو الّذي يقول:
فلو كان للشكر شخص يبين ... إذا ما تأمّله النّاظر
لمثّلته لك حتّى تراه ... لتعلم أنّي امرؤ شاكر
رذاذ يضع لحنا
الغناء في هذين البيتين لأبي العبيس، ثقيل أوّل، ولرذاذ خفيف ثقيل. فحدّثني أبو يعقوب إسحاق بن يعقوب النوبجيّ عن أبي الحسن عليّ بن العباس وغيره من أهله قالوا: لما صنع رذاذ لحنه في هذا الشعر:
فلو كان للشّكر شخص يبين
أبو العبيس يسقط لحن رذاذ
فتن به الناس، وكان هجّيراهم زمانا [3]، حتى صنع أبو العبيس فيه الثّقيل الأول، فأسقط لحن رذاذ وغلب عليه.
أخبرني إبراهيم بن أيوب، عن عبد اللّه بن مسلم، وأخبرني علي بن سليمان الأخفش، عن محمّد بن يزيد، قالوا جميعا:
المأمون يكتب في إشخاص العتابيّ
كتب المأمون في إشخاص كلثوم بن عمرو العتابي، فلما دخل عليه قال له: يا كلثوم، بلغتني وفاتك فساءتني، ثم بلغتني وفادتك فسرّتني. فقال له العتابي: يا أمير المؤمنين، لو قسمت هاتان الكلمتان على أهل الأرض لوسعتاها فضلا وإنعاما، وقد خصصتني منهما بما لا يتّسع له أمنية، ولا يبسط لسواه أمل، لأنه لا دين إلّا بك، ولا دنيا إلا معك. فقال له: سلني. فقال: يدك بالعطاء أطلق من لساني بالسّؤال. فوصله صلات سنية، وبلغ به من التقديم والإكرام أعلى محلّ.
وذكر أحمد بن أبي طاهر عن عبد اللّه بن أبي سعد الكراني، أنّ عبد اللّه بن سعيد بن زرارة، حدّثه عن محمّد بن إبراهيم اليساري، قال:
المأمون يداعب العتابي
لما قدم العتّابي مدينة السلام على المأمون، أذن له، فدخل عليه وعنده إسحاق بن إبراهيم الموصلي، وكان العتّابي شيخا جليلا نبيلا، فسلّم فردّ عليه وأدناه، وقرّبه حتّى قرب منه، فقبّل يده: ثم أمره بالجلوس فجلس، وأقبل عليه يسائله عن حاله، وهو يجيبه بلسان ذلق طلق، فاستظرف المأمون ذلك، وأقبل عليه بالمداعبة والمزاح، فظنّ الشّيخ أنّه استخفّ به، فقال: يا أمير المؤمنين: الإيناس قبل الإبساس [4].
__________
[1] المبرى: المهزول المنحوت.
[2] الحرّى: المحترقة.
[3] هجيراهم بكسر الأوّل والثاني مع تشديده: دأبهم وشأنهم.
[4] الإبساس: أن يمسح ضرع الناقة يسكنها لتدر. والمراد الاطمئنان قبل المداعبة.
إسحاق بن إبراهيم يعارض العتابي
فاشتبه على المأمون قوله، فنظر إلى إسحاق مستفهما، فأومأ إليه، وغمزه على معناه [1] حتّى/ فهم، فقال:
يا غلام، ألف دينار! فأتي بذاك، فوضعه بين يدي العتّابي، وأخذوا في الحديث، وغمز المأمون إسحاق بن إبراهيم عليه، فجعل العتابي/ لا يأخذ في شيء إلّا عارضه فيه إسحاق، فبقي العتّابيّ متعجّبا، ثم قال: يا أمير المؤمنين، أتأذن لي في سؤال هذا الشيخ عن اسمه؟ قال: نعم، سل. فقال لإسحاق: يا شيخ من أنت؟ وما اسمك؟ قال: أنا من الناس، واسمي كل بصل. فتبسم العتابي وقال: أمّا أنت فمعروف، وأما الاسم فمنكر. فقال إسحاق: ما أقل إنصافك، أتنكر أن يكون اسمي كل بصل؟ واسمك كل ثوم، وكل ثوم من الأسماء، أو ليس البصل أطيب من الثّوم؟
فقال له العتّابي: للّه درّك، ما أحجّك [2]، أتأذن لي يا أمير المؤمنين في أن أصله بما وصلتني به؟ فقال له المأمون:
بل ذلك موفّر عليك ونأمر له بمثله.
مصادقة العتابي لإسحاق
فقال له إسحاق: أمّا إذا أقررت بهذا، فتوهّمني تجدني، فقال: ما أظنّك إلا إسحاق الموصليّ، الّذي تناهى إلينا خبره، قال: أنا حيث ظننت. وأقبل عليه بالتحيّة والسلام، فقال المأمون، وقد طال الحديث بينهما: أمّا إذ قد اتّفقتما على المودّة، فانصرفا متنادمين. فانصرف العتّابي إلى منزل إسحاق فأقام عنده.
إعجاب عبد اللّه بن طاهر بشعر العتابي
وذكر أحمد بن طاهر أيضا أنّ مسعود بن عيسى العبديّ، حدّثه عن موسى بن عبد اللّه التميمي، قال: وفد إلى عبد اللّه بن طاهر جمع من الشّعراء، فعلم أنّهم على بابه، فقال لخادم له أديب: أخرج إلى القوم، وقل لهم: من كان منكم يقول كما قال العتّابيّ للرّشيد:
مستنبط عزمات القلب من فكر ... ما بينهن وبين اللّه معمور [3]
فليدخل، وليعلم أنّي إن وجدته مقصّرا عن ذلك حرمته، فمن وثق من نفسه أنه يقول مثل هذا فليقم. قال:
فدخلوا جميعا إلّا أربعة نفر.
جوائز الرشيد وسرور العتابي بما خلع عليه
أخبرني الحسن بن علي قال، حدّثنا محمّد بن القاسم بن مهرويه، قال: حدّثنا عبد اللّه بن سعد عن إبراهيم بن الحدين، قال: وجد [4] الرّشيد على العتّابي، فدخل سرّا مع المتظلّمين بغير إذن، فمثل بين يدي الرشيد، وقال له:
يا أمير المؤمنين، قد آذتني الناس لك ولنفسي فيك، وردّني ابتلاؤهم إلى شكرك، وما مع تذكّرك قناعة بغيرك، ولنعم الصّائن لنفسي كنت، لو أعانني عليك الصبر. وفي ذلك أقول:
أخضني المقام الغمر إن كان غرّني ... سنا خلّب أو زلّت القدمان [5]
أ تتركني جدب المعيشة مقترا ... وكفّاك من ماء الندي تكفان
وتجعلني سهم المطامع بعد ما ... بللت يميني بالنّدى ولساني
قال: فأعجب الرّشيد قوله، وخرج عليه الخلع، وقد أمر له بجائزة، فما رأيت العتّابي قطّ أبسط منه يومئذ.
__________
[1] غمزه على معناه: أشار.
[2] ما أحجك: ما أكبر حجتك.
[3] المستنبط: المستخرج.
[4] وجد: غضب.
[5] الغمر: الماء الكثير. سنا حلب: ضوء البرق الّذي لا يعقبه مطر.
بشار يحقد على إجادة العتابي
أخبرني الحسن بن علي، قال: حدّثني ابن مهرويه، قال: حدّثنا أحمد بن خلاد، قال: حدّثني أبي، قال: جاء العتّابي وهو حدث إلى بشّار، فأنشده:
أيصدف عن أمامة أم يقيم ... وعهدك بالصّبا عهد قديم
أقول لمستعار القلب عفّى ... على عزماته السّير العديم [1]
أما يكفيك أنّ دموع عيني ... شآبيب يفيض بها الهموم [2]
أشيم فلا أردّ الطرف إلّا ... على أرجائه ماء سجوم [3]
قال: فمدّ بشّار يده إليه: ثم قال له: أنت بصير؟ قال: نعم. قال: عجبا لبصير ابن زانية، أن يقول هذا/ الشّعر. فخجل العتابي وقام عنه.
العتابي ويحيى بن خالد
/ أخبرني محمّد بن يونس الأنباري الكاتب، قال: حدّثني الحسن بن يحيى أبو الحمار عن إسحاق، قال:
كلّم العتّابيّ يحيى بن خالد في حاجة بكلمات قليلة، فقال له يحيى: لقد ندر كلامك اليوم وقلّ. فقال له:
وكيف لا يقلّ وقد تكنّفني ذلّ المسألة، وحيرة الطّلب، وخوف الردّ؟! فقال: واللّه لئن قلّ كلامك لقد كثرت فوائده.
وقضى حاجته.
سخرية العتابي من الناس
وأخبرني الحسن بن علي، قال: حدّثنا ابن مهرويه، قال: حدّثنا عثمان الورّاق، قال:
رأيت العتّابي يأكل خبزا على الطّريق بباب الشام، فقالت له: ويحك، أما تستحي؟ فقال لي: أرأيت لو كنّا في دار فيها بقر، كنت تستحي وتحتشم أن تأكل وهي تراك؟ فقال: لا. قال: فاصبر حتى أعلمك أنّهم بقر. فقام فوعظ وقصّ ودعا، حتّى كثر الزّحام عليه، ثم قال لهم: روى لنا غير واحد، أنّه من بلغ لسانه أرنبة أنفه لم يدخل النّار.
فما بقي واحد إلّا وأخرج لسانه يومىء به نحو أرنبة أنفه، ويقدّره حتّى يبلغها أم لا. فلما تفرقوا، قال لي العتّابي:
أ لم أخبرك أنهم بقر؟
إعجاب يحيى البرمكي بالعتابي
أخبرني الحسن حدّثنا ابن مهرويه، قال: حدّثني أبو عصام محمّد بن العباس، قال: قال يحيى بن خالد البرمكي لولده: إن قدرتم أن تكتبوا أنفاس كلثوم بن عمرو العتابي، فضلا عن رسائله وشعره، فلن تروا أبدا مثله.
كتاب للعتابي
أخبرني أبي، قال: أخبرنا الحارث بن محمّد عن المدائني، وأخبرني الحسن بن علي، قال: حدّثنا الخرّاز عن ابن الأعرابي، قال:
__________
[1] عفي: طمس.
[2] الشآبيب: المياه المنصبة، جمع شؤبوب.
[3] أشيم: أنظر، وأصله أن يشيم البرق ينظر أين يقصد وأين يمطر. السجوم: الكثير.
/ أنكر العتابي على صديق له شيئا، فكتب إليه: «إما إن تقرّ بذنبك فيكون إقرارك حجّة علينا في العفو عنك، وإلّا فطب نفسا بالانتصاف منك، فإنّ الشاعر يقول:
أقرر بذنبك ثمّ اطلب تجاوزنا ... عنه فإن جحود الذّنب ذنبان»
يحيى بن أكثم يستأذن المأمون للعتابي
أخبرنا الحسن بن علي، أخبرنا ابن مهرويه، قال: حدّثني عبد الواحد بن محمّد، قال:
وقف العتّابيّ بباب المأمون يلتمس الوصول إليه، فصادف يحيى بن أكثم جالسا ينتظر الإذن، فقال له: إن رأيت - أعزك اللّه - أن تذكر أمري لأمير المؤمنين إذا دخلت فافعل. قال له: لست - أعزّك اللّه - بحاجبه. قال: فإن لم تكن حاجبا فقد يفعل مثلك ما سألت، واعلم أنّ اللّه - عزّ وجلّ - جعل في كل شيء زكاة، وجعل زكاة المال رفد [1] المستعين، وزكاة الجاه إغاثة الملهوف. واعلم أنّ اللّه - عزّ وجلّ - مقبل عليك بالزيادة إنّ شكرت، أو التغيير إن كفرت، وإنّي لك اليوم [2] أصلح منك لنفسك، لأنّي أدعوك إلى ازدياد نعمتك، وأنت تأبى. فقال له يحيى:
أفعل وكرامة. وخرج الإذن ليحيى، فلما دخل، لم يبدأ بشيء بعد السلام إلّا أن استأذن [3] المأمون للعتابي، فأذن له.
كلمتان للعتابي
أخبرني الحسن، قال: حدّثنا ابن مهرويه، قال: حدّثني أبو الشّبل، قال:
قال العتابي لرجل اعتذر إليه: إنّي إن لم أقبل عذرك لكنت ألأم منك، وقد قبلت عذرك، فدم على لوم نفسك في جنايتك، نزد في قبول عذرك، والتّجافي عن هفوتك.
/ قال: وقيل له لو تزوّجت! فقال: إنّي وجدت مكابدة العفّة أيسر عليّ من الاحتيال لمصلحة العيال.
تقدير المأمون للعتابي وإكرامه لما أسنّ
أخبرني الحسن، قال: حدّثنا ابن مهرويه، قال: قال جعفر بن المفضل؛ قال لي أبي:
رأيت العتّابيّ جالسا بين يدي المأمون وقد أسنّ، فلما أراد القيام قام المأمون فأخذ بيده، واعتمد الشّيخ على المأمون،/ فما زال ينهضه رويدا رويدا حتّى أقلّه فنهض، فعجبت [4] من ذلك، وقلت لبعض الخدم: ما أسوأ أدب هذا الشيخ، فمن هو؟ قال: العتابي.
دعبل وابن مهرويه يحسدانه ويحقدان عليه
أخبرني الحسن، قال: حدّثنا ابن مهرويه، قال: حدّثني محمّد بن الأشعث، قال: قال دعبل: ما حسدت أحدا قطّ على شعر كما حسدت العتّابي على قوله:
هيبة الإخوان قاطعة ... لأخي الحاجات عن طلبه
فإذا ما هبت ذا أمل ... مات ما أمّلت من سببه [5]
__________
[1] رفد: إعطاء وصلة.
[2] في ح: «لك منذ اليوم».
[3] في ح «أذن» وهو تحريف.
[4] في الأصل: «فعجب»، والسياق يقتضي «فعجبت».
[5] السبب: الوسيلة، والمودة.
قال ابن مهروية: هذا سرقه العتّابي من قول عليّ بن أبي طالب، رضي اللّه عنه: «الهيبة مقرونة بالخيبة، والحياء مقرون بالحرمان، والفرصة تمرّ مرّ السحاب».
حدّثني محمّد بن داود، عن أبي الأزهر، عن عيسى بن الحسن بن داود الجعفري عن أخيه عن علي بن أبي طالب، رضي اللّه عنه، بذلك.
عبد اللّه بن طاهر يجيزه ثلاث مرات وينعم عليه بخلعة سنية بعد إنشاده
أخبرني الحسن، قال: حدّثنا ابن مهرويه عن أبي الشّبل. قال:
دخل العتّابي على عبد اللّه بن طاهر، فمثل بين يديه، وأنشده:
حسن ظني وحسن ما عوّد الل ... ه سواي [1] منك الغداة أتى بي
/ أيّ شيء يكون أحسن من حس ... ن يقين [2] حدا إليك ركابي
قال: فأمر له بجائزة، ثم دخل عليه من الغد، فأنشده:
ودكّ يكفينيك في حاجتي ... ورؤيتي كافية عن سؤال
وكيف أخشى الفقر ما عشت لي ... وإنّما [3] كفّاك لي بيت مال
فأمر له بجائزة، ثم دخل في اليوم الثالث، فأنشده:
بهجات الثّياب يخلقها [4] الدّه ... ر وثوب الثّناء غضّ جديد
فاكسني ما يبيد أصلحك الل ... ه فاللّه يكسوك ما لا يبيد
فأمر له بجائزة، وأنعم عليه بخلعة سنيّة.
العتابي وطوق ابن مالك
أخبرني الحسن بن علي، قال: حدّثنا ابن مهرويه، قال: حدّثني عبد اللّه بن أحمد، قال: حدثني أبو دعامة، قال:
قال طوق بن مالك للعتابي: أما ترى عشيرتك؟ - يعني بني تغلب - كيف تدلّ علي، وتتمرغ وتستطيل، وأنا أصبر عليهم؟! فقال العتابي: أيّها الأمير، إنّ عشيرك من أحسن عشرتك [5]، وإنّ عمّك خيره، وإنّ قريبك من قرب منك نفعه، وإنّ أخفّ الناس عندك [6] أخفّهم ثقلا عليك، وأنا الّذي أقول:
إنّي بلوت النّاس في حالاتهم ... وخبرت ما وصلوا من الأسباب
فإذا القرابة لا تقرّب قاطعا ... وإذا المودّة أقرب من الأنساب
شكوى النمري للعتابي إلى طاهر بن الحسين وإصلاحه ما بينهما
أخبرني إسماعيل بن يونس الشيعي، قال حدّثنا الرياشي، قال:
__________
[1] في ح، س: «سوائي».
[2] في ح: «ظن».
[3] هذا ما في ح، وفي سائر الأصول: «و هذه».
[4] يخلقها: يبليها.
[5] في كل الأصول: «عشرتك».
[6] في ح: «عليك».
شكا منصور النمريّ العتّابيّ إلى طاهر بن الحسين، فوجّه طاهر إلى العتّابيّ، فأحضره، وأخفى منصورا في بيت قريب منهما، وسأل طاهر العتّابي أن يصالحه، فشكا سوء فعله به، فسأله أن يصفح عنه، فقال: لا يستحقّ ذلك. فأمر منصورا بالخروج، فخرج وقال للعتابيّ، لم لا أستحقّ هذا منك؟ فأنشأ العتابيّ يقول:
/أصحبتك الفضل إذ لا أنت تعرفه ... حقّا ولا لك في استصحابه أرب
لم ترتبطك على وصلي محافظة ... ولا أعاذك مما اغتالك الأدب
ما من جميل ولا عرف نطقت به ... إلا إليّ وإن أنكرت ينتسب
قال: فأصلح طاهر بينهما - وكان منصور من تعليم العتابي وتخريجه [1] - وأمر طاهر للعتابي بثلاثين ألف درهم.
أخبرني عمر عن عبد اللّه بن أبي سعد عن الحسين بن يحيى الفهري عن العباس بن أبي ربيعة السلمي، قال:
شكا منصور النمري كلثوم بن عمرو العتابي إلى طاهر. ثم ذكر مثله.
العتابي يفضل العلم والأدب على المال
أخبرني عليّ بن صالح بن الهيثم الأنباري الكاتب، قال: حدّثني أبو هفان، قال:
كان العتّابيّ جالسا ذات يوم ينظر في كتاب، فمرّ به بعض جيرانه، فقال: أيش ينفع العلم والأدب من لا مال له؟ فأنشد العتّابي يقول:
/يا قاتل اللّه أقواما إذا ثقفوا ... ذا اللبّ ينظر في الآداب والحكم [2]
قالوا وليس بهم إلّا نفاسته ... أنافع ذا من الإقتار والعدم [3]
وليس يدرون أنّ الحظّ ما حرموا ... لحاهم اللّه، من علم ومن فهم [4]
قول العتابي في عزل طاهر بن علي
أخبرني علي بن صالح وعمي، قالا: حدّثنا أحمد بن طاهر، قال: حدّثنا أبو حيدرة الأسدي، قال:
قال العتابيّ في عزل طاهر بن علي، وكان عدوّه:
يا صاحبا متلوّنا ... متباينا فعلي وفعله
ما إن أحبّ له الرّدى ... ويسرّني واللّه عزله
لم تعد فيما قلت لي ... وفعلت بي ما أنت أهله
كم شاغل بك عدوتيه ... وفارغ من أنت شغله [5]
أخبرني أحمد بن الفرج، قال: حدّثني أحمد بن يحيى بن عطاء الحراني عن عبيد اللّه بن عمار، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد، قال: حدّثني عبد الرحيم بن أحمد بن زيد بن الفرج، قال:
__________
[1] من تعليم العتابي: أي من تلاميذه.
[2] في الأصل: «نفقوا»، وهو تحريف. ويقال ثقف الرجل الرجل: ظفر به ووجده.
[3] النفاسة: الحسد. والإقتار: القلة والفاقة. ومثله العدم.
[4] الفهم، بالتحريك: الفهم، ومثلهما الفهامة.
[5] العدوتان: جانبا الوادي. يريد: إن كثيرا يشغلون أنفسهم بك في الآفاق ولكن من يشغل نفسه بك فارغ لا ينال شيئا. وفي الأصل:
«ما أنت».
مدحه جعفرا لما أمنه عند الرشيد
لمّا سعى منصور النمريّ بالعتابيّ إلى الرشيد اغتاظ عليه، فطلبه، فستره جعفر بن يحيى عنه مدّة، وجعل يستعطفه عليه، حتّى استّل ما في نفسه، وأمّنه، فقال يمدح جعفر بن يحيى:
ما زلت في غمرات [1] الموت مطّرحا ... قد ضاق عني فسيح الأرض من حيلي
ولم تزل دائبا تسعى بلطفك لي ... حتّى اختلست حياتي من يدي أجلي
عودة عبد اللّه بن طاهر له في مرضه
/ أخبرني عمي، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد، قال: حدّثني أحمد بن خلاد عن أبيه، قال:
عاد عبد اللّه بن طاهر وإسحق بن إبراهيم بن مصعب، كلثوم بن عمرو العتابيّ، في علّة اعتلّها، فقال الناس:
هذه خطرة خطرت! فبلغ ذلك العتابيّ، فكتب إلى عبد اللّه بن طاهر:
قالوا الزّيارة خطرة خطرت ... ونجار برّك ليس بالخطر [2]
أبطل مقالتهم بثانية ... تستنفد المعروف من شكري
فلما بلغت أبياته عبد اللّه بن طاهر ضحك من قوله، وركب هو وإسحاق بن إبراهيم، فعاداه مرة ثانية.
عبد اللّه بن هشام التغلبي يصله بعد العتب والكتابة إليه
أخبرني الحسين بن القاسم الكواكبي، قال: حدّثني/ أبو العيناء، قال: حدّثني أبو العلاء المعري [3]، قال:
عتب عبد اللّه بن هشام بن بسطام التّغلبي على كلثوم بن عمرو التغلبيّ في شيء بلغه عنه، فكتب إليه:
صوت
لقد سمتني الهجران حتى أذقتني ... عقوبات زلّاتي وسوء مناقبي
فها أنا ساع في هواك وصابر ... على حدّ مصقول الغرارين قاضب [4]
ومنصرف عما كرهت وجاعل ... رضاك مثالا بين عيني وحاجبي
قال: فرضي عنه، ووصله صلة سنيّة.
/ الغناء في هذه الأبيات لسعيد مولى فائد، ثاني ثقيل بالبنصر، عن يحيى المكي، وذكر الهشامي أنه منحول يحيى، وذكر أحمد بن المكي في كتابه، أنّه لأبي سعيد، وجعله في باب الثقيل الأوّل بالبنصر، ولعله على مذهب إبراهيم بن المهدي ومن قال بقوله.
ربيعة تقتل واحدا من فزارة في خفارته فاستعدى القيسي الحاكم على ربيعة
أخبرني الحسين بن القاسم، قال: حدّثني محمّد بن عبد الرحمن بن يونس السراج، قال: أخبرني الحسين بن داود الفزاري عن أبيه، قال:
__________
[1] الغمرات: جمع غمرة، وهي الشدة.
[2] النجار: الأصل. وفي النسخ: «و بحار».
[3] هذا غير الشاعر المعروف المتوفي سنة 449.
[4] الغراران: الحدان. والقاضب: القاطع.
كان أخوان من فزارة يخفران قرية بين آمد وسميساط، يقال لها تلّ حوم، فطال مقامهما بها حتّى أثريا، فحسدهما قوم من ربيعة، وقالوا: يخفران هذان الضياع في بلدنا! فجمعوا لهما جمعا، وساروا إليهما، فقاتلوهما، فقتل أحدهما، وعلى الجزيرة يومئذ عبد الملك بن صالح الهاشمي، فشكا القيسيّ أمره إلى وجوه قيس، وعرّفهم قتل ربيعة أخاه، وأخذهم ماله. فقالوا له: إذا جلس الأمير فادخل إليه. ففعل ذلك، ودخل على عبد الملك، وشكا ما لحقه، ثم قال له: وحسب الأمير أنّهم لما قتلوا أخي وأخذوا مالي قال قائل منهم:
اشربا ما شربتما إنّ قيسا ... من قتيل وهالك وأسير
لا يحوزنّ أمرنا مضريّ ... بخفير ولا بغير خفير
فقال عبد الملك: أتندبني [1]: إلى العصبية؟ وزبره [2]، فخرج الرّجل مغموما، فشكا ذلك إلى وجوه قيس، فقالوا: لا ترع، فو اللّه لقد قذفتها في سويداء قلبه، فعاوده. فعاوده في المجلس الآخر، فزبره، وقال له قوله الأوّل، فقال له:
إنّي لم آتك/ أندبك للعصبيّة، وإنّما جئتك مستعديا [3]، فقال له: حدّثني كيف فعل القوم؟ فحدّثه وأنشده، فغضب فقال: كذب [4] لعمري، ليحوزنّها. ثم دعا بأبي عصمة أحد قواده، فقال: اخرج فجرّد السيف في ربيعة، فخرج وقتل منها مقتلة عظيمة، فقال كلثوم بن عمرو العتّابيّ قصيدته الّتي أوّلها:
ماذا شجاك بحوّارين من طلل ... ودمنة كشفت عنها الأعاصير [5]
يقول فيها:
هذي يمينك في قرباك صائلة ... وصارم من سيوف الهند مشهور
إن كان منّا ذوو إفك ومارقة ... وعصبة دينها العدوان والزّور
فإنّ منّا الّذي لا يستحثّ إذا ... حثّ الجياد وضمتها المضامير
مستنبط عزمات القلب من فكر ... ما بينهنّ وبين اللّه معمور
/ يعني عبد اللّه بن هشام بن بسطام التغلبي، وكان قد أخذ قوّادهم.
شعر العتابي يجعل عبد الملك يأمر بالكف عن قتال ربيعة
فبلغت القصيدة عبد الملك، فأمر أبا عصمة بالكفّ عنهم، فلما قدم الرّشيد الرّافقة أنشده عبد الملك القصيدة، فقال: لمن هذه؟ فقال: لرجل من بني عتاب يقال له كلثوم بن عمرو، فقال: وما يمنعه أن يكون ببابنا.
فأمر بإشخاصه من رأس [6] عين، فوافى الرشيد وعليه قميص غليظ، وفروة وخفّ، وعلى كتفه ملحفة جافية بغير سراويل، فلما رفع الخبر بقدومه أمر الرشيد بأن تفرش له حجرة، وتقام له وظيفة، ففعلوا، فكانت المائدة إذا قدّمت إليه أخذ منها رقاقة وملحا وخلط الملح بالتّراب فأكله بها، فإذا كانت وقت النوم نام على الأرض والخدم يتفقّدونه، ويتعجبون من/ فعله.
__________
[1] أتندبني: أتحثني وتدعوني.
[2] زبره: زجره وانتهره.
[3] مستعديا: مستنصرا مستعينا.
[4] في س: «كذبت» والسياق يقتضي حذف التاء.
[5] حوارين بضم أوله وتشديد الواو وكسر الراء وياء ساكنة: قرية من قرى حلب. وضبطها في «القاموس» بفتح الحاء. الدمنة: واحدة الدمن، وهي آثار الدار.
[6] رأس عين: مدينة كبيرة من مدن الجزيرة بين حران ونصيبين.
الرشيد يأمر بطرده
وسأل الرشيد عنه، فأخبروه بأمره، فأمر بطرده.
يحيى بن سعيد العقيلي يشتري له دابة توصله إلى رأس عين وقد فضح سعيدا بأفعاله
فخرج حتّى أتى يحيى بن سعيد العقيلي وهو في منزله، فسلّم عليه، وانتسب له، فرحّب به، وقال له:
ارتفع. فقال: لم آتك للجلوس، قال: فما حاجتك؟ قال: دابّة أبلغ عليها إلى رأس عين، فقال: يا غلام أعطه الفرس الفلانيّ. فقال: لا حاجة لي في ذلك، ولكن تأمر أن تشتري لي دابة أتبلّغ عليها. فقال لغلامه: امض معه فابتع له ما يريد. فمضى معه، فعدل به العتّابيّ إلى سوق الحمير، فقال له: إنّما أمرني أن أبتاع لك دابّة. فقال له:
إنّه أرسلك معي، ولم يرسلني معك، فإن عملت ما أريد وإلا انصرف. فمضى معه فاشترى حمارا بمائة وخمسين درهما، وقال: ادفع إليه ثمنه، فدفع إليه، فركب الحمار عريا بمرشحة عليه وبرذعة، وساقاه مكشوفتان، فقال له يحيى بن سعيد: فضحتني، أمثلي يحمل مثلك على هذا؟ فضحك، وقال: ما رأيت قدرك يستوجب أكثر من ذلك.
ومضى إلى رأس عين.
لوم زوجته له وما قال في ذلك
وكانت تحته امرأة من باهلة، فلامته، وقالت: هذا منصور النمريّ قد أخذ الأموال فحلّى نساءه، وبنى داره، واشترى ضياعا، وأنت هاهنا كما ترى! فأنشأ يقول:
تلوم على ترك الغنى باهليّة ... زوي الفقر عنها كلّ طرف وتالد [1]
رأت حولها النّسوان يرفلن في الثّرا ... مقلّدة أعناقها بالقلائد [2]
أسرّك إنّي نلت ما نال جعفر ... من العيش أو ما نال يحيى بن خالد
وإنّ أمير المؤمنين أغصّني ... مغصّهما بالمشرقات البوارد [3]
/رأيت رفيعات الأمور مشوبة ... بمستودعات في بطون الأساود [4]
دعيني تجئني ميتتي مطمئنة ... ولم أتجشم هول تلك الموارد [5]
وهذا الخبر عندي فيه اضطراب؛ لأن القصيدة المذكورة الّتي أوّلها:
ماذا شجاك بحوّارين [6] من طلل
للعتّابي في الرشيد، لا في عبد الملك، ولم يكن كما ذكره في أيّام الرشيد متنقّصا منه. وله أخبار معه طويلة، وقد حدّثني بخبره هذا لما استوهب رفع السيف عن ربيعة جماعة على غير هذه الرواية.
عتب الرشيد على العتابي وقطعه الهبات فيتنصل بقصيدته هذه
أخبرني عمي قال: حدّثني عبد اللّه بن أبي سعد، قال: حدّثني مسعود بن إسماعيل العدويّ عن موسى بن عبد اللّه التميمي قال:
__________
[1] الطرف: الجديد. والتالد: القديم. وانظر كتاب «الحيوان» للجاحظ (4: 265).
[2] يرفلن: تجر الواحدة ذيلها وتتبختر.
[3] أغصني: من الغصة، وهي ما يعترض في الحلق فتحتبس الأنفاس به. ويروى: «أعضني معضهما». المشرقات: السيوف اللوامع.
البوارد: الّتي تثبت في الضريبة لا تنثني.
[4] الأساود: جمع أسود وهو الحية.
[5] ورد في كل الأصول «منيتي»، تحريف.
[6] انظر ما سبق في ص 122.
عتب الرشيد على العتابي أيام الوليد بن طريف، فقطع عنه أشياء كان عوّده إياها، فأتاه متنصّلا بهذه القصيدة:
/ماذا شجاك بحوّارين من طلل ... ودمنة كشفت عنها الأعاصير
شجاك حتّى ضمير القلب مشترك ... والعين إنسانها بالماء مغمور
في ناظريّ انقباض عن جفونهما ... وفي الجفون عن الآماق تقصير
لو كنت تدرين ما شوقي إذا جعلت ... تنأى بنا وبك الأوطان والدور
علمت أنّ سرى ليلى ومطلعي ... من بيت نجران والغورين تغوير [1]
إذ الركائب مخوف نواظرها ... كما تضمّنت الدّهن القوارير
نادتك أرحامنا اللاتي نمتّ بها ... كما تنادي جلاد الجلّة الخور [2]
/مستنبط عزمات القلب من فكر ... ما بينهنّ وبين اللّه معمور
فتّ المدائح إلا أنّ أنفسنا ... مستنطقات بما تحوي الضّمائير
ماذا عسى مادح يثني عليك وقد ... ناداك في الوحي تقديس وتطهير
إن كان منّا ذوو إفك ومارقة ... وعصبة دينها العدوان والزّور [3]
فإنّ منّا الّذي لا يستحثّ إذا ... حثّ الجياد وحازتها المضامير [4]
ومن عرائقه السّفّاح عندكم ... مجرّب من بلاء الصّدق مخبور [5]
الآن قد بعدت في خطو طاعتكم ... خطاهم حيث يحتل الغشامير [6]
الرشيد يرضى عن العتابي ويرد أرزاقه ويصله
- يعني يزيد بن مزيد، وهشام بن عمر والتغلبيّ، وهو من ولد سفيح بن السفاح - قال: فرضي عنه وردّ أرزاقه ووصله.
صوت
تطاول ليلى لم أنمه تقلّبا ... كأنّ فراشي حال من دونه الجمر
فإن تكن الأيام فرّقن بيننا ... فقد بان مني تذكّره العذر
الشعر للأبيرد الرّياحيّ، والغناء لبابويه، ثقيل أوّل بالوسطى عن عمرو، وفيه رمل نسبه يحيى المكي إلى ابن سريج.
وقيل إنه منحول.
__________
[1] نجران: موضع بالبحرين وموضع قرب دمشق. والتغوير: الدخول في الغور.
[2] الجلاد بالجيم والدال: النوق الصلاب وما غزر لبنها أو قل ضد. والجلة: المسان من الإبل. وفي ش: «الحيلة» تحريف. والخور:
جمع خوارة على غير قياس، وهي الناقة الغزيرة اللبن.
[3] الإفك: البهتان. والمارقة: الخارجة على الدين.
[4] المضامير: جمع مضمار، وهو الموضع الّذي تضمر فيه الخيل. وروى في ص 122: «و ضمتها المضامير».
[5] المخبور: المختبر. وصدر البيت محرف.
[6] الغشامير بالغين من الغشمرة وهي: التهضم والظلم. وفي ش، ح بالعين المهملة.
10 - أخبار الأبيرد ونسبه
أخبار الأبيرد ونسبه
الأبيرد بن المعذّر بن قيس بن عتّاب بن هرميّ بن رياح بن يربوع بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم. شاعر فصيح بدويّ، من شعراء الإسلام وأوّل دولة بني أمية.
الأبيرد ليس مكثرا ولم يتكسب بشعره
وليس بمكثر، ولا ممن وفد إلى الخلفاء فمدحهم.
وقصيدته هذه التّي فيها الغناء يرثي بها بريدا أخاه، وهي معدودة من مختار المراثي.
الأبيرد يهوى امرأة من قومه فزوّجت غيره
أخبرني هاشم بن محمّد الخزاعيّ قال: حدّثنا دماذ عن أبي عبيدة قال:
كان الرياحيّ يهوى امرأة من قومه ويجنّ بها حتّى شهر ما بينهما، فحجبت عنه، وخطبها فأبوا أن يزوّجوها إياه، ثم خطبها رجل من ولد حاجب بن زرارة، فزوّجته، فقال الأبيرد في ذلك:
إذا ما أردت الحسن فانظر إلى الّتي ... تبغّى لقيط قومه وتخيّرا [1]
لها بشر لو يدرج الذرّ فوقه ... لبان مكان الذّرّ فيه فأثّرا [2]
/لعمري لقد أمكنت منا عدوّنا ... وأقررت للعادي فأخنى وأهجرا [3]
لم يرض الأبيرد من حارثة بن بدر ثوبين يدخل بهما على ابن زياد
أخبرني أبو خليفة الفضل بن الحباب في كتابه إلي قال: حدّثنا محمّد بن سلام الجمحي قال:
/ قدم الأبيرد الرياحي على حارثة بن بدر فقال: اكسني بردين أدخل بهما على الأمير - يعني عبيد اللّه بن زياد - وكساه ثوبين فلم يرضهما، فقال فيه:
أحارث أمسك فضل برديك إنما ... أجاع وأعرى اللّه من كنت كاسيا
وكنت إذا استمطرت منك سحابة ... لتمطرني عادت عجاجا وسافيا [4]
أحارث عاود شربك الخمر إنني ... أرى ابن زياد عنك أصبح لاهيا
فبلغت أبياته هذه حارثة فقال: قبحه اللّه: لقد شهد بما لم يعلم. وإنما أدع جوابه لما لا يعلم. هكذا ذكر محمّد بن سلام.
__________
[1] تبغي لقيط قومه: طلب إليهم أن يساعدوه ويتخيروا له ذات النسب.
[2] البشر: الجلد. والذر: صغار النمل.
[3] أقررت: خضعت. للعادي روى في كل الأصول «للوادي» ولعلها ما أثبتنا. أخنى: قال الخنا. وأهجر: قال هجرا.
[4] العجاج: الغبار. والسافي: الريح تحمل ترابا.
حارثة منع عنه الكسوة لما بلغه هجاؤه
أخبرني حبيب بن نصر المهلبي قال: حدّثنا عمر بن شبّة قال: حدّثنا الأصمعيّ قال: هجا الأبيرد الرياحيّ حارثة بن بدر فقال:
أحارث راجع شربك الخمر إنني ... أرى ابن زياد عنك أصبح لاهيا
أرى فيك رأيا من أبيه وعمه ... وكان زياد ماقتا لك فاليا
وذكر البيتين الآخرين اللذين ذكرهما محمّد بن سلام، وقال في خبره هذا: فكان حارثة يكسوه في كلّ سنة بردين، فحبسهما عنه في تلك السنة، فقال حارثة بن بدر يجيبه:
فإن كنت عن برديّ مستغنيا لقد ... أراك بأسمال الملابس كاسيا [1]
وعشت زمانا أن أعيّنك كسوتي ... قنعت بأخلاق وأمسيت عاريا [2]
وبردين من حوك العراق كسوتها ... على حاجة منها لأمّك باديا [3]
/فقال الأبيرد يهجو حارثة بن بدر:
زعمت غدانة أن فيها سيدا ... ضخما يواريه جناح الجندب [4]
يرويه ما يروي الذّباب وينتشي ... لؤما ويشبعه ذراع الأرنب
وقال أيضا لحارثة بن بدر:
ألا ليت حظّي من غدانة أنها ... تكون كفافا لا عليّ ولا ليا [5]
أبى اللّه أن يهدي غدانة للهدى ... وأن لا تكون الدهر إلا مواليا [6]
فلو أنني ألقى ابن بدر بموطن ... نعدّ به من أوّلينا المساعيا [7]
تقاصر حتى يستقيد وبذّه ... قروم تسامى من رياح تساميا [8]
أيا فارط الحي الّذي قد حشالكم ... من المجد أنهاء ملاء الخوابيا [9]
وعمّي الّذي فكّ السّميدع عنوة ... فلست بنعمي يا ابن عقرب جازيا
كلانا غنيّ عن أخيه حياته ... ونحن إذا متنا أشدّ تغانيا [10]
أ لم ترنا إذ سقت قومك سائلا ... ذوي عدد للسائلين معاطيا
__________
[1] الأسمال: الثوب الخلق أو الأثواب الخلقة.
[2] عينه: أعطاه. الأخلاق: جمع خلق بالتحريك: الثوب المهلهل.
[3] حوك العراق: نسجه. وكان مشهورا بالدقة في ذلك الزمان. وفي جميع الأصول «حول» باللام.
[4] غدانة: هي من يربوع تسمى به القبيلة. والجندب: الجراد.
[5] الكفاف: ما يكف عن الناس ويغني.
[6] الموالي: العبيد.
[7] المساعي: مآثر أهل الشرف والفضل. في الأصول: «يعينه من أولينا»، وهو تحريف.
[8] استقاد: ذل وخضع. القروم: السادة. ورياح: قبيلة.
[9] الفارط: السابق لإصلاح الحوض والدلاء. والأنهاء: جمع نهى، وهو الغدير. والخوابي: جمع خابية، وهي حوض يجتمع فيه الماء.
[10] هذا البيت يروى لعبد اللّه بن معاوية بن عبد اللّه بن جعفر، ونقل السيوطي عن «أمالي القالي» أنه لسيار بن هبيرة.
بني الردف حمالين كلّ عظيمة ... إذا طلعت والمترعين الجوابيا [1]
وإنا لنعطي النّصف من لو نضيمه ... أقر ولكنا نحب العوافيا [2]
/الردف الّذي عناه هاهنا: جدّه عتاب بن هرمي بن رياح، كان ردف بن المنذر، إذا ركب ركب وراءه، وإذا جلس جلس عن يمينه، وإذا غزا كان له المرباع؛ وإذا شرب الملك سقي بكأسه بعده، وكان بعده ابنه قيس بن عتّاب يردف [3] النعمان. وهو جدّ الأبيرد أيضا.
الأبيرد وسعد العجلي
أخبرني هاشم بن محمّد قال: حدّثنا أبو غسان عن أبي عبيدة قال:
كانت بنو عجل قد جاورت بني رياح بن يربوع في سنة أصابت عجلا، فكان الأبيرد يعاشر رجلا منهم، يقال له سعد، ويجالسه، وكان قصده امرأة سعد هذا، فمالت إليه فومقته، وكان الأبيرد شابا جميلا ظريفا طريرا، وكان سعد شيخا همّا [4]، فذهب بها كلّ مذهب حتى ظهر أمرهما وتحدّث بهما، واتّهم الأبيرد بها، فشكاه إلى قومه واستعذرهم منه [5]، فقالوا له: مالك تتحدّث إلى امرأة الرجل؟ فقال: وما بأس بذلك [6]! وهل خلا عربي منه؟
قالوا: قد قيل فيكما ما لا قرار عليه، فاجتنب محادثتها، وإياك أن تعاودها. فقال الأبيرد: إنّ سعدا لا خير فيه لزوجته. قالوا: وكيف ذلك؟ قال: لأني رأيته يأتي فرسه البلقاء، ولا فضل فيه لامرأته، فهي تبغضه لفعله، وهو يتّهمها لعجزه عنها. فضحكوا من قوله، وقالوا له: وما عليك من ذلك؟ دع الرجل وامرأته ولا تعاودها ولا تجلس إليها. فقال الأبيرد في ذلك:
/أ لم تر أنّ ابن المعذّر قد صحا ... وودّع ما يلحى عليه عواذله [7]
غدا ذو خلاخيل عليّ يلومني ... وما لوم عذّال عليه خلاخله [8]
فدع عنك هذا الحلي إن كنت لائمي ... فإنّي امرؤ لا تزدهيني صلاصله [9]
إذا خطرت عنس به شدنية ... بمطّرد الأرواح ناء مناهله [10]
تبيّن أقوام سفاهة رأيهم ... ترحّل عنهم وهو عفّ منازله
لهم مجلس كالرّدن يجمع مجلسا ... لئاما مساعيه كثيرا هتامله [11]
تبرأت من سعد وخلّه بيننا ... فلا هو معطيني ولا أنا سائله
__________
[1] الجوابي جمع جابية: الحوض يجمع فيه الماء.
[2] نضيمه: نظلمه، والظلم علامة القوة. العوافي: جمع عافية: السلامة.
[3] يردف: يقال يردف الملك: يجلس عن يمينه ويشرب بعده.
[4] الهم والهمة بكسر الهاء: الشيخ الفاني.
[5] استعذرهم: استعداهم عليه واستنصرهم.
[6] ما بأس بذلك: ما عيب في ذلك. وفي الحديث أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم استعذر أبا بكر من عائشة، كان عتب عليها في شيء وقال لأبي بكر:
اعذرني منها إن أدبتها. أي قم بعذري في ذلك. ويقال أما تعذرني من هذا، أي أما تنصفني.
[7] يلحى: أي يلوم.
[8] أي لا أهتم بلوم من هو كالنساء يلبس الخلاخل.
[9] صلاصله: رنينه وصوته.
[10] العنس: الناقة الصلبة. والشدنية من الإبل: منسوبة إلى موضع باليمن.
[11] جعله كالردن، وهو أصل الكم، في ضيقه وقلة عددهم. وفي الأصول: «كالدرن». والهتملة: الكلام الخفي.
متى تنتج البلقاء يا سعد أم متى ... تلقّح من ذات الرّباط حوائله [1]
يحدّث سعد أنّ زوجته زنت ... ويا سعد إنّ المرء تزني حلائله
فإن تسم عيناها إليّ فقد رأت ... فتى كحسام أخلصته صياقله [2]
فتى قدّ قدّ السّيف لا متضائل ... ولا رهل لبّاته وأباجله [3]
- وهذا البيت الأخير يروى للعجير السّلولي، ولأخت يزيد بن الطثرية - فاعترضه سلمان العجليّ فهجاه وهجا بني رياح فقال:
/لعمرك إنّني وبني رياح ... لكالعاوي فصادف سهم رام
يسوقون ابن وجرة مزمئرا ... ليحميهم وليس لهم بحام [4]
وكم من شاعر لبني تميم ... قصير الباع من نفر لئام
كسونا - إذ تخرّق ملبساه - ... دواهي يبترين من العظام [5]
وإن يذكر طعامهم بشرّ ... فإنّ طعامهم شرّ الطعام
/ شريج من منيّ أبي سواج ... وآخر خالص من حيض آم [6]
وسوداء المغابن من رياح ... على الكردوس كالفأس الكهام [7]
إذا ما مرّ بالقعقاع ركب ... دعتهم من ينيك على الطّعام [8]
تداولها غواة النّاس حتّى ... تؤوب وقد مضى ليل التّمام [9]
وقال الأبيرد أيضا مجيبا له:
عوى سلمان من جوّ فلاقى ... أخو أهل اليمامة سهم رامي
عوى من جبنه وشقيّ عجل ... عواء الذئب مختلط الظلام [10]
بنو عجل أذلّ من المطايا ... ومن لحم الجزور على الثّمام [11]
__________
[1] الرباط: الخيل أو الخمس منها فما فوقها، والمرابطة: أن يربط كل من الفريقين خيولهم في ثغرة وكل معد لصاحبه. وسمي المقام بالثغر رباطا. والحوائل: جمع حائل وهي الّتي حمل عليها فلم تلقح، والّتي لم تلقح سنة أو سنتين أو سنوات.
[2] الصياقل: جمع صيقل.
[3] الرهل: المسترخي. ولباته جمع لبة: وهي موضع النحر. والأبجل: عرق غليظ في اليد أو الرجل. وفي بعض النسخ «أناصله» تحريف.
[4] المزمئر: الغاضب.
[5] في الأصول: «إذ يخرق».
[6] الشريجان: لونان مختلفان. وأبو سواج، ورد في «القاموس»: «أبو سواج الضبي أخو بني عبد مناة». الآم: جمع أمة، وهي المرأة المملوكة ليست بحرة.
[7] المغابن جمع مغبن وهو: الإبط. والكردوس: كل عظم كثير اللحم. والكهام: الكليل.
[8] القعقاع: مكان.
[9] ليل التمام، بالكسر: أطول ليالي الشتاء.
[10] يعني بشقي عجل، سلمان العجلي. مختلط الظلام، أي وقت اختلاط الظلام.
[11] الجزور: البعير أو خاص بالناقة المجزورة. والثمام: نبت خفيف. ويقصد أنهم كالشريحة الصغيرة يتحملها هذا النبت الضعيف، وذلك لحقارته.
تحيّا المسلمون إذا تلاقوا ... وعجل ما تحيّا بالسّلام
إذا عجلية ولدت غلاما ... إلى عجل فقبّح من غلام
/ يمصّ بثديها فرخ لئيم ... سلالة أعبد ورضيع آم [1]
خبيث الريح ينشأ بالمخازي ... لئيم بين آباء لئام
أنا ابن الأكرمين بني تميم ... ذوي الآكال والهمم العظام [2]
وكائن من رئيس قطّرته ... عواملنا ومن ملك همام [3]
وجيش قد ربعناه وقوم ... صبحناه بذي لجب لهام [4]
وقال أيضا الأبيرد مجيبا له:
... أخذنا بآفاق السماء فلم ندع ... لسلمان سلمان اليمامة منظرا
من القلح فسّاء ضروط يهرّه ... إذا الطير مرات على الدوح صرصرا [5]
وأقلح عجلي كأن بخطمه ... نواجذ خنزير إذا ما تكشرا [6]
يزلّ النوى عن ضرسه فيردّه ... إلى عارض فيه القوادح أبخرا [7]
إذا شرب العجليّ نجّس كأسه ... وظلت بكفّي جأنب غير أزهرا [8]
شديد سواد الوجه تحسب وجهه ... من الدم بين الشاربين مقيّرا [9]
إذا ما حساها لم تزده سماحة ... ولكن أرته أنّ يصرّ ويحصرا [10]
فلا يشربن في الحيّ عجل فإنّه ... إذا شرب العجليّ أخنى وأهجرا [11]
/يقاسي نداماهم وتلقى أنوفهم ... من الجدع عند الكأس أمرا مذكرا [12]
ولم تك في الإشراك عجل تذوقها ... ليالي يسبيها مقاول حميرا [13]
وينفق فيها الحنظليون مالهم ... إذا ما سعى منهم سفيه تجبّرا
ولكنها هانت وحرّم شربها ... فمالت بنو عجل لما كان أكفرا
__________
[1] الآم جمع أمة: المملوكة غير الحرة.
[2] في الأصول: «الآطال» تحريف. وذو والآكال: سادة الأحياء الأخذون للمرباع. وآكال الملوك مآكلهم.
[3] قطرته: صرعته. وعواملنا: رماحنا.
[4] اللهام: الجيش العظيم.
[5] القلح بالضم جمع أقلح وهو: الفاسد الأسنان. يهره: يجعله يهر كالكلاب لفزعه. وفي الأصول: «بمره» وكذا «مرابي الزرع».
[6] الخطم: مقدم الفم والأنف، وأصله للدواب. وفي النسخ: «مخطه» تحريف.
[7] القوادح: جمع قادح أكال، بضم أوله، يوجد في الأسنان.
[8] الجأنب: القمىء القصير الذليل وفي بعض الروايات «جانب» بالتسهيل وهو تصحيف.
[9] مقير: مطلي بالقار، وهو الزفت. وفي الأصول: «مغيرا».
[10] يصر: أصل الصر الجمع والشد. يحصر: يبخل.
[11] أخنى: قال الخنا، وهو الفحش. وفي الأصول: «أخثى». وأهجر: قال هجرا وقولا منكرا.
[12] الجدع: القطع. وفي الأصول: «و يلقي ألوفهم من الجذع». والمذكر: الشديد.
[13] يسبيها: يشتريها. والمقاول: جمع مقول كمنبر: الملك من ملوك حمير.
لعمري لئن أزننتم أو صحوتم ... لبئس النّدامى كنتم آل أبجرا [1]
مجائل وعرادة يتفاخران بنحر الشياه والإبل
أخبرني عبيد اللّه بن محمّد الرازي قال: حدّثنا أحمد بن الحارث قال حدّثنا المدائنيّ قال: كان مجائل بن مرة بن محكان السعديّ وابن عم له يقال له: عرادة، وقد كان عرادة اشترى/ غنما له فأنهبها، وكانت مائة شاة، فاشترى مرّة بن محكان مائة من الإبل فأنحر بعضها [2] وأنهب باقيها، وقال أبو عبيدة: إنّهما [3] تفاخرا، فغلبه مرّة، فقال الأبيرد لعرادة:
شرى مائة فأنهبها جميعا ... وبتّ تقسم الحذف [4] النقادا
فبعث عبيد اللّه بن زياد فأخذ مرّة بن محكان فحبسه وقيّده، ووقع بعد ذلك من قومه لحاء، فكانت بينهم شجاج [5]، ثم تكافؤوا وتوافقوا على الدّيات فأنبىء [6] مرة بن محكان وهو محبوس، فعرف ذلك فتحمّل جميعها في ماله، فقال فيه الأبيرد:
للّه عينا من رأى من مكبّل ... كمرّة إذ شدّت عليه الأداهم [7]
/فأبلغ عبيد اللّه عني رسالة ... فإنك قاض بالحكومة عالم
فإن أنت عاقبت ابن محكان في الندى ... فعاقب هداك اللّه أعظم حاتم [8]
تعاقب خرقا أن يجود بماله ... سعى في ثأى من قومه متفاقم [9]
كأن دماء القوم إذ علقت به ... على مكفهرّ من ثنايا المخارم [10]
الأبيرد وابن عمه الأحوص يحرضان رجلا على سحيم بن وثيل الرياحي
أخبرني محمّد بن العباس اليزيديّ قال: حدّثنا عبد الرحمن ابن أخي الأصمعي، قال: حدّثنا عمي قال: أتى رجل الأبيرد الرياحيّ وابن عمه الأخوص، وهما من رهط ردف الملك من بني رياح، يطلب منهما قطرانا لإبله فقالا له: إن أنت بلّغت سحيم بن وثيل الرياحي هذا الشعر أعطيناك قطرانا. فقال: قولا. فقالا: اذهب فقل له:
فإن بداهتي وجراء حولي ... لذو شقّ على الحطم الحرون [11]
__________
[1] أزننتم: اتهمتم.
[2] أنحرها: أراد جعلها للنحر، ولم نجد هذا الفعل بهذا المعنى في المعاجم.
[3] في ح «إنما».
[4] الحذف بالتحريك وبالفاء لا القاف. في ح: «الغنم السود حجازية أو حرشية بلا أذناب ولا آذان». وجاء بالدال المهملة والقاف في س، وهو تحريف. والنقاد: جمع نقد بالتحريك: جنس من الغنم قبيح الشكل، وراعيه نقاد.
[5] الشجاج: جمع شجة، وهي الجرح في الوجه والرأس.
[6] في الأصول: «فأتى».
[7] الأداهم: جمع أدهم وهو القيد.
[8] حاتم، أي جواد كحاتم.
[9] الثأي كالسعي والثري: الإفساد والجرح والقتل ونحوه وفي هذا البيت وما بعده إقواء كسابقهما.
[10] المكفهر: الضارب لونه إلى الغبرة مع غلظ. والمخارم جمع مخرم: الطريق في الغلظ.
[11] البداهة: أول جري الفرس. والجراء: الجري. والشق: المشقة. والحطم: العسوف العنيف. والحرون، أصله الفرس الّذي لا ينقاد. وفي الأصول: «و عشق على الحطم» صوابه من «الأصمعيات» ص 5 طبع المعارف.
قال: فلما أتاه وأنشد الشعر أخذ عصاه، وانحدر في الوادي، وجعل يقبل فيه ويدبر، ويهمهم بالشعر. ثم قال:
اذهب فقل لهما:
فإنّ علالتي وجراء حولي ... لذو شقّ على الضّرع الظّنون [1]
أنا ابن الغرّ من سلفي رياح ... كنصل السيف وضاح الجبين
أنا ابن جلا وطلاع الثنايا ... متى أضع العمامة تعرفوني [2]
/و إنّ مكاننا من حميريّ ... مكان الليث من وسط العرين
وإنّ قناتنا مشط شطاها ... شديد مدّها عنق القرين [3]
- قال الأصمعي: إذا مسست شيئا خشنا فدخل في يدك قيل: مشظت يدي والشظا: ما تشظّى منها -
وإني لا يعود إليّ قرني ... غداة الغبّ إلا في قرين [4]
بذي لبد يصدّ الركب عنه ... ولا تؤتى فريسته لحين [5]
غدرت البزل إذ هي صاولتني ... فما بالي وبال ابني لبون [6]
وماذا تبتغي الشّعراء منّي ... وقد جاوزت رأس الأربعين [7]
أخو الخمسين مجتمع أشدّي ... ونجّذني مداورة الشؤون [8]
سأحيا ما حييت وإنّ ظهري ... لذو سند إلى نضد أمين [9]
قال: فأتياه فاعتذرا إليه، فقال: إنّ أحدكم لا يرى أن يصنع شيئا حتّى يقيس شعره بشعرنا،/ وحسبه بحسبنا، ويستطيف [10] بنا استطافة المهر الأرن [11]. فقالا له: فهل إلى النّزع من سبيل [12]. فقال [13]: إننا لم تبلغ أنسابنا.
/ قال اليزيديّ: أبيات سحيم هذه من اختيارات الأصمعي.
__________
[1] الضرع بالتحريك: الصغير من كل شيء. والظنون كصبور: الّذي لا يوثق بجريه.
[2] أنا ابن جلا، جلا: من الجلاء والظهور، كناية عن العلو. طلاع الثنايا، الثنايا: جمع ثنيه وهي العقبة أو الجبل كناية عن نسور قمة المجد. متى أضع العمامة تعرفوني: قال ثعلب: «العمامة تلبس في الحرب وتوضع في السلم».
[3] مشظ بظاء المعجمة، وهذا مثل لا متناح جانبه، أي لا تمس قناتنا فبنالك منها أذى، وإن قرن بها أحد مدت عنقه وجذبته فذل.
[4] قرني: نظيري. والقرين: المصاحب. والمعنى أنه لا يأتي منفردا، لضعفه.
[5] اللبد بكسر أوّله ويحرك جمع لبدة: الشعر في رقبة الأسد. و «يصد» يصح أن تكون لازمة وأن تكون متعدية. يصف بذلك القرين الّذي يستعين به قربه.
[6] البزل: جمع بازل وهو ما بلغ من الإبل التاسعة. وابن اللبون: ما كان في العام الثاني واستكمله أو إذا دخل في الثالثة. والمعنى:
القوي عذر إذا صاولني، فما عذر الضعيف.
[7] روى «يدري» بدل «يبتغي»، ومعناه يختل بضرب من الحيلة، أي يخدع. و «حد» بدل «رأس».
[8] نجذني: جعلني مجربا.
[9] النصد: الوسائد وما حشي من المتاع، وهو أيضا الأعمام والأخوال المتقدمون في الشرف.
[10] يستطيف: يدور ويحوم.
[11] الأرن بفتح الهمزة وكسر الراء: النشيط.
[12] النزع: تحويل الشيء عن موضعه، وهو أيضا: الكف.
[13] في الأصل: «فقال».
قصيدة الصوت
والقصيدة الّتي رثى بها الأبيرد أخاه بريدا وفي أوّلها الغناء المذكور، من جيد الشعر، ومختار المراثي، المختار منها قوله:
تطاول ليلي لم أنمه تقلّبا ... كأنّ فراشي حال من دونه الجمر
أراقب من ليل التّمام نجومه ... لدن غاب قرن الشّمس حتّى بدا الفجر [1]
تذكرت قرما بان منّا بنصره ... ونائله يا حبّذا ذلك الذّكر [2]
فإن تكن الأيام فرّقن بيننا ... فقد عذرتنا في صحابتنا العذر [3]
وكنت أرى هجرا فراقك ساعة ... ألا لا بل الموت التّفرّق والهجر
أحقّا عباد اللّه أن لست لاقيا ... بريدا طوال الدهر ما لألأ العفر [4]
فتى إن هو استغنى تخرّق في الغنى ... فإن قلّ مالا لم يؤد متنه الفقر [5]
وسامى جسيمات الأمور فنالها ... على العسر حتى أدرك العسر اليسر [6]
ترى القوم في العزّاء ينتظرونه ... إذا ضلّ رأي القوم أو حزب الأمر [7]
فليتك كنت الحي في الناس باقيا ... وكنت أنا الميت الّذي غيب القبر [8]
فتى يشتري حسن الثناء بماله ... إذا السّنة الشهباء قلّ بها القطر [9]
/كأن لم يصاحبنا بريد بغبطة ... ولم يأتنا يوما بأخباره السّفر
لعمري لنعم المرء عالي نعيّه ... لنا ابن عزيز بعد ما قصر العصر [10]
تمضّت به الأخبار حتى تغلغلت ... ولم تثنه الأطباع دوني ولا الجدر [11]
ولما نعى الناعي بريدا تغوّلت ... بي الأرض فرط الحزن وانقطع الظهر [12]
عساكر تغشى النفس حتى كأنني ... أخو سكرة طارت بهامته الخمر [13]
إلى اللّه أشكو في بريد مصيبتي ... وبثّي وأحزانا تضمّنها الصدر
__________
[1] لدن: منذ.
[2] القرم في الأصل: الفحل، وهو السيد. بان من البين: وهو البعد. والذكر بضم الذال: التذكر.
[3] العذر، بإسكان الذال وأصلها الضم: جمع عذير، كسرير وسرر. والعذير: العاذر. ومثله قول حاتم:
أماوى قد طال التجنب والهجر ... وقد عذرتني في طلابكم العذر
[4] لألأ العفر: حركت الظباء أذنابها.
[5] تخرق: صار متلافا.
[6] سامى: بارى فنالها بعد الامتناع.
[7] العزاء مأخوذة من العزاز، وهو الأرض الصلبة الصعبة، وانتقلت مجازا إلى الشدّة.
[8] روى «ثاويا» في ج.
[9] الشهباء: السنة الشديدة. ويقال أشهبت السنة القوم: جردت أموالهم.
[10] عالي: رفع الصوت به. والنعيّ: خبر الموت. ابن عزيز، هو في «أمالي القالي» (3: 3): «ابن عرين».
[11] في الأصول: «و لا بينها الأصباح»، صوابه من «الأمالي القالي» والأطباع: جمع طبع، وهو النهر.
[12] تغوّلت: كادت تميد بي.
[13] العساكر: الشدائد، في ح «مالت» بدل «طارت» وفي «الأمالي»: «دارت».
وقد كنت أستعفي إلهي إذا شكا ... من الأجر لي فيه وإن سرّني الأجر
وما زال في عينيّ بعد غشاوة ... وسمعي عمّا كنت أسمعه وقر [1]
على أنني أقنى الحياء واتّقي ... شماتة أعداء عيونهم خزر [2]
فحياك عنّي الليل والصبح إذ بدا ... وهوج من الأرواح غدوتها شهر [3]
سقى جدثا لو أستطيع سقيته ... بأود فروّاه الروافد والقطر [4]
ولا زال يرعى من بلاد ثوى بها ... نبات إذا صاب الربيع بها نضر [5]
حلفت برب الرافعين أكفّهم ... وربّ الهدايا حيث حلّ بها النحر
ومجتمع الحجاج حيث توافقت ... رفاق من الآفاق تكبيرها جأر [6]
/يمين امرىء آلى وليس بكاذب ... وما في يمين قالها صادق وزر
لئن كان أمسى ابن المعذّر قد ثوى ... بريد لنعم المرء غيّبه القبر
/ هو الخلف المعروف والدين والتقى ... ومسعر حرب لا كهام ولا غمر [7]
أقام فنادى أهله فتحمّلوا ... وصرّمت الأسباب واختلط النّجر [8]
فتى كان يغلي اللحم نيئا ولحمه ... رخيص لجاديه إذا تنزل القدر [9]
فتى الحيّ والأضياف إن روّحتهم ... بليل وزاد السفر إن أرمل السّفر [10]
إذا جارة حلّت لديه وفى بها ... فآبت ولم يهتك لجارته ستر [11]
عفيف عن السوآت ما التبست به ... صليب فما يلفى لعود به كسر
سلكت سبيل العالمين فما لهم ... وراء الّذي لاقيت معدى ولا قصر [12]
وكل امرىء يوما سيلقى حمامه ... وإن نأت الدعوى وطال به العمر
وأبليت خيرا في الحياة وإنّما ... ثوابك عندي اليوم أن ينطق الشّعر
__________
[1] الوقر: الصمم. وفي الأصول: «و سمعي كما قد أسمعه» صوابه من «الأمالي».
[2] أقنى الحياء: يقال قنى الحياء قنوا كرضى ورمى: لزمه، كأقنى واقتنى وقنى. الخزر: كسر العين خلقة، أو ضيقها.
[3] الهوج: الشديدة. والأرواح جمع روح: الرياح العاصفة.
[4] أود بفتح الهمزة وضمها: مكان.
[5] ثوى: أطال الإقامة أو نزل.
[6] في «الأمالي»: «تواقفت» بتقديم القاف.
[7] في «الأمالي»: «هو المرء المعروف». مسعر حرب: مثيرها. والكهام البطيء عن النصرة والغمر: الّذي لم يجرب الأمور.
[8] ضرمت بالباء للمجهول: قطعت. يغلي اللحم: يشتريه غاليا، ويقال أيضا يغلى. قال الشاعر:
تغالي اللحم للأضياف نيئا ... وترخصه إذا نضج القدد
والنجر: الأصل.
[9] الرخيص: أراد به المبذول. والجادي: طالت الجدوى. وهي العطاء.
[10] روحتهم: هبت عليهم. وزاد السفر: هو أن يقوم المرء بزاد المسافرين الذين لم يحضروا طعاما. والسفر بسكون الفاء، هم المسافرون. أرمل: نفذ زاده.
[11] في «الأمالي»:
«و إن جارة حلت إليه وفى لها ... فباتت»
[12] معدى: مصرف أو مجاز. والقصر وردت في بعض الأصول «مضر» وهو تحريف، والتصويب عن «ذيل الأمالي» ص 3.
وقال يرثيه أيضا، وهي قصيدة طويلة:
إذا ذكرت نفسي بريدا تحاملت ... إليّ ولم أملك لعيني مدمعا
وذكّر نيك الناس حين تحاملوا ... عليّ وأضحوا جلد أجرب مولعا [1]
/فلا يبعدنك اللّه خير أخي امرىء ... فقد كنت طلّاع النّجاد سميدعا [2]
وصولا لذي القربى بعيدا عن الخنا ... إذا ارتادك الجادي من الناس أمرعا [3]
أخو ثقة لا ينتحي القوم دونه ... إذا القوم حالوا أو رجا الناس مطمعا [4]
ولا يركب الوجناء دون رفيقه ... إذا القوم أزجوهنّ حسرى وظلّعا [5]
صوت
يا زائرينا من الخيام ... حيّا كما اللّه بالسلام
يحزنني أن أطفتما بي ... ولم تنالا سوى الكلام [6]
بورك هارون من إمام ... بطاعة اللّه ذي اعتصام
له إلى ذي الجلال قربى ... ليس لعدل ولا إمام
الشعر لمنصور النمري، والغناء لعبد اللّه بن طاهر، رمل، ذكر ذلك عبيد اللّه ابنه، ولم ينسبه إلى الأصابع الّتي بنى عليها، وفيه للرفّ خفيف رمل بالوسطى، عن عمرو بن بانة. وفيه ثقيل أوّل بالبنصر مجهول الأصابع. ذكر حبش أنه للرف أيضا.
__________
[1] المولع: ما فيه خطوط.
[2] النجاد جمع نجد: المرتفعات. وطلاع النجاد: ضابط الأمور فيما يعجز عنه غيره. والسميدع: الكريم.
[3] الجادي: طالب العطاء.
[4] حالوا: ظنوا. وفي الأصول: «حالوا».
[5] الوجناء: الناقة السريعة. والحسرى: الكليلة. والظلع: جمع ظالع، الّتي تغمز في مشيها من عرج.
[6] في الأصول: «أطعتماني»، وهو تحريف.
11 - أخبار منصور النمريّ ونسبه
أخبار منصور النمري ونسبه
منصور بن الزبرقان بن سلمة - وقيل منصور بن سلمة بن الزبرقان - بن شريك بن مطعم الكبش الرّخم، بن مالك بن سعد بن عامر بن سعد الضّحيان بن سعد بن الخزرج بن تيم اللّه بن النّمر بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعميّ بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار. وإنما سمي عامر الضّحيان لأنّه كان سيّد قومه وحاكمهم، وكان يجلس لهم إذا أضحى النّهار، فسمّي الضّحيان. وسمي جدّ منصور «مطعم الكبش الرخم»، لأنه أطعم ناسا نزلوا به ونحر لهم، ثم رفع رأسه فإذا رخم يحمن حول أضيافه، فأمر بأن يذبح لهم كبش ويرمى به بين أيديهم، ففعل ذلك، فنزلن/ عليه، فمزقنه؛ فسمي مطعم الكبش الرخم. وفي ذلك يقول أبو نعيجة النمريّ يمدح رجلا منهم:
أبوك زعيم بني قاسط ... وخالك ذو الكبش يقري الرخم [1]
وكان منصور شاعرا من شعراء الدولة العباسية من أهل الجزيرة، وهو تلميذ كلثوم بن عمرو العتابي وروايته، وعنه أخذ، ومن بحره استقى، وبمذهبه تشبّه. والعتابي وصفه للفضل بن يحيى بن خالد وقرّضه [2] عنده حتى استقدمه من الجزيرة واستصحبه، ثم وصله بالرشيد. وجرت بعد ذلك بينه وبين العتابي وحشة حتى تهاجرا وتناقضا، وسعى كلّ واحد منهما على هلاك صاحبه، وأخبار ذلك تذكر في مواضعها من أخبارهما - إن شاء اللّه تعالى - وكان النمري قد مدح الفضل بقصيدة وهو مقيم بالجزيرة، فأوصلها العتابيّ إليه، واسترفده له، وسأله استصحابه، فأذن له في القدوم، فحظي عنده، وعرف مذهب الرشيد في الشعر، وإرادته أن يصل/ مدحه إياه بنفي الإمامة عن ولد علي بن أبي طالب - عليهم السلام - والطعن عليهم، وعلم مغزاه في ذلك مما كان يبلغه من تقديم مروان بن أبي حفصة، وتفضيله إياه على الشعراء في الجوائز، فسلك مذهب مروان في ذلك، ونحا نحوه، ولم يصرح بالهجاء والسبّ كما كان يفعل مروان، ولكنه حام ولم يقع، وأومأ ولم يحقّق، لأنه كان يتشيع، وكان مروان شديد العداوة لآل أبي طالب، وكان ينطق عن نيّة قويّة يقصد بها طلب الدنيا، فلا يبقي ولا يذر.
منصور النمري يسأل أن يذكر عند الرشيد ثم يمدحه
أخبرني محمّد بن جعفر النحويّ صهر المبرّد قال: حدّثنا محمّد بن موسى بن حماد قال: حدّثني عبد اللّه بن أبي سعد الكراني، وأخبرني به عمي قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد حديث محمّد بن جعفر النحوي أنه قال:
حدّثني محمّد بن عبد اللّه بن آدم بن جشم العبدي قال: حدّثنا ثابت بن الحارث الجشميّ قال:
كان منصور النمريّ مصافيا للبرامكة، وكان مسكنه بالشأم، فكتب يسألهم أن يذكروه للرشيد، فذكروه ووصفوه، فأحبّ أن يسمع كلامه، فأمرهم بإقدامه، فقدم ونزل عليهم، فأخبروا الرشيد بموضعه وأمرهم بإحضاره، وصادف دخوله إليه يوم نوبة مروان، على ما سمعه من بيانه، وكان مروان يقول قبل قدومه: هذا شاميّ وأنا
__________
[1] ذو الكبش: يعني به مطعم الكبش الرخم. يقري: يطعم.
[2] قرضه: مدحه، ومن معانيها الذم.
حجازي، أفتراه يكون أشعر مني، ودخله من ذلك ما يدخل مثله من الغمّ والحسد، واستنشد الرشيد منصورا، فأنشده:
أمير المؤمنين إليك خضنا ... غمار الهول من بلد شطير [1]
بخوص كالأهلة خافقات ... تلين على السّرى وعلى الهجير [2]
/حملن إليك أحمالا ثقالا ... ومثل الصخر والدر النثير [3]
فقد وقف المديح بمنتهاه ... وغايته وصار إلى المصير
إلى من لا يشير إلى سواه ... إذا ذكر النّدى كفّ المشير
فقال مروان: وددت واللّه أنّه أخذ جائزتي وسكت.
وذكر في القصيدة يحيى بن عبد اللّه بن حسن فقال:
يذلّل من رقاب بني علي ... ومن ليس بالمنّ الصغير
/ مننت على ابن عبد اللّه يحيى ... وكان من الحتوف على شفير [4]
مروان ينشد الرشيد
قال مروان: فما برحت حتى أمرني هارون أمير المؤمنين أن أنشده، وكان يتبسم في وقت ما كان ينشده النمريّ، ويأخذ على بطنه، وينظر إلى ما قال، فأنشدته:
موسى وهارون هما اللذان ... في كتب الأخبار يوجدان
من ولد المهدى مهديّان ... قدّا عنانين على عنان [5]
قد أطلق المهديّ لي لساني ... وشدّ أزري ما به حباني
من اللّجين ومن العقيان ... عيديّة شاحطة الأثمان [6]
لو خايلت دجلة بالألبان [7] ... إذا لقيل اشتبه النهران
النمري لا يحتفل بقول مروان
قال: فو اللّه ما عاج [8] النمريّ بذلك ولا احتفل به، فأومأ إليّ هارون أن زده؛ فأنشدته قصيدتي الّتي أقول فيها:
خلّوا الطريق لمعشر عاداتهم ... حطم المناكب كل يوم زحام
__________
[1] الشطير: البعيد.
[2] الخوص: جمع خوصاء، الناقة لما في عينها من غؤور وصغر، وفي س: «نخوض» بالنون في أوله والضاد المعجمة في آخره، وهو تحريف.
[3] أراد شعرا جزلا هو الغاية في النفاسة. وفي الأصول: «الصخرة الذر». وقد عابه مروان لهذا التعبير الّذي لم يوفق فيه.
[4] شفير كل شي ء: حرفه.
[5] قدا: قيسا وعملا. والعنان بكسر العين هو السير يشد به اللجام. والمعنى أنهما يشبهان المهدي في صفاته.
[6] العيدية: ضرب من نجائب الإبل. وفي الأصول: «عيدته». وشاحط من قولهم شحط فلان في السوم، إذا بلغ أقصى ثمنه. وفي الأصول: «ساخطة الإيمان».
[7] خايلت: فاخرت وبارت. وفي الأصول: «لو حايلت».
[8] عاج: انعطف واهتم بالأمر.
ارضوا بما قسم الإله لكم به ... ودعوا وراثة كلّ أصيد حام [1]
أنّى يكون وليس ذاك بكائن ... لبني البنات وراثة الأعمام
قال: فو اللّه ما عاج بشيء منها، وخرجت الجائزتان، فأعطى مروان مائة ألف، وأعطى النمريّ سبعين ألفا، وقال: أنت مزيد في ولد علي.
قال: ولقد تخلص النمريّ إلى شيء ليس عليه فيه شيء، وهو قوله:
فإن شكروا فقد أنعمت فيهم ... وإلا فالنّدامة للكفور
وإن قالوا بنو بنت فحقّ ... وردّوا ما يناسب للذّكور
قال: فكان مروان يتأسف على هذا المعنى أن يكو قد سبقه إليه، وإلى قوله:
وما لبني بنات من تراث ... مع الأعمام في ورق الزّبور
أخبرني بهذا الخبر محمّد بن عمران الصيرفي، قال: حدّثني الغنوي عن محمّد بن محمّد بن عبد اللّه بن آدم عن أبي معشر العبديّ، فذكر القصة قريبا مما ذكره محمّد بن جعفر النحويّ يزيد وينقص، والمعنى متقارب.
كان هارون الرشيد يحتمل أن يمدح بما يمدح به الأنبياء ويغضب لمن قال كأنه رسول
أخبرني عمي قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد قال: حدّثني محمّد بن عبد اللّه بن طهمان السّلمي قال: حدّثني أحمد بن سيار الشيبانيّ الشاعر قال:
كان هارون أمير المؤمنين يحتمل أن يمدح بما يمدح به الأنبياء فلا ينكر ذلك ولا يردّه؛ حتّى دخل عليه نفر من الشعراء فيهم رجل من ولد زهير بن أبي سلمى، فأفرط في مدحه حتّى قال فيه:
فكأنّه بعد الرسول رسول
فغضب هارون ولم ينتفع به أحد يومئذ، وحرم ذلك الشاعر فلم يعطه شيئا، وأنشد منصور النمري قصيدة مدحه بها وهجا آل علي وثلبهم، فضجر هارون وقال له: يا ابن اللّخناء، أتظنّ أنك تتقرب إليّ بهجاء قوم أبوهم أبي، ونسبهم نسبي، وأصلهم وفرعهم أصلي وفرعي؟! فقال: وما شهدنا إلا بما علمنا. فازداد غضبه، وأمر مسرورا فوجأ [2] في عنقه وأخرج، ثم وصل إليه يوما آخر بعد ذلك فأنشده:
/بني حسن ورهط بني حسين ... عليكم بالسّداد من الأمور
فقد ذقتم قراع بني أبيكم ... غداة الرّوع بالبيض الذّكور [3]
أحين شفوكمو من كلّ وتر ... وضمّوكم إلى كنف وثير [4]
وجادوكم على ظمإ شديد ... سقيتم من نوالهم الغزير [5]
فما كان العقوق لهم جزاء ... بفعلهم وآدى للثؤور [6]
__________
[1] الأصيد: الملك والرافع رأسه كبرا، وحام: هو الّذي يحمي الذمار.
[2] وجأ في عنقه: ضربه.
[3] البيض الذكور: السيوف القوية.
[4] الوتر: الثأر. الكنف الوثير: الجناب اللين.
[5] جاده: أمطره. في الأصول: «و جادتكم».
[6] الثؤور: جمع ثأر.
وإنك حين تبلغهم أذاة ... وإن ظلموا لمحزون الضمير [1]
فقال له: صدقت، وإلا فعليّ وعليّ، وأمر له بثلاثين ألف درهم.
مروان ينشد الرشيد
أخبرني الحسن بن علي قال: حدّثنا يزيد بن محمّد المهلبي قال: حدّثني عبد الصمد بن المعذّل قال:
/ دخل مروان بن أبي حفصة وسلم الخاسر، ومنصور النمري على الرشيد، فأنشده مروان قصيدته الّتي يقول فيها:
أنّى يكون وليس ذاك بكائن ... لبني البنات وراثة الأعمام
وأنشده سلم فقال:
حضر الرّحيل وشدّت الأحداج [2]
وأنشده النمري قصيدته الّتي يقول فيها:
إن المكارم والمعروف أودية ... أحلّك اللّه منها حيث تجتمع
الرشيد يميز شاعره الخاص عن سائر الشعراء
فأمر لكلّ واحد منهم بمائة ألف درهم، فقال له يحيى بن خالد: يا أمير المؤمنين، مروان شاعرك خاصّة قد ألحقتهم به. قال: فليزد مروان عشرة آلاف.
إعجاب الرشيد بشعر منصور
أخبرني عمي قال: أخبرنا ابن أبي سعد قال: حدّثني عليّ بن الحسن الشيبانيّ قال: أخبرني أبو حاتم الطائيّ، عن يحيى بن ضبيئة الطائيّ، عن الفضل قال: حضرت الرشيد وقد دخل منصور النمريّ عليه فأنشده:
ما تنقضي حسرة مني ولا جزع ... إذا ذكرت شبابا ليس يرتجع
بان الشّباب وفاتتني بلذّته ... صروف دهر وأيام لها خدع
ما كنت أو في شبابي كنه غرّته ... حتّى انقضى فإذا الدنيا له تبع
قال: فتحرك الرشيد لذلك ثم قال: أحسن واللّه، لا يتهنّأ أحد بعيش حتّى يخطر في رداء الشباب.
أخبرني عمي قال: حدّثنا ابن سعد قال: حدّثنا محمّد بن عبد اللّه بن آدم العبدي عن أبي ثابت العبديّ عن مروان بن أبي حفصة، قال: خرجنا مع الرشيد/ إلى بلاد الروم، فظفر الرشيد، وقد كاد أن يعطب، لو لا اللّه عز وجل ثم يزيد بن مزيد. فقال لي وللنّمري: أنشدا. فأنشدته قولي:
طرقتك زائرة فحيّ خيالها ... غراء تخلط بالحياء دلالها [3]
ووصفت الرجال من الأسرى كيف أسلموا نساءهم، والظفر الّذي رزقه، فقال: عدّوا قصيدته؛ فكانت مائة بيت، فأمر لي بمائة ألف درهم، ثم قال للنّمري: كيف رأيت فرسي فإني أنكرته؟ فقال النمريّ:
__________
[1] ب، س: «اذاء» وصوابه ما أثبتنا من ش.
[2] الأحداج: جمع حدج بالكسر، وهو المحفة كالهودج.
[3] الغراء: البيضاء.
/
مضزّ على فأس اللجام كأنّه ... إذا ما اشتكت أيدي الجياد يطير [1]
فظلّ على الصّفصاف يوم تباشرت ... ضباع وذؤبان به ونسور [2]
فأقسم لا ينسى لك اللّه أجرها ... إذا قسّمت بين العباد أجور
قال النمريّ: ثم قلت في نفسي: ما يمنعني من إذكاره بالجائزة؟ فقلت:
إذا الغيث أكدى واقشعرّت نجومه ... فغيث أمير المؤمنين مطير [3]
وما حلّ هارون الخليفة بلدة ... فأخلفها غيث وكاد يضير [4]
فقال: أذكرتني. ورأيته متهلّلا لذلك. قال: فألحقني بمروان وأمر لي بمائة ألف درهم.
محمّد الراوية المعروف بالبيدق ينشد قصيدة النمري
أخبرني عمي، قال: حدّثني ابن أبي سعد، قال: حدّثني محمّد بن عبد اللّه بن طهمان، قال حدّثني محمّد الراوية المعروف بالبيدق - وكان قصيرا، فلقب بالبيدق [5] /لقصره، وكان ينشد هارون أشعار المحدثين - وكان أحسن خلق اللّه إنشادا - قال: دخلت على الرشيد وعنده الفضل بن الربيع، ويزيد بن مزيد، وبين يديه خوان لطيف عليه جديان [6] ورغفان سميد [7] ودجاجتان، فقال لي: أنشدني، فأنشدته قصيدة النّمريّ العينية، فلما بلغت إلى قوله:
أيّ امرىء بات من هارون في سخط ... فليس بالصلوات الخمس ينتفع
إن المكارم والمعروف أودية ... أحلّك اللّه منها حيث تتسع
إذا رفعت أمرأ فاللّه يرفعه ... ومن وضعت من الأقوام متضع
نفسي فداؤك والأبطال معلمة ... يوم الوغى والمنايا بينها قرع [8]
قال: فرمى بالخوان بين يديه وصاح، وقال: هذا واللّه أطيب من كل طعام وكل شيء، وبعث إليه بسبعة آلاف دينار، فلم يعطني منها ما يرضيني، وشخص إلى رأس العين، فأغضبني وأحفظني، فأنشدت هارون قوله:
شاء من الناس راتع هامل ... يعللون النفوس بالباطل [9]
فلما بلغت إلى قوله:
إلّا مساعير يغضبون لها ... بسلّة البيض والقنا الذابل [10]
__________
[1] مضز على فأس اللجام: يقال أضز الفرس على اللجام إذا أزم عليه. وفأس اللجام: الحديدة القائمة في الحنك.
[2] «فظل» في كل الأصول بالطاء المهملة، وهو تحريف. والصفصاف: مدينة غزاها سيف الدولة بن حمدان.
[3] أكدى الغيث: منع لم يسقط مطره.
[4] أخلف الغيث: لم يمطر. وكاد يضير: كاد يتلف لغزارته.
[5] البيدق: الصغير الخفيف. واختلفت النسخ فكتب بعضها بالذال المعجمة وبعضها بالمهملة.
[6] في الأصل: «جرمان».
[7] السميد: لباب الدقيق، وهو بالذال المعجمة أفصح.
[8] المعلمة بكسر اللام الّتي أعلمت أنفسها في الحرب بعلامة. وبالفتح أيضا، أي أعلمت بذلك. بينها، أي بين الأبطال. وفي الأصل:
«المنايا صابها فزع». وفي «تاريخ بغداد» 13: 68: «المنايا بينهم فزع». وصواب ما في الأصل ما أثبتنا.
[9] في الأصول: «ساد» صوابه من «تاريخ بغداد» و «الشعر والشعراء» 836 بتحقيق الشيخ أحمد شاكر. والراتع: الّذي يأكل ما شاء في رغد. والهامل: المتروك سدى ولا يعمل.
[10] المساعير: الذين يوقدون نار الحرب، جمع مسعار. سلة البيض: استلال السيوف. والذابل: الدقيق اللاصق الليط، أي القشر.
الرشيد يبعث بمن يقتل النمريّ في يوم وفاته
قال: أراه يحرّض عليّ، أبعثوا إليه من يجيء برأسه. فكلّمه فيه الفضل بن الربيع/ فلم يغن كلامه شيئا، وتوجّه إليه الرسول فوافاه في اليوم الّذي مات فيه ودفن. قال: وكان إنشاد محمّد البيدق يطرب كما يطرب الغناء.
سبب غضب الرشيد على النمري
أخبرني عميّ، قال: حدّثنا ابن أبي سعد، قال: حدّثنا عليّ بن الحسين الشيباني، قال: أخبرني منصور بن جهور، قال: سألت العتابي عن سبب غضب الرشيد عليه، فقال لي: استقبلت منصورا النمري يوما من الأيام فرأيته مغموما واجما كئيبا، فقلت له: ما خبرك؟ فقال: تركت امرأتي تطلق [1]، وقد عسر عليها ولادها، وهي يدي ورجلي، والقيّمة بأمري وأمر منزلي. فقلت له: لم لا تكتب على فرجها «هارون الرشيد»؟ قال: ليكون ماذا؟ قال:
لتلد على المكان، قال: وكيف ذلك؟ قلت: لقولك:
إن أخلف الغيث لم تخلف مخايله ... أو ضاق أمر ذكرناه فيتّسع [2]
/فقال لي: يا كشخان [3]، واللّه لئن تخلصت امرأتي لأذكرنّ قولك هذا للرشيد. فلما ولدت امرأته خبّر الرشيد بما كان بيني وبينه، فغضب الرشيد لذلك وأمر بطلبي، فاستترت عند الفضل بن الربيع، فلم يزل يسأل فيّ حتى أذن لي في الظهور؛ فلما دخلت عليه، قال لي: قد بلغني ما قلته للنمريّ، فاعتذرت إليه حتى قبل، ثم قلت: واللّه يا أمير المؤمنين ما حمله على التكذّب عليّ إلّا وقوفي على ميله إلى العلويّة، فإن أراد أمير المؤمنين أن أنشده شعره في مديحهم فعلت. فقال: أنشدني. فأنشدته قوله:
شاء من الناس راتع هامل ... يعلّلون النفوس بالباطل [4]
/حتى بلغت إلى قوله:
إلا مساعير يغضبون لها ... بسلّة البيض والقنا الذّابل
غضب الرشيد وطلبه نبش جثة النمري
فغضب من ذلك غضبا شديدا، وقال للفضل بن الربيع: أحضره الساعة. فبعث الفضل في ذلك، فوجده قد توفّي، فأمر بنبشه ليحرقه، فلم يزل الفضل يلطف له حتى كفّ عنه.
الفضل بن الربيع يحمى النمري
أخبرني عمي قال حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد قال: حدّثنا يحيى بن الحسن بن عبد الخالق، قال: حدّثني بعض الزينبيّين، قال: حبس الرشيد منصورا النمريّ بسبب الرفض [5]، فتخلّصه الفضل بن الربيع، ثم بلغه شعره في آل عليّ عليه السلام، فقال للفضل: اطلبه. فستره الفضل عنده، وجعل الرشيد يلحّ في طلبه، حتّى قال يوما للفضل:
__________
[1] تطلق بالبناء للمجهول: تعاني وجع الولادة.
[2] مخايله: جمع مخيلة بالفتح، وهي السحابة.
[3] الكشخان بالفتح والكسر: الديوث.
[4] بعده في «الشعر والشعراء»:
تقتل ذرية النبيّ وير ... جون جنان الخلد للقاتل
[5] الرفض: ضرب من التشيع لآل علي. ذكر في «القاموس» أن الروافض كل جند تركوا قائدهم. والرافضة: الفرقة منهم وفرقة من الشيعة بايعوا زيد بن علي ثم قالوا له: تبرأ من الشيخين. فأبى وقال: كانا وزيري جدّي. فتركوه ورفضوه وارفضوا عنه، والنسبة رافضى.
ويحك يا فضل تفوّتني النمريّ؟ قال: يا سيدي، هو عندي قد حصّلته. قال: فجئني. وكان الفضل قد أمره أن يطوّل شعره، ويكثر مباشرة الشمس ليشحب وتسوء حالته، ففعل، فلما أراد إدخاله عليه ألبسه فروة مقلوبة، وأدخله عليه، وقد عفا [1] شعره، وساءت حالته، فلما رآه، قال: السيف! فقال الفضل: يا سيدي من هذا الكلب حتى تأمر بقتله بحضرتك؟ قال: أليس هو القائل:
إلا مساعير يغضبون لها ... بسلّة البيض والقنا الذابل
/ فقال منصور: لا يا سيدي ما أنا قائل هذا، ولقد كذب عليّ، ولكني القائل:
يا منزل الحي ذا المغاني ... انعم صباحا على بلاكا [2]
هارون يا خير من يرجّى ... لم يطع اللّه من عصاكا
في خير دين وخير دنيا ... من اتّقى اللّه واتقاكا
فأمر بإطلاقه وتخلية سبيله، فقال منصور يمدح الفضل بن الربيع:
رأيت الملك مذ آزر ... ت قد قامت محانيه [3]
هو الأوحد في الفضل ... فما يعرف ثانيه
عفة النمري
أخبرني عمي، قال: حدّثنا ابن أبي سعد، قال: حدّثني علي بن مسلم بن الهيثم الكوفيّ عن محمّد بن أرتبيل، قال:
اجتمع عند المأمون قبل خلافته، وذلك في أيام الرشيد، منصور/ النمري والخزيميّ والعباس بن زفر، وعنده جعفر بن يحيى، فحضر الغداء، فأتي المأمون بلون من الطعام، فأكل منه فاستطابه، فأمر به فوضع بين يدي جعفر بن يحيى، فأصاب منه، ثم أمر به فوضع بين يدي العباس فأكل منه، ثم نحّاه، فأكل منه بعده الخزيمي وغيره - ولم يأكل منه النّمري - وذلك بعين المأمون، فقال له: لم لم تأكل؟ فقال: لئن أكلت ما أبقى هؤلاء إني لنهم.
قال: فهل قلت في هذا شيئا؟ قال: نعم، قلت:
لهفي أتطعمها قينسا وآكلها ... إني إذا لدنيء النفس والخطر [4]
ما كان جدي ولا كان الهمام أبي ... ليأكلا سؤر عباس ولا زفر
/ شتان من سؤر عباس وفضلته ... وسؤر كلب مغطّى العين بالوبر [5]
ما زال يلقم والطّباخ يلحظه ... وقد رأى لقما في الحلق كالعجر [6]
__________
[1] عفا شعره: طال وكثر.
[2] البلى: القدم.
[3] آزرت: عاونت وصرت وزيرا. محانيه: معاطفه. وفي الأصول:
رأيت الملك وهذا زر ... ت قد قامت أحانيه
[4] الخطر: القدر والمنزلة.
[5] السؤر: البقية والفضلة.
[6] العجر جمع عجرة: وهي العقدة.
نسبة هذه القصيدة إلى منصور بن بجرة
أخبرني محمّد بن عمران الصيرفيّ وعمي، قالا: حدّثنا الحسن بن عليل العنزي، قال: أخبرني علقمة بن نصر بن واصل النمري، قال: سمعت أشياخنا يقولون: إن منصور بن بجرة بن منصور بن صليل بن أشيم بن قطن بن سعد بن عامر بن الضّحيان بن سعد بن الخزرج بن تيم اللّه بن النمر بن قاسط، قال هذه القصيدة:
ما تنقضي حسرة مني ولا جزع ... إذا ذكرت شبابا ليس يرتجع
بان الشباب وفاتتني بشرّته ... صروف دهر وأيام لها خدع [1]
ما كنت أول مسلوب شبيبته ... مكسوّ شيب فلا يذهب بك الجزع
منصور بن سلمة يستوهبها منه ويطلبه الرشيد ولكنه يرده فيستنجد بيزيد الشيباني فيدخله
فسمعها منصور بن سلمة بن الزبرقان بن شريك بن مطعم الكبش الرخم بن مالك بن سعد بن عامر الضحيان فاستحسنها، فاستوهبها منه فوهبها له، وكان منصور بن بجرة هذا موسرا لا يتصدّى لمدح ولا يفد إلى أحد ولا ينتجعه بالشعر، وكان هارون الرشيد قد جرد السيف في ربيعة، فوجّه منصور بن سلمة هذه القصيدة إلى الرشيد، وكان رجلا تقتحمه [2] العين جدا، ويزدريه من رآه لدمامة خلقه فأمر الرشيد لمّا عرضت عليه بإحضار قائلها. قال منصور: فلما وصلت إليه عرّفني الحاجب أنّه لما عرضت عليه قرأها واختارها على جميع شعر الشعراء جميعا، وأمره بإدخالي، فلما قربت من حاجبه الفضل بن الربيع ازدراني لدمامة خلقي، وكان قصيرا أزرق أحمر أعمش [3] نحيفا. قال: فردّني، وأمر بإخراجي فأخرجت،/ فمرّ بي ذات يوم يزيد بن مزيد الشيبانيّ [4]، فصحت به: يا أبا خالد، أنا رجل من عشيرتك، وقد لحقني ضيم، وعذت بك. فوقف، فعرّفته خبري، وسألته: أن يذكرني إذا مرّت به رقعتي، ويتلطّف في إيصالي، ففعل ذلك، فلمّا دخلت على أمير المؤمنين أنشدته هذه القصيدة:
أتسلو وقد بان الشباب المزايل
الرشيد يرفع السيف عن ربيعة
فقال لي: غدا إن شاء اللّه آمر برفع السيف عن ربيعة - وخرج يزيد يركض، فما جاءت العصر من الغد حتّى رفع السيف عن ربيعة بنصيبين وما يليها، وأنشدته القصيدة، فلما صرت إلى هذا الموضع:
يجرّد فينا السيف من بين مارق ... وعان بجود كلهم متحامل [5]
/
جلساء الرشيد يظنون في هذا البيت حتف منصور
/ قالوا: فلما سمع الجلساء هذا البيت، قالوا: ذهب الأعرابي وافتضح، فلما قلت:
وقد علم العدوان والجور والخنا ... بأنّك عيّاف لهنّ مزايل [6]
ولو علموا فينا بأمرك لم يكن ... ينال بريّا بالأذى متناول
__________
[1] فاتتني: تخطتني ولم تصبني. والشرة: النشاط.
[2] تقتحمه: تتخطاه إلى غيره، وذلك لضعف شأنه.
[3] الأعمش: ضعيف البصر مع سيلان الدمع.
[4] في الأصل: «مزيد بن يزيد الشيباني».
[5] العاني: الأسير. بجود: جمع بجد: الجماعة من الناس. وقد وردت في كل الأصول بالخاء بدل الجيم، والمعنى لا يستقيم بهذا.
[6] العياف: الشديد الكراهة. والمزايل: المفارق.
لنا منك أرحام ونعتدّ طاعة ... وبأسا إذا اصطكّ القنا والقنابل [1]
وما يحفظ الأنساب مثلك حافظ ... ولا يصل الأرحام مثلك واصل [2]
جعلناك، فامنعنا، معاذا ومفزعا ... لنا حين عضتنا الخطوب الجلائل [3]
وأنت إذا عاذت بوجهك عوّذ ... تطامن خوف واستقرّت بلابل [4]
/فقال الجلساء: أحسن واللّه الأعرابيّ يا أمير المؤمنين! فقال الرشيد: يرفع السّيف عن ربيعة ويحسن إليهم.
منصور النمري ينشد الرشيد ومعه الكسائي ويأمر له بجائزة
أخبرني عمي، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد، قال: حدّثني عليّ بن الحسين بن عبيد البكريّ قال: أخبرني أبو خالد الطائي عن الفضل، قال:
كنا عند الرشيد وعنده الكسائي، فدخل إليه منصور النمريّ، فقال له الرّشيد: أنشدني. فأنشده قوله:
ما تنقضي حسرة مني ولا جزع ... إذا ذكرت شبابا ليس يرتجع
فتحرّك الرشيد، ثم أنشده حتى انتهى إلى قوله:
ما كنت أو في شبابي كنه عزّته ... حتّى انقضى فإذا الدّنيا له تبع [5]
فطرب الرّشيد، وقال: أحسنت واللّه، وصدقت، لا واللّه لا يتهنّا أحد يعيش حتى يخطر في رداء الشباب! وأمر به بجائزة سنية.
جماعة من الشعراء يتهكمون بالنمري لعدم اشتراكه في الشراب
أخبرني عمي، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد، قال: حدّثني محمّد بن عبد اللّه بن طهمان السلمي، قال:
حدّثني أحمد بن سنان البيساني، وأخبرني عمي قال: أخبرنا ابن أبي سعد، قال: حدّثنا مسعود بن عيسى، عن موسى بن عبد اللّه التميمي: أن جماعة من الشعراء اجتمعوا ببغداد وفيهم منصور النمري، وكانوا على نبيذ، فأبى منصور أن يشرب معهم، فقالوا له: إنما تعاف الشرب لأنّك رافضي، وتسمع وتصغي إلى الغناء، وليس تركك النبيذ من ورع. فقال منصور:
صوت
خلا بين ندمانيّ موضع مجلسي ... ولم يبق عندي للوصال نصيب
/ وردّت على السّاقي تفيض وربّما ... رددت عليه الكأس وهي سليب [6]
وأيّ امرىء لا يستهشّ إذا جرت ... عليه بنان كفّهنّ خضيب
الغناء لإبراهيم، خفيف ثقيل، مطلق في مجرى البنصر. ومن الناس من ينسبه إلى مخارق، هكذا في الخبر.
__________
[1] القنابل: جمع قنبلة بفتح القاف: الطائفة من الناس والخيل.
[2] في الأصول: «الإنسان».
[3] فامنعنا، بالنون كما في ش، أما في س، ب فبالتاء وهو تصحيف. والجلائل: العظيمات.
[4] عوذ جمع عائذ: هو الملتجى ء. البلابل: الوساوس والهواجس.
[5] الكنه: القدر.
[6] السليب: الفارغ. يعني الكأس. وفي بعض الأصول: «و هو سليب» تحريف. والكأس مؤنثة.
قصيدة للعتابي كتبها إلى منصور النمري
وقد حدّثني علي بن سليمان الأخفض، قال: حدّثنا محمّد بن يزيد المبرّد، قال: كتب كلثوم بن عمرو العتابي إلى منصور النمري قوله:
تقضّت لبانات ولاح مشيب ... وأشفى على شمس النّهار غروب
وودّعت إخوان الصّبا وتصرّمت ... غواية قلب كان وهو طروب [1]
وردّت على الساقي تفيض وربّما ... رددت عليه الكأس وهي سليب
وممّا يهيج الشّوق لي فيردّه ... خفيف على أيدي القيان صخوب [2]
عطون به حتّى جرى في أديمه ... أصابيغ في لبّاتهنّ وطيب [3]
فأجابه النمري وقال:
أوحشة ندمانيك تبكي فربّما ... تلاقيهما والحلم عنك عزوب [4]
ترى خلفا من كل نيل وثروة ... سماع قيان عودهنّ قريب [5]
/يغنيك يا بنتي فتستصحب النّهى ... وتحتازك الآفات حين أغيب [6]
وإنّ امرأ أودى السماع بلبّه ... لعريان من ثوب الفلاح سليب
النمري ينشد يزيد بن مزيد فيعطيه مائة دينار
أخبرني عمي، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد، قال: حدّثنا محمّد بن عبد اللّه بن آدم بن جشم العبدي أبو مسعر، قال: أتى النمري يزيد بن مزيد ويزيد يومئذ في إضاقة [7] وعسرة، فقال: اسمع منّي جعلت فداك. فأنشده قصيدة له، يقول فيها:
لو لم يكن لبني شيبان من حسب ... سوى يزيد لفاتوا الناس في الحسب
تأوي المكارم من بكر إلى ملك ... من آل شيبان يحويهنّ من كثب
أب وعمّ وأخوال مناصبهم ... في منبت النّبع لا في منبت الغرب [8]
إنّ أبا خالد لما جرى وجرت ... خيل الندى أحرز الأولى من القصب
لما تلغّبهنّ الجري قدّمه ... عتق مبين ومحض غير مؤتشب [9]
__________
[1] تصرمت: تقطعت. وفي الأصول «تغرمت». طروب وردت في ب، ج أما في س فهي «حروب».
[2] في الأصول: «فترده» تحريف، أي فيرد الشوق. والخفيف، يعني به العود.
[3] عطون به: تناولنه ومددن أعناقهن. أصابيغ: جمع للصبغ، عنى به الزعفران ونحوه من الطيب ذي اللون. وفي الأصول: «أصابيع» تحريف. واللبات: مواضع النحر.
[4] العزوب: الشديد البعد.
[5] أي قريب المتناول.
[6] تحتازك: تلم بك.
[7] الإضاقة: ذهاب المال والضيق.
[8] الغرب بالتحريك: ضرب من الشجر.
[9] تلغبهن: أطال الطرد. والعنق: الكرم. وغير مؤتشب: غير مختلط.
إن الذين اغتزوا بالحرّ غرّته ... كمغتزي الليث في عرّيسه الأشب [1]
ضربا دراكا وشدّات على عنق ... كأنّ إيقاعها النّيران في الحطب [2]
لا تقربنّ يزيدا عند صولته ... لكن إذا ما احتبى للجود فاقترب [3]
فقال يزيد: واللّه ما أصبح في بيت مالي شيء، ولكن انظر يا غلام كم عندك فهاته. فجاءه بمائة دينار وحلف أنّه لا يملك يومئذ غيرها.
منصور يتحسر على شبابه لما نظرت الغانية إلى غيره
وقد أخبرني عمي بهذا الخبر، قال: حدّثني محمّد بن علي بن حمزة العلوي، قال: حدّثني عمي عن جدي، قال: قال لي منصور النمريّ: كنت واقفا على جسر بغداد أنا وعبيد اللّه بن هشام بن عمرو التغلبي، وقد وخطني الشّيب يومئذ، وعبيد اللّه شابّ حديث السن، فإذا أنا بقصرية [4] ظريفة قد وقفت، فجعلت أنظر إليها وهي تنظر إلى عبيد اللّه بن هشام ثم انصرفت، وقلت فيها:
لمّا رأيت سوام الشيب منتشرا ... في لمّتي وعبيد اللّه لم يشب [5]
سللت سهمين من عينيك فانتضلا ... على سبيبة ذي الأذيال والطرب [6]
كذا الغواني نرى منهن قاصدة ... إلى الفروع معرّاة عن الخشب [7]
لا أنت أصبحت تعتدّيننا أربا ... ولا وعيشك ما أصبحت من أربي [8]
إحدى وخمسين قد أنضيت جدّتها ... تحول بيني وبين اللهو واللعب [9]
/لا تحسبنّي وإن أغضيت عن بصري ... غفلت عنك ولا عن شأنك العجب
ثم عدلت عن ذلك فمدحت فيها يزيد بن مزيد فقلت:
لو لم يكن لبني شيبان من حسب ... سوى يزيد لفاقوا الناس بالحسب
لا تحسب الناس قد حابوا بني مطر ... إذا أسلم الجود فيهم عاقد الطنب
[10]
الجود أخشن لمسا يا بني مطر ... من أن تبزّكموه كفّ مستلب
/ ما أعرف الناس أنّ الجود مدفعة ... للذمّ لكنّه يأتي على النشب [11]
قال: فأعطاني يزيد عشرة آلاف درهم.
__________
[1] اغتزوا: قصدوا. والمغتزي: القاصد. وفي الأصول: «اعتروا» و «كمنتزي». وهاتان الكلمتان محرفتان. والعريس: مأوى الأسد.
والأشب: الشجر الملتف.
[2] الدراك: لحاق الفرس الوحش وإتباع الشيء بعضه بعضا. والعنق بالتحريك: سير سريع.
[3] احتبى بالثوب: اشتمل به، أو جمع بين ظهره وساقيه بعمامة أو غيرها.
[4] القصرية: نسبة إلى القصر، صفة للغانية.
[5] السوام في الأصل: الإبل الراعية، وعنى به الشيب المتفرق في جوانب الرأس. واللمة: الشعر المجاور شحمة الأذن.
[6] انتضلا: خرجا. والسبيبة: الخصلة من الشعر. وفي الأصول: «سبية».
[7] القاصدة: المتجهة. معراة عن الخشب: أي تحب الشباب وبهجته، ولا يروقها كبار السن.
[8] تعتديننا: تعديننا. وفي الأصول: «تعقد بيننا أربا» وفي «تاريخ بغداد»: «تفيدينني»، وصواب هذه الأخيرة: «تعتدينني».
[9] أنضيت: أخلقت وأبليت.
[10] الطنب: حبل طويل يشد به سرادق البيت.
[11] النشب بالشين المعجمة في ش، وبالمهملة في ج، س وهو تحريف. والنشب: المال والعقار.
النمري لم يعد مدحا ولكنه أطال المعنى فيما قال فينال صلة
حدّثني عمي، قال: حدّثني محمّد بن عبد اللّه التميمي الحزنبل، قال: حدّثني عمرو بن عثمان الموصلي، قال حدّثني ابن أبي روق الهمداني، قال:
قال لي منصور النمري: دخلت على الرشيد يوما ولم أكن أعددت له مدحا، فوجدته نشيطا طيّب النفس، فرمت شيئا فما جاءني، ونظر إليّ مستنطقا، فقلت:
إذا اعتاص المديح عليك فامدح ... أمير المؤمنين تجد مقالا [1]
وعذ بفنائه واجنح إليه ... تنل عرفا ولم تذلل سؤالا
فناء لا تزال به ركاب ... وضعن مدائحا وحملن مالا
فقال: واللّه لئن قصّرت القول لقد أطلت المعنى. وأمر لي بصلة سنيّة.
صوت
طربت إلى الحيّ الذين تحمّلوا ... ببرقة أحواذ وأنت طروب [2]
فبتّ أسقّاها سلافا مدامة ... لها في عظام الشّاربين دبيب [3]
الشعر لعبد اللّه بن الحجاج الثعلبي، والغناء لعلّويه، رمل بالوسطى، عن الهشامي، وفيه لسليم خفيف رمل، مطلق في مجرى الوسطى.
__________
[1] أعتاص: تعسر.
[2] أحواذ، جمع حاذ: شجر تألفه بقر الوحش. وبرقة أحواذ: موضع كما في «معجم البلدان». في س: «أحوان» ب «اخوان» محرفتان.
[3] السلاف: الخمر.
12 - نسب عبد اللّه بن الحجاج وأخباره
نسب عبد اللّه بن الحجاج وأخباره
هو عبد اللّه بن الحجاج بن محصن بن جندب بن نصر بن عمرو بن عبد غنم بن جحاش بن بجالة بن مازن بن ثعلبة بن سعد بن ذبيان بن بغيض بن الريث بن غطفان بن سعد بن قيس بن عيلان بن مضر. ويكنى أبا الأقرع. شاعر فاتك شجاع من معدودي فرسان مضر ذوي البأس والنّجدة فيهم، وكان ممّن خرج مع عمرو بن سعيد على عبد الملك بن مروان، فلما قتل عبد الملك بن مروان عمرا خرج مع نجدة بن عامر الحنفيّ ثم هرب، فلحق بعبد اللّه بن الزبير، فكان معه إلى أن قتل، ثم جاء إلى عبد الملك متنكّرا، واحتال عليه حتى أمّنه.
وأخباره تذكر في ذلك وغيره هاهنا.
الحجاج وتسرعه إلى الفتن
أخبرني بخبره في تنقّله من عسكر إلى عسكر، ثم استئمانه، جماعة من شيوخنا، فذكروه متفرّقا فابتدأت بأسانيدهم، وجمعت خبره من روايتهم.
فأخبرنا الحرميّ ابن أبي العلاء، قال: حدّثنا الزبير بن بكار، قال: حدّثني اليزيدي أبو عبد اللّه محمّد بن العباس ببعضه، قال: حدّثني سليمان بن أبي شيخ، قال: حدّثنا يحيى بن سعيد الأموي؛/ وأخبرنا محمّد بن عمران الصيرفي قال: حدّثنا الحسن بن عليل العنزيّ، قال: حدّثنا محمّد بن معاوية الأسدي، قال: حدّثنا محمّد بن كناسة؛ وأخبرني عمي قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد، قال: حدّثني علي بن مسلم بن الهيثم الكوفي عن محمّد بن أرتبيل؛ ونسخت بعض هذه الأخبار من نسخة أبي العباس ثعلب، والألفاظ تختلف في بعضها والمعاني قريبة، قالوا:
كان عبد اللّه بن الحجاج الثعلبي شجاعا فاتكا صعلوكا من صعاليك العرب، وكان متسرعا إلى الفتن، فكان ممن خرج مع عمرو بن سعيد بن العاص، فلما ظفر به عبد الملك/ هرب إلى ابن الزّبير، فكان معه حتّى قتل، ثم اندسّ إلى عبد الملك فكلّم فيه فأمّنه.
دخوله على عبد الملك بتحايل منه أو من غيره
هذه رواية ثعلب، وقال العنزيّ وابن سعد في روايتهما:
لما قتل عبد اللّه بن الزبير، وكان عبد اللّه بن الحجاج من أصحابه وشيعته احتال حتى دخل على عبد الملك بن مروان وهو يطعم الناس، فدخل حجرة، فقال له: مالك يا هذا لا تأكل؟ قال: لا أستحلّ أن آكل حتى تأذن لي.
قال: إنّي قد أذنت للناس جميعا. قال: لم أعلم فآكل بأمرك. قال: كل. فأكل، وعبد الملك ينظر إليه ويعجب من فعاله، فلما أكل الناس [و] جلس عبد الملك في مجلسه، وجلس خواصّه بين يديه، وتفرّق الناس، جاء عبد اللّه بن الحجاج فوقف بين يديه، ثم استأذنه في الإنشاد فأذن له، فأنشده:
أبلغ أمير المؤمنين فإنّني ... مما لقيت من الحوادث موجع
منع القرار فجئت نحوك هاربا ... جيش يجرّ ومقنب يتلمع [1]
فقال عبد الملك: وما خوفك لا أمّ لك، لو لا [2] أنك مريب! فقال عبد اللّه:
إنّ البلاد علي وهي عريضة ... وعرت مذاهبها وسدّ المطلع
فقال له عبد الملك: ذلك بما كسبت يداك، وما اللّه بظلّام للعبيد. فقال عبد اللّه:
كنا تنحّلنا البصائر مرّة ... وإليك إذ عمي البصائر نرجع [3]
إن الّذي يعصيك منا بعدها ... من دينه وحياته متودّع
آتي رضاك ولا أعود لمثلها ... وأطيع أمرك ما أمرت وأسمع
أعطي نصيحتي الخليفة ناخعا ... وخزامة الأنف المقود فأتبع [4]
/فقال له عبد الملك: هذا لا نقبله منك إلا بعد المعرفة بك وبذنبك، فإذا عرفت الحوبةّ قبلنا التوبة. فقال عبد اللّه:
ولقد وطئت بني سعيد وطأة ... وابن الزبير فعرشه متضعضع
فقال عبد الملك: للّه الحمد والمنة على ذلك. فقال عبد اللّه:
ما زلت تضرب منكبا عن منكب ... تعلو ويسفل غيركم ما يرفع
ووطئتم في الحرب حتى أصبحوا ... حدثا يكوس وغابرا يتجعجع [5]
فحوى خلافتهم ولم يظلم بها ... القرم قرم بني قصيّ الأنزع [6]
لا يستوي خاوي نجوم أفّل ... والبدر منبلجا إذا ما يطلع [7]
/وضعت أميّة واسطين لقومهم ... ووضعت وسطهم فنعم الموضع [8]
بيت أبو العاصي بناه بربوة ... عالي المشارف عزّه ما يدفع [9]
فقال له عبد الملك: إنّ توريتك عن نفسك لتريبني، فأيّ الفسقة أنت؟ وماذا تريد؟ فقال:
حربت أصيبيتى يد أرسلتها ... وإليك بعد معادها ما ترجع [10]
__________
[1] المقنب: الخيل زهاء الثلاثين أو ما بين الثلاثين إلى الأربعين تجتمع للغارة. يتلمع: يبرق ويضيء بما فيه من لمعان السيوف والسلاح.
[2] في ح: «إلا».
[3] تنحله وانتحله: ادّعاه لنفسه وهو لغيره. وفي ح: «إن».
[4] في الأصول: «ناجعا»، تحريف. ويقال نخع فلانا الود والنصيحة: أخلصهما له. الخزامة: حلقة في أنف البعير أو في لحمة أنفه.
[5] في الأصل: «يؤس» تحريف. ويكوس، من قولهم كأس البعير: مشى على ثلاث قوائم بعد ما عرقب. يتجعجع: يضرب بنفسه الأرض من وجع.
[6] الأنزع: من ينحسر عنه الشعر من أعلى الجبين حتى يصعد في الرأس. وفي صفة عليّ رضي اللّه عنه «البطين الأنزع». والعرب تحب النزع وتتيمن بالأنزع.
[7] الخاوي من النجوم: الماحل الّذي لا يمطر.
[8] الواسطون: الحيار.
[9] المشارف: الأعالي.
[10] حربت: سلبت المال ولم تترك شيئا. وفي ح، ب بالجيم المعجمة. أصيبيتى: تصغير أصبية بفتح الهمزة وسكون الصاد وكسر الباء جمع صبي.
وأرى الّذي يرجو تراث محمّد ... أفلت نجومهم ونجمك يسطع [1]
/فقال عبد الملك: ذلك جزاء أعداء اللّه. فقال عبد اللّه بن الحجاج:
فانعش أصيبيتى الألاء كأنّهم ... جحل تدرّج بالشرّبة جوّع [2]
فقال عبد الملك: لا أنعشهم اللّه، وأجاع أكبادهم، ولا أبقى وليدا من نسلهم، فإنهم نسل كافر فاجر لا يبالي ما صنع [3]. فقال عبد اللّه:
مال لهم مما يضنّ جمعته ... يوم القليب فحيز عنهم أجمع [4]
فقال له عبد الملك: لعلك أخذته من غير حلّه، وأنفقته في غير حقّه، وأرصدت به لمشاقّة [5] أولياء اللّه، وأعددته لمعاونة أعدائه، فنزعه منك إذ استظهرت به على معصية اللّه. فقال عبد اللّه:
أدنو لترحمني وتجبر فاقتي ... فأراك تدفعني فأين المدفع [6]
فتبسم عبد الملك، وقال له: إلى النار، فمن أنت الآن؟ قال: أنا عبد اللّه بن الحجاج الثعلبيّ، وقد وطئت دارك وأكلت طعامك، وأنشدتك، فإن قتلتني بعد ذلك فأنت وما تراه، وأنت بما عليك في هذا عارف. ثم عاد إلى إنشاده، فقال:
ضاقت ثياب الملبسين وفضلهم ... عنّي فألبسني فثوبك أوسع
فنبذ عبد الملك إليه رداء كان على كتفه، وقال: البسه، لا لبست! فالتحف به، ثم قال له عبد الملك: أولى لك واللّه، لقد طاولتك طمعا في أن يقوم بعض/ هؤلاء فيقتلك، فأبى اللّه ذلك، فلا تجاورني في بلد، وانصرف آمنا، قم حيث شئت.
- قال اليزيدي في خبره: قال عبد اللّه بن الحجاج: ما زلت أتعرّف منه كلّ ما أكره حتى أنشدته قولي:
ضاقت ثياب الملبسين وفضلهم ... عني فألبسني فثوبك أوسع
فرمى عبد الملك مطرفه [7]، وقال: البسه. فلبسته - ثم قال: آكل يا أمير المؤمنين؟ قال: كل. فأكل حتّى شبع، ثم قال: أمنت وربّ الكعبة؟ فقال: كن من شئت إلا عبد اللّه بن الحجاج. قال: فأنا واللّه هو، وقد أكلت طعامك، ولبست ثيابك، فأيّ خوف عليّ بعد ذلك؟ فأمضى له الأمان.
التجاؤه إلى أحيح بن خالد وهجاؤه إياه حين غدر به
ونسخت من كتاب أحمد بن يحيى ثعلب عن ابن الأعرابي، قال:
__________
[1] هذا البيت في كل الأصول، وليس في ح. والّذي هنا بمعنى الذين. كما في قوله تعالى: وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا
وكقول الشاعر:
وإن الّذي حانت بفلج دماؤهم ... هم القوم كل القوم يا أم خالد
[2] الألاء لغة في الألى، مثل ما جاء في قوله:
أبى اللّه للشم الألاء كأنهم ... سيوف أجاد القين يوما صقالها
وروى: «فارحم أصيبيتي هديت فإنهم». الحجل: ضرب من الطير، واسم الجمع منه الحجلى. والبيت في «اللسان» (حجل) برواية: «حجل تدرج». الشربة: الأرض المعشبة لا شجر بها، وموضع بنجد.
[3] الكلام من «و لا أبقى» إلى هنا ساقط من ح.
[4] ورد في ح: «ما إن لهم مما تظن». حيز عنهم: أبعد.
[5] المشاقة: المعاداة والمحاربة.
[6] فأين المدفع: أين الجهة الّتي تدفعني إليها لأنال منها.
[7] المطرف بضم الأوّل وكسره: رداء من خز مربع ذو أعلام.
كان عبد اللّه بن الحجاج قد خرج مع نجدة بن عامر الحنفيّ الشاري، فلما انقضى أمره هرب، وضاقت عليه الأرض من شدّة الطلب، فقال في ذلك:
رأيت بلاد اللّه وهي عريضة ... على الخائف المطرود كفّة حابل [1]
تؤدّي إليه أن كلّ ثنيّة ... تيمّمها ترمي إليه بقاتل [2]
/قال: ثم لجأ إلى أحيح بن خالد بن عقبة بن أبي معيط، فسعى به إلى الوليد بن عبد الملك، فبعث إليه بالشّرط، فأخذ من دار أحيح، فأتي به الوليد فحبسه، فقال وهو في الحبس:
/أقول وذاك فرط الشوق منّي ... لعيني إذ نأت ظمياء فيضي [3]
فما للقلب صبر يوم بانت ... وما للدمع يسفح من مغيض
كأن معتّقا من أذرعات ... بماء سحابة خصر فضيض [4]
بفيها، إذ تخافتني حياء ... بسرّ لا تبوح به خفيض
يقول فيها:
فإن يعرض أبو العبّاس عنّي ... ويركب بي عروضا عن عروض
ويجعل عرفه يوما لغيري ... ويبغضني فإنّي من بغيض
فإنّي ذو غنى وكريم قوم ... وفي الأكفاء ذو وجه عريض
غلبت بني أبي العاصي سماحا ... وفي الحرب المذكّرة العضوض [5]
خرجت عليهم في كلّ يوم ... خروج القدح من كفّ المفيض [6]
فدى لك من إذا ما جئت يوما ... تلّقاني بجامعة ربوض [7]
على جنب الخوان وذاك لؤم ... وبئست تحفة الشيخ المريض [8]
كأني إذ فزعت إلى أحيح ... فزعت إلى مقوقية بيوض [9]
إوزة غيضة لقحت كشافا ... لقحقحها إذا درجت نقيض [10]
__________
[1] الكفة للصائد: حبالته، وهي المصيدة بكسر الميم وسكون الصاد.
[2] تؤدي إليه: تخيل إليه. والثنية: الطريق الصعبة والطريقة في الجبل كالنقب، وقيل هي العقبة، وقيل هي الجبل نفسه.
[3] ظمياء: اسم امرأة. والظمياء من الشفاه: الذابلة في سمرة، ومن العيون: الرقيقة الجفن.
[4] المعتق: الشراب عتق زمانا. وفي ج، س بالباء بدل التاء وهو تصحيف. أذرعات: بلدة بالشام مشهورة بالخمر. والخصر: البارد، وفي ج: «خضر» بالضاد المعجمة وهو تصحيف. والفضيض: المنتشر.
[5] المذكرة العضوض: الشديدة.
[6] المفيض: الّذي يضرب بقداح الميسر ليظهر الفائز وغير الفائز.
[7] الجامعة: الغلّ، الربوض: الضخمة الثقيلة.
[8] التحفة: ما أتحفت به الرجل من طعام ونحوه. وفي الحديث: «تحفة الكبير». وفي كل الأصول: «دسست بخفة». وروى في «الحيوان» (2: 302): «و بئست خبزة».
[9] المقوقية: المصونة.
[10] الكشاف: أن تلقح حين تبيض. والقحقح بضم القافين: العظم المطيف بالدبر. والنقيض: الصوت. وفي هذا البيت إقواء.
/ قال: فدخل أحيح على الوليد بن عبد الملك، فقال يا أمير المؤمنين: إنّ عبد اللّه بن الحجاج قد هجاك، قال: بما ذا؟ فأنشده قوله:
فإن يعرض أبو العبّاس عنّي ... ويركب بي عروضا عن عروض
ويجعل عرفه يوما لغيري ... ويبغضني فإنّي من بغيض
فقال الوليد: وأيّ هجاء هذا! هو من بغيض إن أعرضت عنه، أو أقبلت عليه، أو أبغضته، ثم ماذا؟ فأنشده:
كأني إذ فزعت إلى أحيح ... فزعت إلى مقوقية بيوض
فضحك الوليد، ثم قال: ما أراه هجا غيرك. فلما خرج من عنده أحيح أمر بتخلية سبيل عبد اللّه بن الحجاج، فأطلق. وكان الوليد إذا رأى أحيحا ذكر قول عبد اللّه فيه فيضحك منه.
هجاؤه لكثير بن شهاب بن الحصين
حدّثنا أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ، قال: حدّثنا عمر بن شبّة، قال: حدّثنا خلاد بن يزيد الأرقط عن سالم بن قتيبة. وحدّثني يعقوب بن القاسم الطلحي، قال: حدّثني غير واحد، منهم عبد الرحمن بن محمّد الطّلحيّ، قال: حدّثني أحمد بن معاوية، قال: سمعت أبا علقمة الثقفيّ يحدث. قال أبو زيد [1]: وفي حديث بعضهم ما ليس في حديث الآخر، وقد ألّفت ذلك، قال:
كان [2] كثير بن شهاب بن الحصين بن ذي الغصّة بن يزيد بن شدّاد بن قنان بن سلمة بن وهب بن عبد اللّه بن ربيعة بن الحارث بن كعب، على ثغر الرّيّ، ولّاه إياه المغيرة بن شعبة إذ كان خليفة/ معاوية على الكوفة، وكان عبد اللّه بن/ الحجاج معه، فأغار الناس على الدّيلم، فأصاب عبد اللّه بن الحجاج رجلا منهم، فأخذ سلبه، فانتزعه منه كثير، وأمر بضربه، فضرب مائة سوط، وحبس، فقال عبد اللّه في ذلك [3]، وهو محبوس:
تسائل سلمى عن أبيها صحابه ... وقد علقته من كثير حبائل [4]
فلا تسألي عنّي الرفاق فإنّه ... بأبهر لا غاز ولا هو قافل [5]
أ لست ضربت الدّيلميّ أمامهم ... فجدّلته فيه سنان وعامل [6]
فمكث في الحبس مدة، ثم أخلي سبيله، فقال:
سأترك ثغر الري ما كنت واليا ... عليه لأمر غالني وشجاني
فإن أنا لم أدرك بثأري وأتّئر ... فلا تدعني للصّيد من غطفان [7]
تمنّيتني يا بن الحصين سفاهة ... ومالك بي يا بن الحصين يدان [8]
فإنّي زعيم أن أجللّ عاجلا ... بسيفي كفاحا هامة ابن قنان
__________
[1] أبو زيد: كنية عمر بن شبة.
[2] «كان»، ليس في الأصول، وأثبتناها لتستقيم العبارة.
[3] «في ذلك»: ليست في ج.
[4] الحبائل: جمع حبالة: المصيدة.
[5] فلا تسألي، في ج «فإن». وأبهر: مدينة بين قزوين وزنجان.
[6] جدلته: صرعته. والعامل من الرمح: صدره.
[7] اتئر: أدرك ثأري، ومثله «اثئر» و «اثتئر». انظر «مقاييس اللغة» (ثأر). والصيد، جمع أصيد: وهو الملك.
[8] في الأصول: «تميتنني».
عبد اللّه بن الحجاج يضرب كثيرا بعمود عند خروجه من دار المغيرة
قال: فلما عزل كثير وقدم الكوفة كمن له عبد اللّه بن الحجاج في سوق التّمّارين - وذلك في خلافة معاوية وإمارة المغيرة بن شعبة على الكوفة - وكان كثير يخرج من منزله إلى القصر يحدّث المغيرة، فخرج يوما من داره إلى المغيرة يحدّثه فأطال، وخرج من عنده ممسيا يريد داره، فضربه عبد اللّه بعمود حديد على وجهه فهتّم مقاديم أسنانه كلّها، وقال في ذلك:
/من مبلغ قيسا وخندف أنني ... ضربت كثيرا مضرب الظّربان [1]
فأقسم لا تنفكّ ضربة وجهه ... تذل وتخزي الدّهر كلّ يمان [2]
فإن تلقني تلق أمرأ قد لقيته ... سريعا إلى الهيجاء غير جبان
وتلق أمرأ لم تلق أمّك برّه ... على سابح غوج اللّبان حصان [3]
وحولي من قيس وخندف عصبة ... كرام على البأساء والحدثان
وإن تك للسّنخ الّذي غصّ بالحصى ... فإنّي لقرم يا كثير هجان [4]
أنا ابن بني قيس عليّ تعطفت ... بغيض بن ريث بعد آل دجان
وقال في ذلك أيضا عبد اللّه بن الحجاج:
... من مبلغ قيسا وخندف أنني ... أدركت مظلمتي من ابن شهاب
أدركته أجرى على محبوكة ... سرح الجراء طويلة الأقراب [5]
جرداء سرحوب كأنّ هويّها ... تعلو بجؤجئها هويّ عقاب [6]
خضت الظلام وقد بدت لي عورة ... منه فأضربه على الأنياب
فتركته يكبو لفيه وأنفه ... ذهل الجنان مضرّج الأثواب [7]
/هلا خشيت وأنت عاد ظالم ... بقصور أبهر نصرتي وعقابي [8]
إذ تستحلّ، وكان ذاك مجرّما، ... جلدي وتنزع ظالما أثوابي
ما ضرّه والحرّ يطلب وتره ... بأشمّ لا رعش ولا قبقاب [9]
__________
[1] الظربان: دويبة كالهرة نتنة الرائحة لا تخرج رائحتها من الثوب حتى يبلى. وفي «اللسان»: «و قوله مضرب الظربان، أي ضربته في وجهه، وذلك أن للظربان خطا في وجهه».
[2] تنفك في ش، وفي باقي الأصول بالياء.
[3] غوج بالغين المعجمة. واللبان كسحاب: أي واسع جلد الصدر. والحصان بالكسر: الفرس الذكر أو الكريم المضنون بمائه.
[4] السنخ: الأصل، وجاء في س، ب بالحاء المهملة. والقرم: السيد الشجاع، أي إن نسبتي إلى آباء سادة شجعان. والهجان: الرجل الحسيب.
[5] المحبوكة: الفرس القوية. في بعض الأصول: «مرح» وفي بعضها: «مرخى». والسرح: المنسرحة في سيرها السريعة. والجراء:
الجري. والأقراب: جمع قرب بالضم أو بضمتين: الخاصرة.
[6] الجرداء: قصيرة الشعر. السرحوب: الفرس الطويلة، توصف به الإناث دون الذكور. هويها، يعني به سرعتها. وفي الأصول: «كأن هبوبها». والجؤجؤ: مقدم الصدر.
[7] يكبو: ينكب لوجهه.
[8] نصرتي ويروي: «ثؤرتي» وهي المكافأة بجناية جنيت عليك «مهذب الأغاني».
[9] الحر تصحيح ش، روي في س، ب «الحرب» وهو تحريف. والأشم: ذو الأنفة. وورد في س، ب «بأتم». والرعش: المضطرب.
والقبقاب: الكذاب أو المهذار.
انتصار معاوية لعبد اللّه بن الحجاج
/ قال: فكتب ناس من اليمانية من أهل الكوفة إلى معاوية: إن سيّدنا ضربه خسيس من غطفان، فإن رأيت أن تقيدنا [1] من أسماء بن خارجة. فلما قرأ معاوية الكتاب قال: ما رأيت كاليوم كتاب قوم أحمق من هؤلاء. وحبس عبد اللّه بن الحجاج، وكتب إليهم: «إنّ القود ممن لم يجن محظور، والجاني محبوس، حبسته فليقتصّ منه المجنيّ عليه». فقال كثير بن شهاب: لا أستقيدها إلّا من سيد مضر. فبلغ قوله معاوية فغضب وقال: أنا سيّد مضر فليستقدها مني، وأمّن عبد اللّه بن الحجاج، وأطلقه، وأبطل ما فعله بابن شهاب، فلم يقتصّ ولا أخذ له عقلا.
عفو كثير عن عبد اللّه بن الحجاج
قال أبو زيد: وقال خلّاد الأرقط في حديثه.
إن عبد اللّه بن الحجاج لمّا ضربه بالعمود، قال له: أنا عبد اللّه بن الحجاج صاحبك بالريّ، وقد قابلتك بما فعلت بي، ولم أكن لأكتمك نفسي، وأقسم باللّه لئن طالبت فيها بقود لأقتلنّك. فقال له: أنا أقتصّ من مثلك، واللّه لا أرضى بالقصاص إلا من أسماء بن خارجة! وتكلمت اليمانية وتحارب الناس بالكوفة، فكتب معاوية إلى المغيرة:
أن أحضر كثيرا وعبد اللّه بن الحجاج فلا يبرحان من مجلسك حتى يقتصّ كثير أو يعفو. فأحضرهما المغيرة، فقال:
قد عفوت؟ وذلك/ لخوفه من عبد اللّه بن الحجاج أن يغتاله. قال: وقال لي: يا أبا الأقيرع، واللّه لا نلتقي أنت ونحن جميعا أهتمان، وقد عفوت عنك.
الحراث ينبش قبر جندب بن عبد اللّه بن الحجاج
ونسخت من كتاب ثعلب عن ابن الأعرابي، قال:
كان لعبد اللّه بن الحجاج ابنان يقال لأحدهما: عوين، والثاني جندب، فمات جندب وعبد اللّه حيّ فدفنه بظهر الكوفة، فمرّ أخوه عوين بحرّاث إلى جانب قبر جندب، فنهاه أن يقربه بفدّانه، وحذّره ذلك، فلما كان الغد وجده قد حرث جانبه، وقد نبشه وأضرّبه، فشد عليه فضربه بالسيف وعقر فدانه [2]. وقال:
أقول لحرّاثي حريمي جنّبا ... فدانيكما لا تحرثا قبر جندب [3]
فإنكما إن تحرثاه تشرّدا ... ويذهب فدان منكما كلّ مذهب [4]
عبد اللّه بن الحجاج يستوهب جرم ابنه من عبد الملك
قال: فأخذ عوين، فاعتقله السجّان، فضربه حتّى شغله بنفسه، ثم هرب، فوفد أبوه إلى عبد الملك فاستوهب جرمه فوهبه، وأمر بألّا يتعقّب، فقال عبد اللّه بن الحجاج، يذكر ما كان من ابنه عوين:
لمثلك يا عوين فدتك نفسي ... نجا من كربة إن كان ناجي
عرفتك من مصاص السّنخ لما ... تركت ابن العكامس في العجاج [5]
__________
[1] تقيدنا: أقاد القاتل بالقتيل: قتله، ومعناه هنا القصاص.
[2] الفدان: الثور أو الثوران يقرن بينهما للحرث، أو هو آلة الثورين، يقال بتشديد الدال وبتخفيفها.
[3] فدانيكما بالتثنية، وروى: «فديتكما» («مهذب الأغاني» ج 4 ص 117) 7 ش، ب.
[4] كذا في ج و «مهذب الأغاني»، وفي سائر النسخ: «و يذهب كل».
[5] مصاص السنخ، يقال فلان مصاص قومه، إذا كان أخلصهم نسبا. ويقال للمفرد والمثنى والجمع بلفظ واحد. والسنخ: الأصل، وورد في س، ب بالحاء المهملة، تحريف.
إنشاده عبد الملك أرجوزة يستعطفه بها
قال: ولما وفد عبد اللّه بن الحجاج إلى عبد الملك بسبب ما كان من ابنه عوين مثل بين يديه، فأنشده:
/يابن أبي العاصي ويا خير فتى ... أنت النجيب والخيار المصطفى
أنت الّذي لم تدع الأمر سدى ... حين كشفت الظّلمات بالهدى
ما زلت إن ناز على الأمر انتزى ... قضيته إن القضاء قد مضى [1]
كما أذقت ابن سعيد إذ عصى ... وابن الزبير إذ تسمّى وطغى
/ وأنت إن عدّ قديم وبنى ... من عبد شمس في الشّماريخ العلى [2]
جيبت قريش عنكم جوب الرّحى ... هل أنت عاف عن طريد قد غوى [3]
أهوى على مهواة بئر فهوى ... رمى به جول إلى جول الرجا [4]
فتجبر اليوم به شيخا ذوى ... يعوي مع الذئب إذا الذئب عوى
وإن أراد النوم لم يقض الكرى ... من هول ما لاقى وأهوال الردى
يشكر ذاك ما نفت عين قذى ... نفسي وآبائي لك اليوم الفدا
فأمر عبد الملك بتحمّل ما يلزم ابنه من غرم وعقل، وأمّنه.
مغاضبته عبد العزيز بن مروان، ثم رجوعه إليه
ونسخت من كتاب ثعلب عن ابن الأعرابيّ، قال:
وفد عبد اللّه بن الحجاج إلى عبد العزيز بن مروان ومدحه، فأجزل صلته، وأمره بأن يقيم عنده ففعل، فلما طال مقامه اشتاق إلى الكوفة وإلى أهله، فاستأذن عبد العزيز فلم يأذن له، فخرج من عنده غاضبا، فكتب عبد العزيز إلى أخيه بشر/ أن يمنعه عطاءه، فمنعه، ورجع عبد اللّه لما أضرّ به ذلك إلى عبد العزيز، وقال يمدحه:
تركت ابن ليلى ضلّة وحريمه ... وعند ابن ليلى معقل ومعوّل [5]
أ لم يهدني أنّ المراغم واسع ... وأنّ الديار بالمقيم تنقّل [6]
سأحكم أمري إن بدا لي رشده ... وأختار أهل الخير إن كنت أعقل
وأترك أو طاري وألحق بامرىء ... تحلّب كفاه النّدى حين يسأل [7]
أبت لك يا عبد العزيز مآثر ... وجري شأى جري الجياد وأوّل [8]
__________
[1] النازي: المتوثب. ويقال قضى عليه وقضاه، أي أهلكه.
[2] البنى بكسر الباء وضمها جمع بنية بالكسر والضم: ما بنيته. والشماريخ مفردة شمراخ، وهي رؤوس الجبال وأعالي السحاب.
[3] جيبت بالجيم، ووردت بالحاء تصحيفا. وجاء في حديث أبي بكر رضي اللّه عنه أنه قال للأنصار يوم السقيفة: «إنما جيبت العرب عنا كما جيبت الرحى عن قطبها»، أي خرقت العرب عنا فكنا وسطا وكانت العرب حوالينا كالرحى، وقطبها الّذي تدور عليه.
[4] الجول: جدار البئر. والرجا: ناحية البئر.
[5] المعوّل: ما يعوّل عليه ويعتمد.
[6] المراغم: المهرب والمتسع.
[7] الأوطار: الحاجات.
[8] شأى: سبق.
أبي لك إذ أكدوا وقلّ عطاؤهم ... مواهب فيّاض ومجد مؤثّل [1]
أبوك الّذي ينميك مروان للعلى ... وسعد الفتى بالخال لا من يخوّل [2]
فقال له عبد العزيز: أمّا إذ عرفت موضع خطئك، واعترفت به فقد صفحت عنك. وأمر بإطلاق عطائه، ووصله، وقال له: أقم ما شئت عندنا، أو انصرف مأذونا لك إذا شئت.
عبد اللّه بن الحجاج يعاونه قومه على عمر بن هبيرة
ونسخت من كتابه أيضا:
كان عمر بن هبيرة بن معيّة بن سكين قد ظلم عبد اللّه بن الحجاج حقا له، واستعان عليه بقومه، فلقوه في بعلبك، فعاونوا عبد اللّه بن الحجاج عليه، وفرّقوه [3] بالسياط حتى انتزعوا حقّه منه، فقال عبد اللّه في ذلك:
/ألا أبلغ بني سعد رسولا ... ودونهم بسيطة فالمعاط [4]
أميطوا عنكم ضرط ابن ضرط ... فإنّ الخبث مثلهم يماط [5]
ولي حقّ فراطة أوّلينا ... قديما والحقوق لها افتراط [6]
فما زالت مباسطتي ومجدي ... وما زال التهايط والمياط [7]
وجدّي بالسياط عليك حتّى ... تركت وفي ذناباك انبساط [8]
متى ما تعترض يوما لحقّي ... تلاقك دونه سعر سباط [9]
من الحيّين ثعلبة بن سعد ... ومرة أخذ جمعهم اعتباط [10]
تراهم في البيوت وهم كسالى ... وفي الهيجا إذا هيجوا نشاط
/ والقصيدة الّتي فيها الغناء بذكر أمر عبد اللّه بن الحجاج أولها:
نأتك ولم تخش الفراق جنوب ... وشطّت نوى بالظاعنين شعوب [11]
طربت إلى الحيّ الذين تحمّلوا ... ببرقة أحواز وأنت طروب [12]
فظلت كأنّي ساورتني مدامة ... تمنى بها شكس الطّباع أريب [13]
__________
[1] أكدوا: قل خيرهم وعطاؤهم. وفي س، ب «كروا».
[2] الخال: أخو الأم. ويخول: يدعى أنه خال وليس به. وفي الأصول: «و سعد الفتاة الخال».
[3] التفريق: التخويف. وفي الأصول: «فوّقوه»، تحريف.
[4] بسيطة بلفظ التصغير: أرض في البادية بين الشام والعراق، سلكها أبو الطيب المتنبي لما هرب من مصر. «معجم البلدان».
والمعاط: لعله مكان.
[5] يماط: يكشف.
[6] الفراطة: السابقة. لها افتراط: يخاف فوتها.
[7] التهايط والمياط ضدان، وهما الدنوّ والتباعد.
[8] الذنابي: الذنب.
[9] السعر جمع أسعر: القليل اللحم الظاهر العصب. والسباط: الطوال.
[10] الاعتباط: إلقاء النفس في الحرب غير مكره. ووردت في الأصول بالغين المعجمة محرفة.
[11] شعوب: مفرقة.
[12] برقة أحواز سبق شرحها آخر ترجمة منصور النمري.
[13] ساورتني: أخذت برأسي. والشكس: الصعب الخلق.
تمرّ وتستحلي على ذاك شربها ... لوجه أخيها في الإناء قطوب
كميت إذا صبت وفي الكأس وردة ... لها في عظام الشاربين دبيب [1]
تذكرت ذكرى من جنوب مصيبة ... ومالك من ذكرى جنوب نصيب
/ وأنّى ترجّي الوصل منها وقد نأت ... وتبخل بالموجود وهي قريب
فما فوق وجدي إذ نأت وجد واجد ... من النّاس لو كانت بذاك تثيب [2]
برهرهة خود كأنّ ثيابها ... على الشّمس تبدو تارة وتغيب [3]
وهي قصيدة طويلة.
الحجاج يحرض عبد الملك على قتل عبد اللّه بن الحجاج
ونسخت من كتاب ثعلب عن ابن الأعرابي، قال:
كتب الحجاج إلى عبد الملك بن مروان يعرّفه آثار عبد اللّه بن الحجاج، وبلاءه من محاربته، وأنه بلغه أنه أمّنه، ويحرضه ويسأله أن يوفده [4] إليه ليتولّى قتله، وبلغ ذلك عبد اللّه بن الحجاج، فجاء حتّى وقف بين يدي عبد الملك، ثم أنشده:
أعوذ بثوبيك اللّذين ارتداهما ... كريم الثّنا من جيبه المسك ينفح [5]
فإن كنت مأكولا فكن أنت آكلي ... وإن كنت مذبوحا فكن أنت تذبح
فقال عبد الملك: ما صنعت شيئا. فقال عبد اللّه:
لأنت وخير الظّافرين كرامهم ... عن المذنب الخاشي العقاب صفوح
ولو زلقت من قبل عفوك نعله ... ترامى به دحض المقام بريح [6]
نمى بك إن خانت رجالا عروقهم ... أروم ودين لم يخنك صحيح [7]
وعرف سرى لم يسر في الناس مثله ... وشأو على شأو الرجال متوح [8]
/تداركني عفو ابن مروان بعدما ... جرى لي من بعد الحياة سنيح [9]
رفعت مريحا ناظريّ ولم أكد ... من الهمّ والكرب الشديد أريح
عبد الملك يمنع الحجاج من التعرض لعبد اللّه
فكتب عبد الملك إلى الحجاج: إني قد عرفت من خبث عبد اللّه وفسقه ما لا يزيدني علما به، إلا أنه اغتفلني
__________
[1] الكميت: الّذي خالط حمرتها سواد. والوردة: الحمراء.
[2] الواجد بالجيم: المشوق. وورد في ب، س بالخاء المهملة.
[3] البرهرهة: المرأة البيضاء الشابة والناعمة. والخود بالفتح: الحسنة الخلق الشابة أو الناعمة.
[4] في ح، س: «يفده».
[5] الثناء: ما أثنيت به على المرء من مدح أو ذم.
[6] الدحض بفتح الدال وسكون الحاء: الزلق. وفي الأصول بالراء. والبريح: المتعب.
[7] الأروم جمع أرومة بالفتح والضم: الأصل. وفي الأصول: «و دين لم يجبك»، تحريف.
[8] الشأو: السبق والغاية. والمتوح: البعيد. وروى بالنون في س، ش، ب.
[9] السنيح: السانح. وكانت العرب إذا جرت الطير من شمال الإنسان إلى يمينه تفاءلوا ويسمى بالسانح، فإذا مر من الميامن إلى المياسر تشاءموا ويسمى بالبارح. ويقال: «من لي بالسانح بعد البارح»، أي بالمبارك بعد المشئوم.
متنكّرا، فدخل داري، وتحرّم بطعامي، واستكساني فكسوته ثوبا من ثيابي، وأعاذني فأعذته، وفي دون هذا ما حظر عليّ دمه، وعبد اللّه أقلّ وأذلّ من أن يوقع أمرا، أو ينكث عهدا في قتله خوفا من شره، فإن شكر النعمة وأقام على الطاعة فلا سبيل عليه، وإن كفر ما أوتي وشاقّ اللّه ورسوله وأولياءه فاللّه قاتله بسيف البغي الّذي قتل به نظراؤه ومن هو أشدّ بأسا وشكيمة منه، من الملحدين، فلا تعرض له ولا لأحد من أهل بيته [1] إلا بخير، والسلام.
الوليد وابن هبيرة يأمران عبد اللّه بمبارزة رجل في بركة ماء
أخبرني محمّد بن يحيى الصولي، قال: حدّثنا الحزنبل عن عمرو بن أبي عمرو الشيباني، قال:
كانت في القريتين [2] بركة من ماء، وكان بها رجل من كلب يقال له دعكنة،/ لا يدخل البركة معه أحد إلا غطّه [3] حتى يغلبه، فغطّ يومها فيها رجلا من قيس بحضرة الوليد بن عبد الملك حتّى خرج هاربا، فقال ابن هبيرة وهو جالس عليها يومئذ: اللهم اصبب علينا أبا الأقيرع عبد اللّه بن الحجاج. فكان أوّل رجل انحدرت به راحلته، فأناخها ونزل، فقال ابن هبيرة للوليد: هذا أبو الأقيرع واللّه يا أمير المؤمنين، أيهما أخزى اللّه صاحبه به. فأمره الوليد أن ينحطّ عليه في البركة/ والكلبيّ فيها واقف متعرض للناس وقد صدّوا عنه. فقال له: يا أمير المؤمنين إني أخاف أن يقتلني فلا يرضى قومي إلّا بقتله، أو أقتله فلا ترضي قومه إلّا بمثل ذلك، وأنا رجل بدويّ ولست بصاحب مال. فقال دعكنة: يا أمير المؤمنين هو في حلّ وأنا في حلّ. فقال له الوليد: دونك. فتكأكأ [4] ساعة كالكاره حتى عزم عليه الوليد، فدخل البركة، فاعتنق الكلبيّ وهوى به إلى قعرها، ولزمه حتّى وجد الموت، ثم خلّى عنه، فلما علا غطّه غطّة ثانية، وقام عليه ثم أطلقه حتى تروّح، ثم أعاده وأمسكه حتّى مات، وخرج ابن الحجاج وبقي الكلبيّ، فغضب الوليد وهمّ به، فكلّمه يزيد وقال: أنت أكرهته، أفكان يمكّن الكلبيّ من نفسه حتّى يقتله؟ فكف عنه. فقال عبد اللّه بن الحجّاج في ذلك:
نجّاني اللّه فردا لا شريك له ... بالقريتين ونفس صلبة العود
وذمّة من يزيد حال جانبها ... دوني فأنجيت عفوا غير مجهود [5]
لو لا الإله وصبري في مغاطستي ... كان السليم وكنت الهالك المودي
صوت
يا حبّذا عمل الشيطان من عمل ... إن كان من عمل الشيطان حبّيها [6]
لنظرة من سليمى اليوم واحدة ... أشهى إليّ من الدّنيا وما فيها [7]
الشعر لناهض بن ثومة الكلابيّ، أنشدنيه هاشم بن محمّد الخزاعيّ، قال: أنشدنا الرياشيّ قال: أنشدنا ناهض بن ثومة أبو العطاف الكلابيّ هذين البيتين لنفسه. وأخبرني بمثل ذلك عمي من الكرانيّ عن الرياشي. والغناء لأبي العبيس ابن حمدون ثقيل أوّل ينشد بالوسطى.
__________
[1] فيما عدا ش: «أهله سيئة».
[2] القريتان: قرية بحمص.
[3] غطه: غطسه.
[4] تكأكأ: نكص وجبن.
[5] فأنجيت بالجيم في ش، أما في ح، س فبالحاء، وهو تصحيف.
[6] حبيها: أي حبي إياها.
[7] لنظرة بالنون، وروى في ش، ح بالقاف، وهو تحريف.
13 - أخبار ناهض بن ثومة ونسبه
أخبار ناهض بن ثومة ونسبه
هو ناهض بن ثومة بن نصيح بن نهيك بن إمام بن جهضم بن شهاب بن أنس بن ربيعة بن كعب بن بكر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة. شاعر بدويّ فارس فصيح، من الشعراء في الدولة العباسية، وكان يقدم البصرة فيكتب عنه شعره، وتؤخذ عنه اللغة. روى عنه الرياشي، وأبو سراقة، ودماذ وغيرهم من رواة البصرة. وكان يهجوه رجل من بني الحارث بن كعب، يقال له: نافع بن أشعر الحارثيّ، فأثرى عليه ناهض [1]. فمما قاله في جواب قصيدة هجا بها قبائل قيس، قصيدة ناهض الّتي أوّلها:
/ألا يا أسلما يأيّها الطلان ... وهل سالم باق على الحدثان
أبينا لنا، حبّيتما اليوم، إننا ... مبينان عن ميل بما تسلان
متى العهد من سلمى الّتي بتّت القوى ... وأسماء إن العهد منذ زمان [2]
ولا زال ينهلّ الغمام عليكما ... سبيل الرّبى من وابل ودجان [3]
فإن أنتما بيّنتما أو أجبتما ... فلا زلتما بالنبت ترتديان
وجرّ الحرير والفرند عليكما ... بأذيال رخصات الأكفّ هجان [4]
نظرت ودوني قيد رمحين نظرة ... بعينين إنسانا هما غرقان [5]
إلى ظعن بالعاقرين كأنّها ... قرائن من دوح الكثيب ثمان [6]
/لسلمى وأسماء اللتين أكنّتا ... بقلبي كنيني لوعة وضمان [7]
عسى يعقب الهجر الطويل تدانيا ... ويا ربّ هجر معقب بتداني
__________
[1] فأثرى عليه: كان أكثر منه.
[2] بتت: قطعت. وفي بعض الأصول: «تبت» وفي بعضها «فتت» محرّفتان.
[3] الوابل: المطر الشديد الضخم القطر. والدجان: الأمطار الكثيرة.
[4] الفرند: ضرب من الثياب. والهجان: البيض.
[5] القيد بكسر القاف: القدر والمقدار.
[6] الظعن بضم الأول والثاني جمع ظعينة وهي: الهودج فيه امرأة أم لا، وهي أيضا المرأة ما دامت في الهودج. والعاقرين بفتح الراء:
أرضان في وادي العقيق متكافئتان، ويحيطان بقرية لبني أسد. والقرائن: المتماثلات المتكافئات. والدوح: الشجر. والكثيب:
الرمل.
[7] اللتين في ش، وفي سائر الأصول «البنين» وهو تحريف. كنيني: مثنى كنين، أي مكنون.
خليليّ قد أكثرتما اللوم فاربعا ... كفاني ما بي لو تركت كفاني [1]
إذا لم تصل سلمى وأسماء في الصّبا ... بحبليهما حبلي فمن تصلان
فدع ذا ولكن قد عجبت لنافع ... ومعواه من نجران حيث عواني [2]
عوى أسدا لا يزدهيه عواؤه ... مقيما بلوذي يذبل وذقان [3]
لعمري لقد قال ابن أشعر نافع ... مقالة موطوء الحريم مهان [4]
أيزعم أنّ العامريّ لفعله ... بعاقبة يرمى به الرجوان [5]
ويذكر إن لاقاه زلّة نعله ... فجيء للذي لم يستبن ببيان
كذبت ولكن بابن علبة جعفر ... فدع ما تمنّى زلّت القدمان
أصيب فلم يعقل وطلّ فلم يقد ... فذاك الّذي يخزى به الأبوان [6]
وحقّ لمن كان ابن أشعر ثائرا ... به الطّلّ حتّى يحشر الثّقلان [7]
ذليل ذليل الرهط أعمى يسومه ... بنو عامر ضيما بكل مكان
/ فلم يبق إلّا قوله بلسانه ... وما ضرّ قول كاذب بلسان
هجا نافع كعبا ليدرك وتره ... ولم يهج كعب نافعا لأوان
ولم تعف من آثار كعب بوجهه ... قوارع منها وضّح وقوان [8]
وقد خضّبوا وجه ابن علبة جعفر ... خضاب نجيع لا خضاب دهان [9]
فلم يهج كعبا نافع بعد ضربة ... بسيف ولم يطعنهم بسنان
فما لك مهجى يا بن أشعر فاكتعم ... على حجر واصبر لكل هوان [10]
إذا المرء لم ينهض فيثأر بعمّه ... فليس يجلّى العار بالهذيان
أبي قيس عيلان وعمّي خندف ... ذوا البذخ عند الفخر والخطران [11]
__________
[1] أربعا: أمسكا وتوقفا.
[2] معواه: صوته.
[3] اللوذ: جانب الجبل وما يطيف به. ويذبل وذقان: جبلان.
[4] في الأصول: «لقد كان». الموطوء: المداس المحتقر. في ش «أصرع» وفي ج «أضرع» وإنما هو نافع بن أشعر، كما سبق في أوّل الحديث.
[5] الرجوان، يقال رمى به الرجوان أي استهين به استهزاء وطرح في المهالك. وهو مثل، كأنه رمى به رجوي بئر. والرجا: الناحية، وناحية البئر، والجمع أرجاء.
[6] لم يعقل: لم تؤد ديته. والطل: هدر الدم. لم يقد: يقال أقاد القاتل بالقتيل أي قتله به.
[7] في س، ش «الطل» بالطاء المهملة وفي ج بالمعجمة. وفي الأصل: «ابن أصفر» تحريف.
[8] القوارع: الإصابات. الوضح: جمع واضحة، وهي الشجة الّتي تبدي وضح العظم. والقواني: الشديدة الحمرة.
[9] النجيع: دم الجوف.
[10] اكتعم لم توجد في المعجمات، ويوجد كعم البعير: شدّ فاه لئلا يعض. وفي الأصول: «ابن أصفر».
[11] الخطران: أن يرفع الإنسان رمحه وسيفه مرة ثم يضعهما أخرى، وفي المشي أن يرفع يديه ويضعهما.
إذا ما تجمّعنا وسارت حذاءنا ... ربيعة لم يعدل بنا أخوان
/ أليس نبيّ اللّه منّا محمّد ... وحمزة والعباس والعمران
ومنا ابن عباس ومنا ابن عمّه ... عليّ إمام الحق والحسنان
وعثمان والصّدّيق منا وإننا ... لنعلم أن الحقّ ما يعدان
ومنا بنو العباس فضلا فمن لكم ... هلمّوه أولا ينطقنّ يمان
ناهض ينشد أيوب بن سليمان قصيدة من شعر جدّه نصيح
قال: فأنشد ناهض هذه القصيدة أيوب بن سليمان بن علي بالبصرة، وعنده خال له من الأنصار، فلما ختمها بهذا البيت قال الأنصاري: أخرسنا أخرسه اللّه! وكان جدّه نصيح شاعرا، وهو الّذي يقول:
ألا من لقلب في الحجاز قسيمه ... ومنه بأكناف الحجاز قسيم
/ معاود شكوى أن نأت أمّ سالم ... كما يشتكي جنح الظلام سليم [1]
سليم لصلّ أسلمته لما به ... رقى قلّ عنه دفعها وتميم [2]
فلم ترم الدار البريصاء فالصفا ... صفاها فخلّاها فأين تريم [3]
وقفت عليها بازلا ناهجيّة ... إذا لم أزعها بالزمام تعوم [4]
كنازا من اللاتي كأنّ عظامها ... جبرن على كسر فهنّ عثوم [5]
الفضل بن العباس يتحدث في بداوة ناهض
أخبرني الحسن بن علي الخفّاف، قال: حدّثنا محمّد بن القاسم، قال: حدّثني الفضل بن العباس الهاشمي من ولد قثم بن جعفر بن سليمان عن أبيه، قال:
ناهض يصف وليمة وصف البدوي لما لم يره من قبل
كان ناهض بن ثومة الكلابيّ يفد على جدّي قثم فيمدحه، ويصله جدّي وغيره، وكان بدويّا جافيا كأنّه من الوحش، وكان طيّب الحديث، فحدّثه يوما: أنهم انتجعوا ناحية الشام، فقصد صديقا له من ولد خالد بن يزيد بن معاوية كان ينزل حلب، فإذا نزل نواحيها أتاه فمدحه، وكان برّا به، قال: فمررت بقرية يقال لها قرية بكر بن عبد اللّه
__________
[1] السليم: اللديغ.
[2] الصل: الحية. الرقي: التعاويذ. والتميم: جمع تميمة.
[3] الخل بالفتح: الطريق النافذ في الرمل. وتريم: تفارق.
[4] البازل ورد في س، ب بالنون وهو تصحيف، وهو ما كان من الإبل في السنة التاسعة، وليس بعده سن تسمى. في س، ب، ج:
«لم أردها».
[5] كناز: كثيرة اللحم صلبته. والعثوم: المنجبرة على غير استواء.
الهلالي، فرأيت دورا متباينة وخصاصا [1] قد ضمّ بعضها إلى بعض، وإذا بها ناس كثير مقبلون ومدبرون، عليهم ثياب تحكي ألوان الزهر، فقلت في نفسي: هذا أحد العيدين: الأضحى أو الفطر. ثم ثاب إليّ ما عزب عن عقلي، فقلت: خرجت من أهلي في بادية البصرة في صفر، وقد مضى العيدان قبل ذلك، فما هذا الّذي أرى؟ فبينا أنا واقف متعجّب أتاني رجل فأخذ بيدي،/ فأدخلني دارا قوراء [2]، وأدخلني منها بيتا قد نجّد في وجهه فرش ومهّدت، وعليها شابّ ينال فروع شعره منكبيه، والناس حوله سماطان [3]، فقلت في نفسي: هذا الأمير الّذي حكي لنا جلوسه على الناس وجلوس الناس بين يديه، فقلت وأنا ماثل بين يديه: السلام عليك أيها الأمير ورحمة اللّه وبركاته. فجذب رجل يدي، وقال: اجلس فإن هذا ليس بأمير. قلت: فما هو؟ قال: عروس. فقلت: واثكل أمّاه، لربّ عروس رأيته بالبادية أهون على أهله من هن أمه [4]. فلم أنشب [5] أن دخل رجال يحملون هنات [6] مدوّرات، أمّا ما خفّ منها فيحمل حملا، وأما ما كبر وثقل فيدحرج فوضع ذلك أمامنا، وتحلّق القوم عليه حلقا، ثم أتينا بخرق بيض فألقيت بين أيدينا، فظننتها ثيابا، وهممت أن أسأل القوم منها خرقا أقطّعها قميصا، وذلك أني رأيت نسجا متلاحما/ لا يبين له سدى ولا لحمة، فلما بسطه القوم بين أيديهم إذا هو يتمزّق سريعا، وإذا هو - فيما زعموا - صنف من الخبز لا أعرفه؛ ثم أتينا بطعام كثير بين حلو وحامض، وحار وبارد؛ فأكثرت منه وأنا لا أعلم ما في عقبه من التّخم والبشم؛ ثم أتينا بشراب أحمر في عساس [7]، فقلت: لا حاجة لي فيه، فإني أخاف أن يقتلني. وكان إلى جانبي رجل ناصح لي أحسن اللّه جزاءه، فإنه كان ينصح لي من بين أهل المجلس، فقال: يا أعرابي إنك قد أكثرت من الطعام، وإن شربت الماء همى [8] بطنك. فلما ذكر البطن تذكّرت شيئا أوصاني به أبي والأشياخ من أهلي، قالوا: لا تزال حيّا ما كان بطنك شديدا فإذا اختلف فأوص [9]. فشربت من ذلك الشراب لأتداوى به، وجعلت أكثر منه فلا أملّ شربه، فتداخلني من ذلك/ صلف لا أعرفه من نفسي، وبكاء لا أعرف سببه ولا عهد لي بمثله، واقتدار على أمري أظنّ معه أني لو أردت نيل السّقف لبلغته، ولو ساورت [10] الأسد لقتلته، وجعلت ألتفت إلى الرجل الناصح لي فتحدّثني نفسي بهتم أسنانه وهشم أنفه، وأهمّ أحيانا أن أقول له: يا ابن الزانية! فبينا نحن كذلك إذ هجم علينا شياطين أربعة، أحدهم قد علّق في عنقه جعبة فارسيّة مشنّجة [11] الطرفين دقيقة الوسط، مشبوحة بالخيوط شبحا منكرا؛ ثم بدر الثاني فاستخرج من كمّه هنة سوداء كفيشلة الحمار [12]، فوضعها في فيه، وضرط ضراطا لم أسمع - وبيت اللّه - أعجب منه، فاستتمّ بها أمرهم، ثم حرّك أصابعه على أجحرة فيها فأخرج منها أصواتا ليس كما بدأ
__________
[1] الخصاص: البيوت من القصب، جمع خص.
[2] القوراء: واسعة.
[3] السماطان: الصفان.
[4] الهن: الفرج.
[5] فلم أنشب، يقال ما نشبت أفعل كذا أي ما زلت.
[6] هنات: أشياء، جمع هنة.
[7] عساس بكسر العين جمع عس بالضم: هي القداح الكبيرة.
[8] همى بطنه: أي انطلق.
[9] اختلف: أصابه إسهال.
[10] ساورت الأسد: واثبته. وفي ب، س: «شأوت».
[11] المشنجة: المنقبضة.
[12] الفيشلة: الحشفة ورأس كل مدور.
تشبه بالضراط ولكنّه أتى منها لمّا حرك أصابعه بصوت عجيب متلائم متشاكل بعضه لبعض، كأنه، علم اللّه، ينطق.
ثم بدا ثالث كزّ [1] مقيت عليه قميص وسخ، معه مرآتان، فجعل يصفّق بيديه إحداهما على الأخرى فخالطتا بصوتهما ما يفعله الرجلان [2]، ثم بدا رابع عليه قميص مصون وسراويل مصونة وخفان أجذمان [3] لا ساق لواحد منهما، فجعل يقفز كأنه يثب على ظهور العقارب، ثم التبط [4] به على الأرض، فقلت: معتوه وربّ الكعبة! ثم ما برح مكانه حتّى كان أغبط القوم عندي. ورأيت القوم يحذفونه [5] بالدراهم حذفا منكرا، ثم أرسل النساء إلينا: أن أمتعونا/ من لهوكم هذا. فبعثوا بهم، وجعلنا نسمع أصواتهنّ من بعد، وكان معنا في البيت شابّ لا آبه [6] له، فعلت الأصوات بالثناء عليه والدعاء، فخرج فجاء بخشبة عيناها في صدرها، فيها خيوط أربعة، فاستخرج من خلالها عودا فوضعه خلف أذنه، ثم عرك آذانها وحرّكها بخشبة في يده فنطقت - وربّ الكعبة - وإذا هي أحسن قينة [7] رأيتها قطّ، وغنّى عليها، فأطربني حتى استخفني من مجلسي، فوثبت فجلست بين يديه، وقلت: بأبي أنت وأمي، فما هذه الدابة فلست أعرفها للأعراب وما أراها خلقت إلا قريبا. فقال: هذا البربط؟ [8] فقلت بأبي أنت وأمّي، فما هذا الخيط الأسفل؟ قال: الزير [9]. قلت: فالذي يليه؟ قال: المثنى [10]. قلت: فالثالث؟ المثلث [11]. قلت: فالأعلى؟ قال:
البمّ [12]. قلت: آمنت باللّه أوّلا، وبك ثانيا، وبالبربط ثالثا، وبالبم رابعا.
قال: فضحك أبي، واللّه، حتّى سقط، وجعل ناهض يعجب من ضحكه، ثم كان بعد ذلك يستعيده هذا/ الحديث، ويطرف به إخوانه فيعيده ويضحكون منه.
وقد أخبرني بهذا الخبر أحمد بن عبد العزيز الجوهري، قال: حدّثنا عليّ بن محمّد النوفليّ، عن أبيه، قال:
كان محمّد بن خالد بن يزيد بن معاوية بحلب، فأتاه أعرابيّ، فقال له: حدّث أبا عبد اللّه - يعني الهيثم بن النّخعي - بما رأيت في حاضر المسلمين. فحدثه بنحو من هذا الحديث، ولم يسمّ الأعرابيّ باسمه، وما أجدره بأن يكون لم يعرفه باسمه ونسبه أو لم يعرفه الّذي حدّث به النوفلي عنه.
الكعبي يستعدي قومه بني كلاب على من عقر إبله
نسخت من كتاب لعلي بن محمّد الكوفي فيه شعر ناهض بن ثومة قال: كان رجل من بني كعب قد تزوّج امرأة من بني كلاب، فنزل فيهم ثم أنكر منها بعض ما ينكره الرجل من زوجته فطلّقها، وأقام بموضعه في بني كلاب، وكان لا يزالون يستخفّون به ويظلمونه، وإن رجلا منهم أورد إبله الماء فوردت إبل الكعبيّ عليها، فزاحمته، لكنها
__________
[1] الكز: الجهم المنقبض. والمقيت: الممقوت.
[2] في الأصول: «فخالطت بصوته».
[3] الأجذمان: من قولهم «أجذم»، أي مقطوع اليد.
[4] التبط به، المعروف «لبط به» أي صرع.
[5] يحذفونه: يرمونه.
[6] لا آبه له: لا أفطن أو نسيته ثم فطنت له.
[7] القينة: المغنية.
[8] البربط: العود.
[9] الزير: أدق أوتار العود.
[10] المثنى: من أوتار العود بعد الأوّل.
[11] المثلث من أوتار العود.
[12] البم: الوتر الغليظ من أوتار المزهر.
ألقته على ظهره فتكشّف، فقام مغضبا بسيفه إلى إبل الكعبي، فعقر منها عدّة، وجلاها عن الحوض، ومضى الكعبيّ مستصرخا بني كلاب على الرجل، فلم يصرخوه، فساق باقي إبله واحتمل بأهله حتى رجع إلى عشيرته، فشكا ما لقى من القوم واستصرخهم، فغضبوا له، وركبوا معه حتى أتوا حلّة بني كلاب، فاستاقوا إبل الرجل الّذي عقر لصاحبهم، ومضى الرجل فجمع عشيرته، وتداعت هي وكعب للقتال، فتحاربوا في ذلك حربا شديدا، وتمادى الشرّ بينهم، حتى تساعى حلماؤهم في القضية، فأصلحوها على أن يعقل القتلى والجرحى، وتردّ الإبل، وترسل من العاقر عدة الإبل الّتي عقرها للكعبي، فتراضوا بذلك واصطلحوا، وعادوا إلى الألفة، فقال في ذلك ناهض بن ثومة:
أمن طلل بأخطب أبّدته ... نجاء الوبل والدّيم النّضاح [1]
ومرّ الدهر يوما بعد يوم ... فما أبقى المساء ولا الصباح
فكل محلّة عنيت بسلمى ... لريدات الرياح بها نواح [2]
تطلّ على الجفون الحزن حتى ... دموع العين ناكزة نزاح [3]
/و هي طويلة يقول فيها:
هنيئا للعدى سخط ورغم ... وللفرعين بينهما اصطلاح
وللعين الرقاد فقد أطالت ... مساهرة وللقلب انتجاح
وقد قال العداة نرى كلابا ... وكعبا بين صلحهما افتتاح
تداعوا للسّلام وأمر نجح ... وخير الأمر ما فيه النجاح
ومدّوا بينهم بحبال مجد ... وثدي لا أجدّ ولا ضياح [4]
أ لم تر أنّ جمع القوم يحشى ... وأن حريم واحدهم مباح
وأن القدح حين يكون فردا ... فيهصر لا يكون له اقتداح [5]
وإنك إن قبضت بها جميعا ... أبت ما سمت واحدها القداح
/ أنا الخطّار دون بني كلاب ... وكعب إن أتيح لهم متاح [6]
أنا الحامي لهم ولكل قرم ... أخ حام إذا جد النّضاح [7]
أنا الليث الّذي لا يزدهيه ... عواء العاويات ولا النّباح
سل الشعراء عني هل أقرت ... بقلبي أو عفت لهم الجراح [8]
__________
[1] أخطب: اسم جبل بنجد. وأبدته: أوحشته. نجاء بالنون والجيم: جمع نجو، وهو السحاب الّذي قد هراق ماءه. والديم: جمع ديمة، وفي الأصل: «الضيم». والنضاح: الّتي تنضح بالماء، ووردت في الأصول بالصاد المهملة.
[2] عنيت: عمرت، في ش، ج بالعين المهملة وهو تصحيف. الريدات: جمع ريدة، وهي الريح الكثيرة الهبوب. وفي الأصول:
«لريدان».
[3] تطل في س، ش بالطاء المهملة، أما في ج فالظاء المعجمة. أراد أنها تهدر الحزن وتبطله، وذلك لكثرة ما استنزفت من الدمع.
والناكزة: الّتي فني ماؤها، والنزاح كذلك.
[4] الأجد: المقطوع. والضياح: اللبن الرقيق الممزوج.
[5] القدح: العود. ويهصر: يكسر. والاقتداح: الضرب به.
[6] الخطار: الّذي يخطر بالسيف ويهزه معجبا. والمتاح: ما يتاح ويقدر.
[7] القرم: السيد. النضاح: الدفاع، يقال هو يناضح عن قومه، أي يذب عنهم.
[8] عفت: زالت وانقطعت.
فما لكواهل الشّعراء بدّ ... من القتب الّذي فيه لحاح [1]
ومن توريك راكبه عليهم ... وإن كرهوا الركوب وإن ألاحوا [2]
ما وقع بين بني نمير وبني كلاب وشعر ناهض في ذلك
ونسخت من هذا الكتاب الّذي فيه شعره، أنّ وقعة كانت بين بني نمير وبني كلاب بنواحي ديار مضر، وكانت لكلاب على بني نمير؛ وأن نميرا استغاثت ببني تميم، ولجأت إلى مالك بن زيد سيد تميم يومئذ بديار مضر، فمنع تميما من إنجادهم، وقال: ما كنا لنلقى بين قيس وخندف دماء نحن عنها أغنياء، وأنتم وهم لنا أهل وإخوة، فإن سعيتم في صلح عاونّا، وإن كانت حمالة [3] أعنّا، فأمّا الدماء فلا مدخل لنا بينكم فيها. فقال ناهض بن ثومة في ذلك:
سلام اللّه يا مال بن زيد ... عليك وخير ما أهدى السلاما
تعلم أينا لكم صديق ... فلا تستعجلوا فينا الملاما
ولكنا وحيّ بني تميم ... عداة لا نرى أبدا سلاما
وإن كنا تكاففنا قليلا ... كحرف السّيف ينهار انهداما [4]
وهيض العظم يصبح ذا انصداع ... وقد ظنّ الجهول به التئاما [5]
فلن ننسى الشباب المرد منّا ... ولا الشّيب الجحاجح والكراما [6]
ونوح نوائح منّا ومنهم ... مآتم ما تجفّ لهم سجاما [7]
فكيف يكون صلح بعد هذا ... يرجّي الجاهلون لهم تماما
ألا قل للقبائل من تميم ... وخصّ لمالك فيها الكلاما
فزيدوا يا بني زيد نميرا ... هوانا إنه يدني الفطاما
ولا تبقوا على الأعداء شيئا ... أعزّ اللّه نصركم وداما
/ وجدت المجد في حيّي تميم ... ورهط الهذلق الموفي الذماما [8]
نجوم القوم ما زالوا هداة ... وما زالوا لآبيهم زماما [9]
هم الرأس المقدم من تميم ... وغاربها وأوفاها سناما [10]
إذا ما غاب نجم آب نجم ... أغرّ نرى لطلعته ابتساما
__________
[1] القتب: الرحل. اللحاح: العقر والكسر.
[2] التوريك: الاعتماد على الورك. وألاحوا: أعرضوا.
[3] الحمالة: الدية الّتي يحملها قوم عن قوم.
[4] تكاففنا: كف بعضنا عن بعض. السيف بكسر السين: جانب الشاطى ء.
[5] الهيض: الكسر بعد الجبور.
[6] الجحاجح: السادة من القوم، جمع جحجح.
[7] السجام، يقال سجم العين والدمع والماء يسجم سجوما وسجاما، إذا سال.
[8] الهذلق: هو ابن بشير أخو بني عتيبة ابن الحارث بن شهاب.
[9] الآبي: الكاره.
[10] الغارب: الكاهل أو ما بين السنام والعنق.
فهذي لابن ثومة فانسبوها ... إليه لا اختفاء ولا اكتتاما [1]
وإن رغمت لذاك بنو نمير ... فلا زالت أنوفهم رغاما [2]
قال: يعني بالهذلق الهذلق بن بشير، أخا بني عتيبة بن الحارث بن شهاب، وابنيه علقمة وصباحا.
فخر ناهض بقومه
قال: وكانت بنو كعب قد اعتزلت الفريقين فلم تصب كلابا ولا نميرا، فلما ظفرت كلاب قال لهم ناهض:
/ألا هل أتى كعبا على نأي دراهم ... وخذلانهم أنا سررنا بني كعب
بما لقيت منا نمير وجمعها ... غداة أتينا في كتائبنا الغلب [3]
فيالك يوما بالحمى لا نرى له ... شبيها وما في يوم شيبان من عتب
أقامت نمير بالحمى غير رغبة ... فكان الّذي نالت نمير من النهب
رؤوس وأوصال يزايل بينها ... سباع تدلّت من أبانين والهضب [4]
/لنا وقعات في نمير تتابعت ... بضيم على ضيم ونكب على نكب [5]
وقد علمت قيس بن عيلان كلّها ... وللحرب أبناء بأنا بنو الحرب
أ لم ترهم طرّا علينا تحزّبوا ... وليس لنا إلا الرّدينّى من حزب [6]
وإنا لنقتاد الجياد على الوجى ... لأعدائنا من لا مدان ولا صقب [7]
ففي أي فجّ ما ركزنا رماحنا ... مخوف بنصب للعدا حين لا نصب [8]
شعر عمارة في تحريض كعب وكلاب على بني نمير
أخبرنا جعفر بن قدامة بن زياد الكاتب، قال: حدّثني أبو هفّان، قال: حدّثني غرير بن ناهض بن ثومة الكلابي، قال: كان شاعر من نمير يقال له: رأس الكبش، قد هاجى عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير زمانا، وتناقضا الشعر بينهما مدة، فلما وقعت الحرب بيننا وبين بني نمير قال عمارة يحرّض كعبا وكلابا ابني ربيعة على بني نمير في هذه الحرب الّتي كانت بينهم، فقال:
رأيتكما يا بني ربيعة خرتما ... وعوّلتما والحرب ذات هرير [9]
وصدقتما قول الفرزدق فيكما ... وكذبتما بالأمس قول جرير
__________
[1] الاكتتام: الاختفاء.
[2] رغم: ذل. وأنوفهم رغام أي ذليلة.
[3] في الأصول: «في كتائبها القلب». والغلب: جمع غلباء، وهي العزيزة الممتنعة.
[4] يزايل: يفرق. الأبانان: جبلان يقال لأحدهما: الأبان الأبيض وهو لبني فزارة، ثم لبني جريد منهم، والأبان الأسود لبني أسد، ثم لبني والبة، ثم للحارث بن ثعلبة بن دودان بن أسد. وقال صاحب «اللسان»: «إن الأبيض لبني أسد والأسود لبني فزارة».
[5] النكب كالنكبة، وهي المصيبة.
[6] الرديني: الرمح المنسوب إلى (ردينة)، وهي امرأة كانت تقوم الرماح.
[7] الوجى: الحفا، وهو أن يرق القدم أو الحافر، وفي «الصحاح»: هو الوجع، والمداني: القريب، وكذلك الصقب.
[8] النصب: يقال نصبه الشر وناصبه، إذا أظهره له.
[9] خرتما: ضعفتما. وعوّل الرجل: رفع صوته بالبكاء والصياح. وفي كل الأصول: «و عوّدتما».
فإن أنتما لم تقذعا الخيل بالقنا ... فصيرا مع الأنباط حيث تصير [1]
تسومكما بغيا نمير هضيمة ... ستنجد أخبار بهم وتغور [2]
/قال: فارتحلت كلاب حين أتاها هذا الشعر، حتى أتوا نميرا وهم في هضبات يقال لهنّ واردات [3]، فقتلوا واجتاحوا، وفضحوا نميرا، ثم انصرفوا، فقال ناهض بن ثومة يجيب عمارة عن قوله:
يحضضنا عمارة في نمير ... ليشغلهم بنا وبه أرابوا [4]
ويزعم أننا حزنا وأنا ... لهم جار المقربة المصاب
سلوا عن نميرا هل وقعنا ... بنزوتها الّتي كانت تهاب
أ لم تخضع لهم أسد ودانت ... لهم سعد وضبة والرباب
ونحن نكرّها شعثا عليهم ... عليها الشّيب منا والشباب
رغبنا عن دماء بني قريع ... إلى القلعين إنهما اللباب [5]
صبحناهم بأرعن مكفهرّ ... يدف كأن رايته العقاب [6]
أجشّ من الصواهل ذي دويّ ... تلوج البيض فيه والحراب [7]
فأشعل حين حلّ بواردات ... وثار لنقعه ثمّ انصباب [8]
صبحناهم بها شعث النواصي ... ولم يفتق من الصبح الحجاب
/ فلم تغمد سيوف الهند حتى ... تعيلت الحليلة والكعاب [9]
صوت
أعرفت من سلمى رسوم ديار ... بالشط بين مخفّق وصحار [10]
__________
[1] القذع: الكف والمنع، ومثله القدع، بالدال المهملة. فصيرا في س، ش، وفي ج «فصيروا» وهو تحريف. النبط: جيل من العجم ينزل بين العراقين سموا بذلك لكثرة النبط عندهم وهو الماء، واستعمل في أخلاط الناس وعوامهم، ومنه كلمة نبطية أي عامية، في «تصير» إقواء، وكذلك في «تغور» في البيت التالي.
[2] تنجد: تأتي نجدا. تغور: تأتي الغور.
[3] واردات: اسم مكان عن يسار طريق مكة للذاهب إليها، وقال أبو عبيدة إنها عن يمين سميراء، ويوم واردات معروف بين بكر وتغلب قتل فيه بجير بن الحارث بن عباد بن مرة. وفيه يقول المهلهل:
فإني قد تركت بواردات ... بجيرا في دم مثل العبير
[4] يحضضنا: يحملنا عليهم. أرابوا: تشككوا.
[5] القلعان: هما صلاءة وشريح ابنا عمرو بن خويلفة بن عبد اللّه بن الحارث بن نمير.
[6] الأرعن: يقال جيش رعن أي له فصول. يدف: يدب ويسير بلين.
[7] الأجش: الغليظ الصوت.
[8] أشعلت الغارة: تفرقت.
[9] تعيلت: أهملت لموت عائلها. والكعاب: من نهد ثديها وبرز.
[10] الشط: موضع باليمامة. والمخفق: رمل في أسفل الدهناء من ديار بني سعد.
وكأنما أثر النعاج بجوّها ... بمدافع الرّكبين ودع جواري [1]
وسألتها عن أهلها فوجدتها ... عمياء جاهلة عن الأخبار
فكأنّ عيني غرب أدهم داجن ... متعوّد الإقبال والإدبار [2]
الشعر للمخبل السعدي، والغناء لإبراهيم، هزج بإطلاق الوتر في مجرى البنصر عن إسحاق. قال الهشامي:
فيه لإبراهيم ثقيل أوّل، ولعنان بنت خوط خفيف رمل.
__________
[1] الجوّ: ما اتسع من الأرض واطمأن وبرز. والمدافع: جمع مدفع، وهو مسيل الوادي. والركبان: موضع.
[2] الغرب: الدلو العظيمة. والأدهم: الأسود، عنى به البعير. والداجن: البعير الساني، أي الّذي يستقى عليه.
14 - أخبار المخبل [1] ونسبه
أخبار المخبل ونسبه
قال ابن الكلبي: اسمه الربيع بن ربيعة، وقال ابن دأب: اسمه كعب بن ربيعة. وقال ابن حبيب وأبو عمرو:
اسمه ربيعة بن مالك بن ربيعة بن عوف بن قتال [2] بن أنف الناقة بن قريع بن عوف بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم. شاعر فحل، من مخضرمي الجاهلية والإسلام، ويكنى أبا يزيد. وإياه عنى الفرزدق بقوله:
وهب القصائد لي النوابغ إذ مضوا ... وأبو يزيد وذو القروح وجرول
طبقته في الشعراء
ذو القروح: امرؤ القيس. وجرول: الحطيئة. وأبو يزيد: المخبل. وذكره ابن سلام فجعله في الطبقة الخامسة من فحول الشعراء، وقرنه بخداش بن زهير، والأسود بن يعفر، وتميم بن مقبل. وهو من المقلين، وعمر في الجاهلية والإسلام عمرا كثيرا، وأحسبه مات في خلافة عمر أو عثمان (رضي اللّه عنهما) وهو شيخ كبير. وكان له ابن، فهاجر إلى الكوفة في أيام عمر فجزع عليه جزعا شديدا، حتى بلغ خبره عمر، فردّه عليه.
جزعه على ولده شيبان حين هاجر
أخبرني محمّد بن الحسن بن دريد. قال: حدّثنا عبد الرحمن بن أخي الأصمعي عن عمه، وأخبرني به هاشم بن محمّد الخزاعي عن أبي غسان دماذ، عن ابن الأعرابي قال:
هاجر شيبان بن المخبل السعدي، وخرج مع سعد بن أبي وقاص لحرب الفرس، فجزع عليه المخبّل جزعا شديدا، وكان قد أسنّ وضعف، فافتقر/ إلى ابنه فافتقده، فلم يملك الصبر عنه، فكاد أن يغلب على عقله، فعمد إلى إبله وسائر ماله فعرضه ليبيعه ويلحق بابنه، وكان به ضنينا، فمنعه علقمة بن هوذة بن مالك، وأعطاه مالا وفرسا، وقال: أنا أكلّم أمير المؤمنين عمر في ردّ ابنك، فإن فعل غنمت مالك. وأقمت في قومك، وإن أبي استنفقت ما أعطيتك ولحقت به، وخلّفت إبلك لعيالك. ثم مضى إلى عمر - رضوان اللّه عنه - فأخبره خبر المخبّل، وجزعه على ابنه، وأنشده قوله:
أيهلكني شيبان في كلّ ليلة ... لقلبي من خوف الفراق وجيب [3]
أشيبان ما أدراك أنّ كلّ ليلة ... غبقتك فيها والغبوق حبيب [4]
غبقتك عظماها سناما أو انبرى ... برزقك برّاق المتون أريب [5]
__________
[1] المخبل بفتح الباء المشددة: اسم مفعول من خبله تخبيلا. وفي الشعراء من يقال له المخبل غير هذا ثلاثة. وهم المخبل الزهيري والثمالي وكعب المخبل. «المؤتلف والمختلف للآمدي» 177.
[2] في الأصول: «ابن قبال» صوابه بالتاء كما في «المؤتلف» و «الخزانة» (2: 535).
[3] في ح: «أهلكني». والوجيب: الخفقان.
[4] الغبوق: الشرب في العشي.
[5] عظماها: تفضيل من العظم. براق المتون: عنى به السيف. الأريب: المغتال.
/
أشيبان إن تأبى الجيوش بحدّهم ... يقاسون أياما لهنّ حطوب [1]
ولا همّ إلا البزّ أو كلّ سابح ... عليه فتى شاكي السلاح نجيب [2]
يذودون جند الهرمزان كأنّما ... يذودون أوراد الكلاب تلوب [3]
فإن يك غصني أصبح اليوم ذاويا ... وغصنك من ماء الشباب رطيب
فإنّي حنت ظهري خطوب تتابعت ... فمشي ضعيف في الرجال دبيب
إذا قال صحبي يا ربيع ألا ترى ... أرى الشخص كالشخصين وهو قريب
ويخبرني شيبان أن لن يعقّني ... تعقّ إذا فارقتني وتحوب [4]
/فلا تدخلنّ الدّهر قبرك حوبة ... يقوم بها يوما عليك حسيب [5]
- يعني بقوله «حسيب» اللّه عز ذكره -
عمر بن الخطاب يأمر بعودة شيبان إلى أبيه
قال: فلما أنشد عمر بن الخطاب هذه الأبيات بكى ورق له، فكتب إلى سعد يأمره أن يقفل شيبان بن المخبل ويردّه على أبيه، فلما ورد الكتاب عليه أعلم شيبان وردّه فسأله الإغضاء عنه، وقال: لا تحرمنّي الجهاد. فقال له:
إنّها عزمة من عمر، ولا خير لك في عصيانه وعقوق شيخك. فانصرف إليه، ولم يزل عنده حتى مات.
رواية أخرى في ذلك
وأخبرني بهذا الخبر أحمد بن عبيد اللّه بن عمار والجوهريّ، قالا:
حدّثنا عمر بن شبّة أن شيبان بن المخبل كان يرعى إبل أبيه، فلا يزال أبوه يقول: أحسن رعية إبلك يا بنيّ، فيقول: أراحني اللّه من رعية إبلك. ثم فارق أباه وغزا مع أبي موسى، وانحدر إلى البصرة، وشهد فتح تستر [6]، فقال: فذكر أبوه [7] الأبيات، وزاد فيها قوله:
إذا قلت ترعى قال سوف تريحني ... من الرّعي مذعان العشي خبوب [8]
قال: أبو يزيد وحدّثناه عتاب بن زياد، قال: حدّثنا ابن المبارك، قال حدّثنا مسعود عن معن بن عبد الرحمن فذكر نحوه، ولم يقل: شيبان بن المخبّل، ولكنه قال: «انطلق رجل إلى الشام»، وذكر القصة والشعر.
الزبرقان لا يزوّج أخته خليدة المخبل
أخبرنا محمّد بن العباس اليزيدي، قال: حدّثني عمّي عبيد اللّه، عن ابن حبيب، قال: خطب المخبّل السعديّ
__________
[1] حدّهم: سيفهم.
[2] البز: السلاح. وفي الأصول: «البر». السابح: الفرس يسبح في جريه.
[3] الهرمزان والهرمز والهارموز: الكبير من ملوك العجم. وتلوب: تحوم.
[4] تحوب بالحاء المهملة: تأثم.
[5] الحوبة: الذنب.
[6] تستر: أعظم مدينة بخوزستان.
[7] في الأصل: «فقال أبوه فذكر أبوه».
[8] المذعان: الناقة السلسة المنقادة. والخبوب: من الخب، وهو ضرب من العدو. وفي الأصول: «جنوب» وصححها الشنقيطي بما أثبتناه.
إلى الزّبرقان بن بدر أخته خليدة، فمنعه إيّاها، وردّه لشيء كان في عقله، وزوّجها رجلا من بني جشم بن عوف، يقال له: مالك بن أميّة/ ابن عبد القيس، من بني محارب.
هزال وعبد عمرو يضربان قاتل الجلاس حتى يموت
فقتل رجلا من بني نهشل يقال له الجلاس بن مخربة بن جندل بن جابر بن نهشل اغتيالا، ولم يعلم به أحد، ففقد ولم يعلم له خبر، فبينما جار الزبرقان الّذي من عبد القيس قاتل الجلاس ليلة يتحدث إذ غلط، فحدث هزّالا بقتله الرجل، وذلك قبل أن يتزوّج هزّال إلى الزبرقان، فأتى هزّال عبد عمرو بن ضمرة بن جابر بن نهشل فأخبره، فدعا هزّال قاتل الجلاس فأخرجه عن البيوت، ثم اعتوره هو وعبد عمرو فضرباه حتى قتلاه، ورجع هزال إلى الحيّ وضرب عبد عمرو حتّى لجأ إلى أخواله بني عطارد بن عوف.
امرأة مالك تحرض على من قتل زوجها فقالت امرأة مالك بن أمية المقتول:
أجيران ابن مية خبّروني ... أعين لابن ميّة أم ضمار [1]
تجلّل خزيها عوف بن كعب ... فليس لنسلهم منها اعتذار
المخبل يعير الزبرقان لتزويج هزال بعد قتله جاره وتلاحيهما
/ قال: فلما زوّج الزبرقان أخته خليدة هزّالا بعد قتله جاره عيب عليه، وعيّر به، وهجاه المخبل، فقال:
لعمرك إن الزبرقان لدائم ... على الناس تعدو نوكه ومجاهله [2]
أ أنكحت هزالا خليدة بعد ما ... زعمت بظهر الغيب أنك قاتله
فأنكحته رهوا كأنّ عجانها ... مشقّ إهاب أوسع السّلخ ناجله [3]
يلاعبها فوق الفراش وجاركم ... بذي شبرمان لم تزيّل مفاصله [4]
قال: ولجّ الهجاء بين المخبل والزبرقان حتى تواقفا للمهاجاة واجتمع الناس عليهما فاجتمعا لذلك ذات يوم، وكان الزبرقان أسودهما، فابتدأ المخبل فأنشده قصيدته:
/أنبئت أن الزبرقان يسبّني ... سفها ويكره ذو الحرين خصالي [5]
قال: وإنما سماه ذا الحرين لأنه كان مبدّنا، فكان له ثديان عظيمان، فسبّه بهما وشبّههما بالحرين. ويقال: إنه إنما عيّره بأخته وابنته، ولم يكن للمخبّل ابن في الجاهلية، قال:
أ فلا يفاخرني ليعلم أيّنا ... أدنى لأكرم سودد وفعال
فلما بلغ إلى قوله:
وأبوك بدر كان مشترط الخصى ... وأبي الجواد ربيعة بن قتال [6]
فلما أنشده هذا البيت، قال:
وأبوك بدر كان مشترط الخصى ... وأبي ...
__________
[1] الضمار من المال: ما لا يرجى رجوعه، ومن الدين ما كان بلا أجل.
[2] النوك: الحمق.
[3] العجان: الاست. والناجل: الشاق للجلد. وقد ذكر في «اللسان» (و هو) تعليل تسمية خليدة «رهوا».
[4] شبرمان بضم أوّله وسكون ثانيه وضم ثالثه: موضع. وتزيل: تفرق.
[5] في ح: «نبئت». ذو الحرين: صاحب الفرجين.
[6] مشترط الخصى، المشترط: القاطع. والخصى: جمع خصية وخصى كقفل.
ثم انقطع عليه كلامه، إمّا بشرق أو انقطاع نفس، فما علم الناس ما يريد أن يقوله بعد قوله: «و أبي». فسبقه الزبرقان قبل أن يتم ويبين، فقال: صدقت، وما في ذاك إن كان شيخانا قد اشتركا في صنعة. فغلبه الزبرقان، وضحكوا من قوله وتفرّقوا، وقد انقطع بالمخبل قوله.
زرارة بن المخبل يضرب الطباوي بحجر فيطلب أبوه إلى بغيض بن عامر أن يحمل الدية ثم يكسوه
أخبرنا اليزيديّ، قال: حدّثني عمي عن عبيد اللّه عن ابن حبيب، قال: كان زرارة بن المخبّل يليط [1] حوضه، فأتاه رجل من بني علباء بن عوف، فقال له: صارعني. فقال له زرارة: إني عن صراعك لمشغول. فجذب بحجزته وهو غافل فسقط، فصاح به فتيان الحي: صرع زرارة وغلب. فأخذ زرارة حجرا، فأخذ به رأس العلباويّ، فسأل المخبل بغيض بن عامر بن شماس أن يتحمّل عن ابنه/ الدية، فتحملها وتخلّصه، وكسا المخبل حلة حسنة، وأعطاه ناقة نجيبة، فقال المخبل يمدحه:
لعمر أبيك لا ألقى ابن عمّ ... على الحدثان خيرا من بغيض
أقلّ ملامة وأعزّ نصرا ... إذا ما جئت بالأمر المريض
كساني حلّة وحبا بعنس ... أبسّ بها إذا اضطربت غروضي [2]
غداة جنى بنيّ على جرما ... وكيف يداي بالحرب العضوض [3]
فقد سدّ السبيل أو حميد ... كما سدّ المخاطبة ابن بيض [4]
خبر ابن بيض
- أبو حميد: بغيض بن عامر. وأما قوله: «كما سدّ المخاطبة ابن بيض»، فإنّ ابن بيض: رجل من بقايا قوم عاد، كان تاجرا، وكان لقمان بن عاد يجيز له تجارته في كل سنة بأجر معلوم، فأجازة سنة وسنتين، وعاد التاجر ولقمان غائب، فأتى قومه فنزل فيهم، ولقمان في سفره، ثم حضرت/ التاجر الوفاة فخاف لقمان على بنيه وماله فقال لهم: إن لقمان صائر إليكم، وإنّي أخشاه إذا علم بموتي على مالي، فاجعلوا ماله قبلي في ثوبه، وضعوه في طريقه إليكم، فإن أخذه واقتصر عليه فهو حقّه، فادفعوه إليه واتّقوه، وإن تعدّاه رجوت أن يكفيكم اللّه إياه. ومات الرجل، وأتاهم لقمان وقد وضعوا حقه على طريقه، فقال: «سدّ ابن [5] بيض الطريق»، فأرسلها مثلا، وانصرف وأخذ حقه. وقد ذكرت ذلك الشعراء، فقال بشامة بن عمرو:
كثوب ابن بيض وقاهم به ... فسدّ على السالكين السبيلا
/ قال ابن حبيب: ولما حشدت بنو علباء للمطالبة لدم صاحبهم، حشدت بنو قريع مع بغيض لنصر المخبّل، ومشت المشيخة في الأمر، وقالوا: هذا قتل [6] خطأ، فلا تواقعوا الفتنة، واقبلوا الدية. فقبلوها وانصرفوا، فقال زرارة بن المخبل يفخر بذلك:
__________
[1] يليط: يطين، وفي ح: «يلط».
[2] العنس: الناقة الصلبة. أبس يقال بس الإبل: ساقها سوقا لينا وزجرها. والغروض: جمع غرض بالفتح، وهو للرحل كالحزام للسرج.
[3] العضوض: الشديدة.
[4] البيت والمثل عند الميداني في قوله: «سد ابن بيض الطريق».
[5] ابن بيض بكسر الباء، ويروى بفتحها.
[6] في ح: «قتيل».
فاز المخالس لما أن جرى طلقا ... أمّا حطيم بن علباء فقد غلبا [1]
إني رميت بجلمود على حنق ... مني إليه فكانت رمية غربا [2]
ليثا إليّ يشقّ الناس منفرجا ... لحياه عنّانة لا يتّقي الخشبا [3]
فأورثتني قتيلا إن لقيت وإن ... أفلتّ كانت سماع السّوء والحربا [4]
سعى المخبل في إبل جار بني قشير
ثم أخذ بنو [5] حازم جارا لبني قشير، فأغار عليه المنتشر بن وهب الباهليّ، فأخذ إبله، فسأل في بني تميم حتّى انتهى إلى المخبل، فلما سأله قال له: إن شئت فاعترض إبلي فخذ خيرها ناقة، وإن شئت سعيت لك في إبلك. فقال: بل إبلي. فقال المخبل [6]:
إنّ قشيرا من لقاح ابن حازم ... كراحضة حيضا وليست بطاهر [7]
فلا يأكلها الباهليّ وتقعدوا ... لدى غرض أرميكم بالنواقر [8]
أغرّك أن قالوا لعزة شاعر ... فناك أباه من خفير وشاعر
فلما بلغهم قول المخبل سعوا بإبله، فردّها عليهم حزن بن معاوية بن خفاجة بن عقيل، فقال المخبل في ذلك:
/تدارك حزن بالقنا آل عامر ... قفا حضن والكرّ بالخيل أعسر [9]
فإنّي بذا الجار الخفاجيّ واثق ... وقلبي من الجار العباديّ أوجر [10]
إذا ما عقيليّ أقام بذمّة ... شريكين فيها فالعبادي أوجر [11]
لعمري لقد خارت خفاجة عامرا ... كما خير بيت بالعراق المشقّر [12]
وإنّك لو تعطي العبادي مشقصا ... لراشي كما راشى على الطبع أبخر [13]
- راشى من الرّشوة -
__________
[1] في ح: «فار المخالس» بالخاء وفي ط «المجالس» بالجيم وفي ب، س، ش «فال» بدل «فاز» والمخالس: الّذي يأخذه غيره خلسة.
[2] الجلمود: الحجر. والرمية الغرب: الّتي لا يدري من رماها.
[3] عنانة: مبالغة من العنن، وهو اعتراض الموت.
[4] الحرب: الهلاك.
[5] في ح «بني» بالياء وهو تحريف.
[6] في ح أضافة «فقال المخبل قوله».
[7] الراحضة بالحاء المهملة: الغاسلة.
[8] النواقر: بالقاف، أي الدواهي.
[9] قفا حضن، أي خلفه. وحضن: جبل بأعلى نجد. قال:
فما قلص وجدن معقلات ... قفا حضن بمختلف التجار
وفي الأصول: «قنا حصن»، تحريف.
[10] الأوجر: الخائف.
[11] في الأصول: عقيليا». الأوجر هنا: الكاره الناقض للعهد.
[12] المشقر: موضع ببلاد العرب. وفي الأصل: «جارت خفاجة» و «جير». وخاره: صار خيرا منه. وخير: اصطفى.
[13] المشقص: النصل العريض، وقيل: سهم يرمى به.
المخبل وخليدة بنت بدر
أخبرني هاشم بن محمّد الخزاعي، قال: حدّثنا الرياشي، قال: حدّثنا الأصمعي، قال: مر المخبل السّعدي بخليدة بنت بدر، أخت الزّبرقان بن بدر، بعد ما أسنّ وضعف بصره، فأنزلته وقرّبته وأكرمته ووهبت له وليدة، وقالت له إنّي آثرتك بها يأبا يزيد [1] فاحتفظ بها. فقال: ومن أنت حتى أعرفك وأشكرك؟ قالت: لا عليك، قال:
بلى واللّه أسألك. قالت: أنا بعض من هتكت بشعرك ظالما، أنا خليدة بنت بدر. فقال: واسوأتاه/ منك؛ فإني أستغفر اللّه عزّ وجلّ، وأستقيلك وأعتذر إليك. ثم قال:
لقد ضلّ حلمي في خليدة إنّني ... سأعتب نفسي بعدها وأموت
فأقسم بالرحمن إنّي ظلمتها ... وجرت عليها والهجاء كذوب
من قصيدة الغناء
والقصيدة الّتي فيها الغناء المذكور بشعر المخبّل وأخباره يمدح بها علقمة بن هوذة ويذكر فعله به وما وهبه له من ماله، ويقول:
فجزى الإله سراة قومي نضرة ... وسقاهم بمشارب الأبرار
قوم إذا خافوا عثار أخيهم ... لا يسلمون أخاهم لعثار
أمثال علقمة بن هوذة إذ سعى ... يخشى عليّ متالف الأبصار
أثنوا عليّ وأحسنوا وترافدوا ... لي بالمحاض البزل والأبكار [2]
والشّول يتبعها بنات لبونها ... شرقا حناجرها من الجرجار [3]
المخبل والزبرقان وعبدة وعمرو يحكمون في شعرهم
أخبرنا أبو زيد، عن عبد الرحمن، عن عمه، وأخبرنا محمّد بن العباس اليزيديّ قال: حدّثني عمي عبيد اللّه، عن ابن حبيب. وأخبرني عمّي، قال: حدّثنا الكرانيّ، قال: حدّثنا العمريّ، عن لقيط قالوا:
اجتمع الزبرقان بن بدر والمخبل السعديّ وعبدة بن الطبيب وعمرو بن الأهتم قبل أن يسلموا، وبعد مبعث النبي صلّى اللّه عليه وسلم، فنحروا جزورا، واشتروا خمرا ببعير، وجلسوا يشوون ويأكلون، فقال بعضهم: لو أنّ قوما طاروا من جودة أشعارهم لطرنا. فتحاكموا إلى أوّل من يطلع عليهم، فطلع عليهم ربيعة بن حذار [4] الأسديّ، وقال اليزيدي:
فجاءهم رجل من بني يربوع يسأل عنهم، فدلّ عليهم وقد نزلوا بطن واد وهم جلوس يشربون، فلما رأوه سرهم، وقالوا له: أخبرنا أيّنا أشعر؟ قال: أخاف أن تغضبوا، فآمنوه من ذلك، فقال: أما عمرو فشعره برود/ يمنية تنشر وتطوى، وأما أنت يا زبرقان فكأنك رجل أتى جزورا قد نحرت [5]، فأخذ من أطايبها وخلطه بغير ذلك.
__________
[1] في ح: «أبا زيد».
[2] المخاض: الحوامل من النوق، أو العشار الّتي أتى عليها من حملها عشرة أشهر. والبزل: ما بلغ من الإبل التاسعة. والأبكار: النوق الّتي ولدت أوّل بطن. والشول جمع شائلة: ما أتى عليها من حملها أو وضعها سبعة أشهر فارتفع ضرعها وجف لبنها. وابن اللبون: ولد الناقة إذا كان من العام الثاني واستكمله أو إذا دخل في الثالثة.
[3] الجرجار: عشبة لها زهرة صفراء.
[4] حذار في س، ش، أما في ح فخدار بالخاء المعجمة والدال المهملة، تحريف. وفي القاموس: «و ربيعة بن حذار، كغراب: جواد معروف».
[5] ح: «ذبحت».
وقال لقيط في خبره، قال له ربيعة بن حذار: وأمّا أنت يا زبرقان فشعرك كلحم لم ينضج فيؤكل، ولم يترك نيئا فينتفع به، وأما أنت يا مخبّل فشعرك شهب من نار اللّه يلقيها على من يشاء [1]، وأما أنت يا عبدة فشعرك كمزادة [2] أحكم خزرها فليس يقطر منها شيء.
استمناح روق للمخبل
أخبرنا اليزيدي، عن عمه، عن ابن حبيب، قال: كان رجل من بني امرىء القيس يقال له روق مجاورا في بكر بن وائل باليمامة، فأغاروا على إبله وغدروا به، فأتى المخبل يستمنحه، فقال له: إن شئت فاختر خير ناقة في إبلي فخذها، وإن شئت سعيت لك. فقال: أن تسعى [3] بي أحبّ إليّ. فخرج المخبل فوقف على نادي قومه، ثم قال:
أدّوا إلى روح بن حسّ ... ان بن حارثة بن منذر
كوماء مدفاة كأنّ ... ضروعها حمّاء أجفر [4]
تأبى إلى بصص تس ... حّ المحض باللبن الفضنفر [5]
فقالوا: نعم ونعمة. فجمعوا له بينهم الناقة والناقتين من رجلين حتى أعطوه بعدّة/ إبله.
وقال ابن حبيب في هذه الرواية: «كان رجل من بني ضبة».
صوت
اسل عن ليلى علاك المشيب ... وتصابي الشيخ شيء عجيب
وإذا كان النسيب بسلمى ... لذّ في سلمى وطاب النسيب
إنما شبّهتها إذ تراءت ... وعليها من عيون رقيب
بطلوع الشّمس في يوم دجن ... بكرة أو حان منها غروب
إنني فاعلم وإن عزّ أهلي ... بالسّويداء الغداة غريب [6]
الشعر لغيلان بن سلمة الثّقفيّ، وجدت ذلك في جامع شعره بخط أبي سعيد السكريّ، والغناء لابن زرزور الطائفي، خفيف ثقيل أوّل بالوسطى، عن يحيى المكي، وفيه ليونس الكاتب لحن ذكره في كتابه، ولم يجنّسه [7].
__________
[1] على من يشاء، ساقطة من ح.
[2] المزادة: الراوية. وقيل لا تكون إلا من جلدين بينهما ثالث لتتسع.
[3] في الأصول: «بل يسعى بي».
[4] الكوماء: الناقة العظيمة الضخمة السنام. والمدفأة: الكثيرة الوبر والشحم. والأجفر يقال: جفر ولد الشاة، إذا عظم واستكرش أو بلغ أربعة أشهر. والحماء: الاست. وفي الأصول: «جماة».
[5] تسح: تنزل. والمحض: اللبن الخالص. وفي البيت تحريف ظاهر.
[6] السويداء: موضع بالحجاز بعد المدينة على طريق الشام.
[7] لم يجنسه: لم يذكر نوع لحنه.
15 - أخبار غيلان ونسبه
أخبار غيلان ونسبه
غيلان بن سلمة بن معتّب بن مالك بن كعب بن عمرو بن سعد بن عوف بن قسيّ - وهو ثقيف. وأمّه سبيعة بنت عبد شمس بن عبد مناف بن قصي، أخت أمية بن شمس بن عبد مناف.
أدرك الإسلام فأسلم بعد فتح الطائف، ولم يهاجر، وأسلم ابنه عامر قبله، وهاجر، ومات بالشام في طاعون عمواس [1] وأبوه حيّ.
وغيلان شاعر مقل، ليس بمعروف في الفحول.
وصف بادية بنت غيلان
وبنته بادية بنت غيلان الّتي قال هيت المخنّث لعمر بن أم سلمة أمّ المؤمنين، أو لأخيه سلمة [2]: «إن فتح اللّه عليكم الطائف فسل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم أن يهب لك بادية بنت غيلان، فإنها كحلاء؛ شموع نجلاء [3]، خمصانة هيفاء [4]، إن مشت تثنّت، وإن جلست تبنت [5]، وإن تكلّمت تغنت، تقبل بأربع وتدبر بثمان، وبين فخذيها كالإناء المكفأ [6]».
قول له قبل إسلامه
وغيلان فيما يقال أحد من قال من قريش للنبيّ صلّى اللّه عليه وسلم وآله: لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ
اتهام ولده عمار بسرقته وما كان بينهما من تدابر
قال ابن الكبيّ: حدّثني أبي، قال: تزوّج غيلان بن سلمة خالدة بنت أبي العاص،/ فولدت له عمّارا وعامرا، فهاجر عمّار إلى النبي صلّى اللّه عليه وسلم، فلما بلغه خبره عمد خازن كان لغيلان إلى مال له فسرقه وأخرجه من حصنه فدفنه، وأخبر غيلان أنّ ابنه عمّارا سرق ماله وهرب به، فأشاع ذلك غيلان وشكاه [7] إلى الناس، وبلغ خبره عمارا فلم يعتذر إلى أبيه، ولم يذكر له براءته مما قيل له، فلما شاع ذلك جاءت أمه لبعض ثقيف إلى غيلان، فقالت له: أيّ شيء لي عليك إن دللتك على مالك؟ قال: ما شئت. قالت: تبتاعني وتعتقني؟ قال: ذلك لك. قالت: فاخرج
__________
[1] عمواس بالكسر والفتح وسكون الميم أو فتحها وفتح الأوّل: كورة من فلسطين بالقرب من بيت المقدس، كانت العاصمة في القديم، ومنها كان ابتداء الطاعون في أيام عمر بن الخطاب، ثم فشا في أرض الشام فمات فيه خلق كثير لا يحصى من الصحابة.
[2] في «اللسان» (بنى): «و روى شمر أن مخنثا قال لعبد اللّه بن أبي أمية» ثم ساق الخبر.
[3] الشموع: المزاحة اللعوب. والنجلاء: الواسعة العينين.
[4] الخمصانة: الضامرة البطن. والهيفاء: الدقيقة الخصر.
[5] تبنت: أي صارت كالمبناة، وهي القبة من أدم، وذلك لسمنها وكثرة لحمها.
[6] كذا في «اللسان» وح. وفي سائر النسخ: «المكفوء». وهما سيان، يقال كفأ الإناء وأكفأه: قلبه. يعني بذلك ضخم ركبها ونهوده.
[7] في ط، ح: «تشكاه».
معي. فخرج معها، فقالت: إني رأيت عبدك فلانا قد احتفر هاهنا ليلة كذا وكذا ودفن شيئا، وإنه لا يزال يعتاده ويراعيه، ويتفقّده في اليوم مرّات، وما أراه إلا المال. فاحتفر الموضع فإذا هو بماله، فأخذه وابتاع الأمة فأعتقها، وشاع الخبر في الناس حتّى بلغ ابنه عمارا، فقال: واللّه لا يراني غيلان أبدا، ولا ينظر في وجهي./ وقال:
حلفت لهم بما يقول محمّد ... وباللّه إنّ اللّه ليس بغافل
برئت من المال الّذي يدفنونه ... أبرّىء نفسي أن ألطّ بباطل [1]
ولو غير شيخي من معدّ يقوله ... تيممته بالسيف غير مواكل
وكيف انطلاقي بالسّلاح إلى امرىء ... تبشّره بي يبتدرن قوابلي
فلما أسلم غيلان، خرج عامر وعمّار مغاضبين له مع خالد بن الوليد، فتوفي عامر بعمواس، وكان فارس ثقيف يومئذ، وهو صاحب شنوءة يوم تثليث [2]، وهو قتل سيّدهم جابر بن سنان أخا دهنة، فقال غيلان يرثي عامرا:
غيلان يرثي ولده عامرا
عيني تجود بدمعها الهتّان ... سحّا وتبكي فارس الفرسان [3]
يا عام من للخيل لمّا أجحمت ... عن شدّة مرهوبة وطعان
لو أستطيع جعلت منّي عامرا ... بين الضّلوع وكلّ حيّ فان
يا عين بكّي ذا الحزامة عامرا ... للخيل يوم تواقف وطعان
وله بتثليثات شدّة معلم ... منه وطعنة جابر بن سنان [4]
فكأنّه صافي الحديدة مخذم ... مما يحير الفرس للباذان [5]
ما قاله فيما حدث لجاره الباهلي
نسخت من كتاب أبي سعيد السّكّري، قال: كان لغيلان بن سلمة جار من باهلة، وكانت له إبل يرعاها راعيه في الإبل مع إبل غيلان، فتخطّى بعضها إلى أرض لأبي عقيل بن مسعود بن عامر بن معتّب، فضرب أبو عقيل الراعي واستخفّ به، فشكا الباهليّ ذلك إلى غيلان، فقال لأبي عقيل:
ألا من يرى رأى امرىء ذي قرابة ... أبي صدره بالضغن إلا تطلعا
فسلمك أرجو لا العداوة إنّما ... أبوك أبي وإنّما صفقنا معا [6]
وإنّ ابن عم المرء مثل سلاحه ... يقيه إذا لاقى الكميّ المقنّعا
فإن يكثر المولى فإنّك حاسد ... وإن يفتقر لا يلف عندك مطمعا
فهذا وعيد وادّخار فإن تعد ... وجدّك أعلم ما تسلّفت أجمعا [7]
__________
[1] في ش، ح: «لبرئت» ولا يستقيم الوزن بهذا. وألط: ألصق.
[2] شنوءة: قبيلة. تثليث: موضع بالحجاز قرب مكة. ويوم تثليث: من أيام العرب بين بني سليم ومراد. قال أعشى باهلة:
وجاشت النفس لما جاء فلهم ... وراكب جاء من تثليث معتمر
[3] في ح: «بدمعها الشتان».
[4] المعلم: الفارس جعل لنفسه علامة الشجعان في الحرب.
[5] المخذم: القاطع. يحير: يرد ويرجع. والبادان: اسم للذين دخلوا حديثا في الإسلام، كما في «معجم استينجاس».
[6] الصفق: الضرب. وهو أيضا ضرب الأيدي عند المبايعة.
[7] تسلف في المادة والشي ء: اقترض. والمعنى إن عدت فسأقف على ما وقع منك.
تهديده لامرأته حين ملته
ونسخت من كتابه، قال: لما أسنّ غيلان وكثرت أسفاره ملّته زوجته، وتجنّت عليه، وأنكر أخلاقها، فقال فيها:
يا ربّ مثلك في النّساء غريرة ... بيضاء قد صبّحتها بطلاق
لم تدر ما تحت الضّلوع وغرّها ... مني تحمّل عشرتي وخلاقي
ثقيف تنتصر على بني عامر وغيلان يصف تخلف بني نصر عنهم
ونسخت من كتابه: إنّ بني عامر بن ربيعة جمعوا جموعا كثيرة من أنفسهم وأحلافهم، ثم ساروا إلى ثقيف بالطّائف، وكانت بنو نصر بن معاوية أحلافا لثقيف، فلما بلغ ثقيفا مسير بني عامر استنجدوا بني نصر، فخرجت ثقيف إلى بني عامر وعليهم يومئذ غيلان بن سلمة بن معتّب، فلقوهم وقاتلتهم ثقيف قتالا شديدا، فانهزمت بنو عامر بن ربيعة ومن كان معهم، وظهرت عليهم ثقيف، فأكثروا فيهم القتل، فقال غيلان في ذلك، ويذكر/ تخلف بني نصر عنهم:
شعره في انتصار ثقيف على عامر
ودّع بذمّ إذا ما حان رحلتنا ... أهل الحظائر من عوف ودهمانا
القائلين وقد حلّت بساحتهم ... جسر تحسحس عن أولاد هصّانا [1]
والقائلين وقد رابت وطابهم ... أسيف عوف ترى أم سيف غيلانا [2]
أغنوا الموالي عنّا لا أبالكم ... إنّا سنعني صريح القوم من كانا [3]
لا يمنع الخطر المظلوم قحمته ... حتّى يرى ... بالعين من كانا [4]
شعر غيلان في هزيمة خثعم
ونسخت من كتابه، قال: جمعت خثعم جموعا من اليمن، وغزت ثقيفا بالطائف؛ فخرج إليهم غيلان بن سلمة في ثقيف، فقاتلهم قتالا شديدا، فهزمهم وقتل منهم مقتلة عظيمة، وأسر عدّة منهم، ثم منّ عليهم وقال في ذلك:
/ألا يا أخت خثعم خبّرينا ... بأيّ بلاء قوم تفخرينا
جلبنا الخيل من أكناف وجّ ... وليث نحوكم بالدّارعينا [5]
رأيناهنّ معلمة رواحا ... يقيتان الصباح ومعتدينا [6]
__________
[1] هصان: قبيلة. وفي الأصل: «عن أولادها الضانا».
[2] راب: خثر وفسد. والوطاب: سقاء اللبن.
[3] الصريح: الخالص النسب. وهذا تصحيح س. وفي سائر النسخ: «سيغنى صريخ».
[4] القحمة بالقاف تفتح وتضم: الاقتحام في الشيء والمهلكة. وفي كل الأصول بالفاء وهو تحريف. وفي البيت نقص.
[5] وج: اسم واد بالطائف. وليث، بالكسر: واد بأسفل السراة. وهذا تصحيح س. وفي سائر النسخ: «و ليت». والدارعون: لابسو الدروع.
[6] المعلمة: المميزة. يقيتان، يقال أقات الشي ء: قدر عليه. والصباح: الغارة تفجأ صباحا. وهذا تصحيح ش. وفي سائر النسخ:
«يقينان».
فأمست مسي خامسة جميعا ... تضابع في القياد وقد وجينا [1]
وقد نظرت طوالعكم إلينا ... بأعينهم وحققنا الظنونا
إلى رجراجة في الدار تعشى ... إذا استنّت عيون الناظرينا [2]
تركن نساءكم في الدار نوحا ... يبكّون البعولة والبنينا [3]
جمعتم جمعكم فطلبتمونا ... فهل أنبئت حال الطّالبينا
كيسان ينشد عبد اللّه الثقفي شعر غيلان
أخبرنا محمّد بن خلف وكيع، قال: أخبرني محمّد بن سعد الشامي، قال: حدّثني أبو عبد الرحمن عبد اللّه بن عمرو الثقفي، قال: خرجت مع كيسان بن أبي سليمان أسايره، فأنشدني شعر غيلان بن سلمة، ما أنشدني لغيره، حتّى صدرنا عن الأبلّة، ثم مرّ بالطّف وهو يريد الطّابق [4]، فأنشدني له:
/و ليلة أرّقت صحابك بالطّ ... فّ وأخرى بجنب ذي حسم [5]
فالجسر فالقصران فالنّهر المرب ... دّ بين النّخيل والأجم [6]
معانق الواسط المقدّم أو ... أدنو من الأرض غير مقتحم [7]
أستعمل العنس بالقياد إلى ال ... آفاق أرجو نوافل الطّعم [8]
وصية غيلان بن سلمة لبنيه
أخبرني عمّي قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد، قال: حدّثني أحمد بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف قال:
حدّثني عمر بن عبد العزيز بن أبي ثابت عن أبيه، قال:
لما حضرت غيلان بن سلمة الوفاة، وكان قد أحصن عشرا من نساء العرب في الجاهلية، قال: «يا بنيّ، قد أحسنت خدمة أموالكم، وأمجدت أمّهاتكم فلن تزالوا بخير ما غذوتم من كريم وغذا منكم، فعليكم ببيوتات العرب، فإنها معارج الكرم، وعليكم بكلّ رمكاء [9] مكينة ركينة، أو بيضاء رزينة، في خدر [10] بيت يتبع، أوجدّ
__________
[1] مسى خامسة: في مساء الليلة الخامسة. تضابع: تمد أضباعها في الجري. والقياد: المقود، ما تقاد به الدابة. وجين: حفين ووجعن.
[2] الرجراجة: الكتيبة العظيمة. تعشى من العشا، وهو سوء البصر. وهذا تصحيح س، وفي سائر النسخ: «تغشى». واستنت: أسرعت.
وفي الأصول: «استلمت».
[3] النوح: جمع نائحة. في س، ش، ح: «يبكون». كما أثبتنا. وفي «مهذب الأغاني: «يبكون».
[4] الطابق: نهر ببغداد. وفي الأصول: «الطائف».
[5] الطف: مكان بالعراق قتل به الحسين. ذو حسم: موضع. وفي الأصول: «و أجرى بذي جسم».
[6] الجسر: الموضع الّذي كانت فيه الوقعة بين المسلمين والفرس قرب الحيرة. والقصران بالصاد: ناحيتان كبيرتان بالري. وفي كل الأصول: «القطران» بالطاء.
[7] الواسط: المقدم وأول الشيء. ويقصد به قادمة الرحل.
[8] العنس: الناقة الصلبة. والآفاق: وردت في كل الأصول: «الآفات» بالفاء بدل القاف، تحريف.
[9] الرمكاء: ما كان في لونها حمرة مختلطة السواد.
[10] ح: «في حديث».
يرتجى، وإيّاكم والقصيرة الرّطلة [1]، فإنّ أبغض الرجال إليّ أن يقاتل/ عن إبلي أو يناضل عن حسبي، القصير الرّطل». ثم أنشأ يقول:
وحرّة قوم قد تنوّق فعلها ... وزيّنها أقوامها فتزيّنت
رحلت إليها لا تردّ وسيلتي ... وحمّلتها من قومها فتحمّلت
وفود غيلان على كسرى
أخبرني عمي قال: حدّثنا محمّد بن سعد الكراني، قال:
كان غيلان بن سلمة الثّقفيّ قد وفد إلى كسرى فقال له ذات يوم: يا غيلان، أيّ ولدك أحبّ إليك؟ قال:
«الصغير حتى يكبر، والمريض حتّى يبرأ، والغائب حتى يقسم». قال له: ما غذاؤك؟ قال: خبز البر. قال: قد عجبت من أن يكون لك هذا العقل وغذاؤك غذاء العرب، إنّما البرّ جعل لك هذا العقل.
رواية أخرى في هذا الخبر
قال: الكراني، قال العمري: روى الهيثم بن عدي هذا الخبر أتمّ من هذه الرواية، ولم أسمعه منه. قال الهيثم: حدّثني أبي، قال:
خرج أبو سفيان بن حرب في جماعة من قريش وثقيف يريدون [2] العراق بتجارة، فلما ساروا ثلاثا جمعهم أبو سفيان، فقال لهم: إنّا من مسيرنا هذا لعلى خطر، ما قدومنا على ملك جبّار لم يأذن لنا في القدوم عليه، وليست بلاده لنا بمتجر؟! ولكن أيّكم يذهب بالعير، فإن أصيب فنحن برآء من دمه، وإن غنم فله نصف الرّبح؟ فقال غيلان بن سلمة: دعوني إذا فأنا لها. فدخل الوادي، فجعل يطوفه ويضرب فروع الشجر ويقول:
ولو رآني أبو غيلان إذ حسرت ... عني الأمور إلى أمر له طبق [3]
لقال رغب ورهب يجمعان معا ... حبّ الحياة وهول النّفس والشفق [4]
إمّا بقيت على مجد ومكرمة ... أو أسوة لك فيمن يهلك الورق [5]
ما دار بين غيلان وبين كسرى
ثم قال: أنا صاحبكم. ثم خرج في العير، وكان أبيض طويلا جعدا ضخما، فلما قدم بلاد كسرى، تخلّق [6] ولبس ثوبين أصفرين، وشهر أمره، وجلس بباب كسرى حتّى أذن له، فدخل عليه وبينهما شبّاك من ذهب، فخرج إليه التّرجمان؛ وقال له: يقول لك الملك: من أدخلك بلادي بغير إذني؟ فقال: قل له: لست من أهل عداوة لك، ولا أتيتك جاسوسا لضدّ من أضدادك، وإنما جئت بتجارة تستمتع بها، فإن أردتها فهي لك، وإن لم تردها وأذنت في بيعها لرعيّتك بعتها، وإن لم تأذن في ذلك رددتها. قال: فإنّه ليتكلّم إذ سمع صوت كسرى فسجد، فقال له الترجمان: يقول لك الملك: لم سجدت؟ فقال: سمعت صوتا عاليا حيث لا ينبغي لأحد أن يعلو صوته إجلالا
__________
[1] الرطلة بفتح الراء وكسرها: المرأة الحمقاء الضعيفة. هذا. والوصية نسبت في «البيان والتبيين» (2: 67) طبع لحنة التأليف، إلى عثمان بن أبي العاصي.
[2] ح: «يريد».
[3] حسر: انكشف. الطبق: الحال والخطر، والّذي له ما بعده.
[4] الرغب: الرغبة. وفي الأصول: «رعب».
[5] الورق: الفضة.
[6] تخلق: تطيب بالخلوق.
للملك، فعلمت أنه لم يقدم على رفع الصّوت هناك غير الملك فسجدت إعظاما له. قال: فاستحسن كسرى ما فعل، وأمر له بمرفقة توضع تحته [1]، فلما أتي بها رأى عليها صورة الملك، فوضعها على رأسه، فاستجهله كسرى واستحمقه، وقال للترجمان: قل له: إنّما بعثنا إليك بهذه لتجلس عليها. قال: قد علمت، ولكنّي لما أتيت بها رأيت عليها صورة الملك، فلم يكن حقّ صورته على مثلي أن يجلس عليها، ولكن كان حقّها التعظيم، فوضعتها على رأسي، لأنّه أشرف أعضائي وأكرمها عليّ. فاستحسن فعله جدّا، ثم قال له: ألك ولد؟ قال: نعم. قال: فأيّهم أحبّ إليك؟ قال: الصّغير حتى يكبر، والمريض حتّى يبرأ، والغائب حتى يؤوب. فقال كسرى: زه، ما أدخلك عليّ ودلّك على هذا القول والفعل إلا/ حظّك، فهذا فعل الحكماء وكلامهم، وأنت من قوم جفاة لا حكمة فيهم، فما غذاؤك؟ قال: خبز البرّ. قال: هذا العقل من البرّ، لا من اللبن والتمر. ثم اشترى منه التجارة بأضعاف ثمنها، وكساه وبعث معه من الفرس من بنى له أطما [2] بالطّائف، فكان أوّل أطم بني بها.
رثاؤه لأخيه نافع وقد قتل بدومة الجندل
/ أخبرني محمّد بن مزيد بن أبي الأزهر، قال: حدّثنا الزبير بن بكّار، قال: حدّثني عمر بن أبي بكر الموصليّ عن عبد اللّه بن مصعب عن أبيه قال:
استشهد نافع بن سلمة الثّقفي مع خالد بن الوليد بدومة الجندل، فجزع عليه غيلان وكثر بكاؤه، وقال يرثيه:
ما بال عيني لا تغمّص ساعة ... إلا اعترتني عبرة تغشاني
أرعى نجوم الليل عند طلوعها ... وهنا وهنّ من الغروب دوان [3]
يا نافعا من للفوارس أحجمت ... عن فارس يعلو ذرى الأقران
فلو آستطعت جعلت منّي نافعا ... بين اللّهاة وبين عكد لساني [4]
قال: وكثر بكاؤه عليه، فعوتب في ذلك، فقال: واللّه لا تسمح عيني بمائها فأصنّ به على نافع. فلمّا تطاول العهد انقطع ذلك من قوله، فقيل له فيه، فقال: «بلي نافع، وبلي الجرع، وفني وفنيت الدموع، واللّحاق به قريب».
صوت
ألا علّلاني قبل نوح الوادب ... وقبل بكاء المعولات القرائب
وقبل ثوائي في تراب وجندل ... وقبل نشوز النفس فوق الترائب [5]
فإن تأتني الدّنيا بيومي فجاءة ... تجدني وقد قضّيت منها مآربي
الشعر لحاجز الأزديّ، والغناء لنبيه هزج، بالبنصر، عن الهشامي.
__________
[1] المرفقة: المتكأ والمخدة.
[2] الأطم بضمتين: القصر وكل حصن مبني بحجارة، وكل بيت مربع مسطح.
[3] الوهن: نحو منتصف الليل أو بعده بساعة.
[4] اللهاة: قطعة من اللحم مشرفة على الحلق. والعكد: وسط الشيء.
[5] نشوز النفس: ارتفاعها، كناية عن الاحتضار. وفي الأصول: «نشور» بالراء المهملة، تحريف.
16 - أخبار حاجز ونسبه
أخبار حاجز ونسبه
هو حاجز بن عوف بن الحارث بن الأخثم بن عبد اللّه بن ذهل بن مالك بن سلامان بن مفرّج بن مالك بن زهران بن عوف بن ميدعان بن مالك بن نصر بن الأزد. وهو حليف لبني مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي، وفي ذلك يقول:
قومي سلامان إما كنت سائلة ... وفي قريش كريم الحلف والحسب
إنّي متى أدع مخزوما تري عنقا ... لا يرعشون لضرب القوم من كثب [1]
يدعى المغيرة في أولى عديدهم ... أولاد مرأسة ليسوا من الذنب [2]
وهو شاعر جاهليّ مقلّ، ليس من مشهوري الشعراء، وهو أحد الصعاليك المغيرين على قبائل العرب، وممن كان يعدو على رجليه عدوا يستبق به الخيل.
أخبرني محمّد بن الحسن بن دريد، قال: حدّثني العباس بن هشام، عن أبيه، عن عوف بن الحارث الأزدي، أنه قال لابنه حاجز بن عوف: أخبرني يا بنيّ بأشدّ عدوك. قال: نعم، أفزعتني خثعم فنزوت نزوات، ثم استفزّتني الخيل واصطفّ لي ظبيان، فجعلت أنهنههما [3] بيديّ عن الطّريق، ومنعاني/ أن أتجاوزها في العدو لضيق الطريق حتى اتسع واتسعت بنا، فسبقتهما. فقال له: فهل جاراك أحد في العدو؟ قال: ما رأيت أحدا جاراني إلّا أطيلس أغيبر من النّقوم [4]، فإنا عدونا معا فلم أقدر على سبقه.
- قال: النّقوم [4] بطن من الأزد من ولد ناقم، واسمه عامر بن حوالة بن الهنو بن الأزد -
نسخت أخبار حاجز من رواية أبي عمرو الشيباني
من كتاب بخط المرهبيّ الكوكبيّ، قال: أغار عوف بن الحارث بن الأخثم على بني هلال بن عامر بن صعصعة في يوم داج مظلم، فقال لأصحابه: انزلوا حتى أعتبر لكم. فانطلق حتى أتى صرما من بني هلال [5]، وقد عصب على يد فرسه عصابا ليظلع [6] فيطمعوا فيه، فلما أشرف عليهم استرابوا به، فركبوا في طلبه، وانهزم من بين أيديهم، وطمعوا فيه، فهجم بهم على أصحابه بني سلامان، فأصيب يومئذ بنو هلال، وملأ القوم أيديهم من الغنائم [7]، ففي ذلك يقول حاجز بن عوف:
__________
[1] العنق: الجماعة الكثيرة من الناس.
[2] مرأسة: رآسة.
[3] النهنهة: الرد والكف.
[4] في الأصل: «البقوم».
[5] الصرم، بالكسر: الجماعة.
[6] الظلع: غمز في المشي شبيه بالعرج.
[7] من الغنائم، ساقطة من ح.
صباحك واسلمى عنا أماما ... تحيّة وامق وعمي ظلاما
برهرهة يحار الطرف فيها ... كحقّة تاجر شدّت ختاما [1]
فإن تمس ابنة السهميّ منّا ... بعيدا لا تكلّمنا كلاما
فإنّك لا محالة أن تريني ... ولو أمست حبالكم رماما
بناجية القوائم عيسجور ... تدارك نيّها عاما فعاما [2]
سلي عنّي إذا اغبّرت جمادي ... وكان طعام ضيفهم الثماما [3]
ألسنا عصمة الأضياف حتى ... يضحّى مالهم نفلا تواما [4]
/أبى ربع الفوارس يوم داج ... وعمّي مالك وضع السّهاما [5]
فلو صاحبتنا لرضيت منا ... إذا لم تغبق المائة الغلاما [6]
يعني بقوله: وضع السهام، أن الحارث بن عبد اللّه بن بكر بن يشكر بن مبشر بن صقعب بن دهمان بن نصر بن زهران، كان يأخذ من جميع الأزد إذا غنموا الربع، لأنّ الرياسة في الأزد كانت لقومه، وكان يقال لهم: «الغطاريف» وهم أسكنوا الأسد بلد السراة، وكانوا يأخذون للمقتول منهم ديتين ويعطون غيرهم دية واحدة إذا وجبت عليهم، فغزتهم بنو فقيم بن عديّ بن الديل بن بكر بن عبد مناة بن كنانة، فظفرت بهم، فاستغاثوا ببني سلامان فأغاثوهم، حتّى هزموا بني فقيم وأخذوا منهم الغنائم وسلبوهم، فأراد الحارث أن يأخذ الرّبع كما كان يفعل، فمنعه مالك بن ذهل بن مالك بن سلامان، وهو عمّ أبي حاجز، وقال: «هيهات، ترك الرّبع غدوة» [7] فأرسلها مثلا، فقال له الحارث: أتراك يا مالك تقدر أن تسود؟ فقال: هيهات، الأزد أمنع من ذاك. فقال: أعطني ولو جعبا - والجعب:
البعر في لغتهم؛ لئلا تسمع العرب أنك منعتني. فقال مالك: «فمن سماعها أفرّ» [8]، ومنعه الربيع، فقال حاجز في ذلك:
ألا زعمت أبناء يشكر أننا ... بربعهم باءوا هنالك ناضل [9]
/ستمنعنا منكم ومن سوء صنعكم ... صفائح بيض أخلصتها الصياقل
وأسمر خطّيّ إذا هزّ عاسل ... بأيدي كماة جرّبتها القبائل [10]
/و قال أبو عمرو: جمع حاجز ناسا من فهم وعدران، فدلّهم على خثعم، فأصابوا منهم غرّة وغنموا ما شاءوا، فبلغ حاجرا أنهم يتوعدونه ويرصدونه، فقال:
__________
[1] برهرهة: بضه غضة. والحقة بضم القاف: وعاء من خشب أو من عاج.
[2] الناجية: السريعة، ولا يوصف بها البعير. والعيسجور: الناقة الصلبة السريعة. تدارك: تلاحق. والني بكسر النون وفتحها: الشحم.
[3] اغبرت جمادي: قل الخير وذلك في الشتاء. والتمام: نبت ضعيف.
[4] ضحى إبله: رعاها وقت الضحى. وفي الأصول: «يفحى». والنفل: الهبة والعطية. والتوام: تسهيل تؤام، وهو المزدوج.
[5] ربعهم: أخذ منهم المرباع، وهو ربع الغنيمة. وفي الأصول: «عبر».
[6] تغبق: تسقي الغبوق، وهو الشرب بالعشي.
[7] ترك الربع غدوة: مثل «الصيف ضيعت اللبن».
[8] في ح: «أقر» بالقاف.
[9] باءوا: فخروا. الفاضل: الغالب.
[10] العاسل: الرمح المهتز.
إنّي من إرعادكم وبروقكم ... وإيعادكم بالقتل صمّ مسامعي [1]
وإني دليل غير مخف دلالتي ... على ألف بيت جدّهم غير خاشع
ترى البيض يركضن المجاسد بالضّحى ... كذا كلّ مشبوح الذراعين نازع [2]
على أيّ شيء لا أبا لأبيكم ... تشيرون نحوي نحوكم بالأصابع
عمرو بن معد يكرب يطعن حاجزا
وقال أبو عمرو: أغارت خثعم على بني سلامان وفيهم عمرو بن معديكرب، وقد استنجدت به خثعم على بني سلامان، فالتقوا واقتتلوا، فطعن عمرو بن معديكرب حاجزا فأنفذ فخذه، فصاح حاجز: يا آل الأزد! فندم عمرو وقال: خرجت غازيا وفجعت أهلي. وانصرف، فقال عزيّل الخثعمي يذكر طعنة عمرو حاجزا، فقال:
أعجز حاجز منّا وفيه ... مشلشلة كحاشية الإزار [3]
فعز عليّ ما أعجزت منّي ... وقد أقسمت لا يضربك ضار [4]
فأجابه حاجز فقال:
إن تذكروا يوم القريّ فإنه ... بواء بأيام كثير عديدها [5]
/فنحن أبحنا بالشخيصة واهنا ... جهارا فجئنا بالنساء نقودها [6]
ويوم كراء قد تدارك ركضنا ... بني مالك والخيل صعر خدودها [7]
ويوم الأراكات اللواتي تأخّرت ... سراة بني لهبان يدعو شريدها [8]
ونحن صبحنا الحيّ يوم تنومة ... بملمومة يهوى الشجاع وئيدها [9]
ويوم شروم قد تركنا عصابة ... لدى جانب الطرفاء حمرا جلودها [10]
فما رغمت حلفا لأمر يصيبها ... من الذل إلا نحن رغما نزيدها
خثعم تحيط بحاجز وعجوز تسحر سلاحه ثم ينجو
وقال أبو عمرو: بينما حاجز في بعض غزواته إذ أحاطت به خثعم، وكان معه بشير ابن أخيه، فقال [11] له: يا بشير، ما تشير؟ قال: دعهم حتى يشربوا ويقفلوا [12] ويمضوا ونمضي معهم فيظنّونا بعضهم. ففعلا، وكانت في ساق
__________
[1] الإيعاد: التهديد.
[2] المجاسد: الثياب المعصفرة بالزعفران.
[3] المشلشلة: الضربة الّتي تفيض دما.
[4] في الأصول: «ما أعجزت دمنى».
[5] القري: واد. البواء: الكف ء، والنظير.
[6] الشخيصة: اسم مكان.
[7] كراء: ثنية بالطائف.
[8] الأراكات: أودية قرب مكة.
[9] الملمومة: الكتيبة المجتمعة. وفي الأصول: «و بيدها».
[10] شروم: قرية كبيرة باليمن بها عيون وكروم. والطرفاء: نخل لبني عامر بن حنيفة باليمامة.
[11] في ح: «فقال» فقط.
[12] يقفلوا في ح: «ينقلوا» وهو تحريف.
حاجز شامة، فنظرت إليها امرأة من خثعم، فصاحت: يا آل خثعم، هذا حاجز. فطاروا يتبعونه، فقالت لهم عجوز كانت ساحرة: أكفيكم سلاحه أو عدوه. فقالوا: لا نريد أن تكفينا عدوه فإن معنا عوفا وهو يعدو مثله، ولكن اكفينا سلاحه. فسحرت لهم سلاحه وتبعه عوف بن الأغر [1] بن همام بن الأسرّ بن عبد الحارث بن واهب بن مالك بن صعب بن غنم بن الفزع الخثعمي، حتى قاربه، فصاحت به خثعم: يا عوف ارم حاجزا، فلم يقدم عليه، وجبن، فغضبوا وصاحوا: يا حاجز، لك الذمام، فاقتل عوفا فإنه قد فضحنا. فنزع في قوسه ليرميه، فانقطع وتره، لأنّ المرأة الخثعمية كانت قد سحرت سلاحه، فأخذ قوس بشير ابن أخيه فنزع فيها فانكسرت،/ وهربا من القوم ففاتاهم ووجد حاجز بعيرا في طريقه فركبه فلم يسر في الطريق الّذي يريده ونحا به نحو خثعم؛ فنزل حاجز/ عنه، فمرّ فنجا وقال في ذلك:
فدى لكما رجليّ أمي وخالتي ... بسعيكما بين الصفا والأثائب [2]
أوان سمعت القوم خلفي كأنّهم ... حريق أباء في الرّياح الثواقب
سيوفهم تغشى الجبان ونبلهم ... يضيء لدى الأقوام نار الحباحب [3]
فغير قتالي في المضيق أغاثني ... ولكن صريح العدو غير الأكاذب
نجوت نجاء لا أبيك تبثه ... وينجو بشير نجو أزعر خاضب [4]
وجدت بعيرا هاملا فركبته ... فكادت تكون شرّ ركبة راكب [5]
حاجز يغير على بني هلال
وقال أبو عمرو: اجتاز قوم حجّاج من الأزد ببني هلال بن عامر بن صعصعة، فعرفهم ضمرة بن ماعز سيد بني هلال، فقتلهم هو وقومه، وبلغ ذلك حاجزا، فجمع جمعا من قومه وأغار على بني هلال فقتل فيهم وسبى منهم، وقال في ذلك يخاطب ضمرة بن ماعز:
يا ضمر هل نلناكم بدمائنا ... أم هل حذونا نعلكم بمثال [6]
نبكي لقتلى من فقيم قتّلوا ... فاليوم تبكي صادقا لهلال
/ ولقد شفاني أن رأيت نساءكم ... يبكين مردفة على الأكفال [7]
يا ضمر إن الحرب أضحت بيننا ... لقحت على الدكّاء بعد حيال [8]
__________
[1] في ح: «ابن الأعسر».
[2] الأثائب: جمع أثأب، وهو شجر ينبت في بطون الأودية.
[3] الحباحب: ذباب يطير بالليل له شعاع في ذنبه كالسراج، وربما جعلوا الحباحب اسما لما يرى في ذنبه كأنه نار. وقيل هو اسم رجل بخيل كان لا يوقد نارا إلا نارا ضعيفة مخافة الضيفان، فضربوا بها المثل حتى قيل «نار الحباحب» لما تقدحه الخيل بحوافرها من حيث لا ينتفع به.
[4] لا أبيك: لعله أراد: لا وأبيك. ويقال نجا ينجو نجوا: خلص. وفي الأصول: «نحو»، تحريف. والأزعر: القليل الشعر.
والخاضب: الظليم إذا أكل الربيع فاحمرت ساقاه وقوادمه، وهو الذكر من النعام.
[5] الهامل: المتروك سدى ليلا ونهارا.
[6] في الأصول: «نفلكم بمثال».
[7] المردفة: الّتي أركبت خلف الراكب. والأكفال جمع كفل: العجز.
[8] الدكاء: رابية من طين. والحيال: العقم.
أخت حاجز ترثيه حين انقطعت أخباره
قال أبو عمرو: خرج حاجز في بعض أسفاره فلم يعد، ولا عرف له خبر، فكانوا يرون أنه مات عطشا أو ضلّ، فقالت أخته ترثيه:
أحيّ حاجز أم ليس حيّا ... فيسلك بين جندف والبهيم [1]
ويشرب شربة من ماء ترج ... فيصدر مشية السبع الكليم [2]
ما قيل من الشعر في فرار حاجز
أخبرني هاشم بن محمّد، قال: حدّثنا دماذ عن أبي عبيدة، قال:
كان حاجز الأزدي مع غاراته كثير الفرار، لقي عامرا فهرب منهم فنجا، وقال:
ألا هل أتى ذات القلائد فرّتي ... عشية بين الجرف والبحر من بعر [3]
عشية كادت عامر يقتلونني ... لدى طرف السلماء راغية البكر [4]
فما الظبي أخطت خلفة الصقر رجله ... وقد كاد يلقى الموت في خلفة الصقر [5]
بمثلي غداة القوم بين مقنّع ... وآخر كالسكران مرتكز يفري [6]
/و فرّ من خثعم وتبعه المرقع الخثعميّ ثم الأكلبيّ، ففاته حاجز، وقال في ذلك:
وكأنما تبع الفوارس أرنبا ... أو ظبي رابية خفافا أشعبا [7]
وكأنّما طردوا بذي نمراته ... صدعا من الأروى أحسّ مكلبا [8]
أعجزت منهم والأكفّ تنالني ... ومضت حياضهم وآبوا خيّبا
أدعو شنوءة غثّها وسمينها ... ودعا المرقّع يوم ذلك أكلبا [9]
وقال يخاطب [10] عوض أمسى:
أبلغ أميمة عوض أمسّى بزّنا ... سلبا وما إن سرّها ننكبا [11]
/لو لا تقارب رأفة وعيونها ... حمشا مصعدا ومصوّبا [12]
__________
[1] «جندف» بالجيم المفتوحة مع الدال تصحيح الشنقيطي: جبل باليمن. وفي بعض النسخ «خندف». والبهيم: جبل أيضا.
[2] ترج وبيشة: قريتان متقابلتان بين مكة واليمن.
[3] فرتي: فراري، والجرف بضم الجيم: موضع باليمن. والبعر: مكان بين مكة واليمامة، ماء لبني ربيعة بن عبد اللّه بن كلاب.
[4] راغية البكر: صوته. والبكر: الفتى من الإبل، يراد به بكر ناقة صالح، وهر مثل في الشؤم.
[5] أخطت: أخطأت. وخلفه الصقر: اختلافه مرة بعد مرة. وفي الأصول: «خلفه الصقر» ثم «حلقة الصقر».
[6] يفري: يبالغ في النكاية والقتل.
[7] الرابية والرباة: كل ما ارتفع عن الأرض. والظبي الأشعب: البعيد ما بين القرنين.
[8] الصدع بالعين المهملة تصحيح الشنقيطي: الفتى الشاب القوي من الأوعال وقيل هو الوسط منها. قال الأزهري: هو الوعل بين الوعلين. وفي الأصل: «صدغا». والأروى: أنثى الوعل، أو هو تيس الجبل.
[9] شنوءة بالشين: قبيلة، وكذلك أكلب.
[10] وقال يخاطب، زيادة عن بعض الأصول.
[11] في الأصول: «سلبا ما إن سرها أن تسكبا».
[12] كذا ورد البيت محرفا منقوصا.
صوت
يا دار من ماويّ بالسّهب ... بنيت على خطب من الخطب [1]
إذ لا ترى إلا مقاتلة ... وعجانسا يرقلن بالرّكب [2]
/و مدجّجا يسعى بشكّته ... محمرّة عيناه كالكلب [3]
ومعاشرا صدأ الحديد بهم ... عبق الهناء مخاطم الجرب [4]
الشعر للحارث بن الطفيل الدّوسي، والغناء لمعبد، رمل بالبنصر، من رواية يحيى المكي، وفيه لابن سريج خفيف ثقيل مطلق في مجرى البنصر عن إسحاق، واللّه أعلم.
__________
[1] السهب: اسم موضع.
[2] العجانس: جمع عجنس: الشديد الضخم من الإبل.
[3] الشكة: السلاح.
[4] الهناء يقال هنا الإبل يهنؤها مثلثة النون: طلاها بالهناء، ككتاب وهو القطران. عبق الهناء، أن يحكى عبق الهناء. والعبق: مصدر عبق به، أي لصق. والمخاطم: جمع مخطم كمجلس ومنبر: مقدم أنفها وفمها.
17 - أخبار الحارث بن الطفيل ونسبه
هو الحارث بن الطفيل بن عمرو بن عبد اللّه بن مالك بن فهم بن غنم بن دوس بن عبد اللّه بن عدثان بن عبيد اللّه بن زهران بن كعب بن الحارث بن كعب بن عبد اللّه بن مالك بن نصر بن الأزد، شاعر فارس، من مخضرمي شعراء الجاهلية والإسلام، وأبوه الطفيل بن عمرو شاعر أيضا، وهو أوّل من وفد من دوس على النبي صلّى اللّه عليه وسلم، فأسلم وعاد إلى قومه، فدعاهم إلى الإسلام.
وفود الطفيل على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم
أخبرني عمي قال: حدّثنا الحزنبل بن عمرو بن أبي عمرو عن أبيه، واللفظ في الخبر له، واللّه أعلم.
وأخبرني به محمّد بن الحسن بن دريد قال: حدّثني عمي عن العباس بن هشام عن أبيه:
إنّ الطفيل بن عمرو بن عبد اللّه بن مالك الدوسيّ خرج حتى أتى مكة حاجّا، وقد بعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم وهاجر إلى المدينة، وكان رجلا يعصو - والعاصي البصير بالجراح، ولذلك يقال لولده: بنو العاصي - فأرسلته قريش إلى النبي صلّى اللّه عليه وسلم وقالوا: انظر لنا ما هذا الرجل، وما عنده؟ فأتى النبيّ صلّى اللّه عليه وسلم فعرض عليه الإسلام، فقال له: إنّي رجل شاعر، فاسمع ما أقول. فقال له النبي صلّى اللّه عليه وسلم: هات. فقال:
لا وإله الناس نألم حربهم ... ولو حاربتنا منهب وبنو فهم
ولمّا يكن يوم تزول نجومه ... تطير به الرّكبان ذو نبأ ضخم [1]
/أسلما على خسف ولست بخالد ... ومالي من واق إذا جاءني حتمي
فلا سلم حتّى تحفز الناس خيفة ... ويصبح طير كانسات على لحم [2]
فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم: وأنا أقول فاستمع، ثم قال: أعوذ باللّه من الشيطان الرجيم، بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ
ثم قرأ: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ
، ودعاه إلى الإسلام فأسلم، وعاد إلى قومه، فأتاهم في ليلة مطيرة ظلماء، حتى نزل بروق، وهي قرية عظيمة لدوس فيها منبر، فلم يبصر أين يسلك، فأضاء له نور في طرف سوطه، فبهر الناس ذلك النور، وقالوا: نار أحدثت على القدوم ثم على بروق/ لا تطفأ. فعلقوا يأخذون بسوطه فيخرج النور من بين أصابعهم، فدعا أبويه إلى الإسلام فأسلم أبوه ولم تسلم أمّة، ودعا قومه فلم يجبه إلا أبو هريرة، وكان هو وأهله في جبل يقال له ذو رمع [3]، فلقيه بطريق يزحزح، وبلغنا أنه كان يزخف في العقبة من الظلمة ويقول:
يا طولها من ليلة وعناءها ... على أنها من بلدة الكفر نجّت
__________
[1] ح: «تطير نجومه».
[2] كانسات: مقيمات.
[3] في س، ش: «ذو رمعا». وفي ح: «ذو منعا»، صوابه ما أثبتنا. قال ياقوت: «موضع باليمن».
النبي يدعو لدوس بالهداية
ثم أتى الطفيل بن عمرو النبيّ صلّى اللّه عليه وسلم ومعه أبو هريرة، فقال له: ما وراءك؟ فقال: بلاد حصينة وكفر شديد.
فتوضأ النبي صلّى اللّه عليه وسلم ثم قال: «اللهم اهد دوسا» ثلاث مرات. قال أبو هريرة: فلما صلّى النبي صلّى اللّه عليه وسلم خفت أن يدعو على قومي فيهلكوا، فصحت: وا قوماه! فلما دعا لهم سرّي عني، ولم يحب الطفيل أن يدعو لهم لخلافهم عليه، فقال له: لم أحبّ هذا منك يا رسول اللّه. فقال له: إن فيهم مثلك كثيرا. وكان جندب بن عمرو بن حممة/ بن عوف بن غويّة بن سعد بن الحارث بن ذبيان بن عوف بن منهب بن دوس يقول في الجاهلية: إن للخلق خالقا لا أعلم ما هو.
فخرج حينئذ في خمسة وسبعين رجلا حتى أتى النبي صلّى اللّه عليه وسلم. فأسلم وأسلموا. قال أبو هريرة: ما زلت ألوي الآجرة [1] بيدي، ثم لويت على وسطي حتى كأنّي بجاد [2] أسود، وكان جندب يقرّبهم إلى النبيّ صلّى اللّه عليه وسلم رجلا رجلا، فيسلمون.
سبب أبيات الغناء
وهذه الأبيات الّتي فيها الغناء من قصيدة للحارث بن الطفيل، قالها في حرب كانت بين دوس وبين بني الحارث بن عبد اللّه بن عامر بن الحرث بن يشكر بن مبشر بن صعب بن دهمان بن نصر بن زهران.
وكان سبب ذلك فيما ذكر عن أبي عمرو الشيباني أن ضماد بن مسرّح بن النعمان بن الجبّار بن سعد بن الحارث بن عبد اللّه بن عامر بن الحارث بن يشكر، سيد آل الحارث، كان يقول لقومه: أحذركم جرائر أحمقين من آل الحارث يبطلان رياستكم. وكان ضماد يتعيف [3]، وكان آل الحارث يسودون العشيرة كلّها، فكانت دوس أتباعا لهم، وكان القتيل من آل الحارث تؤخذ له ديتان، ويعطون إذا لزمهم عقل قتيل من دوس دية واحدة، فقال غلامان من بني الحارث يوما: ائتوا شيخ بني دوس وزعيمهم الّذي ينتهون إلى أمره فلنقتله [4]. فأتياه، فقالا: يا عم، إن لنا أمرا نريد أن تحكم بيننا فيه. فأخرجاه من منزله، فلما تنحيا به قال له أحدهما: يا عم، إن رجلي قد دخلت فيها شوكة، فأخرجها لي. فنكس الشيخ رأسه لينتزعها وضربه الآخر فقتله، فعمدت دوس إلى سيّد بني الحارث، وكان نازلا بقنونى [5] فأقاموا له في غيضة في الوادي، وسرحت إبله فأخذوا/ منها ناقة فأدخلوها الغيضة وعقلوها، فجعلت الناقة ترغو وتحنّ إلى الإبل، فنزل الشيخ إلى الغيضة ليعرف شأن الناقة، فوثبوا عليه فقتلوه، ثم أتوا أهله، وعرفت بنو الحارث الخبر، فجمعوا لدوس وغزوهم فنذروا [6] بهم فقاتلوهم فتناصفوا، وظفرت بنو الحارث بغلمة من دوس فقتلوهم، ثم إنّ دوسا اجتمع منهم تسعة وسبعون رجلا، فقالوا: من يكلّمنا، من يمانينا [7] حتّى نغزو أهل ضماد؟ فكان ضماد قد أتى عكاظ، فأرادوا أن يخالفوه/ إلى أهله، فمرّوا برجل من دوس وهو يتغنى:
فإنّ السلم زائدة نواها ... وإنّ نوى المحارب لا تروب [8]
فقالوا: هذا لا يتبعكم، ولا ينفعكم أن تبعكم، أما تسمعون غناءه في السّلم. فأتوا حممة بن عمرو، فقالوا: أرسل إلينا بعض ولدك. فقال: وأنا إن شئتم. وهو عاصب حاجبيه من الكبر، فأخرج معهم ولده جميعا، وخرج معهم،
__________
[1] الآجرة: واحدة الآجر، الطين المحروق.
[2] البجاد: كساء مخطط من أكسية الأعراب يشتملون به. وفي الأصل: «كان بجاد».
[3] يتعيف: يتكهن.
[4] فلنقتله في س، ش أما في ح فبالياء بدل النون وهو تحريف.
[5] قنوني: من أودية السراة يصب إلى البحر في أوائل أرض اليمن من جهة مكة.
[6] يقال نذر بالعدوّ بكسر. الذال نذرا: علمه فحذره.
[7] ماناه: لزمه، وانتظره، وداراه. في الأصول: «يمانين».
[8] تروب: تفتر. وفي ح «ترود».
وقال لهم: تفرّقوا فرقتين، فإذا عرف بعضكم وجوه بعض فأغيروا، وإياكم والغارة حتّى تتفارقوا لا يقتل بعضكم بعضا. ففعلوا، فلم يلتفتوا حتّى قتلوا ذلك الحيّ من آل الحارث، وقتلوا إبنا لضماد، فلما قدم قطع أذني ناقته وذنبها، وصرخ في آل الحارث، فلم يزل يجمعهم سبع سنين ودوس تجتمع بازائه، وهم مع ذلك يتغاورون [1] ويتطرّف بعضهم بعضا [2]، وكان ضماد قد قال لابن أخ له يكنى أبا سفيان لما أراد أن يأتي عكاظ: إن كنت تحرز [3] أهلي، وإلّا أقمت عليهم. فقال له: أنا أحرزهم من مائة؛ فإن زادوا فلا. وكانت تحت ضماد امرأة من دوس، وهي أخت مربان [4] بن سعد الدوسيّ الشاعر، فلما أغارت دوس على بني الحارث قصدها/ أخوها، فلاذت به، وضمّت فخذها على ابنها من ضماد، وقالت: يا أخي اصرف عنّي القوم، فإنيّ حائض لا يكشفوني. فنكزسية القوس في درعها، وقال: لست بحائض، ولكن في درعك سخلة بكذا من آل الحارث، ثم أخرج الصبيّ فقتله، وقال في ذلك:
ألا هل أتى أمّ الحصين ولو نأت ... خلافتنا في أهله ابن مسرّح
ونضرة تدعو بالفناء وطلقها ... ترائبه ينفحن من كلّ منفح [5]
وفرّ أبو سفيان لما بدا لنا ... فرار جبان لأمّه الذلّ مقرح [6]
يوم حضرة الوادي
قال: فلم يزالوا يتغاورون حتّى كان يوم حضرة الوادي، فتحاشد الحيّان، ثم أتتهم بنو الحارث ونزلوا لقتالهم، ووقف ضماد بن مسرّح في رأس الجبل، وأتتهم دوس. وأنزل خالد بن ذي السبلة بناته هندا وجندلة وفطيمة ونضرة، فبنين بيتا، وجعلن يستقين الماء، ويحضّضن [7]. وكان الرجل إذا رجع فارّا أعطينه مكحلة ومجمرا [8]، وقلن: معنا فانزل - أي إنك من النساء - وجعلت هند بنت خالد تحرّضهم وترتجز وتقول:
من رجل ينازل الكتيبه ... فذلكم تزني به الحبيبه
فلما التقوا رمى رجل من دوس رجلا من آل الحارث، فقال: خذها وأنا أبو الزبن [9]، فقال ضماد وهو في رأس الجبل وبنو الحارث بحضرة الوادي: يا قوم زبنتم فارجعوا. ثم رجل آخر [10] من دوس، فقال: خذها وأنا أبو ذكر [11]. فقال ضماد: ذهب القوم/ بذكرها، فاقبلوا رأيي وانصرفوا. فقال: قد جبنت يا ضماد. ثم التقوا، فأبيدت بنو الحارث. هذه رواية أبي عمرو.
وأما الكلبي فإنه قال: كان عامر بن بكر بن يشكر يقال له الغطريف ويقال لبنيه الغطاريف، وكان لهم ديتان،
__________
[1] يتغاورون بالغين المعجمة: يغير بعضهم على بعض.
[2] يقال: تطرف عليهم، أي أغار. «اللسان» (طرف).
[3] تحرز: تحصن.
[4] مران في س، ش بالباء، أما في ح فبالنون بدل الباء.
[5] نضرة وردت في ح بالصاد المهملة. والطلق، أصل معناه الظبي، ويقال أيضا: ناقة طلق: لا عقال عليها. والترائب: عظام الصدر.
ينفحن: ينضحن بالدم.
[6] مقرح: مجروح.
[7] التحضيض: الحث.
[8] المكحلة: وعاء الكحل. والمجمر: ما يوضع فيه الجمر.
[9] الزين: الدفع. وحرب زبون: يدفع بعضها بعضا. وزابنه: دافعه.
[10] أي ثم رمى رجل آخر.
[11] أبو ذكر: أي أبو الصيت والثناء.
ولسائر قومه دية، وكانت لهم على دوس إتاوة يأخذونها كلّ سنة، حتى إن كان الرجل منهم ليأتي بيت الدّوسيّ فيضع سهمه أو نعله على الباب، ثم يدخل، فيجي ء/ الدوسي، فإذا أبصر ذلك انصرف ورجع عن بيته، حتّى أدرك عمرو بن حممة بن عمرو فقال لأبيه: ما هذا التطوّل [1] الّذي يتطوّل به إخواننا علينا؟ فقال: يا بنيّ، إن هذا شيء قد مضى عليه أوائلنا، فأعرض عن ذكره. فأعرض عن هذا الأمر، وإنّ رجلا من دوس عرّس بابنة عم له، فدخل عليها رجل من بني عامر بن يشكر، فجاء زوجها فدخل على اليشكريّ، ثم أتى عمرو بن حممة فأخبره بذلك، فجمع دوسا وقام فيهم، فحرّضهم وقال: إلى كم تصبرون لهذا الذلّ، هذه بنو الحارث، تأتيكم الآن تقاتلكم، فاصبروا تعيشوا كراما أو تموتوا كراما. فاستجابوا له، وأقبلت إليهم بنو الحارث فتنازلوا، واقتتلوا، فظفرت بهم دوس، وقتلتهم كيف شاءت، فقال رجل من دوس يومئذ:
قد علمت صفراء حرشاء الذيل [2] ... شرّابة المحض تروك للقيل [3]
ترخى فروعا مثل أذناب الخيل ... أنّ بروقا دونها كالويل
ودونها خرط القتاد بالليل [4]
/و قال الحارث بن الطفيل بن عمرو الدوسي في هذا اليوم، عن أبي عمرو:
يا دار من ماويّ بالسّهب ... بنيت على خطب من الخطب
إذ لا ترى إلا مقاتلة ... وعجانسا يرقلن بالركب [5]
ومدجّجا يسعى بشكته ... محمرّة عيناه كالكلب [6]
ومعاشرا صدأ الحديد بهم ... عبق الهناء مخاطم الجرب [7]
لما سمعت نزال قد دعيت ... أيقنت أنّهم بنو كعب [8]
كعب بن عمرو لا لكعب بني ال ... عنقاء والتّبيان في النسب
فرميت كبش القوم معتمدا ... فمضى وراشوه بذي كعب [9]
شكّو بحقويه القداح كما ... ناط المعرّض أقدح القضب [10]
__________
[1] التطوّل: وردت في ج: «الطول».
[2] الحرشاء: الخشنة.
[3] المحض: الخالص، وفي الأصول: «المخض»، تحريف. والقيل بالياء: اللبن يشرب نصف النهار. ويقال هو شروب للقيل، إذا كان مهيافا دقيق الخصر يحتاج إلى شرب نصف النهار.
[4] القتاد: شجر صلب له شوك كالإبر.
[5] العجانس: ومفردها عجنس كعملس بتشديد اللام وحذفت النون الثقيلة في الجمع لأنها زائدة: الجمال الضخمة الصلبة الشديدة مع ثقل وبطء.
[6] الشكة: السلاح.
[7] الهناء بالكسر: القطران. والمخاطم: ما يقاد منه البعير مكان الخطام.
[8] بنو كعب روى كلب في ج.
[9] الكبش: الرئيس. راشوه حابوه من الرشوة، والكلام تهكم، وذي كعب: الرمح.
[10] شكوا: يقال شكه بالرمح انتظمه وفي السلاح دخل. والحقو: الخصر. والقداح: السهام. ناط: علق. والمعرض: الرامي الّذي يعرض القوس عرضا إذا أضجعها ثم رمى عنها. والأقدح جمع قدح بالكسر: السهم قبل أن يراش أو ينصل. والقضب جمع قضيب، وهو القوس عملت من قضيب أو من غصن غير مشقوق.
فكأنّ مهري ظلّ منغمسا ... بشبا الأسنة مغرة الجأب [1]
يا ربّ موضوع رفعت ومر ... فوع وضعت بمنزل اللّصب [2]
وحليل غانية هتكت قرارها ... تحت الوغى بشديدة العضب [3]
كانت على حبّ الحياة فقد ... أحللتها في منزل غرب [4]
«جانيك من يجني عليك وقد ... تعدى الصّحاح مبارك الجرب» [5]
/هذا البيت في الغناء في لحن ابن سريج؛ وليس هو في هذه القصيدة، ولا وجد في الرواية، وإنما ألحقناه بالقصيدة لأنه في الغناء كما تضيف المغنون شعرا إلى شعر، وإن لم يكن قائلهما واحدا إذا اختلف الرويّ والقافيه.
صوت
صرفت هواك فانصرفا ... ولم تدع الّذي سلفا
وبنت فلم أمت كلفا ... عليك ولم تمت أسفا
كلانا واجد في النا ... س ممّن ملّه خلفا [6]
/الشعر لعبد الصمد بن المعذّل، والغناء للقاسم بن زرزور، رمل بالوسطى، وفيه لعمر الميداني هزج.
__________
[1] المغرة بالفتح: لون إلى الحمرة. والجأب: موضع.
[2] اللصب بالكسر: مضيق الوادي. واللواصب: الآبار البعيدة القعر.
[3] العضب: الطعن والقطع.
[4] الغرب: البعيد.
[5] تعدى بالتاء المثناة الفوقية في س، ش أما في ج فبالباء الموحدة. والصحاح: الصحيحة من الإبل.
[6] واجد في ش، أما في س، ج فبالحاء المهملة وهو تحريف.
18 - أخبار عبد الصمد بن المعذل ونسبه
عبد الصمد بن المعذل بن غيلان بن الحكم بن البختريّ [1] بن المختار بن ذريح بن أوس بن همّام بن ربيعة بن بشير بن حمران بن حدرجان بن عساس [2] بن ليث بن حداد بن ظالم بن ذهل بن عجل بن عمرو بن وديعة بن لكيز بن أفصى [3] بن عبد القيس بن أفصى بن دعميّ بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار. وقيل: ربيعة بن ليث بن حمران.
وجدت في كتاب بخطّ أحمد بن كامل: حدّثني غيلان بن المعذل أخو عبد الصمد، قال: كان أبي يقول:
أفصى أبو عبد القيس هو أفصى بن جديلة بن أسد، وأفصى جدّ بكر بن وائل هو أفصى بن دعميّ. والنسابون يغلطون في قولهم عبد القيس بن أفصى بن دعميّ. ويكنى عبد الصمد أبا القاسم، وأمه أم ولد يقال لها: الزّرقاء.
شاعر فصيح من شعراء الدولة العباسية، بصريّ المولد والمنشأ. وكان هجاء خبيث [4] اللسان، شديد العارضة، وكان أخوه أحمد أيضا شاعرا، إلا أنه كان عفيفا، ذا مروءة ودين وتقدّم في المعنزلة، وله جاه [5] واسع في بلده وعند سلطانه، لا يقاربه عبد الصمد فيه، فكان يحسده ويهجوه فيحلم عنه، وعبد الصمد أشعرهما، وكان أبو عبد الصمد المعذل وجدّه غيلان شاعرين، وقد روى عنهما شيء [6] من الأخبار واللغة والحديث ليس بكثير، والمعذّل بن غيلان هو الّذي يقول:
/إلى اللّه أشكو لا إلى الناس أنني ... أرى صالح الأعمال لا أستطيعها
أرى خلّة في إخوة وأقارب ... وذي رحم ما كان مثلي يضيعها
فلو ساعدتني في المكارم قدرة ... لفاض عليهم بالنوال ربيعها
أنشدنا ذلك له علي بن سليمان الأخفش، عن المبرّد، وأنشدناه محمّد بن خلف بن المرزبان عن الرّبعي أيضا. قالا: وهو القائل:
ولست بميّال إلى جانب الغنى ... إذا كانت العلياء في جانب الفقر
وإنّي لصبّار على ما ينوبني ... وحسبك أنّ اللّه أثنى على الصبر
تهاجى أبان والمعذل
أخبرني محمّد بن خلف، قال: حدّثنا النّخعيّ وإسحاق، قال: هجا أبان اللاحقيّ المعذّل بن غيلان، فقال:
كنت أمشي مع المعذّل يوما ... ففسا فسوة فكدت أطير
__________
[1] س، ش: «البحتري».
[2] عساس: في س، ش. وفي ج «غسان».
[3] أفصى: بالصاد المهملة في س، ش أما في ج فبالضاد المعجمة، وهو تحريف.
[4] خبيث اللسان في س، ش أما في ج فيسبقهما كلمة «خيبثا».
[5] وله جاه: في س، ش أما في ج فبأسقاط لفظ «له».
[6] ح: «شيء عنهما».
فتلفتّ هل أرى ظربانا ... من ورائي والأرض بي تستدير [1]
فإذا ليس غيره وإذا إع ... صار ذاك الفساء منه يفور
فتعجّبت ثم قلت لقد أع ... رف، هذا فيما أرى خنزير
فأجابه المعذّل فقال [2]:
/صحّفت أمّك إذ سمّ ... تك بالمهد أبانا
قد علمنا ما أرادت ... لم ترد إلا أتانا
صيّرت باء مكان ال ... تاء واللّه عيانا
قطع اللّه وشيكا ... من مسمّيك اللسانا
المعذل وعبد اللّه بن سوار
أخبرني عمي قال: حدّثنا المبرد قال: مرّ المعذل بن غيلان بعبد اللّه بن سوّار العنبريّ القاضي، فاستنزله عبد اللّه، وكان من عادة المعذّل أن ينزل عنده، فأبى، وأنشده:
أمن حق المودة أن نقضّي ... ذمامكم ولا تقضوا ذماما [3]
وقد قال الأديب مقال صدق ... رآه الآخرون لهم إماما
إذا أكرمتكم وأهنتموني ... ولم أغضب لذلكم فذاما [4]
قال: وانصرف، فبكّر إليه عبد اللّه بن سوار، فقال له: رأيتك أبا عمرو مغضبا. فقال: أجل ماتت بنت أختي ولم تأتني. قال: ما علمت ذلك. قال: ذنبك أشد من عذرك، ومالي أنا أعرف خبر حقوقك، وأنت لا تعرف خبر حقوقي؟! فما زال عبد اللّه يعتذر إليه حتى رضي عنه.
هجاء عبد الصمد لشروين المغني
حدّثني الحسن بن علي الخفّاف، قال: حدّثنا ابن مهرويه عن الحمدوني، قال: كان شروين حسن الغناء والضّرب، وكان من أراد أن يغنّيه حتى يخرج من جلده جاء بجويرية سوداء فأمرها أن تطالعه، وتلوّح له بخرقة حمراء، ليظنّها امرأة تطالعه، فكان حينئذ يغنّي أحسن ما يقدر عليه تصنّعا لذلك، فغضب عليه عبد الصمد في بعض الأمور، فقال يهجوه:
من حلّ شروين له منزلا ... فلتنهه الأولى عن الثانيه
فليس يدعوه إلى بيته ... إلّا فتى في بيته زانية
هجاؤه لزان متزوج زانية
أخبرني الحسن، قال: حدّثنا ابن مهرويه، قال: حدّثني أبو عمرو البصري، قال: قال عبد الصمد بن المعذّل في رجل زان من أهل البصرة كانت له امرأة تزني، فقال:
__________
[1] الظربان: دويبة صغيرة منتنة جدا، ويقال إنها إذا فست في ثوب لم تذهب رائحته حتى يبلى.
[2] «فقال» ساقطة من ح.
[3] ح: «يقضي ذمامكم».
[4] أي ماذا يسمى ذلك.
/
إن كنت قد صفّرت أذن الفتى ... فطالما صفّر آذانا
لا تعجبي إن كنت كشخنته ... فإنّما كشخنت كشخانا [1]
شعره في الفتى الكاتب الّذي عشق جارية ابن الجوهري
أخبرني جعفر بن قدامة بن زياد الكاتب، قال: حدّثنا سوّار بن أبي شراعة، قال:
كان بالبصرة رجل يعرف بابن الجوهري، وكانت له جارية مغنية حسنة الغناء، وكان ابن الجوهري شيخا همّا قبيح الوجه، فتعشّقت فتى كاتبا كان يعاشره ويدعوه، وكان الفتى نظيفا ظريفا، فاجتمعت معه مرارا في منزله، وكان عبد الصمد يعاشره، فكان الفتى يكاتمه أمره، ويحلف له أنّه لا يهواها، فدخلت عليهما ذات يوم بغتة، فبقي الفتى باهتا لا يتكلّم، وتغير لونه وتخلّج في كلامه، فقال عبد الصمد:
لسان الهوى ينطق ... ومشهده يصدق [2]
لقد نمّ هذا الهوى ... عليك وما يشفق [3]
إذا لم تكن عاشقا ... فقلبك لم يخفق [4]
/و ما لك إمّا بدت ... تحار فلا تنطق
أشمس تجلّت لنا ... أم القمر المشرق
الغناء في هذه الأبيات لرذاذ، ويقال للقاسم بن زرزور، رمل مطلق.
/ قال: ثم طال الأمر بينهما، فهربت إليه جملة، فقال عبد الصمد في ذلك:
إلى امرىء حازم ركبت ... أيّ امرىء عاجز تركت [5]
فتنة ابن الجوهريّ لقد ... أظهرت نصحا وقد أفكت
أكذبتها عزمة ظهرت ... لا تبالي نفس من سفكت
ظفرت فيها بما هويت ... ونجت من قرب من فركت [6]
ثمّ خدود بعدها لطمت ... وجيوب بعدها هتكت
وعيون لا يرقّأن على ... حسن وجه فاتهنّ بكت [7]
خرجت والليل معتكر ... لم يهلها أيّة سلكت
وعيون النّاس قد هجعت ... ودجى الظّلماء قد حلكت
لم تخف وجدا بعاشقها ... حرمة الشّهر الّذي انتهكت
__________
[1] كشخن الرجل: صار لا يغار واتهم بالدياثة، وهي أن يرى الرجل العمل الفاضح في أهله ولا يغار.
[2] مشهده، وفي كل الأصول: «مشاهده» ولا يستقيم الوزن.
[3] في كل الأصول: «تم» وهو تصحيف.
[4] لم يخفق: أي لماذا يخفق.
[5] في ب، ش: «إلى امرى ء».
[6] فركت: كرهت.
[7] فاتهن بالتاء، وفي كل الأصول بالنون وهو تحريف.
ورأت لمّا سقت كمدا ... أنّها في دينها نسكت
ملّئت كفّ بها ظفرت ... دون هذا الخلق ما ملكت
أيّ ملك إذا خلا وخلت ... فشكا أشجانه وشكت
تجتلي من وجهه ذهبا ... وهو يجلو فضّة فتكت [1]
هكذا فعل الفتاة إذا ... هي في عشّاقها محكت [2]
هجاؤه لجار له يمشي مشية منكرة
أخبرني الحسن بن علي، قال: حدّثنا محمّد بن القاسم بن مهرويه، قال: حدّثني بعض أصحابنا قال:
نظر عبد الصمد بن المعذّل إلى جار له يخطر في مشيته خطرة منكرة، وكان فقيرا رثّ الحال، فقال فيه:
/يتمشّى في ثوب عصب من العر ... ى على عظم ساقه مسدول [3]
دبّ في رأسه خمار من الجو ... ع سرى خمرة الرحيق الشمول [4]
فبكى شجوه وحنّ إلى الخ ... بز ونادى بزفرة وعويل
من لقلب متيّم برغيفي ... ن ونفس تاقت إلى طفشيل [5]
ليس تسمو إلى الولائم نفسي ... جلّ قدر الأعراس عن تأميلي [6]
هات لونا وقل لتلك تغنّي ... لست أبكي لدارسات الطّلول [8]
رثاؤه لأبي سلمة الطفيلي
أخبرنا سوّار بن أبي شراعة، قال: كان بالبصرة طفيليّ يكنّى أبا سلمة، وكان إذا بلغه خبر وليمة لبس لبس القضاة، وأخذ ابنيه معه وعليهما القلانس الطّوال، والطّيالسة الرقاق [9]، فيقدّم ابنيه، فيدقّ الباب أحدهما ويقول:
افتح يا غلام لأبي سلمة. ثم لا يلبث البواب حتى يتقدّم لآخر، فيقول: افح ويلك فقد جاء أبو سلمة. ويتلوهم، فيدقّون جميعا الباب،/ ويقولون: بادر ويلك، فإنّ أبا سلمة واقف. فإن لم يكن عرفهم فتح لهم، وهاب منظرهم [9]، وإن كانت معرفته إياهم قد سبقت لم يلتفت إليهم، ومع كلّ واحد منهم فهر مدوّر يسمونه [10] «كيسان»، فينتظرون حتّى يجيء بعض من دعي، فيفتح له الباب، فإذا فتح طرحوا الفهر في العتبة حيث يدور الباب، فلا يقدر البواب على غلقه، ويهجمون عليه فيدخلون. فأكل أبو سلمة/ يوما على بعض الموائد لقمة حارّة من فالوذج [11]، وبلعها لشدّة حرارتها، فجمعت أحشاؤه فمات على المائدة، فقال عبد الصمد بن المعذل يرثيه:
__________
[1] في الأصول: «من وجهه».
[2] محكت: لجت وأمعنت. ومن معانيه عسر الخلق.
[3] العصب: ضرب من البرود.
[4] الخمار بضم الخاء: ألم الخمر وصداعها، ومثله الخمرة بالضم. والشمول: الباردة.
[5] الطفشيل: نوع من المرق، أو ضرب من الطعام. انظر تحقيقه في «حواشي الحيوان» (3: 24). س، ش: «التطفيل».
[6] التأميل: التثبت في الأمر والنظر.
[7] روى «طولا» بدل «لونا».
[8] القلانس: ألبسة الرأس. والطيالسة: ملابس سود. والرقاق هي في ح: «الزرق».
[9] في س، ش: «وهاب منظرهم» أما في ح حذف هذه الجملة.
[10] الفهر: الحجر.
[11] الفالوذج: حلوى من الماء والدقيق والعسل.
أحزان نفسي عليها غير منصرمه ... وأدمعي من جفوني الدّهر منسجمه [1]
على صديق ومولى لي فجعت به ... ما إن له في جميع الصالحين لمه [2]
كم جفنة مثل جوف الحوض مترعة ... كوماء جاء بها طباخها رذمه [3]
قد كلّلتها شحوم من قليتّها ... ومن سنام جزور عبطة سنمه [4]
غيّبت عنها فلم تعرف له خبرا ... لهفي عليك وويلي يا أبا سلمه
ولو تكون لها حيّا لما بعدت ... يوما عليك ولو في جاحم حطمه [5]
قد كنت أعلم أنّ الأكل يقتله ... لكنّني كنت أخشى ذاك من تخمه
إذا تعمّم في شبليه ثم غدا ... فإنّ حوزة من يأتيه مصطلمه [6]
شعره في فتى عشقه
أخبرني محمّد بن خلف بن المرزبان، قال: حدّثني أحمد بن يزيد المهلبي عن أبيه، قال:
كان عبد الصمد بن المعذل يتعشّق فتى من المغنين، يقال له: أحمد، فغاضبه الفتى وهجره، فكتب إليه:
صوت
سل جزعي مذ صددت عن حالي ... هل خطر الصبر على بالي
لا غيّر اللّه سوء فعلك بي ... إن كنت أعتبت فيك عذّالى
ولا ذممت البكالي عليك ولا ... حمدت حسن السلوّ من سال
لو كنت أبغي سواك ما جهلت ... نفسي أنّ الصّدود أعفى لي [7]
لجحظة في هذه الأبيات رمل مطلق.
هجاؤه لقينة بصرية
أخبرني الحسن بن علي، قال: حدّثنا محمّد بن القاسم بن مهرويه، قال: حدّثني عليّ بن محمّد النّوفلي، فقال:
هجا عبد الصمد بن المعذّل قينة بالبصرة قال فيها:
تفتّر عن مضحك السّدريّ إن ضحكت ... كرف الأتان رأت إدلاء أعيار [8]
__________
[1] منسجمة: منصبة سائلة.
[2] اللمة، بالضم: المثل والشكل.
[3] الكوماء: المرتفعة. والرذمة: الّتي تسيل دسما.
[4] الجزور: الناقة المذبوحة. والعبطة: ما ذبحت من غير علة. والسنمة: العظيمة السنام.
[5] الجاحم الحطمة: النار الشديدة.
[6] الشبلان: عنى بهما الولدين. والمصطلمة: المستأصلة.
[7] أعفى: أطيب وأحسن.
[8] السدري، غنى به أبا نبقة السدري انظر ص 250. كرف الأتان: يقال كرف الحمار وغيره يكرف، شم بول الأتان ثم رفع رأسه وقلب جحفلته. وربما قيل كرفت الأتان. وكل ما شممته فقد كرفته. الإدلاء: يقال أدلى الفرس أو البعير: أخرج ذكره ليبول. والأعيار:
جمع عير، وهو الحمار.
يفوح ريح كنيف من ترائبها ... سوداء حالكة دهماء كالقار [1]
قال: فكسدت واللّه تلك القينة بالبصرة، فلم تدع ولم تستتبع حتّى أخرجت عنها.
عتابه لبعض الأمراء
أخبرني عليّ بن سليمان الأخفش، قال: حدّثنا المبرد، قال:
كتب عبد الصمد بن المعذل إلى بعض الأمراء رقعة فلم يجبه عنها، لشيء كان بلغه عنه، فكتب إليه:
قد كتبت الكتاب ثم مضى اليو ... م ولم أدر ما جواب الكتاب
/ ليت شعري عن الأمير لماذا ... لا يراني أهلا لردّ الجواب/
لا تدعني وأنت رفّعت حالي ... ذا انخفاض بهجرتي واجتنابي
إن أكن مذنبا فعندي رجوع ... وبلاء بالعذر والإعتاب
وأنا الصادق الوفاء وذو العه ... د الوثيق المؤكّد الأسباب
هجاؤه للمهلبي الّذي كان يخدع الفتيات
أخبرني الحرميّ بن عليّ، قال: حدّثني أبو الشبل، قال:
كان بالبصرة رجل من ولد المهلّب بن أبي صفرة، يقال له: صبيانة، وكان له بستان سريّ في منزله، فكان يدعو الفتيات إليه، فلا يعطيهنّ شيئا من الدراهم، ويقصر بهن على ما يحملنه من البستان معهنّ، مثل الرّطب والبقول والرياحين، فقال فيه عبد الصمد قوله [2]:
قوم زناة مالهم دراهم ... جذرهم النّمّام والحماحم [3]
أنذل من تجمعه المواسم ... خسّوا وخسّت منهم المطاعم
فعدلهم إن قسته المظالم [4]
جزع عبد الصمد من هجاء الجماز
أخبرني جعفر بن قدامة، قال: حدّثني سوّار بن أبي شراعة، وأخبرنا به سوار أجازة، قال: حدّثني أبي، قال:
لمّا هجا الجماز عبد الصمد بن المعذّل جاءني فقال لي: أنقذني منه. فقلت له: أمثلك يفرق [5] من الجماز؟
فقال: نعم، لأنه لا يبالي بالهجاء ولا يفرق منه، ولا عرض له، وشعره ينفق [6] على من لا يدري. فلم أزل حتّى أصلحت بينهما بعد أن سار قوله فيه:
/ابن المعذّل من هو ... ومن أبوه المعذّل
سألت وهبان عنه ... فقال بيض محوّل [7]
__________
[1] الترائب: عظام الصدر، أو ما بين الثديين، أو أربع أضلاع من جانبي الصدر، أو موضع القلادة.
[2] قوله، ليست في س، ش.
[3] الجذر: الأصل. والنمام نبت طيب مدر. والحماحم: الحبق البستاني العريض الورق.
[4] ح: «مظالم».
[5] يفرق: يخاف ويفزع.
[6] ينفق: يروج وينتشر.
[7] محول: أي حضنه غير أبويه.
وهبان وعبد الصمد
قال: وكان وهبان هذا رجلا يبيع الحمام [1]، فجمع جماعة من أصحابه وجيرانه، وجعل يغشى المجالس، ويحلف أنّه ما قال: إن عبد الصمد بيض محوّل، ويسألهم أن يعتذروا إليه؛ فكان هذا منه قد صار بالبصرة طرفة ونادرة، فجاءني عبد الصمد يستغيث منه، ويقول لي: ألم أقل لك إنّ آفتي منه عظيمة، واللّه لدوران وهبان على النّاس يحلف لهم: إنه ما قال: إني بيض محوّل، أشدّ عليّ من هجائه لي. فبعثت إلى وهبان فأحضرته، وقلت له:
يا هذا، قد علمنا أنّ الجماز قد كذب عليك، وعذرناك فنحبّ أن لا نتكلف العذر إلى الناس في أمرنا، فإنّا قد عذرناك. فانصرف وقد لقي عبد الصمد بلاء.
تدخل الحمدوي بين عبد الصمد ومضرطان
أخبرني محمّد بن جعفر الصيدلانيّ النحويّ صهر المبرد، قال: حدّثني إسحاق بن محمّد النخعي قال: قال لي أبو شراعة القيسيّ:
بلغ أبا جعفر مضرطان أن عبد الصمد بن المعذّل هجاه، واجتمعا عند أبي وائلة السّدوسيّ، فقال له مضرطان: بلغني أنك هجوتني. فقال له عبد الصمد [2]: من أنت حتى أهجوك؟ قال: هذا شرّ من الهجاء. فوثب إلى عبد الصّمد يضربه، فقال الحمدويّ، وهو إسماعيل بن إبراهيم بن حمدويه، وحمدويه جدّه، وهو الّذي كان يقتل الزنادقة:
/ألذّ من صحبة القناني ... أو اقتراح على قيان [3]
لكز فتى من بني لكيز ... يهدى له أهون الهوان [4]
أهوى له بازل خدبّ ... يطحن قرنيه بالجران [5] /
فنال منه ثؤور قوم ... باليد طورا وباللّسان [6]
وكان يفسو فصار حقّا ... يضرط من خوف مضرطان
قال: وبلغ عبد الصّمد شعر الحمدويّ، فقال: أنا له. ففزع الحمدويّ منه، فقال:
ترح طعنت به وهمّ وارد ... إذ قيل إنّ ابن المعذّل واجد [7]
هيهات أن أجد السّبيل إلى الكرى ... وابن المعذّل من مزاحي حارد [8]
فرضي عنه عبد الصمد.
تهاجي الجماز وعبد الصمد
أخبرني محمّد بن عمران الصيرفيّ قال: حدّثنا العنزيّ،. قال: حدّثني إبراهيم بن عقبة اليشكريّ، قال:
__________
[1] في س، ش: «يتبع الحمام». وفي ح: «يتبع الحمار» وهو تحريف.
[2] الكلام بعده إلى «عبد الصمد» لا يوجد في ح، وزيدت كلمة «فجعل» قبل «يضربه» في ح.
[3] في الأصول: «من محنة». القناني: جمع قنينة.
[4] اللكز: الضرب. ولكيز كزبير ابن أفصى بن عبد القيس. ويهدي بالياء في س، ش أما في ح فبالنون.
[5] الخدب بتشديد الباء هو الجمل الشديد الصلب. والقرنان: الجانبان.
[6] الثؤور: جمع ثأر.
[7] الترح: الهم.
[8] الحارد: الغضبان المغتاظ.
قال لي عبد الصمد بن المعذل، هجاني الجماز ببيتين سخيفين فسارا في أفواه الناس، حتى لم يبق خاصّ ولا عامّ إلا رواهما، وهما:
ابن المعذل من هو ... ومن أبوه المعذّل
سألت وهبان عنه ... فقال بيض محوّل
/ فقلت أنا فيه شعرا تركته يتحاجى [1] فيه كلّ أحد، فما رواه أحد ولا فكّر فيه، وذلك لضعته، وهو قولي:
نسب الجمّاز مقصو ... ر إليه منتهاه
يتراءى نسب النا ... س فما يخفى سواه
يتحاجى في أبي الج ... مّاز من هو كاتباه
ليس يدري من أبو الج ... مّاز إلا من يراه
شعره في بستان له
أخبرني الأخفش، قال: كان لعبد الصمد بستان نظيف عامر، فأنشدنا لنفسه فيه:
إذا لم يزرني [2] ندمانيه ... خلوت فنادمت بستانيه
فنادمته خضرا مؤنقا ... يهيّج لي ذكر أشجانيه
يقرّب مفرحة المستلذّ ... ويبعد همّي وأحزانيه
أرى فيه مثل مداري الظّباء ... تظلّ لأطلائها حانيه [3]
ونور أقاح شتيت النبات ... كما ابتسمت عجبا غانيه [4]
ونرجسه مثل عين الفتاة ... إلى وجه عاشقها رانيه [5]
شعره في يزيد والجارية الّتي عشقها واشتراها
أخبرني جعفر بن قدامة بن زياد الكاتب، قال:
كان يزيد بن عبد الملك المسمعيّ يهوى جارية من جواري القيان، يقال لها: عليم، وكان يعاشر عبد الصمد، ويزيد يومئذ شابّ حديث السن، وكان عبد الصمد يسمّيه ابني، ويسمّي الجارية ابنتي، فباع الفتى بستانا له في معقل، وضيعة بالقندل [6]، فاشترى الجارية بثمنها، فقال عبد الصمد:
بنيّتي أصبحت عروسا ... تهدى من ابني إلى عروس
زفّت إليه لخير وقت ... فاجتمعا ليلة الخميس
__________
[1] يتحاجى: يتفاطن، من الأحجية، وهي مثل اللغز في الكلام.
[2] في الأصول: «إذا لم يزرنا». والندمان، بالفتح: النديم على الشراب، والندماء أيضا.
[3] المداري: القرون. والطلا بالفتح: ولد الظبي ساعة يولد، وهو أيضا الصغير من كل شيء.
[4] النور: الزهر. والأقاحي: جمع أقحوانة، نبت تشبه به الأسنان.
[5] الرانية من رنا: إذا أدام النظر في سكون.
[6] نهر معقل: نهر معروف بالبصرة، منسوب إلى معقل بن يسار بن عبد اللّه المزنى. والقندل: موضع بالبصرة ذكر في أخبار مكة.
يا معشر العاشقين أنتم ... بالمنزل الأرذل الخسيس
يزيد أضحى لكم رئيسا ... فاتّبعوا منهج الرئيس
من رام بلّا لرأس أير ... ذلّل نفسا بحلّ كيس [1]
هجاؤه للجماز وأبي قلابة
/ أخبرني محمّد بن خلف بن المرزبان، قال: حدّثني يزيد بن محمّد المهلبي، قال:
بلغ عبد الصمد بن المعذل أنّ أبا قلابة الجرميّ تدسّس إلى الجماز لمّا بلغه تعرّضه له، وهجاؤه إياه، فحمله على الزيادة في ذلك، ويضمن له أن ينصره ويعاضده، وقد كان عبد الصمد هجا أبا قلابة حتّى أفحمه، فقال عبد الصمد فيهما:
يا من تركت بصخرة ... صمّاء هامته أميمه [2]
إن الّذي عاضدته ... أشبهته خلقا وشيمه [3]
وكفعل جدّتك الحدي ... ثة فعل جدّته القديمه
فتناصرا، فابن اللئي ... مة ناصر لابن اللئيمه
عتابه لصديق ارتفعت حاله
حدّثني جعفر بن قدامة، قال: حدّثني أبو العيناء، قال: كان لعبد الصّمد بن المعذّل صديق يعاشره ويأنس به، فتزوّج إليه أمير البصرة، وكان من ولد سليمان بن عليّ، فنبل الرّجل وعلا قدره، وولّاه المتزوّج إليه عملا، فكتب إليه عبد الصمد:
أحلت [4] عمّا عهدت من أدبك ... أم نلت ملكا فتهت في كتبك
أم هل ترى أنّ في مناصفة الإخ ... وان نقصا عليك في حسبك
أم كان ما كان منك عن غضب ... فأيّ شيء أدناك من غضبك [5]
إنّ جفاء كتاب ذي ثقة ... يكون في صدره «و أمتع بك»
كيف بإنصافنا لديك وقد ... شاركت آل النبيّ في نسبك
قل للوفاء الّذي تقدّره ... نفسك عندي مللت من طلبك
أتعبت كفّيك في مواصلتي ... حسبك ماذا كفيت من تعبك
فأجابه صديقه:
كيف يحول الإخاء يا أملي ... وكلّ خير أنال من نسبك [6]
__________
[1] في الأصول: «دلك نفسا لحل».
[2] الأميم: المشجوج الرأس، الّذي بلغت الطعنة أم دماغه.
[3] الشيمة: الطبع والسجية. س، ش: «وسيمه». والسيمة: العلامة.
[4] حلت: تغيرت.
[5] في الأصول: «عن غضبك».
[6] في الأصول: «كيف أحول».
إن يك جهل أتاك من قبلي ... فامنن بفضل عليّ من أدبك
أنكرت شيئا فلست فاعله ... ولا تراه يخطّ في كتبك
هجاؤه لصديق كذوب
حدّثني الأخفش، قال: حدّثنا المبرد، قال:
كان لعبد الصمد بن المعذّل صديق كثير الكذب، كان معروفا بذلك، فوعده وعدا فأخلفه، ومطله به مطلا طويلا، فقال عبد الصمد:
لي صاحب في حديثه البركة ... يزيد عند السّكون والحركه
لو قال «لا» في قليل أحرفها ... لردّها بالحروف مشتبكه [1]
شعره في هجاء بن المنجاب
أخبرني جعفر بن قدامة قال: حدّثني سوّار بن أبي شراعة، قال:
كان يحيى بن عبد السميع الهاشميّ يعاشر عبد الصمد بن المعذل، ويجتمعان في دار رجل من بني المنجاب له جارية مغنّية، وكان ينزل رحبة المنجاب بالبصرة، ثم استبدّ بها الهاشميّ دون عبد الصمد، فقال فيهم عبد الصمد:
قل ليحيى [2] مللت من أحبابي ... فلينكهم ما شاء من أصحابي
/ قد تركنا تعشّق المرد لمّا ... أن بلونا تنعّم العزّاب
وشنئنا المؤاجرين فملنا ... بعد خبر إلى وصال القحاب [3]
حبّذا قينة لأهل بني المن ... جاب حلّت في رحبة المنجاب
صدّقت إذ يقول لي خلق الأح ... راح ليس الفقاح للأزباب [4]
حبّذا تلك إذ تغنّيك يا يح ... يى وتسقيك من ثنايا عذاب
«ذكر القلب ذكرة أمّ زيد ... والمطايا بالسّهب سهب الركاب» [5]
حبّذا إذ ركبتها فتجافت ... تتشكى إليك عند الضّراب
وتغنّت وأنت تدفع فيها ... غير ذي خيفة لهم وارتقاب
«إن جنبي عن الفراش لناب ... كتجافي الأسرّ فوق الظّراب» [6]
ليت شعري هل أسمعنّ إذا ما ... زاح عني وساوس الكتاب
__________
[1] مشتبكة، في كل الأصول «مستكة» وهو تحريف.
[2] في الأصول: «ملكت» تحريف.
[3] شنئنا: أبغضنا. ح: «شنقنا» صواب هذه بالفاء. المؤاجر: الّذي ينال الأجر لقاء الاستمتاع به. والخبر: الاختبار. وفي الأصول:
«بعد خير» تحريف.
[4] الأحراح: الفروج. والفقحة: حلقة الدبر.
[5] البيت لعمر بن أبي ربيعة في ديوانه ص 99. والسهب: موضع.
[6] الأسر: البعير به ورم في جوفه. والظراب: جمع ظرب ككتف، وهو ما نتأ من الحجارة وكان طرفه حادا. وهذا البيت لمعد يكرب، كما في «اللسان» (سرر).
من فتاة كأنها خوط بان ... مجّ فيها النعيم ماء الشباب [1]
/إذ تغنّيك خلف سجف رقيق ... نغمات تحبّها بصواب [2]
شفّ عنها محقّق جنديّ ... فهي كالشّمس من خلال سحاب [3]
ربّ شعر قد قلته بتباه ... ويغرّى به ذو والألباب [4]
قد تركت الملحّنين إذا ما ... ذكروه قاموا على الأدناب [5]
قال: وشاعت الأبيات بالبصرة، فامتنع مولى الجارية من معاشرة الهاشميّ، وقطعه بعد ذلك.
ما وقع بينه وبين ابني هشام الكرنباني وشعره في ذلك
أخبرني محمّد بن عمران الصيرفيّ وأحمد بن يحيى بن علي بن يحيى، قال: حدّثنا الحسن بن عليل العنزيّ، قال: حدّثني أحمد بن صالح الهاشميّ، قال:
كان الحسين بن عبد اللّه بن العباس بن جعفر بن سلمان مائلا إلى عبد الصمد بن المعذّل، وكان عبد الصّمد يهجو هشاما الكرنباني، فجرى عن ابني هشام الكرنباني - وهما أبو وائلة وإبراهيم - وبين الحرّ بن عبد اللّه، لحاء في أمر عبد الصّمد، لأنّهما ذكراه وسبّاه، فامتعض له الحسين وسبّهما عنه، فرميا الحسين بابن المعذّل، ونسباه إلى أنّ عبد الصمد يرتكب القبيح، وبلغ الحسين ذلك، فلقيهما في سكة المربد، فشدّ عليهما بسوطه وهو راكب، فضربهما ضربا مبرّحا، وأفلت أبو وائلة، ووقع سبيب [6] السّوط في عين إبراهيم، فأثر فيها أثرا قبيحا، فاستعان بمشيخة من آل سليمان بن علي، وهرب أبو وائلة إلى الأمير عليّ بن عيسى وهو والي البصرة، فوجّه معه/ بكاتبه ابن فراس إلى باب الحسين بن عبد اللّه، فطلبه وهرب حسين إلى المحدثة [7]، فلما كان من الغد جاء حسين إلى صالح بن إسحاق بن سليمان، وإلى ابن يحيى بن جعفر بن سليمان، ومشيخة من آل سليمان، فصاروا معه إلى عليّ بن عيسى، وأقبل عبد الصمد بن المعذّل لما رآهم، فدخل معهم لنصرة حسين، فكلّموا عليّ بن عيسى في أمره وقام عبد الصمد، فقال: أصلح اللّه الأمير، هؤلاء أهلك، وأجلّة أهل مصرك [8]، تصدّوا إليك في ابنهم وابن أخيهم، و[هو و] إن كان حدثا لا ينبسط للحجّة بحداثته [9]، فإن هاهنا من يعبّر عنه، وقد قلت أبياتا، فإن رأى/ الأمير أن يأذن [10] في إنشادها فعل. قال: قل. فأنشده عبد الصمد قوله:
يا ابن الخلائف وابن كلّ مبارك ... رأس الدعائم سابق الأغصان
إنّ العلوج على ابن عمك أصفقوا ... فأتوك عنه بأعظم البهتان [11]
قرفوه عندك بالتعدّي ظالما ... وهم ابتدوه بأعظم العدوان
__________
[1] الخوط، بالضم: الغصن الناعم.
[2] السجف: الستر. وفي الأصول: «سحق».
[3] المحقق: المحكم النسج من الثياب، أو الّذي له وشم على صورة الحق. والجند: بلد من بلاد اليمن.
[4] في الأصول: «يتساه». يغري: من التغرية، وهي بمعنى الإغراء. يقال أغراه بالشيء وغراه به تغرية.
[5] في الأصول: «الملتحين».
[6] السبيب: ذرابة السوط. ح: «شيب» وفي سائر النسخ «سبب» صوابه ما أثبتنا.
[7] المحدثة بضم الميم: ماء ونخل في بلاد العرب، ولها جبل يسمى عمود المحدثة.
[8] أجلة، كذا وردت في النسخ. وصوابها وقياسها «جلة».
[9] في س، ش: «لا ينسبك للخسة»، صوابه في ح.
[10] يأذن، وردت في ح: «يأذن لي».
[11] العلوج: جمع علج وهو كبير العجم. أصفقوا: اجتمعوا.
شتموا له عرضا أغرّ مهذّبا ... أعراضهم أولى بكلّ هوان
وسموا بأجسام إليه مهينة ... وصلت بألأم أذرع وبنان
خلقت لمدّ القلس لا لتناول ... عرض الشّريف ولا لمدّ عنان [1]
لم يحفظوا قرباه منك فينتهوا ... إذ لم يهابوا حرمة السّلطان
/ أيذلّ مظلوما وجدّك جده ... كيما يعزّ بذلّه علجان
وينال أقلف، كربلاء بلاده، ... ذلّ ابن عمّ خليفة الرحمن [2]
إني أعيذك أن تنال بك الّتي ... تطغى العلوج بها على عدنان
فدعا عليّ بن عيسى حسينا، فضمّه إليه، فقال: انصرف مع مشايخك. ودعا بهشام الكرنباني وابنيه، فعذلهم [3] في أمره، ثمّ أصلح بينهم بعد ذلك.
عتبه لعبد اللّه بن المسيب
أخبرني عليّ بن سليمان، قال: حدّثنا محمّد بن يزيد، قال: كان عبد الصمد بن المعذّل يعاشر عبد اللّه بن المسيّب ويألفه، فبلغه أنّه اغتابه يوما وهو سكران، وعاب شيئا أنشده من شعره، فقال فيه وكتب بها إليه:
عتبي عليك مقارن العذر ... قد زال عند حفيظتي صبري [4]
لك شافع منّى إليّ فما ... يقضي عليك بهفوة فكري
لمّا أتاني ما نطقت به ... في السّكر قلت جناية السكر
حاشا لعبد اللّه يذكرني ... مستعذبا بنقيصتي ذكري
إن عاب شعري أو تحيّفه ... فليهنه ما عاب من شعري
يا ابن المسيب قد سبقت بما ... أصبحت مرتهنا به شكري
فمتى خمرت فأنت في سعة ... ومتى هفوت فأنت في عذر
ترك العتاب إذا استحقّ أخ ... منك العتاب ذريعة الهجر
هجاؤه لشروين المغني
أخبرني الأخفش، قال: حدّثنا المبرّد، قال:
دعا عبد الصمد بن المعدّل شروين المغنّي، وكان محسنا متقدّما في صناعته، فتعالل عليه ومضى إلى غيره، فقال عبد الصّمد: واللّه لأسمنّه ميسما لا يدعوه بعده أحد بالبصرة إلّا بعد أن يبذل عرضه وحريمه. فقال فيه:
من حلّ شروين له منزلا ... فلتنهه الأولى عن الثانيه
فليس يدعوه إلى بيته ... إلا فتى في بيته زانيه
فتحاماه أهل البصرة حتى اضطّر إلى أن خرج إلى بغداد وسرّ من رأى.
__________
[1] القلس: الحبل الضخم من ليف أو خوص أو غيرهما. عنى أنهم ملاحون ضعاف الشأن.
[2] الأقلف: الّذي لم يختن.
[3] عذلهم: لامهم.
[4] في ح: «قد زاد عنك حفيظتي نصري».
هجاء أبي قلابة لأبي رهم
أخبرني محمّد بن عمران الصيرفيّ وأحمد بن العباس العسكريّ، قالا: حدّثنا الحسن بن عليل العنزي، قال:
حدّثنا الفضل بن أبي جرزة، قال:
كان أبو قلابة الجرميّ وعبد الصمد بن المعذّل وعبد اللّه/ بن محمّد بن أبي عيينة المهلّبيّ أرادوا المسير [1] إلى بيت بحر البكراويّ، وكانت له جارية مغنية، يقال لها: جبلة [2]، وكان أبو رهم إليها مائلا يتعشّقها، ثم اشتراها بعد ذلك، فلما أرادوا الدّخول إليها وافاهم أبو رهم، فأدخلوه وحده وحجبوهم، فانصرفوا إلى بستان ابن أبي عيينة، فقال أبو قلابة: لا بدّ أن نهجو أبا رهم. فقالوا: قل. فقال:
ألا قل لأبي رهم ... سيهوى نعتك الوصف
كما حالفك الغيّ ... كذا جانبك الظّرف
أتانا أنه أهدى ... إلى بحر من الشّغف [3]
/حزيمات من الصيّر ... فهلّا معه رغف [4]
فنادوا اقسمي فينا ... فقد جاءكم اللّطف [5]
سبب هجاء عبد الصمد أبا رهم
فقال له عبد الصمد: سخنت عينك أيش هذا الشعر، بمثل هذا يهجى من يراد به الفضيحة. فقال أبو قلابة:
هذا الّذي حضرني، فقل أنت ما يحضرك. فقال: أفعله وأجوّد. فكان هذا سبب هجاء عبد الصمد أبا رهم، وأوّل قصيدة هجاه بها [6] قوله:
دعوا الإسلام وانتحلوا المجوسا ... وألقوا الرّيط واشتملوا القلوسا [7]
بني العبد المقيم بنهر تيرى ... لقد أنهضت طيركم نحوسا [8]
حرام أن يبيت لكم نزيل ... فلا يمسي بأمّكم عروسا
إذا ركد الظلام رأت عسيلا ... يحثّ على نداماه الكؤسا [9]
ويذكرهم أبو رهم بهجو ... فيستدعي إلى الحرم النّفوسا
ويخليهم هشام بالغواني ... ويحمي الفضل بينهم الوطيسا [10]
__________
[1] في ح: «المصير».
[2] جبلة هي في ح: «جبل».
[3] الشغف، بالفتح والتحريك: أن يبلغ الحب شغاف القلب. وفي البيت إقواء.
[4] الحزيمات: جمع حزيمة. وفي كل الأصول بالخاء المعجمة. والصير: سمكات مملوحات.
[5] اللطف، بالضم والتحريك: البر والتكرمة والتجفي.
[6] في الأصول: «هجاها».
[7] الريط جمع ريطة: كل ملاءة غير ذات لفقين كلها نسج واحد وقطعة واحدة. والقلس: الحبل الضخم من حبال السفينة.
[8] نهر تيري: بلد في الأهواز حفره أردشير الأصغر.
[9] عسيل: اسم علم.
[10] الوطيس: التنور. ويقال حمى الوطيس: اشتدّت الحرب.
فتسمع في البيوت لهم هبيبا ... كما أهملت في الزّرب التيوسا [1]
لقد كان الزناة بلا رئيس ... فقد وجد الزناة بهم رئيسا
هم قبلوا الزّناء وأنشؤوه ... وهم وسموا بجبهته حبيسا [2]
لئن لم تنف دعوتهم سدوس ... لقد أخزى الإله بهم سدوسا
/ وقال فيه:
لو جاد بالمال أبو رهم ... كجوده بالأخت والأمّ
أضحى وما يعرف مثل له ... وقيل أسخى العرب والعجم
من برّ بالحرمة إخوانه ... أحقّ أن يشكر بالشتم [3]
وله فيه من قصيدة طويلة:
هو واللّه منصف ... زوجه زوج زوجته
يقسم الأير عادلا ... بين حرها وفقحته
وصف عبد الصمد لنزهة
حدّثني أحمد بن عبيد اللّه بن عمار، قال: حدّثنا العنزيّ، قال: حدّثني أبو الفضل بن عبدان، قال:
خرج عبد الصمد بن المعذّل مع أهله إلى نزهة وقال:
/قد نزلنا بروضة وغدير ... وهجرنا القصر المنيف المشيدا [4]
بعريش ترى من الزاد فيه ... زكرتي خمرة وصقرا صيودا [5]
وغريرين يطربان الندامى ... كلما قلت أبديا وأعيدا [6]
غنّياني، فغنّياني بلحن ... سلس الرّجع يصدع الجلمودا
«لا ذعرت السّوام في فلق ال ... صّبح مغيرا ولا دعيت يزيدا» [7]
حيّ ذا الزور وانهه أن يعودا ... إنّ بالباب حارسين قعودا [8]
/من يزرنا يجد شواء حبارى ... وقديرا رخصا وخمرا عتيدا [9]
__________
[1] الهبيب: صوت التيس عند السفاد. والزرب بالزاي: موضع الغنم. وفي كل الأصول بالدال، تحريف. والتيس: الذكر من الظباء والمعز والوعول أو إذا أتى عليه سنة.
[2] قبلوا الزناء: كانوا له كالقابلة، وهي الّتي تتلقى المولود. وفي كل الأصول: «اقتتلوا الزناة». والإنشاء والتنشئة: التربية. والحبيس:
الموقوف، أي وضعوا علامة على وجهه ليعلم أنه حبيس.
[3] العبارة تهكم. وفي الأصول: «استحق أن يسكر».
[4] المنيف: المرتفع. والمشيد: ما طلي بالجص ونحوه.
[5] الزكرة، بالضم: زقيق للشراب. وفي الأصول: «ذكرتي» بالذال المعجمة، تحريف.
[6] الغرير: من لا تجربة له.
[7] السوام: الإبل الراعية.
[8] الزور: الزائر، ويطلق كذلك على الزوّار والزائرين.
[9] الحباري: طائر للذكر والأنثى والواحد والجمع وألفه للتأنيث. والقدير بفتح القاف وكسر الدال: ما يطبخ في القدر. والرخص:
اللين.
وكراما معذّلين وبيضا ... خلعوا العذر يسحبون البرودا [1]
لست عن ذا بمقصر ما جزائي ... قرّبت لي كريمة عنقودا [2]
شعره في الأفشين وهو غلام أمرد
أخبرني جعفر بن قدامة، قال: حدّثنا محمّد بن يزيد المبرد، قال: نظر عبد الصمد بن المعذّل إلى الأفشين بسرّ من رأى وهو غلام أمرد، وكان من أحسن الناس، وهو واقف على باب الخليفة مع أولاد القوّاد، فأنشدنا لنفسه فيه، قال:
أيها اللاحظي بطرف كليل ... هل إلى الوصل بيننا من سبيل
علم اللّه أنني أتمني ... زورة منك عند وقت المقيل
بعد ما قد غدوت في القرطق الجو ... ن تهادى وفي الحسام الصقيل [3]
وتكفّيت في المواكب تختا ... ل عليها تميل كلّ مميل [4]
وأطلت الوقوف منك ببا ... ب القصر تلهو بكلّ قال وقيل
وتحدّثت في مطاردة الصّي ... د بخبر به ورأى أصيل [5]
/ثمّ نازعت في السنان وفي الرم ... ح وعلم بمرهفات النصول [6]
وتكلّمت في الطّراد وفي الطّع ... ن ووثب على صعاب الخيول [7]
فإذا ما تفرّق القوم أقبل ... ت كريحانة دنت لذبول
قد كساك الغبار منه رداء ... فوق صدغ وجفن طرف كحيل
وبدت وردة القسامة من خ ... دّك في مشرق نقي أسيل [8]
ترشح المسك منه سالفة الظب ... ي وجيد الأدمانة العطبول [9]
فأسوف الغبار ساعة ألقا ... ك برشف الخدّين والتقبيل [10]
وأحلّ القباء والسّيف من خص ... رك رفقا باللّطف والتعليل [11]
ثم تؤتى بما هويت من التّش ... ريف عندي والبر والتبجيل
__________
[1] المعذل: من يعذل كثيرا لإفراط جوده. وفي الأصول: «معدلين». والعذر مع تسكين الذال للشعر: جمع العذار، وهو من اللجام ما سال على خدّ الفرس. كناية عن عدم الحياء.
[2] في الأصل: «لما قربت».
[3] القرطق: القباء، معرب كرته. والجون بفتح الجيم: الأبيض والأسود، من الأضداد.
[4] تكفيت: أي تكفأت وتمايلت.
[5] الخبر، بالضم والكسر: العلم بالشيء. في الأصول: «بخبرية».
[6] في ح: «في السنان وفي الدرع».
[7] الطراد: مزاولة الصيد.
[8] الوردة، بالضم: الحمرة. والقسامة: الحسن. وفي الأصول: «البشامة».
[9] السالفة: ما تقدّم من العنق. والأدمانة، بالضم: الشديدة السمرة. والعطبول: المرأة الفتية الجميلة الممتلئة الطويلة العنق.
[10] السوف: الشم.
[11] القباء: ثوب يلبس فوق الثياب، وقيل يلبس فوق القميص ويتمنطق عليه. والتعليل: يقال علله بطعام وغيره، إذا شغله.
ثم أجلوك كالعروس على الشّر ... ب تهادى في مجسد مصقول [1]
ثم أسقيك بعد شربي من ري ... قك كأسا من الرحيق الشمول [2]
وأغنّيك إن هويت غناء ... غير مستكره ولا مملول
لا يزال الخلخال فوق الحشايا ... مثل أثناء حية مقتول
/ فإذا ارتاحت النفوس اشتياقا ... وتمنّى الخليل قرب الخليل
كان ما كان بيننا، لا أسمّي ... ه ولكنّه شفاء الغليل
شعره في متيم وما جرى بينه وبين ابن أكثم بسبب ذلك
أخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن عمار، قال: حدّثني الحسن بن عليل العنزيّ والمبرّد وغيرهما، قالوا:
كانت متيّم جارية لبعض وجوه أهل البصرة، فعلقها عبد الصّمد بن المعذّل، وكانت لا تخرج إلا منتقبة، فخرج عبد الصمد يوما إلى نزهة، وقدمت متيّم إلى عبيد اللّه بن الحسن بن أبي الحرّ القاضي، فاحتاج إلى أن يشهد عليها، فأمرها بأن تسفر، فلما قدم عبد الصمد قيل له: لو رأيت متيّم وقد أسفرها القاضي لرأيت شيئا حسنا لم ير مثله. فقال عبد الصمد قوله:
ولما سرت عنها القناع متيم ... تروّح منها العنبريّ متيمّا
رأى ابن عبيد اللّه محكّم ... عليها لها طرفا عليه محكّما
وكان قديما كالح الوجه عابسا ... فلما رأى منها السفور تبسّما
فإن يصب قلب العنبريّ فقبله ... صبا باليتامى قلب يحيى بن أكثما
فبلغ قوله يحيى بن أكثم، فكتب إليه: عليك لعنة اللّه، أيّ شيء أردت منّي حتى أتاني شعرك من البصرة؟ فقال لرسوله: قل له: متيّم أقعدتك على طريق القافية!
هجاؤه لأخيه أحمد بن المعذل
أخبرني عمي، قال: حدّثني أحمد بن أبي طاهر، قال: حدّثني عبد اللّه بن أحمد العبديّ، قال: حدّثني الأنيسيّ، قال:
كنت عند إسحاق بن إبراهيم وزاره أحمد بن المعذّل، وكان خرج من البصرة على أن يغزو، فلما دخل على إسحاق بن إبراهيم أنشده:
أفضلت نعمي على قوم رعيت لهم ... حقا قديما من الودّ الّذي درسا [3]
/و حرمة القصد بالأمال إنّهم ... أتوا سواك فما لاقوا به أنسا
لأنت أكرم منه عند رفعته ... قولا وفعلا وأخلاقا ومغترسا [4]
__________
[1] المجسد: الثوب المعصفر بالزعفران.
[2] الشمول: الباردة.
[3] درس: عفت آثاره وزالت معالمه لقدمه.
[4] المغترس: عنى به الأصل.
فأمر له بخمسمائة دينار، فقبضها ورجع إلى البصرة، وكان خرج عنها ليجاور في الثّغر، وبلغ عبد الصمد خبره، فقال فيه:
يرى الغزاة بأنّ اللّه همّته ... وإنما كان يغزو كيس إسحاق
فباع زهدا ثوابا لا نفاد له ... وابتاع عاجل رفد القوم بالباقي [1]
صلة إسحاق بن إبراهيم لعبد الصمد
فبلغ إسحاق بن إبراهيم قوله، فقال: قد مسّنا أبو السمّ عبد الصمد بشيء من هجائه. وبعث إليه بمائة دينار، فقال له موسى بن صالح: أبى الأمير إلّا كرما وظرفا.
هجاؤه لأبي نبقة
أخبرني محمّد بن عمران الصيرفيّ، قال: حدّثنا الحسن بن عليل، قال: حدّثني الحسن الأسدي، قال:
قدم أبو نبقة من البحرين وقد أهدى إلى قوم من أهل البصرة هداياه، ولم يهد إلى عبد الصّمد شيئا فكتب إليه:
أما كان في قسب اليمامة والتمر ... وفي أدم البحرين والنّبق الصّفر [2]
ولا في مناديل قسمت طريفها ... وأهديتها حظّ لنا يا أبا بكر
سرت نحو أقوام فلا هنأتهم ... ولم ينتصف منها المقلّ ولا المثري
أ أنت إلى طالوت ذي الوفر والغنى ... وآل أبي حرب ذوي النّشب الدثر [3]
/و لم تأتني ولا الرياشيّ تمرة ... غصصت بباقي ما ادّخرت من التمر [4]
ولم يعط منها النهشليّ إداوة ... تكون له في القيظ ذخرا مدى الدهر [5]
أقول لفتيان طويت لطيّهم ... عرى البيد، منشور المخافة والذعر [6]
لئن حكّم السدريّ بالعدل فيكم ... لما أنصف السدريّ في ثمر السدر
لئن لم تكن عيناك عذرك لم تكن ... لدينا بمحمود ولا ظاهر العذر
هجاؤه يزيد المهلبي ونسبه إلى الشؤم
أخبرنا الحسن بن عليل، قال: حدّثنا أحمد بن يزيد المهلبي، قال:
وقع بين أبي وبين عبد الصمد بن المعذل تباعد، فهجاه ونسبه إلى الشؤم، وكان يقال ذلك في عبد الصمد، فقال فيه:
يقول ذوو التّشؤّم ما لقينا ... كما لقي ابن سهل من يزيد
__________
[1] الرفد: العطاء.
[2] القسب: التمر اليابس. والأدم جمع أديم، وهو الجلد. والنبق: حمل شجر الدر، الواحدة نبقة.
[3] أأنت بهمزة الاستفهام أي أتنتسب إلى طالوت ذي الوفر. والنشب: المال الأصيل من الناطق والصامت. والدثر بالفتح: المال الكثير، لا يثنى ولا يجمع، وقيل هو الكثير من كل شيء.
[4] غص بالماء والطعام: اعترض في حلقه شيء ومنعه من التنفس.
[5] الإداوة: إناء يتطهر به. وفي الأصول: «من الدهر».
[6] طيهم: نيتهم الّتي انتووها.
أتته منيّة المأمون لمّا ... أتاه يزيد من بلد بعيد
فصيّر منه عسكره خلاء ... وفرّق عنه أفواج الجنود
فقلت لهم وكم مشؤوم قوم ... أباد لهم عديدا من عديد
رأيت ابن المعذّل يال عمرو ... بشؤم كان أسرع في سعيد
فمنه موت جلّة آل سلم ... ومنه قض آجام البريد [1]
ولم ينزل بدار ثم يمسي ... ولمّا يستمع لطم الخدود
وكلّ مديح قوم قال فيهم ... فإنّ بعقبه «يا عين جودي»
إذا رجل تسمّع منه مدحا ... تنسّم منه رائحة الصعيد [2]
/فلو حصف الذين يبيح فيهم ... أثاروا منه رائحة الطريد [3]
فليس العزّ يمنع منه شؤما ... ولا عتبا بأبواب الحديد [4]
هجاؤه لأخيه أحمد
حدّثني الأخفش، قال: حدّثنا المبرد، قال:
مرّ أحمد بن المعذل بأخيه عبد الصمد وهو يخطر، فأنشأ يقول:
إن هذا يرى أرى ... أنّه ابن المهلّب
أنت واللّه معجب ... ولنا غير معجب
شعره في غلام له يدعى المغيرة
أخبرني الحسن بن عليّ قال: حدّثنا محمّد بن القاسم بن مهرويه، قال: حدّثنا أبي وغيره، وحدّثني به بعض آل المعذّل، قال:
مرّ عبد الصمد بن المعذل بغلام يقال له: المغيرة، حسن الصوت حسن الوجه، وهو يقرأ ويقول القصائد، فأعجب به، وقال فيه:
أيها الرافع في المس ... جد بالصّوت العقيره
قتلتني عينك النّج ... لاء، والقتل كبيره
أيّها الحكام أنتم ... فاصلو حكم العشيره
أحلالا ما بقلبي ... صنعت عينا مغيره
قصيدة له في صفة الحمى
أخبرني الحسن بن عليّ قال: حدّثنا ابن مهرويه، قال: حدّثنا زكريا بن مهران بن يحيى، قال:
__________
[1] القض: الهدم. وفي جميع الأصول: «قبض» ولعل الصواب ما أثبتنا. والآجام: الحصون.
[2] الصعيد: القبر.
[3] الحصف: الإقصاء والطرد. أثاروا: هيجوا. والطريد: ما يطرد.
[4] العتب: جمع عتبة، وهي أسكفة الباب وما يدور عليه، وقد عنى عتب أبواب السجون.
/ جاءنا عبد الصمد بن المعذّل إلى منزل محمّد بن عمر الجرجرائيّ، فأنشدنا قصيدة له في صفة الحمّى، فقال لي محمّد بن عمر: امض إلى منزل عبد الصمد حتى تكتبها. فمضيت إليه حتى كتبتها،/ وهي:
هجرت الصّبا ايّما هجره ... وعفت الغواني والخمره
طوتني عن وصلها سكره ... بكأس الضّنا ايّما سكره
هجاؤه لأبي تمام
أخبرني الحسن بن عليّ، قال: حدّثنا ابن مهرويه، قال: حدّثني عبد اللّه بن يزيد الكاتب، قال:
جمع بين أبي تمّام الطائيّ وبين عبد الصمد بن المعذّل مجلس، وكان عبد الصمد سريعا في قول الشعر، وكان في أبي تمام إبطاء، فأخذ عبد الصمد القرطاس وكتب فيه:
أنت بين اثنتين تبرز للنا ... س، وكلتاهما بوجه مذال [1]
لست تنفكّ طالبا لوصل ... من حبيب أو طالبا لنوال
أي ماء لحرّ وجهك يبقى ... بين ذلّ الهوى وذل السؤال
هجاء أبي تمام له
قال: فأخذ أبو تمام القرطاس وخلا طويلا، وجاء به وقد كتب فيه:
أفيّ تنظم قول الزّور والفند ... وأنت أبرز من لا شيء في العدد [2]
أشرجت قلبك من بغضي على حرق ... كأنّها حركات أرّوح في الجسد [3]
نقد عبد الصمد لأبي تمام
فقال له عبد الصمد: يا ماصّ بظر أمّه، يا غثّ، أخبرّني عن قولك «أنزر من لا شي ء»، واخبرني عن قولك «اشرجت قلبك»، قلبي مفرش أو عيبة [4] أو حرج/ فأشرجه، عليك لعنة اللّه فما رأيت أغثّ منك. فانقطع أبو تمام انقطاعا ما يرى أقبح منه، وقام فانصرف، وما راجعه بحرف.
قال أبو الفرج الأصبهاني: كان في ابن مهرويه تحامل على أبي تمّام لا يضرّ أبا تمام هذا منه، وما أقلّ ما يقدح مثل هذا في مثل أبي تمام.
هجاء عبد الصمد لرجل من ولد جعفر
أخبرني هاشم بن محمّد الخزاعي، قال: حدّثني العنزي، قال:
كان عبد الصمد بن المعذّل يستثقل رجلا من ولد جعفر بن سليمان بن عليّ يعرف بالفرّاش، وكان له ابن أثقل منه، وكانا يفطران عند المنذر بن عمرو - وكان يخلف بعض أمراء البصرة - وكان الفرّاش هذا يصلّي به، ثم يجلس فيفطر هو وابنه عنده، فلما مضى شهر رمضان انقطع ذلك عنهما، فقال عبد الصمد بن المعذّل:
غدر الزمان وليته لم يغدر ... وحدا بشهر الصوم فطر المفطر
__________
[1] المذل: المهان، أذاله: أهانه.
[2] الفند: الكذب.
[3] أشرجت العيبة: شددتها بخيط أو نخره. وفي ح بالحاء المهملة، وهو تصحيف.
[4] العيبة: الحقيبة من جلد: وما يوضع فيه الثياب.
وثوت بقلبك يا محمّد لوعة ... تمري بوادر دمعك المتحدر [1]
وتقسمتك صبابتان لبينه ... أسف المشوق وخلّة المتفكر [2]
فاستبق عينك واحش قلبك يأسه ... واقر السلام على خوان المنذر
سقيا لدهرك إذ تروّح يومه ... والشّمس في علياء لم تتهوّر [3]
حتّى تنيخ بكلكل متزاور ... وتمد بلعوما قموص الحنجر [4]
/و ترود منك على الخوان أنامل ... تدع الخوان سراب قاع مقفر [5]
ويح الصّحاف من ابن فرّاش إذا ... أنحى عليها كالهزبر الهيصر [6]
ذو دربة طبّ إذا لمعت له ... بثر الخوان بدا بحلّ المئزر [7]
ودّ ابن فرّاش وفرّاش معا ... لو أنّ شهر الصوم مدّة أشهر
يزرى على الإسلام قلّة صبره ... وتراه يحمد عدّة المتنصّر
/ لا تهلكنّ على الصّيام صبابة ... سيعود شهرك قابلا فاستبشر
لا درّ درّك يا محمّد من فتى ... شين المغيب وغير زين المحضر
هجاءه ليزيد المهلبي
أخبرني محمّد بن خلف بن المرزبان، قال: حدّثني محمّد البصريّ وكان جارا لعبد الصمد بن المعذّل، قال:
كان يزيد بن محمّد المهلبيّ يعادي عبد الصمد ويهاجيه ويسابّه، ويرمي كلّ واحد منهما صاحبه بالشّؤم، وكان يزيد بالبصرة وأبوه يتولّى نهر تيرى ونواحيها، فقال عبد الصمد يهجوه:
أبوك أمير قرية نهر تيرى ... ولست على نسائك بالأمير
وأرزاق العباد على آله ... لهم وعليك أرزاق الأيور
فكم في رزق ربك من فقير ... وما في أهل رزقك من فقير [8]
شعره في علي بن عيسى وقد شرب الدهن
أخبرني محمّد بن خلف بن المرزبان، قال: حدّثني محمّد بن عبد الرحمن، قال: حدّثني أحمد بن منصور، قال:
__________
[1] تمرى: تستدر.
[2] الخلة: الخصلة. وفي كل الأصول بالحاء المهملة.
[3] تروح: راح وانقضى. لم تتهور: لم تسقط.
[4] المتزاور: المنحرف. القموص: السريع. وفي «اللسان»: «يقال للكذاب: إنه لقموص الحنجرة».
[5] السراب: ما تراه نصف النّهار كأنه ماء.
[6] الهيصر: الأسد يفترس ويكسر ويميل.
[7] الطب: الخبير. بشر الخوان بضمتين، جمع بشير، أخذه من قول أعشى باهلة:
كأنه بعد صدق القوم أنفسهم ... باليأس تلمع من قدامه البشر
انظر «الخزانة» (1: 96). وفي الأصول: «نشر الخوان» تحريف. وفي الأصول أيضا: «بدار بخل المئزر»، والوجه ما أثبتناه.
[8] في الأصول: «فكم من رزق».
شرب علي بن عيسى بن جعفر وهو أمير البصرة الدّهن، فدخل إليه عبد الصّمد بن المعذّل بعد خروجه عنه، فأنشده قوله:
بأيمن طائر وأسر فال ... وأعلى رتبة وأجلّ حال [1]
شربت الدهن ثم خرجت عنه ... خروج المشرفيّ من الصقال
تكشف عنك ما عانيت عنه ... كما انكشف الغمام عن الهلال [2]
وقد أهديت ريحانا طريفا ... به حاجيت مستمعا سؤالي [3]
وما هو غير ياء بعد حاء ... وقد سبقا بميم قبل دال [4]
وريحان الشباب يعيش يوما ... وليس يموت ريحان المقال
ولم يك مؤثرا تفّاح شمّ ... على تفّاح أسماع الرجال
جوابه بالشعر عن رقعة رفعت إلى الإسكافي
أخبرني [5] جحظة، قال: حدّثني ميمون بن مهران [6]، قال: حدّثني أحمد بن المغيرة العجليّ، قال:
كنت عند أبي سهل الإسكافيّ وعنده عبد الصمد بن المعذّل، فرفع إليه رجل رقعة، فقرأها فإذا فيها:
هذا الرحيل فهل في حاجتي نظر ... أو لا فاعلم ما آتي وما أذر
/ فدفعها إلى عبد الصمد، وقال: الجواب عليك. فكتب فيها:
النفس تسخو ولكن يمنع العسر ... والحرّ يعذر من بالعسر يعتذر [7]
ثم قال عبد الصمد لعليّ بن سهل: هذا الجواب قولا، وعليك أعزك اللّه الجواب فعلا، ونجح سعي الآمل حقّ واجب على مثلك. فاستحيا وأمر للرجل بمائة دينار.
هجاؤه لابن أخيه
أخبرني حبيب بن نصر المهلبي وعلي بن سليمان الأخفش، قال: حدّثنا محمّد بن يزيد الأزدي، قال:
كان لابن المعذّل ابن [8] ثقيل تيّاه الذّهاب بنفسه، وكان مبغضا عند أهل البصرة، فمرّ يوما بعمّه عبد الصمد، فلما رآه قال لمن معه:
إن هذا يرى أرى ... أنّه ابن المهلّب
أنت واللّه معجب ... ولنا غير معجب
__________
[1] أجل: أعظم. وفي الأصول: «أحل» بالمهملة.
[2] في الأصول: «ما عاينت».
[3] حاجيت، هي في الأصول: «جاثيت».
[4] أراد «مدحي». وفي الأصول: «بعد دال».
[5] أخبرني ساقطة من ح.
[6] في ح: «هارون».
[7] بالعسر هي في ح: «بالصدق».
[8] يعني ابن أخيه أحمد بن المعذل. وقد مضى أن الهجاء في أحمد بن المعذل لا ابنه.
قال: وقال فيه أيضا:
/لو كان يعطى المنى الأعمام في ابن أخ ... أصبحت في جوف قرقور إلى الصين [1]
قد كان همّا طويلا لا يقام له ... لو كان رؤيتنا إياك في الحين
فكيف بالصّبر إذ أصبحت أكثر في ... مجال أعيننا من رمل يبرين [2]
يا أبغض النّاس في عسر وميسرة ... وأقذر الناس في دنيا وفي دين
لو شاء ربّي لأضحى واهبا لأخي ... بمدّ ثكلك أجرا غير ممنون
/ وكان خيرا له لو كان مؤتزرا ... في السّالفات على غرمول عنّين [3]
وقائل لي ما أضناك قلت له ... شخص ترى وجهه عيني فيضنيني
إن القلوب لتطوى منك يا ابن أخي ... إذا رأتك على مثل السّكاكين
صوت
أتتك العيس تنفخ في براها ... تكشّف عن مناكبها القطوع [4]
بأبيض من أمية مضرحيّ ... كأن جبينه سيف صنيع [5]
الشعر لعبد الرحمن بن الحكم بن أبي العاص، والغناء لابن المهربد [6]، رمل بالبنصر عن الهشامي. واللّه أعلم.
__________
[1] القرقور: ضرب من السفن عظيم طويل.
[2] يبرين: موضع من أصقاع البحرين، رمله موصوف بالكثرة.
[3] الغرمول: الذكر أو الضخم الرخو.
[4] العيس: النوق البيض يخالط بياضها شقرة. والبرى: جمع برة بضم ففتح، وهي حلقة من فضة أو صفر أو شعر تجعل في أنف البعير. والقطوع بضم القاف: جمع قطع بالكسر، وهو الطنفسة تكون تحت الرحل على كتفي البعير.
[5] المضرحي: السيد الكريم، والأبيض من كل شيء. والصنيع: السيف المجرب المجلوّ.
[6] في ح: «الهربد».
19 - أخبار عبد الرحمن ونسبه
هو عبد الرحمن بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف. وأمّه أمّ أخيه مروان، آمنة بنت صفوان بن أمية بن محرّث بن شق بن رقبة بن مخدج من بني كنانة. ويكنى عبد الرحمن أبا مطرف، شاعر إسلامي متوسّط الحال [1] في شعراء زمانه، وكان يهاجي عبد الرحمن بن حسّان بن ثابت فيقاومه وينتصف كلّ واحد منهما من صاحبه.
خبر قدومه على معاوية معاتبا لعزله أخاه مروان
أخبرني محمّد بن العبّاس العسكريّ قال: حدّثنا الحسن بن عليل العنزيّ، عن العمريّ، عن العتبيّ والهيثم بن عديّ، عن صالح بن حسان.
وأخبرني به عمي عن الكراني، عن العمريّ، عن الهيثم، عن صالح بن حسان قال:
قدم عبد الرحمن بن الحكم على معاوية بن أبي سفيان، وقد عزل أخاه مروان عن الحجاز وولّى سعيد بن العاص، وكان مروان وجّه به وقال له: القه أمامي فعاتبه لي واستصلحه. وقال عمّي [2] في خبره: كان عبد الرحمن بدمشق، فلما بلغه خبر أخيه خرج إليه فتلقّاه، وقال له: أقم حتى أدخل إلى الرجل، فإن كان عزلك عن موجدة دخلت إليه منفردا. وإن كان عن غير موجدة دخلت إليه مع الناس. قال: فأقام مروان ومضى عبد الرحمن أمامه، فلما قدم عليه دخل إليه وهو يعشّي الناس، فأنشأ يقول:
أتتك العيس تنفخ في براها ... تكشّف عن مناكبها القطوع
بأبيض من أميّة مضرحيّ ... كأنّ جبينه سيف صنيع
/ فقال معاوية: أزائرا جئت أم مفاخرا أم مكاثرا؟ فقال: أيّ ذلك شئت. فقال له: ما أشاء من ذلك شيئا [3]، وأراد معاوية أن يقطعه عن كلامه الّذي عنّ له، فقال: على أيّ الظهر أتيتنا؟ قال:/ على فرسي. قال: وما صفته؟
قال: أجشّ هزيم»، يعرّض بقول النّجاشي له:
ونجّى ابن حرب سابح ذو علالة ... أجشّ هزيم والرماح دواني [4]
إذا خلت أطراف الرّماح تناله ... مرته به السّاقان والقدمان [5]
قدوم عبد الرحمن بن الحكم على معاوية مغاضبا
فغضب معاوية، وقال: أما إنّه لا يركبه صاحبه في الظّلم إلى الرّيب، ولا هو ممّن يتسوّر على جاراته ولا
__________
[1] في ح: «متوسط المحل».
[2] في الأصول: «عمر».
[3] شيئا، ساقطة في ح.
[4] السابح: الفرس السريع، كأنه يسبح بيديه. والعلالة: البقية من السير ومن كل شيء. والأجش: الغليظ الصوت من الإنسان ومن الخيل ومن الرعد وغيره. والهزيم: الفرس الشديد الصوت.
[5] مرته: استدرت جريه.
يتوثّب على كنائنه [1] بعد هجعة الناس - وكان عبد الرحن يتهم بذلك في امرأة أخيه - فخجل عبد الرحمن وقال: يا أمير المؤمنين، وما حملك على عزل ابن عمّك، ألجناية أو جبت سخطا، أم لرأي رأيته، وتدبير استصلحته؟ قال:
لتدبير استصلحته. قال: فلا بأس بذلك، وخرج من عنده فلقي أخاه مروان، فأخبره بما جرى بينه وبين معاوية، فاستشاط غيظا، وقال لعبد الرحمن: قبحك اللّه، ما أضعفك، أعرّضت للرجل بما أغضبه حتى إذا انتصف منك أحجمت عنه؟ ثم لبس حلّته، وركب فرسه، وتقلّد سيفه، ودخل على معاوية، فقال له حين رآه وتبيّن الغضب في وجهه: مرحبا بأبي عبد الملك، لقد زرتنا عند اشتياق منّا إليك. قال: لاها [2] اللّه ما زرتك لذلك، ولا قدمت عليك فألفيتك إلّا عاقّا قاطعا، واللّه/ ما أنصفتنا ولا جزيتنا جزاءنا. لقد كانت السابقة من بني عبد شمس لآل أبي العاص، والصّهر برسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لهم، والخلافة فيهم، فوصلوكم يا بني حرب وشرّفوكم، وولّوكم فما عزلوكم ولا آثروا عليكم، حتّى إذا ولّيتم وأفضى الأمر إليكم، أبيتم إلا أثرة وسوء صنيعة، وقبح قطيعة، فرويدا رويدا، قد بلغ بنو الحكم وبنو بنيه نيّفا وعشرين، وإنما هي أيّام قلائل حتّى يكملوا أربعين ويعلم امرؤ أين يكون منهم حينئذ، ثم هم للجزاء بالحسنى وبالسوء بالمرصاد.
قال عمّي في خبره: فقال له معاوية: عزلتك لثلاث لو لم يكن منهنّ إلّا واحدة لأوجبت عزلك: إحداهنّ إنّي أمّرتك على عبد اللّه بن عامر وبينكما ما بينكما، فلم تستطع أن تشتفي منه. والثانية كراهتك لأمر زياد. والثالثة أن ابنتي رملة استعدتك [3] على زوجها عمرو بن عثمان فلم تعدها [4]. فقال له مروان: أما ابن عامر فإنّي لا أنتصر في سلطاني، ولكن إذا تساوت الأقدام علم أين موقعه. وأمّا كراهتي أمر زياد فإنّ سائر بني أمية كرهوه، ثم جعل اللّه لنا في ذلك الكره خيرا كثيرا. وأما استعداء رملة على عمرو فو اللّه إنّى لتأتي عليّ سنة أو أكثر وعندي بنت عثمان فما أكشف لها ثوبا - يعرّض بأن رملة إنما تستعدي عليه طلبا للنكاح - فقال له معاوية: يا ابن الوزغ [5]، لست هناك.
فقال له مروان: هو ذاك الآن، واللّه إني لأبو عشرة وأخو عشرة وعمّ عشرة، وقد كاد ولدي أن يكملوا العدّة - يعني أربعين - ولو قد بلغوها لعلمت أين تقع منّي! فانخزل معاوية ثم قال:
/فإن آك في شراركم قليلا ... فإنّي في خياركم كثير
بغاث الطّير أكثرها فراخا ... وأمّ الصّقر مقلات نزور [6]
قال: فما فرغ مروان من كلامه حتى استخذى معاوية في يده وخضع له، وقال: لك العتبى [7]، وأنا رادّك إلى عملك. فوثب مروان وقال له: كلّا واللّه وعيشك لا رأيتني عائدا إليه أبدا./ وخرج، فقال الأحنف لمعاوية: ما رأيت لك قطّ سقطة مثلها، ما هذا الخضوع لمروان؟ وأيّ شيء يكون منه ومن بني أبيه إذا بلغوا أربعين؟ وأيّ شيء تخشاه منهم؟ فقال له: ادن منّي أخبرك بذلك. فدنا منه، فقال له: إنّ الحكم بن أبي العاص كان أحد من وفد مع أختي أمّ حبيبة [8] لما زفّت إلى النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، وهو الّذي تولّى نقلها إليه، فجعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يحدّ النّظر إليه، فلما خرج من عنده قيل له: يا رسول اللّه، لقد أحددت النّظر إلى الحكم! فقال: «ابن المخزومية؛ ذلك رجل إذا بلغ
__________
[1] كنائن: جمع كنة بفتح الكاف: امرأة الأبن أو الأخ، وهو جمع نادر توهموا فيه «فعيلة» ونحوها، مما يجمع على فعائل.
[2] ها، في مثل هذا الأسلوب للتنبيه دخلت على حرف القسم المحذوف، أو هي بدل من تاء القسم. انظر «مغني اللبيب» و«حاشية الأمير».
[3] استعدتك: استغاثت بك واسنتصرتك.
[4] أعداه عليه: نصره وأعانه.
[5] الوزغ: جمع وزغة: سام أبرص، سميت بها لخفتها وسرعة حركتها.
[6] بغاث الطير: أضعفها. والمقلات: الناقة الّتي تضع واحدا ثم لا تحمل، والمرأة الّتي لا يعيش لها ولد. والنزور: القليلة النسل.
[7] العتبى بالضم: الرضا.
[8] أم حبيبة، هي رملة بنت أبي سفيان صخر بن حرب، زوج الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم.
ولده ثلاثين - أو قال: أربعين - ملكوا الأمر بعدي». فو اللّه لقد تلقّاها مروان من عين صافية. فقال له الأحنف: لا يسمعنّ هذا أحد منك، فإنّك تضع من قدرك وقدر ولدك بعدك، وإن يقض اللّه عزّ وجلّ أمرا يكن. فقال له معاوية:
فاكتمها عليّ يا أبا بحر إذا، فقد لعمري صدقت ونصحت.
أخبرني إسماعيل بن يونس الشيعي قال، حدّثنا عمر بن شبة قال: حدّثني يعقوب بن القاسم الطّلحي قال:
حدّثني ثمال عن أيوب بن درباس بن دجاجة قال:
/ شخص مروان بن الحكم ومعه أخوه عبد الرحمن، إلى معاوية، ثم ذكر نحوا من الحديث الأول، ولم يذكر فيه مخاطبة معاوية في أمرهم للأحنف، وزاد فيه: فقال عبد الرحمن في ذلك:
أتقطر آفاق السماء له دما ... إذا قيل هذا الطّرف أجرد سابح [1]
فحتّى متى لا نرفع الطّرف ذلة ... وحتّى متى تعيا عليك المنادح [2]
بكاء عبد الرحمن حين رأى رأس الحسين وما قال فى ذلك
أخبرني عمي قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعيد قال: حدّثنا عليّ بن الصباح عن ابن الكلبيّ عن أبيه، قال:
كان عبد الرحمن بن الحكم بن أبي العاصي عند يزيد بن معاوية، وقد بعث إليه عبيد اللّه بن زياد برأس الحسين بن عليّ - عليهما السلام - فلما وضع بين يدي يزيد في الطّشت بكى عبد الرحمن ثم قال:
أبلغ أمير المؤمنين فلا تكن ... كموتر أقواس وليس لها نبل [3]
لهام بجنب الطّفّ أدنى قرابة ... من ابن زياد الوغد ذي الحسب الرذل [4]
سميّة أمسى نسلها عدد الحصى ... وبنت رسول اللّه ليس لها نسل
/ فصاح به يزيد: اسكت يا ابن الحمقاء، وما أنت وهذا؟!
بكاء ابن عباس لما حدث بين الأمويين والعباسيين
أخبرني إسماعيل بن يونس الشيعي قال: حدّثنا عمر بن شبّة قال: حدّثني هارون بن معروف قال: حدّثنا بشر بن السري قال: حدّثنا عمر بن سعيد عن أبي مليكة قال: رأيتهم - يعني بني أميّة - يتتايعون [5] نحو ابن عبّاس حين نفى ابن الزبير بني أمية عن الحجاز، فذهبت معهم وأنا غلام، فلقينا رجلا خارجا من عنده، فدخلنا عليه، فقال له عبيد بن عمير، مالي أراك تذرف عيناك؟ فقال له: إن هذا - يعني عبد الرحمن بن الحكم - قال بيتا أبكاني، وهو:
وما كنت أخشى أن ترى الذلّ نسوتي ... وعبد مناف لم تغلها الغوائل
فذكر قرابة بيننا وبين بني عمّنا بني أمية، وإنّا إنّما كنّا أهل بيت واحد في الجاهلية، حتّى جاء الإسلام فدخل الشيطان بيننا أيّما دخل.
__________
[1] الطرف بالكسر: الكريم من الخيل كرم طرفاه، أي أبواه. والأجرد: القصير الشعر. والسابح: السريع الجري، كأنه يسبح بيديه.
[2] تعيا عليك، أي تعيبك وتعجزك. والمنادح: جمع مندوحة، وهو المتسع من الأرض.
[3] أوتر القوس: شد وترها. والنبل: السهام لا واحد لها، أو واحدها نبلة، جمعه أنبال ونبال.
[4] الهام: جمع هامة، عنى بهم القتلى من آل الرسول. والهامة: الرأس والشريف، أو هو انسياق مع ما كان يزعم العرب في جاهليتهم أن روح القتيل الّذي لم يدرك بثأره تصير هامة فتزقو عند قبره تقول: اسقوني اسقوني! فإذا أدرك بثأره طارت. والطف: موضع قرب الكوفة كان به مقتل الحسين.
[5] يتتايعون: يتهافتون ويسرعون في اللجاجة. وفي ح بالباء الموحدة قبل العين.
ولوع عبد الرحمن بن الحكم بجارية مروان، وما قال في ذلك
أخبرني عمي قال: حدّثنا الكرانيّ قال:/ حدثنا العمريّ عن الهيثم قال: حدّثني أخي عباس: أنّ عبد الرحمن بن الحكم كان يولع بجارية لأخيه مروان يقال لها «شنباء» ويهيم بمحبّتها، فبلغ ذلك مروان، فشتمه وتوعّده وتحفّظ منه في أمر الجارية وحجبها، فقال فيها عبد الرحمن:
لعمر أبي شنباء إنّي بذكرها ... وإن شحطت دار بها لحقيق [1]
وإني لها، لا ينزع اللّه ما لها ... عليّ وإن لم ترعه، لصديق
ولمّا ذكرت الوصل قالت وأعرضت ... متى أنت عن هذا الحديث مفيق
شعر عبد الرحمن في إدعاء معاوية لزياد وغضب معاوية عليه
/ أخبرني عمي قال: حدّثنا الكراني قال: حدّثنا الخليل بن أسد عن العمري، ولم أسمعه من العمريّ، عن الهيثم بن عديّ قال:
لما ادّعى معاوية زيادا قال عبد الرحمن بن الحكم في ذلك - والناس ينسبونها إلى ابن مفرغ لكثرة هجائه إلى زياد، وذلك غلط - قال:
ألا أبلغ معاوية بن حرب ... مغلغلة من الرجل الهجان [2]
أتغضب أن يقال أبوك عفّ ... وترضى أن يقال أبوك زان
فأشهد إن رحمك من زياد ... كرحم الفيل من ولد الأتان
وأشهد أنّها ولدت زيادا ... وصخر من سميّة غير داني
فبلغ ذلك معاوية بن حرب، فحلف ألا يرضى عن عبد الرحمن حتى يرضى عنه زياد، فخرج عبد الرحمن إلى زياد، فلما دخل عليه قال له: إيه [3] يا عبد الرحمن، أنت القائل:
ألا أبلغ معاوية بن حرب ... مغلغلة من الرجل الهجان
قال: لا أيّها الأمير، ما هكذا قلت، ولكنّي قلت:
ألا من مبلغ عني زيادا ... مغلغلة من الرّجل الهجان
من ابن القرم قرم بني قصيّ ... أبي العاصي بن آمنة الحصان [4]
حلفت بربّ مكّة والمصلّى ... وبالتّوراة أحلف والقرآن
لأنت زيادة في آل حرب ... أحبّ إليّ من وسطى بناني
/ سررت بقربه وفرحت لمّا ... أتاني اللّه منه بالبيان
وقلت له أخو ثقة وعمّ ... بعون اللّه في هذا الزمان [5]
كذاك أراك والأهواء شتّى ... فما أدري بغيب ما تراني
__________
[1] شحطت: بعدت.
[2] المغلغلة: الرسالة تحمل من بلد إلى بلد. الهجان: الرجل الحسيب.
[3] إيه بالكسر وتنون: كلمة استزادة.
[4] القرم: السيد. الحصان، بالفتح: العفيفة المصونة.
[5] في ح: «إني أخو ثقة» وفي ش: «و قلت أخو ثقة» ولا يستقيم الوزن فيهما.
فرضي عنه زياد، وكتب له بذلك إلى معاوية، فلما دخل عليه بالكتاب قال: أنشدني ما قلت لزياد. فأنشده، فتبسّم ثم قال: قبح اللّه زيادا، ما أجهله، واللّه لما قلت له أخيرا حيث تقول:
لأنت زيادة في آل حرب
شرّ من القول الأوّل، ولكنّك خدعته فجازت خديعتك عليه.
هجاء عبد الرحمن لأخيه الحارث حين استعفى من الغزو
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ قال: حدّثنا عمر بن شبة قال: استعمل معاوية بن أبي سفيان الحارث بن الحكم بن أبي العاصي على غزاة البحر، فنكص واستعفى، فوجّه مكانه ابن أخيه عبد الملك بن مروان، فمضى وأبلى وحسن بلاؤه، فقال عبد الرحمن بن الحكم لأخيه الحارث:
/شنئتك إذ رأيتك حوتكيّا ... قريب الخصيتين من التراب [1]
كأنّك قملة لقحت كشافا ... لبرغوث ببعرة او صوأب [2]
كفاك الغزو إذا أحجمت عنه ... حديث السن مقتبل الشّباب [3]
فليتك حيضة ذهبت ضلالا ... وليتك عند منقطع السّحاب [4]
هجاؤه لمروان حين أعدى عليه الحناط
أخبرني محمّد بن الحسن بن دريد قال: حدّثنا أبو حاتم عن أبي عبيدة قال: لطم عبد الرحمن بن الحكم مولى لأهل المدينة حنّاطا، وأخوه مروان يومئذ وال لأهل المدينة، فاستعداه الحنّاط عليه، فأجلسه مروان بين يديه وقال له: الطمه - وهو أخو مروان لأبيه وأمه - فقال الحنّاط: واللّه ما أردت هذا، وإنّما أردت أن أعلمه أنّ فوقه سلطانا ينصرني عليه، وقد وهبتها لك. قال: لست أقبلها منك فخذ حقّك. فقال: واللّه لا ألطمه، ولكنّي أهبها لك. فقال له مروان: إن كنت ترى أن ذلك يسخطني فو اللّه لا أسخط، فخذ حقّك. فقال: قد وهبتها لك، ولست واللّه لاطمه.
قال: لست واللّه قابلها، فإن وهبتها فهبها لمن لطمك، أو للّه عزّ وعلا. فقال: قد وهبتها للّه تعالى. فقال عبد الرحمن يهجو أخاه مروان:
كلّ ابن أم زائد غير ناقص ... وأنت ابن أمّ ناقص غير زائد
وهبت نصيبي منك يا مرو كلّه ... لعمرو وعثمان الطّويل وخالد
رثاؤه لقتلى قريش يوم الجمل
أخبرني هاشم بن محمّد أبو دلف الخزاعي، قال: حدّثنا أبو غسان دماذ، عن أبي عبيدة قال:
نظر عبد الرحمن بن الحكم إلى قتلى قريش يوم الجمل فبكى، وأنشأ يقول:
أيا عين جودي بدمع سرب ... على فتية من خيار العرب [5]
وما ضرّهم، غير حين النّفوس، ... أيّ أميري قريش غلب [6]
__________
[1] الحوتكي: القصير الضاوي، أو الشديد الأكل.
[2] الكشاف: أن تلقح الناقة حين تنتج أو أن تحمل عليها في كل سنة، وذلك أردأ النتاج. والصؤاب: جمع صؤابة: بيض القمل.
[3] يعني بذلك عبد الملك بن مروان.
[4] منقطع السحاب: طرفه الّذي ينقطع عنده.
[5] السرب، بالتحريك: السائل المنسرب. وفي الأصول: «شرب» تحريف.
[6] الحين: الهلاك، أي ما قدر لهم من ذلك. وفي الأصل: «جبن».
غضب معاوية على عبد الرحمن ثم عفوه عنه
أخبرني إسماعيل بن يونس قال: حدّثني عمر بن شبّة قال: حدّثني المدائني عن شيخ من أهل مكة قال:
/ عرض معاوية على عبد الرحمن بن الحكم خيله، فمرّ به فرس فقال له: كيف تراه؟ فقال: هذا سابح. ثم عرض عليه آخر فقال: هذا ذو علالة. ثم مرّ به آخر فقال: وهذا أجشّ هزيم. فقال له معاوية: قد علمت ما أردت، إنّما عرّضت بقول النجاشيّ فيّ:
ونجّى ابن حرب سابح ذو علالة ... أجشّ هزيم والرماح دوان [1]
سليم الشّظي عبل الشّوى شنج النّسا ... كسيد الغضى باق على النّسلان [2]
أخرج عنّي فلا تساكنّي في بلد، فلقي عبد الرحمن أخاه مروان فشكا إليه معاوية، وقال له عبد الرحمن:
وحتّى متى نستذلّ ونضام؟ فقال له مروان: هذا عملك بنفسك. فأنشأ يقول:
أتقطر آفاق السّماء لنا دما ... إذا قلت هذا الطّرف أجرد سابح
فحتّى متى لا نرفع الطّرف ذلّة ... وحتّى متى تعيا عليك المنادح [3]
فدخل مروان على معاوية، فقال له مروان: حتّى متى هذا الاستخفاف بآل أبي العاصي؟ أما واللّه إنّك لتعلم قول النبي صلّى اللّه عليه وسلم وآله فينا، ولقلّ ما بقي من الأجل [4]. فضحك معاوية وقال: لقد عفوت لك عنه [5] يا أبا عبد الملك. واللّه أعلم بالصواب [6].
صوت
قولا لنائل ما تقضين في رجل ... يهوى هواك وما جنّبته اجتنبا
يمسي معي جسدي والقلب عندكم ... فما يعيش إذا ما قلبه ذهبا [7]
الشعر لمسعدة بن البختريّ، والغناء لعبادل، ثقيل أوّل بإطلاق الوتر في مجرى الوسطى عن إسحاق، وفيه لعريب ثقيل أوّل آخر عن ابن المعتزّ، ولها فيه أيضا خفيف رمل عنه.
__________
[1] العلالة: البقية. والأجش: غليظ الصوت. والهزيم: شديد الصوت.
[2] الشظى: عظم لازق بالركبة أو بالذراع. العبل: الضخم من كل شيء. الشوى: اليدان والرجلان والأطراف وفحف الرأس وما كان غير مقتل. والشنج بكسر الشين: القبض في الجلد. وفرس شنج النسا مدح، لأنه لم تسترخ رجلاه. والنسا بالفتح مقصور: عرق يخرج من الورك فيستبطن الفخذين ثم يمر بالعرقوب حتى يبلغ الحافر، فإذا سمنت الدابة انفلقت فخذاها بلحمتين عظيمتين وجرى النسا بينهما واستبان. والسيد: الذئب. والغضا: ضرب من الشجر. ويقال ذئب الغضا لأنه لا يباشر الناس إلا إذا أراد أن يغير، ويزعمون أنه أخبث الشجر ذئابا.
[3] هو وسابقه سبق إنشادهما في ص 263.
[4] في ح: «الأمل» بالميم.
[5] وفي ح: «قد عفوت لك» فقط.
[6] كذا وردت هذه العبارة.
[7] في الأصول: «إذا ما قلنه».
20 - أخبار مسعدة ونسبه
هو مسعدة بن البختريّ بن المغيرة بن أبي صفرة، بن أخي المهلّب بن أبي صفرة. وقد مضى نسبه متقدّما في نسب يزيد بن محمّد المهلبي وابن أبي عيينة وغيرهما.
وهذا الشعر يقوله في نائلة بنت عمر بن يزيد الأسيديّ وكان يهواها.
تشبيب مسعدة بنائلة
أخبرني بخبره في ذلك أبو دلف هاشم بن محمّد الخزاعي قال: حدّثني عيسى بن إسماعيل تينة، عن القحذميّ قال:
كان مسعدة بن البختريّ بن المغيرة بن أبي صفرة، يشبّب بنائلة بنت عمر بن يزيد الأسيديّ أحد بني أسيّد بن عمرو بن تميم [1]، وكان أبوها سيّدا شريفا، وكان على شرط العراق من قبل الحجّاج، وفيها يقول:
أنائل إنّني سلم ... لأهلك فاقبلي سلمي
قال القحذميّ: وأمّ نائلة هذه عاتكة بنت الفرات بن معاوية البكّائي، وأمّها الملاءة بنت زرارة بن أوفى الجرشيّة، وكان أبوها فقيها محدّثا من التابعين. وقد شبّب الفرزدق بالملاءة وبعاتكة ابنتها.
عاتكة بنت الفرات وما قيل فيها
قال عيسى: فحدثني محمّد بن سلام قال: لا أعلم أنّ امرأة شبّب بها وبأمّها وجدتها غير نائلة. فأمّا نائلة فقد ذكر ما قال فيها مسعدة، وأمّا عاتكة فإنّ يزيد بن المهلب تزوّجها؛ فقتل عنها يوم العقر، وفيها يقول الفرزدق:
/إذا ما المزونيات أصبحن حسّرا ... وبكّين أشلاء على غير نائل [2]
فكم طالب بنت الملاءة إنّها ... تذكر ريعان الشّباب المزايل [3]
ما قيل في أمها الملاءة
وفي الملاءة أمّها يقول الفرزدق:
كم للملاءة من طيف يؤرّقني ... إذا تجر ثم هادي الليل واعتكرا [4]
قصة عاتكة بنت الملاءة
أخبرني الحرمي بن العلاء قال: حدّثني الزّبير بن بكّار قال: حدّثني عبد الرحمن بن عبد اللّه قال:
__________
[1] في «الاشتقاق» 127: «و أسيد تصغير أسود في لغة تميم، وسائر العرب يقول: أسيود. فإذا نسبوا إليه قالوا أسيديّ، كرهوا كثرة الكسرات، واستثقلوا أن يقولوا: أسيّدي».
[2] الحسر: كاشفات الوجوه. الأشلاء: الأعضاء، عنى بها القتلى.
[3] المزايل: المفارق.
[4] تجرثم: اجتمع. وهادي الليل: أوّله. اعتكر: اشتد ظلامه.
خرجت عاتكة بنت الملاءة إلى بعض بوادي البصرة فلقيت بدويا معه سمن فقالت له: أتبيع هذا السّمن؟
فقال: نعم. قالت: أرناه. ففتح نحيا [1] فنظرت إلى ما فيه، ثم ناولته إياه وقالت: افتح آخر. ففتح أخر فنظرت إلى ما فيه ثم ناولته إياه، فلما شغلت يديه أمرت جواريها فجعلن يركلن في استه وجعلت تنادي: يا لثارات ذات النّحيين!
قصة ذات النحيين
قال الزّبير: تعني ما صنع بذات النّحيين في الجاهلية؛ فإنّ رجلا يقال له: خوّات بن جبير رأى امرأة معها نحيا سمن فقال: أريني هذا. ففتحت له أحد النّحيين، فنظر إليه ثم قال: أريني الآخر. ففتحته، ثم دفعه إليها، فلما شغل يديها وقع عليها، فلا تقدر على الامتناع خوفا من أن يذهب السمن، فضربت/ العرب المثل بها، وقالت:
«أشغل من ذات النّحيين». فأرادت عاتكة بنت الملاءة أنّ هذا لم يفعله أحد من النساء برجل كما يفعله الرّجل بالمرأة غيرها، وأنّها ثأرت للنّساء ثأرهنّ من الرّجال بما فعلته.
ما جرى بين الملاءة وعمر بن أبي ربيعة
أخبرني علي بن صالح بن الهيثم قال: حدّثنا أبو هفّان عن إسحاق الموصليّ عن الزبير والمسيّبي [2] ومحمّد بن سلام وغيرهم من رجاله: أنّ الملاءة بنت زرارة لقيت عمر بن أبي ربيعة بمكة وحوله جماعة ينشدهم، فقالت لجارية: من هذا؟ قالت: عمر بن أبي بربيعة، المنتقل من منزله من ذات وداد إلى أخرى، الّذي لم يدم على وصل، ولا لقوله فرع ولا أصل، أما واللّه لو كنت كبعض من يواصل لما رضيت منه بما ترضين، وما رأيت أدنا من نساء أهل الحجاز ولا أقرّ منهنّ بخسف، واللّه لأمة من إمائنا آنف منهنّ! فبلغ ذلك عمر عنها، فراسلها فراسلته، فقال:
حيّ المنازل قد عمرن خرابا ... بين الجرين وبين ركن كسابا [3]
بالثّني من ملكان غيّر رسمها ... مرّ السحاب المعقبات سحابا [4]
وذيول معصفة الرّياح تجرّها ... دققا فأصبحت العراص يبابا [5]
ولقد أراها مرّة مأهولة ... حسنا جناب محلّها معشابا [6]
دارّ الّتي قالت غداة لقيتها ... عند الجمار فما عييت جوابا
هذا الّذي باع الصّديق بغيره ... ويريد أن أرضى بذاك ثوابا
/ قلت اسمعي منّي المقال ومن يطع ... بصديقه المتملّق الكذّابا
__________
[1] النحي، بالكسر: الزق، أو ما كان للسمن خاصة.
[2] المسيبي في س، ش بدون واو بين العلمين، واعتمدنا ما في ح.
[3] عمر: بقي زمانا. الجرين بهيئة التصغير: موضع بين سواج والنير باللعباء من أرض نجد. كساب بالضم: موضع، وقال عبد اللّه بن إبراهيم الجمحي: كساب، بالفتح على وزن قطام: جبل في ديار هذيل قرب الحزم لبني لحيان.
[4] الثنى من كل نهر أو جبل: منعطفه، وملكان بكسر اللام: واد لهذيل على ليلة من مكة.
[5] دقق التراب بضم ففتح: دقاقة، واحدها دقة بالضم. وفي الأصول: «وقفا» صوابه في «الديوان» 114. العراص جمع عرصة، بالفتح، وهي البقعة الواسعة بين الدور. واليباب: المقفرة. وهذا تصحيح ش، وفي سائر النسخ: «العرائص بابا».
[6] الجناب: الناحية والفناء.
[و تكن لديه حباله أنشوطة ... في غير شيء يقطع الأسبابا] [1]
إن كنت حاولت العتاب لتعلمي ... ما عندنا فلقد أطلت عتابا
أو كان ذلك للبعاد فإنّه ... يكفيك ضربك دونك الجلبابا
وأرى بوجهك شرق نور بيّن ... وبوجه غيرك طخية وضبابا [2]
صوت
أسعداني يا نخلتي حلوان ... وارثيا لي من ريب هذا الزمان
واعلما أنّ ريبه لم يزل يف ... رق بين الألّاف والجيران
أسعداني وأيقنا أنّ نحسا ... سوف يلقاكما فتفترقان
ولعمري لو ذقتما ألم الفر ... قة أبكاكما كما أبكاني
كم رمتني به صروف الليالي ... من فراق الأحباب والخلّان
الشعر لمطيع بن إياس، والغناء لحكم الواديّ، هزج بالوسطى عن عمرو والهشامي.
__________
[1] التكملة من «ديوان عمر» 115.
[2] الطخية بالفتح: الظلام.
21 - أخبار مطيع بن إياس ونسبه
هو مطيع بن إياس الكناني. ذكر الزّبير بن بكار أنه من بني الدّيل بن بكر بن عبد مناة بن كنانة. وذكر إسحاق الموصليّ عن سعيد بن سلم أنه من بني ليث بن بكر. والدّيل وليث أخوان لأب وأمّ، أمّهما أمّ [1] خارجة، واسمها عمرة بنت سعد بن عبد اللّه بن قراد بن ثعلبة بن/ معاوية بن زيد بن الغوث بن أنمار بن أراش بن عمرو بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان. وهي الّتي يضرب بها المثل فيقال: «أسرع من نكاح أم خارجة». وقد ولدت [2] عدّة بطون من العرب حتّى لو قال قائل: إنه لا يكاد يتخلّص من ولادتها كبير أحد منهم كان مقاربا. فمّن ولدت الديل وليث والحارث وبنو بكر بن عبد مناة بن كنانة، وغاضرة بن مالك بن ثعلبة بن دودان بن أسد بن خزيمة، والعنبر وأسيّد والهجيم، بنو عمرو بن تميم، وخارجة بن يشكر - وبه كانت تكنى - ابن سعد بن عمرو بن ربيعة بن حارثة بن مزيقيا، وهو أبو المصطلق.
نكاح أم خارجة
قال النسابون: بلغ من سرعة نكاحها أنّ الخاطب كان يأتيها فيقول لها: خطب، فتقول له: نكح.
وزعموا أنّ بعض أزواجها طلّقها فرحل بها ابن لها عن حيّه إلى حيّها، فلقيها راكب فلما تبيّنته قالت لابنها:
هذا خاطب لي لا شكّ فيه، أفتراه يعجلني أن أنزل عن بعيري [3]؟ فجعل ابنها يسبّها.
/ ولا أعلم أنّي وجدت نسب مطيع متصلا إلى كنانة في رواية أحد إلّا في حديث أنا ذاكره؛ فإن راويه ذكر أن أبا قرعة الكنانيّ جدّ مطيع، فلا أعلم أهو جدّه الأدنى فأصل نسبه به، أم هو بعيد منه، فذكرت الخبر على حاله.
تشاحن ابن الزبير وجد مطيع
أخبرني به عيسى بن الحسن الورّاق قال: حدّثنا أحمد بن الهيثم بن فراس قال: حدّثني العمري وأبو فراس عمّي جميعا، عن شراحيل بن فراس، أنّ أبا قرعة الكناني، واسمه سلمى بن نوفل - قال: وهو جدّ مطيع بن اياس الشّاعر - كانت بينه وبين ابن الزّبير قبل أن يلي مقارضه [4]، فدخل سلمى وابن الزبير يخطب الناس، وكان منه وجلا، فرماه ابن الزّبير ببصره حتّى جلس، فلما انصرف من المجلس دعا حرسيّا فقال: امض إلى موضع كذا وكذا من المسجد، فادع لي سلمى بن نوفل. فمضى فأتاه به، فقال له الزبير: إيها أيّها الضبّ. فقال: إنّي لست بالضبّ ولكنّ الضبّ بالضّمر [5] من صخر. قال: إيها أيّها الذّيخ [6]. قال: إن أحدا لم يبلغ سنّي وسنّك إلّا سمّي ذيخا.
__________
[1] أم، تكملة من ش.
[2] ح: «في عدة».
[3] ولفظ الميداني: «كان يأتيها الخاطب فيقول: خطب فتقول: نكح. فيقول: أنزل. فتقول: أنخ. ذكر أنها كانت تسير يوما وابن لها يقود جملها فرفع لها شخص فقالت لابنها: من ترى ذلك الشخص؟ فقال: أراه خاطبا. فقالت: يا بني تراه يعجلنا أن نحل، ماله غل وأل».
[4] المقارضة: تبادل الذم أو المدح.
[5] الضمر: رملة بعينيها.
[6] الذيخ: ذكر الضباع.
قال: إنّك لها هنا يا عاضّ بظر أمّه. قال: أعيذك باللّه أن يتحدث العرب أنّ الشيطان نطق على فيك بما تنطق به الأمة الفسلة، وايم اللّه ما هاهنا داد أريده على المجلس أحد [1] إلّا قد كانت أمّه كذلك.
والد مطيع بن إياس
أخبرني الحسن بن عليّ قال: حدّثنا علي بن محمّد بن سليمان النوفلي عن أبيه قال: كان إياس بن مسلم، أبو مطيع بن إياس شاعرا، وكان قد وفد إلى نصر بن سيّار بخراسان فقال فيه:
/إذا ما نعالي من خراسان أقبلت ... وجاوزت منها مخرما ثم مخرما [2]
ذكرت الّذي أوليتني ونشرته ... فإن شئت فاجعلني لشكرك سلّما
جد مطيع بن إياس فأما نسب أبي قرعة هذا فإنه سلمى بن نوفل بن معاوية بن عروة بن صخر بن يعمر بن نفاثة بن عديّ بن الدّيل بن بكر بن عبد مناة. ذكر ذلك المدائني. وكان سلمى بن نوفل جوادا. وفيه يقول الشاعر:
يسوّد أقوام وليسوا بسادة ... بل السيّد الميمون سلمى بن نوفل [3]
رجع الخبر إلى سياقة نسب مطيع بن إياس وأخباره
صفة مطيع وذكر نشأته
وهو شاعر من مخضرمي الدّولتين الأمويّة والعباسية، وليس من فحول الشعراء في تلك، ولكنه كان ظريفا خليعا حلو العشرة، مليح النّادرة، ماجنا متّهما في دينه بالزندقة، ويكنى أبا سلمى. ومولده ومنشؤه الكوفة، وكان أبوه من أهل فلسطين الذين أمدّ بهم عبد الملك بن مروان الحجاج بن يوسف في وقت قتاله ابن الزبير وابن الأشعث، فأقام بالكوفة وتزوّج بها، فولد له مطيع.
صلته بالولاة والخلفاء
أخبرني بذلك الحسين بن يحيى، عن حمّاد عن أبيه، وكان منقطعا إلى الوليد بن يزيد بن عبد الملك، ومتصرّفا بعده في دولتهم، ومع أوليائهم وعمّالهم وأقاربهم لا يكسد عند أحد منهم، ثم انقطع في الدولة العباسية إلى جعفر بن أبي جعفر المنصور، فكان معه حتّى مات، ولم أسمع له مع أحد منهم خبرا إلا حكاية بوفوده على سليمان بن علي، وأنّه ولّاه عملا. وأحسبه مات في تلك الأيام.
رأي بعض الناس فيه
حدّثني عمي الحسن بن محمّد، قال: حدّثني محمّد بن سعد الكرانيّ عن العمري عن العتبي عن أبيه قال:
قدم البصرة علينا شيخ من أهل الكوفة لم أر قطّ أظرف لسانا ولا أحلى حديثا منه، وكان يحدّثني عن مطيع بن إياس، ويحيى بن زياد، وحماد الراوية، وظرفاء الكوفة، بأشياء من أعاجيبهم وطرفهم، فلم يكن يحدّث عن أحد بأحسن مما كان يحدّثني عن مطيع بن إياس، فقلت له: كنت واللّه أشتهي أن أرى مطيعا، فقال: واللّه لو رأيته للقيت
__________
[1] كذا وردت هذه العبارة وفي ح «أحدا».
[2] عنى بالنعال ذوات النعال، وهي الإبل. أو لعلها: «بغالي». مخرم الجبل والسيل: أنفه. والمخارم: الطرق في غلظ.
[3] وكذا في «الإصابة» 3407. وفي «الكامل» 74، 75 ليبسك: «سلم بن نوفل».
منه بلاء عظيما. قال: قلت: وأيّ بلاء ألقاه من رجل أراه؟ قلت: كنت ترى رجلا يصبر عنه العاقل إذا رآه، ولا يصحبه أحد إلّا افتضح به.
أخبرني علي بن سليمان الأخفش قال: حدّثنا أبو سعيد السكري عن محمّد بن حبيب قال: سألت رجلا من أهل الكوفة كان يصحب مطيع بن إياس عنه فقال: لا ترد أن تسألني عنه. قلت: ولم ذاك؟ قال: وما سؤالك إيّاي عن رجل كان إذا حضر ملكك [1]، وإذا غاب عنك شاقك، وإذا عرفت بصحبته فضحك.
إعجاب الوليد بن يزيد بمطيع
أخبرني الحسن بن عليّ الخفّاف قال: حدّثني محمّد بن القاسم بن مهرويه قال: حدّثني عبد اللّه بن عمرو قال: حدّثني أبو توبة صالح بن محمّد عن محمّد جبير، عن عبد اللّه بن العباس الربيعي قال: حدّثني إبراهيم بن المهدي قال: قال لي جعفر بن يحيى: ذكر حكم الواديّ، أنه غنّى الوليد بن يزيد ذات ليلة وهو غلام حديث السنّ، فقال:
إكليلها ألوان ... ووجهها فتّان
وخالها فريد ... ليس لها جيران
إذا مشت تثنّت ... كأنّها ثعبان
/ فطرب حتّى زحف عن مجلسه إليّ، وقال: أعد فديتك بحياتي. فأعدته حتى صحل صوتي [2]، فقال لي:
ويحك، من يقول هذا؟ فقلت: عبد لك يا أمير المؤمنين أرضاه لخدمتك. فقال: ومن هو فديتك؟ فقلت: مطيع بن إياس الكناني. فقال: وأين محله؟ قلت: الكوفة. فأمر أن/ يحمل إليه على البريد، فحمل إليه، فما أشعر يوما إلا برسوله قد جاءني، فدخلت إليه ومطيع بن إياس واقف بين يديه، وفي يد الوليد طاس من ذهب يشرب به، فقال له:
غنّ هذا الصوت يا واديّ. فغنّيته إياه، فشرب عليه، ثم قال لمطيع: من يقول هذا الشعر؟ قال: عبدك أنا يا أمير المؤمنين. فقال له: ادن مني. فدنا منه، فضمّه الوليد وقبّل فاه وبين عينيه، وقبّل مطيع رجله والأرض بين يديه، ثم أدناه منه حتّى جلس أقرب المجالس إليه، ثم تمّ يومه [3] فاصطبح أسبوعا متوالي الأيام على هذا الصوت.
لحن هذا الصوت هزج مطلق في مجرى البنصر، والصنعة لحكم. وقد حدّثني بخبره هذا مع الوليد جماعة على غير هذه الرواية، ولم يذكروا فيها حضور مطيع.
حدّثني به أحمد بن عبيد اللّه بن عمّار قال: حدّثنا عليّ بن محمّد النوفلي عن أبيه قال: بلغني عن حكم الواديّ، وأخبرني الحسين بن يحيى، ومحمّد بن مزيد بن أبي الأزهر قالا: حدّثنا حماد بن إسحاق قال: حدّثني أحمد بن يحيى المكي عن أمّه عن حكم الواديّ قال:
وفدت على الوليد بن يزيد مع المغنّين، فخرج يوما إلينا وهو راكب على حمار، وعليه درّاعة وشي [4]؛ وبيده عقد جوهر، وبين يديه كيس فيه ألف دينار، فقال:/ من غنّاني فأطربني فله ما عليّ وما معي. فغنّوه فلم يطرب، فاندفعت وأنا يومئذ أصغرهم سنّا فغنّيته:
إكليلها ألوان ... ووجهها فتّان
__________
[1] كذا في ح وفي سائر النسخ: «ملك».
[2] صحل صوته: بح.
[3] في ح: «تمم» برسم ميمين.
[4] س، ش «عليه» بدون واو. والدراعة، كرمانة: جبة مشقوقة المقدم.
وخالها فريد ... ليس له جيران
إذا مشت تثنّت ... كأنّها ثعبان
فرمى إليه بما معه من المال والجوهر، ثم دخل فلم يلبث أن خرج إليّ رسوله بما عليه من الثّياب والحمار الّذي كان تحته.
صحبته لجماعة من الزنادقة
أخبرني الحسن بن عليّ قال: حدّثنا ابن مهرويه قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد قال:
كان مطيع بن إياس، ويحيى بن زياد الحارثيّ، وابن المقفّع ووالبة بن الحباب يتنادمون ولا يفترقون، ولا يستأثر أحدهم على صاحبه بمال ولا ملك، وكانوا جميعا يرمون بالزّندقة.
صلته بعبد اللّه بن معاوية
حدّثني أحمد بن عبيد اللّه بن عمار قال: حدّثني عليّ بن محمّد النوفليّ عن أبيه وعمومته، أنّ مطيع بن إياس وعمارة بن حمزة من بني هاشم، وكان مرميّين بالزندقة، نزعا إلى عبد اللّه بن معاوية بن جعفر بن أبي طالب لمّا خرج في آخر دولة [1] بني أمية، وأوّل ظهور الدّولة العباسية بخراسان، وكان ظهر على نواح من الجبل: منها أصبهان وقمّ ونهاوند، فكان مطيع وعمارة ينادمانه ولا يفارقانه.
قال النوفلي: فحدثني إبراهيم بن يزيد بن الخشك قال:
/ دخل مطيع بن إياس على عبد اللّه بن معاوية يوما وغلام واقف على رأسه يذبّ عنه بمنديل - ولم يكن في ذلك الوقت مذابّ، إنّما المذابّ عباسية - قال: وكان الغلام الّذي يذبّ أمرد حسن الصّورة، يروق عين الناظر، فلما نظر مطيع إلى الغلام كاد عقله يذهب، وجعل يكلّم ابن معاوية يلجلج، فقال:
إنّي وما أعمل الحجيج له ... أخشى مطيع الهوى على فرج [2]
أخشى عليه مغامسا مرسا ... ليس بذي رقبة ولا حرج [3]
ما قاله هو وعمارة في صاحب شرطة ابن معاوية
/ أخبرني أحمد بن عبيد اللّه قال: حدّثنا عليّ بن محمّد النوفلي قال: حدّثني أبي عن عمه عيسى قال:
كان لابن معاوية صاحب شرطة يقال له: قيس بن عيلان العنسيّ النوفلي [و عيلان] اسم أبيه، وكان شيخا كبيرا دهريّا لا يؤمن باللّه، وكان إذا عسّ لم يبق أحد إلا قتله، فأقبل يوما فنظر إليه ابن معاوية ومعه عمارة بن حمزة ومطيع بن إياس، قال:
إن قيسا وإن تقنّع شيبا ... لخبيث الهوى على شمطه [4]
أجزيا عمارة. فقال:
ابن سبعين منظرا ومشيبا ... وابن عشر يعدّ في سقطه [5]
__________
[1] كلمة «دولة» زيادة في ش.
[2] الحجيج: جماعة الحجاج.
[3] المغامس: الشديد الشجاع. والمرس: الشديد. الرقبة: التحفظ والخشية. والحرج؛ التهيب. وفي الأصول: «خرج» تحريف.
[4] الشمط: بياض الرأس يخالطه السواد.
[5] السقط: الفضيحة.
فأقبل على مطيع فقال: أجز. فقال:
وله شرطة إذا جنّه اللي ... ل فعوذوا باللّه من شرطه
احتجاجه للأبنة
قال النوفليّ: وكان مطيع فيما بلغني مأبونا، فدخل عليه قومه فلاموه على فعله، وقالوا له: أنت في أدبك وشرفك وسؤددك وشرفك ترمى بهذه الفاحشة القذرة؟ فلو أقصرت عنها! فقال: جرّبوه أنتم ثم دعوا إن كنتم صادقين. فانصرفوا عنه، وقالوا: قبح اللّه فعلك وعذرك، وما استقبلتنا به.
ما حدث بينه وبين ظبية الوادي
أخبرني عيسى بن الحسين قال: حدّثنا حمّاد عن أخيه عن النضر بن حديد قال: أخبرني أبو عبد الملك المرواني قال: حدّثني مطيع بن إياس قال:
قال لي حمّاد عجرد: هل لك في أن أريك خشّة صديقي [1]، وهي المعروفة بظبية الوادي؟ قلت: نعم. قال:
إنّك إن قعدت عنها وخبثت عينك في النّظر أفسدتها عليّ. فقلت: لا واللّه لا أتكلّم بكلمة تسوءك، ولأسرّنّك.
فمضى وقال: واللّه لا أتكلم، لئن خالفت ما قلت لأخرجنّك. قال: قلت: إن خالفت ما تكره فاصنع بي ما أحببت.
قال: امض بنا. فأدخلني على أظرف خلق اللّه وأحسنهم وجها، فلما رأيتها أخذني الزّمع [2] وفطن لي: فقال: اسكن يا ابن الزانية. فسكنت قليلا، فلحظتني ولحظتها أخرى، فغضب ووضع قلنسيته عن رأسه، وكانت صلعته حمراء كأنّها است قرد، فلما وضعها وجدت للكلام موضعا فقلت:
وار السّوأة السوآ ... ء يا حمّاد عن خشّه [3]
عن الأترجّة [4] الغضّ ... ة والتفاحة الهشّه
إفساد مطيع لها على حماد
فالتفت إليّ، وقال: فعلتها يا ابن الزّانية؟ فقالت له: أحسن واللّه، ما بلغ صفتك بعد [5]، فما تريد منه؟ فقال لها: يا زانية! فقالت له: الزانية أمّك! وثاورته [6] وثاورها، فشقّت قميصه، وبصقت في وجهه، وقالت له: ما تصادقك وتدع مثل هذا إلّا زانية! وخرجنا وقد لقي كلّ بلاء، وقال لي: ألم أقل لك يا ابن الزانية: إنّك ستفسد عليّ مجلسي. فأمسكت عن جوابه، وجعل يهجوني ويسبّني، ويشكوني إلى أصحابنا، فقالوا لي: اهجه ودعنا وإيّاه.
فقلت فيه:
هجاؤه حمادا
ألا يا ظبية الوادي ... وذات الجسد الراد [7]
__________
[1] صديقي؛ أي صاحبتي. وفي «اللسان»: «خش»: الطيب بالفارسية، عربته العرب وقالوا في المرأة: خشّة. قال ابن سيده: «أنشدني بعض من لقيته لمطيع بن إياس يهجو حمادا الراوية» وأنشد البيتين التاليين.
[2] الزمع: شبه الرعدة تأخذ الإنسان.
[3] سبق تفسير «الخشة». وفي «اللسان»: «نح السوأة».
[4] الأترجة: فاكهة حماضها يسكن شهوة النساء، ويجلو اللون والكلف، وقشره في الثياب يمنع السوس. وفي «اللسان»:
عن التفاحة الصفرا ... والأترجة الهشه
[5] كذا على الصواب في ح. وفي سائر النسخ: «صنعتك بعد».
[6] ثاورته: واثبته.
[7] الراد: مسهل الرأد، وهو الرخص اللين.
وزين المصر والدّار ... وزين الحيّ والنادي
وذات المبسم العذب ... وذات الميسم البادي [1]
أما باللّه تستحيي ... ن من خلّة حمّاد [2]
/فحمّاد فتى ليس ... بذي عزّ فتنقادي [3]
ولا مال ولا عزّ [4] ... ولا حظّ لمرتاد
فتوبي واتّقي اللّه ... وبتّي جبل جرّاد [5]
فقد ميّزت بالحسن ... عن الخلق بإفراد
وهذا البين قد حمّ ... فجودي منك بالزّاد
/ - في الأوّل والثاني والسابع والثامن من هذه الأبيات لحكم الواديّ رمل.
قال: فأخذ أصحابنا رقاعا فكتبوا الأبيات فيها، وألقوها في الطريق، وخرجت أنا فلم أدخل إليهم ذلك اليوم [6]، فلما رآها وقرأها قال لهم: يا أولاد الزّنا، فعلها ابن الزانية، وساعدتموه عليّ!
جزع حماد من هجائه
قال: وأخذها حكم الواديّ فغنّى فيها، فلم يبق بالكوفة سقّاء ولا طحّان ولا مكار إلّا غنّى فيها، ثم غنيت مدّة وقدمت [7]، فأتاني فما سلّم عليّ حتّى قال لي: يا ابن الزانية، ويلك أما رحمتني من قولك لها:
أما باللّه تستحيي ... ن من خلة حمّاد
اجتماعهما بصاحبة مطيع وما كان في ذلك
باللّه قتلتني قتلك اللّه! واللّه ما كلّمتني حتّى الساعة. قال: قلت: اللهم أدم هجرها له وسوء آرائها فيه، وآسفه [8] عليها، وأغره بها! فشتمني ساعة. قال مطيع: ثم قلت له: قم بنا حتّى أمضي بك فأريك أختي. قال مطيع، فمضينا فلمّا خرجت إلينا دعوت قيّمة لها فأسررت إليها في أن تصلح لنا طعاما وشرابا، وعرّفتها أنّ الّذي معي حمّاد. فضحكت ثم أخذت صاحبتي في الغناء، وقد علمت بموضعه وعرفته، فكان أوّل صوت غنت:
أما باللّه تستحيي ... ن من خلّة حمّاد
فقال لها: يا زانية! وأقبل عليّ فقال لي: وأنت يا زاني يا ابن الزانية. وشاتمته صاحبتي ساعة، ثم قامت فدخلت، وجعل يتغيّظ عليّ فقلت: أنت ترى أنّي أمرتها أن تغنّي بما غنّت؟ قال: أرى ذلك وأظنّه ظنّا، لا واللّه، ولكنّي أتيقّنه! فحلفت له/ بالطلاق على بطلان ظنه، فقالت: وكيف هذا؟ فقلت: أراد أن يفسد هذا المجلس من أفسد ذلك المجلس. فقالت: قد واللّه فعل. وانصرفنا.
__________
[1] الميسم: أثر الجمال والعتق، ويقال: إنها لوسيمة قسيمة.
[2] الخلة: بالضم: الصداقة.
[3] في الأصول: «فينقاد».
[4] كذا وردت هذه الكلمة.
[5] بتي: اقطعي. والجراد: جلاء آنية الصفر، كما في «القاموس».
[6] «اليوم» ساقطة من ح.
[7] غنيت: أقمت.
[8] آسفه: أغضبه. وفي «التنزيل»: «فلما آسفونا انتقمنا منهم».
إفسادة صديقة يحيى الحارثي عليه
أخبرني محمّد بن خلف وكيع قال: حدّثني هارون بن محمّد بن عبد الملك الزيّات قال: حدّثني حماد بن إسحاق عن أبيه عن رجل من أصحابه قال:
قال يحيى بن زياد الحارثيّ لمطيع بن إياس: انطلق بنا إلى فلانة صديقتي؛ فإنّ بيني وبينها مغاضبة، لتصلح بيننا، وبئس المصلح أنت. فدخلا إليها فأقبلا يتعاتبان، ومطيع ساكت، حتّى إذا أكثر قال يحيى لمطيع: ما يسكتك، أسكت اللّه نأمتك [1]؟ فقال لها مطيع:
أنت معتلّة عليه وما زا ... ل مهينا لنفسه في رضاك
فأعجب يحيى ما سمع، وهشّ له مطيع:
فدعيه وواصلي ابن إياس ... جعلت نفسي الغداة فداك
فقام يحيى إليه بوسادة في البيت، فما زال يجلد بها رأسه ويقول: ألهذا جئت بك يا ابن الزانية! ومطيع يغوّث [2] حتّى ملّ يحيى، والجارية تضحك منهما، ثم تركه وقد سدر [3].
عتاب حماد على مطيع
حدّثني الحسن بن عليّ الخفّاف قال: حدّثنا محمّد بن القاسم بن مهرويه قال: حدّثني محمّد بن عمر الجرجاني قال:
مرض حمّاد عجرد، فعاده أصدقاؤه جميعا إلّا مطيع بن إياس، وكان خاصّة به، فكتب إليه حمّاد:
/كفاك عيادتي من كان يرجو ... ثواب اللّه في صلة المريض
فإن تحدث لك الأيام سقما ... يحول جريضه دون القريض [4]
يكن طول التأوّه منك عندي ... بمنزلة الطّنين من البعوض
ما حدث بينهما حين اجتماعهما بصديقتيهما
أخبرني محمّد بن أبي الأزهر عن حمّاد عن أبيه قال: قدم مطيع بن إياس من سفر فقدم بالرغائب، فاجتمع هو وحمّاد عجرد بصديقته ظبية الوادي، وكان عجرد على الخروج مع محمّد بن أبي العباس إلى البصرة، وكان مطيع قد أعطى صاحبته من طرائف ما أفاد، فلما جلسوا يشربون غنّت ظبية الوادي فقالت [5]:
أظنّ خليلي غدوة سيسير ... وربّي على أن لا يسير قدير
فما فرغت من الصوت حتّى غنّت صاحبة مطيع:
ما أبالي إذا النّوى قربتهم ... ودنونا من حلّ منهم وساروا
فجعل مطيع يضحك وحماد يشتمها.
__________
[1] النأمة: الصوت.
[2] التغويث: أن يقول: وا غوثاه!
[3] السادر: المتحير.
[4] الجريض، يقال جرض بريقه: ابتلعه على هم وحزن. ويقال: «حال الحريض دون القريض» مثل يضرب لأمر يعوق دونه عائق. قاله جوشن بن منقذ الكلابي حين منعه أبوه من الشعر فمرض حزنا فرق له وقد أشرف فقال: انطق بما أحببت. انظر «القاموس».
[5] في الأصول: «عتب ظبية الوادي فقال».
نسبة هذا الصوت
صوت
أظنّ خليلي غدوة سيسير ... وربّي على أن لا يسير قدير
عجبت لمن أمسى محبّا ولم يكن ... له كفن في بيته وسرير
غنّى في هذين البيتين إبراهيم الموصليّ، ولحنه ثقيل أوّل بالسّبّابة في مجرى البنصر، وفيهما لحن يمان قديم خفيف رمل بالوسطى.
معاتبة عمر بن سعيد له في أمر مكنونة وما قال في ذلك
/ حدثني الحسن قال: حدّثني ابن مهرويه قال: حدّثني إبراهيم بن المدبّر عن محمّد بن عمر الجرجاني قال:
كان لمطيع بن إياس صديق يقال له: عمر بن سعيد، فعاتبه في أمر قينة يقال لها «مكنونة» كان مطيع يهواها حتى اشتهر بها، وقال له: إن قومك يشكونك ويقولون: إنّك تفضحهم بشهرتك نفسك بهذه المرأة، وقد لحقهم العيب والعار من أجلها! فأنشأ مطيع يقول:
قد لا مني في حبيبتي عمر ... واللّوم في غير كنهه ضجر [1]
قال أفق، قلت لا، قال بلى ... قد شاع في الناس عنكما الخبر
قلت قد شاع فاعتذاري ممّا ... ليس لي فيه عندهم عذر
عجز لعمري وليس ينفعني ... فكفّ عني العتاب يا عمر
وارجع إليهم وقل لهم قد أبى ... وقال لي لا أفيق فانتحروا [2]
أعشق وحدي فيؤخذون به ... كالتّرك تغزو فيقتل الخزر [3]
رأي مطيع في النساء
أخبرني الحسن قال: حدّثنا ابن مهرويه قال: حدّثني ابن أبي أحمد عن أبي العبر/ الهاشميّ قال: حدّثني أبي أنّ مطيع بن إياس مرّ بيحيى بن زياد، وحماد الراوية وهما يتحدّثان، فقال لهما: فيم أنتما؟ قالا: في قذف المحصنات. قال: أو في الأرض محصنة فتقذفانها؟!
ابتداعه حديثا مصنوعا وإحراجه للعباس بن محمّد حين استشهد به
حدّثني عيسى بن الحسن الورّاق قال: حدّثني عمر بن محمّد بن عبد الملك الزيات. وحدثنيه الحسن بن عليّ عن ابن مهرويه عن عمر بن محمّد بن عبد الملك الزيات، قال: حدّثني محمّد بن هارون قال:
/ أخبرني الفضل بن إياس الهذليّ الكوفيّ أنّ المنصور كان يريد البيعة للمهديّ، وكان ابنه جعفر يعترض عليه في ذلك، فأمر بإحضار الناس فحضروا، وقامت الخطباء فتكلّموا، وقالت الشعراء فأكثروا في وصف المهديّ وفضائله، وفيهم مطيع بن إياس، فلما فرغ من كلامه في الخطباء وإنشاده في الشعراء قال للمنصور: يا أمير المؤمنين، حدّثنا فلان عن فلان أنّ النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «المهديّ منا محمّد بن عبد اللّه وأمّه من غيرنا، يملؤها عدلا كما
__________
[1] الكنه: الوجه والحقيقة.
[2] يقال انتحروا: تشاحوا عليه فكاد بعضهم ينحر بعضا من شدّة حرصهم.
[3] الخزر: اسم جيل من الناس خزر العيون ضيقوها.
ملئت جورا» وهذا العباس بن محمّد أخوك [1] يشهد على ذلك. ثم أقبل على العباس، فقال له: «أنشدك اللّه هل سمعت هذا؟ فقال: نعم. مخافة من المنصور، فأمر المنصور الناس بالبيعة للمهديّ.
قال: ولمّا انقضى المجلس، وكان العباس بن محمّد لم يأنس به، قال: أرأيتم هذا الزنديق إذ كذب على اللّه عزّ وجلّ ورسوله صلّى اللّه عليه وسلّم حتّى استشهدني على كذبه، فشهدت له خوفا، وشهد كلّ من حضر عليّ بأني كاذب؟! وبلغ الخبر جعفر بن أبي جعفر، وكان مطيع منقطعا إليه يخدمه، فخافه، وطرده عن خدمته. قال: وكان جعفر ماجنا، فلما بلغه قول مطيع هذا غاظه، وشقّت عليه البيعة لمحمد، فأخرج أيره ثم قال: إن كان أخي محمّد هو المهديّ فهذا القائم من آل محمّد.
خشية أبي جعفر على ابنه جعفر من مطيع
أخبرني عيسى بن الحسين قال: حدّثنا أحمد بن الحارث عن المدائني قال: كان مطيع بن إياس يخدم جعفر بن أبي جعفر المنصور وينادمه، فكره أبو جعفر ذلك، لما شهر به مطيع في الناس وخشي أن يفسده، فدعا بمطيع وقال له: عزمت على أن تفسد ابني عليّ وتعلّمه زندقتك؟ فقال: أعيذك باللّه يا أمير المؤمنين من أن/ تظنّ بي هذا، واللّه ما يسمع منّي إلا ما إذا وعاه جمّله وزيّنه ونبّله! فقال: ما أرى ذلك ولا يسمع منك إلا ما يضرّه ويغرّه. فلما رأى مطيع إلحاحه في أمره قال له: أتؤمنني يا أمير المؤمنين عن غضبك حتّى أصدقك؟ قال: أنت آمن. قال: وأيّ مستصلح فيه؟ وأيّ نهاية لم يبلغها في الفساد والضّلال؟ قال: ويلك، بأيّ شي ء؟ قال: يزعم أنّه ليعشق امرأة من الجنّ وهو مجتهد في خطبتها، وجمع أصحاب العزائم عليها، وهم يغرونه ويعدونه بها ويمّنونه، فو اللّه ما فيه فضل لغير ذلك من جدّ ولا هزل ولا كفر إيمان. فقال له المنصور: ويلك، أتدري ما تقول؟ قال: الحق واللّه أقول. فسل عن ذلك، فقال له: عد إلى صحبته واجتهد أن تزيله عن هذا الأمر، ولا تعلمه أنّي علمت بذلك حتّى أجتهد في أزالته عنه.
إصابة جعفر بن المنصور بالصرع
أخبرني عمي قال: حدّثني الكراني عن ابن عائشة قال:
كان مطيع بن إياس منقطعا إلى جعفر بن أبي جعفر المنصور، فدخل أبوه المنصور عليه يوما، فقال لمطيع:
قد أفسدت ابني يا مطيع. فقال له مطيع: إنّما نحن رعيّتك فإذا أمرتنا بشيء فعلنا.
قال: وخرج جعفر من دار حرمه فقال/ لأبيه: ما حملك على أن دخلت داري بغير إذن؟ فقال له أبو جعفر:
لعن اللّه من أشبهك، ولعنك! فقال: واللّه لأنا أشبه بك منك بأبيك - قال: وكان خليعا - فقال: أريد أن أتزوّج امرأة من الجنّ! فأصابه لمم، فكان يصرع بين يدي أبيه والربيع واقف، فيقول له: يا ربيع، هذه قدرة اللّه.
وقال المدائنيّ في خبره الّذي ذكرته عن عيسى بن الحسين عن أحمد بن الحارث عنه: فأصاب جعفرا من كثرة ولعه [2] بالمرأة الّتي ذكر أنه يتعشّقها من الجنّ صرع،/ فكان يصرع في اليوم مرّات حتّى مات، فحزن عليه المنصور حزنا شديدا، ومشى في جنازته، فلما دفن وسوّي قبره قال للربيع: أنشدني قول مطيع بن إياس في مرثية يحيى بن زياد. فأنشده:
يا أهلي ابكوا لقلبي القرح ... وللدموع الذّوارف السّفح [3]
__________
[1] في ح: «و قال العباس بن محمّد اخوك».
[2] يقال ولع بالشيء ولعا وولوعا بفتح الواو: لهج به واشتد حبه له.
[3] في ح: «يا أهل بكرا».
راحوا بيحيى ولو تطاوعني ال ... أقدار لم يبتكر ولم يرح [1]
يا خير من يحسن البكاء له ال ... يوم ومن كان أمس للمدح
قال: فبكى المنصور، وقال: صاحب هذا القبر أحقّ بهذا الشعر.
أخبرني به عمّي أيضا عن الخزاز عن المدائني، فذكر مثله.
شعره في جارية خرجت من قصر الرصافة
أخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن عمار قال: حدّثني يعقوب بن إسرائيل قال: حدّثني المغيرة بن هشام الرّبعيّ قال: سمعت ابن عائشة يقول:
مرّ مطيع بن إياس بالرّصافة، فنظر إلى جارية قد خرجت من قصر الرّصافة كأنّها الشمس حسنا، وحواليها وصائف يرفعن أذيالها، فوقف ينظر إليها إلى أن غابت عنه، ثم التفت إلى رجل كان معه وهو يقول:
لمّا خرجن من الرّصا ... فة كالتّماثيل الحسان
يحففن أحور كالغزا ... ل يميس في جدل العنان [2]
قطّعن قلبي حسرة ... وتقسّما بين الأماني
ويلي على تلك الشما ... ئل واللطيف من المعاني
يا طول حرّ صبابتي ... بين الغواني والقيان
بكاء ينته حين عزم على الرحلة إلى السند، وما قال في ذلك
أخبرني الحسن بن علي قال: حدّثنا ابن مهرويه قال: حدّثني عبد اللّه بن أبي سعيد، عن ابن توبة صالح بن محمّد، قال: حدّثني بعض ولد منصور بن زياد عن أبيه قال: قال محمّد بن الفضل بن السّكونيّ:
رحل [3] مطيع بن إياس إلى هشام بن عمرو وهو بالسّند مستميحا له، فلما رأته بنته قد صحّح العزم على الرّحيل بكت، فقال لها:
اسكتي قد حززت بالدّمع قلبي ... طالما حزّ دمعكنّ القلوبا
ودعي أن تقطّعي الآن قلبي ... وتريني في رحلتي تعذيبا
فعسى اللّه أن يدافع عني ... ريب ما تحذرين حتّى أءوبا
ليس شيء يشأوه ذو المعالي ... بعزيز عليه فادعي المجيبا
أنا في قبضة الإله إذا ما ... كنت بعدا أو كنت منك قريبا [4]
ووجدت هذه الأبيات في شعر مطيع بغير رواية، فكان أوّلها:
/و لقد قلت لابنتي وهي تكوي ... بانسكاب الدّموع قلبا كئيبا
وبعده بقية الأبيات.
__________
[1] يبتكر: يخرج بكرة. ويروح: يرجع في الرواح.
[2] الجدل: جمع جديل، وهو الزمام المجدول. والعنان: سير اللجام، عنى بذلك دقة الخصر.
[3] في الأصول: «دخل».
[4] البعد، مصدر، أراد به البعيد. وفي الأصول: «بعيدا» ولا يستقيم به الوزن.
شعره في قينة أومأ إليها بقبلة فصدته
أخبرني الحسن بن علي الحفّاف قال: حدّثنا محمّد بن القاسم بن مهرويه قال: حدّثني عليّ بن محمّد النوفليّ، عن صالح الأصمّ قال:
كان مطيع بن إياس مع إخوان له على نبيذ، وعندهم قينة تغنيهم، فأومأ إليها مطيع بقبلة، فقالت له: تراب! فقال مطيع:
صوت
إنّ قلبي قد تصابى ... بعد ما كان أنابا
ورماه الحبّ منه ... بسهام فأصابا
قد دهاه شادن يل ... بس في الجيد سخابا [1]
فهو بدر في نقاب ... فإذا ألقى النقابا
قلت شمس يوم دجن ... حسرت عنها السّحابا
ليتني منه على كش ... حين قد لانا وطابا [2]
أحضر النّاس بما أك ... رهه منه جوابا
فإذا قلت أنلني ... قبلة قال ترابا
لحكم الواديّ في هذه الأبيات هزج، بالبنصر، من رواية الهشاميّ.
سرعة بديهته
أخبرنا أبو الحسن الأسدي قال: ذكر موسى بن صالح بن سنح بن عميرة أنّ مطيع بن إياس كان أحضر الناس جوابا ونادرة، وأنّه ذات يوم كان جالسا يعدّد بطون قريش ويذكر مآثرها ومفاخرها، فقيل له: فأين بنو كنانة؟ قال:
بفلسطين يسرعون الرّكوبا
أراد قول عبيد اللّه بن قيس الرقيات:
حلق من بني كنانة حولي ... بفلسطين يسرعون الرّكوبا
فضيحته لأبي دهمان
أخبرني عمي قال: حدّثنا الكراني عن العمري عن العتبيّ قال:
كان أبو دهمان صديقا لمطيع، وكان يظهر للناس تألّها [3] ومروءة وسمتا حسنا، وكان ربّما دعا مطيعا ليلة من الليالي أن يصير إليه، ثم قطعه عنه شغل، فاشتغل وجاء مطيع فلم يجده، فلما كان من الغد جلس مطيع مع أصحابه، فأنشدهم فيه:
__________
[1] الشادن: الظبي الصغير. السخاب: القلادة من القرنفل.
[2] الكشح: الخاصرة.
[3] التأله: التنسك والتعبد.
ويلي ممّن جفاني ... وحبّه قد براني [1]
وطيفه يلقاني ... وشخصه غير دان
أغرّ كالبدر يعشى ... بحسنه العينان [2]
جاريّ لا تعذلاني ... في حبّه ودعاني
فربّ يوم قصير ... في جوسق وجنان
بالراح فيه يحيّا ... والقصف والريحان [3]
وعندنا قينتان ... وجهاهما حسنان
عوداهما غردان ... كأنّما ينطقان [4]
/و عندنا صاحبان ... للدّهر لا يخضعان
فكنت أوّل حام ... وأوّل السّرعان [5]
في فتية غير ميل ... عند اختلاف الطّعان
من كلّ خوف مخيف ... في السرّ والإعلان
/ حمّال كلّ عظيم ... تضيق عند اليدان
وإن ألحّ زمان ... لم يستكن للزمان
فزال ذاك جميعا ... وكلّ شيء فان
من عاذري من خليل ... موافق ملدان [6]
مداهن متوان ... يكنى أبي دهمان [7]
متى يعدك لقاء ... فالنّجم والفرقدان
وليس يعتم إلّا ... سكران مع سكران [8]
يسقيه كلّ غلام ... كأنّه غصن بان
من خندريس عقار ... كحمرة الأرجوان [9]
قال: فلقيه بعد ذلك أبو دهمان، فقال: عليك لعنة اللّه فضحتني، وهتفت بي، وأذعت سرّي، لا أكلّمك أبدا، ولا أعاشرك ما بقيت، فما تفرق بين صديقك وعدوّك.
__________
[1] في ح: «عن من» وهو تحريف.
[2] العشا: ضوء البصر. في الأصول: «يغشى»، تحريف.
[3] القصف: الجلبة والإعلان باللهو، ويقال إنها مولدة. وقصف علينا بالطعام قصفا أي تابع، والمقصود هنا اللهو والغناء.
[4] في الأصول: «عوداهما غير دان»، والوجه ما أثبتنا.
[5] سرعان القوم، بالتحريك: أوائلهم المستبقون.
[6] الملدان: عنى به اللين الناعم.
[7] المداهن: المنافق.
[8] يعتم: يدخل في العتمة، وهي ثلث الليل الأوّل. وفي الأصول: «يغنم».
[9] الخندريس: الخمرة القديمة. والعقار: الّتي تذهب الوعي. والأرجوان: الشديدة الحمرة.
خبر مطيع مع علي بن القاسم
أخبرني أحمد بن عيسى بن أبي موسى العجليّ العطّار بالكوفة، قال: حدّثني عليّ بن عمروس عن عمّه عليّ بن القاسم قال:
كنت آلف مطيع بن إياس، وكان جاري، وعنّفني في عشرته جماعة، وقالوا لي: إنه زنديق. فأخبرته بذلك، فقال: وهل سمعت منّي أو رأيت شيئا يدلّ على ذلك، أو هل وجدتني أخلّ بالفرائض في صلاة أو صوم؟ فقلت له:
واللّه ما اتّهمتك ولكنّي خبّرتك بما قالوا. واستحييت منه. فعجل على السكر ذات يوم في منزله، فنمت عنده ومطرنا [1] في جوف اللّيل وهو معي، فصاح بي مرّتين أو ثلاثا،/ فعلمت أنّه يريد أن يصطبح، فكسلت أن أجيبه، فلما تيقّن أنّي نائم جعل يردّد على نفسه بيتا قاله، وهو قوله:
أصبحت جمّ بلابل الصّدر ... عصرا أكاتمه إلى عصر [2]
فقلت في نفسي: هذا يعمل شعرا في فنّ من الفنون. فأضاف إليه بيتا ثانيا، وهو قوله:
إن بحت طلّ دمي وإن تركت ... وقدت عليّ توقّد الجمر [3]
فقلت في نفسي: ظفرت بمطيع. فتنحنحت، فقال لي: أما ترى هذا المطر وطيبه، أقعد بنا حتّى نشرب أقداحا.
فاغتنمت ذلك، فلما شربنا أقداحا قلت له: زعمت أنّك زنديق. قال: وما الّذي صحّح [4] عندك أنّي زنديق؟ قلت:
قولك: «إن بحت طلّ دمي» وأنشدته البيتين، فقال لي: كيف حفظت البيتين ولم تحفظ الثالث؟ فقلت: واللّه ما سمعت منك ثالثا. فقال: بلى قد قلت ثالثا. قلت: فما هو؟ قال:
ممّا جناه علي أبي حسن ... عمر وصاحبه أبو بكر [5]
من سرعة بديهته
/ وحدّثني الحسن بن علي قال: حدّثنا محمّد بن القاسم بن مهرويه قال: حدّثني إبراهيم بن المدبّر قال: حدّثني محمّد بن عمر الجرجاني قال:
جاء مطيع بن إياس إلى إخوان له وكانوا على شراب، فدخل الغلام يستأذن له، فلمّا سمع صاحب البيت بذكره خرج مبادرا، فسمعه يقول:
/أمسيت جمّ بلابل الصدر ... دهرا أزجّيه إلى دهر [6]
إن فهت طلّ دمي وإن كتمت ... وقدت عليّ توقّد الجمر
فلما أحسّ مطيع بأنّ صاحب البيت قد فتح له استدرك البيتين بثالث فقال:
ممّا جناه علي أبي حسن ... عمر وصاحبه أبو بكر
وكان صاحب البيت يتشيّع، فأكبّ على رأسه يقبّله ويقول: جزاك اللّه يا أبا مسلم خيرا!
__________
[1] مطرنا: نزل علينا المطر.
[2] الجم: الكثير. والبلابل. وساوس الصدر وشدّة الهموم.
[3] طل دمه، بالبناء للمجهول: أبيح، وقيل لم يثأر به.
[4] في الأصول: «صح».
[5] هذا ما في ش. وفي سائر النسخ: «ما جناه». وأبو حسن: كنية علي بن أبي طالب.
[6] أزجيه: أسوقه. وقد سبق برواية أخرى.
بنت مطيع بن إياس، وما رميت به من الزندقة
وذكر أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل الكاتب:
أنّ الرشيد أتيّ ببنت مطيع بن إياس في الزّنادقة، فقرأت كتابهم واعترفت به، وقالت: هذا دين علّمنيه أبي، وتبت منه. فقبل توبتها وردّها إلى أهلها.
عقب مطيع بن إياس
قال أحمد: ولها نسل بجبل في قرية يقال لها: «الفراشيّة» قد رأيتهم، ولا عقب لمطيع إلّا منهم.
دعوته يحيى بن زياد للشراب
أخبرني عمي قال: حدّثنا الكراني عن ابن عائشة قال: كان مطيع بن إياس نازلا بكرخ بغداد، وكان بها رجل يقال له: الفهميّ، مغنّ محسّن، فدعاه مطيع ودعا بجماعة من إخوانه وكتب إلى يحيى بن زياد يدعوه بهذه الأبيات.
قال:
عندنا الفهميّ مسرو ... ر وزمّار مجيد
ومعاذ وعياذ ... وعمير وسعيد
وندامى يعملون ال ... قلز والقلز شديد
بعضهم ريحان بعض ... فهم مسك وعود
/ قال: فأتاه يحيى، فأقام عنده وشرب معهم، وبلغت الأبيات المهديّ، فضحك منها، وقال: تنايك القوم وربّ الكعبة.
قال الكراني: القلز: المبادلة [1].
وجدت هذا الخبر بخطّ ابن مهرويه، عن إبراهيم بن المدبّر عن محمّد بن عمر الجريدي. فذكر أنّ مطيعا اصطبح يوم عرفة وشرب يومه وليلته، واصطبح يوم الأضحى، وكتب إلى يحيى من اللّيل بهذه الأبيات:
قد شربنا ليلة الأض ... حى وسقينا يزيد
عندنا الفهميّ مسرو ... ر وزمّار مجيد
وسليمان فتانا ... فهو يبدي ويعيد
ومعاذ وعياذ ... وعمير وسعيد
وندامى كلّهم يق ... لز والقلز شديد
بعضهم ريحان بعض ... فهم مسك وعود
غالت الأنحس عنهم ... وتلقّتهم سعود
فترى القوم جلوسا ... والخنا عنهم بعيد
/ ومطيع بن إياس ... فهو بالقصف وليد
وعلى كرّ الجديدي ... ن وما حلّ جليد
__________
[1] الّذي تعرفه المعاجم أن القلز ضرب من الشرب، أو الوثب، فقد كني بذلك عن هذا الفعل.
دعوة عوف بن زياد لمطيع وجوابه على ذلك
ووجدت في كتاب بعقب هذا: وذكر محمّد بن عمر الجرجاني أنّ عوف [1] بن زياد كتب يوما إلى مطيع: «أنا اليوم نشيط للشّرب، فإن كنت فارغا فسر إليّ، وإن/ كان عندك نبيذ طيّب، وغناء جيّد جئتك». فجاءته رقعته [2] وعنده حماد الراوية وحكم الواديّ، وقد دعوا غلاما أمرد، فكتب إليه مطيع:
نعم لنا نبيذ ... وعندنا حمّاد
وخيرنا كثير ... والخير مستزاد
وكلّنا من طرب ... يطير أو يكاد
وعندنا واديّنا ... وهو لنا عماد
ولهونا لذيذ ... لم يلهه العباد
إن تشته فسادا ... فعندنا فساد
أو تشته غلاما ... فعندنا زياد
ما إن به التواء ... عنا ولا بعاد
قال: فلما قرأ الرقعة صار إليهم، فأتم به يومه معهم.
مدح مطيع للغمر بن يزيد
أخبرنا محمّد بن خلف بن المرزبان قال: حدّثني أبو بكر العامريّ عن عنبسة القرشيّ الكريزيّ عن أبيه قال:
مدح مطيع بن إياس الغمر بن يزيد بقصيدته الّتي يقول فيها:
لا تلح قلبك في شقائه ... ودع المتيّم في بلائه [3]
كفكف دموعك أن يفض ... ن بناظر غرق بمائه
ودع النسيب وذكره ... فبحسب مثلك من عنائه
كم لذّة قد نلتها ... ونعيم عيش في بهائه
/ بنواعم شبه الدّمى ... والليل في ثنيي عمائه [4]
واذكر فتى بيمينه ... حتف الزمان لدى التوائه
وإذا أميّة حصّلت ... كان المهذّب في انتمائه
وإذا الأمور تفاقمت ... عظما فمصدرها برائه [5]
وإذا أردت مديحه ... لم يكد قولك في بنائه [6]
__________
[1] في ح: «أن عون».
[2] في الأصول: «رقعة».
[3] لا تلح: لا تلم.
[4] ثني عمائه: كناية عن شدة الظلام وازدواجه.
[5] برائه: برأيه، أى تصدر عن رأيه.
[6] لم يكد: لم يخب. يقال حفر فأكدى، أي بلغ الصلابة.
في وجهه علم الهدى ... والمجد في عطفي ردائه
وكأنّما البدر المن ... ير مشبّه به في ضيائه [1]
فأمر له بعشرة آلاف درهم، فكانت أوّل قصيدة أخذ بها جائزه سنية، وحرّكته ورفعت من ذكره، ثم وصله بأخيه الوليد فكان من ندمائه.
استعطافه ليحيى بن زياد
أنشدني محمّد بن العباس اليزيديّ عن عمّه، لمطيع بن إياس يستعطف يحيى بن زياد في هجرة [2] كانت بينهما وتباعد:/
يا سميّ النبيّ الّذي خ ... صّ به اللّه عبده زكريا [3]
فدعاه الإله يحيى ولم يج ... عل له اللّه قبل ذاك سميّا
كن بصبّ أمسى بحبك برّا ... إنّ يحيى قد كان برّا تقيا
رثاؤه له وأنشدني له يرثي يحيى بعد وفاته:
قد مضى يحيى وغودرت فردا ... نصب ما سرّ عيون الأعادي [4]
/و أرى عيني مذغاب يحيى ... بدّلت من نومها بالسّهاد
وسّدته الكفّ منّي ترابا ... ولقد أرثي له من وساد
بين جيران أقاموا صموتا ... لا يحيرون جواب المنادي
أيّها المزن الّذي جاد حتّى ... أعشبت منه متون البوادي
اسق قبرا فيه يحيى فإنّي ... لك بالشكر مواف مغاد [5]
شعره في جوهر حين بيعت
نسخت من نسخة بخط هارون بن محمّد بن عبد الملك قال:
لما بيعت جوهر الّتي كان مطيع بن إياس يشبّب بها قال فيها - وفيه غناء من خفيف الرمل أظنه لحكم - :
صاح غراب البين بالبين ... فكدت أنقدّ بنصفين
قد صار لي خدنان من بعدهم ... همّ وغمّ شرّ خدنين
أفدي الّتي لم ألق من بعدها ... أنسا وكانت قرّة العين
أصبحت أشكو فرقة البين ... لمّا رأت فرقتهم عيني
__________
[1] في الأصول: «بستة في ضيائه».
[2] الهجرة: الجفوة والهجران.
[3] في الأصول: «باسم النبي» تحريف.
[4] النصب، يقال هو نصب عيني، للشيء الظاهر الّذي لا يخفى.
[5] أوفى فلانا حقه: أعطاه إيفاء، كوفاه ووافاه. والمغادي: الّذي يغادي، أي بياكر. وفي الأصول: «مغادي» تحريف.
أخبرني هاشم بن محمّد الخزاعي قال: حدّثنا العباس بن ميمون [بن] طائع قال: حدّثني ابن خرداذبة قال:
خرج مطيع بن إياس، ويحيى بن زياد حاجّين، فقدّما أثقالهما وقال أحدهما للآخر: هل لك في أن نمضي إلى زرارة فنقصف ليلتنا عنده، ثم نلحق أثقالنا؟ فما زال ذلك دأبهم حتّى انصرف الناس من مكة. قال: فركبا بعيريهما وحلقا رؤسهما ودخلا مع الحجّاج المنصرفين. وقال مطيع في ذلك:
/أ لم ترني ويحيى قد حججنا ... وكان الحجّ من خير التجاره
خرجنا طالبي خير وبرّ ... فمال بنا الطريق إلى زراره
فعاد الناس قد غنموا وحجّوا ... وأبنا موقرين من الخساره
وقد روي هذا الخبر لبشّار وغيره.
شعره في ريم
أخبرني الحسن بن علي قال: حدّثنا الفضل بن محمّد اليزيديّ عن إبراهيم الموصلّي عن محمّد بن الفضل قال:
خرج جماعة من الشّعراء في أيام المنصور عن بغداد في طلب المعاش، فخرج يحيى بن زياد إلى محمّد بن العباس وكنت في صحابته، فمصى إلى البصرة، وخرج حماد عجرد إليها معه، وعاد حمّاد الراوية إلى الكوفة، وأقام مطيع بن إياس ببغداد وكان يهوى جارية يقال لها: «ريم» لبعض النخّاسين وقال فيها:
لو لا مكانك في مدينتهم ... لظعنت في صحبي الألى ظعنوا [1]
/أو طنت بغدادا بحبّكم ... وبغيرها لولاكم الوطن [2]
قال: وقال مطيع في صبوح اصطبحه معها:
ويوم ببغداد نعمنا صباحه ... على وجه حوراء [3] المدامع تطرب
ببيت ترى فيه الزّجاج كأنه ... نجوم الدّجى بين النّدامى تغلّب
يصرّف ساقينا ويقطب تارة ... فيا طيبها مقطوبة حين يقطب [4]
علينا سحيق الزعفران وفوقنا ... أكاليل فيها الياسمين المذهّب
فما زلت أسقى بين صنج ومزهر ... من الرّاح حتّى كادت الشمس تغرب [5]
/و فيها يقول:
أمسى مطيع كلفا ... صبّا حزينا دنفا [6]
حرّ لمن يعشقه ... برقّه معترفا
__________
[1] في الأصول: «أظعت في صحبي»، تحريف.
[2] أوطن المكان: اتخذه وطنا.
[3] الحور: شدّة بياض بياض العين وسواد سوادها. وفي الأصول: «حمراء».
[4] يقطب: يمزج.
[5] الصنج: آلة بأوتار يضرب بها، معرب.
[6] الدنف: المريض.
يا ريم فاشفي كبدا ... حرّى وقلبا شغفا [1]
ونوّليني قبلة ... واحدة ثمّ كفى
قال وفيها يقول:
يا ريم قد أتلفت روحي فما ... منها معي إلّا القليل الحقير
فأذنبي إن كنت لم تذنبي ... فيّ ذنوبا إنّ ربّي غفور
ماذا على أهلك لو جدت لي ... وزرتني يا ريم فيمن يزور
هل لك في أجر تجازي به ... في عاشق يرضيه منك اليسير
يقبل ما جدت به طائعا ... وهو وإن قلّ لديه الكثير
لعمري من أنت له صاحب ... ما غاب عنه في الحياة السّرور
قال وفيها يقول:
يا ريم يا قاتلتي ... إن لم تجودي فعدي [2]
بيّضت بالمطل وإخلا ... فك وعدي كبدي
حالف عيني سهدي ... وما بها من رمد [3]
يا ليتني في الأحد ... أبليت منّي جسدي
لمن به من شقوتي ... أخذت حتفي بيدي
من شعره في جوهر
أنشدني علي بن سليمان الأخفش قال: أنشدني محمّد بن الحسن بن الحرون عن ابن النطّاح لمطيع بن إياس، يقوله في جوهر جارية بربر:
يا بأبي وجهك من بينهم ... فإنّه أحسن ما أبصر
يا بأبي وجهك من رائع ... يشبهه البدر إذا يزهر
جارية أحسن من حليها ... والحلي فيه الدرّ والجوهر
وجرمها أطيب من طيبها ... والطّيب فيه المسك والعنبر [4] /
جاءت بها بربر مكنونة ... يا حبّذا ما جلبت بربر
كأنّما ريقتها قهوة ... صبّ عليها بارد أسمر [5]
عبث مطيع بأبي العمير
أخبرني الحسين بن القاسم قال: حدّثنا ابن أبي الدنيا قال: حدّثني منصور بن بشر العمركي عن محمّد بن الزبرقان قال:
__________
[1] الحرى. العطشى.
[2] في الأصول: «يا قاتلي».
[3] في الأصول: «حالفت».
[4] الجرم: الجسم.
[5] يعني العسل. وفي الأصول: «كأن ريقها».
كان مطيع بن إياس كثير العبث، فوقف على أبي العمير: رجل من أصحاب المعلّى الخادم، فجعل يعبث به ويمازحه إلى أن قال:
ألا أبلغ لديك أبا العمير ... أراني اللّه في استك نصف أير
فقال له أبو العمير: يا أبا سلمى، لوجدت لأحد بالأير كلّه لجدت به إلى ما بيننا من الصداقة، ولكنك بحبّك لا نريده كلّه إلا لك. فأفحمه، ولم يعاود العبث به.
قال: وكان مطيع يرمى بالأبنة.
ما دار بينه وبين صديق له حين سقط له حائط
قال: وسقط لمطيع حائط، فقال له بعض أصدقائه: احمد اللّه على السلامة! قال: احمد اللّه أنت الّذي لم ترعك هدّته، ولم يصبك غباره، ولم تعدم أجرة بنائه.
مدحه جرير بن يزيد
/ أخبرني إسماعيل بن يونس بن أبي اليسع الشّيعيّ قال: حدّثنا عمر بن شبّة قال:
وفد مطيع بن إياس إلى جرير بن يزيد بن خالد بن عبد اللّه القسريّ وقد مدحه بقصيدته:
أمن آل ليلى عزمت البكورا ... ولم تلق ليلى فتشفي الضّميرا
وقد كنت دهرك فيما خلا ... لليلى وجارات ليلى زءورا
ليالي أنت بها معجب ... تهيم إليها وتعصي الأميرا
وإذ هي حوراء شبه الغزا ... ل تبصر في الطّرف منها فتورا [1]
تقول ابنتي إذ رأت حالتي ... وقرّبت للبين عنسا وكورا [2]
إلى من أراك، وقتك الحتو ... ف نفسي، تجشّمت هذا المسيرا
فقلت: إلى البجليّ الّذي ... يفكّ العناة ويغني الفقيرا [3]
أخي العرف أشبه عند الندى ... وحمل المئين أباه جديرا [4]
عشير الندى ليس يرضى النّدى ... يد الدّهر بعد جرير عشيرا
إذا استكثر المجتدون القلي ... ل للمعتفين استقلّ الكثيرا
إذا عسر الخير في المجتدي ... ن كان لديه عتيدا يسيرا
وليس بمانع ذي حاجة ... ولا خاذل من أتى مستجيرا
فنفسي وقتك أبا خالد ... إذا ما الكماة أغاروا النّمورا [5]
/إلى ابن يزيد أبي خالد ... أخي العرف أعملتها عيسجورا [6]
__________
[1] الفتور: الضعف.
[2] العنس: الناقة الصلبة. والكور: بالضم: الرحل أو هو بأداته.
[3] العناة: جمع عان، وهو الأسير.
[4] في الأصول: «إياه جديرا».
[5] الكماة: جمع كمى، وهو الرجل الشجاع المدجج بالسلاح. والنمور: جمع نمر، أراد أنهم فاقوا النمور في شجاعتهم.
[6] العيسجور: الناقة الصلبة والسريعة.
لنلقى فواضل من كفّه ... فصادفت منه نوالا غزيرا
فإن يكن الشّكر حسن الثّنا ... ء بالعرف منّي تجدني شكورا
بصيرا بما يستلذّ الرّوا ... ة من محكم الشّعر حتّى يسيرا
إجازة جرير له سرا
فلما بلغ يزيد خبر قدومه دعا به ليلا، ولم يعلم أحد بحضوره، ثم قال له: قد عرفت خبرك، وإنّي متعجّل لك جائزتك ساعتي هذه، فإذا حضرت غدا فإني سأخاطبك مخاطبة فيها جفاء،/ وأزوّدك نفقة طريقك وأصرفك، لئلّا يبلغ أبا جعفر خبري فيهلكني. فأمر له بمائتي دينار، فلما أصبح أتاه، فاستأذنه في الإنشاد، فقال له: يا هذا لقد رميت بآمالك غير مرمى، وفي أيّ شيء أنا حتّى ينتجعني الشعراء؟ لقد أسأت إليّ لأني لا أستطيع تبليغك محابّك [1]، ولا آمن سخطك وذمّك. فقال له: تسمع ما قلت فإنّي أقبل ميسورك، وأبسط عذرك. فاستمع منه كالمتكلّف المتكره، فلما فرغ قال لغلامه: يا غلام كم مبلغ ما بقي من نفقتنا؟ قال: ثلاثمائة درهم. قال: أعطه مائة درهم لنفقة طريقه، ومائة درهم ينصرف بها إلى أهله، واحتبس لنفقتنا مائة درهم. ففعل الغلام ذلك، وانصرف مطيع عنه شاكرا، ولم يعرف أبو جعفر خبره.
بعض ما غنى فيه من شعره
أنشدني وكيع عن حمّاد بن إسحاق عن أمّه، لمطيع بن إياس، وفيه غناء:
واها لشخص رجوت نائله ... حتّى انثنى لي بودّه صلفا
لانت حواشيه لي وأطمعني ... حتّى إذا قلت نلته انصرفا
قال: وأنشدني حمّاد أيضا عن أبيه، لمطيع بن إياس، وفيه غناء أيضا:
خليلي مخلف أبدا ... يمنّيني غدا فغدا
/ وبعد غد وبعد غد ... كذا لا ينقضي أبدا
له جمر على كبدي ... إذا حرّكته وقدا
وليس بلابث جمر ال ... غضى أن يحرق الكبدا [2]
وفي هذه الأبيات لعريب هزج.
أطيب الأشياء عند مطيع
أخبرني أحمد بن العبّاس العسكري قال: حدّثنا العنزي عن مسعود بن بشر قال:
قال الوليد بن يزيد لمطيع بن إياس: أيّ الأشياء أطيب عندك؟ قال: «صهباء صافية، تمزجها غانية، بماء غادية».
قال: صدقت.
__________
[1] محابك: ما تحب وتتمنى.
[2] اللابث: المتوقف.
عربدة مطيع على يحيى بن زياد وذمه له ثم استرضاؤه
أخبرني محمّد بن خلف بن المرزبان قال: حدّثني أبو عبد اللّه التميمي قال: حدّثنا أحمد بن عبيد. وأخبرني عمّي قال: حدّثنا الكراني عن العمريّ عن العتبي قال:
سكر مطيع بن إياس ليلة، فعربد على يحيى بن زياد عربدة [1] قبيحة وقال له وقد حلف بالطلاق:
لا تحلفا بطلاق من ... أمست حوافرها رقيقه
مهلا فقد علم الأنا ... م بأنّها كانت صديقه
فهجر يحيى وحلف ألّا يكلّمه أبدا، فكتب إليه مطيع:
إن تصلني فمثلك اليوم يرجى ... عفوه الذّنب عن أخيه ووصله
ولئن كنت قد هممت بهجري ... للذي قد فعلت إنّي لأهله
/ وأحقّ الرّجال أن يغفر الذّن ... ب لإخوانه الموفّر عقله
الكريم الّذي له الحسب الثّا ... قب في قومه ومن طاب أصله
ولئن كنت لا تصاحب إلّا ... صاحبا لا تزلّ ما عاش نعله [2]
لا تجده وإن جهدت، وأنّى ... بالذي لا يكاد يوجد مثله
إنّما صاحبي الّذي يغفر الذن ... ب ويكفيه من أخيه أقلّه
/ الّذي يحفظ القديم من العه ... د وإن زلّ صاحب قلّ عذله
ورعى ما مضى من العهد منه ... حين يؤذي من الجهالة جهله [3]
ليس من يظهر المودّة إفكا ... وإذا قال خالف القول فعله
وصله للصّديق يوما فإن طا ... ل فيومان ثم ينبتّ حبله
قال: فصالحه يحيى وعاود عشرته.
نزوله بدير كعب وشعره في جليس ثقيل
أخبرني الحسن بن عليّ قال: حدّثنا هارون بن محمّد بن عبد الملك قال: حدّثني أبو أيّوب المدنيّ قال:
حدّثني أحمد بن إبراهيم الكاتب قال: حدّثني أبي عن رجل من أهل الشأم قال:
كنت يوما نازلا بدير كعب، قد قدمت من سفر، فإذا أنا برجل قد نزل الدّير معه ثقل [4] وآلة وعيبة، فكان قريبا من موضعي، فدعا بطعام فأكل، ودعا الراهب فوهب له دينارين، وإذا بينه وبينه صداقة، فأخرج له شرابا فجلس يشرب ويحدّث [5] الراهب، وأنا أراهما، إذ دخل الدّير رجل فجلس معهما، فقطع/ حديثهما وثقل في مجلسه،
__________
[1] العربدة: أن يؤذي النديم النديم بما يكره.
[2] زلة النعل: كناية عن الخطأ. وهو من قول النابغة:
ولست بمستبق أخا لا تلمسه ... على شعث أي الرجال المهذب
[3] في الأصول: «يؤدي»، بالدال المهملة.
[4] الثقل، بالتحريك: متاع المسافر وحشمه.
[5] في الأصول: «و يجذب».
وكان غثّ الحديث، فأطال. فجاءني بعض غلمان الرجل النازل فسألته عنه، فقال: هذا مطيع بن إياس. فلمّا قام الرجل وخرج كتب مطيع على الحائط شيئا، وجعل يشرب حتّى سكر، فلما كان من غد رحل، فجئت موضعه فإذا فيه مكتوب:
طربة ما طربت في دير كعب ... كدت أقضي من طربتي فيه نحبي
وتذكّرت إخوتي ونداما ... ي فهاج البكاء تذكار صحبي [1]
حين غابوا شتّى وأصبحت فردا ... ونأوا بين شرق أرض وغرب
وهم ما هم، فحسبي لا أب ... غي بديلا بهم لعمرك حسبي
طلحة الخير منهم وأبو المن ... ذر خلّي ومالك ذاك تربى [2]
أيّها الداخل الثقيل علينا ... حين طاب الحديث لي ولصحبي
خفّ عنا فأنت أثقل والل ... ه علينا من فرسخي دير كعب
ومن النّاس من يخفّ ومنهم ... كرحى البزر ركّبت فوق قلبي
أخبرنا الحسن بن علي قال: حدّثنا ابن مهرويه قال: حدّثنا عمر بن محمّد قال: حدّثنا الحسين [3] بن إياس، ويحيى بن زياد، وزاد العمل [4] حتّى حلف يحيى بن زياد على بطلان شيء كلّمه به مما دار بينهما، فقال مطيع:
/لا تحلفا بطلاق من ... أمست حوافرها رقيقه
هيهات قد علم الأمي ... ر بأنّها كانت صديقه
فغضب يحيى وحلف ألّا يكلّم مطيعا أبدا، وكانا لا يكادان يفترقان [5] في فرح ولا حزن، ولا شدّة ولا رخاء، فتباعد ما بين يحيى وبينه، وتجافيا مدّة، فقال مطيع في ذلك، وندم على ما فرط منه إلى يحيى؛ فكتب إليه بهذا الشّعر، قال:
كنت ويحيى كيد واحدة ... نرمي جميعا وترانا معا
إن عضّني الدّهر فقد عضّه ... يوجعنا ما بعضنا أوجعا
/ أو نام نامت أعين أربع ... منّا وإن أسهر فلن يهجعا
يسّرني الدّهر إذا سرّه ... وإن رماه فلنا فجّعا
حتّى إذا ما الشّيب في مفرقي ... لاح وفي عارضه أسرعا
سعى وشاة فمشوا بيننا ... وكاد حبل الودّ أن يقطعا
فلم ألم يحيى على فعله ... ولم أقل ملّ ولا ضيّعا
لكنّ أعداء لنا لم يكن ... شيطانهم يرى بنا مطمعا
__________
[1] كذا على الصواب في ح، وفي س: «ندماي» وفي ش: «ندمائي».
[2] الترب بكسر التاء: ما ولد معك، وأكثر ما يستعمل في المؤنث يقال «هذه ترب فلانة».
[3] كذا في الأصول. وظاهر أن هناك سقطا بين السند وأول الخبر.
[4] تكملة للخبر الّذي سبق في ص 305. ولعلها: «و زاد في العربدة».
[5] في ح: «أن يفترقا».
بينا كذا غاش على غرة ... فأوقد النّيران مستجمعا [1]
فلم يزل يوقدها دائبا ... حتّى إذا ما اضطرمت أقلعا
أخبرنا الحسين بن يحيى المرداسيّ، عن حمّاد بن إسحاق عن أبيه عن محمّد بن الفضل السّكوني. وأخبرنا محمّد بن الحسن بن دريد، قال: حدّثنا عبد الرحمن بن أخي الأصمعيّ عن عمّه. قال إسحاق في خبره: «دخل على إخوان يشربون»، وقال الأصمعيّ:
/ دخل سراعة بن الزندبور على مطيع بن إياس ويحيى بن زياد، وعندهما قينة تغنّيهما، فسقوه أقداحا وكان على الريق، فاشتدّ ذلك عليه، فقال مطيع للقينة: غنّي سراعة. فقالت له: أيّ شيء تختار؟ فقال: غني:
طبيبيّ داويتما ظاهرا ... فمن ذا يداوي جوى باطنا
ففطن مطيع لمعناه، فقال: إبك أكل؟ قال: نعم. فقدّم إليه طعاما فأكل ثم شرب معهم. واللّه أعلم.
قول مطيع لمحمد بن سالم وشعره فيه
أخبرني الحسن بن عليّ قال: حدّثنا ابن مهرويه قال: حدّثني محمّد بن هارون الأزرقيّ مولى بني هاشم أخي أبي عشانة قال: حدّثني الفضل بن محمّد بن الفضل الهاشمي عن أبيه قال:
كان مطيع بن إياس [يهوى] ابن مولى لنا يقال له محمّد بن سالم، فأخرجت أباه إلى ضيعة لي بالريّ لينظر فيها، فأخرجه أبوه معه، ولم أكن عرفت خبر مطيع معه حتّى أتاني، فأنشدني لنفسه:
أيا ويحه لا الصّبر يملك قلبه ... فيصبر لمّا قيل سار محمّد
فلا الحزن يفنيه ففي الموت راحة ... فحتّى متى في جهده يتجلّد
قد اضحى صريعا باديات عظامه ... سوى أنّ روحا بينها تتردّد
كئيبا يمنّي نفسه بلقائه ... على نأيه واللّه بالحزن يشهد
يقول لها صبرا عسى اليوم آئب ... بإلفك أو جاء بطلعته الغد
وكنت يدا كانت بها الدهر قوّتي ... فأصبحت مضنى منذ فارقني يدي
في أخبار مطيع الّتي تقدّم ذكرها آنفا أغان أغفلت عن نسبتها حتى انتهيت إلى هذا الموضع فنسبتها فيه:
صوت
طبيبيّ داويتما ظاهرا ... فمن ذا يداوي جوّى باطنا
فقوما اكوياني ولا ترحما ... من الكيّ مستحصفا راصنا [2]
/و مرّا على منزل بالغميم ... فإنّي عهدت به شادنا [3]
فتور القيام رخيم الكلا ... م كان فؤادي به راهنا
__________
[1] في ح: «غاس» بالسين المهملة، وكلاهما تحريف.
[2] المستحصف: الشديد. والراصن، كذا صحح في «مهذب الأغاني». ولعله وصف من رصن رصانة. وفي الأصول: «راضيا»، وهو تحريف.
[3] الشادن: الغزال الصغير.
الشعر فيما ذكر عبد اللّه بن شبيب عن الزبير بن بكّار، لعمرو بن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل القرشيّ العدوي، والغناء لمعبد، ولحنه ثقيل أوّل بالوسطى في مجراها عن إسحاق وعمرو، وفيه لأبي العبيس بن حمدون ثاني ثقيل مطلق في مجرى البنصر، وهو من صدور أغانيه ومختارها وما تشبّه فيه بالأوائل. ولو قال قائل: إنه أحسن صنعة له صدق.
أخبرني الحسين بن يحيى، عن حماد عن أبيه، أن غيلان بن خرشة الصّبّيّ دخل إلى قوم من إخوانه وعندهم قينة، فجلس معهم وهو لا يدري فيم هم، حتّى غنت القينة:
طبيبيّ داويتما ظاهرا ... فمن ذا يداوي جوى باطنا
وكان أعرابيّا جافيا به لوثة [1]، فغضب ووثب وهو يقول: السوط وربّ غيلان يداوي ذلك الجوى! وخرج من عندهم.
وهذا الخبر مذكور في أخبار معبد من كتابي هذا وغيره، ولكنّ ذكره هاهنا حسن فذكرته.
وما فيها من الأغاني قول مطيع
صوت
أمسيت جمّ بلابل الصدر ... دهرا أزجّيه إلى دهر
إن فهت طلّ دمي وإن كتمت ... وقدت عليّ توقّد الجمر [2]
الغناء لحكم الواديّ، هزج بالبنصر عن حبش الهشاميّ.
مطيع وجوهر المغنية
أخبرني ابن الحسين قال حدّثنا حماد بن إسحاق عن صباح بن خاقان قال:
دخلت علينا جوهر المغنية جارية بربر [3]، وكانت محسنة جميلة ظريفة، وعندنا مطيع بن إياس وهو يلعب بالشطرنج، وأقبل عليها بنظره وحديثه، ثم قال:
ولقد قلت معلنا ... لسعيد وجعفر
إن أتتني منيتي ... فدمي عند بربر [4]
قتلتني بمنعها ... [لي] من وصل جوهر
قال: وجوهر تضحك منه.
هجاء مطيع لحماد عجرد
أخبرني عيسى بن الحسين الورّاق قال حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعيد عن أبي توبة قال:
__________
[1] اللوثة: الحمق ومس الجنون.
[2] في ج:
«إني فهمت طل يدي»
[3] في ج: «جارية يزيد».
[4] في كل الأصول: «إن ابنتي منيتي»، وهو تصحيف.
بلغ مطيع بن إياس أن حماد عجرد عاب شعرا ليحيى بن زياد قاله في منقذ بن بدر الهلالي، فأجابه منقذ عنه بجواب، فاستخفّهما [حمّاد] عجرد، وطعن عليهما، فقال فيه مطيع:
/أيها الشاعر الّذي ... عاب يحيى ومنقذا
أنت لو كنت شاعرا ... لم تقل فيهما كذا
لست واللّه فاعلمنّ ... لدي النقد جهبذا [1] /
تعدل الصبر بالرضى ... شائب الصّفو بالقذى [2]
مطيع ومكنونة جارية المروانية
أخبرني عيسى بن الحسين قال حدّثنا عبد اللّه بن أبي توبة عن ابن أبي منيع الأحدب قال:
كنت جالسا مع مطيع بن إياس، فمرّت بنا مكنونة جارية المروانية، وكان مطيع وأصحابنا يألفونها، فلم تسلّم، وعبث بها مطيع بن إياس فشتمته، فالتفت إليّ وأنشأ يقول:
فديت من مرّ بنا ... يوما ولم يتكلم
وكان فيما خلا من ... ه كلما مر سلّم
وإن رآني حيّا ... بطرفه وتبسّم
لقد تبدّل - فيما ... أظنّ - واللّه أعلم
فليت شعري ماذا ... عليّ في الود ينقم
يا ربّ إنك تعلم ... أني بمكنون مغرم
وأنني في هواها ... ألقى الهوان وأعظم
يا لائمي في هواها ... احفظ لسانك تسلم
واعلم بأنك مهما ... أكرمت نفسك تكرم
/ إنّ الملول إذا ما ... ملّ الوصال تجرّم [3]
أو لا فما لي أجفى ... من غير ذنب وأحرم
مطيع يشبب بجوهر ثم يهجوها
أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد بن إسحاق عن أبيه قال:
كان مطيع بن إياس يألف جواري بربر، ويهوى منهنّ جاريتها المسماة جوهر، وفيها يقول؛ ولحكم فيه غناء:
خافي اللّه يا بربر ... لقد أفسدت ذا العسكر [4]
__________
[1] الجهبذ: النقاد الخبير.
[2] في كل الأصول:
«من وصفوا لي القذى»
[3] تجرم عليه: ادعى عليه ذنبا لم يفعله.
[4] في التفعيلة الأولى من الشطر الأول «خرم».
إذا ما أقبلت جوهر ... يفوح المسك والعنبر
وجوهر درّة الغوّا ... ص من يملكها يحبر [1]
لها ثغر حكى الدرّ ... وعينا رشإ أحور [2]
في هذه الأبيات هزج لحكم الواديّ. قال وفيها يقول:
أنت يا جوهر عندي جوهره ... في قياس الدرر المشتهره
أو كشمس أشرقت في بيتها ... قذفت في كل قلب شرره
وكأنّي ذائق من فمها ... كلما قبّلت فاها سكّره
وكأنّي حين أخلو معها ... فائز بالجّنة المختضره
قال: فجاءها يوما، فاحتجبت عنه فسأل عن خبرها، فعرف أن فتى من أهل الكوفة يقال له ابن الصّحّاف يهواها متخلّ [3] معها، فقال مطيع يهجوها:
ناك واللّه جوهر الصّحّاف ... وعليها قميصها الأفواف [4]
/شام فيها أيرا له ذا ضلوع ... لم يشنه ضعف ولا إخطاف [5]
جدّ دفعا فيها فقالت ترفّق ... ما كذا يا فتى تناك الظّراف
المهدي يسمع شعر مطيع في جوهر فيقول اتجمعوا بينهما
/ أخبرني الحسن بن علي قال حدّثنا هرون بن محمّد بن عبد الملك قال، قال محمّد بن صالح بن النطاح: أنشد المهديّ قول مطيع بن إياس:
خافي الله يا بربر ... لقد أفتنت ذا العسكر
بريح المسك والعنبر ... وظبي شادن أحور [6]
وجوهر درّة الغوّا ... من يملكها يحبر [7]
أما والله يا جوهر ... لقد فقت على الجوهر
فلا والله ما المهديّ ... أولى منك بالمنبر
فإن شئت ففي كفي ... ك خلع ابن أبي جعفر
فقال المهدي: اللهم العنهما جميعا، ويلكم! أجمعوا بين هذين قبل أن تخلعنا هذه القحبة. وجعل يضحك من قول مطيع. ووجدت أبيات مطيع الثلاثة الّتي هجا بها جوهر في رواية يحيى بن علي أتمّ من رواية إسحاق وهي بعد البيتين الأوّلين:
__________
[1] يحبر: يسر. وفي الأصول: «يجبر».
[2] الرشأ: الظبي إذا قوي ومشي مع أمه. أحور: الحور شدة سواد سواد العين وبياض بياضها.
[3] متخل: متفرغ.
[4] الأفواف: الرقيق. وفي حديث عثمان «خرج وعليه حلة أفواف».
[5] في الأصول: «شام فيها إنزاله» وهو تصحيف. شام: أدخل. والإخطاف: الضمور.
[6] الظبي الشادن: الّذي قوي وطلع قرناه واستغنى عن أمه.
[7] في الأصول: «يجبر». وانظر ما مضى في الصفحة السابقة.
زعموها قالت وقد غاب فيها ... قائما في قيامه استحصاف
وهو في جارة استها يتلظّى ... يا فتى هكذا تناك الظّراف [1]
ناكها ضيفها وقبّل فاها ... يا لقومي لقد طغى الأضياف
لم يزل يرهز الشهيّة حتى ... زال عنها قميصها والعطاف [2]
/و قال هارون بن محمّد في خبره:
بيعت جوهر جارية بربر، فاشترتها امرأة هاشمية من ولد سليمان بن علي كانت تغني بالبصرة وأخرجتها، فقال مطيع فيها:
لا تبعدي يا جوهر ... عنّا وإن شطّ المزار
ويلي لقد بعدت ديا ... رك سلّمت تلك الديار
يشفى بريقتها السّقا ... م كأنّ ريقتها العقار [3]
بيضاء واضخه الجبي ... ن كأنّ غرّتها نهار
القلب قلبي وهو عن ... د الهاشميّة مستعار
مطيع يهجو كلواذي
أخبرني محمّد بن عمران الصيرفيّ قال حدّثنا العنزي قال: حدّثنا علي بن منصور المؤدب أن صديقا لمطيع دعاه إلى بستان له بكلواذي [4]، فمضى إليها، فلم يستطبها، فقال يهجوها:
بلدة تمطر التراب [5] على النا ... س كما يمطر السماء الرذاذا
وإذا ما أعاذ ربي بلادا ... من خراب كبعض ما قد أعاذا
خربت عاجلا [6] ولا أمهلت يو ... ما ولا كان أهلها كلواذي
أثر مطيع وأصحابه في معامل من تجار الكوفة
أخبرني محمّد بن جعفر النحوي قال حدّثنا طلحة بن عبد اللّه أبو إسحاق الطلحي قال حدّثني عافية بن شبيب بن خاقان التميمي أبو معمر قال:
كان لمطيع بن إياس معامل من تجار الكوفة، فطالت صحبته إياه وعشرته له/ حتى شرب النبيذ، وعاشر تلك الطبقة، وأفسدوا دينه، فكان إذا شرب يعمل كما يعملون، وقال كما يقولون، وإذا صحا تهيّب ذلك/ وخافه، فمرّ يوما بمطيع بن إياس وهو جالس على باب داره، فقال له: من أين أقبلت؟ قال: شيّعت صديقا لي حجّ، ورجعت كما ترى ميتا من ألم الحرّ والجوع والعطش. فدعا مطيع بغلامه وقال له: أيّ شيء عندك؟ فقال له: عندي من الفاكهة كذا، ومن البوارد والحارّ كذا، ومن الأشربة والثلج والرياحين كذا، وقد رشّ الخيش وفرغ من الطعام. فقال
__________
[1] في الأصول: «و هي في» وفي س، ب «حارة استها تتلظى» وهو تصحيف.
[2] يرهز: يحرك. العطاف: الرداء.
[3] في ح وب: «ريقها». العقار: الخمر.
[4] كلواذي: مدينة قرب مدينة السلام.
[5] في س، ب: «السحاب»، وفي «معجم البلدان»: «التراب»، وهو ما أثبتناه.
[6] في س، ب، ح: «عاملا» وهو تحريف، والصواب ما أثبتناه.
له: كيف ترى هذا؟ فقال: هذا واللّه العيش وشبه الجّنة. قال: أنت الشريك فيه على شريطة إن وفيت بها وإلا انصرفت. قال: وما هي؟ قال: تشتم الملائكة وتنزل. فنفر التاجر وقال: قبح اللّه عشرتكم قد فضحتموني وهتكتموني. ومضى فلم يبعد حتى لقيه حمّاد عجرد فقال له: ما لي أراك نافرا جزعا؟ فحدثه حديثه. فقال: أساء مطيع - قبحه اللّه - وأخطأ، وعندي واللّه ضعف ما وصف لك؛ فهل لك فيه؟ فقال: أجل [1]، بي واللّه إليه أعظم فاقة. قال: أنت الشريك فيه على أن تشتم الأنبياء فإنّهم تعبّدونا بكل أمر معنت متعب، ولا ذنب للملائكة فنشتمهم.
فنفر التاجر وقال: أنت أيضا فقبحك اللّه، لا أدخل! ومضى فاجتاز بيحيى بن زياد الحارثيّ فقال له: ما لي أراك يا أبا فلان مرتاعا؟ فحدثه بقصّته. فقال: قبحهما اللّه لقد كلّفاك شططا، وأنت تعلم أن مروءتي فوق مروءتهما، وعندي واللّه أضعاف ما عندهما، وأنت الشّريك فيه على خصلة تنفعك ولا تضرّك، وهي خلاف ما كلفاك إيّاه من الكفر.
قال: ما هي؟ قال: تصلي ركعتين تطيل ركوعهما وسجودهما، وتصليهما وتجلس، فنأخذ في شأننا، فضجر التاجر وتأفّف وقال: هذا شرّ من ذاك، أنا تعب ميّت، تكلّفني صلاة طويلة في غير برّ/ ولا لإطاعة يكون ثمنها أكل سحت [2] وشرب خمر وعشرة فجرة وسماع مغنيات قحاب. وسبّه وسبّهما ومضى مغضبا. فبعث خلفه غلاما وأمره بردّه، فردّه كرها، وقال: انزل الآن على ألا تصلّي اليوم بتة. فشتمه أيضا وقال: ولا هذا. فقال: انزل الآن كيف شئت وأنت ثقيل غير مساعد. فنزل عنده. ودعا يحيى مطيعا وحمادا، فعبثا بالتاجر ساعة وشتماه، ثم قدّم الطعام، فأكلوا وشربوا وصلّى التاجر الظهر والعصر، فلما دبّت الكأس فيه قال له مطيع: أيّما أحب إليك: تشتم الملائكة أو تنصرف؟ فشتمهم. فقال له حماد: أيما أحب إليك: تشتم الأنبياء أو تنصرف؟ فشتمهم. فقال له يحيى: أيما أحب إليك: تصلي ركعتين أو تنصرف؟ فقام فصلّى الركعتين، ثم جلس فقالوا له: أيما أحب إليك: تترك باقي صلاتك اليوم أو تنصرف؟ قال: بل أتركها با بني الزانية ولا أنصرف. فعمل كلّ ما أرادوه منه.
رأي المهدي في أخلاق مطيع
أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد بن إسحاق عن أبيه عن محمّد بن الفضل السّكوني قال:
رفع صاحب الخبر إلى المنصور أنّ مطيع بن إياس زنديق، وأنه يعاشر ابنه جعفرا وجماعة من أهل بيته، ويوشك أن يفسدوا أديانهم وينسبوا إلى مذهبه. فقال له المهدي: أنا به عارف، أمّا الزندقة فليس من أهلها، ولكنه خبيث الدين فاسق مستحلّ للمحارم. قال: فأحضره وانهه عن صحبة جعفر وسائر أهله. فأحضره المهدي وقال له:
يا خبيث يا فاسق، قد أفسدت أخي ومن تصحبه من أهلي، واللّه لقد بلغني أنهم يتقادعون [3] عليك، ولا يتمّ لهم سرور إلا بك، فقد/ غرّرتهم وشهّرتهم في الناس، ولو لا أني شهدت لك عند أمير المؤمنين بالبراءة مما نسبت إليه بالزندقة، لقد كان أمر بضرب عنقك. وقال للربيع: اضربه مائتي/ سوط واحبسه. قال: ولم يا سيدي؟ قال: لأنك سكّير خمّير [4] قد أفسدت أهلي كلّهم بصحبتك. فقال له: إن أذنت وسمعت احتججت. قال: قل. قال: أنا امرؤ شاعر، وسوقي إنما تنفق مع الملوك، وقد كسدت عندكم، وأنا في أيامكم مطّرح، وقد رضيت فيها مع سعتها للناس جميعا بالأكل على مائدة أخيك، لا يتبع ذلك عشيرة، وأصفيته على ذلك شكري وشعري، فإن كان ذلك عائبا عندك تبت منه. فأطرق، ثم قال: قد رفع إليّ صاحب الخبر أنك تتماجن على السّؤّال وتضحك منهم. قال: لا، واللّه ما ذلك من فعلي ولا شأني، ولا جرى مني قط إلا مرة؛ فإنّ سائلا أعمى اعترضني - وقد عبرت الجسر على بغلتي -
__________
[1] في الأصول: «أشد».
[2] السحت: ما خبث من المكاسب وحرم فلزم عنه العار.
[3] التقادع: التهافت. وفي الأصول: «يتقارعون» تحريف.
[4] الخمير: الدائم الشرب للخمر.
وظنّني من الجند، فرفع عصاه في وجهي ثم صاح: اللهم سخر الخليفة لأن يعطي الجند أرزاقهم، فيشتروا من التجار الأمتعة، ويربح التجار عليهم فتكثر أموالهم، فتجب فيها الزكاة عليهم، فيصدّقوا عليّ منها. فنفرت بقلبي من صياحه ورفعه عصاه في وجهي حتى كدت أسقط في الماء، فقلت: يا هذا ما رأيت أكثر فضولا منك، سل اللّه أن يرزقك ولا تجعل هذه الحوالات والوسائط الّتي لا يحتاج إليها، فإن هذه المسائل فضول، فضحك الناس منه، ورفع عليّ في الخبر قولي له هذا. فضحك المهدي وقال: خلّوه ولا يضرب ولا يحبس. فقال له: أدخل عليك لموجدة [1] وأخرج عن رضى وتبرأ ساحتي من عضيهة [2] وأنصرف بلا جائزة؟ قال: لا يجوز هذا، أعطوه مائتي دينار ولا يعلم بها الأمير، فيتجدّد عنده ذنوبه.
تولية مطيع صدقة البصرة
قال: وكان المهدي يشكر له قيامه في الخطباء ووضعه الحديث لأبيه في أنه المهديّ. فقال له: اخرج عن بغداد ودع صحبة جعفر حتى ينساك أمير المؤمنين غدا. فقال له: فأين أقصد؟ قال:/ أكتب لك إلى سليمان بن علي فيولّيك عملا ويحسن إليك. قال: قد رضيت. فوفد إلى سليمان بكتاب المهدي، فولّاه الصدقة بالبصرة وكان عليها داود بن أبي هند، فعزله به.
حدّثني محمّد بن هاشم بن محمّد الخزاعي قال: حدّثنا عيسى بن إسماعيل تينة عن ابن عائشة أن مطيع بن إياس قدم على سليمان بن علي بالبصرة - وواليها على الصدقة داود بن أبي هند - فعزله وولّى عليها مطيعا.
مطيع يهجو مالك بن أبي سعدة
أخبرني عيسى بن الحسين الورّاق قال حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد قال حدّثني أبو توبة عن بعض البصريين قال:
كان مالك بن أبي سعدة عمّ جابر الشطرنجي جميل الوجه حسن الجسم، وكان يعاشر حماد عجرد ومطيع بن إياس وشرب معهما فأفسد بينهما وبينه وتباعد. فقال حماد عجرد يهجوه:
أتوب إلى اللّه من مالك ... صديقا ومن صحبتي مالكا
فإن كنت صاحبته مرة ... فقد تبت يا ربّ من ذلكا
قال: وأنشدها مطيعا، فقال له مطيع: سخنت عينك! هكذا تهجو الناس؟ قال: فكيف كنت أقول؟ قال: كنت تقول:
نظرة ما نظرتها ... يوم أبصرت مالكا
/ في ثياب معصفرا ... ت على الوجه باركا
تركتني ألوط من ... بعد ما كنت ناسكا
نظرة ما نظرتها ... أو ردتني المهالكا
مطيع يشكو الفقر أيام المنصور ويمدح أيام بني أمية
أخبرني عيسى بن الحسين قال حدّثنا حماد عن أبيه عن الهيثم بن عدي قال:
كان مطيع بن إياس منقطعا إلى جعفر بن المنصور، فطالت صحبته له بغير فائدة، فاجتمع يوما مطيع وحماد
__________
[1] الموجدة: الغضب. وفي أ، ب: «الموجدة».
[2] العضيهة: الإفك، والبهتان، والنميمة.
عجرد ويحيى بن زياد، فتذاكروا أيام بني أمية وسعتها ونضرتها وكثرة ما أفادوا فيها، وحسن مملكتهم [1] وطيب دارهم بالشأم، وما هم فيه ببغداد من القحط في أيام المنصور، وشدّة الحرّ، وخشونة العيش، وشكو الفقر فأكثروا، فقال مطيع بن إياس: قد قلت في ذلك شعرا فاسمعوا. قالوا: هات. فأنشدهم:
حبّذا عيشنا الّذي زال عنا ... حبذا ذاك حين لا حبّذا [2] ذا
أين هذا من ذاك سقيا لهذا ... ك ولسنا نقول سقيا لهذا [3]
زاد هذا الزمان عسرا وشرا ... عندنا إذ أحلّنا بغداذا
بلدة تمطر التراب على النا ... س كما يمطر السماء الرّذاذا
خربت عاجلا وأخرب ذو العر ... ش بأعمال أهلها كلواذي [4]
أخبرني عيسى بن الحسين عن حماد عن أبيه قال:
لما خرج حماد بن العباس إلى البصرة، عاشر جماعة من أهلها وأدبائها وشعرائها، فلم يجدهم كما يريد، ولم يستطب عشرتهم واستغلظ طبعهم، وكان هو ومطيع بن إياس وحماد الراوية ويحيى بن زياد كأنّهم نفس واحدة، وكان أشدّهم أنسا به مطيع بن إياس، فقال حماد يتشوّقه:
/لست واللّه بناس ... لمطيع بن إياس
ذاك إنسان له فض ... ل على كلّ أناس
غرس الله له في ... كبدي أحلى غراس
فإذا ما الكاس دارت ... واحتساها من أحاسي
كان ذكرانا مطيعا ... عندها ريحان كاسي
مطيع يصف ليالي قضاها في بستان له بالكرخ ويتشوّق إلى يحيى بن زياد
حدّثنا عيسى بن الحسين عن حماد عن أبيه قال:
دعا مطيع بن إياس صديقا له من أهل بغداد إلى بستان له بالكرخ، يقال له بستان صبّاح، فأقام معه ثلاثة أيام في فتيان من أهل الكرخ مرد وشبّان، ومغنّين ومغنّيات، فكتب مطيع إلى يحيى بن زياد الحارثي يخبره بأمره ويتشوّقه، قال:
كم ليلة بالكرخ قد بتّها ... جذلان في بستان صبّاح
في مجلس تنفح أرواحه ... يا طيبها من ريح أرواح
يدير كأسا فإذا ما دنت ... حفّت بأكواب وأقداح
في فتية بيض بها ليل ما ... إن لهم في الناس من لاح [5]
/
__________
[1] في س، ب: «ملكتهم» وفي ح «مملكتهم».
[2] في س، ب: «ذاك لا حبذا» وفي ح: «ذاك حين لا حبذا» وهو الصحيح.
[3] في س، ب: «لذا» وفي ح: «لهذا» وهو الصواب.
[4] كذا: في س، ب، ح. وفي «معجم البلدان»:
خربت عاجلا ولا أمهلت يو ... ما ولا كان أهلها كلواذى
[5] بهاليل: جمع بهلول وهو الضحّاك أو السيد الجامع لكل خير. لاح: لائم.
لم يهنني ذاك لفقد امرىء ... أبيض مثل البدر وضّاح
كأنما يشرق من وجهه ... إذا بدا لي ضوء مصباح
قال: فلما قرأ يحيى هذه الأبيات قام من وقته، فركب إليهم، وحمل إليهم ما يصلحهم من طعام وشراب وفاكهة، فأقاموا فيه أياما على قصفهم حتى ملّوا، ثم انصرفوا.
روايته شعرا لفتى كوفي
أخبرني محمّد بن خلف بن المرزبان قال حدّثني حماد بن إسحاق عن أبيه عن محمّد بن الفضل قال: قال مطيع بن إياس:
جلست أنا ويحيى بن زياد إلى فتى من أهل الكوفة كان ينسب إلى الصّبوة [1] ويكتم ذاك، ففاوضناه وأخذنا في أشعار العرب ووصفها البيد وما أشبه ذلك، فقال:
لأحسن من بيد يحار بها القطا ... ومن جبلي طيّ ووصفكما سلعا [2]
تلاحظ عيني عاشقين كلاهما ... له مقلة في وجه صاحبه ترعى
المهدي يعاتب مطيع بن إياس
أخبرني محمّد بن خلف بن المرزبان قال حدّثنا حماد بن إسحاق عن أبيه قال حدّثني أبو المضاء قال:
عاتب المهدي مطيع بن إياس في شيء بلغه عنه، فقال له: يا أمير المؤمنين، إن كان ما بلغك عني حقا فما تغني المعاذير، وإن كان باطلا [3] فما تضر الأباطيل. فقبل عذره وقال: فإنّا ندعك على حملتك ولا نكشفك. واللّه أعلم.
مطيع وأصحابه يشربون ومعهم جوهر المغنية
حدّثني عمي الحسن بن محمّد قال حدّثنا الكراني قال حدّثنا العمري عن الهيثم بن عديّ قال:
اجتمع حماد الراوية ومطيع بن إياس ويحيى بن زياد وحكم الواديّ يوما على شراب لهم في بستان بالكوفة، وذلك في زمن الربيع، ودعوا جوهر المغنية، وهي الّتي يقول فيها مطيع:
أنت يا جوهر عندي جوهره ... في قياس الدّرر المشتهره
فشربوا تحت كرم معروش حتى سكروا، فقال مطيع في ذلك:
صوت
خرجنا نمتطي الزهرا ... ونجعل سقفنا الشجرا
ونشربها معتّقة ... تخال بكأسها شررا
وجوهر عندنا تحكي ... بدارة وجهها القمرا
يزيدك وجهها حسنا ... إذا ما زدته نظرا
وجوهر قد رأيناها ... فلم نر مثلها بشر
__________
[1] الصبوة: جهلة الفتوّة واللهو من الغزل.
[2] القطا: جمع قطاة وهي طائر في حجم الحمام، وقد يطلق الحمام عليه للمشابهة. سلع: موضع بقرب المدينة، وقيل جبل بالمدينة.
[3] في ب، ح: «و إن باطلا».
غنى فيه حكم غناء خفيفا، فلم يزالوا يشربون عليه بقية يومهم. وقد روي أن بعض هذا الشعر للمهدي وأنه قال منه واحدا، وأجازه بالباقي بعض الشعراء. وهذا أصح. لحن حكم في هذا الشعر خفيف رمل بالوسطى.
مطيع يهجو أباه
حدّثنا محمّد بن خلف وكيع قال حدّثني حماد عن أبيه قال:
كان مطيع بن إياس عاقا بأبيه شديد البغض له وكان يهجوه، فأقبل يوما من بعد، ومطيع يشرب مع إخوان له، فلما رآه أقبل على أصحابه فقال:
هذا إياس مقبلا ... جاءت به إحدى الهنات [1]
هوّز فوه وأنفه ... كلمنّ في إحدى الصّفات/
وكأنّ سعفص بطنه ... والثغر شين قريّشات [2]
لما رأيتك آتيا ... أيقنت أنك شرّآت
مطيع يمدح معن بن زائدة
حدّثني جعفر بن قدامة بن زياد الكاتب قال حدّثني حماد بن إسحاق عن أبيه عن محمّد بن الفضل السكوني قال:
مدح مطيع بن إياس معن بن زائدة بقصيدته الّتي أوّلها:
/أهلا وسهلا بسيّد العرب ... ذي الغرر الواضحات والنّجب
فتى نزار وكهلها وأخي ال ... جود حوى غايتيه من كثب [3]
قيل أتاكم أبو الوليد فقا ... ل الناس طرّافي السهل والرّحب
أبو العفاة الّذي يلوذ به ... من كان ذا رغبة وذا رهب
جاء الّذي تفرج الهموم به ... حين يلزّ الوضين بالحقب [4]
جاء وجاء المضاء يقدمه ... رأي إذا همّ غير مؤتشب [5]
شهم إذا الحرب شبّ دائرها ... أعادها عودة على القطب [6]
يطفىء نيرانها ويوقدها ... إذا خبت نارها بلا حطب
إلّا بوقع المذكّرات يشبّه ... ن إذا ما انتضين بالشّهب [7]
__________
[1] الهنات: الشرور والفساد.
[2] في ب، ج: «سين قريسات». وقد تصرف الشاعر في أخوات أبجد، كما ترى: فقريشات هي «قرشت».
[3] في كل الأصول: «حوى عانيه».
[4] يلز: يقرن. الوضين: بطان عريض منسوج من سيور أو شعر. الحقب: الحزام الّذي يلي حقو البعير.
[5] هذه رواية «مهذب الأغاني». وفي الأصول:
جاء وجاء المضا بقدومه ... رأى إذا هم غير مؤتشب
مؤتشب: مختلط. يريد أنه غير متردّد.
[6] في كل الأصول: «الحب». وفي س: «أعاد» وفي ب، ج: «أعاده» وهو خطأ.
[7] المذكرات: جمع مذكّر، وهو السيف ذو الماء.
لم أر قرنا له يبارزه ... إلا أراه كالصقر والخرب [1]
ليث بخفّان قد حمى أجما ... فصار منها في منزل أشب [2]
شبلاه قد أدّبا به فهما ... شبهاه في جدّه وفي لعب [3]
قد ومقا شكله وسيرته ... وأحكما منه أكرم الأدب [4]
نعم الفتى تقرن الصّعاب به ... عند تجاثي الخصوم للرّكب [5]
/و نعم ما ليلة الشتاء إذا اس ... تنبح كلب القرى فلم يجب
لا ونعم عنده مخالفة ... مثل اختلاف الصّعود والصّبب [6]
يحصر من لا فلا يهمّ بها ... ومنه تضحي نعم على أرب [7]
ترى له الحلم والنّهى خلقا ... في صولة مثل جاحم اللّهب
سيف الإمامين ذاك وذا إذا ... قلّ بناة الوفاء والحسب
ذا هودة لا يخاف نبوتها ... ودينه لا يشاب بالريب [8]
فلما سمعها معن قال له: إن شئت مدحناك كما مدحتنا وإن شئت أثبناك. فاستحيا مطيع من اختيار الثواب على المديح وهو محتاج إلى الثواب، فأنشأ يقول لمعن:
ثناء من أمير خير كسب ... لصاحب فاقة وأخى ثراء [9]
ولكنّ الزمان برى عظامي ... وما مثل الدراهم من دواء
فضحك معن حتى استلقى وقال: لقد لطفت [10] حتى تخلصت منها، صدقت، لعمري ما مثل الدراهم من دواء! وأمر له بثلاثين ألف درهم، وخلع عليه وحمله [11].
مطيع وصديق له عربي
أخبرني محمّد بن يحيى الصولي قال حدّثني المهلّبي عن أبيه عن إسحاق قال: كان لمطيع بن إياس صديق من/ العرب يجالسه، فضرط ذات يوم وهو عنده، فاستحيا وغاب عن المجلس، فتفقّده مطيع وعرف سبب انقطاعه، فكتب إليه وقال:
__________
[1] الخرب: ذكر الحبارى، وهي طائر.
[2] خفان: موضع معروف قرب الكوفة، وهو مأسدة فيه غياض ونزور. أشب: كثير الشجر.
[3] في الأصول: «أزيابه»، «يشبهاه»، «جدة».
[4] ومقا: أحبا.
[5] جثا: جلس على ركبتيه للخصومة ونحوها.
[6] في الأصل: «لا نعم».
[7] في ب، س «يحضر هزلا» وفي ح «يحضر من لا» وما أثبتناه هو الأوفق.
[8] الهودة: التوبة والرجوع إلى الحق.
[9] في ب، ج: «لصاحب معن».
[10] لطف: رفق.
[11] حمله: أعطاه دابة تحمله.
أظهرت منك لنا هجرا ومقلية ... وغبت عنا ثلاثا لست تغشانا [1]
هوّن عليك فما في الناس ذو إبل ... إلا وأنيقه يشردن أحيانا
مجون مطيع وأصحابه في الصلاة
/ أخبرني أبو الحسن الأسدي قال حدّثني العباس بن ميمون طائع قال حدّثنا بعض شيوخنا البصريين الظرفاء وقد ذكرنا مطيع بن إياس، فحدثنا عنه قال:
اجتمع يحيى بن زياد ومطيع بن إياس وجميع أصحابهم، فشربوا أياما تباعا، فقال لهم يحيى ليلة من الليالي وهم سكارى: ويحكم! ما صلينا منذ ثلاثة أيام فقوموا بنا حتى نصلي. فقالوا: نعم. فقام مطيع فأذّن وأقام، ثم قالوا: من يتقدم؟ فتدافعوا ذلك، فقال مطيع للمغنّية: تقدّمي فصلي بنا. فتقدمت تصلي بهم عليها غلالة رقيقة مطيّبة بلا سراويل، فلما سجدت بان فرجها، فوثب مطيع وهي ساجدة فكشف عنه وقبّله وقطع صلاته، ثم قال:
ولما بدا فرجها جاثما ... كرأس حليق ولم تعتمد
سجدت إليه وقبّلته ... كما يفعل الساجد المجتهد
فقطعوا صلاتهم، وضحكوا وعادوا إلى شربهم.
إعجاب المهدي بتهنئة مطيع
حدّثني عمي الحسن بن محمّد قال حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد قال حدّثني محمّد بن القاسم مولى موسى الهادي قال:
كتب المهدي إلى أبي جعفر يسأله أن يوجّه إليه بابنه موسى، فحمله إليه، فلما قدم عليه قامت الخطباء تهنئه، والشعراء تمدحه، فأكثروا حتى آذوه وأغضبوه، فقام مطيع بن إياس فقال:
أحمد اللّه إله ال ... خلق ربّ العالمينا
الّذي جاء بموسى ... سالما في سالمينا
الأمير ابن الأمير اب ... ن أمير المؤمنينا
فقال المهدي: لا حاجة بنا إلى قول بعد ما قاله مطيع. فأمسك الناس، وأمر له بصلة.
مطيع ينصح يحيى بن زياد
/ قال أبو الفرج:
ونسخت من كتاب لأبي سعيد السّكري بخطه. قال: حدّثني ابن أبي فنن. أخبرني يحيى بن علي بن يحيى بهذا الخبر فيما أجاز لنا أن يرويه عنه عن أبي أيوب المدائني عن ابن أبي الدواهي، وخبر السكري أتم واللفظ له، قال:
كان بالكوفة رجل يقال له أبو الأصبغ له قيان، وكان له ابن وضيء حسن الصورة يقال له الأصبغ [2]، لم يكن بالكوفة أحسن وجها منه، وكان يحيى بن زياد ومطيع بن إياس وحماد عجرد وضرباؤهم يألفونه ويعشقونه
__________
[1] مقلية: بغضا.
[2] في الأصل: «الأصبع» في جميع مواضعه من هذا الخبر. والمعروف في أعلامهم: «الأصبغ» بالغين المعجمة، وكذا «ذو الإصبع».
ويطرفونه [1]، وكلهم كان يعشق ابنه أصبغ، حتى كان يوم نوروز [2] وعزم أبو الأصبغ على أن يصطبح مع يحيى بن زياد، وكان يحيى قد أهدى له من الليل جداء ودجاجا وفاكهة وشرابا، فقال أبو الأصبع لجواريه: إن يحيى بن زياد يزورنا اليوم، فأعددن له كلّ ما يصلح لمثله. ووجّه بغلمان له ثلاثة في حوائجه، ولم يبق بين يديه أحد، فبعث بابنه أصبغ إلى يحيى يدعوه ويسأله التعجيل، فلما جاءه استأذن له الغلام، فقال له يحيى: قل له يدخل، وتنحّ أنت وأغلق/ الباب ولا تدع الأصبغ يخرج إلا بإذني. ففعل الغلام ودخل الأصبغ، فأدّى إليه رسالة أبيه، فلما فرغ راوده يحيى عن نفسه، فامتنع، فثاوره [3] يحيى وعاركه حتى صرعه، ثم رالم حلّ تكّته، فلم يقدر عليها، فقطعها وناكه، فلما فرغ أخرج من تحت مصلّاه أربعين دينار، فأعطاه إياها، فأخذها، وقال له يحيى: امض فإني بالأثر. فخرج أصبغ من عنده، فوافاه مطيع بن إياس، فرآه يتبخّر ويتطيّب ويتزيّن، فقال له: كيف أصبحت؟ فلم يجبه، وشمخ بأنفه، وقطّب حاجبيه، وتفخّم؛ فقال له: ويحك مالك؟ نزل عليك/ الوحي؟ كلمتك الملائكة؟ بويع لك بالخلافة؟
وهو يومىء برأسه: لا لا، في كل كلامه، فقال له: كأنك قد نكت أصبغ بن أبي الأصبغ قال: إي واللّه الساعة نكته، وأنا اليوم في دعوة أبيه. فقال مطيع: فامرأته طالق إن فارقتك أو نقبّل متاعك. فأبداه له يحيى حتى قبّله، ثم قال له: كيف قدرت عليه؟ فقال يحيى ما جرى وحدثه بالحديث، وقام يمضي إلى منزل أبي الأصبغ، فتبعه مطيع، فقال له: ما تصنع معي والرجل لم يدعك؟ وإنما يريد الخلوة. فقال: أشيّعك إلى بابه ونتحدث. فمضى معه، فدخل يحيى وردّ الباب في وجه مطيع، فصبر ساعة، ثم دقّ الباب فاستأذن، فخرج إليه الرسول، وقال له: يقول لك أنا اليوم على شغل لا أتفرّغ معه لك. فتعذّر [4]. قال: فابعث إليّ بدواة وقرطاس، فكتب إليه مطيع [5]:
يا أبا الأصبغ لا زلت على ... كل حال ناعما متّبعا
لا تصيّرنى في الودّ كمن ... قطع التّكّة قطعا شنعا
وأتى ما يشتهي لم يثنه ... خيفة أو حفظ حق ضيّعا
لو ترى الأصبغ ملقى تحته ... مستكينا خجلا قد خضعا
وله دفع عليه عجل ... شبق شاءك ما قد صنعا [6]
فادع بالأصبغ واعلم حاله ... سترى أمرا قبيحا شنعا
قال فقال أبو الأصبغ ليحيى: فعلتها يا ابن الزانية؟ قال: لا واللّه. فضرب بيده إلى تكّة ابنه، فرآها مقطوعة، وأيقن يحيى بالفضيحة، فتلكأ الغلام، فقال له يحيى: قد كان الّذي كان، وسعى بي إليك مطيع ابن الزانية، وهذا ابني وهو واللّه أفره [7] من ابنك، وأنا عربي ابن عربية وأنت نبطيّ ابن نبطية، فنك ابني عشر مرات/ مكان المرّة الّتي نكت ابنك، فتكون قد ربحت الدنانير، وللواحد عشرة. فضحك وضحك الجواري، وسكن غضب أبي الأصبغ، وقال لابنه: هات الدنانير يابن الفاعلة. فرمى بها إليه، وقام خجلا، وقال يحيى: واللّه لا أدخل مطيع الساعي ابن الزانية. فقال أبو الأصبغ وجواريه: واللّه ليدخلنّ، فقد نصحنا وغششتنا. فأدخلناه وجلس يشرب ومعهم يحيى يشتمهم بكل لسان، وهو يضحك، واللّه أعلم.
__________
[1] يطرفونه: يهدون إليه الطريف.
[2] نوروز: أوّل يوم من السنة الشمسية. وعند الفرس عند نزول الشمس أو الحمل.
[3] ثاوره: واشه.
[4] تعذر: اعتذر واحتج لنفسه.
[5] في الأصول: «فكتب إليه الاصبع».
[6] شاءك: حزنك. وفي الأصول «شاك».
[7] الفاره من الناس: المليح الحسن.
مطيع يغلب خمسة ممن يكايدونه
أخبرني عمي الحسن بن محمّد قال حدّثنا الكراني عن العمري عن العتبي قال:
حضر مطيع بن إياس وشراعة بن الزندبوذ ويحيى بن زياد ووالبة بن الحباب وعبد اللّه بن العيّاش المنتوف وحماد عجرد، مجلسا لأمير من أمراء الكوفة، فتكايدوا جميعا عنده، ثم اجتمعوا على مطيع/ يكايدونه ويهجونه فغلبهم جميعا، حتى قطعهم ثم هجاهم بهذين البيتين وهما.
وخمسة قد أبانوا لي كيادهم ... وقد تلظّى لهم مقلى وطنجير [1]
لو يقدرون على لحمي لمزّقه ... قرد وكلب وجرواه وخنزير [2]
احتجاج مطيع لفسقه
أخبرني وكيع عن حماد بن إسحاق عن أبيه عن محمّد بن الفضل قال:
دخل صديق لمطيع بن إياس، فرأى غلاما تحته ينيكه، وفوق مطيع غلام له يفعل كذلك، فهو كأنه في تخت [3]، فقال له: ما هذا يا أبا سلمى؟ قال: هذه اللذة المضاعفة.
تعريض حماد بأبنة مطيع
أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه قال:
كان حماد الراوية قد هجر مطيعا لشيء بلغه عنه، وكان مطيع حلقيا، فأنشد شعرا ذات يوم وحماد حاضر، فقيل له: من [4] يقول هذا يا أبا سلمى؟ قال: الحطيئة./ قال حماد: نعم هذا شعر الحطيئة لما حضر الكوفة وصار بها حلقيا. يعرّض حماد بأنّه كذاب، وأنّه حلقي، فأمسك مطيع عن الجواب وضحك.
حدّثني محمّد بن العباس اليزيدي قال حدّثني محمّد بن إسحاق البغوي قال حدّثنا بن الأعرابي عن الفضل قال:
جاء رجل إلى مطيع بن إياس فقال: قد جئتك خاطبا. قال: لمن؟ قال: لمودّتك. قال: قد أنكحتكها وجعلت الصداق ألا تقبل فيّ قول قائل. ويقال إن الأبيات الّتي فيها الغناء المذكور بذكرها أخبار مطيع بن إياس يقولها في جارية له يقال لها جودانة [5] كان باعها فندم، فذكر الجاحظ أن مطيعا حلف أنها كانت تستلقي على ظهرها فيشخص كتفاها ومأكمتاها، فتدحرج تحتها الرمان فينفذ إلى الجانب الآخر. ويقال إنه قالها في امرأة من أبناء الدّهاقين [6] كان يهواها، وشعره يدل على صحة هذا القول، والقول الأوّل غلط.
مطيع يشتاق إلى جاريته جودانة
أخبرني بخبره مع هذه الجارية أبو الحسن الأسدي قال حدّثنا حماد بن إسحاق عن أبيه عن سعيد بن سالم قال:
__________
[1] المقلى والمقلاة: ما يقلى فيه الطعام. الطنجير: وعاء تعمل فيه الحلوى المخبوصة، وهو معرب.
[2] في الأصول: «جروات»، والصواب ما أثبتاه.
[3] التخت: وعاء تصان فيه الثياب. وفي الأصول «تحت».
[4] في كل الأصول: «مرة» وهو تحريف.
[5] في «معجم البلدان» برسم حلوان: «جوذابة».
[6] الدهقان: رئيس الإقليم، فارسي معرب.
أخبرني مطيع بن إياس الليثي - وكان أبوه من أهل فلسطين من أصحاب الحجاج بن يوسف - أنه كان مع سلم [1] بن قتيبة، فلما خرج إبراهيم بن عبد اللّه بن الحسن بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام، كتب إليه المنصور يأمره باستخلاف رجل على عمله والقدوم عليه في خاصّته على البريد، قال مطيع: وكانت لي [2] جارية يقال لها جودانة كنت أحبها، فأمرني سلم بالخروج معه، فاضطررت إلى بيع الجارية، فبعتها وندمت على ذلك بعد خروجي وتمنيت أن أكون أقمت، وتتبّعتها نفسي، ونزلنا/ حلوان، فجلست على العقبة أنتظر ثقلي وعنان دابّتي في يدي وأنا مستند إلى نخلة على العقبة وإلى جانبها نخلة أخرى، فتذكرت الجارية واشتقتها وقلت:
أسعداني يا نخلتي حلوان ... وابكيا لي من ريب هذا الزمان [3]
واعلما أنّ ريبه لم يزل يف ... رق بين الألّاف والجيران
ولعمري لو ذقتما ألم الفر ... قة قد أبكاكما الّذي أبكاني [4]
أسعداني وأيقنا أن نحسا ... سوف يلقاكما فتفترقان
كم رمتني صروف هذي الليالي ... بفراق الأحباب والخلّان/
غير أني لم تلق نفسي كما لا ... قيت من فرقة ابنة الدّهقان
جارة لي بالرّيّ تذهب همّي ... ويسلّي دنّوها أحزاني [5]
فجعتني الأيام أغبط ما كن ... ت بصدع للبين غير مدان
وبرغمي أن أصبحت لا تراها ال ... عين مني وأصبحت لا تراني
إن نكن ودّعت فقد تركت بي ... لهبا في الضمير ليس بوان
كحريق الضّرام في قصب الغا ... ب زفته ريحان تختلفان [6]
فعليك السلام [منّي] [7] ماسا ... غ سلاما عقلي وفاض لساني
هكذا ذكر أبو الحسن الأسديّ في هذا الخبر وهو غلط.
نسخت خبر هذا من خط أبي أيوب المدائني عن حماد، ولم يقل عن أبيه عن سعيد بن سالم عن مطيع قال:
كانت لي بالرّي جارية أيام مقامي بها مع سلم بن قتيبة، فكنت أتستّر بها، وكنت أتعشق امرأة من بنات الدّهاقين كنت نازلا/ إلى جنبها في دار لها، فلما خرجنا بعت الجارية وبقيت في نفسي علاقة من المرأة الّتي كنت أهواها، فلما نزلنا عقبة حلوان جلست مستندا إلى إحدى النخلتين اللتين على العقبة فقلت:
أسعداني يا نخلتي حلوان ... وارثيا لي من ريب هذا الزمان
وذكر الأبيات، فقال لي سلم: ويلك فيمن هذه الأبيات؟ أفي جاريتك؟ فاستحييت أن أصدقه فقلت: نعم. فكتب من وقته إلى خليفته أن يبتاعها لي، فلم ألبث أن ورد كتابه: إني وجدتها قد تداولها الرجال، فقد عزفت نفسي
__________
[1] في الأصول: «سالم». والصواب ما أثبتناه.
[2] في الأصول: «و كانت له».
[3] حلوان: حلوان العراق في آخر حدود السواد مما يلي الجبال من بغداد.
[4] في ب، ح: «الفرقة أبكاكما».
[5] في الأصول: «و تسلي ذنوبها» وهو تحريف.
[6] زفته: طردته واستخفته. وفي الأصول «رمته».
[7] تكملة يستقيم بها الوزن.
عنها. فأمر لي بخمسة آلاف درهم، ولا واللّه ما كان في نفسي منها شيء، ولو كنت أحبها لم أبال إذا رجعت إليّ بمن تداولها، ولم أبال لو ناكها أهل منى كلّهم.
أخبرني عمي عن الحسن عن أحمد بن أبي طاهر عن عبد اللّه بن أبي سعد عن محمّد بن الفضل الهاشمي عن سلام الأبرش قال:
الرشيد يتداوى بالجمار ويقطع إحدى نخلتي حلوان
لما خرج الرشيد إلى طوس هاج به الدم بحلوان، فأشار عليه الطبيب أن يأكل جمّارا [1]، فأحضر دهقان حلوان وطلب منه جمّارا، فأعلمه أن بلده ليس بها نخل، ولكن على العقبة نخلتان، فمر بقطع إحداهما. فقطعت، فأتي الرشيد بجمارتها، فأكل منها وراح [2]. فلما انتهى إلى العقبة نظر إلى إحدى النخلتين مقطوعة والأخرى قائمة، وإذا على القائمة مكتوب:
أسعداني يا نخلتي حلوان ... وابكيا لي من ريب هذا الزمان
أسعداني وأيقنا أنّ نحسا ... سوف يلقاكما فتفترقان
فاغتم الرشيد، وقال: يعزّ عليّ أن أكون نحستكما، ولو كنت سمعت بهذا الشعر ما قطعت هذه النخلة ولو قتلني الدم.
/ أخبرني الحسن بن علي قال حدّثنا الحارثي بن أبي أسامة قال حدّثني محمّد بن أبي محمّد القيسيّ عن أبي سمير عبد اللّه بن أيوب قال:
لما خرج المهدي فصار بعقبة حلوان استطاب الموضع فتغدّى ودعا بحسنة فقال لها: أما ترين طيب هذا الموضع؟ غنيني بحياتي حتى أشرب هاهنا أقداحا، فأخذت محكّة كانت في يده وأوقعت على/ مخدّة [3] وغنّته:
أيا نخلتي وادي بوانة حبّذا ... إذا نام حراس النخيل جناكما
فقال: أحسنت، ولقد هممت بقطع هاتين النخلتين - يعني نخلتي حلوان - فمنعني منهما هذا الصوت. وقالت له حسنة: أعيذك باللّه يا أمير المؤمنين أن تكون النحس المفرق بينهما. فقال لها: وما ذاك؟ فأنشدته أبيات مطيع هذه.
فلما بلغت إلى قوله:
أسعداني وأيقنا أن نحسا ... سوف يلقاكما فتفترقان
قال: أحسنت واللّه فيما قلت، إذ نبهتني على هذا، واللّه لا أقطعهما أبدا، ولأوكلنّ بهما من يحفظهما ويسقيهما ما حييت. ثم أمر بأن يفعل، فلم يزل في حياته على ما رسمه إلى أن مات.
نسبة هذا الصوت الّذي غنته حسنة
أيا نخلتي وادي بوانة حبّذا ... إذا نام حرّاس النخيل جناكما
فطيبكما أربى على النخل بهجة ... وزاد على طول الفتاء فتاكما [4]
__________
[1] الجمار: شحم النخل. وفي ح: «بأكل جمار».
[2] راح: نشط وارتاح.
[3] في «معجم البلدان»: «على فخذه».
[4] الفتاء: الشباب.
يقال إن الشعر لعمر بن أبي ربيعة، والغناء للغريض ثاني ثقيل بالوسطى عن عمرو بن بانة، وفيه لعطرد رمل بالوسطى من روايته ورواية الهشاميّ.
المنصور ونخلتا حلوان
أخبرني عمي عن أحمد بن طاهر عن الخرّاز عن المدائني أن المنصور اجتاز بنخلتي حلوان وكانت إحداهما على الطريق، فكانت تضيّقه وتزحم الأثقال عليه، فأمر بقطعهما، فأنشد قول مطيع:
واعلما ما بقيتما أنّ نحسا ... سوف يلقاكما فتفترقان
قال: لا واللّه ما كنت ذلك النحس الّذي يفرق بينهما، وتركهما.
وذكر أحمد بن إبراهيم عن أبيه عن جده إسماعيل بن داود أنّ المهدي قال: قد أكثر الشعراء في نخلتي حلوان ولهممت أن آمر بقطعهما. فبلغ قوله المنصور، فكتب إليه:
«بلغني أنك هممت بقطع نخلتي حلوان، ولا فائدة لك في قطعهما، ولا ضرر عليك في بقائهما، فأنا أعيذك باللّه أن تكون النّحس الّذي يلقاهما، فتفرق بينهما». يريد قول مطيع.
قول حماد عجرد في نخلتي حلوان
ومما قالت الشعراء في نخلتي حلوان قول حماد عجرد، وفيه غناء قد ذكرته في أخبار حماد:
جعل اللّه سدرتي قصر شيري ... ن فداء لنخلتي حلوان [1]
جئت مستسعدا فلم يسعداني ... ومطيع بكت له النخلتان [2]
لشاعر آخر فيهما
وأنشدني جحظة ووكيع عن حماد عن أبيه لبعض الشعراء ولم يسمّه:
أيّها العاذلان لا تعذلاني ... ودعاني من الملام دعاني
وابكيا لي فإنّني مستحق ... [منكما] بالبكاء أن تسعداني [3]
إنني منكما بذلك أولى ... من مطيع بنخلتي حلوان
فهما تجهلان ما كان يشكو ... من هواه وأنتما تعلمان
لأحمد بن إبراهيم فيهما
/ وقال فيهما أحمد بن إبراهيم الكاتب في قصيدة:
وكذاك الزمان ليس وإ ... ن ألّف يبقى عليه مؤتلفان [4]
سلبت كفّه الغريّ أخاه ... ثم ثنّى بنخلتي حلوان [5]
__________
[1] شيرين: قصر شيرين بين حلوان وهمذان. وفي كل الأصول: «نخلتي قصر شيرين». وما أثبتناه رواية «معجم البلدان».
[2] في كل الأصول: «مستعديا»، وهو تحريف.
[3] [منكما]: زيادة يستقيم بها الوزن ولا يأباها المعنى.
[4] في كل الأصول «ليس بوان» والصواب ما أثبتناه.
[5] في جميع الأصول: «العزيز أخاه» وجاء في «معجم البلدان»: «الغريّ» وهي من غرى به غراة فهو غرى إذا لزق به ولزمه. والغريّ:
واحد الغريّين، وهما بناءان مشهوران كانا بالكوفة.
فكأنّ الغريّ قد كان فردا ... وكأن لم تجاور النخلتان [1]
أخبرني الحسن بن علي قال حدّثنا أحمد بن زهير قال حدّثني مصعب الزبيري عن أبيه قال:
جلس مطيع بن إياس في العلة الّتي مات فيها في قبة خضراء وهو على فرش خضر، فقال له الطبيب: أي شيء تشتهي اليوم؟ قال: أشتهي ألا أموت. قال: ومات في علته هذه، وذلك بعد ثلاثة أشهر مضت له من خلافة الهادي.
قال أبو الفرج: ما وجدت فيه غناء من شعر مطيع، قال:
صوت
أمرّ مدامة صرفا ... كأنّ صبيبها ودج [2]
كأنّ المسك نفحتها ... إذا بزلت لها أرج [3]
فظلّ تخاله ملكا ... يصرفها ويمتزج [4]
/الغناء لإبراهيم، ثاني ثقيل بالخنصر والوسطى عن ابن المكي. وفيه لحن آخر لابن جامع. وهذه الطريقة بإطلاق الوتر في مجرى الوسطى عن إسحاق.
صوت
جدلت كجدل الخيزرا ... ن وثنيت فتثنّت
وتيقّنت أن الفؤا ... د يحبها فأدلّت
الغناء لعبد اللّه بن عباس الربيعي خفيف رمل، وذكر حبش أنه لمقامة.
صوت
أيها المبتغي بلوى رشادي ... اله عنّي فما عليك فسادي [5]
أنت خلو من الّذي بي وما يع ... لم ما بي إلا القريح الفؤاد [6]
الغناء ليونس رمل بالبنصر من كتابه ورواية الهشامي.
__________
[1] في كل الأصول: «العزيز مد»، «يجاوز» وصوابه «الغرى قد»، «تجاور».
[2] الودج: عرق في العنق.
[3] بزل: يقال بزل الخمر وغيرها إذا ثقب إناءها.
[4] يصرفها: يجعلها صرفا، أي خالصة. والمعروف في امتزج أنه مطاوع «مزج» ولكن ورد نظيره في شعر أبي محجن الثقفي شاهدا للامتزاج بمعنى جعلها ممزوجة، وهو قوله:
فقد أبا كرها ريّا وأشربها ... صرفا وأطرب أحيانا وامتزج
وسبق نظيره أيضا في قول الأقيشر («الأغاني» 11: 273 طبعة الدار):
فقد أبا كرها صرفا وأشربها ... أشفى بها غلتي صرفا وامتزج
[5] بلوى: اختبار وتجربة.
[6] القريح: الجريح. وفي س، ب: «الفراغ الفؤاد».
صوت
إلا إن أهل الدار قد ودّعوا الدارا ... وقد كان أهل الدار في الدار أجوارا [1]
يبكّي على إثر الجميع فلا يرى ... سوى نفسه فيها من القوم ديّارا [2]
الغناء لإبراهيم خفيف ثقيل بالوسطى عن عمرو بن بانة. وذكر ابن المكي أن فيه لابن سريج لحنا من الثقيل الأوّل بالبنصر.
انقضت أخبار مطيع وللّه الحمد.
صوت
فيّ انقباض وحشمة فإذا ... صادفت أهل الوفاء والكرم
أرسلت نفسي على سجيّتها ... وقلت ما قلت غير محتشم
/ الشعر لمحمد بن كناسة الأسديّ، والغناء لقلم الصالحية، ثقيل أوّل بالوسطى. وذكر ابن خرداذبة أنّ فيه لإسماعيل بن صالح لحنا.
__________
[1] الأجوار: جمع جار، كالجيرة والجيران.
[2] ما بها ديار: أي ما بها أحد.
22 - أخبار محمّد بن كناسة ونسبه
هو محمّد بن كناسة، واسم كناسة عبد اللّه بن عبد الأعلى بن عبيد اللّه بن خليفة بن زهير بن نضلة بن أنيف بن مازن بن صهبان - واسم صهبان كعب - بن دويبة [1] بن أسامة بن نصر بن قعين بن الحارث بن ثعلبة بن دودان بن أسد بن خزيمة؛ ويكنى أبا يحيى. شاعر من شعراء الدولة العباسية، كوفي المولد والمنشأ، قد حمل عنه شيء من الحديث؛ وكان إبراهيم بن أدهم الزاهد خاله، وكان امرأ صالحا لا يتصدّى لمدح ولا لهجاء؛ وكانت له جارية شاعرة مغنية يقال لها دنانير؛ وكان أهل الأدب وذوو المروءة يقصدونها للمذاكرة والمساجلة في الشعر.
ما قاله ابن كناسة في إبراهيم بن أدهم
أخبرني محمّد بن خلف وكيع قال حدّثني إبراهيم بن أبي عثمان قال حدّثني مصعب الزّبيري قال:
قلت لمحمد بن كناسة الأسدي ونحن بباب أمير المؤمنين: أأنت الّذي تقول في إبراهيم بن أدهم العابد:
رأيتك ما يغنيك ما دونه الغنى ... وقد كان يغنى دون ذاك ابن أدهما
وكان يرى الدنيا صغيرا عظيمها ... وكان لحقّ اللّه فيها معظّما
وأكثر ما تلقاه في القوم صامتا ... فإن قال بذ القائلين وأحكما
فقال محمّد بن كناسة: أنا قلتها وقد تركت أجودها. فقال:
أهان الهوى حتى تجنّبه الهوى ... كما اجتنب الجاني الدّم الطالب الدّما
رأي ابن كناسة في حديثه
أخبرني محمّد بن خلف بن المرزبان قال حدّثني عليّ بن مسرور العتكي [2] قال حدّثني أبي قال قال ابن كناسة:
/ لقد كنت أتحدّث بالحديث فلو لم يجد سامعه إلا القطن الّذي على وجه أمه في القبر لتعلّل عليه حتى يستخرجه ويهديه إليّ، وأنا اليوم أتحدّث بذلك الحديث فما أفرغ منه حتى أهيّ ء له عذرا.
ابن كناسة يداعب جويرية
أخبرني محمّد بن خلف بن المرزبان إجازة قال حدّثنا ابن أبي سعد قال حدّثني عبيد اللّه بن يحيى بن فرقد قال سمعت محمّد بن كناسة يقول:
كنت في طريق الكوفة، فإذا أنا بجويرية تلعب بالكعاب [3] كأنها قضيب بان، فقلت لها: أنت أيضا لو ضعت لقالوا ضاعت جارية، ولو قالوا ضاعت ظبية كانوا أصدق. فقالت: ويلي عليك يا شيخ! وأنت أيضا تتكلم بهذا الكلام؟ فكسفت واللّه إلى بالي ثم تراجعت فقلت:
__________
[1] كذا ورد في الأصول. ولعلها «رويبه» بالراء.
[2] في ج: «العسكري».
[3] الكعاب: فصوص النرد.
وإنّي لحلو مخبري إن خبرتني ... ولكن يغطّيني ولا ريب بي شيخ [1]
فقالت لي وهي تلعب وتبسمت: فما أصنع بك أنا إذا؟ فقلت: لا شيء. وانصرفت.
تفسير ابن كناسة لبيت فيه ذكر الجوزاء والثريا
أخبرنا ابن المرزبان قال حدّثني حماد بن إسحاق عن أبيه قال:
سألت محمّد بن كناسة عن قول الشاعر [2]:
إذا الجوزاء أردفت الثريا ... ظننت بآل فاطمة الظنونا
فقال: يقول إذا صارت الجوزاء في الموضع الّذي ترى فيه الثريا خفت تفرّق الحيّ من مجمعهم؛ والثريا تطلع بالغداة في الصيف، والجوزاء تطلع بعد ذلك في أوّل القيظ.
أخبرني/ ابن المرزبان قال حدّثني ابن أبي سعد قال حدّثني صالح بن أحمد بن عباد قال:
تعريض ابن كناسة بامرأته الّتي كان يبغضها
مرّ محمّد بن كناسة في طريق بغداد، فنظر إلى مصلوب على جذع، وكانت عنده امرأة يبغضها، وقد ثقل عليه مكانها، فقال يعنيها:
أيا جذع مصلوب أتى دون صلبه ... ثلاثون حولا كاملا هل تبادل
فما أنت بالحمل الّذي قد حملته ... بأضجر مني بالذي أنا حامل
قول ابن كناسة فيمن يخدم عياله
أخبرني ابن المرزبان قال حدّثنا عبد اللّه بن محمّد. وأخبرني الحسن بن علي عن ابن مهرويه عن محمّد بن عمران عن عبيد بن حسن قال:
رأى رجل محمّد بن كناسة يحمل بيدة بطن شاة، فقال: هاته أحمله عنك. فقال: لا. ثم قال:
لا ينقص الكامل من كماله ... ما جرّ من نفع إلى عياله
ابن كناسة ينوه بذكاء جاريته دنانير
أخبرني وكيع قال أخبرني ابن أبي الدّنيا قال حدّثني محمّد بن علي بن عثمان عن أبيه قال:
كنت يوما عند ابن كناسة، فقال لنا: أعرّفكم شيئا من فهم دنانير؟ يعني جاريته. قلنا: نعم. فكتب إليها:
«إنك أمة ضعيفة لكعاء، فإذا جاءك كتابي هذا فعجّلي بجوابي. والسلام». فكتبت إليه: «ساءني تهجينك إياي عند أبي الحسين [3]، وإنّ من أعيا العيّ الجواب عما لا جواب له. والسلام».
دنانير ترثي صديق أبي الحسين
أخبرني وكيع قال أخبرني ابن أبي الدنيا قال كتب إليّ الزبير بن بكّار أخبرني عليّ بن عثمان الكلابيّ قال:
/ جئت يوما إلى منزل محمّد بن كناسة فلم أجده، ووجدت جاريته دنانير جالسة، فقالت لي: مالك محزونا يا أبا الحسين؟ فقلت: رجعت من دفن أخ لي من قريش. فسكتت ساعة ثم قالت:
__________
[1] في الأصول: «تعطيني». والشيخ: الشيخوخة.
[2] هو خزيمة بن مالك بن نهد، كما في «اللسان» (ردف).
[3] التهجين: التقبيح. وأبو الحسين: كنية علي بن عثمان، راوي الخبر.
بكيت على أخ لك من قريش ... فأبكانا بكاؤك يا عليّ
فمات وما خبرناه ولكن ... طهارة صحبه الخبر الجليّ
ابن كناسة يحتفظ بكرامته في إملاقه
أخبرني الحسن بن علي الخفّاف قال حدّثنا محمّد بن القاسم بن مهرويه قال حدّثني محمّد بن عمران الضبّي قال:
أملق محمّد بن كناسة فلامه قومه في القعود عن السلطان وانتجاعه الأشراف بأدبه وعلمه وشعره، فقال لهم مجيبا عن ذلك:
تؤنّبني أن صنت عرضي عصابة ... لها بين أطناب اللئام بصيص [1]
يقولون لو غمّضت لازددت رفعة ... فقلت لهم إني إذن لحريص [2]
أتكلم وجهي لا أبا لأبيكم ... مطامع عنها للكرام محيص
معاشي دوين القوت والعرض وافر ... وبطني عن جدوى اللئام خميص [3]
سألقى المنايا لم أخالط دنيّة ... ولم تسر بي في المخزيات قلوص [4]
سرور ابن كناسة بلقاء الاوفياء والكرام
حدّثنا الحسن بن علي قال حدّثني ابن مهرويه قال حدّثني محمّد بن عمر الجرجاني قال حدّثني إسحاق الموصلي قال:
/ أنشدني محمّد بن كناسة لنفسه قال:
فيّ انقباض وحشمة فإذا ... صادفت أهل الوفاء والكرم
أرسلت نفسي على سجيّتها ... وقلت ما قلت غير محتشم/
قال إسحاق فقلت لابن كناسة: وددت أنه نقص من عمري سنتان وأني كنت سبقتك إلى هذين البيتين فقلتهما.
حدّثني الحسن قال حدّثنا ابن مهرويه قال حدّثني محمّد بن عمران الضّبيّ قال حدّثني محمّد بن المقدام العجلي قال:
ابن كناسة يرثي إبراهيم بن أدهم
كانت أم محمّد بن كناسة امرأة من بني عجل، وكان إبراهيم بن أدهم خاله أو ابن خاله، فحدثني ابن كناسة أن إبراهيم بن أدهم قدم الكوفة فوجّهت أمّه إليه بهدية معه، فقبلها ووهب له ثوبا، ثم مات إبراهيم، فرثاه ابن كناسة فقال:
رأيتك ما يكفيك ما دونه الغنى ... وقد كان يكفي دون ذاك ابن أدهما [5]
__________
[1] في الأصول: «تؤنبني إن نضب». الأطناب: جمع طنب، وهو حبل الخباء. بصيص: بريق.
[2] الحرص: الجشع.
[3] الجدوى: العطية. خميص: ضامر.
[4] القلوص من النوق: الشابة.
[5] في ح: «من دونه الغنى».
وكان يرى الدنيا قليلا كثيرها ... فكان لأمر اللّه فيهما معظّما
أمات الهوى حتى تجنّبه الهوى ... كما اجتنب الجاني الدّم الطالب الدّما
وللحلم سلطان على الجهل عنده ... فما يستطيع الجهل أن يترمرما [1]
وأكثر ما تلقاه في القوم صامتا ... وإن قال بذّ القائلين وأحكما
يرى مستكينا خاضعا متواضعا ... وليثا إذا لاقى الكتيبة ضيغما
على الجدث الغربيّ من آل وائل ... سلام وبرّ ما أبرّ وأكرما
رد ابن كناسة على عتاب صديق
أخبرني الحسن قال حدّثنا ابن مهرويه قال حدّثني زكريا بن مهران قال: عاتب محمّد بن كناسة صديق له شريف كان ابن كناسة يزوره ويألفه على تأخره عنه، فقال ابن كناسة:
ضعفت عن الإخوان حتى جفوتهم ... على غير زهد في الوفاء ولا الودّ
ولكنّ أيامي تخرّمن منّتي ... فما أبلغ الحاجات إلا على جهد [2]
رأي ابن كناسة في الدنيا
حدّثني الحسن بن علي قال حدّثنا ابن مهرويه قال حدّثني محمّد بن عمران الضّبّيّ قال أنشدني ابن كناسة - قال الضّبّيّ: وكان يحيى يستحسنها ويعجب بها - :
ومن عجب الدنيا تبقّيك للبلى ... وأنّك فيها للبقاء مريد
وأيّ بني الأيام إلا وعنده ... من الدهر ذنب طارف وتليد
ومن يأمن الأيام أما انبياعها ... فخطر وأما فجعها فعتيد [3]
إذا اعتادت النفس الرّضاع من الهوى ... فإنّ فطام النفس عنه شديد
ابن كناسة يصف الحيرة وما جاورها
حدّثني الحسن قال حدّثنا ابن مهرويه قال حدّثني محمّد بن عمران الضبي قال قال لي عبيد بن الحسن:
قال لي ابن كناسة ذات يوم في زمن الربيع: اخرج بنا ننظر إلى الحيرة فإنها حسنة في هذا الوقت. فخرجت معه حتى بلغنا الخورنق، فلم يزل ينظر إلى البر وإلى رياض الحيرة وحمرة الشقائق، فأنشأ يقول:
الآن حين تزيّن الظّهر ... ميثاؤه وبراقه العفر [4]
بسط الربيع بها الرياض كما ... بسطت قطوع اليمنة الخمر [5]
/برّيّة في البحر نابتة ... يجبى إليها البرّ والبحر
__________
[1] ترمرم: تحرك للكلام ولم يتكلم. وفي س: «يتزمزم».
[2] تخرم: اقتطع. المنة: القوّة.
[3] الانبياع: الوثوب بعد سكون. وفي الأصول: «اتساعها». والخطر: مصدر خطر الفحل بذنبه يخطر: ضرب به يمينا وشمالا. العتيد:
الحاضر المهيأ.
[4] الميثاء: الأرض السهلة. براقة: جمع برقاء وهي أرض غليظة مختلطة بحجارة ورمل.
[5] قطوع اليمنة: بسط اليمن.
وجرى الفرات على مياسرها ... وجرى على أيمانها الزهر/
وبدا الخورنق في مطالعها ... فردا يلوح كأنه الفجر [1]
كانت منازل للملوك ولم ... يعلم بها لمملّك قبر
قال: ثم قال يصف تلك البلاد:
سفلت عن برد أرض ... زادها البرد عذابا
وعلت عن حرّ أخرى ... تلهب النار التهابا
مزجت حينا ببرد ... فصفاالعيش وطابا
ابن كناسة ينصح ابنه في اختيار الصديق
أخبرني محمّد بن عمران الصّيرفيّ قال حدّثنا الحسن بن عليل العنزي قال حدّثني إسحاق بن محمّد الأسدي قال حدّثني عبد الأعلى بن محمّد بن كناسة قال:
رآني أبي مع أحداث لم يرضهم، فقال لي:
ينبيك عن عيب الفتى ... ترك الصلاة أو الخدين
فإذا تهاون بالصّلا ... ة فما له في الناس دين
ويزنّ ذو الحدث المري ... ب بما يزنّ به القرين [2]
إن العفيف إذا تكنّ ... فه المريب هو الظنين [3]
شعر ابن كناسة في رجل يخالف ظاهره باطنه
أخبرني عيسى بن الحسين الورّاق قال حدّثني ابن مهرويه قال حدّثني أحمد بن خلّاد قال أخبرنا عباد بن الحسين بن عباد بن كناسة - قال: كان محمّد بن كناسة عمّ أبيه - قال:
/ كان يجيء إلى محمّد بن كناسة رجل من عشيرته فيجالسه، وكان يكتب الحديث ويتفقه ويظهر أدبا ونسكا، وظهر محمّد بن كناسة منه على باطن يخالف ظاهره، فما جاءه قال له:
ما من روى أدبا فلم يعمل به ... ويكفّ عن دفع الهوى بأديب [4]
حتى يكون بما تعلّم عاملا ... من صالح فيكون غير معيب
ولقلما يغني إصابة قائل ... أفعاله أفعال غير مصيب
خبر جد ابن كناسة مع امرأة من بني أود
أخبرني محمّد بن خلف بن المرزبان قال حدّثني حماد بن إسحاق عن أبيه عن ابن كناسة عن أبيه عن جده قال:
__________
[1] الخورنق: قصر كان بظهر الحيرة.
[2] يزنّ: يتهم.
[3] الظنين: المتهم.
[4] في الأصول: «يا من». وفي ح: «وقع الهوى تأديب».
أتيت امرأة من بني أود تكحلني من رمد كان أصابني، فكحلتني ثم قالت: اضطجع قليلا حتى يدور الدواء في عينك. فاضطجعت، ثم تمثلت قول الشاعر:
أمخترمي ريب المنون ولم أزر ... طبيب بني أود على النّأي زينبا [1]
فضحكت ثم قالت: أتدري فيمن قيل هذا الشعر؟ قلت: لا واللّه. فقالت: فيّ واللّه قيل، وأنا زينب الّتي عناها، وأنا طبيب أود، أفتدري من الشاعر؟ قلت: لا. قالت: عمك أبو سماك الأسدي.
جارية ابن كناسة تقول شعرا فيمن يعرض لها بأنه يهواها
أخبرني عيسى بن الحسين الورّاق قال حدّثنا الزبير بن بكّار قال أخبرني عليّ بن عثّام الكلابيّ قال:
/ كانت لابن كناسة جارية شاعرة مغنية، يقال لها دنانير، وكان له صديق يكنى أبا الشّعثاء، وكان عفيفا مزّاحا، فكان يدخل إلى ابن كناسة يسمع غناء جاريته ويعرّض لها بأنه يهواها، فقالت فيه:
لأبي الشعثاء حبّ باطن ... ليس فيه نهضة للمتّهم/
يا فؤادي فازدجر عنه ويا ... عبث الحبّ به فاقعد وقم
زارني منه كلام صائب ... ووسيلات المحبّين الكلم
صائد تأمنه غزلانه ... مثل ما تأمن غزلان الحرم [2]
صلّ إن أحببت أن تعطى المنى ... يا أبا الشّعثاء للّه وصم
ثمّ ميعادك يوم الحشر في ... جنّة الخلد إن اللّه رحم
حيث ألقاك غلاما ناشئا ... يافعا قد كملت فيه النّعم [3]
ابن كناسة يرثي جاريته
أخبرني أحمد بن العباس العسكريّ المؤدّب قال حدّثنا الحسن بن عليل العنزيّ قال حدّثني أحمد بن محمّد الأسديّ قال حدّثني جدي موسى بن صالح قال: ماتت دنانير جارية ابن كناسة، وكانت أديبة شاعرة، فقال يرثيها بقوله:
الحمد للّه لا شريك له ... يا ليت ما كان منك لم يكن
إن يكن القول قلّ فيك فما ... أفحمني غير شدّة الحزن
رواية ابن كناسة للحديث
قال أبو الفرج: وقد روى ابن كناسة حديثا كثيرا، وروى عنه الثقات من المحدثين؛ فممن روى ابن كناسة عنه سليمان بن مهران الأعمش، وإسماعيل بن أبي خالد، وهشام بن عروة بن الزبير، ومسعر بن كدام، وعبد العزيز بن أبي داود، وعمر بن ذر الهمداني [4]، وجعفر بن برقان، وسفيان الثّوري، وفطر بن خليفة [5] ونظراؤهم.
__________
[1] مخترم: من اخترمته المنية، إذا أخذته. ريب المنون: حوادث الدهر. وفي الأصول: «أمختبري».
[2] في ب، ج: «صائدة منه».
[3] يافعا: راهق العشرين.
[4] ترجم له في تهذيب التهذيب. وفي الأصول: «عمرو»، تحريف.
[5] في ب، س «قطن» صوابه في ح. وقد ترجم له في تهذيب التهذيب.
طائفة مما روي من الأحاديث
أخبرني الحسن بن علي قال حدّثنا محمّد بن سعد العوفي [1] قال حدّثنا محمّد بن كناسة قال حدّثنا الأعمش عن شقيق بن سلمة عن أبي موسى الأشعري قال: قلت: يا رسول اللّه إن الرجل يحب القوم ولم يلحق بهم. قال:
«المرء مع من أحبّ» [2].
أخبرني الحسن قال حدّثنا محمّد بن سعد قال حدّثنا محمّد بن كناسة قال حدّثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عبد اللّه بن جعفر قال:
قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «خير نسائها مريم بنت عمران، وخير نسائنا خديجة». واللّه أعلم [3].
أخبرني الحسن قال حدّثنا محمّد بن سعد قال حدّثنا ابن كناسة قال حدّثنا إسماعيل بن أبي خالد، عن زرّ بن حبيش قال:
كانت في أبيّ بن كعب شراسة، فقلت له: يا أبا المنذر، اخفض جناحك يرحمك اللّه، وأخبرنا عن ليلة القدر. فقال: هي ليلة سبع وعشرين. وقد روى حديثا كثيرا ذكرت منه هذه الأحاديث فقط، ليعلم صحة ما حكيته عنه، وليس استيعاب هذا الجنس مما يصلح هاهنا.
__________
[1] في س، ب: «محمّد بن سعد» فقط.
[2] في هامش س: وهذا الحديث رواه البخاري مكررا، وطرقه مختلفة، ولفظ طريق أبي موسى قال: «قيل للنبي صلّى اللّه عليه وسلّم: الرجل يحب القوم ولما يلحق بهم قال: المرء مع من أحب».
[3] في هامش س: وفي البخاري قال - يعني عبد اللّه بن جعفر - سمعت عليا وذكر الحديث ولفظه «و خير نسائها خديجة»، بضمير الغائبة. قال القسطلاني: قال القرطبي: الضمير عائد على غير مذكور، لكنه يفسره الحال والمشاهدة، يعني به الدنيا. وقال الطيبي: الضمير الأول يعود على الأمة الّتي كانت فيها مريم، والثاني على هذه الأمة. قال: ولهذا كرر الكلام، تنبيها على أن حكم كل واحدة منهما غير حكم الأخرى.
23 - أخبار قلم الصّالحيّة
كانت قلم الصالحية جارية مولّدة صفراء حلوة حسنة الغناء والضرب حاذقة، قد أخذت عن إبراهيم وابنه إسحاق، ويحيى المكيّ، وزبير بن دحمان. وكانت لصالح بن عبد الوهّاب أخي أحمد بن عبد الوهّاب كاتب صالح بن الرشيد، وقيل: بل كانت لأبيه. وكانت لها صنعة يسيرة نحو عشرين صوتا، واشتراها الواثق بعشرة آلاف دينار.
قلم الصالحية وإعجاب الواثق بها
فأخبرني محمّد بن مزيد بن أبي الأزهر قال حدّثني رذاذ أبو الفضل المغنّي مولى المتوكل على اللّه، قال حدّثني/ أحمد بن الحسين بن هشام، قال:
كانت قلم الصالحية جارية صالح بن عبد الوهاب إحدى المغنّيات المحسنات المتقدمات، فغنى بين يدي الواثق لحن لها في شعر محمّد بن كناسة، قال:
فيّ انقباض وحشمة فإذا ... صادفت أهل الوفاء والكرم
أرسلت نفسي على سجيّتها ... وقلت ما قلت غير محتشم
فسأل: لمن الصنعة فيه؟ فقيل: لقلم الصالحية جارية صالح بن عبد الوهاب. فبعث إلى محمّد بن عبد الملك الزيّات فأحضره. فقال: ويلك! من صالح بن عبد الوهاب هذا؟ فأخبره. قال: أين هو؟ قال: ابعث فأشخصه وأشخص معه جاريته. فقدما على الواثق، فدخلت عليه قلم، فأمرها بالجلوس والغناء، فغنّت، فاستحسن غناءها وأمر بابتياعها. فقال صالح: أبيعها بمائة ألف دينار وولاية مصر. فغضب الواثق من ذلك، وردّ عليه [1]. ثم غنّى بعد ذلك زرزور [2] الكبير في مجلس الواثق صوتا، الشعر فيه لأحمد بن عبد الوهاب أخي صالح، والغناء لقلم، وهو:
/أبت دار الأحبّة أن تبينا ... أجدّك ما رأيت لها معينا [3]
تقطّع نفسه من حبّ ليلى ... نفوسا ما أثبن ولا جزينا
فسأل: لمن الغناء؟ فقيل: لقلم جارية صالح، فبعث إلى ابن الزّيات: أشخص صالحا ومعه قلم. فلما أشخصهما دخلت على الواثق، فأمرها أن تغنّيه هذا الصوت، فغنته، فقال لها: الصنعة فيه لك؟ قالت: نعم يا أمير المؤمنين. قال: بارك اللّه عليك. وبعث إلى صالح فأحضر، فقال [4]: أما إذا وقعت الرغبة فيها من أمير المؤمنين
__________
[1] كذا، وفي «نهاية الأرب»: «وردها إليه».
[2] في ب، ح: «زرزر».
[3] أجدك، أي أجدا منك، أي أحقا ما تقول.
[4] جاء في «نهاية الأرب» ج 5 صفحة 69 ما يأتي: «و بعث إلى صالح فأحضره وقال له: إني قد رغبت في هذه الجارية فاستم في ثمنها سوما يجوز أن تعطاه. فقال ... ».
فما يجوز أن أملك شيئا له فيه رغبة، وقد أهديتها إلى أمير المؤمنين، فإنّ من حقّها عليّ إذا تناهيت في قضائه أن أصيّرها ملكه، فبارك اللّه له فيها. فقال له الواثق: قد قبلتها. وأمر ابن الزيات أن يدفع إليه خمسة آلاف دينار، وسماها احتياطا، فلم يعطه ابن الزيات المال ومطله به، فوجّه صالح إلى قلم من أعلمها ذلك، فغنت الواثق وقد اصطبح صوتا، فقال لها: بارك اللّه فيك وفيمن ربّاك. فقالت: يا سيدي وما نفع من ربّاني منّي إلا التعب والغرم عليّ والخروج منّي صفرا؟ قال: أو لم آمر له بخمسة آلاف دينار؟ قالت: بلى! ولكنّ ابن الزيّات لم يعطه شيئا. فدعا بخادم من خاصّة الخدم ووقّع إلى آبن الزيات بحمل الخمسة آلاف الدينار إليه، وخمسة آلاف دينار أخرى معها.
قال صالح: فصرت مع الخادم إليه بالكتاب، فقربني وقال: أما الخمسة الآلاف الأولى فخذها فقد حضرت، والخمسة الآلاف الأخرى أنا أدفعها إليك بعد جمعة. فقمت، ثم تناساني كأنه لم يعرفني، وكتبت أقتضيه، فبعث إليّ: اكتب لي قبضا [1] بها وخذها بعد جمعة. فكرهت أن أكتب قبضا بها فلا يحصل لي شيء، فاستترت وهو في منزل صديق/ لي؛ فلما بلغه استتاري خاف أن أشكوه إلى الواثق، فبعث إليّ بالمال وأخذ كتابي بالقبض. ثم لقيني الخادم بعد ذلك فقال لي: أمرني أمير المؤمنين أن أصير إليك فأسألك، هل قبضت المال؟ قلت: نعم قد قبضته.
قال صالح: وابتعت بالمال ضيعة وتعلّقت بها وجعلتها معاشي، وقعدت عن عمل/ السلطان فما تعرضت منه لشيء بعدها.
علي بن الجهم يمدح الواثق
أخبرني محمّد بن يحيى قال أخبرني ابن إسحاق الخراسانيّ. قال: وحدّثني محمّد بن مخارق قال:
لما بويع الواثق بالخلافة دخل عليه علي بن الجهم فأنشده قوله:
قد فاز ذو الدّنيا وذو الدّين ... بدولة الواثق هارون
وعمّ بالإحسان من فعله ... فالناس في خفض وفي لين
ما أكثر الداعي له بالبقا ... وأكثر التّالي بآمين
وأنشده أيضا قوله فيه:
وثقت بالملك الوا ... ثق باللّه النّفوس
ملك يشقى به الما ... ل ولا يشقى الجليس
أسد تضحك عن شدّ ... اته الحرب العبوس
أنس السيف به واس ... توحش العلق النفيس [2]
يا بني العباس يأ ... بى اللّه إلّا أن تسوسوا
/ قال: فوصله الواثق صلة سنيّة.
__________
[1] القبض: الملك.
[2] العلق: النفيس من كل شيء، والثوب الكريم.
شراء الواثق لقلم الصالحية
وتغنّت قلم جارية صالح بن عبد الوهاب في هذين الشعرين، فسمع الواثق الشّعرين واللحنين من غيرها فأراد شراءها، وأمر محمّد بن عبد الملك الزيات بإحضار مولاها وإحضارها، واشتراها منه بعشرة آلاف دينار.
صوت
وكنت أعير الدمع قبلك من بكى ... فأنت على من مات قبلك شاغله
سقى جدثا أعراف غمرة دونه ... ببيشة ديمات الربيع ووابله [1]
وما بي حبّ الأرض إلا جوارها ... صداه وقول ظنّ أنّي قائله
الشعر للشمردل بن شريك من قصيدة طويلة مشهورة يرثي بها أخاه، والغناء لعبد اللّه بن العباس الربيعي ثقيل أوّل بالوسطى، ابتداؤه نشيد، ولمقاسة بن ناصح فيه خفيف رمل بالوسطى جميعا عن الهشامي، وذكر حبش أن خفيف الرمل لخزرج.
__________
[1] الأعراف: ما ارتفع من الرمل، الواحدة عرفة. وفي بلاد العرب بلدان كثيرة تسمى الأعراف منها أعراف غمرة. غمرة: جبل. بيشة:
من عمل مكة مما يلي اليمن. وفي س، ب: «أعراق غمرة». وفي «معجم البلدان»: «ديمات الربيع هو اطله».
24 - أخبار الشمردل ونسبه
نسبه
الشّمردل بن شريك بن عبد الملك بن رؤبة بن سلمة بن مكرم بن ضبارى [1] بن عبيد بن ثعلبة بن يربوع. وهو شاعر إسلامي من شعراء الدولة الأموية، كان في أيام جرير والفرزدق.
خروجه وإخوته إلى خراسان وهجاؤه وكيع بن أبي سود لإنفاذهم في وجوه مختلفة
أخبرني أبو دلف هاشم بن محمّد الخزاعي، قال: حدّثنا أبو غسان دماذ واسمه رفيع بن سلمة عن أبي عبيدة معمر بن المثنى قال:
كان الشمردل بن شريك شاعرا من شعراء بن تميم في عهد جرير والفرزدق، وقد خرج هو وإخوته حكم ووائل وقدامة إلى خراسان مع وكيع بن أبي سود، فبعث وكيع أخاه وائلا في بعث لحرب الترك، وبعث أخاه قدامة إلى فارس في بعث آخر، وبعث أخاه حكما في بعث إلى سجستان، فقال له/ الشمردل: إن رأيت أيها الأمير أن تنفذنا معا في وجه واحد، فإنا إذا اجتمعنا تعاونّا وتناصرنا وتناسبنا [2]. فلم يفعل ما سأله، وأنفذهم إلى الوجوه الّتي أرادها، فقال الشمردل يهجوه، وكتب بها إلى أخيه حكم مع رجل من بني جشم [3] بن أدّ بن طابخة:
إني إليك إذا كتبت قصيدة ... لم يأتني لجوابها مرجوع
أيضيعها الجشميّ فيما بيننا ... أم هل إذا وصلت إليك تضيع
ولقد علمت وأنت عنّي نازح ... فيما أتى كبد الحمار وكيع
وبنو غدانة كان معروفا لهم ... أن يهضموا ويضيمهم يربوع
وعمارة العبد المبيّن إنه ... واللؤم في بدن القميص جميع
رثاؤه لأخويه قدامة ووائل
قال أبو عبيدة: ولم ينشب [4] أن جاءه نعي أخيه قدامة من فارس؛ قتله جيش لقوهم بها، ثم تلاه نعي أخيه وائل بعده بثلاثة أيام، فقال يرثيهما:
أعاذل كم من روعة قد شهدتها ... وغصّة حزن في فراق أخ جزل [5]
إذا وقعت بين الحيازيم أسدفت ... عليّ الضحى حتى تنسّيني أهلي [6]
__________
[1] في س، ب: «ضاري».
[2] في ح: «تناسينا».
[3] في ح: «بني حميسس».
[4] لم ينشب: لم يلبث.
[5] الروعة: الفزعة. والجزل: الكريم العطاء، والعاقل الأصيل الرأي.
[6] الحيازيم جمع الحيزوم هو ما استدار بالظهر والبطن أو ضليع الفؤاد وما اكتنف الحلقوم من جانب الصدر. أسدفت: أظلمت في لغة تميم، والشمردل تميمي.
وما أنا إلا مثل من ضربت له ... أسى الدهر عن ابني أب فارقا مثلي [1]
أقول إذا عزّيت نفسي بإخوة ... مضوا لاضعاف في الحياة ولا عزل
أبى الموت إلا فجع كلّ بني أب ... سيمسون شتّى غير مجتمعي الشّمل
سبيل حبيبيّ اللّذين تبرّضا ... دموعي حتى أسرع الحزن في عقلي [2]
كأن لم نسر يوما ونحن بغبطة ... جميعا وينزل عند رحليهما رحلي
فعينيّ إن أفضلتما بعد وائل ... وصاحبه دمعا فعودا على الفضل
خليليّ من دون الأخّلاء أصبحا ... رهيني وفاء من وفاة ومن قتل
فلا يبعدا للدّاعيين إليهما ... إذا اغبر آفاق السماء من المحل [3]
فقد عدم الأضياف بعدهما القرى ... وأخمد نار الليل كلّ فتى وغل [4]
وكانا إذا أيدي الغضاب تحطمت ... لواغر صدر أو ضغائن من تبل [5]
/تحاجز أيدي جهّل القوم عنهما ... إذا أتعب الحلم التترّع [6] بالجهل
كمستأسدي عرّيسة لهما بها ... حمى هابه من بالخزونة والسّهل [7]
ومنها الصوت الّذي ذكرت أخباره بذكره.
رثاؤه أخاه وائلا أيضا
قال أبو عبيدة: وقال يرثي أخاه وائلا، وهي من مختار المراثي وجيد شعره:
لعمري لئن غالت أخي دار فرقة ... وآب إلينا سيفه ورواحله [8]
وحلّت به أثقالها الأرض وانتهى ... بمثواه منها وهو عفّ مآكله [9]
لقد ضمّنت جلد القوى كان يتّقى ... به جانب الثغر المخوف زلازله
وصول إذا استغنى وإن كان مقترا ... من المال لم يحف الصديق مسائله [10]
محلّ لأضياف الشّتاء كأنما ... هم عنده أيتامه وأرامله [11] /
رخيص نضيج اللحم مغل بنيئه ... إذا بردت عند الصّلاء أنامله [12]
__________
[1] الأسي: بالكسر وتضم جمع أسوة. وهو ما يتأسى به الحزين ويتعزى.
[2] تبرضا دموعي: استنزفاها قليلا قليلا.
[3] المحل: الجدب، وانقطاع المطر. س، ب: «فلا يبعدا للراعيين».
[4] الوغل: النذل الساقط المقصر في الأشياء.
[5] الوغر: التوقد من الغيظ. التبل: العداوة.
[6] تحاجز: تتحاجز. والتترع: التسرع.
[7] المستأسد: الجريء، عنى به الأسد. والعريسة: مأوى الأسد. وفي الأصل: «كميشا سدى». الحزونة: الأرض الغليظة.
[8] في «أمالي اليزيدي» 32: «و حمائله».
[9] في «أمالي اليزيدي»: «حلت: زينت به موتاها، من الحلي».
[10] المقتر: القليل المال. أحفاه: برح به في الإلحاح عليه، أو سأله فأكثر عليه الطلب.
[11] اليزيدي: «هضوم لأضياف الشتاء». والهضوم، والهضام: المنفق لماله.
[12] الصلاء: اسم للنار أو للوقود.
أقول وقد رجّمت عنه فأسرعت ... إليّ بأخبار اليقين محاصله [1]
إلى اللّه أشكو لا إلى الناس فقده ... ولوعة حزن أوجع القلب داخله
وتحقيق رؤيا في المنام رأيتها ... فكان أخي رمحا ترفّض عامله [2]
/سقى جدثا أعراف غمرة دونه ... ببيشة ديمات الربيع ووابله [3]
بمثوى غريب ليس منا مزاره ... بدان ولا ذو الودّ منّا مواصله [4]
إذا ما أتى يوم من الدهر دونه ... فحيّاك عنا شرقه وأصائله [5]
سنا صبح إشراق أضاء ومغرب ... من الشمس وافى جنح ليل أوائله [6]
تحية من أدّى الرسالة حبّبت ... إليه ولم ترجع بشيء رسائله [7]
أبى الصبر أن العين بعدك لم يزل ... يخالط جفنيها قذى لا يزايله [8]
وكنت أعير الدمع قبلك من بكى ... فأنت على من مات بعدك شاغله
يذكرني هيف الجنوب ومنتهى ... مسير الصّبا رمسا عليه جنادله [9]
وهتّافة فوق الغصون تفجّعت ... لفقد حمام أفردتها حبائله
من الورق بالأصياف نواحة الضحى ... إذا الغرقد التفت عليه غياطله [10]
وسورة أيدي القوم إذ حلّت الحبا ... حبا الشّيب واستعوى أخا الحلم جاهله [11]
فعينيّ إذ أبكاكما الدهر فابكيا ... لمن نصره قد بان منا ونائله [12]
/إذا استعبرت عوذ النساء وشمّرت ... مآزر يوم ما توارى خلاخله [13]
وأصبح بيت الهجر قد حال دونه ... وغال امرأ ما كان يخشى غوائله
__________
[1] الترجيم، من الرّجم، وهو القذف بالغيب والظن. قال زهير:
وما الحرب إلا ما علمتم وذقتم ... وما هو عنها بالحديث المرجم
وفي الأصل: «زممت»، صوابه من «أمالي اليزيدي».
[2] عامل الرمح: صدره، وهو ما يلي السنان. ترفض: تكسر وتحطم. في الأصول: «ترقص»، صوابه من «أمالي اليزيدي».
[3] «اليزيدي»: «أكناف غمزة» و «بهضبة كتمان المديم».
[4] «اليزيدي»:
قريبا ولا ذو الودّ منا يواصله
[5] «اليزيدي»:
«من الدهر بيننا ... فحياك منا»
[6] «اليزيدي»:
«و كل سنا برق أضاء»
[7] «اليزيدي»:
«حببت إلينا»
[8] القذى: ما ترمى به العين من غمص ورمص. «اليزيدي»: «ما يزايله».
[9] الهيف: ريح حارّة تأتي من نحو اليمن. الصبا: ريح مهبها من مطلع الثريا إلى بنات نعش. الرمس: القبر. الجنادل: الحجارة. وفي «أمالي اليزيدي»: «نسيم الصبا».
[10] في «أمالي اليزيدي»: «غياطله: ما اجتمع عليه والتف. والفرقد: شجر».
[11] الحبا: جمع حبوة، وهو الثوب يحتبى به. وحل الحبا كناية عن الاستعداد للحرب ونحوها. ويقال استعوى فلان جماعته، إذا نعق بهم إلى الفتنة، وفي الأصول: «و استغوى»، صوابه بالعين المهملة كما في «أمالي اليزيدي».
[12] بان: بعد وانفصل. والنائل: العطاء.
[13] استعبرت: جرت عبراتهن. وعوذ النساء: جمع عائذ، والعائذ: كل أنثى إذا وضعت، مدة سبعة أيام، لأن ولدها يعوذ بها.
وثقن به عند الحفيظة فارعوى ... إلى صوته جاراته وحلائله [1]
إلى ذائد في الحرب لم يك خاملا ... إذا عاذ بالسيف المجرّد حامله
كما ذاد عن عرّيسة الغيل مخدر ... يخاف الردى ركبانه ورواحله [2]
فما كنت ألفي لا مرىء عند موطن ... أخا بأخي، لو كان حيّا أبادله
وكنت به أغشى القتال فعزّني ... عليه من المقدار من لا أقاتله [3]
لعمرك إنّ الموت منا لمولع ... بمن كان يرجى نفعه ونوافله
فما البعد إلا أننا بعد صحبة ... كأن لم نبايت وائلا ونقايله [4]
سقى الضّفرات الغيث ما دام ثاويا ... بهنّ وجادت أهل شوك مخايله [5]
وما بي حبّ الأرض إلّا جوارها ... صداه وقول ظنّ إنّي قائله
رثاؤه لأخيه حكم
قال أبو عبيدة: ثم قتل أخوه حكم أيضا في وجهه، وبرز بعض عشيرته إلى قاتله فقتله، وأتى أخاه الشمردل أيضا نعيه فقال يرثيه [6]:
/يقولون احتسب حكما وراحوا ... بأبيض لا أراه ولا يراني
وقبل فراقه أيقنت أنّي ... وكلّ ابنى أب متفارقان [7] /
أخ لي لو دعوت أجاب صوتي ... وكنت مجيبه أنّى دعاني
فقد أفنى البكاء عليه دمعي ... ولو أني الفقيد إذا بكاني [8]
مضى لسبيله لم يعط ضيما ... ولم ترهب غوائله الأداني
قتلنا عنه قاتله وكنّا ... نصول به لدى الحرب العوان [9]
قتيلا ليس مثل أخي إذا ما ... بدا الخفرات من هول الجنان [10]
وكنت سنان رمحي من قناتي ... وليس الرّمح إلا بالسّنان
وكنت بنان كفّي من يميني ... وكيف صلاحها بعد البنان
__________
[1] الحلائل: جمع حليلة، وهي الزوجة.
[2] في الأصول: «فخاف الردى ركناته ورواحله»، صوابه من «أمالي اليزيدي». المخدر: الأسد في خدره، أي عرينه.
[3] عزني: غلبني.
[4] بايته: بات معه؛ وكذا قايله: نام معه وقت القائلة، وهي الظهيرة. وفي الأصول: «تبايت وائلا وتقاتله»، وعند «اليزيدي»: «يبايت وائلا ويقايله»، والوجه ما أثبتنا.
[5] الضفرات: جمع الضفرة، وهي أرض سهلة مستطيلة. وفي الأصول: «الصقرات»، صوابه في «أمالي اليزيدي». وشوك، بالضم:
ناحية نجدية قريبة من الحجاز.
[6] الأبيات في «أمالي اليزيدي» 45 - 46.
[7] «اليزيدي»: «متفرقان».
[8] «اليزيدي»: «و لو كنت المصاب».
[9] العوان من الحروب: الّتي قوتل فيها مرة بعد مرة.
[10] الخفرات: جمع خفرة وهي الشديدة الحياء. الجنان: القلب، وفي الأصول: «مذهول» وصححه الشنقيطي بما أثبتناه.
وكان يهابك الأعداء فينا ... ولا أخشى وراءك من رماني
فقد أبدوا ضغائنهم وشدّوا ... إليّ الطّرف واغتمزوا لياني [1]
فداك أخ نبا عنه غناه ... ومولى لا تصول له يدان
ادعاء الفرزدق بيتا من شعر الشمردل بعد تهديده
حدّثني هاشم بن محمّد الخزاعي، قال حدّثنا أبو غسان عن أبي عبيدة عن أبي عمرو وأبي سهيل قالا:
وقف الفرزدق على الشمردل وهو ينشد قصيدة له فمر فيها هذا البيت:
وما بين من لم يعط سمعا وطاعة ... وبين تميم غير جز الحلاقم
/ فقال له الفرزدق: واللّه يا شمردل لتتركنّ لي هذا البيت، أو لتتركن لي عرضك. فقال: خذه لا بارك اللّه لك فيه. فادّعاه وجد له في قصيدة ذكر فيها قتيبة بن مسلم الّتي أوّلها:
تحنّ بزوراء المدينة ناقتي ... حنين عجول تبتغي البوّ رائم [2]
تأويل رؤيا للمشردل ينعي على إثرها أخوه وائل
حدّثنا هاشم قال حدّثنا غسان عن أبي عبيدة قال:
رأى [3] الشمردل فيما يرى النائم كأن سنان رمحه سقط، فعبره على بعض من يعبر الرؤيا، فأتاه نعي أخيه وائل، فذلك قوله:
وتحقيق رؤيا في المنام رأيتها ... فكان أخي رمحا ترفّض عامله [4]
شعره حين سكر مع نديمين ونسي أحدهما نعله
حدّثنا هاشم قال حدّثنا دماذ عن أبي عبيدة قال:
كان الشمردل مغرما بالشّراب، وكان له نديما يعاشرانه في حانات الخمارين بخراسان، أحدهما يقال له ديكل من قومه، والآخر من بني شيبان يقال له قبيصة، فاجتمعوا يوما على جزور ونحروه وشربوا حتّى سكروا، وانصرف قبيصة حافيا وترك نعله عندهم، وأنسيها من السّكر، فقال الشمردل:
شربت ونادمت الملوك فلم أجد ... على الكأس ندمانا [5] لها مثل ديكل
/ أقلّ مكاسا في جزور وإن غلت ... وأسرع إنضاجا وإنزال مرجل [6]
ترى البازل الكوماء فوق خوانه ... مفصّلة أعضاؤها لم تفصّل [7]
__________
[1] الطرف: الكريم من الخيل. واغتمزوا لياني: استضعفوا اللين مني.
[2] زوراء: موضع عند سوق المدينة قرب المسجد. والعجول: الناقة الشديدة الحزن لفقد ولدها. البوّ: ولد الناقة، وجلد الحوار يحشى تبنا فيقرب من أم الفصيل فتدّر. رائم: عاطفة.
[3] في ج، ب: «رأيت» وهو خطأ.
[4] ترفض: تكسر. وفي الأصول: «ترقص». وانظر ما سبق من التحقيق في ص 353.
[5] الندمان، بالفتح: النديم.
[6] المكاس: انتقاص الثمن في البيع واستحطاطه. وفي الأصول: «بكأس» صوابه في ش و «معجم البلدان».
[7] البازل: الناقة في تاسع سنيها. الكوماء: العظيمة السنام.
سقيناه بعد الرّي حتى كأنما ... يرى حين أمسى أبرقي ذات مأسل [1]
عشية أنسينا قبيصة نعله ... فراح الفتى البكريّ غير منعّل
هجاؤه هلال بن أحوز حين لم يرض عطاءه
حدّثنا هاشم قال: حدّثنا دماذ عن أبي عبيدة قال:
مدح الشمردل بن شريك هلال بن أحوز المازنيّ واستماحه، فوعده الرفد، ثم ردّده زمانا طويلا حتى ضجر، ثم أمر له بعشرين درهما فدفعها إليه وكيله غلّة فردّها، وقال يهجوه:/
يقول هلال كلّما جئت زائرا ... ولا خير عند المازني أعاوده
ألا ليتني أمسي وبيني وبينه ... بعيد مناط الماء غبر فدافده [2]
غدا نصف حول منه إن قال لي غدا ... وبعد غد منه كحول أراصده [3]
ولو أنني خيّرت بين غداته ... وبين برازي ديلميّا أجالده
تعوّضت من ساقيّ عشرين درهما ... أتاني بها من غلّة السّوق ناقده [4]
ولو قيل مثلا كنز قارون عنده ... وقيل التمس موعوده لا أعاوده
ومثلك منقوص اليدين رددته ... إلى محتد قد كان حينا يجاحده [5]
هجاؤه للضبيّ حين شمت بمصرع إخوته
حدّثنا هاشم قال:
حدّثنا أبو غسان عن أبي عبيدة أن رجلا من بني ضبّة كان عدوّا للشمردل، وكان نازلا في بني دارم بن مالك، ثم خرج في البعث الّذي بعث مع وكيع، فلما قتل إخوة الشّمردل وماتوا، بلغه عن الضبيّ سرور بذلك، وشماتة بمصيبته فقال:
يأيّها المبتغي شتمي لأشتمه ... إن كان أعمى فأنّي عنك غير عم [6]
ما أرضعت مرضع سخلا أعقّ بها ... في الناس لا عرب منها ولا عجم [7]
من ابن حنكلة كانت وإن عربت ... مذالة لقدور الناس والحرم [8]
عوى ليكسبها شرّا فقلت له ... من يكسب الشر ثديي أمّه يلم
ومن تعرّض شتمي يلق معطسه ... من النّشوق الّذي يشفى من اللّمم [9]
__________
[1] الأبرقان: تثنية أبرق، وهو غلظ فيه حجارة ورمل وطين مختلطة. وفي الأصول: «ترى حرشا في أبرقي أم مرسل»، وأثبتنا ما في «معجم البلدان» (أبرق ذات مأسل).
[2] المناط: موضع التعليق، والمراد مكان الماء. الفدفد: الفلاة والمكان الصلب.
[3] أراصده: أراقبه وأنتظره.
[4] تعوّض: أخذ العوض.
[5] في الأصول: «مجاحده».
[6] كذا جاءت الرواية بالالتفات.
[7] السخل: المولود، وهو أيضا الضعيف الرذل.
[8] الحنكلة: الدميمة السوداء من النساء. عربت المرأة: تحببت إلى زوجها، أو حرصت على اللهو. المذالة: الأمة المهانة.
[9] المعطس: الأنف. اللمم: الجنون.
متى أجئك وتسمع ما عنيت به ... تطرق على قذع أو ترض بالسّلم [1]
أولا فحسبك رهطا أن يفيدهم ... لا يغدرون ولا يوفون بالذمم
ليسوا كثعلبة المغبوط جارهم ... كأنه في ذرى ثهلان أو خيم [2]
يشبّهون قريشا من تكلّمهم ... وطول أنضية الأعناق والأمم [3]
إذا غدا المسك يجري في مفارقهم ... راحوا كأنهم مرضى من الكرم
جزّوا النواصي من عجل وقد وطئوا ... بالخيل رهط أبي الصهباء والحطم
ويوم أفلتهن الحوفزان وقد ... شالت عليه أكفّ القوم بالجذم [4]
/إني وإن كنت لا أنسى مصابهم ... لم أدفع الموت عن زيق ولا حكم [5]
لا يبعدا فتيا جود ومكرمة ... لدفع ضيم وقتل الجوع والقرم [6]
والبعد غالهما عني بمنزلة ... فيها تفرّق أحياء ومخترم [7]
وما بناء وإن سدّت دعائمه ... إلا سيصبح يوما خاوي الدّعم [8]
لئن نجوت من الأحداث أو سلمت ... منهنّ نفسك لم تسلم من الهرم
رثاؤه لعمر بن يزيد الأسيدي
حدّثنا هاشم قال: حدّثنا دماذ عن أبي عبيدة قال:
كان عمر بن يزيد الأسيدي صديقا للشمردل بن شريك، ومحسنا إليه كثير البر به والرفد له، فأتاه نعيه وهو بخراسان، فقال يرثيه:
لبس الصّباح وأسلمته ليلة ... طالت كأنّ نجومها لا تبرح [9]
من صولة يجتاح أخرى مثلها ... حتى ترى السّدف القيام النّوّح [10] /
عطّلن أيديهنّ ثم تفجعت ... ليل التّمام بهنّ عبرى تصدح
وحليلة رزئت وأخت وابنة ... كالبدر تنظره عيون لمّح
لا يبعد ابن يزيد سيّد قومه ... عند الحفاظ وحاجة تستنجح
__________
[1] القذع: الخنا والفحش. والسلم: الاستسلام والإذعان.
[2] ثهلان، وخيم: جبلان.
[3] من تكلمهم، هي في «الكامل» 35 و «أمالي القالي» (1: 328): «في تجلتهم». وفي «الحيوان» (3: 92): «من تجلتهم». الأنضية:
جمع نضيّ: وهو عظم العنق. الأمم: جمع أمة، وهي القامة.
[4] الحوفزان: لقب الحارث بن شريك. شالت: ارتفعت. الجذم: السياط.
[5] زيق بالزاي هو زيق بن بسطام بن قيس الشيباني.
[6] القرم: شدّة شهوة اللحم. في س: «فتا». وفي ب: «فئتا» تحريف.
[7] مخترم: يقال اخترمته المنية، إذا أخذته.
[8] سدّت: صارت سديدة مستقيمة. الدعم: جمع دعمة، وهي الدعامة يعتمد عليها البيت.
[9] لبس الصباح: دخل فيه. وفي الأصول: «لبث».
[10] في الأصول: «يحتاج» وهو مقلوب. السدف: الضوء قيسية، والظلام تميمية.
حامي الحقيقة لا تزال جياده ... تغدو مسوّمة به وتروّح [1]
للحرب محتسب القتال مشمّر ... بالدرع مضطمر الحوامل سرّح [2]
/ساد العراق وكان أوّل وافد ... تأتي الملوك به المهارى الطّلّح [3]
يعطي الغلاء بكل مجد يشتري ... إن المغالي بالمكارم أربح [4]
أرجوزته في وصف الصقر والقنص
حدّثنا هاشم قال حدّثنا دماذ عن أبي عبيدة قال:
كان الشمردل صاحب قنص وصيد بالجوارح، وله في الصقر والكلب أراجيز كثيرة، وأنشدنا قوله:
قد أغتدي والصبح في حجابه ... والليل لم يأو إلى مآبه
وقد بدا أبلق من منجابه ... بتوّجيّ صاد في شبابه [5]
معاود قد ذلّ في إصعابه ... قد خرّق الضّفار من جذابه [6]
وعرف الصوت الّذي يدعى به ... ولمعة الملمع في أثوابه [7]
فقلت للقانص إذ أتي به ... قبل طلوع الآل أو سرابه
ويحك ما أبصر إذ رأى به ... من بطن ملحوب إلى لبابه [8]
قشعا ترى التبّت من جنابه [9] ... فانقضّ كالجلمود إذ علا به
غضبان يوم قنية رمى به ... فهنّ يلقين من اغتصابه
تحت جديد الأرض أو ترابه ... من كلّ شحّاج الضّحى ضغّابه [10]
إذ لا يزال حربه يشقى به ... منتزع الفؤاد من حجابه
/ جاد وقد أنشب في إهابه ... مخالبا ينشبن في إنشابه
مثل مدى الجزار أو حرابه ... كأنما بالحلق من خضابه
عصفرة الفؤاد أو قضابه [11] ... حوى ثمانين على حسابه
__________
[1] المسوّمة: المعلمة. وتروح: من الرواح.
[2] مضطمر: ضامر. الحوامل: الأرجل.
[3] المهارى: إبل منسوبة إلى مهرة بن حيدان. الطلح: المتعبة.
[4] الغلاء: المغالاة.
[5] الأبلق: الّذي فيه سواد وبياض. منجابه، المنجاب: اسم مكان من انجاب بمعنى انكشف. ويقال انجاب عنه الظلام: انشق التوجي: الصقر المنسوب إلى توّج من قرى فارس. وبعض أبيات هذه الأرجوزة في «معجم البلدان» (توج).
[6] في كل الأصول: «قد حرق الصغار من حذانه».
[7] الإلماع: الإشارة بالثوب ونحوه. في الأصول: «في ألوانه».
[8] ملحوب: موضع.
[9] القشع، بالفتح: بيت من أدم. والتبت، كذا وردت.
[10] الشحاج: ذو الصوت الغليظ. والضغاب: المفزع بصوته.
[11] كذا ورد الشطر.
من خرب وخزر يعلى به [1] ... لفتية صيدهم يدعى به [2]
واعدهم لمنزل بتنا به ... يطهى به الخربان أو يشوى به [3]
فقام للطبخ ولا حتطابه ... أروع يهتاج إذا هجنا به
أرجوزته في الذئب الّذي قتله بعد أن فتك بغنمه
أخبرنا هاشم قال حدّثنا دماذ عن أبي عبيدة قال:
كان ذئب قد لازم مرعى غنم للشمردل، فلا يزال يفرس منها الشاة بعد الشاة، فرصده ليلة حتى جاء لعادته، ثم رماه بسهم فقتله وقال فيه:
هل خبّر السّرحان إذ يستخبر ... عني وقد نام الصّحاب السّمّر [4]
لما رأيت الضّأن منه تنفر ... نهضت وسنان وطار المئزر [5]
وراع منها مرح مستيهر [6] ... كأنه إعصار ريح أغبر/
فلم أزل أطرده ويعكر [7] ... حتى إذا استيقنت ألا أعذر
وإنّ عقرى غنمي ستكثر [8] ... طار بكفي وفؤادي أوجر [9]
ثمّت أهويت له لا أزجر ... سهما فولّى عنه وهو يعثر
وبتّ ليلي آمنا أكبّر
استجادة الأصمعي أبياتا للشمردل
أخبرنا أبو الحسن الأسدي قال حدّثنا الرياشي قال حدّثنا الأصمعي قال: قال الشمردل بن شريك - وكان يستجيد هذه الأبيات ويستحسنها، ويقول: إنها لمن ظريف الكلام - :
ثم استقلّ منّعمات كالدّمى ... شمس العتاب قليلة الأحقاد [10]
كذب المواعد ما يزال أخو الهوى ... منهنّ بين مودّة وبعاد [11]
__________
[1] الخرب: ذكر الحبارى. والخزز: الذكر من الأرانب.
[2] في الأصول: «لقينة».
[3] الخربان: جمع خرب وهو ذكر الحبارى.
[4] السرحان: الذئب.
[5] المئزر: الملحفة. وفي الأصول: «طاب المئزر».
[6] وفي الأصول: «وراح». والمستيهر: الذاهب العقل. وفي الأصول: «مستبهر». والمستبهر: المتخايل.
[7] يعكر: يكر وينصرف. في ب، س: «استيقنته لا أعذر».
[8] العقرى: الجرحى.
[9] الأوجر: الخائف.
[10] الدمية: الصورة المنقشة. والشمس، بضمتين: جمع شموس بالفتح، وهي النافرة.
[11] في كل الأصول: «ما يقال».
حتى ينال حبالهنّ معلقا ... عقل الشّريد وهنّ غير شراد [1]
والحبّ يصلح بعد هجر بيننا ... ويهيج معتبة بغير بعاد
صوت
خليليّ لا تستعجلا أن تزوّدا ... وإن تجمعا شملي وتنتظرا غدا
وإن تنطراني اليوم أقض لبانة ... وتستوجبا منّا عليّ وتحمدا
الشعر للحصين بن الحمام المري، والغناء لبذل الكبرى ثاني ثقيل بالبنصر، من روايتها ومن رواية الهشامي.
__________
[1] في ب، س: «حيالهن».
فهرس موضوعات الجزء الثالث عشر
الموضوع الصفحة
أخبار أبي الطّمحان القينيّ 5
أخبار الأسود ونسبه 13
أخبار أرطأة ونسبه 22
أخبار جعفر بن علبة الحارثي ونسبه 33
أخبار العجير السّلوليّ ونسبه 41
أخبار خزيمة بن نهد ونسبه 54
نسب المغيرة بن حبناء وأخباره 58
أخبار سويد بن أبي كاهل ونسبه 71
أخبار العتابي ونسبه 76
أخبار الأبيرد ونسبه 87
أخبار منصور النمريّ ونسبه 97
نسب عبد اللّه بن الحجاج وأخباره 109
أخبار ناهض بن ثومة ونسبه 120
أخبار المخبل ونسبه 130
أخبار غيلان ونسبه 137
أخبار حاجز ونسبه 143
أخبار الحارث بن الطفيل ونسبه 149
أخبار عبد الصمد بن المعذل ونسبه 154
أخبار عبد الرحمن ونسبه 176
أخبار مسعدة ونسبه 182
أخبار مطيع بن إياس ونسبه 185
أخبار محمّد بن كناسة ونسبه 226
أخبار قلم الصّالحيّة 233
أخبار الشمردل ونسبه 236
فهرس الموضوعات 247
الجزء الرابع عشر
[مقدمة التحقيق]
بيان
رأت دار الكتب المصرية أن تستعين بنخبة من جهابذة العلماء المتضلعين في فنون العربية وآدابها وتاريخها لإنجاز الكتب الّتي تقوم بتحقيقها وإخراجها من ذخائر التراث العربي القديم، وعهدت بالجزء الرابع عشر من كتاب الأغاني إلى العلامة الجليل الأستاذ أحمد زكي صفوت وكيل كلّيّة دار العلوم سابقا، فقام سيادته بهذا العمل، وبذل أوسع الجهد في تحقيقه ومراجعته على النّسخ الّتي رجعت إليها الدار في تحقيق الأجزاء السابقة، وهي:
أ، ب، ج، س؛ وقد سبق وصفها في مقدّمة الجزء الأوّل.
ط؛ وقد سبق وصفها في مقدّمة الجزء الثاني.
ثم حصلت الدار أخيرا على أجزاء متفرّقة من هذا الكتاب، من مكتبتي ميونيخ وتوبنجن بألمانيا، فقام موظّفو قسم حماية التراث بمقابلتها على ما يوافق هذا الجزء منها؛ وبيانها:
1 - جزء مصوّر في مجلدين، محفوظ بدار الكتب المصرية برقم 24658 ز؛ مأخوذ عن أصله المحفوظ بمكتبة ميونيخ، برقم 470؛ مكتوب بخط نسخ جليّ؛ بقلم مسعود بن محمّد بن غازي، في السابع عشر من شهر رجب سنة ثلاث عشرة وستمائه. وجميع الأبيات الّتي ترد في أوّل الصفحة وآخرها، وكذلك البيت الأوّل في كل صوت؛ مكتوبة بالخط الثلث الغليظ؛ وبأوّل الجزء ثبت بأسماء التراجم الّتي تبدأ ببقية أخبار عبد اللّه بن الزّبير الأسديّ [1]؛ وينتهي بآخر أخبار مقتل ابني عبيد اللّه بن العباس [2].
ويقع في 290 لوحة، ومسطرته من 15 - 19 سطرا. وقد أعطى هذا الجزء رمز «مب».
2 - جزء مصوّر في مجلد واحد، محفوظ بدار الكتب المصرية برقم 24664 ز، مأخوذ عن أصله المحفوظ بمكتبة ميونيخ برقم 480، وهو بخط مغربيّ وليس به تاريخ. ويبتدىء ببقية أخبار عبد اللّه بن الزّبير الأسديّ، وينتهي بوقفة قلم عند البيت:
أبعد نديميّ اللّذين بعاقل ... بكيتهما حولا مدى أتوجّس
في أثناء خبر قس [3] بن ساعدة الإياديّ.
وبأوّله ثبت بأسماء المترجمين في هذا الجزء، من بقية أخبار عبد اللّه بن الزّبير الأسديّ، إلى أخبار قسّ بن ساعدة.
__________
[1] طبعة الدار 14: 228.
[2] طبعة بولاق 15: 48.
[3] طبعة بولاق 14: 43.
ويقع في 165 لوحة، ومسطرته 17 سطرا، وقد أعطى هذا الجزء رمز «مط».
3 - جزء في مجلد واحد، مصوّر بدار الكتب المصرية برقم 23063 ز، مأخوذ عن أصله المحفوظ بمكتبة توبنجن، برطم 7397 (أهلوارد)، يبدأ أوّله ببقية أخبار عبد اللّه بن الزّبير الأسديّ. وبه نقص من آخره عن نسخة «مب» مقداره صفحة. مكتوب بقلم تعليق. ويبدو من بعض التصويبات الّتي بحواشيه، أنه مقابل على نسخة أخرى؛ ويقع في 210 لوحة، ومسطرته 24 سطرا. وقد أعطي هذا الجزء رمز «ها».
[تتمة التراجم]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ*
1 - أخبار الحصين بن الحمام ونسبه
نسبه
هو الحصين بن الحمام بن ربيعة بن مساب [1] بن حرام بن واثله [2] بن سهم بن مرّة بن عوف بن سعد بن ذبيان بن بغيض بن الرّيث بن غطفان بن سعد بن قيس بن عيلان بن مضر بن نزار.
مكانته في قومه
أخبرني محمّد بن الحسن بن دريد قال: أخبرنا أبو حاتم عن أبي عبيدة قال:
كان الحصين بن الحمام سيّد بني سهم بن مرّة. وكان خصيلة بن مرّة وصرمة بن مرّة وسهم بن مرّة أمهم جميعا حرقفة [3] بنت مغنم بن عوف بن بليّ بن عمرو بن/ الحاف [4] بن قضاعة، فكانوا يدا واحدة على من سواهم، وكان حصين ذا رأيهم وقائدهم ورائدهم. وكان يقال له: مانع الضّيم [5].
وفود ابنه على معاوية
وحدّثني جماعة من أهل العلم أنّ ابنه أتى باب معاوية بن أبي سفيان فقال لآذنه: استأذن لي على أمير المؤمنين وقل: ابن مانع الضيم، فاستأذن له؛ فقال له معاوية: ويحك! لا يكون هذا إلا ابن عروة بن الورد العبسيّ، أو الحصين بن الحمام المرّيّ، أدخله. فلمّا دخل إليه قال له: ابن من أنت؟ قال: أنا ابن مانع الضيم الحصين بن الحمام؛ فقال: صدقت، ورفع مجلسه وقضى حوائجه.
حرب قومه بني سهم بن مرة مع بني صرمة بن مرة
أخبرني ابن دريد قال: أخبرنا أبو حاتم عن أبي عبيدة قال:
كان ناس من بطن من قضاعة يقال لهم: بنو سلامان بن سعد بن زيد بن الحاف بن قضاعة. وبنو سلامان بن
__________
[1] مساب: جاء في «خزانة الأدب» مضبوطا بالعبارة قال: «مساب بضم الميم وتخفيف السين» وجاء مضبوطا بالشكل بفتح الميم في كتاب «أشعار الحماسة» شرح التبريزي طبع أوربة ص 187، ولم يرد في المعجمات اللغوية الّتي بأيدينا.
[2] ورد هذا الاسم في الأصول «واثلة» بالثاء؛ والتصويب من «تاج العروس» (مستدرك مادة وأل).
[3] في ب، س: «حرقلة» وفي ج: «حرقفة» وكذا في «مختار الأغاني» الكبير لابن المكرم صاحب «لسان العرب» (نسخة مصوّرة بدار الكتب المصرية) ج 3 ص 403. وفي «أشعار الحماسة» طبع أوربة ص 190: «حرقفة البلوية» مضبوطا بهذا الضبط بالشكل - والبلوية نسبة إلى جدها بليّ - ولم يرد في المعجمات.
[4] الحاف؛ أصله الحافي، وهو مما حذفت العرب ياءه اجتزاء بالكسرة، كما قالوا العاص بن أمية بن عبد شمس، والعاص بن وائل السهمي، وحذيفة بن اليمان؛ والأصل العاصي واليماني.
[5] كذا في ب، س، وفي ح: «و كان حصين ذا رأيهم ورائدهم. قال أبو حاتم قال أبو عبيدة قال أبو عمرو: كان الحصين بن الحمام سيد بني سهم بن مرة، وكان يقال له مانع الضيم».
سعد إخوة عذرة بن سعد، وكانوا حلفاء لبني صرمة بن مرّة ونزولا فيهم. وكان الحرقة [1] وهم بنو حميس بن عامر بن جهينة حلفاء لبني سهم بن مرّة، وكانوا قوما/ يرمون بالنّبل رميا سديدا [2]، فسمّوا الحرقة لشدّة قتالهم.
وكانوا نزولا في حلفائهم بني سهم بن مرّة. وكان في بني صرمة يهوديّ من أهل تيماء يقال له جهينة بن أبي حمل.
وكان في بني سهم يهوديّ من/ أهل وادي القرى يقال له غصين [3] بن حيّ، وكانا تاجرين في الخمر [4]. وكان بنو جوشن - أهل بيت من عبد اللّه بن غطفان - جيرانا لبني صرمة، وكان يتشاءم بهم ففقدوا منهم رجلا يقال له خصيلة [5] كان يقطع الطريق وحده. وكانت أخته وإخوته يسألون الناس عنه، وينشدونه في كل مجلس وموسم.
فجلس ذات يوم أخ لذلك المفقود الجوشنيّ في بيت غصين بن حيّ جار بني سهم يبتاع خمرا، فبينما هو يشتري [6] إذ مرّت أخت المفقود تسأل عن أخيها خصيلة، فقال غصين [7]:
تسائل عن أخيها كلّ ركب ... وعند جهينة الخبر اليقين
فأرسلها مثلا [8]، يعني بجهينة نفسه. فحفظ الجوشنيّ هذا البيت، ثم أتاه من الغد فقال له: نشدتك اللّه ودينك هل تعلم لأخي علما؟ فقال له: لا وديني لا أعلم. فلما مضى أخو المفقود تمثّل:
/لعمرك ما ضلّت ضلال ابن جوشن ... حصاة بليل ألقيت وسط جندل
- أراد أن تلك الحصاة يجوز أن توجد، وأن هذا لا يوجد أبدا - فلما سمع الجوشنيّ ذلك تركه، حتى إذا أمسى أتاه فقتله. وقال الجوشني:
طعنت وقد كاد الظلام يجنّني ... غصين بن حيّ في جوار بني سهم [9]
فأتي حصين بن الحمام [10] فقيل له: إنّ جارك غصينا اليهوديّ قد قتله ابن [11] جوشن جار بني صرمة. فقال حصين:
__________
[1] اختلف اللغويون في ضبطه: فضبط بضم فسكون، وبضمتين، وبضم ففتح (انظر «تاج العروس»).
[2] في الأصول «شديدا»، والصواب «سديدا»؛ كما في «مختار الأغاني الكبير» ج 3 ص 403.
[3] في ب، س «حصين» والصواب غصين كما في ج و «مختار الأغاني الكبير» ج 3: ص 404 و «لسان العرب» مادة جفن، وقد تكرر هذا الاسم بعد محرفا.
[4] كذا في ج. وفي ب، س: «و كان تاجرا في الخمر».
[5] في ب، س «حصين».
[6] في ج و «مختار الأغاني». «فبينما هما يشربان».
[7] في ب، س: «جهينة» وهو تحريف.
[8] ورد في «مجمع الأمثال» للميداني (1: 394) في شرح هذا المثل ما ملخصه: أن حصين بن سبيع الغطفاني خرج مع الأخنس بن كعب الجهني وتعاقدا على السلب والنهب، وكلاهما فاتك يحذر صاحبه. وكان من أمرهما أن طلبا رجلا من لخم ليسلباه، فوجداه نازلا في ظل شجرة وقدامه طعام وشراب فنزلا به وأكلا وشربا معه. ثم إن الجهني ذهب لبعض شأنه، فرجع فرأى الحصين قد فتك باللخمي. وأراد الحصين بعد ذلك أن يتغفل صاحبه الجهني ليقتله، ولكنه فطن لما يراد به، فبادره بقتله، واحتوى على متاعه ومتاع اللخمي، وانصرف راجعا إلى قومه، فإذا هو بامرأة تنشد الحصين بن سبيع، فقال لها: من أنت؟ قالت: أنا صخرة امرأة الحصين، قال: أنا قتلته. فقالت: كذبت، ما مثلك يقتل مثله، أما لو لم يكن الحي خلوا ما تكلمت بهذا. ثم قال في ذلك أبياتا منها:
تسائل عن حصين كل ركب ... وعند جهينة الخبر اليقين
اقرأ هذا الخبر أيضا وشرح المثل المذكور في «لسان العرب» مادة جفن، وفيه أنه يروى «حفينة» بالحاء، ويروى «جفينة» بالجيم.
[9] في الأصول و «مختار الأغاني»: «ظعنت» وهو تصحيف. وأجنه: ستره.
[10] في الأصول: «فقال له» والتصويب من «مختار الأغاني الكبير».
[11] في الأصول: «أبو جوشن» والتصحيح عن «مختار الأغاني».
فاقتلوا اليهوديّ الّذي في جوار بني صرمة، فأتوا جهينة بن أبي حمل فقتلوه. فشدّ بنو صرمة على ثلاثة من حميس بن عامر جيران بني سهم فقتلوهم. فقال حصين: اقتلوا من جيرانهم بني سلامان ثلاثة نفر، ففعلوا. فاستعر الشرّ بينهم. قال: وكانت بنو صرمة أكثر من بني سهم رهط الحصين بكثير. فقال لهم الحصين: يا بني صرمة، قتلتم جارنا اليهودي فقتلنا به جاركم اليهودي، فقتلتم من جيراننا من قضاعة ثلاثة نفر وقتلنا من جيرانكم بني سلامان ثلاثة نفر، وبيننا وبينكم رحم ماسّة قريبة، فمروا جيرانكم من بني سلامان فيرتحلون عنكم، ونأمر جيراننا من قضاعة فيرتحلون عنا جميعا، ثم هم أعلم. فأبى ذلك بنو صرمة، وقالوا: قد قتلتم جارنا ابن جوشن، فلا نفعل حتى نقتل مكانه رجلا من جيرانكم؛ فإنك [1] تعلم أنكم أقلّ منا عددا وأذلّ، وإنّما بنا تعزّون وتمنعون. فناشدهم اللّه والرحم فأبوا. وأقبلت الخضر [2] من محارب، وكانوا في بني ثعلبة بن سعد، فقالوا: نشهد نهب/ بني سهم إذا انتهبوا فنصيب منهم. وخذلت غطفان كلّها حصينا، وكرهوا ما كان من منعه جيرانه من قضاعة. وصافّهم حصين الحرب وقاتلهم ومعه جيرانه، وأمرهم ألّا يزيدوهم على النّبل، وهزمهم الحصين، وكفّ يده بعد ما أكثر فيهم القتل. وأبى ذلك البطن [3] من قضاعة أن يكفّوا عن القوم حتى أثخنوا فيهم. وكان سنان بن أبي حارثة [4] خذّل الناس عنه لعداوته قضاعة، وأحبّ سنان أن يهبّ الحيّان من قضاعة، وكان عيينة بن حصن وزبّان/ بن سيّار بن عمرو بن جابر ممن خذّل عنه أيضا. فأجلبت بنو ذبيان على بني سهم مع بني صرمة، وأجلبت محارب بن خصفة معهم.
شعره في لوم بني عمه على تجردهم لقتاله
فقال الحصين بن الحمام في ذلك من أبيات:
ألا تقبلون النّصف منّا وأنتم ... بنو عمّنا! لا بلّ هامكم القطر [5]
سنأبى كما تأبون حتى تلينكم ... صفائح بصرى والأسنّة والأصر [6]
أيؤكل مولانا ومولى ابن عمنا ... مقيم ومنصور كما نصرت جسر [7]
فتلك الّتي لم يعلم الناس أنني ... خنعت لها حتى يغيّبني القبر
فليتكم قد حال دون لقائكم ... سنون ثمان بعدها حجج عشر [8]
/أجدّي لا ألقاكم الدهر مرّة ... على موطن إلّا خدودكم صعر [9]
__________
[1] كذا في ح. وفي ب، س: «فإنا نعلم».
[2] في الأصول «الحضر» بالحاء؛ وهو تصحيف. والصواب الخضر، وهم بطن من قيس عيلان سموا بذلك لخضرة ألوانهم. وقد رأيته بعد في «مختار الأغاني الكبير» ج 3: ص 405 قال: «و أقبلت الحضر خضر محارب».
[3] أي بنو حميس بن عامر.
[4] في الأصول «أبي جارية» وهو تصحيف.
[5] النصف: الإنصاف كالنصف محركة. والهام: جمع هامة، وهي الرأس. يدعو عليهم بألا يمطروا.
[6] الصفائح: السيوف العريضة. بصرى: بلد بالشام من أعمال دمشق، وتنسب إليها السيوف البصرية. الأصر: الكسر والحبس.
[7] في ب، س «نعيم» وهو تحريف، وتصويبه عن ح و «مختار الأغاني». المولى: الحليف والجار. يعني حلفاءهم من بني حميس.
ومولى ابن عمنا: يعني بني سلامان حلفاء بني عمهم صرمة بن مرة. وجسر: هم جسر بن محارب بن خصفة بن قيس عيلان. وقد تقدم في القصة: أن محارب بن خصفة أجلبت مع بني صرمة على بني سهم قوم الحصين.
[8] حجج: جمع حجة بالكسر، وهي السنة.
[9] تقول العرب: أجدّي وأجدك، بالنصب وبكسر الجيم وفتحها. فمن قال: أجدك بكسر الجيم فإنه يستحلفه بجده وحقيقته، ومن فتح
إذا ما دعوا للبغي قاموا وأشرقت ... وجوههم، والرّشد ورد له نفر [1]
فواعجبا حتّى خصيلة أصبحت ... موالي عزّ لا تحلّ لها الخمر!
- قوله: موالي عزّ، يهزأ بهم. ولا تحلّ لهم الخمر، أراد فحرّموا الخمر على أنفسهم كما يفعل العزيز، وليسوا هناك - :
ألمّا كشفنا لأمة الذّلّ عنكم ... تجرّدت لا برّ جميل ولا شكر [2]
فإن يك ظنّي صادقا تجز منكم ... جوازي الإله والخيانة والغدر [3]
قال: فأقاموا على الحرب والنزول على حكمهم، وغاظتهم بنو ذبيان ومحارب بن خصفة. وكان رئيس محارب حميضة بن حرملة. ونكصت عن حصين قبيلتان من بني سهم وخانتاه، وهما عدوان وعبد عمرو بنا سهم، فسار حصين، وليس معه من بني سهم إلا بنو وائله بن سهم وحلفاؤهم وهم الحرقة، وكان فيهم العدد، فالتقوا بدارة موضوع، فظفر بهم الحصين وهزمهم وقتل منهم فأكثر. وقال الحصين بن الحمام في ذلك:
انتصاره عليهم وشعره في ذلك وفخره بقومه
جزى اللّه أفناء العشيرة كلّها ... بدارة موضوع عقوقا ومأثما [4]
بني عمّنا الأدنين منهم ورهطنا ... فزارة إذا رامت بنا الحرب معظما [5]
/و لمّا رأيت الودّ ليس بنافعي ... وإن كان يوما ذا كواكب مظلما [6]
صبرنا وكان الصبر منا سجيّة ... بأسيافنا يقطعن كفا ومعصما
نفلّق هاما من رجال أعزّة ... علينا وهم كانوا أعقّ وأظلما
نطاردهم نستنقذ الجرد بالقنا ... ويستنقذون السّمهريّ المقوّما [7]
- نستنقذ الجرد، أي نقتل الفارس فنأخذ فرسه. ويستنقذون السمهريّ وهو القنا الصلب، أي نطعنهم فتجرّهم الرماح -
لدن غدوة [8] حتى أتى الليل ما ترى ... من الخيل [9] إلّا خارجيّا مسوّما
__________
- الجيم استحلفه بجده وهو بخته. ونصبه على المصدر، كأنه قال: أجدا منك، أو بطرح الباء ومعناه أبجد هذا منك. ولا يستعمل إلا مضافا. وصعر: جمع أصعر، وصف من الصعر بالتحريك وهو ميل الخد؛ يقال: صعر خده، إذا أماله عن النظر إلى الناس تهاونا.
[1] النفر: الجماعة يتقدمون في الأمر.
[2] اللأمة: الدرع. يريد لباس الذل. تجرد للأمر: جدّ فيه، أي جددت في قتالنا.
[3] الجوازي: الجزاء، جمع جازية، مصدر على فاعلة.
[4] الأفناء من الناس: الأخلاط، واحدها فنو بالكسر أو فنا كعصا. ودارة موضوع: موضع بين ديار بني مرة وديار بني شيبان.
[5] أي جزى اللّه بني عمنا معظما أي أمرا معظما.
[6] اسم كان ضمير اليوم، أي وإن كان اليوم يوما ذا كواكب. ويوم ذو كواكب: ذو شدائد، كأنه أظلم بما فيه من الشدائد حتى رئيت كواكب السماء.
[7] الجرد: جمع أجرد وجرداء. وفرس أجرد: قصير الشعر رقيقه، وذلك من علامات العتق والكرم. والسمهري: نسبة إلى سمهر، وهو رجل كان يثقف الرماح.
[8] ورد نصب غدوة بعد لدن وهو نادر، فلدن حينئذ منقطعة عن الإضافة لفظا ومعنى، وغدوة بعدها منصوبة على التمييز للدن أو على أنها خبر لكان محذوفة مع اسمها أي لدن كانت الساعة غدوة. ويجوز جر غدوة بالإضافة على الأصل، ورفعها بكان تامة محذوفة.
والغدوة: البكرة أو ما بين صلاة الفجر وطلوع الشمس.
[9] في الأصول: «من الليل». والتصحيح عن «مختار الأغاني» و «المفضليات» و «منتهي الطلب». والخارجي هنا: كل ما فاق جنسه
وأجرد كالسّرحان يضربه النّدى ... ومحبوكة كالسيّد شقّاء صلدما [1]
يطأن من القتلى ومن قصد القنا ... خبارا فما يجرين إلا تقحّما [2]
/عليهنّ فتيان كساهم محرّق ... وكان إذا يكسو اجاد وأكرما [3]
/صفائح بصرى أخلصتها قيونها ... ومطّردا من نسج داود مبهما [4]
جزى اللّه عنا عبد عمرو ملامة ... وعدوان سهم ما أذلّ وألأما
فلست بمبتاع الحياة بسبّة ... ولا مرتق من خشية الموت سلّما
رثاؤه نعيم بن الحارث
وقال أبو عبيدة:
وقتل في تلك الحرب نعيم بن الحارث بن عباد بن حبيب بن وائلة بن سهل، قتلته بنو صرمة يوم دارة موضوع، وكان وادّا للحصين فقال يرثيه:
قتلنا خمسة ورموا نعيما ... وكان القتل للفتيان زينا
لعمر الباكيات على نعيم ... لقد جلّت رزيّته علينا
فلا تبعد نعيم فكلّ حيّ ... سيلقى من صروف الدهر حينا [5]
لومه بني حميس حين فارقوا قومه
قال أبو عبيدة:
ثم إن بني حميس كرهوا مجاورة بني سهم ففارقوهم ومضوا، فلحق بهم الحصين بن الحمام فردّهم ولامهم على كفرهم نعمته وقتاله عشيرته عنهم، وقال في ذلك:
إنّ أمرأ بعدي تبدّل نصركم ... بنصر بني ذبيان حقّا لخاسر [6]
__________
- ونظائره. والخيل المسومة: الّتي عليها سمة أي علامة تعرف بها، والمرسلة عليها ركبانها.
[1] السرحان: الذئب، وكذا السيد. والمحبوك: الفرس الشديد الخلق القويّ. والأشق من الحيل: ما يشتق في عدوه ويذهب يمينا وشمالا كأنه يميل في أحد شقيه، والطويل. يقال: فرس أشق، والأنثى شقاء. وفي ب، س: «نيقا» وهو تحريف، والصلدم:
الصلب، والشديد الحافر.
[2] انقصد الرمح: انكسر نصفين حتى يبين، وكل قطعة قصدة بالكسر والجمع قصد. والخبار من الأرض: ما لان واسترخى وكانت فيه أحجار، وفي ب، س: «جيادا»، وفي ج «شريحا» وهو تحريف. وتقحم الأمر: رمى بنفسه فيه، وفي «المفضليات» و «منتهى الطلب»: «إلا تجشما».
[3] محرق: لقب الحارث بن عمرو ملك الشام من آل جفنة. وإنما سمي بذلك لأنه أوّل من حرق العرب في ديارهم. فهم يدعون آل محرق؛ وهو أيضا لقب عمرو بن هند لأنه حرق مائة من بني تميم.
[4] في ب، س: «محكما». والقيون: جمع قين بالفتح، وهو الحداد. ومطردا: أي ودرعا مطردا (و الدرع قد تذكر) واطرد الشي ء: تبع بعضه بعضا، واطرد الأمر: استقام. والمعنى تتابعت حلقاتها واتصلت، ومبهما: لا مأتى له ولا ثلم فيه.
[5] فلا تبعد: فلا تهلك. والحين: الموت.
[6] في البيت خرم.
أولئك قوم لا يهان ثويّهم ... إذا صرّحت كحل وهبّ الصّنابر [1]
/و قال لهم أيضا:
ألا أبلغ لديك أبا حميس ... وعاقبة الملامة للمليم [2]
فهل لكم إلى مولى نصور ... وخطبكم من اللّه العظيم
فإنّ دياركم بجنوب بسّ ... إلى ثقف إلى ذات العظوم [3]
- بسّ: بناء بنته غطفان شبّهوه بالكعبة، وكانوا يحجّونه ويعظّمونه ويسمّونه حرما، فغزاهم زهير بن جناب الكلبيّ فهدمه -
غذتكم في غداة الناس حجّا ... غذاء الجائع الجدع اللئيم [4]
فسيروا في البلاد وودّعونا ... بقحط الغيث والكلإ الوخيم
قوله في بني حميس أيضا يلومهم ويذكر يده عليهم
قال أبو عبيدة: قال عمرو:
زعموا أن المثلّم بن رباح قتل رجلا يقال له حباشة في جوار الحارث بن ظالم المرّي، فلحق المثلّم بالحصين بن الحمام، فأجاره. فبلغ ذلك الحارث بن ظالم، فطلب الحصين بدم حباشة، فسأل في قومه وسأل في بني حميس جيرانه فقالوا: إنّا لا نعقل [5] بالإبل، ولكن إن شئت أعطيناك الغنم. فقال في ذلك وفي كفرهم نعمته:
/خليليّ لا تستعجلا أن تزوّدا ... وأن تجمعا شملي وتنتظرا غدا
فما لبث يوما بسائق مغنم ... ولا سرعة يوما بسابقة غدا [6]
وإن تنظراني اليوم أقض لبانة ... وتستوجبا منّا عليّ وتحمدا [7]
لعمرك إنّي يوم أغدو بصرمتي ... تناهى حميس بادئين وعوّدا [8]
__________
[1] الثوي: الضيف. كحل: السنة المجدبة (تصرف ولا تصرف) ويقال: صرحت كحل، إذا لم يكن في السماء غيم. والصنابر: الرياح الباردة.
[2] ألام: أتى ما يلام عليه.
[3] في ب، س: «لبس» والتصحيح عن ح و «معجم البلدان» في الكلام على «ثقف» ج 3: 19 - قال في «القاموس المحيط»: «بس:
بيت لغطفان بناه ظالم بن أسعد لما رأى قريشا يطوفون بالكعبة، ويسعون بين الصفا والمروة، فذرع البيت وأخذ حجرا من الصفا وحجرا من المروة ورجع إلى قومه وبنى بيتا على قدر البيت ووضع الحجرين فقال: هذان الصفا والمروة، فاجتزءوا به عن الحج.
فأغار زهير بن جناب الكلبي فقتل ظالما وهدم بناءه». وثقف وذات العظوم: موضعان.
[4] في الأصول: «غدتكم في غدا الناس حجنا: غداء» وهو تحريف، وحجا بالضم (و بكسر أيضا) جمع حاج مثل بازل وبزل. والجدع:
السيء الغذاء.
[5] عقل القتيل: دفع ديته.
[6] اللبث بالتحريك: المكث والإبطاء كاللبث بفتح اللام وضمها. ويلاحظ أن هنا إيطاء.
[7] أنظره: أخره وأمهله. واللبانة: الحاجة.
[8] الصرمة: القطعة من الإبل ما بين العشرين إلى الثلاثين؛ وقيل غير ذلك. تناهى: كف، أي كف بنو حميس عن معاونتنا في إبل الدية، أو معناه: تناهى بنو حميس أي نهى بعضهم بعضا عن معاونتنا في ذلك فكفوا.
وقد ظهرت منهم بوائق جمّة ... وأفرع مولاهم بنا ثم أصعدا [1]
وما كان ذنبي فيهم غير أنّني ... بسطت يدا فيهم وأتبعتها يدا
وأني أحامي من وراء حريمهم ... إذا ما المنادي بالمغيرة ندّدا [2]
/إذا الفوج لا يحميه إلّا محافظ ... كريم المحيّا ماجد غير أجردا
فإن صرّحت كحل وهبّت عريّة ... من الرّيح لم تترك لذي العرض مرفدا [3]
صبرت على وطء الموالي وخطبهم ... إذا ضنّ ذو القربى عليهم وأجمدا [4]
الحصين والبرج بن الجلاس
أخبرني ابن دريد قال: حدّثنا أبو حاتم عن أبي عبيدة قال:
كان البرج بن الجلاس الطائيّ خليلا للحصين بن الحمام ونديما له على الشراب، وفيه يقول البرج بن الجلاس:
/و ندمان يزيد الكأس طيبا ... سقيت وقد تغوّرت النجوم [5]
رفعت برأسه فكشفت عنه ... بمعرقة ملامة من يلوم [6]
ونشرب ما شربنا ثم نصحو ... وليس بجانبي خدّي كلوم
ونجعل عبأها لبني جعيل ... وليس إذا انتشوا فيهم حليم [7]
كانت للبرج أخت يقال لها العفاطة [8]، وكان البرج يشرب مع الحصين ذات يوم فسكر وانصرف إلى أخته فافتضّها، وندم على ما صنع لمّا أفاق، وقال لقومه: أيّ رجل أنا فيكم؟ قالوا: فارسنا وأفضلنا وسيّدنا. قال: فإنه إن علم بما صنعت أحد من العرب أو أخبرتم به أحدا ركبت رأسي فلم تروني أبدا، فلم يسمع بذلك أحد منهم. ثم إن أمة لبعض طيىء وقعت إلى الحصين بن الحمام، فرأت عنده البرج الطائي يوما وهما يشربان. فلما خرج من عنده قالت للحصين: إنّ نديمك هذا سكر عندك ففعل بأخته كيت وكيت، وأوشك أن يفعل ذلك بك كلّما أتاك فسكر عندك. فزجرها الحصين وسبّها، فأمسكت. ثم إنّ البرج بعد ذلك أغار على جيران الحصين بن الحمام من الحرقة فأخذ أموالهم، وأتى الصّريخ [9] الحصين بن الحمام، فتبع القوم، فأدركهم، فقال للبرج: ما صبّك على جيراني يا برج؟ فقال له: وما أنت وهم هؤلاء من أهل اليمن وهم منّا، وأنشأ يقول:
__________
[1] بوائق: جمع بائقة، وهي الداهية. وأفرع بهم: نزل.
[2] بالمغيرة: أي بالخيل المغيرة أي بركابها. وندّد: رفع صوته.
[3] العرية: الريح الباردة. والعرض: السعة. والمرفد بفتح الميم وضمها: المعونة.
[4] وطئه: داسه. وخطبهم: حالهم وشأنهم. المجمد: البخيل.
[5] تغور النجم وغار: غاب.
[6] بمعرقة: أي بخمر معرقة؛ يقال: أعرق الشراب: جعل فيه عرقا من الماء: أي قليلا.
[7] انتشى: سكر.
[8] كذا في ب، س، وفي ج «القفاطة».
[9] الصريخ هنا: المستغيث.
/
أنّى لك الحرقات فيما بيننا! ... عنن بعيد منك يابن حمام [1]
أقبلت تزجي ناقة متباطئا ... علطا تزجّيها بغير خطام
تزجي: تسوق، علطا: لا خطام عليها ولا زمام، أي أتيت هكذا من العجلة - فأجابه الحصين بن الحمام:
برج يؤثّمني ويكفر نعمتي ... صمّي لما قال الكفيل صمام [2]
مهلا أبا زيد فإنّك إن تشأ ... أوردك عرض مناهل أسدام [3]
أوردك أقلبة إذا حافلتها ... خوض القعود خبيئة الأخصام [4]
أقبلت من أرض الحجاز بذمّة ... عطلا أسوّقها بغير خطام [5]
في إثر إخوان لنا من طيىء ... ليسوا بأكفاء ولا بكرام
لا تحسبنّ أخا العفاطة أنني ... رجل بخبرك ليس بالعلّام [6]
فاستنزلوك وقد بللت نطاقها ... عن بنت أمّك والذيول دوامي [7]
/ثم ناصب الحصين بن الحمام البرج الحرب، فقتل من أصحاب البرج عدّة وهزم، سائرهم،/ واستنقذ ما في أيديهم، وأسر البرج، ثم عرف له حقّ ندامه وعشرته إياه فمنّ عليه وجزّ ناصيته وخلّى سبيله. فلما عاد البرج إلى قومه وقد سبّه الحصين بما فعل بأخته لامهم وقال: أشعتم ما فعلت بأختي وفضحتموني، ثم ركب رأسه وخرج من بين أظهرهم فلحق ببلاد الروم، فلم يعرف له خبر إلى الآن.
وقال ابن الكلبيّ: بل شرب الخمر صرفا حتى قتلته.
غارته على بني عقيل وبني كعب وشعره في ذلك
أخبرني ابن دريد قال: حدّثنا أبو حاتم عن أبي عبيدة قال:
جمع الحصين بن الحمام جمعا من بني عديّ ثم أغار على بني عقيل وبني كعب فأثخن فيهم واستاق نعما كثيرا ونساء، فأصاب أسماء بنت عمرو سيّد بني كعب فأطلقها ومنّ عليها، وقال في ذلك:
__________
[1] أنى لك الحرقات: أي من أين لك قرابتهم. عنّ الشيء عننا: ظهر أمامك وعرص. أي إن ما عنّ لك في هذا الشأن بعيد وباطل.
[2] أثمه تأثيما: قال له أثمت. الكفيل هنا: الّذي لا يثبت على ظهر الدابة (انظر «تاج العروس») ومن أمثال العرب: صمى صمام، والخطاب للداهية. وصمام كقطام: الداهية الشديدة. وصمى صمام أي زيدي يا داهية.
[3] العرض من النهر والبحر: وسطه. مياه أسدام: متغيرة.
[4] كذا في الأصول. والأقلبة: جمع قليب وهي البئر. والأخصام: جمع خصم بالضم. وخصم كل شي ء: طرفه وجانبه. ولعل صوابه:
أوردك أقلبة إذا ما خلتها الخ
والمعنى على ذلك: أوردك أقلبة خبيئة الأخصام إذا ما ظننتها سهلة الاستقاء غير شاقة كالمخاضة الّتي تخوضها القعود بسهولة، أو لعل صوابه «أوردك أقلبة أجاجا ماؤها: خوص القعور ... » وخوص (بالضم) جمع خوصاء، وبئر خوصاء: بعيدة القعر لا يروي ماؤها الأنعام.
[5] بذمة: أي بناقة ذمة أي مفرطة الهزال شبه الهالكة، فهي مذمومة لأجل ذلك؛ من قولهم: بئر ذمة أي قليلة الماء مذمومة. العطل في الأصل: المرأة ليس عليها حلي، يريد أن الناقة ليس عليها زمام، أو هو «علطا» كما جاء في بيت البرج بن الجلاس السابق.
[6] الخبر: العلم بالشيء. وفي ب، س: «كالعلام» وهو تحريف.
[7] كذا في «مختار الأغاني الكبير» ج 3: ص 408 وفي الأصول: «من بيت أمك» وهو تصحيف.
فدى لبني عديّ ركض ساقي ... وما جمّعت من نعم مراح [1]
تركنا من نساء بني عقيل ... أيامى تبتغي عقد النكاح [2]
أرعيان الشّويّ وجدتمونا ... أم اصحاب الكريهة والنّطاح [3]؟
لقد علمت هوازن أنّ خيلي ... غداة النّعف صادقة الصّباح [4]
عليها كلّ أروع هبرزيّ ... شديد حدّه شاكي السّلاح [5]
/فكرّ عليهم حتّى التقينا ... بمصقول عوارضها صباح [6]
فأبنا بالنّهاب وبالسّبايا ... وبالبيض الخرائد واللّقاح [7]
وأعتقنا ابنة العمريّ عمرو ... وقد خضنا عليها بالقداح
إدراكه الإسلام وشعره الدال على ذلك
أخبرنا ابن دريد قال: حدّثنا أبو حاتم عن أبي عبيدة أنّ الحصين بن الحمام أدرك الإسلام. قال: ويدلّ على ذلك قوله:
وقافية غير إنسيّة ... قرضت من الشّعر أمثالها [8]
شرود تلمّع بالخافقين ... إذا أنشدت قيل من قالها [9]
وحيران لا يهتدي بالنهار ... من الظلع يتبع ضلّالها [10]
وداع دعا دعوة المستغيث ... وكنت كمن كان لبّى لها
إذا الموت كان شجا بالحلوق ... وبادرت النفس أشغالها [11]
__________
[1] النعم: الإبل والشاء، أو خاص بالإبل. وأراح الإبل: ردها إلى المراح (بالضم) أي المأوى.
[2] أيامى: جمع أيم كسيد، وهي من لا زوج لها بكرا أو ثيبا.
[3] الشويّ: جمع شاة.
[4] النعف: ما انحدر من حزونة الجبل وارتفع عن منحدر الوادي، وهو هنا موضع بعينه، وصادقة الصباح أي الغارة في الصباح. وكانوا أكثر ما يغيرون عند الصباح، ويسمون يوم الغارة يوم الصباح.
[5] الأروع: من يعجبك بحسنه أو بشجاعته. والهبرزي: المقدام. وحدّه: بأسه. وشاكي السلاح: ذو شوكة وحدّ في سلاحه.
[6] بمصقول عوارضها أي بنساء مصقول عوارضها. والعوارض: جمع عارضة، وهي صفحة الخد. وصباح: جمع صبيحة، أي جميلة وضيئة الوجه.
[7] النهاب: جمع نهب، وهو الغنيمة. والخريد والخريدة والخرود: البكر لم تمسس، أو الحيية الطويلة السكوت الخافضة الصوت المتسترة، والجمع خرائد. واللقاح: الإبل، واحدتها لقوح كصبور.
[8] غير إنسية: يعني أنه ألهمه إياها جنيّ. وكانت العرب تزعم أن لبعض الفحول من شعرائهم شياطين يلهمونهم الشعر. ذكر صاحب «جمهرة أشعار العرب» أنه كان لعبيد بن الأبرص صاحب منهم اسمه هبيد، وللأعشى صاحب اسمه مسحل، ولا مرىء القيس صاحب اسمه لافظ بن لاحظ، وللنابغة الذبياني صاحب اسمه هاذر ... الخ.
[9] قافية شرود: سائرة في البلاد تشرد كما يشرد البعير. وتلمع: تبرق وأصله تتلمع فحذفت إحدى التاءين تخفيفا. والخافقان: المشرق والمغرب.
[10] ظلع الرجل كمنع: عرج وغمز في مشيه.
[11] الشجا: ما اعترض في الحلق من عظم ونحوه.
صبرت ولم أك رعديدة ... وللصّبر في الرّوع أنجى لها [1]
/و يوم تسعّر فيه الحروب ... لبست إلى الرّوع سربالها [2]
مضعّفة السّرد عاديّة ... وعضب المضارب مفصالها [3]
ومطّردا من ردينيّة ... أذود عن الورد أبطالها [4]
فلم يبق من ذاك إلا التّقى ... ونفس تعالج آجالها
أمور من اللّه فوق السماء ... مقادير تنزل أنزالها [5]
أعوذ بربّي من المخزيا ... ت يوم ترى النفس أعمالها
وخفّ الموازين بالكافرين ... وزلزلت الأرض زلزالها
ونادى مناد بأهل القبور ... فهبّوا لتبرز أثقالها
/ وسعّرت النار فيها العذاب ... وكان السلاسل أغلالها
موته ورثاء أخيه إياه
حدّثنا ابن دريد قال حدّثنا أبو حاتم عن أبي عبيدة قال:
مات حصين بن الحمام في بعض أسفاره، فسمع صائح في الليل يصيح لا يعرف في بلاد بني مرّة:
ألا هلك الحلو الحلال الحلاحل ... ومن عقده حزم وعزم ونائل [6]
- الحلو: الجميل، والحلال: الّذي لبس عليه في ماله عيب [7]. والحلاحل: الشريف العاقل - :
ومن خطبه فصل إذا القوم أفحموا ... يصيب مرادي قوله من يحاول
/ - المرادي: جمع مرادة، وهي صخرة تردى بها الصخور، أي تكسر - قال: فلما سمع أخوه معيّة بن الحمام ذلك قال: هلك واللّه الحصين، ثم قال يرثيه:
إذا لاقيت جمعا أو فئاما ... فإنّي لا أرى كأبي يزيدا [8]
أشدّ مهابة وأعزّ ركنا ... وأصلب ساعة الضّرّاء عواد
صفيّي وابن أمّي والمواسي ... إذا ما النفس شارفت الوريدا [9]
__________
[1] في ج «و لا الصبر» وفي ب، س «و الصبر» وهما تحريف. رجل رعديد ورعديدة: جبان يرعد عند القتال جبنا. والروع: الفزع.
[2] تسعر أصله تتسعر، أي تتقد. السربال: القميص، وتطلق على الدرع كما في البيت.
[3] السرد: نسج الدرع. ومضعفة: مضاعفة. وعادية: قديمة، نسبة إلى عاد. وعضب المضارب: سيفا قاطعا. ومفصال: مبالغة في فاصل أي ماض.
[4] من ردينية أي من رماح ردينية، نسبة إلى ردينة زوجة سمهر، وكانا مثقفين للرماح. ورمح مطرد: الأتابيب والكعوب أي مستقيمها متتابعها.
[5] أنزال جمع نزل كعنق وقفل، وهو المنزل، أي تقع مواقعها.
[6] النائل: النوال والعطاء.
[7] في ب، س «عين» وهو تحريف.
[8] الفئام: الجماعة من الناس.
[9] الصفي: الحبيب المصافي.
كأنّ مصدّرا يحبو ورائي ... إلى أشباله يبغي الأسودا
المصدّر: العظيم الصدر، شبّه أخاه بالأسد.
صوت
لا أرّق اللّه عيني من أرقت له ... ولا ملا مثل قلبي قلبه ترحا
يسرّني سوء حالي [1] في مسرّته ... فكلّما ازددت سقما زادني فرحا
الشعر لمحمد بن يسير، والغناء لأحمد بن صدقة، رمل بالوسطى.
__________
[1] في ب، س: «من».
2 - أخبار محمّد بن يسير ونسبه
نسبه
محمّد بن يسير [1] الرّياشي، يقال إنه مولى لبني رياش الذين منهم العباس بن الفرج الرّياشي الأخباري الأديب، ويقال إنه منهم صلبية. وبنو رياش يذكرون أنهم من خثعم، ولهم بالبصرة [2] خطّة وهم معروفون بها، وكان محمّد بن يسير هذا شاعرا ظريفا من شعراء المحدثين، متقلّل، لم يفارق البصرة، ولا وفد إلى خليفة ولا شريف منتجعا، ولا تجاوز بلده، وصحبته طبقته، وكان ماجنا هجّاء خبيثا.
قصته مع والي البصرة
أخبرني عمي الحسن بن محمّد قال: حدّثنا ابن مهرويه قال: حدّثني عليّ بن القاسم بن عليّ بن سليمان طارمة [3] قال:
بعث إليّ محمّد بن أيّوب بن سليمان بن جعفر بن سليمان - وهو يتولّى البصرة حينئذ - في ليلة صبيحتها يوم سبت، فدخلت إليه وقد بقي من الليل ثلثه/ أو أكثر [4]. فقلت له: أنمت وانتبهت أم لم تنم بعد؟ فقال:
قد قضيت حاجتي من النوم، وأريد أن أصطبح [5] وأبتدىء الساعة بالشرب، وأصل ليلتي بيومي [6] محتجبا عن الناس، وعندي محمّد بن رباح، وقد وجّهت إلى إبراهيم بن رياش، وحضرت أنت، فمن ترى أن يكون خامسنا؟
قلت: محمّد بن يسير. فقال: واللّه ما عدوت ما في نفسي. فقال لي ابن رباح: اكتب إلى محمّد بن يسير بيتين تدعوه فيهما وتصف له طبب هذا الوقت، وكان يوم غيم، والسماء تمطر مطرا غير شديد ولا متتابع؛ فكتب إليه ابن رباح:
__________
[1] ورد اسم هذا الشاعر في نسخ «الأغاني» المطبوعة والمخطوطة. وفي «الأمالي»، وفي «أشعار الحماسة شرح التبريزي» طبع أوربة ومصر «محمّد بن بشير»؛ وهو تصحيف - وقد تكرر هذا الخطأ إلى آخر الترجمة - والتصويب عن «الشعر والشعراء» ص 560 طبع أوربة» ويؤكد ذلك ما ورد في «القاموس» و «تاج العروس»، مادة يسر: «و أبو جعفر محمّد بن يسير البصري شاعر، وهو القائل يرثي نفسه:
كأنه قد قيل في مجلس ... قد كنت آتيه وأغشاه:
صار اليسيري إلى ربه ... يرحمنا الله وإياه
وكذا أخوه عليّ شاعر أيضا ذكرهما الذهبي» وقد جاء هذان البيتان في ترجمته في «الأغاني» - وسيردان عليك بعد - فعلم أنه هو.
وقال فيه ابن قتيبة في «الشعر والشعراء»: «و كان في عصر أبي نواس وعمر بعده حينا» وقد توفي أبو نواس 198 ه.
[2] خطة: أرض اختطوها واتخذوا فيها مساكن لهم.
[3] جاء في «تاج العروس» (مستدرك مادة طرم): «الطارمة: بيت من خشب كالقبة، فارسي معرّب». والظاهر أنه لقب له.
[4] في الأصول: «أو أكثره».
[5] اصطبح: شرب الصبوح (كصبور)، وهو شرب الغداة.
[6] في الأصول: «بنومي» وهو تصحيف.
صوت
يوم سبت وشنبذ ورذاذ ... فعلام الجلوس يا بن يسير؟ [1]
قم بنا نأخذ المدامة من كفّ غزال مضمّخ بالعبير [2] - في هذين البيتين لعباس أخي بحر ثقيل أوّل بالبنصر - وبعث إليه بالرّقعة، فإذا الغلمان قد جاءوا بالجواب. فقال لهم: بعثتكم لتجيئوني برجل فجئتموني برقعة! فقالوا: لم نلقه، وإنما كتب جوابها في منزله، ولم تأمرنا بالهجوم عليه فنهجم. فقرأها فإذا فيها:
/أجيء على شرط فإن كنت فاعلا ... وإلّا فإنّي راجع لا أناظر
ليسرج لي البرذون في حال دلجتي ... وأنت بدلجاتي مع الصبح خابر [3]
لأقضي حاجاتي إليه وأنثني ... إليك، وحجّام إذا جئت حاضر
فيأخذ من شعري ويصلح لحيتي ... ومن بعد حمّام وطيب وجامر [4]
ودستيجة من طيّب الراح ضخمة ... يروّدنيها طائعا لا يعاسر [5]
فقال محمّد بن أيوب: ما نقول؟ فقلت: إنك لا تقوى على مطاولته، ولكن اضمن له ما طلب، فكتب إليه: قد أغدّ لك - وحياتك - كلّ ما طلبت فلا تبطى ء؛ فإذا به قد طلع علينا، فأمر محمّد بن أيوب بإحضار المائدة. فلما أحضرت أمر بمحمد بن يسير فشدّ بحبل إلى أسطوانة من أساطين المجلس، وجلسنا نأكل بحذائه. فقال لنا: أيّ شيء يخلّصني؟ قلنا: تجيب نفسك عما كتبت به أقبح جواب. فقال: كفّوا عن الأكل إذا ولا تستبقوني به فتشغلوا خاطري، ففعلنا ذلك وتوقّفنا، فأنشأ يقول:
أيا عجبا من ذا التّسرّي فإنّه ... له نخوة في نفسه وتكابر [6]
/يشارط لمّا زار حتّى كأنه ... مغنّ مجيد أو غلام مؤاجر [7]
__________
[1] شنبذ: كلمة فارسية. جاء في «معجم جونسون» - وهو معجم فارسي عربي إنجليزي - «شنبذ - يوم السبت. جنبد - يتحرك، يحرك.
جنبد - يثب، يقفز، يجري». وجاء في «معجم ستنجاس»: جنبد - القفز، اللعب، تقريب عقب الرجل من الرأس» ويفهم من ذلك أن هذا اليوم يوم مرح ولعب ونشاط ونحو ذلك. والرذاذ: المطر الضعيف.
[2] المدامة والمدام: الخمر. ومضمخ: مدهن. والعبير: اخلاط من الطيب.
[3] البرذون من الخيل: ما كان من غير نتاج العراب. والدلجة: سير السحر.
[4] جاء في «لسان العرب»: «أجمر الثوب وجمره: بخره بالطيب، والّذي يتولى ذلك مجر ومجمّر، والجامر: الّذي يلي ذلك من غير فعل، إنما هو علي النسب.
[5] في الأصول «طابعا» وهو تصحيف. والدستيج: آنية تحوّل باليد وتنقل، فارسي معرب. والراح: الخمر. يروّدنيها: رادت الإبل ترود: اختلفت في المرعى مقبلة ومدبرة، وردتها أنا وأردتها؛ أي جعلتها ترعى، فمعنى يروّدنيها هنا على التشبيه بذلك أي يجعلني أستقي منها غاديا رائحا أي مرارا. ولا يعاسر: لا يشاكس.
[6] السرو: المروءة في شرف، سرو، ككرم ودعا ورضى فهو سريّ، وتسري تسريا: تكلف السرو. وتكابر وتكبر واستكبر بمعنى.
[7] في الأصول «يشابط» وهو تحريف. ومؤاجر: جاء في «المصباح المنير»: «قال الأخفش: ومن العرب من يقول آجرته فأنا مؤجر (بسكون الهمز) - في تقدير أفعلت فأنا مفعل - وبعضهم يقول فأنا مؤاجر - في تقدير فاعلته اه.
فلو لا ذمام كان بيني وبينه ... للطّم بشّار قفاه وياسر [1]
فقال محمّد: حسبك، لم نرد هذا كله، ثم حلّه وجلس يأكل معنا، وتممنا يومنا.
فعلة شاة منيع معه وهجاؤه إياها
أخبرني عمي قال حدّثنا ابن مهرويه قال: حدّثني عليّ بن محمّد بن سليمان النّوفليّ قال:
كان محمّد بن يسير من شعراء أهل البصرة وأدبائهم، وهو من خثعم وكان من بخلاء الناس، وكان له في داره بستان قدره أربعة طوابيق [2] قلعها من داره، فغرس فيه أصل رمّان وفسيلة [3] لطيفة، وزرع حواليه بقلا، فأفلتت شاة لجار له يقال له: منيع، فأكلت البقل ومضغت الخوص، ودخلت إلى بيته فلم تجد فيه إلا القراطيس [4] فيها شعره وأشياء من سماعاته، فأكلتها وخرجت، فعدا إلى الجيران في المسجد يشكو ما جرى عليه، وعاد فزرع البستان، وقال يهجو شاة منيع:
لي بستان أنيق زاهر ... ناضر الخضرة ريّان ترف [5]
/راسخ الأعراق ريّان الثّرى ... غدق تربته ليست تجفّ [6]
لمجاري الماء فيه سنن ... كيفما صرّفته فيه انصرف [7]
مشرق الأنوار ميّاد النّدى ... منثن في كلّ ريح منعطف [8]
/تملك الريح عليه أمره ... فإذا لم يؤنس الريح وقف [9]
يكتسي في الشرق ثوبي يمنة ... ومع الليل عليها يلتحف [10]
ينطوي الليل عليه فإذا ... واجه الشرق تجلّى وانكشف
صابر ليس يبالي كثرة ... جزّ بالمنجل أو منه نتف
كلما ألحف منه جانب ... لم يتلبّث منه تعجيل الخلف [11]
__________
[1] الذمام: الحق والحرمة. والمفهوم أنه يعني ببشار وياسر خادمين من خدم الوالي أو رجلين من أتباعه. وفي الأصول: «تلطم»؛ وهو تحريف.
[2] الطابق كهاجر وصاحب والطاباق: الآجر الكبير. ويظهر من قوله «قلعها من داره» أن البستان كان يدور حول المنزل، وأن ذلك القدر المذكور قدر عرضه.
[3] الفسيلة: النخلة الصغيرة.
[4] القراطيس: جمع قرطاس (و كسر القاف أشهر من ضمها)، وهو ما يكتب فيه.
[5] أنيق: حسن معجب. وناضر: شديد الخضرة. ويبالغ به في كل لون فيقال: أخضر ناضر، وأحمر ناضر، وأصفر ناضر. ترف: ترف النبات كفرح: تروّى، فهو ترف.
[6] أرض غدقة: في غاية الريّ، وهي الندبة المبتلة.
[7] سنن: جمع سنة وهي الطريقة.
[8] الأنوار: جمع نور (بالفتح): وهو الزهر. ويقال للنبت ندى، لأنه عن ندى المطر نبت.
[9] آنش الشي ء: أحس به.
[10] اليمنة: برد يمني، وهو موشى.
[11] في الأصول «ألحق» بدل «ألحف»؛ وهو تحريف. وألحفه: استأصله. ولم يتلبث: أي لم يتوقف ولم يبطى ء.
لا ترى للكفّ فيه أثرا ... فيه بل ينمي على مسّ الأكف [1]
فترى الأطباق لا تمهله ... صادرات واردات تختلف
فيه للخارف من جيرانه ... كلّما احتاج إليه مخترف [2]
أقحوان وبهار مونق ... وسوى ذلك من كلّ الطّرف [3]
/و هو زهر للنّدامى أصلا ... برضا قاطفهم ممّا قطف [4]
وهو في الأيدي يحيّون به ... وعلى الآناف طورا يستشف [5]
أعفه يا ربّ من واحدة ... ثم لا أحفل أنواع التّلف [6]
اكفه شاة منيع وحدها ... يوم لا يصبح في البيت علف
اكفه ذات سعال شهلة ... متّعت في شرّ عيش بالخرف [7]
اكفه يا ربّ وقضاء الطّلى ... ألحم الكتفين منها بالكتف [8]
وكلوح أبدا مفترّة ... لك عن هتم كليلات رجف [9]
ونئوس الأنف لا يرقا ولا ... أبدا تبصره إلّا يكف [10]
/لم تزل أظلافها عافية ... لم يظلّف أهلها منها ظلف [11]
__________
[1] نما ينمو نموا، ونمى ينمي نميا ونماء: زاد. و «فيه» الثانية حشو.
[2] خرف الثمار خرفا كنصر: جناها، كاخترفها. ومخترف: مجتني. أو هو برفع «كل» وفصلها من «ما»، وكسر الراء من «مخترف».
[3] الأقحوان: نبت طيب الريح حواليه ورق أبيض ووسطه أصفر. والبهار: نبت أصفر طيب الريح. ومونق: معجب.
[4] أصلا: جمع أصيل، وهو الوقت بعد العصر إلى المغرب. والندامى: جمع ندمان، وهو المجالس على الشراب.
[5] استشفه: تأمل ما فيه، واستشف ما في الإناء: شرب جميع ما فيه وتقصى شربه. والمعنى على هذا: يتقصى شمه كما يستشف الماء.
[6] يقال: ما حفله (كضرب) وما حفل به، وما احتفل به، أي ما بالي.
[7] الشهلة: العجوز. والخرف هنا: الشبص (أردأ التمر).
[8] الطلى: الأعناف أو أصولها جمع طلية أو طلاة. والوقص (بفتحتين): قصر العنق. وقص (كفرح) فهو أوقص وهي وقصاء.
والكتف، بكسر التاء وسكونها مع فتح الكاف وكقرد. ولحمه (كنصر) وألحمه: لأمه، يدعو عليها أن يلحم اللّه كتفيها حتى تصيرا كتفا واحدة.
[9] الكالح: الّذي قد قلصت شفته عن أسنانه نحو ما ترى من رؤوس الغنم إذا برزت الأسنان وتشمرت الشفاه. وافترّ عن ثغره: أبدى أسنانه. وعن هتم؛ أي عن أسنان مكسرة. ورجف: جمع رجوف، من رجف الشيء (كنصر) إذا خفق واضطرب اضطرابا شديدا.
[10] نئوس: وصف، من ناس اللعاب: إذا سال فاضطرب. ويرقأ: يجف ويسكن وينقطع، سهلت همزته. يعني أن رغامها (مخاطها) يسيل من منخريها لهزالها. ووكف الدمع والماء (كوعد): سال.
[11] أظلاف: جمع ظلف (بالكسر)، وهو للشاة كالحافر للفرس والقدم للإنسان. يقال: عفا الشعر والنبت وغيرهما إذا كثر وطال. ولم يظلف؛ اشتق من الظلف؛ يظلف بمعنى يقلم. وقلم الظفر: قطع ما طال منه. وظلف: أصله ظلفا (بسكون اللام وبالألف، مفعول يظلف) وقف عليه بنقل فتحة الفاء إلى اللام وحذف الألف وسكن الفاء؛ لأن الروي مقيد، متبعا في ذلك مذهب نحاة الكوفة وبعض نحاة البصرة المعاصرين له. ولبيان ذلك نقول: ذكروا أن في الوقف على المتحرك - غير هاء التأنيث - خمسة أوجه:
الإسكان والروم والإشمام والتضعيف والنقل، أي إنه يجوز نقل حركة الحرف الموقوف عليه إلى ما قبله بشروط، منها: أن يكون ساكنا وألا تكون الحركة فتحة، كقراءة بعضهم: وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ*
بكسر الباء وسكون الراء، فأما الفتحة فقد منع البصريون نقلها إذا كان المنقول عنه غير همزة، فلا يجوز عندهم رأيت بكر (بفتح الكاف وسكون الراء) ولا ضربت الضرب، لما يلزم على النقل
فترى في كل رجل ويد ... من بقاياهنّ فوق الأرض خفّ [1]
تنسف الأرض إذا مرّت به ... فلها إعصار ترب منتسف [2]
ترهج الطّرق على مجتازها ... بيد في المشي والخطو القطف [3]
في يديها طرق، مشيتها ... حلقة القوس، وفي الرجل حنف [4]
/فإذا ما سعلت واحد ودبت ... جاوب البعر عليها فخصف [5]
وأحصّ الشعر منها، جلدها ... شنّة في جوف غار منخسف [6]
ذات قرن وهي جمّاء، ألا ... إنّ ذا الوصف كوصف مختلف [7]
وإذا تدنو إلى مستعسب ... عافها نتنا إذا ما هو كرف [8]
لا ترى تيسا عليها مقدما ... رميت من كل تيس بالصّلف [9]
شوهة الخلقة، ما أبصرها ... من جميع الناس إلّا وحلف [10]
ما رأى شاة ولا يعلمها ... خلقت خلقتها فيما سلف
عجبا منها ومن تأليفها ... عجبا من خلقها كيف ائتلف!
لو ينادون عليها عجبا ... كسبوا منها فلوسا ورغف
__________
- حينئذ في المنون من حذف ألف التنوين، وحمل غير المنون عليه، وأجاز ذلك الكوفيون. ونقل عن الجرمي - وهو نحوي بصري توفى سنة 225 - أنه أجازه. وعن الأخفش - وهو نحوي بصري أيضا توفي سنة 215 - أنه أجازه في المنون على لغة من قال رأيت بكر، وهم ربيعة. فأما المهموز فيجوز نقل حركته وإن كانت فتحة، فيقال رأيت الخبأ والردأ في رأيت الخب ء والرد. (انظر «شرح الأشموني» باب الوقف).
[1] في الأصول كلها: «جف» بالجيم؛ وهو تصحيف. والخف: ما يلبس في الرجل.
[2] في الأصول: «تبدأ» بدل «بيد»: وهو تحريف. و «به» بالخف. ونسفه وانتسفه: قلعه من أصله. والإعصار: الريح الّتي تهب من الأرض كالعمود نحو السماء، أو الّتي فيها العصار (ككتاب) وهو الغبار الشديد.
[3] أرهج: أثار الغبار. والقطف، أصله القطف (بسكون الطاء وكسر الفاء) فوقف عليه بالنقل كما تقدّم. يقال: قطفت الدابة كضرب قطفا، وكنصر قطافا وقطوفا، وككرم فهي قطوف كصبور، أي بطيئة متقاربة الخطو.
[4] في الأصول: «في يدها طرف من مشيتها: خلقة ... » وهو تحريف وخطأ، وقد صححته كما ترى. والطرق: ضعف في ركبتي البعير ويده، أو اعوجاج في ساقه؛ يقال: بعير أطرق وناقة طرقاء، أي في يديها لين واسترخاء وتكسر وضعف. مشيتها حلقة القوس أي مشيتها معوجة كحلقة القوس غير مستقيمة. والحنف: الاعوجاج في الرجل إلى داخل.
[5] في الأصول: «جاوب البعر منها فحصف» وهو خطأ؛ وقد صححته كما ترى. خصف الورق على بدنه: ألزقه وأطبقه عليه ورقة ورقة، أي فخصف عليها، فلصق بجسمها.
[6] في الأصول: «و أخفى الشعر»؛ وهو تحريف. يقال: حص شعره وانحص إذا انجرد وتناثر. وذنب أحص: لا شعر عليه. وفي كتب اللغة أن الفعل يتعدى بنفسه بدون الهمز، يقال: حص الشعر كنصر إذا حلقه. والشنة والشنّ: القربة الخلق الصغيرة.
[7] في الأصول: «و هي حما» وهو تصحيف. جممت الشاة، إذا لم يكن لها قرن، فهي جماء.
[8] استعسب التيس: هاج واغتلم. وعافها: كرهها وأعرض عنها. وكرفها: شمها؛ يقال كرف الفحل إذا شم طروقته ثم رفع رأسه نحو السماء وكشر حتى تقلص شفتاه.
[9] صلفت المرأة كفرح صلفا: لم تحظ عند زوجها وأبغضها. والصلف أيضا: الكبر. أي صلف التيس وأدل عليها.
[10] يقال: رجل أشوه وامرأة شوهاء، إذا كانت قبيحة، والاسم الشوهة بالضم. ولم ترد كلمة «شوهة» في كتب اللغة وصفا، فالتقدير في البيت «شوهة الخلقة صفة ثابتة لها، أو شوهة خلقتها ليس لها نظير». أو أنه استعمل الاسم استعمال الوصف مجازا.
/
ليتها قد أفلتت في جفنة ... من عجين أو دقيق مجترف [1]
فتلقّت شفرة من أهله ... قدر الإصبع شيئا أو أشفّ [2]
أحكمت كفّا حكيم صنعها ... فأتت مجدولة [3] فيها رهف
أدمجت من كلّ وجه غير ما ... ألّل الأقيان من حدّ الطّرف [4]
قابض الرّونق فيها ماتع ... يخطف الأبصار منها يستشفّ [5]
لمحتها فاستخفّت نحوها ... [عجلا] ثم أحالت تنتسف [6]
فتناهت بين أضعاف المعى ... وتبوّت بين أثناء الشّغف [7]
أو رمتها قرحة زادت لها ... ذوبانا كلّ يوم ونحف
كل يوم فيه يدنو يومها ... أو ترى واردة حوض الدّنف
/ بينما ذاك بها إذ أصبحت ... كحميت [8] مفعم أو مثل جف
شاغرا عرقوبها قد أعتبت ... بطنة من بعد إدمان الهيف [9]
وغدا الصّبية من جيرانها ... ليجرّوها إلى مأوى الجيف
فتراها بينهم مسحوبة ... تجرف التّرب بجنب منحرف [10]
فإذا صاروا إلى المأوى بها ... أعملوا الآجرّ فيها والخزف [11]
ثم قالوا: ذا جزاء للتي ... تأكل البستان منا والصّحف [12]
لا تلوموني، فلو أبصرت ذا ... كلّه فيها إذن لم أنتصف
__________
[1] في الأصول: «مخترف» بالخاء، وهو تصحيف والجفنة: القصعة.
[2] في الأصول: «فتلفت شعرة»؛ وهو تحريف.
[3] لعل الأصل «مصقولة»؛ إذ المناسب للسكين الصقل لا الجدل. ورهف (ككرم) رهافة ورهفا بالفتح وبالتحريك: دق ولطف.
[4] ألل الشيء تأليلا: حدّد طرفه. والأقيان: جمع قين، وهو الحداد.
[5] في الأصول «مانع» بالنون وهو تصحيف. والماتع من كل شي ء: البالغ في الجودة الغاية في بابه. ورونق السيف: ماؤه وحسنه.
وقابض الرونق، أي ما يمسكه ويحفظه. وخطف كسمع وضرب، أو هذه قليلة أو رديئة. واستشفه: رأى ما وراءه.
[6] لمحتها، أي الشفرة أسند اللمح إليها ويريد أصحابها. فاستخفت: يريد فخفت إليها أي أسرعت لذبحها والقضاء عليها. وقد زدت كلمة «عجلا» ليستقيم الوزن، وأحالت: تحوّلت، أي هوت عليها تنسفها.
[7] تناهت: انتهت أي بلغت ووصلت. وأضعاف المعى: أثناؤها جمع ضعف بالكسر. وتبوّت سهل تبوأت، أي حلت وأقامت.
والشغف: غلاف القلب أو حبته كالشغاف.
[8] في الأصول «لحميت» باللام؛ وهو تحريف. والحميت: الزق الّذي يجعل فيه السمن. والجف: والشن البالي يقطع من نصفه ويجعل كالدلو.
[9] في ب، س «شاعرا عرفوا بها» وفي ج شاعرا عرقوبها وهو تحريف. شاغرا عرقوبها أي مرفوعا، من شغر الكلب برجله كفتح إذا رفعها، والبطنة: عظم البطن. والهيف: ضمر البطن ورقة الخاصرة.
[10] جرفه كنصر: كسحه.
[11] الآجرّ: الطوب. والخزف: الطين المعمول آنية قبل أن يطبخ؛ وهو الصلصال، فإذا شوى فهو الفخار.
[12] في الأصول: «للذي»؛ وهو تحريف.
شعره إلى امرأته وقد كتبت إليه تعاتبه
أخبرني عليّ بن سليمان قال حدّثنا محمّد بن يزيد قال حدّثنا عبد اللّه بن محمّد بن يسير، وحدّثني سوار بن أبي شراعة قال [1] حدّثني عبد اللّه بن محمّد بن يسير قال:
هوي أبي قينة من قيان أبي هاشم بالبصرة، فكتبت إليه أمي تعاتبه، فكتب إليها:
/لا تذكري لوعة إثري ولا جزعا ... ولا تقاسنّ بعدي الهمّ والهلعا [2]
بل ائتسي تجدي إن ائتسيت أسا ... بمثل ما قد فجعت اليوم قد فجعا [3]
ما تصنعين بعين عنك قد طمحت ... إلى سواك وقلب عنك قد نزعا [4]
إن قلت قد كنت في خفض وتكرمة ... فقد صدقت، ولكن ذاك قد نزعا [5]
وأيّ شيء من الدنيا سمعت به ... إلا إذا صار في غاياته انقطعا
ومن يطيق خليعا عند صبوته ... أم من يقوم لمستور إذا خلعا
هجاؤه أبا النجم المغني
أخبرني عمي قال: حدّثنا ابن مهرويه قال: حدّثنا عبد اللّه بن يسير أن أباه دعي إلى وليمة وحضرها مغنّ يقال له أبو النجم، فعبث بأبي وباغضه وأساء أدبه، فقال يهجوه:
نشت بأبي النّجم المغنّي سحابة ... عليه من الأيدي شآبيبها القفد [6]
/نشا [7] نوءها بالنّحس حتى تصرّمت ... وغابت [8] فلم يطلع لها كوكب سعد
سقته فجادت فارتوى من سجالها ... ذرا رأسه والوجه والجيد والخدّ [9]
فلا زال يسقيه بها كلّ مجلس ... به فتية أمثالها الهزل والجدّ
__________
[1] في الأصول: «سراعة»؛ وهو تصحيف. والتصحيح عن «الأمالي» و «القاموس المحيط». ومن أسمائهم سوار ككتاب وسوّار كشدّاد.
[2] في رواية «الأمالي» (ج 1: ص 23): «لا تتبعن لوعة إثرى ولا هلعا» بتأكيد الفعل بنون التوكيد الخفيفة. وفي الأصول: «و لا تقاسين» تحريف. والهلع: أفحش الجزع.
[3] أسا (بالضم والكسر): جمع أسوة (بالضم والكسر أيضا)، وهي القدوة وما يأتسي به الحزين أي يتعزى به. وائتسي به: اقتدى به، وجعله أسوة أي قدوة.
[4] نزع عن الأمر كضرب نزوعا: كف وانتهى عنه وأباه.
[5] الخفض: الدعة. وفي «الأمالي»: «في ودّ». وفيه أيضا: «قد منعا».
[6] نشت، نشى بالشي ء: عاوده مرة بعد أخرى، أو هو مسهل عن «نشأت»؛ يقال: نشأت السحابة إذا ارتفعت. وشآبيب: جمع شؤبوب كعصفور، وهو الدفعة من المطر. وقفده قفدا كضربه: صفع قفاه بباطن كفه. وفي الأصول: «الفقد»؛ وهو تصحيف.
[7] في ب وس: «فشانأها»، وهو تحريف. والنوء: سقوط نجم في المغرب وطلوع آخر في المشرق. وكانت العرب في الجاهلية تضيف الأمطار والرياح والحر والبرد إلى الساقط منها أو إلى الطالع، فإذا سقط نجم وطلع آخر قالوا لا بد من أن يكون عند ذلك مطر أو رياح، فينسبون كل غيث يكون عند ذلك إلى ذلك النجم، فيقولون: مطرنا بنوء الثريا، والدبران، والسماك.
[8] في الأصول: «و غاب» وهو تحريف. وفي البيت تهكم به وتعريض لأنه يدعى «أبا النجم».
[9] سجال: جمع سجل بالفتح، وهو الدلو العظيمة مملوءة.
/ أراد به يسقيانه [1].
قصته مع صديق له يدعى داود
أخبرني عمي قال حدّثنا ابن مهرويه قال وحدّثني عبد اللّه بن محمّد بن يسير قال:
كان لأبي صديق يقال له داود من أسمج الناس وجها وأقلّهم أدبا، إلا أنه كان وافر المتاع، فكان القيان يواصلنه ويكثرن عنده، ويهدين إليه الفواكه والنبيذ والطيب، فيدعو بأبي فيعاشره. فهويته قينة من قيان البصرة، كانت من أحسن الناس وجها، فبعثت إلى داود برقعة طويلة جدّا تعاتبه فيها وتستجفيه وتستزيره [2]. فسأل أبي أن يجيبها عنه، فقال أبي: اكتب يا بنيّ قبل أن أجيب عنها:
وابلائي من طول هذا الكتاب ... أسعدوني عليه يا أصحابي
أسعدوني على قراة كتاب ... طوله مثل طول يوم الحساب [3]
/إنّ فيه منّي البلاء ملقّى ... ولغيري فيه الهوى والتّصابي
وله الودّ والهوى، وعلينا ... فيه للكاتبين ردّ الجواب
ثم ممن يا سيّدي؟ وإلى من؟ ... من هضيم الحشا لعوب كعاب [4]
وإلى من إن قلت فيه بعيب ... لم أحط في مقالتي بالصواب [5]
لا يساوي على التأمّل والتف ... تيش يوما في الناس كفّ تراب
شعره في رثاء داود
فقال عبد اللّه: وكان أبي إذا انصرف من مجلس فيه داود هذا أخذه معه، فيمشي قدّامه، فإن كان في الطريق طين أو بئر أو أذى لقي داود شرّه وحذره أبي. فمات داود. وانصرف أبي ذات ليلة وهو سكران، فعثر بدكّان [6] وتلوّث بطين ودخل في رجله عظم ولقي عنتا، فقال يرثي داود:
أقول والأرض قد غشّى وجلّلها ... ثوب الدّجى فهو فوق الأرض ممدود [7]
وسدّ كلّ فروج الجوّ منطبقا ... وكلّ فرج به في الجوّ مسدود
وفي الوداع وفي الإبداء لي عنت ... دون المسير وباب الدار مسدود [8]
من لي بداود في ذي الحال يرشدني؟ ... من لي بداود؟ لهفي! أين داود؟
__________
[1] أي فلا زال الهزل والجد يسقيانه أمثال هذه السحابة في كل مجلس به فتية.
[2] في الأصول «فبعث إلى داود برقعة طويلة جدا يعاتبه فيها ويستجفيه ويستزيده» وكله تحريف. وتستجفيه: تنسبه إلى الجفاء وتعدّ جافيا. وتستزيره: تسأله أن يزورها.
[3] قراة، مسهّل عن قراءة.
[4] امرأة هضيم: لطيفة الكشحين ضامرة البطن. ولعوب: حسنة الدل. وكعاب: كعب ثديها، أي نهد.
[5] في الأصول: «بعيث» «لم أخط» وهو تصحيف وفي ب، س «من مقالتي».
[6] الدكان: بناء يسطح أعلاه للقعود - المصطبة.
[7] غشاها: غطاها. وجلل المطر الأرض: عمها وطبقها فلم يدع شيئا إلا غطاه.
[8] الإبداء: الابتداء، بدأ الشيء وأبدأه: فعله ابتداء.
لهفي على رجله ألّا أقدّمها ... قدّام رجلي فتلقاها الجلاميد
/ إذ لا أزال إذا أقبلت ينكبني ... حرف وجرف ودكّان وأخدود [1]
فإن تكن شوكة كانت تحل به ... أو نكتة في سواد الليل أو عود [2]
أبيات له في شاة منيع
أخبرني عمي قال حدّثنا ابن مهرويه قال حدّثني القاسم بن الحسن مولى جعفر بن سليمان الهاشمي قال:
هجمت شاة منيع البقّال على دار ابن يسير وهو غائب، وكانت له قراطيس فيها أشعار وآداب مجموعة، فأكلتها كلّها، فقال في ذلك:
قل لبغاة الآداب ما صنعت ... منها إليكم فلا تضيعوها
وضمّنوها صحف الدّفاتر بال ... حبر وحسن الخطوط أو عوها [3]
فإن عجزتم ولم يكن علف ... تسيغه عندكم فبيعوها [4]
قوله في يوسف بن جعفر وقد عربد عليه وشجه
أخبرني الحسن بن عليّ قال: حدّثنا ابن مهرويه قال: حدّثني ابن شبل البرجميّ قال:
/ كان محمّد بن يسير يعاشر يوسف بن جعفر بن سليمان، وكان يوسف أشدّ خلق اللّه عربدة، وكان يخاف لسان ابن يسير فلا يعربد عليه. ثم جرى بينهما ذات يوم كلام على النبيذ ولحاء [5]، فعربد يوسف عليه وشجّه، فقال ابن يسير يهجوه:
لا تجلسن مع يوسف في مجلس ... أبدا ولم تحمل دم الأخوين [6]
ريحانه بدم الشباب ملطّخ ... وتحيّة النّدمان لطم العين
شعر له في غلام
أخبرني جعفر بن قدامة قال حدّثني الحسين بن يحيى المنجّم قال حدّثني أبو عليّ بن الخراسانيّ قال:
كان لمحمد بن يسير البصريّ بابان يدخل من أحدهما وهو الأكبر، ويدخل إليه إخوانه من الباب الآخر وهو الأصغر، ومن يستشرط [7] من المرد. فجاء يوما غلام قد خرجت لحيته، كانت عادته أن يدخل من الباب الأصغر، فمرّ من ذلك [الباب]، فجعل يخاصم لدالّته [8]، وبلغ ابن يسير فكتب إليه:
__________
[1] الجرف (بالضم وكعنق): ما تجرفته السيول وأكلته من الأرض. والأخدود: الحفرة المستطيلة في الأرض.
[2] نكتة، من نكته أي ألقاه على رأسه.
[3] أوعى الشيء في الوعاء ووعاه: جمعه فيه.
[4] في الأصول «يسيغها»؛ وهو تحريف. يقال: ساغ الشراب والطعام: سهل مدخله في الحلق، وأساغ هو الطعام والشراب يسيغه.
[5] لا حاه لحاء وملاحاة: نازعه وخاصمه.
[6] في الأصول «و لا تجلسا» ومع الواو لا يستقيم الوزن. ودم الأخوين - العندم - البقم: صبغ أحمر.
[7] من استشرط المال، أي فسد بعد صلاح. والمرد: جمع أمرد، وهو الشاب لم تنبت لحيته.
[8] أدل عليه وتدلل: وثق بمحبته فأفرط عليه. والاسم الدالة.
قل لمن رام بجهل ... مدخل الظّبي الغرير
بعد أن علّق في خدّ ... يه مخلاة الشّعير
ليته يدخل إن جا ... ء من الباب الكبير
شعر له في عمرو القصافي وقد عان مفنية
وأخبرني عمّي قال حدّثنا ابن مهرويه قال حدّثني القاسم بن الحسن مولى جعفر بن سليمان قال:
كنّا في مجلس ومعنا محمّد بن يسير وعمرو القصافيّ [1]، وعندنا مغنية حسنة الوجه شهلة [2] تغنّي غناء حسنا، فكنّا معها في أحسن يوم، وكان القصافيّ يعين [3] في كل شيء يستحسنه ويحبّه، فما برحنا من المجلس حتى عانها، فانصرفت محمومة شاكية العين. فقال ابن يسير:
/إنّ عمرا جنى بعينيه ذنبا ... قلّ منّي فيه عليه الدّعاء
عان عينا [4]، فعينه للتي عا ... ن فدى، وقلّ منه الفداء
شرّ عين تعين أحسن عين ... تحمل الأرض أو تظلّ السماء [5]
استعار حمارا من جار له فأبى عليه فقال شعرا يشكوه
أخبرني عمّي قال حدّثنا ابن مهرويه قال حدّثنا القاسم بن الحسن قال: استعار ابن يسير من بعض الهاشميين من جيرانه حمارا كان له ليمضي عليه في حاجة أرادها [فأبى عليه] [6]، فمضى إليها ماشيا، وكتب إلى عمرو القصافيّ - وكان جارا للهاشميّ وصديقا - يشكوه إليه ويخبره بخبره:
إن كنت لا عير لي يوما يبلّغني ... حاجي وأقضي عليه حقّ إخواني [7]
وضنّ أهل العواري حين أسألهم ... من أهل ودّي وخلصاني وجيراني [8]
فإنّ رجليّ عندي - لا عدمتهما - ... رجلا أخي ثقة مذكان جولاني [9]
تبلّغاني حاجاتي وإن بعدت ... وتدنياني مما ليس بالداني
كأنّ خلفي إذا ما جدّ جدّهما ... إعصار عاصفة مما تثيران
__________
[1] القصافي: نسبة إلى بني قصاف، وهم بطن من العرب.
[2] الشهلة: النّصف العاقلة.
[3] عانه كباع: أصابه بعينه.
[4] عيناء: واسعة العين، قصر للشعر.
[5] في الأصول: «أو تقل السماء».
[6] زيادة يستقيم بها الكلام.
[7] العير: الحمار، وغلب على الوحشي. حاج: جمع حاجة.
[8] العواري: جمع عارية، وهي ما يستعار، وفي الجمع والمفرد التخفيف والتشديد. وفلان خلصي، بالكسر؛ وهو الخالص المودة، وهم خلصاني، بالضم، يستوي فيه الواحد والجماعة. وتقول: هؤلاء خلصاني وخلصاني (كظرفاء).
[9] في الأصول: «جولان» وهو تحريف. يقال: رجل جولانيّ (بتشديد الياء) أي عام المنقعة للقريب والبعيد يجول معروفه في كل أحد.
رجلاي لم تألما نكبا كأنّهما ... قطّا وقدّا وإدماجا مدا كان [1]
/كأن ما بهما أخطو إذا ارتهيا ... في سكّة من أي ذاك سماكان [2]
/إن تبعثا في دهاس تبعثا رهجا ... أوفى حزون ذكا فيها شهابان [3]
فالحمد للّه يا عمرو الّذي بهما ... عن العواري وعن ذا الناس أغناني
قصة جلة التمر وشعره إلى والي البصرة في ذلك
أخبرني عليّ بن سليمان الأخفش قال حدّثنا محمّد بن داود بن الجرّاح قال حدّثني محمّد بن سعد الكرانيّ قال:
كنّا في حلقة التّوّزيّ [4]، فلما تقوّضت أنشدنا محمّد بن يسير لنفسه قوله:
جهد المقلّ إذا أعطاه مصطبرا ... ومكثر من غنى سيّان في الجود [5]
لا يعدم السائلون الخير أفعله ... إمّا نوالي وإمّا حسن مردود [6]
فقلنا له: ما هذا التكارم [7]! وقمنا إلى بيته فأكلنا من جلّة [8] تمر كانت عنده أكثرها وحملنا بقيّتها. فكتب إلى والي البصرة عمر بن حفص:
يا أبا حفص بحرمتنا ... عنّ نفسا حين تنتهك [9]
خذ لنا ثأرا بجلّتنا ... فبك الأوتار تدّرك [10]
/كهف كفّي حين تطرحها ... بين أيدي القوم تبترك [11]
زارنا زور فلا سلموا ... وأصيبوا أيّة سلكوا [12]
__________
[1] لم تألما نكبا، أي من نكب، يقال: نكب الحجر رجله أو ظفره نكبا إذا أصابها. قطا، في الأصول «فظا» وهو تصحيف، والقط:
القطع عرضا أو عامة. والقدّ: القطع المستطيل أو الشق طولا. والمداك، كالمدوك، وزان مبرد: مدقّ الطيب.
[2] كذا في الأصول!!
[3] الدهاس: المكان السهل ليس برمل ولا تراب. والرهج: الغبار. والحزون: جمع حزن (بالفتح)، وهو ما غلظ من الأرض. وذكت النار تذكو: اشتدّ لهبها. والشهاب: شعلة من نار ساطعة. وفي ب، س: «إن يبعثاني دهاسا يبعثا» وفي ج: «إن يبعثاني دهاث يبعثا» وهو تحريف.
[4] التوّزي: نسبة إلى توّز بلد بفارس؛ وهو عبد اللّه بن محمّد بن هرون التوزي، من أئمة اللغة والنحو بالبصرة، وقرأ على الجرمي كتاب سيبويه، وتوفى سنة 238 ه.
[5] قبل هذين البيتين في «الشعر والشعراء»:
ما ذا عليّ إذا ضيف تأوّبني ... ما كان عندي إذا أعطيت مجهودي
[6] في «الشعر والشعراء»: «نوالا».
[7] التكارم: التظاهر بالكرم وادّعاؤه.
[8] الجلة: وعاء من خوص.
[9] عناه: جشمه العناء وأتعبه، وعناه أيضا: حبسه حبسا طويلا. حين تنتهك، أي تنتهك حرمتنا.
[10] الأوتار: جمع وتر (بالكسر) وهو الثأر. تدّرك: تدرك.
[11] الكهف: الملجأ والوزر. وابتركت السحابة: اشتد انهلالها وألحت بالمطر.
[12] في الأصول «فلا سلم» والصواب من «الشعر والشعراء». والزور: الزائرون.
أكلوا حتّى إذا شبعوا ... أخذوا الفضل الّذي تركوا
قال: فبعث إلينا فأحضرنا فأغرمنا مائة درهم، وأخذ من كلّ واحد منّا جلّة تمر، ودفع ذلك إليه.
قصته مع أحمد بن يوسف
أخبرني الأخفش قال حدّثنا أبو العيناء قال:
كان بين محمّد بن يسير وأحمد بن يوسف الكاتب شرّ، فزجّه [1] أحمد يوما بحماره تعرّضا لشرّه وعبثا به، فأخذ ابن يسير بأذن الحمار وقال له: قل لهذا الحمار الراكب فوقك لا يؤذي الناس، فضحك أحمد ونزل، فعانقه وصالحه.
قصته مع أبي عمرو المديني وشعره في ذلك
أخبرني عمي قال حدّثنا ابن مهرويه قال: حدّثني محمّد بن عليّ الشاميّ قال:
طلب محمّد بن يسير من ابن أبي عمرو المدينيّ فراخا من الحمام الهدّاء [2]، فوعده أن يأخذها له من المثنّى بن زهير، ثم نوّر [3] عليه (أي أعطاه فراخا غير منسوبة دلّسها عليه وأخذ المنسوبة لنفسه). فقال محمّد بن يسير:
يا ربّ ربّ الرائحين عشيّة ... بالقوم بين منى وبين ثبير [4]
/و الواقفين على الجبال عشية ... والشمس جانحة إلى التغوير [5]
حتى إذا طفل العشيّ ووجّهت ... شمس النهار وآذنت بغئور [6]
رحلوا إلى خيف نواحل ضمّها ... طول السّفار وبعد كلّ مسير [7]
ابعث على طير المدينيّ الّذي ... قال المحال وجاءني بغرور [8]
ابعث على عجل إليها بعد ما ... يأخذن زينتهنّ في التحسير [9]
__________
[1] زجه: طعنه بالزج ورماه به. والمعنى هنا صدمه.
[2] في ب، س «الهندي» وهو تحريف. وفي ج «الهدى» بألف مقصورة. والهدّاء: ضرب من الحمام وهو ما يعرف بالزاجل.
الواحد الهادي، جاء في «المخصص» 8: 170 «و هنّ اللائي يدرّبن ويرفعن من مرحل إلى مرحل حتى يجئن من البعد؛ من بلاد الروم وعريش بمصر ودون ذلك من مواضع كثيرة مسماة، وهي محفوظة أنسابهن ... ».
[3] نوّر عليه: لبّس عليه أمره، وأصله أن امرأة كانت تسمى «نورة» بالضم، وكانت ساحرة، فقيل لمن فعل فعلها قد نوّر.
[4] ثبير: جبل بمكة.
[5] جانحة: مائلة. وغوّرت الشمس تغويرا: غارت وغربت.
[6] طفلت الشمس كنصر: دنت للغروب. وجهت: توجهت، أي ولت وذهبت. وغارت غيارا وغئورا: غابت.
[7] خيف، يريد خفيف منى، وهو ناحية منها. والخيف ما انحدر من غلظ الجبل وارتفع عن سيل الماء، ومنه سمي مسجد الخيف من منى؛ قال مجنون ليلى:
ولم أر ليلى بعد موقف ساعة ... بخيف منى ترمي جمار المحصب
وفي ب، س: «جيف» وهو تصحيف. رحلوا نواحل، أي إبلا نواحل مهزولة. ورحل البعير: حط عليه الرحل.
[8] أي ابعث عليها ما يؤذيها ويهلكها.
[9] التحسير: سقوط ريش الطائر. وانحسرت الطير: خرجت من الريش العتيق إلى الحديث.
في كل ما وصفوا المراحل وابتدوا ... في المبتدين بهنّ والتكسير [1]
ومضين عن دور الخريبة زلفة ... دون القصور وحجرة الماخور [2]
مع كلّ ريح تغتدي [3] بهبوبها ... في الجوّ بين شواهن وصقور
/ من كلّ أكلف بات يدجن ليله ... فغدا بغدوة [4] ساغب ممطور
ضرم يقلّب طرفه متأنّسا [5] ... شيئا فكنّ له من التقدير
يأتي لهنّ ميامنا ومياسرا ... صكّا بكل مزلّق ممكور [6]
من طائر متحيّر عن قصده ... أو ساقط خلج الجناح كسير [7]
لم ينج منه شريدهن فإن نجا ... شيء فصار بجانبات الدّور [8]
لمشمّرين عن السواعد حسّر ... عنها بكل رشيقة التّوتير [9]
سدد الأكفّ إلى المقاتل صيّب ... سمت الحتوف [10] بجؤجؤ ونحور
/ ليس الّذي تخطي يداه رميّة ... منهم بمعدود ولا معذور [11]
يتبوّعون وتمتطي أيديهم ... في كل معطية الجذاب نتور [12]
__________
[1] كذا في الأصول!! ولعله «التكثير».
[2] الخربية موضع بالبصرة يسمى البصرة الصغرى والزلفة: الطائفة من أوّل الليل. وزلف الليل: ساعات من أوله. والحجرة: الناحية؛ يقال:
قعد حجرة وحجرا بالفتح، أي ناحية. وفي الأصول «و حمرة» بالميم وهو تحريف. الماخور: مجمع أهل الفسق والفساد، وبيوت الخمارين.
[3] في الأصول «يعتري وهو تحريف. والشاهين: من سباع الطير، معرب، والجمع شواهين.
[4] في الأصول «فعدا بعدوة» وهو تصحيف. والكلفة بالضم: لون بين السواد والحمرة. والدجن بالفتح: إلباس الغيم أقطار السماء، يقال: دجن يومنا كنصر وأدجن إذا أضب فأظلم. والغدوة: البكرة أو ما بين صلاة الفجر وطلوع الشمس. والساغب: الجائع.
والممطور الّذي أصابه المطر.
[5] ضرم كفرح: اشتد جوعه، وضرم في الطعام: جدّ في أكله لا يدفع شيئا منه. وفي الأصول «متناسيا»؛ وهو تحريف، وتأنس البازي نظر رافعا رأسه وطرفه. وفي الأصول أيضا: «فكان له»؛ وهو تحريف، والتصحيح عن «الحيوان للجاحظ» (5: 234).
[6] في الأصول: «يأتي بهن» والتصويب من «الحيوان». وصكه: ضربه شديدا. وبكل مزلق، أي بكل منقار أو مخلب مزلق، من زلق الحديدة: أدمن تحديدها. والممكور: المصبوغ بالمكر أي المغرة (بفتح الميم فيهما) وفي حمراء أي كأنه مصبوغ بها. وفي «الحيوان» «مذلق مطرور» وذلق السكين: حدّده، والمطرور: المحدّد أيضا.
[7] خلج كفرح: اشتكى لحمه وعظامه من عمل يعمله، أو من طول مشى وتعب.
[8] في الأصول «شيئا» وهو تحريف. جانبات: جمع جانبة، والجانب: الغريب.
[9] لمشمرين، أي هذه الشواهين والصقور لصيادين مشمرين؛ وحسر: جمع حاسر؛ يقال: حسره كنصر وضرب إذا كشفه؛ وتر القوس توتيرا: شد وترها. والرشيق من الغلمان والجواري: الخفيف الحسن القد اللطيفة، وناقة رشيقة: خفيفة سريعة. ويقال للقوس ما أرشقها أي ما أخفها وأسرع سهمها. والرشق محركة: القوس السريعة السهم الرشيقة. وفي «البيان والتبين» (ج 3: ص 36):
«دقيقة التوتير».
[10] في الأصول «الجيوف»، وهو تصحيف. سدد: جمع سديد، وصاب يصيب (كيصوب) صيبا: أصاب، فهو صائب، والجمع صيب. وسهم صيوب كغيور والجمع صيب كعنق. والسمت: الطريق والمذهب والقصد: والجؤجؤ: الصدر.
[11] الرمية: الصيد الّذي ترميه. وفي «الحيوان» و «البيان والتبيين»: « ... تشوى ... فيهم بمعتذر» يقال: رمى فأشوى: إذا أصاب الأطراف ولم يصب المقتل.
[12] تبوّع: مدّ باعه وملأ ما بين خطوه. وفي الأصول: «يتسرعون ...
في كل طائفة الجدار بتور»
وهو تحريف. والتصحيح عن
عطف السّيات دوائرا في عطفها ... تعزى صناعتها إلى عصفور [1]
ينفثن عن جذب الأكفّ ثواقبا ... متشابهات القدّ والتدوير [2]
تجري بها مهج النفوس وإنّها ... لنواصل [3] سلت من التّحبير
ما إن تقصّر عن مدى متباعد ... في الجوّ يحسر طرف كلّ بصير [4]
حتّى تراه مزمّلا بدمائه ... فكأنه متضمّخ بعبير [5]
فيظلّ يومهم بعيش ناصب ... نصب المراجل معجلي التنوير [6]
/و يئوب ناجيهنّ بين مضرّج ... بدم ومخلوب إلى منسور [7]
عاري الجناح من القوادم، والقرا ... كاس، عليه مائر التّامور [8]
فيئوده متبهنس في مشيه ... خطف المؤخّر مشبع التصدير [9]
ذو حلكة مثل الدّجى أو غبثة ... شغب شديد الجدّ والتشمير [10]
__________
«الحيوان». وقوس معطية: لينة ليس بكزة ولا ممتنعة على من يمدّ وترها. والجذاب: المجاذبة. والتنوّر: الشديدة الجذب.
[1] سية القوس: ما عطف من طرفيها. وعطف: جمع عطوف. وقوس عطوف كصبور ومعطفة وعطفى ومعطوفة، أي عطفت سيتها عليها عطفا شديدا. وعطف القوس بالكسر: سيتها. وعصفور: جاء في «الحيوان» 5: 233 «و عصفور القواس: إليه تضاف القسيّ العصفورية، وقد ذكره ابن يسير حين دعا على حمام بالشواهين والصقور والسنانير والبنادق».
[2] في الأصول: «عن حدب» وهو تصحيف. وثواقبا: في ج «ثواقبا» بالثاء، وفي ب، س «نواقبا» بالنون، وكلاهما صحيح، أي سهاما ثواقب تثقب الرمية وتنفذ فيها، أو نواقب تنقب الهدف وتخرقه.
[3] في ب، س: «لنواضل» وهو تصحيف. ومهج: جمع مهجة، وهي الدم. ونواصل جمع ناصل، وسهم ناصل: ذو نصل، وسهم ناصل أيضا. سقط منه نصله، ضد. وحبرت الشيء تحبيرا: حسنته، وسهم محبر: حسن البري. وسلت: جمع أسلت، وهو في الأصل: الرجل الّذي أوعب جدع أنفه. يريد به هنا السهم الّذي أجيد بريه وأزيل ما فيه من نتوء.
[4] مدى متباعد: أي مدى طائر متباعد. حسر البصر (لازما) كحلس: كل وانقطع من طول مدى، وحسر العين بعد ما حدّقت إليه (متعديا كنصر): أكلّها.
[5] زمله: لفه. وتضمخ بالطيب: تلطخ، والعبير: الزعفران أو أخلاط من الطيب.
[6] فيظل يومهم: إسناد مجازي؛ أي فيظلون في يومهم. عيش ناصب: فيه نصب وكد وجهد؛ المراجل: جمع مرجل كمنبر، وهو القدر يطبخ فيها. نصب المراجل: أي قد نصبوا المراجل وأقاموها لطبخ ما صادوه من الطيور، والتنوير: الإنارة، ويريد إيقاد النار.
[7] في الأصول «ميسور» وهو تصحيف. ومضرج: ملطخ. خلبه بظفره كضرب ونصر: جرحه أو خدشه أو قطعه. منسور: النسر: نتف البازي اللحم بمنسره أي بمنقاره، نسر اللحم كضرب ونصر: نتفه.
[8] في الأصول: «ما يرى التامور» وهو تحريف. والقوادم: عشر ريشات في مقدم كل جناح. القرا: الظهر. والتامور التأمور: الدم؛ ومار الدم يمور: إذا جرى، أي إن القرا، قد كسى بالدم المائر. وفي «الحيوان» «بصائر التامور» وبصائر جمع بصيرة وهي الدفعة من الدم.
[9] أخذ يدعو على ما بقي من الحمام أن يقع بين مخاطب السنانير. جاء في «الحيوان» للجاحظ في «وصف السنور بصفة الأسد» 5: 271 «قال ابن يسير في صفة السنور فوصفه بصفة الأسد. في دعائه على حمام ذلك الجار حين انتهى إلى ذكر السنور:
وخبعثن في مشيه متبهنس ... خطف المؤخر كامل التصدير
الخبعثن (كقذ عمل): الأسد؛ أراد به السنور، والمتبهنس: المتبختر، وفي الأصول: «متيقن» وهو تحريف. وآده يئوده: عطفه، يعني فيمسكه. والخطف (كتفل وعنق): الضمر وخفة لحم الجنب. وإخطاف الحشا: انطواؤه، والوصف منه: مخطف الحشا (بفتح الطاء) وأخطف الحشا ومخطوفه، أي ضامره. أما الوصف «بخطف» كما في البيت فلم يرد في كتب اللغة.
[10] الحلكة: شدة السواد والدجى: جمع دجية، وهي الظلمة. والغبثة (و البغثة): لون إلى الغبرة. وشغبهم وبهم وعليهم كمنع وفرح:
هيج الشر عليهم، وهو شغب. وفي الأصول «شديد الحد والتيسير» وأراه «و التشمير» لأنه المناسب للجد. وفي «الحيوان».:
متسربل ثوب الدجى أو غبشة ... شيبت على متنيه بالتنمير
فيمرّ منها في البراري والقرى ... من كل أعصل كالسّنان هصور [1]
في حين تؤذيها المبايت موهنا ... أو بعد ذلك آخر التسحير [2]
يختصّ كلّ سليل سابق غاية ... محض النّجار مجرّب مخبور [3]
/عجّل عليه بما دعوت له به ... أره بذاك عقوبة التّنوير
حتى يقول جميع من هو شامت ... هذي إجابة دعوة ابن يسير
فلألفينّك عند حالي حسرة ... وتأسّف وتلهّف وزفير
ولتلفينّ إذا رمتك بسهمها ... أيدي المصائب منك غير صبور
قوله في قصر خرب
أخبرني عمّي قال حدّثنا ابن مهرويه قال: حدّثني القاسم بن الحسن مولى جعفر بن سليمان قال:
خرجنا مع بعض ولد النّوشجانيّ [4] إلى قصر له في بستانهم بالجعفريّة [5]، ومعنا محمّد بن يسير، وكان ذلك القصر من القصور الموصوفة بالحسن، فإذا هو قد خرب واختلّ، فقال فيه محمّد بن يسير:
ألا يا قصر قصر النّوشجاني ... أرى بك بعد أهلك ما شجاني [6]
/فلو أعفى البلاء ديار قوم ... لفضل منهم ولعظم شان
لما كانت ترى بك بيّنات ... تلوح عليك آثار الزمان
قوله في رثاء نفسه
أخبرني عمّي قال حدّثنا ابن مهرويه قال حدّثنا محمّد بن أبي حرب قال أنشدنا يوما محمّد بن يسير في مجلس أبي محمّد الزاهد صاحب الفضيل بن عياض لنفسه قال:
ويل لمن لم يرحم اللّه ... ومن تكون النار مثواه
واغفلتا في كلّ يوم مضى ... يذكرني الموت وأنساه
من طال في الدنيا به عمره ... وعاش فالموت قصاراه [7]
/كأنّه قد قيل في مجلس ... قد كنت آتيه وأغشاه
محمّد صار إلى ربّه ... يرحمنا اللّه وإيّاه
قال: فأبكى واللّه جميع من حضر.
__________
[1] ناب أعصل: معوج شديد. وفي ب، س «أعبل» وفي ج «أعضل» وهو تحريف. وهصور: كاسر.
[2] الموهن (و الوهن): نحو من نصف الليل أو بعد ساعة منه.
[3] سليل: ولد. والنجار بالكسر والضم: الأصل. والمحض من كل شي ء: الخالص. ومخبور: مختبر.
[4] نسبة إلى نوشجان، وهي مدينة بفارس.
[5] الجعفرية: محلة كبيرة في الجانب الشرقي من بغداد.
[6] شجاني: أحزنني.
[7] قصاراه: غايته.
قصته مع داود بن أحمد بن أبي دواد
أخبرني الحسن بن عليّ وعمّي قالا حدّثنا ابن مهرويه قال حدّثني أبو الشّبل قال:
كان محمّد بن يسير صديقا لداود [1] بن أحمد بن أبي دواد كثير الغشيان له ففقده أهله أيّاما وطلبوه فلم يجدوه، وكان مع أصحاب له قد خرجوا يتنزّهون فجاءوا إلى داود بن أحمد يسألونه عنه، فقال لهم: اطلبوه في منزل «حسن» المغنّية فإن وجدتموه وإلا فهو في حبس أبي شجاع صاحب شرطة «خمار» التركي. فلما كان بعد أيام جاءه ابن يسير فقال له: إيه [2] أيها القاضي، كيف دللت عليّ أهلي؟ قال: كما بلغك، وقد قلت في ذلك أبياتا.
قال: أو فعلت ذلك أيضا؟ زدني من برّك، هات، أيش [3] قلت؟ فأنشده:
ومرسلة توجّه كلّ يوم ... إليّ وما دعا للصبح داعي
تسائلني وقد فقدوه حتّى ... أرادوا بعده قسم المتاع
/ إذا لم تلقه في بيت «حسن» ... مقيما للشّراب وللسّماع
ولم ير في طريقي بني سدوس ... يخطّ الأرض منه بالكراع [4]
يدقّ [5] حزونها بالوجه طورا ... وطورا باليدين وبالذّراع
فقد أعياك مطلبه وأمسى ... (فلا تغلط) حبيس أبي شجاع
قال: فجعل ابن يسير يضحك ويقول: أيّها القاضي لو غيرك يقول لي هذا لعرف خبره. ثم لم يبرح ابن يسير حتى أعطاه داود مائتي درهم وخلع عليه خلعة من ثيابه.
أبيات له في الحكم
أخبرني عمّي قال: حدّثنا ابن مهرويه قال: حدّثني عليّ بن القاسم طارمة قال: كنت مع المعتصم لمّا غزا الروم، فجاء بعض سراياه [6] بخبر عمّه [7]، فركب من فوره وسار أجدّ سير وأنا أسايره، فسمع منشدا يتمثّل في عسكره:
__________
[1] لعله «دواد» اسم جده.
[2] إيه: كلمة استزادة واستنطاق.
[3] جاء في كتاب «معاني القرآن للفراء» (نسخة خطية محفوظة بدار الكتب المصرية): «و مما كثر في كلام العرب فحذفوا منه أكثر من ذا (يشير إلى حذف الألف من بسم اللّه) قولهم: أيش عندك، فحذفوا إعراب «أي» وإحدى ياءيه، وحذفت الهمزة من «شي ء» وكسرت الشين». وجاء في «المصباح المنير» في مادة شيأ، «و قالوا: أي شي، ثم خففت الياء وحذفت الهمزة تخفيفا وجعلا كلمة واحدة فقيل: أيش، قاله الفارابي» وجاء في «شفاء الغليل» ص 15: «أيش: بمعنى أي شيء خفف منه، نص عليه ابن السيد في شرح أدب الكاتب، وصرحوا لأنه سمع من العرب» وفيه أيضا: «قال السهيلي: وأيش في معنى أي شي، كما يقال ويلمه في معنى ويل لأمه، على الحذف لكثرة الاستعمال.»
أقول: وقد جاء في «الأغاني» (ج 2: ص 36 من هذه الطبعة) قال مجنون ليلى:
قالت جننت على أيش فقلت لها ... الحب أعظم مما بالمجانين
الحب ليس يفيق الدهر صاحبه ... وإنما يصرع المجنون في الحين
[4] الكراع من الإنسان: ما دون الركبة إلى الكعب.
[5] في الأصول: «يدف» بالفاء، تصحيف.
[6] سرايا: جمع سرية كقضية، وهي قطعة من الجيش، من خمسة أنفس إلى ثلاثمائة أو أربعمائة.
[7] هو إبراهيم بن المهدي، وخبره هو خروجه على المأمون.
إنّ الأمور إذا انسدّت مسالكها ... فالصبر يفتح منها كلّ ما ارتتجا [1]
لا تيأسنّ وإن طالت مطالبة ... إذا استعنت بصبر أن ترى فرجا
فسرّ بذلك وطابت نفسه، ثم التفت إليّ وقال لي: يا عليّ أتروي هذا الشعر؟ قلت: نعم. قال: من يقوله؟ قلت:
محمّد بن يسير. فتفاءل باسمه ونسبه. وقال: أمر محمود وسير سريع يعقب هذا/ الأمر. ثم قال: أنشدني الأبيات، فأنشدته قوله:
ما ذا يكلّفك الرّوحات والدّلجا ... البرّ طورا وطورا تركب اللّججا [2]
/كم من فتى قصرت في الرّزق خطوته ... ألفيته بسهام الرزق قد فلجا [3]
لا تيأسنّ وإن طالت مطالبة ... إذا استعنت بصبر أن ترى فرجا
إنّ الأمور إذا انسدّت مسالكها ... فالصبر يفتح منها كلّ ما ارتتجا
أخلق بذي الصبر أن يحظى بحاجته ... ومدمن القرع للأبواب أن يلجا
فاطلب لرجلك قبل الخطو موضعها ... فمن علا زلقا عن غرّة زلجا [4]
ولا يغرّنك صفو أنت شاربه ... فربّما كان بالتكدير ممتزجا
لا ينتج النّاس إلا من لقاحهم ... يبدو لقاح الفتى يوما إذا نتجا [5]
أبيات له في وصيفة بخرته وطيبته
أخبرني عيسى بن الحسين والحسن بن عليّ وعمّي قالوا: حدّثنا محمّد بن القاسم بن مهرويه قال: حدّثني أبو الشّبل قال:
كنا عند قثم [6] بن جعفر بن سليمان ذات يوم ومعنا محمّد بن يسير ونحن على شراب، فأمر أن نبخّر ونطيّب [7]، فأقبلت وصيفة له حسنة الوجه، فجعلت تبخّرنا وتغلّفنا بغالية [8] كانت معه. فلما غلّفت ابن يسير وبخّرته التفت إليّ - وكان إلى جنبي - فأنشدني:
__________
[1] رتج الباب وأرتجه: أغلقه إغلاقا وثيقا. وارتتج: استغلق.
[2] الروحات: جمع روحة وهي المرة من الرواح؛ يقال راح رواحا إذا سار أو عمل في الروح وهو العشيّ. والدلج: جمع دلجة بالضم والفتح وهي: السير من أوّل الليل. وفي «لسان العرب»: «الدلجة بالضم: سير السحر، والدلجة بالفتح: سير الليل كله. ويقال:
خرجنا بدلجة ودلجة: إذا خرجوا في آخر الليل». واللجج: جمع لجة، وهي معظم الماء.
[3] فلج كنصر: ظفر وفاز.
[4] في «أشعار الحماسة» «قدّر لرجلك». علا زلقا: أي مكانا زلقا. وهي في الأصل مصدر. وفي ج «على زلقا» وفي ب، س: «على زلق» وهو تحريف. الغرة: الغفلة، زلج: زل وزلق.
[5] يقال: نتجت الناقة (بالبناء للمجهول) إذا ولدت، فإذا وليها الإنسان حتى تضع قيل نتجها نتجا كضرب. واللقاح: اسم ماء الفحل من الإبل والخيل، وهو في «اللسان» و «القاموس» بالكسر. وفي «النهاية» بالفتح، وفي «المصباح»: والاسم اللقاح بالفتح والكسر.
[6] في ج «قيم» وفي ب، س: «قاسم» تحريف.
[7] في الأصول: «يبخر ويطيب» تصحيف.
[8] الغالية: أخلاط من الطيب وعلف لحيته بالطيب والغالية والحناء: لطخها.
يا باسطا كفّه نحوي يطيّبني ... كفّاك أطيب يا حبّي من الطّيب
/ كفّاك يجري مكان الطيب طيبهما ... فلا تزدني عليها عند تطييبي
يا لائمي في هواها أنت لم ترها ... فأنت مغرى بتأنيبي وتعذيبي
انظر إلى وجهها، هل مثل صورتها ... في الناس وجه مجلّى غير محجوب؟
فقلت له: اسكت ويلك! لا، تصفع واللّه وتخرج. فقال: واللّه لو وثقت بأن نصفع جميعا لأنشدته الأبيات، ولكني أخشى أن أفرد بالصّفع دونك.
أبيات له في أهل الجدل
أخبرني عيسى بن الحسين قال: حدّثنا الكرانيّ قال: حدّثنا الرّياشي قال:
كان محمّد بن يسير جالسا في حلقتنا في مسجد البصرة، وإلى جانبنا حلقة قوم من أهل الجدل يتصايحون في المقالات والحجج فيها، فقال ابن يسير: اسمعوا ما قلت في هؤلاء، فأنشدنا قوله:
يا سائلي عن مقالة الشّيع ... وعن صنوف الأهواء والبدع
دع عنك ذكر الأهواء ناحية ... فليس ممن شهدت ذو ورع
كلّ أناس بديّهم حسن ... ثم يصيرون بعد للسّمع
أكثر ما فيه أن يقال لهم: ... لم يك في قوله بمنقطع
قوله في استغنائه عن تدوين ما يسمعه
أخبرني عيسى بن الحسين قال: حدّثنا ابن مهرويه قال: حدّثني محمّد بن عليّ الشاميّ قال:
كان محمّد بن يسير يصف نفسه بالذكاء والحفظ والاستغناء عن تدوين شيء يسمعه؛ من ذلك قوله:
إذا ما غدا الطّلّاب للعلم ما لهم ... من الحظّ إلا ما يدوّن في الكتب
/ غدوت بتشمير وجدّ عليهم ... فمحبرتي أذني ودفترها قلبي [1]
بيتان من الشعر الحكمي
أخبرني الحسن بن عليّ قال: حدّثنا ابن مهرويه قال: حدّثني إبراهيم بن المدبّر [2] قال:
كان إبراهيم بن رياح إذا حزبه [3] الأمر يقطعه بمثل قول محمّد بن يسير:
تخطي النفوس مع العيا ... ن وقد تصيب مع المظنّه
كم من مضيق في الفضا ... ء ومخرج بين الأسنّه
__________
[1] جاء في «المصباح المنير»: «في المحبرة لغات: أجودها محبرة بفتح الميم ضو الباء، والثانية محبرة بضم الباء، مثل مأدبة ومأدبة، والثالثة محبرة بكسر الميم وفتح الباء لأنها آلة».
[2] المدبر بفتح الباء، والضبط عن كتاب «المشتبه في أسماء الرجال للذهبي» ص 472 طبع أوربة.
[3] حزبه الأمر، نابه واشتدّ عليه وضغطه.
قوله في نعل خلق له
أخبرني عمّي قال: حدّثنا ابن مهرويه قال: حدّثني الحسن بن أبي السريّ قال:
مرّ ابن يسير بأبي عثمان المازنيّ فجلس إليه ساعة، فرأى من في مجلسه يتعجّبون من نعل كانت في رجله خلق [1] وسخة مقطّعة، فأخذ ورقة وكتب فيها:
كم أرى ذا تعجّب من نعالي ... ورضائي منها بلبس البوالي
كلّ جرداء قد تكتفيها ... من أقطارها بسود النّقال [2]
لا تداني، وليس تشبه في الخل ... قة إن أبرزت، نعال الموالي
/ من يغال من الرجال بنعل ... فسواي إذا بهنّ يغالي [3]
لو حذاهنّ للجمال فإنّي ... في سواهنّ زينتي وجمالي [4]
في إخائي وفي وفائي ورأيي ... ولساني ومنطقي وفعالي [5]
ما وقاني الحفا وبلّغني الحا ... جة منها فإنني لا أبالي
قوله وقد أخذ من قثم بن جعفر ألواح آبنوس بعد أن أسكره
أخبرني عمّي قال: حدّثنا ابن مهرويه قال: حدّثني عبد اللّه [6] بن محمّد بن يسير قال:
دعا قثم بن جعفر بن سليمان أبي [7] فشرب عنده، فلما [سكر] [8] سرق منه ألواح آبنوس كانت تكون في كمّه، فقال في ذلك:
عين بكّي بعبرة تسفاح ... وأقيمي مآتم الألواح [9]
أوحشت حجزتي وردناي منها ... في بكوري وعند كلّ رواح [10]
__________
[1] في الأصول «خلقة»؛ وهو تحريف. جاء في «لسان العرب»: «شيء خلق: بال، الذكر والأنثى فيه سواء؛ لأنه في الأصل مصدر الأخلق وهو الأملس. يقال: ثوب خلق، وملحفة خلق، ودار خلق، ويقال: جبة خلق بغير هاء، ولا يجوز: جبة خلقة. قال اللحياني: قال الكسائي: لم نسمعهم قالوا: خلقة في شيء من الكلام».
[2] هكذا ورد البيت في الأصول!!
[3] في الأصول «يغالي» وهو فعل الشرط، وحذف الياء لا يخل بالوزن، وفيه كف كما في أوّل الشطر الثاني.
[4] في الأصول «حداهن» تصحيف. وحذا النعل: قدّرها وقطعها. يريد: لو فصلهن واقتناهن للتجمل والزينة.
[5] في الأصول «في إخاء وفي وفاء» والفعال: اسم الفعل الحسن، والكرم.
[6] في الأصول «محمّد بن عبد اللّه بن بشير».
[7] في الأصول «إليّ» تحريف.
[8] تكملة يقتضيها السياق.
[9] في الأصول «عين بلى» ...... «مآتم الأنواح» وهو تحريف.
[10] ورد هذا البيت في ب، س هكذا:
أوحشت حجرتي وردّ أناتي ... منها في بكور وعنه كل رواح
وكله تحريف. وفي ج بأقل من هذا التحريف. وقد صححته كما ترى. والحجزة: معقد الإزار. والردن: أصل الكم.
واذكريها إذا ذكرت بما قد ... كان فيها من مرفق وصلاح [1]
/آبنوس دهماء حالكة اللّو ... ن لباب من اللّطاف الملاح [2]
ذات نفع خفيفة القدر والمح ... مل حلكوكة الذّرا والنواحي [3]
وسريع جفوفها إن محاها ... عند ممل مستعجل القوم ماحي [4]
هي كانت على [علومي] [5] والآ ... داب والفقه عدّتي وسلاحي
كنت أغدو بها على طلب العل ... م إذا ما غدوت كلّ صباح
هي كانت غذاء زوري إذا زا ... ر، وريّ النديم يوم الصطباحي [6]
- يعني أنه يعمل فيها الشعر ويطلب لزوّاره المأكول والمشروب -
آب عسري وغاب يسري وجودي ... حين غابت وغاب عنّي سماحي
هجاؤه أحمد بن يوسف
أخبرني محمّد بن خلف وكيع قال: حدّثنا ابن مهرويه قال: حدّثنا عبد اللّه بن أحمد قال:
كان محمّد بن يسير يعادي أحمد بن يوسف، فبلغه أنه يتعشّق جارية سوداء مغنّية، فقال/ ابن يسير يهجوه:
أقول لمّا رأيته كلفا ... بكلّ سوداء نزرة قذره [7]
أهل لعمري لما كلفت به ... عند الخنازير تنفق العذره [8]
/أخبرني وكيع قال: حدّثنا ابن مهرويه قال: حدّثنا أبو العواذل قال: عوتب محمّد بن يسير على حضور المجالس بغير ورق ولا محبرة، وأنه لا يكتب ما يسمعه، فقال:
ما دخل الحمّام من علمي ... فذاك ما فاز به سهمي [9]
والعلم لا ينفعني جمعه ... إذا جرى الوهم على فهمي
قوله في ألواح الآبنوس أيضا
أخبرني عليّ بن سليمان الأخفش قال: حدّثنا محمّد بن يزيد قال:
__________
[1] المرفق من الأمر (كمجلس ومنبر): ما ارتفقت وانتفعت به.
[2] في الأصول: «و هما»؛ تحريف. والدهماء: السوداء ولباب كل شيء ولبه: خالصه وخياره.
[3] الحلكة بالضم: شدّة السواد، وهو حالك وحلكوك كعصفور.
[4] في ب، س: «جفونها» وفي ج «خفوتها» تحريف.
[5] زيادة يقتضيها المقام.
[6] الزور: الزائرون.
[7] كلفا: مولعا، وامرأة نزور ونزرة (بكسر الزاي وسكن هنا للشعر): قليلة الولد أو قليلة اللبن.
[8] تنفق: تروج. والعذرة: الغائط.
[9] أي ما دخل معي الحمام عن علمي؛ وذلك أن المرء إذا دخل الحمام تجرّد من ثيابه وكتبه وغيرها ولكنه لا يتجرّد من علمه، يريد أن علمه محفوظ في صدره.
كان محمّد بن يسير يعاشر ولد جعفر بن سليمان، فأخذ منه قثم بن جعفر ألواح آبنوس كان يكتب فيها بالليل، فقال ابن يسير في ذلك:
أبقت الألواح إذ أخذت ... حرقة في القلب تضطرم
زانها فصّان من صدف ... واحمرار السّيّر [1] والقلم
وتولّى أخذها قثم ... لا تولّى نفعها قثم
شعره إلى بعض الهاشميين وقد جفاه
أخبرني الأخفش قال: حدّثنا محمّد بن يزيد قال:
كان محمّد بن يسير يعاشر بعض الهاشميين، ثم جفاه الهاشميّ لملال كان فيه فكتب إليه ابن يسير قوله:
قد كنت منقبضا وأنت بسطتني ... حتى انبسطت إليك ثم قبضتني
أذكرتني خلق النّفاق وكان لي ... خلقا فقد أحسنت إذ أذكرتني
لو دام ودّك وانبسطت إلى امرىء ... في الودّ بعدك كنت أنت غررتني
فهلمّ نجتذب التّذاكر بيننا ... ونعود بعد كأنّنا لم نفطن [2]
قوله وقد أفاق من سكر
أخبرني أحمد بن العبّاس العسكريّ قال: حدّثنا الحسن بن عليل العنزيّ قال: حدّثنا مسعود بن يسير قال:
شرب محمّد بن يسير نبيذا مع قوم فأسكروه، حتى خرج من عندهم وهو لا يعقل فأخذ رداءه وعثر في طريقه وأصاب وجهه آثار؛ فلما أفاق أنشأ يقول:
شاربت قوما لم أطق شربهم ... يغرق في بحرهم بحري
لمّا تجارينا إلى غاية ... قصّر عن صبرهم صبري
خرجت من عندهم مثخنا [3] ... تدفعني الجدر إلى الجدر
مقبّح المشي كسير الخطا ... تقصر عند الجدّ عن سيري [4]
فلست أنسى ما تجشّمت [5] من ... كدح ومن جرح ومن أثر [6]
وشقّ ثوب وتوى [7] آخر ... وسقطة بان بها ظفري
__________
[1] السير: ما قدّ من الجلد طولا.
[2] فطن إليه وله، كفرح ونصر وكرم: فهم.
[3] أثخنه: أوهنه بالجراحة وأضعفه.
[4] في الأصول:
«مقبح المشي كثير الخطا ... يقصر عند الجدّ عن سري»
[5] في الأصول «ما نحبى: من» وهو تحريف والوزن غير مستقيم؛ وقد صححته كما ترى.
[6] الكدح: كل أثر من خدش أو عض. وقيل: الكدح أكبر من الخدش. والأثر: أثر الجرح يبقى بعد البرء.
[7] توى كفرح توى: هلك. وفي ب، س «و ثور أخد» وفي ج: «و ثوى أخذ» وهو تحريف.
حدّثني عمّي وجحظة عن أحمد بن الطبيب قال: حدّثنا بعض أصحابنا عن مسعود بن يسير، ثم ساق الخبر مثله سواء.
أخبرني محمّد بن خلف بن المرزبان قال: حدّثني أبو العيناء قال:
اجتمع جعيفران الموسوس ومحمّد بن يسير في بستان، فنظر إلى محمّد بن يسير وقد انفرد/ ناحية للغائط، ثم قام عن شيء عظيم خرج منه، فقال جعيفران:
قد قلت لابن يسير ... لمّا رمى من عجانه [1]
/في الأرض تلّ سماد ... علا على كثبانه [2]
طوبى لصاحب أرض ... خرئت في بستانه
قال: فجعل ابن يسير يشتم جعيفران ويقول: أيّ شيء أردت مني يا مجنون يابن الزانية حتى صيّرتني شهرة [3] بشعرك!!
شعره إلى والي البصرة يستسقيه نبيذا
أخبرني جحظة قال: حدّثني سوار بن أبي شراعة قال: حدّثني عبد اللّه بن محمّد بن يسير قال:
كان أبي مشغوفا بالنبيذ مشتهرا بالشّرب، وما بات قطّ إلّا وهو سكران، وما نبذ قطّ نبيذا، وإنما كان يشربه عند إخوانه ويستسقيه منهم، فأصبحنا بالبصرة يوما على مطر هادّ [4]، ولم تمكنه معه الحركة إلى قريب من إخوانه ولا بعيد وكاد [5] يجنّ لمّا فقد النبيذ. فكتب إلى والي البصرة وكان هاشميا، وهو محمّد بن أيّوب بن جعفر بن سليمان قال:
كم في علاج نبيذ التمر لي تعب ... الطبخ والدّلك والمعصار والعكر [6]
وإن عدلت إلى المطبوخ معتمدا ... رأيتني منه عند الناس أشتهر [7]
نقل الدّنان إلى الجيران يفضحني ... والقدر تتركني في القوم أعتذر
فصرت في البيت أستسقي وأطلبه ... من الصّديق ورسلي فيه تبتدر [8]
فمنهم باذل سمح بحاجتنا ... ومنهم كاذب بالزّور يعتذر
/ فسقّني ريّ أيّام لتمنعني ... عمّن سواك وتغنيني فقد خسروا
إن كان زقّ فزقّ أو فوافرة ... من الدّساتيج لا يزري بها الصّفر [9]
__________
[1] العجان: الأست.
[2] كثبان: جمع كثيب، وهو التل من الرمل.
[3] الشهرة: ظهور الشيء في شنعة.
[4] هادّ، من الهدّ وهو الصوت، يقال هدّ يهدّ (مثل فر)، وما سمعنا العام هادة. أي رعدا.
[5] في الأصول: «و كان».
[6] المعصار: الّذي يجعل فيه الشيء فيعصر. العكر: دردى كل شيء.
[7] اشتهر: أظهر في شنعة. شهره كمنعه وشهره واشتهره فاشتهر.
[8] تبتدر: تستبق.
[9] الصفر: الفراغ والخلو، عنى أنها ممتلئة، وفي ب، س «السفر»، تحريف.
وإن تكن حاجتي ليست بحاضرة ... وليس في البيت من آثارها أثر
فاستسق غيرك أو فاذكر له خبري ... إن اعتراك حياء منه [1] أو حصر
ما كان من ذلكم فليأتني عجلا ... فإنّني واقف بالباب أنتظر
لا لي نبيذ ولا حرّ فيدعوني ... وقد حماني من تطفيلي المطر [2]
قال: فضحك لمّا قرأها، وبعث إليه بزقّ نبيذ ومائتي درهم، وكتب إليه: اشرب النبيذ وأنفق الدراهم إلى أن يمسك المطر ويتّسع لك التطفيل، ومتى أعوزك مكان فاجعلني فيئة [3] لك، والسلام.
صوت
أنت حديثي في النوم واليقظه ... أتعبت ممّا أهذي بك الحفظه
كم واعظ فيك لي وواعظة ... لو كنت ممن تنهاه عنك عظه
الشعر لديك الجنّ الحمصيّ. والغناء لعريب، هزج، ذكر ذلك ذكاء وجه الرّزّة وقمريّ جميعا، واللّه أعلم
__________
[1] في الأصول: «منك» وهو تحريف. والحصر: العي وضيق الصدر.
[2] طفل: تطفل.
[3] الفيئة بالفتح والكسر: الرجوع: أي فاجعلني مرجعا لك.
3 - أخبار ديك الجنّ ونسبه
نسبه ونبذة في ترجمته
/ ديك الجنّ لقب غلب عليه [1]، واسمه عبد السّلام بن رغبان [2] بن عبد السّلام بن حبيب بن عبد اللّه بن رغبان بن يزيد [3] بن تميم. وكان جدّه تميم ممن أنعم اللّه - عزّ وجلّ - عليه بالإسلام من أهل مؤتة [4] على يدي حبيب [5] بن مسلمة الفهريّ، وكان شديد التشعّب [6] والعصبيّة على العرب، يقول: ما للعرب علينا فضل، جمعتنا وإيّاهم ولادة إبراهيم صلّى اللّه عليه وسلّم، وأسلمنا كما أسلموا، ومن قتل منهم رجلا منّا قتل به، ولم نجد اللّه عزّ وجلّ فضّلهم علينا، إذ جمعنا [7] الدين.
وهو شاعر مجيد يذهب مذهب أبي تمّام والشاميّين في شعره. من شعراء الدّولة العبّاسيّة. وكان من ساكني حمص، ولم يبرح نواحي الشأم، ولا وفد إلى العراق ولا إلى غيره منتجعا بشعره ولا متصدّيا لأحد. وكان يتشيّع تشيّعا حسنا، وله مراث كثيرة في الحسين بن عليّ - عليهما السلام - ، منها قوله:
يا عين لا للقضا ولا الكتب ... بكا الرّزايا سوى بكا الطّرب
/ وهي مشهورة عند الخاص والعام، ويناح بها. وله عدّة أشعار في هذا المعنى، وكانت له جارية يهواها، فاتّهمها بغلام له فقتلها، واستنفد شعره بعد ذلك في مراثيها.
قصيدته في هجاء ابن عمه
قال أبو الفرج: ونسخت خبره في ذلك من كتاب محمّد بن طاهر، أخبره بما فيه ابن أخ لديك الجنّ يقال له أبو وهب الحمصيّ، قال:
كان عمّي خليعا ماجنا معتكفا [8] على القصف واللهو، متلافا لما ورث عن آبائه، واكتسب بشعره من أحمد
__________
[1] أصله دويبة توجد في البساتين (انظر «حياة الحيوان الكبرى» للدميري ج 1: ص 519).
[2] ترجم له ابن خلكان (ج 1: 415) وقد جاء فيه: «و مولده سنة 161 ه وتوفى في أيام المتوكل سنة 235 أو سنة 236».
[3] كذا في ج، و «تاريخ ابن عساكر» (نسخة مخطوطة بدار الكتب المصرية رقم 1041 «تاريخ» ج 24 ص 112). وفي ب، س، و «وفيات الأعيان» «زيد».
[4] مؤتة: قرية من قرى البلقاء بمشارف الشام.
[5] كان من خواص معاوية وله معه في وقعة صفين آثار شكرها له.
[6] الشعوبية (بضم الشين): الذين يحتقرون أمر العرب ويصغرون شأنهم ولا يرون لهم فضلا على غيرهم، والواحد شعوبي، نسبة إلى شعوب. وشعوب: جمع شعب (بالفتح)؛ وهو ما تشعب من قبائل العرب أو العجم. ولكن الشعوب بلفظ الجمع غلب على العجم ونسبوا إليه فقالوا شعوبي، كما قالوا أنصاري نسبة إلى الأنصار.
[7] يحتجون بقوله تعالى: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ
وقوله: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ
وبقوله صلّى اللّه عليه وسلّم في خطبته في حجة الوداع: «ليس لعربي على عجمي فضل إلا بالتقوى، كلكم لآدم وآدم من تراب».
[8] في ب، س: «منعكفا» وهو تحريف، يقال: اعتكف وتعكف. قال في «القاموس المحيط»: «و لا تقل انعكف». والقصف: اللهو
وجعفر ابني عليّ الهاشميّين، وكان له ابن عم يكنى أبا الطّيّب يعظه وينهاه عما يفعله، ويحول بينه وبين ما يؤثره ويركبه من لذّاته وربما هجم عليه وعنده قوم من السفهاء والمجّان وأهل الخلاعة، فيستخفّ بهم وبه. فلما كثر ذلك على عبد السلام قال فيه:
مولاتنا يا غلام مبتكره ... فباكر الكأس لي بلا نظره [1]
غدت على اللهو والمجون، على ... أن الفتاة الحييّة الخفره [2]
لحبّها - لا عدمتها - حرق ... مطويّة في الحشا ومنتشره [3]
ما ذقت منها سوى مقبّلها ... وضمّ تلك الفروع منحدره [4]
وانتهرتني فمتّ من فرق ... يا حسنها في الرّضا ومنتهره [5]!
/ثم انثنت سورة الخمار بنا ... خلال تلك الغدائر الخمره [6]
وليلة أشرفت بكلكلها ... عليّ كالطّيسان معتجره [7]
فتقت ديجورها إلى قمر ... أثوابه بالعفاف مستتره [8]
عج عبرات المدام نحوي من ... عشر وعشرين واثنتي عشره [9]
قد ذكر الناس عن قيامهم ... ذكرى بعقلي ما أصبحت نكره [10]
معرفتي بالصواب معرفة ... غرّاء إمّا عرفتم النّكره [11]
يا عجبا من أبي الخبيث ومن ... سروحه في البقائر الدّثره [12]
__________
- واللعب، ويقال إنها مولدة. قال ابن دريد: لا أحسبه عربيا.
[1] باكره: بكر إليه، يريد: أسرع إليّ بالكأس. النظرة: التأخير في الأمر.
[2] غدت: في الأصول «عدت» وهو تصحيف، الحيية: في الأصول «الخبيثة» وهو تحريف. الخفرة: وصف من الخفر بالتحريك وهو شدّة الحياء.
[3] في ب، س: «يحبها لاعج منها وبي حرق» وهو تحريف. وفي ج: «يحنها ... خرق».
[4] الفروع: جمع فرع، وهو الشعر التام.
[5] انتهره ونهره: زجره. وفي الأصول «و ابتهرتني» «و مبهّرة»؛ وهو تصحيف، والصواب بالنون لأنه في مقابله «الرضا». والفرق:
الخوف والفزع.
[6] انثنت، في الأصول «انتبت» وهو تصحيف. سورة الخمر: حدتها. وخمار الخمر: ما أصاب الشارب من ألمها وصداعها وأذاها.
الغدائر: جمع غديرة، وهي الخصلة من الشعر. الخمر بالتحريك: كل ما واراك من شجر وغيره. ومكان خمر (بفتح فكسر): كثير الخمر (بالتحريك). والغدائر الخمرة على التشبيه بذلك.
[7] الكلكل: الصدر. وفي ب، س: «بعد كلكلها» وهو خطأ. الطيلسان: كساء من أكسية العجم أسود، فارسي معرب. والاعتجار:
ولبسة كالالتحاف.
[8] الديجور: الظلام.
[9] عاجه يعوجه: أماله وعطفه، وأراد بعبرات المدام ما يصب منها في الكأس. وفي الأصول «فحوي» وهو تحريف.
[10] قيامهم: أي بعثهم يوم القيامة. نكرة: اسم من الإنكار كنفقة من الإنفاق، بمعنى اسم المفعول أي منكرة. وفي ب وس «نفرة» وفي ج «طفرة» وأراه تحريفا.
[11] غراء: معروفة مشهورة. إما: أصله إن ما، وما زائدة بعد إن.
[12] «من أبي الخبيث» يريد «من أبي الطيب» قلب كنيته إلى الضد تهكما به وزراية عليه. وفي الأصول «سروجه في البكائر» وهو
يحمل رأسا تنبو المعاول عن ... صفحته والجلامد الوعره [1]
/لو البغال الكمت ارتقت سندا ... فيه لمدّت قوائما خدره [2]
ولا المجانيق فيه مغنية ... ألف تسامى وألف منكدره [3]
انظر إلى موضع المقصّ من ال ... هامة تلك الصّفيحة العجره [4]
فلو أخذتم لها المطارق ... حرّانيّة صنعة اليد الخبره [5]
إذا لراحت أكفّ جلّتهم ... كليلة والأداة منكسره [6]
كم طربات أفسدتهنّ وكم ... صفوة عيش غادرتها كدره
وكم إذا ما رأوك يا ملك ال ... موت لهم من أنامل خصره [7]
وكم لهم دعوة عليك وكم ... قذفة أمّ شنعاء مشتهره
كريمة لؤمك استخفّ بها ... ونالها بالمثالب الأشره [8]
قفوا على رحله تروا عجبا ... في الجهل يحكي طرائف البصره [9]
/يا كلّ مني وكلّ طالعة ... نحس ويا كلّ ساعة عسره [10]
سبحان من يمسك السماء على ال ... أرض وفيها أخلاقك القذره
قصته مع زوجه ورد
قال: وكان عبد السلام قد اشتهر بجارية نصرانية من أهل حمص هويها وتمادى به الأمر حتى غلبت عليه
__________
- تحريف. سروحه، من سرحت الماشية سروحا، والبقير والبقيرة: برد يشق ثم تلقيه المرأة في عنقها من غير كمين ولا جيب، والجمع بقائر. الدثرة: الوسخة؛ وصف من الدثر (بالتحريك) وهو الوسخ.
[1] تنبو: تكل. المعاول: جمع معول، وهو الفأس العظيمة الّتي ينقر بها الصخر. والجلامد: جمع جلمد كجعفر وهو الصخر كالجلمود. والوعرة (بكسر العين): ضد السهلة كالوعرة (بسكونها).
[2] في الأصول: «لو لا البغال» تحريف. وكلمة «الكمت» ساقطة من ب، س. والكمت: جمع كميت، كسروه على مكبره المتوهم، وصف من الكمتة: وهي لون بين السواد والحمرة. والسند: ما قابلك من الجبل وعلا عن السفح. وخدرت رجله كقرح: غشيها ثقل وفتور فلم تقو على المشي.
[3] في الأصول «معنية» وهو تصحيف. والمجانيق: جمع منجنيق (بفتح الميم وتكسر): آلة ترمى بها الحجارة، معرّبة. ومنكدرة، من انكدرت النجوم أي تناثرت، وانكدر أيضا: أسرع وانقض. وانكدر عليه القوم: انصبوا.
[4] في الأصول «الصبيحة» تحريف. والصفيحة: الحجر العريض. والعجرة: الضخمة الصلبة.
[5] في الأصول «المطارف» بالفاء؛ وهو تصحيف. وحرانية: نسبة إلى حران، وهي مدينة على طريق الموصل والشام والروم، وقرية من قرى حلب، وقرية بغوطة دمشق. وخبر بالشي ء: عالم به. مثل خبير وخابر.
[6] جلتهم: كبارهم.
[7] خصرة: باردة. وتبرد أطراف المرء عند نزول الموت به.
[8] المثالب: العيوب جمع مثلبة (بفتح اللام وتضم)». وفي ب، س «دنا لها» تحريف. وفي جميع الأصول: «الأشرة» ولعلها محرفة عن «الدفرة» بالدال أو الذال، وصف من الدفر (بالتحريك). والذفر كذلك، وهو النتن.
[9] الرحل: المنزل والمسكن. والبصرة: بلد معروف بالعراق وهو بفتح الباء، وكسرها، ويحرك، وتكسر الصاد.
[10] مني: يقال: مناه به يمنيه منيا، ومناه يمنوه منوا: إذا ابتلاه، ومني ببلية: ابتلي بها.
وذهبت به. فلمّا اشتهر بها دعاها إلى الإسلام ليتزوّج بها، فأجابته لعلمها برغبته فيها، وأسلمت على يده، فتزوّجها، وكان اسمها وردا؛ ففي ذلك يقول:
انظر إلى شمس القصور وبدرها ... وإلى خزاماها وبهجة زهرها [1]
لم تبل عينك أبيضا في أسود ... جمع الجمال كوجهها في شعرها [2]
ورديّة الوجنات يختبر اسمها ... من ريقها من لا يحيط بخبرها
وتمايلت فضحكت من أردافها ... عجبا ولكنّي بكيت لخصرها
تسقيك كأس مدامة من كفّها ... ورديّة ومدامة من ثغرها
قال: وكان قد أعسر واختلّت حاله، فرحل إلى سلمية [3] قاصدا لأحمد بن عليّ الهاشميّ، فأقام عنده مدّة طويلة، وحمل ابن عمّه بغضه [4] إيّاه بعد مودّته له وإشفاقه عليه بسبب هجائه له على أن أذاع على تلك المرأة الّتي تزوّجها عبد السلام أنها تهوى غلاما له، وقرّر ذلك عند جماعة من أهل بيته وجيرانه وإخوانه، وشاع ذلك الخبر حتى أتى عبد السلام، فكتب إلى أحمد بن عليّ شعرا يستأذنه في الرجوع إلى حمص ويعلمه ما بلّغه من خبر المرأة من قصيدة أوّلها:
إنّ ريب الزمان طال انتكاثه ... كم رمتني بحادث أحداثه [5]
/يقول فيها:
ظبي إنس قلبي مقيل ضحاه ... وفؤادي بريره وكباثه [6]
وفيها يقول:
خيفة أن يخون عهدي وأن يضحي ... لغيري حجوله ورعاثه [7]
ومدح أحمد بعد هذا؛ وهي طويلة. فأذن له فعاد إلى حمص؛ وقدّر [8] ابن عمّه وقت قدومه،/ فأرصد له قوما يعلمونه بموافاته باب حمص. فلمّا وافاه خرج إليه مستقبلا ومعنّفا على تمسّكه بهذه المرأة بعد ما شاع من ذكرها بالفساد، وأشار عليه بطلاقها، وأعلمه أنّها قد أحدثت في مغيبه حادثة لا يجمل به معها المقام عليها، ودسّ الرجل الّذي رماها به، وقال له: إذا قدم عبد السلام ودخل منزله فقف على بابه كأنّك لم تعلم بقدومه، وناد باسم ورد؛ فإذا قال: من أنت؟ فقل: أنا فلان. فلمّا نزل عبد السلام منزله وألقى ثيابه، سألها عن الخبر وأغلظ عليها، فأجابته جواب من لم يعرف من القصّة شيئا. فبينما هو في ذلك إذ قرع الرجل الباب فقال: من هذا؟ فقال: أنا
__________
[1] الخزامي: نبت زهره أطيب الأزهار نفحة.
[2] لم تبل: لم تختبر ولم تر. وفي ب، س: «لم تبك» وهو تحريف.
[3] سلمية: بلبدة بالشام من أعمال حمص.
[4] في ب، س «على بغضه». بزيادة «على» وهو خطأ.
[5] انتكاثه: انتقاضه.
[6] البرير: الأول من ثمر الأراك. والكباث: النضيج منه.
[7] حجول: جمع حجل (بالفتح والكسر) وهو الخلخال. ورعاث: جمع رعثة كوردة ورقبة، وهي القرط.
[8] في ب وس «وفر» وهو تحريف.
فلان. فقال لها عبد السلام: يا زانية، زعمت أنّك لا تعرفين من هذا الأمر شيئا! ثم اخترط سيفه فضربها به حتى قتلها، وقال في ذلك:
ليتني لم أكن لعطفك نلت ... وإلى ذلك الوصال وصلت
فالذي منّي اشتملت عليه ... ألعار ما قد عليه اشتملت
قال ذو الجهل قد حلمت ولا أع ... لم أنّي حلمت حتى جهلت
لاثم لي بجهله ولماذا ... أنا وحدي أحببت ثم قتلت!
/ سوف آسى طول الحياة وأبكي ... ك على ما فعلت لا ما فعلت
وقال فيها أيضا:
لك نفس مواتيه ... والمنايا معاديه [1]
أيّها القلب لا تعد ... لهوى البيض ثانيه
ليس برق يكون أخ ... لب من برق غانيه [2]
خنت سرّي ولم أخن ... ك فموتي علانيه
قال: وبلغ السلطان الخبر فطلبه، فخرج إلى دمشق فأقام بها أياما. وكتب أحمد بن عليّ إلى أمير دمشق أن يؤمّنه، وتحمّل عليه بإخوانه حتى يستوهبوا جنايته [3] فقدم حمص وبلغه الخبر على حقيقته وصحّته، واستيقنه فندم، ومكث شهرا لا يستفيق من البكاء ولا يطعم من الطعام إلا ما يقيم رمقه، وقال في ندمه على قتلها:
يا طلعة طلع الحمام عليها ... وجنى لها ثمر الرّدى بيديها
روّيت من دمها الثّرى ولطالما ... روّى الهوى شفتيّ من شفتيها
قد بات سيفي في مجال وشاحها ... ومدامعي تجري على خدّيها [4]
فوحقّ نعليها وما وطىء الحصى ... شيء أعزّ عليّ من نعليها
ما كان قتليها لأنّي لم أكن ... أبكي إذا سقط الذّباب عليها
لكن ضننت على العيون بحسنها ... وأنفت من نظر الحسود إليها [5]
وهذه الأبيات تروى لغير ديك الجن.
/ أخبرني بها محمّد بن زكريا الصحّاف قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد قال: حدّثني محمّد بن منصور قال:
__________
[1] مواتية: موافقة مطاوعة.
[2] أخلب: أخدع، من حلبه كنصره: خدعه؛ ويقال: برق خلب (كسكر): أي مطمع مخلف. والغانية: المرأة الّتي تطلب ولا تطلب، أو الغنية بحسنها عن الزينة.
[3] في الأصول: «خيانته» تصحيف.
[4] الوشاح: أديم عريض يرصع بالجوهر تشده المرأة بين عاتقها وكشحها. وفي «تاريخ ابن عساكر» «في مجال خناقها».
[5] في «وفيات الأعيان وابن عساكر»:
لكن بخلت على سواي بحبها ... وأنفت من نظر الغلام إليها
كان من غطفان رجل يقال له السّليك بن مجمّع، وكان من الفرسان، وكان مطلوبا في سائر القبائل بدماء قوم قتلهم، وكان يهوى/ ابنة عمّ له، وكان خطبها مدّة فمنعها أبوها، ثم زوّجه إياها خوفا منه، فدخل بها في دار أبيها ثم نقلها بعد أسبوع إلى عشيرته، فلقيه من بني فزارة ثلاثون فارسا كلّهم يطلبه بذحل [1]، فحلّقوا [2] عليه، وقاتلهم وقتل منهم عددا، وأثخن بالجراح آخرين، وأثخن هو حتى أيقن بالموت. فعاد إليها فقال: ما أسمح بك نفسا لهؤلاء، وإني أحبّ أن أقدّمك قبلي. قالت: افعل، ولو لم تفعله أنت لفعلته أنا بعدك. فضربها بسيفه حتى قتلها، وأنشأ يقول:
يا طلعة طلع الحمام عليها
وذكر الأبيات المنسوبة إلى ديك الجن، ثم نزل إليها فتمرّغ في دمها وتخضّب به، ثم تقدّم فقاتل حتى قتل.
وبلغ قومه خبره، فحملوه وابنة عمّه فدفنوهما. قال: وحفظت فزارة عنه هذه الأبيات فنقلوها. قال: وبلغني أن قومه أدركوه وبه رمق، فسمعوه يردّد هذه الأبيات، فنقلوها وحفظوها عنه، وبقي عندهم يوما ثم مات.
وقال ديك الجن في هذه المقتولة [3]:
أشفقت أن يرد الزمان بغدره ... أو أبتلى بعد الوصال بهجره
/ قمر أنا استخرجته من دجنه ... لبليّتي وجلوته من خدره
فقتلته وله عليّ كرامة ... ملء الحشى وله الفؤاد بأسره
عهدي به ميتا كأحسن نائم ... والحزن يسفح عبرتي في نحره
لو كان يدري الميت ماذا بعده ... بالحيّ حلّ بكى له في قبره
غصص تكاد تفيظ منها نفسه ... وتكاد تخرج قلبه من صدره [4]
وقال فيها أيضا:
أساكن حفرة وقرار لحد ... مفارق خلّة من بعد عهد [5]
أجبني إن قدرت على جوابي ... بحقّ الودّ كيف ظللت بعدي
وأين حللت بعد حلول قلبي ... وأحشائي وأضلاعي وكبدي؟
أما واللّه لو عاينت وجدي ... إذا استعبرت [6] في الظّلمات وحدي
__________
[1] الذحل: الثأر، وفي ب، س «بدم».
[2] في الأصول: «فحنقوا» وأراه محرفا.
[3] في «وفيات الأعيان»: «و يروى أن المتهم بالجارية غلام كان يهواه فقتله أيضا، وصنع فيه أبياتا وهي ... وأورد الأبيات». وفي «ابن عساكر»: «و كان له غلام كالشمس وجارية كالقمر، وكان يهواهما جميعا، فدخل يوما منزله، فوجد الجارية معانقة للغلام تقبله، فشدّ عليهما فقتلهما، ثم جلس عند رأس الجارية فبكاها طويلا، ثم قال: يا طلعة طلع الحمام ...... الأبيات، ثم جلس عند رأس الغلام فبكاه وأنشأ يقول: أشفقت أن يرد الزمان ... الأبيات».
[4] فاظت نفسه تفيظ: خرجت روحه، مثل فاضت تفيض؛ وكرهها بعضهم، وزعم أبو عبيدة أنها لغة لبعض تميم.
[5] الخلة: الصديق للذكر والأنثى والواحد والجمع.
[6] استعبر: جرت عبرته.
وجدّ تنفّسي وعلا زفيري ... وفاضت عبرتي في صحن خدّي
إذا لعلمت أنّي عن قريب ... ستحفر حفرتي ويشقّ لحدي
ويعذلني السفيه على بكائي ... كأنّي مبتلى بالحزن وحدي
يقول قتلتها سفها وجهلا ... وتبكيها بكاء ليس يجدي
كصيّاد الطّيور له انتحاب ... عليها وهو يذبحها بحدّ
وقال فيها أيضا:
ما لامرىء بيد الدّهر الخئون يد ... ولا على جلد الدّنيا له جلد
طوبى لأحباب أقوام أصابهم ... من قبل أن عشقوا موت فقد سعدوا
/ وحقّهم إنّه حقّ أضنّ به ... لأنفدنّ [1] لهم دمعي كما نفدوا
يا دهر إنّك مسقي بكأسهم ... ووارد ذلك الحوض الّذي وردوا
/ الخلق ماضون والأيّام تتبعهم ... نفنى [جميعا] [2] ويبقى الواحد الصّمد
وقال فيها:
أما آن للطّيف أن يأتيا ... وأن يطرق الوطن الدّانيا
وإنّي لأحسب ريب الزّما ... ن يتركني جسدا باليا
سأشكر ذلك لا ناسيا ... جميل الصّفاء ولا قاليا [3]
وقد كنت أنشره ضاحكا ... فقد صرت أنشره باكيا
وقال أيضا:
قل لمن كان [4] وجهه كضياء ال ... شّمس في حسنه وبدر منير
كنت زين الأحياء إذ كنت فيهم ... ثم [قد] [5] صرت زين أهل القبور
بأبي أنت في الحياة وفي المو ... ت وتحت الثرى ويوم النّشور
خنتني في المغيب والخون نكر ... وذميم في سالفات الدّهور
فشفاني سيفي وأسرع في ح ... زّ التّراقي قطعا وحزّ النّحور [6]
__________
[1] في الأصول «لا ينفذن» وهو تحريف.
[2] زيادة يستقيم بها الكلام. وقد جاء هذا الشطر في س: «تفنى ولم يبق إلا الواحد الصمد».
[3] قاليا: مبغضا كارها.
[4] في ب، ج: «لمن قال».
[5] زيادة يستقيم بها الشعر. وقد جاء هذا الشطر في س: «و لقد صرت ... ».
[6] في الأصول: «فسقاني» وهو تصحيف.
قوله في غلامه الّذي يقال له بكر
قال أبو الفرج: ونسخت من هذا الكتاب قال:
كان ديك الجنّ يهوى غلاما من أهل حمص يقال له بكر، وفيه يقول وقد جلسا يوما يتحدثان إلى أن غاب القمر:
دع البدر فليغرب فأنت لنا بدر ... إذا ما تجلّى من محاسنك الفجر
/ إذا ما انقضى سحر الذين ببابل ... فطرفك لي سحر وريقك لي خمر [1]
ولو قيل لي قم فادع أحسن من ترى ... لصحت بأعلى الصوت يا بكر يا بكر
قال: وكان هذا الغلام يعرف ببكر بن دهمرد. قال: وكان شديد التمنّع والتصوّن، فاحتال قوم من أهل حمص فأخرجوه إلى متنزّه [2] لهم يعرف بميماس، فأسكروه وفسقوا به جميعا، وبلغ ديك الجنّ الخبر فقال فيه:
قل لهضيم الكشح ميّاس ... انتقض العهد من النّاس [3]
يا طلعة الآس الّتي لم تمد ... إلّا أذلّت قضب الآس [4]
وثقت بالكأس وشرّابها ... وحتف أمثالك في الكاس [5]
وحال ميماس ويا بعد ما ... بين مغيثيك وميماس [6]
تقطيع أنفاسك في أثرهم ... وملكهم قطّع أنفاسي [7]
لا بأس مولاي، على أنها ... نهاية المكروه والباس
هي اللّيالي ولها دولة ... ووحشة من بعد إيناس
بينا أنافت وعلت بالفتى ... إذ قيل حطّته على الرّاس
/ فاله ودع عنك أحاديثهم ... سيصبح الذّاكر كالنّاسي
وقال فيه أيضا:
يا بكر ما فعلت بك الأرطال ... يا دار ما فعلت بك الأيام [8]
__________
[1] بابل: مدينة بالعراق ينسب إليها السحر والخمر.
[2] في الأصول «منتزه» وهو تصحيف. جاء في «المصباح المنير» وقال ابن قتيبة: «ذهب بعض أهل العلم في قول الناس: خرجوا يتنزهون إلى البساتين أنه غلط وهو عندي ليس بغلط؛ لأن البساتين في كل بلد إنما تكون خارج البلد، فإذا أراد أحد أن يأتيها فقد أراد البعد عن المنازل والبيوت، ثم كثر هذا حتى استعملت النزهة في الخضر والجنان».
[3] هضيم الكشح: ضامر الخصر. ومياس: متبختر.
[4] الآس: شجر عطر الرائحة. وماد يميد: تحرك وتبختر.
[5] في الأصول «و حيف» تصحيف.
[6] كذا في الأصول: ولا معنى له. ولعل صوابه:
« ... ويا بعده ... بين مغيثيك ومعاس»
ومعاس: جمع ماعس، من معس المرأة:
وطئها. أي حال ابتعادك في هذا المنتزه بين المغيثين لك وبين الفاتكين بك.
[7] الأثر: إكثار الفحل من ضراب الناقة؛ وقد أثرها كنصر. وملكهم: من ملك العجين كضرب ملكا: أنعم عجنه. كملكه وأملكه.
[8] في ج، ب: «بل يا دار» ولا يستقيم به الوزن. الأرطال: يعني بها أرطال الخمر. ومن تعبيرهم المألوف في هذا الصدد قولهم في الشارب: «شرب رطلا». قال أحمد بن يوسف من أبيات:
فعين الرأي أن تأتي برطل ... فتشربه وتدعو لي برطل
/
في الدار بعد بقيّة نستامها ... إذ ليس فيك بقيّة تستام [1]
عرم الزّمان على الدّيار برغمهم ... وعليك أيضا للزّمان عرام [2]
شغل الزمان كراك في ديوانه ... فتفرّغت لدواتك الأقلام [3]
قال فيه أيضا:
قولا لبكر بن دهمرد إذا اعتكرت ... عساكر اللّيل بين الطّاس والجام [4]
أ لم أقل لك إنّ البغي مهلكة ... والبغي والعجب إفساد لأقوام
قد كنت تفرق من سهم بغانية ... فصرت غير رميم رقعة الرامي [5]
وكنت تفزع من لمس ومن قبل ... فقد ذللت لإسراج وإلجام
إن تدم فخذاك من ركض فربّتما ... أمسي وقلبي عليك الموجع الدامي
/ أخبرني أبو المعتصم عاصم بن محمّد الشاعر بأنطاكية، وبها أنشدني قصيدة البحتريّ:
ملامك إنّه عهد قريب ... ورزء ما انقضت منه النّدوب [6]
وأنشدني لديك الجنّ يعزّي جعفر بن عليّ الهاشميّ:
نغفل والأيّام لا تغفل ... ولا لنا من زمن موئل
والدّهر لا يسلم من صرفه ... أعصم في القنّة مستوعل [7]
يتّخذ الشّعرى شعارا له ... كأنما الأفق له منزل [8]
كأنّه بين شناظيرها ... بارقة تكمن أو تمثل [9]
ولا حباب صلتان السّرى ... أرقم لا يعرف ما يجهل [10]
__________
[1] السوم: عرض السلعة على البيع، واستامه إياها: غالى.
[2] عرم (كنصر وضرب وعلم وكرم عرامة وعراما): اشتدّ. وفي الأصول
«غرم ... عزم ... غرام»
وهو تصحيف.
[3] في س «فتفرقت» وهو تحريف، وكنى بالدواة والأقلام عما يستقبح ذكره.
[4] اعتكر الليل: اشتد سواده والتبس، واعتكروا: اختلطوا في الحرب، واعتكر العسكر: رجع بعضهم على بعض فلم يقدر على عدّهم. والجام: إناء من فضة.
[5] تفرق: تفزع. وأراد بسهم الغانية: عينها. غير رميم: غير بال، من رم العظم (كضرب) إذا بلى وربما كان غير ذميم» أو «دميم».
[6] البيت مطلع قصيدة للبحتري يرثي غلامه قيصر. ملامك: أي دع ملامك واكفف. وفي «الديوان» «ما عفت منه الندوب» وعفا الأثر:
درس وامّحى.
[7] صرف الدهر: حدثانه ونوائبه. والأعصم من الوعول: ما في ذراعيه أو في إحداهما بياض وسائره أسود أو أحمر. والقنة: أعلى الجبل كالقلة. واستوعل الوعل: إذا ذهب في قلة الجبل.
[8] الشعرى: كوكب نير يطلع بعد الجوزاء، وهما شعريان: الشعرى العبور، والشعرى الغميصاء وفي ب، س «الشعر» وهو تحريف.
وأصل الشعار: ما ولى شعر الجسد من الثياب.
[9] شناظير الجبل: أطرافه وحروفه، الواحد شنظير كخنزير.
[10] الحباب: الحية، وهو معطوف على أعصم. والصلتان: النشيط الحديد الفؤاد من الخيل. والسرى: سير عامة الليل. والأرقم:
أخبث الحيات وأطلبها للناس.
نضناض فيفاء يرى أنّه ... بالرمل غان وهو المرمل [1]
يطلب من فاجئة معقلا ... وهو لما يطلب لا يعقل
والدهر لا يسلم من صرفه ... مسربل بالسّرد مستبسل [2]
/و لا عقنباة السّلامى لها [3] ... في كلّ أفق علق مهمل
فتخاء في الجوّ خداريّة ... كالغيم والغيم لها مثقل [4]
آمن من كان لصرف الرّدى ... أنزلها من جوّها منزل
والدّهر لا يحجبه مانع ... يحجبه العامل والمنصل [5]
يصغي جديداه إلى حكمه ... ويفعل الدهر بما يفعل [6]
كأنّه من فرط عزّ به ... أشوش إذ أقبل أو أقبل [7]
الأقبل: الّذي في عينه قبل، وهو دون الحول.
في حسب أوفى، له جحفل ... يقدمه من رأيه جحفل [8]
بينا على ذلك إذ عرّشت ... في عرشه داهية ضئبل [9]
إن يك في العزّ له مشقص ... ماض فقد تاح له مقتل [10]
/جاد على قبرك من ميّت ... بالرّوح ربّ لك لا يبخل [11]
/و حنّت المزن على قبره ... بعارض نجوته محفل [12]
__________
[1] حية نضناض ونضناضة: لا تستقر في مكان، أو إذا نهشت قتلت من ساعتها. والفيفاء والفيفاة: المفازة. غان: غنيّ. وفي الأصول: «عان» تصحيف. مرمل: من أرمل إذا نفد زاده.
[2] السرد هنا: الدرع المسرودة أي المنسوجة. وسربله: ألبسه السربال، وهو الدرع أو كل ما لبس.
[3] في «معجم البلدان» السلامي: اسم موضع مضافا إليه «ذو». والمعروف في كلامهم «عقاب ملاع» (كسحاب وكتاب)، وعقاب عقنباة وعبنقاة وبعنقاة: ذات مخالب حداد، ويقال: عقاب ملاع بالإضافة، وعقاب ملاع وملوع كصبور على النعت، أي خفيفة الضرب والاختطاف، وملاع قيل هو من نعت العقاب، وقيل اسم هضبة عقبانها أخبث العقبان، وقيل أرض أضيفت إليها عقاب في قولهم:
أودت بهم عقاب ملاع، وقيل المفازة لا نبات بها. والعرب تقول في أمثالها: «أبصر من عقاب ملاع»؛ لأن عقاب الصحراء أبصر وأسرع من عقاب الجبال. والعلق: الدم عامة أو الشديد الحمرة أو الغليظ أو الجامد، يريد به دم الفرائس الّتي تصرعها العقاب.
[4] الفتخاء من العقبان: اللينة الجناح. وخدارية: سوداء.
[5] مانع: أي سيد مسلط مانع لحوزته حام لذماره. وعامل الرمح وعاملته: صدره. والمنصل: السيف.
[6] الجديدان: الليل والنهار. والضمير في «جديداه» للدهر، وفي «حكمه» لمانع وكذا في «يفعل» الثاني.
[7] الأشوس: الّذي ينظر بمؤخر العين تكبرا أو تغيظا.
[8] في ب وس. «في حب» وفي كل الأصول: «فله جحفل»: وهو تحريف.
[9] عرشت: بنت عريشا. والضئبل: الداهية.
[10] المشقص: النصل العريض أو الطويل. وتاح له الشيء يتيح ويتوح: تهيأ.
[11] الروح: الرحمة.
[12] المزن: السحاب. والعارضي: السحاب الّذي يعترض في أفق السماء. والنجوة: ما ارتفع من الأرض فلم يعله السيل. والمحفل:
مجتمع الماء حيث يحفل أي يجتمع.
غيث ترى الأرض على وبله ... تضحك إلا أنّه يهمل [1]
يصلّ والأرض تصلّي له ... من صلوات معه تسأل [2]
أنت أبا العبّاس عبّاسها ... إذا استطار الحدث المعضل [3]
وأنت ينبوع أفانينها ... إذا هم في سنة أمحلوا
وأنت علّام غيوب النّثا ... يوما إذا نسأل أو نسأل [4]
نحن نعزّيك ومنك الهدى ... مستخرج والنّور مستقبل [5]
نقول بالعقل وأنت الّذي ... نأوي إليه وبه نعقل
نحن فداء لك من أمّة ... والأرض والآخر والأوّل
إذا غفا عنك وأودى بها ... ذا الدهر فهو المحسن المجمل [6]
رثاؤه جعفر بن علي الهاشميّ
قال أبو المعتصم: ثم مات جعفر بن عليّ الهاشمي، فرثاه ديك الجن فقال:
على هذه كانت تدور النوائب ... وفي كلّ جمع للذهاب مذاهب
/ نزلنا على حكم الزّمان وأمره ... وهل يقبل النّصف الألدّ المشاغب؟ [7]
وتضحك سنّ المرء والقلب موجع ... ويرضى الفتى عن دهره وهو عاتب
ألا أيّها [8] الرّكبان والرّدّ واجب ... قفوا حدّثونا ما تقول النّوادب
إلى أيّ فتيان النّدى قصد الرّدى ... وأيّهم نابت حماه النّوائب؟
فيا لأبي العبّاس كم ردّ راغب ... لفقدك ملهوفا وكم جبّ غارب [9]
ويا لأبي العبّاس إنّ مناكبا ... تنوء بما حمّلتها لنواكب
فيا قبره جد كلّ قبر بجوده ... ففيك سماء ثرّة وسحائب [10]
__________
[1] الوبل: المطر الشديد الضخم القطر. وتضحك: تتفتح فيها الزهر، وهملت السماء: دام مطرها في سكون.
[2] في الأصول «يصلي» وهو تحريف. ويصل: يصوّت. وتصلى له، أي تصل لأجله شكرا للّه. «معه تسأل» كذا في الأصول، ولعله «دمعه تسال» أي تسال انهلاله وانصبابه.
[3] استطار: انتشر وتفرق.
[4] في ب، س: «غبوب الثناء» وفي ج «عيوب الثناء» وهو تصحيف: ونثا الحديث والخبر نثوا: حدث به وأشاعه وأظهره، والاسم منه النثا. وفي الأصول «إذا نسأل أو تسأل» وهو تصحيف.
[5] في الأصول: «نحن نجزيك» تحريف، وفي «المثل الثائر» - باب الفرقات ص 468: - «و الضبر» بدل «و النور».
[6] في طبعة بولاق «عفا». وغفا: نام نومة خفيفة.
[7] النصف (بفتح النون وضمها وكسرها): الإنصاف. والألدّ: الخصم الشحيح الّذي لا يرجع إلى الحق.
[8] في الأصول: «إنها»، وهو تصحيف.
[9] في الأصول: «حب عارب» تصحيف. والغارب: الكاهل.
[10] ثرة: غزيرة. والجود: المطر الغزير.
فإنّك لو تدري بما فيك من علا ... علوت وباتت في ذراك الكواكب [1]
أخا كنت أبكيه دما وهو نائم ... حذارا وتعمى مقلتي وهو غائب
فمات ولا صبري على الأجر واقف ... ولا أنا في عمر إلى اللّه راغب
أ أسعى لأحظى فيك بالأجر إنّه ... لسعي إذن منّي لدى اللّه خائب
وما الإثم إلّا الصّبر عنك وإنّما ... عواقب حمد أن تذمّ العواقب
يقولون: مقدار على المرء واجب ... فقلت: وإعوال على المرء واجب
هو القلب لمّا حمّ يوم ابن أمّه ... وهي جانب منه وأسقم جانب
ترشّفت أيّامي وهنّ كوالح ... عليك، وغالبت الرّدى وهو غالب
ودافعت في صدر الزّمان ونحره ... وأيّ يد لي والزمان محارب؟
وقلت له: خلّ الجواد لقومه ... وهأنذا فازدد فإنّا عصائب [2]
/فو اللّه إخلاصا من القول صادقا ... وإلّا فحبّي آل أحمد كاذب
لو انّ يدي كانت شفاءك أو دمي ... دم القلب حتّى يقضب القلب قاضب [3]
/لسلّمت تسليم الرّضا وتخذتها ... يدا للرّدى ما حجّ للّه راكب
فتى كان مثل السيف من حيث جئته ... لنائبة نابتك فهو مضارب
فتى همّه حمد على الدّهر رابح ... وإن غاب عنه ماله فهو عازب
شمائل إن يشهد فهنّ مشاهد ... عظام وإن يرحل فهنّ كتائب
بكاك أخ لم تحوه بقرابة ... بلى إنّ إخوان الصّفاء أقارب
وأظلمت الدّنيا الّتي كنت جارها ... كأنّك للدّنيا أخ ومناسب
يبرّد نيران المصائب أنّني ... أرى زمنا لم تبق فيه مصائب
أبيات له في أهل حمص وقد عزلوا إمام مسجدهم
قال أبو الفرج: ونسخت من كتاب محمّد بن طاهر عن أبي طاهر:
إنّ خطيب أهل حمص كان يصلّي على النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم على المنبر ثلاث مرات في خطبته، وكان أهل حمص كلّهم من اليمن، لم يكن فيهم من مضر إلّا ثلاثة أبيات، فتعصّبوا على الإمام وعزلوه؛ فقال ديك الجنّ:
سمعوا الصّلاة على النبيّ توالى ... فتفرّقوا شيعا وقالوا: لا لا
ثم استمرّ على الصلاة إمامهم ... فتحزّبوا ورمى الرّجال رجالا
__________
[1] ذراك: كنفك وظلك.
[2] كذا في ج. وفي ب، س: «و هل ندّ فاردده» وهو تحريف.
[3] في الأصول: «لو أن دمي كانت شفاؤك» وهو تحريف. قضبه: قطعه.
يا آل حمص توقّعوا من عارها ... خزيا يحلّ عليكم ووبالا
شاهت وجوهكم وجوها طالما ... رغمت معاطسها وساءت حالا [1]
صوت
أيا بنة عبد الله وابنة مالك ... ويابنة ذي البردين والفرس الورد
إذا ما صنعت الزاد فالتمسي له ... أكيلا فإنّي لست آكله وحدي
عروضه من الطويل. الشعر لقيس بن عاصم المنقريّ، والغناء لعلّويه، ثقيل أوّل بالوسطى.
__________
[1] شاهت: قبحت. ورغم أنفه (مثلثة الغين): ذل عن كره. والمعطس، وزان مجلس ومقعد: الأنف.
4 - أخبار قيس بن عاصم ونسبه
نسبه
هو قيس بن عاصم بن سنان بن خالد بن منقر بن عبيد بن مقاعس. واسم مقاعس الحارث بن عمرو بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم. ويكنى أبا عليّ. وأمّه أمّ أصعر بنت خليفة بن جرول بن منقر.
بعض صفاته
وهو شاعر فارس شجاع حليم كثير الغارات، مظفّر في غزاوته. أدرك الجاهليّة والإسلام فساد فيهما. وهو أحد من وأد بناته [1] في الجاهليّة، وأسلم وحسن إسلامه، وأتى النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، وصحبه في حياته، وعمّر بعده زمانا، وروى عنه عدّة أحاديث.
وأده بناته في الجاهلية
أخبرني عمّي الحسن بن محمّد قال حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد قال حدّثني عليّ بن الصّبّاح عن ابن الكلبيّ عن أبيه قال:
وفد قيس بن عاصم على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فسأله بعض الأنصار عما يتحدّث به عنه من الموءودات الّتي وأدهنّ من بناته؛ فأخبر أنه ما ولدت له بنت قطّ إلّا وأدها. ثم أقبل على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يحدثه فقال له: كنت أخاف سوء الأحدوثة والفضيحة في البنات، فما ولدت لي بنت قطّ إلا وأدتها، وما/ رحمت منهن موءودة قطّ إلّا بنيّة لي ولدتها أمّها وأنا في سفر، فدفعتها أمّها إلى أخوالها فكانت فيهم؛ وقدمت فسألت عن الحمل، فأخبرتني المرأة أنّها ولدت ولدا ميّتا. ومضت على ذلك سنون حتى كبرت الصبيّة ويفعت، فزارت أمّها ذات يوم، فدخلت فرأيتها وقد ضفرت شعرها وجعلت في قرونها شيئا من خلوق [2] ونظمت عليها ودعا، وألبستها قلادة جزع [3]، وجعلت في عنقها مخنقة [4] /بلح: فقلت، من هذه الصبيّة فقد أعجبني جمالها وكيسها؟ [5] فبكت ثم قالت: هذه ابنتك، كنت خبّرتك أنّي ولدت ولدا ميّتا، وجعلتها عند أخوالها حتّى بلغت هذا المبلغ. فأمسكت عنها حتى اشتغلت عنها، ثم أخرجتها يوما فحفرت لها حفيرة فجعلتها فيها وهي تقول: يا أبت [6] ما تصنع بي؟ وجعلت أقذف عليها التّراب وهي تقول: يا أبت أمغطّيّ أنت بالتّراب؟! أتاركي أنت وحدي ومنصرف عني؟! وجعلت أقذف عليها التراب ذلك حتى واريتها وانقطع صوتها، فما رحمت أحدا ممن واريته غيرها. فدمعت عينا النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ثم قال: «إنّ هذه لقسوة،
__________
[1] وأد ابنته: دفنها حية.
[2] الخلوق: ضرب من الطيب.
[3] الجزع بالفتح (و يكسر): الخرز اليماني الصيني، فيه سواد وبياض، تشبه به الأعين.
[4] المخنقة: القلادة.
[5] الكيس: العقل.
[6] يا أبت: التاء فيه عوض من ياء المتكلم، ويجوز فيها الفتح والكسر، وسمع فيها الضم أيضا. قال في «التسهيل»: «و جعلها هاء في الخط والوقف جائز»، ورسمت في المصحف بالتاء؛ قال الدماميني: «فرسمها بالتاء أولى».
وإنّ من لا يرحم لا يرحم» [1] أو كما قال صلّى اللّه عليه وسلّم.
أخبرني محمّد بن خلف بن المرزبان قال حدّثنا أحمد بن الهيثم بن فراس قال: حدّثني عمّي أبو فراس محمّد بن فراس عن عمر بن أبي بكّار عن شيخ من بني تميم عن أبي هريرة:
أن قيس بن عاصم دخل على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وفي حجره بعض بناته يشمّها، فقال له: ما هذه السّخلة [2] تشمّها؟ فقال: هذه ابنتي. فقال: واللّه لقد ولد لي بنون ووأدت بنيّات ما شممت منهنّ أنثى ولا ذكرا قطّ. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «فهل إلا أن ينزع اللّه الرحمة من قلبك [3]»!
سبب وأده لبناته
قال أحمد بن الهيثم قال عمّي فحدّثني عبد اللّه بن الأهتم:
أن سبب وأد قيس بناته أنّ المشمرج اليشكريّ أغار على بني سعد فسبى منهم نساء واستاق أموالا، وكان في النساء امرأة، خالها قيس بن عاصم، وهي رميم بنت أحمر [4] بن جندل السّعديّ، وأمّها أخت قيس. فرحل قيس إليهم يسألهم أن يهبوها له أو يفدوها، فوجد عمرو بن المشمرج قد اصطفاها لنفسه. فسأله فيها، فقال: قد جعلت أمرها إليها فإن اختارتك فخذها. فخيّرت، فاختارت عمرو بن المشمرج. فانصرف قيس فوأد كلّ بنت، وجعل ذلك سنّة في كلّ بنت تولد له، واقتدت به العرب في ذلك؛ فكان كلّ سيّد يولد له بنت يئدها خوفا من الفضيحة.
خبره مع زوجه منفوسة بنت زيد الفوارس
أخبرني محمّد بن الحسن بن دريد قال حدّثني عمّي عن العبّاس بن هشام عن أبيه عن جدّه قال:
تزوّج قيس بن عاصم المنقريّ منفوسة بنت زيد الفوارس الضّبّي، وأتته في الليلة الثانية من بنائه بها بطعام، فقال: فأين أكيلي؟ فلم تعلم ما يريد؛ فأنشأ يقول:
أيابنة عبد الله وابنة مالك ... ويابنة ذي البردين والفرس الورد [5]
إذا ما صنعت الزاد فالتمسي له ... أكيلا فإنّي لست آكله وحدي
/ أخا طارقا أو جار بيت فإنّني ... أخاف ملامات الأحاديث من بعدي
__________
[1] روى البخاري بسنده عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال: قبل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الحسن بن علي وعنده الأقرع بن حابس التميمي جالسا، فقال الأقرع: إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحدا. فنظر إليه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ثم قال: «من لا يرحم لا يرحم». «إرشاد الساري» «لشرح صحيح البخاري» (9: 20).
[2] السخلة: ولد الشاة.
[3] روى البخاري بسنده عن عائشة رضي اللّه عنها قالت: جاء أعرابي إلى النبي صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: تقبلون الصبيان! فما نقبلهم، فقال النبي صلّى اللّه عليه وسلّم:
«أو أملك لك أن نزع اللّه من قلبك الرحمة»! «إرشاد الساري» (9: 21).
[4] في الأصول: «بنت أحمد»، وهو تحريف.
[5] ذو البردين: هو عامر بن أحيمر بن بهدلة بن عوف بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم؛ لقب بذلك لأن الوفود اجتمعوا عند عمرو بن المنذر بن ماء السماء، فأخرج بردين وقال: ليقم أعز العرب فليلبسهما، فقام عامر؛ فقال له: أنت أعز العرب؟ قال:
نعم؛ لأن العز كله في معدّ ثم نزار ثم مضر ثم تميم ثم سعد ثم كعب؛ فمن أنكر ذلك فليناظر، فسكتوا. فقال: هذه قبيلتك، فكيف أنت في نفسك وأهل بيتك؟ فقال: أنا أبو عشرة وأخو عشرة وعم عشرة، ثم وضع قدمه على الأرض وقال: من أزالها عن مكانها فله مائة من الإبل، فلم يقم إليه أحد؛ فأخذ البردين وانصرف. «تاج العروس» (مادة برد). والفرس الورد: الّذي بين الكميت والأشقر.
وإنّي لعبد الضّيف من غير ذلّة ... وما بي إلّا تلك من شيم العبد [1]
قال: فأرسلت جارية لها مليحة فطلبت له أكيلا، وأنشأت تقول له:
/أبى المرء قيس أن يذوق طعامه ... بغير أكيل إنّه لكريم
فبوركت حيّا يا أخا الجود والنّدى ... وبوركت ميتا قد حوتك رجوم [2]
أبيات للعبّاس بن مرداس يمدح فيها قيسا ويهجو جوينا الطائي
أخبرني هاشم بن محمّد الخزاعيّ قال حدّثنا دماذ عن أبي عبيدة قال:
جاور رجل من بني القين من قضاعة قيس بن عاصم، فأحسن جواره ولم ير منه إلّا خيرا حتى فارقه، ثم نزل عند جوين الطائيّ أبي عامر بن جوين، فوثب عليه رجال من طيىء فقتلوه وأخذوا ماله، فقال العبّاس بن مرداس يهجوهم ويمدح قيسا:
لعمري لقد أوفى الجواد ابن عاصم ... وأحصن جارا يوم يحدج بكره [3].
أقام عزيزا منتدى القوم عنده ... فلم ير سوءات ولم يخش غدره [4]
/أقام بسعد يشرب الماء آمنا ... ويأكل وسطاها ويربض حجره [5]
فإنّك إذ بادلت قيس بن عاصم ... جوينا لمختار المنازل شرّه [6]
فأصبح يحدو رحله بمفازة ... وماذا عدا جارا كريما وأسره [7]
يظلّ بأرض الغدر يأكل عهده ... جوين وشمخ خاربين بوجره [8]
يذمّان بالأزواد والزاد محرم ... سروقان من عرق شرورا وفجره [9]
__________
[1] وردت هذه الأبيات في «الكامل» للمبرد 1: 279 ببعض تغيير في الرواية وكذا في «أشعار الحماسة» ج 2: 244 فانظرها هناك.
[2] رجوم: تعني حجارة القبر. والّذي في كتب اللغة: «الرجمة بالضم والفتح: القبر، والجمع رجام، ككتاب، وهو الرجم، كسبب، والجمع أرجام، والرجم والرجام: الحجارة المجموعة على القبر، والرجم، كشمس: اسم لما يرجم به الشيء المرجوم والجمع رجوم» وليس فيها «رجوم» بمعنى حجارة القبر.
[3] في الأصول: «و أحسن جدا» وهو تحريف، وأحصنه: منعه وحفظه. وحدج البعير كضرب: شدّ عليه الحدج والأداة ووسقه.
والحدج: الحمل، وزنا ومعنى. والبكر: الفتى من الإبل.
[4] المنتدى: مجلس القوم ومتحدثهم. وغدره: يجوز أن يكون بالتاء وبالهاء.
[5] بسعد: أي ببني سعد وهم قوم قيس بن عاصم. ويأكل وسطاها، من أمثال العرب: «يرتعي وسطا ويربض حجرة» والوسط من المرعى: خياره، أي يرتعي أوسط المرعى وخياره ما دام القوم في خير، فإذا أصابهم شر اعتزلهم. وربض حجرة أي ناحية. انظر «لسان العرب» (وسط وحجر). ويروى هذا المثل أيضا: «يأكل خضرة ويربض حجرة» أي يأكل من الروضة ويربض ناحية. انظر «مجمع الأمثال» للميداني 2: 150 - وقد ضمن الشاعر البيت المثل فقال: ويأكل وسطاها أي وسطي مآكلها، ووسطي مؤنث أوسط، وأوسط الشيء ووسطه (بالتحريك): أعدله وخياره، أي يأكل خير مآكلها وأطيبها.
[6] شرة: مفعول مختار، وشرة وشرى أيضا كفضلى مؤنث شر.
[7] حدا البعير: ساقه، والمفازة: الفلاة لا ماء بها. وأسرة الرجل: عشيرته ورهطه الأدنون لأنه يتقوى بهم.
[8] يأكل عهده: يريد «ينكث» من قولهم أكل فلان عمره: أفناه. وشمخ: اسم رجل. والخارب: اللص، وجرة: اسم موضع.
[9] أذم به: تهاون، والأزواد جمع زاد. المحرم: الحرمة الّتي لا يحل انتهاكها، والعرق: الأصل. والفجرة: الفجور، ويقال: حلف فلان على فجرة، واشتمل على فجرة: إذا ركب أمرا قبيحا من يمين كاذبة أو زنا أو كذب، وفي س «من مرق سروق وفخره» وفي ب، ح «من عرق سرق وفخرة» وهو تحريف.
حلمه وعفوه عن ابن أخيه وقد قتل ابنه
أخبرني أحمد بن العبّاس العسكري قال حدّثنا الحسن بن عليل العنزي قال حدّثني دماذ عن أبي عبيدة قال، قال الأحنف:
/ ما تعلّمت الحلم إلّا من قيس بن عاصم المنقريّ، فقيل له: وكيف ذلك يا أبا بحر؟ فقال: قتل ابن أخ له ابنا له فأتى بابن أخيه مكتوفا يقاد إليه، فقال: ذعرتم الفتى. ثم أقبل عليه فقال: يا بنيّ، نقصت عددك، وأوهيت [1] ركنك، وفتتّ في عضدك، وأشمتّ عدوّك، وأسأت بقومك. خلّوا سبيله، واحملوا إلى أم المقتول ديته، قال: فانصرف القاتل وما حلّ قيس حبوته [2]، ولا تغير وجهه [3].
وفود قيس على الرسول عليه السّلام
أخبرني عبيد اللّه الرازيّ قال حدّثنا أحمد بن الحارث الخراز عن المدائنيّ عن ابن جعدبة وأبي اليقظان قالا:
وقد قيس بن عاصم على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال النبيّ عليه الصلاة والسّلام: «هذا سيّد أهل الوبر».
قصته مع تاجر خمار
أخبرني محمّد بن الحسن بن دريد قال حدّثنا أبو حاتم عن أبي حاتم قال:
جاور داريّ [4] كان يتّجر في أرض العرب قيس بن عاصم، فشرب قيس ليلة حتى سكر، فربط الداريّ وأخذ ماله، وشرب من شرابه فازداد سكرا، وجعل من السكر يتطاول ويثاور [5] النجوم ليبلغها وليتناول القمر، وقال:
وتاجر فاجر جاء الإله به ... كأن عثنونه أذناب أجمال [6]
ثم قسم صدقة النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في قومه وقال:
__________
[1] وهي الحائط: ضعف وهم بالسقوط، وأوهاه هو. فت في عضده: أضعفه.
[2] احتبى: جمع بين ظهره وساقيه بعمامة ونحوها، والاسم الحبوة (يفتح ويضم).
[3] الخبر في «أمالي السيد المرتضى» 1: 76. وجاء في «مجمع الأمثال للميداني» 1: 148 و «العقد الفريد» 1: 177 «قيل للأحنف بن قيس: ممن تعلمت الحلم؟ قال: من قيس بن عاصم المنقري، حضرته يوما قاعدا بفناء داره، محتبيا بحمائل سيفه يحدّثنا، إذ جاءوا بابن له قتيل وابن عم له كتيف، فقالوا: هذا ابن أخيك قتل ابنك، فو اللّه ما حل حبوته ولا قطع كلامه، حتى إذا فرغ من الحديث التفت إلى ابن أخيه وقال له: يابن أخي، أثمت بربك، ورميت نفسك بسهمك، وقتلت ابن عمك. ثم قال لابن له آخر: يا بني قم إلى ابن عمك فأطلقه، وإلى أخيك فادفنه، وإلى أم القتيل فأعطها مائة ناقة دية ابنها فإنها غريبة لعلها تسلو عنه، ثم أنشأ يقول:
إني امرؤ لا يتعري خلقي ... دنس يهجّنه ولا أفن
من منقر من بيت مكرمة ... والغصن ينبت حوله الغصن
خطباء حين يقوم قائلهم ... بيض الوجوه مصانع لسن
لا يفطنون لعيب جارهم ... وهم لحفظ جواره فطن
[4] داريّ: من الداريين، وهم بنو الدار بن هانىء بن حبيب بن نمارة بن لخم بن عدي، ينتهي نسبهم إلى كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان.
[5] ثاوره مثاورة وثوارا: واثبه.
[6] العثنون من اللحية: ما نبت على الذقن وتحته سفلا. وأجمال: جمع جمل. جاء في «الكامل» للمبرد 1: 280 «قال ذلك لأن ذنب البعير يضرب إلى الصهبة وفيه استواء وهو يشبه اللحية».
ألا أبلغا عنّي قريشا رسالة ... إذا ما أتتهم مهديات الودائع
حبوت بما صدّقت في العام منقرا ... وأيأست منها كلّ أطلس طامع [1]
قال: فلمّا فعل بالداريّ ما فعل وسكر، جعل ما له نهبى [2]، فلم تزل امرأته تسكّنه حتّى نام. فلما أصبح أخبر بما كان منه، فآلى ألّا يدخل الخمر بين أضلاعه أبدا.
خدعه الزبرقان بن بدر حتى فرّق الصدقات في قومه
أخبرني وكيع قال/ حدّثنا المدائنيّ قال:
ولي قيس بن عاصم على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم صدقات بني مقاعس والبطون كلّها، وكان الزّبرقان بن بدر قد ولي صدقات عوف والأبناء [3]. فلما توفّي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وقد جمع كلّ واحد من قيس والزّبرقان صدقات من ولي صدقته دسّ إليه الزّبرقان من زيّن له المنع لما في يده وخدعه بذلك، وقال له: إنّ النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قد توفّي، فهلمّ نجمع هذه الصدقة ونجعلها في قومنا؛ فإن استقام الأمر لأبي بكر وأدّت العرب إليه الزكاة جمعنا له الثانية. ففرّق قيس الإبل في قومه؛ فانطلق الزّبرقان إلى أبي بكر بسبعمائة بعير فأدّاها إليه، وقال في ذلك:
وفيت بأذواد النبيّ محمّد ... وكنت امرأ لا أفسد الدّين بالغدر [4]
فلمّا عرف قيس ما كاده به الزبرقان قال: لو عاهد الزّبرقان أمّه لغدر بها.
أسباب سيادته
أخبرني عبد اللّه بن محمّد الرازيّ قال حدّثنا الحارث بن أسامة قال حدّثنا المدائنيّ، وأخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا ثعلب على ابن الأعرابيّ قال:
قيل لقيس بن عاصم: بماذا سدت؟ قال: ببذل النّدى، وكفّ الأذى، ونصر الموالي [5].
نصيحته لبنيه
أخبرني وكيع قال حدّثنا العمري عن الهيثم قال:
كان قيس بن عاصم يقول لبنيه: إيّاكم والبغي؛ فما بغى قوم قطّ إلا قلّوا وذلّوا. فكان بعض بنيه يلطمه [6] قومه أو غيرهم فينهى إخوته عن أن ينصروه.
حديث له مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في المال
أخبرني عبيد اللّه بن محمّد الرازي قال حدّثنا الحارث عن المدائني عن ابن جعدبة: أنّ قيس بن عاصم قال:
أتيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فرحّب بي وأدناني؛ فقلت: يا رسول اللّه، المال الّذي لا يكون عليّ فيه تبعة ما ترى في
__________
[1] حباه: أعطاه بلا جزاء ولا منّ، أو هو عام. والمصدق: آخذ الصدقات، والمتصدق: معطيها. والأطلس هنا: اللص الخبيث.
[2] النهبى: اسم للمنهوب، كالنهبة بالضم.
[3] الأبناء، هم خمسة من ولد سعد بن زيد مناة بن تميم، وهم عبد شمس ومالك وعوف وعوانة وجشم.
[4] الذود: ثلاثة أبعرة إلى العشرة، وقيل غير ذلك، والجمع أذواد.
[5] في «أمالي» السيد المرتضى 1: 76 «و نصر الولي».
[6] في «أمالي» السيد المرتضى: «يظلمه».
إمساكه لضيف إن طرقني، وعيال إن كثروا عليّ؟ فقال: «نعم المال [1] الأربعون، والأكثر الستّون، وويل لأصحاب المئين - ثلاثا - إلا من أعطى من رسلها [2] وأطرق [3] فحلها، وأفقر ظهرها [4]، ومنح غزيرتها [5]، وأطعم القانع والمعترّ» [6]. فقلت له: يا رسول اللّه، ما أكرم هذه الأخلاق! إنه لا يحلّ بالوادي الّذي أنا فيه من كثرتها. قال:
«فكيف تصنع في الإطراق؟» قلت: يغدو الناس، فمن شاء أن يأخذ برأس بعير ذهب به، قال: «فكيف تصنع في الإفقار؟» فقلت إنّي لأفقر الناب [7] المدبرة والضّرع [8] الصغيرة. قال: «فكيف تصنع في المنيحة؟» [9] قلت: إني لأمنح في السّنة المائة. قال: «إنما لك من مالك ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدّقت فأبقيت».
خبره مع الحوفزان
أخبرني هاشم بن محمّد الخزاعيّ حدّثنا أبو غسّان دماذ عن أبي عبيدة قال:
قيس بن عاصم هو الّذي حفز الحوفزان بن شريك الشّيباني، طعنه في استه في يوم جدود [10].
وكان من حديث ذلك اليوم أنّ الحارث بن شريك بن عمرو الصّلب بن قيس بن شراحيل بن مرّة بن همّام كانت بينه وبين بني يربوع موادعة، ثم همّ بالغدر بهم، فجمع بني شيبان [11] وبني ذهل واللّهازم: قيس بن ثعلبة وتيم اللّه بن ثعلبة وغيرهم، ثم غزا بني يربوع، فنذر [12] به عتيبة بن الحارث بن شهاب بن شريك، فنادى في قومه بني جعفر بن ثعلبة من بني يربوع [13] فوادعه. وأغار الحارث بن شريك على بني مقاعس وإخوتهم بني ربيع فلم يجيبوهم [14]، فاستصرخوا بني منقر فركبوا حتّى/ لحقوا بالحارث بن شريك وبكر بن وائل وهم
__________
[1] أكثر ما يطلق المال عند العرب على الإبل؛ لأنها كانت أكثر أموالهم.
[2] الرسل: اللبن.
[3] أطرقه فحله: أعاره إياه ليضرب في إبله.
[4] الظهر: الإبل الّتي يحمل عليها ويركب. وأفقره بعيره: أعاره إياه يركب ظهره في سفر أو يحمل عليه ثم يرده.
[5] منح غزيرتها: أعطاها من يحلبها ويردّها.
[6] القانع هنا: الّذي يسأل، والمعتر: المتعرض للمعروف من غير أن يسأل.
[7] الناب: الناقة المسنة. والمدبرة: الهرمة، الّتي هرمت فأدبر خيرها.
[8] الضرع: الصغير من كل شيء، أو الصغير السن الضعيف الضاوي النحيف. وككتف: الضعيف.
[9] في ب، س: «المليحة» وهو تحريف.
[10] جدود: اسم موضع في أرض بني تميم قريب من حزن بني يربوع على سمت اليمامة، فيه الماء الذي يقال له الكلاب، وكان فيه وقعتان مشهورتان عظيمتان من أعرف أيام العرب. اقرأ حديث يوم جدود أيضا في «العقد الفريد» (3: 72).
[11] شيبان: حي من بكر بن وائل، وهما شيبانان: أحدهما شيبان بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل، والآخر شيبان بن ذهل بن ثعلبة بن عكابة. واللهازم، هم قيس بن ثعلبة بن عكابة، وتيم اللّه - أو تيم اللات - بن ثعلبة بن عكابة، وعجل بن لجيم، وعنزة بن أسد بن ربيعة - انظر «العقد الفريد» (3: 68)، و «لسان العرب». وفي الأصول «و اللهازم وقيس بن ثعلبة» بزيادة الواو وهو خطأ.
[12] نذر به كفرح: علمه فحذره. وفي ب، س «عتبة بن الحارث».
[13] وذلك أن الحوفزان لما انتهى إلى جدود منعتهم بنو يربوع أن يردوا الماء - ورئيسهم عتيبة بن الحارث بن شهاب - فقاتلوهم، فلم يكن لبني بكر بهم يد، فصالحوهم على أن يعطوا بني يربوع بعض غنائمهم، وعلى أن يخلوهم يردون الماء، فقبلوا ذلك وأجازوهم، فبلغ ذلك بني سعد، فقال قيس بن عاصم في ذلك: جزى اللّه يربوعا .. الأبيات الآتية (انظر «العقد الفريد» «يوم جدود»).
[14] كذا في الأصل، والظاهر أن في الكلام نقصا. وبنو ربيع (كزبير) هم بنو ربيع بن الحارث بن عمرو بن كعب بن سعد بن زيد مناة، وجاء في «النقائض» ص 145 طبع أوربة (بعد أن أورد خبر موادعته بني يربوع): «فمضى إلى بني سعد فأغار على ربيع بن الحارث -
قائلون [1] /في يوم شديد الحرّ. فما شعر الحوفزان إلّا بالأهتم بن سميّ بن سنان بن خالد بن منقر - واسم الأهتم سنان - وهو واقف على رأسه، فوثب الحوفزان إلى فرسه فركبه وقال للأهتم: من أنت؟ فانتسب له، وقال: هذه منقر قد أتتك. فقال الحوفزان: فأنا الحارث بن شريك! فنادى الأهتم: يا آل سعد! ونادى الحوفزان: يا آل وائل! وحمل كلّ واحد منهما على صاحبه، ولحقت بنو منقر، فاقتتلوا أشدّ قتال وأبرحه [2]، ونادت نساء بني ربيع: يا آل سعد! فاشتدّ قتال بني منقر لصياحهن، فهزمت بكر بن وائل، وخلّوا من [3] كان في أيديهم من بني مقاعس، وما كان في أيديهم من أموالهم، وتبعتهم بنو منقر بين قتل وأسر؛ فأسر الأهتم حمران بن عبد عمرو [4]، وقصد قيس بن عاصم الحوفزان، ولم يكن له همّة غيره، والحارث على فرس له قارح [5] يدعى الزّبد، وقيس على مهر، فخاف قيس أن يسبقه الحارث، فحفزه بالرّمح في استه، فتحفّز به الفرس فنجا، فسمّي الحوفزان. وأطلق قيس أموال بني مقاعس وبني ربيع وسباياهم، وأخذ أموال بكر بن وائل وأساراهم.
أبياته الّتي قالها في يوم جدود
وانتقضت طعنة قيس على الحوفزان بعد سنة فمات. وفي هذا اليوم يقول قيس بن عاصم:
جزى اللّه يربوعا بأسوأ فعلها [6] ... إذا ذكرت في النائبات أمورها
/ ويوم جدود قد فضحتم ذماركم ... وسالمتم والخيل تدمى نحورها [7]
ستخطم سعد والرّباب أنوفكم ... كما حزّ في أنف القضيب جريرها [8]
وقال سوّار [9] بن حيّان المنقريّ:
ونحن حفزنا الحوفزان بطعنة ... سقته [10] نجيعا من دم الجوف أشكلا [11]
وحمران قسرا أنزلته رماحنا ... فعالج غلّا في ذراعيه مقفلا
إغارته على اللهازم يوم النباج وثيتل وما قال ابنه علي في ذلك اليوم
__________
- فأصاب نسوة وهم خلوف وأصاب إبلا، فإن الصريخ بني سعد، فركب قيس بن عاصم في بني سعد ... ».
[1] القائلة: نصف النهار، وقال: نام في القائلة، فهو قائل.
[2] أبرحه: أشدّه وأشقّه.
[3] في الأصول: «ما كان» تحريف.
[4] في «العقد الفريد»: «حمران بن بشر بن عمرو بن مرثد». وفي «لسان العرب» مادة (حفز): «حمران بن عبد بن عمرو بن بشر بن عمرو بن مرثد».
[5] قرح الفرس قروحا: إذا ألقى أقصى أسنانه، وذلك إذا اسنتم الخامسة ودخل في السادسة. والزبد ككتف (كما في «القاموس المحيط»).
[6] في «النقائض» و «العقد» «سعيها».
[7] الذمار: ما يلزمك حفظه وحمايته. وفي «معجم البلدان» و «العقد الفريد» و «النقائض»: «قد فضحتم أباكم»؛ يعني ما كان منهم من موادعة الحوفزان، وقد تقدّم خبرها.
[8] خطمه: ضرب أنفه، والرباب: خمس قبائل تجمعوا فصاروا يدا واحدة، وهم ضبة وثور وعكل (كقفل) وتيم وعديّ، والقضيب:
الناقة الّتي لم ترض. والجدير: الزمام.
[9] كذا في «الأصول» و «أمالي» السيد المرتضى 1: 77 و «النقائض». وفي «العقد الفريد»: «سويد».
[10] في «العقد الفريد» و «النقائض»: «تمج تجيعا».
[11] حفزه بالرمح طعنه. والنجيع من الدم: ما كان إلى السواد، أو دم الجوف. والأشكل: ما يخلط سواده حمرة.
قال: وأغار قيس بن عاصم أيضا على اللهازم، فتبعه بنو كعب بن سعد بالنّباج وثيتل [1]، فتخوّف أن يكره أصحابه لقاء بكر بن وائل، وقد كان يتناجون [2] في ذلك، فقام ليلا فشقّ مزادهم [3]، لئلا يجدوا بدّا من لقاء العدوّ، فلما فعل ذلك أذعنوا بلقائهم وصبروا له، فأغار عليهم، فكان أشهر يوم يوم ثيتل لبني سعد، وظفر قيس بما شاء، وملا يديه من أموالهم وغنائمهم. وفي ذلك يقول ابنه عليّ [4] بن قيس بن عاصم:
/أنا ابن الّذي شقّ المزاد وقد رأى ... بثيتل أحياء اللّهازم حضّرا
فصبّحهم بالجيش قيس بن عاصم ... وكان إذا ما أورد الأمر أصدرا [5]
قتاله عبد القيس
قال: وأغار قيس أيضا ببني سعد على عبد القيس، وكان رئيس بني سعد يومئذ سنان بن خالد، وذلك بأرض البحرين، فأصابوا ما أرادوا، واحتالت عبد القيس في أن يفعل ببني تميم كما فعل بهم بالمشقّر [6] حين أغلق عليهم بابه فامتنعوا، فقال في ذلك سوّار بن حيان:
فيا لك من أيّام صدق أعدّها ... كيوم جؤاثى والنّباج وثيتلا [7]
كان رئيس بني سعد يوم الكلاب الثاني
قال: وكان قيس بن عاصم رئيس بني سعد يوم الكلاب [8] الثاني، فوقع بينه وبين الأهتم اختلاف في أمر عبد يغوث بن وقّاص بن صلاءة الحارثيّ حين أسره عصمة بن أبير التّيميّ/ ودفعه إلى الأهتم، فرفع قيس قوسه فضرب فم الأهتم بها فهتم أسنانه؛ فيومئذ سمّي الأهتم.
ما قاله لأولاده حين حضرته الوفاة
أخبرنا هشام بن محمّد الخزاعيّ قال حدّثنا دماذ عن أبي عبيدة، وأخبرني عيسى بن الحسين الورّاق قال:
__________
[1] في ب وس. «نبتل» وفي ج: «ثبتل» تصحيف. والنباج: موضع من البصرة على عشر مراحل. وثيتل: ماء قرب النباج، وبهما يوم من أيام العرب مشهور لتميم على بكر بن وائل كما رأيت.
[2] يتناجون: يتسارّون.
[3] المزادة: الراوية الّتي يحمل فيها الماء. قال أبو عبيد: لا تكون إلا من جلدين تفأم بجلد ثالث بينهما لتتسع، سميت بذلك لمكان الزيادة.
[4] وبه يكنى «أبا علي». وفي «معجم البلدان»: «قال قرّة بن قيس بن عاصم». وفي «العقد الفريد»: «مرة».
[5] رواه «معجم البلدان» و «العقد الفريد»:
فصبحهم بالجيس قيس بن عاصم ... فلم يجدوا إلا الأسنة مصدرا
سقاهم بها الذيفان قيس بن عاصم ... وكان إذا ما أورد الأمر أصدرا
والذيفان، بالفتح ويكسر: السم القاتل.
[6] المشقر: حصن عظيم بالبحرين لعبد قيس، يلي حصنا لهم آخر يقال له الصفا قبل مدينة هجر، وفيه يقول يزيد بن مفرغ الحميري:
وجاورت عبد القيس أهل المشقر
وفيه حبس كسرى بني تميم، وقد أوقع بهم فأخذ الأموال وسبى الذراريّ بمدينة هجر. لأنهم أغاروا على لطيمة (أي عير)، له فيها مسك وعنبر وجوهر كثير.
[7] جؤائي ويقال له (جواثي وجواثاء): حصن لعبد القيس بالبحرين.
[8] الكلاب: اسم ماء بين جبلة وشمام على سبع ليال من اليمامة. وللعرب فيه يومان مشهوران: هما الكلاب الأوّل، والكلاب الثاني.
حدّثنا أحمد بن الهيثم بن عديّ قال:
/ جمع قيس بن عاصم ولده حين حضرته الوفاة وقال: يا بنيّ، إذا متّ فسوّدوا كباركم، ولا تسوّدوا صغاركم فيسفّه الناس كباركم. وعليكم بإصلاح المال فإنّه منبهة للكريم، ويستغنى به عن اللئيم. وإذا متّ فادفنوني في ثيابي الّتي كنت أصلّي فيها وأصوم. وإياكم والمسألة فإنّها آخر [1] مكاسب العبد؛ وإنّ امرأ لم يسأل إلّا ترك مكسبه. وإذا دفنتموني فأخفوا قبري عن هذا الحيّ من بكر بن وائل؛ فقد كان بيننا خماشات [2] في الجاهليّة. ثم جمع ثمانين سهما فربطها بوتر، ثم قال: اكسروها فلم يستطيعوا، ثم قال: فرّقوا. ففرّقوا، فقال: اكسروها سهما سهما، فكسروها. فقال: هكذا أنتم في الاجتماع وفي الفرقة. ثم قال:
إنما المجد ما بنى والد الصّد ... ق وأحيا فعاله المولود
وتمام الفضل الشجاعة والحل ... م إذا زانه عفاف وجود
وثلاثون يا بنيّ إذا ما ... جمعتهم في النائبات العهود
كثلاثين من قداح إذا ما ... شدّها للزمان قدح شديد
لم تكسّر وإن تفرّقت الأس ... هم أودى بجمعها التبديد
وذوو الحلم والأكابر أولى ... أن يرى منكم لهم تسويد
وعليكم حفظ الأصاغر حتّى ... يبلغ الحنث الأصغر المجهود [3]
رثاء عبدة بن الطبيب له
ثم مات؛ فقال عبدة بن الطّبيب يرثيه:
عليك سلام اللّه قيس بن عاصم ... ورحمته ما شاء أن يترحّما
تحيّة من أوليته منك نعمة ... إذا زار عن شحط بلادك سلّما
فما كان قيس هلكه هلك واحد ... ولكنّه بنيان قوم تهدّما
تمثل هشام بن عبد الملك ببيت من أبيات عبدة في رثائه
أخبرني عبيد اللّه بن محمّد الرازيّ قال: حدّثنا أحمد بن الحارث عن المدائني قال:
لمّا مات عبد الملك بن مروان اجتمع ولده حوله، فبكى هشام حتى اختلفت [4] أضلاعه، ثم قال: رحمك اللّه يا أمير المؤمنين! فأنت واللّه كما قال عبدة بن الطبيب:
وما كان قيس هلكه هلك واحد ... ولكنه بنيان قوم تهدّما
__________
[1] جاء في «الكامل» للمبرد: «أخر بقصر الهمزة لا غير، ومن رواه بالمد أخطأ. ومعنى أخر: أدنى وأرذل». وجاء في «لسان العرب»:
«و في الحديث: المسألة أخر كسب المرء، أي أرذله وأدناه. ويروى بالمد؛ أي إن السؤال آخر ما يكتسب به المرء عند العجز عن الكسب».
[2] خماشات: جراحات وجنايات.
[3] بلغ الغلام الحنث: أي الإدراك والبلوغ، أي بلغ مبلغ الرجال وجرى عليه القلم فكتب عليه الحنث (أي المعصية والإثم) والطاعة.
[4] اختلفت: اضطربت.
فقال له الوليد: كذبت يا أحول يا مشئوم، لسنا كذلك، ولكنّا كما قال الآخر:
إذا مقرم منّا ذرا حدّ نابه ... تخمّط فينا ناب آخر مقرم [1]
هو وعبدة بن الطبيب
أخبرني حبيب بن نصر المهلّبي قال حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد قال حدّثنا عليّ بن الصبّاح عن ابن الكلبيّ عن أبيه قال:
كان بين قيس بن عاصم وعبدة بن الطّبيب لحاء، فهجره قيس بن عاصم، ثم حمل عبدة دما في قومه، فخرج يسأل فيما تحمّله، فجمع إبلا، ومرّ به قيس بن عاصم وهو يسأل في تمام الدّية، فقال: فيم يسأل عبدة؟ فأخبر؛ فساق إليه الدية كاملة/ من ماله، وقال: قولوا له ليستمتع [2] بما صار إليه، وليسق هذه/ إلى القوم. فقال عبدة:
أما واللّه لو لا أن يكون صلحي إيّاه بعقب هذا الفعل عارا عليّ لصالحته، ولكني أنصرف إلى قومي ثم أعود فأصالحه. ومضى بالإبل ثم عاد، فوجد قيسا قد مات، فوقف على قبره وأنشأ يقول:
عليك سلام اللّه قيس بن عاصم ... ورحمته ما شاء أن يترحّما
الأبيات.
سبب تحريمه الخمر على نفسه
أخبرني محمّد بن مزيد بن أبي الأزهر قال حدّثنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه قال ذكر عاصم بن الحدثان وهشام بن الكلبيّ عن أشياخهما:
أنّ قيس بن عاصم المنقريّ سكر من الخمر ليلة قبل أن يسلم، فغمز عكنة [3] ابنته - أو قال أخته - فهربت منه. فلمّا صحا منها، فقيل له: أو ما علمت ما صنعت البارحة؟ قال: لا. فأخبروه بصنعه، فحرّم الخمر على نفسه، وقال في ذلك:
وجدت الخمر جامحة وفيها ... خصال تفضح الرّجل الكريما
فلا والله أشربها حياتي ... ولا أدعو لها أبدا نديما
ولا أعطي بها ثمنا حياتي ... ولا أشفى بها أبدا سقيما
فإنّ الخمر تفضح شاربيها ... وتجشمهم بها أمرا عظيما [4]
إذا دارت حميّاها تعلّت ... طوالع تسفه الرّجل الحليما [5]
__________
[1] البيت لأوس بن حجر («اللسان» مادة خمط، وقرم). ومقرم: سيد، وهو في الأصل: البعير المكرم الّذي لا يحمل عليه ولا يذلل ولكن يكون للفحلة والضراب؛ سمي به السيد الرئيس من الرجال تشبيها بالمقرم من الإبل لعظم شأنه وكرمه عندهم. وذرا نابه ذروا: انكسر حدّه أو سقط ووقع. والتخمط: الأخذ والقهر بغلبة. أراد: إذا هلك منا سيد خلفه آخر. وفي ب، س: «تحمط» وهو تصحيف.
[2] في الأصول: «ليستنفع» وهو تحريف.
[3] العكنة: ما انطوى وتثنى من لحم البطن سمنا.
[4] جشم (كسمع) الأمر وتشجمه: تكلفه على مشقة، وأجشمه إياه.
[5] حمياها: سورتها وشدتها وإسكارها. تعلى: علا في مهلة.
/ أخبرني محمّد بن مزيد عن حمّاد بن إسحاق عن أبيه عن عاصم بن الحدثان قال:
قال الزّبرقان: إنّ تاجرا ديافيّا [1] مرّ بحمل خمر على قيس بن عاصم فنزل به، فقال قيس: اصبحني قدحا؛ ففعل.
ثم قال له: زدني، فقال له: أنا رجل تاجر طالب ربح وخير، ولا أستطيع أن أسقيك بغير ثمن. فقام إليه قيس فربطه إلى دوحة في داره حتى أصبح، فكلّمته أخته في أمره، فلطمها وخمش وجهها - وزعموا أنّه أرادها على نفسها - وجعل يقول:
وتاجر فاجر جاء الإله به ... كأنّ لحيته أذناب أجمال
فلما أصبح قال: من فعل هذا بضيفي؟ قالت له أخته: الّذي صنع هذا بوجهي، أنت واللّه صنعته، وأخبرته بما فعل. فأعطى اللّه عهدا ألا يشرب الخمر أبدا. فهو أوّل عربيّ حرّمها على نفسه في الجاهليّة، وهو الّذي يقول:
فو الله لا أحسو يد الدّهر خمرة ... ولا شربة تزري بذي اللّبّ والفخر [2]
فكيف أذوق الخمر والخمر لم تزل ... بصاحبها حتى تكسّع في الغدر [3]
وصارت به الأمثال تضرب بعد ما ... يكون عميد القوم في السّرّ والجهر
ويبدرهم في كلّ أمر ينوبهم ... ويعصمهم ما نابهم حادث الدّهر
فيا شارب الصّهباء دعها لأهلها ال ... غواة وسلّم للحسيم من الأمر
فإنّك لا تدري إذا ما شربتها ... وأكثرت منها ما تريش وما تبري [4]
قصته مع امرأته وقد فارقته لإسلامه
أخبرني محمّد بن خلف بن المرزبان قال حدّثني أحمد بن منصور قال أخبرني أبو جعفر المباركيّ قال أخبرني المدائني عن مسلمة بن محارب قال:
قال الأحنف بن قيس: ذكرت بلاغة النساء عند زياد، فحدّثته أنّ قيس بن عاصم أسلم وعنده امرأة من بني حنيفة، فأبى/ أهلها وأبوها أن يسلموا وخافوا إسلامها، فاجتمعوا إليها وأقسموا إنّها إن أسلمت لم يكونوا معها في شيء ما بقيت. فطالبت قيسا بالفرقة، ففارقها، فلما احتملت لتلحق بأهلها قال لها قيس: أما واللّه لقد صحبتني سارّة، ولقد فارقتني غير عارّة [5]، لا صحبتك مملولة، ولا أخلاقك مذمومة، ولو لا ما اخترت ما فرّق بيننا إلّا الموت، ولكنّ أمر اللّه ورسوله صلّى اللّه عليه وسلّم أحقّ أن يطاع. فقالت له: أنبئت بحسبك وفضلك، وأنت واللّه إن كنت للدّائم المحبة، الكثير المودّة، القليل اللائمة، المعجب الخلوة، البعيد النّبوة. ولتعلمنّ أنّي لا أسكن بعدك إلى زوج.
فقال قيس: ما فارقت نفسي شيئا قطّ فتبعته كما تبعتها.
كان يكنى أبا عليّ
أخبرني محمّد بن خلف بن المرزبان قال حدّثنا أحمد بن الهيثم بن فراس قال حدّثني أبو فراس قال:
__________
[1] ديافي: نسبة إلى دياف، وهي قرية بالشام وأهلها نبط الشام، تنسب إليها الإبل والسيوف، وإذا عرّضوا برجل أنه نبطي نسبوه إليها.
[2] يد الدهر: مدّ زمانه. وفي الأصول: «بذا الدهر» وهو تحريف.
[3] تكسع في ضلاله: تمادى، كتسكع.
[4] راش السهم يريشه: ألزق عليه الريش. وقولهم: فلان لا يريش ولا يبري، أي لا يضر ولا ينفع.
[5] عرّه بمكروه: أصابه به، وعرّه: ساءه.
كان قيس بن عاصم يكنى أبا عليّ، وكان خاقان بن الأهتم إذا ذكره قال: بخ! من مثل أبي عليّ!
تطيف به كعب بن سعد كأنّما ... يطيفون عمّارا ببيت محرّم [1]
بعض صفات قومه بني منقر
وقال علّان بن الحسن الشّعوبي: بنو منقر قوم غدر، يقال لهم [2] الكوادن، ويلقّبون أيضا أعراف البغال، وهم أسوأ خلق اللّه جوارا، يسمّون الغدر كيسان [3]، وفيهم بخل شديد.
وصيته لبنيه بحفظ المال
وأوصى قيس بن عاصم بنيه، فكان أكثر وصيّته إيّاهم أن يحفظوا المال، والعرب لا تفعل ذلك وتراه قبيحا.
وفيهم يقول الأخطل بن ربيعة بن النّمر بن تولب:
يا منقر بن عبيد إنّ لؤمكم ... مذ عهد آدم في الدّيوان مكتوب
للضّيف حقّ على من كان ذا كرم ... والضّيف في منقر عريان مسلوب
وقال النمر بن تولب يذكر تسميتهم الغدر كيسان في قصيدة هجاهم بها:
إذا ما دعوا كيسان كانت كهولهم ... إلى الغدر أدنى من شبابهم المرد
قال: وهذا شائع في جميع بني سعد [4]، إلا أنهم يتدافعونه إلى بني منقر، وبنو منقر يتدافعونه إلى بني سنان بن خالد بن منقر، وهو جدّ قيس بن عاصم.
وفوده على النبي مع عمرو بن الأهتم وتهاترهما أمامه
وحكى ابن الكلبي أنّ النبي صلّى اللّه عليه وسلّم لمّا افتتح مكّة قدمت عليه وفود العرب، فكان فيمن قدم عليه قيس بن عاصم وعمرو بن الأهتم ابن عمّه، فلمّا صارا عند النبي صلّى اللّه عليه وسلّم تسابّا وتهاترا [5]؛ فقال قيس لعمرو بن الأهتم: واللّه يا رسول اللّه ما هم منّا، وإنهم لمن أهل الحيرة. فقال عمرو بن الأهتم: بل هو واللّه يا رسول اللّه من الروم وليس منا. ثم قال له:
/ظللت مفترش الهلباء تشتمني ... عند الرّسول فلم تصدق ولم تصب
الهلباء يعني استه، يعيره بذلك، وبأن عانته وافية.
إن تبغضونا فإنّ الرّوم أصلكم ... والرّوم لا تملك البغضاء للعرب
__________
[1] في الأصول: «ببيت عرمرم» وهو تحريف. وعمارا: أي معتمرين، من العمرة، وهي الحج الأصغر. والفرق بينها وبين الحج أن العمرة الطواف بالبيت الحرام والسعي بين الصفا والمروة فقط، والحج لا يكون إلا مع الوقوف بعرفة يوم عرفة، وأن العمرة تكون في السنة كلها، والحج لا يكون إلا في أشهر الحج: شوال وذي القعدة وعشر من ذي الحجة.
[2] الكوادن: جمع كودن، وهو البغل والبرذون والفيل، ويشبه به البليد.
[3] في ب، س: «و كيسان» بالواو؛ وهو خطأ.
[4] بنو سعد أخو النمر بن تولب. والبيت في «اللسان» (كيس)، وقبله:
إذا كنت في سعد وأمك منهم ... غريبا فلا يغررك خالك من سعد
[5] تهاترا: تسابا بالباطل.
سدنا فسوددنا عود وسوددكم ... مؤخّر عند أصل العجب والذّنب [1]
قال: وإنّما نسبه إلى الرّوم لأنه كان أحمر. فيقال: إنّ النبي صلّى اللّه عليه وسلّم نهاه عن هذا القول في قيس، وقال: إن إسمعيل بن إبراهيم - صلّى اللّه عليهما وسلّم - كان أحمر. فأجابه قيس بن/ عاصم فقال:
ما في بني الأهتم من طائل ... يرجى ولا خير له يصلحون
قل لبني الحيريّ مخصوصة ... تظهر منهم بعض ما يكتمون
لو لا دفاعي كنتم أعبدا ... مسكنها الحيرة فالسّيلحون [2]
جاءت بكم عفرة من أرضها ... حيريّة ليست كما تزعمون
في ظاهر الكفّ وفي بطنها ... وسم [3] من الدّاء الّذي تكتمون
ارتداده
وذكر علّان أنّ قيسا ارتدّ بعد النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم عن الإسلام، وآمن بسجاح، وكان مؤذّنها، وقال في ذلك:
أضحت نبيّتنا أنثى نطيف بها ... وأصبحت أنبياء اللّه ذكرانا
قال: ثم لمّا تزوّجت سجاح بمسيلمة الكذّاب الحنفيّ وآمنت به آمن به قيس معها. فلمّا غزا خالد بن الوليد اليمامة وقتل اللّه مسيلمة أخذ قيس بن عاصم أسيرا، فادّعى عنده أنّ مسيلمة أخذ ابنا له، فجاء يطلبه. فأحلفه خالد على ذلك، فحلف فخلّى سبيله، ونجا منه بذلك.
قصته مع عبادة بن مرثد
قال: ومما يعيّرون به أنّ عبادة بن مرثد بن عمرو بن مرثد أسر قيس بن عاصم وسبى أمّه وأختيه يوم أبرق الكبريت [4]، ثم منّ عليهم فأطلقهم بغير فداء، فلم يثبه قيس ولم يشكره على فعله بقول يبلغه. فقال عبادة في ذلك:
على أبرق الكبريت قيس بن عاصم ... أسرت وأطراف القناقصد حمر [5]
متى يعلق السّعديّ منك بذمّة ... تجده إذا يلقى وشيمته الغدر
قال: وكان قيس بن عاصم يسمّى في الجاهلية الكودن.
قصته مع زيد الخيل
وكان زيد الخيل الطائيّ خرج عن قومه وجاور بني منقر، فأغارت عليهم بنو عجل وزيد فيهم، فأعانهم وقاتل بني عجل قتالا شديدا، وأبلى بلاء حسنا، حتى انهزمت عجل؛ فكفر قيس فعله وقال: ما هزمهم غيري. فقال زيد
__________
[1] العجب: أصل الذنب ومؤخر كل شيء.
[2] السيلحون: بلد قرب الحيرة بين الكوفة والقادسية.
[3] في «معجم البلدان»: «و شم».
[4] أبرق الكبريت: موضع كان به يوم من أيام العرب.
[5] قصد: قطع، جمع قصدة كقطعة.
الخيل يعيّره ويكذّبه في قصيدة طويلة:
ولست بوقّاف إذا الخيل أجحمت ... ولست بكذّاب كقيس بن عاصم [1]
إسلامه
ومما روى قيس بن عاصم عن النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: حدّثنا حامد بن محمّد بن شعيب البلخيّ قال: حدّثنا أبو خيثمة زهير بن حرب قال: حدّثنا وكيع قال: حدّثنا سفيان الثّوريّ عن الأغرّ المنقريّ عن خليفة بن حصين بن قيس بن عاصم عن أبيه عن جدّه أنّه أسلم على عهد النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فأمره النبي عليه السّلام أن يغتسل بماء وسدر.
حديثه مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم
وحدّثنا حامد قال حدّثنا أبو خيثمة قال حدّثنا جرير عن المغيرة عن أبيه شعبة عن التّوءم قال:
سأل قيس بن عاصم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن الحلف، فقال: «لا حلف [2] في الإسلام، ولكن تمسّكوا بحلف الجاهلية».
أخبرني عمّي قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد قال: حدّثنا ابن عائشة قال: حدّثني رجل من الرّباب قال:
ذكر رجل قيس بن عاصم عند النبي صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: لقد هممت أن آتيه فأفعل به وأصنع به، كأنه توعّده. فقال/ له النبي صلّى اللّه عليه وسلّم «إذا تحول سعد دونه بكراكرها» [3].
قال: ولما مات قيس رثاه مرداس [4] بن عبدة بن منبّه فقال:
وما كان قيس هلكه هلك واحد ... ولكنّه بنيان قوم تهدّما
صوت
خذ من العيش ما كفى ... ومن الدّهر ما صفا
حسن الغدر في الأنا ... م كما استقبح الوفا
صل أخا الوصل إنّه ... ليس بالهجر من خفا
عين من لا يريد وص ... لك تبدي لك الجفا [5]
الشعر لمحمد بن حازم الباهليّ، والغناء لابن القصّار الطّنبوريّ، رمل بالبنصر. أخبرني بذلك جحظة.
__________
[1] أحجم عنه: كف، كأحجم، وفي الأصول «أجمحت» وهو تحريف - انظر هذا الخبر في «الأغاني» 16: 56 ساسى - .
[2] جاء في «النهاية في غريب الحديث والأثر» ج 1: ص 249: «لا حلف في الإسلام: أصل الحلف المعاقدة والمعاهدة على التعاضد والتساعد والاتفاق. فما كان منه في الجاهلية على الفتن والقتال بين القبائل والغارات فذلك الّذي ورد النهي عنه في الإسلام بقوله صلّى اللّه عليه وسلّم: «لا حلف في الإسلام»، وما كان منه في الجاهلية على نصر المظلوم وصلة الأرحام كحلف المطيبين وما جرى مجراه فذلك الّذي قال فيه صلّى اللّه عليه وسلّم: «و أيما حلف كان في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدة» يزيد: من المعاقدة على الخير ونصرة الحق.
وبذلك يجتمع الحديثان. وهذا هو الحلف الّذي يقتضيه الإسلام، والممنوع منه ما خالف حكم الإسلام. وقيل: المحالفة كانت قبل الفتح، وقوله «لا حلف في الإسلام» قاله زمن الفتح فكان ناسخا».
[3] كراكر: جمع كركرة، بكسر الكافين؛ وهي الجماعة من الناس.
[4] تقدم أن هذا الشعر لعبدة بن الطبيب.
[5] في ب: «من حفا». وفي س: «من جفا».
5 - أخبار محمّد بن حازم ونسبه
نسبه وشيء من أخباره
هو محمّد بن حازم بن عمرو الباهليّ. ويكنى أبا جعفر. وهو من ساكني بغداد مولده ومنشؤه البصرة. أخبرني بذلك ابن عمّار أبو العبّاس عن محمّد بن داود بن الجرّاح عن حسن بن فهم.
وهو من شعراء الدولة العبّاسيّة، شاعر مطبوع، إلا أنه كان كثير الهجاء للناس، فاطّرح، ولم يمدح من الخلفاء إلا المأمون، ولا اتصل [1] بواحد منهم، فيكون له نباهة طبقته. وكان ساقط الهمّة، متقلّلا جدا، يرضيه اليسير، ولا يتصدّى لمدح ولا طلب.
قصته مع الطاهريّ
حدّثنا محمّد بن العبّاس اليزيدي قال حدّثنا الخليل بن أسد قال:
سمعت محمّد بن حازم الباهليّ في منزلنا يقول: بعث إليّ فلان الطاهريّ - وكنت قد هجوته فأفرطت [2] - بألف دينار وثياب، وقال: أمّا ما قد مضى فلا سبيل إلى ردّه، ولكن أحبّ ألا تزيد عليه شيئا. فبعثت إليه بالألف الدينار [3] والثياب، وكتبت:
لا ألبس النعماء من رجل ... ألبسته عارا على الدّهر
خبره مع أحمد بن سعيد بن سالم
أخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن عمّار قال حدّثنا أبو علي - وسقط اسمه من كتابي - قال قرأت في كتاب عمّي:
قال لي محمّد بن حازم الباهلي: مر بي أحمد بن سعيد بن سالم وأنا على بابي فلم يسلّم عليّ سلاما أرضاه، فكتبت رقعة وأتبعته بها، وهي:
وباهليّ من بني وائل ... أفاد مالا بعد إفلاس
قطّب في وجهي خوف القرى ... تقطيب ضرغام لدى الباس
وأظهر التّيه فتايهته ... تيه امرىء لم يشق بالنّاس [4]
أعرته إعراض مستكبر ... في موكب مرّ بكنّاس
__________
[1] في الأصول: «و اتصل» وهو خطأ.
[2] كذا في ج. وفي ب، س «فأفرطني» وهو تحريف.
[3] في الأصول: «بالألف الدرهم» وهو لا يلائم ما قبله، والأظهر أنه «بألف الدينار» لأن قائله وهو محمّد بن حازم بصري - مولده ومنشؤه البصرة كما تقدم - والبصريون إذا أرادوا تعريف العدد المضاف عرّفوا المضاف إليه. والكوفيون هم الذين يجيزون تعريف المتضايفين. قال الزمخشري: وذلك بمعزل عند أصحابنا - أي البصريين - عن القياس واستعمال الفصحاء.
[4] في الأصول: «بالباس».
خبره مع سعد بن مسعود
أخبرني ابن عمار قال حدّثني أبو عليّ قال:
لقيت محمّد بن حازم في الطريق فقلت له: يا أبا جعفر، كيف ما بينك وبين صديقك سعد بن مسعود اليوم [1] - وهو أبو إسحاق/ بن سعد، وكان يكتب للنّوشجاني - فأنشدني:
راجع بالعتبى فأعتبته ... وربما أعتبك المذنب [2]
وإن في الدّهر، على صرفه ... بين الصّديقين، لمستعتب [3]
قصيدته في مديح الشباب وذم الشيب
أخبرني محمّد بن القاسم الأنباريّ وابن الوشّاء جميعا قالا حدّثنا أحمد بن يحيى ثعلب قال:
قال ابن الأعرابيّ: أحسن ما قال المحدثون من شعراء هذا الزّمان في مديح الشّباب وذمّ الشّيب:
لا حين صبر فخلّ الدّمع ينهمل ... فقد الشّباب بيوم المرء متّصل
سقيا ورعيا لأيّام الشّباب وإن ... لم يبق منه له رسم ولا طلل
جرّ الزّمان ذيولا في مفارقه ... وللزّمان على إحسانه علل
وربّما جرّ أذيال الصّبا مرحا ... وبين برديه غصن ناعم خضل [4]
يصبي الغواني ويزهاه بشرّته ... شرخ الشّباب وثوب حالك رجل [5]
لا تكذبنّ فما الدّنيا بأجمعها ... من الشّباب بيوم واحد بدل
كفاك بالشّيب عيبا عند غانية ... وبالشّباب شفيعا أيّها الرّجل [6]
بان الشّباب وولّى عنك باطله ... فليس يحسن منك اللّهو والغزل
أمّا الغواني فقد أعرضن عنك قلى ... وكان إعراضهنّ الدّلّ والخجل
أعرنك الهجر ما لاحت مطوّقة ... فلا وصال ولا عهد ولا رسل [7]
ليت المنايا أصابتني بأسهمها ... فكنّ يبكين عهدي قبل أكتهل [8]
__________
[1] في الأصول بعد هذه الكلمة: «و الرادي علي». ولا أرى لها معنى ولا موضعا في الكلام.
[2] العتبى: الرضا، أعتبه: أعطاه العتبى ورجع إلى مسرته.
[3] مستعتب: استرضاء، تقول: استعتبته فأعتبني أي استرضيته فأرضاني وكان الأولى أن يقول: «لمستعتبا» بالنصب لأنه اسم «إن»، ولكن على النصب يكون في البيت إقواء أو يخرج الرفع على أن اسم «إن» ضمير الشأن وجملة «في الدهر لمستعتب» خبرها.
[4] خضل: ند، يترشش نداه.
[5] شرة الشباب: نشاطه. وشرخ الشباب: أوّله. يزهاه: يستخفه ويحمله على الزهو وهو الكبر والتيه والعظمة. وثوب حالك: يريد به شعر الشباب. وشعر رجل: بين السبوطة والجعودة.
[6] في ب، س: «عيب عند عائبه» وهو تحريف.
[7] في ب، س: «أعرتك»؛ وهو تصحيف.
[8] في الأصول: «تبكين» تصحيف.
/
عهد الشّباب لقد أبقيت لي حزنا ... ما جدّ ذكرك إلّا جدّ لي ثكل [1]
إنّ الشباب إذا ما حلّ رائده ... في منهل راد يقفو إثره أجل [2]
بكاؤه الشيب أيضا
قال ابن الوشّاء خاصّة: وما أساء [3] ولا قصّر عن الأولى، حيث يقول في هذا المعنى:
أبكي الشّباب لندمان وغانية ... وللمغاني وللأطلال والكثب [4]
وللصّريح وللآجام في غلس ... وللقنا السّمر والهنديّة القضب [5]
وللخيال الّذي قد كان يطرقني ... وللنّدامى وللذّات والطّرب [6]
يا صاحبا لم يدع فقدي له جلدا ... أضعت بعدك إنّ الدهر ذو عقب [7]
وقد أكون، وشعبانا معا، رجلا ... يوم الكريهة فرّاجا عن الكرب [8]
هجاؤه ابن حميد
أخبرني ابن عمّار عن العنزيّ قال:
كان محمّد بن حازم الباهليّ مدح بعض بني حميد فلم يثبه، وجعل يفتش شعره فيعيب فيه الشيء بعد الشيء، وبلغه ذلك فهجاه هجاء كثيرا شنيعا، منه قوله:
/عدوّاك المكارم والكرام ... وخلّك دون خلّتك اللّئام [9]
ونفسك نفس كلب عند زور ... وعقبى زائر الكلب التدام [10]
تهرّ على الجليس بلا احترام ... لتحشمه إذا حضر الطّعام [11]
/إذا ما كانت الهمم المعالي ... فهمّك ما يكون به الملام
__________
[1] في الأصول: «نكل» بالنون وهو تصحيف.
[2] الرائد: المرسل في طلب الكلأ. ورادت الدابة ترود: رعت.
[3] في الأصول: «و لا قصد» وهو تحريف. وقوله «عن الأولى» أي عن القصيدة الأولى السابقة.
[4] المغاني: جمع مغنى، وهو المنزل.
[5] الصريخ: المستغيث. والآجام: جمع أجمة، وهي الشجر الكثير الملتف، أي وللصيد والقنص. والغلس: ظلمة آخر الليل، والقنا:
الرماح. والهندية: أي السيوف الهندية. والقضب: القاطعة.
[6] عدّد في الأبيات الثلاثة الأسباب الّتي من أجلها يبكي الشباب، وهي مظاهر الحياة والنشاط والقوة والمتعة.
[7] عقب: جمع عقبة بالضم، وهي النوبة.
[8] الكريهة: الحرب أو الشدة في الحرب، والنازلة.
[9] الخلة: الصديق للذكر والأنثى والواحد والجمع.
[10] الزور: الزائر. الالتدام في الأصل: ضرب النساء صدورهنّ ووجوههن في النياحة.
[11] هرير الكلب: صوته، وهو دون النباح. والحشمة بالكسر والضم: أن يجلس إليك الرجل فتؤذيه وتسمعه ما يكره، حشمه كضرب ونصر وأحشمه. وحشمه وأحشمه أيضا: أخجله؛ يقال للمنقبض عن الطعام: ما الّذي حشمك أو أحشمك، من الحشمة بالكسر وهي الاستحياء والانقباض؛ وحشمه وأحشمه كذلك: أغضبه. وفي ج «لتجمشه» بالجيم وهو خطأ، ويصح أن يكون «لتحشمه» بالحاء، يقال حمشه وأحمشه إذا أغضبه.
قبحت ولا سقاك اللّه غيثا ... وجانبك التحيّة والسّلام
هجاؤه ابن حميد أيضا
قال: فبعث إليه ابن حميد بمال واعتذر إليه وسأله الكفّ، فلم يفعل، وردّ المال عليه، وقال فيه:
موضع أسرارك المريب ... وحشو أثوابك العيوب
وتمنع الضيف فضل زاد ... ورحلك الواسع الخصيب [1]
يا جامعا مانعا بخيلا ... ليس له في العلا نصيب
أ بالرّشا يستمال مثلي؟ ... كلّا! ومن عنده الغيوب [2]
/لا أرتدي حلّة لمثن ... بوجهه من يدي ندوب [3]
وبين جنبيه لي كلوم ... دامية ما لها طبيب
ما كنت في موضع الهدايا ... منك، ولا شعبنا قريب
أنّي وقد نشّت المكاوي ... عن سمة شأنها عجيب [4]
وسار بالذّمّ فيك شعري ... وقيل لي محسن مصيب
مالك مال اليتيم عندي ... ولا أرى أكله يطيب
حسبك من موجز بليغ ... يبلغ ما يبلغ الخطيب
خانه محمّد بن حميد فهجاه
حدّثني عمّي قال حدّثني محمّد بن القاسم بن مهرويه قال: حدّثني عليّ بن الحسين الشيبانيّ قال:
بعث الحسن بن سهل محمّد بن حميد في وجهة، وأمره بجباية مال، وبحرب قوم من الشّراة [5]، فخان في المال وهرب من الحرب، فقال فيه محمّد بن حازم الباهليّ:
تشبّه بالأسد الثعلب ... فغادره معنقا يجنب [6]
وحاول ما ليس في طبعه ... فأسلمه الناب والمخلب
فلم تغن عنه أباطيله ... وحاص فأحرزه المهرب [7]
__________
[1] الفضل: البقية. والرحل هنا: منزل الرجل ومسكنه وبيته.
[2] الرشوة، مثلثة الراء: الجعل، والجمع رشا، بالكسر والضم.
[3] الندبة كشجرة: أثر الجرح الباقي على الجلد، والجمع ندب كشجر، وجمع الجمع أنداب وندوب، وقيل: الندب واحد والجمع أنداب وندوب.
[4] نشت: سمع لها صوت عند الكي.
[5] الشراة: الخوارج.
[6] أعنق الكلب: جعل في عنقه قلادة وفي ج «مفنقا» وهو تحريف، وجنبه كنصر: قاده إلى جنبه.
[7] حاص: حاد وعدل.
/
وكان مضيّا على غدره ... فعيّب، والغادر الأخيب [1]
أ يابن حميد كفرت النّعي ... م جهلا ووسوسك المذهب [2]
ومنّتك نفسك ما لا يكون ... وبعض المنى خلّب يكذب
وما زلت تسعى على منعم ... ببغي وتنهى فلا تعتب
فأصبحت بالبغي مستبدلا ... رشادا وقد فات مستعتب
قال: وقال فيه لمّا شخص إلى حيث وجّهه الحسن بن سهل:
إذا استقلّت بك الرّكاب ... فحيث لا درّت السحاب
زالت سراعا وزلت يجري ... ببينك الظّبي والغراب
بحيث لا يرتجى إياب ... وحيث لا يبلغ الكتاب
فقبل معروفك امتنان ... ودون معروفك العذاب
/ وخير أخلاقك اللّواتي ... تعاف أمثالها الكلاب
ردّه على من عابه بقصر شعره
حدّثني أحمد بن عبيد اللّه بن عمّار قال: حدّثني أبي قال: قال يحيى بن أكثم لمحمد بن حازم الباهليّ: ما نعيب شعرك إلّا أنّك لا تطيل؛ فأنشأ يقول:
أبى لي أن أطيل الشعر قصدي ... إلى المعنى وعلمي بالصّواب
وإيجازي بمختصر قريب ... حدفت به الفضول من الجواب
فأبعثهنّ أربعة وخمسا ... مثقّفة بألفاظ عذاب [3]
/خوالد ما حدا ليل نهارا ... وما حسن الصّبا بأخي الشّباب
وهنّ إذا وسمت بهنّ قوما ... كأطواق الحمائم في الرّقاب
وهنّ إذا أقمت مسافرات ... تهادتها الرّواة مع الرّكاب
خبره مع أبي ذؤيب
حدّثني حبيب بن نصر المهلّبي قال: حدّثنا عليّ بن محمّد بن سليمان النّوفليّ قال:
كان بالأهواز [4] رجل يعرف بأبي ذؤيب من التّتار، وكان مقصد الشعراء وأهل الأدب، فقصده محمّد بن
__________
[1] مضيا: مبالغة في ماض.
[2] وسوس المذهب الرجل: كلمه كلاما خفيا، أي ناجاك مذهبك الخبيث الدنىء فسوّل لك أن تفعل ما فعلت.
[3] أي فأبعثهن أربعة أبيات وخمسة أبيات. وقد أنث العدد الأول وذكر الثاني، وهو جائز. وذلك أنه إذا حذف المعدود مع قصده في المعنى، فالفصيح أن يكون كما لو ذكر؛ تقول: صمت خمسة تريد أياما، وسهرت خمسا تريد ليالي. ويجوز أن تحذف التاء من المذكر كحديث: «من صام رمضان وأتبعه بست من شوّال».
[4] الأهواز: إقليم في الجنوب الغربي من فارس.
حازم، فدخل عليه يوما وعليه ثياب بذّة [1]، وهيئة رثّة، ولم يعرّفه نفسه، وصادفهم يتكلمون في شيء من معاني الشعر، وأبو ذؤيب يتكلّم متحققا بالعلم بذلك. فسأله محمّد بن حازم - وقد دخل عليه يوما - عن بيت من شعر الطّرمّاح جهله، فردّ عليه جوابا محالا [2] كالمستصغر له وازدراه، فوثب عن مجلسه مغضبا. فلمّا خرج قيل له:
ماذا صنعت بنفسك وفتحت عليها من الشرّ؟ أتدري لمن تعرّضت؟ قال: ومن ذاك؟ قيل: محمّد بن حازم الباهليّ، أخبث الناس لسانا وأهجاهم. فوثب إليه حافيا حتى لحقه، فحلف له أنه لم يعرفه، واستقاله فأقاله، وحلف أنه لا يقبل له رفدا ولا يذكره بسوء مع ذلك أبدا، وكتب إليه بعد أن افترقا:
أخطا وردّ عليّ غير جوابي ... وزرى عليّ وقال غير صواب
وسكنت من عجب لذاك فزادني ... فيما كرهت بظنّه المرتاب
وقضى عليّ بظاهر من كسرة ... لم يدر ما اشتملت عليه ثيابي
/ من عفّة وتكرّم وتحمّل ... وتجلد لمصيبة وعقاب
وإذا الزمان جنى عليّ وجدتني ... عودا لبعض صفائح الأقتاب [3]
ولئن سألت ليخبرنّك عالم ... أنّي بحيث أحبّ من آداب
وإذا نبابي منزل خلّيته ... قفرا مجال ثعالب وذئاب [4]
وأكون مشترك الغنى متبدّلا [5] ... فإذا افترقت قعدت عن أصحابي
لكنّه رجعت عليه ندامة ... لمّا نسبت وخاف مضّ عتابي [6]
فأقلته لمّا أقرّ بذنبه ... ليس الكريم على الكريم بناب
ترضاه صديق له فقال شعرا
أخبرني حبيب بن نصر قال: حدّثنا النوفليّ قال:
كان سعد بن مسعود القطربّليّ [7]: أبو إسحاق بن سعد صديقا لمحمد بن حازم الباهليّ، فسأله حاجة فردّه عنها، فغضب محمّد وانقطع عنه، فبعث إليه بألف درهم وترضّاه، فردّها وكتب إليه:
/متّسع الصدر مطيق لما ... يحار فيه الحوّل القلّب [8]
راجع بالعتبى فأعتبته ... وربّما أعتبك المذنب
__________
[1] أي رث اللبسة.
[2] المحال من الكلام: ما عدل به عن وجهه؛ يقال: أحال الكلام إحالة إذا أفسده.
[3] الأقتاب: جمع قتب كجبل، وهو الإكاف الصغير على قدر سنام البعير. وصفائح الأقتاب: ألواحها.
[4] نبا به منزله: لم يوافقه.
[5] في الأصول «متبدلا». وقد سبقه إلى هذا المعنى جرير فقال:
وإني لعف الفقر مشترك الغنى ... سريع إذا لم أرض داري احتماليا
[6] مض عتابي: أي حرقته وإيلامه.
[7] قطربل: قرية شماليّ بغداد تنسب إليها الخمر، وفي ج «القطربي».
[8] في ب، س: «منطيق». وفي ج «مطبق» وهو تحريف.
أجل وفي الدّهر - على أنه ... موكّل بالبين - مستعتب
/ سقيا ورعيا لزمان مضى ... عنّي، وسهم الشّامت الأخيب
قد جاءني منك مويل فلم ... أعرض له والحرّ لا يكذب [1]
أخذي مالا منك بعد الّذي ... أو دعتنيه مركب يصعب
أبيت أن أشرب عند الرضا ... والسّخط إلّا مشربا يعذب
أعزّني اليأس وأغنى فما ... أرجو سوى اللّه ولا أهرب [2]
قارون عندي في الغنى معدم ... وهمّتي ما فوقها مذهب
فأيّ هاتين تراني بها ... أصبو إلى مالك أو أرغب؟
خبره مع أحمد بن يحيى
حدّثنا محمّد بن العبّاس اليزيدي وعيسى بن الحسين الورّاق، واللفظ له، قالا: حدّثنا الخليل بن أسد النّوشجانيّ قال، حدّثنا حمّاد بن يحيى قال: حدّثنا أحمد بن يحيى قال: آخر ما فارقت عليه محمّد بن حازم أنه قال: لم يبق شيء من اللّذّات إلّا بيع السّنانير. فقلت له: سخنت [3] عينك! أيش [4] لك في بيع السنانير من اللّذّات؟ قال: يعجبني أن تجيئني العجوز الرّعناء تخاصمني وتقول: هذا سنّوري سرق منّي، وأخاصمها وأشتمها وتشتمني، وأغيظها وأباغضها؛ ثم أنشدني:
صل خمرة بخمار ... وصل خمارا بخمر [5]
وخذ بحظّك منها ... زادا إلى حيث تدري
قال: قلت: إلى أين ويحك؟ قال: إلى النار يا أحمق.
ردّه على كتاب أحمد بن أبي نهيك
أخبرني الحسن بن عليّ الخفّاف قال: حدّثنا محمّد بن القاسم بن مهرويه قال: حدّثني الحسن بن أبي السّريّ قال:
كان إسحاق بن أحمد بن أبي نهيك آنسا بمحمد بن حازم الباهليّ يدعوه ويعاشره مدّة. فكتب إليه يستزيره ويعاتبه عتابا أغضبه؛ وبلغه أنه غضب، فكتب إليه:
ما مستزيرك في ودّ رأى خللا ... في موضع الأنس أهلا منك [6] للغضب
__________
[1] في ب، س: «ذو موئل» وهو تحريف، ومويل: تصغير مال.
[2] في الأصول: «أعزبي البأس» وهو تصحيف. وكان الأنسب به أن يقول: «و لا أرهب».
[3] يقولون في شتم المرء والدعاء عليه: «سخنت عينه» أي من حرارة البكاء، و «أسخن اللّه عينه» أي أبكاه، وهو نقيض قولهم في الدعاء له: «قرّت عينه» أي بردت وانقطع بكاؤها، أو رأت ما كانت متشوّقة إليه، «أقر اللّه عينه».
[4] في الأصول: «أليس» وهو تحريف.
[5] خمار الخمر: ما خالط من سكرها.
[6] في الأصول: «عنك» وهو تحريف.
قد كنت توجب لي حقّا وتعرف لي ... قدري وتحفظ منّي حرمة الأدب
ثم انحرفت إلى الأخرى فأحشمني ... ما كان منك بلا جرم ولا سبب [1]
وإنّ أدنى الّذي عندي مسامحة ... في حاجتي بعد أن أعذرت في الطلب [2]
فاختر فعندي من ثنتين واحدة ... عذر جميل وشكر ليس باللّعب
فإن تجدّد كما قد كنت [3] تفعله
خبره مع الحسن بن سهل
حدّثني محمّد بن يونس الأنباريّ المعروف بمحصنة قال: حدّثني ميمون بن هارون قال:
قال محمّد بن حازم الباهليّ: عرضت لي حاجة في عسكر أبي محمّد الحسن بن سهل، فأتيته، وقد كنت قلت في السفينة شعرا، فلمّا دخلت على محمّد بن سعيد بن سالم انتسبت له، فعرفني، فقال:/ ما قلت فيه شيئا؟ فقال له رجل كان معي: بلى، قد قال أبياتا وهو في السفينة؛ فسألني أن أنشده، فأنشدته قولي:
/و قالوا لو مدحت فتى كريما ... فقلت وكيف لي بفتى كريم؟
بلوت الناس مذ خمسين عاما ... وحسبك بالمجرّب من عليم
فما أحد يعدّ ليوم خير ... ولا أحد يعود ولا حميم [4]
ويعجبني الفتى وأظنّ خيرا ... فأكشف منه عن رجل لئيم
تقيّل بعضهم بعضا فأضحوا ... بني أبوين قدّا [5] من أديم
فطاف الناس بالحسن بن سهل ... طوافهم بزمزم والحطيم [6]
وقالوا سيّد يعطي جزيلا ... ويكشف كربة الرجل الكظيم [7]
فقلت مضى بذمّ القوم شعري ... وقد يؤتى البريء من السّقيم
وما خبر ترجّمه ظنوني ... بأشفى من معاينة الحليم [8]
فجئت وللأمور مبشّرات ... ولن يخفى الأغرّ من البهيم [9]
فإن يك ما تنشّر عنه حقّا ... رجعت بأهبة الرجل المقيم
__________
[1] أحشمني: أغضبني.
[2] أعذر: أبدى عذرا وبالغ فيه.
[3] الشطر الثاني من هذا البيت ساقط. في الأصول. وهذه الأبيات كتبت في النسخة المخطوطة شطرا تحت شطر.
[4] يلاحظ أن في البيت إقواء.
[5] في الأصول: «فذا» وهو تصحيف. وتقيل: أشبه.
[6] زمزم: بئر عند الكعبة. والحطيم: حجر الكعبة (بكسر الحاء) أو جداره، أو ما بين الركن وزمزم.
[7] الكظيم: المكروب.
[8] كلام مرجم: أي عن غير يقين.
[9] الأغر: ذو الغرّة، وهي بياض في الجبهة. والبهيم: الأسود.
وإن يك غير ذاك حمدت ربّي ... وزال الشكّ عن رجل حكيم [1]
وما الآمال تعطفني عليه ... ولكنّ الكريم أخو الكريم
قال: فلمّا أنشدته هذا الشعر، قال لي: بمثل هذا الشعر تلقى الأمير! واللّه لو كان نظيرك لما جاز أن تخاطبه بمثل هذا! فقلت: صدقت، فكذلك قلت، إنني لم أمدحه بعد، ولكنني سأمدحه مدحا يشبه مثله. قال: فافعل، وأنزلني عنده/ ودخل إلى الحسن فأخبره بخبري وعجبه من جودة البيت الأخير فأعجبه، فأمر بإدخالي إليه بغير مدح، فأدخلت إليه. فأمرني أن أنشد هذا الشعر، فاستعفيته فلم يعفني، وقال: قد قنعنا منك بهذا القدر إذا لم تدخلنا في جملة من ذممت، وأرضيناك بالمكافأة الجميلة. فأنشدته إيّاه؛ فضحك وقال: ويحك! ما لك وللناس تعمّهم بالهجاء؟ حسبك الآن من هذا النمط وأبق عليهم. فقلت: وقد وهبتهم للأمير. قال: قد قبلت، وأنا أطالبك بالوفاء مطالبة من أهديت إليه هدية فقبلها وأثاب عليها. ثم وصلني فأجزل وكساني. فقلت في ذلك وأنشدته:
وهبت القوم للحسن بن سهل ... فعوّضني الجزيل من الثّواب
وقال دع الهجاء وقل جميلا ... فإنّ القصد أقرب للثواب [2]
فقلت له: برئت إليك منهم ... فليتهم بمنقطع التّراب [3]
ولو لا نعمة الحسن بن سهل ... عليّ لسمتهم سوء العذاب [4]
بشعر يعجب الشعراء منه ... يشبّه بالهجاء وبالعتاب
أكيدهم مكايدة الأعادي ... وأختلهم مخاتلة الذّئاب [5]
بلوت خيارهم فبلوت قوما ... كهولهم أخسّ من الشّباب
/ وما مسخوا كلابا غير أنّي ... رأيت القوم أشباه الكلاب
قال: فضحك وقال: ويحك! الساعة ابتدأت بهجائهم وما أفلتوا منك بعد. فقلت: هذه بغية طفحت على قلبي، وأنا كافّ عنهم ما أبقى اللّه الأمير.
شعره في صديق تغيّر عليه
أخبرني الحسن بن عليّ الخفّاف قال حدّثنا محمّد بن القاسم بن مهرويه قال حدّثني عليّ بن الحسن الشّيبانيّ قال:
كان لمحمد بن حازم الباهليّ صديق على طول الأيام، فنال مرتبة من السّلطان وعلا قدره، فجفا محمّدا وتغيّر له؛ فقال في ذلك محمّد بن حازم:
وصل الملوك إلى التّعالي ... ووفا الملوك من المحال
__________
[1] في الأصول: «جهدت» وهو تصحيف. وفيها أيضا «حليم» وهو تصحيف.
[2] القصد: استقامة الطريق.
[3] بمنقطع التراب: أي بالمكان النائي الموحش الّذي انقطع وطء ترابه واجتيازه، أو القبر.
[4] في الأصول: «سوم العذاب» تحريف.
[5] ختله كضرب ونصر: خدعه.
مالي رأيتك لا تدو ... م على المودّة للرجال
إن كان ذا أدب وظر ... ف قلت ذاك أخو ضلال [1]
أو كان ذا نسك ودي ... ن قلت ذاك من الثّقال [2]
أو كان في وسط من ال ... أمرين قلت يريغ مالي [3]
فبمثل ذا - ثكلتك أمّك ... - تبتغي رتب المعالي؟
خبره مع إبراهيم بن المهدي
حدّثني الحسن قال حدّثني ابن مهرويه قال: حدّثني الحسن بن عليّ الشيبانيّ قال:
كان محمّد بن حازم الباهليّ قد نسك وترك شرب النبيذ، فدخل يوما على إبراهيم بن المهديّ، فحادثه وناشده وأكل معه لمّا حضر الطعام، ثم جلسوا للشّراب؛ فسأله إبراهيم أن يشرب، فأبى وأنشأ يقول:
أبعد خمسين أصبو؟ ... والشّيب للجهل حرب
سنّ وشيب وجهل! ... أمر لعمرك صعب
يابن الإمام فهلّا ... أيّام عودي رطب!
/ وشيب رأسي قليل ... ومنهل الحبّ عذب
وإذ سهامي صياب ... ونصل سيفي عضب [4]
وإذ شفاء الغواني ... منّي حديث وقرب
فالآن لمّا رأى بي ال ... عذّال لي ما أحبّوا
وأقصر الجهل منّي ... وساعد الشّيب لبّ
وآنس الرّشد منّي ... قوم أعاب وأصبو
آليت أشرب كأسا ... ما حجّ للّه ركب
خبره مع النوشجاني
حدّثني الحسن قال: حدّثنا ابن مهرويه قال: حدّثني الحسن بن أبي السّريّ قال:
وعد النّوشجانيّ محمّد بن حازم شيئا سأله إيّاه ثم مطله، وعاتبه فلم ينتفع بذلك، واقتضاه [5]، فأقام على مطله؛ فكتب إليه:
أبا بشر تطاول بي العتاب ... وطال بي التّردّد والطّلاب
__________
[1] أي إن كان الرجل ذا أدب.
[2] النسك مثلثة وبضمتين: العبادة.
[3] في الأصول «يريع» وهو تصحيف ويريغ: يريد ويطلب.
[4] صياب: جمع صائب كصاحبه وصحاب. وصائب، يجوز أن يكون من صاب السهم يصوب، أو صاب يصيب، لغة في أصاب.
[5] اقتضى دينه وتقاضاه بمعنى.
ولم أترك من الأعذار شيئا ... ألام به وإن كثر الخطاب
/ سألتك حاجة فطويت كشحا ... على رغم، وللدهر انقلاب [1]
وسمتني الدّنيّة مستخفّا ... كما خزمت بآنفها الصّعاب [2]
كأنّك [كنت [3]] تطلبني بثأر ... وفي هذا لك العجب العجاب
فإن تك حاجتي غلبت وأعيت ... فمعذور، وقد وجب الثواب [4]
/و إن يك وقتها شيب الغراب ... فلا قضيت ولا شاب الغراب
رجوتك حين قيل لي ابن كسرى ... وإنّك سرّ ملكهم اللّباب
فقد عجّلت لي من ذاك وعدا ... وأقرب من تناوله السّحاب
وكلّ سوف ينشر غير شكّ ... ويحمله لطيّته [5] الكتاب
خبره مع بعض ولد سعيد بن سالم
أخبرني الحسن قال: حدّثني ابن مهرويه قال: حدّثني الحسن بن أبي السّريّ قال:
قصد محمّد بن حازم بعض ولد سعيد بن سالم وقد ولي عملا، واسترفده [6]؛ فأطال مدّته ولم يعطه شيئا؛ وانصرف عنه وقال:
أ للدّنيا أعدّك يا بن عمّي ... فأعلم أم أعدّك للحساب
إلى كم لا أراك تنيل حتّى ... أهزّك! قد برئت من العتاب
وما تنفكّ من جمع ووضع ... كأنّك لست توقن بالإياب
فشرّك عن صديقك غير ناء ... وخيرك عند منقطع التراب
أتيتك زائرا فأتيت كلبا ... فحظّي من إخائك للكلاب
فبئس أخو العشيرة ما علمنا ... وأخبث صاحب لأخي اغتراب
أيرحل عنك ضيفك غير راض ... ورحلك واسع خصب الجناب
فقد أصبحت من كرم بعيدا ... ومن ضدّ المكارم في اللّباب
وما بي حاجة لجداك لكن ... أردّك عن قبيحك للصّواب [7]
__________
[1] الكشح: ما بين الخاصرة إلى الضلع من الخلف. وطوى كشحه عنه: أعرض عنه وقطعه. وطوى كشحه على الأمر: أضمره وستره.
[2] سامه الذل: كلفه إياه وأراده عليه. وآنف: جمع أنف. والصعاب: جمع صعب، وهو من الإبل ضدّ الذلول.
[3] ساقطة من ب.
[4] أعياه الأمر وأعيا عليه: عجز عنه.
[5] في الأصول «لطيتها» وهو تحريف. يقال: مضى لطيته، أي لوجهه الّذي يريده. ولنيته الّتي انتواها.
[6] استرفده: طلب رفده، أي صلته وعطاءه.
[7] الجدا والجدوى: العطية.
تمثل المتوكل بشعره حينما غاضبته قبيحة
حدّثني عمّي قال: حدّثني يزيد بن محمّد المهلّبي قال:
كنّا عند المتوكل يوما وقد غاضبته قبيحة، فخرج إلينا فقال: من ينشدني منكم شعرا في معنى غضب قبيحة عليّ، وحاجتي أن أخضع لها حتى ترضى؟ فقلت له: لقد أحسن محمّد بن حازم الباهليّ يا أمير المؤمنين حيث يقول:
صفحت برغمي عنك صفح ضرورة ... إليك وفي قلبي ندوب من العتب [1]
خضعت وما ذنبي إن الحبّ عزّني [2] ... فأغضيت صفحا عن معالجة الحبّ
وما زال بي فقر إليك منازع ... يذلّل منّي كلّ ممتنع صعب
إلى اللّه أشكو أنّ ودّي محصّل ... وقلبي جميعا عند مقتسم القلب [3]
والغناء لعبيدة الطّنبوريّة رمل بالوسطى - قال: أحسنت وحياتي يا يزيد! وأمر بأن يغنّى فيه، وأمر لي بألف دينار.
هجاؤه بني نمير
حدّثني الحسن بن عليّ قال: حدّثني ابن مهرويه قال: حدّثنا عليّ بن خالد البرمكيّ قال:
سافر محمّد بن حازم الباهليّ سفرا، فمرّ بقوم من بني نمير، فسلّوا منه بعيرا له عليه ثقله [4]؛ فقال يهجوهم:
/نمير: أجبنا حيث يختلف القنا ... ولؤما وبخلا عند زاد ومزود [5]؟
ومنع قرى الأضياف من غير علّة ... ولا عدم، إلا حذار التّعوّد
وبغيا على الجار الغريب إذا طرا ... عليكم وختل الرّاكب المتفرّد [6]
/على أنكم ترضون بالذّلّ صاحبا ... وتعطون من لا حاكم الضّيم عن يد [7]
أما وأبي إنّا لنعفو وإنّنا ... على ذاك أحيانا نجور ونعتدي
نكيد العدا بالحلم من غير ذلّة ... ونغشى الوغى بالصّدق لا بالتّوعّد
نفى الضّيم عنّا أنفس مضريّة ... صراح وطعن الباسل المتمرّد [8]
وإنّا لمن قيس بن عيلان في الّتي ... هي الغاية القصوى بعزّ وسودد
__________
[1] في ج «يذوب من العقب» وهو تحريف.
[2] عزني: غلبني.
[3] محصل: مجمع ثابت.
[4] في الأصول: «فسلوا عليه بعيرا ... » وسلوا: استلوا. والثقل: متاع المسافر.
[5] المزود: وعاء الزاد.
[6] طرأ على القوم: أتاهم من غير أن يعلموا. وفي الأصول «طرأ إليكم». والختل: الخدع.
[7] لاحاه: نازعه. وعن يد: عن ذلة.
[8] في الأصول: «صراخ بالخاء المعجمة» وهو تصحيف.
وإنّ لنا بالتّرك قبرا مباركا ... وبالصّين قبرا عزّ كلّ موحّد [1]
وما نابنا صرف الزمان بسيّد ... بكينا عليه أو يوافي بسيّد [2]
ولو أنّ قوما يسلمون من الرّدى ... سلمنا ولكنّ المنايا بمرصد [3]
أبى اللّه أن يهدي نميرا لرشدها ... ولا يرشد الإنسان إلا بمرشد
هجاؤه عاملا لمحمد بن حامد على الأهواز
حدّثني الحسن بن عليّ قال: حدّثني محمّد بن القاسم ورجل من ولد البختكان [4] من الأهوازيّين. أنّ محمّد بن حامد ولي بعض كور الأهواز في أيّام المأمون، وأنّ محمّد بن/ حازم الباهليّ قدم عليه زائرا ومدحه، فوصله وأحسن إليه، وكتب له إلى تستر [5] بحنطة وشعير، فمضى بكتابه، وأخذ ما كتب له به، وتزوّج هناك امرأة من الدّهاقين [6]، فزرع الحنطة والشعير في ضيعتها؛ وولّى محمّد بن حامد رجلا من أهل الكوفة الخراج بتستر، فوكل بغلّة محمّد بن حازم، وطالبه بالخراج فأدّاه، فقال يهجوه:
زرعنا فلمّا سلّم اللّه زرعنا ... وأوفى عليه منجل بحصاد [7]
بلينا بكوفيّ حليف مجاعة ... أضرّ علينا من دبا وجراد [8]
أتى مستعدّا ما يكذّب دونه ... ولجّ بإرغام له وبعاد [9]
فطورا بإلحاح عليّ وغلظة ... وطورا بخبط دائم وفساد
ولو لا أبو العبّاس أعنى ابن حامد ... لرحّلته عن تستر بسواد
فكفّوا الأذى عن جاركم وتعلّموا ... بأنّي لكم في العالمين منادي
فبعث محمّد بن حامد إلى عامله فصرفه عن الناحية، وقال له: عرّضتني لما أكره، واحتمل خراج محمّد بن حازم.
__________
[1] في الأصول «و إنا» تحريف. يفتخر في هذا البيت بمآثر قتيبة بن مسلم الباهلي - وهو باهلي مثله - ويتمدّح بفتوحه الّتي كان فيها عز الإسلام والمسلمين. وذلك أن الحجاج ولاه خراسان فغزا بلاد ما وراء النهر، وافتتح بخارى وسمرقند وخوارزم؛ ووصل في فتوحه إلى كشغر من بلاد الصين، وقتل سنة 96 ه.
[2] في الأصول: «و ما فاتنا» وهو تحريف، وفي ج «فبينا علها» وفي ب، س «يثبنا عليها» وهو تحريف.
[3] أخذه من قول عديّ: «و إن المنايا للرجال بمرصد». رصده كنصر: قعد له على طريقه. والمرصد والمرصاد: الطريق.
[4] البختكان: هو والد بزرجمهر الوزير العادل لأنوشروان ملك الفرس. وقد اشتهر هذا الوزير برجاحة عقله وحكمته، وأثر عنه كثير من الحكم البليغة، وأحضر جملة كتب من الهند، وترجمها إلى اللسان البهلوي، وعمر طويلا، وتوفي زمن هرمز الثالث بن أنوشروان بين سنة 580، وسنة 590 م. انظر «قاموس الأعلام» لشمس الدين سامي.
[5] تستر: مدينة كبيرة بالأهواز.
[6] الدهاقين: جمع دهقان بالكسر والضم: وهو زعيم فلاحي العجم، ورئيس الإقليم.
[7] أوفى عليه: أشرف.
[8] الدبا: أصغر الجراد والنمل.
[9] ما يكذب دونه، أي ما ينثني عن الزرع حتى يستولي على حصة الخراج منه؛ من قولهم: حمل عليه فما كذب (بالتشديد): أي ما انثنى وما جبن وما رجع.
وصفه للشيب
أخبرني محمّد بن الحسين بن الكنديّ المؤدّب قال: حدّثنا الرّياشي قال: سمعت الأصمعيّ يقول:
/ قال هذا الباهليّ محمّد بن حازم في وصف الشّيب شيئا حسنا، فقال له أبو محمّد الباهليّ: تعني قوله:
كفاك بالشيب ذنبا عند غانية ... وبالشّباب شفيعا أيّها الرّجل
فقال: إيّاه عنيت. فقال له الباهليّ: ما سمعت لأحد من المحدثين أحسن منه.
خبره مع محمّد بن زبيدة
حدّثني عمّي قال: حدّثنا حسين بن فهم قال: حدّثني أبي قال:
دخل محمّد بن حازم على محمّد بن زبيدة وهو/ أمير، فدعاه إلى أن يشرب معه، فامتنع وقال:
أبعد خمسين أصبو ... والشّيب للجهل حرب
سنّ وشيب وجهل! ... أمر لعمرك صعب
يابن الإمام فهلّا ... أيّام عودي رطب!
وشيب رأسي قليل ... ومنهل الحبّ عذب
وإذ شفاء الغواني ... منّي حديث وشرب
الآن حين رأى بي ... عواذلي ما أحبّوا!
آليت أشرب كأسا ... ما حجّ للّه ركب
قال: فأعطاه محمّد بن زبيدة ووصله.
6 - أخبار ابن القصّار ونسبه
نسبه
اسمه فيما أخبرني به أبو الفضل بن برد الخيار [1]، سليمان بن عليّ: وذكره جحظة في كتاب الطّنبوريّين [2]، فتلّه [3] في نفسه وأخلاقه ومدح صنعته، وقال: مما أحسن فيه قوله:
أرقت لبرق لاح في فحمة الدّجى ... فأذكرني الأحباب والمنزل الرّحبا
قال: وهذا خفيف رمل مطلق. ومما أحسن فيه أيضا:
تعالي نجدّد عهد الصّبا ... ونصفح للحبّ عمّا مضى
وهو خفيف رمل مطلق أيضا:
ثلبة جحظة وتنادر عليه
وذكر أنه كان مع أبيه قصّارا [4]، وتعلّم الغناء فبرع فيه. ومن طيّب ما ثلبه به جحظة وتنادر عليه [5] به - وأراها مصنوعة - أنّه مرّ/ يوما على أبيه، ومعه غلام يحمل قاطرميز [6] نبيذ، وجوامرجة [7] مذبوحة مسموطة [8]، فقال:
الحمد للّه الّذي أراني ابني قبل موتي يأكل لحم الجواميرات، ويشرب نبيذ القاطرميزات [9].
وحدّث عن بعض جيرانه أنّ ابن القصّار غنّى له يوما بحبل ودلو، وأنّ إسماعيل بن المتوكّل وهب له مائتي أترجّة [10] كانت بين يديه، فباعها بثلاثة دنانير، وأنه يحمل بلبكيذة [11] إلى دار السلطان، وله فيه خبز وجبن فيأكله،
__________
[1] كذا في الأصول، ويؤيد هذا ما ورد في «معجم البلدان» (في «ناحية» ج 4: 727 طبع أوربة): «قرأت بخط بعض الفضلاء الأئمة وهو أبو الفضل العباس بن علي المعروف بابن برد الخيار» بالراء أيضا. وجاء في «معجم الأدباء» (ج 1: ص 269 طبع هندية في ترجمة إبراهيم بن عباس الصولي): «و اجتمع هارون بن محمّد بن عبد الملك الزيات وابن برد الخباز» بالزاي.
[2] أي الضاربين بالطنبور، وهو من آلات الطرب ذو عنق طويل وستة أوتار. فارسي معرّب.
[3] في الأصول «قبله» وهو تصحيف: يقال: تل فلانا بتلة سوء (بكسر التاء): أي رماه بأمر قبيح.
[4] القصار والمقصر: محوّر الثياب ومبيضها؛ لأنه يدقها بالقصرة وهي القطعة من الخشب. وحرفته القصارة بالكسر.
[5] ثلبه: عابه. وجاء في «أساس البلاغة» «و فلان يتنادر علينا»، ومعناه يحدّثنا بالنوادر والملح، وفي الأصول: «و تبادر» وهو تصحيف.
[6] كلمة فارسية، جاء في «شفاء العليل» ص 165: «قطرميز: قلة كبيرة من الزجاج معروفة؛ وقال الشاعر:
أنا لا أرتوي بطاس وكاس ... فاسقنيها بالزق والقطرميز
وكذلك جاء في «معجم دوزي»: «قطرميز: إناء زجاجي برقبة قصيرة وفوّهة واسعة». أقول: ومن البيت المذكور يرى أن الطاء ساكنة والراء محركة.
[7] هكذا في الأصول. وفي الفارسية: «الجوجة: الفروجة». وأكبر ظني أن تلك الكلمة هي المرادة؛ بدليل قوله «مذبوحة مسموطة».
[8] سمط: نتف شعرها بالماء الحار.
[9] في ح: «لحم الجوانيرات ... نبيذ القامرطيرات».
[10] الأترج: فارسية وعربيته «متك» كفلس انظر كتب اللغة.
[11] المفهوم من السياق أن تلك الكلمة معناها: حقيبة كان يضع فيها حاجاته. ولعلها كانت من جلد النمر. فالظاهر أن صوابها «بلنكبنة».
ويحمل في البلبكيذ ما يوضع بين يديه في دار السلطان، فيدعو إخوانه عليه. وأكثر من ثلب الرجل مما لا فائدة فيه.
ولو أراد قائل [أن] [1] يقول فيه ما لا يبعد من هذه الأخلاق لوجد مقالا واسعا، ولكنه مما يقبح ذكره، سيّما وقد لقيناه وعاشرناه. عفا اللّه عنا وعنه.
كان مفضلا بحضرة السلطان
أخبرنا ذكاء وجه الرّزّة قال: كنا نجتمع مع جماعة في الطّنبوريّين، ونشاهدهم في دور الملوك وبحضرة السلطان، فما شاهدت منهم أفضل من المسرور وعمر الميداني وابن القصّار.
خبره مع زوج البلوري
وحدّثني قمريّة البكتمريّة قالت: كنت لرجل من الكتّاب يعرف بالبلّوريّ، وكان شيخا، وكانت ستّي [2] الّتي ربّتني مولاته [3]، وكانت مغنّية شجيّة الصّوت حسنة الغناء، وكانت تعشق ابن القصّار، وكانت علامة مصيره إليها أن يجتاز في دجلة وهو يغنّي، فإن قدرت على لقائه أوصلته إليها، وإلّا مضى. فأذكره وقد اجتاز بنا في ليلة مقمرة وهو يغنّي خفيف رمل قال:
/أنا في يمنى يديها ... وهي في يسرى يديّه
إنّ هذا لقضاء ... فيه جور يا أخيّه
ويغنّى في آخره رده:
ويل [4] ويلي يا أبيّه
وكانت ستّي واقفة بين يدي مولاها، فما ملكت نفسها أن صاحت: أحسنت/ واللّه يا رجل! فتفضّل وأعد، ففعل وشرب رطلا وانصرف، وعلم أنه لا يقدر على الوصول إليها. وكان مولاها يعرف الخبر، فتغافل عنها لموضعها من قلبه؛ فلا أذكر أنّي سمعت قطّ أحسن من غنائه.
صوت
باح بالوجد قلبك المستهام ... وجرت في عظامك الأسقام
يوم لا يملك البكاء أخو الشّو ... ق فيشفى ولا يردّ سلام
لم يقع إليّ قائل هذا الشعر. والغناء لمعبد اليقطينيّ ثاني ثقيل بالبنصر عن أحمد بن المكّيّ.
__________
[1] زيادة يقتضيها المقام.
[2] في «القاموس»: «و ستي للمرأة أي يا ست جهاتي، أو لحن والصواب سيدتي». وفي «شرح القاموس»: «قوله: والصواب سيدتي:
ويحتمل أن الأصل سيدتي فحذف بعض حروف الكلمة، وله نظائر، قاله الشهاب القاسمي. ونقل شيخنا عن السيد عيسى الصفوي ما نصه: ينبغي ألا يقيد بالنداء لأنه قد لا يكون نداء. قال: والظاهر أن الحذف سماعي، وأن النداء على التمثيل لا أنه قيد كما توهموه اه. ويروي المعري في «رسالة الغفران»:
ست إن أعياك أمري ... فاحمليني زقفوته
[3] في ج محل هذه الكلمة «له».
[4] في الأصول «ويلي ويلي» ولا يستقيم به الوزن.
7 - أخبار معبد
نسبه
كان معبد اليقطينيّ غلاما مولّدا خلاسيّا [1] من مولّدي المدينة، اشتراه بعض ولد عليّ بن يقطين. وقد شدا [2] بالمدينة، وأخذ الغناء عن [3] جماعة من أهلها، وعن جماعة [3] أخرى من علية المغنّين بالعراق في ذلك الوقت، مثل إسحاق وابن جامع وطبقتهما، ولم يكن فيما ذكر بطيّب المسموع، ولا خدم أحدا من الخلفاء إلا الرشيد، ومات في أيامه، وكان أكثر انقطاعه إلى البرامكة.
خبره مع غلام من المدينة
أخبرني عمّي الحسن بن محمّد قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد قال: حدّثني محمّد بن عبد اللّه بن مالك الخزاعيّ قال: حدّثني معبد الصغير المغنّي مولى عليّ بن يقطين قال:
كنت منقطعا إلى البرامكة، آخذ منهم وألازمهم. فبينا أنا ذات يوم في منزلي إذا بابي يدقّ، فخرج غلامي ثم رجع إليّ فقال: على الباب فتى ظاهر المروءة يستأذن عليك؛ فأذنت له. فدخل عليّ شاب ما رأيت أحسن وجها منه، ولا أنظف ثوبا، ولا أجمل زيّا منه، من رجل دنف عليه آثار السّقم ظاهرة، فقال لي: إنّي أرجو [4] لقاك منذ مدّة فلا أجد إليه سبيلا، وإنّ لي حاجة. قلت: ما هي؟ فأخرج ثلاثمائة دينار فوضعها بين يديّ، ثم قال: أسألك أن تقبلها وتصنع في بيتين قلتهما لحنا تغنّيني به. فقلت: هاتهما، فأنشدهما، وقال:
صوت
واللّه يا طرفي الجاني على بدني ... لتطفئنّ بدمعي لوعة الحزن
أو لأبوحنّ حتّى يحجبوا سكني ... فلا أراه ولو أدرجت في كفني [5]
- والغناء فيه لمعبد اليقطيني ثقيل أوّل مطلق في مجرى الوسطى - قال: فصنعت فيهما لحنا ثم غنّيته إيّاه؛ فأغمي عليه حتى ظننته قد مات. ثم أفاق فقال: أعد فديتك! فناشدته اللّه في نفسه وقلت: أخشى أن تموت. فقال:
هيهات! أنا أشقى من ذاك. وما زال يخضع لي ويتضرّع حتى أعدته، فصعق صعقة أشدّ من الأولى، حتى ظننت أنّ نفسه قد فاظت./ فلما أفاق رددت الدنانير عليه ووضعتها بين يديه، وقلت: يا هذا خذ دنانيرك وانصرف عنّي؛ فقد
__________
[1] الحلاسي: الولد بين أبوين أبيض وأسود.
[2] في الأصول «شذا» وهو تصحيف.
[3] في الأصول: «من جماعة».
[4] في ج: «أخاف» وهو خطأ.
[5] سكني: محبوبي الّذي أسكن إليه.
قضيت حاجتك، وبلغت وطرا [1] مما أردته، ولست أحبّ أن أشرك في دمك. فقال: يا هذا! لا حاجة لي في الدنانير. فقلت: لا واللّه ولا بعشرة أضعافها إلا على ثلاث شرائط. قال: وما هنّ؟ قلت: أولها أن تقيم عندي وتتحرّم بطعامي، والثانية أن تشرب أقداحا من النّبيذ تشدّ قلبك وتسكّن ما بك، والثالثة أن تحدّثني بقصّتك. فقال:
أفعل ما تريد. فأخذت الدنانير، ودعوت بطعام فأصاب منه إصابة معذر [2]، ثم دعوت بالنبيذ فشرب أقداحا، وغنّيته بشعر غيره في معناه، وهو يشرب ويبكي. ثم قال: الشرط أعزّك اللّه، فغنّيته، فجعل يبكي أحرّ بكاء وينشج [3] أشدّ نشيج/ وينتحب. فلما رأيت ما به قد خفّ عما كان يلحقه، ورأيت النّبيذ قد شدّ من قلبه، كررت عليه صوته مرارا، ثم قلت: حدّثني حديثك. فقال: أنا رجل من أهل المدينة خرجت متنزّها في ظاهرها وقد سال العقيق [4]، في فتية من أقراني وأخداني [5]، فبصرنا بقينات قد خرجن لمثل ما خرجنا له، فجلسن حجرة [6] منّا، وبصرت فيهنّ بفتاة كأنها قضيب قد طلّه الندى، تنظر بعينين ما ارتدّ طرفهما إلّا بنفس من يلاحظهما. فأطلنا وأطلن، حتى تفرّق الناس، وانصرفن وانصرفنا، وقد أبقت بقلبي جرحا بطيئا اندماله [7]. فعدت إلى منزلي وأنا وقيذ [8].
وخرجت من الغد إلى العقيق، وليس به أحد، فلم أر لها ولا لصواحباتها أثرا. ثم جعلت أتتبّعها في طرق المدينة وأسواقها؛ فكأنّ الأرض أضمرتها، فلم أحسّ لها بعين ولا أثر، وسقمت حتى أيس منّي أهلي. ودخلت ظئري [9] فاستعلمتني حالي، وضمنت لي حالها والسعي فيما أحبّه منها؛ فأخبرتها بقصّتي، فقالت: لا بأس عليك! هذه أيام الربيع، وهي سنة خصب وأنواء، وليس يبعد عنك المطر، وهذا العقيق، فتخرج حينئذ وأخرج معك؛ فإن النسوة سيجئن. فإذا فعلن ورأيتها تبعتها حتى أعرف موضعها، ثم أصل بينك وبينها، وأسعى لك في تزويجها. فكأنّ نفسي اطمأنت إلى ذلك، ووثقت به وسكنت إليه؛ فقويت وطمعت وتراجعت نفسي، وجاء مطر بعقب ذلك، فأسال الوادي، وخرج الناس وخرجت مع إخواني إليه، فجلسنا مجلسنا الأوّل بعينه، فما كنّا والنسوة إلا كفرسي رهان.
وأومأت إلى ظئري فجلست حجرة منّا ومنهنّ، وأقبلت على إخواني فقلت: لقد أحسن القائل حيث قال:
/رمتني بسهم أقصد [10] القلب وانثنت ... وقد غادرت جرحا به وندوبا
فأقبلت على صواحباتها فقالت: أحسن واللّه القائل، وأحسن من أجابه حيث يقول:
بنا مثل ما تشكو، فصبرا لعلّنا ... نرى فرجا يشفي السّقام قريبا
فأمسكت عن الجواب خوفا من أن يظهر منّي ما يفضحني وإيّاها، وعرفت ما أرادت. ثم تفرّق الناس وانصرفنا، وتبعتها ظئري حتّى عرفت منزلها، وصارت إليّ فأخذت بيدي ومضينا إليها. فلم تزل تتلطّف حتّى
__________
[1] في الأصول: «نظرا» وهو تحريف، والوطر: الحاجة.
[2] أعذر: أبدى عذرا، وثبت له عذر.
[3] نشج الباكي كضرب نشيجا: وهو مثل بكاء الصبي إذا ضرب فلم يخرج بكاءه وردّد صوته في صدره.
[4] العقيق: موضع بالمدينة مما يلي الحرة إلى منتهى البقيع.
[5] أخدان: جمع خدان بالكسر، وهو الصديق.
[6] حجرة: ناحية.
[7] اندمل الجرح: برى ء.
[8] وقيذ: صريع.
[9] الظئر: العاطفة على ولد غيرها المرضعة له.
[10] أقصده: طعنه فلم يخطئه.
وصلت إليها. فتلاقينا وتداورنا على حال مخالسة ومراقبة. وشاع حديثي وحديثها، وظهر ما بيني وبينها، فحجبها أهلها، وتشدّد عليها أبوها./ فما زلت أجتهد في لقائها فلا أقدر عليه. وشكوت إلى أبي - لشدّة ما نالني - حالي، وسألته خطبتها لي. فمضى أبي ومشيخة أهلي إلى أبيها فخطبوها. فقال: لو كان بدأ بهذا قبل أن يفضحها ويشهرها لأسعفته بما التمس، ولكنّه قد فضحها، فلم أكن لأحقّق قول الناس فيها بتزويجه إياها؛ فانصرفت على يأس منها ومن نفسي. قال معبد: فسألته أن ينزل، فحبرني [1] وصارت بيننا عشرة. ثم جلس جعفر بن يحيى للشّرب فأتيته؛ فكان أوّل صوت غنّيته صوتي في شعر الفتى، فطرب عليه طربا شديدا، وقال: ويحك! إنّ لهذا الصوت حديثا، فما هو؟ فحدثته، فأمر بإحضار الفتى، فأحضر من وقته، واستعاده الحديث، فأعاده عليه. فقال: هي في ذمّتي حتى أزوّجك إيّاها، فطابت نفسه، وأقام معنا ليلتنا حتى أصبح. وغدا جعفر إلى الرشيد فحدّثه الحديث، فعجب منه، وأمر بإحضارنا جميعا، فأحضرنا، وأمر بأن أغنّيه الصوت/ فغنّيته، وشرب عليه، وسمع حديث الفتى، فأمر من وقته بالكتاب إلى عامل الحجاز بإشخاص الرّجل وابنته وجميع أهله إلى حضرته، فلم يمض إلّا مسافة الطريق حتّى أحضر. فأمر الرشيد بإيصاله إليه فأوصل، وخطب إليه الجارية للفتى، وأقسم عليه ألا يخالف أمره، فأجابه وزوّجه إيّاها، وحمل إليه الرشيد ألف دينار لجهازها، وألف دينار لنفقة طريقه، وأمر للفتى بألف دينار، وأمر جعفر لي وللفتى بألف دينار. وكان المدنيّ بعد ذلك في جملة ندماء جعفر بن يحيى.
صوت
هل نفسك المستهامة السّدمه ... سالية مرّة ومعتزمه [2]
عن ذكر خود قضى لها الملك ال ... خالق ألّا تكنّها ظلمه [3]
الشعر لابن أبي الزوائد، والغناء لحكم رمل بالوسطى عن الهشاميّ.
__________
[1] في الأصول: «فخبرني» تصحيف. وحبرني الأمر (كنصر) وأحبرني: سرني.
[2] في الأصول: «و مغترمة». والسدمة: وصف من السدم: وهو الهم، وقيل: غيظ مع حزن.
[3] الخود: الحسنة الخلق الشابة أو الناعمة. والظلمة (بضمة وبضمتين) والظلماء والظلام واحد.
8 - أخبار ابن أبي الزوائد ونسبه
نسبه
اسمه سليمان بن يحيى بن زيد بن معبد بن أيّوب بن هلال بن عوف بن نضلة بن عصيّة بن نصر بن سعد بن بكر بن هوازن بن منصور. ويقال له ابن أبي الزوائد أيضا. شاعر مقلّ، من مخضرمي الدّولتين، وكان يؤمّ الناس في مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
شعره في جارية كان يتعشقها
أخبرني بذلك محمّد بن خلف وكيع قال: حدّثنا ابن أبي خيثمة عن بعض رجاله عن الأصمعيّ، وأخبرني وكيع قال: حدّثني طلحة بن عبد اللّه الطّلحيّ قال: أخبرني أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل قال:
كان ابن أبي الزوائد يتعشّق جارية سوداء مولاة الصّهيبيّين [1]، وكان يختلف إليها وهي في النّخل بحاجزة.
فلمّا حان الجداد قال:
حجيج أمسى جداد حاجزة ... فليت أنّ الجداد لم يحن [2]
وشتّ بين وكنت لي سكنا ... فيما مضى كان ليس بالسّكن [3]
/قد كان لي منك ما أسرّ به ... وليت ما كان منك لم يكن [4]
/نعفّ في لهونا ويجمعنا ال ... مجلس بين العريش والجرن [5]
يعجبنا اللّهو والحديث ولا ... نخلط في لهونا هنا بهن [6]
لو قد رحلت الحمار منكشفا ... لم أرها بعدها ولم ترني [7]
فقال له أبو محمّد الجمحيّ: إنّ الشعراء يذكرون في شعرهم أنّهم رحلوا الإبل والنّجائب، وأنت تذكر أنّك رحلت حمارا. فقال: ما قلت إلّا حقّا، واللّه ما كان لي شيء أرحله غيره. قال: وقال فيها أيضا:
__________
[1] نسبة إلى صهيب بن سنان الرومي، وهو من النمر بن قاسط، سبته الروم وهو غلام صغير، فنشأ بالروم، ثم ابتاعته كلب منهم وقدمت به مكة، فاشتراه منهم عبد اللّه بن جدعان وأعتقه. وقد أسلم وهاجر إلى المدينة وشهد بدرا وأحدا والخندق والمشاهد كلها مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، ومات بالمدينة سنة 38 ه ودفن بالبقيع.
[2] جد النخل كنصر جدا وجدادا، كسحاب وكتاب: صرمه وقطعه. وأمسى هنا تامة. والمفهوم من السياق أنه ينادي معشوقته فيقول: يا حجيج حان قطع وحاجزة اسم البقعة الّتي كان فيها النخل.
[3] شت كضرب: فرّق. والبين هنا: البعد والفراق.
[4] في ب، س: «و كان ما كان».
[5] الجرن كقفل، والجرين: موضع تجفيف التمر وهو له كالبيدر للحنطة. وجمع جرين: أجرنة وجرن كعنق.
[6] الهن: كناية عما يستفحش ذكره من الرجل والمرأة.
[7] رحل البعير كمنع: حط عليه الرحل.
يا ليت أنّ العرب استلحقوا ... ريم الصّهيبيّين ذاك الأجمّ [1]
وكان منهم فتزوّجته ... أو كنت من بعض رجال العجم
هجاؤه لأبي عبيدة بن عبد اللّه
أخبرني وكيع قال: حدّثني طلحة بن عبد اللّه بن الزّبير بن بكّار عن عمّه قال:
كان أبو عبيدة بن عبد اللّه بن ربيعة صديقا لابن أبي الزوائد، ثم تباعد ما بينهما لشيء بلغ أبا عبيدة عنه، فهجره من أجله، فهجاه؛ فقال:
قطع الصفاء - ولم أكن ... أهلا لذاك - أبو عبيده
لا تحسبنّك عاقلا ... فلأنت أحمق من حميده [2]
حميدة: امرأة كانت بالمدينة رعناء يضرب بها المثل في الحمق.
شعره في قيان حماد بن عمران
حدّثني عمّي ووكيع قالا: حدّثنا الكرانيّ عن أبي غسّان دماذ عن أبي عبيدة قال:
دخل ابن أبي الزوائد إلى حمّاد بن عمران الطّليحي، وكان يلقّب بعطعط، وكان له قيان يسمعهنّ الناس عنده، فرآهن ابن أبي الزوائد فقال فيهنّ:
أقول وقد صفّت البظر لي: ... أللبظر أدخلني عطعط؟
فإنّي امرؤ لا أحبّ الزّنا ... ولا يستفزّني البربط [3]
ولو بعضهنّ ابتغى صبوتي ... لخالط هامتها المخبط [4]
لبئس فعال امرىء قد قرا ... وهمّت عوارضه تشمط [5]
وما كنت مفترشا جارتي ... وسيّدها نائم يضرط
أ أفرغ في جارتي نطفة ... حراما كما يفرغ المسعط [6]
هجاؤه لامرأته الأنصارية
أخبرني عيسى بن الحسين الورّاق قال: حدّثني أبو هفّان قال: حدّثني إسحاق بن إبراهيم الموصليّ قال:
حدّثني المسيّبي:
__________
[1] ريم: مخفف رثم، وهو الظبي الخالص البياض، أجم: ليس له قرنان.
[2] في ج: «من عبيدة» وهو خطأ.
[3] البربط: العود؛ معرب.
[4] المخبط كمنبر: العصا يخبط بها الورق.
[5] في الأصول، «لبئس فعل من قد قرى» وهو تحريف لا يستقيم به الوزن. وقرا: مسهل عن «قرأ» أي الّذي قد قرأ القرآن، وقد كان يؤم الناس في مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كما ذكر في أوّل الترجمة، والشمط بالتحريك: بياض الرأس يخالط سواده. والعارضة: صفحة الخد.
[6] المسعط (بضم الميم والعين وكمنبر): ما يجعل فيه السعوط ويصب منه في الأنف.
أنّ ابن أبي الزوائد كانت عنده امرأة أنصاريّة، فطال لبثها عنده حتى ملّها وأبغضها، فقال يهجوها:
/يا رمل أنت الغول بين رمال ... لم تظفري ببقى ولا بجمال [1]
يا رمل لو حدّثت أنّك سلفع ... شوهاء كالسّعلاة بين سعالي [2]
ما جاء يطلبك الرسول بخطبة ... منّي ولا ضمّت عليك حبالي
ولقد نهى عنك النّصيح وقال لي: ... لا تقرننّ بذيّة بعيال
لمّا هززت مهنّدي وقذفته ... فيها وقد أرهفته بصقال
/ رجع المهنّد ما له من حيلة ... وهناك تصعب حيلة المحتال
وكأنّما أولجته في قلّة ... قد برّدت للصوم أو بوقال [3]
ورأيت وجها كاسفا متغيّرا ... وحرا أشقّ كمركن الغسّال [4]
ما كان أير الفيل بالغ قعره ... بتحامل عنه ولا إدخال
ولقد طعنت مبالها بسلاحها ... فوجدت أخبث مسلح ومبال
قال: وقال لها وقد فخرت:
هلّا سألت منازلا بغرار ... عمّن عهدت به من الأحرار [5]
أين انتأوا ونحاهم صرف النوى ... عنّا وصرف مقحّم مغيار [6]
/كره المقام وظنّ بي وبأهلها ... ظنّا فكان بنا على إصرار
عدّي رجالك واسمعي يا هذه ... عنّي مقالة عالم مفخار
سأعدّ سادات لنا ومكارما ... وأبوّة ليست عليّ بعار [7]
قيس وخندف والداي كلاهما ... والعمّ بعد ربيعة بن نزار [8]
من مثل فارسنا دريد فارسا ... في كلّ يوم تعانق وكرار [9]
__________
[1] في الأصول: «ببقا» وهو تحريف.
[2] والسلفع: الصخابة البذيئة السيئة الخلق، والسعلاة. أخبث الغيلان.
[3] البوقال: كوز بلا عروة «القاموس».
[4] والمركن: الآنية الّتي تغسل فيها الثياب.
[5] في الأصول «بفزار» وغرار: جبل بتهامة.
[6] انتأى: نأى وبعد، والنوى: البعد. في ج: «ملحم» وفي ب، س: «مفحم» وأراه «مقحم» بالقاف، وتقحيم النفس في الشي ء:
إدخالها فيه من غير روية.
[7] في س: «سأعده». وفي ب «سأعد سودات» وفي ج: «سأعده سوادات»، وكله تحريف.
[8] قيس، هو قيس بن الياس وهو عيلان بن مضر بن نزار. وخندف هي ليلي بنت حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة زوجة الياس بن مضر بن نزار.
[9] دريد: هو دريد بن الصمة فارس العرب، من بني جشم بن معاوية بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان. وكرار: مصدر، كارّه مكارّة وكرارا.
وبنو زياد من لقومك مثلهم ... أو مثل عنترة الهزبر الضّاري [1]
والحيّ من سعد ذؤابة قومهم ... والفخر منهم والسّنام الواري [2]
والمانعون من العدوّ ذمارهم ... والمدركون عدوّهم بالثّار
والناكحون بنات كلّ متوّج ... يوم الوغى غصبا بلا إمهار
وبنو سليم نكل من عاداهم ... وحيا العفاة ومعقل الفرّار [3]
ليسوا بأنكاس إذا حاستهم ال ... موت العداة وصمّموا لمغار [4]
قدومه بغداد وتشوقه إلى المدينة وشعره
أخبرني عيسى بن الحسين قال: حدّثنا الزبير بن بكّار عن عمّه قال:
كان ابن أبي الزوائد وفد إلى بغداد في أيّام المهديّ، فاستوخمها، فقال يتشوق إلى المدينة ويخاطب أبا غسّان محمّد بن يحيى وكان معه نازلا:
يآبن يحيى ماذا بدا لك ماذا ... أمقام أم قد عزمت الخياذا [5]
فالبراغيث قد تثوّر منها ... سامر ما نلوذ منها ملاذا [6]
فنحكّ الجلود طورا فتدمى ... ونحكّ الصّدور والأفخاذا
فسقى اللّه طيبة الوبل سحّا ... وسقى الكرخ والصّراة الرّذاذا [7]
بلدة لا ترى بها العين يوما ... شاربا للنّبيذ أو نبّاذا [8]
أو فتى ماجنا يرى اللّهو والبا ... طل مجدا أو صاحبا لوّاذا [9]
هذه الذال فاسمعوها وهاتوا ... شاعرا قال في الرّويّ على ذا
__________
[1] هو زياد بن الربيع من بني عيسى بن بغيض بن ريث بن غطفان بن قيس بن عيلان. وعنترة الفوارس من بني عبس. والهزبر: الأسد.
[2] سعد: هم بنو سعد بن زيد مناة بن تميم بن مر بن أد بن طابخة بن عيلان بن مضر، أو هم بنو سعد بن بكر بن هوزان .. وذؤابة كل شي ء: أعلاه. الواري: الشحم السمين.
[3] بنو سليم: هم بنو سليم بن منصور بن عكرمة بن خصفة. والثكل: الموت والهلاك. في ج، ب، س: «فكل»؛ وهو تحريف.
والحيا: الخصب والمطر. والعفاة: جمع عاف، وهو كل طالب فضل أو رزق.
[4] أنكاس: جمع نكس بالكسر، وهو الضعيف والمقصر عن غاية النجدة والكرم. وحاسي: مفاعلة من الحسو، والمغار: الإغارة.
[5] كذا في الأصول والّذي في «لسان العرب» و «تاج العروس»: الخواذ والمخاوذة: الفراق. وجاء أيضا في «القاموس»: الحواذ بالحاء: البعد.
[6] تثوّر: ثار وهاج، وسمر كنصر: لم ينم.
[7] طيبة: المدينة المنوّرة. جاء في «النهاية لابن الأثير»: «و في الحديث أنه صلّى اللّه عليه وسلّم أمر أن تسمى المدينة طيبة وطابة، وهما من الطيب لأن المدينة كان اسمها يثرب، والثرب: الفساد، فنهى أن تسمى به وسماها طيبة وطابة وهما تأنيث طيب وطاب بمعنى الطيب، وقيل هو من الطيب بمعنى الطاهر لخلوصها من الشرك وتطهيرها منه». والوبل: المطر الشديد الضخم القطر. والكرخ: محلة ببغداد.
والصرة: نهر ببغداد. والرذاذ: المطر الضعيف.
[8] نبذ نبيذا: اتخذه، والنباذ: بائع النبيذ، كالخمار بائع الخمر.
[9] يحتمل أن يكون «صاخبا» من الصخب وهو كثرة اللغط والجلبة. ولواذ مبالغة في لائذ، من لاذ به أي لجأ إليه وعاذ به.
قالها شاعر لو أنّ القوافي ... كنّ صخرا أطارهن جذاذا [1]
شعره حين شرب خمرا
قال الزبير: وأنشدني له أبو غسّان محمّد بن يحيى، وكان قد دخل إلى رجلين من أهل الحجاز/ يقال لأحدهما أبو الجوّاب، والآخر أبو أيّوب، فسقياه نبيذا على أنه طريّ لا يسكر، فأسكره؛ فقال:
سقاني شربة فسكرت منها ... أبو الجوّاب صاحبي الخبيث
وعاونه أبو أيّوب فيها ... ومن عاداته الخلق الخبيث
فلمّا أن تمشّت في عظامي ... وهمّت وثبتي منها تريث [2]
علمت بأنّني قد جئت أمرا ... تسوء به المقالة والحديث
فدعهم - لا أبالك - واجتنبهم ... فإنّ خليطهم لهو اللّويث [3]
وتمام الأبيات الّتي فيها الغناء بعد البيتين المذكورين:
كالشمس في شرقها إذا سفرت ... عنها ومثل المهاة ملتثمه [4]
ما صوّر اللّه حين صوّرها ... في سائر الناس مثلها نسمه
كلّ بلاد الإله جئت فما ... أبصرت شبها لها - وقد علمه -
أنثى [5] من العالمين تشبهها ... عابسة هكذا ومبتسمه
فتّانة المقلتين مخطفة ال ... أحشاء منها البنان كالعنمه [6]
إذا تعاطت شيئا لتأخذه ... قلت غزال يعطو إلى برمه [7]
/يا طيب فيها وطيب قبلتها ... والقرب منها في اللّيلة الشّجمه [8]
إنّ من اللذّة الّتي بقيت ... غشيانك الخود من بني سلمه
لا تهجر الخود إن تغال بها ... بعد سلوّ، وقبل ذاك فمه [9]
__________
[1] الجذاذ: قطع ما كسر، القطعة جذاذة. وقال الفراء في قوله تعالى: فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً
هو مثل الحطام والرفات، ومن قرأها جذاذا بالكسر فهو جمع جذيذ مثل خفيف وخفاف.
[2] راث يريث: أبطأ.
[3] الخليط: المخالط، واللويث، الّذي في كتب اللغة: الألوث: الأحمق، فالوصف على أفعل، وقد صاغه الشاعر على فعيل، أو هو بمعنى ملوّث ملطخ، فعيل بمعنى اسم المفعول.
[4] سفرت المرأة: كشفت عن وجهها. والمهاة: البقرة الوحشية.
[5] في س: «أنفى العالمين» وهو تحريف.
[6] إخطاف الحشا: انطواؤه وضمره. والعنم: شجر له ثمر أحمر تشبه به بنان الجواري.
[7] في س: «تعاطت شي ء» وهو تحريف، والعطو: التناول ورفع الرأس واليدين. والبرمة: واحدة البرم، وهو ثمر الطلح أو ثمر الأراك.
[8] الشبمة: الباردة.
[9] غالى به: اشتراه بثمن غال. ومه: كف. والمعنى: إن تغال بالحبيبة فلا تهجرها بعد سلوها إياك، وكف عن هجرها قبل السلو - وذاك أولى بك - أي لا تهجرها ولا تقطع وصلها سالية لك أو غير سالية.
آتي معدّا لها الكلام فما ... أنطق من هيبة ولا كلمه
أحبّ واللّه أن أزوركم ... وحدي كذا أو أزوركم بلمه [1]
هذا الجمال الّذي سمعت به ... سبحان ذي الكبرياء والعظمه
من أبصرت عينه لها شبها ... حلّ عليه العذاب والنّقمه [2]
صوت
يا هنديا هند نوّلي رجلا ... وكيف تنويل من سفكت دمه
أو تدركي نفسه فقد هلكت ... أو ترحميه فمثلكم رحمه
أمر المنصور بزواج بني عبد مناف بالمنافيات
أخبرني حبيب بن نصر المهلّبي قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد قال: حدّثني محمّد بن جعفر بن قادم [3] مولى بني هاشم قال: حدّثني عمّي أحمد بن جعفر عن ابن دأب قال:
/ خرجت أنا وأخي يحيى وابن أبي السّعلاء [4] ومعنا مصعب بن عبد اللّه النّوفليّ [5] وثابت والزّبير ابنا خبيب بن ثابت بن عبد اللّه بن الزّبير وابن أبي الزوائد السعدي وابن أبي ذئب متنزّهين إلى العقيق، وقد سأل يومئذ، إذا أتانا آت ونحن جلوس، فسألناه عن الخبر بالمدينة؟ فقال: ورد كتاب أمير المؤمنين المنصور أن لا تتزوّج منافيّة [6] إلا منافيّا. قال ابن أبي ذئب [7]: إذن واللّه لا يخطب قرشيّ إلّا من لا يحبّها، ولا يرغب فيمن لا يرغب فيها ممن لا فضل له عليها، وكان غير حسن الرأي في بني هاشم. وتكلم ابنا خبيب بمثل ذلك، وقال أحدهما. إنّ نسبنا من بني/ عبد مناف قد طال، فأدالنا [8] اللّه منهم. قال: فغضب مصعب النّوفليّ وكان أحول فازدادت عيناه انقلابا، فقال: أما أنت يابن أبي ذئب فو اللّه ما شرّفتك جاهليّة ولا رفعك إسلام، فيقع في بال أحد أنّك عنيت بما جرى.
وأما أنتما يا بني خبيب فبغضكما لبني عبد مناف تالد موروث، ولا يزال يتجدّد كلّما ذكرتم قتل الزّبير [9]، وإنّكم لمن طينتين مختلفتين: أما إحداهما فمن صفيّة، وهي الطّينة الأبطحيّة السّنيّة، تنزعان إليها إذا نافرتما [10]، وتفخران بها إذا افتخرتما، والأخرى الطّينة العوّاميّة الّتي تعرفانها، ولو شئت أن أقول لقلت، ولكنّ صفيّة تحجزني، فأحسنا
__________
[1] اللمة: الجماعة من الرجال ما بين الثلاثة إلى العشرة.
[2] النقمة بفتح النون وكسر القاف، كالنقمة بكسر النون وفتحها مع سكون القاف.
[3] في ب، س: «قاضم».
[4] ساقطة من ج.
[5] النوفلي: نسبة إلى نوفل بن عبد مناف بن قصي بن كلاب.
[6] منافية: نسبة إلى عبد مناف المذكور، وهو الجد الثالث للنبي صلّى اللّه عليه وسلّم.
[7] كذا في ب، س، ويؤيده ما ورد بعد. وفي ج: «أبي الزوائد».
[8] أداله اللّه من عدوه: نصره عليه.
[9] قتله عمرو بن جرموز بوادى السباع في وقعة الجمل، وأتى عليا بسيفه فقال علي: سيف طالما جلى الكرب عن وجه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، لكنه الجبن ومصارع السوء، وقاتل ابن صفية في النار والخبر مشهور.
[10] هي السيدة صفية بنت عبد المطلب عمة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وأم الزبير بن العوام، والأبطحية: نسبة إلى الأبطح وهو أبطح مكة: مسيل واديها والمنافرة: المفاخرة والمحاكمة في الحسب.
الشّكر لمن رفعكما، ولا تميلا عليه بمن/ وضعكما. فقالا له: مهلا، فو اللّه لقد يمنا في الإسلام أفضل من قديمك، ولحظّنا فيه بالزّبير أفضل من حظّك. فقال مصعب: واللّه ما تفخران في نسبكما إلّا بعمّتي، ولا تفضلان في دينكما إلّا بابن عمّي صلّى اللّه عليه وسلّم؛ فمفاخره لي دونكما. ثم تفرقوا؛ فقال ابن أبي الزوائد:
لعمركما يابني خبيب بن ثابت ... تجاوزتما في الفخر جهلا مداكما
وأنكرتما فضل الّذين بفضلهم ... سمت بين أيدي الأكرمين يداكما
فإنّكما لم تعرفا إذ سموتما ... إلى العزّ من آل النبيّ أباكما
ولم تعرفا الفضل الّذي قد فخرتما ... فليس من العوّام حقّا أتاكما
فلو لا الكرام الغرّ من آل هاشم ... - فلا تجهلا - لم تدفعا من رماكما
صوت
محبّ صدّ آلفه ... فليس لليله صبح
يقلّبه على مضض ... مواعد ما لها نجح
له في عينه غرب ... وفي أحشائه جرح [1]
صحا عنه الّذي يرجو ... زيارته وما يصحو
الشعر لأبي الأسد، والغناء لعلّوية، هزج بالوسطى وخفيف ثقيل بالوسطى.
__________
[1] الغرب هنا: الدمع.
9 - أخبار أبي الأسد ونسبه
نسبه
اسمه، فيما ذكر لنا عيسى بن الحسين الورّاق عن عيسى بن إسماعيل تينة [1] عن القحذميّ، نباتة بن عبد اللّه الحمّانيّ [2]. وذكر أبو هفّان المهزميّ [3] أنّه من بني شيبان. وهو شاعر مطبوع متوسّط الشّعر، من شعراء الدولة العبّاسية من أهل الدّينور [4]. وكان طبّا [5] مليح النّوادر مزّاحا خبيث الهجاء، وكان صديقا لعلّويه المغنّي الأعسر، ينادمه ويواصل عشرته ويصله علّويه بالأكابر، ويعرّضه للمنافع، وله صنعة في كثير من شعره.
شعره في جارية ترقبها فأخلفت
فأخبرني عمي قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد قال: حدّثني محمّد بن محمّد الأبزاري [6] قال:
كان أبو الأسد الشاعر صديقا لعلويه، وكان كثيرا ما يغنّي في شعره. فدعانا علّويه ليلة، ووعدته جارية لآل يحيى بن معاذ - وكانت تأخذ عنه الغناء - أن تزوره تلك الليلة، وكانت من أحسن الناس وجها وغناء، وكان علّويه/ يهيم بها، فانتظرناها حتى أيسنا منها احتباسا. فقال علويه لأبي الأسد: قل في هذا شعرا؛ فقال:
/محبّ صدّ آلفه ... فليس لليله صبح
صحا عنه الّذي يرجو ... زيارته وما يصحو
قال: فصنع علويه فيه لحنا من خفيف الثقيل هو الآن مشهور في أيدي الناس، وغنّانا فيه؛ فلم نزل نشرب عليه حتى أصبحنا. وصنع في تلك الليلة بحضرتنا فيه الرّمل في شعر أبي وجزة السّعديّ:
قتلتني بغير ذنب قتول ... وحلال لها دمي المطلول
ما على قاتل أصاب قتيلا ... بدلال ومقلتين سبيل
طلب من موسى بن الضحاك غلاما فشاطره غلمانه
أخبرني الحسن بن عليّ الخفّاف قال: حدّثنا ابن مهرويه قال: حدّثني أبو هفّان قال:
كتب أبو الأسد وهو من بني حمّان إلى موسى بن الضحّاك:
لموسى أعبد وأنا أخوه ... وصاحبه، ومالي غير عبد
__________
[1] تينة: لقب عيسى (كما في «القاموس المحيط»).
[2] الحماني: نسبة إلى حمان: وهو حي من تميم، أحد حيي بني سعد بن زيد مناة.
[3] نسبة إلى مهزم كمنبر، ومن أسمائهم أيضا مهزم كمعظم.
[4] دينور: مدينة من أعمال الجبل بفارس.
[5] الطب: الحاذق الماهر. وفي الأصول «طبيا» وهو تحريف.
[6] الأبزاري: نسبة إلى أبزار وهي قرية بنيسابور.
فلو شاء الإله وشاء موسى ... لآنس جانبي فرج بسعد
قال: و«فرج» غلام كان لأبي الأسد، و«سعد» غلام كان لموسى فبعث إليه موسى بسعد، وقاسمه بعده بقيّة غلمانه، فأخذ شطرهم وأعطاه شطرهم.
سبب هجاؤه أحمد بن أبي دواد
أخبرني محمّد الخزاعيّ قال: حدّثني العبّاس بن ميمون طائع قال:
هجا أبو الأسد أحمد بن أبي دواد فقال:
أنت امرؤ غثّ الصّنيعة رثّها ... لا تحسن النّقمى إلى أمثالي
نعماك لا تعدوك إلّا في امرىء ... في مسك [1] مثلك من ذوي الأشكال
/ وإذا نضرت إلى صنيعك لم تجد ... أحدا سموت به إلى الإفضال
فاسلم بغير سلامة ترجى لها ... إلّا لسدّك خلّة الأنذال [2]
قال: فأدّى إليه سلامة وهو عبد الرحمن بن عبد اللّه بن عائشة هذه الأبيات عن أبي الأسد، فبعث إليه ببرد واستكفّه [3]، وبعث بابن عائشة إلى مظالم ماسبذان [4]، وقال له: قد شركته في التّوبيخ لنا فشركناك في الصّفقة [5]، فإن كنتما صادقين في دعواكما كنتما من الأنذال، وإن كنتما كاذبين فقد جريتما بالقبيح حسنا.
سبب الهجاء
حدّثني عليّ بن سليمان الأخفش قال: حدّثنا محمّد بن الحسن بن الحرون قال:
كان سبب هجاء أبي الأسد أحمد بن أبي دواد أنّه مدحه فلم يثبه، ووعده بالثواب ومطله؛ فكتب إليه:
ليتك إذ نبتني بواحدة ... تقنعني منك آخر الأبد
تخلف ألّا تبرّني أبدا ... فإنّ فيها بردا على كبدي
اشف فؤادي منّي فإنّ به ... منّي جرحا نكأته بيدي [6]
إن كان رزقي إليك فارم به ... في ناظري حيّة على رصد [7]
قد عشت دهرا وما أقدّر أن ... أرضى بما قد رضيت من أحد
فكيف أخطأت! لا أصبت ولا ... نهضت من عثرة إلى سدد [8]
__________
[1] المسك: الجلد.
[2] الخلة هنا: الحاجة والفقر.
[3] استكفه: طلب إليه أن يكف عنه.
[4] ماسبذان: كورة ببلاد فارس.
[5] في ب، س: «الصنعة» وهو تحريف.
[6] نكأ القرحة كمنع: قشرها قبل أن تبرأ فنديت.
[7] الرصد والمرصد: موضع الرصد. ومرصد الحية: مكمنها.
[8] السدد والسداد: الاستقامة.
/
لو كنت حرّا كما زعمت وقد ... كددتني بالمطال لم أعد
/ صبرت لمّا أسأت بي، فإذا ... عدت إلى مثلها فعد وعد
فإنّني أهل ذاك في طمعي ... وفي خطائي سبيل معتمد [1]
أبعدني اللّه حين يحملني ... حرصي على مثل ذا من الأود [2]
الآن أيقنت بعد فعلك بي ... أنّي عبد لأعبد قفد [3]
فصرت من سوء ما رميت به ... أكنى أبا الكلب لا أبا الأسد
مدحه الفيض بن صالح
أخبرني عليّ بن الحسين بن عبد السميع المروزيّ [4] الورّاق قال: حدّثني عيسى بن إسماعيل تينة عن القحذميّ قال:
كان أبو الأسد الشاعر - واسمه نباته بن عبد اللّه الحمّاني - منقطعا إلى الفيض بن صالح وزير المهديّ، وفيه يقول:
ولائمة لامتك يا فيض في النّدى ... فقلت لها لن يقدح اللّوم في البحر
أرادت لتنهى الفيض عن عادة النّدى ... ومن ذا الّذي يثني السّحاب عن القطر؟
مواقع جود الفيض في كلّ بلدة ... مواقع ماء المزن في البلد القفر
كأنّ وفود الفيض لما تحمّلوا ... إلى الفيض لاقوا عنده ليلة القدر
وكان أبو الأسد قبله منقطعا إلى أبي دلف مدّة، فلمّا قدم عليه عليّ بن جبلة العكوّك غلب عليه، وسقطت منزلة أبي الأسد عنده، فانقطع إلى الفيض بعد عزله عن الوزارة ولزومه منزله، وذلك في أيام الرشيد. وفيه يقول:
/أتيت الفيض مشتكيا زماني ... فأعداني [5] عليه جود فيض
وفاضت كفّه بالبذل منه ... كما كفّ ابن عيسى ذات غيض [6]
مدحه حمدون بن إسماعيل وهجاؤه علي بن المنجم
أخبرني عيسى بن الحسين قال: حدّثني ابن مهرويه قال: حدّثني عليّ بن الحسن بن الأعرابيّ قال:
سأل أبو الأسد بعض الكتّاب، وهو عليّ بن يحيى المنجّم، حاجة يسأل فيها بعض الوزراء، فلم يفعل. وبلغ حمدون بن إسماعيل الخبر، فسأل له فيها مبتدئا ونجزها وأنفذها إليه. فقال أبو الأسد يهجو الرجل الّذي كان سأله
__________
[1] في الأصول: «فاني» «و في خطاي» وهو تحريف، والخطاء والخطأ: ضد الصواب. وهو هنا بمعنى إخطاء.
[2] الأود: الاعوجاج.
[3] قفد جمع أقفد: وهو المسترخي العنق أو الغليظه. وفي الأصول «فقد» وهو تصحيف.
[4] المروزي: نسبة إلى مرو، وهي بلد بفارس، وكانت قصبة خراسان، نسبة على غير قياس، وينسب إليها أيضا فيقال مروى بسكون الراء وفتحها.
[5] أعداه عليه: نصره وأعانه وقواه.
[6] غاض الماء غيضا: قل ونقص.
الحاجة، ويمدح حمدون بن إسماعيل:
صنع من اللّه! أنّي كنت أعرفكم ... قبل اليسار وأنتم في التّبابين [1]
فما مضت سنة حتّى رأيتكم ... تمشون في القزّ والقوهيّ واللّين [2]
وفي المشاريق ما زالت نساؤكم ... يصحن تحت الدّوالي بالوراشين [3]
/فصرن يرفلن في وشي العراق وفي ... طرائف الخزّ من دكن وطاروني [4]
أنسين قطع الحلاوى من معادنها ... وحملهنّ كشوثا في الشّقابين [5]
حتى إذا أيسروا قالوا - وقد كذبوا - : ... نحن الشّهاريج أولاد الدّهاقين [6]
في است أمّ ساسان أيرى إن أقرّبكم ... وأير بغل مشظّ في است شيرين [7]
/لو سيل أوضعهم قدرا وأنذلهم ... لقال من فخره إنّي ابن شوبين [8]
__________
[1] التبابين: جمع تبان كرمان، وهو سراويل صغار مقدار شبر يستر العورة المغلظة فقط يكون للملاحين.
[2] القز: الحرير. والقوهيّ: ضرب من الثياب بيض، نسبة إلى قوهستان (بضم القاف وكسر الهاء) وهي كروة بين نيسابور وهراة، ومدينة بكرمان. واللين أي لين العيش وخفضه ونعومته، واللين أيضا اسم قرية بمرو، وقرية بين الموصل ونصيبين، ولعلها كانت مشهورة بضرب من الثياب ينسب إليها فيقال الليني، كالقوهيّ المنسوب إلى قوهستان، وعليه يكون صواب الكلمة «و الليني».
[3] المشاريق: جمع مشراق كمحراب، أو مشريق كمنديل، وهو موضع القعود في الشمس بالشتاء كالمشرقة مثلثة الراء. والدوالي جمع دالية، وهي الدولاب يستقى عليه، والناعورة. والوراشين: جمع ورشان محركة، وهو طائر شبه الحمامة. ومن أمثال أهل العراق:
«بعلة الورشان، تأكل الرطب المشان» - وفي «الصحاح»: تأكل رطب المشان بالإضافة، قال: ولا تقل الرطب المسان - والمشان (كغراب وكتاب) من أطيب الرطب. يضرب لمن يظهر شيئا والمراد منه شيء آخر.
[4] رفلت: جرت ذيلها وتبخترت أو خطرت بيدها. والوشي: نقش الثوب. والخز: الحرير، وفي الأصول «طوائف» وهو تحريف.
ودكن: جمع أدكن ودكناء. والدكنة: لون إلى السواد. والطاروني: ضرب من الطرن (بالضم) وهو الخز. وفي الأصول «و طارون» وهو تحريف.
[5] في الأصول «الحلانى» ولم أعثر عليه، وأرى صوابه «الحلاوى» وهي: نبتة زهرتها صفراء ولها شوك كثير وورق صغير مستدير، والجمع الحلاوى أيضا والحلاويات، وروى عن الأصمعي في باب فعالي (بالضم والقصر) خزامى ورخامى وحلاوى، كلهن نبت.
ومن معادنها: من منابتها، والكشوث (بالفتح وبضم): نبات أصفر يتعلق بأغصان الشجر من غير أن يضرب بعرق في الأرض، ويجعل في النبيذ، وفي الأصول «كثوثا» وهو تحريف، ويقال في مولد الأمثال لمن كان ذليلا: «هو كشوث الشجر»؛ قال الشاعر:
هو الكشوث فلا أصل ولا ورق ... ولا نسيم ولا ظل ولا ثمر
(انظر «اللسان» و «مجمع الأمثال» للميداني في المثل: «أذل من فقع بقرقرة»، والشقبان بالضم: شباك يسويها الحشاشون (الذين يقطعون الحشيش) من الليف والخوص، تجعل لها عرى واسعة يتقلدها الحشاش فيضع فيها الحشيش. ويقال فيه «شكبان» أيضا.
[6] الشهاريج: وجوه القوم وأعيانهم، جمع شهرج، وأصلها بالفارسية جهره ومعناها: الوجه. والدهاقين: جمع دهقان بالكسر والضم، وهو رئيس الإقليم، معرب.
[7] ساسان، هو ساسان الأكبر أبو أردشير بابك رأس الدولة الساسانية الّتي حكمت فارس من سنة 202 م إلى سنة 636 م، وكان آخر أكاسرتها يزدجرد الثالث الّذي فتح العرب في عهده بلاد فارس. وشيرين، زوجة برويز ملك الفرس الّذي حكم من سنة 591 إلى سنة 627 م وكانت زوجته المحبوبة المقربة إليه، وكان حبه لها مضرب الأمثال في الوفاء والإخلاص، ومادة دسمة لأدباء الفرس وشعرائهم الروائيين، وشظ وأشظ: إذا أنعظ حتى يصير متاعه كالشظاظ (و الشظاظ ككتاب: خشبة محددة الطرف تدخل عروتي الجوالقين لتجمع بينهما عند حملهما على البعير). وفي الأصول: «مشط» وهو تصحيف.
[8] سال يسأل كخاف يخاف لغة في سأل. وشوبين: هو بهرام جوبين، وكان صاحب الجيش لدى هرمز بن أنوشروان العادل، وقد سعى بينهما سعاة السوء حتى أفسدوا ذات بينهما، واعتدى هرمز على قائده وظل يوبخه ويستهزىء به حتى اضطره إلى الخروج عليه. وقد جرت بين جوبين وبين هرمز ثم ابنه خسرو بروير حروب انتهت بانهزام جوبين وفراره إلى الترك وقتله هناك.
/
وقال أقطعني كسرى وورّثني ... فمن يفاخرني أم من يناويني [1]
من ذا يخبّر كسرى وهو في سقر ... دعوى النّبيط وهم بيض الشياطين [2]
وأنهم زعموا أن قد ولدتهم ... كما ادّعى الضب إني نطفة النّون [3]
فكان ينحز جوف النار واحدة ... تفري وتصدع خوفا قلب قارون [4]
أما تراهم وقد حطّوا برادعهم ... عن أتنهم واستبدّوا بالبراذين [5]
/و أفرجوا عن مشارات البقول إلى ... دور الملوك وأبواب السّلاطين [6]
تغلي على العرب من غيظ مراجلهم ... عداوة لرسول اللّه في الدّين
فقل لهم وهم أهل لتزنية ... شرّ الخليقة يا بخر العثانين [7]
ما النّاس إلا نزار في أرومتها ... وهاشم سرجها الشّمّ العرانين [8]
والحيّ من سلفي قحطان إنّهم ... يزرون بالنّبط اللّكن الملاعين [9]
فما على ظهرها خلق له حسب ... مما يناسب كسرى غير حمدون
قرم عليه شهنشاهيّة ونبا ... ينبيك عن كسرويّ الجدّ ميمون [10]
وإن شككت ففي الإيوان صورته ... فانظر إلى حسب باد ومخزون
__________
[1] أقطعه قطيعة من الأرض: أعطاه إياها يتملكها ويستبد بها وينفرد. يناويني مسهل يناوئني، أي يعاديني.
[2] في الأصول «سفر» وهو تصحيف وسقر: جهنم. والنبط والنبيط والأنباط: جيل ينزلون بالبطائح بين العرافين. وبيض الشياطين، يعني أولادهم وسلالتهم.
[3] الضب: دويبة من الحشرات تشبه الورل. قال عبد اللطيف البغدادي: «الورل والضب والحرباء وشحمة الأرض والوزغ كلها متناسبة في الخلق». والنون: الحوت، ومن أمثال العرب: «حتى يؤلف بين الضب والنون» وهما لا يأتلفان أبدا؛ إذ أن مسكن الأوّل الرمال، ومقر الثاني المياه. وهمزة «إنّ» مكسورة لأنه ضمنّ «ادّعى» معنى قال، أو التقدير: كما ادّعى الضب قائلا إني.
[4] قارون: كان من قوم موسى، وهو ابن عمه وابن خالته؛ وفيه يقول اللّه تعالى: وَآتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ
ونحزه: ضربه ودفعه ونخسه ودقه، ونحزه في صدره: ضربه بجمع كفه، تفري: تشق، وكذا تصدع. وفي ب، س «ينحر» وفيهما أيضا «يفري ويصدع» وهو تصحيف.
[5] البرادع: جمع بردعة. وهي بالدال وبالذال، والأتن (بسكون التاء وبضمها) جمع أتان وهي الحمارة. والبراذين من الخيل: ما كان من غير نتاج العراب.
[6] أفرجوا عن المكان: تركوه. مشارات المزرعة: مجاري مائها وسواقيها، جمع مشارة. أو هو «مشاراة» بمعنى مبايعة.
[7] في ب، س «لتربية». وفي ج «لترنية». تصحيف، والتزنية: القذف. وبخر: جمع أبخر وصف من البخر بالتحريك، وهو النتن في الفم وغيره. والعثانين: جمع عثنون كعصفور: وهو اللحية أو ما نبت على الذقن وتحته سفلا. ويريد بها هنا الأفواه.
[8] الأرومة (بفتح الهمزة وتضم): الأصل. وسرج: جمع سراج. والشم: جمع أشمّ وصف من الشمم بالتحريك: وهو ارتفاع قصبة الأنف وحسنها واستواء أعلاها. والعرانين: جمع عرنين بالكسر وهو الأنف. وشم العرانين: كناية عن الرفعة والعلو وشرف الأنفس.
[9] قحطان: هو أصل عرب اليمن ومنه تناسلوا. قوله: سلفى قحطان لأن مرجع العرب القحطانية إلى قبيلتين: حمير بن سبأ، وكهلان بن سبأ. واللكن: جمع ألكن وصف من اللكنة بالضم، وهي عجمة في اللسان وعيّ.
[10] القرم: السيد. وشهنشاهية: نسبة إلى شهنشاه، وشاه بالفارسية: معناه الملك، وشهنشاه: معناه ملك الملوك، قال الأعشى:
وكسرى شهنشاه الّذي سار ملكه
وأصله شاهان شاه، حذف منه الألفان فبقي شهنشاه، ونبا سهل نبأ، وهو الخبر.
عتابه لأبي دلف لحجبه إياه
أخبرني عمّي قال: حدّثنا أحمد بن أبي طاهر.
أنّ أبا الأسد زار أبا دلف في الكرج [1]، فحجب عنه أياما، فقال يعاتبه وكتب بها إليه:
ليت شعري أضاقت الأرض عنّي ... أم بفجّ أنا الغداة طريد [2]؟
أم أنا قانع بأدنى معاش ... همّتي القوت والقليل الزّهيد
مقولي قاطع وسيفي حسام ... ويدي حرّة وقلبي شديد
ربّ باب أعزّ من بابك اليو ... م عليه عساكر وجنود
قد ولجناه داخلين غدوّا ... ورواحا وأنت عنه مذود [3]
فاكفف اليوم من حجابك إذ لس ... ت أميرا ولا خميسا تقود [4]
واغترب في فدافد الصدّ إذ لس ... ت أسيرا ولا عليّ قيود [5]
لا يقيم العزيز في بلد الهو ... ن ولا يكبت الأريب الجليد [6]
شعره في صديقه بسطام
أخبرني عليّ بن صالح بن الهيثم قال: أنشدني أبو هفّان لأبي الأسد في صديق له يقال له بسطام كان برّا به - قال: وهذا من جيّد شعره، وقد سرق البحتريّ معناه منه في شعر مدح به عليّ بن يحيى [7] المنجّم - :
أعدو على مال بسطام فأنهبه ... كما أشاء فلا تثنى إليّ يدي
حتى كأنّي بسطام بما احتكمت ... فيه يداي وبسطام أبو الأسد
رثاؤه إبراهيم الموصلي
أخبرني عليّ بن صالح بن الهيثم قال: حدّثني أبو هفّان، وأخبرني به يحيى بن عليّ بن يحيى قال: حدّثني أبو أيوب المديني قال: حدّثنا أبو هفّان قال: حدّثني أبو دعامة قال:
لمّا مات إبراهيم الموصليّ قيل لأبي الأسد - وكان صديقه - ألّا ترثيه؟ فقال يرثيه:
__________
[1] الكرج: مدينة بفارس بين همذان وأصبهان؛ وأوّل من مصرها أبو دلف القاسم بن عيسى العجلي وجعلها وطنه، وإليها قصده الشعراء وذكروها في أشعارهم. وفي الأصول «إلى الكرج».
[2] الفج: الطريق الواسع بين جبلين.
[3] مذود: مدفوع مطرود.
[4] الخميس: الجيش، لأنه خمس فرق: المقدّمة والقلب والميمنة والميسرة والساقة.
[5] في الأصول «و اعترف» وهو تحريف. وفدافد: جمع فدفد كجعفر، وهي الفلاة. وفي ج «فدافي» وهو تحريف.
[6] في الأصول «يكسب» وهو تحريف، وكبته كضرب: أذله.
[7] في الأصول «علي بن صالح يحيى المنجم». وأكبر ظني أن الناسخ أقحم كلمة «صالح» في الكلام إقحاما. وقد تقدّم في «الأغاني» أنه من رجال السند، وورد في «ديوان البحتري» مدائح فيه. وورد في «تاريخ بغداد» 12: 122 «علي بن يحيى بن أبي منصور المنجم، كان راوية للأخبار والأشعار، شاعرا محسنا، أخذ عن إسحاق الموصلي الأدب وصنعة الغناء، ونادم المتوكل وكان من خاصة ندمائه عنده وعند من بعده من الخلفاء إلى أيام المعتمد، وتوفي آخر أيام المعتمد».
/
تولّى الموصليّ فقد تولّت ... بشاشات المزاهر والقيان [1]
وأيّ ملاحة بقيت فتبقى ... حياة الموصليّ على الزّمان! [2]
ستبكيه المزاهر والملاهي ... ويسعدهنّ عاتقة الدّنان [3]
وتبكيه الغويّة إذ تولّى ... ولا تبكيه تالية القران [4]
/فقيل له: ويحك فضحته وقد كان صديقك. فقال: هذه فضيحة عند من لا يعقل، أما من يعقل فلا. وبأيّ شيء كنت أذكره وأرثيه به؟ أبالفقه أم بالزّهد أم بالقراءة؟ وهل يرثى إلّا بهذا وشبهه!
هجاؤه شاهين ابن أخي أبي دلف
قال أبو الفرج: نسخت من كتاب لأحمد بن عليّ بن يحيى، أخبرني أبو الفضل الكاتب وهو ابن خالة أبي عمرو الطّوسيّ قال:
كنت مقيما بالجبل [5] فمرّ بي أبو الأسد الشاعر الشّيبانيّ، فأنزلته عندي أياما، وسألته عن خبره فقال:
صادفت شاهين بن عيسى ابن أخي أبي دلف، فما احتبسني ولا برّني ولا عرض عليّ المقام عنده، وقد حضرني فيه أبيات فأكتبها، ثم أنشدني:
إنّي مررت بشاهين وقد نفحت ... ريح العشيّ وبرد الثّلج يؤذيني [6]
فما وقى عرضه منّي بكسوته ... لا بل ولا حسب دان ولا دين
إن لم يكن لبن الدّايات غيّره ... عن طبع آبائه الشّمّ العرانين [7]
ضفربّما غاب بعل عن حليلته ... فناكها بعض سوّاس البراذين [8]
وما تحرّك أير فامتلا شبقا ... إلّا تحرّك عرق في است شاهين [9]
/ثم قال: لأمزّقنّه كلّ ممزّق، ولأصيرنّ إلى أبي دلف فلأنشدنّه. ومضى من فوره يريد أبا دلف، فلم يصل إليه، حتى بلغ أبا دلف الشعر، فشقّ عليه وغمّه. وأتاه أبو الأسد فدخل عليه، فسأله عن قصّته مع شاهين، فأخبره بها؛ فقال: هبه لي. قال: قد فعلت. وأمر له بعشرة آلاف درهم، فأمسك عنه.
قال أبو الفرج: هذا البيت الأخير لبشّار كان عرض له فقال:
__________
[1] المزاهر: جمع مزهر كمنبر، وهو العود يضرب به.
[2] في الأصول «فلاحة» وهو تحريف.
[3] خمر معتقة وعتيق وعتيقة وعاتق: لم يفض أحد ختامها أو قديمة حبست زمانا في ظرفها.
[4] الغوية: المرأة الضالة. والقران: مسهل القرآن.
[5] بلاد الجبل: بأرض فارس.
[6] في الأصول «لفحت» واللفح لكل حار من الرياح، والنفح لكل بارد.
[7] الدايات: جمع داية، جاء في «اللسان»: الداية: العاثر حكاه ابن جني، قال: كلاهما عربي فصيح وأنشد للفرزدق:
ربيبة دايات ثلاث رببنها ... يلقمنها من كل سخن ومبرد
[8] البعل: الزوج. والحليلة: الزوجة.
[9] الشبق: شدّة الغلمة وطلب النكاح.
وما تحرّك أير فامتلا شبقا ... إلا تحرّك عرق في است ......
ثم قال: في أست من؟ ومرّ به تسنيم بن الحواري [1] فسلّم عليه، فقال: في است تسنيم واللّه. فقال له: أيّ شيء ويلك؟ فقال: لا تسل. فقال: قد سمعت ما أكره، فاذكر لي سببه. فأنشده البيت، فقال: ويلك! أيّ شيء حملك على هذا؟ قال: سلامك عليّ. لا سلّم اللّه عليك ولا عليّ إن سلّمت عليك بعدها، وبشّار يضحك. وقد مضى هذا الخبر بإسناده في أخبار بشار [2].
صوت
وقد جمع معه كل ما يغنّى في هذه القصيدة:
أجدّك أن نعم نأت أنت جازع ... قد اقتربت لو أنّ ذلك نافع
وحسبك من نأي [3] ثلاثة أشهر ... ومن حزن أن شاق قلبك رابع
/ بكت عين من أبكاك ليس لك البكى ... ولا تتخالجك الأمور النّوازع [4]
فلا يسمعن سرّي وسرّك ثالث ... ألا كلّ سرّ جاوز اثنين شائع
/ وكيف يشيع السّرّ منّي ودونه ... حجاب ومن فوق الحجاب الأضالع
كأنّ فؤادي بين شقّين من عصا ... حذار وقوع البين والبين واقع
وقالت وعيناها تفيضان عبرة ... بأهلي، بيّن لي متى أنت راجع؟
فقلت لها باللّه يدري مسافر ... إذا أضمرته الأرض ما اللّه صانع؟
فشدّت على فيها اللّثام وأعرضت ... وأقبلن بالكحل السّحيق المدامع [5]
عروضه من الطويل. الشعر لقيس بن الحدادية، والغناء لإسحاق في الأوّل والثاني من الأبيات خفيف رمل بالوسطى، وفي الثالث وما بعده أربعة.
__________
[1] سموا: الحواري بفتح أوّله وثانيه وفي آخره ياء مشدودة، والحوارى بضم أوله وبواو مشدودة مفتوحة وراء مفتوحة، انظر «تاج العروس».
[2] انظر الجزء الثالث 173 طبع دار الكتب، وفي تلك الرواية: ما قام أير حمار ......
[3] في الأصول «من ثاني» وفي ب، س، «رائع» وهو تحريف.
[4] تخالجته الهموم: نازعته؛ يقال: تخالجته الهموم: إذا كان له هم في ناحية وهم في ناحية كأنه يجذبه إليه. والنوازع: الّتي تنزع النفوس من صدورها.
[5] السحيق: المسحوق. وأقبلن بإثبات النون، على لغة طيىء وأزد شنوءة أو هو وأقبل وسيرد بعد في القصيدة «و أمعن».
10 - أخبار قيس بن الحداديّة ونسبه
هو قيس بن منقذ بن عمرو بن عبيد بن ضاطر [1] بن صالح بن حبشية [2] بن سلول بن كعب بن عمرو بن ربيعة بن حارثة وهو خزاعة بن عمرو وهو مزيقياء [3] بن عامر/ وهو ماء السماء بن حارثة الغطريف [4] بن امرىء القيس البطريق [5] بن ثعلبة بن مازن بن الأزد، وهو «رداء [6]، ويقال: ردينيّ»، وقد مضى نسبه متقدّما؛ والحدادية أمّه، وهي امرأة من محارب بن خصفة بن قيس بن عيلان بن مضر، ثم من قبيلة منهم يقال لهم بنو حداد. شاعر من شعراء الجاهليّة، وكان فاتكا شجاعا صعلوكا خليعا، خلعته خزاعة بسوق عكاظ، وأشهدت على أنفسها بخلعها إيّاه، فلا تحتمل جريرة له، ولا تطالب بجريرة يجرّها أحد عليه.
أغار على بني قمير وقتل ابن عش وقال شعرا
قال أبو الفرج: نسخت خبره من كتاب أبي عمرو الشّيباني: لمّا خلعت خزاعة بن عمرو - وهو مزيقياء بن
__________
[1] في ب وس «ضياطر» وقد تكرر فيهما، والصواب في ج. جاء في «كتاب الاشتقاق» لابن دريد طبع أوربة ص 276: «رجال خزاعة وبطونها ... ومنهم بنو ضاطر، والضاطر اشتقاقه من قوم ضياطر. وهو الضخم الّذي لا منفعة فيه ولا غناء، والجمع ضياطر وضيطرون» وجاء في ص 277: «و من بني ضاطر: قيس بن عمرو بن منقذ (بتقديم عمرو على منقذ) الشاعر الّذي يقال له ابن الحدادية، جاهلي، وبنو حداد من بني كنانة» - وقد ضبط فيه بالشكل بضم الحاء وفتح الدال مخففة - .
وجاء في كتاب «مختلف القبائل ومؤتلفها» لأبي جعفر محمّد بن حبيب طبع أوربه ص 35: «و في كنانة بن خزيمة: حداد بن مالك بن كنانة» مضبوطا بالشكل بضم الحاء.
وجاء في هذا الكتاب أيضا: «و في طيى ء: حداد بن نصر بن سعد بن نبهان» مضبوطا بضم الحاء وفتح الدال مخففة، وفي «لسان العرب»: «و بنو حداد: بطن من طيى ء» مضبوطا بضم الحاء وتشديد الدال ولكن صاحب «الأغاني» / ج 1 ص 417 والسمعاني مادة حدد/ ضبطاه بكسر الحاء وتخفيف الدال.
[2] حبشية: جاء في «القاموس»: «و حبشية بن سلول بالضم» أي بضم الحاء، وفي «تاج العروس»: «و ضبطه بعضهم بفتح الحاء وسكون الموحدة، نقله الحافظ» وجاء في كتاب «مختلف القبائل ومؤتلفها» ص 4: «في خزاعة: حبشية (بفتح الحاء والباء) بن سلول بن كعب ..... وفي «مزينة»: حبشية (بضم الحاء وسكون الباء) بن كعب بن عبد بن ثور بن هذمة بن لاطم بن عثمان بن عمرو وهو مزينة».
[3] كان من ملوك اليمن، وإنما لقب بذلك لأنه كان يلبس كل يوم حلتين منسوجتين بالذهب، فإذا أمسى خلعهما ومزقهما، وكان يكره أن يعود فيهما ويأنف أن يلبسهما غيره، وهو جد الأنصار، ولذلك فخر أوس بن الصامت (أخو عبادة بن الصامت) بقوله:
أنا ابن مزيقيا عمرو، وجدّي: ... أبوه عامر ماء السماء
ولقب أبوه عامر بماء السماء لجوده وكثرة نفعه فشبه بالغيث، وأما المنذر بن ماء السماء اللحمي أحد ملوك الحيرة فإن أباه امرؤ القيس عمرو بن عدي، وماء السماء أمه وهي بنت عوف بن جشم بن النمر بن قاسط، وإنما قيل لها ماء السماء لحسنها وجمالها - انظر «وفيات الأعيان» لابن خلكان 2: 148 ترجمة المهلب بن أبي صفرة.
[4] الغطريف: السيد الشريف السحي السريّ.
[5] البطريق: الرجل الوضيء المختال المزهو، والبطريق بلغة الروم: القائد الحاذق بالحرب وأمورها، ويقال: إن البطريق عربي وافق العجمي، وهو لغة أهل الحجاز، وقال أمية بن أبي الصلت:
من كل بطريق لبط ... حريق نقي الوجه واضح
[6] كذا في الأصول. وفي «طرفة الأصحاب» ص 20: «ابن درة» ويقال: درّاء.
عامر، وهو ماء السماء بن الحارث - قيس بن الحداديّة، كان أكثرهم قولا في ذلك وسعيا قوم منهم يقال لهم: بنو قمير بن حبشيّة بن سلول، فجمع لهم قيس شذّاذا [1] من العرب وفتّاكا من قومه، وأغار عليهم بهم، وقتل منهم رجلا يقال له ابن عش، واستاق أموالهم، فلحقه رجل من قومه كان سيّدا، وكان ضلعه [2] مع قيس فيما جرى عليه من الخلع، يقال له ابن محرّق، فأقسم عليه أن يردّ ما استاقه، فقال: أمّا ما كان لي ولقومي فقد أبررت قسمك فيه، وأمّا ما اعتورته [3] أيدي هذه الصعاليك فلا حيلة لي فيه، فردّ سهمه وسهم عشيرته، وقال في ذلك:
/فاقسم لو لا أسهم ابن محرّق ... مع اللّه ما أكثرت عدّ الأقارب [4]
/تركت ابن عشّ يرفعون برأسه ... ينوء بساق كعبها غير راتب [5]
وأنهاهم خلعي على غير ميرة ... من اللحم حتى غيّبوا في الغوائب [6]
وقال أبو عمرو: أغار أبو بردة بن هلال بن غويمر، أخو بني مالك بن أفصى بن حارثة بن عمرو بن عامر بن امرىء القيس على هوازن في بلادها، فلقي عمرو بن عامر بن ربيعة بن عامر بن صعصعة وبني نصر بن معاوية بن بكر بن هوازن، فاقتتلوا قتالا شديدا، فانهزمت بنو عامر [7] وبنو نصر، وقتل أبو بردة قيس بن زهير أخا خداش بن زهير الشاعر، وسبى نسوة من بني عامر: منهن صخرة بنت أسماء بن الضّريبة النّصري، وامرأتين منهم يقال لهما:
بيقر وريّا، ثم انصرفوا راجعين، فلما انتهوا إلى هرشى [8] خنقت صخرة نفسها فماتت، وقسم أبو بردة السبي والنّعم والأموال في كلّ من كان معه، وجعل فيه نصيبا لمن غاب عنها من قومه وفرّقه فيهم.
ثم أغارت هوازن على بني ليث، فأصابوا حيّا منهم يقال لهم: بنو الملوح بن يعمر بن عوف، ورعاء لبني ضاطر بني حبشية، فقتلوا منهم رجلا وسبوا منهم سبيا كثيرا واستاقوا أموالهم، فقال في ذلك مالك بن عوف النّصري [9]:
/نحن جلبنا الخيل من بطن ليّة ... وجلدان جردا منعلات ووقّحا [10]
__________
[1] الشذاذ: الذين ليسوا في حيهم ومنازلهم.
[2] ضلعك معه بفتح الضاد، أي ميلك وهواك.
[3] اعتوروا الشيء وتعاوروه: تداولوه.
[4] لو لا أسهم: أي لو لا أن أسهم بتقدير أن كقوله:
أنت المبارك والميمون سيرته ... لو لا تقوّم درء القوم لاختلفوا
وأسهم له: أعطاه سهما والمعنى: لو لا أن ابن محرق جعل للّه سهما في هؤلاء القوم أي لو لا أنه أقسم عليّ باللّه أن أرد إليهم ما غنمته منهم، ما أكثرت عد الأقارب: أي لقللت عدد أقاربي فلم أبق على هؤلاء الذين نالوني بالأذى منهم.
[5] غير راتب: أي غير منتصب.
[6] نهى من اللحم كفرح وأنهى: شبع منه واكتفى. الميرة: الطعام يمتاره الإنسان أي يجلبه، وفي ج «و أنهاهم خلعي غير ميرة» بإسقاط «على» وفي ب، س «على غير مرة عن».
[7] هم بنو عامر بن صعصة بن معاوية بن بكر بن هوازن.
[8] هرشى: ثنية في طريق مكة قريبة من الجحفة.
[9] كان قائد المشركين في غزوة حنين.
[10] لية: من نواحي الطائف، مر به رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حين انصرافه من حنين يريد الطائف وأمر وهو بلية بهدم حصن مالك بن عوف.
جلدان: ويروى بالدال وبالذال، موضع قرب الطائف بين لية وسبل، يسكنه بنو نصر بن معاوية من هوازن، جردا جمع أجرد: وهو القصير الشعر، وذلك من علامات العتق والكرم، وفرس منعل: شديد الحافر، ووقح الحافر: صلب فهو واقح والجمع وقح، ووقاح كسحاب، والجمع وقح كسحب أي صلب باق على الحجارة. وفي البيت خرم.
فأصبحن قد جاوزن مرّا وجحفة ... وجاوزن من أكناف نخلة أبطحا [1]
تلقّطن ضيطاري خزاعة بعد ما ... أبرن بصحراء الغميم الملوّحا [2]
قتلناهم حتى تركنا شريدهم ... نساء وأيتاما ورجلا مسدّحا [3]
فإنك لو طالعتهم لحسبتهم ... بمنعرج الصّفراء عترا مذبحا [4]
أغار على هوازن وقتل أبو زيد وعروة وقال شعرا
فلما صنعت هوازن ببني ضاطر ما صنعت، جمع قيس بن الحداديّة قومه، فأغار على جموع [5] هوازن، فأصاب سبيا ومالا، وقتل يومئذ من بني قشير: أبا زيد وعروة وعامرا ومروّحا، وأصاب أبياتا من كلاب خلوفا [6]، واستاق أموالهم وسبيا، ثم انصرف وهو يقول.
/نحن جلبنا الخيل قبّا بطونها ... تراها إلى الدّاعي المثوّب جنّحا [7]
بكلّ خزاعيّ إذا الحرب شمّرت ... تسربل فيها برده وتوشّحا
قرعنا قشيرا في المحلّ عشيّة ... فلم يجدوا في واسع الأرض مسرحا
قتلنا أبا زيد وزيدا وعامرا ... وعروة أقصدنا [8] بها ومروّحا
وأبنا بإبل القوم تحدى، ونسوة ... يبكّين شلوا أو أسيرا مجرّحا [9]
غداة سقينا أرضهم من دمائهم ... وأبنا بأدم كنّ بالأمس وضّحا [10]
ورعنا كلابا قبل ذاك بغارة ... فسقنا جلادا في المبارك قرّحا [11]
لقد علمت أفناء بكر بن عامر ... بأنّا نذود الكاشح المتزحزحا [12]
__________
[1] بطن مر، ويقال له: مر الظهران: موضع بينه وبين مكة خمسة أميال، والجحفة: على ثلاث مراحل من مكة في طريق المدينة، ونخلة الشامية واليمانية: واديان على ليلتين من مكة يجتمعان ببطن مر، والأبطح: مسيل واسع فيه دقاق الحصى.
[2] الضيطار: الضخم اللئيم الّذي لا غناء عنده، أبارهم: أهلكهم، الغميم: موضع بين مكة والمدينة قرب المدينة بين رابغ والجحفة.
[3] السدح: ذبحك الشيء وبسطكه على الأرض، أو هو الصرع بطحا على الوجه أو إلقاء على الظهر كالتسديح.
[4] طالعه طلاعا ومطالعة: اطلع عليه، الصفراء: قرية كثيرة النخل والمزارع، وهي فوق ينبع مما يلي المدينة، والعتر والعتيرة كذبح وذبيحة: الرجبية، وهي شاة كانوا يذبحونها في الجاهلية في رجب يتقربون بها إلى آلهتهم ويصب دمها على رأسها، وفي ب، س «عنزا».
[5] في الأصول «مصنوع» وهو تحريف.
[6] الخلوف: الحيّ إذا خرج الرجال وبقي النساء.
[7] القبب كسبب: دقة الخصر وضمور البطن، قب بطن الفرس يقب كبعض فهو أقب وهي قباء والجمع قب بالضم، التثويب تثنية الدعاء، جنح جمع جانحة: أي مائلة إليه مقبلة عليه. وفي البيت خرم.
[8] أقصده: طعنه فلم يخطئه.
[9] تحدى: تساق. والشلو: كل مسلوخ أكل منه شيء وبقيت منه بقية.
[10] بأدم: أي بسبايا من النساء أدم، جمع أدماء، وصف من الأدمة بالضم وهي في الناس: السمرة، وضحا: أي بيضا جمع واضحة، صرن أدما لشدة ما قاسين من ذل السبي والغلبة.
[11] رعنا: أفزعنا، والجلاد من الإبل: الغزيرات اللبن، أو الّتي لا لبن لها ولا نتاج، والقرّح والقوارح: جمع قارح وهي الناقة أول ما تحمل.
[12] الأفناء: الأخلاط، والكاشح: مضمر العداوة، والمتزحزح: المتباعد، يريد المتباعد عن محبتنا المتجافي عن مودّتنا.
وأنا بلا مهر سوى البيض والقنا ... نصيب بأفناء القبائل منكحا
شعره في حرب خزاعة وعامر بن الظرب
وقال أبو عمرو: وزعموا أن قيس بن عيلان رغبت في البيت، وخزاعة يومئذ تليه، وطمعوا أن ينزعوه منهم، فساروا ومعهم قبائل من العرب ورأّسوا عليهم/ عامر بن الظّرب/ العدواني، فساروا إلى مكّة في جمع لهام [1]، فخرجت إليهم خزاعة فاقتتلوا، فهزمت قيس، ونجا عامر على فرس له جواد [2]. فقال قيس بن الحداديّة في ذلك:
لقد سمت نفسك يابن الظّرب ... وجشّمتهم منزلا قد صعب [3]
وحمّلتهم مركبا باهظا ... من العب ء إذ سقتهم للشّغب [4]
بحرب خزاعة أهل العلا ... وأهل الثّناء وأهل الحسب
هم المانعو البيت والذائدون ... عن الحرمات جميع العرب
نفوا جرهما ونفوا بعدهم ... كنانة غصبا ببيض القضب [5]
وسمر الرماح وجرد الجياد ... عليها فوارس صدق نجب
وهم ألحقوا أسدا عنوة ... بأحياء طيّ وحازوا السلب [6]
خزاعة قومي فإن أفتخر ... بهم يزك معتصري والنّسب [7]
هم الرأس والناس من بعدهم ... ذنابى، وما الرأس مثل الذّنب [8]
يواسى لدى المحل مولاهم ... وتكشف عنه غموم الكرب [9]
فجارهم آمن دهره ... بهم إن يضام وأن يغتصب
يلبّون في الحرب خوف الهجاء ... ويبرون أعداءهم بالحرب [10]
/و لو لم ينجّك من كيدهم ... أمين الفصوص شديد العصب [11]
لزرت المنايا، فلا تكفرن ... جوادك نعماه يابن الظّرب
فإن يلتقوك يزرك الحما ... م أو تنج ثانية بالهرب
__________
[1] لهام: كثير عظيم.
[2] فرس جواد: رائع.
[3] يريد لقد سمت نفسك خسفا، أي أوليتها إياه.
[4] بهظه الأمر: غلبه وثقل عليه.
[5] في ج؛ «تبيد القضب» وفي ب وس «ببيد».
[6] عنوة: قهرا، والسلب: ما يسلب.
[7] زكايزكو: نما، ويقال: رجل كريم المعتصر: جواد عند المسألة كريم.
[8] الذنابى: الذنب.
[9] المحل: الجدب، والمولى: الجار والحليف.
[10] في ج، ب: «يكبون».
[11] الفصوص: جمع فص، وهو ملتقى كل عظمين، والأمين: القوي.
قال أبو الفرج: هذه القصيدة مصنوعة، والشعر بيّن التوليد.
شعر لابن الأحب في غارة هوازن على خزاعة
وقال أبو عمرو: أغارت هوازن على خزاعة وهم بالمحصّب [1] من منى، فأوقعوا ببطن منهم يقال لهم بنو العنقاء، وبقوم من بني ضاطر، فقتلوا منهم عبدا وعوفا وأقرم وغبشان، فقال ابن الأحبّ العدواني يفخر بذلك:
غداة التقينا بالمحصّب من منى ... فلاقت بنو العنقاء إحدى العظائم
تركنا بها عوفا وعبدا وأقرما ... وغبشان سؤرا للنّسور القشاعم [2]
أجاب قيس على ابن الأحب وغيره بأنه فخر بيوم لم يكن لهم
فأجابه قيس بن الحدادية، فقال يعيّره أن فخر بيوم ليس لقومه:
فخرت بيوم لم يكن لك فخره ... أحاديث طسم إنما أنت حالم [3]
تفاخر قوما أطردتك رماحهم ... أكعب بن عمرو: هل يجاب البهائم [4]
فلو شهدت أمّ الصبيّين حملنا ... وركضهم لابيضّ منها المقادم
غداة تولّيتم وأدبر جمعكم ... وأبنا بأسراكم كأنّا ضراغم [5]
مدح أسد بن كرز لحمايته له، وقال شعرا في ذلك
قال أبو عمرو: وكان ابن الحدادية أصاب دما في قوم من خزاعة هو وناس من أهل بيته، فهربوا فنزلوا في فراس بن غنم، ثم لم يلبثوا أن أصابوا أيضا منهم رجلا، فهربوا فنزلوا في بجيلة على أسد بن كرز، فآواهم وأحسن إلى قيس وتحمّل عنهم ما أصابوا في خزاعة/ وفي فراس، فقال قيس بن الحدادية يمدح أسد بن كرز:
لا تعذلينى سلمى اليوم وانتظري ... أن يجمع اللّه شملا طالما افترقا
إن شتّت الدهر شملا بين جيرتكم ... فطال في نعمة يا سلم ما اتفقا
وقد حللنا بقسريّ أخي ثقة ... كالبدر يجلو دجى الظلماء والأفقا
لا يجبر الناس شيئا هاضه أسد ... يوما ولا يرتقون الدهر ما فتقا [6]
كم من ثناء عظيم قد تداركه ... وقد تفاقم فيه الأمر وانخرقا
قال أبو عمرو: وهذه الأبيات من رواية أصحابنا الكوفيّين، وغيرهم يزعم أنها مصنوعة، صنعها حمّاد الراوية لخالد القسريّ [7] في أيام ولايته، وأنشده إيّاها فوصله، والتوليد بيّن فيها جدّا.
__________
[1] المحصب: موضع رمي الجمار بمنى.
[2] السؤر: البقية والفضلة، والقشاعم: جمع قشعم كجعفر، وهو من النسور: المسن الضخم.
[3] طسم: قبيلة من عاد انقرضوا. ومن أمثال العرب: «أحاديث طسم وأحلامها» يضرب لمن يخبرك بما لا أصل له.
[4] أطرده: صيره طريدا.
[5] ضراغم: جمع ضرغم كجعفر وهو الأسد.
[6] هاض الشي ء: كسره.
[7] هو خالد بن عبد اللّه بن يزيد بن أسد بن كرز البجلي ثم القسري، ولاه الوليد بن عبد الملك مكة سنة 89، وولي العراقين في عهد -
شعره في غارة ضريس على بني ضاطر
وقال أبو عمرو: غزا الضّريس القشيريّ بني ضاطر في جماعة من قومه، فثبتوا [1] له وقاتلوه حتى هزموه، وانصرف ولم يفز بشيء من أموالهم، فقال قيس بن الحدادية في ذلك:
فدى لبني قيس وأفناء مالك ... لدى الشّسع من رجلي إلى الفرق صاعدا [2]
غداة أتى قوم الضريس كأنهم ... قطا الكدر من ودّان أصبح واردا [3]
/فلم أر جمعا كان أكرم غالبا ... وأحمى غلاما يوم ذلك أطردا [4]
رميناهم بالحوّ والكمت والقنا ... وبيض خفاف يختلين السواعدا [5]
مدحه بني عديّ بن عمرو من خزاعة
قال أبو عمرو: ولما خلعت خزاعة قيسا، تحوّل عن قومه، ونزل عند بطن من خزاعة، يقال لهم بنو عدي بن عمرو بن خالد، فآووه وأحسنوا إليه، وقال يمدحهم:
جزى اللّه خيرا عن خليع مطرّد ... رجالا حموه آل عمرو بن خالد
فليس كمن يغزو الصديق بنوكه ... وهمته في الغزو كسب المزاود [6]
عليكم بعرصات الديار فإنني ... سواكم عديد حين تبلى مشاهدي [7]
ألا وذتم حتى إذا ما أمنتم ... تعاورتم سجعا كسجع الهداهد [8]
تجنّى عليّ المازنان كلاهما ... فلا أنا بالمغصي ولا بالمساعد [9]
وقد حدبت عمرو عليّ بعزّها ... وأبنائها من كل أروع ماجد [10]
/مصاليت يوم الرّوع كسبهم العلا ... عظام مقيل الهام شعر السواعد [11]
__________
- هشام بن عبد الملك، وتوفى سنة 126 ه.
[1] في الأصول «فثنوا» وهو تحريف.
[2] في الأصول «و أقباء» وفي س «إلى الفراق» وهو تحريف. والشسع: أحد سيور النعل. والفرق: موضع المفرق من الرأس أي وسطه الّذي يفرق فيه الشعر.
[3] الكدر: موضع قرب المدينة؛ والكدري: ضرب من القطا. وودّان: قرية بين مكة والمدينة قريبة من الجحفة.
[4] كذا في الأصول وفي البيت سناد التأسيس، وهو عيب من عيوب القافية، ولعلها «طاردا».
[5] الحو جمع أحوى وحواء وصف من الحوّة: وهي حمرة إلى السواد، والكميت من الخيل يستوي فيه المذكر والمؤنث، وصف من الكمنة، وهي لون بين السواد والحمرة، وجمعه كمت. يختلين السواعد: يقطعن ويذهبن بسواعد المضروبين بها.
[6] فليس كمن يغزو: أي فليس هذا الحي كمن يغزو. والنوك بالفتح والضم: الحمق، والمزاود: جمع مزود كمنبر، وهو وعاء الزاد.
[7] يخاطب في هذا البيت وما بعده قومه. والعرصة: كل بقعة بين الدور واسعة ليس فيها بناء، والجمع عرصات بفتح الراء، وسكنت في البيت للضرورة. عديد: معدود. تبلى: تختبر. مشاهد جمع مشهد، أي شهودي القتال وخوضي غماره، وفي الأصول «ببلى مساهد» وهو تحريف.
[8] لاوذ: استتر، وتعاوروه: تداولوه، وسجعت الحمامة: طرّبت في صوتها ووالته على طريق واحد.
[9] في ج «تحنى» أي عطف، وفي ب، وس «تجنى»، وتجنى عليه: ادعى ذنبا لم يفعله.
[10] حدب عليه كفرح: عطف. والأروع: من يعجبك بحسنه وجهارة منظره أو بشجاعته.
[11] مصاليت: جمع مصلات، وهو الماضي في الأمور،. الهام: الرؤوس، جمع هامة، ومقيل الهامة: مستقر الرأس أي العنق، يقول:
أولئك إخواني وجلّ عشيرتي ... وثروتهم والنصر غير المحارد [1]
مدحه عديّ بن نوفل
أخبرني أحمد بن سليمان الطوسي، والحرمي بن أبي العلاء قالا: حدّثنا الزبير بن بكار قال: أخبرني عمّي أنّ خزاعة أغارت على اليمامة [2]، فلم يظفروا منها بشيء، فهزموا وأسر منهم أسرى، فلما كان أوان الحج، أخرجهم من أسرهم إلى مكة في الأشهر الحرم ليبتاعهم قومهم، فغدوا جميعا إلى الخلصاء [3]، وفيهم قيس بن الحداديّة، فأخرجوهم وحملوهم، وجعلوهم في حظيرة ليحرقوهم، فمرّ بهم عديّ [4] بن نوفل، فاستجاروا به، فابتاعهم وأعتقهم، فقال قيس يمدحه:
/دعوت عديّا والكبول تكبني ... ألا يا عديّ يا عديّ بن نوفل [5]
دعوت عديا والمنايا شوارع ... ألا يا عديّ للأسير المكبّل [6]
فما البحر يجري بالسّفين إذا غدا ... بأجود سيبا منه في كل محفل [7]
تداركت أصحاب الحظيرة بعد ما ... أصابهم منّا حريق المحلّل [8]
وأتبعت بين المشعرين سقاية ... لحجّاج بيت اللّه أكرم منهل
هجرة خزاعة لجدب أصابهم وشعر له في ذلك
قال أبو عمرو: وكان قيس بن الحدادية يهوى أمّ مالك بنت ذؤيب الخزاعيّ، وكانت بطون من خزاعة خرجوا جالين إلى مصر والشام لأنهم أجدبوا، حتى إذا كانوا ببعض الطريق، رأوا البوارق خلفهم، وأدركهم من ذكر لهم كثرة الغيث والمطر وغزارته، فرجع عمرو بن عبد مناة في ناس كثير إلى أوطانهم، وتقدّم قبيصة بن ذؤيب ومعه أخته أم مالك، واسمها نعم بنت ذؤيب، فمضى، فقال قيس بن الحدادية هذه القصيدة الّتي فيها الغناء المذكور:
أجدّك إن نعم نأت أنت جازع ... قد اقتربت لو أن ذلك نافع
قد اقتربت لو أن في قرب دارها ... نوالا، ولكن كلّ من ضنّ مانع
وقد جاورتنا في شهور كثيرة ... فما نوّلت، واللّه راء وسامع
فإن تلقين نعمى هديت فحيّها ... وسل كيف ترعى بالمغيب الودائع [9]
__________
- إنهم غلاظ الأعناق وهو كناية عن قوة البأس. شعر: جمع أشعر، وهو كثير الشعر طويله.
[1] الثروة: كثرة العدد بين الناس. والمال غير المحارد، أي غير المنقطع، وأصله من حاردت الإبل حرادا: انقطعت ألبانها أو قلت.
[2] اليمامة: صقع شرقي الحجاز ويعد من نجد.
[3] في ب، س «الحلقاء» وفي ج «الخلفا» وهو تحريف. والخلصاء: بلد بالدهناء، والدهناء: من ديار بني تميم بنجد.
[4] هو عدي بن نوفل بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة.
[5] الكبول: جمع كبل بالفتح، وهو أعظم ما يكون من الأقياد. وكبه: قلبه وصرعه.
[6] شوارع: جمع شارعة، أي مسددة، من شرعت الرماح أي تسدّدت.
[7] السيب: العطاء.
[8] المحلل: أي من حلل إحراقنا في الأشهر الحرم.
[9] فإن تلقين: مؤكد بنون التوكيد الخفيفة. وفي الأصول «فإن تلقيا».
وظنّي بها حفظ لغيبي، ورعية ... لما استرعيت، والظن بالغيب واسع [1]
وقلت لها في السرّ بيني وبينها ... على عجل: أيّان من سار راجع؟
فقالت: لقاء بعد حول وحجّة ... وشحط النوى إلا لذي العهد قاطع [2]
وقد يلقى بعد الشّتات أولو النّوى ... ويسترجع الحيّ السحاب اللوامع [3]
وما إن خذول نازعت حبل حابل ... لتنجو إلا استسلمت وهي ظالع [4]
/بأحسن منها ذات يوم لقيتها ... لها نظر نحوي كذي البتّ خاشع [5]
رأيت لها نارا تشب، ودونها ... طويل القرا من رأس ذروة فارع [6]
فقلت لأصحابي: اصطلوا النار إنها ... قريب، فقالوا: بل مكانك نافع [7]
فيا لك من حاد حبوت مقيّدا ... وأنحى على عرنين أنفك جادع [8]
أغيظا أرادت أن تخبّ حمالها ... لتفجع بالإظعان من أنت فاجع [9]
فما نطفة بالطّود أو بضريّة ... بقية سيل أحرزتها الوقائع [10]
يطيف بها حرّان صاد ولا يرى ... إليها سبيلا غير أن سيطالع [11]
بأطيب من فيها إذا جئت طارقا ... من الليل واخضلّت عليك المضاجع [12]
/و حسبك من نأي ثلاثة أشهر ... ومن حزن أن زاد شوقك رابع
__________
[1] في الأصول «حفظ بعيني» وهو تحريف، والرعية: اسم من الرعاية.
[2] الحجة: السنة. والشحط: البعد.
[3] النوى: البعد. يسترجع الحي، أي يرجعهم ويردّهم.
[4] الخذول من الظباء والبقر: الّتي تخذل صواحباتها وتتخلف عن القطيع وتنفرد مع ولدها؛ ويقال هو مقلوب لأنها هي المتروكة. ظلع كمنع: غمز في مشيه.
[5] البث: أشد الحزن. وفي ج «نجوى كذا الثب خاسع» وهو تحريف.
[6] تشب: توقد. القرا: الظهر. ذروة: اسم جبل. الفارع: العالي.
[7] اصطلوا النار: يريد جدوا في السير لنصطلي النار إنها قريب، يستوي فيه المذكر والمؤنث والواحد والجمع، أو تأويله: في مكان قريب.
[8] في الأصول «فمالك» ولعله محرف. وأنحى: في الأصول «و الحى» وهو تحريف. والمعنى: فقالوا عجبا لك! إنك تسير سيرا بطيئا كحبو الصبي مقيدا، وقد جدع عرنين أنفك أي ليس لديك العدة الكافية للحاق بها فكيف تدركها؟ أو لعله يدعو عليّ فأمد القافلة بالأسر وجدع الأنف لأنه لم يلب طلبته.
[9] في ج «أغيظي» وفي ب، س «أعيظا» وهو تصحيف، خبت: أسرعت، وقد أخبها صاحبها. ظعن كمنع: سار، وأظعنه إظعانا:
سيره. من أنت فاجع: أي أصحابك، والمعنى: أأرادت أن تخب جمالها غيظا لك فيحملك ذلك على أن تشق على أصحابك وتجهدهم في السير، ويصح أن يكون «بالأظعان» بفتح الهمزة، جمع ظعينة: وهي المرأة ما دامت في الهودج، أي لتفجع أصحابك بهذه الظعائن المرتحلة - وفيهن محبوبته نعم - فتكدهم في السير لإدراكها.
[10] النطفة: الماء الصافي قل أو كثر، والجمع نطاف. والطود: الجبل. وضريّة: بئر، وفي الأصول «صرية» وهو تصحيف، والوقائع جمع وقيعة، وهي النقرة في الجبل يستنقع فيها الماء.
[11] أطاف به: ألم به وقاربه. حران صاد: عطشان. طالعه: اطلع عليه أي أشرف.
[12] الطارق: الآتي ليلا. أخضلت: نديت.
سعى بينهم واش بأفلاق برمة ... لتفجع بالأظعان من هو جازع [1]
بكت من حديث بثّه وأشاعه ... ورصّفه واش من القوم راصع [2]
/بكت عين من أبكاك لا يعرف البكا ... ولا تتخالجك الأمور النوازع [3]
فلا يسمعن سرّي وسرّك ثالث ... ألا كلّ سرّ جاوز اثنين شائع
وكيف يشيع السرّ منّي ودونه ... حجاب ومن دون الحجاب الأضالع!
وحبّ لهذا الرّبع يمضي أمامه ... قليل القلى منه جليل ورادع [4]
لهوت به حتى إذا خفت أهله ... وبيّن منه للحبيب المخادع
نزعت فما سرّي لأوّل سائل ... وذو السر ما لم يحفظ السرّ ماذع [5]
وقد يحمد اللّه العزاء من الفتى ... وقد يجمع الأمر الشتيت الجوامع
ألا قد يسلّى ذو الهوى عن حبيبه ... فيسلى، وقد تردي المطيّ المطامع
/ وما راعني إلّا المنادى ألا اظعنوا ... وإلا الرواغي غدوة والقعاقع [6]
فجئت كأني مستضيف وسائل ... لأخبرها كلّ الّذي أنا صانع
فقالت: تزحزح ما بنا كبر حاجة ... إليك ولا منّا لفقرك راقع
فما زلت تحت السّتر حتى كأنني ... من الحرّ ذو طمرين في البحر كارع [7]
فهزّت إليّ الرأس مني تعجّبا ... وعضّض مما قد فعلت الأصابع
فأيّهما ما أتبعنّ فإنني ... حزين على إثر الّذي أنا وادع [8]
__________
[1] برمة: عرض من أعراض المدينة قرب «بلاكث» بين خيبر ووادي القرى، وهي عيون ونخل لقريش. وأفلاق جمع فلق كسبب، وهو المطمئن من الأرض بين ربوتين، وقد ورد جمعه في كتب اللغة على فلقان بالضم، وفي الأصول «لتفجع» وهو تصحيف.
[2] بث الخبر: نشره، ورصف الشيء كقتل: ضم بعضه إلى بعضه ونظمه (و قد ضعف الفعل هنا) ورصعه بالرمح: طعنه طعنا شديدا غيب السنان كله فيه، ورصع الشي ء: عقده عقدا مثلثا متداخلا كمعقد التميمة ونحوها.
[3] تقدم هذا البيت في أبيات الصوت، وصدره: «بكت عين من أبكاك ليس لك البكا» وروى هنا في الأصول «بكت عين من أبكاك، لا يعرف البكا» ولعل صوابه «لا يعدم البكا» أي لازمه وصاحبه، وهي جملة دعائية ثانية، دعا على الواشي في الجملة الأولى بأن تبكي عينه، وفي الثانية بأن يلازمه البكاء.
[4] الربع: المنزل. في الأصول «قليل» مكان «جليل»، ولعل الصواب ما أثبتنا.
[5] في ج «وادع» وفي ب وس «وازع» وأرى صوابه «ماذع» جاء في كتب اللغة: المذاع كشداد: من لا وفاء له ولا يحفظ أحدا بالغيب ومن لا يكتم السر.
[6] رغت الناقة رغاء: صوتت فهي راغية والجمع الرواغي، وفي الأصول «الرواعي» وهو تصحيف، والقعاقع: تتابع أصوات الرعد في شدة، جمع قعقعة، والمراد هنا أصوات تقويض الأخبية وما إلى ذلك تأهبا للرحيل. وقد قالوا: قعقعت عمدهم وتقعقعت، أي ارتحلوا، أو هو «القعاقع» بالضم، رجل قعاقع: كثير الصوت.
[7] الطمر: الثوب الخلق. كرع في الماء كمنع وسمع: تناوله بفيه من موضعه من غير أن يشرب بكفيه ولا بإناء، وكل خائض ماء كارع، شرب أو لم يشرب.
[8] يستشهد بهذا البيت على استعمال وادع بمعنى تارك، اسم فاعل من ودع بمعنى ترك، ورد في «لسان العرب»: «و لا يقولون ودعتك ولا وذرتك استغنوا عنهما بتركتك والمصدر فيهما تركا، ولا يقال ودعا ولا وذرا وحكاهما بعضهم، ولا وادع، وقد جاء في بيت -
بكى من فراق الحيّ قيس بن منقذ ... وإذراء عيني مثله الدمع شائع [1]
بأربعة تنهلّ لمّا تقدّمت ... بهم طرق شتّى وهنّ جوامع [2]
وما خلت بين الحيّ حتى رأيتهم ... ببينونة السفلى وهبّت سوافع [3]
/كأن فؤادي بين شقّين من عصا ... حذار وقوع البين والبين واقع
يحثّ بهم جاد سريع نجاؤه ... ومعرى عن الساقين والثوب واسع [4]
فقلت لها يا نعم حلّي محلّنا ... فإن الهوى يا نعم والعيش جامع [5]
فقالت وعيناها تفيضان عبرة ... بأهلي بيّن لي متى أنت راجع؟
فقلت لها تاللّه يدري مسافر ... إذا أضمرته الأرض ما اللّه صانع
فشدّت على فيها اللثام وأعرضت ... وأمعن بالكحل السّحيق المدامع [6]
وإني لعهد الودّ راع، وإنّني ... بوصلك ما لم يطوني الموت طامع
قال أبو عمرو: فأنشدت عائشة بنت طلحة بن عبيد اللّه هذه القصيدة، فاستحسنتها وبحضرتها جماعة من الشعراء. فقالت: من قدر منكم أن يزيد فيها بيتا واحدا يشبهها ويدخل في معناها فله حلّتي هذه، فلم يقدر أحد منهم على ذلك.
شعره في مشوقته نعم
قال أبو عمرو: وقال قيس أيضا يذكر بين الحيّ وتفرقهم وينسب بنعم:
سقى اللّه أطلالا بنعم ترادفت ... بهن النّوى حتى حللن المطاليا [7]
فإن كانت الأيام يا أمّ مالك ... تسلّيكم عنّي وترضي الأعاديا
فلا يأمنن بعدي امرؤ فجع لذّة ... من العيش أو فجع الخطوب العوافيا [8]
__________
- أنشده الفارسي في البصريات:
«فأيهما ما أتبعنّ فإنني ... حزين على ترك الّذي أنا وادع»
وهكذا روى الشطر الأوّل في نسخة ج، وفي ب، س «فأيهما منها اتبعت».
[1] هذا البيت من قول حبيبته بدليل «و إذراء عيني مثله» والظاهر أنه قد سقط قبله من الرواية بيت أو أكثر، أذرت العين الدمع إذراء: صبته.
[2] بأربعة، أي بأربع أعين وهي عيناه وعيناها. وانهلت العين: سالت بالدمع.
[3] البين: الفراق. وبينونة: موضع بين عمان والبحرين، وهما بينونتان: بينونة الدنيا وبينونة القصوى، وكلتاهما في شق بني سعد بين عمان ويبرين، وفي الأصول «وهن» ومكان «وهبت»؛ وهو تحريف. السوافع: لوافح السموم، سفعته الشمس والسموم: لفحته لفحا يسيرا فغيرت لون بشرته وسوّدته.
[4] النجاء: السرعة في السير.
[5] في ج «خلي» وهو تصحيف.
[6] أمعن الماء: سال وجرى.
[7] المطالي: الأرض السهلة اللينة تنبت العضاه، واحدتها مطلاء على وزن مفعال. وهي مؤنثة لا غير. أطلالا جمع طلل، وطلل كل شيء شخصه. ترادفت: تتابعت عليها الرحلة.
[8] العوافي: جمع عافية وهي الطامسة.
/
وبدّلت من جدواك يا أمّ مالك ... طوارق همّ يحتضرن وساديا [1]
/و أصبحت بعد الأنس لابس جبّة ... أساقي الكماة الدارعين العواليا [2]
فيوماي يوم في الحديد مسربلا ... ويوم مع البيض الأوانس لاهيا
فلا مدركا حظا لدى أمّ مالك ... ولا مستريحا في الحياة فقاضيا [3]
خليليّ إن دارت على أمّ مالك ... صروف الليالي فابعثا لي ناعيا
ولا تتركاني لا لخير معجّل ... ولا لبقاء تنظران بقائيا
وإن الّذي أمّلت من أمّ مالك ... أشاب قذالي واستهام فؤاديا [4]
فليت المنايا صبّحتني غديّة ... بذبح ولم أسمع لبين مناديا [5]
نظرت ودوني يذبل وعماية ... إلى آل نعم منظرا متنائيا [6]
شكوت إلى الرحمن بعد مزارها ... وما حمّلتني وانقطاع رجائيا
وقلت ولم أملك أعمرو بن عامر ... لحتف بذات الرّقمتين يرى ليا [7]
وقد أيقنت نفسي عشيّة فارقوا ... بأسفل وادي الدّوح أن لا تلاقيا [8]
إذا ما طواك الدهر يا أمّ مالك ... فشأن المنايا القاضيات وشانيا [9]
أراد قوم من مزينة أسره فقاتلهم حتى قتل وهو يرتجز
قال أبو عمرو: وقد أدخل الناس أبياتا من هذه القصيدة في شعر المجنون.
قال أبو عمرو: وكان من خبر مقتل قيس بن الحداديّة أنه لقي جمعا من مزينة يريدون الغارة على بعض من يجدون منه غرّة، فقالوا له: استأسر، فقال: وما ينفعكم منّي إذا استأسرت وأنا خليع؟ واللّه لو أسرتموني ثم طلبتم بي من قومي عنزا جرباء جدماء [10] ما أعطيتموها، فقالوا له: استأسر لا أمّ لك [11]! فقال: نفسي عليّ أكرم من ذاك، وقاتلهم حتى قتل. وهو يرتجز ويقول:
__________
[1] الجدوى: العطية، وفي الأصول «يحضرون» وهو خطأ صوابه ما أثبتنا لأن مرجع الضمير غير عاقل.
[2] الجبة: الدرع. والكماة: جمع كميّ: وهو الشجاع المتكمي في سلاحه أي المتغطي المتستر بالدرع والبيضة. ورجل دارع: عليه درع. والعوالي جمع عالية، وهي أعلى الرمح ورأسه.
[3] قاضيا: ميتا، من قضى، أي مات.
[4] القذال: جماع مؤخر الرأس، واستهام فؤاده: أذهبه.
[5] غدية مثل عشية: لغة في غدوة، كضحية لغة في ضحوة، والجمع غدايا كعشية وعشايا. والبين: الفراق.
[6] يذبل وعماية: جبلان في بلاد نجد.
[7] الرقمتان: روضتان إحداهما قريب من البصرة، والأخرى بنجد. وفي ج «أبزى ليا» وهو تحريف.
[8] في ب، س «وادي الروح» وهو تحريف.
[9] في الأصول «القاصيات» وهو تصحيف.
[10] الجذماء. المقطوعة اليد.
[11] يقول الرجل للرجل: «لا أم لك» وهو شتم وسب، ومعناه ليس لك أم حرّة، وذلك أن بني الإماء عند العرب مذمومون ليسوا بمرضيين ولا لاحقين ببني الحرائر. وقيل: معناه أنت لقيط لا تعرف لك أم، وربما وضع موضع المدح بمعنى التعجب منه.
أنا الّذي تخلعه مواليه ... وكلّهم بعد الصّفاء قاليه [1]
وكلّهم يقسم لا يباليه [2] ... أنا إذا الموت ينوب غاليه
مختلط أسفله بعاليه ... قد يعلم الفتيان أنّي صاليه
إذا الحديد رفعت عواليه
وقيل: إنه كان يتحدّث إلى امرأة من بني سليم، فأغاروا عليه وفيهم زوجها، فأفلت فنام في ظلّ وهو لا يخشى الطلب، فاتبعوه فوجدوه، فقاتلهم، فلم يزل يرتجز وهو يقاتلهم حتى قتل.
صوت
(شعر لابن قنبر في التشبيب)
صرمتني ثم لا كلّمتني أبدا ... إن كنت خنتك في حال من الحال [3]
ولا اجترمت الّذي فيه خيانتكم ... ولا جرت خطرة منه على بالي [4]
فسوّغيني المنى كيما أعيش بها ... وأمسكي البذل ما أطلعت آمالي [5]
أو عجّلي تلفي إن كنت قاتلتي ... أو نوّليني بإحسان وإجمال
الشعر لابن قنبر، والغناء ليزيد بن حوراء خفيف رمل بالبنصر عن عمرو بن بانة، وذكر إسحاق أنه لسليم ولم يذكر طريقته.
__________
[1] قاليه: مبغضه.
[2] في ب، س «لا يناليه»، يقال لا يباليه ولا يبالي به، والغالي في أمر: المبالغ فيه.
[3] في الأصول «إن كنت جئتك»، وهو تحريف صوابه ما أثبتنا كما سيرد في الترجمة.
[4] اجترم: أجرم وأذنب، وفي، ب، ج «خطرة مني».
[5] في الأصول: «أعيش به» وهو تحريف.
11 - أخبار ابن قنبر ونسبه
نسبه
هو الحكم بن محمّد بن قنبر المازني مازن بني عمرو بن تميم، بصريّ شاعر ظريف من شعراء الدولة الهاشميّة، وكان يهاجي مسلم بن الوليد الأنصاري مدّة، ثم غلبه مسلم.
هجاؤه مسلم بن الوليد
قال أبو الفرج: نسخت من كتاب جدّي يحيى بن محمّد بن ثوابة بخطّه: حدّثني الحسن بن سعيد قال: حدّثني منصور بن جهور قال: لمّا تهاجى مسلم بن الوليد وابن قنبر، أمسك عنه مسلم بعد أن بسط عليه لسانه، فجاء مسلما ابن عم له فقال: أيها الرجل، إنك عند الناس فوق هذا الرجل في عمود الشعر، وقد بعثت عليك لسانك ثم أمسكت عنه، فإما أن قاذعته، وإما أن سالمته؛ فقال له مسلم: إن لنا شيخا وله مسجد يتهجد [1] فيه، وله دعوات يدعوها، ونحن نسأله أن يجعل بعض دعواته في كفايتنا إياه، فأطرق الرجل ساعة ثم قال:
غلب ابن قنبر واللئيم مغلّب ... لما اتّقيت هجاءه بدعاء [2]
ما زال يقذف بالهجاء ولذعه ... حتى اتقوه بدعوة الآباء
قال: فقال له مسلم: واللّه ما كان ابن قنبر ليبلغ منّي هذا، فأمسك عني لسانك وتعرف خبره بعد، قال: فبعث الرجل واللّه عليه من لسان مسلم ما أسكته.
أخبرني الحسن بن علي قال: حدّثنا ابن مهرويه قال: حدّثني محمّد بن عبد اللّه العبدي القسري قال: رأيت مسلم بن الوليد والحكم بن قنبر في مسجد الرّصافة [3] /في يوم جمعة، وكل واحد منهما بإزاء صاحبه، وكانا يتهاجيان، فبدأ مسلم فأنشد قصيدته:
أنا النار في أحجارها مستكنّة ... فإن كنت ممّن يقدح النار فاقدح [4]
وتلاه ابن قنبر فأنشد قوله:
قد كدت تهوي وما قوسي بموترة ... فكيف ظنّك بي والقوس في الوتر [5]
فوثب مسلم وتواخزا [6] وتواثبا حتى حجز الناس بينهما فتفرّقا، فقال رجل لمسلم - وكان يتعصب له - : ويحك! أعجزت عن الرجل حتى واثبته؟ قال: أنا وإيّاه لكما قال الشاعر:
__________
[1] التهجد: صلاة الليل.
[2] المغلب: المحكوم له بالغلبة.
[3] يعني رصافة بغداد، وهي في الجانب الشرقي.
[4] في الأصول: «إذا النار» ولعل الصواب ما أثبتناه.
[5] أوتر القوس: جعل لها وترا.
[6] تواخزا: تطاعنا طعنا غير نافذ، وقيل فيه غير ذلك. وفي الأصول: «و تواخذا» بالذال؛ وهو تصحيف.
هنيئا مريئا أنت بالفحش أبصر
وكان ابن قنبر مستعليا عليه مدّة، ثم غلبه مسلم بعد ذلك، فمن مناقضتهما قول ابن قنبر:
ومن عجب الأشياء أنّ لمسلم ... إليّ نزاعا في الهجاء وما يدري [1]
واللّه ما قيست عليّ جدوده ... لدي مفخر في الناس قوسا ولا شعري [2]
ولابن قنبر قوله:
كيف أهجوك يا لئيم بشعري ... أنت عندي فاعلم هجاء هجائي
يا دعيّ الأنصار بل عبدها النذ ... ل تعرّضت لي لدرك الشقاء
أنشد المأمون بيتين له وأمر ابن محرز بتلحينها.
أخبرني عيسى بن الحسين الورّاق قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد قال: حدّثني أبو توبة، عن محمّد بن جبير [3] عن الحسين بن محرز المغنّي المديني قال: دخلت يوما على المأمون في يوم نوبتي وهو ينشد:
صوت
فما أقصر اسم الحبّ يا ويح ذي الحبّ ... وأعظم بلواه على العاشق الصبّ
يمرّ به لفظ اللّسان مشمّرا ... ويغرق من ساقاه في لجج الكرب
فلما بصر بي قال: تعال يا حسين، فجئت، فأنشدني البيتين، ثم أعادهما عليّ حتى حفظتهما، ثم قال: اصنع فيهما لحنا، فإن أجدت سررتك، فخلوت وصنعت فيهما لحني المشهور، وعدت فغنيّته إيّاه، فقال: أحسنت، وشرب عليه بقيّة يومه، وأمر لي بألف دينار، والشعر لحكم بن قنبر.
شعره في النسيب
أخبرني محمّد بن الأزهر قال: حدّثني حماد بن إسحاق، عن أبيه، عن محمّد بن سلّام قال: أنشدني ابن قنبر لنفسه:
ويلي على من أطار النوم وامتنعا ... وزاد قلبي على أوجاعه وجعا
ظبي أغرّ ترى في وجهه سرجا ... تعشي العيون إذا ما نوره سطعا [4]
كأنما الشمس في أثوابه بزغت ... حسنا، أو البدر في أردانه طلعا [5]
فقد نسيت الكرى من طول ما عطلت ... منه الجفون وطارت مهجتي قطعا
__________
[1] نزع إليه نزاعا: اشتاق، كنازع.
[2] عليّ: على جدودي وأصولي. قوسا: مقدار قوس.
[3] في الأصول: «حبر» بالحاء المهملة؛ والتصويب عن «الأغاني» ج 13: 277 سطر 14.
[4] سرجا: جمع سراج. تعشى العيون: أعشاه فعشى (كفرح) عشا، والعشا سوء البصر، وفي الأصول «يغشي».
[5] أردان: جمع ردن بالضم، وهو أصل الكم.
قصته مع جوار تعرضن له
قال ابن سلّام: ثم قال ابن قنبر: لقيتني جوار من جواري سليمان بن عليّ في الطريق الّذي بين المربد وقصر أوس، فقلن لي: أنت الّذي تقول:
ويلي على من أطار النوم وامتنعا
فقلت: نعم. فقلن: أمع هذا الوجه السّمج تقول هذا؟ ثم جعلن يجذبنني ويلهون بي حتى أخرجنني من ثيابي، فرجعت عاريا إلى منزلي. قال: وكان حسن اللّباس.
حفظ عليّ بن محمّد النوفلي من شعره
أخبرني محمّد بن الحسين الكنديّ مؤدّبي قال: حدّثني علي بن محمّد النّوفلي قال: حدّثني عمي قال: دخل الحكم بن قنبر على عمّي - وكان صديقا له - فبشّ به ورفع مجلسه، وأظهر له الأنس والسرور، ثم قال: أنشدني أبياتك الّتي أقسمت فيها بما في قلبك. فأنشده:
وحقّ الّذي في القلب منك فإنه ... عظيم لقد حصّنت سرّك في صدري
ولكنّما أفشاه دمعي، وربّما ... أتى المرء ما يخشاه من حيث لا يدري
فهب لي ذنوب الدمع، إني أظنّه ... بما منه يبدو إنما يبتغي ضرّي
ولو يبتغي نفعي لخلّى ضمائري ... يردّ على أسرار مكنونها ستري
فقال لي: يا بنيّ اكتبها واحفظها، ففعلت وحفظتها يومئذ وأنا غلام.
رواية محمّد بن سلام لشعره واعتراضه عليه
أخبرني اليزيديّ قال: أخبرني عمي عن ابن سلّام، وأخبرني به أحمد عن ابن عباس العسكري عن القنبري عن محمّد بن سلام قال: أنشدني ابن قنبر لنفسه قوله:
صرمتني ثم لا كلّمتني أبدا ... إن كنت خنتك في حال من الحال
ولا اجترمت الّذي فيه خيانتكم ... ولا جرت خطرة منه على بالي
/ قال: فقلت له وأنا أضحك: يا هذا لقد بالغت في اليمين. فقال: هي عندي كذاك، وإن لم تكن عندك كما هي عندي.
قال اليزيدي: قال عمّي وهو الّذي يقول (و فيه غناء):
صوت
/ليس فيها ما يقال له ... كملت لو أنّ ذا كملا
كلّ جزء من محاسنها ... كائن في فضله مثلا
لو تمنّت في ملاحتها ... لم تجد من نفسها بدلا
فيه لحن لابن القصّار رمل.
شعر منسوب إليه أو للعتابي
أخبرني الحسن بن عليّ قال: حدّثني ابن مهرويه قال: قال لي إبراهيم بن المدبّر: أتعرف الّذي يقول [1]:
إن كنت لا ترهب ذمّي لما ... تعرف من صفحي عن الجاهل
فاخش سكوتي فطنا منصتا ... فيك لتحسين خنا القائل [2]
مقالة السّوء إلى أهلها ... أسهل من منحدر سائل
ومن دعا الناس إلى ذمّه ... ذمّوه بالحّقّ وبالباطل
/ فقلت: هذه للعتّابي، فقال: ما أنشدتها إلّا لابن قنبر، فقلت له: من شاء منهما فليقلها، فإنّه سرقه من قول عبيد اللّه بن عبد اللّه بن عتبة:
وإن أنا لم آمر ولم أنه عنكما ... سكتّ له حتى يلجّ ويستشري [3]
ذم كل قرشيّ لم يتخلق بأخلاق قريش
أخبرني الحسن بن علي قال: حدّثنا ابن مهرويه قال: حدّثني أبو مسلم يعني محمّد بن الجهم قال: أطعم رجل من ولد عبد اللّه بن كريز صديقا له ضيعة، فمكثت في يده مدة، ثم مات الكريزي، فطالب ابنه الرجل بالضيعة، فمنعه إياها، فاختصما إلى عبيد اللّه بن الحسن، فقيل له: ألا تستحي! تطالب بشيء إن كنت فيه كاذبا أثمت، وإن كنت صادقا فإنما تريد أن تنقض مكرمة لأبيك، فقال له ابن الكريزي - وكان ساقطا - : الشحيح أعظم من الظالم أعزك اللّه، فقال له عبيد اللّه بن الحسن: هذا الجواب واللّه أعزّ من الخصومة ويحك، وهذا موضع هذا القول، اللهم اردد على قريش أخطارها [4]، ثم أقبل علينا فقال: للّه درّ الحكم بن قنبر حيث يقول:
إذا القرشيّ لم يشبه قريشا ... بفعلهم الّذي بذّ الفعالا
فجرميّ له خلق جميل ... لدى الأقوام أحسن منه حالا [5]
تمثل الرشيد بشعره للعباس بن محمّد
أخبرني محمّد بن الحسين الكندي قال: حدّثنا الحسن بن عليل العنزيّ قال: حدّثنا مسعود بن بشر قال: شكا العبّاس بن محمّد إلى الرشيد أن ربيعة الرّقّيّ/ هجاه فقال له: قد سمعت ما كان مدحك به، وعرفت ثوابك إياه، وما قال في ذمّك بعد ذلك، فما وجدته ظلمك به، وللّه درّ ابن قنبر حيث قال:
ومن دعا الناس إلى ذمّه ... ذمّوه بالحقّ وبالباطل
__________
[1] أورد صاحب «زهر الآداب» «ج 2: ص 110» ثمانية أبيات منها الأربعة المذكورة هنا، ونسبها لمحمد بن حازم الباهليّ.
[2] الخنا من الكلام: أفحشه، وفي ج «حنى» وفي ب، س «جنى» وهو تصحيف، ورواية «زهر الآداب»:
فاخش سكوتي إذ أنا منصت ... فيك لمسموع خنا القائل
[3] في ج، ب، س «يلج ويشتري». والتصويب عن «مختار الأغاني الكبير» 3: 413، استشرى الفرس في سيره: لج ومضى وجد فيه بلا فتور ولا انكسار، ومن هذا يقال للرجل إذا لجّ في الأمر: قد شرى فيه كفرح واستشرى.
[4] أخطارها: أقدارها.
[5] جرميّ: نسبة إلى جرم بن زبان، بطن من قضاعة.
وبعد، فقد اشتريت عرضك منه، وأمرته بأن لا يعود لذمّك تعريضا ولا تصريحا.
شعره في مرض موته
أخبرني محمّد بن العباس اليزيدي قال: حدّثنا أحمد بن أبي خيثمة قال: حدّثنا محمّد بن سلّام قال: مرض ابن قنبر فأتوه بخصيب الطبيب يعالجه، فقال فيه:
ولقد قلت لأهلي ... إذ أتوني بخصيب
/ ليس واللّه خصيب ... للّذي بي بطبيب
إنّما يعرف دائي ... من به مثل الّذي بي
قال: وكان خصيب عالما بمرضه، فنظر إلى مائه فقال: زعم جالينوس أن صاحب هذه العلّة إذا صار ماؤه هكذا لم يعش، فقيل له: إن جالينوس ربما أخطأ، فقال: ما كنت إلى خطئه أحوج منّي إليه في هذا الوقت. قال: ومات من علته.
صوت
(شعر للأسود بن عمارة)
خليليّ من سعد ألمّا فسلّما ... على مريم، لا يبعد اللّه مريما
وقولا لها هذا الفراق عزمته ... فهل من نوال قبل ذاك فنعلما
الشعر للأسود بن عمارة النوفلي، والغناء لدهمان ثاني ثقيل بالوسطى.
12 - أخبار الأسود ونسبه
نسبه وأخباره
هو - فيما أخبرني به الحرميّ بن أبي العلاء والطّوسي، عن الزبير بن بكّار، عن عمّه - الأسود بن عمارة بن الوليد بن عديّ بن الخيار بن عدي بن نوفل بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرّة بن كعب بن لؤي بن غالب، وكان الأسود شاعرا أيضا.
قال الزبير - فيما حدّثنا به شيخانا [1] المذكوران عنه - : وحدّثني عمّي قال: كان عمارة بن الوليد النوفلي أبو الأسود بن عمارة شاعرا، وهو الّذي يقول:
صوت
(شعره في معشوقته هند)
تلك هند تصدّ للبين صدّا ... أدلالا أم هند تهجر جدّا [2]
أم لتنكا به قروح فؤادي ... أم أرادت قتلي ضرارا وعمدا [3]
قد براني وشفّني الوجد حتى ... صرت مما ألقى عظاما وجلدا
أيها الناصح الأمين رسولا ... قل لهند عنّي إذا جئت هندا
علم اللّه أن قد أوتيت مني ... غير منّ بذاك نصحا وودّا
ما تقرّبت بالصفاء لأدنو ... منك إلّا نأيت وازددت بعدا
الغناء لعبادل خفيف رمل بالبنصر في مجراها عن إسحاق، وفي كتاب حكم: الغناء له خفيف رمل، وفي كتاب يونس: فيه لحن ليونس غير مجنّس، وفيه ليحيى المكي أو لابنه أحمد بن يحيى ثقيل أوّل:
ولايته بيت المال
قال الزبير: قال عمّي ومن لا يعلم: يروى هذا الشعر لعمارة بن الوليد النوفلي، قال: وكان الأسود يتولى بيت المال بالمدينة، وهو القائل:
خليليّ من سعد ألمّا فسلّما ... على مريم، لا يبعد اللّه مريما
وقولا لها هذا الفراق عزمته ... فهل من نوال قبل ذاك فنعلما
__________
[1] في ب؛ س «شيخنا المذكور عن عمه».
[2] كذا في ب، س. والّذي في ج: «أم هجر هند أجدا».
[3] نكأ القرحة كمنع: قشرها قبل أن تبرأ فنديت.
شعره في محمّد بن عبد اللّه بن كثير
قال: وهو الّذي يقول لمحمد بن عبيد اللّه بن كثير بن الصّلت:
ذكرناك شرطيا فأصبحت قاضيا ... وصرت أميرا، أبشري قحطان
/ أرى نزوات بينهن تفاوت ... وللدهر أحداث وذا حدثان [1]
أقيمي بني عمرو بن عوف أو اربعي ... لكل أناس دولة وزمان [2]
قال: وإنما خاطب بني عمرو بن عوف هاهنا لأن الكثيريّ كان تزوج إليهم، وإنما قال: «أبشري قحطان» لأن كثير بن الصلب من كندة حليف لقريش.
قصته مع محبوبته مريم
أخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن عمار قال: حدّثني علي بن سليمان النوفلي أحد بني نوفل بن عبد مناف قال:
كان أبي يتعشّق جارية مولّدة مغنّية لامرأة من أهل المدينة، ويقال للجارية مريم، فغاب غيبة إلى الشأم، ثم قدم فنزل في طرف المدينة، وحمل متاعه على حمّالين، وأقبل يريد منزله، وليس شيء أحبّ إليه من لقاء مريم، فبينا هو يمشي إذ هو بمولاة مريم قائمة على قارعتها [3]، وعيناها تدمعان، فساءلها وساءلته، فقال للعجوز: ما هذه المصيبة الّتي أصبت بها؟ قالت: لم أصب بشيء إلّا مبيعي مريم، قال: وممّن بعتها؟ قالت: من رجل من أهل/ العراق، وهو على الخروج، وإنما ذهبت بها حتى ودّعت أهلها، فهي تبكي من أجل ذلك، وأنا أبكي من أجل فراقها، قال:
الساعة تخرج؟ قالت: نعم الساعة تخرج، فبقي [4] متبلّدا حائرا، ثم أرسل عينيه يبكي، وودّع مريم وانصرف، وقال قصيدته الّتي أوّلها:
خليليّ من سعد ألمّا فسلّما ... على مريم، لا يبعد اللّه مريما
وقولا لها هذا الفراق عزمته ... فهل من نوال قبل ذاك فنعلما
قال: وهي طويلة؛ وقد غنّى بعض أهل الحجاز في هذين البيتين غناء زيانبيا [5]. هكذا قال ابن عمّار في خبره.
قصته في بيتين من شعره
أخبرني الحسن بن علي الخفّاف قال: حدّثني ابن مهرويه قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد قال: حدّثني أبو العباس أحمد بن مالك اليمامي، عن عبد اللّه بن محمّد البواب قال: سألت الخيزران [6] موسى الهادي أن يولي خاله الغطريف اليمن، فوعدها بذلك ودافعها [7] به، ثم كتبت إليه يوما رقعة تتنجّزه فيها أمره، فوجه إليها برسولها يقول:
__________
[1] نزوات: جمع نزوة من نزا ينزو نزوا إذا وثب، قال ابن الأثير: وقد يكون في الأجسام والمعاني، وحدّثنا الدهر وأحداثه: حوادثه ونوبه.
[2] ربع كمنع: انتظر وتحبس.
[3] قارعتها، أي قارعة المدينة، وقارعة الطريق: أعلاه.
[4] في الأصول «متلبدا» وهو تحريف.
[5] نسبة إلى الزيانب، وهي اسم لسبعة أصوات ليونس الكاتب، والشعر فيها كلها لابن رهيمة المدني في زينب بنت عكرمة بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام (انظر أخبار يونس الكاتب في الجزء الرابع من «الأغاني» ص 402 طبع دار الكتب).
[6] الخيزران: أم موسى الهادي الخليفة العباسي.
[7] ويقال: دافع فلان فلانا في حاجته إذا مطله فيها فلم يقضها له وفي الأصول: «و دفعها».
خيّريه بين اليمن وطلاق ابنته، أو مقامي عليها ولا أولّيه اليمن، فأيّهما فاختار فعلته، فدخل الرسول إليها - ولم يكن فهم عنه ما قال - فأخبرها بغيره، ثم خرج إليه فقال: تقول لك: ولاية اليمن، فغضب وطلّق ابنته وولّاه اليمن، ودخل الرسول فأعلمه بذلك، فارتفع الصياح/ من داره، فقال: ما هذا؟ فقالوا: من دار بنت خالك، قال: أو لم تختر ذلك! قالوا: لا، ولكن الرسول لم يفهم ما قلت فأدّى غيره، وعجلت بطلاقها، ثم ندم ودعا صالحا صاحب المصلّى وقال له: أقم على رأس كل رجل بحضرتي من النّدماء رجلا بسيف، فمن لم يطلّق امرأته منهم فلتضرب عنقه، ففعل ذلك، ولم يبرح من حضرته أحد إلّا وقد طلّق امرأته، قال ابن البواب: وخرج الخدم إليّ فأخبروني بذلك وعلى الباب رجل واقف متلفّع بطيلسانه يراوح [1] بين رجليه، فخطر ببالي:
خليليّ من سعد ألمّا فسلّما ... على مريم، لا يبعد اللّه مريما
وقولا لها: هذا الفراق عزمته ... فهل من نوال قبل ذاك فنعلما
/ فأنشدته فيعلما بالياء، فقال لي: فنعلما بالنون، فقلت له: فما الفرق بينهما؟ فقال: إن المعاني تحسّن الشعر وتفسده، وإنما قال: «فنعلما» ليعلم هو القصة، وليس به حاجة إلى أن يعلم الناس سره، فقلت: أنا أعلم بالشعر منك، قال: فلمن هو؟ قلت: للأسود بن عمارة، قال: أو تعرفه؟ قلت: لا، قال: فأنا هو، فاعتذرت إليه من مراجعتي إياه، ثم عرّفته خبر الخليفة فيما فعله، فقال: أحسن اللّه عزاءك، وانصرف وهو يقول: «هذا أحقّ منزل بترك» [2].
شعره في تولية أبي جعفر المدينة
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال: حدّثنا الزبير بن بكّار قال: كان محمّد بن عبيد اللّه بن كثير بن الصّلت على شرطة المدينة، ثم ولى القضاء، ثم ولى القضاء، ثم ولاه أبو جعفر المدينة وعزل عبد الصمد بن علي، فقال الأسود بن عمارة:
/ذكرتك شرطيا، فأصبحت قاضيا ... فصرت أميرا، أبشري قحطان [3]
أرى نزوات بينهنّ تفاوت ... وللدهر أحداث وذا حدثان
أرى حدثا ميطان منقطع له ... ومنقطع من بعده ورقان [4]
أقيمي بني عمرو بن عوف أو اربعي ... لكلّ أناس دولة وزمان
صوت
(شعر لعلي بن الخليل)
هل لدهر قد مضى من معاد ... أو لهمّ داخل من نفاد
__________
[1] في س «يروح»؛ وهو تحريف. والمراوحة بين الرجلين: أن يقوم على كل مرة.
[2] في ب، وس «ينزل»؛ وهو تحريف.
[3] في ج «خفرتك» وفي ب وس «جفوتك». ولعل صوابه ما أثبتنا. وقد ذكر البيت قريبا وروايته «ذكرناك».
[4] ميطان: من جبال المدينة، ضبطه صاحب «القاموس» فقال: كميزان، وكذا ضبط في «اللسان» بكسر الميم، وفي «معجم البلدان» بفتح أوّله، وفي ب، س «مبطان» بالباء وهو تصحيف. ورقان: جبل أسود على يمين المصعد من المدينة إلى مكة، ونسبه «معجم البلدان» إلى نوفل بن عمارة بن الوليد قال:
أرى حدثا ميطان منقلع به ... ومنقطع من دونه ورقان
أذكرتني عيشة قد تولّت ... هاتفات نحن في بطن وادي [1]
هجن لي شوقا وألهبن نارا ... للهوى في مستقرّ الفؤاد
بأن أحبابي وغودرت فردا ... نصب ما سرّ عيون الأعادي
الشعر لعلي بن الخليل، والغناء لمحمد الرف، ولحنه خفيف رمل بالبنصر من رواية عمرو بن بانة.
__________
[1] هاتفات: نائحات.
13 - أخبار علي بن الخليل
نسبه وأخباره
هو رجل من أهل الكوفة مولى لمعن بن زائدة الشيباني، ويكنى أبا الحسن، وكان يعاشر صالح بن عبد القدّوس لا يكاد يفارقه، فاتّهم بالزّندقة، وأخذ مع صالح ثم أطلق لمّا انكشف أمره.
كان مولى معن بن زائدة الشيباني
قال محمّد بن داود بن الجراح: حدّثني محمّد بن الأزهر عن زياد بن الخطاب عن الرشيد، أنه جلس بالرافقة [1] للمظالم، فدخل عليه علي بن الخليل وهو متوكىء على عصا، وعليه ثياب نظاف، وهو جميل الوجه حسن الثياب، في يده قصة [2]، فلما رآه أمر بأخذ قصته [2]، فقال له يا أمير المؤمنين: أنا أحسن عبارة [3] لها، فإن رأيت أن تأذن لي في قراءتها فعلت. قال: اقرأها، فاندفع ينشده [فيها] [4] قصيدته:
يا خير من وخدت بأرحله ... نجب الرّكاب بمهمه جلس [5]
فاستحسنها الرشيد وقال له: من أنت؟ قال: أنا علي بن الخليل الّذي يقال فيه إنه زنديق، فضحك وقال له: أنت آمن، وأمر له بخمسة آلاف درهم، وخص به بعد ذلك وأكثر مدحه.
حبسه الرشيد مع صالح بن عبد القدوس ثم مدحه فأطلقه
/ أخبرني علي بن سليمان الأخفش قال: حدّثنا أحمد بن يحيى ثعلب قال: كان الرشيد قد أخذ صالح بن عبد القدوس وعلي بن الخليل في الزندقة - وكان علي بن الخليل استأذن أبا نواس في الشعر - فأنشده علي بن الخليل:
يا خير من وخدت [6] بأرحله ... نجب تخبّ بمهمه جلس [6]
تطوي السباسب في أزمّتها ... طيّ التّجار عمائم البرس [7]
لما رأتك الشمس إذ طلعت ... كسفت بوجهك طلعة الشمس [8]
__________
[1] الرافقة: بلد متصل البناء بالرقة وهما على ضفة الفرات، من أعمال الجزيرة، بناه المنصور سنة 155 ه على بناء مدينة بغداد ورتب به جندا من أهل خراسان وجرى ذلك على يد المهدي وهو ولي عهده ثم بنى الرشيد قصور هذا البلد.
[2] في «أمالي السيد المرتضى» 1: 101 «قصيدة».
[3] في «أمالي المرتضى» «أنا أحسن قراءة لها من غيري».
[4] عن ج.
[5] في ج «و خذت بأرجله» في ب، س: «و خزت بأرجله» وهو تحريف. ووخد البعير كوعد وخدا: أسرع ووسع الخطو، أو رمى بقوائمه كمشي النعام، وأرحل جمع رحل، وهو مركب للبعير. نجب جمع نجيب، والنجيب من الإبل: القوي الخفيف السريع.
والمهمه: المفازة البعيدة. والجلس: الغليظ من الأرض.
[6] في ج «وجدت»، ويقال: خبت الناقة خبا وخببا: أسرعت.
[7] السباسب: جمع سبسب، وهي المفازة. والبرس بالكسر والضم: القطن.
[8] في «أمالي السيد المرتضى» «سجدت لوجهك».
خير البرية أنت كلّهم ... في يومك الغادي وفي أمس
وكذاك لن تنفكّ خيرهم ... تمسي وتصبح فوق ما تمسي
للّه ما هرون من ملك ... برّ السريرة طاهر النفس
ملك عليه لربّه نعم ... تزداد جدّتها على اللّبس
تحكي خلافته ببهجتها ... أنق السرور صبيحة العرس [1]
من عترة طابت أرومتهم ... أهل العفاف ومنتهى القدس [2]
نطق إذا احتضرت مجالسهم ... وعن السفاهة والخناخرس
إني إليك لجأت من هرب ... قد كان شرّدني ومن لبس [3]
/و اخترت حكمك لا أجاوزه ... حتى أوسّد في ثرى رمسي [4]
لما استخرت اللّه في مهل ... يمّمت نحوك رحلة العنس [5]
كم قد قطعت إليك مدّرعا ... ليلا بهيم اللّون كالنّقس [6]
إن هاجني من هاجس جزع ... كان التوكّل عنده ترسي
ما ذاك إلا أنني رجل ... أصبو إلى بقر من الإنس
بقر أوانس لا قرون لها ... نجل العيون نواعم لعس [7]
ردع العبير على ترائبها ... يقبلن بالترحيب والخلس [8]
وأشاهد الفتيان بينهم ... صفراء عند المزج كالورس [9]
للماء في حافاتها حبب ... نظم كرقم صحائف الفرس [10]
واللّه يعلم في بقيته ... ما إن أضعت إقامة الخمس [11]
__________
[1] الأنق: الفرح والسرور.
[2] عترة الرجل: نسله ورهطه الأدنون. وفي «أمالي المرتضى» «من عصبة». والأرومة وتضم: الأصل.
[3] اللبس: الالتباس والاشتباه.
[4] الرمس: القبر، والثرى: التراب.
[5] العنس: الناقة الصلبة.
[6] في س «كم قطعت». وادّرع: لبس الدرع، والمعنى: لابسا الليل كأنه درع. والبهيم: الأسود. والنقس: المداد.
[7] نجل: جمع، نجلاء وصف من النجل بالتحريك، وهو سعة العين. لعس جمع لعساء: وصف من اللعس، وهو سواد يعلو شفة المرأة البيضاء؛ وقيل: هو سواد في حمرة.
[8] العبير: أخلاط من الطيب. والردع: أثر الطيب في الجسد. والترائب: ما ولى الترقوتين، واحدتها تريبة. الخلس: النظر خلسة.
وفي «أمالي المرتضى»: «يقتلن بالتطويل والحبس».
[9] الورس: صبغ أصفر، وفي «أمالي المرتضى»:
وأجاذب الفتيان بينهم ... صهباء مثل مجاجة الورس
[10] الحبب: النفاخات والفقاقيع الّتي تطفو فوق الخمر كأنها القوارير.
[11] بقية اللّه: طاعته وانتظار ثوابه. وفي «أمالي المرتضى» «في بريته».
/ فأطلقه للرشيد، وقتل صالح بن عبد القدوس، واحتج عليه في أنه لا يقبل له توبة بقوله:
والشيخ لا يترك أخلاقه ... حتى يوارى في ثرى رمسه
وقال: إنما زعمت ألّا تترك الزندقة ولا تحول عنها أبدا.
شعره في يعقوب بن داود وابن علاثة
أخبرني محمّد بن خلف وكيع، قال: حدّثني أحمد بن زهير بن حرب، قال: كان عافية بن يزيد يصحب ابن علاثة [1]، فأدخله على المهدي، فاستقضاه معه بعسكر المهديّ وكانت قصة يعقوب مع أبي عبيد اللّه [2] كذلك، أدخله إلى المهديّ ليعرض عليه، فغلب عليه، علي بن الخليل في ذلك:
/عجبا لتصريف الأمو ... ر مسرّة وكراهية [3]
/رثّت ليعقوب بن دا ... ود حبال معاوية [4]
وعدت على ابن علاثة ال ... قاضي بوائق عافيه [5]
أدخلته فعلا علي ... ك كذاك شؤم الناصية
وأخذت حتفك جاهدا ... بيمينك المتراخيه [6]
يعقوب ينظر في الأمو ... ر وأنت تنظر ناحيه
ولاية ابن الجهم السوس لإنشاده شعره
أخبرني عمي الحسن بن محمّد قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد قال: حدّثني محمّد بن عمرو بن فراس
__________
[1] عافية بن يزيد الأودي، ومحمّد بن عبد اللّه بن علاثة الكلابي، استقضاهما المهدي سنة 161 كانا يقضيان في عسكره، وقد شرك بينهما في القضاء فكانا يقضيان جميعا في المسجد الجامع في الرصافة، هذا في أدناه، وذاك في أقصاه، وكان عافية أكثرهما دخولا على المهدي («تاريخ بغداد» 12: 307).
[2] هو أبو عبيد اللّه معاوية بن يسار من موالي الأشعريين، كان كاتب المهدي ونائبه قبل الخلافة، فلما ولى الخلافة فوض إليه تدبير المملكة، وسلم إليه الدواوين، وكان من أبرع الكتاب وأوسعهم حذقا وعلما وخبرة، ثم إن الربيع بن يونس ما زال يسعى به إلى المهدي حتى عزله عن الوزارة، وأفرده في «ديوان الرسائل»، واستوزر يعقوب بن داود سنة 163 ثم عزل أبا عبيد اللّه عن «ديوان الرسائل» سنة 167 ورتب في الربيع بن يونس، ومات أبو عبيد اللّه سنة 170 ه، وكان يعقوب بن داود من الموالي أيضا وقد فوض المهدي إليه الأمور كلها وسلم إليه الدواوين وقدمه على جميع الناس حتى قال بشار بن برد يهجوه:
بني أمية هبّوا طال نومكم ... إن الخليفة يعقوب بن داود
ضاعت خلافتكم يا قوم فالتمسوا ... خليفة اللّه بين الزقّ والعود
ثم إن الساعين ما زالوا يسعون بيعقوب إلى المهدي حتى نكبه وحبسه، فلم يزل كذلك أيام المهدي ومدة الهادي حتى أخرجه الرشيد، ومات سنة 187 - اقرأ أخبار الأول في «تاريخ الطبري» 9: 339 و10: 9 و «الفخري» ص 163. وأخبار الثاني في «وفيات الأعيان» لابن خلكان 2: 331 و «الفخري».
[3] في «وفيات الأعيان»: فقال في ذلك علي بن الخليل الكوفي من جملة أبيات:
قل للوزير أبي عبي ... د اللّه هل من باقيه
ثم أورد البيت السادس فالرابع فالخامس مما ورد هنا.
[4] في الأصول «دبب» وهو تصحيف. ومعاوية: اسم الوزير أبي عبيد اللّه.
[5] بوائق جمع بائقة، وهي الداهية.
[6] في الأصول «ضيفك» وهو تخريف؛ والتصويب من «وفيات الأعيان».
الذّهلي عن أبيه قال: قال لي محمّد بن الحهم البرمكي: قال لي المأمون يوما: يا محمّد: أنشدني بيتا من المديح جيّدا فاخرا عربيا لمحدث حتى أولّيك كورة تختارها. قال قلت: قول علي بن الخليل:
فمع السماء فروع نبعتهم ... ومع الحضيض منابت الغرس [1]
متهلّلين على أسرّتهم ... ولدى الهياج مصاعب شمس [2]
/فقال: أحسنت، وقد ولّيتك الدّينور، فأنشدني بيت هجاء على هذه الصفة حتى أولّيك كورة أخرى، فقلت: قول الّذي يقول:
قبحت مناظرهم فحين خبرتهم ... حسنت مناظرهم لقبح المخبر [3]
فقال: قد أحسنت، قد ولّيتك همذان، فأنشدني مرثية على هذا حتى أزيدك كورة أخرى، فقلت: قول الّذي يقول:
أرادوا ليخفوا قبره عن عدوّه ... فطيب تراب القبر دل على القبر
فقال: قد أحسنت، قد ولّيتك نهاوند، فأنشدني بيتا من الغزل على هذا الشرط حتى أولّيك كورة أخرى، فقلت: قول الّذي يقول:
تعالي نجدّد دارس العلم [4] بيننا ... كلانا على طول الجفاء ملوم
فقال: قد أحسنت، قد جعلت الخيار إليك فاختر، فاخترت السّوس من كور الأهواز، فولاني ذلك أجمع، ووجّهت إلى السوس بعض أهلي.
أخبرني علي بن سليمان الأخفش قال: حدّثنا محمّد بن يزيد، عن التّوّزيّ قال: نزل أبو دلامة بدهقان [5] يكنى أبا بشر، فسقاه شرابا أعجبه، فقال في ذلك:
سقاني أبو بشر من الراح شربة ... لها لذّة ما ذقتا لشراب
وما طبخوها غير أنّ غلامهم ... سعى في نواحي كرمها بشهاب [6]
قال: فأنشد علي بن الخليل هذين البيتين فقال: أحرقه العبد أحرقه اللّه.
تهنئة يزيد بن مزيد بمولوده
أخبرني الحسن بن علي، وعمي الحسن بن محمّد، قالا: حدّثنا ابن مهرويه قال: حدّثني محمّد بن عمران
__________
[1] النبعة: واحدة النبع، وهو شجر للقسي والسهام. والحضيض: القرار في الأرض.
[2] تهلل الوجه: تلألأ. ومصاعب: جمع مصعب (بضم الميم وفتح العين)، وهو الفحل الّذي لم يمسسه حبل ولم يركب. ورجل مصعب: مسوّد. وشمس: جمع شموس كصبور من شمس الفرس: إذا منع ظهره. «و متهللين» و «مصاعب شمس» نعوت لعترة في قوله «من عترة طابت أرومتهم». والبيتان من قصيدته السينية السابقة، وقد ورد البيت الأول ضمن أبياتها في «أمالي المرتضى»، وأوله: «فوق النجوم».
[3] هذا البيت والّذي يليه لمسلم بن الوليد الأنصاري.
[4] كذا في الأصول: ولعله «الوصل» أو «العهد» كما يرشد إليه ما يأتي بعد من قوله: «على طول الجفاء».
[5] الدهقان: رئيس الإقليم، فارسيّ معرّب.
[6] الشهاب: شعلة من نار ساطعة، شبه به الخمر.
الضبيّ عن عليّ بن يزيد قال، ولد ليزيد [1] بن مزيد ابن، فأتاه عليّ بن الخليل، فقال: اسمع أيها الأمير تهنئة بالفارس الوارد، فتبسّم وقال: هات، فأنشده:
يزيد يابن الصّيد من وائل ... أهل الرياسات وأهل المعال [2]
/يا خير من أنجبه [3] والد ... ليهنك الفارس ليث النزال
جاءت به غرّاء ميمونة ... والسعد يبدو في طلوع الهلال
عليه من معن ومن وائل ... سيما تباشير وسيما جلال [4]
واللّه يبقيه لنا سيّدا ... مدافعا عنّا صروف الليال
حتى نراه قد علا منبرا ... وفاض في سؤّاله بالنوال
وسدّ ثغرا فكفى شرّه ... وقارع الأبطال تحت العوال [5]
كما كفانا ذاك آباؤه ... فيحتذي أفعالهم عن مثال
فأمر له عن كل بيت بألف دينار.
المهدي يذكره بشعره في الخمر
أخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن عمار قال: حدّثني ابن مهرويه قال: حدّثني ابن الأعرابي المنجّم الشّيباني، عن عليّ بن عمرو الأنصاري، قال: دخل علي بن الخليل على المهديّ فقال له: يا عليّ، أنت على معاقرتك الخمر وشربك لها؟ قال: لا واللّه يا أمير المؤمنين، قال: وكيف ذاك؟ قال: تبت منها، قال: فأين قولك؟:
أولعت نفسي بلذّتها ... ما ترى عن ذاك إقصارا
وأين قولك؟:
إذا ما كنت شاربها فسرّا ... ودع قول العواذل واللّواحي [6]
قال: هذا شيء قلته في شبابي، وأنا القائل بعد ذلك:
على اللّذات والراح السلام ... تقضّى العهد وانقطع الذّمام
مضى عهد الصّبا وخرجت منه ... كما من غمده خرج الحسام
وقرت على المشيب فليس منّي ... وصال الغانيات ولا المدام [7]
__________
[1] ابن أخي معن بن زائدة الشيباني. وكان يزيد بن مزيد أميرا شجاعا، وكان واليا لأرمينية ثم عزله عنها الرشيد سنة 172، ثم ولاه إياها وضم إليه أذربيجان سنة 183، وتولى محاربة الوليد بن طريف الشيباني الخارجي وقتله سنة 179، وتوفي سنة 185 ه («وفيات الأعيان» 2: 283).
[2] الصيد: جمع أصيد، وهو الملك، ورافع رأسه كبرا، والأسد.
[3] الّذي في كتب اللغة: أنجب الرجل والمرأة إذا ولدا ولدا نجيبا أي كريما، ولم يرد فيها أنجب متعديا.
[4] السيما: العلامة.
[5] الثغر: موضع المخافة من البلدان. والعوالي: رؤوس الرماح.
[6] اللواحي: جمع لاحية: وهي اللائمة.
[7] وقر ككرم ووعد: رزن.
وولّى اللهو والقينات عنّي ... كما ولّى عن الصبح الظلام
حلبت الدهر أشطره فعندي ... لصرف الدهر محمود وذام [1]
مدحه معن بن زائدة
أخبرني عليّ بن سليمان الأخفش، قال: حدّثني محمّد بن الحسن بن الحرون، عن عليّ بن عبيدة الشيباني، قال: دخل عليّ بن الخليل ذات يوم إلى معن بن زائدة/ فحادثه وناشده، ثم قال له معن: هل لك في الطعام؟
قال: إذا نشط الأمير، فأتيا بالطعام، فأكلا، ثم قال: هل لك في الشراب؟ قال: إن سقيتني ما أريد شربت، وإن سقيتني من شرابك فلا حاجة لي فيه، فضحك ثم قال: قد عرفت الّذي تريد، وأنا أسقيك منه، فأتي بشراب عتيق، فلما شرب منه وطابت نفسه أنشأ يقول:
يا صاح قد أنعمت إصباحي ... ببارد السّلسال والراح [2]
قد دارت الكأس برقراقة ... حياة أبدان وأرواح [3]
تجري على أغيد ذي رونق ... مهذّب الأخلاق جحجاح [4]
ليس بفحّاش على صاحب ... ولا على الراح بفضّاح
تسرّه الكأس إذا أقبلت ... بريح أترجّ وتفّاح [5]
/يسعى بها أزهر في قرطق ... مقلّد الجيد بأوضاح [6]
كأنها الزّهرة في كفّه ... أو شعلة في ضوء مصباح
هجاؤه لدهقان
حدّثنا عليّ بن سليمان الأخفش قال: حدّثنا محمّد بن يزيد قال: كان لعلي بن الخليل الكوفي صديق من الدّهاقين يعاشره ويبرّه، فغاب عنه مدّة طويلة/ وعاد إلى الكوفة وقد أصاب مالا ورفعة، وقويت حاله، فادعى أنه من بني تميم، فجاءه عليّ بن الخليل فلم يأذن له، ولقيه فلم يسلّم عليه، فقال يهجوه:
يروح بنسبة المولى ... ويصبح يدّعي العربا
فلا هذا ولا هذا ... ك يدركه إذا طلبا
أتيناه بشبّوط ... ترى في ظهره حدبا [7]
__________
[1] أشطره: أي أشطر الدهر. والمعنى أنه اختبر حالات الدهر: خيره وشره فعرف ما فيه، وهو مثل يضرب فيمن جرب الدهر. والذام:
الذم.
[2] خمر سلسال: لينة.
[3] كل شيء له بصيص وتلألؤ فهو رقراق، وأراد بالرقراقة هنا الخمر.
[4] غيد كفرح فهو أغيد: مالت عنقه ولانت أعطافه، والجحجح والجحجاح: السيد.
[5] في الأصول: «فسره» وهو تحريف.
[6] القرطق (بضم القاف وفتح الطاء وقد تضم): لباس من ملابس العجم يشبه القباء، معرب كرته. والأوضاح: جمع وضح كسبب، وهو حليّ من الفضة.
[7] الشبوط بالفتح يضم: سمك دقيق الذنب، عريض الوسط، صغير الرأس.
فقال: أما لبخلك من ... طعام يذهب السّغبا [1]
فصد لأخيك يربوعا ... وضبّا واترك اللعبا [2]
فرشت له قريح المس ... ك والنّسرين والغربا [3]
فأمسك أنفه عنها ... وقام مولّيا هربا
يشمّ الشّيح والقيصو ... م كي يستوجب النسبا [4]
وقام إليه ساقينا ... بكأس تنظم الحببا [5]
معتّقة مروّقة ... تسلّي همّ من شربا
فآلى لا يسلسلها ... وقال اصبب لنا حلبا [6]
/و قد أبصرته دهرا ... طويلا يشتهي الأدبا
فصار تشبّها بالقو ... م جلفا جافيا جشبا [7]
إذا ذكر البرير بكى ... وأبدى الشوق والطربا [8]
وليس ضميره في القو ... م إلّا التّين والعنبا
جحدت أباك نسبته ... وأرجو أن تفيد أبا
قال عليّ بن سليمان: وأنشدني محمّد بن يزيد وأحمد بن يحيى جميعا لعلي بن الخليل في هذا الذكر، وذكر ثعلب أن إسحاق بن إبراهيم أنشد هذه الأبيات لعليّ، قال:
يأيّها الراغب عن أصله ... ما كنت في موضع تهجين [9]
متى تعرّبت وكنت امرأ ... من الموالى صالح الدّين
لو كنت إذ صرت إلى دعوة ... فزت من القوم بتمكين [10]
لكفّ من وجدي، ولكنني ... أراك بين الضّبّ والنّون [11]
__________
[1] السغب: الجوع.
[2] اليربوع: دويبة نحو الفأر لكن ذنبه وأذناه أطول من ذنب وأذني الفأر، ورجلاه أطول من يديه. والضب: دويبة من تشبه التمساح الصغير وذنبها كذنبه وتتلون كالحرباء.
[3] القريح: الخالص، كالقراح. والنسرين: ورد، فارسي معرّب. والغرب: ضرب من الشجر.
[4] القيصوم: من نبات البادية.
[5] هذا البيت في الأصول مقدم على سابقه، وهو خطأ. يدل على ذلك سياق المعنى.
[6] آلى: أقسم. وتسلسل الماء في الحلق: جرى، وسلسله: صب فيه. والحلب: اللبن المحلوب. وفي الأصول «زقا أصبب لنا حببا» وهو تحريف.
[7] الجلف: الجافي، والجشب: الخشن الغليظ.
[8] البرير: ثمر الأراك.
[9] التهجين: التقبيح.
[10] الدعوة في النسب «بالكسر»: أن ينتسب الإنسان إلى غير أبيه وعشيرته.
[11] الوجد: الحزن.
فلو تراه صارفا أنفه ... من ريح خيريّ ونسرين [1]
لقلت: جلف من بني دارم ... حنّ إلى الشّيح بيبرين [2]
دعموص رمل زلّ عن صخرة ... يعاف أرواح البساتين [3]
/تنبو عن الناعم أعطافه ... والخزّ والسّنجاب واللّين [4]
شعره في تعلق أحد أولاد المنصور بجارية
أخبرني جحظة ومحمّد بن مزيد جميعا، قالا: حدّثنا حمّاد بن إسحاق، عن أبيه قال: كان عليّ بن الخليل جالسا مع بعض ولد المنصور، وكان الفتى يهوى جارية لعتبة مولاة المهدي، فمرّت به عتبة في موكبها والجارية معها، فوقفت عليه وسلّمت، وسألت عن خبره، فلم يوفّها حقّ الجواب، لشغل قلبه بالجارية، فلما انصرفت أقبل عليه عليّ بن الخليل، فقال له:
راقب بطرفك من تخا ... ف إذا نظرت إلى الخليل
فإذا أمنت لحاظهم ... فعليك بالنظر الجميل [5]
إن العيون تدلّ بالن ... ظر المليح على الدّخيل [6]
إمّا على حبّ شدي ... د أو على بغض أصيل
أخبرني هاشم بن محمّد الخزاعي قال: حدّثنا عيسى بن إسماعيل تينة قال: كان عليّ بن الخليل يصحب بعض ولد جعفر بن المنصور، فكتب إليه والبة بن الحباب يدعوه، ويسأله ألا يشتغل بالهاشمي يومه ذلك عنه، ويصف له طيب مجلسه وغناء حصّله وغلاما دعاه، فكتب إليه عليّ بن الخليل:
أما ولحاظ جارية ... تذيب حشاشة المهج [7]
وسحر جفونها المضني ... ك بين الفتر والدّعج [8]
/مليحة كلّ شيء ما ... خلا من خلقها السّمج
وحرمة دنّك المبزو ... ل والصهباء منه تجي [9]
__________
[1] الخيري بالكسر: المنثور الأصفر.
[2] يبرين: رمل لا تدرك أطرافه، من أصقاع البحرين.
[3] الدعموص: دويبة صغيرة تكون في مستنقع الماء. وسياق البيت يدل على أنه يريد به دويبة صحراوية لا مائية. يعاف: يكره.
أرواح: جمع ريح.
[4] في ج «تنبو عن الفاقم» وهو تحريف. والسنجاب: حيوان شعره في غاية النعومة، يتخذ من جلده الفراء، يلبسه المتنعمون. انظر «حياة الحيوان الكبرى» للدميري.
[5] لحاظهم، أي لحاظ من تخافهم، واللحاظ بالكسر: مصدر لاحظه أي راعاه. واللحاظ بالفتح: مؤخر العين مما يلي الصدغ.
[6] في ج «تذل» وفي ج، ب، س «الرحيل» وهو تحريف.
[7] الحشاشة: بقية الروح في المريض والجريح.
[8] الدعج: سواد العين مع سعتها، وأراد بالفتر هنا: الفتور قال الشاعر:
وقاصرة الطوف مكفوحة ... بفتر الجفون وخون النظر
[9] بزل الخمر: ثقب إناءها، ويقال للحديدة الّتي تفتح مبزل الدن وبزال ومبزل لأنه يفتح بها، وفي ب، س «المبذول»، والصهباء: -
كأنّ مجيئها في الكأ ... س حين تصبّ من ودج [1]
لو انعرج الأنام إلى ... بشاشة مجلس بهج
وكنت بجانب جدب ... لكان إليك منعرجي
وصار إليه في إثر الرقعة.
__________
- الخمر.
[1] الودج: عرق في العنق.
14 - أخبار محمّد الزّفّ [1]
نسبه وبعض أخباره
هو محمّد بن عمرو مولى بني تميم، كوفي الأصل والمولد والمنشأ؛ والزفّ: لقب غلب عليه، وكان مغنّيا ضاربا طيّب المسموع، صالح الصنعة، مليح النادرة، أسرع خلق اللّه أخذا للغناء، وأصحهم أداء له، وأذكاهم، إذا سمع الصوت مرتين أو ثلاثا أدّاه لا يكون بينه وبين من أخذه عنه فرق، وكان يتعصب على ابن جامع، ويميل إلى إبراهيم الموصلي وابنه إسحاق، فكانا يرفعان منه، ويقدّمانه ويجتلبان له الرفد والصلات من الخلفاء، وكانت فيه عربدة إذا سكر، فعربد بحضرة الرشيد مرّة فأمر بإخراجه، ومنعه من الوصول إليه، وجفاه وتناساه، وأحسبه مات في خلافته أو في خلافة الأمين.
أخبرني بذلك ذكاء وجه الرزة عن محمّد بن أحمد بن يحيى المكي المرتجل.
أخبرني ابن جعفر جحظة قال: حدّثنا حماد بن إسحاق عن/ أبيه قال: غنى ابن جامع يوما بحضرة الرشيد:
صوت
(ادّعاؤه غناء لابن جامع)
جسور على هجري، جبان على وصلي ... كذوب غدا يستتبع الوعد بالمطل [2]
مقدّم رجل في الوصال مؤخّر ... لأخرى [3]، يشوب الجدّ في ذاك بالهزل
/ يهمّ بنا حتى إذا قلت قد دنا ... وجادثني عطفا ومال إلى البخل [4]
يزيد امتناعا كلّما زدت صبوة ... وأزداد حرصا كلّما ضنّ بالبذل
فأحسن فيه ما شاء وأجمل، فغمزت عليه محمّدا الزّفّ، وفطن لما أردت، واستحسنه الرشيد، وشرب عليه، واستعاده مرتين أو ثلاثا، ثم قمت للصلاة وغمزت الزف وجاءني، وأو مأت إلى مخارق وعلّويه وعقيد فجاءوني، فأمرته بإعادة الصوت، فأعاده وأدّاه كأنه لم يزل يرويه، فلم يزل يكرره على الجماعة حتى غنّوه ودار لهم، ثم عدت إلى المجلس، فلما انتهى الدّور إليّ بدأت فغنّيته قبل كلّ شيء غنّيته، فنظر إليّ ابن جامع محدّدا نظره، وأقبل عليّ الرشيد فقال: أكنت تروي هذا الصوت؟ فقلت: نعم يا سيدي. فقال ابن جامع: كذب واللّه، ما أخذه إلا مني
__________
[1] في الأصول «الرف» بالراء، وورد في الجزء الخامس من «الأغاني» في نسب إبراهيم الموصلي وأخباره «محمّد الزف» بالزاي، وقد يرجح هذا أن الزف والزفيف معناه الإسراع، وهو الملائم لما عرف عنه من أنه كان أسرع خلق اللّه أخذا للغناء وانظر «الأغاني» ج 1 ح 2 من صفحة 306 طبع دار الكتب المصرية.
[2] في ج «كذوب غدا يبيع الوعد بالمطل».
[3] ساقطة من نسخة ج.
[4] ثني عطفه: لوى عنقه معرضا. وفي الأصول «عطفا» وفي ج «و حادبني» وهو تصحيف.
الساعة. فقلت: هذا صوت أرويه قديما، وما فيمن حضر أحد إلا وقد أخذه مني، وأقبلت عليه، فغناه علويه ثم عقيد ثم مخارق، فوثب ابن جامع فجلس بين يديه وحلف بحياته وبطلاق امرأته أن اللحن صنعه منذ ثلاث ليال، ما سمع منه قبل ذلك الوقت، فأقبل عليّ فقال: بحياتي اصدقني عن القصة، فصدقته، فجعل يضحك ويصفّق ويقول:
لكل شيء آفة، وآفة ابن جامع الزّفّ.
لحن هذا الصوت خفيف ثقيل أوّل بالبنصر، والصنعة لابن جامع من رواية الهشاميّ وغيره.
قوة حفظه وبراعته في الغناء
قال أبو الفرج: وقد أخبرني بهذا الخبر محمّد بن مزيد، عن حماد عن أبيه بخلاف هذه الرواية، فقال فيه قال: محمّد الزّفّ أروى خلق اللّه للغناء، وأسرعهم أخذا لما سمعه منه، ليست عليه في ذلك كلفة، وإنما يسمع الصوت مرّة واحدة/ وقد أخذه، وكنّا معه في بلاء إذا حضر، فكان من غنّى منا صوتا فسأله عدوّ له أو صديق أن يلقيه عليه، فبخل ومنعه إياه، سأل محمّدا الزّفّ أن يأخذه، فما هو إلا أن يسمعه مرة واحدة حتى قد أخذه وألقاه على من سأله، فكان أبي يبرّه ويصله ويجديه [1] من كل جائزة وفائدة تصل إليه، فكان غناؤه عنده حمى مصونا لا يقربه، ولم يكن طيّب المسموع، ولكنّه كان أطيب الناس نادرة، وأملحهم مجلسا، وكان مغرى بابن جامع خاصة من بين المغنّين لبخله، فكان لا يفتح ابن جامع فاه بصوت إلا وضع عينه عليه، وأصغى [2] سمعه إليه، حتى يحكيه، وكان في ابن جامع بخل شديد لا يقدر معه على أن يسعفه ببرّ ورفد،
غناء لابن جامع بحضرة الرشيد
فغنّى يوما بحضرة الرشيد:
صوت
أرسلت تقرىء [3] السلام الرّباب ... في كتاب وقد أتانا الكتاب
فيه: لو زرتنا لزرناك ليلا ... بمنى حيث تستقلّ الركاب [4]
فأجبت الرّباب: قد زرت لكن ... لي منكم دون الحجاب حجاب
/ إنما دهرك العتاب وذمّي ... ليس يبقي على المحبّ عتاب
ولحنه من الثقيل الأوّل، فأحسن فيه ما شاء، ونظرت إلى الزّفّ فغمزته وقمت إلى الخلاء، فإذا هو قد جاءني، فقلت له: أي شيء عملت؟ فقال: قد فرغت لك منه، قلت: هاته، فرده عليّ ثلاث مرات، وأخذته وعدت إلى مجلسي، وغمزت عليه عقيدا ومخارقا، فقاما، وتبعهما فألقاه عليهما، وابن جامع لا يعرف الخبر، فلما عاد إلى المجلس أومأت إليهما أسألهما عنه، فعرّفاني أنهما قد أخذاه، فلما بلغ/ الدّور إليّ كان الصوت أوّل شيء غنّيته، فحدّد الرشيد نظره إليّ، ومات ابن جامع وسقط [5] في يده، فقال لي الرشيد: من أين لك هذا؟ قلت: أنا أرويه
__________
[1] أجداه: أعطاه الجدوى وهي العطية.
[2] أصغى: أمال.
[3] في ج «أقرنا».
[4] استقلوا: مضوا وارتحلوا.
[5] سقط في يده وأسقط «مضمومتين»: تحيّر.
قديما، وقد أخذه عني مخارق وعقيد، فقال: غنّياه. فغنّياه، فوثب ابن جامع فجلس بين يديه ثم حلف بالطلاق ثلاثا بأنه صنعه في ليلته الماضية، ما سبق إليه ابن جامع أحد، فنظر الرشيد إليّ، فغمزته بعيني أنه صدق، وجدّ الرشيد في العبث به بقيّة يومه، ثم سألني بعد ذلك عن الخبر، فصدّقته عنه وعن الزّفّ، فجعل يضحك ويقول: لكل شيء آفة، وآفة ابن جامع الزّفّ، قال حماد: وللزّف صنعة يسيرة جيّدة منها في الرمل الثاني:
صوت
لمن الظعائن سيرهنّ تزحّف ... عوم السّفين إذا تقاذف مجذف [1]
مرّت بذي حسم كأنّ حمولها ... نخل بيثرب طلعها متزحّف [2]
فلئن أصابتني الحروب لربّما ... أدعى إذا منع الرّداف فأردف [3]
فأثير غارات وأشهد مشهدا ... قلب الجبان به يطيش فيرجف
قال: ومن مشهور صنعته في هذه الطريقة:
صوت
إذا شئت غنّتني بأجراع بيشة ... أو النخل من تثليث أو من يلملما [4]
مطوّقة طوقا وليس بحلية ... ولا ضرب صوّاغ بكفّيه درهما
تبكّي على فرخ لها ثم تغتدي ... مدلّهة تبغي له الدهر مطعما [5]
تؤمل منه مؤنسا لانفرادها ... وتبكي عليه إن زقا أو ترنما [6]
ومن صنعته في هذه الطريقة:
صوت
يا زائرينا من الخيام ... حيّاكما اللّه بالسلام
يحزنني أن أطعتماني ... ولم تنالا سوى الكلام
__________
[1] تزحف: من تزحف الصبي على الأرض أو على بطنه، قبل أن يمشي. والسفين: جمع سفينة، ومجداف السفينة ومجذافها بالدال وبالذال: لغتان فصيحتان. وفي ج «يحذف».
[2] ذو حسم: موضع بالبادية، وجاء في شعر المهلهل:
أليلتنا بذي حسم أنيري ... إذا أنت انقضيت فلا تحوري
والحمول: الهوادج، أو الإبل عليها الهوادج، واحدها حمل بالكسر ويفتح، يثرب: المدينة المنورة.
[3] أردفه معه: أركبه؛ وردفه بالكسر وأردفه: ركب خلفه.
[4] بيشة: من عمل مكة مما يلي اليمن، وهي من مكة على خمس مراحل، بها من النخل شيء كثير. وفي ج، وب «شيبة».
والأجراع: جمع جرع بالتحريك، وهو الرملة الطيبة المنبتة السهلة المستوية. تثليث: موضع بالحجاز قرب مكة. يلملم: موضع على ليلتين من مكة، وهو ميقات أهل اليمن.
[5] المدله: الساهي القلب، الذاهب العقل.
[6] زقا الطائر يزقو: صاح.
بورك هارون من إمام ... بطاعة اللّه ذي اعتصام
له إلى ذي الجلال قربى ... ليس لعدل ولا إمام
وله في هذه الطريقة:
صوت
/بان الحبيب فلاح الشّيب في راسي ... وبتّ منفردا وحدي بوسواس
ماذا لقيت فدتك النفس بعدكم ... من التبرم بالدنيا وبالناس
لو كان شيء يسلي النفس عن شجن ... سلّت فؤادي عنكم لذة الكاس [1]
صوت
(شعر لأبي الشبل البرجميّ)
بأبي ريم رمى قل ... بي بألحاظ مراض [2]
وحمى عيني أن تل ... تذّ طيب الإغتماض
كلّما رمت انبساطا ... كفّ بسطي بانقباض
أو تعالى أملي في ... ه رماه انخفاض
فمتى ينتصف المظ ... لوم والظالم قاضي
الشعر لأبي الشّبل البرجميّ، والغناء لعثعث الأسود، خفيف ثقيل أوّل بالوسطى، وفيه لكثير رمل، ولبنان خفيف رمل.
__________
[1] الشجن: الهمّ والحزن.
[2] الرئم: الظبي الخالص البياض.
15 - أخبار أبي الشّبل ونسبه
نسبه
أبو الشبل اسمه عاصم بن وهب من البراجم، مولده الكوفة، ونشأ وتأدّب بالبصرة.
مجونه واتصاله بالمتوكل
أخبرني بذلك الحسن بن علي، عن ابن مهرويه، عن علي بن الحسن الأعرابي.
وقدم إلى سرّ من رأى في أيّام المتوكّل ومدحه، وكان طبّا [1] نادرا، كثير الغزل ماجنا، فنفق [2] عند المتوكّل بإيثاره العبث، وخدمه، وخصّ به، فأثرى وأفاد، فذكر لي عمّي عن محمّد بن المرزبان بن الفيرزان عن أبيه أنّه لما مدحه بقوله:
أقبلي فالخير مقبل ... واتركي قول المعلّل
وثقي بالنّجح إذ أب ... صرت وجه المتوكّل
ملك ينصف ياظا ... لمتي فيك ويعدل
فهو الغاية والمأ ... مول يرجوه المؤمّل
أمر له بألف درهم لكل بيت، وكانت ثلاثين بيتا، فانصرف بثلاثين ألف درهم.
الغناء في هذه الأبيات لأحمد المكّي رمل بالبنصر.
أخبرني يحيى بن علي، عن أبي أيوب المديني، عن أحمد بن المكّي قال: غنّيت المتوكّل صوتا شعره لأبي الشبل البرجميّ وهو:
أقبلي فالخير مقبل ... ودعي قول المعلّل
/ فأمر لي [3] بعشرين ألف درهم، فقلت: يا سيدي أسأل اللّه أن يبلّغك الهنيدة، فسأل عنها الفتح فقال: يعني مائة سنة، فأمر لي بعشرة آلاف أخرى.
وحدّثنيه الحسن بن علي عن هارون بن محمّد الزيات، عن أحمد بن المكي مثله.
دعته جاريته فقال شعرا
حدّثني الحسن بن علي قال: حدّثنا ابن مهرويه قال: حدّثني أبو الشبل عاصم بن وهب الشاعر، وهو القائل:
أقبلي فالخير مقبل ... ودعي قول المعلّل
__________
[1] في الأصول «طيبا» وهو تحريف.
[2] نفق: راج.
[3] في س «فأمر له» وهو تحريف.
/ قال: كانت لي جارية اسمها سكّر، فدخلت يوما منزلي ولبست ثيابي لأمضي إلى دعوة دعيت إليها، فقالت: أقم اليوم في دعوتي أنا، فأقمت وقلت:
أنا في دعوة سكّر ... والهوى ليس بمنكر
كيف صبري عن غزال ... وجهه دلو مقيّر [1]
فلما سمعت الأوّل ضحكت وسرّت، فلما أنشدتها البيت الثاني قامت إليّ تضربني [2] وتقول لي: هذا البيت الأخير الّذي فيه «دلو» لمالك [3]، لو لا الفضول؛ فما زالت - يعلم اللّه - تضربني حتى غشي عليّ.
مدحه مالك بن طوق ثم ذمه
وذكر ابن المعتز أن أبا الأغر الأسديّ حدّثه قال: مدح أبو الشبل مالك بن طوق بمدح عجيب، وقدّر منه ألف درهم، فبعث إليه صرّة مختومة فيها مائة دينار، فظنّها دراهم، فردّها وكتب معها قوله:
فليت الذي جادت به كفّ مالك ... ومالك مدسوسان في است أمّ مالك
فكان إلى يوم القيامة في استها ... فأيسر مفقود وأيسر هالك
/ وكان مالك يومئذ أميرا على الأهواز، فلما قرأ الرقعة أمر بإحضاره، فأحضر، فقال له: يا هذا ظلمتنا واعتديت علينا، فقال: قد قدّرت عندك ألف درهم فوصلتني بمائة درهم، فقال: افتحها، ففتحتها فإذا فيها مائة دينار، فقال:
أقلني أيها الأمير. قال: قد أقلتك، ولك [4] عندي كلّ ما تحب أبدا ما بقيت وقصدتني.
رثاؤه لطبيب
حدّثنا الحسن بن علي قال: حدّثنا ابن مهرويه قال: قال لي أبو الشبل البرجميّ: كان في جيراني طبيب أحمق، فمات فرثيته فقلت:
قد بكاه بول المريض بدمع ... واكف فوق مقلتيه ذروف [5]
ثم شقّت جيوبهن القواري ... ر عليه ونحن نوح اللّهيف [6]
يا كساد الخيار شنبر والأق ... راص طرّا ويا كساد السّفوف
كنت تمشي مع القويّ فإن جا ... ء ضعيف لم تكترث بالضّعيف
لهف نفسي على صنوف رقاعا ... ت تولّت منه وعقل سخيف [7]
__________
[1] مقير: مطلي بالقار أو القير: وهو الزفت.
[2] في الأصول «لتضربني».
[3] كذا في الأصول.
[4] في الأصول: «و لكن»؛ وهو تحريف.
[5] وكف الدمع: سال. وذرف الدمع: سال أيضا. والّذي في كتب اللغة: «دمع ذريف أي مذروف، قال الشاعر: ما بال عيني دمعها ذريف».
[6] اللهيف: الملهوف.
[7] الرقاعة: الحمق. وفي س «رفاعات» وهو تصحيف.
عبثه بخالد بن الوليد
حدّثنا الحسن قال: حدّثنا ابن مهرويه قال: حدّثنا أبو الشبل قال: إن [1] خالد بن يزيد بن هبيرة كان يشرب النبيذ، فكان يغشانا، وكانت له جارية صفراء مغنّية يقال لها لهب، فكانت تغشانا معه، فكنت أعبث بهما كثيرا ويشتماني، فقام مولاها يوما إلى الخابية يستقي نبيذا، فإذا قميصه قد انشقّ، فقلت فيه:
قالت له لهب يوما وجادلها ... بالشعر في باب فعلان ومفعول
أمّا القميص فقد أودى الزمان به ... فليت شعري ما حال السراويل؟
/ فبلغ الشعر أبا الجهم أحمد بن يوسف فقال:
حال السراويل حال غير صالحة ... تحكي طرائقه نسج الغرابيل
وتحته حفرة قوراء واسعة ... تسيل فيها ميازيب الأحاليل [2]
قال أبو الشبل: وكانت أمّ خالد هذا ضرّاطة، تضرط على صوت العيدان وغيرها/ في الإيقاع، فقلت فيه:
في الحيّ من لا عدمت خلّته ... فتى إذا ما قطعته وصلا [3]
له عجوز بالحبق أبصر من ... أبصرته ضاربا ومرتجلا [4]
نادمتها مرّة وكنت فتى ... ما زلت أهوى وأشتهي الغزلا
حتى إذا ما أمالها سكر ... يبعث في قلبها لها مثلا
اتّكأت يسرة وقد حرقت ... أشراجها كي تقوّم الرّملا [5]
فلم تزل باستها تطارحني ... اسمع إلى من يسومني العللا [6]
عرض شعره على المازني فذمه
حدّثني الحسن قال: حدّثنا ابن مهرويه قال: حدّثني أبو الشبل قال: لما عرض لي الشعر أتيت جارا لي نحويّا، وأنا يومئذ حديث السنّ - أظنه قال إنه المازنيّ - فقلت له: إن رجلا لم يكن من أهل الشعر ولا من أهل الرواية قد جاش صدره بشيء من الشعر، فكره ان يظهره حتى تمسعه. قال: هاته،/ وكنت قد قلت شعرا ليس بجيّد، إنما هو قول مبتدى ء، فأنشدته إيّاه، فقال: من العاضّ بظر أمّه القائل لهذا؟ فقمت خجلا، فقلت لأبي الشبل: فأي شيء قلت له أنت؟ قال: قلت في نفسي: أعضّك اللّه بظر أمّك وبهضك [7].
__________
[1] في ج «حدّثنا خالد بن يزيد بن هبيرة، وكان».
[2] قوراء: واسعة. الأحاليل: جمع إحليل بالكسر، وهو مخرج البول من ذكر الإنسان.
[3] الخلة: الصداقة المختصة لا خلل فيها.
[4] الحبق: الضراط.
[5] حرق الشي ء: حك بعضه ببعض، وفي ب، س «حرفت» وهو تصحيف. أشراج: جمع شرج، جاء في «اللسان»: الشرج كشمس وسبب والأول أفصح: أعلى ثقب الاست. وفي «القاموس»: الشرج كسبب: فرج المرأة.
[6] في س «استها» وفي ب «استهام» وهو تحريف وفي ج، ب، س «يزل ..... يطارحني» وهو تصحيف.
[7] في ج «و نهضتك»، وفي س «و بهضتك» وهو تحريف، والصواب ما أثبتنا، يقال: بهضني الأمر وأبهضني، أي فدحني، وبالظاء أكثر.
بعض نوادره
أخبرني عمّي عن محمّد بن المرزبان بن الفيرزان قال: كنت أرى أبا الشبل كثيرا عند أبي، وكان إذا حضر أضحك الثّكلى بنوادره، فقال له أبي يوما: حدّثنا ببعض نوادرك وطرائفك؛ قال: نعم، من طرائف أموري أنّ ابني زنى بجارية سندية لبعض جيراني، فحبلت وولدت، وكانت قيمة الجارية عشرين دينارا، فقال: يا أبت، الصبيّ واللّه ابني، فساومت به، فقيل لي: خمسون دينارا، فقلت له: ويلك! كنت تخبرني الخبر وهي حبلى فأشتريها بعشرين دينارا، ونربح الفضل بين الثّمنين، وأمسكت عن المساومة بالصبيّ حتى اشتريته من القوم بما أرادوا. ثم أحبلها ثانيا فولدت له ابنا آخر، فجاءني يسألني أن أبتاعه، فقلت له: عليك لعنة اللّه، ما يحملك أن تحبل هذه؟ فقال: يا أبت لا أستحبّ العزل [1]، وأقبل على جماعة عندي يعجّبهم منّي، ويقول: شيخ كبير يأمرني بالعزل ويستحلّه! فقلت له: يابن الزانية، تستحلّ الزنا وتتحرّج من العزل! فضحكنا منه.
خبره مع خمار يهودي
وقلت له: وأيّ شيء أيضا؟ قال: دخلت أنا ومحمود الورّاق إلى حانة يهوديّ خمّار، فأخرج إلينا منها شيئا عجيبا، فظننّاه خمرا بنت عشر، قد أنضجها الهجير [2]، فأخرج إلينا منها شيئا عجيبا وشربنا، فقلت له: اشرب معنا، قال: لا أستحلّ/ شرب الخمر، فقال لي محمود: ويحك! رأيت أعجب ممّا نحن فيه. يهوديّ يتحرّج من شرب الخمر، ونشربها ونحن مسلمون! فقلت له: أجل، واللّه لا نفلح أبدا، ولا يعبأ اللّه بنا، ثم شربنا حتى سكرنا، وقمنا في الليل فنكنا بنته وامرأته وأخته، وسرقنا ثيابه، وخرينا في نقيرات [3] نبيذ له وانصرفنا.
هجاؤه هبة اللّه بن إبراهيم
أخبرني محمّد بن يحيى الصّولي قال: أخبرنا عون بن محمّد الكنديّ، قال: وقعت لأبي الشبل البرجميّ إلى هبة اللّه بن إبراهيم بن المهديّ حاجة فلم يقضها فهجاه، فقال:
صلف تندقّ منه الرقبه ... ومساو لم تطقها الكتبه
/ كلّما بادره ركب بما ... يشتهيه منه نادى يا أبه [4]
ليته كان التوى الفرج به ... لم يزد في هاشم هذي هبه
يعني غلاما لهبة اللّه كان يسمّى بدرا، وكان غالبا على أمره.
حدّثني الصّولي قال: حدّثني القاسم بن إسماعيل قال: قال رأى أبو الشبل إبراهيم بن العبّاس يكتب، فأنشأ يقول:
ينظّم اللؤلؤ المنثور منطقه ... وينظم الدرّ بالأقلام في الكتب
__________
[1] هو من عزل المجامع عن المرأة عزلا، إذا قارب الإنزال تنزع وأمني خارج الفرج.
[2] الهجع: نصف النهار عند اشتداد الحرّ.
[3] في ب، س «نقارات» وفي ج «بغارات» وهو تحريف والصواب؛ ما أثبتنا جاء في كتب اللغة: «و النقير أصل النخلة ينقر وسطه ثم ينبذ فيه التمر ويلقى عليه الماء فيصير نبيذا مسكرا» ثم جمع نقير على نقيرات على تقدير أنه مؤنث معنى، إذ هو في معنى باطية.
[4] نادى يا أبه: يريد نادى غلامه «بدرا» مستعينا به على قضاء حاجة ذلك الركب، إذ كان غلامه صاحب أمره ومسيطرا عليه كأنه أبوه.
حدّثنا الحسن بن عليّ قال: حدّثنا ابن مهرويه قال: حدّثني أبو الشبل البرجمي قال: حضرت مجلس عبيد اللّه بن يحيى بن خاقان، وكان إليّ محسنا، وعليّ مفضلا،/ فجرى ذكر البرامكة، فوصفهم الناس بالجود، وقالوا في كرمهم وجوائزهم وصلاتهم فأكثروا، فقمت في وسط المجلس، فقلت لعبيد اللّه: أيها الوزير، إني قد حكمت في هذا الخطب حكما نظمته في بيتي شعر لا يقدر أحد أن يردّه عليّ، وإنما جعلته شعرا ليدور ويبقى، فيأذن الوزير في إنشادهما قال: قل، فربّ صواب قد قلته، فقلت:
رأيت عبيد اللّه أفضل سوددا ... وأكرم من فضل ويحيى بن خالد
أولئك جادوا والزّمان مساعد ... وقد جاد ذا والدهر غير مساعد
فتهلّل وجه عبيد اللّه وظهر السرور فيه، وقال: أفرطت أبا الشّبل، ولا كلّ هذا، فقلت: واللّه ما حابيتك أيها الوزير، ولا قلت إلّا حقّا، واتبعني القوم في وصفه وتقريظه، فما خرجت من مجلسه إلا وعليّ الخلع، وتحتي دابّة [1] بسرجه ولجامه، وبين يديّ خمسة آلاف درهم.
قصته مع جاريتين
حدّثني الحسن قال: حدّثنا ابن مهرويه قال: حدّثني علي بن الحسن الشيباني قال: حدّثني أبو الشّبل الشاعر قال: كنت أختلف إلى جاريتين من جواري النخّاسين [2] كانتا تقولان الشعر، فأتيت إحداهما فتحدّثت إليها، ثم أنشدتها بيتا لأبي المستهلّ شاعر منصور بن المهديّ في المعتصم:
أقام الإمام منار الهدى ... وأخرس ناقوس عمّوريه [3]
/ثم قلت لها: أجيزي؛ فقالت:
كساني الميلك جلابيبه ... ثياب علاها بسمّورية [4]
ثم دعت بطعام فأكلنا، وخرجت من عندها، فمضيت إلى الأخرى، فقالت: من أين يا أبا الشبل؟ فقلت: من عند فلانة، قالت: قد علمت أنّك تبدأ بها - وصدقت، كانت أجملهما فكنت أبدأ بها - ثم قالت: أما الطعام فاعلم أنه لا حيلة لي في أن تأكله، لعلمي بأن تلك لا تدعك تنصرف أو تأكل. فقلت: أجل. قالت: فهل لك في الشراب؟
قلت: نعم، فأحضرته وأخذنا في الحديث، ثم قالت: فأخبرني ما دار بينكما؟ فأخبرتها، فقالت: هذه المسكينة كانت تجد البرد، وبيتها أيضا هذا الّذي جاءت به يحتاج إلى سمّورية، أفلا قالت:
فأضحى به الدّين مستبشرا ... وأضحت زنادهما واريه [5]
فقلت: أنت واللّه أشعر منها في شعرها، وأنت واللّه في شعرك فوق أهل عصرك. واللّه أعلم.
__________
[1] تطلق الدابة على الذكر والأنثى.
[2] النخّاس: بيّاع الرقيق.
[3] عمّورية: بلد من بلاد الروم (الأناضول) فتحها المعتصم سنة 223 ه.
[4] سمورية: نسبة إلى سمور (و ياء النسب هنا مخففة) وسمّور: دابة تتخذ من جلدها فراء غالية الأثمان.
[5] ورى الزند كوعى وولى: خرجت ناره.
شعره في الشيب
/ أخبرنا الحسن قال: حدّثنا ابن مهرويه قال: أنشدني أبو الشبل لنفسه:
عذيري من جواري الح ... ي إذ يرغبن عن وصلي [1]
رأين الشيب قد ألب ... سني أبّهة الكهل
فأعرضن وقد كنّ ... إذا قيل أبو الشبل
تساعين فرقّعن ال ... كوى بالأعين النّجل [2]
/قال: وهذا سرقه من قول العتبيّ:
رأين الغواني الشيب لاح بمفرقي ... فأعرضن عنّي بالخدود النواضر
وكنّ إذا أبصرنني أو سمعنني ... سعين فرقّعن الكوى بالمحاجر [3]
خبره مع حاتم بن الفرج
حدّثني الحسن قال: حدّثني ابن مهرويه قال: حدّثني أبو الشبل قال: كان حاتم بن الفرج يعاشرني ويدعوني، وكان أهتم، قال أبو الشبل: وأنا أهتم؛ وهكذا كان أبي وأهل بيتي، لا تكاد تبقي في أفواههم حاكّة [4]، فقال أبو عمر أحمد بن المنجّم:
لحاتم في بخله فطنة ... أدقّ حسّا من خطا النمل
قد جعل الهتمان ضيفا له ... فصار في أمن من الأكل [5]
ليس على خبر امرىء ضيعة ... أكيله عصم أبو الشبل [6]
ما قدر ما يحمله كفّه ... إلى فم من سنّه عطل [7]
فحاتم الجود أخو طيىء ... مضى وهذا حاتم البخل
شعره في جارية سوداء يحبها
أخبرني محمّد بن خلف بن المرزبان قال: حدّثني أبو العيناء قال: كانت لأبي الشبل البرجمي جارية سوداء،
__________
[1] العذير: العاذر.
[2] الكوى: جمع كوّة بالفتح وبضم، وهي الخرق في الحائط.
[3] المحاجر: جمع محجر كمجلس ومنبر وهو من العين ما دار بها وبدا من البرقع.
[4] الحاكة: السنّ.
[5] هتمان: جمع أهتم - ولم يرد في كتب اللغة - وقد جاء فعلان في كلام العرب جمعا لأفعل كأسود وسودان وأبيض وبيضان وأحمر وحمران. وضيف هنا للجمع، جاء في كتب اللغة: «الضيف للواحد والجميع، وقد يجمع على أضياف وضيوف وضيفان، وهي ضيف وضيفة» وقد ورد في «القرآن الكريم» للجمع، قال تعالى: هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ
وقال: إِنَّ هؤُلاءِ ضَيْفِي فَلا تَفْضَحُونِ
وقد سقطت كلمة «له» من ج، وفيها أيضا «في أمر» وهو تحريف.
[6] عصم: سمت العرب عاصما وعصما.
[7] استفهام يراد به النفي، أي لا قدر له.
وكان يحبّها حبّا شديدا، فعوتب فيها، فقال:
/غدت بطول الملام عاذلة ... تلومني في السواد والدّعج [1]
ويحك كيف السلوّ عن غرر ... مفترقات الأرجاء، كالسّبج [2]
يحملن بين الأفخاذ أسنمة ... تحرق أوبارها من الوهج [3]
لا عذّب اللّه مسلما بهم ... غيري ولا حان منهم فرجي [4]
فإنّني بالسواد مبتهج ... وكنت بالبيض غير مبتهج
هجاؤه جارية لهاشمة النحوي
حدّثني عمي قال: حدّثني أحمد بن الطيّب قال: حدّثني أبو هريرة البصري النحويّ الضرير قال: كان أبو الشبل الشاعر البرجمي يعابث قينة لهاشم النحوي يقال لها خنساء، وكانت تقول الشعر، فعبث بها يوما فأفرط حتى أغضبها، فقالت له: ليت شعري، بأيّ شيء تدلّ؟ أنا واللّه أشعر منك، لئن شئت لأهجونّك حتى أفضحك، فأقبل عليها وقال:
حسناء قد أفرطت علينا ... فليس منها لنا مجير
تاهت بأشعارها علينا ... كأنّما ناكها جرير
قال: فخجلت حتى بان ذلك عليها وأمسكت عن جوابه.
شعره في ذم المطر
قال عمي: قال أحمد بن الطيّب: حدّثني أبو هريرة هذا قال: حدّثني أبو الشبل أنها وعدته أن تزوره في يوم بعينه كان/ مولاها غائبا فيه، فلما حضر ذلك اليوم جاء مطر منعها من الوفاء بالموعد، قال: فقلت أذمّ المطر:
/دع المواعيد لا تعرض لوجهتها ... إن المواعيد مقرون بها المطر
إن المواعيد والأعياد قد منيت ... منه بأنكد ما يمنى به بشر [5]
أمّا الثياب فلا يغررك إن غسلت ... صحو شديد ولا شمس ولا قمر
وفي الشخوص له نوء وبارقة ... وإن تبيّت فذاك الفالج الذكر [6]
وإن هممت بأن تدعو مغنّية ... فالغيث لا شكّ مقرون به السّحر
__________
[1] في الأصول «عذرت»، «و هو تحريف لا يستقيم به الوزن والمعنى. ولعل صوابه ما أثبتنا. والدعج: سواد العين مع سعتها.
[2] الأرجاء: النواحي. مفترقات الأرجاء: أي لكل منهن ناحية من الحسن خاصة. السبج: خرز أسود، معرب.
[3] الوهج: اتقاد النار.
[4] يلاحظ أنه استعمل هنا ضمير جماعة الذكور موضع ضمير جماعة الإناث.
[5] منيت: ابتليت.
[6] شخص شخوصا: خرج من موضع إلى غيره. تبيته عن حاجته: حبسه عنها. والفالج: الشلل. والذكر: يعني القويّ الشديد، من قولهم: مطر ذكر أي شديد وابل، وقول ذكر أي صلب متين، وشعر ذكر أي فحل.
هجاؤه مولى عبد اللّه بن يحيى
حدّثني عمي قال: حدّثني أحمد بن أبي طاهر قال: كان لعبيد اللّه بن يحيى بن خاقان غلام يقال له نسيم، فأمره عبيد اللّه بقضاء حاجة كان أبو الشبل البرجميّ سأله إيّاها، فأخّرها نسيم، فشكاه إلى عبيد اللّه، فأمر عبيد اللّه غلاما له آخر فقضاها بين يديه، فقال أبو الشّبل يهجو نسيما:
قل لنسيم أنت في صورة ... خلقت من كلب وخنزيره
رعيت دهرا بعد أعفاجها ... في سلح مخمور ومخموره [1]
حتى بدا رأسك من صدعها ... زانية بالفسق مشهوره [2]
لا تقرب الماء إذا أجنبت ... ولا ترى أن تقرب النّوره [3]
ترى نبات الشّعر حول استها ... درابزينا حول مقصوره [4]
هجاؤه محمّد بن حماد
حدّثني عيسى بن الحسين الورّاق قال: حدّثني ابن مهرويه قال: كان أبو الشبل يعاشر محمّد بن حماد بن دلقيش، ثم تهاجرا بشيء أنكره عليه، فقال أبو الشبل فيه:
لابن حمّاد أياد ... عندنا ليست بدون
عنده جارية تش ... في من الداء الدفين
ولها في رأس مولا ... ها أكاليل قرون
ذات صدع حاتميّ ال ... فعل في كن مكين [5]
لا يرى منع الّذي يح ... وي ولو أمّ البنين
شعره في كبش كسر قنديله
حدّثني عمي قال: حدّثني أحمد بن الطيب قال: حدّثني أبو هريرة النحويّ قال: كان أبو الشبل البرجمي قد اشترى كبشا للأضحى، فجعل يعلفه ويسمّنه، فأفلت يوما على قنديل له كان يسرجه بين يديه، وسراج وقارورة للزيت، فنطحه فكسره، وانصبّ الزيت على ثيابه وكتبه وفراشه، فلما عاين ذلك ذبح الكبش قبل الأضحى، وقال يرثي سراجه:
يا عين بكّي لفقد مسرجة ... كانت عمود الضياء والنور [6]
كانت إذا ما الظلام ألبسني ... من حندس الليل ثوب ديجور [7]
__________
[1] الأعفاج: الأمعاء.
[2] الصدع: الشق، أراد به فرجها. وفي الأصول «من صدغها» وهو تصحيف.
[3] أجنبت: من الجنابة أي كانت جنبا. والنورة: حجر يحرق ويسوى منه الكلس ويضاف إليه أخلاط ويحلق به شعر العانة.
[4] الدرابزين: قوائم مصفوفة تعمل من خشب أو حديد تحاط بها السلالم وغيرها. فارسية، وهي الجلفق (كجعفر).
[5] صدع: أراد به الفرج كما تقدم، وفي س «صدغ» وهو تصحيف.
[6] في ب، س «يا عين أبكي» وهو تحريف.
[7] الحندس: والديجور: الظلمة. وفي ج «إذا أمال الظلام» وهو تحريف.
شقّت بنيرانها غياطله ... شقّا دعا الليل بالدّياجير [1]
صينية الصين حين أبدعها ... مصوّر الحسن بالتصاوير
/ وقبل ذا بدعة أتيح لها ... من قبل الدّهر قرن يعفور [2]
وصكّها صكّة فما لبثت ... أن وردت عسكر المكاسير [3]
وإن تولّت فقد لها تركت ... ذكرا سيبقى على الأعاصير [4]
من ذا رأيت الزمان ياسره ... فلم يشب يسره بتعسير [5]
ومن أباح الزمان صفوته ... فلم يشب صفوه بتكدير
مسرجتي لو فديت ما بخلت ... عنك يد الجود بالدنانير
ليس لنا فيك ما نقدّره ... لكنما الأمر بالمقادير
مسرجتي كم كشفت من ظلم ... جلّيت ظلماءها بتنوير
وكم غزال على يديك نجا ... من دقّ خصييه بالطوامير [6]
من لي إذا ما النديم دبّ إلى ... النّدمان في ظلمة الدّياجير
وقام هذا يبوس ذاك، وذا ... يعنق هذا بغير تقدير [7]
وأزدوج القوم في الظلام فما ... تسمع إلّا الرّشاء في البير [8]
فما يصلّون عند خلوتهم ... إلّا صلاة بغير تطهير
/ أوحشت الدار من ضيائك وال ... بيت إلى مطبخ وتنّور [9]
إلى الرواقين فالمجالس فال ... مربد مذغبت غير معمور [10]
__________
[1] غيطلة الليل: التجاج سواده والتباس ظلامه وتراكمه.
[2] اليعفور: ظبي بلون التراب، يعني قرن كبش شبيه باليعفور.
[3] صكها: ضربها ضربا شديدا. المكاسير جمع مكسور، وفي ج «المساكين» وهو تحريف، يعني: نطحها بقرنه فما لبثت أن صارت في عداد الأشياء المكسورة المهشمة.
[4] العصر: الدهر، وجمعه أعصار.
[5] ياسره: لاينه.
[6] الطومار والطامور: الصحيفة.
[7] البوس: التقبيل، فارسي معرّب باسه يبوسه: وفي ج «يعنف» وهو تحريف. وفي كتب اللغة: «عانقه: جعل يديه على عنقه وضمه إلى نفسه» وهذا هو المعنى المراد في البيت، وليس فيها بهذا المعنى إلا صيغة «عانق» وقد استعمل الشاعر أعنق بمعنى عانق.
[8] الرشاء: الحبل، وقد كنى بذلك عما يستقبح ذكره.
[9] التنور: الكانون يخبز فيه. وهذا البيت في ج هكذا:
قد أوحشت من ضيائك الدار ... والبيت إلى مطبخ وتنور
وهو غير مستقيم الوزن.
[10] الرواق ككتاب وغراب: سقف في مقدّم البيت. والمربد: محبس الإبل، من ربد الإبل كنصر ربدا: حبسها.
قلبي حزين عليك إذ بخلت ... عليك بالدمع عين تنمير [1]
إن كان أودى بك الزمان فقد ... أبقيت منك الحديث في الدّور
دع ذكرها واهج قرن ناطحها ... وأسرد أحاديثه بتفسير [2]
كان حديثي أني اشتريت فما اش ... تريت كبشا سليل خنزير
فلم أزل بالنّوى أسمّنه ... والتبن والقتّ والأثاجير [3]
أبرّد الماء في القلال له ... وأتّقي فيه كلّ محذور [4]
تخدمه طول كلّ ليلتها ... خدمة عبد بالذل مأسور
وهي من التّيه ما تكلّمني ال ... فصيح إلا من بعد تفكير
شمس كأنّ الظلام ألبسها ... ثوبا من الزّفت أو من القير [5]
/من جلدها خفّها وبرقعها ... حوراء في غير خلقة الحور [6]
فلم يزل يغتذي السرور، وما ال ... محزون في عيشة كمسرور [7]
حتى عدا طوره، وحقّ لمن ... يكفر نعمى بقرب تغيير
فمدّ قرنيه نحو مسرجة ... تعدّ في صون كلّ مذخور
شدّ عليها بقرن ذي حنق ... معوّد للنّطاح مشهور
وليس يقوى بروقه جبل ... صلد من الشّمّخ المذاكير [8]
فكيف تقوى عليه مسرجة ... أرقّ من جوهر القوارير
/ تكسّرت كسرة لها ألم ... وما صحيح الهوى كمكسور [9]
__________
[1] الظاهر أن «تنمير» اسم امرأته.
[2] كلمة «ناطحها» ساقطة من ج. وفيها أيضا «و أيسر أحاديثه» وهو تحريف.
[3] القت: الرطبة من علف الدواب. والثجير: ثفل كل شيء يعصر، وقد جمعه الشاعر على أثاجير، والظاهر أنه جمع جمع لأثجرة، وأثجرة جمع ثجير.
[4] القلال: جمع قلة مثل برمة وبرام، وربما قيل: قلل مثل غرفة وغرف.
[5] استطرد في هذا البيت وما بعده إلى وصف خادمته فقال: إنها كالشمس، يريد في جمالها وإن كانت سوداء. والقير والقار: الزفت، وفي ج «ثوبا من الوقت» وهو تحريف.
[6] الحور: شدّة سواد العين في شدّة بياضها في شدّة بياض الجسد، ولا تسمى حوراء حتى تكون مع حور عينيها بيضاء لون الجسد، ولذا قال: غير خلقة الحور.
[7] في ج «فلم يزل يفتد» وهو تحريف.
[8] الروق: القرن. والصلد: الصلب. والشامخ: المرتفع الشاهق. مذاكير: جمع ذكر على غير قياس، وقد وصفوا بهذا اللفظ يريدون الدلالة على قوّة الموصوف وشدّته، فقالوا: رجل ذكر أي قوي شجاع. ومطر ذكر أي شديد وابل، وقول ذكر أي رصين، وشعر ذكر أي فحل، وقال الشاعر:
ما أنت والسير في متلف ... يبرّح بالذكر الضابط
أي بالجمل القويّ الشديد.
[9] في ج: «و لا تكسرت».
فأدركته شعوب فانشعبت ... بالرّوع والشّلو غير مقتور [1]
أديل منه فأدركته يد ... من المنايا بحدّ مطرور [2]
يلتهب الموت في ظباه كما ... تلتهب النار في المساعير [3]
/و مزّقته المدى فما تركت ... كفّ القرا منه غير تعسير [4]
واغتاله بعد كسرها قدر ... صيره نهزة السّنانير [5]
فمزّقت لحمه براثنها ... وبذّرته أشدّ تبذير [6]
واختلسته الحداء خلسا مع ال ... غربان لم تزدجر لتكبير [7]
وصار حظّ الكلاب أعظمه ... تهشم أنحاءها بتكسير [8]
كم كاسر نحوه وكاسرة ... سلاحها في شفا المناقير [9]
وخامع نحوه وخامعة ... سلاحها في شبا الأظافير [10]
قد جعلت حول شلوه عرسا ... بلا افتقار إلى مزامير
ولا مغنّ سوى هماهمها ... إذا تمطّت لوارد العير [11]
يا كبش ذق إذ كسرت مسرجتي ... لمدية الموت كأس تنحير [12]
بغيت ظلما والبغي مصرع من ... بغى على أهله بتغيير
أضحيّة ما أظن صاحبها ... في قسمه لحمها بمأجور
سرق منه قرطاس فرثاه
أخبرني الحسن بن عليّ الشّيباني قال: دخلت على أبي الشبل يوما فوجدت تحت مخدّته ثلث قرطاس،
__________
[1] شعوب: المنية. وقتر الشي ء: ضم بعضه إلى بعض. والروع: القلب. والشلو: الجسد.
[2] أداله اللّه من عدوّه: جعل له الغلبة عليه. والطر: تحديد السكين. والتقدير: بحد سكين مطرور.
[3] الظبي جمع ظبة، وهي حد السنان ونحوه، استعمل الجمع هنا في موضع المفرد. والمساعير مع مسعار، والمسعار والمسعر: ما سعر به أي أوقد به النار.
[4] قراه قرى: أضافه. والتعسير: التضييق، والمراد به هنا القليل، أي أن القرى لم يبق لنا من لحمه إلا اليسير.
[5] النهزة: الفرصة. والسنانير: جمع سنور.
[6] براثن: جمع برثن كبرقع، وهو الكف مع الأصابع.
[7] الخلس: الاختلاس.
[8] في ج «يهشم ألحاها» وفي ب، س «يهشم ألحاءها» وهو تحريف.
[9] الشفا: حرف كل شيء.
[10] جمع في مشيته كمنع: عرج. والشبا: جمع شباة، وهي حد كل شيء. والأظافير: جمع أظفور لغة في الظفر.
[11] هماهم: جمع همهمة، وهي ترديد الصوت في الصدر وكل صوت معه بحح. لوارد العير: أي للغير الواردة، والعير: الإبل يحمل الميرة.
[12] نحره نحرا: ذبحه، وقد ضعفه الشاعر فقال: «تنحير» للشعر.
فسرقته منه ولم يعلم بي، فلما كان بعد أيام جاءني فأنشدني لنفسه يرثي ذلك الثلث القرطاس.
فكر تعتري وحزن طويل ... وسقيم أنحى عليه النّحول
ليس يبكي رسما ولا طللا محّ ... كما تندب الرّبا والطّلول [1]
إنما حزنه على ثلث كا ... ن لحاجاته فغالته غول [2]
كان للسر والأمانة والكت ... مان إن باح بالحديث الرسول
كان مثل الوكيل في كلّ سوق ... إن تلكّا أو ملّ يوما وكيل
كان للهمّ إن تراكم في الصد ... ر فلم يشف من عليل غليل [3]
لم يكن يبتغي الحجاب من الحجاب ... إن قيل ليس فيها دخول [4]
إن شكا حاجبا تشدّد في الإذ ... ن فللحاجب الشقيّ العويل [5]
يرفع الخير عنه والرزق والكس ... وة فهو المطرود وهو الذليل [6]
كان يثنى في جيب كلّ فتاة ... دونها خندق وسور طويل [7]
يقف الناس وهو أوّل من يد ... خله القصر غادة عطبول [8]
فإذا أبرزته باح به في ال ... قصر مسك وعنبر معلول [9]
/و له الحبّ والكرامة ممن ... بات صبّا والشمّ والتقبيل [10]
ليس كالكاتب الّذي بأبي الخطّاب ... يكنى قد شابه التطفيل [11]
ذا كريم يدعي، وهذا طفيليّ ... وهذا وذا جميعا دليل [12]
ذاك بالبشر والجماعة يلقى ... ولهذا الحجاب والتنكيل [13]
__________
[1] محت الدار: عفت.
[2] غالته غول: أهلكته هلكة.
[3] الغليل: حرارة الجوف.
[4] في ج «لا يبتغي الحجاب» ولا يستقيم به الوزن.
[5] إن شكا حاجبا، أي إن شكوت فيه حاجبا.
[6] في الأصول: «الحبر عنه والورق» وهو تحريف.
[7] في س «حيب» وهو تصحيف.
[8] العطبول: المرأة الفتية الجميلة الممتلئة الطويلة العنق.
[9] معلول: مضاعف، من العلل كسبب وهو الشرب بعد الشرب تباعا، وقد عله كضرب ونصر فهو معلول، ومنه قول كعب بن زهير:
كأنه منهل بالراح معلول
وفي حديث علي رضي اللّه عنه: من جزيل عطائك المعلول. وفي ج «فإذا بررته» وهو تحريف.
[10] في ج «و الستم»، وفي ب، س «و اللثم».
[11] في الأصول: «لأبي الخطاب» وهو تحريف. ويقال: طفل تطفيلا وتطفل تطفلا.
[12] في ب وس «ذليل»، وهو تصحيف، يعني أن كليهما دليل يتقدّم لقضاء حاجة صاحبه، لكنهما يفترقان في مظهرهما، فهذا كريم وهذا طفيلي.
[13] في س «و المجاعة»، وهو تحريف صوابه ما أثبتنا كما في ج وب.
لم يفد وفده الزمان على الأل ... سن منه عطف ولا تنويل
كان مع ذا عدل الشهادة مقبو ... لا إذا عزّ شاهدا تعديل
وإذا ما التوى الهوى بالأليفي ... ن فلم يرع واصلا موصول [1]
فهو الحاكم الّذي قوله بي ... ن الأليفين جائز مقبول
فلئن شتّت الزمان به شم ... ل دواتي وحان منه رحيل [2]
لقديما ما شتّت البين والأل ... فة من صاحب، فصبر جميل [3]
لا تلمني على البكاء عليه ... إنّ فقد الخليل خطب جليل
قال: فرددته عليه، وكان اتّهم به أبا الخطّاب الّذي هجاه في هذه القصيدة، فقال لي: ويلك، نجّيت [4] ووقع أبو الخطّاب بلا ذنب، ولو عرفت أنّك صاحبها لكان هذا لك، ولكنّك قد سلمت.
__________
[1] في الأصول: «فاصلا»، وهو تحريف، أي فلم يرع محبا حبيب.
[2] في ب، س «دوائي»، وهو تحريف.
[3] البين هنا: الوصل.
[4] في ج «ويلك جيت»، وهو تحريف.
16 - أخبار عثعث
نسبه
كان عثعث أسود مملوكا لمحمّد بن يحيى بن معاذ، ظهر له منه طبع وحسن أخذ وأداء، فعلّمه الغناء، وخرّجه وأدّبه، فبرع في صناعته، ويكنى أبا دليجة وكان مأبونا؛ واللّه أعلم.
أخبرني بذلك محمّد بن العبّاس اليزيديّ عن ميمون بن هارون قال: حدّثني عثعث الأسود، قال: مخارق كناني بأبي دليجة، وكان السبب في ذلك أن أوّل صوت سمعني أغنّيه:
أبا دليجة من توصي بأرملة ... أم من لأشعث ذي طمرين ممحال [1]
فقال لي: أحسنت يا أبا دليجة، فقبلتها وقبّلت يده، وقلت: أنا يا سيّدي أبا المهنّا؛ أتشرّف بهذه الكنية إذا كانت نحلة [2] منك. قال ميمون: وكان مخارق يشتهي غناءه ويحزنه إذا سمعه.
ما وقع له في مجلس غناء
قال أبو الفرج: نسخت من كتاب عليّ بن محمّد بن نصر بخطّه، حدّثني يعني ابن حمدون قال: كنا يوما مجتمعين في منزل أبي عيسى بن المتوكّل، وقد عزمنا على الصّبوح ومعنا جعفر بن المأمون، وسليمان بن وهب، وإبراهيم بن المدبّر، وحضرت عريب وشارية وجواريّهما، ونحن في أتم سرور،. فغنّت بدعة جارية عريب:
أعاذلتي أكثرت جهلا من العذل ... على غير شيء من ملامي وفي عذلي
/ والصنعة لعريب؛ وغنّت عرفان:
إذا رام قلبي هجرها حال دونه ... شفيعان من قلبي لها جدلان
والغناء لشارية، وكان أهل الظّرف والمتعانون [3] في ذلك الوقت صنفين: عريبيّة وشاريّة [4]،/فمال كل حزب إلى من يتعصب له منهما من الاستحسان والطرب والاقتراح، وعريب وشارية ساكتتان لا تنطقان، وكل واحدة من جواريهما تغنّي صنعة ستّها لا تتجاوزها، حتى غنّت عرفان:
بأبي من زارني في منامي ... فدنا منّي وفيه نفار
فأحسنت ما شاءت، وشربنا جميعا، فلما أمسكت قالت عريب لشارية: يا أختي لمن هذا اللّحن؟ قالت: لي، كنت صنعته في حياة سيّدي، تعني إبراهيم بن المهديّ، وغنّيته إياه فاستحسنه، وعرضه على إسحاق وغيره فاستحسنوه،
__________
[1] البيت لأوس. وفي ب «أم لأشعث»، وفي س «لم توصى أم لأشعث» وفيه تحريف وسقط، والتصويب عن ج. والأشعث: المغبر، الرأس. والطمر: الثوب الخلق. ممحال: من المحل، وهو الجدب.
[2] النحلة: العطية.
[3] في ج: «و المتعاينون»، وهو تحريف.
[4] في الأصول: «و شروية»، وهو تحريف.
فأسكتت [1] عريب، ثم قالت لأبي عيسى: أحب يا بنيّ [2] - فديتك - أن تبعث إلى عثعث فتجيئني به، فوجّه إليه، فحضر وجلس، فلما اطمأن وشرب وغنّى، قالت له: يا أبا دليجة أو تذكر صوت زبير بن دحمان عندي وأنت حاضر، فسألته أن يطرحه عليك؟ قال: وهل تنسى العذراء أبا عذرها [3]، نعم، واللّه إني لذاكره حتّى كأننا أمس افترقنا عنه. قالت: فغنّه، فاندفع فغنّى الصوت الّذي ادّعته شارية حتى استوفاه/ وتضاحكت عريب، ثم قالت لجواريّها: خذوا في الحقّ، ودعونا من الباطل، وغنّوا الغناء القديم. فغنّت بدعة وسائر جواري عريب، وخجلت شارية وأطرقت وظهر الانكسار فيها، ولم تنتفع هي يومئذ بنفسها، ولا أحد من جواريّها ولا متعصّبيها أيضا بأنفسهم.
غناؤه في مجلس المتوكل
قال: وحدّثني يحيى بن حمدون قال: قال لي عثعث الأسود: دخلت يوما على المتوكّل وهو مصطبح وابن المارقيّ يغنّيه قوله:
أقاتلتي بالجيد والقدّ والخدّ ... وباللون في وجه أرقّ من الورد
وهو على البركة جالس، قد طرب واستعاده الصوت مرارا وأقبل عليه، فجلست ساعة ثم قمت لأبول، فصنعت هزجا في شعر البحتريّ الّذي يصف فيه البركة:
صوت
إذا النجوم تراءت في جوانبها ... ليلا حسبت سماء ركّبت فيها
وإن علتها الصّبا أبدت لها حبكا ... مثل الجواشن مصقولا حواشيها [4]
وزادها زينة من بعد زينتها ... أن اسمه يوم يدعى من أساميها
فما سكت ابن المارقي سكوتا مستوجبا حتى اندفعت أغنّي هذا الصوت، فأقبل عليّ وقال لي: أحسنت وحياتي، أعد، فأعدت، فشرب قدحا، ولم يزل يستعيدنيه ويشرب حتى اتكأ، ثم قال للفتح: بحياتي ادفع إليه الساعة ألف دينار وخلعة تامّة واحمله على شهري [5] فاره بسرجه ولجامه، فانصرفت بذلك أجمع.
نسبة ما في هذه الأخبار من الغناء
صوت
أعاذلتي أكثرت جهلا من العذل ... على غير شيء من ملامي ولا عذلي
__________
[1] يقال: تكلم ثم سكت بغير ألف، فإذا انقطع كلامه فلم يتكلم قيل أسكت.
[2] هكذا في ج. وفي ب، س: «بأبي فديتك».
[3] العذرة بالضم: البكارة، وهو أبو عذرها وأبو عذرتها: إذا كان قد افتضها.
[4] الصبا: الريح تهب من مطلع الشمس. والحبك: التكسر الّذي يبدو على الماء إذا مرت به الريح. والجواشن: جمع جوشن، وهو الدرع.
[5] الشهرية: ضرب من البراذين. الفاره: الجيّد السير.
/
نأيت فلم يحدث لي الناس سلوة ... ولم ألف طول [النأي] [1] عن خلة يسلي
عروضه من الطويل، الشعر لجميل، والغناء لعريب، ثقيل أوّل بالبنصر، ومنها:
صوت
إذا رام قلبي هجرها حال دونه ... شفيعان من قلبي لها جدلان
إذا قلت لا، قالا بلى، ثم أصبحا ... جميعا على الرأي الّذي يريان
عروضه من الطويل، والناس ينسبون هذا الشعر إلى عروة بن حزام، وليس له.
الشعر لعليّ بن عمرو الأنصاري، رجل من أهل الأدب والرواية، كان بسرّ من رأى كالمنقطع إلى إبراهيم بن المهدي، والغناء لشارية، ثقيل أول بالوسطى، وقيل إنه من صنعة إبراهيم، ونحلها إيّاه، وفيه لعريب خفيف رمل بالبنصر.
ومنها:
صوت
بأبي من زارني في منامي ... فدنا منّي وفيه نفار
ليلة بعد طلوع الثّريّا ... وليالي الصّيف بتر قصار
قلت هلكي أم صلاحي فعطفا ... دون هذا منك فيه الدّمار
فدنا منّي وأعطى وأرضى ... وشفى سقمي ولذّ المزار
/ لم يقع إلينا لمن الشعر، والغناء لزبير بن دحمان، ثقيل أوّل بالوسطى، وهو من جيّد صنعته وصدور أغانيه.
غناؤه في شعر
أخبرني ابن عليّ قال: حدّثنا ابن مهرويه قال: حدّثنا أحمد بن طيفور قال: كتب صديق لأحمد بن يوسف الكاتب في يوم دجن: «يومنا يوم ظريف النّواة، رقيق الحواشي، قد رعدت سماؤه وبرقت، وحنّت وارجحنّت [2]، وأنت قطب السرور، ونظام الأمور، فلا تفردنا منك فنقلّ، ولا تنفرد عنّا فنذلّ، فإنّ المرء بأخيه كثير، وبمساعدته جدير». قال: فصار أحمد بن يوسف إلى الرجل، وحضرهم عثعث بن الأسود، فقال أحمد:
صوت
أرى غيما يؤلّفه جنوب ... وأحسبه سيأتينا بهطل
فعين الرأي أن تأتي برطل ... فتشربه وتدعو لي برطل
__________
[1] هذه الكلمة أو ما يفيد معناها ساقطة من الأصول، كما يدل عليها قوله «نأيت» في أول البيت. وفي ب، س: «طولا». الخلة:
الخليلة.
[2] ارجحن السحاب: مال من ثقله.
وتسقيه ندامانا جميعا ... فينصرفون عنه بغير عقل
فيوم الغيم يوم الغمّ [1] إن لم ... تبادر بالمدامة كلّ شغل
ولا تكره محرّمها عليها ... فإنّي لا أراه لها بأهل
قال: وغنّى فيه عثعث اللّحن المشهور الّذي يغنّى به اليوم.
صوت
ترى الجند والأعراب يغشون بابه ... كما وردت ماء الكلاب هو امله [2]
إذا ما أتوا أبوابه قال: مرحبا ... لجوا الدار حتى يقتل الجوع قاتله
عروضه من الطويل. الهوامل: الّتي لا رعاء لها، ولجوا: ادخلوا، يقال: ولج يلج ولجا. وقوله:/ «حتى يقتل الجوع قاتله»: أي يطعمكم فيذهب جوعكم، جعل الشّبع قاتلا للجوع.
الشعر لعبد اللّه بن الزّبير الأسدي، والغناء لابن سريج، رمل بالسّبابة في مجرى الوسطى عن إسحاق.
__________
[1] في الأصول: «الغيم» وهو تحريف.
[2] هوامل: جمع هامل، وهي المسيبة لا راعي لها. والكلاب: يوم من أيام العرب المشهورة.
17 - أخبار عبد اللّه بن الزّبير ونسبه
نسبه
عبد اللّه بن الزّبير بن الأشم بن الأعشى بن بجرة بن قيس بن منقذ بن طريف بن عمرو بن قعين بن الحرث بن ثعلبة بن دودان [1] بن أسد بن خزيمة.
أخبرني بذلك أحمد عن الخرّاز عن ابن الأعرابي؛ وهو شاعر كوفيّ المنشأ والمنزل، من شعراء الدولة الأمويّة، وكان من شيعة بني أميّة وذوي الهوى فيهم والتعصّب والنّصرة على عدوّهم، فلما غلب مصعب بن الزبير على الكوفة أتي به أسيرا فمنّ عليه ووصله وأحسن إليه، فمدحه وأكثر، وانقطع إليه، فلم يزل معه حتى قتل مصعب، ثم عمي عبد اللّه بن الزبير بعد ذلك، ومات في خلافة عبد الملك بن مروان، ويكنى عبد اللّه أبا كثير، وهو القائل يعني نفسه:
فقالت: ما فعلت أبا كثير ... أصح الودّ أم أخلفت بعدي؟ [2]
وهو أحد الهجّائين للناس، المرهوب شرّهم.
خبره مع عبد الرحمن بن أم الحكم
قال ابن الأعرابي: كان عبد الرحمن بن أم الحكم على الكوفة من قبل خاله معاوية بن أبي سفيان، وكان ناس من بني علقمة بن قيس بن وهب بن الأعشى بن بجرة بن قيس بن منقذ قتلوا رجلا من بني الأشيم، من رهط عبد اللّه بن الزّبير دنية [3]، فخرج عبد الرحمن بن أمّ الحكم وافدا إلى معاوية، ومعه ابن الزبير ورفيقان/ له من بني أسد، يقال لأحدهما أكل [4] بن ربيعة من بني جذيمة [5] بن مالك بن نصر بن قعين، وعديّ بن الحرث أحد بني العدان [6] من بني نصر، فقال عبد الرحمن بن أم الحكم لابن الزّبير: خذ من بني عمّك ديتين لقتيلك، فأبى ابن
__________
[1] في الأصول «داود» وهو تحريف، والتصويب عن «العقد الفريد» 2: 47.
[2] سيرد هذا البيت بعد، وآخره: «أم أخلفت عهدي».
[3] دنية: لحّا.
[4] كذا في الأصول: «أكل»، ولعله «أكيل» كزبير أو «اكتل» كأحمد، وقد سمت بهما العرب، جاء في «تاج العروس» مستدرك مادة أكل: «و كزبير أكيل أبو حكيم مؤذن مسجد إبراهيم النخعي، وموسى بن أكيل روى عنه إسماعيل بن أبان الوراق» وجاء في «تاج العروس»: «أكتل: لص من لصوص البادية، قال الشاعر:
إن بها أكتل أو رزاما ... خويربين ينفقان الهاما
وأكتل بن الشماخ العكلي، شهد الجسر مع أبي عبيدة، محدث حدث عنه الشعبي».
[5] في الأصول: «خزيمة» وهو تحريف.
[6] في ب، س «الفذان» وهو تحريف وصوابه «العدان» وفي «تاج العروس» مستدرك مادة عدن: والعدان: قبيلة من بني أسد، وقد جاء في قصيدة لزهير بن أبي سلمى في مدح سنان بن أبي حارثة المري:
فلست بتارك ذكرى سليمى ... وتشبيني بأخت بني العدان
انظر «شرح ديوان زهير لأبي العباس ثعلب» ص 305 طبع دار الكتب.
الزبير، وكان ابن أم الحكم يميل إلى أهل القاتل، فغضب عليه عبد الرحمن وردّه عن الوفد من منزل يقال له فيّاض، فخالف ابن الزبير الطريق إلى يزيد بن معاوية، فعاذ به، فأعاذه وقام بأمره، وأمره [1] يزيد بأن يهجو ابن أمّ الحكم، وكان يزيد يبغضه وينتقصه ويعيبه، فقال فيه ابن الزبير قصيدة أوّلها قوله:
أبى الليل بالمرّان أن يتصرّما ... كأني أسوم العين نوعا محرّما [2]
/وردّ بثنييه كأن نجومه ... صوار تناهى من إران فقوّما [3]
إلى اللّه أشكو لا إلى الناس أنني ... أمصّ بنات الدر ثديا مصرّما [4]
وسوق نساء يسلبون ثيابها ... يهادونها همدان رقّا وخثعما [5]
على أي شيء يا لؤيّ بن غالب ... تجيبون من أجرى عليّ وألجما [6]
وهاتوا فقصّوا آية تقرءونها ... أحلّت بلادي أن تباح وتظلما
وإلّا فأقصى اللّه بيني وبينكم ... وولّى كثير اللؤم من كان ألأما [7]
وقد شهدتنا من ثقيف رضاعة ... وغيّب عنها الحوم قوّام زمزما [8]
/بنو هاشم لو صادفوك تجدّها ... مججت ولم تملك حياز يمك الدما [9]
ستعلم إن زلّت بك النعل زلة ... وكلّ امرىء لاقي الّذي كان قدّما
__________
[1] في ب، س «و أمر».
[2] مران: موضع على ليلتين من مكة على طريق البصرة. يتصرم: ينقضي. أسوم: أكلف.
[3] ثنيا الحبل: طرفاه. الصوار ككتاب وغراب: القطيع من البقر. تناهى الشي ء: بلغ نهايته. الإران: النشاط. فقوّما: جاء في كتب اللغة: قامت به دابته: إذا كلت وأعيت فوقفت ولم تسر، ومنه قوله تعالى: وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا
أي وقفوا وثبتوا في مكانهم غير متقدّمين ولا متأخرين، ولعل «قوّم» في البيت من ذاك، فهي مضعف قام بهذا المعنى، والتضعيف للتكثير كما في طوّف وجوّل وموّت وحوّم ...
[4] الدر: اللبن. ويقال: ناقة مصرمة، وذلك أن يقطع ضرعها فلا يخرج اللبن، وهو أقوى لها، أو أن يصيب ضرعها شيء فيكوى بالنار فلا يخرج منه لبن أبدا. ثديا: بدل من بنات الدر، أي أمص بنات الدر ثديا مصرما منها.
[5] في ب وس «تهب دونها» وفي ج «تهبدونها» بوصل الكلمتين ولعل الصواب ما أثبتنا. يهادونها أي يهدونها. الرق: العبودية.
همدان وخثعم: قبيلتان كبيرتان من عرب اليمن من بني كهلان. والمعنى: يهدونهنّ رقيقات إلى همدان وخثعم.
[6] لؤي بن غالب: يعني معاوية وعشيرته، فهو معاوية بن أبي سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر وهو قريش. أجرى أي أجرى الخيل للغارة عليّ.
[7] فأقصى أي أبعد. وفي الأصول «فأقضى» وهو تصحيف.
[8] قوّام أي القائمون على زمزم، المتولون سقاية الحاج منها، وزمزم: بئر بمكة أنبع اللّه عينها لإسماعيل وأمه هاجر حين أسكنهما إبراهيم مكة، ثم طمت تلك البئر وما زالت مطمومة إلى زمن عبد المطلب بن هاشم، فأتاه آت وهو نائم بالحجر فأمره بحفرها فحفرها وأقام سقاية زمزم للحاج، وكانت السقاية في الجاهلية بيد ابنه أبي طالب، ثم سلمها إلى أخيه العباس.
يقول: إن لنا رضاعة في ثقيف - وقد كان والد عبد الرحمن المذكور من ثقيف كما سيأتي بعد - أي أنه يجمعني وإياك أخوة رضاعة وصلة ماسة كان جديرا بك أن تقدّرها وترعاها، ثم عطف فقال: وقد نفى الدنس والنقص عن تلك الرضاعة أشراف بني هاشم القائمون على زمزم.
[9] تجدها: تقطعها. صادفه: وجده ولقيه، مججت: من مجّ الشراب من فيه: رماه. حيازيم. جمع حيزوم: وهو وسط الصدر وما يضم عليه الحزام. يقول: إن بني هاشم لو وجدوك تقطع هذه العلاقة الّتي تربطني بك، أي لو وجدوك تعدو عليّ ولا ترعى حتى صلتي بك لأراقوا دمك ولم تشدد حيازيمك حيالهم.
بأنك قد ماطلت أنياب حيّة ... تزجّي بعينيها شجاعا وأرقما [1]
وكم من عدوّ قد أراد مساءتي ... بغيب ولو لاقيته لتندّما
وأنتم بني حام بن نوح أرى لكم ... شفاها كأذناب المشاجر ورما [2]
فإن قلت خالي من قريش فلم أجد ... من الناس شرّا من أبيك وألأما [3]
صغيرا ضغا في خرقة فأمضّه ... مربّيه حتى إذ أهمّ وأفطما [4]
رأى جلدة من آل حام متينة ... ورأسا كأمثال الجريب مؤوّما [5]
وكنتم سقيطا في ثقيف، مكانكم ... بني العبد، لا توفي دماؤكمو دما [6]
شعره حين عزل عبد الرحمن عن الكوفة
قال ابن الأعرابي: ثم عزل ابن أم الحكم عن الكوفة، ووليها عبيد اللّه [7] بن زباد، فقال ابن الزبير:
أبلغ عبيد اللّه عنّي فإنني ... رميت ابن عوذ إذ بدت لي مقاتله [8]
على قفرة إذ هابه الوفد كلّهم ... ولم أك أشوي القرن حين أناضله [9]
وكان يمارى من يزيد بوقعة ... فما زال حتى استدرجته حبائله [10]
فتقصيه من ميراث حرب ورهطه ... وآل إلى ما ورّثته أوائله [11]
وأصبح لمّا أسلمته حبالهم ... ككلب القطار حلّ عنه جلاجله
ونسخت من كتاب جدّي لأمّي يحيى بن محمّد بن ثوابة، قال يحيى بن حازم وحدّثنا عليّ بن صالح صاحب المصلّى عن القاسم بن معدان: أن عبد الرحمن بن أمّ الحكم غضب على عبد اللّه بن الزّبير الأسديّ لما بلغه أنّه
__________
[1] عني بالحية نفسه. تزجى: تسوق. والشجاع كغراب وكتاب: الحية أو الذكر منها، وجمعه شجعان بالكسر والضم. والأرقم: أخبث الحيات، أو ما فيه سواد وبياض، أو ذكر الحيات. يقول: ستعلم عندئذ أنك قد تعرّضت لمعاداة رجل مرهوب جانبه، مخشيّ بأسه، كالحية، له نصراء يؤازرونه من عشيرته أمثال الشجعان والأراقم.
[2] المشاجر: جمع مشجر (بكسر الميم وفتحها)، وهو عود الهودج. ورّم: جمع وارمة.
[3] أبوه هو عبد اللّه بن عثمان بن عبد اللّه بن ربيعة بن الحرث الثقفي.
[4] ضغا: صاح وضجّ. أمضه: آلمه وشق عليه. أهمّ، أي أهمّ آله وذويه، أي بلغ مبلغا جعلهم يهتمون له ويتعلقون به. أفطم: حان أن يفطم، وفي ج «حتى إذا لهم أفطما» وهو تحريف.
[5] الجريب: مكيال قدر أربعة أقفزة. المؤوّم: العظيم الرأس أو المشوّه.
[6] السقيط: الأحمق الناقص العقل. وجاء في «مستدرك» (سقط) في «تاج العروس»: وقوم سقاط بالكسر جمع ساقط كنائم ونيام وسقيط وسقاط كطويل وطوال.
[7] ولي معاوية عبد الرحمن الكوفة بعد عزل الضحاك بن قيس سنة 58 ه ثم عزله عنها سنة 59 واستعمل عليها النعمان بن بشير الأنصاري، ومات معاوية سنة 60 وولى ابنه يزيد الخلافة، وبقي النعمان واليا على الكوفة، فلما كاتب أهلها الحسين رضي اللّه عنه ليبايعوه بالخلافة وبعث إليهم مسلم بن عقيل، بعث يزيد إلى عبيد اللّه بن زياد وكان على البصرة فولاه الكوفة مع البصرة.
[8] من أسمائهم «عوذ» والمفهوم هنا أن «ابن عوذ» كنية عبد الرحمن.
[9] في ب وس «أثوي القرن حتى»، وهو تحريف.
[10] في ب، س «من يريد»، وهو تصحيف صوابه «من يزيد» وهو يزيد بن معاوية.
[11] في ج «فتقضيه ميراث»، وهو تحريف.
هجاه، فهدم داره، فأتى معاوية فشكاه إليه، فقال له: كم كانت قيمة دارك؟ فاستشهد أسماء بن خارجة، وقال له:
سله عنها؛ فسأله؛ فقال: ما أعرف يا أمير المؤمنين قيمتها،/ ولكنه بعث إلى البصرة بعشرة آلاف درهم للساج [1]، فأمر له معاوية بألف [2] درهم، قال: وإنما شهد له أسماء كذلك ليرفده [3] عند معاوية، ولم تكن داره إلّا خصاص قصب.
وكان عبد الرحمن بن أمّ الحكم لمّا ولي الكوفة أساء بها السيرة، فقدم قادم من الكوفة إلى المدينة، فسألته امرأة عبد الرحمن عنه، فقال لها: تركته يسأل إلحافا، وينفق إسرافا، وكان محمّقا [4]، ولاه معاوية خاله عدّة أعمال، فذمّه أهلها وتظلّموا منه، فعزله وأطرحه [5]، وقال له: يا بنّي، قد جهدت أن أنفّقك [6] وأنت تزداد كسادا.
/ وقالت له أخته أمّ الحكم بنت أبي سفيان بن حرب: يا أخي، زوّج ابني بعض بناتك؛ فقال: ليس لهنّ بكف ء؛ فقالت له: زوّجني أبو سفيان أباه، وأبو سفيان خير منك، وأنا خير من بناتك، فقال لها: يا أخيّة، إنما فعل ذلك أبو سفيان لأنه كان حينئذ يشتهي الزّبيب، وقد كثر الآن الزبيب [7] عندنا، فلن نزوّج إلّا كفئا.
خبره مع عمرو بن عثمان بن عفان
حدّثنا الحسن بن الطيّب البلخي قال: حدّثني أبو غسّان قال: بلغني أن أوّل من أخذ بعينة [8] في الإسلام عمرو بن عثمان بن عفّان، أتاه عبد اللّه بن الزّبير الأسدي، فرأى عمرو تحت ثيابه ثوبا رثّا، فدعا وكيله وقال:
اقترض لنا مالا؛ فقال: هيهات! / ما يعطينا التجار شيئا. قال: فأربحهم [9] ما شاءوا، فاقترض له ثمانية آلاف درهم، وثانيا عشرة آلاف، فوجّه بها إليه مع تخت [10] ثياب، فقال عبد اللّه بن الزبير في ذلك:
__________
[1] الساج: خشب يجلب من الهند، أسود رزين يشبه الآبنوس، وهو أقل سوادا منه، ولا تكاد الأرض تبليه.
[2] هكذا في الأصول. وهو غير ظاهر؛ وقد تكررت هذه القصة في آخر الترجمة، وفيها: « ... أعطاني عشرين ألف درهم وسألني أن أبتاع له بها ساجا من البصرة ففعلت ... وأمر معاوية له بها».
[3] الإرفاد: الإعانة.
[4] أي ينسب إلى الحمق. وفي ب، س «و كان مخفا» وهو تحريف، والتصويب عن ط.
[5] جاء في «تاريخ الطبري» 6: 174 «استعمله معاوية على الكوفة فأساء السيرة فيهم فطردوه، فلحق بمعاوية وهو خاله، فقال له:
أوليك خيرا منها، مصر، فولاه فتوجه إليها، وبلغ معاوية بن حديج الخبر، فخرج فاستقبله على مرحلتين من مصر فقال: ارجع إلى خالك فلعمري لا تسير فينا سيرتك في إخواننا من أهل الكوفة، فرجع إلى معاوية، وأقبل معاوية بن حديج وافدا، وكان إذا جاء صربت له قباب الريحان، فدخل على معاوية وعنده أم الحكم، فقالت: من هذا يا أمير المؤمنين؟ قال: بخ، هذا معاوية بن حديج، قالت: لا مرحبا به «تسمع بالمعيديّ خير من أن تراه» فقال: على رسلك يا أم الحكم، أما واللّه لقد تزوّجت فما أكرمت، وولدت فما أنجبت، أردت أن يلي ابنك الفاسق علينا فيسير فينا كما سار في إخواننا من أهل الكوفة، ما كان اللّه ليريه ذلك، ولو فعل ذلك لضربناه ضربا يطأطىء منه، وإن كره ذلك الجالس، فالتفت إليها معاوية فقال: كفى».
[6] جهد كمنع: جدّ. ونفق السلعة: روّجها.
[7] تقدّم أن أبا عبد الرحمن من ثقيف، وكانت ثقيف تنزل بالطائف، وفي الطائف تكثر البساتين وكروم العنب، ولذا كان الزبيب فيها كثيرا، وقد ذكروا أن الحجاج الثقفي كان أوّل أمره يبيع الزبيب بالطائف. يقول: حسبنا ما كان من مصاهرة أبي سفيان ثقيفا، ولسنا نرغب بعد في مصاهرتهم.
[8] العينة: الربا.
[9] في ج: «فأربحوا» وهو تحريف.
[10] التخت: وعاء تصان فيه الثياب.
سأشكر عمرا إن تراخت منيّتي ... أيادي لم تمنن وإن هي جلّت [1]
فتى غير محجوب الغنى عن صديقه ... ولا مظهر الشكوى إذا النعل زلّت
رأى خلّتي من حيث يخفى مكانها ... فكانت قذى عينيه حتى تجلّت [2]
مدحه أسماء بن خارجة
أخبرني الحسين بن القاسم الكوكبيّ إجازة قال: حدّثني أحمد بن عرفة المؤدّب قال: أخبرني أبو المصبّح [3] عادية بن المصبّح السّلولي قال: أخبرني أبي قال: كان عبد اللّه بن الزّبير الأسديّ قد مدح أسماء [4] بن خارجة الفزاريّ فقال:
صوت
تراه إذا ما جئته متهلّلا ... كأنّك تعطيه الّذي أنت نائله [5]
ولو لم يكن في كفّه غير روحه ... لجاد بها فليتّق اللّه سائله
فأثابه أسماء ثوابا لم يرضه، فغضب وقال يهجوه:
بنت لكم هند بتلذيع بظرها ... دكاكين من جصّ عليها المجالس [6]
فو اللّه لو لا رهز هند ببظرها ... لعدّ أبوها في اللئام العوابس [7]
/فبلغ ذلك أسماء، فركب إليه، فاعتذر من فعله بضيقة شكاها، وأرضاه وجعل على نفسه وظيفة [8] في كل سنة، واقتطعه جنتيه، فكان بعد ذلك يمدحه ويفضّله. وكان أسماء يقول لبنيه: واللّه ما رأيت قط جصا في بناء ولا غيره إلّا ذكرت بظر أمّكم هند فخجلت.
حبسه ابن أم الحكم وشعره
__________
[1] جاء في «وفيات الأعيان» لابن خلكان 3: 147 طبع النهضة أن هذه الأبيات لإبراهيم بن العباس الصولي، وأن عمرا المذكور في البيت هو عمرو بن مسعدة، قال: «و كان بين عمرو بن مسعدة وبين إبراهيم بن العباس الصولي مودّة، فحصل لإبراهيم ضائقة بسبب البطالة في بعض الأوقات، فبعث له عمرو مالا، فكتب إليه إبراهيم الأبيات.
[2] الخلة: الحاجة والفقر. والقذى: ما يقع في العين.
[3] في الأصول: «أبو المصيح» وهو مصحف وصوابه «أبو المصبح» وهو من كنى العرب، كنى بها أعشى همدان الشاعر الأموي.
[4] هو أسماء بن خارجة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري.
[5] تهلل وجهه: تلألأ. نائله: آخذه. ويروى «أنت سائله» أي سائله إياه. والمعروف والمشهور أن البيت الأوّل لزهير بن أبي سلمى في مدح حصن بن حذيفة بن بدر جد أسماء من قصيدته الّتي مطلعها:
صحا القلب عن سلمى وأقصر باطله ... وعرّى أفراس الصبا ورواحله
وأن البيت الثاني لأبي تمام في مدح المعتصم من قصيدته الّتي مطلعها:
أجل أيها الربع الّذي خف آهله ... لقد أدركت فيك النوى ما تحاوله
[6] كان يحيى أبو حماد عجرد مولى لبني هند بنت أسماء بن خارجة، فولدت هند من بشر بن مروان عبد الملك بن بشر ... » يريد أن هندا بزواجها من بشر أخي الخليفة عبد الملك بن مروان رفعت من قدر أهلها وهيأت لهم مجالس الشرف والرفعة.
[7] رهزها: حركتها عند الجماع. وفي ج «زهد» وهو تحريف. وفي هذا البيت إقواء.
[8] الوظيفة: ما يقدّر من رزق.
أخبرني عمّي عن ابن مهرويه، عن أبي مسلم، عن ابن الأعرابيّ قال: حبس ابن أمّ الحكم عبد اللّه بن الزّبير وهو أمير في جناية وضعها عليه، وضربه ضربا مبرّحا لهجائه إيّاه، فاستغاث بأسماء بن خارجة، فلم يزل يلطف في أمره، ويرضي خصومه ويشفع إلى ابن أمّ الحكم في أمره حتى يخلّصه، فأطلق [1] شفاعته، وكساه أسماء ووصله وجعل له ولعياله جراية [2] دائمة من ماله، فقال فيه هذه القصيدة الّتي أوّلها الصوت المذكور بذكر أخبار ابن الزّبير، يقول فيها:
ألم تر أنّ الجود أرسل فانتقى ... حليف صفاء وأتلى لا يزايله [3]
تخيّر أسماء بن حصن فبطّنت ... بفعل العلا أيمانه وشمائله [4]
ولا مجد إلا مجد أسماء فوقه ... ولا جرى إلا جري أسماء فاضله
/ ومحتمل ضغنا لأسماء لو جرى ... بسجلين من أسماء فارت أباجله [5]
عوى يستجيش النابحات وإنما ... بأنيابه صمّ الصّفا وجنادله [6]
وأقصر عن مجراة أسماء سعيه ... حسيرا كما يلقي من التّرب ناخله [7]
وفضّل أسماء بن حصن عليهم ... سماحة أسماء بن حصن ونائله [8]
فمن مثل أسماء بن حصن إذا غدت ... شآبيبه أم أيّ شيء يعادله [9]
/و كنت إذا لاقيت منهم حطيطة ... لقيت أبا حسان تندى أصائله [10]
تضيّفه غسّان يرجون سيبه ... وذو يمن أحبوشه ومقاوله [11]
/فتى لا يزال الدهر ما عاش مخصبا ... ولو كان الموماة تخدي رواحله [12]
فأصبح: ما في الأرض خلق علمته ... من الناس إلّا باع أسماء طائله [13]
__________
[1] أي قبل شفاعته إطلاقا لم يقيدها بقيد ولم يعتل فيها باستثناء.
[2] الجراية: الجاري من الوظائف.
[3] انتقى: اختار. ائتلى: أقسم.
[4] في س: «أسماء بن حفص» وهو تحريف.
[5] في ب وس «صفنا» وهو تحريف. والسجل: الجري. أباجل: جمع أبجل، وهو عرق في باطن الذراع. والمعنى: لو جرى بشوطين من جري أسماء، لأعيا وانبهر.
[6] يستجيش النابحات: أي يستمد الكلاب النابحات. الصفا: جمع صفاة، وهي الحجر الصلد الضخم. والمعنى أنه لا ينال منه ولا يؤثر فيه إلا كما يؤثر العاض على الصم الصلاب، وهو كقول الأعشى:
كناطح صخرة يوما ليوهيها ... فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل
[7] حسيرا: كليلا.
[8] النائل: العطاء.
[9] غدت: بكرت. والشآبيب: جمع شؤبوب، وهو الدفعة من المطر.
[10] أبو حسان: كنية أسماء. أصائل: جمع أصيل، وهو العشيّ. تندى أصائله، أي يندى في الأصائل. والحطيطة: البخس.
[11] أصله تتضيفه أي تنزل عليه ضيفا. والسيب: العطاء. الأحبوش: جماعة الحبش، وفي ب، س: «أجيوشة». والمقاول: جمع مقول، وهو الملك من ملوك حمير، أو هو دون الملك الأعلى.
[12] الراحلة: المركب من الإبل ذكرا أو أنثى. وخدي البعير خديا وخديانا: أسرع وزج بقوائمه. وفي ج: «بالمومات» بتاء مفتوحة، وفي ب وس: «بالموتان» وهو تحريف. والموماة: المفازة.
[13] طاله: فاقه في الطول.
تراه إذا ما جئته متهلّلا ... كأنك تعطيه الّذي أنت سائله
ترى الجند والأعراب يغشون بابه ... كما وردت ماء الكلاب نواهله
إذا ما أتوا أبوابه قال: مرحبا ... لجو الباب حتى يقتل الجوع قاتله
ترى البازل البختيّ فوق خوانه ... مقطّعة أعضاؤه ومفاصله [1]
إذا ما أتوا أسماء كان هو الّذي ... تحلّب كفاه الندى وأنامله
تراهم كثيرا حين يغشون بابه ... فتسترهم جدرانه ومنازله
قال: فأعطاه أسماء حين أنشده هذه القصيدة ألفي درهم.
شعره بين يدي عبيد اللّه بن زياد
أخبرني هاشم بن محمّد قال: حدّثنا العبّاس بن ميمون طائع قال: حدّثني أبو عدنان عن الهيثم بن عديّ، عن ابن عياش، وقال ابن الأعرابي أيضا: دخل عبد اللّه بن الزبير على عبيد اللّه بن زياد بالكوفة وعنده أسماء بن خارجة حين قدم ابن الزبير من الشأم، فلمّا مثل بين يديه أنشأ يقول:
حنّت قلوصي وهنا بعد هدأتها ... فهيّجت مغرما صبّا على الطّرب [2]
/حنّت إلى خير من حثّ المطيّ له ... كالبدر بين أبي سفيان والعتب
تذكّرت بقرى البلقاء نائله ... لقد تذكرته من نازح عزب [3]
واللّه ما كان بي لولا زيارته ... وأن ألاقي أبا حسان من أرب
حنّت لترجعني خلفي فقلت لها ... هذا أمامك فالقيه فتى العرب
لا يحسب الشرّ جارا لا يفارقه ... ولا يعاقب عند الحلم بالغضب
من خير بيت علمناه وأكرمه ... كانت دماؤهم تشفى من الكلب [4]
قال ابن الأعرابيّ: كانت العرب تقول: من أصابه الكلب والجنون لا يبرأ منه إلى أن يسقى من دم ملك، فيقول: إنه من أولاد الملوك.
__________
[1] البازل: الجمل في تاسع سنيه. البختي: من الجمال: طوال الأعناق. والخوان كغراب وكتاب: ما يؤكل عليه الطعام.
[2] القلوص من الإبل: الشابة. الوهن: نحو من نصف الليل أو ما بعد ساعة منه. الهدأة والهدوء: السكون عن الحركات، ويقال: أتانا بعد هدأة من الليل أي جين هدأ الليل.
[3] البلقاء: كورة من أعمال دمشق. نازح: بعيد، عزب: بعيد أيضا؛ وقالوا: رجل عزب: للذي يعزب في الأرض.
[4] في ج: «أشفى».
بقية أخبار عبد اللّه بن الزّبير
معاونة ابن زياد على قتل هانىء بن عروة
أخبرني أحمد [1] بن عيسى العجلي بالكوفة قال: حدّثنا سليمان بن الربيع البرجمي قال: حدّثنا مضر بن مزاحم، عن عمرو بن سعد، عن أبي مخنف، عن عبد الرحمن بن عبيد بن أبي الكنود، وأخبرني الحسن بن علي قال: حدّثنا الحارث بن محمّد قال: حدّثنا ابن سعد عن الواقدي، وذكر بعض ذلك ابن الأعرابي في روايته عن المفضّل، وقد دخل حديث بعضهم في حديث الآخرين، أن المختار بن أبي عبيد [2] خطب الناس يوما على المنبر فقال: «لتنزلنّ نار/ من السماء، تسوقها ريح حالكة/ دهماء، حتى تحرق دار أسماء وآل أسماء» وكان لأسماء بن خارجة بالكوفة ذكر قبيح عند الشيعة، يعدّونه في قتلة الحسين عليه السّلام، لما كان من معاونته عبيد اللّه بن زياد على هانىء بن عروة المراديّ حتى قتل، وحركته في نصرته على مسلم بن عقيل بن أبي طالب، وقد ذكر ذلك شاعرهم فقال:
أيركب أسماء الهماليج آمنا ... وقد طلبته مذحج بقتيل! [3]
يعني بالقتيل هانىء بن عروة المراديّ، وكان المختار يحتال ويدبّر في قتله من غير أن يغضب قيسا فتنصره، فبلغ أسماء قول المختار فيه، فقال: أوقد سجع بي أبو إسحاق! لا قرار على زأر من الأسد [4]، وهرب إلى الشأم، فأمر المختار بطلبه ففاته، فأمر بهدم داره، فما تقدّم عليها مضريّ [بتّة] [5] لموضع أسماء وجلالة قدره في قيس، فتولّت ربيعة واليمن هدمها، وكانت بنو تيم اللّه وعبد القيس مع رجل من بني عجل كان على شرطة المختار، فقال في ذلك عبد اللّه بن الزّبير:
تأوّب عين ابن الزّبير سهودها ... وولّى على ما قد عراها هجودها [6]
كأنّ سواد العين أبطن نحلة ... وعاودها مما تذكّر عيدها [7]
مخصّرة من نحل جيحان صعبة ... لوى بجناحيها وليد يصيدها [8]
__________
[1] كذا في ط: ومط؛ وفي باقي الأصول «محمّد».
[2] انظر «الكامل» للمبرد 2: 167.
[3] الهماليج: جمع هملاج، والهملاج من البراذين: الحسن السير. وبنو مراد: قبيلة هانىء بن عروة بطن من مذحج، فهم بنو مراد بن مالك بن مذحج بن أدد ...... من بني كهلان.
[4] أخذه من قول النابغة الذبياني في النعمان بن المنذر من قصيدته المشهورة:
أنبئت أن أبا قابوس أو عدني ... ولا قرار على زأر من الأسد
[5] زيادة عن ط، مط.
[6] تأوّبها سهودها، أي راجعها وعاودها. والهجود: النّوم، وعلى هنا بمعنى اللام.
[7] تذكر، أي تتذكر. والعيد: ما اعتادك من هم أو مرض أو حزن.
[8] في ج وب وس «محضرة» وهو تصحيف، كشح مخصر: دقيق، ورجل مخصر: ضامر الخصر. جيحان: نهر بالمصيصة في الشام.
والوليد: الصبي.
/
من الليل وهنا، أو شظيّة سنبل ... أذاعت به الأرواح يذرى حصيدها [1]
إذا طرفت أذرت دموعا كأنها ... نثير جمان بان عنها فريدها [2]
وبتّ كأنّ الصدر فيه ذبالة ... شبا حرّها القنديل، ذاك وقودها [3]
فقلت أناجي النفس بيني وبينها ... كذاك الليالي نحسها وسعودها
فلا تجزعي مما ألمّ فإنني ... أرى سنة لم يبق إلّا شريدها [4]
أتاني وعرض الشام بيني وبينها ... أحاديث والأنباء ينمي بعيدها [5]
بأنّ أبا حسان تهدم داره ... لكيز سعت فسّاقها وعبيدها [6]
جزت مضرا عنّي الجوازي بفعلها ... ولا أصبحت إلّا بشرّ جدودها [7]
فما خيركم؟ لا سيّدا تنصرونه ... ولا خائفا إن جاء يوما طريدها [8]
/أخذلانه في كلّ يوم كريهة ... ومسألة ما إن ينادى وليدها [9]
لأمّكم الويلات أنّى أتيتم ... جماعات أقوام كثير عديدها
فيا ليتكم من بعد خذلانكم له ... جوار على الأعناق منها عقودها
ألم تغضبوا تبّا لكم إذ سطت بكم ... مجوس القرى في داركم ويهودها! [10]
تركتم أبا حسّان تهدم داره ... مشيّدة أبوابها وحديدها
يهدّمها العجليّ فيكم بشرطة ... كما نبّ في شبل التّيوس عتودها [11]
__________
[1] من الليل وهنا: متعلق بقوله: وعاودها، أو شظية: عطف على نحلة. والشظية: كل فلقة من شيء. أذاع بالشي ء: ذهب به.
والأرواح: جمع ريح. ذرته الريح وأذرته: أطارته.
[2] طرفت عينه: أصيبت بشيء فدمعت. وفي ب، س «طرقت» وهو تصحيف، أذرت العين الدمع: صبته. نثير: منثور. وفي ب وس «نفير» وهو تحريف. الجمان: اللؤلؤ. الفريد والفريدة: الجوهرة النفيسة.
[3] الذبالة: الفتيلة، شبا النار شبوا: أوقدها كشبّها. والمعنى: زاد القنديل في حرّها بما يمدّها به من الزيت. وفي الأصول: «سنا» وهو تصحيف. ذكت النار: اشتدّ لهبها.
[4] السنة: العام، والجدب، والقحط.
[5] ينمي: ينتشر ويرتفع.
[6] لكيز: قبيلة من ربيعة، وهو لكيز بن أفصى بن عبد القيس. وفي ب، س «و عتيدها» وهو تصحيف.
[7] يقال: جزتك عني الجوازي، أي جزتك جوازي أفعالك، والجوازي: جمع جازية، وهي الجزاء، مصدر على فاعلة. جدود: جمع جد بالفتح، وهو الحظ، يدعو عليها بنحس الجدّ وتعس الحظ.
[8] ولا خائفا، أي ولا تؤمّنون الطريد إن جاء يوما خائفا.
[9] أخذلانه ... : أي أمذهبكم خذلانه، أو أترون خذلانه؟ ومسألة، أي وفي كل مسألة، يقال في المثل: هم في أمر لا ينادى وليده، قال ابن سيده: أصله كأنّ شدّة أصابتهم حتى كانت الأم تنسي وليدها فلا تناديه ولا تذكره مما هي فيه، ثم صار مثلا لكل شدة، وقيل: أصله من الغارة، أي تذهل الأم عن ابنها أن تناديه وتضمه، ولكنها تهرب عنه، وقيل: هو أمر جليل شديد لا ينادى فيه الوليد ولكن تنادى فيه الجلة، وقيل يقال في الخير والشر، أي اشتغلوا به حتى لو مدّ الوليد يده إلى أعز الأشياء لا ينادى عليه زجرا.
[10] تبا لكم، أي ألزمكم اللّه هلاكا وخسرانا.
[11] نب التيس: صاح عند الهياج. العتود من أولاد المعز: ما رعى وقوى وأتى عليه حول. وكتب أمام البيت في نسخة ط ما نصه: يريد عمرو بن سعيد بن العاص كان والي العراق وهدم دار أسماء.
لعمري لقد لفّ اليهوديّ ثوبه ... على غدرة شنعاء باق نشيدها [1]
فلو كان من قحطان أسماء شمّرت ... كتائب من قحطان صعر خدودها [2]
/ففي رجب أو غرّة الشهر بعده ... تزوركم حمر المنايا وسودها
ثمانون ألفا دين عثمان دينهم ... كتائب فيها جبرئيل يقودها
فمن عاش منكم عاش عبدا ومن يمت ... ففي النار سقياه هناك صديدها
/ وقال ابن مهرويه: أخبرني به الحسن بن علي عنه، حدّثني عبد اللّه بن أبي سعد قال: حدّثني علي بن الصباح عن ابن الكلبي: أن مصعب بن الزبير لما ولي العراق لأخيه هرب أسماء بن خارجة إلى الشام، وبها يومئذ عبد الملك بن مروان قد ولي الخلافة، وقتل عمرو [3] بن سعيد، وكان أسماء أمويّ الهوى، فهدم مصعب بن الزبير داره وحرقها، فقال عبد اللّه بن الزّبير في ذلك:
تأوّب عين ابن الزّبير سهودها
وذكر القصيدة بأسرها، وهذا الخبر أصح عندي من الأوّل، لأن الحسن بن علي حدّثني قال: حدّثنا أحمد بن سعيد الدمشقي قال: حدّثنا الزبير بن بكّار قال: حدّثني عمي مصعب قال: لما ولي مصعب بن الزبير العراق، دخل إليه عبد اللّه بن الزّبير الأسدي، فقال له: إيه يابن الزبير، أنت القائل:
إلى رجب السبعين أو ذاك قبله ... تصبّحكم حمر المنايا وسودها [4]
ثمانون ألفا نصر مروان دينهم ... كتائب فيها جبرئيل يقودها
/ فقال: أنا القائل لذلك، وإن الحقين ليأبى العذرة [5]، ولو قدرت على جحده لجحدته، فاصنع ما أنت صانع؛ فقال: أما إني ما أصنع بك إلّا خيرا، أحسن إليك قوم فأحببتهم [6] وواليتهم ومدحتهم، ثم أمر له بجائزة وكسوة،
__________
[1] النشيد: الصوت.
[2] صعر خدودها، أي قد أمالت خدودها كبرا. وفي ب، ج «صغر» وهو تحريف.
[3] هو عمرو والأشدق بن سعيد بن العاص، وذلك أنه لما كانت الفتنة بعد موت معاوية الثاني، وانحاز الضحاك بن قيس الفهري عن مروان بن الحكم واستمال الناس ودعا إلى ابن الزبير، التقى مروان وعمرو بن سعيد فقال عمرو لمروان: هل لك فيما أقوله لك، فهو خير لي ولك؟ قال: وما هو؟ قال: أدعو الناس إليك وآخذها لك على أن تكون لي من بعدك، فقال مروان: لا بل بعد خالد بن يزيد بن معاوية، فرضي الأشدق بذلك، ودعا الناس إلى بيعة مروان فأجابوا، وبايع مروان بعده لخالد بن يزيد، ولعمرو بن سعيد بعد خالد، ثم مات مروان وخلفه ابنه عبد الملك، ولما اعتزم عبد الملك أن يخرج إلى العراق لقتال مصعب بن الزبير بنفسه قال له عمرو: إنك تخرج إلى العراق وقد كان أبوك وعدني هذا الأمر من بعده، وعلى ذلك جاهدت معه، وقد كان من بلائي معه ما لم يخف عليك، فاجعل لي هذا الأمر من بعدك، فلم يجبه عبد الملك إلى شيء، فلما كان من دمشق على ثلاث مراحل أغلق عمرو بن سعيد دمشق وخالف عليه، فرجع إلى دمشق وحاصرها حتى صالح عمرا على أنه الخليفة بعده ففتح له، ثم إن عبد الملك احتال له حتى قتله سنة 69 ه.
[4] إلى رجب السبعين، أي إلى رجب السنة السبعين.
[5] في س «و إن الحقير ليأبى الغدرة» وفي ب «و إن الحمير ليأبى الغدرة» وهو تحريف. ومن أمثال العرب: أبى الحقين العذرة، والحقين: المحقون أي المحبوس. والعذرة: العذر، وأصله أن رجلا ضاف قوما فاستسقاهم لبنا، وعندهم لبن قد حقنوه (حبسوه) في وطب، فاعتلوا عليه واعتذروا فقال: أبى الحقين العذرة، أي قبول العذر، أي أن هذا اللبن الحقين يكذبكم، يضرب مثلا للرجل يعتذر ولا عذر له.
[6] في ط «فاجتبتهم».
وردّه إلى منزله مكرّما، فكان ابن الزّبير بعد ذلك يمدحه ويشيد بذكره، فلما قتل مصعب بن الزبير اجتمع ابن الزّبير وعبيد اللّه بن زياد بن ظبيان في مجلس، فعرف ابن الزبير خبره - وكان عبيد اللّه هو الّذي قتل مصعب بن الزبير - فاستقبله بوجهه وقال له:
أبا مطر شلّت يمين تفرّعت ... بسيفك رأس ابن الحواريّ مصعب [1]
فقال له ابن ظبيان: فكيف النجاة من ذلك؟ قال: لا نجاة، هيهات! «سبق السيف العذل» [2]، قال: فكان ابن ظبيان بعد قتله مصعبا لا ينتفع بنفسه في نوم ولا يقظة،/ كان يهوّل عليه [3] في منامه فلا ينام، حتى كلّ جسمه ونهك، فلم يزل كذلك حتى مات.
شعره عند عبيد اللّه بن زياد
وقال ابن الأعرابي: لما قدم ابن الزّبير من الشأم إلى الكوفة دخل على عبيد اللّه بن زياد بكتاب من يزيد بن معاوية إليه يأمره بصيانته وإكرامه وقضاء دينه وحوائجه وإدرار عطائه، فأوصله إليه، ثم استأذنه في الإنشاد، فأذن له، فأنشده قصيدته الّتي أوّلها:
صوت
أصرم بليلى حادث أم تجنّب ... أم الحبل منها واهن متقضّب [4]
أم الودّ من ليلى كعهدي مكانه ... ولكنّ ليلى تستزيد وتعتب [5]
غنّى في هذين البيتين حنين ثاني ثقيل عن الهشامي.
ألم تعلمي يا ليل أنّي ليّن ... هضوم وأنّي عنبس حين أغضب [6]
/و أني متى أنفق من المال طارفا ... فإني أرجو أن يثوب المثوّب [7]
__________
[1] تفرّعت: علت. وفي ب، س، ج؛ «تقرّعت» والتصويب عن ط، مط. الحواري: الناصر أو ناصر الأنبياء: وهو هنا الزبير بن العوّام، قال صلّى اللّه عليه وسلّم: «المزبير ابن عمتي وحوارييّ من أمتي» أي خاصتي من أصحابي وناصري، وقال أيضا: «إن لكل نبي حواريا، وحواريّ الزبير بن العوّام».
[2] أوّل من قال هذا المثل ضبة بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر، وكان له ابنان يقال لأحدهما: سعد وللآخر سعيد، فنفرت إبل لضبة تحت الليل، فوجه ابنيه في طلبها، فتفرّقا؛ فوجدها سعد فردّها، ومضى سعيد في طلبها، فلقيه الحرث بن كعب، وكان على الغلام بردان، فسأله الحرث إياهما، فأبى عليه، فقتله وأخذ برديه، فكان ضبة إذا أمسى فرأى تحت الليل سوادا قال: أسعد أم سعيد؟
فمكث ضبة بذلك ما شاء اللّه أن يمكث، ثم إنه حج، فوافى عكاظ، فلقي بها الحرث بن كعب، ورأى عليه بردي ابنه سعيد فعرفهما، فقال له: هل أنت مخبري ما هذان البردان اللذان عليك؟ قال: بلى لقيت غلاما وهما عليه فسألته إياهما، فأبى عليّ فقتلته وأخذت برديه هذين، فقال ضبة: بسيفك هذا؟ قال: نعم، فقال: فأعطنيه أنظر إليه فإني أظنه صارما، فأعطاه الحرث سيفه، فلما أخذه هزه وقال: الحديث ذو شجون أي ذو طرق جمع شجن كشمس ثم ضربه به حتى قتله، فقيل له: يا ضبة، أفي الشهر الحرام! فقال: سبق السيف العذل، أي اللوم.
[3] هوّل عليه: أفزعه.
[4] الصرم: القطيعة. واهن: ضعيف. منقضب: متقطع.
[5] في ب، س، ج «لعهدي»؛ وقد أخذنا برواية ط، مط.
[6] الهضوم: المنفق لماله. والعنبس: الأسد.
[7] الطارف: المستحدث. ثاب وثوّب: رجع.
أ أن تلف المال التّلاد بحقّه ... تشمّس ليلى عن كلامي وتقطب [1]
/عشية قالت والركاب مناخة ... بأكوارها مشدودة: أين تذهب؟ [2]
أ في كل مصر نازح لك حاجة ... كذلك ما أمر الفتى المتشعّب [3]
فو اللّه ما زالت تلبّث ناقتي ... وتقسم حتى كادت الشمس تغرب [4]
دعيني ما للموت عني دافع ... ولا للذي ولّى من العيش مطلب
إليك عبيد اللّه تهوي ركابنا ... تعسّف مجهول الفلاة وتدأب [5]
وقد ضمرت حتّى كأنّ عيونها ... نطاف فلاة ماؤها متصبّب [6]
فقلت لها: لا تشتكي الأين إنه ... أمامك قرم من أمية مصعب [7]
إذا ذكروا فضل امرىء كان قبله ... ففضل عبيد اللّه أثرى وأطيب [8]
وأنك لو يشفي بك القرح لم يعد ... وأنت على الأعداء ناب ومخلب [9]
تصافى عبيد اللّه والمجد صفوة ال ... حليفين ما أرسى ثبير ويثرب [10]
وأنت إلى الخيرات أوّل سابق ... فأبشر، فقد أدركت ما كنت تطلب
/ أعنّي بسجل من سجالك نافع ... ففي كل يوم قد سرى لك محلب [11]
فإنك لو إيّاي تطلب حاجة ... جرى لك أهل في المقال ومرحب [12]
قال: فقال له عبيد اللّه - وقد ضحك من هذا البيت الأخير - : فإني لا أطلب إليك حاجة، كم السّجل الّذي يرويك؟
قال: نوالك أيها الأمير يكفيني، فأمر له بعشرة آلاف درهم.
شعره في صديقه
__________
[1] التلاد: المال القديم. تشمس: تتشمس، أي تنفر وتعرض، من شمس الفرس، أي شرد، ومنه المتشمس، وهو الشديد القوي الّذي يمنع ما وراء ظهره؛ والبخيل الّذي لا ينال منه خير. قطب كضرب: زوى ما بين عينيه وعبس وكلح.
[2] الأكوار: جمع كور بالضم، وهو الرجل بأداته.
[3] نازح: بعيد. المتشعب: المتفرق. و «ما» زائدة.
[4] في ج «و أقسم».
[5] هوي كرمي: أسرع في السير. تعسف، أي تتعسف؛ تعسف الطريق: سار فيه على غير هداية. والفلاة: الصحراء. تدأب: تجدّ وتتعب.
[6] نطاف: جمع نطفة بالضم، وهي الماء الصافي قل أو كثر.
[7] الأين: الإعياء. القرم من الرجال: السيد المعظم، وأصله الفحل الّذي يترك من الركوب والعمل ويودع للفحلة. ورجل مصعب:
مسوّد، وأصله بمعنى القرم، أي الفحل الّذي لم يمسسه حبل ولم يركب.
[8] أثرى: أفعل، من الثروة، أي أكثر.
[9] القرح بالفتح وبضم: عض السلاح ونحوه مما يخرج بالبدن، أو بالفتح: الآثار، وبالضم: الألم؛ أراد به ما ينوبه من صروف الدهر.
[10] رسا وأرسى: ثبت. ثبير: جبل بظاهر مكة. يثرب: مدينة الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم.
[11] السجل: الدلو العظيمة مملوءة.
[12] لو إياي، أي لو إياي تقصد، جرى لك ... أي لقلت لك أهلا وسهلا ومرحبا. وقوله: «المقال»، ساقط من مط.
قال ابن الأعرابي: كان نعيم بن دجانة بن شدّاد بن حذيفة بن بكر بن قيس بن منقذ بن طريف صديقا لعبيد اللّه بن الزّبير، ثم تغيّر عليه، وبلغه عنه قول قبيح فقال في ذلك:
ألا طرقت رويمة بعد هدء ... تخطّى هول أنمار وأسد [1]
تجوس رحالنا حتى أتتنا ... طروقا بين أعراب وجند [2]
فقالت: ما فعلت أبا كثير ... أصحّ الودّ أم أخلفت عهدي؟
كأنّ المسك ضمّ على الخزامى ... إلى أحشائها وقضيب رند [3]
ألا من مبلغ عني نعيما ... فسوف [4] يجرّب الإخوان بعدي
رأيتك كالشموس ترى قريبا ... وتمنع مسح ناصية وخدّ
/ فإني إن أقع بك لا أهلّل ... كوقع السيف ذي الأثر الفرند [5]
فأولى ثم أولى ثم أولى ... فهل للدّرّ يحلب من مردّ؟ [6]
رثاؤه لصديقه
أخبرني هاشم بن محمّد الخزاعي قال: حدّثني عيسى بن إسمعيل تينة، وأخبرني عمي قال: حدّثنا الكراني قال: حدّثني عيسى بن إسمعيل عن المدائني عن خالد بن سعيد عن أبيه قال: كان عبد اللّه بن الزّبير صديقا لعمرو بن الزّبير بن العوّام، فلما أقامه أخوه [7] ليقتصّ [8] منه بالغ كل ذي حقد عليه في ذلك، وتدسّس فيه من يتقرّب إلى أخيه، وكان أخوه/ لا يسأل من ادّعى عليه شيئا بيّنة، ولا يطالبه بحجّة، وإنما يقبل قوله ثم يدخله إليه السجن ليقتص منه، فكانوا يضربونه والقيح ينتضح من ظهره وأكتافه على الأرض لشدّة ما يمرّ به، ثم يضرب وهو على تلك الحال، ثم أمر بأن يرسل عليه الجعلان [9]، فكانت تدبّ عليه فتثقب لحمه، - وهو مقيد مغلول [10] - يستغيث فلا يغاث، حتى مات على تلك الحال، فدخل الموكّل به على أخيه عبد اللّه بن الزبير وفي يده قدح لبن يريد أن يتسحّر به وهو يبكي فقال له: مالك؟ أمات عمرو؟ قال: نعم، قال: أبعده اللّه، وشرب اللبن، ثم قال: لا تغسّلوه ولا تكفّنوه، وادفنوه في مقابر المشركين، فدفن فيها، فقال ابن الزّبير الأسدي يرثيه ويؤنّب أخاه بفعله، وكان له صديقا وخلّا ونديما:
/أيا راكبا إمّا عرضت فبلّغن ... كبير بني العوّام إن قيل من تعني [11]
__________
[1] الهدء: أول الليل إلى ثلثه. تخطى: أصله تتخطى. أنمار وأسد أي رجال شجعان كالأنمار والأسود.
[2] أتانا طروقا: إذا جاء بليل.
[3] الخزامى: نبت زهره أطيب الأزهار نفحة. الرند: شجر طيب الرائحة.
[4] في ج: «فكيف».
[5] هلل عن الأمر: فزع وجبن وولى عنه ونكص، والأثر بالفتح والكسر. فرند السيف، وهو جوهره وماؤه الّذي يجري فيه وطرائقه.
[6] الدر: اللبن، وفي ج وب وس «يجلب» وهو تصحيف.
[7] أي عبد اللّه بن الزبير.
[8] في ج وب. س «ليقبض» وهو تصحيف.
[9] الجعلان: جمع جعل كعمر، وهو دويبة سوداء أكبر من الخنفساء.
[10] مغلول: مقيد بالغل وهو القيد.
[11] عرضت: أتيت العروض (بفتح العين) وهي مكة والمدينة. تعني: تقصد. وفي ب وس: «تغني» وهو تصحيف.
ستعلم - إن جالت بك الحرب جولة ... إذا فوّق الرامون - أسهم من تغني [1]
فأصبحت الأرحام حين وليتها ... بكفّيك أكراشا تجرّ على دمن [2]
عقدتم لعمرو عقدة وغدرتم ... بأبيض كالمصباح في ليلة الدّجن [3]
وكبّلته حولا يجود بنفسه ... تنوء به في ساقه حلق اللّبن [4]
فما قال عمرو إذ يجود بنفسه ... لضاربه - حتى قضى نحبه - : دعني [5]
تحدّث من لاقيت أنك عائذ ... وصرّعت قتلى بين زمزم والرّكن [6]
/جعلتم لضرب الظّهر منه عصيّكم ... تراوحه، والأصبحيّة للبطن [7]
تعذّر منه الآن لمّا قتلته ... تفاوت أرجاء القليب من الشّطن [8]
فلم أر وفدا كان للغدر عاقدا ... كوفدك شدّوا غير موف ولا مسني [9]
وكنت كذات الفسق لم تدر ما حوت ... تخيّر حاليها أتسرق أم تزني [10]
جزى اللّه عني خالدا شرّ ما جزى ... وعروة شرّا، من خليل، ومن خدن [11]
قتلتم أخاكم بالسّياط سفاهة ... فيا لك للرأي المضلّل والأفن [12]
فلو أنكم أجهزتم إذ قتلتم! ... ولكن قتلتم بالسّياط وبالسّجن
__________
[1] الفوق بالضم: موضع الوتر من السهم؛ وفوّق السهم: جعل له فوقا. تغني: تنفع، يقال: ما يغني عنك هذا: ما يجزىء عنك، وما ينفعك، وفي ج وب «تعني» بالعين وهو صحيح، جاء في «اللسان»: «قال أبو تراب: يقال: ما أعني شيئا وما أغني شيئا بمعنى واحد، وفي «المصباح المنير»: «و حكى الأزهري ما أغنى فلان شيئا بالغين والعين أي لم ينفع في مهم ولم يكف مؤنة». وأسهم:
مبتدأ ومن: اسم استفهام مضاف إليه، وجملة تغني خبره.
[2] أكراش: جمع كرش كحمل وكتف. والدمن: السرقين المتلبد والبعر.
[3] الدجن: إلباس الغيم الأرض.
[4] ناء به الحمل: أثقله وأماله. حلق بفتح الحاء وكسرها: جمع حلقة بسكون اللام وفتحها. «اللبن» بالفتح: الضرب الشديد، وفي «معاهد التنصيص» «البين» وهو الفراق.
[5] قضى نحبه: مات، وأصله الوفاء بالنذر.
[6] كان عبد اللّه بن الزبير يدعى «العائذ» لأنه عاذ بالبيت الحرام، ففي ذلك يقول ابن قيس الرقيات بذكر مصعبا:
بلد تأمن الحمامة فيه ... حيث عاذ الخليفة المظلوم
«الكامل» للمبرد 2: 597 طبع أوربا.
[7] تراوحه: تتعاقب عليه. والأصبحيّ: السوط، نسبة إلى ذي أصبح ملك من ملوك حمير.
[8] المعذر: الّذي يتكلف العذر وهو لا عذر له. تفاوت الشيئان: تباعد ما بينهما. والأرجاء: النواحي. والقليب: البئر. الشطن كسبب: الحبل الطويل الشديد الفتل يستقى به، وسكنت الطاء. هنا للشعر.
[9] في ج وب وس «موق» وهو تحريف، وصوابه عن ط: أي غير موفين، أفرد موف مراعاة للفظ «وفد». وأسناه: رفعه.
[10] ما حوت: أي من المكاسب والمنافع، وفي ط، مط: «ما حلت» ولعله «ما جنت».
[11] الخدن: الصديق. وخالد وعروة: أخوا عبد اللّه بن الزبير، وقد استعمل عبد اللّه أخاه خالدا على اليمن، وكان عروة من كبار فقهاء المدينة، وكان عمرو قد خالف أخاه عبد اللّه فقاتله، ثم أتاه في جوار عبيدة أخيه، قال له عبيدة: امض معي إليه وأنت في جواري، فإن أمّنك وإلا رددتك إلى مأمنك، فذهب معه فلم يجز عبد اللّه أمانه، واقتص منه حتى مات. أنظر «المعارف» لابن قتيبة ص 113 طبع أروبة.
[12] الأفن ويحرك: ضعف العقل والرأي.
وإني لأرجو أن أرى فيك ما ترى ... به من عقاب اللّه ما دونه يغني [1]
قطعت من الأرحام ما كان واشجا ... على الشّيب، وابتعت المخافة بالأمن [2]
/و أصبحت تسعى قاسطا بكتيبة ... تهدّم ما حول الحطيم ولا تبني [3]
فلا تجز عن من سنّة قد سننتها ... فما للدماء الدهر تهرق من حقن
رثاؤه يعقوب بن طلحة
أخبرني عمّي قال: حدّثني الخرّاز عن المدائني قال: قتل يعقوب بن طلحة يوم الحرّة [4]، وكان يعقوب ابن خالة يزيد [بن معاوية] [5] فقال يزيد: يا عجبا قاتلني كل أحد حتى ابن خالتي! قال: وكان الّذي جاء بنعيه إلى الكوفة رجل يقال له الكروّس، فقال ابن الزّبير الأسديّ يرثيه:
لعمرك ما هذا بعيش فيبتغى ... هنىء ولا موت يريح سريع
لعمري لقد جاء الكروّس كاظما ... على أمر سوء حين شاع فظيع
/ نعى أسرة يعقوب منهم فأقفرت ... منازلهم من رومة فبقيع [6]
وكلهم غيث إذا قحط الورى ... ويعقوب منهم للأنام ربيع [7]
وقال ابن الأعرابي: كان على ابن الزبير دين لجماعة، فلازموه ومنعوه التصرّف في حوائجه، وألحّ عليه غريم
له من بني نهشل يقال له: ذئب، فقال ابن الزّبير
:/
أحابس كيد الفيل عن بطن مكّة ... وأنت على ما شئت جمّ الفواضل [8]
أرحني من اللائي إذا حلّ على دينهم ... يمشّون في الدارات مشي الأرامل [9]
إذا دخلوا قالوا: السلام عليكم ... وغير السلام بالسلام يحاول [10]
__________
[1] ما دونه يغني، أي ما قليله يجزىء ويكفي في الانتقام منك.
[2] واشجا: متداخلا متشابكا.
[3] قاسطا: ظالما جائرا. الحطيم: حجر الكعبة أو ما بين الركن وزمزم والمقام.
[4] كان أهل المدينة كرهوا خلافة يزيد بن معاوية وخلعوه وحصروا من كان بها من بني أمية وأخافوهم، فوجه إليهم يزيد مسلم بن عقبة المري في جيش، فقمع فتنتهم، وأخمد ثورتهم، وكانت هذه الوقعة تسمى «وقعة الحرة»؛ لأن مسلما حاصر المدينة من جهة الحرة - موضع بظاهر المدينة - وكانت في ذي الحجة سنة 63 ه.
[5] عن ط.
[6] رومة: أرض بالمدينة فيها بئر رومة الّتي ابتاعها عثمان رضي اللّه عنه وتصدق بها، وفي الأصول «دومة» وهو تحريف. والبقيع:
مقبرة أهل المدينة.
[7] في هذا البيت إقواء.
[8] كيد الفيل: أي كيد أصحاب الفيل، يشير إلى وقعة الفيل، وما كان من أبرهة الأشرم ملك اليمن حين خرج بجيشه إلى مكة على الأفيال ليهدم الكعبة فجعل اللّه كيدهم في تضليل، وأرسل عليهم طيرا أبابيل ... والفواصل: الأيادي الجسيمة.
[9] هذا البيت شاهد على استعمال اللائي بمعنى الذين، كقول الشاعر:
فما آباؤنا بأمنّ منه ... علينا اللاء قد مهدوا الحجورا
وهو قليل، قال ابن مالك «و اللاء كالذين نزرا وقعا». والدارة: العرصة وهي ساحة الدار.
[10] أي يبغي من وراء التحية مأربا له. وفي هذا البيت وتاليه إقواء.
ألين إذا اشتدّ الغريم وألتوي ... إذا استدّ حتى يدرك الدين قابل [1]
عرضت على «زيد» ليأخذ بعض ما ... يحاوله قبل اشتغال الشواغل [2]
تثاءب حتى قلت: داسع نفسه ... وأخرج أنيابا له كالمعاول [3]
دخوله المدينة مع عبد الرحمن بن الحكم
وقال ابن الأعرابيّ: استجار ابن الزّبير بمروان بن الحكم وعبد اللّه بن عامر لما هجا عبد الرحمن بن أمّ الحكم، فأجاراه وقاما بأمره، ودخل مع مروان إلى المدينة، وقال في ذلك:
/أجدّي إلى مروان عدوا فقلّصي ... وإلّا فروحي واغتدي لابن عامر [4]
إلى نفر حول النبيّ بيوتهم ... مكاريم للعافي رقاق المآزر [5]
لهم سورة في المجد قد علمت لهم ... تذبذب باع المتعب المتقاصر [6]
لهم عامر البطحاء من بطن مكّة ... ورومة تسقى بالجمال القياسر [7]
حبسه زفر فقال شعرا
وقال ابن الأعرابي: عرض قوم من أهل المدراء [8] لابن الزّبير الأسديّ في طريقه من الشام إلى الكوفة وقد نزل بقرقيسياء [9]، فاستعدوا [10] عليه زفر بن الحارث الكلابيّ [11] وقالوا: إنه أموي الهوى، وكانت قيس يومئذ زبيرية، وقرقيسياء وما والاها في يد ابن الزبير، فحبسه زفر أياما وقيّده، وكان معه رفيق من بني أميّة يقال له:/ أبو الحدراء، فرحل وتركه في حبسه أياما، ثم تكلّمت فيه جماعة من مضر، فأطلق، فقال في ذلك:
__________
[1] الغريم: الدائن. وفي الأصول «و ألتوي إذا اشتد» وهو تصحيف، إذ أنه ليس بمستساغ أن يذكر كلمة «اشتدّ» مرتين في بيت واحد، والصواب «و ألتوي إذا استد» واستد: استقام، وهو المقابل لكلمة «ألتوي». قابل: أي العام القابل. وفي الأصول: «قائل».
[2] كذا في الأصول ولعله يريد «ذئبا» المشار إليه قبل في قوله «يقال له ذئب».
[3] داسع: فاعل من الدسع؛ وهو الدفع، دسعه كدفعه وزنا ومعنى، ودسع البعير بجرته: دفعها حتى أخرجها من جوفه إلى فيه وأفاضها.
[4] أجدّ السير: أسرع فيه. وقلصت الناقة: شمرت واستمرت في مضيها.
[5] مكاريم: جمع مكرم، على حد قوله تعالى: وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ
العافي: كل طالب فضل أو رزق، والمآزر: جمع مئزر بالكسر:
وهو الملحفة، ورقاق المآزر كناية عن النعيم والترف.
[6] السورة من المجد: أثره وعلامته وارتفاعه. ذبذبه: حرّكه، فتذبذب؛ تحرك واضطرب. المتقاصر: المقصر العاجز.
[7] البطحاء: مسيل واسع فيه دقاق الحصى. وفي الأصول «ردمة» وهو تحريف. والقيسريّ من الإبل: الضخم الشديد القويّ، وجمعه:
قياسر وقياسرة.
[8] أهل المدراء: أهل الحضر.
[9] بلد على الفرات.
[10] ستعداه عليه: استنصره.
[11] ما مات معاوية بن يزيد اختلف الناس بالشام، فكان أول من خالف من أمراء الأجناد النعمان بن بشير الأنصاري وكان على حمص فدعا لابن الزبير، فبلغ خبره زفر بن الحرث الكلابي فدعا إلى ابن الزبير أيضا ...... ودعا مروان بن الحكم إلى نفسه، ثم التقى الزبيريون، وعليهم الضحاك بن قيس الفهدي في مرج راهط بغوطة دمشق، فقتل الضحاك وانهزم جيشه، واستقام الأمر لمروان، وفر يومئذ زفر، وفي ذلك يقول:
فلم تر مني زلة قبل هذه ... فراري وتركي صاحبي من ورائيا
أغاد أبو الحدراء أم متروّح؟ ... كذاك النّوى ممّا تجدّ وتمزح [1]
لعمري لقد كانت بلاد عريضة ... لي الرّوح فيها عنك والمتسرّح [2]
ولكنه يدنو البغيض ويبعد ال ... حبيب وينأى في المزار وينزح [3]
إلا ليت شعري هل أتى أمّ واصل ... كبول أعضّوها بساقيّ تجرح [4]
إذا ما صرفت الكعب صاحت كأنها ... صريف خطاطيف بدلوين تمتح [5]
تبغّي أباها في الرفاق وتنثني ... وألوى به في لجّة البحر تمسح [6]
أمر تحل وفد العراق وغودرت ... تحنّ بأبواب المدينة صيدح [7]
فإنك لا تدرين فيما أصابني ... أريثك أم تعجيل سيرك أنجح [8]
أظنّ أبو الحدراء سجني تجارة ... ترجّى وما كل التجارة تربح!
خبره مع الحجاج
أخبرني محمّد بن عمران الصّيرفيّ قال: حدّثنا الحسن بن عليل قال: حدّثني محمّد بن معاوية/ الأسديّ قال: لما قدم الحجّاج الكوفة واليا عليها صعد المنبر، فخطبهم فقال: يا أهل العراق، يا أهل الشقاق والنفاق، ومساوىء الأخلاق، إن الشيطان/ قد باض وفرّخ في صدوركم، ودبّ ودرج في حجوركم، فأنتم له دين، وهو لكم قرين، وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطانُ لَهُ قَرِيناً فَساءَ قَرِيناً
ثم حثّهم على اللّحاق بالمهلّب [9] بن أبي صفرة، وأقسم ألّا يجد منهم أحدا اسمه في جريدة المهلّب بعد ثالثة بالكوفة إلّا قتله، فجاء عمير بن ضابىء البرجمي فقال: أيّها الأمير، إني شيخ لا فضل فيّ، ولي ابن شابّ جلد، فاقبله بدلا منّي، فقال له عنبسة بن سعيد بن العاص: أيها الأمير، هذا جاء إلى عثمان وهو مقتول، فرفسه وكسر ضلعين من أضلاعه، وهو يقول:
أين تركت ضابئا يا نعثل [10]
__________
[1] تروح: سار في الرواح، وهو العشيّ.
[2] الروح: الراحة. والمتسرح: انفراج الضيق والغم.
[3] نزح كمنع وضرب: بعد.
[4] كبول: جمع كبل بالفتح والكسر، وهو القيد الضخم.
[5] صرفت: رددت، أي حركت. صاحت أي صوّتت الكبول. صرفت البكرة صريفا. صوّتت عند الاستقاء. والخطاطيف: جمع خطاف كرمان، وهو حديدة حجناء في جانبي البكرة فيها المحور. متح الماء كمنع: نزعه.
[6] ألوى به: ذهب به. التمسح: التمساح.
[7] صيدح: اسم ناقة ذي الرمة، وفيها يقول: «فقلت لصيدح انتجعي بلالا» والظاهر أنه اسم ناقته هو أيضا.
[8] الريث: الإبطاء.
[9] وكان على قتال الخوارج الأزارقة، وذلك أن الخوارج كانوا قد مضوا إلى مكة سنة 64 ه ليمنعوا الحرم من جيش يزيد، وناصروا ابن الزبير وقاتلوا معه، ثم ناظروه فلم يرقهم ما سمعوا منه، فتفرقوا عنه، وصارت طائفة كبيرة منهم إلى البصرة، وبايعوا نافع بن الأزرق الحنفي، وسموه أمير المؤمنين، وخرج بهم إلى الأهواز - وهي كورة كبيرة في الجنوب الغربي من فارس - فغلبوا عليها وعلى ما وراءها من أرض فارس وكرمان، ونسبوا إليه فقيل لهم: الأزارقة.
[10] كان من قصة عمير بن ضابىء أن أباه ضابىء بن الحرث البرجمي استعار من قوم من الأنصار كلبا يدعى قرحان يصيد الظباء، فأعاروه إياه، ثم طلبوه منه، فحبسه عنهم، فنافره الأنصاريون واستعانوا عليه بقومه، فكاثروه، فانتزعوه منه وردوه على الأنصار، وكان
/ فقال له الحجّاج: فهلّا يومئذ بعثت بديلا، يا حرسيّ [1]! اضرب عنقه، وسمع الحجّاج ضوضاء، فقال: ما هذا؟ فقال: هذه البراجم جاءت لتنصر [2] عميرا فيما ذكرت، فقال: أتحفوهم برأسه، فرموهم برأسه، فولّوا هاربين، فازدحم الناس على الجسر للعبور إلى المهلّب حتى غرق بعضهم [3]، فقال عبد اللّه بن الزّبير الأسديّ:
أقول لإبراهيم لمّا لقيته ... أرى الأمر أمسى واهيا متشعبا [4]
تخير فإما أن تزور ابن ضابىء ... عميرا وإمّا أن تزور المهلّبا
هما خطّتا خسف نجاؤك منهما ... ركوبك حوليّا من الثلج أشهبا [5]
/فأضحى ولو كانت خراسان دونه ... رآها مكان السّوق أو هي أقربا [6]
__________
- فحاشا، فهجاهم ورمى أمهم به، فقال من أبيات:
وأمكم لا تتركوها وكلبكم ... فإن عقوق الوالدات كبير
فاستعدوا عليه عثمان، فأرسل إليه فعزره وحبسه، فاضطغن على عثمان لما فعل به، فلما دعى به ليؤدب شد سكينا في ساقه ليقتل بها عثمان، فعثر عليه فأحسن أدبه، وما زال في الحبس حتى مات فيه، وقد قال في ذلك أبياتا منها:
هممت ولم أفعل وكدت وليتني ... تركت على عثمان تبكي حلائله
انظر «تاريخ الطبري» 5: 137 و «الكامل» للمبرد 1: 185.
ونعثل: رجل من أهل مصر كان طويل اللحية، وكان عثمان إذا نيل منه وعيب شبه بهذا الرجل لطول لحيته، فكان أعداؤه وشاتموه يسمونه نعثلا لذلك، وفي حديث عائشة: اقتلوا نعثلا، قتل اللّه نعثلا تعني عثمان، وكان هذا منها لما غاضبته وذهبت إلى مكة.
[1] الحرسيّ: واحد حرس السلطان وهم الحرّاس.
[2] في الأصول ما عدا ط، «لتبصر»؛ وهو تصحيف.
[3] وفي «الكامل» 1: 183 «فقال الحجاج: ردوه، فلما رد قال له: أيها الشيخ هلا بعثت إلى أمير المؤمنين عثمان بدلا يوم الدار! إن في قتلك أيها الشيخ لصلاحا للمسلمين، يا حرسي اضربن عنقه، فجعل الزجل يضيق عليه أمره فيرتحل ويأمر وليه أن يلحقه بزاده» وفي «الكامل» أيضا 2: 213 «ثم جلس لتوجيه الناس فقال: قد أجلتكم ثلاثا» وأقسم باللّه لا يتخلف أحد من أصحاب ابن مخنف بعدها ولا من أهل الثغور إلا قتله، ثم قال لصاحب حرسه وصاحب شرطه: إذا مضت ثلاثة أيام فاتخذا سيوفكما عصيا، فجاءه عمير بن ضابىء البرجمي بابنه فقال: أصلح اللّه الأمير، إن هذا أنفع لكم مني، وأشدّ بني تميم أيدا، وأجمعهم سلاحا، وأربطهم جأشا، وأنا شيخ كبير عليل، واستشهد جلساءه، فقال الحجاج: إن عذرك لواضح، وإن ضعفك لبين، ولكني أكره أن يجترىء بك الناس عليّ، وبعد فأنت ابن ضابىء صاحب عثمان، ثم أمر به فقتل، فاحتمل الناس، وإن أحدهم لينبع بزاده وسلاحه» الخ.
[4] يخاطب إبراهيم بن عامر الأسدي أحد بني غاضرة بن مالك بن ثعلبة بن دودان بن أسد، وكان قد لقى ابن الزبير في السوق فسأله عن الخبر، فقال ابن الزبير هذه الأبيات.
وفي رواية «الكامل» 2: 686.
«أقول لعبد اللّه يوم لقيته ... أرى الأمر أمسى منصبا متشعبا»
أنصبه الأمر: أعياه وأتعبه.
[5] الخسف: الذل. الحولي: ما أتى عليه حول. أشهب: أشد شهبة، والشهبة: بياض يصدعه سواد في خلاله. والثلج شف ولكنه عند تراكمه يرى خلاله ظل من السواد، واستعماله أفعل التفضيل من اللون شاهد على جوازه عند الكوفيين، وعليه درج المتنبي في قوله يخاطب الشيب:
ابعد بعدت بياضا لا بياض له ... لأنت أسود في عيني من الظلم
[6] جاء في تعليق الأخفش على «الكامل» 1: 183: «دونه: الهاء عائدة على المهلب» فمعناه: فأضحى ولو كانت خراسان قريبة من موضع غزوه، وجاء في «تفسير المبرد» لهذا البيت في «الكامل» 1: 185 «و قوله: فأضحى ولو كانت خراسان دونه: يعني دون السفر رآها مكان السوق للخوف والطاعة» فمعنى دون السفر: قريبة من موضع سفره، قال المرصفي في «رغبة الآمل» 4: 90 «و قد سلف عن الأخفش أن الهاء من دونه عائدة على المهلب، وهو أجود. مكان السوق: يريد سوق حكمة (كرقبة) وهو موضع بنواحي الكوفة، نسبت إلى حكمة بن حذيفة بن بدر. أو هي أقربا: أو بمعنى بل، وأقرب ظرف متعلق بخبر هي، وقيل: مفعول ثان، وهي توكيد للأول، أي رآها مكان السوق أو رآها هي أقرب.
أخبرني عيسى بن الحسين الورّاق قال: حدّثنا الزبير بن بكّار قال: حدّثني علي بن عثّام الكلابيّ قال: دخل عبد اللّه بن الزّبير الأسديّ على مصعب بن الزّبير بالكوفة لمّا وليها وقد مدحه، فاستأذنه الإنشاد، فلم يأذن له، وقال له: ألم تسقط السماء علينا وتمنعنا قطرها في مديحك لأسماء بن خارجة! ثم قال لبعض من حضر: أنشدها، فأنشده:
إذا مات ابن خارجة بن حصن ... فلا مطرت على الأرض السماء
ولا رجع الوفود بغنم جيش ... ولا حملت على الطّهر النساء
ليوم منك خير من أناس ... كثير حولهم نعم وشاء
فبورك في بنيك وفي أبيهم ... إذا ذكروا ونحن لك الفداء
فالتفت إليه مصعب وقال له: اذهب إلى أسماء، فما لك عندنا شيء، فانصرف، وبلغ ذلك أسماء، فعوّضه حتى أرضاه، ثم عوّضه مصعب بعد ذلك، وخصّ به، وسمع مديحه، وأحسن عليه ثوابه.
مدحه لبشر بن مروان
قال ابن الأعرابي: لما ولي بشر بن مروان الكوفة أدنى عبد اللّه بن الزّبير الأسديّ وبرّه وخصّه بأنسه، لعلمه بهواه في بني أميّة، فقال يمدحه:
/ألم ترني [1] والحمد للّه أنني ... برئت وداواني بمعروفه بشر
رعى ما رعى مروان منّي قبله ... فصحّت [2] له مني النصيحة والشكر
ففي كلّ عام عاشه الدهر صالحا ... عليّ لربّ العالمين له [3] نذر
إذا ما أبو مروان خلّى مكانه ... فلا تهنأ الدنيا ولا يرسل القطر
/ ولا يهنىء الناس الولادة بينهم ... ولا يبق فوق الأرض من أهلها شفر [4]
فليس البحور بالتي تخبرونني ... ولكن أبو مروان بشر هو البحر
وقال فيه أيضا فذكر أمّه قطبة بنت بشر بن مالك ملاعب الأسنّة:
جاءت به عجز مقابلة ... ما هن من جرم ومن عكل [5]
يا بشر يابن الجعفريّة ما ... خلق الإله يديك للبخل
__________
[1] رواية ط، مط «ألم تريا».
[2] في ط، مط «فحقت».
[3] في ط، مط «به».
[4] في ج وب «فوق الدهر» وفي ب «سفر» وفي س «و لم يبق» وهو تحريف يقال: هنأني الأمر وهنأ لي يهنأ ويهنىء ويهنؤ: سرني، شفر: أحد، يقال: ما بالدار شفر بالفتح والضم: أي أحد.
[5] عجز: جمع عجوز. المقابل: الكريم النسب من كلا طرفيه أبيه وأمه. جرم: بطنان من عرب اليمن، بطن في قضاعة وهي بنو جرم بن زبان (كشدّاد) وبطن في طيىء وهم بنو ثعلبة بن عمرو بن الغوث بن طيى ء، وعكل: قبيلة فيهم غباوة وقلة فهم، ولذلك يقال لكل من فيه غباوة ويستحمق: عكليّ.
أنت ابن سادات لأجمعهم ... وفي بطن مكّة عزّة الأصل
بحر من الأعياص جدن به ... في مغرس للجود والفضل [1]
متهلل تندى يداه إذا ... ضنّ السحاب بوابل سجل [2]
خروجه مع الحجاج
أخبرني عمي قال: حدّثنا الكراني قال: حدّثنا العمري، عن الهيثم [بن عديّ] [3] عن عبد اللّه بن عيّاش قال:
أخبرني مشيخة من بني أسد أن ابن الزّبير الأسديّ لمّا قفل من قتال الأزارقة صوّب [4] بعث إلى الرّي، قال: فكنت فيه، وخرج الحجّاج إلى القنطرة يعني قنطرة الكوفة الّتي بزبارة [5] ليعرض الجيش، فعرضهم، وجعل يسأل عن رجل رجل من هو؟ فمر به ابن الزّبير، فسأله من هو؟ فأخبره، فقال أنت الّذي تقول:
تخيّر فإما أن تزور ابن ضابىء ... عميرا، وإما أن تزور المهلّبا
قال: بلى، أنا الّذي أقول:
ألم تر أنّي قد أخذت جعيلة ... وكنت كمن قاد الجنيب فأسمحا [6]
فقال له الحجّاج: ذلك خير لك، فقال:
وأوقدت الأعداء يا ميّ فاعلمي ... بكلّ شرى نارا فلم أر مجمحا [7]
/فقال له الحجّاج: قد كان بعض ذلك، فقال:
ولا يعدم الدّاعي إلى الخير تابعا ... ولا يعدم الداعي إلى الشرّ مجدحا [8]
فقال له الحجّاج: إن ذلك كذلك، فامض إلى بعثك، فمضى إلى بعثه فمات بالري.
__________
[1] الأعياص من قريش: أولاد أمية بن عبد شمس الأكبر، وهم أربعة: العاص، وأبو العاص والعيص، وأبو العيص؛ وبشر هو بشر بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس.
[2] في الأصول عدا ط «كماضن» وهو تحريف. تهلل الوجه: تلألأ، بوابل سجل، أي ذي سجل، سجلت الماء سجلا: صببته صبا متصلا. وفي ب، ج؛
«يبدى نداء»
[3] عن ط، مط.
[4] صوب، أي أرسل، من صوبت الفرس: إذا أرسلته في الجري. والري: مدينة بفارس.
[5] جاء في «معجم البلدان» «زبارا: موضع، أظنه من نواحي الكوفة»؛ وقد ذكر غير مضبوط وفي آخره ألف.
[6] الجعيلة: ما جعل لك على عملك، وجنبه كنصره: قاده إلى جنبه، فهو جنيب، وفي مط «الحبيب» وهو تصحيف. وأسمحت الدابة: لانت وانقادت بعد استصعاب.
يذكره الحجاج بأنه القائل: تخير ... الأبيات أي أنه لا مناص لك من إحدى اثنتين: إما أن تقاتل مع المهلب، وإما أن تقتل كابن صابى ء - وفيها يقول:
فما إن أرى الحجاج يغمد سيفه ... يد الدهر حتى يترك الطفل أشيبا
فيجيبه بقوله أنا الّذي أقول ...... أي أني نفذت ما أمرتنا به فأخذت جعيلتي (أي عطائي) وسرت لقتال الأزارقة مع المهلب، وكان الحجّاج قد توعدهم في خطبته بقوله: «و إن أمير المؤمنين أمرني بإعطائكم أعطياتكم وأن أوجهكم لمحاربة عدوكم مع المهلب بن أبي صفرة، وإني أقسم باللّه لا أجد رجلا تخلف بعد أخذ عطائه بثلاثة أيام إلا ضربت عنقه».
[7] الشرى: الطريق والناحية. مجمحا يريد مفرا ومهربا من لقائهم. وفي ج «مجحا» وهو تحريف.
[8] جدح السويق وغيره: لته. والمجدح: ما يجدح به، وهو خشبة في رأسها خشبتان معترضتان، والمعنى: لا يعدم محركا ومجيبا له.
مدح ابن أم الحكم فلم يعطه فهجاه
أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال: حدّثنا الزبير بن بكّار قال: حدّثني عمي قال: [لما] [1] ولي عبد الرحمن ابن أم الحكم الكوفة، مدحه عبد اللّه بن الزّبير، فلم يثبه، وكان قدم في هيئة رثّة، فلما اكتسب وأثرى بالكوفة تاه وتجبّر، فقال ابن الزّبير فيه:
تبقّلت لما أن أتيت بلادكم ... وفي مصرنا أنت الهمام القلمّس [2]
أ لست ببغل أمّه عربية ... أبوك حمار أدبر الظهر ينخس [3]
قال: وكان بنو أمية إذا رأوا عبد الرحمن يلقّبونه البغل، وغلبت عليه حتى كان يشتم من ذكر بغلا، يظنّه يعرّض به.
شعره في مقتل عبد اللّه بن الزبير
أخبرني عمي قال: حدّثنا الكرانيّ عن العمري عن العتبي قال: لمّا قتل عبد اللّه بن الزّبير صلب الحجّاج [4] جسده، وبعث برأسه إلى عبد الملك، فجلس على سريره وأذن للناس فدخلوا عليه، فقام عبد اللّه بن الزّبير الأسدي فاستأذنه في الكلام، فقال له: تكلّم ولا تقل إلّا خيرا، وتوخّ الحقّ فيما تقوله، فأنشأ يقول:
/مشى ابن الزبير القهقرى فتقدمت ... أميّة حتّى أحرزوا القصبات
وجئت المجلّي يابن مروان سابقا ... أمام قريش تنفض العذرات [5]
فلا زلت سبّاقا إلى كل غاية ... من المجد نجّاء من الغمرات [6]
قال: فقال له: أحسنت فسل حاجتك: فقال له: أنت أعلى عينا بها وأرحب صدرا يا أمير المؤمنين؛ فأمر له بعشرين ألف درهم وكسوة، ثم قال له: كيف قلت؟ فذهب يعيد هذه الأبيات، فقال: لا، ولكن أبياتك في المحلّ [7] فيّ وفي الحجّاج الّتي قلتها: فأنشده:
شعره في المحل وفي الحجاج
كأني بعبد اللّه يركب ردعه ... وفيه سنان زاعبيّ محرّب [8]
__________
[1] عن ط ومط.
[2] القلمس: البحر، والرجل الخير المعطاء، والسيد العظيم، والرجل الداهية المنكر البعيد الغور. تبقل: خرج يطلب البقل.
[3] أدبر: وصف من الدبر بالتحريك وهو الجرح الّذي يكون في ظهر الدابة.
[4] في ط ومط: «جسمه».
[5] في الأصل: «المعلي، وإنما هو «المجلي»: السابق من الخيل. والعذرة: الناصية، وقيل هي الخصلة من الشعر، وعرف الفرس وناصيته.
[6] الغمرات: جمع غمرة: وهي الشدة، ومن أمثالهم «غمرات ثم ينجلين». وفي ب، س «إلى المجد» وهو تحريف والتصويب عن ط، مط.
[7] كان عبد اللّه بن الزبير يدعى المحل، لإحلاله القتال في الحرم، وفي ذلك يقول رجل في رملة بنت الزبير:
ألا من القلب معنى غزل ... بذكر المحلة أخت المحل
- «الكامل» للمبرد 2: 598 طبع أوربا.
[8] يقال للقتيل: ركب ردعه: إذا خر لوجهه على دمه. زاعبي: في ط، ج، وفي ب «زاغبي» وهو تصحيف، وزاعب بلد أو رجل ومنه الرماح الزاعبية أو هي الّتي إذا هزت كأن كعوبها يجري بعضها في بعض. وحرب السنان: حدّده.
وقد فرّ عنه الملحدون وحلّقت ... به وبمن آساه عنقاء مغرب [1]
تولّوا فخلّوه فشال بشلوه ... طويل من الأجذاع عار مشذّب [2]
بكفّي غلام من ثقيف نمت به ... قريش وذو المجد التليد معتّب
/ فقال له عبد الملك: لا تقل غلام، ولكن همام، وكتب له إلى الحجاج بعشرة آلاف درهم أخرى؛ واللّه أعلم.
هجاؤه عبد اللّه بن الزبير
أخبرني أبو الحسن الأسديّ قال: حدّثنا حمّاد بن إسحاق، عن أبيه، عن الهيثم بن عديّ، عن مجالد قال:
قتل ابن الزّبير من شيعة بني أميّة قوما بلغه أنهم يتجسّسون لعبد الملك، فقال فيه عبد اللّه بن الزّبير في ذلك يهجوه ويعيّره بفعله:
أيها العائذ في مكّة كم ... من دم أهرقته في غير دم
أيد عائذة معصمة ... ويد تقتل من حلّ الحرم!
مدحه بشر بن مروان
قال أبو الفرج: ونسخت من كتاب لإسحاق بن إبراهيم الموصليّ فيه إصلاحات بخطّه، والكتاب بخط النضر بن حديد [3] من أخبار عبد اللّه بن الزبير وشعره، قال: دخل عبد اللّه بن الزبير على بشر بن مروان وعليه ثياب كان بشر خلعها عليه، وكان قد بلغ بشرا عنه شيء يكرهه، فجفاه، فلما وصل إليه وقف بين يديه، وجعل يتأمل من حواليه من بني أميّة، ويجيل بصره فيهم كالمتعجّب من جمالهم وهيئتهم، فقال له بشر، إن نظرك يابن الزّبير ليدلّ أن وراءه قولا؛ فقال: نعم؛ قال: قل؛ فقال:
كأن بني أميّة حول بشر ... نجوم وسطها قمر منير
هو الفرع المقدّم من قريش ... إذا أخذت مآخذها الأمور
لقد عمت نوافله فأضحى ... غنيّا من نوافله الفقير [4]
جبرت مهيضنا وعدلت فينا ... فعاش البائش الكلّ الكسير [5]
فأنت الغيث قد علمت قريش ... لنا، والواكف الجون المطير [6]
/قال: فأمر له بخمسة آلاف درهم ورضي عنه، فقال ابن الزّبير:
لبشر بن مروان على الناس نعمة ... تروح وتغدو لا يطاق ثوابها
__________
[1] يقال: عنقاء مغرب ومغربة على الوصف وعنقاء مغرب بالإضافة، وهي الّتي أغربت في البلاد فنأت ولم تحس ولم تر.
[2] الشلو: الجسد. شال به: رفعه، أي أنه صلب على جذع طويل. والتشذيب: إصلاح الجذع.
[3] في ط، مط «حبيب».
[4] النوافل: جمع نافلة، وهي العطية.
[5] هاض العظم: كسره بعد الجبور أو بعد ما كاد ينجبر فهو مهيض. الكل: من كان عيالا وثقلا على صاحبه. وفي ب، ج «الفقير».
[6] وكف الماء: سال. الجون: يطلق على الأسود والأبيض، وهو هنا الأسود أي السحاب الكثيف المتراكم.
به أمّن اللّه النفوس من الردى ... وكانت بحال لا يقرّ ذبابها [1]
دمغت ذوي الأضغان يا بشر عنوة ... بسيفك حتى ذلّ منها صعابها [2]
/و كنت لنا كهفا وحصنا ومعقلا ... إذا الفتنة الصّمّاء طارت عقابها [3]
وكم لك يا بشر بن مروان من يد ... مهذّبة بيضاء راس ظرابها [4]
وطدت لنا دين النبيّ محمّد ... بحلمك إذ هرّت سفاها كلابها [5]
وسدت ابن مروان قريشا وغيرها ... إذا السنة الشهباء قلّ سحابها [6]
رأبت ثآنا واصطنعت أياديا ... إلينا ونار الحرب ذاك شهابها [7]
شعره لبشر بن مروان
قال النضر بن حديد في كتابه هذا: ودخل عبد اللّه بن الزّبير إلى بشر بن مروان متعرّضا له ويسمعه [8] بيتا من شعره فيه، فقال له بشر: أراك متعرضا لأن أسمع منك/ وهل أبقى أسماء بن خارجة منك أو من شعرك أو من ودّك شيئا؟ لقد نزحت فيه بحرك يابن الزّبير؛ فقال: أصلح اللّه الأمير، إن أسماء بن خارجة كان للمدح أهلا، وكانت له عندي أياد كثيرة، وكنت لمعروفه شاكرا، وأيادي الأمير عندي أجلّ، وأملي فيه أعظم، وإن كان قولي لا يحيط بها ففي فضل الأمير على أوليائه ما قبل به ميسورهم، وإن أذن لي في الإنشاد رجوت أن أوفّق للصواب. فقال: هات، فقال:
تداركني بشر بن مروان بعد ما ... تعاوت إلى شلوي الذئاب العواسل [9]
غياث الضعاف المرملين وعصمة ال ... يتامى ومن تأوي إليه العباهل [10]
قريع قريش والهمام الّذي له ... أقرّت بنو قحطان طرّا ووائل [11]
وقيس بن عيلان وخندف كلّها ... أقرّت وجنّ الأرض طرّا وخابل [12]
__________
[1] في ج «لا تغو ذبانها». وفي ب وس «لا تفر ذبابها» وهو تحريف. والتصويب عن ط والذباب: الشرّ، أي لا يسكن شرها، والذباب أيضّا: الجنون، أي لا يهدأ اضطرابها.
[2] دمغت: علوت وقهرت.
[3] في س «وكنت لها». الكهف: الملجأ وكذا المعقل. الفتنة الصماء: هي الّتي لا سبيل إلى تسكينها لتناهيها في ذهابها، لأن الأصم لا يسمع الاستغاثة ولا يقلع عما يفعله. وقيل: هي كالحية الصماء الّتي لا تقبل الرقي. وفي ج وب وس «القنة» وهو تحريف.
[4] ظراب: جمع ظرب ككتف، وهو الجبل المنبسط.
[5] وطدت: ثبت. هرّ الكلب هريرا، وهو صوته دون نباحه.
[6] سنة شهباء: إذا كانت مجدبة بيضاء من الجدب لا يرى فيها خضرة؛ وقيل الشهباء الّتي ليس فيها مطر.
[7] الثأى كالثرى: الإفساد. ذكت النار: اشتد لهبها. والشهاب: شعلة من نار ساطعة.
[8] كذا في ج، ط، مط. والّذي في ب، س: «شيئا».
[9] الشلو: الجسد. والعواسل: جمع عاسل، عسل الذئب كضرب: اضطرب في عدوه وهز رأسه.
[10] أرمل: نفذ زاده. العباهلة: هم الذين أقروا على ملكهم لا يزالون عنه (بالبناء للمجهول) وقد جاء هنا العباهل بغير تاء، وفي كتاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم «إلى الأقيال العباهلة» وواحد العباهلة عبهل كجعفر والتاء لتأكيد الجمع، كقشعم وقشاعمة، ويجوز أن يكون الأصل عباهيل جمع عبهول أو عبهال فحذفت الياء وعوض منها الهاء، والأوّل أشبه.
[11] القريع: السيد.
[12] الخابل: الجنّ، جاء في «لسان العرب»: الخبل بالتحريك: الجن وهم الخابل، وقيل الخابل: الجن، والخبل، اسم الجمع كالقعد
يداك ابن مروان يد تقتل العدا ... وفي يدك الأخرى غياث [1] ونائل
إذا أمطرتنا منك يوما سحابة ... روينا بما جادت علينا [2] الأنامل
/ فلا زلت يا بشر بن مروان سيّدا ... يهلّ علينا منك طلّ ووابل
فأنت المصفّى يابن مروان والّذي ... توافت إليه بالعطاء القبائل
يرجّون فضل اللّه عند دعائكم ... إذا جمعتكم والحجيج المنازل
ولو لا بنو مروان طاشت حلومنا ... وكنّا فراشا أحرقتها الشعائل
شعره في أمير المؤمنين
فأمر له بجائزة وكساه خلعة، وقال له: إني أريد أن أوفدك على أمير المؤمنين، فتهيّأ لذلك يابن الزّبير، قال:
أنا فاعل أيّها الأمير، قال: فماذا تقول له إذا وفدت عليه ولقيته [3] إن شاء اللّه. فارتجل من وقته هذه القصيدة ثم قال:
أقول: أمير المؤمنين عصمتنا ... ببشر من الدهر الكثير الزّلازل [4]
وأطفأت عنا نار كلّ منافق ... بأبيض بهلول طويل الحمائل [5]
نمته قروم من أمية للعلا ... إذا افتخر الأقوام وسط المحافل [6]
هو القائد الميمون والعصمة الّتي ... أتى حقّها فينا على كل باطل
أقام لنا الدين القويم بحلمه ... ورأي له فضل على كل قائل
أخوك أمير المؤمنين ومن به ... نجاد ونسقى صوب أسحم هاطل [7]
/إذا ما سألنا رفده هطلت لنا ... سحابة كفّيه بجود ووابل [8]
حليم على الجهّال منا ورحمة ... على كلّ حاف من معدّ وناعل
/ فقال بشر لجلسائه: كيف تسمعون؟ هذا واللّه الشعر، وهذه القدرة عليه! فقال له حجّار بن أبجر العجلي، وكان من أشراف أهل الكوفة، وكان عظيم المنزلة عند بشر: هذا أصلح اللّه الأمير أشعر الناس وأحضرهم قولا إذا أراد،
__________
- والروح: اسمان لجمع قاعد ورائح، وقيل: هو جمع، وفي ط، ب، س «و حابل» وفي ج «و حامل» وهو تحريف.
[1] كذا في ب وس والّذي في ج، ط، مط «عقاب».
[2] كذا في ط، مط والّذي في ب، س، ج «عليه».
[3] في س، ب «و ألقيته» وهو تحريف.
[4] الزلازل: البلايا والشدائد.
[5] إذا قالت العرب: فلان أبيض، فالمعنى نقاء العرض من الدنس والعيوب، وهو كثير في شعرهم، لا يريدون به بياض اللون، ولكنهم يريدون المدح بالكرم ونقاء العرض. والبهلول: السيد الجامع لكل خير. الحمائل جمع حمالة بالكسر، وهي علاقة السيف. وطويل الحمائل كناية عن أنه طويل القامة.
[6] يقال: نماه جده: إذا رفع إليه نسبه، ومنه قوله: «نماني إلى العياء كل سميدع» وقروم جمع قرم بالفتح: وهو السيد.
[7] الصوب: المطر، أسحم: أي سحاب أسحم: وهو الأسود المتكاثف.
[8] الجود: المطر الغزير، أو ما لا مطر فوقه، جمع جائد.
فقال محمّد بن عمير بن عطارد - وكان عدوّا لحجّار - أيّها الأمير، إنه لشاعر، وأشعر منه الّذي يقول:
شعر الفرزدق في بشر بن مروان
لبشر بن مروان على كلّ حالة ... من الدهر فضل في الرخاء وفي الجهد
قريع قريش والّذي باع ماله ... ليكسب حمدا حين لا أحد يجدي [1]
ينافس بشر في السماحة والنّدى ... ليحرز غايات المكارم بالحمد
فكم جبرت كفّاك يا بشر من فتى ... ضريك، وكم عيّلت قوما على عمد [2]
وصيّرت ذا فقر غنيّا، ومثريا ... فقيرا، وكلّا قد حذوت بلا وعد [3]
خبره مع حجار بن أبجر
فقال بشر: من يقول هذا؟ قال: الفرزدق، وكان بشر مغضبا عليه، فقال: ابعث إليه فأحضره، فقال له: هو غائب بالبصرة، وإنّما قال هذه الأبيات وبعث بها لأنشدكها ولترضى عنه، فقال بشر: هيهات! لست راضيا عنه حتى يأتيني، فكتب محمّد بن عمير إلى الفرزدق، فتهيّأ للقدوم على بشر، ثم بلغه أن البصرة قد جمعت له مع الكوفة، فأقام وانتظر قدومه، فقال عبد اللّه بن الزّبير لمحمّد بن عمير في مجلسه ذلك بحضرة بشر:
/بني دارم هل تعرفون محمّدا ... بدعوته فيكم إذا الأمر حقّقا [4]
وساميتم قوما كراما بمجدكم ... وجاء سكيتا آخر القوم مخفقا [5]
فأصلك دهمان بن نصر فردّهم ... ولا تك وغدا في تميم معلّقا
فإن تميما لست منهم ولا لهم ... أخا يابن دهمان فلا تك أحمقا
ولولا أبو مروان لاقيت وابلا ... من السوط ينسيك الرّحيق المعتّقا [6]
أحين علاك الشيب أصبحت عاهرا ... وقلت اسقني الصّهباء صرفا مروّقا [7]
تركت شراب المسلمين ودينهم ... وصاحبت وغدا من فزارة أزرقا [8]
نبيتان من شرب المدامة كالّذي ... أتيح له حبل فأضحى مخنّقا
فقال بشر: أقسمت عليك إلّا كففت، فقال: أفعل أصلحك اللّه، واللّه لو لا مكانك لأنفذت
__________
[1] أجدى: أعطى.
[2] كلمة «كفاك» ساقطة من ج، ب، س وقد أثبتناها عن ط، مط. والضريك: الفقير السيء الحال. عيلهم: أهملهم.
[3] حذوت: قدّرت.
[4] دارم بن مالك بن حنظلة: بطن من تميم: ومحمّد: هو محمّد بن عمير بن عطارد بن حاجب بن زرارة التميمي سيد تميم الكوفة.
والدعوة في النسب بالكسر: أن ينتسب الإنسان إلى غير أبيه وعشيرته.
[5] السكيت: الّذي يجيء آخر حلبة الخيل.
[6] كذا في ط، مط. والّذي في باقي الأصول «وائلا»؛ وهو تصحيف.
[7] الصهباء: الحمر. والصرف: الخالص، ذكر الوصف حملا على المعنى، أي شرابا صرفا مروقا. والرحيق: الخمر أو أطيبها.
[8] أزرق، أي أزرق العين، أي شبيه بالروم، وكان العرب يكرهون الروم وهم زرق العيون، فكانت الزرقة أبغض شيء من ألوان العيون إلى العرب، وكذا قالوا في صفة العدو. أزرق العين.
حضنيه [1] بالحق، وكف ابن الزّبير وأحسن بشر جائزته وكسوته، وشمت حجّار بن أبجر بمحمد بن عمير - وكان عدوّه - وأقبلت بنو أسد على ابن الزّبير فقالوا: عليك غضب اللّه، أشمتّ حجّارا بمحمد، واللّه لا نرضى عنك حتى تهجوه هجاء يرضى به محمّد بن عمير عنك، أو لست تعلم أن الفرزدق أشعر العرب؟ / قال: بلى، ولكن محمّدا ظلمني وتعرّض لي، ولم أكن لأحلم عنه إذ فعل، فلم تزل به بنو أسد حتى هجا حجّارا، فقال:
سليل النصارى سدت عجلا ولم تكن ... لذلك أهلا أن تسود بني عجل [2]
/و لكنّهم كانوا لئاما فسدتهم ... ومثلك من ساد اللئام بلا عقل
وكيف بعجل إن دنا الفصح واغتدت ... عليك بنو عجل ومرجلكم يغلي [3]
وعندك قسّيس النصارى وصلبها ... وعانيّة صهباء مثل جنى النحل [4]
قال: فلما بلغ حجّارا قوله شكاه إلى بشر بن مروان، فقال له بشر: هجوت حجّارا؟ فقال: لا واللّه أعزّ اللّه الأمير، ما هجوته، لكنّه كذب عليّ، فأتاه ناس من بني عجل وتهدّدوه بالقتل، فقال فيهم:
تهدّدني عجل، وما خلت أنّني ... خلاة لعجل والصليب لها بعل [5]
وما خلتني والدهر فيه عجائب ... أعمّر حتى قد تهدّدني عجل
وتوعدني بالقتل منهم عصابة ... وليس لهم في العزّ فرع ولا أصل
وعجل أسود في الرخاء، ثعالب ... إذا التقت الأبطال واختلف النّبل
فإن تلقنا عجل [6] هناك فما لنا ... ولا لهم م الموت منجّى ولا وعل [7]
منعه عبد الرحمن الخروج إلى الشام
وقال النضر في كتابه: لما منع عبد الرحمن بن أم الحكم عبد اللّه بن الزّبير الخروج إلى الشأم، وأراد حبسه، لجأ إلى سويد بن منجوف، واستجار به، فأخرجه مع بني شيبان في بلادهم، وأجازه [8] عمل ابن أمّ الحكم، فقال يمدحه:
أليس ورائي إن بلاد تجهّمت ... سويد بن منجوف وبكر بن وائل [9]
حصون براها اللّه لم ير مثلها ... طوال أعاليها شداد الأسافل
__________
[1] الحضن: الجنب.
[2] بنو عجل: قبيلة من ربيعة، وهو عجل بن لجيم بن صعب بن علي بن بكر بن وائل. وفي أ، ج، ب، س
«و من يكن ... كذلك أهل»
، وما أثبتناه عن ط، مط.
[3] الفصح: عيد للنصارى.
[4] صهباء: ذات صهبة بالضم: وهي حمرة أو شقرة.
[5] الخلي: الرطب من النبات واحدته خلاة، وقيل: الخلاة كل بقلة قلعتها، والبعل من النخل: ما شرب بعروقه من غير سقي ولا ماء سماء.
[6] في ط، مط «يوما».
[7] في ب، س «و الموت» وهو تحريف، التصويب عن ج، ط، مط. أي من الموت. والوعل: الملجأ.
[8] أي يسر له أن يجتاز حدود ولايته.
[9] تجهمه وتجهم له: استقبله بوجه كريه، وقوله: «و بكر بن وائل» لأن بني شيبان من بكر.
هم أصبحوا كنزي الّذي لست تاركا ... ونبلي الّتي [1] أعددتها للمناضل
حاجب بشر قال شعرا
وقال أيضا في هذا الكتاب: جاء عبد اللّه بن الزّبير يوما إلى بشر بن مروان، فحجبه حاجبه، وجاء حجّار بن أبجر فأذن له، وانصرف ابن الزبير يومئذ، ثم عاد بعد ذلك إلى بشر وهو جالس جلوسا، فدخل إليه، فلمّا مثل بين يديه أنشأ يقول:
ألم تر أن اللّه أعطى فخصّنا ... بأبيض قرم من أمية أزهرا [2]
طلوع ثنايا المجد، سام بطرفه ... إذا سئل المعروف ليس بأوعرا [3]
فلولا أبو مروان بشر لقد غدت ... ركابي في فيف من الأرض أغبرا [4]
سراعا إلى عبد العزيز دوائبا ... تخلّل زيتونا بمصر وعرعرا [5]
وحاربت في الإسلام بكر بن وائل ... كحرب كليب أو أمر وأمقرا [6]
/إذا قادت الإسلام بكر بن وائل ... فهب ذاك دينا قد تغيّر مهترا [7]
بأيّ بلاء أم بأيّ نصيحة ... تقدّم حجّارا أمامي ابن أبجرا
وما زلت مذ فارقت عثمان صاديا ... ومروان ملتاحا عن الماء أزورا [8]
ألا ليتني قدّمت واللّه قبلهم ... وأن أخي مروان كان المؤخرا [9]
بهم جمع الشمل الشّتيت، وأصلح ال ... إله، وداوى الصّدع حتّى تجبّرا
قضى اللّه: لا ينفكّ منهم خليفة ... كريم يسوس الناس يركب منبرا
/ فاعتذر إليه بشر ووصله وحمله، وأنكر على حاجبه ما تشكّاه، وأمر أن يأذن له عند إذنه لأخصّ أهله وأوليائه.
شعر لأبيه
وقال النضر في كتابه هذا: كان الزبير بن الأشيم - أبو عبد اللّه بن الزّبير [10] - شاعرا، وكان لعبد اللّه بن الزّبير
__________
[1] كذا في ط، مط، وفي باقي الأصول: «الّذي».
[2] في ب، س: «أخصنا»، والتصويب عن ط، مط.
[3] ثنايا: جمع ثنية، وهو الطريق في الجبل.
[4] الفيف: المفازة كالفيفاة والفيفاء.
[5] هو عبد العزيز بن مروان أخو بشر، وكان واليا على مصر. والعرعر: شجر السرو.
[6] بكر بن وائل: تقدم أن حجار بن أبجر من بني عجل وهم من بكر بن وائل. وكليب: هو كليب بن ربيعة الّذي قتله جساس بن مرة، ونشبت بقتله حرب البسوس المشهورة بين بكر وتغلب. وأمقر: أمر، وفي ط، مط «و أسفرا».
[7] هب: عد، أهتر الرجل وأهتر بالبناء للمجهول: ذهب عقله من كبر أو مرض أو حزن فهو مهتر، ورجل مهتر: مخطىء في كلامه، والمعنى: فعدّه دينا فاسدا غير قويم.
[8] الصادي: العطشان. الملتاح: المتغير. أزور: مائل، من الزور بالتحريك، وهو الميل. وعن الماء متعلق به.
[9] كذا في ط، مط والّذي في باقي الأصول: «فيا ليتني».
[10] في ج وب وس «أبو عبد اللّه محمّد بن الزبير» بزيادة كلمة «محمّد» وهو خطأ. والتصحيح عن ط، مط.
ابن يقال له الزّبير شاعر، فأما أبوه الزبير بن الأشيم فهو الّذي يقول:
ألا يا لقومي للرّقاد المؤرّق ... وللرّبع - بعد الغبطة - المتفرّق [1]
وهمّ الفتى بالأمر من دون نيله ... مراتب صعبات على كلّ مرتقي
ويوم بصحراء البديدين قلته ... بمنزلة النّعمان وابن محرّق
/ وذلك عيش قد مضي كان بعده ... أمور أشابت كلّ شأن ومفرق [2]
وغيّر ما استنكرت يا أم واصل ... حوادث إلّا تكسر العظم تعرق [3]
فراق حبيب أو تغيّر حالة ... من الدهر أورام لشخصي مفوّق
على أنني جلد صبور مرزّأ ... وهل تترك الأيام شيئا لمشفق؟
شعر لابنه
وأما ابنه الزّبير بن عبد اللّه بن الزّبير، فهو القائل يمدح محمّد بن عيينة بن أسماء بن خارجة الفزاريّ:
قالت عبيدة موهنا ... أين اعتراك الهمّ أينه [4]
هل تبلغنّ بك المنى ... ما كنت تأمل في عيينه
بدر له الشّيم الكرا ... ئم كاملات فاعتلينه
والجوع يقتله النّدى ... منه إذا قحط ترينه
فهناك يحمده الورى ... أخلاق غيركم اشتكينه
قال: وهو القائل في بعض بني عمّه:
ومولى كداء البطن أو فوق دائه ... يزيد موالي الصدّق خيرا وينقص [5]
تلوّمت أرجو أن يثوب فيرعوي ... به الحلم حتّى استيأس المتربّص [6]
هروبه إلى معاوية
وقال النضر في كتابه هذا: لما هرب ابن الزبير من عبد الرحمن بن أم الحكم إلى معاوية، أحرق عبد الرحمن دراه، فتظلّم منه وقال: أحرق لي دارا قد قامت عليّ بمائة ألف درهم، فقال معاوية: ما أعلم بالكوفة دارا أنفق عليها هذا القدر، فمن يعرف صحة ما ادعيت؟ قال: هذا المنذر بن الجارود حاضر ويعلم ذلك، فقال معاوية
__________
[1] أي وللربع المتفرق بعد الغبطة، فصل بين الموصوف والوصف بمعمول الوصف، وهو جائز قال تعالى: ذلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنا يَسِيرٌ
والغبطة: حسن الحال والمسرة.
[2] الشأن: موصل قبائل الرأس.
[3] عرق العظم كنصر: أكل ما عليه من اللحم.
[4] الموهن: نحو من نصف الليل أو بعد ساعة منه.
[5] المولى: ابن العم. يقول: إن موالي الصدق يزيدون خيرا وهو ينقص.
[6] تلوّم في الأمر: تمكث وانتظر كتربص. يثوب: يرجع. واستيأس: يئس.
للمنذر: ما عندك في هذا؟ قال: إني لم آبه [1] لنفقته على داره ومبلغها، ولكني لما دخلت الكوفة وأردت الخروج عنها، أعطاني عشرين ألف درهم وسألني أن أبتاع له بها ساجا من البصرة، ففعلت، فقال معاوية: إن دارا اشترى لها ساج بعشرين ألف درهم لحقيق أن يكون سائر نفقتها مائة ألف درهم! وأمر له بها، فلما خرجا أقبل معاوية على جلسائه، ثم قال لهم: أيّ الشيخين عندكم أكذب؟ واللّه إني لأعرف داره، وما هي إلّا خصاص قصب، ولكنهم يقولون فنسمع، ويخادعوننا فننخدع، فجعلوا يعجبون منه.
مدحه إبراهيم بن الأشتر
أخبرني الحسن بن علي ومحمّد بن يحيي قالا: حدّثنا محمّد بن زكريا الغلابيّ عن عبد اللّه بن الضحاك، عن الهيثم بن عديّ قال: أتى عبد اللّه/ بن الزّبير إبراهيم بن الأشتر النّخعي فقال له: إني قد مدحتك بأبيات فاسمعهنّ، فقال: إني لست أعطي الشعراء، فقال: اسمعها منّي وترى رأيك، فقال: هات إذا، فأنشده قوله:
اللّه أعطاك المهابة والتّقى ... وأحلّ بيتك في العديد الأكثر
وأقرّ عينك يوم وقعة خازر ... والخيل تعثر بالقنا المتكسّر [2]
/إنّي مدحتك إذ نبا بي منزلي ... وذممت إخوان الغنى من معشر
وعرفت أنك لا تخيّب مدحتي ... ومتى أكن بسبيل خير أشكر
فهلمّ نحوي من يمينك نفحة ... إن الزمان ألحّ يابن الأشتر
فقال: كم ترجو أن أعطيك؟ فقال: ألف درهم أصلح بها أمر نفسي وعيالي، فأمر له بعشرين ألف درهم.
صوت
ما هاج شوقك من بكاء حمامة ... تدعو إلى فنن الأراك حماما [3]
تدعو أخا فرخين صادف ضاريا ... ذا مخلبين من الصّقور قطاما [4]
إلا تذكّرك الأوانس بعد ما ... قطع المطيّ سباسبا وهياما [5]
الشعر لثابت قطنة؛ وقيل إنه لكعب الأشقريّ، والصحيح أنه لثابت، والغناء ليحيى المكّيّ، خفيف ثقيل أوّل بالبنصر، من رواية ابنه والهشاميّ أيضا.
__________
[1] أي لم أحفل.
[2] في الأصول «جازر» وهو تصحيف، وفي ج «المتكثر» وهو تحريف، وخازر: نهر بين إربل والموصل، وكانت عنده رقعة بين عبيد الّله بن زياد وإبراهيم بن الأشتر، وكان قد خرج مع المختار بن أبي عبيد الثقفي للطلب بدم الحسين رضي اللّه عنه، وقتل يومئذ ابن زياد سنة 66 ه.
[3] الفنن: الغصن وفي أ، ط، مط، «على» والّذي أثبتناه عن ب، س، ج.
[4] صقر قطام بفتح القاف وقطاميّ بفتحها وضمها: لحم.
[5] سباسب: جمع سبسب كجعفر، وهي الفلاة.
18 - أخبار ثابت قطنة
نسبه
هو ثابت بن كعب، وقيل ابن عبد الرحمن بن كعب، ويكنى أبا العلاء، أخو بني أسد بن الحارث بن العتيك [1]، وقيل: بل هو مولى لهم، ولقّب قطنة لأن سهما أصابه في إحدى عينيه فذهب بها في بعض حروب التّرك، فكان يجعل عليها قطنة، وهو شاعر فارس شجاع من شعراء الدولة الأمويّة، وكان في صحابة يزيد [2] بن المهلّب، وكان يولّيه أعمالا من أعمال الثغور، فيحمد فيها مكانه لكفايته [3] وشجاعته.
فأخبرني إبراهيم بن أيوب قال: حدّثنا عبد اللّه بن مسلم بن قتيبة، وأخبرني علي بن سليمان الأخفش قال:
حدّثنا محمّد بن يزيد قال: كان ثابت قطنة قد ولي عملا من أعمال خراسان، فلما صعد المنبر يوم الجمعة رام الكلام، فتعذّر عليه وحصر، فقال: سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً
، وبعد عيّ بيانا، وأنتم إلى أمير فعّال، أحوج منكم إلى أمير قوّال:
وإلّا أكن فيكم خطيبا فإنّني ... بسيفي إذا جدّ الوغى لخطيب
فبلغت كلماته خالد بن صفوان - ويقال الأحنف بن قيس - فقال: واللّه ما علا ذلك المنبر أخطب منه في كلماته هذه، ولو أن كلاما استخفّني، فأخرجني من بلادي إلى قائله استحسانا له، لأخرجتني هذه الكلمات إلى قائلها، وهذا.
الكلام بخالد بن صفوان أشبه منه بالأحنف.
صلاته الجمعة بالناس
أخبرني محمّد بن خلف وكيع قال: حدّثني أحمد بن زهير بن حرب، عن دعبل بن/ علي، قال: كان يزيد بن المهلب تقدّم [4] إلى ثابت قطنة [5] في أن يصلّي بالناس يوم الجمعة، فلما صعد المنبر ولم يطق الكلام، قال حاجب الفيل يهجوه:
[أبا العلاء لقد لقّيت معضلة ... يوم العروبة من كرب وتخنيق [6]
أمّا القران فلم تخلق لمحكمه ... ولم تسدّد من الدنيا لتوفيق [7]
__________
[1] في ج، ب، س «الفتيك» وهو تحريف. والعتيك كأمير: فخذ من الأزد، وهو العتيك بن الأزد.
[2] ولي خراسان بعد وفاة أبيه المهلب بن أبي صفرة سنة 72 في خلافة عبد الملك بن مروان، وعزل عنها سنة 86، ولما ولي الخلافة سليمان بن عبد الملك سنة 96 ولاه أمر العراق، ثم ولاه خراسان سنة 97.
[3] في أ، ب، س: «لكتابته».
[4] تقدّم إليه في كذا: أمره به.
[5] في ط، ب «ثابت بن قطنة»، وهو تحريف.
[6] ما بين مربعين ساقط من ط، مط؛ وقد أثبتناه عن ج، ب، س. ويوم العروبة: يوم الجمعة.
[7] القران: مسهل عن القرآن.
لمّا رمتك عيون الناس هبتهم ... فكدت تشرق لمّا قمت بالرّيق
تلوي اللسان وقد رمت الكلام به ... كما هوى زلق من شاهق النّيق [1]
خبر حاجب الفيل مع يزيد بن المهلب
أخبرني عمي قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد قال: حدّثني علي بن الصباح قال: كان سبب هجاء حاجب بن ذبيان المازني - وهو حاجب الفيل، والفيل لقب لقبه به ثابت قطنة وكعب الأشقري - أن حاجبا دخل على يزيد بن المهلب، فلما مثل بين يديه أنشده]:
إليك امتطيت العيس تسعين ليلة ... أرجّي ندى كفّيك يابن المهلّب [2]
[و أنت امرؤ جادت سماء يمينه ... على كل حيّ بين شرق ومغرب] [3]
فجد لي بطرف أعوجيّ مشهّر ... سليم الشّظا عبل القوائم سلهب [4]
/سبوح طموح الطّرف يستنّ مرجم ... أمرّ كإمرار الرّشاء المشذّب [5]
طوى الضّمر منه البطن حتى كأنه ... عقاب تدلّت من شماريخ كبكب [6]
تبادر جنح الليل فرخين أقويا ... من الزاد في قفر من الأرض مجدب [7]
فلّما رأت صيدا تدلّت كأنها ... دلاة تهاوى مرقبا بعد مرقب [8]
فشكّت سواد القلب من ذئب قفرة ... طويل القرا عاري العظام معصّب [9]
وسابغة قد أتقن القين صنعها ... وأسمر خطّيّ طويل محرّب [10]
وأبيض من ماء الحديد كأنه ... شهاب متى يلق الضّربية يقضب [11]
وقل لي إذا ما شئت في حومة الوغى ... تقدّم أو اركب حومة الموت أركب
__________
[1] النيق: أرفع موضع في الجبل.
[2] العيس: الإبل البيض يخالط بياضها شقرة.
[3] سقط هذا البيت من ط، مط.
[4] الطرف: الكريم من الخيل. أعوجيّ: نسبة إلى أعوج، وأعوج: فرس كريم سابق كان لبني هلال، ركب صغيرا فاعوجت قوائمه، وإليه تنسب الخيل الكرام، فيقال: الخيل الأعوجية. مشهر ومشهور: معروف المكان المذكور. والشظا: عظم لاصق بالركبة.
عبل: ضخم؛ والسلهب من الخيل: ما عظم وطال عظامه. وفي ط، مط، ج «منهب» والمنهب: الفائق في العدو.
[5] فرس سبوح: يسبح بيديه في سيره. استن الفرس في المضمار: إذا جرى في نشاطه على سننه في جهة واحدة. وفي ب، س «يستر» وهو تحريف. وفرس مرجم: يرجم الأرض بحوافره. أمر الحبل إمرارا: أحكم قتله. الرشاء: الحبل.
[6] كبكب: جبل بعرفات، شماريخ: جمع شمراخ، وهو رأس الجبل.
[7] جنح الليل: أي في جنح الليل وهو الطائفة منه. أقوى: افتقر (و استغنى أيضا، ضد).
[8] الدلاة: الدلو. تهاوى: تساقط. المرقب: الموضع المشرف يرتفع عليه الرقيب.
[9] سواد القلب: حبته. القرا: الظهر. المعصب: الجائع. وفي ط، ج «من ذنب» وهو تحريف.
[10] وسابغة: معطوف على «طرف» أي بدرع سابغة وهي التامة الطويلة. القين: الحدّاد. وفي ج «قد أيقن صنعها» وفيه تصحيف وسقط. والأسمر: الرمح. والخطيّ: نسبة إلى الخط، مرفأ السفن بالبحرين، وكانت تباع به الرماح. حرب السنان: حدده. وفي ط، ج، س، مط «مجرب».
[11] أبيض، أي وسيف أبيض. والشهاب: شعلة من نار ساطعة. والضريبة: ما يضرب، يقضب: يقطع.
فإني امرؤ من عصبة ما زنيّة ... نماني أب ضخم كريم المركّب
قال: فأمر له يزيد بدرع وسيف ورمح وفرس، وقال له: قد عرفت ما شرطت لنا على نفسك؟ فقال: أصلح اللّه الأمير، حجّتي بيّنه، وهي قول اللّه عزّ وجلّ:/ وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ. أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ.
وَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ
فقال [له] [1] ثابت قطنة: ما أعجب ما وفدت به من بلدك في تسعين ليلة! مدحت الأمير ببيتين، وسألته حوائجك في عشرة أبيات، وختمت شعرك ببيت تفخر عليه فيه، حتى إذا أعطاك ما أردت حدت عمّا شرطت له على نفسك فأكذبتها كأنّك كنت تخدعه، فقال له يزيد: مه يا ثابت، فإنّا لا نخدع، ولكنا نتخادع، وسوّغه [2] ما أعطاه، وأمر له بألفي درهم. ولجّ حاجب يهجو ثابتا فقال فيه:
لا يعرف الناس منه غير قطنته ... وما سواها من الأنساب مجهول
خبره مع حاجب الفيل عند يزيد
قال: ودخل حاجب يوما على يزيد بن المهلّب، وعنده ثابت قطنة وكعب الأشقريّ - وكانا لا يفارقان مجلسه - فوقف بين يديه فقال له: تكلّم يا حاجب، فقال: يأذن لي الأمير أن أنشده/ أبياتا، قال: لا حتى تبدأ فتسأل حاجتك، قال: أيها الأمير، إنه ليس أحد ولو أطنب في وصفك موفّيك حقك، ولكنّ المجتهد محسن، فلا تهجني بمنعي الإنشاد، وتأذن لي فيه، فإذا سمعت فجودك أوسع من مسألتي. فقال له يزيد: هات، فما زلت مجيدا محسنا مجملا. فأنشده:
كم من كميّ في الهياج تركته ... يهوي لفيه مجدّلا مقتولا [3]
جلّلت مفرق رأسه ذا رونق ... عضب المهزّة صارما مصقولا [4]
قدت الجياد وأنت غرّ يافع ... حتى اكتهلت ولم تزل مأمولا
كم قد حربت وقد جبرت معاشرا ... وكم امتننت وكم شفيت غليلا [5]
/فقال له يزيد: سل حاجتك، فقال: ما على الأمير بها خفاء، فقال: قل، قال: إذا لا أقصر ولا أستعظم عظيما أسأله الأمير أعزّه اللّه مع عظم قدره، قال: أجل، فقل يفعل، فلست بما تصير إليه أغبط منا، قال: تحملني وتخدمني [6] وتجزل جائزتي، فأمر له بخمسة تخوت [7] ثياب وغلامين وجاريتين وفرس وبغل وبرذون وخمسة آلاف درهم، فقال حاجب:
شم الغيث وانظر ويك أين تبعّجت ... كلاه تجدها في يد ابن المهلّب [8]
__________
[1] عن ط، مط.
[2] سوّغه ما أعطاه: تركه له خالصا.
[3] الكمي: الشجاع المتكمي في سلاحه، المتغطي به. جدّله: صرعه.
[4] جللت ... : أي علوته بسيف ذي رونق قاطع.
[5] حربه يحربه حربا، كطلبه يطلبه طلبا: أخذ ماله وتركه بلا شيء.
[6] أخدمه: أعطاه خادما يخدمه.
[7] تخوت: جمع تخت، وهو وعاء تصان فيه الثياب.
[8] شام البرق: نظر إليه أين يمطر. ويك: وي اسم فعل بمعنى أعجب، والكاف للخطاب أو أصله ويلك وحذفت اللام لكثرة الاستعمال. تبعج السحاب بالمطر: انفرج عن الوبل الشديد، وكلية السحاب: أسفله، والجمع كلي.
يداه يد يخزي بها اللّه من عصى ... وفي يده الأخرى حياة المعصّب [1]
قال: فحسده ثابت قطنة وقال: واللّه لو على قدر شعرك أعطاك لما خرجت بملء كفّك نوّى، ولكنك أعطاك على قدره، وقام مغضبا، وقال لحاجب يزيد بن المهلّب: إنما فعل الأمير هذا ليضع منّا بإجزاله العطيّة لمثل هذا، وإلّا فلو أنا اجتهدنا في مديحه ما زادنا على هذا، وقال ثابت قطنة يهجو حاجبا حينئذ:
أحاجب لولا أنّ أصلك زيّف ... وأنّك مطبوع على اللؤم والكفر [2]
وأنّي لو أكثرت فيك مقصّر ... رميتك رميا لا يبيد يد الدهر [3]
فقل لي ولا تكذب فإنّي عالم ... بمثلك هل في مازن لك من ظهر؟ [4]
/فإنك منهم غير شك ولم يكن ... أبوك من الغرّ الجحاجحة الزّهر [5]
أبوك ديافيّ وأمّك حرّة ... ولكنّها لا شكّ وافية البظر [6]
فلست بهاج ابن ذبيان إنني ... سأكرم نفسي عن سباب ذوي الهجر [7]
هجاء حاجب له
فقال حاجب: واللّه لا أرضى بهجاء ثابت وحده، ولا بهجاء الأزد كلّها، ولا أرضى حتى أهجو اليمن طرّا؛ فقال يهجوهم:
دعوني وقحطانا وقولوا لثابت ... تنحّ ولا تقرب مصاولة البزل [8]
فللزنّج خير حين تنسب والدا ... من ابناء قحطان العفاشلة الغرل [9]
أناس إذا الهيجاء شبّت رأيتهم ... أذلّ على وطء الهوان من النّعل [10]
نساؤهم فوضى لمن كان عاهرا ... وجيرانهم نهب الفوارس والرّجل
شعره عن نفسه
أخبرني وكيع قال: حدّثنا أحمد بن زهير قال: وحدّثني دعبل قال: بلغني أن ثابت قطنة قال هذا البيت في نفسه وخطر بباله يوما فقال:
__________
[1] المعصب: الّذي عصبته السنون أي أكلت ماله، والّذي يتعصب بالخرق من الجوع.
[2] في ط «زيفة» وما أثبتناه عن باقي الأصول.
[3] يد الدهر: مد زمانه.
[4] من ظهر: أي من أنصار وقوة. وفي ج «فإنك عالم» وهو تحريف.
[5] الجحجح كجعفر: السيد كالجحجاح. والجمع جحاجح وجحاجحة.
[6] دياف: من قرى الشام، وقيل من قرى الجزيرة، وأهلها نبط، وإذا عرضوا برجل أنه نبطي نسبوه إليها. وفي ب وس «ديابي»؛ وهو تحريف.
[7] الهجر: القبيح من الكلام.
[8] البزل جمع بازل: وهو الرجل الكامل في تجربته.
[9] العفاشلة جمع عفشل كجعفر: وهو الثقيل الوخم. وفي ط، مط، ج؛ «التنابلة»؛ والتنبل: الرجل القصير. والغرل: جمع أغرل، وهو الّذي لم يختن.
[10] الهيجاء: الحرب.
/
لا يعرف الناس منه غير قطنته ... وما سواها من الأنساب مجهول
وقال: هذا بيت سوف أهجى به أو بمعناه، وأنشده جماعة من أصحابه وأهل الرواية وقال: اشهدوا أنّي قائله، فقالوا: ويحك ما أردت [إلا] [1] أن تهجو/ نفسك به، ولو بالغ عدوّك ما زاد على هذا. فقال: لا بدّ من أن يقع على خاطر غيري، فأكون قد سبقته إليه، فقالوا له: أما هذا فشرّ قد تعجّلته، ولعلّه لا يقع لغيرك، فلمّا هجاه به حاجب الفيل استشهدهم على أنه هو قائله، فشهدوا على ذلك، فقال يردّ على حاجب:
هيهات ذلك بيت قد سبقت به ... فاطلب له ثانيا يا حاجب الفيل
أخبرني أحمد بن عثمان العسكريّ المؤدّب قال: حدّثنا الحسن بن عليل العنزيّ قال: حدّثنا قعنب بن المحرز الباهليّ عن أبي عبيدة قال: كان ثابت قطنة قد جالس قوما من الشّراة [2] وقوما من المرجئة [3] كانوا يجتمعون فيتجادلون بخراسان، فمال إلى قول المرجئة وأحبّه، فلمّا اجتمعوا بعد ذلك أنشدهم قصيدة قالها في الإرجاء:
/يا هند إنّي أظنّ العيش قد نفدا ... ولا أرى الأمر إلا مدبرا نكدا [4]
إني رهينة يوم لست سابقه ... إلّا يكن يومنا هذا فقد أفدا [5]
بايعت ربّي بيعا إن وفيت به ... جاورت قتلى كراما جاوروا أحدا [6]
يا هند فاستمعي لي إنّ سيرتنا ... أن نعبد اللّه لم نشرك به أحدا
نرجي الأمور إذا كانت مشبّهة ... ونصدق القول فيمن جار أو عندا [7]
المسلمون على الإسلام كلّهم ... والمشركون أشتّوا دينهم قددا [8]
__________
[1] سقطت هذه الكلمة من جميع الأصول. وسياق الكلام يقتضيها.
[2] يسمي الخوارج أنفسهم «الشراة»، جمع شار كقاض وقضاة، من شرى كرمى بمعنى باع، لقولهم: شرينا أنفسنا في طاعة اللّه أي بعناها ووهبناها، أخذ من قوله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ
أو من شرى بمعنى اشترى لقولهم: شرينا الآخرة بالدنيا أي اشتريناها.
[3] المرجئة: فرقة من الفرق الإسلامية؛ والإرجاء على معنيين: أحدهما التأخير، من أرجأه إذا أخره، وترك الهمز لغة فيه، قال تعالى:
قالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ*
أي أمهله وأخره، والثاني: إعطاء الرجاء، وعلى هذا فهو من أرجى أي بعث فيه الرجاء، أما إطلاق اسم المرجئة على هذه الجماعة بالمعنى الأول فلأنهم كانوا يؤخرون العمل عن الإيمان؛ وأما بالمعنى الثاني فلأنهم كانوا يقولون: لا تضر مع الإيمان معصية كما لا ينفع مع الكفر طاعة. وقيل: الإرجاء تأخير حكم صاحب الكبيرة إلى يوم القيامة، فلا يقضى عليه بحكم ما في الدنيا، وقد غلت طائفة من المرجئة فقالوا: «إن الإيمان عقد بالقلب، وإن أعلن الكفر بلسانه بلا تقية، وعبد الأوثان أو لزم اليهودية أو النصرانية في دار الإسلام، وعبد الصليب وأعلن التثليث في دار الإسلام، ومات على ذلك فهو مؤمن كامل الإيمان عند اللّه عزّ وجلّ، وليّ للّه، من أهل الجنة».
وقيل: إن أول من قال بالإرجاء الحسن بن محمّد بن علي بن أبي طالب، وكان يكتب فيه الكتب إلى الأمصار، إلا أنه ما أخر العمل عن الإيمان كما قالت المرجئة، لكنه حكم بأن صاحب الكبيرة لا يكفر، إذ الطاعات وترك المعاصي ليست من أصل الإيمان حتى يزول الإيمان بزوالها - انظر «الملل والنحل» للشهرستاني 1: 144، و «الفرق بين الفرق» للبغدادي ص 190.
[4] نفد: فني.
[5] أفد: دنا وأزف.
[6] أحد: جبل بالمدينة كانت عنده غزوة أحد المشهورة.
[7] عند عن الطريق عنودا: مال.
[8] في ب، س «استووا في دينهم». واشتوا: فرقوا. وقددا، أي فرقا مختلفة أهواؤها جمع قدة بالكسر.
ولا أرى أن ذنبا بالغ أحدا ... م الناس شركا إذا ما وحّدوا الصمدا [1]
لا نسفك الدم إلّا أن يراد بنا ... سفك الدماء طريقا واحدا جددا [2]
من يتّق اللّه في الدنيا فإنّ له ... أجر التقيّ إذا وفّى الحساب غدا
وما قضى اللّه من أمر فليس له ... ردّ، وما يقض من شيء يكن رشدا
كلّ الخوارج مخط في مقالته ... ولو تعبّد فيما قال واجتهدا
أما عليّ وعثمان فإنهما ... عبدان لم يشركا باللّه مذ عبدا
وكان بينهما شغب وقد شهدا ... شقّ العصا، وبعين اللّه ما شهدا [3]
يجزى عليّ وعثمان بسعيهما ... ولست أدري بحقّ أيّة وردا
اللّه يعلم ماذا يحضران به ... وكلّ عبد سليقى اللّه منفردا
/ قال أبو الفرج: ونسخت من كتاب بخط المرهبيّ الكوفي في شعر ثابت قطنة، قال: لما ولي سعيد بن عبد العزيز [4] بن الحارث بن الحكم بن أبي العاص بن أمية خراسان بعد عزل عبد الرحمن بن نعيم، جلس يعرض الناس وعنده حميد الرّؤاسي وعبادة المحاربي، فلما دعي بثابت قطنة تقدّم، وكان تامّ السلاح، جواد الفرس، فارسا من الفرسان، فسأله عنه، فقيل: هذا ثابت قطنة، وهو أحد فرسان الثغور، فأمضاه وأجاز على اسمه، فلما/ انصرف قال له حميد وعبادة: هذا أصلحك اللّه الّذي يقول:
إنا لضرّابون في حمس الوغى ... رأس الخليفة إن أراد صدودا [5]
فقال سعيد: عليّ به، فردّوه وهو يريد قتله، فلما أتاه قال له: أنت القائل:
إنا لضرّابون في حمس الوغى
قال: نعم، أنا القائل:
إنا لضرّابون في حمس الوغى ... رأس المتوّج إن أراد صدودا
عن طاعة الرحمن أو خلفائه ... إن رام إفسادا وكرّ عنودا
فقال له سعيد: أولى لك، لو لا أنّك خرجت منها لضربت عنقك، قال: وبلغ ثابتا ما قاله حميد وعبادة، فأتاه عبادة معتذرا، فقال [له] [6]: قد قبلت عذرك، ولم يأته حميد، فقال ثابت يهجوه:
وما كان الجنيد ولا أخوه ... حميد من رءوس في المعالي
__________
[1] بالغ أحدا، أي بالغ من أحد.
[2] طريق جدد: مستو.
[3] في ب، س: الشغب. وهو تهييج الشر. وفي أ، ج، ط، مط: «الشعب». والشعب: الصدع والتفرّق. ويقال: شقوا عصا المسلمين: أي شقوا اجتماعهم وائتلافهم.
[4] في ب، س «العزى».
[5] حمس الأمر كفرح حمسا: اشتد.
[6] عن «ط» وسقطت من جميع الأصول.
/
فإن يك دغفل أمسى رهينا ... وزيد والمقيم إلى زوال [1]
فعندكم ابن بشر فاسألوه ... بمرو الرّوذ يصدق في المقال [2]
ويخبر أنه عبد زنيم ... لئيم الجدّ من عمّ وخال [3]
قال: واجتاز ثابت قطنة في بعض أسفاره بمدينة كان أميرها محمّد بن مالك بن بدر [4] الهمداني ثم الخيواني [5]، وكان يغمز في نسبه، وخطب إلى قوم من كندة فردّوه، فعرف خبر ثابت في نزوله، فلم يكرمه، ولا أمر له بقرى، ولا تفقّده بنزل [6] ولا غيره، فلما رحل عنه قال يهجوه ويعيّره بردّ من خطب إليه:
/لو انّ بكيلا هم قومه ... وكان أبوه أبا العاقب [7]
لأكرمنا إذ مررنا به ... كرامة ذي الحسب الثاقب
ولكنّ خيوان هم قومه ... فبئس هم القوم للصّاحب [8]
وأنت سنيد بهم ملصق ... كما ألصقت رقعة الشاعب [9]
وحسبك حسبك عند النّثا ... بأفعال كندة من عائب [10]
خطبت فجازوك لما خطبت ... جزاء يسار من الكاعب [11]
__________
[1] في ج «دعبلا» وفي ب، س، ط، مط «دعبل» وهو تحريف صوابه «دغفل»، وهو دغفل بن حنظلة النسابة من بني ذهل بن ثعلبة بن عكابة، كان أعلم أهل زمانه بالأنساب، ومن أمثالهم: أنسب من دغفل، وقد وفد على معاوية، وقتلته الأزارقة، وله حديث طويل مع معاوية حين قدم عليه مع وفد العراق - اقرأه في «ذيل الأمالي» ص 26، ج 2: 203، و «مجمع الأمثال» ج 1: ص 13 في المثل: «إن البلاء موكل بالمنطق»، وفي «العقد الفريد» 2: 55، و «المعارف» لابن قتيبة: 232 و «بلوغ الأرب» 3: 198.
وزيد: «هو زيد بن الكيس النمري من ولد عوف بن سعد بن الخزرج بن تيم اللّه بن النمر بن قاسط، كان نسابة، قال أبو عبيدة: إنه ممن يقارب دغفلا في العلم بالأنساب من العرب، وفيه وفي دغفل يقول مسكين بن عامر:
فحكم دغفلا وارحل إليه ... ولا تدع المطيّ من الكلال
أو ابن الكيس النمريّ زيدا ... ولو أمسى بمنخرق الشمال
- «تاج العروس «كيس»، و «بلوغ الأرب» 3: 202.
[2] مرو الروذ: مدينة بخراسان، مات بها المهلب بن أبي صفرة.
[3] الزنيم: الدعيّ. واللئيم: المعروف بلؤمه وشره.
[4] كذا في ب، س، ج، والّذي في ط، مط: «يزيد».
[5] في ب، س «الحراني» وهو تحريف التصويب عن ط، ج، مط. نسبة إلى خيوان بن نوف (كشمس) بن همدان.
[6] النزل كعنق وقفل: ما هيىء للضيف أن ينزل عليه.
[7] بكيل: حيّ من همدان، هم بنو بكيل بن جشم بن خيوان بن نوف بن همدان: والعاقب: الّذي يخلف السيد.
[8] في ج، ب، س «حيوان» وهو تصحيف. ولعل الصواب ما أثبتنا. ورواية ط، مط:
فبئس أخو القوم والصاحب
[9] السنيد: الدعيّ، شعب صدع الإناء كمنع: أصلحه ولأمه.
[10] النثا: ما أخبرت به عن الرجل من حسن أو سيء يقال فلان حسن النثا، وقبيح النثا، وفي ج وب س: «الشبا»، وفي ط، مط:
«الشتا»؛ وهو تحريف.
[11] من أمثالهم: لقى ما لاقى يسار الكواعب، والكاعب: الجارية الّتي كعب ثدياها أي نهدا، ويسار: عبد أسود دميم، وكان يقال له يسار الكواعب لأن النساء إذا رأينه ضحكن منه لقبحه، فكان يظن أنهن يضحكن من إعجابهن به، حتى نظرت إليه امرأة مولاه فضحكت فظن أنها خضعت له، فقال لصاحب له أسود كان يكون معه في الإبل: قد واللّه عشقتني مولاتي فلأزورنها الليلة، ولم يكن يفارق الإبل، فقال له صاحبه: يا يسار، اشرب لبن العشار، وكل لحم الحوار، (بالضم وقد يكسر: ولد الناقة إلى أن يفصل -
/
كذبت فزيّفت عقد النكاح ... لمتّك بالنّسب الكاذب [1]
فلا تخطبن بعدها حرّة ... فتثنى بوسم على الشارب [2]
هجاؤه لقتيبة بن مسلم
قال أبو الفرج: ونسخت من هذا الكتاب قال: كان لثابت قطنة راوية يقال له النضر، فهجا ثابت قطنة قتيبة بن مسلم وقومه، وغيّرهم بهزيمة انهزموها عن التّرك، فقال:
توافت تميم في الطّعان وعرّدت ... بهيلة لمّا عاينت معشرا غلبا [3]
كماة كفاة يرهب الناس حدّهم ... إذا ما مشوا في الحرب تحسبهم نكبا [4]
تسامون كعبا في العلا وكلابها ... وهيهات أن تلقوا كلابا ولا كعبا
قال: فأفشى عليه راويته ما قاله، فقال ثابت فيه وقد كان استكتمه هذه الأبيات:
يا ليت لي بأخي نضر أخا ثقة ... لا أرهب الشرّ منه غاب أم شهدا
/ أصبحت منك على أسباب مهلكة ... وزلّة خائفا منك الردى أبدا [5]
ما كنت إلا كذئب السّوء عارضه ... أخوه يدمى ففرّى جلده قددا
/ أو كابن آدم خلّى عن أخيه وقد ... أدمى حشاه ولم يبسط إليه يدا [6]
أهم بالصّرف أحيانا فيمنعني ... حيّا ربيعة والعقد الّذي عقدا
__________
- عن أمه) وإياك وبنات الأحرار، فقال له: يا صاحب، أنا يسار الكواعب، واللّه ما رأتني حرّة إلا عشقتني، فلما أمسى قال لصاحبه:
احفظ عليّ الإبل حتى أنصرف وأعود إليك، فنهاه فلم ينته، حتى دخل على امرأة مولاه يراودها عن نفسها، فقالت له: مكانك، فإن للحرائر طيبا أشمك إياه، فقال: هاتيه، فأتته بطيب وموسى قاطعة، فأشمته الطيب ثم انحنت بالموسى على أنفه فقطعته، وقيل: وضعت تحته بخورا وقطعت مذاكيره، فصاح، فقالت: صبرا على مجامر الكرام، ثم خرج هاربا حتى أتى صاحبه ودمه يسيل فضرب به المثل - انظر «سرح العيون شرح رسالة ابن زيدون» لابن نباتة المصري ص 270.
وفي «مجمع الأمثال» للميداني 2: 248 أنه كان لمولى يسار بنت، فمرّت يوما بإبله وهي ترتع في روض معشب، فجاء يساء بعلبة لبن فسقاها، وكان أفحج الرجلين، فنظرت إلى فحجه فتبسمت ثم شربت وجزته خيرا، فانطلق فرحا حتى أتى عبدا كان يراعيه، وقص عليه القصة وقال: دخلت إليّ دخلة لا أخيبها (يقول: ضحكت ضحكة) ثم قام إلى علبة فملأها وأتى بها ابنة مولاه ...
فوضعت البخور تحته وتطأطأت كأنها تصلح البخور وأخذت مذاكيره وقطعتها بالموسى، قال الفرزدق يخاطب جريرا:
وإني لأخشى إن خطبت إليهم ... عليك الّذي لاقى يسار الكواعب
[1] المت: التوسل بقرابة.
[2] تثنى: ترد. والوسم: أثر الكيّ.
[3] كذا في ج، ط، مط. وعرّدت: هربت. وبهيلة: تصغير باهلة: قوم قتيبة تصغير ترخيم؛ ويؤيد ذلك قوله: «فهجا ثابت قطنة قتيبة بن مسلم وقومه». غلب: جمع أغلب، وهو الغليظ الرقبة.
[4] نكبا: جمع نكباء وهي كل ريح من الرياح الأربع، انحرفت ووقعت بين ريحين، وهي تهلك المال وتحبس القطر، والنكب من الرياح أربع: نكباء الصبا والجنوب، ونكباء الصبا والشمال، ونكباء الشمال والدبور، ونكباء الجنوب والدبور.
[5] رواية ط، مط:
وزلة خائفا من شرها أبدا
[6] يشير إلى ابني آدم قابيل وهابيل، إذ قربا قربانا إلى اللّه وهو زرع لقابيل وكبش لهابيل، فتقبل من هابيل، فنزلت نار من السماء فأكلت قربانه ولم يتقبل من قابيل، فغضب وقتل أخاه.
رثاؤه المفضل بن المهلب
ونسخت منه أيضا قال: لما قتل المفضل [1] بن المهلب دخل ثابت قطنة على هند بنت المهلب، والناس حولها جلوس يعزّونها، فأنشدها:
يا هند كيف بنصب بات يبكيني ... وعائر في سواد الليل يؤذيني [2]
كأنّ ليلي والأصداء هاجدة ... ليل السّليم، وأعيا من يداويني [3]
لمّا حنى الدهر من قوسي وعذّرني ... شيبي وقاسيت أمر الغلظ واللين [4]
إذا ذكرت أبا غسّان أرّقني ... همّ إذا عرّس السّارون يشجيني [5]
/كان المفضّل عزّا في ذوي يمن ... وعصمة وثمالا للمساكين [6]
ما زلت بعدك في همّ تجيش به ... نفسي وفي نصب قد كاد يبليني [7]
إنّي تذكّرت قتلى لو شهدتهم ... في حومة الموت لم يصلوا بها دوني [8]
لا خير في العيش إن لم أجن بعدهم ... حربا تبىء بهم قتلى فيشفوني [9]
فقالت له هند: اجلس يا ثابت، فقد قضيت الحقّ، وما من المرثية [10] بدّ، وكم من ميتة ميّت أشرف من حياة حيّ، وليست المصيبة في قتل ممن استشهد ذابّا عن دينه، مطيعا لربه، وإنما المصيبة فيمن قلّت بصيرته، وخمل ذكره بعد موته، وأرجو ألّا يكون المفضّل عند اللّه خاملا، يقال: إنه ما عزّي يومئذ بأحسن من كلامها.
رده على ابن الكواء
قال أبو الفرج: ونسخت من كتابه أيضا قال: كان ابن الكوّاء [11] اليشكريّ مع الشّراة والمهلب يحاربهم، وكان
__________
[1] بعد هزيمة يزيد بن المهلب وقتله - كما سيأتي بعد - اجتمع آل المهلب بالبصرة وأمروا عليهم المفضل بن المهلب، وخرجوا إلى كرمان، وبكرمان فلول كثيرة، وبعث مسلمة بن عبد الملك في طلبهم، وقد اجتمعت الفلول إلى المفضل بفارس، فأدركوهم في عقبة واشتدّ قتالهم إياه، فقتل المفضل وجماعة من خواصه، وقتل آل المهلب عن آخرهم إلا أبا عيينة بن المهلب وعثمان بن المفضل، فإنهما نجوا فلحقا برتبيل ملك الترك.
[2] النصب بالفتح والضم وبضمتين: الداء والبلاء. والعائر: كل ما أعل العين، والرمد، والقذى كالعوّار.
[3] الأصداء: جمع صدى، وهو الصوت. والهجود: النوم. والسليم: الملدوغ. أعيا: أعجز.
[4] كذا في ط، مط. والّذي في باقي الأصول:
قاسيت منه أمر الغلظ واللين
وعذرني: من عذر الدار: طمس آثارها، والمعنى: هدّني وهدمني، وفي ج «و غدرني» وهو تصحيف. والغلظ بفتح اللام وخفف هنا بتسكينها للشعر.
[5] عرّس القوم: نزلوا في آخر الليل للاستراحة. سرى: سار ليلا، شجاه وأشجاه: أحزنه.
[6] الثمال: الغياث الّذي يقوم بأمر قومه. وفي ط، مط «في المساكين».
[7] جاشت النفس: ارتفعت من حزن أو فزع. وفي ب، س، ج، ط، مط: «كاد يسليني».
[8] في ب، س: «تذكرت فعلي» وهو تحريف. وصلّى النار وبها: قاسى حرها.
[9] تبى ء: أباء القاتل بالقتيل: قتله.
[10] في ب، س (المرزنة).
[11] في جميع الأصول «ابن الكوفي» وهو تحريف، وهو عبد اللّه بن الكواء. لما رجع الإمام علي من صفين إلى الكوفة اعتزله جماعة ممن رأوا التحكيم ضلالا، ونزلوا حروراء بظاهر الكوفة في اثنى عشر ألفا، وأمروا على القتال شبث بن ربعي التميمى، وعلى
بعض بني أخيه شاعرا فهجا المهلب وعمّ الأزد بالهجاء، فقالت لثابت: أجبه [فقال له ثابت] [1]:
/كلّ القبائل من بكر نعدّهم ... واليشكريّون منهم ألأم العرب [2]
أثرى لجيم وأثرى الحصن إذ قعدت ... بيشكر أمّه المعرورة النّسب [3]
نحّاكم عن حياض المجد والدكم ... فما لكم في بني البرشاء من نسب [4]
أنتم تحلّون من بكر إذا نسبوا ... مثل القراد حوالي عكوة الذّنب [5]
نبّئت أن بني الكوّاء قد نبحوا ... فعل الكلاب تتلّى اللّيث في الأشب [6]
يكوي الأبيجر عبد اللّه شيخكم ... ونحن نبرى الّذي يكوى من الكلب [7]
كتابه إلى يزيد بن المهلب
ونسخت من كتابه أيضا قال: كتب ثابت قطنة إلى يزيد بن المهلب يحرّضه:
إن امرأ حدبت ربيعة حوله ... والحيّ من يمن وهاب كئودا [8]
لضعيف ما ضمّت جوانح صدره ... إن لم يلفّ إلى الجنود جنودا [9]
أ يزيدكن في الحرب إذ هيّجتها ... كأبيك لا رعشا ولا رعديدا [10]
/شاورت أكرم من تناول ماجد ... فرأيت همّك في الهموم بعيدا
/ ما كان في أبويك قادح هجنة ... فيكون زندك في الزنّاد صلودا [11]
إنا لضرّابون في حمس الوغى ... رأس المتوّج إن أراد صدودا
وقر إذا كفر العجاج ترى لنا ... في كلّ معركة فوارس صيدا [12]
يا ليت أسرتك الّذين تغيّبوا ... كانوا ليومك بالعراق شهودا
__________
- الصلاة عبد اللّه بن الكوّاء اليشكري.
[1] تكملة من ط، مط، مب.
[2] بكر: هم بكر بن وائل، ومنهم بنو يشكر بن بكر. وفي س «و اليشكرين»؛ وهو تحريف، وفي ب، س «نعددهم».
[3] لجيم: هو لجيم بن صعب بن علي بن بكر بن وائل. والحصن: هو ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل، وفي بعض الأصول: «فقدت» وهو تحريف، والصواب ما أثبتنا كما في ط، مط، مب، ها.
[4] في ب، س، ج «حياض الوجد» وهو تحريف، والبرشاء: لقب أم ذهل وشيبان وقيس بني ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل، لقبت بذلك لبرش أصابها (و البرش: البرص).
[5] العكوة بالضم وبفتح: أصل الذنب.
[6] في ج، ط «قد ضبحوا». الأشب: شدّة التفاف الشجر وكثرته حتى لا مجاز فيه.
[7] الأبيجر: مصغر الأبجر، وهو العظيم البطن.
[8] الكئود: المرتقى الصعب.
[9] ما ضمت جوانح صدره: كناية عن القلب.
[10] الرعش والرعديد: الجبان.
[11] الهجنة كون أحد الزندين واديا والآخر صالدا. وصلد الزند: صوّت ولم يور، فهو صالد وصلود.
[12] العجاج: الغبار، كفره كضرب كفرا بالفتح: ستره وغطاه. الثرى: الأرض. صيد: جمع أصيد وهو رافع رأسه كبرا.
وترى مواطنهم إذا اختلف القنا ... والمشرفيّة يلتظين وقودا [1]
فقال يزيد لما قرأ كتابه [2]: إن ثابتا لغافل عمّا نحن فيه، ولعمري لأطيعنّه، وسيرى ما يكون، فاكتبوا إليه بذلك.
أخبرني عمّي قال: حدّثنا الكرانيّ عن العمري عن الهيثم بن عديّ قال: أنشد مسلمة بن عبد الملك بعد قتل يزيد بن المهلّب قول ثابت قطنة:
يا ليت أسرتك الذين تغيّبوا ... كانوا ليومك يا يزيد شهودا
فقال مسلمة: وأنا واللّه لوددت أنهم كانوا شهودا يومئذ، فسقيتهم بكأسه، قال: فكان مسلمة أحد من أجاب شعرا بكلام منثور فغلبه.
خطب امرأة، فدفعه عنها جويبر بن سعيد
أخبرني محمّد بن خلف بن المرزبان قال: حدّثني عبيد اللّه بن أحمد بن محمّد الكوفي قال: حدّثني محمّد القحذميّ عن سليمان بن ناصح الأسدي قال: خطب/ ثابت قطنة امرأة كان يميل إليها، فجعل السفير بينه وبينها جويبر بن سعيد المحدّث، فاندسّ فخطبها لنفسه، فتزوّجها ودفع عنها ثابتا، فقال ثابت حين بان له الأمر [3]:
أفشى عليّ مقالة ما قلتها ... وسعى بأمر كان غير سديد
إني دعوت اللّه حين ظلمتني ... ربّي وليس لمن دعا ببعيد
أن لا تزال متيّما بخريدة ... تسبي الرجال بمقلتين وجيد [4]
حتى إذا وجب الصّداق تلبّست ... لك جلد أغضف بارز بصعيد [5]
تدعو عليك الحاريات مبرّة [6] ... فترى الطلاق وأنت غير حميد
قال: فلقى جويبر كلّ ما دعا عليه ثابت به، ولحقه من المرأة كلّ شرّ وضرّ حتى طلّقها بعد أن قبضت صداقها منه.
رثاؤه يزيد بن المهلب
أخبرني جعفر بن قدامة قال: حدّثني حماد بن إسحاق عن أبيه قال: كان ثابت قطنة مع يزيد بن المهلّب في يوم العقر [7]، فلمّا خذله أهل العراق وفروا عنه فقتل، قال ثابت قطنة يرثيه:
كل القبائل با يعوك على الّذي ... تدعو إليه وتابعوك وساروا
__________
[1] القنا: الرماح. والمشرفية: السيوف نسبة إلى مشارف الشام. التظت وتلظت: تلهبت وتوقدت.
[2] في ب، س: «الكتاب».
[3] كذا في ط، مط. وفي باقي الأصول «فحين بان الأمر قال».
[4] تيمه الحب: عبده وذلله، والخريدة: البكر الّتي لم تمسس.
[5] في ب وس: «تلعبت». والأغضف: الكلب.
[6] مبرة: غالبة قاهرة. وفي ب، س «بنكبة».
[7] العقر: موضع ببابل قرب كربلاء من الكوفة، كانت فيه الوقعة بين مسلمة بن عبد الملك وبين يزيد بن المهلب، وفيه قتل يزيد.
حتى إذا حمس الوغى وجعلتهم ... نصب الأسنّة أسلموك وطاروا [1]
إن يقتلوك فإنّ قتلك لم يكن ... عارا عليك، وبعض قتل عار [2]
هجاؤه لربيعة
قال أبو الفرج: ونسخت من كتاب المرهبي قال: كانت ربيعة لما حالفت اليمن وحشدت مع يزيد بن المهلب تنزل حواليه هي والأزد، فاستبطأته ربيعة في بعض الأمر، فشغبت عليه حتى أرضاها فيه، فقال ثابت قطنة يهجوهم:
عصافير تنزو في الفساد، وفي الوغى ... إذا راعها روع جماميح بروق [3]
/الجماميح: ما نبت على رؤوس القصب مجتمعا، وواحده جماح، فإذا دقّ تطاير. وبروق: نبت ضعيف.
أ أحلم عن ذبّان بكر بن وائل ... ويعلق من نفسي الأذى كلّ معلق [4]
ألم أك قد قلّدتكم طوق خزية ... وأنكلت عنكم فيكم كلّ ملصق [5]
لعمرك ما استخلفت بكرا ليشغبوا ... عليّ، وما في حلفكم من معلّق [6]
ضممتكم ضمّا إليّ وأنتم ... شتات كفقع القاعة المتفرّق [7]
فأنتم على الأدنى أسود خفيّة ... وأنتم على الأعداء خزّان سملق [8]
شعره لما منعه قتيبة بن مسلم
أخبرني محمّد بن خلف بن المرزبان قال: حدّثني أبو بكر العامريّ قال: قال القحذميّ: دخل ثابت قطنة على بعض أمراء خراسان - أظنّه قتيبة [9] بن مسلم - فمدحه وسأله حاجة، فلم يقضها له، فخرج من بين يديه وقال لأصحابه: لكن يزيد بن المهلب لو سألته هذا أو أكثر منه لم يردني [10] عنه، وأنشأ يقول:
أبا خالد لم يبق بعدك سوقة ... ولا ملك ممّن يعين على الرّفد [11]
__________
[1] أسلموك: خذلوك.
[2] في «وفيات الأعيان»، و«مغني اللبيب» 1: 24 «و رب قتل عار» وهو على تقدير «هو عار».
[3] نزا: وثب. والروع: الفزع.
[4] الذبان: الذباب، وفي ج «دبان» وفي ب وس «ديان» وهو تصحيف، وفي س «من نفس الأذى»، وفي ج، ب، س «و تعلق» وهو تصحيف.
[5] أي كل ملصق فيكم، وأنكلت الحجر عن مكانه: دفعته عنه.
[6] من معلق، أي من شيء يتعلق به ويعتمد عليه.
[7] شتات، أي ذوو شتات وهو الفرقة، ومن أمثال العرب: أذل من فقع بقرقر، والفقع بالفتح ويكسر: البيضاء الرخوة من الكمأة، والجمع فقعة كقردة. والقاع والقاعة والقرقر: أرض مطمئنة سهلة مستوية، وذلك لأن الفقعة لا تمتنع على من اجتناها، أو لأنها توطأ بالأرجل لأنها لا أصول لها ولا أغصان.
[8] في ج «أسود خيفة» وفي ب وس «أسود مخيفة» والتصويب عن ط، مط. وخفية هي أجمة في سواد الكوفة تنسب إليها الأسود، فيقال أسود خفية. والسملق: الأرض المستوية الجرداء الّتي لا شجر بها، وخزان: جمع خزز بضم ففتح وهو ذكر الأرانب، وهي معروفة بالجبن.
[9] ولاه الحجاج خراسان بعد يزيد بن المهلب سنة 86، وقتل سنة 96.
[10] كذا في ب، س، ج، والّذي في ط، مط «لما ردّني».
[11] أبو خالد: كنية يزيد بن المهلب، والرفد: العطاء.
ولا فاعل يرجو المقلّون فضله ... ولا قائل ينكا العدوّ على حقد [1]
لو أنّ المنايا سامحت ذا حفيظة ... لأكرمنه أو عجن عنه على عمد [2]
شعره في قومه
أخبرني محمّد بن الحسن بن دريد قال: حدّثنا أبو حاتم عن أبي عبيدة قال: عتب ثابت قطنة على قومه من الأزد في حال استنصر عليها بعضهم [3] فلم ينصره فقال في ذلك:
تعفّفت عن شتم العشيرة إنّني ... وجدت أبي قد عفّ [4] عن شتمها قبلي
حليما إذا ما الحلم كان مروءة ... وأجهل أحيانا إذا التمسوا جهلي
خبره مع أمية بن عبد اللّه بن خالد
أخبرني عمي قال: حدّثني العنزيّ عن مسعود بن بشر قال: كان ثابت قطنة بخراسان، فوليها أميّة بن عبد اللّه بن خالد بن أسد لعبد الملك بن مروان، فأقام بها مدّة، ثم كتب إلى عبد الملك: «إن خراج خراسان لا يفي بمطبخي»، وكان أميّة يحمّق، فرفع ثابت قطنة إلى البريد [5] رقعة وقال: أوصل هذه معك، فلما أتى عبد الملك/ أوصل إليه كتاب أميه، ثم نثل [6] كنانته بين يديه فقرأ ما فيها، حتى انتهى إلى رقعة ثابت قطنة، فقرأها ثم عزله عن خراسان.
صوت
طربت وهاج لي ذاك ادّكارا ... بكشّ وقد أطلت به الحصارا [7]
وكنت ألذّ بعض العيش حتّى ... كبرت وصار لي همّي شعارا
رأيت الغانيات كرهن وصلي ... وأبدين الصّريمة لي جهارا [8]
الشعر لكعب الأشقريّ، ويقال إنه لثابت قطنة، والصحيح أنه لكعب، والغناء للهذلي، ثاني ثقيل بالوسطى عن عمرو بن بانة، وذكر في نسخته الثانية أن هذا اللحن لقفا النجّار.
__________
[1] ينكا العدوّ: يهزمه.
[2] عاج عنه: رجع وانصرف.
[3] كذا في ط، مط، والّذي في ج، ب، س: «استنصروا به فيها فلم ينصرهم».
[4] كذا في ط، مط وفي باقي الأصول «كفّ».
[5] البريد: الرسول.
[6] نثل الكنانة كضرب: استخرج نبلها فنثرها.
[7] كش: قرية من قرى أصبهان بفارس، وأعاد عليها الضمير في «به» مذكرا باعتبار البلد أو المكان.
[8] الصريمة: القطيعة.
19 - أخبار كعب الأشقريّ ونسبه
نسبه وبعض أخباره
هو كعب بن معدان الأشقريّ، والأشاقر [1]: قبيلة من الأزد، وأمّه من عبد القيس، شاعر/ فارس خطيب معدود في الشجعان، من أصحاب المهلّب والمذكورين في حروبه للأزارقة، وأوفده المهلّب إلى الحجّاج، وأوفده الحجاج إلى عبد الملك.
أخبرني محمّد بن خلف وكيع قال: حدّثنا أحمد بن أبي خيثمة قال: حدّثنا [أبي قال حدّثنا] [2] وهب بن جرير قال: حدّثنا أبي عن قتادة قال: سمعت الفرزدق يقول: شعراء الإسلام أربعة: أنا، وجرير، والأخطل، وكعب الأشقريّ.
أخبرني وكيع قال: حدّثني أحمد بن أبي خيثمة قال: حدّثنا [أبي قال: حدّثنا] [2] وهب بن جرير قال: حدّثنا أبي عن المتلمّس قال: قلت للفرزدق: يا أبا فراس، أشعرت أنه قد نبغ من عمان شاعر من الأزد يقال له «كعب؟
فقال الفرزدق: إي والّذي خلق الشّعر» [3].
شعره للحجاج عن وقعة الأزارقة
أخبرني علي بن سليمان الأخفش قال: حدّثنا محمّد بن يزيد، وأخبرني عمّي، قال: حدّثنا الكراني قال:
حدّثنا العمري عن العتبيّ - واللفظ له وخبره أتمّ - قال: أوفد المهلّب بن أبي صفرة كعبا الأشقريّ ومعه مرّة بن التليد [4] الأزدي إلى الحجّاج بخبر وقعة كانت له مع الأزارقة، فلمّا قدما عليه ودخلا داره بدر كعب بن معدان فأنشد الحجّاج قوله:
/يا حفص إنّي عداني عنكم السّفر ... وقد سهرت فآذى عيني السّهر [5]
علّقت يا كعب بعد الشّيب غانية ... والشيب فيه عن الأهواء مزدجر [6]
أممسك أنت منها بالّذي عهدت ... أم حبلها إذ نأتك اليوم منبتر [7]
ذكرت خودا بأعلى الطّفّ منزلها ... في غرفة دونها الأبواب والحجر [8]
__________
[1] الأشاقر: جمع أشقر: وهم بنو عائذ بن دوس.
[2] تكملة عن ط، مط.
[3] رواية ط، مط: «فقال كعيب: إي والّذي خلق الشعر».
[4] في ب، «التليه» وهو تحريف وصوابه كما في ط، مط، ج.
[5] عداه من الأمر: صرفه وشغله.
[6] علق امرأة: أحبها.
[7] يقال نآه ونأى عنه، أي بعد. منبتر: منقطع.
[8] الخود: الحسنة الخلق الشابة أو الناعمة. والطف: موضع قرب الكوفة.
وقد تركت بشطّ الزّابيين لها ... دارا بها يسعد البادون والحضر [1]
واخترت دارا بها قوم أسرّ بهم ... ما زال فيهم لمن تختارهم خير
أبا سعيد فإني سرت منتجعا ... وطالب الخير مرتاد ومنتظر [2]
لو لا المهلّب ما زرنا بلادهم ... ما دامت الأرض فيها الماء والشجر
وما من الناس من حيّ علمتهم ... إلّا يرى فيهم من سيبكم أثر [3]
وهي قصيدة طويلة قد ذكرها الرّواة في الخبر، فتركت ذكرها لطولها [4]، يقول فيها:
فما يجاوز باب الجسر من أحد ... قد عضّت الحرب أهل المصر فانجحروا [5]
كنّا نهوّن قبل اليوم [6] شأنهم ... حتى تفاقم أمر كان يحتقر
لمّا وهنّا وقد حلّوا بساحتنا ... واستنفر الناس تارات فما نفروا [7]
نادى امرؤ لا خلاف في عشيرته ... عنه وليس به عن مثلها قصر
/ حتى انتهى إلى قوله بعد وصفه وقائعهم مع المهلّب في بلد بلد، فقال:
خبّوا كمينهم بالسّفح إذ نزلوا ... بكازرون فما عزّوا وما نصروا [8]
باتت كتائبنا تردى مسوّمة ... حول المهلّب حتى نوّر القمر [9]
هناك ولّوا خزايا بعد ما هزموا ... وحال دونهم الأنهار والجدر [10]
تأبى علينا حزازات النفوس فما ... نبقي عليهم ولا يبقون إن قدروا
فضحك الحجاج وقال له: إنك لمنصف يا كعب، ثم قال الحجّاج: أخطيب أنت أم شاعر؟ فقال: شاعر وخطيب.
فقال له:/ كيف كانت حالكم مع عدوّكم؟ قال: كنا إذا لقيناهم بعفونا وعفوهم، فعفوهم تأنيس منهم، فإذا لقيناهم بجهدنا وجهدهم طمعنا فيهم، قال: فكيف كان بنو المهلب؟ قال: حماة للحريم [11] نهارا، وفرسان بالليل أيقاظا، قال: فأين السماع من العيان؟ قال: السماع دون العيان، قال: صفهم رجلا رجلا، قال: المغيرة فارسهم وسيّدهم،
__________
[1] الزابيان: نهران أسفل الفرات بين الموصل وتكريت.
[2] أبو سعيد: كنية المهلب. وانتجع: طلب الكلأ في موضعه، وانتجعه، أتاه طالبا معروفه.
[3] السيب: العطاء.
[4] أوردها الطبري في «تاريخه»، وعدّتها ثلاثة وثمانون بيتا.
[5] في ب، س «فانحجروا» وهو تصحيف.
[6] ح ب، س «قبل الموت».
[7] وهنا: ضعفنا. استنفر القوم فنفروا معه، أي استنجدهم واستنصرهم فنصروه.
[8] رواية الطبري «عبوا جنودهم» وكازرون: مدينة بفارس بين البحرين وشيراز.
[9] ردى الفرس كرمى: عدا فرجم الأرض بحوافره. والكتيبة: جماعة من الخيل إذا أغارت، من المائة إلى الألف، الخيل المسوّمة:
المرسلة وعليها ركبانها، أو المعلمة الّتي عليها السومة وهي العلامة.
[10] في ط، مط «هناك ولوا جراحا بعد ما هزموا» وفي ب، س «هناك ولوا جراحا بعد ما هربوا».
[11] كذا في ط، مط. والّذي في باقي الأصول «للغريم».
نار ذاكية، وصعدة [1] عالية، وكفى بيزيد فارسا شجاعا، ليث غاب، وبحر جمّ العباب [2]، وجوادهم قبيصة، ليث المغار، وحامي الذّمار [3]، ولا يستحي الشجاع أن يفرّ من مدرك، فكيف لا يفرّ من الموت الحاضر، والأسد الخادر [4]، وعبد الملك سمّ نافع، وسيف قاطع، وحبيب/ الموت الذّعاف [5]، إنما هو طود شامخ، وفخر باذخ [6]، وأبو عيينة البطل الهمام، والسيف الحسام، وكفاك بالمفضّل نجدة، ليث هدّار، وبحر موّار [7]، ومحمّد ليث غاب، وحسام ضراب، قال: فأيّهم أفضل؟ قال: هم كالحلقة المفرغة لا يعرف طرفاها، قال: فكيف جماعة الناس؟ قال: على أحسن حال، أدركوا ما رجوا، وأمنوا ممّا خافوا، وأرضاهم العدل، وأغناهم النّفل [8]، قال:
فكيف رضاهم عن المهلّب؟ قال: أحسن رضا، وكيف لا يكونون كذلك وهم لا يعدمون منه رضا الوالد، ولا يعدم منهم برّ الولد؟ قال: فكيف فاتكم قطريّ؟ [9] قال: كدناه فتحوّل عن منزله وظن أنه قد كادنا، قال: فهلّا تبعتموه! قال: حال الليل بيننا وبينه، فكان التحرّز [10] - إلى أن يقع العيان، ويعلم امرؤ ما يصنع - أحزم، وكان الحدّ عندنا آثر من الفلّ، فقال له المهلّب: كان أعلم بك حيث بعثك وأمر له بعشرة آلاف درهم، وحمله على فرس، وأوفده على عبد الملك بن مروان فأمر له بعشرة [11] آلاف أخرى.
شعره في المهلب وولده
أخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن عمار قال: حدّثني أبو عمرو بندار الكرجيّ قال: حدّثنا أبو غسّان التميمي عن أبي عبيدة قال: كان عبد الملك بن مروان يقول للشعراء: تشبّهوني مرّة بالأسد، ومرة بالبازي، ومرة بالصقر، ألا قلتم كما قال كعب الأشقريّ في المهلب وولده! /
براك اللّه حين براك بحرا ... وفجّر منك أنهارا غزارا
بنوك السابقون إلى المعالي ... إذا ما أعظم الناس الخطارا [12]
كأنّهم نجوم حول بدر ... دراريّ تكمّل فاستدارا [13]
__________
[1] ذكت النار: اشتد لهبها، والصعدة: القناة المستوية تنبت كذلك.
[2] في ب، س «جم عباب».
[3] الذمار: ما يلزمك حفظه وحمايته.
[4] أسد خادر: مقيم في عرينه داخل في الخدر.
[5] يقال: موت ذعاف وذؤاف وزعاف وزؤاف: شديد سريع.
[6] الطود: الجبل، والباذخ: العالي.
[7] مار: ماج واضطرب.
[8] النفل: الغنيمة والهبة.
[9] هو قطري بن الفجاءة المازني، ولاه الخوارج الأزارقة عليهم، وبايعوه بعد قتل أميرهم الزبير بن علي السليطيّ، ودار بينه وبين المهلب قتال عنيف، ولما دبت عقارب الخلاف بين الأزارقة خلعوا قطريا، وولوا عبد ربه الصغير، فانفصل إلى عبد ربه أكثر من الشطر، وارتحل قطري ومن معه إلى طبرستان، فوجه إليه الحجاج جيشا عليه سفيان بن الأبرد فقاتلوه وتفرق عنه أصحابه وقتل سنة 78 ه.
[10] في ب وس «المتحري» وفي ج «المتحرر» والتصويب عن ط، مط. والعيان. المشاهدة.
[11] في ط، مط، ما، مب: «بعشرين ألف درهم».
[12] الخطار: المراهنة.
[13] في ب، س «حول بحر» والتصويب عن ط، مط. وكوكب درّيّ: مضي ء؛ والجمع دراريّ وتقدير البيت: كأنهم نجوم دراريّ؛ حول بدر تكمل فاستدار.
ملوك ينزلون بكلّ ثغر ... إذا ما الهام يوم الرّوع طارا [1]
رزان في الأمور ترى عليهم ... من الشّيخ الشمائل والنجارا [2]
نجوم يهتدى بهم إذا ما ... أخو الظّلماء في الغمرات حارا [3]
وهذه الأبيات من القصيدة الّتي أوّلها:
طربت وهاج لي ذاك ادّكارا
الّتي فيها الغناء.
تهاجيه وزياد الأعجم
أخبرني محمّد بن الحسين الكندي قال: حدّثنا غسّان بن ذكوان الأهوازي قال: ذكر العتبيّ أن زيادا الأعجم هاجى كعبا الأشقريّ، واتصل الهجاء بينهما، ثم غلبه زياد، وكان سبب ذلك أنّ شرّا وقع بين الأزد وبين عبد القيس، وحربا سكّنها المهلّب وأصلح بينهم، وتحمّل ما أحدثه كلّ فريق على الآخر، وأدّى دياته، فقال كعب يهجو عبد القيس:
/إنّي وإن كنت فرع الأزد قد علموا ... أخزى إذا قيل عبد القيس أخوالي
/ فهم أبو مالك بالمجد شرّفني ... ودنّس العبد عبد القيس سربالي
قال: فبلغ قوله زيادا الأعجم فغضب وقال: يا عجبا للعبد بن العبد بن الحيتان والسّرطان [4]، يقول هذا في عبد القيس، وهو يعلم موضعي فيهم! واللّه لأدعنّه وقومه غرضا لكل لسان، ثم قال يهجوه:
نبّئت أشقر تهجونا فقلت لهم ... ما كنت أحسبهم كانوا ولا خلقوا
لا يكثرون وإن طالت حياتهم ... ولو يبول عليهم ثعلب غرقوا
قوم من الحسب الأدنى بمنزلة ... كالفقع بالقاع لا أصل ولا ورق [5]
إنّ الأشاقر قد أضحوا بمنزلة ... لو يرهنون بنعلي عبدنا غلقوا [6]
قال: وقال فيه أيضا:
هل تسمع الأزد ما يقال لها ... في ساحة الدّار أم بها صمم؟
اختتن القوم بعد ما هرموا ... واستعربوا ضلّة وهم عجم [7]
__________
[1] الهام: جمع هامة، وهي الرأس.
[2] رزان: جمع رزين. الشمائل: جمع شمال بالكسر، وهو الطبع. والنجار: الأصل والحسب.
[3] كذا في جميع الأصول. والّذي في ابن أبي الحديد. «أخو الغمرات في الظلماء» والغمرات الشدائد.
[4] السرطان: دابة تسمى عقرب الماء.
[5] رواية «العقد الفريد»:
وهم من الحسب الزاكي بمنزلة ... كطحلب الماء لا أصل ولا ورق
[6] غلق الرهن كفرح: استحقه المرتهن إذا لم يفك في الوقت المشروط.
[7] الضلة: الحيرة.
قال: فشكاه كعب إلى المهلّب وأنشده هذين البيتين، وقال: واللّه ما عنى بهما غيرك، ولقد عمّ بالهجاء قومك، فقال المهلّب: أنت أسمعتنا هذا وأطلقت لسانه فينا به، وقد كنت غنيّا عن هجاء عبد القيس وفيهم مثل زياد، فاكفف عن ذكره، فإنك أنت بدأته، ثم دعا بزياد فعاتبه، فقال: أيها الأمير، اسمع ما قال فيّ وفي قومي فإن كنت ظلمته فانتصر، وإلّا فالحجة عليه، ولا حجّة على امرىء انتصر لنفسه وحسبه وعشيرته، وأنشده قول كعب فيهم:
/لعلّ عبيد القيس تحسب أنّها ... كتغلب في يوم الحفيظة أو بكر [1]
يضعضع عبد القيس في النّاس منصب ... دنيء وأحساب جبرن على كسر
إذا شاع أمر الناس وانشقّت العصا ... فإنّ لكيزا لا تريش ولا تبري [2]
فقال المهلّب: قد قلت له أيضا، قال: لا واللّه ما انتصرت، ولولاك ما قصّرت وأيّ انتصار في قولي له [3]:
يأيها الجاهل الجاري ليدركني ... أقصر فإنّك إن أدركت مصروع
يا كعب لا تك كالعنز الّتي بحثت ... عن حتفها وجناب الأرض مربوع
وقولي [3]:
لئن نصبت لي الرّوقين معترضا ... لأرمينّك رميا غير ترفيع
إنّ المآثر والأحساب أورثني ... منها المجاجيع ذكرا غير موضوع
هجاؤه عبد القيس
يعني مجاعة بن مرّة الحنفي، ومجاعة بن عمرو بن عبد القيس، فأقسم عليهما المهلّب أن يصطلحا، فاصطلحا وتكافّا، وممّا هجا كعب الأشقريّ عبد القيس به قوله:
ثوى عامين في الجيف اللّواتي ... مطرّحة على باب الفصيل [4]
أحبّ إليّ من ظلّ وكنّ ... لعبد القيس في أصل الفسيل [5]
إذا ثار الفساء بهم تغنّوا ... ألم تربع على الدّمن المثول
تظلّ لها ضبابات علينا ... موانع من مبيت أو مقيل
هجاؤه ربيعة واليمن
قال أبو الفرج: ونسخت من كتاب للنضر بن حديد: كانت ربيعة واليمن متحالفة، فكان/ المهلّب وابنه يزيد ينزلان هاتين القبيلتين في محلتهما، فقال كعب الأشقريّ ليزيد:
لا ترجونّ هنائيّا لصالحة ... واجعلهم وهدادا أسوة الحمر [6]
__________
[1] الحفيظة والحفاظ: الذب عن المحارم والمنع لها عند الحروب.
[2] هو لكيز بن أفصى بن عبد القيس. راش السهم يريشه: ركب عليه الريش.
[3] ساقطة من ج وط، مط.
[4] ثوى: أقام. ومطرحة، أي هي مطروحة، والفصيل: ولد الناقة إذا فصل عن أمه.
[5] الكن: الستر. والفسيل: جمع فسيلة: وهي النخلة الصغيرة.
[6] هنائي: نسبة إلى هناء، وهم بنو هناء بن عمرو بن الغوث بن طيء. وهداد: حي من اليمن.
حيّان مالهما في الأزد مأثرة ... غير النّواكة والإفراط في الهذر [1]
واجعل لكيزا وراء الناس كلّهم ... أهل الفساء وأهل النّتن والقذر
قوم علينا ضباب من فسائهم ... حتى ترانا له ميدا من السّكر [2]
أبلغ يزيد بأنّا ليس ينفعنا ... عيش رغيد ولا شيء من العطر
حتى تحلّ لكيزا فوق مدرجة ... من الرّياح على الأحياء من مضر [3]
ليأخذوا لنزار حظّ سبّتها ... كما أخذنا بحظّ الحلف والصّهر
شعره في المهلب أمام رسول الحجاج
أخبرني محمّد بن خلف وكيع قال: حدّثنا أحمد بن زهير بن حرب قال: حدّثنا أبي قال: كتب الحجاج بن يوسف إلى المهلّب يأمره بمناجزة الأزارقة ويستبطئة ويضعّفه، ويعجّزه في تأخيره أمرهم ومطاولتهم [4]، فقال المهلّب لرسوله: قل له: إنّما البلاء أنّ الأمر إلى من يملكه لا إلى من يعرفه، فإن كنت نصبتني لحرب هؤلاء القوم على أن أدبّرها كما أرى، فإن أمكنتني الفرصة انتهزتها، وإن لم تمكنّى/ [توقّفت] [5]، فأنا أدبر ذلك بما يصلحه، وإن أردت منّي أن أعمل [و أنا حاضر] [5] برأيك وأنت غائب، فإن كان صوابا فلك، وإن كان خطأ فعليّ، فابعث من رأيت مكاني، وكتب من فوره بذلك إلى عبد الملك، فكتب إليه عبد الملك: لا تعارض المهلّب فيما يراه ولا تعجله، ودعه يدبّر أمره، وقام الأشقريّ إلى المهلّب فأنشده بحضرة رسول الحجاج:
إن ابن يوسف غرّه من غزوكم ... خفض المقام بجانب الأمصار
لو شاهد الصّفّين حين تلاقيا ... ضاقت عليه رحيبة الأقطار
من أرض سابور الجنود، وخيلنا ... مثل القداح بريتها بشفار [6]
من كلّ خنذيذ يرى بلبانه ... وقع الظّباة مع القنا الخطّار [7]
ورأى معاودة الرّباع غنيمة ... أزمان كان محالف الإقتار
فدع الحروب لشيبها وشبابها ... وعليك كلّ خريدة معطار [8]
فبلغت أبياته الحجّاج، فكتب إلى المهلب يأمره بإشخاص كعب الأشقري إليه، فأعلم المهلّب كعبا بذلك، وأوفده إلى عبد الملك [من تحت ليلته، وكتب إليه يستوهبه منه، فقدم كعب على عبد الملك] [9]، واستنشده
__________
[1] المأثرة بفتح الثاء وضمها: المكرمة المتوارثة، والنواكة: الحماقة والهذر: سقط الكلام.
[2] الميد: ما يصيب الإنسان من الدوار من السكر أو الغثيان أو ركوب البحر. وقد ماد فهو مائد من قوم ميدي كسكري.
[3] لكيز: من عبد القيس، من سلالة ربيعة بن نزار أخي مضر بن نزار. المدرجة: الطريق يدرج فيها أي يمشي.
[4] كذا في ط، مط. والّذي في باقي الأصول: «و مطالبتهم».
[5] ما بين القوسين ساقط من ب، س، ج، وقد أثبتناه عن ط، مط، مب، ها.
[6] سابور: كورة بفارس.
[7] اللبان: الصدر أو وسطه. والظباة: جمع ظبة، وهي حد السيف. ورمح خطار: ذو اهتزاز شديد.
[8] امرأة معطار: اعتادت أن تتعهد نفسها بالطيب وتكثر منه.
[9] هذه التكملة ساقطة من ب، س، ج. وقد أثبتناه عن ط، مط، مب، ها.
فأعجبه ما سمع منه، فأوفده إلى الحجّاج، وكتب إليه يقسم عليه أن يعفو عنه ويعرض عمّا بلغه من شعره، فلما وصل إليه ودخل عليه قال: إيه يا كعب.
ورأى معاودة الرّباع غنيمة
/ فقال له: أيها الأمير، واللّه لقد وددت في بعض ما شاهدته في تلك الحروب وأزماتها، وما يوردناه المهلّب من خطرها، أن أنجو منها وأكون حجّاما أو حائكا، فقال له الحجّاج: أولى لك، لو لا قسم أمير المؤمنين لما نفعك ما أسمع، فالحق بصاحبك، وردّه من وقته.
هروبه إلى عمان
قال أبو الفرج: ونسخت من كتاب النضر بن حديد: لمّا عزل يزيد بن المهلّب عن خراسان ووليها قتيبة بن مسلم، مدحه كعب الأشقريّ، ونال من يزيد وثلبه، ثم بلغته/ ولاية يزيد على خراسان، فهرب إلى عمان على طريق الطّبسين وقال:
وإنّي تارك مروا ورائي [1] ... إلى الطّبسين معتام عمانا
لآوي معقلا فيها وحرزا ... فكنّا أهل ثروتها زمانا [2]
فأقام بعمان مدّة ثم اجتواها [3]، وساءت حاله بها، فكتب إلى المهلّب معتذرا:
بئس التبدّل من مرو وساكنها ... أرض عمان وسكنى تحت أطواد [4]
يضحي السحاب مطيرا دون منصفها ... كأنّ أجبالها علّت بفرصاد [5]
يا لهف نفسي على أمر خطلت به ... وما شفيت به غمري وأحقادي [6]
أفنيت خمسين عاما في مديحكم ... ثم اغتررت بقول الظالم العادي
/ أبلغ يزيد قرين الجنود مألكة ... بأنّ كعبا أسير بين أصفاد [7]
فإن عفوت [8] فبيت الجود بيتكم ... والدهر طوران من غيّ وإرشاد
وإن مننت بصفح أو سمحت به ... نزعت نحوك أطنابي وأوتادي [9]
__________
[1] كذا في ب، س، ج وفي ط، مط «أمامي». ومرو: هي مرو الشاهجان قصبة خراسان وأشهر مدنها. والطبسان: طبس العناب، والأخرى طبس التمر، والعرب تسميها باب خراسان لأنهم لما قصدوا فتح خراسان في خلافة عثمان كانت أول فتوحهم. واعتام:
اختار.
[2] الثروة: كثرة العدد من الناس والمال.
[3] اجتواها، كرهها.
[4] السكنى: الإقامة. والطود: الجبل.
[5] المنصف من الطريق ومن كل شي ء: وسطه. علت: سقيت مرة بعد مرة. والفرصاد: صبغ أحمر.
[6] خطل كفرح فهو خطل، أي أحمق عجل. والغمر: الحقد والغل.
[7] المألكة بضم اللام وتفتح: الرسالة. والأصفاد: جمع صفد كسبب، وهو القيد. وفي ب، س «أسيرا» والتصويب عن ط، مط، مب، ها.
[8] في ب، س، مط «عفوت».
[9] الأطناب: جمع طنب كعنق، وهو حبل طويل يشد به الخباء.
وذكر المدائني أن يزيد بن المهلّب حبسه ودسّ إليه ابن أخ له فقتله.
شعره في مقتل بني الأهتم
قال أبو الفرج: ونسخت من كتاب النّضر أيضا أن الحجّاج كتب إلى يزيد بن المهلّب يأمره بقتل بني الأهتم، فكتب إليه يزيد: إن بني الأهتم أصحاب مقال وليسوا بأصحاب فعال، فلا تقدّر أن نحدث فيهم ضررا، وفي قتلهم عار وسبّة؛ [و استوهبهم منه [1]]، فتغافل عنهم، ثم انضمّوا إلى المفضل بن المهلّب، فكتب إليه الحجّاج يأمره بقتلهم، فكتب إليه بمثل ما كتب به أخوه، فأعفاهم [2]، ثم ولي قتيبة بن مسلم، فخرجوا إليه والتقوا معه، وذكروا بني المهلّب فعابوهم، فقبلهم [3] قتيبة واحتوى عليهم، فكانوا يغرون الجند عليه ويحملونهم على سوء الطاعة، فكتب يشكوهم إلى الحجّاج، فكتب إليه يأمره بقتلهم، فقتلهم جميعا، فقال كعب الأشقريّ في ذلك:
قل للأهاتم من يعود بفضله ... بعد المفضّل والأغرّ يزيد
ردّا صحائف حتفكم بمعاذر ... رجعت أشائم طيركم بسعود
/ ردّا على الحجّاج فيكم أمره ... فجزيتم إحسانه بجحود
فاليوم فاعتبروا فعال [4] أخيكم ... إنّ القياس لجاهل ورشيد
شعره في عمرو بن عمير
قال أبو الفرج: ونسخت من كتابه أيضا قال: ولّى يزيد بن المهلّب رجلا من اليحمد [5] يقال له عمرو بن عمير الزّمّ، فلقيه كعب الأشقريّ فقال له: أنت شيخ من الأزد يولّيك الزّمّ. ويولّي ربيعة الأعمال السنيّة، وأنشده:
لقد فازت ربيعة بالمعالي ... وفاز اليحمديّ بعهد زمّ
فإن تك راضيا منهم بهذا ... فزادك ربّنا غمّا بغمّ
إذا الأزديّ وضّح عارضاه ... وكانت أمّه من حيّ جرم [6]
فثمّ حماقة لا شكّ فيها ... مقابلة فمن خال وعمّ [7]
فردّ اليحمديّ عهد يزيد عليه، فحلف لا يستعمله سنة، فلما أجحفت [8] به [المئونة] [9] قال لكعب:
/لو كنت خلّيتني يا كعب متّكئا ... في دور زمّ لما أقفرت من علف
__________
[1] تكملة عن ط، مط، مب، ها.
[2] كذا في ب، س، ج والّذي في ط، مط «فعفا عنهم».
[3] في ج «فقتلهم» وفي ب، س «فغلبهم»، والتصويب عن ط، مط. واحتوى عليهم: جمعهم.
[4] في ب، س، ج «فراق» وما أثبتناه عن ط، مط، مب، ها.
[5] يحمد: أبو بطن من الأزد، والزم: بلد بشط جيحون.
[6] الوضح كسبب: الشيب، أتى بالفعل منه مضعفا لتكثير المعنى. والعارضان: جانبا الوجه.
[7] من قولهم، رجل مقابل: أي كريم من كلا طرفيه أبيه وأمه، والحماقة المقابلة الّتي يقابل أحد طرفيها الآخر، أي حماقة من طرفي الأب والأم.
[8] أجحفت به المئونة: دنت منه.
[9] عن ط، مط، مب، ها.
ومن نبيذ ومن لحم أعلّ به ... لكنّ شعرك أمر كان من حرفي
إنّ الشقيّ بمرو من أقام بها ... يقارع السّوق من بيع ومن حلف [1]
/أخبرني [2] أبو الحسن الأسديّ قال: حدّثني الرّياشي عن الأصمعيّ قال: قال كعب الأشقريّ يهجو زيادا الأعجم:
وأقلف صلّى بعد ما ناك أمّه ... يرى ذاك في دين المجوس حلالا [3]
فقال [له] [4] زياد: يابن النّمامة أهي أخبرتك أنّي أقلف؟ فغلبه زياد.
والقصيدة الّتي أوّلها:
طربت وهاج لي ذاك ادّكارا
شعر له فيه غناء
وفيه الغناء المذكور بذكره خبر كعب الأشقريّ، يمدح بها المهلّب بن أبي صفرة ويذكر قتاله الأزارقة، وفيها يقول بعد الأبيات الأربعة [5] الّتي فيها الغناء:
غرضن بمجلسي وكرهن وصلي ... أوان كسيت من شمط عذارا [6]
زرين عليّ حين بدا مشيبي ... وصارت ساحتي للهمّ دارا [7]
أتاني والحديث له نماء ... مقالة جائر أحفى وجارا [8]
سلوا أهل الأباطح من قريش ... عن العزّ المؤبّد أين صارا [9]
ومن يحمي الثغور إذا استحرّت ... حروب لا ينون لها غرارا [10]
لقومي الأزد في الغمرات أمضى ... وأوفى ذمّة وأعزّ جارا
/ هم قادوا الجياد على وجاها ... من الأمصار يقذفن المهارا [11]
بكلّ مفازة وبكلّ سهب ... بسابس لا يرون لها منارا [12]
__________
[1] في ط، مط، مب، ها «سلف».
[2] كذا في ب، س، ج والّذي في ط، مط، مب، ها: «حدّثني».
[3] الأقلف: من لم يختن.
[4] عن ط، مط، مب، ها.
[5] كذا في جميع الأصول. ويلاحظ أن المذكور في الصوت ثلاثة أبيات لا أربعة.
[6] غرضن بمجلسي أي مللنه وضجرن منه. والشمط: بياض بالرأس يخالط سواده. والعذار: جانبا اللحية.
[7] زرى عليه: عابه.
[8] رواية ط، مط، مب، ها «مقالة قائل ... ».
[9] المؤبد: المخلد.
[10] لا ينون لها: لا يتوانون ولا يفترون عنها. غرارا: غافلين، جمع غارّ، وهو الغافل، كقيام جمع قائم.
[11] الوجى: الحفا. المهار جمع مهر: وهو ولد الفرس.
[12] المفازة والسهب: الفلاة. والبسابس: جمع بسبس كجعفر، وهي الفلاة. منارا، أي علما يهدي إلى الطريق.
إلى كرمان يحملن المنايا ... بكلّ ثنيّة يوقدن نارا [1]
شوازب لم يصبن الثار حتى ... رددناها مكلّمة مرارا [2]
ويشجرن العوالي السّمر حتّى ... ترى فيها عن الأسل ازورارا [3]
غداة تركن مصرع عبد ربّ ... يثرن عليه من رهج عصارا [4]
ويوم الزحف بالأهواز ظلنا ... نروّي منهم الأسل الحرارا [5]
فقرّت أعين كانت حديثا ... ولم يك نومها إلا غرارا [6]
صنائعنا السّوابغ والمذاكى ... ومن بالمصر يحتلب العشارا [7]
/فهنّ يبحن كلّ حمى عزيز ... ويحمين الحقائق والذّمارا [8]
طوالات المتون يصنّ إلا ... إذا سار المهلّب حيث سارا
فلولا الشّيخ بالمصرين ينفي ... عدوّهم لقد تركوا الديارا [9]
ولكن قارع الأبطال حتى ... أصابوا الأمن واجتنبوا الفرارا [10]
إذا وهنوا وحلّ بهم عظيم ... يدقّ العظم كان لهم جبارا
ومبهمة يحيد الناس عنها ... تشبّ الموت شدّ لها الإزارا
شهاب تنجلي الظّلماء عنه ... يرى في كلّ مبهمة منارا
/ بل الرحمن جارك إذ وهنّا ... بدفعك عن محارمنا اختيارا
براك اللّه حين براك بحرا ... وفجّر منك أنهارا غزارا
وقد مضت هذه الأبيات متقدّمة فيما سلف من أخبار كعب وشعره.
شعره في المهلب وولده
أخبرني عمي قال: حدّثنا محمّد بن سعد الكراني قال: حدّثني العمريّ عن العتبيّ قال: قال عبد الملك بن
__________
[1] كرمان: بلد بفارس. والثنية: الطريق في الجبل.
[2] خيول شوازب، أي ضوامر، جمع شازب، مكلمة: مجرّحة.
[3] السمر والأسل: الرماح. والعوالي: جمع عالية، وهي القناة المستقيمة. وأزورّ عنه: انحرف ومال.
[4] ولي عبد ربه الصغير أمر الأزارقة بعد خلع قطريّ، ونشبت الحرب بينه وبين المهلب فأجلت الوقعة عنه قتيلا، وبذا خمدت حروب الأزارقة. والرهج ويحرك: الغبار. والعصار: الغبار الشديد.
[5] الحرار: جمع حرّان، وهو العطشان.
[6] كذا في جميع الأصول. ورواية ابن أبي الحديد «حزينا» وحزين كقتيل يستوي فيه المذكر والمؤنث والمفرد والمثنى والجمع.
[7] صنائع: جمع صنيعة، وهي المعروف والإحسان. السوابغ: جمع سابغة، وهي الدرع التامة الطويلة. والمذاكى: الخيل الّتي أتى عليها بعد قروحها سنة أو سنتان. والعشار: جمع عشراء، وهي من النوق الّتي مضى لحملها عشرة أشهر، أو هي من الإبل كالنفساء من النساء.
[8] فهن، أي السوابغ والمذاكي. وفي ط، مط مب، ها: «بهن نبيح». والذمار: ما يلزمك حفظه وحمايته.
[9] المصران: الكوفة والبصرة. تركوا الديار: أي ترك الديار أهلوها.
[10] في ج، ط، مط: «و اجتلبوا». وفي ها: «و احتلوا القرارا».
مروان: يا معشر الشعراء، تشبّهوننا بالأسد الأبخر، والجبل الوعر، والملح الأجاج؟ ألا قلتم كما قال كعب الأشقريّ في المهلب وولده:
لقد خاب أقوام سروا ظلم الدّجى ... يؤمّون عمرا ذا الشعير وذا البرّ
يؤمّون من نال الغنى بعد شيبه ... وقاسى وليدا ما يقاسي ذو والفقر
/ فقل للجيم يا لبكر بن وائل ... مقالة من يلحى أخاه ومن يزري [1]
فلو كنتم حيّا صميما نفيتم ... بخيلكم بالرّغم منه وبالصّغر [2]
ولكنكم يا آل بكر بن وائل ... يسودكم من كان في المال ذا وفر
هو المانع الكلب النّباح وضيفه ... خميص الحشا يرعى النجوم الّتي تسري
[3]
هجاؤه لأخيه وخبر ذلك
قال: وكان بين كعب وبين ابن أخيه هذا [4] تباعد وعداوة، وكانت أمّه سوداء فقال يهجوه:
إنّ السواد الّذي سربلت تعرفه ... ميراث جدّك عن آبائه النّوب [5]
أشبهت خالك خال اللؤم مؤتسيا ... بهديه سالكا في شرّ أسلوب [6]
مقتله
قال المدائنيّ في خبره: وكان ابن أخي كعب هذا عدوّا له يسعى عليه، فلما سأل مجزأة بن زياد بن المهلب أباه في كعب فخلّاه، دسّ إليه زياد بن المهلّب ابن أخيه الشاعر، وجعل له مالا على قتله، فجاءه يوما وهو نائم تحت شجرة، فضرب رأسه بفأس فقتله، وذلك في فتنة يزيد بن المهلّب وهو بعمان يومئذ، وكان لكعب أخ غير أخيه الّذي قتله ابنه، فلما قتل يزيد بن المهلّب فرّق مسلمة بن عبد الملك أعماله على [7] عمّال شتّى فولّي البصرة وعمان عبد الرحمن بن سليمان الكلبيّ، فاستخلف عبد الرحمن على عمان محمّد بن جابر الراسبيّ، فأخذ أخو كعب الباقي ابن أخيه الّذي/ قتل كعبا، فقدّمه إلى محمّد بن جابر، وطلب القود [8] منه بكعب، فقيل له: قتل أخوك بالأمس، وتقتل قاتله وهو ابن أخيك اليوم! وقد مضى أخوك وانقضى، فتبقى فردا كقرن الأعضب [9]! فقال:
نعم إن أخي كعبا كان سيّدنا وعظيمنا ووجهنا، فقتله هذا، وليس فيه خير، ولا في بقائه عزّ، ولا هو خلف من كعب فأنا أقتله به، فلا خير في بقائه بعد كعب، فقدّمه محمّد بن جابر فضرب عنقه واللّه أعلم.
__________
[1] يلحي: يلوم. زرى عليه: عابه.
[2] الصغر والصغار: الذل.
[3] خميص الحشا: ضامر البطن.
[4] الإشارة إلى ابن أخيه الّذي قتله.
[5] النوب: سكان بلاد النوبة جنوبي مصر، واحده نوبيّ.
[6] ائتسى به: جعله أسوة وقدوة. والأسلوب: الطريق.
[7] في ط، مط: «عماله على أعمال».
[8] القود: القصاص وقتل القاتل بدل القتيل.
[9] الأعضب: المكسور أحد قرنيه.
مدحه لقتيبة بن مسلم
أخبرنا أبو بكر محمّد بن خلف بن المرزبان قال: حدّثنا أحمد بن الهيثم قال: حدّثنا العمري، عن الهيثم بن عديّ ولقيط وغيرهما، قالوا: حاصر يزيد بن المهلّب مدينة خوارزم في أيام ولايته، فلم يقدر على فتحها، واستصعب عليه، ثم عزل وولّي قتيبة بن مسلم، فزحف إليها، فحاصرها [1] ففتحها، فقال كعب الأشقريّ يمدحه ويهجو يزيد بن المهلّب بقوله:
/رمتك فيل بما فيها وما ظلمت ... من بعد ما رامها الفجفاجة الصّلف [2]
قيس صريح وبعض الناس يجمعهم ... قرى وريف ومنسوب ومقترف [3]
منهم شناس ومرداذاء نعرفه ... وفسخراء، قبور حشوها القلف
لم يركبوا الخيل إلّا بعد ما هرموا ... فهم ثقال على أكتافها عنف
/ قال: الفيل الّذي ذكره هو حصن خوارزم يقال له الكهندر، والكهندر: الحصن العتيق، والفجفاجة: الكثير الكلام. وشناس: اسم أبي صفرة، فغيّره، وتسمّى ظالما، ومرداذاء: أبو أبي صفرة، وسمّوه بسراق [4] لمّا تعرّبوا، وفسخراء: جدّه، وهم قوم من الخوز [5] من أهل عمان، نزلوا الأزد، ثم ادّعوا أنّهم صليبة صرحاء منهم،
صوت
لأسماء رسم أصبح اليوم دارسا ... وقفت به يوما إلى اللّيل حابسا
فجئنا بهيت لا نرى غير منزل ... قليل به الآثار إلّا الروامسا [6]
يدورون بي في ظلّ كلّ كنيسة ... فينسونني قومي وأهوى الكنائسا
البيت الأوّل من الشعر للعبّاس بن مرداس السّلميّ، وبيت العبّاس مصراعه الثاني:
توهّمت منه رحرحان فراكسا [7]
وغيّره يزيد بن معاوية فقال [مكان] [8] هذا المصراع:
وقفت به يوما إلى اللّيل حابسا
والبيت الثاني للعبّاس بن مرداس، والثالث ليزيد بن معاوية، ذكر بعض الرّواة أنه قاله على هذا الترتيب وأمر بديحا
__________
[1] كان ذلك سنة 93 ه.
[2] كانت مدينة ولاية خوارزم يقال لها «فيل» قديما، ثم سميت المنصورة. ويعني بالفجفاجة الصاف يديه.
[3] في جميع الأصول «صريح قيس» والتصويب عن «تاريخ الطبري» 8: 84، وذلك أن قتيبة بن مسلم باهلي، وباهلة: من قبائل قيس عيلان. يقول: إن نسب قتيبة صريح، ويعرّض بآل المهلب بقوله «و بعض الناس». ومنسوب، أي معروف النسب خالصه، يعني قتيبة. ومقترف: قرفه بسوء: رماه به.
[4] في ب، س «بشيرا» والتصويب عن ط، مط، ج، مب، ها.
[5] الخوز: جيل من الناس، أعجمي معرب.
[6] هيت: بلدة على الفرات. الروامس: الرياح الّتي تثير التراب وتدفن الآثار.
[7] رحرحان: جبل قريب من عكاظ خلف عرفات. وراكس: واد.
[8] الزيادة من نسخة ها، ج.
أن يغنّي فيه، ففعل؛ ولم يأت ذلك من جهة يوثق بها، والصحيح أنّ الغناء لمالك، خفيف ثقيل بالبنصر عن الهشاميّ ويحيى المكّيّ، وهذا صوت زعموا أن مالكا صنعه على لحن سمعه من الرّهبان.
/ أخبرني الحسن بن يحيى، عن حمّاد بن إسحاق، عن أحمد المكّيّ، عن أبيه، عن سياط، أن مالكا دخل مع الوليد بن يزيد ديرا، فسمع لحنا من بعض الرّهبان، فاستحسنه، فصنع عليه.
ليس رسم على الدّفين ببالي
فلما غنّاه الوليد قال له: الأوّل أحسن فعد إليه. اللحن الثاني الّذي لمالك، ثقيل بالبنصر عن الهشاميّ وعمرو، وأوله:
درّ درّ الشّباب والشعر الأس ... ود والضامرات تحت الرحال [1]
والخناذيذ كالقداح من الشو ... حط يحملن شكّة الأبطال [2]
__________
[1] يقولون لمن يمدح ويتعجب من عمله: للّه دره: أي للّه عمله، وربما استعملوه من غير أن يقولوا: للّه، فيقولون: درّ درّ فلان؛ فإذا شتموه وذموا عمله قالوا لا درّ درّه، أي لا زكا عمله ولا كثر خيره.
[2] الخناذيذ: جياد الخيل أو طوالها جمع خنذيذ بالكسر. وفي ب، س «و الخفاديد» وهو تحريف. والشوحط: شجر تتحذ منه القسي.
والشكة: السلاح.
20 - أخبار العباس بن مرداس ونسبه
نسبه
العباس بن مرداس بن أبي عامر بن حارثة بن عبد قيس بن رفاعة بن بهثة بن سليم بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان بن مضر بن نزار، ويكنى أبا الهيثم، وإيّاه يعني أخوه سراقة بقوله يرثيه:
أعين ألا ابكي أبا الهيثم ... وأذري الدموع ولا تسأمي [1]
وهي أبيات تذكر في أخباره، وأمّه الخنساء الشاعرة بنت عمرو بن الشّريد، وكان العباس فارسا شاعرا شديد العارضة [2] والبيان، سيّدا في قومه من كلا طرفيه، وهو مخضرم أدرك/ الجاهليّة والإسلام، ووفد إلى النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فلما أعطى المؤلّفة قلوبهم فضّل عليه عيينة بن حصن والأقرع بن حابس، فقام وأنشده شعرا قاله في ذلك، فأمر بلالا فأعطاه حتى رضي، وخبره في ذلك يأتي بعد هذا الموضع؛ واللّه أعلم.
خبره مع صنم كان لهم
أخبرني محمّد بن جرير الطبريّ قال: حدّثنا محمّد بن حميد قال: حدّثنا سلمة بن الفضل، عن محمّد بن إسحاق عن منصور بن المعتمر، عن قبيصة، عن عمرو والخزاعيّ عن العبّاس بن مرداس بن أبي عامر أنه قال: كان لأبي صنم اسمه ضمار [3]، فلمّا حضره الموت أوصاني به وبعبادته والقيام عليه، فعمدت إلى ذلك الصنم فجعلته في بيت، وجعلت آتيه في كلّ يوم وليلة مرّة، فلما ظهر أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم سمعت صوتا في جوف الليل راعني، فوثبت إلى ضمار، فإذا الصّوت في جوفه يقول:
/قل للقبائل من سليم كلّها ... هلك الأنيس وعاش أهل المسجد
إن الّذي ورث النبوّة والهدى ... بعد ابن مريم من قريش مهتدي
أودى الضّمار وكان يعبد مرّة ... قبل الكتاب إلى النبيّ محمّد
قال: فكتمت الناس ذلك، فلم أحدّث به أحدا حتى انقضت غزوة الأحزاب، فبينا أنا في إبلي في طرف العقيق وأنا نائم، إذ سمعت صوتا شديدا، فرفعت رأسي فإذا أنا برجل على حيالي [4] بعمامة يقول: إن النور الّذي وقع بين الاثنين وليلة الثلاثاء، مع صاحب الناقة العضباء [5]، في ديار بني أخي العنقاء [6]، فأجابه طائف عن شماله
__________
[1] في ج «أعين لا أبكي على الهيثم» وهو تحريف. والتصويب عما ورد بآخر الترجمة.
[2] العارضة: القدرة على الكلام؛ والرأي الجيد.
[3] ضمار: صنم عبده العباس بن مرداس ورهطه. وفي ب، س ج «ضماد»، وهو تصحيف. والتصويب عن ها.
[4] يقال: وقف حياله وبحياله: بإزائه.
[5] العضباء: اسم ناقة النبي صلّى اللّه عليه وسلّم.
[6] العنقاء: لقب ثعلبة بن عمرو مزيقياء بن عامر ماء السماء، قال حسان:
ولدنا بني العنقاء وابني محرق فأكرم بنا خالا وأكرم بنا ابنما.
لا أبصره فقال: بشّر الجنّ وأجناسها، أن وضعت المطيّ أحلاسها [1]، وكفّت [2] السماء أحراسها، وأن يغصّ السّوق أنفاسها [3]، قال: فوثبت مذعورا وعرفت أنّ محمّدا/ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم مصطفى، فركبت فرسي وسرت حتّى انتهيت إليه فبايعته وأسلمت، وانصرفت إلى ضمار فأحرقته بالنار.
خروجه إلى النبي صلّى اللّه عليه وسلّم وإسلامه
وقال أبو عبيدة: كانت تحت العبّاس بن مرداس حبيبة بنت الضحّاك بن سفيان السّلمي أحد بني رعل [4] بن مالك، فخرج عبّاس حتى انتهى إلى إبله وهو يريد النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فبات بها، فلمّا أصبح دعا براعيه فأوصاه بإبله، وقال له: من سألك عنّي فحدّثه أنّي لحقت بيثرب، ولا أحسبني إن شاء اللّه تعالى إلّا آتيا محمّدا وكائنا معه، فإني أرجو أن نكون برحمة من اللّه ونور، فإن كان خيرا لم أسبق إليه، وإن كان شرّا نصرته [5] لخئولته، على أني قد رأيت الفضل البيّن وكرامة الدنيا والآخرة في طاعته ومؤازرته، واتّباعه ومبايعته، وإيثار أمره على جميع الأمور، فإن مناهج سبيله واضحة، وأعلام ما يجيء به من الحقّ نيرة، ولا أرى أحدا من العرب ينصب [6] له إلا أعطي عليه الظفر والعلوّ، وأراني قد ألقيت عليّ محبّة له، وأنا باذل نفسي دون نفسه أريد بذلك رضا إله السماء والأرض، قال: ثم سار نحو النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، وانتهى الراعي نحو إبله، فأتى امرأته فأخبرها بالّذي كان من أمره ومسيره إلى النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فقامت فقوّضت بيتها، ولحقت بأهلها، فذلك حيث يقول عبّاس بن مرداس، حين أحرق ضمارا ولحق بالنبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم:
/لعمري إنّي يوم أجعل جاهدا ... ضمارا لربّ العالمين مشاركا
وتركي رسول اللّه والأوس حوله ... أولئك أنصار له، ما أولئكا؟ [7]
/كتارك سهل الأرض، والحزن يبتغي ... ليسلك في غيب الأمور المسالكا
فآمنت باللّه الذّي أنا عبده ... وخالفت من أمسى يريد الممالكا
ووجّهت وجهي نحو مكّة قاصدا ... وتابعت بين الأخشبين المباركا [8]
__________
- والأوس والخزرج: ابنا حارثة بن ثعلبة العنقاء ومن بطون الخزرج بنو عدي بن النجار أخوال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، تزوج منهم جده هاشم سلمى بنت عمرو والنجارية أم عبد المطلب.
[1] أحلاس: جمع حلس بالكسر، وهو كساء على ظهر البعير تحت البرذعة.
[2] في ب، س «و وكفت» وهو تحريف.
[3] في الأصول «أن بعض» ولعل صوابه ما أثبتنا، أي وبشر الجن بأن يغص ... وبشّر هنا بمعنى أنذر، ويغص أنفاسها: يصيبها بغصة، والسوق: الدفع الشديد. والمعنى: لم يعد لها سلطان، وكانت العرب تعتقد أن الجن تأتي بخبر السماء فتلقيه في جوف الأصنام.
وجاء في رواية الروض الأنف: «عن عباس بن مرداس أنه كان في لقاح له نصف النهار، فاطلعت عليه نعامة بيضاء عليها راكب عليه ثياب بيض، فقال لي: يا عباس ألم تر أنّ السماء كفت أحراسها، وأن الحرب جرعت أنفاسها، وأن الخيل وضعت أحلاسها، وأن الّذي نزل عليه البر والتقى يوم الاثنين ليلة الثلاثاء، صاحب الناقة القصواء. قال: فخرجت مرعوبا قد راعني ما رأيت، وسعيت حتى جئت وثنا لي يقال له الضمار كنا نعبده ونكلم من جوفه ... ». والقصواء: الّتي قطع طرف أذنها، وهو لقب ناقة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، ولم تكن ناقته قصواء، وإنما كان هذا لقبا لها، وقيل: كانت مقطوعة الأذن.
[4] رعل: قبيلة من سليم.
[5] في ج، ب «بصرته» وفي س «أبصرته» والصواب عن «ها» وهو تحريف.
[6] نصب له: عاداه.
[7] تركي، معطوف على أجعل المنزل منزلة المصدر، أي يوم جعلي ضمارا مشاركا وتركي. ما أولئكا: استفهام للتعظيم والتهويل.
[8] الأخشبان: جبلان مطيفان بمكة، وهما أبو قبيس والأحمر. وفي ج «الأحسبين» وهو تصحيف.
نبيّ أتانا بعد عيسى بناطق ... من الحقّ فيه الفصل منه كذلكا
أمينا على الفرقان أوّل شافع ... وآخر مبعوث يجيب الملائكا
تلافى عرا الإسلام بعد انفصامها ... فأحكمها حتّى أقام المناسكا
رأيتك يا خير البريّة كلّها ... توسّطت في القربى من المجد مالكا [1]
سبقتهم بالمجد والجود والعلا ... وبالغاية القصوى تفوت السّنابكا [2]
فأنت المصفّى من قريش إذا سمت ... غلاصمها تبغي القروم الفواركا [3]
قال: فقدم عباس على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم المدينة حيث أراد المسير إلى مكّة عام الفتح، فواعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قديدا [4]، وقال: القنى/ أنت وقومك بقديد، فلما نزل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قديدا وهو ذاهب، لقيه عبّاس في ألف من بني سليم، ففي ذلك يقول عبّاس بن مرداس:
بلّغ عباد اللّه أنّ محمّدا ... رسول الإله راشد أين يمّما [5]
دعا قومه واستنصر اللّه ربّه ... فأصبح قد وافى الإله وأنعما [6]
عشيّة واعدنا قديدا محمّدا ... يؤم بنا أمرا من اللّه محكما
حلفت يمينا برّة لمحمّد ... فأوفيته ألفا من الخيل معلما
سرايا يراها اللّه وهو أميرها ... يؤم بها في الدّين من كان أظلما [7]
على الخيل مشدودا علينا دروعنا ... وخيلا كدفّاع الأتيّ عرمرما [8]
أطعناك حتّى أسلم الناس كلهم ... وحتّى صبحنا الخيل أهل يلملما [9]
وهي قصيدة طويلة.
__________
[1] يعني مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار.
[2] السنابك: جمع سنبك كقنفذ، وهو طرف الحافر. والمعنى: لا تبلغنها سنابك الخيول المتسابقة إليها.
[3] غلاصم: جمع غلصمة، وهي أصل اللسان أو الجماعة أو السادة. والقروم: جمع قرم بالفتح، وهو السيد، وأصله الفحل الّذي يترك من الركوب والعمل ويودع للفحلة والضراب. والفوارك: جمع فارك، من فرك الرجل امرأته فركا: أبغضها، يعني أنهم ليسوا ممن تلهيهم النساء عن عظائم الأمور، ومن ذلك قول الأخطل:
قوم إذا حاربوا شدوا مآزرهم ... دون النساء ولو باتت بأطهار
وقد تمثل به عبد الملك بن مروان حين تهيأ لقتال ابن الأشعث. وفي وصف القروم بالفوارك ملاءمة ظاهرة.
[4] قديد: موضع قرب مكة.
[5] في هذا البيت خرم. ويمم: طلب. وفي «الروض الأنف» ج 2 ص 268 «من مبلغ الأقوام».
[6] وافى اللّه حقّه ووفاه: أداه، ويقال: فعل كذا وأنعم: أي زاد.
[7] يراها اللّه، أي بعين رعايته. وأظلم هنا بمعنى ظالم.
[8] في الأصول: «عليها» وهو تحريف، والخيل: الفرسان. وفي «السيرة» «و رجلا» وهم الرجالة أي المشاة. وسيل أتيّ: وفي ب، س:
«اللواتي»؛ وهو تحريف. والتصويب عن ها، و «السيرة النبوية». والدفاع: كثرة الماء وشدته وتدافع جريه. وجيش عرمرم: كثير شديد.
[9] كذا في الأصول. وفي «الروض الأنف»: «صبحنا الجمع». يلملم: ميقات اليمن، جبل على مرحلتين من مكة. وفي ب، س «يلمما»؛ وهو تحريف.
زوجته تؤنبه على إسلامه
قال: ولمّا عرّف راعي العبّاس بن مرداس زوجته بنت الضحّاك بن سفيان خبره وإسلامه قوّضت بيتها، وارتحلت إلى قومها، وقالت تؤنّبه:
ألم ينه عباس بن مرداس أنّني ... رأيت الورى مخصوصة بالفجائع
/ أتاهم من الأنصار كلّ سميذع ... من القوم يحمي قومه في الوقائع [1]
بكلّ شديد الوقع عضب، يقوده ... إلى الموت هام المقربات البرائع [2]
لعمري لئن تابعت دين محمّد ... وفارقت إخوان الصّفا والصنائع [3]
لبدّلت تلك النفس ذلّا بعزّة ... غداة اختلاف المرهفات القواطع [4]
وقوم هم الرأس المقدّم في الوغى ... وأهل الحجا فينا وأهل الدّسائع [5]
سيوفهم عزّ الذّليل وخيلهم ... سهام الأعادي في الأمور الفظائع
شعره لرسول اللّه حين فضل غيره عليه في الغنائم وخبر ذلك
/ فأخبرني أحمد بن محمّد بن الجعد قال: حدّثنا محمّد بن إسحاق المسيّبي قال: حدّثنا محمّد بن فليح عن موسى بن عقبة، عن ابن شهاب، وأخبرني عمر بن إسمعيل بن أبي غيلان الثّقفيّ قال: حدّثنا داود بن عمرو الضّبيّ قال: حدّثنا محمّد بن راشد عن ابن إسحاق، وحدّثنيه محمّد بن جرير قال: حدّثنا محمّد بن حميد قال: حدّثنا سلمة عن ابن إسحاق - وقد دخل حديث بعضهم في حديث بعض - أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قسّم غنائم هوازن، فأكثر العطايا لأهل مكّة، وأجزال القسم لهم ولغيرهم ممّن خرج إلى حنين، حتى إنه كان يعطي الرجل الواحد مائة ناقة، والآخر ألف شاة، وزوى كثيرا من القسم عن أصحابه، فأعطى الأقرع بن حابس وعيينة بن حصن والعباس بن مرداس عطايا فضّل فيها عيينة والأقرع على العبّاس، فجاءه العبّاس فأنشده:
/و كانت نهابا تلافيتها ... بكرّي على المهر في الأجرع [6]
وإيقاظي الحيّ أن يرقدوا ... إذا هجع القوم لم أهجع
فأصبح نهبي ونهب العبي ... د بين عيينة والأقرع [7]
وقد كنت في الحرب ذا تدرإ ... فلم أعط شيئا ولم أمنع [8]
__________
[1] السميذع: السيد الكريم والشجاع.
[2] المقربات: جمع مقربة، وهي الفرس الّتي تدني وتقرب وتكرم، ولا تترك أن ترود لئلا يقرعها فحل لئيم، أو هي الّتي ضمرت للركوب. البرائع: جمع بريعة، وهي المرأة الفائقة في الجمال والعقل؛ جعلها هنا وصفا للأفراس.
[3] الصنائع: جمع صنيعة، وهي الإحسان.
[4] المرهفات: السيوف المرققة.
[5] الدسائع: جمع دسيعة، وهي العطيّة.
[6] في ب، س «كانت رزايا» والتصويب عن ج، ها. والنهاب: الغنائم.
[7] العبيد: اسم فرس العباس بن مرداس. وفي الأصول «عينية» وهو تصحيف.
[8] رجل ذو تدرأ وتدرأة: مدافع ذو عز ومنعة.
وما كان حصن ولا حابس ... يفوقان مرداس في مجمع
وما كنت دون امرىء منهما ... ومن تضع اليوم لا يرفع
فبلغ قوله رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فدعاه فقال له: أنت القائل: «أصبح نهبي ونهب العبيد بين الأقرع وعيينة؟» فقال أبو بكر:
بأبي أنت وأمّي يا رسول اللّه، لم يقل كذلك، ولا واللّه ما أنت بشاعر، ولا ينبغي لك الشعر، وما أنت براوية، قال:
فكيف قال؟ فأنشده أبو بكر رضي اللّه عنه، فقال: هما سواء، لا يضرّك بأيّهما بدأت: بالأقرع أم بعيينة، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: اقطعوا عنّي لسانه، وأمر بأن يعطوه من الشّاء [1] والنّعم ما يرضيه ليمسك، فأعطي، قال:
فوجدت [2] الأنصار في أنفسها، وقالوا: نحن أصحاب موطن [3] وشدّة، فآثر قومه علينا، وقسم قسما لم يقسمه لنا، وما نراه فعل هذا إلّا وهو يريد الإقامة بين أظهرهم، فلما بلغ قولهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أتاهم في منزلهم فجمعهم، وقال: من كان ها هنا من غير الأنصار فليرجع إلى أهله، فحمد اللّه وأثنى عليه/ ثم قال: يا معشر الأنصار، قد بلغتني مقالة قلتموها، وموجدة وجدتموها في أنفسكم، ألم آتكم ضلّالا فهداكم اللّه؟ قالوا: بلى. قال: ألم آتكم قليلا فكثّركم اللّه؟ قالوا: بلى. قال: ألم آتكم أعداء فألّف اللّه بين قلوبكم؟ قالوا: بلى.
قال محمّد بن إسحاق: وحدّثني يعقوب بن عيينة أنه قال: ألم آتكم وأنتم لا تركبون الخيل فركبتموها؟ قالوا:
بلى. قال: أفلا تجيبون يا معشر الأنصار؟ قالوا: للّه ولرسوله علينا المنّ والفضل، جئتنا يا رسول اللّه ونحن في الظلمات، فأخرجنا اللّه بك إلى النور، وجئتنا يا رسول اللّه ونحن على شفا حفرة من النار، فأنقذنا اللّه، وجئتنا يا رسول اللّه ونحن أذلّة قليلون فأعزّنا/ اللّه بك، فرضينا باللّه ربّا، وبالإسلام دينا، وبمحمد رسولا. فقال صلّى اللّه عليه وسلّم: أما واللّه لو شئتم لأجبتموني بغير هذا، فقلتم: جئتنا طريدا فآويناك، ومخذولا فنصرناك، وعائلا فأغنيناك، ومكذّبا فصدّقناك، وقبلنا منك ما ردّه عليك الناس، لقد صدقتم. فقال الأنصار: للّه ولرسوله علينا المنّ والفضل، ثم بكوا حتى كثر بكاؤهم، وبكى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وقال: يا معشر الأنصار وجدتم في أنفسكم في الغنائم أن آثرت بها ناسا أتألّفهم على الإسلام ليسلموا، ووكلتكم إلى الإسلام، أو لا ترضون أن يذهب الناس بالشاء والإبل، وترجعوا برسول اللّه إلى رحالكم؟ والّذي نفس محمّد بيده لو سلك الناس شعبا [4] وسلك الأنصار شعبا لسلكت شعب الأنصار، ولولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار، ثم بكى القوم ثانية حتى أخضلوا [5] لحاهم، وقالوا: رضينا يا رسول اللّه باللّه وبرسوله حظّا وقسما، وتفرّق القوم راضين، وكانوا بما قال لهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أشدّ اغتباطا من المال.
/ وقال أبو عمرو الشيباني في هذا الخبر: أعطى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم جماعة من أشراف العرب عطايا يتألّف بها قلوبهم وقومهم على الإسلام، فأعطى كلّ رجل من هؤلاء النّفر - وهم: أبو سفيان بن حرب، وابنه معاوية، وحكيم بن حزام، والحرث بن هشام، وسهيل بن عمرو، وحويطب بن عبد العزّى، وصفوان بن أميّة، والعلاء بن حارثة الثّقفي حليف بني زهرة، وعيينة بن حصن، والأقرع بن حابس - مائة من الإبل، وأعطى كلّ واحد من
__________
[1] في ب، س، ج: «من النساء»؛ وهو تحريف والتصويب عن ها.
[2] وجد عليه يجد: غضب.
[3] الموطن: المشهد من مشاهد الحرب.
[4] الشعب: الطريق في الجبل.
[5] أخضله: بله.
مخرمة بن نوفل وعمير بن وهب أحد بني عامر بن لؤيّ وسعيد بن يربوع، ورجلا من بني سهم دون ذلك ما بين الخمسين وأكثر وأقلّ، وأعطى العبّاس بن مرداس أبا عر، فتسخّطها وقال الأبيات المذكورة، فأعطاه حتى رضي.
كتب عبد الملك كتابا فيه شعر لابن الزبير يتوعدّه ورده على ذلك
حدّثنا وكيع قال: حدّثنا الكراني قال: حدّثنا عطاء بن مصعب، عن عاصم بن الحدثان قال: كتب عبد الملك بن مروان إلى عبد اللّه بن الزبير كتابا يتوعّده فيه وكتب فيه:
إني لعند الحرب تحمل شكّتي ... إلى الرّوع جرداء السيّالة ضامر [1]
والشعر للعبّاس بن مرداس. فقال ابن الزبير: أبالشعر يقوى عليّ؟ واللّه لا أجيبه إلّا بشعر هذا الرجل؛ فكتب إليه:
إذا فرس العوالي لم يخالج ... همومي غير نصر واقتراب [2]
/و إنّا والسّوابح يوم جمع ... وما يتلو الرسول من الكتاب [3]
هزمنا الجمع جمع بني قسيّ ... وحكّت بركها ببني رئاب [4]
هذه الأبيات من قصيدة يفخر فيها العبّاس برسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ونصره له، وفيها يقول:
بذي لجب رسول اللّه فيه ... كتيبته تعرّض للضّراب [5]
ولو أدركن صرم بني هلال ... لآم نساؤهم والنّقع كابي [6]
خبر قتل أخيه هريم
قال أبو عبيدة: وكان هريم بن مرداس مجاورا في خزاعة في جوار رجل منهم يقال له/ عامر، فقتله رجل من خزاعة يقال له خويلد، وبلغ ذلك أخاه العبّاس بن مرداس، فقال يحضّ عامرا على الطلب بثأر جاره، فقال:
إذا كان باغ منك نال ظلامة ... فإنّ شفاء البغي سيفك فافصل
ونبّئت أن قد عوّضوك أباعرا ... وذلك للجيران غزل بمغزل
فخذها فليست للغزيز بنصرة ... وفيها متاع لامرىء متدلّل
وهذا البيت الأخير كتب به الوليد بن عقبة إلى معاوية لمّا دعاه عليّ عليه السّلام إلى البيعة، وتحدّث الناس أنّه وعده أن يولّيه الشأم إذا بايعه. قال: فلما/ بلغته هذه الأبيات آلى لا يصيب رأسه ولا جسده ماء بغسل حتى يثأر
__________
[1] الشكة: السلاح. والسيالة: واحدة السيال، وهو شجر سبط الأغصان له شوك أبيض وأراد بها المتن - على التشبيه - وفي الأصول:
«السبالة» بالباء.
[2] فرسه فرسا: دقه وكسره. والعوالي: جمع عالية، وهي رأس الرمح.
[3] السوابح: جمع سابح، وهو من الخيل ما يمدّ يديه في الجري سبحا. وفي ج، ب، س «يوم بدر» والتصويب عن ها و «السيرة النبوية» لابن هشام، وقد قال العباس هذا الشعر يوم حنين. وجمع: المزدلفة.
[4] في ج، ب، س «يوم بني قسيّ». وقسي هو ثقيف. والبرك: كلكل البعير وصدره الّذي يدوك به الشيء تحته، ويقال في صفة الجرب وشدّة وطأتها: «حكت بركها بهم».
[5] بذي لجب، أي بجيش ذي لجب، واللجب: الجلبة والصياح. وفي الأصول: «كعارضة تعرض للصواب» والتصويب عن «السيرة النبوية».
[6] الصرم: الفرقة من الناس ليسوا بالكثير. والنقع: الغبار. والكابي: المرتفع الضخم.
بهريم، ثم إن أبا حليس النّصريّ لقي خويلدا قاتل هريم فقتله، فقال بنو نصر: بؤ [1] بدم فلان النصريّ - رجل كانت خزاعة قتلته - فقال أبو الحليس: لا، بل هو بؤ بدم هريم بن مرداس، وبلغ العبّاس، فقال يمدحه بقوله:
أتاني من الأنباء أنّ ابن مالك ... كفى ثائرا من قومه من تغبّبا [2]
[و يلقاك ما بين الخميس خويلد ... أرى عجبا بل قتله كان أعجبا] [3]
فدى لك أمّي إذ ظفرت بقتله ... وأقسم أبغي عنك أمّا ولا أبا [4]
فمثلك أدّى نصرة القوم عنوة ... ومثلك أعيا ذا السّلاح المجرّبا
خروجه لحرب بني نصر
قال أبو عبيدة: أغارت بنو نصر [5] بن معاوية على ناحية من أرض بني سليم، فبلغ ذلك العبّاس بن مرداس، فخرج إليهم في جمع من قومه، فقاتلهم حتى أكثر فيهم القتل، وظهرت عليهم بنو سليم، وأسروا ثلاثين رجلا منهم، وأخذت بنو نصر فرسا للعبّاس عائرة [6] يقال لها زرّة [7]، فانطلق بها عطية [8] بن سفيان النّصري - وهو يومئذ رئيس القوم - فقال في ذلك العباس:
أبى قومنا إلا الفرار ومن تكن ... هوازن مولاه من الناس يظلم [9]
/أغار علينا جمعهم بين ظالم ... وبين ابن عمّ كاذب الودّ أيهم [10]
كلاب وما تفعل كلاب فإنّها ... وكعب سراة البيت ما لم تهدّم [11]
فإن كان هذا صنعكم فتجرّدوا ... لألفين منّا حاسر وملأّم [12]
وحرب إذا المرء السّمين تمرّست ... بأعطافه بالسيف لم يترمرم [13]
ولم أحتسب سفيان حتى لقيته ... على مأقط إذ بيننا عطر منشم [14]
__________
[1] أي خويلد بؤ. يقال: باء دمه بدمه بوءا وبواء: عدله.
[2] ثائرا، أي آخذ بالثأر.
[3] تكملة عن «ها».
[4] أبغي: لا أبغي.
[5] هم بنو نصر بن معاوية بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة ... فهم وبنو سليم أبناء عم.
[6] يريد: شاردة وضالة، من قولهم: أصابه سهم عائر أي لا يدري من رماه.
[7] في الأصول: «زورة» وهو تحريف، وصوابه ما أثبتنا كما في (تاج العروس).
[8] في ب، س «غبطة» وصوابه ما أثبتنا كما في ها.
[9] أبى قومنا: يريد بني عمهم بني نصر. يظلم، أي يتعرّض للظلم والعدوان عليه لضعفهم عن نصرته والذود عنه.
[10] الأيهم: من لا عقل له ولا فيهم.
[11] كلاب وكعب: هما ابنا ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن. وسراة كل شي ء: أعلاه وظهره ووسطه.
[12] رجل حاسر: لا درع عليه ولا بيضة على رأسه. وملّأم: عليه لأمة، وهي الدرع، والسلاح وأداة الحرب.
[13] تمرّس به: احتك به. وترمرم: حرّك فاه للكلام.
[14] المأقط: المضيق الّذي يقتتلون فيه. ومنشم: امرأة كانت عطارة بمكة، وكانوا إذا أرادوا القتال وتطيبوا بطيبها كثرت فيهم القتلى، فضربوا بها المثل في الشؤم فقالوا: أشأم من عطر منشم.
فقلت وقد صاح النساء خلالهم ... لخيلي شدّي إنهم قوم لهذم [1]
فما كان تهليل لدن أن رميتهم ... بزرّة ركضا حاسرا غير ملجم
إذا هي صدّت نحرها عن رماحهم ... أقدّمها حتى تنعّل بالدم
وما زال منهم رائغ عن سبيلها ... وآخر يهوي لليدين وللفم [2]
لدن غدوة حتى استبيحوا عشيّة ... وذلّوا فكانوا لحمة المتلحّم [3]
فآبوا بها عرفا وألقيت كلكلي ... على بطل شاكي السّلاح مكلّم [4]
/و لن يمنع الأقوام إلّا مشايح ... يطارد في الأرض الفضاء ويرتمي [5]
/قال: ثم إن العبّاس بن مرداس جمع الأسارى من بني نصر - وكانوا ثلاثين رجلا - فأطلقهم، وظن أنّهم سيثيبونه بفعله، وأنّ سفيان سيرد عليه فرسه زرّة، فلم يفعلوا، فقال في ذلك:
أزرّة خير أم ثلاثون منكم ... طليقا رددناه إليكم مسلّما [6]
قال: وجعل العباس يهجو بني نصر، فبلغه أن سفيان بن عبد يغوث يتوعّده في ذلك، فلقيه عبّاس في المواسم، فقال له سفيان: واللّه لتنتهينّ أو لأصرمنّك، فقال عباس:
أتوعدني بالصّرم إن قلت اوفني ... فأوف وزد في الصّرم لهزمة النتن [7]
وقال العباس أيضا فيه:
ألا من مبلغ سفيان عنّي ... وظنّي أن سيلغه الرسول
ومولاه عطيّه أنّ قيلا ... خلا منّي وأن قد بات قيل [8]
سئمتم ربّكم وكفرتموه ... وذلكم بأرضكم جميل [9]
ألا توفي كما أوفى شبيب ... فحلّ له الولاية والشّمول
أبوه كان خيركم وفاء ... وخيركم إذا حمد الجميل
ألام على الهجاء وكلّ يوم ... تلاقيني من الجيران غول [10]
__________
[1] اللهذم: القاطع من الأسنة ألهذوم ذوو لهاذم.
[2] راغ: مال وحاد.
[3] المتلحم: يريد طالب اللحم ومشتهيه.
[4] العرف: اسم من الاعتراف، أي آبوا معترفين بالهزيمة. والكلكل: الصدر. شاكي السلاح: ذو شوكة وحد في سلاحه، مكلّم:
مجرّح.
[5] شايح: قاتل، وجدّ في الأمر. وفي الأصول
«مشايخ ... تطاردن»
وهو تصحيف. ارتموا: تراموا.
[6] في الأصول «طليق» وهو تحريف، والفصل بين العدد وتمييزه ضرورة، كقوله:
ثلاثون للهجر حولا كميلا
[7] اللهزمتان: عظمان ناتئان في اللحيين تحت الأذنين، يريد يا رأس النتن وأصله.
[8] القيل: القول، أو القول في الشر. خلا: مضى.
[9] في ب، س «شتمتم» والتصويب عن ج.
[10] الغول: الهلكة والداهية.
سأجعلها لأجمعكم شعارا ... وقد يمضي اللسان بما يقول
/ وهذه الأبيات من شعر العبّاس بن مرداس الّتي ذكرنا أخباره بذكرها، وفيه الغناء المنسوب من قصيدة قالها في غزاة غزاها بني زبيد باليمن.
حربه مع بني زبيد
قال أبو عمرو وأبو عبيدة: جمع العباس بن مرداس بن أبي عامر - وكان يقال للعبّاس: مقطّع الأوتاد - جمعا من بني سليم فيه من جميع بطونها، ثم خرج بهم حتى صبّح بني زبيد بتثليث من أرض اليمن بعد تسع وعشرين ليلة، فقتل فيها عددا كثيرا، وغنم حتّى ملأ يديه، فقال في ذلك:
لأسماء رسم أصبح اليوم دارسا ... وقفت به يوما إلى اللّيل حابسا
يقول فيها:
فدع ذا ولكن هل أتاك مقادنا ... لأعدائنا نزجي الثقال الكوادسا [1]
سمونا لهم تسعا وعشرين ليلة ... نجيز من الأعراض وحشا بسابسا [2]
فلم أر مثل الحيّ حيّا مصبّحا ... ولا مثلنا يوم التقينا فوارسا
إذا ما شددنا شدّة نصبوا لنا ... صدور المذاكى والرماح المداعسا [3]
وأحصننا منهم فما يبلغوننا ... فوارس منّا يحبسون المحابسا
وجرد كأنّ الأسد فوق متونها ... من القوم مرءوسا كميّا ورائسا
وكنت أمام القوم أوّل ضارب ... وطاعنت إذ كان الطّعان مخالسا [4]
/و لو مات منهم من جرحنا لأصبحت ... ضياع بأكناف الأراك عرائسا
فأجابه عمرو بن معد يكرب عن هذه القصيدة بقصيدة أوّلها:
/لمن طلل بالخيف أصبح دارسا ... تبدّل آراما وعينا كوانسا [5]
وهي طويلة، لم يكن في ذكرها مع أخبار العباس فائدة، وإنما ذكرت هذه الأبيات من قصيدة العباس لأن الغناء المذكور في أولها.
شعره في جلاء بني النضير وجواب خوّات له
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال: حدّثنا الزّبير بن بكّار قال: حدّثنا أبو غزيّة عن فليح بن سليمان قال: قال
__________
[1] كدست الدواب: أسرعت وركب بعضها بعضا في سيرها.
[2] الأعراض: قرى بين الحجاز واليمن. والبسابس: جمع بسبس كجعفر، وهو القفر الخالي.
[3] المذاكى: الخيل الّتي أتى عليها بعد قروحها سنة أو سنتان. والمداعس: جمع مدعس كمنبر وهو من الرماح الغليظ الشديد الّذي لا ينثني، ودعسه بالرمح: طعنه.
[4] تخالس القرنان: رام كل واحد منهما اختلاس الآخر. وفي ج «مجالسا» وفي ها «تخالسا».
[5] آرام: جمع رئم، وهو الظبي الخالص البياض. والعين: بقر الوحش. وكنس الظبي كضرب: دخل في كناسه،. وهو ما يستره من الشجر.
العبّاس يذكر جلاء بني النّضير ويبكيهم بقوله:
لو ان قطين الدّار لم يتحمّلوا ... وجدت خلال الدار ملهى وملعبا [1]
فإنّك عمري هل رأيت ظعائنا ... سلكن على ركن الشظاة فميثبا [2]
[عليهنّ عين من ظباء تبالة ... أوانس يصبين الحليم المجرّبا [3]]
إذا جاء باغي الخير قلن بشاشة ... له بوجوه كالدنانير: مرحبا
[و أهلا فلا ممنوع خير طلبته ... ولا أنت تخشى عندنا أن تؤنّبا] [3]
فلا تحسبنّي كنت مولى ابن مشكم ... سلام ولا مولى حييّ بن أخطبا [4]
فقال خوّات بن جبير يجيب العبّاس:
أتبكي على قتلى يهود وقد ترى ... من الشّجو لو تبكي أحقّ وأقربا
/ فهلّا على قتلى ببطن أوارة ... بكيت وما تبكي من الشجو مغضبا
إذا السّلم دارت في الصديق رددتها ... وفي الدّين صدّادا وفي الحرب ثعلبا [5]
وإنك لما أن كلفت بمدحة ... لمن كان مينا مدحه وتكذّبا [6]
وجئت بأمر كنت أهلا لمثله ... ولم تلف فيهم قائلا لك مرحبا
فهلّا إلى قوم ملوك مدحتهم ... بنوا من ذرا المجد المقدّم منصبا
إلى معشر سادوا الملوك وكرّموا ... ولم يلف فيهم طالب الحق مجدبا [7]
أولئك أولى من يهود بمدحة ... تراهم وفيهم عزّة المجد ترتبا [8]
فقال عبّاس بن مرداس يجيبه:
هجوت صريح الكاهنين وفيكم ... لهم نعم كانت من الدهر ترتبا [9]
أولئك أحرى إن بكيت عليهم ... وقومك لو أدّوا من الحقّ موجبا
__________
[1] القطين: أهل الدار. تحملوا: ارتحلوا.
[2] في الأصول «السطاة فأثأبا» وهو تحريف. والتصويب عن «معجم ما استعجم» ج 3: ص 798، والشظاة بفتح أوله: موضع قبل خيبر، ورد ذكره في «أشعار المغازي». وميثب: من خيبر هو موضع صدقات رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
[3] سقط هذا البيت من ب، س، ج وقد أثبتناه عن ها.
[4] في ب، س، ج «سلم» وهو تحريف. والمولى: الحليف والصاحب. وحييّ بن أخطب: سيد بني النضير.
[5] في ب، س، ج «مداحا» والتصويب عن «السيرة» لابن هشام.
[6] في ج «عنا».
[7] في ب، س، ج «محدبا» وهو تصحيف.
[8] في ها «أحرى». والترتب (بضم التاء الأولى وضم الثانية وفتحها): الشيء المقيم الثابت. وفي الأصول «و فيهم طابع اللؤم».
والتصويب عن «السيرة النبوية».
[9] الصريح: الخالص النسب. والكاهنان: يطلقان على قريظة والنضير.
من الشكر إنّ الشكر خير مغبّة ... وأوفق فعلا للّذي كان أصوبا [1]
فصرت كمن أمسى يقطّع رأسه ... ليبلغ عزّا كان فيه مركبّا
فبكّ بني هارون واذكر فعالهم ... وقتلهم للجوع إذ كنت مسغبا [2]
/قال الزبير: فحدّثني محمّد بن الحسن عن محرز بن جعفر قال: التقى عبّاس بن مرداس وخوّات بن جبير يوما عند عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه، فقال خوّات: يا عباس أأنت الّذي رثيت اليهود، وقد كان منهم في عداوة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ما كان! فقال عباس: إنهم كانوا أخلّائي في الجاهلية، وكانوا أقواما أنزل بهم فيكرمونني، ومثلي يشكر ما صنع إليه من الجميل، وكان بينهما قول حتى تجاذبا، فقال له خوّات: أما واللّه لئن استقبلت غرب [3] شبابي، وشبا أنيابي، وخشن جوابي، لتكرهنّ عتابي. فقال عبّاس: واللّه يا خوّات، لئن استقبلت عنّي وفنّي [4] وذكاء سنّي، لتفرّنّ منّي، إيّاي تتوعد يا خوّات، يا عاني [5] السوآت! / واللّه لقد استقبلك اللؤم فردعك [6]، واستدبرك فكسعك [7]، وعلاك فوضعك، فما أنت بمهجوم [8] عليك من ناحية إلّا عن فضل لؤم؛ إيّاي - ثكلتك أمّك - تروم؟ وعليّ تقوم؟ واللّه ما نصبت سوقك، ولأظهرنّ عليك [9] بعد؛ فقال عمر لهما: إما أن تسكتا وإما أن أو جعكما ضربا، فصمتا وكفّا، أخبرني بذلك علي بن نصر قال: حدّثني الحسن بن محمّد بن جرير، وحدّثني الحرمي بن أبي العلاء، قال: حدّثنا عبد الرحمن بن الحسن عن أبيه مثل ذلك. وللعباس مع خوّات مناقضات أخر في هذا المعنى، كرهت الإطالة بذكرها.
رثاه أخوه بشعر
قال أبو عبيدة: وكان العباس وسراقة وحزن وعمرو بنو مرداس كلّهم من الخنساء بنت عمرو بن الشريد، وكلّهم كان شاعرا، وعبّاس أشعرهم، وأشهرهم وأفرسهم وأسودهم، ومات في الإسلام، فقال أخوه سراقة يرثيه:
/أعين ألا ابكي أبا الهيثم ... وأذري الدموع ولا تسأمي
وأثني عليه بآلائه ... بقول امرىء موجع مؤلم
[فما كنت بائعه بامرىء ... أراه ببدو ولا موسم] [10]
أشدّ على رجل ظالم ... وأدهى لداهية ميثم [11]
__________
[1] في ب، س، ج «من السكران السكر» وهو تصحيف.
[2] أسغب: دخل في المجاعة فهو مسغب، كما يقال: أقحط: دخل في القحط.
[3] الغرب: الحدّة. والشبا جمع شباة، وهي حد كل شيء.
[4] العنّ: الاعتراض. والفنّ: الأمر العجب، رجل معنّ مفنّ (كمقص). معنّ: أي يعتن ويعترض في كل شيء، مفن: يأتي بالعجائب، ومفن أيضا ذوفنون من الكلام. والذكاء: شدّة وهج النار.
[5] أي يا أسير السوآت.
[6] ردعه بالشي كفتح: لطخه به.
[7] كسعه بالسيف كمنع، ضرب دبره به.
[8] في ب، س «بمجهوم» وهو تحريف والتصويب عن «ها».
[9] في ج، ها «عنك».
[10] هذا البيت ساقط من ب، س، ج وقد أثبتناه عن «ها».
[11] ميثم: شديد الوطء.
وقالت أخته عمرة ترثيه:
لتبك ابن مرداس على ما عراهم ... عشيرته إذ حمّ أمس زوالها
لدى الخصم إذ عند الأمير كفاهم ... فكان إليه فصلها وجدالها [1]
ومعضلة للحاملين كفيتها ... إذا أنهلت هوج الرياح طلالها [2]
وقد روى العباس بن مرداس عن النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، ونقل عنه الحديث.
دعاء النبي عليه السّلام لأمته
حدّثنا الحسين بن الطيّب الشجاعيّ البلخي بالكوفة قال: حدّثنا أيوب بن محمّد الطّلحي [3] قال: حدّثنا عبد القاهر بن السريّ السّلمي قال: حدّثنا عبد اللّه بن كنانة بن عباس بن مرداس السلمي أن أباه حدّثه عن جدّه عباس بن مرداس أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم دعا لأمّته عشيّة عرفة قال: فأجيب لهم بالمغفرة إلّا ما كان من مظالم العباد بعضهم لبعض، قال: فإني آخذ للمظلوم من الظالم، قال: أي ربّ إن شئت أعطيت للمظلوم من الجنة، وغفرت للظالم، فلم يجب في حينه، فلما أصبح في المزدلفة أعاد الدعاء، فأجيب لهم بما سأل، فضحك النبي صلّى اللّه عليه وسلّم أو تبسّم، فقال أبو بكر رضي اللّه تعالى عنه: بأبي/ أنت وأمّي! إن هذه لساعة ما كنت تضحك فيها أو تبسّم، فقال: إن إبليس لمّا علم أن اللّه غفر لأمّتي جعل يحثو التراب على رأسه، ويدعو بالويل والثّبور، فضحكت من جزعه. تمّت أخبار العبّاس.
صوت
أرجوك بعد أبي العبّاس إذ بانا ... يا أكرم الناس أعراقا وعيدانا
أرجوك من بعده إذ بان سيّدنا ... عنّا ولولاك لاستسلمت إذ بانا
فأنت أكرم من يمشي على قدم ... وأنضر الناس عند المحل أغصانا
لو مجّ عود على قوم عصارته ... لمجّ عودك فينا المسك والبانا [4]
الشعر لحمّاد عجرد، والغناء لحكم الواديّ، ولحنه من القدر الأوسط من الثقيل الأوّل بالبنصر في مجراها.
__________
[1] فصلها أي في الخصومات والمشاكل.
[2] النهل (كسبب): أوّل الشرب. هوج الرياح: الشديدة الهبوب. طلال: جمع طل وهو أخف المطر وأضعفه. يقول، إنه غياث لقومه وقت الجدب حين تهب الرياح الهوجاء حاملة طلالا لا تغني ولا تسد حاجة.
[3] الّذي في ج، «ها» «الصالحي».
[4] في ب، س، ج «غضارته» والتصويب عن ط، مط، ها.
21 - أخبار حماد عجرد ونسبه
نسبه
هو حمّاد بن يحيى بن عمر [1] بن كليب، ويكنى أبا عمر [2]، مولى [بني] [3] عامر بن صعصعة، وذكر ابن النطّاح أنه مولى بني سراة، وذكر سليمان بن أبي شيخ عن صالح بن سليمان أنه مولى بني عقيل، وأصله ومنشؤه بالكوفة، وكان يبري النّبل، وقيل: بل أبوه كان نبّالا، ولم يتكسب هو بصناعة غير الشعر.
وقال صالح بن سليمان: كان عمّ لحمّاد عجرد يقال له مؤنس [4] بن كليب، وكانت له هيئة [5] - وابن عمّه عمارة بن حمزة بن كليب - انتقلوا عن الكوفة ونزلوا واسطا، فكانوا بها، وحمّاد من مخضرمي الدّولتين الأمويّة والعباسيّة، إلا أنه لم يشتهر في أيام بني أمية شهرته في أيام بني العبّاس، وكان خليعا ماجنا، متّهما في دينه، مرميّا بالزندقة.
كان أبوه مولى لبني هند، وهجاء بشار له
أخبرني عمّي قال: حدّثنا أحمد بن أبي طاهر قال: قال أبو دعامة: حدّثني عاصم بن أفلح بن مالك بن أسماء قال: كان يحيى أبو حمّاد عجرد مولى لبني هند بنت أسماء بن خارجة، وكان وكيلا لها في ضيعتها بالسّواد [6]، فولدت هند من بشر بن مروان عبد الملك بن بشر، فجرّ عبد الملك ولاء موالي أمّه فصاروا مواليه. قال: ولما كان والد حمّاد عجرد بالسواد في ضيعتها نبّطه [7] بشار لمّا هجاه بقوله:
واشدد يديك بحمّاد أبي عمر ... فإنّه نبطيّ من زنابير [8]
/قال: وإنما لقّبه [9] بعجرد عمرو بن سنديّ، مولى ثقيف لقوله فيه:
سبحت بغلة ركبت عليها ... عجبا منك خيبة للمسير [10]
زعمت أنها تراه كبيرا ... حملها عجرد الزّنا والفجور [11]
__________
[1] كذا في ها، و «معجم الأدباء» ج 10: 249 وفي باقي الأصول «عمرو».
[2] كذا في ب، س وهو الصواب؛ وفي باقي الأصول «أبا عمرو».
[3] عن ط، مط.
[4] كذا في ط، مط. والّذي في ب، س، ج «مولى». وفي ها: يونس.
[5] في ب، س، ج «بقية» وما أثبتناه عن ط، مط، ها.
[6] أي سواد العراق.
[7] نبطه: نسبه إلى النبط.
[8] كذا في ط، مط. والّذي في باقي الأصول: «دنانير»؛ وهو تصحيف. وزنابير: أرض باليمن.
[9] كذا في ط، مط، ها. والّذي في ب، س «سماه». وقد سقطت هذه الكلمة من ج.
[10] سبح الفرس: مدّ يديه في العدو، شبهه بالسابح في الماء. وفي ب، س «سحبت».
[11] حملها: بدل من الهاء في تراه.
إن دهرا ركبت فيه على بغ ... ل وأوقفته بباب الأمير
لجدير ألّا نرى فيه خيرا ... لصغير منّا ولا لكبير
ما امرؤ ينتقيك يا عقدة الكل ... ب لأسراره بجدّ بصير [1]
لا ولا مجلس أجنّك للّ ... ذّات يا عجرد الخنا بستير [2]
يعني بهذا القول محمّد بن أبي العبّاس السفّاح، وكان عجرد في ندمائه، فبلغ هذا الشعر أبا جعفر، فقال لمحمد:
مالي ولعجرد يدخل عليك؟ لا يبلغني أنّك أذنت له، فقال: وعجرد مأخوذ من المعجرد، وهو العريان في الّلغة، يقال: تعجرد الرجل إذا تعرّى فهو يتعجرد تعجردا: وعجردت الرجل أعجرده عجردة إذا عرّيته.
الحمادون الثلاثة
أخبرني إسماعيل بن يونس قال: حدّثنا عمر بن شبّة، وأخبرني إبراهيم بن أيّوب عن ابن قتيبة، ونسخت من كتاب عبد اللّه بن المعتز، حدّثني الثقفيّ عن إبراهيم بن عمر العامريّ قال: كان بالكوفة ثلاثة نفر يقال لهم الحمّادون: حمّاد عجرد وحمّاد الراوية، وحمّاد [بن] [3] الزّبرقان، يتنادمون على الشراب، ويتناشدون الأشعار ويتعاشرون معاشرة جميلة، وكانوا كأنهم نفس واحدة، يرمون بالزندقة جميعا وأشهرهم بها حمّاد عجرد.
/ أخبرنا الفضل بن الحباب الجمحيّ أبو خليفة إجازة عن التوّزيّ [4]: أن حمادا لقّب بعجرد لأن أعرابيا مرّ به في يوم شديد البرد وهو عريان/ يلعب مع الصّبيان فقال له: تعجردت يا غلام؛ فسمّي عجردا.
قال أبو خليفة: المتعجرد: المتعرّي؛ والعجرد أيضا: الذهب.
سبب مهاجاة بشار
أخبرني أحمد بن يحيى بن علي بن يحيى، عن علي بن مهدي، عن عبد اللّه بن عطية، عن عبّاد بن الممزّق، وأخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ، قال: حدّثنا عمر بن شبة قال: كان السبب في مهاجاة حمّاد عجرد بشّارا أنّ حمّادا كان نديما لنافع بن عقبة، فسأله بشّار تنجّز حاجة له من نافع، فأبطأ عنها، فقال بشار فيه:
مواعيد حمّاد سماء مخيلة ... تكشّف عن رعد ولكن ستبرق [5]
إذا جئته يوما أحال على غد ... كما وعد الكمّون ما ليس يصدق [6]
وفي نافع عنّي جفاء، وإنّني ... لأطرق أحيانا، وذو اللّبّ يطرق
__________
[1] عقدة الكلب: قضيبه.
[2] أجنك: سترك. الخنا: الفحش. ستير: مستور.
[3] كذا في ط، مط، ها، مب. وقد سقطت هذه الكلمة من ب، س، ج.
[4] كذا في ط، مط، ها. وهو الصواب. والّذي في ب، س، ج: الثوري؛ وهو تصحيف.
[5] السحابة المخيلة: الّتي تحسبها ماطرة.
[6] يعني أنه كلما تطلب السعي تمهل وسوّف وقال: غدا غدا، وهذا المعنى وارد في كلامهم، من ذلك قول القائل:
لا تجعلنّا ككمّون بمزرعة ... إن فاته الماء أروته المواعيد
«المحاسن والأضداد» ص 70.
وللنّقرى قوم فلو كنت منهم ... دعيت ولكن دوني الباب مغلق [1]
/أبا عمر خلّفت خلفك حاجتي ... وحاجة غيري بين عينيك تبرق
وما زلت أستأنيك حتى حسرتني ... بوعد كجاري الآل يخفى ويخفق [2]
قال: فغضب حمّاد وأنشد نافعا الشّعر، فمنعه من «صلة» [3] بشّار، فقال بشّار:
أبا عمر ما في طلابيك حاجة ... ولا في الّذي منّيتنا ثمّ أصحرا
وعدت فلم تصدق وقلت غدا غدا ... كما وعد الكمّون شربا مؤخّرا
قال: فكان ذلك السبب في التّهاجي بين بشّار وحمّاد.
كان من كبار الزنادقة
أخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن عمّار قال: حدّثني أبو إسحاق الطّلحيّ قال: حدّثني أبو سهبل قال: حدّثني أبو نواس قال: كنت أتوهّم أن حمّاد عجرد إنما رمي بالزندقة لمجونه في شعره، حتى حبست في حبس الزّنادقة، فإذا حمّاد عجرد إمام من أئمّتهم، وإذا له شعر مزاوج بيتين بيتين يقرءون به في صلاتهم، قال: وكان له صاحب يقال له حريث [4] على مذهبه، وله يقول بشّار حين مات حمّاد عجرد على سبيل التعزية له:
بكى حريث فوقّره بتعزية ... مات ابن نهيا وقد كانا شريكين
تفاوضا حين شابا في نسائهما ... وحلّلا كلّ شيء بين رجلين [5]
/أمسى حريث بما سدّى له غيرا ... كراكب اثنين يرجو قوّة اثنين [6]
حتى إذا أخذا في غير وجههما ... تفرّقا وهوى بين الطّريقين
يعني أنه كان يقول بقول الثّنويّة [7] في عبادة اثنين، فتفرّقا وبقي بينهما حائرا، قال: وفي حمّاد يقول بشّار أيضا وينسبه إلى أنّه ابن نهيا [8]:
يابن نهيا رأس عليّ ثقيل ... واحتمال الرؤوس خطب جليل
ادع غيري إلى عبادة الاثني ... ن فإنّي بواحد مشغول
__________
[1] في ب، س «و للنقدي» وهو تحريف. يقال: دعاهم النقري، أي دعوة خاصة، وهو أن يدعو بعضا دون بعض ينقّر باسم الواحد بعد الواحد.
[2] استأني به: انتظر به ولم يعجله. حسره: كشفه. الآل: السراب، وقيل: الآل هو الّذي يكون ضحى كالماء بين السماء والأرض، وأما السراب فهو الّذي يكون نصف النهار لاطئا بالأرض كأنه ماء جار.
[3] هذه الكلمة ساقطة من الأصول، وهي مثبتة في «مختار الأغاني» ص 415.
[4] في ب، س، ج «حريب» وهو تصحيف؛ والتصويب عن ط، مط، مب، ها. وأراد هاهنا: حريث بن أبي الصلت الحنفي كما سيأتي بعد.
[5] التفاوض والمفاوضة: الاشتراك في كل شيء.
[6] كذا في ط، مط، ج، مب. والّذي في ب، س «أسدى له عندا» وفي ها «غمرا».
[7] الثنوية: فرقة يقولون باثنينية الإله، أي إله الخير وإله الشر.
[8] كذا في ط، مط، مب، ها. وهو يوافق ما ورد في «أمالي المرتضى». والّذي في ج، ب، س «نهبا» بالباء؛ وهو تصحيف.
يابن نهيا برئت منك إلى اللّ ... ه جهارا، وذاك منّي قليل
قال: فأشاع حمّاد هذه الأبيات لبشّار في الناس، وجعل فيها مكان «فإنّي بواحد مشغول»: «فإنّي عن واحد مشغول» ليصحّح عليه الزندقة والكفر باللّه تعالى، فما زالت الأبيات تدور في/ أيدي الناس حتى انتهت إلى بشّار، فاضطرب منها وتغيّر وجزع وقال: أشاط ابن الزانية بدمي [1]، واللّه ما قلت إلّا «فإنّي بواحد مشغول» فغيّرها حتى شهرني في الناس [بما يهلكني] [2].
هجاء بشار له
أخبرني محمّد بن العبّاس اليزيديّ قال: حدّثنا سليمان بن أبي شيخ قال: حدّثني صالح بن سليمان الخثعميّ قال: قيل [لعبد اللّه بن ياسين] [3]: إن بشارا المرعّث [4] /هجا حمّادا فنّبطه، فقال عبد اللّه: [قد] [5] رأيت جدّ حمّاد، وكان يسمّى كليبا، وكانت صناعته صناعة لا يكون فيها نبطيّ، كان يبري النّبال ويريشها، وكان يقال له:
كليب النّبّال، مولى بني عامر بن صعصعة.
هجاء بشار له ولصديقه سليم
أخبرني أحمد بن العبّاس العسكريّ المؤدّب، قال: حدّثنا الحسن بن عليل العنزيّ قال: حدّثني أحمد بن خلّاد قال: كان بشّار صديقا لسليم بن سالم مولى بني سعد، وكان المنصور أيّام استتر بالبصرة نزل على سليم بن سالم، فولّاه أبو جعفر حين أفضى الأمر إليه السّوس وجنديسابور، فانضمّ إليه حمّاد عجرد، فأفسده على بشّار، وكان له صديقا، فقال بشّار يهجوهما:
أمسى سليم بأرض السّوس مرتفقا ... في خزّها بعد غربال وأمداد [6]
ليس النعيم وإن كنّا نزنّ به ... إلّا نعيم سليم ثمّ حمّاد [7]
نيكا وناكا ولم يشعر بذا أحد ... في غفلة من نبيّ الرحمة الهادي
فنشب الشرّ بين حمّاد وبشّار.
دخل بينه وبين بشار رجل بصري
أخبرني عمّي قال: حدّثنا محمّد بن القاسم بن مهرويه، عن عمر بن شبّة، عن أبي أيّوب الزبالى [8]، قال:
__________
[1] يقال: أشاط دمه وبدمه: أذهبه، أو عمل في هلاكه، أو عرّضه للقتل.
[2] ما بين القوسين من «ها».
[3] في الأصول «قيل له» وما أثبتناه عن «مختار الأغاني» ص 415.
[4] كان بشار بن برد يلقب بالمرعّث، لرعاث كانت له في صغره في أذنه؛ ورعاث بالكسر: جمع رعثة بالفتح، وهو ما علق بالأذن من قرط ونحوه. وفي ب، س «المرغث» وهو تصحيف.
[5] سقطت من ب، س. وهي عن باقي الأصول.
[6] في ب وس «مرتفعا» وهو تحريف، والصواب ما أثبتنا كما في ج، ط، مط، ها. وارتفق: اتّكأ على مرفقة: وهي المتكأ والمحدة، يكنى بذلك عن أنه صار منعما مترفا بعد أن كان ممتهنا. أمداد، جمع مدّ بالضم، وهو مكيال، ويفهم من هذا أنه كان قبل الولاية كيّالا.
[7] أزننته بكذا: اتهمته به.
[8] في ب وس «الذبالي»؛ والتصويب عن باقي الأصول.
كان رجل من أهل البصرة يدخل بين حمّاد وبشّار على اتفاق منهما ورضا بأن ينقل إلى كلّ واحد منهما وعنه الشّعر، فدخل يوما إلى بشّار فقال له: إيه يا فلان، ما قال ابن الزانية فيّ؟ فأنشده:
إن تاه بشّار عليكم فقد ... أمكنت بشّارا من التّيه
/ فقال بشّار: بأيّ شيء ويحك؟ فقال:
وذاك إذ سمّيته بآسمه ... ولم يكن حرّ يسمّيه
فقال: سخنت عينه [1]، فبأي شيء كنت أعرف؟ إيه، فقال:
فصار إنسانا بذكري له ... ما يبتغي من بعد ذكريه؟
فقال: ما صنع شيئا، إيه ويحك؟ فقال:
لم أهج بشّارا ولكنّني ... هجوت نفسي بهجائيه
فقال: على هذا المعنى دار، وحوله حام [2]، إيه أيضا، وأيّ شيء قال؟ فأنشده:
أنت ابن برد مثل بر ... د في النّذالة والرّذاله
من كان مثل أبيك يا ... أعمى أبوه فلا أبا له
فقال: جوّد ابن الزانية، وتمام الأبيات الأول:
لم آت شيئا قطّ فيما مضى ... ولست فيما عشت آتيه
أسوأ لي في الناس أحدوثة ... من خطأ أخطأته فيه
فأصبح اليوم بسبّي له ... أعظم شأنا من مواليه
/ أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ قال: حدّثنا عمر بن شبّة، عن خلّاد الأرقط قال: أنشد بشّارا راويته قول عجرد فيه:
دعيت إلى برد وأنت لغيره ... فهبك ابن برد نكت أمّك من برد؟
فقال بشار لراويته: هاهنا أحد؟ قال: لا، فقال: أحسن واللّه ما شاء ابن الزانية.
/ أخبرني أحمد بن العباس العسكريّ قال: حدّثنا الحسن بن عليل العنزيّ قال: حدّثني محمّد بن يزيد المهلّبي قال: حدّثني محمّد بن عبد اللّه بن أبي عيينة قال: قال حماد عجرد لمّا أنشد قول بشّار فيه:
يابن نهيا رأس عليّ ثقيل ... واحتمال الرأسين أمر جليل
فادع غيري إلى عبادة ربّي ... ن فإنّي بواحد مشغول
واللّه ما أبالي بهذا من قوله، وإنّما يغيظني منه تجاهله بالزندقة، يوهم الناس أنه يظن أن الزنادقة تعبد رأسا ليظن الجهّال أنّه لا يعرفها، لأن هذا قول تقوله العامّة لا حقيقة له، وهو واللّه أعلم بالزّندقة من ماني.
__________
[1] سخنت عينه: نقيض قرّت، دعاء عليه.
[2] في ب، س: «و حوله دام». والتصويب عن باقي الأصول.
أخبرني أحمد بن عبد العزيز وأحمد بن عبيد اللّه بن عمّار وحبيب بن نصر المهلّبي، قالوا: حدّثنا عمر بن شبّة، قال: حدّثنا أبو أيوب الزباليّ قال: قال بشار لراوية حمّاد: ما هجاني به اليوم حمّاد؟ فأنشده:
ألا من مبلغ عنّي ... الّذي والده برد
فقال: صدق ابن الفاعلة، فما يكون؟ فقال:
إذا ما نسب الناس ... فلا قبل ولا بعد
فقال: كذب ابن الفاعلة، وأين هذه العرصات [1] من عقيل؟ فما يكون؟ فقال:
وأعمى قلطبان ما ... على قاذفه حدّ
/ فقال: كذب ابن الفاعلة، بل عليه ثمانون جلدة، هيه، فقال:
وأعمى يشبه القرد ... إذا ما عمي القرد
فقال: واللّه ما أخطأ ابن الزانية حين شبّهني بقرد، حسبك حسبك، ثم صفّق بيديه، وقال: ما حيلتي؟ يراني فيشبّهني ولا أراه فأشبّهه.
وقال: أخبرني بهذا الخبر هاشم بن محمّد الخزاعيّ قال: حدّثنا أبو غسّان دماذ فذكر مثله، وقال فيه: لمّا قال حمّاد عجرد في بشّار:
شبيه الوجه بالقرد ... إذا ما عمي القرد
بكى بشّار، فقال له قائل: أتبكي من هجاء حمّاد؟ فقال: واللّه ما أبكي من هجائه ولكن أبكي لأنّه يراني ولا أراه، فيصفني ولا أصفه، قال: وتمام هذه الأبيات:
ولو ينكه في صلد ... صفا لانصدع الصّلد
دنيّ لم يرح يوما ... إلى مجد ولم يغد
ولم يحضر مع الحضّا ... ر في خير ولم يبد
ولم يخش له ذمّ ... ولم يرج له حمد
/ جرى بالنّحس مذكان ... ولم يجر له سعد [2]
هو الكلب إذا ما ما ... ت لم يوجد له فقد [3]
أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال: حدّثنا عمر بن شبّة قال: حدّثني خلّاد الأرقط قال: أشاع بشّار في الناس أن حمّاد عجرد كان ينشد شعرا ورجل بإزائه يقرأ القرآن وقد اجتمع الناس عليه، فقال حماد: علام اجتمعوا؟ فو اللّه لما أقول أحسن ممّا يقول.
قال: وكان بشّار يقول: لمّا سمعت هذا من حمّاد مقتّه عليه.
__________
[1] كذا، وفي ها «العصاب».
[2] في ب، س «مندكاة» وهو تحريف.
[3] في ج: «إذا مات كم».
هجاء بشار له
أخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن عمّار قال: أخبرني أبو إسحاق الطّلحي قال: حدّثني أبو سهيل عبد اللّه بن ياسين أن بشّارا قال في حمّاد عجرد وسهيل بن سالم، وكان سهيل من أشراف أهل البصرة، وكان من عمّال المنصور، ثم قتله بعد ذلك بالعذاب، وكان حمّاد وسهيل نديمين:
ليس النعيم وإن كنّا نزنّ به ... إلّا نعيم سهيل ثمّ حمّاد
ناكا ونيكا إلى أن لاح شيبهما ... في غفلة عن نبيّ الرحمة الهادي
فهدين طورا وفهّادين آونة ... ما كان قبلهما فهد بفهّاد [1]
سبحانك اللّه لو شئت امتسختهما ... قردين فاعتلجا في بيت قرّاد [2]
قال: يعني بقوله
ما كان قبلهما فهد بفهّاد
أي لم يكن الفهد فهّادا، كما تقول: لم يكن زيد بظريف، ولم يكن زيد ظريفا، قال ابن ياسين: وفيه يقول بشار أيضا:
مالمت حمّادا على فسقه ... يلومه الجاهل والمائق [3]
وما هما من أيره واسته؟ ... ملّكه إيّاهما الخالق
ما بات إلّا فوقه فاسق ... ينيكه أو تحته فاسق
هجاؤه لبشار
أخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن عمّار قال: أنشدني ابن أبي سعد لحمّاد عجرد في بشّار - قال وهو من أغلظ ما هجاه به عليه - :
نهاره أخبث من ليله ... ويومه أخبث من أمسه
وليس بالمقلع عن غيّه ... حتى يوارى في ثرى رمسه [4]
/قال: وكان أغلظ على بشّار من ذلك كله وأوجعه له قوله فيه:
لو طليت جلدته عنبرا ... لأفسدت جلدته العنبرا
أو طليت مسكا ذكيّا إذا ... تحوّل المسك عليه خرا
قال ابن أبي سعد: وقد بالغ بشار في هجاء حمّاد، ولكن حكم الناس عليه لحمّاد بهذه الأبيات.
اتصاله بالربيع
أخبرني محمّد بن خلف وكيع قال: حدّثني عمر بن محمّد بن عبد الملك الزيات قال: حدّثني أحمد بن
__________
[1] الفهّاد: صاحب الفهود الّذي يعلّمها الصيد.
[2] اعتلجا: تصارعا وتقاتلا.
[3] المائق: الأحمق.
[4] الرمس: القبر.
إسحاق قال: حدّثني عثمان بن سفيان العطّار قال: اتصل حماد عجرد بالربيع [1] يؤدّب ولده، فكتب إليه بشار رقعة، فأوصلت إلى الربيع، فطرده لمّا قرأها، وفيها مكتوب:
يا أبا الفضل لا تنم ... وقع الذئب في الغنم
إنّ حمّاد عجرد ... إن رأى غفلة هجم
/ بين فخذيه حربة ... في غلاف من الأدم [2]
إن خلا البيت ساعة ... مجمج الميم بالقلم
فلمّا قرأها الربيع قال: صيّرني حمّاد دريئة الشعراء، أخرجوا عنّي حمادا، فأخرج.
أخبرني يحيى بن عليّ بن يحيى إجازة، عن علي بن مهدي، عن عبد اللّه بن عطية، عن عبّاد بن الممزّق أن حمّاد عجرد كان يؤدّب ولد العبّاس بن محمّد الهاشمي، فكتب إليه بشّار بهذه الأبيات المذكورة، فقال العباس:
مالي ولبشّار؟ أخرجوا عنّي حمّادا، فأخرج.
هجاؤه لبشار
أخبرني يحيى بن علي قال: حدّثني محمّد بن القاسم قال: حدّثني عبد اللّه بن طاهر بن أبي أحمد الزّبيريّ قال: لما أخرج العباس بن محمّد حمّادا عن خدمته، وانقطع عنه ما كان يصل إليه منه، أوجعه ذلك، فقال يهجو بشّارا:
لقد صار بشّار بصيرا بدبره ... وناظره بين الأنام ضرير
له مقلة عمياء واست بصيرة ... إلى الأير من تحت الثياب تشير
على ودّه أن الحمير تنيكه ... وأنّ جميع العالمين حمير
قال أبو الفرج الأصبهانيّ: وقد فعل مثل هذا بعينه حمّاد عجرد بقطرب [3].
شعره في قطرب
أخبرني عمّي عن عبد اللّه بن المعتزّ قال: حدّثني أبو حفص الأعمى المؤدّب، عن الزّباليّ قال: اتّخذ قطرب النحويّ مؤدّبا لبعض ولد المهديّ، وكان حماد عجرد يطمع في أن يجعل هو مؤدّبه، فلم يتمّ له ذلك، لتهتكه وشهرته في الناس بما قاله فيه بشّار، فلما تمكن قطرب في موضعه صار حماد عجرد كالملقى على الرّضف [4]، فجعل يقوم ويقعد بقطرب في الناس، ثم أخذ رقعة فكتب فيها:
قل للإمام جزاك اللّه صالحة ... لا تجمع الدهر بين السّخل والذيب [5]
__________
[1] هو الربيع بن يونس وزير المنصور، وتوفي سنة 170 ه.
[2] الأدم: الجلد.
[3] هو أبو علي محمّد بن المستنير البصري النحوي، أخذ عن سيبويه، ولقبه سيبويه بقطرب، لأنه كان يخرج فيراه بالأسحار على بابه فيقول له: ما أنت إلا قطرب ليل؛ والقطرب: ذكر الغيلان أو الذئب الأمعط أو صغار الجن أو الخفيف أو طائر أو دابة صغيرة لا تستريح من الحركة وتوفي سنة 206 ه.
[4] في ج، ط، مط، مب، «الرصد». والرضف: الحجارة المحماة بالشمس أو النار.
[5] السخل والسخال: جمع سخلة: وهو ولد الشاة عند ولادته ذكرا أو أنثى.
السّخل غرّ وهمّ الذئب فرصته ... والذئب يعلم ما في السّخل من طيب [1]
فلمّا قرأ هذين البيتين قال: انظروا لا يكون هذا المؤدّب لوطيّا، ثم قال: انفوه عن الدار، فأخرج عنها، وجيء بمؤدّب غيره، ووكّل به تسعون خادما يتناوبون، يحفظون الصبيّ، فخرج قطرب هاربا مما شهر به إلى عيسى بن إدريس العجلي بن أبي دلف فأقام معه بالكرج إلى أن مات.
/ أخبرني الحسن بن عليّ قال: حدّثنا أحمد بن الحارث، عن المدائنيّ قال: لمّا قال حمّاد عجرد في بشّار:
ويا أقبح من قرد ... إذا ما عمي القرد
قال بشّار: لا إله إلّا اللّه، قد واللّه كنت أخاف أن يأتي به، واللّه لقد وقع لي هذا البيت منذ أكثر من عشرين سنة، فما نطقت به خوفا من أن يسمع فأهجى به، حتى وقع عليه النّبطيّ ابن الزانية.
كان أبو حنيفة صديقا له
قال أبو الفرج: نسخت من كتاب عبد اللّه بن المعتزّ، حدّثني العجليّ قال: حدّثني أبو دهمان قال: كان أبو حنيفة الفقيه صديقا لحمّاد عجرد، فنسك أبو حنيفة وطلب الفقه، فبلغ [2] فيه ما بلغ ورفض حمّادا وبسط لسانه فيه، فجعل حمّاد يلاطفه حتى يكفّ عن ذكره، وأبو حنيفة يذكره، فكتب إليه حمّاد بهذه الأبيات:
إن كان نسكك لا يتمّ ... بغير شتمي وانتقاصي
/ أو لم تكن إلّا به ... ترجو النجاة من القصاص
فاقعد وقم بي كيف [3] شئ ... ت مع الأداني والأقاصي
فلطالما زكّيتني ... وأنا المقيم على المعاصي
أيّام تأخذها وتع ... طي في أباريق الرّصاص
قال: فأمسك أبو حنيفة رحمه اللّه بعد ذلك عن ذكره خوفا من لسانه.
كان يحيى بن زياد صديقا له
وقد أخبرني بهذا الخبر محمّد بن خلف وكيع قال: حدّثنا حماد بن إسحاق عن أبيه عن النّضر بن حديد قال:
كان حمّاد عجرد صديقا ليحيى بن زياد، [و كانا يتنادمان ويجتمعان على ما يجتمع عليه مثلهما، ثم إن يحيى بن زياد [4]] أظهر تورّعا/ وقراءة ونزوعا عمّا كان عليه، وهجر حمّادا وأشباهه، فكان إذا ذكر عنده ثلبه وذكر تهتّكه ومجونه، فبلغ ذلك حمّادا، فكتب إليه:
هل تذكرن دلجي إلي ... ك على المضمّرة القلاص [5]
__________
[1] في ب، س «وهم الناس».
[2] ساقطة من ب، س.
[3] في «ها» «حيث».
[4] تكملة عن ط، مط، ها، مب. وسقطت من ب، س، ج.
[5] الدلج: السير من أوّل الليل. وفي ط، مط «المضبّرة». والمضبّرة: المكتنزة اللحم. والقلوص من الإبل: الشابة أو الباقية على السير، والجمع قلائص وقلص، وجمع الجمع قلاص.
أيّام تعطيني وتأ [1] ... خذ من أباريق الرّصاص
إن كان نسكك لا يت ... مّ بغير شتمي وانتقاصي
أو كنت لست بغير ذا ... ك تنال منزلة الخلاص
فعليك فاشتم آمنا ... كلّ الأمان من القصاص
واقعد وقم بي ما بدا ... لك في الأداني والأقاصي
فلطالما زكّيتني ... وأنا المقيم على المعاصي
أيّام أنت إذا ذكر ... ت مناضل عني مناصي [2]
وأنا وأنت على ارتكا ... ب الموبقات من الحراص
وبنا مواطن ماينا ... في البرّ آهلة العراص [3]
فاتّصل هذا الشعر بيحيى بن زياد، فنسب حمّادا إلى الزندقة ورماه بالخروج عن الإسلام، فقال حمّاد فيه:
لا مؤمن يعرف إيمانه ... وليس يحيى بالفتى الكافر
منافق ظاهره ناسك ... مخالف الباطن للظاهر
شعره لصديق انقطع عن مجلسه
أخبرني محمّد بن خلف وكيع قال: حدّثنا ابن أبي سعد، عن النضر بن عمرو قال: كان لحمّاد عجرد إخوان ينادمونه، فانقطع عنه الشراب، فقطعوه، فقال لبعضهم:
لست بغضبان ولكنّني ... أعرف ما شأنك يا صاح
أ أن فقدت الرّاح [4] جانبتني ... ما كان حبّيك على الراح
قد كنت من قبل وأنت الّذي ... يعنيك إمسائي وإصباحي
وما أرى فعلك إلّا وقد ... أفسدني من بعد إصلاحي
أنت من الناس وإن عبتهم ... دونكها منّي بإفصاح [5]
كان من ندماء الوليد بن يزيد
أخبرني عيسى بن الحسين الورّاق قال: حدّثني ميمون بن هارون عن أبي محلّم أن الوليد [6] بن يزيد أمر شراعة بن الزّندبوذ أن يسمّي له جماعة ينادمهم من ظرفاء أهل الكوفة/، فسمّى له مطيع بن إياس وحمّاد عجرد
__________
[1] كذا في جميع الأصول. والّذي في مب «فآخذ».
[2] ناصاه مناصاة: جاذبه فأخذ كل واحد منهما بناصية صاحبه.
[3] العراص: جمع عرصة وهي البقعة الواسعة بين الدار الّتي ليس فيها بناء.
[4] في ب، س «الخمر» وما أثبتناه عن باقي الأصول.
[5] أي خذها كلمة فصيحة صريحة.
[6] هو الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان، ولي الخلافة سنة 125 وقتل سنة 126.
والمطيعيّ المغنّي، فكتب في إشخاصهم إليه، فأشخصوا، فلم يزالوا في ندمائه إلى أن قتل، ثم عادوا إلى أوطانهم.
أخبرني عيسى بن الحسين قال: حدّثني حماد عن أبيه عن محمّد بن الفضل السّكونيّ قال: تزوّج حمّاد عجرد امرأة، فدخلنا إليه صبيحة بنائه بها نهنّئه ونسأله عن خبره، فقال لنا: كنت البارحة جالسا مع أصحابي أشرب، وأنا منتظر لامرأتي أن يؤتى [1] بها، حتى قيل لي: قد دخلت، فقمت إليها فو اللّه ما لبّثتها [2] حتى افتضضتها، وكتبت من وقتي إلى أصحابي:
/قد فتحت الحصن بعد امتناع ... بمشيح فاتح للقلاع
ظفرت كفّي بتفريق شمل ... جاءنا تفريقه باجتماع
فإذا شعبي وشعب حبيبي ... إنما يلتام بعد انصداع
اجتماعه بوجوه البصرة
أخبرني محمّد بن القاسم الأنباريّ عن أبيه، وأخبرني الحسن بن عليّ عن القاسم بن محمّد الأنباري، قال:
حدّثنا الحسن بن عبد الرحمن عن أحمد بن الأسود بن الهيثم، عن إبراهيم بن محمّد بن عبد الحميد، قال: اجتمع عمّي سهم بن عبد الحميد وجماعة من وجوه أهل البصرة عند يحيى بن حميد الطويل، ومعهم حمّاد عجرد، وهو يومئذ هارب من محمّد بن سليمان، ونازل على عقبة بن سلم وقد أمن، وحضر الغداء، فقيل له: سهم بن عبد الحميد يصلّي الضحى، فانتظر، وأطال سهم الصلاة، فقال حماد:
ألا أيّهذا القانت المتهجّد ... صلاتك للرّحمن أم لي تسجد؟ [3]
أما والّذي نادى من الطّور عبده ... لمن غير ما برّ تقوم وتقعد
فهلّا اتّقيت اللّه إذ كنت واليا ... بصنعاء تبري من وليت وتجرد
ويشهد لي أنّي بذلك صادق ... حريث ويحيى لي بذلك يشهد
وعند أبي صفوان فيك شهادة ... وبكر، وبكر مسلم متهجّد
فإن قلت زدني في الشهود فإنّه ... سيشهد لي أيضا بذاك محمّد
قال: فلمّا سمعها قطع الصلاة وجاء مبادرا، فقال له: قبحك اللّه يا زنديق، فعلت بي هذا كله لشرهك في تقديم أكل وتأخيره! هاتوا طعامكم فأطعموه لا أطعمه اللّه تعالى، فقدّمت المائدة.
شعر لمحمد بن الفضل السكوني يعتذر إليه به
أخبرني يحيى بن علي بن يحيى، عن أبيه، عن إسحاق الموصليّ، عن محمّد بن الفضل السّكوني [4] قال:
__________
[1] كذا في ط، مط، مب، ها. والّذي في ج، ب، س «يأتوا». والسياق يقتضي ما أثبتنا.
[2] في ب، س «لثمها». والتصويب عن باقي الأصول.
[3] القانت: الطائع. والمتهجد: المصلي بالليل.
[4] في ب، س، ج، ط، مط، مب «محمّد بن الفضل السلولي» وهو تحريف؛ والتصويب عن ها و «الأغاني» ج 13 طبع دار الكتب المصرية.
لقيت حمّاد عجرد بواسط وهو يمشي وأنا راكب، فقلت له: انطلق بنا إلى المنزل، فإني الساعة فارغ لنتحدّث، وحبست عليه الدّابة، فقطعني شغل عرض لي لم أقدر على تركه، فمضيت وأنسيته، فلما بلغت المنزل خفت شرّه، فكتبت إليه:
أبا عمر اغفر هديت فإنّني ... قد اذنبت ذنبا مخطئا غير عامد
فلا تجدن فيه عليّ فإنني ... أقرّ بإجرامي ولست بعائد [1]
وهبه لنا تفديك نفسي فإنّني ... أرى نعمة إن كنت لست بواجد
وعد منك بالفضل الّذي أنت أهله ... فإنّك ذو فضل طريف وتالد
فكتب إليّ مع رسولي:
/محمد يابن الفضل يا ذا المحامد ... ويا بهجة النادي وزين المشاهد [2]
حقّك ما أذنبت منذ عرفتني ... على خطأ يوما ولا عمد عامد
ولو كان، ما ألفيتني متسرّعا ... إليك به يوما تسرّع واجد
أي لو كان لك ذنب ما صادفتني مسرعا إليك بالمكافأة [3]:
ولو كان ذو فضل يسمّى لفضله ... بغير اسمه سميت أمّ القلائد
/ قال: فبينا رقعته في يدي وأنا أقرؤها إذ جاءني رسوله برقعة فيها:
قد غفرنا الذنب يابن ال ... فضل والذنب عظيم
ومسيء أنت يابن ال ... فضل في ذاك مليم [4]
حين تخشاني على الذن ... ب كما يخشى اللّئيم
ليس لي إن كان ما خف ... ت من الأمر حريم
أنا واللّه - ولا أف ... خر - للغيظ كظوم
ولأصحابي ولاء ... ربّه برّ رحيم [5]
وبما يرضيهم عنّ ... ي ويرضيني عليم
مديحه لجلّة من أبناء ملوك فارس
أخبرني يحيى بن عليّ، عن أبيه عن أسحاق قال: خرج حمّاد عجرد مع بعض الأمراء إلى فارس، وبها جلّة من أبناء الملوك، فعاشر قوما من رؤسائها، فأحمد معاشرتهم، وسرّ بمعرفتهم، فقال فيهم:
__________
[1] وجد عليه يجد بكسر الجيم وضمها موجدة ووجدا: غضب.
[2] في ب، س، ج «يا أبا الفضل» وهو خطأ. والصواب عن ط، مط، مب، ها. وفي ها «المساجد».
[3] المكافأة: المجازاة.
[4] ألام: أتى ما يلام عليه.
[5] رواية ها:
«و لأصحابي - ولا منّ ... به - رب رحيم»
ربّ يوم بفساء ... ليس عندي بذميم [1]
قد قرعت العيش فيه ... مع ندمان كريم
من بني صيهون [2] في البي ... ت المعلّى والصّميم
في جنان بين أنها ... ر وتعريش كروم
نتعاطى قهوة تش ... خص يقظان الهموم [3]
بنت عشر تترك المك ... ثر منها كالأميم [4]
/فبها دأبا أحيّي ... ويحيّيني نديمي
في إناء كسرويّ ... مستخفّ للحليم
شربة تعدل منه ... شربتي أمّ حكيم
عندنا دهقانة ... حسانة ذات هميم [5]
جمعت ما شئت من حس ... ن ومن دلّ رخيم [6]
في اعتدال من قوام ... وصفاء من أديم
وبنان كالمداري ... وثنايا كالنجوم [7]
لم أنل منها سوى غم ... زة كفّ أو شميم [8]
غير أن أقرص منها ... عكنة الكشح الهضيم [9]
/و بلى ألطم منها ... خدّها لطم رحيم
وبنفسي ذاك يا أس ... ود من خدّ لطيم
يعني الأسود بن خلف كاتب عيسى بن موسى.
حريث بن أبي الصلت يعيه بالبخل وشعر له في ذلك
أخبرني محمّد بن مزيد بن أبي الأزهر قال: حدّثنا حمّاد بن إسحاق، عن أبيه عن أبي النضر قال: كان حريث بن أبي الصلت الحنفيّ صديقا لحمّاد عجرد، وكان يعابثه بالشّعر، ويعيبه بالبخل، وفيه يقول:
__________
[1] كذا في ب، س. وفسا (بالقصر): أنزه مدينة بفارس فيما قيل، بينها وبين شيراز أربع مراحل، مدّه هنا للشعر. وفي ط، مط، ج، مب، ها «رب يوم لي بفسا».
[2] كذا في ط، مط. وفي ها. «مهيود».
[3] القهوة: الخمر. وشخص كمنع: خرج من موضع إلى غيره، وأشخصه: أخرجه.
[4] يقال: رجل أميم ومأموم، أي يهذي من أم رأسه.
[5] دهقانة: مؤنث دهقان بالكسر والضم: وهو التاجر وزعيم فلاحي العجم ورئيس الإقليم، معرّب. والهميم: الدبيب.
[6] الدل: الدلال، ورخم الكلام ككرم ونصر فهو رخيم: لان وسهل.
[7] المداري: جمع مدري بكسر الميم، وهو المشط.
[8] الشميم: الشم.
[9] كذا في ط، مط، مب، ها. والّذي في ب، س، ج «أرقص» وهو تصحيف. والعكنة: ما انطوى وتثنى من لحم البطن سمنا.
حريث أبو الفضل ذو خبرة ... بما يصلح المعد الفاسده
تخوّف تخمة أضيافه ... فعوّدهم أكلة واحده
قوله في رجل حبق في مجلسه
أخبرني هاشم بن محمّد الخزاعيّ قال: حدّثنا عيسى بن إسماعيل تينة، عن ابن عائشة قال: ضرط رجل في مجلس فيه حمّاد عجرد ومطيع بن إياس، فتجلّد [1]، ثم ضرط أخرى متعمّدا، ثم ثلّث، ليظنوا أن ذلك كلّه تعمّد، فقال له حماد: حسبك يا أخي فلو ضرطت ألفا لعلم بأن المخلف الأوّل مفلت [2].
شعر له في قريش حين صلّى به
حدّثنا محمّد بن العبّاس اليزيديّ قال: حدّثنا سليمان بن أبي شيخ قال: حدّثني معاذ بن عيسى مولى بني تميم قال: كان سليمان بن الفرات على كسكر [3]، ولّاه أبو جعفر المنصور، وكان قريش مولى صاحب المصلّى بواسط في ضياع صالح - وهو سنديّ [4] - فحدّثني معاذ بن عيسى قال: كنّا في دار قريش، فحضرت الصلاة، فتقدّم قريش فصلّى بنا وحمّاد عجرد إلى جنبي، فقال لي حمّاد حين سلّم: اسمع ما قلت، وأنشدني:
قد لقيت العام جهدا ... من هنات وهنات [5]
من هموم تعتريني ... وبلايا مطبقات [6]
وجوى شيّب رأسي ... وحنى منّي قناتي
وغدوّي ورواحي ... نحو سلم بن الفرات
وائتمامي بالقمارى ... قريش في صلاتي [7]
خبره مع غلام أمرد
أخبرني محمّد بن خلف وكيع قال: حدّثنا أبو أيّوب المدينيّ عن مصعب الزّبيريّ قال: حدّثني أبو يعقوب الخريمي قال: كنت في مجلس فيه حمّاد عجرد، ومعنا غلام أمرد، فوضع حمّاد عينه عليه وعلى الموضع الّذي ينام فيه، فلما كان الليل اختلفت مواضع نومنا، فقمت فنمت في موضع الغلام، قال: ودبّ حمّاد إليّ يظنّني الغلام، فلما أحسست به أخذت يده فوضعتها على عيني العوراء - لأعلمه أنّي أبو يعقوب - قال: فنتر يده ومضى في شأنه وهو يقول: وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ
شعره في جوهر
__________
[1] في ب، س «فتخلد» وهو تصحيف؛ وهو التصويب عن باقي الأصول.
[2] المخلف: الكريه الرائحة.
[3] كسكر: كورة واسعة كانت قصبتها واسط الّتي بين الكوفة والبصرة.
[4] نسبة إلى السند، وهي من بلاد الهند. وفي ب، س «و هو سيدي» وهو تحريف. والتصويب عن ج، ط، مط، مب، ها.
[5] هنات وهنات، أي شدائد وأمور عظام.
[6] مطبقات، أي مغطية.
[7] القماريّ: نسبة إلى قمار، وهو موضع ببلاد الهند ينسب إليه العود.
أخبرني عمّي قال: حدّثني مصعب قال: كان حمّاد عجرد ومطيع بن إياس يختلفان إلى جوهر جارية أبي عون نافع بن عون بن المقعد، وكان حمّاد يحبّها ويجنّ بها، وفيها يقول:
إنّي لأهوى جوهرا ... ويحبّ قلبي قلبها
وأحبّ من حبّي لها ... من ودّها وأحبّها
وأحبّ جارية لها ... تخفي وتكتم ذنبها
/ وأحبّ جيرانا لها ... وابن الخبيثة ربّها
رثاؤه للأسود بن خلف
أخبرني عمّي قال: حدّثني محمّد بن سعد الكرانيّ قال: حدّثني أبيض بن عمرو قال: كان حمّاد عجرد يعاشر الأسود بن خلف ولا يكادان يفترقان، فمات الأسود قبله، فقال يرثيه - وفي هذا الشعر غناء - :
صوت
قلت لحنّانة دلوح ... تسحّ من وابل سفوح [1]
جادت علينا لها رباب ... بواكف هاطل نضوح [2]
أمّي الضّريح الّذي أسمّي ... ثم استهلّي على الضّريح [3]
على صدى أسود الموارى ... في اللّحد والتّرب والصّفيح [4]
فاسقيه ريّا وأوطنيه ... ثم اغتدي نحوه وروحي [5]
اغدي بسقياي [6] فاصبحيه ... ثم اغبقيه مع الصّبوح
ليس من العدل أن تشحّي ... على امرىء ليس بالشحيح
الغناء ليونس الكاتب ذكره في كتابه ولم يجنّسه.
هجا أبا عون مولى جوهر بشعر
أخبرني عمّي قال: أنشدنا الكراني قال: أنشد مصعب لحمّاد عجرد يهجو أبا عون مولى جوهر، وكان
__________
[1] سحابة حنانة: لها حنين كحنين الإبل، أي صوت يشبه صوتها عند الحنين. وسحابة دلوح: كثيرة الماء. سفوح: مبالغة في سافح أي منصب، من سفح.
[2] الرباب: جمع ربابة، وهي السحابة الّتي قد ركب بعضها بعضا. بواكف، أي بمطر واكف أي سائل. نضوح، أي ينضح بالماء، وفي ط، مط «جاد».
[3] أمي: اقصدي. استهلي، أي ارفعي الصوت بالبكاء.
[4] الصدى: جثة الميت. الصفيح: واحد الصفائح، وهي الحجارة العريضة.
[5] أوطنه: اتخذه وطنا.
[6] كذا في ط، مط. وفي باقي الأصول: «بسقيا فأصبحيه»: وصبحه كمنع: سقاه الصبوح وهو شرب الغداة، وغبقه كنصر وضرب:
سقاه الغبوق وهو شرب العشي. يريد اتصال هطلها عليه ودوامه صباحا ومساء.
يقيّن [1] عليها، وكان حمّاد عجرد يميل إليها، فإذا جاءهم/ ثقل، ولم يمكن أحدا من أصدقائها أن يخلو بها، فيضرّ ذلك بأبي عون، فجاءه يوما وعنده أصدقاء لجاريته، فحجبها عنه، فقال فيه:
إنّ أبا عون ولن يرعوي ... ما رقّصت رمضاؤها جندبا [2]
ليس يرى كسبا إذا لم يكن ... من كسب شفري جوهر طيّبا [3]
فسلّط اللّه على ما حوى ... مئزرها الأفعى أو العقربا [4]
ينسب بالكشخ ولا يشتهي ... بغير ذاك الإسم أن ينسبا [5]
وقال فيه أيضا:
إن تكن أغلقت دوني بابا ... فلقد فتّحت للكشخ بابا
وقال فيه أيضا:
قد تخرطمت علينا لأنّا ... لم نكن نأتيك نبغي الصّوابا [6]
إنّما تكرم من كان منّا ... لسنان الحقو منها قرابا [7]
وقال فيه أيضا:
يا نافع ابن الفاجره ... يا سيّد المؤاجره [8]
/يا حلف كلّ داعر ... وزوج كلّ عاهره
ما أمة تملكها ... أو حرّة بطاهره
تجارة أحدثتها ... في الكشخ غير بائره
لو دخلت عفيفة ... بيتك صارت فاجره
حتّى متى ترتع في ال ... خسران يابن الخاسره
تجمع في بيتك بي ... ن العرس والبرابره [9]
__________
[1] كذا في ط، مط، مب. والّذي في باقي الأصول «يغير».
[2] الرمضاء: الأرض الشديدة الحرارة. الجندب بفتح الدال وضمها: ضرب من الجراد، والجندب إذا رمض في شدّة الحر لا يقر على الأرض، بل يطير فيسمع لرجليه صرير، والمعنى: ولن يرعوي ما دامت الرمضاء ترقص الجندب.
[3] الشفر: حرف الفرج.
[4] المئزر: الإزار.
[5] ينسب بالكشخ، أي يسمى بالكشخان، وسيأتي في شعره بعد:
فقد أصبحت في الناس ... إذا سميت كشخانا
والكشخان: الديوث.
[6] تخرطم: يريد اخرنطم.
[7] الحقو بالفتح ويكسر: الخصر، ومعقد الإزار من الجنب. لسنان الحقو، أي لحقوها الشبيه بالسنان في الرقة والضمور. وفي ج، ب، س «الحقوا» وهو تحريف، والتصويب عن ط، مط، مب، ها.
[8] آجر المملوك إيجارا ومؤاجرة: أكراه.
[9] العرس: امرأة الرجل.
/ وقال يهجوه:
أنت إنسان تسمّى ... داره دار الزّواني
قد جرى ذلك بالكر ... خ على كلّ لسان [1]
لك في دار حر يز ... ني وفي دار حران [2]
وقال فيه:
تفرح إن نيكت، وإن لم تنك ... بتّ حزين القلب مستعبرا [3]
أسكرك القوم فساهلتهم ... وكنت سهلا قبل أن تسكرا [4]
وقال فيه:
قل للشقيّ الجدّ غير الأسعد ... أتحبّ أنّك فقحة ابن المقعد؟ [5]
لو لم يجد شيئا يسكّنها به ... يوما لسكّنها بزبّ المسجد
وقال فيه:
أبا عون لقد صفّ ... ر زوّارك أذنيكا؟
وعيناك ترى ذاك ... فأعمى اللّه عينيكا
هجا بشارا ببيت من الشعر
أخبرني حبيب بن نصر المهلّبي قال: حدّثنا عمر بن شبّة قال: لما قال حمّاد عجرد في بشّار:
نسبت إلى برد وأنت لغيره ... وهبك لبرد نكت أمّك من برد؟
قال بشّار: تهيّأ له عليّ في هذا البيت خمسة معان من الهجاء، قوله «نسبت إلى برد» معنى؛ ثم قوله: «و أنت لغيره» معنى آخر، ثم قوله: «فهبك لبرد» معنى ثالث، وقوله: «نكت أمّك» شتم مفرد، واستخفاف مجدّد، وهو معنى رابع، ثم ختمها بقوله: من برد؟ ولقد طلب جرير في هجائه للفرزدق تكثير المعاني، ونحا هذا النحو، فما تهيّأ له أكثر من ثلاثة معان في بيت، وهو قوله:
لمّا وضعت على الفرزدق ميسمي ... وضغا البعيث جدعت أنف الأخطل [6]
__________
[1] الكرخ: محلة ببغداد.
[2] في ج، ط، مط، مب «خوان» وفي ب، س «حوان» وهو تحريف. والتصويب عن «ها».
[3] استعبر: بكى.
[4] ساهله: ياسره.
[5] الفقحة: حلقة الدبر.
[6] قبل هذا البيت:
أعددت للشعراء سما ناقعا ... فسقيت آخرهم بكأس الأوّل
والميسم: المكواة، يريد به أهاجيه الّتي يكويه بها. وضغا ضغوا: استخذى، وضغا: صاح وضجّ، وضغا السنور والكلب: صوّت وصاح، ثم كثر حتى قيل للأنسان إذا ضرب فاستغاث. وفي ج «وضعا» وفي «مختار الأغاني» «وصعا»، وفي ب، س «وضع البعيث». والتصويب عن ط، مط، مب، ها.
فلم يدرك أكثر من هذا.
هجاؤه له أيضا
أخبرني حبيب بن نصر قال: حدّثنا عمر بن شبّة قال: قال أبو عبيدة: ما زال بشّار يهجو حمّادا ولا يرفث [1] في هجائه إيّاه حتى قال حمّاد:
من كان مثل أبيك يا ... أعمى أبوه فلا أبا له
أنت أبن برد مثل بر ... د في النّذالة والرذاله
/ زحرتك من حجر استها ... في الحشّ خارئة غزاله [2]
من حيث يخرج جعر من ... تنة مدنّسة مذاله [3]
أعمى كست عينيه من ... وذح استها وكست قذاله [4]
خنزيرة بظراء من ... تنة البداهة والعلاله [5]
رسحاء خضراء المغا ... بن ريحها ريح الإهاله [6]
عذراء حبلى يا لقو ... مي للمجانة والضّلاله [7]
مرقت فصارت قحبة ... بجعالة وبلا جعاله [8]
/و لقد أقلتك يابن بر ... دفاجترأت فلا إقاله
فلمّا بلغت هذه الأبيات بشّارا أطرق طويلا، ثم قال: جزى اللّه ابن نهيا خيرا، فقيل له: علام تجزيه الخير؟ أعلى ما تسمع؟ فقال: نعم، واللّه لقد كنت أردّ/ على شيطاني أشياء من هجائه إبقاء على المودّة، ولقد أطلق من لساني ما كان مقيّدا عنه، وأهدفني عورة ممكنة منه، فلم يزل بعد ذلك يذكر أمّ حمّاد في هجائه إيّاه، ويذكر أباه أقبح ذكر، حتى ماتت أمّ حمّاد، فقال فيها يخاطب جارا لحمّاد:
أبا حامد إن كنت تزني فأسعد ... وبكّ حرا ولّت به أمّ عجرد [9]
__________
[1] رفث في منطقه كطلب وضرب وأرفث: أفحش فيها أو صرح بما يكنى عنه.
[2] يقال: زحرت به أمه وتزحرت عنه: ولدته، والحش: المتوضأ، سمى به لأنهم كانوا يذهبون عند قضاء الحاجة إلى البساتين.
[3] الجعر: ما يبس من العذرة في الدبر. وفي ب، س «جعد» وهو تحريف، والتصويب عن ط، مط، مب، ها. والمذالة: الأمة.
[4] الوذح: ما تعلق بأصواف الغنم من البعر والبول، وفي ج «ودج» وفي ب، س و «مختار الأغاني» «ودح» وهو تصحيف. والتصويب عن ط، مط، ها، مب. والقذال: جماع مؤخر الرأس.
[5] البداهة والعلالة: يقال لأوّل جري الفرس: بداهته، وللذي يكون بعده: علالته، قال الأعشى:
إلا بداهة أو علا ... لة سابح نهد الجزاره
والمعنى: أنها منتنة أوّل ما تلقاها وبعد لقائها.
[6] رسحاء: قليلة لحم العجز والفخذين والقبيحة. والمغابن: جمع مغبن كمنزل وهو الرفع بالضم: أي الإبط وما حول فرج المرأة.
ويعني بخضراء المغابن: أنها طويلة العانة. والإهالة: الشحم والزيت.
[7] في ب، س «للمخانة»؛ والتصويب عن باقي الأصول.
[8] مرقت، أي خرجت من عفافها. قحبة: فاجرة. الجعالة مثلثة: الجعل وهو الأجر.
[9] أي فأسعدني وأعنّي بالبكاء. وفي س «و ابك» وهو تحريف. والتصويب عن باقي الأصول.
حرا كان للعزّاب سهلا ولم يكن ... أبيّا على ذي الزوجة المتودّد
أصيب زناة القوم لمّا توجّهت ... به أمّ حمّاد إلى المضجع الرّدي [1]
لقد كان للأدنى وللجار والعدا ... وللقاعد المعترّ والمتزيّد [2]
راوية بشار ينشده شعرا لحماد
أخبرنا محمّد بن الحسن بن دريد قال: حدّثنا أبو حاتم قال: قال يحيى بن الجون العبديّ راوية بشّار:
[أنشدت بشّارا] [3] يوما قول حمّاد:
ألا قل لعبد اللّه إنّك واحد ... ومثلك في هذا الزمان كثير
قطعت إخائي ظالما وهجرتني ... وليس أخي من في الإخاء يجور
أديم لأهل الودّ ودّي، وإنّني ... لمن رام هجري ظالما لهجور
ولو أن بعضي رابني لقطعته ... وإنّي بقطع الرائبين جدير
فلا تحسبن منحي لك الودّ خالصا ... لعزّ ولا أنّي إليك فقير
ودونك حظّي منك لست أريده ... طوال اللّيالي ما أقام ثبير [4]
/فقال بشّار: ما قال حمّاد شعرا قطّ هو أشدّ علي من هذا، قلت: كيف ذاك ولم يهجك فيه؟ وقد هجاك في شعر كثير فلم تجزع. قال: لأن هذا شعر جيّد ومثله يروى، وأنا أنفس [5] عليه أن يقول شعرا جيّدا.
إعجاب محمّد بن النطاح بشعره
أخبرني عليّ بن سليمان الأخفش قال: حدّثني هارون بن عليّ بن يحيى المنجّم قال: حدّثني عليّ بن مهديّ قال: حدّثني محمّد بن النطّاح قال: كنت شديد الحبّ لشعر حمّاد عجرد، فأنشدت يوما أخي بكر بن النطّاح قوله في بشّار:
أسأت في ردّي على ابن استها ... إساءة لم تبق إحسانا [6]
فصار إنسانا بذكري له ... ولم يكن من قبل إنسانا
قرعت سنّي ندما سادما ... لو كان يغني ندمي الآنا [7]
__________
[1] في الأصول: «إلى مضجع» وهو تحريف، والتصويب عن «مختار الأغاني».
[2] في ب، س، ها «و للقاصد المعتل والمتردد. وما أثبتناه عن ط، مط، مب».
[3] هذه التكملة ساقطة من ب، س، ج. وقد أثبتناها عن ط، مط، مب، ها.
[4] ثبير: جبل بظاهر مكة.
[5] نفس عليه الشيء كفرح نفاسة: لم يره أهلا له.
[6] في ب، س «أسأت في ردّي لمن أسأنا» والتصويب عن ج، ط، مط، مب، ها. ومعنى «على ابن استها» على ابن الأمة، وكانت العرب تسمي بني الأمة: «بني استها» ويقال للذي ولدته أمه: «يابن استها» يعنون است أمة ولدته، أي أنه ولد من استها، قال الأعشى:
أسفها أوعدت يابن استها ... لست على الأعداء بالقادر
انظر («لسان العرب» مادّة سته).
[7] السدم محرّكة: الهمّ أو مع ندم أو غيظ مع حزن، سدم كفرح فهو سادم وسدمان.
يا ضيعة الشعر ويا سوءتا ... لي ولأزماني أزمانا
من بعد شتمي القرد لا والّذي ... أنزل توارة وقرآنا [1]
ما أحد من بعد شتمي له ... أنذل منّي، كان من كانا
/ قال: فقال لي: لمن هذا الشعر؟ فقلت: لحمّاد عجرد في بشّار، فأنشأ يتمثّل بقول الشاعر:
ما يضرّ البحر أمسى زاخرا ... أن رمى فيه غلام بحجر
/ ثم قال: يا أخي، إنس هذا الشعر فنسيانه أزين بك، والخرس [2] كان أستر على قائله.
هجاه بشار أكثر مما هجاه هو
أخبرني عليّ بن سليمان قال: حدّثني هرون بن يحيى قال: حدّثني عليّ بن مهديّ قال: أجمع العلماء بالبصرة أنه ليس في هجاء حمّاد عجرد لبشّار شيء جيّد إلا أربعين بيتا معدودة، ولبشّار فيه من الهجاء أكثر من ألف بيت جيّد، قال: وكلّ واحد منهما هو الّذي هتك صاحبه بالزّندقة وأظهرها عليه، وكانا يجتمعان عليها، فسقط حمّاد عجرد وتهتّك بفضل بلاغة بشّار وجودة معانيه، وبقي بشّار على حاله لم يسقط، وعرف مذهبه في الزندقة فقتل به.
مجاشع بن مسعدة يهجو حمادا
أخبرني محمّد بن العبّاس اليزيديّ قال: حدّثني عمّي [3] الفضل عن إسحاق الموصليّ أنّ مجاشع بن مسعدة أخا عمرو بن مسعدة هجا حمّاد عجرد وهو صبيّ حينئذ ليرتفع بهجائه حمّادا، فترك حمّادا وشبّب بأمّه، فقال:
راعتك أمّ مجاشع ... بالصدّ بعد وصالها [4]
واستبدلت بك والبلا ... ء عليك في استبدالها
/ جنّيّة من بربر ... مشهورة بجمالها
فحرامها أشهى لنا ... ولها من استحلالها [5]
فبلغ الشعر عمرو بن مسعدة، فبعث إلى حمّاد بصلة، وسأله الصفح عن أخيه، ونال أخاه بكلّ مكروه، وقال له:
ثكلتك أمّك، أتتعرّض لحمّاد وهو يناقف [6] بشّارا ويقاومه، واللّه لو قاومته لما كان لك في ذلك فخر، ولئن تعرّضت له ليهتكنّك وسائر أهلك، وليفضحنّا فضيحة لا نغسلها أبدا عنّا.
شعره في جارية
أخبرني عمي قال: حدّثنا محمّد بن سعد الكرانيّ قال: حدّثني أبو عليّ بن عمّار قال: كان حمّاد عجرد عند
__________
[1] كذا في ب، س، ج. والّذي في باقي الأصول «و فرقانا».
[2] كذا في ج، ط، مط، مب، ها، وهو الصواب. والّذي في ب، س «و الحرمن»؛ وهو تصحيف.
[3] ساقطة من ب، س، ج. وقد أثبتناها عن باقي الأصول.
[4] راعتك: أفزعتك بالصد: وفي ج، ب، س «و الصدق»؛ وهو تحريف، والتصويب عن ط، مط، مب، ها.
[5] في ج «أشهى لنا من استجلالها» وفيه سقط من الناسخ.
[6] المناقفة والنقاف: المضاربة بالسيوف على الرؤوس.
أبي عمرو بن العلاء، وكانت لأبي عمرو جارية يقال لها منيعة، وكانت رسحاء [1] عظيمة البطن، وكانت تسخر [2] بحمّاد، فقال حمّاد لأبي عمرو: أغن عنّي [3] جاريتك فإنّها حمقاء، وقد استغلقت [4] لي، فنهاها أبو عمرو فلم تنته فقال لها حماد عجرد:
لو تأتّى لك التحوّل حتّى ... تجعلي خلفك اللطيف أماما
ويكون القدّام ذو الخلقة الجز ... له خلقا مؤثّلا مستكاما [5]
لإذا كنت يا منيعة خير النّ ... اس خلفا وخيرهم قدّاما
شعره في محمّد بن طلحة
أخبرني عمي قال: حدّثني الكراني قال: حدّثني الحسن بن عمارة قال: نزل حمّاد عجرد على محمّد بن طلحة، فأبطأ عليه بالطعام، فاشتد جوعه، فقال فيه حمّاد:
زرت امرأ في بيته مرّة ... له حياء وله خير [6]
يكره أن يتخم أضيافه ... إنّ أذى التّخمة محذور
ويشتهي أن يؤجروا عنده ... بالصّوم والصالح مأجور
قال: فلمّا سمعها محمّد قال له: عليك لعنة اللّه، أي شيء حملك على هجائي، وإنما انتظرت أن يفرغ لك من الطعام؟ قال: الجوع وحياتك حملني عليه، وإن زدت في الإبطاء زدت في القول، فمضى مبادرا حتى جاء بالمائدة.
ردّه على حفص بن أبي وزة حين طعن على مرقش
أخبرني الحسين بن يحيى وعيسى بن الحسين ووكيع وابن أبي/ الأزهر قالوا: حدّثنا حماد بن إسحاق عن أبيه قال: كان حفص بن أبي وزّة صديقا لحمّاد عجرد، وكان حفص مرميا بالزّندقة، وكان أعمش أفطس أغضف [7] مقبّح الوجه، فاجتمعوا يوما على شراب، وجعلوا يتحدّثون ويتناشدون، فأخذ حفص بن أبي وزّة يطعن على مرقّش ويعيب شعره ويلحّنه، فقال له حمّاد:
لقد كان في عينيك يا حفص شاغل ... وأنف كثيل العود عمّا تتبّع [8]
تتبّع لحنا في كلام مرقّش ... ووجهك مبنيّ على اللّحن أجمع
__________
[1] رسحاء: وصف من الرسح بالتحريك، وهو قلة لحم العجز والفخذين.
[2] كذا في ب، س. والّذي في ج، ط، مط، مب، ها: «تعجرد حماد».
[3] أغنها عني: اصرفها وكفها، قال تعالى: لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَانٌ يُغْنِيهِ
أي يكفه.
[4] من قولهم: استغلقت عليّ بيعته: إذا لم يكن لي خيار في ردّها.
[5] في ب، س،
ويكون القدام في الخلف من ... ك حبركي ...
والتصويب عن باقي الأصول. والمؤثل: المجتمع. والمستكام: اسم مفعول من استكان الرجل المرأة: إذا جامعها.
[6] الخير: الكرم والشرف والأصل.
[7] الأغضف: المتدلي الأذنين كالكلب على التشبيه.
[8] الثيل: بالكسر والفتح: القصيب. والعود: الجمل المسن.
فأذناك إقواء وأنفك مكفأ ... وعيناك إيطاء فأنت المرقّع [1]
شعره في جبة لبعض الكتّاب
أخبرني عمّي قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد قال: ذكر أبو دعامة عن عاصم بن الحارث بن أفلح، قال: رأى حمّاد عجرد على بعض الكتّاب جبّة خزّ دكناء فكتب إليه:
إنّني عاشق لجبّتك الدك ... ناء عشقا قد هاج لي أطرابي
فبحقّ الأمير إلا أتتني ... في سراح مقرونة بالجواب
ولك اللّه والأمانة أن أج ... علها أشهرا أمير ثيابي
فوجه إليه بها. وقال للرسول: قل له وأيّ شيء لي من المنفعة في أن تجعلها أمير ثيابك؟ وأيّ شيء عليّ من الضرر في غير ذلك من فعلك، لو جعلت مكان هذا مدحا لكان أحسن، ولكنّك رذّلت لنا شعرك فاحتملناك.
مرض فلم يعده مطيع بن إياس فقال شعرا في ذلك
أخبرني أحمد بن العبّاس العسكريّ والحسن بن عليّ الخفّاف، قالا: حدّثنا الحسن بن عليل العنزيّ عن عليّ بن منصور قال: مرض حمّاد عجرد فلم يعده مطيع بن إياس، فكتب إليه:
كفاك عيادتي من كان يرجو ... ثواب اللّه في صلة المريض
فإن تحدث لك الأيّام سقما ... يحول جريضه دون القريض [2]
يكن طول التأوّه منك عندي ... بمنزلة الطّنين من البعوض
أخبرني عمّي قال: حدّثنا ابن أبي سعد قال: زم أبو دعامة أن التّيّحان [3] بن أبي التّيّحان قال: كنت عند حمّاد عجرد فأتاه والبة بن الحباب [4]، فقال له: ما صنعت في حاجتي؟ فقال: ما صنعت شيئا، فدعا والبة بدواة وقرطاس وأملى عليّ:
/عثمان ما كانت عدا ... تك بالعدات الكاذبه
فعلام يا ذا المكرما ... ت وذا الغيوث الصائبة [5]
أخّرت وهي يسيرة ... في الرّزء [6] حاجة والبه؟
فأبو أسامة حقّه ... أحد الحقوق الواجبه
__________
[1] الإقواء، هو اختلاف حركة الرويّ كأن يكون في آخر البيت كلمة «المحمود» مرفوعا وفي آخر البيت الثاني «المعدود» مجرورا.
والإكفاء: هو أن يخالف الشاعر بين قوافيه فيجعل بعضها ميما وبعضها نونا وبعضها دالا وبعضها طاء وبعضها حاء ونحو ذلك.
والإيطاء، هو إعادة كلمة الرويّ لفظا ومعنى، وهو عيب.
[2] يقال: جرض بريقه، أي ابتلع ريقه على هم وحزن بجهد ومشقة. والقريض: الشعر.
[3] يقال: رجل تيحان يتعرض لكل مكرمة وأمر شديد.
[4] هو أستاذ أبي نواس، من شعراء الكوفة.
[5] صاب المطر صوبا: انصب.
[6] في ب، س: «في الرّد».
فاستحي من ترداده ... في حاجة متقاربه
ليست بكاذبة [1]، ولو ... واللّه كانت كاذبه [1]
فقضيتها أحمدت غبّ ... قضائها في العاقبة
إنّي وما رأيي بعا ... دم عاتب أو عاتبه [2]
/لأرى لمثلك كلّما ... نابت عليه نائبه
ألّا يردّ يد امرىء ... بسطت إليه خائبه
قال: فلقيت والبة بعد ذلك فقلت له: ما صنعت؟ فقال: قضى حاجتي وزاد.
خبره مع المفضّل بن بلال
أخبرني عمي قال: حدّثنا محمّد بن القاسم بن مهرويه عن الزبالي قال: بلغ حمّاد عجرد أنّ المفضّل بن بلال أعان بشّارا عليه وقدّمه وقرّظه، فقال فيه.
عجبا للمفضّل بن بلال ... ما له يا أبا الزّبير ومالي
عربيّ لا شكّ فيه ولا مر ... ية ما باله وبال الموالي
قال: وأبو الزبير هذا الّذي خاطبه هو قبيس بن الزبير، وكان قبيس ويونس بن أبي فروة كاتب عيسى بن موسى صديقين له، وكانوا جميعا زنادقة، وفي يونس يقول حمّاد عجرد وقد قدم من غيبة كان غابها:
/كيف بعدي كنت يا يو ... نس لا زلت بخير
وبغير الخير لازا ... ل قبيس بن الزبير
أنت مطبوع على ما ... شئت من خير ومير [3]
وهو إنسان شبيه ... بكسير وعوير [4]
رغمه أهون عند ال ... ناس من ضرطة عير [5]
خبره مع سعاد الجارية
أخبرني عليّ بن سليمان الأخفش ووكيع قالا: حدّثنا الفضل بن محمّد اليزيديّ قال: حدّثني إسحاق الموصليّ عن السّكوني قال: ذكر محمّد بن سنان أنّ حمّاد عجرد حضر جارية مغنّية يقال لها سعاد - وكان مولاها ظريفا - ومعه مطيع بن إياس، فقال مطيع:
قبّليني سعاد باللّه قبله ... واسأليني لها فديتك نحله [6]
__________
[1] في ها «يكاريه»، «كاريه».
[2] كذا في ها. وفي باقي الأصول «غائب أو غائبة» وهو تصحيف. ولعلها «عائب أو عائبه».
[3] مار عياله: جلب لهم الميرة بالكسر، أي الطعام؛ ويقال: ما عنده خير ولا مير.
[4] يقال في المثل: «كسير وعوير وكل غير خير»، في الخصلتين المكروهتين.
[5] العير: الحمار، وغلب على الوحشيّ.
[6] النحلة: العطية.
فو ربّ السماء لو قلت لي ... صلّ لوجهي جعلته الدهر قبله
فقالت لحمّاد: اكفنيه يا عمّ، فقال حمّاد:
إنّ لي صاحبا سواك وفيّا ... لا ملولا لنا كما أنت ملّه [1]
لا يباع التقبيل بيعا ولا يش ... رى فلا تجعل التعشّق علّه
فقال مطيع: يا حمّاد، هذا هجاء: وقد تعدّيت وتعرّضت، ولم تأمرك بهذا؛ فقالت الجارية - وكانت بارعة [2] ظريفة - أجل؛ ما أردنا هذا كلّه، فقال حماد:
/أنا واللّه أشتهي مثلها من ... ك بنحل، والنّحل في ذاك حلّه [3]
فأجيبي وأنعمي وخذي البذ ... ل وأطفي بقبلة منك غلّه [4]
فرضي مطيع، وخجلت الجارية، وقالت: اكفياني شرّكما اليوم، وخذا فيما جئتما له.
خبره مع غلام بعث به إليه مطيع
أخبرني محمّد بن خلف وكيع قال: حدّثنا أبو أيّوب المدينيّ، عن مصعب الزبيريّ عن أبي يعقوب الخريمي قال: أهدى مطيع بن إياس إلى حمّاد عجرد غلاما وكتب إليه: قد بعثت إليك بغلام تتعلّم عليه كظم الغيظ.
شعر له ولمطيع في بنت دهقان
أخبرني وكيع قال: حدّثنا أبو أيوب المدينيّ/ قال: ذكر محمّد بن سنان أنّ مطيع بن إياس خرج هو وحمّاد عجرد ويحيى بن زياد في سفر، فلمّا نزلوا في بعض القرى عرفوا، ففرّغ لهم منزل، وأتوا بطعام وشراب وغناء، فبينا هم على حالهم يشربون في صحن الدار، إذ أشرفت بنت دهقان من سطح لها بوجه مشرق رائق، فقال مطيع لحماد: [ما] [5] عندك؟ فقال حماد: «خذ فيما [6] شئت» فقال مطيع:
ألا يا بأبي الناظ ... ر من بينهم نحوي
فقال حمّاد عجرد:
ألا يا ليت فوق الحق ... ومنها لاصقا حقوي
/ فقال مطيع:
وأنّ البضع يا حمّا ... د منها شوبك المروي [7]
__________
[1] رجل ملة: إذا كان يمل إخوانه سريعا.
[2] كذا في ج، ط، مب، ها. والّذي في ب، س: «مؤدّية».
[3] النحل (بضم النون): الهبة ابتداء من غير عوض ولا استحقاق. حلة: حلال.
[4] وخذي البذل، أي ما بذله لك مطيع.
[5] عن ها، وسقطت من باقي الأصول.
[6] كذا في ها. والّذي في س، ب، ج، ط، مط، مب: «شبب بها».
[7] البضع؛ الفرج. والشوب: العسل، واللبن، يقال: سقاه الشوب بالروب، أي العسل باللبن، وسقاه الشوب بالذوب، أي اللبن بالعسل.
فقال يحيى بن زياد:
ويا سقيا لسطح أش ... رقت من بينهم حذوي [1]
أخبرني عيسى بن الحسين الورّاق قال: حدّثنا حماد بن إسحاق عن أبيه: أن حمّاد عجرد قال في جوهر جارية أبي عون: - قال: وفيه غناء - :
صوت
إنّي أحبّك فاعلمي ... إن لم تكوني تعلمينا
حبّا أفلّ قليله ... كجميع حبّ العالمينا
شعره في وداع أبي خالد الأحول
أخبرني عيسى بن الحسين الورّاق قال: حدّثنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه قال: كان حمّاد عجرد صديقا لأبي خالد الأحول أبي أحمد بن أبي خالد، فأراد الخروج إلى واسط، وأراد وداع أبي خالد، فلما جاءه لذلك حجبه الغلام وقال له: هو مشغول في هذا الوقت، فكتب إليه [يقول] [2]:
عليك السّلام أبا خالد ... وما للوداع ذكرت السلاما
ولكن تحيّة مستطرب ... يحبّك حبّ الغويّ المداما [3]
/أردت الشّخوص إلى واسط ... ولست أطيل هناك المقاما
فإن كنت مكتفيا بالكتا ... ب دون اللّمام تركت اللّماما [4]
وإلّا فأوص هداك الملي ... ك بوّابكم بي وأوص الغلاما
[فإن جئت أدخلت في الداخلي ... ن إمّا قعودا وإمّا قياما] [5]
فإن لم أكن منك أهلا لذاك ... فلا لوم لست أحبّ الملاما
لأنّي أذمّ إليك الأنا ... م أخزاهم اللّه طرّا أناما
فإنّي وجدتهم كلّهم ... يميتون حمدا ويحيون ذاما [6]
سوى عصبة لست أعنيهم ... كرام فإنّي أحبّ الكراما
وأقلل عديدهم إن عددت ... فما أكثر الأرذلين اللّئاما
__________
[1] الحذو والحذاء: الإزاء والمقابل.
[2] عن ط، مط. وسقطت من باقي الأصول.
[3] استطرب: طلب الطرب.
[4] ألم به: زاره غبا؛ وهو يزورنا لماما، أي في بعض الأحايين.
[5] سقط هذا البيت من ب، س. وقد أثبتناه عن باقي الأصول.
[6] الذام: العيب.
ممازحته لمطيع بن إياس وشعرهما في ذلك
أخبرني عيسى بن الحسين قال: حدّثني أبو أيّوب المدينيّ قال: قال ابن عبد الأعلى الشيبانيّ: حضر حمّاد عجرد ومطيع بن إياس مجلس محمّد بن خالد وهو أمير الكوفة لأبي/ العباس، فتمازحا، فقال حماد:
يا مطيع يا مطيع ... أنت إنسان رقيع
وعن الخير بطيء ... وإلى الشرّ سريع
فقال مطيع:
إنّ حمّادا لئيم ... سفلة الأصل عديم
لا تراه الدهر إلّا ... يهن العير يهيم [1]
/فقال له حماد: ويلك، أترميني بدائك، واللّه لو لا كراهتي لتمادي الشرّ ولجاج الهجا لقلت لك قولا يبقى، ولكنّي لا أفسد مودّتك، ولا أكافئك إلّا بالمديح، ثم قال:
كل شيء لي فداء ... لمطيع بن إياس
رجل مستملح في ... كلّ لين وشماس [2]
عدل روحي بين جن ... بيّ وعينيّ براسي [3]
غرس اللّه له في ... كبدي أحلى غراس
لست دهري لمطيع ب ... ن إياس ذا تناس
ذاك إنسان له فض ... ل على كلّ أناس
فإذا ما الكأس دارت ... واحتساها من أحاسي [4]
كان ذكرانا مطيعا ... عندها ريحان كاسي
هجاؤه عيسى بن عمرو
أخبرني أحمد بن العبّاس العسكريّ ومحمّد بن عمران الصّيرفيّ قالا: حدّثنا الحسن بن عليل العنزيّ قال:
حدّثنا التّوزيّ قال: كان عيسى بن عمرو بن يزيد صديقا لحمّاد عجرد [5]، وكان يواصله أيّام خدمته للربيع، فلمّا طرده الربيع واختلّت حاله جفاه عيسى، وإنما كان يصله لحوائج يسأل له الربيع فيها، فقال حمّاد عجرد فيه:
أوصل الناس إذا كانت له ... حاجة عيسى وأقضاهم لحق
ولعيسى إن أتى في حاجة ... ملق ينسى به كلّ ملق
__________
[1] الهن: كناية عما يستفحش ذكره من الرجل والمرأة.
[2] الشماس: النفور والإباء، شمس الفرس شموسا وشماسا: منع ظهره.
[3] العدل: النظير.
[4] أحاسي: أساقي.
[5] في ها «لعجرد».
فإن استغنى فما يعدله ... نخوة كسرى على بعض السّوق
إن تكن كنت بعيسى واثقا ... فبهذا الخلق من عيسى فثق
وله يهجوه أيضا
قال العنزيّ: وأنشدني بعض أصحابنا لحمّاد في عيسى بن عمر أيضا:
كم من أخ لك لست تنكره ... ما دمت من دنياك في يسر
متصنّع لك في مودّته ... يلقاك بالتّرحيب والبشر
يطري الوفاء وذا الوفاء ويل ... حى الغدر مجتهدا وذا الغدر
فإذا عدا والدهر ذو غير ... دهر عليك عدا مع الدهر
فارفض بإجمال مودّة [1] من ... يقلي المقلّ ويعشق المثري
وعليك من حالاه واحدة ... في العسر إمّا كنت واليسر
/ لا تخلطنّهم بغيرهم ... من يخلط العقيان بالصّفر [2]
هجا حشيشا الكوفي
أخبرني يحيى بن عليّ بن يحيى إجازة قال: حدّثني ابن أبي فنن قال: حدّثني العتّابي، وأخبرني عمّي عن أحمد بن أبي طاهر قال: قال العتّابي: وحديث ابن طاهر أتمّ، قال: كان رجل من أهل الكوفة من الأشاعثة يقال له حشيش وكانت أمّه حارثيّة، فمدحه حمّاد عجرد فلم يثبه، وتهاون به، فقال يهجوه:
يا لقومي للبلاء ... ومعاريض الشّقاء
قسمت ألوية بي ... ن رجال ونساء
ظفرت أخت بني الحا ... رث منها بلواء
حادث في الأرض يرتا ... ع له أهل السماء
قال: فعرضت أسماء العمّال على المنصور فكان فيها اسم حشيش، فقال: أهو الّذي يقول فيه الشاعر:
يا لقومي للبلاء ... ومعاريض الشّقاء؟
/ قالوا: نعم يا أمير المؤمنين؛ فقال: لو كان في هذا خير ما تعرّض لهذا الشاعر، ولم يستعمله، قال: وقال حمّاد فيه أيضا يخاطب سعيد بن الأسود ويعاتبه على صحبة حشيش وعشرته:
صرت بعدي يا سعيد ... من أخلّاء حشيش
أتلوّطت أم استخ ... لفت بعدي أم لأيش [3]
__________
[1] في ها «أخوّة».
[2] العقيان: الذهب. والصفر: النحاس وفي «ها».
«من يخلط العقبان بالنسر»
[3] لاط ولاوط وتلوّط: عمل عمل قوم لوط.
حلقيّ استه أو ... سع من است بحيش [1]
ثم بغّاء على ذا ... أبلغ الناس لفيش [2]
يا بني الأشعث ما عي ... شكم عندي بعيش
حين لا يوجد منكم ... غيره قائد جيش
قال: وكان بحيش هذا رجلا من أهل البصرة لم يكن بينه وبين حمّاد شيء، فلمّا بلغه هذا الشعر وفد من البصرة إلى حمّاد قاصدا، وقال له: يا هذا، مالي ولك، وما ذنبي إليك؟ قال: ومن أنت؟ قال: أنا بحيش،. أما وجدت أحدا أوسع دبرا منّي يتمثّل به؟ فضحك ثم قال: هذه بليّة صبّتها عليك القافية [3]، وأنت ظريف وليس يجري بعد هذا مثله.
هجا أبا عون
أخبرني علي بن سليمان الأخفش قال: حدّثني محمّد بن الحسن بن الحرون. قال: كان حماد عجرد يعاشر أبا عون جدّ ابن أبي عون العابد؛ وكان ينزل الكرخ، وكان عجرد إذا قدم بغداد زاره، فبلغ أبا عون أنه يحدّث الناس أنه يهوى جارية يقال لها جوهر، فحجبه وجفاه واطرحه، فقال يهجو أبا عون:
/أبا عون لحاك اللّ ... ه - يا عرّة - إنسانا [4]
فقد أصبحت في الناس ... إذا سمّيت كشخانا [5]
بنيت اليوم في الكشح ... لأهل الكرخ بنيانا
/ وشرّفت لهم في ذا ... لنا أبوابا وحيطانا
وألفيت على ذاك ... من الفسّاق أعوانا
ومجّانا ولن تعد ... م من يمجن مجّانا
فأخزى اللّه من كنت ... أخاه كان من كانا
ولا زلت ولا زال ... بأخلاقك خزيانا
وعريانا كما أصبح ... ت من دينك عريانا
وقال فيه أيضا:
إنّ أبا عون ولا ... أقول فيه كذبا
غاو أتى مدينة ... فسنّ فيها عجبا
__________
[1] الحلقي: صفة سوء في الرجل، من قولهم: أتان حلقية إذا تداولتها الحمر فأصابها بسبب ذلك داء وفي «ها». «تجيش».
[2] الفيش والفيشة: رأس الذكر.
[3] في ها «صبها عليك الرويّ».
[4] العرة: الجرب، والمعنى يا شبيها بالعرة. وفي ها «ما عمر».
[5] الكشخان: الدّيوث.
إخوانه قد جعلوا ... أمّ بنيه مركبا
واتّخذوا جوهرة ... مبولة وملعبا
إن نكتها أرضيته ... أو لم تنكها غضبا
أحبهم إليه من ... أدخل فيها ذنبا
ومن إذا ما لم ينك [1] ... جرّ إليها جلبا
هجاؤه غيلان جدّ عبد الصّمد بن المعذّل
أخبرني الحسن بن عليّ قال: حدّثنا اللّابيّ عن مهديّ بن سابق قال: استعمل محمّد بن أبي العبّاس وهو يلي [2] البصرة غيلان جدّ عبد الصّمد بن المعذّل على/ بعض أعشار البصرة، وظهر منه على خيانة، فعزله، وأخذ ما خانه فيه، فقال حمّاد عجرد يهجوه:
ظهر الأمير عليك يا غيلان ... إذ خنته إنّ الأمير معان
أمع الدمامة قد جمعت خيانة! ... قبح الدّميم الفاجر الخوّان
أخبرني عمي قال: حدّثني أحمد بن أبي طاهر عن أبي دعامة قال: أنشد بشّار قول حمّاد عجرد في غلام كان يهواه يقال له أبو بشر:
صوت
أخي كفّ عن لومي فإنّك لا تدري ... بما فعل الحبّ المبرّح في صدري
أخي أنت تلحاني وقلبك فارغ ... وقلبي مشغول الجوانح بالفكر
أخي إنّ دائي ليس عندي دواؤه ... ولكن دوائي عند قلب أبي بشر
دوائي ودائي عند من لو رأيته ... يقلّب عينيه لأقصرت عن زجري
فأقسم لو أصبحت في لوعة الهوى ... لأقصرت عن لومي وأطنبت في عذري
ولكن بلائي منك أنّك ناصح ... وأنّك لا تدري بأنك لا تدري
فطرب بشّار ثم قال: ويلكم، أحسن واللّه! من هذا؟ قالوا: حمّاد عجرد؛ قال: أوّه، وكلتموني واللّه بقيّة يومي بها طويل، واللّه لا أطعم بقيّة يومي طعاما ولأصوم غمّا بما يقول النّبطيّ ابن الزانية مثل هذا.
في الأول والثاني من هذه الأبيات لحن من الثقيل الأوّل ذكر/ الهشاميّ أنه لعطرّد.
أنشدني جحظة، عن حمّاد بن إسحاق، عن أبيه لحمّاد عجرد:
خليلي لا يفي أبدا ... يمنّيني غدا فغدا
/ وبعد غد وبعد غد ... كذا لا ينقضي أبدا
__________
[1] في ط، مط «يعف».
[2] في ب، س «على».
له جمر على كبدي ... إذا حرّكته اتّقدا
شعره في يحيى بن زياد
أخبرني حبيب بن نصر المهلّبي قال: حدّثنا عمر بن شبّة قال: حدّثنا الزّباليّ قال: كان المهديّ سأل أباه أن يولّي يحيى بن [1] زياد عملا، فلم يجبه، وقال: هو خليع متخرّق في النفقة ماجن، فقال: إنه قد تاب وأناب، وتضمّن عنه ما يحبّ، فولّاه بعض أعمال الأهواز، فقصده حمّاد عجرد إليها، وقال فيه:
فمن كان يسأل أين الفعال ... فعندي شفاء لذا الباحث
محلّ النّدى وفعال النّهى ... وبيت العلا في بني الحارث [2]
[حللن بيحيى فحالفنه ... حياء من الباعث الوارث [3]]
فلا تعدلنّ إلى غيره ... لعاجل أمر ولا رائث [4]
فإنّ لديه بلا منّة ... عطاء المرحّل والماكث
قال: وقال فيه أيضا:
يحيى امرؤ زيّنه ربّه ... بفعله الأقدم والأحدث
إن قال لم يكذب، وإن ودّ لم ... يقطع، وإن عاهد لم ينكث
أصبح في أخلاقه كلّها ... موكّلا بالأسهل الأدمث [5]
طبيعة منه عليها جرى ... في خلق ليس بمستحدث
ورّثه ذاك أبوه فيا ... طيب نثا الوارث والمورث [6]
فوصله يحيى بصلة سنيّة وحمله وكساه، وأقام عنده مدّة ثم أنصرف.
شعره في عيسى بن عمرو
أخبرني عمّي قال: حدّثني الكراني عن النضر بن عمرو قال: وليّ عيسى بن عمرو إمارة البصرة من قبل محمّد بن أبي العبّاس السفّاح لمّا خرج عنها عليلا، فقال له حمّاد عجرد:
قل لعيسى الأمير عيسى بن عمرو ... ذي المساعي العظام في قحطان
والبناء العالي الّذي طال حتّى ... قصرت دونه يدا كلّ بان
يابن عمرو عمرو المكارم والتق ... وى وعمرو النّدى وعمرو الطّعان
__________
[1] من بني الحرث بن كعب، شاعر مترسل بليغ (انظر «الفهرست» «لابن النديم» ص 171).
[2] النهى: العقل.
[3] ساقط من ب، س. وقد أثبتناه عن بقية الأصول.
[4] الرائث: البطيء، من راث يريث.
[5] الأدمث: الأسهل، من دمث كفرح: سهل ولان.
[6] النثا: التحدث عن إنسان بالمدح أو القدح، والمراد هنا الأوّل.
لك جار بالمصر لم يجعل الل ... ه له منك حرمة الجيران
لا يصلّي ولا يصوم ولا يف ... رأ حرفا من محكم القرآن
إنّما معدن الزّناة من السّف ... لة في بيته ومأوى الزّواني
وهو خدن الصّبيان وهو ابن سبعي ... ن، فماذا يهوى من الصّبيان؟
طهّر المصر منه يأيّها المو ... لى [1] المسمّى بالعدل والإحسان
وتقرّب بذاك فيه إلى الل ... ه تفز منه فوز أهل الجنان
يابن برد إخسأ إليك فمثل ال ... كلب في الناس أنت لا الإنسان [2]
/و لعمري لأنت شرّ من الكل ... ب وأولى منه بكلّ هوان
هجا يقطينا بشعر
أخبرني الحسن بن عليّ قال: حدّثنا محمّد بن موسى بن حمّاد قال: حدّثني محمّد بن صالح الجبّليّ قال:
كان حمّاد عجرد قد مدح يقطينا فلم يثبه، فقال يهجوه:
متى أرى فيما أرى دولة ... يعزّ فيها ناصر الدّين
[ميمونة مجّدها ربّها ... بصادق النيّة ميمون
تردّ يقطينا وأشياعه ... منها إلى أبزار يقطين
قال: وكان يقطين قبل ظهور الدولة [3] العباسية بخراسان حائكا.
/ قال: ومرّ يوما بيونس بن فروة الّذي كان الربيع يزعم أنه ابنه، فلم يهشّ له كما عوّده، فقال يهجوه:
أما ابن فروة يونس فكأنه ... من كبره ابن للإمام القائم [4]]
وقال فيه:
ولقد رضيت بعصبة آخيتهم ... وإخاؤهم لك بالمعرّة لازم
فعلمت حين جعلتهم لك دخلة ... أنّي لعرضي في إخائك ظالم [5]
شعره في ولد لبشّار
أخبرني عمي قال: حدّثني المغيرة بن محمّد المهلّبيّ قال: حدّثني أبو معاذ النّميريّ أنّ بشّارا ولد له ابن، فلمّا ولد قال فيه حمّاد عجرد:
__________
[1] كذا في ب، س وفي باقي الأصول «يأيها الوالي».
[2] خسأ الكلب: طرده وزجره وقال له: اخسأ.
[3] في ها «الدعوة».
[4] تكملة عن ج، ط، مط، مب. وقد سقطت من ها، ب، س.
[5] دخلة الرجل مثلثة الدال: بطانته.
سائل أمامة يآبن بر ... د من أبو هذا الغلام؟
أمن الحلال أتت به ... أم من مقارفة الحرام [1]
فلتخبرنّك أنّه ... بين العراقي والشآمي
والآخر الروميّ والنّ ... بطيّ أيضا وابن حام
أجعلت عرسك شقوة ... غرضا لأسهم كلّ رام
أخبرني أحمد بن العبّاس العسكريّ قال: حدّثنا الحسن بن عليل العنزيّ قال: حدّثني مسعود بن بشر قال: مرّ حمّاد عجرد بقصر شيرين، فاستظلّ من الحرّ بين سدرتين [2] كانتا بإزاء القصر، وسمع إنسانا يغنّي في شعر مطيع بن إياس:
أسعداني يا نخلتي، حلوان ... وارثيا لي من ريب هذا الزمان
أسعداني وأيقنا أنّ نحسا ... سوف يلقاكما فتفترقان
قال شعرا حين سمع بيتي مطيع
فقال حمّاد عجرد:
جعل اللّه سدرتي قصر شيري ... ن فداء لنخلتي حلوان
جئت مستسعدا فلم يسعداني ... ومطيع بكت له النّخلتان
استجازه محمّد بن أبي العباس وعدا
أخبرني يحيى بن عليّ إجازة عن أبيه، عن إسحاق، عن محمّد بن الفضل السّكوني قال: كان محمّد بن أبي العباس قد وعد حمّاد عجرد أن يحمله على بغل، ثم تشاغل عنه، فكتب إليه حمّاد:
طلبت البذل ممّن خ ... لقت كفّاه للبذل
ومن ينفي عن الممح ... ل بالجود أذى المحل [3]
ألا يآبن أبي العبّا ... س يا ذا النائل الجزل
أما تذكر يا مولا ... ي ميعادك في البغل؟
وذاك الرّجس في الدار ... جليس لأبي سهل [4]
يريك الحزم في الإخلا ... ف للميعاد والمطل
شعره في عثمان بن شيبة
أخبرني الحسن بن عليّ قال: حدّثنا هارون بن محمّد بن عبد الملك قال: حدّثنا سليمان المدينيّ قال: كان
__________
[1] قارف الخطيئة: خالطها.
[2] السدر: شجر النبق.
[3] المحل: الجدب.
[4] الرجس: القذر، عنى به عدوا له.
عثمان بن شيبة مبخّلا، وكان حمّاد عجرد يهجوه، فجاء رجل كان يقول الشعر/ إلى حمّاد فقال له:
أعنّي من غناك ببيت شعر ... على فقري لعثمان بن شيبه
فقال [له حمّاد [1]]:
فإنّك إن رضيت به خليلا ... ملأت يديك من فقر وخيبه
/ فقال له الرجل: جزاك اللّه خيرا، فقد عرّفتني من أخلاقه ما قطعني عن مدحه، فصنت وجهي عنه.
هجاؤه مطيع بن إياس
أخبرني عيسى بن الحسين الورّاق قال: حدّثنا ابن إسحاق عن أبيه قال: كان حمّاد عجرد يهوى غلاما من أهل البصرة من موالي العتيك يقال له: أبو بشر الحلو ابن الحلال - أحسبه من موالي المهلّب - وكان موصوفا بالجمال، فاندس له مطيع بن إياس، ولم يزل يحتال عليه حتى وطئه، فغضب حمّاد عجرد من ذلك، ونشب بينهما بسببه هجاء، فقال فيه حمّاد:
يا مطيع النّذل أنت ال ... يوم مخذول جهول
لا يغرّنك غرور ... ذو أفانين ملول
ليس يحلو الفعل منه ... وهو يحلو ما يقول
ملذانيّ [2] مع الرّي ... ح إذا مالت يميل
وجواد بالمواعي ... د وبالبذل بخيل
ليس يرضيه من الجع ... ل كثير أو [3] قليل
ذاك ما اخترت خليلا ... بئس واللّه الخليل
إنما يكفيك أن يأ ... تيك في السرّ رسول
ساخرا منك يمنّي ... ك أمانيّ تطول
وقال في مطيع أيضا وقد لجّ الهجاء بينهما:
عجبت للمدّعي في الناس منزلة ... وليس يصلح للدّنيا وللدّين
لو أبصروا فيك وجه الرأي ما تركوا ... حتى يشدّوك كرها شدّ مجنون
/ ما نال قطّ مطيع فضل منزلة ... إلّا بأن صرت أهجوه ويهجوني
ولو تركت مطيعا لا أجاوبه ... لكان ما فيه م الآفات يكفيني
يختار قرب الفحول المرد معتمدا ... جهلا ويترك قرب الخرّد العين [4]
__________
[1] ساقطة من ب وس. وقد أثبتناها عن باقي الأصول.
[2] الملذانيّ: الكذوب الّذي لا يصحّ ودّه.
[3] كذا في ب، س. والّذي في ط، مط، مب، «إذا عيف القليل».
[4] الخرّد: جمع خريدة، وهي البكر لم تمسس. والعين: جمع عيناء، وهي الواسعة العين.
مدحه وتعزيته داود بن إسماعيل بن علي بن عبد اللّه بن العباس
أخبرني يحيى بن عليّ بن يحيى إجازة عن أبيه عن إسحاق قال: قال حمّاد عجرد في داود بن إسماعيل بن علي بن عبد اللّه بن العباس يمدحه ويعزّيه عن ابن مات له ويستجيزه:
إنّ أرجى الأنام عندي وأولا ... هم بمدحي ونصرتي داود
إن يعش لي أبو سليمان لا أح ... فل ما كادني به من يكيد [1]
هدّ ركني فقدي أباك فقد ش ... دّ بك اليوم ركني المهدود
قائل فاعل أبيّ وفيّ ... متلف مخلف مفيد مبيد
وفتى السّنّ في كمال ابن خمسي ... ن دهاء وإربة بل يزيد [2]
مخلط مزيل أريب أديب ... راتق فاتق قريب بعيد [3]
/و هو الذائد المدافع عنّي ... وعزيز ممنّع من يذود [4]
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ قال: حدّثنا عمر بن شبّة قال: حدّثني عبد الملك بن شيبان قال: ولّى أبو جعفر المنصور محمّد بن أبي العباس السفاح/ البصرة، فقدمها ومعه جماعة من الشعراء والمغنّين منهم حمّاد عجرد، وحكم الوادي ودحمان، فكانوا ينادمونه ولا يفارقونه، وشرب الشراب وعاث [5]، فبلغ ذلك أبا جعفر فعزله، قال: وكان ابن أبي العبّاس كثير الطّيب، يملأ لحيته بالغالية [6] حتى تسيل على ثيابه فتسودّ، فلقّبوه أبا الدّبس [7]، وقال فيه بعض شعراء أهل البصرة:
صرنا من الرّبح إلى الوكس ... إذ ولي المصر أبو الدّبس
ما شئت من لؤم على نفسه ... وجنسه من أكرم الجنس [8]
كان ماجنا زنديقا
أخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن عمّار قال: حدّثنا عليّ بن محمّد النّوفليّ قال: حدّثني أبي قال: كان أبو جعفر المنصور يبغض محمّد بن أبي العبّاس ويحبّ عيبه، فولّاه البصرة بعقب مقتل إبراهيم [9] بن عبد اللّه بن حسن،
__________
[1] يقال: ما حفله وما حفل به، أي ما بالى، ورفع هنا جواب الشرط وهو ضعيف.
[2] الإربة: العقل.
[3] رجل مخلط مزيل، أي يخالط الأمور ويزايلها، والمزيل: الرجل الكيس اللطيف، والمزيل أيضا: الجدل في الخصومات الّذي يزول من حجة إلى حجة.
[4] في س «عنه» وهو تحريف.
[5] عاث: أفسد.
[6] الغالية: نوع من الطيب مركّب من مسك وعنبر وعود ودهن.
[7] الدبس: عسل التمر وعصارته.
[8] في الأصول «في لوم»، «و حبسه»، «الحبس» وهو تحريف، والتصويب عن «مختار الأغاني» ص 427 أي أن ذاته وحدها هي المعيبة.
[9] كان محمّد بن عبد اللّه بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (الملقب بالنفس الزكية) قد خرج على أبي جعفر المنصور، وغلب على المدينة وعزل عنها أميرها من قبل المنصور، فندب المنصور ابن أخيه عيسى بن موسى لقتاله، وكانت الغلبة لعسكر
فقدمها، وأصحبه المنصور قوما يعاب بصحبتهم مجّانا زنادقة: منهم حمّاد عجرد، وحمّاد بن يحيى، ونظراء لهم، ليغضّ منه ويرتفع ابنه المهديّ عند الناس، وكان محمّد بن أبي العباس محمّقا، فكان يغلّف لحيته إذا ركب بأواق من الغالية، فتسيل على ثيابه فيصير شهرة،/ فلقّبه أهل البصرة أبا الدّبس؛ قال ولمّا أقام بالبصرة مدّة قال لأصحابه: قد عزمت على أن أعترض أهل البصرة بالسيف في يوم الجمعة، فأقتل كلّ من وجدت، لأنّهم خرجوا مع إبراهيم بن عبد اللّه بن حسن، فقالوا له: نعم، نحن نفعل ذلك، لما يعرفونه منه، ثم جاءوا إلى أمّه سلمة [1] بنت أيوب بن سلمة المخزوميّة فأعلموها بذلك، وقالوا: واللّه لئن همّ بها ليقتلنّ ولنقتلنّ معه، فإنما نحن في أهل البصرة أكلة رأس، فخرجت إليه وكشفت عن ثدييها وأقسمت عليه بحقّها حتى كفّ عمّا كان عزم عليه.
أدّبه محمّد بن أبي العباس
أخبرنا يحيى بن عليّ بن يحيى إجازة قال: حدّثني أبي عن إسحاق الموصلي قال: كان حمّاد عجرد في ناحية محمّد بن أبي العبّاس السفّاح، وهو الذّي أدّبه، وكان محمّد يهوى زينب بنت سليمان [2] بن علي، وكان قد قدم البصرة أميرا عليها من قبل عمّه أبي جعفر، فخطبها، فلم يزوّجوه لشيء كان في عقله، وكان حمّاد وحكم الوادي ينادمانه، فقال محمّد لحمّاد: قل فيها شعرا، فقال حمّاد فيها على لسان محمّد بن أبي العبّاس، وغنّى فيه حكم الوادي:
صوت
زينب ما ذنبي وماذا الّذي ... غضبتم منه ولم تغضبوا [3]
واللّه ما أعرف لي عندكم ... ذنبا ففيم الهجر يا زينب؟
إن كنت قد أغضبتكم ضلّة ... فاستعتبوني إنني أعتب [4]
عودوا على جهلي بأحلامكم ... إني - وإن لم أذنب - المذنب
/ الغناء لحكم في هذه الأبيات خفيف ثقيل، الأوّل بالوسطى عن عمرو والهشاميّ وفيه هزج/ يقال: إنه لخليد بن عبيد الواديّ، ويقال لعريب.
نسيب محمّد بن أبي العباس بزينب بنت سليمان
أخبرني محمّد بن يحيى الصّولي قال: حدّثنا الحسين بن يحيى أبو الجمان الكاتب قال: حدّثني عمرو بن بانة قال: كان لمحمّد بن أبي العبّاس السّفّاح شعر في زينب، وغنّى فيه حكم الوادي:
__________
- المنصور، فقتل محمّد بن عبد اللّه وحمل رأسه إلى المنصور سنة 145 ه. ثم خرج أخوه إبراهيم بن عبد اللّه ومضى إلى البصرة ودعا إلى نفسه، فأرسل إليه المنصور عيسى بن موسى بعد رجوعه من قتل أخيه، فالتقوا بقرية يقال لها باخمرى قريبة من الكوفة، فكانت الغلبة لعسكر المنصور أيضا وقتل إبراهيم في المعركة سنة 145 ه.
[1] كذا في جميع الأصول. والّذي في «مختار الأغاني» ص 427 «أم سلمة».
[2] هو سليمان بن علي بن عبد اللّه بن عباس عم المنصور.
[3] ولم تغضبوا، أي لم آت ما يستوجب غضبكم.
[4] الضلة: الضلال. استعتبه: أعطاه العتبى وهي الرضا. وأعتبني فلان: ترك ما كنت أجد عليه من أجله، ورجع إلى ما أرضاني عنه بعد إسخاطه إياي عليه.
صوت
قولا لزينب لو رأي ... ت تشوّفي لك واشترافي [1]
وتلفّتي كيما أرا ... ك وكان شخصك غير خاف
وشممت ريحك ساطعا ... كالبيت جمّر للطّواف
فتركتني وكأنّما ... قلبي يغرّز بالأشافي [2]
خطبته لها
أخبرني محمّد بن يحيى أيضا قال: حدّثني الحارث بن أبي أسامة عن المدائنيّ قال: خطب محمّد بن أبي العباس زينب بنت سليمان، ثم ذكر مثل هذا الحديث سواء، إلّا أنه قال فيه: فقال محمّد بن أبي العبّاس فيها، وذكر الأبيات كلّها ونسبها إلى محمّد ولم يذكر حمّادا.
قال أبو الفرج مؤلّف هذا الكتاب: هذا فيما أراه غلط من رواته، لمّا سمعوا ذكر زينب ولحن حكم، نسبوه إلى محمّد بن أبي العبّاس، وقد ذكر هذا الشعر بعينه إسحاق الموصليّ في كتابه، ونسبه إلى ابن رهيمة وهو من زيانب يونس الكاتب المشهورة، معروف ومنها فيه يقول:
فذكرت ذاك ليونس ... فذكرته لأخ مصاف
/ وذكر إسحاق أن لحن يونس فيه خفيف رمل بالبنصر في مجرى الخنصر، وأنّ لحن حكم من الثقيل الأوّل بالبنصر، قال محمّد بن يحيى: ولمحمد بن أبي العبّاس في زينب أشعار كثيرة ممّا غنّى فيها المغنّون، منها:
صوت
زينب ما لي عنك من صبر ... وليس لي منك سوى الهجر
وجهك واللّه وإن شفّني ... أحسن من شمس ومن بدر [3]
لو أبصر العاذل منك الّذي ... أبصرته أسرع بالعذر
الغناء في هذه الأبيات لحكم خفيف رمل بالوسطى.
غنى دحمان في شعر قيس بن الخطيم
وأخبرني محمّد بن يحيى قال: حدّثنا الغلّابيّ قال: حدّثني عبد اللّه بن الضّحّاك عن هشام بن محمّد قال:
دخل دحمان المغنّي مولى بني مخزوم - وهو المعروف بدحمان الأشقر - على محمّد بن أبي العبّاس وعنده حكم الوادي، فأحضر محمّد عشرة آلاف درهم وقال: من سبق منكما إلى صوت يطربني فهذه له؛ فابتدأ دحمان فغنّى في شعر قيس بن الخطيم:
__________
[1] تشوّف إلى الشي ء: تطلع وتطاول وأشرف. والاشتراف: الانتصاب.
[2] الأشافي: جمع إشفى بكسر الهمزة، وهو المثقب.
[3] شفه الهم: هزله.
حوراء ممكورة منعّمة ... كأنما شفّ وجهها ترف [1]
فلم يهشّ له، فغنّى حكم في شعر محمّد في زينب:
زينب مالي عنك من صبر ... وليس لي منك سوى الهجر
قال: فطرب وضرب برجله وقال له: خذها، وأمر لدحمان بخمسة آلاف درهم، قال: ومن شعره فيها الّذي غنّى فيه حكم أيضا:
صوت
/ أحببت من لا ينصف ... ورجوت من لا يسعف
نسب تليد بيننا ... وودادنا مستطرف
باللّه أحلف جاهدا ... ومصدّق من يحلف
إني لأكتم حبّها ... جهدي لما أتخوّف
والحبّ ينطق إن سكتّ ... بما أجنّ ويعرف
الغناء في هذه الأبيات لحكم الواديّ، ولحنه ثقيل أوّل.
شعر لابن أبي العباس غنى فيه
قال: ومن شعر محمّد فيها الّذي غنّى فيه حكم:
صوت
أسعد الصبّ يا حكم ... وأعنه على الألم
وأدر في غنائه ... نغما تشبه النّعم
أجميل بأن ترى ... نائما وهو لم ينم
لائمي في هواي زي ... نب أنصف ولا تلم
لبس الجسم حلّة ... في هواها من السّقم
غنّاه حكم، ولحنه هزج.
سكر حماد مع حكم الوادي عند محمّد بن أبي العباس فناموا دونه
وقد أخبرني الحسن بن عليّ قال: حدّثنا أبو أيّوب المديني قال: قال بريه الهاشميّ حدّثني من حضر محمّد بن أبي العباس وبين يديه حمّاد وحكم الواديّ يغنّيه، وندماؤه حضور، وهم يشربون حتى سكر وسكروا، فكان محمّد أوّل من أفاق منهم، فقام إلى جماعتهم ينبّههم رجلا رجلا، فلم يجد فيهم فضلا سوى حمّاد/ عجرد وحكم الواديّ، فانتبها، وابتدءوا يشربون، فقال عجرد على لسانه، وغنّى فيه حكم:
أسعد الصبّ يا حكم ... وأعنه على الألم
__________
[1] امرأة ممكورة: مرتوية الساقين.
أجميل بأن ترى ... نائما وهو لم ينم
هكذا ذكر هذا الخبر الحسن، ولم يزد على هذين البيتين شيئا.
محمّد بن أبي العباس يشبب بزينب بنت سليمان
أخبرني محمّد بن يحيى قال: أنشدني أبو خليفة وأبو ذكوان والغلّابيّ لمحمد بن أبي العبّاس في زينب بنت سليمان بن عليّ:
يا قمر المربد قد هجت لي ... شوقا فما أنفك بالمربد
أراقب الفرقد من حبّكم ... كّأنّني وكّلت بالفرقد [1]
أهيم ليلي ونهاري بكم ... كأنّني منكم على موعد
علّقتها ريّا الشّوى طفلة ... قريبة المولد من مولدي [2]
جدّي إذا ما نسبت جدّها ... في الحسب الثاقب والمحتد [3]
واللّه ما أنساك في خلوتي ... يا نور عينيّ ولا مشهدي
كان محمّد نهاية في الشدّة
أخبرني محمّد بن يحيى قال: حدّثني الحارث بن أبي أسامة قال: حدّثني المدائني قال: كان محمّد بن أبي العبّاس نهاية في الشدّة، فعاتبه يوما المهديّ، فغمز محمّد ركابه، حتى انضغطت رجل المهديّ في الركاب، ثم لم تخرج حتى ردّ محمّد الركاب بيده، فأخرجها المهديّ حينئذ.
حماد يمدح محمّد بن أبي العباس
أخبرني محمّد قال: حدّثنا أبو ذكوان قال: حدّثنا العتبيّ قال: كان محمّد بن أبي العبّاس شديدا قويا جوادا ممدّحا، وكان يلوي العمود ثم يلقيه إلى أخته ريطة فتردّه، وفيه يقول/ حمّاد عجرد:
أرجوك بعد أبي العبّاس إذ بانا ... يا أكرم الناس أعراقا وعيدانا
فأنت أكرم من يمشي على قدم ... وأنضر الناس عند المحل أغصانا
لو مجّ عود على قوم عصارته ... لمجّ عودك فينا المسك والبانا
خبر عزل محمّد بن أبي العباس عن البصرة
أخبرني محمّد بن يحيى قال: حدّثنا الغلّابيّ قال: حدّثني محمّد بن عبد الرحمن قال: لما أراد محمّد بن أبي العبّاس الخروج عن البصرة لمّا عزله المنصور عنها قال:
أيا وقفة البين ماذا شببت ... من النّار في كبد المغرم!
__________
[1] الفرقد: النجم الّذي يهتدى به.
[2] علقتها: أحببتها. ريا: ممتلئة. الشوى: اليدان والرجلان. الطفلة: الرخصة الناعمة.
[3] في ج «ما جدى إذا» وفي ب، س «ما جدى إذ» وهو تحريف، والتصويب عن باقي الأصول. والمحتد: الأصل.
رميت جوانحه إذ رميت ... بقوس مسدّدة الأسهم
وقفنا لزينب يوم الوداع ... على مثل جمر الغضى المضرم
فمن صرف دمع جرى للفراق ... لممتزج بعده بالدم
شبب حماد عجرد بزينب بنت سليمان
أخبرني محمّد قال: حدّثنا الفضل بن الحباب قال: حدّثنا أبو عثمان المازنيّ قال: قال حمّاد عجرد يشبّب بزينب بنت سليمان على لسان محمّد بن أبي العبّاس:
ألا من لقلب مستهام معذّب ... بحبّ غزال في الحجال مرّبب [1]
يراه فلا يسطيع ردّا لطرفه ... إليه حذار الكاشح المترقّب
/ ولو لا مليك نافذ فيه حكمه ... لأدنى وصالا ذاهبا كلّ مذهب
تغبرت خلف اللّهو بعد صراوة [2] ... فبحت بما ألقاه من حبّ زينب
قال: فبلغ الشعر محمّد بن سليمان، فنذر دمه، ولم يقدر عليه لمكانه من محمّد.
رثى حماد محمّد بن أبي العباس بشعر
أخبرني محمّد بن يحيى قال: حدّثني الغلّابيّ عن محمّد بن عبد الرحمن قال: مات محمّد بن أبي العبّاس في أول سنة خمسين ومائة، فقال حمّاد يرثيه بقوله:
صرت للدهر خاشعا مستكينا ... بعد ما كنت قد قهرت الدهورا
حين أودى الأمير ذاك الّذي كن ... ت به حيث كنت أدعى أميرا
كنت إذ كان لي أجير به الده ... ر فقد صرت بعده مستجيرا
يا سمي النبي يابن أبي الع ... بّاس حقّقت عندي المحذورا
سلبتني الهموم إذ سلبتني ... ك سروري فلست أرجو سرورا
ليتني متّ حين [3] موتك لا بل ... ليتني كنت قبلك المقبورا
أنت ظلّلتني الغمام بنعما ... ك ووطّأت لي وطاء وثيرا [4]
لم تدع إذ مضيت فينا نظيرا ... مثل ما لم يدع أبوك نظيرا
خبر موت محمّد بن أبي العباس
حدّثنا محمّد بن العبّاس اليزيديّ قال: حدّثنا أحمد بن زهير قال: حدّثنا محمّد بن سلّام
__________
[1] الحجال: جمع حجلة كرقبة، وهي موضع يزيّن بالثياب والستور للعروس. مربب: مربّى.
[2] ورد هذا الشطر في ب، س هكذا: «و عيرت بالكتمان بعد صراوة» والتصحيح عن باقي الأصول. وتغبر الناقة: احتلب غيرها، والغبر: بقية اللبن في ضرع الناقة. والخلف: حلمة الضرع. والصرار: ما يشد فوق خلف الناقة من خيط لئلا يرضعها ولدها.
[3] في ب، س «قيل» وما أثبتناه عن باقي الأصول، وهو أولى لسياق الكلام.
[4] وثير: لبن.
الجمحي [1] قال: كان خصيب الطبيب نصرانيّا نبيلا، فسقى محمّد بن أبي العباس شربة دواء، وهو على البصرة، فمرض منها، وحمل إلى بغداد فمات بها،/ واتّهم خصيب فحبس حتى مات، وسئل عن علّته وما به فقال: قال جالينوس: إن مثل هذا لا يعيش صاحبه، فقيل: له إن جالينوس ربّما أخطأ،/ فقال: ما كنت قطّ إلى خطئه أحوج منّي اليوم، وفي خصيب يقول ابن قنبر:
ولقد قلت لأهلي ... إذ أتوني بخصيب
ليس واللّه خصيب ... للّذي بي بطبيب
إنّما يعرف ما بي ... من به مثل الّذي بي
تنصله لأخي زينب بشعر
أخبرني حبيب بن نصر وأحمد بن عبد العزيز وإسمعيل بن يونس، قالوا: حدّثنا عمر بن شبّة قال: حدّثني عبد اللّه بن شيبان [2] وابن داحة، وأخبرني يحيى بن علي بن يحيى إجازة قال: حدّثني أبي عن إسحاق قال: لما مات محمّد بن أبي العباس طلب محمّد بن سليمان حمّاد عجرد لما كان يقوله في أخته زينب من الشعر، فعلم أنه لا مقام له معه بالبصرة، فمضى فاستجار بقبر أبيه سليمان بن عليّ، وقال فيه:
من مقر بالذنب لم يوجب الل ... ه عليه بسيء إقرارا
ليس إلّا بفضل حلمك يعتدّ ... بلاء، وما يعدّ اعتذارا [3]
يابن بنت النّبي أحمد لا [4] أج ... عل إلّا إليك منك الفرارا
غير أنّي جعلت قبر أبي ... أيّوب لي من حوادث الدهر جارا
وحريّ من استجار بذاك ال ... قبر أن يأمن الردى والعثارا
لم أجد لي من العباد مجيرا ... فاستجرت التراب والأحجارا
/ لست أعتاض منك في بغية [5] العزّة ... قحطان كلّها ونزارا
فأنا اليوم جار من ليس في الأر ... ض مجير أعزّ منه جوارا
يابن بيت النبيّ يا خير من ... حطّت إليه الغوارب الأكوارا [6]
إن أكن مذنبا فأنت ابن من كا ... ن لمن كان مذنبا غفّارا
فاعف عنّي فقد قدرت وخير ال ... عفو ما قلت كن فكان اقتدارا
__________
[1] في ب، س «يسير الحمى» وهو تحريف؛ والتصويب عن باقي الأصول.
[2] في ب، س «سنان» والتصويب عن باقي الأصول.
[3] البلاء: الإنعام.
[4] كذا في ب، س، ج. والّذي في ط، مط، مب، ها:
يابن بنت النبي لا أجعل التو ... بة إلا ...
[5] كذا في ب، س، ج. وفي ط، مط، مب، ها:
لست أعتاض منكم في ابتغاء ال ... عز ...
[6] الغوارب: جمع غارب، وهو أعلى الظهر، وأعلى مقدّم السنام. والأكوار: جمع كور بالضم: وهو الرحل أو بأداته.
لو يطيل الأعمار جار لعزّ ... كان جاري يطوّل الأعمارا
اعتذر إلى محمّد بن سليمان بشعر
أخبرني أحمد بن العبّاس العسكريّ ومحمّد بن عمران الصّيرفيّ قالا: حدّثنا الحسن بن عليل العنزيّ قال:
حدّثني علي بن الصبّاح قال: كان محمّد بن سليمان قد طلب حمّاد عجرد بسبب نسبيه بأخته زينب، ولم يكن يقدر عليه لمكانه من محمّد بن أبي العبّاس، فلما هلك محمّد جدّ ابن سليمان في طلبه، وخافه حمّاد خوفا شديدا، فكتب إليه:
يابن عمّ النبيّ وابن النبيّ ... لعليّ إذا انتمى وعليّ
أنت بدر الدّجى المضيء إذا أظ ... لم واسودّ كلّ بدر مضيّ
وحيا الناس في المحول إذا لم ... يجد غيث الربيع والوسميّ [1]
إنّ مولاك قد أساء ومن أع ... تب من ذنبه فغير مسيّ
ثم قد جاء تائبا فاقبل التو ... بة منه يا بن الوصيّ [2] الرضيّ
هجاؤه محمّد بن سليمان
قال ومضى إلى قبر أبيه سليمان بن عليّ فاستجار به، فبلغه ذلك، فقال: واللّه لأبلّنّ قبر أبي من/ دمه، فهرب حمّاد إلى بغداد، فعاذ بجعفر بن المنصور، فأجاره، فقال: لا أرضى أو تهجو محمّد بن سليمان، فقال يهجوه:
قل لوجه الخصيّ ذي العار إنّي ... سوف أهدي لزينب الأشعارا
قد لعمري فررت من شدّ الخو ... ف وأنكرت صاحبيّ نهارا
وظننت القبور تمنع جارا ... فاستجرت التراب والأحجارا
كنت عند استجارتي بأبي أيّ ... وب أبغي ضلالة وخسارا
لم يجرني ولم أجد فيه حظّا ... أضرم اللّه ذلك القبر نارا
قال: وقال فيه:
له حزم برغوث وحلم مكاتب ... وغلمة سنّور بليل تولول [3]
وقال أيضا يهجوه
وقال فيه يهجوه:
يابن سليمان يا محمّد يا ... من يشتري المكرمات بالسّمن
__________
[1] الحيا: المطر. المحول: جمع محل، وهو الجدب. والوسمي: مطر الربيع الأول لأنه يسم الأرض بالنبات.
[2] يقول الشيعة: إن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم أوصى بالخلافة من بعده لعلي كرم اللّه وجهه، فلقبوا عليا بالوصيّ، وهو أوصى بها لمن بعده، وهكذا كل إمام وصيّ من قبله.
[3] تولول: تعول.
إن فخرت هاشم بمكرمة ... فخرت بالشّحم [1] منك والعكن
لؤمك باد لمن يراك إذا ... أقبلت في العارضين والذّقن
ليتك إذ كنت ضيّقا نكرا ... لم تدع من هاشم ولم تكن
جدّاك جدّان لم تعب بهما ... لكنّما العيب منك في البدن
قال: فبلغ هجاؤه محمّد بن سليمان فقال: واللّه لا يفلتني أبدا، وإنما يزداد حتفا بلسانه، ولا واللّه لا أعفو عنه ولا أتغافل أبدا.
وقد اختلف في وفاة حمّاد.
خبر مقتله
فأخبرني أحمد بن عبد العزيز قال: حدّثنا عمر بن شبّة قال: حدّثني أبو داحة وعبد الملك بن شيبان أن حمّادا هرب من محمّد بن سليمان فأقام بالأهواز مستترا، وبلغ محمّدا خبره، فأرسل مولى له إلى الأهواز، فلم يزل يطلبه حتى ظفر به فقتله غيلة.
شعر له وهو يحتضر
وأخبرني أحمد بن العبّاس وأحمد بن يحيى ومحمّد بن عمران قالوا: حدّثنا الحسن بن عليل العنزي عن أحمد بن خلّاد أن حمادا نزل بالأهواز على سليم بن سالم فأقام عنده مدّة مستترا من محمّد بن سليمان، ثم خرج من عنده يريد البصرة، فمرّ بشيرزاذان في طريقه، فمرض بها، فاضطرّ إلى المقام بها بسبب علّته، فاشتدّ مرضه، فمات هناك ودفن على تلعة [2]، وكان بشّار بلغه أن حمّادا عليل لما به، ثم نعي إليه قبل موته، فقال بشّار:
لو عاش حمّاد لهونا به ... لكنّه صار إلى النار
فبلغ هذا البيت حمادا قبل أن يموت وهو في السّياق [3]، فقال يردّ عليه:
نبّئت بشّارا نعاني ولل ... موت براني الخالق الباري
يا ليتني مت ولم أهجه ... نعم ولو صرت إلى النار
وأيّ خزي هو أخزى من ان ... يقال لي يا سبّ بشّار
قال: فلمّا قتل المهديّ بشّارا بالبطيحة [4] اتفق أن حمل إلى منزله ميتا، فدفن مع حماد على تلك التّلعة، فمرّ بهما أبو هشام الباهليّ الشاعر البصريّ الّذي كان يهاجي بشارا، فوقف/ على قبريهما وقال:
/قد تبع الأعمى قفا عجرد ... فأصبحا جارين في دار
قالت بقاع الأرض لا مرحبا ... بقرب حمّاد وبشّار
__________
[1] في ها «أنت».
[2] التلعة: القطعة المرتفعة من الأرض.
[3] السياق: نزع الروح.
[4] البطيحة: أرض واسعة بين واسط والبصرة.
تجاورا بعد تنائيهما ... ما أبغض الجار إلى الجار
صارا جميعا في يدي مالك ... في النّار والكافر في النار
صوت
هل قلبك اليوم عن شنباء منصرف ... وأنت ما عشت مجنون بها كلف
ما تذكر الدهر إلّا صدّعت كبدا ... جرّى عليك وأذرت دمعة تكف
ذكر أبو عمرو الشيبانيّ أن الشّعر لحريث بن عتّاب الطائيّ، وذكر عمرو بن بانة أنه لإسماعيل بن بشار النّساء، والصحيح أنه لحريث، والغناء لغريض ثقيل أوّل بالوسطى عن عمرو، وذكر الهشاميّ أنه لمالك.
22 - أخبار حريث ونسبه
نسبه
حريث بن عنّاب (بالنون) بن مطر بن سلسلة بن كعب بن عوف [1] بن عنين [2] بن نائل بن أسودان، وهو نبهان بن عمرو بن الغوث بن طيّ ء، شاعر إسلاميّ من شعراء الدولة الأموية، وليس بمذكور من الشعراء، لأنه كان بدويّا مقلّا غير متصدّ بالشعر للناس في مدح ولا هجاء، ولا يعدو شعره أمر ما يخصّه.
يشبب بحبى بنت الأسود
أخبرني بنسبه وما أذكره من أخباره عمّي عن الحزنبل عن عمرو بن أبي عمرو الشّيباني، عن أبيه، وتمام الأبيات الّتي فيها الغناء بعد البيتين الأوّلين قوله:
يدوم ودّي لمن دامت مودّته ... وأصرف النفس أحيانا فتنصرف [3]
يا ويح كلّ محبّ كيف أرحمه ... لأنّني عارف صدق [4] الّذي يصف
لا تأمنن بعد حبّي خلّة أبدا ... على الخيانة إنّ الخائن الظّرف [5]
كأنها ريشة في أرض [6] بلقعة ... من حيثما واجهتها الريح تنصرف
ينسي الخليلين طول النأي بينهما ... وتلتقي طرف شتّى فتأتلف
قال أبو عمرو، قال حريث هذه القصيدة في امرأة يقال لها حبّى بنت الأسود من بني بحتر بن عتود، وكان يهواها ويتحدّث إليها، ثم خطبها، فوعده أهلها أن يزوّجوه/ ووعدته ألّا تجيب إلى تزويج إلّا به، فخطبها رجل من بني ثعل وكان موسرا فمالت إليه وتركت حريثا، وقد خيّرت بينهما فاختارت الثّعليّ، فتزوّجها، فطفق حريث يهجو قومها وقوم المتزوّج بها من بني بحتر وبني ثعل، فقال يهجو بني ثعل:
بني ثعل أهل الخنا ما حديثكم ... لكم منطق غاو وللنّاس منطق
كأنكم معزى قواصع جرّة [7] ... من العيّ أو طير بخفّان ينعق
__________
[1] في ب، س، ج: «عون».
[2] كذا في ج، ط، مط، مب. والّذي في ب، س، ها «عنبر».
[3] كذا في ط، مط، ها. والّذي في ب، س، ج، مب:
وأصرف الناس أحيانا فينصرفوا
[4] في رواية
«كأنني ...... بعض»
[5] الظرف: الرجل الحديث الشرف.
[6] كذا في ب، س، ج، مب. والّذي في ط، مط، ها «عرض».
[7] في ب، س: «مواضع حرة»؛ والتصويب عن باقي الأصول. وقصعت الناقة بجرتها إذا ردّتها إلى جوفها أو مضغتها. أو ملأت بها فاها، يصفهم بالعيّ والفهاهة.
/
ديافيّة قلف كأنّ خطيبهم ... سراة الضّحى في سلحه يتمطّق [1]
قال أبو عمرو: ولم يزل حريث يهجو بني بحتر وبني ثعل من أجل حبّى، فبينا هو ذات يوم بخيبر وقد نزل على رجل من قريش وهو جالس بفنائه ينشد الشعر الّذي قاله يهجو به بني ثعل وبني بحتر ابني عتود، وبخيبر يومئذ رجل من بني جشم بن أبي حارثة بن جديّ بن تدول بن بحتر يقال له أوفى بن حجر بن أسيد بن حييّ بن ثرملة بن ثرغل بن خيثم بن أبي حارثة عند بني أخت له من قريش، فمرّ أوفى هذا بحريث بن عنّاب وهو ينشد شعرا هجا به بني بحتر، فسمعه أوفى وهو ينشد قوله:
وإنّ أحقّ الناس طرّا إهانة [2] ... عتود يباريه فرير وثعلب
العتود: التيس الهرم. والفرير: ولد الظبية. ويباريه: يفعل فعله. فدنا منه أوفى وقال: إني رجل أصمّ لا أكاد أسمع، فتقرّب إليّ، فقال له: ومن أنت؟ فقال: أنا رجل من قيس، وأنا أهاجي هذا الحيّ من بني ثعل وبني بحتر، وأحبّ/ أن أروي ما قيل فيهم من الهجاء، فأدنوه منه، وكانت معه هراوة وقد اشتمل عليها، فلما تمكّن من ابن عتّاب جمع يديه بالهراوة ثم ضرب بها أنفه فحطمه، وسقط على وجهه ووثب القرشيّ على أوفى فأخذه، فوثب بنو أخته فانتزعوه من القرشيّ، وكاد أن يقع بينهم شرّ، وأفلت أوفى ودوري ابن عتّاب حتى صلح واستوى أنفه، فقال أوفى في ذلك:
لاقى ابن عنّاب بخيبر ماجدا ... يزع اللئام وينصر الأحسابا
فضربته بهراوتي فتركته ... كالحلس منعفر الجبين مصابا
قال: ثم لحق أوفى بقومه، فلمّا كان بعد ذلك بمدّة اتهمه رجل من قريش بأنه سرق عبدا له وباعه بخيبر، فلم يزل القرشيّ يطلبه حتى أخذه وأقام عليه البيّنة، فحبس في سجن المدينة، وجعلت للقرشيّ يده، فبعث ابن عنّاب إلى عشيرته بني نبهان، فأبوا أن يعاونوه، وأقبل عرفاء بني بحتر إلى المدينة يريدون أن يؤدّوا صدقات قومهم فيهم حصن وسلامة ابنا معرّض، وسعد بن عمرو بن لأم، ومنصور بن الوليد بن حارثة، وجبّار بن أنيف، فلقوا القرشيّ وانتسبوا له، وقالوا: نحن نعطيك العوض من عبدك ونرضيك، ولم يزالوا به حتى قبل وخلّى سبيله، فقال حريث يمدحهم ويهجو قومه الأدنين من بني نبهان:
لما رأيت العبد نبهان تاركي ... بلمّاعة فيها الحوادث تخطر [3]
نصرت بمنصور وبابني معرّض ... وسعد وجبّار بل اللّه ينصر
وذو العرش أعطاني المودّة منهم ... وثبّت ساقي بعد ما كدت أعثر
/ إذا ركب الناس الطريق رأيتهم ... لهم خابط أعمى وآخر مبصر
لكلّ بني عمرو بن غوث [4] رباعة ... وخيرهم في الشرّ والخير بحتر
__________
[1] التمطق: التذوّق، وهو إلصاق اللسان بالغار الأعلى فيسمع له صوت، وذلك عند استطابة الشيء، والفاء في قوله «في سلحه» بمعنى الباء.
[2] كذا في ب، س. والّذي في باقي النسخ: «إلا أهابه».
[3] اللماعة، الفلاة يلمع فيها السراب.
[4] الرباعة: السيادة.
مر بنسوة فضحكن منه فقال شعرا
وقال أبو عمرو: مرّ ابن عنّاب بعدما أسنّ بنسوة من بني قليع وهو يتوكّأ على عصا/ فضحكن منه، فوقف عليهنّ وأنشأ يقول:
هزئت نساء بني قليع أن رأت ... خلق القميص على العصا يتركّع
وجعلنني هزؤا ولو يعرفنني ... لعلمن أنّي عند ضيمي أروع [1]
خير إغارته على قوم من بني أسد
قال أبو عمرو: وكان حريث بن عنّاب أغار على قوم من بني أسد فاستاق إبلا لهم، فطلبه السلطان، فهرب من نواحي المدينة وخيبر إلى جبلين في بلاد طيىء يقال لهما: مرّى والشّموس حتى غزم عنه قومه ما طلب، ثم عاود وقال في ذلك:
إذا الدّين أودى بالفساد فقل له ... يدعنا وركنا من معدّ نصادمه
ببيض خفاف مرهفلت قواطع ... لداود فيها أثره وخواتمه [2]
وزرق كستها ريشها مضر حيّة ... أثيت خوافي ريشها وقوادمه [3]
إذا ما خرجنا خرّت الأكم سجّدا ... لعزّ علا حيزومه وعلاجمه [4]
/إذا نحن سرنا بين شرق ومغرب ... تحرّك يقظان التّراب ونائمه
وتفزع منّا الإنس والجنّ كلّها ... ويشرب مهجور المياه وعائمه
ستمنع مرّى والشّموس أخاهما ... إذا حكم السلطان حكما يضاجمه
يميل فيه. ويروى: يصاحمه، وقال أبو عمرو: يصاحمه: يزاحمه. والأصحم منه مأخوذ.
إلى هنا انتهى الجزء الرابع عشر من كتاب الأغاني ويليه إن شاء اللّه تعالى الجزء الخامس عشر منه وأوّله أخبار جعفر بن الزبير ونسبه
__________
[1] الأروع: الّذي يروعك بشجاعته.
[2] أثر السيف: فرنده وجوهره ووشيه.
[3] الزرق: النصال. والمضرحية: جمع مضرحيّ، وهو النسر أو السيد الكريم. والأثيث: الكثير العظم. والخوافي: ريشات إذا ضم الطائر جناحيه خفيت. والقوادم: أربع أو عشر ريشات في مقدّم الجناح.
[4] الحيزوم هنا: الغليظ من الأرض أو المرتفع منها. العلاجم: جمع علجم وهو الطويل من الإبل.
فهرس موضوعات الجزء الرابع عشر
الموضوع الصفحة
بيان 251
أخبار الحصين بن الحمام ونسبه 253
أخبار محمّد بن يسير ونسبه 264
أخبار ديك الجنّ ونسبه 287
أخبار قيس بن عاصم ونسبه 300
أخبار محمّد بن حازم ونسبه 314
أخبار ابن القصّار ونسبه 428
أخبار معبد 330
أخبار ابن أبي الزوائد ونسبه 333
أخبار أبي الأسد ونسبه 340
أخبار قيس بن الحداديّة ونسبه 348
أخبار ابن قنبر ونسبه 360
أخبار الأسود ونسبه 365
أخبار علي بن الخليل 369
أخبار محمّد الزف 378
أخبار أبي الشّبل ونسبه 382
أخبار عثعث 395
أخبار عبد اللّه بن الزبير ونسبه 399
أخبار ثابت قطنة 428
أخبار كعب الأشقريّ ونسبه 441
أخبار العباس بن مرداس ونسبه 454
أخبار حماد عجرد ونسبه 466
أخبار حريث ونسبه 509
الفهرس 513
الجزء الخامس عشر
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ*
(الجزء الخامس عشر من كتاب الأغاني)
صوت
هل في آدّكار الحبيب من حرج ... أم هل لهمّ الفؤاد من فرج
أم كيف أنسى رحيلنا حرما ... يوم حللنا بالنّخل من أمج [1]
يوم يقول الرسول قد أذنت ... فائت على غير رقبة فلج
أقبلت أسعى إلى رحالهم ... في نفحة من نسيمها الأرج
الشعر لجعفر بن الزّبير [2]، والغناء للغريض، خفيف ثقيل أوّل، بإطلاق الوتر في مجرى البنصر، عن إسحاق. وذكر عمرو بن بانة أنه لدحمان في هذه الطريقة والمجرى. وذكره يونس بغير طريقة وقال: فيه لحنان:
لابن سريج والغريض. وذكر الهشاميّ أنّ لحن ابن سريج رمل بالوسطى.
__________
[1] أمج، بالتحريك: بلد من أعراض المدينة.
[2] الأبيات نسبت في «معجم البلدان» إلى عبيد اللّه بن قيس الرقيات.
[تتمة التراجم]
1 - أخبار جعفر بن الزّبير ونسبه
نسبه:
جعفر بن الزّبير بن العوّام بن خويلد بن أسد بن عبد العزّى بن قصي بن كلاب بن مرّة بن كعب بن لؤي بن غالب. وأم جعفر بن الزبير زينب بنت بشر بن عبد عمرو، من بني قيس [1] بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن عليّ بن بكر بن وائل.
قصته مع سليمان بن عبد الملك في فرض الأعطيات:
أخبرني الطّوسي قال: حدّثنا الزبير بن بكّار قال: حدّثني مصعب بن عثمان قال: أخبرني جدّك عبد اللّه بن مصعب [2] عن أبي عثمان [3] بن مصعب، عن شعيب بن جعفر بن الزبير قال:
فرض سليمان بن عبد الملك للناس في خلافته، وعرض الفرض. قال: وكان ابن حزم [4] في ذلك محسنا يعلم اللّه، إنّه كان/ يأمر الغلمان أن يتطاولوا على خفافهم ليرفعهم بذلك.
قال شعيب بن جعفر بن الزبير: فقال لي سليمان بن عبد الملك: من أنت؟ قلت: شعيب بن جعفر بن الزبير.
فقال: ما فعل جعفر؟ فقال له عمر بن عبد العزيز: يا أمير المؤمنين [5] على الكبر والعيال. فقال: قل له يحضر الباب./ فقال لجعفر، احضر الباب. فدعا المنذر بن عبيدة بن الزبير، فرفع معه رقعة وأرسله إلى عمر بن عبد العزيز، فيها قوله:
يا عمر بن عمر بن الخطّاب ... إنّ وقوفي من وراء الأبواب
يعدل عندي حطم بعض الأنياب [6]
قال: فلما قرأها عمر عذره عند سليمان، فأمر له سليمان بألف دينار في دينه، وألف دينار معونة على عياله، وبرقيق من البيض والسّودان، وكثير من طعام الجاري [7]، وأن يدان من الصّدقة بألفي دينار. قال: فلما جاء ذلك
__________
[1] هذا ما في ط، مب، مط. وفي م: «بن عبد عزى من بني قيس» وفي سائر النسخ: «بن عبد عمرو بن قيس».
[2] كذا في ط، مب، مط. وهو الصواب؛ إذ أن عبد اللّه بن مصعب، هو جدّ الزبير بن بكار. وفي بعض النسخ: «جدي» بدل «جدك»، تحريف.
[3] م: «عن عثمان».
[4] هو محمد بن حزم، ذكر المسعودي في «التنبيه والإشراف» 275 أنه كان قاضي سليمان بن عبد الملك.
[5] يا أمير المؤمنين، من ط، مب، مط.
[6] يعدل: يساوي. س: «بعدك». أ، ط: «بعض أنياب»، أي أنيابي.
[7] ط، مب: «و من طعام الجار».
إلى أبي قال: أعطيته من غير مسألة؟ فقيل: نعم. قال: الحمد للّه، ما أسخى هذا الفتى! ما كان أبوه سخيا ولا ابن سخيّ. ولكنّ هذا كأنه [1] من آل حرب. ثم قال:
فما كنت ديانا فقد دنت إذ بدت ... صكوك أمير المؤمنين تدور [2]
بوصل أولي الأرحام قبل سؤالهم ... وذلك أمر في الكرام كثير
قال بعض من روى هذا الخبر عن الزبير: الناس لا ينظرون في عيب أنفسهم، وما كان لجعفر أن يعيب أحدا بالبخل؛ وما رئي في الناس أحد أبخل منهم أهل البيت ولا من عبد اللّه بن الزبير خاصة، وما كان فيهم جواد غير مصعب.
قال الزبير: حدّثني عمي، قال: كان السلطان بالمدينة إذا جاء مال الصدقة أدان من أراد من قريش منه [3]، وكتب بذلك صكّا عليه، فيستعبدهم به،/ ويختلفون إليه، ويديرونه [4]، فإذا غضب على أحد منهم استخرج ذلك منه [5]، حتّى كان هارون الرشيد، فكلّمه عبد اللّه بن مصعب في صكوك بقيت من ذلك على غير واحد من قريش؛ فأمر بها فخرّقت عنهم، فذلك قول ابن الزبير:
فما كنت ديّانا فقد دنت إذ بدت ... صكوك أمير المؤمنين تدور
قال الزبير: وحدّثني عمّي مصعب قال:
شهد جعفر بن الزبير مع أخيه عبد اللّه حربه، واستعمله عبد اللّه على المدينة، وقاتل يوم قتل عبد اللّه بن الزبير، حتّى جمد الدم على يده؛ وفي ذلك يقول جعفر:
لعمرك إنّي يوم أجلت ركائبي ... لأطيب نفسا بالجلاد لدى الرّكن [6]
ضنين بمن خلفي شحيح بطاعتي ... طراد رجال لا مطاردة الحصن
- الحصن: جمع حصان، يقول: هذا طراد القتال لا طراد الخيل في الميادين -
غداة تحامتنا تجيب وغافق ... وهمدان تبكي من مطاردة الضّبن [7]
عاتب أخاه عروة وقال شعرا:
قال الزبير:
وحدّثني عمي مصعب بن عثمان؛ أنّ جعفر بن الزبير كانت بينه وبين أخيه عروة معاتبة، فقال في ذلك:
__________
[1] كأنه، ساقطة من ط، مب.
[2] أراد بالديان هنا المقترض، كالمديان.
[3] ط، مب، مط: «منها»، برجوع الضمير إلى «الصدقة».
[4] س: «و يداورونه». أ: «و يدبرونه»، وأثبت ما في ط، مب، مط. يقال: أدرته عن الأمر، إذا طلبت منه تركه.
[5] الاستخراج: استصفاء أموال من اتهم باختلاس الدولة، وكانوا يستخدمون كل ما لديهم من وسائل التعذيب والإرهاق لاستخراج هذه الأموال، وكان لهذا قيم يسمونه «صاحب الاستخراج». انظر «البيان والتبيين» للجاحظ (2: 166).
[6] ط، مب، مط: «كتائبي» موضع «ركائبي».
[7] تجيب، بضم التاء وفتحها: بطن من كندة. س: «بخبت»، تحريف. والضبن، لعلّه يعني بهم بني ضبينة، وهم حي من قيس.
/
لا تلحينّي يابن أمّي فإنّني ... عدوّ لمن عاديت يا عرو جاهد
وفارقت إخواني الذين تتابعوا ... وفارقت عبد اللّه والموت عاند [1]
ولو لا يمين لا أزال أبرّها ... لقد جمعتنا بالفناء المقاعد [2]
رثاؤه لولده:
قال الزبير: أنشدتني عمّتي أسماء بنت مصعب بن ثابت، لجعفر بن الزبير، وأنشدنيه غيرها يرثي ابنا له [3]:
صوت
أهاجك بين من حبيب قد احتمل ... نعم ففؤادي هائم العقل محتبل
وقالوا صحيرات اليمام وقدّموا ... أوائلهم من آخر الليل في الثّقل [4]
مررن على ماء العشيرة والهوى ... على ملل يا لهف نفسي على ملل [5]
فتى السنّ كهل الحلم يهتزّ للندى ... أمر من الدّفلى وأحلى من العسل [6]
في هذه الأبيات خفيف رمل بالبنصر، نسبه يحيى المكي إلى ابن سريج، ونسبه الهشاميّ إلى الأبجر، قال:
ويقال إنه لابن سهيل.
قصة في بيتين من شعره
فأخبرني الحسن بن عليّ قال: حدّثنا أحمد بن الحارث الخرّاز عن المدائني - وخبره أتم - قال: اصطحب قوم في سفر، ومعم رجل يغنّي، وشيخ عليه أثر النّسك والعبادة، فكانوا يشتهون أن يغنّيهم الفتى ويستحيون من الشّيخ إلى أن/ بلغوا إلى صحيرات اليمام، فقال له المغني: أيها الشيخ إنّ عليّ يمينا أن أنشد شعرا إذا انتهيت إلى هذا الموضع، وإنّي أهابك وأستحي منك؛ فإن رأيت أن تأذن لي في إنشاده أو تتقدّم حتّى أوفي بيميني ثم نلحق بك فافعل. قال: وما عليّ من إنشادك؟! أنشد ما بدا لك. فاندفع يغني:
وقالوا صحيرات اليمام وقدّموا ... أوائلهم من آخر الليل في الثّقل
وردن على ماء العشيرة والهوى ... على ملل يا لهف نفسي على ملل
فجعل الشيخ يبكي أحرّ بكاء وأشجاه، فقالوا له: ما لك يا عمّ تبكي؟ فقال: لا جزيتم خيرا؛ هذا معكم طول هذا الطريق وأنتم تبخلون عليّ به أتفرّج به [7] ويقطع عنّي طريقي؛ وأتذكّر أيام شبابي. فقالوا: لا واللّه ما كان يمنعنا
__________
[1] العاند: العاتي الشديد.
[2] أ، س: «لا أراك» تحريف، صوابه في ط، مب، مط.
[3] كذا في ط، مب، مط. وفي بعض النسخ: «لها».
[4] ويقال أيضا «صخيرات الثمام» كما في «معجم البلدان»، وهو موضع ذكر في غزاة بدر.
[5] العشيرة بلفظ التصغير، كما في «معجم البلدان». وملل: واد ينحدر من ورقان حتى يصب في الفرش.
[6] الدفلى، بكسر الدال: نبات شديد المرارة.
[7] أتفرّج به: ألتمس الفرج مما أنا فيه من ضيق.
منه غير هيبتك. قال: فأنتم إذا معذورون. ثم أقبل عليه؛ فقال: عد فديتك إلى ما كنت عليه. فلم يزل يغنّيهم طول سفرهم حتّى افترقوا.
شعره في ترقيص ابنته أم عروة:
قال الزبير: وأخبرني مصعب بن عثمان أن أمّ عروة بنت جعفر بن الزبير أنشدته لأبيها جعفر وكان يرقّصها بذلك:
يا حبّذا عروة في الدّمالج [1] ... أحبّ كلّ داخل وخارج
شعره في ابنه صالح في غزوة أرض الروم:
قال: وأخبرتني أن أخاها صالح بن جعفر غزا أرض الروم، فقال فيه جعفر:
قد راح يوم السبت حين راحوا [2] ... مع الجمال والتّقى صلاح
من كلّ حيّ نفر سماح ... بيض الوجوه عرب صحاح
وفزعوا وأخذ السلاح ... وهم إذا ما كره الشّياح [3]
مصاعب يكرهها الجراح
/ قال الزبير: ولجعفر شعر كثير قد نحل عمر بن أبي ربيعة ودخل في شعره. فأمّا الأبيات التي ذكرت فيها الغناء فمن الناس من يرويها لعمر بن أبي ربيعة، ومنهم من يرويها للأحوص وللعرجيّ؛ وقد أنشدنيها جماعة من أصحابنا لجعفر بن الزبير. وأخبرني بذلك الحرميّ، والطوسيّ، وحبيب بن نصر المهلّبي، وذكر الأبيات. وأخبرنيه عمّي عن ابن أبي سعد [عن سعيد بن عمرو عن أم عروة بنت جعفر مثله. قال ابن أبي سعد] [4]: قال الحزاميّ:
الناس يروونها للعرجيّ، وأمّ عروة أصدق.
تزوجه امرأة من خزاعة
أخبرني الطوسيّ قال حدّثنا الزبير قال: حدّثني سعيد بن عمرو الزبيريّ قال: تزوّج جعفر بن الزبير امرأة من خزاعة وفيها يقول:
هل في ادّكار الحبيب من حرج
الأبيات. وزاد فيها بيتين وهما:
تسفر عن واضح إذا سفرت ... ليس بذي آمة ولا سمج [5]
وسقط البيت الآخر من الأصل.
__________
[1] الدمالج: جمع دملج، وهو حلية تلبس في العضد. ط، مب، مط: «في الروائج».
[2] في بعض النسخ «حتى راحو»، صوابه في ط، مب، مط.
[3] الشياح: المقاتلة. وهذا الشطر من ط، مب، مط.
[4] هذه التكملة من ط، مب، مط فقط.
[5] الآمة، كقامة: العيب. والسمج: القبيح ذو السماجة.
وفاته وكثرة من شيع جنازته
قال الزبير في رواية الطوسي: حدّثني مصعب بن عثمان وعمي مصعب قالا:
كان جماعة من قريش منتحين عن المدينة، فصدر عن المدينة بدويّ فسألوه: هل كان للمدينة خبر؟ قال: نعم مات أبو الناس. قالوا: وأنّى ذلك؟ قال: شهده أهل المدينة جميعا؛ وبكي عليه من كلّ دار. فقال القوم: هذا جعفر بن الزبير، فجاءهم الخبر بعد أنّ جعفر بن الزّبير مات.
شعره في زواج الحجاج ببنت عبد اللّه بن جعفر:
أخبرني عمي قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد قال: حدّثني إبراهيم بن معاوية عن أبي محمد الأنصاريّ، عن عروة بن هشام بن عروة عن أبيه؛ قال:
لمّا تزوّج الحجّاج وهو أمير المدينة بنت عبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب، أتى رجل سعيد بن المسيّب فذكر له ذلك، فقال: إني لأرجو أن لا يجمع اللّه بينهما، ولقد دعا داع بذلك فابتهل، وعسى اللّه، فإن أباها لم يزوّج إلا الدراهم. فلما بلغ ذلك عبد الملك بن مروان أبرد البريد إلى الحجاج، وكتب إليه يغلظ له ويقصّر به، ويذكر تجاوزه قدره، ويقسم باللّه لئن هو مسّها ليقطعن أحبّ أعضائه إليه، ويأمره بتسويغ أبيها المهر [1]، وبتعجيل فراقها.
ففعل، فما بقي أحد فيه خير إلا سرّه ذلك.
وقال جعفر بن الزبير وكان شاعرا في هذه القصة:
وجدت أمير المؤمنين ابن يوسف ... حميّا من الأمر الذي جئت تنكف [2]
ونبّئت أن قد قال لمّا نكحتها ... وجاءت به رسل تخب وتوجف [3]
ستعلم أنّي قد أنفت لما جرى ... ومثلك منه عمرك اللّه يؤنف
ولولا انتكاس الدهر ما نال مثلها ... رجاؤك إذ لم يرج ذلك يوسف
أبنت المصفّى ذي الجناحين تبتغي ... لقد رمت خطبا قدره ليس يوصف [4]
__________
[1] التسويغ: الإعطاء.
[2] ابن يوسف، أراد بابن يوسف، يعني الحجاج. والحمى: الذي أخذته الحمية، وهي الأنفة والغيرة. ويقال نكف عن الأمر: عدل.
[3] الخبب والإيجاف: ضربان من السير السريع.
[4] ذو الجناحين: جعفر بن أبي طالب. كان قد حمل لواء المسلمين في يوم مؤتة بيمينه فقطعت، ثم بشماله فقطعت، فاحتضنه بعضديه فقتل وخرّ شهيدا، فيقولون: إنه عوض من يديه جناحين يطير بهما في الجنة. «الإصابة» 1162.
صوت
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصّفا ... أنيس ولم يسمر بمكّة سامر [1]
بلى نحن كنّا أهلها فأبادنا ... صروف الليالي والجدود العواثر [2]
عروضه من الطويل. الشعر فيما ذكر ابن إسحاق صاحب المغازي لمضاض بن عمرو/ الجرهميّ. وقال غيره:
بل هو للحارث بن عمرو بن مضاض.
أخبرنا بذلك الجوهريّ عن عمر بن شبة عن أبي غسان محمد بن يحيى عن غسان بن عبد الحميد. وقال عبد العزيز بن عمران [3]: هو عمرو بن الحارث بن مضاض. والغناء ليحيى المكي، رمل بالوسطى عن عمرو. وفيه لإبراهيم الموصلي ماخوريّ بالبنصر. وفيه لأهل مكة لحن قديم ذكره إبراهيم ولم يجنّسه.
__________
[1] الحجون، بفتح الحاء: جبل بمعلاة مكة. والصفا: من مشاعر مكة بلحف أبي قييس.
[2] الجدود: الحظوظ. العواثر، يعني بها الخوائب.
[3] ابن عمران، من ط، مب، مط.
2 - ذكر خبر مضاض بن عمرو
أمر إبراهيم عليه السلام ابنه إسماعيل أن يتزوج ابنته:
هو مضاض بن عمرو بن الحارث الجرهميّ. وكان جدّه مضاض قد زوّج ابنته رعلة، إسماعيل بن إبراهيم خليل الرحمن، فولدت له إثنى عشر رجلا أكبرهم قيذار ونابت. وكان أبوه إبراهيم عليه السلام أمره بذلك لأنّه لما بنى مكة وأنزلها ابنه قدم عليه قدمة من قدماته، فسمع كلام العرب وقد كانت طائفة من جرهم نزلت هنالك مع إسماعيل، فأعجبته لغتهم واستحسنها، فأمر إسماعيل عليه السلام أن يتزوّج إليهم، فتزوّج بنت مضاض بن عمرو، وكان سيّدهم.
حرب جرهم وقطوراء:
فأخبرنا محمد بن جرير، قال: حدّثنا ابن حميد قال حدّثنا سلمة بن الفضل عن محمد بن إسحاق. وأخبرني محمد بن جعفر النحويّ قال: حدّثنا إسحاق بن أحمد الخزاعي قال حدّثنا محمد بن عبد اللّه الأزرقي قال: حدّثني جدّي عن سعيد بن سالم عن عثمان بن ساج عن محمد بن إسحاق. ورواية إسحاق بن أحمد أتمّ. وقد جمعتها:
أن نابت بن إسماعيل ولي البيت بعد أبيه ثم توفّي، فولى مكانه جدّه لأمه مضاض بن عمرو الجرهمي، فضمّ ولد نابت بن إسماعيل إليه، ونزلت جرهم مع ملكهم مضاض بن عمرو بأعلى مكّة، ونزلت قطوراء مع ملكهم السّميدع أجياد، أسفل مكة [1]. وكان هذان البطنان خرجا سيّارة من اليمن، وكذلك كانوا لا يخرجون إلّا مع ملك يملّكونه عليهم، فلما رأوا مكّة رأوا بلدا طيّبا، وماء وشجرا، فنزلا ورضي كلّ واحد منهما بصاحبه ولم ينازعه، فكان مضاض يعشر [2] من جاء مكّة من أعلاها،/ وكان السّميدع يعشر من جاءها من أسفلها ومن كداء [3] لا يدخل أحدهما على صاحبه في أمره، ثم إن جرهما وقطوراء بغى كلّ واحد منهما على صاحبه، فتنافسوا في الملك حتّى نشبت الحرب بينهم؛ وكانت ولاية البيت إلى مضاض دون السّميدع، فخرج مضاض من بطن قعيقعان مع كتيبته في سلاح شاك [4] يتقعقع - فيقال: ما سميت قعيقعان إلا بذلك - وخرج السميدع من شعب [5] أجياد، في الخيل الجياد والرجال - ويقال: ما سميت أجيادا إلا بذلك - حتى التقوا بفاضح، فاقتتلوا قتالا شديدا، وفضحت قطوراء - ويقال:
ما سمّي فاضحا إلا بذلك - ثم تداعى القوم إلى الصلح فساروا حتّى نزلوا المطابخ شعبا بأعلى مكّة، وهو الذي يقال
__________
[1] أجياد: أرض بمكة، أو جبل بها.
[2] عشره يعشره عشرا، من باب نصر: أخذ عشر ماله.
[3] كذا في أ، ط، مب، مط. وفي سائر النسخ: «كدى». أما الممدودة فهي بفتح الكاف، وأما المقصورة فبضمها. فقيل المقصورة بأسفل مكة والممدودة بأعلاها، وقيل العكس أيضا. انظر «معجم البلدان».
[4] السلاح الشاكي: ذو الشوكة والحد.
[5] الشعب، بالكسر: الطريق في الجبل.
له الآن شعب بن عامر فاصطلحوا هناك، وسلّموا الأمر إلى مضاض؛ فلمّا اجتمع له أمر مكّة، وصار ملكها دون السّميدع نحر للناس فطبخوا هناك الجزر، فأكلوا، وسمّي ذلك الموضع المطابخ. فيقال: إنّ هذا أوّل بغي بمكة، فقال مضاض بن عمرو في تلك الحرب [1]:
نحن قتلنا سيّد الحيّ عنوة ... فأصبح منها وهو حيران موجع
- يعني أنّ الحيّ أصبح حيران موجعا -
وما كان يبغي أن يكون سواؤنا ... بها ملكا حتّى أتانا السّميدع [2]
فذاق وبالا حين حاول ملكنا ... وحاول منّا غصّة تتجرّع [3]
ونحن عمرنا البيت كنّا ولاته ... نضارب عنه من أتانا وندفع
/ وما كان يبغي ذاك في الناس غيرنا ... ولم يك حيّ قبلنا ثمّ يمنع
وكنّا ملوكا في الدهور التي مضت ... ورثنا ملوكا لا ترام فتوضع
انتقام ممن استخف بحق البيت:
قال عثمان بن ساج في خبره:
وحدّثني بعض أهل العلم أنّ سيلا جاء فدخل البيت فانهدم، فأعادته جرهم على بناء إبراهيم، بناه لهم رجل منهم يقال له أبو الجدرة واسمه عمر الجارود، وسمّي بنوه الجدرة. قال: ثم استخفّت جرهم بحقّ البيت، وارتكبوا فيه أمورا عظاما، وأحدثوا فيه أحداثا قبيحة، وكان للبيت خزانة، وهي بئر في بطنه، يلقى فيها الحلي والمتاع الذي يهدى له، وهو يومئذ لا سقف عليه، فتواعد عليه خمسة من جرهم أن يسرقوا كلّ ما فيه، فقام على كلّ زاوية من البيت رجل منهم واقتحم الخامس، فجعل اللّه عزّ وجلّ أعلاه أسفله، وسقط منكّسا فهلك، وفرّ الأربعة الآخرون.
خبر إساف ونائلة:
قالوا: ودخل إساف ونائلة [4] البيت ففجرا فيه، فمسخهما اللّه حجرين، فأخرجا من البيت. وقيل إنّه لم يفجر بها في البيت، ولكنه قبّلها في البيت.
وذكر عثمان بن ساج عن أبي الزناد، أنه إساف بن سهيل، وأنها نائلة بنت عمرو بن ذئب. وقال غيره: إنها نائلة بنت ذئب. فأخرجا من الكعبة، ونصبا ليعتبر بهما من رآهما، ويزدجر النّاس عن مثل ما ارتكبا، فلما غلبت خزاعة على مكة ونسي حديثهما، حوّلهما عمرو بن لحيّ بن كلاب بعد ذلك؛ فجعلها تجاه الكعبة يذبح عندهما عند موضع زمزم.
__________
[1] الكلام بعده إلى قوله: «ثم رموا بالجدب من خلفهم» ساقط من ط.
[2] سواؤنا: لغة في سوانا.
[3] أ: «يتجرع».
[4] هما اللذان يزعم العرب أنهما مسخا حجرين فجعلا صنمين يعبدان. وإساف، بفتح الهمزة وكسرها. وكان هذا الصنم على الصفا.
وأما نائلة فكان على المروة. وكان يذبح عليهما تجاه الكعبة.
دفاع مضاض عن حرمة البيت:
قالوا: فلما كثر بغي جرهم بمكّة قام فيهم مضاض بن عمرو بن الحارث بن مضاض فقال:
/ يا قوم احذروا البغي، فإنّه لا بقاء لأهله، وقد رأيتم من كان قبلكم من العماليق استخفّوا بالحرم ولم يعظّموه وتنازعوا بينهم واختلفوا، حتّى سلطكم اللّه عليهم فاجتحتموهم [1] فتفرّقوا في البلاد، فلا تستخفّوا بحقّ الحرم وحرمة بيت اللّه، ولا تظلموا من دخله وجاءه معظّما لحرماته، أو خائفا، أو رغب في جواره، فإنّكم إن فعلتم ذلكم تخوّفت أن تخرجوا منه خروج ذلّ وصغار، حتّى لا يقدر أحد منكم أن يصل إلى الحرم، ولا إلى زيارة البيت الذي هو لكم حرز وأمن، والطّير تأمن فيه.
فقال قائل منهم يقال له مجدع: ومن الذي يخرجنا منه؟ ألسنا أعزّ العرب وأكثرهم مالا وسلاحا؟ فقال مضاض: إذا جاء الأمر بطل ما تذكرون؛ فقد رأيتم ما صنع اللّه بالعماليق! قالوا: وقد كانت العماليق بغت في الحرم، فسلّط اللّه عزّ وجلّ عليهم الذر [2] فأخرجهم منه، ثم رموا بالجدب من خلفهم حتّى ردّهم اللّه إلى مساقط رؤوسهم، ثم أرسل عليهم الطوفان - قال: والطوفان: الموت - قال: فلما رأى مضاض بن عمرو بغيهم ومقامهم عليه، عمد إلى كنوز الكعبة، وهي غزالان من ذهب، وأسياف قلعية [3]، فحفر لها ليلا في موضع زمزم، ودفنها.
فبيناهم/ على ذلك إذ سارت القبائل من أهل مأرب، ومعهم طريقة [4] الكاهنة، حين خافوا سيل العرم، وعليهم مزيقياء وهو عمرو بن عامر بن ثعلبة بن امرىء القيس بن مازن بن الأزد بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان، فقالت لهم/ طريقة لمّا قاربوا [5] مكة: «و حقّ ما أقول [6]، وما علّمني ما أقول إلا الحكيم المحكّم، ربّ جميع الأمم، من عرب وعجم». قالوا لها: ما شأنك يا طريقة؟ قالت:
«خذوا البعير الشدقم [7]، فخضّبوه بالدّم، تكن لكم أرض جرهم، جيران بيته المحرّم». فلما انتهوا إلى مكّة وأهلها أرسل إليهم عمرو ابنه ثعلبة، فقال لهم: يا قوم، إنّا قد خرجنا من بلادنا فلم ننزل بلدة إلا أفسح أهلها لنا، وتزحزحوا عنّا، فنقيم معهم حتّى نرسل روّادا فيرتادوا لنا بلدا يحملنا، فافسحوا لنا في بلادكم حتّى نقيم قدر ما نستريح، ونرسل روّادنا [8] إلى الشّام وإلى الشرق، فحيثما بلغنا أنّه أمثل لحقنا به، وأرجو أن يكون مقامنا معكم يسيرا، فأبت ذلك جرهم إباء شديدا، واستكبروا في أنفسهم، وقالوا: لا واللّه؛ ما نحبّ أن تنزلوا فتضيّقوا علينا مرابعنا [9] ومواردنا، فارحلوا عنا حيث أحببتم، فلا حاجة لنا بجواركم. فأرسل إليهم: إنّه لا بدّ من المقام بهذا البلد
__________
[1] الاجتياح: الاستئصال والإهلاك.
[2] الذر: صغار النمل.
[3] القلعية: نسبة إلى القلعة بالفتح والتحريك، وهو بلد الهند تنسب إليه السيوف الجياد.
[4] طريقة، بالقاف في ط، أ، مب. وفي سائر النسخ بالفاء.
[5] كذا على الصواب في ط، مب، مط. وفي أ: «لما قاموا». وفي سائر النسخ «لا تؤموا مكة»، تحريف.
[6] هذا هو الصواب في ط، مب، مط. وفي سائر النسخ: «حتى أقول».
[7] الشدقم: الواسع الشدق.
[8] كذا في ط، مب، مط. وفي سائر النسخ: «روادا».
[9] المرابع: جمع مربع، وهو موضع الإقامة في الربيع.
حولا، حتى ترجع إليّ رسلي التي أرسلت، فإن أنزلتموني طوعا نزلت وحمدتكم وآسيتكم [1] في الرّعي والماء، وإن أبيتم أقمت على كرهكم ثم لم ترتعوا معي إلّا فضلا [2]، ولم تشربوا إلا رنقا [3]، وإن قاتلتموني قاتلتكم، ثمّ إن ظهرت عليكم سبيت النساء وقتلت الرجال، ولم أترك منكم أحدا ينزل الحرم أبدا! فأبت جرهم أن تنزله/ طوعا وتعبّت لقتاله [4]، فاقتتلوا ثلاثة أيام أفرغ عليهم فيها الصبر، ومنعوا النصر [5]، ثم انهزمت جرهم فلم يفلت منهم إلا الشّريد. وكان مضاض بن عمرو قد اعتزل حربهم ولم يعنهم في ذلك، وقال: قد كنت أحذّركم هذا. ثم رحل هو وولده وأهل بيته حتّى نزلوا قنونى [6] وما حوله، فبقايا جرهم [7] به إلى اليوم، وفني الباقون؛ أفناهم السيف في تلك الحروب.
شعره في نفي جرهم عن الحرم
قالوا: فلما حازت خزاعة أمر مكّة وصاروا وأهلها جاءهم بنو إسماعيل وقد كانوا اعتزلوا حرب جرهم وخزاعة، فلم يدخلوا في ذلك، فسألوهم السّكنى معهم وحولهم فأذنوا لهم، فلما رأى ذلك مضاض بن عمرو بن الحارث وقد كان أصابه من الصّبابة إلى مكّة أمر عظيم، أرسل إلى خزاعة يستأذنها، ومتّ إليهم برأيه [8] وتوريعه قومه عن القتال [9]، وسوء العشرة في الحرم، واعتزاله الحرب، فأبت خزاعة أن يقرّوهم ونفوهم عن الحرم كلّه، وقال عمرو بن لحي لقومه: من وجد منكم جرهميا قد قارب الحرم فدمه هدر [10]! فنزعت إبل لمضاض بن عمرو بن الحارث بن مضاض بن عمرو، من قنونى تريد مكة، فخرج في طلبها حتّى وجد أثرها [11] قد دخلت مكة، فمضى على الجبال نحو أجياد، حتّى ظهر على أبي قبيس [12] يتبصّر الإبل في بطن وادي/ مكّة، فأبصر الإبل تنحر وتؤكل ولا سبيل له إليها، فخاف إن هبط الوادي أن يقتل، فولّى منصرفا إلى أهله وأنشأ يقول:
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصّفا ... أنيس ولم يسمر بمكّة سامر
ولم يتربّع واسطا فجنوبه ... إلى المنحنى من ذي الأراكة حاضر [13]
__________
[1] المواساة والمؤاساة: التسوية. ط، مب، أ«واسيتكم». ونص في «القاموس» أنها لغة رديئة.
[2] الارتعاء: الرعي.
[3] الرنق بالفتح والسكون، وككنف وجبل: الماء الكدر.
[4] التعبى: التهيؤ والاستعداد للقتال.
[5] أي لم ينتصر أحد الفريقين.
[6] قنوني، بفتح القاف والنون: واد من أودية السراة يصب إلى البحر في أوائل أرض اليمن من جهة مكة. ط، مب: «فنوني» بالفاء وبضبط سابقه، في مط: «فنونا». قال ياقوت: «موضع في بلاد العرب».
[7] ط، ها: «بها».
[8] مت: توسل. ط، مب: «برائه». والراء: الرأي.
[9] ورعه توريعا: كفه. ما عدا ط، مب، مط: «توزيعه». والتوزيع: التفريق، ولا وجه له.
[10] كذا في ط، مب، مط. وبدله في سائر النسخ: «و قالوا: من دخله منهم فدمه هدر».
[11] ما عدا ط، أ، مب: «حتى وجدها».
[12] ظهر عليه: علاه. وأبو قبيس: جبل بمكة.
[13] التربع: الإقامة بالمكان. وواسط: موضع بالحجاز في طريق منى. وذو الأراكة: نخل بموضع من اليمامة. ما عدا ط: «من دي الأريكة»، تحريف. مب: «من ذي أراكة». مط «من ذي أراك».
/
بلى نحن كنّا أهلها فأبادنا ... صروف اللّيالي والجدود العواثر
وأبدلنا ربّي بها دار غربة ... بها الذئب يعوي والعدوّ المخامر [1]
أقول إذا نام الخلي ولم أنم ... أذا العرش لا يبعد سهيل وعامر [2]
قد ابدلت منهم أوجها لا أريدها ... وحمير قد بدّلتها واليحابر [3]
فإن تمل الدّنيا علينا بكلّها ... ويصبح شرّ بيننا وتشاجر [4]
فنحن ولاة البيت من بعد نابت ... نمشّي به والخير إذ ذاك ظاهر [5]
وأنكح جدّي خير شخص علمته ... فأبناؤه منّا ونحن الأصاهر [6]
وأخرجنا منها المليك بقدرة ... كذلك يا للنّاس تجري المقادر
/ فصرنا أحاديثا وكنّا بغبطة ... كذلك عضّتنا السّنون الغوابر
وسحّت دموع العين تبكي لبلدة ... بها حرم أمن وفيها المشاعر
ويا ليت شعري من بأجياد بعدنا ... أقام بمفضى سيله والظّواهر [7]
فبطن منّى أمسى كأن لم يكن به ... مضاض ومن حيّى عديّ عمائر [8]
فهل فرج آت بشيء نحبّه ... وهل جزع منجيك ممّا تحاذر
قالوا: وقال أيضا:
يا أيّها الحيّ سيروا إنّ قصركم ... أن تصبحوا ذات يوم لا تسيرونا [9]
إنّا كما أنتم كنّا فغيرّنا ... دهر بصرف كما صرنا تصيرونا [10]
أزجوا المطيّ وأرخوا من أزمّتها ... قبل الممات وقضّوا ما تقضّونا [11]
قد مال دهر علينا ثم أهلكنا ... بالبغي فيه فقد صرنا أفانينا [12]
كنّا زمانا ملوك الناس قبلكم ... نأوي بلادا حراما كان مسكونا
قال الأزرقي: فحدّثني محمد بن يحيى قال: حدّثني عبد العزيز بن عمران قال:
__________
[1] المخامر: المستتر. ط: «المحاصر». مط: «المحاضر».
[2] أذا العرش، أي يا ذا العرش.
[3] ما عدا ط، أ، مب، مط: «و بدلت». يحابر بضم الياء، بن مالك بن أدد: قبيلة من اليمن. وفي «الاشتقاق» لابن دريد: «و يحابر بن مالك، وهو مراد، وإنما سمي مراد لأنه أوّل من تمرد باليمن».
[4] الكل: الثقل، كذا جاءت الرواية في ط، أ، مب، مط. وفي سائر النسخ: «بكلكل».
[5] نابت: ابن إسماعيل بن إبراهيم.
[6] أ، ط: «الأياصر». مب، مط: «الأباصر» بالباء الموحدة.
[7] في البيت إقواء.
[8] العمائر: جمع عمارة، وهي أصغر من القبيلة وأكبر من البطن.
[9] قصركم وقصاراكم: نهايتكم ومآلكم.
[10] الصرف: واحد صروف الدهر، وهي نوائبه، وحوادثه.
[11] الإزجاء: السوق. وإرخاء الزمام: كناية عن الإسراع بالمطي. ما عدا ط، مب، مط: «و أزجوا من أزمتها»، تحريف.
[12] أفانين: جمع أفنان، وهي جمع فنن، أي صرنا متفرقين. أو هو جمع أفنون، وهي الجري المختلط من جري الناقة والفرس.
اجتمع به أبو سلمة بن عبد الأسد وهو مسنّ معلق في شجرة:
وخرج أبو سلمة بن عبد الأسد المخزومي قبيل الإسلام في نفر من قريش يريدون اليمن فأصابهم عطش شديد ببعض الطريق، وأمسوا على غير الطريق، فتشاوروا جميعا، فقال لهم أبو سلمة: إنّي أرى ناقتي تنازعني شقّا [1]؛ أفلا أرسلها وأتبعها؟ قالوا: فافعل. فأرسل ناقته وتبعها فأضحوا على ماء وحاضر [2]، فاستقوا/ وسقوا، فإنّهم لعلى ذلك إذ أقبل إليهم رجل فقال: من القوم؟ قالوا: من قريش. فرجع إلى شجرة أمام الماء فتكلّم عندها بشيء ثم رجع إلينا، فقال: أينطلق معي أحدكم إلى رجل ندعوه [3]. قال أبو سلمة: فانطلقت معه فوقف بي تحت شجرة، فإذا وكر معلّق فصوّت: يا أبت! فزعزع شيخ رأسه [4]، فأجابه فقال: هذا الرجل. فقال لي: ممن الرجل؟ قلت:
من قريش. قال: من أيّها؟ قلت: من بني مخزوم بن يقظة. قال: من أيّهم؟ قلت: أنا أبو سلمة بن عبد الأسد بن عبد اللّه بن عمرو بن مخزوم بن يقظة. قال: أيهات منك [5]! أنا ويقظة سنّ [6]، أتدري من يقول:
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصّفا ... أنيس ولم يسمر بمكة سامر
/ بلى نحن كنّا أهلها فأبادنا ... صروف الليالي والجدود العواثر
قلت: لا. قال: أنا قائلها، أنا عمرو بن الحارث بن مضاض الجرهمي. أتدري لم سمّى أجياد أجيادا؟ قلت:
لا. قال: جادت بالدّماء يوم التقينا نحن وقطوراء؛ أتدري لم سمّي قيعقعان؟ قلت: لا. قال: لتقعقع السلاح على ظهورنا لمّا طلعنا عليهم منه.
وأخبرني بهذا الخبر الحرميّ بن أبي العلاء؛ قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال: حدّثني إبراهيم بن المنذر الحزاميّ؛ قال: حدّثنا عبد العزيز بن عمران؛ قال حدّثني راشد بن حفص بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف، قال:
قال أبو سلمة بن عوف [7]:
/و خرجت في نفر من قريش يريدون اليمن. وذكر الخبر مثل حديث الأزرقيّ. واللّه أعلم.
تغريب ربيعة بن أمية بن خلف
أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال: حدّثنا عمر بن شبّة قال: حدّثني محمد بن يحيى قال: حدّثنا غسان بن عبد العزيز بن عبد الحميد [8] أنّ ربيعة بن أمية بن خلف كان قد أدمن الشراب، وشرب في شهر رمضان، فضربه عمر رضي اللّه عنه وغرّبه إلى ذي المروة، فلم يزل بها حتّى توفّي واستخلف عثمان رضي اللّه عنه؛ فقيل له: قد توفّي عمر واستخلف عثمان فلو دخلت المدينة ما ردّك أحد. قال: لا واللّه لا أدخل المدينة فتقول قريش قد غرّبه رجل
__________
[1] شقا، أي جانبا.
[2] ما عدا ط، أ، مب، مط: «فأصبحوا». والحاضر: القوم المقيمون على الماء.
[3] ط: «يدعوه».
[4] زعزع: حرّك.
[5] أيهات: لغة في هيهات بمعنى بعد. ما عدا ط، أ، مب، مط: «أنبئك».
[6] أي في سن وعمر واحد.
[7] أي اسم صاحب القصة أبو سلمة بن عوف، لا أبو سلمة بن عبد الأسد.
[8] ابن عبد الحميد، من ط فقط. مب، مط: «غسان بن عبد الحميد» فقط.
من بني عديّ بن كعب. فلحق بالرّوم وتنصّر، فكان قيصر يحبوه ويكرمه، فأعقب [1] بها.
تغني الربيع بشعر عمرو بن الحارث بن مضاض
قال غسان: حدّثني أبي قال: قدم رسول يزيد بن معاوية على معاوية من بلاد الروم؛ فقال له معاوية: هل كان للناس خبر؟ قال: بينا نحن محاصرون مدينة كذا وكذا إذ سمعنا رجلا فصيح اللسان مشرفا من بين شرفتين [2] من شرف الحصن، وهو ينشد:
كأن لم يكن بن الحجون إلى الصّفا ... أنيس ولم يسمر بمكة سامر
فقال معاوية: ويحك، ذاك الربيع بن أمية يتغنى بشعر عمرو بن الحارث بن مضاض الجرهمي.
غناء ابن جامع بشعر مضاض:
أخبرني إسماعيل بن يونس الشيعي قال: حدّثنا عمر بن شبة قال؛ حدّثني إسحاق بن إبراهيم قال: قال لي أبي: مر بالدوابّ تسرج سحرا حتّى نغدو إلى ابن جامع [3] نستقبله بالياسرية [4] بسحرة [5] لا تأخدنا الشّمس [6] قال: فأمرت بذلك. وركبنا في السحر فأصبحنا دون الياسرية، وقد طلعت علينا الشّمس. قال: فجئنا إلى ابن جامع وإذا به مختضب وعلى رأسه ولحيته خرق الخضاب، وإذا بقدر تطبخ في الشّمس؛ فلما نظر إلينا رحّب بنا، وقام إلينا فسلّم علينا، ثم دعا الماء فغسل رأسه ولحيته، ثم دعا بالغداء فأتي بغدائه، فغرف لنا من تلك القدر التي في الشمس، فتقزّزت [7] وبشعت من ذلك الطعام الذي طبخ، فأشار إليّ أبي: بأن كل. فأكلنا حتّى فرغنا من غدائنا، فلما غسلنا أيدينا نادى ابن جامع: يا غلام هات شرابنا! فأتي بنبيذ في زكرة قد كانت الزّكرة في الشمس [8]، فكرهت ذلك، فأشار إليّ أبي، أن لا تمتنع، ثم أتوا بقدح جيشانيّ [9] ملء الكفّ، فصبّ النبيذ فيه وهو يشبه [10] ماء قد [11] أغلي بالنار، ثم غنّى ابن جامع فقال:
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصّفا ... أنيس ولم يسمر بمكّة سامر
بلى نحن كنا أهلها فأزالنا ... صروف الليالي والجدود العواثر
__________
[1] أعقب بها: صار له بها ولد ونسل.
[2] الشرفة، بالضم: ما يوضع على أعالي القصور والمدن. ما عدا ط، مب، مط: «من شرفين»، تحريف.
[3] هو إسماعيل بن جامع. وقد سبقت ترجمته وأخباره.
[4] الياسرية: قرية كبيرة على نهر عيسى بينها وبين بغداد ميلان. ما عدا ط: «بالباسرية» بباء موحدة، تحريف.
[5] السحرة، بالضم: وقت السحر.
[6] أي لئلا تأخذنا الشمس.
[7] كذا في ط، أ، مب. وفي سائر النسخ: «فنفرت».
[8] الزكرة، بضم الزاي: زقيق صغير للشراب. ما عدا ط: مب، مط: «ركوة وقد كانت الركوة في الشمس».
[9] الجيشاني، بفتح الجيم: نسبة إلى جيشان: مخلاف باليمن تنسب إليه الأقداح والخمر السود أيضا. ط، مب: «جبساني»، مط:
«حيساني» تحريف. والخمر: جمع خمار بكسر الخاء.
[10] ما عدا ط، أ، مب: «يشوبه» تحريف.
[11] هذه الكلمة من ط، مب، مط فقط. وبدلها في أ: «ثم».
صوت
ثم غنّى، للعرجيّ [1]:
لو أنّ سلمى رأتنا لا يراع لنا ... لما هبطنا جميعا أبطن السوق [2]
وكشرنا وكبول القين تنكؤنا ... كالأسد تكشر عن أنيابها الرّوق [3]
صوت
ثم تغنّى:
أجرّر في الجوامع كلّ يوم ... فيا للّه مظلمتي وصبري
ثم أمر بالرّحيل. وقد غنى هذه الثلاثة الأصوات. فقال لي أبي: يا بنيّ بشعت لما رأيت من طعام ابن جامع وشرابه؛ فعليّ عتق ما أملك [4] إن لم يكن شرب الدم مع هذا طيّبا. ثم قال: أسمعت بنيّ غناء قطّ أحسن من هذا؟
فقلت: لا واللّه ما سمعت. قال: ثمّ خرج ابن جامع حتى نزل بباب أمير المؤمنين الرشيد ليلا، واجتمع المغنّون على الباب، وخرج الرسول إليهم فأذن لهم؛ والرشيد خلف السّتارة، فغنّوا إلى السّحر؛ فأعطاهم ألف دينار إلّا ابن جامع فلم يعطه شيئا، وانصرفوا متوجّهين له، وعرضوا عليه جميعا فلم يقبل؛ وانصرفوا، فلما كان في الليلة الثانية دعوا فغنّوا ساعة، ثم كشفت الستارة، وغنّى جامع صوتا عرّض فيه بحاله وهو:
صوت
تقول أقم فينا فقيرا وما الذي ... ترى فيه ليلي أن أقيم فقيرا
ذريني أمت يا ليل أو أكسب الغنى ... فإنّي أرى غير الغنيّ حقيرا
يدفّع في النادي ويرفض قوله ... وإن كان بالرأي السّديد جديرا
ويلزم ما يجني سواه وإن يطف ... بذنب يكن منه الصغير كبيرا [5]
قالوا: فأعجب الرّشيد ذلك الشعر واللحن فيه، وأمال رأسه نحوه كالمستدعي له. وغنّاه أيضا:
صوت
لئن مصر فاتتني بما كنت أرتجي ... وأخلفني منها الذي كنت آمل [6]
__________
[1] هذا الصواب في ط، مب، مط. وفي سائر النسخ: «العرجي».
[2] اليراع: الضعاف من الغنم وغيرها. ط: «لا نزاع لنا». ط، مب: «أبطح السوق». مط «أبطح الشوق».
[3] الكشر: التبسم، وبدو الأسنان عند الضحك. والكبول: جمع كبل بالفتح والكسر، وهو القيد، والقين: الحداد. تنكؤنا: تؤلمنا كذا جاءت الرواية على الصواب في ط، مب، مط. وفي أ: «تبكؤنا». وفي سائر النسخ: «تبكرنا». الروق: جمع أروق وروقاء، وهو الذي طالت ثناياه العليا على السفلى.
[4] أ، ط، مب: «فعتق ما يملك»، وهو أسلوب يبدلون به الكلام لئلا يقع المتكلم به فيما تقتضيه اليمين من نذر أو طلاق أو نحوهما.
[5] كذا على الصواب في ط، مب، مط. وفي ج: «و يلزمني» وفي سائر النسخ: «و يغفر».
[6] الأبيات لأبي دهمان الغلابي، كما نصّ الجاحظ في «البيان والتبيين» (2: 291). وكذا جاءت رواية البيت في ط، مب، مط، ج
فما كلّ ما يخشى الفتى نازل به ... ولا كلّ ما يرجو الفتى هو نائل [1]
وواللّه ما فرّطت في وجه حيلة ... ولكنّ ما قد قدّر اللّه نازل
وقد يسلم الإنسان من حيث يتّقي ... ويؤتى الفتى من أمنه وهو غافل
ثم أمر بالانصراف فانصرفوا، فلمّا بلغوا السّتر صاح به الخادم: يا قرشيّ مكانك. فوقف مكانه فخرج إليه بخلع وسبعة آلاف دينار، وأمر إن شاء أن يقيم، وإن شاء أن ينصرف.
غناء امرأة جرهمية بشعر مضاض:
أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه قال: ذكر الكلبي عن أبيه: أنّ الناس بيناهم في ليلة مقمرة في المسجد الحرام، إذ بصروا بشخص قد أقبل [2] كأنّ قامته رمح، فهربوا من بين يديه وهابوه؛ فأقبل حتّى طاف بالبيت الحرام سبعا ثم وقف فتمثّل:
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصّفا ... أنيس ولم يسمر بمكّة سامر
قال: فأتاه رجل من أهل مكّة؛ فوقف بعيدا منه ثم قال: سألتك بالذي خلقك أجنّيّ أنت أم إنسيّ [3]؟ فقال:
بل إنسيّ، أنا امرأة من جرهم، كنّا سكّان هذه الأرض وأهلها، فأزالنا/ عنها هذا الزمان الذي يبلي كلّ جديد ويغيّره! ثم انصرفت خارجة [4] عن المسجد حتّى غابت عنهم، ورجعوا إلى مواضعهم.
إنشاد شعره في رؤيا وتأويل ذلك:
أخبرني محمد بن خلف وكيع قال: حدّثنا حمّاد بن إسحاق قال: حدّثني أبي عن جدّي قال: قال لي يحيى بن خالد يوما: أخبرك برؤيا رأيتها؟ قلت: خيرا رأيت. قال: رأيت كأنّي خرجت من داري راكبا، ثم التفتّ يمينا وشمالا فلم أر معي أحدا، حتّى صرت إلى الجسر، فإذا بصائح يصيح من ذلك الجانب:
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصّفا ... أنيس ولم يسمر بمكّة سامر
فأجبته بقوله:
بلى نحن كنّا أهلها فأبادنا ... صروف اللّيالي والجدود العواثر
فانصرفت إلى الرشيد فغنّيته الصوت، وخبرته الخبر، فعجب منه. وما مضت الأيّام حتّى أوقع بهم [5].
صوت
شافني الزائرات قصر نفيس ... مثقلات الأعجاز قبّ البطون
__________
و «البيان». وفي سائر النسخ: «لئن حرمتني كل ما كنت أرتجي».
[1] ما عدا ط، م، مب، مط: «نازلا به». «البيان»: «بمصيبه».
[2] قد أقبل، من ط، مط فقط.
[3] ما عدا ط، مب، مط: «فقال له بل إنسي».
[4] هذه الكلمة من ط، مب، مط فقط.
[5] أي بالبرامكة. س، ب: «إلا أيام».
يتربّعنه الربيع وينزل ... - ن إذا صفن منزل الماجشون
/ يتربّعنه: ينزلنه في أيام الربيع. يقال لمنزل القوم في أيام الربيع: متربّعهم. قال الشاعر:
أمن آل ليلى بالملا متربّع ... كما لاح وشم في الذّراع مرجّع [1]
الماجشون وعلة تسميته:
والماجشون: رجل من أهل المدينة يروى عنه الحديث. والماجشون لقب لقّبته به سكينة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب - عليهم السلام - وهو اسم لون من الصّبغ أصفر تخالطه حمرة، وكذلك كان لونه. ويقال: إنها ما لقّبت أحدا قطّ بلقب إلّا لصق به.
أخبرني الحسن بن عليّ قال: حدّثنا أحمد بن زهير قال: حدّثنا مصعب الزبيريّ، قال: حدّثني ابن الماجشون، قال:
نظرت سكينة إلى أبي، فقالت: كأنّ هذا الرجل الماجشون - وهو صبغ أصفر تخالطه حمرة - فلّقب بذلك.
تلقيب سكينة لرجل بشيرج:
قال عبد العزيز: ونظرت إلى رجل من ولد عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه وكانت فيه غلظة، فقالت: هذا الرجل في قريش كالشّيرج في الأدهان! فكان ذلك الرجل يسمّى: فلان شيرج حتّى مات.
الشعر لعمر بن أبي ربيعة، والغناء لإبراهيم الموصليّ. خفيف رمل مطلق في مجرى البنصر، وفيه لبصبص جارية ابن نفيس التي قيل هذا الشعر فيها: رمل. وذكر حبش أن لها فيه أيضا ثقيل أوّل بالوسطى.
__________
[1] مرجع: وشم مرة بعد مرة. ما عدا ط، مب، مط: «وسم» و «متربع»، تحريف.
3 - ذكر أخبار بصبص جارية ابن نفيس [1] وأخبارها
كانت بصبص هذه جارية مولّدة من مولّدات المدينة، حلوة الوجه، حسنة الغناء، قد أخذت عن الطبقة الأولى من المغنّين، وكان يحيى بن نفيس مولاها - وقيل نفيس بن محمد، والأوّل أصح - صاحب قيان يغشاه الأشراف، ويسمعون غناء جواريه، وله في ذلك قصص نذكرها بعد، وكانت بصبص هذه أنفسهنّ وأشدّهنّ تقدّما.
الخلاف في والدة علية بنت المهدي:
وذكر ابن خرداذبه: أنّ المهديّ اشتراها وهو وليّ والعهد سرّا من أبيه بسبعة عشر ألف دينار، فولدت منه عليّة بنت/ المهديّ.
وذكر غيره أنّ ابن خرداذبه غلط [2] في هذا، وأن الذي صحّ أن المهديّ اشترى بهذه الجملة جارية غيرها، وولدت علية.
وذكر هارون بن محمد بن عبد الملك الزيات: أن ابن القداح حدّثه قال:
كانت مكنونة جارية المروانيّة - وليست من آل مروان بن الحكم؛ وهي زوجة الحسين بن عبد اللّه بن العباس - أحسن جارية بالمدينة وجها، وكانت رسحاء [3]، وكان بعض من يمازحها يعبث بها، ويصيح: طست طست [4]! وكانت حسنة الصّدر والبطن، وكانت توضح بهما [5]، وتقول: ولكن هذا! فاشتريت للمهديّ/ في حياة أبيه بمائة ألف درهم فغلبت عليه، حتّى كانت الخيرزان تقول: ما ملك أمة أغلظ عليّ منها. واستتر أمرها على المنصور حتّى مات. وولدت من المهديّ عليّة بنت المهديّ.
والذي قال ابن خرداذبه غير مردود إذا كان هذا صحيحا.
شراء المهدي لبصبص:
أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد بن إسحاق عن أبيه عن غرير بن طلحة قال: اتّعد [6] محمد بن يحيى بن زيد بن علي [7] بن الحسين، وعبد اللّه بن يحيى بن عبّاد بن عبد اللّه بن الزبير، وعبد اللّه بن مصعب الزّبيري، وأبو
__________
[1] ابن نفيس هذا هو يحيى بن نفيس. وضبط في ط بهيئة التصغير. وفي «القاموس»: «و نفيس بن محمد من موالي الأنصار، وقصره على ميلين من المدينة».
[2] كذا في ط، ح، م، مب. وفي سائر النسخ: «و ذكر غير ابن خرداذبه أنه غلط».
[3] الرسحاء: القليلة لحم العجز والفخذين.
[4] الطست: إناء من صفر. يعني أنها شبيهة به.
[5] توضح بهما: تظهر بهما، وتتباهى.
[6] اتعدا: تواعدا.
[7] ط، مب، مط: «محمد بن زيد بن علي» ح، م: «محمد بن يزيد بن علي».
بكر بن محمد بن عثمان الربعي، ويحيى بن عقبة، أن يأتوا بصبص جارية ابن نفيس، فعجل محمد بن يحيى، وكان من أصحاب عيسى بن موسى، ليخرج إلى الكوفة، فقال عبد اللّه بن مصعب.
أرائح أنت أبا جعفر ... من قبل أن تسمع من بصبصا
هيهات أن تسمع منها إذا ... جاوزت العيس بك الأعوصا [1]
فخذ عليها مجلسي لذّة ... ومجلسا من قبل أن تشخصا [2]
أحلف باللّه يمينا ومن ... يحلف باللّه فقد أخلصا
لو أنّها تدعو إلى بيعة ... بايعتها ثمّ شققت العصا [3]
قال: وفيها [4] غناء لبصبص.
قال: فاشتراها أبو غسّان مولى منيرة للمهديّ بسبعة عشر ألف دينار.
/ قال حمّاد: وحدّثني أبي عن الزبير أن عبد اللّه بن مصعب خاطب بهذا الشعر أبا جعفر المنصور لما حجّ فاجتاز بالمدينة منصرفا من الحجّ، لا أبا جعفر محمد بن يحيى بن زيد.
غضب المنصور على عبد اللّه بن مصعب في إعجابه بها:
أخبرني إسماعيل بن يونس الشّيعي إجازة قال: حدّثنا عمر بن شبّة قال: حدّثني محمد بن سلام قال: حدّثني موسى بن مهران قال: كانت بالمدينة قينة لآل نفيس بن محمد يقال لها بصبص، وكان مولاها صاحب قصر نفيس الذي يقول فيه الشاعر:
شاقني الزائرات قصر نفيس ... مثقلات الأعجاز قبّ البطون [5]
قال: وكان عبد اللّه بن مصعب بن ثابت بن عبد اللّه بن الزبير يأتيها، فيسمع منها، وكان يأتيها فتيان من قريش فيسمعون منها، فقال عبد اللّه بن مصعب حين قدم المنصور منصرفا من الحجّ ومرّ بالمدينة يذكر بصبص:
أراحل أنت أبا جعفر ... من قبل أن تسمع من بصبصا
وذكر الأبيات، فبلغت أبا جعفر، فغضب فدعا به؛ فقال: أما إنكم يا آل الزبير قديما ما قادتكم النساء، وشققتم معهنّ العصا، حتّى صرت أنت آخر الحمقى تبايع المغنّيات؛ فدونكم يا آل/ الزبير هذا المرتع الوخيم [6].
قال: ثمّ بلغ أبا جعفر بعد ذلك أنّ عبد اللّه بن مصعب قد اصطبح [7] مع بصبص وهي تغنّيه بشعره:
__________
[1] الأعوص: موضع قرب المدينة.
[2] تشخص: تذهب من بلد إلى بلد.
[3] شق العصا: كناية عن الخلاف، ومفارقة الجماعة.
[4] ط، مط: «و فيه».
[5] القب: جمع أقب وقباء، وهو الضامر البطن.
[6] دونك هذا، أي خذه، صيغة للإغراء.
[7] اصطبح: شرب الصبوح، وهو شرب الصباح.
صوت
إذا تمزّزت صراحيّة ... كمثل ريح المسك أو أطيب [1]
ثم تغنّى لي بأهزاجه ... زيد أخو الأنصار أو أشعب
حسبت أنّي مالك جالس ... حفّت به الأملاك والموكب
فلا أبالي وإله الورى ... أشرّق العالم أم غرّبوا
الغناء لزيد الأنصاري، هزج مطلق في مجرى الوسطى عن الهشاميّ وغيره، وذكر غيره أنه لأشعب. فقال أبو جعفر: العالم لا يبالون كيف أصبحت وكيف أمسيت.
إعجاب المنصور بشعر طريف العنبري:
ثم قال أبو جعفر: ولكنّ الذي يعجبني أن يحدو بي الحادي الليلة بشعر طريف العنبريّ، فهو آلف في سمعي من غناء بصبص، وأحرى أن يختاره أهل العقل. قال: فدعا فلانا الحادي - قد ذكره وسقط اسمه - وكان إذا حدا وضعت الإبل رؤوسها لصوته [2] وانقادت انقيادا عجيبا [3]، فسأله المنصور: ما بلغ من حسن حدائه؟ قال: تعطّش الإبل ثلاثا أو قال خمسا وتدني من الماء، ثمّ أحدو فتتبع كلّها صوتي، ولا تقرب الماء. فحفظ الشعر، وكان [4]:
إنّي وإن كان ابن عمّي كاشحا ... لمزاحم من دونه وورائه [5]
وممدّه نصري وإن كان أمرأ ... متزحزحا في أرضه وسمائه [6]
/و أكون مأوى سرّه وأصونه ... حتّى يحقّ عليّ يوم أدائه
وإذا أتى من غيبه بطريفة ... لم أطّلع: ماذا وراء خبائه
وإذا تحيّفت الحوادث ماله ... قرنت صحيحتنا إلى جربائه [7]
وإذا تريّش في غناه وفرته ... وإذا تصعلك كنت من قرنائه [8]
وإذا غدا يوما ليركب مركبا ... صعبا قعدت له على سيسائه [9]
فلما كان الليل حدا به الحادي بهذه الأبيات، فقال: هذا واللّه أحثّ على المروءة وأشبه بأهل الأدب من غناء
__________
[1] التمزز: التمصص. وفي بعض النسخ: «تمررت» تحريف. والصراحية: الخمر الخالصة.
[2] وضعت رؤوسها: خفضتها.
[3] هذه الكلمة من ط، مب، مط.
[4] كذا في ط، ها، مب، ح. وفي سائر النسخ: «فحفظه هذا الشعر».
[5] الكاشح: مضمر العداوة.
[6] المتزحزح: البعيد.
[7] قرنت، كذا على الصواب في ط، مب. وفي سائر النسخ: «قرت». وجربائه تصحيح ط، مط وهي في ح: «جريانه»، وفي سائر النسخ: «حوبائه».
[8] تريش وارتاش: أصاب خيرا فرئي عليه أثر ذلك.
[9] اسيساء الظهر من الدواب: مجتمع الوسط.
بصبص. قال: فحدا به ليلة، فلما أصبح قال: يا ربيع أعطه درهما. فقال له: يا أمير المؤمنين؛ حدوت بهشام بن عبد الملك، فأمر لي بعشرين ألف درهم وتأمر أنت بدرهم! قال: إنّا للّه! ذكرت ما لم نحبّ [1] أن تذكره؛ ووصفت أنّ رجلا ظالما أهذ مال اللّه من غير حلّه؛ وأنفقه في غير حقّه يا ربيع، اشدد، يديك به حتّى يردّ المال. فبكى الحادي، وقال: يا أمير المؤمنين قد مضت لهذا السّنون [2] وقضيت به الديون، وتمزّقته النّفقات؛ ولا والذي أكرمك بالخلافة ما بقي عندي منه شيء. فلم يزل أهله وخاصته يسألونه حتّى كفّ عنه، وشرط عليه أن يحدو به ذاهبا وراجعا، ولا يأخذ منه شيئا.
فشل بصبص في محاولتها أخذ درهم من مزبد:
أخبرني إسماعيل بن يونس الشيعيّ، قال: حدّثنا عمر بن شبة قال: حدّثني القاسم بن زيد المدينيّ؛ قال:
/ اجتمع ذات يوم عند بصبص جارية ابن نفيس عبد اللّه بن مصعب الزّبيريّ [3] ومحمد بن عيسى الجعفريّ، في أشراف من أهل المدينة،/ فتذاكروا مزبّدا المدينيّ صاحب النوادر وبخله، فقالت بصبص: أنا آخذ لكم منه درهما.
فقال لها مولاها: أنت حرّة لئن فعلت إن لم أشتر لك مخنقة [4] بمائة ألف دينار وإن لم أشتر لك ثوب وشي بما شئت؛ وأجعل لك مجلسا [5] بالعقيق أنحر لك فيه بدنة لم تقتب [6] ولم تركب. فقالت: جيء به وارفع عني الغيرة.
فقال: أنت حرّة أن لو رفع برجليك لأعنته على ذلك. فقال عبد اللّه بن مصعب: فصلّيت الغداة في مسجد المدينة، فإذا أنا به، فقلت: أبا إسحاق، أما تحبّ أن ترى بصبص جارية ابن نفيس؟ فقال: امرأته طالق [7] إن لم يكن اللّه ساخطا عليّ فيها، وإن لم أكن أسأله أن يرينيها منذ سنة فما يفعل. فقلت له: اليوم إذا صلّيت العصر فوافني ههنا.
قال: امرأته طالق إن برحت من ههنا حتّى تجيء صلاة العصر. قال: فتصرّفت [8] في حوائجي حتّى كانت العصر، ودخلت المسجد فوجدته فيه، فأخذت بيده وأتيتهم به، فأكلوا وشربوا، وتساكر القوم وتناوموا، فأقبلت بصبص على مزبّد، فقالت: أبا إسحاق، كأنّ في نفسك تشتهي أن أغنّيك الساعة:
لقد حثّوا الجمال ليه ... - ربوا منّا فلم يئلوا [9]
/فقال: زوجته طالق إن لم تكوني تعلمين ما في اللّوح المحفوظ! قال: فغنّته ساعة ثم مكثت ساعة فقالت:
أبا إسحاق كأنّ في نفسك تشتهي أن تقوم من مجلسك فتجلس إلى جانبي فتقرصني قرصات، وأغنّيك.
قالت وقد أبثثتها وجدي فبحت به [10] ... قد كنت قدما تحبّ السّتر فاستتر
__________
[1] ط، مب، مط: «يجب».
[2] ما عدا ط، مب، مط: «هذه السنون».
[3] هذه الكلمة من ط، مب، مط فقط.
[4] المخنقة: القلادة.
[5] العقيق: موضع بالمدينة.
[6] البدنة: واحدة الإبل والبقر، تطلق على الذكر والأنثى. والإقتاب: شد القتب على البعير، وهو الرحل على قدر سنامه.
[7] ط، ح، مب، مط: «فقال امرأته الطلاق».
[8] ما عدا ط، ح، مب، مط: «فانصرفت».
[9] وأل يئل: نجا.
[10] ما عدا ط، مب، مط: «أبحت به».
أ لست تبصر من حولي فقلت لها ... غطّى هواك وما ألقى على بصري
فقال: امرأته طالق إن لم تكوني تعلمين ما في الأرحام وما تكسب الأنفس غدا، وبأيّ أرض تموت! فغنّته ثم قالت: برح الخفاء [1]، أنا أعلم أنّك تشتهي أن تقبّلني شقّ التّين وأغنّيك هزجا:
أنا أبصرت بالليل ... غلاما حسن الدّلّ
كغصن البان قد أص ... - بح مسقيا من الطل
لم يذكر صانعه، وهو هزج على ما ذكر.
فقال: أنت نبيّة مرسلة! فغنته ثم قالت: أبا إسحاق، أرأيت أسقط من هؤلاء! يدعونك ويخرجونني إليك ولا يشترون ريحانا بدرهم، أي أبا إسحاق؛ هلمّ درهما نشتري به ريحانا! فوثب وصاح: واحرباه [2]، أي زانية، أخطأت استك الحفرة [3]، انقطع واللّه عنك الوحي الذي كان يوحى إليك! وعطعط القوم بها [4]، وعلموا أنّ حيلتها لم تنفذ عليه، ثمّ خرجوا فلم يعد إليها، وعاود القوم مجلسهم، فكان أكثر شغلهم فيه حديث مزبّد معها والضّحك منه.
شعر ابن أبي الزوائد في بصبص:
وقال هارون بن محمد بن عبد الملك الزيات: أنشدني الزبير بن بكّار، قال: أنشدني غرير بن طلحة لابن أبي الزوائد - وهو ابن ذي الزوائد - في بصبص:
بصبص أنت الشمس مزدانة ... فإن تبذّلت فأنت الهلال
سبحانك اللّهمّ ما هكذا ... فيما مضى كان يكون الجمال
/ إذا دعت بالعود في مشهد ... وعاونت يمنى يديها الشّمال
غنّت غناء يستفزّ الفتى ... حذقا وزان الحذق منها الدلّال
قال هارون: قال الزّبير: وأنشدني غرير أيضا لنفسه يهجو مولاها:
يا ويح بصبص من يحيى [5] لقد رزقت ... وجها قبيحا وأنفا من جعاميس [6]
يمجّ من فيه في فيها إذا هجعت ... ريقا خبيثا كأرواح الكرابيس [7]
__________
[1] برح، كسمع. وهو مثل لظهور الأمر وانكشافه.
[2] الحرب: أن يسلب الرجل ماله كله.
[3] يضرب لمن رام شيئا فلم ينله. «مجمع الأمثال».
[4] عطعط به: صاح.
[5] س: «من حي».
[6] الجعاميس: جمع جعموس، وهو ما يطرحه الإنسان من ذي بطنه.
[7] أرواح: جمع ريح. والكراييس: جمع كرياس، وهو الكنيف الذي يكون مشرفا على سطح بقناة من الأرض. قال الأزهري: سمي كرياسا لما يعلق به من الأقذار فيركب بعضه بعض ويتكرس مثل الدمن. «اللسان» (كرس) و «معجم استينجاس» 1026 و «الحيوان» (5: 468) و «عيون الأخبار» (3: 230).
علاقة محمد بن عيسى بها:
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال: حدّثنا الزّبير قال حدّثني عمي قال: هوي محمد بن عيسى الجعفريّ بصبص جارية ابن نفيس، فهام بها وطال ذلك عليه فقال لصديق له: لقد شغلتني هذه عن صنعتي وكلّ أمري، وقد وجدت مسّ السلوّ فاذهب بنا حتّى أكاشفها بذلك فأستريح. فأتياها فلما غنّت لهما قال لها محمد بن عيسى:
أتغنين:
وكنت أحبّكم فسلوت عنكم ... عليكم في دياركم السّلام
فقالت: لا ولكنّي أغنّي:
تحمّل أهلها عنها فبانوا ... على آثار من ذهب العفاء [1]
/فاستحيا وازداد بها كلفا، ولها عشقا، فأطرق ساعة ثم قال: أتغنين:
وأخضع بالعتبي إذا كنت مذنبا ... وإن أذنبت كنت الذي أتنصّل
قالت: نعم وأغنّي أحسن منه:
فإن تقبلوا بالودّ نقبل بمثله ... وننزلكم منّا بأقرب منزل
قال: فتقاطعا في بيتين، وتواصلا في بيتين. وفي هذه الأبيات الأربعة غناء كان محمد قريض [2]، وذكاء، وغيرهما ممن شاهدنا من الحذّاق يغنّونه في الابتداءين لحنين من الثقيل الأوّل، وفي الجوابين لحنين من خفيف الثقيل، ولا أعرف صانعهما.
شغف أبي السائب المخزومي بها
أخبرني عمي قال: حدّثني هارون بن محمد بن عبد الملك قال: حدّثني أبو أيوب المدينيّ عن مصعب قال:
حضر أبو السائب المخزومي مجلسا فيه بصبص جارية يحيى بن نفيس، فغنت:
قلبي حبيس عليك موقوف ... والعين عبرى والدمع مذروف
والنّفس في حسرة بغصّتها ... قد شفّ أرجاءها التّساويف [3]
إن كنت بالحسن قد وصفت لنا ... فإنّني بالهوى لموصوف
يا حسرتا حسرة أموت بها ... إن لم يكن لي لديك معروف
قال: فطرب أبو السائب ونعر [4]، وقال: لا عرف اللّه قدره إن لم أعرف لك معروفك. ثم أخذ قناعها عن رأسها وجعله على رأسه [5] وجعل يلطم ويبكي، ويقول لها: بأبي واللّه أنت، إنّي لأرجو أن تكوني عند اللّه أفضل من الشّهداء، لما توليناه من السرور، وجعل يصيح، واغوثاه! يا للّه لما يلقى العاشقون.
__________
[1] البيت لزهير، في «ديوانه» 58.
[2] ط، مب، مط: «قريص» بالصاد المهملة.
[3] شفها: نقصها ونال منها. وأرجاؤها: نواحيها. والتساويف: جمع تسويف، وهو المماطلة.
[4] نعر: صاح.
[5] وجعله على رأسه، من ط فقط.
شغف أحد الفتيان بها:
أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان [قال حدّثني أبو بكر العامري قال حدّثني عمرو بن عبد اللّه البصري] [1] قال: حدّثنا [الحسين] [1] بن يحيى عن عثمان بن محمد الليثي قال: كنت يوما في مجلس ابن نفيس، فخرجت إلينا جاريته بصبص، وكان في القوم فتى يحبّها، فسألته حاجة، فقام ليأتيها بها، فنسي أن يلبس نعله، ومشى حافيا؛ فقالت: يا فلان،/ نسيت نعلك. فلبسها وقال: أنا واللّه كما قال الأوّل:
وحبّك ينسيني عن الشّيء في يدي ... ويشغلني عن كلّ شيء أحاوله
فأجابته فقالت:
وبي مثل ما تشكوه منّي وإنّني ... لأشفق من حبّ أراك تزاوله
صوت
يشتاق قلبي إلى مليكة لو ... أمست قريبا ممن يطالبها
ما أحسن الجيد من مليكة وال ... - لّبّات إذ زانها ترائبها [2]
يا ليتني ليلة إذا هجع ال ... - نّاس ونام الكلاب صاحبها
في ليلة لا يرى بها أحد ... يسعى علينا إلّا كواكبها
الشعر لأحيحة بن الجلاح، والغناء لابن سريج. رمل بالخنصر في مجرى البنصر. وفيه لحن لمالك [3] من رواية يونس.
__________
[1] هذه التكلمة من ط، مب، مط.
[2] اللبات: جمع لبة؛ بالفتح، وهو موضع القلادة من الصدر. والترائب: عظام الصدر، أو ما بين الثديين.
[3] لمالك، من ط، مط.
4 - ذكر أحيحة بن الجلاح ونسبه وخبره والسبب الذي من أجله قال الشعر
نسب أحيحة:
هو أحيحة بن الجلاح بن الحريش بن جحجبى بن كلفة بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس.
ويكنى أحيحة أبا عمرو.
سؤال الوليد بن عبد الملك عن الزوراء:
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال: حدّثني الزبير بن بكّار قال: حدّثني عبد الرحمن بن عبد اللّه بن عبد العزيز قال: ركب الوليد بن عبد الملك إلى المساجد، فأتى مسجد العصبة [1]، فلما صلّى قال للأحوص: يا أحوص أين الزّوراء التي قال فيها صاحبكم:
إنّي أقيم على الزّوراء أعمرها ... إنّ الكريم على الإخوان ذو المال
لها ثلاث بئار في جوانبها ... في كلّها عقب تسقى بأقبال [2]
استغن أو مت ولا يغررك ذو نشب ... من ابن عمّ ولا عمّ ولا خال [3]
قال الزبير؛ العقب الذي في أوّل المال عند مدخل الماء، والطلب الذي في آخره [4]. قال: فأشار له الأحوص إليها وقال: ها هي تلك، لو طوّلت لأشقرك هذا لجال عليها [5]، فقال الوليد: إنّ أبا عمرو كان يراه غنيّا بها، فعجب الناس يومئذ لعناية الوليد بالعلم، حتّى علم أنّ كنية أحيحة أبو عمرو.
وفي بعض [6] هذا الشعر غناء، وهو:
صوت
استغن أو مت ولا يغررك ذو نشب ... من ابن عمّ ولا عمّ ولا خال
يلوون ما لهم عن حقّ أقربهم ... وعن عشيرتهم؛ والحقّ للوالي [7]
__________
[1] العصبة، بالضم: دار بني جحجبى بالمدينة. ياقوت. وقد ضبطت في مب، مط بالتحريك. ما عدا ط، ما: «القصبة» تحريف.
[2] البئار: جمع بئر. مب، ح: «فكلها». و «يسقى» هي في مط «سقى» وفي سائر النسخ ما عدا ط، مب: «يسعى». وأقبال الجداول:
أوائلها ورؤوسها.
[3] النشب: المال.
[4] كذا ورد هذا التفسير.
[5] أشقرك، يعني فرسك الأشقر.
[6] هذه الكلمة من ط، مط.
[7] يلوونه: يجحدونه وينكرونه.
غنّاه الهذلي رملا بالوسطى من رواية الهشاميّ وعمرو بن بانة.
سبب قول أحيحة هذا الشعر:
وأمّا السّبب في قول أحيحة هذا الشعر فإنّ أحمد بن عبيد المكتّب [1] ذكر أن محمد بن يزيد الكلبيّ حدّثه، وحدّثه أيضا هشام بن محمد عن الشّرقيّ بن القطاميّ قال هشام: وحدّثني به أبي أيضا.
قال: وحدّثني رجل من قريش عن أبي عبيدة بن عمّار بن ياسر، قال: وحدّثني/ عبد الرحمن بن سليمان الأنصاريّ، قالوا جميعا:
أقبل تبّع الأخير وهو أبو كرب بن حسان بن أسعد الحميريّ، من اليمين سائرا [2] يريد المشرق كما كانت التّبابعة تفعل، فمرّ بالمدينة فخلّف بها ابنا له، ومضى حتّى قدم الشّأم، ثم سار من الشأم حتّى قدم العراق فنزل بالمشقّر [3]، فقتل ابنه غيلة بالمدينة، فبلغه وهو بالمشقّر مقتل ابنه، فكرّ راجعا إلى المدينة وهو يقول:
يا ذا معاهر ما تزال ترود ... رمد بعينك عادها أم عود [4]
منع الرّقاد فما أغمّص ساعة ... نبط بيثرب آمنون قعود
لا تستقي بيديك إن لم تلقها ... حربا كأنّ أشاءها مجرود [5]
ثم أقبل حتّى دخل المدينة وهو مجمع على إخرابها وقطع نخلها، واستئصال أهلها، وسبي الذرّية؛ فنزل بسفح أحد فاحتفر بها بئرا - فهي البئر التي يقال لها إلى اليوم بئر الملك - ثم أرسل إلى أشراف أهل المدينة ليأتوه فكان فيمن أرسل إليه زيد بن ضبيعة بن زيد بن عمرو بن عوف، وابن عمه زيد بن أميّة بن زيد، وابن عمه زيد بن عبيد بن زيد [6] - وكانوا يسمّون الأزياد - وأحيحة بن الجلاح؛ فلمّا جاء رسوله قال الأزدياد: إنما أرسل إلينا ليملّكنا على أهل يثرب. فقال أحيحة: واللّه ما دعاكم لخير! وقال:
ليت حظّي من أبي كرب ... أن يردّ خيره خبله [7]
فذهبت مثلا. وكان يقال: إنّ مع أحيحة تابعا من الجنّ يعلمه الخبر لكثرة صوابه؛ لأنّه كان لا يظنّ شيئا فيخبر به قومه إلا كان كما يقول. فخرجوا إليه، وخرج أحيحة ومعه قينة له، وخباء، فضرب الخباء وجعل فيه القينة والخمر، ثم خرج جتّى استأذن على تبّع، فأذن له، وأجلسه معه على زربيّة تحته [8]، وتحدّث معه وسأله عن أمواله بالمدينة؛ فجعل يخبره عنها، وجعل تبّع كلّما أخبره عن شيء منها يقول: كلّ ذلك على هذه الزربية. يريد بذلك تبّع
__________
[1] المكتب، بكسر التاء المشدّدة، هو من يعلم الصبيان الخط والأدب. السمعاني. 54 ب. ما عدا ط، مب، مط، ح: «الكاتب».
[2] ط، مب، مط: «يسير».
[3] المشقر: حصن بالبحرين عظيم، لبعد القيس.
[4] ذو معاهر، بضم الميم: قيل من أقيال حمير، كما في «القاموس» (عهد). ط، مط: «يا ذا معاهد» وفي سائر النسخ: «يا ذا المعاهد» كلاهما محرّف عما أثبت. عود، أراد: أم طرفت بعود.
[5] ط: «إن لم يلقها حرب» مب، مط: «إن لم تلقها حرب». والأشاء: جمع أشاءة، وهي صغار النخل. مجرود: جرّد عنه الخوص، أو أصابه الجراد.
[6] كذا في ط، مب، مط. وفي سائر النسخ: «زيد بن أمية بن زيد وابن عمّه زيد بن ضبيعة بن زيد بن عمرو بن عوف وابن عمه زيد بن أمية بن زيد، وابن عمه زيد بن عبيد بن زيد»، وفيه تكرار وخلاف في الترتيب.
[7] كذا على الصواب في ط، مب، مط و «كتاب التيجان» لوهب بن منبه 294. لكن في «التيجان»: «أن يسد». وفي سائر النسخ: «أن يرد خبره جبله».
[8] الزربية، بالكسر وبضم: واحدة الزرابي، وهي البسط والنمارق.
قتل أحيحة، ففطن أحيحة أنه يريد قتله فخرج من عنده فدخل خباءه، فشرب الخمر، وقرض أبياتا، وأمر القينة أن نغنّيه بها، وجعل تبّع عليه حرسا، وكانت قينته تدعى مليكة فقال:
يشتاق قلبي إلى مليكة لو ... أمست قريبا ممن يطالبها
الأبيات. وزاد فيها مما ليس فيه غناء:
لتبكني قينة ومزهرها ... ولتبكني قهوة وشاربها
ولتبكني ناقة إذا رحلت ... وغاب في سردح مناكبها [1]
ولتبكني عصبة إذا جمعت ... لم يعلم الناس ما عواقبها [2]
فلم تزل القينة تغنّيه بذلك يومه وعامّة ليلته [3]؛ فلما نام الحرّاس قال لها: إنّي ذاهب إلى أهلي فشدّي [4] عليك الخباء، فإذا جاء رسول الملك فقولي له: هو نائم؛ فإذا أبوا إلّا أن يوقظوني فقولي: قد رجع إلى أهله وأرسلني إلى الملك برسالة. فإن ذهبوا بك إليه فقولي له: يقول لك أحيحة: «اغدر بقينة أو دع». ثم انطلق فتحصّن في أطمه [5] الضّحيان، وأرسل تبّع من جوف الليل إلى الأزياد فقتلهم على فقارة من فقار [6] تلك الحرّة. وأرسل إلى أحيحة ليقلته، فخرجت إليهم/ القينة، فقالت: هو راقد. فانصرفوا وتردّدوا عليها مرارا؛ كلّ ذلك تقول: هو راقد.
ثم عادوا فقالوا: لتوقظنّه أو لندخلنّ عليك. قالت: فإنه قد رجع إلى أهله، وأرسلني إلى الملك برسالة. فذهبوا بها إلى الملك، فلما دخلت عليه سألها عنه، فأخبرته خبره، وقالت: يقول لك: «اغدر بقينة أو دع». فذهبت كلمة أحيحة هذه مثلا؛ فجرّد له كتيبة من خيله، ثم أرسلهم في طلبه فوجدوه قد تحصّن في أطسه، فحاصروه ثلاثا؛ يقاتلهم بالنّهار ويرميهم بالنبل والحجارة، ويرمي إليهم بالليل/ بالتمر، فلما مضت الثلاث رجعوا إلى تبّع فقالوا:
بعثتنا [7] إلى رجل يقاتلنا بالنهار، ويضيفنا بالليل! فتركه؛ وأمرهم أن يحرّقوا نخله. وشبّت الحرب بين أهل المدينة: أوسها وخزرجها ويهودها، وبين تبّع، وتحصّنوا في الآطام. فخرج رجل من أصحاب تبّع حتى جاء بني عديّ بن النجّار؛ وهم متحصّنون في أطمهم، الذي كان في قبلة مسجدهم، فدخل حديقة من حدائقهم، فرقي عذقا منها يجدّها [8]، فاطّلع إليه رجل من بني عديّ بن النجار من الأطم يقال له أحمر أو صخر [9] بن سليمان من بني سلمة، فنزل إليه فضربه بمنجل حتّى قتله ثم ألقاه في بئر! وقال: جاءنا يجدّ نخلنا [10]، «إنّما النخل لمن أبره» [11]، فأرسلها مثلا. فلما انتهى ذلك إلى تبّع زاده حنقا وجرّد إلى بني النجّار جريدة من خيله [12]؛ فقاتلهم بنو النجّار
__________
[1] السردح: الأرض اللينة المستوية. ط، ح: «سرنج». والسرنج: الأرض الواسعة.
[2] ط، مب، مط: «إذا اجتمعت».
[3] ط، مب، مط: «عامة ليله».
[4] ما عدا ط، مب، مط: «فسدى» بالسين المهملة.
[5] الأطم: حصن مبني بحجارة، وهو القصر أيضا.
[6] هذا ما في ح، مب، مط. وفي ط: «فقرة من فقار»، وهي صحيحة أيضا، مشبهتان بفقار الظهر. وفي سائر النسخ: «قفارة من قفار»، تحريف.
[7] ما عدا ط، مب، مط: «تبعثنا».
[8] العذق: النخلة، عند أهل الحجاز. يجدها: يقطع تمرها. ما عدا ط، مب، مط، ح: «يجده»، التذكير للفظ والتأنيث للمعنى.
[9] ط: «صحر» بالحاء المهملة.
[10] ما عدا ط، مب، مط: «نخلتنا».
[11] الأبر والتأبير: إصلاح النخل وتشذيبه.
[12] الجريدة من الخيل: القطعة منها عليها فرسانها.
ورئيسهم عمرو بن طلّة [1] أخو بني معاوية بن مالك بن النجّار، وجاء بعض تلك الخيول إلى بني عديّ وهم متحصّنون في أطمهم الذي في قبلة مسجدهم، فراموا بني عديّ بالنّبل، فجعلت نبلهم تقع في جدار الأطم، فكان على أطمهم مثل الشّعر من النبل، فسمّي ذلك الأطم الأشعر - ولم تزل بقايا النّبل فيه حتّى جاء اللّه عزّ وجلّ بالإسلام - وجاء بعض جنوده إلى بني الحارث بن الخزرج، فجذموا نخلهم من أنصافها،/ فسمّيت تلك النخل جذمان [2]، وجدعوا هم فرسا لتبّع، فكان تبّع يقول: لقد صنع بي أهل يثرب شيئا ما صنعه بي أحد؛ قتلوا ابني وصاحبي، وجدعوا فرسي! قالوا: فبينا تبّع يريد إخراب المدينة، وقتل المقاتلة، وسبي الذرّية، وقطع الأموال أتاه حبران من اليهود [3] فقالا، أيها الملك انصرف عن هذه البلدة فإنّها محفوظة، وإنا نجد اسمها كثيرا في كتابنا، وأنّها مهاجر نبيّ من بني إسماعيل اسمه أحمد، يخرج من هذا الحرم من نحو البيت الذي بمكة، تكون داره وقراره، ويتبعه أكثر أهلها. فأعجبه ما سمع منهما، وكفّ عن الذي أراد بالمدينة وأهلها، وصدّق الحبرين بما حدّثاه، وانصرف تبّع عما كان أراد بها، وكفّ عن حربهم، وآمنهم حتّى دخلوا عسكره، ودخل جنده المدينة؛ فقال عمرو بن مالك بن النجار، يذكر شأن تبع، ويمدح عمرو بن طلّة:
أصحا أم انتحى ذكره ... أم قضى من لذّة وطره [4]
بعد ما ولّى الشباب وما ... ذكره الشّباب أو عصره [5]
إنّها حرب يمانية ... مثلها آتى الفتى عبره
سائلي عمران أو أسدا ... إذ أتت تعدو مع الزّهره [6]
/فيلق فيه أبو كرب ... سبع أبدانه ذفره [7]
/ثم قالوا من يؤمّ بنا ... أبنو عوف أم النّجره [8]
يا بني النّجار إنّ لنا ... فيكم ذحلا وإنّ تره [9]
فتلقّتهم مسايفة ... مدّها كالغبية النّثره [10]
- الغبية [11]: السحابة التي فيها مطر وبرق برعد - .
__________
[1] كذا في ط، مب، مط، و «كتاب التيجان» 294 - 295. وفي سائر النسخ: «عمرو بن طلحة» في كل موضع من هذا الخبر.
[2] أي سمي ذلك الموضع، وهو بضم الجيم. وأنشد ياقوت فيه لقيس بن الخطيم:
فلا تقربوا جذمان إن حمامه ... وجنته تأذى بكم فتحملوا
[3] الحبر، بفتح الحاء وكسرها: العالم.
[4] انتحى: اعتمد وقصد. ط، ح، مب، مط: «أم ما انتحى».
[5] العصر، بضمتين: لغة في العصر، وهو الزمان. ما عدا ط، ح: «ذكرت شبانه». وإنما يقول: إن ذكر الشباب وعصره لا يغني عن الشيخ فتيلا.
[6] عمران، في ط، ح، مب، مط. وفي سائر النسخ: «همدان».
[7] كذا على الصواب في ط، مب، مط. جعله أسدا ذفر البدن، والسبع أبخر ذفر البدن. ما عدا ط، مب: «تبع» تحريف.
[8] يعني بالنجرة، بني النجار.
[9] أي وإن لنا ترة. والترة: الوتر والذحل. وهذه رواية ط، مب. وفيما عداهما: «و إن نترة»، تحريف.
[10] المسايفة: التي تسايف، أي تضارب بالسيوف. كالغبية، هي فيما عدا ط، مب، مط، ج: «كالصيبة»، تحريف. والنثرة: وصف من النثر، وهو رمي الشيء متفرقا.
[11] الغبية: بفتح الغين وسكون الباء بعدها. ما عدا ط، ما، ج: «الصيبة»، محرفة.
فيهم عمرو بن طلّة لا ... همّ فامنح قومه عمره [1] ضسيّد سامي الملوك ومن
يدع عمرا لا تجد قدره [2]
وقال في ذلك رجل من اليهود:
تكلّفني من تكاليفها ... نخيل الأساويف والمصنعه [3]
نخيلا حمتها بنو مالك ... جنود أبي كرب المفظعه
وقال أحيحة يرثي الأزياد الذين قتلهم تبّع:
ألا يا لهف نفسي أيّ لهف ... على أهل الفقارة أيّ لهف [4]
/مضوا قصد السّبيل وخلّفوني ... إلى خلف من الأبرام خلف [5]
سدى لا يكتفون ولا أراهم ... يطيعون أمرا إن كان يكفي [6]
قالوا: فلما كفّ تبّع عن أهل المدينة اختلطوا بعسكره فبايعوه وخالطوهم. ثم إنّ تبّعا استوبأ بئره التي حفرها [7]، وشكا بطنه عن مائها؛ فدخلت عليه امرأة من بني زريق يقال لها فكهة بنت زيد بن كلدة [8] بن عامر بن زريق، وكانت ذات جلد وشرف في قومها، فشكا إليها وبأبئره، فانطلقت فأخذت قربا وحمارين حتّى استقت له من ماء رومة، فشربه فأعجبه، وقال: زيديني من هذا الماء. فكانت تختلف إليه في كلّ يوم بماء رومة، فلمّا حان رحيله دعاها، فقال لها: يا فكهة، إنّه ليس معنا من الصفراء والبيضاء شيء [9]، ولكن لك ما تركنا من أزوادنا ومتاعنا. فلما خرج تبّع نقلت ما تركوه من ازوادهم ومتاعهم؛ فيقال إنه لم تزل فكهة أكثر بني زريق مالا حتّى جاء الإسلام.
قال: وخرج تبّع يريد اليمن ومعه الحبران اللذان نهياه عن المدينة، فقال حين شخص من منزله: هذه قباء الأرض. فسمّيت قباء [10]. ومرّ بالجرف فقال؛ هذا جرف الأرض. فسمّي الجرف؛ وهو أرفعها. ومرّ بالعرصة وتسمّى السليل فقال: هذه عرصة الأرض. ثم انحدر في العقيق فقال: هذا عقيق الأرض. فسمّي العقيق./ ثمّ خرج يسير حتّى نزل البقيع، فنزل على غدير ماء يقال له براجم، فشرب منه شربة فدخلت في حلقه علقة فاشتكى منها. فقال فيما ذكر أبو مسكين قوله:
__________
[1] لا هم، أي اللّهم. قومه، كذا على الصواب في ط، مب، مط. وفي ج: «قوله» وفي سائر النسخ: «نوله» محرفتان. وهو دعاء له بطول العمر.
[2] قدره، أي مثله وكفأه.
[3] الأساويف والمصنعة: موضعان لم أهتد إلى تعيينهما. ط، مط: «كل لهف».
[4] ما عدا ط، ح: «أهل القفارة» وهي في مط مهملة الفاء والقاف. وانظر ما سبق في صفحة 40.
[5] الأبرام: جمع برم، بالتحريك، وهو الجبان البخيل، أو المعدم الذي لا يدخل مع القوم في الميسر. والخلف، بالفتح: الأشرار.
[6] سدى: همل. س: «يصونون أمرا».
[7] استوبأها: استوخمها.
[8] ط، ح، مب: «جلدة» مب: «حمدة».
[9] الصفراء: الدنانير. والبيضاء: الدراهم.
[10] إنما يصح اشتقاقها على لغة القصر، فإن القبي: جمع قبوة. انظر «معجم البلدان» (قبا).
ولقد شربت على براجم شربة ... كادت بباقية الحياة تذيع [1]
ثم مضى حتى إذا كان بحمدان [2] جاءه نفر من هذيل [3] فقالوا له: اجعل لنا جعلا وندلّك على بيت مال فيه كنوز من اللؤلؤ والياقوت والزبرجد والذهب والفضّة [4]، ليست لأهله منعة ولا شرف. فجعل لهم على ذلك جعلا، فقالوا له: هو البيت الذي تحجّه العرب بمكة. وأرادوا بذلك هلاكه. فتوجّه نحوه فأخذته ظلمة منعته من السّير، فدعا الحبرين فسألهما، فقالا: هذا لما/ أجمعت عليه في هذا البيت؛ واللّه مانعه منك، ولن تصل إليه، فاحذر أن يصيبك ما أصاب من انتهك حرمات اللّه؛ وإنّما أراد القوم الذين أمروك به هلاكك؛ لأنه لم يرمه أحد قطّ بشرّ إلا أهلكه اللّه، فأكرمه وطف به، واحلق رأسك عنده، فترك الذي كان أجمع عليه، وأمر بالهذلّيين فقطّع أيديهم وأرجلهم، ثم خرج يسير حتّى أتى مكّة فنزل بالشّعب من الأبطح، وطاف بالبيت، وحلق رأسه، وكساه الخصف [5].
محاولة تبع هدم البيت ثم عدوله عن ذلك:
قال هشام: وحدّثني ابن لجرير بن يزيد البجلي عن جعفر بن محمد عن أبيه. قال هشام: وحدّثني أبي عن صالح [6] عن ابن عباس قال:
لمّا أقبل تبّع يريد هدم البيت وصرف وجوه العرب إلى اليمن، بات صحيحا فأصبح وقد سالت عيناه على خدّيه، فبعث إلى السّحرة والكهّان والمنجّمين، فقال: مالي، فو اللّه [7] لقد بتّ ليلتي ما أجد شيئا، وقد صرت إلى ما ترون. فقالوا: حدّث نفسك بخير. ففعل فارتدّ بصيرا، وكسا البيت الخصف.
هذه رواية جعفر بن محمد عن أبيه. وفي رواية ابن عباس:
فأتي في المنام فقيل له: اكسه أحسن من هذا. فكساه الوصائل - قال: وهي برود العصب [8]، سمّيت الوصائل لأنّها كانت يوصل بعضها ببعض - قال: فأقام بمكة ستّة أيام يطعم الطعام، وينحر في كلّ يوم ألف بعير، ثم سار إلى اليمن وهو يقول:
ونحرنا بالشّعب ستّة آلا ... ف ترى الناس نحوهنّ ورودا [9]
وكسونا البيت الذي حرّم اللّ ... - ه ملاء معضّدا وبرودا؟ [10]
__________
[1] كذا على الصواب في ح. وفي ط، مب، مط: «تريع» وفي سائر النسخ: «تزيغ». وإنما يقال أذاع بالشي ء: ذهب به. ومنه بيت الكتاب:
ربع قواء أذاع المعصرات به
أي أذهبته وطمست معالمه. وقول الآخر:
توازن أعوام أذاعت بخمسة ... وتجعلني إن لم يق اللّه سأدبا.
[2] ط، ح: «بجمدان» بالجيم.
[3] كذا على الصواب في ط، مب، مط و «التيجان» 295. وفي سائر النسخ «من قريش».
[4] هذه من ط، مب، مط.
[5] الخصف، بالتحريك: ثياب غلاظ جدا، مشبهة بالخصف المنسوج من الخوص.
[6] ط، مب، مط: «عن أبي صالح».
[7] ما عدا ط، مب، مط: «فقال واللّه».
[8] العصب: ضرب من برود اليمن. وهذا ما في ط، مب، مط، ح. وفي سائر النسخ: «القصب»، تحريف.
[9] ورودا، أي واردين. وأصل الورود مصدر ورد.
[10] معضد: مخطط على شكل العضد. ما عدا ط، مب، مط، ح: «منضدا» تحريف.
وأقمنا به من الشّهر ستّا ... وجعلنا له به إقليدا
ثم أبنا منه نؤمّ سهيلا ... قد رفعنا لواءنا المعقودا [1]
قال: وتهوّد تبّع وأهل اليمن بذينك الحبرين.
خلاف أحيحة مع بني النجار وخيانة زوجه له:
أخبرني محمد بن مزيد [2] قال: أخبرني حمّاد بن إسحاق عن أبيه، قال: حدّثني أبو البختري عن أبي إسحاق، قال: أخبرني أيوب بن عبد الرحمن:
أنّ رجلا من بني مازن بن النجار يقال له كعب بن عمرو، تزوّج امرأة من بني سالم بن عوف [3] فكان يختلف إليها، فقعد له رهط من بني جحجبى بمرصد، فضربوه حتّى قتلوه أو كادوا، فأدركه القوافل [4] فاستنقدوه؛ فلما بلغ ذلك أخاه عاصم بن عمرو خرج وخرج معه بنو النجّار وخرج أحيحة بن الجلاح ببني عمرو بن عوف، فالتقوا بالرّحابة [5]، فاقتتلوا قتالا شديدا، فقتل أخا عاصم يومئذ أحيحة بن الجلاح، وكان يكنى أبا وحوحة، فأصابه في أصحابه حين انهزموا، وطلب عاصم أحيحة حتّى انتهى إلى البيوت، فأدركه عاصم عند باب داره فزجّه بالرمح، ودخل [6] أحيحة الباب، ووقع الرّمح في الباب، ورجع عاصم وأصحابه فمكث أياما. ثم إنّ عاصما طلب أحيحة ليلا ليقتله في داره، فبلغ ذلك أحيحة، وقيل له إنّ عاصما قد رئي البارحة عند الضّحيان [7] والغابة [8] - وهي أرض لأحيحة، والضّحيان: أطم له - وكان أحيحة إذ ذاك سيّد قومه من الأوس، وكان رجلا صنعا للمال [9]، شحيحا عليه، يبيع [10] بيع الربا بالمدينة، حتّى كاد يحيط بأموالهم، وكان له تسع وتسعون بعيرا [11] كلّها ينضح/ عليها، وكان له بالجرف أصوار [12] من نخل قلّ يوم يمرّ به إلّا يطّلع فيه، وكان له أطمان: أطم في قومه/ يقال له المستظلّ، وهو الذي تحصّن فيه حين قاتل تبّعا أسعد أبا كرب الحميريّ، وأطمه الضّحيان بالعصبة [13] في أرضه التي يقال لها الغابة [14] بناه بحجارة سود وبنى عليه نبرة [15] بيضاء مثل الفضّة، ثم جعل عليها مثلها، يراها الراكب من مسيرة يوم أو نحوه،
__________
[1] نؤم سهيلا، أي نقصد اليمن. وسهيل مطلعه اليمن.
[2] ما عدا ط، مب،، مط ح: «محمد بن يزيد».
[3] ما عدا ط، ما، مب: «بن عون».
[4] القوافل، بقافين: بطن من الأنصار. وفي الأصول: «القوافل».
[5] الرحابة: بضم الراء: موضع بالمدينة.
[6] فيما عدا ط، مب، مط، ح: «و قفل»، تحريف.
[7] هذا ما في ط، مب، مط. وفي سائر النسخ: «قد روي عن الضحيان» تحريف.
[8] ط: «و العناية» ح: «و العنانة» أ: «و العباية». مط: «و العاية».
[9] الصنع، بالتحريك: الحاذق الماهر. ما عدا ط، مب: «صنيعا» محرّف.
[10] ما عدا ط، مب، مط: «يتبع».
[11] ط، مط: «بئرا». ومؤدّى العبارتين واحد.
[12] أصوار: جمع صور، بالفتح، وهو النخل الصغار أو المجتمع. والمعروف في جمعه «صيران».
[13] سبق الكلام عليها في صفحة 37.
[14] انظر ما سبق قريبا ص 47.
[15] النبرة: كل شيء مرتفع فوق شيء. ط، مب، مط: «بئره» تحريف.
وكانت الآطام هي عزّهم ومنعتهم وحصونهم التي يتحرّزون فيها من عدوّهم. ويزعمون أنّه لما بناه أشرف هو وغلام له، ثم قال: لقد بنيت حصنا حصينا ما بنى مثله رجل من العرب أمنع ولا أكرم، ولقد عرفت موضع حجر منه لو نزع لوقع جميعا! فقال غلامه: أنا أعرفه. فقال: فأرنيه يا بنيّ. قال: هو هذا. وصرف إليه رأسه، فلما رأى أحيحة أنّه قد عرفه دفعه من رأس الأطم فوقع على رأسه فمات، وإنّما قتله إرادة ألّا يعرف ذلك الحجر أحد. ولمّا بناه قال:
بنيت بعد مستظلّ ضاحيا ... بنيته بعصبة [1] من ماليا
والسرّ مما يتبع القواصيا [2] ... أخشى ركيبا أو رجيلا عاديا [3]
وكان أحيحة إذا أمسى جلس بحذاء حصنه الضّحيان، ثم أرسل كلابا له تنبح دونه على من يأتيه ممّن لا يعرف، حذرا أن يأتيه عدوّ يصيب منه غرّة؛ فأقبل عاصم بن عمرو يريده في مجلسه ذلك ليقتله بأخيه، وقد أخذ معه تمرا، فلما نجته/ الكلاب حين دنا منه ألقى لها التمرّ فوقفت، فلمّا رآها أحيحة قد سكنت حذر فقام فدخل حصنه، ورماه عاصم بسهم فأحرزه منه الباب [4]، فوقع السّهم بالباب، فلما سمع أحيحة وقع السّهم صرخ في قومه، فخرج عاصم بن عمرو، فأعجزهم حتّى أتى قومه. ثمّ إنّ أحيحة جمع لبني النجّار، فأراد أن يغترّهم فواعدهم وقومه لذلك [5]، وكانت عند أحيحة سلمى بنت عمرو بن زيد بن لبيد بن خداش إحدى نساء بني عديّ بن النجار، له منها عمرو بن أحيحة، وهي أمّ عبد المطلب بن هاشم، خلف عليها هاشم بعد أحيحة، وكانت امرأة شريفة لا تنكح الرجال إلّا وأمرها بيدها، إذا كرهت من رجل شيئا تركته.
فزعم ابن إسحاق أنّه حدّثه أيوب بن عبد الرحمن [6]، وهو أحد رهطها، قال: حدّثني شيخ منّا أنّ أحيحة لمّا أجمع بالغارة على قومها ومعها ابنها عمرو بن أحيحة، وهو يومئذ فطيم أو دون الفطيم، وهو مع أحيحة في حصنه عمدت إلى ابنها فربطته بخيط، حتّى إذا أوجعت الصبيّ تركته فبات يبكي، وهي تحمله؛ وبات أحيحة معها ساهرا، يقول: ويحك ما لابني؟ فتقول: واللّه ما أدري ماله. حتّى إذا ذهب اللّيل أطلقت الخيط عن الصبيّ فنام. وذكروا أنّها ربطت رأس ذكره، فلما هدأ الصبيّ قالت: وارأساه! فقال: أحيحة: هذا واللّه ما لقيت من سهر هذه الليلة.
فبات يعصب لها رأسها ويقول: ليس بك بأس. حتّى إذا لم يبق من الليل إلا أقلّه قالت له: قم فنم، فإنّي أجدني [7] صالحة قد ذهب عنّي ما كنت/ أجده. وإنما فعلت به ذلك ليثقل رأسه، وليشتدّ نومه على طول السّهر. فلما نام قامت وأخذت حبلا شديدا وأوثقته برأس الحصن، ثم تدلّت منه وانطلقت إلى قومها، فأنذرتهم وأخبرتهم بالذي أجمع هو وقومه من ذلك، فحذر القوم وأعدّوا واجتمعوا. فأقبل أحيحة في قومه فوجد القوم على حذر قد
__________
[1] ط، مب، مط: «بقودة».
[2] ما عدا ط، ح، مب، مط: «للستر مما يتبع القواصيا».
[3] الركيب: مصغر ركب، وهم الجماعة الراكبون. والرجيل: مصغر الرجل، بالفتح، وهم الجماعة الراجلون.
[4] هذا الصواب من ح، ط، مب، مط. وفي سائر النسخ: «فأحرز منه الباب».
[5] فيما عدا ط، ح، مب، مط: «فواعده قومه لذلك».
[6] ما عدا ط، ح، مب، مط: «أن جدّه أيوب بن عبد الرحمن»، تحريف.
[7] ما عدا ط، ح، مب، مط: «أجد في صالحة» محرّف.
استعدّوا، فلم يكن بينهم كبير قتال؛ ثم رجع أحيحة فرجعوا عنه،/ وقد فقدها أحيحة حين أصبح؛ فلما رأى القوم على حذر قال: هذا عمل سلمى! خدعتني حتّى بلغت ما أرادت. وسمّاها قومها المتدلّية؛ لتدلّيها من رأس الحصن. فقال في ذلك أحيحة وذكر ما صنعت به سلمى:
شعره في امرأته سلمى:
تفهّم أيّها الرّجل الجهول ... ولا يذهب بك الرأي الوبيل
فإنّ الجهل محمله خفيف ... وإنّ الحلم محمله ثقيل [1]
[و فيها يقول:
لعمر أبيك ما يغني مقامي ... من الفتيان رائحة جهول
نؤوم ما يقلّص مستقلّا ... على الغايات مضجعه ثقيل]
إذا باتت أعصّبها فنامت ... عليّ مكانها الحمّى الشّمول [2]
لعلّ عصابها يبغيك حربا ... ويأتيهم بعورتك الدّليل
وقد أعددت للحدثان عقلا ... لوآنّ المرء تنفعه العقول [3]
/و قال فيها وفيما صنعت به:
أخلق الرّبع من سعاد فأمسى ... ربعه مخلقا كدرس الملاة [4]
باليا بعد حاضر ذي أنيس ... من سليمى إذ تغتدي كالمهاة
وهي قصيدة طويلة، يقال إنّ في هذين البيتين منها غناء.
مساومة قيس بن زهير له في درعه:
أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال: حدّثني عمي عن العباس بن هشام عن أبيه عن أبي مسكين:
أنّ قيس بن زهير بن جذيمة أتى أحيحة بن الجلاح لمّا وقع الشرّ بينه وبين بني عامر؛ وخرج إلى المدينة ليتجهّز، بعث إليهم حين قتل خالد بن جعفر زهير بن جذيمة، فقال قيس لأحيحة: يا أبا عمرو، نبّئت أنّ عندك درعا ليس بيثرب درع مثلها؛ فإن كانت فضلا [5] فبعنيها، أو فهبها لي. فقال: يا أخا بني عبس، ليس مثلي يبيع السلاح ولا يفضل عنه [6]، ولو لا أنّي أكره أن أستليم [7] إلى بني عامر لوهبتها لك، ولحملتك على سوابق خيلي، ولكن
__________
[1] البيتان بعده مما انفردت به نسخة ط، مب، مط.
[2] أعصبها، يشير إلى ما كان من تعصيبه رأس امرأته حين ادّعت ألم رأسها. يقول: باتت عليه الحمى الشمول، أي الباردة التي تصيب صاحبها بالقشعريرة.
[3] العقول: جمع عقل، وهو الحصن والمعقل. وفي الأصول: «أصلا» وقد فسّرت في مط «هو بناء الحصن». والرواية المعروفة:
«عقلا» كما في «اللسان» (عقل).
[4] الملاة، أراد بها الملاءة. والدرس: الخلق، بفتح الدال وكسرها، وهو من إضافة إلى الموصوف.
[5] الفضل بضمتين. وانظر شروح «سقط الزند» 1488.
[6] ط، مب، مط: «تفضل عليه» ح: «يفضل عليه».
[7] استلام إليهم: أتى إليهم ما يلومونه عليه. وفي ط: «أن أستذم» وفي هامشها «أن أستليم» كما في سائر النسخ.
اشترها يا أبا أيوب [1]، فإنّ البيع مرتخص وغال. فأرسلها مثلا. فقال له قيس: فما تكره من استلامتك إلى بني عامر؟ قال: كيف لا أكره ذلك وخالد بن جعفر الذي يقول:
إذا ما أردت العزّ في آل يثرب ... فناد بصوت يا أحيحة تمنع [2]
رأيت أبا عمرو أحيحة جاره ... يبيت قرير العين غير مروّع
/ ومن يأته من خائف ينس خوفه ... ومن يأته من جائع الجوف [3] يشبع
فضائل كانت للجلاح قديمة ... وأكرم بفخر من خصالك الأربع
فقال قيس: وما عليك بعد ذلك من لوم. فلها عنه ثم عاوده فساومه، فغضب أحيحة وقال له: بت عندي.
فبات عنده، فلمّا شرب تغنّى أحيحة وقيس يسمع:
ألا يا قيس لا تسمنّ درعي ... فما مثلي يساوم بالدّروع [4]
فلولا خلّة لأبي جويّ ... وأنّي لست عنها بالنّزوع
لأبت بمثلها عشر وطرف ... لحوق الإطل جيّاش تليع [5]
ولكن سمّ ما أحببت فيها ... فليس بمنكر غبن البيوع [6]
فما هبة الدّروع أخا بغيض ... ولا الخيل السّوابق بالبديع [7]
و/ قال: فأمسك بعد ذلك عن مساومته:
إسحاق الموصلي وسؤاله حفيد معبد عن غناء جدّه:
أخبرنا يحيى بن علي بن يحيى قال: حدّثني أخي أحمد بن عليّ عن عافية بن شبيب، قال: حدّثني أبو جعفر الأسدي، عن إسحاق بن إبراهيم الموصلي، وأخبرنا به إسماعيل بن يونس الشيعي إجازة، عن عمر بن شبّة عن إسحاق قال:
دعاني الفضل بن الربيع يوما فأتيته، فإذا عنده شيخ حجازيّ حسن الوجه والهيئة، فقال لي: أتعرف هذا؟
قلت: لا. قال: هذا ابن أنيسة بنت معبد، فسله عمّا أحببت من غناء جدّه. فقلت: يا أخا أهل الحجاز، كم غناء جدّك؟ قال: ستّون صوتا. ثم غناني:
ما أحسن الجيد من مليكة وال ... - لّبّات إذ زانها ترائبها
__________
[1] ما عدا ط، ح، مب، مط: «ابتزها». والابتزاز: الاستلاب، وليس مرادا هنا.
[2] ما عدا ط، مب، مط: «أسمع» تحريف.
[3] ب، س: «البطن».
[4] أراد: «لا تسومن» فأسقط الواو للشعر.
[5] أي بعشر مثلها. والطرف، بالكسر: الفرس الكريم الطرفين، أي الأبوين. واللحوق: الضامر. والإطل: الخاصرة. والتليع:
الطويل العنق.
[6] ما عدا ط، مب، مط: «غير البيوع»، تحريف.
[7] أي يا أخا بغيض، وهم قبيلة قيس بن زهير بن جذيمة. البديع: الأمر المبتدع.
/ قال: فغنّاه أحسن غناء في الأرض، ولم آخذه منه اتّكالا على قدرتي عليه. واضطرب [1] الأمر على الفضل وصار إلى التغيّب، وشخص الشيخ إلى المدينة، فبقيت أنشد الشّعر وأسأل عنه مشايخ المغنّين، وعجائز المغنّيات، فلا أجد أحدا يعرفه، حتى قدمت البصرة، وكنت آتي جزيرتها في القيظ فأبيت بها ثم أبكر بالغداة إلى منزلي. فإنّي لداخل يوما إذا بامرأتين نبيلتين [2]، قد قامتا فأخذتا بلجام حماري، فقلت لهما: مه! قال أبو زيد في خبره: فقالت إحداهما: كيف عشقك اليوم ل «ما أحسن الجيد من مليكة» وشغفك به، فقد بلغني أنّك كنت تطلبه من كلّ أحد؟
وقد كنت رأيتك في مجلس الفضل وقد استخفّك الطّرب لهذا الصوت حتّى صفّقت. قال: فقلت لها: أشدّ واللّه ما كنت عشقا له، وقد ألهبت بذكرك إيّاه في قلبي جمرا، ولقد طلبته ببغداد كلّها فلم أجد أحدا يسمعنيه. قالت:
أفتحبّ أن أغنيّك إياه. قلت: نعم. فغنّته واللّه أحسن ممّا سمعته قديما بصوت خافض، فنزلت إليها فقبّلت يديها ورجليها وقلت: جعلني اللّه فداك، لو شئت لصرت معي إلى منزلي. قالت: أصنع ماذا؟ قلت: أغنّيك وتغنّيني يومنا إلى الليل. قالت: أنت واللّه أطفس [3] من أن تفعل ذاك، وإنّما هو عرض، ولكنّي أغنّيك حتّى تأخذه. فقلت: بأبي أنت وأمّي، وجعلني اللّه فداك من أنت؟ قالت: أنا وهبة جارية محمّد بن عمران القرويّ، التي يقول فيها فرّوح [4] الرّفاء الطّلحي:
صوت
يا وهب لم يبق لي شيء أسرّ به ... إلّا الجلوس فتسقيني وأسقيك [5]
وتمزجين بريق منك لي قدحا ... كأنّ فيه رضاب المسك من فيك
يا أطيب النّاس ريقا غير مختبر ... إلّا شهادة أطراف المساويك
قد زرتنا زورة في الدّهر واحدة ... ثنّي ولا تجعليها بيضة الديك [6]
ما نلت منك سوى شيء أسرّ به ... ولست أبصر شيئا من مساويك [7]
قالت ملكت ولم تملك فقلت لها ... ما كلّ مالكة تزري بمملوك
قال أبو زيد خاصّة: قال إسحاق: وأنشدتنيه وغنّتني فيه بصوت مليح قد صنعته فيه، ثم صارت إليّ بعد ذلك، وكانت من أحسن الناس غناء، وأحسنهم رواية. فما كانت تفوق فيه من صنعتها سائر الناس صوتها، وهو:
صوت
لا بدّ من سكرة على طرب ... لعلّ روحا يدال من كرب [8]
__________
[1] ما عدا ط، ح، مب، مط: «و اطرب»، وهي لغة في اضطرب.
[2] النبيلة: الجسيمة.
[3] أطفس، من الطفس وهو القذارة. وهذا ما في ط، ح. وفي سائر النسخ: «أنفس».
[4] ط، مب، مط: «فروج»، بالجيم.
[5] شيء، في ط، مب، مط. وفي سائر النسخ: «شيئا».
[6] بيضة الديك: مثل في الندرة، يقال إنه يبيض في العمر بيضة واحدة.
[7] المساوي: مقابل المحاسن.
[8] الروح: الراحة. يدال: يبدل. ما عدا ط، ح، مب، مط: «يداك» محرّف.
فعاطنيها صفراء صافية ... تضحك من لؤلؤ على ذهب
قال: ولها فيه عمل فاضل. ومن صنعتها قوله:
صوت
الكأس بعد الكأس قد ... تصبي لك الرجل الحليما
وتقرّب النسب البعي ... - د وتبسط الوجه الشّتيما [1]
قال: وممّا برّزت فيه من صنعتها:
صوت
هاتها سكّريّة كشعاع ال ... شّمس لا قرقفا ولا خندريسا [2]
في ربى يخلع الوليّ عليها ... ما يحيّي به الجليس الجليسا [3]
فلنوّارها نسيم إذا ما ... حرّكته الرّياح ردّ النّفوسا
صوت
أمسى لسلّامة الزّرقاء في كبدي ... صدع مقيم طوال الدّهر والأبد
لا يستطيع صناع القوم يشعبه ... وكيف يشعب صدع الحبّ في الكبد [4]
إلّا بوصل التي من حبّها انصدعت ... تلك الصّدوع من الأسقام والكمد
الشعر والغناء لمحمد بن الأشعث بن فجوة الكاتب الكوفي، أحد بني زهرة من قريش. ولحنه من خفيف الثّقيل الأوّل بالبنصر.
سلامة الزرقاء:
وسلّامة الزرقاء هذه جارية ابن رامين، وكانت إحدى القينات المحسنات.
__________
[1] الشتيم: القبيح الكريه المنظرة.
[2] القرقف: التي تقرقف صاحبها، لشدتها. والخندريس: القديمة.
[3] الولي: المطر يأتي بعد الوسمي. يحيي الجليس جليسه بالزهر.
[4] الصناع، بالفتح: الحاذق بالصنعة، يقال للذكر والأنثى. والشعب: الإصلاح. أراد: أن يشعبه، فحذف «أن».
5 - ذكر خبرها وخبر محمد بن الأشعث
نسخت ذلك من كتاب هارون بن محمد بن عبد الملك الزيات [1]، ذكر أنّ أبا أيوب المديني حدّثه [2] عن أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن داود قال:
كان محمد بن الأشعث القرشي ثم الزهري كاتبا، وكان من فتيان أهل الكوفة وظرفائهم وأدبائهم، وكان يقول الشعر ويتغنى فيه. فمن ذلك قوله في زرقاء جارية ابن رامين، وكان يألفها:
أمسى لسلّامة الزّرقاء في كبدي
وذكر الأبيات:
شعر محمد بن الأشعث في سلّامة:
قال: ومن شعره فيها يخاطب مولاها وقد كان حجّ وأخرج جواريه كلّهنّ - هكذا ذكر أحمد بن إبراهيم. وهذا الشعر [3] الثاني لإسماعيل بن عمّار الأسدي، وقد ذكرت أخباره في موضع آخر.
صوت
أيّة حال يابن رامين ... حال المحبّين المساكين
تركتهم موتى ولم يتلفوا ... قد جرّعوا منك الأمرّين
- [و يروى: «تركتهم موتى وما موّتوا»، وجدته بخطّ حمّاد [4].] -
وسرت في ركب على طيّة ... ركبب تهام ويمانين
/ يا راعي الذّود لقد رعتهم ... ويلك من روع المحبّين
فرّقت جمعا لا يرى مثلهم ... بين دروب الرّوم والصّين
الغناء لمحمد بن الأشعث نشيد خفيف ثقيل أوّل بالوسطى في مجراها، عن ابن المكي وغيره.
شعره في وصيفة:
قال: ودخل ابن الأشعث يوما على ابن رامين فخرجت إليه الزّرقاء، فبينما هو يلقي عليها إذ بصر بوصيفة من وصائفهم فأعجبته، فقال شعرا في وقته، وتغنى فيه، فأخذته منه الزرقاء، وهو قوله:
__________
[1] هذا ما في ط، مط. وفي سائر النسخ: «كتاب محمد بن عبد الملك الزيات».
[2] ما عدا ط، ح، مب، مط: «ذكر أبو أيوب المديني أنه حدثه» محرّف.
[3] ما عدا ط، مب، مط: «هكذا ذكره. وذكر أحمد بن إبراهيم أن هذا الشعر».
[4] التكملة من ط، مب.
صوت
قل لأختي التي أحبّ رضاها ... أنت لي فاعلميه ركن شديد
إنّ لي حاجة إليك فقولي: ... بين أذني وعاتقي ما تريد
يعني قولي: ما تريد في عنقي حتّى أفعله. ففطنت الزّرقاء للذي أراد، فوهبت له الوصيفة، فخرج بها.
الغناء فيه رمل بالوسطى. ذكر عمرو بن بانة أنّه لابن سريج، وقد وهم في ذلك، بل الغناء لمحمد بن الأشعث لا يشكّ فيه:
هو وهشام بن محمد عند ابن رامين:
قال هارون: وحدّثني حمّاد بن إسحاق عن أبيه، قال: وحدّثني أبو عبد اللّه الأسكّ [1] أمير المغنّين أن محمد بن الأشعث الزهري، وهشام بن محمد بن أبي عثمان السّلمي، اجتمعا عند ابن رامين، وكان هشام قد أنفق في منزله مالا عظيما، وكان يقال لأبيه بسيار درم [2]، وتفسيره بالعربية: الكثير الدراهم، فقال محمد بن الأشعث:
يا هشام قل ما تشاء. قال:
قل لأختي التي أحبّ رضاها ... أنت لي فاعلميه ركن شديد
وأشار بذلك إلى سلّامة الزرقاء. قالت وقد سمعت: فقل. فقال:
إنّ لي حاجة إليك فقولي ... بين أذني وعاتقي ما تريد
ففطنت الزرقاء للذي أراد، فقالت: بين أذني وعاتقي ما تريد، فما هو؟ قال: وصيفتك هذه، فإنّها قد أعجبتني. قالت: هي لك. فأخذها فما ردّ ذلك ابن رامين ولا تكلّم فيه.
وهذا الشعر والغناء فيه لمحمّد بن الأشعث.
قال هارون: وحدّثني أبو أيوب عن أحمد بن إبراهيم قال:
هواه لسلامة وسحيقة واسترضاء ابن رامين له:
ذكر عمرو بن نوفل بن أنس بن زيد التميمي [3]، أنّ محمد بن الأشعث كان ملازما لابن رامين ولجاريته سلّامة الزرقاء، فشهر بذلك [4]، وكان رجلا قصّافا [5] فلامه قومه في فعله فلم يحفل بمقالتهم وطال ذلك منه ومنهم، حتّى رأى بعض ما كره في منزل ابن رامين، فمال إلى سحيقة جارية زريق بن منيح، مولى عيسى بن موسى. وكان زريق شيخا سخيّا [6] كريما نبيلا يجتمع إليه أشراف الكوفة من كلّ حيّ، وكان الغالب على منزله رجلا من ولد القاسم بن عبد
__________
[1] ما عدا ط، مب: «الأشيك».
[2] مركب من «بسيار» الفارسية بمعنى كثير. ودرم، هي أصل كلمة «درهم» في الفارسية.
[3] ما عدا ط، مب، مط: «التيمي».
[4] ما عدا ط، مب، مط: «فشهد بذلك» تحريف.
[5] قصافا: كثير القصف، وهو اللهو واللعب على الطعام، كما في «القاموس».
[6] هذه الكلمة من ط، مب، مط فقط.
الغفّار العجلي، كغلبة محمد بن الأشعث على منزل ابن رامين، فتواصلا على ملازمة بيت زريق. ففي ذلك يقول محمد بن الأشعث:
يابن رامين بحت بالتّصريح ... في هواي سحيقة ابن منيح [1]
قينة عفّة ومولّى كريم ... ونديم من اللّباب الصّريح [2]
/ربعيّ مهذّب أريحيّ ... يشتري الحمد بالفعال الرّبيح [3]
/نحن منه في كلّ ما تشتهي الأن ... - فس من لذّة وعيش نجيح
عند قرم [4] من هاشم في ذراها ... وغناء من الغزال المليح
في سرور وفي نعيم مقيم ... قد أمنّا من كلّ أمر قبيح
فاسل عنا كما سلوناك إنّي ... غير سال عن ذات نفسي وروحي
حافظ منك كلّ ما كنت قد ض ... - يّعت مما عصيت فيه نصيحي
فالقلى ما حييت منّي لك الدّه ... - ر بودّ لمنيتي ممنوح [5]
يابن رامين فالزمن مسجد الح ... يّ وطول الصّلاة والتّسبيح
قال عمرو بن نوفل: فلم يدع ابن رامين شريفا بالكوفة إلّا تحمّل به على ابن الأشعث وأن يرضى عنه، ويعاود زيارته، فلم يفعل، حتّى تحمّل عليه بالحجوانيّ، وهو محمد بن بشر بن حجوان الأسديّ، وكان يومئذ على الكوفة، فكلمه فرضي عنه ورجع إلى زيارته، ولم يقطع منزل زريق. وقال في سحيقة:
سحيقة أنت واحدة القيان ... فمالك مشبه فيهن ثان
فضلت على القيان بفضل حذق ... فحزت على المدى قصب الرّهان
سجدن لك القيان مكفّرات ... كما سجد المجوس لمرزبان [6]
ولا سيما إذا غنّيت صوتا ... وحرّكت المثالث والمثاني [7]
/شربت الخمر حتّى خلت أنّي ... أبو قابوس أو عبد المدان [8]
__________
[1] أي في حبي لسحيقة المنسوبة إلى ابن منيح، وهو
[2] اللباب: الصفوة. والصريح: الخالص.
[3] ربعي: منسوب إلى ربيعة. والأريحي: الذي يهتز للكرم.
[4] القرم: السيد. ما عدا ط، مب: «قوم» تحريف.
[5] القلى: البغض والكراهية. ما عدا ط، ح، مب، مط: «فاكتفي». لمنيتي، يعني بها جارية ابن رامين. يقول: إن ودي الممنوح لتلك الجارية مقابل ببغضي لك. ما عدا ط، ح: «يا منيتي».
[6] التكفير: إيماء الذمي أو المجوسي برأسه، أو أن يتطامن ويضع يده على صدره، أو أن يسجد لمن يعظمه، أو أن ينحني ويطأطىء رأسه قريبا من الركوع، وكل أولئك طريقة للتعظيم.
[7] سيما: مخفف سيما. والمثلث والمثنى من أوتار العود.
[8] أبو قابوس: كنية النعمان بن المنذر. وعبد المدان: سيد من سادات مذحج، وهو أبو يزيد عمرو بن الديان بن قطن بن زياد بن الحارث بن مالك بن ربيعة بن كعب بن عمرو، كما سبق في خبر أساقفة نجران.
فإعمال اليسار على الملاوي ... ومن يمناك ترجمة البيان [1]
احتيال سلامة لإقصاء روح بن حاتم:
أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان، عن حمّاد عن أبيه قال:
كان روح بن حاتم المهلبي كثير الغشيان لمنزل ابن رامين، وكان يختلف إلى الزّرقاء جارية ابن رامين، وكان يهواها محمد بن جميل وتهواه، فقال لها: إنّ روح بن حاتم قد ثقل علينا. قالت: فما أصنع [2]، قد غمر مولاي ببرّه! فقال: احتالي له. فبات عندهم [3] روح ليلة، فأخذت سراويله وهو نائم فغسلته، فلما أصبح سأل عنه فقالت: غسلناه. ففطن أنّه أحدث فيه فاحتيج إلى غسله، فاستحيا من ذلك وانقطع عنها، وخلا وجهها لابن جميل.
ابن رامين وجواريه وما قيل فيهن من شعر:
قال هارون:
وأخبرني حماد عن أبيه قال:
ابن رامين اسمه عبد الملك بن رامين، مولى عبد الملك بن بشر بن مروان. وجواريه سعدة، وربيحة، وسلّامة الزرقاء. وفيهن يقول إسماعيل بن عمّار الأسديّ وأنشدناه الحرميّ عن الزبير عن عمّه، وروايته أتمّ:
/هل من شفاء لقلب لجّ محزون ... صبا، وصبّ إلى ريم ابن رامين [4]
إلى ربيحة إنّ اللّه فضّلها ... بحسنها وسماع ذي أفانين [5]
نعم شفاؤك منها أن تقول لها ... قتلتني يوم دير اللّجّ فاحييني [6]
أنت الطبيب لداء قد تلبّس بي ... من الجوى فانفثي في فيّ وارقيني
نفسي تأبّى لكم إلّا طواعية ... وأنت تحمين أنفا أن تطيعيني [7]
/فتلك قسمة ضيزي قد سمعت بها ... وأنت تتلينها ما ذاك في الدين [8]
ما عائذ اللّه لي إلف ولا وطن ... ولا ابن رامين، لولا ما يمنّيني [9]
__________
[1] الملاوي: ملاوي العود التي تشد بها الاوتار. وهذا البيت لم يرد في ط، مب.
[2] ما عدا ط، مب، مط: «قد ثقل علينا فما أصنع، فقالت».
[3] ما عدا ط، مب، مط: «فبات عندها».
[4] الريم: مخفف الرئم، وهو الظبي الخالص البياض. والصب: العاشق. يقال صببت إليه صبابة فأنا صب، أي عاشق.
[5] أفانين: ضروب.
[6] دير اللج بالحيرة، بناه النعمان بن المنذر.
[7] تحمين أنفا، أي يحمي أنفك وتأنفين.
[8] تتلينها، من التلاوة. والشعر والكلام بعده إلى «عيد السعانين» وبدله فيها: «و هي طويلة. وقد تقدّمت قبل هذا الموضع في أخبار ابن عمّار الأسدي».
[9] عائذ اللّه: حي من أحياء العرب وفي الأصول: «عابد اللّه» تحريف.
يا ربّ ما لابن رامين، له بقر ... عين وليس لنا غير البراذين
لو شئت أعطيته مالا على قدر ... يرضى به منك غير الخرّد العين
لعائذ اللّه بيت ما مررت به ... إلّا وجئت [1] على قلبي بسكين
يا سعدة القينة البيضاء، أنت لنا ... أنس لأنّك في دار ابن رامين
لا تحسبنّ بياض الجصّ يؤنسني ... وأنت كنت كمثل الخزّ في اللين
لولا ربيحة ما استأنست ما عمدت ... نفسي إليك ولو مثّلت في طين [2]
/لم أنس سعدة والزّرقاء يومهما ... باللّجّ شرقيّه فوق الدّكاكين
تغنّيان ابن رامين ضحاءهما ... بالمسجحيّ وتشبيب المحبّين [3]
فما دعوت به من عيش مملكة ... ولم نعش يومنا عيش المساكين
أذاك أنعم أم يوم ظللت به ... منعّم العيش في بستان سورين
يشوي لنا الشّيخ سورين دواجنه ... بالجردناج وسحاج الشقابين [4]
نسقى شرابا لعمران يعتّقه ... يمسي الأصحاء منه كالمجانين
يعني عمران بن موسى بن طلحة بن عبيد اللّه -
إذا ذكرنا صلاة بعدما فرطت ... قمنا إليها بلا عقل ولا دين [5]
نمشي إليها بطاء لا حراك بنا ... كأنّ أرجلنا تقلعن من طين
نمشي وأرجلنا عوج مطارحها ... مشي الإوزّ التي تأتي من الصين
أو مشي عميان دبر لا دليل لهم ... إلّا العصيّ، إلى عيد السّعانين
وقال فيه أيضا:
لابن رامين خرّد كمها الرّم ... - ل حسان وليس لي غير بغل
ربّ فضّلته عليّ ولو شئ ... - ت لفضّلتني عليه بفضل
قال حمّاد: وأخبرني أبي قال: حدّثني السّكوني، أنّ جعفر بن سليمان اشترى ربيحة بمائة ألف درهم، واشترى صالح بن عليّ سعدة بتسعين ألف درهم، واشترى معن بن زائدة الزرقاء.
/ قال مؤلف هذا الكتاب: هذا خطأ، الزّرقاء اشتراها جعفر بن سليمان، ولعل معنّا اشترى غيرها.
__________
[1] الوج: الطعن بسكين ونحوه.
[2] في الأصول: «و قد مثلت في طين». وانظر ما سبق في أخبار إسماعيل بن عمّار.
[3] ج: «بالمسحجي» بتقديم الحاء.
[4] الجردناج: هو «كردناج» بالفارسية، وهو لحم ينضج قليلا بالماء ثم يشوى. معجم استينجاس» 1080: ( detsaor (dna deliobraP taeM وسحاج الثقابين، كذا وردت. وفيما مضى: «و شحاج الشعانين».
[5] فرطت: سبقت، وتقدّمت.
إسماعيل بن عمّار وسعدة جارية ابن رامين:
أخبرني حبيب بن نصر قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد قال: حدّثني علي بن الحسن الشيباني، عن عبد الملك بن ثوبان [1] قال: قال إسماعيل بن عمّار: كنت أختلف إلى منزل ابن رامين فأسمع جاريتيه:
الزرقاء وسعدة، وكانت سعدة أظرف من الزّرقاء، فأعجبت بها وعلمت ذلك منّي، وكانت سعدة كاتبة، فكتبت إليها أشكو ما ألقى بها، فوعدتني فكتبت إليها رقعة مع بعض خدمهم:
يا ربّ إنّ ابن رامين له بقر ... عين وليس لنا غير البراذين
/ وذكر الأبيات الماضية. قال: فجاءني الخادم وقال: ما زالت تقرأ رقعتك وتضحك من قولك:
فإن تجودي بذاك الشيء أحي به ... وإن بخلت به عنّي فزنّيني
وكتبت إليّ: «حاشاك من أن أزنّيك، ولكنّي أسير إليك فأغنّيك وألهيّك وأرضيك». وصارت إليّ فأرضتني بعد ذلك.
شراء جعفر بن سليمان للزرقاء وقتله يزيد بن عون:
أخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد عن أبيه، عن الحسين بن محمد الحرّاني، وأخبرني الجوهري عن علي بن محمد النوفلي عن أبيه:
أن جعفر بن سليمان اشترى الزرقاء صاحبة ابن رامين بثمانين ألف درهم، وسترها عن أبيه - وأبوه يومئذ على البصرة في خلافة المنصور، وقد تحرّك في تلك الأيام عبد اللّه بن علي - فهجم عليهما يوما سليمان بن عليّ فأخفيا [2] العود تحت السّرير/ ودخل، فقال له: ويحك نحن على هذه الحال نتوقّع الصيلم [3] وأنت تشتري جارية بثمانين ألف درهم! وأظهر له غضبا عليه وتسخّطا لما فعل، فغمز خادما كان على رأسه فأخرجها إلى سليمان، فأكبّت على رأسه فقبّلته، ودعت له، وكانت عاقلة مقبولة متكلّمة، فأعجبه ما رأى منها، وقام عنهما فلم يعد لمعاتبة ابنه بعد ذلك.
قال: ولما مضت لها مدّة عند جعفر سألها يوما: هل ظفر منك أحد ممن كان يهواك بخلوة أو قبلة؟
فخشيت أن يبلغه شيء كانت فعلته بحضرة جماعة أو يكون قد بلغه، فقالت: لا واللّه إلّا يزيد بن عون العباديّ الصّيرفي؛ فإنّه قبّلني قبلة وقذف في فيّ [4] لؤلؤة بعتها بثلاثين ألف درهم. فلم يزل جعفر يحتال له ويطلبه [5] حتّى وقع في يده، فضربه بالسّياط حتّى مات.
__________
[1] ط: «عبد الملك ثوبان».
[2] ما عدا ط، ح، مب، مط: «فخبأ».
[3] الصيلم: الداهية تصطلم القوم. قال:
غضبت تميم أن تقتل عامر ... يوم النسار فأعتبوا بالصيلم
[4] ط، مب، مط: «في فمي».
[5] هذه من ط، ها، مب فقط.
استقبال سلامة الزرقاء ليزيد بن عون:
قال هارون: وحدّثني حمّاد بن إسحاق عن أبيه قال. حدّثني أبو عوف الدّوسيّ، عن عبد الرحمن بن مقرّن قال:
كتبت إلى ابن رامين أستأذنه في إتيانه، فكتب إليّ: «قد سبقك روح بن حاتم، فإن كنت لا تحتشم منه فرح. فرحت، فكنّا كأنّنا فرسا رهان، والتقينا فعانقني وقال لي: أنّى تريد [1]؟ قلت: حيث أردت.
قال: فالحمد للّه. فدخلنا فخرجت الزرقاء في إزار ورداء قوهيّين [2] مورّدين، كأنّ الشمس طالعة من بين رأسها/ وكتفيها [3]، فغنّتنا ساعة ثم جاء الخادم الذي يأذن لها [4]، وكان الإذن عليها دون مولاها، فقام دون الباب وهي تغنّي، حتّى إذا قطعت نظرت إليه فقالت: من [5]؟ فقال: يزيد بن عون العباديّ الصّيرفي، الملقّب بالماجن، على الباب. فقالت: أدخله. فلما استقبلها كفّر [6] ثم أقعى بين يديها. قال: فوجدت واللّه له [7] ورأيت أثر ذلك، وتنوّقت تنّوقا [8] خلاف ما كانت تفعل بنا. فأدخل يده في ثوبه فأخرج لؤلؤتين وقال: انظري يا زرقاء جعلت فداك! ثم حلف أنّه نقد فيهما بالأمس أربعين ألف درهم. فقالت: فما أصنع بذلك؟ قال: أردت أن تعلمي. فغنّت صوتا ثم قالت: يا ماجن هبهما لي ويحك. قال: إن شئت واللّه فعلت. قالت: قد شئت. قال: واليمين التي حلفت بها لازمة لي إن أخذتهما إلّا بشفتيك من شفتيّ. قال:
فذهب روح يتسرّع إليه، فقالت له: ألك في بيت القوم حاجة؟ قال: نعم. فقلت: إنما يتكسّبون مما ترى.
وقام ابن رامين فقال: ضع لي يا غلام ماء. ثم خرج عنا فقالت: هاتهما. فمشى على ركبتيه وكفّيه وهما بين شفتيه. فقال: هاك. فلمّا ذهبت بشفتيها جعل يصدّ عنها [9] يمينا وشمالا ليستكثر منها، فغمزت جارية على رأسها فخرجت كأنّها تريد/ حاجة، ثم عطفت/ عليه، فلمّا دنا منها وذهب ليزوغ دفعت منكبيه وأمسكتهما حتّى أخذت الزّرقاء اللؤلؤتين بشفتيها من فمه، ورشح جبينها حياء منّا. ثم تجلّدت علينا فأقبلت عليه فقالت له: «المغبون في استه عود» فقال: أمّا أنا فما أبالي، لا يزال طيب هذه الرائحة في أنفي وفمي أبدا ما حييت.
عبث سعدة بثياب الضيوف:
قال هارون: وحدّثني ابن النطّاح عن المدائني، عن علي بن أبي سليمان، عن أبي عبد اللّه القرشي، عن أبي زاهر بن أبي الصباح، قال:
__________
[1] ما عدا ط: «أين تريد»، وهما سيان.
[2] القوهي: ضرب من الثياب بيض، منسوبة إلى قوهستان. ما عدا ط، مب، مط: «قهويين» محرّفة.
[3] ط، مب، مط: «وكعها» ح: «و كفيها». وأثبت ما في سائر النسخ.
[4] أي الذي يأذن في الدخول عليها. ما عدا ط، ما: «تأذن لي»، محرّف.
[5] ط، ح، مب، مط: «مه».
[6] سبق الكلام على التكفير في ص 59. ما عدا ط، مب، مط: «ظفر»، تحريف.
[7] وجدت: لحقها الوجد به والحب.
[8] التنوق: التأنق. يقال تنوق في مطعمه وملبسه وتأنق، أي تجوّد. ما عدا ط، مب: «و تبوّقت تبوقا» محرّف.
[9] الكلام بعده إلى ما قبل: «ما بالمغاني من أحد» مفقود من ط.
أتيت منزل ابن رامين مع رجل من قريش، فأخرج الزرقاء، وسعدة، فقام القرشيّ ليبول وترك مطرفه [1]، فلبسته سعدة وخرجت، فرجع القرشيّ وعليها المطرف قد خاطته فصار درعا [2]، فقالت: أرأيتم أسرع من هذا؟
صار المطرف درعا! فقال القرشيّ: هو لك. قال: وعليّ طيلسان مثنّى، فأردت أن أبول فلففته وقمت، فقالت سعدة: دع طيلسانك. فقلت: لا أدعه، أخاف أن يتحوّل مطرفا.
إهداء ابن المقفع للزرقاء ألف دراجة:
وحدّثني قبيصة بن معاوية قال: قال إسحاق بن إبراهيم الموصلي:
شربت زرقاء ابن رامين دواء فأهدى لها ابن المقفع ألف درّاجة على جمل قراسيّ [3].
عشق محمد بن جميل للزرقاء:
قال هارون: وحدّثني حمّاد عن أبيه:
أنّ محمد بن جميل كان يتعشّق الزرقاء، وكان أبو جميل يغدو كلّ يوم يسأل من يقدم عن ابنه محمّد، إلى أن مرّ به صديق له يكنى أبا ياسر، فسأله عنه/ فقال له أبو ياسر: تركته أعظم النّاس قدرا، يعامل الخليفة كلّ يوم في خراجه، فيحتاج إليه ولده، وصاحب شرطته، وصاحب حرسه، وخدمه. فقال له: يا أخي: فكيف بهذه الجارية التي قد شهر بها؟ فقال له الرجل: لا تهتمّ بها، قد مازحه أمير المؤمنين فيها، وخاطبه بشعر قيل فيه. قال: وما هو؟
قال:
وابن جميل فاعلموا عاجلا ... لا بدّ موقوف على مسطبه [4]
يوقف في زرقاء مشهورة ... تجيد ضرب العود والعرطبه [5]
فقال جميل: واللّه ما بي من هذا الأمر إلا أنّي أتخوّف أن يكون قد شهر بها هذه الشّهرة ولم ينكها.
قال هارون: وأحسب هذه القصّة لزرقاء الزّراد [6]، لا زرقاء ابن رامين.
تنافس معن وروح وابن المقفع في تقديم الألطاف لها:
قال هارون: وحدّثني أبو أيوب قال: حدّثني محمد بن سلّام، قال:
اجتمع عند ابن رامين معن بن زائدة، وروح بن حاتم، وابن المقفّع، فلما تغنّت الزرقاء وسعدة، بعث معن إليها بدرة [7] فصبّت بين يديها، فبعث روح إليها أخرى فصبّت بين يديها، ولم يكن عند ابن المقفّع دراهم فبعث فجاء بصكّ ضيعته وقال: هذه عهدة ضيعتي خذيها، فأمّا الدّراهم فما عندي منها شيء.
__________
[1] المطرف بتثليث الميم وفتح الراء: ثوب من خز له أعلام.
[2] الدرع: القميص.
[3] الدراجة، كرمانة: واحدة الدراج، وهو ضرب من الطير طيب اللحم. والقراس بضم القاف وفتح الراء: الضخم الشديد من الإبل.
يقال قراسي وقراسية بتخفيف الياء. ح: «فراسي». وما عداها «قراشي» ووجههما ما أثبت من «مب».
[4] المسطبة، بفتح الميم وكسرها: الدكان يقعد الناس عليها.
[5] العرطبة، بالفتح والضم: العود، أو الطنبور.
[6] كذا في أ، مب، مط. وفي سائر النسخ: «الواردة».
[7] البدرة، بالفتح: كيس فيه ألف أو عشرة آلاف درهم، أو سبعة آلاف دينار.
صفة الزرقاء وغنائها:
أخبرني الحسن بن علي قال: حدّثنا فضل اليزيديّ قال: حدّثني إسحاق الموصليّ قال: قال سليمان الخشّاب:
/ دخلت منزل ابن رامين فرأيت الزّرقاء جاريته وهي وصيفة، حين شال نهودها ثوبها عن صدرها، لها شارب كأنّه خطّ بمسك، يلحظه الطّرف ويقصر عنه الوصف، وابن الأشعث الكوفيّ يلقي عليها، والغناء له:
أيّة حال يا ابن رامين ... حال المحبّين المساكين
تركتهم موتى وما موّتوا ... قد جرّعوا منك الأمرّين
/ وسرت في ركب على طيّة ... ركب تهام ويمانين
يا راعي الذّود لقد رعتنا ... ويلك من روع المحبّين
فرّقت جمعا لا يرى مثلهم ... فجّعتهم بالرّبرب العين
ابن رامين أجل مقين بالكوفة:
أخبرني الحسن بن علي قال: حدّثني هارون بن محمد الزيات قال: قال أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل: كان ابن رامين مولى الزرقاء أجلّ مقيّن [1] بالكوفة وأكبرهم، ورامين أبوه مولى بشر بن مروان.
محمد بن الأشعث يلقي على الزرقاء وصواحباتها الغناء:
قال هارون: فحدّثني سليمان المديني قال: قال حمّاد بن إسحاق قال أبي: قال معاذ بن الطّبيب:
أتيت ابن رامين وعنده جواريه: الزّرقاء وصواحباتها، وعندهنّ فتى حسن الوجه نظيف الثّياب، عطر الريح، يلقى عليهنّ، فسألت عنه فقيل لي: هذا محمد بن الأشعث بن فجوة الزّهري. فمضيت به إلى منزلي وسألته المقام ففعل، وأتيته بطعام وشراب وغنّيته أصواتا من غناء أهل الحجاز، فسألني أن ألقيها عليه، فقلت: نعم وكرامة وحبّا، على أن تلقي عليّ أصواتا من صنعتك ألتذّ بها، وأقطع طريقي بروايتها، وأطرف أهل بلدي بها، ففعلت وفعل، فكان مما أخذته عنه من صنعته:
صوت
صاح إنّي عاد لي ما ذهبا ... من هوى هاج لقلبي طربا [2]
أذكرتني الشّوق سلّامة أن ... لم أكن قضيت منها أربا
وإذا ما لام فيها لائم ... زاد في قلبي لحبّي عجبا [3]
__________
[1] المقين: أراد به صاحب القيان.
[2] كذا على الصواب في ح، مب، مط. وفي سائر النسخ: «إني عازل» تحريف.
[3] ح: «زاداني قلبي بحبي».
من ذوات الدّلّ لو دبّ على ... جلدها الذّرّ لأبدى ندبا [1]
الغناء لمحمد بن الأشعث، ثقيل أوّل عن الهشاميّ. وفيه ليونس خفيف ثقيل بالسّبابة، في مجرى البنصر عن إسحاق. وذكر أحمد بن عبيد أنّ فيه لحنا من الثقيل الثاني لا يدري لمن هو؟
قال: ومنها.
صوت
لذكر الحبيب النّازح المتعتّب ... طربت ومن يعرض له الشوق يطرب
لحنه رمل: وقال منها:
صوت
خليليّ عوجا ساعة ثم سلّما ... على زينب سقيا ورعيا لزينب
لحنه رمل. وقال منها:
صوت
رحبت بلادك يا أمامه ... وسلمت ما سجعت حمامه [2]
وسقى ديارك كلّما ... حنّت إلى السّقيا غمامه
/ إنّي وإن أقصيتني ... سفها أحبّ لك الكرامه
وأرى أمورك طاعة ... مفروضة حتّى القيامه
لحنه خفيف رمل. قال: ومنها [3]:
صوت
ما بالمغاني من أحد ... إلّا حمامات فرد [4]
أضحت خلاء درّسا ... للرّيح فيها مطّرد [5]
/عهدي بها فيما مضى ... ينتابها مض خرد [6]
__________
[1] الذر: صغار النمل. والندب: جمع ندبة، بالتحريك، وهو أثر الجرح الباقي على الجلد.
[2] رحبت: اتسعت. سجعت: غنت.
[3] إلى هنا تنتهي القطعة المفقود من ط. انظر ما سبق في ص 65 الحاشية 7.
[4] المغاني: جمع مغني، وهو الموضع يغني فيه القوم، أي يقيمون. فرد: فريدات.
[5] درس: جمع دارسة، وهي التي لعب بها البلى. المطرد: الموضع تطرد فيه الريح أي تجري؛ أو هو مصدر ميمي.
[6] ينتابها: يأتيها نوبة بعد أخرى. خرد: جمع خريدة وخريد وخرود، وهي الحيبة الطويلة السكوت الخافضة الصوت. ما عدا ط، مب، مط: «بنباتها بيض جدد» تحريف.
فاستبدلت وحشا بهم ... والورق تدعو والصّرد [1]
لحنه هزج. قال: ومنها:
صوت
ليت من طيّر نومي ... ردّ في عيني المناما
أو شفى جسما سقيما ... زاده الهجر سقاما
نظرت عيني إليها ... نظرة هاجت غراما
تركت قلبي حزينا ... بهواها مستهاما
لحنه رمل.
/ قال ابن الطبيب: وأخذت منه مع هذه أصواتا كثيرة، ورأيت النّاس بعد ذلك ينسبونها إلى قدماء المغنّين.
مصير الزرقاء وربيحة إلى جعفر ومحمد بن سليمان:
قال هارون: وحدّثني حمّاد بن إسحاق عن أبيه قال: حدّثني إسماعيل بن جعفر بن سليمان:
أنّ الزّرقاء صاحبة ابن رامين [2] صارت إلى أبيه، وكان يقال لها أم عثمان. وأنّ ربيحة جارية ابن رامين صارت إلى محمد بن سليمان، وكانت حظيّة عنده. قال إسماعيل: فأتى سليمان بن علي ابنه جعفرا فأخرج إليه الزّرقاء، فقال لها سليمان: غنّيني. قالت: أيّ شيء تحبّ؟ قال: غنّيني:
إذا ما أمّ عبد اللّ ... - ه لم تحلل بواديه
ولم تشف سقيما هيّ ... - ج الحزن دواعيه
فقالت: فديتك، قد ترك الناس هذا منذ زمان. ثم غنّته إياه.
قال إسماعيل: قد مات سليمان منذ ثلاث وسبعين سنة، وينبغي أن يكون رأى الزرقاء قبل موته بسنتين أو ثلاث. قال: وقالت هي: قد ترك الناس هذا منذ زمان. فهذا من أقدم ما يكون من الغناء.
أبيات لشراعة في جواري ابن رامين:
قال هارون: وقال شراعة بن الزّندبوذ:
قالوا شراعة عنّين فقلت لهم ... اللّه يعلم أنّي غير عنّين
فإن أبيتم وقلتم مثل قولهم ... فأقحموني في دار ابن رامين [3]
ثم انظروا كيف طعني عند معتركي ... في حر من كنت أرميها وترميني
__________
[1] الورق: جمع ورقاء، وهي الحمامة في لونها بياض إلى سواد. والصرد: طائر أكبر من العصفور.
[2] صاحبة ابن رامين، من ط، مط فقط.
[3] أقحمه: ألقاه ورمى به.
صفة أخرى للزرقاء:
قال هارون: وحدّثني أبو أيوب المديني، عن أحمد بن إبراهيم قال: قال بعض المدنيّين:
أتيت منزل ابن رامين، فوجدته عنده جارية قد رفع ثديها قميصا، لها شارب أخضر ممتدّ على شفتيها [1] امتداد الطّراز، كأنّما خطّت طرّتها وحاجباها بقلم، لا يحلقها في ضرب من ضروب حسنها وصف واصف، فسألت عن اسمها فقيل: هذه الزّرقاء.
نسبة الصوت الذي في الخبر
صوت
إذا ما أمّ عبد اللّ ... - ه لم تحلل بواديه
ولم تشف سقيما ه ... - يج الحزن دواعيه
غزال راعه القنّا ... ص تحميه صواصيه [2]
/عرفت الربع بالإكلي ... - ل عفّته سوافيه [3]
بجوّ ناعم الحوذا ... ن ملتفّ روابيه [4]
/و ما ذكرى حبيبا و ... قليلا ما أواتيه
كذي الخمر تمنّاها ... وقد أسرف ساقيه [5]
ذكر الزّبير بن بكّار أنّ الشّعر لعديّ بن نوفل، وقيل إنّه للنّعمان بن بشير الأنصاريّ [6] وذاك أصحّ.
وقد أخرجت أخبار النّعمان فيه مفردة في موضع آخر، وذكرت القصيدة بأسرها. ورواها ابن الأعرابيّ وأبو عمرو الشيباني للنّعمان، ولم يذكر أنّها لعديّ غير الزّبير بن بكّار.
والغناء فيما ذكر عمرو بن بانة لمعبد، خفيف رمل بالوسطى. وذكر إسحاق أنّ فيه خفيف رمل بالسبّابة في مجرى البنصر، يمان [7]. وفيه للغريض ثقيل أوّل بالوسطى عن الهشامي، في الأول والثاني والرابع والخامس.
__________
[1] ط: «شقتها» مب، مط: «شفتها».
[2] راعه: أفزعه. والقناص، بالفتح، هو القانص، وبالضم: جمع قانص. ما عدا ط، مب: «رابه القناص». والصياصي: الحصون.
[3] الإكليل: اسم موضع. وأنشد هذه الأبيات ياقوت في رسم (الإكليل). والسوافي: الرياح التي تسفي التراب.
[4] الجو والجوة: المنخفص من الأرض. والحوذان، بالفتح: نبت له زهرة حمراء في أصلها صفرة. ملتف روابيه: أي ملتف نبات روابيه. والرابية: ما ارتفع من الأرض.
[5] ما عدا ط، مب، مط: «كذا الخمر» محرّف.
[6] هذا يطابق ما في «معجم البلدان» في رسم (الإكليل).
[7] هذه الكلمة من ط، ح، مب، مط.
6 - نسب عديّ بن نوفل وخبره
نسب عدي بن نوفل:
هو عديّ بن نوفل بن أسد بن عبد العزّى بن قصيّ بن كلاب بن مرّة بن كعب بن لؤيّ. وأمه آمنة بنت جابر بن سفيان، أخت تأبّط شرّا.
استعماله على حضرموت:
وكان عمر بن الخطاب رضوان اللّه عليه استعمله، أو عثمان بن عفان رضي اللّه عنه - فيما أخبرنا به الطّوسيّ عن الزبير بن بكار - على حضرموت.
داره وما قيل فيها من الشعر:
قال الزبير: ودار عديّ بن نوفل بين المسجد والسّوق معروفة [1]، وفيها يقول إسماعيل بن يسّار النّسائي [2]:
إنّ ممشاك نحو دار عديّ ... كان للقلب شقوة وفتونا
إذ تراءت على البلاط فلمّا ... واجهتها كالشّمس تعشي العيونا [3]
قال هارون قف فيا ليت أنّي ... كنت طاوعت ساعة هارونا
وقد قيل إنّ هذه الأبيات لعمر بن أبي ربيعة [4].
امرأته ونشوزها عليه:
قال الزّبير: كان تحت عديّ بن نوفل أمّ عبد اللّه بنت أبي البختريّ بن هاشم بن الحارث بن أسد بن عبد العزّى، فغاب مدّة وكتب إليها أن تشخص إليه، فلم تفعل، فكتب إليها قوله:
إذا ما أمّ عبد اللّ ... - ه لم تحلل بواديه
/ وذكر البيتين فقط، فقال لها أخوها الأسود بن أبي البختريّ، وهما لأب وأمّ، أمّهما عاتكة بنت أميّة بن الحارث بن أسد بن عبد العزّى: قد بلغ الأمر هذا من ابن عمّك. فاشخص إليه [5].
__________
[1] هذه الكلمة من ط، مب، مط.
[2] النسائي هذا بكسر النون، لقب بذلك لأنه كان يبيع النجد والفرش التي تتخذ للعرائس، كما سبق في ترجمة إسماعيل بن يسّار.
[3] البلاط: موضع بالمدينة مبلط بالحجارة بين مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وبين سوق المدينة.
[4] الأبيات في «ديوان عمر بن أبي ربيعة» 71.
[5] كذا على الصواب في ط، مب، مط. وفي سائر النسخ: «إليك».
صوت
أعينيّ جودا ولا تجمدا ... ألا تبكيان لصخر النّدى
ألا تبكيان الجريّ الجميل ... ألا تبكيان الفتى السيّدا
الشعر للخنساء بنت عمرو بن الشريد، ترثي أخاها صخرا، والغناء لإبراهيم الموصلي، ثقيل أوّل مطلق في مجرى البنصر، عن إسحاق. وفيه لابن سريح خفيف رمل بالوسطى، عن عمرو،/ والهشامي، وحبش.
7 - نسب الخنساء وخبرها وخبر مقتل أخويها صخر ومعاوية
نسب الخنساء:
هي الخنساء بنت عمرو بن الحارث بن الشّريد بن رياح بن يقظة بن عصيّة بن خفاف بن امرىء القيس بن بهثة بن سليم بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان بن مضر. واسمها تماضر.
شعر دريد بن الصمة فيها:
والخنساء لقب غلب عليها [1]، وفيها يقول دريد بن الصّمّة، وكان خطبها فردّته، وكان رآها تهنأ بعيرا:
حيّوا تماضر واربعوا صحبي ... وقفوا فإنّ وقوفكم حسبي
أخناس قد هام الفؤاد بكم ... وأصابه تبل من الحبّ
ما إن رأيت ولا سمعت به ... كاليوم طالي أينق جرب
متبذّلا تبدو محاسنه ... يضع الهناء مواضع النّقب
قال أبو عبيدة ومحمّد بن سلّام: لمّا خطبها دريد بعثت خادما لها [2] وقالت: انظري إليه إذا بال، فإن كان بوله يخرق الأرض ويخدّ فيها ففيه بقيّة، وإن كان بوله يسيح على وجهها فلا بقيّة فيه. فرجعت إليها وأخبرتها، فقالت:
لا بقية في هذا. فأرسلت إليه: ما كنت لأدع بني عمّي وهم مثل عوالي الرماح، وأتزوّج شيخا! فقال:
وقاك اللّه يا ابنة آل عمرو ... من الفتيان أشباهي ونفسي
وقالت إنّني شيخ كبير ... وما نبّأتها أنّي ابن أمس
فلا تلدي ولا ينكحك مثلي ... إذا ما ليلة طرقت بنحس
تريد شرنبث القدمين شثنا ... يباشر بالعشية كلّ كرس [3]
/فقالت الخنساء تجيبه:
معاذ اللّه ينكحني حبركى ... يقال أبوه من جشم بن بكر [4]
__________
[1] ما عدا ط: «وقع عليها».
[2] ما عدا ط، مب، مط: «خادمة لها».
[3] شرنبث القدمين: غليظهما خشنهما. والشئن: الغليظ. الكرس كنى به عن بيت الخلاء، وأصل الكرس بالكسر: أبوال الإبل والغنم وأبعارها يتلبد بعضها على بعض في الدار.
[4] الحبركى: الطويل الظهر القصير الرجلين. والألف في «حبركى» للإلحاق فينون، وجعلها بعضهم للتأنيث فيمنع الصرف. ط، ها:
«حبركا» بالتنوين. مب «حبرك» وهذه محرّفة.
ولو أصبحت في جشم هديّا ... إذا أصبحت في دنس وفقر [1]
وهذا الشعر [2] ترثي به أخاها صخرا وقتله زيد بن ثور الأسدي يوم ذي الأثل.
مقتل أخيها صخر:
أخبرنا بالسبب في ذلك محمد بن الحسن بن دريد، عن أبي حاتم، عن أبي عبيدة، وأضفت إليه رواية الأثرم عن أبي عبيدة قال:
غزا صخر بن عمرو، وأنس بن عبّاس الرّعليّ في بني سليم، بني أسد بن خزيمة [3]، - قال أبو عبيدة: وزعم السّلمي أنّ هذا اليوم يقال له يوم الكلاب ويوم ذي الأثل - في بني عوف وبني خفاف، وكانا متساندين، وعلى بني خفاف صخر بن عمرو الشّريديّ، وعلى بني عوف أنس بن عبّاس. قال: فأصابوا في بني أسد بن خزيمة غنائم وسبيا، وأخذ صخر يومئذ بديلة امرأة [4]. قال: وأصابت صخرا يومئذ طعنة، طعنه رجل يقال له ربيعة بن ثور، ويكنى أبا ثور، فأدخل جوفه حلقا من الدّرع فاندمل عليه حتّى شقّ عنه بعد سنين، وكان سبب موته.
قال أبو عبيدة: وقال غيره: بل ورد هو وبلعاء بن قيس الكناني. قال:/ وكانا أجمل رجلين في العرب. قال:
فشربا عند يهوديّ خمار كان بالمدينة. قال:/ فحسدهما لما رأى من جمالهما وهيأتهما، وقال: إنّي لأحسد العرب أن يكون فيهم مثل هذين! فسقاهما شربة جويا منها [5]. قال: فمرّ بصخر طبيب بعد ما طال مرضه، فأراه ما به، فقال: أشقّ عنك [6] فتفيق. قال: فعمد إلى شفار فجعل يحميها ثم يشقّ بها [7] عنه، فلم ينشب أن مات.
قال أبو عبيدة: وأمّا أبو بلال بن سهم فإنّه قال: اكتسح صخر أموال بني أسد وسبى نساءهم، فأتاهم الصّريح فتبعوه فتلاحقوا بذات الأثل، فاقتتلوا قتالا شديدا، فطعن ربيعة بن ثور الأسديّ صخرا في جنبه، وفات القوم فلم يقعص [8] وجوي منها، ومرض قريبا من حول، حتّى ملّه أهله. قال: فسمع صخر امرأة وهي تسأل سلمى امرأة صخر: كيف بعلك؟ فقالت سلمى: لا حيّ فيرجى، ولا ميت فينعى، لقينا منه الأمرّين! قال: وزعم آخر أنّ التي قالت هذه المقالة بديلة الأسديّة التي كان سباها من بني أسد فاتّخذها لنفسه. فأنشد هذا البيت:
ألا تلكم عرسي بديلة أوجست ... فراقي وملّت مضجعي ومكاني [9]
وأمّا أبو بلال بن سهم فزعم أنّ صخرا حين سمع مقالة سلمى امرأته قال:
__________
[1] الهدي: العروس تهدى إلى بعلها.
[2] يعني بذلك صوت الأغاني الذي سبق ترجمة الخنساء.
[3] كذا على الصواب في ط، مب، مط. وفيما سواها: «بن أسد بن خزيمة».
[4] هذا الأوفق من ط، مب، مط، ح. أي امرأة له. وفيما سواها: «امرأته».
[5] الجوي، السل وتطاول المرض، أو داء يأخذ في الصدر.
[6] ط، ح، مب، مط: «أسر عنك».
[7] ط، ح: «ثم يسر بها». مب، مط: «يشربها».
[8] قعصه وأقعصه: ضربه أو رماه فمات مكانه.
[9] ما عدا ط، مب، مط: «أوحشت» تحريف.
أرى أمّ صخر لا تملّ عيادتي ... وملّت سليمى مضجعي ومكاني
وما كنت أخشى أن أكون جنازة ... عليك ومن يغترّ بالحدثان [1]
/أهمّ بأمر الحزم لو أستطيعه ... وقد حيل بين العير والنّزوان
لعمري لقد نبّهت من كان نائما ... وأسمعت من كانت له أذنان
وللموت خير من حياة كأنّها ... محلة يعسوب برأس سنان [2]
وأيّ امرىء ساوى بأمّ حليلة ... فلا عاش إلّا في شقا وهوان
فلما طال عليه البلاء وقد نتأت قطعة مثل اللّبد [3] في جنبه في موضع الطّعنة، قالوا له: لو قطعتها لرجونا أن تبرأ. فقال: شأنكم. فأشفق عليه بعضهم فنهاهم، فأبى وقال: الموت أهون عليّ مما أنا فيه! فأحموا له شفرة ثم قطعوها فيئس [4] من نفسه.
من شعر صخر في الصبر:
قال: وسمع صخر أخته الخنساء تقول: كيف كان صبره؟ فقال صخر في ذلك:
أجارتنا إنّ الخطوب تنوب ... على النّاس، كلّ المخطئين تصيب
فإن تسأليني هل صبرت فإنّني ... صبور على ريب الزمان صليب
كأنّي وقد أدنوا إليّ شفارهم ... من الصّبر دامي الصّفحتين ركوب
أجارتنا لست الغداة بظاعن ... ولكن مقيم ما أقام عسيب
قبر صخر:
عن أبي عبيدة: عسيب: جبل بأرض بني سليم إلى جنب المدينة، فقبره هناك معلم.
وقال أبو عبيدة: فمات فدفن هناك، فقبره قريب من عسيب.
رثاء الخنساء لصخر:
فقالت الخنساء ترثيه:
ألا ما لعينك أم ما لها ... لقد أخضل الدّمع سربالها
ابعد ابن عمرو من آل الشري ... - د حلّت به الأرض أثقالها
فإن تك مرّة أودت به ... فقد كان يكثر تقتالها
__________
[1] في «اللسان»: «و إذا ثقل غلى القوم أمر أو اغتموا به فهو جنازة عليهم». وأنشد هذا البيت.
[2] أنشده في «اللسان» (عسب) وقال: «معناه أن الرئيس إذا قتل جعل رأسه على سنان. يعني أن العيش إذا كان هكذا فهو الموت».
قلت: وهذا إبعاد في التفسير. إنما اليعسوب: ذكر النحل، وموضعه من رأس السنان إذا وقف عليه ليس بشيء، فكذا الدنيا في هوانها عندما ينظر إليها.
[3] كذا في ط، ج، مب، مط. وفي سائر النسخ: «مثل الكبد».
[4] هذه الكلمة من ط، مب، مط.
/
سأحمل نفسي على خطّة ... فإمّا عليها وإمّا لها
فإن تصبر النّفس تلق السّرور ... وإن تجزع النفس أشقى لها
غنّى فيه ابن سريج خفيف رمل بالبنصر.
قال السّلمي: ليست هذه في صخر، هذه إنّما رثت بها معاوية أخاها، وبنو مرّة قتلته. ولكنها قالت في صخر:
قذّى بعينك أم بالعين عوّار ... أم أقفرت إذ خلت من أهلها الدار [1]
تبكي لصخر، هي العبرى وقد ثكلت [2] ... ودونه من جديد التّرب أستار
لا بدّ من ميتة في صرفها غير ... والدّهر في صرفه حول وأطوار
يا صخر ورّاد ماء قد تناذره ... أهل الموارد ما في ورده عار [3]
مشى السبنتى إلى هيجاء معضلة ... له سلاحان أنياب وأظفار [4]
فما عجول على بوّ تطيف به ... لها حنينان إصغار وإكبار [5]
ترتع ما رتعت حتّى إذا ادّكرت ... فإنّما هي إقبال وإدبار
/ لا تسمن الدّهر في أرض وإن رتعت ... فإنّما هي تحنان وتسجار [6]
يوما بأوجد منّي يوم فارقني ... صخر وللدّهر إحلاء وإمرار [7]
فإنّ صخرا لوالينا وسيّدنا ... وإنّ صخرا إذا نشتو لنحّار
وإن صخرا لتأتمّ الهداة به ... كأنّه علم في رأسه نار
- غنّى في هذين البيتين الأولين ابن سريج، من رواية يونس - :
لم ترأه جارة يمشي بساحتها ... لريبة حين يخلي بيته الجار [8]
ولا تراه وما في البيت يأكله ... لكنّه بارز بالصّحن مهمار [9]
مثل الرّدينيّ لم تنفد شبيبته ... كأنّه تحت طيّ البرد أسوار
__________
[1] ط: «أم خلت». مط: «أم ذرفت».
[2] ما عدا ط، ج، مب، مط: «و قد ذرفت».
[3] ط، ج، مط: «وارد ماء».
[4] السبنتي: النمر.
[5] الإصغار: حنينها إذا خفضته. وإكبارها: حنينها إذا رفعته.
[6] التسجار: تفعال من سجرت الناقة: مدت حنينها.
[7] ما عدا ط، مب، مط: «و للّه إحلاء».
[8] لم ترأه، على الأصل، وفي ط، ج، مب: «لم تره» على التخفيف. ونظير الأول قول سراقة البارقي في «اللسان» (رأى):
أرى عيني ما لم تر أياه ... كلانا عالم بالترهات
[9] مهمار: مبالغة من الهمر، وهو انصباب المطر، كناية عن كثرة جوده. والذي في «المعاجم» أن المهمار: الكثير الكلام.
في جوف رمس مقيم قد تضمّنه ... في رمسه مقمطرّات وأحجار
طلق اليدين بفعل الخير [1] ذو فجر ... ضخم الدّسيعة بالخيرات أمّار
ورفقة حار هاديهم بمهلكة ... كأنّ ظلمتها في الطّخية القار [2]
عروضه ثان من البسيط.
/ العوّار والعائر: وجع، وهو مثل الرمد. وذرفت: قطرت قطرا متتابعا لا يبلغ أن يكون سيلا. والعبرى، يقال امرأة عبرى وعابر. والعبرة [3]: سخنة العين [4]. والوله [5]: ما يصيب الرجل والمرأة من شدّة الجزع على الولد. حول وأطوار، أي تحوّل وتقلّب وتصرّف. قد تناذره، أي أنذر بعضهم بعضا هوله وصعوبته. ويروى:
«تبادره» وقولها «ما في ورده عار» أرادت ما في ترك ورده عار، أي لا يعيّر أحد إن عجز عنه من صعوبة ورده [6].
العجول: الثّكول. والبوّ: أن ينحر ولد الناقة ويؤخذ جلده فيحشى ويدنى من أمّه فترأمه. إحلاء وإمرار، يقال: ما أحلى ولا أمرّ. أي ما أتى بحلوة ولا مرّة [7]. والمعنى أنّ الدهر يأتي بالمشقّة والمحبة [8]. «كأنه علم في رأسه نار» أي إنّه مشهور. والعلم: الجبل، وجمعه أعلام. «كأنه تحت طيّ البرد أسوار»، أي من لطافة بطنه وهيفه شبيه [9] أسوار من ذهب. والرديني: الرمح منسوب/ إلى ردينة: امرأة كانت تقوّم الرماح. أي هو معصوب البدن ليس بمهبّج [10] منحلّ. وهذا كلّه من انتفاخ الجلد والسّمن والاسترخاء. وقال/ أبو عمرو: مقمطرّات: صخور عظام.
والأحجار صغار [11]. ذو فجر: يتفجر بالمعروف. والدّسيعة: العطاء. الطخية، من الطخّاء، وهو الغيم الرقيق الذي يواري النّجوم فيتحيّر الهادي [12].
مرثية أخرى في صخر:
وقالت الخنساء أيضا ترثي صخرا:
بكت عيني وعاودها قذاها ... بعوّار فما تقضي كراها
على صخر وأيّ فتى كصخر ... إذا ما الناب لم ترأم طلاها [13]
__________
[1] ما عدا ط، مب، مط: «لفعل الخير».
[2] ما عدا ط، ج، مب، مط: «في رفقة». وفيما عدا ط، مب، مط: «حاديهم».
[3] في «اللسان»: «العبر» بالتحريك. وفي «القاموس»: «العبر بالضم: سخنة العين، ويحرك».
[4] يقال سخنت عينه سخنة وسخونا، وهو نقيض قرت.
[5] كلمة «الوله» لم ترد في النص، وإنما هي تفسير لرواية أخرى في البيت الثاني من هذه المقطوعة لم يذكره أبو الفرج. وهي:
تبكي لصخر هي العبرى وقد ولهت
[6] كذا في ط، مب، مط. وفي ج: «إن عجز عنه ورده»، وهذه محرّفة. وفي سائر النسخ: «إن عجز عن ورده».
[7] كذا في ط، مب، مط. وفي ج: «بحلوه ولا مره» وفي سائر النسخ: «بحلو ولا مر».
[8] ما عدا ط، ج، مب، مط: «و المحنة».
[9] بدلها ط، ج، مب، مط: «غيره».
[10] المهبج: المنتفخ المتورم. ما عدا ط: «بمهبج» محرّفة.
[11] ما عدا ط، ج، ما، مب: «و أحجار صغار» تحريف.
[12] ط، ج، ما، مب: «أي وارى النجوم فتحير الهادي».
[13] الناب: الناقة المسنة.
- الطلا: الولد، أي لم تعطف عليه من الجدب -
فتى الفتيان ما بلغوا مداها ... ولا يكدي إذا بلغت كداها [1]
لئن جزعت بنو عمرو عليه ... لقد رزئت بنو عمرو فتاها
- غنى في هذه الأبيات ابن جامع ثاني ثقيل بإطلاق الوتر في مجرى الوسطى. وذكر حبش أنّ له أيضا فيه خفيف رمل بالبنصر -
ترى الشم الجحاجح من سليم ... وقد بلّت مدامعها لحاها
- إذا وصف السيد بالشمم فإنه لا يدنو لدناءة، ولا يضع لها أنفه -
وخيل قد كففت بجول خيل ... فدارت بين كبشيها رحاها [2]
/ - وجول خيل: جولان. ويقال: قطعة خيل تجول، أي تذهب وتجي ء -
ترفّع فضل سابغة دلاص ... على خيفانة خفق حشاها [3]
وتسعى حين تشتجر العوالي ... بكأس الموت ساعة مصطلاها
محافظة ومحمية إذا ما ... نبا بالقوم من جزع لظاها [4]
فتتركها قد اشتجرت بطعن ... تضمّنه، إذا اختلفت، كلاها
[هنا لك لو نزلت بآل صخر ... قرى الأضياف سخنا من ذراها [5]
فمن للضّيف إن هبّت شمال ... مزعزعة يجاوبها صداها
وألجأ بردها الأشوال حدبا ... إلى الحجرات بارزة كلاها] [6]
أمطعمكم وحاملكم تركتم ... لدى غبراء منهدم رجاها
ليبك عليك قومك للمعالي ... وللهيجاء إنّك ما فتاها [7]
وقد فوّزت طلعة فاستراحت ... فليت الخيل فارسها يراها [8]
__________
[1] أي إذا بلغت الفتيان كداها. والكدى: جمع كدية، وهي الأرض الصلبة، يقال حفر فأكدى إذا بلغ الصخر. وأنشد هذا البيت في «اللسان» (كذا) وقال: «أي لا يقطع عطاءه ولا يمسك عنه إذا قطع غيره وأمسك».
[2] الكبش: الرئيس، والسيد، والقائد.
[3] الخيفانة، الفرس الخفيفة السريعة، شبهت بالخيفانة من الجراد، وهي التي تصير فيها خطوط مختلفة بياض وصفرة.
[4] المحمية: الحمية والغضب والأنفة.
[5] هذا البيت وتالياه من ط، ها، مب. ذراها، أي ذرى النوق وأسمنتها.
[6] الأشوال: جمع شول، والشول: جمع غير قياسي للشائلة، وهي الناقة التي خف لبنها وارتفع ضرعها وأتى عليها سبعة أشهر من يوم نتاجها أو ثمانية فلم يبق في ضرعها إلا شول من اللبن، أي بقية مقدار ما كانت تحلب حدثان نتاجها. حدبا: مقوسات من الهزال.
[7] ما في «ما فتاها» زائدة.
[8] فوّزت طلعة، أي أهلكتها حزنا عليك. اسم فرسه، ولم أجد لها ذكرا فيما لدي من مراجع الخيل من كتبها والمعاجم. وفي ح:
«طلحة» وهي كسابقتها. وفيما عداهما: «و قد وردت طليحة».
/ وقال خفاف بن عمير يرثي صخرا ومعاوية ابني عمرو، ورجالا منهم أصيبوا:
تطاول همّه ببراق سعر ... لذكراهم وأيّ أوان ذكر [1]
كأنّ النار تخرجها ثيابي ... وتدخل بعد نوم الناس صدري
لباتت تضرب الأمثال عندي ... على ناب شربت بها وبكر [2]
وتنسى من أفارق غير قال ... وأصبر عنهم من آل عمرو
وهل تدرين أن ما ربّ خرق ... رزئت مبرّأ بقصاص وتر [3]
أخى ثقة إذا الضّرّاء نابت ... وأهل حباء أضياف ونحر
كصخر للسّريّة غادروه ... بذروة أو معاوية بن عمرو [4]
وميت بالجناب أثلّ عرشي ... كصخر أو كعمرو أو كبشر
/ وآخر بالنواصف من هدام ... فقد أودى وربّ أبيك صبري [5]
فلم أر مثلهم حيّا لقاحا ... أقاموا بين قاصية وحجر [6]
أشدّ على صروف الدهر إدّا ... وآمر منهم فيها بصبر
وأكرم، حين ضنّ الناس، خيما ... وأحمد شيمة ونشيل قدر [7]
/إذا الحسناء [8] لم ترحض يديها ... ولم يقصر لها بصر بستر
قروا أضيافهم ربحا ببحّ ... تجيء بعبقريّ الودق سمر [9]
رماح مثقّف حملت نصالا ... يلحن كأنّهنّ نجوم فجر [10]
__________
[1] سعر، قال ياقوت: «بالكسر والراء: جبل في شعر خفاف بن ندبة. وقد ضبطت في أصلها وهو ط، مب: «سعر» بضم السين. وفيما عداها: «سفر» محرّف.
[2] شربت بها، أي بعتها وشربت بثمنها. قال:
تبكي على بكر شربت به ... سفها تبكيها على بكر
[3] أي أتدرين أنه ربّ خرق. والخرق، بالكسر: الفتى الكريم المتخرق في الكرم، أي المتسع فيه. ما عدا ط، ح، ها، مب: «حذق رزأت».
[4] السرية: قطعة من الجيش. ما عدا ط، ها، مب: «للشربة». والشربة وذروة: موضعان.
[5] النواصف: موضع ورد في شعر طرفة. وأما هدام، فلم أجده. أودى، هي في ط، مب: «إحدى» وفي ح: «أحذى» وفي سائر النسخ: «أخذوا».
[6] حي لقاح، بفتح اللام: لم يدينوا للملوك ولم يصبهم في الجاهلية سباء.
[7] الخيم، بالكسر: الطبع. والنشيل: ما ينشل من لحم القدر.
[8] في جميع الأصول: «الخنساء» صوابه في مب و «اللسان».
[9] الربح، بالتحريك: الشحم، أو الفصيل. والبح: قداح الميسر، وإنما سميت بحا لرزانتها. ها: «ربحا يثبج» ما عدا ط، ح، مب:
«ريحا بسح» محرّف. وعجز هذا البيت في «اللسان» والمقاييس (بحح):
يعيش بفضلهن الحي سمر
[10] فيما عدا ط، ح، مب: «جنت نصالا» محرّف.
جلاها الصّيقلون فأخلصوها ... مواضي كلّها يفري ببتر [1]
هم الأيسار إن قحطت جمادى ... بكلّ صبير سارية وقطر [2]
يصدّون المغيرة عن هواها ... بطعن يفلق الهامات شزر [3]
تعلّم أنّ خير الناس طرّا ... لولدان - غداة الريح - غبر [4]
وأرملة ومعترّ مسيف ... عديم المال، عجزة أمّ صخر [5]
مرثية أخرى فيه:
ومما رثت به الخنساء صخرا وغنّي فيه:
صوت
أعينيّ جودا ولا تجمدا ... ألا تبكيان لصخر الندى
ألا تبكيان الجريء الجميل ... ألا تبكيان الفتى السيّدا
/ طويل النّجاد رفيع العما ... د ساد عشيرته أمردا
إذا القوم مدّوا بأيديهم ... إلى المجد مدّ إليه يدا
فنال الذي فوق أيديهم ... من المجد ثمّ مضى مصعدا
يحمّله القوم ما عالهم ... وإن كان أصغرهم مولدا
ترى المجد يهوي إلى بيته ... يرى أفضل المجد أن يحمدا
وإن ذكر المجد ألفيته ... تأزّر بالمجد ثمّ ارتدى
خبر مقتل معاوية أخي الخنساء:
ونذكر الآن ها هنا خبر مقتل معاوية بن عمرو أخيهما، إذ كانت أخبارهما وأخبارها يدعو بعضها إلى بعض.
قال أبو عبيدة: حدّثني أبو بلال بن سهم بن عباس بن مرداس بن أبي عامر بن حارثة بن عبد بن عبس بن رفاعة بن الحارث بن بهثة بن سليم بن منصور قال:
غزا معاوية بن عمرو أخو خنساء، بني مرة بن سعد بن ذبيان وبني فزارة، ومع خفاف بن عمير بن الحارث، وأمه «ندبة» سوداء، وإليها ينسب، فاعتوره هاشم ودريد ابنا حرملة المرّيّان. قال ابن الكلبيّ: وحرملة هو حرملة بن
__________
[1] ويروى:
خفافا كلها يتقى بأثر
[2] الأيسار: جمع يسر، بالتحريك، وهم الذين يقتسمون بالميسر.
[3] المغيرة: يعني الخيل والفرسان المغيرة. والطعن الشزر: ما كان عن يمين وشمال.
[4] غداة الريح: أي حين تهب رياح الشتاء. ما عدا ط، ح، ها، مب: «بنو عمرو غداة الريح تجري» محرّف.
[5] المعتر: المعترض للمعروف. غير أن يسأل. والمسيف: الفقير المعدم. عجزة أم عمرو، أي آخر ولد ولد لها، وهو بكسر العين وعجزة خبر «أن» في البيت قبله.
الأسعر بن إياس بن مريطة بن ضمرة بن مرّة بن عوف بن سعد بن ذبيان. قال أبو عبيدة: فاستطرد له أحدهما ثم وقف، وشدّ عليه الآخر فقتله، فلما تنادوا: قتل معاوية! قال خفاف: قتلني اللّه إن رمت حتّى أثأر به! فشدّ على مالك بن حمار الشمخي، وكان سيّد بني شمخ بن فزارة، فقتله، [قال: وهو مالك بن حمار بن حزن بن عمرو بن جابر بن عقيل بن هلال بن مازن بن فزارة] [1]، فقال خفاف في ذلك:
/فإن تك خيلي قد أصيب صميمها ... فعمدا على عين تيممت مالكا
/ يعني مالك بن حمار الشّمخي.
قال أبو عبيدة: فأجمل أبو بلال الحديث.
قال: وأما غيره فذكر أنّ معاوية وافى عكاظ في موسم من مواسم العرب، فبينا هو يمشي بسوق عكاظ، إذ لقي أسماء المرّيّة، وكانت جميلة، وزعم أنّها كانت بغيّا، فدعاها إلى نفسه فامتنعت عليه وقالت: أما علمت أنّي عند سيّد العرب هاشم بن حرملة؟! فقال: أما واللّه لأقارعنّه عنك. قالت: شأنك وشأنه. فرجعت إلى هاشم فأخبرته بما قال معاوية وما قالت له، فقال هاشم: فلعمري لا يريم أبياتنا حتّى ننظر ما يكون من جهده. قال: فلما خرج الشهر الحرام وتراجع الناس عن عكاظ، خرج معاوية بن عمرو غازيا يريد بني مرّة وبني فزارة، في فرسان أصحابه من بني سليم، حتى إذا كان بمكان يدعى الحوزة أو الجوزة - والشك من أبي عبيدة - دوّمت [2] عليه طير وسنح له ظبي، فتطيّر منهما ورجع في أصحابه، وبلغ ذلك هاشم بن حرملة فقال: ما منعه من الإقدام إلّا الجبن! قال: فلما كانت السنة [3] المقبلة غزاهم، حتّى إذا كان في ذلك المكان سنح له ظبي وغراب فتطيّر فرجع، ومضى أصحابه وتخلّف في تسعة عشر فارسا منهم لا يريدون قتالا، [إنما تخلّف عن عظم الجيش راجعا إلى بلاده] [4]، فوردوا ماء وإذا عليه بيت شعر، فصاحوا بأهله فخرجت إليهم امرأة فقالوا: [ما أنت] [4] ممن أنت؟ قالت: امرأة من جهينة، أحلاف لبني سهم بن مرة بن غطفان. فوردوا الماء يسقون، فانسلّت فأتت هاشم بن حرملة، فأخبرته أنّهم غير بعيد، وعرّفته عدّتهم وقالت: لا أرى إلّا معاوية في القوم. فقال: يا لكاع، أمعاوية في تسعة عشر/ رجلا، شبّهت أو أبطلت. قالت: بل قلت الحقّ، ولئن شئت لأصفنّهم لك رجلا رجلا. قال: هاتي.
قالت: رأيت فيهم شابا عظيم الجمّة، جبهته قد خرجت من تحت مغفره، صبيح الوجه، عظيم البطن، على فرس غرّاء. قال: نعم هذه صفته. يعني معاوية وفرسه الشّمّاء.
قالت: ورأيت رجلا شديد الأدمة شاعرا ينشدهم. قال: ذلك خفاف بن عمير.
قالت: ورأيت رجلا ليس يبرح وسطهم، إذا نادوه رفعوا أصواتهم. قال: ذاك عباس الأصمّ.
قال: ورأيت رجلا طويلا يكنّونه أبا حبيب، ورأيتهم أشدّ شيء له توقيرا. قال: ذاك نبيشة بن حبيب.
قالت: ورأيت شابّا جميلا له وفرة حسنة. قال: ذاك العباس بن مرداس السّلميّ.
__________
[1] التكملة من ط، ها فقط.
[2] التدويم: التحليق. ط، مب: «رزمت» ج: «ورمت» الأخيرة محرّفة.
[3] ط، ها: «فلما كان في السنة».
[4] التكملة من ط، ج، ها، مب.
قالت: ورأيت شيخا له ضفيرتان، فسمعته يقول لمعاوية: بأبي أنت أطلت الوقوف! قال: ذاك عبد العزّى زوج الخنساء أخت معاوية.
قال: فنادى هاشم في قومه وخرج، وزعم المريّ [1] أنه لم يخرج إليهم إلا في مثل عدّتهم من بني مرّة. قال:
فلم يشعر السّلميون حتّى طلعوا عليهم، فثاروا إليهم فلقوهم فقال لهم خفاف: لا تنازلوهم رجلا رجلا؛ فإنّ خيلهم تثبت للطّراد وتحمل ثقل السلاح، وخيلكم قد أمنّها الغزو وأصابها الحفا [2].
/قال: فاقتتلوا ساعة وانفرد هاشم ودريد ابنا حرملة المريان لمعاوية، فاستطرد له أحدهما فشدّ عليه معاوية وشغله، واغترّه الآخر فطعنه فقتله. واختلفوا أيّهما استطرد له وأيهما قتله، وكانت بالذي استطرد له طعنة طعنه إياها معاوية. ويقال: هو هاشم. وقال آخرون: بل دريد أخو هاشم.
شعر خفاف في ذلك:
قال: وشدّ خفاف بن عمير بن الحارث/ بن الشريد [3] على مالك بن حمّار سيّد بني شمخ بن فزارة فقتله. وقال خفاف في ذلك وهو ابن ندبة، وهي أمة سوداء كانت سباها الحارث، بن الشريد حين أغار على بني الحارث بن كعب [فوهبها لابنه عمير فولدت له خفافا [4]. ويقال في ندبة إنّها ابنة الشيطان بن بنان، من بني الحارث بن كعب.
فقال]:
أقول له والرمح يأطر متنه ... تأمّل خفافا إنني أنا ذلكا [5]
وقفت له جلوى وقد خام صحبتي ... لأبني مجدا أو لأثأر هالكا [6]
لدن ذرّ قرن الشّمس حين رأيتهم ... سراعا على خيل تؤمّ المسالكا
فلمّا رأيت القوم لا ودّ بينهم ... شريجين شتّى طالبا ومواشكا [7]
/تيممت كبش القوم حتّى عرفته ... وجانبت شبّان الرجال الصعالكا
فجادت له يمنى يديّ بطعنة ... كست متنه من أسود اللون حالكا
أنا الفارس الحامي الحقيقة والذي ... به أدرك الأبطال قدما كذلكا
فإن ينج منها هاشم فبطعنة ... كسته نجيعا من دم الجوف صائكا
__________
[1] ما عدا ط، ج، ها، مت: «و زعم أن المري».
[2] هذه الكلمة ساقطة من ط، ج. وأمنها إمنانا: أضعفها وأعياها. وهذه رواية ط، ج، مب، وفي ها: «منها» ومعناه كالسابق. وفي سائر النسخ: «قد أنهكها».
[3] بعد هذا في ط، ج، ها، مب: «و هو ابن ندبة وهي أمة سوداء كان سباها الحارث بن الشريد حين أغار على بني الحارث بن كعب فوهبها لابنه عمير فولدت له خفافا، فشد خفاف». وقد ورد صدر هذه العبارة إلى كلمة «كعب» في سائر النسخ في الموضع التالي، فأثبتها هناك، وجعلت بقيتها تكملة هناك.
[4] التكملة إلى هنا من بقية العبارة التي وردت متقدمة في ط، ج، ط، ها، مب. وما بعدها جاء في أصله، وهو ط، ج، ها مباشرا لكلمة «بني الحارث بن كعب».
[5] يأطره: يعطفه ويثنيه. وفعله من باب نصر وضرب.
[6] جلوى: اسم فرسه. هذا ما في ها. وفي سائر النسخ: «علوى». خام: جبن. ط، ج: «نام».
[7] شريجان: ضربان. المواشك: السريع. فحقّق خفاف في شعره أنّ الذي طعن معاوية هو هاشم بن حرملة.
رثاء الخنساء لأخيها معاوية:
وقالت الخنساء ترثي أخاها معاوية:
ألا لا أرى في الناس مثل معاويه ... إذا طرقت إحدى الليالي بداهيه
بداهية يصغي الكلاب حسيسها ... وتخرج من سرّ النجيّ علانيه [1]
ألا لا أرى كفارس الورد فارسا ... إذا ما علته جرأة وغلابيه [2]
وكان لزاز الحرب عند شبوبها ... إذا شمّرت عن ساقها وهي ذاكية [3]
وقوّاد خيل نحو أخرى كأنّها ... سعال وعقبان عليها زبانيه [4]
بلينا وما تبلى تعار وما ترى ... على حدث الأيام إلا كما هيه [5]
فأقسمت لا ينفكّ دمعي وعولتي ... عليك بحزن ما دعا اللّه داعيه
مرثية أخرى لها في معاوية:
وقالت الخنساء في كلمة أخرى ترثيه أيضا:
إلا ما لعينيك أم مالها ... لقد أخضل الدمع سربالها
أبعد ابن عمرو من آل الشري ... - د حلّت به الأرض أثقالها
وأقسمت آسى على هالك ... وأسأل نائحة مالها
سأحمل نفسي على آلة ... فإمّا عليها وإمّا لها
نهين النفوس وهون النّفو ... س يوم الكريهة أبقى لها
ور جراجة فوقها بيضها ... عليها المضاعف زفنا لها [6]
ككرفئة الغيث ذات الصّبي ... - ر ترمي السحاب ويرمي لها
وقافية مثل حدّ السّنا ... ن تبقى ويهلك من قالها
نطقت ابن عمرو فسهّلتها ... ولم ينطق الناس أمثالها
فإن تك مرّة أودت به ... فقد كان يكثر تقتالها
[1] يصغيها: يجعلها تميل رأسها وأذنها للتسمع. وفي أمثالهم: «شر أهر ذا ناب». وللكلاب حس صادق بالعدو، تنذر قومها إذا شعرت به. والحسيس والحس: الحركة.
[2] الورد: فرسه. ما عدا ط، ج، ها: «كالفارس الورد». الغلابية: القهر والغلبة. وفي الأصول ما عدا «ها» علانية.
[3] لزاز الحرب، أي ملازم لها موكل بها.
[4] سعال: جمع سعلاة، وهي الغول.
[5] تعار، بالكسر: جبل في بلاد قيس. وأنثها على أنها جبال.
[6] الرجراجة: الكتيبة تضطرب في سيرها لكثرتها. المضاعف، أي الحديد المصاعف من نسج الدروع ونحوها. زاف يزيف: أسرع.
فزال الكواكب من فقده ... وجلّلت الشمس أجلالها
/ وداهية جرّها جارم ... تبيل الحواصن أحبالها [1]
كفاها ابن عمرو ولم يستعن ... ولو كان غيرك أدنى لها
وليس بأولى ولكنّه ... سيكفي العشيرة ما عالها [2]
/بمعترك ضيّق بينه ... تجرّ المنية أذيالها
وبيض منعت غداة الصّبا ... ح تكشف للرّوع أذيالها [3]
ومعملة سقتها قاعدا ... فأعلمت بالسيف أغفالها [4]
وناجية كأتان الثّمي ... - ل غادرت بالخلّ أوصالها [5]
[إلى ملك لا إلى سوقة ... وذلك ما كان إعمالها] [6]
وتمنح خيلك أرض العدوّ ... وتنبذ بالغزو أطفالها
ونوح بعثت كمثل الإرا ... خ آنست العين أسبالها [7]
تفسير هذه المرثية:
التفسير، عن أبي عبيدة:
قوله حلّت به الأرض، قال بعضهم: حلت من الحلية أي زيّنت به الأرض موتاها، حين دفن بها. وقال بعضهم: حلّت من حللت الشيء. والمعنى ألقت مراسيها، كأنه كان ثقلا عليها. قال: اللفظ لفظ الاستفهام والمعنى خبر، كما قال جرير:
أ لستم خير من ركب المطايا ... وأندى العالمين بطون راح
/ قال: جواب «أبعد» في «آسى» أي أبعد ابن عمرو آسى وأسأل نائحة مالها.
__________
[1] الحواصن من النساء: الخبالى. وبعجز هذا البيت استشهد في «اللسان» (حصن). والأحبال: جمع حبل، بالتحريك، وهو حمل المرأة. أراد أن تلك الدهية تفزع الحبالى فيسقطن الأجنة. ما عدا ط، ج، مب: «تبين الحواصن أحمالها» لكن في ها: «تنيل الحواضن أحبالها» محرّف.
[2] ط، ج، ها، مب: «ما نالها» وفي سائر النسخ: «ما غالها» وتفسير أبي الفرج فيما سيأتي يقتضي أن تكون «ما عالها».
[3] الصباح: الغازة صبحا. ما عدا ط، ج، ها، مب: «الصباح».
[4] ط، ج، ها، مب: «و معلمة» والتفسير التالي يقتضي ما أثبت من سائر النسخ. والأغفال: جمع غفل، بالضم، وهي التي لا سمة عليها.
[5] الناجية: الناقة السريعة. والأتان: الصخرة. ما عدا ط، ج، ها، مب: «لانتيات الثميل» محرّف.
[6] التكملة من ط، ها.
[7] النوح، بالفتح، عنى بهن النساء يجتمعن للحزن ما أصابهن من ثكل. والإراخ، بالكسر: جمع إرخ، بكسر الهمزة وفتحها، وهي البقر أو البكر منها. آنست: أبصرت. والعين، بالكسر: جمع عيناء الواسعة العينين. والأسبال: جمع سبل، بالتحريك، وهو المطر.
[و قال أبو عبيدة: هذا البيت لمية بنت ضرار بن عمرو الضّبيّة ترثي أخاها] [1]. قال أبو الحسن الأثرم: سمعت أبا عمرو الشيباني يقول: أمور الناس جارية على أذلالها، أي على مسالكها، واحدها ذل [2]. آلة: حالة. تقول:
فإما أن أموت وإما أن أنجو. ولو قالت [على ألّة] [3] لم تنج؛ لأن الألة هي الحربة.
هممت بنفسي، قال أبو عبيدة: هذا توعد. قال الأصمعي: «كلّ الهموم». قال الأثرم: كأنّها أرادت أن تقتل نفسها [4].
أبو عبيدة؛ التكدس: التتابع، يتبع بعضها بعضا، أي يغزو ويجاهد في الغزو، كما تتوقّل الوعول في الجبال، عن أبي عبيدة. قال الأصمعي: التكدّس: أن تحرّك مناكبها إذا مشت وكأنّها تنصبّ إلى بين يديها، وإنما وصفتها بهذا. تقول: لا تسرع إلى الحرب، ولكن تمشي إليها رويدا. وهذا أثبت له من أن يلقاها وهو يركض. ويقال: جاء فلان يتكدّس، وهي مشية من مشي الغلاظ القصار. وقال أبو زياد الكلابيّ: الكداس [5]: [عطاس] الضأن. قال السّلمي: التكدّس: تكدس الأوعال، وهو التقحّم. والتكدس هو أن يرمي بنفسه رميا شديدا في جريه.
/ نهين النفوس، تريد غداة الكريهة. وقولها: «أبقى لها» لأنها إذا تذامرت [6] وغشيت القتال كان أسلم لها من الانهزام. كقول بشر بن أبي خازم:
ولا ينجى من الغمرات إلّا ... براكاء القتال أو الفرار
قال بعضهم: أبقى لها في الذّكر وحسن القول. والرجراجة: التي تتمخّض من كثرتها. وقال الأصمعي:
الكرفئة، وجمعها كرفي ء: قطع من السحاب بعضها فوق بعض. وقوله: «ترمي السحاب» أي تنضمّ إليه وتتّصل به.
ويرمي لها، أي ينضمّ إليها السّحاب حتى يستوي. مثل حدّ السنان، لأنها ماضية. سهّلتها: جئت بها سهلة. وجلّلت الشمس، أي كسفت الشمس/ وصار عليها مثل الجلّ. تبيل [7] الحواصن، وهي الحوامل من النّساء، أولادها من شدّة الفزع. أي ما كان وليها ولا دنا إليها، ولكنّه يكفي القريب والبعيد. ما عالها [8]، قال أبو عمرو: عالها: غلبها.
وقال أبو عبيدة: يقال إنّه ليعولني ما عالك، أي يغمّني ما غمّك. ويقال: افعل كذا وكذا ولا يعلك أن تأتي غيره، أي لا يعجزك. ويقال: قد يعولك أن تفعل كذا، أي قد دنا لك أن تفعل ذاك. وأنشد:
ضربا كما تكدّس الوعول ... يعول أن أنبطها يعول
__________
[1] هذه التكملة من ط.
[2] هذا تفسير لبيت لم يروه أبو الفرج، وهو:
لتجر المنية بعد الفتى الم ... غادر بالمحو أذلالها
وقد سبق التنبيه على مثل هذا ص 82 حيث يرد التفسير لما لم ينشده أبو الفرج.
[3] بهذه التكملة يلتثم الكلام. ولم ترد في نسخة من النسخ.
[4] وهذا أيضا تفسير لبيت لم يروه أبو الفرج، وهو:
هممت بنفسي كل الهموم ... فأولى لنفسي أولى لها
[5] التكملة من ط، ها، مب.
[6] تدامرت: تحاضت وحثّ بعضها بعضا على القتال. ط، ح، مب: «غامرت» ها: «عامرت».
[7] كلمة «تبيل» ساقطة من ط. وبدلها في ح: «تلقى» وفي سائر النسخ: «تبين»، وأثبت ما يقتضيه نص الشعر.
[8] وردت هذه الكلمة ومشتقاتها في سائر النسخ بالغين المعجمة، والصواب إهمالها.
/ أي قد دنا ذلك. ويقال: عال كذا وكذا منك، أي دنا منك. ويروى: «و ليس بأدنى ولكنّه». وقولها معملة [1]: إبل. وقولها: قاعدا، أي على فرسك. قال النابغة:
قعودا على آل الوجيه ولا حق [2]
والأغفال: ما لا سمة عليها، واحدها غفل. [و الأتان: الصخرة. [3] و] الثميل: بقيّة الماء في الصخرة.
والخلّ: الطريق في الرمل. يقول: أعيت فتركتها هنالك. ويروى:
غادرت بالنّخل أوصالها
قال الأصمعيّ: ناجية: سريعة. ويروى: «إلى ملك وإلى شأني ء». تقول: تقود خيلك إلى ملك أو عدوّ.
ويروى: «[ما [4] كان] إكلالها». [ما صلة [4]]. الإراخ: بقر الوحش. تقول: خرجت من بيوتهن كما خرجت هذه البقر من كنسها فرحا بالمطر. ومثله في الفرح بالمطر لابن الأحمر قوله:
ماريّة لؤلؤان اللون أوردها ... طلّ وبنّس عنها فرقد خصر [5]
/أي قوّى أنفسها المطر، لما رأته. ومثله:
ألا هلك امرؤ قامت عليه ... بجنب عنيزة البقر الهجود [6]
أي لم يقرن في البيوت فتسترهنّ البيوت، بل هنّ ظواهر. وإنما شبه اجتماع هؤلاء النساء باجتماع العين وخروجهنّ للمطر. قال: وبقر الوحش تفرح بالمطر.
رثاء دريد لمعاوية:
وقال دريد يرثي معاوية أخا الخنساء، لمّا قتلته بنو مرة:
ألا بكرت تلوم بغير قدر ... فقد أحفيتني ودخلت ستري [7]
فإن لم تتركي عذلي سفاها ... تلمك عليّ نفسك أيّ عصر
أسرّك أن يكون الدهر هذا [8] ... عليّ بشرّه يغدو ويسري
__________
[1] ط، ح، مب: «و قولها معلمة، معلمة». وانظر ما سبق في 93.
[2] صدر بيت له في «ديوانه» 56. وعجزه:
يقيمون حولياتها بالمقارع
[3] التكملة من ط، ها، مب.
[4] التكملة من ها.
[5] المارية: البقرة الوحشية، والمارية: البراقة اللون. لؤلؤان اللون أراد لؤلؤيته: براقته. وبنس عنها تبنيسا: تأخر عنها. والفرقد:
ولدها. والخصر: الذي لحقه البرد. والبيت في «اللسان» (لألأ، ينس، مرا).
[6] البيت لامرأة من بني حنيفة في «المفضليات» (2: 73 طبع المعارف). وفي جميع النسخ: «الهجون» تحريف. عنيزة: قرى بالبحرين. ح: «بعيب» تحريف، وأثبت ما في ط و «المفضليات». وفي سائر النسخ: «بخيف» والخيف بالفتح: الناحية.
[7] أحفاه: ألح عليه في المسألة. ما عدا ط، مب «أخفيتني» لكن في ها: «أحفظتني». تحريف.
[8] هذا ما في ها. وفي سائر النسخ: «يبدا».
وألّا ترزئي نفسا ومالا ... يضرّك هلكه في طول عمري
[فقد كذبتك نفسك فاكذبيها ... فإن جزع وإن إجمال صبر [1]
وإنّ الرزء يوم وقفت أدعو ... فلم أسمع معاوية بن عمرو]
رأيت مكانه فعرضت بدءا ... وأيّ مقيل رزء يا ابن بكر
إلى إرم وأحجار وصير ... وأغصان من السّلمات سمر
/ - صير، الواحدة صيرة، وهي حظيرة الغنم. وقوله: وأغصان من السلمات، أي ألقيت على قبره -
وبنيان القبور أتى عليها ... طوال الدّهر من سنة وشهر
ولو أسمعته لسرى حثيثا ... سريع السّعي أو لأتاك يجري
بشكّة حازم لا عيب فيه ... إذا لبس الكماة جلود نمر
- أي كأنّ ألوانهم ألوان النمور، سواد وبياض من السلاح. عن أبي عبيدة -
فإمّا تمس في جدث مقيما ... بمسهكة من الأرواح قفر [2]
فعزّ عليّ هلكك يا ابن عمرو ... وما لي عنك من عزم وصبر
لقاء صخر لابن حرملة:
/ قال أبو الحسن الأثرم: فلمّا دخل الشهر الحرام - فيما ذكر أبو عبيدة عن [أبي] [3] بلال بن سهم - من السّنة المقبلة، خرج صخر بن عمرو حتّى أتى بني مرّة بن عوف بن ذبيان، فوقف على ابني حرملة، فإذا أحدهما به طعنة في عضده - قال: لم يسمّه أبو بلال بن سهم. فأمّا خفاف بن عمير فزعم في كلمته تلك أنّ المطعون هاشم - فقال:
أيّكما قتل أخي معاوية؟ فسكتا فلم يحيرا إليه شيئا [4]، فقال الصّحيح للجريح: ما لك لا تجيبه؟ فقال: وقفت له فطعنني هذه الطعنة في عضدي، وشدّ أخي عليه فقتله، فأيّنا قتلت أدركت ثأرك، إلّا أنا لم نسلب أخاك. قال: فما فعلت فرسه الشّمّاء؟ قال: ها هي [تلك] [5] خذها. فردّها عليه [6] فأخذها ورجع، فلما أتى صخر/ قومه قالوا له:
اهجهم. قال: إنّ ما بيننا أجلّ من القذع، ولو لم أكفف نفسي إلّا رغبة عن الخنا لفعلت.
شعره في ذلك:
وقال صخر في ذلك:
وعاذلة هبّت بليل تلومني ... ألا لا تلوميني كفى اللوم ما بيا
__________
[1] ويروى: «فإن جزعا وإن إجمال صبر» بالنصب. «الخزانة» (4: 442). وهذا البيت وما بعده من ط، ها، مب فقط.
[2] المسهكة: ممر الريح. سهكت الريح؛ مرت مرا شديدا. وهذا الصواب من ط، ها، مب. وفي سائر النسخ: «بمسلهة».
[3] تكملة من ها.
[4] لم يحيرا: لم يرجعا ولم يردا. وهذا ما في ط، ح، م، ها، مب. وفي سائر النسخ: «فلم يخبراه شيئا».
[5] التكملة من مب.
[6] هذا ما في ط، ها، مب. وفي ح، م: «فرد عليه». وفي سائر النسخ: «فرد عليها».
- قال: أراد تباكره باللوم، لم يرد الليل نفسه، إنّما أراد عجلتها عليه باللوم، كما قال النمر بن تولب العكليّ:
بكرت باللّوم تلحانا
وقال غيره: تلومه بالليل لشغله بالنهار عنها بفعل المكارم، والأضياف، والنظر في الحمالات وأمور قومه، لأنّه قوامهم [1] -
تقول ألا تهجو فوارس هاشم ... وما لي إذ أهجوهم ثم ماليا
أبى الشتم أنّي قد أصابوا كريمتي ... وأن ليس إهداء الخنا من شماليا [2]
- [أي من شمائلي. ويروى: «من فعاليا [3]»] -
إذا ذكر الإخوان رقرقت عبرة ... وحيّيت رمسا عندليّة ثاويا [4]
إذا ما امرؤ أهدى لميت تحيّة ... فحيّاك ربّ الناس عنّي معاويا
وهوّن وجدي أنّني لم أقل له ... كذبت ولم أبخل عليه بماليا
فنعم الفتى أدّى ابن صرمة بزّه ... إذا الفحل أضحى أحدب الظّهر عاريا
/ قال أبو عبيدة: ثم زاد فيها بيتا بعد أن أوقع بهم، فقال:
وذي إخوة قطّعت أقران بينهم ... كما تركوني واحدا لا أخاليا [5]
غزو صخر لبني مرة:
قال أبو عبيدة: فلما كان في العام المقبل غزاهم وهو على فرسه الشّمّاء، فقال: إنّي أخاف أن يعرفوني ويعرفوا غرّة الشمّاء، فيتأهّبوا. قال: فحمّم غرّتها [6]. قال: فلما أشرفت على أدنى الحيّ رأوها. فقالت فتاة منهم:
هذه واللّه الشّمّاء! فنظروا فقالوا: الشماء غرّاء وهذه بهيم! فلم يشعروا إلّا والخيل دوائس [7]، فاقتتلوا فقتل صخر دريدا، وأصاب بني مرة فقال:
ولقد قتلتكم ثناء وموحدا ... وتركت مرّة مثل أمس المدبر [8]
__________
[1] يقال: هو قوام أهل بيته وقيامهم، أي الذي يقيم شؤونهم. وهذه رواية ط، ها، مب. وفي ح: «قدامهم» وسائر النسخ: «قد رأسهم».
[2] كذا في ط، ح، ها، مب وهو ما يقتضيه التفسير بعد. وفي سائر النسخ: «من سماتيا.
[3] التكملة من ط، ها، مب فقط.
[4] رقرقت: على الصواب في ط، ها، مب وفي سائر النسخ: «قرقرت». ولية بالكسر: موضع بالطائف.
[5] الأقران: الحبال، عنى بها الصلات، وهو كناية عن القتل. ما عدا ط، ها، مب: «أفراق» تحريف.
[6] حممها: سودها.
[7] كذا في ط وح وهو جمع دائس. وفي سائر النسخ: «دواس» بمعناه
[8] روى في «اللسان» (ثنى): «مثل أمسى الدابر»، والصواب «المدبر». وللبيت ثان سينشده أبو الفرج بعد قليل. وقد نبّه ابن منظور في «اللسان» (دبر) على هذا الصواب.
- قال الأثرم: مثنى وثناء لا ينونان. قال ابن عنمة الضّبيّ:
يباعون بالنّغران مثنى وموحدا [1]
لا ينوّنان لأنّهما مما صرف عن جهته، والوجه أن يقول: اثنين اثنين. وكذلك ثلاث ورباع. قال صخر [الغيّ] [2]:
منت لك أن تلاقيني المنايا ... أحاد أحاد في الشهر الحلال [3]
/قال: ولا تجاوز العرب الرّباع، غير أنّ الكميت قال:
فلم يستريثوك حتّى رمي ... - ت فوق الرجال خصالا عشارا - [4]
/و لقد دفعت إلى دريد بطعنة ... نجلاء تزغل مثل عطّ المنحر [5]
تزغل: تخرج الدم قطعا قطعا. قال: والزّغلة: الدّفعة الواحدة من الدم والبول. قال:
فأزغلت في الحلق إزغالة [6]
شعر صخر فيمن قتل من بني مرة:
وقال صخر أيضا فيمن قتل من بني مرّة:
قتلت الخالدين به وبشرا ... وعمرا يوم حوزة وابن بشر
ومن شمخ قتلت رجال صدق ... ومن بدر فقد أوفيت نذري [7]
ومرّة قد صبحناها المنايا ... فروّينا الأسنّة، غير فخر
ومن أفناء ثعلبة بن سعد ... قتلت وما أبيئهم بوتر [8]
__________
[1] ح: «بالبعران» جمع بعير. وفي ط، مب: «بالنغران» وفي ح أيضا: «و واحدا».
[2] التكملة من ها والصواب أنه لعمرو ذي الكلب الكاهلي، وكان جارا لهذيل. والبيت التالي من قصيدة له في «ديوان الهذليين» 3:
113 مطلعها:
ألا قالت غزية إذ رأتني ... ألم تقتل بأرض بني هلال
[3] صواب الرواية من ط، مب مطابق لما في «ديوان الهذليين» و «اللسان» (منى). وفي سائر النسخ: «الحرام». منت لك المنايا، أي قدرت لك الأقدار والأحداث.
[4] لم يستريثوك: لم يجدوك رائثا، أي بطيئا، من الريث، وهو البطء. رميت: أي زدت؛ يقال: رمى على الخمسين وأرمى، أي زاد.
خصالا، هذا هو صواب الرواية، كما في «اللسان» (عشر) و «الخزانة» (1: 81). وفي ط، ها، مب: «جمالا»، وسائر النسخ:
«خمالا».
[5] العط: الشق. والمنحر: موضع النحر من الدابة. ما عدا ط، ح، ها، مب: «مثل غط المنخر» تحريف.
[6] هذا ما في ط، ها، مب. وفي سائر النسخ: «إزغالها» محرّف. في «اللسان» و «مقاييس اللغة» «زغل»: «في حلقه زغلة». والبيت لابن أحمر، وعجزه:
لم تخطيء الجيد ولم تشفتر
[7] شمخ وبدر: قبيلتان. ما عدا ط، ها، مب: «سمح» محرّف.
[8] أفناء القبائل: أخلاطها. ويقال: أبأت فلانا بفلان: قتلته به.
ولكنّا نريد هلاك قوم ... فنقتلهم ونشريهم بكسر [1]
/و قال صخر أيضا:
ألا لا أرى مستعتب الدّهر معتبا ... ولا آخذ منه الرضا إن تغضّبا [2]
وذي إخوة قطّعت أقران بينهم ... إذا ما النّفوس صرن حسرى ولغّبا [3]
أقول لرمس بين أجراع بيشة ... سقاك الغوادي الوابل المتحلّبا [4]
لنعم الفتى أدّى ابن صرمة بزّه مإذا الفحل أمسى عاري الظهر أحدبا
لقاء قيس بن الأصور لهاشم بن حرملة:
قال أبو عبيدة: ثم إنّ هاشم بن حرملة خرج غازيا، فلما كان ببلاد جشم بن بكر بن هوازن نزل منزلا وأخذ صفنا [5] وخلا لحاجته بين شجر، ورأى غفلته قيس بن الأصور [6] الجشميّ فتبعه وقال: هذا قاتل معاوية! لا وألت نفسي إن وأل [7]! فلما قعد على حاجته تقتّر له بين الشجر [8]، حتّى إذا كان خلفه أرسل إليه معبلة [9] فقتله.
شعر الخنساء في مقتل هاشم:
فقالت الخنساء في ذلك - قال ابن الكلبي: وهي الخنساء بنت عمرو بن الحارث بن شريد بن رياح بن يقظة بن عصيّة بن خفاف بن امرىء القيس بن بهثة بن سليم - :
فدى للفارس الجشمي نفسي ... وأفديه بمن لي من حميم
/ أفدّيه بجلّ بني سليم ... بظاعنهم وبالأنس المقيم [10]
كما من هاشم أقررت عيني ... وكانت لا تنام ولا تنيم
كان هاشم بن حرملة أسود العرب وأشدهم:
قال أبو عبيدة: وكان هاشم بن حرملة بن صرمة بن مرّة أسود [11] العرب وأشدّهم، وله يقول الشاعر:
__________
[1] الكسر، بالفتح: أخس القليل. قال ذو الرمة:
إذا مرئي باع بالكسر بنته ... فما ربحت كف امريء يستفيدها
[2] يقال: أعتبه، إذا أرضاه. ما عدا ط، ها، مب: «الرضا متعتبا».
[3] أقران، سبق تفسيرها ص 100. وفيما عدا ط، ها، مب: «أفراق» محرّف. والحسرى: المعيبة. واللغب: جمع لاغب، وهو المتعب.
[4] الأجراع: جمع جرع بالتحريك، وهو الرملة السهلة المستوية. وبيشة: موضع. المتحلب: المتصبب.
[5] الصفن، بالضم، مثل الدلو أو الركوة يتوضأ فيه. وهي فيما عدا ط، ها «ضغنا» محرّفة. وفي ط، مب: «صفنته». والصفنة، بالفتح: كالعيبة يكون فيها متاع الرجل وأداته. وفي ها «صفينة» بالتصغير.
[6] ما عدا ط: «بن الأمرار».
[7] وأل: نجا وخلص.
[8] تقتر: تهيأ للقتال. وتقتر أيضا: تنحى.
[9] المعبلة، بكسر الميم: نصل طويل عريض.
[10] هذا ما في ط، ها، مب وفي ح: «بخل من سليم» هذه محرّفة، وفي سائر النسخ: «بكل من سليم».
[11] أسود، من السيادة.
أحيا أباه هاشم بن حرمله ... يوم الهباتين ويوم اليعمله [1]
[يقتل ذا الذنب ومن لا ذنب له ... إذ الملوك حوله مغربله [2]
وسيفه للوالدات مثكله
حدّثني علي بن سليمان الأخفش قال: حدّثني محمد بن الحسن بن الحرون قال: حدّثنا الكسروي عن الأصمعي قال: مررت بأعرابيّ وهو يخضد شجرة وقد أعجبته سماحتها، وهو يرتجز ويقول:
لو كنت إنسانا لكنت حاتما ... أو الغلام الجشميّ هاشما
شعر هاشم في الجود:
قلت: من هاشم هذا؟ قال: أو لا تعرفه؟ قلت: لا. قال: هو الذي يقول:
وعاذلة هبّت بليل تلومني ... كأنّي إذا أنفقت مالي أضيمها
/ دعيني فإنّ الجود لن يتلف الفتى ... ولن يخلد النفس اللئيمة لومها
وتذكر أخلاق الفتى، وعظامه ... مفرّقة في القبر باد رميمها
/ سلي كلّ قيس هل أباري [3] خيارها ... ويعرض عنّي وغدها ولئيمها
وتذكر فتيانيّتي وتكرمي ... إذا ذمّ فتيانيّها وكريمها [4]
قلت: لا أعرفه. قال: لا عرفت، هو الذي يقول فيه الشاعر:
أحيا أباه هاشم بن حرمله ... يقتل ذا الذنب ومن لا ذنب له
ترى الملوك حوله مغربله
صوت
تأبد الرّبع من سلمى بأحفار ... وأقفرت من سليمى دمنة الدّار [5]
وقد تحلّ بها سلمى تحدّثني ... تساقط الحلي حاجاتي وأسراري
الشعر للأخطل، والغناء لعمر الواديّ، هزج بالسبابة في مجرى الوسطى، وفيهما رمل بالبنصر يقال إنه لابن جامع ويقال إنه لغيره، وفيهما خفيف رمل بالوسطى، ذكر الهشامي أنه لحكم. وذكر حبش أن فيهما لإبراهيم خفيف ثقيل أوّل بالوسطى.
__________
[1] الهباتان واليعملة: موضعان ذكرهما ياقوت. ما عدا ط، ها، مب: «يوم البهاتين» محرّف .. في «اللسان» (غربل): «يوم الهباءات» فيكون جمعا ليوم الهباءة المعروف.
[2] هذه التكملة من ط، ها، مب. المغربل: المقتول المنتفخ.
[3] المباراة: المفاخرة. وهذا ما في ط، مب. وفي ها «أباري خيارهم»، وفي سائر النسخ: «أباني خيارهم».
[4] الفتيانية: مصدر صناعي لم يرد في المعاجم المتداولة، وكذا النسبة إليه في قوله «فتيانيها». وهو من الفتوة: السخاء والكرم.
وفتيانيتي رواية ط، ها. وفي ح: «رفقيا يداي» محرّفة عن السابقة. وفي سائر النسخ: «و تذكر قيس منتي» وأراها محرّفة عنها أيضا. «و ذم فتيانيها» رواية ط، ح، ها، مب. وفيما عداهما: «إذا ذمني فتيانها» وليس بشيء.
[5] تأبد: توحش. أحفار، بالحاء المهملة: موضع بالبادية. ما عدا ما، ها، مب: «بأحفار» محرّف. والشعر في «ديوان الأخطل» 112.
ومما يغني فيه من هذه القصيدة:
/و شارب مربح بالكأس نادمني ... لا بالحصور ولا فيها بسّار [1]
نازعته طيّب الراح الشّمول وقد ... صاح الدّجاج وحانت وقعة الساري [2]
لما أتوها بمصباح ومبزلهم ... سمت إليهم سموّ الأبجل الضاريّ [3]
الغناء في هذه الأبيات لابن سريج خفيف رمل بالبنصر عن الهشاميّ. وذكر غيره أنّها للدّلال. ومنها:
قرد تغنّيه ذبّان الرّياض كما ... غنّى الغواة بصنج عند أسوار [4]
كأنّه من ندى القرّاص مغتمر ... بالورس أو خارج من بيت عطّار [5]
غناه ابن سريج، ولحنه من القدر الأوسط، من الثقيل الأوّل، بإطلاق الوتر في مجرى الوسطى عن إسحاق.
وذكر الهشاميّ أن لمالك فيه ثقيلا أوّلا. ووافقه يونس في نسبته إلى مالك، ولحكم في قوله:
فرد تغنّيه دبّان الرياض كما
/ وبعده قوله:
صهباء قد عنست من طول ما حبست ... في مخدع بين جنات وأنهار
خفيف ثقيل بالبنصر. ومنها:
لسكّنتني قريش في ظلالهم ... وموّلتني قريش بعد إقتار [6]
قوم إذا حاربوا شدّوا مآزرهم ... عن النّساء ولو باتت بأطهار [7]
ليونس فيها لحن من كتابه ولم يجنّسه.
خبر قصيدة الصوت:
وهذه القصيدة مدح بها الأخطل يزيد بن معاوية لمّا منع من قطع لسانه حين هجا الأنصار، وكان يزيد هو الذي
__________
[1] المربح: الذي يربح صاحب الحمر. والحصور: البخيل. والسّار: الذي يسئر في القدح: يترك فيه فضلة. ط، مب: «بسوار» وفوقها «بسّار» إشارة إلى الروايتين. والسوار: السيء الخلق الذي يساور عليها ويقاتل فيها.
[2] المنازعة: المناولة. والشمول: الطيبة الريح. وقعة، هو صواب الرواية كما في ط، ها، مب، و «الديوان». يقال وقعت الإبل:
بركت. وفيما سواها: «وقفة».
[3] بمصباح، أراد أنهم بزلوها ليلا. والمبزل: الحديدة التي يفتح بها الدن. الأبجل: عرق. الضاري: الذي يهتز وينعر بالدم. ويروى:
«سارت إليهم سؤور».
[4] فرد: منفرد، يعني الثور في أبيات قبله. والصبح: آلة بأوتار يضرب بها، معرّب. والأسوار بضم الهمزة وكسرها: قائد الفرس.
[5] القراص، كرمان: ضرب من البقل. والورس: نبت أصفر يكون باليمن تتخذ منه الغمرة للوجه. مغتمر: أي متطل به قد طلى بدنه.
يقال جارية مغتمرة ومتغمرة: متطلية. فيما عدا، ها، مب: «معتمر» تصحيف. وفي سائر النسخ: «معترض» تحريف. وفي «الديوان»: «مغتسل».
[6] مولتني: جعلتني ذا مال. والإقنار: الافتقار وضيق العيش.
[7] أي إذا حاربوا لم يغشوا النساء في أطهارهن.
أمره بهجائهم. فقيل: إن/ السبب في ذلك كان تشبّب عبد الرحمن بن حسان برملة بنت معاوية، وقيل بل حمي لعبد الرحمن بن الحكم.
تشبيب عبد الرحمن بن حسان برملة:
أخبرني الجوهري قال: حدّثنا عمر بن شبّة قال: حدّثني أبو يحيى الزّهري قال: حدّثني ابن أبي زريق قال:
شبّب عبد الرحمن بن حسان برملة بنت معاوية فقال:
رمل هل تذكرين يوم غزال ... إذ قطعنا مسيرنا بالتّمنّي
إذ تقولين عمرك اللّه هل شي ... ء وإن جلّ سوف يسليك عنّي
أم هل اطمعت منكم بابن حسّا ... ن كما قد أراك أطمعت منّي
قال: فبلغ ذلك يزيد بن معاوية فغضب، فدخل على معاوية فقال: يا أمير المؤمنين، ألا ترى إلى هذا العلج من أهل يثرب، يتهكّم بأعراضنا ويشبّب [1] بنسائنا؟ / قال: ومن هو؟ قال: عبد الرحمن بن حسّان، وأنشده ما قال، فقال: يا يزيد ليست العقوبة من أحد أقبح منها من ذوي القدرة، ولكن أمهل حتّى يقدم وفد الأنصار ثم ذكّرني. قال: فلمّا قدموا أذكره به [2]، فلما دخلوا عليه قال: يا عبد الرحمن، ألم يبلغني أنك تشبّب برملة بنت أمير المؤمنين؟ قال: بلى، ولو علمت أنّ أحدا أشرّف به شعري أشرف منها لذكرته. قال: وأين أنت عن أختها هند؟
قال: وإنّ لها لأختا؟ قال: نعم. قال: وإنما أراد معاوية أن يشبّب بهما جميعا فيكذب نفسه. قال: فلم يرض يزيد ما كان من معاوية في ذلك: أن يشبّب بهما جميعا، فأرسل إلى كعب بن جعيل فقال: اهج الأنصار. فقال: أفرق من أمير المؤمنين [3]؛ ولكن أدلّك على الشاعر الكافر الماهر. قال: ومن هو؟ قال: الأخطل. قال: فدعا به فقال:
اهج الأنصار. قال: أفرق من أمير المؤمنين! فقال: لا تخف شيئا؛ أنا لك بذلك. قال: فهجاهم فقال:
هجاء الأخطل للأنصار:
وإذا نسبت ابن الفريعة خلته ... كالجحش بين حمارة وحمار [4]
لعن الإله من اليهود عصابة ... بالجزع بين صليصل وصرار [5]
قوم إذا هدر العصير رأيتهم ... حمرا عيونهم من المصطار [6]
خلّوا المكارم لستم من أهلها ... وخذوا مساحيكم بني النجّار [7]
/إنّ الفوارس يعلمون ظهوركم ... أولاد كلّ مقبّح أكّار [8]
__________
[1] ما عدا ط، مب: «و يتشبب».
[2] ما عدا ط، ها، مب: «ذكره به».
[3] أفرق: أخاف؛ والفرق بالتحريك: الخوف.
[4] يعني بذلك أبويه.
[5] صليصل: تصغير صلصل، وهو موضع بنواحي المدينة. ومثله صرار بالكسر.
[6] المصطار، بالضم: الخمر الحامضة، ويقال بالسين أيضا كما فيما عدا ط، ح، مب.
[7] المساحي: جمع مسحاة، وهي المجرفة من حديد، هجاهم بأنهم أهل زراعة. ما عدا ط، ها، مب: «مسائحكم» محرّف.
[8] الأكار: الحراث.
ذهبت قريش بالمكارم والعلا ... واللؤم تحت عمائم الأنصار
فبلغ ذلك النعمان بن بشير فدخل على معاوية فحسر عن رأسه عمامته، وقال: يا أمير المؤمنين: أترى لؤما؟
قال: لا بل أرى كرما وخيرا، ما ذاك؟ قال: زعم الأخطل أن اللؤم تحت عمائمنا. قال: أو فعل؟ قال: نعم. قال:
لك لسانه. وكتب فيه أن يؤتى به. فلما أتي به سأل الرسول ليدخل إلى يزيد أوّلا، فأدخله عليه، فقال: هذا الذي كنت أخاف. قال: لا تخف شيئا. ودخل على معاوية فقال: علام أرسل إليّ هذا الرجل وهو يرمي من وراء جمرتنا؟ قال: هجا الأنصار. قال: ومن زعم ذلك؟ قال: النعمان بن بشير. قال: لا تقبل قوله عليه وهو يدّعي لنفسه، ولكن تدعوه بالبيّنة، فإن ثبّت [1] شيئا أخذته به له. فدعاه بالبينة فلم يأت بها، فخلّى سبيله. فقال الأخطل:
مدح الأخطل ليزيد:
وإنّي غداة استعبرت أمّ مالك ... لراض من السّلطان أن يتهدّدا
/ ولو لا يزيد ابن الملوك وسعيه ... تجلّلت حدبارا من الشّرّ أنكدا [2]
فكم أنقذتني من خطوب حباله ... وخرساء لو يرمى بها الفيل بلّدا [3]
ودافع عنّي يوم جلّق غمرة ... وهمّا ينسّيني السّلاف المبرّدا [4]
وبات نجيّا في دمشق لحيّة ... إذا همّ لم ينم السليم فأقصدا [5]
/يخافته طورا وطورا إذا رأى ... من الوجه إقبالا ألحّ وأجهدا [6]
وأطفأت عنّي نار نعمان بعدما ... أعدّ لأمر فاجر وتجرّدا
ولما رأى النّعمان دوني ابن حرّة ... طوى الكشح إذ لم يستطعني وعرّدا [7]
خبر آخر في تشبيب عبد الرحمن برملة:
حدّثنا محمد بن العباس اليزيدي قال: حدثنا أحمد بن الحارث الخراز قال: حدّثنا المدائني عن أبي عبد الرحمن بن المبارك قال:
شبّب عبد الرحمن بن حسّان بأخت معاوية، فغضب يزيد فدخل على معاوية فقال: يا أمير المؤمنين، اقتل عبد الرحمن بن حسّان. قال: ولم؟ قال: شبّب بعمّتي. قال: وما قال؟ قال قال:
طال ليلي وبتّ كالمحزون ... ومللت الثّواء في جيرون
__________
[1] ما عدا ط، ح، ها، مب: «أثبت».
[2] في «الديوان» 93: «و سيبه». الحدبار: الناقة التي بدا عظم ظهرها ونشزت حراقيفها.
[3] أي من خرساء. والخرساء: الداهية. بلد: لصق بالأرض لما دهاه وحطمه.
[4] الغمرة: الشدّة. وفي «الديوان»: «السلاف المهودا». وتهويد الشراب: إسكاره.
[5] لحية، يعني معاوية. والسليم: الملدوغ. والإنماء: أن ترمي الصيد فتصيبه ويذهب عنك فيموت بعد ما يغيب. والإقصاد من الحية:
أن تلدغه فتقتله في الحال.
[6] المخافتة: الهمس في الأذن. ما عدا ط، ها، مب: «يخافيه أطورا» تحريف.
[7] ابن حرة، يعني يزيد. عرد: هرب. ما عدا ط، ح، ها، مب: «روى ابن مرة» تحريف.
قال معاوية: يا بنيّ وما علينا من طول ليله وحزنه أبعده اللّه؟ قال: إنه يقول:
فلذاك اغتربت بالشام حتّى ... ظنّ أهلي مرجّمات الظنون
قال: يا بنيّ وما علينا من ظنّ أهله؟ قال: إنّه يقول:
هي زهراء مثل لؤلؤة الغوّاص ... ميزت من جوهر مكنون
قال: صدق يا بنيّ. قال: إنّه يقول:
وإذا ما نسبتها لم تجدها ... في سناء من المكارم دون
قال: صدق يا بنيّ، هي هكذا. قال: إنّه يقول:
ثم خاصرتها إلى القبّة الخض ... - راء تمشي في مرمر مسنون [1]
/خاصرتها: أخذت بخصرها وأخذت بخصري. قال: ولا كلّ هذا يا بني! ثم ضحك وقال: أنشدني ما قال أيضا. فأنشده قوله:
قبّة من مراجل نصبوها ... عند حدّ الشتاء في قيطون
عن يساري إذا دخلت من البا ... ب وإن كنت خارجا فيميني
تجعل النّدّ والألوّة والعو ... د صلاء لها على الكانون [2]
وقباب قد أشرجت وبيوت ... نطّقت بالريحان والزّرجون [3]
قال: يا بني، ليس يجب القتل في هذا، والعقوبة دون القتل، ولكنّا نكفّه بالصلة له والتجاوز.
نسبة ما في هذه الأبيات من الغناء
صوت
هي زهراء مثل لؤلؤة الغو ... اص ميزت من جوهر مكنون
وإذا ما نسبتها لم تجدها ... في سناء من المكارم دون
/ نسخت من كتاب ابن النطاح: وذكر الهيثم بن عدي عن ابن دأب قال: حدّثنا شعيب بن صفوان أنّ عبد الرحمن بن حسّان بن ثابت كان يشبّب بابنة معاوية، ويذكرها في شعره، فقال الناس لمعاوية: لو جعلته نكالا؟
فقال: لا، ولكن أداويه بغير ذلك. فأذن [4] له وكان يدخل عليه في أخريات الناس، ثمّ أجلسه [5] على سريره
__________
[1] المسنون: المملس. وقد أورد ابن منظور بعض هذا الخبر في مادة (سنن).
[2] الألوة، بضم اللام مع ضم الهمزة وفتحها: ضرب من عود البخور.
[3] ط: «أسرجت» أضيئت. وفيما عدا ط، ها، مب: «أشرجت»، أي كما تشرح الخريطة، تشد أجزاؤها بالعرى والحبال. نطقت:
جعل لها نطاق. والزرجون: الكرم أو قضبانه.
[4] فيما عدا ط، ج، ها، مب: «فلما وفد عليه».
[5] ما عدا ط، ج، ها، مب: «و كان يدخل في أخريات الناس أجلسه».
معه، وأقبل عليه بوجهه وحديثه ثم قال: ابنتي الأخرى عاتبة عليك. قال: في أيّ شي ء؟ قال: في مدحتك أختها وتركك إياها. قال: فلها العتبى وكرامة، أنا ذاكرها وممتدحها [1]. فلما فعل وبلغ ذلك الناس قالوا: قد كنا نرى أنّ نسيب [2] بن حسّان بابنة معاوية لشيء، فإذا هو عن رأي معاوية وأمره. وعلم من كان يعرف أنه ليس له بنت أخرى، أنّه إنما خدعه ليشبّب بها، ولا أصل لها فيعلم الناس أنه كذب على الأولى لما ذكر الثانية.
وقد قيل في حمل يزيد بن معاوية الأخطل على هجاء الأنصار: إنّه فعل ذلك تعصّبا لعبد الرحمن بن الحكم بن العاص بن أمية، أخي مروان بن الحكم في مهاجاته عبد الرحمن، وغضبا له، لمّا استعلاه ابن حسّان في الهجاء.
ذكر خبرهما في التهاجي والسبب في ذلك
خبر تهاجي عبد الرحمن بن حسّان وعبد الرحمن بن الحكم:
أخبرني علي بن سليمان الأخفش قال حدّثنا أبو سعيد السكري قال: حدثنا أبو غسّان دماذ [3]، عن أبي عبيدة قال: أخبرني أبو الخطاب الأنصاري قال:
كان عبد الرحمن بن حسّان خليلا لعبد الرحمن بن الحكم بن العاص مخالطا له، فقيل له: إن ابن حسان يخلفك في أهلك. فراسل امرأة ابن حسّان فأخبرت بذلك زوجها وقالت: أرسل إليّ: إنّي أحبّك حبّا أراه قاتلي! فأرسل ابن حسّان إلى امرأة ابن الحكم وكانت تواصله وقال للرسول: إذهب إليها وقل لها: إن/ امرأتي تزور أهلها اليوم فزوريني حتّى نخلو. فزارته فقعد معها ساعة ثم قال لها: قد واللّه جاءت امرأتي. فأدخلها بيتا إلى جنبه وأمر امرأته فأرسلت إلى عبد الرحمن بن الحكم: إنّك ذكرت حبّك إياي وقد وقع ذلك في قلبي، وإنّ ابن حسّان قد خرج اليوم إلى ضيعته فهلمّ فتهيّأ ثمّ أقبل. فإنّه لقاعد معها إذ قالت له: قد جاء ابن حسّان فادخل هذا البيت فإنّه [4] لا يشعر بك. فأدخلته البيت الذي فيه امرأته، فلما رآها أيقن بالسّوأة ووقع الشرّ بينهما، وهجا كلّ واحد منهما صاحبه.
قال أبو عبيدة: هذه رواية أبي الخطّاب الأنصاري، وأمّا قريش فإنّهم يزعمون أنّ مرأة ابن حسّان كانت تحبّ عبد الرحمن وتدعوه إلى نفسها فيأبى ذلك، حفظا لما بينه وبين زوجها، وبلغ ذلك ابن حسان فراسل امرأة ابن الحكم حتّى فضحها، وبلغ ذلك ابن الحكم وقيل له: إنك إذا أتيت ضيعتك أرسلت إلى ابن حسّان فكان معها. فأمر ابن الحكم أهله فقال: عالجوا سفرة حتّى أطالع مالي بمكان كذا وكذا. فخرج وبعثت امرأته إلى ابن حسان فجاء كما كان يفعل، ورجع ابن الحكم حين ظنّ أن ابن حسان قد صار عندها، فاستفتح فقالت: ابن الحكم واللّه! وخبّأته
__________
[1] ما عدا ط، ها، مب: «و ممدها».
[2] ما عدا ط، ج، مب: «أن تشبب».
[3] كذا ضبط بكسر الدال في ط، ها، مب. ودماذ لقب له واسمه رفيع بن سلمة. انظر «إنباه الرواة» 2: «بتحقيق محمد أبي الفضل إبراهيم حيث تجد مراجع ترجمته.
[4] كذا في ها، مب. وفي سائر الأصول: «لأنه».
خلفها في بيت، ودخل عبد الرحمن فبعث إلى امرأة ابن حسان: إنه قد وقعت لك في قلبي مقة [1]، فأقبلي إليّ الساعة، فتهيأت وأقبلت حتّى دخلت/ عليه، فوضعت ثيابها وزوجها ينظر فقال لها: قد كنت أكثرت الإرسال إليّ فما شأنك؟ قالت: إني واللّه هالكة من حبّك. قال: وزوجها يسمع، وإنّما أراد أن يعلمه أنّها قد كانت ترسل إليه ويأبى عليها. وزعم أنها هي التي قالت لابن الحكم إنّ ابن حسّان يخلفك في أهلك. فلما فرغ من كلامه وأسمعه زوجها قال/ لها: قد جاءت امرأتي. وأدخلها البيت الذي فيه ابن حسّان، فلما جمعهما في مكان واحد خرج عنهما، فخرجا وطلّق امرأته.
دعاء مروان بن الحكم وأخيه:
أخبرني ابن دريد قال: أخبرني الرياشي قال: حدّثنا ابن بكير عن هشام بن الكلبي عن خالد بن سعيد عن أبيه قال:
رأيت مروان بن الحكم يطوف بالبيت ويقول: اللّهم أذهب عني الشّعر! وأخوه عبد الرحمن يقول: اللّهم إني أسألك ما استعاذ منه! فذهب الشعر عن مروان، وقاله عبد الرحمن.
خبر آخر في التهاجي بين عبد الرحمن بن حسّان وعبد الرحمن بن الحكم:
وأمّا هشام بن الكلبيّ فإنه حدث عن خالد وإسحاق ابنى سعيد بن العاصي، أنّ سبب التهاجي بينهما أنّهما خرجا إلى الصيد بأكلب لهما في إمارة مروان، فقال ابن الحكم لابن حسّان:
ازجر كلابك أنها قلطيّة ... بقع ومثل كلابكم لم تصطد [2]
فردّ عليه ابن حسّان:
من كان يأكل من فريسة صيده ... فالتّمر يغنينا عن المتصيّد [3]
إنا أناس ريّقون وأمّكم ... ككلابكم في الولغ والمتردّد [4]
حزناكم للضّبّ تحترشونه ... والريف، نمنعكم بكلّ مهنّد [5]
/ثم رجعا إلى المدينة فجعلا يتقارضان، فقال عبد الرحمن بن الحكم في قصيدة:
ومثل أمّك أمّ العبد قد ضربت ... عندي وليّ بفناتي مزهر جرم [6]
وأنت عند ذناباها تعاونها ... على القدور تحسّى خاثر البرم [7]
__________
[1] المقة: الحب، ومقها يمقها مقة.
[2] القلطي من الكلاب: ضرب منها قصير مجتمع. وانظر الحيوان للجاحظ (1: 157). والبقع: جمع أبقع وبقعاء، وهو ما فيه سواد وبياض.
[3] ها: «فريسة كلبه». المتصيد: ما يتصيده الصائد، أو هو الصيد، مصدر ميمي. يعيرهم بالصيد وحرش الضباب.
[4] الريق: الذي على الريق لم يفطر. والمتردد: التردد، مصدر ميمي كذلك.
[5] احتراش الضب: صيده. ما عدا ط: «يمنعكم» و «تمنعكم» تحريف.
[6] بفنائي، هي الصواب من ط، ها، مب. وفي سائر النسخ: «بغناء». والمزهر: العود. والجرم: الصافي الصوت، جرم: صفا صوته.
ط، ح، مب: «حرم» بالحاء المهملة، ولا وجه له. ها: «هذم».
[7] ما عدا ط، ها، مب: «غلى القدور» تحريف. تحسى، أي تتحسى: تشرب شيئا بعد شيء. والخائر: الغليظ.
فنقضها عبد الرحمن بن حسّان عليه بقصيدته التي يقول فيها:
يا أيّها الراكب المزجي مطيّته ... إذا عرضت فسائل عن بني الحكم [1]
القائلين إذا لاقوا عدوّهم ... فرّوا فكرّوا على النّسوان والنّعم
كم من أمين نصيح الجيب قال لكم ... ألّا نهيتم أخاكم يا بني الحكم
عن رجل لا بغيض في عشيرته ... ولا ذليل قصير الباع معتصم [2]
وقال ابن حسّان:
صار الذليل عزيزا والعزيز به ... ذلّ وصار فروع الناس أذنابا
إنّي لملتمس حتّى يبين لكم ... فيكم متى كنتم للنّاس أربابا
فارقوا على ظلعكم ثمّ انظروا وسلوا ... عنّا وعنكم قديم العلم نسّابا [3]
فسوف يضحك أو تعتاده ذكر ... يا بؤس للدهر للإنسان ريّابا [4]
ولهما نقائض كثيرة لا معنى لذكر جميعها ههنا.
عقاب معاوية لهم:
قال دماذ: وحدّثني أبو عبيدة عن أبي الخطاب قال:
لما كثر التهاجي بينهما وأفحشا كتب معاوية يومئذ وهو الخليفة، إلى سعيد/ بن العاص وهو عامله على المدينة، أن يجلد كلّ واحد منهما مائة سوط. قال: وكان ابن حسان صديقا لسعيد، وما مدح أحدا قط غيره، فكره أن يضربه أو يضرب ابن عمّه، فأمسك عنهما، ثم ولي مروان فلما قدم أخذ ابن حسّان فضربه مائة سوط ولم يضرب أخاه، فكتب ابن حسّان إلى النعمان بن بشير وهو بالشأم، وكان كبيرا مكينا عند معاوية:
ليت شعري أغائب أنت بالشا ... م خليلي أم راقد نعمان
أيّة ما يكن فقد يرجع الغا ... ئب يوما ويوقط الوسنان [5]
إنّ عمرا وعامرا أبوينا ... وحراما قدما على العهد كانوا [6]
أفهم مانعوك أم قلّة الكتّاب ... أم أنت عاتب غضبان
أم جفاء أم أعوزتك القراطي ... - س أم أمري به عليك هوان [7]
__________
[1] عرض: أتى العروض؛ وهي مكة والمدينة وما حولهما.
[2] ما عدا ط، ح، ها، مب: «في عشيرتكم».
[3] الظلع: غمز شبيه بالعرج. أرق على ظلعك، أي امش واصعد بقدر ما تطيق ولا تحمل على نفسك ما لا تطيقه، يضرب للرجل يطلب منه أن يصلح أمره أوّلا. ما عدا ط، ها: «ففارقوا ظلعكم»، تحريف.
[4] ما عدا ط، ها، مب: «فكيف يضحك».
[5] ما عدا ط، ح، ها، مب: «أية ما تكن» بالتاء.
[6] حرام: أبو قبيلة.
[7] ساعدا ط، ح، ها: «إنهم مانعوك» تحريف. وكلمة «به» من ط، ها فقط.
يوم أنبئت أنّ ساقيّ رضّت ... وأتاكم بذلك الرّكبان
ثمّ قالوا إنّ ابن عمّك في بل ... - وى أمور أتى بها الحدثان [1]
فتئطّ الأرحام والودّ والصّح ... - بة فيما أتى به الحدثان [2]
إنما الرمح فاعلمنّ قناة ... أو كبعض العيدان لولا السّنان
/ وهي قصيدة طويلة - فدخل النعمان على معاوية فقال له: يا أمير المؤمنين، إنك أمرت سعيدا أن يضرب ابن حسّان وابن الحكم مائة مائة فلم يفعل، ثم ولّيت مروان فضرب ابن حسّان ولم يضرب أخاه. قال: فتريد ماذا؟
قال: أنت تكتب إليه بمثل ما كتبت إلى سعيد. فكتب إلى معاوية يعزم عليه أن يضرب أخاه مائة، وبعث إلى ابن حسّان بحلّة، فلما قدم الكتاب على مروان بعث إلى ابن حسان: إنّي مخرجك، وإنّما أنا مثل والدك، وما كان ما كان منّي إليك إلا على سبيل التأديب لك. واعتذر إليه، فقال حسان: ما بدا له في هذا إلّا لشيء قد جاءه. وأبى أن يقبل منه، فأبلغ الرسول ذلك مروان فوجّهه إليه بالحلّة فرمى بها في الحشّ [3]. فقيل له: حلّة أمير المؤمنين وترمي بها في الحشّ؟ قال: نعم وما أصنع بها! وجاءه قومه فأخبروه الخبر فقال: قد علمت أنّه لم يفعل ما فعل إلا لأمر قد حدث. فقال الرسول لمروان: ما تصنع بهذا، قد أبى أن يعفو فهلمّ أخاك. فبعث مروان إلى الأنصار وطلب إليهم أن يطلبوا إليه أن يضربه خمسين فإنّه ضعيف. فطلبوا إليه فأجابهم، فأخرجه فضربه خمسين، فلقي ابن حسّان بعض من كان لا يهوى ما ترك من ذلك، فقال له: أضربك مائة ويضربه خمسين، بئس ما صنعت إذ وهبتها له. قال: إنّه عبد وإنّما ضربه ما يضرب العبد نصف ما يضرب الحرّ! فحمل هذا الكلام حتّى شاع بالمدينة وبلغ ابن الحكم فشقّ عليه، فأتى أخاه مروان فخبّره الخبر وقال: فضحتني، لا حاجة لي فيما تركت [4] فهلمّ فاقتصّ.
هجاء عبد الرحمن لابن الحكم:
فضرب ابن الحكم خمسين أخرى، فقال عبد الرحمن يهجو ابن الحكم:
/دع ذا وعدّ قريض شعرك في امرىء ... يهذي وينشد شعره كالفاخر [5]
عثمان عمّكم ولستم مثله ... وبنو أميّة منكم كالآمر
وبنو أبيه سخيفة أحلامهم ... فحش النفوس لدى الجليس الزائر
/ أحياؤهم عار على أمواتهم ... والميّتون مسبّة للغابر [6]
هم ينظرون إذا مددت إليهم ... نظر التيّوس إلى شفار الجازر
__________
[1] ما عدا ط، ح، ها، مب: «ابن عمك يلوي من أمور».
[2] تئط: تحن. ما عدا ح، ط، ها، مب: «و قنيط» محرّف عنه.
[3] الحش، بتثليث الحاء: أصله البستان وجماعة النخل. وكانوا إذا أرادوا قضاء الحاجة ذهبوا إليها، ثم سمى المتوضأ به، نحو تسميتهم الفناء عذرة.
[4] هذا الصواب في ط، ها، مب فقط. وفي ح: «فأتى أخاه مروان ابن حسّان لا حاجة لنا فما تركت». وفي سائر النسخ: «فأتى أن مروان بن حسّان فقال له لا حاجة لنا فيما تركت».
[5] ما عدا ط، ها، مب: «كالفاجر».
[6] الغابر: الباقي. أي أمواتهم كذلك عار على الأحياء.
خزر العيون منكّسي أذقانهم ... نظر الذّليل إلى العزيز القاهر
جواب ابن الحكم له:
فقال ابن الحكم:
لقد أبقى بنو مروان حزنا ... مبينا عاره لبني سواد
أطاف به صبيح من مشيد ... ونادى دعوة: يا بني سعاد [1]
لقد أسمعت لو ناديت حيّا ... ولكن لا حياة لمن تنادي
هجاء أبي واسع لابن حسّان:
قال أبو عبيدة: فاعتنّ أبو واسع [2] أحد بني الأسعر [3] من بني أسد بن خزيمة، لابن حسان دون ابن الحكم، فهجاه وعيّره بضرب ابن المعطل أباه حسّان على رأسه، وعيّرهم بأكل الخصى، فقال:
إنّ ابن المعطّل من سليم ... أذلّ قياد رأسك بالخطام
عمدت إلى الخصى فأكلت منها ... لقد أخطأت فاكهة الطعام
وما للجار حين يحلّ فيكم ... لديكم يا بني النجّار حام
/ يظلّ الجار مفترشا يديه ... [مخافتكم لدى ملث الظّلام [4]
وينظر نظرة في مذرويه [5]] ... وأخرى في استه والطّرف سام
قال: فلما عمّ بني النجّار بالهجاء ولا ذنب لهم دعوا اللّه عزّ وجلّ عليه، فخرج من المدينة يريد أهله فعرض له الأسد فقضقضه [6]، فقال ابن حسّان في ذلك:
شعر ابن حسان في مصرع ابن واسع:
أبلغ بني الأسعر إن جئتهم ... ما بال أبناء بني واسع [7]
والليث يعلوه بأنيابه ... معتفرا في دمه الناقع [8]
إذ تركوه وهو يدعوهم ... بالنّسب الداني وبالشاسع [9]
__________
[1] ح: «يطيف». فيما عدا ط، ح، ها: «با بنى سعاد».
[2] اعتن: اعترض.
[3] ما عدا ط، ح، مب: «الأشعر» بالشين المعجمة.
[4] ملث الظلام: اختلاطه.
[5] عجز البيت السابق وصدر هذا، هما من ط، ها، مب فقط. أما سائر النسخ ففيها عجز هذا البيت مع صدر البيت السابق.
والمذروان: فرعا الأليتين.
[6] قضقضه: كسره وحطمه. ها: «فقصفه». ط، مب: «فغضغضه» ح: «ففضفضه» وهاتان محرفتان.
[7] ما عدا ط، ح، ها، مب: «بني الأشعر» بالشين المعجمة.
[8] اعنفره الأسد، إذا افترسه.
[9] الشاسع: البعيد. ما عدا ط، ها، مب: «بالسبب الداني».
لا يرفع الرحمن مصروعكم ... ولا يوهّي قوّة الصارع [1]
فقالت له امرأته: ما دعا أحد قبلك للأسد بخير قطّ. قال: ولا نصر أحدا كما نصرني.
دعوة مسكين الدارمي لابن حسّان أن يتهاجيا:
وقال ابن الكلبيّ: كان الأخطل ومسكين الدارميّ صديقين لابن الحكم، فاستعان بهما على ابن حسّان، فهجاه الأخطل، وقال له مسكين: ما كنت لأهجو أحدا أو أعذر [2] إليه. فكتب إليه مسكين بقصيدته اللامية يدعوه إلى المفاخرة والمنافرة، فقال في أوّلها:
/ألا إنّ الشّباب ثياب لبس ... وما الأموال إلّا كالظّلال
فإن يبل الشّباب فكلّ شيء ... سمعت به سوى الرحمن بال
جواب ابن حسان:
وهي طويلة جدا، يفخر فيها بمآثر بني تميم. فأجابه ابن حسّان فقال:
أتاني عنك يا مسكين قول ... بذلت النّصف فيه غير آل [3]
دعوت إلى التناضل غير قحم ... ولا غمر يطير لدى النضال [4]
وهي أطول من قصيدة مسكين. ثم انقطع التناضل بينهما.
تحريض الأخطل على هجاء الأنصار:
قال دماذ: فحدّثني أبو عبيدة قال: حدّثني أبو حيّة النميري قال: حدّثني الفرزدق قال:
كنّا في ضيافة معاوية، ومعنا كعب/ بن جعيل التّغلبي، فحدّثني أنّ يزيد بن معاوية قال له: إنّ ابن حسّان فضح عبد الرحمن بن الحكم وغلبه، وفضحنا، فاهج الأنصار. قال: فقلت له: أرادّي أنت في الشرك، أأهجو قوما نصروا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وآله وآووه؟ ولكنّي أدلّك على غلام منا نصرانيّ لا يبالي أن يهجوهم، كأنّ لسانه لسان ثور.
قال: من هو؟ قلت: الأخطل. فدعاه وأمره بهجائهم، فقال: على أن تمنعني؟ قال: نعم.
قال أبو عبيدة: إن معاوية دسّ إلى كعب وأمره بهجائهم، فدلّه على الأخطل، فقال الأخطل قصيدته التي هجا فيها الأنصار، وقد مضت ومضى خبرها وخبر النعمان بن بشير.
/ وزاد أبو عبيدة عمن روينا ذلك عنه: أنّ النعمان بن بشير ردّ على الأخطل فقال:
أبلغ قبائل تغلب ابنة وائل ... من بالفرات وجانب الثّرثار [5]
__________
[1] ما عدا ط، ها، مب: «لا يرفع الرحمن مصدوعهم» و «الصادع».
[2] أعذر إليه: لم يبق فيه موضعا للاعتذار. ما عدا ط، ح، ها، مب: «و اعتذر إليه». تحريف.
[3] النصف: الإنصاف والمعدلة. غير آل: غير مقصر ولا تارك.
[4] القحم: الذي قد أقحمته السن تراه قد هرم من غير أوان الهرم. والغمر: هو الجاهل الغر الذي لا تجربة له.
[5] الثرثار: واد عظيم بالجزيرة.
فاللؤم بين أنوف تغلب بيّن ... كالرّقم فوق ذراع كلّ حمار
قال: فخافه الأخطل أن يهجوه، فقال فيه:
عذرت بني الفريعة أن هجوني ... فما بالي وبال بني بشير [1]
أفيحج من بني النجّار شئن ... شديد القصريين من السّحور
ولم يرد على هذين البيتين شيئا في ذكره.
قال أبو عبيدة في خبره أيضا: إن الأنصار لمّا استعدوا عليه معاوية قال لهم: لكم لسانه إلّا أن يكون ابني يزيد قد أجاره. ودسّ إلى يزيد من وقته: إني قد قلت للقوم كيت وكيت فأجره. فأجاره، فقال يزيد بن معاوية في إجارته إياه:
دعا الأخطل الملهوف بالشّرّ دعوة ... فأيّ مجيب كنت لمّا دعانيا
ففرّج عنه مشهد القوم مشهدي ... وألسنة الواشين عنه لسانيا
صوت
كان لي يا شقير [2] حبّك حينا ... كاد يقضي عليّ لمّا التقينا
يعلم اللّه أنكم لو نأيتم ... أو قربتم أحبّ شيء إلينا
الشعر لعمر بن أبي ربيعة، والغناء لحبابة جارية يزيد بن عبد الملك، ولحنها ثاني ثقيل بالوسطى، وجعلت مكان «يا شقير» [2]: «يا يزيد». وفي هذا الشعر للهذلي خفيف ثقيل أول مطلق بالوسطى. وزعم عمرو بن بانة أنه للأبجر. وقال الهشامي: لحن الأبجر ثقيل أول بالبنصر. وفيه للدارمي وابن فروخ [3] خفيف ثقيل، ولحن الدارمي فيهما مطلق في مجرى الوسطى عن إسحاق.
__________
[1] أفيحج: تصغير أفحج، وهو الذي تتدانى صدور قدميه وتتباعد عقباه وتنفحج ساقاه. ط، مب: «أصحح» ح: «أفجح» وفي سائر النسخ ما عداها «أفحج»، صوابه من «الديوان» 313. والشئن: الغليظ. ط فقط: «سير» وبدلها في «الديوان»: «يضحي».
والقصريان: ضلعان تليان الترفوتين. ما عدا ط، ح، ها، مب و «الديوان»: «شديد العصرتين» محرّف. والسحور: طعام السحر.
ط فقط: «من السيور». وبعدهما في «الديوان» بيتان آخران، وهما:
وقد جاريت قد علمت معد ... بلا واني اليدين ولا قصير
بذي شق على اللضبرات حتى ... يلين على التحفف والشخير
الضبرات: الوثبات، جمع ضبرة. والتخفف، بفاءين: دوى جرى الفرس.
[2] ما عدا ط، ها، مب: «يا سقير» بالسين المهملة.
[3] ط، مب: «ابن فروج».
8 - أخبار حبابة
صفة حبابة:
كانت حبابة مولّدة من موالدات المدينة، لرجل من أهلها يعرف بابن رمانة، وقيل ابن مينا. وهو خرّجها وأدّبها. وقيل: كانت لآل لاحق المكيّين. وكانت حلوة جميلة الوجه ظريفة حسنة الغناء، طيّبة الصوت، ضاربة بالعود. وأخذت الغناء عن ابن سريج، وابن محرز، ومالك، ومعبد، وعن جميلة وعزّة الميلاء. وكانت تسمّى العالية [1]، فسمّاها يزيد/ لما اشتراها حبابة. وقيل: إنّها كانت لرجل يعرف بابن مينا.
شراء يزيد لحبابة:
أخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن عمّار قال: حدّثنا عمر بن شبّة قال: حدّثني إسحاق بن إبراهيم الموصلي قال:
حدّثني حاتم بن قبيصة قال:
وكانت حبابة لرجل يدعى ابن مينا، فأدخلت على يزيد بن عبد الملك في إزار له ذنبان، وبيدها دف ترمي به وتتلقّاه، وتتغنّى:
ما أحسن الجيد من مليكة واللبّات إذ زانها ترائبها يا ليتني ليلة إذا هجع النّاس ونام الكلاب صاحبها
في ليلة لا يرى بها أحد ... يسعى علينا إلّا كواكبها [2]
ثم خرج بها مولاها إلى إفريقية، فلما كان بعد ما ولى يزيد اشتراها.
فرح يزيد بشراء سلامة وحبابة:
وروى حمّاد عن أبيه عن المدائني عن جرير المديني، ورواه الزبير بن بكّار عن إسماعيل بن أبي أويس عن أبيه قال:
/ قال لي يزيد بن عبد الملك: ما تقرّ عيني بما أوتيت من الخلافة حتّى أشتري سلّامة جارية مصعب بن سهيل الزهري، وحبابة جارية لاحق المكيّة. فأرسل فاشتريتا له، فلما اجتمعتا عنده قال: أنا الآن كما قال القائل [3]:
فألقت عصاها واستقرّت بها النوى ... كما قرّ عينا بالإياب المسافر
__________
[1] ح فقط: «الغالية» بالغين المعجمة.
[2] يسعى هنا من السعاية، وهي الوشاية.
[3] هو معقر بن حمّار البارقي يصف امرأة كانت لا تستقر على زوج، كلما تزوّجت رجلا فارقته واستبدلت آخر به، ثم تزوجها رجل فرضيت به. ونسب البيت التالي أيضا إلى عبد ربه السلمي، وإلى سليم بن ثمامة الحنفي. انظر «اللسان» (عصا).
قال إسحاق: وحدّثني أبو أيوب عن عباية قال: كانت حبابة لآل رمّانة، ومنهم ابتيعت ليزيد.
لقاء حبابة بذي خشب:
أخبرني الحسن بن علي قال: حدّثنا هارون بن محمد بن عبد الملك الزيات قال: حدّثني الزبير بن بكّار قال:
أخبرني محمد بن سلمة عن ابن مافنّه [1] عن شيخ من أهل ذي خشب [2] قال:
خرجنا نريد ذا خشب ونحن مشاة، فإذا قبة فيها جارية، وإذا هي تغنّي:
سلكوا بطن محيص ... ثم ولّوا راجعينا [3]
أورثوني حين ولّوا ... طول حزن وأنينا
قال: فسرنا [معها] [4] حتّى أتينا ذا خشب، فخرج رجل معها، فسألناه، وإذا هي حبابة جارية يزيد، فلما صارت إلى يزيد أخبرته بنا، فكتب إلى والي المدينة يعطي كلّ واحد منّا ألف درهم ألف درهم.
موالي حبابة وذكر من اشتراها:
أخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن عمّار قال: حدّثنا عمر بن شبّة قال: حدّثني إسحاق عن المدائني. وروى هذا الخبر حمّاد بن إسحاق عن أبيه عن المدائني، وخبره أتمّ:
أنّ حبابة كانت تسمى العالية، وكانت لرجل من الموالي بالمدينة، فقدّم يزيد بن عبد الملك في خلافة سليمان فتزوّج سعدة بنت عبد اللّه بن عمرو بن عثمان، على عشرين ألف دينار، وربيحة بنت محمد بن علي بن عبد اللّه [5] بن جعفر على مثل ذلك، واشترى العالية بأربعة آلاف دينار [6]، فبلغ ذلك سليمان فقال: لأحجرنّ عليه.
فبلغ يزيد قول سليمان فاستقال مولى حبابة [7]، ثم اشتراها بعد ذلك رجل من أهل إفريقية، فلما ولى يزيد اشترتها سعدة امرأته وعلمت أنه لا بدّ طالبها ومشتريها، فلما حصلت عندها قالت له: هل بقي عليك من الدّنيا شيء لم تنله؟ فقال: نعم، العالية. فقالت: هذه هي، وهي لك. فسمّاها حبابة، وعظم قدر سعدة عنده. ويقال إنها أخذت عليها قبل أن تهبها له أن توطّىء لابنها [8] عنده في ولاية العهد وتحضرها ما/ تحبّ [9] [إذا حضرت] [10].
وقيل إنّ أم الحجاج أم الوليد بن يزيد هي التي ابتاعتها له، وأخذت عليها ذلك، فوفت لها بذلك. هكذا ذكر
__________
[1] ما عدا ط، ها، مب: «ماقية».
[2] ذو خشب: واد على مسيرة ليلة من المدينة.
[3] محيص: موضع بالمدينة. ما عدا ط: «مخيض» بالخاء المعجمة، وهو اسم موضع ورد ذكره في الغزوات.
[4] هذه الكلمة من ط، ها، مب فقط.
[5] ما عدا ط، ه، مب: «بن عبيد اللّه» بالتصغير، تحريف. ولربيحة هذه خبر في كتاب «المردفات من قريش». انظر «نوادر المخطوطات» تحقيق عبد السلام هارون المجلد الأوّل ص 74.
[6] ما عدا ط، ها، مب: «بألف دينار». وما في ط، ها، مب يطابق ما سيأتي بعد.
[7] استقاله: طلب منه أن يقيله، أي يفسخ البيع.
[8] ط، ح، مب: «لابنه» ها «لأبيها».
[9] ها: «بما تحب».
[10] التكملة من مب.
الزبير فيما أخبرنا به الحسن بن علي عن هارون بن محمد، عنه عن عمه. قال: ومن زعم أن سعدة اشترتها فقد أخطأ.
/ قال المدائني: ثم خطب يزيد إلى أخيها خالد بنت أخ له، فقال: أما يكفيه أنّ سعدة عنده حتّى يخطب إلى بنات أخي؟ وبلغ يزيد فغضب، فقدم عليه خالد يسترضيه، فبينا هو في فسطاطه إذ أتته جارية لحبابة في خدمها فقالت له: أمّ داود تقرأ عليك السلام وتقول لك: قد كلّمت أمير المؤمنين فرضي عنك. فالتفت فقال: من أم داود؟
فأخبره من معه أنّها حبابة، وذكر له قدرها ومكانها من يزيد. فرفع رأسه إلى الجارية فقال: قولي لها: إنّ الرضا عنّي بسبب لست به. فشكت ذاك إلى يزيد فغضب، وأرسل إلى خالد فلم يعلم بشيء حتى أتاه رسول حبابة به فيمن معه من الأعوان، فاقتلعوا فسطاطه وقلعوا أطنابه، حتّى سقط عليه وعلى أصحابه، فقال: ويلكم ما هذا؟ قالوا:
رسل حبابة، هذا ما صنعت بنفسك. فقال: مالها أخزاها اللّه، ما أشبه رضاها بغضبها!
شعر الحارث بن خالد في حبابة:
قال إسحاق: وحدّثني محمد بن سلّام عن يونس بن حبيب، أنّ يزيد بن عبد الملك اشترى حبابة، وكان اسمها العالية، بأربعة آلاف دينار، فلما خرج بها قال الحارث بن خالد فيها:
ظعن الأمير بأحسن الخلق ... وغدوا بلبّك مطلع الشرق
مرّت على قرن يقاد بها ... تعدو أمام براذن زرق [1]
فظللت كالمقمور مهجته ... هذا الجنون وليس بالعشق [2]
يا ظبية عبق العبير بها ... عبق الدّهان بجانب الحقّ
/ وغنته حبابة في الشعر، وبلغ يزيد فسألها عنه فأخبرته، فقال لها: غنّيني به. فغنته فأجادت وأطربته، فقال إسحاق: ولعمري إنه من جيد غنائها.
قال أبو الفرج الأصبهاني: هذا غلط ممّن رواه في أبيات الحارث بن خالد؛ لأنه قالها في عائشة بنت طلحة، لمّا تزوّجها مصعب بن الزبير وخرج بها [3]. وفي أبياته يقول:
في البيت ذي الحسب الرفيع ومن ... أهل التقى والبرّ والصّدق
وقد شرح ذلك في أخبار عائشة بنت طلحة.
قال إسحاق: وأخبرني الزبيري أنّ يزيد اشتراها وهو أمير، فلما أراد الخروج بها قال الحارث بن خالد فيها:
قد سلّ جسمي وقد أودى به سقم ... من أجل حيّ جلوا عن بلدة الحرم [4]
__________
[1] قرن، بالتحريك: جبل، ذكره ياقوت، وأنشد هذه الأبيات فيه منسوبة إلى عبيد اللّه بن قيس الرقيات، وكذلك وردت هذه النسبة في كتاب «المردفات من قريش» 65 من «نوادر المخطوطات» المجلد الثاني. والصواب أن يكون: «القرن» هنا: البعير المقرون بآخر.
تعدو، أي يعدو بعيرها. ورواية ياقوت: «يقاد بها جمل».
[2] المقمور: المغلوب في القمار. ورواية المردفات: «خلعته» بدل «بهجته».
[3] وهي إحدى نسبتي «كتاب المردفات».
[4] فيما عدا ط، مب: «قد خلوا» محرّف.
يحنّ قلبي إليها حين أذكرها ... وما تذكرت شوقا آب من أمم [1]
إلّا حنينا إليها إنّها رشأ ... كالشّمس رود ثقال سهلة الشيم [2]
فضّلها اللّه ربّ الناس إذ خلقت ... على النساء من اهل الحزم والكرم
أقوال الشعراء فيها:
وقال فيها الشعراء فأكثروا، وغنّى في أشعارهم المغنّون من أهل مكة والمدينة، وبلغ ذلك يزيد فاستشنعه، فقال: هذا قبل رحلتنا وقد هممنا، فكيف لو ارتحلنا؟! وتذكر القوم/ شدّة الفراق، وبلغه أيضا أن سليمان قد تكلّم في ذلك، فردّها، ولم تزل في قلبه حتّى ملك، فاشترتها سعدة امرأته العثمانية، ووهبتها له.
منزلة حبابة عند يزيد:
أخبرني ابن عمّار قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثني إسحاق قال: حدّثني أبو ذفافة المنهال بن عبد الملك، عن مروان بن بشر بن أبي سارة مولى الوليد بن يزيد، قال:
أوّل [3] ما ارتفعت به منزلة حبابة عند يزيد أنّه [4] أقبل يوما إلى البيت الذي هي فيه، فقام من وراء الستر فسمعها تترنم وتغنّي وتقول:
كان لي يا يزيد حبّك حينا ... كاد يقضى عليّ لما التقينا [5]
- والشعر كان «يا شقير» [6] - فرفع الستر فوجدها مضطجعة مقبلة على الجدار، فعلم أنها لم تعلم [7] به ولم يكن ذاك لمكانه، فألقى نفسه عليها وحرّكت منه.
قال المدائني: غلبت حبابة على يزيد، وتبنّى بها عمر بن هبيرة فعلّت منزلته، حتى كان يدخل على يزيد في أيّ وقت شاء، وحسد ناس من بني أمية مسلمة بن عبد الملك على ولايته، وقدحوا فيه عند يزيد، وقالوا: إن مسلمة إنّ اقتطع الخراج لم يحسن يا أمير المؤمنين أن تفتشه أو تكشفه [8] عن شيء، لسنّه وحقّه [9]، وقد علمت أنّ أمير المؤمنين لم يدخل أحدا من أهل بيته في الخراج. فوقر ذلك في قلب يزيد [10]، وعزم على عزله، وعمل ابن هبيرة في ولاية العراق من قبل حبابة، فعملت له في ذلك. وكان بين ابن هبيرة وبين القعقاع بن خالد عداوة، وكانا يتنازعان ويتحاسدان، فقيل للقعقاع لقد: نزل ابن هبيرة من أمير المؤمنين منزلة،/ إنه لصاحب العراق غدا. فقال
__________
[1] الأمم، بالتحريك: القرب.
[2] الرود، بالضم، وأصلها الهمز: الشابة الحسنة. والثقال، كسحاب: العظيمة الكفل.
[3] بدلهما فيما عدا ط، ها، مب: «لما».
[4] كلمة «به» و «أنه» من ط، ح، ها، مب.
[5] الحين، بالفتح: الهلاك.
[6] ما عدا ط، ه، مب: «يا سقير».
[7] الكلام بعده إلى نهاية السطر الأول بعد الأبيات الدالية التي ستأتي، ناقص من نسخة ط.
[8] هذا ما في ها، مب. وفي س: «أن يستكشف». وفي سائر النسخ: «أن يعيشه وأن يكسبه» تحريف.
[9] ما عدا «ها»، مب: «و خفته».
[10] وقر في قلبه، أي ثبت وسكن.
ومن يطيق ابن هبيرة؟! حبابة بالليل، وهداياه بالنهار، مع أنه وإن بلغ فإنه رمل من بني سكين [1]. فلم تزل حبابة تعمل له حتى وليها.
حدّثنا أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال: حدّثنا عمر بن شبّة قال: سمعت إسحاق بن إبراهيم يحدّث بهذا الحديث، فحفظته ولم أحفظ إسناده. وحدّثنا محمد بن خلف وكيع قال حدّثني أحمد بن زهير قال: حدّثنا مصعب الزبيري، عن مصعب بن عثمان. وقد جمعت روايتيهما قالا:
أراد يزيد بن عبد الملك أن يشبّه بعمر بن عبد العزيز وقال: بماذا صار عمر أرجى لربّه [2] جلّ وعزّ منّي؟ فشقّ ذلك على حبابة؟ فأرسلت إلى الأحوص.
مسلمة ويزيد بن معاوية:
هكذا في رواية وكيع، وأما عمر بن شبّة فإنه ذكر أنّ مسلمة أقبل على يزيد يلومه في الإلحاح على الغناء والشّرب، وقال له: إنك وليت بعقب عمر بن عبد العزيز وعدله، وقد تشاغلت بهذه الأمّة عن النظر في الأمور، والوفود ببابك، وأصحاب الظّلامات يصيحون، وأنت غافل عنهم. فقال: صدقت واللّه، وأعتبه وهمّ بترك الشّرب، ولم يدخل على حبابة أياما، فدسّت حبابة إلى الأحوص أن يقول أبياتا في ذلك وقالت له: إن رددته عن رأيه فلك ألف دينار. فدخل الأحوص إلى يزيد، فاستأذن في الإنشاد، فأذن له.
قال إسحاق في خبره: فقال الأحوص:
صوت
ألا لا تلمه اليوم أن يتبلّدا ... فقد غلب المحزون أن يتجلّدا
بكيت الصّبا جهدي فمن شاء لا مني ... ومن شاء آسى في البكاء وأسعدا
/ وإنّي وإن فنّدت في طلب الغنى ... لأعلم أنّي لست في الحبّ أوحدا [3]
إذا أنت لم تعشق ولم تدر ما الهوى ... فكن حجرا من يابس الصخر جلمدا
فما العيش إلا ما تلذّ وتشتهي ... وإن لام فيه ذو الشّنان وفنّدا [4]
الغناء لمعبد، خفيف ثقيل أوّل بالبنصر، وفيه رمل للغريض. ويقال إنه لحبابة.
قال [5]: ومكث جمعة لا يرى حبابة ولا يدعو بها، فلما كان يوم الجمعة قالت لبعض جواريها: إذا خرج أمير المؤمنين إلى الصلاة فأعلميني. فلما أراد الخروج أعلمتها، فتلقّته والعود في يدها، فغنت البيت الأوّل، فغطّى وجهه وقال: مه لا تفعلي. ثم غنت:
وما العيش إلا ما تلذّ وتشتهي
__________
[1] سكين، بالتصغير: أحد أجداده، كما في ترجمة يزيد بن عمر بن هبيرة، في «وفيات الأعيان».
[2] الرجاء: الخوف. قال عزّ وجلّ: ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً
، أي لا تخافون للّه عظمة.
[3] التفنيد: التكذيب، والتعجيز وتخطىء الرأي.
[4] الشنان والشنآن: العداوة والبغض.
[5] إلى هنا ينتهي سقط ط الذي سبق التنبيه عليه.
فعدل إليها وقال: صدقت واللّه، فقبح اللّه من لا مني فيك، يا غلام مر مسلمة أن يصلّي بالناس. وأقام معها يشرب وتغنيه، وعاد إلى حاله [1].
وقال عمر بن شبّة في حديثه: فقال يزيد: صدقت واللّه، فعلى مسلمة لعنة اللّه! وعاود ما كان فيه، ثم قال لها: من يقول هذا الشعر؟ قالت: الأحوص. فأحضره ثم أنشده قصيدة مدحه فيها، وأوّلها قوله:
يا موقد النار بالعلياء من إضم ... أوقد فقد هجت شوقا غير منصرم [2]
/و هي طويلة. فقال له يزيد: ارفع حوائجك. فكتب إليه في نحو من أربعين ألف درهم من دين وغيره، فأمر له بها.
وقال مصعب في خبره: بل استأذن الأحوص على يزيد، فأذن له، فاستأذن في الإنشاد، فقال: ليس هذا وقتك. فلم يزل به حتى أذن له. فأنشده هذه الأبيات، فلما سمعها وثب حتّى دخل على حبابة وهو يتمثل:
وما العيش إلا ما تلذّ وتشتهي ... وإن لام فيه ذو الشّنان وفنّدا
فقالت له: ما ردّك يا أمير المؤمنين؟ فقال: أبيات أنشدنيها الأحوص، فسلي ما شئت. قالت: ألف دينار تعطيها الأحوص. فأعطاه ألف دينار.
نسبة ما في هذا الخبر من الغناء
صوت
يا موقد النار بالعلياء من إضم ... أوقد فقد هجت شوقا غير منصرم
يا موقد النار أوقدها فإن لها ... سنا يهيج فؤاد العاشق السّدم [3]
الشعر للأحوص، والغناء لمعبد، خفيف ثقيل أوّل بالوسطى، عن يونس وإسحاق وعمرو. وذكر حبش أن فيه خفيف ثقيل آخر لابن جامع.
مولى خراساني يعظ يزيد بن عبد الملك:
أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال: حدّثنا عمر بن شبّة قال: حدّثني علي بن القاسم بن بشير قال:
لما غلب يزيد بن عبد الملك أهله وأبى أن يسمع منهم كلّموا مولى له خراسانيا ذا قدر عندهم، وكانت فيه لكنة، فأقبل على يزيد يعظه وينهاه عما قد ألحّ عليه/ من السّماع للغناء والشراب، فقال له يزيد: فإني أحضرك هذا الأمر الذي تنهى عنه، فإن نهيتني عنه بعد ما تبلوه وتحضره انتهيت، وإنّي مخبر جواريّ أنك عمّ من عمومتي، فإياك أن تتكلّم فيعلمن أنّي كاذب، وأنّك لست بعمّي. ثم أدخله عليهنّ فغنّين، والشيخ يسمع ولا يقول شيئا، حتّى غنين:
/و قد كنت آتيكم بعلّة غيركم ... فأفنيت علاتي فكيف أقول
__________
[1] ما عدا، ها، مب ط: «إلى حبابة».
[2] إضم، كإرم: واد يشق الحجاز حتى يفرغ في البحر.
[3] سنا النار: ضوؤها. ما عدا ط، ها، مب: «شبا» محرّف. والسدم: الحزين المغتاظ.
فطرب الشيخ وقال: لا فيف، جعلني اللّه فداكنّ! يريد: لا كيف. فعلمن أنه ليس عمّه، وقمن إليه بعيدانهنّ ليضربنه بها، حتّى حجزهنّ يزيد عنه. ثم قال له بعد ما انقضى أمرهن: ما تقول الآن أدع هذا أم لا؟ قال: لا تدعه!
حبابة تردّ يزيد إلى ما كان عليه:
أخبرني إسماعيل بن يونس قال: حدّثنا عمر بن شبّة قال: حدّثني خالد بن يزيد بن بحر الخزاعي الأسلميّ، عن محمد بن سلمة، عن أبيه عن حماد الراوية قال:
كانت حبابة فائقة في الجمال والحسن، وكان يزيد لها عاشقا، فقال لها يوما: قد استخلفتك على ما ورد عليّ. ونصبت لذلك مولاي فلانا فاستخلفيه لأقيم معك أيّاما وأستمتع بك. قالت: فإنّي قد عزلته. فغضب عليها وقال: قد استعملته وتعزلينه؟ وخرج من عندها مغضبا، فلما ارتفع النّهار وطال عليه هجرها دعا خصيّا له وقال:
انطلق فانظر أيّ شيء تصنع حبابة؟ فانطلق الخادم ثم أتاه، فقال: رأيتها مؤتزرة بإزار خلوقيّ [1] قد جعلت له ذنبين وهي تلعب بلعبها. فقال: ويحك احتل لها حتّى تمرّ بها عليّ. فانطلق الخادم إليها فلاعبها ساعة، ثم استلب لعبة من لعبها وخرج، فجعلت تحضر في أثره، فمرت بيزيد فوثب وهو يقول: قد/ عزلته! وهي تقول: قد استعملته! فعزل مولاه وولّاه وهو لا يدري. فمكث معها خاليا أياما حتّى دخل عليه أخوه مسلمة فلامه، وقال: ضيعت حوائج الناس واحتجبت عنهم، أترى هذا مستقيما لك؟! وهي تسمع مقالته، فغنّت لما خرج:
ألا لا تلمه اليوم أن يتبلدا
فذكرت الأبيات. فطربو قال: قا تلك اللّه أبيت إلا أن ترديني إليك. وعاد إلى ما كان عليه.
حبابة وسلامة تغنيان يزيد بشعر للأحوص فيعود إلى الصبا:
أخبرني إسماعيل قال: حدّثني عمي قال: حدّثني إسحاق قال: حدّثني الهيثم بن عديّ، عن صالح بن حسّان قال:
قال مسلمة ليزيد: تركت الظّهور [2] وشهود الجمعة الجامعة، وقعدت في منزلك مع هذه الإماء! وبلغ ذلك حبابة وسلامة فقالتا للأحوص: قل في ذلك شعرا فقال:
وما العيش إلا ما تلذّ وتشتهي ... وإن لام فيه ذو الشّنان وفنّدا
بكيت الصّبا جهدي فمن شاء لامني ... ومن شاء آسى في البكاء وأسعدا
وإنّي وإن أغرقت في طلب الصبا ... لأعلم أنّي لست في الحبّ أوحدا
إذا كنت عزهاة عن اللّهو والصبا ... فكن حجرا من يابس الصخر جلمدا [3]
قال: فغنتا يزيد فيه، فلما فرغتا ضرب بخيزرانته الأرض وقال: صدقتما صدقتما! فعلى مسلمة لعنة اللّه وعلى ما جاء به.
__________
[1] كلمة «مؤتزرة» من ط، ها، مب فقط. وخلوقي، كأنه يريد لونه كلون الخلوق. والخلوق بفتح الخاء: طيب يتخذ من الزعفران وغيره من أنواع الطيب، وتغلب عليه الحمرة والصفرة.
[2] ما عدا ط، ها، مب: «الطهور» بالطاء المهملة.
[3] العزهاة: للمنقبض المعرض.
/ قال: وطرب يزيد فقال: هاتيا. فغنتاه من هذه القصيدة:
وعهدي بها صفراء رودا كأنما ... نضا عرق منها على اللون مجسدا [1]
مهفهفة الأعلى وأسفل خلقها ... جرى لحمه ما دون أن يتخددا [2]
من المدمجات اللحم جدلا كأنها ... عنان صناع مدمج الفتل محصدا [3]
كأنّ ذكيّ المسك باد وقد بدت ... وريح خزامي طلّة تنفح الندى [4]
فطرب يزيد وأخذ فيه من الشراب قدره الذي كان يطرب منه ويسرّه، ولم تره أظهر شيئا/ مما كان يفعله عند طربه، فغنته:
ألا لا تلمه اليوم أن يتبلّدا ... فقد غلب المحزون أن يتجلّدا
نظرت رجاء بالموقّر أن أرى ... أكاريس يحتلّون خاخا فمنشدا [5]
فأوفيت في نشز من الأرض يافع ... وقد تسعف الأيفاع من كان مقصدا [6]
فلما غنته بهذا طرب طربه الذي تعهده، وجعل يدور ويصيح: الدّخن بالنوى، والسمك في بيطار جنان [7].
وشقّ حلته وقال لها: أتأذنين أن أطير؟ قالت: وإلى من تدع الناس؟ قال: إليك [8].
/قال: وغنته سلّامة من هذه القصيدة:
فقلت ألا يا ليت أسماء أصقبت ... وهل قول ليت جامع ما تبدّدا [9]
وإنّي لأهواها وأهوى لقاءها ... كما يشتهي الصادي الشراب المبرّدا
علاقة حبّ لجّ في سنن الصبا ... فأبلى وما يزداد إلّا تجدّدا
سهوب وأعلام تخال سرابها ... إذا استنّ في القيظ الملاء المعضّدا [10]
قال: وغنته حبابة منها أيضا:
كريم قريش حين ينسب والذي ... أقرّت له بالملك كهلا وأمردا
__________
[1] في الأصول ما عدا «ها»: «رود»، والوجه النصب. والمجسد: الثوب المصبوغ بالجساد، وهو الزعفران.
[2] مهفهفة: ضامرة. والتخدد: اضطراب اللحم من الهزال.
[3] الجدل: شدّة الفتل. كناية عن عدم الترهل. ط: «جذلا» صوابه في ح، ها، مب. وفي سائر النسخ: «جدلي»، لعلّه مسهل «جدلاء». والجدلاء: المحكمة النسج. والعنان، بالكسر: الحبل. والصناع: الحاذق بالصنعة، يقال للذكر والأنثى. والمحصد:
الشديد الفتل.
[4] طلة: مطلولة. والطل: الندي. ح: «ظلة» س، ب: «ظله» صوابهما في ط، ها.
[5] الموقر: موضع بالبلقاء من نواحي دمشق. وخاخ: موضع بين الحرمين. ومنشد: موضع بين رضوى والساحل. والأكاريس: جمع أكراس، وهذه جمع كرس، بالكسر، وهو الجماعة من الناس. ما عدا ط، ح، ها: «أكاديس» محرّف.
[6] ما عدا ط، ها: «و قد ينفع». المقصد: الذي طعن أو رمى فلم تخط مقاتله.
[7] كلمات يهذي بها. وكلمتا «بيطار» و «جنان» مهملتان في ط، مب. وسيأتي الكلام برواية أخرى فيما بعد.
[8] الكلام من «قالت» إلى هنا ليس في ح، ط، مب.
[9] أصقبت: دنت. ما عدا ط، مب: «أصغيت» تحريف.
[10] أستن: أسرع. شبه السراب بالملاء المعضد، وهو المخطط على شكل العضد. في جميع الأصول: «المعمدا» ولا وجه له.
وليس عطاء كان منه بمانع ... وإن جلّ من أضعاف أضعافه غدا
أهان تلاد المال في الحمد إنّه ... إمام هدى يجري على ما تعوّدا
تردّى بمجد من أبيه وأمّه ... وقد أورثا بنيان مجد مشيّدا
فقال لها يزيد: ويحك يا حبابة، ومن من قريش هذا؟ قالت: أنت. قال: ومن يقول هذا الشعر؟ قالت:
الأحوص يا أمير المؤمنين. وقالت سلامة: فليسمع أمير المؤمنين باقي ثنائه عليه فيها. ثم اندفعت فغنته:
ولو كان بذل الجود والمال مخلدا ... من الناس إنسانا لكنت المخلّدا
فأقسم لا أنفكّ ما عشت شاكرا ... لنعماك ما طار الحمام وغرّدا
قضاء معبد في المفاضلة بين حبابة وسلامة:
أخبرني إسماعيل قال: حدّثنا عمر بن شبّة قال: علي بن الجعد قال: حدّثني أبو يعقوب الخريمي، عن أبي بكر بن عياش: أن حبابة وسلّامة اختلفتا في صوت معبد:
ألا حيّ الديار بسعد إنّي ... أحبّ لحبّ فاطمة الديارا
/ فبعث يزيد إلى معبد فأتى به، فسأل: لم بعث إليه؟ فأخبر، فقال: لأيّتهما المنزلة عند أمير المؤمنين؟
فقيل: لحبابة. فلما عرضتا عليه الصوت قضى لحبابة، فقالت سلامة: واللّه ما قضى إلا للمنزلة، وإنّه ليعلم أنّ الصواب ما غنّيت، ولكن ائذن لي يا أمير المؤمنين في صلته لأنّ له عليّ حقّا. قال: قد أذنت. فكان ما وصلته به أكثر من حبابة.
نسبة هذا الصوت
ألا حيّ الديار بسعد إنّي ... أحبّ لحبّ فاطمة الديارا [1]
إذا ما حلّ أهلك يا سليمى ... بدارة صلصل شحطوا مزارا [2]
/الشعر لجرير، والغناء لابن محرز، خفيف ثقيل أوّل بالسبابة في مجرى البنصر.
بين الفرزدق والأحوص:
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال: حدّثنا عمر بن شبّة قال:
نزل الفرزدق على الأحوص حين قدم المدينة فقال له الأحوص: ما تشتهي؟ قال: شواء وطلاء وغناء [3].
قال: ذلك لك. ومضى به إلى قينة بالمدينة فغنته:
__________
[1] سعد، بالفتح: موضع قريب من المدينة. وقد أنشد ياقوت الأبيات في (سعد) بضم السين على أنه ماء ونخل غربي اليمامة.
[2] دارة صلصل لعمرو بن كلاب، كما في ياقوت. شحطوا: بعدوا. ط، مب و «ديوان جرير» 280: «المزارا» وأثبت ما في ها. وفي سائر النسخ «الديارا» بالتكرار لما سبق.
[3] الطلاء: الخمر، أو ما طبخ من عصير العنب حتى ذهب ثلثاه، وتسميه العجم «ميبختج».
ألا حيّ الديار بسعد إنّي ... أحبّ لحبّ فاطمة الديارا [1]
أراد الظاعنون ليحزنوني ... فهاجوا صدع قلبي فاستطارا
/ فقال الفرزدق: ما أرّق أشعاركم يا أهل الحجاز وأملحها! قال: أو ما تدري لمن هذا الشعر؟ فقال: لا واللّه. قال: هو لجرير، يهجوك به. فقال: ويل ابن المراغة ما كان أحوجه مع عفافه إلى صلابة شعري، وأحوجني مع شهواتي إلى رقّة شعره.
الصوت الذي فوضل به بين حبابة وسلامة وبيان ما كان من أمر المفاضلة:
وقد روى صالح بن حسّان أن الصوت الذي اختلفت فيه حبابة وسلامة هو:
وترى لها دلّا إذا نطقت به ... تركت بنات فؤاده صعرا [2]
ذكر ذلك حمّاد عن أبيه عن الهيثم بن عديّ: أنهما اختلفتا في هذا الصوت بين يدي يزيد، فقال لهما: من أين جاء اختلافكما، والصوت لمعبد ومنه أخذتماه؟ فقالت هذه: هكذا أخذته، وقالت الأخرى: هكذا أخذته. فقال يزيد: قد اختلفتما ومعبد حيّ بعد؟ فكتب إلى عامله بالمدينة يأمره بحمله إليه.
ثم ذكر باقي الخبر مثل ما ذكره أبو بكر بن عيّاش.
قال صالح بن حسّان: فلما دخل معبد إليه لم يسأله عن الصوت، ولكنه أمره أن يغنّي، فغناه فقال:
فيا عزّ إنّ واش وشى بي عندكم ... فلا تكرميه أن تقولي له مهلا [3]
فاستحسنه وطرب ثم قال: إنّ هاتين اختلفتا في صوت لك فاقض بينهما. فقال لحبابة: غنّي. فغنّت، وقال لسلامة: غنّي. فغنّت، وقال: الصواب ما قالت حبابة. فقالت سلّامة: واللّه يا ابن الفاعلة إنك لتعلم أنّ الصواب ما قلت، ولكنك سألت أيّتهما آثر عند أمير المؤمنين فقيل لك حبابة، فاتّبعت هواه ورضاه! فضحك يزيد وطرب، وأخذ وسادة فصيّرها على رأسه، وقام يدور في الدار ويرقص/ ويصيح: «السمك الطريّ أربعة أرطال، عند بيطار حبان [4]» حتى دار الدار كلّها ثم رجع فجلس مجلسه وقال شعرا، وأمر معبدا أن يغنّي فيه، فغنّى فيه وهو:
أبلغ حبابة أسقى ربعها المطر ... ما للفؤاد سوى ذكراكم وطر
إن سار صحبي لم أملك تذكّركم ... أو عرّسوا فهموم النفس والسّهر
فاستحسنه وطرب. هكذا ذكر إسحاق في الخبر. وغيره يذكر أنّ الصنعة فيه لحبابة، ويزعم ابن خرداذبه أن الصنعة فيه ليزيد. وليس كما ذكر، وإنما أراد أن يوالي بين الخلفاء في الصنعة، فذكره على غير تحصيل، والصحيح أنه لمعبد.
__________
[1] الكلام بعده إلى ما قبل الصوت التالي منقوص في ط.
[2] صعرا: مائلات.
[3] ح: «أهلا».
[4] انظر ما سبق في ص 133.
ألطاف سلامة وحبابة لمعبد:
قال معبد: فسرّ يزيد لمّا غنيته في هذين البيتين، وكساني ووصلني، ثم لما انصرم مجلسه انصرفت إلى منزلي الذي/ أنزلته، فإذا ألطاف سلّامة قد سبقت ألطاف حبابة، وبعثت إليّ: إني قد عذرتك فيما فعلت، لكن كان الحقّ أولى بك. فلم أزل في ألطافهما جميعا حتى أذن لي يزيد، فرجعت إلى المدينة.
نسبة الصوت الذي غناه معبد الذي أوّله
فيا عزّ إنّ واش وشى بي عندكم
صوت
ألم يأن لي يا قلب أنّ أترك الجهلا ... وأن يحدث الشب الملمّ لي العقلا
على حين صار الرأس منّي كأنما ... علت فوقه نذافة العطب الغزلا [1]
فيا عزّ إن واش وشى بي عندكم ... فلا تكرميه أن تقولي له مهلا [2]
/كما لو وشى واش بودّك عندنا ... لقلنا تزحزح لا قريبا ولا سهلا
فأهلا وسهلا بالذي شدّ وصلنا ... ولا مرحبا بالقائل اصرم لها حبلا
الشعر لكثير، والغناء لحنين، ثقيل أوّل بالسبابة في مجرى الوسطى عن إسحاق. وذكر ابن المكي وعمرو والهشامي أنه لمعبد. وفيه ثاني ثقيل ينسب إلى ابن سريج، وليس بصحيح.
حبابة ويزيد بن عبد الملك:
أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال: حدّثني الزبير قال: حدّثني ظبية قالت: أنشدت حبابة يوما يزيد بن عبد الملك:
لعمرك إنّني لأحبّ سلعا ... لرؤيتها ومن بجنوب سلع
ثم تنفّست تنفّسا شديدا فقال لها: مالك، أنت في ذمة أبي، لئن شئت لأنقلنّه إليك حجرا حجرا. قالت: وما أصنع به، ليس إياه أردت، إنّما أردت صاحبه. وربّما قالت: ساكنه.
نسبة هذا الصوت
لعمرك إنّني لأحبّ سلعا ... لرؤيتها ومن بجنوب سلع
تقرّ بقربها عيني وإنّي ... لأخشى أن تكون تريد فجعي
حلفت بربّ مكة والهدايا ... وأيدي السّابحات غداة جمع [3]
__________
[1] العطب، بضم وبضمتين: القطن. ما عدا ط، ج، ها، مط: «الفطن».
[2] ج فقط: «أهلا».
[3] جمع، بالفتح، هي المزدلفة.
لأنت على التنائي فاعلميه ... أحبّ إليّ من بصري وسمعي
الغناء لمعبد خفيف ثقيل بالوسطى، مما لا يشك فيه من غنائه.
سماع يزيد لحبابة وسلامة وحكمه بينهما:
قال الزبير: وحدّثتني ظبية أنّ يزيد قال لحبابة وسلّامة: أيتكما غنّتني ما في نفسي فلها حكمها. فغنّت سلّامة فلم تصب ما في نفسه، وغنّته حبابة:
حلق من بني كنانة حولي ... بفلسطين يسرعون الركوبا
/ فأصابت ما في نفسه فقال: احتكمي. فقالت: سلامة، تهبها لي ومالها. قال: اطلبي غيرها. فأبت، فقال:
أنت أولى بها ومالها. فلقيت سلّامة من ذلك أمرا عظيما، فقالت لها حبابة: لا ترين إلا خيرا! فجاء يزيد فسألها أن تبيعه إياها بحكمها، فقالت: أشهدك أنّها حرة،/ واخطبها إليّ الآن حتّى أزوّجك مولاتي.
أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال: حدّثنا عمر بن شبة قال: حدّثني إسحاق عن المدائني بنحو هذه القصة.
وقال فيها: فجزعت سلّامة، فقالت لها: لا تجزعي فإنّما ألاعبه.
نسبة هذا الصوت
حلق من بني كنانة حولي ... بفلسطين يسرعون الركوبا
هزئت أن رأت مشيبي عرسي ... لا تلومي ذوائبي أن تشيبا
الشعر لابن قيس الرقيات، والغناء لابن سريج، ثاني ثقيل بالخنصر في مجرى البنصر عن إسحاق.
اعتراف حبابة سلامة بالفضل:
قال حمّاد بن إسحاق: حدّثني أبي عن المدائني، وأيوب بن عباية قالا:
كانت سلامة المتقدّمة منهما [1] في الغناء، وكانت حبابة تنظر إليها بتلك العين، فلما حظيت عند يزيد ترفّعت عليها فقالت لها سلّامة: ويحك أين تأديب الغناء [2] وحقّ التعليم؟ أنسيت قول جميلة لك: خذي أحكام ما أطارحك إياه من سلّامة؟! فلن تزالي بخير ما بقيت لك وكان أمركما مؤتلفا. قالت: صدقت يا خليلتي، واللّه لا عدت إلى شيء تكرهينه. فما عادت بعد ذلك لها إلى مكروه. وماتت حبابة وعاشت سلّامة بعدها دهرا.
/ قال المدائني: فرأى يزيد يوما حبابة جالسة فقال: مالك؟ فقالت: أنتظر سلامة. قال: تحبّين أن أهبها لك؟
قالت: لا واللّه، ما أحب أن تهب لي أختي.
ولوع يزيد بحبابة:
قال المدائني: وكانت حبابة إذا غنّت وطرب يزيد قال لها: أطير؟ فتقول له: فإلى من تدع الناس؟ فيقول:
إليك. واللّه تعالى أعلم.
__________
[1] ط، ج، مط: «منهن».
[2] ما عدا ط، ج، ها، مط: «تأدية الغناء».
وساطة حبابة للبيذق الأنصاري:
أخبرني إسماعيل بن يونس قال: حدّثنا عمر بن شبّة قال: حدّثني أيوب بن عباية، أن البيذق الأنصاري القارىء كان يعرف حبابة ويدخل عليها بالحجاز، فلما صارت إلى يزيد بن عبد الملك وارتفع أمرها عنده، خرج إليها يتعرّض لمعروفها ويستميحها، فذكرته ليزيد وأخبرته بحسن صوته. قال: فدعاني يزيد ليلة فدخلت عليه وهو على فرش مشرفة قد ذهب فيها إلى قريب من ثدييه، وإذا حبابة على فرش أخر مرتفعة، وهي دونه، فسلّمت فردّ السلام، وقالت حبابة: يا أمير المؤمنين، هذا أبي. وأشارت إليّ بالجلوس، فجلست وقالت لي حبابة: اقرأ يا أبت. فقرأت فنظرت إلى دموعه تنحدر، ثم قالت: إيه يا أبت حدّث أمير المؤمنين، وأشارت إليّ أن غنّه. فاندفعت في صوت ابن سريج:
من لصب مفنّد ... هائم القلب مقصد [1]
فطرب واللّه يزيد فحذفني بمدهن فيه فصوص من ياقوت وزبرجد، فضرب صدري، فأشارت إليّ حبابة: أن خذه. فأخذته فأدخلته كمي، فقال: يا حبابة ألا ترين ما صنع بنا أبوك، أخذ مدهننا فأدخله في كمه؟ فقالت: يا أمير المؤمنين ما أحوجه واللّه إليه! ثم خرجت من عنده فأمر لي بمائة دينار.
نسبة هذا الصوت
/من لصبّ مفنّد ... هائم القلب مقصد
أنت زوّدته الضّنى ... بئس زاد المزوّد
ولو أني لا أرتجي ... - ك لقد خفّ عوّدي
ثاويا تحت تربة ... رهن رمس بفدفد
غير أنّي أعلّل الن ... فس باليوم أو غد
الشعر لسعيد بن عبد الرحمن بن حسان. وذكر الزبير بن بكار أنه لجعفر بن الزبير، والغناء لابن سريج، خفيف ثقيل بالسبابة في مجرى الوسطى.
استدعاء يزيد لابن الطيار لمعرفة مدى طربه من الغناء:
وقال حمّاد: حدّثني أبي عن مخلد بن خداش وغيره، أن حبابة غنت يزيد صوتا لابن سريج، وهو قوله:
ما أحسن الجيد من مليكة وال ... - لّبّات إذ زانها ترائبها
فطرب يزيد وقال: هل رأيت أحدا أطرب مني؟ قلت: نعم، ابن الطّيّار [2] معاوية بن عبد اللّه بن جعفر، فكتب فيه إلى عبد الرحمن بن الضحاك فحمل إليه، فلما قدم أرسلت إليه حبابة: إنما بعث إليك لكذا وكذا - وأخبرته -
__________
[1] التفنيد: تخطىء الرأي والتكذيب. ما عدا ط، ها، مط: «مصيد». وقد أشير في ط إلى أنها رواية في نسخة. والمقصد: المقتول، الذي يرمى فيقتل مكانه.
[2] الطيار هو جعفر الطيار بن أبي طالب، قطعت يداه يوم مؤتة، قالوا: فجعل اللّه له جناحين يطير بهما في الجنّة عوضا من يديه اللتين قطعتا. انظر «الحيوان» 3: 233 وحواشيه.
فإذا دخلت عليه فلا تظهرنّ طربا حتى أغنيه الصوت الذي غنّيته. فقال: سوأة على كبر سنّي؟ فدعا به يزيد وهو على طنفسة خزّ، ووضع لمعاوية مثلها، فجاءوا بجامين فيهما مسك فوضعت إحداهما بين يدي يزيد والأخرى بين يدي معاوية، فقال: فلم أدر كيف أصنع. فقلت: انظر كيف يصنع فاصنع مثله. فكان يقلّبه فيفوح ريحه وأفعل/ مثل ذلك، فدعا بحبابة فغنّت، فلما غنّت ذلك الصوت أخذ معاوية الوسادة فوضعها على رأسه وقام يدور وينادي:
«الدّخن بالنوى» يعني اللّوبيا. قال: فأمر له بصلات عدّة دفعات إلى أن خرج، فكان مبلغها ثمانية آلاف دينار.
اختبار يزيد لطرب مولى حبابة:
أخبرني إسماعيل بن يونس قال: أخبرني الزبير بن أبي بكر، عن ظبية:
أنّ حبابة غنّت يوما بين يدي يزيد فطرب ثم قال لها: هل رأيت قطّ أطرب مني؟ قالت: نعم، مولاي الذي باعني. فغاظه ذلك فكتب في حمله مقيّدا، فلما عرف خبره أمر بإدخاله إليه، فأدخل يرسف في قيده، وأمرها فغنّت بغتة:
تشطّ غدا دار جيراننا ... وللدّار بعد غد أبعد
فوثب حتّى ألقى نفسه على الشمعة فأحرق لحيته، وجعل يصيح: الحريق يا أولاد الزنا! فضحك يزيد وقال:
لعمري إنّ هذا لأطرب الناس! فأمر بحلّ قيوده، ووصله بألف دينار، ووصلته حبابة، وردّه إلى المدينة.
يزيد وأم عوف المغنية:
أخبرني إسماعيل بن يونس قال: حدّثنا عمر بن شبّة قال: قال إسحاق:
كان يزيد بن عبد الملك قبل أن تفضي إليه الخلافة، تختلف إليه مغنيّة طاعنة في السّن تدعى أمّ عوف، وكانت محسنة، فكان يختار عليها:
متى أجر خائفا تسرح مطيته ... وإن أخف آمنا تنبو به الدار [1]
سيروا إليّ وأرخوا من أعنّتكم ... إنّي لكلّ امرىء من وتره جار
/ فذكرها يزيد يوما لحبابة، وقد كانت أخذت عنها فلم تقدر أن تطعن عليها إلا بالسنّ، فغنت:
أبى القلب إلّا أمّ عوف وحبّها ... عجوزا ومن يحبب عجوزا يفنّد [2]
/فضحك وقال: لمن هذا الغناء؟ فقالت: لمالك. فكان إذا جلس معها للشّرب يقول: غنّيني صوت مالك في أمّ عوف.
استبقاء يزيد لجثة حبابة بعد موتها، ثم موته ودفنه إلى جنبها:
أخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن عمّار قال: حدّثني عمر بن شبّة قال: حدّثني عبد اللّه بن أحمد بن الحارث
__________
[1] ما عدا ط، ها، مط: «تغلق به الدار».
[2] البيت لأبي الأسود الدؤلي في «الحماسة» (2: 138). وقد غيرت رواية البيت لتستقيم لها الفكاهة ويتم العبث بأم عوف. والرواية:
«أم عمرو». وبعده:
كثوب اليماني قد تقادم عهده ... ورقعته ما شئت في العين واليد
العدويّ قال: حدّثني عمر بن أبي بكر المؤمّلي قال: حدّثني أبو غانم الأزدي قال:
نزل يزيد بن عبد الملك ببيت رأس بالشام، ومعه حبابة فقال: زعموا أنّه لا تصفو لأحد عيشة يوما إلى الليل إلّا يكدرها شيء عليه، وسأجرّب ذلك. ثم قال لمن معه: إذا كان غدا فلا تحبروني بشيء ولا تأتوني بكتاب. وخلا هو وحبابة فأتيا بما يأكلان، فأكلت رمّانة فشرقت بحبّة منها فماتت، فأقام لا يدفنها ثلاثا حتّى تغيرت وأنتنت، وهو يشمّها ويرشفها، فعاتبه على ذلك ذوو قرابته وصديقه [1]، وعابوا عليه ما يصنع، وقالوا: قد صارت جيفة بين يديك! حتّى أذن لهم في غسلها ودفنها، وأمر فأخرجت في نطع، وخرج معها لا يتكلّم حتّى جلس على قبرها، فلما دفنت قال: أصبحت واللّه كما قال كثيّر:
/فإن يسل عنك القلب أو يدع الصبا ... فباليأس يسلو عنك لا بالتجلّد
وكلّ خليل راءني فهو قائل ... من اجلك: هذا هامة اليوم أو غد [2]
فما أقام إلّا خمس عشرة ليلة حتى دفن إلى جنبها.
جزع يزيد على حبابة:
أخبرني أحمد قال: حدّثني عمر قال: حدّثني إسحاق الموصلي قال: حدّثني الفضل بن الربيع عن أبيه عن إبراهيم بن جبلة بن مخرمة عن أبيه أنّ مسلمة بن عبد الملك قال:
ماتت حبابة فجزع عليها يزيد، فجعلت أؤسّيه وأعزّيه، وهو ضارب بذقنه على صدره ما يكلّمني حتّى دفنها ورجع، فلما بلغ إلى بابه التفت إليّ وقال:
فإن تسل عنك النّفس أو تدع الصّبا ... فباليأس تسلو عنك لا بالتجلّد
ثم دخل بيته فمكث أربعين يوما ثم هلك.
قال: وجزع عليها في بعض أيامه فقال: انبشوها حتّى أنظر إليها. فقيل: تصير حديثا!! فرجع فلم ينبشها.
وقد روى المدائني أنّه اشتاق إليها بعد ثلاثة أيام من دفنه إياها، فقال: لا بدّ من أن تنبش. فنبشت وكشف له عن وجهها وقد تغيّر تغيّرا قبيحا فقيل له: يا أمير المؤمنين، اتّق اللّه، ألا ترى كيف قد صارت؟ فقال: ما رأيتها قطّ أحسن منها اليوم، أخرجوها. فجاءه مسلمة ووجوه أهله، فلم يزالوا به حتّى أزالوه عن ذلك ودفنوها، وانصرف فكمد كمدا شديدا حتّى مات، فدفن إلى جانبها.
الصلاة على حبابة بعد موتها:
قال إسحاق: وحدّثني عبد الرحمن بن عبد اللّه الشفافي [3] عن العباس بن محمد، أن يزيد بن عبد الملك أراد الصلاة على حبابة، فكلّمه مسلمة في أن لا يخرج وقال: أنا أكفيك الصلاة عليها. فتخلّف يزيد ومضى مسلمة، حتّى إذا مضى الناس انصرف مسلمة وأمر من صلّى عليها.
__________
[1] صديقه، أي أصدقاؤه. والصديق يقال للواحد والجمع والمذكر والمؤنث.
[2] راءه: رآه. ويقال: هذا هامة اليوم أو غد، أي يموت اليوم أو غدا. وبهذا البيت استشهد في «اللسان» على ذاك المعنى.
[3] ط: «الشغاني»، ه: «الشغاني» مط: «السغاني» وأثبت ما في سائر النسخ.
صور أخرى من جزع يزيد على حبابة:
وروى الزبير، عن مصعب بن عثمان، عن عبد اللّه بن عروة بن الزبير قال:
خرجت مع أبي إلى الشأم في زمن يزيد بن عبد الملك، فلما ماتت حبابة وأخرجت لم يستطع يزيد الركوب من الجزع ولا المشي، فحمل على منبر على رقاب الرجال، فلما دفنت قال: لم أصلّ عليها، انبشوا عنها. فقال له مسلمة: نشدتك اللّه يا أمير المؤمنين، إنّما هي أمة من الإماء، وقد واراها الثرى! فلم يأذن للناس بعد حبابة إلّا مرة واحدة. قال: فو اللّه ما استتمّ دخول الناس حتى قال/ الحاجب: أجيزوا رحمكم اللّه. ولم ينشب يزيد أن مات كمدا.
أخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن عمّار قال: حدّثنا عمر بن شبّة قال: حدّثني إسحاق قال حدّثني ابن أبي الحويرث الثقفي، قال:
لما ماتت حبابة جزع عليها يزيد جزعا شديدا، فضمّ جويرية لها كانت تخدمها إليه، فكانت تحدّثه وتؤنسه، فبينا هو يوما يدور في قصره إذ قال لها: هذا الموضع الذي كنا فيه. فتمثلت:
كفى حزنا للهائم الصبّ أن يرى ... منازل من يهوى معطّلة قفرا
فبكى حتّى كاد يموت. ثم لم تزل [1] تلك الجويرية معه يتذكّر بها حبابة حتّى مات.
صوت
أيدعونني شيخا وقد عشت حقبة ... وهنّ من الأزواج نحوي نوازع
وما شاب رأسي من سنين تتابعت ... عليّ ولكن شيبته الوقائع
الشعر لأبي الطّفيل صاحب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، والغناء لإبراهيم، خفيف ثقيل أوّل بالوسطى، عن عمرو وغيره.
__________
[1] ط، ح، ها، مط: «ثم ترك».
9 - أخبار أبي الطّفيل ونسبه
نسب أبي الطفيل:
هو عامر بن واثلة بن عبد اللّه بن عمير [1] بن جابر بن حميس [2] بن جديّ بن سعد بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار.
صحبته وتشيعه:
وله صحبة برسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، ورواية عنه. وعمّر بعده عمرا طويلا؛ وكان مع أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام، وروى عنه أيضا، وكان من وجوه شيعته، وله منه محلّ خاصّ يستغني بشهرته عن ذكره، ثم خرج طالبا بدم الحسين بن عليّ عليهما السلام، مع المختار بن أبي عبيد، وكان معه حتّى قتل وأفلت هو، وعمّر أيضا بعد ذلك.
رؤيته للرسول في حجة الوداع:
حدّثني أحمد بن الجعد قال حدّثنا محمد بن يوسف بن أسوار الجمحيّ بمكة، قال: حدّثنا يزيد بن أبي حكيم قال: حدّثني يزيد بن مليل، عن أبي الطّفيل أنه رأى النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في حجّة الوداع يطوف بالبيت الحرام على ناقته، ويستلم الرّكن بمحجنه.
أخبرناه محمد بن العباس اليزيديّ قال: حدّثنا الرياشي قال: حدّثنا أبو عاصم عن معروف بن خرّبوذ عن أبي الطفيل بمثله، وزاد فيه: «ثم يقبل المحجن».
رؤيته لعلي بن أبي طالب وهو يجيب عن أسئلة شتى:
حدّثني أبو عبيد اللّه الصيرفي قال: حدّثنا الفضل بن الحسن المصري قال: حدّثنا أبو نعيم عن بسّام الصّيرفي عن أبي الطّفيل قال:
/ سمعت عليا عليه السلام يخطب فقال: سلوني قبل أن تفقدوني. فقام إليه ابن الكوّاء، فقال: ما الذَّارِياتِ ذَرْواً
؟ قال: الرياح. قال: فَالْجارِياتِ يُسْراً
؟ قال: السّفن. قال: فَالْحامِلاتِ وِقْراً
؟ قال: السحاب.
قال: فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً
؟ قال: الملائكة. قال: فمن الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً
؟ قال: الأفجران من قريش:
بنو أميّة وبنو مخزوم. قال: فما كان ذو القرنين، أنبيا أم ملكا؟ قال: كان عبدا مؤمنا - أو قال صالحا - أحبّ اللّه
__________
[1] ما عدا ط، ها، مط: «عمرو». تحريف، وما في ط مطابق لما في «الإصابة» 4427.
[2] ما عدا ط: «خميس» بالخاء المعجمة.
وأحبّه، ضرب ضربة على قرنه الأيمن/ فمات، ثم بعث وضرب ضربة على قرنه الأيسر فمات. وفيكم مثله.
[و كتب إليّ إسماعيل بن محمد المريّ الكوفي يذكر أنّ أبا نعيم حدّثه بذلك عن بسام. وذكر مثله [1]].
شهادة له بالتقدّم في شعره:
أخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد عن أبيه قال: بلغني أن بشر بن مروان حين كان على العراق قال لأنس بن زنيم: أنشدني أفضل شعر قالته كنانة. فأنشده قصيدة أبي الطّفيل:
أ يدعونني شيخا وقد عشت برهة ... وهنّ من الأزواج نحوي نوازع
فقال له بشر: صدقت هذا أشعر شعرائكم. قال: وقال له الحجاج أيضا: أنشدني قول شاعركم: «أيدعونني شيخا» فأنشده إياه [2] فقال: قاتله اللّه منافقا، ما أشعره!
محاورة معاوية لأبي الطفيل:
حدّثني أحمد بن عيسى العجلي الكوفي، المعروف بابن أبي موسى، قال: حدّثنا الحسين بن نصر بن مزاحم قال: حدّثني أبي قال حدّثني عمرو بن شمر [3] عن جابر الجعفي قال: سمعت ابن حذيم الناجيّ [4] يقول:
لما استقام لمعاوية أمره لم يكن شيء أحبّ إليه من لقاء أبي الطّفيل عامر بن واثلة، فلم يزل يكاتبه ويلطف له [5] حتّى أتاه، فلما قدم عليه جعل يسائله عن أمر الجاهلية، ودخل عليه عمرو بن العاص ونفر معه، فقال لهم معاوية: أما تعرفون هذا؟ هذا خليل أبي الحسن. ثم قال: يا أبا الطفيل ما بلغ من حبّك لعليّ؟ قال حبّ أمّ موسى لموسى. قال: فما بلغ من بكائك عليه؟ قال: بكاء العجوز الثّكلى والشّيخ الرقوب [6]، وإلى اللّه أشكو التقصير.
قال معاوية: إنّ أصحابي هؤلاء لو سئلوا عنّي ما قالوا فيّ ما قلت في صاحبك. قالوا: إذا واللّه ما نقول الباطل. قال لهم معاوية: لا واللّه ولا الحقّ تقولون. ثم قال معاوية: وهو الذي يقول:
إلى رجب السّبعين تعترفونني ... مع السيف في حوّاء جمّ عديدها [7]
رجوف كمتن الطّود فيها معاشر ... كغلب السّباع نمرها وأسودها [8]
كهول وشبّان وسادات معشر ... على الخيل فرسان قليل صدودها
/ كأنّ شعاع الشّمس تحت لوائها ... إذا طلعت أعشى العيون حديدها
__________
[1] التكملة من ط، ها، مط. لكن في ها: «عن يسار» وقد سبق أنه «بسام الصيرفي».
[2] هذه الكملة من ط، مط. وفي ها: «فأنشده إياها».
[3] ما عدا ط، ها، مط: «عمر بن شبة»، وإنما كان نصر بن مزاحم يروي عن «عمرو بن شمر» ويكثر الرواية عنه. انظر وقعة صفين في غير موضع، ولا سيما صفحة 189 ففيها هذا السند بعينه.
[4] ويقال: «ابن حذلم» أيضا، وهو تميم بن حذيم الناجي الضبي الكوفي المتوفى سنة 100. انظر حواشي وقعة صفين ص 189.
[5] يلطف له، من اللطف، وهو الرفق والمداناة.
[6] الرقوب: الذي مات ولده، أو الذي لا يبقى له ولد.
[7] الحواء: السوداء، عنى بها الكتيبة التي يعلو الصدأ سلاحها.
[8] رجوف: تضطرب من كثرتها. والغلب: جمع أغلب، وهو الغليظ الرقبة.
يمورون مور الرّيح إما ذهلتم ... وزلّت بأكفال الرجال لبودها [1]
شعارهم سيما النبيّ، وراية ... بها انتقم الرحمن ممن يكيدها
تخطّفهم إياكم عند ذكرهم ... كخطف ضواري الطّير طيرا تصيدها [2]
فقال معاوية لجلسائه: أعرفتموه؟ قالوا: نعم، هذا أفحش شاعر وألأم جليس. فقال معاوية: يا أبا الطّفيل أتعرفهم؟ فقال: ما أعرفهم بخير، ولا أبعدهم من شرّ. قال: وقام خزيمة الأسديّ فأجابه فقال:
إلى رجب أو غرّة الشهر بعده ... تصبّحكم حمر المنايا وسودها
ثمانون ألفا دين عثمان دينهم ... كتائب فيها جبرئيل يقودها
فمن عاش منكم عاش عبدا ومن يمت ... ففي النار سقياه هناك صديدها
قيادته جيشا لإخراج محمد بن الحنفية من الحبس:
أخبرني عبد اللّه بن محمد الرازي قال: حدّثنا أحمد بن الحارث قال: حدّثنا المدائني عن أبي مخنف عن عبد الملك بن نوفل بن مساحق، قال:
لما رجع محمد بن الحنفية من الشام حبسه ابن الزبير في سجن عارم، فخرج إليه جيش من الكوفة عليهم أبو الطّفيل/ عامر بن واثلة، حتى أتوا سجن عارم فكسروه وأخرجوه، فكتب ابن الزّبير إلى أخيه مصعب: أن يسيّر نساء كلّ من خرج لذلك. فأخرج مصعب نساءهم وأخرج فيهن أمّ الطفيل امرأة أبي الطفيل، وابنا له صغيرا يقال له يحيى، فقال أبو الطفيل في ذلك:
إن يك سيّرها مصعب ... فإني إلى مصعب مذنب
/ أقود الكتيبة مستلمّا ... كأنّي أخو عرّة أجرب [3]
عليّ دلاص تخيّرتها ... وفي الكفّ ذو رونق مقضب [4]
تشيع أبي الطفيل:
أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال: حدّثنا عمر بن شبّة قال: حدّثنا محمد بن حميد الرازي قال: حدّثنا سلمة بن الفضل عن فطر بن [5] خليفة قال:
سمعت أبا الطفيل يقول: لم يبق من الشّيعة غيري. ثم تمثّل:
__________
[1] زلل اللبود: كناية عن اشتداد المعركة واضطرابها.
[2] تخطفهم، هي فيما عداها، مط: «تخطفكم» تحريف. ما عدا ط وح، ها، مط: «آباؤكم». وفيما عدا ط، ها: «صيدا يصيدها»، محرفتان.
[3] العرة، بالضم: الجرب.
[4] الدلاص، بالكسر: الدرع الملساء اللبنة. ذو وفق، أي سيف. ورونق السيف: ماؤه وصفاؤه وحسنه. والمقضب: القاطع. ما عدا ط، ح، ها، مط: «يقضب».
[5] قطر بن خليفة، ترجم له في «تهذيب التهذيب». ط: «قطن بن خليفة» تحريف.
وخلّفت سهما في الكنانة وحدا ... سيرمى به أو يكسر السهم كاسره [1]
أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال: حدّثنا عمر بن شبّة قال: حدّثني أبو عاصم قال: حدّثني شيخ من بني تيم اللات قال:
كان أبو الطفيل مع المختار في القصر، فرمى بنفسه قبل أن يؤخذ وقال:
ولما رأيت الباب قد حيل دونه ... تكسّرت باسم اللّه فيمن تكسّرا
أخبرني محمد بن خلف وكيع قال: حدّثنا أحمد بن عبد اللّه بن شداد النّشّابي قال: حدّثني المفضّل بن غسان قال: حدّثني عيسى بن واضح، عن سليم بن مسلم المكي، عن ابن جريج عن عطاء قال:
دخل عبد اللّه بن صفوان على عبد اللّه بن الزّبير، وهو يومئذ بمكة، فقال: أصبحت كما قال الشاعر [2]:
فإن تصبك من الأيام جائحة ... لا أبك منك على دنيا ولا دين
/ قال: وما ذاك يا أعرج؟ قال: هذا عبد اللّه بن عباس يفقّه الناس، وعبيد اللّه أخوه يطعم الناس، فما بقّيا لك؟ فأحفظه ذلك فأرسل صاحب شرطته عبد اللّه بن مطيع فقال له: انطلق إلى ابني عباس فقل لهما: أعمدتما إلى راية ترابية [3] قد وضعها اللّه فنصبتماها، بدّدا عنّي جمعكما ومن ضوى [4] إليكما من ضلّال أهل العراق، وإلّا فعلت وفعلت! فقال ابن عباس: قل لابن الزبير: يقول لك ابن عباس: ثكلتك أمّك، واللّه ما يأتينا من النّاس غير رجلين:
طالب فقه أو طالب فضل، فأيّ هذين تمنع؟ فأنشأ أبو الطفيل عامر بن واثلة يقول:
قوله الشعر في ذلك:
لا درّ درّ الليالي كيف تضحكنا ... منها خطوب أعاجيب وتبكينا
ومثل ما تحدث الأيام من غير ... يا ابن الزبير عن الدنيا يسلّينا
كنّا نجيء ابن عباس فيقبسنا ... علما ويكسبنا أجرا ويهدينا
ولا يزال عبيد اللّه مترعة ... جفانه مطعما ضيفا ومسكينا
فالبرّ والدّين والدّنيا بدارهما ... ننال منها الذي نبغي إذا شينا
إن النبيّ هو النور الذي كشفت ... به عمايات باقينا وماضينا
/ ورهطه عصمة في ديننا ولهم ... فضل علينا وحقّ واجب فينا
ولست فاعلمه أولى منهم رحما ... يا ابن الزبير ولا أولى به دينا
ففيم تمنعهم عنّا وتمنعنا ... منهم، وتؤذيهم فينا وتؤذينا
لن يؤتى اللّه من أخزى ببغضهم ... في الدين عزّا ولا في الأرض تمكينا [5]
__________
[1] ما عدا ط، ح، ها، مط: «و خليت».
[2] هو ذو الإصبع العدواني. وقصيدته مشهورة في «المفضليات».
[3] منسوبة إلى أبي تراب، وهي كنية علي بن أبي طالب.
[4] ضوى إليه: أوى وانضم.
[5] ط: «من أجرى» بالجيم.
شدّة حزنه حين سمع غناء فيه رثاء ولده:
أخبرني الحسن بن علي قال: حدّثني هارون بن محمد بن عبد الملك الزيات قال: حدّثني الزبير بن بكار قال: حدّثني بعض أصحابنا:
أن أبا الطفيل عامر بن واثلة دعي في مأدبة، فغنّت فيها قينة قوله يرثي ابنه:
خلّى طفيل عليّ الهمّ وانشعبا ... وهدّ ذلك ركني هدّة عجبا
فبكى حتّى كاد يموت.
وقد أخبرني بهذا الخبر عمي عن طلحة بن عبد اللّه الطلحي، عن أحمد بن إبراهيم: أنّ أبا الطفيل دعي إلى وليمة فغنت قينة عندهم:
خلّى عليّ طفيل الهمّ وانشعبا ... وهدّ ذلك ركني هدّة عجبا
وابني سمية لا أنساهما أبدا ... فيمن نسيت وكلّ كان لي وصبا
فجعل ينشج ويقول: هاه هاه طفيل! ويبكي حتّى سقط على وجهه ميتا.
وأخبرني محمد بن مزيد قال: حدّثنا حمّاد عن أبيه بخبر أبي الطفيل هذا، فذكر مثل ما مضى، وزاد في الأبيات:
فاملك عزاءك إن رزء بليت به ... فلن يردّ بكاء المرء ما ذهبا
وليس يشفي حزينا من تذكّره ... إلّا البكاء إذا ما ناح وانتحبا
فإذ سلكت سبيلا كنت سالكها ... ولا محالة أن يأتي الذي كتبا
فما لبطنك من ريّ ولا شبع ... ولا ظللت بباقي العيش مرتغبا [1]
غناء طويس بشعر لأبي الطفيل:
وقال حمّاد بن إسحاق حدّثني أبي قال: حدّثني أبو عبد اللّه الجمحي عن أبيه قال:
/ بينا فتية من قريش ببطن محسّر يتذاكرون الأحاديث ويتناشدون الأشعار، إذ أقبل طويس وعليه قميص قوهيّ وحبرة قد ارتدى بها [2]، وهو يخطر في مشيته، فسلّم ثم جلس، فقال له القوم: يا أبا عبد المنعم، لو غنّيتنا؟ قال:
نعم وكرامة أغنيكم بشعر شيخ من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، من شيعة عليّ بن أبي طالب عليه السلام، وصاحب رايته، أدرك الجاهلية والإسلام، وكان سيّد قومه وشاعرهم. قالوا: ومن ذاك يا أبا عبد المنعم فدتك أنفسنا؟ قال:
ذلك أبو الطّفيل عامر بن واثلة، ثمّ اندفع فغنى:
أيدعونني شيخا وقد عشت حقبة ... وهنّ من الأزواج نحوي نوازع
فطرب القوم وقالوا: ما سممعنا قطّ غناء أحسن من هذا.
__________
[1] المرتغب: الراغب، كما في «القاموس». ما عدا ط، ها: «بنا في العيش مرتعبا» تحريف.
[2] القوهي: ثياب بيض منسوبة إلى قوهستان. والحبرة، بالتحريك وكعنبة: ضرب من برود اليمن شمر.
وهذا الخبر يدلّ على أن فيه لحنا قديما ولكنّه ليس يعرف.
صوت
لمن الدار أقفرت بمعان ... بين شاطي اليرموك فالصّمّان [1]
/فالقريّات من بلاس فداريا فسكّاء فالقصور الدواني [2]
ذاك مغنى لآل جفنة في الدّه ... ر وحقّ تصرّف الأزمان [3]
صلوات المسيح في ذلك الدي ... ر دعاء القسّيس والرّهبان
/ الشعر لحسان بن ثابت، والغناء لحنين بن بلوع، خفيف ثقيل أوّل بالسبابة في مجرى الوسطى.
وهذا الصوت من صدور الأغاني ومختارها، وكان إسحاق يقدمّه ويفضّله. ووجدت في بعض كتبه بخطه قال: الصّيحة التي في لحن حنين:
لمن الدار أقفرت بمعان
أخرجت من الصدر، ثم من الحلق، ثم من الأنف، ثم من الجبهة، ثم نبرت [4] فأخرجت من القحف، ثم نوّنت [5] مردودة إلى الأنف، ثم قطعت.
وفي هذه الأبيات وأبيات غيرها من القصيدة ألحان لجماعة اشتركوا فيها، واختلف أيضا مؤلفو الأغاني في ترتيبها ونسبة بعضها مع بعض إلى صاحبها الذي صنعها، فذكرت ها هنا على ذلك وشرح ما قالوه فيها. فمنها:
صوت
قد عفا جاسم إلى بيت رأس ... فالحواني فجانب الجولان [6]
فحمى جاسم فأبنية الصّ ... فّر مغنى قنابل وهجان [7]
__________
[1] معان، بالفتح والمحدّثون يقولونه بالضم: مدينة في طرف بادية الشام تلقاء الحجاز من نواحي البلقاء. والصمان هي أيضا رواية ياقوت، وقال: «فيما أحسب من نواحي الشام بظاهر البلقاء». قلت: وصواب الرواية «الخمان» كما في «ديوان حسان» 414 وهي من نواحي البثنية من أرض الشام.
[2] بلاس بالفتح: بلد بينه وبين دمشق عشرة أميال. وداريا: بفتح الراء: قرية كبيرة من قرى دمشق بالغوطة، ينسب إليها الداراني.
وسكاء بالسين المهملة، قرية من قرى دمشق في الغوطة. ط، ها، مط: «شكاه» تحريف.
[3] رواية «الديوان» 415: «في الدهر» كما أثبت من ها. وفي سائر الأصول هنا: «في الدار».
[4] نبرت: رفعت. في ها: «نثرت»، وفي مط: «مرت». وأثبت ما في ط. وفي سائر الأصول: «ثبرت».
[5] ما عدا ط، ها، مط: «بوئت».
[6] الجولان، بالفتح: جبل من نواحي دمشق.
[7] القنابل: جمع قنبل وقنبلة بالفتح، وهي الطائفة من الناس ومن الخيل. والهجان من الناس: الخالص الكريم، ومن الإبل: البيض الكرام.
فالقريات من بلاس فداريّا ... فسكّاء فالقصور الدّواني
قد دنا الفصح فالولائد ينظم ... ن سراعا أكلّة المرجان [1]
/يتبارين في الدعاء إلى اللّ ... ه وكلّ الدّعاء للشيطان
ذاك مغنى لآل في جفنة في الدّه ... ر وحقّ تصرّف الأزمان [2]
صلوات المسيح في ذلك الدّي ... ر دعاء القسّيس والرّهبان
قد أراني هناك حقّ مكين ... عند ذي التاج مقعدي ومكاني
ذكر عمرو بن بانة أنّ لابن محرز في الأوّل من هذه الأبيات والرابع خفيف ثقيل أوّل بالبنصر وذكر علي بن يحيى أنّ لابن سريج في الرابع والخامس رملا بالوسطى، وأن لمعبد فيهما وفيما بعدهما من الأبيات خفيف ثقيل، ولمحمد بن إسحاق بن برثع [3] ثقيل أوّل في الرابع والثامن.
وذكر الهشامي أنّ في الأوّل لمالك خفيف ثقيل، ووافقه حبش. وذكر حبش أنّ لمعبد في الأوّل والثاني والرابع ثقيلا أوّل بالبنصر.
__________
[1] الفصح من أعياد النصارى واليهود، انظر تحقيق لفظه وتاريخه في «حواشي الحيوان» (4: 534).
[2] في جميع الأصول ما عدا «ها»: «في الدير»، صواب هذه من «الديوان».
[3] في «القاموس»: «برثع كقنقذ: اسم». والكلمة في ط، مط: «بزيع» وفيما سواها: «برتع».
10 - أخبار حسّان وجبلة بن الأيهم
لقاء حسان لجبلة واستنشاد جبلة له بعد النابغة وعلقمة وإجازته:
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري وحبيب بن نصر المهلّبي قالا: حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثني هارون بن عبد اللّه الزّهري قال: حدّثني يوسف بن الماجشون عن أبيه قال:
قال حسّان بن ثابت: أتيت جبلة بن الأيهم الغسّاني وقد مدحته، فأذن لي فجلست بين يديه، وعن يمينه رجل له ضفيرتان، وعن يساره رجل لا أعرفه، فقال: أتعرف هذين؟ فقلت: أمّا هذا فأعرفه، وهو النابغة، وأما هذا فلا أعرفه. قال: فهو علقمة بن عبدة، فإن شئت استنشدتهما وسمعت منهما، ثم إن شئت أن تنشد بعدهما أنشدت، وإن شئت أن تسكت سكتّ. قلت: فذاك. قال: فأنشده النابغة:
كليني لهمّ يا أميمة ناصب ... وليل أقاسيه بطيء الكواكب
قال: فذهب نصفي. ثم قال لعلقمة: أنشد. فأنشد:
طحابك قلب في الحسان طروب ... بعيد الشباب عصر حان مشيب [1]
فذهب نصفي الآخر فقال لي: أنت أعلم، الآن إن شئت أن تنشد بعدهما أنشدت، وإن شئت أن تسكت سكتّ. فتشدّدت ثم قلت: لا بل، أنشد. قال: هات. فأنشدته:
للّه درّ عصابة نادمتها ... يوما بجلّق في الزّمان الأوّل [2]
أولاد جفنة عند قبر أبيهم ... قبر ابن مارية الكريم المفضل
يسقون من ورد البريص عليهم ... كأسا تصفّق بالرحيق السلسل [3]
/يغشون حتّى ما تهرّ كلابهم ... لا يسألون عن السّواد المقبل
بيض الوجوه كريمة أحسابهم ... شمّ الأنوف من الطراز الأوّل
فقال لي: ادنه، ادنه، لعمري ما أنت بدونهما. ثم أمر لي بثلاثمائة دينار، وعشرة أقمصة لها جيب واحد، وقال: هذا لك عندنا في كلّ عام.
وقد ذكر أبو عمرو الشّيباني هذه القصة لحسان ووصفها وقال: إنّما مضّله عمرو بن الحارث الأعرج، ومدحه بالقصيدة اللامية. وأتى بالقصّة أتمّ من هذه الرواية.
__________
[1] طحا به قلبه: ذهب به في كل مذهب.
[2] هذا البيت لم يرو في ط، ها، مط.
[3] البريص: نهر بدمشق.
قدومه على عمرو بن الحارث ولقاؤه النابغة وعلقمة:
قال أبو عمرو: قال حسان بن ثابت: قدمت على عمرو بن الحارث فاعتاص الوصول عليّ إليه، فقلت للحاجب بعد مدّة: إن أذنت لي عليه وإلا هجوت اليمن كلّها ثم انقلبت عنكم. فأذن لي فدخلت عليه فوجدت عنده النابغة وهو جالس عن يمينه، وعلقمة بن عبدة وهو جالس عن يساره، فقال لي: يا ابن الفريعة، قد عرفت عيصك [1] ونسبك في غسّان فارجع فإنّي باعث إليك بصلة سنيّة، ولا أحتاج إلى الشعر، فإنّي أخاف عليك هذين السّبعين: النابغة وعلقمة، أن يفضحاك، وفضيحتك فضيحتي، وأنت واللّه لا تحسن أن تقول:
رقاق النّعال طيّب حجزاتهم ... يحيّون بالريحان يوم السّباسب
استنشاد عمرو بن الحارث له وتفضيله عليهما:
فأبيت وقلت: لا بدّ منه. فقال: ذاك إلى عمّيك. فقلت لهما: بحقّ الملك إلّا قدّمتماني عليكما. فقالا: قد فعلنا. فقال عمرو بن الحارث: هات يا ابن الفريعة. فأنشأت:
أسألت رسم الدّار أم لم تسأل ... بين الحواني فالبضيع فحومل [2]
/فقال: فلم يزل عمرو بن الحارث يزحل [3] عن موضعه سرورا حتى شاطر البيت وهو يقول: هذا وأبيك الشّعر، لا ما تعلّلاني به منذ اليوم! هذه واللّه البتّارة [4] التي قد بترت المدائح، أحسنت يا ابن الفريعة، هات له يا غلام ألف دينار مرجوحة [5] وهي التي في كلّ دينار عشرة دنانير. فأعطيت ذلك ثم قال: لك عليّ في كلّ سنة مثلها.
النابغة يقول الثناء المسجوع في عمرو بن الحارث:
ثم أقبل على النابغة فقال: قم يا زياد فهات الثّناء المسجوع. فقام النابغة فقال:
ألا انعم صباحا أيّها الملك المبارك، السّماء غطاؤك، والأرض وطاؤك، ووالداي فداؤك، والعرب وقاؤك، والعجم حماؤك [6]، والحكماء جلساؤك، والمداره سمّارك [7]، والمقاول إخوانك [8]، والعقل شعارك، والحلم دثارك، والسكينة مهادك، والوقار غشاؤك، والبرّ وسادك، والصّدق رداؤك، واليمن حذاؤك [9]، والسّخاء ظهارتك،
__________
[1] العيص، بالكسر: الأصل.
[2] الحواني، هي في «الديوان»: «الجوابي». وفي «شرحه»: «أراد جابية الجولان. والجولان ما بين دمشق إلى الأردن». البضيع، بالتصغير: جبل بالشام أسود. ح: «بالنصيع» وفي سائر النسخ ما عدا ط: «فالبصيع» صوابهما في ط.
[3] يزحل: يتنحى ويتباعد.
[4] أ، ط، ح، ها.، مط: «البنانة». والبت والبتر بمعنى.
[5] ط، ها، مط: «مرموجة» أ: «مرجوجة». وأثبت ما في سائر النسخ. وقد تكون هذه التسمية من قبيل التسمية بالأضداد، كما يقال للديغ سليم.
[6] في «اللسان»: «و يقال حماء لك بالمد، في معنى فداء لك».
[7] المداره: جمع مدره كمنبر، وهو المقدم في «اللسان» واليد عند الخصومة والقتال.
[8] المقاول: جمع مقول بالكسر، وهو الملك من ملوك حمير دون الملك الأعلى.
[9] اليمن، البركة وخلاف الشؤم. أي تسير البركة تحت قدميه.
والحميّة بطانتك، والعلاء علايتك [1]، وأكرم الأحياء أحياؤك [2]، وأشرف الأجداد أجدادك، وخير الآباء آباؤك، وأفضل الأعمام أعمامك، وأسرى الأخوال أخوالك، وأعفّ النساء حلائلك، وأفخر الشبّان أبناؤك، وأطهر الأمّهات أمّهاتك،/ وأعلى البنيان بنيانك، وأعذب المياه أمواهك، وأفيح الدارات داراتك [3]، وأنزه الحدائق حدائقك [4]، وأرفع اللباس لباسك، قد حالف الإضريج عاتقيك [5]، ولاءم المسك مسكك [6] وجاور العنبر ترائبك، وصاحب النعيم جسدك. العسجد آنيتك، واللّجين صحافك، والعصب مناديلك [7]، والحوّاري طعامك [8]، والشّهد إدامك، واللذات غذاؤك [9]، والخرطوم شرابك [10]، والأبكار/ مستراحك، والأشراف مناصفك [11]، والخير بفنائك، والشرّ بساحة أعدائك، والنّصر منوط بلوائك، والخذلان مع ألوية حسّادك، والبر فعلك. قد طحطح عدوّك غضبك [12]، وهزم مغايبهم مشهدك [13]؛ وسار في الناس عدلك، وشسع بالنصر ذكرك [14] وسكّن قوارع الأعداء ظفرك./ الذّهب عطاؤك، والدواة رمزك [15]، والأوراق لحظك وإطراقك، وألف دينار مرجوحة [16] إنماؤك [17].
أيفا خرك المنذر اللخمي، فو اللّه لقفاك خير من وجهه، ولشمالك خير من يمينه، ولأخمصك خير من رأسه [18]، ولخطاؤك خير من صوابه [19]، ولصمتك خير من كلامه، ولأمّك خير من أبيه، ولخدمك خير من قومه. فهب لي أسارى قومي، واسترهن بذلك شكري [20]؛ فإنّك من أشراف قحطان، وأنا من سروات عدنان.
إعجاب عمرو بن الحارث بثناء النابغة ومدح حسّان:
فرفع عمرو رأسه إلى جارية كانت قائمة على رأسه وقال: بمثل هذا فليثن على الملوك، ومثل ابن الفريعة فليمدحهم! وأطلق له أسرى قومه.
__________
[1] العلاية، بالفتح: كل موضع مرتفع. ط، ها، مط: «غايتك» أ، ح: «غلايتك» وأثبت ما في سائر النسخ.
[2] الأحياء: جمع حي، وهو البطن من بطون العرب.
[3] أفيح: أوسع. دار فيحاء: واسعة. ط، مط «دارتك» بالإفراد. ها: «و أفيح الديار ديارك».
[4] مكان نزه: بعيد عن الريف وغمق المياه وذبان القرى.
[5] الإضريج: ضرب من الأكسية أصفر، أو هو الخز الأحمر.
[6] لاءم: وافق. والمسك، بالفتح: الجلد.
[7] العصب: ضرب من برود اليمن.
[8] الحواري، بضم الحاء وتشديد الواو وفتح الراء مع القصر: الدقيق الأبيض، وهو لباب الدقيق وأجوده وأخلصه. وفي جمهور الأصول: «الحوار» مع ضبطها في ط بضم الحاء وتشديد الراء. وفي ح بتشديد الواو فقط. والصواب ما أثبت من ها.
[9] اللذات: اللذيذات من الأطعمة. واللذ واللذة: اللذيذ.
[10] الخرطوم: الخمر السريعة الإسكار. والسلاف: الذي سال من غير عصير.
[11] المناصف: جمع منصف، كمقعد ومنبر، وهو الخادم.
[12] طحطحهم: بددهم وفرقهم وكسرهم. والعدو هنا: الأعداء.
[13] المغايب: جمع مغيب مقابل المشهد. والكلمة محرّفة في الأصول. فهي في ط، ح، أ، ها، مط: «مقانبهم» وهي مع صحتها لا تلائم نسج القول. وفي سائر الأصول: «مغانيهم».
[14] شسع: صار بعيدا ذائعا.
[15] الرمز: الإشارة.
[16] ط، ها، مط: «مرموجة» أ: «مرجوجة». وقد سبق الكلام على تحقيقه في 159.
[17] الإنماء: الزيادة.
[18] الأخمص: هو من باطن القدم ما لا يصيب الأرض.
[19] الخطاء: الخطأ. ما عدا ط، ح، أ، ها، مط «و لخطؤك».
[20] استرهن، من الرهن، رهن لك الشي ء: أقام ودام.
وذكر ابن الكلبي، هذه القصّة نحو هذا وقال: فقال له عمرو: اجعل المفاضلة بيني وبين المنذر شعرا فإنه أسير [1]. فقال:
ونبّئت أن أبا منذر ... يساميك للحدث الأكبر
قذالك أحسن من وجهه ... وأمّك خير من المنذر
ويسراك أجود من كفّه ال ... يمين فقولا له أخّر [2]
/و قد ذكر المدائني أنّ هذه الأبيات والسجع الذي قبلها لحسان، وهذا أصحّ.
قدوم جبلة بن الأيهم على عمر ثم تنصره ورحلته إلى هرقل:
قال أبو عمرو الشيباني: لمّا أسلم جبلة بن الأيهم الغساني وكان من ملوك آل جفنة، كتب إلى عمر رضي اللّه عنه يستأذنه في القدوم عليه، فأذن له عمر فخرج إليه في خمسمائة من أهل بيته، من عكّ وغسان، حتّى إذا كان على مرحلتين كتب إلى عمر يعلمه بقدومه، فسرّ عمر رضوان اللّه عليه، وأمر الناس باستقباله، وبعث إليه بأنزال [3]، وأمر جبلة مائتي رجل من أصحابه فلبسوا الدّيباج [4] والحرير، وركبوا الخيول معقودة أذنابها، وألبسوها قلائد الذهب والفضة، ولبس جبلة تاجه وفيه قرطا مارية - وهي جدّته - ودخل المدينة، فلم يبق بها بكر ولا عانس إلّا تبرجت وخرجت تنظر إليه وإلى زيّه، فلما انتهى إلى عمر رحّب به وألطفه وأدنى مجلسه، ثم أراد عمر الحجّ فخرج معه جبلة، فبينا هو يطوف بالبيت وكان مشهورا بالموسم، إذ وطىء إزاره رجل من بني فزارة فانحلّ، فرفع جبلة يده فهشم أنف الفزاري، فاستعدى عليه عمر رضوان اللّه عليه، فبعث إلى جبلة فأتاه فقال: ما هذا؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، إنّه تعمّد حلّ إزاري، ولولا حرمة الكعبة لضربت بين عينيه بالسّيف! فقال له عمر: قد أقررت فإمّا أن رضي الرجل وإمّا أن أقيده منك. قال جبلة: ماذا تصنع بي؟ قال: آمر بهشم أنفك كما فعلت. قال: وكيف ذاك يا أمير المؤمنين، وهو سوقة وأنا ملك؟ قال: إنّ الإسلام جمعك وإياه، فلست تفضله بشيء إلا بالتّقى والعافية!! قال جبلة: قد ظننت يا أمير المؤمنين أنّي أكون في الإسلام أعزّ مني في الجاهلية. قال عمر: دع عنك هذا فإنّك إن لم ترض الرجل أقدته منك. قال: إذا أتنصّر. قال:/ إن تنصّرت ضربت عنقك، لأنّك قد أسلمت،/ فإن ارتددت قتلتك. فلما رأى جبلة الصّدق من عمر قال: أنا ناظر في هذا ليلتي هذه. وقد اجتمع بباب عمر من حيّ هذا وحيّ هذا خلق كثير، حتى كادت تكون بينهم فتنة، فلما أمسوا أذن له عمر في الانصراف، حتّى إذا نام الناس وهدءوا تحمل جبلة بخيله ورواحله إلى الشأم، فأصبحت مكة وهي منهم بلاقع، فلما انتهى إلى الشأم تحمل في خمسمائة رجل من قومه حتّى أتى القسطنطينية، فدخل إلى هرقل، فتنصّر هو وقومه، فسرّ هرقل بذلك جدّا وظنّ أنه فتح من الفتوح عظيم، وأقطعه حيث شاء، وأجرى عليه من النزّل ما شاء، وجعله من محدّثيه وسمّاره. هكذا ذكر أبو عمرو.
__________
[1] أسير: أكثر سيرا بين الناس وشهرة.
[2] ما عدا ط، ح، أ، ها، مط: «أجر»، تحريف.
[3] الأنزال: جمع نزل، بضم وبضمتين، وهو ما يهيأ للضيف أن ينزل عليه.
[4] ما عدا ط، ها، مط: «السلاح».
وذكر ابن الكلبي أنّ الفزاريّ لما وطىء إزار جبلة لطم جبلة كما لطمه، فوثبت غسّان فهشموا أنفه وأتوا به عمر، ثم ذكر باقي الخبر نحو ما ذكرناه.
قصّة أخر في سبب تنصره:
وذكر الزبير بن بكّار فيما أخبرنا به الحرمي بن أبي العلاء عنه أن محمد بن الضحاك حدّثه عن أبيه:
أن جبلة قدم على عمر رضي اللّه عنه في ألف من أهل بيته فأسلم. قال: وجرى بينه وبين رجل من أهل المدينة كلام، فسبّ المديني [1] فردّ عليه، فلطمه جبلة فلطمه المديني، فوثب عليه أصحابه فقال: دعوه حتّى أسأل صاحبه وأنظر ما عنده. فجاء إلى عمر فأخبره فقال: إنك فعلت به فعلا ففعل بك مثله. قال: أو ليس عندك من الأمر إلّا ما أرى. قال: لا فما الأمر عندك يا جبلة؟ قال: من سبّنا ضربناه، ومن ضربنا قتلناه. قال: إنّما أنزل القرآن بالقصاص. فغضب وخرج بمن معه ودخل أرض الروم فتنصّر، ثم ندم وقال:
تنصّرت الأشراف من عار لطمة
/ وذكر الأبيات، وزاد فيها بعد:
ويا ليت لي بالشأم أدنى معيشة ... أجالس قومي ذاهب السمع والبصر
أدين بما دانوا به من شريعة ... وقد يحبس العود الضّجور على الدّبر [2]
دعوة معاوية وعمر جبلة بن الأيهم للرجوع إلى الإسلام:
وذكر باقي خبره فيما وجّه به إلى حسّان مثله، وزاد فيه:
أنّ معاوية لما ولي بعث إليه فدعاه إلى الرجوع إلى الإسلام، ووعده إقطاع الغوطة بأسرها، فأبى ولم يقبل.
ثم إنّ عمر رضي اللّه عنه بدا له أن يكتب إلى هرقل يدعوه إلى اللّه جلّ وعزّ وإلى الإسلام، ووجّه إليه رجلا من أصحابه، وهو جثّامة بن مساحق الكناني، فلما انتهى إليه الرجل بكتاب عمر أجاب إلى كلّ شيء سوى الإسلام، فلما أراد الرسول الانصراف قال له هرقل: هل رأيت ابن عمّك هذا الذي جاءنا راغبا في ديننا؟ قال: لا. قال:
فالقه. قال الرجل: فتوجهت إليه فلما انتهيت إلى بابه رأيت من البهجة والحسن والسّرور ما لم أر بباب هرقل مثله، فلما أدخلت عليه إذا هو في بهو عظيم، وفيه من التصاوير ما لا أحسن وصفه، وإذا هو جالس على سرير من قوارير، قوائمه أربعة أسد من ذهب، وإذا هو رجل أصهب سبال وعثنون، وقد أمر بمجلسه فاستقبل به وجه الشمس، فما بين يديه من آنية الذهب والفضّة يلوح، فما رأيت أحسن منه. فلمّا سلمت ردّ السلام ورحّب بي، وألطفني ولا مني على تركي النزول عنده، ثم أقعدني على شيء لم أثبته، فإذا هو كرسيّ من ذهب، فانحدرت عنه فقال: مالك؟ فقلت: إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم نهى عن هذا. فقال جبلة أيضا مثل قولي/ في النبي صلّى اللّه عليه وسلّم حين ذكرته، وصلّى عليه. ثم قال: يا هذا إنّك إذا طهّرت قلبك/ لم يضرك ما لبسته ولا ما جلست عليه. ثم سألني عن الناس وألحف في السؤال عن عمر، ثم جعل يفكّر حتى رأيت الحزن في وجهه، فقلت: ما يمنعك من الرجوع إلى قومك
__________
[1] ما عدا ط، أ، ها: «المدني»، تحريف.
[2] ط، مط: «بما كانوا». العود، بالفتح: المسن من الإبل. والدبر: قرحة الدابة.
والإسلام؟ قال: أبعد الذي قد كان؟ قلت: قد ارتد الأشعث بن قيس.
ترف جبلة بن الأيهم
ومنعهم الزكاة وضربهم بالسّيف ثم رجع إلى الإسلام. فتحدّثنا مليّا ثم أومأ إلى غلام على رأسه فولّي يحضر، فما كان إلّا هنيهة حتّى أقبلت الأخونة يحملها الرجال فوضعت، وجيء بخوان من ذهب فوضع أمامي فاستعفيت منه، فوضع أمامي خوان خلنج [1] وجامات قوارير [2]، وأديرت الخمر فاستعفيت منها، فلما فرغنا دعا بكأس من ذهب فشرب به [3] خمسا عددا. ثم أومأ إلى غلام فولّي يحضر، فما شعرت إلا بعشر جوار يتكسّرن في الحلي، فقعد خمس عن يمينه وخمس عن شماله، ثم سمعت وسوسة من ورائي، فإذا أنا بعشر أفضل من الأول عليهن الوشي والحلي، فقعد خمس عن يمينه وخمس عن شماله، وأقلبت جارية على رأسها طائر أبيض كأنّه لؤلؤة، مؤدّب، وفي يدها اليمنى جام فيه مسك وعنبر قد خلطا وأنعم سحقهما، وفي اليسرى جام فيه ماء ورد، فألقت الطائر في ماء الورد، فتمعّك بين جناحيه وظهره وبطنه [4]، ثم أخرجته فألقته في جام المسك والعنبر، فتمعّك فيها حتى لم يدع فيها شيئا، ثم نفّرته فطار فسقط على تاج جبلة، ثم رفرف ونفض ريشه فما بقي عليه شيء إلّا سقط على رأس جبلة، ثم قال للجواري: أطربنني. فخفقن بعيدانهنّ يغنين:
/للّه درّ عصابة نادمتهم ... يوما بجلّق في الزمان الأوّل
بيض الوجوه كريمة أحسابهم ... شمّ الأنوف من الطّراز الأوّل
يغشون حتّى ما تهرّ كلابهم ... لا يسألون عن السّواد المقبل
فاستهلّ واستبشر وطرب ثم قال: زدنني. فاندفعن يغنين:
لمن الدار أقفرت بمعان ... بين شاطي اليرموك فالصّمّان [5]
فحمى جاسم فأبنية الصّفّر مغنى قنابل وهجان [6] فالقريات من بلاس فداريّا فسكّاء فالقصور الدواني
ذاك مغنى لآل جفنة في الدّ ... ار وحقّ تعاقب الأزمان
قد دنا الفصح فالولائد ينظم ... ن سراعا أكلّة المرجان
لم يعلّلن بالمغافير والصّم ... - غ ولا نقف حنظل الشّريان [7]
قد أراني هناك حقّا مكينا ... عند ذي التاج مقعدي ومكاني
__________
[1] الخلنج: شجر تتخذ من حشه الأواني ونحوها، فارسي معرب. ما عدا ط، أ، ها: مط: «خليج» محرّف.
[2] الجام: إناء ذكر اللغويون أنه من الفضة. والقوارير: الزجاج.
[3] هذا ما في ها. وفي ط، أ، مط: «فيه» وسائر النسخ: «منه».
[4] تمعك: تمرغ.
[5] سبق الكلام على البيت وروايته في ص 154.
[6] ما عدا ط، أ، مط: «قبائل» وقد مضى تفسير البيت في ص 155.
[7] الشريان، بالكسر: موضع.
فقال: أتعرف هذه المنازل؟ قلت: لا. قال: هذه منازلنا في ملكنا بأكناف دمشق، وهذا شعر ابن الفريعة حسّان بن ثابت، شاعر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
أرساله صلة إلى حسان عندما علم بأنه مضرور:
قلت: أما إنّه مضرور البصر كبير السنّ. قال: يا جارية هاتي. فأتته بخمسمائة دينار وخمسة أثواب من الدّيباج، فقال: ادفع هذا إلى حسّان وأقرئه منّي السلام.
بكاؤه من سماع شعر حسان:
ثم أرادني [1] على مثلها، فأبيت فبكى، ثم قال/ لجواريه: أبكينني. فوضعن عيدانهنّ وأنشأن يقلن:
/تنصّرت الأشراف من عار لطمة ... وما كان فيها لو صبرت لها ضرر
تكنّفني فيها لجاج ونخوة ... وبعت بها العين الصحيحة بالعور
فيا ليت أمّي لم تلدني وليتني ... رجعت إلى القول الذي قال لي عمر
ويا ليتني أرعى المخاض بقفرة ... وكنت أسيرا في ربيعة أو مضر [2]
ويا ليت لي بالشأم أدنى معيشة ... أجالس قومي ذاهب السّمع والبصر
ثم بكى وبكيت معه حتّى رأيت دموعه تجول على لحيته كأنّها اللؤلؤ، ثمّ سلّمت عليه وانصرفت، فلما قدمت على عمر سألني عن هرقل وجبلة، فقصصت عليه القصّة من أوّلها إلى آخرها، فقال: أو رأيت جبلة يشرب الخمر؟
قلت: نعم. قال: أبعده اللّه، تعجّل فانية اشتراها بباقية، فلما ربحت تجارته، فهل سرّح معك شيئا؟ قلت: سرّح إلى حسان خمسمائة دينار وخمسة أثواب ديباج. فقال: هاتها. وبعث إلى حسّان فأقبل يقوده قائده حتّى دنا فسلّم، وقال: يا أمير المؤمنين، إنّي لأجد أرواح آل جفنة. فقال عمر رضي اللّه عنه: قد نزع اللّه تبارك وتعالى لك منه على رغم أنفه، وأتاك بمعونة. فانصرف عنه وهو يقول:
إنّ ابن جفنة من بقيّة معشر ... لم يعذهم آباؤهم باللّوم
لم ينسني بالشّام إذ هو ربّها ... كلّا ولا متنصّرا بالروم
يعطى الجزيل ولا يراه عنده ... إلّا كبعض عطيّة المذموم
وأتيته يوما فقرّب مجلسي ... وسقى فروّاني من الخرطوم [3]
/فقال له رجل في مجلس عمر: أتذكر قوما كانوا ملوكا فأبادهم اللّه وأفناهم؟! فقال: ممن الرجل؟ قال:
مزنيّ. قال: أما واللّه لولا سوابق قومك مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لطوّقتك طوق الحمامة. وقال: ما كان خليلي ليخلّ بي، فما قال لك؟ قال: قال إن وجدته حيّا فادفعها إليه، وإن وجدته ميّتا فاطرح الثياب على قبره، وابتع بهذه الدنانير بدنا
__________
[1] ما عدا ط، ها، مط، ج: «راودني».
[2] ما عدا، ط، ها، مط: «بدمنة»، وما أثبت من هذه النسخ يوافق ما في شروح «سقط الزند» 302. والخبر فيها برواية أخرى 295 - 303.
[3] الخرطوم، سبق تفسيرها في ص 160.
فانحرها على قبره. فقال حسان: ليتك وجدتني ميّتا ففعلت ذلك بي؟
أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال: حدّثنا الزبير قال: لي عبد الرحمن بن عبد اللّه الزبيري: قال الرسول الذي بعث به إلى جبلة. ثم ذكر قصته مع الجارية التي جاءت بالجامين والطائر الذي تمعّك فيهما، وذكر قول حسان:
إن ابن جفنة من بقية معشر
ولم يذكر غير ذلك. هكذا روى أبو عمرو في هذا الخبر.
رسول معاوية إلى ملك الروم ولقاؤه لجبلة:
وقد أخبرني به أحمد بن عبد العزيز قال حدّثنا عمر بن شبّة قال: قال عبد اللّه بن مسعدة الفزاريّ:
وجّهني معاوية إلى ملك الروم، فدخلت عليه، فإذا عنده رجل على سرير من ذهب دون مجلسه، فكلّمني بالعربية فقلت: من أنت يا عبد اللّه؟ قال: أنا رجل غلب عليه الشّقاء، أنا جبلة بن الأيهم، إذا صرت إلى منزلي فألقني. فلما انصرف وانصرفت أتيته في داره فألفيته على شرابه، وعنده قينتان تغنّيانه بشعر حسّان بن ثابت:
قد عفا جاسم إلى بيت رأس ... فالحواني فجانب الجولان [1]
/و ذكر الأبيات. فلما فرغتا من غنائهما أقبل عليّ ثم قال: ما فعل حسّان بن ثابت؟ قلت: شيخ كبير قد عمي. فدعا بألف دينار فدفعها إليّ، وأمرني أن أدفعها إليه ثم قال: أترى صاحبك يفي لي إن خرجت إليه؟ قال:
قلت قل ما شئت أعرضه عليه. قال: يعطيني الثنيّة [2] فإنها كانت منازلنا، وعشرين قرية من الغوطة منها داريّا وسكّاء، ويفرض لجماعتنا ويحسن جوائزنا. قال: قلت أبلغه. فلما قدمت على معاوية قال: وددت أنّك أجبته إلى ما سأل فأجزته له. وكتب إليه معاوية يعطيه ذلك، فوجده قد مات.
قال: وقدمت المدينة فدخلت مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فلقيت حسان فقلت: يا أبا الوليد، صديقك جبلة يقرأ عليك السلام. فقال: هات ما معك. قلت: وما علمك أنّ معي شيئا، قال: ما أرسل إليّ بالسلام قطّ إلّا ومعه شيء. قال: فدفعت إليه المال.
حديث حسّان مع رسول جبلة:
أخبرني إبراهيم بن محمد بن أيوب قال: حدّثنا عبد اللّه بن مسلم قال: حدّثني عبد الرحمن ابن أخي الأصمعيّ عن عمه، عن أهل المدينة قالوا:
__________
[1] سبق الكلام على البيت في ص 155.
[2] الثنية: ثنية العقاب، بضم العين، وهي ثنية مشرفة على غوطة دمشق.
بعث جبلة إلى حسّان بخمسمائة دينار وكسى وقال للرسول: إن وجدته قد مات فابسط هذه الثياب على قبره.
فجاء فوجده حيا، فأخبره فقال: لوددت أنك وجدتني ميتا.
نسبة ما في هذه الأخبار من الأغاني
صوت
تنصّرت الأشراف من عار لطمة ... وما كان فيها لو صبرت لها ضرر
الأبيات الخمسة.
الشعر لجبلة بن الأيهم، والغناء لعريب نصب [1] خفيف، وبسيط رمل بالوسطى. ومنها:
صوت
إنّ ابن جفنة من بقية معشر ... لم يعذهم آباؤهم باللّوم
الأبيات الأربعة [2]. الشعر لحسّان بن ثابت، والغناء لعريب، هزج بالبنصر.
حديث حسّان مع الحارث بن أبي شمر:
أخبرني محمد بن العباس اليزيديّ قال: حدّثنا عمي يوسف بن محمد قال: حدّثني عمي إسماعيل بن أبي محمد قال: قال الواقديّ: حدّثني محمد بن صالح قال:
كان حسّان بن ثابت يغدو على جبلة بن الأيهم سنة ويقيم سنة في أهله، فقال: لو وفدت على الحارث بن أبي شمر الغسّاني، فإنّ له قرابة ورحما بصاحبي، وهو أبذل الناس للمعروف، وقد يئس منّي أن أفد عليه، لما يعرف من انقطاعي إلى جبلة.
قال: فخرجت في السنة التي كنت أقيم فيها بالمدينة، حتى قدمت على الحارث وقد هيّأت له مديحا، فقال لي حاجبه، وكن لي ناصحا: إنّ الملك/ قد سرّ بقدومك عليه، وهو لا يدعك حتّى تذكر جبلة، فإياك أن تقع فيه فإنّه إنما يختبرك، وإن رآك قد وقعت فيه زهد فيك؛ وإن رآك تذكر محاسنه ثقل عليه فلا تبتديء بذكره، وإن سألك عنه فلا تطنب في الثناء عليه ولا تعبه، امسح ذكره مسحا، وجاوزه إلى غيره، فإنّ صاحبك - يعني جبلة - أشدّ إغضاء عن هذا [من هذا] [3]، أي أشدّ تغافلا وأقلّ حفلا به، وذلك أنّ صاحبك أعقل من هذا وأبين، وليس لهذا بيان، فإذا دخلت عليه فسوف يدعوك إلى الطعام، وهو رجل يثقل عليه أن/ يؤكل طعامه ولا يبالي الدرهم والدينار، ويثقل عليه أن يشرب شرابه أيضا؛ فإذا وضع طعامه فلا تضع يدك حتّى يدعوك، وإذا دعاك فأصب من طعامه بعض الإصابة. قال: فشكرت لحاجبه ما أمرني به.
__________
[1] كذا على الصواب في ط، ها، مط. وفي ح: «نصيب»، وفي سائر النسخ: «نصف» محرّفتان.
[2] ط، أ، ها، مط: «الثلاثة».
[3] التكملة من ط، مط، وهي في أمع أثر ترميج.
قال: ثم دخلت عليه فسألني عن البلاد وعن الناس، وعن عيشنا بالحجاز، وعن رجال يهود، وكيف ما بيننا من تلك الحروب. فكلّ ذلك أخبره حتّى انتهى إلى ذكر جبلة، فقال: كيف تجد جبلة، فقد انقطعت إليه وتركتنا؟
فقلت: إنّما جبلة منك وأنت منه. فلم أجر إلى مدح ولا عيب، وجاز ذلك إلى غيره ثم قال: الغداء. فأتى بالغداء ووضع الطعام، فوضع يده فأكل أكلا شديدا، وإذا رجل جبّار، فقال بعد ساعة: ادن فأصب [من هذا] [1]. فدنوت فخطّطت تخطيطا، فأتي بطعام كثير، ثم رفع الطعام وجاء وصفاء كثير عددهم، معهم الأباريق فيها ألوان الأشرابة.
ومعهم مناديل اللّين [2] فقاموا على رؤوسنا، ودعا أصحاب برابط [3] /من الروم فأجلسهم وشرب فألهوه، وقام الساقي على رأسي فقال: اشرب. فأبيت حتى قال هو: اشرب. فشربت، فلما أخذ فينا الشراب [4] أنشدته شعرا فأعجبه ولذّ به، فأقمت عنده أياما فقال لي حاجبه: إنّ له صديقا هو أخفّ الناس عليه، وهو جاء، فإذا هو جاء جفاك وخلص به وقد ذكر قدومه، فاستأذنه قبل أن يقدم عليه، فإنه قبيح أن يجفوك بعد الإكرام، والإذن اليوم أحسن. قلت: ومن هو؟ قال: نابغة بني ذبيان. فقلت للحارث: إن رأى الملك أن يأذن لي في الانصراف إلى أهلي فعل. قال: قد أذنت لك وأمرت لك بخمسمائة دينار وكسى وحملان [5]. فقبضتها وقدم النابغة وخرجت إلى أهلى.
صوت
ألا إنّ ليلى العامريّة أصبحت ... على النأي منّي ذنب غيري تنقم
وما ذاك من شيء أكون اجترمته ... إليها فتجزيني به حيث أعلم [6]
ولكنّ إنسانا إذا ملّ صاحبا ... وحاول صرما لم يزل يتجرّم [7]
وما زال بي ما يحدث النأي والذي ... أعالج حتّى كدت بالعيش أبرم
وما زال بي الكتمان حتّى كأنني ... برجع جواب السائلي عنك أعجم
لأسلم من قول الوشاة وتسلمي ... سلمت وهل حيّ من الناس يسلم
/ عروضه من الطويل. الشعر لنصيب، ومن الناس من يروي الثلاثة الأبيات الأول للمجنون. والغناء لبديح مولى عبد اللّه بن جعفر رحمهما اللّه.
وفي الأبيات الأول منها ثاني ثقيل بالوسطى عن الهشامي وحبش. وذكره حمّاد بن إسحاق ولم يجنّسه. وفيه لابن سريج هزج خفيف بالبنصر في مجراها عن إسحاق في البيتين الأخيرين. وفيه لمعبد في البيتين الأولين خفيف ثقيل أول بالخنصر في مجرى البنصر عن إسحاق.
__________
[1] التكملة من ط، مط.
[2] اللين، وقد ضبط في ط بفتح اللام، كأنه مخفف اللين، وهي قرية من كورة بين النهرين التي بين الموصل ونصيبين.
[3] جمع بربط، وهي آلة ذات أوتار.
[4] ما عدا ط، أ، ها، مط: «أخذ بنا الشراب».
[5] الحملان، بالضم: مصدر حمل، والمراد بها الإبل ونحوها.
[6] ما عدا ط، ها، مط: «فتخبرني به» تحريف.
[7] تجرم عليه: ادّعى عليه ذنبا لم يفعله.
11 - خبر بديح في هذا الصوت وغيره
صنعة بديح:
بديح مولى عبد اللّه بن جعفر، وكان يقال له بديح المليح. وله صنعة يسيرة وإنما كان يغنّي أغاني غيره مثل سائب خائر، ونشيط، وطويس، وهذه الطبقة. وقد روى بديح الحديث/ عن عبد اللّه بن جعفر.
روايته لخبر يحيى بن الحكم:
أخبرني محمد بن خلف وكيع قال: حدّثنا العباس بن محمد الدّوري قال:
حدّثنا أبو عاصم النّبيل [1] عن جويرية بن أسماء، عن عيسى بن عمر بن موسى، عن بديح مولى عبد اللّه بن جعفر قال:
لما قدم يحيى بن الحكم المدينة دخل إليه عبد اللّه بن جعفر في جماعة فقال له يحيى: جئتي بأوباش من أوباش خبثة [2]؟ فقال عبد اللّه: سماها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم طيبة وتسمّيها أنت خبثة [3]؟!
حيلة عبد اللّه بن جعفر في رقبة بديح لعبد الملك بن مروان:
أخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن عمّار قال: قال داود بن جميل حدّثني من سمع هذا الحديث من ابن العتبي يذكره عن أبيه قال:
دخل عبد اللّه بن جعفر على عبد الملك بن مروان وهو يتأوّه، فقال: يا أمير المؤمنين، لو أدخلت عليك من يؤنسك بأحاديث العرب وفنون الأسمار؟ قال: لست صاحب هزل، والجدّ مع علّتي أحجى بي. قال: وما علّتك يا أمير المؤمنين؟ / قال: هاج بي عرق النّسا في ليلتي هذه، فبلغ مني. قال: فإنّ بديحا مولاي أرقى [4] الناس منه.
فوجّه إليه عبد الملك فلما مضى الرسول سقط في يدي ابن جعفر [5] وقال: كذبة قبيحة عند خليفة. فما كان بأسرع من أن طلع بديح فقال: كيف رقيتك من عرق النّسا. قال: أرقى الخلق يا أمير المؤمنين. قال: فسرّي عن عبد اللّه لأنّ بديحا كان صاحب فكاهة يعرف بها؛ فمدّ رجله فتفل عليها ورقاها مرارا، فقال عبد الملك: للّه أكبر، وجدت واللّه خفّا [6]، يا غلام ادع فلانة حتّى تكتب الرّقية، فإنّا لا نأمن هيجها بالليل فلا نذعر بديحا. فلما جاءت الجارية
__________
[1] ما عدا ط، ها، مط: «عاصم النبيل». تحريف. وأبو عاصم هو الضحاك بن مخلد الشيباني البصري، ترجم له في «تهذيب التهذيب». وانظر «القاموس» (عصم).
[2] خبثة، بكسر الخاء، كنى بها عن طيبة مدينة الرسول.
[3] ما عدا ط، ها، مط: «خبيثة».
[4] أرقى، من الرقية. ط: «أرقا» أ: «أرقأ».
[5] سقط في يده وأسقط، بالبناء للمفعول فيهما، أي ندم وتحير. ط، أ، ها: «أسقط».
[6] الخف، بفتح الخاء وكسرها: الخفة. ط فقط: «خفافا» تحريف.
قال بديح: يا أمير المؤمنين، امرأته الطلاق [1] إن كتبتها حتى تعجّل حبائي. فأمر له بأربعة آلاف درهم فلما صار المال بين يديه قال: وامرأته الطلاق إن كتبتها أو يصير المال إلى منزلي. فأمر به فحمل إلى منزله، فلما أحرزه قال:
يا أمير المؤمنين، امرأته الطلاق إن كنت قرأت على رجلك إلّا أبيات نصيب:
ألا إنّ ليلى العامرية أصبحت ... على النأي منّي ذنب غيري تنقم
وذكر الأبيات وزاد فيها:
وما زلت أستصفي لك الودّ أبتغي ... محاسنة حتّى كأنّي مجرم
قال: ويلك ما تقول؟ قال امرأته الطلاق إن كان رقاك إلّا بما قال. قال: فاكتمها عليّ. قال: وكيف ذاك وقد سارت بها البرد إلى أخيك بمصر؟! فطفق عبد الملك ضاحكا يفحص برجليه.
/ أخبرني إسماعيل بن يونس قال حدّثنا عمر بن شبّة قال: حدّثني الأصمعي عن المنتجع النّبهاني، عن أبيه بهذا الخبر مثل الذي قبله. وزاد في الشعر:
فلا تصرميني حين لالي مرجع ... ورائي ولا لي عنكم متقدّم
وقال فيه: فسكن ما كان يجده عبد الملك، وأمر لبديح بأربعة آلاف درهم، فقال ابن جعفر لبديح: ما سمعت هذا الغناء منك مذ ملكتك! فقال: هذا من نتف سائب خائر.
أخبرني إسماعيل قال حدّثنا عمر قال حدّثني القاسم بن محمد بن عباد عن الأصمعي عن ابن أبي الزناد عن نافع - أراه نافع الخير مولى ابن جعفر - بهذا الخبر مثله، وزاد فيه أنّ بديحا/ رفع صوته يغنيه به لمّا قال له أن يكتب الرقية. وزاد فيه: فجعل عبد الملك يقول: مهلا يا بديح. فقال: إنّما رقيتك كما علّمت [2] يا أمير المؤمنين.
أخبرني إسماعيل قال حدّثنا عمر بن شبة قال: حدّثني أبو سلمة الغفاريّ عن عبد اللّه بن عمران بن أبي فروة قال:
كان ابن جعفر يحبّ أن يسمع عبد الملك غناء بديح، فدخل إليه يوما فشكا إليه عبد الملك ركبته فقال له ابن جعفر: يا أمير المؤمنين، إن لي مولى كانت أمّه بربريّة، وكانت ترقى من هذه العلّة، وقد أخذ ذلك عنها. قال:
فادع به. فدعي بديح، فجعل يتفل على ركبة عبد الملك ويهمهم، ثم قال: قم يا أمير المؤمنين جعلني اللّه فداك.
فقام عبد الملك لا يجد شيئا، فقال عبد اللّه: يا أمير المؤمنين مولاك لا بدّ له من صلة. قال: حتّى تكتب رقيته ثم أمر جارية له فكتبت:/ بسم اللّه الرحمن الرحيم. فقال: ليس فيها بسم اللّه الرحمن الرحيم. قال: كيف تكون ويلك رقية ليس فيها بسم اللّه الرحمن الرحيم؟ قال: فهو ذاك. قال: فاكتبيها على ما فيها. فأملى عليها:
ديار سليمى بين عيقة فالمهدي ... سقيت، وإن لم تنطقي، سبل [3] الرعد
__________
[1] كذا في ط، أ، ج، ها، مط في المواضع الأربعة من هذا الخبر. وفي ب، س: «طالق».
[2] كذا في ط، أ، ج، ها بهذا الضبط. وفي سائر النسخ: «ما علمت».
[3] ط فقط: «عنقة» ها: «عبقة» مط «عنقة». تحريف. وعيقة: اسم موضع. وفي أسماء مواضعهم أيضا: «غيقة» بالغين المعجمة.
والمهدي، كذا ورد في عامة النسخ.
ثم قال له ابن جعفر: لو سمعته منه. قال: أو يجيد؟ قال: نعم. قال: هات. فما برح واللّه حتّى أفرغها في مسامعه.
تنصل الفضل بن دكين من الرفض:
أخبرني محمد بن العباس اليزيدي، قال حدّثني عمي عبيد اللّه قال: حدّثني سليمان بن أبي شيخ قال:
كنا عند أبي نعيم الفضل بن دكين فجاءه رجل فقال: يا أبا نعيم، إن الناس يزعمون أنّك رافضيّ. قال: فأطرق ساعة ثم رقع رأسه وهو يبكي وقال: يا هذا أصبحت فيكم كما قال نصيب:
وما زال بي الكتمان حتّى كأنني ... نرجع جواب السّائلي عنك أعجم
لأسلم من قول الوشاة وتسلمي ... سلمت وهل حيّ من الناس يسلم
صوت
يا غراب البين أسمعت فقل ... إنّما تنطق شيئا قد فعل
إنّ للخير وللشّرّ مدى ... لكلا ذينك وقت وأجل
/ كلّ بؤس ونعيم زائل ... وبنات الدهر يلعبن بكلّ
والعطيات خساس بينهم ... وسواء قبر مثر ومقلّ [1]
الشعر لعبد اللّه بن الزبعري السّهمي، يقوله في غزاة أحد، وهو يومئذ مشرك. والغناء لابن سريج خفيف ثقيل أوّل بالبنصر، عن عمرو على مذهب إسحاق. وفيه لحن لابن مسجح من رواية حمّاد عن أبيه في كتاب ابن مسجح.
__________
[1] يقال: هذه الأمور خساس بينهم، أي دول يتداولونها. ولم ترد هذه الكلمة في «اللسان»، ووردت في «القاموس» و «مقاييس اللغة»، حيث استشهد الأخير بصدر البيت ملفقا مع عجز البيت السابق.
12 - نسب ابن الزّبعرى وأخباره وقصّة غزوة أحد
نسب ابن الزبعري:
هو عبد اللّه بن الزّبعري بن قيس بن عدي بن سعد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤيّ بن غالب بن فهر بن مالك بن النّضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار.
حاله قبل الإسلام وبعده:
وهو أحد شعراء قريش المعدودين. وكان يهجو المسلمين ويحرّض عليهم كفار قريش في شعره، ثم أسلم بعد ذلك فقبل النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم إسلامه وأمّنه يوم الفتح.
وهذه/ الأبيات يقولها ابن الزبعري في غزوة أحد.
حدّثنا بالخبر في ذلك محمد بن جرير الطبري قال حدّثنا ابن حميد قال: حدّثنا سلمة عن محمد بن إسحاق قال حدّثني محمد بن مسلم بن عبد اللّه بن شهاب الزّهري، ومحمد بن يحيى بن حيان [1]، وعاصم بن عمرو بن قتادة، والحصين بن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ وغيرهم من علمائنا، كلّهم قد حدّث ببعض هذا الحديث، فقد اجتمع حديثهم كلّهم فيما سقت من الحديث عن يوم أحد. قالوا:
خبر غزوة أحد:
لمّا أصيبت قريش، أو من قاله منهم يوم بدر من كفار قريش، من أصحاب القليب، فرجع فلّهم إلى مكة [2]، ورجع أبو سفيان بن حرب بعيره، مشى عبد اللّه بن أبي ربيعة، وعكرمة بن أبي جهل، وصفوان بن أمية، في رجال من/ قريش، ممن أصيب آباؤهم [و أبناؤهم] [3] وإخوانهم ببدر، فكلّموا أبا سفيان بن حرب ومن كان له [4] في تلك العير من قريش تجارة، فقال أبو سفيان: يا معشر قريش، إنّ محمدا قد وتركم وقتل خياركم، فأعينونا بهذا المال على حربه، لعلّنا أن ندرك ثأرا ممن أصيب منا. ففعلوا، فاجتمعت قريش لحرب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، حين فعل ذلك أبو سفيان وأصحاب العير بأحابيشها [5] ومن أطاعها من قبائل كنانة وأهل تهامة، وكلّ أولئك قد استغووا [6] على حرب
__________
[1] حبان هذا، بفتح الجاء وتشديد الباء كما في «القاموس» و «تقريب التهذيب». ولمحمد بن يحيى بن حبّان ترجمة في «تهذيب التهذيب». أ: «حسّان» وس: «حبّان»، صوابه في سائر النسخ.
[2] الفل: القوم المنهزمون.
[3] من ط، ها، مط، مب فقط.
[4] ما عدا ط، ها، مط، مب: «لهم».
[5] الأحابيش: الجماعة أيا كانوا، أو أحابيش قريش، هم بنو المصطلق وبنو الهون بن خزيمة اجتمعوا عند جبل يسمى «حبشيا» بأسفل مكة فحالفوا قريشا.
[6] استغووا، بالغين المعجمة في ط، ها، مط، مب. وفي سائر النسخ بالعين المهملة، وهما سيّان. يقال: هو يستغوي القوم ويستعويهم، أي يستغيث بهم.
رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. وكان أبو عزّة عمرو بن عبد اللّه الجمحي قد منّ عليه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يوم بدر، وكان في الأسارى فقال: يا رسول اللّه، إنّي فقير ذو عيال وحاجة قد عرفتها، فامنن عليّ صلّى اللّه عليك. فمنّ عليه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال صفوان بن أميّة: يا أبا عزّة، إنّك امرؤ شاعر فاخرج معنا فأعنّا بنفسك. فقال: إن محمدا قد منّ عليّ، فلا أريد أن أظاهر عليه. فقال: بلى فأعنّا بنفسك، ولك اللّه إن رجعت أن أعينك، وإن أصبت أن أجعل بناتك مع بناتي، يصيبهنّ ما أصابهنّ من عسر أو يسر. فخرج أبو عزة يسير في تهامة ويدعو بني كنانة، وخرج مسافع بن عبدة بن وهب بن حذافة بن جمح إلى بني مالك بن كنانة يحرّضهم ويدعوهم إلى حرب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، ودعا جبير بن مطعم غلاما يقال له وحشيّ، وكان حبشيا يقذف بحربة له قذف الحبشة، قلّما يخطي ء/ بها، فقال: اخرج مع الناس، فإن أنت قتلت عمّ محمد بعمى طعيمة بن عديّ فأنت عتيق. وخرجت قريش بحدّها وأحابيشها ومن معها من بني كنانة وأهل تهامة، وخرجوا بالظّعن [1] التماس الحفيظة، ولئلا يفرّوا. وخرج أبو سفيان بن حرب وهو قائد الناس، معه هند بنت عتبة بن ربيعة، وخرج عكرمة بن أبي جهل بن هشام بن المغيرة [2] وخرج صفوان بن أمية بن خلف ببرزة - وقيل ببرّة من قول أبي جعفر - بنت مسعود بن عمرو بن عمير الثقفية، وهي أم عبد اللّه بن صفوان. وخرج عمرو بن العاص [3]، وخرج طلحة بن أبي طلحة وأبو طلحة عبد اللّه بن عبد العزّى بن عثمان بن عبد الدار بسلافة بنت سعد بن سهيل [4]، وهي أم بني طلحة: مسافع، والجلاس، وكلاب، قتلوا يومئذ وأبوهم. وخرجت خناس بنت مالك بن المضرّب إحدى نساء بني مالك بن حسل مع ابنها أبي عزّة [5] بن عمير، وهي أم مصعب بن عمير.
وخرجت عمرة بنت علقمة إحدى نساء/ بني الحارث بن [عبد مناة بن] [6] كنانة.
وكانت هند بنت عتبة بين ربيعة إذا مرّت بوحشيّ أو مرّ بها قالت: إيه أبا دسمة [7] اشتف [8]. فنزلوا ببطن السّبخة [9] من قناة على شفير الوادي مما يلي المدينة،/ فلمّا سمع بهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم والمسلمون قد نزلوا حيث نزلوا، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم للمسلمين: «إني قد رأيت بقرا تذبح فأوّلتها خيرا، ورأيت في ذباب سيفي ثلما، ورأيت أنّي أدخلت يدي في درع حصينة، وهي المدينة [10]، فإن رأيتم أن تقيموا بالمدينة وتدعوهم حيث نزلوا فإن أقاموا أقاموا بشرّ مقام، وإن هم دخلوا علينا فيها قاتلناهم».
ونزلت قريش منزلها من أحد يوم الأربعاء، فأقاموا به ذلك اليوم ويوم الخميس ويوم الجمعة، وراح رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حين صلّى الجمعة فأصبح بالشّعب من أحد، فالتقوا يوم السبت للنصف من شوال. وكان رأي عبد اللّه بن أبيّ بن سلول مع رأي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، يرى رأيه في ذلك: أن لا يخرج إليهم، وكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يكره الخروج من
__________
[1] الظعن: جمع ظعينة، وهي المرأة ما دامت في الهودج.
[2] في «السيرة» 557 جوتنجن والطبري (3: 10): «و خرج عكرمة بن أبي جهل بأم حكيم بنت الحارث بن هشام بن المغيرة».
[3] في «السيرة» والطبري: «و خرج عمرو بن العاص بريطة بنت منبه بن الحجاج».
[4] كذا في ط، ها، مط، مب. وفي سائر النسخ: «سعيد بن سهم» وفي «السيرة»: «سعد بن شهيد».
[5] في «السيرة»: «أبي عزيز».
[6] التكملة من «السيرة». وفي ها: «بني الحارث بني مناة بني كنانة.
[7] ط، مط: «أبو رسمة» ها: «أبو رشمة» وهي في «السيرة» والطبري بالدال أيضا كما أثبت من سائر النسخ.
[8] في الأصول: «استف» بالسين المهملة، صوابه في «السيرة وتاريخ الطبري» (3: 10). والنص فيها: «ويها أبا دسمة اشف واشتف».
[9] ط، مط، مب: «الشيحة» مخالفة ما في السيرة وسائر النسخ.
[10] في «السيرة»: «فأولتها المدينة».
المدينة، فقال رجال من المسلمين، ممن أكرم اللّه جلّ ثناؤه بالشهادة يوم أحد وغيرهم ممن فاته بدر وحضوره: يا رسول اللّه صلّى اللّه عليك وسلّم اخرج بنا إلى أعدائنا لا يرون أنا جبنّا عنهم وضعفنا. فقال عبد اللّه بن أبيّ بن سلول: يا رسول اللّه أقم بالمدينة، ولا تخرج إليهم، فو اللّه ما خرجنا منها إلى عدوّ قط إلا أصاب منّا، ولا يدخلها علينا إلّا أصبنا منهم، فدعهم يا رسول اللّه، فإن أقاموا أقاموا بشرّ مجلس، وإن دخلوا قاتلهم الرجال في وجوههم، ورماهم النساء والصّبيان بالحجارة من فوق رؤوسهم، وإن رجعوا رجعوا خائبين كما جاءوا. فلم يزل برسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الذين كان من أمرهم حبّ لقاء العدوّ، حتّى دخل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فلبس لأمته، وذلك يوم الجمعة، حين فرغ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من الصلاة. وقد مات في ذلك/ اليوم رجل من الأنصار يقال له مالك بن عمرو، أحد بني النجّار فصلّى عليه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ثم خرج عليهم، وقد ندم الناس: وقالوا استكرهنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ولم يكن ذلك لنا! فخرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عليهم فقالوا: يا رسول اللّه استكرهناك ولم يكن ذلك لنا، فإن شئت فاقعد صلّى اللّه عليك. فقال عليه السلام: «ما ينبغي لنبيّ إذا لبس لأمته أن يضعها حتّى يقاتل» قال: فخرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في ألف رجل من أصحابه، حتّى إذا كانوا بالشوط، بين أحد والمدينة، انخزل عنه عبد اللّه بن أبيّ بن سلول بثلث الناس، وقال: أطاعهم فخرج وعصاني، واللّه ما ندري علام نقتل أنفسنا ها هنا أيّها الناس. فرجع بمن اتّبعه من الناس من قومه، من أهل النّفاق والرّيب، واتّبعهم عبد اللّه بن عمرو بن حرام أحد بني سلمة يقول: يا قوم أذكّركم [1] اللّه أن تخذلوا نبيّكم وقومكم عند ما حضر من عدوّهم. فقالوا: لو نعلم أنّكم تقاتلون ما أسلمناكم، ولكنّا لا نرى أنّه يكون قتال. فلما استعصوا عليه وأبوا إلّا الانصراف قال: أبعدكم اللّه أعداء اللّه، فيسغني اللّه عزّ وجلّ عنكم.
وقال محمد بن عمر الواقدي: انخزل عبد اللّه بن أبيّ عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم/ من الشّيخين [2] بثلاثمائة، فبقي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في سبعمائة، وكان المشركون في ثلاثة آلاف، والخيل مائتا فارس، والظّعن خمس عشرة امرأة.
قال: وكان في المشركين سبعمائة دارع، ولم يكن معهم من الخيل إلّا فرسان: فرس لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وفرس لأبي بردة بن نيار الحارثي. فادّلج [3] رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من الشّيخين حتّى طلع الحمراء، وهما [4] أطمان كان يهوديّ/ ويهودية أعميان يقومان عليهما فيتحدّثان، فلذلك سميا الشيخين، وهما في طرف المدينة.
قال: وعرض رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم المقاتلة بعد المغرب، فأجاز من أجاز، وردّ من ردّ. قال: وكان فيمن ردّ زيد بن ثابت، وأبو عمرو أسيد بن ظهير، والبراء بن عازب، وعرابة بن أوس. قال: وهو عرابة الذي قال فيه الشماخ:
إذا ما راية رفعت لمجد ... تلقّاها عرابة باليمين
قال: وردّ أبا سعيد الخدريّ، وأجاز سمرة بن جندب، ورافع بن خديج. وكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قد استصغر رافعا، فقام على خفيّن له فيهما رقاع، وتطاول على أطراف أصابعه، فلما رآه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أجازه.
قال محمد بن جرير: فحدّثني الحارث قال: حدّثنا ابن سعد قال: أخبرنا محمد بن عمر قال:
__________
[1] كذا في ط، مط، مب والسيرة. وفي سائر النسخ: «اذكروا».
[2] الشيخان: موضع بالمدينة كان فيه معسكر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
[3] ادلج: سار في آخر الليل.
[4] أي الشيخان.
كانت أمّ سمرة تحت مريّ بن سنان بن ثعلبة [1]. عمّ أبي سعيد الخدري، وكان ربيبه [2]، فلما خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى أحد وعرض أصحابه فردّ من استصغر، ردّ سمرة بن جندب، وأجاز رافع بن خديج، فقال سمرة لربيبه مريّ بن سنان: أجاز رافعا وردّني وأنا أصرعه! فقال يا رسول اللّه: رددت ابني وأجزت رافع بن خديج وابني يصرعه؟ فقال النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم لرافع وسمرة: اصطرعا. فصرع سمرة رافعا، فأجازه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فشهدها مع المسلمين، وكان دليل النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أبو خيثمة الحارثي.
رجع الحديث إلى حديث ابن إسحاق
ومضى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حتى سلك في حرّة بني حارثة، فذبّ فرس بذنبه فأصاب كلّاب سيف [3] فاستّله، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم - وكان يحبّ الفأل ولا يعتاف - لصاحب السيف: «شم سيفك فإنّي أرى السيوف ستستّل اليوم»! ثم قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لأصحابه: «من رجل يخرج بنا على القوم من كثب من طريق لا يمرّ بنا عليهم؟»، فقال أبو خيثمة، أخو بني حارثة بن الحارث: أنا يا رسول اللّه. فقدّمه فنفذ به في حرة بني حارثة وبين أموالهم، حتّى سلك به في مال المربع [4] بن قيظيّ، وكان رجلا منافقا ضرير البصر، فلما سمع حسّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ومن معه من المسلمين قام يحثي التراب في وجوههم ويقول: إن كنت رسول اللّه فلا أحلّ [5] لك أن تدخل حائطي. قال: وقد ذكر لي أنّه أخذ حفنة من تراب في يده ثم قال: لو أنّي أعلم أنّي لا أصيب بها غيرك لضربت بها وجهك! فابتدره القوم ليقتلوه، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «لا تفعلوا فهذا/ الأعمى البصر الأعمى القلب!» وقد بدر إليه سعد بن زيد أخو بني عبد الأشهل حين نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عنه، فضربه بالقوس في رأسه فشجّه، ومضى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على وجهه حتّى نزل الشعب من أحد في عدوة الوادي إلى الجبل، فجعل ظهره وعسكره إلى أحد، وقال: لا يقاتلن أحد أحدا حتى نأمره بالقتال. وقد سرّحت قريش الظّهر والكراع [6] /في زروع كانت بالصّمعة [7] من قناة للمسلمين، فقال رجل من المسلمين حين نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن القتال: أترعى زروع بني قيلة ولمّا نضارب! وتعبّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وهو في سبعمائة رجل، وتعبأت قريش وهم ثلاثة آلاف، ومعهم مائتا فارس قد جنبوا خيولهم، فجعلوا على ميمنة الخيل خالد بن الوليد وعلى ميسرتها عكرمة بن أبي جهل، وأمّر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على الرماة [8] عبد اللّه بن جبير [9] أخا بني عمرو بن عوف، وهو يومئذ معلم بثياب بيض، والرماة خمسون رجلا، وقال: انضح عنا الخيل بالنّبل لا يأتونا
__________
[1] مري، بالتصغير، كما في «الإصابة» 7912. وفيها «مري بن سنان بن عبيد بن ثعلبة».
[2] الربيب: ابن امرأة الرجل من غيره، وزوج الأم أيضا.
[3] في الأصول: «سيفه» والصواب من «السيرة» و «اللسان» (كلب) و «تاريخ الطبري» (3: 13). وكلاب السيف، بوزن رمان: الحلقة أو المسمار الذي في قائم السيف تكون فيه علاقته.
[4] في «السيرة»: «لمربع».
[5] ما عدا ط، ح، ها، مط، مب: «فلا يحل».
[6] الظهر: الإبل. والكراع: الخيل.
[7] كذا في جميع النسخ بالعين المهملة. وفي «معجم البلدان» و «تاريخ الطبري» (3: 13) بالغين المعجمة. وفي «السيرة»: «بالصبغة».
وفي «الروض الأنف»: «بالسبخة».
[8] التكملة من ط، مب و «السيرة».
[9] ط فقط: «عبد اللّه بن أبي جبير».
من خلفنا إن كانت لنا أو علينا، فأثبت بمكانك لا نؤتينّ من قبلك. وظاهر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بين درعين.
قال محمد بن جرير: فحدّثنا هارون بن إسحاق قال: حدّثنا مصعب بن المقدام قال: حدّثنا أبو إسحاق عن البرّاء قال: لما كان يوم أحد ولقي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم المشركين أجلس رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم رجالا بإزاء الرماة، وأمرّ عليهم عبد اللّه بن جبير وقال لهم: «لا تبرحوا مكانكم وإن رأيتمونا ظهرنا عليهم، وإن رأيتموهم ظهروا علينا فلا تعينونا».
فلما لقي القوم هزم المشركين، حتّى رأيت النساء قد رفعن عن سوقهن وبدت خلاخيلهنّ فجعلوا يقولون: الغنيمة الغنيمة!! فقال عبد اللّه: مهلا أما علمتم ما عهد إليكم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. فأبوا فانطلقوا، فلما أتوهم صرفت [وجوههم] [1] فأصيب من المسلمين سبعون رجلا.
/ قال محمد بن جرير: حدّثني محمد بن سعد قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمي قال: حدّثني أبي عن أبيه عن ابن عباس قال:
أقبل أبو سفيان في ثلاث ليال خلون من شوّال حتّى نزل أحدا، وخرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فأذّن في الناس فاجتمعوا، وأمّر الزبير على الخيل، ومعه يومئذ المقداد الكنديّ، وأعطى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الراية رجلا من قريش يقال له مصعب بن عمير، وخرج حمزة بن عبد المطلب رضي اللّه عنه بالجيش، وبعث حمزة بين يديه. وأقبل خالد بن الوليد على خيل المشركين، ومعه عكرمة بن أبي جهل، فبعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الزبير، وقال: استقبل خالد بن الوليد فكن بإزائه حتّى أوذنك. وأمر بخيل أخرى فكانوا من جانب آخر، فقال: لا تبرحنّ حتى أوذنكم. وأقبل أبو سفيان يحمل اللّات والعزى، فأرسل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى الزبير أن يحمل، فحمل على خالد بن الوليد فهزمه اللّه تعالى ومن معه، فقال جلّ وعزّ: وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ
إلى قوله تبارك اسمه وتعالى: مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ
وإنّ اللّه تعالى وعد المؤمنين النّصر وأنّه معهم. وإن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بعث ناسا من الناس فكانوا من ورائهم، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: كونوا/ ها هنا، فردّوا وجه من فرّ منّا وكونوا حرسا لنا من قبل ظهورنا. وإنه عليه السلام لما هزم القوم هو وأصحابه قال الذين كانوا جعلوا من ورائهم بعضهم لبعض - ورأوا النساء مصعدات في الجبل، ورأوا الغنائم - : انطلقوا إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأدركوا الغنائم قبل أن تسبقوا إليها. وقالت طائفة أخرى:
بل نطيع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فنثبت مكاننا. فقال ابن مسعود: ما شعرت أنّ أحدا من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان يريد الدنيا وعرضها حتّى كان يومئذ.
/ قال محمد بن جرير: حدّثني محمد بن الحسين قال: حدّثنا أحمد بن الفضل قال حدّثنا أسباط عن السّدّي قال:
لمّا برز رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بأحد إلى المشركين أمر الرماة فقاموا بأصل الجبل في وجوه خيل المشركين وقال لهم:
لا تبرحوا مكانكم إن رأيتم قد هزمناهم، فإنّا لا نزال غالبين ما ثبتّم مكانكم. وأمّر عليهم عبد اللّه بن جبير أخا خوّات بن جبير. ثم إنّ طلحة بن عثمان صاحب لواء المشركين قام فقال: يا معاشر أصحاب محمد، إنّكم تزعمون أنّ اللّه عزّ وجلّ تعجّلنا بسيوفكم إلى النار، وتعجّلكم بسيوفنا إلى الجنة، فهل منكم أحد يعجّله اللّه بسيفي إلى
__________
[1] التكملة من ها، مب. وفي الطبري 3: 14: «صرف اللّه وجوههم».
الجنة، أو يعجّلني بسيفه إلى النار؟ فقام إليه علي بن أبي طالب عليه السلام فقال: والذي نفسي بيده لا أفارقك حتّى يعجّلك اللّه عزّ وجلّ بسيفي إلى النار، أو يعجّلني بسيفك إلى الجنّة! فضربه عليّ فقطع رجله فبدت عورته فقال: أنشدك اللّه والرحم يا ابن عمّ. فتركه فكبّر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وقال لعليّ وأصحابه: ما منعك أن تجهز عليه؟ قال: إنّ ابن عمي ناشدني حين انكشفت عورته، فاستحييت منه. ثم شدّ الزبير بن العوام والمقداد بن الأسود على المشركين فهزماهم، وحمل النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه فهزموا أبا سفيان، فلما رأى ذلك خالد بن الوليد وهو على خيل المشركين حمل فرمته الرماة فانقمع [1]، فلما نظر الرماة إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه في جوف عسكر المشركين ينتهبونه بادروا الغنيمة فقال بعضهم: لا نترك أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. وانطلق عامّتهم فلحقوا بالعسكر، فلما رأى خالد قلّة الرماة صاح في خيله، ثم حمل فقتل الرماة، وحمل على أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فلمّا رأى المشركون أنّ خيلهم تقاتل تبادروا فشدّوا على المسلمين فهزموهم وقتلوهم.
رجع إلى حديث ابن إسحاق
فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: من يأخذ هذا السيف بحقّه؟ فقام إليه رجال، فأمسكه بينهم، حتّى قام إليه أبو دجانة سماك بن خرشة أخو بني ساعدة فقال: وما حقّه يا رسول اللّه؟ قال: أن تضرب به في العدوّ حتّى ينحني. فقال: أنا آخذه بحقّه يا رسول اللّه. فأعطاه إياه. وكان أبو دجانة رجلا شجاعا يختال عند الحرب إذا كانت، وكان إذا أعلم على رأسه بعصابة له حمراء علم الناس أنّه سيقاتل، فلما أخذ السيف من يد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أخذ عصابته تلك فعصب بها رأسه، ثم جعل يتبختر بين الصّفّين.
قال محمد بن إسحاق: حدّثني جعفر بن عبد اللّه بن أسلم مولى عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه، عن رجل/ من الأنصار من بني سلمة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حين رأى أبا دجانة يتبختر: إنّها مشية يبغضها اللّه إلّا في هذا الموطن. وقد أرسل أبو سفيان رسولا فقال: يا معشر الأوس والخزرج، خلّوا بيننا وبين ابن عمنا ننصرف عنكم، فإنّه لا حاجة بنا إلى قتالكم. فردّوه بما يكره.
وعن محمد بن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة أنّ أبا عامر عمرو بن صيفيّ بن النعمان بن مالك بن أمية، أحد بني ضبيعة وقد خرج إلى مكة مباعدا لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ومعه خمسون غلاما من الأوس، منهم عثمان بن حنيف - وبعض الناس يقول: كانوا خمسة عشر - فكان يعد قريشا أن لو قد لقي محمدا لم يختلف عليه منهم رجلان. فلما التقى الناس كان أوّل من لقيهم أبو عامر في الأحابيش وعبدان أهل مكة، فنادى: يا معشر الأوس، أنا أبو عامر.
قالوا: فلا أنعم اللّه بك عينا يا فاسق. وكان أبو عامر يسمّى في الجاهلية الراهب، فسماه رسول اللّه/ صلّى اللّه عليه وسلّم الفاسق.
فلما سمع ردّهم عليه قال: لقد أصاب قومي بعدي شرّ! ثم قاتلهم قتالا شديدا ثم راضخهم بالحجارة [2]. وقد قال أبو سفيان لأصحاب اللواء من بني عبد الدار يحرّضهم بذلك على القتال، يا بني عبد الدار، إنّكم وليتم لواءنا يوم بدر فأصابنا ما قد رأيتم، وإنّما يؤتى الناس من قبل راياتهم، إذا زالت زالوا، فإمّا أن تكفونا لواءنا، وإمّا أن تخلّوا بيننا وبينه فسنكفيكموه. فهمّوا به وتوعّدوه وقالوا: نحن نسلم إليك لواءنا؟! ستعلم غدا إذا التقينا كيف نصنع!
__________
[1] انقمع: اختفى.
[2] المراضخة: المراماة.
وذلك الذي أراد أبو سفيان. فلما التقى الناس ودنا بعضهم من بعض قامت هند بنت عتبة في النّسوة اللواتي معها، وأخذن الدّفوف يضربن خلف الرجال، ويحرضنهم، فقالت هند فيما تقول:
إن تقبلوا نعانق ... ونفرش النمارق
أو تدبروا نفارق ... فراق غير وامق
وتقول:
إيها بني عبد الدار ... إيها حماة الأدبار [1]
ضربا بكلّ بتّار
واقتل الناس حتّى حميت الحرب، وقاتل أبو دجانة حتّى أمعن في الناس، وحمزة بن عبد المطلب وعلي بن أبي طالب عليهما السلام في رجال من المسلمين، فأنزل اللّه نصره، وصدقهم وعده، فحسّوهم بالسّيف [2] حتى كشفوهم، وكانت الهزيمة.
/ وعن محمد بن إسحاق عن يحيى بن عبّاد بن عبد اللّه بن الزبير عن أبيه عن جده قال قال الزبير: واللّه لقد رأيتني أنظر إلى هند بنت عتبة وصواحبها مشمّرات هوارب، ما دون أخذهنّ قليل ولا كثير، إذ مالت الرّماة إلى الكرّ حتّى كشفنا القوم عنه يريدون النهب، وخلّوا ظهورنا للخيل، فأتينا من أدبارنا وصرخ صارخ: ألا إنّ محمدا قد قتل.
فانكفأنا وانكفأ علينا القوم بعد أن أصبنا أصحاب اللواء، حتّى ما يدنو إليه أحد من القوم.
وعن محمد بن إسحاق عن بعض أهل العلم أنّ اللوء لم يزل صريعا حتّى أخذته عمرة بنت علقمة الحارثيّة، فرفعته لقريش فلا ذوابها، وكان اللواء مع صواب غلام لبني أبي طلحة حبشيّ، فكان آخر من أخذه منهم، فقاتل حتّى قطعت يداه، فبرك عليه وأخذ اللواء بصدره وعنقه حتّى قتل/ عليه وهو يقول: اللّهم قد أعذرت! فقال حسّان بن ثابت في قطع يد صواب حين تقاذفوا بالشعر:
فخرتم باللواء وشرّ فخر ... لواء حين ردّ إلى صواب
جعلتم فخركم فيها لعبد ... من الأم من وطي عفر التراب
ظننتم والسّفيه له ظنون ... وما إن ذاك من أمر الصّواب
بأنّ جلادنا يوم التقينا ... بمكة بيعكم حمر العياب [3]
أقرّ العين إن عصبت يداه ... وما أن يعصبان على خضاب
قال محمد بن جرير: وحدّثنا أبو كريب قال: حدّثنا عثمان بن سعيد قال حدّثنا حبّان بن عليّ [4] عن محمد بن عبيد اللّه بن أبي رافع، عن أبيه عن جده قال:
__________
[1] في «السيرة» 562 جوتنجن: «ويها» في هذا الوضع وسابقه.
[2] حسوهم: استأصلوهم قتلا. وفي الكتاب: «إذ تحسونهم بإذنه».
[3] أي ظننتموه من الهون بمنزلة بيع العياب، والعياب: جمع عيبة، وهي زبيل من أدم، أو ما يجعل فيه الثياب.
[4] ذكره في «تهذيب التهذيب»، فيمن يقال له «حبّان» بالكسر. ط، مط، مب فقط: «حيان»، تحريف.
/ لمّا قتل [1] أصحاب الألوية يوم أحد - قتلهم علي بن أبي طالب عليه السلام - أبصر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم جماعة من مشركي قريش فقال لعلي: احمل عليهم. فحمل عليّ ففرّق جمعهم، وقتل عمرو بن عبد اللّه بن الجمحي، ثم أبصر جماعة من مشركي قريش فقال لعلي؛ احمل. فحمل عليّ ففرّق جمعهم، وقتل شيبة بن مالك أحد بني عامر بن لؤي، فقال جبريل عليه السلام: [يا رسول اللّه] [2] إنّ هذه للمواساة [3]. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «هو منّي وأنا منه»، فقال جبريل عليه السلام: وأنا منكم! قال: فسمعوا صوتا:
لا سيف إلّا ذو الفقا ... ر ولا فتى إلّا علي
فلما أتي المسلمون من خلفهم انكشفوا، وأصاب منهم المشركون، وكان المسلمون لمّا أصابهم ما أصابهم من البلاء أثلاثا: ثلث قتيل، وثلث جريح، وثلث منهزم وقد جهدته الحرب حتّى ما يدري ما يصنع. وأصيبت رباعية [4] رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم السّفلى، وشقّت شفته، وكلم في وجنته وجبهته في أصول شعره، وعلاه ابن قمئة بالسّيف على شقّه الأيمن، وكان الذي أصابه عتبة بن أبي وقّاص.
قال محمد بن جرير: وحدّثنا ابن يسار [5] قال حدّثنا ابن أبي عديّ عن حميد عن أنس بن مالك قال:
لما كان يوم أحد كسرت رباعية رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وشجّ، فجعل الدم يسيل على وجهه، وجعل يمسح الدم عن وجهه ويقول: «كيف يفلح قوم/ خضبوا وجه نبيّهم بالدم، وهو يدعوهم إلى اللّه تعالى!». فأنزل اللّه عزّ وجلّ:
لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْ ءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ
الآية. وقد قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حين غشيه القوم: «من رجل يشري لي نفسه؟».
دفاع الصحابة عن الرسول الكريم:
قال محمد: فحدّثني ابن حميد قال حدّثنا سلمة قال حدّثني محمد بن إسحاق قال: حدّثني الحصين بن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ، عن محمود بن عمرو بن يزيد بن السّكن [قال: فقام زياد بن السّكن] [6] في نفر خمسة من الأنصار - وبعض الناس يقول: إنّما هو عمارة بن زياد بن السكن - فقاتلوا دون رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم رجلا ثم رجلا، يقتلون دونه حتّى كان آخرهم زياد بن عمارة [7] بن زياد بن السكن، فقاتل حتّى أثبتته الجراحة، ثم فاءت من المسلمين فئة حتّى أجهضوهم عنه، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: أدنوه منّي. فأدنوه منه فوسّده قدمه، فمات وخدّه على قدم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. وترّس من دون النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أبو دجانة بنفسه، يقع النّبل في ظهره وهو منحن عليه حتّى كثرت فيه النّبل. ورمى سعد/ بن أبي وقاص دون رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. قال سعد: فلقد رأيته يناولني ويقول: فداك أبي وأمّي، حتّى إنّه ليناولني السهم ما فيه نصل فيقول: ارم به!
__________
[1] ما عدا ط، مط، مب: «لما ولى» وفي ها والطبري (3: 17): «لما قتل علي بن أبي طالب أصحاب الألوية».
[2] التكملة من مب.
[3] هذا ما في ط، مط، مب. وفي ها: «إن هذا للمواساة». وفي سائر النسخ: «إن هذه المواساة».
[4] الرباعية: السن التي بين الثنية والناب.
[5] ط، ها، مب: «ابن بشار». مط: «أبو يسار».
[6] هذا الإكمال من ها و «تاريخ الطبري» (3: 18).
[7] في الطبري: «زياد أو عمارة».
قوس الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم:
وعن محمد بن إسحاق قال حدّثني عاصم بن عمر بن قتادة أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم رمى عن قوسه حتّى اندقّت سيتها، فأخذها قتادة بن النعمان فكانت عنده، وأصيبت يومئذ عين قتادة حتى وقعت على وجنته.
/ وعن محمد بن إسحاق قال: حدّثني عاصم بن عمر بن قتادة أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ردّها بيده فكانت أحسن عينيه وأحدّهما. وقاتل مصعب بن عمير دون رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ومعه لواؤه حتّى قتل، وكان الذي أصابه ابن قمئة اللّيثي وهو يظنّ أنه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فرجع إلى قريش فقال: قد قتلت محمدا! فلما قتل مصعب بن عمير أعطى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم اللواء عليّ بن طالب عليه السلام. وقاتل حمزة بن عبد المطلب رضي اللّه عنه حتّى قتل أرطاة بن شرحبيل بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصيّ، وكان أحد النّفر الذين يحملون اللواء، ثم مرّ به سباع بن عبد العزّى الغبشاني، وكان يكنى أبا نيار، فقال له [حمزة] [1]: هلمّ إليّ يا ابن مقطّعة البظور - وكانت أمّه [2] ختّانة [بمكة] [3] مولاة شريق بن عمرو بن وهب الثقفي - فلما التقيا ضربه حمزة عليه السلام فقتله، فقال وحشيّ غلام جبير بن مطعم: إنّي لأنظر إلى حمزة يهذّ الناس بسيفه [4] ما يليق شيئا يمرّ به [5]، مثل الجمل الأورق، إذ تقدّمني إليه سباع بن عبد العزّى فقال له حمزة: هلمّ إليّ يا ابن مقطّعة البظور. فضربه فما أخطأ رأسه، وهززت حربتي حتّى إذا ما رضيت دفعتها عليه فوقعت عليه في لبّته حتّى خرجت من بين رجليه، وأقبل نحوي فغلب فوقع، فأمهلته حتّى إذا مات جئت فأخذت حربتي ثم تنحّيت إلى العسكر، ولم يكن لي بشيء حاجة غيره. وقد قتل عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح، أحد بني عمرو بن عوف، مسافع بن طلحة وأخاه كلاب بن طلحة،/ كلاهما يشعره سهما [6] فيأتي أمّه فيضع رأسه في حجرها فتقول: يا بنيّ من أصابك؟ فيقول: سمعت رجلا يقول حين رماني: خذها إليك وأنا ابن أبي الأقلح! فتقول: أقلحيّ؟! فنذرت للّه إن اللّه أمكنها من رأس عاصم أن تشرب فيه الخمر. وكان عاصم قد عاهد اللّه عزّ وجلّ أن لا يمسّ مشركا ولا يمسّه.
جهاد أنس بن النضر:
عن ابن إسحاق قال حدّثني القاسم بن عبد الرحمن بن رافع، أخو بني عديّ بن النجار قال:
انتهى أنس بن النضر، عمّ أنس بن مالك، إلى عمر بن الخطاب وطلحة بن عبيد اللّه، في رجال من المهاجرين والأنصار، وقد ألقوا بأيديهم، فقال: ما يجلسكم ههنا؟ فقالوا: قتل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم! قال: فما تصنعون بالحياة بعده؟
قوموا فموتوا كراما على ما مات عليه. ثم استقبل القوم فقاتل حتّى قتل. وبه سمي أنس بن مالك.
عن ابن إسحاق قال: حدّثني حميد الطّويل عن أنس بن مالك قال:
لقد وجدنا بأنس بن النضر يومئذ سبعين ضربة وطعنة، فما عرفته إلا أخته، عرفته بحسن بنانه.
معرفة رسول اللّه بعد الهزيمة:
عن ابن إسحاق قال:
__________
[1] التكملة من ط، ها، مط، مب الطبري.
[2] في الطبري: «أمه أم أنمار مولاة شريق بن عمرو بن وهب الثقفي».
[3] التكملة من ط، ها، مط، مب والطبري.
[4] هذه بالسيف هذا: قطعه.
[5] ما يليق: ما يترك وما يبقى.
[6] أشعره السهم: خالطه به. قال أبو عازب الكلابي:
فأشعرته تحت الظلام وبيننا ... من الخطر المنضود في العين نافع
كان أوّل من عرف رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بعد الهزيمة وقول الناس: قتل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم - كما حدّثني ابن شهاب الزّهري - كعب/ بن مالك أخو بني سلمة. قال: عرفت عينيه تزهران تحت المغفر، فناديت/ بأعلى صوتي: يا معشر المسلمين، أبشروا، هذا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم! فأشار إليّ عليه السلام: أن أنصت. فلما عرف المسلمون رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم نهضوا به، ونهض نحو الشعب معه أبو بكر بن أبي قحافة، وعمر بن الخطاب، وعليّ بن أبي طالب، وطلحة بن عبيد اللّه، والزّبير بن العوّام، والحارث بن الصّمة، في رهط من المسلمين رضي اللّه عنهم أجمعين.
قتل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أبيّ بن خلف:
فلما أسند [1] رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في الشّعب، أدركه أبيّ بن خلف وهو يقول: يا محمد [2] لا نجوت إن نجوت! فقال القوم: يا رسول اللّه أيعطف عليه رجل منا؟ فقال: دعوه. فلمّا دنا تناول رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الحربة من الحارث بن الصّمّة. قال: يقول بعض الناس فيما ذكر لي: فلما أخذها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم انتفض بها انتفاضة تطايرنا عنه تطاير الشّعراء [3] عن ظهر البعير إذا انتفض، ثم استقبله فطعنه في عنقه طعنة تدأدأ بها عن فرسه مرارا [4]. وكان أبيّ بن خلف - كما حدّثنا ابن حميد قال حدّثنا سلمة عن ابن إسحاق عن صالح عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف - يلقى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بمكة فيقول: يا محمد، إنّ عندي العود أعلفه كلّ يوم فرقا من ذرة [5] أقتلك عليه! فيقول رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: بل أنا أقتلك إن شاء اللّه تعالى. فلما رجع إلى قريش وقد خدشه في حلقه [6] خدشا غير كبير، فاحتقن الدم قال: قتلني واللّه محمّد! قالوا: ذهب واللّه فؤادك، واللّه ما بك بأس. قال: إنّه كان بمكة قال لي: أنا أقتلك،/ فو اللّه لو بصق عليّ لقتلني. فمات عدوّ اللّه بسرف [7] وهم قافلون به إلى مكة، فلما انتهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى فم الشّعب خرج عليّ بن أبي طالب حتى ملأ درقته من المهراس [8] ثمّ جاء به إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فشرب منه [9] وغسل عن وجهه الدم، وصبّ على رأسه وهو يقول: «اشتدّ غضب اللّه عزّ وجلّ على من دمّى وجه نبيه».
دعاء رسول اللّه على محاربيه:
قال محمد بن إسحاق: حدّثني صالح بن كيسان عمن حدّثه عن سعد بن أبي وقاص أنه كان يقول: واللّه ما حرصت على قتل رجل قطّ ما حرصت على قتل عتبة بن أبي وقّاص، وإن كان ما علمت لسيّ ء الخلق مبغضا في قومه، ولقد كفاني منه قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «اشتدّ غضب اللّه على من دمّى وجه رسول اللّه».
تمثيل هند وصواحباتها بقتل المسلمين:
قال حدّثنا محمد بن إسحاق قال: حدّثني صالح بن كيسان قال:
__________
[1] أسند فيه: رقى فيه.
[2] في الطبري (3: 19): «أين محمد»، لعلها «أي محمد».
[3] في ها: «الفراش» وفي سائر الأصول: «الشعر» صوابه من «الطبري والسيرة» 575 جوتنجن. و «الشعراء»: ذباب أحمر وقيل أزرق، يقع على الإبل ويؤذيها أذى شديدا.
[4] تدأدأ: تدحرج.
[5] الفرق: مكيال لأهل المدينة يسع ثلاثة أصواع.
[6] الطبري: «في عنقه».
[7] سرف: موضع على ستة أميال من مكة.
[8] المهراس: ماء بجبل أحد.
[9] صواب النص كما في «السيرة» والطبري (3: 20): «ليشرب منه فوجد له ريحا فعافه ولم يشرب منه».
خرجت هند والنسوة اللواتي معها يمثلن بالقتلى [1] من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يجدعن الآذان والآنف، حتّى اتخذت هند من آذان الرجال وآنفهم خدما وقلائد [2]، وأعطت خدمها وقلائدها وقرطها وحشيا غلام جبير بن مطعم، وبقرت عن كبد [3] حمزة عليه السلام، فأخرجت كبده فلاكتها، فلم تستطع أن تسيغها/ فلفظتها، ثم علت على صخرة [مشرفة] [4] فصاحت بأعلى صوتها بما قالت من الشعر حين ظفروا بما أصابوا من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
هجاء حسان لهند:
قال: حدّثني صالح بن كيسان أنّه حدّث أنّ عمر بن الخطاب رضوان اللّه عليه قال لحسّان: يا ابن الفريعة، لو سمعت ما تقژل هند ورأيت أشرها قائمة على صخرة ترتجز بنا/ وتذكر ما صنعت بحمزة؟ قال له حسان: واللّه إنّي لأنظر إلى الحربة تهوي وإنّي على رأس فارع - يعني أطمه - فقلت: واللّه، إنّ هذه لسلاح ما هي بسلاح العرب، وكأنّها إنّما تهوي [إلى حمزة] [5] ولا أدري، أسمعني بعض قولها أكفكموها. قال: فأنشده عمر بعض ما قالت، فقال حسان يهجو هندا:
أشرت لكاع وكان عادتها ... لؤما إذا أشرت من الكفر [6]
لعن الإله وزوجها معها ... هند الهنود طويلة البظر [7]
أخرجت مرقصة إلى أحد ... في القوم مقتبة غلى بكر [8]
[بكر ثفال لا حراك به ... لا عن معاتبة ولا زجر] [9]
وعصاك استك تتّقين بها ... دقّي العجاية منك بالفهر [10]
/قرحت عجيزتها ومشرجها ... من دأبها نصا على القتر [11]
ظلّت تداويها زميلتها ... بالماء تنضحه وبالسّدر
أخرجت ثائرة مبادرة ... بأبيك فاتك يوم ذي بدر [12]
__________
[1] في بعض النسخ: «تمتاز القتلى». ولم ترد «امتاز» متعدية، وإنما هي مطاوعة. والصواب ما أثبت من ها و «الطبري».
[2] الخدم: جمع خدمة بالتحريك، وهي الخلخال.
[3] هذه الصواب من ط، مط، مب والطبري. وفي سائر النسخ: «عن بطن».
[4] هذه من ط، ها، مط، مب والطبري.
[5] التمكلة من «تاريخ الطبري» (3: 23) والسيرة 582.
[6] لكاع، كنى بها عن هند. وامرأة لكاع كقطام: لئيمة. في الطبري و «الديوان» 229: «مع الكفر».
[7] البظر: الهنة بين شفري المرأة. الطبري: «عظيمة البظر».
[8] الإرقاص: أن يحمل البعير على الخبب.
[9] البيت من ط، مط، مب «و الطبري» و «الديوان». والثفال، كسحاب: البطيء من الإبل. مب «ثقال» تحريف.
[10] يقال عصاه استه، أي ليس معه عصا فهو يحرّك استه على المطيّة حتى تسير. انظر «مجالس ثعلب» 380 و «البيان» (3: 77). دقي العجاية، هي على هذا الصواب في ها، وفي الطبري: «دق العجاية هند بالفهر»، وفي «الديوان»: «دق العجاية عاري الفهر».
وفي سائر النسخ «دقي عجانك منك» تحريف. وأنشدوا لمزرد بن ضرار:
فجاء على بكر ثفال يكده ... عصاه استه وجي العجاية بالفهر
[11] ط، ح، ها، مط، مب: «عجينتها» تحريف، صوابه في سائر النسخ والطبري و «الديوان». والنص: ضرب من السير السريع.
والقتر، بالضم: الناحية والجانب. وفي «الديوان»: «من نصها نصا على القهر».
[12] الطبري و «الديوان»: «بأبيك وابنك»، وهو الصواب. و «ذو» تزاد كثيرا في كلامهم.
وبعمّك المستوه في ردع ... وأخيك منعفرين في الجفر [1]
ونسيت فاحشة أتيت بها ... يا هند ويحك سيئة الذكر [2]
فرجعت صاغرة بلا ترة ... منّا ظفرت بها ولا نصر
زعم الولائد أنّها ولدت ... ولدا صغيرا كان من عهر
تعقب أبي سفيان للمسلمين ووعيده لهم:
قال محمد بن جرير: ثم إنّ أبا سفيان بن حرب أشرف على القوم فيما حدّثنا هارون بن إسحاق قال: حدّثنا مصعب بن المقدام قال حدّثنا إسرائيل، وحدّثنا ابن وكيع قال: حدّثنا أبي عن إسرائيل قال حدّثنا ابن إسحاق عن البرّاء قال:
ثم إن أبا سفيان أشرف علينا فقال: أفي القوم محمد؟ فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: لا تجيبوه! مرّتين، ثم قال: أفي القوم ابن أبي قحافة؟ ثلاثا. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: لا تجيبوه! [3]]. ثم التفت إلى أصحابه فقال: أمّا هؤلاء فقد قتلوا، لو كانوا في الأحياء لأجابوا! فلم يملك عمر بن الخطاب/ رضي اللّه عنه نفسه أن قال: كذبت يا عدوّ اللّه، قد أبقى اللّه لك ما يخزيك. فقال: أعل هبل، أعل هبل! فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: أجيبوه. قالوا: ما نقول؟ قال: قولوا «اللّه أعلى وأجلّ» قال أبو سفيان: لنا العزّى ولا عزّى لكم. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: أجيبوه. قالوا: ما نقول؟ قال: قولوا اللّه مولانا ولا مولى لكم. قال أبو سفيان: يوم بيوم بدر، والحرب سجال، أما إنكم ستجدون في القوم مثلا لم آمر بها ولم تسؤني.
لما أجاب عمر رضي اللّه عنه أبا سفيان قال له أبو سفيان: هلمّ يا عمر. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ايته فانظر ما شأنه؟ فجاءه فقال له أبو سفيان: أنشدك اللّه يا عمر أقتلنا محمدا؟ فقال عمر: اللهمّ لا، وإنّه ليسمع كلامك الآن.
قال: أنت أصدق عندي من ابن قمئة وأبرّ؛ لقول ابن قمئة لهم: إنّي قتلت محمدا. ثم نادى أبو سفيان فقال: إنّه قد كان مثل [4] واللّه ما رضيت ولا سخطت، ولا أمرت ولا نهيت، وقد كان الحليس بن زبّان، أخو بني الحارث بن عبد مناة، وهو يومئذ سيّد الأحابيش، قد مرّ بأبي سفيان بن حرب وهو يضرب في شدق حمزة عليه السلام و/ هو يقول: ذق عقق [5]! فقال الحليس: يا بني كنانة، هذا سيّد قريش يصنع بابن عمه كما ترون لحما [6]! فقال اكتمها عليّ فإنّها كانت زلّة قال: فلما انصرف أبو سفيان ومن معه نادى: أن موعدكم بدر، العام/ المقبل. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لرجل من أصحابه: «قل: نعم، هي بيننا وبينك موعد».
__________
[1] المستوه: المضروب في استه: والردع: الدم. ط، والطبري: «ودع». وفي «الديوان»: «المسلوب بزته». والجفر: البئر. وهذه رواية ط، مط و «الديوان»، وفي الطبري وسائر النسخ: «الحفر» بالحاء المهملة.
[2] في «الديوان» والطبري: «سبة الدهر». وسيئة، في رواية أبي الفرج، هو تخفيف السيئة. قال:
أني جزوا عامرا سيئا بفعلهم ... أم كيف يجزونني السوأى من الحسن
[3] التكملة من ط، ها، مط، مب والطبري (3: 23).
[4] الطبري: «قد كان في قتلاكم مثل». والمثل: جمع مثلة.
[5] في «اللسان»: «ذق عقق، أي ذق جزاء فعلك يا عاق» ... وعقق معدول عن عاق للمبالغة، كغدر من غادر، وفسق من فاسق».
[6] مطابق لما في الطبري و «السيرة» 586 جوتنجن. أراد وهو قتيل.
خروج علي بن أبي طالب في أثر المشركين:
ثم بعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عليّ بن أبي طالب عليه السلام فقال: اخرج في آثار القوم فانظر ماذا يصنعون، فإن كانوا قد جنبوا وامتطوا الإبل فإنّهم يريدون مكة، وإن ركبوا الخيل وساقوا الإبل فهم يريدون المدينة، فو الذي نفسي بيده لئن أرادوها لأسيرنّ إليهم ثم لأناجزنّهم. قال علي: فخرجت في آثارهم أنظر ما يصنعون، فلما جنبوا الخيل وامتطوا الإبل توجّهوا إلى مكّة، وكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال لي: أيّ ذلك كان فأخفه حتّى يأتيني. قال عليّ: فلما رأيتهم قد توجّهوا إلى مكة أقبلت أصيح، ما أستطيع أن أكتم الذي أمرني به رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، لما بي من الفرح، إذ رأيتهم انصرفوا إلى مكّة عن المدينة، وفرغ الناس لقتلاهم [1]. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم - كما حدّثنا ابن حميد قال:
حدّثنا سلمة قال حدّثني محمد بن إسحاق عن محمد بن عبد اللّه بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة [2] المازني أخي بني النجار.
سؤال رسول اللّه عن سعد بن الربيع:
أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «من رجل ينظر لي ما فعل سعد بن الربيع - وسعد أخو بني الحارث بن الخزرج - أفي الأحياء هو أم في الأموات؟». فقال رجل من الأنصار: أنا أنظر لك يا رسول اللّه ما فعل. فنظر فوجده جريحا في القتلى به رمق. قال: فقلت له: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أمرني أن أنظر له أفي الأحياء أنت أم في الأموات؟ قال: فأنا في الأموات. أبلغ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وقل له: إنّ سعد بن الربيع يقول لك: جزاك اللّه خير/ ما جزى نبيّا عن أمته، وأبلغ قومك عنّي السلام وقل لهم: إنّ سعد بن الربيع يقول: لا عذر لكم عند اللّه جلّ وعزّ إن خلص إلى نبيكم وفيكم عين تطرف. ثم لم أبرح حتّى مات رحمه اللّه، فجئت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأخبرته.
التماس الرسول لحمزة بين القتلى وحزنه عليه:
وخرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فيما بلغني، يلتمس حمزة بن عبد المطلب عليه السلام، فوجده ببطن الوادي قد بقر بطنه عن كبده، ومثّل به فجدع أنفه وأذناه.
وعن ابن إسحاق قال: فحدّثني محمد بن جعفر بن الزبير أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال حين رأى بحمزة ما رأى:
«لو لا أن تحزن صفية أو تكون سنة من بعدي لتركته حتّى يكون في أجواف السباع وحواصل الطير، ولئن أنا أظهرني اللّه على قريش في موطن من المواطن لأمثلنّ بثلاثين رجلا منهم». فلما رأى المسلمون حزن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وغيظه على ما فعل بعمّه قالوا: واللّه لئن أظهرنا اللّه عليهم يوما من الدهر لنمثلنّ بهم مثلة لم يمثلها أحد من العرب بأحد قطّ.
وعن محمد بن إسحاق قال: حدّثني بريدة بن سفيان بن فروة الأسلمي عن محمد بن كعب القرظي، عن ابن عباس. قال ابن حميدة قال سلمة، وحدّثني محمد بن إسحاق قال: فحدّثنا الحسن بن عمارة عن الحكم بن عتيبة عن مقسم عن/ ابن عباس: أنّ اللّه عزّ وجلّ أنزل في ذلك من قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم [3]:
__________
[1] في الأصول: «لقتالهم»، صوابه من الطبري (3: 24) و «السيرة» 583 جوتنجن.
[2] كذا في الطبري. وفي الأصول: «بن عبد الرحمن أخي صعصعة». لكن في ها: «بن أخي صعصعة».
[3] زاد في الطبري: «و قول أصحابه».
وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ إلى آخر السورة. فعفا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وصبر، ونهى عن المثلة.
خروج صفية بنت عبد المطلب لتنظر إلى حمزة:
قال ابن إسحاق فيما بلغني: خرجت صفية بنت عبد المطلب لتنظر إلى حمزة وكان أخاها لامها، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لابنها الزبير: القها فأرجعها لا ترى ما بأخيها. فلقيها الزبير فقال: يا أمّه، إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يأمرك أن ترجعي. فقالت: ولم، فقد بلغني أنّه مثّل بأخي، وذلك في اللّه جلّ وعزّ قليل، فما أرضانا بما كان من ذلك، لأحتسبنّ ولأصبرنّ إن شاء اللّه تعالى؟ فلما جاء الزبير رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فأخبره بذلك قال: خلّ سبيلها. فأتته فنظرت إليه وصلّت عليه واسترجعت واستغفرت له، ثم أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم به فدفن.
استشهاد حسيل بن جابر وثابت بن وقش:
قال: حدّثني محمد بن إسحاق قال: حدّثني عاصم بن عمر بن قتادة، عن محمود بن لبيد قال:
لمّا خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى أحد، رجع حسيل بن جابر - وهو اليمان أبو حذيفة بن اليمان - وثابت بن وفش [1] بن زعورا في الآطام مع النساء والصبيان، فقال أحدهما لصاحبه وهما شيخان كبيران: لا أبا لك ما تنتظر، فو اللّه إن بقي لواحد منّا من عمره إلّا ظم ء حمار [2]، إنّما نحن هامة اليوم أو غد [3]، أفلا نأخذ أسيافنا ثم نلحق برسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لعلّ اللّه يرزقنا شهادة معه. فأخذا أسيافهما ثم خرجا حتّى دخلا في الناس، ولم يعلم أحد بهما. فأمّا ثابت بن وقش [1] فقتله المشركون، وأما حسيل بن جابر اليمان فاختلفت عليه/ أسياف المسلمين فقتلوه ولم يعرفوه، فقال حذيفة: أبي! قالوا: واللّه إن عرفناه وصدقوا. قال حذيفة: يغفر اللّه لكم وهو أرحم الراحمين. فأراد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أن يديه [4]، فتصدّق حذيفة بديته على المسلمين، فزادته عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم خيرا.
مصرع قزمان:
قال حدّثني محمد بن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة قال: كان فينا رجل أتيّ [5] لا ندري من أين هو، يقال له قزمان، فكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول إذا ذكره: «إنّه لمن أهل النار» فلما كان يوم أحد قاتل قتالا شديدا فقتل هو وحده ثمانية من المشركين أو تسعة، وكان شهما شجاعا ذا بأس، فأثبتته الجراحة فاحتمل إلى دار بني ظفر، قال:
فجعل رجال من المسلمين يقولون: واللّه لقد أبليت اليوم [6] يا قزمان، فأبشر. قال: بم أبشر؟ فو اللّه أن قاتلت إلّا على حساب قومي، ولو لا ذلك ما قاتلت. فلما اشتدّت عليه جراحته أخذ سهما من كنانته فقطع رواهشه فنزفه الدم فمات؛ فأخبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بذلك فقال: إنّي رسول اللّه حقّا.
__________
[1] كذا في ط، مب والطبري وفي مط: «ثابت بن زعورا» وفي ها: «بن قيس» وفي سائر النسخ «بن قريش»، تحريف.
[2] ظم ء الحمار: ما بين الشربين له، وليس شيء من الدواب أقصر ظمأ من الحمار، يرد الماء كل يوم في الصيف مرتين.
[3] أي سنموت اليوم أو غدا.
[4] وداه: أدى دينه.
[5] الأتي: الغريب، ليس من القوم.
[6] كذا في ها والطبري، وفي سائر النسخ: «القوم».
استئذان جابر بن عبد اللّه في الخروج:
وعن محمد بن إسحاق قال: حدّثني حسين بن عبد اللّه عن عكرمة قال:
كان يوم أحد يوم السبت للنصف من شوّال، فلما كان الغد من يوم أحد، وذلك يوم الأحد لستّ عشرة ليلة خلت من شوّال، أذّن مؤذّن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في الناس بطلب العدوّ، وأذّن مؤذّنه أن لا يخرجنّ معنا إلّا من حضر يومنا بالأمس. فكلّمه جابر بن عبد اللّه [بن عمرو] [1] بن حرام [2] الأنصاري فقال: يا رسول/ اللّه، إنّ أبي كان خلّفني/ على أخوات لي سبع وقال لي: يا بنيّ، إنه لا ينبغي لي ولا لك أن نترك هؤلاء النسوة بلا رجل فيهن، ولست بالذي أوثرك بالجهاد مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على نفسي، فتخلّف على أخواتك. فتخلّفت عليهنّ. فأذن له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فخرج معه، وإنّما خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم مرهبا للعدو، وأنّهم خرجوا في طلبهم فيظنون أنّ بهم قوّة، وأن الذي أصابهم لم يوهنهم عن عدوّهم.
خروج بعض الجرحى لمعاودة القتال:
عن محمد بن إسحاق: قال فحدّثني عبد اللّه بن خارجة [3] بن زيد بن ثابت، عن أبي السائب مولى عائشة بنت عثمان بن عفان، أنّ رجلا من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من بني عبد الأشهل كان شهد أحدا. قال: فشهدت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنا وأخ لي، فرجعنا جريحين، فلما أذّن مؤذّن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بالخروج في طلب العدوّ قلت لأخي وقال لي:
أتفوتنا غزوة مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، واللّه ما لنا من دابة نركبها، وما منّا إلا جريح ثقيل. فخرجنا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وكنت إيسر جرحا منه، فكنت إذا غلب عليه حملته عقبة [4] حتى انتهينا إلى ما انتهى إليه المسلمون، فخرج إليه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حتّى انتهينا إلى حمراء الأسد، وهي من المدينة على ثمانية أميال، فأقام بها ثلاثا: الاثنين والثلاثاء والأربعاء، ثم رجع إلى المدينة.
تخذيل معبد الخزاعي وهو مشرك لأبي سفيان:
قال ابن إسحاق عن عبد اللّه بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، أنه مرّ برسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم معبد الخزاعي، وكان خزاعة مسلمهم ومشركهم/ عيبة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم [5] لا يخفون عليه شيئا كان بها، ومعبد يومئذ مشرك، فقال:
يا محمد لقد عزّ علينا ما أصابك في أصحابك، ولوددت أنّ اللّه قد أعفاك منهم. ثم خرج من عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بحمراء الأسد حتّى لقي أبا سفيان بن حرب بالرّوحاء ومن معه، وقد أجمعوا الرّجعة إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وقالوا:
أصبنا جدّ [6] أصحابه وقادتهم وأشرافهم، ثم رجعنا قبل أن نستأصلهم، لنكرّنّ على بقيّتهم فلنفرغنّ منهم! فلما رأى أبو سفيان معبدا قال: ما وراءك يا معبد؟ قال: محمد قد خرج في أصحابه يطلبكم في جمع لم أر مثله قطّ يتحرّقون عليكم تحرّقا، قد اجتمع معه من كان تخلّف عنه في يومكم، وندموا على ما صنعوا فيهم من الحنق عليكم، شي ء
__________
[1] التكملة من «الطبري» (3: 28) و «الإصابة» 1022.
[2] كذا على الصواب في ط، ها، مط، مب. وفي ا: «حزام» وفي سائر النسخ «حزم».
[3] كذا على الصواب في ط، ا، ها، مط، مب. وفي ح «عبد اللّه بن خارجة» أيضا لكن كتب فوقها «محمد» وفي سائر النسخ:
«محمد بن خارجة».
[4] العقبة، بالضم: النوبة. الطبري: «حملته عقبة ومشى عقبة».
[5] عيبة الرجل: موضع سره، على المثل.
[6] ط، مط، مب: «حد» بالحاء المهملة.
لم أر مثله قطّ. قال: ويلك ما تقول! قال: واللّه ما أراك ترتحل حتّى ترى نواصي الخيل. قال: فو اللّه لقد أجمعنا الكرة لنستأصل شأفتهم [1]. قال: فإنّي أنهاك عن ذلك، فو اللّه لقد حملني ما رأيت على أن قلت فيه أبياتا من شعر.
قال: وماذا قلت؟ قال قلت:
كادت تهدّ من الأصوات راحلتي ... إذ سالت الأرض بالجرد الأبابيل [2]
فظلت عدّوا أظنّ الأرض مائلة ... لمّا سموا برئيس غير مخذول
فقلت ويل بن حرب من لقائكم ... إذا تغطمطت البطحاء بالجيل [3]
/إنّي نذير لأهل السّيل ضاحية ... لكلّ ذي إربة منهم ومعقول [4]
من جيش أحمد لا وخش تنابلة ... وليس يوصف ما أنذرت بالقيل [5]
/قال: فثنى ذلك أبا سفيان ومن معه، ومرّ به ركب من عبد القيس فقال: أين تريدون؟ قالوا: نريد المدينة.
قال: فلم؟ قالوا: نريد الميرة. قال: فهل أنتم مبلغون عنّي محمدا رسالة أرسلكم بها إليه، وأحمّل لكم إبلكم هذه غدا زبيبا بعكاظ إذا وافيتموها؟ قالوا: نعم. قال: فإذا جئتموه فأخبروه أن قد أجمعنا السّير إليه وإلى أصحابه، لنستأصل شأفتهم. فمرّ الركب برسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فأخبروه بالذي قال أبو سفيان، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه: «حسبنا اللّه ونعم الوكيل».
صوت
أمن ريحانة الداعي السّميع ... يؤرّقني وأصحابي هجوع
براني حبّ من لا أستطيع ... ومن هو للذي أهوى منوع
إذا لم تستطع شيئا فدعه ... وجاوزه إلى ما تستطيع
الشعر لعمرو بن معديكرب الزبيدي، والغناء للهذلي، ثقيل أوّل بإطلاق الوتر في مجرى الوسطى، من رواية إسحاق. وفيه ثقيل أوّل على مذهب إسحاق من رواية عمرو بن بانة. وفيه لابن سريج رمل بالوسطى من رواية حمّاد عن أبيه.
__________
[1] الطبري (3: 29): «لنستأصل بقيتهم».
[2] تهد: يبلغ منها وتكسر. والجرد: جمع أجرد، وهو الفرس القصير الشعر. والأبابيل: الجماعات. وقوله: «سالت الأرض» هو من قوله:
أخذنا بأطراف الأحاديث بيننا ... وسالت بأعناق المطي الأباطح
[3] تغطمطت: اضطربت. والجيل: الأمة، وكل صنف من الناس.
[4] السيل: اسم من أسماء مكة، عن نصر. ما عدا ط، ا، مب: «السيل» وفي الطبري: «البسل» ضاحية، أي علانية. المعقول:
العقل.
[5] الوخش: رذالة الناس وصغارهم. ما عدا ط، 1: «وحش» صوابه في سائر النسخ والطبري. والتنبل: الفصير.
13 - ذكر عمرو بن معديكرب وأخباره
نسبه:
هو عمرو بن معديكرب بن عبد اللّه بن عمرو بن عصم بن عمرو بن زبيد، وهو منبّه.
هكذا ذكر محمد بن سلّام فيما أخبرنا به أبو خليفة عنه.
وذكر عمر بن شبّة عن أبي عبيدة أنه عمرو بن معديكرب بن ربيعة بن عبد اللّه بن عمرو بن عصم بن زبيد بن منبّه بن سلمة بن مازن بن ربيعة بن منبّه بن صعب بن سعد العشيرة بن مذحج بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان.
ويكنى أبا ثور، وأمّه وأم أخيه عبد اللّه امرأة من جرم فيما ذكر، وهي معدودة من المنجبات.
تقديمه على زيد الخيل:
أخبرنا محمد بن دريد قال: أخبرنا أبو حاتم عن أبي عبيدة قال: عمرو بن معديكرب فارس اليمن، وهو مقدّم على زيد الخيل في الشدّة والبأس.
استعداده لقتال خثعم:
وروى علي بن محمد المدائني عن زيد بن قحيف الكلابيّ قال: سمعت أشياخنا يزعمون أنّ عمرو بن معديكرب كان يقال له «مائق بني زبيد»، فبلغهم أنّ خثعم تريدهم، فتأهّبوا لهم، وجمع معديكرب بني زبيد، فدخل عمرو على أخته فقال: أشبعيني إنّي غدا لكتيبة [1]. قال: فجاء معديكرب فأخبرته ابنته فقال: هذا المائق يقول ذاك؟
قالت: نعم. قال: فسليه ما يشبعه. فسألته فقال: فرق من ذرة، وعنز رباعية. قال: وكان الفرق يومئذ ثلاثة أصوع [2]. فصنع له ذلك.
حلوله محل أبيه في القتال وقهره للعدو:
وذبح العنز وهيّأ له الطعام. قال: فجلس عليه فسلته [3] جميعا. وأتتهم خثعم الصباح فلقوهم، وجاء عمرو فرمى بنفسه. ثم رفع رأسه فإذا لواء أبيه قائم، فوضع رأسه فإذا لواء أبيه قد زال، فقام كأنّه سرحة محرقة، فتلقّى أباه وقد انهزموا فقال: انزل عنها، فاليوم ظلم [4]. فقال له: إليك يا مائق! فقال له بنو زبيد: خلّه أيها الرجل وما
__________
[1] كذا في ط، ا، مط، مب: وفي سائر النسخ: «إن غدا الكتيبة».
[2] أصوع: جمع صاع، وهو مكيال لأهل المدينة يأخذ أربعة أمداد. ويجمع أيضا على «أصوع» بالهمز، وأصواع، وصوع، وصيعان.
[3] سلته، يقال سلت القصعة: مسحها بإصبعه. والسلت أيضا: القطع والاستئصال.
[4] عنها، أي عن الفرس. اليوم ظلم، عبارة يقولها العرب بمعنى حقا. طلب من أبيه أن يتنحى له فرسه ليحارب عليها.
يريد، فإن قتل كفيت مؤنته، وإن ظهر فهو لك. فألقى إليه سلاحه فركب، ثم رمى خثعم بنفسه حتى خرج من بين أظهرهم، ثم كرّ عليهم وفعل ذلك مرارا، وحملت عليهم بنو زبيد فانهزمت خثعم وقهروا، فقيل له يومئذ: فارس زبيد.
وفود عمرو بن معديكرب على الرسول الكريم:
قال أبو عمرو الشيباني: كان من حديث عمرو بن معديكرب بن ربيعة بن عبد اللّه بن زبيد بن منبه [بن سلمة بن مازن بن ربيعة بن منبّه] [1] بن صعب بن سعد العشيرة بن مالك - وهو مذحج - بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب [2] بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان، أنّه قال لقيس بن مكشوح المراديّ، وهو ابن أخت عمرو، حين انتهى إليهم أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: يا قيس، إنّك سيّد قومك، وقد ذكر لنا أنّ رجلا من قريش يقال له محمد قد خرج بالحجاز، يقال له نبيّ، فانطلق بنا حتّى نعلم علمه، وبادر [فروة] [3] لا يغلبك على الأمر. فأبى قيس ذلك وسفّه رأيه وعصاه، فركب عمرو متوجّها إلى النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وقال: خالفتني يا قيس! وقال عمرو في ذلك:
أمرتك يوم ذي صنعا ... ء أمرا بيّنا رشده [4]
/أمرتك باتّقاء اللّ ... ه تأتيه وتتّعده [5]
فكنت كذي الحميرّ غ ... رّه من أيره وتده [6]
وفود فروة بن مسيك على الرسول:
قال أبو عبيدة: حدّثنا غير واحد من مذحج قالوا: قدم علينا وفد مذحج، مع فروة بن مسيك المراديّ، على النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فأسلموا وبعث فروة صدقات من أسلم منهم وقال له: ادع اللناس وتألّفهم، فإذا وجدت الغفلة فاهتبلها واغز.
قال أبو عمرو الشيباني: وإنّما رحل فروة مفارقا لملوك كندة مباعدا لهم، إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وقد كانت قبل الإسلام بين مراد وهمدان وقعة أصابت فيها همدان من مراد حتّى أثخنوهم، في يوم يقال له يوم الرّزم [7]، وكان الذي قاد همدان إلى مراد الأجدع بن مالك بن حريم [8] الشاعر الهمداني بن مسروق بن الأجدع، ففضحهم يومئذ، وفي ذلك يقول فروة بن مسيك المرادي:
__________
[1] التكملة من ط، مط، مب.
[2] كذا في ط، أ، مط، مب على الصواب. وفي سائر النسخ: «يعرب» تحريف.
[3] هذه من ط، مط، مب، وموضعها بياض في أفقط.
[4] ذو، زائدة، وكثيرا ما تزاد في كلامهم. وأراها زائدة في البيت الثالث.
[5] في «السيرة» 952: «و المعروف تتعده».
[6] الحمير: مصغر الحمار. ط، مط، مب: «من عيره». وفي «السيرة»:
خرجت من المنى مثل ال ... حمير غره وتده
[7] الرزم، براء بعدها زاي، هو الصواب من ط، مط، مب و«معجم البلدان» و«معجم ما استعجم». وفي «السيرة» و«الخزانة» (2:
123): «الردم»، وفي سائر النسخ: «الروم» كلاهما محرّف.
[8] حريم، بالراء المهملة. وهذا الصواب من ط، مط، مب، وفي سائر النسخ «حزيم» بالزاي.
فإن نغلب فغلّابون قدما ... وإن نهزم فغير مهزّمينا
فلما توجّه فروة إلى النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنشأ يقول:
لمّا رأيت ملوك كندة أعرضت ... كالرّجل خان الرجل عرق نساها
يمّمت راحلتي أمام محمد [1] ... أرجو فواضلها وحسن ثراها [2]
/فلما انتهى إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال له فيما بلغنا: هل ساءك ما أصاب قومك يوم الرزم [3]؟ قال: يا رسول اللّه، من ذا الذي يصيب قومه مثل الذي أصاب قومي ولا يسوءه. فقال له: أما إنّ ذلك لم يزد قومك في الإسلام إلّا خيرا! واستعمله على مراد وزبيد ومذحج كلّها.
ارتداد عمرو بن معديكرب:
قال أبو عبيدة: فلم يلبث عمرو أن ارتدّ عن الإسلام، فقال حين ارتد:
وجدنا ملك فروة شر ملك ... حمار ساف منخره بقذر [4]
وإنّك لو رأيت أبا عمير ... ملأت يديك من غدر وختر
حرب مذحج:
قال أبو عبيدة: فلما ارتدّ عمرو مع من ارتدّ عن الإسلام من مذحج، استجاش فروة النبيّ/ صلّى اللّه عليه وسلّم، فوجّه إليهم خالد بن سعيد بن العاص وخالد بن الوليد، وقال لهما: إذا اجتمعتم فعليّ بن أبي طالب أميركم وهو على الناس.
ووجّه عليا عليه السلام فاجتمعوا بكسر [5] من أرض اليمن، فاقتتلوا وقتل بعضهم ونجا بعض، فلم يزل جعفر وزبيد وأود بنو سعد العشيرة بعدها قليلة.
حديث الصمصامة:
وفي هذا الوجه وقعت الصمصامة إلى آل سعيد، وكان سبب وقوعها إليهم أنّ ريحانة بنت معديكرب سبيت يومئذ، ففداها خالد، وأثابه عمرو الصمصامة [6]، فصار إلى أخيه سعيد، فوجد سعيد جريحا يوم عثمان بن عفان رضي اللّه عنه حين حصر وقد ذهب السيف والغمد، ثم وجد الغمد، فلما قام معاوية جاءه إعرابيّ بالسيف بغير غمد، وسعيد/ حاصر، فقال سعيد: هذا سيفي! فجحد الأعرابيّ مقالته، فقال سعيد: الدليل على أنّه سيفي أن تبعث إلى غمده فتغمده فيكون كفافه. فبعث معاوية إلى الغمد فأتى به من منزل سعيد فإذا هو عليه، فأقرّ الأعرابيّ أنّه أصابه يوم الدار، فأخذه سعيد منه وأثابه، فلم يزل عنده حتّى أصعد المهديّ من البصرة، فلما كان بواسط بعث
__________
[1] كذا في الأصول. وفي «السيرة» 951: «قربت راحلتي أؤم محمدا».
[2] الثرى: مقصور الثراء، وهو الثروة والغنى.
[3] ما عدا ط، مط، مب: «الروم». وانظر ما سلف من التحقيق في الصفحة السابقة.
[4] ساف سوفا: شم، وقد زاد الباء مع الفعل. والقذر، بالفتح وسكون الذال وصف من قولهم: قذر قذارة فهو قذر. ط، أ، مط، مب:
«بقدر». وفي «السيرة»: «حمارا ساف منخره بثفر». وثفر الدابة: حياؤها.
[5] في «معجم البلدان»: «الكسر: قرى كثيرة بحضرموت يقال لها كسر قشاقش، سكنها كندة».
[6] كذا الصواب في ط، مط، مب. وفي سائر النسخ: «و أصابه غمد الصمصامة».
إلى سعيد فيه، فقال: إنّه للسبيل. فقال: خمسون سيفا قاطعا أغنى من سيف واحد. فأعطاهم خمسين ألف درهم وأخذه.
حديث إسلام عمرو بن معديكرب:
وذكر ابن النطّاح أنّ المدائني حكى عن أبي اليقظان عن جويرية بن أسماء قال: أقبل النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم من غزاة تبوك يريد المدينة، فأدركه عمرو بن معديكرب الزّبيدي في رجال من زبيد، فتقدم عمرو ليلحق برسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فأمسك حتّى أوذن به، فلما تقدّم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يسير قال: حيّاك اللّه إلهك، أبيت اللعن! فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «إنّ لعنة اللّه وملائكته والناس أجمعين على الذين لا يؤمنون باللّه ولا باليوم الآخر. فآمن باللّه يؤمنك يوم الفزع الأكبر». فقال عمرو بن معديكرب: وما الفزع الأكبر؟ قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «إنّه فزع ليس كما تحسب وتظنّ، إنّه يصاح بالناس صيحة لا يبقى حيّ إلّا مات، إلا ما شاء اللّه من ذلك، ثم يصاح بالناس صيحة لا يبقى ميّت إلا نشر، ثم تلجّ تلك الأرض بدويّ تنهّد منه الأرض، وتخرّ منه الجبال، وتنشق السماء انشقاق القبطية الجديد [1] ما شاء اللّه في ذلك، ثم تبرز النار فينظر إليها حمراء مظلمة قد صار لها لسان في السماء، ترمي بمثل رؤوس الجبال من شرر النار، فلا يبقى ذو روح إلّا انخلع قلبه، وذكر ذنبه. أين أنت يا عمرو» قال: إنّي أسمع أمرا عظيما! فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «يا عمرو أسلم/ تسلم». فأسلم وبايع لقومه على الإسلام، وذلك منصرف رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من غزاة تبوك، وكانت في رجب من سنة تسع [2].
ضخامة بدنة:
وقال أبو هارون السّكسكي البصريّ: حدّثني أبو عمرو المدينيّ أنّ عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه كان إذا نظر إلى عمرو قال: «الحمد للّه الذي خلقنا وخلق عمرا!» تعجّبا من عظم خلقه.
أخبرنا أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال: حدّثنا عمر بن شبّة عن خالد بن خداش عن أبي نميلة قال:
أخبرني رميح عن أبيه قال:
رأيت عمرو بن معديكرب في خلافة معاوية شيخا أعظم ما يكون من الرجال، أجشّ الصوت، إذا التفت التفت بجميع جسده. وهذا خطأ من/ الرواية.
موته وقبره:
والصحيح أنّه مات في آخر خلافة عمر رضي اللّه عنه، ودفن بروذة [3] بين قمّ والريّ. ومن الناس من يقول إنّه قتل في وقعة نهاوند، قبره في ظاهرها موضع يعرف بقبد يشجان [4]، وأنّه دفن هناك يومئذ هو والنعمان بن مقرّن.
__________
[1] القبطية: ثياب مصرية رقيقة بيضاء. الحديد: المجدودة، أي المقطوعة.
[2] أسلم عمرو ثم ارتدّ ثم عاود الإسلام بعد أن أسر. «الإصابة» 5965.
[3] روذة، بضم أوله، كما في ياقوت.
[4] كذا في أ. وهي في ط، مب مهملة النقط، وفي ح: «بفيديشخان» وفي مط «بقيدسيحان» وفي ها «بفنديسجان» وفي سائر النسخ:
«بقيديشخان».
وروى أيضا من وجه ليس بالموثوق به، أنّه أدرك خلافة عثمان رضي اللّه عنه، روى ذلك ابن النطّاح عن مروان بن ضرار عن أبي إياس البصريّ، عن أبيه، عن جويرية الهذليّ في حديث طويل قال:
رأيت عمرو بن معديكرب وأنا في مسجد الكوفة في خلافة عثمان، حين وجّهه إلى الريّ، كأنه بعير مهنوء.
/ وقال ابن الكلبي: حدّثني أسعر، عن عمرو بن جرير الجعفي قال: سمعت خالد بن قطن يقول:
خرج عمرو بن معديكرب في خلافة عثمان رضي اللّه عنه إلى الريّ ودستبي [1]، فضربه الفالج في طريقه فمات بروذة.
طلبه الزيادة في العطاء:
أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدّثنا عمر بن شبّة قال: أخبرني خالد بن خداش قال حدّثنا حمّاد بن زيد عن مجالد عن الشعبي:
أنّ عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه فرض لعمرو بن معديكرب في [2] ألفين، فقال له: يا أمير المؤمنين ألف ههنا وأومأ إلى شقّ بطنه الأيمن، وألف ههنا وأومأ إلى شقّ بطنه الأيسر - فما يكون ها هنا؟ وأومأ إلى وسط بطنه.
فضحك عمر رضوان اللّه عليه وزاده خمسمائة.
خوفه من الحرين والعبدين:
قال علي بن محمد [3]: قال أبو اليقظان: قال عمرو بن معديكرب: لو سرت بظعينة وحدي على مياه معدّ كلّها ما خفت أن أغلب عليها، ما لم يلقني حرّاها أو عبداها [4]. فأما الحرّان فعامر بن الطفيل وعتيبة بن الحارث بن شهاب، وأما العبدان فأسود بني عبس، يعني عنترة والسّليك بن السّلكة، وكلّهم قد لقيت. فأما عامر بن الطّفيل فسريع الطّعن على الصوت، وأما عتيبة فأوّل الخيل إذا غارت، وآخرها إذا آبت. وأما عنترة فقليل الكبوة، شديد الكلب [5]. وأما السّليك فبعيد/ الغارة، كالليث الضاري. قالوا: فما تقول في العباس بن مرداس؟ قال: أقول فيه ما قال فيّ:
إذا مات عمرو قلت للخيل أوطئوا ... زبيدا فقد أودى بنجدتها عمرو
وقام مغضبا وعلم أنّهم أرادوا توبيخه بالعباس.
قال علي: وقال أبو اليقظان: أحسب في اللفظ غلطا وأنه إنّما قال: «هجينا مضر»؛ لأنّ عنترة استرقّ، والعباس لم يسترقّ قطّ.
__________
[1] دستبي: كورة كبيرة كانت مقسومة بين الري وهمذان. ط، ح، مط، ها، مب: «دستني» أ«دسبتي» وسائر النسخ «دستي»، والصواب ما أثبت.
[2] هذه الكلمة من ط، ح، مط.
[3] هو أبو الحسن علي بن محمد المدائني.
[4] ط، مط، مب: «و عبداها».
[5] الكلب: الغضب والإلحاح فى القتال. ما عدا ط، ح، مط، ها، مب: «الجلب».
كتاب عمر إلى سعد وتقديره لعمرو بن معديكرب:
أخبرني أبو خليفة قال حدّثنا أحمد بن عبد العزيز قال حدّثنا عمر بن شبة قال حدّثنا أحمد بن جناب [1] عن عيسى بن يونس، عن إسماعيل [2]، عن قيس [3]: أن عمر رضي اللّه عنه كتب إلى سعد بن أبي وقّاص:
إنّي قد أمددتك بألفي رجل عمرو بن معديكرب، وطليحة بن خويلد - وهو طليحة الأسدي - فشاورهما في الحرب ولا تولّهما شيئا.
شجاعة عمرو وتحضيضه على القتال:
أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدّثنا عمر بن شبّة قال: حدّثنا أحمد بن جناب قال حدّثنا عيسى بن يونس، عن إسماعيل، عن قيس قال:
شهدت القادسية وكان سعد على الناس، فجاء رستم فجعل يمرّ بنا وعمرو بن معديكرب الزبيدي يمرّ على الصفوف يحضّ الناس ويقول: يا معشر المهاجرين، كونوا أسدا أغنى شأنه [4]، فإنّما الفارسيّ تيس بعد أن يلقي نيزكه [5].
/قال: وكان مع رستم أسوار لا تسقط له نشّابة. فقال له: يا أبا ثور، اتّق ذاك! فإنا لنقول له ذلك إذ رماه رمية فأصاب فرسه،/ وحمل عليه عمرو فاعتنقه ثم ذبحه، وسلبه سواري ذهب كانا عليه، وقباء ديباج.
قال أبو زيد [6]: فذكر أبو عبيدة أنّ عمرا حمل يومئذ على رجل فقتله ثم صاح: يا معشر بني زبيد، دونكم فإنّ القوم يموتون!
شجاعته في حرب القادسية:
وقال علي بن محمد المدائني: وأخبرنا محمد بن الفضل وعبد ربّه بن نافع، عن إسماعيل عن قيس بن أبي حازم قال:
حضر عمرو الناس وهم يقاتلون، فرماه رجل من العجم بنشّابة فوقعت في كتفه، وكانت عليه درع حصينة فلم تنفذ، وحمل على العلج فعانقه فسقطا إلى الأرض، فقتله عمرو وسلبه، ورجع بسلبه وهو يقول:
أنا أبو ثور وسيفي ذو النّون ... أضربهم ضرب غلام مجنون
يال زبيد إنّهم يموتون
__________
[1] ترجم له في «تهذيب التهذيب» وقال: «روي عن عيسى بن يونس». ما عدا ط، ح: «حباب» محرّف.
[2] هو إسماعيل بن أبي خالد الأحمسي. روى عن قيس بن أبي حازم وأكثر في الرواية عنه، كما في «تهذيب التهذيب».
[3] هو قيس بن أبي حازم الأحمسي، ترجم له في «تهذيب التهذيب».
[4] أغنى شأنه: كفى نفسه، لم يستعن بشيء. قال الملتمس:
أغنيت شأني فأغنوا اليوم شأنكم ... واستحمقوا في مراس الحرب أو كيسوا
[5] النيزك: الرمح القصير، فارسي معرّب. والرمح بالفارسية «نيزه» بكسر النون. وفي «اللسان» أن النيزك «حقيقته تصغير الرمح بالفارسية». والكاف تستعمل للتصغير في الفارسية: فكلمة «مرد». بمعنى رجل، تصغر على «مردك» أي رجيل. ح: «ببركة» أ، مط، مب «بيزكه» بالإهمال، والصواب في ط، ها.
[6] أبو زيد: كنية عمر بن شبة.
قال أبو عبيدة: وقال في ذلك عمرو بن معديكرب:
صوت
ألمم بسلمى قبل أن تظعنا ... إنّ لنامن حبّها ديدنا
قد علمت سلمى وجاراتها ... ما قطّر الفارس إلا أنا
شككت بالرمح حياز يمه ... والخيل تعدو زيما بيننا [1]
غنى فيه الغريض ثاني ثقيل بالسبابة في مجرى البنصر. وفيه رمل بالبنصر يقال إنه لمعبد. ويقال إنه من منحول يحيى المكي.
/ قال أبو عبيدة في رواية أبي زيد عمر بن شبة:
شهد عمرو بن معديكرب القادسية وهو ابن مائة وستّ سنين. وقال بعضهم: بل ابن مائة وعشر. وقال: ولما قتل العلج عبر نهر القادسية هو وقيس بن مكشوح المرادي، ومالك بن الحارث الأشتر.
قال: فحدّثني يونس أنّ عمرو بن معديكرب كان آخرهم، وكانت فرسه ضعيفة فطلب غيرها، فأتي بفرس فأخذ بعكوة ذنبه [2] وأخلد به إلى الأرض، فأقعى الفرس فردّه، وأتى بآخر ففعل به مثل ذلك فتحلحل ولم يقع فقال: هذا على كلّ حال أقوى من تلك، وقال لأصحابه: إنّي حامل وعابر الجسر، فإن أسرعتم بمقدار جزر الجزور وجدتموني وسيفي بيدي أقاتل به تلقاء وجهي، وقد عقر بي القوم [3] وأنا قائم بينهم وقد قتلت وجرّدت. وإن أبطأتم وجدتموني قتيلا بينهم وقد قتلت وجرّدت. ثم انغمس فحمل في القوم فقال بعضهم: يا بني زبيد، تدعون صاحبكم واللّه ما نرى أن تدركوه حيا. فحملوا فانتهوا إليه وقد صرع عن فرسه، وقد أخذ برجل فرس رجل من العجم فأمسكها، وإنّ الفارس ليضرب الفرس فما تقدر أن تتحرّك من يده. فلما غشيناه رمى الأعجميّ بنفسه وخلّى فرسه، فركبه عمرو وقال: أنا أبو ثور، كدتم واللّه تفقدونني! قالوا: أين فرسك؟ قال رمي بنشّابة فشبّ فصرعني وعار [4].
وروى هذا الخبر محمد بن عمر الواقدي عن ابن أبي سبرة [5] عن أبي عيسى [6] الخياط. ورواه عليّ بن محمد أيضا عن مرّة عن أبي إسماعيل الهمذاني عن طلحة بن مصرّف. فذكرا مثل هذا.
ضربه فيل رستم:
قال الواقدي: وحدّثني أسامة بن زيد، عن أبان بن صالح قال:
قال عمرو بن معديكرب يوم القادسية: ألزموا خراطيم الفيلة السّيوف، فإنه ليس لها مقتل إلّا خراطيمها. ثم
__________
[1] زيما: متفرقة.
[2] العكوة، بالضم: أصل الذنب.
[3] عقروا به، أي عقروا فرسه. ومنه الحديث: «فعقر حنظلة الراهب بأبي سفيان بن حرب» أي عرقب دابته. ما عدا ط، مط، ها:
«عقرني القوم»، محرّف.
[4] عار يعير عيارا: ذهب كأنه منفلت.
[5] كذا على الصواب في ها، مب. وفي سائر النسخ: «عن أبي سبرة».
[6] مط، ها: «عن عيسى».
شدّ على/ رستم وهو على الفيل فضرب فيله فجذم عرقوبيه فسقط، وحمل رستم على فرس وسقط من تحته خرج فيه أربعون ألف دينار، فحازه المسلمون، وسقط رستم بعد ذلك عن فرسه [1] فقتله.
مصرع رستم:
قال علي بن محمد المدائني: حدّثني علي بن مجاهد عن ابن إسحاق قال:
لمّا ضرب عمرو الفيل وسقط رستم، سقط على رستم خرج كان على ظهر الفيل فيه أربعون ألف دينار، فمات رستم من ذلك، وانهزم المشركون.
تنكيله بالفرس يوم القادسية:
وقال الواقدي: حدّثني ابن أبي سبرة، عن موسى بن عقبة عن أبي حبيبة مولى آل الزبير قال: حدّثنا نيار بن مكرم الأسلمي [2]، قال:
شهدت القادسية فرأيت يوما اشتدّ فيه القتال بيننا وبين الفرس، ورأيت رجلا يفعل يومئذ بالعدوّ أفاعيل، يقاتل فارسا ثم يقتحم عن فرسه ويربط مقوده في حقوه فيقاتل، فقلت: من هذا جزاه اللّه خيرا؟ قالوا: هذا عمرو بن معديكرب.
قدوم عيينة بن حصن على عمرو:
أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال: أخبرنا السكن بن سعيد، عن محمد بن عباد، عن ابن الكلبيّ، عن خالد بن سعيد، عن أبي محمد المرهبيّ قال:
كان شيخ يجالس عبد الملك بن عمير، فسمعته يحدّث قال:
/ قدم عيينة بن حصن الكوفة فأقام بها أياما ثم قال: واللّه مالي بأبي ثور عهد منذ قدمنا هذا الغائط - يعني عمرو بن معد يكرب - أسرج لي يا غلام. فأسرج له فرسا أنثى من خيله، فلما قرّبها إليه قال له: ويحك أرأيتني ركبت أنثى في الجاهلية فأركبها في الإسلام؟ فأسرج له حصانا فركبه، وأقبل إلى محلّة بني زبيد فسأل عن محلّة عمرو فأرشد إليها، فوقف ببابه ونادى: أي أبا ثور، اخرج إلينا. فخرج إليه مؤتزرا كأنما كسر وجبر، فقال: انعم صباحا أبا مالك. فقال: أو ليس قد أبدلنا اللّه تعالى بهذا: السّلام عليكم؟ قال: دعنا مما لا نعرف، انزل فإنّ عندي كبشا ساحّا [3]. فنزل فعمد إلى الكبش فذبحه ثم كشط عنه وعضّاه [4]، وألقاه في قدر جماع [5]، وطبخه حتّى إذا أدرك جاء بجفنة عظيمة فثرد فيها فأكفأ القدر عليها، فقعدا فأكلاه، ثم قال له: أيّ الشراب أحبّ إليك: آللبن أم ما كنا نتنادم عليه في الجاهلية؟ قال: أو ليس قد حرّمها اللّه جل وعزّ علينا في الإسلام؟ قال: أنت أكبر سنا أم أنا؟
قال: أنت. قال: فأنت أقدم إسلاما أما أنا؟ قال: أنت. قال: فإنّي قد قرأت ما بين دفّتي المصحف فو اللّه ما وجدت
__________
[1] ط، مط، مب: «من فرسه». ها: «عن الفرس» وأثبت ما في سائر النسخ.
[2] نيار، بكسر النون، بن مكرم بضم أوّله وسكون ثانيه، اختلف في صحبته. ترجم له في «تهذيب التهذيب» و «الإصابة». ط، مط، ها، مب: «سيّار» محرّف.
[3] ساحا: بالغا غاية السمن. ما عدا ط، مط، مب: «سياحا» محرف.
[4] أي كشط عنه جبلده وسلخه. وهذا ما في ط، مط. وفي أ: «كسف» وسائر النسخ: «كشف» محرفتان. وعضاه: قطعه عضوا عضوا.
[5] قدر جماع، بالكسر، أي عظيمة، وقيل هي التي تجمع الجزور.
لها تحريما إلا أنّه قال: فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ
فقلنا: لا. فسكت وسكتنا! فقال له: أنت أكبر سنّا وأقدم إسلاما.
فجاءا فجلسا يتناشدان ويشربان، ويذكران أيام الجاهلية، حتى مسيا، فلما أراد عيينة الانصراف. قال عمرو: لئن انصرف أبو مالك بغير حباء إنّه لوصمة عليّ. فأمر بناقة له أرحبية [1] كأنّها جبيرة لجين [2]، فارتحلها وحمله عليها، ثم قال: يا غلام هات المزود./ فجاء بمزود فيه أربعة ألاف درهم، فوضعها بين يديه، فقال: أمّا المال فو اللّه لا قبلته. قال: واللّه إنّه لمن حباء عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه. فلم يقبله عيينة وانصرف وهو يقول:
جزيت أبا ثور جزاء كرامة ... فنعم الفتى المزدار والمتضيّف
قرينت فأكرمت القرى وأفدتنا ... نخيلة علم لم يكن قطّ يعرف [3]
وقلت: حلال أن تدير مدامة ... كلون انعقاق البرق والليل مسدف
/ وقدّمت فيها حجّة عربية ... تردّ إلى الإنصاف من ليس ينصف
وأنت لنا واللّه ذي العرش قدوة ... إذا صدّنا عن شربها المتكلّف
نقول: أبو ثور أحلّ حرامها ... وقول أبي ثور أسدّ وأعرف [4]
قدومه على عمر بالمدينة وما كان من شراهته في الطعام
وقال علي بن محمد: حدّثني عبد اللّه بن محمد الثقفي عن أبيه، والهذليّ عن الشّعبي قال:
جاءت زيادة من عند عمر بعد القادسية فقال عمرو بن معد يكرب لطليحة: أما ترى أنّ هذه الزعانف تزاد ولا نزاد، انطلق بنا إلى هذا الرجل حتّى [5] نكلّمه. فقال: هيهات، كلّا واللّه لا ألقاه في هذا أبدا [6]، فلقد لقيني في بعض فجاج مكّة فقال: يا طليحة، أقتلت عكاشة [7]؟! فتوعّدني وعيدا ظننت أنّه قاتلي، ولا آمنه./ قال عمرو:
لكنّي ألقاه. قال: أنت وذاك. فخرج إلى المدينة فقدم على عمر رضي اللّه عنه وهو يغدّي الناس وقد جفّن لعشرة عشرة، فأقعده عمر مع عشرة فأكلوا ونهضوا، ولم يقم عمرو، فأقعد معه تكملة عشرة [فأكلوا ونهضوا ولم يقم عمرو، فأقعده مع عشرة] [8] حتّى أكل مع ثلاثين ثم قال، فقال: يا أمير المؤمنين إنّه كانت لي مآكل في الجاهلية منعني منها الإسلام، وقد صررت في بطن صرّتين وتركت بينهما هواء فسدّه. قال: عليك حجارة من حجارة الحرّة فسدّه به يا عمرو، إنّه بلغني أنّك تقول إنّ لي سيفا يقال له الصمصامة، وعندي سيف أسمّيه المصمّم، وإني إن وضعته بين أذنيك لم أرفعه حتّى يخالط أضراسك.
__________
[1] أرحبية: نسبة إلى بني أرحب بطن من همدان، أو أرحب موضع أو فحل تنسب إليه تلك العجائب.
[2] الجبيرة: السوار من الذهب أو الفضة. س: «حبيرة» صوابه في سائر النسخ.
[3] نخيلة هو ما ورد في ها، وفي مط «خبيئة علم». وفي ط، مب «يحمه» مهملة وفي أ: «نخيبة» وفي سائر النسخ «تحية علم».
و «يكن» و «يعرف» هي بالتاء في س.
[4] هذا البيت ساقط من ج. ما عدا ط: «يقول» لكن في مط: «تقول».
[5] هذه الكلمة من ط، مط، مب.
[6] ما عدا ط، مط، مب: «كلا واللّه ألقاه في هذا المعنى أبدا» محرف.
[7] في الأصول ما عدا مط، مب: «أقبلت»، تحريف. وفي «الإصابة» 4283: «و هرب طليحة إلى الشام ثم أحرم بالحج فرآه عمر فقال: إني لا أحبك بعد قتل الرجلين الصالحين: عكاشة بن محصن وثابت بن أقرم، وكانا طليقين لخالد، فلقيهما طليحة وسلمة فقتلاهما». وسلمة، هو أخو طليحة بن خويلد الأسدي.
[8] هذه التكمة من ط، مط، مب.
لقاء جبيلة وربيعة لعمرو وشدّتهما عليه
وذكر ابن الكلبي [1] ومحمد بن كناسة أنّ جبيلة بن سويد بن ربيعة بن رباب، لقي عمرو بن معد يكرب وهو يسوق ظعنا له فقال عمرو لأصحابه: قفوا حتّى آتيكم بهذه الظعن. فقرّب نحوه حتى إذا دنا منه قال: خلّ سبيل الظّعن. قال: فلم إذا ولدتني؟ ثم شدّ على عمرو فطعنه فأذراه عن فرسه وأخذ فرسه، فرجع إلى أصحابه فقالوا: ما وراءك؟ قال: كأنّي رأيت منيّتي في سنانه.
وبنو كنانة يذكرون أنّ ربيعة بن مكدّم الفراسيّ، طعن عمرو بن معد يكرب فأذراه عن فرسه وأخذ فرسه. وأنّه لقيه مرّة أخرى فضربه فوقعت الضربة في قربوس السّرج فقطعه حتّى عض السيف بكاثبة [2] الفرس، فسالمه عمرو وانصرف.
سؤال عمرو لمجاشع ابن مسعود
قال المدائني: حدّثني مسلمة بن محارب، عن داود بن أبي هند قال:
حمل عمرو بن معد يكرب حمالة [3]، فأتى مجاشع بن مسعود يسأله فيها.
/ وقال خالد بن خداش: حدّثني أبو عوانة عن حصين بن عبد الرحمن قال:
بلغني أنّ عمرا أتى مجاشع بن مسعود فقال له: أسألك حملان [4] مثلي، وسلاح مثلي. قال: إن شئت أعطيتك ذاك من مالي. ثم أعطاه حكمه. وكان الأحنف أمر له بعشرين ألف درهم، وفرس جواد عتيق، وسيف صارم، وجارية نفيسة، فمرّ ببني حنظلة فقالوا له: يا أبا ثور، كيف رأيت صاحبك؟ فقال: للّه بنو مجاشع ما أشدّ في الحرب لقاءها، وأجزل في اللّزبات عطاءها [5]، وأحسن في المكرمات ثناءها، لقد قاتلتها فما أقللتها [6]، وسألتها فما أبخلتها، وهاجيتها فما أفحمتها!!.
قوّة عمرو بن معد يكرب
وقال أبو المنهال عيينة بن المنهال: سمعت أبي يحدث قال:
جاء رجل وعمرو بن معد يكرب واقف بالكناسة [7] على فرس له، فقال: لأنظرن ما بقي من قوّة أبي ثور.
فأدخل يده بين ساقيه وبين السّرج، وفطن عمرو فضمّها عليه وحرك فرسه، فجعل الرجل يعدو مع الفرس لا يقدر أن
__________
[1] ما عدا مط، حا، مب، ط «ابن النطاح».
[2] الكاثبة: هي من الفرس مجتمع كتفيه قدام السرج.
[3] الحمالة، كسحابة: الدية يحملها قوم عن قوم.
[4] الحملان، مصدر حمل. عنى به ما يحمل عليه.
[5] اللزبة: الشدة والقحط. والجمع بسكون الزاي لأنه صفة.
[6] أقللتها، القاف، أي عددتها قليلة. وفي ط، أ: «أفللتها» فإن صحت كانت مأخوذة من الفل، وهم القوم المنهزمون وفي ها:
«فللتها».
[7] الكناسة، بالضم: محلة بالكوفة.
ينزع يده، حتّى إذا بلغ منه قال: يا ابن أخي، مالك؟ / قال: يدي تحت ساقك! فخلّى عنه، وقال: يا ابن أخي، إنّ في عمك لبقيّة!!.
شهرته بالكذب
وكان عمرو مع ما ذكرنا من محلّه مشهورا بالكذب:
أخبرني علي بن سليمان الأخفش قال: حدّثنا محمد بن يزيد النحوي المبرّد ولم يتجاوزه. وذكر ابن النطاح هذا الخبر بعينه عن محمد بن سلام، وخبر المبرد أتمّ قال:
/ كانت الأشراف بالكوفة يخرجون إلى ظاهرها يتناشدون الأشعار، ويتحدثون ويتذاكرون أيام الناس، فوقف عمرو إلى جانب خالد بن الصّقعب النهديّ، فأقبل عليه يحدّثه ويقول: أغرت على بني نهد فخرجوا إليّ مسترعفين [1] بخالد بن الصّقعب يقدمهم، فطعنته طعنة فوقع، وضربته بالصمصامة حتّى فاضت نفسه [2]! فقال له الرجل: يا أبا ثور إنّ مقتولك الذي تحدّثه. فقال: اللهم غفرا إنّما أنت محدّث [3] فاسمع، إنّما نتحدث بمثل هذا وأشباهه لنرهب هذه المعدّيّة.
قال محمد بن سلام: وقال يونس: أبت العرب إلّا أنّ عمرا كان يكذب. قال: وقلت لخلف الأحمر وكان مولى الأشعريين، وكان يتعصّب لليمانية، أكان عمرو يكذب؟ قال: كان يكذب باللّسان، ويصدق بالفعال.
هو وسعد يتقارضان الثناء
أخبرني إبراهيم بن أيوب عن ابن قتيبة [4]:
أنّ سعدا كتب إلى عمر رضي اللّه عنه يثني على عمرو بن معد يكرب، فسأله عمر عن سعد فقال: «هو لنا كالأب أعرابيّ في نمرته [5]، أسد في تامورته [6]، يقسم بالسويّة، ويعدل في القضية، وينفر في السريّة، وينقل إلينا حقّنا كما تنقل الذرة» فقال عمر رضوان اللّه عليه: لشدّ ما تقارضتما الثناء [7].
ثناء سعد عليه
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا الحارث عن ابن سعد عن الواقدي عن بكير بن مسمار [8] عن زياد مولى سعد قال:
/ سمعت سعدا يقول وبلغه أنّ عمرو بن معد يكرب وقع في الخمر، وأنّه قد دلّه. فقال: لقد كان له موطن
__________
[1] الاسترعاف: السق والتقدم.
[2] ج، أ، ها، مب: «فاظت نفسه» بالظاء، وهما بمعنى، أي خرجت. وعن بعض اللغويين أنه لا يقال فاظت نفسه، وإنما يقال فاظ، بدون ذكر النفس، فإذا ذكرت النفس قيل فاضت بالضاد.
[3] المحدث: الملهم ما يقول.
[4] الخبر التالي في «الشعر والشعراء» 333.
[5] النمرة: شملة فيها خطوط بيض وسود، أو بردة من صوف تلبسها الأعراب.
[6] التامورة: عرين الأسد.
[7] ما عدا ط، ها، مط، مب: «الشهادة» وما في ط يطابق «الشعر والشعراء» و «البيان» (2: 68).
[8] س: «يسار» «تحريف». ولبكير بن مسمار ترجمة في «تهذيب التهذيب».
صالح يوم القادسية، عظيم الغناء، شديد النّكاية للعدوّ. فقيل له: فقيس بن مكشوح؟ فقال: هذا أبذل لنفسه من قيس، وإنّ قيسا لشجاع.
موت عمرو
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري، قال: حدثنا عمّر بن شبة وأخبرني إبراهيم بن أيوب عن ابن قتيبة.
ونسخت هذا الخبر من رواية ابن الكلبي خاصة: حدثني أسعر بن عمرو بن جرير، عن خالد بن قطن قال: حدّثني من شهد موت عمرو بن معد يكرب، والرواية قريبة، وحكايتا عمر بن شبّة وابن قتيبة عن أنفسهما ولم يتجاوزاها، قالا:
كانت مغازي العرب إذ ذاك الريّ ودستبى [1]، فخرج عمرو مع شباب من مذحج حتّى نزل الخان الذي دون روذة، فتغدّى القوم ثم ناموا، وقام كلّ رجل منهم لقضاء حاجته، وكان عمرو إذا أراد الحاجة لم يجترىء أحد أن يدعوه وإن أبطأ، فقام الناس للرحيل وترحّلوا إلّا من كان في الخان الذي فيه عمرو، فلما أبطأ صحنا به: يا أبا ثور.
فلم يجبنا وسمعنا علزا [2] شديدا، ومراسا في الموضع الذي دخله، وقصدناه فإذا به محمرة عيناه، مائلا شدقه مفلوجا، فحملناه على فرس وأمرنا غلاما شديد الذّراع فارتدفه ليعدل ميله، فمات بروذة ودفن على قارعة الطريق.
رثاء امرأته الجعفية له
فقالت امرأته الجعفية ترثيه:
/لقد غادر الركب الذين تحمّلوا ... بروذة شخصا لا ضعيفا ولا غمرا
فقل لزبيد بل لمذحج كلّها ... فقدتم أبا ثور سنانكم عمرا
/ فإن تجزعوا لا يغن ذلك عنكم ... ولكن سلوا الرحمن يعقبكم صبرا
شعره في أخته ريحانة لما سباها الصمة
والأبيات العينية التي فيها الغناء، وبها افتتح ذكر عمرو [3]، يقولها في أخته ريحانة بنت معد يكرب لمّا سباها الصّمة بن بكر، وكان أغار على بني زبيد في قيس فاستاق أموالهم وسبى ريحانة، وانهزمت زبيد بين يديه، وتبعه عمرو وأخوه عبد اللّه ابنا معد يكرب، ثم رجع عبد اللّه واتّبعه عمرو.
فأخبرنا أبو خليفة عن محمد بن سلام أنّ عمرا اتّبعه يناشده أن يخلّي عنها، فلم يفعل، فلما يئس منها ولّى وهي تناديه بأعلى صوتها: يا عمرو! فلم يقدر على انتزاعها، وقال:
أمن ريحانة الدّاعي السّميع ... يؤرّقني وأصحابي هجوع
سباها الصّمّة الجشميّ غصبا ... كأنّ بياض غرّتها صديع [4]
__________
[1] كذا على الصواب في أ، ها. وفي ط، مط، مب: «دستي» وسائر النسخ «دستي». وانظر ما سبق في ص 214.
[2] العلز، بالتحريك: الكرب والقلق عند الموت.
[3] انظر ما سبق في ص 207.
[4] الصديع: الفجر؛ لانصداعه وانشقاقه.
وحالت دونها فرسان قيس ... تكشّف عن سواعدها الدّروع
إذا لم تستطع شيئا فدعه ... وجاوزه إلى ما تستطيع
وزاد الناس في هذا الشعر وغنّى فيه:
وكيف أحبّ من لا أستطيع ... ومن هو للذي أهوى منوع
ومن قد لامني فيه صديقي ... وأهلي ثمّ كلّا لا أطيع
ومن لو أظهر البغضاء نحوي ... أتاني قابض الموت السريع [1]
فدى لهم معا عمّي وخالي ... وشرخ شبابهم إن لم يطيعوا
قصته مع ريحانة
وقد أخبرني الحسين [2] بن يحيى قال: قال حماد: قرأت على أبي:
/ وأما قصّة ريحانة فإن عمرو بن معد يكرب تزوّج امرأة من مراد، وذهب مغيرا قبل أن يدخل بها، فلما قدم أخبر أنّه قد ظهر بها وضح - وهو داء تحذره العرب - فطلّقها وتزوّجها رجل آخر من بني مازن بن ربيعة، وبلغ ذلك عمرا وأن الذي قيل فيها باطل، فأخذ يشبّ بها، فقال قصيدته وهي طويلة:
أمن ريحانة الداعي السميع ... يؤرّقني وأصحابي هجوع
مقتل عبد اللّه بن معد يكرب
وكان عبد اللّه بن معد يكرب، أخو عمرو، رئيس بني زبيد، فجلس مع بني مازن في شرب منهم [3]. فتغنّى عنده حبشيّ عبد للمخزّم، أحد بني مازن، في امرأة من بني زبيد، فلطمه عبد اللّه وقال له: أما كفاك أن تشرب معنا حتى تشبب بالنساء؟ فنادى الحبشيّ: يا آل بني مازن! فقاموا إلى عبد اللّه فقتلوه، وكان الحبشيّ عبدا للمخزم، فرئّس عمرو مكان أخيه، وكان عمرو غزا هو وأبيّ المراديّ فأصابوا غنائم، فادّعى أبيّ أنه قد كان مساندا، فأبى عمرو أن يعطيه شيئا، وكره أبيّ أن يكون بينهما شرّ، لحداثة قتل أبيه، فأمسك عنه. وبلغ عمرا أنّه توعّده، فقال عمرو في ذلك قصيدة له أوّلها:
شعر عمرو في توعد أبيّ له
صوت
أعاذل شكّتي بدني ورمحي ... وكلّ مقلّص سلس القياد [4]
أعاذل إنّما أفنى شبابي ... وأقرح عاتقي ثقل النّجاد
__________
[1] كذا في ط، ح، ها، مط، مب. وفي سائر النسخ: «قانص».
[2] ط: «الحسن».
[3] الشرب: جماعة الشاربين.
[4] المقلص: الفرس الطويل القوائم المنضم البطن.
تمنّاني ليلقاني أبيّ ... وددت وأينما منّي ودادي [1]
/و لو لاقيتني ومعي سلاحي ... تكشّف شحم قلبك عن سواد
أريد حباءه ويريد قتلي ... عذيرك من خليلك من مراد [2]
وتمام هذه الأبيات:
تمنّاني وسابغتي دلاص ... كأنّ قتيرها حدق الجراد [3]
وسيفي كان من عهد ابن صدّ ... تخيّره الفتى من قوم عاد
ورمحي العنبريّ تخال فيه ... سنانا مثل مقباس الزّناد
وعلجزة يزلّ اللّبد عنها ... أمرّ سراتها حلق الجياد [4]
إذا ضربت سمعت لها أزيرا ... كوقع القطر في الأدم الجلاد [5]
إذا لوجدت خالك غير نكس ... ولا متعلّما قتل الوحاد [6]
يقلّب للأمور شر نبثات ... بأظفار مغارزها حداد
لابن سريج في الأوّل والثاني ثقيل بالبنصر، ولابن محرز في السادس والخامس ثاني ثقيل بالخنصر في مجرى الوسطى، وفي الرابع والخامس والسادس لحن للهذلي من رواية يونس.
/ وهذا البيت الخامس كان عليّ بن أبي طالب عليه السلام إذا نظر إلى ابن ملجم تمثل به.
تمثل علي ببيت من شعره
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدّثنا عمر بن شبة قال: حدّثنا حيّان [7] بن بشر قال حدّثنا جرير عن حمزة الزيات قال:
كان عليّ عليه السلام إذا نظر إلى ابن ملجم قال:
أريد حباءه ويريد قتلي ... عذيرك من خليلك من مراد
مقال علي في ابن ملجم
حدّثني العباس بن علي بن العباس، ومحمد بن خلف وكيع قالا: حدّثنا أحمد بن منصور الرمادي قال: حدّثنا عبد الرزّاق قال: أخبرنا معمر، عن أيوب، عن ابن سيرين، عن عبيدة السّلماني قال:
كان عليّ بن أبي طالب إذا أعطى الناس فرأى ابن ملجم قال:
__________
[1] في «سمط اللآلى ء» 63: «ليلقاني قبيس» مصغر قيس بن مكشوح المرادي. انظر التنبيه التالي.
[2] في «الإصابة» 7307 و «معجم المرزباني» 209 و «سمط اللآلى» و «الكامل» 550 ليبسك، أن الذي قيل فيه الشعر هو قيس بن مكشوح المرادي، وهو ابن أخت عمرو.
[3] الدلاص: الدرع الملساء اللينة. والقتير: رءوس مسامير الدرع. ما عدا ط، ها، مط، مب: «حلق الجراد» تحريف.
[4] العجلزة: الفرس الشديدة الخلق. ح: «خلق» بالخاء المعجمة. ط: «الحياد» بالحاء المهملة.
[5] الجداد، في ها. وفي سائر النسخ: «الجلاد».
[6] ما عدا ط، ها، مط، مب: «قبل». والوحاد، هي في ح «الوخاد».
[7] مط: «حسان».
أريد حباءه ويريد قتلي ... عذيرك من خليلك من مراد
حدّثني محمد بن الحسن الأشناني قال: حدّثنا علي بن المنذر الطّريفي قال: حدّثنا محمد بن فضيل قال:
حدّثنا فطر بن خليفة [1] عن أبي الطفيل عامر بن واثلة [2]، والأصبغ بن نباتة قال:
قال علي عليه السلام: ما يحبس أشقاها [3]؟ والذي نفسي بيده لتخضبنّ هذه من هذا.
/ قال أبو الطفيل: وجمع عليّ الناس للبيعة فجاء عبد الرحمن بن ملجم المراديّ، فردّه مرّتين أو ثلاثا ثم بايعه، ثم قال: ما يحبس أشقاها؟ فو الذي نفسي بيده لتخضبنّ هذه من هذا. ثم تمثل بهذين البيتين:
اشدد حيازيمك للموت ... فإنّ الموت يأتيك [4]
ولا تجزع من القتل ... إذا حلّ بواديك
__________
[1] في «الأصول»: «قطن بن خليفة» صوابه ما أثبت.
[2] الكلام بعده إلى «و نهض على الحال» في ص 234 ساقط من أ.
[3] اقتبسه من قول اللّه تعالى: إِذِ انْبَعَثَ أَشْقاها
، وهو عاقر ناقة صالح الذي بعقره أصيب قومه بعذاب اللّه.
[4] هذا ما يسميه علماء العروض بالخزم، بالزاي، وهو الزيادة على وزن البيت في أوله. انظر «العمدة» (1: 92) و «الكامل» 552 ليبسك. وهذا أقصى ما يزاد في الخزم، كما نص ابن رشيق، إذ زاد أربعة أحرف، وهي «اشدد». ها: «آتيك».
رجع الخبر إلى سياقة خبر عمرو
تعبير أخته كبشة له حين هم بأخذ الدية
قال: وجاءت بنو مازن إلى عمرو فقالوا: إن أخاك قتله رجل منا سفيه وهو سكران، ونحن يدك وعضدك، فنسألك الرحم وإلّا أخذت الدية ما أحببت! فهمّ عمرو بذلك. وقال:
إحدى يديّ أصابتني ولم ترد [1]
فبلغ ذلك أختا لعمرو يقال لها كبشة، وكانت ناكحا في بني الحارث بن كعب،/ فغضبت، فلما وافى الناس من الموسم قالت شعرا تعيّر عمرا:
أرسل عبد اللّه إذ حان يومه ... إلى قومه لا تعقلوا لهم دمي
ولا تأخذوا منهم إفالا وأبكرا ... وأترك في بيت بصعدة مظلم [2]
ودع عنك عمرا إنّ عمرا مسالم ... وهل بطن عمرو غير شبر لمطعم
فإن أنتم لم تقبلوا واتّديتم ... فمشّوا بآذان النّعام المصلّم [3]
أيقتل عبد اللّه سيّد قومه ... بنو مازن أن سبّ راعى المخزّم
فقال عمرو قصيدة له عند ذلك يقول فيها:
صوت
أرقت وأمسيت لا أرقد ... وساورني الموجع الأسود
وبتّ لذكري بني مازن ... كأنّي مرتفق أرمد [4]
فيه لحن من خفيف الثقيل الأوّل بالوسطى، نسبه يحيى المكي إلى ابن محرز، وذكر الهشامي [5] أنّه منحول.
__________
[1] البيت لأعرابي قتل أخوه ابنا له، مما اختاره أبو تمام في «الحماسة» (1: 66). وهو:
أقول للنفس تأساء وتعزية ... إحدى يدي أصابتني ولم ترد
كلاهما خلف من فقد صاحبة ... هذا أخي حين أدعوه وذا ولدي
[2] الإفال: جمع أفيل، وهو من أولاد الإبل ما بلغ سبعة أشهر. وإنما ذكر الإفال والأبكر تحقيرا لشأن الدية، إذ الدية لا تكون منهما.
وصعدة: مخلاف باليمن.
[3] في «الحماسة»: «لم تنأروا»، واتديتم: قبلتم الدية. المصلم: المجدع.
[4] المرتفق: المتكىء على مرفق يده.
[5] الكلام بعده إلى ما قبل الصوت التالي ناقص من ط.
ثم أكبّ على بني مازن وهم غارّون [1] فقتلهم، وقال في ذلك شعرا:
خذوا حققا مخطّمة صفايا ... وكيدي يا مخزّم أن أكيدا [2]
قتلتم سادتي وتركتموني ... على أكتافكم عبئا جديدا [3]
[فمن يأبى من الأقوام نصرا ... ويتركنا فإنّا لن نريدا
وأرادت بنو مازن أن تردّ عليهم الديّة لما آذنهم بحرب، فأبى عمرو، وكانت بنو مازن من أعداء مذحج، وكان عبد اللّه أخا كبشة لأبيها وأمّها دون عمرو، وكان عمرو قد همّ بالكف عنهم حين قتل من قتل منهم، فركبت كبشة في نساء من قومها وتركت عمرا أخاها وعيّرته فأحمته، فأكبّ عليهم أيضا بالقتل، فلما أكثر فيهم القتل تفرّقوا، فلحقت بنو مازن بصاحبهم بتميم، ولحقت ناشرة بني أسد، وهم رهط الصقعب بن الصحصح، ولحقت فالج بسليم بن منصور. وفالج وناشرة ابنا أنمار بن مازن بن ربيعة بن منبّه بن صعب بن سعد العشيرة، وأمّهما هند بنت عدس بن زيد بن عبد اللّه بن دارم. فقال كابية بن حرقوص بن مازن:
/يا ليلتي ما ليلتي بالبلدة ... ردّت عليّ نجومها فارتدت
من كان أسرع في تفرّق فالج ... فلبونه جربت معا وأغدّت
هلّا كناشرة الذي ضيّعتم ... كالغصن في غلوائه المتنبت] [4]
وقال عمرو في ذلك:
تمنّت مازن جهلا خلاطي ... فذاقت مازن طعم الخلاط
أطلت فراطكم عاما فعاما ... ودين المذحجيّ إلى فراط [5]
أطلت فراطكم حتّى إذا ما ... قتلت سراتكم كانت قطاط [6]
غدرتم غدرة وغدرت أخرى ... فما إن بيننا أبدا يعاط [7]
غناء إحدى الجواري ببيت من شعره
أخبرني الحسين بن يحيى قال: قال حماد: قرأت على أبي قال المدائني:
حدّثني رجل من قريش قال: كنا عند فلان القرشيّ فجاءه رجل بجارية فعنته:
باللّه يا ظبي بني الحارث ... هل من وفى بالعهد كالناكث
__________
[1] غارون: في غرة وغفلة.
[2] الحقق، بضمتين: جمع حق وحقة بالكسر فيهما، وهو من الإبل ما استكمل الثالثة ودخل في الرابعة. وفي «الأصول» ما عدا مط، مب: «حقا» وفيها ما عدا مب: «ما أكيدا».
[3] كذا في ها، مب. وفي سائر النسخ: «سادتي عرضا فإني على أكتافكم عث».
[4] التكملة من ها، مب.
[5] أي أطلت إمهالكم والتأني بكم إلى أن قتلتكم.
[6] قطاط، بوزن قطام، أي حسبي. وفي «اللسان» (قطط): «قالت قطاط».
[7] يعاط: زجر في الحرب، وهي كلمة ينذر بها الرقيب أهله إذا رأى جيشا. يقول: ليس بيننا إنذار، إنما نفاجىء بالحرب مفاجأة. وفي «الأصول»: «تعاطى».
وغنته أيضا بغناء ابن سريج:
يا طول ليلي وبتّ لم أنم ... وسادى الهمّ مبطن سقمي
فأعجبته واستام مولاها، فاشتطّ عليه فأبى شراءها، وأعجبت الجارية بالفتى، فلما امتنع مولاها من البيع إلّا بشطط قال القرشي: فلا حاجة لنا في جاريتك. فلما قامت الجارية للانصراف رفعت صوتها تغنّي وتقول:
إذا لم تستطع شيئا فدعه ... وجاوزه إلى ما تستطيع
/ قال: فقال الفتى القرشي: أفأنا لا أستطيع شراءك، واللّه لأشترينّك بما بلغت.
قالت الجارية: فذاك أردت. قال القرشيّ: إذا لأجبتك. وابتاعها من ساعته. واللّه أعلم.
نسبة ما في هذا الخبر من الغناء
صوت
باللّه يا ظبي بني الحارث ... هل من وفى بالعهد كالناكث
لا تخدعنّي بالمنى باطلا ... وأنت بي تلعب كالعابث
عروضه من السريع، الشعر لعمر بن أبي ربيعة، والغناء لابن سريج، رمل بالبنصر، وفيه لسياط خفيف ثقيل أوّل بالوسطى، وفيه لإبراهيم الموصليّ لحن من رواية بدل. ومنها:
صوت
يا طول ليلى وبتّ لم أنم ... وسادي الهمّ مبطن سقمي
إذ قمت ليلا على البلاط فأب ... صرت ربيبا فليت لم أقم [1]
فقلت عوجي تخبّري خبرا ... وأنت منه كصاحب الحلم
قالت بل اخشى العيون إذ حضرت ... حولى وقلي مباشر الألم
[عروضه من المنسرح [2]. والشعر [3] و] الغناء لابن سريج، رمل بالسبابة في مجرى الوسطى عن إسحاق.
مناظرة محمد بن العباس الصولي وعلي بن الهيثم في حضرة المأمون
وذكر محمد بن الفضل الهاشمي قال حدّثنا أبي قال:
كان المأمون قد أطلق لأصحابه الكلام والمناظرة في مجلسه، فناظر بين يديه محمّد بن العباس الصوليّ عليّ بن الهيثم جونقا [4] في الإمامة، فتقلّدها أحدهما ودفعها الآخر، فلجّت المناظرة بينهما إلى أن نبّط محمد
__________
[1] الربيب: المربي، عنى ظبيا ربيبا شبه به صاحبته. مط، مب: «فأبصرت زينبا». وفي سائر النسخ ما عدا ط: «رشاقا» وصواب هذه «رشا فيا ليت لم أقم».
[2] في الأصل، وهو هنا ط، مط، مب: «من الخفيف».
[3] التكملة من ط، مط، مب.
[4] ما عدا ط، ها، مط، مب: «حولنا» وصوابه وضبطه من هذه النسخ، كما هو في مواضع أخرى من «الأغاني».
عليا [1] فقال له علي: إنّما تكلّمت بلسان غيرك، ولو كنت في غير هذا المجلس لسمعت أكثر مما قلت! فغضب المأمون وأنكر على محمد ما قاله وما كان منه من سوء الأدب بحضرته، ونهض عن فرشه ونهض الجلساء فخرجوا، وأراد محمد الانصراف فمنعه علي بن صالح صاحب المصلّى، وهو إذ ذاك يحجب المأمون، وقال: أفعلت ما فعلت بحضرة أمير المؤمنين ونهض على الحال [2] التي رأيت، ثم تنصرف بغير إذن، اجلس حتى نعرف رأيه فيك. وأمر بأن يجلس.
غضب المأمون على محمد الصولي
قال: ومكث المأمون ساعة فجلس على سريره، وأمر بالجلساء فردّوا إليه، فدخل إليه عليّ بن صالح فعرّفه ما كان من قول علي بن محمد في الانصراف، وما كان من منعه إياه، فقال: دعه ينصرف إلى لعنة اللّه. فانصرف، وقال المأمون لجلسائه: أتدرون لم دخلت إلى النساء في هذا الوقت؟ قالوا: لا. قال: إنّه لمّا كان من أمر هذا الجاهل ما كان لم آمن فلتات الغضب، وله بنا حرمة، فدخلت إلى النساء فعابثتهنّ [3] حتّى سكن غضبي.
احتيال أحمد الأحوال لتولية طاهر خراسان
قال: وما مضى محمد عن وجهه إلّا إلى طاهر، فسأله الركوب إلى المأمون، وأن يستوهبه جرمه، فقال طاهر: ليس هذا من أوقاتي، وقد كتب إليّ خليفتي/ في الدار أنّه قد دعا بالجلساء. فقال: أكره أن أبيت ليلة وأمير المؤمنين عليّ ساخط. فلم يزل به حتّى ركب طاهر معه، فأذن له فدخل ومجير الخادم واقف على رأس المأمون، فلما بصر المأمون بطاهر أخذ منديلا فمسح به عينيه مرّتين أو ثلاثا، إلى أن وصل إليه وحرّك شفتيه بشيء أنكره طاهر، ثم دنا فسلّم، فردّ السلام وأمره بالجلوس [4] فجلس في موضعه، فسأله عن مجيئه في غير وقته، فعرّفه الخبر واستوهبه ذنب محمد، فوهبه له وانصرف؛ وعرّف محمدا ذلك. ثم دعا بهارون بن خنعويه، وكان شيخا خراسانيّا/ داهية ثقة عنده، فذكر له فعل المأمون وقال له: الق كاتب مجير والطف له، واضمن له عشرة آلاف درهم على تعريفك ما قاله المأمون ففعل ذلك ولطف له، فعرّفه أنّه لما رأى طاهرا دمعت عيناه وترحّم على محمد الأمين، ومسح دمعه بالمنديل، فلما عرف ذلك طاهر ركب من وقته إلى أحمد بن أبي خالد الأحوال - وكان طاهر لا يركب إلى أحد من أصحاب المأمون، وكلّهم يركب إليه - فقال له: جئتك لتولّيني خراسان وتحتال لي فيها. وكان أحمد يتولّى فضّ الخرائط بين يدي المأمون، وغسّان بن عبّاد يتولّى إذ ذاك خراسان، فقال له أحمد: هلّا أقمت بمنزلك وبعثت إليّ حتى أصير إليك ولا يشهر الخبر فيما تريده بما ليس من عادتك، لأنّ المأمون يعلم أنّك لا تركب إلى أحد من أصحابه، وسيبلغه هذا فينكره، فانصرف وأغض [5] عن هذا الأمر وأمهلني مدّة حتّى أحتال لك. ولبث مدّة، وزوّر ابن أبي خالد كتابا عن غسّان بن عباد إلى المأمون، يذكر فيه أنّه عليل وأنه لا يأمن على نفسه، ويسأل أن يستخلف غيره على خراسان، وجعله في خريطة وفضّها بين يدي المأمون،/ في خرائط وردت عليه، فلما قرأ
__________
[1] ثبط، كذا وردت في «الأصول». ولعل معناها شبهه بالنبط ونسبه إليهم.
[2] إلى هنا ينتهي سقط أالذي نبهت على مبدئه في ص 228.
[3] كذا في ط. وفي ح: «فعاتبهن» وأ، ها، مط، مب «فعاتبتهن» وسائر النسخ: «فعانقتهن» والأخيرة صحيحة كالأولى.
[4] بعده سقط في ط ينتهي إلى: «فغناه واحتفل فقال» في ص 236.
[5] س، ب: «و غض».
على المأمون الكتاب اغتمّ به وقال له: ما ترى؟ فقال: لعل هذه علّة عارضة تزول، وسيرد بعد هذا غيره فيرى حينئذ أمير المؤمنين رأيه. ثم أمسك أياما وكتب كتابا آخر ودسّه في الخرائط، يذكر فيه أنه تناهى في العلّة إلى ما لا يرجو معه نفسه، فلما قرأه المأمون قلق وقال: يا أحمد، إنه لا مدفع لأمر خراسان فما ترى؟ فقال: هذا رأي إن أشرت فيه بما أرى فلم أصب لم أستقبله، وأمير المؤمنين أعلم بخدمه ومن يصلح بخراسان منهم. قال: فجعل المأمون يسمّي رجالا ويطعن أحمد على واحد واحد منهم، إلى أن قال: فما ترى في الأعور؟ قال: إن كان عند أحد قيام بهذا الأمر ونهوض فيه فعنده. فدعا به المأمون فعقد له على خراسان، وأمره أن يعسكر، فعسكر بباب خراسان. ثم تعقّب الرأي فعلم أنّه قد أخطأ، فتوقّف عن أمضائه وخشي أن يوحش طاهرا بنقضه، فمضى شهر تامّ وطاهر مقيم بمعسكره. ثم إنّ المأمون في السّحر من ليلة أحد وثلاثين يوما من عقده له، عقد اللواء لطاهر ظاهرا، وأمر بإحضار مخارق المغنّي، فأحضر وقد صلّى المأمون الغداة مع طلوع الفجر، فقال: يا مخارق، أتغني:
إذا لم تستطع شيئا فدعه ... وجاوزه إلى ما تستطيع
وكيف تريد أن تدعى حكيما ... وأنت لكلّ ما تهوى تبوع
قال: نعم. قال: هاته. فغناه فقال: ما صنعت شيئا، فهل تعرف من يقوله أحسن مما تقوله؟ قال: نعم، علويه الأعسر. فأمر بإحضاره فكأنّه كان وراء السّتر، فأمره أن يغنّيه، فغنّاه واحتفل فقال [1]: ما صنعت شيئا أتعرف من يقوله أحسن مما تقوله؟ قال: نعم عمرو بن بانة شيخنا. فأمر بإحضاره فدخل في مقدار/ دخول علويه، فأمر بأن يغنيه الصوت، فغناه [فأحسن] [2] فقال: أحسنت ما شئت [3]، هكذا ينبغي أن يقال ... ثم قال: يا غلام اسقني رطلا واسق صاحبيه رطلا رطلا. ثم دعا له بعشرة آلاف درهم، وخلعة ثلاثة أثواب، ثم أمره بإعادته، فأعاده فردّ القول الذي قاله، وأمر له بمثل ما أمر، حتّى فعل ذلك عشرا، وحصل لعمرو مائة ألف درهم وثلاثون/ ثوبا، ودخل المؤذّنون فأذّنوه بالظهر، فعقد [4] إصبعه الوسطى بإبهامه وقال: «برق يمان، برق يمان». وكذلك كان يفعل إذا أراد أن ينصرف من بحضرته من الجلساء. فقال عمرو: يا أمير المؤمنين، قد أنعمت عليّ وأحسنت إليّ، فإن رأيت أن تأذن لي في مقاسمة أخويّ [5] ما وصل إليّ فقد حضراه؟ فقال: ما أحسن ما استمحت لهما، بل نعطيهما نحن ولا نلحقهما بك. وأمر لكلّ واحد بمثل [نصف] [6] جائزة عمرو، وبكر إلى طاهر فرحّله، فلما ثنى عنان دابته منصرفا دنا منه حميد الطوسيّ فقال: اطرح على ذنبه ترابا. فقال: اخسأ يا كلب! ونفذ [7] طاهر لوجهه، وقدم غسّان بن عبّاد فسأله عن علّته وسببها، فحلف له أنّه لم يكن عليلا، ولا كتب بشيء في هذا. فعلم المأمون أنّ طاهرا احتال عليه بابن أبي خالد، وأمسك على ذلك. فلما كان بعد مدّة من مقدم طاهر إلى خراسان قطع الدعاء للمأمون على المنبر يوم الجمعة، فقال له عون بن مجاشع بن مسعدة صاحب البريد: لم تدع في هذه الجمعة
__________
[1] إلى هنا ينتهي سقط ط الذي بدأ في ص 235.
[2] هذه من ط فقط.
[3] كذا في ط، ح، أ، ها، مط، مب وفي سائر النسخ «ما غنيت».
[4] ط، ها، مط، مب: «فنقد».
[5] ما عدا ط، ها، مط: «إخوتي» تحريف.
[6] هذه من ط، ها، مب. وفي مط: «لكل واحد بنصف».
[7] هذا الصواب في ط، ها، مط، مب. وفي سائر النسخ «و بعد».
لأمير المؤمنين؟ فقال: سهو وقع فلا تكتب به. وفعل مثل ذلك في الجمعة الثانية، وقال لعون: لا تكتب به، وفعله في الجمعة الثالثة فقال له عون: إنّ كتب التجّار لا تنقطع/ من بغداد، وإن اتّصل هذا الخبر بأمير المؤمنين من غيرنا لم آمن أن يكون سبب زوال نعمتي. فقال: اكتب بما أحببت. فكتب إلى المأمون بالخبر، فلما وصل كتابه دعا بأحمد بن أبي خالد وقال: إنّه لم يذهب عليّ احتيالك علي في أمر طاهر، وتمويهك له، وأنا أعطى اللّه عهدا لئن لم تشخص حتّى توافيني به كما أخرجته من قبضتي وتصلح ما أفسدته عليّ من أمر ملكي لأبيدنّ غضراءك [1]! فشخص أحمد وجعل يتلّوم في الطريق [2]، ويقول لأصحاب البرد [3]: اكتبوا بخبر علّة أجدها. فلما وصل الريّ لقيته الأخبار ووافاه رسل طلحة بن طاهر بوفاة طاهر، فأغذّ السير حتّى قدم خراسان، فلقيه طلحة على حدّ غفلة [4] فقال له أحمد: لا تكلّمني ولا ترني وجهك فإنّ أباك عرّضني للعطب وزوال النعمة، مع احتيالي له وسعي كان في محبّته. فقال له: أبي قد مضى لسبيله ولو أدركته لما خرج عن طاعتك، وأمّا أنا فأحلف لك بكلّ ما تسكن به نفسك [5] وأبذل كلّ ما عندي من مال وغيره، فاضمن له عنّي حسن الطاعة، وضبط الناحية، والإخلاص في النصيحة. فكتب أحمد بخبره وخبر طاهر وخبر طلحة إلى المأمون، وأشار بتقليده، فأنفذ المأمون إليه اللواء والخلع والعهد، وانصرف أحمد إلى مدينة السلام.
هجاء ابن هرمة لرجل من قريش وفيه اجتلاب بيت لعمرو
أخبرني وكيع قال حدّثني هارون بن محمد بن عبد الملك الزيات قال: حدّثني حمّاد بن إسحاق عن أبيه قال:
مدح ابن هرمة رجلا من قريش فلم يثبه، فقال له ابن عمّ له: لا تفعل، فإنه شاعر مفوّه. فلم يقبل منه، فقال فيه ابن هرمة:
/فهلّا إذ عجزت عن المعالي ... وعمّا يفعل الرجل القريع [6]
أخذت برأي عمرو وحين ذكىّ ... وشبّ لناره الشرف الرفيع
إذا لم تستطع شيئا فدعه ... وجاوزه إلى ما تستطيع
مما قاله في أخته ريحانة مما يتغنى به
ومما قاله عمرو بن معد يكرب في ريحانة أخته، وغنّي فيه، قوله:
/هاج لك الشوق من ريحانة الطربا ... إذ فارقتك وأمست دارها غربا [7]
ما زلت أحبس يوم البين راحلتي ... حتّى استمروا وأذرت دمعها سربا [8]
__________
[1] الغضرا: النعمة والخير وسعة العيش.
[2] التلوم: التلبث والانتظار.
[3] البرد: جمع بريد.
[4] حد كل شي ء: نهايته. وكذا وردت العبارة في ط، أ، ها، مط، مب. وفي سائر النسخ: «على حين غفلة».
[5] أشير في ط إلى أنها في نسخة: «بكل يمين تسكن إليها».
[6] القريع: السيد والرئيس.
[7] الغرب، بضمتين: الغريب، وذكره لتأويل الدار بالمنزل.
[8] أذرت: أرسلت. س: «درت». تحريف. والسرب: السائل.
حتّى ترفّع بالحزّان يركضها ... مثل المهاة مرته الريح فاضطربا [1]
والغانيات يقتّلن الرجال إذا ... ضرّجن بالزعفران الرّيط والنّقبا [2]
من كلّ آنسة لم يغذها عدم ... ولا تشدّ لشيء صوتها صخبا [3]
إنّ الغواني قد أهلكنني وأرى ... حبالهنّ ضعيفات القوى كذبا [4]
غنّى في هذا الشعر ابن سريج خفيف ثقيل من رواية حماد، وفيه رمل نسبه حبش إليه أيضا.
قصة نسبة هذا الشعر لسهل الغنوي
وقال الأصمعيّ: هذا الشعر لسهل بن الحنظلية الغنوي ثم الضّبيني ثم الجابري، وهو جابر بن ضبينة.
/ قال أبو الفرج الأصبهاني: وسهل بن الحنظلية أحد أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وقد روى عنه حديثا كثيرا.
فذكر الأصمعيّ أنّ السبب في قوله هذا الشعر أنّه اجتمع ناس من العرب بعكاظ، منهم قرّة بن هبيرة القشيري، في سنين تتابعت على الناس، فتواعدوا وتواقفوا أن لا يتغاوروا حتّى يخصب الناس [5] ثم قالوا: ابعثوا إلى المنتشر بن وهب الباهلي ثم الوائلي فليشهد أمرنا، ولندخله معنا. فأتاهم فأعلموه ما صنعوه، قال: فما يأكل قومي إلى ذاك؟ فقال له ابن جارم الضبيّ [6]: إنّك لهناك يا أخا باهلة؟ قال: أمّا أنا فالغسل والنساء عليّ حرام حتّى آكل من قمع إبلك [7]. فتفرقوا ولم يكن إلّا ذلك. وقال ابن جارم للمنتشر عند قوله: استك أضيق من ذاك! فأغار المنتشر على ابن جارم، فلما رآه ابن جارم رمى بنفسه في وجار ضبع، وأطرد المنتشر إبله ورعاءها، فقال سهل في ذلك:
هاج لك الشّوق من ريحانة الطربا
في قصيدة طويلة له حسنة. وقال في ذلك أعشى باهلة:
فدى لك نفسي إذ تركت ابن جارم ... أجبّ السّنام بعد ما كان مصعبا [8]
وقال المخبل في ذلك:
إنّ قشيرا من لقاح ابن جارم ... كغاسلة حيضا وليست بطاهر
وأنبأتماني أنّ قرّة آمن ... فناك أباه من مجير وخافر [9]
__________
[1] الضمير في «ترفع» للراحلة، والراحلة تكون للذكر والأنثى، ترفع: ارتفع في سيره. والحزان بضم الحاء وكسرها: جمع حزيز، وهو ما غلظ من الأرض. المهاة: البقرة الوحشية.
[2] الريط: جمع ريطة: وهي الملاءة غير ذات لفقين. وفي «الأصول: «النيط». والنقب: جمع نقبة، وهي ثوب كالإزار تجعل له حجزة مطيفة من غير نيفق».
[3] ما عدا ط، أ، مط، مب: «و لا تسدد بشيء صوتها صحبا».
[4] ما عدا ط، مط، مب: «قد أهلكنني تعبا وخلتهن».
[5] تواقفوا: وقفوا جميعا. والتغاور: تبادل الغارات.
[6] ابن جارم الضبي بالجيم والراء المهملة. وفيما عدا ط، أ، ها، مب: «حازم» في كل موضع من هذا الخبر.
[7] القمع، بالتحريك: جمع قمعة، وهي أعلى السنام.
[8] الأجب: المقطوع السنام، أو الذي أكله الرجل فلم يكبر. والمصعب: الفحل المكرم.
[9] ح: «قتال» س: «قتالا».
/
فلا توكلوها الباهليّ وتقعدوا ... لدى غرض أرميكم بالنواقر [1]
إذا هي حلّت بالذّهاب وذي حسى ... وراحت خفاف الوطء حوس الخواطر [2]
تلاحي الأشعث وعمرو بن معد يكرب
أخبرنا أحمد بن عمار قال أخبرني يعقوب بن إسرائيل، قال حدّثني قعنب بن المحرز قال أخبرنا الهيثم بن عدي عن ابن عياش [3] عن محمد بن المنتشر قال:
أخبرني من شهد الأشعث بن قيس وعمرو بن معد يكرب وقد تنازعا في شيء، فقال عمرو للأشعث: نحن قتلنا أباك ونكنا أمّك! فقال سعد: قوما أفّ لكما! فقال الأشعث لعمرو: واللّه لأضرّطنّك. فقال: كلّا إنها عزوز موثقة [4].
قال جرير بن عبد اللّه البجلي: فأخذت بيد الأشعث فنترته [5] فوقع على وجهه، ثم أخذت بيد عمرو فجذبته فما تحلحل واللّه، لكأنّما حركت أسطوانة القصر.
ما كان من عمرو والأجلح الفهمي في حضرة عمر بن الخطاب
/ وقال أبو عبيدة: قدم عمرو بن معد يكرب والأجلح بن وقّاص الفهميّ على عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه، فأتياه وبين يديه مال يوزن، فقال: متى قدمتما؟ قالا: يوم الخميس. قال: فما حبسكما؟ قالا: شغلنا بالمنزل يوم قدمنا، ثم كانت الجمعة، ثم غدونا عليك اليوم. فلما فرغ من وزن المال نحّاه، ثم أقبل عليهما فقال: هيه! فقال عمرو: يا أمير المؤمنين، هذا الأجلح بن وقّاص، شديد المرّة، بعيد/ الفرّة، وشيك الكرة، واللّه ما رأيت مثله من الرجال صارعا ومصروعا، واللّه لكأنه لا يموت! فقال عمر للأجلح بن وقّاص، وأقبل عليه: هيه. قال: وأنا أعرف الغضب في وجهه، فقلت: يا أمير المؤمنين؛ الناس صالحون كثير نسلهم، دارّة أرزاقهم، خصب نباتهم، أجرياء على عدوّهم، جبان عدوّهم عنهم، صالحون بصلاح إمامهم، واللّه ما رأينا مثلك إلّا من تقدمك، فنستمتع اللّه بك.
فقال: ما منعك أن تقول في صاحبك مثل الذي قال فيك؟ قال: منعني ما رأيت في وجهك. قال: قد أصبت أما لو قلت له مثل الذي قال لك لأوجعتكما عقوبة، فإن تركتك لنفسك فسوف أتركه لك، واللّه لوددت لو سلمت لكم حالكم هذه أبدا، أما إنّه سيأتي عليك يوم تعضّه وينهشك، وتهرّه وينبحك، ولست له يومئذ وليس لك، فإن لم يكن بعهدكم فما أقربه منكم [6].
__________
[1] النواقر: السهام الصائبة. ما عدا ط، ها: «بالنوافر» تحريف.
[2] الذهاب، بضم أوّله وكسره: غائط من أرض بني الحارث بن كعب. وذو حسي: واد بأرض الشربة من ديار عبس وغطفان.
والحوس: جمع أحوس وحوساء، وهو البطىء التحرك من المرعى. والخواطر: جمع خاطر وخاطرة، وهو الذي يخطر بذنبه من الخيلاء. س: «حوش».
[3] ط، مط، مب: «عن ابن عباس عن عمه».
[4] الأصل في معنى العزوز أنها الناقة أو الشاة الضيقة الإحليل. ح: «عزور» مط «غروز» وفي سائر النسخ ما عدا ط، ها، مب:
«غرور».
[5] النتر: الجذب بجفاء.
[6] العهد: المعرفة والرؤية. س: «بعدكم» تحريف. وفيما عدا ط، ها، مط، مب: «فما أقربكم منكم»، تحريف أيضا.
طمع عمرو في العطاء من غنائم القادسية
قال أبو عبيدة: حدّثنا يونس وأبو الخطاب قالا:
لما كان يوم القادسية أصاب المسلمون أسلحة وتيجانا ومناطق ورقابا [1] فبلغت مالا عظيما، فعزل سعد الخمس ثم فضّ البقية، فأصاب الفارس ستة آلاف، والراجل ألفان، فبقي مال دثر [2]. فكتب إلى عمر رضي اللّه عنه بما فعل، فكتب إليه أن ردّ على المسلمين الخمس، وأعط من لحق بك ممن لم يشهد الوقعة. ففعل فأجراهم مجرى من شهد، وكتب إلى عمر بذلك، فكتب إليه أن فضّ ما بقي على حملة القرآن. فأتاه عمرو بن معد يكرب فقال: ما معك من كتاب اللّه تعالى؟ فقال: إنّي أسلمت باليمن، ثم غزوت فشغلت عن حفظ القرآن. قال: ما لك في هذا المال نصيب.
شعره وشعر بشر بن ربيعة في حرمانهما من العطاء
قال: وأتاه بشر بن ربيعة الخثعمي، صاحب جبّانة [3] بشر فقال: ما معك من كتاب اللّه؟ قال: بسم اللّه الرحمن الرحيم. فضحك القوم منه ولم يعطه شيئا، فقال عمرو في ذلك:
إذا قتلنا ولا يبكي لنا أحد ... قالت قريش ألا تلك المقادير
نعطى السويّة من طعن له نفذ ... ولا سويّة إذ تعطى الدنانير [4]
وقال بشر بن ربيعة:
أنخت بباب القادسيّة ناقتي ... وسعد بن وقّاص عليّ أمير
وسعد أمير شرّه دون خيره ... وخير أمير بالعراق جرير
وعند أمير المؤمنين نوافل ... وعند المثنّى فضّة وحرير
تذكّر هداك اللّه وقع سيوفنا ... بباب قديس والمكرّ عسير [5]
عشية ودّ القوم لو أنّ بعضهم ... يعار جناحي طائر فيطير
إذا ما فرغنا من قراع كتيبة ... دلفنا لأخرى كالجبال تسير [6]
ترى القوم فيها واجمعين كأنّهم ... جمال بأحمال لهنّ زفير [7]
إجازة عمر لهما على بلائهما في الحرب
/ فكتب سعد إلى عمر رضي اللّه تعالى عنه بما قال لهما وما ردّا عليه، وبالقصيدتين، فكتب أن أعطهما على بلائهما. فأعطى كلّ واحد منهما ألفي درهم.
__________
[1] رقابا، كذا وردت في معظم «الأصول»، ولعلها ضرب من حلى الرقاب. وبدلها في ها: «و ذوائب».
[2] مال دثر: كثير.
[3] أي الذي تنسب إليه جبانة بشر. وفي «معجم البلدان»: «و أهل الكوفة يسمون المقابر جبانة كما يسميها أهل البصرة المقبرة».
[4] السوية: العدل.
[5] قديس: موضع بناحية القادسية. وفي «معجم البلدان»: «و المكر ضرير».
[6] دلفنا: تقدمنا.
[7] الوجوم: السكوت على غيظ. س: «فيها أجمعين».
كتاب عمر إلى سلمان بن ربيعة في شأن عمرو
قال: وحدّثني أبو حفص السلمي قال: كتب عمر إلى سلمان بن ربيعة الباهلي [1]:
إنّ في جندك عمرو بن معد يكرب، وطلحة بن خويلد الأسديّ، فإذا حضر الناس فأدنهما وشاورهما وابعثهما في الطّلائع، وإذا وضعت الحرب أوزارها فضعهما حيث وضعا أنفسهما. يعني بذلك ارتدادهما، وكان عمرو ارتدّ وطليحة تنبأ.
بين سلمان بن ربيعة وعمرو
قال: وحدّثنا أبو حفص السلمي قال: عرض سلمان [1] بن ربيعة جنده بأرمينية، فجعل لا يقبل إلّا عتيقا، فمر به عمرو بن معد يكرب بفرس غليظ، فقال سلمان: هذا هجين. فقال عمرو: والهجين يعرف الهجين! فبلغ عمر رضي اللّه تعالى عنه قوله فكتب إليه: «أمّا بعد فإنك القائل لأميرك ما قلت، وإنّه بلغني أنّ عندك سيفا تسمّيه الصمصامة، وعندي سيف أسميه مصمّما [2]، وأقسم لئن وضعته بين أذنيك لا أقلع حتّى يبلغ قحفك [3]». وكتب إلى سلمان يلومه في حلمه عنه.
تقدير عمر بن الخطاب له
قال: وزعموا أنّ عمرا شهد فتح اليرموك، وفتح القادسية، وفتح نهاوند مع النّعمان بن مقرّن المزني، وكتب عمر إلى النعمان: إنّ في جندك رجلين: عمرو بن معد يكرب، وطليحة بن خويلد الأسدي من بني قعين، فأحضرهما الحرب وشاورهما في الأمر، ولا تولّهما عملا. والسلام.
صوت
خليليّ هبّا طالما قد رقدتما ... أجدّكما لا تقضيان كراكما
سأبكيكما طول الحياة وما الذي ... يردّ على ذي لوعة إن بكاكما [4]
ويروي: «ذي عولة».
الشعر لقس بن ساعدة الإيادي، فيما أخبرنا به محمد بن العباسّ اليزيديّ في خبر أنا ذاكره هاهنا.
وذكر يعقوب بن السكّيت أنّه لعيسى بن قدامة الأسدي [5].
وذكر العتبي أنّه لرجل من بني عامر بن صعصعة، يقال له الحسن بن الحارث. والغناء لهاشم بن سليمان، ثقيل أوّل بالوسطى عن عمرو.
__________
[1] سلمان بن ربيعة بن يزيد الباهلي، وهو سلمان الخيل، يقال إن له صحبة، شهد فتوح الشام ثم سكن العراق وولاه عمر قضاء الكوفة، وهو أول قاض استقضى بها، ثم ولي غزو أرمينية في زمن عثمان، فقتل ببلنجر سنة 25. «تهذيب التهذيب». وفيما عدا ط، ها، مط، مب: «سليمان» في كل موضع من هذا الخبر وتاليه، والصواب ما أثبت من ط.
[2] س: «اسمه مصمم».
[3] القحف، بالكسر: العظم فوق الدماغ.
[4] ما عدا ط، ها، مط، مب: «على ذي عولة». وبعده: «و يروى: ذي لوعة».
[5] الكلام بعده ساقط من ط إلى «قال: بينا أنا» في ص 247.
14 - ذكر خبر قسّ بن ساعدة ونسبه وقصته في هذا الشعر
نسبه
هو قسّ بن ساعدة بن عمرو - وقيل مكان عمرو شمر - بن عديّ بن مالك بن أيدعان بن النّمر بن واثلة بن الطّمثان بن زيد مناة [1] بن يقدم [2] بن أفضى بن دعميّ بن إياد. خطيب العرب وشاعرها، وحليمها وحكيمها في عصره.
هو أول من خطب على شرف، وقال أما بعد
يقال: إنه أول من علا على شرف وخطب عليه. وأوّل من قال في كلامه: أمّا بعد، وأول من اتّكأ عند خطبته على سيف أو عصا.
أدركه الرسول قبل النبوة
وأدركه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قبل النبوة، ورآه بعكاظ فكان يأثر عنه كلاما سمعه منه، وسئل عنه فقال: «يحشر أمّة واحدة».
وقد سمعت خبره من جهات عدّة، إلّا أنّه لم يحضرني وقت كتبت هذا الخبر غيره، وهو وإن لم يكن من أقواها على مذهب أهل الحديث إسنادا، فهو من أتمها.
وفد إياد وما قيل في قس بن ساعدة
أخبرني محمد بن العباس اليزيدي قال: حدّثنا أبو شعيب صالح بن عمران قال: حدّثني عمر بن عبد الرحمن بن حفص النسائي قال: حدّثني عبد اللّه بن محمد قال: حدّثني/ الحسن بن عبد اللّه قال: حدّثني محمد بن السائب عن أبي صالح عن ابن عباس قال:
لمّا قدم وفد إياد على النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قال: ما فعل قسّ بن ساعدة؟ قالوا: مات يا رسول اللّه. قال: «كأنّي أنظر إليه بسوق عكاظ على جمل له أورق [3] وهو يتكلّم بكلام عليه حلاوة ما أجدني أحفظه». فقال رجل من القوم: أنا أحفظه يا رسول اللّه قال: كيف سمعته يقول؟ قال سمعته يقول:
__________
[1] ج، مط، مب: «عوذ مناة» ها «عبد مناة».
[2] ضبط في أبضم الدال.
[3] الأورق: ما لونه الورقة، وهي بياض إلى سواد.
خطبته
أيّها الناس اسمعوا وعوا، من عاش مات، ومن مات فات، وكلّ ما هو آت آت. ليل داج، وسماء ذات أبراج، بحار تزخر، ونجوم تزهر [1]، وضوء وظلام، وبرّ وآثام، ومطعم ومشرب، وملبس ومركب. مالي أرى الناس يذهبون ولا يرجعون، أرضوا بالمقام فأقاموا، أم تركوا فناموا. وإله قسّ بن ساعدة ما على وجه الأرض دين أفضل من دين قد أظلّكم زمانه، وأدرككم أوانه، فطوبى لمن أدركه فاتّبعه، وويل لمن خالفه. ثم أنشأ يقول:
في الذّاهبين الأوّلي ... ن من القرون لنا بصائر
لمّا رأيت مواردا ... للموت ليس لها مصادر
ورأيت قومي نحوها ... يمضي الأصاغر والأكابر
أيقنت أنّي لا محا ... لة حيث صار القوم صائر
فقال النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «يرحم اللّه قسّا، إني لأرجو أن يبعث يوم القيامة أمّة وحده» [2].
قصة شعر منسوب إلى قس
فقال رجل يا رسول اللّه: لقد رأيت من قسّ عجبا. قال: وما رأيت؟ قال: بينا أنا بجبل [3] يقال له سمعان [4] في يوم شديد الحرّ، إذ أنا بقسّ بن ساعدة تحت ظلّ شجرة عند عين ماء، وعنده سباع، كلما زأر سبع منها على صاحبه ضربه بيده وقال: كفّ حتى يشرب الذي ورد قبلك. قال: ففرقت [5]، فقال: لا تخف./ وإذا أنا بقبرين بينهما مسجد، فقلت له: ما هذان القبران؟ قال هذان قبرا أخوين كانا لي فماتا، فاتّخذت بينها مسجدا أعبد اللّه جلّ وعزّ فيه حتّى ألحق بهما. ثم ذكر أيامهما فبكى، ثم أنشأ يقول:
خليلي هبّا طالما قد رقدتما ... أجدّكما لا تقضيان كراكما
ألم تعلما أنّي بسمعان مفرد ... ومالي فيه من حبيب سواكما
أقيم على قبريكما لست بارحا ... طوال الليالي أو يجيب صداكما
كأنّكما والموت أقرب غاية ... بجسمي في قبريكما قد أتاكما
فلو جعلت نفس لنفس وقاية ... لجدت بنفسي أن تكون فداكما
فقال النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «يرحم اللّه قسّا».
الشعر السابق لعيسى بن قدامة
وأما الحكاية عن يعقوب بن السكيت أنّ الشعر لعيسى بن قدامة الأسدي فأخبرني بها عليّ بن سليمان الأخفش، عن السكوني قال: قال يعقوب بن السكيت:
__________
[1] تزهر: تتلألأ وتضى ء.
[2] الأمة: الرجل المنفرد بدين، كقوله تعالى: إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً
وجاء مثله الحديث أنه قال: «يبعث يوم القيامة زيد بن عمرو بن نفيل أمة على حدة». وذلك أنه كان تبرأ من أديان المشركين وآمن باللّه قبل مبعث الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم.
[3] إلى هنا ينتهي سقط ط الذي بدأ في ص 245.
[4] سمعان بالكسر: جبل في ديار بني تميم.
[5] فرقت، بكسر الراء من الفرق، وهو الخوف والفزع.
قال عيسى بن قدامة الأسديّ، وكان قدم قاسان [1]، وكان له نديمان فماتا، وكان يجيء فيجلس عند القبرين، وهما براوند [2]، في موضع يقال له خزاق، فيشرب ويصبّ على القبرين حتّى يقضي وطره، ثم ينصرف وينشد وهو يشرب:
خليليّ هبّا طالما قد رقدتما ... أجدّكما لا تقضيان كراكما
/ ألم تعلما مالي براوند هذه ... ولا بخزاق من نديم سواكما
مقيم على قبريكما لست بارحا ... طوال الليالي أو يجيب صداكما
جرى الموت مجرى اللحم والعظم منكما ... كأنّ الذي يسقي العقار سقاكما
/ تحمّل من يهوى القفول وغادروا ... أخا لكما أشجاه ما قد شجاكما [3]
فأيّ أخ يجفو أخا بعد موته ... فلست الذي من بعد موت جفاكما
أصبّ على قبريكما من مدامة ... فإلّا تذوقا أرو منها ثراكما [4]
أناديكما كيما تجيبا وتنطقا ... وليس مجابا صوته من دعاكما
أمن طول نوم لا تجيبان داعيا ... خليليّ ما هذا الذي قد دهاكما
قضيت بأنّي لا محالة هالك ... وأنّي سيعروني الذي قد عراكما
سأبكيكما طول الحياة وما الذي ... يردّ على ذي عولة إن بكاكما
نسبته إلى رجل من أهل الكوفة
وأخبرني ابن عمّار أبو العباس أحمد بن عبيد اللّه بخبر هؤلاء، عن أحمد بن يحيى البلاذري قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالح بن مسلم العجليّ قال:
بلغني أنّ ثلاثة نفر من أهل الكوفة كانوا في الجيش الذي وجّهه الحجاج إلى الدّيلم، وكانوا يتنادمون لا يخالطون غيرهم، فإنّهم لعلى ذلك إذ مات أحدهم فدفنه صاحباه، وكانا يشربان عند قبره، فإذا بلغه الكأس هراقاها على قبره وبكيا. ثم إنّ الثاني مات فدفنه الباقي إلى جنب صاحبه، وكان يجلس عند قبريهما فيشرب ويصبّ الكأس على الذي يليه ثم على الآخر ويبكي، وقال فيهما:
نديمي هبّا طالما قد رقدتما
وذكر بعض الأبيات التي تقدم ذكرها. وقال مكان «براوند هذه»: «بقزوين»، وسائر الخبر نحو ما ذكرناه. قال ابن عمار: فقبورهم هناك تعرف بقبور الندماء.
نسبته إلى الحزين بن الحارث
وذكر العتبي عن أبيه أن الشّعر للحزين بن الحارث، أحد بني عامر بن صعصعة، وكان أحد نديميه من بني
__________
[1] قاسان، وأهلها يقولون كاسان: مدينة كانت بما وراء النهر في حدود بلاد الترك، ياقوت.
[2] راوند، بفتح الواو: بليدة قرب قاسان وأصبهان.
[3] القفول: العودة. س: «العقول»، محرف.
[4] ط: «صداكما»، وكتب فوقها «ثراكما».
أسد والآخر من بني حنيفة، فلما مات أحدهما كان يشرب ويصبّ على قبره ويقول.
/لا تصرد هامة من كأسها ... واسقه الخمر وإن كان قبر [1]
كان حرّا فهوى فيمن هوى ... كلّ عود ذي شعوب ينكسر
قال: ثم مات الآخر فكان يشرب عند قبريهما وينشد:
خليليّ هبا طالما قد رقدتما ... ................
الأبيات.
قال: ثم قالت له كاهنة: إنّك لا تموت حتّى تنهشك حية في شجرة بوادي كذا وكذا. فورد ذلك الوادي في سفر له وسأل عنه فعرفه، وقد كان خطّ في أصل شجرة [2]، ومدّ [3] رجله عليها، فنهشته حية فأنشأ يقول:
خليليّ هذا حيث رمسي فعرّجا ... عليّ فإنّي نازل فمعرّس
لبست رداء العيش أحوى أجّره ال ... عشيّات حتّى لم يكن فيه ملبس [4]
تركت خبائي حيث أرسى عماده ... عليّ، وهذا مرمسي حيث أرمس
أحتفي الذي لا بدّ أنّك قاتلي ... هلمّ فما في غابر العيش منفس [5]
أبعد نديميّ اللذين بعاقل ... بكيتهما حولا مدى أتوجّس [6]
__________
[1] التصريد: قطع الشرب، أو تقليله. وعنى بالهامة هنا الميت. الضمير في «كأسها» للهامة، أو للخمر. ما عدا ط، أ، ها، مط، مب:
«لا يصرد».
[2] أي خط له قبرا في هذا الموضع.
[3] هذه الكلمة من ط، ها، مب.
[4] أحوى، أي أسود الشعر حين الشباب. ما عدا ط، أ، ها: مب: «عشيات».
[5] الغابر، هنا: الباقي. منفس، أي متسع ومهلة، يقال زدني نفسا في أجلي، أي طولا فيه، ولك في هذا الأمر نفسة، بالضم، أي مهلة.
[6] ما عدا ط، ها، مب: «بكيتكما».
15 - ذكر هاشم بن سليمان وبعض أخباره
اسمه وكنيته ولقبه
هو هاشم بن سليمان مولى بني أميّة، ويكنى أبا العباس، وكان موسى الهادي [1] يسمّيه أبا الغريض. وهو حسن الصنعة عزيزها، وفيه يقول الشاعر:
يا وحشتي بعدك يا هاشم ... غبت فشجوى بك لي دائم
اللهو واللذّة يا هاشم ... ما لم تكن حاضرة مأتم [2]
غناؤه لموسى الهادي وإجازته على ذلك
أخبرني علي بن عبد العزيز قال حدثنا عبيد اللّه بن عبد اللّه بن خرداذبه قال: كان موسى الهادي يميل إلى هاشم بن سليمان ويمازحه، ويلقّبه أبا الغريض.
وأخبرني الحسين بن يحيى عن حماد قال: بلغني أن هاشم بن سليمان دخل يوما على موسى الهادي فغناه:
صوت
لو يرسل الأزل الظّبا ... ء ترود ليس لهنّ قائد [3]
لتيمّمتك تدلّها ... ريّاك للسّبل الموارد
وإذا الرياح تنكّرت ... نكبا هواجرها صوارد [4]
فالناس سائلة إلي ... ك فصادرا تغني ووارد [5]
الشعر لطريح بن إسماعيل الثقفي، يقوله في الوليد بن يزيد بن عبد الملك. والغناء لهاشم بن سليمان، خفيف ثقيل أوّل بالبنصر.
/ فطرب موسى، وكان بين يديه كانون كبير ضخم عليه فحم، فقال له: سلني ما شئت. قال: تملأ لي هذا الكانون. فأمر له بذلك، وفرّغ الكانون فوسع ستّ بدور [6]، فدفعها إليه.
__________
[1] ما عدا ط، ها، مب: «مولى الهادي».
[2] المأتم: مجتمع النساء للحزن والنياحة. ما عدا ط، أ، ها: «مائم». والمأثم: الإثم والذنب.
[3] الأزل، بالفتح: الشدة والضيق.
[4] النكب: جمع نكباء، وهي كل ريح بين ريحين، وكلها لا خير فيه.
[5] سائلة من السيل، يعني كثرة الوارد.
[6] البدور: جمع بدر، والبدر والبدرة: كيس فيه ألف أو عشرة آلاف درهم، أو سبعة آلاف دينار.
وقد أخبرني بهذا الخبر الحسن بن علي قال حدّثنا ابن مهرويه قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد، عن أبي توبة، عن محمد بن جبر، عن هاشم بن سليمان قال:
أصبح موسى أمير المؤمنين يوما وعنده جماعة منّا، فقال: يا هاشم غنني:
أبهار قد هيّجت لي أوجاعا
فإن أصبت مرادي فيه فلك حاجة مقضيّة. فغنيته فقال: قد أصبت وأحسنت سل حاجتك. فقال: يا أمير المؤمنين تأمر أن يملأ هذا الكانون دراهم. قال: وبين يديه كانون عظيم، فأمر به فملىء فوسع ثلاثين ألف درهم، فلما حصّلتها قال: يا ناقص الهمّة، واللّه لو سألتني أن أملأه دنانير لفعلت. فقلت: أقلني يا أمير المؤمنين.
فقال: لا سبيل إلى ذلك فلم يسعدك الجدّ به.
نسبة هذا الصوت
أبهار قد هيّجت لي أوجاعا ... وتركتني عبدا لكم مطواعا
بحديثك الحسن الذي لو كلّمت ... وحش الفلاة به لجئن سراعا
وإذا مررت على البهار منضّدا ... في السّوق هيّج لي إليك نزاعا [1]
واللّه لو علم البهار بأنّها ... أضحت سميّته لصار ذراعا
الغناء لهاشم، ثاني ثقيل بالبنصر عن عمرو، وفيه ثقيل أول بالبنصر، ينسب إلى إبراهيم الموصلي، وإلى يحيى المكي، وإلى إسحاق.
مجلس غناء
أخبرني أحمد بن عبد العزيز وإسماعيل بن يونس/ قالا: حدّثنا عمر بن شبة قال حدّثني بعض أصحابنا قال:
كنّا في منزل محمد بن إسماعيل بن علي بن عبد اللّه بن عباس، وكان عالما بالغناء والفقه جميعا، وقد كان يحيى بن أكثم وصفه للمأمون بالفقه، ووصفه أحمد بن يوسف بالعلم بالغناء فقال المأمون: ما أعجب ما اجتمع فيه: العلم بالفقه، والغناء! فكتبت إلى إسحاق بن إبراهيم الموصلي أن يتحوّل إلينا وكان في جوارنا، وعندنا يومئذ محمد بن أيوب بن جعفر بن سليمان، وذكاء وصغير غلاما أحمد بن يوسف الكاتب، فكتب إلينا إسحاق: جعلت فداءكم، قد أخذت دواء، فإذا خرجت منه حملت قدري وصرت إليكم. وكتب في أسفل كتابه:
أنا شماطيط الذي حدّثت به ... متى أنبّه للغداء أنتبه
ثم أدور حوله وأحتبه ... حتّى يقال شره ولست به
ثم جاءنا ومعه بديح غلامه، فتغدّينا وشربنا، فغنّى ذكاء غلام أحمد بن يوسف:
أبهار قد هيّجت لي أوجاعا
فسأله إسحاق أن يعيده فأعاده مرارا، ثم قال له: ممّن أخذت هذا؟ فقال: من معاذ بن الطّبيب. قال:
__________
[1] النزاع: الشوق. نازع إلى أهله: اشتاق.
والصنعة فيه له. فقال له إسحاق: أحبّ أن تلقيه على بديح. ففعل. فلما صلّيت العشاء انصرف ذكاء، وقعد أبو جعفر يشرب - يعني مولاه [1] - وعنده قوم، وتخلّف صغير فغنّانا، فقال له إسحاق: أنت واللّه يا غلام ماخوريّ.
وسكر محمد بن إسماعيل في آخر النّهار فغنانا:
دعوني أغصّ إذا ما بدت ... وأملك طرفي فلا أنظر
/ فقال إسحاق لمحمد بن الحسن: آجرك اللّه في ابن عمّك! أي قد سكر فأقدم على الغناء بحضرتي.
نسبة هذا الصوت
صوت
هبوني أغضّ إذا ما بدت ... وأملك طرفي فلا أنظر
فكيف احتيالي إذا ما الدموع ... نطقن فبحن بما أضمر
أيا من سروري به شقوة ... ومن صفو عيشي به أكدر
أمنّي تخاف انتشار الحديث ... وحظّي في ستره أوفر
ولو لم أصنه لبقيا عليك ... نظرت لنفسي كما تنظر
الشعر للعباس بن الأحنف، والغناء للزبير بن دحمان، ثقيل أول بالوسطى عن عمرو في الأبيات الثلاثة الأول. وفيها لعمرو بن بانة ماخوريّ. وفي:
أيا من سروري به شقوة
لسليم هزج. وفيه ثاني ثقيل ينسب إلى حسين بن محرز، وإلى عباس منقار.
صوت
هذا أوان الشدّ فاشتدّي زيم ... قد لفّها الليل بسوّاق حطم
ليس براعي إبل ولا غنم [2] ... ولا بجزّار على ظهر وضم
عروضه من الرجز. الشعر لرشيد بن رميض العنزي يقوله في الحطم، وهو شريح بن/ ضبيعة، وأمّه هند بنت حسّان بن عمرو بن مرثد، والغناء ليزيد حوراء، خفيف ثقيل أوّل بالبنصر، وفيه خفيف رمل يقال إنّه لأحمد المكي.
الحطم ونجاته بقومه في المفازة
قال أبو عبيدة: كان شريح بن ضبيعة غزا اليمن في جموع جمعها من ربيعة، فغنم وسبى بعد حرب كانت بينه وبين كندة، أسر فيها فرعان [3] بن مهديّ بن معد يكرب عم الأشعث بن قيس، وأخذ على طريق مفازة فضلّ بهم
__________
[1] أي مولى ذكاء، وهو أبو جعفر أحمد بن يوسف بن القاسم بن صبيح، كاتب المأمون. توفي سنة 213، «تاريخ بغداد» 2692، ما عدا ط، ها: «يغني مولاه»، تحريف.
[2] ج، أ: «لست براعي».
[3] فرعان، بضم الفاء، والعين مهملة. وفي ط، ح: «فرغان» بالغين المعجمة.
دليلهم ثمّ هرب منهم ومات فرعان في أيديهم عطشا، وهلك منهم ناس كثير بالعطش. وجعل الحطم يسوق بأصحابه سوقا عنيفا [1]. حتّى نجوا ووردوا الماء. فقال فيه رشيد:
هذا أوان الشدّ فاشتدّي زيم ... ليس براعي إبل ولا غنم
ولا بجزّار على ظهر وضم ... نام الحداة وابن هند لم ينم
باتت يقاسيها غلام كالزّلم ... خدلجّ السّاقين خفّاق القدم
قد لفّها الليل بسوّاق حطم
فلقّب يومئذ «الحطم» لقول رشيد هذا فيه.
وأدرك الحطم الإسلام فأسلم، ثم ارتدّ بعد وفاة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
إسلام الجارود بن المعلى
حدّثنا محمد بن جرير الطبري قال حدّثنا عبد اللّه بن سعد [2] الزهري قال أخبرنا عمي يعقوب قال: أخبرني سيف قال:
خرج العلاء بن الحضرميّ نحو البحرين، وكان من حديث البحرين أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لما مات ارتدّوا [3] ففاءت عبد القيس منهم، وأمّا بكر فتمّت على ردّتها. وكان الذي ثنى عبد القيس الجارود بن المعلّى.
/ فذكر سيف عن إسماعيل بن مسلم [عن الحسن بن أبي الحسن قال:
قدم الجارود بن المعلّى على النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم مرتادا، وقال: أسلم يا جارود. فقال: إنّ لي دينا. فقال له النبي صلّى اللّه عليه وسلّم: إنّ دينك يا جارود ليس بشيء، وليس بدين. فقال له الجارود: فإن أنا أسلمت فما كان من تبعة في الإسلام فعليك؟ قال: نعم] [4]. فأسلم وأقام بالمدينة حتّى فقه.
خبر المنذر الغرور
حدّثنا محمد بن جرير قال حدّثنا محمد بن حميد، قال: حدّثنا سلمة بن الفضل عن أبي إسحاق قال:
اجتمعت ربيعة بالبحرين، فقالوا: ردّوا الملك في آل المنذر، فملّكوا المنذر بن النعمان بن المنذر، وكان يسمّى الغرور، ثم أسلم بعد ذلك وقال: لست بالغرور ولكنّي المغرور.
ارتداد الحطم وتأليبه للقبائل
حدّثنا محمد بن جرير قال: حدّثنا عبد اللّه بن سعد [5] قال: أخبرني عمي قال أخبرنا سيف عن إسماعيل بن مسلم عن عمير بن فلان العبدي قال:
__________
[1] بعده سقط في ط إلى ما قبل (ذكر علي بن أديم) بسطر واحد.
[2] في الطبري: (3: 254): «عبيد اللّه بن سعيد». وفي «الأصول»: «عبيد اللّه بن سعد» وأثبت ما في «تهذيب التهذيب».
[3] نص الطبري: «أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم والمنذر بن ساوى اشتكيا في شهر واحد، ثم مات المنذر بعد النبي صلّى اللّه عليه وسلّم بقليل وارتد بعده أهل البحرين».
[4] التكملة من «تاريخ الطبري» (3: 254) في حوادث سنة 11.
[5] في «الأصول»: «عبيد اللّه بن سعد». وانظر ما سبق في ص 255.
لما مات رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم خرج الحطم بن ضبيعة، في بني قيس [1] بن ثعلبة ومن اتّبعه من بكر بن وائل على الردّة، ومن تأشّب [إليه] [2] من غير المرتدّين ممن لم يزل كافرا، حتّى نزل القطيف وهجر، واستغوى [الخطّ و] [2] من كان بهما من الزّطّ والسيابجة، وبعث بعثا إلى دارين فأقا [موا] [2] له ليجعل عبد القيس بينهم وبينه، وكانوا مخالفين له يمدّون [المنذر و] [2] المسلمين، وأرسل إلى الغرور بن سويد/ بن المنذر بن أخي النعمان بن المنذر، فقال له: اثبت فإني إن ظفرت ملّكتك البحرين، حتّى تكون كالنّعمان بالحيرة. وبعث إلى رواثا وقيل إلى جؤاثا، فحاصرهم وألح عليهم، فاشتدّ الحصار على المحصورين من المسلمين، وفيهم رجل من صالحي المسلمين يقال له عبد اللّه بن حذف، أحد بني أبي بكر بن كلاب، فاشتدّ عليه وعليهم الجوع حتّى كادوا يهلكون، فقال عبد اللّه بن حذف:
شكوى المحصورين من المسلمين إلى أبي بكر
ألا أبلغ أبا بكر رسولا ... وفتيان المدينة أجمعينا
فهل لكم إلى قوم كرام ... قعود في جؤاثا محصرينا
/ كأنّ دماءهم في كل فج ... شعاع الشمس يعشى الناظرينا
توكّلنا على الرّحمن إنا ... وجدنا النّصر للمتوكلينا
قتال أهل الردة بالبحرين
حدّثني محمد بن جرير قال كتب إلى السريّ بن يحيى عن شعيب بن إبراهيم، عن سيف بن عمر، عن الصقعب [3] بن عطية بن بلال، عن سهم بن منجاب، عن [منجاب] [4] ابن راشد قال:
بعث أبو بكر العلاء بن الحضرمي على قتال أهل الردّة بالبحرين، فتلاحق به من لم يرتدّ من المسلمين [5]، وسلك بنا الدّهناء حتّى إذا كنا في بحبوحتها أراد اللّه عزّ وجل أن يرينا آية، فنزل العلاء وأمر الناس بالنزول، فنفرت الإبل في جوف الليل، فما بقي بعير ولا زاد ولا مزاد [6] ولا بناء - يعني الخيم قبل أن يحطّوا - فما علمت جمعا هجم عليه من الغمّ ما هجم علينا، وأوصى بعضنا إلى بعض، ونادى منادي العلاء: اجتمعوا. فاجتمعنا إليه فقال:
ما هذا الذي ظهر فيكم وغلب عليكم؟ فقال الناس:/ وكيف نلام ونحن إن بلغنا غدا لم تحم شمسه حتّى نصير حديثا. فقال: أيّها الناس، لا تراعوا، ألستم مسلمين؟ ألستم في سبيل اللّه؟ ألستم أنصار اللّه؟ قالوا: بلى. قال:
فأبشروا، فو اللّه لا يخذل اللّه تبارك وتعالى من كان في مثل حالكم. ونادى المنادي بصلاة الصبح حين طلع الفجر، فصلّى بنا ومنا المتيّمم ومنا من لم يزل على طهوره، فلما قضى صلاته جثا لركبتيه، وجثا الناس معه، فنصب [7] في
__________
[1] في الطبري (3: 255): «أخو بني قيس».
[2] التكملة من الطبري. وتأشبوا: تجمعوا من هاهنا وهنا.
[3] في «الطبري»: «الصعب».
[4] التكملة من أ، مب والطبري.
[5] اختزل أبو الفرج قدرا كبيرا من نص الطبري في أول هذا الخبر.
[6] كذا في الطبري. وفي الأصول ما عدا مب، ها: «مراد» بالراء المهملة.
[7] نصب ينصب في الدعاء، إذا تعب فيه واجتهد. وبه فسر قوله تعالى: فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ
أي اتعب في الدعاء.
الدعاء ونصبوا فلمع لهم سراب فأقبل على الدعاء، ثم لمع لهم آخر كذلك فقال الرائد: ماء. فقام وقام الناس فمشينا حتّى نزلنا عليه فشربنا واغتسلنا، فما تعالى النهار حتّى أقبلت الإبل من كلّ وجه وأناخت إلينا، فقام كلّ رجل إلى ظهره فأخذه، فما فقدنا سلكا [1]، فأرويناها العلل بعد النّهل وتروّحنا. وكان أبو هريرة رفيقي، فلما غبنا عن ذلك المكان قال لي: كيف علمك بموضع ذلك الماء؟ فقلت: أنا أهدى الناس [2] بهذه البلاد. قال: فكّر معي حتى تقيمني عليه. فكررت به فأنخت على ذلك المكان بعينه، فإذا هو لا غدير به، ولا أثر للماء، فقلت له: واللّه لو لا أنّي لا أرى الغدير لأخبرتك أنّ هذا هو المكان، وما رأيت بهذا المكان ماء قبل ذلك [3]. فنظر أبو هريرة فإذا إداوة مملوءة فقال: يا سهم، هذا واللّه المكان ولهذا رجعت ورجعت بك. وملأت إداوتي هذه ثم وضعتها على شفير الوادي فقلت: إن كان منّا من المن وكانت آية عرفتها، [و إن كان غياثا عرفته. فإذا منّ من المنّ] [4] وحمدت اللّه جلّ وعز. ثمّ سرنا حتّى نزلنا هجر فأرسل العلاء إلى الجارود ورجل آخر: أن انضمّا في عبد القيس حتّى تنزلا على الحطم مما يليكما. وخرج هو فيمن معه وفيمن/ قدم عليه [5] حتّى ينزل مما يلي هجر. وتجمّع المسلمون كلّهم إلى العلاء بن الحضرميّ، ثم خندق المسلمون والمشركون فكانوا يتراوحون القتال ويرجعون إلى خندقهم، فكانوا كذلك شهرا. فبينا الناس ليلة كذلك إذ سمع المسلمون في عسكر المشركين ضوضاء شديدة، فكأنّها ضوضاء هزيمة فقال العلاء: من يأتينا بخبر القوم؟ فقال عبد اللّه بن حذف: أنا آتيكم بخبر القوم - وكانت أمّه عجليّة - فخرج حتّى إذا دنا من خندقهم أخذوه فقالوا له: من أنت؟ فانتسب لهم وجعل ينادي يا أبجراه! فجاء أبجر بن بجير فعرفه فقال:
ما شأنك؟ فقال لا أضيعنّ الليلة بين اللّهازم، علام/ أقتل وحولي عساكر من عجل وتيم اللات وعنزة وقيس، أيتلاعب بي الحطم ونزّاع القبائل وأنتم شهود! فتخلّصه وقال: واللّه إنّي لأظنك بئس ابن الأخت لأخوالك الليلة.
قال: دعني من هذا وأطعمني، فقد متّ جوعا. فقرب إليه طعاما فأكل. ثم قال: زوّدني واحملني وجوّزني انطلق إلى طيّتي. ويقول ذلك لرجل قد علب عليه الشراب، ففعل وحمله على بعير وزوّده وجوّزه. وخرج عبد اللّه حتّى دخل عسكر المسلمين، فأخبرهم أنّ القوم سكارى، فخرج القوم عليهم حتى اقتحموا عسكرهم فوضعوا فيهم السيوف حيث شاءوا، واقتحموا الخندق هرّابا، فمتردّ، وناج، ودهش، ومقتول، ومأسور. واستولى المسلمون على ما في العسكر، ولم يفلت رجل إلّا بما عليه. فأمّا أبجر فأفلت، وأمّا الحطم فإنه بعل ودهش وطار فؤاده [6]، فقام إلى فرسه والمسلمون خلالهم يجوسونهم ليركبه، فلما وضع رجله في الركاب انقطع، فمر به عفيف بن المنذر أحد بني عمرو بن تميم، والحطم يستغيث ويقول: ألا رجل من بني قيس بن ثعلبة يعقلني؟ فرفع صوته فعرفه عفيف فقال: أبو ضبيعة؟ / قال: نعم. قال: أعطني رجلك أعقلك. فأعطاه رجله يعقلها فنفحها فأطنّها من الفخذ [7] وتركه، فقال: أجهز عليّ. فقال: إنّي لأحبّ أن لا تموت حتى أمضّك. وكان مع عفيف عدّة من ولد أبيه فأصيبوا
__________
[1] السلك: جمع سلكة، وهو الخيط الذي يخاط به الثوب.
[2] الطبري: «أنا من أهدى الناس».
[3] الطبري: «ماء ناقعا قبل اليوم».
[4] التكملة من «تاريخ الطبري».
[5] في الأصول: «و فيمن قدر عليه». وأثبت ما في «الطبري».
[6] بعل: دهش وفرق فلم يدر ما يصنع.
[7] نفحه بالسيف: تناوله به. أطنها: قطعها.
ليلتئذ، وجعل الحطم يقول ذلك لمن لا يعرفه حتّى مرّ به قيس بن عاصم فقال له ذلك فعرفه، فمال عليه فقتله [1]، فلما رأى فخذه نادرة [2] قال: واسوأتاه! لو عرفت الذي به لم أحرّكه. وخرج المسلمون، بعد ما أحرزوا الخندق، على القوم يطلبونهم، فاتّبعوهم فلحق قيس بن عاصم أبجر، وكان فرس أبجر أقوى من فرس قيس، فلما خشي أن يفوته طعنه في العرقوب فقطع العصب وسلم النّسا. فقال عفيف بن المنذر في ذلك:
فإن يرقأ العرقوب لا يرقأ النّسا ... وما كلّ من تلقى بذلك عالم
ألم تر أنّا قد فللنا حماتهم ... بأسرة عمرو والرّباب الأكارم
وأسر عفيف بن المنذر، الغرور بن أخي النعمان بن المنذر، فكلّمته الرّباب فيه وكان ابن أختهم [3] وسألوه أن يجيره، فجاء به إلى العلاء قال: إنّي أجرته. قال: ومن هو؟ قال: الغرور. قال العلاء: أنت غررت هؤلاء؟ قال:
أيّها الملك أنّي لست بالغرور، ولكنّي المغرور. قال: أسلم. فأسلم وبقي بهجر. وكان الغرور اسمه، ليس بلقب.
وقتل العفيف أيضا المنذر بن سويد [4] أخا الغرور لأمّه، وكان له يومئذ بلاء عظيم فأصبح العلاء يقسّم الأنفال، ونفّل رجالا من أهل البلاء ثيابا، [فكان فيمن نفّل/ عفيف بن المنذر، وقيس بن عاصم، وثمامة بن أثال. فأما ثمامة فنفّل ثيابا] [5] فيها خميصة ذات أعلام [6]، وكان الحطم يباهي فيها. وباع الباقي، وهرب الفلّ إلى دارين فركبوا إليها السّفن، فجمعهم اللّه عزّ وجل بها، وندب العلاء الناس إلى دارين، وخطبهم فقال: إنّ اللّه عز وجل قد جمع لكم أحزاب الشيطان، وشذّاذ الحرب [7] في هذا اليوم [8]، وقد أراكم من آياته في البرّ لتعتبروا بها في البحر، فانهضوا إلى عدوّكم ثم استعرضوا البحر إليهم، فإنّ اللّه جل وعزّ قد جمعهم به. فقالوا: نفعل ولا نهاب واللّه بعد الدهناء هولا [9] ما بقينا! فارتحل وارتحلوا حتى أتى ساحل البحر فاقتحموا على الخيل، هم والحمولة والإبل والبغال، الراكب والراجل [10]، ودعا ودعوا، وكان [دعاؤه و] [11] دعاؤهم: يا أرحم الراحمين، يا كريم يا حليم، يا صمد يا حيّ يا محيي الموتى، يا حيّ يا قيوم، لا إله إلا أنت يا ربّنا فأجازوا ذلك الخليج بإذن اللّه، يمشون على مثل رملة ميثاء فوقها ماء يغمر أخفاف الإبل، وبين الساحل ودارين مسيرة يوم وليلة لسفن البحر. ووصل المسلمون إليها فما تركوا من المشركين بها مخبرا [12]، وسبوا الذّراري، واستاقوا الأموال، فبلغ من ذلك نفل الفارس من
__________
[1] ح: «فمات عليه» وأثبت ما في ها، مب وفي سائر النسخ: «فصلت عليه»، صوابهما من الطبري (3: 258).
[2] نادرة: ساقطة. في «الأصول»: «نادرا» والفخذ مؤنثة. وجاء على الصواب في الطبري.
[3] الطبري: «و كان أبوه ابن أخت القوم».
[4] وقتل، هي في أ: «و قيل» وفي سائر النسخ: «و كان»، صوابها من ها، مب والطبري. وكلمة «أيضا» هي فيما عدا ح، أ، ها، مب «بن». وهذه الكلمة ليست في الطبري.
[5] التكملة من «تاريخ الطبري» (3: 259).
[6] الخميصة: كساء أسود مربع له علمان.
[7] في الطبري: «و شرد الحرب».
[8] في الطبري: «البحر».
[9] في «الأصول»: «هؤلاء»، صوابه من «الطبري».
[10] في الطبري: «فاقتحموا على الصاهل والجامل والشاحج والناهق، الراكب والراجل».
[11] التكملة من الطبري.
[12] مخبرا، أي أحدا يخبر بما كان. يريد أنهم استأصلوهم.
المسلمين ستّة آلاف، والراجل ألفين. فلما فرغوا رجعوا عودهم على بدئهم، وفي ذلك يقول عفيف:
أ لم تر أنّ اللّه ذلّل بحره ... وأنزل بالكفّار إحدى الجلائل
دعونا الذي شقّ البحار فجاءنا ... بأعجب من شقّ البحار الأوائل [1]
/و أقفل العلاء الناس [2] إلّا من أحبّ المقام، فاختار ثمامة بن أثال الذي نفّله العلاء خميصة الحطم حين نزل على ماء لبني قيس بن ثعلبة، فلمّا رأوه عرفوا الخميصة فبعثوا إليه رجلا فسألوه: أهو الذي قتل الحطم؟ قال: لا، ولوددت أنّى قتلته. قال: فأنّى لك حلّته؟ قال: نفّلتها. قالوا: وهل ينفّل إلا القاتل. قال: إنها لم تكن عليه إنّما كانت في رحله. قالوا: كذبت. فقتلوه، وكان بهجر راهب فأسلم فقيل له: ما دعاك إلى الإسلام فقال: ثلاثة أشياء خشيت أن يمسخني اللّه بعدها إن أنا لم أفعل: فيض في الرمال، وتمهيد أثباج البحور، ودعاء سمعته في عسكرهم في الهواء من السّحر. قالوا: وما هو؟ قال: «اللهمّ إنك أنت الرّحمن الرّحيم، لا إله غيرك، والبديع ليس قبلك شيء، والدائم غير الغافل، والحيّ الذي لا يموت، وخالق ما يرى وما لا يرى، وكلّ يوم أنت في شأن، وعلمت اللهم كلّ شيء بغير تعليم» [3]. فعلمت أنّ القوم لم يعاونوا بالملائكة إلّا وهم على أمر اللّه جلّ وعز.
فلقد كان أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يسمعون هذا من ذلك الهجريّ بعد.
صوت
يا خليليّ من ملام دعاني ... وألمّا الغداة بالأظعان
لا تلوما في آل زينب إنّ ال ... قلب رهن بآل زينب عان [4]
الشعر لعمر بن أبي ربيعة، والغناء للغريض، خفيف رمل بالبنصر. وهذا الشعر يقوله في زينب بنت موسى، أخت قدامة بن موسى الجمحيّ.
عمر بن أبي ربيعة وزينب بنت موسى
أخبرني حرمي بن أبي العلاء قال: حدّثنا الزّبير بن بكار قال: حدّثني عبد الملك بن عبد العزيز بن عبد اللّه بن أبي سلمة، قال: حدّثني قدامة بن موسى قال:
خرجت بأختي زينب بنت موسى إلى العمرة، فلما كنت بسرف [5] لقيني عمر بن أبي ربيعة على فرس فسلّم عليّ، فقلت: إنّي أراك متوجّها يا أبا الخطاب؟ قال: ذكرت لي امرأة من قومي برزة الجمال [6]، فأردت الحديث معها. قلت: أما علمت أنّها أختي؟ قال: لا واللّه. واستحيا وثنى عنق فرسه راجعا إلى مكة.
__________
[1] في الطبري: «من فلق».
[2] أقفلهم: أرجعهم. والقفول: الرجوع.
[3] في الطبري: «تعلم».
[4] العاني: الأسير.
[5] سرف: موضع على ستة اميال من مكة.
[6] برزة الجمال: بارزة المحاسن.
أخبرني حرمي قال حدّثني الزبير: قال حدّثني عبد الرّحمن بن عبد اللّه بن عبد العزيز [1] الزهري قال:
نسب [2] ابن أبي ربيعة بزينب بنت موسى الجمحيّ، أخت قدامة بن موسى، فقال:
يا خليليّ من ملام دعاني
/ وذكر البيتين وبعدهما:
لم تدع للنّساء عندي نصيبا ... غير ما قلت مازحا بلساني
فقال له ابن أبي عتيق: أمّا قلبك فمغيّب عنّا، وأمّا لسانك فشاهد عليك.
أخبرني الحرمي قال: حدّثني الزبير قال: قال عبد الرّحمن بن عبد اللّه بن عبد العزيز الزهري: لمّا نسب عمر بن أبي ربيعة بزينب قال:
لم تدع للنّساء عندي نصيبا ... غير ما قلت مازحا بلساني
/ قال له ابن أبي عتيق: رضيت لهما بالمودّة، وللنساء بالدّهفشة [3].
قال: والدهفشة: التجميش [4] والخديعة بالشيء اليسير.
أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال: حدّثنا الزبير قال: أخبرني مثل ذلك عبد الملك بن عبد العزيز، عن يوسف بن الماجشون قال:
فبلغ ذلك أبا وداعة السهمي فأنكره، فقيل لابن أبي عتيق: أبو وداعة قد اعترض لعمر بن أبي ربيعة دون زينب بنت موسى الجمحيّ وقال: لا أقرّ له أن يذكر في الشعر امرأة من بني هصيص. فقال ابن أبي عتيق: لا تلوموا أبا وداعة أن ينعظ من سمرقند على أهل عدن.
قال عبد الملك: وفيها يقول أيضا عمر:
طال عن آل زينب الإعراض ... للتعزّي وما بنا الإبغاض
ووليدا قد كان علّقها القل ... ب إلى أن علا الرءوس البياض
حبلها عندنا متين وحبلي ... عندها واهن القوى أنقاض
غنّاه ابن محرز رمل بالبنصر عن حبش. وفيها يقول أيضا:
صوت
أيها الكاشح المعيّر بالصّر ... م ترحزح فما بها الهجران
__________
[1] أ: «عبد الرّحمن بن عبد العزيز»، لكنه ورد كاملا في السند التالي.
[2] كذا على الصواب في أ، ها، مب. وفي سائر النسخ: «تشبب».
[3] الدهفشة، فسرت في «اللسان» تفسيرا مطابقا لما سيأتي. أ، ها، مب: «بالدهشنة» ح: «بالدهشة» محرفتان عما أثبت من سائر النسخ.
[4] التجميش: المغازلة والتقريص والملاعبة. وفي س، أ«التخميش»، محرف.
لا مطاع في آل زينب فارجع ... أو تكلّم حتّى يملّ اللسان
فاجعل الليل موعدا حين يمسي ... ويعفّي حديثنا الكتمان
كيف صبري عن بعض نفسي وهل يص ... بر عن بعض نفسه إنسان
/ ولقد أشهد المحدّث عند ال ... قصر فيه تعفّف وبيان
في زمان من المعيشة لذّ ... قد مضى عصره وهذا زمان
عروضه من الخفيف، غناه ابن سريج، ولحنه رمل بالوسطى من نسخة عمرو بن بانة الثانية، ووافقته دنانير.
وذكر يونس. أنّ فيه لابن محرز ولابن عباد الكاتب لحنين، ولم يجنّسهما. وأوّل لحن عباد: «لا مطاع في آل زينب»، وأوّل لحن ابن محرز: «و لقد أشهد المحدّث».
قال: وفيها يقول أيضا:
صوت
أحدّث نفسي والأحاديث جمّة ... وأكبر همّي والأحاديث زينب
إذا طلعت شمس النهار ذكرتها ... وأحدث ذكراها إذا الشمس تغرب [1]
ذكر حمّاد عن أبيه أنّ فيه للهذليّ لحنا لم ينسبه.
صوت
يا نصب عيني لا أرى ... حيث التفتّ سواك شيّا
إنّي لميت إن صدد ... ت وإن وصلت رجعت حيّا
الشعر لعليّ بن أديم الجعفي الكوفي، والغناء لعمرو بن بانة، رمل بالوسطى.
__________
[1] ما عدا ح: «فأحدث».
16 - ذكر علي بن أديم [1] وخبره
حب علي بن أديم لمنهلة وشهرته بذلك
هو رجل من تجار أهل الكوفة كان يبيع البزّ، وكان متأدّبا صالح الشّعر، يهوى جارية يقال لها منهلة، واستهيم [2] بها مدّة ثم بيعت فمات أسفا عليها. وله حديث طويل معها في كتاب مفرد مشهور، صنعه أهل الكوفة [3] لهما، فيه ذكر قصصهما وقتا وقتا، وما قال فيها من الأشعار. وأمرهما متعالم عند العامّة، وليس مما يصلح الإطالة به.
أخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن عمار قال: حدّثني محمد بن داود بن الجراح [4] قال حدّثنا أحمد بن أبي خيثمة قال: قال دعبل بن علي:
كان بالكوفة رجل يقال له عليّ بن أديم، وكان يهوى جارية لبعض أهلها، فتعاظم أمره وبيعت الجارية فمات جزعا عليها، وبلغها خبره فماتت.
قال: وحدّثني بعض أهل الكوفة أنّه علقها وهي صبية تختلف [5] إلى الكتاب، فكان يجىء إلى ذلك المؤدّب فيجلس عنده لينظر إليها، فلما أن بلغت باعها مواليها لبعض الهاشميين، فمات جزعا عليها. قال: وأنشدني له أيضا:
صوت
صاحوا الرّحيل وحثّني صحببي ... قالوا الرواح فطيّروا لبّي
واشتقت شوقا كاد يقتلني ... والنفس مشرفة على نحب [6]
لم يلق عند البين ذو كلف ... يوما كما لاقيت من كرب
__________
[1] هذا ما في ط في كل موضع ورد فيه الاسم من هذه الترجمة. وط هذه هي أوثق نسخ «الأغاني» وأصحها على الإطلاق. وتوافقها في هذا نسخة أ، ها، مب، وهي تلي ط في الجودة. وفي سائر النسخ «آدم». وقد جاء على الصواب في «فهرست ابن النديم» 306 ليبسك 426 في أسماء العشاق من سائر الناس: «كتاب علي بن أديم ومنهلة».
[2] كذا على الصواب في ح. وفي سائر النسخ: «استهام» محرف.
[3] ما عدا ح: «صنفه».
[4] أ: «عمر بن داود بن الجراح».
[5] ح: «تتحلف»، وفي سائر النسخ: «فتختلف»، والوجه ما أثبت.
[6] النحب: الموت.
لا صبر لي عند الفراق على ... فقد الحبيب ولوعة الحبّ [1]
الشعر لعليّ بن أديم الكوفي الجعفي، والغناء لحكم الواديّ. وذكر حبش أن لإبراهيم بن أبي الهيثم فيه لحنا [2]. واللّه أعلم.
جزعه على منهلة
أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال: حدّثني أبو بكر العمري قال: حدّثني دعبل بن عليّ قال:
كان بالكوفة رجل من بني أسد يقال له عليّ بن أديم، فهوي [3] جارية لبعض نساء بني عبس، فباعتها لرجل من بني هاشم، فخرج بها عن الكوفة، فمات علي بن أديم جزعا عليها بعد ثلاثة أيام من خروجها، وبلغها خبره فماتت بعده [4]، فعمل أهل الكوفة لهما أخبارا هي مشهورة عندهم.
حدّثني محمد بن خلف بن المرزبان قال: حدّثنا أبو بكر العمري [5] قال حدّثنا أبو صالح الأزديّ قال: حدّثنا محمد بن الحسين الكوفيّ قال: حدّثنا محمد بن سماعة قال:
/ آخر من مات من العشق عليّ بن أديم الجعفيّ، مرّ بمكتب في بني عبس بالكوفة، فرأى فيه جارية تسمّى منهلة، عليها ثياب سواد، فاستهيم بها وأعجبته، وكلف بها وقال فيها:
إنّي لما يعتادني ... من حبّ لابسة السواد
/ في فتنة وبليّة ... ما إن يطيقهما فؤادي
فبقيت لا دنيا أصب ... ت وفاتني طلب المعاد
وسأل عنها فإذا لها مالكة عبسية، وكان ابن أديم خزّازا [6]، فتحمّل أبوه بجماعة من التّجّار على مولاتها لتبيعها فأبت، وخرج إلى أمّ جعفر ورفع إليها قصّته يسألها فيها المعونة على الجارية، فخرج له توقيع بما أحبّ، وأقام يتنجّز تمام أمره. فينا هو ذات يوم على باب أم جعفر إذ خرجت امرأة من دارها فقالت: أين العاشق؟ فأشاروا إليه فقالت: أنت عاشق وبينك وبين من تحب القناطر والجسور، والمياه والأنهار، مع ما لا يؤمن من حدوث الحوادث، فكيف تصبر على هذا، إنّك لجسور صبور! فخامر قلبه هذا القول وجزع، فبادر [7] فاكترى بغلا إلى الكوفة، على الدخول، فمات يوم دخول الكوفة.
__________
[1] إلى هنا ينتهي سقط ط الذي بدأ في ص 255.
[2] كذا الصواب في ط، أ. وفي سائر النسخ: «لحنان» محرف.
[3] ما عدا ط، أ، ها، مب: «يهوى».
[4] هذه الكلمة من ط، أ، مب.
[5] ح: «العميري».
[6] الخزاز: بائع الخز، وهي ثياب تنسج من صوف وإبريسم. ما عدا ح، ها: «خرازا» وهذا لا يوافق ما في أوّل خبره أنه كان يبيع البز.
[7] ما عدا ط، ها، مب: «فنادى».
17 - ذكر عمرو بن بانة
نسبه وغناؤه
هو عمرو بن محمد بن سليمان بن راشد، مولى ثقيف. وكان أبوه صاحب ديوان ووجها من وجوه الكتّاب، وينسب إلى أمّه بانة [بنت روح] [1] القحطبية [2]. وكان مغنّيا محسنا، وشاعرا صالح الشعر، وصنعته صنعة متوسّطة، النادر منها ليس بالكثير [3]، وكان يقعده عن اللّحاق بالمتقدّم [4] في الصنعة أنه كان مرتجلا، والمرتجل من المحدثين لا يلحق الضّرّاب. وعلى ذلك فما فيه مطعن، ولا يقصّر جيّد صنعته عن صنعة [غيره من] [5] طبقته وإن كانت قليلة، وروايته أحسن رواية.
تعصبه لإبراهيم بن المهدي وتعصبه على إسحاق
وكتابه في «الأغاني» أصل من الأصول، وكان يذهب مذهب إبراهيم بن المهدي في الغناء وتجنيسه، ويخالف إسحاق ويتعصّب عليه تعصّبا شديدا، ويواجهه بذلك وينصر إبراهيم بن المهديّ عليه. وكان تيّاها معجبا شديد الذهاب بنفسه، وهو معدود في ندماء الخلفاء ومغنّيهم، على ما كان به من الوضح. وفيه يقول الشاعر:
أقول لعمرو وقد مرّ بي ... فسلّم تسلمية جافية
لئن فضّلوك بفضل الغناء ... لقد فضّل اللّه بالعافية [6]
حسن حكايته لأستاذه
وقال ابن حمدون: كان عمرو حسن الحكاية لمن أخذ الغناء عنه، حتّى كان من يسمعه لو توارى عن عينه عمرو ثم غنّى لم يشكك في أنّه هو الذي أخذ عنه، لحسن حكايته، وكان محظوظا [7] ممن يعلّمه، ما علّم أحدا قطّ إلا خرج نادرا مبرّزا.
/ فأخبرني جحظة قال حدّثني أبو العبيس بن حمدون قال: قال لي عمرو بن بانة: علّمت عشرة غلمان كلّهم
__________
[1] التكملة من مب.
[2] ما عدا ط، ها، مب: «القحطية»، تحريف. ولعلها منسوبة إلى آل قحطبة، ومنها حميد والحسن ابنا قحطبة.
[3] ما عدا ط، ها، مب: «الندور منها ما ليس بالكثير».
[4] ما عدا ط، ح، ها، مب: «بالتقدم».
[5] التكملة من ط.
[6] ما عدا ط، ها، مب: «لئن فضل اللّه فضل الغناء».
[7] ما عدا ط، ها، مب: «محفوظا» تحريف.
تبيّنت [1] فيهم الثقافة والحذق، وعلمت أنّه يتقدم، أحدهم [2] أنت، وتمرة، وما تبيّنت [1] قطّ من أحد خلاف ذلك فعلمته.
بين إسحاق وعمرو بن بانة
وقال محمد بن الحسن الكاتب: حدّثني أبو حارثة الباهليّ [3] عن أخيه أبي معاوية قال:
سمعت عمرو بن بانة يقول لإسحاق في كلام جرى بينهما: ليس مثلي يقاس بمثلك، لأنّك تعلّمت الغناء تكسّبا، وتعلّمته تطرّبا، وكنت أضرب لئلا أتعلّمه، وكنت تضرب حتّى تتعلّمه.
اتهامه بخادم يقال له مفحم
وأخبرني علي بن سليمان الأخفش قال حدّثني محمد بن الحسن [بن] [4] الحرون قال:
اجتمع عمرو بن بانة والحسين بن الضّحاك في منزل ابن شعوف، وكان له خادم يقال له مفحم [5]، وكان عمرو يتّهم به،/ فلما أخذ [6] فيه الشراب سأل عمرو الحسين بن الضحاك أن يقول في مفحم شعرا ليغني فيه، فقال الحسين:
وا بأبي مفحم لغرّته ... قلت له إذ خلوت مكتتما [7]
تحب باللّه من يخصّك بالح ... بّ فما قال لا ولا نعما [8]
الشعر للحسين بن الضحاك، والغناء لعمرو بن بانة، ثاني ثقيل بالبنصر.
/ قال: فغنى فيه عمرو. ولم يزل هذا الشعر غناءهم، وفيه طربهم، إلى أن تفرّقوا. وأتاهم في عشيّتهم إسحاق بن إبراهيم الموصلي فسألوا ابن شعوف [9] أن لا يأذن له، فحجبه، وانصرف إسحاق بن إبراهيم الموصلي إلى منزله، فلما تفرّقوا مرّ به الحسين بن الضحاك وهو سكران، فأخبره بجميع ما دار بينهما في مجلسهم، فكتب إسحاق إلى ابن شعوف:
يا ابن شعوف أما سمعت بما ... قد صار في الناس كلّهم علما
أتاك عمرو فبات ليلته ... في كلّ ما يشتهى كما زعما
حتّى إذا ما الظلام خالطه ... سرى دبيبا فجامع الخدما
__________
[1] ما عدا ط، ها، مب: «ثبتت»، محرف.
[2] هذه الكلمة من ط، ها، مب، وموضعها بياض في ح. ويتقدم، هي فيما عدا ط: «متقدم».
[3] ما عدا ط، ها، مب: «أبو جارية الباهلي».
[4] هذه من ط، ها، مب.
[5] ما عدا ط، ها، مب: «مقحم» بالقاف، في كل موضع ورد فيه من هذه الأخبار.
[6] ما عدا ط، ها، مب: «فيهم».
[7] الغرة والغرارة: الغفلة وضعف التجربة. ما عدا ط، ج، ها: «لعزته».
[8] ما عدا ط، ها، مب: «من يخصك بالود».
[9] ما عدا ط، ها، مب: «ابن شفوف» في هذا الموضع وسائر المواضع التالية. وقد سبق اتفاق النسخ على «شعوف» في أول موضع ورد فيه.
ثمّت لم يرض أن يفوز بذا ... سرّا ولكن أبدى الذي كتما
حتّى تغنّى لفرط صبوته ... صوتا شفى من فؤاده السّقما
«وا بأبي مفحم لغرته ... قلت له إذ خلوت مكتتما [1]
تحبّ باللّه من يخصّك بال ... ودّ فما قال لا ولا نعما»
فهجر ابن شعوف عمرو بن بانة مدّة وقطع عشرته.
عشقه لحسين الغلام
وأخبرني محمد بن العباس اليزيدي بهذا الخبر قال: حدّثني ميمون بن الأزرق [2] قال:
كان لمحمد بن شعوف الهاشميّ ثلاثة غلمان مغنّين، ومنهم اثنان صقلبيان محبوبان: خاقان وحسين، وكان خاقان أحسن الناس غناء، وكان حسين يغنّي غناء متوسطا، وهو مع ذلك أضرب الناس، وكان قليل الكلام جميل الأخلاق،/ أحسن الناس وجها وجسما، وكان الغلام الثالث فحلا يقال له حجّاج، حسن الوجه روميّ [حسن] [3] الغناء، فتعشّق عمرو بن بانة منهم المعروف بحسين وقال فيه:
وا بأبي مفحم لغرته ... قلت له إذ خلوت مكتتما
تحبّ باللّه من يخصّك بال ... ودّ فما قال لا ولا نعما
ولم يذكر غير هذا.
جودة غنائه
وقال محمد بن الحسن: حدّثني أبو الحسين [4] العاصمي قال:
دخلت أنا وصديق لي على عمرو بن بانة في يوم صائف، فصادفناه جالسا في ظلّ طويل ممتع [5]، فدعاني إلى مشاركته فيه، وجعل يغنّينا [6] يومه كلّه لحنه:
صوت
نقابك فاتن لا تفتنينا ... ونشرك طيّب لا تحرمينا
وخاتمك اليماني غير شكّ ... ختمت به رقاب العالمينا
الغناء لعمرو بن بانة، هزج خفيف بالبنصر.
قال: فما طربت لغناء قطّ طربي له، ولا سمعت/ أشجى ولا أكثر نغما، ولا أحسن من غنائه [7].
__________
[1] ما عدا ط، ج، ها، مب: «لعزته».
[2] ما عدا ط، ها، مب: «ميمون بن هارون».
[3] هذه من ط، ها، مب فقط.
[4] ها، مب: «أبو الحسن» وفي سائر النسخ ط: «أبو الحسين». وفي سائر النسخ: «عمرو بن الحسين».
[5] ما عدا ط، ها، مب: «ممتنع».
[6] ما عدا ط، ج، ها، مب: «يومنا».
[7] ما عدا ط، ها. مب: «و لا أحسن مما غناه».
عمرو بن بانة وجعفر الطبال
أخبرني جحظة قال: حدّثني أبو حشيشة قال:
كنت يوما عند عمرو بن بانة، فزاره خادم كان يحبّه [فأقام عنده] [1]، فطلب عمرو في الدنيا كلّها من يضرب عليه فلم يجد أحدا، فقال له جعفر الطبّال: إن أنا/ غنّيتك اليوم على عود يضرب به عليك، أيّ شيء لي عندك؟
قال: مائة درهم ودستيجة [2] نبيذ. وكان جعفر متقدّما نادرا [3] طيبا، وكان نذل الهمّة [4]، فقال: أسمعني مخرج صوتك. ففعل فسّوى عليه طبله كما يسوي الوتر، واتكأ عليه بركبته فأوقع عليه [5]. ولم يزل عمرو يغنّي بقية يومه على إيقاعه لا ينكر منه شيئا حتّى انقضى يومنا ودفع إليه مائة درهم، وأحضر الدستيجة [2] فلم يكن له من يحملها، فحملها جعفر على عنقه، وغطّاها بطيلسانه وانصرفنا.
مقاضاة جعفر الطبال لإبراهيم بن المهدي
قال أبو حشيشة: فحدّثت بهذا الحديث إسحاق بن عمرو بن بزيع، وكان صديق إبراهيم بن المهدي، فحدّثني أنّ إبراهيم بن المهدي قال له: يا جعفر حذّق فلانة جاريتي ضرب الطبل، ولك مائة دينار أعجّل لك منها خمسين.
قال: نعم. فعجّلت له الخمسون وعلّمها، فلما حذقت طالب إبراهيم بتتمّة المائة فلم يعطه، فاستعدى عليه أحمد بن أبي دواد [6] الحسني خليفته فأعداه، ووكّل إبراهيم وكيلا، فلما تقدّم مع الوكيل إلى القاضي [7] أراد الوكيل أن يكسر حجّة جعفر فقال: أصلح اللّه القاضي، سله من أين له هذا الذي يدعي؟ وما سببه؟ فقال جعفر:
أصلح اللّه القاضي أنا رجل طبّال، وشارطني إبراهيم على مائة دينار على أن أحذّق جاريته فلانة، وعجّل لي بخمسين دينارا ومنعني الباقي بعد أن رضي حذقها، فيحضر القاضي الجارية/ وطبلها، وأحضر أنا طبلي، ويسمعنا القاضي، فإن كانت مثلي قضى لي عليه، وإلّا حذّقتها فيه حتى يرضى القاضي. فقال له القاضي: قم عليك وعليها لعنة اللّه، وعلى من يرضى بذلك منك ومنها. فأخذ الأعوان بيده فأقاموه.
عمرو بن بانة ورزق غلام علويه
وقال علي بن محمد الهشامي [8]: حدّثني جدي ابن حمدون قال:
__________
[1] هذه من ط، ها، مب فقط.
[2] الدستيحة: مأخوذة من «دستي» الفارسية، جاء في «القاموس»: «الدستيج: آنية تحول باليد، معرب دستى»: وفي «المعجم الفارسي الإنجليزي» لاستينجاس 525 أنها كل وعاء يمكن رفعه باليد:
» any vessel wich can be lifted up by the hand«
ها، مب: «دستجة». ما عدا ط، ج: «دستبيجة» محرف.
[3] ما عدا ط، ها: «بادرا نادرا».
[4] ما عدا ط، ها، مب: «و كان بذل الهمة» وفي هامش ط: «بذ الهيئة».
[5] هذا ما في ط. وفي ج، أ، ها، مب: «و أوقع عليه» س: «و وقع عليه»، والأخيرة محرفة.
[6] س: «داود».
[7] ما عدا ط، ها، مب: «فلما تقدموا القاضي مع الوكيل».
[8] كذا في ط، ها، وفي ج، مب: «البسامي» وأشير إليها في هامش ط. وفي سائر النسخ: «الشامي».
كنت عند عمرو بن بانة يوما ففتح باب داره فإذا بخادم أبيض شيخ قد دخل يقود بغلا له عليه مزادة، فلما رآه عمرو صرخ: لا إله إلا اللّه، ما أعجب أمرك يا دنيا! فقلت له: مالك؟ قال: يا أبا عبد اللّه [1]، هذا الخادم رزق غلام [2] علّوية المغني، الذي يقول فيه الحسين بن الضحاك الشاعر:
يا ليت رزقا كان من رزقي ... يا ليته حظّي من الخلق
قد صار إلى ما ترى. ثم غنّاني لحنا له في هذا الشعر، فما سمعت أحسن منه منذ خلقت.
نسبة هذا اللحن
صوت
يا ليست رزقا كان من رزقي ... يا ليته حظّي من الخلق
يا شادنا ملّكته رقّي ... فلست أرجو راحة العتق
الشعر للحسين بن الضحاك، والغناء لعمرو بن بانة، ولحنه من الثقيل الأول بالوسطى.
ابتياع المتوكل له بيتا
وقال علي بن محمد الهشامي: حدّثني جدّي - يعني ابن حمدون - قال: كنا عند المتوكّل ومعنا عمرو بن بانة، في آخر يوم من شعبان فقال له عمرو: يا أمير المؤمنين،/ جعلني اللّه فداءك، تأمر لي بمنزل فإنه لا منزل لي يسعني. فأمر المتوكّل عبيد اللّه بن يحيى بأن يبتاع له منزلا يختاره. قال: وهجم/ الصوم وشغل عبيد اللّه، وانقطع عمرو عنا، فلما أهلّ شوال دعا بنا المتوكل فكان أول صوت غناه عمرو في شعر هذا:
صوت
ملّاك ربّي الأعياد تخلقها ... في طول عمر يا سيد الناس [3]
دفعت عن منزل أمرت به ... فإنّني عنه مباعد خاس [4]
[فمر بتسليمه إليّ على ... رغم عدوّي بحرمة الكاس] [5]
أعوذ باللّه والخليفة أن ... يرجع ما قتله على راسي
لحن عمرو في هذا الموضع هزج بالبنصر.
فدعا المتوكّل بعبيد اللّه بن يحيى فقال له: لم دافعت عمرا بابتياع المنزل الذي كنت أمرتك بابتياعه؟ فاعتلّ بدخول الصوم وتشعّب الأشغال. فتقدّم إليه أن لا يؤخر ابتياع ذلك إليه، فابتاع له الدور التي في دور سرّ من رأى، بحضرة المعلّى بن أيوب. وفيها توفي عمرو.
__________
[1] ما عدا ط، ها، مب: «يا عبد اللّه».
[2] ط، مب: «خادم».
[3] ملاك الأعياد: متعك بها وأعاشك معها طويلا. تخلقها: تبليها. ما عدا ط، ها، مب «تخلفها» بالفاء.
[4] س: «رفعت» و «معبد». الخاسى ء: المبعد.
[5] هذا البيت من ط، ها، مب، ف فقط.
امتحان عبد اللّه بن طاهر للمغنين وفيهم عمرو
أخبرني محمد بن إبراهيم قريص [1] قال: سمعت أحمد بن أبي العلاء [يحدث أستاذي - يعني محمد بن داود بن الجراح] [2] قال: جمع عبد اللّه بن طاهر بين المغنين وأراد أن يمتحنهم، وأخرج بدرة دراهم سبقا [3] لمن تقدّم منهم وأحسن، فحضره مخارق، وعلّويه، وعمرو بن بانة، ومحمد بن الحارث بن بسخنّر، فغنى/ فلم يصنع شيئا، وتبعه محمد بن الحارث فكانت هذه سبيله، وامتدت الأعين إلى مخارق وعمرو، فبدأ مخارق فغنّى:
إني امرؤ من خيرهم ... عمّي وخالي من جذام
فما نهنهه عمرو مع انقطاع نفسه حتّى غنى:
يا ربع سلّامة بالمنحنى ... بخيف سلع جادك الوابل
وكان إبراهيم بن المهدي حاضرا فبكى طربا وقال: أحسنت واللّه واستحققت، فإن أعطيته وإلا فخذه من مالي، يا حبيبي عنّي أخذت هذا الصوت، وقد واللّه زدت عليّ فيه وأحسنت غاية الإحسان، ولا يزال صوتي عليك أبدا. فقال له عبد اللّه: من حكمت له بالسّبق فقد حصل. وأمر له بالبدرة فحملت إلى عمرو.
ثمّ حدّثنا بعد ذلك أن إسحاق لقي عمرو بن راشد الخناق فقال له: قد بلغني خبر المجلس الذي جمع عبد اللّه فيه المغنّين يمتحنهم، ولو شاء لكان في راحة من ذلك. قلت: وكيف؟ قال: أمّا مخارق فأحسن القوم غناء إذا اتّفق له أن يحسن، وقلّما يتفق له ذلك. وأما محمد بن الحارث فأحسنهم شمائل، وأملحهم إشارة بأطراف وجهه في الغناء، وليس له غير ذلك. وأما عمرو بن بانة فأعلم القوم وأرقاهم. وأما علّويه فمن أدخله ابن الزانية مع هؤلاء؟
نسبة هذين الصوتين
صوت
إنّي أمرؤ من خيرهم ... عمّي وخالي من جذام
خود كضوء البدر أو ... أضوا لدى الليل التمام [4]
يجري [5] وشاحاها على ... نحر نقيّ كالرّخام
/ والغناء لابن جامع، رمل مطلق في مجرى البنصر عن إسحاق.
صوت
يا خليليّ من بني شيبان ... أنا لا شكّ ميّت فابكياني
إنّ روحي لم يبق منها سوى شي ... ء يسير معلّق بلساني
__________
[1] ما عدا ط، ها، مب: «قريض».
[2] التكملة من ط، ها، مب، ف.
[3] السبق، بالتحريك: ما يجعل رهنا على المسابقة.
[4] أضوا: أضوأ وأشد إشراقا.
[5] هذا ما في ها: وفي مب «تجري»: وفي سائر النسخ: «فجرى».
الشعر لأبي العتاهية، والغناء لإبراهيم، رمل بالوسطى عن عمرو والهشامي وإبراهيم.
وهذا الشعر يخاطب به أبو العتاهية عبد اللّه، وزائدة بن معن بن زائدة الشيباني، وكان صديقا وخاصا بهما.
غضب يزيد بن معن على أبي العتاهية
ثم إنّ يزيد بن معن غضب لمولاة لهم يقال لها سعدى، وكان أبو العتاهية يشبّب بها، فضربه مائة سوط، فهجاه وهجا إخوته، ثم أصلح بينهم مندل بن عليّ العبدي، وهو مولى أبي العتاهية، فعاد إلى ما كان عليه لهم.
فأخبرني وكيع قال: حدّثني حماد بن إسحاق عن أبيه. وأخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن عمار قال: حدّثني علي بن محمد النوفلي عن أبيه قالا: قول أبي العتاهية:
يا خليليّ من بني شيبان
يخاطب به عبد اللّه ويزيد ابني معن بن زائدة، أو قال عبد اللّه وزائدة.
شعر أبي العتاهية في سعدى
أخبرني ابن عمار قال: حدّثني زيد بن موسى بن حماد. وأخبرني محمد بن يحيى قال: حدّثني محمد بن سعيد. قال حدّثني أبو سويد عبد القوي بن محمد بن أبي العتاهية قال:
كان أبو العتاهية في حداثته يهوى امرأة من أهل الحيرة نائحة [1]، لها حسن/ وجمال ودماثة، وكان ممن يهواها أيضا عبد اللّه بن معن بن زائدة أبو الفضل؛ وكانت مولاة لهم يقال لها سعدى، وكان أبو العتاهية مغرما بالنساء فقال فيها:
ألا يا ذوات السحق في الغرب والشرق ... أفقن فإنّ النيك أشهى من السحق
أفقن فإنّ الخبز بالأدم يشتهى ... وليس يسوغ الخبز بالخبر في الحلق
أراكنّ ترقعن الخروق بمثلها ... وأيّ لبيب يرقع الخرق بالخرق
وهل يصلح المراس إلّا بعوده ... إذا احتيج منه ذات يوم إلى الدقّ
قال وقال فيه أيضا:
قلت للقلب إذ طوى وصل سعدى ... لهواه البعيدة الأنساب
أنت مثل الذي يفرّ من القط ... ر حذار الندى إلى الميزاب
قال محمد بن محمد في خبره: فغضب عبد اللّه بن معن لسعدى [2]، فضرب أبا العتاهية مائة فقال:
جلدتني بكفّها ... بنت معن بن زائدة
جلدتني بكفّها ... بأبي أنت جالده
جلدتني وبالغت ... مائة غير واحده
__________
[1] كذا في ها، مب. وفي س: «نافحة». وفي ج: «بامحة». وفي أ: «يافحة».
[2] أ: «بسعدى» يقال غضب له، ولا يقال غضب به إلا للميت. أنشد في «اللسان» لدريد بن الصمة:
فإن تعقب الأيام والدهر فاعلموا ... بني قارب أنا غضاب بمعبد
اجلدي اجلدي اجلدي ... إنّما أنت والده
بين عبد اللّه بن معن وأبي العتاهية
أخبرني وكيع قال: حدّثني أبو أيوب المدينيّ قال:
احتال عبد اللّه بن معن فضرب أبا العتاهية ضربا غير مبرّح، إشفاقا مما يغنّى [1] به، فقال:
اجلدي اجلدي اجلدي ... إنّما أنت والده
/ أخبرني محمد بن يحيى قال: حدّثنا الغلابي قال: حدّثني مهدي قال:
تهدد عبد اللّه بن معن أبا العتاهية وخوّفه ونهاه أن يعرض لمولاته سعدى، فقال أبو العتاهية قوله:
ألا قل لابن معن والذي في الودّ قد حالا
لقد بلّغت ما قال ... فما باليت ما قالا
ولو كان من الأسد ... لما راع ولا هالا
فصغ ما كنت حلّيت ... به سيفك خلخالا
فما تصنع بالسيف ... إذا لم تك قتّالا
ولو مدّ إلى أذني ... ه كفّيه لما نالا
قصير الطّول والطّول ... فلا شبّ ولا طالا
أرى قومك أبطالا ... وقد أصبحت بطّالا
فزع عبد الملك وعبد اللّه بن معن من الهجاء
أخبرني محمد بن يحيى قال حدّثني الحسن بن علي الرازي قال حدّثني أحمد بن أبي فنن قال:
كنّا عند ابن الأعرابي فذكر قول يحيى بن نوفل في عبد الملك بن عمير القاضي:
إذا كلّمته ذات دلّ لحاجة ... فهمّ بأن يقضي تنحنح أو سعل
وأن عبد الملك بن سليمان بن عمير [2] قال: تركني واللّه وإنّ السّعلة لتعرض لي في الخلاء فأذكر قوله فأتركها. قال: فقلت له: هذا عبد اللّه بن معن بن زائدة يقول له أبو العتاهية:
فصغ ما كنت حلّيت ... به سيفك خلخالا
وما تصنع بالسيف ... إذا لم تك قتّالا
/ قال: فقال عبد اللّه: ما لبست السيف قطّ فلمحني إنسان إلا قلت إنّه يحفظ شعر أبي العتاهية فيّ، فينظر إليّ بسببه. فقال ابن الأعرابي: اعجبوا إليه لعنه اللّه يهجو مولاه [3]! وكان أبو العتاهية من موالي بني شيبان.
__________
[1] أي من غنائه ها، مب: «من كثرة من» وفي سائر النسخ. ما عدا ج: «ممن».
[2] ط، ها، مب: «عبد الملك بن عمير».
[3] ط، ها، مب: «اعجبوا لعبد يهجو مولاه».
هجاء أبي العتاهية لعبد اللّه بن معن
وقال محمد بن موسى في خبره: وقال أبو العتاهية يهجو عبد اللّه بن معن:
لا تكثرا يا صاحبي رحلي ... في شتم من أكثر من عذلي
سبحان من خصّ ابن معن بما ... أرى به من قلّة العقل
قال ابن معن وجلا نفسه ... علي من الجلوة يا أهلي [1]
أنا فتاة الحيّ من وائل ... في الشّرف الباذخ والنّبل
ما في بني شيبان أهل الحجى ... جارية واحدة مثلي
يا ليتني أبصرت دلّالة ... تدلّني اليوم على فحل
والهفتا اليوم على أمرد ... يلصق منّي القرط بالحجل
أتيته يوما فصافحته ... فقال دع كفّي وخذ رجلي
يكنى أبا الفضل فيا من رأى ... جارية تكنى أبا الفضل
قد نقّطت في خدّها نقطة ... مخافة العين من الكحل [2]
/إن زرتموها قال حجّابها ... نحن عن الزوّار في شغل
مولاتنا خالية عندها ... بعل ولا إذن على البعل
قولا لعبد اللّه لا تجهلن ... وأنت رأس النّوك والجهل
أ تجلد الناس وأنت امرؤ ... تجلد في الدّبر وفي القبل
/ تبذل ما يمنع أهل الندى ... هذا لعمري منتهى البذل
ما ينبغي للناس أن ينسبوا ... من كان ذا جود إلى البخل
وقال في ضربه إياه:
ضربتني بكفّها بنت معن ... أوجعت كفّها وما أوجعتني
ولعمري لولا أذى كفّها إذ ... ضربتني بالسّوط ما تركتني
هجاء أبي العتاهية ليزيد بن معن
أخبرني ابن عمار قال حدّثني محمد بن موسى. وأخبرني محمد بن يحيى قال حدّثني جبلة بن محمد [3] قالا:
لما اتصل هجاء أبي العتاهية بعبد اللّه بن معن غضب من ذلك أخوه يزيد بن معن، فهجاه أبو العتاهية فقال:
بنى معن ويهدمه يزيد ... كذاك اللّه يفعل ما يريد
فمعن كان للحساد غمّا ... وهذا قد يسرّ به الحسود
يزيد يزيد في منع وبخل ... وينقص في النوال ولا يزيد
__________
[1] الجلوة، بالفتح والكسر: مصدر جلا العروس على بعلها. والجلوة بالكسر: ما تعطاه عند ذلك من مال أو هدية.
[2] بعد هذا سقط في مب ينتهي في 301.
[3] ما عدا ط، ها: «علي بن محمد».
استغاثة بني معن بمندل وحيان لذلك
أخبرني محمد بن يحيى عن جبلة بن محمد قال حدّثني أبي قال: [لمّا] [1] هجا أبو العتاهية بني معن فمضوا إلى مندل وحيان [2] ابني عليّ العنزبّين الفقيهين، وكانا من سادات أهل الكوفة، وهما من بني عمرو بن عمرو، بطن من يقدم بن عنزة [3]، فقالوا لهما: نحن بيت واحد وأهل ولا فرق بيننا [4]، وقد أتانا من مولاكم هذا ما لو أتى من بعيد الولاء لوجب أن تردعاه. فأحضرا أبا العتاهية ولم يكن يمكنه الخلاف عليهما، فأصلحا بينه وبين عبد اللّه ويزيد ابني معن، وضمنا عنه خلوص النية، وعنهما ألّا يتتّبعاه/ بسوء، وكانا ممن لا يمكن خلافهما، فرجعت الحال إلى المودّة والصفاء، وجعل الناس يعذلون أبا العتاهية فيما فرط منه، ولامه آخرون على صلحه لهم، فقال:
ما لعذّالي ومالي ... أمروني بالضلال
عذلوني في اغتفاري ... لابن معن واحتمالي
أنا منه كنت أكبى ... زندة في كل حال
كلّ ما قد كان منه ... فلقبح من فعالي
إنّما كانت يميني ... صرمت جهلا شمالي [5]
ماله بل نفسه لي ... وله نفسي ومالي
قل لمن يعجب من حس ... ن رجوعي وانتقالي
قد رأينا ذا كثيرا ... جاريا بين الرجال
ربّ وصل بعد صدّ ... وقلى بعد وصال
رثاء أبي العتاهية لزائدة بن معن
/ أخبرني محمد بن يحيى قال حدّثنا محمد بن موسى قال:
كان أبو العباس زائدة بن معن صديقا لأبي العتاهية، ولم يعن أخويه عليه، فمات فرثاه فقال:
حزنت لموت زائدة بن معن ... حقيق أن يطول عليه حزني
فتى الفتيان زائدة المصفّى ... أبو العباس كان أخي وخدني
فتى قومي وأيّ فتى توارت ... به الأكفان تحت ثرى ولبن [6]
ألا يا قبر زائدة بن معن ... دعوتك كي تجيب فلم تجبني
سل الأيام عن أركان قومي ... أصبت بهنّ ركنا بعد ركن [7]
__________
[1] هذه من ط، ها.
[2] ما عدا ط، ها: «حبان» بالباء الموحدة.
[3] كذا على الصواب في ها. وفي ح، «تقدم بن عنزة» وفي ط: «صدم بن عنزة» وسائر النسخ: «تقدم من عنزة».
[4] ما عدا ط، ها: «نحن واحد وأهل بيت لا فرق بيننا».
[5] صرمت: قطعت. ما عدا ط، ها: «ضربت».
[6] اللبن بالكسر: جمع لبنة، بالكسر أيضا، وهي لغة في اللبنة كفرحة، وهي ما يضرب من الطين مربعا.
[7] كذا على الصواب في ط، ها. وفي ج: «عن أن كان» وسائر النسخ: «عنى إن قومي».
صوت
فما روضة بالحزن طيّبة الثرى ... يمجّ الندى جثجاثها وعرارها
بأطيب من أردان عزّة موهنا ... وقد أوقدت بالمندل الرّطب نارها
فإن خفيت كانت لعينيك قرّة ... وإن تبد يوما لم يعممّك عارها [1]
من الخفرات البيض لم تر شقوة ... وفي الحسب المكنون صاف نجارها
الشعر لكثيرّ، والغناء لمعبد في الأوّل والثاني، ولحنه من الثقيل الأوّل بالسبابة في مجرى الوسطى عن إسحاق.
وذكر عمرو بن بانة أنه لابن سريج. وللغريض في الرابع والثالث [2] ثقيل أوّل بالبنصر عن عمرو وحبش.
وذكر الهشامي أنّ في الأوّل والثاني رملا لابن سريج بالوسطى.
ذكر عمرو وحبش أنّ فيه رملا لابن جامع بالبنصر.
وفي الأبيات خفيف ثقيل يقال إنه لمعبد، ويقال إنه للغريض، وأحسبه للغريض.
لقاء كثير لقطام صاحبة ابن ملجم وما جرى بينهما من هجاء
أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال: حدّثنا عمر بن شبة هكذا موقوفا لم يتجاوز. وأخبرني أنّ كثيّر بن عبد الرّحمن كان غاليا في التشيّع. وأخبر عن قطام صاحبة ابن ملجم في قدمة قدمها الكوفة فأراد الدخول عليها ليوبّخها، فقيل له: لا تردها فإن لها جوابا. فأبى وأتاها فوقف على بابها فقرعه فقالت: من هذا؟ فقال: كثيّر بن عبد الرّحمن الشاعر. فقالت لبنات عمّ لها: تنحيّن حتى يدخل الرجل. فولجن البيت وأذنت له، فدخل وتنحت من بين يديه، فرآها وقد ولّت/ فقال لها: أنت قطام؟ قالت: نعم. قال: صاحبة علي بن أبي طالب عليه السلام؟
قالت: صاحبة عبد الرّحمن بن ملجم. قال: أليس فيك قتل علي بن أبي طالب؟ قالت: بل مات بأجله. قال: أما واللّه لقد كنت أحبّ أن أراك، فلما رأيتك نبت عيني عنك، فما احلوليت في خلدي. قالت: واللّه إنّك لقصير القامة، عظيم الهامة، قبيح المنظر، وإنك لكما قال الأوّل: «تسمع بالمعبديّ خير من أن تراه» [3]. فقال:
رأت رجلا أودى السّفار بوجهه ... فلم يبق إلا منظر وجناجن [4]
فإن أك معروق العظام فإنني ... إذا وزن الأقوام بالقوم وازن [5]
وإني لما استودعتني من أمانة ... إذا ضاعت الأسرار للسردافن
__________
[1] ما عدا ط: «لم يعمك».
[2] إلى هنا تنتهي نسخة ط.
[3] المعيدي هذا هو شقة بن ضمرة بن جابر، رآه المنذر بن ماء السماء وكان يعجبه ما يبلغه عنه، فلما رآه حقره وأرسل فيه هذا المثل، فقال له شقة: أبيت اللعن وأسعد إلهك، إن القوم ليسوا بجزر - يعني الشاء - إنما يعيش الرجل بأصغريه: لسانه وقلبه. فأعجب المنذر كلامه وسره ما رأى منه. انظر «مجمع الأمثال للميداني».
[4] السفار: السفر. والجناجن: جمع جنجن، وهي عظام الصدر. وفي «البيان» (1: 227): «فلم يبق إلا منطق».
[5] معروق العظام، أي نحيلا.
فقالت: أنت للّه أبوك كثيّر عزة؟ قال: نعم. قالت: الحمد للّه الذي قصّر بك فصرت لا تعرف/ إلا بامرأة! فقال: الأمر كذلك، فو اللّه لقد سار بها شعري وطار بها ذكري، وقرب من الخليفة مجلسي، وأنا لكما قلت:
فإن خفيت كان لعينك قرّة ... وإن تبد يوما لم يعمّك عارها
فما روضة بالحزن طيبة الثرى ... يمجّ الندى جثجاثها وعرارها
بأطيب من أردان عزّة موهنا ... وقد أوقدت بالمندل اللّدن نارها
فقالت: باللّه ما رأيت شاعرا قطّ أنقص عقلا منك، ولا أضعف وصفا، أين أنت من سيدك امرىء القيس حيث يقول:
/ألم ترياني كلّما جئت طارقا ... وجدت بها طيبا وإن لم تطيّب
فخرج وهو يقول:
الحقّ أبلج لا يخيل سبيله ... والحقّ يعرفه ذو والألباب [1]
صوت
هاك فاشربها خليلي ... في مدى الليل الطويل
قهوة في ظلّ كرم ... سبيت من نهر بيل [2]
في لسان المرء منها ... مثل طعم الزنجبيل
قل لمن يلحاك فيها ... من فقيه أو نبيل [3]
أنت دعها وارج أخرى ... من رحيق السلسبيل
تعطش اليوم وتسقى ... في غد نعت الطّلول
الشعر لآدم بن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز، والغناء لإبراهيم الموصلي، هزج بالبنصر عن حبش.
ولإبراهيم بن المهدي في الخامس والسادس والأوّل خفيف رمل بالوسطى عن الهشامي. ولهاشم فيها ثاني ثقيل بالبنصر، وقيل لعبد الرّحيم [4].
__________
[1] لا يخيل: لا يشتبه ولا يلتبس.
[2] سبى الخمر يسبيها: حملها من بلد إلى بلد. نهر بيل: طسوج من سواد بغداد متصل بنهر بوق. وأنشد ياقوت هذه الأبيات في (نهر بيل)، وهي كذلك في «تاريخ بغداد» 3491.
[3] وكذا الرواية في «تاريخ بغداد». وفي «معجم البلدان»: «من وضيع أو نبيل».
[4] ها، ح: «لعبد الرّحمن».
18 - ذكر ادم بن عبد العزيز وأخباره
نسبه
آدم بن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف.
وأمه أم عاصم بنت سفيان بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم أيضا.
من عليه السفاح
وهو أحد من منّ عليه أبو العباس السفاح من بني أمية لمّا قتل من وجد منهم.
كان خليعا ثم نسك
وكان آدم في أوّل أمره خليعا ماجنا منهمكا [1] في الشراب، ثم نسك بعد ما عمّر، ومات على طريقة محمودة.
عتاب المهدي له في شعر قاله
وأخبرني الحسين بن علي عن أحمد بن سعيد الدمشقي، عن الزبير بن بكار عن عمّه:
أنّ المهديّ أنشد هذه الأبيات وغنّى فيها بحضرته:
أنت دعها وارج أخرى ... من رحيق السلسبيل
فسئل عن قائلها فقيل آدم بن عبد العزيز بن عمرو بن عبد العزيز، فدعا به فقال له: ويلك تزندقت؟ قال: لا واللّه يا أمير المؤمنين، ومتى رأيت قرشيّا تزندق؟ والمحنة في هذا إليك [2]، ولكنّه طرب غلبني، وشعر طفح على قلبي في حال الحداثة فنطقت به. فخلى سبيله.
قال: وكان المهديّ يحبه ويكرمه، لظرفه وطيب نفسه.
/ وروي هذا الخبر عن مصعب الزبيري وإسحاق/ بن إبراهيم الموصلي قال:
__________
[1] ح، أ، م: «منهوكا». والمنهوك: المجهد المغلوب. والمنهمك: ذو اللجاجة والتمادي. وفي حديث خالد بن الوليد: «انهمكوا في الخمر». ها: «متهتكا».
[2] المحنة: الامتحان. وفي حديث الشعبي: المحنة بدعة. وهي أن يأخذ السلطان الرجل فيمتحنه، يقول فعلت كذا وفعلت كذا، فلا يزال به حتى يقول ما لم يفعله، أو ما لا يجوز قوله.
كان آدم بن عبد العزيز يشرب الخمر ويفرط في المجون، وكان شاعرا، فأخذه المهديّ فضربه ثلاثمائة سوط على أن يقرّ بالزندقة، فقال: واللّه ما أشركت باللّه طرفة عين، ومتى رأيت قرشيّا تزندق؟ قال: فأين قولك:
اسقني واسق غصينا ... لا تبع بالنقد دينا
اسقنيها مزّة الطع ... م تريك الشّين زينا [1]
- في هذين البيتين لعمرو بن بانة ثاني ثقيل بالوسطى، ولإبراهيم هزج بالبنصر - .
قال: فقال لئن كنت ذاك فما هو ممّا يشهد على قائله بالزندقة. قال: فأين قولك:
اسقني واسق خليلي ... في مدى الليل الطويل
قهوة صهباء صرفا ... سبيت من نهر بيل
لونها أصفر صاف ... وهي كالمسك الفتيل [2]
في لسان المرء منها ... مثل طعم الزنجبيل
ريحها ينفح منها ... ساطعا من رأس ميل
من ينل منها ثلاثا ... ينس منهاج السبيل [3]
فمتى ما نال خمسا ... تركته كالقتيل
/ ليس يدري حين ذاكم ... ما دبير من قبيل [4]
إنّ سمعي عن كلام ال ... لائمي فيها الثقيل
لشديد الوقر، إنّي ... غير مطواع ذليل
قل لمن يلحاك فيها ... من فقيه أو نبيل
أنت دعها وارج أخرى ... من رحيق السلسبيل
نعطش اليوم ونسقى ... في غد نعت الطول
فقال: كنت فتى من فتيان قريش، أشرب النبيذ وأقول ما قلت على سبيل المجون، واللّه ما كفرت باللّه قطّ، ولا شككت فيه. فخلّى سبيله ورقّ له.
قال مصعب: وهو الذي يقول:
صوت
اسقني يا معاوية ... سبعة أو ثمانية
__________
[1] في الأصول: «مرة الطعم»، وصوابه بالزاي، كما في «تاريخ بغداد».
[2] أنشد هذا البيت في «اللسان» (فتل) وقال: «قال أبو حنيفة: ويروى كالمسك الفتيت. قال: وهو كالفتيل. قال أبو الحسن: وهذا يدل على أنه شعر غير معروف، إذ لو كان معروفا لما اختلف في قافيته. فتفهمه جدا».
[3] المنهاج: الطريق الواضح.
[4] اختلف في تفسيره، ومعظم الأقوال أنه في الفتل، فما أقبل به إلى صدره فهو قبيل، وما أدبر به عنه فهو دبير. والمعنى أنه لا يعرف شيئا.
اسقنيها وغنّني ... قبل أخذ الزّبانيه
اسقنيها مدامة ... مزّة الطعم صافية [1]
ثمّ من لامنا علي ... ها فذاك ابن زانيه
فيه خفيف رمل بالبنصر ينسب إلى أحمد بن المكي، وإلى حكم الواديّ.
شعر له في الخمر وفي الغزل
قال: وآدم الذي يقول:
أقول وراعني إيوان كسرى ... برأس معان أو أدر وسفان [2]
وأبصرت البغال مربّطات ... به من بعد أزمنة حسان [3]
/يعزّ على أبي ساسان كسرى ... بموقفكنّ في هذا المكان
/ شربت على تذكّر عيش كسرى ... شرابا لونه كالزعفران
ورحت كأنّني كسرى إذا ما ... علاه التاج يوم المهرجان
قال وهو الذي يقول:
أحبّك حبّين لي واحد ... وآخر أنّك أهل لذاك
فأما الذي هو حبّ الطباع ... فشيء خصصت به عن سواك
وأما الذي هو حبّ الجمال ... فلست أرى ذاك حتّى أراك
ولست أمنّ بهذا عليك ... لك المنّ في ذا وهذا وذاك
عتاب صديقه فليح له بعد لقائه خالصة
أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال: حدّثنا الزبير بن بكار قال: حدّثني عمي عن فليح بن سليمان قال:
مررنا يوما مع خالصة [4] في موكبها، فوقفت على آدم بن عبد العزيز فقالت: يا أخي طلبت منا حاجة فرفعناها لك إلى السيّدة [5] وأمرت بها وهي في الديوان، فساء ظنّك بها فقعدت عن تنجّزها. قال: فموّه لها عذرا اعتذر به فوقفت عن الموكب حتّى مضت، ثم قلت له: أخملت نفسك، واللّه ما أحسب أنّه حبسك عنها إلا الشراب، أنت ترى الناس يركضون خلفها وهي ترفّ عليك لحاجتك [6]. فقال: واللّه هو ذاك، إذا أصبحت فكل كسرة ولو بملح،
__________
[1] جاءت هنا على الصواب في ح: «مزة». وفي سواها بالراء المهملة.
[2] كذا ورد هذا العجز، وفي ح، أ، م، ها: «ادرواسفان».
[3] ح: «حصان».
[4] خالصة هذه جارية من جواري الخيزران أم الهادي والرشيد، وكانت ذات نفوذ عظيم. انظر الطبري (10: 30، 37) و «مجالس ثعلب» 475.
[5] هي الخيزران. أ: «إلى الميرة» ح: «إلى الميدة» محرّفتان.
[6] رفه: حاطه وعطف عليه، ونصح وأشفق.
وافتح دنّك فإن كان حامضا دبغ معدتك، وإن كان حلوا خرطك [1]، وإن كان مدركا فهو الذي أردت./ قلت: لا بارك اللّه عليك. ومضيت، ثم أقلع بعد ذلك وتاب. فاستأذن يوما على يعقوب بن الربيع وأنا عنده فقال يعقوب:
ارفعوا الشراب فإنّ هذا قد تاب وأحسبه يكره أن يراه. فرفع وأذن له، فلما دخل قال: إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْ لا أَنْ تُفَنِّدُونِ
قال يعقوب: هو الذي وجدت، ولكنّنا ظنّنا أن يثقل عليك لتركك الشراب. قال: إي واللّه، إنّه ليثقل عليّ ذاك. قال: فهل قلت في ذلك شيئا منذ تركته؟ قال قتل:
ألا هل فتى عن شربها اليوم صابر ... ليجزيه يوما بذلك قادر
شربت فلمّا قيل ليس بنازع ... نزعت وثوبي من أذى اللّوم طاهر
هجاؤه لسليمان بن المختار، ولأسيد لطول لحيتهما
أخبرني علي بن صالح بن الهيثم قال: حدّثني أبو هفان عن إسحاق قال:
كان مع المهدي رجل من أهل الموصل يقال له سليمان بن المختار، وكانت له لحية عظيمة، فذهب يوما ليركب فوقعت لحيته تحت قدمه في الركاب فذهب عامّتها، فقال آدم بن عبد العزيز قوله:
قد استوجب في الحكم ... سليمان بن مختار
بما طوّل من لحي ... ته جزّا بمنشار
أو السيف أو الحلق ... أو التحريق بالنار
فقد صار بها أشه ... ر من راية بيطار [2]
فقال: ثم أنشدها عمر بن بزيغ المهديّ فضحك، وسارت الأبيات، فقال أسيد بن أسيد، وكان وافر اللحية:
ينبغي لأمير المؤمنين أن يكفّ هذا الماجن عن الناس. فبلغت آدم بن عبد العزيز فقال:
/لحية تمّت وطالت ... لأسيد بن أسيد
/ كشراع من عباء ... قطعت حبل الوريد [3]
يعجب الناظر منها ... من قريب وبعيد
هي إن زادت قليلا ... قطعت حبل الوريد
وقال: وكان المهديّ يدني آدم ويحبّه ويقرّبه، وهو الذي قال لعبد اللّه بن علي لما أمر بقتله في بني أمية بنهر أبي فطرس [4]: إنّ أبي لم يكن كآبائهم، وقد علمت مذهبه فيكم. فقال: صدقت، وأطلقه. وكان طيّب النفس متصوّفا، ومات على توبة ومذهب جميل.
__________
[1] يقال خرطه الداء، أي مشاه، وكذلك خرطه تخريطا.
[2] ذكرها الثعالبي في «ثمار القلوب» 193. وأنشد هذا البيت.
[3] كذا ورد هذا العجز لهذا البيت والبيت الرابع. ح، م: «لشراع».
[4] نهر أبي فطرس، بضم الفاء والراء: موضع قرب الرملة من أرض فلسطين كانت به وقعة عبد اللّه بن علي بن عبد اللّه بن العباس مع بني أمية سنة 132. وفي الأصول ما عدا «ها»: «أبي قرطس»، تحريف.
صوت
ألا يا صاح للعجب ... دعوتك ثم لم تجب
إلى القينات واللذّا ... ت والصّهباء والطّرب
ومنهنّ التي تبلت ... فؤادك ثمّ لم تتب
الشعر ليزيد بن معاوية، يقوله للحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام. والغناء لسائب خاثر، خفيف رمل بالوسطى عن حبش.
منادمة مسلم بن زياد ليزيد بن معاوية
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال: حدثنا عمر بن شبة قال: حدّثني المدائني قال:
قدم سلم بن زياد على يزيد فنادمه، فقال له ليلة: ألا أوّليك خراسان؟ قال: بل وسجستان. فعقد له في ليلته فقال:
/اسقني شربة فروّ عظامي ... ثم عد واسق مثلها ابن زياد
موضع السرّ والأمانة منّي ... وعلى ثغر مغنمي وجهادي
لوم الحسين بن علي ليزيد بن معاوية
قال: ولمّا رجع في خلافة أبيه جلس بالمدينة على شراب، فاستأذن عليه عبد اللّه بن العباس، والحسين بن علي، فأمر بشرابه فرفع وقيل له: إنّ ابن عباس إن وجد ريح شرابك عرفه. فحجبه وأذن للحسين، فلما دخل وجد رائحة الشراب مع الطّيب فقال: للّه درّ طيبك هذا ما أطيبه، وما كنت أحسب أحدا يتقدّمنا في صنعة الطيب، فما هذا يا ابن معاوية؟ فقال: يا أبا عبد اللّه، هذا طيب يصنع لنا بالشأم. ثم دعا بقدح فشربه، ثم دعا بقدح آخر فقال: اسق أبا عبد اللّه يا غلام. فقال الحسين: عليك شرابك أيها المرء، لا عين عليك منّي. فشرب وقال:
ألا يا صاح للعجب ... دعوتك ثم لم تجب
إلى القينات واللذّا ... ت والصّهباء والطرب
وباطية مكلّلة ... عليها سادة العرب [1]
وفيهن التي تبلت ... فؤادك ثم لم تتب [2]
فوثب الحسين عليه السلام وقال: بل فؤادك يا ابن معاوية!.
__________
[1] الباطية: إناء من الزجاج عظيم يملأ من الشراب ويوضع بين الشرب يغرفون منه ويشربون، إذا وضع فيه القدح سح به ورقص من عظمه وكثرة ما فيه من الشراب. مكللة: محفوفة بالنور والزهر، كأن لها منه إكليلا.
[2] فيهن، أي في القينات.
صوت
أ أن نادى هديلا يوم فلج ... مع الإشراق في فنن حمام [1]
ظللت كأنّ دمعك درّ سلك ... وهي خيطا وأسلمه النّظام
/ تموت تشوّقا طورا وتحيا ... وأنت جدير أنك مستهام
/ كأنّك من تذكّر أمّ عمرو ... وحبل وصالها خلق رمام [2]
سلام اللّه يا مطر عليها ... وليس عليك يا مطر السلام [3]
فإن يكن النكاح أحلّ أنثى ... فإنّ نكاحها مطرا حرام [4]
ولا غفر الإله لمنكحيها ... ذنوبهم وإن صلّوا أو صاموا
فطلّقها فلست لها بكف ء ... وإلّا عضّ مفرقك الحسام [5]
الشعر للأحوص، والغناء لمعبد من القدر الأوسط من الثقيل الأوّل بالبنصر في مجرى الوسطى. ولإبراهيم الموصلي في الأربعة الأبيات الأول ثاني ثقيل أوّل بالسبابة في مجرى البنصر.
الأحوص وازدراؤه لسلفه مطر وقوله الشعر فيه
أخبرني الحرمي قال: حدّثنا الزبير قال: حدّثني محمد بن ثابت بن إبراهيم بن خلّاد الأنصاري قال: حدّثني أبو عبد اللّه بن سعد الأنصاري قال:
قدم الأحوص البصرة فخطب إلى رجل من تميم ابنته، وذكر له نسبه، فقال: هات لي شاهدا واحدا يشهد أنّك ابن حميّ الدّبر [6] وأزوّجك. فجاءه بمن شهد له على ذلك، فزوّجه إياها، وشرطت عليه ألا يمنعها من أحد من أهلها، فخرج إلى المدينة وكانت أختها عند رجل من بني تميم قريبا من طريقهم، فقالت له: اعدل بي إلى أختي.
ففعل، فذبحت لهم وأكرمتهم، وكانت من أحسن الناس، وكان/ زوجها في إبله، فقالت زوجة الأحوص له: أقم حتّى يأتي. فلما أمسوا راح مع إبله ورعائه، وراحت غنمه فراح من ذلك أمر كثير [7]. وكان يسمّى مطرا، فلما رآه
__________
[1] في الأصول: «هذيلا»، تحريف: ونادى الحمام الهديل، هو على ما يزعم العرب أن الهديل فرخ حمام كان على عهد نوح فمات ضيعة وعطشا، فيقولون إنه ليس من حمامة إلا وهي تبكي عليه أو الهديل مصدر هدل يهدل هديلا. قال ذو الرمة:
أرى ناقتي عند المحصب شاقها ... رواح اليماني والهديل المرجع
[2] الخلق: البالي، والرمام مثله.
[3] البيت من «شواهد النحويين». انظر «الخزانة» (1: 294) وسيبويه (1: 313).
[4] س و «الخزانة»: «أحل شي ء» وفي «أمالي الزجاجي» 53: «أحل شيئا»، وسائر النسخ: «أنثى».
[5] في «الخزانة»: «و إلا يعل».
[6] الدبر، بالفتح: جماعة النحل، وحميها، أي محميها. وحمى الدبر هو جد أبيه، عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح. كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بعثه في بعث فقتله المشركون وأرادوا أن يصلبوه ويمثلوا به، فبعث اللّه عليه مثل الظلة من الدبر فحمته منهم. «الإصابة» 3340 و «الخزانة» (1: 232).
[7] في «الخزانة» (1: 295) نقلا عن «الأغاني»: «شيء كثير».
الأحوص ازدراه واقتحمته عينه، وكان قبيحا دميما [1]، فقالت له زوجته: قم إلى سلفك [2] وسلّم عليه. فقال وأشار إلى أخت زوجته بإصبعه:
سلام اللّه يا مطر عليها ... وليس عليك يا مطر السلام
وذكر الأبيات وأشار إلى مطر بإصبعه، فوثب إليه مطر وبنوه، وكاد الأمر يتفاقم حتى حجز بينهم.
قال الزبير: قال محمد بن ثابت: أبو عبد اللّه [3] بن سعد الذي حدّث بهذا الحديث، أمه بنت الأحوص، وأمها التميميّة أخت زوجة مطر.
وأخبرنا الحسين بن يحيى قال: حدّثنا حماد عن أبيه، أنّ امرأة الأحوص التي تزوّجها، إحدى بني سعد بن زيد مناه بن تميم. وذكر باقي القصيدة، وهو قوله:
كأنك من تذكّر أمّ عمرو ... وحبل وصالها خلق رمام
صريع مدامة غلبت عليه ... تموت لها المفاصل والعظام
وأنّى من بلادك أمّ عمرو ... سقى دارا تحلّ بها الغمام
تحلّ النّعف من أحد وأدنى ... مساكنها الشّبيكة أو سنام [4]
فلو لم ينكحوا إلا كفيّا ... لكان كفيّها الملك الهمام
أشعب وأبان بن سليمان
أخبرني الحسين قال: قال حماد: قرأت على أبي: حدّثنا ابن كناسة قال:
مرّ بنا أشعب ونحن جماعة في المجلس، فأتى جار لنا صاحب جوار يقال له أبان بن سليمان، وعليه رداء خلق، قد بدا منه ظهره وبه آثار، فسلّم علينا فرددنا عليه السلام، فلما مضى قال بعض القوم: مدنيّ/ مجلود! فأراه سمعها أو سمعها رجل يمشي معه فأخبره، فلما انصرف وانتهى إلى المجلس قال:
سلام اللّه يا مطر عليها ... وليس عليك يا مطر السلام
فقلت للقوم: أنتم واللّه مطر.
ومثل ما جرى في هذا الخبر من قوله في المرأة، خبر له آخر شبيه به مع ابن حزم.
الأحوص يدس أبياتا لمعمر بن عبد اللّه يلومه فيها على تزويجه لأخته
أخبرني الحرمي قال حدّثنا الزبير قال: حدّثنا محمد بن فضالة، عن جميع بن يعقوب قال:
__________
[1] في «الخزانة»: «شيخا دميما».
[2] السلف بالكسر، وبفتح فكسر أيضا: هو للرجل زوج أخت امرأته.
[3] في الأصول: «قال محمد بن ثابت بن عبد اللّه بن سعد». والوجه ما أثبت.
[4] في الأصول: «تحل النهد»، صوابه من «أمالي الزجاجي». والنعف هذا هو نعف سويقة قرب المدينة، وفيه يقول الأحوص:
وما تركت أيام نعف سويقة ... لقلبك من سلماك صبرا ولا عزما
والشبيكة: موضع بين مكة والزاهر. وفي الأصول: «السكينة» صوابه في «أمالي الزجاجي». وسنام: جبل بالحجاز بين ماوان والربذة.
خطب أبو بكر محمد بن عمرو بن حزم، بنت عبد اللّه بن حنظلة بن أبي عامر، إلى أخيها معمر بن عبد اللّه، فزوّجه إياها، فقال الأحوص أبياتا وقال لفتى من بني عمرو بن عوف: أنشدها معمر بن عبد اللّه في مجلسه ولك هذه الجبّة. فقال الفتى: نعم. فجاءه وهو في مجلسه فقال:
يا معمر يا ابن زيد حين تنكحها ... وتستبدّ بأمر الغيّ والرشد
فقال: كان ذلك الرجل غائبا. فقال الفتى:
أما تذكّرت صيفيّا فتحفظه ... أو عاصما أو قتيل الشّعب من أحد
/ قال: ما فعلت ولا تذكّرت. فقال الفتى:
أكنت تجهل حزما حين تنكحها ... أم خفت، لا زلت فيها جائع الكبد
قال معمر: لم أجهل حزما. فقال الفتى:
أبعد صهر بني الخطّاب تجعلهم ... صهرا وبعد بني العوّام من أسد
فقال معمر: قد كان ذلك. فقال الفتى:
هبها سليلة خيل غير مقرفة ... مظلومة حبست للعير في الجدد [1]
قال: نعم أعانها اللّه وصبّرها. فقال الفتى:
فكلّ ما نالنا من عار منكحها ... شوى إذا فارقته وهي لم تلد
قال: نعم إلى اللّه عز وجل في ذلك الرغبة.
قال الزبير: أمّا قوله «صهر بني الخطاب» فإنّ جميلة بنت أبي الأقلح كانت عند عمر بن الخطاب، فولدت له عاصم بن عمرو. وأمّا «صهر بني العوام» فإنّ نهيسة بنت النعمان بن عبد اللّه بن أبي عقبة، كانت عند يحيى بن حمزة بن عبد اللّه بن الزبير، فولدت له أبا بكر ومحمدا.
كراهية أم جعفر لأصوات من الغناء القديم ومن بينها شعر للأحوص
أخبرني الحرمي بن أبي العلاء، قال: حدّثنا الزبير قال: حدّثني مصعب قال: قال الهدير: كرهت أمّ جعفر أصواتا من الغناء القديم، فأرسلت لها رسولا يلقيها في البحر، ثم غنتها جارية بعد ذلك:
سلام اللّه يا مطر عليها ... وليس عليك يا مطر السلام
/ فقالت: هذا أرسلوا به رسولا مفردا إلى دهلك [2] ليلقيه في البحر خاصّة. قال: والذي حمل أمّ جعفر على هذا التطير على ابنها محمد بن الأمين من هذه الأصوات، أيام محاربته المأمون فمنها قوله:
__________
[1] المقرف: ما يداني الهجنة، أي أمه عربية لا أبوه، لأن الإقراف من قبل الفحل، والهجنة من الكلام ما يعيبك. ابن منظور. «لسان العرب» (15/ 42) مادة (هجن) طبعة دار إحياء التراث العربي.
[2] دهلك: جزيرة بين اليمن والحبشة ضيقة حارة، كان بنو أميّة إذا سخطوا على أحد نفوه إليها.
كليب لعمري كان أكثر ناصرا ... وأيسر جرما منك ضرّج بالدم [1]
ومنها قوله:
هم قتلوه كي يكونوا مكانه ... كما غدرت يوما بكسرى مرازبه [2]
/و منها قوله:
رأيت زهيرا تحت كلكل خالد ... فأقبلت أسعى كالعجول أبادر [3]
ومنها قوله:
أبا منذر أفنيت فاستبق بعضنا ... حنانيك بعض الشرّ أهون من بعض [4]
مضى الحديث.
صوت
وكنّا كندماني جذيمة حقبة ... من الدّهر حتّى قيل لن يتصدّعا
فلما تفرّقنا كأني ومالكا ... لطول اجتماع لم نبت ليلة معا
الشعر لمتمّم بن نويرة، يرثي أخاه مالكا. والغناء لسياط.
__________
[1] البيت للنابغة الجعدي، وقد سبق في ترجمته من «الأغاني». في معظم الأصول: «و أكثر جرما» صوابه من ها، مب. ومما سبق في «الأغاني».
[2] البيت للوليد بن عقبة بن أبي معيط، كما في «الكامل» 444 ليبسك.
[3] في الأصول: «أبا درة» تحريف. وقد سبق البيت منسوبا إلى زهير، في ترجمته. وبعده:
إلى بطلين ينهضان كلاهما ... يريغان نصل السيف والسيف نادر
[4] البيت لطرفة في «ديوانه» 48.
19 - ذكر متمم وأخباره وخبر مالك ومقتله
نسبه
هو متمّم بن نويرة بن عمرو [1] بن شداد بن عبيد بن ثعلبة بن يربوع بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم بن مرّ بن أدّ بن طابخة بن الياس بن مضر بن نزار. ويكنى متمّم بن نويرة أبا نهشل.
كنية أخيه مالك ولقبه
ويكنى أخوه مالك أبا المغوار. وكان مالك يقال له فارس ذي الخمار، قيل له ذلك بفرس كان عنده يقال له «ذو الخمار»، وفيه يقول وقد أحمده في بعض وقائعه:
جزاني دوائي ذو الحمار وصنعتي ... بما بات أطواء بنيّ الأصاغر [2]
مقتل مالك بن نويرة
أخبرني أبو خليفة عن محمد بن سلام قال:
كان مالك بن نويرة شريفا فارسا، وكان فيه خيلاء وتقدّم، وكان ذا لمّة كبيرة، وكان يقال له الجفول [3].
وكان مالك قتل في الرّدّة، قتله خالد بن الوليد بالبطاح في خلافة أبي بكر، وكان مقيما بالبطاح، فلما تنبأت سجاح اتّبعها ثم أظهر أنّه مسلم، فضرب خالد عنقه صبرا، فطعن عليه في ذلك جماعة من الصحابة، منهم عمر بن الخطاب، وأبو قتادة الأنصاريّ، لأنه تزوّج امرأة مالك بعده، وقد كان يقال إنّه يهواها في الجاهلية واتّهم لذلك أنّه قتله مسلما ليتزوّج امرأته بعده.
/ حدثنا بالسبب في مقتل مالك بن نويرة محمد بن جرير الطبري قال:
كتب إليّ السريّ بن يحيى، يذكر عن شعيب بن إبراهيم التيمي، عن سيف بن عمر، عن الصّقعب بن عطية عن أبيه:
__________
[1] في «شرح المفضليات» لابن الأنباري: «بن جمرة» بدل «بن عمرو».
[2] الدواء، بفتح الدال: ما عولج به الفرس من تضمير، وبكسرها: مصدر داواه يداويه. والصنعة: حسن القيام عليه. وأطواء: جمع طوى بالتحريك، وهو الطاوي البطن الجائع. يقول: جزاني ذو الخمار الذي أحسنت القيام عليه وآثرته باللبن على عيالي فباتوا على الطوى زمنا، يقول: جزاني خيرا بما كان منه من إنقاذ في مأزق الحرب. في الأصول: «جزاني بلائي ذو الخمار وضيعتي» صوابه من كتاب «أسماء الخيل» لابن الأعرابي ص 64.
[3] إلى هنا ينتهي النقل من ابن سلام طبق ما في النسخة المطبوعة ص 76.
أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم استعمل عماله على بني تميم، فكان مالك بن نويرة عامله على بني يربوع. قال: ولمّا تنبأت سجاح بنت الحارث بن سويد بن عقفان وسارت من الجزيرة، راسلت مالك بن نويرة ودعته إلى الموادعة، فأجابها وقنّاها [1] عن غزوها، وحملها على أحياء [من] [2] بني تميم، فأجابته وقالت: نعم فشأنك بمن رأيت، وإنّما أنا امرأة من بني يربوع، وإن كان ملك فهو ملككم. فلمّا تزوّجها مسيلمة الكذّاب ودخل بها انصرفت إلى الجزيرة وصالحته أن يحمل عليها النّصف من غلّات اليمامة، فارعوى حينئذ مالك بن نويرة وندم وتحيّر في أمره، فلحق بالبطاح، ولم يبق في بلاد بني حنظلة شيء يكره إلّا ما بقي من أمر مالك بن نويرة ومن تأشّب إليه [3] بالبطاح، فهو على حاله متحيّر ما يدري ما يصنع.
وقال سيف: فحدّثني سهل بن يوسف، عن القاسم بن محمد وعمرو بن شعيب قالا: لما أراد خالد بن الوليد المسير خرج [من ظفر [4]] وقد استبرأ أسدا وغطفان وطيئا [5]، فسار يريد البطاح دون الحزن، وعليها مالك بن نويرة/ وقد تردّد عليه أمره وقد تردّدت الأنصار على خالد وتخلّفت عنه، وقالوا: ما هذا بعهد الخليفة إلينا؛/ فقد عهد إلينا إن نحن فرغنا من البزاخة [6] واستبرأنا بلاد القوم، أن يكتب إلينا بما نعمل. فقال خالد: إن يكن عهد إليكم هذا فقد عهد إليّ أن أمضى، وأنا الأمير وإليّ تنتهي الأخبار، ولو أنّه لم يأتني له كتاب ولا أمر ثم رأيت فرصة إن أعلمته بها فاتتني لم أعلمه حتّى أنتهزها. وكذلك لو ابتلينا بأمر ليس منه عهد إلينا فيه لم ندع أن نرى أفضل [7] ما بحضرتنا ونعمل به. وهذا مالك بن نويرة بحيالنا، وأنا قاصد له بمن معي من المهاجرين والتابعين لهم بإحسان، ولست أكرههم [8]. ومضى خالد وبرمت الأنصار وتذامروا [9] وقالوا: لئن أصاب القوم [10] خيرا إنّه لخير حرمتموه، ولئن أصابتهم [11] مصيبة ليجتنبنّكم الناس. فأجمعوا على اللّحاق بخالد، وجرّدوا إليه رسولا، فأقام عليهم حتّى لحقوا به، ثم سار حتّى لحق البطاح فلم يجد به أحدا.
قال السري عن شعيب، عن سيف عن خزيمة بن شجرة العقفاني [12] عن عثمان بن سويد، عن سويد بن المنعبة [13] الرياحي قال:
__________
[1] قناها: كفها وردها. في م: «فهاما». وفي أ: «نهاها»، صوابهما في ح. وفي ها، والطبري (3: 237): «فثأها»، وهي بمعنى كفها أيضا.
[2] التكملة من الطبري. على أن أبا الفرج قد اختصر نص الطبري اختصارا شديدا.
[3] تأشب: تجمع. وفي معظم الأصول: «و ما ناسب»، صوابه في ها والطبري (3: 241).
[4] التكملة من الطبري. وظفر: موضع قرب الحوأب في طريق البصرة إلى المدينة.
[5] كذا في ح، ها والطبري. وفي سائر الأصول: «و غنيا» تحريف.
[6] البزاخة: ماء لبني أسد كانت به وقعة طليحة. ح: «البراهة» وفي سائر النسخ: «البراهمة»، والصواب من ها والطبري.
[7] كذا الصوب من الطبري. وفي ح: «لم ندع أن تدع لفضل». وفي سائر النسخ: «لم ندع أن نرعى لفضل».
[8] الطبري: «أكرهكم». وهما من الإكراه.
[9] كذا في الطبري وها. وفي سائر الأصول: «و ندمت الأنصار وتراموا»، وإنما هي تذامروا، كما في الطبري. والتذامر: أن يحض القوم بعضهم بعضا على الجد في القتال.
[10] في الأصول ما عدا ها: «اليوم»، وصحته من الطبري.
[11] في الأصول: «أصابتكم». والوجه ما أثبت من الطبري، وها.
[12] في الأصول: «جذيمة» و «سحرة» وفي بعضها «منحره» و «الغفقاني». وأثبت ما في الطبري.
[13] في الطبري: «المثعية».
قدم خالد بن الوليد البطاح فلم يجد عليه أحدا، ووجد مالك بن نويرة قد فرّقهم [1] في أموالهم ونهاهم عن الاجتماع، فبعث السرايا وأمرهم بداعية الإسلام [2]، فمن أجاب/ فسالموه ومن لم يجب وامتنع فاقتلوه. وكان فيما أوصاهم أبو بكر: إذا نزلتم [منزلا] [3] فأذّنوا وأقيموا، فإن أذّن القوم وأقاموا فكفّوا عنهم، وإن لم يفعلوا فلا شيء إلّا الغارة. ثم اقتلوهم كلّ قتلة: الحرق فما سواه. فإن أجابوكم إلى داعية الإسلام فسائلوهم [4]، فإن هم أقرّوا بالزكاة قبلتم منهم، وإلّا فلا شيء إلا الغارة ولا كلمة. فجاءته الخيل بمالك بن نويرة في نفر معه من بني ثعلبة بن يربوع، ومن بني عاصم [5]، وعبيد، [و عرين] [3]، وجعفر، واختلف السرية فيهم، وفيهم أبو قتادة. وكان ممن شهد أنّهم قد أذّنوا وأقاموا وصلّوا. فلما اختلفوا فيهم أمر بحسبهم، في ليلة باردة لا يقوم لها شيء، وجعلت تزداد بردا، فأمر خالد مناديا فنادى: «دافئوا أسراكم». وكان في لغة كنانة إذا قالوا: «دافأنا الرجل وأدفئوه، فذلك معنى اقتلوه من الدف ء. فظنّ القوم أنّه يريد القتل فقتلوهم [6]. فقتل ضرار بن الأزور مالكا، فسمع خالد الواعية [7]، فخرج وقد فرغوا منهم فقال: إذا أراد اللّه أمرا أصابه. وقد اختلف القوم فيهم فقال أبو قتادة: هذا عملك.
غضب أبي بكر لمقتل مالك
فزبره خالد [فغضب] [8] ومضى حتّى أتى أبا بكر، فغضب عليه أبو بكر حتّى كلّمه عمر بن الخطاب فيه، فلم يرض إلا بأن يرجع إليه، فرجع إليه فلم يزل معه حتّى قدم المدينة، وقد كان تزوّج خالد أم تميم بنت المنهال [9] وتركها لينقضي طهرها، وكانت العرب تكره النساء في الحرب وتعايره،/ فقال عمر لأبي بكر: إنّ في سيف خالد رهقا، وحقّ عليه أن تقيده [10]. وأكثر عليه في ذلك. وكان أبو بكر لا يقيد من عمّاله ولا من وزعته [11]، فقال: هبه يا عمر تأوّل فأخطأ، فارفع لسانك عن خالد. وودى مالكا، وكتب إلى خالد أن يقدم عليه، ففعل وأخبره خبره فعذره. وقبل منه، وعنّفه بالتزويج الذي كانت العرب تعيب عليه من ذلك.
فذكر سيف عن هشام بن عروة عن أبيه قال: شهد قوم من السرية أنّهم أذّنوا وأقاموا وصلّوا، وشهد آخرون أنه لم يكن من ذلك شيء فقتلوا. وقدم أخوه متمم ينشد أبا/ بكر دمه ويطلب إليه في سبيهم، فكتب له بردّ السّبي، وألحّ عليه عمر في خالد أن يعزله وقال: إن في سيفه لرهقا! فقال له: لا يا عمر، لم أكن لأشيم سيفا سلّه اللّه على الكافرين.
__________
[1] كذا في ها. وفي سائر الأصول: «ملك قد فرقهم». محرّف. وفي الطبري: «مالكا قد فرقهم».
[2] في معظم الأصول: «برعاية الإسلام» ووجهه من الطبري وها.
[3] هذه التكملة من الطبري.
[4] س: «فسالموهم» وفي سائر النسخ: «فسلوهم». وأثبت الصواب من ها والطبري.
[5] الطبري: «من بني عاصم» بدون واو قبلها.
[6] هذا نهاية سقط مب الذي بدأ في ص 280.
[7] الواعية: الجلبة، والصراخ على الميت ونعيه. ح: «الراعية». وفي سائر النسخ ما عدا ها ومب: «الداعية» صوابها من النسختين والطبري.
[8] هذه التكملة من الطبري.
[9] في الأصول: «المهلب»، صوابه في الطبري، و«الإصابة». 769 في ترجمة مالك بن نويرة. والمنهال هذا هو المنهال بن عصمة الرياحي، وهو الذي كفن مالكا في ثوبيه.
[10] الطبري: «فإن لم يكن هذا حقا حق عليه أن تقيده».
[11] الوزعة: أصحاب السلطان. في جمهور الأصول: «من درعيه» والصواب من ها ومب والطبري.
كان مالك طويل الشعر
حدّثنا محمد بن إسحاق قال: كتب إلى السري عن شعيب عن سيف عن خزيمة [1] عن عثمان عن سويد [2] قال:
كان مالك من أكثر الناس شعرا، وإنّ أهل العسكر أثّفوا القدور بروءسهم [3]، فما منها رأس إلا وصلت النار إلى بشرته، ما خلا مالكا فإنّ القدر نضجت وما نضج رأسه من كثرة شعره، ووقى الشعر البشرة من حرّ النار أن تبلغ منه ذلك.
/ قال: وأنشد متمم عمر بن الخطاب، ذكر خمصه - يعني قوله:
لقد كفن المنهال تحت ردائه ... فتى غير مبطان العشيّات أروعا
فقال: أكذاك كان يا متمم؟ قال: أمّا ما أعني فنعم.
أخبرني اليزيديّ قال حدّثنا الزبير قال حدّثني محمد بن فليح، عن موسى بن عقبة، عن ابن شهاب. وحدّثنيه أحمد بن الجعد قال: حدّثنا محمد بن إسحاق المسيّبي قال: حدّثنا محمد بن فليح، عن موسى بن عقبة، عن ابن شهاب:
أنّ مالك بن نويرة كان من أكثر الناس شعرا، وأن خالدا لما قتله أمر برأسه فجعل أثفيّة لقدر، فنضج ما فيها قبل أن تبلغ النار إلى شواته.
خطأ خالد بن الوليد في قتله
أخبرني محمد بن جرير قال: حدّثنا محمد بن حميد قال حدّثنا سلمة [4] عن ابن إسحاق، عن طلحة بن عبيد اللّه بن عبد الرّحمن بن أبي بكر الصدّيق رضي اللّه عنه.
أن أبا بكر كان من عهده إلى جيوشه: أن إذا غشيتم دارا من دور الناس فسمعتم فيها أذانا للصلاة فأمسكوا عن أهلها حتّى تسألوهم ماذا نقموا، وإذا لم تسمعوا أذانا فشنّوا الغارة واقتلوا [5] وحرّقوا. فكان ممن [6] شهد لمالك بالإسلام أبو قتادة الأنصاري، واسمه الحارث بن ربعيّ أخو بني سلمة، وقد كان عاهد اللّه أنّه لا يشهد حربا بعدها أبدا. وكان يحدّث أنّهم لما غشوا القوم راعوهم تحت الليل، فأخذ القوم السلاح. قال: فقلنا لهم: [إنا المسلمون.
فقالوا: ونحن المسلمون./ قلنا] [7]: فما بال السلاح معكم؟ فإن كنتم كما تقولون فضعوا السلاح. ففعلوا ثم صلينا وصلّوا. وكان خالد يعتذر في قتله أنّه قال له وهو يراجعه: ما إخال صاحبكم - يعني النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم - إلا وقد كان
__________
[1] هو خزيمة بن شجرة. انظر ما مضى في ص 300 وفي الأصول ما عدا مب: «عن سيف بن جذيمة»، صوابه من مب والطبري.
[2] هذا ما في الطبري. وفي الأصول: «عن عثمان بن سويد».
[3] أثف القدر تأثيفا: وضعها على الأثافي. وفي معظم الأصول: «اتقوا»، صوابه من مب والطبري.
[4] هو مسلمة بن الفضل، ذكر في ترجمته من «تهذيب التهذيب» أنه روى عن محمد بن إسحاق، وكذا ورد في ترجمة محمد بن إسحاق أن سلمة بن الفضل روى عنه. فيّ معظم الأصول: «مسلمة»، والوجه ما أثبت من مب والطبري.
[5] في الأصول ما عدا ها، مب: «فاقتتلوا»، وفي الطبري: «فقتلوا».
[6] في معظم الأصول: «من»، وأثبت ما في الطبري، وها، مب.
[7] التكملة من ها ومب والطبري.
يقول كذا وكذا. فقال خالد: أو ما تعدّه صاحبا؟! ثم قدّمه فضرب عنقه وأعناق أصحابه، فلما بلغ قتلهم عمر بن الخطّاب تكلّم فيه عند أبي بكر رضي اللّه عنه، وقال: عدوّ اللّه عدا على امرىء مسلم فقتله، ثم نزا على امرأته.
وأقبل خالد بن الوليد قافلا حتّى دخل المسجد وعليه قباء له، وعليه صدأ الحديد، معتجرا بعمامة قد غرز فيها أسمها، فلما أن دخل المسجد قام إليه عمر فانتزع الأسهم [1] من رأسه فحطّمها ثم قال: أقتلت أمرأ مسلما ثم نزوت على امرأته، واللّه لأرجمنّك بأحجارك [2]! ولا يكلّمه خالد بن الوليد ولا يظنّ إلّا أن رأى أبي بكر على مثل رأي عمر فيه، حتّى دخل على أبي بكر فأخبره الخبر واعتذر إليه، فعذره أبو بكر وتجاوز له عمّا كان في حربه تلك.
فخرج خالد حين رضي عنه أبو بكر، وعمر جالس في المسجد الحرام، فقال: هلمّ إليّ يا ابن أم شملة [3]. فعرف عمر أن أبا بكر قد رضي عنه، فلم يكلّمه ودخل بيته. وكان الذي قتل مالك بن نويرة عبد [بن] [4] الأزور الأسديّ.
ضرار قاتل مالك.
وقال محمد بن جرير:/ قال ابن الكلبي: الذي قتل مالك بن نويرة ضرار بن الأزور.
حجج المختلفين في عذر خالد
وهكذا روى أبو زيد عمر بن شبّة [5] عن أصحابه، وأبو خليفة عن محمد بن سلام [6] قال:
قدم مالك بن نويرة على النبي صلّى اللّه عليه وسلّم فيمن قدم من أمثاله من العرب، فولّاه صدقات قومه بني يربوع، فلما مات النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم اضطرب فيها فلم يحمد أمره، وفرّق ما في يده من إبل الصدقة، فكلّمه الأقرع بن حابس المجاشعيّ، والقعقاع بن معبد بن زرارة [7] الدارميّ فقالا له: إنّ لهذا الأمر قائما وطالبا، فلا تعجل بتفرقة ما في يدك. فقال:
أراني اللّه بالنّعم المندّى ... ببرقة رحرحان وقد أراني [8]
تمشّى يابن عوذة في تميم ... وصاحبك الأقيرع تلحياني
حميت جميعها بالسّيف صلتا ... ولم ترعش يداي ولا بناني
يعني أمّ القعقاع، وهي معاذة بنت ضرار بن عمرو. وقال أيضا:
وقلت خذوا أموالكم غير خائف ... ولا ناظر فيما يجيء من الغد [9]
فإن قام بالأمر المخوّف قائم ... منعنا وقلنا الدين دين محمّد
__________
[1] في معظم الأصول: «السهم»، والوجه ما أثبت من ها، مب الطبري.
[2] هذا الصواب من أ، م والطبري. وفي ح: «بأحجاره» وفي س: «بأحجار».
[3] ح، أ، مب: «سلمة» وفي سائر النسخ «مسلمة» وأثبت ما في الطبري.
[4] التكملة من الطبري. وترجمة عبد بن الأزور في «الإصابة» 5262، وهو أخو ضرار.
[5] أبو زيد: كنية عمر بن شبة. وفي الأصول اما عدا ح، مب: «أبو زيد بن عمر بن شبة». وكلمة «عن» مقحمة.
[6] «طبقات الشعراء» لابن سلام 79 - 82.
[7] في الأصول ما عدا «ها» مب: «زياد» صوابه في ها و «الطبقات».
[8] النعم: الإبل. وتنديتها: أن يوردها فتشرب قليلا ثم يجىء بها ترعى ثم يردّها إلى الماء. «الخزانة» (1: 236)، وفي «الخزانة» سنة أبيات.
[9] البيتان في «الإصابة» أيضا 7690.
قال ابن سلام [1]: فمن لا يعذر خالدا يقول: إنه قال لخالد: وبهذا أمرك صاحبك - يعني النبي صلّى اللّه عليه وسلّم - وأنّه أراد بهذه القرشية. ومن يعذر خالدا يقول: إنّه أراد انتفاء من النبوّة، ويحتجّ بشعريه المذكورين آنفا. ويذكر خالد أن النبيّ/ صلى اللّه عليه وسلّم لما وجّهه إلى ابن جلندى قال له: يا أبا سليمان، إن رأت عينك مالكا فلا تزايله أو تقتله.
قال محمد بن سلام: وسمعني يوما يونس وأنا أرادّ التميمية في خالد وأعذره، فقال لي: يا أبا عبد اللّه، أما سمعت بساقي أم تميم؟ يعني زوجة مالك التي تزوّجها خالد لما قتله - وكان يقال إنّه لم ير أحسن من ساقيها. قال:
وأحسن ما سمعت من عذر خالد قول متمم بأنّ أخاه لم يستشهد. ففيه دليل على غدر خالد.
إنشاد متمم أبا بكر شعرا في مقتل مالك
أخبرنا اليزيدي قال: حدثنا الرياشي قال: حدّثني محمد بن الحكم البجلي عن الأنصاري قال:
صلّى متمم بن نويرة مع أبي بكر الصّبح، ثم أنشده قوله:
نعم القتيل إذا الرياح تناوحت ... تحت الإزار قتلت يا ابن الأزور [2]
أدعوته باللّه ثمّ قتلته ... لو هو دعاك بذمّة لم يغدر [3]
فقال أبو بكر: واللّه ما دعوته ولا قتلته. فقال:
لا يضمر الفحشاء تحت ردائه ... حلو شمائله عفيف المثزر
ولنعم حشو الدّرع أنت وحاسرا ... ولنعم مأوى الطارق المتنوّر [4]
قال: ثم بكى حتّى سالت عينه، ثم انخرط [5] على سية قوسه [متكئا] [6]. يعني مغشيّا عليه.
وصف متمم لأخيه مالك
أخبرني اليزيدي قال حدّثنا الرياشي قال حدّثنى محمد بن صخر بن خلخلة قال:
ذكر متمم بن نويرة أخاه في المدينة فقيل له: إنّك لتذكر أخاك، فما كانت صفته، أو صفه لنا؟ فقال: «كان [7] يركب الجمل الثّفال [8] في الليلة الباردة، يرتوي لأهله [9] بين المزادتين المضرّجتين [10]، عليه الشّملة الفلوت [11]، يقود الفرس الجرور [12]، ثم يصبح ضاحكا».
__________
[1] في الأصول ما عدا «ها»، مب: «أبو سلام» والكلام لابن سلام في «الطبقات» 80.
[2] في «الكامل» 761: «خلف البيوت». وفي «الخزانة» (1: 237): «فوق الكنيف».
[3] ها، مب: «و إذا دعاك بربه لم يعذر».
[4] «الكامل»: «كنت وحاسرا». «الخزانة»: «يوم لقائه».
[5] «الكامل»: «ثم بكى وانحط على سية قوسه».
[6] التكملة من ها، مب.
[7] في «الكامل»: «كان واللّه أخي في الليلة المظلمة ذات الأزيز والصراد». وانظر «البيان» (3: 25)، و «شروح سقط الزند» 587.
[8] الثفال، كسحاب: البطيء الذي لا يكاد ينبعث.
[9] هذا الصواب من مب. وفي سائر النسخ: «يرتمي».
[10] المضرجتين: المشققتين. وفي «البيان» وها، مب: «النضوحين»، أي اللتين تنضحان الماء.
[11] الشملة: كساء أو مئزر يتشح به. والفلوت: التي لا ينضم طرفاها لصغرها.
[12] الجرور: الذي لا يكاد ينقاد مع من يجنبه، إنما يجر الحبل.
تكفين المنهال لمالك
أخبرني اليزيدي قال: حدّثنا أحمد بن زهير، عن الزبير بن حبيب بن بدر الطائي وغيره: أن المنهال: رجلا من بني يربوع، مرّ على أشلاء مالك بن/ نويرة لما قتله خالد، فأخذ ثوبا وكفّنه فيه ودفنه، ففيه يقول متمم:
صوت
لعمري وما دهري بتأبين مالك ... ولا جزع مما أصاب فأوجعا [1]
لقد كفّن المنهال تحت ردائه ... فتى غير مبطان العشيات أروعا
غنّاه عمرو بن أبي الكنّات، ثقيل أوّل بالوسطى عن حبش.
متمم ينشد عمر رثاءه لأخيه مالك
أخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن عمار، قال: حدّثنا الحسن بن محمد البصري، قال: حدّثنا الحسن بن إسماعيل القضاعي قال حدّثني أحمد بن عمار العبدي [2]، وكان من العلم بموضع قال: حدّثني أبي عن جدي قال:
صلّيت مع عمر بن الخطاب الصبح، فلما انفتل من صلاته إذا هو برجل قصير أعور متنكبا قوسا [3]، وبيده هراوة، فقال: من هذا؟ فقال: متمم بن نويرة. فاستنشده قوله في أخيه، فأنشده:
لعمري وما دهري بتأبين مالك ... ولا جزع مما أصاب فأوجعا
لقد كفّن المنهال تحت ثيابه ... فتى غير مبطان العشيات أروعا
حتّى بلغ إلى قوله:
وكنا كندماني جذيمة حقبة ... من الدهر حتّى قيل لن يتصدّعا [4]
فلما تفرّقنا كأنّي ومالكا ... لطول اجتماع لم نبت ليلة معا
فقال عمر: هذا واللّه التأبين، ولوددت أنّي أحسن الشّعر فأرثى أخي زيدا بمثل ما رثيت به أخاك. فقال متمم:
لو أنّ أخي مات على ما مات عليه أخوك ما رثيته - وكان قتل باليمامة شهيدا، وأمير الجيش خالد بن الوليد - فقال عمر: ما عزّاني أحد عن أخي بمثل ما عزّاني به متمم.
قال: وكان عمر يقول: ما هبت الصّبا من نحو اليمامة إلّا خيّل إليّ أنّى أشم ريح أخي زيد [5].
__________
[1] ها: «بتأبين هالك» ما دهري كذا، وما دهري بكذا، أي ما هو همي وإرادتي. التأبين: مدح الميت. جزع بالخفض عطف على تأبين للفظه، وبالنصب عليه لمحله على أن الباء زائدة.
[2] كذا في ط. ها، مب: «محمد بن عمران العبدي» سائر النسخ «أحمد بن عمران العبدي».
[3] ها: «متنكب قوسه».
[4] لن يتصدعا: لن يتفرقا.
[5] الخبر في «الكامل» وابن سلام وابن قتيبة في «الشعراء» 297 برواية أخرى.
جزع متمم لمقتل أخيه
قال: وقيل لمتمم: ما بلغ من وجدك على أخيك؟ فقال أصبت بإحدى عينيّ فما قطرت منها دمعة عشرين سنة، فلما قتل أخي استهلّت فما ترقأ [1].
عائشة تتمثل بشعر متمم
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال: حدّثنا عمر بن شبة قال: حدّثنا أبو أحمد الزبيري قال: حدّثنا عبد اللّه بن لاحق، عن ابن أبي مليكة قال:
مات عبد الرّحمن بن أبي بكر بالحبشيّ خارج مكة [2]، فحمل فدفن بمكة، فقدمت عائشة فوقفت على قبره وقالت متمثلة:
وكنا كندماني جذيمة حقبة ... من الدهر حتّى قيل لن يتصدّعا
فلما تفرّقنا كأني ومالكا ... لطول اجتماع لم نبت ليلة معا
أما واللّه لو حضرتك لدفنت حيث متّ، ولو شهدتك ما زرتك.
متمم يصف نفسه وأخاه
أخبرني إبراهيم بن أيوب قال حدّثنا عبد اللّه بن مسلم بن قتيبة:
أنّ متمم بن نويرة دخل على عمر بن الخطاب فقال له عمر: ما أرى في أصحابك مثلك. فقال: يا أمير المؤمنين أما واللّه إنّي مع ذلك لأركب الجمل الثّفال، وأعتقل الرّمح الشّطون [3]، وألبس الشّملة الفلوت. ولقد أسرتني بنو تغلب في الجاهلية فبلغ ذلك أخي مالكا فجاء ليفديني منهم [4]، فلما رآه القوم أعجبهم جماله، وحدّثهم فأعجبهم حديثه، فأطلقوني له بغير فداء.
إنقاذ مالك لأخيه متمم
أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدّثني/ النوقلي عن أبيه وأهله قالوا:
لما أنشد متمم بن نويرة عمر بن الخطاب قوله يرثى أخاه مالكا:
وكنا كندماني جذيمة حقبة ... من الدهر حتّى قيل لن يتصدعا
فلمّا تفرقنا كأنّي ومالكا ... لطول اجتماع لم نبت ليلة معا
قال له عمر: هل كان مالك يحبّك مثل محبّتك إياه، أم هل كان مثلك؟ فقال: وأين أنا من مالك، وهل أبلغ
__________
[1] الخبر برواية أخرى عند ابن سلام.
[2] حبشي، بالضم: جبل بأسفل مكة بنعمان الأراك. والخبر عند ياقوت في رسمه هذا. ها، مب «جبل بمكة».
[3] في معظم الأصول: «المثلوب» ولا وجه له، وفي ها، مب: «الشطوب». وأثبت ما في «الشعر والشعراء». والشطون: الطويل الأعوج. وقد تكون «المثلوث» ولكني لم أجدها في «المعاجم». وفي «المعاجم» أن المربوع والمخوس من الرماح: ما طوله أربع وخمس أذرع.
[4] ها: «لينقذني منهم».
مالكا، واللّه يا أمير المؤمنين لقد أسرني حيّ من العرب فشدّوني وثاقا بالقد، وألقوني بفنائهم، فبلغه خبري فأقبل على راحلته حتى انتهى إلى القوم وهم جلوس في ناديهم، فلما نظر إليّ أعرض عنّي، ونظر القوم إليه فعدل إليهم، وعرفت ما أراد، فسلّم عليهم وحادثهم وضاحكهم وأنشدهم، فو اللّه إن زال كذلك حتّى ملأهم سرورا، وحضر غداؤهم فسأله ليتغدّى معهم فنزل وأكل، ثم نظر إليّ وقال: إنّه لقبيح بنا أن نأكل ورجل ملقّى بين أيدينا لا يأكل معنا! وأمسك يده عن الطعام. فلما رأى ذلك القوم نهضوا وصبّوا الماء على قدّى حتى لان وخلّوني، ثم جاءوا فأجلسوني معهم على الغداء، فلمّا أكلنا قال لهم: أما ترون تحرّم هذا بنا وأكله معنا، إنّه لقبيح بكم أن تردّوه إلى القدّ، فخلّوا سبيلي فكان كما وصفت. وما كذبت في شيء من صفته إلا أنّي وصفته خميص البطن، وكان ذا بطن.
مشاحنة زوجة متمم له
أخبرني الحسن بن علي قال: حدّثنا أحمد بن نصر العتيقي قال: حدّثني محمد بن الحسن بن مسعود الزرقي، عن أبيه عن مروان بن موسى. ووجدت هذا الخبر أيضا في كتاب محمد بن علي بن حمزة العلويّ، عن علي بن محمد النوفلي عن أبيه:
/ أن عمر بن الخطاب قال لمتمّم بن نويرة: إنّكم أهل بيت قد تفانيتم، فلو تزوّجت عسى أن ترزق ولدا يكون فيه بقيّة منكم. فتزوّج امرأة بالمدينة فلم ترض أخلاقه لشدّة حزنه على أخيه، وقلّة حفله بها، فكانت تماظّه [1] وتؤذيه، فطلّقها وقال:
أقول لهند حين لم أرض فعلها ... أهذا دلال الحب أم فعل فارك [2]
أم الصرم ما تبغي، وكلّ مفارق ... يسير علينا فقده بعد مالك
أخبرني محمد بن جعفر الصيدلاني النحوي قال: حدّثنا محمد بن موسى بن حماد قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد قال: حدّثني أحمد بن معاوية، عن سلمويه بن أبي صالح [3]، عن عبد اللّه بن المبارك عن نعيم بن أبي عمرو الرازيّ قال:
بينا طلحة والزّبير يسيران بين مكّة والمدينة إذ عرض لهما أعرابي، فوقفا ليمضي فوقف فتعجّلا ليسبقاه فتعجّل، فقالا: ما أثقلك يا أعرابيّ تعجّلنا لنسبقك فتعجّلت [4]، فوقفنا لتمضي فوقفت؟ فقال: لا إله إلا اللّه مفني أغدر الناس [5]، أغدر بأصحاب محمد صلّى اللّه عليه وسلّم؟ هباني خفت الضّلال فأحببت أن أستدلّ بكما؛ أو خفت الوحشة فأحببت أن أستأنس بكما. فقال طلحة: من أنت؟ قال: أنا متمم بن نويرة. فقال طلحة: واسوأتاه، لقد مللنا غير مملول.
هات بعض ما ذكرت في أخيك من البكاء. فزوّجوه أمّ خالد، فبينا هو واضع رأسه على فخذها إذ بكى فقالت:
لا إله إلا اللّه، أما تنسى أخاك. فأنشأ يقول:
/أقول لها لما نهتني عن البكا ... أفي مالك تلحينني أمّ خالد
__________
[1] في ح، أ، م: «تماطه»، وإنما هي بالظاء المعجمة. والمماظة: المنازعة والمخاصمة والمشاتمة.
[2] الفارك: التي تفرك زوجها، تبغضه.
[3] كذا في مب وفي ح، أ: «سلمويه أبي صالح».
[4] ما عدا ها، مب: «فوقفت» تحريف.
[5] أ: «معنى». وما عدا ح، ها: «أعدى الناس». والخبر مختصر في «الإصابة» في ترجمة متمم.
فإن كان إخواني أصيبوا وأخطأت ... بني أمك اليوم الحتوف الرواصد
/ فكلّ بني أم سيمون ليلة ... ولم يبق من أعيانهم غير واحد
خبر نديمي جذيمة الأبرش
أمّا معنى قول متمم:
وكنا كندماني جذيمة حقبة
فإنّه يعني نديمي جذيمة الأبرش الملك، وهو جذيمة [بن مالك] [1] بن فهم [2] بن غانم بن دوس بن عدثان [3] الأسديّ [4].
وكان الخبر في ذلك ما أخبرنا به علي بن سليمان الأخفش، عن أبي سعيد السكري، عن محمد بن حبيب.
وذكر ابن الكلبي عن أبيه والشرقيّ وغيره من الرواة أن جذيمة الأبرش - وأصله من الأزد، وكان أوّل من ملك قضاعة بالحيرة، وأوّل من حدا النعال، وأدلج من الملوك، ورفع له الشّمع [5] - قال يوما لجلسائه: قد ذكر لي عن غلام من لخم، مقيم في أخواله من إياد، له ظرف ولبّ، فلو بعثت إليه يكون في ندماني، وولّيته كأسي والقيام بمجلسي، كان الرأي. فقالوا: الرأي ما رأى الملك، فليبعث إليه. ففعل فلما قدم فعل به ما أراد له، فمكث كذلك مدّة طويلة ثم أشرفت عليه يوما رقاش ابنة الملك، أخت جذيمة، فلم تزل تراسله حتّى اتصل بينهما، ثم قالت له:
يا عديّ، إذا سقيت القوم فامزج لهم واسق الملك صرفا، فإذا أخذت منه الخمر فاخطبني إليه فإنّه يزوّجك، وأشهد القوم عليه/ إن هو فعل. ففعل الغلام ذلك فخطبها فزوّجه، وانصرف الغلام بالخبر إليها فقالت: عرّس بأهلك.
ففعل فلما أصبح غدا مضرّجا بالخلوق، فقال له جذيمة: ما هذه الآثار يا عديّ؟ قال: آثار العرس. قال: أي عرس؟
قال: عرس رقاش. قال: فنخر وأكبّ على الأرض، ورفع عديّ جراميزه، فأسرع جذيمة في طلبه فلم يحسسه [6]، وقيل إنه قتله وكتب إلى أخته:
حدّثيني رقاش لا تكذبيني ... أبحرّ زنيت أم بهجين [7]
أم بعبد فأنت أهل لعبد ... أم بدون فأنت أهل لدون
قالت: بل زوّجتني أمرأ عربيا. فنقلها جذيمة وحصّنها في قصره، واشتملت على حمل فولدت منه غلاما
__________
[1] التكملة من كتاب «أسماء المغتالين» لابن حبيب و «الاشتقاق» 291 و «العمدة» (2: 178) و «المعارف» 279، 281 و «مروج الذهب» (2: 90).
[2] في الأصول: «فهر»، صوابه من «كتاب ابن حبيب» و «العمدة» و «الاشتقاق».
[3] ح: «عوثان» ها «غوثان» وفي سائر النسخ ما عدا مب: «عدنان» والوجه ما أثبت من مب و «كتاب ابن حبيب» و «الاشتقاق».
[4] الأسدي، بسكون السين. والأسد لغة في الأزد، بل هو بالسين أفصح كما في «اللسان». وفي ها ومب و «كتاب ابن حبيب»:
«الأزدي».
[5] ت، س: «و صنع له الشمع». وما في سائر النسخ يطابق ما أثبت من المعارف.
[6] في «مروج الذهب»: «فلم يجده».
[7] بدله في «مروج الذهب»:
أنت زوجتني وما كنت أدري ... وأتاني النساء للتزيين
ذاك من شربك المدامة صرفا ... وتماديك في الصبا والمحون
وسمّته عمرا وربّته، فلما ترعرع حلّته وعطرته وألبسته كسوة مثله [1]، ثم أرته خاله فأعجب به، وألقيت عليه منه محبّة ومودّة، حتّى إذا وصف [2] خرج الغلمان يجتنون الكمأة في سنة قد أكمأت، وخرج معهم، وقد خرج جذيمة فبسط له في روضة، فكان الغلمان إذا أصابوا الكمأة أكلوها، وإذا أصابها عمرو خبأها، ثم أقبلوا يتعادون وهو معهم يقدمهم ويقول:
هذا جناي وخياره فيه ... إذ كلّ جان يده إلى فيه
فالتزمه جذيمة وحباه وقرب من قلبه، وحلّ منه بكلّ مكان. ثم إنّ الجن استطارته، فلم يزل جذيمة يرسل في الآفاق في طلبه فلم يسمع له بخبر، فكفّ/ عنه. ثم أقبل رجلان يقال لأحدهما عقيل والآخر مالك، ابنا فالج، وهما يريدان الملك بهدية، فنزلا على ماء ومعهما قينة يقال لها أمّ عمرو، فنصبت قدرا وأصلحت طعاما، فبينما هما يأكلان إذ أقبل رجل أشعث أغبر، قد طالت أظفاره وساءت حاله، حتّى جلس مزجر الكلب، فمدّ يده فناولته شيئا/ فأكله، ثم مدّ يده فقالت: «إن يعط العبد كراعا يتّسع ذراعا» [3] فأرسلتها مثلا. ثم ناولت صاحبيها من شرابها وأوكأت دنّها، فقال عمرو بن عديّ:
صوت
صددت الكأس عنا أمّ عمرو ... وكان الكأس مجراها اليمينا
وما شرّ الثلاثة أمّ عمرو ... بصاحبك الذي لا تصبحينا
غناه معبد فيما ذكر عن إسحاق في «كتابه الكبير». وقد زعم بعض الرواة أن هذا الشعر لعمرو بن معد يكرب [4].
وأخبرنا اليزيدي قال: حدّثنا الخليل بن أسد النّوشجانيّ قال: حدّثنا حفص بن عمرو، عن الهيثم بن عدي، عن ابن عياش [5]، أنّ هذا الشعر لعمرو بن معد يكرب في ربيعة بن نصر اللخمي.
__________
[1] في «مروج الذهب»: «كسوة فاخرة».
[2] كذا على الصواب في ح، ها، مب، يقال وصف الغلام بضم الصاد، وأوصف أيضا، إذا شب، فهو غلام وصيف، والأنثى وصيفة.
وفي سائر النسخ: «وصب» تحريف.
[3] في «مروح الذهب»: «طلب ذراعا».
[4] بل الأصح في نسبتهما أنهما لعمرو بن كلثوم في معلقته.
[5] في الأصول: «عن ابن عباس»، وإنما هو: «ابن عياش» وهو عبد اللّه بن عياش المنتوف، ترجم له في «لسان الميزان» (3: 322)، وذكر أن الهيثم بن عدي يروى عنه، وأنه كان ينادم المنصور ويجترىء عليه ويضحكه. وكذا ذكر في ترجمة الهيثم بن عدي أنه يروي عن عبد اللّه بن عياش.
رجع الحديث إلى سياقه
فقال الرجلان: ومن أنت؟ فقال: «إن تنكراني أو تنكرا نسبي، فإنّني عمرو وعديّ أبي» [1]، فقاما إليه فلثماه، وغسلا رأسه وقلّما أظفاره، وقصّرا من لمّته، وألبساه من طرائف ثيابهما وقالا: ما كنا لنهدي إلى الملك هديّة أنفس عنده ولا هو عليها أحسن صفدا [2] من ابن أخته، فقد ردّه اللّه عز وجل إليه. فخرجا حتّى إذا دفعا إلى باب الملك [3] بشّراه به، فصرفه إلى أمّه، فألبسته ثيابا من ثياب الملوك، وجعلت في عنقه طوقا كانت تلبسه إيّاه وهو صغير، وأمرته بالدخول على خاله، فلما رآه قال: «شبّ عمرو عن الطوق» فأرسلها مثلا. وقال للرجلين اللذين قدما به: احكما فلكما حكمكما. قالا: منادمتك ما بقيت وبقينا. قال: ذلك لكما. فهما نديما جذيمة اللذان ذكرهما متمّم، وضربت بهما الشعراء المثل. قال أبو خراش الهذلي:
ألم تعلمي أن قد تفرّق قبلنا ... خليلا صفاء مالك وعقيل
قال ابن حبيب في خبره [4]: وكان جذيمة من أفضل الملوك رأيا، وأبعدهم مغارا، وأشدّهم نكاية، وهو أوّل من استجمع له الملك بأرض العراق، وكانت منازله ما بين الأنبار وبقّة وهيت وعين التمر، وأطراف البر والقطقطانة [5] والحيرة، فقصد في جموعه/ عمرو بن الظّرب بن حسان [6] بن أذينة بن السميدع بن هوبر [7] العاملي، من عاملة العماليق [8]، فجمع عمرو جموعه ولقيه، فقتله جذيمة وفضّ جموعه، فانفلّوا [9] وملّكوا عليهم ابنته الزبّاء، وكانت من أحزم الناس، فخافت أن تغزوها ملوك العرب فاتّخذت لنفسها نفقا في حصن كان لها على شاطىء الفرات، وسكرت [10] الفرات في وقت قلّة الماء، وبنت أزجا [11] من الآجرّ والكلس، متصلا بذلك النفق،
__________
[1] جاء هذا الكلام في الأصول على هيئة الشعر، ولا بتقيم وزنه، وفي «مروج الذهب»: «إن تنكراني فلن تنكرا حسبي، أنا عمرو بن عدي».
[2] الصفد، بالفتح، وبالتحريك: العطية.
[3] دفعا إلى الباب، بالبناء للمعلوم والمجهول: انتهيا إليه. وفي الأصول ما عدا ها، مب: «رفعا».
[4] هذا الخبر، هو فاتحة كتاب «أسماء المغتالين من الأشراف لابن حبيب»، نسخة دار الكتب المصرية.
[5] القطقطانة، بضم القافين: موضع قرب الكوفة من جهة البرية. وفي الأصول: «القطقطانية»، صوابه في «كتاب ابن حبيب».
[6] كذا على الصواب في مب. وفي ح: «حنان» وسائر النسخ: «حيان»، صوابه في مب و«كتاب ابن حبيب» و«مروج الذهب».
[7] ح: «هوبز» وسائر النسخ: «هويز»، محرفتان.
[8] في معظم الأصول «العمالين» صوابه في مب و«كتاب ابن حبيب» و«مروج الذهب».
[9] كذا في مب. وانفلوا: انهزموا وانكسروا. وفي أ: «انقلبوا»: رجعوا. ح: «و أنقلوا» وسائر النسخ: «و أنفلوا».
[10] سكر النهر سكرا: سده، وكل شق سد فقد سكر. وفي الأصول ما عدا ها، مب: «و سكنت» صوابه في ها و«كتاب ابن حبيب»
[11] الأزج: بيت يبنى طولا. ح: «أرخا» ها: «أزجاء» وسائر النسخ: «أرحاء» صوابها في مب و«كتاب ابن حبيب».
وجعلت نفقا آخر في البرّيّة متّصلا بمدينة لأختها، ثم أجرت الماء عليه، فكانت إذا خافت عدوّا دخلت النفق. فلما اجتمع لها أمرها واستحكم ملكها أجمعت على غزو جذيمة ثائرة بأبيها، فقالت لها أختها وكانت ذات رأي وحزم:
إنّك إن غزوت جذيمة فإنّه امرؤ له ما يصدّه، فإن ظفرت أصبت ثأرك، وإن ظفر بك فلا بقيّة لك، والحرب سجال،/ ولا تدرين كيف تكون [1] ألك أم عليك، ولكن ابعثي إليك فأعلميه أنّك قد رغبت في أن تتزوّجيه وتجمعي ملكك إلى ملكه، وسليه أن يجيبك إلى ذلك، لأنّه إن اغتر ففعل ظفرت به بلا مخاطرة. فكتبت الزباء في ذلك إلى جذيمة تقول له: إنها قد رغبت في صلة بلدها ببلده، وإنّها في ضعف من سلطانها، وقلّة ضبط لمملكتها، وإنها لم تجد كفئا غيره، وتسأله الإقبال عليها وجمع ملكها إلى ملكه. فلما/ وصل ذلك إليه استخفّه وطمع فيه، فشاور أصحابه فكلّ صوّب رأيه في قصدها وإجابتها، إلّا قصير بن سعد بن عمرو بن جذيمة بن قيس بن هلال [2] بن نمارة بن لخم، فقال: هذا رأي فاتر، وغدر حاضر، فإن كانت صادقة فلتقبل إليك وإلّا فلا تمكنها من نفسك فتقع في حبالها وقد وترتها في أبيها. فلم يوافق جذيمة ما قال وقال له: «أنت أمرؤ رأيك في الكنّ لا في الضّحّ» [3]. ورحل فقال له قصير في طريقة: «انصرف ودمك في وجهك. فقال جذيمة: «ببقّة قضي الأمر» فأرسلها مثلا. ومضى حتّى إذا شارف مدينتها قال لقصير: ما الرأي؟ قال: «ببقّة تركت الرأي». قال: فما ظنّك بالزباء؟ قال: «القول رداف، والحزم عيرانة لا تخاف» [4]. واستقبله رسلها بالهدايا والألطاف فقال: يا قصير، كيف ترى؟ قال «خطر يسير في خطب كبير» [5]، وستلقاك الخيول، فإن سارت أمامك فالمرأة صادقة، وإن أخذت في جنبيك وأحاطت بك فالقوم غادرون. فلقيته الخيول فأحاطت به، فقال له قصير: اركب العصا فإنّها لا تدرك ولا تسبق - يعني فرسا له كانت تجنب - قبل أن يحولوا بينك وبين جنودك. فلم يفعل، فجال قصير في ظهرها فمرّت به تعدو في أوّل أصحاب جذيمة. ولما أحيط بجذيمة التفت فرأى قصيرا على فرسه العصا في أوّل القوم، فقال: «لحازم من يجري العصا [6] في أوّل القوم». فذكر/ أبو عبيدة والأصمعي أنها لم تكن تقف، حتّى جرت ثلاثين ميلا، ثم وقفت فبالت هناك، فبني على ذلك الموضع برج يسمّى العصا - وأخذ جذيمة فأدخل على الزباء فاستقبلته قد كشفت عن فرجها، فإذا هي قد ضفرت الشعر عليه، فقالت: يا جذيم أذات عروس ترى؟ قال: بل أرى متاع أمة لكعاء غير ذات خفر. ثم قال:
«بلغ المدى، وجفّ الثّرى، وأمر غدر أرى. قالت: واللّه ما ذلك من عدم مواس [7]، ولا قلة أواس [8]، ولكنّها شيمة ما أناس [9]. ثم قالت لجواريها: خذن بعضد سيّدكنّ. ففعلن ثم دعت بنطع فأجلسته عليه، وأمرت برواهشه [10]
__________
[1] في الأصول ما عدا ها، مب: «تكونين» تحريف.
[2] عند ابن حبيب: «بن هليل بن دمى بن نمارة».
[3] الكن: ما يرد الحر والبرد من الأبنية والمساكن. والضح: كل ما أصابته الشمس.
[4] الرداف: جمع ردف، وهو الذي يركب خلف الراكب. والعيرانة: الناقة السريعة في نشاط. أراد أن الحزم يمضي في شأنه في ثقة ولا يعبأ بالقول، بل ربما حطمه. وكلمة «لا» ساقطة من ب، س و «الميداني»، إذ فيها: «عثراته تخاف»، وفي ح: «عيران لا يخاف»، وفي م، أ: «عراف لا يخاف».
[5] في «الميداني»: «خطب يسير في خطب كبير».
[6] في ب، س: «الحازم». ها، مب: «لحازم ما تجري» وفي سائر الأصول: «ما يجري». وفي «مروج الذهب»: (2: 94): «ما ضل من تجري به العصا». وفي «الميداني»: «ويل أمه حزما على متن العصا».
[7] المواسي: جمع موسى التي يحلق الشعر بها.
[8] الأواسي: جمع آسة، وهي كناية عن الخاتن في لغة أهل البادية.
[9] هذا ما في ح و «مروج الذهب». و «ما» فيه زائدة. وفي سائر الأصول: «من أناس».
[10] الرواهش: عروق في باطن الذراع.
فقطعت في طست من ذهب يسيل دمه فيه، وقالت له: يا جذيم لا يضيعنّ من دمك شيء فإنّي أريده للخبل [1].
فقال لها: وما يحزنك من دم أضاعه أهله. وإنما كان بعض الكهّان قال لها: إن نقط من دمه شيء في غير الطست أدرك بثأره. فلم يزل دمه يجري في الطّست حتّى ضعف، فتحرّك فنقطت من دمه نقطة على أسطوانة رخام ومات.
قال: والعرب تتحدّث في أنّ دماء الملوك شفاء من الخبل. قال المتلمس [2]:
من الدارميّين الذين دماؤهم ... شفاء من الداء المجنّة والخبل [3]
/قال: وجمعت دمه في برنيّة وجعلته في خزانتها، ومضى قصير إلى عمرو بن عبد الحرّ [4] التّنوخي فقال له: اطلب بدم ابن عمك وإلّا سبّتك به العرب. فلم يحفل بذلك فخرج قصير إلى/ عمرو بن عديّ ابن أخت جذيمة فقال: هل لك في أن أصرف الجنود إليك على أن تطلب بثأر خالك؟ فجعل ذلك له، فأتى القادة والأعلام فقال لهم: أنتم القادة والرؤساء، وعندنا الأموال والكنوز. فانصرف إليه منهم بشر كثير، فالتقى بعمرو التنوخي فلما صافّوا القتال [5] تابعه التوخي ومالك بن عمرو بن عديّ، فقال له قصير: انظر ما وعدتني في الزباء. فقال: وكيف وهي أمنع من عقاب الجوّ؟ فقال: أمّا إذ أبيت فإني جادع أنفى وأذني، ومحتال لقتلها، فأعنّي وخلاك ذمّ. فقال له عمرو: وأنت أبصر. فجدع قصير أنفه ثم انطلق حتّى دخل على الزباء فقالت: من أنت؟ قال: أنا قصير، لا وربّ البشر ما كان على ظهر الأرض أحد أنصح لخدمته منّي ولا أغشّ لك حتّى جدع عمرو بن عديّ أنفى وأذني، فعرفت أنّي لن أكون مع أحد أثقل عليه منك. فقالت: أي قصير نقبل ذلك منك، ونصرّ لك في بضاعتنا. وأعطته مالا للتجارة، فأتى بيت مال الحيرة فأخذ منه بأمر عديّ ما ظنّ أنه يرضيها، وانصرف إليها به، فلما رأت ما جاء به فرحت وزادته، ولم يزل حتّى أنست به فقال لها: إنه ليس من ملك ولا ملكة إلّا وقد ينبغي له أن يتّخذ نفقا يهرب إليه عند حدوث حادثة يخافها. فقالت: أما أنّي قد فعلت واتّخذت نفقا تحت سريري هذا، يخرج إلى نفق تحت سرير أختي. وأرته إياه، فأظهر لها سرورا بذلك، وخرج في تجارته كما كان يفعل، وعرف عمرو بن عديّ ما فعله، فركب عمرو في ألفي دارع على ألف بعير/ في الجوالق حتى إذا صاروا إليها تقدّم قصير يسبق الإبل ودخل على الزباء فقال لها: اصعدي في حائط مدينتك فانظري إلى مالك، وتقدّمي إلى بوّابك فلا يعرض لشيء من أعكامنا [6]، فإنّي قد جئت بمال صامت. وقد كانت أمنته فلم تكن تتّهمه ولا تخافه، فصعدت كما أمرها فلما نظرت إلى ثقل مشي الجمال قالت - وقيل إنه مصنوع منسوب إليها - :
ما للجمال مشيها وئيدا ... أجندلا يحملن أم حديدا
__________
[1] الخبل، بفتح الخاء وضمها، وبالتحريك أيضا: الجنون أو شبهه.
[2] في «الحيوان» (2: 6) و«عيون الأخبار» (2: 79) أنه الفرزدق، ولم أجد البيت في أحد «الديوانين». ونسب في «مروج الذهب» إلى البعيث. وفي ها: «قال البعيث»: وأشير في حاشيتها إلى أنه في نسخة أخرى «المتلمس».
[3] المجنة: الجنون. وفي معظم الأصول: «المحبة» صوابه من ها ومن «الحيوان» و«عيون الأخبار»، و«اللسان» (جنن) و«مقاييس اللغة» (كلب).
[4] كذا في «الأصول». وفي «الميداني» و«مروج الذهب»: «عبد الجن».
[5] مب: «خافوا القتال». وفي «مروج الذهب»: «خافوا الفناه».
[6] الأعكام: جمع عكم، بالكسر، وهو العدل ما دام فيه المتاع.
أم صرفانا باردا شديدا [1] ... أم الرجال جثّما قعودا
فلما دخل آخر الجمال نخس البوّاب عكما من الأعكام بمنخسة معه، فأصابت خاصرة رجل فضرط، فقال البوّاب: «شرّ واللّه عكمتم به في الجوالقات» [2]. فثاروا بأهل المدينة ضربا بالسيف، فانصرفت راجعة فاستقبلها عمرو بن عدي فضربها فقتلها، وقيل بل مصّت خاتمها وقالت: «بيدي لا بيد عمرو»، وخربت المدينة وسبيت الذراريّ، وغنم عمرو كلّ شيء كان لها ولأبيها وأختها، وقال الشعراء في ذلك تذكر ما كان من قصير في مشورته على جذيمة، وفي جدعه أنفه، فأكثروا. قال عديّ بن زيد:
/ألا يأيّها المثري المرجّى ... ألم تسمع بخطب الأوّلينا [3]
دعا بالبقّة الأمراء يوما ... جذيمة ينتحي عصبا ثبينا [4]
فطاوع أمرهم وعصى قصيرا ... وكان يقول لو سمع اليقينا
وهي طويلة. وقال المتلمس يذكر جدع قصير أنفه:
/و من حذر الأيام ما حزّ أنفه ... قصير وخاض الموت بالسيف بيهس [5]
وفي هذا المعنى أشعار كثيرة يطول ذكرها.
كان جذيمة ملكا شاعرا
وكان جذيمة الملك شاعرا، وإنّما قيل له الوضاح لبرص كان به، وكان يعظم أن يسمّى بذلك، فجعل مكانه الأبرش والوضّاح. وهو الذي يقول:
والملك كان لذي نوا ... س حوله تردي يحابر [6]
بالسابغات وبالقنا ... والبيض تبرق والمغافر
أزمان لا ملك يجي ... - ر ولا ذمام لمن يجاور
أودى بهم غير الزما ... ن فمنجد منهم وغائر
وهو الذي يقول:
__________
[1] الصرفان: الرصاص القلعي، والموت، وبهما فسر بيت الزباء في «اللسان» (صرف)، ثم روى تفسيرا ثالثا لأبي عبيد، أن الصرفان:
ضرب من التمر. قال أبو عبيد: ولم يكن يهدي لها شيء أحب من التمر الصرفان. وأنشد:
ولما أنتها العير قالت أبارد ... من التمر أم هذا حديد وجندل.
[2] كذا في ح، و «سيبويه» لا يجوز هذا الجمع. والجوالق، بضم الجيم يجمع على جوالق بفتحها، وكذلك على جواليق. ما عدا ح:
«في الجواليق».
[3] في «مروج الذهب»: «أيها الملك المرجى».
[4] البقة: موضع قرب الحيرة. ينتحي: يقصد. الثبون: جمع ثبة بضم ففتح، وهي الجماعة من الناس: «المروج» و «معجم البلدان»:
«ينجوهم» صوابه بالحاء. مب: «عصر ينحوهم ثبينا».
[5] ويروى: «جز» بالجيم.
[6] ذو نواس: أحد ملوك اليمن وأذوائهم. «المعارف» 277 و «العمدة» (2: 177). وفي معظم الأصول: «الذي براش» صوابه في ها ومب و «مروج الذهب». في ب، س: «يزري بجابر»، وفي ح: «بجاير» وفي «مروج الذهب»: «من ذي بحائر» وأثبت ما في مب.
ربّما أوفيت في علم ... ترفعن ثوبي شمالات [1]
في شباب أنا رابئهم ... هم لذي العورة صمّات [2]
/ليت شعري ما أطاف بهم ... نحن أدلجنا وهم باتوا
ثمّ ابنا غانمين وكم ... كرّ ناس قبلنا ماتوا
فيه غناء يقال إنه ليمان، ويقال إنّه لمعبد، ولم يصح.
صوت
في كفّه خيزران ريحه عبق ... من كفّ أروع في عرنينه شمم
يغضي حياء ويغضى من مهابته ... فما يكلّم إلا حين يبتسم
الشعر لحزين بن سليمان الدّيليّ، والغناء لإسحاق، ثاني ثقيل بالبنصر عن حبش، وفيه لعريب رمل عمله على لحن ابن سريج.
__________
[1] ها، مب: «ترفع الأثواب شملات».
[2] رابئهم، أي ربيئة لهم يستطلع لهم خبر العدو. وفي الأصول: «رابعهم». العوة: الخلل في الثغر يخاف منه العدو ويخشى.
والصمة، بالكسر: الشجاع.
20 - أخبار الحزين ونسبه
لقب الحزين ونسبه
ذكر الواقدي أنه من كنانة وأنّه صليبة [1]، وأنّ الحزين لقبّ غلب عليه، وأن اسمه عمرو بن عبيد بن وهيب بن مالك - ويكنى أبا الشعثاء - بن حريث بن جابر بن بجير [2] - وهو راعي الشمس الأكبر - بن يعمر بن عديّ بن الدّيل بن بكر بن عبد مناة بن كنانة.
الحزين شاعر أموي من الهجائين
أخبرني بذلك أحمد بن عبد العزيز عن عمر بن شبة، عن الواقدي.
قال: وأما عمر بن شبة فإنّه ذكر أنّ الحزين مولى، وأنه الحزين بن سليمان، ويكنى سليمان أبا الشعثاء، ويكنى الحزين أبا الحكم. من شعراء الدولة الأموية حجازيّ مطبوع ليس من فحول طبقته. وكان هجّاء خبيث اللسان ساقطا، يرضيه اليسير، ويتكسّب بالشّرّ [3] وهجاء الناس، وليس ممن خدم الخلفاء ولا انتجعهم بمدح، ولا كان يريم الحجاز حتّى مات.
عبد اللّه بن عبد الملك الذي قال فيه الحزين الشعر
وهذا الشّعر يقوله الحزين في عبد اللّه بن عبد الملك بن مروان. وكان عبد اللّه من فتيان بني أمية وظرفائهم، وكان حسن الوجه حسن المذهب، وأمّه أمّ ولد. وزوجة عبد اللّه رملة بنت عبد اللّه بن عبد اللّه - وعبد اللّه هذا هو عبد الحجر [4] بن عبد المدان بن الديّان [5] بن قطن بن زياد [6] بن الحارث بن مالك بن ربيعة بن كعب/ بن الحارث بن عمرو. وزوجته هند بنت أبي عبيدة بن عبد اللّه بن ربيعة بن الأسود بن مطّلب بن أسد بن عبد العزى [7] بن قصيّ - تزوّجها [8] لما كان يقال إنها ناتق في ولادها [9]،/فمات عنها ولم تلد [10] له، فخلفه
__________
[1] صليبة، أي خالص النسب. يقال عربي صليبة.
[2] س، ب: «بكر» ح: «بحير» ها، مب: «بحر» وأثبت ما في سائر النسخ.
[3] كذا في الأصول. وليس ما يوجب أن تكون «بالشعر».
[4] كذا في ها. وفي سائر الأصول: «و عبد اللّه هذا هو عبد الحجر».
[5] ما عدا ح، م، ها، مب: «الريان» بالراء في هذا الموضع وتاليه.
[6] كذا في ها، مب. وفي سائر الأصول: «بن قطر بن الديان».
[7] في الأصول ما عدا «ها»، مب: «عبد العزيز» تحريف. انظر «الاشتقاق» 57، 101.
[8] أي تزوج عبد اللّه بن عبد الملك رملة.
[9] الناتق والمنتاق: الكثيرة الأولاد. والولاد: الولادة. م: «فائرة في أولادهما». ها، مب: «أنه كائن في أولادها» وفي سائر النسخ:
«فاتن». وفي أيضا: «أولادهما».
[10] أ، م: «فمات عنهما ولم تلدا».
محمد بن علي بن عبد اللّه بن العباس على رملة فولدت له محمدا وإبراهيم وموسى، وبنات.
أخبرني بذلك عمر [1] بن عبد اللّه بن جميل العتكي، وأحمد بن عبد العزيز الجوهري، ويحيى بن علي بن يحيى، قالوا: حدّثنا عمر بن شبة عن ابن رواحة وغيره. وأخبرني به الطوسيّ والحرمي عن الزبير عن عمه.
خشية عبد اللّه بن عبد الملك من الحزين
أخبرني حبيب بن نصر المهلّبي قال: حدّثني الزبير قال: حدّثني عمي أنّ عبد اللّه بن عبد الملك حج؛ فقال له أبوه: سيأتيك الحزين الشاعر بالمدينة، وهو ذرب اللسان، فإياك أن تحتجب عنه، وأرضه. وصفته أنّه أشعر [2] ذو بطن عظيم الأنف. فلما قدم عبد اللّه المدينة وصفه لحاجبه وقال له: إيّاك أن تردّه. فلم يأت الحزين حتّى قام فدخل لينام، فقال له الحاجب: قد ارتفع. فلما ولّى ذكر فلحقه فقال: ارجع، فاستأذن له فأدخله، فلما صار بين يديه ورأى جماله وبهاءه، وفي يده قضيب خيزران، وقف ساكتا، فأمهله عبد اللّه حتّى ظنّ أنه قد أراح ثم قال له: السلام رحمك اللّه أوّلا. فقال: عليك السلام وحيّا اللّه وجهك وجهك أيّها الأمير، إنّي قد كنت مدحتك بشعر، فلما دخلت عليك ورأيت جمالك/ وبهاءك أذهلني عنه فأنسيت ما كنت قلته، وقد قلت في مقامي هذا بيتين. فقال: ما هما؟
قال:
في كفّه خيزران ريحها عبق ... من كفّ أروع في عرنينه شمم
يغضي حياء ويغضى من مهابته ... فما يكلّم إلا حين يبتسم
فأجازه فقال: أخدمني [3] أصلحك اللّه، فإنّه لا خادم لي. فقال: اختر أحد هذين الغلامين. فأخذ أحدهما فقال له عبد اللّه: أعلينا ترذل [4]، خذ الأكبر.
الخلاف في نسبة بيتين للحزين
والناس يروون هذين البيتين للفرزدق في أبياته التي يمدح بها علي بن الحسين بن أبي طالب عليه السّلام، التي أوّلها:
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته ... والبيت يعرفه والحلّ والحرم
وهو غلط ممن رواه فيها. وليس هذان البيتان مما يمدح به مثل علي بن الحسين عليهما السّلام وله من الفضل المتعالم ما ليس لأحد.
حدّثني محمد بن محمد بن سليمان الباغندي قال: حدّثني محمد بن عمر العدني قال: حدّثني سفيان بن عيينة عن الزهري قال: ما رأيت هاشميا أفضل من علي بن الحسين.
__________
[1] ح: «عمرو».
[2] الأشعر: الكثير الشعر.
[3] أي اجعل لي خادما.
[4] أراد تأخذ الرذل، وهو الدون الخسيس.
أخبار في فضل علي بن الحسين
حدّثني محمد قال حدّثنا يوسف بن موسى القطان قال: حدّثنا جرير بن المغيرة قال: كان علي بن الحسين يبخّل، فلما مات وجدوه يعول مائة أهل بيت بالمدينة.
حدّثني الحسن بن علي قال: حدّثني محمد بن معرّس قال حدّثنا محمد بن ميمون قال حدّثنا سفيان عن ابن أبي حمزة الثّماليّ قال:
كان علي بن الحسين يحمل جراب الخبز على ظهره فيتصدّق به ويقول: «إنّ صدقة اللّيل تطفىء غضب الربّ».
/ حدّثني أبو عبد اللّه الصّيرفي قال حدّثنا الفضل بن الحسين [1] المصري قال: حدّثنا أحمد بن سليمان قال حدّثنا ابن عائشة قال: حدّثنا سعد بن عامر، عن جويرية بن أسماء، عن نافع قال:
قال علي بن الحسين: ما أكلت بقرابتي من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم شيئا قطّ.
حدّثنا الحسن بن علي قال: حدّثني عبد اللّه بن أحمد بن حنبل قال: حدّثني إسحاق بن موسى الأنصاري قال:
حدّثنا يونس بن بكير، عن/ محمد بن إسحاق قال:
كان ناس من أهل المدينة يعيشون ما يدرون من أين عيشهم، فلما مات علي بن الحسين فقدوا ما كانوا يؤتون به بالليل.
الأبيات التي مدح بها الفرزدق علي بن الحسين
وأما الأبيات التي مدح بها الفرزدق علي بن الحسين وخبره فيها، فحدّثني بها أحمد بن محمد بن الجعد، ومحمد بن يحيى قالا: حدّثنا محمد بن زكريا الغلابي قال: حدّثنا ابن عائشة قال:
حج هشام بن عبد الملك في خلافة الوليد أخيه، ومعه رؤساء أهل الشام، فجهد أن يستلم الحجر فلم يقدر من ازدحام الناس، فنصب له منبر فجلس عليه ينظر إلى الناس، وأقبل علي بن الحسين وهو أحسن الناس وجها، وأنظفهم ثوبا، وأطيبهم رائحة، فطاف بالبيت، فلما بلغ الحجر الأسود تنحّى الناس كلّهم وأخلوا له الحجر ليستلمه، هيبة وإجلالا له، فغاظ ذلك هشاما وبلغ منه، فقال رجل لهشام: من هذا أصلح اللّه الأمير؟ قال:
لا أعرفه، وكان به عارفا، ولكنه خاف أن/ يرغب فيه أهل الشام ويسمعوا منه. فقال الفرزدق وكان لذلك كلّه حاضرا: أنا أعرفه، فسلني يا شاميّ. قال: ومن هو؟ قال:
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته ... والبيت يعرفه والحلّ والحرم
هذا ابن خير عباد اللّه كلّهم ... هذا التقيّ النقيّ الطاهر العلم
إذا رأته قريش قال قائلها ... إلى مكارم هذا ينتهي الكرم
يكاد يمسكه عرفان راحته ... ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم
فليس قولك من هذا بضائره ... العرب تعرف من أنكرت والعجم
__________
[1] ح: «الحسن».
أيّ الخلائق ليست في رقابهم ... لأوّلية هذا أوله نعم [1]
من يعرف اللّه يعرف أوّلية ذا ... فالدين من بيت هذا ناله الأمم
حبس هشام للفرزدق بسبب مديحه للحسين ثم عفوه عنه
فحبسه هشام فقال الفرزدق:
أيحبسني بين المدينة والتي ... إليها قلوب الناس يهوي منيبها
يقلّب رأسا لم يكن رأس سيد ... وعينا له حولاء باد عيوبها
فبعث إليه هشام فأخرجه، ووجّه إليه عليّ بن الحسين عشرة آلاف درهم وقال: اعذر يا أبا فراس، فلو كان عندنا في هذا الوقت أكثر من هذا لوصلناك به. فردّها وقال: ما قلت ما كان إلا للّه، وما كنت لأرزأ عليه شيئا. فقال له علي: قد رأى اللّه مكانك فشكرك، ولكنا أهل بيت إذا أنفذنا شيئا ما نرجع فيه. فأقسم عليه فقبلها.
الخلاف في نسبة الشعر السالف
ومن الناس أيضا من يروي هذه الأبيات لداود بن سلم في قثم بن العباس، ومنهم من يرويها لخالد بن يزيد فيه؛ فهي في روايته:
/كم صارخ بك من راج وراجية ... يرجوك يا قثم الخيرات يا قثم
أيّ العمائر ليست في رقابهم ... لأوّلية هذا أوله نعم [2]
في كفّه خيزران ريحها عبق ... من كفّ أروع في عرنينه شمم
يغضي حياء ويغضى من مهابته ... فما يكلّم إلا حين يبتسم
/ وممن ذكر لنا ذلك الصولي عن الغلابي [3] عن مهديّ بن سابق، أنّ داود بن سلم قال هذه الأبيات الأربعة سوى البيت الأوّل في شعره في علي بن الحسين عليه السّلام.
وذكر الرياشي عن الأصمعي أنّ رجلا من العرب يقال له داود وقف لقثم فناداه وقال:
يكاد يمسكه عرفان راحته ... ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم
كم صارخ بك من راج وراجية ... في الناس يا قثم الخيرات يا قثم
فأمر له بجائزة سنية.
والصحيح أنّها للحزين في عبد اللّه بن عبد الملك. وقد غلط ابن عائشة في إدخاله البيتين في تلك الأبيات.
وأبيات الحزين مؤتلفة منتظمة المعاني متشابهة، تنبىء عن نفسها، وهي:
اللّه يعلم أن قد جبت ذا يمن ... ثمّ العراقين لا يثنيني السّأم
ثم الجزيرة أعلاها وأسفلها ... كذاك تسري على الأهوال بي القدم
__________
[1] الأوّلية: مفاخر الآباء والأجداد. والمراد أصحاب المفاخر من آبائه. انظر «اللسان» (وأل).
[2] العمائر: جمع عمارة، وهي الحي العظيم، أو هي أصغر من القبيلة.
[3] كذا في أ، م، ها، مب. وفي ح: «العلا» وسائر النسخ: «العلائي».
ثم المواسم قد أوطنتها زمنا ... وحيث تحلق عند الجمرة اللّمم
قالوا دمشق ينبّيك الخبير بها ... ثم ائت مصر فثمّ النائل الغمم
لمّا وقفت عليها في الجموع ضحى ... وقد تعرّضت الحجّاب والخدم
/ حيّيته بسلام وهو مرتفق ... وضجّة القوم عند الباب تزدحم
في كفّه خيزران ريحها عبق ... من كفّ أروع، في عرنينه شمم
يغضي حياء ويغضى من مهابته ... فما يكلّم إلّا حين يبتسم
ترى رءوس بني مروان خاضعة ... يمشون حول ركابيه وما ظلموا
إن هشّ هشّوا له واستبشروا جذلا ... وإن هم آنسوا إعراضه وجموا [1]
كلتا يديه ربيع عند ذي خلف ... بحر يفيض وهادي عارض هزم [2]
ومن الناس من يقول: إن الحزين قالها في عبد العزيز بن مروان، لذكره دمشق ومصر. وقد كان ثمّ عبد اللّه بن عبد الملك أيضا في مصر، والحزين بها.
وفود الحزين على عبد اللّه بن عبد الملك وإهداؤه غلاما له
أخبرني الحرمي قال: حدّثنا الزبير قال حدّثني محمد بن يحيى أبو غسان عن عبد العزيز بن عمران [3] الزهري قال:
وفد الحزين على عبد اللّه بن عبد الملك، وفي الرقيق أخوان، فقال عبد اللّه للحزين: أيّ الرقيق أعجب إليك؟
قال: ليختر لي الأمير. قال عبد اللّه: قد رضيت لك هذا - لأحدهما - فإنّي رأيته حسن الصلاح. قال الحزين: لا حاجة لي به فأعطني أخاه. فأعطاه إياه. قال: والغلامان مزاحم مولى عمر بن عبد العزيز، وتميم أبو محمد بن تميم، وهو الذي اختاره الحزين. قال: فقال في عبد اللّه يمدحه:
اللّه يعلم أن قد حيّيت ذا يمن [4]
وذكر القصيدة بطولها على هذا السبيل.
خبر الحزين مع صفوان الطائف
أخبرني وكيع عن محمد بن علي بن حمزة العلوي قال: حدّثنا أبو غسان دماذ، عن أبي عبيدة قال:
كان على المدينة طائف يقال له صفوان، مولى لآل مخرمة بن نوفل، فجاء الحزين الدّيلي إلى شيخ من أهل المدينة فاستعاره حماره [5] وذهب إلى العقيق فشرب، وأقبل على الحمار وقد سكر، فجاء به الحمار حتّى وقف به
__________
[1] ح، أ، م: «إن يمشي يمشوا» تحريف.
[2] ح: «عند ذي خلق». الهادي: المقدّم. والعارض: السحا يعترض الأفق. والهزم: المتبعق الذي لا يستمسك.
[3] عبد العزيز بن عمران الزهري، ترجم له في «تهذيب التهذيب»، وذكر ممن روى عنه أبا غسان محمد بن يحيى الكناني، م، أ: «بن عمران أن الزهري» وفي سائر النسخ: «بن عمر أن الزهري» والوجه ما أثبت.
[4] ب، س: «أن قد جبت».
[5] يقال استعاره ثوبا فأعاره إياه، يتعدى إلى اثنين. مب، ها: «فاستعار». ح: «فاستعاذه» وهذا تحريف.
على باب المسجد/ كما كان صاحبه عوّده إياه، فمرّ به صفوان فأخذه فحبسه وحبس الحمار، فأصبح والحمار محبوس معه. فأنشأ يقول:
أيا أهل المدينة خبّروني ... بأيّ جريرة حبس الحمار
فما للعير من جرم إليكم ... وما بالعير إن ظلم انتصار
فردّوا الحمار على صاحبه، وضربوا الحزين الحدّ، فأقبل إلى مولى صفوان وهو في المسجد فقال:
نشدتك بالبيت الذي طيف حوله ... وزمزم والبيت الحرام المحجّب
لزانية صفوان أم لعفيفة ... لأعلم ما آتى وما أتجنّب [1]
فقال مولاه: هو لزانية. فخرج وهو ينادي: إنّ صفوان ابن الزانية! فتعلّق به صفوان فقال: هذا مولاك يشهد أنك ابن زانية. فخلّى عنه.
نصيحته لابن عم في عدم زواجه له من امرأة وما قال في ذلك
وقال محمد بن علي بن حمزة: وأخبرني الرياشي أنّ ابن عمّ للحزين استشاره في امرأة يتزوّجها، فقال له: إن لها إخوة مشائيم وقد ردّوا عنها غير واحد، وأخشى أن يردّوك فتطلق عليك ألسنا كانت عنك خرسا. فخطبها ولم يقبل منه فردّوه، فقال الحزين:
/نهيتك عن أمر فلم تقبل النّهى ... وحذّرتك اليوم الغواة الأشائما [2]
فصرت إلى ما لم أكن منه آمنا ... وأشمتّ أعدائي وأنطقت لائما
وما بهم من رغبة عنك قل لهم ... فإن تسألوني تسألوا بي عالما [3]
شعره في هجاء سهيل بن عبد الرّحمن ومديح سفيان بن عاصم
وأخبرني عيسى بن الحسن قال: حدّثنا سليمان بن أبي شيخ قال: حدّثني عمر بن سلام مولى عمر بن الجعّاب [5]:
أنّ الحزين الديلي خرج مع ابن لسهيل بن عبد الرّحمن بن عوف، إلى منتزه لهم، فسكر الحزين وانصرف، فبات في الطريق وسلب ثيابه، فأرسل إلى سهيل يخبره الخبر ويستمنحه فلم يمنحه، وبلغ الخبر سفيان بن عاصم بن عبد العزيز بن مروان فأرسل إليه بجميع ما يحتاج إليه، وعوّضه ثمن ثيابه، فقال الحزين في ذلك:
هلّا سهيلا أشبهت أو بعض أعما ... مك يا ذا الخلائق الشكسه [6]
__________
[1] في البيت إقواء.
[2] النهي: جمع نهية، بالضم، وهي اسم من النهي.
[3] في بعض الأصول: «تسألوني عالما».
[4] ب، س: «الساعي» مب: «السامي».
[5] مب، ها: «مولى عمر بن الخطاب».
[6] ما، في هذا زائدة.
ضيّعت ندمانك الكريم ولم تش ... - فق عليه من ليلة نحسه
ثم تعاللت إذ أتاك له ... صبحا رسول بعلّة طفسه [1]
لكنّ سفيان لم يكن وكلا ... لمّا أتتنا صلاته سلسه [2]
سما به أروع ونفس فتى ... أروع ليست كنفسك الدنسة
هجاؤه لبني كعب حين ضحكوا عليه
حدّثنا الصولي قال: حدّثنا ثعلب قال حدّثني عبد اللّه بن شبيب قال:
مرّ الحزين الدّيلي على مجلس لبني كعب بن خزاعة وهو سكران، فضحكوا عليه، فوقف عليهم وقال:
لا بارك اللّه في كعب ومجلسهم ... ماذا تجمّع من لؤم ومن ضرع [3]
لا يدرسون كتاب اللّه بينهم ... ولا يصومون من حرص على الشبع
فوثب إليه مشايخهم فاعتذروا منه، وسألوه الكفّ وأن لا يزيد شيئا على ما قاله، فأجابهم وانصرف.
الحزين يضرب على كل قرشي درهمين ويأبى إلا أن يهجو كثيرا
أخبرني الحرمي قال: حدّثنا الزبير قال: حدّثنا عمرو [4] بن أبي بكر المؤمّلي قال: حدّثني عبد اللّه بن أبي عبيدة قال:
كان الحزين قد ضرب على كلّ رجل من قريش/ درهمين درهمين في كلّ شهر، منهم ابن أبي عتيق، فجاءه لأخذ درهميه وهو على حمار أعجف، قال: وكثيّر مع ابن أبي عتيق، فدعا ابن أبي عتيق للحزين بدرهمين فقال له الحزين: من هذا معك؟ قال: هذا أبو صخر كثير بن أبي جمعة. قال: وكان قصيرا دميما، فقال له الحزين: أتأذن لي أن أهجوه ببيت؟ قال: لا لعمري لا آذن لك أن تهجو جليسي، ولكن أشتري عرضه منك بدرهمين آخرين. ودعا له بهما، فأصغى ثم قال: لا بدّ لي من هجائه ببيت. قال: أو أشتري ذلك منك بدرهمين آخرين؟ ودعا له بهما فأخذهما وقال: ما أنا بتاركه حتّى أهجوه. قال: أو أشتري ذلك منك بدرهمين آخرين؟ فقال له كثير: ائذن له، وما عسى أن يقول فيّ؟! فأذن له ابن أبي عتيق فقال:
/قصير القميص فاحش عند بيته ... يعضّ القراد باسته وهو قائم
شجاره مع كثير
فوثب كثيّر إليه فوكزه [5] فسقط هو والحمار، وخلص ابن أبي عتيق بينهما وقال لكثير: قبحك اللّه أتأذن له وتبسط إليه يدك. قال كثيّر: وأنا ظننته يبلغ في هذا كلّه في بيت واحد!.
ولكثير مع الحزين أخبار أخر قد ذكرت في أخبار كثيّر.
__________
[1] الطفسة: القذرة.
[2] الوكل، بالتحريك: الضعيف العاجز الذي يتكل على غيره.
[3] الضرع: الذل والمهانة.
[4] ح، مب، ها: «عمر».
[5] وكزه: دفعه وضربه. مب، ها، ف: «فلكزه». ح، أ، م: «فذكره»، وهذه محرفة.
جزعه لبيع قينة أخرجت عن المدينة
أخبرني الحرمي قال: حدّثني عمي عن الضحاك بن عثمان قال: حدّثني ابن عروة [1] بن أذينة قال:
كان الحزين صديقا لأبي وعشيرا على النبيذ، وكان كثيرا ما يأتيه، وكان بالمدينة قينة يهواها الحزين ويكثر غشيانها، فبيعت وأخرجت عن المدينة، فأتى الحزين أبي وهو كثيب حزين كاتمه، فقال له أبي: مالك يا أبا حكيم؟ قال: أنا واللّه يا أبا عامر كما قال كثيّر:
لعمري لئن كان الفؤاد من الهوى ... بغى سقما إني إذا لسقيم [2]
سألت حكيما أين شطّت بها النوى ... فخبّرني ما لا أحبّ حكيم
فقال له أبي: أنت مجنون إن أقمت على هذا.
أخبرني أحمد بن سليمان الطوسي قال: حدّثنا الزّبير قال: حدّثني مصعب قال:
مديحه لجعفر بن محمد حين كساه ليزور عبد اللّه بن عبد الملك
مرّ الحزين على جعفر بن محمد بن عبد اللّه بن نوفل بن الحارث، وعليه أطمار، فقال له: يا ابن أبي الشعثاء، إلى أين أصبحت غاديا؟ قال: أمتع اللّه بك، نزل عبد اللّه بن عبد الملك الحرّة يريد الحجّ، وقد كنت وفدت إليه بمصر فأحسن إليّ. قال: أفما وجدت شيئا تلبسه غير هذه الثياب؟ قال: قد استعرت من أهل المدينة فلم يعرني أحد منهم غير هذه الثياب. فدعا جعفر غلاما فقال: ائتني بجبّة صوف، وقميص ورداء. فجاه بذلك فقال:
أبل وأخلق. فلما ولّى الحزين قال جلساء جعفر له: ما صنعت؟! إنّه يعمد إلى هذه الثياب التي كسوته إيّاها فيبيعها، ويفسد بثمنها. قال: ما أبالي إذا كافأته بثيابه ما صنع بها. فسمع الحزين قولهم وما ردّ عليهم، ومضى حتّى أتى عبد اللّه بن عبد الملك فأحسن إليه وكساه. فلما أصبح الحزين أتى جعفرا ومعه القوم الذين لاموه بالأمس وأنشده:
وما زال ينمو جعفر بن محمّد ... إلى المجد حتّى عبهلته عواذله [3]
وقلن له هل من طريف وتالد ... من المال إلّا أنت في الحقّ باذله [4]
يحاولنه عن شيمة قد علمنها ... وفي نفسه أمر كريم يحاوله [5]
/ثم قال له: بأبي أنت وأميّ، سمعت ما قالوا وما رددت عليهم.
هجاؤه لأبي بعرة
أخبرني الحرمي قال حدّثنا الزبير قال حدّثني محمد بن الضحاك عن أبيه قال:
__________
[1] ما عدا ح، مب، «ابن أبي عروة»، محرف.
[2] بعاه يبعوه ويبعيه: أصاب منه ونال. قال:
صحا القلب بعد الإلف وارتد شأوه ... وردت عليه ما بعته تماضر
ح: «نعى» أ، م: «نفى»، صوابهما في س، ب. مب، ها، ف: «بغى».
[3] عبهلته: تركته وأهملته. ف، مب: «جهلته».
[4] الحق: واحد الحقوق، ما يحق على المرء ويجب.
[5] في الأصول ما عدا مب، ها، ف: «قد علمتها» بالتاء.
صحب الحزين رجلا من بني عامر بن لؤيّ يلقب أبا بعرة، وكان استعمل على سعايات فلم يصنع إليه خيرا [1]، وكان قد صحب قبله عمرو بن مساحق وسعد بن نوفل [2] فأحمدهما [3]، فقال له:
/صحبتك عاما بعد سعد بن نوفل ... وعمرو فما أشبهت سعدا ولا عمرا
وجادا كما قصّرت في طلب العلا ... فحزت به ذمّا وحازا به شكرا
أبو بعرة وابن أبي عتيق
قال: وأبو بعرة هذا هو الذي كان يعبث [4] بجارية لابن أبي عتيق، فشكته إليه فقال لها: عديه فإذا جاءك فأدخليه إليّ. ففعلت فأدخلته عليه، وهو وشيخ من نظرائه جالسان في حجلة [5]، فلما رآهما قال: أقسم باللّه ما اجتمعتما إلّا على ريبة. فقال له ابن أبي عتيق: استر علينا ستر اللّه عليك.
قال: وآل أبي بعرة هم موالي آل أبي سمير. قال: فلما ولي المهديّ باعوا ولاءهم منه.
بقية هجاء الحزين لأبي بعرة
قال الزبير: وأنشدني عمي تمام الأبيات التي هجا بها أبا بعرة - وسمّاه لي فقال: وكان اسمه عيسى - وهي:
أولاك الجعاد البيض من آل مالك ... وأنتم بنو قين لحقتم به نزرا
- نصب «نزرا» على الحال، كأنه قال: لحقتم به نزرا قليلا من الرجال -
نسوق بيعورا أميرا كأنما ... نسوق به في كلّ مجمعة وبرا [6]
فإن يكن البيعور ذمّ رفيقه ... قراه فقد كانت إمارته نكرا [7]
ومتّبع البيعور يرجو نواله ... فقد زاده البيعور في فقره فقرا [7]
/أخبرني الحرمي قال: حدّثني الزبير قال: حدّثني صالح، عن عامر بن صالح قال:
مدح الحزين عمرو بن عمرو بن الزبير فلم يعطه شيئا.
هجاء الحزين لعمرو بن عمرو بن الزبير
وأخبرني بهذا الخبر عمي تامّا واللفظ له، ولم يذكر الزبير منه إلّا يسيرا، قال: حدّثنا الكراني قال: حدّثنا العمري قال: حدّثني عطاء بن مصعب، عن عاصم بن الحدثان قال:
__________
[1] السعاية: العمل على الصدقات. ب، س: «فلم يصنع معه خيرا».
[2] ح، أ، م: «عمرو بن مساحق» فقط.
[3] أحمد فلانا: رضي فعله ومذهبه. ب، س: «فحمدها»، وسائر النسخ: «فأحمدهما».
[4] في جمهور الأصول: «يبعث»، والوجه ما أثبت من مب، ها، ف.
[5] الحجلة: بيت كالقبة يستر بالثياب.
[6] كذا في م، مب. وهو عبث باسمه «أبو بعرة». وفي ح، أ: «بيغورا» وفي ها، ف: «بيقورا» وفي س، ب: «بغبور»، وبغبور، بالضم: لقب ملك الصين، وليس مرادا. ف «دبرا». وفي سائر النسخ ما عدا مب: «زبرا» تحريف. والوبر: دويبة على قدر السنور من دواب الصحراء حسنة العينين شديدة الحياء، يشبه بها الرجل تحقيرا له. انظر «اللسان» (وبر).
[7] كذا في م، مب. وفي ح، أ: «البيغور» وفي ها، ف: «البيقور»، وفي س، ب: «البغبور».
دخل الحزين على عمرو بن عمرو بن الزّبير بن العوام منزله، فامتدحه وسأله حاجة، فقال له: ليس إلى ما تطلب سبيل، ولا نقدر أن نملأ الناس معاذير، وما كلّ من سألنا حاجة استحقّ أن نقضيها، ولربّ مستحقّ لها قد منعناه حاجته. فقال الحزين: أفمن المستحقّين أنا؟ قال: لا واللّه، وكيف تكون مستحقّا لشيء من الخير وأنت تشتم أعراض الناس [1] وتهتك حريمهم، وترميهم بالمعضلات، إنّما المستحق من كفّ أذاه، وبذل نداه، ووقم أعداه [2].
فقال له الحزين: أفمن هؤلاء أنت؟ فقال له عمرو: أين تبعدني لا أمّ لك من هذه المنزلة وأفضل منها! فوثب الحزين من عنده وأنشأ يقول:
حلفت وما صبرت على يمين ... ولو أدعى إلى أيمان صبر [3]
بربّ الراقصات بشعث قوم ... يوافون الجمار لصبح عشر [4].
لو انّ اللؤم كان مع الثريّا ... لكان حليفه عمرو بن عمرو
ولو أنّي عرفت بأنّ عمرا ... حليف اللؤم ما ضيّعت شعري
هجاؤه لعمرو بن عمرو ومديحه لمحمد بن مروان
فقال العمري: وحدّثني لقيط أنّ الحزين قال فيه أيضا يهجوه ويمدح محمد بن مروان بن/ الحكم، وجاءه فشكا إليه عمرا، فوصله وأحسن إليه. قال:
إذا لم يكن للمرء فضل يزينه ... سوى ما ادّعى يوما فليس له فضل
وتلقى الفتى ضخما جميلا رواؤه ... يروعك في النّادي وليس له عقل
وآخر تنبو العين عنه مهذّب ... يجود إذا ما الضّخم نهنهه البخل
فيا راجيا عمرو بن عمرو وسيبه ... أتعرف عمرا أم أتاه بك الجهل [5]
فإن كنت ذا جهل فقد يخطىء الفتى ... وإن كنت ذا حزم إذا حارت النّبل [6]
جهلت ابن عمرو فالتمس سيب غيره ... ودونك مرمى ليس في جدّه هزل
عليك ابن مروان الأغرّ محمدا ... تجده كريما لا يطيش له نبل
قال لقيط: فلما أنشد الحزين محمد بن مروان هذا الشّعر أمر له بخمسة آلاف درهم، وقال له: اكفف يا أخا بني ليث عن عمرو بن عمرو ولك حكمك. فقال: لا واللّه ولا بحمر النّعم وسودها، لو أعطيتها ما كففت عنه، لأنه ما علمت كثير الشرّ، قليل الخير، متسلّط على صديقه، فظّ على أهله. «و خير ابن عمرو بالثريا معلق».
استثاره محمد بن مروان فهجا عمرو بن عمرو
فقال له محمد بن مروان: هذا شعر. فقال: بعد ساعة يصير شعرا، ولو شئت لعجّلته. ثم قال:
__________
[1] بعده سقط في مب، ها ينتهي في ص 340.
[2] الوقم: الإذلال والقهر. ما عدا ح: «و أرغم أعداه».
[3] ف: «حلفت يمين صبر».
[4] الراقصات: الإبل ترقص في سيرها، وهو ضرب من الخبب. شعث: جمع أشعث. ما عدا ح: «بشعب قوم» تحريف.
[5] أي أتى بك الجهل إليه.
[6] كذا في م، أي ضلت سهامك سبيل القصد. وفي أ: «حازت». وفي سائر النسخ: «جازت».
شرّ ابن عمرو حاضر لصديقه ... وخير ابن عمرو بالثريّا معلّق
ووجه ابن عمرو باسر إن طلبته ... نوالا إذا جاد الكريم الموفّق [1]
/فبئس الفتى عمرو بن عمرو إذا غدت ... كتائب هيجاء المنيّة تبرق [2]
فلا زال عمرو للبلايا دريّة ... تباكره حتّى يموت وتطرق [3]
يهزّ هرير الكلب عمرو إذا رأى ... طعاما فما ينفكّ يبكي ويشهق
قال: فزجره محمد عنه، وقال له: أفّ لك، قد أكثرت الهجاء، وأبلغت في الشّتيمة.
أبيات أخرى في هجائه لعمرو بن عمرو
قال العمري: وحدّثني عطاء بن مصعب عن عبد اللّه بن الليث الليثي، قال: قال الحزين الدّيلي يهجو عمرو بن عمرو بن الزبير:
لعمرك ما عمرو بن عمرو بماجد ... ولكنّه كزّ اليدين بخيل
ينام عن التقوى ويوقظه الخنا ... فيخبط أثناء الظلام يجول [4]
فلا خير في عمرو لجار ولاله ... ذمام ولكن للئام وصول [5]
مواعيد عمرو ترّهات ووجهه ... على كلّ ما قد قلت فيه دليل
جبان وفحّاش لئيم مذمّم ... وأكذب خلق اللّه حين يقول
كلام ابن عمرو صوفة وسط بلقع ... وكفّ ابن عمرو في الرّخاء تطول [6]
[و إن حزبته الحازبات تشنّجت ... يداه ورمح في الهياج كليل] [7]
تعليق عروة بن أذينة على هذا الهجاء
فبلغ شعره عمرا فقال: ما له لعنه اللّه ولعن من ولده، لقد هجاني بنيّة صادقة ولسان صنع ذلق، وما عداني إلى غيري. قال: فلقي الحزين عروة بن أذينة الليثي فأنشده هذه الأبيات فقال له: ويحك، بعضها كان يكفيك، فقد بنيتها ولم تقم/ أودها، وداخلتها وجعلت معانيها في أكّمتها. قال الحزين: ذلك واللّه أرغب للناس فيها. فقال له عروة: خير الناس من حلم عن/ الجهّال، وما أراه إلا قد حلم عنك. فقال الحزين: حلم واللّه عنّي شاء أو أبى، برغمه وصغره [8].
__________
[1] بسر بسورا: كلح.
[2] في جميع الأصول ما عدا ف: «فنفس الفتى»، تحريف.
[3] الدرية: مسهل الدريئة، وهي الحلقة يتعلم الطعن والرمي عليها. تطرق: تجيئه ليلا.
[4] هذا ما ف. وفي سائر النسخ: «فسول» ولعلها «نسول» من النسلان، وهو الإسراع في المشي.
[5] ما عدا ف: «فلا بشر من عمرو» تحريف.
[6] ب، س: «الرخال»، وهي جمع رخل، وهي الأنثى من ولد الضأن.
[7] التكملة من ف.
[8] الصغر، بالتحريك: الذل والمهانة.
هجاؤه لبني أسد ما عدا بني مصعب
لقي شبّان من ولد الزّبير الخزين، فتناولوه بألسنتهم، وهمّوا بضربه، فحال بينهم وبينه ابن لمصعب بن الزبير [1]، فقال الحزين يهجوهم ويهجو جماعة من بني أسد بن عبد العزّى، سوى بني مصعب الذين منعوهم منه، قال:
لحا اللّه حيّا من قريش تحالفوا ... على البخل بالمعروف والجود بالنّكر
فصاروا لخلق اللّه في اللؤم غاية ... بهم تضرب الأمثال في النثر والشعر
فيا عمرو لو أشبهت عمرا ومصعبا ... حمدت ولكن أنت منقبض البشر
بني أسد، سادت قريش بجودها ... معدّا وسادتكم معدّيد الدّهر [2]
تجود قريش بالنّدى ورضيتم ... بني أسد باللّؤم والذّلّ والغدر
أعمرو بن عمرو، لست ممن تعدّه ... قريش إذا ما كاثروا الناس بالفخر [3]
أبت لك يا عمرو بن عمرو دناءة ... وخلق لئيم أن تريش وأن تبري
هجاؤه لعاصم بن عمرو حين لم يقره
أخبرني الحرمي قال: حدّثنا الزبير قال: حدّثني محمد بن الضحاك الحزامي قال: حدّثني أبي قال:
كان الحزين سفيها نذلا يمدح بالنّزر إذا أعطيه، ويهجو على مثله إذا منع، فنزل بعاصم بن عمرو بن عثمان فلم يقره، فقال يهجوه بقوله:
/سيروا فقد جنّ الظّلام عليكم ... فباست الذي يرجو القرى عند عاصم [4]
ظللنا عليه وهو كالتّيس طاعما ... نشدّ على أكبادنا بالعمائم [5]
ومالي من ذنب إليه علمته ... سوى أنّني قد جئته غير صائم
فقيل له: إنّ عاصما كثيرا ما تسمّي به قريش. فقال: أما واللّه لأبيّننّه لهم فقال:
إليك ابن عثمان بن عفان عاصم ب ... - ن عمرو وسرت عنسي فخاب سراها [6]
فقد صادفت كزّ اليدين مبخّلا ... جبانا إذا ما الحرب شبّ لظاها
بخيلا بما في رحله غير أنه ... إذا ما خلت عرس الخليل أتاها
__________
[1] ما عدا ف: «بينهم وبينه مصعب بن الزبير»، تحريف.
[2] يد الدهر، أي طول الدهر. ب، س: «مدى الدهر»؛ ف: «و سادتكم عليا معد».
[3] ما عدا ف: «هاتروا الناس». والمعروف في المهاترة أنها المسابة بالباطل من القول.
[4] يقال للقوم إذا استذلوا واستخف بهم: باست بني فلان، وهو شتم لهم. قال الحطيئة:
فباست بني عبس وأستاه طيىء ... وباست بني دودان حاشا بني نصر
ح: «فاست» وفي معظم النسخ: «فأنت»، والصواب ما أثبت من ف مطابقا لما في «البيان» (3: 105) و «البخلاء» 185 ساسي.
وقد نسب في البخلاء إلى مصعب بن عمر الليثي.
[5] في «البيان» و «البخلاء»: «دفعنا إليه وهو كالذيخ خاظيا». ما عدا ح، ف: «فشد»، تحريف. وكانوا يشدون على أوساطهم بالعمائم عند المجهدة.
[6] في معظم النسخ: «عيسى»، العيس: الإبل البيض يخالط بياضها شقرة. والأوفق «عنسي» كما أثبت من ف. والعنس: الناقة الصلبة.
قول الحزين لهلال بن يحيى
أخبرني الحرمي قال حدّثنا الزبير قال حدّثني محمد بن الضحاك عن أبيه قال: قال الحزين لهلال بن يحيى بن طلحة قوله:
هلال بن يحيى غرّة لا خفا بها ... على الناس في عسر الزمان ولا اليسر
وسعد بن إبراهيم ظفر موسّخ ... فهل يستريح الناس من وسخ الظفر [1]
يعني سعد بن إبراهيم بن عبد الرّحمن بن عوف، وكان ولي قضاء المدينة من هشام بن عبد الملك، فلم يعط الحزين شيئا فهجاه. وقال فيه أيضا:
أتيت هلالا أرتجي فضل سيبه ... فأفلتني ممّا أحبّ هلال [2]
هلال بن يحيى غرّة لا خفا بها ... لكلّ أناس غرّة وهلال [3]
صوت
أ لم تشهد الجونين والشّعب ذا الصّفا ... وكرّات قيس يوم دير الجماجم [4]
/تحرّض يا بن القين قيسا ليجعلوا ... لقومك يوما مثل يوم الأراقم [5]
بسيف أبي رغوان سيف مجاشع ... ضربت ولم تضرب بسيف ابن ظالم
ضربت به عند الإمام فأرعشت ... يداك وقالوا محدث غير صارم
الشعر لجرير، والغناء لابن محرز، ثقيل أوّل بالبنصر.
جرير يعير الفرزدق بضربة الروم والخبر في ذلك
وهذه الأبيات يقولها جرير يهجو الفرزدق، ويعيّره بضربة ضربها بسيفه رجلا من الروم، فحضره سليمان بن عبد الملك فلم يصنع شيئا.
فحدّثنا بخبره في ذلك محمّد بن العباس اليزيدي قال: حدّثنا سليمان بن أبي شيخ قال: حدّثنا صالح بن سليمان، عن إبراهيم بن جبلة بن مخرمة الكنديّ، وكان شيخا كبيرا، وكان من أصحاب عبد الملك بن مروان، ثم كان من أصحاب المنصور، قال:
كنت حاضرا سليمان بن عبد الملك.
__________
[1] ف: «متى يستريح».
[2] ح، ف: «بما أحب».
[3] هنا ينتهي سقط مب، ها الذي نبهت عليه في ص 336.
[4] ح: «ذي الغضا» وفي سائر النسخ: «و الغضا» تحريف. وأثبت ما في مب، ها، ف و «الديوان» 563 و «النقائض» 409. وفي «تفسير النقائض»: «يعني شعب جبلة».
[5] في الأصول ما عدا مب، ها، ف: «فحرض بابن القين» تحريف. وفي «الديوان» 561 و «النقائض» 400: «تحضض يا ابن القين».
وأخبرنا علي بن سليمان الأخفش واليزيدي عن السكّريّ عن محمد بن حبيب عن أبي عبيدة، وعن قتادة عن أبي عبيدة في كتاب «النقائض»، عن رؤبة بن العجاج قال:
حجّ سليمان بن عبد الملك ومعه الشّعراء، وحججت معهم فمرّ بالمدينة منصرفا فأتي بأسرى من الرّوم نحو من أربعمائة [1]، فقعد سليمان وعنده عبد اللّه بن الحسن/ بن الحسن [2] بن علي عليهم السّلام، وعليه ثوبان ممصّران [3]، وهو أقربهم منه مجلسا، فأدنوا إليه بطريقهم وهو في جامعة [4]، فقال لعبد اللّه بن الحسن: قم فاضرب عنقه. فقام فما أعطاه أحد سيفا حتّى دفع إليه حرسيّ سيفا كليلا، فضربه فأبان عنقه وذراعه، وأطنّ [5] ساعده وبعض الغلّ. فقال له سليمان: اجلس فو اللّه ما ضربته بسيفك ولكن بحسبك [6]. وجعل يدفع الأسرى إلى الوجوه [و إلى الناس] [7] فيقتلونهم، حتّى دفع إلى جرير رجلا، فدسّت إليه بنو عبس سيفا قاطعا في قراب أبيض، فضربه فأبان رأسه، ودفع إلى الفرزدق أسيرا فدسّت إليه القيسية سيفا كليلا، فضرب به الأسير ضربات فلم يصنع شيئا، فضحك سليمان وضحك الناس معه.
هذه رواية أبي عبيدة عن رؤبة.
وأمّا سليمان بن أبي شيخ فإنّه ذكر في خبره أنّ سليمان لما دفع إليه الأسير دفع إليه سيفا وقال له: اقتله به.
فقال: لا بل أضربه بسيف مجاشع، واخترط سيفه فضربه به فلم يغن شيئا، فقال له سليمان: أما واللّه لقد بقي عليك عارها وشنارها! فقال جرير قصيدته التي يهجوه فيها، ومنها الصوت المذكور، وأوّلها قوله:
ألا حيّ ربع المنزل المتقادم ... وما حلّ مذ حلّت به أمّ سالم
وهي طويلة. فقال الفرزدق:
اعتذار الفرزدق عن ضربة الرومي وما قال من الشعر في ذلك
صوت
فهل ضربة الرّوميّ جاعلة لكم ... أبا عن كليب أو أبا مثل دارم
كذاك سيوف الهند تنبو ظباتها ... وتقطع أحيانا مناط التمائم
ولا نقتل الأسرى ولكن نفكّهم ... إذا أثقل الأعناق حمل المغارم
ذكر يونس أنّ في هذه الأبيات لحنا لابن محرز، ولم يجنّسه.
__________
[1] في معظم الأصول: «أربع» وصوابه من مب، ها، ف، و «النقائض» 383.
[2] في معظم الأصول: «الحسين» وصوابه في مب، ها، ف، و «النقائض» و «اتعاظ الحنفاء» 8.
[3] ثوب ممصر: مصبوغ بحمرة خفيفة، أو بصفرة خفيفة.
[4] الجامعة: الغل، لأنها تجمع اليدين إلى العنق.
[5] أطنه: قطعه.
[6] في «النقائض»: «فقال سليمان: واللّه ما هو من جودة السيف أجاد الضريبة، ولكن بجودة حسبه وشرف مركبه».
[7] التكملة من «النقائض».
وقال يعرّض بسليمان ويعيّره بنبوّ سيف ورقاء بن زهير العبسيّ عن خالد بن جعفر - وبنو عبس أخوال سليمان - قال:
/فإن يك سيف خان أو قدر أتى ... بتعجيل نفس حتفها غير شاهد [1]
فسيف بني عبس وقد ضربوا به ... نبا بيدي ورقاء عن رأس خالد
كذاك سيوف الهند تنبو ظباتها ... وتقطع أحيانا مناط القلائد
وروي هذا الخبر عن عوانة بن الحكم، قال فيه:
إنّ الفرزدق قال لسليمان: يا أمير المؤمنين، هبّ لي هذا الأسير. فوهبه له فأعتقه، وقال الأبيات التي تقدّم ذكرها، ثم أقبل على رواته وأصحابه فقال: كأنّي بابن المراغة وقد بلغه خبري فقال:
بسيف أبي رغوان سيف مجاشع ... ضربت ولم تضرب بسيف ابنه ظالم
ضربت به عند الإمام فأرعشت ... يداك وقالوا محدث غير صارم
قال: فما لبثنا غير مدّة يسيرة حتّى جاءتنا القصيدة وفيها هذان البيتان، فعجبنا من فطنة الفرزدق.
/ وأخبرني بهذا الخبر محمد بن خلف وكيع قال: حدّثنا محمد بن عيسى بن حمزة العلوي، قال: حدّثنا أبو عثمان المازني قال:
زعم جهم بن خلف أنّ رؤبة بن العجاج حدّثه. فذكر هذه القصيدة وزاد فيها.
قال: واستوهب الفرزدق الأسير فوهبه له سليمان، فأعتقه وكساه، وقال قصيدته التي يقول فيها:
ولا نقتل الأسرى ولكن نفكّهم ... إذا أثقل الأعناق حمل المغارم
قال: وقال في ذلك:
تباشر يربوع بنبوة ضربة ... ضربت بها بين الطّلا والحراقد [2]
ولو شئت قدّ السيف ما ين عنقه ... إلى علق بين الحجابين جامد [3]
فإن ينب سيف أو تراخت منيّة ... لميقات نفس حتفها غير شاهد
فسيف بني عبس وقد ضربوا به ... نبا بيدي ورقاء عن رأس خالد
قال: وقال في ذلك:
أيضحك الناس أن أضحكت سيّدهم ... خليفة اللّه يستسقى به المطر
فما نبا السيف عن جبن ولا دهش ... عند الإمام ولكن أحّر القدر
__________
[1] في معظم الأصول: «بتعجيل نفس» وظاهره أنه عكس المعنى، ويمكن أن يحمل على أنه عجل بإحضاره على حين أن حتفه بعيد.
وفي مب وف و «الديوان» 186: «بتأخير نفس». وفي «النقائض» 384 و «العمدة» (1: 126): «لتأخير نفس». وفي «الحيوان» (3: 97): «لميقات يوم».
[2] الطلا: جمع: طلوة وطلية، وهي أصل العنق. والحراقد، جمع حرقدة، وهي عقدة الحنجور. ح، أ، م: «الحرائد» مب، ها، ف:
«الحدائد» س، ب: «المحارد»، والصواب ما أثبت.
[3] في «النقائض» 384:
ولو شئت قط السيف ما بين أنفه ... إلى علق بين الشراسيف جامد
ولو ضربت به عمرا مقلّده ... لخرّ جثمانه ما فوقه شعر [1]
وما يقدّم نفسا قبل ميتتها ... جمع اليدين ولا الصّمصامة الذكر
خبر يوم الجونين
فأمّا يوم الجونين الذي ذكره جرير، فهو اليوم الذي أغار فيه عتيبة بن الحارث بن شهاب على بني كلاب، وهو يوم الرّغام [2].
أخبرني بخبره عليّ بن سليمان الأخفش ومحمد بن العباس اليزيدي، عن السكري عن ابن حبيب، ودماذ عن أبي عبيدة وعن إبراهيم بن سعدان عن أبيه:
أنّ عتيبة بن الحارث بن شهاب أغار في بني ثعلبة بن يربوع على طوائف من بني كلاب يوم الجونين فاطّرد إبلهم، وكان أنس بن العباس الأصمّ، أخو بني رعل من بني سليم، مجاورا في بني كلاب، وكان بين بني ثعلبة بن يربوع وبين بني رعل عهد: لا يسفك دم ولا يؤكل مال. فلمّا سمع الكلابيون الدّعوى: يال ثعلبة! يال عبيد! يال جعفر [3]! عرفوهم، فقالوا لأنس/ بن العباس: قد عرفنا ما بين بني رعل وبني ثعلبة بن يربوع، فأدركهم فاحبسهم علينا حتّى نلحق. فخرج أنس في آثارهم حتى أدركهم، فلما دنا منهم قال عتيبة بن الحارث لأخيه حنظلة: أغن عنّا هذا الفارس فاستقبله حنظلة فقال له أنس: إنّما أنا أخوكم وعقيدكم، وكنت في هؤلاء القوم فأغرتم على إبلي فيما أغرتم عليه، وهو معكم. فرجع حنظلة إلى أخيه فأخبره الخبر فقال له: حيّاك اللّه، وهلم فوال إبلك [4]، أي اعزلها.
قال: واللّه ما أعرفها، وبنو أخي وأهل بيتي معي وقد أمرتهم بالركوب في أثري، وهم أعرف بها منّي. فطلع فوارس بني كلاب فاستقبلهم حنظلة بن الحارث في فوارس فقال لهم أنس: إنّما هم بنيّ وبنو أخي [5]. وإنما يربّثهم لتلحق فوارس بني كلاب. فلحقوا فحمل/ الحوثرة بن قيس بن جزء بن خالد بن جعفر على حنظلة فقتله [6]، وحمل لأم بن سلمة أخو بني ضبارى بن عبيد ثعلبة على الحوثرة هو وابن مزنة [7] أخو بني عاصم بن عبيد، فأسراه ودفعاه إلى عتيبة فقتله صبرا، وهزم الكلابيّون ومضى بنو ثعلبة بالإبل وفيها إبل أنس، فلم تقرّ أنسا نفسه حتى اتّبعهم رجاء أن يصيب منهم غرة وهم يسيرون في شجراء [8]. فتخلّف عتيبة لقضاء حاجته، وأمسك برأس فرسه فلم يشعر إلّا بأنس قد مرّ في آثارهم، فتقدّم حتى وثب عليه فأسره، فأتى به عتيبة أصحابه فقال بنو عبيدة: قد عرفنا أنّ لأم بن سلمة وابن مزنة [7] قد أسرا الحوثرة فدفعاه إليك فضربت عنقه؛ فأعقبهما [9] في أنس بن عبّاس، فمن قتلته خير من أنس. فأبى عتيبة أن يفعل ذلك حتّى افتدى أنس نفسه بمائتي بعير.
__________
[1] هذا البيت لم يرد في «النقائض».
[2] الرغام، بالفتح: رملة بعينها من نواحي اليمامة، وانظر «العمدة» (2: 167).
[3] في الأصول: «قال ثعلبة قال عبيد قال جعفر»، صوابه في «النقائض» 410.
[4] من الموالاة. في معظم الأصول: «توال» وأثبت ما في مب، ها، ف و «النقائض».
[5] في معظم الأصول: «إنما هم مني وبنو أخي»، وأثبت ما في مب، ها، ف و «النقائض».
[6] هذا ما في مب وها، ف، و «النقائض». وفي سائر النسخ: «فقتل».
[7] كذا في «النقائض». مب، ها، ف «امرأته». وفي أ، ح، م: «مدية» وسائر النسخ: «مذنة».
[8] الشجراء: الأرض الكثيرة الشجرة. وهذا ما في مب، ها، ف «النقائض»: «في سخواء»، وهي الأرض السهلة الواسعة. وفي سائر النسخ: «صحراء».
[9] في معظم الأصول: «فأعفهما» تحريف. صوابه في مب، ها، ف.
تعيير العباس بن مرداس لعتيبة بن الحارث
فقال العبّاس بن مرداس يعيّر عتيبة بن الحارث بفعله:
كثر الضّجاج وما سمعت بغادر ... كعتيبة بن الحارث بن شهاب
جلّلت حنظلة المخانة والخنا ... ودنست آخر هذه الأحقاب [1]
وأسرتم أنسا فما حاولتم ... بإسار جاركم بني الميقاب
- الميقاب: التي تلد الحمقى. والوقب: الأحمق - .
باست التي ولدتك واست معاشر ... تركوك تمرسهم من الأحساب [2]
رد عتيبة بن الحارث عليه
فقال عتيبة بن الحارث:
/غدرتم غدرة وغدرت أخرى ... فليس إلى توافينا سبيل
كأنّكم غداة بني كلاب ... - تفاقدتم - عليّ لكم دليل
قوله: تفاقدتم، دعاء عليهم أن يفقد بعضهم بعضا.
صوت
وبالعفر دار من جميلة هيجت ... سوالف حبّ في فؤادك منصب [3]
وكنت إذا ناءت بها غربة النوى ... شديد القوى لم تدر ما قول مشغب [4]
كريمة حرّ الوجه لم تدع هالكا ... من القوم هلكا في غد غير معقب
أسيلة مجرى الدمع خمصانة الحشا ... بروق الثّنايا ذات خلق مشرعب [5]
العفر [6]: منازل لقيس بالعالية. سوالف: مواض. يقول: هيّجت حبّا قد كان ثمّ انقطع. ومنصب:/ ذو نصب. ونأت وناءت وبانت [7] بمعنى واحد، أي بعدت. ومشغب: ذو شغب عليك وخلاف في حبها. ويروى:
«مشعب» أي متعدّد يصرفك عنها. وقوله: «لم تدع هالكا» أي لم تندب هالكا هلك فلم يخلف غيره/ ولم يعقب.
ومعنى ذلك أنها في عدد وقوم يخلف بعضهم بعضا في المكارم، لا كمن إذا مات سيد قومها أو كريم منهم لم يقم أحد منهم مقامه. والمشرعب: الجسيم الطويل. والشّرعبيّ: الطويل.
الشعر لطفيل الغنوي، والغناء لجميلة [8] ثقيل أول بالوسطى عن الهشامي. وذكره حماد عن أبيه لها ولم يجنسه. وروى إسحاق عن أبيه عن سياط عن يونس أنّ هذا أحسن صوت صنعته جميلة.
__________
[1] المخانة: الخيانة: وفي معظم الأصول: «المجانة» صوابه في مب، ها، ف و «النقائض» 411.
[2] تقدّم مثل هذا في ص 340 س 1.
[3] العفر، بضم العين وسكون الفاء: كثبان حمر بالعالية في بلاد قيس، كما في «معجم ما استعجم»، وقد استشهد بهذا البيت. وفي معظم الأصول: «و بالعقر» بالقاف، صوابه في «المعجم» و «ديوان طفيل» ص 2، مب، ها، ف.
[4] في معظم الأصول: «ما ترك»، صوابه من مب، ها، و «الديوان» ص 2.
[5] في معظم الأصول: «بدور»، وأثبت ما في مب، ها، ف. وفي «الديوان» ص 3 و «سمط اللآلى ء» 545: «برود».
[6] في معظم الأصول: «العقر». وانظر ما مضى قريبا.
[7] في معظم الأصول: «و نأيت» ولا وجه له. وأثبت ما في مب، ها، ف.
[8] لعل في اسمها ما دعا إلى اختيار هذه المقطوعة لطفيل في غنائها.
21 - نسب الطّفيل الغنويّ وأخباره
نسب طفيل الغنوي
قال ابن الكبي: هو طفيل بن عوف [بن كعب بن خلف] [1] بن ضبيس بن خليف [2] بن مالك بن سعد بن عوف بن كعب بن غنم بن غنيّ بن أعصر بن سعد بن قيس بن عيلان.
ووافقه ابن حبيب في النسب إلا في خلف [بن ضبيس] [2] فإنه لم يذكر خلفا وقال: هو طفيل بن عوف بن ضبيس. قال أبو عبيدة: اسم غنيّ عمرو [3]، واسم أعصر منبه، وإنما سمّي أعصر لقوله:
قالت عميرة ما لرأسك بعدما ... فقد الشباب أتعى بلون منكر
أعمير إنّ أباك غيّر رأسه ... مرّ الليالي واختلاف الأعصر
فسمّي بذلك.
هو شاعر جاهلي فحل من أوصف العرب للخيل
وطفيل شاعر جاهلي من الفحول المعدودين، ويكنى أبا قرّان، يقال إنه من أقدم شعراء قيس. وهو [من] [1] أوصف العرب للخيل.
نعّات الخيل من الشعراء
أخبرني هاشم بن محمد بن هارون بن عبد اللّه بن مالك أبو دلف الخزاعيّ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن عبد اللّه بن قريب الأنصاريّ قال: قال لي عمي:
إنّ رجلا من العرب سمع الناس يتذاكرون الخيل ومعرفتها والبصر بها، فقال: كان يقال إنّ طفيلا ركب الخيل ووليها لأهله، وإنّ أبا دواد الأياديّ ملكها لنفسه/ ووليها [4] لغيره، كان يليها للملوك، وأنّ النابغة الجعدي لما أسلم الناس وآمنوا اجتمعوا وتحدّثوا ووصفوا الخيل، فسمع ما قالوه فأضافه إلى ما كان سمع وعرف قبل ذلك في صفة الخيل. وكان هؤلاء نعّات الخيل.
كان طفيل أكبر من النابغة
أخبرني هاشم بن محمد قال حدّثنا عبد الرّحمن، قال حدّثني عمي قال:
__________
[1] التكملة من مب، ها، ف.
[2] في «الديوان» برواية السجستاني عن الأصمعي: «طفيل بن عوف بن ضبيس بن دليف بن كعب بن عوف بن كعب بن جلان بن غنم بن غني بن أعصر». وفي ب، س: «طفيل بن عوف بن خليف بن ضبيس».
[3] ما عدا ح، مب، ها، ف: «عمر»، تحريف.
[4] ح، أ، م: «و وداها»، تحريف. ف، ها: «ورآها».
كان طفيل أكبر من النابغة: وليس في قيس فحل أقدم منه.
اعتزاز معاوية به
قال: وكان معاوية يقول: خلّوا لي طفيلا وقولوا ما شئتم في غيره من الشعراء.
تلقيبه بطفيل الخيل
أخبرني عبد اللّه بن مالك النحوي قال: حدثنا محمد بن حبيب قال:
كان طفيل الغنوي يسمّى «طفيل الخيل» لكثرة وصفه إيّاها.
أخبرني محمد بن الحسين الكندي خطيب مسجد القادسية، قال: حدّثني الرياشي قال: حدّثني الأصمعي قال:
كان أهل الجاهلية يسمّون طفيلا الغنويّ «المحبّر»؛ لحسن وصفه الخيل [1].
أوصف العرب للخيل
أخبرني علي بن سليمان الأخفش قال: حدّثني محمد بن يزيد قال: قال أبو عبيدة: طفيل الغنويّ، والنابغة الجعديّ، وأبو دواد الإياديّ، أعلم العرب بالخيل وأوصفهم لها.
أعف بيت
أخبرني عمي قال حدّثنا محمد بن سعد الكراني قال: حدّثنا العمري عن لقيط قال: قال قتيبة بن مسلم لأعرابيّ من غنيّ قدم عليه من خراسان:/ أيّ بيت قالته العرب أعفّ؟ قال: قول طفيل الغنوي:
/و لا أكون وكاء الزاد أحبسه ... لقد علمت بأنّ الزاد مأكول [2]
أجود بيت في الحرب وفي الصبر
قال: فأيّ بيت قالته العرب في الحرب أجود؟ قال: قول طفيل:
بحيّ إذا قيل اركبوا لم يقل لهم ... عواوير يخشون الرّدى أين نركب [3]
قال: فأيّ بيت قالته العرب في الصّبر أجود؟ قال: قول نافع بن خليفة الغنوي:
ومن خير ما فينا من الأمر أنّنا ... متى ما نوافي موطن الصّبر نصبر
قال: فقال قتيبة: ما تركت لأخوانك من باهلة؟ قال: قول صاحبهم:
وإنا أناس ما تزال سوامنا ... تنوّر نيران العدوّ مناسمه [4]
__________
[1] ب، س، م: «يسمون طفيلا الغنوي طفيل الخيل لشدة وصفه الخيل».
[2] في «الديوان» 32: «إني لأعلم أن الزاد».
[3] في معظم الأصول: «يجي ء» و «عواوين» صوابهما في مب، ف و «الديوان» ص 20. وفي «الشعر والشعراء» 423: «بخيل».
والعواوير: جمع عوار، كرمان، وهو الضعيف الجبان السريع الفرار.
[4] نسب البيتان في ملحق «ديوان طفيل» ص 65 إليه، مع أن النص هنا يقطع بأنهما لشاعر من باهلة.
وليس لنا حيّ نضاف إليهم ... ولكن لنا عود شديد شكائمه
[حرام وإن صلّيته ودهنته ... تأوّده ما كان في السيف قائمه] [1]
أبيات الصوت قالها طفيل في وقعة أوقعها قومه بطي ء
وهذه القصيدة المذكورة فيها الغناء يقولها طفيل في وقعة أوقعها قومه بطيى ء، وحرب كانت بينه وبينهم.
سبب وقعته بطيى ء
وذكر أبو عمرو الشيبانيّ والطّوسيّ فيما رواه عن الأصمعيّ وأبي عبيدة:
أنّ رجلا من غنيّ يقال له قيس النّدامى [2]، وفد على بعض الملوك، وكان قيس سيدا جوادا، فلما حفل المجلس أقبل الملك على من حضره من وفود العرب فقال: لأضعنّ تاجي على أكرم رجل من العرب، فوضعه على رأس قيس وأعطاه ما شاء،/ ونادمه مدّة، ثم أذن له في الانصراف إلى بلده، فلما قرب من بلاد طيّىء خرجوا إليه وهم لا يعرفونه، [فلقوه برمّان] [3] فقتلوه، فلما علموا أنّه قيس ندموا لأياديه [4] كانت فيهم، فدفنوه وبنوا عليه بيتا.
ثم إنّ طفيلا جمع جموعا من قيس فأغار على طيّىء فاستاق من مواشيهم ما شاء، وقتل منهم قتلى كثيرة. وكانت هذه الوقعة بين القنان وشرقيّ سلمى [5]، فذلك قول طفيل في هذه القصيدة:
فذوقوا كما ذقنا غادة محجّر ... من الغيظ في أكبادنا والتحوّب [6]
فبالقتل قتل والسّوام بمثله ... وبالشّلّ شلّ الغائط المتصوّب [7]
تمثل أعرابي ببيت من شعر طفيل حين شمت بالحجاج بن يوسف
أخبرني علي بن الحسن [8] بن علي قال: حدّثنا الحارث بن محمد، عن المدائني، عن سلمة بن محارب قال:
لما مات محمد بن الحجاج بن يوسف جزع عليه الحجاج جزعا شديدا، ودخل الناس عليه يعزّونه ويسلّونه، وهو لا يسلو ولا يزداد إلّا جزعا وتفجّعا، وكان فيمن دخل عليه رجل كان الحجاج قتل ابنه يوم الزاوية، فلما رأى جزعه وقلّة ثباته للمصيبة شمت به وسرّ لما ظهر له منه، وتمثّل بقول طفيل:
فذوقوا كما ذقنا غداة محجّر ... من الغيظ في أكبادنا والتحوب
وفي هذه القصيدة يقول طفيل:
__________
[1] التكملة من مب، ها، ف.
[2] في معظم الأصول: «الدارمي»، صوابه في مب، وها، ف و «معجم البلدان» (رمان) و «سمط اللالى ء» 546.
[3] التكملة من ح، أ، مب، ها، ف. وهي في أ: «برقان»، تحريف. وقد أورد القصة ياقوت في رسم (رمان).
[4] ما عدا ح، مب، ها، ف: «لأياد له».
[5] سلمى: أحد جبلي طيى ء.
[6] رواية «الديوان» ص 14: «في أجوافنا». والتحوب: التوجع.
[7] يقال غاط في الوادي يغوط، إذا ذهب فيه. والتصويب: الانحدار. وانظر «ديوان طفيل» ص 14.
[8] ح: «الحسين».
/
ترى العين ما تهوى وفيها زيادة ... من اليمن إذ تبدو وملهى لملعب [1]
وبيت تهبّ الرّيح في حجراته ... بأرض فضاء بابه لم يحجّب [2]
سماوته أسمال برد محبّر ... وصهوته من أتحميّ معصّب [3]
سؤال عبد الملك عن أكرم بيت وصفته العرب
أخبرني عيسى بن الحسين بن الوراق قال: حدّثنا الرياشي عن العتبي عن أبيه قال:
قال/ عبد الملك بن مروان لولده وأهله: أيّ بيت ضربته العرب [على عصابة] [4] ووصفته أشرف حواء، وأهلا وبناء؟ فقالوا فأكثروا، وتكلّم من حضر فأطالوا، فقال عبد الملك: أكرم بيت وصفته العرب بيت طفيل الذي يقول فيه:
وبيت تهبّ الرّيح في حجراته ... بأرض فضاء بابه لم يحجّب
سماوته أسمال برد محبّر ... وصهوته من أتحميّ معصّب [5]
وأطنابه ارسان جرد كأنّها ... صدور القنا من بادىء ومعقّب [6]
نصبت على قوم تدرّ رماحهم ... عروق الأعادي من غرير وأشيب [7]
شعر طفيل في المن على قبيلتين من العرب
وقال أبو عمرو الشيباني: كانت فزارة لقيت بني أبي بكر بن كلاب وجيرانهم من محارب، فأوقعت بهم وقعة عظيمة، ثم أدركتهم غنيّ فاستنقذتهم، فلما قتلت طيّىء قيس النّدامى، وقتلت بنو عبس هريم بن سنان بن عمرو بن يربوع بن طريف بن خرشة [8] بن عبيد بن سعد بن كعب بن جلّان بن غنم [9] بن غنيّ، وكان فارسا حسيبا قد ساد ورأس، قتله ابن هدم العبسيّ طريد الملك، فقال له الملك [10]: كيف قتلته؟ قال: «حملت عليه في الكبّة، وطعنته في السّبّة، حتى خرج الرمح من اللّبّة [11]. وقتل أسماء بن واقد بن رفيد بن رياح بن يربوع بن ثعلبة بن سعد بن
__________
[1] هذا الصواب من مب، وها، ف، و «الديوان» 3. وفي معظم الأصول:
يرى السين ما يهوى وفيها زيادة ... من اليمن أن تبدو وملهى وملعب
وفي «تفسير الديوان»: «و فيها لمن أراد اللهو ملهى فملعب».
[2] الحجرات، بفتحتين: جمع حجرة، بالفتح، وهي الناحية.
[3] سماوة كل شي ء: أعلاه. والمعصب، كأنه مأخوذ من العصب، وهو ضرب من برود اليمن يعصب غزله ويشد ثم يصبغ وينسج فيأتي موشيا، لبقاء ما عصب منه أبيض لم يأخذه صبغ. ويروى: «مشرعب».
[4] التكملة من مب، ها، ف. والعصابة: الجماعة.
[5] ما عدا ح، مب: «الحمى»، تحريف. وفي جميع الأصول ما عدا مب، ها، ف: «مصعب».
[6] البادى ء: الذي غزا أول غزوة. والمعقب: الذي غزا غزوة بعد غزوة.
[7] الغرير: الشاب الذي لا تجربة له. ح: «غرين» وسائر النسخ: «عرين» صوابه في مب، ها، ف و «الديوان» 4.
[8] في «الديوان» 18: «خرشبة».
[9] كذا في ح، مب، ها، ف. وفي سائر النسخ: «جلان بن تميم».
[10] في «اللسان» (سبب) أنه النعمان بن المنذر.
[11] الكبة، بالفتح: الحملة في الحرب والدفعة في القتال. والسبة: الاست. واللبة: وسط الصدر والمنحر. وفي «اللسان» (سبب، كبب): «طعنة في السبة». وفي «اللسان» (سبب): «فقلت لأبي حاتم: كيف طعنه في السبة وهو فارس؟ فضحك وقال: انهزم فاتبعه فلما رهقه أكب ليأخذ بمعرفة فرسه فطعنه في سبته».
عوف بن كعب بن جلّان، [و هو من النجوم]، وحصن بن يربوع بن طريف وأمّهم جندع بنت عمرو بن الأغرّ بن مالك بن سعد بن عوف. فاستغاثت غنيّ ببني أبي بكر وبني محارب فقعدوا عنهم، فقال طفيل في ذلك يمنّ عليهم بما كان منهم في نصرتهم، ويرثي القتلى، قال:
تأوّبني همّ من اللّيل منصب ... وجاء من الأخبار ما لا أكذّب
تتابعن حتّى لم تكن لي ريبة ... ولم يك عمّا خبّروا متعقّب [1]
وكان هريم من سنان خليفة ... وحصن ومن أسماء لمّا تغيّبوا [2]
/و من قيس الثّاوي برمّان [3] بيته ... ويوم [حقيل فاد آخر] [4] معجب
أشمّ طويل السّاعدين كأنه ... فنيق هجان في يديه مركّب [5]
وبالسّهب ميمون النّقيبة قوله ... لملتمس المعروف أهل ومرحب [6]
صوت
كواكب دجن كلّما انقض كوكب ... بدا وانجلت عنه الدّجنّة كوكب
الغناء لسليم أخي بابويه، ثاني ثقيل عن الهشامي. وهي قصيدة طويلة، وذكرت منها هذه الأبيات من أجل الغناء الذي فيها. ومن مختار مرثيته فيها قوله:
لعمري لقد خلّى ابن جندع ثلمة ... ومن أين إن لم يرأب اللّه ترأب [7]
نداماي أمسوا قد تخلّيت عنهم ... فكيف ألذّ الخمر أم كيف أشرب [8]
مضوا سلفا قصد السّبيل عليهم ... وصرف المنايا بالرجال تقلّب
صوت
فديت من بات يغنّيني ... وبتّ أسقيه ويسقيني
/ ثم اصطبحنا قهوة عتّقت ... من عهد سابور وشيرين
الشعر والغناء لمحمد بن حمزة بن نصير وجه القرعة، ولحنه فيه رمل أول بالبنصر، لا نعرف له صنعة غيره.
__________
[1] في «ديوان طفيل» 17: «تظاهرن»، «و لم يك عما أخبروا». وفي «شرحه»: «تظاهرن: تتابعن جاء بعضهن في أثر بعض. منعقب:
لم أستطع تعقب أخبارهم بتكذيب لما ظهر.
[2] في تفسير «الديوان»: «سنان بن عمرو بن يربوع بن طريف بن خرشبة، وهريم عم سنان. أسماء بن واقد بن وقيد بن رباح بن يربوع».
[3] الثاوي: المقيم. رمان، سبق ذكره في ص 352. ح؛ أ: «بريثان» وفي سائر النسخ ما عدا مب: «برثيان» صوابه من «الديوان».
[4] حقيل: موضع في بلاد بني أسد وفاد يفيد: مات. وموضع هذه التكملة بياض في ح، أ، م وإثباتها من مب، ها، ف، و «الديوان» 18 و «معجم البلدان» (رمان، حقيل)، وفي س، ب: «و يوم الوغى ليث لدى الكر معجب».
[5] الفنيق: الفحل المكرم. والبيت لم يرو في «الديوان».
[6] في معظم الأصول: «بالشهب»، تصحيف، صوابه في مب وها، ف و «الديوان» 19 وسيبويه (1: 149).
[7] في «الديوان»: «ابن جيدع».
[8] أمسوا، هي في ب، س، أ: «سواء» وم: «سوا» ح: «انيسوا» والوجه ما أثبت من مب. وفي «الديوان»: «أضحوا». وفيه أيضا «منهم» بدل «عنهم».
22 - نسب محمد بن حمزة بن نصير الوصيف وأخباره
نسب محمد بن حمزة وتلقيبه وجه القرعة
هو محمد بن حمزة بن نصير الوصيف مولى المنصور، ويكنى أبا جعفر، ويلقّب وجه القرعة.
مكانه بين المغنين
وهو أحد المغنّين الحذّاق الضرّاب الرّواة. وقد أخذ عن إبراهيم الموصلي وطبقته، وكان حسن الأداء طيّب الصوت، لا علّة فيه، إلا أنّه كان إذا غنّى الهزج خاصّة خرج بسبب لا يعرف [1]، إلا لآفة تعرض للحسّ في جنس من الأجناس فلا يصحّ له بتّة.
تقدير إسحاق الموصلي له
فذكر محمد بن الحسن الكاتب أن إسحاق بن محمد الهاشمي حدثه عن أبيه، أنه شهد إسحاق بن إبراهيم الموصليّ عند عمه هارون بن عيسى، وعنده محمد بن الحسن بن مصعب، قال: فأتانا محمد بن حمزة وجه القرعة، فسرّ به عمّي [2]. وكان شرس الخلق أبيّ النفس، فكان إذا سئل الغناء أباه، فإذا أمسك عنه كان هو المبتدىء به، فأمسكنا عنه حتى طلب العود فأتي به فغنّى، وقال:
مرّبي سرب ظباء ... رائحات من قباء [3]
قال: وكان يحسنه ويجيده، فجعل إسحاق يشرب ويستعيده حتّى شرب ثلاثة أرطال ثم قال: أحسنت يا غلام، هذا الغناء لي وأنت تتقدّمني فيه، ولا يخلق الغناء ما دام مثلك ينشأ فيه [4].
إعجاب مخارق بغنائه
قال: وحدثني إسحاق الهاشمي عن أبيه قال:
كنا في البستان المعروف ببستان خالص النصرانيّ ببغداد، ومعنا محمد بن حمزة وجه القرعة، فيغنّينا [5] قوله:
يا دار أقفر رسمها ... بين المحصّب والحجون
يا بشر إنّي فاعلمي ... واللّه مجتهدا يميني [6]
__________
[1] مب، ها، ف: «لا لسبب يعرف».
[2] في معظم النسخ: «فسمي به عمي» والوجه ما أثبت من مب، ها، ف.
[3] قباء، بالضم: قرية على ميلين من المدينة.
[4] هذا الصواب من مب، ها، ف، وفي ب، س: «ينشر لحنه». وفي سائر النسخ: «لعنة». وفي جميع النسخ: «و لأدعن» بدل «و لا يخلق».
[5] أ، م: «فتغنينا».
[6] ما عدا ح، م، مب، ها، ف: «مجتهد».
فإذا برجل راكب على حمار يؤمّنا وهو يصيح: أحسنت يا أبا جعفر، أحسنت واللّه! فقلنا: اصعد إلينا كائنا من كنت. فصعد وقال: لو منعتموني من الصّعود لما امتنعت. ثم سفر اللّثام عن وجهه فإذا هو مخارق، فقال: يا أبا جعفر أعد عليّ صوتك. فأعاده فشرب رطلا من شرابنا وقال: لو لا أنّي مدعوّ الخليفة لأقمت عندكم واستمعت هذا الغناء الذي هو أحسن من الزّهر، غبّ المطر.
نسبة ما في هذه الأخبار من الغناء
منها:
صوت
مرّبي سرب ظباء ... رائحات من قباء
زمرا نحو المصلّى ... يتمشّين حذائي [1]
فتجاسرت وألقي ... - ت سرابيل الحياء
وقديما كان لهوي ... وفتوني بالنّساء [2]
/الغناء لإسحاق مما لا يشكّ فيه من صنعته، ولحنه من ثقيل أوّل مطلق في مجرى الوسطى/ وذكر محمد بن أحمد المكي أنه لجدّه يحيى. وذكر حبش أنّ فيه لابن جامع ثاني ثقيل بالوسطى.
ومنها:
صوت
يا بشر إني فاعلمي ... واللّه مجتهدا يميني [3]
ما إن صرمت حبالكم ... فصلي حبالي أو ذريني
استبدلوا طلب الحجا ... ز وسرّة البلد الأمين
بحدائق محفوفة ... بالبيت من عنب وتين
يا دار أقفر رسمها ... بين المحصّب والحجون
أقوت وغيّر آيها ... طول التّقادم والسّنين
الشعر للحارث بن خالد، والغناء لابن جامع في الأربعة الأبيات الأول، رمل بالوسطى، ولابن سريج في الخامس والسادس والأول والثاني ثقيل أول بالبنصر.
__________
[1] زمرا: جماعات.
[2] الفتون: الفتنة.
[3] ما عدا ح، م، مب، ها، ف: «مجتهد».
علو كعبه في الغناء وانتصار إسحاق له
أخبرني الحسن بن علي قال: حدثني محمد بن مهرويه قال: حدثنا عبد اللّه بن أبي سعد قال: حدثني الفضل بن المغنّي، عن محمد بن جبر قال:
دخلنا على إسحاق بن إبراهيم الموصليّ نعوده من علّة كان وجدها، فصادفنا عنده مخارقا، وعلّوية، وأحمد بن المكي وهم يتحدّثون، فاتّصل الحديث بينهم، وعرض إسحاق عليهم أن يقيموا عنده ليتفرّج [1] بهم، ويخرج إليهم ستارته يغنّون من ورائها،/ ففعلوا وجاء محمد بن حمزة وجه القرعة على بقيّة [2] ذلك فاحتبسه إسحاق معهم، ووضع النبيذ وغنّوا، فغنّى أو علّوية صوتا من الغناء القديم، فخالفه محمد فيه وفي صانعه، وطال مراؤهما في ذلك، وإسحاق ساكت، ثم تحاكما إليه فحكم لمحمد وراجعه علوية، فقال له إسحاق: حسبك، فو اللّه ما فيكم أدرى بما يخرج من رأسه منه. ثم غنّى أحمد بن يحيى المكّيّ قوله:
قل للجمانة لا تعجل بإسراج [3]
فقال محمد: هذا اللّحن لمعبد ولا يعرف له هزج غيره. فقال أحمد: أمّا على ما شرط أبو محمد آنفا من أنّه ليس في الجماعة أدرى بما يخرج من رأسه منك فلا معارض لك. فقال له إسحاق: يا أبا جعفر، ما عنيتك واللّه فيما قلت، ولكن قد قال إنّه لا يعرف لمعبد هزج غير هذا، وكلّنا نعلم إنّه لمعبد، فأكذبه أنت بهزج آخر له مما لا يشكّ فيه. فقال أحمد: ما أعرف.
نسبة هذا الصوت
استماع جواري إسحاق إلى غنائه وإعجابهن به
قال محمد بن الحسن: وحدثني إسحاق الهاشميّ عن أبيه:
أنّ محمدا دخل معه على إسحاق الموصليّ مهنئا له بالسلامة من علّة كان فيها، فدعا بعود، فأمر به إسحاق فدفع إلى محمد، فغنّى أصواتا للقدماء وأصواتا لإبراهيم، وأصواتا لإسحاق، في إيقاعات مختلفة، فوجّه إسحاق خادما بين يديه إلى جواري أبيه، فخرجن حتّى سمعنه من وراء حجاب، ثم ودّعه وانصرف، فقال إسحاق للجواري: ما عندكنّ في هذا الفتى؟ فقلن: ذكّرنا واللّه أباك فيما غنّاه. فقال: صدقتنّ. ثم أقبل علينا فقال: هو مغنّ محسن، ولكنّه لا يصلح للمطارحة لكثرة زوائده، ومثله إذا طارح جسر الذي يأخذ عنه [4] فلم ينتفع له، ولكنّه ناهيك به من مغنّ مطرب.
طلب مخارق منه أن يصلح غناء جواريه
/ قال إسحاق: وحدّثت أنه صار إلى مخارق عائدا، فصادف عنده المغنّين جميعا، فلما طلع تغامزوا عليه،
__________
[1] ب، س، أ: «ليفرح» وسائر النسخ: «ليفرج» والصواب ما أثبت من مب، ها، ف.
[2] مب، ها، ف: «على تفية ذلك».
[3] أ، م: «للجماعة».
[4] جسر، بالجيم في جميع النسخ، أي عجز. وأصله من قولهم: «جسر الفحل وفدر وجفر، إذا ترك الضراب. مب، ها، ف: «حير».
فسلّم على مخارق وسأله به، فأقبل عليه مخارق ثم قال له: يا أبا جعفر، إنّ جواريك اللواتي في ملكي قد تركن الدّرس من مدّة، فأحبّ أن تدخل إليهن وتأخذ عليهنّ وتصلح من غنائهن. ثم صاح بالخدم فسعوا بين يديه إلى حجرة الجواري، ففعل ما سأله مخارق، ثم خرج، فأعلمه أنه قد أتى ما أحبّه، والتفت إلى المغنّين فقال: قد رأيت غمزكم، فهل فيكم أحد رضي أبو المهنّا أعزّه اللّه حذقه وأدبه وأمانته، ورضيه لحواريه غيري؟ ثم ولّى فكأنما ألقمهم حجرا، فما أجابه أحد.
صوت
عفت الدّيار محلّها فمقامها ... بمنى تأبّد غولها فرجامها
فمدافع الرّيّان عرّي رسمها ... خلقا كما ضمن الوحيّ سلامها
فاقنع بما قسم الإله فإنّما ... قسم الخلائق بيننا علّامها [1]
عروضه من الكامل. عفت: درست. ومنّى: موضع في بلاد بني عامر، وليس منى مكّة. تأبّد: توحّش.
والغول والرّجام: جبلان بالحمى. والرّيان: واد. مدافعه: مجاري الماء فيه. وعرّي رسمها، أي ترك [2] وارتحل عنه. يقول: عرّي من أهله. وسلامها: صخورها، واحدتها سلمة.
الشعر للبيد بن ربيعة العامريّ، والغناء لابن سريج، رمل بالسبابة في مجرى البنصر عن إسحاق، وفيه لابن محرز خفيف رمل أوّل بالوسطى عن حبش، وذكر الهشاميّ [3] إنّ فيه رملا آخر للهذلي في الثالث والأول.
__________
[1] ما عدا مب، ها، ف: «فارض بما».
[2] ب، س: «نزل» وسائر النسخ «ترك»، والصواب ما أثبت من مب، ها، ف.
[3] ما عدا مب: «الهاشمي».
23 - نسب لبيد وأخباره
نسبه
هو لبيد بن ربيعة بن مالك [1] بن جعفر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان بن مضر.
والد لبيد ومقتله
وكان يقال لأبيه «ربيع المقترين» [2] لجوده وسخائه. وقتلته بنو أسد [3] في الحرب التي كانت بينهم وبين قومهم وقومه.
عمه أبو براء
وعمّه أبو براء عامر بن مالك ملاعب الأسنة، سمي بذلك لقول أوس بن حجر فيه:
فلاعب أطراف الأسنّة عامر ... فراح له حظّ الكتيبة أجمع [4]
أم لبيد
وأمّ لبيد تامرة [5] بنت زنباع العبسية، إحدى بنات جذيمة بن رواحة.
صفات لبيد
ولبيد أحد شعراء الجاهلية المعدودين فيها والمخضرمين ممّن أدرك الإسلام، وهو من أشراف الشّعراء المجيدين الفرسان القرّاء المعمّرين، يقال إنه عمّر مائة وخمسا وأربعين سنة.
أخبرني بخبره في عمره أحمد بن عبد العزيزي الجوهري قال: حدثنا عمر بن شبّة عن عبد اللّه بن محمد بن حكيم. وأخبرني الحسن بن علي قال: حدثنا/ ابن مهرويه قال حدثنا عبد اللّه بن أبي سعد، عن علي بن الصباح،
__________
[1] في «الخزانة» (1: 337): «بن ربيعة بن عامر بن مالك».
[2] هذا يطابق ما في «الشعر والشعراء» 231. وفي مب، ها، ف «المفتر». وسائر النسخ «المعترين». والصواب في ذلك كله «ربيع المقترين». ومما يشهد له قول لبيد نفسه يذكر أباه:
ولا من ربيع المقترين رزئته ... بذي علق فاقني حباءك واصبري
انظر «معجم البلدان» (علق).
[3] في معظم الأصول: «بنو لبيد»، صوابه من مب، ها، ف «الشعر والشعراء».
[4] في معظم الأصول: «لها»، صوابه في مب، ها، ف و «الديوان» 11 و «الخزانة» (1: 338) و «الشعر والشعراء» 235.
[5] ها، ف: «تامر».
عن ابن الكلبي، وعن عليّ بن المسور عن الأصمعيّ، وعن المدائني وعن رجال ذكرهم، منهم أبو اليقظان وابن دأب، وابن جعدبة، والوقاصي.
عمر لبيد
أن لبيد بن ربيعة قدم على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في وفد بني كلاب بعد وفاة أخيه أربد/ وعامر بن الطّفيل، فأسلم وهاجر وحسن إسلامه، ونزل الكوفة أيام عمر بن الخطاب رضي اللّه تعالى عنه فأقام بها. ومات بها هناك في آخر خلافة معاوية، فكان عمره مائة وخمسا وأربعين سنة، منها تسعون سنة في الجاهلية، وبقيّتها في الإسلام.
ما قاله من الشعر في طول عمره
قال عمر بن شبة في خبره: فحدثني عبد اللّه بن محمد بن حكيم أنّ لبيدا قال حين بلغ سبعا وسبعين سنة:
قامت تشكّى إليّ النّفس مجهشة ... وقد حملتك سبعا بعد سبعينا [1]
فإن تزادي ثلاثا تبلغي أملا ... وفي الثّلاث وفاء للثمانينا
فلما بلغ التسعين قال:
كأنّي وقد جاوزت عشرين حجّة ... خلعت بها عن منكبيّ ردائيا
فلما بلغ مائة وعشرا قال:
أليس في مائة قد عاشها رجل ... وفي تكامل عشر بعدها عمر
فلما جاوزها قال:
ولقد سئمت من الحياة وطولها ... وسؤال هذا الناس كيف لبيد
غلب الرّجال وكان غير مغلّب ... دهر طويل دائم ممدود
/ يوما أرى يأتي عليّ وليلة ... وكلاهما بعد المضاء يعود
وأراه يأتي مثل يوم لقيته ... لم ينتقص وضعفت وهو يزيد
وفوده على النعمان ونكايته بالربيع بن زياد
أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال حدّثنا أبو حاتم [2] السجستاني قال حدّثنا الأصمعي قال:
وفد عامر بن مالك ملاعب الأسنّة، وكان يكنى أبا البراء، في رهط من بني جعفر، ومعه لبيد بن ربيعة، ومالك بن جعفر، وعامر بن مالك عمّ لبيد، على النّعمان، فوجدوا عنده الربيع بن زياد العبسيّ وأمّه فاطمة بنت الخرشب، وكان الربيع نديما للنّعمان مع رجل من تجّار الشام يقال له زرجون بن توفيل [3]، وكان حريفا للنّعمان يبايعه [4]، وكان أديبا حسن الحديث والنّدام، فاستخفّه [5] النعمان، وكان إذا أراد أن يخلو على شرابه بعث إليه وإلى
__________
[1] في معظم النسخ: «سبعين» و «للثمانين». وأثبت ما في مب وها، ف، و «الخزانة» و «و المعمرين» للسجستاني 62.
[2] في معظم الأصول: «أبو حامد»، تحريف، صوابه في مب، ها، ف.
[3] ح: «نفيل» وسائر النسخ: «نوفل» وأثبت ما في مب، ها.
[4] حريف الرجل: معامله في حرفته، وهو العميل.
[5] م: «فاستحقه».
النّطاسيّ: متطبّب [1] كان له، وإلى الربيع بن زياد فخلا بهم، فلما قدم الجعفريّون كانوا يحضرون النعمان لحاجتهم، فإذا خرجوا من عنده خلا به الربيع فطعن فيهم وذكر معايبهم، وكانت بنو جعفر له أعداء [2]، فلم يزل بالنّعمان حتّى صدّه عنهم، فدخلوا عليه يوما فرأوا منه جفاء، وقد كان يكرمهم ويقرّبهم، فخرجوا غضابا ولبيد متخلّف في رحالهم يحفظ متاعهم، ويغدو بإبلهم كلّ صباح يرعاها، فأتاهم ذات ليلة وهم يتذاكرون أمر الربيع، فسألهم عنه فكتموه، فقال: واللّه لا حفظت لكم متاعا، ولا سرّحت لكم بعيرا أو تخبروني/ فيم أنتم؟ وكانت أم لبيد يتيمة في حجر الربيع، فقالوا: خالك قد غلبنا على الملك وصدّ عنا وجهه. فقال لبيد: هل تقدرون على أن تجمعوا بيني وبينه فأزجره عنكم بقول ممضّ [3] لا يلتفت إليه النعمان أبدا؟ فقالوا: وهل عندك شي ء؟ قال: نعم.
قالوا: فإنّا نبلوك. قال: وما ذاك؟ قالوا: تشتم هذه البقلة - وقدّامهم بقلة دقيقة القضبان، قليلة الورق،/ لا صقة بالأرض، تدعى التّربة [4] - فقال: «هذه التّربة التي لا تذكي نارا ولا تؤهل دارا، ولا وتسرّ جارا، عودها ضئيل، وفرعها كليل، وخيرها قليل، أقبح البقول مرعّى، وأقصرها فرعا، وأشدّها قلعا. بلدها شاسع، وآكلها جائع، والمقيم عليها قانع، فالقوا بي أخا عبس، أردّه عنكم بتعس، وأتركه من أمره في لبس». قالوا: نصبح ونرى فيك رأينا. فقال عامر: انظروا إلى غلامكم هذا - يعني لبيدا - فإن رأيتموه نائما فليس أمره بشيء، إنما هو يتكلّم بما جاء على لسانه، وإن رأيتموه ساهرا فهو صاحبه. فرمقوه فوجدوه وقد ركب رحلا وهو يكدم وسطه [5] حتّى أصبح، فقالوا: أنت واللّه صاحبه. فعمدوا إليه فحلقوا رأسه وتركوا ذؤابته، وألبسوه حلّة ثم غدا معهم وأدخلوه على النعمان، فوجدوه يتغدّى ومعه الربيع بن زياد، وهما يأكلان لا ثالث لهما، والدار والمجالس مملوءة من الوفود، فلما فرغ من الغداء أذن للجعفريّين فدخلوا عليه، وقد كان أمرهم تقارب، فذكروا الذي قدموا له من حاجتهم، فاعترض الربيع بن زياد في كلامهم، فقال لبيد في ذلك:
أكلّ يوم هامتي مقزّعه ... يا ربّ هيجا هي خير من دعه
نحن بني أمّ البنين الأربعة ... سيوف حزّ وجفان مترعه
/ نحن خيار عامر بن صعصعة ... الضاربون الهام تحت الخيضعة
والمطمعون الجفنة المدعدعه [6] ... مهلا أبيت اللّعن لا تأكل معه
إنّ استه من برص ملمّعه [7] ... وإنّه يدخل فيها إصبعه
يدخلها حتّى يواري أشجعه [8] ... كأنّه يطلب شيئا ضيعه
__________
[1] المتطبب: «الذي يعاني الطب. وفي معظم الأصول: «متطيب» صوابه في مب، ها، ف.
[2] في معظم الأصول: «لهم أعداء» صوابه في مب، ها، ف.
[3] في معظم الأصول: «محيص» صوابه في مب، ها، ف.
[4] التربة بكسر الراء وفتحها: شجرة شاكة وثمرتها كأنها بسرة معلقة. «اللسان» (ترب). ف، س: «الثربة» ومعظم الأصول: «الثرية» وأثبت ما في مب.
[5] الكدم: العض.
[6] المدعدعة: المملوءة.
[7] الملمعة: ذات اللمع. واللمعة: كل لون خالف لونا.
[8] الأشجع: مغرز الإصبع.
الشعر الذي أرسل به إلى النعمان
فرفع النعمان يده من الطعام وقال: خبّثت واللّه عليّ طعامي يا غلام؛ وما رأيت كاليوم. فأقبل الربيع على النعمان فقال: كذب واللّه ابن الفاعلة [1]، ولقد فعلت بأمّه كذا وكذا. فقال له لبيد: مثلك فعل ذلك بربيبة أهله والقريبة من أهله، وإن أمي من نساء لم يكنّ فواعل ما ذكرت. وقضى النعمان حوائج الجعفريّين، ومضى من وقته وصرفهم، ومضى الربيع بن زياد إلى منزله من وقته، فبعث إليه النعمان بضعف ما كان يحبوه، وأمره بالانصراف إلى أهله، فكتب إليه الربيع: إنّي قد عرفت أنّه قد وقع في صدرك ما قال لبيد، وإنّي لست بارحا حتّى تبعث إليّ من يجرّدني فيعلم من حضرك من الناس أنّي لست كما قال لبيد. فأرسل إليه: إنّك لست صانعا بانتفائك مما قال لبيد شيئا، ولا قادرا على ردّ ما زلّت به الألسن، فالحق بأهلك. فلحق بأهله ثم أرسل إلى النعمان بأبيات شعر قالها، وهي:
لئن رحلت جمال لا إلى سعة ... ما مثلها سعة عرضا ولا طولا
بحيث لو وردت لخم بأجمعها ... لم يعدلوا ريشة من ريش سمويلا [2]
/ترعى الروائم أحرار البقول بها ... لا مثل رعيكم ملحا وغسويلا [3]
فاثبت بأرضك بعدي واخل متكئا ... مع النّطاسيّ طورا وابن توفيلا
إجابة النعمان له بالشعر
فأجابه النعمان بقوله:
/شرّد برحلك عنّي حيث شئت ولا ... تكثر عليّ ودع عنك الأباطيلا
فقد ذكرت بشيء لست ناسيه ... ما جاورت مصر أهل الشّام والنّيلا
فما انتفاؤك منه بعد ما جزعت ... هوج المطيّ به نحو ابن سمويلا [4]
قد قيل ذلك إن حقّا وإن كذبا ... فما اعتذارك من قول إذا قيلا
فالحق بحيث رأيت الأرض واسعة ... فانشر بها الطّرف إن عرضا وإن طولا
شعره في هجاء الربيع بن زياد
قال: وقال لبيد يهجو الربيع بن زياد - ويزعمون أنها مصنوعة. قال:
ربيع لا يسقك نحوي سائق ... فتطلب الأذحال والحقائق [5]
__________
[1] م، أ، ح، مب، ها، ف: «ابن الحمق».
[2] في «اللسان» (سمل): «سمويل: طائر. وقيل بلدة كثيرة الطير».
[3] الروائم: التي ترأم أولادها: تعطف عليها. في معظم الأصول: «حراز البقول» والصواب ما أثبت من ف. وأحرار البقول: ما رق منها ورطب، وذكورها: ما غلظ وخشن. والغسويل بفتح العين المعجمة: نبت ينبت في السباخ. في الأصول ما عدا مب، ها، ف: «عسويلا»، تصحيف.
[4] جزعت: قطعت. م: «ابن شمويلا». ف: «عيرا شماليلا».
[5] الأذحال: جمع ذحل، وهو الثأر. في معظم الأصول: «الادخال» تصحيف، صوابه في مب وها و «الديوان» 9.
ويعلم المعيا به والسّابق [1] ... ما أنت إن ضمّ عليك المازق [2]
إلّا كشيء عاقه العوائق ... إنّك حاس حسوة فذائق
لا بدّ أن يغمز منك العاتق [3] ... غمزا ترى أنك منه ذارق [4]
إنّك شيخ خائن منافق ... بالمخزيات ظاهر مطابق
كان يخفي بعض شعره ثم أظهره
وكان لبيد يقول الشعر ويقول: لا تظهروه، حتى قال:
عفت الدّيار محلّها فمقامها
وذكر ما صنع الربيع بن زياد، وضمرة بن ضمرة [5]. ومن حضرهم من وجوه الناس، فقال لهم لبيد حينئذ:
أظهروها.
قال الأصمعي في تفسير قوله: الخيضعة، أصله الخضعة بغير ياء، يعني الجلبة والأصوات، فزاد فيها الياء.
وقال في قوله «بالمخزيات ظاهر مطابق»: يقال طابق الدابة، إذا وضع يديه ثم رفعهما فوضع مكانهما رجليه، وكذلك إذا كان يطأ في شوك. والمأزق: المضيق. والنازق: الخفيف.
سؤال الوليد له عما كان بينه وبين الربيع
نسخت من كتاب مرويّ عن أبي الحكم قال: حدثني العلاء بن عبد اللّه الموقّع قال:
اجتمع عند الوليد بن عقبة سمّاره وهو أمير الكوفة وفيهم لبيد، فسأل لبيدا عما كان بينه وبين الربيع بن زياد عند النّعمان، فقال له لبيد: هذا كان من أمر الجاهلية وقد جاء اللّه بالإسلام. فقال له: عزمت عليك - وكانوا يرون لعزمة الأمير حقّا - فجعل يحدّثهم، فحسده رجل من غنيّ فقال: ما علمنا بهذا. قال: أجل يا ابن أخي، لم يدرك أبوك مثل ذلك، وكان أبوك ممّن لم يشهد تلك المشاهد فيحدّثك.
لم يسمع منه فخر في الإسلام غير يوم واحد
أخبرني عمي قال حدّثنا الكراني قال حدّثني العمريّ قال: حدثني الهيثم عن ابن عياش عن محمد بن المنتشر قال:
/ لم يسمع من لبيد فخره في الإسلام غير يوم واحد، فإنّه كان في رحبة غنيّ مستلقيا على ظهره قد سجّى نفسه بثوبه، إذ أقبل شابّ من غنيّ فقال: قبح اللّه طفيلا حيث يقول:
جزى اللّه عنّا جعفرا حيث أشرفت ... بنا نعلنا في الواطئين فزلّت
__________
[1] في معظم الأصول: «المعنى»، صوابه من مب، ها و «الديوان».
[2] ما عدا ح، مب، ها، ف و «الديوان»: «إليك المازق» تحريف.
[3] العاتق: ما بين المنكب والعنق. وفي معظم الأصول: «العائق» وفي مب، ها «الفائق».
[4] ذارق، من قولهم ذرق يذرق: خذق بسلحه. أ، م، ح: «ذائق»، وأثبت ما في «الديوان»، مب، ها، ف.
[5] في معظم الأصول: «حمزة بن ضمرة»، تحريف صوابه في مب، ها، ف، وانظر «الاشتقاق» 149 و «البيان» (1: 171).
أبوا أن يملّونا ولو أنّ أمنّا ... تلاقي الذي يلقون منّا لملّت
فذو المال موفور وكل معصّب ... إلى حجرات أدفأت وأظلّت [1]
وقالت هلمّوا الدار حتّى تبيّنوا ... وتنجلي الغمّاء عمّا تجلّت [2]
ليت شعري ما الذي رأى من بني جعفر حيث يقول هذا فيهم؟ قال: فكشف لبيد الثّوب عن وجهه وقال: يا ابن أخي، إنّك أدركت الناس وقد جعلت لهم شرطة يرعون [3] بعضهم/ عن بعض، ودار رزق تخرج الخادم بجرابها فتأتي برزق أهلها، وبيت مال يأخذون منه أعطيتهم، ولو أدركت طفيلا يوم يقول هذا لم تلمه. ثم استلقى وهو يقول: أستغفر اللّه. فلم يزل يقول: أستغفر اللّه؛ حتى قام.
سؤال بني نهد له عن أشعر العرب
أخبرني إسماعيل بن يونس قال: حدّثنا عمر بن شبة قال: حدّثنا محمد بن حكيم، عن خالد بن سعيد قال:
قال مرّ لبيد بالكوفة على مجلس بني نهد [4] وهو يتوكأ على محجن له فبعثوا إليه رسولا يسأله عن أشعر العرب، فسأله فقال: الملك الضّليل ذو القروح. فرجع/ فأخبرهم فقالوا: هذا امرؤ القيس. ثم رجع إليه فسأله:
ثم من؟ فقال له: الغلام المقتول من بني بكر. فرجع فأخبرهم فقالوا: هذا طرفة. ثم رجع فسأله ثم من؟ فقال: ثم صاحب المحجن، يعني نفسه.
لم يقل في الإسلام إلا بيتا واحدا
أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدّثنا عمر بن شبة قال: حدثني أبو عبيدة قال:
لم يقل لبيد في الإسلام إلّا بيتا واحدا، وهو:
الحمد للّه إذ لم يأتني أجلي ... حتّى لبست من الإسلام سربالا [5]
كتاب عمر إلى المغيرة أن يستنشد من قبله من الشعراء
أخبرني أحمد قال: أخبرني عمي قال: حدثني محمد بن عباد بن حبيب المهلّبي قال: حدثنا نصر بن دأب عن داود بن أبي هند عن الشّعبي قال:
كتب عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه إلى المغيرة بن شعبة وهو على الكوفة: أن استنشد من قبلك من شعراء مصرك ما قالوا في الإسلام. فأرسل إلى الأغلب الراجز العجليّ، فقال له: أنشدني. فقال:
__________
[1] المعصب، بكسر الصاد المشدّدة كما في «القاموس»: من يعصب بطنه بالخرق من الجوع. في معظم الأصول: «مصعب» تحريف صوابه في مب، ها. وانظر «مجالس ثعلب» 461 و «ديوان طفيل» 57.
[2] في معظم الأصول: «العمياء» مب، ها: «العوراء» والصواب من ف.
[3] الكلمة محرفة في الأصل. فهي في م، ح، ها، ف: «يرعون» ب، س: «يدعون». والصواب في أ.
[4] في معظم النسخ: «نهل» ج: «بهر» وكلاهما محرف عما أثبت من مب، ها، ف.
[5] في «الإصابة» 7535: «قال أبو عمرو: البيت الذي أوله «الحمد للّه إذ لم يأتني أجلي» ليس للبيد، بل هو لقردة بن نفاثة». وقيل إن البيت الذي قاله في الإسلام:
ما عاتب الحر الكريم كنفسه ... والمرء يصلحه الجليس الصالح
«الخزانة» (1: 337).
أرجزا تريد أم قصيدا ... لقد طلبت هيّنا موجودا
تفضيله على الأغلب العجلي في العطاء
ثم أرسل إلى لبيد فقال: أنشدني. فقال: إن شئت ما عفي عنه - يعني الجاهلية - فقال: لا، أنشدني ما قلت في الإسلام. فانطلق فكتب سورة البقرة في صحيفة ثم أتى بها وقال: أبدلني اللّه هذه في الإسلام مكان الشعر.
فكتب بذلك المغيرة إلى عمر، فنقص من عطاء الأغلب خمسمائة وجعلها في عطاء لبيد،/ فكان عطاؤه ألفين وخمسمائة، فكتب الأغلب: يا أمير المؤمنين أتنقص عطائي أن أطعتك؟! فردّ عليه خمسمائة وأقرّ عطاء لبيد على ألفين وخمسمائة.
محاولة معاوية إنقاص عطائه
قال أبو زيد: وأراد معاوية أن ينقصه من عطائه لمّا ولي الخلافة، وقال: هذان [1] الفودان - يعني الألفين - فما بال العلاوة؟ يعني الخمسمائة. فقال له لبيد: إنما أنا هامة اليوم أو غد، فأعرني اسمها [2]، فلعلّي لا أقبضها أبدا فتبقى لك العلاوة والفودان [3]. فرقّ له وترك عطاءه على حاله، فمات ولم يقبضه.
خبر جوده وإعانة الوليد له على جوده
وقال عمر بن شبّة في خبره الذي ذكره عن عبد اللّه بن محمد بن حكيم. وأخبرني به إبراهيم بن أيوب عن عبد اللّه بن مسلم قالا:
كان لبيد من جوداء العرب [4]، وكان قد آلى في الجاهلية أن لا تهبّ صبا إلّا أطعم، وكان له جفنتان يغدو بهما ويروح في كلّ يوم على مسجد قومه فيطعمهم، فهبّت الصبا يوما والوليد بن عقبة على الكوفة، فصعد الوليد المنبر فخطب الناس ثم قال: إنّ أخاكم لبيد بن ربيعة قد نذر في الجاهلية ألا تهبّ صبا إلّا أطعم، وهذا يوم من أيامه، وقد هبّت صبا فأعينوه، وأنا أوّل من فعل. ثم نزل عن المنبر فأرسل إليه بمائة بكرة، وكتب إليه بأبيات قالها:
أرى الجزّار يشحذ شفرتيه ... إذا هبّت رياح أبي عقيل
/ أشمّ الأنف أصيد عامريّ ... طويل الباع كالسّيف الصّقيل
وفي ابن الجعفريّ بحلفتيه ... على العلّات والمال القليل [5]
بنحر الكوم إذ سحبت عليه ... ذيول صبا تجاوب بالأصيل
__________
[1] هذه الكلمة من ها، ف.
[2] هذا الصواب من مب، ها، ف. وسائر النسخ: «فأعدني اسمها». وفي أ: «فأعد في اسمها».
[3] في «معظم الأصول»: «العودان» صوابه من مب، ها، ف و «الشعر والشعراء» 333 و «الخزانة». والفود في الأصل: العدل من الأعدال. والعلاوة: ما يكون بين العدلين من خشبة ونحوها. وانظر الخبر برواية أخرى في «المعمرين» 61.
[4] الجوداء: جمع جواد. ما عدا في، ها، ف: «أجود العرب».
[5] على العلات: على أكمل حال في عسره ويسره.
إجابة بنته للوليد
فلما بلغت أبياته لبيدا قال لابنته: أجيبيه، فلعمري لقد عشت برهة وما أعيا بجواب شاعر. فقالت ابنته:
إذا هبّت رياح أبي عقيل ... دعونا عند هبّتها الوليدا
أشمّ الأنف أروع عبشميّا ... أعان على مروءته لبيدا
بأمثال الهضاب كأنّ ركبا ... عليها من بني حام قعودا [1]
أبا وهب جزاك اللّه خيرا ... نحرناها فأطعمنا الثّريدا
فعد إنّ الكريم له معاد ... وظنّي يا ابن أروى أن تعودا [2]
فقال لها لبيد: أحسنت لولا أنك استطعمته. فقالت: إنّ الملوك لا يستحيا من مسألتهم. فقال: وأنت يا بنية في هذه أشعر.
سجود الفرزدق عند سماع شعر له
أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدّثنا عمر بن شبة قال حدّثني محمد بن عمران الضبي قال: حدّثني القاسم بن يعلى عن المفضّل الضبي قال:
قدم الفرزدق فمرّ بمسجد بني أقيصر، وعليه رجل ينشد قول لبيد:
وجلا السّيول عن الطّلول كأنها ... زبر تجدّ متونها أقلامها
فسجد الفرزدق فقيل له: ما هذا يا أبا فراس؟ فقال: أنتم تعرفون سجدة القرآن، وأنا أعرف سجدة الشعر.
سؤال القراء الأشراف له عن أشعر الشعراء
أخبرنا أحمد بن عبد اللّه بن عمار قال: حدّثنا يعقوب الثقفي، وابن عيّاش، ومسعر بن كدام، كلّهم عن عبد الملك بن عمير قال:
/ أخبرني من أرسله القراء الأشراف - قال الهيثم: فقلت لابن عياش: من القرّاء الأشراف؟ قال: سليمان بن صرد الخزاعيّ، والمسيّب بن نجبة الفزاريّ [3]، وخالد بن عرفطة الزّهري، ومسروق بن الأجدع الهمداني، وهانىء بن عروة المرادي [4] - إلى لبيد بن ربيعة وهو في المسجد، وفي يده محجن فقلت: يا أبا عقيل، إخوانك يقرونك السلام ويقولون: أيّ العرب أشعر؟ قال: الملك الضّليل ذو القروح. فردّوني إليه وقالوا: ومن ذو القروح؟
قال: امرؤ القيس. فأعادوني إليه وقالوا: ثم من؟ قال: الغلاء ابن ثمان عشرة سنة. فردّوني إليه فقلت: ومن هو؟
فقال: طرفة. فردّوني إليه فقلت: ثم من؟ قال: صاح المحجن حيث يقول:
إنّ تقوى ربّنا خير نفل ... وبإذن اللّه ريثي وعجل
أحمد اللّه ولا ندّ له ... بيديه الخير ما شاء فعل
__________
[1] ما عدا أ، م، مب، ها، ف: «تجاذب».
[2] هذا ما في مب، ها، وفي ف: «بابن اروى أن يعودا». وفي سائر النسخ: «لا أبالك أن تعودا».
[3] كان المسيب ممن شهد القادسية وحروب علي. ترجم له في «تهذيب التهذيب».
[4] هانىء بن عروة المرادي، مخضرم سكن الكوفة، وكان من خواص علي. ترجم له في «الإصابة».
من هداه سبل الخير اهتدى ... ناعم البال ومن شاء أضلّ [1]
يعني نفسه. ثم قال: أستغفر اللّه.
جلس المعتصم وغناه بعض المغنين شعرا للبيد بعد تغييره
أخبرني إسماعيل بن يونس الشيعي قال: حدثنا عمر بن شبّة عن ابن البواب قال:
جلس المعتصم يوما للشراب، فغنّاه عض المغنّين قوله:
وبنو العباس لا يأتون «لا» ... وعلى ألسنهم خفّت «نعم»
/ زيّنت أحلامهم أحسابهم ... وكذاك الحلم زين للكرم
/ فقال: ما أعرف هذا الشعر، فلمن هو؟ قيل: للبيد. فقال: وما للبيد وبني العبّاس؟ قال المغنّي: إنما قال:
وبنو الدّيان [2] لا يأتون
فجعلته «و بنو العباس». فاستحسن فعله ووصله.
إعجاب المعتصم بشعر لبيد
وكان يعجب بشعر لبيد فقال: من منكم يروي قوله:
بلينا وما تبلى النجوم الطوالع
فقال بعض الجلساء: أنا. فقال: أنشدنيها. فأنشد:
بلينا وما تبلى النّجوم الطوالع ... وتبقى الجبال بعدنا والمصانع
وقد كنت في أكناف جار مضنّة ... ففارقني جار بأربد نافع [3]
فبكى المعتصم حتّى جرت دموعه، وترحّم على المأمون، وقال: هكذا كان رحمة اللّه عليه! ثم اندفع وهو ينشد باقيها ويقول:
فلا جزع إن فرّق الدّهر بيننا ... فكلّ امرىء يوما له الدهر فاجع
وما الناس إلّا كالدّيار وأهلها ... بها يوم حلّوها وبعد بلاقع [4]
ويمضون أرسالا ونخلف بعدهم ... كما ضمّ إحدى الراحتين الأصابع
وما المرء إلا كالشّهاب وضوئه ... يحور رمادا بعد إذ هو ساطع
وما البرّ إلا مضمرات من التّقى ... وما المال إلا عاريات ودائع [5]
/أليس ورائي إن تراخت منيّتي ... لزوم العصا تحنى عليها الأصابع
__________
[1] «ديوان لبيد» ص 11.
[2] بنو الديان، من بني الحارث بن مالك بن ربيعة بن كعب. «تاج العروس» (دين). وقد مدحهم السموأل. «الأمالي» (1: 270).
وأمية بن أبي الصلت. «الأمالي» (3: 38). في الأصول: ما عدا مب، ها، ف: «و بنو السريان»، تحريف.
[3] في معظم الأصول: «دار مضنة» و «بأربة»، صوابهما في ف و «الديوان» و «الشعر والشعراء» 236.
[4] في معظم الأصول: «و تغدو» صوابه في مب، ها، و «الديوان» و «الشعر والشعراء»: «و غدوا بلاقع».
[5] في معظم الأصول: «و ما المرء» صوابه في مب، ها، ف، و «الديوان» و «الشعر والشعراء».
أخبّر أخبار القرون التي مضت ... أدبّ كأنّي كلما قمت راكع
فأصبحت مثل السّيف أخلق جفنه ... تقادم عهد القين والنصل قاطع
فلا تبعدن إنّ المنية موعد ... علينا فدان للطّلوع وطالع
أعاذل ما يدريك إلّا تظنّيا ... إذا رحل الفتيان من هو راجع [1]
أتجزع مما أحدث الدهر بالفتى ... وأيّ كريم لم تصبه القوارع
لعمرك ما تدري الضّوارب بالحصى ... ولا زاجرات الطّير ما اللّه صانع
قال: فعجبنا واللّه من حسن ألفاظه، وصحّة إنشاده، وجودة اختياره.
تبرؤ عثمان بن مظعون من جوار الوليد بن المغيرة
أخبرني الحسين بن علي قال حدّثنا محمد بن القاسم بن مهرويه. وحدّثنا محمد بن جرير الطبري قال: حدثنا محمد بن حميد الرازي قال: حدثنا سلمة بن الفضل، عن محمد بن إسحاق قال [2]:
كان عثمان بن مظعون في جوار الوليد بن المغيرة، فتفكّر يوما في نفسه فقال: واللّه ما ينبغي لمسلم أن يكون آمنا في جوار كافر ورسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم خائف. فجاء إلى الوليد بن المغيرة فقال له: أحبّ أن تبرأ من جواري. قال:
لعلّه رابك ريب. قال: لا، ولكن أحبّ أن تفعل. قال: فاذهب بنا حتّى أبرأ منك حيث أجرتك [3]. فخرج معه إلى المسجد الحرام فلمّا وقف على جماعة قريش قال لهم: هذا ابن مظعون قد كنت أجرته ثم سألني أن أبرأ منه، أكذاك يا عثمان؟ / قال: نعم. قال: اشهدوا أني منه بريء.
تصديق عثمان بن مظعون وتكذيبه له في بيت شعر
قال: وجماعة يتحدّثون من قريش معهم لبيد بن ربيعة ينشدهم، فجلس عثمان مع القوم فأنشدهم لبيد:
ألا كلّ شيء ما خلا اللّه باطل
/ فقال له عثمان: صدقت. فقال لبيد:
وكلّ نعيم لا محالة زائل
فقال عثمان: كذبت. فلم يدر القوم ما عنى. فأشار بعضهم إلى لبيد أن يعيد، فأعاد فصدّقه في النصف الأول وكذّبه في الآخر، لأنّ نعيم الجنة لا يزول. فقال لبيد: يا معشر قريش، ما كان مثل هذا يكون في مجالسكم. فقام أبيّ بن خلف أو ابنه فلطم وجه عثمان، فقال له قائل: لقد كنت في منعة من هذا بالأمس. فقال له: ما أحوج عيني هذه الصحيحة إلى أن يصيبها ما أصاب الأخرى في اللّه.
خبر للشعبي مع عبد الملك فيه رواية لشعر لبيد
أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال: حدثنا أحمد بن الهيثم قال: حدثني العمري عن الهيثم بن عديّ عن عبد اللّه بن عيّاش قال:
__________
[1] التظني: التظنن، وهو الظن.
[2] الخبر برواية أخرى عن ابن إسحاق في «الخزانة» (1: 341). كما أن البغدادي سرد روايات أخرى في تكذيب لبيد وتصديقه.
[3] في معظم الأصول: «أخذتك»، صوابه في مب، ها.
كتب عبد الملك إلى الحجاج يأمره بإشحاص الشعبيّ إليه، فأشخصه فألزمه ولده، وأمر بتخريجهم ومذاكرتهم، قال: فدعاني يوما في علّته التي مات فيها فغصّ بلقمة وأنا بين يديه، فتساند طويلا ثم قال: أصبحت كما قال الشاعر:
كأنّي وقد جاوزت سبعين حجّة ... خلعت بها عنّي عذار لجام
إذا ما رآني الناس قالوا ألم يكن ... شديد محال البطش غير كهام
رمتني بنات الدّهر من حيث لا أرى ... وكيف بمن يرمى وليس برام
ولو أنّني أرمى بسهم رأيته ... ولكنّني أرمي بغير سهام
فقال الشعبيّ: فقلت: إنّا للّه، استسلم الرّجل واللّه للموت! فقلت: أصلحك اللّه، ولكن مثلك ما قال لبيد:
/باتت تشكّى إليّ الموت مجهشة ... وقد حملتك سبعا بعد سبعينا
فإن تزادي ثلاثا تبلغي أملا ... وفي الثّلاث وفاء للثمانينا
فعاش إلى أن بلغ تسعين سنة فقال [1]:
كأنّي وقد جاوزت تسعين حجة ... خلعت بها عن منكبيّ ردائيا [2]
فعاش إلى أن بلغ مائة وعشر سنين. فقال:
أ ليس في مائة قد عاشها رجل ... وفي تكامل عشر بعدها عمر
فعاش إلى أن بلغ مائة وعشرين سنة فقال:
ولقد سئمت من الحياة وطولها ... وسؤال هذا الناس كيف لبيد
غلب الرجال وكان غير مغلّب ... دهر جديد دائم ممدود
يوم أرى يأتي عليه وليلة ... وكلاهما بعد المضاء يعود
فرح عبد الملك بسماع شعر لبيد، ووفاته عقب ذلك
ففرح واستبشر وقال: ما أرى بأسا، وقد وجدت خفّا [3]. وأمر لي بأربعة آلاف درهم، فقبضتها وخرجت، فما بلغت الباب حتّى سمعت الواعية [4] عليه.
وغنّى في هذه الأبيات التي أوّلها:
غلب الرجال وكان غير مغلّب
عمر الواديّ خفيف رمل مطلق بالوسطى عن عمرو.
__________
[1] التكملة من مب، ها، ف.
[2] ما عدا مب، ها، ف: «سبعين حجة».
[3] الخف، بالفتح: الخفة. ب، س: «خفة».
[4] الواعية: الصراخ على الميت. ما عدا ح، مب: «الناعية».
تفرّس النابغة فيه النجابة وهو صغير
أخبرني الحسن بن علي قال: حدّثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال: حدثنا هارون بن مسلم عن العمري عن الهيثم بن عدي عن حماد الراوية قال:
/ نظر النابغة الذبياني إلى لبيد بن ربيعة وهو صبيّ، مع أعمامه على باب النّعمان بن المنذر، فسأل عنه فنسب له، فقال له: يا غلام، إنّ عينيك لعينا شاعر، أفتقرض من الشّعر شيئا؟ قال: نعم يا عمّ. قال: فأنشدني شيئا مما قلته. فأنشده قوله:
ألم تربع على الدّمن الخوالي [1]
فقال له: يا غلام، أنت أشعر بني عامر، زدني يا بنيّ. فأنشده:
طلل لخولة بالرّسيس قديم
فضرب بيديه إلى جنبيه وقال: اذهب فأنت أشعر من قيس كلّها، أو قال: هوازن كلّها.
لقيه النابغة بعد خروجه من عند النعمان وشهد له
وأخبرني بهذا الخبر عمي قال: حدّثنا العمري عن لقيط عن أبيه، وحماد الراوية عن عبد اللّه بن قتادة المحاربي قال:
كنت مع النابغة بباب النّعمان بن المنذر، فقال لي النابغة: هل رأيت لبيد بن ربيعة فيمن حضر؟ قلت: نعم.
قال: أيّهم أشعر؟ قلت: الفتى الذي رأيت من حاله كيت وكيت. فقال: اجلس بنا حتّى يخرج إلينا. قال: فجلسنا فلما خرج قال له النابغة: إليّ يا ابن/ أخي. فأتاه فقال: إنشدني. فأنشده قوله:
ألم تلمم على الدّمن الخوالي ... لسلمى بالمذانب فالقفال [2]
فقال له النابغة: أنت أشعر بني عامر، زدني. فأنشده:
طلل لخولة بالرّسيس قديم ... فبعاقل فلأنعمين رسوم [3]
/فقال له: أنت أشعر هوازن، زدني. فأنشده قوله:
عفت الدّيار محلّها فمقامها ... بمنى تأبّد غولها فرجامها
فقال له النابغة: اذهب فأنت أشعر العرب.
وصيته لابن أخيه حينما حضرته الوفاة
أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال: حدّثنا عمر بن شبة قال: حدثني عبد اللّه بن محمد بن حكيم، عن خالد بن
__________
[1] ربع كمنع. وقف وانتظر وتحبس.
[2] في معظم الأصول: «بالمذائب»، صوابه من مب، ها، ف و «الديوان» 108 طبع 1880. والقفال، بالضم، كما في «معجم البلدان».
[3] الرسيس، بهيئة التصغير: واد بنجد لبني كاهل من بني أسد. وعاقل: واد بنجد أسفله لبني أسعد. في معظم الأصول: «بمعاقل»، صوابه من مب، ها، ف و «الديوان» 91. وجاء أيضا في شعر لبيد:
ونائحتان تنديان بعاقل ... أخا ثقة لا عين منه ولا أثر
سعيد، أنّ لبيدا لما حضرته الوفاة قال لابن أخيه ولم يكن له ولد ذكر: يا بنيّ، إنّ أباك لم يمت ولكنّه فني. فإذا قبض أبوك فأقبله القبلة [1] وسجّه بثوبه، ولا تصرخنّ عليه صارخة، وانظر جفنتيّ اللتين كنت أصنعهما فاصنعهما ثم احملهما إلى المسجد، فإذا سلّم الإمام فقدّمها إليهم، فإذا طعموا فقل لهم فليحضروا جنازة أخيهم. ثم أنشد قوله:
وإذا دفنت أباك فاج ... عل فوقه خشبا وطينا [2]
وسقائفا صمّاروا ... سيها يسدّدن الغصونا [3]
ليقين حرّ الوجه سف ... ساف التّراب ولن يقينا
قال: وهذه الأبيات من قصيدة طويلة.
وقد ذكر يونس أنّ لابن سريج لحنا في أبيات من قصيدة لبيد هذه، ولم يجنّسه.
صوت
أبنيّ هل أبصرت أع ... مامي بني أمّ البنينا
وأبي الذي كان الأرا ... مل في الشّتاء له قطينا
وأبا شريك والمنا ... زل في المضيق إذا لقينا [4]
/ما إن رأيت ولا سمع ... ت بمثلهم في العالمينا
فبقيت بعدهم وكن ... ت بطول صحبتهم ضنينا
دعني وما ملكت يمي ... ني إن سددت بها الشؤونا [5]
وافعل بمالك ما بدا ... لك مستعانا أو معينا
ما قال من الشعر لابنتيه حين احتضر
قال: وقال لابنتيه حين احتضر [6]، وفيه غناء:
تمنّى ابنتاي أن يعيش أبوهما ... وهل أنا إلّا من ربيعة أو مضر
فإن حان يوما أن يموت أبوكما ... فلا تخمشا وجها ولا تحلقا شعر
وقولا هو المرء الذي لا حليفه ... أضاع، ولا خان الصّديق ولا غدر
والأنعمان: جبل ببطن عاقل. «رسوم» كذا في «الديوان»، مب، ها، ف. وفي سائر النسخ: «و شوم».
__________
[1] أقبله الشي ء: جعله يلي قبالته.
[2] «الديوان» ص 46 طبع 1881.
[3] في معظم الأصول: «رواسبها» صوابه من «الديوان» مب، ها، ف.
[4] في «الديوان»: «و أبو شريح».
[5] في «الديوان»: «إن رفعت به شؤونا». مب، ها. «شزونا»، وأثبت ما في سائر النسخ.
[6] ما عدا مب، ها، ف: «لما حضرته الوفاة».
إلى الحول ثم اسم السّلام عليكما ... ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر
في هذه الأبيات هزج خفيف مطلق في مجرى الوسطى. وذكر الهشامي إنّه لإسحاق. وذكر/ أحمد بن يحيى أنه لإبراهيم.
كانت ابنتاه ترثيانه ولا تعولان
قال: فكانت ابنتاه تلبسان ثيابهما في كلّ يوم، ثم تأتيان مجلس بني جعفر بن كلاب فترثيانه ولا تعولان، فأقامتا على ذلك حولا ثم انصرفتا.
صوت
سألناه الجزيل فما تأبّى ... فأعطى فوق منيتنا وزادا
وأحسن ثمّ أحسن ثم عدنا ... فأحسن ثم عدت له فعادا
مرارا ما دنوت إليه إلّا ... تبسّم ضاحكا وثنى الوسادا
الشعر لزياد الأعجم، والغناء لشارية، خفيف رمل بالبنصر مطلق.
24 - أخبار زياد الأعجم ونسبه
نسبه
زياد بن سليمان [1]، مولى عبد القيس، أحد بني عامر بن الحارث، ثم أحد بني مالك بن عامر الخارجية [2].
علة تسميته بالأعجم
أخبرني بذلك علي بن سليمان الأخفش عن أبي سعيد السكري. وأخبرني محمد بن العباس اليزيدي، عن عمه عن ابن حبيب قال:
هو زياد بن جابر بن عمرو، مولى عبد القيس. وكان ينزل إصطخر فغلبت العجمة على لسانه، فقيل له الأعجم.
مولده ومنشؤه
وذكر ابن النّطاح مثل ذلك في نسبه، وخالف في بلده، وذكر أنّ أصله ومولده ومنشأه بأصبهان ثمّ انتقل إلى خراسان، فلم يزل بها حتّى مات.
وكان شاعرا جزل الشّعر فصيح الألفاظ على لكنة لسانه، وجريه على لفظ أهل بلده.
مثل من لكنة زياد الأعجم
أخبرني الحسن بن علي قال: حدّثنا محمد بن موسى قال:
حدّثت عن المدائني أنّ زيادا الأعجم دعا غلاما له ليرسله في حاجة، فأبطأ فلما جاءه قال له: منذ لدن دأوتك إلى أن قلت لبّى [3] ما كنت تسنأ؟ يريد منذ لدن دعوتك إلى أن قلت لبّيك ماذا كنت تصنع.
فهذه ألفاظه كما ترى في نهاية القبح واللّكنة.
رثاؤه للمغيرة بن المهلب
وهو الذي يقول يرثي المغيرة بن المهلّب [4] بقوله:
__________
[1] وكذا في «المؤتلف» 131. وفي «الشعر والشعراء» 395 و «الخزانة» (4: 193): «زياد بن سلمى».
[2] في «المؤتلف»: «أحد بني عامر بن الحارث، ثم أحد بني الخارجية».
[3] في الأصول ما عدا مب، ها: «لي»، تحريف. وفي «الخزانة»: «لبى ء».
[4] كذا على الصواب في أ، مب، ها، وهو المطابق «للشعر والشعراء» 397 و «أمالي القالي»، (2: 8) و «الخزانة» و «معجم الأدباء» (11: 170). وفي سائر النسخ: «المهلب بن المغيرة»، تحريف.
صوت
قل للقوافل والغزيّ إذا غزوا ... والباكرين وللمجدّ الرائح [1]
إنّ المروءة والسّماحة ضمّنا ... قبرا بمرو على الطّريق الواضح
فإذا مررت بقبره فاعقربه ... كوم الهجان وكلّ طرف سابح [2]
وانضح جوانب قبره بدمائها ... فلقد يكون أخادم وذبائح
يا من بمهوى الشّمس من حيّ إلى ... ما بين مطلع قرنها المتنازح [3]
مات المغيرة عد طول تعرّض ... للموت بين أسنّة وصفائح
والقتل ليس إلى القتال ولا أرى ... حيّا يؤخّر للشّفيق الناصح
وهي طويلة. وهذا من نادر الكلام، ونقيّ المعاني، ومختار القصيد، وهي معدودة من مراثي الشّعراء في عصر زياد ومقدّمها.
لابن جامع في الأبيات الأربعة الأول غناء أوّله نشيد كلّه، ثم تعود الصّنعة إلى الثاني والثالث في طريقة الهزج بالوسطى.
وقد أخبرني علي بن سليمان الأخفش، عن السكّري عن محمد بن حبيب، أنّ من الناس من/ يروي هذه القصيدة للصّلتان العبديّ. وهذا قول شاذّ، والصحيح أنّها لزياد قد دوّنها الرواة، غير مدفوع عنها.
مثل آخر من أمثلة لكنته
أخبرني محمد بن خلف وكيع قال: حدثني إسحاق بن محمد النخعي قال: حدثنا ابن عائشة عن أبيه قال:
/ رثى زياد الأعجم المغيرة بن المهلب فقال:
إنّ الشّجاعة والسّماحة ضمّنا ... قبرا بمرو على الطّريق الواضح
فإذا مررت بقبره فاعقربه ... كوم الهجان وكلّ طرف سابح
فقال له يزيد بن المهلب: يا أبا أمامة، أفعقرت أنت عنده؟ قال: كنت على بنت الهمار [4]. يريد الحمار.
أبيات لعض المحدثين في نحو معنى مرثيته السابقة
أخبرني مالك بن محمد الشيباني قال:
كنت حاضرا في مجلس أبي العباس، فقلت وقد قرىء عليه شعر زياد الأعجم، فقرئت عليه قصيدته:
قل للقوافل والغزيّ إذا غزوا ... والباكرين وللمجدّ الرائح [5]
__________
[1] الغزي: اسم جمع للغازي. ب، س: «للقرى إذا قروا»، تحريف. ويروى: «و الغزاة إذا غزوا».
[2] الطرف، بالكسر: الجواد الكريم الطرفين: الأب والأم. والسابح: السريع كأنه يسبح بقوائمه.
[3] كذا في ف. وفي مب، ها: «بمعزى الشمس» وسائر النسخ: «لبعد الشمس». وفي «الأمالي»:
يا من بمغدى الشمس أو بمراحها ... أو من يكون بقرنها المتنارح.
[4] في جمهور الأصول: «بيت الحمار»، صوابه في مب، ها، ف.
[5] ب، س: «و القرى إذا قروا». وانظر ما سبق في ص 381.
قال: فقلت إنّها من مختار الشعر، ولقد أنشدت لبعض المحدثين في نحو هذا المعنى أبياتا حسنة. ثمّ أنشدنا:
أيّها الناعيان من تنعيان ... وعلى من أراكما تبكيان
اندبا الماجد الكريم أبا إس ... حاق ربّ المعروف والإحسان
واذهبا بي إن لم يكن لكما عق ... - ر إلى جنب قبره فاعقراني
وانضحا من دمي عليه فقد كا ... ن دمي من نداه لو تعلمان
قصته مع حبيب بن المهلب في شأن الحمامة وديتها
أخبرني وكيع قال: حدثني إسحاق بن محمد النخعيّ عن ابن عائشة عن أبيه قال:
/ كان المهلب بن أبي صفرة بخراسان، فخرج إليه زياد الأعجم فمدحه، فأمر له بجائزة فأقام عنده أياما. قال:
فإنّا لبعشيّة نشرب مع حبيب بن المهلّب في دار له، وفيها حمامة، إذ سجعت الحمامة فقال زياد:
تغنّى أنت في ذممي وعهدي ... وذمّة والدي إن لم تطاري
وبيتك فاصلحيه ولا تخافي ... على صفر مزغّبة صغار
فإنّك كلّما غنّيت صوتا ... ذكرت أحبّتي وذكرت داري
فإمّا يقتلوك طلبت ثارا ... له نبأ لأنك في جواري
فقال حبيب: يا غلام، هات القوس. فقال له زياد: وما تصنع بها؟ قال: أرمي جارتك هذه. قال: واللّه لئن رميتها لا ستعدينّ عليك الأمير. فأتّى بالقوس فنزع لها سهما فقتلها، فوثب زياد فدخل على المهلّب فحدّثه الحديث وأنشده الشعر، فقال المهلّب: عليّ بأبي بسطام، فأتي بحبيب فقال له: أعط أبا أمامة دية جارته ألف دينار. فقال:
أطال اللّه بقاء الأمير، إنّما كنت ألعب. قال: أعطه كما آمرك. فأنشأ زياد يقول:
فلله عينا من رأى كقضيّة ... قضى لي بها قرم العراق المهلّب
رماها حبيب بن المهلّب رمية ... فأثبتها بالسّهم والسهم يغرب [1]
فألزمه عقل الفتيل ابن حرّة ... وقال حبيب: إنّما كنت ألعب
/ فقال: زياد لا يروّع جاره ... وجارة جاري مثل جلدي وأقرب [2]
نصر المهلب له على ولده حبيب
قال: فحمل حبيب إليه ألف دينار على كره منه، فإنّه ليشرب مع حبيب يوما إذا عربد عليه حبيب، وقد كان حبيب ضغن عليه ممّا جرى، فأمر بشقّ قباء ديباج كان عليه، فقام فقال:
لعمرك ما الدّيباج خرّقت وحده ... ولكنّما خرّقت جلد المهلّب
__________
[1] أثبتها: قتلها مكانها. يغرب، من قولهم سهم غرب، إذا أتى من حيث لا يدري. وفي معظم الأصول: «يقرب»، والوجه ما أثبت من مب، ها.
[2] ما عدا مب، ها: «مثل جاري».
فبعث المهلّب إلى حبيب فأحضره، وقال له: صدق زياد، ما خرّقت إلّا جلدي، تبعث هذا على أن يهجوني.
ثم بعث إليه فأحضره، فاستلّ سخيمته من صدره وأمر له بمال وصرفه.
نصر المهلب له على ولده يزيد
وقد أخبرني وكيع بهذا الخبر أيضا. قال أحمد بن الهيثم بن فراس، قال العمري عن الهيثم بن عديّ قال:
تهاجى قتادة بن مغرب [1] اليشكري وزياد الأعجم بخراسان، وكان زياد يخرج وعليه قباء ديباج، تشبّها بالأعاجم، فمر به يزيد بن المهلّب وهو على حاله تلك، فأمر به فقنّع أسواطا، ومزّقت ثيابه وقال له: أبأهل الكفر والشّرك تتشبّه [2] لا أمّ لك؟ فقال زياد:
لعمرك ما الديباج خرّقت وحده ... ولكنّما خرّقت جلد المهلّب
وذكر باقي الخبر مثله وقال فيه:
فدعا به المهلّب فقال له: يا أبا أمامة، قلت شيئا آخر؟ قال: لا واللّه أيّها الأمير. قال: فلا تقل. وأعتبه [3] وكساه وحمله، وأمر له بعشرة آلاف درهم وقال له: اعذر ابن أخيك يا أبا أمامة، فإنه لم يعرفك.
/ وهذه الأبيات التي فيها الغناء يقولها زياد الأعجم في عمر بن عبيد اللّه بن معمر التّيمي.
شعر له في عراك الفقيه
أخبرني بخبره في ذلك أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال: حدثنا عمر بن شبّة قال:
أتى زياد الأعجم عمر بن عبيد اللّه بن معمر بفارس، وقدم عليه عراك [4] بن محمّد الفقيه من مصر، فكان عراك يحدّثه الفقهاء، فقال زياد:
يحدّثنا أنّ القيامة قد أتت ... وجاء عراك يبتغي المال من مصر
فكم بين باب النّوب إن كنت صادقا ... وإيوان كسرى من فلاة ومن قصر [5]
وقال يمدح عمر بن عبيد اللّه:
سألناه الجزيل فما تأبّى ... وأعطى فوق منيتنا وزادا
وذكر الأبيات الثلاثة.
استنجازه وعدا لابن معمر وشعره في ذلك
نسخت من كتاب ابن أبي الدنيا: أخبرني محمد بن زياد، عن ابن عائشة. وأخبرني هاشم بن محمد قال:
حدّثني عيسى بن إسماعيل عن ابن عائشة، وخبر ابن أبي الدّنيا أتمّ. قال:
__________
[1] أ، م، ها، مب، ف: «معرب» وفي سائر النسخ: «مقرب»، صوابهما من «الشعر والشعراء»، وسيأتي على الصواب قريبا.
[2] س، ب، أ: «أبا المهلب والترك تتشبه». وفي ح، ها، ف: «أبأهل الشرك تتشبه». وأثبت ما في م، مب.
[3] أعتبه: أزال عتبه، أي أرضاه.
[4] ما عدا مب، ها، ف: «غزال» في هذا الموضع والشعر بعده.
[5] في معظم الأصول: «باب الترك»، صوابه في مب، ها، ف. ويعني بباب النوبة، مصر. ح فقط: «و أبواب كسرى».
كان زياد الأعجم صديقا لعمر بن عبيد اللّه بن معمر قبل أن يلي، فقال له عمر: يا أبا أمامة، لو قد وليت لتركتك لا تحتاج إلى أحد أبدا. فلما ولي فارس قصده، فلمّا لقيه أنشأ يقول:
أبلغ أبا حفص رسالة ناصح ... أتت من زياد مستبينا كلامها
فإنّك مثل الشّمس لا ستر دونها ... فكيف أبا حفص عليّ ظلامها
/ فقال له عمر: لا يكون عليك ظلامها أبدا. فقال زياد:
لقد كنت أدعو اللّه في السّرّ أن أرى ... أمور معدّ في يديك نظامها
فقال له: قد رأيت ذلك. فقال:
/فلما أتاني ما أردت تباشرت ... بناتي وقلن العام لا شكّ عامها
قال: فهو عامهنّ إن شاء اللّه تعالى. فقال:
فإنّي وأرضا أنت فيها ابن معمر ... كمكّة لم يطرب لأرض حمامها [1]
قال: فهي كذلك يا زياد. فقال:
إذا اخترت أرضا للمقام رضيتها ... لنفسي ولم يثقل عليّ مقامها
وكنت أمنّي النفس منك ابن معمر ... أمانيّ أرجو أن يتمّ تمامها
قال: قد أتمّها اللّه عليك. فقال:
فلا أك كالمجري إلى رأس غاية ... يرجّي سماء لم يصبه غمامها
مديحه لعبد اللّه بن الحشرج
قال: لست كذلك فسل حاجتك. قال: نجيبة ورحالتها [2]، وفرس رائع وسائسه، وبدرة وحاملها، وجارية وخادمها، وتخت ثياب [3] ووصيف يحمله. فقال: قد أمرنا لك بجميع ما سألت، وهو لك علينا في كلّ عام.
فخرج من عنده حتّى قدم على عبد اللّه بن الحشرج وهو بسابور، فأنزله وألطفه [4]، فقال في ذلك:
إنّ السّماحة والمروءة والنّدى ... في قبّة ضربت على ابن الحشرج
ملك أغرّ متوّج ذو نائل ... للمعتفين يمينه لم تشنج
/ يا خير من صعد المنابر بالتقى ... بعد النبيّ المصطفى المتحرّج
لما أتيتك راجيا لنوالكم ... ألفيت باب نوالكم لم يرتج [5]
فأمر له بعشرة آلاف درهم.
__________
[1] الطرب: الشوق.
[2] النجيبة: الناقة الكريمة. والرحالة: الرحل.
[3] التخت: وعاء يصان فيه الثياب.
[4] ألطفه: أتحفه بالهدايا والألطاف.
[5] أ، م: «راجيا أموالكم».
أخبرنا محمد بن خلف وكيع، عن عبد اللّه بن محمد، عن عبيد اللّه بن الحسن بن عبد الرّحمن بهذا الخبر فقال فيه: «أتى زياد عبد اللّه بن عامر بن كريز». والخر الأوّل أصحّ. وزاد في الشعر:
أخ لك لا تراه الدّهر إلّا ... على العلّات بسّاما جوادا
فقال له عمر: أحسنت يا أبا أمامة، ولك لكلّ بيت ألف. قال: دعني أتمّها مائة. قال: أما إنّك لو كنت فعلت لفعلت، ولكن لك ما رزقت.
رثاء عبد الملك لعمر بن عبيد اللّه
أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال: حدّثنا ابن عائشة قال: حدّثني أبي قال:
لما خرج ابن الأشعث أرسل عبد الملك إلى عمر بن عبيد اللّه بن معمر ليقدم عليه، فلما كان بضمير، وهي من الشأم، مات بالطاعون، فقام عبد الملك على قبره وقال: أما واللّه لقد علمت قريش أن قد فقدت اليوم نابا من أنيابها. وقال جدّ خلّاد بن أبي عمرو الأعمى، وكانوا موالي أبي وجرة بن أبي عمرو بن أميّة: أهو اليوم ناب لمّا مات، وكان أمس ضرسا كليلة؟! أما واللّه لوددت أنّ السماء وقعت على الأرض فلم يعش بينهما أحد بعده! وسمعها عبد الملك فتغافل عنها.
رثاء الفرزدق لعمر بن عبيد اللّه
قال: وقال الفرزدق يرثيه:
يا أيّها الناس لا تبكوا على أحد ... بعد الذي بضمير وافق القدرا
كانت يداه لنا سيفا نصول به ... على العدوّ وغيثا ينبت الشّجرا
/ أمّا قريش أبا حفص فقد رزئت ... بالشّام إذا فارقتك البأس والظفرا
/ من يقتل الجوع من بعد الشهيد ومن ... بالسيف يقتل كبش القوم إذ عكرا [1]
إنّ النوائح لم يعددن في عمر ... ما كان فيه إذا المولى به افتخرا
إذا عددن فعالا أو له حسبا ... ويوم هيجاء يعشى بأسه البصرا
كم من جبان إلى الهيجا دنوت له ... يوم اللّقاء ولو لا أنت ما صبرا
ثناء عبد اللّه بن عمر على عمر بن عبيد اللّه
أخبرنا أحمد حدّثنا عمر بن شبة قال: حدّثنا عفان بن مسلم، قال: حدّثنا حماد بن سلمة قال: أخبرنا حميد عن سليمان بن قتّة [2] قال:
بعث عمر بن عبيد اللّه بن معمر إلى ابن عمر [3]، والقاسم بن محمد، بألف دينار، فأتيت عبد اللّه بن عمر وهو
__________
[1] الكبش: رئيس القوم وسيدهم. في جمهور الأصول: «كيس» صوابه في مب، ها، ف، و«ديوان الفرزدق» 292. وفي جمهور الأصول: «إن غدرا» والوجه ما أثبت من مب، ها، ف و«الديوان». عكر: كر وعطف.
[2] ح: «سلمان بن قبة». وفي سائر الأصول: «سلمان بن عتبة»، صوابه في مب، ها، ف.
[3] في معظم الأصول: «إلى عمر» صوابه في مب، ها، ف.
يغتسل في مستحمّ له، فأخرج يده فصببتها في يده، فقال: وصلت رحما، وقد جاءتنا على حاجة. وأتيت القاسم فأبى أن يقبلها، فقالت لي امرأته: إن كان القاسم ابن عمّه فأنا لابنة عمّه. فأعطيتها. قال: فكان عمر يبعث بهذه الثّياب العمرية يقسّمها بين أهل المدينة، فقال ابن عمر: جزى اللّه من اقتنى هذه الثياب بالمدينة خيرا. وقال لي عمر: لقد بلغني عن صاحبك شيء كرهته. قلت: وما ذاك؟ قال: يعطي المهاجرين ألفا ألفا، ويعطي الأنصار سبعمائة سبعمائة. فأخبرته فسوّى بينهم [1].
شراء عمر بن عبيد اللّه جارية ثم ردّها على صاحبها
أخبرنا أحمد قال حدّثنا أبو زيد قال:
كانت لرجل جارية يهواها، فاحتاج إلى بيعها، فابتاعها منه عمر بن عبيد اللّه بن معمر، فلما قبض ثمنها أنشأت تقول:
هنيئا لك المال الذي قد قبضته ... ولم يق في كفّيّ غير التحسّر
فإنّي لحزن من فراقك موجع ... أناجي به قلبا طويل التفكّر
فقال: لا ترحلي. ثم قال:
ولو لا قعود الدّهر بي عنك لم يكن ... يفرّقنا شيء سوى الموت فاعذري
عليك سلام زيارة بيننا ... ولا وصل إلا أن يشاء ابن معمر
فقال: قد شئت، خذ الجارية وثمنها. فأخذها وانصرف.
شعر لزياد في استبطاء عمر بن عبيد اللّه
أخبرني عمي قال حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد قال: حدّثني محمد بن زياد قال: حدّثني ابن عائشة قال:
استبطأ زياد الأعجم عمر بن عبيد اللّه بن معمر في زيارته إياه فقال:
أصابت علينا جودك العين يا عمر ... فنحن لها نبغي التمائم والنّشر [2]
أصابتك عين في سماحك صلبة ... ويا ربّ عين صلبة تفلق الحجر
سنرقيك بالأشعار حتّى تملّها ... فإن لم تفق يوما رقيناك بالسّور [3]
فبلغته الأبيات فأرضاه وسرّحه.
هجاء زياد الأعجم عباد بن الحصين
أخبرني عمي قال: حدثني الكرانيّ قال حدثني العمريّ قال: حدثني من سمع حمادا الراوية يقول:
__________
[1] ح: «بينهما».
[2] النشر: جمع نشرة، بالضم، وهي ضرب من الرقية.
[3] ما عدا أ، مب، ها، ف: «وقيناك».
/ امتدح زياد الأعجم عبّاد بن الحصين الحبطي [1] وكان على شرطة الحارث بن عبد اللّه بن أبي ربيعة [2] الذي يقال له «القباع»، وطلب حاجة فلم يقضها، فقال زياد:
سألت أبا جهضم حاجة ... وكنت أراه قريبا يسيرا
فلو أنني خفت منه الخلا ... ف والمنع لي لم أسله نقيرا
/ وكيف الرّجاء لما عنده ... وقد خالط البخل منه الضميرا
أقلني أبا جهضم حاجتي ... فإني امرؤ كان ظنّي غرورا
هجاؤه ليزيد بن حبناء حينما وعظه
أخبرني عمي قال: حدثني الكرانيّ عن العمري، عن عطاء بن مصعب، عن عاصم بن الحدثان قال:
مرّ يزيد بن حبناء الضبّيّ بزياد الأعجم وهو ينشد شعرا قد هجا به قتادة بن مغرب، فأفحش فيه، فقال له يزيد بن حبناء: ألم يأن لك أن ترعوي وتترك تمزيق أعراض قومك، ويحك! حتّى متى تتمادى في الضلال، كأنّك بالموت قد صبّحك أو مسّاك! فقال زياد فيه:
يحذّرني الموت ابن حبناء والفتى ... إلى الموت يغدو جاهدا ويروح
وكلّ امرىء لا بدّ للموت صائر ... وإن عاش دهرا في البلاد يسيح
فقل ليزيد يا ابن حبناء لا تعظ ... أخاك وعظ نفسا فأنت جنوح.
/ تركت التّقى والدين دين محمّد ... لأهل التّقى والمسلمين يلوح
وتابعت مرّاق العراقين سادرا ... وأنت غليظ القصريين صحيح [3]
فقال له يزيد بن عاصم الشّنّيّ [4]: قبحك اللّه، أتهجو رجلا وعظك وأمرك بمعروف بمثل هذا الهجاء، هلّا كففت إذ لم تقبل، أراه واللّه سيأتي على نفسك ثم لا تحبق فيك عنزان [5]، اذهب ويحك فأته واعتذر إليه لعلّه يقبل عذرك.
فمشى إليه بجماعة من عبد القيس فشفعوا إليه فيه، فقال: لا تثريب، لست واجدا عليه بعد يومي هذا.
مدحه للمهلب ببيت جائزته ثلاثون ألف درهم
أخبرني أحمد بن علي قال: سمعت جدي علي بن يحيى يحدث عن أبي الحسن عن رجل من جعفيّ قال:
__________
[1] الحبطي: نسبة إلى الحبطات بفتحتين، وهم أبناء الحبط بفتح فكسر، وهو الحارث بن عمرو بن تميم بن مر. «الاشتقاق» 124 و «المعارف» 35. وذكر ابن دريد في «الاشتقاق» والجاحظ في «البيان» (4: 36) عباد بن الحصين الحبطي. ح: «الحنطي» وب، س، م «الحنطبي» ف: «الحنظلي» صوابه في أ، مب، ها.
[2] في جمهور الأصول: «الحارث أيام عبد اللّه بن ربيعة»، والصواب ما أثبت من مب، ها، ف. انظر «البيان» (1: 196) و «الشعر والشعراء» 536.
[3] المراق: الخوارج، جمع مارق. والقصريان: مثنى القصرى، وهي آخر ضلع الجنب أسفل الأضلاع.
[4] ما عدا ح، مب، ها، ف: «الليثي».
[5] هذا الصواب من مب، ف. وفي جمهور الأصول: «ثم لا يحيق فيك غيران». تحبق: تضرط. وانظر لهذا المثل «أمثال الميداني» (2: 157) و «البيان» (2: 15).
كنت جالسا عند المهلّب إذ أقبل رجل طويل مضطرب، فلما رآه المهلّب قال: اللهمّ إني أعوذ بك من شرّه! فجاء فقال: أصلح اللّه الأمير، أني قد مدحتك ببيت صفده مائة ألف درهم [1]. فسكت المهلّب، فأعاد القول فقال له: أنشده. فأنشده:
فتى زاده السّلطان في الخير رغبة ... إذا غيّر السّلطان كلّ خليل
فقال له المهلّب: يا أبا أمامة، مائة ألف؟! فو اللّه ما هي عندنا ولكن ثلاثون ألفا فيها عروض. وأمر له بها، فإذا هو زياد الأعجم.
هجاؤه للفرزدق وفزع الفرزدق منه
أخبرني عمي قال: حدثني الكراني وأبو العيناء عن القحذميّ قال:
لقي الفرزدق زيادا الأعجم فقال له الفرزدق: لقد هممت أن أهجو عبد القيس، وأصف من فسوهم شيئا. قال له زياد: كما أنت حتّى أسمعك شيئا. ثم قال: قل إن شئت أو أمسك. قال: هات. قال:
وما ترك الهاجون لي إن هجوته ... مصحّا أراه في أديم الفرزدق
فإنّا وما تهدي لنا إن هجوتنا ... لكالبحر مهما يلق في البحر يغرق
فقال له الفرزدق: حسبك هلمّ نتتارك [2]. قال: ذاك إليك. وما عاوده بشيء.
وأخبرني بهذا الخبر محمد بن الحسن بن دريد قال: حدثنا العتبي عن العباس بن هشام عن أبيه قال: حدثني خراش [3]، وكان عالما راوية لأبي، ولمؤرّج [4]، ولجابر بن كلثوم، قال:
أقبل الفرزدق وزياد ينشد الناس في المربد وقد اجتمعوا حوله، فقال: من هذا؟ قيل: الأعجم. فأقبل نحوه/ فقيل له: هذا الفرزدق قد أقبل عليك. فقام فتلقّاه وحيّا كلّ واحد منهما صاحبه، فقال له الفرزدق: ما زالت تنازعني نفسي إلى هجاء عبد القيس منذ دهر. قال زياد: وما يدعوك إلى ذلك؟ قال: لأنّي رأيت الأشقريّ هجاكم فلم يصنع شيئا، وأنا أشعر منه، وقد عرفت الذي هيّج بينك وبينه. قال: وما هو؟ قال إنّكم اجتمعتم في قبّة عبد اللّه بن الحشرج بخراسان، فقلت له قد قلت شيئا فمن قال مثله فهو أشعر منّي، ومن لم يقل مثله ومدّ إليّ عنقه فإنّي أشعر منه. فقال لك: وما قلت؟ فقلت: قلت:
/و قافية حذّاء بتّ أحوكها ... إذا ما سهيل في السّماء تلالا [5]
قال لك الأشقريّ:
وأقلف صلّى بعد ما ناك أمّه ... يرى ذاك في دين المجوس حلالا
__________
[1] الصفد: العطاء.
[2] ما عدا ح، مب، ها، ف: «نتشارك»، تحريف. والمراد بالمتاركة المهادنة.
[3] أ: «خداش».
[4] بالراء المشدّدة المكسورة، وهو أبو فيد عمرو بن الحارث السدوسي، قال في «القاموس»: سمي بذلك لتأريجه الحرب بين بكر وتغلب. والتأريج: الإغراء.
[5] قصيدة حذاء: سائرة لا عيب فيها ولا يتعلق بها شيء من القصائد لجودتها.
فأقبلت على من حضر فقلت: يا لأمّ كعب أخزاها اللّه تعالى، ما أنمّها حين تخبر ابنها بقلفتي! فضحك الناس وغلبت عليه في المجلس.
فقال له زياد: يا أبا فراس، هب لي نفسك ساعة ولا تعجل حتّى يأتيك رسولي بهديّتي ثم ترى رأيك. وظنّ الفرزدق أنه سيهدي إليه شيئا يستكفّه به، فكتب إليه:
وما ترك الهاجون لي إن أردته ... مصحّا أراه في أديم الفرزدق
وما تركوا الحما يدقّون عظمه ... لآكله ألقوه للمتعرّق
سأحطم ما أبقوا له من عظامه ... فأنكت عظم الساق منه وأنتقي [1]
فإنا وما تهدي لنا إن هجوتنا ... لكالبحر مهما يلق في البحر يغرق
فبعث إليه الفرزدق: لا أهجو قوما أنت منهم أبدا.
زياد أهجى من كعب الأشقري
قال أبو المنذر: زياد أهجى من كعب الأشقريّ، وقد أوثر عليه في عدّة قصائد. منها التي يقول فيها.
قبيّلة خيرها شرّها ... وأصدقها الكاذب الآثم [2]
وضيفهم وسط أبياتهم ... وإن لم يكن صائما صائم
وفيه يقول:
إذا عذّب اللّه الرجال بشعرهم ... أمنت لكعب أن يعذّب بالشعر
/ وفيه يقول:
أتتك الأزد مصفرّا لحاها ... تساقط من مناخرها الجواف [3]
هجاؤه لأبي قلابة الجرمي
أخبرني وكيع قال: حدثني أحمد بن عمر بن بكير قال حدثنا الهيثم عن ابن عياش قال:
دخل أبو قلابة الجرميّ مسجد البصرة وإذا زياد الأعجم، فقال زياد: من هذا؟ قال: أبو قلابة الجرميّ، فقام على رأسه فقال:
قم صاغرا يا كهل جرم فإنّما ... يقال لكهل الصّدق قم غير صاغر
__________
[1] يقال نكت العظم: ضرب طرفه بشيء ليخرج مخه. والانتقاء: استخراج النقي، وهو المخ. في جمهور الأصول: «فأنكب»، صوابه من مب، ها، ف، و «الشعر والشعراء» 96 و «معجم الأدباء».
[2] قبيلة: مصغر قبيلة.
[3] الجواف: ضرب من السمك، واحدته جوافة. وفي جمهور الأصول: «من مباديها الحراف»، والوجه ما أثبت من مب، ها، ف، و «الشعر والشعراء».
فإنّك شيخ ميّت ومورّث ... قضاعة ميراث البسوس وقاشر [1]
قضى اللّه خلق النّاس صم خلقتم ... بقيّة خلق اللّه آخر آخر
/ فلم تسمعوا إلّا بما كان قبلكم ... ولم تدركوا إلّا بدقّ الحوافر [2]
فلو ردّ أهل الحق من مات منكم ... إلى حقّه لم تدفنوا في المقابر
فقيل له: فأين كانوا يدفنون يا أبا أمامة؟ قال: في النّواويس [3].
تم الجزء الخامس عشر من كتاب الأغاني
__________
[1] البسوس: مثل في الشؤم، وهي البسوس بنت منقذ التميمية، خالة جساس بن مرة. وحرب البسوس مشهورة في كتب الأيام.
وقاشر: فحل مشؤوم، كان لبني عوافة بن سعد بن زيد مناة بن تميم. ما عدا مب، ها، ف: «ناشر» ولا وجه له.
[2] أي إلا بتتبع آثار ما تدقه الحوافر.
[3] النواويس: جمع ناوس، وفي «اللسان»: «و الناوس مقابر النصارى، إن كان عربيا فهو فاعول منه».
فهرس موضوعات الجزء الخامس عشر
الموضوع الصفحة
أخبار جعفر بن الزبير 6
ذكر خبر مضاض بن عمرو 12
ذكر أخبار بصبص جارية ابن نفيس وأخبارها 22
ذكر أحيحة بن الجلاح ونسبه وخبره والسبب الذي من أجله قال الشعر 29
ذكر خبر سلامة الزرقاء ومحمد بن الأشعث 41
نسب عديّ بن نوفل وخبره 53
نسب الخنساء وخبرها وخبر مقتل أخويها صخر ومعاوية 55
خبر تهاجي عبد الرّحمن بن حسان وعبد الرّحمن بن الحكم 78
أخبار حبابة 85
أخبار أبي الطفيل ونسبه 101
أخبار حسان وجبلة بن الأيهم 108
خبر بديح في هذا الصوت وغيره 118
نسب ابن الزبعري وأخباره وقصة غزوة أحد 121
ذكر عمرو بن معديكرب وأخباره 137
رجع الخبر إلى سياقة خبر عمرو 152
ذكر خبر قس بن ساعدة ونسبه وقصته في هذا الشعر 162
ذكر هاشم بن سليمان وبعض أخباره 166
ذكر علي بن أديم وخبره 176
ذكر عمرو بن بانة 178
ذكر آدم بن عبد العزيز وأخباره 190
ذكر متمم وأخباره وخبر مالك ومقتله 199
رجع الحديث إلى سياقه 210
أخبار الحزين ونسبه 215
نسب الطفيل الغنوي وأخباره 232
الموضوع الصفحة
نسب محمد بن حمزة بن نصير الوصيف وأخباره 237
نسب لبيد وأخباره 241
أخبار زياد الأعجم ونسبه 255
الجزء السادس عشر
[تتمة التراجم]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ*
(الجزء السادس عشر من كتاب الأغاني)
1 - أخبار شارية
نسبها وتعلمها الغناء
قال أبو الفرج عليّ بن الحسين:
كانت شارية مولدة من مولدات البصرة، يقال إن أباها كان رجلا من بني سامة بن لؤيّ المعروفين ببني ناجية [1]، وأنه جحدها، وكانت أمها أمة، فدخلت في الرق. وقيل بل سرقت فبيعت، فاشترتها امرأة من بني هاشم، فأدّبتها، وعلمتها الغناء، ثم اشتراها إبراهيم بن المهدي، فأخذت غناءها [2] كله أو أكثره عنه، وبذلك يحتج من يقدّمها على عريب، ويقول: إن إبراهيم خرّجها، وكان يأخذها بصحة الأداء/ لنفسه، وبمعرفة ما يأخذها به.
ولم تكن هذه حال عريب، لأن المراكبي [3] لم يكن يقارب إبراهيم في العلم، ولا يقاس به في بعضه [4]، فضلا عن سائره.
ابن المعتز يؤلف عنها
أخبرني بخبرها محمد بن إبراهيم قريص [5]:
أن ابن المعتز دفع إليه كتابه الذي ألّفه في أخبارها، وقال له أن يرويه عنه، فنسخت منه ما كان يصلح لهذا الكتاب على شرطي فيه، وأضفت إليه ما وجدته من أخبارها عن غيره في الكتب، وسمعته أنا عمن رويته عنه.
__________
[1] سامة بن لؤي بن غالب: أخو كعب الجد السادس للنبي صلّى اللّه عليه وسلّم. واختلف فيه: فقال أبو الفرج الأصبهاني: إن قريشا تدفع بني سامة، وتنسبهم إلى أمهم ناجية. وقال الهمداني: يقول الناس: بنو سامة، ولم يعقب ذكرا، إنما هم أولاد بنته، وكذلك قال عمر وعليّ، ولم يفرضا لهم، وهم ممن حرم. وقال ابن الكلبي والزبير بن بكار: فولد سامة بن لؤي الحارث وغالبا (انظر «تاج العروس» الزبيدي في: سوم).
[2] كذا في ف، وفي بقية الأصول: غناءه.
[3] كذا في ف، مب، و «نهاية الأرب» (5: 96) وهو عبد اللّه بن إسماعيل المراكبي، مولى عريب، ومخرجها في الغناء. وفي بقية الأصول. المرادي، تحريف.
[4] كذا في ف. وفي أ، م: ولا يقاس في بعضه. وفي ج: ولا يقاس بعضها بعضه.
[5] هو قريص المغني، قال ابن النديم في «الفهرست» (مصر 222): قريص الجراحي، كان في جملة أبي عبد اللّه محمد بن داود بن الجراح، واسمه ... «من حذاق المغنين وعلمائهم» وقريص: بصاد مهملة كما في ف وبعض النسخ، لا بالضاد كما في بعض آخر؛ يؤيد ذلك الجناس في بيت جحظة البرمكي، من أبيات يهجوه بها:
أكلنا قريصا وغنى قريص ... فبتنا على شرف الفالج
توفى قريص سنة أربع وعشرين، وفيها مات جحظة». انظر «الفهرست» لابن النديم.
بيعها
قال ابن المعتز: حدثني عيسى بن هارون المنصوري:
أن شارية كانت لا مرأة من الهاشميات بصرية، من ولد جعفر بن سليمان. فحملتها لتبيعها ببغداد، فعرضت على إسحاق بن إبراهيم الموصلي، فأعطى بها ثلاثمائة دينار، ثم استغلاها بذلك ولم يردها. فجيء بها إلى إبراهيم بن المهدي، فعرضت عليه، فساوم بها. فقالت له مولاتها: قد بذلتها لإسحاق بن إبراهيم بثلاثمائة دينار، وأنت أيها الأمير، أعزك اللّه، بها أحق. فقال: زنوا لها ما قالت. فوزن لها، ثم دعا بقيمته، فقال: خذي هذه الجارية ولا ترينيها [1] سنة، وقولي للجواري يطرحن عليها،/ فلما كان بعد سنة أخرجت إليه، فنظر إليها وسمعها.
فأرسل إلى إسحاق بن إبراهيم الموصلي فدعاه، وأراه إياها، وأسمعه غناءها. وقال: هذه جارية تباع، فبكم تأخذها لنفسك؟ قال إسحاق: آخذها بثلاثة آلاف دينار، وهي رخيصة بها. قال له إبراهيم: أتعرفها؟ قال: لا. قال: هذه الجارية التي عرضتها عليك الهاشمية بثلاثمائة دينار، فلم تقبل. فبقي إسحاق متحيرا، يعجب من حالها وما انقلبت إليه.
وقال ابن المعتز: حدثني الهشامي [2] عن محمد بن راشد: أن شارية كانت مولدة البصرة، وكانت لها أمّ خبيثة منكرة، تدّعي أنها بنت محمد بن زيد، من بني سامة بن لؤي.
قال ابن المعتز: وحدثني غيره، أنها كانت تدّعي أنها من بني زهرة.
قال الهشامي: فجيء بها إلى بغداد، وعرضت على إبراهيم بن المهدي، فأعجب بها إعجابا شديدا، فلم يزل يعطي بها، حتى بلغت ثمانية آلاف درهم. فقال لي هبة اللّه بن إبراهيم بن المهدي: إنه لم يكن عند أبي درهم ولا دانق، فقال لي: ويحك! قد أعجبتني واللّه هذه الجارية إعجابا شديدا، وليس عندنا شيء. فقلت له: نبيع ما نملكه حتى الخزف. ونجمع ثمنها. فقال لي: قد فكرت [3] في شي ء؛ اذهب إلى عليّ بن هشام، فأقرئه مني السلام، وقل له: جعلني اللّه فداءك! قد عرضت/ عليّ جارية قد أخذت بمجامع قلبي، وليس عندي ثمنها، فأحب أن تقرضني عشرة آلاف درهم. فقلت له: إن ثمنها ثمانية آلاف درهم، فلم تكثر على الرجل بعشرة آلاف درهم؟ فقال: إذا اشتريناها بثمانية آلاف درهم، لا بدّ أن نكسوها، ونقيم لها ما تحتاج إليه.
/ فصرت إلى عليّ بن هشام، فأبلغته الرسالة، فدعا بوكيل له، وقال له: ادفع إلى خادمه عشرين ألفا، وقل له: أنا لا أصلك، ولكن هي لك حلال في الدنيا والآخرة [4]. قال: فصرت إلى أبي بالدراهم، فلو طلعت عليه بالخلافة، لم تكن تعدل عنده تلك الدراهم.
خبث أمها
وكانت أمها خبيثة، فكانت كلما لم يعط إبراهيم ابنتها ما تشتهي، ذهبت إلى عبد الوهاب بن عليّ، ودفعت إليه رقعة يرفعها إلى المعتصم، تسأله أن تأخذ ابنتها من إبراهيم.
__________
[1] في «نهاية الأرب» (5: 79): تزينيها.
[2] كذا في ف، ج. وفي بقية الأصول: الهاشمي، تحريف.
[3] كذا في ف. وفي بعض الأصول: تذكرت، وفي بعضها: تفكرت.
[4] كذا في الأصول و «نهاية الأرب» (5: 80) ولعله يريد ليست هي بقرض ولا صدقة، ولكنها هبة.
قال ابن المعتز: وأخبرني عبد الواحد بن إبراهيم بن محمد بن الخصيب، قال: ذكر يوسف بن إبراهيم المصريّ، صاحب إبراهيم بن المهدي:
أن إبراهيم وجّه به إلى عبد الوهاب بن عليّ، في حاجة كانت له، [قال [1]]: فلقيته وانصرفت من عنده، فلم أخرج من دهليز عبد الوهاب حتى استقبلتني امرأة. فلما نظرت في وجهي سترت وجهها. فأخبرني شاكري [2] أن المرأة هي أم شارية، جارية إبراهيم. فبادرت إلى إبراهيم، وقلت له: أدرك، فإني رأيت أم شارية في دار عبد الوهاب، وهي من تعلم، وما يفجؤك إلا حيلة قد أوقعتها. فقال لي في جواب ذلك: أشهدك أن جاريتي شارية صدقة على ميمونة بنت إبراهيم بن المهدي، ثم أشهد ابنه هبة اللّه على مثل ذلك [3]. وأمرني بالركوب إلى دار ابن أبي دواد، وإحضار من قدرت عليه من الشهود المعدلين عنده، فأحضرته أكثر من عشرين شاهدا. وأمر بإخراج شارية،/ فخرجت، فقال لها: اسفري، فجزعت من ذلك. فأعلمها أنه إنما أمرها بذلك لخير يريده بها، ففعلت.
فقال لها: تسمّى. فقالت: أنا شارية أمتك. فقال لهم: تأملوا وجهها، ففعلوا. ثم قال: فإني أشهدكم أنها حرة لوجه اللّه تعالى، وأني قد تزوّجتها، وأصدقتها عشرة آلاف درهم. يا شارية مولاة إبراهيم بن المهديّ، أرضيت؟
قالت: نعم يا سيدي قد رضيت، والحمد للّه على ما أنعم به عليّ. فأمرها بالدخول، وأطعم الشهود وطيّبهم وانصرفوا.
فما أحسبهم بلغوا دار ابن أبي دواد، حتى دخل علينا عبد الوهاب بن عليّ، فأقرأ عمه سلام المعتصم، ثم قال له: يقول لك أمير المؤمنين: من المفترض عليّ طاعتك، وصيانتك عن كل ما يعرك [4]، إذ كنت عمي، وصنو أبي، وقد رفعت إليّ امرأة من قريش قصة، ذكرت فيها أنها من بني زهرة صليبة [5]، وأنها أم شارية، واحتجت بأنه لا تكون بنت امرأة من قريش أمة، فإن كانت هذه المرأة صادقة في أن شارية بنتها، وأنها من بني زهرة، فمن المحال أن تكون شارية أمة؛ والأشبه بك والأصلح إخراج شارية من دارك، وسترها عند من تثق به من أهلك، حتى نكشف ما قالت هذه المرأة؛ فإن ثبت ما قالته أمرت من جعلتها عنده بإطلاقها، وكان في ذلك الحظ لك في دينك ومروءتك؛ وإن لم يصح ذلك، أعيدت الجارية إلى منزلك، وقد زال عنك القول/ الذي لا يليق بك ولا يحسن.
فقال له إبراهيم: فديتك يا أبا إبراهيم، هب شارية بنت زهرة بن كلاب، أتنكر على ابن عباس بن عبد المطلب أن يكون بعلا لها؟ فقال عبد الوهاب: لا. فقال إبراهيم: فأبلغ أمير المؤمنين، أطال اللّه بقاءه السلامة، وأخبره أن شارية/ حرة، وأني قد تزوجتها بشهادة جماعة من العدول.
__________
[1] قال: عن «نهاية الأرب».
[2] الشاكريّ: أحد الجنود الشاكرية؛ من جند الخلفاء العباسيين. انظر رسالة معاقب الترك وعامة جند الخلافة للجاحظ ص 18.
[3] كذا في ف. وفي بقية الأصول: ثم أشهد اللّه أنه على مثل ما أشهدني عليه.
[4] كذا في ف. وفي بعض الأصول: يضرك. وفي «نهاية الأرب» للنويري (5: 81): يسوءك.
[5] صليبة: بتقديم الياء المثناة على الباء، كذا في ف، أ. وفي ترجمة أبي تمام («الأغاني» طبعة الساسي 15: 96). وكذلك جاءت في أخبار أبي تمام للصولي (ص 59 طبعة ترجمة التأليف والترجمة). وهي منصوبة إما على أنها صفة لمحذوف، أي نسبة صليبة، وهي الخالصة. قال في «أساس البلاغة»: عربي صليب: خالص النسب، وامرأة صليبة: كريمة المنصب عريقة. وإما على أنها حال من بني زهرة، وهم فرع من قريش. وفي ج، م، س، ب: صليبة، بتقديم الموحدة على المثناة، نسبة إلى الصلب. يريد أن اباءها من بني زهرة أنفسهم، وليست مولاة لهم، فكلا اللفظين إذن صحيح.
وقد كان الشهود بعد منصرفهم من عند إبراهيم صاروا إلى ابن أبي دواد. فشم منهم من رائحة الطيب ما أنكره، فسألهم عنه، فأعلموه أنهم حضروا عتق شارية، وتزوّج إبراهيم إياها. فركب إلى المعتصم، فحدّثه بالحديث معجّبا له منه. فقال: ضلّ سعي عبد الوهاب. ودخل عبد الوهاب على المعتصم، فلما رآه يمشي في صحن الدار، سدّ المعتصم أنف نفسه، وقال: يا عبد الوهاب، أنا أشم رائحة صوف محرق، وأحسب أن عمي لم يقنعه ردّك إلا وعلى أذنك صوفة حتى أحرقها، فشممت رائحتها منك. فقال: الأمر على ما ظنّ أمير المؤمنين وأقبح.
ولما انصرف عبد الوهاب من عند إبراهيم، ابتاع إبراهيم منه بنته ميمونة شارية، بعشرة آلاف درهم، وستر ذلك عنها، فكان عتقه إياها وهي في ملك غيره، ثم ابتاعها من ميمونة، فحل له فرجها، فكان يطؤها على أنها أمته، وهي تتوهم أنه يطؤها على أنها حرة. فلما توفي طلبت مشاركة أم محمد بنت خالد زوجته في الثّمن، فأظهرت خبرها. وسئلت ميمونة وهبة اللّه عن الخبر، فأخبرا به المعتصم. فأمر المعتصم بابتياعها من ميمونة، فابتيعت بخمسة آلاف وخمسمائة دينار، فحوّلت إلى داره، فكانت في ملكه حتى توفّي.
قال ابن المعتز: وقد قيل إن المعتصم ابتاعها بثلاثمائة ألف درهم.
قال: وكان منصور بن محمد بن واضح يزعم أن إبراهيم اقترض ثمن شارية من ابنته، وملكها إبراهيم ولها سبع سنين، فرباها تربية الولد، حتى لقد ذكرت/ أنها كانت في حجره جالسة، وقد أعجب بصوت أخذته منه، إذ طمثت أوّل طمثها، فأحس بذلك، فدعا قيّمة له، فأمرها بأن تأتيه بثوب خام، فلفه عليها، فقال: احمليها، فقد اقشعرّت، وأحسب برد الحشّ قد آذاها [1].
حسن وجهها وغنائها
قال: وحدّثت شارية أنها كانت معه في حراقة قد توسط بها دجلة، في ليلة مقمرة، وهي تغني إذ اندفعت فغنت:
لقد حثوا الجمال ليه ... ربوا منا فلم يئلوا
فقام إليها، فأمسك فاها، وقال: أنت واللّه أحسن من الغريض وجها وغناء، فما يؤمنني عليك؟ أمسكي.
قال: وحدّث حمدون بن إسماعيل: أنه دخل على إبراهيم يوما، فقال له: أتحب أن أسمعك شيئا لم تسمعه قط؟ قال: نعم. فقال: هاتوا شارية، فخرجت، فأمرها أن تغني لحن إسحاق:
هل بالديار التي حيّيتها أحد؟
قال حمدون: فغنتني شيئا لم أسمع مثله قّط، فقلت: لا واللّه يا سيدي ما سمعت هكذا. فقال: أتحب أن تسمعه أحسن من هذا؟ فقلت: لا يكون. فقال: بلى واللّه تقر بذاك. فقلت: على اسم اللّه. فغناه هو، فرأيت فضلا عجيبا. فقلت: ما ظننت أن هذا يفضل ذاك هذا الفضل. قال: أفتحب أن تسمعه أحسن من هذا وذاك؟ فقلت: هذا الذي لا يكون. فقال: بلى واللّه. فقلت: فهات. قال: بحياتي يا شارية، قوليه وأحيلى [2] حلقك فيه. فسمعت واللّه فضلا/ بينا، فأكثرت التعجب. فقال لي: يا أبا جعفر، ما أهون هذا على السامع! تدري باللّه كم مرّة رددت عليها
__________
[1] الحش: البستان. وفي بعض النسخ: الخيش.
[2] كذا في ف، س. ومعناه: حوّلي حلقك في أثناء الغناء من حال إلى حال، ارتفاعا وانخفاضا. وفي أ: وأحلى. وفي ج: واجيلى.
موضعا في هذا الصوت؟ قلت: لا. قال: فقل وأكثر. قلت: مائة مرّة. قال: اصعد ما بدالك. قلت: ثلاثمائة.
قال: أكثر واللّه من ألف مرّة، حتى قالته كذا.
عقوبتها
قال: وكانت/ ريّق تقول: إن شارية كانت إذا اضطربت في صوت، فغاية ما عنده من عقوبتها، انه يقيمها تغنيه على رجليها، فإن لم تبلغ الذي يريد، ضربت ريق [1].
شارية تضرب بالعود
قال: ويقال إن شارية لم تضرب بالعود إلا في أيام المتوكل، لمّا اتصل الشرّ بينها وبين عريب، فصارت تقعد بها عند الضرب، فضربت هي بعد ذلك.
إبراهيم يمتنع من بيعها
قال ابن المعتز: وحدّث محمد بن سهل بن عبد الكريم، المعروف بسهل الأحول، وكان قاضي الكتاب في زمانه، وكان يكتب لإبراهيم، وكان شيخا ثقة، قال: أعطى المعتصم إبراهيم بشارية سبعين ألف دينار، فامتنع من بيعها. فعاتبته على ذلك، فلم يجبني بشيء. ثم دعاني بعد أيام، فدخلت وبين يديه مائدة لطيفة. فأحضره الغلام سفّودا فيه ثلاث فراريج، فرمى إليّ بواحدة، فأكلتها وأكل اثنتين، ثم شرب رطلا وسقانيه، ثم أتي بسفود آخر، ففعل كما فعل، وشرب كما شرب وسقاني. ثم ضرب سترا كان إلى جانبه، فسمعت حركة العيدان، ثم قال: يا شارية تغنّى. فسمعت شيئا ذهب بعقلي. فقال: يا سهل، هذه التي عاتبتني في أن أبيعها بسبعين ألف دينار، لا واللّه، ولا هذه الساعة الواحدة بسبعين ألف دينار.
نسبها وبيعها
قال: وكانت شارية تقول: إن أباها من قريش، وإنها سرقت صغيرة، فبيعت بالبصرة من امرأة هاشمية، وباعتها من إبراهيم بن المهديّ. واللّه أعلم.
رأى في غنائها
أخبرني عمي، قال: حدّثني عبيد اللّه بن عبد اللّه بن طاهر، قال: أمرني المعتز ذات يوم بالمقام عنده، فأقمت. فأمر فمدّت الستارة، وخرج من كان يغني وراءها، وفيهنّ شارية، ولم أكن سمعتها قبل ذلك. فاستحسنت ما سمعت منها، فقال لي أمير المؤمنين المعتز: يا عبيد اللّه، كيف ما تسمع منها عندك [2]؟ فقلت: حظ العجب من هذا الغناء، أكثر من حظ الطرب. فاستحسن ذلك، وأخبرها به فاستحسنته.
تلعب النرد مع ريق
قال ابن المعتز: وأخبرني الهشاميّ، قال: قالت لي ريّق: كنت ألعب أنا وشارية بالنرد بين يدي إبراهيم، وهو متكىء على مخدّة ينظر إلينا، فجرى بيني وبين شارية مشاجرة في اللعب، فأغلظت لها في الكلام بعض الغلظة.
__________
[1] أي أخذت من شارية العود، وضربت هي به، لتضبط اللحن.
[2] ف: كيف ما تسمع مما عندك؟
فاستوى إبراهيم جالسا، وقال: أرك تستخفين بها، فو اللّه لا أحد [1] يخلفك غيرها. وأومأ إلى حلقه بيده [2].
إبراهيم لم يدخل بها
قال: وحدثني الهشاميّ، قال: حدّثني عمرو بن بانة، قال: حضرت يوما مجلس المعتصم، وضربت الستارة، وخرجت الجواري، وكنت إلى جانب مخارق، فغنت شارية، فأحسنت جدا. فقلت لمخارق: هذه الجارية في حسن الغناء على/ ما تسمع، ووجهها وجه حسن، فكيف لم يتحرّم [3] بها إبراهيم بن المهديّ؟ فقال لي: أحد الحظوظ التي رفعت لهذا الخليفة منع إبراهيم بن المهديّ من ذلك.
جواري المعتصم وجواري
قال عبد اللّه بن المعتز: وحدّثني أبو محمد الحسن بن يحيى أخو علي بن يحيى، عن ريق قالت:
استزار المعتصم من إبراهيم بن المهديّ جواريه، وكان في جفوة من السلطان تلك الأيام، فنالته ضيقة.
قالت: فتحمل ذهابنا إليه على ضعف، فحضرنا مجلس المعتصم ونحن في سراويلات مرقعة، فجعلنا نرى جواري المعتصم وما عليهنّ من الجوهر والثياب الفاخرة، فلم تستجمع إلينا أنفسنا حتى غنوا وغنينا، فطرب المعتصم على غنائنا، ورآنا أمثل من جواريه، فتحوّلت إلينا أنفسنا في التيه والصلف، وأمر لنا المعتصم بمائة ألف درهم.
شارية أحسن الناس غناء
قال: وحدّثني أبو العبيس [4]، عن أبيه قال:/ كانت شارية أحسن الناس غناء، منذ توفي المعتصم إلى آخر خلافة الواثق.
افتضها المعتصم
قال أبو العبيس: وحدّثتني ريق أن المعتصم افتضها، وأنها كانت معها في تلك الليلة.
تعلم الغناء والمعتمد يعشق جاريتها
قال أبو العبيس: وحدّثتني طباع [5] جارية الواثق: أن الواثق كان يسميها ستي. وكانت تعلم فريدة، فلم تبق في تعليمها غاية، إلى أن وقع بينهما شيء [6] /بحضرة الواثق، فحلفت أنها لا تنصحها ولا تنصح أحدا بعدها، فلم
__________
[1] كذا في ف. وفي الأصول: ما أجد أحدا.
[2] كذا في ف. وفي الأصول ما عدا م: حلقة بيدها. وفي م: خلقة بيدها، وهما تحريف.
[3] في «التاج»: وتحرم منه بحرمة: إذا تمنع وتحمى بذمة أو صحبة أو حق. كأنه يريد: لماذا لم يعتقها ويتزوّج بها، فتكون من حرمه فلا تباع.
[4] أبو العبيس، كما في ف: هو أحد المغنين، وليس هو أو العنبس كما ورد اسمه محرفا في مواضع مختلفة من «الأغاني»، جاء في الجزء الأوّل من طبعة دار الكتب ص 99، هذه العبارة: غنى أبو العبيس بن حمدون ... الخ، ويستفاد منها أمران: الأوّل: أنه مغن. والثاني أن اسم أبيه حمدون. أما أبو العنبس فهو محمد بن إسحاق بن إبراهيم الصيمري الشاعر، كما قال الخطيب البغدادي في «تاريخه» (1: 238).
[5] م: تباع.
[6] ج: شر.
نكن تطرح بعد ذلك صوتا إلا نقصت من نغمه. وكان المعتمد قد تعشق شرة جاريتها، وكانت أكمل الناس ملاحة وخفة روح، وعجز عن شرائها. فسأل أمّ المعتز أن تشتريها له، فاشترتها من شارية بعشرة آلاف دينار، وأهدتها إليه. ثم تزوّجت بعد وفاة المعتمد بابن البقال المغني، وكان يتعشقها. فقال عبد اللّه بن المعتز، وكان يتعشقها:
أقول وقد ضاقت بأحزانها نفسي ... ألا رب تطليق قريب من العرس
لئن صرت للبقال ياشر زوجة ... فلا عجب قد يربض [1] الكلب في الشمس
ابن وصيف يودع جوهره عندها
وقال يعقوب بن بنان: كانت شارية خاصة بصالح بن وصيف. فلما بلغه رحيل موسى بن بغا من الجبل يريده، بسبب قتله المعتز، أودع شارية جوهره. فظهر لها جوهر كثير بعد ذلك. فلما أوقع موسى بصالح، استترت شارية عند هارون بن شعيب العكبري [2]، وكان أنظف خلق اللّه طعاما، وأسراه مائدة، وأوسخه [3] كل شيء بعد ذلك؛ وكان له بسر من رأى منزل، فيه بستان كبير، وكانت شارية تسميه أبي، وتزوره إلى منزله. فتحمل معها كل شيء تحتاج إليه، حتى الحصير الذي تقعد عليه.
من أكرم الناس
قال: وكانت شارية من أكرم الناس، عاشرها [4] أبو الحسن علي بن الحسين عند هارون هذا، ثم أضاق في وقت، فاقترض منها على غير رهن، عشرة آلاف دينار، ومكثت عليه أكثر من سنة، ما أذكرته بها، ولا طالبته، حتى ردّها ابتداء [4].
تحزب أهل سر من رأى للمغنين
قال يعقوب بن بنان: وكان أهل [5] سر من رأى متحازبين، فقوم مع شارية، وقوم مع عريب، لا يدخل أصحاب هذه مع هؤلاء، ولا أصحاب هذه في هؤلاء. فكان أبو الصقر إسماعيل بن بلبل [6] عريبيا، فدعا عليّ بن الحسين يوم جمعة أبا الصقر إسماعيل بن بلبل، وعنده عريب وجواريها. فاتصل الخبر بشارية، فبعثت بجواريها إلى عليّ بن الحسين بعد يوم أو يومين، وأمرت إحداهن، وما أدري من هي: مهرجان، أو مطرب، أو قمرية، إلا أنها إحدى الثلاثة، أن تغني قوله:
لا تعودنّ بعدها ... فترى كيف أصنع
فلما سمع عليّ الغناء ضحك، وقال: لست أعود.
__________
[1] أ، م: يركض.
[2] كذا في ف، مب، وفي «نهاية الأرب». وفي الأصول: العكري.
[3] كذا في ف، مب، و «نهاية الأرب». وفي الأصول: وأسخاه في.
(4 - 4) العبارة ساقطة من جميع الأصول، ما عدا ف، مب، و «نهاية الأرب».
[5] أهل: زيادة عن س يقتضيها السياق. وفي «نهاية الأرب»: الناس بسر من رأى.
[6] هو أبو الصقر إسماعيل بن بلبل أحد وزراء الخليفة المعتمد (265 - 277).
المعتمد لا يأكل إلا طعامها
قال: وكان المعتمد قد وثق بشارية، فلم يكن يأكل إلا طعامها. فمكثت دهرا من الدهور [1] تعدّله في كل يوم جونتين [2]، وكان طعامه منهما في أيام المتوكل.
إبراهيم بن المهدي يدعوها بنتي
قال ابن المعتز: وحدثني أحمد بن نعيم عن ريق، قالت: كان مولاي إبراهيم يسمي شارية بنتي، ويسميني أختي.
المعتمد يمنحها ألف ثوب
حدثني جحظة، قال: كنت عند المعتمد يوما، فغنته شارية بشعر مولاها إبراهيم بن المهدي ولحنه:
يا طول علة قلبي المعتاد ... إلف الكرام وصحبة الأمجاد
فقال لها: أحسنت واللّه. فقالت: هذا غنائي وأنا عارية، فكيف لو كنت كاسية؟ فأمر لها بألف ثوب من جميع أنواع الثياب الخاصيّة، فحمل ذلك إليها. فقال لي عليّ بن يحيى المنجم:/ اجعل انصرافك معي. ففعلت، فقال لي: هل بلغك أن خليفة أمر لمغنية بمثل ما أمر به أمير المؤمنين اليوم لشارية؟ قلت: لا. فأمر بإخراج سير الخلفاء، فأقبل بها الغلمان يحملونها في دفاتر عظام، فتصفحناها كلها؛ فما وجدنا أحدا قبله فعل ذلك.
نسبة هذا الصوت
صوت
يا طول علة [3] قلبي المعتاد ... إلف الكرام وصحبة الأمجاد
ما زلت آلف كل قرم ماجد ... متقدم الآباء والأجداد
الشعر لإبراهيم بن المهدي، والغناء لعلويه، خفيف رمل لشارية بالبنصر، ولم يقع إلينا فيه طريقة غير هذه.
تغنى بشعر لخديجة بنت المأمون
أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال: حدثني عبد اللّه بن أبي سعيد، قال: حدثني محمد بن مالك الخزاعيّ، قال: حدثتني ملح العطارة، وكانت من أحسن الناس غناء، وإنما سميت العطارة لكثرة استعمالها العطر المطيب، قالت: غنت شارية يوما بين يدي المتوكل وأنا واقفة مع الجواري:
باللّه قولوا لي لمن ذا الرّشا ... المثقل الردف الهضيم الحشا
أظرف ما كان إذا ما صحا ... وأملح الناس إذا ما انتشى
وقد بنى برج حمام له ... أرسل فيه طائرا مرعشا
__________
[1] كذا في ف، مب، ج، س. وفي بقية الأصول: الدهر. وفي «نهاية الأرب»: فمكثت دهرا، وهي أحسن.
[2] الجونة: سلة صغيرة مستديرة مغشاة أدما، يوضع فيها الطيب أو الثياب أو نحوهما، جمعها جون، وقد تهمز الواو في المفرد والجمع، والهمز هو الأصل.
[3] أ، م: غلة، بالغين المنقوطة.
/
يا ليتني كنت حماما له ... أو باشقا يفعل بي ما يشا
لو لبس القوهيّ [1] من رقة ... أوجعه القوهيّ أو خدّشا
وهو هزج [2]، فطرب المتوكل، وقال لشارية: لمن هذا الغناء؟ فقالت: أخذته من دار المأمون، ولا أدري لمن هو.
فقلت له أنا: أعلم لمن هو. فقال: لمن هو يا ملح؟ فقلت: أقوله لك سرا. قال: أنا في دار النساء، وليس يحضرني إلا حرمي، فقوليه. فقلت: الشعر والغناء جميعا لخديجة بنت المأمون، قالته في خادم لأبيها كانت تهواه، وغنت فيه هذا اللحن. فأطرق طويلا، ثم قال: لا يسمع هذا منك أحد.
صوت
أحبك يا سلمى على غير ريبة ... وما خير حب لا تعف سرائره
أحبك حبا لا أعنّف بعده ... محبا، ولكني إذا ليم عاذره
وقد مات حبّي [3] أوّل الحب فانقضى ... ولومت أضحى الحب قد مات آخره
ولما تناهى الحب في القلب واردا ... أقام وسدّت فيه عنه مصادره
الشعر للحسين بن مطير الأسدي، والغناء لإسحق: هزج بالبنصر.
__________
[1] القوهي: ضرب من الثياب البيض، منسوب إلى قوهستان.
[2] يريد أن لحنه من الهزج. أما الشعر فمن السريع.
[3] أ، م: قلبي.
2 - أخبار الحسين بن مطير ونسبه
نسبه وشعره
هو الحسين بن مطير بن مكمّل، مولى لبني أسد بن خزيمة، ثم لبني سعد [1] بن مالك بن ثعلبة بن دودان بن أسد. وكان جده مكمل عبدا، فأعتقه مولاه. وقيل بل كاتبه، فسعى في مكاتبته حتى أدّاها وأعتق./ وهو من مخضرمي الدولتين: الأموية والعباسية، شاعر متقدم في القصيد والرجز، فصيح، قد مدح بني أمية وبني العباس.
سكنه
أخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن عمار، عن محمد بن داود بن الجراح، عن محمد بن الحسن بن الحرون: أنه كان من ساكني زبالة [2]، وكان زيه وكلامه يشبه مذاهب الأعراب وأهل البادية. وذلك بيّن في شعره.
إدراكه بني أمية
ومما يدل على إدراكه دولة بني أمية، ومدحه إياهم، ما أخبرنا به يحيى بن عليّ بن يحيى إجازة، قال:
أخبرني أبي، عن إسحاق بن إبراهيم الموصليّ، عن مرون بن أبي حفصة، قال: دخلت أنا وطريح بن إسماعيل الثقفيّ، والحسين بن مطير الأسدي، في عدة من الشعراء، على الوليد بن يزيد وهو في فرش قد غاب فيها [3]، وإذا رجل كلما أنشد شاعر شعرا، وقف الوليد على بيت بيت منه، وقال: هذا أخذه من موضع كذا وكذا، وهذا المعنى نقله من شعر فلان، حتى أتى على أكثر الشعراء. فقلت: من هذا؟ قالوا: هذا حماد الرواية. فلما وقفت بين يدي الوليد/ لأنشده، قلت: ما كلام هذا في مجلس أمير المؤمنين وهو لحانة. فتهانف [4] الشيخ، ثم قال: يابن أخي، أنا رجل أكلم العامة، وأتكلم بكلامها، فهل تروي من أشعار العرب شيئا؟ فذهب عني الشعر كله، إلا شعر ابن مقبل، فقلت: نعم، لابن مقبل. فأنشدته:
سل الدار من جنبي حبرّ فواهب ... إلى ما رأى هضب القليب المضيح [5]
__________
[1] كذا في ف، ج، س، ب، و «نهاية الأرب»، و «تاج العروس». وفي أ، م: شعبة. تحريف.
[2] زبالة: منزل بطريق مكة من الكوفة. وهي قرية عامرة، بها أسواق، فيها حصن وجامع لبني غاطرة، من بني أسد. (عن «معجم البلدان» لياقوت).
[3] كذا في ف. وفي الأصول: عريش قد غاب عنا.
[4] التهانف كما في ف: الضحك بالسخرية. نقله صاحب «تاج العروس» عن نسخة من «الكامل» للمبرد. وقيل إنه خاص بالنساء. وفي الأصول: فتهافت، أي تساقط قطعة قطعة، من الهفت، وهو السقوط. وأكثر ما يستعمل في الشر.
[5] ورد هذا البيت محرّفا في نسخ «الأغاني». وأثبتناه مصححا عن «معجم البلدان» لياقوت، و «معجم ما استعجم» للبكري، و «منتهى الطلب من أشعار العرب»، لابن ميمون. وحبر وواهب: جبلان لبني سليم. وهضب القليب: ماء لبني قنفذ، من بني سليم.
والمضيح (بصيغة اسم المفعول): ماء لبني البكاء. وفي بعض ألفاظ البيت روايات أخر: يروى «واصف» في موضع «واهب»، وهو اسم ماء. ويزوى «إذا» في موضع «إلى»، ويروى «يرى» في موضع «رأى».
ثم جزت. فقال: قف. ماذا يقول؟ فلم أدر ما يقول. فقال: يابن أخي، أنا أعلم الناس بكلام العرب، يقال: تراءى الموضعان: إذا تقابلا.
يفد على معن بن زائدة فينقد شعره
أخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن عمار، والحسن بن عليّ، ويحيى بن عليّ، قالوا: حدّثنا الحسن بن عليل العنزيّ قال: حدّثنا أحمد بن عبد اللّه بن عليّ، قال: حدّثني أبي:
أن الحسين بن مطير وفد على معن بن زائدة لما ولي اليمن وقد مدحه، فلما دخل عليه أنشده:
أتيتك إذ لم يبق [1] غيرك جابر ... ولا واهب يعطي اللّها والرغائبا
/ فقال له معن: يا أخا بني أسد، ليس هذا بمدح، إنما المدح قول نهار بن توسعة أخي بني تيم اللّه بن ثعلبة، في مسمع بن مالك.
قلدته عرا الأمور نزار ... قبل أن تهلك السراة البحور [2]
قال: وأوّل هذا الشعر:
اظعني من هراة [3] قد مر فيها ... حجج مذ سكنتها وشهور
اظعني نحو مسمع تجديه ... نعم ذو المنثنى [4] ونعم المزور
سوف يكفيك إن نبت بك أرض ... بخراسان أو [5] جفاك أمير
من بني الحصن عامل بن بريح ... لا قليل الندى ولا منزور [6]
والذي يفزع الكماة إليه ... حين تدمى من الطعان النحور
فاصطنع يابن مالك آل بكر ... واجبر العظم إنه مكسور
فغدا إليه بأرجوزته التي مدحه بها، وأوّلها:
/حديث ريا حبّذا إدلالها ... تسأل عن حالي وما سؤالها
عن امرىء قد شفّه خيالها ... وهي شفاء النفس لو تنالها
__________
[1] كذا في ف، و «معجم الأدباء» لياقوت (10: 167) و «الخزانة» (2: 485). وفي ج: «أتيتك لما لم يبق». وفي بقية النسخ: «أتيتيك لما يبق». واللها: جمع لهوة، بضم اللام وفتحها: العطية، دراهم أو غيرها.
[2] السراة: أعالي الناس وأشرافهم، واحدهم سريّ. ونهار بن توسعة بن أبي عتبان من بني حنتم، من بكر بن وائل. وكان أشعر بكر بخراسان، في أيام الدولة الأموية، هجا قتيبة بن مسلم، ثم مدحه.
[3] هراة: مدينة عظيمة في مدن خراسان.
[4] في جميع النسخ: «ذا المنثنى». وفي «الخزانة»: «ذي المنتأى». والصحيح: «ذو» لأنه فاعل بنعم. والمنتأى: المكان البعيد، أو مصدر ميمي، ومعناه: أن مسمعا نعم الرجل النائي المحل، الذي يجزل العطاء لقاصده. ومعنى «نعم ذو المنثنى»: نعم الرجل ينثني عنه قاصده بخير كثير.
[5] في «الخزانة»: «إذ». ورواية الأصول أجود.
[6] كذا في ف، و «خزانة الأدب» (2: 486). وفي الأصول: «من بني الحضر عامر بن سريج».
/ يقول فيها يمدحه:
سلّ سيوفا محدثا صقالها ... صاب [1] على أعدائه وبالها
وعند معن ذي الندى أمثالها
فاستحسنها، وأجزل صلته.
دعبل يأخذ من شعره
أخبرني ابن عمار ويحيى بن عليّ، قالا: حدّثنا محمد بن القاسم بن مهروية، قال: حدّثني أبو المثنى أحمد بن يعقوب بن أخت أبي بكر الأصم قال:
كنا في مجلس الأصمعيّ، فأنشده رجل لدعبل بن عليّ:
أين الشباب وأية سلكا
فاستحسنا قوله [2]:
لا تعجبي يا سلم من رجل ... ضحك المشيب برأسه فبكى
فقال الأصمعيّ: هذا أخذه من قول الحسين بن مطير:
أين أهل القباب بالدهناء ... أين جيراننا على الأحساء
فارقونا والأرض ملبسة نو ... ر الأقاحي يجاد بالأنواء [3]
كلّ يوم بأقحوان جديد ... تضحك الأرض من بكاء السماء [4]
أخبرني يحيى بن عليّ بن يحيى، قال: حدّثني محمد بن القاسم الدينوريّ، قال: حدّثني محمد بن عمران الضبيّ، قال:
أبياته تسهر المهدي
قال المهدي للمفضل الضبيّ: أسهرتني البارحة أبيات الحسين بن مطير الأسديّ. قال: وما هي يا أمير المؤمنين؟ قال: قوله:
/و قد تغدر الدنيا فيضحي فقيرها ... غنيا ويغنى بعد بؤس فقيرها
فلا تقرب الأمر الحرام فإنه ... حلاوته تفنى ويبقى مريرها
وكم قد رأينا من تغير عيشة ... وأخرى صفا بعد أكدرار غديرها
فقال له المفضل: مثل هذا فليسهرك يا أمير المؤمنين.
__________
[1] صاب: انصب في غزارة.
[2] كذا في ف. وفي الأصول: فاستحسنها. وفي «الخزانة»: «فاستحسنها كل من كان حاضرا في المجلس، وأكثروا التعجب من قوله».
[3] في «الخزانة»: «جاورونا» في موضع: «فارقونا». و «تجاد»: في موضع «يجاد».
[4] كذا في ف و «الخزانة». وفي الأصول: «عن مهل السماء».
وقد أخبرني بهذا الخبر عمي رحمه اللّه أتم من هذا، قال: نسخت من كتاب المفضل بن سلمة: قال أبو عكرمة الضبيّ: قال المفضل الضبيّ:
كنت يوما جالسا على بابي وأنا محتاج إلى درهم، وعليّ عشرة آلاف درهم [1]، إذ جاءني رسول المهديّ، فقال: أجب أمير المؤمنين. فقلت: ما بعث إليّ في هذا الوقت إلا لسعاية ساع. وتخوّفته، لخروجي - كان - مع إبراهيم بن عبد اللّه بن حسن [2]، فدخلت منزلي، فتطهرت ولبست ثوبين نظيفين، وصرت إليه. فلما مثلث بين يديه سلمت، فردّ عليّ، وأمرني بالجلوس. فلما سكن جأشي، قال لي: يا مفضل، أيّ بيت قالته العرب أفخر؟
فتشككت ساعة، ثم قلت: بيت الخنساء. وكان مستلقيا فاستوى جالسا، ثم قال: وأي بيت هو؟ قلت قولها:
وإنّ صخرا لتأتمّ الهداة به ... كأنه علم في رأسه نار
فأومأ إلى إسحاق بن بزيع [3]، ثم قال: قد قلت له ذلك فأباه. فقلت: الصواب ما قاله أمير المؤمنين. ثم قال:
حدّثني يا مفضل. قلت: أي الحديث أعجب إلى أمير المؤمنين؟ قال: حديث النساء. فحدّثته حتى انتصف النهار، ثم قال لي:/ يا مفضل، أسهرني البترحة بيتا ابن مطير، وأنشد/ البيتين المذكورين في الخبر الأول. ثم قال: ألهذين ثالث يا مفضل؟ نعم يا أمير المؤمنين. فقال: وما هو؟ فأنشدته قوله:
وكم قد رأينا من تغير عيشة ... وأخرى صفا بعد أكدرار غديرها
وكان المهديّ رقيقا فاستعبر، ثم قال: يا مفضل، كيف حالك؟ قلت: كيف يكون حال من هو مأخوذ بعشرة آلاف درهم؟ فأمر لي بثلاثين ألف درهم، وقال: اقض دينك، وأصلح شأنك. فقبضتها وانصرفت.
يمدح المهدي فيمنحه سبعين ألف درهم
أخبرني يحيى بن عليّ، عن عليّ بن يحيى إجازة، وحدّثنا الحسن [4] بن عليّ قال: حدّثنا محمد بن القاسم، عن عبد اللّه بن أبي سعد [5]، قال: حدّثني إسحاق بن عيسى بن موسى بن مجمع، أحد بني سوار بن الحارث الأسديّ، قال: أخبرني جدّي موسى بن مجمع، قال:
قال الحسين بن مطير في المهدي قصيدته التي يقول فيها:
إليك أمير المؤمنين تعسفت ... بنا البيد هو جاء النّجاء خبوب [6]
ولو لم يكن قدامها ما تقاذفت ... جبال بها مغبرة وسهوب
فتى هو من غير التخلق ماجد ... ومن غير تأديب الرجال أديب
__________
[1] كذا في ف. وفي الأصول: وعلى يومئذ عشرة آلاف درهم دين.
[2] خرج إبراهيم بن عبد اللّه بن حسن العلويّ علي أبي جعفر المنصور العباسيّ في البصرة سنة 145 ه (عن الفخري لابن الطقطقي).
[3] أ، ج: بزيغ.
[4] ج: الحسين.
[5] في بعض النسخ: ابن أبي سعيد. والصحيح: سعد، ويلقب بالوراق. ذكر في «أساتيد الموشح» للمرزباني في عدّة مواضع.
[6] تعسفت: من العسف، وهو أن يأخذ المسافر على غير طريق ولا جادة ولا علم (بتحريك اللام). والهوجاء من الإبل: الناقة المسرعة، كأن بها هو جاء، وهو الطيش والتسرع. والنجاء: الإسراع. وخبوب: صيغة مبالغة من الخبب، وهو ضرب من عدو الإبل. وفي الأصول: جنوب. تحريف.
علا خلقه خلق الرجال وخلقه ... إذا ضاق أخلاق الرجال رحيب
/ إذا شاهد الفؤاد سار أمامهم ... جريء على ما يتقون وثوب
وإن غاب عنهم شاهدتهم مهابة ... بها يقهر الأعداء حين يغيب
يعف ويستحي إذا كان خاليا ... كما عف واستحيا بحيث رقيب
فلما أنشدها المهديّ أمر له بسبعين ألف درهم وحصان جواد.
مسكنه
وكان الحسين من الثعلبية [1]، وتلك داره بها. قال ابن أبي سعد: وأرانيها الشيخ.
يمدح المهدي بأبيات فيعطيه لكل بيت ألف درهم
أخبرني محمد بن خلف وكيع، قال: حدّثني محمد بن القاسم بن مهرويه، قال: حدّثني عبد اللّه بن أبي سعد، عن إسحق بن عيسى، قال:
دخل الحسين بن مطير على المهدي، فأنشده قوله:
لو يعبد الناس يا مهدي أفضلهم ... ما كان في الناس إلا أنت معبود
أضحت يمينك من جود مصوّرة ... لا بل يمينك منها صوّر الجود
لو أن من نوره مثقال خردلة ... في السود طرا إذن لا بيضت السود
فأمر له لكل بيت بألف درهم.
المهدي يطرده لمدحه معن بن زائدة
أخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن عمار، قال: حدّثني أحمد بن سليمان بن أبي شيخ، قال: حدّثني أبي، قال:
خرج المهديّ يوما، فلقيه الحسين بن مطير، فأنشده قوله:
أضحت يمينك من جود مصوّرة ... لابل يمينك منها صوّر الجود
فقال: كذبت يا فاسق، وهل تركت من شعرك موضعا لأحد، بعد قولك في معن بن زائدة حيث تقول:
ألّما بمعن ثم قولا لقبره ... سقيت الغوادي مربعا ثم مربعا
أخرجوه عني، فأخرجوه.
/ وتمام الأبيات:
/أيا قبر معن كنت أوّل حفرة ... من الأرض خطت للمكارم مضجعا [2]
أيا قبر معن كيف واريت جوده ... وقد كان منه البر والبحر مترعا
__________
[1] الثعلبية: موضع بجوار زبالة التي كان يسكنها الحسين.
[2] كذا في ف. وفي الأصول: للسماحة.
بلى قد وسعت الجود والجود ميت ... ولو كان حيا ضقت حتى تصدعا
فتى عيش في معروفه بعد موته ... كما كان بعد السيل مجراه ممرعا [1]
أبى ذكر معن أن تموت فعاله ... وإن كان قد لاقى حماما ومصرعا
أشعر العباسيين
أخبرني أحمد بن يحيى بن عليّ بن يحيى إجازة [2] قال: حدّثني ابن مهرويه قال: حدّثني عليّ بن عبيد الكوفي [3] قال: حدّثني الحسين بن أبي الخصيب الكاتب عن أحمد بن يوسف الكاتب، قال:
كنت أنا وعبد اللّه بن طاهر عند المأمون وهو مستلق على قفاه، فقال لعبد اللّه بن طاهر: يا أبا العباس، من أشعر من قال الشعر في خلافة بني هاشم؟ قال: أمير المؤمنين أعلم بهذا وأعلى عينا. فقال له: على ذاك فقل، وتكلم أنت أيضا يا أحمد بن يوسف. فقال عبد اللّه بن طاهر: أشعرهم الذي يقول:
أيا قبر معن كنت أوّل خطة ... من الأرض خطت للمكارم مضجعا [4]
فقال أحمد بن يوسف: بل أشعرهم الذي يقول:
وقف الهوى بي حيث أنت فليس لي ... متأخّر عنه ولا متقدم [5]
/فقال: أبيت يا أحمد إلا غزلا! أين أنتم عن الذي يقول:
يا شقيق النفس من حكم ... نمت عن ليلي ولم أنم [6]
أبو عبيدة يعجب بشعره
أخبرني الحسن بن عليّ قال: حدّثنا أبو خليفة عن التّوزي، قال: قلت لأبي عبيدة: ما تقول في شعر الحسين بن مطير؟ فقال: واللّه لوددت أن الشعراء قاربته في قوله:
مخصرة الأوساط زانت عقودها ... بأحسن مما زينتها عقودها
فصفر تراقيها، وحمر أكفها ... وسود نواصيها، وبيض خدودها
وصفه للسحاب والمطر
أخبرني عليّ بن سليمان الأخفش، قال: أنشدنا محمد بن يزيد للحسين بن مطير، قال:
كان سبب قوله هذه الأبيات أن واليا ولي المدينة، فدخل عليه الحسين بن مطير، فقيل له: هذا من أشعر الناس. فأراد أن يختبره، وقد كانت سحابة مكفهرة نشأت، وتتابع منها الرعد والبرق، وجاءت بمطر جود. فقال له: صف هذه السحابة. فقال:
__________
[1] في «شرح التبريزي» على «الحماسة» (2: 3 بولاق): مرتعا.
[2] كذا في ف. وفي الأصول: أحمد بن عبيد اللّه بن عمار.
[3] كذا في ف. وفي الأصول: علي بن عبيد اللّه الكوفي.
[4] كذا في ف. وفي الأصول: ... حفرة ... للمكارم مضجعا.
[5] البيت مع أبيات أخرى لأبي الشيص. («الشعر والشعراء» لابن قتيبة ص 535 و«الأغاني» آخر هذا الجزء.)
[6] البيت مطلع قصيدة لأبي نواس.
مستضحك بلوامع مستعبر ... بمدامع لم تمرها الأقذاء [1]
فله بلا حزن ولا بمسرة ... ضحك يراوح بينه وبكاء [2]
كثرت لكثرة ودقه أطباؤه ... فإذا تحلّب فاضت الأطباء [3]
/و كأن بارقه حريق تلتقي ... ريح عليه وعرفج وألاء
لو كان من لجج السواحل ماؤه ... لم يبق في لجج السواحل ماء
صوت
إذا ما أم عبد اللّ ... ه لم تحلل بواديه
ولم تمس قريبا هي ... ج الحزن دواعيه [4]
/غزال راعه القنا ... ص تحميه صياصيه [5]
وما ذكرى حبيبا و ... قليل ما أواتيه [6]
كذى الخمر تمناها ... وقد أنزف ساقيه [7]
عرفت الربع بالإكلي ... ل عفته سوافيه [8]
بجو ناعم الحوذا ... ن ملتف روابيه [9]
الشعر مختلط، بعضه للنعمان بن بشير الأنصاري، وبعضه ليزيد بن معاوية، فالذي للنعمان بن بشير منه الثلاثة الأبيات الأول والبيت الأخير، وباقيها ليزيد بن معاوية [10]. ورواه من لا يوثق به وبروايته لنوفل بن أسد بن عبد العزى. فأما من ذكر أنه للنعمان بن بشير فأبو عمرو الشيباني؛ وجدت ذلك عنه في كتابه،/ وخالد بن كلثوم، نسخته من كتاب [11] أبي سعيد السكري في مجموع [12] شعر النعمان. وتمام الأبيات للنعمان بن بشير بعد الأربعة الأبيات التي نسبتها إليه، فإنها متوالية [13]، قال:
__________
[1] لم تمرها الأقذاء: لم يسل دمعها وقوع القذى فيها. وأصل المري: الحلب.
[2] يراوح: كذا في الأصول. وفي «معجم الأدباء» لياقوت (10: 172): يؤلف.
[3] الودق: المطر. والأطباء: جمع طبي بوزن قفل، وهو ثدي الحيوان. والبيت ساقط من الأصول ما عدا ف، مب.
[4] في «معجم البلدان» لياقوت (إكليل): ولم تشف سقيما.
[5] الصياصي: أعالي الجبال.
[6] في «معجم البلدان»: قليلا.
[7] أنزف: ذهب عقله كله.
[8] الإكليل: موضع. والسوافي: جمع سافية، وهي الريح تسفي أي تحمل التراب والرمال.
[9] الجو: الوادي المتسع. والحوذان: نبت، أو بقلة من بقول الرياض، لها نور أصفر طيب الرائحة («اللسان» عن الأزهري).
[10] مب: وسائرها ليزيد بن معاوية. والعبارة ساقطة من بقية الأصول.
[11] كذا في ف. وفي الأصول: خط.
[12] كذا في ف. وفي الأصول: جامع.
[13] ف: تعزى إليه.
فبحت اليوم بالأمر ال ... لذي قد كنت تخفيه [1]
فإن أكتمه يوما ... فإني سوف أبديه
وما زلت أفدّيه ... وأدنيه وأرقيه
وأسعى في هواه أ... بدا حتى ألاقيه
فبات الريم مني ح ... ذرا زلت مراقبه [2]
والغناء لمعبد: خفيف رمل بالوسطى عن عمرو. وذكره إسحاق في خفيف الرمل بالسبابة في مجرى البنصر، ولم ينسبه إلى أحد. وفيه للغريض ثقيل أوّل بالوسطى، عن الهشامي وحنين.
__________
[1] س: أخفيه. يخاطب نفسه.
[2] كذا في ف. وفي الأصول: دلت مراقيه. والمراقي: لعله يريد بها أرجله التي يرقى بها.
3 - أخبار النعمان بن بشير ونسبه
نسبه
هو النعمان بن بشير بن سعد بن ثعلبة [1] بن خلّاس [2] بن زيد بن مالك الأغر بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج. وأمه عمرة بنت رواحة، أخت عبد اللّه بن رواحة، التي يقول فيها قيس بن الخطيم:
أجدّ بعمرة غنيانها ... فتهجر أم شاننا شانها [3]
وعمرة من سروات النسا ... ءتنفح بالمسك أردانها
وله صحبة بالنبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، ولأبيه بشير بن سعد. وكان جاء إلى النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ومعه آخر، ليشهد معه غزوة له فيما قيل، فاستصغرهما [4] فردّهما.
أبوه
وأبوه بشير بن سعد أوّل من قام يوم السقيفة من الأنصار إلى أبي بكر رضي اللّه عنه فبايعه، ثم توالت الأنصار فبايعته. وشهد بشير بيعة العقبة وبدرا وأحدا والخندق والمشاهد كلها، واستشهد يوم عين التمر [5] مع خالد بن الوليد.
هواه مع عثمان بن عفان
وكان النعمان عثمانيا، وشهد مع معاوية صفين، ولم يكن معه من الأنصار غيره، وكان كريما عليه، رفيعا عنده وعند يزيد ابنه بعده، وعمر إلى خلافة/ مروان بن الحكم، وكان يتولى حمص. فلما بويع لمروان، دعا إلى ابن الزبير، وخالف على مروان، وذلك بعد قتل الضحاك بن قيس بمرج راهط. فلم يجبه أهل حمص إلى/ ذلك.
فهرب منهم، وتبعوه فأدركوه فقتلوه، وذلك في سنة خمس وستين.
أوّل مولود للأنصار بعد الهجرة
ويقال إن النعمان بن بشير أوّل مولود ولد بالمدينة بعد قدوم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إياها. وقد قيل ذلك في عبد اللّه بن الزبير، إلا أن النعمان أوّل مولود ولد بعد مقدمه عليه السّلام من الأنصار، روى ذلك عبد اللّه بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم.
__________
[1] ف، مب: معد بن حصين بن ثعلبة. وبقية الأصول: سعد بن نصر بن ثعلبة. والظاهر أن كلّا من لفظي حصين ونصر من حشو الناسخين، فليس لهما وجود في نسب النعمان الذي أورده ابن دريد في «الاشتقاق» ص 271 والخزرجي في «الخلاصة» ص 50 ومقدمة «ديوان النعمان» طبع دهلي بالهند ص أ.
[2] خلاس، بفتح الخاء وتشديد اللام: كذا في الأصول، و «تاج العروس» (خلس) وجامع الأصول. وفي «الاشتقاق» و «خلاصة» الخزرجي: جلاس، بضم الجيم وتخفيف اللام.
[3] غنيانها: مصدر غنيت المرأة بزوجها، أي استغنت.
[4] ف: فاستصغره.
[5] عين التمر: بلدة قريبة من الأنبار، غربي الكوفة، فتحها خالد بن الوليد عنوة سنة 12 للهجرة في عهد أبي بكر.
وروى النعمان بن بشير عن النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم كثيرا.
يروي الحديث العدل بين الأولاد
حدّثني أحمد بن محمد بن الجعد الوشاء. قال حدّثني أبو بكر بن أبي شيبة، قال: حدّثنا عباد بن العوّام، عن الحصين، عن الشعبيّ، قال:
سمعت النعمان بن بشير يقول: أعطاني أبي عطية، فقالت أمي عمرة: لا أرضى حتى تشهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
فأتى رسول اللّه فقال: ابني من عمرة أعطيته عطية فأمرتني أن أشهدك. فقال: أعطيت كل ولدك مثل هذا؟ قال: لا.
فقال: فاتقوا اللّه واعدلوا بين أولادكم.
يرفض أن يعطي الكوفيين زيادتهم في العطاء لهواهم مع علي
أخبرني محمد بن خلف وكيع، قال: حدّثنا محمد بن سعيد، قال: حدّثنا العمريّ، عن الهيثم بن عديّ، عن مجالد، عن الشعبيّ، قال:
أمر معاوية لأهل الكوفة بزيادة عشرة دنانير في أعطيتهم، وعامله يومئذ على الكوفة وأرضها النعمان بن بشير، وكان عثمانيا، وكان يبغض أهل الكوفة لرأيهم في عليّ عليه السّلام. فأبى النعمان أن ينفذها لهم. فكلموه وسألوه باللّه، فأبى أن/ يفعل. وكان إذا خطب على المنبر أكثر قراءة القرآن. وكان يقول: لا ترون على منبركم هذا أحدا بعدي يقول: إنه سمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. فصعد المنبر يوما فقال: يأهل الكوفة. فصاحوا [1]: ننشدك اللّه والزيادة.
فقال: اسكتوا. فلما أكثروا قال: أتدرون ما مثلي ومثلكم؟ قالوا: لا. قال: مثل الضبع والضب والثعلب: فإن الضبع والثعلب أتيا الضب في وجاره، فنادياه: أبا الحسل. فقال: سميعا دعوتما. قالا: أتيناك لتحكم بيننا. قال:
في بيته يؤتي الحكم. قالت الضبع: إني حللت عيبتي. قال: فعل الحرة فعلت. قالت: فلقطت ثمرة. قال: طيبا لقطت. قالت: فأكلها الثعلب. قال: لنفسه نظر. قالت: فلطمته. قال: بجرمه. قالت: فلطمني. قال: حر انتصر.
قالت: فاقض بيننا. قال: قد فعلت. قال: حدث امرأة حديثين، فإن أبت فعشرة [2].
/فقال عبد اللّه بن همّام السّلولي:
زيادتنا نعمان لا تحبسنها ... خف اللّه فينا والكتاب الذي تتلو [3]
__________
[1] في الأصول غير (ف): فقام إليه أهل الكوفة فقالوا ....
[2] روى هذا المثل الميداني في («مجمع الأمثال» 2: 13) على لسان الأرنب والثعلب والضب. ورواه أبو هلال العسكري في «جمهرة الأمثال»، في باب الحاء. وروايته أقرب إلى رواية المؤلف هنا. وقوله: «حدّث امرأة حديثين ... إلخ» روايته في «الجمهرة» و «مجمع الأمثال» هكذا: «حدّث حديثين امرأة، فإن لم تفهم فأربعة». قال الميداني: أي زد. ويروى: فاربع، أي كف. وأراد بالحديثين: حديثا واحدا تكرره مرتين، فكأنك حدّثتها بحديثين. والمعنى: كررّ لها الحديث، لأنها أضعف فهما، فإن لم تفهم فاجعلهما أربعة. وقال أبو هلال: يضرب مثلا لسوء الفهم، وظاهره خلاف باطنه. وحقيقته أنها إذا كانت لا تفهم حديثين، كانت بألا تفهم أربعة أقرب. وقال بعض العلماء: إنما هو: إن لم تفهم فأربع، أي أمسك، وذلك غلط. ولم نجد في روايات «كتب الأمثال»: فعشرة. والمراد: تكرار الحديث، لا حقيقة العدد. وكان الضب وقد تمثل بهذا المثل يوبخ الضبع لأنها أنثى لم تفهم كلامه من أول مرة.
[3] كذا في ف، مب. وفي بقية الأصول: لا تحرمننا. ورواه أبو زيد الأنصاري في «نوادره» ص 4: تق اللّه فينا. وانظر «شرح الرضى على شواهد الشافية» ص 496.
فإنك قد حمّلت منا أمانة ... بما عجزت عنه الصّلاخمة البزل [1]
فلا يك باب الشر تحسن فتحه ... وباب الندى والخيّرات له قفل [2]
وقد نلت سلطانا عظيما فلا يكن ... لغيرك جمّات الندى ولك البخل
وأنت امرؤ حلو اللسان بليغه ... فما باله عند الزيادة لا يحلو
وقلبك قد كانوا علينا أئمة ... يهمهم تقويمنا وهم عصل [3]
إذا نصبوا للقول قالوا فأحسنوا ... ولكنّ حسن القول خالفه الفعل [4]
يذمون دنياهم وهم يرضعونها ... أفاويق حتى ما يدرّ لهم ثعل [5]
/فيا معشر الأنصار إني أخوكم ... وإني لمعروف أنى منكم [6] أهل
/ ومن أجل إيواء النبيّ ونصره ... يحبكم قلبي وغيركم الأصل [7]
فقال النعمان بن بشير: لا عليه ألا يتقرّب [8]، فو اللّه لا أجيزها ولا أنفذها أبدا.
يسمع غناء عزة الميلاء
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ، قال: حدّثنا عمر بن شبة، قال: حدّثنا الأصمعيّ [9]، قال: حدّثني شيخ قديم [10] من أهل المدينة. وأخبرني إسماعيل بن يونس الشيعيّ، قال: حدّثنا عمر بن شبة [9] قال: حدّثنا أبو غسان، عن أبي السائب المخزوميّ. وأخبرني الحسين بن يحيى المرداسيّ عن حماد بن إسحاق عن أبيه، قال: ذكر لي عن جعفر بن محرز الدوسيّ [11] قال:
__________
[1] الصلاخمة: جمع صلخم كجعفر: يريد الجمال الصلبة الشديدة. والبزل: جمع بازل، وهو الجمل الذي انشق نابه، وذلك في العام التاسع من عمره.
[2] كذا روى البيت في ف وفي مب:
فلا تك باب الشر تحسن فتحه ... لدينا، وباب الخير أنت له قفل
وفي بقية الأصول المخطوطة:
وإن يك باب الشعر تحسن فتحه ... فلا يك باب الخير ليس له قفل
وفي س: «باب الشر». وفي «رغبة الآمل» للمرصفي (1: 186): «باب الخير منك».
[3] أ، م: كرام بهم تقويمنا. والعصل: جمع أعصل: وهو المعوج فيه صلابة وشدّة.
[4] نصبوا للقول: تهيئوا له. وأصل النصب: أن يقوم المرء رافعا رأسه. وفي الأصول «أنصتوا للقول».
[5] كذا في ف، مب. وفي بقية الأصول: «يذمون دنيانا ... يدرلها». وأفاويق: جمع أفواق، وهو جمع فيقة، بكسر الفاء، اسم اللبن يجتمع في الضرع بين الحلبتين، يريد أنهم يرضعونها، ثم يتركونها. مقدار ما يجتمع اللبن، فيرضعونها ثانية وهكذا. والثعل: خلف زائد صغير في أخلاف الناقة وضرع الشاة، لا يدرّ من اللبن شيئا، وإنما ذكره للمبالغة في الارتضاع.
[6] أنى: حان. وفي مب: أبى، وفي بقية الأصول: أتى، بالتاء.
[7] «و غيركم الأصل»: يريد إني أحبكم وإن كان غيركم أهل.
[8] يتقرّب: وهي رواية ف، مب ج. وفي بقية الأصول: يقترب. يريد لا بأس عليه في ألا يكون قريبا من الأنصار.
[9] هذه العبارة عن ف، مب، و «الأغاني» 9: 13.
[10] في «الأغاني» (9: 13): قدم من المدينة.
[11] «الأغاني» (9: 13): السدوس.
دخل النعمان بن بشير المدينة في أيام يزيد بن معاوية وابن الزبير، فقال: واللّه لقد أخفقت أذناي من الغناء، فأسمعوني. فقيل له: لو وجهت إلى عزة الميلاء، فإنها من قد عرفت. فقال: إي ورب الكعبة، إنها لممن تزيد النفس طيبا، والعقل شحذا. ابعثوا إليها عن رسالتي، فإن أبت صرت إليها. فقال له بعض القوم: إن النقلة تشتدّ عليها، لثقل بدنها، وما بالمدينة دابة تحملها. فقال النعمان بن بشير: وأين النجائب عليها الهوادج؟ فوجه إليها بنجب، فذكرت علة. فلما عاد الرسول إلى النعمان قال لجليسه: أنت كنت أخبر بها، قوموا بنا. فقام هو مع خواص أصحابه حتى طرقوها. فأذنت وأكرمت واعتذرت، فقبل النعمان عذرها، وقال لها: غني، فغنت:
صوت [1]
أجدّ بعمرة غنيانها ... فتهجر أم شاننا شانها
وعمرة من سروات النسا ... ء تنفح بالمسك أردانها
قال: فأشير إليها أنها أمه، فأمسكت. فقال: غني، فو اللّه ما ذكرت إلا كرما وطيبا، ولا تغنّي سائر اليوم غيره. فلم نزل تغنيه هذا اللحن فقط حتى انصرف.
قال إسحاق: فتذاكروا هذا الحديث عند الهيثم بن عديّ، فقال: ألا أزيدكم فيه طريفة؟ فقلنا: بلى، يا أبا عبد الرّحمن. فقال: قال لقيط ونحن عند سعيد الزبيريّ [2]، قال عامر الشعبيّ:
اشتاق النعمان بن بشير إلى الغناء، فصار إلى منزل عزة الميلاء، فلما انصرف إذا امرأة بالباب منتظرة له. فلما خرح شكت إليه كثرة غشيان زوجها إياها، فقال النعمان: لأقضين بينكما بقضية لا تردّ عليّ، قد أحل اللّه له من النساء أربعا: مثنى، وثلاث، ورباع، له مرتان [3] بالنهار، ومرتان [3] بالليل.
أخبرني محمد بن الحسن بن دريد، قال حدّثني عمي، عن العباس بن هشام [4]، عن أبيه؛ وأخبرني الحسين بن يحيى، عن حماد، عن أبيه، عن الكلبي [5]. وأخبرني عمي قال: حدّثنا الكرانيّ قال: حدّثني العمريّ عن الهيثم بن عديّ، قالوا:
أعشى همدان يمدحه
خرج أعشى همدان إلى الشام في ولاية مروان بن الحكم، فلم ينل فيها حظا؛ فجاء إلى النعمان بن بشير وهو عامل على حمص، فشكا إليه حاله. فكلم له النعمان اليمانية، وقال لهم: هذا شاعر اليمن ولسانها، واستماحهم له. فقالوا: نعم، يعطيه كل واحد منا دينارين من عطائه. فقال: أعطه دينارا، واجعلوا ذلك معجلا. فقالوا له:
__________
[1] صوت: ساقطة من الأصول غير ف، مب.
[2] ف، مب: سعيد الزبيريّ.
[3] مرتان: كذا في الموضعين بدون همز بين الراء والتاء في جميع الأصول المخطوطة، وهى لغة الحجاز بين الذين يفرّون من الهمز.
وفي المطبوعتين ب، س: مرأتان. وفي «الأغاني» (9: 14): امرأتان. أو لعله تثنية مرة أي يأتيها مرتين نهارا، ومرتين ليلا، فكأنه يأتي أربع نساء، اثنتين ليلا، واثنتين نهارا.
[4] ف: العباس عن هشام. تحريف.
[5] كذا في ف. وفي الأصول: ابن الكلبي.
أعطه إياه من بيت المال، واحتسب ذلك على كل رجل من عطائه. ففعل النعمان ذلك، وكانوا عشرين ألفا، فأعطاه عشرين ألف دينار، وارتجعا متهم عند العطاء. فقال الأعشى يمدح النعمان:
ولم أر للحاجات عند التماسها ... كنعمان نعمان الندى ابن بشير
/ إذا قال أو في ما يقول ولم يكن ... كمدل إلى الأقوام حبل غرور
متى أكفر النعمان لا ألف شاكرا ... وما خير من لا يقتدي بشكور
فلو لا أخو الأنصار كنت كنازل ... ثوى ما ثوى لم ينقلب بنقير
الأخطل يهجو الأنصار
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري، وحبيب بن نصر المهلّبي قالا: حدّثنا عمر بن شبة، قال: حدّثنا يحيى الزبيري [1] قال حدّثني ابن أبي زريق، قال: شبّب عبد الرّحمن بن حسان برملة بنت معاوية، فقال:
رمل هل تذكرين يوم غزال ... إذ قطعنا مسيرنا بالتمني
إذ تقولين عمرك اللّه هل شيء ... وإن جلّ سوف يسليك عني
أم هل اطمعت منكم يابن حسا ... ن كما قد أراك أطمعت مني [2]
/فبلغ ذلك يزيد بن معاوية، فغضب ودخل على معاوية، فقال: يا أمير المؤمنين، ألا ترى إلى هذا العلج [3] من أهل يثرب، يتهكم بأعراضنا، ويشبب بنسائنا؟ فقال: ومن هو؟ قال: عبد الرّحمن بن حسان. وأنشده ما قال.
فقال: يا يزيد؛ ليس العقوبة من أحد أقبح منها بذوي القدرة، ولكن أمهل حتى يقدم وفد الأنصار، ثم أذكرني به.
فلما قدموا أذكره به. فلما دخلوا، قال: يا عبد الرّحمن، ألم يبلغني أنك شببت برملة بنت أمير المؤمنين؟ قال:
بلى، ولو علمت أن أحدا أشرف لشعري منها لذكرته. فقال: فأين أنت عن أختها هند؟ قال: وإن لها لأختا يقال لها هند؟ قال: نعم. وإنما أراد معاوية أن يشبب بهما جميعا، فيكذب نفسه. قال: فلم يرض يزيد ما كان من معاوية في ذلك، فأرسل إلى كعب بن الجعيل، فقال: اهج الأنصار. فقال: أفرق من أمير المؤمنين، ولكن أدلك على هذا الشاعر الكافر الماهر الأخطل. قال: فدعاه، فقال له: أهج الأنصار. فقال: أفرق من أمير المؤمنين. قال: لا تخف شيئا، أنا بذلك لك. فهجاهم، فقال:
وإذا نسبت ابن الفريعة خلته ... كالجحش بين حمارة وحمار [4]
لعن الإله من اليهود عصابة ... بالجزع بين صليصل وصدار [5]
__________
[1] ف: أبا يحيى الزهري.
[2] كذا في ف. وفي بقية الأصول: اطمعت يابن حسان في ذاك.
[3] للعلج في «لسان العرب» معان، منها الرجل الغليظ، والرجل من كفار العجم، وهو لفظ شائع عندهم في السب. وفي ج: العجل، تحريف.
[4] ابن الفريعة: كنية حسان بن ثابت الأنصارى، والفريعة: أمه، وهي فريعة بنت خالد بن خنيس بن لوذان. وأصل معنى الفريعة:
القملة. أو لعله الفارعة ثم صغره تصغير الترخيم.
[5] اليهود: كذا في ف، (ب 13: 148). وفي بقية الأصول: المهور، ولعله تحريف. وصليصل: تصغير صلصل، موضع بناحية المدينة، على سبعة أميال منها. وصدار، كغراب: موضع قرب المدينة، وفي ف: وصغار.
/
قوم إذا هدر العصير رأيتهم ... حمرا عيونهم من المسطار [1]
خلّو المكارم لستم من أهلها ... وخذوا مساحيكم بني النجار [2]
إن الفوارس يعرفون ظهوركم ... أولاد كل مقبّح أكار [3]
ذهبت قريش بالمكارم والعلا ... واللؤم تحت عمائم الأنصار [4]
فبلغ ذلك النعمان بن بشير، فدخل على معاوية، فحسر عمامته عن رأسه، وقال: يا أمير المؤمنين، أترى لؤما؟ قال: بل أرى كرما وخيرا. فما ذاك؟ قال: زعم الأخطل أن اللؤم تحت عمائم الأنصار. قال: أو فعل ذلك؟ قال: نعم. قال لك لسانه. وكتب فيه أن يؤتى به. فلما أتى به، سأل الرسول أن يدخله إلى يزيد أولا، فأدخله عليه. فقال له: هذا الذي كنت أخاف. قال: لا تخف شيئا. ودخل إلى معاوية، فقال: علام أرسل إلى هذا الرجل الذي يمدحنا، ويرمي من وراء جمرتنا [5]؟ قال: هجا الأنصار. قال: ومن زعم ذلك؟ قال: النعمان بن بشير. قال: لا تقبل قوله عليه، وهو المدعى/ لنفسه، ولكن تدعوه بالبينة، فإن أثبت شيئا أخذت به له. فدعاه بالبينة، فلم يأت بها، فخلى سبيله، فقال الأخطل:
وإنى غداة استعبرت أم مالك ... لراض من السلطان أن يتهددا [6]
/و لو لا يزيد ابن الملوك وسعيه ... تجللت حدبارا من الشر أنكدا [7]
فكم أنقدتني من خطوب حباله ... وخرساء لو يرمى بها الفيل بلدا [8]
ودافع عني يوم جلّق غمرة ... وهمّا ينسّيني الشراب المبرّدا [9]
وبات نجيّا في دمشق لحية ... إذا همّ لم ينم السليم وأقصدا [10]
يخافته طورا، وطورا إذا رأى ... من الوجه إقبالا ألحّ وأجهدا [11]
أبا خالد دافعت عني عظيمة ... وأدركت لحمي قبل أن يتبددا
__________
[1] المسطار: كذا في ف. وفي (ب 13: 148)، وفي بقية الأصول: المصطار، وهما لغتان في الخمر التي اعتصرت حديثا من أبكار العنب، أو الخمر الحامضة.
[2] المساحي: جمع مسحاة، وهي المجرفة من الحديد، يجرف بها الطين من على وجه الأرض. يهجوهم بأنهم حراثون، يقلبون الأرض بمساحيهم. وبنو النجار: فريق من أهل المدينة.
[3] الأكار: الحراث الزارع.
[4] كذا في ف. وفي أكثر الأصول: «بالمكارم كلها».
[5] أصل الجمرة: القبيلة التي لا تنضم إلى غيرها بحلف أو نحوه في القتال؛ والمراد هنا: الجماعة مطلقا.
[6] «غداة استعبرت»: كذا في ف و «الأغاني» (ب 13: 148). وفي جميع الأصول هنا: «و إن استعبرت». ويلزم على هذه الرواية قطع همزة الوصل للضرورة.
[7] تجللت: علوت. والحدبار من النوق: الضامرة التي قد يبس لحمها من الهزال، وبدا عظم ظهرها. وجعل ذلك مثلا للأمر الصعب.
وهذه رواية (ب 13: 149). وفي سائر الأصول هنا «تحللت جرباذاي» تحريف.
[8] الخرساء: كذا في «الأغاني» (ب 13: 149) وفي سائر الأصول: كرساء. تحريف. والخرساء: الداهية. وبلد: ضعف واستكان، أو سقط إلى الأرض. وفي ف: «عردا».
[9] الغمرة: الشدة. والشراب: كذا في ف. وفي الأصول: السلاف. وهو خالص الخمر، أو ما سال من العنب قبل أن يعصر.
[10] نجيا: مسارا. والحية هنا: الرجل الداهي الشديد. والسليم: الملدوغ. وأقصدت الحية الرجل: إذا عضته فمات في مكانه.
[11] البيت عن ف، مب.
وأطفأت عني نار نعمان بعدما ... أغذ لأمر فاجر وتجردا [1]
ولما رأى النعمان دوني ابن حرّة ... طوى الكشح إذ لم يستطعني وعرّدا [2]
حدّثني عمي، قال: حدّثنا أحمد بن الحارث الخراز، عن المدائني، عن أبي بكر الهذلي، قال:
لما أمر يزيد بن معاوية كعب بن الجعيل بهجاء الأنصار، قال له: أرادّي أنت إلى الكفر بعد الإسلام؟ أأهجو قوما آووا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم/ ونصروه؟! قال: أما إذ كنت غير فاعل فأرشدني إلى من يفعل ذلك. قال: غلام منا خبيث الدين نصراني، فدله على الأخطل.
تهاجي عبد الرّحمن بن حسان وعبد الرّحمن بن الحكم
أخبرنا محمد بن الحسن بن دريد، قال: حدّثنا أبو حاتم عن أبي عبيدة عن أبي الخطاب، قال:
لما كثر الهجاء بين عبد الرّحمن بن حسان بن ثابت وعبد الرّحمن بن الحكم بن أبي العاصي، وتفاحشا، كتب معاوية إلى سعيد بن العاصي وهو عامله على المدينة، أن يجلد كل واحد منهما مئة سوط، وكان ابن حسان صديقا لسعيد، وما مدح أحدا غيره قط، فكره أن يضربه أو يضرب ابن عمه، فأمسك عنهما. ثم ولي مروان. فلما قدم أخذ ابن حسان فضربه مئة سوط، ولم يضرب أخاه. فكتب ابن حسان إلى النعمان بن بشير وهو بالشام، وكان كبيرا أثيرا مكينا عند معاوية:
ليت شعري أغائب ليس بالشا ... م خليلي أم راقد نعمان [3]
أية ما يكن فقد يرجع الغا ... ئب يوما ويوقظ الوسنان
إن عمرا وعامرا أبوينا ... وحراما قدما على العهد كانوا
أفهم مانعوك أم قلة الك ... تّاب أم أنت عاتب غضبان
أم جفاء أم أعوزتك القراطي ... س أم امري به عليك هوان
يوم أنبئت أن ساقي رضّت ... وأتتكم بذلك الركبان
ثم قالوا إن ابن عمك في بل ... وى أمور أتى بها الحدثان
/ فنسيت [4] الأرحام والودّ والصح ... بة فيما أتت به الأزمان
إنما الرمح فاعلمنّ قناة ... أو كبعض العيدان لولا السنان
وهي قصيدة طويلة. فدخل النعمان بن بشير على معاوية، فقال: يا أمير المؤمنين، إنك أمرت سعيدا بأن يضرب ابن حسان وابن الحكم مئة مئة، فلم يفعل، ثم وليت أخاه،/ فضرب ابن حسان ولم يضرب أخاه: قال. فتريد ماذا [5]؟
__________
[1] أغذ: أسرع، وهذه رواية ف، مب. وفي بقية الأصول: أعد.
[2] البيت عن ف، مب. وعرد عنه: انحرف وبعد.
[3] ليس بالشام كذا في ف، مب. وفي بقية الأصول: أنت بالشام. وراقد: كذا في (ب 13: 152). وفي مب: شاهد. وفي بقية الأصول: عاتب، ويؤيد الرواية الأولى قوله في البيت بعده: «و يوفظ الوسنان».
[4] كذا في ب، وفي سائر الأصول المخطوطة: فتئط.
[5] أخر ماذا عن صدر الجملة مع أنها من ألفاظ الاستفهام التي لها صدر الكلام، وهو أسلوب عربي مخصوص بما إذا ركبت مع ذا (انظر حاشية يس على «التصريح»: باب الاسم الموصول).
قال: أن تكتب إليه بمثل ما كتبت به إلى سعيد. فكتب معاوية إليه يعزم عليه أن يضرب أخاه مئة. فضربه خمسين، وبعث إلى ابن حسان بحلة، وسأله أن يعفو عن خمسين. ففعل، وقال لأهل المدينة: إنما ضربني حد الحرمئة، وضربه حد العبد خمسين. فشاعت هذه الكلمة حتى بلغت ابن الحكم. فجاء إلى أخيه فأخبره، وقال: لا حاجة لي فيما عفا عنه ابن حسان. فبعث إليه مروان: لا حاجة لنا فيما تركت، فهلم فاقتص من صاحبك. فحضر فضربه مروان خمسين أخرى.
امرأته الكلبية
أخبرني الحسن بن علي، قال: أخبرنا أحمد بن الحارث، قال: حدثنا المدائني، عن يعقوب بن داود الثقفي ومعاوية بن محارب [1]:
أن معاوية تزوج امرأة من كلب، فقال لامرأته ميسون أم يزيد بن معاوية: ادخلي فانظري إلى ابنة عمك هذه [2]. فأتتها فنظرت إليها، ثم رجعت فقالت: ما رأيت مثلها، ولقد رأيت خالا تحت سرتها ليوضعنّ تحت مكانه في حجرها/ رأس زوجها. فتطير من ذلك، فطلقها، فتزوجها حبيب بن مسلمة، ثم طلقها، فتزوجها النعمان بن بشير، فلما قتل وضعوا رأسه في حجرها.
مقتله
قالوا: وكان النعمان بن بشير لما قتل الضحاك بن قيس بمرج راهط، في خلافة مروان بن الحكم، أراد أن يهرب من حمص، وكان عاملا عليها، فخالف ودعا لابن الزبير، فطلبه أهل حمص، فقتلوه واحتزوا رأسه. فقالت امرأته هذه الكلبية: ألقوا رأسه في حجري، فأنا أحق به. فألقوه في حجرها، فضمته إلى جسده، وكفنته ودفنته.
يغضب من معاوية فيرضيه
أخبرني هاشم بن محمد أبو دلف الخزاعي، قال: حدثنا أبو غسان دماذ، قال: حدثنا أبو عبيدة، قال:
نظر معاوية إلى رجل في مجلسه، فراقه حسنا وشارة وجسما، فاستنطقه فوجده سديدا. فقال له: ممن أنت؟
قال: ممن أنعم اللّه عليه بالإسلام، فاجعلني حيث شئت يا أمير المؤمنين. قال: عليك بهذه الأزد الطويلة العريضة، الكثير عددها، التي لا تمنع من دخل فيهم، ولا تبالي من خرج منهم. فغضب النعمان بن بشير، ووثب من بين يديه، وقال: أما واللّه أنك ما علمت لسيء المجالسة لجليسك، عاقّ بزورك [3]، قليل الرعاية لأهل الحرمة بك.
فأقسم عليه إلا جلس فجلس. فضاحكه معاوية طويلا، ثم قال له: إن قوما أولهم غسان وآخرهم الأنصار، لكرام.
وسأله عن حوائجه، فقضاها حتى رضى.
أوّل شعر قاله
نسخت من كتاب أبي سعيد السكري بخطه: أخبرنا ابن حبيب، قال: قال خالد بن كلثوم.
/ خرج النعمان بن بشير في ركب من قومه وهو يومئذ حديث السن، حتى نزلوا بأرض من الأردنّ يقال لها
__________
[1] كذا في ف، مب وفي بقية الأصول: مسلمة بن محارب.
[2] كانت ميسون بنت بحدل أم يزيد كلبية أيضا، وكليب من قضاعة.
[3] الزور: مصدر مراد به الزائر أو الزائرون.
حفير [1]، وحاضرتها بنو القين. فأهدت لهم امرأة من بني القين يقال لها ليلى، هدية [2]. فبينا القوم يتحدثون ويذكرون الشعراء، إذ قال بعضهم: يا نعمان هل قلت شعرا؟ قال: لا واللّه ما قلت، فقال شيخ من الحارث بن الخزرج [3] يقال له ثابت بن سماك: لم تقل شعرا قط؟ قال: لا. قال: فأقسم عليك لتربطن إلى هذه السرحة، فلا تفارقها حتى يرتحل القوم، أو تقول شعرا. فقال عند ذلك، وهو أول شعر قاله:
يا خليليّ ودعا دار ليلى ... ليس مثلي يحل دار الهوان
إن قينية تحل محبا ... وحفيرا فجنبتي ترفلان [4]
لا تؤاتيك في المغيب إذا ما ... حال من دونها فروع قنان [5]
/إن ليلى ولو كلفت بليلى ... عاقها عنك عائق غير وان [6]
قال: وضرب الدهر على ذلك، وأتى عليه زمن طويل. ثم أن ليلى القينية قدمت عليه بعد ذلك، وهو أمير على حمص، فلما رآها عرفها فأنشأ يقول:
ألا استأذنت ليلى فقلنا لها لجي ... ومالك ألا تدخلي بسلام
فإن أناسا زرتهم ثم حرّموا ... عليك دخول البيت غير كرام
وأحسن صلتها، ورفدها [7] طول مقامها، إلى أن رحلت عنه.
الأنصار خير ألقاب أهل المدينة
أخبرني عمي، قال: حدثنا عبد اللّه بن أبي سعد، قال: حدثني محمد بن الحسن بن مسعود، عن أبيه، عن مشيخة من الأنصار، قال:
حضرت وفود الأنصار باب معاوية بن أبي سفيان، فخرج إليهم حاجبه سعد أبو درة [8] - وقد حجب بعده عبد الملك بن مروان - فقالوا له: استأذن للأنصار. فدخل إليه وعنده عمرو بن العاص، فاستأذن لهم. فقال لهم عمرو:
ما هذا اللقب يا أمير المؤمنين؟ اردد القوم إلى أنسابهم. فقال معاوية: إني أخاف من ذلك الشّنعة. فقال: هي كلمة تقولها، إن مضت عضتهم [9] ونقصتهم، وإلا فهذا الاسم راجع إليهم. فقال له: اخرج فقل: من كان ههنا من ولد عمرو بن عامر فليدخل. فقالها الحاجب، فدخل ولد عمرو بن عامر كلهم إلا الأنصار. فنظر معاوية إلى عمرو نظرا
__________
[1] كذا في ف، مب ومعجم البلدان» لياقوت وفي البيت الثاني من الأبيات الآتية. وقد اشتبه أمره على ياقوت، فذكر الشعر الآتي مرة ثانية في رسم ضفير. والصواب: حفير، بالحاء المهملة.
[2] ج: هبة.
[3] كذا في ف، مب، ج. وفي الأصول: الحارث بن الحارث. وفي ج بعدها خرم بمقدار اثنتي عشرة صفحة من مطبوعة بولاق.
[4] محب وحفير وترفلان: مواضع بالشام. وفي «معجم البلدان» لياقوت: «فحفيرا فجنتي ترفلان».
[5] قنان: جبل بأعلى نجد.
[6] في «معجم البلدان»: وإن، في موضع: ولو. وهي أجود. وغيروان: كذا في ف، مب، و «معجم ياقوت». وفي الأصول: «و أوان».
تحريف.
[7] كذا في ف، مب. وفي الأصول: فاستحسن صلتها وزودها. وفي س و «الديوان»: فأحسن صلتها وزودها.
[8] كذا في ف، مب. وفي الأصول: أبو درة.
[9] كذا في ف. وفي مب، و «الديوان»: عضضتهم. وفي الأصول: عرتهم.
منكرا، فقال له: باعدت جدا. فقال: اخرج فقل: من كان ههنا من الأوس والخزرج فليدخل. فخرج فقالها، فلم يدخل [1] أحد. فقال له معاوية: أخرج فقل: من كان ههنا من الأنصار فليدخل. فخرج فقالها، فدخلوا يقدمهم النعمان بن بشير وهو يقول:
يا سعد لا تعد الدعاء فما لنا ... نسب نجيب به سوى الأنصار [2]
نسب تخيّره الإله لقومنا ... أثقل به نسبا على الكفار [3]
إن الذين ثووا ببدر منكم ... يوم القليب هم وقود النار
/ فقال معاوية لعمرو: قد كنا أغنياء عن هذا [4].
الشعراء من آل النعمان
والنعمان بن بشير: هو من المعروفين في الشعر سلفا وخلفا، جده شاعر، وأبوه شاعر، وعمه شاعر، وهو شاعر، وأولاده وأولاده شعراء.
فأما جده سعد بن الحصين [5] فهو القائل.
إن كنت سائلة والحق معتبة ... فالأزد نسبتنا والماء غسان [6]
شم الأنوف لهم عز ومكرمة ... كانت لهم من جبال الطّود أركان [7]
وعمه الحسين بن سعد أخو بشير بن سعد، القائل:
إذا لم أزلا إلا لآكل أكلة ... فلا رفعت كفي إليّ طعامي
فما أكلة إن نلتها بغنيمة ... ولا جوعة إن جعتها بغرام
وأبوه بشير بن سعد الذي يقول [8]:
__________
[1] عن ف ومب.
[2] كذا في ف، مب. وفي الأصول: لا تجب الدعاء. وفي «الديوان»: لا تعد النداء ... نجيب له.
[3] كذا في ف، مب و «الديوان». وفي الأصول: إلى الكفار.
[4] زاد «الديوان» في هذا الخبر هنا: «فقام مغضبا فانصرف، فبعث فيه معاوية، فرده وترضاه، وقضى حوائجه وحوائج من كان معه من الأنصار، وقال لعمرو: قد كنا عن هذا أغنياء».
[5] كذا في جميع الأصول. وهو غلط من المؤلف نبه عليه ناشر «الديوان». ولعل صوابه: سعد أبو الحسين. والحسين: عم النعمان بن بشير. والبيتان المنسوبان إليه ينسبان أيضا إلى حسان بن ثابت، وهما في «ديوانه» مع بعض اختلاف في الرواية.
[6] معتبة: موجدة. يريد أن الحق يثقل على النفوس سماعه، فيورث العتاب والغضب. وفي «ديوان حسان»: مغضبة. ويروى الشطر الأول في «ديوان النعمان» (ص 13) و «سيرة ابن هشام» (1: 10) «إما سألت فإنا معشر نجب»، وفي «ديوان حسان» و «سيرة ابن هشام»: «الأسد نسبتنا»: والأسد: لغة في الأزد، وهو الأسد بن الغوث، من أجود الأنصار. وغسان: ماء بسد مأرب باليمن، كان شربا لبني مازن بن الأزد بن الغوث، وهم الأنصار وبنو جفتة وخزاعة. ويقال: غسان: ماء بالمشلل، قريب من الجحفة: (عن «معجم البلدان» لياقوت).
[7] جبال الطود: هي جبال السراة. وفي «ديوان حسان»: «كجبال الطود»، وفيه أيضا: «لهم مجد».
[8] ذكر ياقوت الأبيات: 1، 2، 5 وبيتا آخر من القصيدة، ونسبها لبشير بن سعد أبي النعمان، ونسبها السكري إلى حسان بن ثابت، وهي في «ديوانه» (ص 42). وتنسب أيضا لسعد بن الحصين من بني الحارث بن الخزرج. ويبدو أن الأبيات المذكورة هنا ملفقة من أقوال هؤلاء الشعراء لأن المعنى غير متسق فيها جميعها.
/
لعمرة بالبطحاء بين معرّف ... وبين المطاف مسكن ومحاضر [1]
لعمري لحيّ بين دار مزاحم ... وبين الجثا لا يجشم السير حاضر [2]
وحي حلال لا يروع سربهم ... لهم من وراء القاصيات زوافر [3]
أحق بها من فتية وركائب ... يقطع عنها الليل عوج ضوامر [4]
/تقول وتذري الدمع عن حر وجهها ... لعلك نفسي قبل نفسك باكر [5]
أباح لها بطريق فارس غائطا ... لها من ذرا الجولان بقل وزاهر [6]
/فقرّبتها للرحل وهي كأنها ... ظليم نعام بالسماوة نافر
فأوردتها ماء فما شربت به ... سوى أنه قد بلّ منها المشافر
فباتت سراها ليلة ثم عرست ... بيثرب والأعراب باد وحاضر
قال خالد بن كلثوم:
غضبه من هجاء الأخطل للأنصار
ودخل النعمان بن بشير على معاوية لما هجا الأخطل الأنصار، فلما مثل بين يديه أنشأ يقول:
معاوي إلّا تعطنا الحق تعترف ... لحى الأزد مشدودا عليها العمائم
أيشتمنا عبد الأراقم ضلة ... وماذا الذي تجدى عليك الأراقم [7]
__________
[1] الظاهر من رواية (ف) أن البطحاء، هي بطحاء مكة. ومعرف: موضع الوقوف بعرفات، والمطاف: حيث يطوف الناس بالبيت. وفي الأصول: بيت، في مكان: «بين» الأولى. والبطاح، في مكان: «المطاف». والمعنى على هذه قريب من معنى الرواية الأولى. فهما تحددان مواضع قرب مكة. وفي «ديوان حسان» و «معجم البلدان» لياقوت: «لعمرك» في مكان «لعمرة». وفي «ديوان حسان» أيضا:
«نطاة» في مكان «البطاح». وفي «معجم ياقوت»: «النطاق»، وعلى هذه الروايات الأخيرة يختلف معنى البيت، إذ يكون قصد الشاعر تحديد مكان قريب من المدينة، وهو الأشبه بالشاعر، لقرب موطنه (المدينة) من هذه الأماكن.
[2] الجثا: الحجارة التي توضع على حدود الحرم، أو هي الأنصاب التي كانت تذبح عليها الذبائح، واحدتها جثوة. وجثا أيضا كربا:
جبل من جبال أجأ، مشرف على رمل طيى ء. والجثوة أيضا: حجارة من تراب متجمع كالبقر.
[3] الحي الحلال: القوم المقيمون بأرضهم. والسرب: المال الراعي من الإبل، أو من جميع الماشية. والقاصيات: جمع قاصية:
موضع، ولعله جمعه بما حوله. والزوافر: جمع زافرة، وهم الرهط والعشيرة والأنصار. وفي الأصول: «وحي حلال لا يكثر»، تحريف. وفي «ديوان حسان»: لا يكمش، أي لا يساق بإعجال.
[4] قبل هذا البيت في «ديوان حسان» بيت آخر، وهو.
إذا قيل يوما اظعنو قد أتيتم ... أقاموا ولم تجلب إليهم أباعر
ويظهر لنا أن الأبيات غير متلاحقة، أو ليست من قصيدة واحدة، لغموض الصلة بينها. والعوج: جمع أعوج وعوجاء، وهو من الخيل والإبل ما كان في يديه عوج، وهو من الصفات المستحسنة فيها. والضوامر: جمع ضامر وضامرة، وهي القليلة اللحم والشحم.
[5] لعل الضمير في تقول يرجع إلى «عمرة». وتذري: تسقط. وباكر: وصف من بكر إذا تقدّم، تريد أنك مقدم على إهلاكي قبل أن تهلك نفسك بهذه الرحلة.
[6] الغائط: المكان المنخفض يزرع.
[7] الأراقم: أحياء من تغلب، وهم ستة: جشم، ومالك، وعمرو، وثعلبة، ومعاوية، والحارث، بنو بكر بن حبيب بت غنم بن تغلب.
ويريد بعبد الأراقم: الأخطل. أي عبد من الأراقم.
فمالي ثأر غير [1] قطع لسانه ... فدونك من يرضيه عنك الدراهم
وأرع رويدا لا تسمتا دنية ... لعلك في غب الحوادث نادم [2]
متى تلق منا عصبة خزرجية ... أو الأوس يوما تخترمك المخارم [3]
وتلقك خيل كالقطا مسبطرّة ... شماطيط أرسال عليها الشكائم [4]
يسوّمها العمران عمرو بن عامر ... وعمران حتى تستباح المحارم
ويبدو من الخود الغريرة حجلها ... وتبيض من هول السيوف المقادم
فتطلب شعب الصدع بعد انفتاقه ... فتعيا به فالآن والأمر سالم
/ وإلا فبزّي لأمة تبعيه ... مواريث آبائي وأبيض صارم
وأجرد خوّار العنان كأنه ... بدومة موشيّ الذراعين صائم [5]
وأسمر خطّي كأن كعوبه ... نوى القسب فيها لهذميّ ضبارم [6]
فإن كنت لم تشهد ببدر وقيعة ... أذلت قريشا والأنوف رواغم
فسائل بنا حي لؤيّ بن غالب ... وأنت بما تخفي من الأمر عالم
أ لم تبتدركم يوم بدر سيوفنا ... وليلك عما ناب قومك نائم [7]
ضربناكم حتى تفرّق جمعكم ... وطارت أكف منكم وجماجم
وعاذت على البيت الحرام عوانس ... وأنت على خوف عليك تمائم [8]
وعضت قريش بالأنامل بغضة ... ومن قبل ما عضت علينا الأباهم [9]
فكنا لها في كل أمر تكيده ... مكان الشّجا والأمر فيه تفاقم
فما إن رمى رام فأوهى صفاتنا ... ولا ضامنا يوما من الدهر ضائم
وإني لأغضي عن أمور كثيرة ... سترقى بها يوما إليك السلالم
أصانع فيها عبد شمس وانني ... لتلك التي في النفس مني أكاتم
__________
[1] «غير» كذا في ف. وفي الأصول: «دون».
[2] «و أرع رويدا» أي كن برعيتك شفيقا. وفي الأصول عدا ف: «وراغ».
[3] تخترمك: تهلكك. والمخارم: الطرق في الجبال. يريد: نغزوك فتصبح طريدا تتجاذبك مخارم الجبال، فتهلك.
[4] مسبطرة: طويلة سريعة. والشماطيط: المتفرّقة المتتابعة. والأرسال: جمع رسل، بمعنى الشماطيط.
[5] البيت عن ف وحدها، مب. ورواية الأخيرة: صارم.
[6] القسب: التمر اليابس يتفتت في الفم، صلب النوى، تشبه بنواه الرماح في الصلابة. واللهذم واللهذمي: القاطع من الأسنة.
والضبارم: الشديد الخلق من الأسد، استعاره وصفا للرمح. وفي ف، مب: خثارم. وفي بقية الأصول: حيازم، ولعلها تحريف عما أثبتناه.
[7] «ليلك نائم»: كذا في ف. يريد وأنت نائم غافل في ليلك. وفي الأصول: قائم. وهي صحيحة.
[8] عاذت على البيت: كذا في الأصول. والذي في «المعاجم»: عاذ بكذا، إذا التجأ إليه، فلعل الأصل: عاذت إلى البيت.
[9] كذا في ف، مب. وفي الأصول: الأداهم.
فلا تشتمنّا يابن حرب فإنما ... ترقّي إلى تلك الأمور الأشائم [1]
فما أنت والأمر الذي لست أهله ... ولكن ولي الحق والأمر هاشم
/ إليهم يصير الأمر بعد شتاته ... فمن لك بالأمر الذي هو لازم
بهم شرع اللّه الهدى واهتدى بهم ... ومنهم له هاد إمام وخاتم
ينصر عبد الرّحمن بن حسان
/ قال: فلما بلغت هذه الأبيات معاوية، أمر بدفع الأخطل إليه، ليقطع لسانه. فاستجار بيزيد بن معاوية، فمنع منه، وأرضوا النعمان، حتى رضى وكف عنه.
وقال عمرو بن أبي عمرو الشيباني عن أبيه: لما ضرب مروان بن الحكم عبد الرّحمن بن حسان الحد، ولم يضرب أخاه، حين تهاجيا وتقاذفا، كتب عبد الرّحمن إلى النعمان بن بشير يشتكي ذلك إليه، فدخل إلى معاوية، وأنشأ يقول:
يابن أبي سفيان ما مثلنا ... جار عليه ملك أو أمير
اذكر بنا مقدم أفراسنا ... بالحنو إذ أنت إلينا فقير
واذكر غداة الساعديّ الذي ... آثركم بالأمر فيها بشير [2]
واحذر عليهم مثل بدر فقد ... مربكم يوم ببدر عسير
إن ابن حسان له ثائر ... فأعطه الحق تصحّ الصدور [3]
ومثل أيام لنا شتتت ... ملكا لكم أمرك فيها صغير
أما ترى الأزد وأشياعها ... نحوك خزرا كاظمات تزير [4]
يطوف [5] حولي منهم معشر ... إن صلت صالوا وهم لي نصير
/ يأبى لنا الضيم فلا يعتلي ... عز منيع وعديد كثير
وعنصر في حرّ جرثومة ... عاديّة تنقل عنها الصخور [6]
لقب الأنصار
أخبرني محمد بن خلف وكيع، قال: حدّثني أحمد بن الهيثم الفراسي، قال: حدّثني العمري، عن الهيثم بن عديّ، قال:
__________
[1] البيت: عن ف، مب. والأشائم بالرفع نعت مقطوع عما قبله.
[2] الساعديّ: يريد اليوم الساعدي، نسبة إلى بني ساعدة من الأنصار أصحاب السقيفة، وقد كان بشير بن سعد أبو النعمان أوّل أنصاري بايع أبا بكر بالخلافة، مؤثرا بها قريشا على قومه.
[3] ثائر: ناصر، يثور له ويطالب بحقه.
[4] نحوك: كذا في ف، مب. وفي الأصول: تجول. والخزر: جمع أخزر، وهو الذي ينظر بمؤخر عينه غضبا. وتزير: تصيح غضبا كالأسد، وأصله تزئر، بوزن تضرب، فسهل الهمزة.
[5] يطوف: كذا في ف، مب. وفي الأصول: يصول.
[6] حر جرثومة: كذا في ف. وفي الأصول: عز جرثومة. والجرثومة: الأصل.
حضرت الأنصار باب معاوية ومعهم النعمان بن بشير، فخرج إليهم سعد أبو درّة، وكان حاجب معاوية، ثم حجب عبد الملك بن مروان، فقال: استأذن لنا. فدخل، فقال لمعاوية: الأنصار بالباب. فقال له عمرو بن العاص: ما هذا اللقب الذي قد جعلوه نسبا؟ أرددهم إلى نسبهم. فقال معاوية: إن علينا في ذلك شناعة. قال: وما في ذلك؟ إنما هي كلمة مكان كلمة، ولا مردّ لها. فقال له معاوية: اخرج فناد من بالباب من ولد عمرو بن عامر فليدخل. فخرج فنادى بذلك، فدخل من كان هناك منهم سوى الأنصار. فقال له: أخرج فناد من كان ههنا من الأوس والخزرج فليدخل. فخرج فنادى ذلك، فوثب النعمان بن بشير، فأنشأ يقول:
يا سعد لا تعد الدعاء فما لنا ... نسب نجيب به سوى الأنصار
نسب تخيره الإله لقومنا ... أثقل به نسبا على الكفار
إن الذين ثووا ببدر منكم ... يوم القليب هم وقود النار
وقام مغضبا وانصرف. فبعث معاوية فردّه، فترضاه وقضى حوائجه وحوائج من حضر معه من الأنصار.
مختار شعره
ومن مختار شعر النعمان قوله، رواها خالد بن كلثوم، واخترت منها:
إذا ذكرت أم الحويرث أخضلت ... دموعي على السربال أربعة سكبا [1]
/كأني لما فرّقت بيننا النّوى ... أجاور في الأغلال تغلب أو كلبا
/ وكنا كماء العين والجفن لا ترى ... لواش بغى نقض الهوى بيننا إربا [2]
فأمسى الوشاة غيّروا ودّ بيننا ... فلا صلة ترعى لديّ ولا قربى
جرى بيننا سعي الوشاة فأصبحت ... كأنّي - ولم أذنب - جنيت لها ذنبا
فإن تصرميني تصرمي بي واصلا ... لدي الود معراضا إذا ما التوى صعبا
عزوفا إذا خاف الهوان عن الهوى ... ويأبى فلا يعطي مودته غصبا
فإن أستطع أصبر وإن يغلب الهوى ... فمثل الذي لاقيت كلفني نصبا [3]
واخترت هذه الأبيات من قصيدة أخرى، وأوّلها:
أهيّج دمعك رسم الطلل ... عفا غير مطّرد كالخلل [4]
نعم فاستهلّ لعرفانه ... يسح ويهمي بفيض سبل [5]
ديار الألوف وأترابها ... وأنت من الحب كالمختبل [6]
__________
[1] أخضل الدمع الثوب: بله. وقد ضمنه الشاعر معنى سقط، فعداه بعلي.
[2] الجفن: كذا في ف، مب. وفي الأصول: الحسير. تحريف. والإرب: الحاجة.
[3] النصب: الداء والبلاء والشر.
[4] الخلل: جمع خلة، وهي بطانة تنقش بالذهب، يغشى بها جفن السيف.
[5] استهل: جرى وسال. والسيل: المطر الجود الهاطل. ورواية الشطر الثاني في «الديوان» ص 10: «سراعا وجادت بفيض سبل».
[6] رواية الشطر الثاني في «الديوان»: «إذا أنت ملحب كالمختبل».
ليالي تسبي قلوب الرجا ... ل تحت الخدور بحسن الغزل
من الناهضات بأعجازهنّ ... حين يقوم جزيل الكفل
كأن الرّضاب وصوب السحا ... ب بات يشاب بذوب العسل
من الليل خالط أنيابها ... بعيد الكرى واختلاف العلل [1]
/أخذ هذا المعنى جميل منه، فقال:
وكأن طارقها على علل الكرى ... والنجم وهنا قد دنا لتغوّر [2]
يشتمّ ريح مدامة معلولة ... بسحيق مسك في ذكي العنبر [3]
وفي هذه القصيدة يقول النعمان:
وأورع ذي شرف حازم ... صروم وصول حبال الخلل [4]
كريم البلاء صبور اللقا ... ء صافي الثناء قليل العذل [5]
عظيم الرماد طويل العما ... د واري الزناد بعيد القفل [6]
أقمت له ولأصحابه ... عمود السّرى بذمول رمل [7]
مداخلة سرحة جسرة ... على الأين دوسرة كالجمل [8]
عبد اللّه بن النعمان
ومن شعراء ولد النعمان بن بشير، ابنه عبد اللّه بن النعمان، وهو القائل:
ماذا رجاؤك غائبا ... من لا يسرّك شاهدا
وإذا دنوت يزيده ... منك الدنو تباعدا
__________
[1] اختلاف العلل: حدوث النوم بعد النوم. ورواية «الديوان»:
من الليل شارك أنيابها ... بعيد الرقاد وبعيد الكسل
[2] وهنا: ساعة في وسط الليل.
[3] يشتم: كذا في ف، مب. وفي الأصول: كنسيم. وفي «الأغاني» (8: 101): يستاف: وهو بمعنى يشتم. ورواية البيت في هذا الموضع من «الأغاني»:
يستاف ريح مدامة معجونة ... بذكي مسك أو سحيق العنبر
[4] الأروع من الرجال: الذي يعجبك حسنه. والخلل: جمع خلة، وهي الحبيبة. ورواية الشطر الأول في «الديوان»:
وأفيح ذي سرب حازم
[5] في «الديوان»: «قليل العلل».
[6] القفل: كذا في مب، و «الديوان»، وهو الرجوع من أماكن الغزو البعيدة. وفي بقية الأصول: العقل. تحريف.
[7] العمود: طريق السير الذي تستقيم عليه السيارة. والذمول: الناقة تسير الذميل، وهو ضرب من سير الإبل فوق العنق. ورمل: أي ذات رمل، وهو ضرب من السير السريع، وهو الهرولة. وفي «الديوان»: «و لأشباهه» في مكان «و لأصحابه».
[8] مداخلة: كذا في ف، مب، أ، «الديوان». وهي المكتنزة المدمجة الخلق. وفي س: بذعلبة، وهي الناقة السريعة، شبهت بالذعلبة، وهي النعامة. والسرحة: الطويلة الجسم، وأصلها الشجرة العظيمة. والجسرة: الماضية، أو الطويلة الضخمة. والأين: التعب والكلال. والدوسرة: الضخمة الشديدة.
عبد الخالق بن أبان
ومنهم عبد الخالق بن أبان بن النعمان بن بشير، شاعر مكثر، وهو القائل في قصيدة طويلة:
وشاد أبونا الشيخ عمرو بن عامر ... بأعلى ذرا العلياء ركنا تأثلا
وخطّ حياض المجد مترعة لنا ... ملاء فعلّ الصفو منها وأنهلا
وأشرع فيها الناس بعد، فما لهم ... من المجد إلا سؤره حين أفضلا [1]
وفي غيرنا مجد من الناس كلهم ... فأما كمثل العشر من مجدنا فلا
/ وله أشعار كثيرة لم أحب الإطالة بذكرها.
شبيب بن يزيد
ومنهم شبيب بن يزيد [2] بن النعمان بن بشير، شاعر مكثر مجيد، وهو القائل من قصيدة طويلة، يعاتب بني أمية عند اختلاف أمرهم في أيام الوليد بن يزيد وبعده، أوّلها:
يا قلب صبرا جميلا لا تمت حزنا ... قد كنت من أن ترى جلد القوى قمنا [3]
يقول فيها:
بل أيها [4] الراكب المزجي مطيته ... لقّيت حيث توجهت الثّنا الحسنا
/ أبلغ أمية أعلاها وأسفلها ... قولا ينفّر عن نوّامها الوسنا
إن الخلافة أمر كان يعظمه ... خيار أوّلكم قدما وأوّلنا
فقد بقرتم بأيديكم بطونكم ... وقد وعظتم فما أحسنتم الأذنا [5]
أغريتم بكم جهلا عدوكم ... في غير فائدة فاستوسقوا سننا [6]
لما سفكتم بأيديكم دماءكم ... بغيا وغشّيتم أبوابكم درنا
إبراهيم بن بشير
ومنهم إبراهيم بن بشير بن سعد، أخو النعمان، شاعر مكثر، وهو القائل في قصيدة طويلة:
أشاقتك أظعان الحدوج البواكر ... كنخل النّجير الشامخات المواقر [7]
__________
[1] أشرع فيها الناس: أي وردوا حياض المجد بعده. والسؤر: البقية تبقى في الحوض ونحوه بعد الشرب. وكذا ورد البيت في مب.
وفي ف: ما لهم من الجد. وفي بقية الأصول و «الديوان»: فنالهم من المجد.
[2] كذا في ف، مب. وفي الأصول: زيد.
[3] يقال: قمن بكذا، وقمن منه: جدير به.
[4] كذا في ف، مب. وفي الأصول و «الديوان»: يأيها.
[5] أذن له أذنا (بتحريك الذال): استمع.
[6] البيت عن ف، مب. وفي مب: أعثرتم، في موضع: أغريتم. واستوسقوا: اجتمعوا والسنن: الطريق الواضح. يريد: اجتمعوا واتفقوا على عدوانكم.
[7] النجير: مكان. والمواقر: جمع موقرة، وهي ذوات الأحمال. وفي «الديوان»: الكارعات، في موضع: الشامخات.
على كل فتلاء الذراعين جسرة ... وأعيس نضّاخ المهدّ عذافر [1]
نعم فاستدرت عبرة العين لوعة ... وما أنت عن ذكرى سليمى بصابر
ولم أرسلمى بعد إذ نحن جيرة ... من الدهر إلا وقفة بالمشاعر
ألا ربّ ليل قد سريت سواده ... إلى ردح الأعجاز غرّ المحاجر [2]
/ليالي يدعوني الصّبا فأجيبه ... أجر إزاري عاصيا أمر زاجري
وإذ لمتي مثل الجناح أثيثة ... أمشّي الهوينى لا يروّع طائري
فأصبحت قد ودعت كم بغيره ... مخافة ربي يوم تبلى سرائري [3]
حميدة بنت بشير
وبنت النعمان بن بشير، واسمها حميدة، كانت شاعرة ذات لسان وعارضة وشر، فكانت تهجو أزواجها.
وكانت تحت الحارث بن خالد المخزومي، وقيل بل كانت تحت المهاجر بن عبد اللّه بن خالد، فقالت فيه:
كهول دمشق وشبانها ... أحب إليّ من الجاليه [4]
صماحهم كصماح التيو ... س أعيا على المسك والغاليه [5]
وقمل يدب دبيب الجراد ... أكاريس أعيا على الفاليه [6]
فطلقها. فتزوّجها روح بن زنباع، فهجته، وقالت تخاطب أخاها الذي زوّجها من روح، وتقول:
أضل اللّه حلمك من غلام ... متى كانت مناكحنا جذام
أترضى بالأكارع والذّنابى ... وقد كنا يقر لنا السنام
وقالت تهجو روحا.
بكى الخزّ من روح وأنكر جلده ... وعجّت عجيجا من جذام المطارف
وقال العباء نحن كنا ثيابهم ... وأكسية كدريّة وقطائف [7]
__________
[1] فتلاء الذراعين: في ذراعيها فتل وبعد عن الجنبين، وهو صفة مستحسنة في الناقة. والجسرة: الماضية أو الطويلة الضخمة. وفي الأصول عدا ف: مهجر، وهي الناقة الفائقة في الشحم والسمن. وجمل أعيس: فيه أدمة. والنضاخ: من النضخ وهو شدة فور الماء في جيشانه وانفجاره من ينبوعه. والمهد: مصدر ميمي بمعنى المهدّ، وهو هدير الفحل، شبه صوته عند هديره بجيشان الماء إذا فارعن الينبوع. وجمل عذافر: صلب عظيم شديد.
[2] ردح: جمع رداح، وهي الضخمة. وفي مب: رجح. والأعجاز: كذا في ف، مب. وفي الأصول: الأكفال.
[3] تبلى: تختبر.
[4] الجالية: القوم الذين جلوا عن بلادهم.
[5] الصماح: العرق المنتن، وهو الصنان. وصماحهم كصماح: كذا في ف، مب. وفي الأصول: صنانهم كصنان. وفي «ديوان النعمان» (ص 41): له دفر كصنان. والدفر: هو الصنان.
[6] أكاريس: جمع أكراس، وهذا جمع كراس بالكسر، وهو الجماعة من كل شيء. كذا رواية الشطر في ف. وفي الأصول و «الديوان»:
(دأعيا على الغالي والغالية). وفي مب: (دأعيا الغداة على الغالية).
[7] العباء: نوع من ثياب الأعراب غليظ خشن. ورواية الشطر الأول في «الديوان»: «و قال العبا قد كنت حينا ثيابهم».
/ فطلقها روح، وقال: سلط اللّه عليك بعلا يشرب الخمر ويقيئها في حجرك. فتزوّجت بعده الفيض بن أبي عقيل الثقفي، وكان يسكر ويقيء في حجرها. فكانت تقول: أجيبت فيّ دعوة روح. وقالت في الفيض:
سمّيت فيضا وما شيء تفيض به ... إلا بسلحك بين الباب والدار [1]
فتلك دعوة روح الخير أعرفها ... سقى الإله صداه الأوطف الساري [2]
وقالت فيه:
وهل أنا إلا مهرة عربية ... سليلة أفراس تجلّلها بغل [3]
فإن نتجت مهرا كريما فبالحرى ... وإن كان إقراف فما أنجب الفحل [4]
هكذا روى خالد بن كلثوم هذين البيتين لها، وغيره يرويهما لمالك بن أسماء لما تزوّج الحجاج أخته هندا.
وهي القائلة لما تزوّج الحجاج أختها أم أبان:
قد كنت أرجو بعض ما يرجو الراج ... أن تنكحيه ملكا أو ذا تاج
إذا تذكرت نكاح الحجاج ... تضرّم القلب بحزن وهّاج
وفاضت العين بماء ثجّاج ... لو كان نعمان قتيل الأعلاج
مستوي الشخص صحيح الأوداج ... ما نلت ما تلت بختل الدّراج [5]
فأخرجها الحجاج من العراق، وردها إلى الشأم.
صوت
نفرت قلوصي من حجارة حرّة ... بنيت على طلق اليدين وهوب
لا تنفري يا ناق منه فإنه ... شرّيب خمر مسعر لحروب
لا يبعدنّ ربيعة بن مكدّم ... وسقى الغوادي قبره بذنوب
لو لا السّفار وبعد خرق مهمه ... لتركتها تحبو على العرقوب [6]
__________
[1] بسلحك: كذا في الأصول. وفي «الديوان» (ص 39): بجعرك.
[2] البيت عن ف و «الديوان». والصدى: عظام الموتى تصير هامة فتطير كزعم الجاهلية (عن «تاج العروس»). والأوطف: السحاب المسترخي الجوانب لكثرة مائه.
[3] روى ابن قتيبة في «أدب الكتاب» الشطر الأول: «و هل هند إلا مهرة عربية» ونسب الشعر إلى هند بنت النعمان بن بشير، أخت حميدة. وأنكر بعضهم لفظ «بغل» بالباء، وقالوا: هي تصحيف، والصواب نغل بالنون، بوزن سهم وكنف، وهو الخسيس من الناس والدواب، أو الفاسد النسب (انظر «التاج» في نغل).
[4] إقراف: كذا في ف. وفي الأصول: إقرافا. وفي «الديوان»: وإن يك إقراف فما أنجب: وكذا في مب. وفي بقية الأصول و «الديوان»: فمن قبل الفحل.
[5] ختل: خداع. والدراج: طائر شبيه بالحجل وأكبر منه، أرقط بسواد وبياض، قصير المنقار، شبهت به أختها.
[6] يريد لو لا طول رحلته في الفلوات المترامية لعقر ناقته على قبر ربيعة بن مكدم. قال صاحب «العقد الفريد» (يوم الكديد): وكان ربيعة بن مكدم يعقر على قبره في الجاهلية، ولم يعقر على قبر أحد غيره.
يقال إن الشعر لحسان بن ثابت الأنصاريّ، ويقال: إنه لضرار بن الخطاب الفهريّ.
أخبرني أبو خليفة إجازة عن محمد بن سلام، قال: الصحيح أن هذه الأبيات لعمرو بن شقيق، أحد بني فهر بن مالك. ومن الناس من يرويها لمكرّز بن حفص بن الأحنف الفهري [1]، وعمرو بن شقيق أولى بها.
والغناء [2] لمالك: خفيف ثقيل بإطلاق الوتر في مجرى البنصر [2].
__________
[1] الفهري: كذا في ف. وفي بقية الأصول: العامري. ونسب أبو تمام في «الحماسة» (2: 187) الأبيات إلى حفص بن الأحنف الكناني. ونسبها التبريزي عن أبي رياش إلى حفص بن الأحنف العامري، وإلى كرز بن خالد الفهري. وفي الاسم الذي ذكره المؤلف تلفيق من هذه الأسماء. ويوم الكديد مذكور في «شرح الحماسة»، مع بعض الاختلاف في التفاصيل والأقوال والأشعار.
(2 - 2) العبارة عن ف، مب.
4 - أخبار مقتل ربيعة ونسبه
نسبه ومقتله
وهذا الشعر قيل في قتل ربيعة بن مكدّم بن عامر بن حرثان بن جذيمة بن علقمة بن جذل الطّعان بن فراس بن عثمان بن ثعلبة بن مالك بن كنانة، أحد فرسان مضر المعدودين، وشجعانهم المشهورين، قتله نبيشة بن حبيب السّلمى في يوم الكديد.
وكان السبب في ذلك فيما ذكره محمد بن الحسن بن دريد، إجازة عن أبي حاتم، عن أبي عبيدة؛ ونسخته أيضا من رواية الأصمعي وحماد صاحب أبي غسان دماذ والأثرم، فجمعتها ههنا.
قال أبو عبيدة: قال أبو عمرو بن العلاء: وقع تدارؤ [1] بين نفر من بني سليم بن منصور وبين نفر من بني فراس بن مالك بن كنانة، فقتلت بنو فراس رجلين من بني سليم بن منصور،/ ثم إنهم ودوهما. ثم ضرب الدهر ضربانه، فخرج نبيشة بن حبيب السلمي غازيا، فلقى ظعنا من بني كنانة بالكديد، في نفر من قومه، وبصربهم [2] نفر من بني فراس بن مالك، فيهم عبد اللّه بن جذل الطعمان بن فراس، والحارث بن مكدم أبو الفارعة، قال: بعضهم أبو الفرعة، أخو ربيعة بن مكدم، قال: وهو مجدور يومئذ يحمل في محفة، فلما رآهم أبو الفارعة، قال: هؤلاء بنو سليم يطلبون دماءهم. فقال أخوه ربيعة بن مكدم: أنا أذهب حتى أعلم علم القوم، فآتيكم بخبرهم. فتوجه نحوهم، فلما ولّى، قال بعض الظعن: هرب/ ربيعة. فقالت أخته أم عزة بنت مكدم: أين تنتهي نفرة الفتى؟
فعطف وقد سمع قول النساء، فقال:
لقد علمن أنّني غير فرق ... لأطعنن طعنه وأعتنق
أعمل فيهم حين تحمر الحدق ... عضبا حساما وسنانا يأتلق [3]
قال: ثم انطلق يعدو به فرسه، فحمل عليه بعض القوم، فاستطرد له في طريق الظعت. وانفرد به رجل من القوم، فقتله ربيعة. ثم رماه نبيشة أو طعنه، فلحق بالظعن يستدمي، حتى أتى إلى أمه أم سيار، فقال: اجعلي على يدي عصابة، وهو يرتجز ويقول:
شدي عليّ العصب أم سيار ... لقد رزيت فارسا كالدينار
يطعن بالرمح أمام الأدبار
__________
[1] تدارؤ: تدافع في خصومة واختلاف.
[2] كذا في ف، مب. وفي الأصول: في ركب من قومه وظفر بهم.
[3] كذا ورد الشعر في مب. وفي ف: «و أصبحهم حين تحمر الحدق». وفي بقية الأصول: «أصبحهم صاح بمحمر الحدق». وكلاهما محرف.
فقالت أمه:
إنا بنو ثعلبة بن مالك ... مرزّأ أخيارنا كذلك
من بين مقتول وبين هالك ... ولا يكون الرزء إلا ذلك
قال أبو عبيدة: وشدّت أمه عليه عصابة. فاستسقاها ماء، فقالت: إنك إن شربت الماء مت، فكرّ على القوم. فكر راجعا يشد على القوم ويذبّهم، ونزفه الدم حتى اثخن، فقال للظعن: أوضعن [1] ركابكن خلفي، حتى تنتهين إلى أدنى بيوت الحي، فإني لما بي، وسوف أقف دونكن لهم على العقبة، وأعتمد على رمحي، فلن يقدموا عليكن لمكاني. ففعلن ذلك، فنجون إلى مأمنهن.
/ قال أبو عبيدة: قال أبو عمرو بن العلاء: ولا نعلم قتيلا ولا ميتا حمى ظعائن غيره. قال: وإنه يومئذ لغلام له ذؤابة. قال: فاعتمد على رمحه، وهو واقف لهن على متن فرسه، حتى بلغن مأمنهن، وما تقدّم القوم عليه.
فقال: نبيشة بن حبيب: إنه لمائل العنق، وما أظنه إلا قد مات. فأمر رجلا من خزاعة كان معه أن يرمي فرسه.
فرماها فقمصت وزالت، فمال عنها ميتا. قال: ويقال بل الذي رمى فرسه نبيشة. فانصرفوا عنه، وقد فاتهم الظّعن.
قال أبو عبيدة: ولحقوا يومئذ أبا الفرعة الحارث بن مكدم، فقتلوه، وألقوا على ربيعة أحجارا.
أشعار في رثائه
فمر به رجل من بني الحارث بن فهر، فنفرت ناقته من تلك الأحجار التي أهليت على ربيعة. فقال يرثيه ويعتذر ألا يكون عقر ناقته على قبره، وحض على قتلته، وعيّر من فر وأسلمه من قومه:
نفرت قلوصى من حجارة حرة ... بنيت على طلق اليدين وهوب
لا تنفري يا ناق منه فإنه ... سبّاء خمر مسعر لحروب
لو لا السّفار وبعد خرق مهمه ... لتركتها تحبو على العرقوب
/ فر الفوارس عن ربيعة بعدما ... نجّاهم من غمّة المكروب [2]
يدعو عليا حين أسلم ظهره ... فلقد دعوت هناك غير مجيب
للّه در بني عليّ إنهم ... لم يحمشوا غزوا كولغ الذيب [3]
نعم الفتى أدى نبيشة بزّه ... يوم الكديد، نبيشة بن حبيب [4]
لا يبعدن ربيعة بن مكدم ... وسقى الغوادي قبره بذنوب
/ قال أبو عبيدة: ويقال إن الذي قال هذا الشعر هو ضرار بن الخطاب بن مرداس، أحد بني محارب بن فهر.
وقال آخر: هو حسان بن ثابت. وقال الأثرم: أنشدني أبو عبيدة مرة أخرى هذا البيت:
وسقى الغوادي قبره بذنوب
__________
[1] الإيضاع: نوع من السير سريع.
[2] غمة: كذا في ف، مب. وفي الأصول: غمرة.
[3] هذا البيت والذي بعده عن ف، مب. ويحمشوا: يحرضوا على القتال ويلهبوه. والولغ: مصدر ولغ الذئب في الماء: شرب منه.
[4] البز: السلاح، درعا وغيرها.
واحتج به في قول اللّه عز وجل: ذَنُوباً مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحابِهِمْ
[1]. فسألته لمن هذا البيت، فقال: لمكرّز بن حفص بن الأحنف، أحد بني عامر بن لؤي، رجل من قريش الظواهر؛ ولم يسمه ههنا.
وقال عبد اللّه بن جذل الطعان واسمه بلعاء:
لأطلبن بربيعة بن مكدم ... حتى أنال عصيّة بن معيص
يقال إن عصية من بني سليم، وهو عصية بن معيص بن عامر بن لؤي
وتقاد كل طمرة ممحوصة ... ومقلّص عبل الشّوى ممحوص [2]
وقال رجل من بني الحارث بن الخزرج من الأنصار يرثي ربيعة بن مكدم. وقال أبو عبيدة: زعم أبو الخطاب الأخفش أنه لحسان بن ثابت، يحض على قتلته.
ولأصرفنّ سوى حذيفة مدحتي ... لفتى الشتاء وفارس الأجراف [3]
مأوى الضّريك إذا الرياح تناوحت ... ضخم الدّسيعة مخلف متلاف [4]
/من لا يزال يكب كل ثقيلة ... كوماء غير مسائل منزاف [5]
رحب المباءة والجناب موطّأ ... مأوى لكل معتّق بسواف [6]
فسقى الغوادي قبرك ابن مكدم ... من صوب كل مجلجل وكّاف [7]
أبلغ بني بكر وخص فوارسا ... لحقوا الملامة دون كل لحاف
أسلمتم جذل الطعان أخاكم ... بين الكديد وقلة الأعراف [8]
الأعراف: رمل، قال الأثرم: الأعراف كل ما ارتفع، ومنه قول اللّه تعالى: وَنادى أَصْحابُ الْأَعْرافِ
حتى هوى متزايلا أو صاله ... للّحد بين جنادل وقفاف [9]
__________
[1] سورة الذاريات آية: 59.
[2] الطمرة: الفرس الطويلة القوائم الخفيفة المستعدة للعدو. والممحوصة: القليلة لحم القوائم، التي خلصت من الرهل. والمقلص:
الحصان الطويل القوائم المنضم البطن. وعبل الشوى: ضخم الأطراف.
[3] لفتى الشتاء: الذي يطعم في الشتاء وقت الجدب. وفي «ديوان قيس بن الخطيم»: لفتى العشي. وفي الأصول: لفتى اليسار.
والأجراف: موضع («التاج»). وذكر البكري في «التنبية» (ص 67) أن اللغويين يروون البيت على أن «سوى» هنا بمعنى «قصد»، ثم قال إن الشاعر إنما قال: «إلى حذيفة» أما «سوى» فموضوع.
[4] الضريك: المحتاج. وتناوحت الريح: هبت من جهات مختلفة متقابلة، وذلك في السنة، وقلة الأندية، ويبس الهواء، وشدة البرد.
والدسيعة: مائدة الرجل إذا كانت كريمة، أو الجفنة.
[5] الثقلية: يريد الناقة الضخمة السمينة. والكوماء: العظيمة السنام. وغير مسائل: أي لا يسأل أحدا عونا على الكرم كما يفعل أصحاب الميسر. والشطر الثاني في «ديوان قيس بن الخطيم»: «و زماء غير محاول الإنزاف».
[6] المباءة: المنزل. والمعتق من الإبل: المسن. والسواف: مرض يصيب الإبل. يريد أنه لم يبق غير مسان الإبل التي أصابها المرض، أما شبابها فإنه ينحرها للضيفان. وفي ف: معتق مسواف. وفي مب: مدفع مسواف. وفي «ديوان قيس»: معصب مسواف.
[7] قبرك: كذا في ف. وفي الأصول: رمسك. والمجلجل: المطر ذو الرعد. والوكاف: المنهمر.
[8] الكديد: موضع على اثنين وأربعين ميلا من مكة.
[9] متزايلا: كذا في ف، مب. وفي الأصول: متدائلا: أي مسرعا. والقفاف: جمع قف، وهو الأرض الغليظة.
للّه در بني عليّ إن هم ... لم يثأروا عوفا وحيّ خفاف [1]
قال الأثرم: وأنشدنا أبو عبيدة هذه القصيدة مرة لقيس بن الخطيم حين قتل قاتل أبيه، فقال:
تذكر ليلى حسنها وصفاءها
/ وقال ابن جذل الطعان في ذلك أيضا:
ألا اللّه در بني فراس ... لقد أورثتم حزنا وجيعا
غداة ثوى ربيعة في مكرّ ... تمج عروقه علقا نجيعا [2]
فلن أنسى ربيعة إذ تعالى ... بكاء الظّعن تدعو يا ربيعا
وقال كعب بن زهير، وأمه من بني أشجع بن عامر بن الليث بن بكر بن كنانة، يرثي ربيعة بن مكدم، ويحض على بني سليم، ويعير بني كنانة [3] بالدماء التي أدّوها إلى بني سليم، وهم لا يدركون قتلاهم عندهم بدرك قتل فيهم ولا دية:
/بان الشباب وكل إلف بائن ... ظعن الشباب مع الخليط الظاعن
قالت أميمة ما لجسمك شاحبا ... وأراك ذا بثّ ولست بدائن
غضّي ملامك إن بي من لومكم ... داء أظن مما طلي أو فاتني
أبلغ كنانة غثّها وسمينها ... الباذلين رباعها بالقاطن [4]
أن المذلة أن تطلّ دماؤكم ... ودماء عوف ضامن في العاهن [5]
أموالكم عوض لهم بدمائهم ... ودماؤكم كلف لهم بظعائن [6]
طلبوا فأدرك وترهم مولاهم ... وأبت محاملكم إباء الحارن [7]
/شدوا المآزر فاثأروا بأخيكم ... إن الحفائط نعم ربح الثامن [8]
كيف الحياة ربيعة بن مكدم ... يغدى عليك بمزهر أو قائن [9]
__________
[1] بنو عليّ: قبيلة من كنانة، وهم بنو عبد مناة، وليسوا من كنانة قريش. وإن هم: كذا في ف، مب. وفي الأصول: إنهم.
[2] البيت عن ف، مب. والعلق: الدم. والنجيع: الدم، أو الدم المصبوب، أو دم الجوف.
[3] العبارة عن ف، مب.
[4] الباذلين: كذا في الأصول. ولعله يريد التاركين لأعدائهم ديارهم بمن فيها من القطان. وفي ف، مب: النازلين.
[5] ضامن: مضمون. والعاهن: الثابت.
[6] ف: عوض ... كلف لكم. وفي الأصول: غرض ... كلف لهم. يريد: إذا قتلتموهم دفعتم أموالكم في دياتهم، وإذا سببتم ظعائنهم لم يكفوا عن حربكم وقتلكم.
[7] محاملكم: كذا في الأصول. وفي ف، مب: محاصلكم. وفي «ديوان كعب بن زهير» (229 طبعة دار الكتب): سعاتكم.
[8] كذا روي البيت في ف، مب. وفي الأصول: واثأروا ... ربح الثامن. وفي «ديوان كعب»:
شدوا المآزر فانعشوا أموالكم ... إن المكارم ...
[9] المزهر: العود. والقائن: صاحب القيان ومدربهن. وفي ف، مب: وأقائن. وفي الأصول: أو كائن، وفي «الديوان»:
كيف الأسى وربيعة بن مكدم ... يودي عليك بفتية وأفاتن
وهو التّريكة بالعراء وحارث ... فقع القراقر بالمكان الواتن [1]
كم غادروا لك من أرامل عيّل ... جزر الضّباع ومن ضريك واكن [2]
وقالت أم عمرو أخت ربيعة ترثي ربيعة:
ما بال عينك منها الدمع مهراق ... سحّا ولا عازب لا لا ولا راقي [3]
أبكي على هالك أودى وأورثني ... بعد التفرق حزنا بعده باقي
لو كان يرجع ميتا وجد ذي رحم ... أبقى [4] أخي سالما وجدي وإشفاقي
/ أو كان يفدى لكان الأهل كلّهم ... وما أثمّر من مال له واقي
لكن سهام المنايا من نصبن له ... لم ينجه طب ذي طب ولا راقى [5]
فاذهب فلا يبعدنك اللّه من رجل ... لاقى الذي كلّ حي مثله لاقي
فسوف أبكيك ما ناحت مطوقة ... وما سريت مع الساري على ساقي
أبكى لذكرته عبرى مفجّعه ... ما إن يجف لها من ذكره ماقي
وقال عبد اللّه يرثيه:
خلّى عليّ ربيعة بن مكدم ... حزنا يكاد له الفؤاد يزول
فإذا ذكرت ربيعة بن مكدم ... ظلت لذكراه الدموع تسيل
نعم الفتى حيا وفارس بهمة ... يردي بشكته أقبّ ذءول [6]
سقت الغوادي بالكديّد رمّة [7] ... والناس إما هالك وقتيل
فإذا لقيت ربيعة بن مكدم ... فعلى ربيعة من نداه قبول
كيف العزاء ولا تزال خريدة ... تبكي ربيعة غادة عطبول [8]
__________
[1] التريكة: يعني ربيعة بن مكدم، والتريكة: البيضة يتركها النعام حين تنقف، ويدفنها تحت التراب. أراد أن ربيعة تريكة بالقاع مدفون، كما تركت هذه البيضة. وفي «الديوان»: «و هو التريكة بالمكر». وفي مب: رهن العريكة. وفي ف: «رهن الفريكة بالعراق». وفي الأصول: «و من العريكة بالعراق». والعراق: تحريف عن العراء. وحارث: هو أخو ربيعة. وفقع القراقر: مثل يضرب للذليل.
وأصل الفقع أردأ الكمأة، تطؤه الدواب بحوافرها. والواتن: الثابت المقيم.
[2] جزر الضباع: طعاما للضباع. والضريك: الفقير السيء الحال. والواكن: الجالس عجزا. ورواية «الديوان»:
كم غادروا من ذي أرامل عائل ... جزر السباع ومن ضريك حاجن
والحاجن: المقيم بالداء.
[3] راقي: مخفف عن راقى ء، وهو الساكن. وفي «ذيل الأمالي» (12): «فلا عازب عنها ولا راقي».
[4] كذا في ف، مب و «ذيل الأمالي». وفي الأصول: «أديم لي سالما».
[5] نصبن: كذا في ف، مب، و «ذيل الأمالي». وفي الأصول: تصير. وفي الأصول: أيضا: «لم يغنه».
[6] البهمة: الشجاع الذي لا يدري قرنه من أين يأتيه. والشكة: الدرع. والأقب: الضامر البطن من الخيل. والذءول: من الذألان، وهو مشي سريع خفيف.
[7] كذا روى الشطر الأول في ف. وفي مب: سقت الكديد ومن به رجبية. وفي الأصول: (سبقت به أم الكديد رمية). تحريف.
[8] العطبول: الجارية الجميلة الممتلئة الطويلة العنق.
يأبى لي اللّه المذلة إنما ... يعطى المذلة عاجز تنبيل [1]
وقال عبد اللّه أيضا يرثيه:
نادى الظعائن يا ربيعة بعد ما ... لم يبق غير حشاشة وفواق [2]
/فأجابها والرمح في حيزومه ... أنفا بطعن كالشّعيب دفاق [3]
/يا ريط إن ربيعة بن مكدم ... وربيع قومك آذنا بفراق [4]
ولئن هلكت لربّ فارس بهمة ... فرجت كربته وضيق خناق
وقال أيضا يتوعد بني سليم:
ولست لحاضر إن لم أزركم ... كتائب من كنانة كالصريم [5]
على قبّ الأياطل مضمرات ... أضرّ بنيّها علك الشكيم [6]
أخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن عمار، قال: حدّثنا يعقوب بن إسرائيل، قال: حدّثني الطلحي، قال: أخبرني عبد اللّه بن إبراهيم الجمحى ومحمد بن الحسن بن زبالة في مجلس واحد، قالا: مرّ حسان بن ثابت بقبر ربيعة بن مكدم الكناني [7]، بثنية كعب، ويقال: بثنية غزال، فقلصت به راحلته، فقال [7]:
نفرت قلوصي من حجارة حرّة ... بنيت على طلق اليدين وهوب
لا تنفري يا ناق منه فإنه ... شرّيب خمر مسعر لحروب
لولا السّفار وبعد خرق مهمه ... لتركتها تحبو على العرقوب
فبلغ شعره بني كنانة، فقالوا: واللّه لو عقرها لسقنا إليه ألف ناقة سود الحدق.
يقتل فارسين من أصحاب دريد بن الصمة فيهب له رمحه
أخبرني محمد بن الحسين بن دريد، قال: حدّثنا السجستانيّ، قال: حدّثنا أبو عبيدة، قال:
خرج دريد بن الصّمة في فوارس من بني جشم، حتى إذا كانوا بواد لبني كنانة يقال له الأخرم، وهو يريد الغارة على بني كنانة، رفع له رجل من ناحية الوادي معه ظعينة. فلما نظر إليه قال لفارس من أصحابه: صح به أن خلّ عن الظعينة وانج بنفسك، وهو لا يعرفه. فانتهى إليه الرجل، فصاح به، وألح عليه. فلما أتى ألقى الزمام وقال للظعينة:
__________
[1] كذا في ف، مب. وفي الأصول: يأبى لك. والتنبيل: كذا في الأصول، وليس في «المعاجم» فعليل من تنبل. والمراد: القصير العاجز.
[2] كذا في ف، مب. وفي الأصول: دعت الظعينة. والفواق: ريح يخرج من المعدة إلى الفم.
[3] مب: علقا. في موضع: أنفا.
[4] كذا في ف، مب. وفي الأصول: دنا بفراق.
[5] الحاضر: الحي المقيمون في أرضهم صيفا وشتاء. يريد: لست منسوبا إلى حي قوي. وفي مب: «لحاصن»، وهي المرأة العفيفة الشريفة. وفي الأصول: «و لست لصاحبي إن لم تجئكم». والصريم: الليل، يريد أنها لكثرتها يكون منظرها أسود كالليل.
[6] الأباطل: جمع أيطل، وهو الخاصرة. الأياطل: كذا في ف. وفي الأصول: البطون. والتيّ: الشحم. وأضربه: أزاله.
(7 - 7) العبارة عن ف، مب.
سيري على رسلك سير الآمن ... سير رداح ذات جأش ساكن
إن انثنائي دون قرني شائني ... وابلي بلائي واخبري وعايني
ثم حمل على الفارس فقتله، وأخذ فرسه، فأعطاه الظعينة. فبعث دريد فارسا آخر، لينظر ما صنع صاحبه، فرآه صريعا. فصاح به، فتصامم عنه، فظنّ أنه لم يسمعه. فغشيه، فألقى الزمام إليها، ثم حمل على الفارس، فطعنه فصرعه، وهو يقول:
خلّ سبيل الحرة المنيعه ... إنك لاق دونها ربيعة
في كفه خطّية مطيعه [1] ... أو لا، فخذها طعنة سريعه
فالطعن منى في الوغى شريعه
فلما أبطأ على دريد بعث فارسا آخر لينظر ما صنعا؟ فانتهى إليهما، فرآهما صريعين، ونظر إليه يقود ظعينته، ويجرر رمحه. فقال له الفارس: خل عن الظعينة. فقال لها ربيعة: اقصدي قصد البيوت، ثم أقبل عليه فقال:
ماذا تريد من شتيم عابس [2] ... ألم تر الفارس بعد الفارس
أرداهما عامل رمح يابس؟
/ ثم طعنه فصرعه، وانكسر رمحه. فارتاب دريد، وظنّ أنهم قد أخذوا الظعينة، وقتلوا الرجل. فلحق بهم، فوجد ربيعة لا رمح معه وقددنا من الحيّ، ووجد القوم قد قتلوا./ فقال دريد: أيها الفارس، إن مثلك لا يقتل، وإن الخيل ثائرة بأصحابها، ولا أرى معك رمحا، وأراك حديث السنّ، فدونك هذا الرمح، فإني راجع إلى أصحابي، فمثبّط عنك. فأتى دريد أصحابه، وقال: إن فارس الظعينة قد حماها، وقتل فوارسكم، وانتزع رمحي، ولا طمع لكم فيه.
فانصرف القوم. وقال دريد في ذلك:
ما إن رأيت ولا سمعت بمثله ... حامي الظعينة فارسا لم يقتل
أردى فوارس لم يكونوا نهزة ... ثم استمرّ كأنه لم يفعل [3]
متهلل تبدو أسرّة وجهه ... مثل الحسام جلته كف الصيقل [4]
يزجي ظعينته ويسحب رمحه ... متوجها بمناه نحو المنزل [5]
وترى الفوارس من مخافة رمحه ... مثل البغاث خشين وقع الأجدل [6]
يا ليت شعري من أبوه وأمه ... يا صاح من يك مثله لم يجهل!
فقال ربيعة:
__________
[1] في الأصول عدا ف، مب: منيعة.
[2] شتيم: كريه الوجه.
[3] نهزة: فرصة لمن يريدهم بشر.
[4] في الأصول عدا ف، مب: أيدي الصيقل.
[5] في «سمط اللآلى ء» (ص 912): يسحب ذيله. وبمناه: كذا في ف، وفي الأصول: يمناه، من اليمن، يقال: توجه فلان يمينه ويمناه: أي توجه ظافرا ميمونا، وضدّة: توجه فلان شماله: أي على أمر مشئوم.
[6] البغاث (مثلث الباء): الطيور الضعيفة. والأجدل: الصقر.
إن كان ينفعك اليقين فسائلي ... عني الظعينة يوم وادي الأخرم
عل هي لأول من أتاها نهزة ... لو لا طعان ربيعة بن مكدم
/ إذ قال لي أدنى الفوارس ميتة ... خلّ الظعينة طائعا لا تندم
فصرفت راحلة الظعينة نحوه ... عمدا ليعلم بعض ما لم يعلم
وهتكت بالرمح الطويل إهابه ... فهوى صريعا لليدين وللفم
ومنحت آخر بعده جياشة ... نجلاء فاغرة كشدق الأضجم [1]
ولقد شفعتهما بآخر ثالث ... وأبى الفرار لي الغداة تكرمي
قال:
فلم يلبث بنو مالك بن كنانة رهط ربيعة بن مكدم، أن أغاروا على بني جشم رهط دريد، فقتلوا وأسروا وغنموا، وأسروا دريد بن الصمة، فأخفى نسبه. فبينا هو عندهم محبوس، إذ جاء نسوة يتهادين إليه. فصرخت امرأة منهنّ، فقالت: هلكتم وأهلكتم، ماذا جرّ علينا قومنا؟ هذا واللّه ألذي أعطى ربيعة رمحه يوم الظعينة. ثم ألقت عليه ثوبها وقالت: يا آل فراس، أنا جارة له منكم، هذا صاحبنا يوم الوادي. فسألوه من هو؟ فقال: أنا دريد بن الصمة، فمن [2] صاحبي؟ قالوا: ربيعة بن مكدم، قال: [2] فما فعل؟ قالوا: قتله بنو سليم، قال: فمن الظعينة التي كانت معه؟ قالت المرأة: ريطة بنت جذل الطعان، وأنا هي، وأنا امرأته. فحبسه القوم، وآمروا أنفسهم، وقالوا: لا ينبغي أن تكفر نعمة دريد على صاحبنا. وقال بعضهم: واللّه لا يخرج من أيدينا إلا برضا المخارق الذي أسره.
وانبعثت المرأة في الليل، فقالت:
/سنجزي دريدا عن ربيعة نعمة ... وكل فتى يجزى بما كان قدّما
فإن كان خيرا كان خيرا جزاؤه ... وإن كان شرا كان شرا مذمّما
سنجزيه نعمى لم تكن بصغيرة ... بإعطائه الرمح السديد المقوّما
فقد أدركت كفاه فينا جزاءه ... وأهل بأن يجزى الذي كان أنعما
/ فلا تكفروه حق نعماه فيكم ... ولا تركبوا تلك التي تملأ الفما
فلو كان حيا لم يضق بثوابه ... ذراعا، غنيا كان أو كان معدما
ففكوا دريدا من إسار مخارق ... ولا تجعلوا البؤسى إلى الشر سلما
فأصبح القوم فتعاونوا بينهم، فأطلقوه، وكسته ريطة وجهزته، ولحق بقومه. ولم يزل كافا عن غزو بني فراس حتى هلك.
__________
[1] منحت: كذا في ف، ق، مب. وفي أ: نسخت. وفي س: نضحت، وكلاهما تحريف. وجياشة: طعنة تجيش بالدم. والأضجم:
صفة من الضجم، وهو عوج في الفم، وميل في الشدق. وفي ف: الأسحم، ومعناه: الأسود، يريد زق الخمر.
(2 - 2) العبارة عن ف، مب.
أحيل الناس وأشجعهم وأجبنهم
أخبرني الحسن بن عليّ، قال: حدّثني هارون بن محمد بن عبد الملك، قال: حدّثني محمد بن يعقوب بن أبي مريم العدويّ [1] البصري، قال: حدّثني محمد بن عمر الأزدي، قال: حدّثني أبو البلاد [2] الغطفاني وقبيصة بن ميمون [3] الصادري، قالا:
سأل عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه عمرو بن معد يكرب الزّبيدي: من أشجع من رأيت؟ فقال: واللّه يا أمير المؤمنين لأخبرنك عن أحيل [4] الناس، وعن أشجع الناس، وعن أجبن الناس. فقال له عمر: هات. فقال: أربعت المدينة، فخرجت كأحسن ما رأيت، وكانت لي فرس شمقمقة [5] طويلة سريعة الإبقاء [6]، تمطّق [7] بالعرق تمطق الشيخ/ بالمرق، فركبتها، ثم آليت لا ألقي أحدا إلا قتلته. فخرجت وعليّ مقدّى [8]، فإذا أنا بفتى بين غرضين [9]، فقلت له: خذ حذرك، فإني قاتلك. فقال: واللّه ما أنصفتني يا أبا ثور، أنا كما ترى أعزل أميل [10] عوّارة - والعوارة:
الذي لا ترس معه - فأنظرتي حتى آخذ نبلي. فقلت: وما غناؤها عنك؟ قال: أمتنع بها. قلت: خذها. قال: لا واللّه أو تعطيني من العهود ما يثلجني أنك لا تروّعني حتى آخذها. فأثلجته، فقال: وإله قريش لا آخذها أبدا. فسلم واللّه مني وذهبت؛ فهذا أحيل الناس.
ثم مضيت حتى اشتمل عليّ الليل، فو اللّه إنيّ لأسير في قمر زاهر [11]، كالنور الظاهر [12]، إذا بفتى على فرس يقود ظعينة، وهو يقول:
يا لدينا يا لدينا ... ليتنا يعدى علينا
ثم يبلى ما لدينا
ثم يخرج حنظلة من مخلاته، فيرمي بها في السماء، فلا تبلغ الأرض حتى ينظمها بمشقص [13] من نبله. فصحت به:
خذ حذرك ثكلتك أمك، فإني قاتلك. فمال عن فرسه فإذا هو في الأرض. فقلت: إن هذا إلا استخفاف. فدنوت منه، وصحت به: ويلك: ما أجهلك! فما تحلحل ولا زال عن موضعه، فشككت الرمح في إهابه، فإذا هو كأنه قد مات منذ سنة، فمضيت وتركته؛ فهذا أجبن الناس.
__________
[1] الأصول عدا ف، مب: العذري.
[2] في الأصول عدا ف، مب: أبو العلاء.
[3] في الأصول عدا ف، مب: منهور.
[4] أحيل: كذا بالياء من الحيل بمعنى الحيلة، أي الحذق (انظر «تاج العروس»).
[5] الشمقمقة: الطويلة.
[6] يريد بشريعة الإبقاء، أنها تسرع استثناف الجري بعد التعب.
[7] التمطق: إلصاق اللسان بالغار الأعلى، فيسمع له صوت عند استطابة الشيء، يريد أن العرق يسيل من وجهها إلى فمها، فتتمطق، لالفها الجري ومزاولة الأسفار.
[8] المقد: حديدة يقد بها الجلد، يريد بها سيفه.
[9] الغرض: شعبة في الوادي غير كاملة.
[10] اعزل: لا سلاح معه. وأميل: لا يستقر على الخيل.
[11] كذا في ف، مب. وفي الأصول: باهر.
[12] ف: الناظر.
[13] المشقص: نصل طويل غير عريض.
ثم مضيت فأصبحت بين دكادك [1] هرشى [2] إلى غزال [3]، فنظرت إلى أبيات،/ فعدلت إليها، فإذا فيها جوار ثلاث، كأنهن نجوم الثريا. فبكين حين رأينني، فقلت: ما يبكيكن؟ فقلن: لما ابتليتا به منك، ومن ورائنا أخت هي أجمل منا. فأشرفت من فدفد، فإذا بمن لم أر شيئا قط أحسن من وجهه، وإذا بغلام يخصف نعله، عليه ذؤابة يسحبها. فلما نظر إليّ وثب على الفرس مبادرا، ثم ركض، فسبقني إلى البيوت، فوجدهن قد ارتعن، فسمعته يقول لهن:
مهلا نسيّاتي إذن لا ترتعن ... إن يمنع اليوم نساء تمنعن
أرخين أذيال المروط وارتعن [4]
فلما دنوت منه، قال: أتطردني أم اطردك؟ قلت: أطردك. فركض وركضت في أثره، حتى إذا مكنت السنان [5] في لفتته - واللفتة أسفل من الكتف - اتكأت عليه، فإذا هو واللّه مع/ لبب [6] فرسه، ثم استوى في سرجه. فقلت: أقلني.
قال: اطرد. فتبعته حتى إذا ظننت أن السنان في ماضغيه اعتمدت عليه، فإذا هو واللّه قائم على الأرض، والسنان ماض زالج. واستوى على فرسه، فقلت: أقلني. قال: اطرد. فطردته، حتى إذا مكنت السنان في متنه، اتكأت عليه وأنا أظن أني قد فرغت منه، فمال في ظهر فرسه [7] حتى نظرت إلى يديه [8] في الأرض، ومضى السنان زالجا. ثم استوى وقال: أبعد ثلاث؟ تريد ماذا؟ اطردني ثكلتك أمك. فوليت وأنا مرعوب منه. فلما غشيني ووجدت حسن السنان، التفت فإذا هو يطردني بالرمح بلا سنان،/ فكف عني واستنزلني، فنزلت ونزل، فجز ناصيتي، وقال:
انطلق، فإني أنفس بك عن القتل. فكان ذلك واللّه يا أمير المؤمنين عندي أشد من الموت؛ فذاك أشجع من رأيت.
وسألت عن الفتى، فقيل: ربيعة بن مكدم الفراسي، من بني كنانة.
وقد أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري هذا الخبر وفيه خلاف للأول. قال: حدّثنا عمر بن شبة، قال:
حدّثني محمد بن موسى الهذلي، قال: حدّثني سكين بن محمد، قال:
دخل عمرو بن معد يكرب على عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه، فقال له: يا أبا ثور، من أين أقبلت؟ قال:
من عند سيد بني مخزوم، أعظمها هامة، وأمدّها قامة، وأقلها ملامة، وأفضلها حلما، وأقدمها سلما، وأجرئها مقدما. قال: ومن هو؟ قال: سيف اللّه وسيف رسوله [9]، قال: وأيّ شيء صنعت عنده؟ قال: أتيته زائرا، فدعا لي بكعب وقوس وثور [10]. فقال عمر: وأبيك إن في هذا لشبعا. قال: لي أو لك يا أمير المؤمنين؟ قال: لي ولك. قال
__________
[1] الدكادك: جمع دكدك، وهو ما تلبد من الرمل بعضه على بعض بالأرض، ولم يرتفع كثيرا.
[2] هرشى: هضبة ململمة لا تنبت شيئا، على ملتقى طريق الشام وطريق المدينة إلى مكة.
[3] غزال: واد بين هرشى والجحفة.
[4] («اللسان»: حلق): رخين أذيال الحقى. وفي «شرح التبريزي للحماسة» (4: 159): أسبلن أذيال الحقى واربعن. والحقى: جمع حقو، وهو الإزار. وزاد «اللسان» بيتا رابعا هو: «مشى حميات كأن لم يفزعن». وترتيب الأبيات مختلف فيه عنه في «الأغاني».
[5] من هنا يتصل الكلام في م بعد انقطاعه بمقدار اثنتي عشرة صفحة من صفحات س.
[6] لبب الفرس: نحره.
[7] في الأصول عدا ف: فمال في سرجه.
[8] في الأصول عدا ف: بدنه.
[9] يريد خالد بن الوليد.
[10] الكعب: الصبة من السمن. والقوس: ما يبقى في أصل الجلة من التمر. والثور: الكتلة من الأقط («لسان العرب»: كعب).
له: فو اللّه إني لآكل الجذعة، وأشرب التّبن من اللبن رثيئة و[1] صرفا، فلم تقول هذا يا أمير المؤمنين؟ فقال له عمر:
أي أحياء قومك خير؟ قال: مذجح، وكل قد كان فيه خير، شداد فوارسها، فوارس أبطالها، أهل الربا والرباح [2].
قال عمر: وأين سعد العشيرة؟ قال: هم أشدنا شريسا،/ وأكثرنا خميسا [3]، وأكرمنا رئيسا، وهم الأوفياء البررة، المساعير [4] الفجرة. قال عمر: يا أبا ثور، ألك علم بالسلاح؟ قال: على الخبير سقطت، سل عما بدا لك. قال:
أخبرني عن النّبل. قال: منايا تخطىء وتصيب. قال: فأخبرني عن الرمح قال: أخوك وربما خانك. قال: فأخبرني عن التّرس. قال: ذاك مجنّ وعليه تدور الدوائر. قال: أخبرني عن الدرع. قال: مشغلة للفارس، متعبة للراجل.
قال: أخبرني عن السيف. قال: عنه قارعتك [5] لأمك الهبل، قال: لا، بل لأمك. قال عمرو: بل لأمك، فرفع عمر الدّرّة، فضرب بها عمرا، وكان عمرو محتبيا، فانحلت حبوته، فاستوى قائما، وأنشأ يقول:
أتضربني كأنك ذو رعين ... بخير معيشة أو ذو نواس [6]
فكم ملك قديم قد رأينا ... وعز ظاهر الجبروت قاسي [7]
فأضحى أهله بادوا وأضحى ... ينقّل من أناس في أناس [8]
/قال: صدقت يا أبا ثور، وقد هدم ذلك كله الإسلام، أقسمت عليك لما جلست. فجلس. فقال له عمر: هل كععت [9] من فارس قط ممن لقيت؟ قال:
اعلم يا أمير المؤمنين، أني لم أستحل الكذب في الجاهلية، فكيف أستحله في الإسلام؟ ولقد قلت لجبهة من خيلي، خيل بني زبيد، أغيروا بنا على بني البكّاء. فقالوا: بعيد علينا المغار. فقلت: فعلى بني مالك بن كنانة، قال: فأتينا على/ قوم سراة. فقال عمر: ما علمك بأنهم سراة. قال: رأيت مزاود خيلهم كثيرة، وقدورا مثفّاة [10]، وقباب أدم، فعرفت أن القوم سراة. فتركت خيلي حجرة [11]، وجلست في موضع أتسمع كلامهم، فإذا بجارية منهم
__________
[1] الجذعة من الغنم: ما تكون سنها بين ستة أشهر وسنة. والتبن: القدح الكبير. والرثيئة: اللبن الحليب يصب عليه اللبن الحامض، فيروب من ساعته. والصريف: اللبن الذي ينصرف عن الضرع حارا وقت حلبه.
[2] الربا والرباح: النماء والكثرة. ولعله يريد أنهم ذوو عدد وفير، أو ذوو مال كثير، أو أنهم يجزلون العطاء لمن يصنع إليهم خيرا.
[3] الشريس: الشراسة، وهي عسر الخلق والشدة. والخميس: الجيش. وفي «اللسان»: هم أعظمنا خميسا، وأشدنا شريسا.
[4] المساعير: جمع مسعر (بكسر الميم وفتح العين)، ومسعر الحرب: موقدها ومهيجها، وهو من صيغ المبالغة.
[5] المقارعة: أصلها المضاربة بالسيوف في الحرب، ولعل المقصود بها هنا: المصاولة باللسان. وظاهر العبارة أن عمرا يرى أن السيف هو أعظم السلاح، بدليل قوله فيما نقله الإبشيهي في «المستطرف» في وصف السيف (1: 22) «هو العدة عند الشدة». وانظر «سرح العيون، في شرح رسالة ابن زيدون» (ص 312).
[6] في «مروج الذهب» للمسعودي (1: 217 دار الرجاء): أتوعدني ... بأنعم عيشة.
[7] في «مروج الذهب»:
فكم قد كان قبلك من مليك ... عظيم ظاهر ....
[8] الشطر الأول في «مروج الذهب»: «فأصبح أهله بادوا وأمسى». وزاد بعده البيت:
فلا يغررك ملكك كل ملك ... يصير مذلة بعد الشماس
[9] كععت: ضعفت وجبنت.
[10] مثفاة: منصوبة على الأثافي، استعدادا للطبخ.
[11] حجرة: جانبا وناحية.
قد خرجت من خيمتها، فجلست بين صواحب لها، ثم [1] دعت وليدة من ولائدها، فقالت: ادعي فلانا. فدعت لها برجل من الحي، فقالت له: إن نفسي تحدّثني أن خيلا تغير على الحي، فكيف أنت إن زوجتك نفسي؟ فقال: أفعل وأصنع، وجعل يصف نفسه فيفرط. فقالت له: انصرف حتى أرى رأيي. وأقبلت على صواحباتها، فقالت: ما عنده خير، ادعى لي فلانا. فدعت بآخر. فخاطبته بمثل ما خاطبت به صاحبه، فأجابها بنحو جوابه، فقالت له: انصرف حتى أرى رأيي. وقالت لصواحباتها: ولا عند هذا خير أيضا. ثم قالت للوليدة ادعي لي ربيعة بن مكدّم. فدعته، فقالت له مثل قولها للرجلين، فقال لها: إن أعجز العجز وصف المرء نفسه، ولكني إذا لقيت أعذرت، وحسب المرء غناء أن يعذر. فقالت له: قد زوّجتك نفسي، فاحضر غدا مجلس الحي، ليعلموا ذلك. فانصرف من عندها، وانتظرت حتى ذهب الليل، ولاح الفجر، فخرجت/ من مكمني، وركبت فرسي، وقلت لخيلي: أغيري، فأغارت، وتركتها وقصدت نحو النسوة ومجلسهن، فكشفت عن خيمة المرأة، فإذا أنا بامرأة تامة الحسن. فلما ملأت بصرها مني، أهوت إلي درعها فشقته وقالت: واثكلاه؟ واللّه ما أبكي على مال ولا تلاد، ولكن على أخت من وراء هذا القوز [2]، تبقى بعدي في مثل هذا الغائط، فتهلك ضيعة، وأو مأت بيدها إلى قوز رمل إلى جانبهم. فقلت:
هذه غنيمة من وراء غنيمة. فدفعت فرسي حتى أو فيت على الأيفاع، فإذا أنا برجل جلد نجد، أهلب [3] أغلب، يخصف نعله، وإلى جنبه فرسه وسلاحه. فلما رآني رمى بنعله، ثم استوى على فرسه، وأخذ رمحه، ومضى ولم يحفل بي. فطفقت أشجره بالرمح خفقا [4]، وأقول له: يا هذا استأسر [5]. فمضى ما يحفل بي، حتى أشرف على الوادي. فلما رأى الخيل تحوي إبله استعبر باكيا، وأنشأ يقول:
قد علمت إذ [6] منحتني فاها ... أني سأحوي اليوم من حواها
بل ليت [7] شعري اليوم من دهاها
فأجبته:
عمرو على طول الوجى [8] دهاها ... بالخيل يحميها على وجاها [9]
حتى إذا حل بها احتواها [10]
فحمل عليّ وهو يقول:
__________
[1] سقط من أ، م بقية أخبار ربيعة بن مكدم، وأول أخبار المغيرة بن شعبة.
[2] القوز بالفتح: الرمل المستدير المرتفع.
[3] الأهلب: الكثير شعر الرأس والجسد. وعبارة المسعودي في «مروج الذهب» (ج 1 ص 218): فإذا أنا بغلام أصهب الشعر أهذب.
ولعله محرف عن أهلب أو أهدب بالدال، وهو الكثير شعر العينين.
[4] شجره بالرمح: طعنه حتى اشتبك فيه. والخفق: الضرب بشيء عريض، ولعله يريد أنه يضربه بزج الرمح لا بسنانه، أو لعله الضرب الخفيف، من الخفقة، وهي النعسة الخفيفة.
[5] استأسر: كن أسيرالي.
[6] في «مروج الذهب»: أقول لما. وبعده: «و ألبستني بكرة رداها».
[7] كذا في ف، مب. وفي الأصول: يا ليت. وفي «مروج الذهب»: فليت.
[8] الوجى: الحفا، وهو أن يرق القدم أو الحافر وينسحج من طول السفر. وفي «المروج»: الردى.
[9] في «المروج»: «بالخيل تتبعها على هواها».
[10] في «المروج»: حواها.
أهون بنضر العيش في دار ندم ... أفيض دمعا كلما فاض انسجم
أنا ابن عبد اللّه [1] محمود الشيم ... مؤتمن الغيب وفيّ بالذمم
أكرم [2] من يمشي بساق وقدم ... كالليث إن هم بتقصام قصم
فحملت عليه وأنا أقول:
أنا ابن ذي التقليد في الشهر الأصمّ ... أنا ابن ذي الإكليل قتال البهم [3]
من يلقني يود كما أودت إرم ... أتركه لحما على ظهر وضم [4]
/و حمل علي وهو يقول:
هذا حمى قد غاب عنه ذائده ... الموت ورد والأنام وارده
وحمل علي فضربني، فرغت وأخطأني، فوقع سيفه في قربوس [5] السرج، فقطعه وما تحته، حتى هجم على مسح الفرس. ثم ثنّى بضربة أخرى، فرغت وأخطأني، فوقع سيفه على مؤخر السرج فقطعه حتى وصل إلى فخذ الفرس، وصرت راجلا./ فقلت: ويحك! من أنت؟ فو اللّه ما ظننت أحدا من العرب يقدم عليّ إلا ثلاثة: الحارث بن ظالم، للعجب والخيلاء؛ وعامر بن الطفيل للسن والتجربة؛ وربيعة بن مكدم للحداثة والغرّة، فمن أنت ويلك؟ قال: بل الويل لك، فمن أنت؟ قلت: عمرو بن معد يكرب، قال: وأنا ربيعة بن مكدم. قلت: يا هذا، إني قد صرت راجلا، فاختر مني إحدى ثلاث، إن شئت اجتلدنا بسيفينا حتى يموت الأعجز، وإن شئت اصطرعنا، فأينا صرع صاحبه حكم فيه؛ وإن شئت سالمتك وسالمتني. قال: الصلح إذن إن كان لقومك فيك حاجة، وما بي أيضا على قومي هوان. قلت: فذاك لك. وأخذت بيده، حتى أتيت أصحابي، وقد حازوا نعمه، فقلت: هل تعلمون أني كععت عن فارس قطّ من الأبطال إذا لقيته؟ قالوا: نعيذك من ذاك. قال: قلت: فانظروا هذا النعم الذي حزتموه، فخذوه مني غدا في بني زبيد، فإنه نعم هذا الفتى، واللّه لا يوصل إلى شيء منه وأنا حيّ. فقالوا لحاك اللّه فارس قوم! أشقيتنا [6] حتى إذا هجمنا على الغنيمة الباردة فثأتنا [7] عنها. قال: قلت إنه لا بد لكم من ذلك، وأن تهبوها لي ولربيعة بن مكدم. فقالوا: وإنه لهو؟ قلت: نعم. فردوها وسالمته، فأمن حربي وأمنت حربه حتى هلك.
وفي بعض هذه الأراجيز التي جرت بين عمرو بن معد يكرب وربيعة بن مكدم غناء، نسبته، وقد جمع شعراهما معا في لحن واحد، وهو:
__________
[1] في «المروج»: أنا عبيد اللّه.
[2] في «المروج»: وخير. وبعده: «عدوه يفديه من كل السقم».
[3] التقليد: أن يجعل في عنق البدنة ونحوها شيئا يعلم به أنه هدى. والشهر الأصم: رجب، لأنه كان لا يسمع فيه صوت مستغيث ولا حركة قتال ولا قعقعة سلاح، لأنه من الأشهر الحرم. والإكليل: كذا في «المروج»، وهو التاج، وكان عمرو بن معد يكرب الزبيدي من اليمن، وملوكهم يلبسون التيجان. وفي مب: أنا ابن عبد اللّه. وفي بقية الأصول: أنا ابن ذي الأكال.
[4] الوضم: الخوان من الخشب أو نحوه يقطع عليه القصاب اللحم. ويقال: فلان لحم على وضم، مثل يضرب للذليل.
[5] القربوس كحلزون: حنو السرج أي الجزء المرتفع من مقدمه ومن مؤخره. والمسح: ثوب غليظ من الشعر يجعل تحت السرج.
[6] كذا في مب. وفي ف: أسقيتنا. وفي بقية الأصول: أنسأتنا.
[7] فثأه: ثبط عزيمته وسكنه.
صوت
أنا ابن ذي التقليد في الشهر الأصمّ ... أنا ابن عبد اللّه قتّال البهم
أكرم من يمشي بساق وقدم ... من يلقني يود كما أودت إرم
أتركه لحما على ظهر وضم ... كالليث إن همّ بتقصام قصم
مؤتمن الغيب وفيّ بالذمم
ذكر أحمد بن يحيى المكي: أن الغناء في هذا الشعر لحنين، خفيف ثقيل، بإطلاق الوتر في مجرى البنصر، وذكر الهشاميّ أنه لابن سرجيس الملقب بقراريط.
حدّثني قمرية العمرية جارية عمرو بن بانة، أنها أخذت عن أحمد بن العلاء هذا اللحن، فقال لها: انظري أيّ صوت أخذت، فو اللّه لقد أخذته عن مخارق، فلما استوى لي قال لي مخارق: انظر أي صوت أخذت، فو اللّه لقد أخذته عن يحيى المكي، فلما غنيته الرشيد أطربه، فوهب ليحيى عشرة آلاف درهم.
أجود بيت في وصف الطعنة
أخبرني علي بن سليمان الأخفش، قال: حدّثني محمد بن الحسن الأحول، عن الطّرسوسيّ، عن ابن الأعرابيّ، قال:
أجود بيت وصفت به الطعنة قول أهبان بن عادياء قاتل ربيعة بن مكدم، حيث يقول:
ولقد طعنت ربيعة بن مكدم ... يوم الكديد فخرّ غير موسّد
في ناقع شرقت بما في جوفه ... منه بأحمر كالعقيق المجسد
صوت
أدركت ما منيت نفسي خاليا ... للّه درك يابنة النعمان!
إني لحلفك بالصليب مصدق ... والصّلب [2] أصدق حلفة الرهبان
ولقد رددت على المغيرة ذهنه ... إن الملوك بطيئة الإذعان
يا هند حسبك قد صدقت فأمسكي ... والصدق خير مقالة الإنسان
الشعر للمغيرة بن شعبة الثقفي، يقوله في هند بنت النعمان بن المنذر، وقد خطبها فردّته. وخبره في ذلك وغيره يذكرها هنا إن شاء اللّه. والغناء لحنين، ثاني ثقيل بالبنصر، عن الهشاميّ وإبراهيم.
__________
[1] سقط هذا الصوت وأول ترجمة المغيرة من جميع النسخ عدا (ف، مب). وقد نشر في مجلة جمعية المستشرقين الألمانيين في المجلد الخمسين سنة 1896 صفحة 145. ونثبت الساقط عن هذه الأصول الثلاثة.
[2] الصلب، بضم الصاد واللام: جمع صليب، وسكنت اللام للشعر.
تنبيه - أوردت (ف، مب) بعد أخبار ربيعة بن مكدم صوتا من الغناء، من شعر عنترة، ثم أوردتا: «ذكر عنتره ونسبه وأخباره»، ثم ذكرتا «أخبار المغيرة ونسبه».
5 - أخبار المغيرة بن شعبة ونسبه
نسبه
هو المغيرة بن شعبة بن أبي عامر بن مسعود بن معتّب بن مالك بن كعب بن عمرو بن سعد بن عوف بن قسيّ، وهو ثقيف. ويكنى أبا عبد اللّه. وكان يكنى أبا عيسى، فغيرها عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه، وكناه أبا عبد اللّه.
وأمّه أسماء بنت الأفقم بن أبي عمرو بن ظويلم بن جعيل بن عمرو بن دهمان بن نصر بن معاوية بن بكر بن هوازن.
دهاؤه
وكان المغيرة بن شعبة من دهاة العرب وحزمتها، وذوي الرأي منها، والحيل الثاقبة، وكان يقال له في الجاهلية والإسلام مغيرة الرأي، وكان يقال: ما اعتلج في صدر المغيرة أمران إلا اختار أحزمهما.
مشاهده
وصحب النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، وشهد معه الحديبية وما بعدها. وبعثه أبو بكر رضي اللّه عنه إلى أهل النّجير [1]. وشهد فتح اليمامة وفتوح الشام. وكان أعور، أصيبت عينه في يوم اليرموك، وشهد القادسية مع سعد بن أبي وقّاص. فلما أراد مراسلة رستم، لم يجد في العرب أدهى منه ولا أعقل، فبعث به إليه، وكان السفير بينهما حتى وقعت الحرب.
ولايته وحروبه
وولاه عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه عدّة ولايات، إحداها البصرة. ففتح وهو واليها ميسان ودست ميسان وأبر قباذ. وقاتل الفرس بالمرغاب فهزمهم، ونهض إلى من كان بسوق الأهواز، فقاتلهم وهزمهم، وفتحها [2].
وانحازوا إلى نهر تيرى ومناذر الكبرى، فزحف إليهم، فقاتلهم وهزمهم وفتحها. وخرج/ إلى المشرق مع النعمان بن المقرّن، وكان المغيرة على [3] مسيرته، وكان عمر قد عهد: إن هلك النعمان، فالأمير حذيفة، فإن هلك حذيفة، فالأمير المغيرة بن شعبة.
ولما فتحت نهاوند، سار المغيرة في جيش إلى همذان ففتحها.
وولاه عمر رضي اللّه عنه بعد ذلك الكوفة، فقتل عمر وهو واليها. وولاه أيضا إياها معاوية بن أبي سفيان رضي اللّه عنه، فكان عليها إلى أن مات بها.
وهو أوّل من وضع ديوان الإعطاء بالبصرة، ورتب الناس فيه. فأعطاهم على الديوان. ثم صار ذلك رسما لهم بعد ذلك يحتذونه.
__________
[1] النجير، بصيغة التصغير: حصن باليمن، تحصن فيه الأشعث بن قيس بن معد يكرب وأبضعة بن معد يكرب لما ارتدا، من المهاجر بن أبي أمية. (انظر رسم النجير في «معجم ما استعجم» للبكري).
[2] كذا في مب. وفي ف: ونهض وفتحها.
[3] المغيرة ساقطة من ف، مب.
إسلامه
قال محمد بن سعد كاتب الواقديّ: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدّثني محمد بن سعيد الثقفيّ، وعبد الرّحمن بن [1] عبد العزيز وعبد الملك بن عيسى الثقفيّ وعبد اللّه بن عبد الرّحمن [1] بن يعلى بن كعب، ومحمد بن يعقوب بن عتبة، عن أبيه وغيرهم، قالوا: قال المغيرة بن شعبة:
كنا قوما من العرب متمسكين بديننا، ونحن سدنة اللات، فأراني لو رأيت قوما قد أسلموا ما تبعتهم.
فأجمع [2] نفر من بني مالك الوفود [2] على المقوقس، وأهدوا له هدايا. فأجمعت الخروج معهم. فاستشرت عمي عروة بن مسعود، فنهاني، وقال لي: ليس معك من بني أبيك أحد. فأبيت إلا الخروج، وخرجت معهم، وليس معهم أحد من الأحلاف غيري، حتى دخلنا الإسكندرية، فإذا المقوقس في مجلس مطل على البحر. فركب قاربا حتى حاذيت مجلسه، فنظر إليّ فأنكرني، وأمر من يسائلني ما أنا [3]؟ وما أريد؟ فسألني المأمور، فأخبرته بأمرنا،/ وقدومنا عليه. فأمر بنا أن ننزل في الكنيسة، وأجرى علينا ضيافة. ثم دعا بنا، فنظر إلى رأس بني مالك، فأدناه إليه، وأجلسه معه، ثم سأله: أكل القوم من بني مالك؟ فقال: نعم، إلا رجلا واحدا من الأحلاف. فعرّفه إياي، فكنت أهون القوم عليه. ووضعوا هداياهم بين يديه، فسرّبها، وأمر بقبضها. وأمر لهم بجوائز، وفضل بعضهم على بعض، وقصّربي، فأعطاني شيئا قليلا لا ذكر له.
وخرجنا، فأقبلت بنو مالك يشترون هدايا لأهلهم [4] وهم مسرورون، ولم يعرض عليّ أحد منهم مواساة.
وخرجوا، وحملوا معهم خمرا، فكانوا يشربون منها وأشرب معهم، ونفسي تأبى أن تدعني معهم. وقلت: ينصرفون إلى الطائف بما أصابوا [5] وما حباهم به الملك، ويخبرون قومي بتقصيره بي، وازدرائه إياي. فأجمعت على قتلهم.
فقلت: أنا أجد صداعا، فوضعوا شرابهم ودعوني. فقلت: رأسي يصدّع، ولكني أجلس وأسقيكم، فلم ينكروا شيئا، وجلست أسقيهم وأشرب القدح بعد القدح. فلما دبّت الكأس فيهم، اشتهوا الشراب، فجعلت أصرّف لهم وأترع الكأس، فيشربون ولا يدرون. فأهمدتهم [6] الكأس، حتى ناموا ما يعقلون. فوثبت إليهم، فقتلتهم جميعا، وأخذت جميع ما كان معهم.
فقدمت على النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فوجدته جالسا في المسجد مع أصحابه، وعلى ثياب السفر، فسلمت بسلام الإسلام.
فنظر إليّ أبو بكر بن أبي قحافة، وكان بي عارفا، فقال: ابن أخي عروة؟ قلت: نعم، جئت أشهد أن لا إله إلا اللّه، وأن محمدا رسول اللّه. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: الحمد للّه الذي هداك إلى الإسلام./ فقال أبو بكر رضي اللّه عنه:
أفمن مصر أقبلتم؟ قلت: نعم. قال: فما فعل المالكيون الذين كانوا معك؟ قلت: كان بيني وبينهم بعض ما يكون بين العرب ونحن على دين الشرك، فقتلتهم وأخذت أسلابهم، وجئت بها إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ليخمسها، ويرى فيها
__________
(1 - 1) العبارة ساقطة من ف.
(2 - 2) ف: فاجتمع ... للوفود.
[3] ف: ممن أنا.
[4] ف: لأهاليهم.
[5] ف: أرادوا.
[6] كذا في مب ومجلة المستشرقين الألمانية. وفي ف: فهمدتهم. ولعل الكلمة محرفة عن أخمدتهم، أو عن: فهدتهم. يقال: هدني الأمر وهدّ ركني: إذا بلغ منه وكسره.
رأيه، فإنما هي غنيمة من مشركين وأنا مسلم مصدّق بمحمد صلّى اللّه عليه وسلّم. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: أما إسلامك فنقبله [1]، ولا نأخذ من أموالهم شيئا، ولا نخمسها [1]، لأن هذا غدر، والغدر لا خير فيه. فأخذني ما قرب وما بعد، وقلت: يا رسول اللّه، إنما قتلتهم وأنا على دين قومي، ثم أسلمت حين دخلت عليك الساعة. قال: فإن الإسلام [2] /يجبّ ما كان قبله. وكان قتل منهم ثلاثة عشر إنسانا. فبلغ ذلك ثقيفا بالطائف، فتداعو للقتال، ثم اصطلحوا على أن يحمل عمي عروة بن مسعود ثلاث عشرة دية.
قال المغيرة: وأقمت مع النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم حتى اعتمر عمرة الحديبية، في ذي القعدة سنة ست من الهجرة، فكانت أوّل سفرة خرجت معه فيها، وكنت أكون مع أبي بكر، وألزم النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فيمن يلزم.
وبعثت قريش عام الحديبية عروة بن مسعود إلى النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فأتاه يكلمه، وجعل يمس لحية رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأنا قائم على رأسه، مقنّع في الحديد. فقلت لعروة، وهو يمس لحية رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: اكفف يدك قبل ألا تصل إليك.
فقال عروة: يا محمد، من هذا؟ ما أفظّه وأغلظه! فقال: هذا ابن أخيك المغيرة بن شعبة. فقال عروة: يا عدوّ اللّه، ما غسلت عني سوءتك إلا بالأمس، يا غدر.
أول ما عرف من دهائه
أخبرني محمد بن خلف، قال: حدّثني أحمد [3] بن الهيثم الفراسي، قال: حدّثنا العمريّ، عن الهيثم بن عديّ، عن مجالد، عن الشعبيّ، قال: قال المغيرة بن شعبة:
أوّل ما عرفني به العرب من الحزم [4] والدهاء، أني كنت في ركب من قومي، في طريق لنا إلى الحيرة. فقالوا لي: قد اشتهينا الخمر، وما معنا إلا درهم زائف. فقلت: هاتوه وهلمّوا زقّين. فقالوا: وما يكفيك لدرهم زائف زق واحد؟ فقلت: أعطوني ما طلبت وخلاكم ذم، ففعلوا وهم يهزءون بي. فصببت في أحد الزقين شيئا من ماء، ثم جئت إلى خمار، فقلت له: كل لي ملء هذا الزق. فملأه. فأخرجت الدرهم الزائف، فأعطيته إياه، فقال لي: ما هذا؟ ويحك! أمجنون أنت؟ فقلت: مالك؟ قال: إن ثمن هذا الزق عشرون درهما جيادا، وهذا درهم زائف.
فقلت: أنا رجل بدويّ، وظننت أن هذا يصلح كما ترى، فإن صلح، وإلا فخذ شرابك. فاكتال مني ما كاله، وبقي في زقي من الشراب بقدر ما كان فيه من الماء، فأفرغته في الزق الآخر، وحملتهما على ظهري، وخرجت، وصببت في الزق الأوّل ماء.
ودخلت إلى خمار آخر، فقلت: إني أريد ملء هذا الزق خمرا، فانظر إلى ما معي منه، فإن كان عندك مثله فأعطني. فنظر إليه، وإنما أردت ألا يستريب بي إذا رددت الخمر عليه. فلما رآه قال: عندي أجود منه. قلت:
هات. فأخرج لي شرابا، فاكتلته في الزق الذي فيه الماء. ثم دفعت إليه الدرهم الزائف، فقال لي مثل قول صاحبه.
__________
(1 - 1) ف: فقبلته ... ولا أخمسه.
[2] إلى هنا ينتهي الساقط من بعض النسخ.
[3] ج: محمد.
[4] ج، ف، مب: بالحزم.
فقلت: خذ خمرك. فأخذ ما كان كاله لي، وهو يرى أني خلطته بالشراب الذي أريته إياه. وخرجت فجعلته مع الخمر الأوّل.
/ ولم أزل أفعل ذلك بكل خمار في الحيرة، حتى ملأت زقي الأوّل وبعض الآخر. ثم رجعت إلى أصحابي، فوضعت الزقين بين أيديهم، ورددت درهمهم. فقالوا لي: ويحك! أيّ شيء صنعت؟ فحدّثتهم، فجعلوا يعجبون.
وشاع لي الذكر في العرب بالدهاء حتى اليوم.
هو أول من خضب بالسواد
قال محمد بن سعد: أخبرنا محمد بن معاوية النيسابوري، قال: حدّثنا داود بن خالد، عن العباس بن عبد اللّه بن معبد [1] بن العباس، قال:
أوّل من خضب بالسواد المغيرة بن شعبة. خرج على الناس وكان عهدهم به أبيض الشعر، فعجب الناس منه.
يغضب لأبي بكر الصديق
قال محمد: وأخبرني شهاب بن عباد، قال: حدّثنا إبراهيم بن حميد الرّواسي، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي خازم، عن المغيرة بن شعبة، قال:
كنت جالسا عند/ أبي بكر، إذ عرض عليه فرس له، فقال له رجل من الأنصار: احملني عليها. فقال أبو بكر:
لأن أحمل عليها غلاما قد ركب الخيل على غرلته [2]، أحب إليّ من أن أحملك عليها. فقال له الأنصاري: أنا خير منك ومن أبيك. قال المغيرة: فغضبت لما قال ذلك لأبي بكر رضي اللّه عنه، فقمت إليه، فأخذت برأسه، فركبته، وسقط على أنفه، فكأنما كان عزالي [3] مزادة. فتوعدني الأنصار أن يستقيدوا مني، فبلغ ذلك أبا بكر. فقام فقال:
أما بعد. فقد بلغني عن رجال منكم زعموا أني مقيدهم من المغيرة. وو اللّه لأن أخرجهم من دارهم، أقرب إليهم من أن أقيدهم [من] وزعة اللّه [4] الذين يزعون إليه.
يخطب هند بنت النعمان فترفض
أخبرني إسماعيل بن يونس الشيعيّ وحبيب بن نصر المهلّبي، قالا: حدّثنا عمر بن شبة، قال: حدّثنا محمد بن سلام الجمحي، قال: حدّثنا حسان بن العلاء الرياحيّ، عن أبيه، عن الشعبي، قال:
ركب المغيرة بن شعبة إلى هند بنت النعمان بن المنذر، وهي بدير هند [5]، منتصّرة عمياء، بنت تسعين سنة.
فقالت له: من أنت؟ قال: أنا المغيرة بن شعبة. قالت: أنت عامل هذه المدرة؟ تعني الكوفة. قال: نعم. قالت:
فما حاجتك؟ قال: جئتك خاطبا إليك نفسك. قالت: أما واللّه لو كنت جئت تبغي جمالا أو دينا أو حسبا لزوّجناك، ولكنك أردت أن تجلس في موسم من مواسم العرب، فتقول: تزوّجت بنت النعمان بن المنذر؛ وهذا والصليب أمر
__________
[1] ف: سعيد.
[2] يريد: ركبها في صغره، واعتادها قبل أن يختن. والغرلة: القلفة.
[3] يريد أن أنفه انفجر بالدم كأنه فم مزادة. وقد تحرفت هذه العبارة في الأصول، فجاءت في س: فكأنما عدلي مزادة. وفي ج: فكأنما عذلي مزادة. وفي أ، م: فكأنما عزل لي مزادة. وفي مب، ف: فكأنما كان عزلتي مزادة. وهذه أقربها إلى الصواب. والعزالي:
جمع عزلاء وهو فم المزادة الأسفل ينصب منه الماء بكثرة.
[4] من: ساقطة من الأصول. والوزعة: جمع وازع، وهو الذي يكف الناس عن الإقدام على الشر. وفي ف: وزعة الدين.
[5] أ، م، س: يومئذ، في مكان بدير هند. وفي ف: بديرهم.
لا يكون أبدا، أو ما يكفيك فخرا أن تكون في ملك النعمان وبلاده، تدبرهما كما تريد! وبكت.
فقال لها: أي العرب كان أحب إلى أبيك. قالت: ربيعة. قال: فأين كان يجعل قيسا؟ قالت: ما كان يستعتبهم من طاعة [1]. قال: فأين كان يجعل ثقيفا؟ قالت: رويدا لا تعجل. بينا أنا ذات يوم جالسة في خدر لي، إلى جنب أبي، إذ دخل عليه رجلان، أحدهما من هوازن، والآخر من بني مازن، كل واحد منهما يقول: إن ثقيفا منا، فأنشأ أبي يقول [2]:
/إن ثقيفا لم يكن هوازنا ... ولم يناسب عامرا ومازنا
إلا قريبا فانشر [3] المحاسنا
فخرج المغيرة وهو يقول:
أدركت ما منيت نفسي خاليا ... للّه درك يابنة النعمان!
وذكر الأبيات التي مضت، وذكرت الغناء فيها.
يسمع هجاء من حسان فيجيزه
أخبرني محمد بن خلف، قال: أخبرنا الحارث بن محمد، قال: قال أبو عبيدة: قال العلاء بن جرير العنبري:
بينا حسان بن ثابت ذات يوم جالس بالخيف من منّى وهو يومئذ مكفوف، إذ زفر زفرة، ثم أنشأ يقول:
وكأن حافرها بكل خميلة ... صاع يكيل به شحيح معدم
عاري الأشاجع من ثقيف أصله ... عبد ويزعم أنه من يقدم [4]
قال: والمغيرة بن شعبة يسمع ما يقول، فبعث إليه بخمسة آلاف درهم. فلما أتاه بها الرسول قال: من بعث بهذه؟
قال: المغيرة بن شعبة، سمع ما قلت. فقال: وا سوءتاه! وقبلها.
تزوّج أكثر من ثمانين امرأة
أخبرني هاشم بن محمد الخزاعيّ قال: حدّثنا عيسى بن إسماعيل العتكي [5]، قال حدثنا محمد بن سلام الجمحيّ، قال:
أحصن المغيرة بن شعبة إلى أن مات ثمانين امرأة، فيهن ثلاث بنات لأبي/ سفيان بن حرب، وفيهن حفصة بنت سعد بن أبي وقاص، وهي أم ابنة حمزة بن المغيرة، وعائشة بنت جرير بن عبد اللّه.
__________
[1] كذا في ف. وفي بعض الأصول: كان يستعفيهم من طاعته. وفي مب: قالت بحيث كان يراهم من طاعته.
[2] كذا في الأصول. وفي «شرح نهج البلاغة» لابن أبي الحديد (2: 393) اختلاف عما هنا، قال: «قالت: أذكر وقد اختصم إليه رجلان منهم. أحدهما ينتهي إلى إياد، والآخر إلى هوازن، فقضى للإيادي، وقال:
إن ثقيفا لم يكن هوازيا ... ولم يناسب عامرا ومازنا
فقال المغيرة: أما نحن فمن بكر بن هوازن، فليقل أبوك ما شاء. ثم انصرف».
[3] فانشر: كذا في ج، ف، مب. وفي أ، م: فانشدوا. وفي س: فانشروا.
[4] يقدم كينصر: أبو قبيلة، وهو ابن عنزة بن أسد بن ربيعة بن نزار، يريد أن عبدا ينتسب إلى أعرق العرب نسبا.
[5] ف: الثقفي. وفي سائر الأصول: إسماعيل بن عيسى.
يخاف العزل فيقدم العيد
وقال أبو اليقظان:
صلى المغيرة بالناس سنة أربعين، في العام الذي قتل فيه عليّ بن أبي طالب عليه السّلام. فجعل يوم الأضحى يوم عرفة، أظنه خاف أن يعزل، فسبق ذلك. فقال الراجز:
سيري رويدا وابتغي المغيره ... كلفتها الإدلاج بالظهيره
رجل مطلاق
قال: وكان المغيرة مطلاقا. فكان إذا اجتمع عنده أربع نسوة قال: إنكن لطويلات الأعناق، كريمات الأخلاق، ولكني رجل مطلاق، فاعتددن.
يصف النساء
وكان يقول: النساء أربع، والرجال أربعة: رجل مذكّر وامرأة مؤنّثة، فهو قوّام عليها؛ ورجل مؤنّث وامرأة مذكّرة، فهي قوامة عليه؛ ورجل مذكر وامرأة مذكرة، فهما كالوعلين ينتطحان؛ ورجل مؤنث وامرأة مؤنثة، فهما لا يأتيان بخير، ولا يفلحان.
تزوّج تسعا وثمانين امرأة
أخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن عمار، قال: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثنا الأصمعيّ قال: حدثنا أبو هلال عن مطير [1] الوراق، قال: قال المغيرة بن شعبة:
نكحت تسعا وثمانين امرأة، أو قال: أكثر من ثمانين امرأة، فما أمسكت امرأة منهن على حب؛ أمسكها لولدها، ولحسبها، ولكذا ولكذا.
يصف العربيات
قال أبو زيد: وبلغني أنهم ذكروا النساء عند المغيرة بن شعبة، فقال: أنا أعلمكم بهن: تزوجت ثلاثا وتسعين امرأة، منهن سبعون بكرا، فوجدت اليمانية كثوبك: أخذت بجانبه فاتبعك بقيته؛ ووجدت الرّبعية أمتك: أمرتها فأطاعتك؛ ووجدت المضرية قرنا ساورته، فغلبته أو غلبك.
رأى امرأة له تخلل في الصباح فطلقها
حدثنا ابن عمار قال: حدثنا عمر بن شبة قال: حدثنا أبو عاصم قال: رأى المغيرة امرأة له تخلّل بعد صلاة الصبح، فطلقها. فقالت: علام طلقني [2]؟ قيل: رآك تخلّلين، فظن أنك أكلت. فقالت: أبعده اللّه! واللّه ما أتخلل إلا من السواك [3].
__________
[1] ف، مب: مطر.
[2] كذا في س، ف، مب. وهو الصواب، بدليل أن الجواب بصيغة المبني للمجهول. وفي أ، ج، م: طلقتني.
[3] ذكر هذا الخبر المسعودي في «مروج الذهب» (في أخبار الحجاج) ونسب الحادثة فيه إلى الحارث بن كلدة الثقفي مع الفارعة زوجته؛ قال: دخل عليها مرة سحرا، فوجدها تتخلل، فبعث إليها بطلاقها؛ فقالت: لم بعثت إليّ بطلاقي؟ هل لشيء رابك مني؟
عمر يغير كنيته
أخبرنا أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ قال: حدثنا عمر بن شبة قال: حدثني موسى بن إسمعيل قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن زيد بن أسلم:
أن رجلا جاء فنادى يستأذن لأبي عيسى، على أمير المؤمنين. فقال عمر: أيكم أبو عيسى؟ قال المغيرة بن شعبة: أنا. فقال له عمر: هل لعيسى من أب؟ أما يكفيكم معاشر العرب أن تكتنوا بأبي عبد اللّه، وأبي عبد الرّحمن! فقال له رجل من القوم: أشهد أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم كناه بها. فقال له عمر: إن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وأنا لا أدري ما يفعل بي. فكناه أبا عبد اللّه.
أعرابي يصف عور الكوفة
أخبرني هاشم بن محمد قال: حدثنا أبو غسان دماذ، عن أبي عبيدة، قال: حدثني عمرو بن بحر أبو عثمان الجاحظ، قال:
/ كان الجمال بالكوفة ينتهي إلى أربعة نفر: المغيرة بن شعبة؛ وجرير بن عبد اللّه، والأشعث بن قيس، وحجر بن عديّ، وكلهم كان أعور؛ فكان المغيرة والأشعث وجرير يوما متواقفين بالكوفة بالكناسة، فطلع عليهم أعرابي. فقال لهم المغيرة: دعوني أحركه. قالوا: لا تفعل، فإن للأعراب جوابا يؤثر. قال: لابد. قالوا: فأنت أعلم. قال له: يا أعرابي، هل تعرف المغيرة بن شعبة؟ قال: نعم أعرفه أعور زانيا. فوجم. ثم تجلد فقال: هل/ تعرف الأشعث بن قيس؟ قال: نعم، ذاك رجل لا يعرى قومه [1]. قال: وكيف ذاك؟ قال: لأنه حائك ابن حائك.
قال: فهل تعرف جرير بن عبد اللّه؟ قال: وكيف لا أعرف رجلا لولاه ما عرفت عشيرته. قالوا له: قبحك اللّه، فإنك شر جليس، فهل تحب أن نوقر لك بعيرك هذا مالا وتموت أكرم العرب؟ قال: فمن يبلغه أهلي إذن؟ فانصرفوا عنه وتركوه.
حوار له مع ابن لسان الحمرة
أخبرني علي بن سليمان الأخفش، قال: حدثني أبو سعيد السكريّ، قال: حدثنا محمد بن أبي السريّ - واسم أبي السريّ سهل بن سلام الأزدي - قال: حدثني هشام بن محمد قال: أخبرنا عوانة بن الحكم، قال:
خرج المغيرة بن شعبة وهو على الكوفة يومئذ، ومعه الهيثم بن الأسود النخعيّ، بعد غبّ مطر، يسير بظهر الكوفة والحوف، فلقي ابن لسان [2] الحمّرة، أحد بني تيم اللّه بن ثعلبة، وهو لا يعرف المغيرة. فقال له المغيرة:
__________
قال: نعم، دخلت عليك في السحر وأنت تتخللين؛ فإن كنت بادرت الغداء، فأنت شرهة؛ وإن كنت بت والطعام بين أسنانك فأنت قذرة. فقالت: كل ذلك لم يكن، لكنني تخللت من شظايا السواك. وذكر ابن عبد ربه في كتابه «العقد»: أن الفارغة المذكورة كانت زوجة المغيرة بن شعبة، وأنه هو الذي طلقها لأجل الحكاية المذكورة في التخلل. وانظر الخبر في «وفيات الأعيان» لابن خلكان، في ترجمة الحجاج.
[1] كذا جاءت هذه العبارة في ف، ج، مب. وفيها إشارة إلى أنه حائك ابن حائك. وفي بقية الأصول: لا يعدى قومه. تحريف.
[2] الحمر: ضرب من العصافير. وابن لسان الحمرة: هو عبد اللّه بن حصين بن ربيعة بن جعفر بن كلاب التيمي. وقيل: هو ورقاء بن الأشعر، كان خطيبا بليغا نسابة، ضرب به المثل، فقيل: «أنسب من ابن لسان الحمرة». (عن «مجمع الأمثال» للميداني، و«تاج العروس» للزبيدي).
من أين أقبلت يا أعرابي؟ قال: من/ السماوة. قال: فكيف تركت الأرض خلفك؟ قال: عريضة أريضة [1]. قال:
وكيف كان المطر؟ قال: عفّى الأثر، وملأ الحفر. قال: ممن أنت؟ قال: من بكر بن وائل. قال: فكيف علمك بهم؟ قال: إن جهلتهم لم أعرف غيرهم. قال: فما تقول في بني شيبان؟ قال: سادتنا وسادة غيرنا. قال: فما تقول في بني ذهل؟ قال: سادة نوكى. قال: فقيس بن ثعلبة؟ إن جاورتهم سرقوك، وإن ائتمنتهم خانوك: قال: فبنو تيم اللّه بن ثعلبة؟ قال: رعاء البقر [2]، وعراقيب الكلاب. قال: فما تقول في بني يشكر؟ قال: صريح تحسبه مولى.
(قال هشام: لأن في ألوانهم حمرة). قال: فعجل؟ قال: أحلاس [3] الخيل. قال: فحنيفة؟ قال: يطعمون الطعام، ويضربون الهام. قال: فعنزة! قال: لا تلتقي بهم الشفتان لؤما [4]. قال: فضبيعة أضجم؟ [5] قال: جدعا وعقرا [6].
قال: فأخبرني عن النساء. قال: النساء أربع: ربيع مربع، وجميع تجمع، وشيطان سمعمع، وغلّ لا يخلع [7].
قال:/ فسّر. قال: أما الربيع المربع فالتي إذا نظرت إليها سرتك، وإذا أقسمت عليها أبرّتك؛ وأما التي هي جميع تجمع، فالمرأة تتزوجها ولها نشب، فتجمع نشبك إلى نشبها؛ وأما الشيطان السمعمع، فالكالحة في وجهك إذا دخلت، والمولولة في أثرك إذا خرجت؛ وأما الغل الذي لا يخلع، فبنت عمك السوداء القصيرة، الفوهاء الدميمة، التي قد نثرت لك بطنها، إن طلقتها ضاع ولدك، وإن أمسكتها فعلى جدع أنفك. فقال له المغيرة: بل أنفك. ثم قال له: ما تقول في أميرك المغيرة بن شعبة؟ قال: أعور زنّاء. فقال الهيثم: فض اللّه فاك! ويلك! هذا الأمير المغيرة.
فقال: إنها كلمة واللّه تقال. فانطلق به المغيرة إلى منزله، وعنده يومئذ أربع نسوة، وستون أو سبعون أمة. قال له:
ويحك! هل يزني الحر وعنده مثل هؤلاء؟ ثم قال لهن المغيرة: ارمين إليه بحلاكن. ففعلن، فخرج الأعرابي بملء كسائه ذهبا وفضة.
ينصح عليا ثم يغشه
أخبرني عبيد اللّه بن محمد، قال: حدثنا الخرّاز، عن المدائني، عن أبي مخنف، وأخبرني أحمد [8] بن عيسى العجلي قال: حدثنا الحسن بن نصر، قال: حدثني أبي نصر بن مزاحم قال: حدثنا عمر بن سعد [9]، عن أبي مخنف عن رجاله:
__________
[1] أرض أريضة: معشبة خصبة.
[2] ف، مب: النقد، وهي صغار الغنم.
[3] أحلاس الخيل: شجعان فرسان، ملازمون لركوب الخيل.
[4] لعله يريد أنهم لا يكفون عن ثلب الناس والفخر عليهم.
[5] كذا في ف، مب. وفي أ، م، ج: أحجم. تحريف. وضبيعة أضجم. هو ضبيعة بن أسد بن ربيعة، أو ضبيعة بن ربيعة بن نزار، وهو المعروف بالأضجم، كما في «المقدمة الفاضلية» لابن الجواني النسابة؛ ومعناه: المعوج الفم. وضبيعة بن أسد بن ربيعة؛ قال ابن دريد: وهي ضبيعة أضجم.
[6] جدعا وعقرا: دعاء عليهم بالجدع والعقر، يريد أصابهم الاستئصال والفناء.
[7] ذكر صاحبا «اللسان» و «التاج» كلام ابن لسان الحمرة في وصف النساء أتم تفصيلا مما ذكره المؤلف هنا. قالا: «النساء أربع: فربيع مربع، وجميع تجمع، وشيطان سمعمع، وغل لا يخلع. فقال: فسر. قال: الربيع المربع: الشابة الجميلة التي إذا نظرت إليها سرتك، وإذا أقسمت عليها أبرتك. وأما الجميع التي تجمع: فالمرأة تتزوّجها ولك نشب، ولها نشب، فتجمع ذلك. وأما الشيطان السمعمع: فهي المرأة الكالحة في وجهك إذا دخلت، المولولة في إثرك إذا خرجت. قال: وأما الغل التي لا تخلع: فبنت عمك القصيرة الفوهاء: الدميمة السوداء، التي نثرت لك ذا بطنها، فإن طلقتها ضاع ولدك، وإن أمسكتها أمسكتها على مثل جدع أنفك».
وفي «اللسان»: امرأة سمعمعة: كأنها غول أو ذئبة. والورهاء: التي لا تعني بالكحل. وهي رواية الأصول عدا ف، مب.
[8] ج: محمد.
[9] ف: شبة.
أن المغيرة بن شعبة جاء إلى علي بن أبي طالب عليه السّلام، فقال له: أكتب إلى معاوية فولّه الشام، ومره بأخذ البيعة لك، فإنك إن لم تفعل وأردت عزله حاربك. فقال عليّ عليه السّلام: ما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً
فانصرف المغيرة وتركه. فلما كان من غد جاءه، فقال: إني فكرت فيما أشرت به عليك أمس، فوجدته خطأ، ووجدت رأيك أصوب. فقال له علي: لم يخف عليّ ما أردت؛ قد نصحتني في الأولى، وغششتني في الآخرة، ولكني واللّه لا آتي أمرا أجد فيه فسادا لديني، طلبا لصلاح دنياي. فانصرف المغيرة.
يخدع مصقلة بن هبيرة الشيباني
أخبرني الحسن بن علي قال: حدثني إبراهيم بن سعيد بن شاهين، قال: حدثني محمد بن يونس الشيرازي، قال: حدثني محمد بن غسان الضبيّ، قال: حدثني زاجر بن عبد اللّه الثقفي، مولى الحجاج بن يوسف، قال:
كان بين المغيرة بن شعبة وبين مصقلة بن هبيرة الشيبانيّ تنازع، فضرع له المغيرة، وتواضع في كلامه، حتى طمع فيه مصقلة. واستعلى عليه، فشتمه. فقدمه المغيرة إلى شريح، وهو القاضي يومئذ، فأقام عليه البينة، فضربه الحد. فآلى مصقلة ألا يقيم ببلدة فيها المغيرة بن شعبة ما دام حيا، وخرج إلى بني شيبان، فنزل فيهم إلى أن مات المغيرة. ثم دخل الكوفة، فتلقاه قومه، وسلموا عليه. فما فرغ من التسليم حتى سألهم عن مقابر ثقيف، فأرشدوه إليها. فجعل قوم من مواليه يلتقطون له الحجارة، فقال: ما هذا؟ قالوا: ظننا أنك تريد أن ترجم قبره. فقال: ألقوا ما في أيديكم. فألقوه، وانطلق حتى وقف على قبره، ثم قال: واللّه لقد كنت ما علمت نافعا لصديقك، ضائرا [1] لعدوّك، وما مثلك إلا كما قال مهلهل في أخيه كليب:
إن تحت الأحجار حزما وعزما ... وخصيما ألدّ ذا معلاق [2]
حية في الوجار أربد لا ين ... فع منه السليم نفث الراقي
/ وأخبرني بهذا الخبر محمد بن خلف بن المرزبان، عن أحمد بن القاسم، عن العمري، عن الهيثم بن عدي، عن مجالد، عن الشعبيّ:
أن مصقلة قال له: واللّه إني لأعرف شبهي في عروة ابنك. فأشهد عليه بذلك، وجلده الحدّ. وذكر باقي الخبر مثل الذي قبله.
يحاول أن يخدع عمر بن الخطاب فلا ينخدع
أخبرني محمد بن عبد اللّه [3] الرازيّ، قال: حدثنا أحمد بن الحارث، عن المدائني، عن مسلمة [4] بن محارب، قال:
__________
[1] ضائرا: كذا في ف، مب. وفي سائر النسخ: صابرا.
[2] يقال: رجل معلاق، وذو معلاق: أي خصم، شديد الخصومة، يتعلق بالحجج ويستدركها. والمعلاق: اللسان البليغ. ورواه ابن دريد: ذا مغلاق؛ قال الزمخشري عن المبرد: من رواه بالعين المهملة فمعناه: إذا علق خصيا لم يتخلص منه؛ وبالغين المعجمة فتأويله: يغلق الحجة على الخصم. (انظر «تاج العروس» في علق).
[3] ف، مب: عبيد اللّه بن محمد الرازي.
[4] كذا في ف، مب. وفي سائر الأصول: سلمة.
قال رجل من قريش لعمر بن الخطاب رضوان اللّه عليه: ألا تتزوج أم كلثوم بنت أبي بكر، فتحفظه بعد وفاته، وتخلفه في أهله. فقال عمر: بلى، إني لأحب ذاك؛ فاذهب إلى عائشة، فاذكر لها ذلك، وعد إلي بجوابها. فمضى الرسول إلى عائشة، فأخبرها بما قال عمر، فأجابته إلى ذلك، وقالت له: حبا وكرامة [1]. ودخل إليها بعقب ذلك المغيرة بن شعبة، فرآها مهمومة. فقال لها: مالك يا أم المؤمنين؟ فأخبرته برسالة عمر، وقالت: إن هذه جارية حدثة، وأردت لها ألين عيشا من عمر. فقال لها: عليّ أن أكفيك. وخرج من عندها، فدخل على عمر، فقال:
بالرّفاء والبنين، قد بلغني ما أتيته من صلة أبي بكر في أهله، وخطبتك أم كلثوم. فقال: قد كان ذاك. قال: إلّا أنك، يا أمير المؤمنين، رجل شديد الخلق على أهلك، وهذه صبية حديثة السن، فلا تزال تنكر عليها الشيء، فتضربها فتصيح: يا أبتاه! فيغمك ذلك، وتتألم له عائشة، ويذكرون أبا بكر، فيبكون عليه، فتجدد لهم المصيبة به، مع قرب عهدها في كل/ يوم. فقال له: متى كنت عند عائشة [2]، واصدقني؟ فقال: آنفا. فقال عمر: أشهد أنهم كرهوني، فتضمنت لهم أن تصرفني عما طلبت، وقد أعفيتهم. فعاد إلى/ عائشة، فأخبرها بالخبر، وأمسك عمر من معاودتها.
قضية الزنا
حدّثنا أحمد بن عبد العزيز الجوهري وأحمد بن عبيد اللّه بن عمار، قالا: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدّثنا عليّ بن محمد النوفلي، عن محمد بن سليمان الباقلاني، عن قتادة، عن غنيم بن قيس، قال:
كان المغيرة بن شعبة يختلف إلى امرأة من ثقيف يقال لها الرّقطاء، فلقيه أبو بكرة، فقال له: أين تريد؟ قال:
أزور آل فلان [3]. فأخذ بتلابيبه، وقال: إن الأمير يزار ولا يزور.
وحدّثنا بخبره لما شهد عليه الشهود عند عمر رضي اللّه عنه، أحمد بن عبيد اللّه بن عمار، وأحمد بن عبد العزيز، قالا: حدثنا عمر بن شبة، فرواه عن جماعة من رجاله، بحكايات متفرقة.
قال عمر بن شبة: حدثني أبو بكر العليمي، قال: أخبرنا هشام، عن عيينة بن عبد الرّحمن بن جوشن، عن أبيه، عن أبي بكرة.
قال عمر بن شبة: وحدّثنا عمرو بن عاصم، قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن عليّ بن يزيد، عن عبد الرّحمن بن أبي بكرة.
قال أبو زيد عمر بن شبة: وحدثنا عليّ بن محمد بن حباب بن موسى، عن مجالد، عن الشعبيّ.
قال: وحدثنا محمد بن عبد اللّه الأنصاريّ، قال: حدثنا عوف، عن قسامة بن زهير.
قال أبو زيد عمر بن شبة: قال الواقديّ: حدثنا عبد الرّحمن بن محمد بن أبي بكرة، عن أبيه، عن مالك بن أوس [4] بن الحدثان.
__________
[1] ف: نعم وحب وكرامة. مب: نعم وكرامة.
[2] ف: متى عهدك بعائشة.
[3] آل فلان: كذا في ج، س، مب. وفي أ، م: دار فلان. وفي ف: فلانا.
[4] في الأصول: أنس. والتصويب عن «الخلاصة» للخزرجي.
/ قال: وحدّثني محمد بن الجهم، عن علي بن أبي هاشم، عن إسماعيل بن أبي عبلة، عن عبد العزيز بن صهيب، عن أنس بن مالك:
أن المغيرة بن شعبة كان يخرج من دار الإمارة وسط النهار، وكان أبو بكرة يلقاه فيقول له: أين يذهب الأمير؟
فيقول: آتي حاجة. فيقول له: حاجة ماذا؟ إن الأمير يزار ولا يزور.
قال: وكانت المرأة التي يأتيها جارة لأبي بكرة. قال: فبينا أبو بكرة في غرفة له مع أصحابه وأخويه نافع وزياد، ورجل آخر، يقال له شبل بن معبد، وكانت غرفة جارته تلك بحذاء غرفة أبي بكرة. فضربت الريح باب المرأة ففتحته. فنظر القوم فإذا هم بالمغيرة ينكحها. فقال أبو بكرة: هذه بلية ابتليتم بها، فانظروا. فنظروا حتى أثبتوا. فنزل أبو بكرة فجلس حتى خرج عليه المغيرة من بيت المرأة، فقال له: إنه قد كان من أمرك ما قد علمت، فاعتزلنا. قال: وذهب ليصلي بالناس الظهر، فمنعه أبو بكرة، وقال له: لا واللّه لا تصلي بنا وقد فعلت ما فعلت.
فقال الناس: دعوه فليصلّ، فإنه الأمير، واكتبوا بذلكم إلى عمر. فكتبوا إليه، فورد كتابه بأن يقدموا عليه جميعا، المغيرة والشهود.
وقال المدائني في حديثه عن حباب بن موسى: وبعث عمر بأبي موسى الأشعريّ على البصرة. وعزم عليه ألا يضع كتابه من يده حتى يرحل المغيرة بن شعبة. قال: قال عليّ بن أبي هاشم [1] في حديثه: إن أبا موسى قال لعمر لما أمره أن يرحله من وقته: أو خير من ذلك يا أمير المؤمنين: نتركه يتجهز ثلاثا، ثم يخرج. قال: فصلينا صلاة الغداة بظهر المربد، ودخلنا المسجد، فإذا هم يصلون: الرجال والنساء مختلطين. فدخل رجل على المغيرة، فقال له: إني رأيت أبا موسى في جانب المسجد، عليه/ برنس. فقال له المغيرة: ما جاء زائرا ولا تاجرا. فدخلنا [2] عليه ومعه صحيفة ملء يده [3]، فلما رآنا [4] قال: الأمير؟ فأعطاه أبو موسى الكتاب. فلما قرأه ذهب يتحرك عن سريره. فقال له أبو موسى: مكانك، تجهز ثلاثا.
وقال الآخرون: إن أبا موسى أمره أن يرحل من وقته. فقال له المغيرة: لقد علمت ما وجهت فيه، فألا تقدمت فصليت. فقال له أبو موسى: ما أنا وأنت في هذا الأمر إلا سواء. فقال له/ المغيرة: فإني أحب أن أقيم ثلاثا لأتجهز. فقال: قد عزم عليّ أمير المؤمنين ألا أضع عهدي من يدي إذا قرأته عليك، حتى أرحّلك إليه. قال: إن شئت شفّعتني وأبررت قسم أمير المؤمنين. قال: وكيف؟ قال: تؤجلني إلى الظهر، وتمسك الكتاب في يدك.
قالوا: فقد رئى أبو موسى يمشي مقبلا ومدبرا، وإن الكتاب لفي يده معلقا بخيط. فتجهز المغيرة، وبعث إلى أبي موسى بعقيلة، جارية عربية من سبي اليمامة، من بني حنيفة؛ ويقال إنها مولدة الطائف، ومعها خادم لها. وسار المغيرة حين صلّى الظهر، حتى قدم على عمر. وقال في حديث محمد بن عبد اللّه الأنصاريّ: فلما قدم على عمر.
قال له: إنه قد شهد عليك بأمر إن كان حقا لأن تكون مت قبل ذلك كان خيرا لك.
قال أبو زيد: وحدّثني الحكم بن موسى، قال: حدثنا يحيى بن حمزة، عن إسحاق بن عبد اللّه بن أبي فروة، عن عبد اللّه بن عبد الرّحمن الأنصاريّ، عن مصعب بن سعد:
__________
[1] كذا في ف. وفي مب، ج، أ، م، س: علي بن هشام.
[2] أ، م، س، ج: فدخلت.
[3] ملء يده: كذا في ب. وفي سائر النسخ: مثل هذه.
[4] أ، م: رآها.
أن عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه جلس، ودعا المغيرة والشهود. فتقدم أبو بكرة. فقال له: أرأيته بين فخذيها، قال: نعم واللّه، لكأني أنظر إلى تشريم/ جدريّ بفخذيها. فقال له المغيرة: لقد ألطفت النظر. فقال له:
لم آل أن أثبت ما يخزيك اللّه به؟ فقال له عمر: لا واللّه حتى تشهد لقد رأيته يلج فيه كما يلج المرود في المكحلة.
فقال: نعم أشهد على ذلك. فقال له: اذهب عنك مغيرة، ذهب ربعك.
ثم دعا نافعا فقال له: علام تشهد؟ قال: على مثل شهادة أبي بكرة. قال: لا، حتى تشهد أنه كان يلج فيه ولوج المرود في المكحلة. فقال: نعم حتى بلغ قذذه [1]. فقال: اذهب عنك مغيرة، ذهب نصفك. ثم دعا الثالث.
فقال: علا م تشهد؟ فقال: على مثل شهادة صاحبيّ. فقال له عليّ بن أبي طالب عليه السّلام: اذهب عنك مغيرة، ذهب ثلاثة أرباعك. قال: حتى مكث يبكي إلى المهاجرين، فبكوا. وبكى إلى أمهات المؤمنين، حتى بكين معه، وحتى لا يجالس هؤلاء الثلاثة أحد من أهل المدينة.
قال: ثم كتب إلى زياد، فقدم على عمر. فلما رآه جلس له في المسجد، واجتمع إليه رؤوس المهاجرين والأنصار. قال المغيرة: ومعي كلمة قد رفعتها لأكلم القوم. قال: فلما رآه عمر مقبلا قال: إني لأرى رجلا لن يخزي اللّه على لسانه رجلا من المهاجرين.
قال أبو زيد: وحدّثنا عفان، قال: حدّثنا السّريّ بن يحيى، قال: حدّثنا عبد الكريم بن رشيد، عن أبي عثمان النهديّ، قال:
لما شهد عند عمر الشاهد الأوّل على المغيرة، تغير لذلك لون عمر. ثم جاء آخر فشهد، فانكسر لذلك انكسارا شديدا. ثم جاء رجل شابّ [2] يخطر بين يديه، فرفع/ عمر رأسه إليه، وقال له: ما عندك يا سلح العقاب.
وصاح أبو عثمان صيحة تحكي صيحة عمر. قال عبد الكريم: لقد كدت أن يغشى عليّ.
وقال آخرون: قال المغيرة: فقمت إلى زياد، فقلت له: لا مخبأ لعطر بعد عروس. ثم قلت: يا زياد، اذكر اللّه، واذكر موقف يوم القيامة؛ فإن اللّه وكتابه ورسوله وأمير المؤمنين قد حقنوا دمي، إلا أن تتجاوز إلى ما لم تر ما رأيت، فلا يحملك شر منظر رأيته على أن تتجاوزه إلى ما لم تر، فو اللّه لو كنت بين بطني وبطنها ما رأيت أين سلك ذكري منها. قال: فترنقت عيناه، واحمرّ وجهه، وقال: يا أمير المؤمنين، أما أن أحقّ ما حق القوم فليس ذلك عندي؛ ولكني رأيت مجلسا قبيحا، وسمعت نفسا حثيثا وانبهارا، ورأيته متبطّنها. فقال له: أرأيته يدخله كالميل في المكحلة. فقال: لا.
وقال غير هؤلاء: إن زيادا قال له:/ رأيته رافعا برجليها، ورأيت خصيتيه تتردّدان بين فخذيها، ورأيت حفزا شديدا، وسمعت نفسا عاليا. فقال له: أرأيته يدخله ويخرجه كالميل في المكحلة؟ فقال: لا. فقال عمر: اللّه أكبر. قم إليهم فاضربهم. فقام إلى أبي بكرة، فضربه ثمانين، وضرب الباقين، وأعجبه قول زياد، ودرأ عن المغيرة الرجم. فقال أبو بكرة بعد أن ضرب: فإني أشهد أن المغيرة فعل كذا وكذا. فهم عمر بضربه، فقال له عليّ عليه السّلام: إن ضربته رجمت صاحبك. ونهاه عن ذلك.
__________
[1] قذذه: جمع قذة، وهي جانب الحياء.
[2] شاب: كذا في ف، مب. وفي سائر النسخ: شديد.
قال: يعني أنه إن ضربه جعل شهادته بشهادتين، فوجب بذلك الرجم على المغيرة.
قال: واستتاب عمر أبا بكرة. فقال: إنما تستتيبني لتقبل شهادتي. قال: أجل. قال: لا أشهد بين اثنين ما بقيت في الدنيا. قال: فلما ضربوا الحدّ/ قال المغيرة: اللّه أكبر، الحمد اللّه الذي أخزاكم. فقال له عمر: اسكت أخزى اللّه مكانا رأوك فيه [1]. قال: وأقام أبو بكرة على قوله، وكان يقول: واللّه ما أنسى رقط فخذيها. قال: وتاب الاثنان، فقبلت شهادتهما. قال: وكان أبو بكرة بعد ذلك إذا دعي إلى شهادة يقول: اطلب غيري، فإن زيادا قد أفسد عليّ شهادتي.
قال أبو زيد: وحدّثني سليمان بن داود بن عليّ، قال: حدّثني إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن جدّه، قال:
لما ضرب أبو بكرة أمرت أمه بشاة فذبحت، وجعلت جلدها على ظهره. قال: فكان أبي يقول: ما ذلك ذاك إلا من ضرب شديد.
حدّثنا ابن عمار والجوهريّ قالا: حدّثنا عمر بن شبة قال: حدّثنا عليّ بن محمد، عن يحيى بن زكريا، عن مجالد، عن الشعبيّ، قال:
كانت أم جميل بنت عمر، التي رمي بها المغيرة بن شعبة بالكوفة، تختلف إلى المغيرة في حوائجها، فيقضيها لها. قال: وواقفت عمر بالموسم والمغيرة هناك، فقال له عمر: أتعرف هذه؟ قال: نعم؛ هذه أم كلثوم بنت عليّ [2]. فقال: له عمر: أنتجاهل عليّ؟ واللّه ما أظن أبا بكرة كذب عليك، وما رأيتك إلا خفت أن أرمى بحجارة من السماء.
حدّثني أحمد بن الجعد، قال: حدّثنا محمد بن عباد، قال: حدّثنا سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن أبي جعفر، قال:
/ قال عليّ بن أبي طالب عليه السّلام: لئن لم ينته المغيرة لأتبعنه أحجاره. وقال غيره: لئن أخذت المغيرة لأتبعنه أحجاره.
حسان يهجو المغيرة
أخبرني ابن عمار والجوهريّ قالا: حدّثنا عمر بن شبة، قال: حدّثنا المدائني، قال:
قال حسان بن ثابت يهجو المغيرة بن شعبة في هذه القصة:
لوان اللؤم ينسب كان عبدا ... قبيح الوجه أعور من ثقيف
تركت الدين والإسلام لما ... بدت لك غدوة ذات النّصيف
وراجعت الصّبا وذكرت عهدا ... من القينات والغمز اللطيف [3]
__________
[1] رأوك فيه: كذا في ف، مب. وفي سائر النسخ: واراك.
[2] مب: عاتكة بنت معاوية.
[3] كذا رواية البيت في ف. وفي سائر النسخ: ... لهوا ... العمر اللطيف.
يتزوّج وهو في طريقه إلى المحاكمة
أخبرني الجوهريّ وابن عمار، قالا: حدّثنا عمر بن شبة، قال: حدّثنا المدائني عن عبد اللّه بن سلم الفهري، قال:
لما شخص المغيرة إلى عمر، رأى في طريقه جارية فأعجبته، فخطبها إلى أبيها. فقال له: أنت على هذه الحال؟ قال: وما عليك؟ إن أعف، فهو الذي تريد؛ وإن أقتل ترثني. فزوّجه.
قال أبو زيد: قال الواقدي. تزوّجها بالرّقم [1]. وهي امرأة من بني مرة. فلما قدم بها على عمر، قال: إنك لفارغ القلب، طويل الشّبق.
وقال محمد بن سعد: أخبرني محمد بن/ عبد اللّه الأسديّ، قال: حدّثنا مسعر، عن زياد بن علاقة، قال:
سمعت جرير بن عبد اللّه حين مات المغيرة بن شعبة يقول: استغفروا لأميركم هذا، فإنه كان يحب العافية [2].
صفته
قال: وكان المغيرة أصهب الشعر جدا، أكشف، يفرق رأسه قرونا أربعة، أقلص الشفتين، مهتوما، ضخم الهامة، عبل الذراعين، بعيد ما بين المنكبين.
وفاته
قال: وقال الواقديّ، حدّثني محمد بن موسى الثقفي، عن أبيه، قال: مات المغيرة بن شعبة بالكوفة سنة خمسين، في خلافة معاوية، وهو ابن سبعين سنة. وكان رجلا طوالا أعور، أصيبت عينه يوم اليرموك.
صوت
جنية ولها جن يعلمها ... رمى القلوب بقوس ما لها وتر
إن كان ذا قدرا يعطيك نافلة ... منا ويحرمنا، ما أنصف القدر
الشعر لمحمد بن بشير الخارجيّ، والغناء لإبراهيم: هزج بالبنصر، عن الهشاميّ.
__________
[1] الرقم: موضع بالحجاز قريب من وادي القرى.
[2] مب: العاقبة.
6 - أخبار محمد بن بشير الخارجيّ ونسبه
نسبه وشعره
هو محمد بن بشير بن عبد اللّه بن عقيل بن أسعد بن حبيب بن سنان [1] بن عديّ بن عوف بن بكر بن يشكر بن عدوان الخارجيّ، من بني خارجة بن عدوان بن عمرو بن قيس بن عيلان بن مضر. ويقال لعدوان وفهم: ابنا جديلة، نسبا إلى أمهما جديلة بنت مرّ بن أدّ بن طابخة بن إلياس بن مضر، ويكنى محمد بن بشير أبا سليمان؛ شاعر فصيح حجازيّ مطبوع، من شعراء الدولة الأموية. وكان منقطعا إلى أبي عبيدة بن عبد اللّه بن زمعة القرشي، أحد بني أسد بن عبد العزى، وهو جد ولد عبد اللّه بن الحسين بن الحسن، لأمهم هند بنت أبي عبيدة بن زمعة القرشيّ؛ ولدت لعبد اللّه محمدا وإبراهيم وموسى. وكانت لمحمد بن بشير فيه مدائح ومراث مختارة، وهي عيون شعره، وكان يبدو في أكثر زمانه، ويقيم في بوادي المدينة، ولا يكاد يحضر مع الناس.
رواة أخباره
أخبرني بقطعة من أخباره الحسن بن عليّ، قال: حدّثنا أحمد بن زهير، قال: حدّثني مصعب الزبيريّ. قال أحمد: وحدثنا الزبير بن بكار، قال: حدثني سليمان بن عياش [2] السعدي وعمي مصعب. وحدّثني بقطعة أخرى منها عيسى بن الحسن الوارق، عن الزبير، عن سليمان بن عياش. وقد ذكرت كل ذلك في مواضعه.
يخطب عائشة بنت يحيى فترفض السفر معه
قال ابن أبي خيثمة في روايته عن مصعب وعن الزبير، عن سليمان بن عياش:
/ كان الخارجيّ، واسمه محمد بن بشير بن عبد اللّه بن عقيل بن سعد بن حبيب بن سنان بن عديّ بن عوف بن بكر، شاعرا فصيحا، ويكنى أبا سليمان. فقدم البصرة في طلب ميراث له بها، فخطب عائشة بنت يحيى بن يعمر الخارجية؛ من خارجة عدوان. فأبت أن تتزوجه إلا أن يقيم معها بالبصرة، ويترك الحجاز، ويكون أمرها في الفرقة إليها. فأبى أن يفعل، وقال في ذلك:
أرق الحزين وعاده سهده ... لطوارق الهم التي ترده [3]
وذكرت من لانت له كبدي ... فأبى فليس تلين لي كبده
ونأى فليس بنازل بلدي ... أبدا، وليس بمصلحي بلده [4]
__________
[1] ف، مب: سيار.
[2] أ، م، ج: عياس.
[3] كذا في ف، مب. وفي سائر النسخ: الذي يرده.
[4] كذا في ف، مب. وفي سائر النسخ: فأبى.
فصدعت حين أبى مودته ... صدع الزجاجة دائم أبده
/ وعرفت أن الطير قد صدقت ... يوم الكدانة شرّ ما تعده
فاصبر فإن لكل ذي أجل ... يوما يجيء فينقضي عدده
ماذا تعاتب من زمانك إذ ... ظعن الحبيب وحل بي كمده [1]
قالا: وخاطب أباها يحيى بن يعمر في ذلك، فقال له: إنها امرأة برزة عاقلة، لا يفتات على مثلها بأمرها، وما عندها عنك من رغبة، ولكنها امرأة في خلقها شدّة، ولها غيرة، وقد بلغني أن لك زوجتين، وما أراها تصبر على أن تكون ثالثة لهما؛ فانظر في أمرك، وشاور فيه: فإما أن أقمت بالبصرة معها، فعفت لك عن/ صاحبتيك، إذ لا مجاورة بينهما وبينها ولا عشرة، وإن شئت فارقتهما [2] وأخرجها معك. فصار إلى رحله مغموما. وشاور ابن عم له يقال له ورّاد بن عمرو في ذلك، فقال له: إن في يحيى بن يعمر لرغبة، لثروته وكثرة ماله، وما ذكرته [3] من جمال ابنته، وما نحب أن تفارق زوجتيك - وكانت إحداهما ابنة عمه، والأخرى من أشجع - فتقيم معها السنة بالبصرة، وتمضي نحن [4]، فإن رغبت فيها تمسكت بها، وأقمت بمكانك، وإن رغبت في العود إلى بلدك، كتبت إلينا فجئناك، حتى تنصرف معنا إلى بلدك.
قصيدته في زوجه أم سعد
ففكر ليله أجمع في ذلك، ثم غدا عازما على الرجوع إلى الحجاز، وقال:
لئن أقمت بحيث الفيض في رجب ... حتى أهلّ به من قابل رجبا [5]
وراح في السّفر وراد فهيجني ... إن الغريب إذا هيجته طربا [6]
إن الغريب يهيج الحزن صبوته ... إذا المصاحب حياه وقد ركبا
قد قلت أمس لوارد وصاحبه ... عوجا على الخارجيّ اليوم واحتسبا [7]
وأبلغا أم سعد أنّ عانيها ... أعيا على شفعاء الناس فاجتنبا [8]
لما رأيت نجيّ القوم قلت لهم ... هل يعدونّ نجيّ القوم ما كتبا [9]
/و قلت إني متى أجلب شفاعتكم ... أندم وإنّ أشقّ الغيّ ما اجتلبا [10]
__________
[1] كذا في ف، مب. وفي سائر النسخ: أن ظعن.
[2] كذا في ف، وفي مب: ففارقهما. وفي سائر النسخ: مفارقتهما.
[3] ج: ذكره.
[4] نحن: كذا في ف، مب. وفي سائر النسخ: تمضي بخير. تحريف.
[5] الفيض: نهر البصرة. وهي رواية ف، مب. وفي سائر النسخ: القبض. تحريف. يريد: أقمت بهذا الموضع، وأهل الرجل الهلال:
رآه.
[6] ف: وراث في السفر.
[7] احتسبا: يريد اصنعا فيّ معروفا، وعدا أجره عند اللّه.
[8] العاني: الأسير.
[9] النجيّ، بوزن فعيل: الذي يسارك ويناجيك، مفرد وجمع. ورواية البيت كما في ف، مب. وفي سائر النسخ: قلت له: هل يقدرن.
[10] كذا روى البيت في مب، وفيه تحريف في سائر النسخ.
وإنّ مثلي متى يسمع مقالتكم ... ويعرف العين يندم قبل أن يجبا [1]
إني وما كبّر الحجّاج تحملهم ... بزل المطايا بجنبي نخلة عصبا [2]
وما أهلّ به الداعي وما وقفت ... عليا ربيعة ترمى بالحصى الحصبا [3]
جهدا لمن ظن أني سوف أظعنها ... عن ربع غانية أخرى لقد كذبا [4]
أ أبتغي الحسن في أخرى وأتركها ... فذاك حين تركت الدين والحسبا [5]
وما انقضى الهم من سعدى وما علقت ... مني الحبائل حتى رمتها حقبا [6]
وما خلوت بها يوما فتعجبني ... إلا غدا أكثر اليومين لي عجبا [7]
بل أيها السائلي ما ليس يدركه ... مهلا فإنك قد كلفتني تعبا [8]
كم من شفيع أتاني وهو يحسب لي ... حسبا فأقصره من دون ما حسبا [9]
فإن يكن لهواها أو قرابتها ... حب قديم فما غابا ولا ذهبا
هما عليّ: فإن أرضيتها رضيا ... عني وإن غضبت في باطل غضبا
/ كائن ذهبت فردّاني بكيدهما ... عما طلبت وجاءاها بما طلبا [10]
وفد ذهبت فلم أصبح بمنزلة ... إلا أنازع من أسبابها سببا
ويلمّها خلّة لو كنت مسجحة ... أو كنت ترجع من عصريك ما ذهبا
أنت الظعينة لا ترمى برمتها ... ولا يفجّعها ابن العم ما اصطحبا [11]
يغضب لعربية تزوّجت مولى ويفرّق بينهما
أخبرني عيسى بن الحسين، قال: حدّثنا الزبير بن بكار، قال: حدثني سليمان بن عياش السعدي، قال:
قدم أعراب من بني سليم أقحمتهم السنة إلى الرّوحاء، فخطب إلى بعضهم رجل من الموالي من أهل الروحاء، فزوّجه. فركب محمد بن بشير الخارجيّ إلى المدينة، وواليها يومئذ إبراهيم بن هشام بن إسماعيل بن
__________
[1] العين: كذا في جميع النسخ، ولعله تحريف عن الغبن. يريد الغبن في الرأي الذي أشاروا به عليه. وفي ف، مب: ينزع، في موضع: يندم. والنزوع: الاشتياق.
[2] بجنبي: كذا في ف، مب. وفي سائر النسخ: إلى، وبها يختل وزن البيت. ونخلة: موضع على ليلة من مكة (عن «معجم ما استعجم» للبكري). والعصب: الجماعات.
[3] يريد بالحصب هنا: المحصب بمنى، وهو موضع رمي الجمار.
[4] ربع: كذا في ف، مب. وفي سائر النسخ: دفع، وهذه غامضة. يريد: لا أجعل لناقتي مقرا ولا رحلة إلا من ربع هذه الحبيبة.
[5] ف: والأدبا.
[6] ف، مب: ولا انقضى ... ولا علقت.
[7] ف، مب: أكبر اليومين.
[8] ف، مب: يأيها السائلي.
[9] ف: وهو يحسبني أسلو. يريد كم شفيع أتاه يعدله كثير المحاسن في نساء أخر، فكان يردّه.
[10] ذهبت: كذا في ف، مب. وفي سائر النسخ: دهيت. وضمير الفاعل في رداني وجاءاها وطلبا: يعود على الهوى والقرابة.
[11] أنت: كذا في ف، مب. وفي سائر النسخ: ليت.
هشام بن الوليد بن المغيرة، فاستعداه الخارجيّ على المولى. فأرسل إبراهيم إليه وإلى النفر السّلميين، وفرق بين المولى وزوجته، وضربه مائتي سوط، وحلق رأسه ولحيته وحاجبيه. فقال محمد بن بشير في ذلك:
شهدت غداة خصم بني سليم ... وجوها من قضائك غير سود [1]
قضيت بسنة وحكمت عدلا ... ولم ترث الحكومة من بعيد
إذا غمز القنا وجدت لعمري ... قناتك حين تغمز خير عود
إذا عض الثّقاف بها اشمأزت ... أبيّ النفس بائنة الصعود [2]
حمى حدبا لحوم بنات قوم ... وهم تحت التراب أبو الوليد
وفي المئتين للمولى نكال ... وفي سلب الحواجب والخدود
/ إذا كافأتهم ببنات كسرى ... فهل يجد الموالي من مزيد
فأي الحق أنصف للموالي ... من اصهار العبيد إلى العبيد
كان له عبد غير وفي
حدّثني عمي [3]، قال: حدثنا الزبير بن بكار، قال: حدثني سليمان بن عياش، قال:
كان للخارجيّ عبد، وكان يتلطف له ويخدمه، حتى أعتقه وأعطاه مالا، فعمل به، وربح فيه. ثم احتاج الخارجيّ بعد ذلك إلى معونة أو قرض في نائبة لحقته، فبعث إلى مولاه في ذلك، وقد كان المولى أثرى واتسعت حاله، فحلف له أنه لا يملك شيئا، فقال الخارجيّ في ذلك:
يسعى لك المولى ذليلا مدقعا ... ويخذلك المولى إذا اشتدّ كاهله
فأمسك عليك العبد أوّل وهلة ... ولا تنفلت من راحتيك حبائله
وقال أيضا:
إذا افتقر المولى سعى لك جاهدا ... لترضى وإن نال الغنى عنك أدبرا
يتزوّج ثالثة إذ تأخر عنه زوجتاه
حدّثني عيسى بن الحسين [4]، قال: حدّثنا الزبير، قال: حدّثني سليمان بن عياش السعديّ، قال:
كان محمد بن بشير الخارجيّ بين زوجتين له، وكان يسكن الروحاء، فأجدب عليه منزله، فوجه غنما إلى سحابة وقعت برجفان، وهو جبل يطل على مضيق يليل، فشقت غيبتها عليه. فقال لزوجتيه: لو تحوّلتما إلى غنمنا.
فقالتا له: بل تذهب، فتطلع إليها، وتصرفها إلى موضع قريب، حتى نوافيك فيه. فمضى وزوّدتاه وطبين، وقالتا له: اجمع لنا اللبن، ووعدتاه موضعا من رجفان، يقال له/ ذو القشع. فانطلق،/ فصرف غنمه إلى ذلك الموضع،
__________
[1] ف، مب: وجوها من فضائل.
[2] النفس: كذا في ف. وفي سائر النسخ: القصر.
[3] ف، مب: عيسى بن الحسين.
[4] كذا في ف، مب. وفي سائر النسخ: حدّثني محمد بن عيسى.
ثم انتظرهما، فأبطأتا عليه. وخالفته سحابة إليهما، فأقامتا، وقالتا: يبلغ إلى غنمه ثم يأتينا. فجعل يصعد في الجبل وينزل، يتبصرهما فلا يراهما. فبينما هو كذلك إذ أبصر امرأتين قد نزلتا [1]، فقال: أنزل فأتحدّث إليهما، فإذا هو بامرأة مسنة، ومعها بنت لها شابة، فأعجبته، فقال لها: أتزوّجينني ابنتك هذه؟ قالت: إن كنت كفؤا. فانتسب لها، فقالت: أعرف النسب ولا أعرف الوجه، ولكن يأتي أبوها. فجاء أبوها فعرفه، فأخبرته امرأته بما طلب. فقال:
نعم، وزوّجه إياها. فساق إليها قطعة من غنمه، ثم بنى بها، وانتظر، فلم ير زوجتيه تقدمان عليه، فارتحل إليهما بزوجته وبقية غنمه. فلما طلع عليهما وقف، فأخذ بيدها، ثم أنشأ يقول:
كأنى موف للهلال عشية ... بأسفل ذات القشع منتظر القطر
وأنتن تلبسن [2] الجديدة بعدما ... طردت بطيّ الوطب في البلق والعفر
فكان الذي فلتن أعدد بضاعة ... لناهد بيضاء الترائب والنحر
كأنّ سموط الدر منها معلق ... بجيداء في ضال بوجرة أو سدر
تكون بلاغا ثم لست بمخبر ... إذا وديت لي ما وددتن من أمري
فارقته المزنية فقال فيها شعرا
أخبرني الحسن [3] بن عليّ، قال: حدّثنا أحمد بن زهير، قال: حدّثني مصعب، قال: حدّثني أحمد بن زهير؛ وحدّثني الزبير بن بكار، قال: حدّثني سليمان بن عياش، قالا:
/ كان محمد بن بشير يتحدّث إلى امرأة من مزينة، وكان قومها قد جاوروهم، ثم جاء الربيع، وأخصبت بلاد مزينة، فارتحلوا، فقال محمد بن بشير:
لو بيّنت لك قبل يوم فراقها ... أن التفرّق من عشية أو غد
لشكوت إذ علق الفؤاد بهائم ... علق حبائل هائم لم يعهد
وتبرجت لك فاستبتك بواضح ... صلت وأسود في النصيف معقّد [4]
بيضاء خالصة البياض كأنها ... قمر توسط ليل صيف مبرد
موسومة بالحسن ذات حواسد ... إن الجمال مظنة للحسّد
لم يطغها سرف الشباب ولم تضع ... عنها معاهدة النصيح المرشد [5]
خود إذا كثر الكلام تعوّذت ... بحمى الحياء وإن تكلم تقصد
__________
[1] ف، مب: قوما قد نزلوا.
[2] ف، مب: تبلين.
[3] الحسن: كذا في ف، مب. وفي سائر النسخ: الحسين.
[4] هذا البيت عن ف، مب.
[5] كذا روي البيت في ف، مب. وفي سائر النسخ:
لم يطرها ... ولم يضع ... فيها معاشرة ...
ومعاهدة النصيح: تعهده إياها بالنصيحة.
وكأن طعم سلافة مشمولة ... تنصبّ في إثر السواك الأغيد
وترى مدامعها ترقرق مقلة ... حوراء ترغب عن سواد الإثمد
ماذا إذا برزت غداة رحيلها ... م الحسن تحت رقاق تلك الأبرد [1]
ولدت بأسعد أنجم فمحلها ... ومسيرها أبدا بطلق الأسعد
اللّه يسعدها [2] ويسقي دارها ... خضل الرباب سرى ولما يرعد
رفضت قضاعية أن تتزوّجه فقال فيها شعرا
أخبرني الحسن بن عليّ، قال: حدّثنا أحمد بن زهير، قال: حدّثني الزبير قال: حدّثني سليمان بن عياش، قال:
/ صحب محمد بن بشير رفقة من قضاعة إلى مكة [3]، وكانت فيهم امرأة جميلة، فكان يسايرها ويحادثها. ثم خطبها إلى نفسها [4]، فقالت: لا سبيل إلى ذلك، لأنك لست لي/ بعشير [5]، ولا جاري في بلدي، ولا أنا ممن تطمعه [6] رغبة عن بلده ووطنه. فلم يزل يحادثها ويسايرها [7] حتى انقضى الحج، ففرّق بينهما نزوعهما إلى أو طانهما، فقال الخارجيّ في ذلك:
أستغفر اللّه ربي من مخدّرة ... يوما بدا لي منها الكشح والكتد
من رفقة صاحبونا في ندائهم ... كلّ حرام فما ذمّوا ولا حمدوا
حتى إذا البدن كانت في مناحرها ... يعلو المناسم منها مزبد جسد [8]
وحلّق القوم واعتمّوا عمائمهم ... واحتل كل حرام رأسه لبد
أقبلت أسألها ما بال رفقتها ... وما أبالي أغاب القوم أم شهدوا
فقربت لي واحلولت مقالتها ... وعوّقتني وقالت بعض ما تجد [9]
أنّى ينال حجازيّ بحاجته ... إحدى بني القين أدنى دارها برد [10]
__________
[1] ف: إذا ندرت. م الحسن: كذا في ف، مب. وفي سائر النسخ: من حسن.
[2] ف، مب: يصحبها.
[3] عبارة الأصول ما عدا مب: فكان إلى مكة. وهي غامضة محرفة. وقد سقطت من ف.
[4] كذا في ف، مب. وفي سائر الأصول: نفسه.
[5] ف، مب: بعشري.
[6] ف، مب: تظعنه؛ والكلمة غير منقوطة.
[7] ف: يسايرها ويحدثها.
[8] كانت: كذا في ف. وفي مب: كاست. والمناسم: كذا في ف، مب. وفي سائر الأصول: المحاسن. تحريف. وجسد: كذا في ف، مب. وفي سائر الأصول: جمد.
[9] كذا رواية البيت في ف، وفي سائر النسخ:
تفرقت لي واحلولت مقالتها ... وخوفتني ....
[10] أدنى: كذا في ف، مب. وفي سائر الفصول: إذما. تحريف. وبرد: جبل قريب من تيماء.
خطب امرأة فطلبت إليه أن يطلق زوجته
أخبرني عيسى بن الحسين، قال: حدّثنا الزبير، قال: حدّثنا سليمان بن عياش، قال:
خطب محمد بن بشير امرأة من قومه، فقالت له: طلق امرأتك حتى أتزوّجك. فأبى وانصرف عنها، وقال في ذلك:
أ أطلب الحسن في أخرى وأتركها ... فذاك حين تركت الدين والحسبا
هي الظعينة لا يرمى برمتها ... ولا يفجّعها ابن العم ما اصطحبا
فما خلوت بها يوما فتعجبني ... إلا غدا أكثر اليومين لي عجبا
يحتال على الأنصار ليحدث نساءهم
حدّثني عيسى قال: حدّثنا الزبير، قال: بلغني عن صالح بن قدامة بن إبراهيم أن محمد بن حاطب الجمحي، يروي شيئا من أخبار الخارجيّ وأشعاره، فأرسلت إليه مولى من موالينا يقال له محمد بن يحيى، كان من الكتاب، وسألته أن يكتب لي ما عنده، فكان فيما كتب لنا، قال:
زعم الخارجيّ، واسمه محمد بن بشير، وكنيته أبو سليمان، وهو رجل من عدوان، وكان يسكن الرّوحاء، قال:
بينا نحن بالروحاء في عام جدب قليل الأمطار، ومعنا سليمان بن الحصين وابن أخته [1]، وإذا بقطار ضخم كثير الثّقل يهوي، قادم من المدينة، حتى نزلوا بجانب الروحاء الغربي، بيننا وبينهم الوادي، وإذا هم من الأنصار، وفيهم سعيد بن عبد الرّحمن بن حسان بن ثابت. فلبثنا أياما، ثم إذا بسليمان بن الحصين يقول لي: أرسل إليّ النساء يقلن: أمالكم في الحديث حاجة؟ فقلت لهن: فكيف برجالكن؟ قلن: بلغنا أن لكم صاحبا يعرف بالخارجيّ،/ صاحب صيد، فإن أتاهم فحدثهم عن الصيد انطلقوا معه، وخلوتم فتحدّثتم. قال: فقلت لسليمان:
بئس لعمر اللّه ما أردت مني، أأذهب إلى القوم فأغرّهم، وآثم وأتعب وتنالون أنتم حاجتكم دوني؟ ما هذا لي برأي.
قال لي سليمان: فأنظرني إذن، أرسل إلى النساء وأخبرهن بقولك. فأرسل إليهن فأخبرهن بما قلت. فقلن: قل له احتل لنا عليهم هذه المرة بما قلنا لك، وعلينا أن نحتال لك المرة الأخرى.
قال الخارجيّ: فخرجت حتى أتيت القوم فحدثتهم، وذكرت لهم الصيد، فطارت إليه أنفسهم. فخرجت بهم، وأخذت لهم كلابا وشباكا، وتزودنا لثلاث. وانطلقت أحدثهم وألهيهم، فحدّثتهم بالصدق حتى نفد. ثم [2] حدّثتهم بما يشبه الصدق حتى نفد [2]./ثم صرحت لهم بمحض الكذب حتى مضت ثلاث، وجعلت لا أحدثهم حديثا إلا قالوا: صدقت. وغبت بهم ثلاثا ما أعلم أنا عاينّا صيدا، فقلت في ذلك:
إني لأعجب مني كيف أفكههم ... أم كيف أخدع قوما ما بهم حمق [3]!
أظل في البيد ألهيهم وأخبرهم ... أخبار قوم وما كانوا وما خلقوا
__________
[1] كذا في ف، وفي سائر الأصول: ابن أخيه.
(2 - 2) العبارة عن ف، مب.
[3] أفكههم: كذا في ف، مب. وفي الأصول: أفككهم.
ولو صدقت لقلت القوم قد قدموا ... حين انطلقنا وآتي ساعة انطلقوا [1]
أم كيف تحرم أيد لم تخن أحدا ... شيئا وتظفر أيديهم وقد سرقوا
ونرتمي اليوم حتى لا يكون له ... شمس ويرمون حتى يبرق الأفق
/ يرمون أحور مخضوبا بغير دم ... دفعا وأنت وشاحا صيدك العلق
تسعى بكلبين تبغيه وصيدهم ... صيد يرجّى قليلا ثم يعتنق
ما زلت أحدوهم حتى جعلتهم ... في أصل محنية ما إن بها طرق [2]
ولو تركتهم فيها لمزقهم [3] ... شيخا مزينة إن قالا انعقوا نعقوا
إن كنتم أبدا جاري صديقكم ... والدهر مختلف ألوانه طرق
فمتعوني فإني لا أرى أحدا ... إلا له أجل في الموت مستبق
مات سليمان بن الحصين فرثاه
قال سليمان بن عياش: ومات سليمان بن الحصين هذا، وكان خليلا للخارجيّ، مصافيا له، وصديقا مخلصا، فجزع عليه، وحزن حزنا شديدا، فقال يرثيه:
يأيها المتمني أن يكون فتى ... مثل ابن ليلى لقد خلّى لك السبلا
إن ترحل العيس كي تسعى مساعيه ... يشفق عليك وتعمل دون ما عملا
لو سرت في الناس أقصاهم وأقربهم ... في شقة الأرض حتى تحسر الإبلا
تبغي فتى فوق ظهر الأرض ما وجدوا ... مثل الذي غيبوا في بطنها رجلا
اعدد ثلاث خصال قد عرفن له ... هل سب من أحد أو سبّ أو بخلا
قال سليمان بن عياش: لما مات عبد العزيز بن مروان، ونعي إلى أخيه عبد الملك، تمثل بأبيات الخارجيّ هذه، وجعل يرددها ويبكي.
شعر حسن في امرأة كريمة
أخبرني عيسى، قال: حدّثنا الزبير، قال: حدّثني عمي عن أبيه؛ قال: قال الرشيد يوما لجلسائه:
/ أنشدوني شعرا حسنا في امرأة خفرة كريمة، فأنشدوا فأكثروا وأنا ساكت، فقال لي: إيه يابن مصعب، أما أنك لو شئت لكفيتنا سائر اليوم؛ فقلت: نعم يا أمير المؤمنين، لقد أحسن محمد بن بشير الخارجي حيث يقول:
بيضاء خالصة البياض كأنها ... قمر توسط جنح ليل مبرد
موسومة بالحسن ذات حواسد ... إن الحسان مظنة للحسد
__________
[2] بها طرق بالتحريك: كذا في ف، مب. وفي سائر الأصول: لها طرق، والطرق: مناقع الماء. يريد أن ماءها جار غير مستنقع.
[3] لمزقهم: كذا في ف، مب. وفي بقية الأصول: لمربهم.
وترى مدامعها ترقرق مقلة ... حوراء ترغب عن سواد الإثمد
خود إذا كثر الكلام تعوذت ... بحمى الحياء وإن تكلم تقصد
لم يطغها شرف الشباب ولم تضع ... منها معاهدة النصيح المرشد
وتبرجت لك فاستبتك بواضح ... صلت وأسود في النصيف معقد
/ وكأن طعم سلافة مشمولة ... بالريق في أثر السواك الأغيد
فقال الرشيد: هذا واللّه الشعر، لا ما أنشدتمونيه سائر اليوم! ثم أمر [1] مؤدب ابنيه محمد الأمين وعبد اللّه المأمون، فروّاهما الأبيات.
يتحدّث إلى أيم فينهاها قومها
أخبرني الحسن بن عليّ، قال: حدّثنا أحمد بن زهير، قال: حدّثنا الزبير بن بكار، قال: حدّثني سليمان بن عياش، قال:
كان محمد بن بشير الخارجيّ يتحدّث إلى عبدة بنت حسان المزنية، ويقيل [2] عندها أحيانا، وربما بات عندها ضيفا، لإعجابه بحديثها، فنهاها قومها عنه، وقالوا: ما مبيت رجل بامرأة أيّم؟ فجاءها ذات يوم، فلم تدخله خباءها، وقالت له: قد نهاني قومي عنك، وكان قد أمسى، فمنعته المبيت، وقالت: لا تبت عندنا، فيظن بي وبك شر [3]، فانصرف وقال فيها:
/ظللت لدى أطنابها وكأنني ... أسير معنّى في مخلخله كبل
أخيّر إما جلسة عند دارها ... وإما مراح لا قريب ولا سهل [4]
فإنك لو أكرمت ضيفك لم يعب ... عليك الذي تأتين حمو ولا بعل
وقد كان ينميها إلى ذروة العلا ... أب لا تخطاه المطية والرحل
فهل أنت إلا جنّة عبقرية ... يخالط من خالطت من حبكم خبل [5]
وهل أنت إلا نبعة كان أصلها ... تضارا فلم يفضحك فرع ولا أصل
صددت امرأ عن ظل بيتك ماله ... بواديك لولاكم صديق ولا أهل
عابته أسلميه فأحبها
أخبرني الحسن بن عليّ، قال: حدّثنا أحمد بن زهير، قال: حدّثنا الزبير، قال: حدّثني سليمان بن عياش، قال:
__________
[1] ف، مب: ثم أمر محمدا الأمين وعبد اللّه المأمون برواية الأبيات.
[2] ف، مب: يقيم.
[3] ف، مب: سوء.
[4] كذا ورد البيت في ف. وفي مب: جلسة عند كاره. وجاء في سائر الأصول محرفا:
أعبدة إما جلسة عند كاره ... وإما مزاح لا قريب ولا سهل
[5] البيت عن ف، مب.
خرج محمد وسليمان ابنا عبيد اللّه بن الحصين الأسلميان، حتى أتيا امرأة من الأنصار، من بني ساعدة، فبرزت لهما، وتحدثا عندها، وقالا لها: هل لك في صاحب لنا ظريف شاعر؟ فقالت: من هو؟ قالا: محمد بن بشير الخارجي. قالت: لا حاجة بي إلى لقائه، ولا تجيئاني به معكما، فإنكما إن أتيتما به لم آذن لكما [1]. فجاءا به معهما، وأخبراه بما قالت لهما، وأجلساه في بعض الطريق، وتقدما إليها، فخرجت إليهما، وجاءهما الخارجيّ بعد خروجها إليهما، فرحبا به، وسلما عليه، فقالت لهما: من هذا؟ قالا: هذا الخارجيّ الذي كنا نخبرك عنه. فقالت:
واللّه ما أرى فيه من خير، وما أشبهه إلا بعبدنا أبي الجون. فاستحيا الخارجيّ، وجلس هنيهة، ثم قام من عندها، وعلقها قلبه، فقال فيها:
/ألا قد رابني ويريب غيري ... عشية حكمها حيف مريب
وأصبحت المودة عند ليلى ... منازل ليس لي فيها نصيب
ذهبت وقد بدا لي ذاك منها ... لأهجوها فيغلبني النسيب
وأنسى غيظ نفسي إن قلبي ... لمن واددت فيئته قريب
فلا قلب مصرّ كل ذنب ... ولا راض بغير رضا، غضوب [2]
فدعها لست صاحبها وراجع ... حديثك إن شأنكما عجيب [3]
تعيره زوجته بقول الأنصارية له فيتغزل فيها
قال: وبلغ الأشجعية زوجة محمد بن بشير ما قالته له الأنصارية، فعيرته بذلك، وكانت [4] إذا أرادت غيظه كنته [4] أبا الجون، فقال في ذلك:
وأيدي الهدايا ما رأيت معاتبا ... من الناس إلا الساعدية أجمل
/ وقد أخطأتني يوم بطحاء منعم [5] ... لها كفف يصطاد فيها وأحبل
وقد قال أهلي خير كسب كسبته ... أبو الجون [6] فاكسب مثلها حين ترحل
فإن بات إيضاعي بأمر مسرة ... لكن فما تسخطن في العيش أطول
نهاه رجل عن حديث النساء وهو محرم فقال شعرا
أخبرني الحسن، قال: حدّثنا أحمد، قال: حدّثنا الزبير، قال: حدّثني سليمان بن عياش، قال:
اجتمع محمد بن بشير الخارجيّ وسائب بن ذكوان راوية كثيّر بمكة، فوافقا نسوة من بني غفار يتحدّثن، فجلسا إليهن، وتحدثنا معهن حتى تفرقن، وبقيت/ واحدة منهن تحدّث الخارجيّ، وتستنشده شعره حتى أصبحوا؛
__________
[1] ف، مب: لم أبرز.
[2] البيت عن ف، مب. يريد أن قلبه ليس قلبا غضوبا يحمل الحقد، ولا يرضى بما لا يرضي.
[3] صاحبها: كذا في ف. وفي سائر الأصول: هاجيها.
(4 - 4) ف: وكانت تغيظه بأن تلقبه. وفي مب: وكانت تغيظه بأن تكنيه.
[5] مب: بطحاء معمر.
[6] ف، مب: حين كنيت كنية أبا الجون.
فقال لهم رجل مر بهم: أما تبرحون عن هذا الشعر [1] وأنتم حرم، ولا تدعون إنشاده وقول الزور في المسجد! فقالت المرأة: كذبت لعمر اللّه، ما قول الشعر بزور، ولا السّلام والحديث حرام على محرم ولا محل. فانصرف الرجل، وقال فيها الخارجيّ:
أمالك أن تزور وأنت خلو ... صحيح القلب أخت بني غفار؟
فما برحت تعيرك مقلتيها ... فتعطيك المنية في استتار
وتسهو في حديث القوم حتى ... يبين بعض ذلك ما توارى [2]
فمت يا قلب ما بك من دفاع ... فينجيك الدفاع ولا فرار
فلم أر طالبا بدم كمثلي ... أودّ وحسن مطلوب بثار
إذا ذكروا بثأري قلت سقيا ... لثأري ذي الخواتم والسوار
وما عرفت دمي فتبوء منه ... برهن في حبالي أو ضمار [3]
وقد زعم العواذل أن يومي ... ويومك بالمحصّب ذي الجمار [4]
من الإغباء ثم زعمت أن لا ... وقلت لدى التنازع والتّمار [5]
كذبتم ما السّلام بقول زور ... وما اليوم الحرام بيوم ثار [6]
ولا تسليمنا حرما بإثم ... ولا الحب الكريم لنا بعار [7]
فإن لم نلقكم فسقى الغوادي ... بلادك والرويّات السواري
قصيدته في الغفارية بعد فراقهما
قال سليمان: وفي هذه المرأة يقول الخارجيّ وقد رحلوا عن مكة، فودعها وتفرقوا:
يا أحسن الناس لو لا أن نائلها ... قدما لمن يبتغي ميسورها عسر [8]
وإنما دلّها سحر تصيد به ... وإنما قلبها للمشتكي حجر [9]
هل تذكرين كما لم أنس عهدكم ... وقد يدوم لعهد الخلّة الذّكر [10]
قولي وركبك قد مالت عمائمهم ... وقد سقاهم بكأس الشقوة السفر
__________
[1] كذا في ف. وفي سائر الأصول: أما تزدجرون نحن حذاء الشعر. تحريف.
[2] ذلك: كذا في ف. وفي سائر الأصول: أهلك.
[3] تبوء منه: تخلص منه بالاعتراف ودفع رهن أو دين. والضمار من الدين: ما لا يرجى، أو ما كان بلا أجل معلوم.
[4] ف: وقد علم العواذل.
[5] الإغباء: الإخفاء. وفي مب: لذي التنازع.
[6] ف، مب: ولا اليوم.
[7] ف، مب: حرما بجرم.
[8] ف، مب: إلا أن نائلها. وفي سائر الأصول: قائلها، في موضع: نائلها. وفي («لسان العرب»: أجر): يرتجى معروفها.
[9] تصيد به: كذا في «اللسان». وفي سائر النسخ: لطالبه.
[10] في «اللسان»: ولما أنس. وفي ف، مب: وقد يذم بعهد الخلة.
يا ليت أني بأثوابي وراحلتي ... عبد لأهلك هذا العام مؤتجر
فقد أطلت اعتلالا دون حاجتنا ... بالحج أمس فهذا الحل والسفر [1]
ما بال رأيك إذ عهدي وعهدكم ... إلفان ليس لنا في الود مزدجر
فكان حظك منها نظرة طرفت ... إنسان عينك حتى ما بها نظر
/ أكنت أبخل من كانت مواعده ... دينا إلى أجل يرجى وينتظر [2]
وقد نظرت وما ألفيت من أحد ... يعتاده الشوق إلا بدؤه النظر [3]
أبقت شجى لك لا ينسى وقادحة ... في أسود القلب لم يشعر بها أخر [4]
جنية أولها جن يعلمها ... رمي القلوب بقوس مالها وتر [5]
/تجلو بقادمتي ورقاء عن برد ... حمر المفاغر في أطرافها أشر [6]
خود مبتلّة ريا معاصمها ... قدر الثياب فلا طول ولا قصر
إذا مجاسدها اغتالت فواضلها ... منها روادف فعمات ومؤتزر [7]
إن هبت الريح حنت في وشائحها ... كما يجاذب عود القينة الوتر [8]
بيضاء تعشو بها الأبصار إن برزت ... في الحج ليلة إحدى عشرة القمر [9]
ألا رسول إذا بانت يبلغها ... عنا وإن لم تؤلّف بيننا المرر [10]
أنى - بآية وجد قد ظفرت به ... مني ولم يك في وجدي بكم ظفر
- قتيل يوم تلاقينا وأن دمي ... عنها وعمن أجارت من دمي هدر [11]
تقضين فيّ ولا أقضي عليك كما ... يقضي المليك على المملوك يقتسر
__________
[1] أمس: كذا في ف، مب. وفي سائر الأصول: أمض. تحريف. والسفر: كذا في ف، مب. وفي سائر النسخ: النفر، بتسكينها، وهو الارتحال بعد الحج.
[2] دينا: كذا في ف، مب. وفي سائر الأصول: تأتي. تحريف.
[3] وقد: كذا في ف، مب. وفي ج: ومن. وفي سائر الأصول: وما. وفي ف، مب: وما أبقيت من أجل.
[4] الأخر: الأبعد، يريد من لم يصب بحبها. وفي مب: بشر.
[5] في «اللسان»: ترمي القلوب.
[6] المفاغر: جمع مفغر: مشق الفم، يريد الشفتين. والأشر: حدة ورقة في أطراف الأسنان.
[7] المجاسد: جمع مجسد، وهو الثوب بلي الجسد. والفعمات: الممتلئات. والمؤترز: موضع الإزار.
[8] الوشائح: جمع الوشاح، وهو حلي للنساء ينسج من أديم عريضا، ويرصع بالجواهر، وتشده المرأة بين عاتقيها وكشحيها. وفي مب: في تنسمها. وحنت: صوتت.
[9] ف: تعشوبها ... كمثل ليلة إحدى عشرة. يقول: تتطلع إليها الأبصار كما تتطلع أبصار الحاج إلى القمر ليلة إحدى عشرة من ذي الحجة في منى.
[10] لم تؤلف: كذا في ف، مب. وفي سائر النسخ: تمس يؤلف. تحريف. والمرر: جمع مرة: وهي طاقة الحبل وقوته. يريد وإن لم تربط بيننا أسباب الحب المتينة. وفي سائر النسخ: المزر. تحريف.
[10] هذا البيت والذي قبله ساقطان من جميع الأصول ما عدا ف، مب.
إن كان ذا قدرا يعطيك نافلة ... منا ويحرمنا، ما أنصف القدر [1]
ندمه على طلاقه زوجته العدوانية
أخبرني عيسى بن الحسين، قال: حدّثنا الزبير، قال: حدّثني سليمان بن عياش، قال:
/ كان الخارجيّ قدم البصرة، فتزوّج بها امرأة من عدوان، كانت موسرة، فأقام عندها بالبصرة مدة، ثم توخم [2] البصرة، فطالبها [3] بأن ترحل معه إلى الحجاز، فقالت: ما أنا بتاركة مالي وضيعتي ههنا تذهب وتضيع، وأمضى معك إلى بلد الجدب والفقر والضيق، فإما أن أقمت ها هنا أو طلقتني. فطلقها وخرج إلى الحجاز، ثم ندم وتذكرها، فقال:
دامت [4] لعينك عبرة وسجوم ... وثوب بقلبك زفرة وهموم
طيف لزينب ما يزال مؤرقي ... بعد الهدوّ فما يكاد يريم
وإذا تعرض في المنام خيالها ... نكأ الفؤاد خيالها المحلوم
أجعلت ذنبك ذنبه وظلمته ... عند التحاكم والمدل ظلوم
ولئن تجنيت الذنوب فإنه ... ذو الداء يعذر والصحيح يلوم
ولقد أراك غداة بنت وعهدكم ... في الوصل لا حرج ولا مذموم
أضحت تحكمك التجارب والنهي ... عنه، ويكلفه بك التحكيم [4]
صوت
[5]
برأ الألى علقوا الحبائل قبله ... فنجوا وأصبح في الوثاق يهيم
ولقد أردت الصبر عنك فعاقني ... علق بقلبي من هواك قديم
ضعفت معاهد حبهن مع الصبا ... ومع الشباب فبن وهو مقيم [6]
/يبقى على حدث الزمان وريبه ... وعلى جفائك إنه لكريم
وجنيت [7] حين صححت وهو بدائه ... شتان ذاك مصحّح وسقيم
وأديته زمنا فعاذ بحلمه ... إن المحب عن الحبيب حليم [8]
/و زعمت أنك تبخلين وشفّه ... شوق إليك، وإن بخلت، أليم
__________
[1] ف، مب: ويعجزنا.
[2] ف، مب: استوخم. وهما بمعنى، أي لم يوافقه هواؤها.
[3] كذا في ف، مب. وفي سائر الأصول: فطلبها.
[4] ف، مب: باتت لعينك.
[5] كلمة صوت في ف، مب بعد البيت الذي تحتها.
[6] هذا البيت في ف متأخر بعد الذي يليه.
[7] ف، مب: وعتبت بصيغة المتكلم.
[8] أديته: يريد ختلته. وهي رواية م. وفي مب: «و أربته ريبا». وفي سائر النسخ: أذيته. والبيت ساقط من ف.
غنى في هذه الأبيات الدارميّ خفيف رمل بالوسطى عن الهشامي؛ وفيه لعريب خفيف ثقيل مطلق، وهو الذي يغني الآن، ويتعارفه الناس.
يرثي أبا عبيدة بن عبد اللّه بن زمعة
أخبرني عيسى بن الحسين، قال: حدّثنا الزبير، قال: حدّثني سليمان بن عياش السعديّ، قال:
كان الخارجيّ منقطعا إلى أبي عبيدة بن عبد اللّه بن زمعة، وكان يكفيه مؤونته، ويفضل عليه، ويعطيه في كل سنة ما يكفيه ويغنيه، ويغني قومه وعياله، من البرّ والتمر والكسوة في الشتاء والصيف، ويقطعه القطعة بعد القطعة من إبله وغنمه، وكان منقطعا إليه وإلى زيد بن الحسن، وابنه الحسن بن زيد، وكلهم به برّ، وإليه محسن. فمات أبو عبيدة، وكان ينزل الفرش من ملل، وكان الخارجي ينزل الروحاء، فقال يرثيه:
ألا أيها الناعي ابن زينب غدوة ... نعيت الندى دارت عليه [1] الدوائر
لعمري لقد أمسى قرى الضيف عاتما [2] ... بذي الفرش لما غيبتك المقابر
/ إذا سوفوا نادوا صداك ودونه ... صفيح وخوّار من الترب مائر
ينادون من أمسى تقطّع دونه ... من البعد أنفاس الصدور الزوافر
فقومي اضربي عينيك يا هند لن ترى ... أبا مثله تسمو إليه المفاخر
قال الزبير: فحدّثني سليمان بن عياش، قال:
كانت هند بنت أبي عبيدة عند عبد اللّه بن حسن بن حسن، فلما مات أبوها جزعت عليه جزعا شديدا، ووجدت وجدا عظيما، فكلم عبد اللّه بن الحسن محمد بن بشير الخارجيّ أن يدخل إليها، فيعزيها ويسليها [3] عن أبيها، فدخل إليها معه. فلما نظر إليها صاح بأعلى صوته:
قومي اضربي عينيك يا هند لن تري ... أبا مثله تسمو إليه المفاخر
وكنت إذا فاخرت أسميت والدا ... يزين كما زان اليدين الأساور
فإن تعوليه يشف يوما عويله ... غليلك أو يعذرك بالنوح عاذر
وتحزنك ليلات طوال وقد مضت ... بذي الفرش ليلات تسر قصائر
فلقاه رب يغفر الذنب رحمة ... إذا بليت يوم الحساب السرائر
إذا ما ابن زاد الركب [4] لم يمس ليلة ... قفا صفر لم يقرب الفرش زائر
لقد علم الأقوام أن بناته ... صوادق إذ يندبنه وقواصر
__________
[1] عليه: كذا في ف. وفي سائر الأصول: عليك.
[2] عاتما: بطيئا مؤخرا. وانظر بعض هذه الأبيات في «معجم ما استعجم» للبكري في رسم (ملل).
[3] ف، مب: ويؤسيها. والأبيات التالية متصلة بسابقتها.
[4] زاد الركب هنا زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد جد أبي عبيدة. وأزواد الركب: لقب ثلاثة من قريش: مسافر بن أبي عمرو، وأبو أمية بن المغيرة، وزمعة هذا، لقبوهم بذلك لأنهم لم يكن يتزود معهم أحد في سفر: يطعمونه ويكفونه الزاد ويغنونه. وصفر: جبل أحمر كريم المغرس بالفرش. والفرش: موضع بين المدينة وملل، يقال له فرش ملل. والبيت ساقط من الأصول ما عدا ف، مب.
/ قال: فقامت هند، فصكت وجهها وعينيها، وصاحت بويلها وحربها، والخارجيّ يبكي معها، حتى لقيا جهدا، فقال له عبد اللّه بن الحسن: ألهذا دعوتك ويحك؟ فقال له: أفظننت أني أعزيها عن أبي عبيدة؟ واللّه ما يسليني عنه أحد؛ ولا لي عنه ولا عن فقده صبر، فكيف يسليها عنه من ليس يسلو بعده [1]!
قوله يذم من مطله ويمدح زيد بن الحسن
أخبرني عيسى، قال: حدّثني الزبير، قال: حدّثني سليمان بن عياش، قال:
وعد رجل محمد بن بشير الخارجيّ بقلوص، فمطله، فقال فيه يذمه، ويمدح زيد بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليه السّلام:
لعلك [2] والموعود حق وفاؤه ... بدا لك في تلك القلوص بداء
فإن الذي ألقى إذا قال قائل ... من الناس: هل أحسستها لعناء [3]
/يقول الذي يبدي الشّمات وقوله ... عليّ وإشمات العدوّ سواء [4]
دعوت - وقد أخلفتني الوعد [5] - دعوة ... بزيد فلم يضلل هناك دعاء
بأبيض مثل البدر عظّم حقه ... رجال من آل المصطفى ونساء [6]
/فبلغت الأبيات زيد بن الحسن، فبعث إليه بقلوص من خيار إبله، فقال يمدحه:
إذا نزل ابن المصطفى بطن تلعة ... نفى جدبها واخضر بالنبت عودها
وزيد ربيع الناس في كل شتوة ... إذا أخلفت أنواؤها ورعودها
حمول لأشناق الديات كأنه ... سراج الدجى إذ قارنته سعودها
يبكي سليمان بن الحصين
أخبرني عيسى، قال: حدّثني الزبير، قال: حدّثني سليمان بن عياش، قال: نظر الخارجيّ إلى نعش سليمان بن الحصين وقد أخرج، فهتف بهم، فقال:
ألم تروا أن فتى سيدا ... راح على نعش بني مالك
لا أنفس العيش لمن بعده ... وأنفس الهلك على الهالك
وقال فيه أيضا:
__________
[1] ف، مب: ولالي عزاء عن فقده، فكيف ... ليس يسلوه.
[2] في الأصول ما عدا س، مب: (تعلل) في موضع (لعلك). وفي «الخزانة» و «كتب شواهد النحو»: حق لقاؤه. وفي ف، مب: ذاك القلوص.
[3] هل أحسستها لعناء: كذا في ف، مب. «و خزانة الأدب» (4: 37) نقلا عن «الأغاني». وفي سائر الأصول: هل للواعدين وفاء.
[4] رواية الشطر الثاني في ب، س: «عليّ به بين الأنام عناء».
[5] الوعد: كذا في ف و «الخزانة». وفي سائر النسخ: الوأى. وهو بمعنى الوعد.
[6] هذا البيت عن ف، مب، و «الخزانة».
ألا أيها الباكي أخاه وإنما ... تفرّق يوم الفدفد الأخوان [1]
أخي يوم أحجار الثّمام [2] بكيته ... ولو حمّ يومي قبله لبكاني
تداعت به أيامه فآختر منه ... وأبقين لي شجوا بكل زمان [3]
فليت الذي ينعى سليمان غدوة ... بكى عند قبري مثلها ونعاني [4]
فلو قسمت في الجن والإنس لوعتي ... عليه بكى من حرّها الثقلان
ولو كانت الأيام تطلب فدية ... إليه وصرف الدهر ما ألواني [5]
أرجوزة له في المولى الصائد
أخبرني عيسى، قال: حدّثنا الزبير، قال: حدّثنا سليمان بن عياش، قال: خرج محمد بن بشير يرمي الأروى ومعه جماعة، فيهم رجل من الموالي من أهل السّيالة [6]، فصعد المولى على صفاة بيضاء يرمي من فوقها، فزلت قدمه عنها، فصاح حتى سقط على الأرض، وأحدث في ثيابه، فقال الخارجيّ في ذلك:
حرّق يا صفاة في ذراك ... بالنار إن لم تمنعي أرواك [7]
تعلّمي أن بذي الأراك ... - أيتها الأروى - ذوي عراك [8]
قوما أعدّوا شبك الشّباك [9] ... يبغون ضبعا قتلت أباك
نعم ملوّي الحيد المداك [10] ... إذ صوت الجالب [11] في أخراك
ولم يقل منتصحا: إياك ... بين مقاطيها ركبت فاك [12]
فعدت والطعن على كلاك ... مثل الأضاحي بيد النساك
يرمى بالأكتاف على الأوراك ... كما أطحت العبد عن صفاك
__________
[1] كذا روي الشطر الثاني في ف، مب. وفي سائر النسخ: يبكي بيوم الفدية الأخوان.
[2] كذا في ف، مب. وفي سائر الأصول: اليمام. ويعرف أيضا: بصخيرات الثمام. وهو موضع على طريق مكة من المدينة.
[3] ف، مب: مكان.
[4] ف، مب: دعا عند قبري مثله فنعاني.
[5] كذا روي الشطر الثاني في ف، مب. وفي سائر الأصول: وقاه صروف الدهر بي وفداني.
[6] السيالة: كذا في ف، مب. وسيأتي تفسيرها قريبا. وفي بقية الأصول: البادية.
[7] جاء هذا الرجز محرفا في الأصول كلها مخطوطة ومطبوعة، كما اضطرب ترتيبه فيها، بحيث غمض معناه، واعتمدنا فيه على مب.
وهي أقلها تحريفا. والذرا: جمع الذروة، وهي أعلى الشيء المرتفع.
[8] ذوي عراك: كناية عن نفسه وصحبه من أهل الصيد.
[9] كذا روي البيت في مب. وفي جميع الأصول: قوما أعدوا نسك النساك. وسقط البيت والذي بعده من ف.
[10] البيت عن ف، مب. والحيد: جمع حيدة، كبدرة وبدر، وهي ما تلوى من الأنابيب في قرن الوعل. والمداك: الحجر يسحق عليه الطيب. شبه قرن الأروية به.
[11] الجالب: الصائح ذو الجلبة. وفي بعض الأصول: الحالب. ولعله تحريف.
[12] المقاطي: جمع مقطى، وهو موضع القطاة: أي العجز.
أما السّياليّ [1] فلن ينساك ... لو يرتميك الناس ما رماك [2]
يعاتب زوجته
أخبرني عيسى، قال: حدّثنا الزبير، قال: حدّثنا سليمان بن عياش، قال: كانت عند الخارجيّ بنت عم له، فهجاه بعض قرابتها، فأجابه الخارجيّ، فغضبت زوجته، وقالت: هجوت قرابتي. فقال الخارجيّ في ذلك:
/أمّا ما أقول لهم فعابت ... عليّ وقد هجيت فما تعيب
فرمت وقد بدالي ذاك منها ... لأهجوها فيمنعني النسيب [3]
فلا قلب يبصّر كل ذنب ... ولا راض بغير رضا، غضوب [4]
أسنت زوجته فتزوّج أخرى
أخبرني الحسن بن عليّ قال: حدّثنا أحمد بن زهير قال: حدّثني مصعب قال: وحدّثني الزبير عن سليمان بن عياش، قالا:
تزوّج الخارجيّ جارية من بني ليث شابة، وقد أسنّ وأسنت زوجته العدوانية. فضربت دونه حجابا، وتوارت عنه، ودعت نسوة من عشيرتها، فجلسن عندها، يلهون ويتغنّين ويضربن بالدفوف، وعرف ذلك محمد فقال:
لئن عانس قد شاب ما بين قرنها ... إلى كعبها وأبيض [5] عنها شبابها
صبت في طلاب اللهو يوما وعلّقت ... حجابا لقد كانت يسيرا حجابها
لقد متّعت بالعيش حتى تشعّبت [6] ... من اللهو إذ لا ينكر اللهو بابها
/ فبيني برغم ثم ظلّي فربما ... ثوى الرغم منها حيث يثوي نقابها [7]
لبيضاء لم تنسب لجدّ يعبيها [8] ... هجان ولم تنبح لئيما كلابها
تأوّد في الممشى كأنّ قناعها ... على ظبية أدّماء طاب شبابها
مهفهفة الأعطاف خفّاقة الحشى ... جميل محياها قليل عتابها
__________
[1] السياليّ: يريد المولى الذي سقط، وهو منسوب إلى السيالة، وهي قرية جامعة على الطريق من المدينة إلى مكة، بينها وبين ملل سبعة أميال، وبينها وبين الروحاء التي كان ينزلها الشاعر اثنا عشر ميلا، وهي لولد الحسن بن علي الذي مدح الشاعر ابنه زيدا.
[2] رماك: كذا في ف، وفي سائر الأصول: ارتماك.
[3] كذا في ف، مب. وفي سائر الأصول: فيغلبني.
[4] يبصر: كذا في ف، مب. وفي سائر النسخ: أضر بكل ذنب. تحريف.
[5] أبيض شبابها: يريد أبيض شعرها، وهذه رواية ف. وفي سائر الأصول: امتص.
[6] في ف: لقد متعت بالعيش حتى تمتعت ... من العيش. وفي سائر الأصول:
لئن متعت بالعين حتى تشعبت
ومعنى تشعبت من اللهو: تغيرت أخلاقها. وربما كانت تشعبت محرفة عن تشغبت بالغين، أو عن تشبعت.
[7] ثم ظلي: يريد: بيني بذل وابقي به. وفي جميع الأصول: طلي، بالطاء، ولا معنى له هنا.
[8] ف: يشينها. وقوله لبيضاء، أي لأجل حبي بيضاء.
إذا ما دعت بابني نزار وقارعت ... ذوي المجد لم يردد عليها انتسابها [1]
استعطف إبراهيم بن هشام المخزومي فوصله
حدّثنا الحسن بن علي قال: حدّثنا أحمد بن زهير قال: حدّثنا الزبير بن بكار قال: حدّثني عمي عن الضحاك بن عثمان، قال:
لما ولي إبراهيم بن هشام الحرمين، دخل إليه محمد بن بشير الخارجيّ، وكان له قبل ذلك صديقا. فأعرض عنه، ولم يظهر له بشاشة ولا أنسا. ثم عاوده فاستأذنه في الإنشاد، فأعرض عنه، وأخرجه الحاجب من داره، وكان إبراهيم بن هشام تياها، شديد الذهاب بنفسه، فوقف له يوم الجمعة على طريقه إلى المسجد، فلما حاذاه صاح به:
يابن الهشامين طرّا حزت مجدهما ... وما تخوّنه نقض وإمرار
لا تشمتنّ بي الأعداء إنهم ... بيني وبينك سمّاع ونظّار
وإن شكري إن ردّوا بغيظهم ... في ذمة اللّه إعلان وإسرار [2]
فاكرر بنائلك المحمود من سعة ... عليّ إنك بالمعروف كرّار
/ فقال لحاجبه: قل له يرجع إليّ إذا عدت. فرجع، فأدخله إليه، وقضى دينه، وكساه ووصله، وعاد إلى ما عهده منه.
ردّه على شعر لعروة بن أذينة
أخبرني الحسن قال: حدّثنا أحمد بن زهير، قال: حدّثني مصعب عن أبيه قال:
عثر بعروة بن أذينة حماره عند ثنية العويقل [3]، فقال عروة:
ليت العويقل مسدود وأصبح من ... فوق الثنية فيه ردم يأجوج [4]
فتستريح ذوو الحاجات من غلظ ... ويسلك السهل يمشي كلّ منتوج [5]
فقال محمد بن بشير الخارجيّ يردّ عليه:
سبحان ربك تب مما أتيت به ... ما يسدد اللّه يصبح وهو مرتوج
__________
[1] رواية البيت في ف، مب:
إذا ما دعت يابني نزار ونازعت ... ذرا المجد لم يردد عليها انتسابها
[2] البيت عن ف، مب.
[3] العويقل: نقب في موضع يقال له الجياء بين شويلة والحورة، ومن أودية الحورة هذه واد ينزع في الفقارة، سكانه بنو عبد اللّه بن الحصين الأسلميون والخارجيون رهط الشاعر.
[4] ف: مأجوج. وفي «معجم ما استعجم» للبكري، (رسم الأشعر):
ليت العويقل سدته بجمتها ... ذات الجياء عليه ردم مأجوج
[5] المنتوج: المولود. وفي «معجم البكري»:
ويسلكوا السهل ممشى كل منتوج
وهل يسدّ وللحجّاج فيه إذا ... ما أصعدوا فيه تكبير وتلجيج [1]
/ما زال منذ أذلّ [2] اللّه موطئه ... ومنذ آذن أنّ البيت محجوج
تهدي له الوفد وفد اللّه مطربة [3] ... كأنه شطب بالقدّ منسوج
/ خل الطريق إليها إن زائرها ... والساكنين بها الشمّ الأباليج [4]
لا يسدد اللّه نقبا كان يسلكه ال ... بيض البهاليل والعوج العناجيج [5]
لو سدّه اللّه يوما ثم عجّ له ... من يسلك النقب أمسى وهو مفروج
قوله يعاتب أخاه بشارا
أخبرني الحسن قال: حدّثنا أحمد بن زهير، قال: حدّثنا مصعب، قال: كان للخارجيّ أخ يقال له بشّار بن بشير، وكان يجالس أعداءه، ويعاشر [6] من يعلم أنه مباين له. وفيه يقول:
وإني قد نصحت فلم تصدّق ... بنصحي واعتددت فما تبالي [7]
وإني قد بدا لي أنّ نصحي ... لغيبك واعتدادي في ضلال
فكم هذا أذودك عن قطاعي ... كتذويد المحلّأة النّهال
فلا تبغ الذنوب عليّ واقصد ... لأمرك من قطاع أو وصال
فسوف أرى خلالك من تصافي ... إذا فارقتني وترى خلالي [8]
وإن جزاء عهدك إذ تولّى ... بأن أغضي وأسكت لا أبالي [9]
قوله في زوجته سعدى
أخبرني عيسى بن الحسين قال: حدّثنا الزبير بن بكار، قال: حدّثنا سليمان بن عياش، قال:
__________
[1] في «معجم ما استعجم» للبكري:
وكيف يوثقه سدا وهم لهم ... لبيك لبيك تكبير وتثجيج
[2] كذا في ف، مب. وفي «معجم البكري»: أذال.
[3] المطربة: الطريق الضيق في الجبل، لا يكون إلا به أو بالحرة.
[4] الأباليج: جمع أبلج، وهو الأبيض النقي الوجه. ورواية البيت في «معجم البكري»:
خلوا الطريق إليه إن زائره ... والساكنين به الشم الأباليج
[5] البهاليل: جمع بهلول، وهو السيد. والعوج: جمع عوجاء، وهي الناقة الضامرة. والعناجيج: جمع عنجوج، وهي النجيبة، أو الطويلة العنق.
[6] ف: يخالط.
[7] كذا روي البيت في ف، مب. وفي سائر الأصول:
واعتذرت فلم يبال
[8] الخلال: المخالة والمصادقة. يريد سأرى أصدقاءك الذين ستصافيهم حين نفترق، وسترى أصدقائي. وفي ف: من تصابى.
[9] يريد أني أكافئك على قطعك عهد الأخوة، بنسياني إياك، وعدم مبالاتي بك. ورواية البيت هذه عن ف، مب. وفي سائر الأصول:
وإنك تستريح إذا تولى ... بأن أعصي وأسكت لا أبالي
كان الخارجيّ معجبا بزوجته سعدى، وكانت من أسوأ الناس خلقا، وأشدّه على عشير [1]، فكان يلقى منها عنتا. فغاضبها يوما لقول آذته به، واعتزلها، وانتقل إلى زوجته الأخرى، فأقام عندها ثلاثا. ثم اشتاق إلى سعدى، وتذكرها، وبدا له في الرجوع إلى بيتها، فتحوّل إليها، وقال:
أراني إذا غالبت بالصبر حبّها ... أبى الصبر ما ألقى بسعدى فأغلب
وقد علمت عند التعاتب أننا ... إذا ظلمتنا [2] أو ظلمنا سنعتب
وإنّي وإن لم أجن ذنبا سأبتغي ... رضاها وأعفو ذنبها حين تذنب
وإني وإن أنّبت فيها يزيدني ... بها عجبا من كان فيها يؤنب
قوله يعاتب أخاه أيضا
أخبرني عيسى قال: حدّثنا الزبير قال: حدّثنا سليمان بن عياش قال: كان بشار بن بشير أخو محمد بن بشير يعاديه، ويجالس أعداءه [3]. فقال الخارجيّ فيه:
كفاني الذي ضيّعت مني وإنما ... يضيع الحقوق [4] ظالما من أضاعها
صنيعة من ولّاك سوء صنيعها ... وولى سواك أجرها واصطناعها
أبى لك كسب الخير رأي مقصّر ... ونفس أضاق اللّه بالخير باعها
إذا هي حثّته على الخير مرة ... عصاها وإن همت بشر [5] أطاعها
/ فلو لا رجال كاشحون يسرّهم ... أذاك، وقربى لا أحبّ انقطاعها
إذا بان إن زلّت بك النعل زلّة ... فراق خلال لا تطيق ارتجاعها [6]
وأني متى أحمل على ذاك أطّلع ... عليك عيوبا لا أحبّ اطلاعها [7]
/فإن تك أحلام تردّ إخاءنا ... علينا فمن هذا يردّ سماعها
سأنهاك نهيا مجملا وقصائدا ... نواصح تشفى من شئون صداعها [8]
ومن يجتلب نحوي القصائد يجتلب ... قراه [9] ويتبع من يحبّ اتباعها
__________
[1] كذا في ف، مب. وفي بقية الأصول: عليه غيرة.
[2] كذا في ف، مب. وفي بقية الأصول: ما ظلمنا.
[3] كذا في ف. وفي سائر الأصول: ويهجوه.
[4] ف، مب: يضيع حقوقا.
[5] ف: بسوء.
[6] في ف، مب: إذا بان ... فراق خلال. وترتيبه في غير ف بعد: فلو لا رجال ... الخ.
[7] اطلع عليك عيوبا: أعلمها. وجاء هذا البيت في ف بعد «فلو لا رجال».
[8] وقصائدا: يريد وأبعث قصائد. والشئون جمع شأن، وهي مواصل عظام الرأس وملتقاها. ورواية الشطر الثاني من البيت في ف:
نواضح تسقى من شئون ضباعها.
[9] ف: جزاء.
إذا ما الفتى ذو اللب حلت قصائد ... إليه فيخل للقوافي رباعها [1]
قوله يرثي زيد بن حسن
أخبرني عيسى بن الحسين الوارق قال: حدثنا الزبير قال: حدثنا سليمان بن عياش قال:
لما دفن زيد بن حسن وانصرف الناس عن قبره، جاء محمد بن بشير إلى الحسن بن زيد، وعنده بنو هاشم ووجوه قريش يعزونه، فأخذ بعضادتي الباب، وقال:
أعينيّ جودا بالدموع وأسعدا ... بني رحم ما كان زيد يهينها
/ ولا زيد إلا أن يجود بعبرة ... على القبر شاكي نكبة يستكينها [2]
وما كنت تلقى وجه زيد ببلدة ... من الأرض إلا وجه زيد يزينها
لعمر أبي الناعي لعمّت مصيبة ... على الناس واختصت قصيّا رصينها [3]
وأنّى لنا أمثال زيد وجدّه ... مبلّغ آيات الهدى وأمينها [4]
وكان حليفيه السماحة والنّدى ... فقد فارق الدنيا نداها ولينها
غدت غدوة ترمي لؤيّ بن غالب ... يجعد الثّرى فوق امرىء ما يشينها
أغرّ بطاحيّ بكت من فراقه ... عكاظ فبطحاء الصفا فحجونها
فقل للتي يعلو على الناس صوتها ... ألا [5] لا أعان اللّه من لا يعينها
وأرملة تبكي وقد شقّ جيبها ... عليه فآبت وهي شعث قرونها [6]
ولو فقهت ما يفقه [7] الناس أصبحت ... خواشع أعلام الفلاة وعينها
نعاه لنا الناعي فظلنا كأننا ... نرى الأرض فيها آية حان حينها
وزالت بنا أقدامنا وتقلبت ... ظهور روابيها [8] بنا وبطونها
__________
[1] رواية الشطر الثاني في ف، مب:
به فتحلى للقوافي رباعها
ولعله محرف عما أثبتناه، بتقدير جزمه بلام الأمر المحذوفة. يقول لأخيه:
إذا كانت حالك تتطلب أن أعظك وأذكرك بقصائد زاجرة، فعليك أن تفهم قولي، وتنزل أشعاري منازلها اللائقة بها.
[2] يستكينها: يخضع لها ويذل. يقول: ذهب زيد فلا يعرف قدره إلا من أصابته نكبة شديدة، فلم يجد من يعينه، فوقف على قبره يبكيه.
[3] الرصين هنا: المصيبة الثقيلة.
[4] ف: ومبينها.
[5] كذا في ف. وفي سائر الأصول: به.
[6] البيت عن ف، مب.
[7] كذا في ف، مب: وفي سائر الأصول: فهمت. وأعلام الفلاة: جبالها. والعين: جمع عيناء، أي واسعة العين، يريد بقر الوحش.
[8] ف: روابينا.
وآب ذوو [1] الألباب منا كأنما ... يرون شمالا فارقتها يمينها
سقى اللّه سقيا رحمة ترب حفرة ... مقيم على زيد ثراها وطينها
قال: فما رؤي يوم كان أكثر باكيا من يومئذ [2].
قوله في بنت عم له تزوّجها واستخفت به
أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال: حدّثنا أحمد بن الهيثم بن فراس قال: حدّثني العمري عن لقيط، قال:
كان محمد بن بشير الخارجيّ من أهل المدينة، وكانت له بنت عم سريّة جميلة، قد خطبها غير واحد من سروات قريش، فلم ترضه. فقال لأبيه: زوّجنيها. فقال له: كيف أزوّجكها وقد ردّ عمك عنها أشراف قريش.
فذهب إلى عمه فخطبها إليه، فوعده بذلك، وقرّب منه. فمضى محمد إلى أبيه فأخبره: فقال له: ما أراه يفعل. ثم عاوده، فزوّجه إيّاها. فغضبت الجارية، وقالت له: خطبني إليك أشراف قريش فرددتهم، وزوّجتني هذا الغلام الفقير؟ فقال لها: هو ابن عمك، وأولى الناس بك. فلما بنى لها جعلت تستخف به وتستخدمه، وتبعثه في غنمها مرة، وإلى نخلها أخرى. فلما رأى ذلك من فعلها قال شعرا، ثم خلا في بيت يترنم به ويسمعها. وهو:
تثاقلت أن كنت ابن عمّ نكحته ... فملت وقد يشفى ذوو الرأي بالعذل
/ فإنك إلّا تتركي بعض ما أرى ... تنازعك أخرى كالقرينة في الحبل
تلزّك [3] ما اسطاعت إذا كان قسمها ... كقسمك حقّا في التّلاد وفي البعل
متى تحمليها منك يوما لحالة ... فتتبعها تحملك منها على مثل [4]
قال: فصلحت، ولم ير منها بعد ما سمعت شيئا يكرهه.
صوت
علام هجرت ولم تهجري ... ومثلك في الهجر لم يعذر
قطعت حبالك من شادن ... أغنّ قطوف الخطا أحور [5]
الشعر لسديف مولى بني هاشم: والغناء لأبي العبيس [6] بن حمدون. خفيف ثقيل بالسبابة والوسطى.
__________
[1] ف، مب: أولو.
[2] جاءت هذه العبارة بصور مختلفة في الأصول، فرتبناها على هذه الصورة، لأنها أوضح.
[3] تلزك: تلتصق بك وتضايقك.
[4] ف، مب: يوما.
[5] ف، مب: أغر.
[6] كذا في «معجم الأدباء» لياقوت. وفي ف: لأبي العباس. وفي سائر النسخ: لأبي العنبس، والصواب ما أثبتناه.
7 - ذكر سديف وأخباره
[1]
اسمه ونسبه وولاؤه لبني هاشم
هو سديف بن ميمون مولى خزاعة. وكان سبب ادعائه ولاء بني هاشم أنه تزوّج مولاه لآل أبي لهب، فادعى ولاءهم، ودخل في جملة مواليهم على الأيام. وقيل: بل أبوه هو كان المتزوّج مولاة اللّهبيين، فولدت منه سديفا.
فلما يفع، وقال الشعر، وعرف بالبيان وحسن العارضة، ادّعى الولاء في موالي أبيه، فغلبوا عليه.
حجازي متعصب لبني هاشم
وسديف شاعر مقلّ، من شعراء الحجاز، ومن مخضرمي الدولتين، وكان شديد التعصّب لبني هاشم، مظهرا لذلك في أيام بني أمية. فكان يخرج إلى أحجار صفا في ظهر مكة، يقال لها صفيّ السّباب، ويخرج مولى لبني أمية معه يقال له سبّاب [2]، فيتسابان ويتشاتمان، ويذكران المثالب والمعايب. ويخرج معهما من سفهاء الفريقين من يتعصب لهذا ولهذا. فلا يبرحون حتى تكون بينهم الجراح والشّجاج، ويخرج السلطان إليهم فيفرقهم، ويعاقب الجناة. فلم تزل تلك العصبية بمكة حتى شاعت في العامة والسّفلة. فكانوا صنفين، يقال [3] لهما السّديفية والسّبّابية، طول أيام بني أمية. ثم انقطع ذلك في أيام بني هاشم، وصارت العصبية بمكة في الحناطين والحرّارين [4].
بينه وبين أبي جعفر المنصور وقد سمع قصيدة له
أخبرني عمر بن عبيد اللّه بن جميل [5] العتكي، وأحمد بن عبد العزيز الجوهريّ، قالا: حدّثنا عمر بن شبّة قال: حدّثني فيلح بن إسماعيل قال:
/ قال سديف قصيدة يذكر فيها أمر بني حسن بن حسن [6]، وأنشدها المنصور بعد قتله لمحمد بن عبد اللّه بن حسن. فلما أتى على هذا البيت:
يا سوءتا للقوم لا كفّوا ولا ... إذ حاربوا كانوا من الأحرار
فقال له المنصور: أتحضهم [7] عليّ يا سديف؟ فقال: لا، ولكني أؤنبهم يا أمير المؤمنين.
__________
[1] ف: أخبار سديف.
[2] ف، مب: سبب.
[3] ف، مب: السيلبية.
[4] ف: الحرارين، صناع الحرير.
[5] ف: بن ممثل.
[6] زادت ف، مب هنا كلمة: ومخرجهم.
[7] ف، مب: أتحرضهم.
إنكار بعض بني عبد الدار انتسابه إلى قريش
وذكر ابن المعتز أن العوفيّ حدّثه عن أحمد بن إبراهيم الرياحيّ قال:
سلّم سديف بن ميمون يوما على رجل من بني عبد الدار. فقال له العبدريّ: من أنت يا هذا؟ قال: أنا رجل من قومك، أنا سديف بن ميمون. فقال له: واللّه ما في قومي سديف ولا ميمون. قال: صدقت، لا واللّه ما كان قطّ فيهم ميمون ولا مبارك.
صوت
لعمرك إنني لأحب دارا ... تكون بها سكينة والرّباب
أحبهما وأبذل جلّ مالي ... وليس لعاتب عندي عتاب
الشعر للحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهما السّلام. والغناء لابن سريج: رمل بالبنصر. وفيه للهذلي ثقيل أول بالسبابة، في مجرى الوسطى، عن إسحاق.
8 - أخبار الحسين بن علي ونسبه
[1]
اسم الحسين ونسبه
الحسين بن عليّ بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصيّ بن كلاب بن مرّة بن كعب بن لؤيّ بن غالب. وقد تكرر [2] هذا النسب في عدّة مواضع من هذا الكتاب. واسم أبي طالب: عبد مناف، واسم عبد المطلب: شيبة، واسم هاشم: عمرو. وأم عليّ بن أبي طالب فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف. وكانت أول هاشمية تزوّجها هاشمي، وهي أم سائر ولد أبي طالب. وأم الحسين بن عليّ بن أبي طالب: فاطمة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. وأمها خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزّى بن قصيّ. وكانت خديجة تكنى أم هند، وكانت فاطمة تكنى أم أبيها [3]، ذكر ذلك قعنب بن محرز، قال: حدّثنا أبو نعيم، عن حسين [4] بن زيد، عن جعفر بن محمد، عن أبيه. وكان عليّ بن أبي طالب سمى الحسن حربا، فسماه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الحسن [5]. ثم ولد له الحسين فسماه حربا [5]، فسماه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الحسين.
/ حدّثني بذلك أحمد بن الجعد، قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن صالح، قال: حدّثنا يحيى بن عيسى قال:
حدّثنا الأعمش عن سالم بن أبي الجعد [6] قال: قال عليّ بن أبي طالب.
كنت رجلا أحب الحرب، فلما ولد الحسن هممت أن أسميه حربا، فسماه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الحسن، فلما [7] ولد الحسين هممت أن أسميه حربا، فسماه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الحسين [7]. ثم قال سميتهما باسمي ابني [8] هارون: شبّر وشبير [8].
وأخبرنا محمد بن عبد اللّه بن سليمان الحضرمي قال: حدّثنا محمد [9] بن يحيى الأحول قال: حدّثنا خلاد المقرىء قال: حدّثنا [9] قيس بن الربيع بن أبي حصين، عن يحيى بن وثّاب، عن ابن عمر، قال:
كان على الحسن والحسين تعويذتان حشوهما من زغب جناح جبريل عليه السّلام.
__________
[1] كذا في مب. وفي ف: أخبار الحسين بن عليّ عليهما السّلام. وفي بقية الأصول: ذكر الحسين ونسبه.
[2] ف، مب: ذكرت.
[3] كذا وردت العبارة في مب. وفي ف: وكانت خديجة تكنى أم هند، وكانت فاطمة أم أبيها. وفي سائر الأصول: وكانت خديجة أم هند تكنى أم أبيها. والصواب ما أثبتناه، لأن السيدة خديجة كان لها ابن اسمه هند، من زوجها أبي هالة، وكانت تكنى به.
[4] ف، مب: الحسن.
(5 - 5) العبارة عن ف وحدها.
[6] كذا في ف، مب «و خلاصة تهذيب الكمال» للخزرجي. وفي سائر الأصول: أبي الحمد.
(7 - 7) كذا في ف، مب. وفي سائر الأصول في موضعها: وكذلك الحسين.
(8 - 8) العبارة عن ف، مب. والضبط كما في «اللسان».
(9 - 9) العبارة عن في مب. وفي مب أحمد بن يحيى الأحول.
شعر الحسين في امرأته الرباب
وهذا الشعر يقوله الحسين بن عليّ في امرأته الرّباب بنت امرىء القيس بن عديّ بن أوس بن جابر بن كعب بن عليم بن كلب بن وبرة بن تغلب [1] [ابن حلوان] بن عمران بن إلحاف بن قضاعة، وأمها هند بنت الربيع بن مسعود بن معاذ [2] بن حصين بن كعب بن عليم بن كلب؛ وفي ابنته منها سكينة بنت الحسين. واسم سكينة: أميمة، وقيل أمينة، وقيل آمنة، وسكينة لقب لقبت به.
/ قال مصعب فيما أخبرني به الطّوسي عن زبير عنه:
اسمها آمنة.
أخبرني أحمد بن عبد العزيز وإسماعيل بن يونس، قالا: حدّثنا عمر بن شبّة قال: حدّثنا أبو نعيم، عن عمر بن ثابت، عن مالك بن أعين، قال:
سمعت سكينة بنت الحسين تقول عاتب عمي الحسن أبي في أمي، فقال:
لعمرك إنني لأحبّ دارا ... تكون [3] بها سكينة والرّباب
أحبهما وأبذل جلّ مالي ... وليس لعاتب عندي عتاب
الخلاف في اسم سكينة
/ حدّثنا محمد بن العباس اليزيديّ [4] قال: حدّثنا الخليل بن أسد قال: حدّثنا العمريّ عن ابن الكلبيّ عن أبيه، قال:
قال لي عبد اللّه بن الحسن بن الحسن: ما اسم سكينة بنت الحسين؟ فقلت: سكينة. فقال: لا. اسمها آمنة [5].
وروي أن رجلا سأل عبد اللّه بن الحسن عن اسم سكينة. فقال: أمينة [6]، فقال له: إن ابن الكلبي يقول اميمة. فقال: سل ابن الكلبي عن أمه؟ وسلني عن أمي. وقال المدائني: حدّثني أبو إسحاق المالكي قال:
سكينة لقب، واسمها آمنة. وهذا هو الصحيح.
أسلم أبو الرباب على يد عمر
حدّثني أحمد بن محمد بن سعيد [7]، قال: حدّثنا يحيى بن الحسن العلوي قال: حدّثنا شيخ من قريش، قال:
حدّثنا أبو حذافة [8] أو غيره، قال:
__________
[1] كذا في الأصول وكتب «الأنساب». وفي مب: ثعلبة.
[2] كذا في ف، مب. وفي سائر الأصول: مروان.
[3] ف: تحل. هنا وفيما تقدم.
[4] ف: النهدي.
[5] ف، مب: لا، أميمة.
[6] ف: آمنة.
[7] ف، مب: سعد.
[8] ف: ابن حذافة.
أسلم امرؤ القيس بن عديّ على يد عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه، فما صلّى للّه صلاة [1] حتى ولاه عمر، وما أمسى حتى خطب إليه عليّ عليه السّلام ابنته الرباب/ على ابنه الحسين، فزوّجه إياها. فولدت [2] له عبد اللّه وسكينة ولدي الحسين عليهما السّلام. وفي سكينة وأمها يقول:
لعمرك إنني لأحب دارا ... تحل بها سكينة والرّباب
وذكر البيت الآخر، وزاد على البيتين [3]:
فلست لهم وإن غابوا مضيعا [4] ... حياتي أو يغيّبني التراب
ونسخت هذا الخبر من كتاب أبي [5] عبد الرّحمن الغلّابيّ، وهو أتم. قال:
حدّثنا عليّ بن صالح، عن عليّ بن مجاهد، عن أبي المثنى محمد بن السائب الكلبيّ، قال: أخبرنا عبد اللّه بن حسن بن حسن قال: حدّثني خالي عبد الجبار بن منظور بن زبّان بن سيّار الفزاريّ؛ قال حدّثني عوف بن خارجة المريّ، قال:
واللّه إني لعند عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه في خلافته، إذ أقبل رجل أفحج أجلى أمعر [6]، يتخطى رقاب الناس، حتى قام بين يدي عمر. فحياة بتحية الخلافة، فقال له عمر: فمن أنت؟ قال: أنا امرؤ نصراني، أنا امرؤ القيس بن عديّ الكلبيّ. قال: فلم يعرفه عمر [7]. فقال له رجل من القوم: هذا صاحب بكر بن وائل، الذي أغار عليهم في الجاهلية يوم فلج. قال: فما تريد؟ قال: أريد الإسلام. فعرضه عليه/ عمر رضي اللّه عنه، فقبله. ثم دعا له برمح، فعقد له على من أسلم بالشام من قضاعة. فأدبر الشيخ واللواء يهتز على رأسه. قال عوف: فو اللّه ما رأيت رجلا لم يصلّ للّه ركعة قط أمّر على جماعة من المسلمين قبله.
ونهض عليّ بن أبي طالب رضوان اللّه عليه من المجلس، ومعه ابناه الحسن والحسين عليهم السّلام حتى أدركه، فأخذ بثيابه. فقال له: يا عم، أنا عليّ بن أبي طالب ابن عم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وصهره، وهذان ابناي الحسن والحسين من ابنته، وقد رغبنا في صهرك فأنكحنا. فقال: قد أنكحتك يا عليّ المحياة بنت امرىء القيس، وأنكحتك يا حسن سلمى بنت امرىء القيس، وأنكحتك يا حسين الرّباب بنت امرىء القيس.
وقال هشام بن الكلبي: كانت الرّباب من خيار النساء وأفضلهن. فخطبت بعد قتل الحسين عليه السّلام، فقالت: ما كنت لأتخذ حما بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
قال المدائني: حدّثني أبو إسحاق المالكي، قال:
__________
[1] ف: ركعة.
[2] ف، مب: فأولدها.
[3] في الأصول: وذكر البيتين وزاد فيهما.
[4] ف، مب: ولست لهم وإن عابوا مطيعا.
[5] ف، مب: ابن.
[6] الأفحج: الذي تتدانى صدور قدميه ويتباعد عقباه إذا مشى. والأجلى: الذي انحسر مقدم شعره. وفي ف، مب: أجلح، وهو بمعناه. والأمعر: الذي سقط شعره.
[7] كذا في ف، مب. وفي سائر الأصول: فعرفه عمر.
اسمها شعار لها
قيل لسكينة واسمها آمنة، وسكينة لقب: أختك فاطمة ناسكة [1] وأنت تمزحين كثيرا؟ فقالت: لأنكم سميتموها باسم جدّتها المؤمنة - تعني فاطمة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم - وسميتموني باسم جدتي التي لم تدرك الإسلام.
/ تعني آمنة بنت وهب، أم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
قول الرباب ترثي زوجها الحسين
أخبرني عمي قال: حدّثنا الكناني [2]، عن قعنب بن المحرز الباهلي، عن محمد بن الحكم، عن عوانة، قال:
رثت الرّباب بنت امرىء القيس أم سكينة بنت الحسين، زوجها الحسين عليه السّلام حين قتل، فقالت:
إنّ الذي كان نورا يستضاء به ... بكر بلاء قتيل غير مدفون
سبط النبيّ جزاك اللّه صالحة ... عنا، وجنّبت خسران الموازين
قد كنت لي جبلا صعبا ألوذ به ... وكنت تصحبنا بالرّحم والدّين
من لليتامى ومن للسائلين ومن ... يغني ويأوي إليه كلّ مسكين
واللّه لا أبتغي صهرا بصهركم ... حتى أغيّب بين الرمل والطين
أخبرني الطوسي قال: حدثني الزبير عن عمه قال: أخبرني إسماعيل بن بكار قال: حدّثني أحمد بن سعيد، عن يحيى بن الحسين العلوي [3]، عن الزبير عن عمه، قال: وأخبرني إسماعيل بن يعقوب عن عبد اللّه بن موسى، قالا:
كان الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب خطب إلى عمه الحسين، فقال له الحسين عليهم السّلام: يابن أخي، قد كنت أنتظر هذا منك، انطلق معي، فخرج به حتى أدخله منزله، فخيره في ابنتيه فاطمة وسكينة. فاختار فاطمة، فزوّجه إياها. وكان يقال: إن امرأة تختار [4] على سكينة لمنقطعة القرين في الحسن. وقال عبد اللّه بن موسى في خبره: إن الحسين خيره، فاستحيا، فقال له: قد اخترت لك فاطمة، فهي أكثرهما شبها بأمي فاطمة بنت رسول اللّه، صلّى اللّه عليه وسلّم.
بين سكينة وبنت لعثمان
حدّثني أحمد بن محمد بن سعيد قال: حدّثني يحيى بن الحسن العلويّ قال: كتب إليّ عبّاد بن يعقوب يخبرني عن جدّي يحيى بن سليمان بن الحسين العلويّ قال:
كانت سكينة في مأتم فيه بنت لعثمان، فقالت بنت عثمان: أنا بنت الشهيد. فسكتت سكينة: فلما قال المؤذن. أشهد أن محمدا رسول اللّه، قالت سكينة: هذا أبي أو أبوك؟ فقالت العثمانية: لا جرم لا أفخر عليكم أبدا.
__________
[1] أختك فاطمة ناسكة: كذا في مب. وفي ف: باسلة. وهي العابسة، وفي سائر الأصول: أمك فاطمة يا سكينة. تحريف.
[2] ف، مب: الكراني.
[3] كذا في ف، مب. وفي بقية الأصول: الحسن الغنوي.
[4] ف، مب: مرذولها سكينة.
أخبرني أحمد بن محمد قال: حدّثنا يحيى قال: حدّثنا مروان بن موسى القروي قال: حدّثنا بعض أصحابنا قال:
سكينة تشتم من يشتم عليا
كانت سكينة تجيء في ستارة يوم الجمعة، فتقوم بإزاء ابن مطيرة، وهو خالد بن عبد الملك بن الحارث بن الحكم، إذا صعد المنبر، فإذا شتم عليا، شتمته هي وجواريها، فكان يأمر الحرس فيضربون جواريها.
كانت سكينة عفيفة برزة
أخبرني الطوسيّ عن الزّبير عن عمه مصعب، قال:
كانت سكينة عفيفة سلمة [1] برزة من النساء، تجالس الأجلّة [2] من قريش، وتجتمع إليها الشعراء، وكانت ظريفة مزاحة.
سكينة تصف نفسها
أخبرني الطوسيّ قال: حدّثنا الزّبير عن عمه قال: حدّثني معاوية بن بكر، قال:
قالت سكينة: أدخلت على مصعب وأنا أحسن من النار الموقدة.
كانت سكينة تحسن تصفيف شعرها
أخبرني الحسن بن علي قال: حدّثني محمد بن موسى، عن أبي أيو المديني، عن مصعب، قال:
كانت سكينة أحسن الناس شعرا؛ فكانت تصفّف جمّتها تصفيفا لم ير أحسن منه، حتى عرف ذلك. فكانت تلك الجمة تسمى السّكينية. وكان عمر بن عبد العزيز إذا وجد رجلا قد صفّف جمته السّكينية جلده وحلقه.
أهدت إلى بعض أخوالها غالية
أخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن عمار عن أحمد بن سليمان بن أبي/ شيخ عن أبيه عن أبي سفيان الحميريّ، قال:
بعثت سكينة بنت الحسين عليهما السّلام إلى حبيش بن دلجة بغالية، لأنه كان من أخوالها. فلما وصلت إليه قال: فأين كانت - حبيش بن دلجة - عن الصّيّاح [3]؟ يقدّر أن الصّيّاح أرفع من الغالية.
مثال من مزاح سكينة
قال محمد بن سلام.
كانت سكينة مزّاحة، فلسعتها دبرة فولولت. فقالت لها أمها: مالك يا سيدتي وجزعت؟ فقالت [4]: لسعتني دبيرة، مثل الأبيرة، فأوجعتني قطيرة [5]
__________
[1] سلمة: مسالمة. وفي ف، مب: مسلمة.
[2] الشيوخ المسنين. وفي ف، مب: الأجلاء.
[3] الصياح ككتان: عطر أو غسل من الخلوق ونحوه.
[4] كذا في ف، مب. وفي بقية الأصول: فضحكت وقالت.
[5] قطيرة: أي إيجاعا يسيرا لا شديدا. وفي «اللسان» و«التاج»: (دبر): وفي حديث سكينة بنت الحسين: «جاءت إلى أمها وهي صغيرة
وقال هارون بن أبي عبيد اللّه، حدّثني ضمرة بن ضمرة، قال:
أجلست سكينة شيخا فارسيا على سلّة بيض، وبعثت إلى سليمان بن يسار، كأنها تريد أن تسأله عن شيء.
فجاءها إكراما لها، فأمرت من أخرج إليه ذلك الشيخ جالسا على السّلّة فيها البيض. فولّى يسبّح.
/ قال: وبعثت سكينة إلى صاحب الشرطة بالمدينة: أنه دخل علينا شاميّ، فابعث إلينا بالشّرط. فركب ومعه [9] الشرط. فلما أتى إلى الباب، أمرت ففتح له، وأمرت جارية من جواريها فأخرجت إليه برغوثا. فقال: ما هذا؟ قالت: هذا الشاميّ الذي شكوناه. فانصرفوا يضحكون.
مثال من طمع ابن أشعب
أخبرني محمد بن جعفر النحوي قال: حدّثنا أحمد بن القاسم قال: حدّثنا أبو هفّان قال: حدّثنا سيف [2] بن إبراهيم صاحب بن المهدي قال: حدّثني إبراهيم بن المهدي:
أن الرشيد لما ولاه دمشق استوهبه صحبة دبية والغاضريّ وعبيدة بن [ ... ] [3] وحكم والوادي. فوهبهم له، فأشخصهم معه.
قال: فكان فيما حدثني به عبيدة قال: قال إبراهيم:
ركبت حمارة وهو عديلي، ونمت على ظهرها. فلما بلغنا ثنية العقاب، اشتد عليّ البرد، فاحتجت إلى الزيادة من الدّثار. فدعوت بدوّاج سمّور، فألقيته على ظهري، ودعوت بمن كان معي في سمري في تلك الليلة، وكانوا حولي. فقلت لابن أشعب: حدّثني بأعجب ما تعلم من طمع أبيك. فقال: أعجب من طمع أبي طمع ابنه. فقلت:
وما بلغ من طمعك؟ فقال: دعوت آنفا لما اشتد عليك البرد بدوّاج سمّور، لتستدفىء به، فلم أشكّ أنك دعوت به لتجعله عليّ. فغلبني الضحك، وخلعت عليه الدّواج. ثم قلت له: ما أحسب لك قرابة بالمدينة. فقال: اللهم غفرا، لي بالمدينة قرابات وأي قرابات. قلت: أيكونون عشرة؟ قال: وما عشرة؟ قلت: فعشرين؟ قال: اللهم غفرا، لا تذكر العشرات ولا المئين،/ وتجاوز ذكر الألوف إلى ما هو أكثر منها. قلت: ويحك! ليس بينك وبين أشعب أحد، فكيف يكون هذا؟ فقال:
إن زيد بن عمرو بن عثمان بن عفان تزوّج سكينة بنت الحسين. فخف أبي على قلبها، فأحسنت إليه، وكانت عطاياها خلاف عطايا مولاه. فمال إليها بكليته.
قال: وحج سليمان بن عبد الملك وهو خليفة، فاستأذن زيد بن عمرو سكينة، وأعلمها أنها أول سنة حج فيها الخليفة، وأنه لا يمكنه التخلّف عن الحج معه. وكانت لزيد ضيعة يقال له العرج، وكان له فيها جوار. فأعلمته أنها لا تأذن له إلا أن يخرج أشعب معه، فيكون عينا لها عليه، ومانعا له من العدول إلى العرج، ومن اتخاذ جارية لنفسه في بدأته ورجعته. فقنع بذلك، وأخرج أشعب معه. وكان له فرس كثير الأوضاح، حسن المنظر، يصونه عن
__________
تبكي، فقالت لها: مالك؟ فقالت: مرت بي دبيرة، فلسعتني بأبيرة. وهي تصغير الدبرة: النحلة. ولم يذكرا الفقرة الثالثة:
«فأوجعتني قطيرة». وفي «التاج»: القطرة بالضم: الشيء التافه اليسير الخسيس. تقول: أعطني منه قطرة وقطيرة. والأخيرة: تصغير قطرة.
[1] كذا في مب. وفي سائر الأصول: فركب معه.
[2] كذا في ف، مب. وفي سائر الأصول: يوسف.
[3] غير واضح في الأصل.
الركوب إلا في مسايرة خليفة أو أمير أو يوم زينة؛ وله سرج يصونه، لا يركب به غير ذلك الفرس. وكان معه طيب لا يتطيب به إلا في مثل ذلك اليوم الذي يركب فيه؛ وحلّة موشية يصونها عن اللّبس إلا في يوم يريد التجمّل/ فيه بها.
فحج مع سليمان، وكانت له عنده حوائج كثير، فقضاها ووصله، وأجزل صلته. وانصرف سليمان من حجّه، ولم يسلك طريق المدينة. وانصرف بن عثمان يريد المدينة، فنزل على ماء لبني عامر بن صعصة. ودعا أشعب، فأحضره وصرّ صرّة فيها أربعمائة دينار، وأعلمه أنه ليس بينه وبين العرج إلا أميال؛ وأنه إن أذن له في المسير إليها، والمبيت بها عند جواريه، غلّس إليه، فوافى وقت ارتحال الناس، ووهب له أربعمائة الدينار. فقبل يده ورجله، وأذن له في السير إلى حيث أحب، وحلف له أنه يحلف لسكينة بالأيمان المحرجة، أنه ما سار إلى العرج، ولا اتخذ جارية منذ فارق سكينة إلى أن رجع إليها. فدفع إليه مولاه الدنانير ومضى.
/ قال أبو إسحاق: قال ابن أشعب: حدّثني أبي أنه لا يتوهم أن مولاه سار نصف ميل حتى رأى في الماء الذي كان عليه رحل زيد جاريتين عليهما قربتان. فألقتا القربتين، وألقتا ثيابهما عنهما، ورمتا بأنفسهما في الغدير، وعامتا فيه، ورأى من مجرّدهما ما أعجبه واستحسنه. فسألهما عند خروجهما من الماء عن نسبهما. فأعلمتاه أنهما من إماء نسوة خلوف، لبني عامر بن صعصعة، هن بالقرب من ذلك الغدير. فسألهما: هل سبيل إلى مولياتهما، لمحادثة شيخ حسن الخلق، طيب العشرة، كثير النوادر؟ فقالتا: وأنى لهن بمن هذه صفته؟ فقال لهما: أنا ذاك. فقالتا:
انطلق معنا. فوثب إلى فرس زيد، فأسرجه بسرجه الذي كان يسرجه به ويركبه، ودعا بحلته التي كان يضن بها فلبسها، وأحضر السّفط الذي كان فيه طيبه، فتطيب منه، وركب الفرس، ومضى معهما حتى وافى الحيّ، فأقام في محادثة أهله إلى قرب وقت صلاة العصر. فأقبل في ذلك الوقت رجال الحيّ، وقد انصرفوا غانمين من غزاتهم، وأقبلت تمر به الرّعلة بعد الرّعلة، فيقفون به فيقولون: ممن الرجل؟ فينتسب في نسب زيد، فيقول كل من اجتاز به:
ما نرى به بأسا. وينصرفون عنه. إلى قرب غروب الشمس، فأقبل شيخ فان على حجر هرمة هزيل، ففعل مثل ما كان يفعل من اجتاز، فسأله مثلما يسألون عنه، فأخبره بمثل ما كان يخبر من تقدمه، فقال مثل قولهم.
قال ابن أشعب: قال أبي: ثم رأيت الشيخ قد وقف بعد قوله، فأوجست منه خيفة، لأني رأيته قد جعل يده اليسرى تحت حاجبيه، فرفعهما، ثم استدار ليرى وجهي. فركبت الفرس، فما استويت عليه حتى سمعته يقول:
أقسم باللّه ما هذا قرشيّ، وما هذا إلا وجه عبد. فركضت وركض خلفي، فرأى حجره/ مقصرة [1]. فلما يئس من اللحاق بي، انتزع سهما فرماني به، فوقع في مؤخرة السرج، فكسرها. ودخلتني من صوته روعة [2] أحدثت لها في الحلة. ووافيت رحل مولاي، فغسلت الحلّة ونشرتها، فلم تجف ليلا. وغلّس مولاي من العرج، فوافاني في وقت الرحيل، فرأى الحلة منشورة، ومؤخرة السرج مكسورة، والفرس قد أضر بها الركض، وسفط الطيب مكسور الختم [3]. فسألني عن السبب، فصدقته. فقال لي: ويحك! أما كفاك ما صنعت بي حتى انتسبت في نسبي، فجعلتني [4] عند أشراف قومي من العرب جمّاشا [4]، وسكت عني، فلم يقل لي: أحسنت ولا أسأت حتى وافينا
__________
[1] كذا في ف، مب. وفي الأصول: فركضت فرسي وهو يقول: من أنت؟ واتبعني.
[2] كذا في ف، مب. وفي الأصول: ودخلتني روعة من ضربته أحدثت لها.
[3] كذا في ف. وفي الأصول: مفضوض الخاتم. وفي مب: مكسورا مفضوض الخاتم.
(4 - 4) العبارة عن ف، مب. والجماش: الذي يغازل النساء ويلاعبهن.
المدينة، فلما وافاها سألته سكينة عن خبره. فقال لها: يا بنت رسول اللّه، وما سؤالك إياي ولم يزل ثقتك [1] معي، وهو أمين عليّ، فسليه عن خبري يصدقك عنه. فسألتني، فأخبرتها/ أني لم أنكر عليه شيئا، ولم أمكنه من ابتياع جارية، ولم أطلق له الاجتياز بالعرج. فاستحلفتني على ذلك، فلما حلفت لها بالأيمان المحرجة فيها طلاق أمّك، وثب فوقف بين يديها، وقال: أي ابنة عم، ويا بنت رسول اللّه، كذبك واللّه العلج، ولقد [2] أخذ مني أربعمائة دينار، على أن أذن لي في المصير إلى العرج [2]؛ فأقمت بها يوما وليلة، وغسلت بها عدّة من جواريّ، وها أنا ذا تائب إلى اللّه مما كان مني، وقد جعلت توبتي هبتهن لك، وتقدّمت في حملهنّ إليك، وهن موافيات المدينة في عشية اليوم، فبيعهن أو عتقهن إليك الأمر فيه، وأنت أعلم بما ترين في العبد السّوء. فأمرتني/ بإحضار أربعمائة دينار، فأحضرتها. فأمرت بابتياع خشب بثلاثمائة دينار، وأمرت بنشره، وليس عندي ولا عند أحد من أهل المدينة علم بما تريده فيه. ثم أمرت بأن يتخذ بيت كبير، وجعلت النفقة عليه في أجرة النجارين من المائة الدينار الباقية.
ثم أمرت بابتياع بيض وتبن وسرجين بما بقي من المائة الدينار بعد أجرة النجارين. ثم أدخلتني البيت، وفيه البيض والتبن والسّرجين، وحلفت بحق جدّها ألا أخرج من ذلك البيت حتى أحضن ذلك البيض كله إنى أن يفقس، ففعلت ذلك، ولم أزل أحضنه حتى فقس كله. فخرج منه الألوف من الفراريج، وربيت في دار سكينة، فكانت تنسبهنّ إليّ، وتقول: بنات أشعب.
قال أبو إسحاق. قال لي: وبقي ذلك النسل في أيدي الناس إلى الآن، فكلهم إخواني وأهلي. قال:
فضحكت واللّه حتى غلبت، وأمرت له بعشرة آلاف درهم، فحملت بحضرتي إليه.
الخلاف في أزواج سكينة
أخبرني الطوسيّ [3] والحرميّ قالا: حدّثنا الزبير بن بكار قال: حدّثني عمي مصعب قال:
تزوّجت سكينة بنت الحسين عليه السّلام عدّة أزواج، أوّلهم عبد اللّه بن الحسن بن عليّ، وهو ابن عمها وأبو عذرتها، ومصعب بن الزبير، وعبد اللّه بن عثمان الحزامي، وزيد بن عمرو بن عثمان، والأصبغ بن عبد العزيز بن مروان، ولم يدخل بها، وإبراهيم بن عبد الرّحمن بن عوف، ولم يدخل بها.
قال مصعب ويحيى بن الحسن العلوي: إن عبد اللّه بن حسن زوجها كان يكنى أبا جعفر، وأمه بنت السّليل بن عبد اللّه البجلي، أخي جرير بن عبد اللّه، قال:/ ثم خلفه عليها مصعب بن الزبير، زوّجه إياها أخوها علي بن الحسين، ومهرها مصعب ألف ألف درهم.
قال مصعب: وحدّثني مصعب بن عثمان: أن علي بن الحسين أخاها حملها إليه، فأعطاه أربعين ألف دينار.
قال مصعب: وحدثني معاوية بن بكر الباهلي قال: قالت سكينة:
دخلت على مصعب وأنا أحسن من النار الموقدة في الليلة القرّة.
قال: فولدت من مصعب بنتا، فقال لها: سميها زهراء [4]. قالت: بل أسميها باسم إحدى أمهاتي وسمتها
__________
[1] ف: عينك.
(2 - 2) عن ف، مب.
[3] كذا في ف. وفي الأصول: أخبرني الفارسيّ.
[4] كذا في ف. وفي الأصول: ربربا. وفي كتاب «المردفات من قريش» للمدائني (ص 64): زبراء.
الرباب [1]. فلما قتل مصعب ولى أخوه عروة تركته، فزوّجها يعني الرّباب بنت مصعب ابنه عثمان بن عروة، فماتت وهي صغيرة، فورثها عثمان بن عروة عشرة آلاف دينار.
قال الزبير: فحدّثني محمد بن سلّام عن شعيب بن صخر [2]، عن أمه سعدة [3] بنت عبد اللّه بن سالم، قالت:
لقيت سكينة بين مكة ومنى، فقالت: قفي لي يابنة عبد اللّه، فوقفت. فكشفت عن بنتها من مصعب، فإذا هي قد أثقلتها بالحلي واللؤلؤ، فقالت: ما ألبستها إياه إلا لتفضحه.
قال الزبير: وحدّثني عمي عن الماجشون [4]، قال:
اختصام سكينة وعائشة بنت طلحة إلى عمر بن أبي ربيعة
قالت سكينة لعائشة بنت طلحة: أنا أجمل منك. وقالت عائشة:/ بل أنا. فاختصمنا إلى عمر بن أبي ربيعة، فقال لأقضين بينكما؛ أما أنت يا سكينة فأملح منها، وأما أنت يا عائشة فأجمل منها. فقالت سكينة: قضيت لي واللّه. وكانت سكينة تسمّي عائشة ذات الأذنين، وكانت عظيمة الأذنين.
خطب عبد الملك سكينة فلم ترض أمها
أخبرني الحسن بن علي قال: حدّثني أحمد بن زهير [5] قال: حدّثنا المدائني، قال:
خطب سكينة بنت الحسين عليه السّلام عبد الملك بن مروان. فقالت أمها: لا واللّه لا يتزوّجها أبدا وقد قتل ابن أخي [6]، تعني مصعبا.
وأما محمد بن سلام الجمحيّ فإنه ذكر فيما أخبرني به أبو الحسن الأسدي عن الرياشي عنه:
أنّ أبا عذرتها هو عندي عبد اللّه بن الحسن بن عليّ. ثم خلف عليها العثماني، ثم مصعب بن الزبير، ثم الأصبغ بن عبد العزيز بن مروان. فقال فيه بعض المدنيين [7]:
نكحت سكينة بالحساب ثلاثة ... فإذا دخلت بها فأنت الرابع
قال: وكان يتولى مصر، فكتبت إليه: إن أرض مصر وخمة. فبنى لها مدينة تسمى مدينة الأصبغ. وبلغ عبد الملك تزوّجه إياها، فنفس بها عليه. فكتب إليه. اختر مصر أو سكينة: فبعث إليها بطلاقها ولم يدخل بها، ومتّعها بعشرين ألف دينار. ومروا بها في طريقها على منزل، فقالت: ما اسم هذا المنزل؟ قالوا: جوف الحمار. قالت: ما كنت لأدخل جوف الحمار أبدا.
/ وذكر محمد بن سلام في هذا الخبر الذي رواه الرياشيّ عن شعيب بن صخر أن الحزاميّ عبد اللّه بن عثمان
__________
[1] كذا في الأصول. وفي كتاب «المردفات» (ص 65) خديجة أو فاطمة.
[2] كذا في ف. وفي الأصول: سعد بن صخر.
[3] كذا في ف. وفي الأصول: سيدة.
[4] كذا في مب. وفي بقية الأصول: ابن الماجشون.
[5] كذا في ف. وفي الأصول: الحارث.
[6] مب: ابن أختي.
[7] كذا في ف؛ مب. وفي الأصول: المبغضين. والقائل هو أيمن بن خريم («المردفات» ص 66).
خلف الأصبغ عليها، وولدت منه بنتا. وذكر عن أمه سعدة بنت عبد اللّه أن سكينة أرتها بنتها من الحزاميّ، وقد أثقلتها باللؤلؤ، وهي في قبّة، فقالت: واللّه ما ألبستها إياه إلا لتفضحه. تريد أنها تفضح الحليّ بحسنها، لأنها أحسن منه.
أخبرني ابن أبي الأزهر قال: حدّثنا حماد بن إسحاق، عن أبيه، عن الهيثم بن عديّ، عن صالح بن حسّان وغيره:
أن سكينة كانت عند عمرو بن حكيم بن حزام، ثم تزوّجها بعده زيد بن عمرو بن عثمان بن عفان، ثم تزوّجها مصعب بن الزبير. فلما قتل مصعب، خطبها إبراهيم بن عبد الرّحمن بن عوف، فبعثت إليه: أبلغ من حمقك أن تبعث إلى سكينة بنت الحسين بن فاطمة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم تخطبها؟ فأمسك عن ذلك.
بنانة تحب أن ترى جلبة في بيت مولاتها سكينة
قال: ثم تنفّست يوما بنانة جارية سكينة وتنهدت، حتى كادت أضلاعها تتحطم. فقالت لها سكينة: مالك ويلك! قالت: أحب أن أرى في الدار جلبة. تعني العرس. فدعت مولى لها تثق به، فقالت له: اذهب إلى إبراهيم بن عبد الرّحمن بن عوف، فقل له: إن الذي كنا ندفعك عنه قد بدا لنا فيه؛ أنت من أخوال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فأحضر بيتك. قال: فجمع عدّة من بني زهرة، وأفناء قريش من بني جمح وغيرهم، نحوا من سبعين رجلا أو ثمانين. ثم أرسل إلى علي بن الحسين، والحسن بن الحسن، وغيرهم من بني هاشم. فلما أتاهم الخبر اجتمعوا، وقالوا: هذه السفيهة تريد أن تتزوّج إبراهيم بن عبد الرّحمن بن عوف./ فتنادى بنو هاشم واجتمعوا، وقالوا: لا يخرجنّ أحد منك إلا ومعه عصا. فجاءوا وما بقي إلا الكلام. فقال: اضربوا بالعصيّ. فاضطربوا هم وبنو زهرة، حتى تشاجّوا، فشجّ بينهم يومئذ أكثر من مائة إنسان. ثم قالت/ بنو هاشم: أين هذه؟ قالوا: في هذا البيت. فدخلوا إليها، فقالوا: أبلغ هذا من صنعك؟ ثم جاءوا بكساء طاروقيّ [1]، فبسطوه ثم حملوها، وأخذوا بجوانبه - أو قال:
بزاوياه الأربع - فالتفتت إلى بنانة فقالت: يا بنانة، أرأيت في الدار جلبة؟ قالت: إي واللّه إلا أنها شديدة.
وقال هارون بن الزيات: أخبرني أبو حذيفة عن مصعب، قال:
كان أوّل أزواج سكينة عبد اللّه بن الحسن بن عليّ، قتل عنها ولم تلد له. وخلف عليها مصعب، فولدت له جارية [2]. ثم خلف عليها عبد اللّه بن عثمان بن عبد اللّه بن حكيم بن حزام، فنشزت عليه، فطلقها. ثم خلف عليها الأصبغ بن عبد العزيز فأصدقها صداقا كثيرا. فقال الشاعر:
نكحت سكينة بالحساب ثلاثة ... فإذا دخلت بها فأنت الرابع
إن البقيع إذا تتابع زرعه ... خاب البقيع وخاب فيه الزارع
وبلغ ذلك عبد الملك بن مروان فغضب، وقال: أما تزوّجنا أحسابنا حتى تزوّجنا أموالنا! فطلّقها. فطلقها فخلف عليها العثماني، وشرطت عليه ألّا يطلقها [3]، ولا يمنعها شيئا تريده، وأن يقيمها حيث خلّتها أم منظور، ولا يخالفها في
__________
[1] طاروقي: كذا في جميع الأصول، ولم نعثر على شرحه في «المعاجم» اللغوية.
[2] ف، مب: كان أول أزواج سكينة عبد اللّه بن الحسن بن علي، وخلف عليها مصعب بن الزبير، قتل عنها ولم تلد له.
[3] ف: مب: ألا يغيرها، أي يجعلها تغار، باتخاذ الإماء ونحو ذلك.
أمر تريده. فكانت تقول له: يابن عثمان اخرج بنا إلى مكة. فإذا خرج بها فسارت يوما أو يومين،/ قالت: ارجع بنا إلى المدينة. فإذا رجع يومه ذاك، قالت: اخرج بنا إلى مكة. فقال له سليمان بن عبد الملك: أعلم أنك قد شرطت لها شروطا لم تف بها، فطلقها. فطلقها. فخلف عليها إبراهيم بن عبد الرّحمن بن عوف، فكره ذلك أهلها، وخاصموه إلى هشام بن إسماعيل. فبعث إليها يخيرها. فجاء إبراهيم بن عبد الرّحمن من حيث تسمع كلامه، فقال لها: جعلت فداءك، قد خيرتك فاختاريني. فقالت [1]: قلت ماذا بأبي، تهزأ به. فعرف ذلك [1]، فانصرف.
وخيروها، فقالت: لا أريده.
قال: وماتت فصلى عليها شيبة بن نصاح [2].
وأما ابن الكلبي فذكر فيما أخبرنا به الجوهريّ، عن عمر بن شبة، عن عبد اللّه بن محمد بن حكيم، عنه:
أن أوّل أزواجها الأصبغ، ومات ولم يرها، ثم زيد بن عمرو العثماني، قال: وولدت له ابنة عثمان الذي يقال له قرين، ثم الحزامي، ثم خلف عليها مصعب، فولدت له جارية، ثم خلف عليها إبراهيم بن عبد الرّحمن بن عوف ولم يدخل بها.
قال عمر بن شبة: وحدّثني محمد بن يحيى قال:
تزوّج مصعب سكينة وهو يومئذ بالبصرة، عامل لأخيه عبد اللّه بن الزبير، وكان بين مصعب وبين أخيه رسول يقال له أبو السّلّاس، وهو الذي جاء بنعيه، فقال ابن قيس فيه:
قد أتانا بما كرهنا أبو السلّا ... س كانت بنفسه الأوجاع
/ وفي هذا الشعر غناء قد ذكر في موضعه. وهذا غلط من محمد بن يحيى، ليست قصة أبي السلاس مع مصعب، وإنما هي مع ابن جعفر.
قال محمد بن يحيى: ولما تزوج مصعب سكينة على ألف ألف، كتب عبد اللّه بن همام على يد أبي السلاس إلى عبد اللّه بن الزبير:
أبلغ أمير المؤمنين رسالة ... من ناصح لك لا يريد خداعا
بضع الفتاة بألف ألف كامل ... وتبيت سادات الجنود جياعا
لو لأبي حفص أقول مقالتي ... وأبث ما أبثثتكم لارتاعا
قال: وكان ابن الزبير قد أوصاه ألا يعطيه أحد كتابا إلا جاء به، فلما أتاه بهذا الكتاب قال:/ صدق واللّه، لو يقول هذه المقالة لأبي حفص لارتاع من تزويج امرأة على ألف ألف درهم. ثم قال: إن مصعبا لما وليته البصرة أغمد سيفه، وسل أيره، وعزله عن البصرة، وأمره أن يجيء على ذات الجيش، وقال: إني لأرجو أن يخسف اللّه بك فيها. فبلغ عبد الملك بن مروان قول عبد اللّه في مصعب، فقال: لكن عبد اللّه واللّه أغمد سيفه وأيره وخيره.
__________
(1 - 1) العبارة عن ف، مب وكتاب («المفردات» ص 66).
[2] كذا في ف، مب. وفي الأصول: النطاح. وهو شيبة بن نصاح مولى أم سلمة، المدني القاضي القارى ء. توفي سنة ثلاثين ومئة.
(عن «خلاصة الخزرجي»).
مغاضبة زيد عمرو العثماني لسكينة
قال ابن زيد أخبرني محمد بن يحيى عن ابن شهاب الزهريّ قال:
ذكر أن زيد: بن عمرو بن عثمان العثماني خرج إلى مال له مغاضبا لسكينة، وعمر بن عبد العزيز يومئذ والي المدينة، فأقام سبعة أشهر، فاستعدته سكينة على زيد، وذكرت غيبته مع ولائده سبعة أشهر، وأنها شرطت عليه أنه إن مس امرأة، أو حال بينها وبين شيء من ماله، أو منعها مخرجا تريده، فهي خلية [1]، فبعث إليه عمر فأحضره، وأمر ابن حزم أن ينظر بينهما.
/ قال: حدّثني أبو بكر بن عبد اللّه، قال: بعثني عمر، وبعث معي محمد بن معقل بن يسار الأشجعي، إلى ابن حزم، وقال: اشهدا قضاءه، فدخلنا عليه وعنده زيد جالس، وفاطمة امرأة ابن حزم في الحجلة [2] جالسة، وجاءت سكينة، فقال ابن حزم: أدخلوها وحدها. فقالت: واللّه لا أدخل إلا ومعي ولائدي، فأدخلن معها، فلما دخلت قالت: يا جارية اثني لي هذه الوسادة. ففعلت، وجلست عليها، ولصق زيد بالسرير، حتى كان يدخل في جوفه خوفا منها. فقال لها ابن حزم: يابنة الحسين، إن اللّه عزوجل يحب القصد في كل شيء، فقالت له: وما أنكرت مني، إني وإياك واللّه كالذي يرى الشعرة في عين صاحبه، ولا يرى الخشبة في عينه. فقال لها: أما واللّه لو كنت رجلا لسطوت بك. فقالت له: يابن فرتنى ألا تزال لتوعدني؟ وشتمته وشتمها. فلما بلغا ذلك قال ابن أبي الجهم العدوي: ما بهذا أمرنا، فأمض الحكم ولا تشاتم. فقالت لمولاة لها: من هذا؟ قالت: أبو بكر بن عبد اللّه بن أبي الجهم. فقالت: لا أراك [3] ههنا وأنا أشتم بحضرتك. ثم هتفت برجال قريش، وحضت ابن أبي الجهم، وقالت: أما واللّه لو كان أصحاب الحرّة أحياء لقتلوا هذا العبد اليهودي عند شتمه إياي، أي عدوّ اللّه، تشتمني وأبوك الخارج مع يهود صبابة بدينهم لما أخرجهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى أريحاء، يابن فرتنى. قال: وشتمها وشتمته.
قال: ثم أحضرنا زيدا، فكلمها وخضع لها، فقالت: ما أعرفني بك يا زيد، واللّه لا تراني أبدا، أتراك تمكث مع جواريك سبعة أشهر لا تقربهن؟ املأ عينك/ الآن مني، فإنك لا تراني [4] بعد الليلة أبدا، وجعلت تردد هذا القول ومثله، فكلما تكلمت ترفث [5] لابن حزم وامرأته في الحجلة، وهو يقلق لسماع امرأته ذلك فيه. ثم حكم بينهما بأن سكينة إن جاءت ببينة على ما ادّعته، وإلا فاليمين على زيد. فقامت وقالت لزيد، يابن عثمان: تزوّد مني بنظرة، فإنك واللّه لا تراني بعد الليلة أبدا، وابن حزم صامت. ثم خرجنا وجئنا إلى عمر بن عبد العزيز وهو ينتظرنا في وسط الدار في ليلة شاتية، فسألنا عن الخبر، فأخبرناه، فجعل يضحك حتى أمسك بطنه، ثم دعا زيدا من غد، فأحلفه وردّ سكينة عليه.
__________
[1] خلية: كتابة عن مطلقة.
[2] الحجلة: مقصورة تجلس فيها النساء، وتزين بالثياب والستور.
[3] ف، مب: ألا أراك ... الخ.
[4] كذا في ف. وفي مب. سبعة أشهر ثم تطمع في، إملأ عينيك الآن مني فإنك لن تراني. وفي بقية الأصول: سبعة أشهر ثم أعود إليك. واللّه لا تراني.
[5] كذا في ف، أي تفحش في القول. وفي بقية الأصول: برقت.
أرادت سكينة أن تحدث في الدار خبرا يتحدث به الناس
وأخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال: حدّثني الزبير بن بكار عن عمه قال:
قالت سكينة لأم أشعب: سمعت للناس خبرا؟ قالت: لا، فبعثت إلى إبراهيم بن عبد الرّحمن بن عوف فتزوّجته، وبلغ ذلك بني هاشم/ فأنكروه، وحملوا العصيّ، وجاءوا فقاتلوا بني زهرة حتى كثر الشّجاج، ثم فرّق بينهم، وخيرت سكينة فأبت نكاح إبراهيم، ثم التفتت إلى أم أشعب وقالت: أترين الآن أنه كان للناس اليوم خبر؟
قالت: إي واللّه - بأبي أنت - وأي خبر [1].
قال هارون بن الزيات: وجدت في كتاب القاسم بن يوسف: حدّثني الهيثم بن عديّ، عن أشعب، قال:
كان زوجها زيد بن عمرو بن عثمان شديد البخل
تزوّج زيد بن عمرو بن عثمان بن عفان سكينة، وكان أبخل قرشيّ رأيته، فخرج حاجا وخرجت سكينة معه، فلم تدع إوزة ولا دجاجة ولا خبيصا ولا فاكهة/ إلا حملته معها، وأعطتني مائة دينار، وقالت [2]: يابن أم حميدة، اخرج معنا [2]. فخرجت ومعنا طعام على خمسة أجمال، فلما أتينا السّيالة نزلنا، وأمرت بالطعام أن يقدم، فلما جيء بالأطباق، أقبل أغيلمة من الأنصار يسلمون على زيد، فلما رآهم قال: أوّه. خاصرتي. باسم اللّه، ارفعوا الطعام، وهاتوا الترياق والماء الحار، فأتي به فجعل يتوجّرهما [3] حتى انصرفوا، ورحلنا وقد هلكت جوعا، فلم آكل إلا مما اشتريته من السّويق [4]. فلما كان من الغد أصبحت وبي من الجوع ما اللّه أعلم به، ودعا بالطعام وأتي به. قال: فأمر بإسخانه، وجاءته مشيخة من قريش يسلمون عليه، فلما رآهم اعتل بالخاصرة، ودعا بالتّرياق والماء الحار، فتوجّره ورفع الطعام، فلما ذهبوا أمر بإعادته، فأتي به وقد برد، فقال لي: يا أشعب، هل إلى إسخان هذا الدجاج سبيل؟ فقلت له أخبرني عن دجاجك هذا؟ أمن آل فرعون، فهو يعرض على النار غدوّا وعشيا.
كانت سكينة تبغض أهل الكوفة
أخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن عمار قال: حدّثنا سليمان بن أبي شيخ، عن محمد بن الحكم، عن عوانة، قال:
جاء قوم من أهل الكوفة يسلمون على سكينة فقالت لهم: اللّه يعلم أني أبغضكم: قتلتم جدي عليا، وأبي الحسين، وأخي عليا، وزوجي مصعبا، فبأيّ وجه تلقونني، أيتمتموني صغيرة، وأرملتموني كبيرة.
حرص سكينة على معرفة أخبار الناس
أخبرني الحسن بن علي عن أحمد بن زهير عن المدائني قال: بينما سكينة ذات ليلة تسير، إذ سمعت حاديا يحدو في الليل يقول:
لولا ثلاث هنّ عيش الدهر
فقالت لقائد قطارها. ألحق بنا هذا الرجل، حتى نسمع منه ما هذه الثلاث. فطال طلبه لذلك حتى أتعبها. فقالت
__________
[1] كذا في ف، مب. وفي الأصول: بلى، بأبي أنت وأمي.
(2 - 2) العبارة عن ف، مب.
[3] توجر الدواء: صبه في حلقه شيئا بعد شيء.
[4] كذا في ف، مب. وفي بقية الأصول: السوق.
لغلام لها: سر أنت حتى تسمع منه، فرجع إليها فقال: سمعته يقول:
الماء والنوم وأم عمرو
فقالت: قبحه اللّه! أتعبني منذ الليلة.
حج أشعب مع سكينة
قال: وحدّثني المدائني أن أشعب حج مع سكينة، فأمرت له بجمل قويّ يحمل أثقاله، فأعطاه القيّم جملا ضعيفا، فلما جاء إلى سكينة قالت له: أعطوك ما أردت؟ قال: عرسه الطلاق، لو أنه حمل قتبا على الجمل لما حمله، فكيف يحمل محملا [1].
كانت ترمي الجمار فرمت خاتمها بدل حصاة سقطت منها
أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال: حدّثنا عمر بن شبة، عن نعيم بن سالم بن عليّ الأنصاريّ، عن سفيان بن حرب، قال:
رأيت سكينة بنت الحسين عليه السّلام ترمي الجمار، فسقطت من يدها الحصاة السابعة، فرمت بخاتمها مكانها.
استبدلت بمالها في الزوراء قصرا بلزق الجماء أعجبها حسنه
وقال هارون بن الزيات: حدّثني أبو حذافة السهميّ قال: أخبرني غير واحد، منهم محمد بن طلحة:
/ أن سكينة ناقلت بمالها بالزوراء، إلى قصر يقال له البريديّ [2] بلزق الجماء، فلما سال العقيق، خرجت ومعها جواريها تمشي، حتى جاءت السيل، فجلست على جرفه، ومالت برجليها في السيل، ثم قالت: هذا في است المغبون [3]. واللّه لهذه الساعة من هذا القصر خير من الزوراء. قال [4]: وكان البريديّ قصرا لا غلة له، وإنما يتنزه فيه، وكانت غلة الزوراء غلة وافرة عظيمة [4].
خرجت بها سلعة فأجريت لها جراحة
وقال/ هارون: وحدّثني علي بن محمد النوفليّ عن أبيه، وعمه وغيرهما من مشايخ الهاشميين والطالبيين:
أن سكينة بنت الحسين عليه السّلام، خرجت بها سلعة [5] في أسفل عينها، فكبرت حتى أخذت وجهها وعينها، وعظم شأنها، وكان بدراقس منقطعا إليها في خدمتها، فقالت له: ألا ترى ما قد وقعت فيه؟ فقال: لها أتصبرين على ما يمسّك من الألم حتى أعالجك؟ قالت: نعم. فأضجعها، وشق جلد وجهها حتى ظهرت السّلعة، ثم كشط الجلد عنها أجمع، وسلخ اللحم من تحتها حتى ظهرت عروق السلعة، وكان منها شيء تحت الحدقة،
__________
[1] ف، مب: فقال لها: امرأته الطلاق، لو أنه حمل قتب على الجمل ما حمله، فكيف يحمل حملا. وقوله «عرسه الطلاق» يريد أنها طالق، فعبر بالمصدر بذل الصفة.
[2] ف، مب: الزينبي.
[3] ف: الميت واللّه المغبون. والعبارة غامضة.
(4 - 4) العبارة عن ف، مب.
[5] السلعة: ورم كالخراج يحدث في أي موضع في الجسم، يكون حجمه أولا كالحمصة، ثم يكبر إلى حجم البطيخة.
فرفع الحدقة عنه، حتى جعلها ناحية، ثم سل عروق السلعة من تحتها. فأخرجها أجمع، ورد العين إلى موضعها، وعالجها وسكينة مضطجعة لا تتحرك ولا تئن، حتى فرغ مما أراد، فزال ذلك عنها، وبرئت منها، وبقي أثر تلك الجراحة في مؤخر عينها، فكان أحسن شيء في وجهها، وكان أحسن على وجهها من كل حلي وزينة، ولم يؤثر ذلك في نظرها، ولا في عينها.
نقدها شعر جماعة من الشعراء ثم إجازتهم
أخبرني الحسن بن علي قال: حدّثنا محمد بن القاسم بن مهرويه، قال: أخبرني عيسى بن إسماعيل، عن محمد بن سلام، عن جرير المديني، عن المدائني. وأخبرني به محمد بن أبي الأزهر، قال: حدّثنا حماد بن إسحاق، عن أبيه، عن محمد بن سلام. وأخبرني به أحمد بن عبد العزيز الجوهري، عن عمر بن شبة موقوفا عليه، قالوا:
اجتمع في ضيافة سكينة بنت الحسين عليه السّلام، جرير والفرزدق وكثيّر وجميل ونصيب، فمكثوا أياما، ثم أذنت لهم، فدخلوا عليها، فقعدت حيث تراهم ولا يرونها، وتسمع كلامهم، ثم أخرجت وصيفة لها وضيئة وقد روت الأشعار والأحاديث، فقالت: أيكم الفرزدق؟ فقال لها: هأنذا. فقالت: أنت القائل:
هما دلّتاني من ثمانين قامة ... كما انحط باز أقتم الريش كاسره
فلما استوت رجلاي بالأرض قالتا ... أحي يرجّى أم قتيل نحاذره
فقلت ارفعوا الأمراس لا يشعروا بنا ... وأقبلت في أعجاز ليل أبادره
أبادر بوابين قد وكّلا بنا ... وأحمر [1] من ساج تبصّ مسامره
قال: نعم. قالت: فما دعاك إلى إفشاء سرها وسرك؟ هلّا سترتها وسترت نفسك [2]؟ خذ هذه الألف، والحق بأهلك.
ثم دخلت على مولاتها وخرجت، فقالت: أيكم جرير؟ فقال لها: هأنذا. فقالت: أنت القائل:
طرقتك صائدة القلوب وليس ذا ... حين الزيارة فارجعي بسلام
تجرى السواك على أغرّ كأنه ... برد تحدر من متون غمام
/ لو كان عهدك كالذي حدثتنا ... لو صلت ذاك فكان غير رمام [3]
إني أواصل من أردت وصاله ... بحبال لا صلف ولا لوّام
قال: نعم. قالت: أفلا أخذت بيدها، ورحبت بها، وقلت لها ما يقال لمثلها؟ أنت عفيف وفيك ضعف. خذ هذه الألف والحق بأهلك. ثم دخلت على مولاتها وخرجت، فقالت: أيكم كثيّر؟ فقال: هأنذا. فقالت: أنت القائل:
وأعجبني يا عزّ منك خلائق ... كرام إذا عدّ الخلائق أربع
__________
[1] مب: وأسمر. وفي «الديوان» (1: 255 - 262) خلاف في ترتيب الأبيات وبعض الكلم.
[2] كذا في ف. وفي بقية الأصول: هلا سترت عليك وعليها.
[3] رمام: كذا في ف، مب. يريد المتقطع. وفي بقية الأصول: لمام.
/
دنّوك حتى يطمع الطالب الصّبا ... ودفعك أسباب الهوى حين يطمع [1]
وقطعك أسباب الكريم ووصلك ال ... - لئيم وخلّات المكارم ترفع [2]
فو اللّه ما يدري كريم مماطل ... أينساك إذا باعدت أم يتضرع [3]
قال: نعم. قالت: ملّحت وشكّلت. خذ هذه الثلاثة الآلاف، والحق بأهلك.
ثم دخلت إلى مولاتها وخرجت فقالت: أيكم نصيب؟ قال: هأنذا. قالت: أأنت القائل:
ولولا أن يقال صبا نصيب ... لقلت بنفسي النّشأ الصّغار
بنفسي كل مهضوم حشاها ... إذا ظلمت فليس لها انتصار
قال: نعم. قالت: ربيتنا صغارا، ومدحتنا كبارا. خذ هذه الأربعة الآلاف، والحق بأهلك.
/ ثم دخلت على مولاتها وخرجت، فقالت: يا جميل، مولاتي تقرئك السّلام، وتقول لك: واللّه ما زلت مشتاقة لرؤيتك منذ سمعت قولك:
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة ... بوادي القرى إني إذا لسعيد
لكل حديث بينهن بشاشة ... وكلّ قتيل عندهن شهيد
جعلت حديثنا بشاشة، وقتلانا شهداء، خذ هذه الأربعة الآلاف [4] الدينار، والحق بأهلك.
تحكيم الرواة إياها في شعر الشعراء
أخبرني ابن أبي الأزهر قال: حدّثنا حماد عن أبيه، عن أبي عبد اللّه الزبيريّ، قال:
اجتمع بالمدينة راوية جرير وراوية كثير ورواية جميل وراوية نصيب وراوية الأحوص، فافتخر كل واحد منهم بصاحبه، وقال: صاحبي أشعر. فحكموا سكينة بنت الحسين بن عليّ عليهما السّلام، لما يعرفونه من عقلها وبصرها بالشعر، فخرجوا يتقادون [5]، حتى استأذنوا عليها، فأذنت لهم، فذكروا لها الذي كان من أمرهم، فقالت لراوية جرير: أليس صاحبك الذي يقول:
طرقتك صائدة القلوب وليس ذا ... حين [6] الزيارة فارجعي بسلام
وأيّ ساعة أحلى للزيارة من الطروق، قبح اللّه صاحبك، وقبح شعره! ألا قال: فادخلي بسلام! / ثم قالت لراوية كثيّر: أليس صاحبك الذي يقول:
__________
[1] كذا روي البيت في ف، مب. وفي بقية الأصول:
دنوّك حتى يدفع الجاهل الصبا ... ورفعك أسباب المنى حتى يطمع
[2] البيت عن ف وحدها.
[3] أم يتضرع: كذا في ف، مب. وفي بقية الأصول: أو يتصدع.
[4] كذا في مب. وفي بقية الأصول: هذه الألف الدينار.
[5] يتقادون: كذا في ف، مب. أي يتبارون في التفاخر بأصحابهم. وفي الأصول: يتهادون. يريد: يتهادون الشعر، أي يفخر به بعضهم على بعض. (انظر «اللسان»: قدا).
[6] حين: كذا في ف، مب. وفي بقية الأصول و «الديوان»: وقت.
يقرّ بعيني ما يقرّ بعينها ... وأحسن شيء ما به العين قرّت
فليس شيء أقرّ لعينها من النكاح، أفيحب صاحبك أن ينكح؟ قبح اللّه صاحبك، وقبح شعره! ثم قالت لراوية جميل: أليس صاحبك الذي يقول:
فلو تركت عقلي معي ما طلبتها ... ولكن طلابيها لما فات من عقلي
فما أرى بصاحبك من هوى، إنما يطلب عقله، قبح اللّه صاحبك وقبح شعره! ثم قالت لراوية نصيب: أليس صاحبك الذي يقول:
أهيم بدعد ما حييت فإن أمت ... فيا حربا [1] من ذا يهيم بها بعدي
فما أرى له همة إلّا من يتعشقها بعده! قبحه اللّه وقبح شعره! ألا قال:
أهيم بدعد ما حييت فإن أمت ... فلا صلحت دعد لذي خلّة بعدي
ثم قالت لراوية الأحوص: أليس صاحبك الذي يقول:
من عاشقين تواعدا وتراسلا [2] ... ليلا إذا نجم الثريا حلّقا
/ باتا بأنعم ليلة وألذها ... حتى إذا وضح الصباح تفرّقا
قال: نعم، قالت: قبحه اللّه وقبح شعره! ألا قال: تعانقا.
قال إسحاق في خبره: فلم تثن على أحد منهم في ذلك اليوم، ولم تقدّمه.
قال: وذكر لي الهيثم بن عديّ مثل ذلك في جميعهم إلا جميلا، فإنه خالف هذه الرواية، وقال: فقالت، لراوية جميل: أليس صاحبك الذي يقول:
فياليتني أعمى أصمّ تقودني ... بثينة لا يخفى علي كلامها
/ قال: نعم. قالت: رحم اللّه صاحبك كان صادقا في شعره، كان جميلا كاسمه، فحكمت له.
وفي الأشعار المذكورة في الأخبار أغان تذكرها هنا نسبتها.
فمنها:
صوت
هما دلتاني من ثمانين قامة ... كما انقض باز أقتم [3] الريش كاسره
فلما استوت رجلاي بالأرض قالتا ... أحيّ يرجّى أم قتيل نحاذره
عروضه الطويل. الشعر للفرزدق، والغناء للحجبيّ، رمل بالبنصر عن الهشاميّ وحبش [4].
__________
[1] كذا في ف، وفي بقية الأصول: فواحزنا.
[2] كذا في ف، مب. وفي بقية الأصول: تراسلا وتواعدا.
[3] كذا في ف، مب. وفي بقية الأصول: أفتخ.
[4] كذا في ف، مب. وفي بقية الأصول: الهشامي ويونس.
شعر للفرزدق في غلامه وقاع
وأخبرني: أبو خليفة في كتابه إليّ قال: حدّثنا محمد بن سلام عن يونس، وحدّثنا به اليزيديّ قال: حدّثنا أحمد بن زهير قال: حدّثنا محمد بن سلام عن يونس قال:
كان للفرزدق غلامان، يقال لأحدهما وقّاع، وللآخر زنقطة. قال: ولوقّاع يقول الفرزدق:
تغلغل وقّاع إليها فأقبلت ... تخوض خداريا من الليل أخضرا [1]
لطيف إذا ما انغلّ أدرك ما ابتغى ... إذا هو للظبي المروع تقتّرا [2]
/و له يقول أيضا:
فأبلغهنّ وحي القول عني ... وأدخل رأسه تحت القرام
أسيّد ذو خريّطة نهارا ... من المتلقّطي قرد القمام [3]
فقلن له نواعدك الثريا ... وذاك إليه مجتمع الرّجام
صوت
[4]
ثلاث واثنتان فهن خمس ... وسادسة تميل مع السّنام
خرجن إليّ لم يطمثن قبلي ... فهن أصح من بيض النعام
فبتن بجانبيّ مصرّعات ... وبت أفضّ أغلاق الختام [5]
في هذه الأبيات الثلاثة لابن جامع، خفيف رمل بالبنصر عن الهشاميّ، وفيها هزج يمان بالوسطى عن عمرو بن بانة.
وذكر حبش أن الهزج لفليح، وأن لحن ابن جامع ثاني ثقيل بالوسطى.
شعر للفرزدق وهو بالمدينة
أخبرني أبو خليفة قال: حدّثنا محمد بن سلام، قال: قال الفرزدق وهو بالمدينة:
هما دلتاني من ثمانين قامة ... كما انقض باز أقتم الريش كاسره
فلما استوت رجلاي بالأرض قالتا ... أحيّ يرجّى أم قتيل نحاذره
فقلت ارفعوا الأسباب لا يفطنوا بنا ... ووليت في أعجاز ليل أبادره [6]
أبادر بوابين قد وكّلا بنا ... وأحمر من ساج تبص مسامره
__________
[1] خداريا: كذا في ف، مب، أي مظلما. وفي الأصول: صلابيا.
[2] انغل: دخل. وفي «الديوان»: انسل. وتقتر: تهيأ وتلطف. وفي «الديوان» (2: 427): للطن ء. المخوف تقترا. والطن ء: الريبة.
[3] البيت عن ف، مب.
[4] كلمة (صوت): عن مب وحدها.
[5] البيت عن ف، مب.
[6] البيت عن ف، مب.
وأصبحت في القوم الجلوس وأصبحت ... مغلّقة دوني عليها دساكره [1]
/قال: فأنكرت ذلك قريش عليه، وأزعجه مروان عن المدينة وهو واليها لمعاوية، وأجّله ثلاثة أيام، فقال:
يا مرو إنّ مطيتي محبوسة ... ترجو الحباء [2] وربها لم ييأس
وأتيتني بصحيفة مختومة ... أخشى عليّ بها حباء النّقرس
/ ألق الصحيفة يا فرزدق لا تكن ... نكداء مثل صحيفة المتلمس [3]
وقال في ذلك:
وأخرجني وأجّلني ثلاثا ... كما وعدت لمهلكها ثمود
وذكر ذلك جرير في مناقضته إياه، فقال:
وشبهت نفسك أشقى ثمود ... فقالوا ضللت ولم تهتد
يعني تأجيل مروان له ثلاثا. وقال فيه أيضا جرير:
تدليت تزني من ثمانين قامة ... وقصّرت عن باع العلا والمكارم
وهما قصيدتان.
الفرزدق ينشد سليمان من أشعاره
أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال: حدّثنا عمر بن شبة قال: قال سليمان بن عبد الملك للفرزدق: أنشدني أجود شعر قلته، فأنشده قوله:
عزفت بأعشاش وما كدت تعزف ... وأنكرت من حدراء ما كنت تعرف
/ فقال له: زدني. فأنشده قوله:
ثلاث واثنتان فهن خمس ... وسادسة تميل إلى الشمام [4]
فقال له سليمان: ما أظنك إلا قد أحللت بنفسك العقوبة؛ أقررت بالزنا عندي وأنا إمام، ولا بد لي من إقامة الحد عليك. قال: إن أخذت فيّ بقول اللّه عزوجل لم تفعل. قال: وما قال اللّه عزوجل؟ قال: قال: وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ. أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ. وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ
[5]. فضحك سليمان، وقال: تلافيتها ودرأت عن نفسك، وأمر له بجائزة سنية، وخلع عليه.
__________
[1] البيت عن ف، مب.
[2] الحباء: كذا في مب. وفي بقية الأصول: الغناء.
[3] كذا روي الشطر الثاني في ف، مب. وفي بقية الأصول:
في الصحف مثل صحيفة المتلمس
[4] كذا في ف، مب. وفي الأصول: مع السنام، وقد مرت.
[5] سورة الشعراء آية: 224 - 226.
حادث للفرزدق يخشى أن يعيره به جرير
أخبرني هاشم [1] بن محمد قال: حدثنا أبو غسان دماذ؛ عن أبي عبيدة، قال:
نزل الفرزدق هو ومن معه بقوم من العرب، فأنزلوه وأكرموه، وأحسنوا قراه، فلما كان في الليل دبّ إلى جارية منهم، فراودها عن نفسها، فصاحت، فتبادر القوم إليها، فأخذوها من يده وأنبوه، فجعل يفكر واهتم، فقال له الرجل الذي نزل به: مالك؟ أتحب أن أزوجك من هذه الجارية. فقال: لا، واللّه. ما ذلك بي، ولكني كأني بابن المراغة قد بلغه هذا الخبر، فقال فيّ:
وكنت إذا حللت بدار قوم ... رحلت [2] بخزية وتركت عارا
فقال له الرجل: لعله لا يفطن لهذا. فقال: عسى أن يكون ذلك. قال: فو اللّه ما لبثوا [3] أن مر بهم راكب ينشد هذا البيت، فسألوه عنه، فأنشدهم قصيدة لجرير بعيره بذلك الفعل، وفيها هذا البيت بعينه.
/ ومنها:
صوت
(من شعر جرير)
طرقتك صائدة القلوب وليس ذا ... حين [4] الزيارة فارجعي بسلام
تجري السواك على أغرّ كأنه ... برد تحدّر من متون غمام
هيهات منزلنا بجوّ سويقة ... ممن يحلّ بواطن الآجام [5]
إقر السّلام على سعاد وقل لها ... لوما [6] تردّ رسولنا بسلام
الشعر لجرير. والغناء لابن سريج: ثاني ثقيل بالسبابة في مجرى البنصر عن ابن المكي. وذكره إسحاق في هذه الطريقة أيضا ولم ينسبه إلى أحد، وأظنه من منحول يحيى. وذكره عمرو/ بن بانة أيضا لابن سريج في الثاني والرابع في هذه الطريقة، وذكر عليّ بن يحيى أن فيه لابن سريج ثقيل أول في الثاني والثالث، وأنكر ذلك حبش [7]، وقال:
هو بالوسطى. قال عليّ بن يحيى: ومن الناس من ينسبه إلى سياط. وذكر حبش أن فيه للهذليّ خفيف ثقيل بالبنصر، وللغريض [8] ثاني ثقيل بالوسطى. ومنها [8]:
__________
[1] كذا في ف، مب. وفي الأصول: هشام.
[2] ف: ظعنت.
[3] كذا في ف. وفي الأصول: ما بعد.
[4] كذا في ف، مب. وفي الأصول: وقت الزيارة.
[5] ف، مب: منزلنا بجزع برام. والآجام: كذا في مب. وفي ف: الأجمام. وفي بقية الأصول: الأحلام، وهو تحريف.
[6] لوما: كذا في مب. وفي بقية الأصول: يوما.
[7] ف، مب: ووافقه حبش.
(8 - 8) العبارة عن ف، مب.
صوت
من عاشقين تراسلا وتواعدا ... بلقا إذا نجم الثريا حلّقا [1]
بعثا أمامهما مخافة رقبة ... رصدا فمزّق عنهما ما مزّقا
باتا بأنعم ليلة وألذها ... حتى إذا وضح [2] الصباح تفرقا
الشعر للأحوص. والغناء لمعبد، خفيف ثقيل أول بالبنصر، عن يونس والهشامي.
رجع الحديث إلى أخبار سكينة
سكينة تسأل الفرزدق من أشعر الناس
وروى أحمد بن الحارث الخراز، عن المدائنيّ، عن أبي يعقوب الثقفيّ، عن عامر الشعبيّ؛ وذكر أيضا أبو عبيدة معمر بن المثنى:
أن الفرزدق خرج حاجا، فلما قضى حجه خرج إلى المدينة، فدخل على سكينة بنت الحسين عليه السّلام مسلما، فقالت له: يا فرزدق، من أشعر الناس؟ قال: أنا. قالت: كذبت. أشعر منك الذي يقول:
بنفسي من تجنّبه عزيز ... عليّ ومن زيارته لمام
ومن أمسي وأصبح لا أراه ... ويطرقني إذا هجع النّيام
قال: واللّه لئن أذنت لي لأسمعنك أحسن منه. قالت: أقيموه، فأخرج [3]. ثم عاد إليها من الغد، فدخل عليها، فقالت: يا فرزدق، من أشعر الناس؟ قال: أنا. قالت: كذبت. صاحبك أشعر منك حيث يقول:
لولا الحياء لعادني استعبار [4] ... ولزرت قبرك والحبيب يزار
كانت إذا هجر الضجيع فراشها ... كتم الحديث وعفّت الأسرار
لا يلبث القرناء أن يتفرقوا ... ليل يكرّ عليهم ونهار
فقال: واللّه لئن أذنت لي لأسمعنك أحسن منه. فأمرت به فأخرج؛ ثم عاد إليها في اليوم الثالث، وحولها مولّدات كأنهن التماثيل، فنظر الفرزدق إلى واحدة منهن، فأعجب بها. فقالت: يا فرزدق، من أشعر الناس؟ فقال: أنا.
فقالت: كذبت صاحبك أشعر منك حيث يقول:
/إن العيون التي في طرفها مرض ... قتلننا ثم لم يحيين قتلانا
__________
[1] تراسلا وتواعدا: كذا في ف. وفي مب: تواعدا وتراسلا. وفي بقية الأصول: تزايلا وتواعدا. وفي ف: ملثا، في موضع: بلقا.
[2] وضح: كذا في ف، مب. وفي بقية الأصول: برق.
[3] كذا في ف، مب. وفي الأصول: قالت: لا أحب، فاخرج عني.
[4] كذا في ف، مب. وفي الأصول: لهاجني استعبار.
يصر عن ذا اللب حتى لا حراك به ... وهن أضعف خلق اللّه أركانا
فقال: يا بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، إن لي عليك حقا عظيما. ضربت إليك من مكة أريد التسليم عليك، فكان في دخولي إليك تكذيبي ومنعك إياي أن أسمعك [1]، وبي ما قد عيل معه صبري، وهذه المنايا تغدو وتروح، ولعلي لا أفارق المدينة حتى أموت، فإن/ أنا مت فمري أن أدرج في كفني، وأدفن في حر تلك الجارية، يعني الجارية التي أعجبته، فضحكت سكينة، وأمرت له بالجارية، فخرج بها آخذا بريطتها، وأمرت الجواري أن يدفعن في أقفائهما، ثم قالت:
يا فرزدق، أحسن صحبتها، فإني آثرتك بها على نفسي.
موت سكينة والصلاة عليها
أخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن عمار، وأحمد بن عبد اللّه العزيز الجوهريّ، قالا: حدّثنا عليّ بن محمد النوفليّ [2]، قال: حدثني أبي عن أبيه وعمومته وجماعة من شيوخ بني هاشم:
أنه لم يصلّ على أحد بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بغير إمام إلا سكينة بنت الحسين عليه السلام، فإنها ماتت وعلى المدينة خالد بن عبد الملك، فأرسلوا إليه، فآذنوه بالجنازة، وذلك في أول النهار في حر شديد، فأرسل إليهم: لا تحدثوا حدثا حتى أجيء فأصلي عليها، فوضع النعش في موضع المصلّى على الجنائز، وجلسوا ينتظرونه حتى جاءت الظهر، فأرسلوا إليه، فقال: لا تحدثوا فيها شيئا حتى أجيء، فجاءت العصر، ثم لم يزالوا ينتظرونه حتى صليت العشاء، كل ذلك يرسلون إليه،/ فلا يأذن لهم حتى صليت العتمة ولم يجيء، ومكث الناس جلوسا حتى غلبهم النعاس، فقاموا فأقبلوا يصلون عليها جمعا جمعا وينصرفون، فقال عليّ بن الحسين عليه السلام: من أعان بطيب رحمه اللّه! قال: وإنما أراد خالد بن عبد الملك، فيما ظن قوم، أن تنتن. قال: فأتي بالمجامر، فوضعت حول النعش، ونهض ابن أختها محمد بن عبد اللّه العثماني، فأتى عطّارا كان يعرف عنده عودا، فاشتراه منه بأربعمائة دينار، ثم أتى به، فسجر حول السرير، حتى أصبح وقد فرغ منه، فلما صلّيت الصبح أرسل إليهم: صلوا عليها وادفنوها. فصلى عليها شيبة ب نصاح [3].
وذكر يحيى بن الحسين في خبره: أن عبد اللّه بن حسن هو الذي ابتاع لها العود بأربعمائة دينار.
صوت
وأنا الأخضر من يعرفني ... أخضر الجلدة من [4] بيت العرب
من يساجلني يساجل ماجدا ... يملأالدلو إلى عقد الكرب [5]
إنما عبد مناف جوهر ... زيّن الجوهر عبد المطلب
__________
[1] كذا في ف، مب. وفي بقية الأصول: فكأن جزائي منك تكذيبي ومنعي من أن أسمعك.
[2] كذا في ف، وفي مب: محمد النوفلي: وفي الأصول: أحمد بن علي النوفليّ.
[3] شيبة بن نصاح، بكسر النون: مولى أم سلمة، المدني القاضي القارىء (ت. 13).
[4] كذا في ف، مب. وفي الأصول: في بيت.
[5] ف: إلى حدّ الكرب.
كل قوم صيغة من فضة ... وبنو عبد مناف من ذهب [1]
نحن قوم قد بنى اللّه لنا ... شرفا فوق بيوتات العرب
بنبي اللّه وابني عمه ... وبعباس بن عبد المطّلب
/ الشعر للفضل بن العباس اللّهبيّ، والغناء لعمبد، ثقيل أوّل بالبنصر، في الأوّل والثاني والثالث. ولابن محرز في الأوّل والثاني خفيف ثقيل أوّل مطلق في مجرى البنصر. وذكر يونس أن فيهما لمعبد ومالك وابن محرز وابن مسجح وابن سريج خمسة ألحان. وذكر الهشامي أن لحن ابن سريج رمل، ولحن مالك خفيف رمل، ولحن معبد خفيف ثقيل، ولحن ابن محرز ثقيل أوّل. وذكر ابن المكيّ أن الثقيل الأوّل لمالك. وذكر عمرو بن بانة في كتابه الثاني أن لابن مسجح أو لابن محرز فيه خفيف رمل. وذكر [2] الهشاميّ أن فيه رملا آخر بالوسطى لأبي سعيد مولى فائد، ولأبي الحسن مولى سكينة، في الثالث والرابع، خفيف ثقيل [2]. وذكر حبش أن لابن صاحب/ الوضوء [3] في الأوّل والثاني ثاني ثقيل بالبنصر، ولابن سريج ثقيل أوّل بالبنصر. وذكر حماد عن أبيه: أن لابن عائشة فيهما لحنا، ووافقه ابن المكيّ. وذكر أنه خفيف رمل. قال: وقيل [4] إنه لدحمان [4]. وذكر ابن خرداذبه أن لخليدة المكية [5] في الرابع والثالث خفيف رمل، وفي الخامس والسادس والأوّل رمل، يقال إنه لإبراهيم، ويقال إنه لإسحاق. والخامس والسادس من هذه الأبيات، وإن كان شعر الفضل بن العباس اللهبي، فليس من القصيدة التي فيها:
وأنا الأخضر من يعرفني
/ لكن من قصيدة له أوّلها:
شاب رأسي ولداتي لم تشب ... بعد لهو وشباب ولعب
شيب المفرق مني وبدا ... في حفافي لحيتي مثل العطب
في هذين البيتين لهاشم ونفيلة [6] خفيف رمل بالوسطى، والقصيدة التي فيها:
وأنا الأخضر من يعرفني ... أخضر الجلدة من نسل العرب
أوّلها قوله:
طرب الشيخ ولا حين طرب ... وتصابي وصبا الشيخ عجب
__________
[1] كذا في ف، مب. وفي الأصول: من تبرهم.
(2 - 2) العبارة عن ف، مب.
[3] كذا في ف، مب. وهو أبو عبد اللّه محمد بن عبد اللّه («الأغاني» 3: 116). وفي بقية الأصول: لابن الحاجب الصولي.
(4 - 4) العبارة عن ف، مب.
[5] لخليدة المكية: كذا في ف، مب. وفي بقية الأصول: لخويلد.
[6] ونفيلة: كذا في ف. وفي مب: لهاشم بن زنقطة. وهي ساقطة من بقية الأصول.
9 - أخبار الفضل بن العباس الهبي ونسبه
اسمه ونسبه
الفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهب، واسمه عبد العزى بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف. وكان أحد شعراء بني هاشم المذكورين وفصحائهم. وكان شديد الأدمة. ولذلك قال:
وأنا الأخضر من يعرفني
وهو هاشميّ الأبوين؛ وأمه بنت العباس بن عبد المطلب.
أخبرني بذلك محمد بن العباس اليزيديّ، عن عمه عبيد اللّه، عن ابن حبيب. وإنما أتاه السواد من قبل أمه:
جدته [1]، وكانت حبشية.
وكان النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم زوج عتبة إحدى بناته. فلما بعثه اللّه تعالى نبيا، أقسمت عليه أم جميل أن يطلقها. فجاء إلى النبي صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال: يا محمد، أشهد من حضر أني [2] قد كفرت بربك، وطلقت ابنتك. فدعا عليه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أن يبعث اللّه عليه كلبا من كلابه يقتله. فبعث اللّه عزوجل عليه أسدا فافترسه [3].
قتل السبع عتبة بدعوة النبي عليه
أخبرني الحسن بن القاسم البجليّ الكوفيّ قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم بن المعلّى قال: حدّثني الوليد بن وهب، عن أبي حمزة الثمالي، عن عكرمة قال:
لما نزلت: وَالنَّجْمِ إِذا هَوى
[4]، قال عتبة للنبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنا أكفر برب النجم إذا هوى. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم:
اللهم أرسل عليه كلبا من كلابك. قال: فقال ابن عباس: فخرج إلى الشأم في ركب فيهم هبّار بن الأسود، حتى إذا كانوا بوادي الغاضرة، وهي مسبعة، نزلوا ليلا، فافترشوا صفا واحدا، فقال عتبة: أتريدون أن تجعلوني حجرة؟ لا، واللّه، لا أبيت إلا وسطكم./ فباب وسطهم. قال هبار: فما أنبهني إلا السبع يشمّ رؤوسهم رجلا رجلا، حتى انتهى
__________
[1] جدته: بدل من أمه.
[2] كذا في ف، مب. وفي الأصول: أشهد أني نصراني: تحريف.
[3] خالف بعض المؤرخين أبا الفرج فيمن أكله الأسد، وصرحوا بأنه عتيبة بن أبي لهب، لاعتبة. قال السهيلي في «الروض الأنف» (2: 81): وكانت رقية بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم تحت عتبة بن أبي لهب، وأم كلثوم تحت عتيبة. فطلقاهما بعزم أبيهما عليهما وأمهما، حين نزلت: تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ
فأما عتيبة فدعا عليه النبي صلّى اللّه عليه وسلّم أن يسلط اللّه عليه كلبا من كلابه، فافترسه الأسد من بين أصحابه، وهم نيام حوله. وأما عتبة ومعتب ابنا أبي لهب فأسلما، ولهما عقب.
[4] سورة النجم آية: 1.
إليه، فأنشب [1] أنيابه في صدغيه، فصاح: أي قوم، قتلي [2] دعوة محمد [2]، فأمسكوه، فلم يلبث أن مات في أيديهم.
أخبرني الحسن بن الهيثم قال: حدّثنا علي بن إبراهيم قال: حدّثني الوليد بن وهب، عن أبي حمزة، عن هشام بن عروة، عن أبيه مثله. إلا أنه قال: قال عتبة: أنا بريء من الذي دَنا فَتَدَلَّى
قال: وقال هبّار: فضغمه الأسد ضغمة، فالتقت أنيابه عليه.
بين الأحوص والفضل
نسخت من كتاب ابن النطّاح عن الهيثم بن عديّ. وقد أخبرنا به محمد بن العباس اليزيديّ في «كتاب الجوابات» قال: حدّثنا أحمد بن الحارث، عن المدائني، إلا أن رواية ابن النطاح أتم، واللفظ له، قال:
/ مر الفضل اللّهبيّ بالأحوص هو ينشد، وقد اجتمع الناس عليه، فحسده، فقال له: يا أحوص إنك لشاعر، ولكنك لا تعرف الغريب، ولا تعرب. قال: بلى، واللّه إني لأبصر الناس بالغريب والإعراب، فأسألك [3]؟ قال:
نعم. قال:
ما ذات حبل يراها الناس كلهم ... وسط الجحيم فلا تخفى على أحد
كل الحبال حبال الناس من شعر ... وحبلها وسط أهل النار من مسد
فقال له الفضل بن العباس:
ماذا أردت إلى شتمي ومنقصتي ... ماذا أردت إلى حمّالة الحطب؟
أذكرت بنت قروم سادة نجب ... كانت حليلة شيخ ثاقب النّسب
فانصرف عنه.
بين الفضل والحزين الديلي
قال ابن النطاح:
وحدثت أن الحزين الدّيلي [4] مر بالفضل يوم جمعه، وعنده قوم ينشدهم، فقال له الحزين: أتنشد الشعر والناس يروحون إلى الصلاة؟ فقال الفضل: ويلك يا حزين! أتتعرض لي، كأنك لا تعرفني. قال: بلى واللّه، إني لأعرفك، ويعرفك معي كل من قرأ سورة تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ
[5]. وقال يهجوه:
إذا ما كنت مفتخرا بجد ... فعرّج عن أبي لهب قليلا
__________
[1] ف: فالتقت. مب: فالتقت طلى أنيابه.
(2 - 2) ف، مب: قتلني قتلني، دعوني أستمّت به.
[3] فأسألك: كذا في ف، مب. وفي بقية الأصول: أفتسمع.
[4] كذا في الأصول. والصواب: الدؤلي، نسبة إلى الدئل، بضم فكسر، فرع من كنانة قريش، وإليه ينسب أبو الأسود الدؤلي المتوفى سنة 69 وليس الحزين الشاعر منسوبا إلى الديل، بالدال المكسورة والياء، لأن هذه قبيلة عن عبد القيش. وهو عمرو بن عبيد بن وهب الكناني الشاعر، كما في «تاج العروس» (حزن).
[5] سورة المسد: آية 1.
فقد أخزى الإله أباك دهرا ... وقلّد عرسه حبلا طويلا
فأعرض عنه الفضل، وتكرم عن جوابه. وكان الحزين مغرّى بن وبهجائه.
بينه وبين الفرزدق
حدّثني الحسن بن علي قال: حدّثنا القاسم بن محمد الأنباريّ قال: حدّثنا أبو عكرمة عامر بن عمران، قال:
/ دخل الفرزدق المدينة، فنظر إلى الفضل بن العباس بن عتبة ينشد:
من يساجلني يساجل ماجدا ... يملأ الدلو إلى عقد الكرب
فقال الفرزدق: من المنشد؟ فأخبر به، فقال: ما يساجلك إلا من عضّ بظر أمه.
سأل الوليد فأعطاه وسليمان فحرمه
حدّثني محمد بن العباس اليزيديّ قال: حدّثنا سليمان بن أبي شيخ، قال: حدّثنا محمد بن الحكم، قال:
قدم الوليد بن عبد الملك حاجا إلى مكة وهو خليفة، فدخل عليه الفضل بن العباس بن عتبة، فشكا إليه كثرة العيال، وسأله فأعطاه مالا وإبلا ورقيقا. فلما مات الوليد ولي سليمان فحج، فأتاه فسأله، فلم يعطه شيئا، فقال:
يا صاحب العيس التي رحلت ... محبوسة لعشية النّفر
/ امرر على قبر الوليد فقل له ... صلّى الإله عليك من قبر
يا واصل الرّحم التي قطعت ... وأصابها الجفوات في الدهر
إني وجدت الخلّ بعدك كاذبا ... فبرئت من كذب ومن غدر
ولقد مررت بنسوة يندبنه ... بيض السواعد من بني فهر
تبكي لسيدها الأجل وما ... يبكين من ناب ولا بكر
يبكينه ويقلن: سيدنا ... ضاع الخلافة آخر الدهر [1]
ماذا لقيت، جزيت صالحة ... من جفوة الإخوان لو تدري
كان منقطعا إلى الوليد وسأله أن يفرض لحماره
أخبرني وكيع بهذا الخبر، قال: حدّثني محمد بن علي بن حمزة قال: حدثنا أبو غسان قال: أخبرنا أبو عبيدة عن عبد العزيز بن أبي ثابت، قال:
/ كان الفضل بن العباس منقطعا إلى الوليد بن عبد الملك، فلما مات الوليد جفاه سليمان وحرمه، فقال:
يا راكب العيس التي وقفت ... للنفر يوم صبيحة النحر [2]
وذكر الأبيات. قال: كان الوليد فرض له فريضة يعطاها كل سنة، فقال: يا أمير المؤمنين، بقي شارب الريح.
قال: وما شارب الريح؟ قال: حماري، افرض له شيئا. ففرض له خمسة دنانير، فأخذها ولم يكن يطعمه، فعمد
__________
[1] كذا روي البيت ف، وفي الأصول: يندبنه ... تاج الخلافة.
[2] كذا روي البيت ف، وفي الأصول: يا صاحب ... صبيحة النصر.
رجل فكتب رقعة يذكر فيها قصة الحمار، وعلقها في عنقه [1]، وجاء بها إلى القاضي، فأضحك منه الناس.
كان الفضل بخيلا
حدّثنا اليزيديّ، قال: حدّثنا سليمان بن أبي شيخ، قال: حدّثني أبو الشكر مولى بن هاشم، كوفيّ ظريف، قال:
كان الفضل بن العباس بخيلا، فقدم عليّ بن عبد اللّه بن العباس حاجا، فأتاه في منزله مسلما عليه، فقال له:
كيف أنت، وكيف حالك؟ قال: نحن في عافية. قال: فهل من حاجة؟ قال: لا واللّه، وإني لأشتهي هذا العنب، وقد أغلاه علينا هؤلاء العلوج. فغمز غلاما له، فذهب فأتاه بسلة عظيمة من عنب، فجعل يغسل له عنقودا عنقودا ويناوله، فكلما فعل ذلك قال: برّتك رحم.
كان يسأل علف حماره
أخبرني الحسن بن علي قال: حدّثنا أحمد بن سعيد الدمشقي قال: حدّثنا الزبير بن بكار عن عمه، قال:
كان الفضل بن العباس بخيلا، وكان ثقيل البدن، إذا أراد يمضي في جاجة استعار مركوبا، فطال ذلك عليه وعلى أهل المدينة من فعله، فقال له بعض/ بني هاشم: أنا أشتري لك حمارا تركبه، وتستغني عن العاريّة. ففعل، وبعث به إليه، فكان يستعير له سرجا إذا أراد أن يركبه، فتواصى الناس بألا يعيره أحد سرجا. فلما طال عليه ذلك، اشترى سرجا بخمسة دراهم، وقال:
ولما رأيت المال مألف أهله ... وصان ذوي الأخطار [2] أن يتبذلوا
رجعت إلى مالي فأعتبت بعضه ... فأعتبني إني كذلك أفعل [3]
ثم قال للذي اشترى له الحمار: إني لا أطيق علفه، فإما أن تبعث إليّ علفه وإلا رددته. فكان يبعث إليه بعلف كل ليلة وشعير، ولا يدع هو أيضا أن يطلب من كل أحد يأنس به علفا لحماره، فيبعث به إليه، فيعلفه التبن دون الشعير، حتى هزل وعطب. فرفع الحزين الكنانيّ إلى ابن حزم أو عبد العزيز بن عبد المطلب رقعة، وكتب في رأسها قصة حمار/ الفضل اللهبي، وذكر فيها أنه يركبه ويأخذ علفه وقضيمه من الناس، ويعلفه التبن، ويبيع الشعير، ويأخذ ثمنه، ويسأل أن ينصف منه. فضحك لما قرأ الرقعة، وقال: لئن كنت مازحا إني لأراك صادقا. وأمر بتحويل حمار اللهبي إلى إصطبله، ليعلفه ويقضمه، فإذا أراد ركوبه دفع إليه.
أخبرني وكيع قال: حدّثني محمد [4] بن سعد الشاميّ، عن ابن عائشة، قال:
__________
[1] أي علقها الرجل في عنق نفسه.
[2] كذا في ف، وفي الأصول: الإحسان. ولعله: الأحساب، بالياء.
[3] كذا روي البيت في ف. ومعنى الإعتاب هنا طلب العتبي، وهي الرضا، يريد أنه طلب من ماله أن يرضيه فأرضاه. وفي مب: فعاتبت بعضه. وفي الأصول: فكاتبت بعضه ... فأنجبني. تحريف.
[4] كذا في مب. وفي بقية الأصول: سليمان.
كان الفضل اللهبي بغير سرج، فاستعار سرجا، فمطله الرجل، حتى خاف أن تفوته حاجته، فاشترى سرجا ومضى لحاجته، وأنشأ يقول:
ولما رأيت المال مألف أهله
وذكر البيتين ولم يزد عليهما شيئا.
بيتان له في مدح بني هاشم
أخبرني أحمد بن عبيد الّه بن عمار قال: حدّثني علي بن محمد النوفليّ قال:
كان أبي عند إسحاق بن عيسى بن عليّ وهو والي البصرة، عنده وجوه أهل البصرة، وقد كانت فيهم بقية حسنة في ذلك الدهر، فأفاضوا في ذكر نبي هاشم، وما أعطاهم اللّه من الفضل بنبيه صلّى اللّه عليه وسلّم، فمن منشد شعرا، ومتحدث وذاكر فضيلة من فضائل بني هاشم. فقال أبي: قد جمع هذا الكلام الفضل بن العباس اللّهبي في بيت قاله، ثم أنشد قوله:
ما بات قوم كرام يدّعون يدا ... إلا لقومي عليهم منّة ويد
نحن السّنام الذي طالت شظيته ... فما يخالطه الأدواء والعمد
فمن صلّى صلاتنا، وذبح ذبيحتنا، عرف أن لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يدا عليه، بما هداه اللّه عزوجل إلى الإسلام به، ونحن قومه، فتلك منة لنا على الناس.
وفي هذين البيتين غناء لابن محرز، هزج بالبنصر في رواية عمرو ب بانة. وقوله «و طالت شظيته»، الشظية:
الشّظى [1]، قال دريد بن الصمة.
سليم الشّظى عبل الشّوى شنج النسا ... أمين القوى نهد طويل المقلّد
والعمد: داء يصيب البعير من مؤخر سنامه إلى عجزه، فلا يلبثه أو يقتله [2]
قدم على عبد الملك ومدحه
أخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن عمار، وأحمد بن عبد العزيز الجوهريّ، قالا: حدّثنا عمر بن شبة قال: حدّثنا محمد بن يحيى عن عبد العزيز بن عمران، قالا: أخبرني أحمد بن هاشم بن عتبة بن أبي وقّاص، قال:
/ قدم الفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهب، على عبد الملك بن مروان، فأنشده وعنده ابن لعبيد اللّه بن زياد، فقال الزياديّ، واللّه ما أسمع شعرا، فلما كان العشيّ راح إليه الفضل، فوقف بين يديه، ثم قال: يا أمير المؤمنين:
أتيتك حالا وابن عم وعمة ... ولم أك شعبا لا طه بك مشعب [3]
__________
[1] في «اللسان»: الشظية: كل فلقة من شيء، القطعة المرتقعة في رأس الجبل، جمعها: شظايا. وهذا المعنى هو المناسب لبيت الفضل. أما الشظى فعظيم دقيق إذا زال عن موضعه شظى الفرس، أي تألم له. وهذا المعنى مناسب لشعر دريد بن الصمة. ويبدو أن أبا الفرج خلط بين المعنيين.
[2] العمد: مصدر عمد البعير (بكسر الميم) أي ورم سنامه عن عض القتب والحلس (انظر «اللسان»).
[3] لا طه: ألصقه، وفي الشعر تعريض بزياد بن أبيه وقصة استلحاقه.
فصل واشجات بيننا من قرابة ... ألا صلة الأرحام أبقى وأقرب
ولا تجعلنّي كامرىء ليس بينه ... وبينكم قربى ولا متنسّب
أتحدب من دون العشيرة كلها ... فأنت على مولاك أحنى وأحدب
فقال الزياديّ: هذا، واللّه يا أمير المؤمنين، الشعر! فقال عبد الملك: النّخس يكفيك البطيء [1]. وجعل يضحك من استرسال الزياديّ في يده [2]، وأحسن صلته.
عطية المهدي للأحيحي
وأخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن/ عمار قال: حدّثني النوفليّ قال: حدّثني عمي قال:
لما قدم الفضل اللّهبيّ على عبد الملك بن مروان أمر له بعشرة آلاف درهم، ثم حج الوليد فأمر له بمثلها.
فلما قدم الأحيحي [3] على المهديّ فمدحه، قال المهدي لمن حضر: كم كان عبد الملك أعطى الفضل اللّهبيّ لما مدحه، فما أعلم هاشيما مدحه غيره؟ فقيل له: أعطاه عشرة آلاف درهم. قال: فكم أعطاه الوليد؟ قالوا: مثل عطية أبيه. فأمر للأحيحيّ بثلاثين ألف درهم.
/ أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ قال: حدّثنا عمر بن شبة، قال: حدّثني أحمد بن معاوية، عن عثمان بن إبراهيم الحاطبيّ، قال:
خرج عليّ بن عبد اللّه بن العباس بالفضل اللهبيّ إلى عبد الملك بن مروان بالشام، فخرج عبد الملك يوما رائحا على نجيب له، ومعه بغلة تجنب، فحدا حادي عبد الملك به، فقال:
يأيها البكر الذي أراكا ... عليك سهل الأرض في ممشاكا
ويلك هل تعلم من علاكا ... إن ابن مروان على ذراكا
خليفة اللّه الذي امتطاكا [4] ... لم يعل بكرا مثل من علاكا
فعارضه الفضل اللّهبي، فحدا بعليّ بن عبد اللّه ب عباس، فقال:
يأيها السائل عن عليّ ... سألت عن بدر لنا بدريّ
أغلب في العلياء غالبيّ [5] ... وليّن الشيمة هاشمي
جاء على بكر له مهريّ
فنظر عبد الملك إلى عليّ فقال: أهذا مجنون آل أبي لهب؟ قال: نعم. فلما أعطى قريشا مر به اسمه فحرمه، وقال:
يعطيه عليّ. هكذا رواية عمر بن شبة.
__________
[1] هذا مثل، معناه أن الحث يحرك البطيء الضعيف، ويحمله على السرعة. («الميداني» 2: حرف النون).
[2] كذا في الأصول، ومعنى العبارة غامض.
[3] الأحيحي: شاعر، ولعله ينسب إلى أبي أحيحة سعيد بن العاص بن أمية.
[4] ف: اصطفاكا.
[5] كذا في ف، مب. وفي بقية الأصول: أغلب في العلياء غلابي.
بينه وبين سليمان
وأخبرني ابن عمار بهذا الخبر عن علي بن محمد بن النوفليّ عن عمه:
أن سليمان بن عبد الملك حج في خلافة الوليد، فجاء إلى زمزم فجلس عندها، ودخل الفضل اللّهبيّ يستقي، فجعل يرتجز ويقول:
يأيها السائل عن عليّ ... سألت عن بدر لنا بدريّ
مقدّم في الخير أبطحيّ ... ولين الشيمة هاشميّ
زمزمنا بوركت من ركيّ ... بوركت للساقي وللمسقيّ
/ فغضب سليمان، وهم بالفضل. فكفه عنه عليّ بن عبد اللّه، ثم أتاه بقدح فيه نبيذ من نبيذ السقاية، فأعطاه إياه، وسأله أن يشربه، فأخذه من يده كالمتعجب، ثم قال: نعم إنه يستحب، ووضعه في يده ولم يشربه. فلما ولي الخلافة وحج لقيه الفضل، فلم يعطه شيئا.
حسد الحارث بن خالد المخزومي له
نسخت من كتاب ابن النطاح، قال:
ذكر أبو المدائني أن الحارث بن خالد المخزوميّ، كان يحسد الفضل اللهبي على شعره ويعاديه، لأن أبا لهب كان قامر جده العاصي بن هاشم على ماله فقمره، ثم قامره على رقة فقمره [1]، فأسلمه قينا، ثم بعث به بديلا يوم بدر، فقتله عليّ بن أبي طالب عليه السلام، فكان [2] إذا أنشد شيئا من شعره يقول: هذا شعر ابن «حمّالة الحطب». فقال الفضل في ذلك:
ماذا تحاول من شتمي ومنقصتي ... ماذا تعيّر من حمالة الحطب
/ غراء سائلة في المجد غرتها ... كانت حليلة شيخ ثاقب النسب
إنا وإن رسول اللّه جاء بنا ... شيخ عظيم شئون الرأس والنشب
يا لعن اللّه قوما أنت سيدهم ... في جلدة بين أصل الثّيل [3] والذنب
أبا لقيون توافيني تفاخرني ... وتدعي المجد قد أفرطت في الكذب
وفي ثلاثة رهط أنت رابعهم ... توعدني واسطا جرثومة العرب
في أسرة من قريش هم دعائمها ... تشفي دماؤهم للخيل والكلب
أما أبوك فعبد لست تنكسره ... وكان مالكه جدي أبو لهب
النبع عيداننا والمجد شيمتنا ... لسنا كقومك من مرخ ولا غرب
__________
[1] قمره: غلبه.
[2] الضمير يرجع إلى أبي لهب، كما هو ظاهر من البيت الثامن.
[3] الثيل: وعاء قضيب البعير والتيس، وقد يقال للإنسان.
داينه عقرب حناط فهجاه
أخبرني محمد بن العباس اليزيديّ قال: حدّثني عمي عبيد اللّه بن محمد، عن ابن حبيب، عن ابن الأعرابي، قال:
كان رجل من بني كنانة يقال له عقرب حنّاط قد داين الفضل اللّهبيّ فمطله، ثم مر به الفضل وهو يبيع حنطة له، ويقول:
جاءت بها ضابطة التّجار ... صافية كقطع الأوتار
فقال الفضل:
قد تجرت عقرب في سوقنا ... يا عجبا للعقرب التاجره
قد صافت [1] العقرب واستيقنت ... أن مالها دنيا ولا آخره
فإن تعد عادت لما ساءها ... وكانت النعل لها حاضره
إن عدوا كيده في إسته ... لغير ذي كيد ولا نائره [2]
كل عدو يتّقى مقبلا ... وعقرب تخشى من الدابره
كأنها إذ خرجت هودج ... شدّت قواه رفعة باكره
مفاخرته مع عمر بن ربيعة
أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال: حدّثنا دماذ أبو غسان، عن أبي عبيدة. ووجدته في بعض الكتب عن الرياشيّ عن زكويه العلائي عن ابن عائشة عن أبيه، والروايتان كالمتفقتين:
أن عمر بن أبي ربيعة وفد على الملك بن مروان، فأدخل عليه، فسأله عن نسبه، فانتسب، فقال له:
لا أنعم اللّه بقين عينا ... تحية السخط إذا التقينا
أأنت لا أم لك القائل:
صوت
نظرت إليها بالمحصّب من منى ... ولي نظر لولا التحرّج عارم
فقلت: أشمس أم مصابيح بيعة ... بدت لك خلف السجف أم أنت حالم
بعيدة مهوى القرط إمّا النوفل ... أبوها وإما عبد شمس وهاشم [3]
__________
[1] لعله من صاف عن الشي ء: إذا عدل عنه، يريد عدلت من الإيذاء. ويقال: أصاف اللّه عني شر فلان، أي صرفه وعدل به (انظر «اللسان»). وفي مب: ضاقت.
[2] النائرة: العداوة والشحناء.
[3] هاشم ليس معطوفا على (لنوفل) بالجر، وإنما هو مرفوع على أنه خبر مبتدأ، تقديره: وإما أبوها عبد شمس وهاشم.
الغناء لابن سريج: رمل بالوسطى من رواية عمرو بن بانة، ومن رواية حماد بن إسحاق عن أبيه. ولمعبد فيه لحن من رواية إسحاق: ثقيل أوّل بالسبابة في مجرى البنصر [1]، أوّله:
بعيدة مهوى القرط إما لنوفل
وفي لحن معبد خاصة قوله:
/و مد عليها السجف يوم لقيتها ... على عجل تبّاعها والخوادم
وتمام الشعر:
فلم أستطعها غير أن قد بدا لنا ... عشية راحت كفّها والمعاصم
معاصم لم تضرب على البهم بالضّحى ... عصاها، ووجه لم تلحه السّمائم
نرجع إلى سياقة الخبر:
ثم قال له عبد الملك: قاتلك اللّه! ما ألأمك! أما كانت لك في بنات العرب مندوحة عن بنات عمك! فقال عمر: بئست واللّه هذه التحية يا أمير المؤمنين لابن العم، على شحط الدار، ونأي المزار. فقال له عبد الملك: أراك مرتدعا عن ذلك؟ فقال: إني إلى اللّه تعالى تائب. فقال عبد الملك: إذن يتوب اللّه عليك، وسيحسن جائزتك.
ولكن أخبرني عن منازعتك اللّهبيّ في المسجد الجامع،/ فقد أتاني نبأ ذلك، وكنت أحب أن أسمعه منك. قال عمر: نعم يا أمير المؤمنين، بينا أنا جالس في المسجد الحرام، في جماعة من قريش، إذ دخل علينا الفضل بن العباس بن عتبة، فسلم وجلس، ووافقني وأنا أتمثل بهذا البيت:
وأصبح بطن مكة مقشعرّا ... كأن الأرض ليس بها هشام [2]
فأقبل عليّ وقال: يا أخا بني مخزوم، واللّه إن بلدة تبحبح [3] بها عبد المطلب، وبعث منها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، واستقرّ بها بيت اللّه عزوجل، لحقيقة ألا تقشعرّ لهشام، وإن أشعر من هذا البيت وأصدق قول من يقول:
إنما عبد مناف جوهر ... زيّن الجوهر عبد المطلب
فأقبلت عليه فقلت: يا أخا بني هاشم، إن أشعر من صاحبك الذي يقول:
إن الدليل على الخيرات أجمعها ... أبنا مخزوم [4]، للخيرات مخزوم
فقال لي: أشعر واللّه من صاحبك الذي يقول:
جبريل أهدى لنا الخيرات أجمعها ... إذ أمّ هاشم [4] لا أبناء مخزوم
فقلت في نفسي: غلبني واللّه. ثم حملني الطمع في انقطاعه عليّ، فخاطبته فقلت: بل أشعر منه الذي يقول:
أبناء مخزوم الحريق إذا ... حركته تارة [5] ترى ضرما
__________
[1] كذا في ف، مب. وفي الأصول: الوسطى.
[2] هو هشام بن إسماعيل المخزومي أمير الحجاز.
[3] تجبح: تمكن في المقام والحلول.
[4] مخزوم وهاشم: اسمان للقبيلتين، فلذلك منعا من الصرف.
[5] في «بدائع البدائه» لعلي بن ظافر ص 15: «حركت نيرانه».
يخرج منه الشّرار مع لهب ... من حاد عن حرّه فقد سلما
/ فو اللّه ما تلعثم [1] أن أقبل عليّ بوجهه فقال: يا أخا بني مخزوم، أشعر من صاحبك وأصدق الذي يقول:
هاشم بحر إذا سما [2] وطما ... أحمد حرّ الحريق واضطرما
واعلم وخير المقال أصدقه ... بأنّ من رام هاشما هشما
قال: فتمنيت واللّه يا أمير المؤمنين أن الأرض ساخت بي، ثم تجلدت عليه فقلت: يا أخا بني هاشم، أشعر من صاحبك الذي يقول:
أبناء مخزوم أنجم طلعت ... للناس تجلو بنورها الظّلما
/ نجود بالنّيل قبل تسأله ... جودا هنيئا وتضرب البهما [3]
فأقبل عليّ بأسرع من اللحظ [4]، ثم قال: أشعر من صاحبك وأصدق الذي يقول:
هاشم شمس بالسّعد مطلعها ... إذا بدت أخفت النجوم معا
اختار منها ربّي النبيّ فمن ... قارعها [5] بعد أحمد قرعا
فاسودّت الدنيا في عيني، وديربي، وانقطعت، فلم أحر جوابا. ثم قلت له: يا أخا بني هاشم، إن كنت تفخر علينا برسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فما يسعنا مفاخرتك. فقال: كيف؟ لا أمّ لك، واللّه لو كان منك لفخرت به عليّ. فقلت: صدقت وأستغفر اللّه، إنه لموضع الفخار. وداخلني السرور لقطعه الكلام، ولئلا ينالني عوز [6] عن إجابته فأفتضح. ثم إنه أبتدأ بالمناقضة، فأفكر هنيهة، ثم قال: قد قلت فلم أجد بدّا من الاستماع، فقلت: هات. فقال:
/نحن الذين إذا سما لفخارهم ... ذو الفخر أقعده هناك القعدد [7]
افخر بنا إن كنت يوما فاخرا ... تلق الألى فخروا بفخرك أفردوا
قل يابن مخزوم لكل مفاخر ... منا المبارك ذو الرسالة أحمد
ماذا يقول ذوو الفخار هنا لكم ... هيهات ذلك، هل ينال الفرقد
فحصرت واللّه وتبلّدت، وقلت له: إن لك عندي جوابا فأنظرني. وأفكرت مليّا، ثم أنشأت أقول:
لا فخر إلا قد علاه محمد ... فإذا فخرت به فإني أشهد
أن قد فخرت وفقت كلّ مفاخر ... وإليك في الشرف الرفيع المعمد
ولنا دعائم قد بناها أوّل ... في المكرمات جرى عليها المولد
__________
[1] ما تلعثم: ما توقف.
[2] «بدائع البدائه»: همي. ومضارعه يهمي.
[3] جمع بهمة، وهو الشجاع ينبهم أمره على قرنه، فلا يدري من أين يصيبه.
[4] «بدائع البدائه»: أسرع من البرق.
[5] كذا في ف. وفي الأصول و «بدائع البدائه»: قارعنا.
[6] كذا في ف، مب. في «بدائع البدائه»: عجز عن إجابته. وفي الأصول: خور عن إجابته.
[7] القعدد: اللئيم الخامل القاعد عن المكارم. وفي «بدائع البدائه»: الزمان القعدد.
من رامها حاشى النبيّ وأهله ... بالفخر غطمطه الخليج المزبد [1]
دع ذا ورح لغناء خود بضّة ... مما نطقت به وغنّى معبد
مع فتية تندى بطون أكفهم ... جودا إذا هرّ [2] الزمان الأنكد
يتناولون سلافة عانية ... طابت [3] لشاربها وطاب المقعد
فو اللّه يا أمير المؤمنين، لقد أجابني بجواب كان أشد علي من الشعر. قال لي: يا أخا بني مخزوم، أريك السّها وتريني القمر - قال أبو عبد اللّه اليزيديّ [4]: أدلّك على الأمر الغامض، وأنت لم تبلغ أن ترى الأمر الواضح. وهذا مثل - أتخرج من المفاخرة إلى شرب الراح، وهي الخمر المحرمة؟ فقلت له: أما علمت أصلحك اللّه/ أن اللّه عز وجل يقول في الشعراء: وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ
[5]. فقال: صدقت، وقد استثنى اللّه قوما منهم، فقال: إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ
[6]، فإن كنت منهم فقد دخلت تحت الاستثناء، وقد استحققت العقوبة بدعائك إليها؛ وإن لم تكن منهم فالشرك باللّه عليك أعظم من شرب الخمر. فقلت: أصلحك اللّه، لا أجد للمستخذي شيئا أصلح من السكوت. فضحك وقال: أستغفر اللّه. وقام عني.
قال: فضحك عبد الملك حتى استلقى، وقال يابن أبي ربيعة، أما علمت أن لبني عبد مناف ألسنة لا تطاق، ارفع حوائجك. قال: فرفعتها فقضاها، وأحسن جائزتي وصرفني [7].
واللفظ في هذا الخبر لمحمد/ بن العباس [8].
ذكر خبر من لم يمض له خبر ولا يأتي ممن ذكرت صنعته في هذا الخبر
خليدة المكية
منهم خليدة المكية، وهي مولاة لابن شمّاس، كانت هي وعقيلة وربيحة يعرفن بالشماسيات، وقد أخذن الغناء عن ابن سريج ومعبد ومالك.
فأخبرني الحرميّ بن أبي العلاء والطّوسيّ قالا: حدّثنا الزبير بن بكار، عن عمه قال:
كانت لهشام بن عروة جفنة يصيب منها هو وبنوه ناحية [9]، وكان محمد بن هشام يصنع الطعام الرقيق، فيشير إليهم، فيمسكون عن الأكل، فيفطن هشام، فيقول: لقد حدث شيء، ثم يقول محمد، فيتسلّل القوم إليه، وجاءت
__________
[1] بالفخر: كذا في ف، مب و «بدائع البدائه». وفي الأصول: في الأرض وغطمطه: اضطربت به أمواجه.
[2] هر: ساء خلقه واشتد. وفي «بدائع البدائه»: غلج الحرون الأنكد. ويقال غلج الفرس: خلط في سيره واضطرب.
[3] هر: ساء خلقه واشتد. وفي «بدائع البدائه»: غلج الحرون الأنكد. ويقال غلج الفرس: خلط في سيره واضطرب.
[3] «بدائع البدائه»: لذت.
[4] هو محمد بن العباس اليزيدي النحوي (ت 310 ه). ومن لفظه نقل أبو الفرج هذا الخبر؛ كما سيأتي في آخره. وفي الأصول:
الزبيري. تحريف. والتصويب عن «بدائع البدائه»، لعلي بن ظافر.
[5] سورة الشعراء آية: 226.
[6] سورة العصر آية: 3، وسورة التين آية: 6 وسورة الانشقاق آية: 25.
[7] قال علي بن ظافر في «بدائع البدائه» ص 17 تعليقا على هذه القصة: «و أحسب الحكاية مصنوعة، لأن أشعارها ضعيفة».
[8] هو أبو عبد اللّه اليزيدي (انظر ترجمته في هامش ص 189).
[9] في ف. وفي الأصول: وبنو ناجية. تحريف.
/ خليدة المكية، فصعدوا غرفة، فلما غنّت إذا حفز [1] ونفس، فإذا هو هشام قد طلع وهو ينشد:
يا قدميّ ألحقاني بالقوم ... لا تعداني كسلا بعد اليوم
فلما رآهم، قال: أحسبه قد جلس معهم. وقال لخليدة: غني. فغنت. فقال لها: اكتبي في صدرك قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ
والمعوّذتين لا تصيبك العين.
كان ابن جامع يطرب لغنائها
أخبرني علي بن عبد العزيز الكاتب، عن ابن خرداذبه قال: حدّثني إسحاق بن إبراهيم الموصليّ، عن الفضل بن الربيع قال:
ما رأيت ابن جامع يضرب لغناء كما يطرب لغناء خليدة المكية، وكانت سوداء، وفيها يقول الشاعر:
فتنت كاتب الأمير رياحا [2] ... يا لقوم خليدة المكيه
أرسل إليها محمد بن عبد اللّه بن عمرو بن عثمان يخطبها
أخبرني إسماعيل بن يونس قال: حدّثنا عمر بن شبة، ونسخت هذا الخبر بعينه من كتاب جعفر بن قدامة بخطه، قال: حدّثني عمر بن شبة قال:
بلغني أن محمد بن عبد اللّه بن عمرو بن عثمان بن عفان أرسل إلى خليدة المكية أبا عون مولاه يخطبها عليه.
فاستأذن فأذنت له وعليها ثياب رقاق لا تسترها، ثم وثبت، فقالت: إنما ظننتك بعض سفهائك، ولكني ألبس لك ثياب مثلك، ثم أخرج إليك. ففعلت. وقالت: قل. قال: أرسلني إليك مولاي، وهو من تعلمين بين رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وبين عليّ وعثمان، وهو ابن عم أمير المؤمنين، يخطبك. وقالت: قد نسبته فأبلغت، فاسمع نسبي أنا، بأبي أنت.
/ إن أبي بيع على غير عقد الإسلام ولا عهده، فعاش عبدا، ومات وفي رجله قيد، وفي عنقه سلسلة، وعلى الإباق والسرقة؛ وولدتني أمي على غير رشدة، وماتت وهي آبقة، فأنا من تعلم. فإن أراد صاحبك نكاحا مباحا، أو زنا صراحا، فهلم إليه، فنحن له. فقال: إنه لا يدخل في الحرام. قالت: ولا ينبغي أن يستحي من الحلال. فأما نكاح السّر فلا. واللّه لا فعلته، ولا كنت عارا على القيان. قال: فأتيت محمدا فأخبرته، فقال: ويلك! أتزوجّها معلنا وعندي بنت طلحة بن عبيد اللّه! لا. ولكن ارجع إليها، فقال لها تختلف إليّ أردد بصري فيها، لعلي أسلو. فرجعت فأبلغتها الرسالة، فضحكت، وقالت: أما هذا فنعم. لسنا نمنعه منه.
صوت
ربّ ليل ناعم أحييته ... في عفاف عند قبّاء الحشى
/ ونهار قد لهونا بالتي ... لا ترى شبها لها فيمن مشى
لطلوع الشمس حتى آذنت ... بغروب عند إبان العشا [3]
__________
[1] الخفر: الدفع، وتتابع النفس في الصدر. وفي الأصول: صفر.
[2] كذا في ف، وفي الأصول: رباحا.
[3] رواية الشطر الثاني في الأصول: «لغروب أنت تهوى من تشا».
لسليمى ما دعت قمريّة ... بهديل فوق غصن من غضى
وعقار قهوه باكرتها ... في ندامى كمصابيح الدّجى
وجواد سابح أقحمته ... حومة الموت على زرق القنا
/ الشعر للمهاجر بن خالد ب الوليد، فيما ذكر الزّبير بن بكّار. وذكر أبو عمرو الشّيبانيّ وخالد بن كلثوم: أنه لابنه خالد بن المهاجر. والغناء لابن محرز، ثقيل أوّل بالسبابة في مجرى البنصر، عن إسحاق؛ وفيه لإبراهيم الموصليّ لحنان، أحدهما هزج خفيف بالسبابة، في مجرى البنصر، عن إسحاق وابن المكي، والآخر رمل بالبنصر، عن عمرو وابن المكيّ والهشاميّ. وفيه المعبد خفيف ثقيل بالخنصر والبنصر، عن ابن المكيّ. قال: وفيه لمالك خفيف ثقيل آخر، نشيد [1]، ووافقه عمرو والهشامي، وذكر عمرو في نسخته الأولى أنه لابن محرز، والمعمول عليه الرواية الثانية.
__________
[1] كذا في مب. وفي بقية الأصول: «نشيد مسحج».
10 - أخبار المهاجر بن خالد ونسبه، وأخبار ابنه خالد
اسمه ونسبه
المهاجر بن خالد بن الوليد بن المغيرة عبد اللّه بن عمر بن مخزوم ب يقظة بن مرّة بن كعب بن لؤيّ بن غالب. وكان الوليد بن المغيرة سيدا من سادات قريش، وجوادا من جودائها [1]. وكان يلقب بالوحيد. وأمه صخرة بنت الحارث بن عبد اللّه بن عبد شمس، امرأة من بجيلة، ثم من قسر. ولما مات الوليد بن المغيرة أرّخت قريش بوفاته مدّة، لإعظامها إياه، حتى كان عام الفيل، فجعلوه تاريخا. هكذا ذكر ابن دأب.
وأما الزبير بن بكار فذكر عن عمرو بن أبي بكر المؤمّليّ، أنها كانت تؤرّخ بوفاة هشام بن المغيرة تسع سنين، إلى أن كانت السنة التي بنوا فيها الكعبة، فأرّخوابها.
بلاء خالد في الإسلام
ولخالد بن الوليد من الشهرة بصحبة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم والغناء في حروبه المحل المشهور، ولقّبه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم سيف اللّه، وهاجر إلى النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قبل الفتح وبعد الحديبية هو وعمرو بن العاص وعثمان بن طلحة. فقال النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم لما رآهم: رمتكم مكة بأفلاذ كبدها. وشهد فتح مكة مع النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم؛ فكان أوّل من دخلها في مهاجرة العرب من أسفل مكة، وشهد يوم مؤته. فلما قتل زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب وعبد اللّه بن رواحة، ورأى ألا طاقة للمسلمين بالقوم، انحاز بهم، وحامى عليهم حتى سلموا، فلقّبه يومئذ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: سيف اللّه.
حدّثنا بذلك أجمع الحرميّ بن أبي العلاء والطوسيّ عن الزبير بن بكار.
/ وكان خالد يوم حنين في مقدمة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ومعه بنو سليم، فأصابته جراح كثيرة، فأتاه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بعد هزيمة المشركين، فنفث على جراحه، فاندملت ونهض. وله آثار في قتال أهل الرّدّة، في أيام أبي بكر رضي اللّه عنه مشهورة، يطول ذكرها. وهو فتح الحيرة، بعث إليه أهلها عبد المسيح بن عمرو بن/ بقيلة، فكلمة خالد، فقال له: من أين أقبلت؟ قال: من ورائي. قال: وأين تريد؟ قال: أمامي. قال: ابن كم أنت؟ قال: ابن رجل وامرأة.
قال: فأين أقصى أثرك؟ قال: منتهى عمري. قال: أتعقل؟ قال: نعم، وأقيّد. قال: ما هذه الحصون؟ قال: بنيناها نتقي بها السفيه حتى يردعه الحليم. قال: لأمر ما اختارك قومك، ما هذا في يدك؟ قال: سمّ ساعة. قال: وما تصنع به؟ قال: أردت أن أنظر ما تردتي به: فإن بلغت ما فيه صلاح لقومي عدت إليهم، وإلا شربته، فقتلت نفسي، ولم أرجع إلى قومي بما يكرهون. فقال له خالد: أرنيه. فناوله إياه. فقال خالد: باسم اللّه الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء، وهو السميع العليم، ثم أكله، فتجللته عشية، ثم أفاق يمسح العرق عن وجهه.
__________
[1] كذا في ف، مب. وفي الأصول: أجوادها، وهما بمعنى.
فرجع ابن بقيلة إلى قومه، فأخبرهم بذلك، وقال: ما هؤلاء القوم إلا من الشياطين، وما لكم بهم طاقة، فصالحوهم على ما يريدون. ففعلوا.
أخبرني بذلك إبراهيم بن السريّ، عن يحيى التميمي، عن أبيه، عن شعيب بن سيف. وأخبرني به الحسن بن عليّ عن الحارث بن محمد عن محمد بن سعد، عن الواقديّ.
وأمّره أبو بكر على جميع الجيوش التي بعثها إلى الشام لحرب الروم، وفيهم أبو عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل، فرضوا به وبإمارته.
قالوا: وكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قد حلق رأسه ذات يوم، فأخذ شعره، في قلنسوة له، فكان لا يلقى جيشا وهي عليه إلا هزمه.
/ وروى عن النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قد حلق رأسه ذات يوم، فأخذ شعره، فجعله في قلنسوة له، فكان لا يلقى جيشا وهي عليه إلا هزمه.
/ وروى عن النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم الحديث، وحمل عنه. ورآه النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم متدلّيا من هرشى فقال: نعم الرجل خالد بن الوليد.
أخبرنا بذلك الطوسيّ والحرميّ قالا: حدّثنا الزبير بن بكار قال: حدّثني يعقوب بن محمد عن عبد العزيز بن محمد، عن عبد الواحد بن أبي عون، عن أبي سعيد [1] المقبريّ، عن أبي هريرة: أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال ذلك له.
ما صنعه النساء عند موت خالد
قال الزبير: وحدّثني محمد بن سلّام، عن أبان بن عثمان قال:
لما مات خالد بن الوليد لم تبق امرأة من بني المغيرة إلا وضعت لمّتها على قبره، يعني حلقت رأسها، ووضعت شعرها على قبره.
قال ابن سلّام: وقال يونس النحوي: إن عمر رضي اللّه عنه قال حينئذ: دعوا نساء بني المغيرة يبكين أبا سليمان، ويرقن من دموعهن سجلا أو سجلين، ما لم يكن نقع أو لقلقة.
قال: والنقع: مد الصوت بالنحيب. واللقلقة: حركة اللسان بالولولة ونحوها.
قال الزبير، فيما ذكره لي من رويت عنه: حدّثني محمد بن الضّحاك عن أبيه:
كان خالد أشبه الناس بعمر
أن عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه كان أشبه الناس بخالد بن الوليد، فخرج عمر سحرا، فلقيه شيخ، فقال له:
مرحبا بك يا أبا سليمان، فنظر إليه عمر، فإذا هو علقمة بن علاثة، فردّ عليه السلام. فقال له علقمة: عزلك عمر بن الخطاب؟ فقال له عمر: نعم. قال: ما شبع، لا أشبع اللّه بطنه! قال له عمر: فما عندك؟ قال: ما عندي إلا السمع والطاعة.
/ فلما أصبح عمر دعا بخالد، وحضره علقمة بن علاثة، فأقبل على خالد، فقال له: ماذا قال لك علقمة؟
قال: ما قال لي شيئا. قال: اصدقني. فحلف خالد باللّه ما لقيه، ولا قال له شيئا. فقال له علقمة: حلا [2] أبا
__________
[1] كذا في ف. وفي مب: سعد. وفي بقية الأصول: سعيد المقبري.
[2] حلا: أي تحلل من حلفك.
سليمان. فتبسم عمر، فعلم خالد أن علقمة قد غلط، وفطن علقمة، فقال له: قد كان ذلك يا أمير المؤمنين، فاعف عني، عف اللّه عنك. فضحك عمر وأخبره الخبر.
أخبرني عمي قال: حدّثني أحمد بن الحارث الخرّاز قال: حدّثنا/ المدائني، عن شيخ من أهل الحجاز، عن زيد بن رافع مولى المهاجر بن خالد بن الوليد، وعن أبي ذئب [1]، عن أبي سهيل أو ابن سهيل:
دس معاوية لعبد الرّحمن بن خالد من يقتله
أن معاوية لما أراد أن يظهر العهد ليزيد، قال لأهل الشام: إن أمير المؤمنين قد كبرت سنه، ورق جلده، ودق عظمه، واقترب أجله، ويريد أن يستخلف عليكم، فمن ترون؟ فقالوا: عبد الرّحمن بن خالد بن الوليد. فسكت وأضمرها، ودس ابن أثال الطبيب إليه، فسقاه سمّا فمات. وبلغ ابن أخيه خالد بن المهاجر بن خالد بن الوليد خبره وهو بمكة، وكان أسوأ الناس رأيا في عمّه، لأن أباه المهاجر كان مع عليّ عليه السلام بصفّين، وكان عبد الرّحمن بن خالد بن الوليد مع معاوية، وكان خالد بن المهاجر على رأي أبيه: هاشميّ المذهب، ودخل مع بني هاشم الشّعب، فاضطغن ذلك ابن الزّبير عليه، فألقى عليه زق خمر، وصبّ بعضه على رأسه، وشنّع عليه بأنه وجده ثملا من الخمر، فضربه الحدّ. فلما قتل عمه عبد الرّحمن مرّ به/ عروة بن الزبير، فقال له: يا خالد: أتدع ابن أثال ينقي [2] أوصال عمك بالشأم وأنت بمكة مسبل إزارك، تجره وتخطر فيه متخايلا؟ فحمي خالد، ودعا مولى له يدعى نافعا، فأعلمه الخبر، وقال له: لا بد من قتل ابن أثال؛ وكان نافع جلدا شهما.
فخرجا حتى قدما دمشق، وكان ابن أثان يمسي عند معاوية، فجلس له في مسجد دمشق إلى أسطوانة، وجلس غلامه إلى أخرى، حتى خرج. فقال خالد لنافع: إياك أن تعرض له أنت، فإني أضربه، ولكن احفظ ظهري، واكفني من ورائي، فإن رابك شيء يريدني من ورائي فشأنك. فلما حاذاه وثب عليه فقتله، وثار إليه من كان معه. فصاح بهم نافع فانفرجوا، ومضى خالد ونافع، وتبعهما من كان معه، فلما غشوهما حملا عليهم، فتفرقوا، حتى دخل خالد ونافع زقاقا ضيقا، ففاتا القوم. وبلغ معاوية الخبر، فقال: هذا خالد بن المهاجر، اقلبوا الزّقاق الذي دخل فيه. ففتّش عليه، فأتي به. فقال: لا جزاك اللّه من زائر خيرا، قتلت طبيبي. قال: قتلت المأمور وبقي الآمر. فقال له: عليك لعنة اللّه! أما واللّه لو كان تشهّد مرة واحد لقتلتك به، أمعك نافع؟ قال: لا. قال: بلى واللّه ما اجترأت إلا به. ثم أمر بطلبه فوجد، فأتي به، فضربه مئة سوط. ولم يهج خالدا بشيء أكثر من أن حبسه، وألزم بني مخزوم دية ابن أثال، اثني عشر ألف درهم. أدخل بيت المال منها ستة آلاف درهم، وأخذ ستة آلاف درهم، ولم يزل ذلك يجري في دية المعاهد، حتى ولي عمر بن عبد العزيز، فأبطل الذي يأخذه السلطان لنفسه، وأثبت الذي يدخل بيت المال.
وخالد بن المهاجر الذي يقول:
__________
[1] كذا في ف، مب. وفي بقية الأصول: سليمان بن أبي ذئب.
[2] ينقي: أي يستخرج المخ من العظام. يريد أن يعبث بأعضاء الزبير بعد قتله إياه، لأنه لا يعبأ بأحد من أهله. والكلمة في ف غير واضحة تماما، وقد تقرأ: يفني، أو يقي، ولا معنى لهما هنا. وانظر الكلمة مرة ثانية في صفحة (200 سطر 2).
صوت
يا صاح يا ذا الضامر العنس ... والرحل ذي الأنساع والحلس
سير النهار ولست تاركه ... وتجدّ سيرا كلما تمسي
في هذين البيتين وبيت ثالث لم أجده في شعر المهاجر، ولا أدري أهو له أم ألحقه به المغنون، لحنان: ثقيل أوّل، وحفيف ثقيل. ذكر يونس أن أحدهما لمالك، ولم يذكر طريقة لحنه، ووجدته في جامع غناء معبد، عن الهشاميّ.
ويحيى المكي له فيه خفيف ثقيل. وهكذا ذكر عليّ بن يحيى أيضا، ولعله رواه عن ابن المكيّ. وإن كان هذا لمعبد صحيحا، فلحن مالك هو الثقيل الأوّل. وذكر حبش، وهو ممن لا يحصّل قوله: أن لحن معبد ثقيل أوّل بالوسطى.
رجع الخبر إلى سياقة خبر خالد
خالد يحرض عروة بن الزبير على قتل بن جرموز
قال: ولما حبس معاوية خالد بن المهاجر قال في الحبس:
إمّا خطاي تقاربت ... مشى المقيّد في الحصار
فبما أمشّي في الأبا ... طح يقتفي أثري إزاري
دع ذا ولكن هل ترى ... نارا تشبّ بذي مرار [1]
ما إن تشبّ لقرّة ... للمصطلين ولا قتار
ما بال ليلك ليس ين ... - قص طوله طول النهار
لتقاصر الأزمان أم ... غرض الأشير من الإسار؟ [2]
/قال: فبلغت أبياته معاوية، فرق له وأطلقه. فرجع إلى مكة. فلما قدمها لقي عروة بن الزبير، فقال له: أما ابن أثال فقد قتلته، وذاك ابن جرموز ينقي [3] أوصال الزّبير بالبصرة، فاقتله إن كنت ثاثرا. فشكاه عروة إلى أبي بكر بن عبد الرّحمن بن الحارث بن هشام، فأقسم عليه أن يمسك عنه، ففعل.
غنى إبراهيم بن المهدي في شعر للمهاجر
أخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن عمار قال: حدّثني يعقوب بن نعيم قال: حدّثني إسحاق بن محمد قال: حدّثني عيسى بن محمد القحطبيّ قال: حدّثني محمد بن الحارث بن بسخنّر قال:
غنى إبراهيم بن المهديّ يوما بحضرة المأمون وأنا حاضر:
يا صاح يا ذا الضامر العنس ... والرحل ذي الأقتاب والحلس
__________
[1] ذو المرار: أرض كثيرة المرار، وهو حمض أو شجر مر من أفضل العشب وأضخمه، إذا أكلته الإبل قلصت مشافرها، فبدت أسنانها («تاج العروس»).
[2] الغرض: مصدر غرض: إذا ضجر وقلق.
[3] انظر التعليق على هذه الكلمة في (ص 198: سطر 1).
قال: وكانت لي جائزة قد خرجت، فقلت: تأمر سيدي يا أمير المؤمنين بإلقاء هذا الصوت عليّ مكان جائزتي، فهو أحب إليّ منها؟ فقال له: يا عم، ألق هذا الصوت على محمد. فألقاه عليّ حتى إذا كدت أن آخذه قال: اذهب فأنت أحذق الناس به. فقلت: إنه لم يصلح لي بعد. قال: فاغد غدا عليّ. فغدوت عليه، فأعاده ملتويا [1]، فقلت له:
أيها الأمير، لك في الخلافة ما ليس لأحد؛ أنت ابن الخليفة، وأخو الخليفة، وعمّ الخليفة، تجود بالرغائب، وتبخل عليّ بصوت؟ فقال: ما أحمقك! إن المأمون لم يستبقني محبة لي، ولا صلة لرحمي، ولا ليربّ المعروف عندي، ولكنه سمع من هذا الجرم ما لم يسمعه من غيره. قال: فأعلمت المأمون بمقالته. فقال: إنا لا نكدّر على أبي إسحاق عفونا عنه، فدعه. فلما كانت/ أيام المعتصم نشط للصّبوح يوما، فقال: أحضروا عمّي. فجاء في درّاعة بغير طيلسان، فأعلمت المعتصم بخبر الصوت سرّا، فقال: يا عمّ غنّني:
يا صاح يا ذا الضامر العنس ... والرحل ذي الأقتاب والحلس
فغناه. فقال: ألقه على محمد، فقال: قد فعلت، وقد سبق مني قول ألا أعيده عليه. ثم كان يتجنب أن يغنيه حيث أحضر.
صوت
أقفر بعد الأحبّة البلد ... فهو كأن لم يكن به أحد
شجاك نؤي عفت معالمه ... وهامد في العراص ملتبد
أمّك عنسية مهذّبة ... طابت لها الأمّهات والقصد [2]
/تدعى زهيرية إذا انتسبت ... حيث تلاقى الأنساب والعدد
الشعر لحمزة بن بيض، والغناء لمعبد، خفيف ثقيل أوّل بالسبابة في مجرى الوسطى عن إسحاق. وفيه لابن عباد ثاني ثقيل بالوسطى عن الهشامي وعمرو وابن المكيّ.
__________
[1] ف، مب: متلونا.
[2] كذا في ف، مب. وفي بقية الأصول: والنحد. والقصد: اسم جنس جمعي واحده قصدة بالتحريك، وهي من كل شجرة ذات شوك، أن يظهر نباتها أول ما ينبت. يريد طابت أمهاتها ومنابتها.
11 - أخبار حمزة بن بيض [1] ونسبه
هو شاعر إسلامي خليع
حمزة بن بيض الحنفيّ: شاعر إسلامي من شعراء الدولة الأموية، كوفيّ خليع ماجن، من فحول طبقته. وكان كالمنقطع إلى المهلّب بن أبي صفرة وولده، ثم إلى أبان بن الوليد، وبلال بن أبي بردة. واكتسب بالشعر من هؤلاء مالا عظيما، ولم يدرك الدولة العباسية.
تكسبه بالشعر
أخبرني عمي قال: حدّثنا أبو هفان قال: أخبرني أبو محلم عن المفضل قال: أخذ حمزة بن بيض الحنفيّ بالشعر ألف ألف درهم، من مال وحملان [2] وثياب ورقيق غير ذلك.
بلال بن أبي بردة يمزح معه
أخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن عمار، قال: حدثني عبد اللّه بن أبي سعد، قال: حدّثني أبو توبة، قال:
قدم حمزة بن بيض على بلال بن أبي بردة، فلما وصل إلى بابه قال لحاجبه: استأذن لحمزة بن بيض الحنفيّ، فدخل الغلام إلى بلال، فقال: حمزة بن بيض بالباب. وكان بلال كثير المزح معه، فقال: اخرج إليه فقل: حمزة بن بيض ابن من؟ فخرج الحاجب إليه، فقال له ذلك. فقال: ادخل فقل له: الذي جئت إليه إلى بنيان الحمام وأنت أمرد، تسأله أن يهب لك طائرا، فأدخلك [3] وناكك، ووهب لك طائرا [3]. فشتمه الحاجب. فقال له: ما أنت وذا؟
بعثك برسالة،/ فأخبره بالجواب. فدخل الحاجب وهو مغضب، فلما رآه بلال ضحك، وقال: ما قال لك قبحه اللّه؟ قال: ما كنت لأخبر الأمير بما قال. فقال: يا هذا، أنت رسول فأدّ الجواب. قال: فأبى. فأقسم عليه حتى أخبره. فضحك حتى فحص برجله، وقال: قل له: قد عرفنا العلامة فادخل، فدخل فأكرمه، ورفعه، وسمع مديحه، وأحسن صلته.
قال: وأراد يقوله (ابن بيض ابن من؟) قول الشاعر فيه:
أنت ابن بيض لعمري لست أنكره ... وقد صدقت، ولكن من أبو بيض؟
يمدح مخلد بن يزيد فيثيبه
أخبرني عليّ بن سليمان الأخفش قال: حدّثني محمد بن الحسن الأحول، عن الأثرم، عن أبي عمرو، وأخبرني وكيع قال: حدّثني عبيد اللّه بن محمد بن عبيد بن سفيان، قال: حدّثني أبو الحسن الشّيباني قال: حدّثني شعيب بن صفوان، قال:
__________
[1] ضبطه ابن بري والمطرز بكسر الباء. وضبطه ابن حجر بالفتح. وقال الفراء: إنه جمع أبيض وبيضاء (عن «تاج العروس»).
[2] الحملان: الدواب التي تحمل الهبات خاصة.
(3 - 3) هذه العبارة في الأصول، وسقطت من ف. والسياق بعدها يقتضيها.
قدم حمزة بن بيض على مخلد بن يزيد بن المهلب وعنده الكميت، فأنشده قوله فيه:
أتيناك في حاجة فاقضها ... وقل مرحبا يجب المرحب
ولا تكلنّا إلى معشر ... متى يعدوا عدة يكذبوا
فإنك في الفرع من أسرة ... لهم خضع الشرق والمغرب
وفي أدب منهم ما نشأت ... ونعم لعمرك ما أدّبوا [1]
بلغت لعشر مضت من سني ... - ك ما يبلغ السيد الأشيب
فهمّك فيها جسام الأمور ... وهّم لداتك أن يلعبوا
/ وجدت فقلت ألا سائل ... فيعطى ولا راغب يرغب
فمنك العطية للسائلين ... وممن ينوبك أن يطلبوا [2]
/فأمر له بمئة ألف درهم، فقبضها. قال وكيع في خبره: وسأله عن حوائجه، فأخبره بها، فقضى جميعها. وقال أيضا في خبره: فحسده الكميت. فقال له: يا حمزة، أنت كمهدي التمر إلى هجر، قال: نعم، ولكن تمرنا أطيب من تمر هجر.
مرضه
أخبرني عليّ بن سليمان قال: حدّثني محمد بن يزيد النحويّ، قال: قال الجاحظ:
أصاب حمزة بن بيض حصر [3]، فدخل عليه قوم يعودونه وهو في كرب القولنج، إذ ضرط رجل منهم، فقال حمزة: من هذا المنعم عليه؟
نبوءة شعرية له
أخبرني الحسن بن عليّ قال: حدّثني محمد بن القاسم بن مهرويه قال: قال عليّ بن الصباح: حدّثني هشام بن محمد، عن الشّرقيّ، قال:
زعم هشام بن عروة أن عبد الرّحمن بن عنبسة مرّ فإذا هو بغلام أصبح الغلمان وأحسنهم، ولم يكن لعبد الرّحمن ولد، فسأل عنه، فقيل له: يتيم من أهل الشام، قدم أبوه العراق في بعث [4] فقتل، وبقي الغلام هاهنا، فضمه ابن عنبسة إليه، وتبناه. فوقع الغلام فيما شاء من الدنيا، ومرّ يوما على برذون ومعه خدم على ابن بيض، وحول ابن بيض عياله في يوم شات، وهم شعث غبر عراة، فقال ابن بيض: من هذا؟ فقيل: صدقة يتيم ابن عنبسة.
فقال:
__________
[1] البيت ساقط من ف، مب.
[2] البيت عن ف، مب.
[3] الحصر: احتباس البطن أو البول.
[4] البعث: الجيش.
يشعث صبياننا وما يتموا ... وأنت صافي الأديم والحدقه
فليت صبياننا إذا يتموا ... يلقون ما قد لقيت يا صدقه
/ عوّضك اللّه من أبيك ومن ... أمك في الشام بالعراق مقه
كفاك عبد الرّحمن فقدهما [1] ... فأنت في كسوة وفي نفقه
تظل في درمك [2] وفاكهة ... ولحم طير ما شئت أو مرقه
تأوي إلى حاضن وحاضنة ... زادا على والديك في الشفقه
فكل هنيئا ما عاش ثم إذا ... مات فلغ في الدماء والسرقه
وخالف المسلمين قبلتهم ... وضلّ عنهم وخادن الفسقه
واشتر نهد التليل ذا خصل ... لصوته في الصهيل صهصلقه [3]
واقطع عليه الطريق تلف غدا ... ربّ دنانير جمة ورقه [4]
فلما مات عبد الرّحمن، أصابه ما قال ابن بيض أجمع: من الفساد والسرقة وصحبة اللصوص، ثم كان آخر ذلك أنه قطع الطريق، فأخذ وصلب.
أخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن عمار قال: حدّثني النوفليّ عن أبيه. قال ابن عمار: وأخبرني أحمد بن سليمان بن أبي شيخ، قال: حدّثني أبي عن أبي سفيان الحميريّ قال:
نبوءة أخرى
خرج حمزة بن بيض يريد سفرا، فاضطره الليل إلى قرية عامرة، كثيرة الأهل والمواشي، من الشاء والبقر، كثيرة الزرع، فلم يصنعوا به خيرا، فغدا عليهم، وقال:
لعن الإله قرية يممتها ... فأضافني ليلا إليها المغرب
الزارعين وليس لي زرع بها ... والحالبين وليس لي ما أحلب
/ فلعل ذاك الزرع يودي أهله ... ولعل ذاك الشاء يوما يجرب
ولعل طاعونا يصيب علوجها ... ويصيب ساكنها الزمان فتخرب
/ قال: فلم يمر بتلك القرية سنة حتى أصابهم الطاعون، فأباد أهلها، وخربت إلى اليوم. فمر بهم ابن بيض، فقال:
كلّا، زعمت أني لا أعطى منيتي. قالوا: وأبيك لقد أعطيتها، فلو كنت تمنيت الجنة كان خيرا لك. قال: أنا أعلم بنفسي، لا أتمنى ما لست له بأهل، ولكني أرجو رحمة ربي عزوجلّ.
__________
[1] كذا في ف، مب. وفي الأصول: همهما.
[2] الدرمك: الدقيق الأبيض.
[3] النهد: المرتفع. والتليل: العنق. والصهصلقة: شدة الصوت.
[4] الرقة: الدراهم المضروبة.
هجو من لم يحسن ضيافته
أخبرني الحسن بن عليّ قال: حدّثنا محمد بن زكرياء الغلّابيّ قال: قال ابن عائشة:
خرج ابن بيض في سفر، فنزل بقوم، فلم يحسنوا ضيافته، وأتوه بخبز يابس، وألقوا لبغلته تبنا، فأعرض عنهم، وأقبل على بغلته، فقال:
أحسبيها ليلة أدلجتها ... فكلي إن شئت تبنا أو ذري
قد أتى ربّك خبز يابس ... فتعزّي معه واصطبري [1]
الفرزدق يفحمه
حدّثنا محمد بن العباس اليزيدي، قال: حدّثنا أحمد بن الحارث الخراز، قال: حدّثنا المدائني، قال:
قال حمزة بن بيض يوما للفرزدق: أيّما أحب إليك، تسبق الخير أو يسبقك؟ قال: لا أسبقه ولا يسبقني، ولكن نكون معا. فأيّما أحب إليك، أن تدخل إلى بيتك، فتجد رجلا قابضا على حر امرأتك، أو تجد امرأتك قابضه على أيره؟ فقال: كلام لا بد من جوابه، والبادي أظلم، بل أجدها قابضة على أيره، قد أغبته [2] عن نفسها.
جبنه
نسخت من كتاب أبي إسحاق الشايمينيّ [3]: قال ابن الأعرابي:
وقع بين بني حنيفة بالكوفة، وبين بني تميم شر، حتى نشبت الحرب بينهم، فقال رجل لحمزة بن بيض: ألا تأتي هؤلاء القوم، فتدفعهم عن قومك، فإنك ذو بيان وعارضة؟ فقال:
ألا لا تلمني يا بن ماهان إنني ... أخاف على فخّارتي [4] أن تحطّما
ولو أنني أبتاع في السوق مثلها ... وجدّك [5] ما باليت أن أتقدّما
مفاضلة بين ناسك وشارب للنبيذ
قال: وكان لابن بيض صديق عامل من عمال ابن هبيرة، فاستودع رجلا ناسكا ثلاثين ألف درهم، واستودع مثلها رجلا نبيذيا، فأما الناسك فبنى بها داره، وتزوّج النساء، وأنفقها وجحده. وأما النبيذيّ فأدّى إليه الأمانة في ماله، فقال حمزة بن بيض فيهما:
ألا لا يغرّنك ذو سجدة ... يظل بها دائبا يخدع
كأن بجبهته جلبة [6] ... يسبح طورا ويسترجع
__________
[1] رواية الشطر الثاني في الأصول عدا ف، مب:
فتغذي وتعزي واصبري
[2] أغبته: أخرته وأبعدته.
[3] الشايميني: كلمة غير واضحة في الأصول. ولم نجد الاسم في المراجع.
[4] يريد: رأسي.
[5] ف، مب: وعيشك.
[6] الجلبة: قشرة رقيقة تعلو الجرح عند البرء، شبه بها أثر السجود.
وما للتّقى لزمت وجهه ... ولكن ليغترّ مستودع
فلا تنفرنّ من اهل النبيذ ... وإن قيل يشرب لا يقلع
فعندك علم بما قد خبر ... ت إن كان علم بهم ينفع
ثلاثون ألفا حواها السجود ... فليست إلى أهلها ترجع
بنى الدار من غير ما ماله ... وأصبح في بيته أربع
مهائر من غير مال حواه ... يقاتون أرزاقهم جوّع [1]
/و أخبرني بهذا الخبر الحسين بن محمد بن زكريا الصّحّاف، قال: حدّثنا قعنب بن المحرز، قال: حدّثنا أبو عبيدة والأصمعي، وكيسان بن المعرف، فذكروا نحو هذا الخبر، إلا أنه حكى أن حمزة بن بيض هو الذي استودع الرجلين المال، وقال:
/و أدى أخو الكأس ما عنده ... وما كنت في ردها أطمع
نقيضة بينه وبين أبي الجون السحيمي
أخبرني محمد بن خلف وكيع، قال: حدّثنا عبد اللّه بن شبيب قال: حدّثني أحمد بن محمد، عن ابن داجة، قال:
اختصم أبو الجون السّحيمي وحمزة بن بيض، إلى المهاجر بن عبد اللّه الكلابيّ، وهو على اليمامة، فوثب عليه حمزة وقال:
غمّضت في حاجة كانت تؤرقني ... لو لا الذي قلت فيها قلّ تغميضي
فقال: وما الذي قلت لك؟ قال:
حلفت باللّه لي أن سوف تنصفني ... فساغ في الحلق ربقي بعد تجريضي
قال: وأنا أحلف لأنصفنك. قال:
سل هؤلاء إلى ماذا شهادتهم ... أم كيف أنت وأصحاب المعاريض
قال: أوجعهم ضربا. فقال:
وسل سحيما إذا وافاك أجمعهم ... هل كان بالشر حوض قبل تحويضي
قال: فقضى له. فأنشأ السحيمي يقول:
أنت ابن بيض لعمري لست أنكره ... حقا يقينا، ولكن من أبو بيض؟
إن كنت أنبضت لي قوسا لترميني ... فقد رميتك رميا غير تنبيض
أو كنت خضخضت لي وطبا لتسقيني ... فقد سقيتك محضا غير ممخوض
__________
[1] مهائر: أي حرائر يعطين المهر عند التزوّج بهن. ولسن إماء مملوكات.
قال: فوجم حمزة وقطع به. فقيل له: ويلك! مالك لا تجيبه؟ قال: وبم أجيبه؟ واللّه لو قلت له: عبد المطلب بن هاشم أبو بيض ما نفعني ذلك، بعد قوله: ولكن من أبو بيض؟
/ وأخبرني بهذا الخبر ابن دريد، عن أبي حاتم، عن أبي عبيدة بمثله. وقال فيه: إن المخاصم له أبو الحويرث السّحيمي.
يمدح يزيد بن المهلب في السجن فيكافئه
أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال: أخبرنا السّكن بن سعيد، عن محمد بن عباد، قال:
دخل حمزة بن بيض على يزيد بن المهلب السجن، فأنشده:
أغلق دون السماح والجود والنن ... جدة باب حديده أشب
ابن ثلاث وأربعين مضت ... لا ضرع واهن ولا نكب [1]
لا بطر إن تتابعت نعم ... وصابر في البلاء محتسب
برّزت سبق الجواد في مهل ... وقصّرت دون سعيك العرب
فقال: واللّه يا حمزة لقد أسأت، إذ نوّهت باسمي في غير وقت تنويه، ولا منزل [2] لك، ثم رفع مقعدا تحته، فرمى إليه بخرقة مصرورة، وعليه صاحب خبر واقف، فقال: خذ هذا الدينار، فو اللّه ما أملك ذهبا غيره. فأخذه حمزة، وأراد أن يردّه، فقال له سرا: خذه ولا تخدع عنه. فقال حمزة: فلما قال لي: لا تخدع عنه، قلت: واللّه ما هذا بدينار، فقال لي صاحب الخبر: ما أعطاك يزيد؟ فقلت: أعطاني دينارا، فأردت أن أردّه عليه، فاستحييت منه. فلما صرت إلى منزلي حللت الصرة، فإذا فص ياقوت أحمر، كأنه سقط زند، فقلت: واللّه لئن عرضت هذا بالعراق، ليعلمنّ أني أخذته من يزيد، فيؤخذ مني، فخرجت به إلى خراسان، فبعته من رجل يهودي بثلاثين ألفا، فلما/ قبضت المال وصار الفص في يده، قال لي:/ واللّه لو أبيت إلا خمسين ألف درهم، لأخذته منك، فكأنما قذف في قلبي جمرة، فلما رأى تغير وجهي قال: إني رجل تاجر، ولست أشك أني قد غممتك. قلت: إي واللّه وقتلتني. فأخرج إليّ مائة دينار، فقال: أنفق هذه في طريقك، لتتوفر عليك تلك.
أخبرني الحسين بن يحيى قال: قال حماد بن إسحاق: قرأت على أبي:
دخل حمزة بن بيض على يزيد بن المهلّب، وهو في حبس عمر بن عبد العزيز، فأنشده قوله فيه:
أصبح في قيدك السماحة والح ... امل للمعضلات والحسب
لا بطر إن تتابعت نعم ... وصابر في البلاء محتسب
فقال له: ويحك أتمدحني على هذه الحال؟ قال: نعم، لئن كنت هكذا لطالما أثبت على الثناء، فأحسنت الثواب والرّفد، فهل بأس أن نسلفك الآن. قال: أما إذ جعلته سلفا فاقنع بما حضر، إلى أن يمكن قضاء دينك. وأمر
__________
[1] الضرع: بفتح الراء وكسرها: الضعيف الجبان. وفي ف: لا سرف. وفي مب: لا ورع. والنكب، بكسر الكاف: من يعدل عن الشيء كسلا أو جبنا.
[2] ف، مب: ولا مترك لك.
غلامه، فدفع إليه أربعة آلاف درهم، وبلغ ذلك عمر بن عبد العزيز، فقال: قاتله اللّه! يعطي في الباطل، ويمنع الحق، يعطي الشعراء، ويمنع الأمراء.
يمدح سليمان بن عبد الملك فيكافئه
أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال: حدّثنا عبد الأوّل بن مزيد، قال: حدّثنا العمري عن الهيثم بن عديّ، قال: أخبرني مخلد بن حمزة بن بيض قال:
قدم أبي على يزيد بن المهلب وهو عند سليمان بن عبد الملك، فأدخله إليه، فأنشده:
ساس الخلافة والداك كلاهما ... من بين سخطة ساخط أو طائع
أبواك ثم أخوك أصبح ثالثا ... وعلى جبينك نور ملك الرابع
/ سرّيت خوف بني المهلّب بعدما ... نظروا إليك بسمّ موت ناقع
ليس الذي ولاك ربّك منهم ... عند الإله وعندهم بالضائع
فأمر له بخمسين ألفا.
يغار من الكميت لمدحه مخلد بن يزيد ومكافأته إياه
أخبرني عمي قال: حدّثنا عبد اللّه بن عمرو قال: حدّثني جعفر بن محمد العاصميّ قال: حدّثني عيينة بن المنهال قال: حدّثني الهيثم بن عديّ قال: حدّثني أبو يعقوب الثقفيّ قال:
قال لي حمزة بن بيض: لما وفد الكميت بن زيد إلى مخلد بن يزيد بن المهلّب وهو يخلف أباه على خراسان، وكان واليها وله ثماني عشرة سنة، وقد مدحه بقصيدته التي أوّلها:
هلا سألت معالم الأطلال
وهي التي يقول فيها:
يمشين مشي قطا البطاح تأوّدا ... قبّ البطون رواجح الأكفال
وقصيدته التي يقول فيها:
هلا سألت منازلا بالأبرق
أعطاه مئة ألف درهم، سوى العروض والحملان، فقدم الكوفة في هيئة لم ير مثلها، فقلت في نفسي: واللّه لأنا أولى من الكميت بما ناله من مخلد بن يزيد، وإني لحليفه وناصره في العصبية على الكميت، وعلى مضر جميعا. فهيأت لمخلد مديحا على رويّ قصيدتي الكميت وقافيتيهما، ثم شخصت إليه، فلما كان قبل خروجي إليه بيوم، أتتني جماعة من ربيعة في خمس ديات عليهم لمضر في البدو، فقالوا: إنك تأتي مخلدا وهو فتى العرب، ونحن نعلم أنك لا تؤثر على نفسك، ولكن/ إذا فرغ من أمرك، فأعلمه ممشانا إليك، ومسألتنا إياك كلامه، فنرجو أن/ تكون عند ظننا. فلما قدمت على مخلد خراسان أنزلني، وفرش لي، وأخدمني، وحملني، وكساني، وخلطني بنفسه، فكنت أسمر معه، فقال لي ليلة: أعليك دين يابن بيض؟ قلت: دعني من مسئلتك إياي عن الدين، إنك قد أعطيت الكميت عطية لست أرضى بأقل منها، وإلا لم أدخل الكوفة، ولم أعيّر بتقصيرك بي عنه. فضحك، ثم قال
لي: بل أزيدك على ما أعطيت الكميت. فأمر لي بمئة ألف درهم، كما أعطي الكميت، وزادني عليه، وصنع بي في سائر الألطاف كما صنع به، فلما فرغت من حاجتي أتيته يوما ومعي تذكرة بحاجة القوم في الديات، فلما جلس أنشدته:
أتيناك في حاجة فاقضها ... وقل مرحبا يجب المرحب
ولا تكلنّا إلى معشر ... متى يعدوا عدة يكذبوا
فإنك في الفرع من أسرة ... لهم خضع الشرق والمغرب
وفي أدب منهم ما نشأت ... ونعم لعمرك ما أدّبوا
بلغت لعشر مضت من سني ... - ك ما يبلغ السيد الأشيب
فهمّك فيها جسام الأمور ... وهمّ لداتك أن يلعبوا
فقال: مرحبا بك وبحاجتك، فما هي؟ فأخرجت إليه رقعة القوم، وقلت: حمالات في ديات. فتبسم، ثم أمر لي بعشرة آلاف درهم. فقلت: أو غير ذلك أيها الأمير؟ قال: وما هو؟ قلت: أدلّ على قبر المهلّب، حتى أشكو إليه قطيعة ولده. فتبسم، ثم قال: زده يا غلام عشرة آلاف أخرى، فأبيت، وقلت: بل أدل على قبر المهلب، فقال: زده يا غلام عشرة آلاف أخرى، فما زلت أكررها ويزيدني عشرة آلاف،/ حتى بلغت سبعين [1] ألفا. فخشيت واللّه أن يكون يلعب أو يهز أبي، فقلت: وصلك اللّه أيها الأمير، وآجرك، وأحسن جزاءك. فقال مخلد: أما واللّه لو أقمت على كلامك، ثم أتى ذلك على خراج خراسان لأعطيتكه.
مجلس المأمون والنضر بن شميل
أخبرني محمد بن مزيد بن أبي الأزهر قال: حدّثنا الزبير بن بكار قال: حدّثني النضر بن شميل، قال:
دخلت على أمير المؤمنين المأمون بمرو وعليّ أطمار مترعبلة [2]؛ فقال لي: يا نضر، تدخل على أمير المؤمنين في مثل هذه الثياب؟ فقلت: إن حرّ مرو لا يدفع إلا بمثل هذه الأخلاق. فقال: لا. ولكنك رجل متقشّف. فتجارينا الحديث، فقال المأمون: حدّثني هشيم بن بشير [3]، عن مجالد، عن الشعبيّ، عن ابن عباس، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «إذا تزوّج الرجل المرأة لدينها وجمالها كان فيه سداد من عوز». هكذا قال: سداد بالفتح.
فقلت: صدق، يا أمير المؤمنين. حدّثني عوف الأعرابيّ عن الحسن، أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «إذا تزوّج الرجل المرأة لدينها وجمالها، كان فيه سداد من عوز»، وكان المأمون متكئا فاستوى جالسا، وقال: السّداد لحن يا نضر عندك؟
قلت: نعم هاهنا يا أمير المؤمنين؛ وإنما هشيم لحن، وكان لحانة، فقال: ما الفرق بينهما؟ قلت: السّداد: القصد في الدّين/ والطريقة والسبيل. والسّداد: البلغة، وكل ما سددت به شيئا فهو سداد. وقد قال العرجيّ:
أضاعوني وأيّ فتى أضاعوا ... ليوم كريهة وسداد ثغر
__________
[1] كذا في ف، مب. وفي الأصول: تسعين.
[2] ممزقة.
[3] ف، مب: هشيم بن يسار. وانظره في «خلاصة» الخزرجي.
/ قال: فأطرق المأمون مليّا، ثم قال: قبح اللّه من لا أدب له! ثم قال: أنشدني يا نضر أخلب بيت للعرب. قال:
قلت: قول حمزة بن بيض يا أمير المؤمنين:
تقول لي والعيون هاجعة: ... أقم علينا يوما، فلم أقم
قالت: فأيّ الوجوه؟ قلت لها: ... لأيّ وجه إلا إلى الحكم؟
متى يقل حاجبا سرادقه: ... هذا ابن بيض بالباب، يبتسم
قد كنت أسلمت فيك مقتبلا ... فهات إذ حلّ أعطني سلمي [1]
فقال المأمون: للّه درّك، كأنما شق لك عن قلبي! فأنشدني أنصف بيت للعرب. قال: قلت: قول أبي عروبة المدني [2]:
إني وإن كان ابن عمي عاتبا [3] ... لمزاحم من خلفه وورائه
ومفيده نصري وإن كنت [4] امرأ ... متزحزحا عن أرضه وسمائه
وأكون والي سره وأصونه ... حتى يحين عليّ وقت أدائه
وإذا الحوادث أجحفت بسوامه ... قرنت صحيحتنا إلى جربائه
وإذا دعا باسمي ليركب مركبا ... صعبا قعدت له على سيسائه
وإذا أتى من وجهه بطريفة ... لم أطّلع ممّا [5] ورراء خبائه
وإذا ارتدى ثوبا جميلا لم أقل: ... يا ليت أن عليّ حسن ردائه
فقال: أحسنت يا نضر؛ أنشدني الآن أقنع بيت قالته العرب. فأنشدته قول ابن عبدل الأسديّ:
/إني امرؤ لم أزل، وذاك من الل ... - ه قديما، أعلّم الأدبا
أقيم بالدار ما اطمأنت بي الدا ... ر وإن كنت مازحا طربا
لا أجتوي خلّة الصديق ولا ... أتبع نفسي شيئا إذا ذهبا
أطلب ما يطلب الكريم من ... الرّزق بنفسي وأجمل الطلبا
وأحلب الثرة الصفي ولا ... أجهد أخلاف غيرها حلبا
إني رأيت الفتى الكريم إذا ... رغّبته في صنيعة رغبا
__________
[1] أسلمت: أسلفت. يريد أنه قدم إليه مديحه ولم يأخذ جائزته. ومقتبلا: مستأنفا. وسلمى: سلفى، يري جائزتي. وفي الأصول:
هات أدخلن ذا واعطني سلمى
[2] كذا في ف و «معجم الأدباء» لياقوت «ترجمة النضر بن شميل». وفي مب: ابن أبي عروبة. وفي هامشها: المزني. وفي «طبقات النحويين» للزبيديّ ص 57: «عروبة المدني». ونسبت هذه الأبيات في «الحماسة» إلى الهذيل بن مشجعة البولاني «شرح التبريزي» طبعة الأميرية 4: 104.
[3] ف، مب: غائبا.
[4] كذا في ف، مب. وفي الأصول: وإن كان.
[5] ف والأصول: فيما.
والعبد لا يطلب العلاء ولا ... يعطيك شيئا إلا إذا رهبا
مثل الحمار الموقّع السّوء لا ... يحسن مشيا إلا إذا ضربا [1]
قد يرزق الخافض المقيم وما ... شد بعيس رحلا ولا قتبا [2]
ويحرم الرزق ذو المطية والر ... حل ومن لا يزال مغتربا
ولم أجد عدّة الخلائق إلّا ... الدّين لما اعتبرت والحسبا [3]
فقال: أحسنت يا نضر! وكتب لي إلى الحسن [4] بن سهل بخمسين ألفا، وأمر خادما بإيصال رقعة، وتنجيز ما أمر به لي، فمضيت معه إليه، فلما قرأ التوقيع ضحك، وقال لي: يا نضر، أنت الملحّن/ لأمير المؤمنين؟ قلت: لا، بل لهشيم. قال: فذاك إذن، وأطلق لي الخمسين ألف درهم، وأمر لي بثلاثين ألفا.
عبد الملك بن بشر يعبث به
أخبرني الحسين بن يحيى، قال: حدّثنا حماد عن أبيه، قال:
بلغني أن حمزة بن بيض الحنفيّ كان يسامر عبد الملك بن بشر بن مروان، وكان/ عبد الملك يعبث به عبثا شديدا، فوجه إليه ليلة برسول، وقال: خذه على أي حال وجدته عليها، ولا تدعه يغيرها، وحلّفه على ذلك، وغلّظ الأيمان عليه. فمضى الرسول، فهجم عليه، فوجده يريد أن يدخل الخلاء، فقال: أجب الأمير. فقال: ويحك، إني أكلت طعاما كثيرا، وشربت نبيذا حلوا، وقد أخذني بطني. قال: واللّه لا تفارقني أو أمضي بك إليه، ولو سلحت في ثيابك. فجهد في الخلاص، فلم يقدر عليه، فمضى به إلى عبد الملك، فوجده قاعدا في طارمة [5] له، وجارية جميلة كان يتحظاها جالسة بين يديه، تسجر الندّ في طارمته، فجلس يحادثه وهو يعالج ما هو فيه.
قال: فعرضت لي ريح، فقلت: أسرحها وأستريح، فلعل ريحها لا يتبين مع هذا البخور، فأطلقتها، فغلبت واللّه ريح الندّ وغمرته، فقال: ما هذا يا حمزة! قلت: عليّ عهد اللّه وميثاقه، وعليّ المشي والهدي إن كنت فعلتها.
وما هذا إلا عمل هذه الفاجرة. فغضب واحتفظ، وخجلت الجارية، فما قدرت على الكلام، ثم جاءتني أخرى فسّرحتها، وسطع واللّه ريحها. فقال: ما هذا ويلك! أنت واللّه الآفة. فقلت: امرأتي فلانة طالق ثلاثا إن كنت فعلتها. قال: وهذه اليمين لازمة لي إن كنت فعلتها، وما هو إلا عمل هذه الجارية، فقال: ويلك ما قصتك؟ قومي إلى الخلاء إن كنت تجدين حسّا، فزاد خجلها وأطرقت. وطمعت فيها، فسرّحت الثالثة، وسطع من ريحها ما لم يكن في الحساب، فغضب عبد الملك، حتى كاد يخرج من جلده، ثم قال: خذ يا حمزة بيد الزانية، فقد وهبتها لك، وامض فقد نغصت عليّ ليلتي.
فأخذت واللّه بيدها، وخرجت، فلقيني خادم له، فقال: ما تريد أن تصنع؟ قلت: أمضي بهذه. قال: لا
__________
[1] الموقع: الذي في ظهره سحج، وقيل في أطراف عظامه، من الركوب؛ وربما انحص عنه الشعر، ونبت أبيض. وفي «اللسان»:
الموقع الظهر وفي الأصول: لا يحمل شيئا.
[2] القتب: الرحل.
[3] في الأصول عدا ف، مب: لما اختبرت.
[4] في الأصول عدا ف، مب: الفضل.
[5] الطارمة: بيت من خشب كالقبة، فارسي معرب، عن «تاج العروس».
تفعل، فو اللّه لئن فعلت ليبغضنك بغضا/ لا تنتفع به بعدها أبدا، وهذه مئة دينار، فخذها ودع الجارية، فإنه يتحظاها، وسيندم على هبته إياها لك. قلت: واللّه لا نقصتك من خمس مئة دينار. فلم يزل يزايدني حتى بلغ مئتي دينار، ولم تطب نفسي أن أضيعها، فقلت: هاتها، فأعطانيها، وأخذها الخادم.
فلما كان بعد ثلاث دعاني عبد الملك، فلما قربت من داره لقيني الخادم، فقال: هل لك في مئة دينار وتقول ما لا يضرك، ولعله أن ينفعك؟ قلت: وما ذاك؟ قال: إذا دخلت إليه ادّعيت عنده الثلاث الفسوات، ونسبتها إلى نفسك، وتنفح [1] عن الجارية ما قرفتها به. قلت: هاتها. فدفعها إليّ، ودخلت على عبد الملك، فلما وقفت بين يديه قلت: ألي الأمان حتى أخبرك بخبر يسرك، وتضحك منه؟ قال: لك الأمان. قلت: أرأيت ليلة حضوري وما جرى؟ قال: نعم. فقلت: فعليّ وعليّ إن كان فسا تلك الفسوات غيري. فضحك حتى سقط على قفاه. ثم قال:
ويلك! فلم لم تخبرني؟ قلت: أردت بذلك خصالا، منها أن قمت فقضيت حاجتي، وقد كان رسولك منعني منها، ومنها أني أخذت جاريتك، ومنها أن كافأتك على أذاك لي بمثله. فقال: فأين الجارية؟ قلت: ما برحت من دارك ولا خرجت حتى سلمتها إلى فلان الخادم، وأخذت/ مائتي دينار. فسرّ بذلك، وأمر لي بمئتي دينار أخرى، وقال:
هذه لجميل فعلك بي، وتركك أخذ الجارية.
سباق غريب
قال حمزة بن بيض: ودخلت إليه يوما وكان له غلام لم ير الناس أنتن إبطا منه، فقال لي: يا حمزة، سأبق غلامي حتى يفوح صنانكما، فأيكما كان صنانته أنتن، فله مئة دينار. فطمعت في المائة، ويئست منها لما أعلمه من نتن إبط الغلام، فقلت: أفعل. وتعادينا، فسبقني، فسلحت في يدي، ثم لطخت [2] إبطي/ بالسّلاح، وقد كان عبد الملك جعل بيننا حكما يخبره بالقصة، فلما دنا الغلام منه فشمه، وثب، وقال: هذا واللّه لا يساجله [3] شيء.
فصحت به: لا تعجل بالحكم، مكانك. ثم دنوت منه، فألقمت أنفه إبطي حتى علمت أنه قد خالط دماغه، وأنا ممسك لرأسه تحت يدي. فصاح: الموت واللّه! هذا بالكنف أشبه منه بالآباط! فضحك عبد الملك، ثم قال:
أفحكمت له؟ قال: نعم. فأخذت الدنانير.
رؤيا شعرية
أخبرني عمي قال: حدّثني جعفر العاصميّ قال: حدّثنا عيينة بن المنهال، عن الهيثم بن عديّ، عن أبي يعقوب الثقفيّ، قال: قال حمزة بن بيض:
دخلت يوما على مخلد بن يزيد، فقلت:
أنّ المشارق والمغارب كلها [4] ... تجبى وأنت أميرها وإمامها
فضحك ثم قال: مه؟ فقلت:
__________
[1] تدفع. وفي ف، مب: تنضح، وهو بمعنى تدفع أيضا.
[2] ف، مب: طليت.
[3] ف، مب: لا يشاكله.
[4] رواية الشطر الأول في الأصول غير ف:
ليت المشارق والمغارب أصبحت
أغفيت قبل الصبح نوم مسهّد ... في ساعة ما كنت قبل أنامها
قال: ثم ماذا كان؟ قلت:
فرأيت أنك جدت لي بوصيفة ... موسومة حسن عليّ قيامها
قال: قد فعلت. فقلت:
وببدرة حملت إليّ وبغلة ... سفواء ناجية يصلّ لجامها [1]
قال: قد حقق اللّه رؤياك. ثم أمر لي بذلك كله، وما علم اللّه أني رأيت من ذلك شيئا.
/ قال مؤلف هذا الكتاب: وقد روي هذا الخبر بعينه لابن عبدل الأسديّ، وذكرته في أخباره.
شعره في ابن عمه الذي حج معه
أخبرني محمد بن الحسن بن دريد، قال: حدّثنا أبو حاتم، قال: حدّثنا عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير، قال:
حج حمزة بن بيض الحنفيّ، فقال له ابن عم له: أحجج بي معك. فأخرجه معه، فحوقل [2] عليه بعد نشاطه، فقال ابن بيض فيه:
وذي سنة لم يدر ما السير قبلها ... ولم يعتسف خرقا من الأرض مجهلا [3]
ولم يدر ما حلّ الحبال وعقدها ... إذا البرد لم يترك لكفيه معملا
ولم يقر مأجورا ولا حج حجة ... فيضرب سهما أو يصاحب مكتلا [4]
غدونا به كالبغل ينفض رأسه ... نشاطا بناه الخير حتى تفتّلا [5]
ترى المحمل المحسورناء عرامه ... وبابا إذا أمسى من الشر مقفلا [6]
وإن قلت ليلا: أين أنت لحاجة ... أجاب بأن لبيك عشرا وأقبلا
يسوق مطيّ القوم طورا وتارة ... يقود وإن شئنا حدا ثم جلجلا [7]
فأجّلته خمسا وقلت له: انتظر ... رويدا؛ وأجلنا المطيّ ليدبلا
__________
[1] السفواء: قليلة شعر الناصية، والسريعة. وفي مب: شقراء. ويصل: يصوت لما فيه من الحلية.
[2] حوقل: مشى فأعيا وضعف.
[3] اعتسف الطريق: ركبه على غير هداية ولا دراية. والخرق: الأرض الواسعة يشتد فيها هبوب الرياح. والمجهل: المفازة لا أعلام فيها، أو لا يهتدي فيها.
[4] المأجور: ما يستأجر في السفر من دابة أو خادم. والمكتل: الزنبيل من خوص. وفي ف، مب: ولم يغز مأجورا ... فيصحب سهما.
[5] تفتل: اشتد.
[6] المحمل: كذا في ف، مب. ولعله يريد دابة الحمل. أو لعل اللفظة محرفة عن: الجمل. والمحسور: المتعب المكدود. وناء:
بعد، وهو مقلوب نأى، أو لغة فيه. وعرامه: قوته ونشاطه. وفي غير ف، مب: «و يأبى إذا أمسى من الشر مقبلا».
[7] سائق المطي: من يدفعها من خلفها. وقائدها: من يسحبها من قدامها.
/
فلما صدرنا عن زبالة وارتمت ... بنا العيس منها منقلا ثم منقلا [1]
ترامت به الموماة حتى كأنما ... يسفّ بمعسول الخزيرة حنظلا [2]
وحتّى نبا عن مزود القوم ضرسه ... وعادى من الجهد الثريد المرعبلا [3]
وحتى لو ان الليث ليث خفيّة ... يحاوله عن نفسه ما تحلحلا
وحتى لو ان اللّه أعطاه سؤله ... وقيل له: ما تشتهي؟ قال: محملا
فقلت له لما رأيت الذي به ... وقد خفت أن ينضى لدينا ويهزلا
أطعني وكلّ شيئا، فقال معذّرا ... من الجهد: أطعمني ترابا وجندلا
فللموت خير منك جارا وصاحبا ... فدعني فلا لبيك ثم تجدلا [4]
وقال: أقلني عثرتي وارع حرمتي ... وقد فر مني مرتين ليقفلا
فقلت له: لا - والذي أنا أعبده - ... أقيلك حتى تمسح الركن أوّلا
يعاتب مخلد بن زيد لتأخيره مكافأته فيرضيه
أخبرني حبيب بن نصر المهلبي قال: حدثني عبد اللّه بن عمرو بن سعد قال: حدثني إسماعيل بن إبراهيم الهاشمي، قال: حدثني أبو عمر العمري، قال: حدثني عطاء بن مصعب، عن عاصم بن الحدثان قال:
قدم حمزة بن بيض على مخلد بن يزيد بن المهلب، فوعده أن يصنع به خيرا، ثم شغل عنه، فاختلف إليه مرارا، فلم يصل إليه، وأبطأت عليه عدته، فقال ابن بيض:
أمخلد إن اللّه ما شاء يصنع ... يجود فيعطي من يشاء ويمنع
وإنّى قد أملت منك سحابة ... فحالت سرابا فوق بيداء تلمع
/ فأجمعت صرما ثم قلت: لعله ... يثوب إلى أمر جميل فيرجع
فأيأسني من خير مخلد أنه ... على كل حال ليس لي فيه مطمع
يجود لأقوام يودون أنه ... من البغض والشّنآن أمسى يقطّع
ويبخل بالمعروف عمن يودّه ... فو اللّه ما أدري به كيف أصنع؟
أأصرمه فالصّرم شرّ مغبّة ... ونفسي إليه بالوصال تطلّع
وشتان بيني في الوصال وبينه ... على كل حال أستقيم ويظلع
__________
[1] زبالة: موضع من ضواحي المدينة («التاج»). والمنقل: الطريق في الجبل.
[2] أي صار دمعه غزيرا كمن يسف الحنظل مع الخزيرة أو الحريرة، وهي طعام من دقيق ولبن يحلى بالعسل أو التمر. يريد أنه ضجر وبكى من طول السفر ووعورته.
[3] المرعبل: المقطع قطعا كبيرة.
[4] تجدلا: سقط على الجدالة وهي الأرض، من الإعياء.
وقد كان دهرا واصلا لي مودة ... ويمنعني من صرف دهري أضرع [1]
وأعقبني صرما على غير إحنة ... وبخلا وقدما كان لي يتبرع
وغيّره ما غيّر الناس قبله ... فنفسي بما يأتي به ليس تقنع
ثم كتبها في قرطاس وختمه، وبعث به مع رجل، فدفعه إلى غلامه، فدفعه الغلام إليه، فلما قرأه سأل الغلام: من صاحب الكتاب؟ قال: لا أعرفه. فأدخل إليه الرجل، فقال: من أعطاك هذا الكتاب؟ ومن بعث به معك؟ قال: لا أدري، ولكن من صفته كذا وكذا، ووصف صفة ابن بيض، فأمر به فضرب عشرين سوطا على رأسه، وأمر له بخمس مئة درهم، وكساه، وقال: إنما ضربناك أدبا لك، لأنك حملت كتابا لا تدري ما فيه، لمن لا تعرف، فإياك أن تعود لمثلها. قال الرجل: لا واللّه، أصلحك اللّه، لا أحمل كتابا لمن أعرف، ولا لمن/ لا أعرف. قال له مخلد:
احذر، فليس كل أحد يصنع بك صنيعي؛ وبعث إلى ابن بيض، فقال له: أتعرف ما لحق صاحبك الرجل؟ قال: لا.
فحدثه مخلد بقصته، فقال ابن بيض: واللّه، أصلحك اللّه، لا تزال نفسه تتوق إلى العشرين/ سوطا مع الخمس مائة أبدا. فضحك مخلد، وأمر له بخمسة آلاف درهم، وخمسة أثواب، وقال: وأنت واللّه لا تزال نفسك تتوق إلى عتاب إخوانك أبدا. قال: أجل واللّه، ولكن من لي بمثلك يعتبني إذا استعتبته، ويفعل بي مثل فعلك؟ ثم قال:
وأبيض بهلول إذا جئت داره ... كفاني وأعطاني الذي جئت أسأل
ويعتبني يوما إذا كنت عاتبا ... وإن قلت، زدني: قال: حقّا سأفعل
تراه إذا ما جئته تطلب الندى ... كأنك تعطيه الذي جئت تسأل
فاللّه أبناء المهلّب فتية ... إذا لقحت حرب عوان تأكّل
هم يصطلون الحرب والموت كانع ... بسمر القنا والمشرفية من عل [2]
ترى الموت تحت الخافقات أمامهم ... إذا وردوا علّو الرماح وأنهلوا
يجودون حتى يحسب الناس أنهم ... لجودهم نذر عليهم يحلّل [3]
غيوث لمن يرجو نداهم وجودهم ... سمام لأقوام ذعاف يثمّل [4]
وفى لي أبناء المهلّب إنهم ... إذا سئلوا المعروف لم يتسعلّوا [5]
فذلك ميراث المهلّب إنه ... كريم نماه للمكارم أوّل
جرى وجرت آباؤه فتحرّزوا ... عن الذمّ في عيطاء لا تتوقّل [6]
__________
[1] رواية البيت في الأصول عدا ف.
بوده
ومعروفه يعدو البريد المفرع
[2] كانع: قريب، متجمع للوثبة، مترقب.
[3] ف، مب: محلل.
[4] ذعاف: قاتل من ساعته. ويثمل: سم نقع أياما حتى اختمر. وفي الأصول: صحاة وثمل.
[5] ف: لم يتنسلوا. مب: يتبسلوا: أي يتجهموا.
[6] العيطاء: الهضبة المرتفعة. وتتوقل: يصعد فيها.
فلما أنشده ابن بيض هذه الأبيات، أمر له بعشرة آلاف درهم، وعشرة أثواب، وقال: نزيدك ما زدتنا، ونضعف لك. فقال:
/أمخلد لم تترك لنفسي بغية ... وزدت على ما كنت أرجو وآمل
فكنت كما قد قال معن فإنه ... بصير بما قد قال إذ يتمثّل
وجدت كثير المال إذ ضنّ معدما ... يذمّ ويلحاه الصديق المؤمّل
وإن أحقّ الناس بالجود من رأى ... أباه جوادا للمكارم يجزل
تربّ الذي قد كان قدّم والد ... أغرّ إذا ما جئته يتهلل [1]
وجدت يزيدا والمهلّب برّزا ... فقلت: فإني مثل ذلك أفعل
ففزت كما فازا وجاوزت غاية ... يقصّر عنها السابق المتمهّل
فأنت غياث لليتامى وعصمة ... إليك جمال الطالبي الخير ترحل
أصاب الذي رجّى نداك مخيلة ... تصبّ عزاليها عليه وتهطل [2]
ولم تلف إذ رجّوا نوالك باخلا ... تضن على المعروف والمال يعقل [3]
وموت الفتى خير له من حياته ... إذا كان ذا مال يضنّ ويبخل
فقال له مخلد: احتكم. فأبى، فأعطاه عشرة آلاف [4] دينار وجارية وغلاما وبرذونا.
الصداقة بينه وبين حماد بن الزبرقان
أخبرني إسماعيل بن يونس الشيعيّ قال: حدّثنا أحمد بن الحارث الخراز، عن المدائني، قال:
كان حمزة/ بن بيض شاعرا ظريفا، فشاتم حماد بن الزبرقان، وكان من ظرفاء أهل الكوفة، وكلاهما صاحب شراب، وكان حماد يتّهم بالزندقة، فمشى الرجال بينهما حتى اصطلحا، فدخلا يوما على بعض ولاة الكوفة، فقال لابن بييض:/ أراك قد صالحت حمادا، فقال ابن بيض: نعم، أصلحك اللّه، على ألا آمره بالصلاة، ولا ينهاني عنها.
شعره في التشوق لأهله لطول مقامه بالبصرة
أخبرني محمد بن زكريا الصّحّاف قال: حدّثنا قعنب بن المحرز الباهليّ قال: حدّثني الهيثم بن عديّ قال:
قدم حمزة بن بيض البصرة زائرا لبلال بن أبي بردة بن أبي موسى، وبينهما مودة منذ الصّبا، فطال مقامه عنده، فاشتاق إلى أهله وولده، فكتب إلى بلال:
__________
[1] مب: «إذا مازرته». والبيت ساقط كله من ف.
[2] العزالى: جمع عزلاء، وهي مصب الماء من القربة.
[3] كذا في الأصول. وفي ف: يفصل. وفي مب:
يظل على المعروف والمال يفضل
[4] في الأصول: ألفي دينار.
كلّت رحالي وأعواني وأحراسي ... إلى الأمير وإدلاجي وإملاسي [1]
إلى امرىء مشبع مجدا ومكرمة ... عادية [2] فهو حال منهما كاسي
فلست منك ولا مما مننت به ... من فضل ودك كالمرميّ في راسي
إني وإياك والإخوان كلّهم ... في العسر واليسر لو قيسوا بمقياس
وذاك مما ينوب الدهر من حدث ... كالورد في المثل المضروب والآس [3]
يبيد هذا فيبلى بعد جدّته ... غضّا وآخره رهن بإيناس [4]
وأنت لي دائم باق بشاشته ... يهتز في عود لا عشّ ولا عاسي [5]
فعجل له بلال صلته، وسرّحه إلى الكوفة.
يستكسي سليمان بن عبد الملك فيكسوه
أخبرني محمد بن خلف وكيع قال: حدّثنا إسحاق بن محمد النّخعيّ قال: حدّثنا أبو المعارك الضّبيّ قال:
حدّثني أبو مسكين قال:
دخل حمزة بن بيض على سليمان بن عبد الملك، فلما مثل بين يديه أنشأ يقول:
رأيتك في المنام شننت خزا ... عليّ بنفسجا وقضيت ديني
فصدق يا فدتك النفس رؤيا ... رأتها في المنام لديك عيني
/ فقال سليمان: يا غلام أدخله خزانة الكسوة، واشنن عليه كل ثوب خزّ بنفسجيّ فيها: فخرج كأنه مشجب [6]. ثم قال له: كم دينك؟ قال: عشرة آلاف درهم. فأمر له بها.
صوت
من سره ضرب يرعبل بعضه ... بعضا كمعمعة الأباء المحرق [7]
فليأت مأسدة تسنّ سيوفها ... بين المذاد وبين جزع الخندق
ويروى: يمعمع بعضه بعضا. والمعمعة: وتسنّ: اختلاف الأصوات وشدّة زجلها. والمأسدة: الموضع الذي تجتمع فيه الأسد. وتسنّ: تحدّ. يقال: سيف مسنون. والمذاد: موضع بالمدينة. والخندق: يعني به الخندق الذي احتفره رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه حول المدينة. والشعر لكعب بن مالك الأنصاريّ. والغناء لابن محرز: خفيف رمل، بإطلاق الوتر في مجرى الوسطى، عن إسحاق وعمرو.
__________
[1] الإملاس: السوق الشديد.
[2] عادية: قديمة متأصلة.
[3] ف: كالحبل، وهي محرفة عن الجبل، بمعنى الورد يريد أنه كالورد سريع الذبول. وكالآس في طول خضرته ونضرته، فإن ذبل طرف منه، بقي آخره ناضرا، صالحا للشم والإيناس.
[4] كذا في ف، مب. وفي بقية الأصول: وغابره رهن بإيناس.
[5] العش من الشجر: اللئيم المنبت، ومن النخل القليل السعف. والعاسي: اليابس.
[6] المشجب: ما تعلق عليه الثياب من أعواد متشابكة.
[7] يرعبل: يقع بعضه على بعض. والأباء: القصب. واحدته: أباءة.
12 - أخبار كعب بن مالك الأنصاري ونسبه
نسبه
هو كعب بن مالك بن أبي كعب. واسم أبي كعب: عمرو بن القين بن كعب بن/ سواد. وقيل: القين بن سواد (هكذا قال ابن الكلبيّ) بن غنم بن كعب بن سلمة بن سعد بن عليّ بن أسد بن شاردة بن يزيد بن جشم بن الخزرج بن حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر بن حارثة بن امرىء القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأزد بن الغوث.
أسرة شاعرة محدّثة
وكان كعب بن مالك من شعراء أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم المعدودين، وهو بدري عقبيّ. وأبوه مالك بن أبي كعب بن القين شاعر، وله في حروب الأوس والخزرج، التي كانت بينهم قبل الإسلام آثار وذكر. وعمه قيس بن أبي كعب شهد بدرا، وهو شاعر أيضا، وهو الذي حالف جهينة على الأوس. وخبره في ذلك يذكر في موضعه، بعد أخبار كعب وأبيه.
ولكعب بن مالك أصل عريق [1]، وفرع طويل في الشعر: ابنه عبد الرّحمن شاعر، وابن ابنه بشير بن عبد الرّحمن شاعر [2]، والزّبير بن خارجة بن عبد اللّه بن كعب شاعر، ومعن بن عمرو بن عبد اللّه بن كعب شاعر، وعبد الرّحمن بن عبد اللّه بن كعب أبو الخطّاب شاعر، ومعن بن وهب بن كعب شاعر، وكلهم مجيد مقدّم.
وعمّر كعب بن مالك، وروى عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم حديثا كثيرا، وكل بني كعب بن مالك قد روى عنه الحديث.
/ فما رواه ابن ابنه بشير [3] عن أبيه عنه: حدّثني أحمد بن الجعد قال: حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدّثنا أحمد بن عبد الملك قال: حدّثنا عتّاب [4] بن سلمة عن إسحاق بن راشد عن الزهريّ قال: كان بشير بن عبد الرّحمن بن كعب يحدث عن أبيه: أن كعب بن مالك كان يحدّث أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «و الذي نفسي بيده، لكأنما تنضحونهم بالنّبل بما تقولون لهم من الشعر».
ومما رواه عنه ابنه عبد اللّه: أخبرني أحمد بن الجعد قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا بكر بن عبد الرّحمن قال: حدثنا عيسى بن المختار، عن ابن أبي ليلى، عن إسماعيل بن أمية، عن محمد بن مسلم، عن عبد اللّه بن كعب بن مالك، عن أبيه قال: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يصلي المغرب، ثم يرجع الناس إلى أهاليهم وهم يبصرون مواقع النّبل حين يرمون.
__________
[1] في الأصول: أصيل.
[2] «و ابن ابنه بشير بن عبد الرّحمن شاعر»: هذه العبارة ساقطة من ف، مب.
[3] ف: بشر. ونظنه محرفا، لاتفاق أكثر الأصول على «بشير».
[4] كذا في ف، مب. وفي بعض الأصول: «غياث».
ومما رواه ابنه محمد: أخبرني أحمد بن الجعد قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا محمد بن سابق قال: حدثنا إبراهيم بن طهمان، عن أبي الزّبير، عن محمد بن كعب، عن أبيه، أنه حدّثه: أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم بعثه وأوس بن الحدثان [1] أيام التشريق، فنادى:
«إنه لا يدخل الجنة إلا مؤمن، وأيام منّى أيام أكل وشرب».
هواه مع عثمان بن عفان
ويقال: كان كعب بن مالك عثمانيا، وهو أحد من قعد عن عليّ بن أبي طالب عليه السّلام، فلم يشهد معه حروبه، وخاطبه في أمر عثمان وقتلته خطابا نذكره بعد هذا في أخباره، ثم اعتزله. وله مراث في عثمان بن عفان رحمه اللّه، وتحريض للأنصار على نصرته قبل قتله، وتأنيب لهم على خذلانه بعد ذلك، منها قوله:
فلو حلتم من دونه لم يزل لكم ... يد الدهر عزّ لا يبوخ ولا يسري
ولم تقعدوا والدار كاب دخانها ... يحرّق فيها بالسعير وبالجمر
فلم أريوما كان أكثر ضيعة ... وأقرب منه للغواية والنّكر
يعاون عثمان ويرثيه
أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال: حدثنا أبو غسان دماذ، عن أبي عبيدة قال:
كان كعب بن مالك الأنصاريّ أحد من عاون عثمان على المصريين، وشهر سلاحه، فلما ناشد/ عثمان الناس أن يغمدوا سيوفهم انصرف، ولم ير أن الأمر يخلص إليه، ولا يجري القوم إلى قتله؛ فلما قتل وقف كعب بن مالك على مجلس الأنصار، في مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فأنشدهم:
من مبلغ الأنصار عنّي آية ... رسلا تقصّ عليهم التّبيانا
أن قد فعلتم فعلة مذكورة ... كست الفضوح وأبدت الشّنآنا [2]
بقعودكم في دوركم وأميركم ... تحشى ضواحي داره النيرانا
بينا يرجّي دفعكم عن داره ... ملئت حريقا كابيا ودخانا
حتى إذا خلصوا إلى أبوابه ... دخلوا عليه صائما عطشانا
يعلون قلّته السيوف وأنتم ... متلبّثون مكانكم رضوانا [3]
/اللّه يعلم أنني لم أرضه ... لكم صنيعا يوم ذاك وشانا
يا لهف نفسي إذ يقول: ألا أرى ... نفرا من الأنصار لي أعوانا
__________
[1] الحدثان، بفتح الحاء والدال، كذا ضبطه في «التاج» وقال: أوس بن الحدثان بن عوف بن ربيعة النصري، صحابي مشهور من هوازن، نادى أيام مني: «إنها أيام أكل وشرب». روى عنه ابنه مالك. والحدثان: اسم منقول من حدثان الدهر، أي صروفه ونوائبه. اه.
[2] الشنآن: البغضاء. وفي ف، مب: الذلانا، أي الأذلاء.
[3] رضوانا: مصدر رضى، في محل الحال: أي راضين. وفي ف: إخالكم صوانا.
واللّه لو شهد ابن قيس ثابت ... ومعاشر كانوا له إخوانا
يعني ثابت بن قيس بن شمّاس.
وأبو دجانة وابن أرقم [1] ثابت ... وأخو المشاهد من بني عجلانا
أبو دجانة: سماك بن خرشة. وابن أرقم: ثابت البلويّ. وأخو المشاهد من بني عجلان: معن بن عديّ، عقبيّ.
ورفاعة العمريّ وابن معاذهم ... وأخو معاوي لم يخف خذلانا
رفاعة: ابن عبد المنذر العمريّ. وابن معاذ: سعد بن معاذ. وأخو معاوية: المنذر بن عمرو الساعديّ، عقبى بدريّ.
قوم يرون الحق نصر أميرهم ... ويرون طاعة أمره إيمانا
إن يتركوا فوضى يروا في دينهم ... أمرا يضيّق عنهم البلدانا
فليعلينّ اللّه كعب وليه ... وليجعلنّ عدوّه الذّلّانا
إني رأيت محمدا إختاره ... صهرا وكان يعدّه خلصانا [2]
محض الضرائب ماجدا أعراقه ... من خير خندف منصبا ومكانا
عرفت له عليا معدّ كلّها ... بعد النبيّ الملك والسلطانا
من معشر لا يغدرون بجارهم ... كانوا بمكة يرتعون زمانا
يعطون سائلهم ويأمن جارهم ... فيهم ويردون الكماة طعانا
/ فلو انكم مع نصركم لنبيكم ... يوم اللقاء نصرتم عثمانا!
أنسيتم عهد النبيّ إليكم ... ولقد ألظّ ووكّد الأيمانا [3]
قال: فجعل القوم يبكون، ويستغفرون اللّه عزوجل.
يناقض راجزا من قريش في حداء لهما
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ، وحبيب بن نصر المهلبيّ قالا: حدّثنا عمر بن شبّة قال: حدثنا أبو عامر، عن ابن جريج، عن هشام بن عروة، عن أبيه قال:
رجز راجز من قريش [4] برسول اللّه صلّى اللّه عليه، فقال:
/لم يغذها مدّ ولا نصيف ... ولا تميرات ولا تعجيف [5]
__________
[1] في هامش مب: ابن أقرم.
[2] قطع همزة «اختاره» لضرورة الشعر. والخلصان: الصديق الخالص، يستوي فيه المفرد والجمع.
[3] ألظ: ألح.
[4] هو سلمة بن الأكوع، كما في («اللسان»: عجف).
[5] المد: مكيال. والنصيف: نصفه. والتعجيف: حبس الدواب عن الطعام حتى تهزل. أو هو حبس الدابة عن الطعام وهو له مشته، ليؤثر به غيره («اللسان»).
لكن غذاها اللبن الحرّيف ... والمخض والقارص والصّريف
قال: فاحتفظت الأنصار حيث ذكر المد والتمر، فقالوا لكعب بن مالك: انزل، فنزل، فقال:
لم يغذها مدّ ولا نصيف ... لكن غذاها الحنظل النّقيف
ومذقة كطرّة الخنيف ... تبيت بين الزّرب والكنيف [1]
فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: اركبا.
أخبرني الجوهريّ والمهلّبي قالا: حدثنا عمر بن شبّة قال: حدثنا هوذة بن خليفة قال: حدثنا عوف بن محمد، عن محمد بن سيرين، في حديث طويل قال:
المهاجمون لقريش من شعراء الأنصار
كان يهجوهم يعني قريشا، ثلاثة نفر من الأنصار يجيبونهم: حسان بن ثابت، وكعب بن مالك، وعبد اللّه بن رواحة. وكان حسّان وكعب يعارضانهم بمثل قولهم، بالوقائع والأيام والمآثر، ويعيرانهم بالمثالب، وكان عبد اللّه بن رواحة يعيّرهم بالكفر، وينسبهم إليه، ويعلم أن ليس فيهم شيء شرّ من الكفر، فكانوا في ذلك الزمان أشدّ شيء عليهم قول حسان وكعب، وأهون شيء عليهم قول ابن رواحة، فلما أسلموا وفقهوا الإسلام، كان أشد القول عليهم قول ابن رواحة.
يستأذن الرسول في هجاء قريش
أخبرني الجوهريّ والمهلّبيّ قالا: حدثنا عمر بن شبة قال: حدثنا عبد اللّه بن بكر السّهميّ قال: حدثني حاتم بن أبي صغيرة قال: حدثنا سماك بن حرب قال:
أتي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقيل: إن أبا سفيان بن الحارث بن عبد المطلب يهجوك، فقام ابن رواحة، فقال: يا رسول اللّه ائذن لي فيه. فقال له: أنت الذي تقول: فثبّت اللّه؟ قال: نعم يا رسول اللّه، أنا الذي أقول:
فثبت اللّه ما أعطاك من حسن ... تثبيت موسى، ونصرا كالذي نصرا
فقال: وأنت فعل اللّه بك مثل ذلك. قال: فوثب كعب بن مالك فقال: يا رسول اللّه، ائذن لي فيه. فقال: أنت الذي تقول: همّت؟ قال: نعم يا رسول اللّه، أنا الذي أقول:
همت سخينة أن تغالب ربّها ... وليغلبنّ مغالب الغلّاب [2]
فقال: أما إن اللّه لم ينس لك ذلك.
الرسول يحكم بحسن شعره
أخبرني الجوهريّ والمهلبيّ قالا: حدّثنا عمر بن شبّة قال: حدّثنا عبد اللّه بن يحيى مولى ثقيف قال: حدّثنا عبد الواحد بن زياد قال: حدّثنا مجالد، عن الشعبيّ قال:
__________
[1] المذقة: الشربة من اللبن الممزوج. والطرة: الحاشية. والخنيف: نوع غليظ من أردأ الكتان. شبه بحاشيته اللبن الممزوج في لونه، لتغير لونه وذهابه بالمزج. والزرب: الحظيرة تأوي إليها الأغنام. والكنيف: الموضع الساتر. يريد أنها تعلف في الحظائر والبيوت، لا بالكلأ في المراعي. ويلاحظ أن البيتين الأخيرين من الرجز فيهما إقواء.
[2] سخينة: طعام من دقيق وسمن أو دقيق وتمر أغلظ من الحساء. وكانت قريش تكثر من أكلها فعيرت بها، حتى سموا سخينة.
لما انهزم المشركون يوم الأحزاب، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: إن المشركين لن يغزوكم بعد اليوم، ولكنكم تغزونهم، وتسمعون منهم أذى ويهجونكم، فمن يحمي أعراض المسلمين؟ فقام عبد اللّه بن رواحة، فقال: أنا.
فقال: إنك لحسن الشعر. ثم قام كعب فقال: أنا. فقال: وإنك لحسن الشعر.
حسان أجودهم شعرهم
أخبرني الجوهريّ والمهلّبيّ قالا: حدّثنا عمر بن شبة قال: حدّثني محمد بن منصور قال: حدّثني سعيد بن عامر قال: حدّثني جويرية بن أسماء قال:
بلغني أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: أمرت عبد اللّه بن رواحة، فقال وأحسن، وأمرت حسّانا فشفى واشتفى.
الرسول يغير كلمة في شعر له
أخبرني الجوهريّ والمهلبيّ قالا: حدّثنا عمر بن شبة قال: حدّثني أحمد بن عيسى قال: حدّثني عبد اللّه بن وهب عن عمرو بن الحارث:/ أن يحيى بن سعيد حدّثه عن عبد اللّه بن أنيس عن أمه، وهي بنت كعب بن مالك:
أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم خرج على كعب وهو في مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ينشد، فلما رآه كأنه انقبض، فقال: ما كنتم فيه؟
فقال كعب: كنت أنشد. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: فأنشد، فأنشد حتى أتى على قوله:
مقاتلنا عن جذمنا كلّ فخمة [1]
/فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لا تقل عن جذمنا، ولكن قل: مقاتلنا عن ديننا.
ينشد الرسول ثلاث مرات في موقف واحد
قال أبو زيد: وحدّثني سعيد بن عامر قال: حدّثنا أبو عون عن ابن سيرين قال:
وقف رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بباب كعب بن مالك، فخرج فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: إيه، فأنشده، ثم قال: إيه فأنشده، ثم قال: إيه فأنشده (ثلاث مرات). فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: لهذا أشدّ عليهم من مواقع النّبل.
علي بن أبي طالب يطرده من المدينة لمعارضته إياه
أخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن عمّار قال: حدّثنا أبو جعفر محمد بن منصور الرّبعيّ، وذكر أنه إسناد شآم، هكذا قال، قال ابن عمار في الخبر، وذكر حديثا فيه طول، لحسان بن ثابت، والنعمان بن بشير، وكعب بن مالك، فذكرت ما كان لكعب فيه، قال:
لما بويع لعليّ بن أبي طالب عليه السّلام، بلغه عن حسان بن ثابت وكعب بن مالك والنعمان بن بشير - وكانوا عثمانية - أنهم يقدّمون بني أمية على بني هاشم، ويقولون: الشأم خير من المدينة. واتصل بهم أن ذلك قد بلغه،
__________
[1] هذا صدر بيت وعجزه:
مذربة فيها القوانس تلمع
وهو من قصيدة يجيب بها كعب بن مالك الأنصاري هبيرة بن أبي وهب المخزومي (انظر الشعر الذي قيل في غزوة أحد في «السيرة لابن هشام»، طبعة الحلبي 3: 139 - 141). والفخمة: الكتيبة العظيمة. وفي «السيرة»: (مجالدنا) في موضع (مقاتلنا). والجذم:
الأصل.
فدخلوا عليه، فقال له كعب بن مالك: يا أمير المؤمنين؛ أخبرنا عن عثمان: أقتل ظالما، فنقول بقولك؟ أم قتل مظلوما، فنقول بقولنا، ونكلك إلى الشبهة فيه، فالعجب من تيقننا وشكك، وقد زعمت العرب أن عندك علم ما اختلفنا فيه، فهاته نعرفه، ثم قال:
كفّ يديه ثم أغلق بابه ... وأيقن أن اللّه ليس بغافل
وقال لمن في داره: لا تقاتلوا ... عفا اللّه عن كل امرىء لم يقاتل
فكيف رأيت اللّه صبّ عليهم ال ... عداوة والبغضاء بعد التواصل
وكيف رأيت الخير أدبر عنهم ... وولّى كإدبار النعام الجوافل
/ فقال لهم عليّ عليه السّلام: لكم عندي ثلاثة أشياء: استأثر عثمان فأساء الأثرة، وجزعتم فأسأتم الجزع، وعند اللّه ما تختلفون فيه إلى يوم القيامة. فقالوا: لا ترضى بهذا العرب، ولا تعذرنا به. فقال عليّ عليه السّلام:
أتردون عليّ بين ظهراني المسلمين، بلا بيّنة صادقة، ولا حجة واضحة؟ اخرجوا عني، ولا تجاوروني في بلد أنا فيه أبدا. فخرجوا من يومهم، فساروا حتى أتوا معاوية، فقال لهم: لكم الولاية والكفاية. فأعطى حسان بن ثابت ألف دينار، وكعب بن مالك ألف دينار، وولى النّعمان بن بشير حمص، ثم نقله إلى الكوفة بعد.
بيته في الشجاعة
أخبرني عمي قال: حدثنا أحمد بن الحارث، قال: حدّثنا المدائنيّ عن عبد الأعلى القرشيّ قال:
قال معاوية يوما لجلسائه: أخبروني بأشجع بيت وصف به رجل قومه. فقال له روح بن زنباع: قول كعب بن مالك:
نصل السيوف إذا قصرن بخطونا ... قدما ونلحقها إذا لم تلحق
فقال له معاوية: صدقت.
أبوه وشعره
وأما أبوه مالك بن أبي كعب، أبو كعب بن مالك، فإني أذكر قبل أخباره شيئا مما يغنّى فيه من شعره، فمن ذلك قوله:
صوت
/لعمر أبيها لا تقول حليلتي: ... ألا فرّ عني مالك بن أبي كعب
وهم يضربون الكبش يبرق بيضه ... ترى حوله الأبطال في حلق شهب
/ الشعر لمالك بن أبي كعب. والغناء لمالك، ثقيل أول بالبنصر، عن يونس والهشاميّ. وفيه لإبراهيم خفيف ثقيل بالوسطى، جميعا عن الهشاميّ. وزعم ابن المكيّ أن خفيف الثقيل هو لحن مالك.
الخصومة بين أبيه وبرذع بن عدي
وهذا الشعر يقوله مالك بن أبي كعب في حرب كانت بينه وبين رجل من بني ظفر، يقال له برذع بن عديّ.
وكان السبب فيما ذكره جعفر العاصميّ عن عيينة بن المنهال، ونسخته من كتاب أعطانيه عليّ بن سليمان الأخفش:
أن رجلا من طيىء قدم يثرب بإبل له يبيعها، فنزل في جوار برذع بن عديّ أخي بني ظفر، فباع إبله، واقتضى أثمانها، وكان مالك بن أبي كعب بن القين أخو بني سلمة، اشترى منه جملا، فجعله ناضحا، فمطله مالك بن أبي كعب بثمن جمله، وحضر شخوص الطائيّ، فشكا ذلك إلى برذع، فمشى معه إلى منزل مالك، ليكلمه أن يوفيه ثمن جمله، أو يرده عليه، فلم يجدا مالكا في منزله، ووجدا الجمل باركا بالفناء، فبعثه برذع، وقال للطائيّ: انطلق بجملك، ثم خرجا مسرعين حتى دخلا في دار النّبيت، فأمنا، فارتحل الطائيّ بالجمل إلى بلاده، وبلغ مالكا ما صنع برذع، فكره أن ينشب بين قومه وبين النبيت حرب، فكف وقد أغضبه ذلك، وجعل يسفّه برذعا في جراءته عليه وما صنع، فقال برذع بن عديّ في ذلك:
أمن شحط دار من لبابة تجزع ... وصرف النوى مما يشتّ ويجمع
وليس بها إلا ثلاث كأنها ... مسفّعة أو قد علاهنّ أيدع [1]
قد اقتربت لو كان في قرب دارها ... جداء ولكن قد تضن وتمنع
وكان لها بالمنحنى وجنوبه ... مصيف ومشتى قبل ذاك ومربع
/ أتاني وعيد الخزرجيّ كأنني ... ذليل له عند اليهوديّ مضرع
متى تلقني لا تلق نهزة واجد ... وتعلم أني في الهزاهز أروع [2]
معي سمحة صفراء من فرع نبعة ... ولين إذا مسّ الضريبة يقطع
ومطّرد لدن إذا هزّمتنه ... متين كخرص الذابلات وأهزع [3]
فلا وإلهي لا يقول مجاوري: ... ألا إنني قد خانني اليوم برذع [4]
وأحفظ جاري أن أخاتل عرسه ... ومولاي بالنّكراء لا أتطلع
وأجعل مالي دون عرضي إنه ... على الوجد والإعدام عرض ممنّع
وأصبر نفسي في الكريهة إنه ... لذي كل نفس مستقر ومصرع
وإني بحمد اللّه لا ثوب فاجر ... لبست ولا من خزية أتقنع
فأجابه مالك بن أبي كعب، فقال:
__________
[1] مسفعة: علاها سواد وحمرة. والأيدع: الزعفران.
[2] الواجد: الغاضب الحاقد. وفي الأصول: واحد. الهزاهز: الشدائد، لا واحد له. والأروع: الشهم الذكي.
[3] الخرص: الرمح القصير السنان. والذابلات: الرماح الدقيقة. والأهزع: الرمح المضطرب المهتز.
[4] رواية ف، مب:
ولا وإلهي لا يقول محاربي: ... ألا إنني قد خافني اليوم برذع
صوت
هل للفؤاد لدى شنباء تنويل ... أم لا نوال فإعراض وتحميل [1]
/إن النساء كأشجار نبتن معا ... منهن مرّ وبعض المرّ مأكول [2]
إن النساء ولو صوّرن من ذهب ... فيهن من هفوات الجهل تخبيل
الغناء لسليم، هزج بالوسطى عن الهشاميّ وبذل.
/إنك إن تنه إحداهن عن خلق ... فإنه واجب لا بدّ مفعول
ونعجة من نعاج الرمل خاذلة ... كأن مأقيها بالحسن مكحول [3]
ودّعتها في مقامي ثم قلت لها: ... حياك ربك إني عنك مشغول
وليلة من جمادى قد شربت بها ... والزّق بيني وبين الشّرج معدول [4]
ومرجحنّ على عمد دلفت به ... كأنه رجل في الصفّ مقتول [5]
ولا أهاب إذا ما الحرب حرّشها ال ... أبطال واضطربت فيها البهاليل
أمضي أمامهم والموت مكتنع ... قدما إذا ما كبا فيها التّنابيل [6]
عليّ فضفاضة كالنّهى سابغة ... وصارم مثل لون الملح مصقول [7]
ولدنة في يدي صفراء تعلبها ... بعامل كشهاب النار موصول [8]
إني من الخزرج الغرّ الذين هم ... أهل المكارم لا يلفى لهم جيل
في الحرب أنهك منهم للعدوّ إذا ... شبت وأعظم نيلا إن هم سيلوا
أشبهت من والدي عزّا ومكرمة ... وبرذع مدغم في الأوس مجهول
نبّئته يدّعي عزا ويوعدني [9] ... نوكا وعندي له بالسيف تنكيل
__________
[1] رواية الشطر الثاني في ف، مب:
أم لا، فيأس وإعراض وتحميل
[2] ف، مب: وبعض النبت.
[3] النعجة هنا: كناية عن المرأة. والخاذلة: التي تركت أصحابها أو أولادها وانفردت. وفي ف: «بالخير مكحول». وفي مب:
«بالحبر».
[4] الشرج: مسيل الماء من الحرة إلى السهل. يريد أنه يشرب مرة ثم يرسل الزق إلى مسيل الماء البارد، ليخلط الخمر ببعض مائه.
[5] المرجحن: المهتز، ولعله يقصد به الرمح، يصفه بالاهتزاز ثم بالطول.
[6] مكتنع: حاضر دان. وقدما: مخفف، وأصله بضمتين. يريد أتقدم في الحرب ولا أتأخر. والتنابيل: جمع تنبال، وهو اللئيم الجبان. والبيت ساقط من ف.
[7] الفضفاضة: يريد بها درعا واسعة. والنهي: الغدير.
[8] الثعلب: طرف الرمح. والعامل: صدر الرمح الذي يلي السنان.
[9] ف: عزا ومكرمة.
حيلة مالك في التخلص من برذع حين حاصره هو وآخرون
قال: ثم إن مالك بن كعب خرج يوما لبعض حاجته، فبينا هو يمشي وحده، إذ لقيه برذع ومعه رجلان من بني ظفر، فلما رأوا مالكا أقبلوا نحوه، فبدرهم مالك إلى مكان من الحرّة كثير الحجارة مشرف، فقام عليه، وأخذ في يده أحجارا، وأقبلوا حتى دنوا منه، فشاتموه وراموه بالحجارة؛ وجعل مالك يلتفت إلى الطريق الذي جاء منه، كأنه يستبطىء ناسا، فلما رآه برذع وصاحباه يكثر الالتفات، ظنوا أنه ينتظر ناسا كانوا معه، وخشوا أن يأتوهم على تلك الحال، فانصرفوا عنه، فقال مالك بن أبي كعب في ذلك:
لعمر أبيها لا تقول حليلتي: ... ألا فرّ عني مالك بن أبي كعب
أقاتل حتى لا أرى لي مقاتلا ... وأنجو إذا غمّ الجبان من الكرب
أبى لي أن أعطى الصّغار ظلامة ... جدودي وآبائي الكرام أولو السّلب [1]
هم يضربون الكبش يبرق بيضه ... ترى حوله الأبطال في حلق شهب
وهم أورثوني مجدهم وفعالهم ... فأقسم لا يزري بهم أبدا عقبي
ويروى: لا يخزيهم.
وأرعى لجاري [2] ما حييت ذمامه ... وأعرف ما حقّ الرفيق على الصحب
ولا أسمع النّدمان شيئا يريبه ... إذا الكأس دارت بالمدام على الشّرب
إذا ما اعترى بعض الندامى لحاجة ... فقولي له: أهلا وسهلا وفي الرحب
/ إذا أنفدوا الزّق الرويّ وصرّعوا ... نشاوى فلم أنقع [3] بقولهم: حسبي
بعثت إلى حانوتها فاستبأتها ... بغير مكاس في السّوام ولا غصب
/ وقلت: اشربوا ريّا هنيئا فإنها ... كماء القليب في اليسارة والقرب
يطاف عليهم بالسّديف وعندهم ... قيان يلهّين المزاهر بالضرب
فإن يصبروا لي الدهر أصبرهم بها ... ويرحب لهم باعي ويغزر لهم شربي
وكان أبي في المحل يطعم ضيفه ... ويروي نداماه ويصبر في الحرب
ويمنع مولاه ويدرك تبله ... ولو كان ذاك التبل في مركب [4] صعب
إذا ما منعت المال منكم لثروة ... فلا يهنني مالي ولا ينم لي كسبي
__________
[1] في ف، مب:
أبى لي أن أعطي ظلامة معشري ... جدودي وآبائي الكرام ذوو الشغب
[2] ف، مب: علي لجاري.
[3] في الأصول عدا ف: أقطع.
[4] في الأصول عدا ف: مطلب.
وقد روي أن الشعر المنسوب إلى مالك بن أبي كعب، لرجل من مراد، يقال له مالك بن أبي كعب، وذكر له خبر في ذلك.
قصة منتحلة عن شعر لأبيه
أخبرني به محمد بن خلف بن المرزبان. قال: حدثنا أحمد بن الهيثم بن فراس قال: حدثنا العمريّ، عن الهيثم بن عديّ، عن عبد اللّه بن عباس، عن مجالد عن الشعبي، قال:
كان رجل من مراد يكنى أبا كعب، وكان له ابن يدعى مالكا، وبنت يقال لها طريفة، فزوج ابنه مالكا امرأة من أرحب، فلم تزل معه حتى مات أبو كعب، فقالت الأرحبية لمالك: إني قد اشتقت إلى أهلي ووطني، ونحن هاهنا في جدب وضيق عيش، فلو ارتحلت بأهلك وبي، فنزلت على أهلي، لكان عيشنا أرغد، وشملنا أجمع؛ فأطاعها، وارتحل بها وبأمه وبأخته إلى بلاد أرحب، فمر بحيّ كان بينهم وبين أبيه ثأر، فعرفوا فرسه، فخرجوا إليه، وأحدقوا به،/ وقالوا له: استسلم وسلّم الظعينة. فقال: أما وسيفي بيدي وفرسي تحتي فلا، وقاتلهم حتى صرع، فقال وهو يجود بنفسه:
لعمر أبيها لا تقول حليلتي ... ألا فرّ عني مالك بن أبي كعب
وذكر باقي الأبيات التي تقدم ذكرها قبل هذا الخبر.
قال مؤلف هذا الكتاب: وأحسب هذا الخبر مصنوعا، وأن الصحيح هو الأول.
صوت
خيّرت أمرين ضاع الحزم بينهما ... إما الضّياع وإما فتنة عمم
فقد هممت مرارا أن أساجلهم [1] ... كأس المنية لو لا اللّه والرّحم
الشعر لعيسى بن موسى الهاشميّ، والغناء لمتيّم الهاشمية، خفيف رمل، من روايتي ابن المعتز والهشاميّ.
__________
[1] ف: أخالسهم.
13 - أخبار عيسى بن موسى ونسبه
نسبه
عيسى بن موسى بن محمد بن علي بن عبد اللّه بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف. وقد مضى في عدة مواضع من هذا الكتاب ما تجاوزه نسب هاشم إلى أقصى مدى الأنساب. وأمه وأم سائر إخوته وأخواته أم ولد.
مولده ونشأته
وعيسى ممن ولد ونشأ بالحميمة من أرض الشام، وكان من فحول أهله وشجعانهم، وذوي النجدة والرأي والبأس/ والسّودد منهم. وقبل أن أذكر أخباره، فإني أبدأ بالرواية في أن الشعر له، إذ كان الشعر ليس من شأنه، ولعل منكرا أن ينكر ذلك إذا قرأه.
أخبرني حبيب بن نصر المهلّبيّ وعمي قالا: حدثنا عبد اللّه بن أبي سعد. ورأيت هذا الخبر بعد ذلك في بعض كتب ابن أبي سعد، فقابلت به ما روياه؛ فوجدته موافقا.
شعره في خلع المنصور إياه وبيعة المهدي
قال ابن أبي سعد: حدثني عليّ بن النطاح قال: حدثني أبو عبد اللّه محمد بن إسحاق بن عيسى بن موسى قال:
لما خلع أبو جعفر عيسى بن موسى، وبايع للمهديّ، قال عيسى بن موسى:
خيّرت أمرين ضاع الحزم بينهما ... إما صغار وإما فتنة عمم
وقد هممت مرارا أن أساقيهم ... كأس المنية لو لا اللّه والرّحم
ولو فعلت لزالت عنهم نعم ... بكفر أمثالها تستنزل النقم
على هذه الرواية في الشعر، روى من ذكرت. وعلى ما صدّرت من الخلاف في الألفاظ يغنّى.
/ أنشدني طاهر بن عبد اللّه الهاشميّ قال: أنشدني ابن بريهة المنصوريّ [1] هذه الأبيات، وحكى أن ناقدا خادم عيسى كان واقفا بين يديه ليلة أتاه خبر المنصور وما دبّره عليه من الخلع، قال: فجعل يتململ على فراشه ويهمهم، ثم جلس فأنشد هذه الأبيات، فعلمت أنه كان يهمهم بها، وسألت اللّه أن يلهمه العزاء والصبر على ما جرى، شفقة عليه.
__________
[1] ف: الأنصاري.
رؤيا موسى بن محمد
قال ابن أبي سعد في الخبر الذي قدمت ذكره عنهم: وحدّثني محمد بن يوسف الهاشمي قال: حدّثني عبد اللّه بن عبد الرّحيم قال: حدّثتني كلثم بنت عيسى قالت: قال موسى بن محمد بن علي بن عبد اللّه بن العباس:
رأيت في المنام كأني دخلت بستانا، فلم آخذ منه إلا عنقودا واحدا، عليه من الحبّ المرصّف ما اللّه به عليم، فولد له عيسى بن موسى، ثم ولد لعيسى من قد رأيت.
قال ابن أبي سعد في خبره هذا: وحدّثني عليّ بن مسلم الهاشميّ قال: حدّثني عبد الوهاب بن عبد الرّحمن بن مالك، مولى عيسى بن موسى، قال: حدّثني أبي قال:
يكره الغناء
كنا مع عيسى بن موسى لما سكن الحيرة، فأرسل إليّ ليلة من الليالي، فأخرجني من منزلي، فجئت إليه، فإذا هو جالس على كرسيّ، فقال لي: يا عبد الرّحمن، لقد سمعت الليلة في داري شيئا ما دخل سمعي قطّ إلا ليلة بالحميمة والليلة، فانظر ما هو. فدخلت أستقري الصوت، فإذا هو في المطبخ، وإذا الطباخون قد اجتمعوا، وعندهم رجل من أهل الحيرة يغنيهم بالعود، فكسرت العود، وأخرجت الرجل، وعدت إليه فأخبرته، فحلف لي أنه ما سمعه قطّ إلا تلك الليلة بالحميمة وليلته هذه.
يحج الناس بحجه
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء والطّوسي، قالا: حدّثنا الزّبير بن بكّار قال:
حدّثني عبد اللّه بن محمد بن المنذر عن صفية بنت الزبير بن هشام بن عروة عن أبيه قال:
كان عيسى بن موسى إذا حج، يحج ناس كثير من أهل المدينة: يتعرّضون لمعروفه فيصلهم؛ قالت: فمر أبي بأبي الشدائد الفزاريّ، وهو ينشد بالمصلّى:
عصابة إن حج عيسى حجّوا ... وإن أقام بالعراق دجّوا
قد لعقوا لعيقة فلجّوا ... فالقوم قوم حجّهم معوجّ
ما هكذا كان يكون الحج
/ قال: ثم لقي أبو الشدائد بعد ذلك أبي، فسلم عليه، فلم يردد عليه، فقال له: مالك يا أبا عبد اللّه لا تردّ السّلام عليّ؟ فقال: ألم أسمعك تهجو حاجّ بيت اللّه الحرام؟ فقال أبو الشدائد:
إني وربّ الكعبة المبنيّة ... واللّه ما هجوت من ذي نيه
ولا امرىء ذي رعة نقيه ... لكنني أرعي على البريه
من عصبة أغلوا على الرعيه ... بغير أخلاق لهم سريه
صوت
آثار ربع قدما ... أعيا جوابا صمما
سحت عليه ديم ... بمائها فانهدما
كان لسعدى علما ... فصار وحشا رمما
أيام سعدى سقم ... وهي تداوي السّقما
الشعر للرّقاشيّ، والغناء لابن المكيّ، رمل بالوسطى، عن عمرو بن بانة.
14 - أخبار الرقاشي ونسبه
نسبه ومكانته الشعرية
هو الفضل بن عبد الصمد مولى رقاش. وهو من ربيعة، وكان مطبوعا سهل الشعر، نقيّ الكلام، وقد ناقض أبا نواس، وفيه يقول أبو نواس:
وجدنا الفضل أكرم من رقاش ... لأن الفضل مولاه الرسول
أراد أبو نواس بهذا نفيه عن ولائه، لأنه كان أكرم ممن ينتمي إليه، وذهب أبو نواس إلى قول النبي صلّى اللّه عليه وسلّم: أنا مولى من لا مولى له.
انقطاعه للبرامكة ووفاؤه لهم
وذكر إبراهيم بن تميم، عن المعلّى بن حميد:
أن الرقاشيّ كان من العجم من أهل الريّ.
وقد مدح الرقاشيّ الرشيد وأجازه، إلا أن انقطاعه كان إلى آل برمك، فأغنوه عن سواهم.
أخبرني حبيب بن نصر المهلبيّ قال: حدّثنا أحمد بن يزيد المهلبيّ قال: حدّثني أبي، قال:
كان الفضل الرقاشيّ منقطعا إلى آل برمك، مستغنيا بهم عن سواهم، وكانوا يصولون به على الشعراء، ويروّون أولادهم أشعاره، ويدونون القليل والكثير منها، تعصبا له، وحفظا لخدمته، وتنويها باسمه، وتحريكا لنشاطه، فحفظ ذلك لهم، فلما نكبوا صار إليهم في حبسهم، فأقام معهم مدّة أيامهم، ينشدهم ويسامرهم، حتى ماتوا، ثم رثاهم فأكثر [1]، ونشر محاسنهم وجودهم ومآثرهم فأفرط، حتى نشر منها ما كان مطويا، وأذاع منها ما كان مستورا؛ وجرى على شاكلته/ بعدهم، وكان كالموقوف المديح على جميعهم، صغيرهم وكبيرهم. ثم انقطع إلى طاهر [2] وخرج معه إلى خراسان، فلم يزل بها معه حتى مات.
مجونه
وكان مع تقدّمه في الشعر ماجنا خليعا، متهاونا بمروءته ودينه، وقصيدته التي يوصي فيها بالخلاعة والمجون مشهورة، سائرة في الناس، مبتذلة في أيدي الخاصة والعامة، وهي التي أوّلها:
أوصى الرقاشيّ إلى إخوانه ... وصية المحمود في ندمانه
__________
[1] سقطت بقية هذا الخبر والذي يليه من أخبار الرقاشي، من جميع الأصول ما عدا ف، مب.
[2] يريد طاهر بن الحسين القائد الفارسي الكبير.
وقد رأيت هذه القصيدة بعينها بخط الجاحظ في شعر أبي نعامة، من جملة قصيدة له طويلة، يهجو فيها جماعة، ويأتي في وسطها بقصيدة الرقاشيّ.
وقال عبد اللّه بن المعتز: حدثني ابن أبي الخنساء، عن أبيه، قال:
لما قال أبو دلف:
صوت
ناوليني الرمح قد طا ... ل عن الحرب جمامي [1]
مرّلي شهران مذلم ... أرم قوما بسهامي
قال الرقاشيّ يعارضه:
جنبيني الدّرع قد طا ... ل عن القصف جمامي
واكسري المطرد والب ... - يض وأثني بالحسام
واقذفي في لجّة البح ... - ر بقوسي وسهامي
وبترسي وبرمحي ... وبسرجي ولجامي
فبحسبي أن تريني ... بين فتيان كرام
سادة نغدو مجدي ... - ن على حرب المدام
/ واصطفاق العود والنا ... يات في جوف الظلام
هزم أرواح دنان ... لم ننلها باصطلام
نهزم الراح إذا ما ... همّ قوم بانهزام
ثم خلّ الضرب والطع ... - ن لأجساد وهام
لشقيّ قال: قد طا ... ل عن الحرب جمامي
يرثي العباس بن محمد البرمكي
أخبرني الحسن بن عليّ قال: حدّثني محمد بن موسى، عن ابن النطاح، قال:
توفّي العباس بن محمد بن خالد بن برمك بالخلد، والرشيد بالرّصافة، في يوم جمعة، فأخرجت جنازته مع العصر، وحضر الرشيد والأمين، وأخرجت المضارب إلى مقابر البرامكة بباب البردان، وفرش للرشيد في مسجد هناك، وجاء الرشيد في الحلق بالأعلام والحراب، فصلى عليه، ووقف على قبره حتى دفن؛ فلما خرج يحيى ومحمد أخواه من القبر، قبّلا يد الرشيد، وسألاه الانصراف، فقال: لا، حتى يسوّى عليه التراب، ولم يزل قائما حتى فرغ من أمره، وعزّاهما وأمرهما بالركوب، فقال الرّقاشيّ يرثي العباس بن محمد بن خالد بن برمك:
__________
[1] مب: بحمام.
أتحسبني باكرت بعدك لذة ... أبا الفضل أو رفّعت عن عاتق سترا
أو انتفعت عيناي بعد بنظرة ... أو ادنيت من كأس بمشمولة ثغرا
جفاني إذن يوما إلى الليل مؤنسي ... وأضحت يميني من ذخائرها صفرا
ولكنني استشعرت ثوب استكانة ... وبتّ كأن الموت يحفر لي قبرا
غنّى في الأول والثاني من هذه الأبيات الرّفّ، ثاني ثقيل بالبنصر، عن الهشاميّ وعبد اللّه بن موسى. وفيه ثقيل أوّل مجهول، أحسبه لبعض جواري البرامكة. وفيهما لإبراهيم بن المهديّ خفيف رمل، عن عبد اللّه بن موسى.
رثاؤه جعفر البرمكي
ومن ذلك قوله في جعفر [1].
كم هاتف بك من باك وباكية ... يا طيب للضيف إذ تدعى وللجار
إن يعدم القطر كنت المزن بارقه ... لمع الدنانير لا ما خيّل الساري
وقوله:
لعمرك ما بالموت عار على الفتى ... إذا لم تصبه في الحياة المعاير
وما أحد حيّ وإن كان سالما ... بأسلم ممن غيبته المقابر
ومن كان مما يحدث الدهر جازعا ... فلا بد يوما أن يرى وهو صابر
وليس لذي عيش عن الموت مقصر ... وليس على الأيام والدهر غابر
/ وكل شباب أو جديد إلى البلى ... وكل امرىء يوما إلى اللّه صائر
فلا يبعدنك اللّه عني جعفرا ... بروحي ولو دارت علي الدّوائر
فآليت لا أنفكّ أبكيك ما دعت ... علي فنن ورقاء أو طار طائر
أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال: حدثنا عمر بن شبة قال: حدثني أبو غسان، عن عبد العزيز بن أبي ثابت، عن محمد بن عبد العزيز:
أن الرقاشيّ الشاعر فني في حب البرامكة حتى خيف عليه.
حبه للبرامكة
أخبرني محمد بن القاسم الأنباريّ قال: حدثني أبي عن أبي عكرمة، قال:
وأخبرني علي بن سليمان الأخفش قال: حدثني محمد بن موسى، عن إسماعيل بن مجمع، عن أحمد بن الحارث، عن المدائني [2].
__________
[1] يريد: من مراثي الرقاشي في البرامكة. وهذا الخبر وما بعده ساقطان من ف، مب.
[2] جاء السند الأول لرواية هذا الخبر في ف، مب. والسند الثاني في سائر الأصول، فجمعنا بينهما، لما اعتاده المؤلف في الجمع بين الأسانيد المتكررة من الطرق المختلفة.
رثاؤه جعفر بن يحيى البرمكي
أنه [1] لما دارت الدوائر على آل برمك، وأمر بقتل جعفر بن يحيى وصلب، اجتاز به الرّقاشيّ الشاعر وهو على الجذع، فوقف يبكي أحرّ بكاء، ثم أنشأ يقول:
أما واللّه لولا خوف واش ... وعين للخليفة لا تنام
لطفنا حول جذعك واستلمنا ... كما للناس بالحجر استلام
فما أبصرت قبلك يابن يحيى ... حساما قدّه [2] السيف الحسام
على اللذات والدنيا جميعا ... ودولة آل برمك السلام
فكتب أصحاب الأخبار بذلك إلى الرشيد، فأحضره، فقال له: ما حملك على ما قلت؟ فقال: يا أمير المؤمنين، كان إليّ محسنا، فلما رأيته على الحال التي هو عليها حركني إحسانه، فما ملكت نفسي حتى قلت الذي قلت. قال: وكم كان يجري عليك؟ قال: ألف دينار في كل سنة. قال: فإنا قد أضعفناها لك.
شعره في أصدقائه المتفرقين
أخبرني هاشم بن محمد الخزاعيّ أبو دلف، قال: حدثنا الرّياشيّ قال:
كان الفضل الرّقاشيّ يجلس إلى إخوان له يحادثهم، ويألفونه ويأنسون به، فتفرقوا في طلب المعاش، وترامت بهم الأسفار، فمر الرقاشيّ بمجلسهم الذي كانوا يجلسون فيه، فوقف فيه طويلا، ثم استعبر وقال:
لولا التطيّر قلت غيّركم ... ريب الزمان فخنتم عهدي
درست معالم كنت آلفها ... من بعدكم وتغيرت عندي
يعشق بأذنه
أخبرني محمد بن جعفر الصّيدلانيّ النحويّ قال: حدثنا محمد [3] بن القاسم قال: حدثني أبو هفان، عن يوسف بن الداّية قال:
/ كان أبو نواس والفضل الرّقاشي جالسين، فجاءهما عمرو الوراق، فقال: رأيت جارية خرجت من دور آل سليمان بن عليّ، فما رأيت جارية أحسن منها، هيفاء نجلاء، زجّاء دعجاء، كأنها خوط بان، أو جدل عنان، فخاطبتها فأجابتني بأحلى لفظ، وأحسن لسان، وأجمل خطاب. فقال الرقاشيّ: قد واللّه عشقتها، فقال أبو نواس:
أو تعرفها؟ قال: لا واللّه، ولكن بالصفة، ثم أنشأ يقول:
صفات وظنّ أورثا القلب لوعة ... تضرّم في أحشاء قلب متيّم [4]
تمثّلها نفسي لعيني فأنثني ... إليها بطرف الناظر المتوسّم
__________
[1] ف، مب: لما قتل جعفر بن يحيى وصلب ...
[2] كذا في ف، مب. وفي بقية الأصول: حتفه.
[3] ف، مب: أحمد.
[4] كذا في ف، مب. وفي بقية الأصول: وحسن. وفي مب: صب متيم.
يحمّلني حبّي لها فوق طاقتي ... من الشوق دأب الحائر [1] المتقسّم
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ قال: حدثني محمد بن القاسم بن مهرويه قال:/ حدثني عبد الرّحيم بن أحمد بن زيد الحرانيّ قال:
قيل لابن دراج الطفيليّ أتتطفّل على الرؤوس؟ قال: وكيف لي بها؟ قيل: إن فلانا وفلانا قد اشترياها، ودخلا بستان ابن بزيع، فخرج يحضر خوفا من فوتهما، فوجدهما قد لوّحا بالعظام فوقف عليها ينظر، ثم استعبر وتمثل قول الرّقاشيّ:
آثار ربع قدما ... أعيا جوابي صمما
وابن دراج هذا يقال له عثمان، وهو مولى لكندة، وكان في زمن المأمون، وله شعر مليح، وأدب صالح، وأخبار طيبة، يجري ذكرها ههنا.
__________
[1] ف: الحائن.
15 - أخبار ابن درّاج الطّفيلي
[1]
يخاف الكلب
أخبرني الجوهريّ عن ابن مهرويه، عن أبيه قال:
قيل لعثمان بن دراج: أتعرف بستان فلان؟ قال: إي واللّه، وإنه للجنة الحاضرة في الدنيا. قيل له: فلم لا تدخل إليه، فتأكل من ثماره، تحت أشجاره، وتسبح في أنهاره؟ قال: لأن فيه كلبا لا يتمضمض إلا بدماء عراقيب الرجال.
سبب عدم إقلاعه عن التطفل
أخبرني الجوهريّ قال: حدثنا ابن مهرويه قال: حدثنا عبد الرّحيم بن أحمد بن زيد الحرّاني قال:
كان عثمان بن دراج يلزم سعيد بن عبد الكريم الخطّابي، أحد ولد زيد بن الخطاب، فقال له: ويحك! إني أبخل بأدبك وعلمك، وأصونك وأضن بك عما أنت فيه من التطفيل، ولي وظيفة راتبة في كل يوم، فالزمني وكن مدعوّا أصلح لك مما تفعل. فقال: رحمك اللّه أين يذهب بك؛ فأين لذة الجديد، وطيب التنقل كل يوم من مكان إلى مكان؟ وأين نيلك ووظيفتك من احتفال الأعراس؟ وأين ألوانك من ألوان الوليمة؟ قال: فأما إذ أبيت ذاك، فإذا ضاقت عليك المذاهب فإني فيئة لك. قال: أما هذا فنعم.
يمنع الطفيليين
فبينا هو عنده ذات يوم إذ أتت الخطابيّ مولاة له، فقالت له: جعلت فداك. زوّجت ابنتي من ابن عمّ لها، ومنزلي بين قوم طفيليين، لا آمنهم أن يهجموا عليّ، فيأكلوا ما صنعت، ويبقى من دعوت، فوجّه معي بمن يمنعهم. فقال: نعم، هذا أبو سعيد، قم معها يا أبا سعيد. فقال: مرّي بين يديّ، وقام وهو يقول:
ضجت تميم أن تقتّل عامر ... يوم النسار فأعتبوا بالصّيلم
كيف يصنع بأهل العروس ليدخلوه
قال: وقال الخطابي هذا لابن درّاج: كيف تصنع بأهل العرس إذا لم يدخلوك؟ قال: أنوح على بابهم، فيتطيّرون بذلك، فيدخلوني.
سبب صفرة لونه
قال: وقال له رجل: ما هذه الصفرة في لونك؟ قال: من الفترة بين القصفين، ومن خوفي كل يوم من نفاد الطعام قبل أن أشبع.
__________
[1] أثبتنا هذا العنوان عن الأصول غير (ف، مب، فإنهما ذكرتا ابن دراج بلا عنوان).
صفة بيته
أخبرني أحمد قال: حدثنا ابن مهرويه، عن عبد الرّحيم بن أحمد:
أن ابن دراج صار إلى باب عليّ بن زيد، أيام كان يكتب للعباس بن المأمون، فحجبه الحاجب، وقال: ليس هذا وقتك، قد رأيت القواد يحجبون، فكيف يؤذن لك أنت؟ قال: ليست سبيلي سبيلهم، لأنه يحب أن يراني، ويكره أن يراهم، فلم يأذن له. فبيناهما على ذلك إذ خرج عليّ بن زيد، فقال: ما منعك يا أبا سعيد أن تدخل؟
فقال: منعني هذا البغيض. فالتفت إلى الحاجب، فقال: بلغ بك بغضك أن تحجب هذا؟ ثم قال: يا أبا سعيد، ما أهديت إليّ من النوادر؟ قال: مرت بي جنازة ومعي ابني، ومع الجنازة امرأة تبكيه تقول: بك يذهبون إلى بيت لا فرش فيه ولا وطاء،/ ولا ضيافة ولا غطاء؛ ولا خبز فيه ولا ماء. فقال لي ابني: يا أبة، إلى بيتنا واللّه يذهبون بهذه الجنازة. فقلت له: وكيف ويلك! قال: لأن هذه صفة بيتنا. فضحك عليّ وقال: قد أمرت لك بثلاثة مئة درهم.
قال: قد وفّر اللّه عليك نصفها على أن أتغدى معك. قال: وكان عثمان مع تطفيله أشره الناس، فقال: هي عليك موفّرة كلها، وتتغدّى معنا.
لذة التطفيل
وعثمان ابن دراج الذي يقول:
لذة التطفيل دومي ... وأقيمي لا تريمي
أنت تشفين غليلي ... وتسلّين همومي
/ عود إلى الرقاشي:
خضاب الرقاشي
أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال: حدثنا العكليّ قال:
دخل الرقاشيّ على بعض أمراء الصدقة، فقال له: قد أصبح خضابك قانيا. قال: لأني أمسيت له معانيا.
قال: وكيف تفعله؟ قال: أنعم الحناء عجنا، وأجعل ماءه سخنا، وأروّي شعري قبله دهنا، فإن بات قنا [1]، وإن لم يفعل أغنى.
صوت
من لعين رأت خيالا مطيفا ... واقفا هكذا علينا وقوفا
طارقا موهنا ألم فحيا ... ثم ولّى فهاج قلبا ضعيفا
ليت نفسي وليت أنفس قومي ... يا يزيد الندى تقيك الحتوفا
عتكي مهلّبيّ كريم ... حاتمي قد نال فرعا منيفا
عروضه من الخفيف، والشعر لربيعة الرقي يمدح يزيد بن حاتم المهلبي. والغناء لعبد الرّحيم الرف [2]، خفيف رمل بالوسطى، عن عمرو.
__________
[1] في «اللسان»: فغلفها بالحناء. والكتم حتى قنا لونها: أي احمر، يقال: قنا لونها يقنو قنوا، وهو أحمر قان. وفي الأصول: «قنى».
والقنو الذي هو حمرة اللون واوى لا يائي.
[2] كذا في ف. وفي بقية الأصول: الدفاف.
16 - أخبار ربيعة الرّقّي ونسبه
مجمل أخباره
هو ربيعة بن ثابت الأنصاريّ، ويكنى أبا شبابة. وقيل إنه كان يكنى أبا ثابت، وكان ينزل الرّقة، وبها مولده ومنشؤه، فأشخصه المهديّ إليه، فمدحه بعدة قصائد، وأثابه عليها ثوابا كثيرا، وهو من المكثرين المجيدين، وكان ضريرا، وإنما أخمل ذكره وأسقطه عن طبقته، بعده عن العراق، وتركه خدمة الخلفاء، ومخالطة الشعراء، وعلى ذلك فما عدم مفضّلا لشعره، مقدّما له.
أشعر المحدثين وأسيرهم بيتا
أخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن عمار قال: حدّثنا محمد بن داود، عن ابن أبي خيثمة [1] عن دعبل قال:
قلت لمروان بن أبي حفصة: من أشعركم جماعة المحدثين يا أبا السّمط؟. قال: أشعرنا أسيرنا بيتا. قلت:
ومن هو؟ قال: ربيعة الرقيّ الذي يقول:
لشتان ما بين اليزيدين في الندى ... يزيد سليم والأغر ابن حاتم
وهذا البيت من قصيدة له مدح بها يزيد بن حاتم المهلبيّ، وهجا يزيد بن أسيد السّلمي، وبعد البيت الذي ذكره مروان:
يزيد سليم سالم المال والفتى ... أخو الأزد للأموال غير مسالم
فهمّ الفتى الأزديّ إتلاف ماله ... وهم الفتى القيسيّ جمع الدراهم
فلا يحسب التّمتام أني هجوته ... ولكنني فضلت أهل المكارم
فيابن أسيد لا تسام ابن حاتم ... فتقرع إن ساميته سنّ نادم
/ هو البحر إن كلّفت نفسك خوضه ... تهالكت في موج له متلاطم
استشهاد أبي زيد بشعره
أخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن عمار قال: حدّثني محمد بن القاسم بن مهرويه، قال: حدثني أسيد بن خالد الأنصاريّ، قال:
قلت لأبي زيد النحويّ: إن الأصمعي قال: لا يقال: شتان ما بينهما، إنما يقال: شتان ما هما، وأنشد قول الأعشى:
شتان ما يومي على كورها
__________
[1] كذا في ف، مب. وفي بقية الأصول: أحمد بن أبي خيثمة.
فقال: كذب الأصمعيّ، يقال: شتان ما هما، وشتان ما بينهما، وأنشدني لربيعة الرقيّ، واحتج به:
لشتان ما بين اليزيدين في الندى ... يزيد سليم والأغرّ ابن حاتم
وفي استشهاد مثل أبي زيد على دفع مثل قول الأصمعيّ بشعر ربيعة الرقيّ، كفاية له في تفضيله.
أغزل من أبي نواس
وذكره عبد اللّه بن المعتز فقال: كان ربيعة أشعر غزلا من أبي نواس، لأن في غزل أبي نواس بردا كثيرا، وغزل هذا سليم سهل عذب.
جواري المهدي يشتهين سماعه
نسخت من كتاب لعمي: حدّثنا ابن أبي فنن [1] قال:
اشتهى جواري المهديّ أن يسمعن ربيعة الرقيّ، فوجه إليه المهديّ من أخذه من مسجده بالرقّة، وحمل على البريد حتى قدم به على المهديّ، فأدخل عليه، فسمع ربيعة حسا من وراء السّتر، فقال: إني أسمع حسا يا أمير المؤمنين، فقال: اسكت يابن اللّخناء، واستنشده ما أراد، فضحك وضحكن منه. قال: وكان فيه لين، وكذلك كان أبو العتاهية، ثم أجازه جائزة سنية، فقال له:
/يا أمير المؤمنين ... اللّه سمّاك الأمينا [2]
سرقوني من بلادي ... يا أمير المؤمنينا
سرقوني فاقض فيهم ... بجزاء السارقينا
قال: قد قضيت فيهم أن يردوك إلى حيث أخذوك. ثم أمر به فحمل على البريد من ساعته إلى الرقة.
يمدح يزيد بن حاتم
وفي يزيد بن حاتم يقول أيضا:
يزيد الأزد إن يزيد قومي ... سمّيك لا يجود كما تجود [3]
يقود جماعة وتقود أخرى ... فترزق من تقود ومن يقود [4]
فما تسعون يحقرها ثلاث ... يقيم حسابها رجل شديد
وكفّ شثنة جمعت لوج ء ... بأنكد من عطائك يا يزيد
__________
[1] كذا في ف، مب. وفي بقية الأصول: ابن أبي ذئب.
[2] كذا في ف، مب. وفي بقية الأصول:
يا أمين اللّه إن ال ... - له سماك الأمينا
[3] كذا في ف، مب. وفي سائر الأصول: لا يزيد كما تزيد.
[4] مب: من تريد ومن يريد. وفي «خزانة الأدب» للبغدادي (3: 53):
تقود كتيبة ويقود أخرى ... فترزق من تقود ومن يقود
كان السبب في غضب الرشيد على العباس بن محمد
أخبرني الحسن بن عليّ قال: حدثنا أحمد بن الحارث عن المدائنيّ قال:
امتدح ربيعة الرقيّ العباس بن محمد بن عليّ بن عبد اللّه بن العباس، بقصيدة لم يسبق إليها حسنا، وهي طويلة يقول فيها:
صوت
لو قيل للعباس يابن محمد ... قل: (لا) وأنت مخلّد ما قالها
ما إن أعدّ من المكارم خصلة ... إلا وجدتك عمها أو خالها
/ وإذا الملوك تسايروا في بلدة ... كانوا كواكبها وكنت هلالها [1]
إن المكارم لم تزل معقولة ... حتى حللت براحتيك عقالها
/ في البيت الأول والبيت الأخير خفيف رمل بالوسطى، يقال إنه لإبراهيم. ويقال إنه للحسين بن محرز.
قال: فبعث إليه بدينارين، وكان يقدّر فيه ألفين، فلما نظر إلى الدينارين كاد يجن [2] غيظا، وقال للرسول:
خذ الدينارين، فهما لك، على أن ترد الرقعة من حيث لا يدري العباس، ففعل الرسول ذلك، فأخذها ربيعة، وأمر من كتب في ظهرها:
مدحتك مدحة السيف المحلّى ... لتجري في الكرام كما جريت
فهبها مدحة ذهبت ضياعا [3] ... كذبت عليك فيها وافتريت
فأنت المرء ليس له وفاء ... كأني إذ مدحتك قد رثيت
ثم دفعها إلى الرسول، وقال له ضعها في الموضع الذي أخذتها منه. فردها الرسول في موضعها. فلما كان من الغد أخذها العباس، فنظر فيها، فلما قرأ الأبيات غضب، وقام من وقته، فركب إلى الرشيد، وكان أثيرا عنده، يبجّله ويقدمه، وكان قد همّ أن يخطب إليه ابنته، فرأى الكراهة في وجهه، فقال: ما شأنك؟ قال: هجاني ربيعة الرّقيّ.
فأحضر، فقال له الرشيد: يا ماصّ كذا وكذا من أمه، أتهجو عمي، وآثر الخلق عندي، لقد هممت أن أضرب عنقك. فقال: واللّه يا أمير المؤمنين، لقد مدحته بقصيدة ما قال مثلها أحد من الشعراء، في أحد من الخلفاء، ولقد بالغت في الثناء، وأكثرت في الوصف، فإن رأى أمير المؤمنين أن يأمره بإحضارها. فلما سمع الرشيد ذلك منه سكن غضبه، وأحب أن ينظر في القصيدة، فأمر/ العباس بإحضار الرقعة، فتلكأ عليه العباس ساعة، فقال له الرشيد: سألتك بحق أمير المؤمنين إلا أمرت بإحضارها، فعلم العباس أنه قد أخطأ وغلط، فأمر بإحضارها فأحضرت، فأخذها الرشيد وإذا فيها القصيدة بعينها، فاستحسنها واستجادها، وأعجب بها، وقال: واللّه ما قال أحد من الشعراء في أحد من الخلفاء مثلها، لقد صدق ربيعة وبرّ. ثم قال للعباس: كم أثبته عليها؟ فسكت العباس:
وتغير لونه، وجرض بريقه، فقال ربيعة: أثابني عليها يا أمير المؤمنين بدينارين، فتوهم الرشيد أنه قال ذلك من
__________
[1] مب: وأنت هلالها.
[2] ف، مب: غضبا.
[3] ف: ضلالا.
الموجدة على العباس، فقال: بحياتي يا رقيّ، كم أثابك؟ قال: وحياتك يا أمير المؤمنين ما أثابني إلا بدينارين.
فغضب الرشيد غضبا شديدا، ونظر في وجه العباس بن محمد، وقال: سوءة لك! أية حال قعدت بك عن إثابته؟
أقلة المال؟ فو اللّه لقد موّلتك جهدي؛ أم انقطاع المادة عنك؟ فو اللّه ما انقطعت عنك، أم أصلك؟ فهو الأصل لا يدانيه شيء، أم نفسك؟ فلا ذنب لي، بل نفسك فعلت ذلك بك، حتى فضحت أباك وأجدادك، وفضحتني ونفسك.
فنكس العباس رأسه ولم ينطق. فقال الرشيد: يا غلام، أعط ربيعة ثلاثين ألف درهم وخلعة، واحمله على بغلة، فلما حمل المال بين يديه، وألبس الخلعة، قال له الرشيد: بحياتي يا رقيّ لا تذكره في شيء من شعرك تعريضا ولا تصريحا، وفتر الرشيد عما كان هم به أن يتزوج إليه، وظهر منه له بعد ذلك جفاء كثير واطّراح.
يعبث بالعباس بن محمد
أخبرني عليّ بن صالح بن الهيثم قال: حدثني أحمد بن أبي فنن الشاعر، قال: حدثني من لا أحصي من الجلساء:
أن ربيعة الرقيّ كان لا يزال يعبث بالعباس بن محمد بحضرة الرشيد، العبث الذي/ يبلغ منه، منذ جرى بينهما في مديحه إياه ما جرى، من حيث لا يتعلق عليه/ فيه بشيء، فجاء العباس يوما إلى الرشيد ببرنيّة فيها غالية، فوضعها بين يديه، ثم قال: هذه يا أمير المؤمنين غالية، صنعتها لك بيدي، اختير عنبرها من شحر عمان، ومسكها من مفاوز التّبّت، وبانها من قعر تهامة؛ فالفضائل كلها مجموعة فيها، والنعت يقصر عنها.
فاعترضه ربيعة، فقال: ما رأيت أعجب منك، ومن صفتك لهذه الغالية، عند من إليه كل موصوف يجلب، وفي سوقه ينفق، وبه إليه يتقرّب، وما قدر غاليتك هذه، أعزك اللّه، حتى تبلغ في وصفها ما بلغت، أأجريت بها إليه نهرا، أم حملت إليه منها وقرا! إن تعظيمك هذا عند من تجبى إليه خزائن الأرض وأموالها من كل بلدة، وتذل لهيبته جبابرة الملوك المطيعة والمخالفة، وتتحفه بطرف بلدانها، وبدائع ممالكها، حتّى كأنك قد فقت به على كل ما عنده، أو أبدعت له ما لا يعرفه، أو خصصته بما لم يحوه ملكه، لا تخلو فيه من ضعف أو قصر همة. أنشدك اللّه يا أمير المؤمنين، إلا جعلت حظي من كل جائزة وفائدة توصلها إليّ مدة سنتي هذه الغالية، حتى أتلقاها بحقها.
فقال: ادفعوها إليه، فدفعت إليه. فأدخل يده فيها، وأخرج ملئها، وحل سراويله، وأدخل يده فطلى بها استه، وأخذ حفنة أخرى، وطلى بها ذكره وأنثييه، وأخرج حفنتين، فجعلهما تحت إبطيه، ثم قال: يا أمير المؤمنين، مر غلامي أن يدخل إليّ، فقال: أدخلوه إليه، وهو يضحك، فأدخلوه إليه فدفع إليه البرنية غير مختومة، وقال: اذهب إلى جاريتي فلانة بهذه البرنية، وقل لها: طيبي بها حرك واستك وإبطيك، حتى أجيء الساعة وأنيكك، فأخذها الغلام ومضى وضحك الرشيد حتى غشي عليه، وكاد العباس يموت غيظا، ثم قام فانصرف، وأمر الرشيد لربيعة بثلاثين ألف درهم [1].
شعره يطرز على بساط
وذكر علي بن الحسين بن عبد الأعلى، أنه رأى قصيدة لربيعة الرقيّ مكتوبة في دور بساط من بسط السلطان قديم، وكان مبسوطا في دار العامة بسرّ من رأى، فنسخها منه، وهي قوله:
__________
[1] كذا في ف، مب. وفي سائر الأصول: وأمر الرشيد العباس أن يبعث لربيعة بثلاثين ألف درهم.
صوت
وتزعم أني قد تبدّلت خلّة ... سواها وهذا الباطل المتقوّل
لحا اللّه من باع الصديق [1] بغيره ... فقالت نعم حاشاك إن كنت تفعل
ستصرم إنسانا إذا ما صرمتني [2] ... يحبك فانظر بعده من تبدّل
في هذه الثلاثة الأبيات لحن من الثقيل الأول، ينسب إلى إبراهيم الموصلي، وإلى إبراهيم بن المهديّ، وفيه لعريب رمل من رواية ابن المعتز.
سبب هجائه ليزيد بن أسيد
وكان سبب إغراق ربيعة في هجاء يزيد بن أسيد، أنه [3] زاره يستميحه، لقضاء دين كان عليه [3]، فلم يجد عنده ما أحب، وبلغ ذلك يزيد بن حاتم المهلبيّ، فطفّل [4] على قضاء دينه وبره، فاستفرغ ربيعة جهده في مدحه، وله فيه عدة قصائد مختارة، يطول ذكرها، وقد كان أبو الشمقمق عارضه في قوله:
لشتان ما بين اليزيدين في الندى ... يزيد سليم والأغرّ ابن حاتم
في قصيدة مدح بها يزيد بن مزيد، وسلخ بيت الرقيّ، بل نقله وقال:
/لشتان ما بين اليزيدين في الندى ... إذا عد في الناس المكارم والمجد
يزيد بني شيبان أكرم منهما ... وإن غضبت قيس بن عيلان والأزد
/ فتى لم تلده من رعين قبيلة ... ولا لخم تنميه ولم تنمه نهد
ولكن نمته الغرّ من آل وائل ... وبرّة تنميه ومن بعدها هند
ولم يسر في هذا المعنى شيء كما سار بيت ربيعة.
أخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن عمار قال: حدثنا محمد بن داود بن الجراح قال: حدثنا محمد بن أبي الأزهر قال:
عرض نخاس على أحمد بن يزيد بن أسيد الذي هجاه ربيعة جواري، فاختار جاريتين منهن، ثم قال للنخاس:
أيتهما أحب إليك؟ قال: بينهما أعز اللّه الأمير كما قال الشاعر:
لشتان ما بين اليزيدين في الندى ... يزيد سليم والأغرّ ابن حاتم
فأمر بجر رجله وجواريه.
أخبرني حبيب بن نصر المهلبيّ قال: حدثنا عبد اللّه بن شبيب قال:
لما حج الرشيد لقيه قبل دخوله مكة رجلان من قريش، فانتسب له أحدهما، ثم قال: يا أمير المؤمنين،
__________
[1] ف: الحبيب.
[2] ف: صرمته.
(3 - 3) كذا في ف. وفي سائر الأصول: دينا كان عليه، فاستمنحه.
[4] طفل: ترفق وتلطف.
نهكتنا النوائب، وأجحفت بأموالنا المصائب، ولنا بك رحم أنت أولى من وصلها، وأمل أنت أحق من صدقه، فما بعدك مطلب، ولا عنك مذهب، ولا فوقك مسئول، ولا مثلك مأمول. وتكلم الآخر، فلم يأت بشيء فوصلهما، وفضل الأول تفضيلا كثيرا، ثم أقبل على الفضل بن الربيع فقال: يا فضل:
لشتان ما بين اليزيدين في الندى ... يزيد سليم والأغرّ ابن حاتم
تفصيل سبب هجائه ليزيد بن أسيد
قال أحمد بن أبي طاهر: حدثني أبو دعامة عليّ بن زيد بن عطاء الملط قال:
لما هجا ربيعة يزيد بن أسيد السّلميّ، وكان جليلا عند المنصور والمهديّ، وفضّل عليه يزيد بن حاتم، قلت لربيعة: يا أبا شبابة، ما حملك على أن هجوت رجلا من قومك، وفضلت عليه رجلا من الأزد؟ فقال: أخبرك.
أملقت فلم يبق لي شيء إلا داري، فرهنتها على خمس مئة درهم، ورحلت إليه إلى إرمينية، فأعلمته ذلك ومدحته، وأقمت عنده حولا، فوهب لي خمس مئة درهم، فتحملت وصرت بها إلى منزلي، فلم يبق معي كبير شيء، فنزلت في دار بكراء، فقلت: لو أتيت يزيد بن حاتم، ثم قلت: هذا ابن عمي فعل بي هذا الفعل، فكيف غيره؟ ثم حملت نفسي على أن أتيته، فأعلم بمكاني، فتركني شهرا حتى ضجرت، فأكريت نفسي من الحمالين، وكتبت بيتا في رقعة وطرحتها في دهليزه، والبيت:
أراني ولا كفران للّه راجعا ... بخفّي حنين من يزيد بن حاتم [1]
فوقعت الرقعة في يد حاجبه، فأوصلها إليه من غير علمي ولا أمري، فبعث خلفي، فلما دخلت عليه قال: هيه، أنشدني ما قلت. فتمنعت، فقال: واللّه لتنشدنّي، فأنشدته فقال: واللّه لا ترجع كذلك، ثم قال: انزعوا خفيه، فنزعا فحشاهما دنانير، وأمر لي بغلمان وجوار وكسا، أفلا ترى لي أن أمدح هذا وأهجو ذاك! قلت: بلى واللّه. ثم قال:
وسار شعري حتى بلغ المهديّ فكان سبب دخولي إليه.
هواه
أخبرني الحسن بن عليّ الأدميّ قال: حدّثني محمد بن الحسن بن عباد بن الشهيد/ القرقيسيانيّ قال: حدثني عمي عبد اللّه بن عباد:
أن ربيعة بن ثابت الرقيّ الأسديّ كان يلقب الغاوي، وكان يهوى جارية يقال لها عثمة، أمة لرجل من أهل قرقيسياء، يقال له ابن مرّار، وكان بنو هاشم/ في سلطانهم قد ولّوه مصر، فأصاب بها مالا عظيما، وبلغه خبر ربيعة مع جاريته، فأحضره، وعرض عليه أن يهبها له، فقال: لا تهبها لي، فإن كل مبذول مملول، وأكره أن يذهب حبّها من قلبي؛ ولكن دعني أواصلها هكذا، فهو أحب إليّ.
قال: وقال فيها:
اعتاد قلبك من حبيبك عيده ... شوق عراك فأنت عنه تذوده
والشوق قد غلب الفؤاد فقاده ... والشوق يغلب ذا الهوى فيقوده
__________
[1] مب: من نوال يزيد.
في دار مرّار غزال كنيسة ... عطر عليه خزوزه وبروده
ريم أغر كأنه من حسنه ... صنم يحجّ ببيعة معبوده
عيناه عينا جؤذر بصريمة ... وله من الظبي المربّب جيده
ما ضرّ عثمة أن تلم بعاشق ... دنف الفؤاد متيم فتعوده
وتلده [1] من ريقها فلربما ... نفع السقيم من السّقام لدوده
وهي طويلة مدح فيها بعض ولد يزيد بن المهلب.
يمدح معن بن زائدة ويهجوه
أخبرني يحيى بن عليّ قال: حدثني أبي عن إسحاق بن إبراهيم الموصليّ، عن أبي بشر الفزاريّ قال:
لقى ربيعة الرقيّ معن بن زائدة في قدمة قدمها إلى العراق، فامتدحه بقصيدة، وأنشده إياها راويته، فلم يهش له معن، ولا رضي ربيعة لقاءه إياه، وأثابه ثوابا نزرا، فرده ربيعة، وهجاه هجاء كثيرا، فمما هجاه به قوله:
معن يا معن يابن زائدة الكل ... ب التي في الذراع لا في البنان
لا تفاخر إذا فخرت بآبا ... ئك وافخر بعمك الحوفزان
/ فهشام من وائل في مكان ... أنت ترضى بدون ذاك المكان
ومتى كنت يابن ظبية ترجو ... أن تثنّي [2] على ابنة الغضبان
وهي حوراء كالمهاة هجان ... لهجان وأنت غير هجان
وبنات السّليل عند بني ظب ... ية، أفّ لكم بني شيبان
قيل: معن لنا فلما اختبرنا ... كان مرعى وليس كالسّعدان
قال أبو بشر: ظبية التي عيره بها أمة كانت لبني نهار بن أبي ربيعة بن ذهل بن شيبان، لقيها عبد اللّه بن زائدة بن مطر بن شريك، وكانت راعية لأهلها، وهي في غنمها، فسرقها ووقع عليها، فولدت له زائدة بن عبد اللّه أبا معن بن زائدة، ودجاجة بنت عبد اللّه. قال: وبنت السليل التي عناها: امرأة من ولد الحوفزان.
هواه
أخبرني يحيى عن أبيه عن إسحاق عن أبي بشر الفزاريّ، قال:
كان ربيعة الرقيّ يهوى جارية لرجل من أهل الكوفة، يقال لها عثمة، وكان أهلها ينزلون في جوار جعفيّ، فقال فيها في أبيات له:
جعفيّ جيرانها فقد عطرت ... جعفيّ من نشرها ورياها
فقال له رجل من جعفيّ: وأنا جار لها بيت بيت، واللّه ما شممت من دراهم/ ريحا طيبة قطّ. فتشمم ربيعة رائحته
__________
[1] تلده: تسقيه اللدود، وهو دواء.
[2] كذا في ف، مب. وفي الأصول: تبني.
وقال: وما ذنبي إذا كنت أخشم [1]، واللّه إني لأجد ريحها وريح طيبها منك، وأنت لا تجده من نفسك.
رقية شعرية
أخبرني يحيى عن أبيه عن إسحاق عن أبي بشر قال:
كنت حاضرا ربيعة الرقيّ يوما وجاءته امرأة من منزل هذه الجارية، فقالت: تقول لك فلانة: إن بنت مولاي محمومة، فإن كنت تعرف عوذة تكتبها لها فافعل. فقال: أكتب لها يا أبا بشر هذه العوذة:
/تفو تفو باسم إلهي الذي ... لا يعرض السقم لمن قد شفى
أعيذ مولاتي ومولاتها ... وابنتها بعوذة المصطفى
من شرّ ما يعرض من علة ... في الصبح والليل إذا أسدفا
قال: فقلت له: يا أبا ثابت، لست أحسن أن أكتب: تفو تفو، فكيف أكتبها؟ قال: انضح المداد من رأس القلم في موضعين، حتى يكون كالنفث، وادفع العوذة إليها، فإنها نافعة. ففعلت ودفعتها إليها، فلم تلبث أن جاءتنا الجارية وهي لا تتمالك ضحكا. فقالت له: يا مجنون، ما فعلت بنا؟ كدنا واللّه نفتضخ بما صنعت. قال: فما أصنع بك؟
أشاعر أنا أم صاحب تعاويذ؟
صوت
ألا من بيّن الأخوي ... ن أمّهما هي الثكلى
تسائل من رأى ابنيها ... وتستشفي فما تشفى [2]
فلما استيأست رجعت ... بعبرة واله حرّى
تتابع بين ولولة ... وبين مدامع تترى
عروضه من الهزج [3]، الشعر لجويرية بنت خالد بن قارظ الكنانية، وتكنى أم حكيم، زوجة عبيد اللّه بن العباس بن عبد المطلب، في ابنيها اللذين قتلهما بسر بن أرطاة، أحد بني عامر بن لؤيّ باليمن.
والغناء لابن سريج، ولحنه من القدر الأوسط، من الثقيل الأول، بالخنصر في مجرى البنصر. وفيه لحنين الحيريّ، ثاني ثقيل عن الهشاميّ. وفيه لأبي سعيد مولى فائد، خفيف ثقيل الأول، مطلق في مجرى الوسطى.
__________
[1] الأخشم: الذي لا يجد ريح ما يشم في أنفه.
[2] كذا في ف، مب. وفي بقية الأصول: «و تستسقي فما تسقى».
[3] هذه العبارة سقطت من ف، مب، وهي في سائر الأصول. والأبيات ليست من الهزج، لكن من مجزوم الوافر.
17 - ذكر الخبر في مقتل ابني عبيد اللّه بن العباس ابن عبد المطلب
حملة بسر بن أرطاة في الحجاز واليمن
أخبرني بالسبب في ذلك محمد بن أحمد بن الطّلّاس [1] قال: حدثنا أحمد بن الحارث الخراز قال: حدثنا عليّ بن محمد المدائنيّ، عن أبي مخنف، عن جويرية بن أسماء، والصّقعب بن زهير، وأبي بكر الهذليّ، عن أبي عمرو الوقاصيّ:
أن معاوية بن أبي سفيان بعث بسر بن أرطاة، أحد بني عامر بن لؤيّ، بعد تحكيم الحكمين، وعليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه يومئذ حيّ، وبعث معه جيشا، ووجّه برجل من غامد [2] ضم إليه جيشا آخر. ووجّه الضحاك بن قيس الفهريّ في جيش آخر، وأمرهم أن يسيروا في البلاد، فيقتلوا كل من وجدوه من شيعة عليّ بن أبي طالب عليه السّلام وأصحابه، وأن يغيروا على سائر أعماله، ويقتلوا أصحابه، ولا يكفّوا أيديهم عن النساء والصبيان. فمضى بسر لذلك على وجهه، حتى انتهى إلى المدينة، فقتل بها ناسا من أصحاب عليّ عليه السّلام، وأهل هواه، وهدم بها دورا من دور القوم./ ومضى إلى مكة، فقتل نفرا من آل أبي لهب، ثم أتى السّراة، فقتل من بها من أصحابه. وأتى نجران، فقتل عبد اللّه بن عبد المدان الحارثيّ وابنه، وكانا من أصهار بني العباس، ثم أتى اليمن وعليها عبيد اللّه بن العباس، عاملا لعليّ بن أبي طالب، وكان غائبا، وقيل بل هرب لما بلغه خبر بسر، فلم يصادفه بسر، ووجد ابنين له صبيين، فأخذهما بسر لعنه اللّه، وذبحهما بيده، بمدية كانت معه، ثم انكفأ راجعا إلى معاوية، وفعل مثل ذلك سائر من بعث به. فقصد الغامديّ إلى الأنبار، فقتل ابن حسان البكري، وقتل رجالا ونساء من الشيعة.
خطبة لعلي بن أبي طالب يعير فيها أتباعه بالهزيمة
فحدثني العباس بن عليّ بن العباس النسائي قال: حدثنا محمد بن حسان الأزرق، قال: حدثنا شبابة بن سوّار قال: حدثنا قيس بن الربيع، عن عمرو بن قيس، عن أبي صادق، قال:
أغارت خيل لمعاوية على الأنبار، فقتلوا عاملا لعليّ عليه السّلام، يقال له حسان بن حسان [3]، وقتلوا رجالا كثيرا ونساء، فبلغ ذلك عليّ بن أبي طالب صلوات اللّه عليه، فخرج حتى أتى المنبر، فرقيه، فحمد اللّه وأثنى عليه، وصلّى على النبي صلّى اللّه عليه وسلّم، ثم قال:
__________
[1] ف: أحمد الطلاس.
[2] كذا في الأصول: عامر وفي «شرح نهج البلاغة» لابن أبي الحديد (1: 144) أن معاوية وجه رجلا من غامد يقال له: سفيان بن عوف بن المغفل الغامديّ، فعلى هذا تكون كلمة «عامر» تصحيفا.
[3] كذا ورد هذا الاسم في جميع الأصول وفي «الكامل» للمبرد (1: 104 «رغبة الآمل» للمرصفي) وسماه ابن أبي الحديد في «شرح نهج البلاغة» في رواية: أشرس بن حسان البكري.
إن الجهاد باب من أبواب الجنة، فمن تركه ألبسه اللّه ثوب الذلة وشمله البلاء، وديّث [1] بالصّغار، وسيم الخسف. وقد قلت لكم اغزوهم قبل أن يغزوكم، فإنه لم يغز قوم قطّ في عقر [2] دارهم إلا ذلّوا، فتواكلتم وتخاذلتم، وتركتم قولي وراءكم ظهريا، حتى شنّت عليكم الغارات. هذا أخو غامد قد جاء الأنبار، فقتل عاملي عليها حسان بن حسان، وقتل رجالا كثيرا ونساء. واللّه لقد بلغني أنه كان يأتي المرأة المسلمة والأخرى المعاهدة، فينزع حجلها ورعاثها [3]، ثم ينصرفون موفورين، لم يكلم أحد منهم كلما، فلو أن امرأ مسلما مات من دون هذا أسفا، لم يكن عليه ملوما، بل كان به جديرا. يا عجبا، عجبا يميت القلب، ويشعل الأحزان، من اجتماع هؤلاء القوم على ضلالتهم وباطلهم، وفشلكم عن حقكم، حتى صرتم غرضا، ترمون ولا ترمون، وتغزون ولا تغزون، ويعصى اللّه وترضون. إذا قلت لكم اغزوهم في الحر، قلتم هذه حمارّة القيظ فأمهلنا، وإذا قلت لكم اغزوهم في البرد، قلتم هذا أوان قرّ وصرّ فأمهلنا. فإذا كنتم من [4] الحر والبرد تفرّون، فأنتم واللّه من السيف/ أشد فرارا. يا أشباه الرجال ولا رجال، ويا طغام [5] الأحلام، وعقول ربات الحجال [6]، وددت واللّه اني لم أعرفكم، بل وددت أني لم أركم، معرفة واللّه جرّعت بلاء وندما، وملأتم جوفي غيظا بالعصيان والخذلان، حتى لقد قالت قريش: إن ابن أبي طالب رجل شجاع ولكن لا علم له بالحرب. ويحهم! هل فيهم أشد مراسا لها مني؟ واللّه لقد دخلت فيها وأنا ابن عشرين، وأنا الآن قد نيّفت على الستين، ولكن لا رأي لمن لا يطاع.
فقام إليه رجل فقال: يا أمير المؤمنين، أنا كما قال اللّه تعالى: لا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي
[7] فمرنا بأمرك، فو اللّه لنطيعنك ولو حال بيننا وبينك جمر الغضى [8]، وشوك القتاد. قال: وأين تبلغان مما أريد؛ هذا أو نحوه، ثم نزل.
رسائل بين علي وأخيه عقيل
حدثنا محمد بن العباس اليزيديّ قال: حدثني عمي عبيد اللّه بن محمد قال: حدثني جعفر بن بشير قال:
حدثني صالح بن يزيد الخراساني، عن أبي مخنف، عن سليمان بن أبي راشد، عن ابن أبي الكنود عبد الرّحمن بن عبيد قال:
كتب عقيل بن أبي طالب إلى/ أخيه عليّ بن أبي طالب عليه السّلام:
«أما بعد، فإن اللّه عزوجل جارك من كل سوء، وعاصمك من المكروه. إني خرجت معتمرا، فلقيت عبد اللّه بن أبي سرح في نحو من أربعين شابا من أبناء الطّلقاء، فقلت لهم، وعرفت المنكر في وجوههم: يا أبناء الطّلقاء، العداوة واللّه لنا منكم غير مستنكرة قديما، تريدون بها إطفاء نور اللّه، وتغيير أمره، فأسمعني/ القوم
__________
[1] ديث: ذلل.
[2] عقر دارهم: أصلها.
[3] الجحل: الخلخال. والرعاث: جمع رعثة، وهي الشنف.
[4] في الأصول: بين. وفي ف: في، وأثبتنا: من، عن مب، و«الكامل» للمبرد، و«شرح نهج البلاغة».
[5] الطغام: من لا عقل له، ولا معرفة عنده.
[6] الحجال: جمع حجلة، وهي بيت للعروس يزين بالثياب والستور.
[7] سورة المائدة آية: 25.
[8] الغضى: نبات من أجود وقود العرب.
وأسمعتهم. ثم قدمت مكة وأهلها يتحدثون أن الضحاك بن قيس أغار على الحيرة، فاحتمل من أموال أهلها ما شاء، ثم انكفأ راجعا، فأفّ لحياة في دهر جرأ عليك الضحاك. وما الضحاك؟ وهل هو إلا فقع بقرقرة [1]، وقد ظننت وبلغني أن أنصارك قد خذلوك، فاكتب إليّ يابن أمّ برأيك، فإن كنت الموت تريد، تحملت إليك ببني أبيك وولد أخيك، فعشنا ما عشت، ومتنا معك، فو اللّه ما أحب أن أبقى بعدك فواقا [2]، وأقسم باللّه الأعز الأجل، أن عيشا أعيشه في هذه الدنيا بعدك، لعيش غير هنيء ولا مريء ولا نجيع [3]. والسّلام».
فأجابه عليّ بن أبي طالب، عليه السّلام: بسم اللّه الرّحمن الرّحيم:
«أما بعد، كلأنا اللّه وإياك كلاءة من يخشاه بالغيب، إنه حميد مجيد، فقد قدم عليّ عبد الرّحمن بن عبيد الأزديّ بكتابك، تذكر فيه أنك لقيت ابن أبي سرح مقبلا من قديد، في نحو من أربعين شابا من أبناء الطلقاء، وإنّ بنيّ أبي سرح طال ما كاذ اللّه ورسوله وكتابه، وصدّ عن سبيله، وبغاها عوجا، فدع بني أبي سرح عنك، ودع قريشا وتركاضهم في الضلالة، وتجوالهم في الشقاق، فإن قريشا قد أجمعت على حرب أخيك، إجماعها على حرب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قبل اليوم، فأصبحوا قد جهلوا حقه، وجحدوا فضله، وبادوه [4] بالعداوة، ونصبوا له الحرب، وجهدوا عليه كل الجهد، وساقوا إليه جيش الأمرّين. اللهم فاجز عني قريشا الجوازي، فقد قطعت رحمي، وتظاهرت عليّ، والحمد للّه على كل حال.
/ وأما ما ذكرت من غارة الضحاك بن قيس على الحيرة، فهو أقل وأذل من أن يقرب الحيرة، ولكنه جاء في خيل جريدة، فلزم الظهر، وأخذ على السماوة، فمر بواقصة وشراف وما والى ذلك الصقع، فسرحت إليه جيشا كثيفا من المسلمين، فلما بلغه ذلك جاز هاربا، فاتبعوه فلحقوه ببعض الطريق وقد أمعن في السير، وقد طفلت [5] الشمس للإياب، فاقتتلوا شيئا كلا ولا [6]، فولّى ولم يصبر، وقتل من أصحابه بضعة عشر رجلا، ونجا جريضا [7] بعد ما أخذ منه بالمخنّق، فلأيا [8] بلأى مانجا.
وأما ما سألت عنه أن أكتب إليك فيه برأيي، فإن رأيي قتال المحلّين [9] حتى ألقى اللّه، لا يزيدني كثرة الناس حولي عزّة، ولا تفرّقهم عني وحشة، لأني محق، واللّه مع الحق وأهله، وما أكره الموت على الحق، وما الحير كله إلا بعد الموت لمن كان محقا.
__________
[1] الفقع: البيضاء الرخوة من الكمأة، وهي أردؤها. القرقرة: أرض مطمئنة لينة. ويقال للذليل: هو أذل من فقع بقرقرة، لأنه لا يمتنع على من اجتناه، أو لأنه يوطأ بالأرجل.
[2] فواقا، بفتح الفاء: ما بين الحلبتين من الوقت، يريد وقتا قصيرا.
[3] نجيع: هنيء.
[4] باداه بالعداوة: كاشفه بها.
[5] طفلت الشمس للغروب: دنت.
[6] كلا ولا: أي مدة قليلة.
[7] جريضا: مشرفا على الهلاك، من جرض بريقه: إذا ابتلعه على هم وحزن بالجهد.
[8] اللأي: المشقة والشدة والجهد. ولأيا بلأى ما نجا: أي نجا بعد مشقة وجهد.
[9] المحلون: الخارجون من الميثاق والبيعة، يعني البغاة ومخالفي الإمام. ويقال لكل من خرج من إسلام، أو حارب في الحرم، أو في الأشهر الحرم: محل.
وأما ما عرضته عليّ من مسيرك إليّ ببنيك وبني أبيك [1]، فلا حاجة لي في ذلك، فأقم راشدا مهديا، فو اللّه ما أحب أن تهلكوا معي إن هلكت، ولا تحسبنّ ابن أبيك لو أسلمه الزمان والناس متضرّعا متخشّعا، لكن أقول كما قال أخو بني سليم:
فإن [2] تسأليني كيف أنت فإنني ... صبور على ريب الزمان صليب
يعزّ عليّ أن ترى بي كآبة ... فيشمت عاد [3] أو يساء حبيب
والسّلام».
رجع الخبر إلى سياقة مقتل الصبيين
شعر أم حكيم في طفليها
ثم إن بسر بن أرطاة كر راجعا، وانتهى خبره إلى عليّ عليه السّلام، أنه قتل عبد الرّحمن وقثم ابني عبيد اللّه بن العباس، فسرّح حارثة بن قدامة السعديّ في طلبه، وأمره أن يغذّ السير، فخرج مسرعا، فلما وصل إلى المدينة، وانتهى إليه قتل عليّ بن أبي طالب عليه السّلام، وبيعة الحسن رضي اللّه تعالى عنه، ركب في السلاح، ودعا أهل المدينة إلى البيعة للحسن، فامتنعوا، فقال: واللّه لتبايعنّ ولو بأستاهكم. فلما رأى أهل المدينة الجدّ منه بايعوا للحسن، وكر راجعا إلى الكوفة، فأصاب أمّ حكيم بنت قارظ ولهى على ابنيها، فكانت لا تعقل ولا تصغي إلى قول من أعلمها أنهما قد قتلا، ولا تزال تطوف في المواسم، تنشد الناس ابنيها بهذه الأبيات:
صوت
يا من أحس بنيّي اللذين هما ... كالدّرّتين تشظّى عنهما الصدف
يا من أحس بنيّي اللذين هما ... سمعي وقلبي، فقلبي اليوم مختطف
يا من أحس بنيّي اللذين هما ... مخّ العظام فمخى اليوم مزدهف
نبئت بسرا وما صدّقت ما زعموا ... من قولهم ومن الإفك الذي اقترفوا
أنحي على ودجى إبنيّ مرهفة ... مشحوذة وكذاك الإثم يقترف
حتى لقيت رجالا من أرومته ... شم الأنوف لهم في قومهم شرف
فالآن ألعن بسرا حقّ لعنته ... هذا لعمر أبي بسر هو السّرف
من دلّ والهة حرّى مدلّهة ... على صبيين ضلا إذ هوى السلف
الغناء لأبي سعيد مولى فائد، ثقيل أول بالوسطى عن عمرو، وفيه خفيف ثقيل، يقال إنه له أيضا. وفيه لعريب رمل نشيد.
__________
[1] كذا في «شرح نهج البلاغة» لابن أبي الحديد (1: 155) وفي الأصول: ببني أبيك وولد أخيك.
[2] ف: ولا.
[3] عاد: كذا في ف، مب و «شرح نهج البلاغة». وفي الأصول: باغ.
دعوة علي بن أبي طالب على بسر
قالوا: ولما بلغ عليّ بن أبي طالب عليه السّلام قتل بسر الصبيين، جزع لذلك جزعا شديدا، ودعا على بسر لعنه اللّه، فقال: اللهم اسلبه دينه، ولا تخرجه من الدنيا حتى تسلبه عقله! فأصابه ذلك، وفقد عقله، فكان يهذي بالسيف ويطلبه، فيؤتى بسيف من خشب، ويجعل بين يديه زقّ منفوخ، فلا يزال يضربه حتى يسأم [1]، ثم مات لعنه اللّه.
عبيد اللّه بن العباس وبسر
ولما كانت الجماعة واستقر الأمر على معاوية، دخل عليه عبيد اللّه بن العباس وعنده بسر بن أرطاة، فقال له عبيد اللّه: أأنت قاتل الصبيين أيها الشيخ؟ قال بسر: نعم أنا قاتلهما. فقال عبيد اللّه: أما واللّه لوددت أن الأرض كانت أنبتتني عندك. فقال بسر: فقد أنبتتك الآن عندي. فقال عبيد اللّه: ألا سيف! فقال له بسر: هاك سيفي. فلما أهوى عبيد اللّه إلى السيف ليتناوله، أخذه معاوية، ثم قال لبسر: أخزاك اللّه شيخا قد كبرت وذهب عقلك، تعمد إلى رجل من بني هاشم قد وترته وقتلت ابنيه، تدفع إليه سيفك، إنك لغافل عن قلوب بني هاشم، واللّه لو تمكن منه لبدأ بي قبلك. فقال عبيد اللّه: أجل، واللّه، ثم إذن لثنّيت [2] به.
يمني ينتقم من ابني بسر
أخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن عمار قال: أخبرني محمد بن مسروق قال: قال الأصمعيّ:
سمع رجل من/ أهل اليمن وقد قدم مكة امرأة عبيد اللّه بن العباس بن عبد المطلب تندب ابنيها اللذين قتلهما بسر بن أرطاة بقولها:
يا من أحس بنيّي اللذين هما ... كالدرتين تشظّى عنهما الصّدف
/ فرقّ لها، فاتصل ببسر حتى وثق به، ثم احتال لقتل ابنيه، فخرج بهما إلى وادي أوطاس، فقتلهما وهرب، وقال:
يا بسر بسر بني أرطاة ما طلعت ... شمس النهار ولا غابت على ناس
خير من الهاشميّين الذين هم ... عين الهدى وسمام الأشوس [3] القاسي
ماذا أردت إلى طفلي مدلّهة ... تبكي وتندب من أثكلت في الناس
إما قتلتهما ظلما فقد شرقت ... في صاحبيك قناتي يوم أوطاس
فاشرب بكأسهما ثكلا كما شربت ... أم الصبيّين أو ذاق ابن عباس [4]
__________
[1] ف: يضربه ما يشاء. مب: يضربه ما شاء حتى مات.
[2] كذا في ف، مب. وفي الأصول: وكنت أثني به.
[3] الأشوس: الشديد الجريء في القتال.
[4] ف: في دار ابن عباس.
صوت
صوت لأم حكيم بنت يحيى
ألا فاسقياني من شرابكما الوردي ... وإن كنت قد أنفدت فاسترهنا بردي [1]
سواري ودملوجي وما ملكت يدي ... مباح لكم نهب فلا تقطعوا وردي
عروضه من الطويل. والشعر لأم حكيم بنت يحيى بن الحكم بن أبي العاصي بن أمية بن عبد شمس. والغناء لإبراهيم الموصلي، رمل بالوسطى، من رواية عمرو بن بانة.
__________
[1] هنا تنتهي مصوّرة مب.
18 - ذكر أم حكيم وأخبارها
[1] قد مضى ذكر نسبها.
أمها وجمالها
وأمّها زينب بنت عبد الرّحمن بن الحارث بن هشام، وكانت هي وأمها من أجمل نساء قريش، فكانت قريش تقول لأم حكيم: الواصلة بنت الواصلة، وقيل: الموصلة بنت الموصلة، لأنهما وصلتا الجمال بالكمال.
جدتها
وأم زينب عبد الرّحمن بن الحارث بن هشام: سعدى بنت عوف بن خارجة بن سنان بن أبي خارجة بن عوف بن أبي حارثة بن لأم الطائيّ. وكانت سعدى بنت عوف عند عبد اللّه بن الوليد بن المغيرة، فولدت له سلمة وريطة. ثم توفّي عنها، فخلف عليها طلحة بن عبيد اللّه، فولدت له يحيى وعيسى، ثم قتل عنها، فخطبها عبد الرّحمن بن الحارث بن هشام، فتكلم بنوها، وكرهوا أن تتزوج وقد صاروا رجالا، فقالت: إنه قد بقي في رحم أمكم فضلة شريفة، لا بد من خروجها، فتزوجها. فولدت له المغيرة بن عبد الرّحمن الفقيه، وزينب، وهي أمّ أم حكيم.
وكان المغيرة أحد أجواد [2] قريش والمطعمين منهم، وقد قدم الكوفة على عبد الملك بن بشر بن مروان، وكان صديقه، وبها جماعة يطعمون الناس من قريش وغيرهم، فلما قدم تغيبوا، فلم يظهر أحد منهم حتى خرج، وبث المغيرة الجفان في السكك والقبائل يطعم الناس، فقال فيه شاعر من أهل الكوفة:
أتاك البحر طمّ على قريش ... مغيريّ فقد راغ ابن بشر
قال مصعب الزبيريّ: هو - يعني المغيرة - مطعم الجيش بمنى، وهو إلى الآن يطعم عنه. قال: وكانت أخته زينب أحسن الناس وجها وقدّا، وكأن أعلاها/ قضيب، وأسفلها كثيب،/ فكانت تسمى الموصلة. وسميت بنتها أمّ حكيم بذلك، لأنها أشبهتها.
حسن جسدها
أخبرني [3] عمي قال: حدثني ابن أبي سعد قال: حدثني عليّ بن محمد بن يحيى الكنانيّ عن أبيه قال:
كانت زينب بنت عبد الرّحمن من لين جسدها يقال لها الموصلة [3]:
__________
[1] من هنا يبدأ الجزء الخامس عشر من المخطوطة رقم 1319 أدب.
[2] ف: جوداء.
(3 - 3) الخبر ساقط من ف.
زواجها من يحيى بن الحكم
قال مصعب: فتزوج زينب أبان بن مروان بن الحكم، فولدت له عبد العزيز بن أبان، ثم مات عنها، فخطبها يحيى بن الحكم وعبد الملك بن مروان، فمالوا إلى عبد الملك، فأرسل يحيى إلى المغيرة بن عبد الرّحمن: كم الذي تأمل من عبد الملك؟ واللّه لا يزيدها على ألف دينار، ولا يزيدك على خمس مئة دينار، ولها عندي خمسون ألف دينار، ولك عندي عشرة آلاف دينار [1] إن زوجتنيها، فزوجه إياها على ذلك. فغضب عليه عبد الملك. وقال:
دخل عليّ في خطبتي. واللّه لا يخطب على منبر ما دمت [2] حيا، ولا رأى مني ما يحب، فأسقطه. فقال يحيى: لا أبالي، كعكتان وزينب.
قال ابن أبي سعد: وأخبرت عن محمد بن إسحاق المسيّبي قال: حدثني عبد الملك بن إبراهيم الطلحيّ:
أنها لما خطبت قالت: لا أتزوج واللّه أبدا إلا من يغني أخي المغيرة. فأرسل إليها يحيى بن الحكم: أيغنيه خمسون ألف دينار؟ قالت: نعم. قال: فهي له، ولك مثلها. فقالت: ما بعد هذا شيء. أرسل إلى أهلك شيئا من طيب، وشيئا من كسوة.
/ قال: ويقال إن عبد الملك لما تزوجها يحيى قال: لقد تزوجت أفوه غليظ الشفتين. فقالت زينب: هو خير من أبي الذّبان فما، فما له يعيبه بفمه؟ وقال يحيى: قولوا له أقبح من فمي ما كرهت من فمك.
أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال: حدثنا عمر بن شبة قال: حدثني أبو غسّان، عن عبد العزيز بن أبي ثابت، عن عمه محمد بن عبد العزيز:
أن عبد الملك خطب زينب إلى المغيرة أخيها، وكتب إليه أن يلحق به، وكان بفلسطين أو بالأردنّ، فعرض له يحيى بن الحكم، فقال له: أين تريد؟ قال: أريد أمير المؤمنين. قال: وما تصنع به؟ فو اللّه لا يزيدك على ألف دينار يكرمك بها، وأربع مئة دينار لزينب، ولك عندي ثلاثون ألف دينار، سوى صداق زينب. فقال المغيرة: أو تنقل إليّ المال قبل عقد النكاح؟ قال: نعم، فنقل إليه المال. فتجهز المغيرة، وسيّر ثقله، ثم دخل على يحيى فزوجه، وخرج إلى المدينة، فجعل عبد الملك ينتظر المغيرة، فلما أبطأ عليه قيل له: يا أمير المؤمنين، إنه زوج يحيى بن الحكم زينب بنت عبد الرّحمن، بثلاثين ألف دينار، وأعطاها إياها، ورجع إلى منزله. فغضب على يحيى، وخلعه عن ماله، وعزله عن عمله، فجعل يحيى يقول:
ألا لا أبالي اليوم ما فعل الدهر ... إذا بقيت لي كعكتان وزينب
زواج أم حكيم من عبد العزيز بن الوليد
قال: وكانت زينب تسمى الموصلة، من حسن جسدها، وكانت أم حكيم تحت عبد العزيز بن الوليد بن عبد الملك، تزوجها في حياة جده عبد الملك، ولما عقد النكاح بينهما، عقد في مجلس عبد الملك، وأمر بإدخال الشعراء ليهنئوهم بالعقد، ويقولوا في ذلك أشعارا كثيرة يرويها الناس، فاختير منهم جرير وعديّ بن الرقاع، فدخلا، وبدأ عديّ لموضعه منهم، فقال:
__________
[1] ف: درهم.
[2] ف: ما دام.
/
قمر السماء وشمسها اجتمعا ... بالسّعد ما غابا وما طلعا
ما وارت الأستار مثلهما ... من ذا رأى هذا ومن سمعا؟
دام السرور له بها ولها ... وتهنّيا طول الحياة معا
/ وقال جرير:
جمع الأمير إليه أكرم حرة ... في كل ما حال من الأحوال
حكميّة علت الروابي كلّها ... بمفاخر الأعمام والأخوال
وإذا النساء تفاخرت ببعولة ... فخرتهم بالسّيّد المفضال
عبد العزيز ومن يكلف نفسه ... أخلاقه يلبث بأكسف بال
هنأتكم بمودّة ونصيحة ... وصدقت في نفسي لكم ومقالي
فلتهنك النّعم التي خوّلتها ... يا خير مأمول وأفضل وال
فأمر له عبد الملك بعشرة آلاف درهم، ولعديّ بن الرقاع بمثلها، وقضى لأهله ومواليه يومئذ مئة حاجة، وأمر لجميع من حضر من الحرس والكتاب بعشرة دنانير عشرة دنانير. فلم تزل أم حكيم عند عبد العزيز مدة، ثم تزوج ميمونة بنت عبد الرّحمن بن أبي بكر، فملكته وأحبها، وذهبت بقلبه كل مذهب، فلم ترض منه إلا بطلاق أمّ حكيم، فطلقها، فتزوجها هشام بن عبد الملك، ثم مات عبد العزيز، فتزوج هشام ميمونة أيضا، وكان شديد المحبة لأم حكيم، فطلق لها ميمونة، اقتصاصا لها منها فيما فعلته بها في اجتماعهما عند عبد العزيز، وقال لها: هل أرضينك منها؟ فقالت: نعم. فولدت أم حكيم من هشام ابنه يزيد بن هشام، وكان من رجالات بني أمية، وكان أحد من يطعن على الوليد بن يزيد بن عبد الملك، ويغري الناس به.
كأس أم حكيم
وكانت أم حكيم منهومة بالشراب، مدمنة عليه، لا تكاد تفارقه. وكأسها الذي كانت تشرب فيه مشهور عند الناس إلى اليوم، وهو في خزائن الخلفاء حتى الآن، وفيه [1] يقول الوليد بن يزيد:
صوت
علّلاني بعاتقات الكروم ... واسقياني بكأس أمّ حكيم
إنها تشرب المدامة صرفا ... في إناء من الزجاج عظيم
جنّبوني أذاة كل لئيم ... إنه ما علمت شرّ نديم
ثم إن كان في النّدامى كريم ... فأذيقوه مس بعض النعيم
ليت حظي من النساء سليمى ... إن سلماي جنّتي ونعيمي
__________
[1] نصت «كتب اللغة» على أن الكأس مؤنثة. وقد جرى المؤلف في عبارته على تذكيرها. ولعله أراد معنى القدح أو الإناء.
فدعوني من الملامة فيها ... إن من لا مني لغير حليم [1]
عروضه من الخفيف. غناء عمر الوادي [2] من رواية يونس. وفي رواية إسحاق: غناه الغزيل أبو كامل: خفيف رمل بالسبابة في مجرى البنصر.
فيقال إن هذا الشعر بلغ هشاما، فقال لأم حكيم: أتفعلين ما ذكره الوليد؟ فقالت: أو تصدقه الفاسق في شيء، فتصدقه في هذا؟ قال: لا. قالت: فهو كبعض كذبه.
يزيد بن هشام والوليد بن يزيد يتهاجيان
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ قال: حدثنا عمر بن شبة قال:
كان يزيد بن هشام هجا الوليد بن يزيد بن عبد الملك، فقال:
فحسب أبي العباس كأس وقينة ... وزقّ إذا دارت به في الذوائب
ومن جلساء الناس مثل ابن مالك ... ومثل ابن جزء والغلام ابن غالب
/ فقال الوليد يهجوه، ويعيره بشرب أمه الشراب:
/إن كأس العجوز كأس رواء ... ليس كأس ككأس أمّ حكيم
إنها تشرب الرّساطون صرفا ... في إناء من الزجاج عظيم
لو به يشرب البعير أو الفي ... - ل لظلّا في سكرة وغموم
ولدته سكرى فلم تحسن الطّل ... - ق فوافى لذاك غير حليم
أبو شاكر بن هشام وولاية العهد
وكان لهشام منها ابن يقال له مسلمة، ويكنى أبا شاكر، وكان هشام ينوّه باسمه، وأراد أن يوليه العهد بعده، وولاه الحج، فحج بالناس، وفيه يقول عروة بن أذينة - لما وفد على هشام - وفرّق في الحجاز على أهلها مالا كثيرا، وأحبه الناس ومدحوه:
أتينا نمتّ بأرحامنا ... وجئنا بأمر أبي شاكر
وفيه يقول الوليد بن يزيد بن عبد الملك في حياة أبيه، وأشاع ذلك وغنّى فيه، وأراد أن يعيره بذلك:
صوت
يأيها السائل عن ديننا ... نحن على دين أبي شاكر
نشربها صرفا وممزوجة ... بالسخن أحيانا وبالفاتر
فقال بعض شعراء أهل الحجاز يجيبه:
__________
[1] كذا في ف، وفي الأصول: رحيم.
[2] ف: عمرو بن بانة.
يا أيها السائل عن ديننا ... نحن على دين أبي شاكر
الواهب البزل بأرسانها ... ليس بزنديق ولا كافر
فذكر أحمد بن الحارث عن المدائنيّ:
أن هشاما لما أراد أن يوليه العهد، كتب بذلك إلى خالد بن عبد اللّه القسريّ، فقال خالد: أنا بريء من خليفة يكنى أبا شاكر. فبلغ قوله هشاما، فكان سبب إيقاعه به.
كأس أم حكيم في خزائن المأمون والمعتمد
أخبرني عليّ بن سليمان الأخفش قال: حدثني محمد بن موسى قمطر، عن إسماعيل بن مجمع قال:
كنا نخرج ما في خزائن المأمون [1] من الذهب والفضة، فنزكّي عنه، فكان فيما يزكّى عنه، قائم كأس أم حكيم، وكان فيه من الذهب ثمانون مثقالا. قال محمد بن موسى: سألت إسماعيل بن مجمع عن صفته، فقال:
كأس كبير من زجاج أخضر، مقبضه من ذهب. هكذا ذكر إسماعيل.
وقد حدثني علي بن صالح بن الهيثم بمثله [2]، قال: حدثنا إبراهيم بن أحمد المادرائيّ قال:
لما أخرج المعتمد ما في الخزائن ليباع، في أيام ظهور الناجم بالبصرة، أخرج إلينا كأس أم حكيم، فكان كأسا مدوّرا على هيئة القحف [3]، يسع ثلاثة أرطال، فقوّم بأربعة دراهم، فعجبنا من حصول مثله في الخزانة، مع خساسة قدره، فسألنا الخازن عنه. فقال: هذا كأس أمّ حكيم، فرددناه إلى الخزانة. ولعل الذهب الذي كان عليه أخذ منه حينئذ، ثم أخرج ليباع.
محمد بن الجنيد الختلي وكأس أم حكيم
قال محمد بن موسى: وذكر لي عبيد اللّه بن محمد عن أبي الأغرّ، قال: كنا مع محمد بن الجنيد الختّليّ أيام الرشيد، فشرب ذات ليلة، فكان صوته:
علّلاني بعاتقات الكروم ... واسقياني بكأس أم حكيم
فلم يزل يقترحه ويشرب عليه حتى السحر، فوافاه كتاب خليفته في دار الرشيد: إن الخليفة/ على الركوب. وكان محمد أحد أصحاب الرشيد، ومن يقدّم دابته، فقال: ويحكم! كيف أعمل والرشيد لا يقبل لي عذرا وأنا سكران.
فقالوا: لا بدّ من/ الركوب، فركب على تلك الحال؛ فلما قدّم إلى الرشيد دابته، قال له: يا محمد، ما هذه الحال التي أراك عليها؟ قال: لم أعلم برأي أمير المؤمنين في الركوب، فشربت ليلي أجمع. قال: فما كان صوتك؟
فأخبره.
فقال له: عد إلى منزلك، فلا فضل فيك، فرجع إلينا وخبّرنا بما جرى، وقال: خذوا بنا في شأننا، فجلسنا على سطح، فلما متع النهار إذا خادم من خدم أمير المؤمنين قد أقبل إلينا على برذون، في يده شيء مغطّى بمنديل،
__________
[1] ف: كنا نخرج من دار الملوك من الذهب ...
[2] ف: كيحلة.
[3] القحف: العظم الذي فوق الدماغ من الجمجمة.
قد كاد ينال الأرض، فصعد إلينا، وقال لمحمد: أمير المؤمنين يقرأ عليك السّلام ويقول لك: قد بعثنا إليك بكأس أم حكيم، لتشرب فيه، وبألف دينار تنفقها في صبوحك. فقام محمد، فأخذ الكأس من يد الخادم، وقبّلها، وصب فيها ثلاثة أرطال، وشربها قائما، وسقانا مثل ذلك، ووهب للخادم مئتي دينار، وغسل الكأس، وردّها إلى موضعها، وجعل يفرق علينا تلك الدنانير، حتى بقي معه أقلّها.
صوت
الأعشى يهجو علقمة بن علاثة
علقم ما أنت إلى عامر ... الناقض الأوتار والواتر [1]
إن تسد الحوص فلم تعدهم ... وعامر ساد بني عامر
عهدي بها في الحي قد درّعت ... صفراء مثل المهرة الضامر
قد حجم الثدي على صدرها [2] ... في مشرق ذي بهجة ناضر
/ لو أسندت ميتا إلى نحرها ... عاش ولم يحمل [3] إلى قابر
حتى يقول الناس مما رأوا ... يا عجبا للميّت الناشر
عروضه من السريع. والشعر للأعشى: أعشى بني قيس بن ثعلبة، يمدح عامر بن الطّفيل، ويهجو علقمة بن علاثة.
والغناء لمعبد في الثالث وما بعده، خفيف ثقيل الأول بالبنصر. وفي الأبيات لحنين ثقيل أول مطلق، في مجرى البنصر، عن إسحاق. وفيها أيضا لحن آخر ذكره في المجرد ولم يجنّسه، ولم ينسبه إلى أحد.
__________
[1] هذه الأبيات من قصيدة طويلة أولها:
شاقتك من قتلة أطلالها ... بالشط فالوتر إلى حاجر
وهي في «الديوان» و «شرح المغني» للسيوطي، مع اختلاف كثير في الترتيب والألفاظ.
[2] كذا في ف و «الديوان». وفي الأصول: نحرها.
[3] كذا في ف: وفي الأصول و «الديوان» و «شرح شواهد المغني»: «ينقل».
الخبر في هذه القصة، وسبب منافرة عامر وعلقمة وخبر الأعشى وغيره معهما فيها
أسانيد هذه القصة
أخبرني بذلك محمد بن الحسن بن دريد إجازة، عن أبي حاتم، عن أبي عبيدة.
ونسخت من روايات ابن الكلبي عن أبيه، ومن [1] رواية دماذ والأثرم عن أبي عبيدة والأصمعيّ [1]، ومن رواية ابن حبيب عن ابن الأعرابيّ عن المفضّل، ومن رواية أبي عمرو الشيبانيّ عن أصحابه؛ فجمعت رواياتهم، ولكل امرىء منهم زيادة على صاحبه، ونقصان عنه، واللفظ مشترك في الروايات، إلا ما حكيته مفردا.
قال ابن الكلبيّ: حدثني أبي ومحرز بن جعفر، وجعفر بن كلاب الجعفريّ، عن بشر بن عبد اللّه بن حبّان بن سلمى بن مالك [1] بن جعفر، عن أبيه، عن أشياخه وذكر بعضه أبو مسكين، قالوا:
أول [2] ما هاج النّفار بين عامر بن الطفيل بن مالك بن/ جعفر، وبين علقمة بن علاثة بن عوف بن الأحوص -
سبب المنافرة بين عامر وعلقمة
وأم عامر: كبشة بنت عروة الرحّال بن عتبة بن جعفر، وأمها أم الظباء بنت معاوية، فارس الهرّار، ابن عبادة بن عقيل بن كعب بن ربيعة، وأمها خالدة بنت جعفر بن كلاب، وأمها فاطمة بنت عبد شمس بن عبد مناف.
وأم أبيه الطّفيل: أم البنين بنت ربيعة بن عمرو بن عامر بن صعصعة.
قال أبو الحسن الأثرم: وكانت أم علقمة ليلى بنت أبي سفيان بن هلال بن النّخع سبيّة، وأم أبيه ماوية بنت عبد اللّه بن الشّيطان بن بكر بن عوف بن النخع مهيرة - / أن علقمة كان قاعدا ذات يوم يبول، فبصر به عامر، فقال: لم أر كاليوم عورة رجل أقبح. فقال علقمة: أما واللّه ما تثب على جاراتها، ولا تنازل كنّاتها [3]؛ يعرّض بعامر. فقال عامر: وما أنت والقروم! واللّه لفرس أبي «حنوة» [4] أذكر من أبيك؛ ولفحل أبي «غيهب» أعظم ذكرا منك في نجد. قال: وكان فرسه فرسا جوادا، نجا عليه يوم بني مرة بن عوف بن سعد بن ذبيان، وكان فحله فحلا لبني حرملة بن الأشعر بن صرمة بن مرّة بن عوف بن سعد بن ذبيان.
__________
(1 - 1) العبارة ساقطة من ف.
[2] مبتدأ، خبره في أوّل الصفحة التالية.
[3] كذا في الأصول. والكنة: امرأة الابن أو الأخ. ولعل كلمة: تنازل، محرفة عن «تغازل». وفي «سرج العيون» (107): ولا تنازل إلا كفاتها.
[4] حنوة: كذا في «نسب الخيل» لابن الكلبي 76 و «المخصص» (6: 196) و «تاج العروس» «حنو». وفي الأصول: حيوة.
قال الأثرم: وأخبرني رجل من جهينة بدمشق، قال: هو الأشعر [1] بن صرمة.
قال: الأثرم: سمى صرمة غيهب [2] لسواده.
قال ابن الكلبيّ: فاستعاره منهم يستطرقه [3]، فغلبهم عليه، فقال علقمة: أما فرسكم فعارة [4]، وأما فحلكم فغدرة. ولكن إن شئت نافرتك. فقال: قد شئت.
فقال عامر: واللّه لأنا أكرم منك حسبا، وأثبت منك نسبا، وأطول منك قصبا.
فقال علقمة: لأنا خير منك ليلا ونهارا.
فقال عامر: لأنا أحب إلى نسائك أن أصبح فيهن منك.
فقال علقمة: على ماذا تنافرني يا عامر؟
فقال عامر: أنافرك على أني أنحرمنك للّقاح، وخير منك في الصباح [5]، وأطعم منك في السنة الشّياح [6].
/فقال علقمة: أنت رجل تقاتل والناس يزعمون أني جبان، ولأن تلقى العدوّ وأنا أمامك، أعزّ لك من أن تلقاهم وأنا خلفك. وأنت جواد والناس يزعمون أني بخيل، ولست كذلك، ولكن أنافرك أني خير منك أثرا، وأحدّ منك بصرا، وأعز منك نفرا، وأسرح [7] منك ذكرا.
فقال عامر: ليس لبني الأحوص فضل على بني مالك في العدد، وبصري ناقص، وبصرك صحيح، ولكني أنافرك على أني أنشر منك أمة [8]، وأطول منك قمّة، وأحسن منك لمّة، وأجعد منك جمّة، وأبعد منك همّة.
قال علقمة: أنت رجل جسيم، وأنا رجل قضيف، وأنت جميل، وأنا قبيح، ولكني أنافرك بآبائي وأعمامي.
فقال عامر: آباؤك أعمامي ولم أكن لأنافرك بهم، ولكني أنافرك أني خير منك عقبا، وأطعم منك جدبا.
قال علقمة: قد علمت أن لك عقبا في العشيرة، وقد أطعمت طيبا [9] إذ سارت؛ ولكني أنافرك أني خير منك، وأولى بالخيرات منك؛ وقد أكثرنا المراجعة منذ اليوم.
قال: فخرجت أم عامر، وكانت تسمع كلامهما، فقالت: يا عامر، نافره أيكما أولى بالخيرات.
قال أبو المنذر: قال أبو مسكين: قال عامر في مراجعته: واللّه لأنا أركب منك في الحماة، وأقتل منك للكماة، وخير منك للمولى والمولاة.
/ فقال له علقمة: واللّه إني أعز منك. إني لبرّ وإنك لفاجر، وإني لوفيّ وإنك لغادر، ففيم تفاخرني يا عامر؟
__________
[1] كذا في الأصل. ولعله للأشعر.
[2] كذا في الأصل. ولعل صوابه: وسمى فحل صرمة غيهبا لسواده.
[3] يستطرقه: يتخذه فحلا لنوقه، ليحسن نتاجها.
[4] عارة: عارية.
[5] في الصباح: أي عند الغارة على الأعداء.
[6] الشياح: القحط. يريد السنة المجدبة.
[7] أسرح: أبعد. وفي الأصول عدا ف: أشرف.
[8] أي أكثر قوما.
[9] في بعض الأصول: «طيئا».
فقال عامر: واللّه إني لأنزل منك للقفرة، وأنحر منك للبكرة، وأطعم منك للهبرة [1]، وأطعن منك للثّغرة [2].
فقال علقمة: واللّه إنك/ لكليل البصر، نكد النظر، وثّاب على جاراتك بالسّحر.
فقال بنو خالد بن جعفر، وكانوا يدا مع بني الأحوص على بني مالك بن جعفر: لن تطيق عامرا، ولكن قل له: أنافرك بخيرنا وأقربنا إلى الخيرات، وخذ عليه بالكبر. فقال له علقمة هذا القول.
فقال عامر: عنز وتيس، وتيس وعنز [3]، فذهبت مثلا. نعم على مئة من الإبل، إلى مئة من الإبل يعطاها الحكم، أينا نفّر عليه صاحبه أخرجها، ففعلوا ذلك، ووضعوا بها رهنا من أبنائهم، على يدي رجل من بني الوحيد، فسمي الضّمين إلى الساعة، وهو الكفيل.
قال: وخرج علقمة ومن معه من بني خالد، وخرج عامر فيمن معه من بني مالك، وقد أتى عامر بن الطفيل عمه عامر بن مالك، وهو أبو براء، فقال: يا عماه، أعنّي. فقال: يابن أخي، سبّني. فقال: لا أسبك وأنت عمي.
قال: فسبّ الأحوص. فقال عامر: ولا أسب واللّه الأحوص وهو عمي، فقال: فكيف إذن أعينك، ولكن دونك نعلي، فإني قد ربعت فيها أربعين مرباعا، فاستعن بها في نفارك.
اختيار الحكم بينهما
وجعلا منافرتهما إلى أبي سفيان بن حرب بن أمية، فلم يقل بينهما شيئا، وكره ذلك لحالهما وحال عشيرتهما، وقال: أنتما كركبتي البعير الأدرم [4]، تقعان بالأرض. قالا: فأينا اليمين؟ فقال: كلاكما اليمين. وأبى أن يقضي بينهما. فانطلقا إلى أبي جهل بن هشام، فأبى أن يحكم بينهما، فوثب مروان بن سراقة بن قتادة بن عمرو بن الأحوص بن جعفر، فقال:
يآل قريش بيّنوا الكلاما ... إنا رضينا منكم الأحكاما
فبيّنوا إن كنتم حكّاما ... كان أبونا لهم إماما
وعبد عمرو منع الفئاما ... في يوم فخر معلم إعلاما
ودعلج أقدمه إقداما ... لولا الذي أجشمهم إجشاما
لا تخذتهم مدحج نعاما
قال: فأبوا أن يقولوا بينهما شيئا.
وقد كانت العرب تحاكم إلى قريش، فأتيا عيينة بن حصن بن حذيفة، فأبى أن يقول بينهما شيئا. فأتيا غيلان بن سلمة بن معتب الثّقفيّ، فردهما إلى حرملة بن الأشعر المرّي، فردهما إلى هرم بن قطبة بن سنان بن عمرو الفزاريّ، فانطلقا حتى نزلا به.
__________
[1] القطعة المجتمعة من اللحم.
[2] ف: للنبرة. ولعل صحتها: للنثرة، بمعنى الخيشوم وما والاه.
[3] يريد: مثلي ومثلك كالعير والتيس، أو كالتيس والعنز، إذ التيس أقوى على النطاح من العنز.
[4] الأدرم: الذي تراكب لحمه وشحمه حتى غطى عظامه، والذي ذهبت جلدة أسنانه ودنا وقوعها، أو الذي لا أسنان له.
هرم بن قطبة يحكم بينهما
وقال بشر بن عبد اللّه بن حبّان بن سلمى: إنهما ساقا الإبل معهما، حتى أشتت وأربعت، لا يأتيان أحدا إلا هاب أن يقضي بينهما؛ فقال هرم: لعمري لأحكمن بينكما، ثم لأفصلن، ثم لست أثق بواحد منكما، فأعطياني موثقا أطمئن إليه أن ترضيا بما أقول، وتسلّما لما قضيت بينكما، وأمرهما/ بالانصراف، ووعدهما ذلك اليوم من قابل. فانصرفا حتى إذا بلغ الأجل من قابل، خرجا إليه، فخرج علقمة ببني الأحوص، فلم يتخلف منهم أحد، معهم القباب والجزر والقدور، ينحرون في كل منزل ويطعمون، وجمع عامر بني مالك، فقال: إنما تخاطرون عن أحسابكم، فأجابوه وساروا معه، ولم ينهض أبو براء معهم، وقال لعامر: واللّه لا تطلع ثنية إلا وجدت الأحوص منيخا بها، وكره أبو براء ما كان من أمرهما، فقال عامر [1] فيما كره من منافرتهما، ودعاء عامر إياه أن يسير معه:
أأومر أن أسبّ أبا شريح ... ولا واللّه أفعل ما حييت
/ ولا أهدي إلى هرم لقاحا ... فيحيي بعد ذلك أو يميت
أكلّف سعي لقمان بن عاد ... فيآل أبي شريح ما لقيت
قال: وأبو شريح: هو الأحوص. فكره كل واحد من البطنين ما كان بينهما. وقال عبد عمرو بن شريح بن الأحوص:
لحى اللّه وفدينا وما ارتحلا به ... من السّوءة [2] الباقي عليهم وبالها
ألا إنما بردى صفاق [3] متينة ... أبى الضيم أعلاها وأثبت حالها
قال: فسار عامر وبنو عامر على الخيل مجنبي الإبل، وعليهم السلاح، فقال رجل من غنيّ: يا عامر، ما صنعت؟ أخرجت بني مالك تنافر بني الأحوص ومعهم القباب والجزر، وليس معك شيء تطعمه الناس! ما أسوأ ما صنعت! فقال عامر لرجلين من بني عمه: أحصيا كل شيء مع علقمة من قبة أو قدر أو لقحة. ففعلا. فقال عامر: يا بني مالك، إنها المقارعة عن أحسابكم، فاشخصوا بمثل/ ما شخصوا به، ففعلوا.
الشعراء مع المتنافرين
وثار مع عامر لبيد بن ربيعة والأعشى، ومع علقمة الحطيئة وفتيان من بني الأحوص، منهم السّندريّ بن يزيد بن شريح، ومروان بن سراقة بن قتادة بن عمرو بن الأحوص، وهم يرتجزون، فقال لبيد:
يا هرما وأنت أهل عدل ... إن نفّر [4] الأحوص يوما قبلي
ليذهبن أهله بأهلي ... لا تجمعنّ شكلهم وشكلي
ونسل آبائهم ونسلي
__________
[1] المراد به عامرا بن مالك أبو براء، وهو عم عامر بن الطفيل.
[2] ف: النبوة.
[3] ف
ألا إنما تردى صفاه متينا
[4] ف: يفز.
وقال أيضا:
إني امرؤ من مالك بن جعفر ... علقم قد نافرت غير منفر
نافرت سقبا من سقاب العرعر
فقال قحافة بن عوف بن الأحوص:
نهنه إليك الشعر يا لبيد ... واصدد فقد ينفعك الصّدود
ساد أبونا قبل أن تسودوا ... سؤددكم مطّرف زهيد
وقال أيضا:
إني إذا ما نسي الحياء [1] ... وضاع يوم المشهد اللّواء
أنمى وقد حقّ لي النماء ... إلى ذكور ذكرها سناء [2]
إذ لا تزال جلدة كوماء ... مبقورة لسقبها دعاء [3]
لم ينهنا عن نحرها الصفاء ... لنا عليكم سورة ولاء [4]
المجد والسؤدد والعطاء
وقال أيضا:
أنتم هزلتم عامر بن مالك ... في شتوات مضر الهوالك
يا شرّ أحياء وشرّ هالك [5]
قال: وأنشدها السّندريّ يومئذ، ورفع صوته، فقيل: من هذا؟ فقال:
أنا لمن أنكر صوتي السّندريّ ... أنا الفتى الجعد الطويل الجعفريّ
من ولد الأحوص أخوالي غنيّ
/ فقال عامر: أجب يا لبيد. فرغب لبيد عن إجابته، وذلك لأن السّندريّ كانت جدته أمة اسمها عيساء، فقال:
لما دعاني عامر لأسبّهم [6] ... أبيت وإن كان ابن عيساء ظالما
لكيما يكون السّندريّ نديدتي ... وأشتم أعماما عموما عماعما [7]
__________
[1] كذا في ف. وفي الأصول:
إني إذا أكنني الجفاء
[2] كذا في ف. وفي الأصول: كهول.
[3] جلدة: كذا في ف. وهي الناقة الغزيرة اللبن، أو الصلبة القوية على السير. وفي الأصول «جلة»: والسقب: ولد الناقة. ودعاء: كذا في ف. وفي الأصول: رغاء، وهما بمعنى.
[4] السورة بضم السين: المنزلة الرفيعة.
[5] كذا في ف. وفي الأصول: يا شر ناحيا.
[6] كذا في ف. وفي الأصول: لأجيبهم.
[7] عموما: مجتمعين. والعماعم: الجماعات المتفرقة. ورواية الشطر الثاني في «اللسان»:
وأجعل أقواما عموما عماعما
وأنشر من تحت القبور أبوّة ... كراما هم شدّوا عليّ التّمائما
لعبت على أكتافهم وحجورهم ... وليدا وسمّوني مفيدا [1] وعاصما
ألا أينا ما كان شرا لمالك ... فلا زال في الدنيا ملوما ولائما
قال: ووثب الحطيئة، فقال:
ما يحبس الحكّام بالفصل [2] بعدما ... بدا سابق ذو غرّة وحجول
/ وقال أيضا:
يا عام قد كنت ذا باع ومكرمة ... لو أن مسعاة من جاريته أمم
جاريت قرما أجاد الأحوصان به ... سمح اليدين وفي عرنينه شمم
لا يصعب الأمر إلا ريث [3] يركبه ... ولا يبيت على مال له قسم
هابت بنو مالك مجدا ومكرمة ... وغاية كان فيها الموت لو قدموا
وما أساءوا فرارا عن مجلّحة [4] ... لا كاهن يمتري فيها ولا حكم
رفق الحكم ودهاؤه
قال: وأقام القوم عنده أياما، وأرسل إلى عامر، فأتاه سرا، لا يعلم به علقمة فقال: يا عامر، قد كنت أرى لك رأيا، وأن فيك خيرا، وما حبستك هذه الأيام إلا لتنصرف عن صاحبك. أتنافر رجلا لا تفخر أنت وقومك إلا بآبائه؟ فما الذي أنت به خير منه؟
قال عامر: أنشدك اللّه والرّحم أن لا تفضّل عليّ علقمة، فو اللّه لئن فعلت لا أفلح بعدها أبدا. هذه ناصيتي فاجزرها. واحتكم في مالي، فإن كنت لا بدّ فاعلا فسوّ بيني وبينه. قال: انصرف، فسوف أرى رأيي. فخرج عامر وهو لا يشك أنه ينفّره عليه.
ثم أرسل إلى علقمة سرّا، لا يعلم به عامر، فأتاه فقال: يا علقمة، واللّه إن كنت لأحسب فيك خيرا، وأن لك رأيا، وما حبستك هذه الأيام إلا لتنصرف عن صاحبك. أتفاخر رجلا هو ابن عمك في النسب؟ وأبوه أبوك، وهو مع هذا أعظم قومك غناء، وأحمدهم لقاء؟ فما الذي أنت به خير منه؟ فقال له علقمة: أنشدك اللّه والرّحم ألّا تنفّر عليّ عامرا. اجزز ناصيتي، واحتكم في مالي،/ وإن كنت لا بد أن تفعل فسوّ بيني وبينه. فقال: انصرف فسوف أرى رأيي. فخرج وهو لا يشك أنه سيفضّل عليه عامرا.
قال أبي: وسمعت أن هرما قال لعامر حين دعاه: يا عامر، كيف تفاضل علقمة؟ فقال عامر: ولم يا هرم؟
__________
وشرحه فيه، أي أجعل أقواما مجتمعين فرقا.
[1] كذا في ف. وفي بقية الأصول: وليدا.
[2] كذا في الأصول، وفي ف: بالفضل.
[3] ف: حيث.
[4] المجلحة: المصيبة التي تستأصل كل شيء. وفي ف: مجلجلة، أي مدويه بعيدة الذكر.
قال: لأنه أنجل منك عينا في النساء، وأكثر منك نفيرا عند ثورة الدعاء. قال عامر: هل غير هذا؟ قال: نعم. هو أكثر منك نائلا في الثّراء، وأعظم منك حقيقة عند الدعاء. ثم قال لعلقمة: كيف تفاضل عامرا؟ قال: ولم يا هرم؟
قال: هو أنفد منك لسانا، وأمضى منك سنانا. قال علقمة: فهل غير هذا؟ قال: نعم. هو أقتل منك للكماة، وأفك منك للعناة.
دهاء الحكم
قال: ثم إن هرما أرسل إلى بنيه وبني أبيه: إني قائل غدا بين هذين الرجلين/ مقالة، فإذا فعلت فليطرد بعضكم عشر جزائر فلينحرها عن علقمة، ويطرد بعضكم عشر جزائر، فلينحرها عن عامر، وفرّقوا بين الناس، لا تكون لهم جماعة.
وأصبح هرم، فجلس مجلسه، وأقبل الناس، وأقبل علقمة وعامر حتى جلسا، فقام لبيد فقال:
يا هرم ابن الأكرمين منصبا ... إنك قد ولّيت حكما معجبا
فاحكم وصوّب رأس من تصوّبا ... إن الذي يعلو علينا ترتبا [1]
لخيرنا عما وأما وأبا ... وعامر خيرهما مركّبا
وعامر أدنى لقيس نسبا
الفصل في المنافرة
فقام هرم فقال: يا بني جعفر، قد تحاكمتما عندي، وأنتما كركبتي البعير الأدرم: تقعان إلى الأرض معا، وليس فيكما أحد إلا وفيه ما ليس في صاحبه، وكلاكما سيد كريم.
/ وعمد بنو هرم وبنو أخيه إلى تلك الجزر، فنحروها حيث أمرهم هرم عن علقمة عشرا، وعن عامرا عشرا، وفرقوا الناس، فلم يفضّل هرم واحدا منهما على صاحبه، وكره أن يفعل وهما ابنا عم، فيجلب بذلك عداوة، ويوقع بين الحيين شرا.
سبب انضمام الأعشى إلى عامر
قال: وكان الأعشى حين رجع من عند قيس بن معد يكرب بما أعطاه طلب الجوار والخفرة من علقمة، فلم يكن عنده ما طلب، وأجاره وخفره عامر، حتى إذا أداه وماله إلى أهله قال:
علقم ما أنت إلى عامر ... الناقض الأوتار والواتر
ثم أتمها بعد النّفار. فلما بلغ علقمة ما قال الأعشى، وأشاع في العرب أن هرما قد فضّل عامرا، توعّد الأعشى، فقال الأعشى:
لعمري لئن أمسى من الحيّ شاخصا
__________
[1] ترتبا: أبدا، أو جميعا.
الخليفة عمر وهرم بن قطبة
قال ابن الكلبي: حدّثني أبي قال: فعاش هرم حتى أدرك سلطان عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه، فسأله عمر فقال: يا هرم، أيّ الرجلين كنت مفضلا لو فضلت؟ فقال: لو قلت ذاك يا أمير المؤمنين لعادت جذعة، ولبلغت شعاف هجر. فقال عمر: نعم مستودع السّرّ ومسند الأمر إليه أنت يا هرم، مثل هذا فليسد العشيرة. وقال: إلى مثلك فليستبضع القوم أحكامهم.
إسلام علقمة
قال مؤلف الكتاب [1]:
وقد أدرك علقمة بن علاثة الإسلام، فأسلم، ثم ارتد فيمن ارتد من العرب. فلما وجه أبو بكر خالد بن الوليد المخزومي إلى بني كلاب ليوقع بهم، وعلقمة يومئذ/ رئيسهم، هرب وأسلم، ثم أتى أبا بكر رضي اللّه عنه، فأعلمه أنه قد نزع عما كان عليه، فقبل إسلامه وأمّنه. هكذا ذكر المدائنيّ.
وأما سيف بن عمر فإنه روى عن الكوفيين غير ذلك.
حدثنا محمد بن جرير الطبريّ قال: حدثنا السريّ بن يحيى، قال: حدثنا شعيب بن إبراهيم، عن سيف بن عمر، عن سهل بن يوسف، قال:
كان علقمة بن علاثة على كلاب ومن لافّها [2]، وقد كان علقمة أسلم ثم ارتد في حياة النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، ثم خرج بعد فتح الطائف، حتى لحق بالشام مرتدا، فلما توفي النبي صلّى اللّه عليه وسلّم أقبل مسرعا، حتى عسكر في بني كعب، مقدّما رجلا ومؤخرا أخرى، وبلغ ذلك أبا بكر رضي اللّه عنه، فبعث إليه سريّة، وأمّر عليها القعقاع بن عمرو، وقال: يا قعقاع، سر حتى تغير على علقمة بن علاثة، لعلك تأخذه لي/ أو تقتله. واعلم أن شفاء النفس الحوص، فاصنع ما عندك.
فخرج في تلك السرية حتى أغار على الماء الذي عليه علقمة، وكان لا يبرح أن يكون على رحل، فسابقهم على فرسه مراكضة، وأسلم أهله وولده، واستبى القعقاع امرأة علقمة وبناته ونساءه ومن أقام من الرجال، فاتقوه بالإسلام، فقدم بهم على أبي بكر رضي اللّه عنه، فجحدت زوجته وولده أن يكونوا مالئوا علقمة على أمره، وكانوا مقيمين في الدار، ولم يكن بلغه عنهم غير ذلك. وقالوا لأبي بكر: ما ذنبنا نحن فيما صنع علقمة؟ فأرسلهم، ثم أسلم علقمة، فقبل ذلك منه.
نهى النبي حسان عن إنشاده هجاء علقمة
أخبرنا الحرمي بن أبي العلاء قال: حدثنا الزبير بن بكار قال: حدثنا عمرو بن عثمان قال:
/ كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ربما حدّث أصحابه، وربما تركهم يتحدثون ويصغي إليهم ويبتسم، فبينا هم يوما على ذلك يتذاكرون الشعر وأيام العرب، إذ سمع حسان بن ثابت ينشد هجاء أعشى بني قيس بن ثعلبة، علقمة بن علاثة، ومديحه عامر بن الطفيل:
__________
[1] كذا في ف، وفي بقية الأصول: «قال أبو الفرج الأصبهاني».
[2] لافها: كذا في ف. وفي الأصول: والاها. وهما بمعنى واحد.
علقم ما أنت إلى عامر ... الناقض الأوتار والواتر
إن تسد الحوص فلم تعدهم ... وعامر ساد بني عامر
ساد وألفى رهطه [1] سادة ... وكابرا سادوك عن كابر
فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: كفّ عن ذكره يا حسان، فإن أبا سفيان لما شعّث مني [2] عند هرقل، ردّ عليه علقمة، فقال حسان بن ثابت: بأبي أنت وأمي يا رسول اللّه، من نالتك يده فقد وجب علينا شكره.
الحطيئة وعلقمة بن علاثة
أخبرني الحسن بن عليّ قال: حدثنا أحمد بن الحارث الخراز قال: حدثنا المدائني، عن أبي بكر الهذليّ قال:
لما أطلق عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه الحطيئة من حبسه، قال له: يا أمير المؤمنين، اكتب لي كتابا إلى علقمة بن علاثة، لأقصده به، فقد منعتني التكسب بشعري. فقال: لا أفعل. فقيل له: يا أمير المؤمنين، وما عليك من ذلك؟ إن علقمة ليس بعاملك، فتخشى أن تأثم، وإنما هو رجل من المسلمين، تشفع له إليه. فكتب له بما أراد، فمضى الحطيئة بالكتاب، فصادف علقمة قد مات والناس منصرفون عن قبره، فوقف عليه، ثم أنشد قوله:
لعمري لنعم المرء من آل جعفر ... بحوران أمسى أعلقته الحبائل
فإن تحي لا أملل حياتي وإن تمت ... فما في حياة بعد موتك طائل
وما كان بيني لو لقيتك سالما ... وبين الغنى إلا ليال قلائل
/ فقال له ابنه: يا حطيئة، كم ظننت أن علقمة يعطيك؟ قال: مئة ناقة. قال: فلك مئة ناقة يتبعها مئة من أولادها.
فأعطاه إياها.
علقمة وخالد وعمر بن الخطاب
أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال: حدثنا الزّبير بن بكّار قال: حدثني عمر بن أبي بكر قال: حدثنا عبد الرّحمن بن أبي الزناد والضحاك بن عثمان قالا:
لما قدم علقمة بن علاثة المدينة، وكان قد ارتد عن الإسلام، وكان لخالد بن الوليد صديقا، لقيه عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه في المسجد في جوف الليل، وكان عمر يشبّه بخالد، وذلك أن أمه حنتمة بنت هاشم بن المغيرة بن عبد اللّه بن عمر بن مخزوم، فسلم عليه، وظن أنه خالد،/ فقال: أعزلك؟ قال: كان ذلك. قال: واللّه ما هو إلا نفاسة عليك، وحسد لك. فقال له عمر: فما عندك معونة على ذلك؟ قال: معاذ اللّه، إن لعمر علينا سمعا وطاعة، وما نخرج إلى خلافه. فلما أصبح عمر رضي اللّه عنه أذن للناس، فدخل خالد وعلقمة، فجلس علقمة إلى جنب خالد، فالتفت عمر إلى علقمة فقال: إيه يا علقمة، أأنت القائل لخالد ما قلت؟ فالتفت علقمة إلى خالد، فقال: يا أبا سليمان، أفعلتها؟ قال: ويحك واللّه ما لقيتك قبل ما ترى، وإني لأراك لقيت الرجل. قال: أراه واللّه.
__________
[1] كذا في ف. وفي الأصول: قومه.
[2] شعث مني: عابني.
ثم التفت إلى عمر فقال: يا أمير المؤمنين، ما سمعت إلا خيرا. قال: أجل. فهل لك أو أوليّك حوران؟ قال: نعم.
فولاه إياها، فمات بها.
رثاء الحطيئة علقمة
فقال الحطيئة يرثيه:
لعمري لنعم الحيّ من آل جعفر ... بحوران أمسى أقصدته الحبائل
لقد أقصدت جودا ومجدا وسؤددا ... وحلما أصيلا خالفته المجاهل
فإن تحي لا أملل حياتي وإن تمت ... فما في حياة بعد موتك طائل
وفي أول هذه القصيدة التي رثى بها الحطيئة علقمة غناء نسبته:
صوت
أرى العيس تخدي بين قوّ فضارج ... كما لاح في الصبح الأشاء الحوامل
فأتبعتهم عينيّ حتى تفرقت ... مع الليل عن ساق الفريد الجمائل
فلأيا قصرت الطرف عنهم بجسرة ... أمون إذا واكلتها لا تواكل
غنى في هذه الأبيات سائب خاثر ثاني ثقيل بالوسطى، من رواية حماد بن إسحاق والهشاميّ.
صوت
رثاء لأبي العباس الأعمى في بني أمية
ليت شعري أفاح رائحة المس ... - ك وما إن إحال بالخيف إنسي
حين غابت بنو أميّة عنه ... والبهاليل من بني عبد شمس
خطباء على المنابر فرسا ... ن عليها وقالة غير خرس
إخال: أظن. خلت كذا وكذا، فأنا إخاله: إذا ظننته، وخال عليّ الشيء يخيل: إذا شككت فيه. وليت شعري:
كلمة تقولها العرب عند الشيء تحبّ علمه، وتسأل عنه.
وأخبرني حبيب بن نصر المهلّبيّ قال: حدثني عمر بن شبّة قال: سأل رجل أبا عبيدة: ما أصل «ليت شعري»؟
فقال: كأنه قال: ليتني شعرت بكذا وكذا، ليتني علمت حقيقته.
الشعر لأبي العباس الأعمى، والغناء لابن سريج، رمل بالبنصر في مجراها.
19 - أخبار أبي العباس الأعمى
نسبه
هو السائب بن فرّوخ مولى بني ليث. وقيل إنه مولى بني الدّيل، وهذا القول هو الصحيح.
ذكر محمد بن معاوية الأسديّ، عن المدائنيّ والواقديّ:
أن أبا العباس الأعمى الذي يروي عنه حبيب بن أبي ثابت، مولى جذيمة بن عليّ بن الدّيل [1] بن بكر بن عبد مناة، وكان من شعراء بني أمية المعدودين، المقدمين في مدحهم والتشيع لهم، وانصباب الهوى إليهم، وهو الذي يقول في أبي الطفيل عامر بن واثلة، صاحب عليّ بن أبي طالب عليه السّلام:
/لعمرك إنني وأبا طفيل ... لمختلفان، واللّه الشهيد
أرى عثمان مهتديا ويأبى ... متابعتي وآبى ما يريد
أخبرني بذلك وكيع عن حماد بن إسحاق، عن أبيه، عن أبيه، عن عبد اللّه بن أبي سعد.
روايته الحديث
وقد روى أبو العباس الأعمى عن صدر من الصحابة الحديث، وروى عنه عطاء، وعمرو بن دينار، وحبيب بن أبي ثابت [2].
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ قال: حدثنا عمر بن شبة قال: حدّثنا أبو عاصم عن ابن جريج عن عطاء عن أبي العباس الأعمى الشاعر، عن عبد اللّه بن عمر، قال: إنما جمع [3] منزل تدلج منه إذا شئت.
/ قال: حدّثنا أحمد بن محمد بن دلان [4] الخيشي، قال: حدّثنا أحمد بن إسماعيل قال: حدّثنا أبو ضمرة قال: حدّثني أبو الحارث بن عبد الرّحمن، عن أبي ذئب، عن أبي العباس، عن سعيد بن المسيب قال: قال عليّ بن أبي طالب: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم:
إسباغ الوضوء على المكاره، وإعمال الأقدام إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، يغسل الخطايا غسلا.
__________
[1] ف: علي وبني الديل. وفي «نكت الهميان» للصفدي: مولى لبني جذيمة بن عدي بن الديل. نقله عن المرزباني في «معجمه».
[2] قال الخزرجي في «الخلاصة»: السائب بن فروخ المكي أبو العباس الشاعر. عن عبد اللّه بن عمرو وابن عمر. وعنه حبيب بن أبي ثابت، وعمرو بن دينار. وثقه أحمد. وزاد الصفدي في «نكت الهميان»: وروى له البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة.
[3] جمع: اسم للمزدلفة.
[4] كذا في ف. وفي بقية الأصول: بلان.
حدّثني: أحمد بن محمد بن سعيد الكوفي قال: حدّثنا أبو قلابة قال: حدّثنا بشر بن عمر قال: حدّثنا شعبة، عن حبيب بن أبي ثابت، قال:
سمعت أبا العباس السائب بن فرّوخ الأعمى الشاعر يحدث عن عبد اللّه بن عمر، قال:
جاء رجل إلى النبي صلّى اللّه عليه وسلّم يستأذنه في الجهاد، فقال: أحيّ والداك؟ قال: نعم. قال: فيهما فجاهد.
لقاؤه المنصور في طريقهما إلى الشام
أخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن عمار قال: حدّثني يعقوب بن إسرائيل مولى المنصور قال: حدّثنا الفضل بن عبد اللّه الخلنجي بجرجان قال: حدّثني مسلم بن الوليد الأنصاريّ قال: سمعت يزيد بن مزيد يقول: سمعت هارون الرشيد يقول: سمعت المهديّ يقول: سمعت المنصور يقول:
خرجت أريد الشأم أيام مروان بن محمد، فصحبني في الطريق رجل ضرير، فسألته عن مقصده، فأخبرني أنه يريد مروان بشعر امتدحه به، فاستنشدته إياه، فأنشدني:
ليت شعري أفاح رائحة المس ... - ك وما إن إخال بالخيف إنسي
حين غابت بنو أميّة عنه ... والبهاليل من بني عبد شمس
خطباء على المنابر فرسا ... ن عليها وقالة غير خرس
/ لا يعابون صامتين وإن قا ... لوا أصابوا ولم يقولوا بلبس
بحلوم إذا الحلوم تقضّت [1] ... ووجوه مثل الدنانير ملس
ويروى مكان «تقضت»: اضمحلت. قال: فو اللّه ما فرغ من إنشاده حتى توهمت أن العمى قد أدركني، وافترقنا.
لقاؤه المنصور في طريق الحج
فلما أفضت الخلافة إليّ خرجت حاجا، فنزلت أمشي بجبلي زرود، فبصرت بالضرير، ففرّقت من كان معي، ثم دنوت منه فقلت: أتعرفني؟ قال: لا. فقلت: أنا رفيقك وأنت تريد الشام أيام مروان. فقال: أوّه:
آمت نساء بني أميّة منهم ... وبناتهم بمضيعة أيتام
نامت جدودهم وأسقط نجمهم ... والنجم يسقط والجدود تنام [2]
/خلت المنابر والأسرّة منهم ... فعليهم حتى الممات سلام
فقلت: وكم كان مروان أعطاك بأبي أنت؟ قال: أغناني أن أسأل أحدا بعده. فهممت بقتله، ثم ذكرت حق الاسترسال والصحبة، فأمسكت عنه، وغاب عن عيني، فبدا لي فيه، فأمرت بطلبه، فكأنما البيداء بادت به.
قصة له مع امرأة ذات بعل
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ قال: حدّثني عمر بن شبة قال: قال أبو عبيدة:
__________
[1] ف: استخفت.
[2] كذا في ف. وفي بقية الأصول: «نيام».
هوي أبو العباس الأعمى امرأة ذات بعل، فراسلها، فأعلمت زوجها، فقال: أطمعيه. فأطمعته. ثم قال:
أرسلي إليه فليأتك. فأرسلت إليه، فأتاها، وجلس زوجها إلى جانبها، فقال لها أبو العباس: إنك قد وصفت لنا وما نراك، فألمسينا. فأخذت يده، فوضعتها على أير زوجها، فنفر، وعلم أن قد كيد، فنهض من عندها، وقال:
صوت
عليّ أليّة ما دمت حيّا ... أمسّك طائعا إلا بعود
ولا أهدي لأرض أنت فيها ... سلام اللّه إلّا من بعيد
رجوت غنيمة فوضعت كفّي ... على أير أشدّ من الحديد
فخير منك من لا خير فيه ... وخير من زيارتكم قعودي
وقرأت هذه الحكاية مرويّة عن الأصمعيّ غير مذكور راويها عنه. وزعم أن بشارا صاحب القصة، وأنه كان له مجلس يسمّيه البردان، يجتمع إليه فيه النساء، فعشق هذه المرأة وقد سمع كلامها. ثم ذكر الخبر بطوله، وقال فيه: فلما وصل إليها أنشأ يقول:
مليكة قد وصفت لنا بحسن ... وإنا لا نراك فألمسينا
فأخذ زوجها يده، فوضعها على أيره.
ذكر إسحاق أن في البيتين الأولين والرابع من هذه الأبيات، لحنا من خفيف الثقيل، بالسبابة في مجرى الوسطى، ولم ينسبه إلى أحد. ووجدته في غناء عمرو بن بانة في هذه الطريقة منسوبا إليه، فلا أدري هو ذلك اللحن أو غيره.
كان يحض بني أمية على ابن الزبير
أخبرنا أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ قال: حدّثنا عمر بن شبّة قال: حدّثني أيوب بن عمر أبو سلمة قال:
قال أبو العباس الأعمى، مولى بني الدّيل بن بكر، يحض بني أمية على عبد اللّه بن الزّبير:
أبني أميّة لا أرى لكم ... شبها إذا ما التفّت الشّيع
سعة وأحلاما إذا نزعت ... أهل الحلوم فضرّها [1] النّزع
/ وحفيظة في كل نائبة ... شهباء لا ينهى لها الرّبع
اللّه أعطاكم وإن رغمت ... من ذاك أنف معاشر رتعوا [2]
أبني أمية غير أنكم ... والناس فيما أطمعوا طمعوا
أطمعتم فيكم عدوّكم ... فسما بهم في ذاكم الطّمع
فلو انّكم كنتم لقولكم ... مثل الذي كانوا لكم رجعوا
__________
[1] ف: فقصرها.
[2] كذا في ف: وفي الأصول: رفعوا.
عما كرهتم أو لردّهم ... حذر العقوبة إنها تزع
وله أشعار كثيرة في مدائح بني أمية، وهجاء آل الزّبير، وأكثرها في هجاء عمرو بن الزبير، ليس ذكرها مما قصدنا له.
أبو العباس يهجو ابن الزبير
ونسخت من كتاب قعنب بن المحرز قال: حدّثنا المدائنيّ، عن/ جويرية بن أسماء:
أن ابن الزبير رأى رجلا من حلفاء بني أسد بن عبد العزّى في حالة رثّة، فكساه ثوبين، وأمر له ببرّ وتمر، فقال أبو العباس الأعمى في ذلك:
صوت
كست أسد إخوانها ولو انني ... ببلدة إخواني إذا لكسيت
فلم تر عيني مثل حيّ تحمّلوا ... إلى الشأم مظلومين منذ بريت
غنى في هذين البيتين دحمان ثقيل أول بالبنصر، من رواية ابن المكي، ورأيت في بعض الكتب لزرزور غلام المارقيّ فيهما صنعة أيضا.
أبو العباس يهجو البعيث المجاشعي
وقال محمد بن معاوية: حدّثني المدائنيّ قال:
قدم البعيث المجاشعيّ مكة، وكان أبو العباس الأعمى الشاعر لا يكاد يفارقها، وكانت جوائز أمية تأتيه من الشام، وكانت قريش كلّها تبرّه للسانه،/ وتقرّبا إلى بني أمية ببرّه. قال: فصلى البعيث مع الناس، وسأل في حمالة كانت عليه، وكان سؤولا ملحّا شديد الطمع، وكان الرجل من قريش يأتيه بالشيء يتحمّله عنه، فيقول: لا أقبله إلا أن تجيء معي إلى الصرّاف حتى ينقده ويزنه، فإن لم يفعل ذمه وهجاه. فشكوه إلى أبي العباس الأعمى، فقال:
قودوني إليه، ففعلوا. فلما عرف مجلسه رفع عصاه، فضرب بها رأسه، ثم قال له:
فهل أنت إلا ملصق في مجاشع ... نفاك جرير فاضطررت إلى نجد
نفاك جرير بالهجاء إلى نجد
ويروى:
تظلّ إذا أعطيت شيئا سألته ... تطالب من أعطاك بالوزن والنقد
فلا تطمعن من بعد ذا في عطيّة ... وثق بقبيح المنع والدفع والردّ
فلست بمبق في قريش خزاية ... تذم ولو أبعدت فيه مدى الجهد [1]
قال فتضاحك به من حضر، واستحيا ولم يحر جوابا. فلما جنّ الليل عليه هرب من مكة.
__________
[1] ف:
فلست بمستبق قريشا خزاية ... ... ولو أنفدت فيه مدى الدهر
عبد الملك يستنشده مديحه في مصعب
وقال قعنب بن المحرز: حدّثني المدائنيّ قال:
قال عبد الملك بن مروان لأبي العباس الأعمى مولى بني الدّيل: أنشدني مديحك مصعبا. فاستعفاه، فقال: يا أمير المؤمنين، إنما رثيته بذلك لأنه كان صديقي، وقد علمت أن هواي أمويّ. قال: صدقت، ولكن أنشدني ما قلته. فأنشده:
يرحم اللّه مصعبا فلقد ما ... ت كريما ورام أمرا جسيما
فقال عبد الملك: أجل، لقد مات كريما. ثم تمثل:
ولكنه رام التي لا يرومها ... من الناس إلا كلّ خرق [1] معمّم
عبد الملك يقسم على بني أمية أن يخلعوا على أبي العباس
أخبرنا محمد بن خلف بن المرزبان. قال حدّثني إسحاق بن محمد الأموي قال:
لما حج عبد الملك بن مروان جلس للناس بمكة، فدخلوا إليه على مراتبهم، وقامت الشعراء والخطباء فتكلموا، ودخل أبو العباس الأعمى، فلما رآه عبد الملك قال: مرحبا مرحبا بك يا أبا العباس، أخبرني بخبر الملحد المحلّ حيث كسا أشياعه ولم يكسك، وأنشدني ما قلت في ذلك.
فأخبره بخبر ابن الزبير، وأنه كسا بني أسد وأحلافها ولم يكسه، وأنشده الأبيات. فقال عبد الملك: أقسم على كل من حضرني من بني أمية وأحلافهم ومواليهم، ثم على كل من حضرني من أوليائي وشيعتي على دعوتهم، إلا كسا أبا العباس.
فخلعت واللّه حلل الوشي والخز والقوهيّ،/ وجعلت ترمى عليه، حتى إذا غطته نهض فجلس فوق ما اجتمع منها وطرح عليه، قال: حتى رأيت في الدار من الثياب ما ستر عني عبد الملك وجلساءه، وأمر له عبد الملك بمئة ألف درهم.
أبو العباس يهجو ابن الزبير لما نفاه إلى الطائف
/ أخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن عمار قال: حدّثني عليّ بن محمد بن سليمان النوفليّ. قال: حدّثني أبي وأهلي:
أن عبد اللّه بن الزبير لما غلب على الحجاز، جعل يتتبع شيعة بني مروان، فينفيهم عن المدينة ومكة، حتى لم يبق بهما أحد منهم، ثم بلغه عن أبي العباس الأعمى الشاعر نبذ من كلام، وأنه يكاتب بني مروان بعوراته، ويمدح عبد الملك، وتجيئه جوائزه وصلاته، فدعا به، ثم أغلظ له، وهمّ به، ثم كلّم/ فيه، وقيل له: رجل مضرور. فعفا عنه، ونفاه إلى الطائف، فأنشأ يقول يهجوه ويهجو آل الزبير:
بني أسد لا تذكروا الفخر إنكم ... متى تذكروه تكذبوا وتحمّقوا
__________
[1] خرق: كذا في ف، وهو السيد الكريم. وفي بعض الأصول: حرّ.
بعيدات [1] بين خيركم لصديقكم ... وشرّكم يغدو عليه ويطرق
متى تسألوا فضلا تضنّوا وتبخلوا ... ونيرانكم بالشرّ فيها تحرّق
إذا استبقت يوما قريش خرجتم ... بني أسد سكتا وذو المجد يسبق
تجيئون خلف القوم سودا وجوهكم ... إذا ما قريش للأضاميم أصفقوا [2]
وما ذاك إلا أن للّؤم طابعا ... يلوح عليكم وسمه ليس يخلق
بينه وبين عمر بن أبي ربيعة
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال: حدّثني عمي مصعب قال:
قال عمر بن أبي ربيعة لأبي العباس الأعمى الشاعر مولى بني الدّيل بن بكر:
أفتني إن كنت ثقفا شاعرا ... عن فتى أعرج أعمى مختلف [3]
سيء السّحنة كاب لونه ... مثل عود الخروع البالي القصف
فقال أبو العباس يرد عليه:
أنت الفتى وابن الفتى وأخو الفتى [4] ... وسيدنا لو لا خلائق أربع
نكولك في الهيجا وتقوالك الخنا ... وشتمك للمولى وأنك تبّع
قال الزبير: يقال رجل تبع نساء وتبّع نساء: إذا كان كلفا بهن.
أخبرني الحرميّ قال: حدّثنا الزبير قال: حدّثني عمي قال: حدّثني المكّيّون:
/ أن عمر بن أبي ربيعة كان يرامي جارية لأبي العباس الأعمى ببنادق الغالية، فبلغ ذلك أبا العباس، فقال لقائده: قفني على باب بني مخزوم، فإذا مر عمر بن أبي ربيعة، فضع يدي عليه، فلما مر عمر وضع يده عليه، فأخذ بحجزته، وقال:
ألا من يشتري جارا نئوما ... بجار لا ينام ولا ينيم
ويلبس بالنهار ثياب ناس ... وشطر الليل شيطان رجيم
فنهضت إليه بنو مخزوم، فأمسكو فمه، وضمنوا له عن عمر أن لا يعاود ما يكرهه.
__________
[1] في («اللسان»: بعد): أبو عبيد: يقال: «لقيته بعيدات بين»: إذا لقيته بعد حين. وهو من ظروف الزمان التي لا تتمكن، ولا تستعمل إلّا ظرفا.
[2] الأضاميم: الجماعات، واحدها إضمامة. وأصفقوا لهم: جاءوهم من الطعام بما يشبعهم.
[3] الثقف: الحاذق الخفيف.
[4] الشعر من الطويل. وفي الشطر الأول منه خرم.
صوت
صوت لأبي حية النميري
ألا حيّ من أجل الحبيب المغانبا ... لبسن البلى لما لبسن اللياليا
إذا ما تقاضى المرء يوم وليلة ... تقاضاه شيء لا يملّ التقاضيا
/ الشعر لأبي حيّة النّميريّ. والغناء لأحمد بن يحيى المكيّ، خفيف رمل بالبنصر، عن الهشاميّ.
20 - أخبار أبي حيّة النّميريّ ونسبه
نسبه
أبو حية: الهيثم بن الربيع بن زرارة بن كثير بن جناب بن كعب بن مالك بن عامر بن نمير بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان بن مضر بن نزار.
وكان يقال لمالك الأصقع. وقال قوم: إن الأصقع هو الأصمّ بن مالك بن جناب بن كعب.
مكانته في الشعر
وأبو حية شاعر مجيد مقدّم، من مخضرمي الدولتين: الأموية والعباسية، وقد مدح الخلفاء فيهما جميعا، وكان فصيحا مقصّدا راجزا، من ساكني البصرة، وكان أهوج جبانا بخيلا كذابا، معروفا بذلك أجمع. وكان أبو عمرو بن العلاء يقدّمه. وقيل إنه كان يصرع.
سيفه لعاب المنية
أخبرني الحسن بن عليّ قال: حدّثنا أحمد بن زهير قال: حدّثني محمد بن سلّام الجمحيّ. وأخبرني علي بن سليمان الأخفش قال: حدّثنا محمد بن يزيد. وأخبرني إبراهيم بن أيوب عن ابن قتيبة، قالوا:
كان لأبي حية سيف يسميه لعاب المنية، ليس بينه وبين الخشبة فرق، وكان من أجبن الناس.
قال: فحدثني جار له قال: دخل ليلة إلى بيته كلب، فظنه لصّا، فأشرفت عليه وقد انتضى سيفه لعاب المنية، وهو واقف في وسط الدار وهو يقول: أيها المغترّ بنا، والمجترىء علينا، بئس واللّه ما اخترت لنفسك، خير قليل، وسيف صقيل، لعاب المنية الذي سمعت به، مشهورة ضربته، لا تخاف نبوته. اخرج/ بالعفو عنك، قبل أن أدخل بالعقوبة عليك. إني واللّه إن أدع قيسا إليك لا تقم لها، وما قيس؟ تملأ واللّه الفضاء خيلا ورجلا، سبحان اللّه! ما أكثرها وأطيبها! فبينا هو كذلك إذ خرج الكلب، فقال: الحمد للّه الذي مسخك كلبا، وكفاني حربا.
طرائف من أخباره
أخبرني محمد بن خلف وكيع قال: حدّثني محمد بن عليّ بن حمزة قال: حدّثني أبو عثمان المازنيّ قال:
حدّثني سعيد بن مسعدة الأخفش قال:
قال أبو حية النميري: أتدري ما يقول القدريون؟ قلت: لا. قال: يقولون: اللّه لا يكلف العباد ما لا يطيقون، ولا يسألهم ما لا يجدون، وصدق واللّه القدريّون، ولكني لا أقول كما يقولون.
قال محمد بن علي بن حمزة: وحدّثني أبو عثمان قال:
قال سلمة بن عياش لأبي حية النّميريّ: أتدري ما يقول الناس؟ قال: وما يقولون؟ قال: يقولون إني أشعر منك. قال: إنا للّه! هلك واللّه الناس!
قال: وكان أبو حية النميريّ مجنونا يصرع، وقد أدرك هشام بن عبد الملك.
أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن أخي الأصمعيّ قال: سمعت عمي يقول:
أبو حية في الشعراء كالرجل الرّبعة، لا يعدّ طويلا ولا قصيرا.
قال: وسمعت أبا عمرو يقول: هو أشعر في عظم الشعر من الراعي.
أخبرني الحسن بن عليّ وعليّ بن سليمان الأخفش، قالا: حدّثنا محمد بن يزيد المبرد قال: حدثني عبد الصمد بن المعذّل. وأخبرنا إبراهيم بن محمد بن أيوب قال: حدّثنا عبد اللّه بن مسلم، قالوا:
كان من أكذب الناس
كان أبو حية النميريّ من أكذب الناس، فحدث يوما أنه يخرج إلى الصحراء، فيدعو الغربان فتقع حوله، فيأخذ منها ما شاء. فقيل له: يا أبا حية، أرأيت إن أخرجناك إلى الصحراء/ فدعوتها فلم تأتك، فما نصنع بك؟ قال:
أبعدها اللّه إذن! قال: وحدثنا يوما قال: عن لي ظبي يوما فرميته، فراغ عن سهمي، فعارضه السهم، ثم راغ، فعارضه السهم، فما زال واللّه يروغ ويعارضه حتى صرعه ببعض الجبّانات.
قال: وقال يوما: رميت واللّه ظبية، فلما نفذ سهمي عن القوس، ذكرت بالظبية حبيبة لي، فعدوت خلف السهم، حتى قبضت على قذذه قبل أن يدركها.
يمدح المنصور ويهجو بني حسن
وذكر يحيى بن عليّ عن الحسن بن عليل العنزيّ قال: قال الرياشيّ، عن الأصمعيّ قال:
وفد أبو حية النميريّ على المنصور وقد امتدحه، وهجا بني حسن بقصيدته التي أولها:
عوجا نحيّ ديار الحيّ بالسند ... وهل بتلك الديار اليوم من أحد
يقول فيها:
أحين شيم فلم يترك لهم ترة ... سيف تقلّده الرئبال ذو اللّبد
سللتموه عليكم يا بني حسن ... ما إن لكم من فلاح آخر الأبد
قد أصبحت لبني العباس صافية ... لجدع آناف أهل البغي والحسد
وأصبحت كلهاة الليث في فمه ... ومن يحاول شيئا في فم الأسد؟
نزوله عند خماره بالحيرة
فوصله أبو جعفر بشيء دون ما كان يؤمل؛ فاحتجن لعياله أكثره، وصار إلى الحيرة، فشرب عند خمّاره بها، فأعجبه الشرب، فكره إنفاد ما معه، وأحب أن/ يدوم له ما كان فيه، فسأل الخمارة أن تبيعه بنسيئة، وأعلمها أنه مدح الخليفة وجماعة من القواد، ففعلت وشرهت إلى فضل النسيئة، وكان لأبي حية أير كعنق الظليم، فأبرز لها عنه، فتدلّهت، وكانت كلما سقته خطّت في الحائط، فأنشأ أبو حية يقول:
إذا أسقيتني كوزا بخطّ ... فخطّي ما بدا لك في الجدار
فإن أعطيتني عينا بدين ... فهاتي العين وانتظري ضماري [1]
خرقت مقدّما من جنب ثوبي ... حيال مكان ذاك من الإزار
فقالت ويلها: رجل ويمشي ... بما يمشي به عجر الحمار [2]
وقالت: ما تريد؟ فقلت: خيرا ... نسيئة ما عليّ إلى يساري
فصدّت بعد ما نظرت إليه ... وقد ألمحتها عنق الحوار
بينه وبين ابن مناذر
أخبرني إبراهيم بن أيوب عن عبد اللّه بن مسلم قال:
لقى ابن مناذر أبا حية، فقال له: أنشدني بعض شعرك. فأنشده:
ألا حي من أجل الحبيب المغانيا
فقال له ابن مناذر: وهذا شعر؟ فقال أبو حية: ما في شعري عيب هو شر من أنك تسمعه. ثم أنشده ابن مناذر شيئا من شعره، فقال له أبو حية: قد عرفتك ما قصتك؟
وهذه القصيدة يفخر فيها أبو حية، ويذكر يوم النّشّاش [3]، وهو يوم لبني نمير.
__________
[1] الضمار: الوعد المسوف، أو الدين لا يرجى حصوله.
[2] العجر: جميع عجرة: العروق المتعقدة في الجسد، يريد أير الحمار، لما فيه من التعقيد.
[3] النشاش: وادلبني نمير كانت به وقعة بين بني نمير وأهل اليمامة «التاج».
21 - أخبار أحمد بن يحيى المكّي
التعريف به
أحمد بن يحيى بن مروزق المكيّ، ويكنى أبا جعفر. وكان يلقب ظنينا [1]. وقد تقدم ذكر أبيه وأخباره. وهو أحد المحسنين المبرّزين، الرواة للغناء، المحكمي الصنعة. وكان إسحاق يقدّمه ويؤثره، ويشيد بذكره، ويجهر بتفضيله، وكتابه «المجرد» في الأغاني ونسبها أصل من/ الأصول المعمول عليها، وما أعرف كتابا بعد كتاب إسحاق الذي ألفه لشبحا [2]، يقارب كتابه، ولا يقاس به، وكان مع جودة غنائه وحسن صنعته، أحد الضراب الموصوفين المتقدمين.
أخبرني عمي قال: حدثني أبو عبد اللّه الهشاميّ، عن محمد بن أحمد المكيّ:
أن أباه [3] جمع لمحمد بن عبد اللّه بن طاهر ديوانا للغناء ونسبه وجنسه، فكان محتويا على أربعة عشر ألف صوت.
بكم كانوا يقومون فنه
أخبرني جحظة قال: حدثني عليّ بن يحيى، ونسخت من بعض الكتب: حدثني محمد بن أحمد المكي قال:
حدثني عليّ بن يحيى قال:
قلت لإسحاق بن إبراهيم الموصليّ وقد جرى ذكر أحمد بن يحيى المكي: يا أبا محمد، لو كان أبو جعفر أحمد بن يحيى المكي مملوكا، كم كان يساوي؟ فقال: أخبرك عن ذلك.
/ انصرفت ليلة من دار الواثق، فاجتزت بدار الحسن بن وهب، فدخلت إليه، فإذا أحمد عنده، فلما قام لصلاة العشاء الآخرة، قال لي الحسن بن وهب: كم يساوي أحمد لو كان مملوكا؟ قلت: يساوي عشرين ألف دينار. قال: ثم رجع فغنى صوتا، فقال لي الحسن بن وهب: يا أبا محمد، أضعفها. قال: ثم تغنى صوتا آخر، فقلت للحسن: يا أبا عليّ أضعفها. ثم أردت الانصراف، فقلت لأحمد: غنني:
صوت
لولا الحياء وأن السّتر من خلقي ... إذن قعدت إليك الدهر لم أقم
أليس عندك شكر للتي جعلت ... ما ابيضّ من قادمات الرأس كالحمم
__________
[1] في «نهاية الأرب» (4: 321): طنينا، بالطاء المهملة.
[2] كذا في الأصول. ولإسحاق أكثر من كتاب، ولعله يقصد أحد كتابين له: ما ألفه للواثق وكتاب «الشركة» الذي كتب مقدمته وأكمله سندي بن علي (انظر «مصادر الموسيقى العربية» 24 - 28).
[3] سقط من (ف) بقية هذا الخبر وما بعده إلى ص 313.
الغناء فيه لمعبد، خفيف ثقيل أول في مجرى البنصر، عن إسحاق. وذكر عمرو بن بانة أنه لمالك، وليس كما قال، لحن مالك ثقيل أول ذكره الهشاميّ ودنانير وغيرهما.
قال: فغناه أحمد بن يحيى المكي، فأحسن فيه كل الإحسان. فلما قمت للانصراف قلت للحسن: يا أبا عليّ، أضعف الجميع. فقال له أحمد: ما هذا الذي أسمعكما تقولانه، ولست أدري ما معناه. قال: نحن نبيعك ونشتريك منذ الليلة وأنت لا تدري.
وأخبرنا بهذا الخبر يحيى بن عليّ بن يحيى، عن أخيه أحمد بن عليّ، عن عافية بن شبيب، عن أبي حاتم، قال:
كان إسحاق عندنا في منزل أبي عليّ الحسن بن وهب، وعندنا ظنين بن المكيّ، وذكر الحديث مثله، وقال فيه: إنه قوّمه مئة ألف درهم، وذكر أن الصوت الذي غناه آخرا:
صوت
أمن دمن وخيم باليات ... وسفع كالحمائم جاثمات
أرقت لهنّ شطر الليل حتى ... طلعن من المناقب منجدات
وأن إسحاق لمّا سمعه قال: كم كنت قوّمته؟ قال: مئة ألف درهم. قال: أضعفوا القيمة. قيمته مئتا ألف درهم.
في هذين البيتين لحن من القدر الأوسط من الثقيل الأول، بالسبابة في مجرى الوسطى، ينسب إلى ابن مسجح، وإلى ابن محرز. وفيه لابن سريج ثاني ثقيل بالوسطى، عن عمرو. وللغريض خفيف ثقيل عن الهشاميّ.
مناظرته للمغنين
أخبرني جحظة قال: حدثني محمد بن أحمد المكي قال:
ناظر أبي بعض المغنين ذات ليلة بين يدي المعتصم، وطال/ تلاحيهما في الغناء، فقال أبي للمعتصم، يا أمير المؤمنين، من شاء منهم فليغنّ عشرة أصوات لا أعرف منها ثلاثة، وأنا أغني عشرة وعشرة وعشرة، لا يعرف أحد منهم صوتا منها. فقال إسحاق: صدق يا أمير المؤمنين. واتبعه ابن بسخنّر وعلّويه، فقالا: صدق [1] يا أمير المؤمنين إسحاق فيما يقوله. فأمر له بعشرين ألف درهم.
قال محمد: ثم عاد ذلك الرجل إلى مماظّته يوما، فقال له: قد دعوتك إلى النّصفة، فلم تقبل، وأنا أدعوك وأبدأ بما دعوتك إليه، فاندفع فغنى عشرة أصوات، فلم يعرف أحد منهم منها صوتا واحدا، كلها من الغناء القديم، والغناء اللاحق به من صنعة المكّيين الحذّاق الخاملي الذكر، فاستحسن المعتصم منها صوتا، وأسكت المغنين له، واستعاده مرات عدّة، ولم يزل يشرب عليه سحابة يومه، وأمر ألا يراجع أحدا/ من المغنين كلاما، ولا يعارضه أحد منهم، إذ كان قد أبرّ عليهم، وأوضح الحجة في انقطاعهم، وإدحاض حججهم.
كان الصوت الذي اختاره المعتصم عليه، وأمر له لما سمعه بألفي دينار:
__________
[1] إلى هنا ينتهي الساقط من (ف).
صوت
لعن اللّه من يلوم محبّا ... ولحى اللّه من يحبّ فيابى
ربّ إلفين أضمرا الحبّ دهرا ... فعفا اللّه عنهما حين تابا
الغناء ليحيى المكي رمل.
قال محمد، قال أبي:
وكان المعتصم قد خلع علينا في ذلك اليوم مماطر لها شأن من ألوان شتى، فسألني عبد الوهاب بن عليّ أن أرد عليه هذا الصوت، وجعل لي ممطره، فغنيته إياه، فلما خرجنا للانصراف إلى منازلنا، أمر غلمانه بدفع الممطر إلى غلماني، فسلموه إليهم.
ثناء إسحاق الموصلي عليه
أخبرني عبد اللّه بن الربيع، عن أبيه، قال: حدثني محمد بن عبد اللّه بن مالك قال:
سألني إسحاق بن إبراهيم الموصلي يوما: من بقي من المغنين؟ قلت: وجه القرعة محمد بن عيسى، مولى عيسى بن جعفر. فقال: صالح كيّس. ومن أيضا؟ قلت: أحمد بن يحيى المكي. قال بخ بخ! ذاك المحسن المجمل الضارب المغنّي القائم بمجلسه، لا يحوج أهل المجلس إلى غيره. ومن بأبي أنت؟ قلت: ابن مقامرة. قال: لا واللّه ما سمعت بهذا قطّ. فمن مقامره هذه؟ زامرة أم نائحة أم مغنية؟ قلت: لا. ولكنها من الناس، وليست من أهل صناعنه. قال: ومن أيضا/ بأبي أنت؟ قلت: يحيى بن القاسم ابن أخي سلمة. قال: الذي كان له أخ يغني مرتجلا؟
قلت: نعم. قال: لم يحسن ذاك ولا أبوه شيئا قطّ، ولا أشك أن هذا كذلك، لأنهما مؤدّباه.
غناؤه في مدح خالد بن يزيد بن مزيد
وذكر ابن المكي عن أبيه قال:
قال المعتصم يوما لجلسائه ونحن عنده: خلعت اليوم على فتى شريف ظريف نظيف، حسن الوجه، شجاع القلب، ووليته المصيصة ونواحيها. فقلنا: من هذا يا أمير المؤمنين؟ فقال: خالد بن يزيد بن مزيد. فقال علّويه: يا أحمد غنّ أمير المؤمنين صوتك في مدح خالد، فأمسكت عنه. فقال المعتصم: مالك لا تجيبه؟ فقلت: يا أمير لمؤمنين، ليس هو مما يغنّى بحضرة الخليفة. فقال: ما من أن تغنيه بدّ. قال: فغنيته صنعة لي في هذا الشعر:
صوت
علّم النّاس خالد بن يزيد ... كلّ حلم وكل بأس وجود
فترى الناس هيبة حين يبدو ... من قيام وركّع وسجود
/ فقال المعتصم: يا سمانة [1]، خذ أحمد بإلقاء هذا الصوت على الجواري في غد، وأمر لي بعشرة آلاف درهم.
__________
[1] كذا في ف. وفي بعض الأصول: ثمامة.
غناؤه الأمين
قال: وغنى أبي يوما محمدا الأمين:
صوت
فعش عمر نوح في سرور وغبطة ... وفي خفض عيش ليس في طوله إثم
تساعدك الأقدار فيه وتنثني ... إليك وترعى فضلك العرب والعجم
فأمر له بخمس مئة دينار.
وفاته
وتوفى أحمد بن يحيى المكّيّ في خلافة المستعين في أوّلها.
أخبرني بذلك جحظة البرمكيّ، عن محمد بن أحمد بن يحيى المكي: أن أباه توفّي في هذا الوقت.
انقضت أخباره.
صوت
صوت من غزل لجرير
إن الذين غدوا بلبّك غادروا ... وشلا بعينك ما يزال معينا
غيّضن من عبراتهن وقلن لي: ... ماذا لقيت من الهوى ولقينا؟
غادروا: تركوا. والوشل: الماء القليل. والمعين: الماء الصافي الجاري. وغيّضن من عبراتهن: أي كففنها ومسحنها حتى تغيض.
الشعر لجرير، والغناء لإسحاق، رمل بالوسطى، عن عمرو. وهو من طريف أرمال إسحاق وعيونها. وفيه لابن سريج ثقيل أول بالبنصر، عن الهشاميّ وعمرو. وذكر عليّ بن يحيى أن فيه لابن سريج رملا آخر. وذكر عيسى أن الثقيل الأوّل لإبراهيم، وأن فيه للهذليّ ثاني ثقيل بالوسطى، ولإبراهيم أيضا ماخوريّ بالبنصر.
[من غزل جرير]
تنازع العلماء في هذا الشعر
وقد أخبرني إبراهيم بن محمد بن أيوب الصائغ قال: حدّثنا عبد اللّه بن مسلم بن قتيبة:
أن هذين البيتين للمعلوط، وأن جريرا سرقهما منه، وأدخلهما في شعره.
أبو السائب المخزومي وغزل جرير
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال: حدّثنا الزبير بن بكّار قال: حدّثني عمي وغيره قالوا:
غدا عبد اللّه بن مسلم بن جندب الهذلي على أبي السائب المخزوميّ في منزله، فلما خرج إليه أبو السائب أنشده قول جرير:
إن الذين غدوا بلبك غادروا ... وشلا بعينك لا يزال معينا
البيتين. فحلف أبو السائب ألّا يرد على أحد سلاما، ولا يكلّمه إلا بهذين البيتين، حتى يرجع إلى منزله. فخرجا، فلقيهما عبد العزيز بن المطّلب وهو قاض، وكانا يدعيان القرينين لملازمتهما، فلما رآهما قال: كيف أصبح القرينان؟ فغمز أبو السائب بن جندب: أن أخبره [1] بالقصّة، وابن جندب يتغافل، فقال لابن جندب: ما لأبي السائب؟ فجعل أبو السائب يغمزه، أي أخبره بيميني [1]. قال ابن جندب: أحمد اللّه إليك، ما زلت منكرا لفعله منذ خرجنا. فانصرف ابن المطلب إلى منزله والخصوم ينتظرونه، فصرفهم [2] ودخل منزله مغتما. فلما أتى أبو السائب منزله، وبرّت يمينه، خرج إلى ابن جندب فقال: اذهب بنا إلى ابن المطلب، فإني أخاف أن يردّ شهادتي. فاستأذنا عليه، فأذن لهما فقال له أبو السائب: قد علمت - / أعزك اللّه - غرامي بالشعر؛ وإن هذا الضالّ جاءني حين خرجت من منزلي، فأنشدني بيتين،/ فحلفت ألا أرد على أحد سلاما، ولا أكلمه إلا بهما. حتى أرجع إلى منزلي. فقال ابن المطلب: اللهم غفرا! ألا تترك المجون يا أبا السائب.
أخبرني: الحرميّ قال: حدّثنا الزبير بن بكار قال: حدّثني عبد المطلب بن عبد العزيز قال:
أنشدت أبا السائب قول جرير:
غيّضن من عبراتهن وقلن لي ... ماذا لقيت من الهوى ولقينا!
فقال: يابن أخي، أتدري ما التغييض؟ قلت: لا. قال: هكذا، وأشار بأصبعه إلى جفنه، كأنه يأخذ الدمع ثم ينضحه.
__________
(1 - 1) كذا في ف. وفي الأصول: بيميني، فأنشده أبو السائب البيتين، ولم يردّ سلاما، وجعل يغمز ابن جندب أن يخبره بالقصة، وابن جندب يتغافل، فقال لابن جندب: ما لأبي السائب، فجعل أبو السائب، يغمز ابن جندب أن يخبره بيميني.
[2] ف: فعرفهم الخبر.
ابن أبي عتيق وبيت جرير
أخبرني الحرميّ قال: حدّثنا الزبير بن بكار قال: حدّثنا المدائنيّ. وأخبرنا محمد بن العباس اليزيديّ، عن أحمد بن زهير، عن الزبير بن بكار قال: عن المدائنيّ قال:
شهد رجل عند قاض بشهادة، فقيل له: من يعرفك؟ قال: ابن أبي عتيق. فبعث إليه يسأله عنه. فقال: عدل رضا. فقيل له: أكنت تعرفه قبل اليوم؟ قال: لا. ولكني سمعته ينشد:
غيّضن من عبراتهن وقلن لي: ... ماذا لقيت من الهوى ولقينا!
فعلمت أن هذا لا يرسخ إلا في قلب مؤمن، فشهدت له بالعدالة.
أخبرني الحرميّ قال: حدّثنا الزبير قال: حدّثنا محمد بن الحسن ومحمد بن الضحاك قالا:
أبو السائب المخزومي يذهب بعقله غزل جرير
/ كان أبو السائب المخزوميّ واقفا على رأس بئر، فأنشده ابن جندب:
إن الذين غدوا بلبك غادروا ... وشلا بعينك لا يزال معينا
فرمى بنفسه في البئر بثيابه، فبعد لأي ما أخرجوه.
أشعب وسالم بن عبد اللّه بن عمر
أخبرني محمد بن خلف وكيع قال: حدّثنا محمد بن الحسن الزّرقيّ قال: حدّثنا العلاء بن عمرو الزّبيريّ، من ولد عمرو بن الزبير، قال: حدّثنا يحيى بن أبي قتيلة [1] قال: حدّثني إسماعيل بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسن بن عليّ عليهم السّلام، عن أشعب قال:
جاءني فتية من قريش، فقالوا لي: نحب أن تسمع سالم بن عبد اللّه بن عمر صوتا من الغناء، وتعلمنا ما يقول لك، وجعلوا لي في ذلك جعلا. فدخلت عليه، فقلت: يا أبا عمروا، لي مجالسة وحرمة، ومودة وسنّ، وأنا مولع بالترنم. قال: وما الترنم؟ قلت: الغناء. قال: وفي أي وقت؟ قلت: في الخلوة، ومع الإخوان في الخارج. وأحب أن أسمعك، فإن كرهته أمسكت عنه. ثم غنيته، فقال: ما أرى بأسا. فخرجت إليهم، فأعلمتهم، فقالوا: وما غنيته؟ فقلت: غنيته:
قرّبا مربط النعامة مني ... لقحت حرب وائل عن حيال
قالوا: هذا بارد لا حركة فيه، ولسنا نرضى. فلما رأيت دفعهم إياي، وخفت ذهاب ما جعلوا لي، رجعت إليه، فقلت: يا أبا عمرو، آخر. قال: مالي ولك؟ / ولم أملّكه أمره حتى غنيت، فقال: ما أرى بأسا. فخرجت إليهم فأعلمتهم. قالوا: وما غنيته؟ قلت:
لم يطيقوا أن ينزلوا ونزلنا ... وأخو الحرب من أطاق النزولا
قالوا: وليس هذا بشيء. فرجعت إليه، فقلت: آخر. فاستكفّني، فلم أملّكه القول حتى غنيته:
__________
[1] ف: ابن قتيلة.
غيّضن من عبراتهن وقلن لي: ... ماذا لقيت من الهوى ولقينا؟
فقال: مهلا مهلا. قلت: لا واللّه إلا بذاك الذي فيه تمر عجوة من صدقة عمر. فقال: هو لك. فخرجت عليهم به، وأنا أخطر. فقالوا: مه. فقلت: أطربت الشيخ حتى أعطاني هذا، وقال مرة/ أخرى: حتى فرض [1] لي هذا [2]. قال:
وواللّه ما فعل، وإنما كان فدية لأصمت، وأخذت منهم الجعل.
بين علويه المغني وإسحاق الموصلي
أخبرني يحيى بن علي بن يحيى المنجم، قال: حدّثت عن حماد بن إسحاق قال: حدّثني علّويه الأعسر قال:
أتيت أباك في داره هذه يوما وقد بنى إيوانها وسائرها خراب، فجلسنا على تلّ من تراب، فغناني لحنه في:
غيّضن من عبراتهن وقلن لي: ... ماذا لقيت من الهوى ولقينا!
فسألته أن يعيده عليّ، ففعل. وأتانا رسول أبيه بطبق رطب، فقال للرسول: قل له: سأرسل إليك برطب أطيب من الرطب الذي بعثت به إليّ، فأبلغه الرسول/ ذلك، فقال له: ومن عنده؟ فأخبره أنني عنده. فقال: ما أخلقه أن يكون قد أتانا بآبدة [3]، ثم أتانا رسوله بعد ساعة فقال: ما آن لرطبكم أن يأتينا؟ فأرسلني إليه وقد أخذت الصوت، فغنيته إياه، فقال: أجاد واللّه. أألام على هذا وحبه، واللّه لو لم يكن بيني وبينه قرابة لأحببته، فكيف وهو ابني؟
صوت
صوت لنائلة بنت الفرافصة
أ لست ترى يا ضبّ باللّه أنني ... مصاحبة نحو المدينة أركبا [4]
إذا قطعوا حزنا نخبّ ركابهم ... كما حرّكت ريح يراعا مثقّبا
عروضه من الطويل. والشعر لنائلة بنت الفرافصة. والغناء لابن عائشة، ولحنه من الثقيل الأول بالوسطى. ووجدت في كتاب بخط عبيد اللّه بن عبد اللّه بن طاهر أنه مما نحله يحيى المكي لابن عائشة.
__________
[1] فرض له: أعطاه عطية لا يريد بها الثواب.
[2] ف: «حتى فرض لي، يعني نقطني». وكلمة «نقطني» لم ينقط من حروفها في الأصل غير القاف.
[3] الآبدة: الأمر الفائق الغريب.
[4] أركب: جمع ركب، من جموع القلة.
22 - أخبار نائلة بنت الفرافصة ونسبها
نسبها
هي نائلة بنت الفرافصة بن الأحوص بن عمرو، وقيل: ابن عفر بن ثعلبة، وقيل: عمرو بن ثعلبة بن الحارث بن حصن بن ضمضم بن عديّ بن جناب الكلبية، زوجة عثمان بن عفان رضي اللّه عنه، تقوله لأخيها لما نقلها إلى عثمان.
زواجها من عثمان
أخبرني بخبره وخبرها أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ، قال: حدّثنا عمر بن شبة قال: حدّثنا عبد اللّه بن محمد بن حكيم، عن خالد بن سعيد، عن أبيه قال:
تزوّج سعيد بن العاص وهو على الكوفة هند بنت الفرافصة بن الأحوص بن عمرو بن ثعلبة، فبلغ ذلك عثمان، فكتب إليه.
«بسم اللّه الرّحمن الرّحيم.
أما بعد، فإنه قد بلغني أنك تزوّجت امرأة من كلب، فاكتب إليّ بنسبها وجمالها».
فكتب إليه:
«أما بعد، فإن نسبها أنها بنت الفرافصة بن الأحوص. وجمالها أنها بيضاء مديدة القامة».
فكتب إليه: «إن كانت لها أخت فزوّجنيها».
فبعث سعيد إلى الفرافصة، يخطب إحدى بناته على عثمان. فأمر الفرافصة ابنه ضبا، فزوجها إياه. وكان ضب مسلما، وكان الفرافصة نصرانيا، فلما أرادوا حملها إليه، قال لها أبوها: يا بنيّة، إنك تقدمين على نساء من نساء قريش، هن/ أقدر على الطيب منك، فاحفظي عني خصلتين، تكحّلي، وتطيّبي بالماء، حتى يكون ريحك ريح شنّ [1] أصابه مطر.
فلما حملت كرهت الغربة، وحزنت لفراق أهلها، فأنشأت تقول:
أ لست ترى يا ضبّ باللّه أنني ... مصاحبة نحو المدينة أركبا
/ إذا قطعوا حزنا تخبّ ركابهم ... كما زعزعت ريح يراعا مثقّبا
لقد كان في أبناء حصن بن ضمضم ... لك الويل ما يغني الخباء المطنّبا
__________
[1] الشن: القربة الخلق.
لقاء عثمان إياه
فلما قدمت على عثمان رضي اللّه عنه، قعد على سريره، ووضع لها سريرا حياله؛ فجلست عليه، فوضع عثمان قلنسيته، فبدا الصلع، فقال: يابنة الفرافصة، لا يهولنك ما ترين من صلعي، فإن وراءه ما تحبين. فسكتت.
فقال: إما أن تقومي إليّ، وإمّا أن أقوم إليك. فقالت: أما ما ذكرت من الصلع، فإني من نساء أحب بعولتهن إليهن السادة الصّلع. وأما قولك: إما أن تقومي إليّ، وإما أن أقوم إليك، فو اللّه ما تجشمت من جنبات السماوة أبعد مما بيني وبينك، بل أقوم إليك. فقامت، فجلست إلى جنبه، فمسح رأسها، ودعا لها بالبركة، ثم قال لها: اطرحي عنك رداءك، فطرحته، ثم قال لها: اطرحي خمارك، فطرحته، ثم قال لها: انزعي درعك، فنزعته؛ ثم قال: حلّي إزارك. فقالت: ذاك إليك. فحلّ إزارها، فكانت من أحظى نسائه عنده.
هجوم الناس على عثمان
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ قال: حدّثنا عمر بن شبة قال: حدّثنا علي بن محمد بن عيسى بن يزيد، عن عبد الواحد بن عمير، عن أبي الجرّاح مولى أم حبيبة، قال:
/ كنت مع عثمان رضي اللّه عنه في الدار، فما شعرت وقد خرج محمد بن أبي بكر، ونحن نقول: هم في الصلح، إذ أنا بالناس قد دخلوا من الخوخة [1]، ونزلوا بأمراس الحبال من سور الدار، معهم السيوف، فرميت بسيفي [2]، وجلست عليه، وسمعت صياحهم، فكأني أنظر إلى مصحف في يد عثمان، وإلى حمرة أديمه، فنشرت نائلة بنت الفرافصة شعرها، فقال لها عثمان: خذي خمارك، فلعمري لدخولهم عليّ أعظم من حرمة شعرك.
وأهوى رجل إليه رضي اللّه عنه بالسيف، فاتقته نائلة بيدها، فقطع إصبعين من أصابعها، ثم قتلوه، وخرجوا يكبّرون، ومر بي محمد بن أبي بكر، فقال: مالك يا عبد أم حبيبة؟ ومضى فخرجت.
شعر لنائلة عند مقتل عثمان
أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال: حدّثنا عمر بن شبّة قال: حدّثنا عبد اللّه بن حكيم الطائيّ، عن خالد بن سعيد، عن أبيه قال:
لما قتل عثمان رحمة اللّه عليه، قالت نائلة بنت الفرافصة:
ألا إن خير الناس بعد ثلاثة [3] ... قتيل التّجيبيّ الذي جاء من مصر
ومالي لا أبكي وتبكي قرابتي ... وقد غيّبت عنا فضول أبي عمرو
هكذا في هذه الرواية. وقد قيل إن هذين البيتين للوليد بن عقبة.
كتاب نائلة إلى معاوية تصف مقتل عثمان
أخبرني أحمد قال: حدّثني عمر قال: حدّثنا علي بن محمد، عن أبي مخنف، عن نمير بن وعلة، عن الشعبيّ مسلمة بن محارب، عن حرب بن خالد بن يزيد بن معاوية:
__________
[1] الخوخة في لغة أهل الحجاز: مخترق ما بين كل دارين لم ينصب عليها باب. وهي أشبه بالممر يسلك بين الدارين.
[2] بسيفي: كذا في ف. وفي الأصول: بنفسي.
[3] ثلاثة: تريد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأبا بكر وعمر رضي اللّه عنهما.
/ أن نائلة بنت الفرافصة كتبت إلى معاية بن أبي سفيان، وبعثت بقميص عثمان مع النّعمان بن بشير، أو عبد الرّحمن بن حاطب بن أبي بلتعة:
«من نائلة بنت الفرافصة إلى معاوية بن أبي سفيان.
أما بعد، فإني أذكركم باللّه الذي أنعم عليكم، وعلمكم الإسلام، وهداكم من الضلالة، وأنقذكم من الكفر، ونصركم على العدو، وأسبغ النعمة [1]؛ وأنشدكم باللّه، وأذكّركم حقه وحق خليفته الذي لم تنصروه [2]، وبعزمة اللّه عليكم، فإنه عزوجل يقول: وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى/ الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِي ءَ إِلى أَمْرِ اللَّهِ
[3]. وإن أمير المؤمنين بغي عليه، ولو لم يكن له عليكم حقّ إلا حقّ الولاية، ثم أتي إليه بما أتي، لحقّ على كل مسلم يرجو أيام اللّه أن ينصره، لقدمه في الإسلام، وحسن بلائه، وأنه أجاب داعي اللّه، وصدّق كتابه [4]، واللّه أعلم به إذ انتجبه، فأعطاه شرف الدنيا وشرف الآخرة.
وإني أقص عليكم خبره، لأني كنت مشاهدة أمره كله، حتى أفضي إليه:
وإن أهل المدينة حصروه في داره، يحرسنه ليلهم ونهارهم. قيام على أبوابه بسلاحهم، يمنعونه كل شيء قدروا عليه، حتى منعوه الماء، يحضرونه الأذى، ويقولون له الإفك. فمكث هو ومن معه خمسين ليلة، وأهل مصر قد أسندوا أمرهم إلى محمد بن أبي بكر وعمار بن ياسر، وكان عليّ مع المحرّضين من أهل المدينة، ولم يقاتل مع أمير المؤمنين، ولم ينصره، ولم يأمر بالعدل الذي أمر اللّه تبارك وتعالى به. فظلت تقاتل خزاعة وسعد بن بكر وهذيل، وطوائف من مزينة وجهينة،/ وأنباط يثرب، ولا أرى سائرهم، ولكني سميت لكم الذين كانوا أشد الناس عليه في أول أمره وآخره. ثم إنه رمي بالنّبل والحجارة، فقتل ممن كان في الدار ثلاثة نفر، فأتوه يصرخون إليه، ليأذن لهم في القتال، فنهاهم عنه، وأمرهم أن يردوا عليهم نبلهم، فردّوها إليهم، فلم يزدهم ذلك على القتال إلّا جراءة، وفي الأمر إلا إغراء. ثم أحرقوا باب الدار، فجاءه ثلاثة نفر من أصحابه، فقالوا: إن في المسجد ناسا يريدون أن يأخذوا أمر الناس بالعدل، فاخرج إلى المسجد حتى يأتوك، فانطلق فجلس فيه ساعة، وأسلحة القوم مطلة عليه من كل ناحية، وما أرى أحدا يعدل، فدخل الدار، وقد كان نفر من قريش على عامتهم السلاح، فلبس درعه، وقال لأصحابه: لولا أنتم ما لبست درعا، فوثب عليه القوم، فكلمهم ابن الزبير، وأخذ عليهم ميثاقا في صحيفة، بعث بها إلى عثمان: إن عليكم عهد اللّه وميثاقه ألّا تعرّوه بشيء، فكلموه وتحرجوا، فوضع السلاح، فلم يكن إلا وضعه، حتى دخل عليه القوم يقدمهم ابن أبي بكر، حتى أخذوا بلحيته، ودعوه باللّقب. فقال: أنا عبد اللّه وخليفته، فضربوه على رأسه ثلاث ضربات، وطعنوه في صدره ثلاث طعنات، وضربوه على مقدم الجبين فوق الأنف ضربة أسرعت في العظم، فسقطت عليه وقد أثخنوه وبه حياة، وهم يريدون قطع رأسه، ليذهبوا به، فأتتني بنت شيبة بن ربيعة، فألقت نفسها معي عليه، فوطئنا وطئا شديدا، وعرّينا من ثيابنا، وحرمة أمير المؤمنين أعظم.
فقتلوه رحمة اللّه عليه في بيته، وعلى فراشه. وقد أرسلت إليكم بثوبه، وعليه دمه، وإنه واللّه لئن كان أثم من قتله،
__________
[1] ف: وأوسع عليكم النعمة.
[2] ف: وحق خليفته أن تنصروه.
[3] سورة الحجرات آية: 9.
[4] كذا في ف. وفي الأصول: رسوله.
لما يسلم من خذله. فانظروا أين أنتم من اللّه جل وعز، فإنا نشكي ما مسنا إليه، ونستنصر وليه وصالح عباده.
ورحمة اللّه على عثمان، ولعن اللّه من قتله، وصرعهم في الدنيا مصارع الخزي والمذلة، وشفى منهم الصدور».
/ فحلف رجال من أهل الشام ألا يطأوا النساء حتى يقتلوا قتلته، أو تذهب أرواحهم.
صوت
شعر لعبد يغوث بن وقاص الحارثي وهو في الأسر
فيا راكبا إما عرضت [1] فبلّغن ... نداماي من نجران أن لا تلاقيا
/ أبا كرب والأيهمين كليهما ... وقيسا بأعلى حضرموت اليمانيا
وتضحك منّي شيخة عبشميّة ... كأن لم ترا قبلي أسيرا يمانيا
أقول وقد شدّوا لساني بنسعة [2] ... أمعشر تيم أطلقوا عن لسانيا
الشعر لعبد يغوث بن صلاءة الحارثي. والغناء لإسحاق، ثقيل أول.
__________
[1] أتيت العروض، وهي مكة.
[2] نسعة: قطعة من الجلد.
23 - أخبار عبد يغوث ونسبه
نسبه
هو عبد يغوث بن صلاءة. وقيل: بل هو عبد يغوث بن الحارث بن وقّاص بن صلاءة - وهو قول ابن الكلبيّ - بن المغفّل، واسم المغفل: ربيعة بن كعب الأرتّ [1] بن ربيعة بن كعب بن الحارث بن كعب بن عمرو بن علة بن خالد بن مالك بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان.
منزلته في قومه وشاعريته
قال ابن الكلبي: قحطان بن عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح. قال: وكان يقال ليعرب: المرّعف.
وكان عبد يغوث بن صلاءة شاعرا من شعراء الجاهلية، فارسا سيدا لقومه من بني الحارث بن كعب، وهو كان قائدهم في يوم الكلاب الثاتي، إلى بني تميم، وفي ذلك اليوم أسر فقتل. وعبد يغوث من أهل بيت شعر معرق لهم في الجاهلية والإسلام، منهم الّلجلاج الحارثيّ، وهو طفيل بن يزيد بن عبد يغوث بن صلاءة، وأخوه مسهر فارس شاعر، وهو الذي طعن عامر بن الطفيل في عينه يوم فيف الريح. ومنهم ممن أدرك الإسلام جعفر بن علبة بن ربيعة بن الحارث بن عبد يغوث بن الحارث بن معاوية بن صلاءة، وكان فارسا شاعرا صعلوكا، أخذ في دم، فحبس بالمدينة، ثم قتل صبرا. وخبره يذكر منفردا، لأن له شعرا فيه غناء.
شعره في يوم الكلاب
والشعر المذكور في هذا الموضع لعبد يغوث بن صلاءة، يقوله في يوم الكلاب الثاني [2]، وهو اليوم الذي جمع فيه قومه وغزا بني تميم، فظفرت به بنو تميم، وأسروه وقتل يومئذ.
حديث يوم الكلاب
وكان من حديث هذا اليوم، فيما ذكر أبو عبيدة، عن أبي عمرو بن العلاء، وهشام بن الكلبيّ عن أبيه، والمفضل بن محمد الضبيّ، وإسحاق بن الجصّاص عن العنبريّ، قالوا:
لما أوقع كسرى ببني تميم يوم الصّفا بالمشقّر، فقتل المقاتلة، وبقيت الأموال والذراريّ، بلغ ذلك مذحجا، فمشى بعضهم إلى بعض، وقالوا: اغتنموا بني تميم، ثم بعثوا الرسل في قبائل اليمن وأحلافها من قضاعة، فقالت مذحج للمأمور الحارثيّ، وهو كاهن: ما ترى؟ فقال لهم: لا تغزوا بني تميم، فإنهم يسيرون أغبابا [3]، ويردون
__________
[1] ف: الأزب.
[2] سماه صاحب «العقد» يوم الصفقة.
[3] أغبابا: كذا في «النقائض» (1: 149) يعني أنهم يسيرون منقلتين في منقلة واحدة، أخذ من الغب. وفي الأصول: أعقابا.
مياها جبابا، فتكون غنيمتكم ترابا. قال أبو عبيدة: فذكر أنه اجتمع من مذحج ولفّها اثنا عشر ألفا، وكان رئيس مذحج عبد يغوث بن صلاءة، ورئيس همدان يقال له مسرّح [1]، ورئيس كندة البراء بن قيس بن الحارث. فأقبلوا إلى تميم، فبلغ ذلك سعدا والرّباب، فانطلق ناس من أشرافهم إلى أكثم بن صيفيّ، وهو قاضي العرب يومئذ، فاستشاروه، فقال لهم: أقلّوا الخلاف على أمرائكم، واعلموا أن كثرة الصّياح من الفشل، والمرء يعجز لا محالة.
يا قوم تثبّتوا، فإن أحزم الفريقين الرّكين، ورب عجلة تهب ريثا. واتّزروا للحرب [2]، وادّرعوا الليل، فإنه أخفى للويل، ولا جماعة لمن اختلف.
فلما انصرفوا من عند أكثم تهيئوا، واستعدّوا/ للحرب، وأقبل أهل اليمن، من بني الحارث من أشرافهم يزيد بن عبد المدان ويزيد بن مخرّم، ويزيد بن الطيثم [3] بن المأمور، ويزيد بن هوبر، حتى إذا كانوا بتيمن [4] نزلوا قريبا من الكلاب،/ ورجل من بني زيد بن رياح بن يربوع، يقال له مشمّت بن زنباع في إبل له، عند خال له من بني سعد، يقال له زهير بن [5] بوّ، فلما أبصرهم المشمّت قال لزهير: دونك الإبل، وتنحّ عن طريقهم، حتى آتي الحيّ فأنذرهم. قال: فركب المشمّت ناقة، ثم سار حتى أتى سعدا والرّباب وهم على الكلاب، فأنذرهم، فأعدّوا للقوم، وصبّحوهم، فأغاروا على النعم فطردوها، وجعل رجل [من أهل اليمن] يرتجز ويقول:
في كل عام نعم ننتابه ... على الكلاب غيّبا أربابه
قال: فأجابه غلام من بني سعد كان في النّعم، على فرس له، فقال:
عما قليل سترى أربابه ... صلب القناة حازما شبابه
على جياد ضمّر عيابه
قال: فأقبلت سعد والرّباب، ورئيس الرّباب النعمان بن جساس، ورئيس بني سعد قيس بن عاصم المنقريّ. قال أبو عبيدة: اجتمع العلماء على أن الرئيس كان يومئذ قيس بن عاصم. فقال ضبّيّ حين دنا من القوم:
في كلّ عام نعم تحوونه ... يلقحه قوم وتنتجونه
أربابه نوكى فلا يحمونه ... ولا يلاقون طعانا دونه
أنعم الأبناء تحسبونه ... هيهات هيهات لما ترجونه
فقال ضمرة بن لبيد الحماسيّ [6]: أنظروا إذا سقتم النعم، فإن أتتكم الخيل عصبا عصبا، وثبتت الأولى للأخرى، حتى تلحق، فإن أمر القوم هيّن. وإن لحق/ بكم القوم، فلم ينظروا إليكم حتى يردّوا وجوه النعم، ولا ينتظر بعضهم بعضا، فإن أمر القوم شديد. وتقدمت سعد والرّباب، فالتقوا في أوائل الناس، فلم يلتفتوا إليهم، واستقبلوا النّعم من قبل وجوهها، فجعلوا يصرفونها بأرماحهم، واختلط القوم، فاقتتلوا قتالا شديدا يومهم، حتى إذا كان من
__________
[1] «النقائض»: مشرح.
[2] «النقائض»: وابرزوا للحرب.
[3] ف: الطيسم. «النقائض»: الكيشم.
[4] ف: بثبير. وتيمن: ما بين نجران إلى بلاد بني تميم.
[5] «النقائض»: ومعه رجل يقال له زهير. وذكر ابن عبد ربه («العقد الفريد 5: 226) أن الذي حذرهم ابن لجزء بن جزء الباهلي.
[6] كذا في «النقائض» (1: 150) و«العقد الفريد» (5: 226) وهو الصحيح كما يلي. وفي الأصول: ضمرة بن أسد الحارثي.
آخر النهار قتل النعمان بن جساس، قتله رجل من أهل اليمن، كانت أمه من بني حنظلة، يقال له عبد اللّه بن كعب، وهو الذي رماه، فقال للنعمان حين رماه: خذها وأنا ابن الحنظلية. فقال النعمان: ثكلتك أمك، رب حنظلية قد غاظتني [1]. فذهبت مثلا، وظن أهل اليمن أن بني تميم سيهدّهم قتل النعمان، فلم يزدهم ذلك إلا جراءة عليهم، فاقتتلوا حتى حجز بينهم الليل، فباتوا يحرس بعضهم بعضا، فلما أصبحوا غدوا على القتال، فنادى قيس بن عاصم:
يال سعد، ونادى عبد يغوث: يال سعد. قيس بن عاصم يدعو سعد بن زيد مناة بن تميم، وعبد يغوث يدعو سعد العشيرة. فلما سمع ذلك قيس نادى: يال كعب، فنادى عبد يغوث: يال كعب. قيس يدعو كعب بن سعد، وعبد يغوث يدعو كعب بن عمرو [2]. فلما رأى ذلك قيس من صنيع عبد يغوث، قال: ما لهم أخزاهم اللّه ما ندعو بشعار إلا دعوا بمثله. فنادى قيس: يال مقاعس، يعني بني الحارث بن عمرو بن كعب، وكان يلقب مقاعسا، فلما سمع وعلة بن عبد اللّه الجرميّ الصوت، وكان صاحب اللواء يومئذ، طرحه، وكان أول من انهزم/ من اليمن، وحملت عليهم بنو سعد والرّباب، فهزموهم أفظع هزيمة، وجعل رجل منهم يقول:
يا قوم لا يفلتكم اليزيدان ... مخرّما أعني به والدّيّان
/ وجعل قيس بن عاصم ينادي: يال تميم: لا تقتلوا إلا فارسا، فإن الرجّالة لكم. وجعل يرتجز ويقول:
لما تولّوا عصبا شوازبا [3] ... أقسمت لا أطعن إلّا راكبا
إني وجدت الطعن فيهم صائبا
وجعل يأخذ الأسارى، فإذا أخذ أسيرا قال له: ممن أنت؟ فيقول: من بني زعبل، وهو زعبل بن كعب، أخو الحارث بن كعب، وهم أنذال، فكأن الأسارى يريدون بذلك رخص الفداء، فجعل قيس إذا أخذ أسيرا منهم، دفعه إلى من يليه من بني تميم، ويقول: أمسك حتى أصطاد لك زعبلة أخرى، فذهبت مثلا. فما زالوا في آثارهم يقتلون ويأسرون، حتى أسر عبد يغوث، أسره فتى من بني عمير بن عبد شمس. وقتل يومئذ علقمة بن سبّاع [4] القريعيّ، وهو فارس هبّود، وهبّود فرس عمرون الجعيد المراديّ [و كان علقمة قتل عمرا وأخذ فرسه من تحته]، وأسر الأهتم، واسمه سنان بن سميّ بن خالد بن منقر، ويومئذ سمّي الأهتم - رئيس كندة البراء بن قيس، وقتلت التيم الأوبر الحارثيّ، وآخر من بني الحارث يقال له معاوية، قتلهما النعمان بن جساس، وقتل يومئذ من أشرافهم خمسة، وقتلت بنو ضبّة ضمرة بن لبيد الحماسيّ الكاهن، قتله قبيصة بن ضرار بن عمرو الضبيّ.
وأما عبد يغوث فانطلق به العبشميّ إلى أهله، وكان العبشميّ أهوج، فقالت له أمه - ورأت عبد يغوث عظيما جميلا جسيما - : من أنت؟ قال:/ أنا سيد القوم. فضحكت، وقالت: قبحك اللّه من سيد قوم حين أسرك هذا الأهوج. فقال عبد يغوث:
وتضحك مني شيخة عبشميّة ... كأن لم ترا قبلي أسيرا يمانيا
ثم قال لها: أيتها الحرة، هل لك إلى خير؟ قالت: وما ذاك؟ قال: أعطي ابنك مئة من الإبل وينطلق بي إلى الأهتم،
__________
[1] «النقائض»: رب ابن حنظلية قد غاظني.
[2] «العقد الفريد» (5: 227): كعب بن مالك.
[3] شوازب: جمع شازب، وهو الشاحب الضامر. وفي «العقد الفريد» (5: 227): هواربا.
[4] «النقائض» (1: 152): سباح.
فإني أتخوف أن تنتزعني سعد والرّباب منه، فضمن له مئة من الإبل، وأرسل إلى بني الحارث، فوجهوا بها إليه، فقبضها العبشميّ، فانطلق به إلى الأهتم، وأنشأ عبد يغوث يقول:
أأهتم يا خير البرية والدا ... ورهطا إذا ما الناس عدّوا المساعيا
تدارك أسيرا عانيا في بلادكم ... ولا تثقفنّي [1] التيم ألقى الدواهيا
فمشت سعد والرّباب فيه. فقالت الرباب: يا بني سعد، قتل فارسنا ولم يقتل لكم فارس مذكور، فدفعه الأهتم إليهم، فأخذه عصمة بن أبير [2] التيميّ، فانطلق به إلى منزله، فقال عبد يغوث: يا بني تيم، اقتلوني قتلة كريمة.
فقال له عصمة: وما تلك القتلة؟ قال: اسقوني الخمر، ودعوني أنح على نفسي، فقال له عصمة: نعم. فسقاه الخمر، ثم قطع له عرقا يقال له الأكحل، وتركه ينزف، ومضى عنه عصمة، وترك مع ابنين له، فقالا: جمعت أهل اليمن وجئت لتصطلمنا، فكيف رأيت اللّه صنع بك؟ فقال عبد يغوث في ذلك:
قصيدة عبد يغوث المشهورة
ألا لا تلوماني كفى اللوم ما بيا ... فما لكما في اللوم نفع ولا ليا
/ ألم تعلما أن الملامة نفعها ... قليل وما لومي أخي من شماليا [3]
فيا راكبا إما عرضت فبلّغن ... نداماي من نجران أن لا تلاقيا [4]
/أبا كرب والأيهمين كليهما ... وقيسا بأعلى حضرموت اليمانيا
جزى اللّه قومي بالكلاب [5] ملامة ... صريحهم والآخرين المواليا
ولو شئت نجّتني من الخيل نهدة ... ترى خلفها الحوّ [6] الجياد تواليا
ولكنني أحمي ذمار أبيكم ... وكان الرماح يختطفن المحاميا
وتضحك مني شيخة عبشمية ... كأن لم ترا [7] قبلي أسيرا يمانيا
وقد علمت عرسي مليكة أنني ... أنا الليث معدوّا عليه وعاديا
أقول وقد شدّوا لساني بنسعة ... أمعشرتيم أطلقوا لي لسانيا [8]
__________
[1] ثقفه: ظفر به.
[2] ف: أثير.
[3] الشمال: الخلق، يريد شمائلي.
[4] عرضت: أتيت العروض، وهي مكة والمدينة وما حولهما.
[5] الكلاب، بضم الكاف: اسم موضع كانت فيه الموقعة، قال البكري: وهو قدة بعينها، أعلاه مما يلي اليمن، وأسفله مما يلي العراق.
[6] النهدة: المرتفعة. والحو من الخيل: التي تضرب إلى الخضرة، وإنما خص الحو، لأنه يقال إنها أصبر الخيل وأخفها عظاما إذا عرقت لكثرة الجري.
[7] قال ابن السيد: قوله «كأن لم ترى»: رجوع من الإخبار إلى الخطاب. ويروي على الإخبار، وفي إثبات الألف وجهان: أحدهما: أن يكون ضرورة. والثاني: أن يكون على لغة من قال «راء» مقلوب «رأي». فجزم، فصار «ترأ»، ثم خفف الهمزة، فقلبها ألفا، لانفتاح ما قبلها: وهذه لغة مشهورة.
[8] ف: من لسانيا. والنسعة: سير منسوج. وفي شد اللسان بها قولان: الأول: أن هذا مثل، لأن اللسان لا يشد بنسعة، وإنما أراد:
أمعشرتيم قد ملكتم فأسجحوا ... فإن أخاكم لم يكن من بوائيا [1]
فإن تقتلوني تقتلوا بي سيدا ... وإن تطلقوني تحربوني بما ليا [2]
أحقّا عباد اللّه أن لست سامعا ... نشيد الرّعاء المعزبين المتاليا [3]
/و قد كنت نحار الجزور ومعمل ال ... مطيّ وأمضي حيث لا حيّ ماضيا
وأنحر للشّرب الكرام مطيتي ... وأصدع بين القينتين ردائيا [4]
وعادية سوم الجراد وزعتها ... بكفّي وقد أنحوا إليّ العواليا [5]
كأني لم أركب جوادا ولم أقل ... لخيلي كرّي نفّسي عن رجاليا [6]
ولم أسبأ الزّقّ الرويّ ولم أقل ... لأيسار صدق أعظموا ضوء ناريا [7]
قال: فضحكت العبشمية، وهم آسروه. وذلك أنه لما أسروه شدوا لسانه بنسعة، لئلا يهجوهم، وأبوا إلا قتله، فقتلوه بالنعمان بن جساس.
ما قيل من الشعر بعد الوقعة
فقالت صفية بنت الخرع ترثي النعمان:
نطاقه هندوانيّ وجبّته ... فضفاضة كأضاة النّهي موضونه [8]
لقد أخذنا شفاء النفس لو شفيت ... وما قتلنا به إلا أمرا دونه
وقال علقمة بن سباع لعمرو بن الجعيد:
لما رأيت الأمر مخلوجة ... أكرهت فيه ذابلا مارنا [9]
قلت له: خذها فإني امرؤ ... يعرف رمحي الرجل الكاهنا
/ قوله: «يعرف رمحي الرجل الكاهنا» يريد: أن عمرو بن الجعيد كان كاهنا. وهو أحد بني عامر بن الدّيل بن
__________
افعلوا بي خيرا ينطلق لساني بشكركم، فإن لم تفعلوا فلساني مشدود لا يقدر على مدحكم. والثاني أنهم شدوه بنسعة خفيفة، وإليه ذهب الجاحظ في «البيان والتبيين»؛ وحكى ابن الأنباري أنهم ربطوه بنسعة مخافة أن يهجوهم.
[1] أسجحوا: سهلوا ويسروا. البواء: السواء، أي لم يكن أخوكم نظير لي، فأكون بواء له.
[2] تحربوني: تسلبوني وتغلبوني.
[3] الرعاء: جمع راع. والمعزب: المتنحي بأبله. والمتالي: جمع متلية، وهي التي يتبعها أولادها.
[4] أصدع: أشق. والقينة هنا: الأمة المغنية.
[5] العادية: القوم يركضون. وسوم الجراد: أي كسومه، وهو انتشاره في المرعى. ووزعتها: كففتها ومنعتها. وأنحوا الرماح: أمالوها وقصدوا بها. والعوالي: جمع عالية، وهي من الرمح أعلاه أو ما دون السنان بذراع.
[6] نفسي: وسعي. وروي: قاتلي.
[7] أسبأ الزق: أشتريه للشرب لا للبيع. والأيسار: جمع ياسر، وهو الذي يضرب قداح الميسر. وقد ذكرت قصيدة عبد يغوث بتمامها في «المفضليات». وساق ابن عبد ربه في «العقد» آخر الكلام على يوم «الصفقة» الأبيات التي أنشدها المؤلف هنا. وذكر كلاما عن أبي عبيدة يثير الشك في قصيدة عبد يغوث هذه، وأنها صنعت في الإسلام.
[8] الأضاة: مسيل الماء إلى الغدير. والنهي: الغدير. وموضونة: منثن بعضها على بعض، لسعتها.
[9] يقال: أمرهم مخلوج: غير مستقيم، ووقعوا في مخلوجة من أمرهم: أي اختلاط. والذابل: الرمح. والمارن: اللين في صلابة.
شنّ بن أفصى بن عبد القيس، ولم يزل ذلك في ولده. ومنهم الرّباب بن البراء، كان يتكهن، ثم طلب خلاف أهل الجاهلية، فصار على دين المسيح عليه السّلام، فذكر أبو اليقظان أن الناس سمعوا في زمانه مناديا ينادي في الليل، وذلك قبل مبعث النبي صلّى اللّه عليه وسلّم: خير أهل الأرض رباب الشّنّيّ، وبحيرا الراهب، وآخر لم يأت بعد. قال: وكان لا يموت أحد من ولد الرّباب إلا رأوا على قبره طشا [1]. ومن ولده مخربة، وهو أحد أجواد العرب، وإنما سمي مخربة لأن السلاح خربه، لكثرة لبسه إياه؛ وقد أدرك النبي صلّى اللّه عليه وسلّم، فأسلم،/ فأرسله إلى ابن الجلندى العمانيّ. وابنه المثنّى بن مخربة أحد وجوه أصحاب المختار، وكان قد وجهه إلى البصرة ليأخذها، فحاربه عبّاد بن الحصين فهزمه، وكان ابنه بلج بن المثنّى جوادا، وفيه يقول بعض شعراء عبد القيس:
ألا يا بلج بلج بني المثنّى ... وأنت لكل مكرمة كفاء
ألومك طائعا ما دمت حيّا ... عليّ إذن من اللّه العفاء [2]
كفى قوما مكارم ضيّعوها ... وأحسن حين أبصرهم أساءوا
رجع الخبر إلى سياقة حديث عبد يغوث والوقعة
قال: فأما وعلة بن عبد اللّه الجرميّ، فإنه لحقه رجل من بني سعد، فعقر به، فنزل؛ وجعل يحضر على رجليه، فلحق رجلا من بني نهد يقال له سليط بن قتب، من بني رفاعة، فقال له لما لحقه: أردفني، فأبى، فطرحه، عن فرسه، وركب عليها، وأدركت الخيل النهديّ فقتلوه، فقال وعلة في ذلك:
/و لما سمعت الخيل تدعو مقاعسا ... علمت بأن اليوم أغبر فاجر
نجوت نجاء ليس فيه وتيرة [3] ... كأني عقاب دون تيمن [4] كاسر
خداريّة صقعاء لبّد ريشها ... بطخفة يوم ذو أهاضيب ماطر [5]
وقد قلت للنهديّ: هل أنت مردفي ... وكيف رداف الفلّ أمك عاثر [6]
فإن أستطع لا تبتئس بي مقاعس ... ولا يرني باديهم والحواضر
فدى لكما رجليّ أمي وخالتي ... غداة الكلاب إذ تحز الحناجر
فمن كان يرجو في تميم هوادة ... فليست لجرم في تميم أواصر
وقالت نائحة عمرو بن الجعيد:
أشاب قذال الرأس مصرع سيّد ... وفارس هبّود أشاب النواصيا
__________
[1] الطش: المطر الضعيف.
[2] ألومك: أي لا ألومك.
[3] وتيرة: توان.
[4] في الأصول: تيماء. والتصويب عن «النقائض» (1: 155) و «الخزانة» (1: 199) و «معجم البلدان»: رسم تيمن (1: 909)، و «العقد الفريد» (5: 231).
[5] الخدارية: العقاب لسوادها. والصقعاء: ذات بياض في وسط رأسها. وطخفة: موضع. والأهاضيب: جمع أهضوبة، وهي الدفعة من المطر.
[6] الفل: المنهزم.
وقال محرز بن مكعبر الضّبّيّ:
فدى لقومي ما جمّعت من نشب [1] ... إذ ساقت الحرب أقواما لأقوام
قد حدّثت مذحج عنا وقد كذبت ... أن لا يورّع [2] عن نسواننا حام
دارت رحاهم قليلا ثم واجههم ... ضرب يصبّح منهم [3] مسكن الهام
ساروا إلينا وهم صيد [4] رؤوسهم ... فقد جعلنا لهم يوما كأيام
/ ظلّت ضباع مجيرات يعدنهم [5] ... وألحموهن منهم أيّ إلحام
ظلت تدوس [6] بني كعب بكلكلها ... وهم يوم بني نهد بإظلام
وقال أوس بن مغراء:
وفي يوم الكلاب إذ اعترتنا [7] ... قبائل أقبلوا متناسبينا
قبائل مذحج اجتمعت وجرم ... وهمدان وكندة أجمعينا
وحمير ثم ساروا في لهام ... على جرد جميعا قادرينا
فلما أن أتونا لم نكذّب ... ولم نسألهم أن يمهلونا
/ قتلنا منهم قتلى وولى ... شريدهم شعاعا [8] هاربينا
وفاظت [9] منهم فينا أسارى ... لدينا منهم متخشّعينا
وقال ذو الرّمّة غيلان بن عقبة في ذلك [10]:
وعمّي الذي قاد الرّباب جماعة ... وسعدهم الرأس الرئيس المؤمّر
عشية أعطتنا أزمّة أمرها ... ضرار بنو القرم الأغرّ ومنقر
وعبد يغوث تحجل الطير حوله ... قد احتزّ عرشيه الحسام المذكّر
العرشان: عرقان في العنق:
عشيّة فرّ الحارثيون بعدما ... قضى نحبه في معرك الخيل هوبر
__________
[1] ف: سبد.
[2] يورع: يكف.
[3] ف و «النقائض»: يصيح منه.
[4] الصيد: جمع أصيد، وهو الذي يرفع رأسه كبرا.
[5] كذا في ف. وفي الأصول: «ظلت مطيا لحراز تعذبهم» وفي «العقد الفريد» (5: 233): تجررهم. وألحموهن: أطعموهن اللحم.
ومعجيرات: موضع.
[6] تدوس: كذا في «النقائض» و «العقد». وفي الأصول: رؤوس.
[7] ف: اعترتنا: أي جاءتنا. وفي الأصول: إذا غزتنا.
[8] شعاعا: متفرقين في كل ناحية.
[9] فاظت: هلكت.
[10] «ديوانه» 232. وفيه اختلاف في الرواية.
وقال أخو جرم ألا لا هوادة ... ولا وزر إلا النجاء المشمر
/ أبى اللّه إلّا أننا آل خندف ... بنا يسمع الصوت الأنام ويبصر
إذا ما تمضّرنا فلا ناس [1] غيرنا ... ونضعف أحيانا ولا نتمضّر
وقال أيضا [2]:
فما شهدت خيل امرىء القيس غارة ... بثهلان تحمي عن ثغور الحقائق
أثرنا به نقع الكلاب وأنتم ... تثيرون نقع الملتقى بالمعازق
أدرنا على جرم وأفناء مذحج ... رحى الموت فوق العاملات الخوافق
صدمناهم دون الأمانيّ صدمة ... عماسا بأطواد طوال شواهق
إذا نطحت شهباء شهباء بينها ... شعاع القنا والمشرفيّ البوارق
وقال البراء بن قيس الكنديّ:
قتلتنا تميم يوما جديدا [3] ... قتل عاد وذاك يوم الكلاب
يوم جئنا يسوقنا الحين سوقا ... نحو قوم كأنهم أسد غاب
سرت في الأزد والمذاحج طرّا ... بين صلّ وكاشر الأنياب [4]
وبني كندة الملوك ولخم ... وجذام وحمير الأرباب
ومراد وخثعم وزبيد ... وبني الحارث الطوال الرّغاب
وحشدنا الصميم نرجونهابا ... فلقينا البوار دون النّهاب
لقيتنا أسود سعد وسعد ... خلقت في الحروب سوط عذاب
تركوني مسهّدا في وثاق ... أرقب النجم ما أسيغ شرابي
خائفا للردى ولو لا دفاعي ... بمئين عن مهجتي كالضباب
/ لسقيت الرّدى وكنت كقومي ... في ضريح مغيّبا في التراب
تذرف الدمع بالعويل نسائي ... كنساء بكت قتيل الرّباب
فلعيني على الألى فارقوني ... درر [5] من دموعها بانسكاب
كيف أبغي الحياة بعد رجال ... قتلوا كالأسود قتل الكلاب
منهم الحارثيّ عبد يغوث ... ويزيد الفتيان وابن شهاب
__________
[1] فلا ناس: كذا في ف. وفي الأصول و «الديوان»: فما الناس.
[2] «ديوانه» (407). وفيه اختلاف في الرواية.
[3] ف: يوم جديد.
[4] كذا في ف. وفي الأصول: «و بكيل وحاشد الأنياب».
[5] الدرر: جمع درة، وهي الدفعة من المطر.
/
في مئين نعدّها ومئين ... بعد ألف منوا بقوم غضاب
برجال من العرانين شمّ ... أشد حرب ممحوضة الأنساب
وقال وعلة بن عبد اللّه الجرميّ:
عذلتني نهد فقلت لنهد ... حين حاست [1] على الكلاب أخاها
يوم كنا عليهم طيرماء ... وتميم صقورها وبزاها
لا تلوموا على الفرار فسعد ... يال نهد يخافها من يراها
إنما همّها الطّعان إذا ما ... كره الطعن والضراب سواها
تركوا مذحجا حديثا مشاعا ... مثل طسم وحمير وصداها
يال قحطان وادعوا حيّ سعد ... وابتغوا سلمها وفضل نداها
إن سعد السعود أسد غياض ... باسل بأسها شديد قواها
فضحت بالكلاب حار [2] بن كعب ... وبنو كندة الملوك أباها
أسلموا للمنون عبد يغوث ... ولعضّ الكبول حولا يراها
بعد ألف سقوا المنيّة صرفا ... فأصابت في ذاك سعد مناها
ليت نهدا وجرمها ومرادا ... والمذا حيج ذو أناة نهاها
/ عن تميم فلم تكن فقع قاع [3] ... تبتدرها ربابها ومناها
قل لبكر العراق تستر عمرا ... عمرو قيس فرأي عمرو قراها
عن تميم ولو غزتها لكانت ... مثل قحطان مستباحا حماها
صوت
صوت لإبراهيم الموصلي في شعر له
ما بال شمس أبي الخطاب قد حجبت ... أظنّ يا صاحبيّ الساعة اقتربت [4]
أولا فما بال ريح كنت آنسها ... عادت عليّ بصرّ بعد ما جنبت [5]
__________
[1] حاست: وطئت.
[2] حار: يريد حارث بن كعب. وقد رخمه في غير النداء شذوذا.
[3] فقع القاع: ضرب من الكمأة، تطؤه الإبل، ويضرب به المثل في الحقارة والذلة. وجزم تبتدرها ضروره.
[4] كذا في ف. وفي الأصول:
يا صاحبي لعل الساعة اقتربت
[5] ف: كنت قيمها. والصرّ: البرد. وجنبت الريح: هبت جنوبا.
أشكو إليك [1] أبا الخطّاب جارية ... غريرة بفؤادي اليوم قد لعبت
وأنت قيّمها فانظر لعاشقها ... يا ليت [2] قد قرّبت مني وما بعدت
عروضه من البسيط. الشعر والغناء لإبراهيم الموصليّ رمل بالبنصر، عن الهشاميّ وعلي بن يحيى. وذكر محمد بن الحارث بن بسخنّر أن فيه هزجا بالبنصر لإبراهيم بن المهديّ. وذكر عمرو بن بانة أنه لإبراهيم الموصليّ أيضا.
وأبو الخطاب الذي عناه إبراهيم الموصلي في شعره هذا: رجل نخّاس يعرف بقرين، مولى العباسة بنت المهديّ، وكان إبراهيم يهوى جارية له، يقال لها خنث [3]، وكانت من أجمل النساء وأكملهن، وكان لها خال فوق شفتها العليا، وكانت تعرف بذات الخال، ولإبراهيم ولغيره فيها أشعار كثيرة. نذكر منها كل ما كان فيه غناء بعد خبرها إن شاء اللّه.
__________
[1] كذا في ف. وفي الأصول: «إليك أشكو».
[2] كذا في ف. وفي الأصول: يا ليتها قربت.
[3] ف و «نهاية الأرب» (5: 91): خشف.
24 - أخبار ذات الخال
عشق إبراهيم لها وشراء الرشيد إياها
أخبرني بخبرها الحسين بن يحيى قال: حدثنا حماد بن إسحاق قال: حدثني أبي:
أن جدي كان يتعشق جارية لقرين، المكنّى بأبي الخطّاب النخّاس، وكان يقول فيها الشعر/ ويغنّي فيه، فشهرها بشعره وغنائه، وبلغ الرشيد خبرها، فاشتراها بسبعين ألف درهم. فقال لها ذات يوم: أسألك عن شيء، فإن صدقتني وإلا صدقني غيرك وكذّبتك. قالت له: بل أصدقك. قال: هل كان بينك وبين إبراهيم الموصليّ شيء قطّ، وأنا أحلفه أن يصدقني. قال: فتلكأت ساعة، ثم قالت: نعم، مرة واحدة. فأبغضها وقال يوما في مجلسه: أيكم لا يبالي أن يكون كشخانا [1]، حتى أهب له ذات الخال. فبدر حمّويه الوصيف، فقال: أنا. فوهبها له، وفيها يقول إبراهيم:
أتحسب ذات الخال راجية ربّا ... وقد فتنت [2] قلبا يهيم بها حبّا
وما عذرها نفسي فداها ولم تدع ... على أعظمي لحما ولم تبق لي لبّا
الشعر والغناء لإبراهيم، خفيف [3] رمل بالسّبابة في مجرى الوسطى.
الرشيد يشتاقها بعد أن وهبها لحمويه
وذكر أحمد بن أبي طاهر:
أن الرشيد اشتراها بسبعين ألف درهم، وذكر قصة حمّويه كما ذكرها حماد، وقال في خبره: فاشتاقها الرشيد يوما بعد ما وهبها لحمّويه، فقال له: ويلك يا حمّويه، وهبنا لك الجارية على أن تسمع غناءها وحدك؟ فقال: يا أمير المؤمنين، مر فيها بأمرك. قال: نحن عندك غدا. فمضى فاستعد لذلك، واستأجر لها من بعض الجوهريّين بدنة [4] وعقودا ثمنها اثنا عشر ألف دينار. فأخرجها إلى الرشيد وهو عليها، فلما رآها [5] /أنكره. وقال: ويلك يا حمّويه! ومن أين لك هذا وما وليتك عملا تكسب فيه مثله، ولا وصل إليك مني هذا القدر! فصدقه عن أمره، فبعث الرشيد إلى أصحاب الجوهر فأحضرهم، واشترى الجوهر منهم، ووهبه لها، ثم حلف ألا تسأله يومه ذلك شيئا إلا أعطاها، ولا حاجة إلا قضاها، فسألته أن يولّي حمّويه الحرب والخراج بفارس سبع سنين، ففعل ذلك، وكتب له عهده به، وشرط على ولي العهد بعده أن يتمها له إن لم تتمّ في حياته.
__________
[1] الكشخان: الديوث.
[2] كذا في ف. وفي الأصول: سلبت.
[3] خفيف: ساقطة من ف.
[4] البدنة: قميص لا كمي له، من ملابس النساء.
[5] ف: رآه.
قصها خالها وشعر العباس بن الأحنف فيها
حدثني محمد بن يحيى الصّوليّ قال: حدثني محمد بن عبد اللّه العاصميّ قال: حدثني أحمد بن عبد اللّه طمّاس، عن عبد اللّه وإبراهيم ابني العباس الصّولي قالا:
كانت للرشيد جارية تعرف بذات الخال، فدعته يوما، فوعدها أن يصير إليها، وخرج يريدها، فاعترضته جارية، فسألته أن يدخل إليها، فدخل وأقام عندها، فشقّ ذلك على ذات الخال، وقالت: واللّه لأطلبنّ له شيئا أغيظه به، وكانت أحسن الناس وجها، ولها خال على خدها لم ير الناس أحسن منه في موضعه، فدعت بمقراض، فقصت الخال الذي كان في خدها، وبلغ ذلك الرشيد، فشق عليه، وبلغ منه، فخرج من موضعه، وقال للفضل بن الربيع:
انظر من بالباب من الشعراء، فقال: الساعة رأيت العباس بن الأحنف. فقال: أدخله. فأدخله، فعرّفه الرشيد القصّة [1] وقال: اعمل في هذا شيئا، على معنى رسمه له، فقال:
صوت
تخلّصت ممن لم يكن ذا حفيظة ... وملت إلى من لا يغيّره حال
فإن كان قطع الخال لما تطلعت ... إلى [2] غيرها نفسي فقد ظلم الخال
/ غناه إبراهيم. فنهض الرشيد إلى ذات الخال مسرعا مسترضيا لها، وجعل هذين البيتين سببا، وأمر للعباس بألفي دينار، وأمر إبراهيم الموصليّ فغناه في هذا الشعر.
محمد بن موسى المنجم يعجبه التقسيم في الشعر
أخبرني محمد/ بن يحيى الصوليّ قال: حدثني محمد بن الفضل قال:
كان محمد بن موسى المنجّم يعجبه التقسيم في الشعر، ويشغف بجيد الأشعار، فكان مما يعجبه قول نصيب:
صوت
أبا بعل ليلى كيف تجمع سلمها ... وحربي وفيما بيننا شبّت الحرب
لها مثل ذنبي اليوم إن كنت مذنبا ... ولا ذنب لي إن كان ليس لها ذنب
عروضه من الطويل. والشعر لنصيب، ويروى للمجنون، ويروى لكعب بن مالك الخثعميّ. والغناء لمالك، ثاني ثقيل بالوسطى عن عمرو.
قال: وكان محمد بن موسى ينشد كثيرا للعباس بن الأحنف:
صوت
ألا ليت ذات الخال تلقى من الهوى ... عشير الذي ألقى فيلتئم الشّعب
إذا رضيت لم يهنني ذلك الرضا ... لعلمي به أن سوف يتبعه العتب
__________
[1] كذا في ف. وفي الأصول: الخبر.
[2] كذا في ف. وفي الأصول: تعطفت علي.
وأبكي إذا ما أذنبت خوف صدّها ... وأسألها مرضاتها ولها الذنب
وصالكم صرم وحبّكم قلى ... وعطفكم صدّ وسلمكم حرب
ويقول: ما أحسن ما قسّم، حتى جعل بإزاء كل شيء ضدّه، واللّه إن هذا لأحسن من تقسيمات إقليدس.
الغناء في هذه الأبيات الأربعة لإبراهيم الموصليّ، ثاني ثقيل بالوسطى، عن الهشاميّ.
جواري الرشيد الثلاث اللائي هويهن
وكانت ذات الخال إحدى الثلاث الجواري اللواتي كان الرشيد يهواهن، ويقول الشعر فيهن، وهن سحر، وضياء، وخنث؛ وفيهن يقول الرشيد:
إن سحرا وضياء وخنث ... هنّ سحر وضياء وخنث [1]
أخذت سحر ولا ذنب لها ... ثلثي قلبي وترباها الثّلث
حدّثني محمد بن يحيى الصوليّ قال: حدثنا أحمد بن محمد الأسديّ قال: حدّثنا أحمد بن عبد اللّه بن عليّ بن سويد بن منجوف السّدوسيّ قال: حدّثني محمد بن إسماعيل بن صبيح قال:
وجه الرشيد إلى جاريته سحر لتصير إليه؛ فاعتلت عليه ذلك اليوم بعلّة، ثم جاءته من الغد، فقال الرشيد:
أيا من ردّ ودّي أم ... س لا أعطيكه اليوما
ولا واللّه لا أعطي ... ك إلا الصدّ واللّوما
وإن كان بقلبي من ... ك حبّ يمنع النّوما [2]
أيا من سمته الوصل ... فأغلى المهر والسّوما
قال: وفيهن يقول، وقد قيل إن العباس بن الأحنف قالها على لسانه:
صوت
ملك الثّلاث الآنسات عناني ... وحللن من قلبي بكلّ مكان
ما لي تطاوعني البرية كلها ... وأطيعهن وهنّ في عصياني
ما ذاك إلا أن سلطان الهوى ... وبه عززن [3] أعزّ من سلطاني
غنته عريب خفيف ثقيل الأول بالوسطى.
مجلس غناء وسمر
وروى أحمد بن أبي طاهر عن إسحاق قال:
__________
[1] الخنث: المتثنى والمنكسر، وضم النون اتباعا للوزن.
[2] ف:
وإن كان بقلبي من ... ك ما يمنعني النوما
[3] كذا في ف. وفي الأصول: قوين
/ وجه الرشيد إلى ذات الخال ليلة وقد مضى شطر الليل، فحضرت، فأخرج إليّ جارية كأنها المهاة، فأجلسها في حجره، ثم قال: غنني، فغنّته:
جئن من الروم وقاليقلا ... يرفلن في المرط ولين الملا
مقرطقات [1] بصنوف الحلى ... يا حبّذا البيض وتلك الحلى
فاستحسنه وشرب عليه، ثم استؤذن للفضل بن الربيع، فأذن له، فلما دخل قال: ما وراءك في هذا الوقت؟ قال:
كل خير يا أمير المؤمنين، ولكن حرى الساعة لي سبب لم يجز لي كتمانه أمير المؤمنين. قال: وما ذاك؟ قال:
أخرج إليّ في هذا الوقت ثلاث جوار لي: مكية، ومدينية [2]، وعراقية. فقبضت المدينية على ذكري، فلما أنعظت وثبت المكية فقعدت عليه، فقالت لها المدينية: ما هذا التعدي؟ ألم تعلمي أن مالكا حدثنا عن الزهريّ عن عبد اللّه بن ظالم، عن سعيد بن زيد: أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «من أحيا أرضا ميّتة فهي له»؟ فقالت الأخرى: أو لم تعلمي أن سفيان حدّثنا، عن أبي الزّناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة: أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «الصيد لمن صاده لا لمن أثاره».
فدفعتهما العراقية عنه، ووثبت عليه، وقالت: هدا لي، وفي يدي حتى تصطلحا. فضحك الرشيد، وأمره بحملهن إليه، ففعل، وحظين عنده، وفيهن يقول:
ملك الثلاث الآنسات عناني ... وحللن من قلبي بكل مكان
إعجاب الناس بشعر الرشيد في جواريه
حدثنا محمد بن يحيى قال: حدثنا الغلابيّ قال: حدثني مهديّ بن سابق قال:
حججنا مع الرشيد آخر حجّة، فكان الناس يتناشدون له في جواريه:
/ثلاث قد حللن حمى فؤادي ... ويعطين الرغائب من ودادي [3]
نظمت قلوبهن بخيط قلبي ... فهنّ قرابتي حتى التنادي
فمن يك حلّ من قلب محلّا ... فهن مع النواظر [4] والسّواد
غناء لإبراهيم الموصلي في ذات الخال
ومما قاله إبراهيم وغيره في ذات الخال وغنّى فيه:
صوت
أذات الخال أقصيت ... محبّا بكم صبّا
فلا أنسى حياتي ما ... عبدت الدهر لي ربّا
وقد قلت أنيليني ... فقالت أفرق الذّنبا
__________
[1] ف: مقرطات.
[2] نسبة إلى مدينة الرسول خاصة.
[3] كذا في ف. وفي الأصول: «في ودادي».
[4] كذا في ف. وفي الأصول: من النواظر.
الشعر والغناء لإبراهيم، هزج بالوسطى عن عمرو. ومنها:
صوت
أذات [1] الخال قد طال ... بمن أسقمته الوجع
وليس إلى سواكم في ال ... - لذي يلقى له فزع
أما يمنعك الإسلا ... م من قتلي ولا الورع
وما ينفكّ لي فيك ... هوى تغترّه خدع
الشعر والغناء لإبراهيم، هزج بالوسطى، عن عمرو. ومنها:
صوت
ثعلب يا هذا الكثير العبث ... باللّه لمّا قلت لي عن خنث
عن ظبية تميس في مشيتها ... أحسن من أبصرته في شعث
/ فقال: قالت قل له أنت امرؤ ... موكّل فيما ترى بالعبث
واللّه لولا خصلة أرقبها ... لقلّ في الدنيا لما بي لبثي
الشعر لإبراهيم، وله فيه لحنان: أحدهما ثقيل الأوّل، عن أبي العنبس. والآخر هزج بالبنصر عن عمرو. وفيه لعريب ثقيل أول آخر. وذكر حبش أن فيه لابن جامع هزجا آخر بالوسطى.
وذكر هارون بن الزيات أن حماد بن إسحاق حدثه عن أبيه:
أن ثعلبا هذا، كان مملوكا لإبراهيم، فقال هذه الأبيات في خنث جارية جزء بن مغول الموصليّ، وكانت مغنية محسنه، وخاطب ثعلبا فيها مستخبرا له.
وذكر هارون بن محمد بن عبد الملك أن حماد بن إسحاق حدثه عن أبيه:
أنه قال في خنث جارية جزء بن مغول الموصلي، وخاطب في شعره غلاما يقال له ثعلب، وكانت خنث مغنية محسنة، وكانت تعرف بذات الخال.
صوت
ثعلب يا هذا الكثير الخبث ... باللّه إلا قلت لي عن خنث
وذكر الأبيات.
قال: وقال له أيضا:
صوت
أبد لذات الخال يا ثعلب ... قول امرىء في الحبّ لا يكذب
__________
[1] سقط من أول هذا الشعر مقدار صفحتين من ف.
إني أقول الحق [1] فاستيقني ... كل امرىء في حبّه يلعب
الشعر والغناء لإبراهيم، له فيه لحنان: رمل وخفيف ثقيل، عن ابن المكيّ. ومنها:
صوت
جزى اللّه خيرا من كلفت بحبه ... وليس به إلا المموه من حبّي
وقالوا: قلوب العاشقين رقيقة ... فما بال ذات الخال قاسية القلب؟
وقالوا لها هذا محبك معرضا ... فقالت: أرى [2] إعراضه أيسر الخطب
فما هو إلا نظرة بتبسم ... فتنشب رجلاه ويسقط للجنب
ومنها:
صوت
إن لم يكن حب ذات الخال عنّاني ... إذن فحوّلت في مسك [3] ابن زيدان [4]
فإنّ هذي يمين ما حلفت بها ... إلا على الحق في سري وإعلاني
الشعر والغناء لإبراهيم، هزج بالبنصر.
ومنها:
صوت
لقد أخلو بذات الخا ... ل والحراس قد هجعوا
فمن يبصر أبا الخطّا ... ب يطلبها ويتّبع [5]
ألا لم تر محزونا ... تسنّم صبره الجزع
وقارعني ففزت بها ... وحازتها لي القرع
غناه إبراهيم، من رواية بذل عنه، ولم تذكر طريقته.
إبراهيم الموصلي يعد ذات الخال دنياه ودينه
قال عليّ بن محمد الهشاميّ: حدّثني جدي، يعني ابن حمدون، قال: حدّثني مخارق قال:
كنت عند إبراهيم الموصليّ ومعي ابن زيدان صاحب البرامكة، وإبراهيم يلاعبه بالشّطرنج، فدخل علينا
__________
[1] أ: الشعر.
[2] أ: ألا.
[3] المسك: الجلد. يريد: مسخت وصيرت ابن زيدان. أي في مسلاخه وشبهه.
[4] إلى هنا ينتهي الساقط من نسخة (ف).
[5] جواب الشرط محذوف، تقديره: ير منظرا مؤلما، وفسره في البيت الذي يليه، بأنك لم تر محزونا غلبه الجزع مثله.
إسحاق، فقال له أبوه: ما أفدت اليوم؟ فقال: أعظم فائدة. سألني رجل ما أفخم كلمة في الفم؟ فقلت: لا إله إلا اللّه. فقال له أبوه إبراهيم: أخطأت. هلا قلت: دنيا ودينا [1]. فأخذ ابن زيدان الشاه، فضرب به رأس إبراهيم، وقال له: يا زنديق، أتكفر بحضرتي؟ فأمر إبراهيم غلمانه فضربوا ابن زيدان ضربا شديدا، فانصرف من ساعته إلى جعفر بن يحيى، فحدّثه بخبره. قال: وعلم إبراهيم أنه قد أخطأ وجنى، فركب إلى الفضل بن يحيى، فاستجار به، فاستوهبه الفضل من جعفر، فوهبه له، فانصرف وهو يقول:
صوت
إن لم يكن حب ذات الخال عنّاني ... إذا فحوّلت في مسك ابن زيدان
فإن هذي يمين ما حلفت بها ... إلا على الصدق في سري وإعلاني
قال: وله في هذين البيتين صنعة، وهي هزج.
منها:
صوت
شعر إبراهيم الموصلي في ذات الخال
من يرحم محزونا [2] ... بذات الخال مفتونا
أبى فيها فما يسلو ... وكل الناس يسلونا
/ فقد أودى به السّقم ... وقد أصبح مجنونا
فإن دام على هذا ... ثوى في اللحد مدفونا
الشعر والغناء لإبراهيم، خفيف ثقيل، عن الهشاميّ.
ومنها:
صوت
لذات الخال أرّقني ... خيال بات يلثمني
بكى وجرى له دمع ... لما بالقلب من حزن
فلا أنساه أو أنسى ... إذا أدرجت في كفني
الشعر والغناء لإبراهيم، خفيف رمل بالوسطى، عن الهشاميّ.
ومنها:
__________
[1] يشير إبراهيم إلى قوله في ذات الخال:
لا تلمني إن ذات ال ... - خال دنياي وديني
(انظر صفحة 351 من هذا الجزء).
[2] كذا في ف. وفي الأصول: مجنونا.
صوت
هل علمت اليوم يا عا ... صم يا خير خدين
أنّ ذات الخال تأتي ... ني على رغم قرين
لا تلمني إنّ ذات ال ... خال دنياي وديني
وإلى حفص خليلي ... ووزيري وأميني
بحت لا أكتمه شي ... ئا من الداء [1] الدفين
إنّ بي من حب ذات ال ... خال شيئا كالجنون
/ فيه لإبراهيم هزج بالوسطى، عن ابن المكيّ.
ومنها:
صوت
تقول ذات الخال ... لي: يا خليّ البال
فقلت: حاشاك من أن ... يكون حالك حالي
أعرضت عنّي لمّا ... أوقعتني في الحبال
إن الخليّ هو الغا ... فل الذي لا يبالي
لإبراهيم من كتابه عن حبش فيه لحن. وذكر ابن المكيّ أنه رمل.
ومنها:
صوت
أما تعلم ذات الخا ... ل فوق الشفة العليا
بأني لست أهوى غي ... - رها شيئا من الدنيا
وأني عن جميع الن ... اس إلا عنهم أعمى
وأني لو سقيت الدّه ... - ر من ريقك لا أروى
الشعر والغناء لإبراهيم، رمل بالوسطى، عن عمرو وابن المكيّ وغيرهما. وقد روى «أما تعلم ياذا الخال»، وهذا هو الصحيح.
ومنها:
صوت
يا ليت شعري كيف ذات الخال ... أم أين تحسب حالها من حالي
__________
[1] ف: السر.
هل أنسين منها وضمّت مرة ... رأسي إليها ثم قالت: مالي
ألزلّة أقصيتني نفسي الفدا ... لك [1] أم أطعت مقالة العذال
واللّه ما استحسنت شيئا مونقا ... ألتذّه إلّا خطرت ببالي
/ الشعر والغناء لإبراهيم، وله فيه لحنان: هزج بالأصابع كلها، عن ابن المكيّ، وثقيل أول بالوسطى، عن حبش.
ومنها:
صوت
يا ليت شعري والنساء غوادر ... خلف العدات وفاؤهن قليل
هل وصل ذات الخال يوما عائد ... فتزول لوعاتي وحرّ غليلي [2]
أم قد تناست عهدنا وأحالها ... عن ذاك ملك حال دون خليل
الشعر والغناء لإبراهيم من كتابه، ثقيل أوّل بالبنصر، عن إسحاق بن إبراهيم، وابن المكيّ والهشاميّ.
انقضت أخبارها.
صوت
صوت لحنين في شعر لحجر بن عمرو
إن من غرّه النساء بشيء ... بعد هند لجاهل مغرور
حلوة القول واللسان ومرّ ... كل شيء أجنّ منها الضمير
كل أنثى وإن بدا لك منها ... آية الحبّ حبّها خيتعور [3]
الشعر لحجر بن عمرو آكل المرار. والغناء لحنين، ثاني ثقيل بالبنصر، عن الهشاميّ. وفيه لنبيه ثقيل أوّل بالوسطى، عن حبش. وفيه رمل له [4].
__________
[1] كذا في ف. وفي الأصول: نفسي فداؤك.
[2] في الشعر إقواء.
[3] الخيتعور: الباطل، أو الذي لا يدوم على حال.
[4] إلى هنا ينتهي الجزء السادس عشر من نسخة ف.
25 - نسب حجر بن عمرو، والسبب الذي من أجله قال هذا الشعر
نسبه
هو حجر بن عمرو بن معاوية بن الحارث بن معاوية بن ثور بن مرتع [1]، واسمه عمرو بن ثور، وقيل: ابن معاوية بن ثور، وهو كندة بن عفير بن عديّ بن الحارث بن مرّة بن ادد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان [2].
القتال بينه وبين ابن الهبولة
أخبرني بخبره محمد بن الحسن بن دريد إجازة، قال: حدّثني عمي، عن ابن الكلبيّ، عن أبيه، عن الشّرقي بن القطاميّ قال:
أقبل تبّع أيام سار إلى العراق، فنزل بأرض معدّ، فاستعمل عليهم حجر بن عمرو، وهو آكل المرار، فلم يزل ملكا حتى خرف، وله من الولد عمرو ومعاوية وهو الجون. ثم إن زياد بن الهبولة بن عمرو بن عوف بن ضجعم بن حماطة بن سعد بن سليح القضاعيّ، أغار عليه وهو ملك في ربيعة بن نزار، ومنزله بغمر ذي كندة، وكان قد غزا بربيعة البحرين. فبلغ زيادا غزاته، فأقبل حتى أغار في مملكة حجر، فأخذ مالا كثيرا، وسبى امرأة حجر، وهي هند ابنة ظالم بن وهب بن الحارث بن معاوية، وأخذ نسوة من نساء بكر بن وائل.
فلما بلغ حجرا وبكر بن وائل مغاره وما أخذ أقبلوا معه، ومعه يومئذ أشراف بكر بن وائل، منهم عوف بن محلّم بن ذهل بن شيبان، وصليع بن عبد غنم بن ذهل بن شيبان، وسدوس بن شيبان بن ذهل، وضبيعة بن قيس بن ثعلبة، وعامر/ بن مالك بن تيم اللّه بن ثعلبة. فتعجل عمرو بن معاوية وعوف بن محلّم، قالا لحجر: إنا متعجّلان إلى الرجل، لعلنا نأخذ منه بعض ما أصاب منا. فلقياه دون عين أباغ، فكلمه عوف بن محلم، وقال: يا خير الفتيان، اردد عليّ ما أخذته مني. فأعطاه إياه. وكلمة عمرو بن معاوية في فحل إبله، فقال: خذه، فأخذه عمرو؛ وكان قويا. فجعل الفحل ينزع إلى الإبل، فاعتقله عمرو، فصرعه. فقال له ابن الهبولة: أما واللّه يا بني شيبان، لو كنتم تعتقلون الرجال كما تعتقلون الإبل لكنتم أنتم أنتم. فقال عمرو: أما واللّه لقد وهبت قليلا، وشتمت جليلا.
ولقد جررت على نفسك شرا، ولتجدني عند ما ساءك. ثم ركض حتى صار إلى حجر، فأخبره الخبر.
فأقبل حجر في أصحابه، حتى إذا كان بمكان يقال له «الحفير» بالبرّ، وهو دون عين أباغ، بعث سدوسا وصليعا يتجسسان له الخبر، ويعلمان له علم العسكر. فخرجا حتى هجما على عسكره، وقد أوقد نارا، ونادى مناد له: من جاء بحزمة من حطب فله فدرة [3] من تمر. وكان ابن الهبولة قد أصاب في عسكر حجر تمرا كثيرا، فضرب قبابه، وأجّج ناره، ونثر التمر بين يديه، فمن جاء بحطب أعطاه تمرا. فاحتطب سدوس وصليع [4]، ثم أتيا به ابن
__________
[1] مرتع: ضبطه في «التاج» كمحسن ومحدث.
[2] في «كتب التراجم» اختلاف كثير في أسماء آباء حجر، وفي ترتيبهم.
[3] فدرة: قطعة.
[4] أ، م: ضبيعة.
الهبولة، فطرحاه بين يديه، فناولهما من التمر، وجلسا قريبا من القبة. فأما صليع [1] فقال: هذه آية وعلم [2] ما يريد، فانصرف إلى حجر، فأعلمه بعسكره، وأراه التمر. وأما سدوس فقال: لا أبرح حتى آتيه بأمر جليّ. فلما ذهب هزيع من الليل أقبل ناس من أصحابه يحرسونه، وقد تفرّق أهل العسكر في كل ناحية، فضرب سدوس بيده إلى جليس له، فقال له: من أنت؟ مخافة أن يستنكر./ فقال: أنا فلان ابن فلان. قال: نعم. ودنا سدوس من القبة، فكان حيث يسمع الكلام، فدنا ابن الهبولة من هند امرأة حجر، فقبّلها وداعبها، ثم قال لها فيما يقول: ما ظنك الآن/ بحجر لو علم بمكاني منك؟ قالت: ظني به واللّه أنه لن يدع طلبك حتى يطالع القصور الحمر، وكأني أنظر إليه في فوارس من بني شيبان يذمّرهم ويدمّرونه، وهو شديد الكلب، سريع الطلب، يزبد شدقاه كأنه بعير آكل مرار. فسمّى حجر آكل المرار يومئذ. قال: فرفع يده فلطمها. ثم قال: ما قلت هذا إلا من عجبك به، وحبك له.
فقالت: واللّه ما أبغضت ذا نسمة قطّ بغضي له، ولا رأيت رجلا قطّ أحزم منه نائما ومستيقظا، إن كان لتنام عيناه وبعض أعضائه حيّ لا ينام، وكان إذا أراد النوم أمرني أن أجعل عنده عسّا مملوءا لبنا، فبينا هو ذات ليلة نائم وأنا قريبة منه أنظر إليه، إذ أقبل أسود سالخ إلى رأسه، فنحى رأسه، فمال إلى يديه، وإحداهما مقبوضة، والأخرى مبسوطة، فأهوى إليها فقبضها، فمال إلى رجليه وقد قبض واحدة، وبسط الأخرى، فأهوى إليها، فقبضها، فمال إلى العسّ: شربه ثم مجه، فقلت: يستيقظ فيشرب فيموت، فأستريح منه. فانتبه من نومه، فقال: عليّ بالإناء، فناولته، فشمه فاضطربت يداه، حتى سقط الإناء فأهريق. وذلك كله بأذن سدوس. فلما نامت الأحراس خرج يسري ليلته، حتى صبّح حجرا. فقال:
أتاك المرجفون برجم غيب ... على دهش وجئتك باليقين
فمن يك قد أتاك بأمر لبس ... فقد آتي بأمر مستبين
ثم قصّ عليه جميع ما سمع.
فأسف ونادى في الناس: الرحيل. فساروا حتى انتهوا إلى عسكر ابن الهبولة، فاقتتلوا قتالا شديدا، فانهزم أصحاب ابن الهبولة، وعرفه سدوس، فحمل عليه،/ فاعتنقه وصرعه فقتله. وبصر به عمرو بن معاوية، فشدّ عليه، فأخذ رأسه منه، وأخذ سدوس سلبه، وأخذ حجر هندا فربطها بين فرسين، ثم ركضا بها حتى قطّعاها قطعا.
هذه رواية ابن الكلبيّ.
وأما أبو عبيدة فإنه ذكر أن ابن الهبولة لما غنم عسكر حجر، غنم مع ذلك زوجته هند بنت ظالم، وأم أناس بنت عوف بن محلّم الشيباني، وهي أم الحارث بن حجر وهند بنت حجر، ولابنها الحارث ابن يقال له عمرو، وله يقول بشر بن أبي خازم:
فإلى ابن أم أناس أعمل ناقتي ... عمرو فتنجح حاجتي أم ترجف
ملك إذا نزل الوفود ببابه ... غرفوا غوارب مزبد ما ينزف
قال: وبنتها هند هي التي تزوّجها المنذر بن ماء السماء اللخميّ. قال: وكان ابن الهبولة بعد أن غنم يسوق ما معه من السبايا والنّعم، ويتصيد في المسير، ولا يمرّ بواد إلا أقام به يوما أو يومين، حتى أتى على ضريّة، فوجدها
__________
[1] أ، م: ضبيعة.
[2] أ، م: على.
معشبة، فأعجبته، فأقام بها أياما. وقالت له أم أناس: إني لأرى ذات ودك [1]، وسوء درك، كأني قد نظرت إلى رجل أسود أدلم، كأن مشافره مشافر بعير آكل مرار قد أخذ برقبته، فسمى حجر آكل المرار بذلك. وذكر باقي القصة نحو ما مضى.
وقال في خبر ابن الهبولة: إن سدوسا أسره، وإن عمرو بن معاوية لما رآه معه حسده، فطعنه فقتله: فغضب سدوس لذلك، وقال: قتلت أسيري وديته دية/ الملوك. وتحاكما إلى حجر، فحكم لسدوس على عمرو وقومه بدية ملك؛ وأعانهم في ذلك بماله. وقال سدوس/ في ذلك يعاتب بني شيبان:
ما بعدكم عيش ولا معكم ... عيش لذي أنف ولا حسب
لولا بنو ذهل وجمع بني ... قيس وما جمّعت من نشب
ما سمتموني خطّة غبنا ... وعلى ضريّة رمتم غلبي
قال: وقد روي أن حجرا ليس بآكل المرار، وإنما أبوه الحارث آكل المرار. وروي أيضا أنه إنما سمي آكل المرار لأن سدوسا لما أتاه بخبر ابن الهبولة ومداعبته لهند، وأن رأسه كان في حجرها، وحدّثه بقولها وقوله، فجعل يسمع ذلك وهو يعبث بالمرار، وهو نبت شديد المرارة، وكان جالسا في موضع فيه منه شيء كثير، فجعل يأكل من ذلك المرار غضبا وهو يسمع من سدوس ولا يعلم أنه يأكله من شدّة الغضب، حتى انتهى سدوس إلى آخر الحديث، فعلم حينئذ بذلك، ووجد طعمه، فسمي يومئذ آكل المرار.
قال ابن الكلبي: وقال حجر في هند:
لمن النار أوقدت بحفير ... لم تنم عند مصطل مقرور [2]
أوقدتها إحدى الهنود وقالت ... أنت ذا موثق وثاق الأسير
إنّ من غرّه النساء بشيء ... بعد هند لجاهل مغرور
وبعده باقي الأبيات المذكورة متقدّما وفيها الغناء.
صوت
شعر لمحمد بن صالح العلوي فيه غناء
طرب الفؤاد وعاودت أحزانه ... وتفرّقت فرقا به أشجانه
وبدا له من بعد ما اندمل الهوى ... برق تألق موهنا لمعانه
يبدو كحاشية الرداء ودونه ... صعب الذّرى متمنّع أركانه
فالنار ما اشتملت عليه ضلوعه ... والماء ما جادت به أجفانه
الشعر لمحمد بن صالح العلويّ. والغناء لرذاذ، ويقال إنه لبنان. خفيف ثقيل. وفيه ثقيل أوّل. يقال إنه لأبي العنبس، ويقال إنه للقاسم بن زرزور. وفيه لعمرو الميداني رمل طنبوريّ؛ وهو لحن مشهور.
__________
[1] الودك: الدسم من اللحم والشحم.
[2] هذا البيت والذي بعده فيهما إقواء، لأنهما مخالفان للبيت الثالث وللأبيات التي تقدّمت في الصوت.
26 - أخبار محمد بن صالح العلويّ ونسبه
نسبه ومنزلته الشعرية
هو محمد بن صالح بن عبد اللّه بن موسى بن عبد اللّه بن حسن بن حسن بن عليّ بن أبي طالب. ويكنى أبا عبد اللّه، شاعر حجازيّ ظريف، صالح الشعر، من شعراء أهل بيته المتقدّمين. وكان جدّه موسى بن عبد اللّه أخا محمد وإبراهيم ابني عبد اللّه بن حسن بن حسن الحجازيين الخارجين في أيام المنصور، أمهم جميعا هند بنت أبي عبيدة.
جدّه موسى بن عبد اللّه
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء الطوسيّ قالا: حدّثنا الزّبير بن بكار، وأخبرني أحمد بن محمد بن سعيد الهمدانيّ قال: حدّثنا يحيى بن الحسن العلويّ. قال: حدّثني الزبير بن بكار:
أن هندا حملت بموسى بن عبد اللّه ولها ستون سنة. قال: ولا تحمل لستين إلا قرشية، ولا تحمل لخمسين إلا عربية. قال: وكان موسى آدم شديد الأدمة، وله تقول أمه هند:
/إنك أن تكون جونا أنزعا ... أجدر أن تضرّهم وتنفعا
وتسلك العيش طريقا مهيعا ... فردا من الأصحاب أو مشيّعا
وكان موسى استتر بعد قتل أخويه زمانا، ثم ظفر به أبو جعفر، فضربه بالسوط، وحبسه مدّة، ثم عفا عنه وأطلقه.
وله أخبار كثيرة ليس هذا موضعها.
خروجه على المتوكل وحبسه
وكان محمد بن صالح خرج على المتوكل مع من بيّض في تلك السنة، فظفر به وبجماعة من أهل بيته أبو الساج، فأخذهم وقيّدهم، وقتل بعضهم، وأخرب سويقة،/ وهي منزل للحسنيّين، ومن جملة صدقات أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب صلوات اللّه عليه، وقعر بها نخلا كثيرا، وحرّق منازل لهم بها، وأثر فيهم وفيها آثارا قبيحة، وحمل محمد بن صالح فيمن حمل منهم إلى سرّ من رأى، فحبس ثلاث سنين، ثم مدح المتوكل، فأنشده الفتح قصيدته بعد أن غنّي في شعره المذكور، فطرب، وسأل عن قائله فعرفه، وتلا ذلك إنشاد الفتح قصيدته، فأمر بإطلاقه.
شعره في الحبس
وأخبرني محمد بن خلف وكيع قال: حدّثني أحمد بن أبي خيثمة قال:
أنكر موسى بن عبد اللّه بن موسى على ابن أخيه محمد بن صالح بن عبد اللّه بن موسى، بعض ما ينكره العمومة على بني أخيهم، في شيء من أمور السلطان، وكان محمد بن صالح قد خرج بسويقة، فصار أبو الساج إلى سويقة، فأسلمه عمه موسى وبنوه بعد أن أعطاه أبو الساج الأمان، فطرح سلاحه، ونزل إليه فقيده، وحمله إلى سرّ
ّ
من رأى، فلم يزل محبوسا بها ثلاث سنين، ثم أطلق، وأقام بها إلى أن مات. وكان سبب موته أنه جدر، فمات في الجدريّ، وهو الذي يقول في الحبس:
طرب الفؤاد وعاودت أحزانه ... وتشعبت شعبا به أشجانه
وبدا له من بعد ما اندمل الهوى ... برق تألّق موهنا لمعانه
يبدو كحاشية الرّداء ودونه ... صعب الذّرا متمنع أركانه
فدنا لينظر كيف لاح فلم يطق ... نظرا إليه ورده سجّانه
فالنار ما اشتملت عليه ضلوعه ... والماء ما سحّت [1] به أجفانه
ثم استعاذ من القبيح وردّه ... نحو العزاء عن الصّبا إيقانه
وبدا له أن الذي قد ناله ... ما كان قدّره له ديّانه
حتى اطمأن ضميره وكأنما ... هتك العلائق عامل وسنانه [2]
/يا قلب لا يذهب بحلمك باخل ... بالنّيل باذل تافه منّانه
يعد القضاء وليس ينجز موعدا ... ويكون قبل قضائه ليّانه [3]
خدل الشّوى حسن القوام [4] مخصّر ... عذب لماه طيّب أردانه
واقنع بما قسم الإله فأمره ... ما لا يزال على الفتى إتيانه
والبؤس ماض ما يدوم كما مضى ... عصر النعيم وزال عنك أوانه
شجاعته
أخبرني عمي قال: حدّثني أحمد بن أبي طاهر قال:
كنت مع أبي عبد اللّه محمد بن صالح في منزل بعض إخواننا، فأقمنا إلى أن انتصف الليل، وأنا أرى أنه يبيت، فإذا هو قد قام،/ فتقلد سيفه، وخرج، فأشفقت عليه من خروجه في ذلك الوقت، وسألته المقام والمبيت، وأعلمته خوفي عليه، فالتفت إليّ مبتسما وقال:
إذا ما اشتملت السيف والليل لم أهل ... لشيء ولم تقرع فؤادي القوارع
شعره في الجواري الباكيات
أخبرني الحسين بن القاسم الكوكبيّ قال: حدّثني أحمد بن أبي طاهر قال:
مرّ محمد بن صالح بقبر لبعض ولد المتوكل، فرأى الجواري يلطمن عنده، فأنشدني لنفسه:
رأيت بسامرّا صبيحة جمعة ... عيونا يروق الناظرين فتورها
__________
[1] أ، م: جادت.
[2] العامل من الرمح: صدره، وهو ما يلي السنان.
[3] ليانه: إخلاف موعده، وهو مصدر لواه بحقه: إذا ماطله.
[4] أ، م: القيام.
تزور العظام الباليات لدى الثّرى ... تجاوز عن تلك العظام غفورها
فلولا قضاء اللّه أن تعمر الثرى ... إلى أن ينادى يوم ينفخ صورها
لقلت عساها أن تعيش وأنها ... ستنشر من جرّا عيون تزورها
/ أسيلات مجرى الدمع إمّا تهلّلت ... شئون المآقي ثم سحّ مطيرها
بوبل كأتوام الجمان يفيضه ... على نحرها أنفاسها وزفيرها
فيا رحمة ما قد رحمت بواكيا ... ثقالا تواليها لطافا خصورها
تزوّجه من أخت عيسى بن موسى الحرّي
أخبرني الحسن بن عليّ قال: حدّثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال: حدّثني إبراهيم بن المدبّر قال:
جاءني محمد بن صالح الحسنيّ، فسألني أن أخطب عليه بنت عيسى بن موسى بن أبي خالد الحرّيّ، أو أخته حمدونة. ففعلت ذلك، وصرت إلى عيسى، فسألته أن يجيبه، فأبى، وقال لي: لا أكذبك، واللّه ما أرده لأني لا أعرف أشرف وأشهر منه لمن يصاهره، ولكني أخاف المتوكل وولده بعده على نعمتي ونفسي، فرجعت إليه، فأخبرته بذلك، فأضرب عن ذلك مدّة، ثم عاودني بعد ذلك، وسألني معاودته، فعاودته ورفقت به، حتى أجاب، فزوّجه أخته، فأنشدني بعد ذلك محمد:
خطبت إلى عيسى بن موسى فردّني ... فللّه وإلى حرّة وعليقها
لقد ردني عيسى ويعلم أنني ... سليل بنات المصطفى وعريقها
وإن لنا بعد الولادة نبعة ... نبيّ الإله صنوها وشقيقها
فلما ابى بخلا بها وتمنّعا ... وصيّرني ذا خلّة لا يطيقها
تداركني المرء الذي لم يزل له ... من المكرمات رحبها وطليقها
سميّ خليل اللّه وابن وليه ... وحمّال أعباء العلا وطريقتها
وزوّجها والمنّ عندي لغيره ... فيابيعة وفّتني الربح سوقها
ويا نعمة لابن المدبّر عندنا ... يجدّ على كر الزمان أنيقها
قال ابن مهرويه: قال لي إبراهيم بن المدبر:
شعره في حمدونة زوجته
فلما نقلت حمدونة إليه شغف بها، وكانت امرأة جميلة عاقلة، فأنشدني لنفسه فيها:
لعمر حمدونة إنّي بها ... لمغرم القلب طويل السّقام
مجاوز للقدر في حبّها ... مباين فيها لأهل الملام
/ مطّرح للعذل ماض على ... مخافة النفس وهول المقام
مشايعي قلب يخاف الخنا ... وصارم يقطع صمّ العظام
جشّمني ذلك وجدي بها ... وفضلها بين النساء الوسام
ممكورة الساق ردينيّة ... مع الشّوى الخدل وحسن القوام
صامتة الحجل خفوق الحشا ... مائرة الساق ثقال القيام
ساجية الطّرف نئوم الضّحى ... منيرة الوجه كبرق الغمام
زينها اللّه وما شانها ... وأعطيت منيتها من تمام
تلك التي لولا غرامي بها ... كنت بسامرّا قليل المقام
هكذا روى ابن مهرويه عن ابن المدبّر، في خبر محمد بن صالح وتزويجه حمدونة.
قصته مع حمدونة زوجته
وحدّثني عمي عن أبي جعفر بن الدّهقانة النديم قال: حدثني إبراهيم بن المدبّر قال:
جاءني يوما محمد بت صالح الحسني العلويّ بعد أن أطلق من الحبس، فقال لي: إني أريد المقام عندك اليوم على خلوة، لأبثك من أمري شيئا لا يصلح أن يسمعه غيرنا. فقلت: أفعل. فصرفت من كان بحضرتي، وخلوت معه، وأمرت برد دابّته، وأخذ ثيابه؛ فلما اطمأن وأكلنا واضطجعنا، قال لي: أعلمك أني خرجت في سنة كذا وكذا ومعي أصحابي على القافلة الفلانية، فقاتلنا من كان فيها، فهزمناهم وملكنا القافلة، فبينا أنا أحوزها وأنيخ الجمال، إذ طلعت عليّ امرأة/ من العماريّة [1]، ما رأيت قط أحسن منها وجها، ولا أحلى منطقا، فقالت: يا فتى، إن رأيت أن تدعو لي بالشريف المتولّي أمر هذا الجيش، فقلت: وقد رأيته وسمع كلامك. فقالت: سألتك بحق اللّه وحق رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم أنت هو؟ فقلت: نعم وحق اللّه وحق رسوله إني لهو. فقالت: أنا حمدونة بنت عيسى بن موسى بن أبي خالد الحرّي، ولأبي محلّ من سلطانه، ولنا نعمة، إن كنت ممن سمع بها فقد كفاك ما سمعت، وإن كنت لم تسمع بها فسل عنها غيري، وو اللّه لا استأثرت عنك بشيء أملكه، ولك بذلك عهد اللّه وميثاقه عليّ، وما أسألك إلا أن تصونني وتسترني، وهذه ألف دينار معي لنفقتي، فخذها حلالا، وهذا حلي عليّ من خمس مئة دينار، فخذه وضمّنّي ما شئت بعده، آخذه لك من تجار المدينة أو مكة أو أهل الموسم، فليس منهم أحد يمنعني شيئا أطلبه، وادفع عني، واحمني من أصحابك، ومن عار يلحقني. فوقع قولها من قلبي موقعا عظيما؛ فقلت لها: قد وهب اللّه لك مالك وجاهك وحالك، ووهب لك القافلة بجميع ما فيها. ثم خرجت فناديت في أصحابي، فاجتمعوا، فناديت فيهم [2]: إني قد أجرت هذه القافلة وأهلها، وخفرتها وحميتها، ولها ذمة اللّه وذمة رسوله وذمتي، فمن أخذ منها خيطا أو عقالا فقد آذنته بحرب. فانصرفوا معي، وانصرفت.
فلما أخذت وحبست، بينا أنا ذات يوم في محبسي إذ جاءني السّجّان وقال لي: إن بالباب امرأتين تزعمان أنهما من أهلك، وقد حظر عليّ أن يدخل عليك أحد، إلا أنهما أعطتاني دملج ذهب، وجعلتاه لي إن أو صلتهما إليك، وقد أذنت لهما، وهما في الدهليز، فاخرج إليهما إن شئت. ففكرت فيمن يجيئني في هذا/ البلد/ وأنا به
__________
[1] العمارية: لعله يريد المظلة، نسبة إلى العمارة، وهي رقعة مزينة تخاط في المظلة علامة على الرياسة أو الوجاهة (انظر «تاج العروس»).
[2] أ، م: فأعلمتهم.
غريب، لا أعرف أحدا، ثم قلت: لعلهما من ولد أبي أو بعض نساء أهلي، فخرجت إليهما، فإذا بصاحبتي، فلما رأتني بكت لما رأت من تغير خلقي، وثقل حديدي، فأقبلت عليها الأخرى فقالت: أهو هو؟ فقالت: إي واللّه، إنه لهو هو، ثم أقبلت عليّ فقالت: فداك أبي وأمي، واللّه لو استطعت أن أقيك مما أنت فيه بنفسي وأهلي لفعلت، وكنت بذلك مني حقيقا، وو اللّه لا تركت المعاونة لك، والسعي في حاجتك، وخلاصك بكل حيلة ومال وشفاعة، وهذه دنانير وثياب وطيب، فاستعن بها على موضعك، ورسولي يأتيك في كل يوم بما يصلحك، حتى يفرّج اللّه عنك. ثم أخرجت إلي كسوة وطيبا ومائتي دينار، وكان رسولها يأتيني في كل يوم بطعام نظيف، وتواصل [1] برّها بالسّجّان، فلا يمتنع من كل شيء أريده.
فمنّ اللّه بخلاصي، ثم راسلتها فخطبتها، فقالت: أما من جهتي فأنا لك متابعة مطيعة، والأمر إلى أبي، فأتيته، فخطبتها إليه، فردني، وقال: ما كنت لاحقق عليها ما قد شاع في الناس عنك في أمرها، وقد صيرتها فضيحة، فقمت من عنده منكّسا مستحيا، وقلت له في ذلك:
رموني وإياها بشنعاء هم بها ... أحقّ أدال اللّه منهم فعجّلا
بأمر تركناه وربّ محمد ... عيانا فإما عفّة أو تجمّلا
فقلت له: إن عيسى صنيعة أخي، وهو لي مطيع، وأنا أكفيك أمره.
فلما كان من الغد لقيت عيسى في منزله، وقلت له: قد جئتك في جاجة لي؛ فقال: مقضية، ولو كنت استعملت ما أحبه لأمرتني فجئتك، وكان أسرّ إليّ. فقلت له: قد جئتك خاطبا إليك ابنتك. فقال: هي لك أمة، وأنا لك عبد،/ وقد أجبتك. فقلت: إني خطبتها على من هو خير مني أبا وأما، وأشرف لك صهرا ومتّصلا، محمد بن صالح العلويّ. فقال لي: يا سيدي، هذا رجل قد لحقتنا بسببه ظنة، وقيلت فينا أقوال. فقلت: أفليست باطلة؟ قال: بلى، والحمد للّه. قلت: فكأنها لم تقل، وإذا وقع النكاح زال كل قول وتشنيع، ولم أزل أرفق به حتى أجاب، وبعثت إلى محمد بن صالح فأحضرته، وما برحت حتى زوجته، وسقت الصّداق عنه.
مدحه إبراهيم بن المدبر
قال أبو الفرج الأصبهاني:
وقد مدح محمد بن صالح إبراهيم بن المدبّر مدائح كثيرة، لما أولاه من هذا الفعل، ولصداقة كانت بينهما، فمن جيد ما قاله فيه قوله:
أتخبر عنهم الدّمن الدّثور ... وقد ينبي إذا سئل الخبير
وكيف تبيّن الأنباء دار ... تعاقبها الشمائل والدّبور
يقول فيها في مدحه:
فهلّا في الذي أولاك عرفا ... تسدّي من مقالك ما تنير [2]
__________
[1] كذا في أ، م. وفي سائر الأصول: يتواصل.
[2] تسدّي: تقوي لحمة الثوب بالسدي. وتنير: تنسج النير، وهو لحمة الثوب.
ثناء غير مختلق [1] ومدحا ... مع الركبان ينجد أو يغور
أخ واساك في كلب الليالي ... وقد خذل الأقارب والنصير
حفاظا حين أسلمك الموالي ... وضنّ [2] بنفسه الرجل الصبور
فإن تشكر فقد أولى جميلا ... وإن تكفر فإنك للكفور
/ وما في آل خاقان اعتصام ... إذا ما عمّم الخطب الكبير
/ لئام الناس إثراء وفقرا ... وأعجزهم إذا حمى القتير
قويم [3] لا يزوّجهم كريم ... ولا تسنى لنسوتهم مهور
وإنما ذكر آل خاقان ههنا لأن عبيد اللّه بن يحيى قصّر به وتحامل عليه، وكان يقول ما يكره، ويؤكّد ما يوجب حبسه، وكان فيه وفي ولده نصب [4] شديد.
ولمحمد بن صالح في آل المدبّر مدائح كثيرة، لا معنى لذكرها في هذا الكتاب.
صداقته لسعيد بن حميد
أخبرني علي بن العباس بن أبي طلحة الكاتب قال: حدثني عبد اللّه بن طالب الكاتب قال:
كان محمد بن صالح العلويّ حلو اللسان، ظريفا أديبا، فكان بسرّ من رأى مخالطا لسراة الناس، ووجوه أهل البلد، وكان لا يكاد يفارق سعيد بن حميد، وكانا يتقارضان الأشعار، ويتكاتبان بها. وفي سعيد يقول محمد بن صالح العلويّ:
أصاحب من صاحبت ثمّت أنثني ... إليك أبا عثمان عطشان صاديا
أبى القلب أن يروى بهم وهو حائم ... إليك وإن كانوا الفروع العواليا
ولكن إذا جئناك لم نبغ مشربا ... سواك وروّينا العظام الصّواديا [5]
قال عبد اللّه بن طالب [6]:
وكان بعض بني هاشم دعاه، فمضى إليه، وكتب سعيد إليه يسأله المصير إليه، فأخبر بموضعه عند الهاشميّ، فلما عاد عرف خبر سعيد وإرساله إليه، فكتب إليه بهذه الأبيات.
/ قال عبد اللّه: وشرب يوما هو وسعيد بن حميد، فسكر محمد بن صالح قبله، فقام لينصرف، والتفت إلى سعيد وقال له:
__________
[1] أ، م: غير مخلوق.
[2] أ، م: وصد.
[3] كذا في أ، م، وفي بقية الأصول: لئام.
[4] نصب: كره لآل عليّ وعداوة.
[5] أ، م: العواريا، ولعله يريد عظام آبائه الذين ماتوا، وكان بينهم وبين آباء الممدوح صلات مودّة.
[6] أ، م: ابن أبي طالب.
لعمرك إنني لما افترقنا ... أخو ضنّ بخلصاني سعيد
تبقّته المدام وأزعجتني ... إلى رحلي بتعجيل الورود
سعيد بن حميد يرثيه
قال: وتوفى محمد بن صالح بسرّ من رأى، وكان يجهد في أن يؤذن له في الرجوع إلى الحجاز، فلا يجاب إلى ذلك، فقال سعيد يرثيه:
بأيّ يد أسطو على الدهر بعد ما ... أبان يدي عضب الذّنابين قاضب
وهاض جناحي حادث جلّ خطبه ... وسدّت عن الصبر الجميل المذاهب
ومن عادة الأيام أنّ صروفها ... إذ سرّ منها جانب ساء جانب
لعمري لقد غال التجلد أننا ... فقد ناك فقد الغيث والعام جادب
فما أعرف الأيام إلا ذميمة ... ولا الدهر إلا وهو بالثأر طالب
ولا لي من الإخوان إلا مكاشر ... فوجه له راض ووجه مغاضب
فقدت فتى قد كان للأرض زينة ... كما زيّنت وجه السماء الكواكب
لعمري لئن كان الردى بك فاتني ... وكلّ أمرىء يوما إلى اللّه ذاهب
لقد أخذت مني النوائب حكمها ... فما تركت حقا عليّ النوائب
ولا تركتني أرهب الدهر بعده ... لقد كلّ عني نابه والمخالب
سقى جدثا أمسى الكريم ابن صالح ... يحلّ به، دان [1] من المزن ساكب
/ إذا بشّر الرّواد بالغيث برقه ... مرته الصّبا واستحلبته الجنائب
فغادر باقي الدهر تأثير صوبه ... ربيعا زهت منه الرّبا والمذانب
إطلاقه من الحبس
أخبرني أحمد بن جعفر جحظة قال: حدّثني المبرّد قال:
لم يزل محمد بن صالح محبوسا حتى توصل بنان له، بأن غنّى بين يدي المتوكل في شعره:
وبدا له من بعد ما اندمل الهوى ... برق تألق موهنا لمعانه
فاستحسن المتوكل الشعر واللحن، وسأل عن قائله، فأخبر به، وكلّم في أمره، وأحسنت الجماعة رفده، وقام الفتح بأمره قياما تاما. فأمر بإطلاقه من حبسه، على أن يكون عند الفتح وفي يده، حتى يقيم كفيلا بنفسه ألّا يبرح من سرّ من رأى، فأطلق، وأخذ عليه الفتح الأيمان الموّثقة ألا يبرح من سرّ من رأى إلا بإذنه، ثم أطلقه.
مدحه المتوكل والمنتصر
ولمحمد بن صالح في المتوكل والمنتصر مدائح جياد كثيرة، منها قوله في المتوكل:
__________
[1] أ، م: وان. يريد الثقيل من السحاب الذي لا يسرع في سيره.
ألف التّقى ووفى بنذر الناذر ... وأبى الوقوف على المحل الداثر
ولقد تهيج له الديار صبابة ... حينا وتكلف بالخليط السائر
فرأى الهداية أن أناب وأنه ... قصر المديح على الإمام العاشر
يابن الخلائف والذين بهديهم ... ظهر الوفاء وبان غدر الغادر
وابن الذين حووا تراث محمد ... دون الأقارب بالنصيب الوافر
نطق الكتاب لكم بذاك مصدّقا ... ومضت به سنن النبيّ الطاهر
ووصلت أسباب الخلافة بالهدى ... إذ نلتها وأنمت عين الساهر
أحييت سنة من مضى فتجدّدت ... وأبنت بدعة ذي الضلال الخاسر
فافخر بنفسك أو بجدّك معلنا ... أودع فقد جاوزت فخر الفاخر
/ ما للمكارم غيركم من أول ... بعد النبيّ وما لها من آخر
إني دعوتك فاستجبت لدعوتي ... والموت مني قيد شبر الشابر
فانتشتني من قعر موردة الردى ... أمنا [1] ولم تسمع مقالة زاجر
وفككت أسري والبلاء موكّل ... وجبرت كسرا ما له من جابر
وعطفت بالرّحم التي ترجوبها ... قرب المحلّ من المليك القادر
وأنا أعوذ بفضل عفوك أن أرى ... غرضا ببابك للملم الفاقر [2]
أو أن أضيّع بعدما أنقذتني ... من ريب مهلكة وجدّ عاثر
ولقد مننت فكنت غير مكدّر ... ولقد نهضت بها نهوض الشاكر
هجاؤه أبا الساج
أخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن عمار، ومحمد بن خلف وكيع قالا: حدّثنا الفضل بن سعيد بن أبي حرب قال:
حدّثني أبو عبد اللّه الجهنيّ قال:
دخلت على محمد بن صالح الحسني في حبس المتوكل، فأنشدني لنفسه يهجو أبا الساج:
ألم يحزنك يا ذلفاء أنّي ... سكنت مساكن الأموات حيّا
/ وأنّ حمائلي ونجاد سيفي ... علون مجدّعا أشرو سنيّا [3]
فقصّرهنّ لما طلن حتى اس ... توين عليه لا أمسى سويّا
أما والراقصات بذات عرق ... تريد البيت تحسبها قسيا
__________
[1] أ، م: منا.
[2] المسلم الفاقر: الحادث الذي يكسر فقار الظهر.
[3] أبو الساج الأشروسني: أحد قواد المعتمد العباسي. توفي سنة 266.
لو أمكنني غداتئذ جلاد ... لألفوني به سمحا سخيا
وله في الغزل والحنين
قال ابن عمار: وأنشدني عبيد اللّه بن طاهر أبو محمد لمحمد بن صالح أيضا:
نظرت ودوني ماء دجلة موهنا ... بمطروفة الإنسان محسورة جدّا
لتؤنس لي نارا بليل [1] توقّدت ... وتاللّه ما كلفتها نظرا قصدا
فلو أنها منها لقلت كأنني ... أرى النار قد أمست تضيء لنا هندا
تضيء لنا منها جبينا ومحجرا ... ومبتسما عذبا وذا غدر جعدا
انقضت أخباره.
صوت
شعر لأبي داود فيه غناء
يا عديّا لقلبك المهتاج ... أن عفا رسم منزل بالنّباج
غيرته الصّبا وكلّ ملثّ ... دائم الودق ذي أهاضيب داج
وحملنا غلامنا ثم قلنا ... هاجر العيس ليس منك بناج
فانتحى مثل ما انتحى باز دجن ... جوّعته القنّاص للدّرّاج
الشعر لأبي دواد الإياديّ. والغناء لحنين، ثاني ثقيل بالبنصر في مجراها، عن إسحاق. وذكر عمرو بن بانة أنه لابن عائشة. وفيه لعريب هزج. وفيه ثقيل أول، ينسب إلى يزيد الحذّاء، وإلى أحمد النّصيبيّ.
__________
[1] «معجم البلدان»: «نارا بتثليث أو قدت». وتثليث: موضع قرب مكة.
27 - ذكر أخبار أبي دواد الإياديّ ونسبه
نسبه وشعره
هو فيما ذكر يعقوب بن السكّيت: جارية بن الحجّاج. وكان الحجاج يلقب حمران بن بحر بن عصام بن منبه بن حذاقة بن زهير بن إياد بن نزار بن معدّ. وقال ابن حبيب هو جارية بن الحجّاج أحد بني برد بن دعميّ بن إياد بن نزار. شاعر قديم من شعراء الجاهلية، وكان وصافا للخيل، وأكثر أشعاره في وصفها، وله في غير وصفها تصرّف بين مدح وفخر وغير ذلك، إلا أن شعره في وصف الفرس أكثر.
جار أبي دواد
أخبرني الحسين بن يحيى، عن حماد، عن أبيه، قال: حدّثني الهيثم بن عديّ وابن الكلبيّ، عن أبيه، والشّرقيّ:
أن أبا دواد الإياديّ مدح الحارث بن همام بن مرة بن ذهل بن شيبان، فأعطاه عطايا كثيرة، ثم مات ابن لأبي دواد وهو في جواره فوداه، فمدحه أبو دواد، فحلف له الحارث أنه لا يموت له ولد إلا وداه، ولا يذهب له مال إلا أخلفه، فضربت العرب المثل بجار أبي دواد، وفيه يقول قيس بن زهير:
أطوّف ما أطوّف ثم آوي ... إلى جار كجار أبي دواد
هذه رواية هؤلاء؛ وأبو عبيدة يخالف ذلك.
أخبرني ابن دريد قال: أخبرني أبو حاتم، عن أبي عبيدة قال: جاور أبو دواد الإيادي كعب بن مامة الإيادي، فكان إذا هلك له بعير أو شاة أخلفها، وفيه يقول طرفة يمدح عمرو بن هند:
جار كجار الحذاقيّ الذي انتصفا [1]
وكان لأبي دواد ابن يقال له دواد شاعر، وهو الذي يقول يرثي أباه:
فبات فينا وأمسى تحت هائرة [2] ... ما بعد يومك من ممسى وإصباح
لا يدفع السّقم إلا أن نفدّيه ... ولو ملكنا مسكنا السّقم بالراح
هو وزوجته وابنه
أخبرني عمي قال: حدثنا عبد اللّه بن أبي سعد قال: حدثني عليّ بن الصباح قال: أخبرنا أبو المنذر، عن أبيه قال:
__________
[1] الشطر الأول من البيت هو: «إني كفاني من هم هممت به». والحذاقي: هو أبو دواد، نسبه إلى حذاق، قبيلة من إياد.
[2] أ، م: هابرة، ولعلها محرفة عن هائرة بمعنى ساقطة، يريد الأرض أو الحفرة. وفي بقية الأصول: هادية. ولعلها محرفة عن هاوية.
تزوج أبو دواد امرأة من قومه، فولدت له دوادا ثم ماتت، ثم تزوج أخرى، فأولعت بدواد، وأمرت أباه أن يجفوه ويبعده، وكان يحبها، فلما أكثرت عليه قالت: أخرجه عني، فخرج به وقد أردفه خلفه، إلى أن انتهى إلى أرض جرداء ليس فيها شيء، فألقى سوطه متعمدا، وقال: أي دواد، انزل فناولني سوطي. فنزل، فدفع بعيره وناداه:
أدواد إن الأمر أصبح ما ترى ... فانظر دواد لأي أرض تعمد؟
فقال له دواد: على رسلك. فوقف له فناداه:
وبأي ظنك أن أقيم ببلدة ... جرداء ليس بغيرها متلدّد [1]
فرجع إليه وقال له: أنت واللّه ابني حقا، ثم رده إلى منزله، وطلق امرأته.
لوم زوجته إياه لسماحه بالمال
أخبرني الحسين بن يحيى، عن حماد، عن أبيه، عن أبي عمرو الشيبانيّ قال:
كانت لأبي دواد امرأة يقال لها أم حبتر، وفيها يقول:
في ثلاثين ذعذعتها [2] حقوق ... أصبحت أم حبتر تشكوني
زعمت لي بأنني أفسد الما ... ل وأزويه [3] عن قضاء ديوني
أمّلت أن أكون عبد المالي ... وتهنّا بنافع المال دوني
/ وهي طويلة: قال: ولها يقول وقد عاتبته على سماحته بماله فلم يعتبها [4]، فصرمته:
حاولت حين صرمتني ... والمرء يعجز لا محاله
والدهر يلعب بالفتى ... والدهر أروغ من ثعاله [5]
والمرء يكسب ماله ... والشّحّ يورثه الكلاله
والعبد يقرع بالعصا ... والحرّ تكفيه المقاله [6]
والسّكت خير للفتى ... فالحين من بعض المقاله
وصاف الخيل من الشعراء
أخبرني يحيى بن عليّ بن يحيى قال: حدثني أبي عن إسحاق، عن الأصمعيّ قال:
ثلاثة كانوا يصفون الخيل، لا يقاربهم أحد: طفيل، وأبو دواد، والجعديّ. فأما أبو دواد فإنه كان على خيل
__________
[1] تلدد في المكان: تلبث.
[2] بددتها وفرقتها.
[3] أنحيه.
[4] لم يرضها.
[5] ثعالة: الثعلب.
[6] هامش أعن نسخة أخرى: المخالة، وهي الظن.
المنذر بن النعمان بن المنذر [1]. وأما طفيل فإنه كان يركبها وهو أغرل [2] إلى أن كبر. وأما الجعديّ فإنه سمع ذكرها من أشعار الشعراء [3]، فأخذ عنهم.
أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال: حدثني أبو حاتم، عن أبي عبيدة قال:
دواد أوصف الناس للفرس في الجاهلية والإسلام، وبعده طفيل الغنويّ والنابغة الجعديّ.
أخبرني محمد بن العباس اليزيديّ قال: حدثنا أحمد بن الحارث الخراز، عن ابن الأعرابيّ قال:
لم يصف أحد قطّ الخيل إلا احتاج إلى أبي دواد، ولا وصف الخمر إلا احتاج إلى أوس بن حجر، ولا وصف أحد نعامة إلا احتاج إلى علقمة/ بن عبدة، ولا اعتذر أحد في شعره إلا احتاج إلى النابغة الذبياني.
رأي علي وأبي الأسود في أشعر الناس
أخبرني عمي قال: حدّثني جعفر بن محمد العاصميّ قال: حدّثنا عيينة بن المنهال قال: حدّثنا شدّاد بن عبيد اللّه قال: حدّثني عبيد اللّه بن الحرّ العنزيّ القاضي، عن أبي عرادة قال:
كان عليّ صلوات اللّه عليه يفطر الناس في شهر رمضان، فإذا فرغ من العشاء تكلم، فأقلّ وأوجز، فأبلغ.
فاختصم الناس ليلة حتى ارتفعت أصواتهم في أشعر الناس، فقال عليّ عليه السّلام لأبي الأسود الدّؤلي: قل يا أبا الأسود. فقال أبو الأسود، وكان يتعصب لأبي دواد الإياديّ: أشعرهم الذي يقول:
ولقد أغتدي يدافع ركني ... أحوذيّ ذو ميعة إضريج [4]
مخلط مزيل مكرّ مفرّ ... منفح مطرح سبوح خروج [5]
سلهب شرجب كأنّ رماحا ... حملته وفي السّراة دموج [6]
وكان لأبي الأسود رأي في أبي دواد، فأقبل عليّ على الناس، فقال: كل شعرائكم محسن، ولو جمعهم زمان واحد، وغاية واحدة، ومذهب واحد في القول، لعلمنا أيّهم أسبق إلى ذلك، وكلهم قد أصاب الذي أراد، وأحسن فيه، وإن يكن/ أحد فضلهم، فالذي لم يقل رغبة ولا رهبة امرؤ القيس بن حجر، فإنه كان أصحهم بادرة، وأجودهم نادرة.
__________
[1] في هامش أ: ليس من المناذرة من نسبه هكذا. فلعله محرف عن المنذر بن ماء السماء، وسيصرح بذلك قريبا.
[2] الأغرل: الصبي الذي لم يختن.
[3] أ، م: فإنه سمع من الشعراء.
[4] الأحوذي ها هنا: من قولهم: حاذ الإبل يحوذها إذا ساقها؛ ويريد به السرعة، وفي وصف الرجال: الألمعي. والميعة: النشاط والسرعة. والإضريج: السريع.
[5] يقال: رجل مخلط مزيل: كيس لطيف، أو هو الجدل في الخصومات، يزول من حجة إلى حجة، كذا في «اللسان» و «التاج» و «النهاية» لابن الأثير، ولم يصفوا الخيل بذلك، ولكن يمكن أن يفهم منه أن أباد دواد يصف الحصان بأنه يحسن الجري، ويأتي منه بفن بعد فن، أو يحسن مباراة الخيل في السير، وينتقل فيه من حال إلى حال أحسن منها. والمنفح: الذي ينفح بقوائمه في العدو، أي يرمي بحدّ حوافره ويدفع. والمطرح: السريع. والخروج: الذي يسبق الخيل، فيخرج من بينها.
[6] السلهب والشرجب: الطويل. وفي هامش أ: يقال: فرس سلهبة، ولم أسمع بالمؤنث من الشرجب. والسراة: الظهر. والدموج:
الإحكام والملاسة.
إهمال الرواة لشعره
أخبرنا يحيى بن عليّ بن يحيى، عن أبيه، عن إسحاق، عن الأصمعيّ قال:
كانت الرواة لا تروي شعر أبي دواد ولا عديّ بن زيد، لمخالفتهما مذاهب الشعراء [1]، قال: وكان أبو دواد على خيل المنذر بن ماء السماء، فأكثر وصفه للخيل.
افتراق الإياديين ثلاث فرق
أخبرني الحسن بن عليّ قال: حدّثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد قال:
حدّثني ابن أبي الهيذام قال:
اسم أبي دواد الإيادي جويرية بن الحجاج. وكانت له ناقة يقال لها الزّبّاء، فكانت بنو إياد يتبركون بها. فلما أصابتهم السنة تفرّقوا ثلاث فرق، فرقة سلكت في البحر فهلكت، وفرقة قصدت اليمن فسلمت، وفرقة قصدت أرض بكر بن وائل، فنزلوا على الحارث بن همّام.
وكان السبب في ذلك أنهم أرسلوا الزّباء، وقالوا إنها ناقة ميمونة، فخلوها، فحيث توجهت فاتبعوها. وكذلك كانوا يفعلون إذا أرادوا نجعة. فخرجت تخوض العرب، حتى بركت بفناء الحارث بن همّام، وكان أكرم الناس جوارا، وهو جار أبي دواد المضروب به المثل. فقال أبو دواد يمدح الحارث، ويذكر ناقته الزّباء:
فإلى ابن همّام بن مرّة أصعدت ... ظعن الخليط بهم فقلّ زيالها
أنعمت نعمة ماجد ذي منة ... نصبت عليه من العلا أظلالها
وجعلنا دون الوليّ فأصبحت ... زباء منقطعا إليك عقالها
فخر إياد على العرب
أخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن عمار قال: حدّثنا سليمان بن أبي شيخ قال: حدّثنا يحيى بن سعيد قال:
كانت إياد تفخر على العرب، تقول: منا أجود الناس كعب بن مامة، ومنا أشعر الناس أبو دواد، ومنا أنكح الناس ابن ألغز [2].
ابن ألغز
أخبرني محمد بن العباس اليزيديّ قال:/ حدّثنا عيسى بن إسماعيل تينة قال: حدّثني القحذميّ قال:
كان ابن ألغز أيّرا، فكان إذا أنعظ احتكت الفصال بأيره، قال: وكان في إياد امرأة تستصغر أيور الرجال، فجامعها ابن ألغز، فقالت: يا معشر إياد، أبالرّكب تجامعون النساء؟ قال: فضرب بيده على أليتها وقال: ما هذا؟
فقالت وهي لا تعقل ما تقول: هذا القمر. فضرب العرب بها المثل: «أريها استها وتريني القمر». وأنشد وقد كان الحجاج منع من لحوم البقر خوفا من قلّة العمارة في السواد، فقيل فيه:
__________
[1] صرح ابن قتيبة في «الشعر والشعراء» ص 121 بهذه المخالفة، فقال: لأن ألفاظهما ليست بنجدية. وكذلك قال المرزباني في «الموشح».
[2] قال في «تاج العروس»: واسمه سعد أو عروة بن أشيم ... أو الحارث. ولا خلاف في اسم أبيه أشيم.
شكونا إليه خراب السواد ... فحرّم فينا لحوم البقر
فكنا كمن قال من قبلنا ... أريها استها وتريني القمر
رأي الحطيئة في أشعر الشعراء
أخبرني عمي عن الكراني، عن العمريّ، عن الهيثم بن عديّ بنحوه.
وأخبرني عمي قال: حدّثنا محمد بن سعد الكراني قال: حدّثني العمريّ عن لقيط قال: أخبرني التّوزي عن أبي عبيدة قال:
كان الحطيئة عند سعيد بن العاص ليلة، فتذاكروا الشعراء، وفضوا بعضهم على بعض وهو ساكت، فقال له:
يا أبا مليكة ما تقول؟ فقال: ما ذكرتم واللّه أشعر الشعراء، ولا أنشدتم أجود الشعر. فقالوا: فمن أشعر الناس؟ فقال الذي يقول:
/لا أعدّ الإقتار عدما ولكن ... فقد من قد رزئته الإعدام
والشعر لأبي دواد الإياديّ. قالوا: ثم من؟ قال: ثم عبيد بن الأبرص. قالوا: ثم من؟ قال: كفاكم واللّه بي إذا أخذتني رغبة أو رهبة، ثم عويت في إثر القوافي عواء الفصيل في إثر أمّه.
أسرة أبي دواد تصف الثور
أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن أخي الأصمعيّ، قال: حدّثني عمي، وأخبرنا أبو حاتم قال: أخبرنا الأصمعيّ، عن أبي عمرو بن العلاء، عن هجّاس بن مرير الإيادي، عن أبيه، وكان قد أدرك الجاهلية، قال:
بينا أبو دواد وزوجته وابنه وابنته على ربوة، وإياد إذ ذاك بالسواد، إذ خرج ثور من أجمة، فقال أبو دواد:
وبدت له أذن توجّس حرّة وأحمّ وارد [1]
وقوائم عوج لها ... من خلفها زمع زوائد [2]
كمقاعد الرّقباء للضّرباء أيديهم نواهد [3] ثم قال: أنفذي [4] يا أمّ دواد، فقالت:
وبدت له أذن توجّس حرّة وأحمّ مولق
وقوائم عوج لها ... من خلفها زمع معلّق
__________
[1] توجس: تسمع إلى الصوت الخفي، وحرة: صادقة السمع مرهفة. والأحم: القرن الأسود والوارد: الطويل.
[2] الزمع: الشعر الذي في مؤخرة رجلي الشاة أو الظبي، واحدته زمعة.
[3] الرقباء: الذين يمسكون عيونهم وينظرون سمات القداح. والضرباء الذين يضربون القداح.
[4] يريد بالإنفاذ هنا: محاكاة شعره مع تغيير الكلمة الأخيرة منه تمرينا على القول، والتمرس بالقوافي.
كمقاعد الرّقباء للضّرباء أيديهم تألّق/ ثم قال: أنفذ يا دواد. فقال:
وبدت له أذن توجس حرّة وأحمّ مرهف
وقوائم عوج لها ... من خلفها زمع ملفّف
كمقاعد الرّقباء للضّرباء أيديهم تلقّف ثم قال: أنفذي يا دوادة. قالت: وما أقول مع من أخطأ. قالوا: ومن أين أخطأناه؟ قالت: جعلتم له/ قرنا واحدا، وله قرنان. قالوا: فقولي. قالت:
وبدت له أذن توجّس حرّة وأحمّتان
وقوائم عوج لها ... من خلفها زمع ثمان
كمقاعد الرّقباء للضّرباء أيديهم دوان
نزاعه مع البهراني وقتل أولاده
أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال: أخبرني عمي عن العباس بن هشام، عن أبيه قال:
كان أبو دواد الإياديّ الشاعر جارا للمنذر بن ماء السماء. وإن أبا دواد نازع رجلا بالحيرة من بهراء، يقال له رقبة بن عامر بن كعب بن عمرو، فقال له رقبة: صالحني وحالفني. فقال أبو دواد: فمن أين تعيش إياد إذا، فو اللّه لو لا ما تصيب من بهراء لهلكت، وانصرفا على تلك الحال.
ثم إن أبا دواد أخرج بنين له ثلاثة في تجارة إلى الشام، فبلغ ذلك رقبة البهراني، فبعث إلى قومه فأخبرهم بما قاله له أبو دواد عند المنذر، وأخبرهم أن القوم ولد أبي دواد، فخرجوا إلى الشام، فلقوهم فقتلوهم. وبعثوا برؤوسهم إلى رقبة، فلما أتته الرؤوس صنع طعاما كثيرا، ثم أتى المنذر، فقال له: قد اصطنعت لك طعاما/ كثيرا، فأنا أحب أن تتغدّى عندي، فأتاه المنذر وأبو دواد معه، فبينا الجفان ترفع وتوضع، إذ جاءته جفنة عليها بعض [1] رؤوس بني أبي دواد، فوثب وقال: أبيت اللعن! إني جارك، وقد ترى ما صنع بي، وكان رقبة أيضا جارا للمنذر.
فوقع المنذر منهما في سوءة، وأمر برقبة فحبس، وقال لأبي دواد: أما يرضيك توجيهي بكتيبتيّ الشهباء والدّوسر إليهم؟ قال: بلى. قال: قد فعلت. فوجه إليهم بالكتيبتين.
فلما بلغ ذلك رقبة قال لامرأته: ويحك! الحقي بقومك فأنذريهم. فعمدت إلى بعض إبل زوجها فركبته، ثم خرجت حتى أتت قومها، فلما قربت منهم تعرت من ثيابها، وصاحت وقالت: أنا النذير العريان. فأرسلتها مثلا.
فعرف القوم ما تريد، فصعدوا إلى أعالي الشأم، وأقبلت الكتيبتان فلم تصيبا منهم أحدا، فقال المنذر لأبي دواد: قد
__________
[1] كذا في أ، م. وفي بقية الأصول: أحد.
رأيت ما كان منهم، وأنا أدي كل ابن لك بمئتي بعير، فأمر له بستّ مئة بعير، فرضي بذلك، فقال فيه قيس بن زهير العبسيّ:
سأفعل ما بدا لي ثم آوي ... إلى جار كجار أبي دواد
صوت
شعر لأبي تمام فيه غناء
وركب كأطراف الأسنة عرسوا ... على مثلها والليل داج غياهبه
لأمر عليهم أن تتمّ صدوره ... وليس عليهم أن تتم عواقبه
الشعر لأبي تمام الطائي. والغناء للقاسم بن زرزور، ثاني ثقيل بالوسطى في مجرى البنصر. وفيه لجعفر بن رفعة خفيف ثقيل.
أخبرني: إبراهيم بن القاسم بن زرزور عن أبيه، وحدثني المظفر بن كيغلغ عن القاسم أيضا:
أن المكتفي باللّه أخرج إليهم هذين البيتين بالرقة في رقعة، وهو أمير، وأمر أن يصنع فيهما لحن. فصنع القاسم هذا اللحن، وصنع جعفر خفيف الثقيل.
28 - أخبار أبي تمام ونسبه
نسبه ومذهبه الشعري
/ أبو تمام حبيب بن أوس الطائيّ، من نفس طيّىء صليبة [1]. مولده ومنشؤه منبج، بقرية منها يقال لها جاسم.
شاعر مطبوع، لطيف الفطنة، دقيق المعاني، غوّاص على ما يستصعب منها، ويعسر متناوله على غيره. وله مذهب في المطابق، هو كالسابق إليه جميع الشعراء، وإن كانوا قد فتحوه قبله، وقالوا القليل منه، فإن له فضل الإكثار فيه، والسلوك في جميع طرقه. والسليم من شعره النادر شيء لا يتعلق به أحد. وله أشياء متوسطة، ورديئة رذلة جدا.
الخلاف حوله
وفي عصرنا هذا من يتعصب له فيفرط، حتى يفضله على كل سالف وخالف، وأقوام يتعمّدون الرديء من شعره فينشرونه، ويطوون محاسنه، ويستعملون القحة والمكابرة في ذلك، ليقول الجاهل بهم: إنهم لم يبلغوا علم هذا وتمييزه إلا بأدب فاضل، وعلم ثاقب. وهذا مما يتكسب به كثير من أهل هذا الدهر، ويجعلونه وما جرى مجراه من ثلب الناس، وطلب معايبهم، سببا للترفّع، وطلبا للرياسة. وليست إساءة في القليل، وأحسن في الكثير، مسقطة إحسانه؛ ولو كثرت إساءته أيضا ثم أحسن، لم يقل له عند الإحسان أسأت، ولا عند الصواب أخطأت، والتوسط في كل شيء أجمل، والحق أحق أن يتّبع.
منزلة شعره عنده
وقد روي عن بعض الشعراء أن أبا تمام أنشده قصيدة له أحسن في جميعها، إلا في بيت واحد، فقال له: يا أبا تمام، لو ألقيت هذا البيت ما كان في قصيدتك عيب. فقال له: أنا واللّه أعلم منه مثل ما تعلم، ولكن مثل شعر الرجل عنده مثل أولاده، فيهم الجميل والقبيح، والرشيد والساقط، وكلهم حلو في نفسه، فهو وإن أحب الفاضل، لم يبغض الناقص، وإن هوي بقاء المتقدم، لم يهو موت المتأخر.
/ واعتذاره بهذا ضدّ لما وصف به نفسه في مدحه الواثق، حيث يقول:
جاءتك من نظم اللسان قلادة ... سمطان فيها اللؤلؤ المكنون
أحذاكها صنع اللسان يمدّه ... جفر إذا نضب الكلام معين
ويسيء بالإحسان ظنّا لاكمن ... هو بابنه وبشعره مفتون
فلو كان يسيء بالإساءة ظنّا ولا يفتتن بشعره، كنا في غنى عن الاعتذار له.
__________
[1] أي ليس من مواليها ولا من حلفائها.
المفضلون له
وقد فضّل أبا تمام من الرؤساء والكبراء والشعراء، من لا يشقّ الطاعنون عليه غباره، ولا يدركون - وإن جدّوا - آثاره، وما رأى الناس بعده إلى حيث انتهوا له في جيّده نظيرا ولا شكلا؛ ولو لا أن الرواة قد أكثروا في الاحتجاج له وعليه، وأكثر متعصبوه الشرح لجيد شعره، وأفرط معادوه في التسطير لرديئه، والتنبيه على رذله ودنيئه، لذكرت منه طرفا، ولكن قد أتى من ذلك مالا مزيد عليه.
إعجاب ابن الزيات والصولي بشعره
أخبرني عمي قال: حدثني أبي قال: سمعت محمد بن عبد الملك الزيات يقول: أشعر الناس طرّا الذي يقول:
وما أبالي وخير القول أصدقه ... حقنت لي ماء وجهي أو حقنت دمي
فأحببت أن أستثبت إبراهيم بن العباس [1]، وكان في نفسي أعلم من محمد وآدب، فجلست إليه، وكنت أجري عنده مجرى الولد، فقلت له: من أشعر أهل زماننا هذا؟ فقال: الذي يقول:
مطر أبوك أبو أهلّة وائل ... ملأ البسيطة عدّة وعديدا
/ نسب كأنّ عليه من شمس الضّحى ... نورا ومن فلق الصباح عمودا
ورثوا الأبوّة والحظوظ فأصبحوا ... جمعوا جدودا في العلا وجدودا [2]
فاتفقا على أن أبا تمام أشعر أهل زمانه.
إعجاب عمارة بن عقيل بشعره
أخبرني محمد بن يحيى الصّوليّ، وعلي بن سليمان الأخفش قالا: حدثنا محمد بن يزيد النحويّ قال:
قدم عمارة بن عقيل بغداد، فاجتمع الناس إليه، فكتبوا شعره وشعر أبيه [3]، وعرضوا عليه الأشعار. فقال بعضهم: ها هنا شاعر يزعم [قوم] [4] أنه أشعر الناس طرّا، ويزعم غيرهم ضدّ ذلك. فقال: أنشدوني قوله.
فأنشدوه:
غدت تستجير الدمع خوف نوى غد ... وعاد قتادا عندها كلّ مرقد
وأنقذها من غمرة الموت أنّه ... صدود فراق لا صدود تعمّد
فأجرى لها الإشفاق دمعا مورّدا ... من الدم يجري فوق خد مورّد
هي البدر يغنيها تودّد وجهها ... إلى كلّ من لاقت وإن لم تودّد
ثم قطع المنشد. فقال له عمارة: زدنا من هذا. فوصل نشيده وقال:
__________
[1] هو إبراهيم بن العباس الصولي من كبار الكتاب والشعراء في صدر الدولة العباسية.
[2] جدود: جمع جد، الأولى بمعنى الآباء، والثانية بمعنى الحظوظ.
[3] هو عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير الشاعر الأموي المشهور («الخزانة» 1: 36).
[4] زيادة يقتضيها المعنى.
ولكنني لم أحو وفرا مجمّعا ... ففزت به إلا بشمل مبدّد
ولم تعطني الأيام نوما مسكّنا ... ألذّ به إلا بنوم مشرّد
فقال عمارة: للّه درّه! لقد تقدم في هذا المعنى من سبقه إليه، على كثرة القول فيه، حتى لقد حبّب إليّ الاغتراب، هيه. فأنشده:
وطول مقام المرء في الحيّ مخلق ... لديباجتيه فاغترب تتجدّد
فإني رأيت الشمس زيدت محبّة ... إلى الناس أن ليست عليهم بسرمد
فقال عمارة: كمل واللّه، لئن كان الشعر بجودة اللفظ، وحسن المعاني، واطراد المراد، واتساق [1] الكلام، فإن صاحبكم هذا أشعر الناس.
تفضيل علي بن الجهم له
أخبرني محمد بن يحيى الصّوليّ قال: حدثني محمد بن موسى بن حمّاد قال: سمعت علي بن الجهم يصف أبا تمّام ويفضله، فقال له رجل: واللّه لو كان أبو تمام أخاك مازدت على مدحك هذا. فقال: إن لم يكن أخا بالنسب، فإنه أخ بالأدب والمودة؛ أما سمعت ما خاطبني به حيث يقول:
إن يكد مطّرف الإخاء فإننا ... نغدو ونسري في إخاء تالد [2]
أو يختلف ماء الوصال فماؤنا ... عذب تحدّر من غمام واحد
أو يفترق نسب يؤلف بيننا ... أدب أقمناه مقام الوالد
زعم دعبل أنه يسرق معانيه
أخبرني محمد قال: حدثني هارون بن عبد اللّه المهلبيّ قال:
كنا في حلقة دعبل، فجرى ذكر أبي تمام، فقال دعبل: كان يتتبع معانيّ فيأخذها. فقال له رجل في مجلسه:
وأي شيء من ذلك، أعزك اللّه؟ قال: قولي:
وإن امرأ أسدى إليّ بشافع ... إليه ويرجو الشكر مني لأحمق
شفيعك فاشكر في الحوائج إنه ... يصونك عن مكروهها وهو يخلق
فقال الرجل: فكيف قال أبو تمام؟ فقال: قال:
/فلقيت بين يديك [3] حلو عطائه ... ولقيت بين يديّ مرّ سؤاله
وإذا امرؤ أسدى إليك [4] صنيعة ... من جاهه فكأنها من ماله
__________
[1] أ، م: واستواء.
[2] أكدى: خاب ولم ينفع. والمطرف، المستحدث. والتالد: القديم.
[3] كذا في أ، م و «الديوان». وفي بقية الأصول: «يديه».
[4] أ، م: إليّ.
فقال له الرجل: أحسن واللّه. فقال: كذبت قبحك اللّه. فقال: واللّه لئن كان أخذه منك، لقد أجاد، فصار أولى به منك. وإن كنت أخذته منه فما بلغت مبلغه. فغضب دعبل وانصرف.
تقديم الباهلي له
أخبرني الحسن بن عليّ قال: حدثني ابن مهرويه قال: حدثني عبد اللّه بن محمد بن جرير قال:
سمعت محمد بن حازم الباهليّ يقدم أبا تمام ويفضله، ويقول: لو لم يقل إلا مرثيته التي أولها:
أصمّ بك الناعي وإن كان أسمعا
وقوله:
لو يقدرون مشوا على وجناتهم ... وجباههم فضلا عن الأقدام
لكفتاه.
إعجاب عمارة بن عقيل بشعره
أخبرني عمي قال: حدثني عبيد اللّه بن عبد اللّه بن طاهر قال:
كان عمارة بن عقيل عندنا يوما، فسمع مؤدّبا كان لولد أخي يروّيهم قصيدة أبي تمام:
الحق أبلج والسيوف عوار
فلما بلغ إلى قوله:
سود اللباس كأنما نسجت لهم ... أيدي السّموم مدارعا من قار [1]
بكروا وأسروا في متون ضوامر ... قيدت لهم من مربط النّجار
لا يبرحون ومن رآهم خالهم ... أبدا على سفر من الأسفار
فقال عمارة: للّه دره! ما يعتمد معنى إلا أصاب أحسنه، كأنه موقوف عليه.
استحسان الصولي لشعره
أخبرني محمد بن يحيى الصّوليّ قال: حدثني أبو ذكوان قال: قال لي إبراهيم بن العباس: ما اتكلت في مكاتبتي قطّ إلا على ما جاش به صدري، وجلبه خاطري، إلا أني قد استحسنت قول أبي تمام:
/فإن باشر الإصحار فالبيض والقنا ... قراه وأحواض المنايا مناهله [2]
وإن يبن حيطانا عليه فإنما ... أولئك عقّالاته لا معاقله [3]
وإلا فأعلمه بأنك ساخط ... عليه، فإن الخوف لا شكّ قاتله
فأخذت هذا المعنى في بعض رسائلي، فقلت: «فصار ما كان يحرزهم يبرزهم، وكان كان يعقلهم يعتقلهم». قال:
__________
[1] المدارع: جمع مدرعة، وهي جبة مشقوقة المقدم.
[2] الإصحار: البروز إلى الصحراء.
[3] عقالاته: قيوده.
ثم قال لي إبراهيم: إن أبا تمام اخترم وما استمتع بخاطره، ولا نزح ركيّ [1] فكره، حتى انقطع رشاء [2] عمره.
أخبرني محمد قال: حدثني أبو الحسين بن السخيّ قال: حدثني الحسين بن عبد اللّه قال:
سمعت عمي إبراهيم بن العباس يقول لأبي تمام، وقد أنشد شعرا له في المعتصم: يا أبا تمام، أمراء الكلام رعية لإحسانك.
تعصب دعبل عليه
أخبرني محمد قال: حدثني هارون بن عبد اللّه قال: قال لي محمد بن جابر الأزديّ، وكان يتعصب لأبي تمام:
أنشدت دعبل بن عليّ [3] شعرا لأبي تمام ولم أعلمه أنه له، ثم قلت له: كيف تراه؟ قال: أحسن من عافية بعد يأس. فقلت: إنه لأبي تمام. فقال: لعله سرقه!
الشعراء لا يتكسبون إلا بعد موته
أخبرني محمد قال: حدثني أحمد بن يزيد المهلبيّ عن أبيه قال:
ما كان أحد من الشعراء يقدر على أن يأخذ درهما بالشعر في حياة أبي تمام، فلما مات اقتسم الشعراء ما كان يأخذه.
إعجاب شعراء خراسان به وأنفته
أخبرني عمي والحسن بن عليّ ومحمد بن يحيى وجماعة من أصحابنا، وأظن أيضا جحظة حدّثنا به، قالوا:
حدّثنا عبيد اللّه بن عبد اللّه بن طاهر قال:
لما/ قدم أبو تمام إلى خراسان اجتمع الشعراء إليه، وسألوه أن ينشدهم، فقال: قد وعدني الأمير أن أنشده غدا، وستسمعوني [4]. فلما دخل على عبد اللّه أنشده:
هنّ عوادي يوسف وصواحبه ... فعزما فقدما أدرك السؤل طالبه
فلما بلغ إلى قوله:
وقلقل نأي من خراسان جأشها ... فقلت اطمئني أنضر الروض عازبه
وركب كأطراف الأسنة عرّسوا ... على مثلها والليل تسطو غياهبه
لأمر عليهم أن تتم صدوره ... وليس عليهم أن تتم عواقبه
فصاح الشعراء بالأمير أبي العباس: ما يستحقّ مثل هذا الشعر غير الأمير أعزه اللّه! وقال شاعر منهم يعرف بالرياحيّ:
لي عند الأمير أعزه اللّه جائزة وعدني بها، وقد جعلتها لهذا الرجل جزاء عن قوله للأمير. فقال له: بل نضعفها لك،
__________
[1] الركى: البئر.
[2] الرشاء: الحبل يستقي عليه من البئر.
[3] أ، م: فلانا، في موضع: دعبل بن عليّ.
[4] كذا في الأصول بحذف إحدى النونين.
ونقوم له بما يجب له علينا. فلما فرغ من القصيدة نثر عليه ألف دينار، فلقطها الغلمان، ولم يمسّ منها شيئا، فوجد عليه عبد اللّه وقال: يترفع عن برّي، ويتهاون بما أكرمته به. فلم يبلغ ما أراده منه بعد ذلك.
تقدير أبي دلف لشعره
أخبرني أبو مسلم محمد بن بحر الكاتب وعمي، عن الحزنبل، عن سعيد بن جابر الكرخيّ، عن أبيه:
أنه حضر أبا دلف القاسم بن عيسى وعنده أبو تمام الطائيّ، وقد أنشده قصيدته:
/على مثلها من أربع وملاعب ... أذيلت مصونات الدموع السواكب
فلما بلغ إلى قوله:
إذا افتخرت يوما تميم بقوسها ... وزادت على ما وطّدت من مناقب
فأنتم بذي قار أمالت سيوفكم ... عروش الذين استرهنوا قوس حاجب
محاسن من مجد متى تقرنوا بها ... محاسن أقوام تكن كالمعايب
فقال أبو دلف: يا معشر ربيعة، ما مدحتم بمثل هذا الشعر قطّ، فما عندكم لقائله؟ فبادروه بمطارفهم يرمون بها إليه. فقال أبو دلف: قد قبلها وأعاركم لبسها، وسأنوب عنكم في ثوابه. تمّم القصيدة يا أبا تمام. فتممها، فأمر له بخمسين ألف درهم، وقال: واللّه ما هي بإزاء استحقاقك وقدرك. فاعذرنا، فشكره وقام ليقبّل يده، فحلف ألا يفعل، ثم قال له: أنشدني قولك في محمد بن حميد:
وما مات حتى مات مضرب سيفه ... من الضرب واعتلت عليه القنا السّمر
وقد كان فوت الموت سهلا فردّه ... إليه الحفاظ المرّ والخلق الوعر
فأثبت في مستنقع الموت رجله ... وقال لها من تحت أخمصك الحشر
غدا غدوة والحمد نسج ردائه [1] ... فلم ينصرف إلا وأكفانه الأجر
كأن بني نبهان يوم مصابه ... نجوم سماء خرّ من بينها البدر
يعزّون عن ثاو يعزّى به العلى ... ويبكى عليه البأس والجود والشعر
فأنشده إياها، فقال: واللّه لوددت أنها فيّ. فقال: بل أفدّي الأمير بنفسي وأهلي، وأكون المقدم،/ فقال: إنه لم يمت من رثي بهذا الشعر، أو مثله.
مدحه الواثق بن أبي دواد
أخبرني أبو الحسن الأسديّ قال: حدّثنا الحسن بن عليل العنزيّ قال: حدّثني إسحاق بن يحيى الكاتب قال:
/ قال الواثق لأحمد بن أبي دواد: بلغني أنك أعطيت أبا تمام الطائيّ في قصيدة مدحك بها ألف دينار. قال:
لم أفعل ذلك يا أمير المؤمنين، ولكني أعطيته خمس مئة دينار رعاية للذي قاله للمعتصم:
فاشدد بهارون الخلافة إنه ... سكن لوحشتها ودار قرار
__________
[1] أ، م: حشو ردائه.
ولقد علمت بأن ذلك معصم ... ما كنت تتركه بغير سوار
فابتسم وقال: إنه لحقيق بذلك.
مدحه خالد بن يزيد الشيباني
أخبرني علي بن سليمان قال: حدّثنا محمد بن يزيد النحويّ قال:
خرج أبو تمام إلى خالد بن يزيد بن مزيد وهو بأرمينية، فامتدحه، فأعطاه عشرة آلاف درهم ونفقة لسفره، وقال: تكون العشرة الآلاف موفورة، فإن أردت الشخوص فاعجل، وإن أردت المقام عندنا فلك الحباء والبرّ.
قال: بل أشخص. فودّعه؛ ومضت أيام، وركب خالد يتصيد، فرآه تحت شجرة، وبين يديه زكرة [1] فيها شراب، وغلام يغنيه بالطّنبور. فقال: أبو تمام؟ قال: خادمك وعبدك. قال: ما فعل المال؟ فقال:
علّمني جودك السماح فما ... أبقيت شيئا لديّ من صلتك
ما مرّ شهر حتى سمحت به ... كأنّ لي قدرة كمقدرتك
تنفق في اليوم بالهبات وفي الساعة ما تجتنيه في سنتك
فلست أدري من أين تنفق لو ... لا أن ربي يمدّ في هبتك
فأمر له بعشرة أخرى، فأخذها وخرج.
إعجاب الحسن بن رجاء بمدحه فيه
أخبرني محمد بن يحيى الصّولي قال: حدّثنا عون بن محمد الكنديّ قال: حدّثنا محمد بن سعد أبو عبد اللّه الرقّيّ، وكان يكتب للحسن بن رجاء؛ قال:
قدم أبو تمام مادحا للحسن بن رجاء، فرأيت منه رجلا عقله وعلمه فوق شعره، فاستنشده الحسن ونحن على نبيذ قصيدته اللامية التي امتدحه بها، فلما انتهى إلى قوله:
أنا من [2] عرفت فإن عرتك جهالة ... فأنا المقيم قيامة العذّال
عادت له أيامه مسودّة ... حتى توهم أنهن ليال
فقال الحسن: واللّه لا تسودّ عليك بعد اليوم. فلما قال:
لا تنكري عطل الكريم من الغنى ... فالسيل حرب للمكان العالي
وتنظّري حيث الركاب ينصّها ... محيى القريض إلى مميت المال [3]
فقام الحسن بن رجاء على رجليه، وقال: واللّه لا أتممتها إلا وأنا قائم. فقام أبو تمام لقيامه، وقال:
لما بلغنا ساحة الحسن انقضى ... عنا تملّك دولة الإمحال
__________
[1] زكرة: وعاء من جلد للخمر.
[2] أ، م و «الديوان»: أنا ذو، وهي بمعنى «من» في لغة طيى ء.
[3] «الديوان»: خبب الركاب، والخبب: ضرب من السير السريع. وينصها: يسوقها.
بسط الرجاء لنا برغم نوائب ... كثرت بهن مصارع الآمال
أغلى عذارى الشعر إنّ مهورها ... عند الكرام وإن رخصن غوال
ترد الظّنون بنا [1] على تصديقها ... ويحكّم الآمال في الأموال
أضحى سميّ أبيك فيك مصدّقا ... بأجلّ فائدة وأيمن فال
/ ورأيتني فسألت نفسك سيبها ... لي ثم جدت وما انتظرت سؤالي
كالغيث ليس له - أريد غمامه ... أولم يرد - بدّ من التّهطال
/ فتعانقا وجلسا. وقال له الحسن: ما أحسن ما جلوت هذه العروس! فقال: واللّه لو كانت من الحور العين لكان قيامك لها أوفى مهورها.
قال محمد بن سعد: وأقام شهرين، فأخذ على يدي عشرة آلاف درهم، وأخذ غير ذلك مما لم أعلم به؛ على بخل كان في الحسن بن رجاء.
دعبل يعتذر عن تعصبه عليه
أخبرني الصّولي قال: حدّثني عون بن محمد قال:
شهدت دعبلا عند الحسن بن رجاء وهو يضع من أبي تمام، فاعترضه عصابة الجرجرائيّ [2]، فقال: يا أبا علي، اسمع مني ما قاله، فإن أنت رضيته فذاك؛ وإلا وافقتك على ما تذمّه منه، وأعوذ باللّه فيك من ألّا ترضاه، ثم أنشده قوله:
أما إنه لولا الخليط المودّع ... ومغنى عفا منه مصيف ومربع
فلما بلغ إلى قوله:
هو السيل إن واجهته انقدت طوعه ... وتقتاده من جانبيه فيتبع
ولم أر نفعا عند من ليس ضائرا ... ولم أر ضرّا عند من ليس ينفع
معاد الورى بعد الممات وسيبه ... معاد لنا قبل الممات ومرجع
فقال له دعبل: لم ندفع فضل هذا الرجل، ولكنكم ترفعونه فوق قدره، وتقدمونه على من يتقدمه، وتنسبون إليه ما قد سرقه. فقال له عصابة: إحسانه صيرك له عائبا، وعليه عاتبا.
مدحه محمد بن الهيثم ومكافأته
أخبرني الصّولي قال: حدّثنا الحسن بن وداع كاتب الحسن بن رجاء قال:
حضرت أبا الحسين محمد بن الهيثم بالجبل وأبو تمام ينشده:
أسقى ديارهم أجشّ هزيم ... وغدت عليهم نضرة ونعيم
__________
[1] بنا: كذا في «الديوان». وفي الأصول: به.
[2] الجرجرائي: نسبة إلى جرجرايا، من بلاد العراق، بين واسط وبغداد، من الجانب الشرقي.
/ قال: فلما فرغ أمر له بألف دينار، وخلع عليه خلعة حسنة، وأقمنا عنده يومنا، فلما كان من غد كتب إليه أبو تمام:
قد كسانا من كسوة الصيف خرق ... مكتس من مكارم ومساع [1]
حلّة سابريّة ورداء ... كسحا القيض أو رداء الشّجاع [2]
كالسّراب الرّقراق في الحسن إلا ... أنه ليس مثله في الخداع [3]
قصبيّا تسترجف الريح متني ... ه بأمر من الهبوب مطاع [4]
رجفانا كأنه الدهر منه ... كبد الضّبّ أو حشا المرتاع
لازما ما يليه تحبسه جز ... ء آمن المتنتين والأضلاع [5]
يطرد اليوم ذا الهجير ولو شبّه في حرّه بيوم الوداع خلعة من أغرّ أروع رحب الصّدر رحب الفؤاد رحب الذراع [6]
سوف أكسوك ما يعفّي عليها ... من ثناء كالبرد برد الصّناع [7]
حسن هاتيك في العيون وهذا ... حسنه في القلوب والأسماع
فقال محمد بن الهيثم: ومن لا يعطي على هذا ملكه؟ واللّه لا بقي في داري ثوب إلا دفعته إلى/ أبي تمام، فأمر له بكل ثوب كان يملكه في ذلك الوقت.
رضا عبد اللّه بن طاهر عنه بعد عتبه
أخبرنا محمد بن العباس اليزيديّ قال: حدّثني عمي الفضل قال: لما شخص أبو تمام إلى عبد اللّه بن طاهر وهو بخراسان، أقبل الشتاء وهو هناك، فاستثقل البلد، وقد كان عبد اللّه وجد عليه، وأبطأ بجائزته، لأنه نثر عليه ألف دينار فلم يمسسها بيده، ترفعا عنها، فأغضبه وقال: يحتقر فعلي، ويترفع عليّ. فكان يبعث إليه بالشيء بعد الشيء كالقوت، فقال أبو تمام:
لم يبق للصيف لا رسم ولا طلل ... ولا قشيب فيستكسى ولا سمل [8]
عدل من الدمع أن يبكي المصيف كما ... يبكى الشباب، ويبكي اللهو والغزل
__________
[1] الخرق: السخيّ.
[2] السابرية من الثياب: الرقيقة النسج الجيدة. وسحا القيض: قشر البيض الذي تحت القشرة الصلبة. والشجاع: الحية.
[3] الرقراق: المتلألى ء.
[4] القصبي من الثياب: الرقيق الناعم من الكتان. وفي س: «و قسيا»، ولا يتفق مع وزن البيت إلا بتخفيف سينه، ولا يلائم المعنى هنا إلا «القسي» بشد السين، وهي ثياب من كتان مخلوط بحرير. وتسترجف: تحرك.
[5] المتنتان: ما يجاور العمود الفقري من يمينه وشماله.
[6] الأغر: الأبيض الوجه، يريد أنه سيد شريف كريم الفعال. والأروع: الشهم الذكي، ومن يعجبك بحسنه أو شجاعته.
[7] يعفي عليها: يفوقها في القيمة. والصناع: المرأة الحاذقة في العمل بيديها، يقال رجع صنع، وامرأة صناع.
[8] القشيب: الجديد من الثياب. والسمل: البالي.
يمنى الزمان انقضى معروفها وغدت ... يسراه وهي لنا من بعدها بدل
فبلغت الأبيات أبا العميثل شاعر آل عبد اللّه بن طاهر، فأتى أبا تمام، واعتذر إليه لعبد اللّه بن طاهر، وعاتبه على ما عتب عليه من أجله، وتضمّن له ما يحبه. ثم دخل إلى عبد اللّه، فقال: أيها الأمير، أتتهاون بمثل أبي تمّام وتجفوه؟
فو اللّه لو لم يكن له ماله من النباهة في قدره، والإحسان في شعره، والشائع من ذكره، لكان الخوف من شره، والتوقّي لذمه، يوجب على مثلك رعايته ومراقبته، فكيف وله بنزوعه إليك من الوطن، وفراقه السّكن، وقد قصدك عاقدا بك أمله، معملا إليك ركابه، متعبا فيك فكره وجسمه، وفي ذلك ما يلزمك قضاء حقه، حتى ينصرف راضيا؛ ولو لم يأت بفائدة، ولا سمع فيك منه ما سمع إلا قوله:
تقول في قومس صحبي وقد أخذت ... منا السّرى وخطا المهريّة القود [1]
أمطلع الشمس تبغي أن تؤمّ بنا ... فقلت كلّا ولكن مطلع الجود
/ فقال له عبد اللّه: لقد نبّهت فأحسنت، وشفعت فلطفت، وعاتبت فأوجعت، ولك ولأبي تمام العتبى، ادعه يا غلام. فدعاه، فنادمه يومه، وأمر له بألفي دينار، وما يحمله من الظّهر، وخلع عليه خلعة تامة من ثيابه، وأمر ببذرقته [2] إلى آخر عمله.
أبو تمام لاقط للمعاني
أخبرني جحظة قال: حدّثني ميمون بن هارون قال:
مرّ أبو تمام بمخنّث يقول الآخر: جئتك أمس فاحتجبت عني، فقال له: السماء إذا احتجبت بالغيم رجّي خيرها. فتبينت في وجه أبي تمام أنه قد أخذ المعنى، ليضمنه [3] في شعره، فما لبثنا إلا أياما حتى أنشدت قوله:
ليس الحجاب بمقص عنك لي أملا ... إنّ السماء ترجّى حين تحتجب
اتهامه بسرقة قصيدة
أخبرني أبو العباس أحمد بن وصيف، وأبو عبد اللّه أحمد بن الحسن بن محمد الأصبهاني ابن عمي، قال:
حدّثنا محمد بن موسى بن حماد قال:
كنا عند دعبل أنا والقاسم [4]، في سنة خمس وثلاثين ومئتين، بعد قدومه من الشأم، فذكرنا أبا تمام، فثلبه، وقال: هو سروق للشعر. ثم قال لغلامه: يا ثقيف، هات تلك المخلاة. فجاء بمخلاة فيها دفاتر، فجعل يمرّها على يده، حتى أخرج منها دفترا، فقال: اقرءوا هذا. فنظرنا فيه، قال مكنف أبو سلمى، من ولد زهير بن أبي سلمى، وكان هجا ذفافة العبسيّ بأبيات منها:
__________
[1] قومس: صقع كبير بين خراسان وبلاد الجبل. والمهرية: الإبل المنسوبة إلى مهرة بن حيدان من اليمن، وكانت لا يعدل بها شيء في سرعتها (عن «تاج العروس»).
[2] بذرقته: حراسته.
[3] أ، م: لينظمه.
[4] أ، م: والعمراوي.
إن الضّراط به تصاعد جدّكم ... فتعاظموا ضرطا بني القعقاع
/ قال ثم مات ذفافة بعد ذلك، فرثاه فقال:
أبعد أبي العباس يستعذب الدهر [1] ... فما بعده للدهر حسن ولا عذر
ألا أيّها الناعي ذفافة والندى ... تعست وشلّت من أنا ملك العشر
/ أتنعى لنا من قيس عيلان صخرة ... تفلّق عنها من جبال العدا الصخر
إذا ما أبو العباس خلّى مكانه ... فلا حملت أنثى ولا نالها طهر
ولا أمطرت أرضا سماء ولا جرت ... نجوم ولا لذّت لشاربها الخمر
كأنّ بني القعقاع يوم مصابه ... نجوم سماء خرّ من بينها البدر
توفّيت الآمال يوم وفاته ... وأصبح في شغل عن السّفر السفر
ثم قال: سرق أبو تمام أكثر هذه القصيدة، فأدخلها في قصيدته:
كذا فليجلّ الخطب وليفدح الأمر ... وليس لعين لم يفض ماؤها عدر
مداعبة بينه وبين الحسن بن وهب
أخبرني الصّوليّ قال: حدّثني محمد بن موسى قال:
كان أبو تمام يعشق غلاما خزريا للحسن بن وهب، وكان الحسن يتعشق غلاما روميا لأبي تمام، فرآه أبو تمام يوما يعبث بغلامه، فقال له: واللّه لئن أعنقت [2] إلى الروم، لنركضنّ إلى الخزر. فقال له الحسن: لو شئت حكّمتنا واحتكمت. فقال أبو تمام: أنا أشبهك بداود عليه السّلام، وأشبه نفسي بخصمه، فقال الحسن: لو كان هذا منظوما خفناه، فأما وهو منثور فلا، لأنه عارض لا حقيقة له، فقال أبو تمام:
أبا عليّ لصرف الدهر والغير ... وللحوادث والأيام والعبر [3]
أذكرتني أمر داود وكنت فتى ... مصرّف القلب في الأهواء والفكر
أعندك الشمس لم يحظ المغيب بها ... وأنت مضطرب الأحشاء للقمر
إن أنت لم تترك السير الحثيث إلى ... جآذر الروم أعنقنا إلى الخزر
إن القطوب [4] له مني محلّ هوى ... يحل مني محلّ السمع والبصر
/ وربّ أمنع منه جانبا وحمى ... أمسى وتكّته [5] منّي على خطر
جرّدت فيه جنود العزم فانكشفت ... منه غيابتها عن نيكة هدر [6]
__________
[1] الدهر: كذا في أ، م. وفي بقية الأصول: الشعر.
[2] الإعناق: السير الواسع الفسيح الممتد.
[3] «الديوان» (طبعة بيروت 1889).
[4] «الديوان»: النفور.
[5] في الأصول: ولكنه.
[6] «الديوان»
عنه غيابته عن فجرة هدر
والهدر: الباطل.
سبحان من سبّحته كلّ جارحة ... ما فيك من طمحان الأير والنظر [1]
أنت المقيم فما تغدو رواحله ... وأيره [2] أبدا منه على سفر
سبب غضب دعبل منه
أخبرني الصوليّ قال: حدّثني عبد اللّه بن الحسين قال: حدّثني وهب بن سعيد قال:
جاء دعبل إلى الحسن بن وهب في حاجة بعد موت أبي تمام، فقال له رجل في المجلس: يا أبا عليّ، أنت الذي تطعن على من يقول:
شهدت لقد أقوت مغانيكم بعدي ... ومحّت كما محت وشائع من برد [3]
وأنجدتم من بعد إتهام داركم ... فيا دمع أنجدني على ساكني نجد
فصاح دعبل: أحسن واللّه! وجعل يردد «فيا دمع أنجدني على ساكني نجد» ثم قال: رحمه اللّه! / لو كان ترك لي شيئا من شعره لقلت إنه أشعر الناس.
رثاؤه ابني عبد اللّه بن طاهر
أخبرني عليّ بن سليمان ومحمد بن يحيى قالا: حدّثنا محمد بن يزيد قال:
مات لعبد اللّه بن طاهر ابنان صغيران في يوم واحد، فدخل عليه أبو تمام فأنشده:
ما زالت الأيام تخبر سائلا ... أن سوف تفجع مسهلا أو عاقلا [4]
مجد تأوّب طارقا حتى إذا ... قلنا أقام الدهر أصبح راحلا [5]
/نجمان شاء اللّه ألا يطلعا ... إلا ارتداد الطرف حتى يأفلا
إن الفجيعة بالرياض نواضرا ... لأجل منها بالرياض ذوابلا
لو ينسبان لكان هذا غاربا ... للمكرمات وكان هذا كاهلا [6]
لهفي على تلك المخايل منهما ... لو أمهلت حتى تكون شمائلا
لغدا سكونهما حجى وصباهما ... حلما وتلك الأريحية نائلا
إن الهلال إذا رأيت نموّه ... أيقنت أن [7] سيكون بدرا كاملا
__________
[1] «الديوان»
ما فيك من طمحان العين بالنظر
[2] «الديوان»
وفعله أبدا منه على سفر
[3] محت: درست وانمحت. والوشائع: جمع وشيعة، وهي الطريقة في البرد، وهي تخطيط يخالف لونه سائر لون البرد.
[4] مسهلا: نازلا في السهل. وعاقلا: ممتنعا في الجبل العالي.
[5] تاوب: ورد ليلا، وهو بمعنى طرق.
[6] ينسبان: كذا في جميع الأصول. يريد أنهما لو نسبا أي أضيفا إلى شيء لأضيفا إلى المكرمات، فكانا بمنزلة السنام والكتف من البعير. وفي «الديوان»: لو ينسآن، أي يؤخر أجلهما.
[7] «الديوان»: «أيقنت أن سيعود».
صوت
شعر لأبي الشيص فيه غناه
باللّه قل يا طلل ... أهلك ماذا فعلوا
فإن قلبي حذر ... من أن يبينوا وجل
عروضه من الرجز. الشعر لأبي الشيص. والغناء لأحمد بن يحيى المكيّ. خفيف ثقيل بالوسطى من نسخة عمرو بن بانة الثانية. ومن رواية الهشاميّ.
29 - أخبار أبي الشّيص ونسبه
نسبه
اسمه محمد بن رزين بن سليمان بن تميم بن نهشل - وقيل: ابن بهيش - ابن خراش بن خالد بن عبد بن دعبل بن أنس بن خزيمة بن سلامان بن أسلم بن أفضى بن حارثة بن عمرو مزيقيا ابن عامر بن ثعلبة.
منزلته الشعرية
وكان أبو الشيص لقبا غلب عليه. وكنيته أبو جعفر، وهو ابن [1] عم دعبل بن عليّ بن رزين لحّا [2]. وكان أبو الشيص من شعراء عصره، متوسّط المحلّ فيهم، غير نبيه الذكر، لوقوعه بين مسلم بن الوليد وأشجع وأبي نواس، فخمل وانقطع إلى عقبة بن جعفر بن الأشعث الخزاعيّ، وكان أميرا على الرّقّة، فمدحه بأكثر شعره، فقلما يروى له في غيره. وكان عقبة جوادا فأغناه عن غيره.
ابنه عبد اللّه
ولأبي الشيص ابن يقال له عبد اللّه شاعر أيضا، صالح الشعر، وكان منقطعا إلى محمد بن طالب، فأخذ منه جامع شعر أبيه، ومن جهته خرج إلى الناس.
مراثيه في عينيه
وعمي أبو الشّيص في آخر عمره، وله مراث في عينيه قبل ذهابهما وبعده، نذكر منها مختارها مع أخباره.
تفضيل ابن المعتزله
وكان سريع الهاجس جدا، فيما ذكر عنه. فحكى عبد اللّه بن المعتز أن أبا خالد العامريّ قال له: من أخبرك أنه كان في الدنيا أشعر من أبي الشيص فكذّبه. واللّه لكان الشعر عليه أهون من شرب الماء على العطشان. وكان من أوصف الناس للشراب، وأمدحهم للملوك.
وهكذا ذكر ابن المعتز، وليس توجد هذه الصفات كما ذكر في ديوان شعره، ولا هو بساقط، ولكن هذا سرف شديد.
مدحه لعقبة بن جعفر ومكافأته
أخبرني عمي قال: حدّثنا الكرانيّ عن النضر بن عمر قال:
قال لي أبو الشيص: لما مدحت عقبة بن جعفر بقصيدتي التي أوّلها:
__________
[1] في الأصول: وهو عم دعبل. ولكن المترجمين لأبي الشيص أجمعوا على أنه ابن عمه.
[2] يقال: هو ابن عمي لحا: أي لاصق النسب.
/
تنكري صدي ولا إعراضي ... ليس المقلّ عن الزمان براض
أمر بأن تعدّ، وأعطاني لكل بيت ألف درهم.
هو والخريمي يرثيان بصريهما
أخبرني الحسن بن عليّ قال: حدّثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال: أنشدت إبراهيم بن المهديّ [1] أبيات أبي يعقوب الخريميّ التي يرثي بها عينه، يقول فيها:
إذا ما مات بعضك فابك بعضا ... فإن البعض من بعض قريب
فأنشدني لأبي الشيص يبكي عينيه:
يا نفس بكّي بأدمع هتن ... وواكف كالجمان في سنن
على دليلي وقائدي ويدي ... ونور وجهي وسائس البدن
أبكي عليها بها مخافة أن ... تقرنني والظلام في قرن
يدعو على امرأة عيرته بالعمى
وقال أبو هفّان: حدّثني دعبل أن امرأة لقيت أبا الشّيص، فقالت: يا أبا الشيص: عميت بعدي. فقال: قبحك اللّه، دعوتني باللقب، وعيّرتني بالضّرر!
مجلس شعره
أخبرني محمد بن القاسم الأنباريّ قال: حدّثني أبي، عن أحمد بن عبيد قال:
اجتمع مسلم بن الوليد وأبو نواس وأبو الشيص ودعبل في مجلس، فقالوا: لينشد كل واحد منكم أجود ما قاله من الشعر. فاندفع رجل كان معهم فقال: اسمعوا مني أخبركم بما ينشد كلّ واحد منكم قبل أن ينشد. قالوا:
هات فقال لمسلم: أما أنت يا أبا الوليد فكأني بك قد أنشدت:
/إذا ما علت منا ذؤابة واحد ... وإن كان ذا حلم دعته إلى الجهل
هل العيش إلا أن تروح مع الصّبا ... وتغدو صريع الكأس والأعين النّجل
قال: وبهذا البيت لقّب «صريع الغواني»، لقبه به الرشيد، فقال له مسلم: صدقت.
ثم أقبل على أبي نواس فقال له: كأني بك يا أبا عليّ قد أنشدت:
لا تبك ليلى ولا تطرب إلى هند ... واشرب على الورد من حمراء كالورد
تسقيك من عينها خمرا ومن يدها ... خمرا فما لك من سكرين من بدّ
فقال له: صدقت.
ثم أقبل على دعبل فقال له: وأنت يا أبا عليّ، فكأني بك تنشد قولك:
__________
[1] أ، م: إبراهيم بن المدبر.
أين الشباب وأيّة سلكا ... لا أين يطلب ضلّ بل هلكا
لا تعجبي يا سلم من رجل ... ضحك المشيب برأسه فبكى
فقال: صدقت. ثم أقبل على أبي الشيص، فقال له: وأنت يا أبا جعفر، فكأني بك وقد أنشدت قولك:
لا تنكري صدّي ولا إعراضي ... ليس المقلّ عن الزمان براض
فقال له: لا. ما هذا أردت أن أنشد، ولا هذا بأجود شيء قلته. قالوا: فأنشدنا ما بدا لك. فأنشدهم قوله:
صوت
وقف الهوى بي حيث أنت فليس لي ... متأخّر عنه ولا متقدّم
أجد الملامة في هواك لذيذة ... حبا لذكرك فليلمني اللّوّم
أشبهت أعدائي فصرت أحبّهم ... إذ كان حظي منك حظّي منهم
/ وأهنتني فأهنت نفسي صاغرا [1] ... ما من يهون عليك ممن يكرم [2]
لعريب في هذا الشعر لحنان: ثقيل أوّل، ورمل.
/ قال: فقال أبو نواس، أحسنت واللّه وجودت! وحياتك لأسرقنّ هذا المعنى منك، ثم لأغلبنك عليه، فيشتهر ما أقول، ويموت ما قلت. قال: فسرق قوله:
وقف الهوى بي حيث أنت فليس لي ... متأخّر عنه ولا متقدّم
سرقا خفيا [3]، فقال في الخصيب:
فما جازه جود ولا حل دونه ... ولكن يسير الجود حيث يسير
فسار بيت أبي نواس، وسقط بيت أبي الشيص.
مجلس شعري آخر
نسخت من كتاب جدّي لأمي يحيى بن محمد بن ثوابة بخطه:
حدّثني الحسن بن سعد قال: حدّثني رزين بن عليّ الخزاعيّ أخو دعبل قال:
كنا عند أبي نواس أنا ودعبل وأبو الشيص ومسلم بن الوليد الأنصاريّ، فقال أبو نواس لأبي الشيص: أنشدني قصيدتك المخزية. قال: وما هي؟ قال: الضادية. فما خطر بخلدي قولك:
ليس المقلّ عن الزمان براض
إلا أخزيتك [4] استحسانا لها، فإنّ الأعشى كان إذا قال القصيدة عرضها على ابنته، وقد كان ثقّفها وعلمها ما بلغت به
__________
[1] أ، م: عامدا.
[2] أ، م: أكرم.
[3] كذا في أ، م. وفي بقية الأصول: خفيفا.
[4] أخزيتك: قلت: أخزاه اللّه!.
استحقاق التحكيم والاختيار لجيد الكلام، ثم يقول لها: عدّي لي المخزيات، فتعدّ قوله:
أغرّ أروع يستسقى الغمام به ... لو قارع الناس عن أحسابهم قرعا
وما أشبهها من شعره. قال أبو الشيص: لا أفعل. إنها ليست عندي عقد درّ مفصّل، ولكني أكاثر بغيرها، ثم أنشده قوله:
وقف الهوى بي حيث أنت فليس لي ... متأخّر عنه ولا متقدّم
/ الأبيات المذكورة، فقال له أبو نواس: قد أردت صرفك عنها، فأبيت أن تخلّى عن سلبك، أو تدرك في هربك.
قال: بل أقول في طلبي [1]، فكيف رأيت هذا الطراز؟ قال: أرى نمطا خسروانيا مذهبا حسنا، فكيف تركت:
في رداء من الصّفيح صقيل ... وقميص من الحديد مذال [2]
قال: تركته كما ترك مختار الدّرتين إحداهما، بما سبق في ألحاظه، وزيّن في ناظره.
تفضيل أبي نواس له
أخبرني الحسن بن عليّ قال: حدّثني ابن مهرويه قال: حدّثني أبي قال:
حدّثني من قال لأبي نواس: من أشعر طبقات المحدثين؟ قال: الذي يقول:
يطوف علينا بها أحور ... يداه من الكأس مخضوبتان
والشعر لأبي الشّيص.
شعره في خادم أبي دلف العجلي
أخبرني الحسين بن القاسم الكوكبيّ قال: حدّثني الفضل بن موسى بن معروف الأصبهانيّ قال: حدّثني أبي قال:
دخل أبو الشيص على أبي دلف وهو يلاعب خادما له بالشّطرنج، فقيل له: يا أبا الشيص، سل هذا الخادم أن يحلّ أزرار قميصه. فقال أبو الشيص: الأمير أعزه اللّه أحق بمسألته. قال: قد سألنه، فزعم أنه يخاف العين على صدره، فقل فيه شيئا. فقال:
وشادن كالبدر يجلو الدّجى ... في الفرق منه المسك مذرور
/ يحاذر العين على صدره ... فالجيب منه الدهر مزرور
/ فقال أبو دلف: وحياتي لقد أحسنت! وأمر له بخمسة آلاف درهم. فقال الخادم: قد واللّه أحسن كما قلت، ولكنك أنت ما أحسنت! فضحك، وأمر له بخمسة آلاف أخرى.
عشقه لقينة بغدادي
أخبرني محمد بن عمران الصّيرفيّ قال: حدّثنا الحسن بن عليل العنزيّ قال: حدّثني علي بن سعد بن إياس الشيبانيّ قال:
__________
[1] يريد: أبيت أن يدركني أحد في طلبي لمعاني الشعر المبتكرات.
[2] يظهر من السياق أن هذا البيت من قصيدة لأبي الشيص أعجب بها أبو نواس، ولكن أبا الشيص لم يذكرها في هذا المجلس.
تعشق أبو الشيص محمد بن رزين قينة لرجل من أهل بغداد، فكان يختلف إليها، وينفق عليها في منزل الرجل، حتى أتلف مالا كثيرا. فلما كفّ بصره، وأخفق، جعل إذا جاء إلى مولى الجارية حجبه، ومنعه من الدخول، فجاءني أبو الشيص، فشكا إليّ وجده بالجارية، واستخفاف مولاها به، وسألني المضيّ معه إليه، فمضيت معه، فاستؤذن لنا عليه، فأذن، فدخلت أنا وأبو الشيص، فعاتبته في أمره، وعظّمت عليه حقه، وخوفته من لسانه ومن إخوانه، فجعل له يوما في الجمعة يزورها فيه، فكان يأكل في بيته، ويحمل معه نبيذه ونقله، فمضيت معه ذات يوم إليها، فلما وقفنا على بابهم، سمعنا صراخا شديدا من الدار، فقال لي: ما لها تصرخ؟ أتراه قد مات لعنه اللّه! فما زلنا ندق الباب حتى فتح لنا، فإذا هو قد حسر كميه وبيده سوط، وقال لنا: ادخلا، فدخلنا، وإنما حمله على الإذن لنا الفرق مني، فدخلنا وعاد الرجل إلى داخل يضربها، فاستمعنا عليه واطلعنا، فإذا هي مشدودة على سلّم وهو يضربها أشد ضرب، وهي تصرخ، وهو يقول: وأنت أيضا فاسرقي الخبز. فاندفع أبو الشيص على المكان يقول في ذلك:
يقول والسوط على كفّه ... قد حزّ في جلدتها حزّا
وهي على السّلّم مشدودة ... «و أنت أيضا فاسرقي الخبزا»
/ قال: وجعل أبو الشيص يردّدهما، فسمعهما الرجل، فخرج إلينا مبادرا، وقال له: أنشدني البيتين اللذين قلتهما، فدافعه، فحلف أنه لا بد من إنشادهما، فأنشده إياهما، فقال لي: يا أبا الحسن، أنت كنت شفيع هذا، وقد أسعفتك بما تحب، فإن شاع هذان البيتان فضحتني، فقل له يقطع هذا، ولا يسمعهما، وله علي يومان في الجمعة. ففعلت ذلك، ووافقته عليه، فلم يزل يتردد إليه يومين في الجمعة حتى مات.
شعره في جارية سوداء عشقها
أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال: حدثني أحمد بن عبد الرّحمن الكاتب، عن أبيه قال:
كانت لأبي الشّيص جارية سوداء اسمها تبر، وكان يتعشقها، وفيها يقول:
لم تنصفي يا سمية الذّهب ... تتلف نفسي وأنت في لعب
يابنة عم المسك الذكي ومن ... لو لاك لم يتخذ ولم يطب
ناسبك المسك في السواد وفي الرّيح فأكرم بذاك من نسب
شعره في محمد بن إسحاق لما تغير له
أخبرني الحسن بن عليّ قال: حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال: حدثنا عليّ بن محمد النّوفليّ، عن عمه قال:
كان أبو الشّيص صديقا لمحمد بن إسحاق بن سليمان الهاشميّ، وهما حينئذ مملقان، فنال محمد بن إسحاق مرتبة عند سلطانه، واستغنى، فجفا أبا الشيص، وتغير له،/ فكتب إليه:
الحمد للّه رب العالمين على ... قربي وبعدك مني يابن إسحاق
يا ليت شعري متى تجدي عليّ وقد ... أصبحت رب دنانير وأوراق
تجدي عليّ إذا ما قيل من راق ... والتفت الساق عند الموت بالساق
يوم لعمري تهمّ الناس أنفسهم ... وليس ينفع فيه رقية الراقي
وصفه
حدثني محمد [1] بن العباس اليزيديّ قال: حدثنا أبو العباس بن الفرات قال:
كنت أسير مع عبيد اللّه بن سليمان، فاستقبله جعفر بن حفص على دابّة هزيل، وخلفه غلام له، وشيخ على بغل له هرم، وما فيهم إلا نضو، فأقبل عليّ عبيد اللّه بن سليمان فقال: كأنهم واللّه صفة أبي الشيص حيث يقول:
أكل الوجيف [2] لحومها ولحومهم ... فأتوك أنقاضا على أنقاض
مقتله
وقال عبد اللّه بن المعتز: حدثني أبو مالك عبد اللّه قال: قال لي عبد اللّه بن الأعمش:
كان أبو الشّيص عند عقبة بن جعفر بن الأشعث الخزاعيّ يشرب، فلما ثمل نام عنده، ثم انتبه في بعض الليل، فذهب يدبّ إلى خادم له، فوجأه بسكين، فقال له: ويحك! قتلتني واللّه! وما أحب واللّه أن أفتضح أني قتلت في مثل هذا، ولا تفضح أنت بي، ولكن خذ دستيجة [3] فاكسرها ولوثها بدمي، واجعل زجاجها في الجرح، فإذا سئلت عن خبري، فقل: إني سقطت في سكري على الدستيجة فانكسرت، فقتلتني، ومات من ساعته. ففعل الخادم ما أمره به، ودفن أبو الشيص، وجزع عقبة عليه جزعا شديدا. فلما كان بعد أيام سكر الخادم، فصدق عقبة عن خبره، وأنه هو قتله، فلم يلبثه أن قام إليه بسيفه، فلم يزل يضربه حتى قتله.
صوت
مدح الكميت مخلد بن يزيد بن المهلب وفيه غناء
هلّا سألت معالم الأطلال ... والرسم بعد تقادم الأحوال
دمنا تهيج رسومها بعد البلى ... طربا وكيف سؤال أعجم بال
/ يمشين مشي قطا البطاح تأوّدا ... قبّ البطون رواجح الأكفال
من كل آنسة الحديث حيية ... ليست بفاحشة ولا متفال
أقصى مذاهبها إذا لاقيتها ... في الشهر بين أسرّة وحجال
وتكون ريقتها إذا نبهتها ... كالشهد أو كسلافة الجريال
المتفال: المنتنة الريح. والجريال فيما قيل: اسم للون الخمر. وقيل: بل هو من أسمائها. والدليل على أنه لونها قول الأعشى:
وسلافة مما تعتق بابل ... كدم الذبيح سلبتها جريالها
__________
[1] أ: علي بن العباس.
[2] الوجيف: السير السريع.
[3] الدستيجة: الإناء الكبير من الزجاج.
قال سماك بن حرب: حدثني يحنّس بن متّى الحيريّ راوية الأعشى: أنه سأله عن هذا البيت فقال: سلبتها لونها:
شربتها حمراء، وبلتها بيضاء.
الشعر في هذا الغناء المذكور للكميت بن زيد، والغناء لابن سريج، ثقيل أول بالبنصر، عن عمرو بن بانة.
وذكر المكيّ أنه لابن/ محرز. وفيه لعطرّد خفيف ثقيل. وهذا الشعر من قصيدة للكميت، يمدح بها مخلد بن يزيد بن المهلّب، يقول فيها:
قاد الجيوش لخمس عشرة حجّة ... ولداته عن ذاك في أشغال
قعدت بهم هماتهم وسمت به ... همم الملوك وسورة الأبطال
فكأنما عاش المهلّب بينهم ... بأغرّ قاس مثاله بمثال
في كفّه قصبات كلّ مقلّد ... يوم الرّهان وفوز كلّ نصال
ومتى أزنك بمعشر وأزنهم ... بك ألف وزنك أرجح الأثقال
تمّ الجزء السادس عشر من كتاب الأغاني
فهرس موضوعات الجزء السادس عشر
الموضوع الصفحة
أخبار شارية 271
أخبار الحسين بن مطير ونسبه 280
أخبار النعمان بن بشير ونسبه 288
أخبار مقتل ربيعة ونسبه 307
أخبار المغيرة بن شعبة ونسبه 321
أخبار محمد بن بشير الخارجيّ ونسبه 335
ذكر سديف وأخباره 357
أخبار الحسين بن علي ونسبه 359
أخبار الفضل بن العباس اللهبي ونسبه 382
أخبار المهاجر بن خالد ونسبه، وأخبار ابنه خالد 395
أخبار حمزة بن بيض ونسبه 400
أخبار كعب بن مالك الأنصاري ونسبه 416
أخبار عيسى بن موسى ونسبه 426
أخبار الرقاشي ونسبه 429
أخبار ابن درّاج الطفيلي 434
أخبار ربيعة الرّقّي ونسبه 436
ذكر الخبر في مقتل ابني عبيد اللّه بن العباس بن عبد المطلب 444
ذكر أم حكيم وأخبارها 450
الخبر في هذه القصة، وسبب منافرة عامر وعلقمة وخبر الأعشى وغيره معهما فيها 456
أخبار أبي العباس الأعمى 466
أخبار أبي حيّة النّميريّ ونسبه 473
أخبار أحمد بن يحيى المكّي 476
[من غزل جرير] 480
أخبار نائلة بنت الفرافصة ونسبها 483
أخبار عبد يغوث ونسبه 487
الموضوع الصفحة
أخبار ذات الخال 497
نسب حجر بن عمرو والسبب الذي من أجله قال هذا الشعر 506
أخبار محمد بن صالح العلويّ ونسبه 509
ذكر أخبار أبي دواد الإياديّ ونسبه 518
أخبار أبي تمام ونسبه 525
أخبار أبي الشّيص ونسبه 538
فهرس الموضوعات 545
الجزء السابع عشر
[تتمة التراجم]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ*
1 - ذكر الكميت ونسبه وخبره
نسبه
هو الكميت [1] بن زيد بن خنيس [2] بن مجالد بن وهيب بن عمرو بن سبيع. وقيل: الكميت بن زيد بن خنيس بن مجالد بن ذؤيبة بن قيس بن عمرو بن سبيع بن مالك بن سعد بن ثعلبة بن دودان بن أسد بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار. شاعر مقدّم، عالم بلغات العرب، خبير بأيامها، من شعراء مضر وألسنتها، والمتعصّبين على القحطانية، المقارنين المقارعين لشعرائهم، العلماء بالمثالب والأيام، المفاخرين بها. وكان في أيام بني أميّة، ولم يدرك الدولة العبّاسيّة، ومات قبلها.
تشيعه لبني هاشم
وكان معروفا بالتشيّع لبني هاشم، مشهورا بذلك، وقصائده الهاشميّات من جيّد شعره ومختاره.
مناقضة دعبل وابن أبي عيينة لقصيدته المذهبة
ولم تزل عصبيّته للعدنانية ومهاجاته شعراء اليمن متّصلة، والمناقضة بينه وبينهم شائعة في حياته وبعد وفاته، حتى ناقض دعبل وابن أبي عيينة قصيدته المذهبة [3] بعد وفاته، وأجابهما أبو البلقاء [4] البصريّ مولى بني هاشم عنها، وذلك يذكر في موضع آخر يصلح له من هذا الكتاب إن شاء اللّه [5].
كان معلم صبيان
أخبرني محمد بن الحسن بن دريد عن أبي حاتم، عن الأصمعيّ، عن خلف الأحمر: أنه رأى الكميت يعلّم الصبيان في مسجد بالكوفة.
__________
[1] من يقال له الكميت ثلاثة من بني أسد بن خزيمة؛ هم: الكميت الأكبر بن ثعلبة بن نوفل بن نضلة بن الأشتر بن جحوان بن فقعس.
والكميت بن معورف بن الكميت الأكبر. والكميت بن زيد هذا. (المؤتلف والمختلف للآمدي 257).
[2] وكذا في تاريخ الإسلام للذهبي 5: 127، وفي المؤتلف والمختلف، واللآلى ء، والخزانة: الأخنس، وفي تجريد الأغاني: حبيش، بالحاء المهملة، تصحيف.
[3] المذهبات التي في جمهرة أشعار العرب ليس من بينها قصيدة الكميت.
[4] في هب: «أبو الذلفاء»، وفي ب، س، و «المختار»: «أبو الزلفاء».
[5] هذا الموضع هو ترجمة دعبل في الجزء الثامن عشر ص 29 (بولاق).
مودته للطرماح مع اختلاف المذهب والعصبية
قال ابن قتيبة في خبره خاصة: وكانت بينه وبين الطّرمّاح خلطة ومودّة وصفاء لم يكن بين اثنين [1]، قال [2]:
فحدّثني بعض أصحابه عن محمد بن سهل راوية الكميت، قال: أنشدت الكميت قول الطّرمّاح:
إذا قبضت نفس الطّرمّاح أخلقت ... عرا المجد واسترخى عنان القصائد
قال: إي واللّه وعنان الخطابة والرواية. قال: وهذه الأحوال بينهما على تفاوت المذاهب والعصبيّة والدّيانة؛ كان الكميت شيعيّا عصبيّا عدنانيا من شعراء مضر، متعصّبا لأهل الكوفة، والطرمّاح خارجيّ صفريّ قحطانيّ عصبيّ لقحطان، من شعراء اليمن، متعصب لأهل الشام، فقيل لهما: ففيم اتفقتما هذا الاتفاق مع اختلاف سائر الأهواء [3]؟ قال: اتفقنا على بغض العامة.
علمه بأيام العرب وأشعارها
أخبرني عمي قال: حدثني محمد بن سعد الكرانيّ، قال: حدّثنا أبو عمر العمريّ، عن لقيط، قال:
اجتمع الكميت بن زيد وحمّاد الراوية في مسجد الكوفة، فتذاكرا أشعار العرب وأيّامها، فخالفه حماد في شيء ونازعه، فقال له الكميت: أتظنّ أنّك أعلم منّي بأيام العرب وأشعارها؟ قال: وما هو إلا الظنّ! هذا واللّه هو اليقين. فغضب الكميت ثم قال له: لكم شاعر بصير، يقال له عمرو ابن فلان، تروي؟ ولكم شاعر أعور أو أعمى [4] اسمه فلان ابن عمرو، تروي؟ فقال حماد قولا لما يحفظه: فجعل الكميت يذكر رجلا رجلا من صنف صنف،/ ويسأل حمّادا: هل يعرفه؟ فإذا قال: لا، أنشده من شعره جزءا منه حتى ضجرنا.
مساءلته حمادا عن شيء من الشعر وتفسيره
ثم قال له الكميت: فإني سائلك عن شيء من الشّعر، فسأله عن قول الشاعر [5]:
طرحوا أصحابهم في ورطة ... فذفك المقلة شطر المعترك [6]
فلم يعلم حمّاد تفسيره، فسأله عن قول الآخر:
تدرّيننا بالقول حتى كأنما ... تدرّين ولدانا تصيد الرّهادنا
فأفحم حمّاد، فقال له: قد أجّلتك إلى الجمعة الأخرى، فجاء حماد ولم يأت بتفسيرهما، وسأل الكميت أن يفسّرهما له، فقال: المقلة: حصاة أو نواة من نوى المقل يحملها القوم معهم إذا سافروا، وتوضع في الإناء ويصبّ عليها الماء حتى يغمرها، فيكون ذلك علامة يقتسمون بها الماء. والشّطر: النّصيب. والمعترك: الموضع الذي يختصمون فيه في الماء، فيلقونها هناك عند الشّرّ. وقوله: «تدرّيننا»، يعني النساء، أي ختلننا فرميننا. والرهادن:
طير بمكة كالعصافير.
__________
[1] الخبر في الشعر والشعراء 562.
[2] الخبر في الشعر والشعراء 567.
[3] في أ: «مع سائر اختلاف».
[4] في المختار: «لكم شاعر أعمى يقال له فلان ابن عمر».
[5] هو يزيد بن طعمة الخطمي. اللسان «مقل»، مجالس العلماء 216.
[6] في أ: «وسط المعترك».
سبب حفيظة خالد القسري عليه
وكان خالد بن عبد اللّه القسريّ - فيما حدّثني به عيسى بن الحسين الورّاق، قال: أخبرنا أحمد بن الحارث الفزاريّ عن ابن الأعرابيّ، وذكره محمد بن أنس السّلاميّ عن المستهلّ بن الكميت، وذكره ابن كناسة عن جماعة من بني أسد - [قد بلغه] أنّ الكميت أنشد قصيدته التي يهجو فيها اليمن، وهي:
ألا حيّيت عنّا يا مدينا [1]
احتيال خالد لإثارة هشام عليه
فأحفظته عليه، فروّى جارية حسناء قصائده الهاشميات، وأعدّها ليهديها إلى هشام، وكتب إليه بأخبار الكميت وهجائه بني أميّة، وأنفذ إليه قصيدته التي يقول فيها:
فيا ربّ هل إلّا بك النّصر يبتغى ... ويا ربّ هل إلّا عليك المعوّل! [2]
حبسه وكتاب أبان بن الوليد إليه بطريقة هروبه
وهي طويلة يرثي فيها [3] زيد بن عليّ، وابنه الحسين بن زيد، ويمدح بني هاشم. فلما قرأها أكبرها وعظمت عليه، واستنكرها، وكتب إلى خالد يقسم عليه أن يقطع الكميت ويده. فلم يشعر الكميت إلّا والخيل محدقة بداره، فأخذ وحبس في المخيّس [4]، وكان أبان بن الوليد عاملا على واسط، وكان الكميت صديقه، فبعث إليه بغلام على بغل، وقال له: أنت حرّ إن لحقته، والبغل لك. وكتب إليه: قد بلغني ما صرت إليه، وهو القتل، إلا أن يدفع اللّه عزّ وجلّ، وأرى لك أن تبعث إلى حبّي - يعني زوجة الكميت وهي بنت نكيف بن عبد الواحد، وهي ممّن يتشيّع أيضا - فإذا دخلت إليك تنقّبت نقابها، ولبست ثيابها وخرجت، فإني أرجو إلّا يؤبه لك.
فأرسل الكميت إلى أبي وضّاح حبيب بن بديل، وإلى فتيان من بني عمّه من مالك بن سعيد، فدخل عليه حبيب فأخبره الخبر، وشاوره فيه، فسدّد رأيه، ثم بعث إلى حبّي امرأته، فقصّ عليها القصة، وقال لها: أي ابنة عمّ، إن الوالي لا يقدم عليك، ولا يسلمك قومك، ولو خفته عليك لما عرّضتك له./ فألبسته ثيابها وإزارها وخمّرته [5]، وقالت له: أقبل وأدبر؛ ففعل، فقالت: ما أنكر منك شيئا إلّا يبسا في كتفك، فاخرج على اسم اللّه.
امرأته حبّى مكانه في السجن
/ وأخرجت معه جارية لها، فخرج وعلى باب السجن أبو وضّاح، ومعه فتيان من أسد، فلم يؤبه له، ومشى
__________
[1] عجزة:
وهل بأس بقول مسلّمينا
الخزانة 1: 86، وقوله: «يا مدينا» أراد: «يا مدينة» فرخم.
[2] الهاشميات 70.
[3] في هامش أ: «هذا غلط من وجهين: أحدهما إيفاد خالد إلى بمرثية زيد، وزيد إنما قتل في إمارة يوسف بن عمر بعد خالد.
والثاني في جعله الحسين بن زيد مرثيا أيضا والحسين لم يقتل، وكان ممن يرى الخروج».
[4] المخيس، كمعظم ومحدّث: السجن.
[5] خمرته: ألبسته خمارها.
والفتيان بين يديه إلى سكّة شبيب بناحية الكناسة [1]، فمرّ بمجلس من مجالس بني تميم، فقال بعضهم: رجل وربّ الكعبة. وأمر غلامه فاتّبعه، فصاح به أبو الوضّاح: يا كذا وكذا، لا أراك تتبع هذه المرأة منذ اليوم. وأوّمأ إليه بنعله، فولّى العبد مدبرا، وأدخله أبو الوضّاح منزله.
كشف أمره
ولمّا طال على السجّان الأمر نادى الكميت فلم يجبه، فدخل ليعرف خبره، فصاحت به المرأة: وراءك، لا أمّ لك! فشقّ ثوبه، ومضى صارخا إلى بابا خالد، فأخبره الخبر، فأحضر حبّي فقال لها: يا عدوّة اللّه، احتلت على أمير المؤمنين، وأخرجّت عدوّه، لأمثّلنّ بك ولأصنعنّ ولأفعلنّ. فاجتمعت بنو أسد إليه. وقالوا: ما سبيلك على امرأة منّا خدعت. فخافهم فخلّى سبيلها.
خبرته بزجر الطير
قال: وسقط غراب على الحائط فنعب، فقال الكميت لأبي وضّاح: إني لمأخوذ، وإنّ حائطك لساقط. فقال:
سبحان اللّه! هذا ما لا يكون إن شاء اللّه. فقال له: لا بدّ من أن تحوّلني. فخرج به إلى بني علقمة - وكانوا يتشيّعون - فأقام فيهم ولم يصبح حتى سقط الحائط الذي سقط عليه الغراب.
خروجه إلى الشأم
قال ابن الأعرابيّ: قال المستهلّ: وأقام الكميت مدة متواريا، حتى إذا أيقن أنّ الطلب قد خفّ عنه خرج ليلا في جماعة من بني أسد، على خوف ووجل، وفيمن معه صاعد غلامه، قال: وأخذ الطريق على القطقطانة [2] - وكان عالما بالنجوم مهتديّا بها - فلما صار سحير [3] صاح بنا: هوّموا [4] يا فتيان، فهوّ منا، وقام يصلّي.
أطعم ذئبا فهداه الطريق
قال المستهلّ: فرأيت شخصا فتضعضعت له، فقال: ما لك؟ قلت: أرى شيئا مقبلا، فنظر إليه فقال: هذا ذئب قد جاء يستطعمكم، فجاء الذئب فربض ناحية، فأطعمناه يد جزور، فتعرّقها، ثم أهوينا له بإناء فيه ماء فشرب منه، وارتحلنا، فجعل الذئب يعوي، فقال الكميت: ما له ويله! ألم نطعمه ونسقه! وما أعرفني بما يريد! هو يعلمنا أنّا لسنا على الطريق؛ تيامنوا يا فتيان، فتيامنّا فسكن عواؤه.
تواريه وسعي رجالات قريش في خلاصه
فلم نزل نسير حتى جئنا الشام، فتوارى في بني أسد وبني تميم، وأرسل إلى أشراف قريش - وكان سيّدهم يومئذ عنبسة بن سعيد بن العاص - فمشت رجالات قريش بعضها إلى بعض، وأتوا عنبسة، فقالوا: يا أبا خالد، هذه مكرمة قد أتاك اللّه بها، هذا الكميت بن زيد لسان مضر، وكان أمير المؤمنين كتب في قتله، فنجا حتى تخلّص إليك
__________
[1] في ب والمختار: «الكناس»، والكناسة: محلة بالكوفة، وكناس: موضع في بلا غني. (ياقوت).
[2] القطقطانة: موضع بالكوفة، كان به سجن للنعمان بن المنذر.
[3] صار هنا تامة.
[4] هوّموا: ناموا نوما خفيفا؛ يريد: استريحوا، وأغفوا إغفاءة.
وإلينا. قال: فمروه أن يعوذ بقبر معاوية بن هشام بدير [1] حنيناء. فمضى الكميت، فضرب فسطاطه عند قبره، ومضى عنبسة فأتى مسلمة بن هشام، فقال له: يا أبا شاكر، مكرمة أتيتك بها تبلغ الثّريّا إن اعتقدتها، فإن اعتقدتها، فإن علمت أنك تفي بها وإلّا كتمتها. قال: وما هي؟ فأخبره الخبر،/ وقال: إنه قد مدحكم عامّة، وإياك خاصة بما لم يسمع بمثله. فقال: عليّ خلاصه.
مسلمة بن هشام يطلب الأمان له
فدخل على أبيه هشام وهو عند أمّه في غير وقت دخول، فقال هشام: أجئت لحاجة؟ قال: نعم، قال: هي مقضيّة إلّا أن يكون الكميت. فقال: ما أحبّ أن تستثني عليّ في حاجتي، وما أنا والكميت! فقالت أمّه: واللّه لتقضينّ حاجته كائنة ما كانت. قال: قد قضيتها ولو أحاطت بما بين قطريها. قال: هي الكميت يا أمير المؤمنين، وهو آمن بأمان اللّه عزّ وجل وأماني، وهو شاعر مضر،/ وقد قال فينا قولا لم يقل مثله، قال: قد أمّنته، وأجزت أمانك له، فاجلس له مجلسا ينشدك فيه ما قال فينا.
هشام يعقد له مجلسا يسمع فيه مدائحه في بني أمية
فعقد له، وعنده الأبرش الكلبيّ، فتكلّم بخطبة ارتجلها ما سمع بمثلها قطّ، وامتدحه بقصيدته الرّائية، ويقال:
إنه قالها ارتجالا، وهي قوله:
قف بالديار وقوف زائر [2]
فمضى فيها حتى انتهى إلى قوله:
ماذا عليك من الوقو ... ف بها وأنك غير صاغر
درجت عليها الغاديا ... ت الرّائحات من الأعاصر
وفيها يقول:
فالآن صرت إلى أميّة ... والأمور إلى المصاير
وجعل هشام يغمز مسلمة بقضيب في يده، فيقول: اسمع، اسمع.
/ ثم استأذنه في مرثيّة ابنه معاوية، فأذن له، فأنشده قوله [3]:
سأبكيك للدّنيا وللدّين إنني ... رأيت يد المعروف بعدك شلّت
فدامت عليك بالسلام تحية ... ملائكة اللّه الكرام وصلّت
فبكى هشام بكاء شديدا، فوثب الحاجب فسكّته.
ثم جاء الكميت إلى منزله آمنا، فحشدت له المضريّة بالهدايا، وأمر له مسلمة بعشرين ألف درهم، وأمر له
__________
[1] دير حنيناء: من أعمال دمشق. (ياقوت).
[2] صدر بيت، وعجزة:
وتأيّ إنّك غير صاغر
وتأي: تلبث وأمكث.
[3] الهاشميات 93.
هشام بأربعين ألف درهم. وكتب إلى خالد بأمانه وأمان أهل بيته، وأنه لا سلطان له عليهم.
قال: وجمعت له بنو أميّة بينها مالا كثيرا. قال: ولم يجمع من قصيدته تلك يومئذ إلّا ما حفظه الناس منها فألف. وسئل عنها، فقال: ما أحفظ منها شيئا؛ إنما هو كلام ارتجلته.
فقال: وودّع هشاما، وأنشده قوله فيه:
ذكر القلب إلفه المذكورا
سبقه الشعراء إلى معنى في صفة الفرس
قال محمد بن كناسة: وكان الكميت يقول: سبقت الناس في هذه القصيدة من أهل الجاهلية والإسلام إلى معنى ما سبقت إليه في صفة الفرس حين أقول:
يبحث التّرب عن كواسر في المش ... رب لا يجشم السّقاة الصّفيرا
هذه رواية ابن عمار. وقد روى فيه غير هذا.
رواية أخرى في سبب المنافرة بينه وبين خالد
وقيل في سبب المنافرة بين خالد والكميت غير هذا، نسخته من كتاب محمد بن يحيى الخرّاز، قال: حدثني أحمد بن إبراهيم الحاسب، قال: حدثني عبد الرحمن بن داود بن أبي أميّة البلخيّ، قال:
/ كان حكيم بن عيّاش [1] الأعور الكلبيّ ولعا بهجاء مضر، فكانت شعراء مضر تهجوه ويجيبهم، وكان الكميت يقول: هو واللّه أشعر منكم. قالوا: فأجب الرجل. قال: إنّ خالد بن عبد اللّه القسريّ محسن إليّ فلا أقدر أن أردّ عليه، قالوا: فاسمع بأذنك ما يقول في بنات عمّك وبنات خالك من الهجاء، وأنشدوه ذلك؛ فحمي الكميت لعشيرته، فقال المذهبة [2].
ألا حيّيت عنّا يا مدينا
فأحسن فيها، وبلغ خالدا خبرها. فقال: لا أبالي ما لم يجر لعشيرتي ذكر، فأنشدوه قوله:
ومن عجب عليّ لعمر أمّ ... غذتك وغير هاتيا يمينا [3]
تجاوزت المياه بلا دليل ... ولا علم تعسّف مخطئينا
فإنك والتحوّل من معدّ ... كهيلة قبلنا والحالبينا [4]
تخطّت خيرهم حلبا ونسئا [5] ... إلى المولى المغادر هاربينا [6]
/كعنز السّوء تنطح عالفيها ... وترميها عصيّ الذابحينا [7]
__________
[1] في أ: «حكيم بن عباس».
[2] المذهبة: لقب هذه القصيدة، وانظر حاشية 3 ص 3.
[3] في ما: «تيّامنينا»، وفي أ: «تتأيمينا».
[4] في أ، ب: «و الجالبينا».
[5] النس ء: اللبن الرقيق الكثير الماء، وفي ب: «و مسنّا».
[6] في ما: «إلى الوالي»، والمثبت في أ، ب.
[7] في أ: «و ترضيا» تحريف.
فبلغ ذلك خالدا، فقال: فعلها! واللّه لأقتلنّه. ثم اشترى ثلاثين جارية بأغلى ثمن، وتخيّرهنّ نهاية في حسن الوجوه والكمال والأدب، فروّاهنّ/ الهاشميّات، ودسّهنّ مع نخّاس إلى هشام بن عبد الملك، فاشتراهنّ جميعا، فلما أنس بهنّ استنطقهنّ، فرأى فصاحة وأدبا، فاستقرأهنّ القرآن، فقرأن، واستنشدهنّ الشعر، فأنشدنه قصائد الكميت الهاشميّات. فقال: ويلكنّ! من قائل هذا الشعر؟ قلن: الكميت بن زيد الأسديّ. قال: وفي أيّ بلد هو؟
قلن: في العراق، ثم بالكوفة. فكتب إلى خالد وهو عامله على العراق: ابعث إليّ برأس الكميت بن زيد، فبعث خالد إلى الكميت في الليل، فأخذه وأودعه السّجن. ولما كان من الغد أقرأ من حضره من مضر كتاب هشام، واعتذر إليهم من قتله، وآذنهم في إنفاذ الأمر فيه في غد، فقال لأبان بن الوليد البجليّ - وكان صديقا للكميت - :
انظر ما ورد في صديقك. فقال: عزّ عليّ واللّه [ما] به، ثم قام أبان، فبعث إلى الكميت فأنذره، فوجّه إلى امرأته.
مسلمة بن هشام يجيره ويحتال في خلاصه
ثم ذكر الخبر في خروجه ومقامها مكانه، كما ذكر من تقدّمه. وقال فيه: فأتى مسلمة بن عبد الملك فاستجار به، فقال: إني أخشى ألّا ينفعك جواري عنده، ولكن استجر بابنه مسلمة بن هشام. فقال: كن أنت السفير بيني وبينه في ذلك، ففعل مسلمة، وقال لابن أخيه: قد أتيتك بشرف الدّهر، واعتقاد الصّنيعة في مضر، وأخبره الخبر؛ فأجاره مسلمة بن هشام. وبلغ ذلك هشاما فدعا به، ثم قال: أتجير على أمير المؤمنين بغير أمره؟! فقال: كلّا، ولكني انتظرت سكون غضبه. قال: أحضرنيه الساعة، فإنه لا جوار لك. فقال مسلمة للكميت: يا أبا المستهلّ، إنّ أمير المؤمنين أمرني بإحضارك. قال: أتسلمني يا أبا شاكر؟ قال: كلّا، ولكني أحتال لك، ثم قال له: إنّ معاوية بن هشام مات قريبا، وقد جزع عليه جزعا شديدا، فإذا كان/ من الليل فاضرب رواقك على قبره، وأنا أبعث إليك بنيه يكونون معك في الرّواق، فإذا دعا بك تقدّمت إليهم أن يربطوا ثيابهم بثيابك، ويقولوا: هذا استجار بقبر أبينا، ونحن أحقّ من أجاره.
فأصبح هشام على عادته متطلّعا من قصره إلى القبر، فقال: من هذا؟ فقالوا: لعلّه مستجير بالقبر! فقال:
يجار من كان إلّا الكميت؛ فإنه لا جوار له. فقيل: فإنه الكميت، قال: يحضر أعنف إحضار. فلما دعي به ربط الصبيان ثيابهم بثيابه. فلما نظر هشام إليهم اغرورقت عيناه واستعبر، وهم يقولون: يا أمير المؤمنين، استجار بقبر أبينا، وقد مات، ومات حظّه من الدنيا، فاجعله هبة له ولنا، لا تفضحنا فيمن استجار به. فبكى هشام حتى انتحب، ثم أقبل على الكميت فقال له: يا كميت، أنت القائل:
وإلّا تقولوا غيرها تتعرّفوا ... نواصيها تردي بنا وهي شزّب [1]
خطبته بين يدي هشام وإنشاده بعض مدائحه في بني أمية
فقال: لا، واللّه، ولا أتان من أتن الحجاز وحشيّة، فحمد اللّه وأثنى عليه وصلّى على نبيّه، ثم قال: أمّا بعد فإنيّ كنت أتدهدى [2] في غمرة، وأعوم في بحر غواية، أخنى عليّ خطلها، واستفزّني وهلها [3]؛ فتحيّرت في
__________
[1] ردى يردى، إذا رجم الأرض رجما بين العدو والمشي الشديد. والشازب: الذي فيه ضمور، وجمعه شزّب.
[2] أتدهدى: أتقلّب وأتلوى.
[3] الوهل: الفزع.
الضّلالة، وتسكّعت في الجهالة، مهرعا [1] عن الحقّ، جائرا عن القصد،/ أقول الباطل ضلالا، وأفوه بالبهتان وبالا، وهذا مقام العائذ مبصر الهدى، ورافض العمى [2] فاغسل عنّي يا أمير المؤمنين الحوبة [3] بالتّوبة، واصفح عن الزّلة، واعف عن الجرمة [4]، ثم قال [5]:
كم قال قائلكم: لعا ... لك، عند عثرته لعاثر [6]
وغفرتم لذوي الذنو ... ب من الأكابر والأصاغر
أ بني أمية إنكم ... أهل الوسائل والأوامر
ثقتي لكلّ ملمّة ... وعشيرتي دون العشائر
أنتم معادن للخلا ... فة كابرا من بعد كابر
بالتّسعة المتتابعي ... ن خلائفا وبخير عاشر [7]
وإلى القيامة لا تزا ... ل لشافع منكم وواتر
ثم قطع [8] الإنشاد وعاد إلى خطبته، فقال: إغضاء أمير المؤمنين وسماحته وصباحته، ومناط المنتجعين بحبله، من لا تحلّ حبوته لإساءة المذنبين، فضلا عن استشاطة غضبه بجهل الجاهلين.
محاورة بينه وبين هشام في شعر قاله في بني أمية
فقال له: ويلك يا كميت! من زيّن لك الغواية، ودلّاك في العماية؟ قال: الذي أخرج أبانا من الجنّة، وأنساه العهد، فلم يجد له عزما. فقال: إيه! أنت القائل:
فيا موقدا نارا لغيرك ضوءها ... ويا حاطبا في غير حبلك تحطب
فقال: بل أنا القائل [9]:
/إلى آل بيت أبي مالك ... مناخ هو الأرحب الأسهل
نمتّ بأرحامنا الدّاخلا ... ت من حيث لا ينكر المدخل
ببرّة والنّضر والمالكي [10] ... ن رهط هم الأنبل الأنبل
__________
[1] مهرعا: منصرفا.
[2] في أ: «العماية».
[3] الحوبة: الخطيئة والإثم.
[4] الجرمة: مثل كلمة: الذنب.
[5] الهاشميات 92.
[6] يقال للعائر: لعا لك، دعا له بالإقالة والابتعاد.
[7] لم يرد في الهاشميات.
[8] في أ: «و قطع».
[9] الهاشميات 93.
[10] في أوالمختار: «بمرة»، والمثبت من ج، قال في هامشه: برة بنت مرّ، أخت تميم، كانت عند خزيمة، فولدت له أسدا ثم مات، فخلف عليها ابنه كنانة، فولدت له النضر، وهو قريش، أبو مالك. فبنو أسد ينتمون إلى قريش لهذا السبب. والبيت ليس في الهاشميات.
ويا بني خزيمة بدر السما [1] ... ء والشمس مفتاح ما نأمل
وجدنا قريشا قريش البطاح ... على ما بنى الأوّل الأوّل
بهم صلح الناس بعد الفساد ... وحيص من الفتق ما رعبلوا [2]
قال له: وأنت القائل [3]:
لا كعبد المليك أو كوليد ... أو سليمان بعد أو كهشام
من يمت لا يمت فقيدا ومن [4] يح ... ي فلا ذو إلّ [5] ولا ذو ذمام
ويلك يا كميت! جعلتنا ممّن لا يرقب في مؤمن إلّا ولا ذمّة، فقال: بل أنا القائل يا أمير المؤمنين [6]:
فالآن صرت إلى أميّ ... ة والأمور إلى المصاير
والآن صرت بها المصي ... ب كمهتد بالأمس حائر
/ يا بن العقائل للعقا ... ئل والجحاجحة الأخاير [7]
من عبد شمس والأكا ... بر من أميّة فالأكابر
إنّ الخلافة والإلا ... ف برغم ذي حسد وواغر [8]
دلفا من الشّرف التّلي ... د إليك بالرّفد الموافر
فحللت معتلج البطا ... ح وحلّ غيرك بالظواهر [9]
/قال له: إيه، فأنت القائل [10]:
فقل لبني أميّة حيث حلّوا ... وإن خفت المهنّد والقطيعا [11]
أجاع اللّه من أشبعتموه ... وأشبع من بجوركم أجيعا
بمرضيّ السياسة هاشميّ ... يكون حيا لأمّته ربيعا
فقال: لا تثريب [12] يا أمير المؤمنين، إن رأيت أن تمحو عنّي قولي الكاذب. قال: بماذا؟ قال: بقولي الصادق [13]:
__________
[1] في س: «و باري»، وفي المختار: «وبا بني خزيمة وبل السماء». والبيت ساقط من أ، ب، ولم يرد في الهاشميات أيضا.
[2] حيص: رتق وأصلح. ورعبل الثوب: قطعه ومزقه، أي حفظ من الفتق ما مزقوا.
[3] الهاشميات 26، 27.
[4] الهاشميات: «و إن».
[5] الإلّ: للعهد والحلف. والذمام، بكسر الذال: الحق والحرمة. وفي ب: «آل».
[6] الهاشميات 91.
[7] الجحاجحة: جمع جحجاح؛ وهو السيد العظيم.
[8] الواغر: الحاقد.
[9] البطاح: جمع بطحاء وأبطح، وهو المسيل الواسع فيه دقاق الحصى.
[10] الهاشميات 82.
[11] حاشية أ: «القطيع»: السوط.
[12] التثريب: اللوم.
[13] الهاشميات 93.
أورثتة الحصان أمّ هشام ... حسبا ثاقبا ووجها نضيرا
وتعاطى به ابن عائشة البد ... ر فأمسى له رقيبا نظيرا
وكساه أبو الخلائف مروا ... ن سنيّ المكارم المأثورا
لم تجهّم له البطاح ولكن ... وجدتها له مغارا [1] ودورا
إعجاب هشام بشعره ورضاؤه عنه
وكان هشام متّكئا فاستوى جالسا، وقال: هكذا فليكن الشعر - يقولها لسالم بن عبد اللّه بن عمر، وكان إلى جانبه - ثم قال: قد رضيت عنك يا كميت؛ فقبّل يده، وقال: يا أمير المؤمنين، إن رأيت أن تزيد في تشريفي، ولا تجعل لخالد عليّ إمارة! قال: قد فعلت. وكتب له بذلك، وأمر له بأربعين ألف درهم وثلاثين ثوبا هشاميّة.
وكتب إلى خالد أن يخلّي سبيل امرأته ويعطيها عشرين ألفا وثلاثين ثوبا. ففعل ذلك.
خالد يضربه مائة سوط
وله مع خالد أخبار بعد قدومه الكوفة بالعهد الذي كتب له، منها أنه مرّ به خالد يوما، وقد تحدّث الناس بعزله عن العراق، فلما جاز تمثّل الكميت:
أراها - وإن كانت تحبّ - كأنها ... سحابة صيف عن قليل تقشّع
فسمعه خالد، فرجع وقال: أما واللّه لا تنقشع حتى يغشاك [2] منها شؤبوب برد. ثم أمر به فجرّد، فضربه مائة سوط، ثم خلّى عنه ومضى. هذه رواية ابن حبيب.
ينذر هشاما بخالد
وقد أخبرني أحمد بن عبد اللّه بن عمّار قال: حدثنا النّوفليّ عليّ بن محمد بن سليمان أبو الحسن، قال:
حدثني أبي، قال:
كان هشام بن عبد الملك قد اتّهم خالد بن عبد اللّه - وكان يقال - إنه يريد خلعك - فوجد بباب هشام يوما رقعة فيها شعر، فدخل بها على هشام فقرئت عليه، وهي [3]:
تألّق برق عندنا وتقابلت ... أثاف لقدر الحرب أخشى اقتبالها
فدونك قدر الحرب وهي مقرّة ... لكفّيك واجعل دون قدر جعالها [4]
/و لن تنتهي أو يبلغ الأمر حدّه ... فنلها برسل قبل ألّا تنالها [5]
فتجشم منها ما جشمت من التي ... بسوراء هرّت نحو حالك حالها [6]
تلاف أمور الناس قبل تفاقم ... بعقدة حزم لا تخاف انحلالها
__________
[1] في س والهاشميات: «معانا».
[2] في أ: «يتغشاك».
[3] الهاشميات 89.
[4] الجعالة: خرقة تنزل بها القدر.
[5] الرسل، بكسر الراء: الرفق والتؤدة.
[6] في س: «بسوراء أهدت»، والمثبت من أ، ب، وهرت: صوتت. وسوراء: موضع؛ يقال: هو إلى جنب بغداد. والبيت لم يرد في الهاشميات.
فما أبرم [1] الأقوام يوما لحيلة ... من الأمر إلّا قلّدوك احتيالها [2]
وقد تخبر الحرب العوان بسرّها ... - وإن لم تبح - من لا يريد سؤالها
فأمر هشام أن يجمع له من بحضرته من الرّواة، فجمعوا. فأمر بالأبيات فقرئت عليهم، فقال: شعر من تشبه هذه الأبيات؟ فأجمعوا جميعا من ساعتهم أنه كلام الكميت بن زيد/ الأسديّ، فقال هشام: نعم، هذا الكميت ينذرني بخالد بن عبد اللّه. ثم كتب إلى خالد بخبره، وكتب إليه بالأبيات، وخالد يومئذ بواسط.
هاشميته اللامية
فكتب خالد إلى واليه بالكوفة يأمره بأخذ الكميت وحبسه، وقال لأصحابه: إنه بلغني أنّ هذا يمدح بني هاشم ويهجو بني أمية، فأتوني من شعره هذا بشيء. فأتي بقصيدته اللامية التي أوّلها [3]:
ألا هل عم في رأيه متأمّل ... وهل مدبر بعد الإساءة مقبل!
فكتبها وأدرجها في كتاب إلى هشام، يقول: هذا شعر الكميت؛ فإن كان قد صدق في هذا فقد صدق في ذاك.
/ فلما قرئت على هشام اغتاظ، فلما قال [4]:
فيا ساسة هاتوا لنا من جوابكم [5] ... ففيكم لعمري ذو أفانين مقول
اشتدّ غيظه. فكتب إلى خالد يأمره أن يقطع يدي الكميت ورجليه، ويضرب عنقه ويهدم داره، ويصلبه على ترابها.
ابن عنبسة ينذره ليتخلص من الحبس
فلما قرأ خالد الكتاب كره أن يستفسد عشيرته، وأعلن الأمر رجاء أن يتخلّص الكميت، فقال: لقد كتب إليّ أمير المؤمنين، وإني لأكره أن أستفسد عشيرته، وسمّاه، فعرف عبد الرحمن بن عنبسة بن سعيد ما أراد، فأخرج غلاما له مولّدا ظريفا، فأعطاه بغلة له شقراء فارهة من بغال الخليفة، وقال: إن أنت وردت الكوفة، فأنذرت الكميت لعله أن يتخلّص من الحبس، فأنت حرّ لوجه اللّه، والبغلة لك، ولك عليّ بعد ذلك إكرامك والإحسان إليك.
فركب البغلة وسار بقيّة يومه وليلته من واسط إلى الكوفة فصبّحها، فدخل الحبس متنكّرا، فخبّر الكميت بالقصة، فأرسل إلى امرأته وهي ابنة عمّه يأمرها أن تجيئه ومعها ثياب من لباسها وخفّان، ففعلت، فقال: ألبسيني لبسة النساء، ففعلت، ثم قالت له: أقبل، فأقبل، وأدبر، فأدبر. فقالت: ما أرى إلّا يبسا في منكبيك، اذهب في حفظ اللّه.
__________
[1] في أ، ب: «فما برم»، والمثبت يوافق ما في الهاشميات.
[2] في ب: «احتبالها».
[3] الهاشميات 66.
[4] الهاشميات 68.
[5] في الهاشميات: «من حديثكم».
فخرج فمرّ بالسجّان، فظنّ أنه المرأة، فلم يعرض له فنجا، وأنشأ يقول [1].
/خرجت خروج القدح قدح ابن مقبل ... على الرّغم من تلك النوابح والمشلي [2]
عليّ ثياب الغانيات وتحتها ... عزيمة أمر أشبهت سلّة النّصل
وورد كتاب خالد على والي الكوفة يأمره فيه بما كتب به إليه هشام، فأرسل إلى الكميت ليؤتى به من الحبس فينفذ فيه أمر خالد، فدنا من باب البيت فكلّمتهم المرأة، وخبّرتهم أنها في البيت [3]، وأنّ الكميت قد خرج؛ فكتب بذلك إلى خالد فأجابه: حرّة كريمة آست ابن عمها بنفسها، وأمر بتخليتها، فبلغ الخبر الأعور الكلبيّ بالشام، فقال قصيدته التي يرمي فيها امرأة الكميت بأهل الحبس، ويقول: أسودين وأحمرينا [4].
هجاؤه أحياء اليمن
فهاج الكميت ذلك حتى قال:
ألا حيّيت عنّا يا مدينا [5]
وهي ثلاثمائة بيت لم يترك فيها حيّا من أحياء اليمن إلّا هجاهم. وتوارى، وطلب، فمضى إلى الشام، فقال شعره الذي يقول فيه:
قف بالدّيار وقوف زائر
/ في مسلمة بن عبد الملك، ويقول:
يا مسلم ابن أبي [6] الوليد لميّت إن شئت ناشر/ اليوم صرت إلى أميّة والأمور إلى المصاير قال أبو الحسن: قال أبي: إنما أراد اليوم صرت إلى أميّة والأمور إلى مصايرها؛ أي بني هاشم. وبذلك احتجّ ابنه المستهلّ على أبي العباس حين عيّره بقول أبيه هذا الشعر.
فأذن له ليلا، فسأله أن يجيره على هشام، فقال: إني قد أجرت على أمير المؤمنين فأخفر جواري، وقبيح برجل مثلي أن يخفر في كلّ يوم، ولكنّي أدلّك، فاستجر بمسلمة بن هشام وبأمّه أمّ الحكم [7] بنت يحيى بن الحكم؛ فإن أمير المؤمنين قد رشّحه لولاية العهد.
__________
[1] الهاشميات 17.
[2] يضرب المثل بقدح ابن مقبل؛ لأنه وصفه بقوله:
خروج من الغمّى إذا صكّ صكة ... بدا والعيون المستكفّة نلمح
[3] كذا في الأصول، والمراد بالبيت هنا حجرة السجن وهو مراد الكميت هنا، ومراد عبد الملك فيما كتب به إلى الحجاج.
[4] البيت كما في الخزانة 1/ 86:
فما وجدت بنات بني نزار ... حلائل أسودين وأحمرينا
[5] هامش أ: «مدينا»، أراد به «مدينة»، والعرب تقول لابن الأمة: «ابن مدينة»، قال الأخطل:
ربت وربا في كومها ابن مدينة ... يظل على مسحاته يتركّل
(«للسان» - مدن).
[6] في س: «و بابن أبي الوليد»، والبيت ليس في الهاشميات.
[7] حاشية أ: «حكيم» وعليها علامة الصحة.
فقال الكميت: بئس الرّأي! أضيع دمي بين صبيّ وامرأة! فهل غير هذا؟ قال: نعم، مات معاوية ابن أمير المؤمنين وكان يحبّه، وقد جعل أمير المؤمنين على نفسه أن يزور قبره في كل أسبوع يوما - وسمّى يوما بعينه - وهو يزوره في ذلك اليوم، فامض فاضرب بناءك عند قبره، واستجر به، فإني سأحضر معه وأكلّمه بأكثر من الجوار.
استجارته بقبر معاوية بن هشام
ففعل ذلك الكميت في اليوم الذي يأتيه فيه أبوه، فجاء هشام ومعه مسلمة، فنظر إلى البناء، فقال لبعض أعوانه: انظر ما هذا، فرجع فقال: الكميت بن زيد مستجير بقبر معاوية ابن أمير المؤمنين. فأمر بقتله، فكلّمه مسلمة وقال: يا أمير المؤمنين، إنّ إخفار الأموات عار على الأحياء، فلم يزل يعظّم عليه الأمر حتى أجاره.
خروج الجعفرية على خالد وهو يخطب وتحريفهم
فحدثنا محمد بن العباس اليزيديّ، قال: حدثنا سليمان بن أبي شيخ، قال: حدثنا حجر بن عبد الجبّار، قال:
خرجت الجعفرية على خالد بن عبد اللّه القسريّ وهو يخطب على المنبر وهو لا يعلم بهم، فخرجوا في التبابين [1]، ينادون: لبّيك جعفر، لبّيك جعفر! وعرف خالد خبرهم، وهو يخطب على المنبر، فدهش فلم يعلم ما يقول فزعا، فقال: أطعموني ماء، ثم خرج الناس إليهم فأخذوا، فجعل يجيء بهم إلى المسجد ويؤخذ طنّ [2] قصب فيطلى بالنّفط، ويقال للرجل احتضنه، ويضرب حتى يفعل، ثم يحرق، فحرّقهم جميعا.
تعريضه بخالد
فلما قدم يوسف بن عمر دخل عليه الكميت وقد مدحه بعد قتله زيد بن عليّ، فأنشده قوله فيه:
خرجت لهم تمشي البراح ولم تكن ... كمن حصنه فيه الرّتاج المضبّب [3]
وما خالد يستطعم الماء فاغرا ... بعدلك والدّاعي إلى الموت ينعب
الجند يقتلونه تعصبا لخالد
قال: والجند قيام على رأس يوسف بن عمر، وهم يمانية، فتعصّبوا لخالد، فوضعوا ذباب سيوفهم في بطن الكميت، فوجئوه [4] بها، أتنشد الأمير ولم تستأمره! فلم يزل الدّم حتى مات.
اعتذاره لهشام من ذنبه
وأخبرني عمّي، قال: حدثنا يعقوب بن إسرائيل، قال: حدثنا إبراهيم بن عبد اللّه الطلحيّ عن محمد بن سلمة بن أرتبيل، قال:
/ لما دخل الكميت بن زيد على هشام، سلّم ثم قال: يا أمير المؤمنين، غائب آب، ومذنب تاب، محا
__________
[1] التبابين: جمع تبان، وهو سراويل صغير يكون للملاحين والمصارعين، وتشبه أن تكون البيانيين وهم أتباع بيان فقد ورد في «الطبري» حوادث سنة 119 خروجهم على خالد وتحريقه لهم.
[2] طن القصب، بضم الطاء: الحزمة منه.
[3] الرتاج: الباب العظيم؛ والمضبب: المغلق.
[4] وجئوه: ضربوه.
بالإنابة ذنبه، وبالصّدق كذبه، والتوبة تذهب الحوبة، ومثلك حلم عن ذي الجريمة، وصفح عن ذي الرّيبة.
فقال له هشام: ما الّذي نجّاك من القسريّ؟ قال: صدق النّية في التوبة. قال ومن سنّ لك الغيّ وأورطك فيه؟
قال: الذي أغوى آدم فنسي ولم يجد له عزما، فإن رأيت يا أمير المؤمنين - فدتك نفسي - أن تأذن لي بمحو الباطل بالحقّ، بالاستماع لما قلته! فأنشده [1]:
/ذكر القلب إلفه المذكورا [2] ... وتلافى من الشباب أخيرا
حدثني أحمد بن عبيد اللّه بن عمّار، قال: حدثنا الحسن بن عليل العنزيّ، قال: حدثني أحمد بن بكير الأسديّ، قال: [حدثني محمد بن أنس، قال [3]]: حدثني محمد بن سهل الأسديّ، قال:
ابنه المستهل وعبد الصمد بن علي
دخل المستهلّ بن الكميت على عبد الصمد بن عليّ، فقال له: من أنت؟ فأخبره؛ فقال: لا حيّاك اللّه ولا حيّا أباك، هو الذي يقول:
فالآن صرت إلى أميّة والأمور إلى المصاير قال: فأطرقت استحياء مما قال، وعرفت البيت. قال: ثم قال لي: ارفع رأسك يا بنيّ، فلئن كان قال هذا، فلقد قال:
بخاتمكم كرها تجوز أمورهم ... فلم أر غصبا مثله حين يغصب [4]
قال: فسلّى بعض تما كان بي، وحادثني ساعة، ثم قال: ما يعجبك من النساء يا مستهلّ؟ قلت:
/غرّاء تسحب من قيام فرعها ... جثلا يزيّنه سواد أسحم [5]
فكأنها فيه نهار مشرق ... وكأنّه ليل عليها مظلم
قال: يا بنيّ؛ هذه لا تصاب إلّا في الفردوس، وأمر له بجائزة.
شعره يصلح بين هشام وحاريته صدوف
أخبرني عمّي قال: حدثنا يعقوب بن إسرائيل، قال: حدثني إبراهيم بن عبد اللّه الخصّاف الطلحيّ، عن محمد بن أنس السّلاميّ، قال:
كان هشام بن عبد الملك مشغوفا بجارية له يقال لها صدوف مدنيّة [6] اشتريت له بمال جزيل، فعتب عليها ذات يوم في شيء وهجرها، وحلف ألّا يبدأها بكلام، فدخل عليه الكميت وهو مغموم بذلك، فقال: ما لي أراك
__________
[1] الهاشميات 18.
[2] في الهاشميات: «إلفه المهجورا».
[3] زيادة تقتضيها صحة السند، وانظر ص 29.
[4] الهاشميات 40، وفي س: «لخاتمكم».
[5] الشعر لبكر بن النطاح. الحماسة 2: 70 (طبعة الرافعي).
[6] كذا في س، وهو الوجه في النسبة إلى مدينة الرسول تفرقة بينها وبين مدينة المنصور، فالنسبة إليها مدينيّ، وفي أ: «مدينية».
مغموما يا أمير المؤمنين، لا غمّك اللّه! فأخبره هشام بالقصة، فأطرق الكميت ساعة ثم أنشأ يقول [1]:
أعتبت أم عتبت عليك صدوف ... وعتاب مثلك مثلها تشريف
لا تقعدنّ تلوم نفسك دائبا ... فيها وأنت بحبّها مشغوف
إنّ الصريمة لا يقوم بثقلها [2] ... إلّا القويّ بها، وأنت ضعيف
فقال هشام: صدقت واللّه، ونهض من مجلسه، فدخل إليها، ونهضت إليه فاعتنقته. وانصرف الكميت، فبعث إليه هشام بألف دينار، وبعثت إليه بمثلها.
وفوده على زيد بن عبد الملك
قال الطلحيّ: أخبرني حبيش بن الكميت أخو المستهلّ بن الكميت بن زيد، قال:
وفد الكميت بن زيد على يزيد بن عبد الملك، فدخل عليه يوما وقد اشتريت له سلّامة القسّ، فأدخلها إليه والكميت حاضر فقال له: يا أبا المستهلّ؛ هذه جارية تباع، أفترى أن نبتاعها؟ قال: إي واللّه يا أمير المؤمنين؛ وما أرى أنّ لها مثلا في الدنيا فلا تفوتّنك، قال: فصفها في شعر حتى أقبل رأيك؛ فقال الكميت [3]:
شعره في سلامة القس
هي شمس النهار في الحسن إلّا ... أنها فضّلت بقتل الظّراف
غضّة بضّة رخيم لعوب ... وعثة المتن شختة الأطراف [4]
زانها دلّها وثغر نقيّ ... وحديث مرتّل غير جافي
/ خلقت فوق منية المتمنّي ... فاقبل النّصح يا بن عبد مناف
فضحك يزيد، وقال: قد قبلنا نصحك يا أبا المستهلّ، وأمر له بجائزة سنّية.
لقاؤه بالفرزدق وهو صبي
أخبرني هاشم بن محمد الخزاعيّ، قال: أخبرني إبراهيم بن أيوب، عن ابن قتيبة، قال:
مرّ الفرزدق بالكميت وهو ينشد - والكميت يومئذ صبيّ - فقال له الفرزدق: يا غلام، أيسرّك أني أبوك؟ فقال:
لا، ولكن يسرّني أن تكون أمّي! فحصر [5] الفرزدق، فأقبل على جلسائه وقال: ما مرّبي مثل هذا قط.
إنشاده أبا عبد اللّه جعفر بن محمد
أخبرني أحمد بن محمد بن سعيد الهمدانيّ بن عقدة، قال: أخبرنا عليّ بن محمد/ الحسينيّ، قال: حدثنا جعفر بن محمد بن عيسى الحمّال، قال: حدثنا مصبّح بن الهلقام، قال: حدثنا محمد بن سهل صاحب الكميت:
قال:
__________
[1] الهاشميات 94.
[2] في ب: «بمثلها» والمثبت ما في الهاشميات.
[3] الهاشميات 94.
[4] المتن: الظهر. ووعثة: سمينة. شختة الأطراف: ضامرتها لا هزالا.
[5] الحصر، بالتحريك: العي في المنطق.
دخلت مع الكميت على أبي عبد اللّه جعفر بن محمد عليهما السّلام، فقال له: جعلت فداك! ألا أنشدك؟ قال:
إنها أيام عظام، قال: إنها فيكم، قال: هات - وبعث أبو عبد اللّه إلى بعض أهله فقرب - فأنشده، فكثر البكاء حتى أتى على هذا البيت [1]:
يصيب به الرّامون عن قوس غيرهم ... فيا آخرا سدّى له الغيّ أوّل [2]
فرفع أبو عبد اللّه - عليه السّلام - يديه فقال: اللهم اغفر للكميت ما قدّم وما أخّر، وما أسرّ وما أعلن، وأعطه حتى يرضى.
إنشاده أبا جعفر محمد بن علي
أخبرني حبيب بن نصر المهلّبيّ، قال: حدثنا عمر بن شبّة قال: قال محمد بن كناسة: حدثني صاعد مولى الكميت، قال:
دخلنا على أبي جعفر محمد بن عليّ - عليهما السّلام - فأنشده الكميت قصيدته التي أولها:
من لقلب متيّم مستهام؟
فقال: اللهم اغفر للكميت، اللهم اغفر للكميت.
قبوله كسوة أبي جعفر ورده المال
قال: ودخلنا يوما على أبي جعفر محمد بن عليّ، فأعطانا ألف دينار وكسوة، فقال له الكميت: واللّه ما أحببتكم للدنيا، ولو أردت الدنيا لأتيت من هي في يديه، ولكني أحببتكم للآخرة؛ فأما الثياب التي أصابت أجسامكم فأنا أقبلها لبركاتها، وأمّا المال فلا أقبله، فردّه وقبل الثياب.
فاطمة بنت الحسين تحتفي به
قال: ودخلنا على فاطمة بنت الحسين - عليهما السّلام - فقالت: هذا شاعرنا أهل البيت، وجاءت بقدح فيه سويق، فحركته بيدها وسقت الكميت، فشربه، ثم أمرت له بثلاثين دينارا ومركب، فهملت عيناه، وقال: لا واللّه لا أقبلها؛ إني لم أحبّكم للدنيا.
احتجاج بني أسد على المستهل بن الكميت ببيت لأبيه
أخبرني محمد بن العباس اليزيديّ، قال: أخبرني عمّي، عن عبيد اللّه بن محمد بن حبيب، عن ابن كناسة، قال:
لما جاءت المسوّدة سخروا [3] بالمستهلّ بن الكميت، وحملوا عليه حملا ثقيلا، وضربوه، فمرّ ببني أسد، فقال: أترضون أن يفعل بي هذا الفعل؟ قالوا له: هؤلاء الذين يقول أبوك فيهم [4]:
__________
[1] الهاشميات 71.
[2] في الهاشميات: أسدى.
[3] أ: «سجروا» تحريف.
[4] الهاشميات 22.
والمصيبون باب ما أخطأ النّا ... س ومرسو قواعد الإسلام [1]
قد أصابوا فيك، فلا نكذب أباك.
المستهل وأبو مسلم
قال: ودخل المستهلّ على أبي مسلم، فقال له: أبوك الذي كفر بعد إسلامه، فقال: كيف وهو الذي يقول:
بخاتمكم كرها تجوز أمورهم [2] ... فلم أر غصبا مثله حين يغصب
فأطرق أبو مسلم مستحييا منه.
المستهل يشكو إلى أبي جعفر
أخبرني عمّي، قال: حدثنا محمد بن سعد الكرانيّ، قال: حدثنا الحسن بن بشر السّعديّ، قال:
/ أخذ العسس المستهلّ بن الكميت في أيام جعفر، وكان/ الأمر صعبا، فحبس، فكتب إلى أبي جعفر يشكو حاله، وكتب في آخر الرّقعة:
لئن نحن خفنا في زمان عدوّكم ... وخفناكم إنّ البلاء لراكد
فلما قرأها أبو جعفر قال: صدق المستهلّ، وأمر بتخليته.
خبر لدعبل في رؤياه النسبي
حدثني عليّ بن محمد بن عليّ إمام مسجد الكوفة، قال: أخبرنا إسماعيل بن عليّ الخزاعيّ - ابن أخي دعبل - قال: حدثني عمّي دعبل بن عليّ قال:
رأيت النبيّ، صلّى اللّه عليه وسلم، في النوم، فقال لي: ما لك وللكميت بن زيد؟ فقلت: يا رسول اللّه، ما بيني وبينه إلّا كما بين الشعراء، فقال: لا تفعل، أليس هو القائل:
فلا زلت فيهم حيث يتّهمونني ... ولا زلت في أشياعهم أتقلّب
فإنّ اللّه قد غفر له بهذا البيت. قال: فانتهيت عن الكميت بعدها.
خبر لسعد الأسدي في رؤياه النبي
حدثني عليّ بن محمد، قال: حدثني إسماعيل بن عليّ، قال: حدثني إبراهيم بن سعد الأسديّ، قال:
سمعت أبي يقول: رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم في المنام، فقال: من أيّ الناس أنت؟ قلت: من العرب، قال:
أعلم، فمن أيّ العرب؟ قلت: من بني أسد، قال: من أسد بن خزيمة؟ قلت: نعم، قال لي: أهلاليّ أنت؟ قلت:
نعم، قال: أتعرف الكميت بن زيد؟ قلت: يا رسول اللّه، عمّي ومن قبيلتي، قال: أتحفظ من شعره شيئا؟ قلت:
نعم، قال: أنشدني [3]:
طربت وما شوقا إلى البيض أطرب
__________
[1] في الهاشميات: «و المصيبين ... ومرسي».
[2] في ط: «لخاتمكم»، والمثبت من أ، ب والهاشميات.
[3] الهاشميات 36، وبقية البيت:
ولا لعبا مني وذو الشّوق يلعب
/ قال: فأنشدته حتى بلغت إلى قوله [1]:
فما لي إلّا آل أحمد شيعة ... وما لي إلّا مشعب الحقّ مشعب
فقال لي: إذا أصبحت فاقرأ عليه السلام، وقل له: قد غفر اللّه لك بهذه القصيدة.
نصر بن مزاحم يراه في نومه ينشد بين يدي النبي
وجدت في كتاب بخط المرهبيّ الكوفيّ: حدّثني سليمان بن الربيع بن هشام النهديّ [2] الخراز، قال:
حدثني نصر بن مزاحم المنقريّ، أنّه رأى النبيّ صلّى اللّه عليه وسلم في النوم وبين يديه رجل ينشده:
من لقلب متيّم مستهام؟ [3]
قال: فسألت عنه، فقيل لي: هذا الكميت بن زيد الأسديّ، قال: فجعل النبيّ صلّى اللّه عليه وسلم يقول له: جزاك اللّه خيرا! وأثنى عليه.
نقد الفرزدق شعره
أخبرني الحسن بن عليّ الخفّاف، قال: حدثنا الحسن بن عليل العنزيّ، قال: حدثني أحمد بن بكير الأسديّ، قال: حدثني محمد بن أنس السّلاميّ، قال: حدثني محمد بن سهل راوية الكميت، قال:
جاء الكميت إلى الفرزدق لما قدم الكوفة، فقال له: إني قد قلت شيئا فأسمعه مني يا أبا فراس. قال: هاته، فأنشده قوله [4].
/طربت وما شوقا إلى البيض أطرب ... ولا لعبا مني وذو الشيب يلعب [5]
ولكن إلى أهل الفضائل والنّهى ... وخير بني حوّاء والخير يطلب
فقال له: قد طربت إلى شيء ما طرب إليه أحد قبلك، فأما نحن فما نطرب، ولا طرب من كان قبلنا إلّا إلى ما تركت أنت الطرب إليه.
يعرض شعره على الفردزق قبل إذاعته
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ، قال: حدثنا محمد بن عليّ النّوافليّ، قال: سمعت أبي يقول:
لما قال الكميت بن زيد الشعر كان أول ما قال الهاشميّات، فسترها، ثم أتى الفردزق بن غالب، فقال له:
يا أبا فراس، إنك شيخ مضر وشاعرها، وأنا ابن أخيك الكميت بن زيد الأسديّ. قال له: صدقت، أنت ابن أخي، فما/ حاجتك؟ قال: نفث على لساني [6] فقلت شعرا، فأحببت أن أعرضه عليك؛ فإن كان حسنا أمرتني بإذاعته، وإن
__________
[1] الهاشميات 39.
[2] في ب: «السمري».
[3] في أ: مشتاق، وبقيته:
غير ما صبوة ولا أحلام
[4] الهاشميات 36.
[5] حاشية أ: «و ذو الشوق»، وعليها علامة الصحة، وهي رواية لهاشميات.
[6] نفث على لساني: أوحى إليّ بالشعر.
كان قبيحا أمرتني بستره، وكنت أولى من ستره عليّ. فقال له الفرزدق: أمّا عقلك فحسن، وإني لأرجو أن يكون شعرك على قدر عقلك، فأنشدني ما قلت، فأنشدة:
طربت وما شوقا إلى البيض أطرب [1]
قال: فقال لي: فيم تطرب يا بن أخي؟ فقال:
ولا لعبا مني وذو الشيب يلعب
فقال: بلى يا بن أخي، فالعب، فإنك في أوان اللعب، فقال:
ولم يلهني دار ولا رسم منزل ... ولم يتطرّبني بنان مخضّب
/ فقال: ما يطربك يا بن أخي؟ فقال:
ولا السانحات البارحات عشية ... أمرّ سليم القرن أم مرّ أعضب؟
فقال: أجل، لا تتطيّر، فقال:
ولكن إلى أهل الفضائل والنّهى ... وخير بني حوّاء والخير يطلب
فقال: ومن هؤلاء؟ ويحك! فقال:
إلى النّفر البيض الّذين بحبّهم ... إلى اللّه فيما نابني أتقرّب
قال: أرحني ويحك! من هؤلاء؟ قال:
بني هاشم رهط النبيّ فإنني ... بهم ولهم أرضى مرارا وأغضب
خفضت لهم منّي جناحي مودّة ... إلى كنف عطفاه؛ أهل ومرحب
وكنت لهم من هؤلاء وهؤلا ... محبّا [2]، على أنّي أذمّ وأقصب [3]
وأرمى وأرمي بالعداوة أهلها ... وإني لأوذى فيهم وأؤنّب
فقال له الفردزق: بابن أخي، أذع ثم أذع؛ فأنت واللّه أشعر من مضى، وأشعر من بقى.
معارضته قصيدة لذي الرمة
أخبرني الحسن، قال: حدثنا الحسن بن عليل العنزيّ، قال: حدثني أحمد بن بكير، قال: حدثني محمد بن أنس، قال: حدثني محمد بن سهل راوية الكميت عن الكميت، قال:
لم قدم ذو الرّمة أتيته فقلت له: إني قد قلت قصيدة عارضت بها قصيدتك:
/ ما بال عينك منها الماء ينسكب [4]
فقال لي: وأيّ شيء قلت؟ قال: قلت:
__________
[1] الهاشميات 36.
[2] الهاشميات: «مجنّا».
[3] في س: «و أعضب». وقصبه، أي عابه وشتمه، والمثبت ما في الهاشميات.
[4] ديوانه أ، وتمامه:
كأنه من كلى مفريّة سرب
هل أنت عن طلب الأيفاع [1] منقلب ... أم كيف يحسن من ذي الشّيبة اللّعب؟!
حتى أنشدته إياها، فقال لي: ويحك! إنك لتقول قولا ما يقدر إنسان أن يقول لك أصبت ولا أخطأت، وذلك أنك تصف الشيء فلا تجيء به، ولا تقع بعيد منه، بل تقع قريبا. قلت له: أو تدري لم ذلك؟ قال: لا، قلت:
لأنك تصف شيئا رأيته بعينك، وأنا أصف شيئا وصف لي، وليست المعاينة كالوصف. قال: فسكت [2].
علمه بالبادية عن وصف جدتيه
أخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن عمّار، قال: حدثنا يعقوب بن إسرائيل، قال: حدثني إسماعيل بن عبد اللّه الطلحيّ، عن محمد بن سلمة بن أرتبيل، عن حمّاد الراوية، قال:
كانت للكميت جدّتان أدركتا الجاهلية، فكانتا تصفان له البادية وأمورها وتخبرانه بأخبار الناس في الجاهلية، فإذا شكّ في شعر أو خبر عرضه عليهما فيخبرانه عنه، فمن هناك كان علمه.
أخبرني الحسن بن القاسم البجليّ/ الكوفيّ، قال: حدثنا عليّ بن إبراهيم بن المعلّى، قال: حدثنا محمد بن فضيل - يعني الصّيرفيّ - عن أبي بكر الحضرميّ، قال:
/ استأذنت للكميت على أبي جعفر محمد بن عليّ - عليهما السلام - في أيام التّشريق بمنى، فأذن له، فقال له الكميت: جعلت فداك! إنّي قلت فيكم شعرا أحبّ أن أنشدكه. فقال: يا كميت، اذكر اللّه في هذه الأيام المعلومات، وفي هذه الأيام المعدودات، فأعاد عليه الميت القول، فرقّ له أبو جعفر - عليه السّلام - فقال:
هات، فأنشده قصيدته حتى بلغ [3]:
يصيب به الرّامون عن قوس غيرهم ... فيا آخرا سدّى له الغيّ أوّل [4]
فرفع أبو جعفر يديه إلى السماء وقال: اللهم اغفر للكميت.
استئذاته أبا جعفر في مدح بني أمية
أخبرني جعفر بن محمد بن مروان الغزّال الكوفيّ، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا أرطاة بن حبيب، عن فضيل الرّسّان، عن ورد بن زيد أخي الكميت، قال:
أرسلني الكميت إلى أبي جعفر، فقلت له: إن الكميت أرسلني إليك، وقد صنع بنفسه ما صنع، فتأذن له أن يمدح بني أمية؟ قال: نعم، هو في حلّ فليقل ما شاء.
أخبرني محمد بن العباس، قال: أخبرني عمّي عن عبيد اللّه بن محمد بن حبيب، عن ابن كناسة، قال:
مات ورد أخو الكميت، فقيل للكميت: ألا ترثي أخاك؟ فقال: مرثيته ومرزيته عندي سواء، وإني لا أطيق أن أرثيه جزعا عليه.
__________
[1] الأيقاع: يريد بالأيفاع الكواعب التي شارفت البلوغ.
[2] الموشح 307، والأغاني 1: 348.
[3] الهاشميات 71.
[4] انظر الحاشية رقم 2 ص 24.
روايته للحديث
وقد روى الكميت بن زيد الحديث، وروي عنه.
أخبرني جعفر بن محمد بن عبيد بن عتبة في كتابه إليّ، قال: حدثني/ الحسين بن محمد بن عليّ الأزديّ، قال: حدثني الوليد بن صالح، قال: حدثني محمد بن سعيد بن عمير الصّيداويّ، عن أبيه، عن الكميت بن زيد، قال:
حدثني عكرمة أنّ عبد اللّه بن عبّاس بعثه مع الحسين بن عليّ - عليهما السّلام - فجعل يهلّ [1] حتى رمى جمرة العقبة، أو حين رمى جمرة العقبة، فسألته عن ذلك، فأخبرني أنّ أباه فعله، فحدّثت به ابن عباس، فقال لي: لا أمّ لك! أتسألني عن شيء أخبرك به الحسين بن علي عن أبيه! واللّه إنها لسنّة.
أخبرنا أبو الحسن بن سراج الجاحظ، قال: حدثنا مسروق بن عبد الرحمن أبو صالح، عن الحسن بن محمد بن أعين، عن حفص بن محمد الأسدي، قال: حدثنا الكميت بن زيد عن مذكور مولى زينب، عن زينب، قالت:
دخل عليّ النبيّ صلّى اللّه عليه وسلم وأنا فضل [2]، قالت: فقلت بيدي هكذا - واستترت - قالت: فقال لي: إنّ اللّه عزّ وجلّ زوّجنيك.
روايته للتفسير
حدثني أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة، قال: حدثني أحمد بن سراج، قال: حدثني الحسن بن أيوب الخثعميّ، قال: حدثنا فرات بن حبيب الأسديّ قال: حدثني أبي حبيب بن أبي سليمان، قال:
حدثني الكميت بن زيد، قال: سألت أبا جعفر عن قول اللّه عزّ وجلّ:/ إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ
[3]. قال: دخلت أنا وأبي إلى أبي سعيد الخدريّ، فسأله أبي عنها، فقال: معاد آخرته: الموت.
يعتذر إلى أبي جعفر محمد بن علي
أخبرني محمد بن خلف وكيع، قال: حدثني إسحاق بن محمد بن أبان، قال: حدثني محمد بن عبد اللّه بن مهران، قال: حدثني ربعيّ بن عبد اللّه بن الجارود بن أبي سبرة، عن أبيه، قال:
دخل الكميت بن زيد الأسديّ على أبي جعفر محمد بن عليّ، عليهما السلام، فقال له: يا كميت! أنت القائل:
/فالآن صرت إلى أميّة ... والأمور إلى المصاير
قال: نعم، قد قلت، ولا واللّه ما أردت به إلّا الدنيا، ولقد عرفت فضلكم، قال: أما أن قلت ذلك فإنّ التقيّة لتحلّ.
__________
[1] يهل: يرفع صوته.
[2] فضل، أي في ثوب واحد؛ وفي أ: «أصلي».
[3] سورة القصص 85.
رأي معاذ الهراء في شعره
أخبرني محمد بن القاسم الأنباريّ، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا الحسن بن عبد الرحمن الرّبعيّ، قال:
حدثنا أحمد بن بكير الأسديّ قال: حدثنا محمد بن أنس السّلامي الأسديّ قال:
سئل معاذ الهرّاء: من أشعر الناس؟ قال: أمن الجاهليين أم من الإسلاميين؟ قالوا: بل من الجاهليين. قال:
امرؤ القيس، وزهير، وعبيد بن الأبرص. قالوا: فمن الإسلاميين؟ قال: الفرزدق، وجرير، والأخطل، والرّاعي.
قال: فقيل له: يا أبا محمد، ما رأيناك ذكرت الكميت فيمن ذكرت. قال: ذاك أشعر الأوّلين والآخرين.
لم يخرج مع زيد بن علي
أخبرني الحسن بن عليّ قال: حدثنا محمد بن زكريا الغلّابيّ، قال: حدثنا العباس بن بكّار، قال: حدثنا أبو بكر الهذليّ، قال:
/ لمّا خرج زيد بن عليّ كتب إلى الكميت: اخرج معنا يا أعيمش، ألست القائل [1]:
ما أبالي - إذا حفظت أبا القا ... سم - فيكم ملامة اللوّام
فكتب إليه الكميت:
تجود لكم نفسي بما دون وثبة ... تظلّ لها الغربان حولي تحجل
أخبرني محمد بن العباس اليزيديّ، قال: حدثني عمّي عن عبيد اللّه بن محمد بن حبيب، عن محمد بن كناسة، قال:
لما أنشد هشام بن عبد الملك قول الكميت [2]:
فبهم صرت للبعيد ابن عمّ ... واتّهمت القريب أيّ اتّهام
مبديا صفحتي على الموقف المعلم، باللّه قوّتي واعتصامي [3] قال: استقتل المرائي.
مدحه خالد القسري
قال: ودخل الكميت على خالد القسريّ، فأنشده قوله فيه [4]:
لو قيل للجود: من حليفك؟ ما ... إن كان إلّا إليك ينتسب
أنت أخوه وأنت صورته ... والرأس منه، وغيرك الذّنب
أحرزت فضل النّضال في مهل ... فكلّ يوم بكفّك القصب
لو أنّ كعبا وحاتما نشرا ... كانا جميعا من بعض ما تهب
__________
[1] الهاشميات 33.
[2] الهاشميات 33.
[3] الهاشميات: «عزتي».
[4] الهاشميات 90.
/
لا تخلف الوعد إن وعدت ولا ... أنت عن المعتفين تحتجب
ما دونك اليوم من نوال، ولا ... خلفك للراغبين منقلب [1]
فأمر له بمائة ألف درهم.
المستهل وعيسى بن موسى
قال: وحضر المستهلّ بن الكميت باب عيسى بن موسى - وكان يكرمه - فبلغه أنه قد غلب عليه الشراب، فاستخفّ به، وكان آخر من يدخل إلى عيسى بن موسى قوم يقال لهم الرّاشدون يؤذن لهم في القعود، فأدخل المستهلّ معهم، فقال:
أ لم تر أنّي لما حضرت ... دعيت فكنت مع الرّاشدينا
ففزت بأحسن أسمائهم ... وأقبح منطلة الدّاخلينا
إنشاده مخلد بن يزيد بن المهلب
أخبرني حبيب بن نصر المهلّبيّ، قال: حدثنا عمر بن شبّة، قال:
دخل الكميت على مخلد بن/ يزيد بن المهلب، فأنشده [2]:
قاد الجيوش لخمس عشرة حجّة ... ولداته عن ذاك في أشغال [3]
قعدت بهم همّاتهم وسمت به ... همم الملوك وسورة الأبطال
قال: وقدّام مخلد دراهم يقال لها الرّويجة، فقال: خذ وقرك [4] منها. فقال له: البغلة بالباب، وهي أجلد منّي، فقال: خذ وقرها، فأخذ أربعة وعشرين ألف درهم، فقيل لأبيه في ذلك، فقال: لا أردّ مكرمة فعلها ابني.
إذا قال أحب أن يحسن
أخبرني محمد بن خلف وكيع، قال: حدثني أبو بكر الأمويّ، قال: حدثنا ابن فضيل، قال:
/ سمعت ابن شبرمة، قال: قلت للكميت: إنك قلت في بني هاشم فأحسنت، وقلت في بني أمية أفضل، قال: إني إذا قلت أحببت أن أحسن.
طويل أصم لا يجيد الإنشاد
أخبرني الحسن بن عليّ ومحمد بن عمراه الصيرفيّ، قالا: حدثنا الحسن بن عليل العنزيّ، قال: حدثنا محمد بن معاوية، عن ابن كناسة، قال:
كان الكميت بن زيد طويلا أصمّ، ولم يكن حسن الصوت ولا جيّد الإنشاد، فكان إذا استنشد أمر ابنه المستهلّ فأنشد، وكان فصيحا حسن الإنشاد [5].
__________
[1] في أ: «مطّلب».
[2] الهاشميات 88.
[3] لداته: أنداده.
[4] الوقر، بالكسر: الحمل الثّقيل.
[5] انظر الأغاني 10: 321، والمختار 6: 287.
سبب هجائه أهل اليمن
أخبرني عمي وابن عمار، قالا: حدثنا يعقوب بن إسرائيل، قال: حدثنا إبراهيم بن عبد اللّه الطلحيّ، عن محمد بن سلمة بن أرتبيل:
أنّ سبب هجاء الكميت أهل اليمن، أنّ شاعرا من أهل الشام يقال له حكيم بن عيّاش الكلبيّ كان يهجو عليّ بن أبي طالب - عليه السّلام - وبني هاشم جميعا، وكان منقطعا إلى بني أمية، فانتدب له الكميت فهجاه وسبّه، فأجابه ولجّ الهجاء بينهما، وكان الكميت يخاف أن يفتضح في شعره عن عليّ - عليه السّلام - لما وقع بينه وبين هشام، وكان يظهر أنّ هجاءه إياه في العصبية التي بين عدنان وقحطان، فكان ولد إسماعيل بن الصبّاح بن الأشعث ابن قيس وولد علقمة بن وائل الحضرميّ يروون [1] شعر الكلبيّ، فهجا أهل اليمن جميعا إلّا هذين، فإنه قال في آل علقمة:
ولولا آل علقمة اجتدعنا ... بقايا من أنوف مصلّمينا [2]
/و قال في إسماعيل:
فإنّ لإسماعيل حقّا، وإننا ... له شاعبو الصّدع المقارب للشّعب
وكانت لآل علقمة عنده يد؛ لأنّ علقمة آواه ليلة خرج إلى الشّام، وأمّ إسماعيل من بني أسد، فكفّ عنهما لذلك.
قال الطلحيّ: قال أبو سلمة: حدثني محمد بن سهل، قال: قال الكلبيّ:
ما سرّني أنّ أمّي من بني أسد ... وأنّ ربّي نجّاني من النار
وأنهم زوّجوني من بناتهم ... وأنّ لي كل يوم ألف دينار
فأجابه الكميت:
يا كلب مالك أمّ من بني أسد ... معروفة فاحترق يا كلب بالنار
لكنّ أمّك من قوم شنئت بهم ... قد قنّعوك قناع الخزي والعار
قال: فقال له الكلبي:
/لن يبرح اللّؤم هذا الحيّ من أسد ... حتى يفرّق بين السّبت والأحد [3]
قال محمد بن أنس: حدثني المستهلّ بن الكميت، قال: قلت لأبي: يا أبت، إنك هجوت الكلبيّ، فقلت:
ألا يا سلم يا تربي [4] ... أفي أسماء من ترب؟
وغمزت عليه فيها، ففخرت ببني أمية، وأنت تشهد عليها بالكفر، فألا فخرت بعليّ وبني هاشم الذين
__________
[1] في أ: «يردّون».
[2] الشعر والشعراء 509، 510.
[3] في أ: «حتى أفرق».
[4] انظر «م».
تتولّاهم! فقال: يا بنيّ، أنت تعلم انقطاع الكلبيّ إلى بني أمية، وهم أعداء عليّ عليه السّلام، فلو ذكرت عليّا لترك/ ذكري، وأقبل على هجائه، فأكون قد عرّضت عليّا له، ولا أجد له ناصرا من بني ففخرت عليه ببني أمية، وقلت: إن نقضها عليّ قتلوه، وإن أمسك عن ذكرهم قتلته غمّا وغلبته؛ فكان كما قال، أمسك الكلبيّ عن جوابه، فغلب عليه، وأفحم الكلبيّ.
وفي أول هذه القصيدة غناء نسبته.
صوت
ألا يا سلم يا تربي [1] ... أفي أسماء من ترب؟
ألا يا سلم حيّيت ... سلي عنّي وعن صحبي
ألا يا سلم غنّينا ... وإن هيّجتما حبّي
على حادثة الأيا ... م لي نصبا من النّصب [2]
الغناء لابن سريج ثقيل أول بالبنصر عن عمرو.
يحاول إطلاق سراح أبان بن الوليد البجلي
أخبرني علي بن سليمان الأخفش، قال: أخبرني أبو سعيد السّكّريّ، عن محمد بن حبيب، عن إبراهيم بن عبد اللّه الطلحيّ، قال: قال محمد بن سلمة:
كان الكميت مدّاحا لأبان بن الوليد البجليّ، وكان أبان له محبّا وإليه محسنا، فمدح الكميت الحكم بن الصّلت، وهو يومئذ يخلف يوسف بن عمر، بقصيدته التي أولها:
طربت وهاجك الشوق الحثيث
فلما أنشده إياها وفرغ، دعا الحكم بخازنه ليعطيه الجائزة، ثم دعا بأبان بن الوليد، فأدخل إليه وهو مكبّل بالحديد، فطالبه بالمال، فالتفت الكميت/ فرآه، فدمعت عيناه، وأقبل على الحكم، فقال: أصلح اللّه الأمير! اجعل جائزتي لأبان، واحتسب بها له من هذا النّجم. فقال له الحكم: قد فعلت، ردّوه إلى السجن. فقال له أبان:
يا أبا المستهلّ، ما حلّ له عليّ شيء بعد. فقال الكميت للحكم: أبي تسخر أصلح اللّه الأمير! فقال الحكم: كذب، قد حلّ عليه المال، ولو لم يحلّ لا حتسبنا له مما يحلّ.
تعريضه بحوشب بن يزيد الشيباني
فقال له حوشب بن يزيد الشيباني - وكان خليفة الحكم - : أصلح اللّه الأمير، أتشفّع حمار بني أسد في عبد بجيلة؟ فقال له الكميت: لئن قلت ذاك فو اللّه ما فررنا عن آبائنا حتى قتلوا، ولا نكحنا حلائل آبائنا بعد أن ماتوا - وكان يقال إنّ حوشبا فرّ عن أبيه في بعض الحروب، فقتل أبوه ونجا هو، ويقال: إنه وطىء جارية لأبيه بعد وفاته - فسكت حوشب مفحما خجلا، فقال له الحكم: ما كان تعرّضك للسان الكميت!.
__________
[1] انظر «م».
[2] غناء يشبه الحداء إلا أنه أرق منه.
قال: وفي حوشب يقول الشاعر:
نجّى حشاشته وأسلم شيخه ... لمّا رأى وقع الأسنّة حوشب
ابنته ريا وفاطمة بنت أبان بن الوليد
/ قال الطّلحيّ في هذه الخبر: وحدثني إبراهيم بن علي الأسديّ قال:
التقت ريّا بنت الكميت بن زيد، وفاطمة بنت أبان بن الوليد بمكة، وهما حاجّتان، فتساءلتا حتى تعارفتا، فدفعت بنت أبان إلى بنت الكميت خلخالي ذهب كانا عليها، فقالت لها بنت الكميت: جزاكم اللّه خيرا يا آل أبان، فما تتركون برّكم بنا قديما ولا حديثا! فقالت لها بنت أبان: بل أنتم، فجزاكم اللّه خيرا؛ فإنّا أعطيناكم ما يبيد ويفنى، وأعطيتمونا من المجد والشرف ما يبقى أبدا ولا يبيد، يتناشده الناس في المحافل فيحيي ميّت الذكر، ويرفع بقية العقب.
مولده وموته ومبلغ شعره
أخبرني عمي وابن عمّار، قالا: حدثنا يعقوب بن نعيم، قال: حدثنا إبراهيم بن عبد اللّه بن زيد الخصّاف الطلحيّ، قال: قال محمد بن سلمد بن أرتبيل:
ولد الكميت أيام مقتل الحسين بن عليّ سنة ستين، ومات في سنة ستّ وعشرين ومائة، في خلافة مروان بن محمد، وكان مبلغ شعره حين مات خمسة آلاف ومائتين وتسعة وثمانين بيتا.
وقال يعقوب بن إسرائيل في رواية عمّي خاصة عنه: حدّثت عن المستهلّ بن الكميت أنه قال: حضرت أبي عند الموت وهو يجود بنفسه، ثم أفاق ففتح عينيه، ثم قال: اللهمّ آل محمد، اللهم آل محمد، اللهم آل محمد - ثلاثا - قال لي: يا بنيّ؛ وددت أني لم أكن هجوت نساء بني كلب بهذا البيت:
مع العضروط والعسفاء ألقوا ... برادعهنّ غير محصّنينا [1]
وصيته لابنه في دفنه
فعممتهنّ قذفا بالفجور، واللّه ما خرجت بليل قطّ إلّا خشيت أن أرمى بنجوم السماء لذلك. ثم قال: يا بنيّ؛ إنه بلغني في الروايات أنه يحفر بظهر الكوفة خندق يخرج فيه الموتى من قبورهم وينبشون منها، فيحوّلون إلى قبور غير قبورهم، فلا تدفنّي في الظهر، ولكن إذا متّ فامض بي إلى موضع يقال له مكران، فادفنّي فيه. فدفن في ذلك الموضع وكان أول من دفن فيه، هي مقبرة بني أسد إلى الساعة.
قال المستهلّ: ومات أبي في خلافة مروان بن محمد سنة ستّ وعشرين ومائة.
صوت
شعر لعمر بن أبي ربيعة:
أستعين الذي بكفّيه نفعي ... ورجائي على الّتي قتلتني
ولقد كنت قد عرفت وأبصر ... ت أمورا لو أنّها نفعتني
__________
[1] العضروط: لخادم على طعام بطنه، والعسيف: الأجير أو العبد المستعان به، وجمعه عسفاء، وفي أ: «براذعهن». وهما بمعنى.
قلت: إني أهوى شفا ما ألاقي ... من خطوب تتابعت فدحتني
عروضه من السريع [1]، يقال: إن الشعر العمر، والغناء لابن سريج ثقيل أول بالوسطى، عن حمّاد عن أبيه، وفيه لحن للهذليّ. وقيل: بل لحن ابن سريج للهذليّ، ذكر ذلك حبش. وقيل: بل هو مما نسب من غناء ابن سريج إلى الهذليّ.
__________
[1] كذا في أصول الأغاني، والبيت عروضه من البحر الخفيف.
2 - خبر ابن سريج مع سكينة بنت الحسين عليهما السّلام
أخبرني الحسين بن يحيى، عن حماد، عن أبيه، عن مصعب الزّبيريّ، قال: حدثني شيخ من المكيّين، ووجدت هذا الخبر أيضا في بعض الكتب مرويّا عن محمد بن سعد كاتب الواقدي، عن مصعب، عن شيخ من المكيّين، والرواية عنهما متّفقة، قال:
امتناعه من الغناء وقدومه المدينة للاستشفاء
كان ابن سريج قد أصابته/ الريح الخبيثة، وآلى يمينا ألّا يغنّي، ونسك ولزم المسجد الحرام حتى عوفي. ثم خرج وفيه بقيّة من العلّة، فأتى قبر النبيّ صلّى اللّه عليه وسلم وموضع مصلّاة.
فلما قدم المدينة نزل على بعض إخوانه من أهل النّسك والقراءة، فكان أهل الغناء يأتونه مسلّمين عليه، فلا يأذن لهم في الجلوس والمحادثة، فأقام بالمدينة حولا حتى لم يحسّ من علّته بشيء، وأراد الشخوص إلى مكة.
سكينة ترغب في الاستماع منه
وبلغ ذلك سكينة بنت الحسين، فاغتمّت اغتماما شديدا، وضاق به ذرعها، وكان أشعب يخدمها، وكانت تأنس بمضاحكته ونوادره، وقالت لأشعب: ويلك! إنّ ابن سريج شخص، وقد دخل المدينة منذ حول، ولم أسمع من غنائه قليلا ولا كثيرا، ويعزّ ذلك عليّ، فكيف الحيلة في الاستماع منه، ولو صوتا واحدا؟ فقال لها أشعب:
جعلت فداك! وأنّى لك بذلك والرجل اليوم زاهد ولا حيلة فيه؟ فارفعي طمعك، والحسي تورك [1] تنفعك حلاوة فمك.
/ فأمرت بعض جواريها فوطئن بطنه حتى كادت أن تخرج أمعاؤه، وخنقنه حتى كادت نفسه أن تتلف، ثم أمرت به فسحب على وجهه حتى أخرج من الدار إخراجا عنيفا. فخرج على أسوإ الحالات، واغتمّ أشعب غمّا شديدا، وندم على ممازحتها في وقت لم ينبغ له ذلك؛ فأتى منزل ابن سريج ليلا فطرقه، فقيل: من هذا؟ فقال:
أشعب، ففتحوا له، فرأى على وجهه ولحيته التراب، والدّم سائلا من أنفه وجبهته على لحيته، وثيابه ممزّقة، وبطنه وصدره وحلقه قد عصرها الدّوس والخنق، ومات الدم فيها، فنظر ابن سريج إلى منظر فظيع هاله وراعه، فقال له:
ما هذا ويحك؟ فقصّ عليه القصة.
امتناعه من الذهاب إليها
فقال ابن سريج: إنا للّه وإنا إليه راجعون! ماذا نزل بك؟ والحمد للّه الذي سلّم نفسك، لا تعودنّ إلى هذه
__________
[1] في بعض النسخ: وامسحي بوزك. والمثبت في (ج) والتّور بالفتح: إناء يشرب فيه.
أبدا. قال أشعب: فديتك هي مولاتي ولا بدّ لي منها، ولكن هل لك حيلة في أن تصير إليها وتغنّيها؛ فيكون ذلك سببا لرضاها عني؟ قال ابن سريج: كلّا واللّه لا يكون ذلك أبدا بعد أن تركته.
قال أشعب: قد قطعت أملي ورفعت رزقي، وتركتني حيران بالمدينة، لا يقبلني أحد وهي ساخطة عليّ، فاللّه اللّه فيّ، وأنا أنشدك إلّا تحمّلت هذا الإثم فيّ، فأبى عليه.
حيلة أشعب لإرغامه
فلما رأى أشعب أنّ عزم ابن سريج قد تمّ على الامتناع قال في نفسه: لا حيلة لي، وهذا خارج، وإن خرج هلكت، فصرخ صرخة آذن أهل المدينة لها، ونبّه الجيران من رقادهم، وأقام الناس من فرشهم، ثم سكت، فلم يدر الناس ما القصّة عند خفوت الصّوت بعد أن قد راعهم.
فقال له ابن سريج: ويلك! ما هذا؟ قال: لئن لم تصر معي إليها/ لأصرخنّ أخرى لا يبقى بالمدينة أحد إلّا صار بالباب، ثم لأفتحنّه ولأرينّهم ما بي، ولأعلمنّهم أنك أردت تفعل كذا وكذا بفلان - يعني غلاما كان ابن سريج مشهورا به - فمنعتك، وخلّصت الغلام من يدك حتى فتح الباب ومضى؛ ففعلت بي هذا غيظان وتأسّفا، وأنك إنما أظهرت النّسك والقراءة لتظفر بحاجتك منه، وكان أهل مكة والمدينة يعلمون حاله معه. فقال ابن سريج:
اغرب، أخزاك اللّه. قال أشعب: واللّه الذي لا إله إلا هو، وإلا فما أملك صدقة [1]، وامرأته طالق [2] ثلاثا، وهو نحير [3] في مقام إبراهيم، والكعبة، وبيت النار، والقبر قبر أبي رغال [4] إن أنت/ لم تنهض معي في ليلتي هذه لأفعلنّ.
قبوله الذهاب إلى منزل سكينة
فلما رأى ابن سريج الجدّ منه قال لصاحبه: ويحك! أما ترى ما وقعنا فيه؟! وكان صاحبه الذي نزل عنده ناسكا؛ فقال: لا أدري ما أقول فيما نزل بنا من هذا الخبيث. وتذمّم ابن سريج من الرجل صاحب المنزل فقال لأشعب: اخرج من منزل الرجل. فقال: رجلي مع رجلك، فخرجا.
/ فلما صارا في بعض الطريق قال ابن سريج لأشعب: امض عنّي. قال: واللّه لئن لم تفعل ما قلت لأصيحنّ الساعة حتى يجتمع الناس، ولأقولنّ: إنك أخذت مني سوارا من ذهب لسكينة على أن تجيئها فتغنّيها سرّا، وإنك كابرتني عليه وجحدتني، وفعلت بي هذا الفعل.
فوقع ابن سريج فيما لا حيلة له فيه. فقال: أمضي، لا بارك اللّه فيك. فمضى معه.
__________
[1] في أ: «أصدقه».
[2] في أ: «و امرأته الطلاق ثلاثا».
[3] نحير، أي مذبوح؛ والكلمة محرفة في الأصول.
[4] في القاموس: رغال، ككتاب وفي سنن أبي داود، ودلائل النبوة وغيرهما عن أبن عمر، سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم حين خرجنا إلى الطائف، فمررنا بقبر، فقال: هذا قبر أبي رغال، وهو من ثقيف، وكان من ثمود، وكان بهذا الحرم يدفع عنه، فلما خرج منه أصابته النقمة التي أصابت قومه بهذا المكان، فدفن فيه. وقول الجوهري: «كان دليلا للحبشة حين توجهوا إلى مكة فمات في الطريق، غير جيد. وكذا قول ابن سيده: «كان عبدا لشعيب، وكان عشارا جائرا». (رغل).
استعفاؤه وإباء سكينة
فلمّا صار إلى باب سكينة قرع الباب، فقيل: من هذا؟ فقال: أشعب قد جاء بابن سريج، ففتح الباب لهما، ودخلا إلى حجرة خارجة عن دار سكينة، فجلسا ساعة، ثم أذن لهما فدخلا إلى سكينة، فقالت: يا عبيد، ما هذا الجفاء؟ قال: قد علمت بأبي أنت ما كان مني. قالت: أجل، فتحدّثا ساعة، وقصّ عليها ما صنع به أشعب، فضحكت، وقالت: لقد أذهب ما كان في قلبي عليه، وأمرت لأشعب بعشرين دينارا وكسوة. ثم قال لها ابن سريج:
أ تأذنين بأبي أنت؟ قالت: وأين؟ قال: المنزل، قالت: برئت من جدّي إن برحت داري ثلاثا، وبرئت من جدّي إن أنت لم تغنّ إن خرجت من داري شهرا، وبرئت من جدّي إن أقمت في داري شهرا إن لم أضربك لكل يوم تقيم فيه عشرا، وبرئت من جدّي إن حنثت في يميني أو شفّعت فيك أحدا.
فقال عبيد: واسخنة عيناه! واذهاب دنياه! وافضيحتاه! ثم اندفع يغنّي:
أستعين الذي بكفّيه نفعي ... ورجائي على التي قتلتني
دملج سكينة في يده
الصوت المذكور آنفا. فقالت له سكينة: فهل عندك يا عبيد من صبر؟ ثم أخرجت دملجا [1] من ذهب كان في عضدها وزنه أربعون مثقالا، فرمت/ به إليه، ثم قالت: أقسمت عليك لما أدخلته في يدك، ففعل ذلك.
استدعاء عزة الميلاء
ثم قالت لأشعب: اذهب إلى عزّة [2] فاقرئها مني السلام، وأعلمها أنّ عبيدا عندنا، فلتأتنا متفضّلة بالزيارة.
فأتاها أشعب فأعلمها، فأسرعت المجيء، فتحدّثوا باقي ليلتهم. ثم أمرت عبيدا وأشعب فخرجا فناما في حجرة مواليها.
مجلس غناء
فلما أصبحت هيّىء لهم غداؤهم، وأذنت لابن سريج فدخل فتغدّى قريبا منها مع أشعب ومواليها، وقعدت هي مع عزّة وخاصّة جواريها، فلما فرغوا من الغداء قالت: يا عزّ، إن رأيت أن تغنّينا فافعلي. قالت: إي وعيشك.
فتغنّت لحنها في شعر عنترة العبسيّ [3]:
حيّيت من طلل تقادم عهده ... أقوى وأقفر بعد أمّ الهيثم
إن كنت أزمعت الفراق فإنما ... زمّت [4] ركابكم بليل مظلم
فقال ابن سريج: أحسنت واللّه يا عزّة! وأخرجت سكينة الدّملج الآخر من يدها فرمته إلى عزّة، وقالت:
صيّري هذا في يدك، ففعلت. ثم قالت لعبيد: هات غنّنا. فقال: حسبك ما سمعت البارحة. فقالت: لا بدّ أن تغنينا في كلّ يوم لحنا. فلما رأى ابن سريج أنه لا يقدر على/ الامتناع مما تسأله غنّى:
__________
[1] الدملج: السوار يلبس في العضد.
[2] هي عزّة الميلاء.
[3] ديوانه: 129.
[4] زمت، زممت البعير: خطسته وعلقت عليه الزمام.
قالت: من أنت؟ - على ذكر - فقلت لها: ... أنا الذي ساقه للحين مقدار [1]
قد حان منك - فلا تبعد بك الدار - ... بين وفي البين للمتبول إضرار
/ ثم قالت لعزّة في اليوم الثاني: غنّي، فغنّت لحنها في شعر الحارث بن خالد - ولابن محرز فيه لحن - ، ولحن عزّة أحسنهما:
وقرّت بها عيني، وقد كنت قبلها ... كثير البكاء مشتفقا من صدودها
وبشرة خود مثل تمثال بيعة ... تظلّ النصارى حوله يوم عيدها
قال ابن سريج: واللّه ما سمعت مثل هذا قطّ حسنا ولا طيبا.
ثم قالت لابن سريج: هات، فاندفع يغنّي:
أرقت فلم أنم طربا ... وبتّ مسهّدا نصبا
لطيف أحبّ خلق اللّه ... إنسانا وإن غضبا
فلم أردد مقالتها ... ولم أك عاتبها عتبا [2]
ولكن صرّمت تحبلي ... فأمسى الحبل منقضبا [3]
فقالت سكينة: قد علمت ما أردت بهذا، وقد شفّعناك، ولم نردّك. وإنما كانت يميني على ثلاثة أيام، فاذهب في حفظ اللّه وكلاءته.
ثم قالت لعزّة: إذا شئت. ودعت لها بحلّة، ولابن سريج بمثلها. فانصرفت عزّة، وأقام ابن سريج حتى انقضت ليلته، وانصرف، فمضى من وجهه إلى مكة راجعا.
أشعار وأصواتها.
نسبة الأصوات التي في هذا الخبر
منها:
صوت
حيّيت من طلل تقادم عهده ... أقوى وأقفر بعد أمّ الهيثم
/ الشّعر لعنترة بن شدّاد العبسيّ. والغناء لعزّة الميلاء، وقد كتب ذلك في أول هذه القصيدة وسائر ما يغنيّ فيها.
ومنها:
__________
[1] المقدار هنا: القدر، بفتحتين.
[2] العتب، بالتحريك: الكريهة والأمر الشديد.
[3] بعد هذا البيت في أ: «و ذكر باقي الأبيات الأربعة» ولم يكتب هذه الأبيات».
صوت
أرقت فلم أنم طربا ... وبتّ مسهّدا نصبا
لطيف احبّ خلق اللّه ... إنسانا وإن غضبا
إلى نفسي، وأوجههم ... وإن أمسى قد احتجبا
وصرّم حبلنا ظلما ... لبلغة كاشح كذبا [1]
عروضه من الوافر. الشعر لعمر بن أبي ربيعة، والغناء لابن سريج، ثقيل أوّل بالسبابة في مجرى البنصر.
ومنها قوله:
صوت
قد حان منك - فلا تبعد بك الدار - ... بين وفي البين للمتبول إضرار
قالت: من أنت؟ - على ذكر - فقلت لها: ... أنا الذي ساقني للحين مقدار
/ الشعر لعمر بن أبي ربيعة، والغناء لابن سريج، رمل بالسبابة في مجرى الوسطى.
ومنها الصوت الذي أوّله:
وقرّت بها عيني وقد كنت قبلها
أوله قوله:
صوت
لبشرة أسرى الطّيف والخبت دونها [2] ... وما بيننا من حزن أرض وبيدها
وقرّت بها عيني وقد كنت قبلها ... كثيرا بكائي مشفقا من صدودها
وبشرة خود مثل تمثال بيعة ... تظلّ النصارى حولها يوم عيدها
الشعر للحارث بن خالد المخزوميّ، والغناء لمعبد، خفيف ثقيل أول بالخنصر في مجرى الوسطى.
وذكر إسحاق هذه الطريقة في هذا الصّوت ولم ينسبها إلى أحد، ولابن محرز في هذه الأبيات ثقيل أول بالخنصر في مجرى الوسطى، وفيها لعزّة الميلاء خفيف رمل.
الحارث بن خالد المخزومي وبشرة
وبشرة هذه - التي ذكرها الحارث بن خالد - أمة كانت لعائشة بنت طلحة، وكان الحارث يكنى عن ذكر عائشة بها، وله فيها أشعار كثيرة.
منها مما يغنّي فيه قوله:
__________
[1] في «بيروت»: لقوله، والمثبت يتفق مع «الديوان.» والمبلغة يراد بها التبليغ.
[2] الخبت: المتسع من بطون الأرض.
صوت
يا ربع بشرة بالجناب تكلّم ... وأبن لنا خبرا ولا تستعجم
ما لي رأيتك بعد أهلك موحشا ... خلقا كحوض الباقر [1] المتهدّم
/ تسقي الضجيع إذا النجوم تغوّرت ... طوع الضجيع وغاية المتوسّم
قبّ البطون أوانس شبه الدّمى ... يخلطن ذاك بعفّة وتكرّم
عروضه من الكامل، والشعر للحارث بن خالد، والغناء لمعبد، ولحنه من خفيف الرمل بالسبابة في مجرى البنصر، عن إسحاق.
وفيه أيضا ثقيل أول بالوسطى على مذهب إسحاق في رواية عمرو، ومنها:
صوت
يا ربع بشرة إن أضرّ بك البلى ... فلقد عهدتك آهلا معمورا
عقب الرّذاذ خلافه فكأنما ... بسط الشّواطب بينهنّ حصيرا [2]
غنّاه ابن سريج، رمل بالسبابة في مجرى الوسطى، عن إسحاق، وفيه لحن لمالك، وقيل: بل هو لابن محرز. وعروضه من الكامل.
وقوله: «عقب الرّذاذ خلافه» يقول: جاء الرذاذ بعده، ومنه يقال: عقب لفلان غنى بعد فقر. وعقب الرجل أباه، إذا قام بعده مقامه. وعواقب الأمور مأخوذة منه، واحدتها عاقبة. والرذاذ: صغار المطر. وقوله خلافه: أي بعده. قالل متمم بن نويرة:
وفقدي بني أمّ تداعوا فلم أكن ... خلافهم أن أستكين [3] وأضرعا
أي بعدهم. والشّواطب: النساء اللواتي يشطبن لحاء السّعف يعملن منه الحصر، ومنه السيف المشطّب.
والشّطيبة: الشّعبة من الشيء، ويقال: بعثنا إلى فلان شطيبة من خيلنا، أي قطعة.
مغنية وبيت شعر للحارث المخزومي
أخبرني الحسين بن يحيى، عن حماد، عن أبيه، قال: كانت مغنّية تختلف إلى صديق لها، فأتته يوما، فوجدته مريضا لا حراك به، فدعت بالعود وغنّت:
/يا ربع بشرة إن أضر بك البلى ... فلقد عهدتك آهلا معمورا
ومما يغنّي به فيه من هذه الأبيات الرائية:
__________
[1] الباقر: اسم جمع للبقر.
[2] «اللسان» «خلف» بنسبته إلى الحارث بن خالد المخزومي.
[3] في النسخ: «لأستكين فأضرعا». والمثبت من «اللسان».
صوت
أعرفت أطلال الرّسوم تنكّرت ... بعدي وغيّر آيهنّ دثورا
وتبدّلت بعد الأنيس بأهلها ... عفر البواقر [1] يرتعين وعورا
من كل مصبية الحديث ترى لها ... كفلا كرابية الكثيب وثيرا
الأطلال: ما شخص من آثار الدّيار. الرسوم: البقايا من الديار، وهي دون الأطلال وأخفى منها. وتنكّرت:
تغيّرت. والدّاثر: الدارس. والعفر: الظباء، واحدها أعفر. والوعور: المواضع التي لا أنيس فيها. والرّبية: الأرض المشرفة، وهي دون الجبل. والكثيب: القطعة العالية المرتفعة من الرّمل، جمعها كثب. والوثير: التامّ المرتفع، يقال: فراش وثير إذا كان مرتفعا عن الأرض.
لإسحاق الموصليّ في البيتين الأوّلين ثاني ثقيل بالبنصر، ولإبراهيم فيها خفيف ثقيل بالسبّابة في مجرى الوسطى، ولطويس فيهما خفيف ثقيل. وقيل: إنه ليس له. ولابن سريج في الثالث ثم الأول خفيف رمل، وقيل:
/ بل هو لخليدة المكّيّة. وفي البيت الأول والثاني لمالك رمل بالوسطى، وقيل: الرمل لطويس، وخفيف الثقيل لمالك. ولمعبد في هذا الصوت لحنان: أحدهما ثقيل أول مطلق في مجرى الوسطى، والآخر خفيف ثقيل أول.
ومنها:
صوت
يا دار حسّرها البلى تحسيرا ... وسفت عليها الريح بعدك مورا
دقّ التراب بخيلها [2] فمخيّم ... بعراصها ومسيّر تسييرا
غنّى في هذين البيتين ابن مسجح خفيف ثقيل الأول بالسبابة في مجرى الوسطى. وللغريض في: «أعرفت أطلال الرسوم» وما بعده ثقيل أول بالبنصر، وللغريض أيضا ثاني ثقيل مطلق في مجرى الوسطى.
حسّرها: أذهب معالمها، ومنه حسر الرجل عن ذراعه وعن رأسه إذا كشفهما. وحسر الصلع شعر الرأس، إذا حصّه [3]. والمور: التراب، والمخيّم: المقيم.
ومنها صوت، أوله:
من كلّ مصيبة الحديث ترى لها [4] ... كفلا كرابية الكثيب وثيرا
يفتنّ - لا يألون - كلّ مغفّل ... يملأنه بحديثهنّ سرورا
/ ومنها:
__________
[1] في أ: «عفر اليعافر» واليعافر: جمع يعفور، وهو الغزال.
[2] المثبت من «ج».
[3] الحصّ: حلق الشعر.
[4] المصيبة: التي يشوق حديثها ويستهوي السامع.
صوت
دع ذا ولكن هل رأيت ظعائنا ... قرّبن أجمالا لهنّ قحورا؟!
قرّبن كلّ مخيّس متحمّل ... بزلا تشبّه هامهنّ قبورا
القحور: واحدها قحر، وهو المسنّ. والمخيّس: المحبوس للرحلة. والمتحمّل: معتاد الحمل.
وفي هذه الأربعة الأبيات للغريض اللّحن الذي ذكرناه. ولابن جامع في:
دع ذا ولكن هل رأيت ظعائنا
والذي بعده ثاني ثقيل بالوسطى.
/ ومنها:
صوت
إن يمس حبلك بعد طول تواصل ... خلقا ويصبح بيتكم مهجورا
فلقد أراني - والجديد إلى بلى - ... زمنا بوصلك راضيا مسرورا
جذلا بمالي عندكم لا أبتغي ... للنفس بعدك خلّة وعشيرا
كنت الهوى وأعزّ من وطىء الحصا ... عندي، وكنت بذاك منك جديرا
لإبراهيم الموصليّ، ويحيى المكّيّ في هذه الأبيات لحنان، كلاهما من الثقيل الثاني؛ فلحن إبراهيم بالوسطى، ولحن يحيى بالبنصر، ولإسحاق فيهما رمل. وقيل: إنّ لابن سريج فيهما أيضا لحنا آخر.
مغنية تعبر عن حالها ببيتين من شعر الحارث
أخبرني الحسين بن يحيى، عن حماد، عن أبيه، قال:
حدثني رجل من أهل البصرة، قال: اشتريت جارية مغنيّة، عندي زمنا وهويتني، وكرهت أن يراها أهلي، فعرضتها للبيع، فجزعت، وقالت: لقد اشتريتني وأنا لك كارهة، وإنك لتبيعني وأنا لذلك كارهة. فقال أخ لي: أرنيها، فقلت: هي عند فلانة، فانظر إليها، فأتاها فنظر إليها وأنا حاضر، فلما اعترضها وفرغ من ذلك غنّت:
إن يمس حبلك بعد طول تواصل ... خلقا ويصبح بيتكم مهجورا
فلقد أراني - والجديد إلى بلى - ... زمنا بوصلك راضيا مسرورا
ثم بكت، وضربت بالعود الأرض فكسرته، فخيّرتها بين أنّ أعتقها أو أبيعها ممن شاءت، فاختارت البيع، وطلبت موضعا ترضاه حتى أصابته، فصيّرتها إليه.
أخبرني يحيى بن عليّ، قال: حدثني أبو أيوب المدائني، قال: حدثني إبراهيم بن علي بن هشام، قال:
حدثتني جارية يقال لها طباع - جارية محمد بن سهل بن فرخنّد - قالت: غنيت إسحاق في لحنه:
أعرفت أطلال الرسوم تنكرت ... بعدي ............... ......
إسحاق ينكر على مخارق في أداء لحن له
فأنكر عليّ في مقاطعة شيئا، وقال: ممن أخذته؟ فقلت: من مخارق، فقال لي: تعثّر الجواد [1] بل هو كما أقول لك، وردّه عليّ، فهو يقال كما يقول مخارق، وكما غيّره إسحاق.
صوت
أخشى على أربد الحتوف ولا ... أرهب نوء السّماك والأسد [2]
فجّعني الرّعد والصّواعق بال ... فارس يوم الكريهة النّجد
يا عين هلّا بكيت أربد إذ ... قمنا وقام الخصوم في كبد
إن يشغبوا لا يبال شغبهم ... أو يقصدوا في الخصام يقتصد [3]
عروضه من المنسرح.
النّجد: البطل ذو النّجدة. وقال الأصمعيّ في النّجد مثل ذلك. وقال: النّجد - بكسر الجيم - : الذي قد عرق جدّا. والكبد: الثبات والقيام.
الشعر للبيد بن ربيعة، والغناء للأبجر، رمل بالبنصر عن عمرو بن بانة. ولإبراهيم فيها رمل آخر بالوسطى في مجراها عن إسحاق، أوّله الثالث والرابع ثم الأول والثاني، وذكرت بذل أنّ في الثالث والرابع لحنا لحنين بن محرز.
__________
[1] في س: «فقال لي: ليس كما تحدث الخزاز»، والمثبت من أ.
[2] ديوان لبيد 158، 159، وأربد، أخو لبيد لأمه.
[3] في الديوان: «في الحكوم»، والحكوم: القضاء عند التحكيم. يقتصد: يأخذ القصد.
3 - خبر لبيد في مرثية أخيه
نسب أربد
وقد تقدم [1] من خبر لبيد ونسبه ما فيه كفاية. يرثي أخاه لأمه أربد بن قيس بن جزء بن خالد بن جعفر بن كلاب، وكانت أصابته صاعقة فأحرقته.
أخبرنا بالسبب في ذلك محمد بن جرير الطبريّ، قال: حدثنا [2] محمد بن حميد، قال: حدثنا سلمة عن ابن إسحاق، عن عاصم، عن عمرو بن قتادة، قال:
وفد بني عامر بن صعصعة
قدم على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم وفد بني عامر بن صعصعة، فيهم عامر بن الطّفيل وأربد بن قيس وجبّار [3] بن سلمى بن مالك بن جعفر بن كلاب، وكان هؤلاء الثلاثة رؤوس القوم وشياطينهم، فهمّ عامر بن الطّفيل بالغدر برسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم، وقد قال له قومه: يا عامر؛ إنّ الناس قد أسلموا فأسلم، فقال: واللّه لقد كنت أليت ألّا أنتهي حتى تتبع العرب عقبي، فأتبع أنا عقب هذا الفتى من قريش!.
تآمر عمر وأربد على قتل رسول اللّه
ثم قال لأربد: إذا أقبلنا على الرّجل فإني شاغل عنك وجهه، فإذا فعلت ذلك فاعله أنت بالسيف.
محادة عامر لرسول اللّه
فلما قدموا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم قال له عامر: يا محمد، خالّني [4] قال: لا واللّه، حتى تؤمن باللّه وحده. قال:
يا محمد، خالّني، وجعل/ يكلّمه وينتظر من أربد ما كان أمره، فجعل أربد لا يحير شيئا. فلما رأى عامر ما يصنع أربد قال: يا محمّد، خالّني، قال: لا، واللّه، حتى تؤمن باللّه وحده لا تشرك به. فلما أبى عليه رسول اللّه قال:
أما [5] واللّه لأملأنّها عليك خيلا حمرا، ورجالا سمرا.
دعاء الرسول عليه
فلما ولّى قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم: اللهم اكفني عامر بن الطّفيل. فلما خرجوا من عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم قال عامر لأربد: ويلك يا أربد! أين ما كنت أوصيتك به! واللّه ما كان على ظهر الأرض رجل هو أخوف عندي على نفسي
__________
[1] الأغاني، الجزء الرابع عشر.
[2] الجزء الثالث ص 144 من «تاريخ الطبري».
[3] في ديوان لبيد: «جارا»، والمثبت ما في أ، وتاريخ الطبري.
[4] خالّ الرجل مخالّة وخلالّا: وادّه وصادقه وآخاه.
[5] في أ: «أم واللّه».
منك، وايم اللّه لا أخافك بعد اليوم أبدا. قال: لا تعجل عليّ لا أبا لك! واللّه ما هممت بالذي أمرتني به من مرّة إلا دخلت بيني وبين الرجل ما أرى غيرك! أفأضربك بالسيف! فقال عامر:
بعث الرسول بما ترى فكأنما ... عمدا أشدّ على المقانب غارا [1]
ولقد وردن بنا المدينة شزّبا ... ولقد قتلن بجوّها الأنصارا [2]
إصابة عامر بالطاعون وموته قبل عودته
وخرجوا راجعين إلى بلادهم، حتى إذا كانوا ببعض الطريق بعث اللّه على عامر الطاعون في عنقه، فقتله اللّه، وإنه لفي بيت امرأة من بني سلول، فجعل يقول: يا بني عامر، أغدّة كغدّة البكر [3]، وموت في بيت امرأة من بني سلول! فمات.
صاعقة تحرق أربد
ثم خرج أصحابه حين واروه حتى قدموا أرض بني عامر، فلما قدموا أتاهم قومهم فقالوا: ما وراءك يا أربد؟
فقال: لقد دعانا إلى عبادة شيء لوددت أنّه عندي الآن فأرميه بنبلي هذه حتى أقتله. فخرج بعد مقالته هذه بيوم أو يومين معه جمل له يبيعه، فأرسل اللّه عليه وعلى جمله صاعقة فأحرقتهما.
وكان أربد بن قيس أخا لبيد بن ربيعة لأمّه.
وفود لبيد إلى الرسول
نسخت من كتاب يحيى بن حازم، قال: حدثنا عليّ بن صالح صاحب المصلّى، قال: حدّثنا ابن دأب، قال:
كان أبو براء عامر بن مالك قد أصابته دبيلة [4]، فبعث لبيد بن ربيعة إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم، أهدى له رواحل، فقدم بها لبيد، وأمره أن يستشفيه من وجعه، فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم:/ لو قبلت من مشرك لقبلت منه، وتناول من الأرض مدرة [5] فتفل عليها، ثم أعطاها لبيدا، وقال: دفها [6] له بماء ثم اسقه إياه.
يقرأ القرآن ويكتب سورة الرحمن
وأقام عندهم لبيد يقرأ القرآن وكتب منهم: الرَّحْمنُ* عَلَّمَ الْقُرْآنَ
[7] فخرج بها، ولقيه أخوه أربد على ليلة من الحيّ، فقال له: انزل فنزل، فقال: يا أخي، أخبرني عن هذا الرجل؛ فإنه لم يأته رجل أوثق عندي فيه قولا منك. فقال: يا أخي، ما رأيت مثله - وجعل يذكر صدقه وبرّه وحسن حديثه. فقال له: هل معك من قوله شي ء؟
قال: نعم، فأخرجها له فقرأها/ عليه، فلما فرغ منها قال له أربد: لوددت أني ألقى الرحمن بتلك البرقة [8]، فإن لم أضربه بسيفي فعليّ وعليّ ...
__________
[1] المقانب: جمع مقنب، كمنبر، وهو ما بين الثلاثين إلى الأربعين. وفي أ: «المعايب» تصحيف.
[2] شزّبا: ضمرا.
[3] في المختار: كعدة البعير.
[4] الدبيلة، كجهينة: داء في الجوف.
[5] المدر: قطع الطين اليابس، واحدتها بهاء.
[6] دفها: أخلطها.
[7] سورة الرحمن: 1، 2.
[8] البرقة: أرض غليظة بحجارة ورمل. وفي أ: «البرقة»، بفتح الباء.
قال: ونشأت سحابة وقد خلّيا عن بعيريهما، فخرج أربد يريد البعيرين، حتى إذا كان عند تلك البرقة غشيته صاعقة فمات.
وقد لبيد على أبي براء فأخبره خبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم، وأمره، قال: فما فعل فيما استشفيته؟ قال: تاللّه ما رأيت منه شيئا كان أضعف عندي من ذلك، وأخبره بالخبر. قال: فأين هي؟ قال: ها هي ذه معي. قال: هاتها، فأخرجها له فدافها، ثم شربها فبرأ.
رواية أخرى في وفوده على الرسول
قال ابن دأب: فحدّثني حنظلة بن قطرب بن إياد، أحد بني أبي بكر بن كلاب، قال:
لما أصاب عامر بن الطفيل ما أصابه، بعث بنو عامر لبيدا، وقالوا له: اقدم لنا على هذا الرجل فاعلم لنا علمه. فقدم عليه، فأسلم، وأصابه وجمع هناك شديد من حمّى، فرجع إلى قومه بفضل تلك الحمّى، وجاءهم بذكر البعث والجنة والنار، فقال سراقة بن عوف بن الأحوص:
لعمر لبيد إنه لابن أمّه ... ولكن أبوه مسّه قدم العهد
دفعناك في أرض الحجاز كأنما ... دفعناك فحلا فوقه قزع اللّبد [1]
فعالجت حمّاه وداء ضلوعه ... وترنيق عيش مسّه طرف الجهد
وجئت بدين الصابئين تشوبه ... بألواح نجد بعد عهدك من عهد!
وإنّ لنا دارا - زعمت - ومرجعا ... وثمّ إياب القارظين وذي البرد
/ قال: فكان عمر يقول: وايم اللّه، إياب القارظين [2] وذي البرد.
وفود عامر بن الطفيل على رسول اللّه
أخبرني عبد العزيز بن أحمد عمّ أبي، وحبيب بن نصر المهلّبي، وغيرهما، قالوا: حدثنا الزّبير بن بكّار، قال:
حدّثتني ظمياء بنت عبد العزيز بن مولة، قالت [3]:
حدثني أبي، عن جدّي مولة بن كثيف، أنّ عامر بن الطفيل أتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم فوسّده وسادة، ثم قال: أسلم يا عامر. قال: على أنّ لي الوبر ولك المدر، فأبى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم، فقام عامر مغضبا فولّى، وقال: لأملأنّها عليك خيلا جردا، ورجالا مردا، ولأربطنّ بكل نخلة فرسا. فسألته عائشة: من هذا؟ فقال: هذا عامر بن الطفيل، والذي نفسي بيده لو أسلم فأسلمت بنو عامر معه لزاحموا قريشا على منابرهم. قال: ثم دعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم، وقال: يا قوم، إذا دعوت فأمّنوا، فقال: اللهم اهد بني عامر، واشغل عنّي عامر بن الطفيل بما شئت، وكيف شئت، وأنّى شئت.
موت عامر بن الطفيل
فخرج فأخذته غدّة مثل غدّة البكر، فجعل يثب وينزو في السماء ويقول: يا موت ابرز لي، ويقول: غدّة مثل غدّة البكر، وموت في بيت سلوليّة؟! ومات.
__________
[1] اللبد: ما يجعل على ظهر الفرس. والقزع: بقايا الشعر.
[2] القارظان: رجلان خرجا في طلب القرظ، يجنيانه، فلم يرجعا، فضرب بهما المثل في انقطاع الغيبة.
[3] في أ: قال «و حدّثني».
/ أخبرني محمد بن الحسن بن دريد إجازة، عن أبي حاتم، عن أبي عبيدة، قال: أخبرني أسعد بن عمرو الجعفيّ، قال: أخبرني خالد بن قطن الحارثيّ، قال:
لما مات عامر بن الطفيل خرجت امرأة من بني سلول كأنها نخلة حاسرا، وهي تقول:
[1]
أنعى عامر بن الطفيل وأبقى ... وهل يموت عامر من حقا؟
وما أرى عامرا مات حقّا!
/ قال: فما رثي يوم أكثر باكيا وباكية، وخمش وجوه، وشقّ جيوب من ذلك اليوم.
بنو عامر تحمي قبر عامر بالأنصاب
وقال أبو عبيدة عن الحرمازيّ، قال:
لما مات عامر بن الطفيل بعد منصرفه عن النبي صلّى اللّه عليه وسلم، نصبت عليه بنو عامر أنصابا ميلا في ميل، حمى على قبره لا تنشر فيه ماشية، ولا يرعى، ولا يسلكه راكب ولا ماش. وكان جبّار [2] بن سلمى بن عامر بن مالك بن جعفر بن كلاب غائبا، فلما قدم قال: ما هذه الأنصاب؟ قالوا: نصبناها حمى لقبر عامر بن الطّفيل، فقال: ضيّقتم على أبي عليّ، إنّ أبا عليّ بان من الناس بثلاث: كان لا يعطش حتى يعطش الجمل، وكان لا يضلّ حتى يضلّ النّجم، وكان لا يجبن حتى يجبن السيل.
ثلاث خلال فضل عامر بهن الناس
قال أبو عبيدة: وقدم عامر على النبيّ صلّى اللّه عليه وسلم وهو ابن بضع وثمانين سنة.
مراثي لبيد لأخيه
وممارثى به لبيد أخاه أربد قوله [3]:
ألا ذهب المحافظ والمحامي ... ودافع [4] ضيمنا يوم الخصام
وأيقنت التّفرّق يوم قالوا: ... تقسّم [5] مال أربد بالسّهام
وأربد فارس الهيجا إذا ما ... تقعّرت المشاجر بالفئام [6]
/و هي طويلة يقول فيها:
فودّع بالسلام أبا حزيز [7] ... وقلّ وداع أربد بالسّلام
__________
[1] كذا في الأصول.
[2] في س: «حيان».
[3] ديوانه: 201.
[4] الديوان: «و رافع ضيمنا».
[5] مختار الأغاني: «نقسم»، والمثبت يوافق ما في الديوان أيضا.
[6] تقعرت: تقوضت من أصلها. وقال ابن قتيبة: المشاجر: مراكب للنساء أكبر من الهودج الواحد مشجر. والفئام: وطاء يكون للهودج، أو هو الهودج الذي وسع في أسفله بشيء زيد فيه.
[7] في أ: «أبا حدار»، تصحيف «أبا حزاز» وفي حاشية أ: «أربد أبو حزاز» بالتشديد والتخفيف. والمثبت كما في الديوان مصغّر (حزاز).
قال: وكانت كنية أربد أبا حزاز، فصغّره ضرورة.
وقال فيه أيضا [1]:
ما إن تعدّى [2] المنون من أحد ... لا والد مشفق ولا ولد
أخشى على أربد الحتوف ولا ... أرهب نوء السّماك والأسد
فجّعني الرّعد والصّواعق بال ... فارس يوم الكريهة النّجد
الحارب الجابر الحريب إذا ... جاء نكيبا وإن يعد يعيد [3]
يعفو على الجهد والسّؤال كما ... أنزل صوب الربيع ذي الرّصد [4]
لم تبلغ [5] العين كلّ نهمتها ... ليلة تمسي الجياد كالقدد [6]
كلّ بني حرّد مصيرهم ... قلّ، وأن أكثرت من العدد
إن يغبطوا يهبطوا [7] وإن أمروا ... يوما يصيروا للهلك والنّفد [8]
يا عين هلّا بكيت أربد إذ ... قمنا وقام الخصوم في كبد [9]
/يا عين هلّا بكيت أربد إذ ... ألوت رياح الشتاء بالعضد [10]
وأصبحت لاقحا مصرّمة ... حين تقضّت غوابر المدد
إن يشغبوا لا يبال شغبهم ... أو يقصدوا في الخصام يقتصد [11]
/حلو كريم، وفي حلاوته ... مرّ، لطيف الأحشاء والكبد
أبو بكر الصديق رضي اللّه عنه ينشد شعرا له في رثاء أخيه أربد
نسخت من كتاب ابن النطاح، عن المدائني، عن عليّ بن مجاهد، قال:
أنشد أبو بكر الصديق رضي اللّه عنه قول لبيد في أخيه أربد [12]:
لعمري لئن كان المخبّر صادقا ... لقد رزئت في حادث الدّهر جعفر
__________
[1] ديوانه: 158.
[2] في الديوان: «ما إن تعرى» قال في «شرحه»: تعرّى: تترك.
[3] الحارب: من يحرب الأموال. الجابر: الذي يجبر من قد حرم ماله. نكيبا: مصابا. وإن يعد لسؤاله، يعد لعطيته. وفي «بيروت»:
وجاء «بكيئا».
[4] يعفو: يكثر. والصّوب: المطر يكون في أول الزمان. وصوب الربيع: مطره. والرصد: نبات يكمن تحت الثرى، وذلك في أول المطر.
[5] في أ: «لا تبلغ».
[6] القدد: السيور.
[7] يهبطوا: يموتوا.
[8] الديوان: «النكد».
[9] كذا في ب، س ومختار الأغاني والديوان، وفي أ: «و قال الخصوم». والكبد: الأمر الشديد.
[10] هامش أ: العضد: الشجر المقطوع. وفي شرح الديوان: العضد: الشجر اليابس. وألوت: دهبت به وطارت.
[11] الشغب: الجور عن الطريق والقصد. يقتصدوا: يأخذوا الفصد.
[12] ديوانه 167.
أخ لي، أمّا [1] كلّ شيء شألته ... فيعطي، وأما كلّ ذنب فيغفر
فقال أبو بكر رضوان اللّه عليه: ذلك رسول اللّه، لا أربد بن قيس.
وقد رثاه بعد ذلك بقصائد يطول الخبر بذكرها.
ومما رثاه به، وفيه غناء، قوله [2]:
صوت
بلينا وما تبلى النجوم الطّوالع ... وتبقى الجبال بعدنا والمصانع
وقد كنت في أكناف دار مضنّة ... ففارقني جار بأربد نافع
فلا جزع إن فرّق الدّهر بيننا ... فكلّ فتى يوما به الدّهر فاجع
وما المرء إلّا كالشّهاب وضوئه ... يحور رمادا بعد إذ هو ساطع
/ أليس ورائي إن تراخت منيّتي ... لزوم العصا تحنى عليها الأصابع
أخبّر أخبار القرون التي مضت ... أدبّ كأنّي كلما قمت راكع
فأصبحت مثل السيف أخلق جفنه ... تقادم عهد القين والنّصل قاطع
فلا تبعدن إنّ المنية موعد ... علينا فدان للطّلوع وطالع
أعاذل ما يدريك، إلّا تظنّيا ... إذا رحل السّفّار [3] من هو راجع؟
أ تجزع مما أحدث الدهر للفتى ... وأيّ كريم لم تصبه القوارع!
غنّى في الأول والخامس والسادس والسابع حنين الحيريّ خفيف ثقيل أول بالبنصر، عن الهشاميّ وابن المكيّ وحماد، وفيها ثقيل أول بالوسطى، يقال إنه لحنين أيضا، ويقال إنّه لأحمد النّصبيّ [4]، ويقال: إنه منحول.
ومما رثاه به قوله، وهي من مختار مراثيه [5]:
طرب الفؤاد وليته لم يطرب ... وعناد ذكرى خلّة لم تصقب [6]
سفها، ولو أني أطعت عواذلي ... فيما يشرن به بسفح المذنب
لزجرت قلبا لا يريع لزاجر ... إنّ الغويّ إذا نهي لم يعتب [7]
فتعزّ عن هذا، وقل في غيره ... واذكر شمائل من أخيك المنجب
يا أربد الخير الكريم جدوده ... أفردتني أمشي بقرن أعضب [8]
__________
[1] في الديوان: «فتى كان أما».
[2] ديوانه 168.
[3] في الديوان: «إذا ارتحل الفتيان».
[4] في ب، س، ج: النصيبي.
[5] ديوانه 156.
[6] تصقب: تجاور وتقترب.
[7] لا يريع: لا يرجع ولا يتعظ، لم يعتب: لم يرجع إلى ما يرضى عاتبه.
[8] أعضب: مكسور أو مقطوع.
إنّ الرزيّة لا رزيّة مثلها ... فقدان كلّ أخ كضوء الكوكب
/ ذهب الذين يعاش في أكنافهم ... وبقيت في خلف كجلد الأجرب
يتأكّلون مغالة [1] وخيانة ... ويغاب قائلهم وإن لم يشغب
ولقد أراني تارة من جعفر ... في مثل غيث الوابل المتحلّب [2]
من كل كهل كالسّنان وسيّد ... صعب المقادة كالفنيق المصعب [3]
/من معشر سنّت لهم آباؤهم ... والعزّ قد يأتي بغير تطلّب
فبرى عظامي بعد لحمي فقدهم ... والدّهر إن عاتبت ليس بمعتب
حدثنا محمد بن جرير الطبريّ، قال: حدثنا أبو السائب سالم بن جنادة، قال: حدثنا وكيع، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، أنها كانت تنشد بيت لبيد:
ذهب الذين يعاش في أكنافهم ... وبقيت في خلف كجلد الأجرب
ثم تقول: رحم اللّه لبيدا، فكيف لو أدرك من نحن بين ظهرانيهم!.
قال عروة: رحم اللّه عائشة، فكيف بها لو أدركت من نحن بين ظهرانيهم!.
قال هشام: رحم اللّه أبي، فكيف لو أدرك من نحن بين ظهرانيهم! وقال وكيع: رحم اللّه هشاما، فكيف لو أدرك من نحن بين ظهرانيهم! قال أبو السائب: رحم اللّه وكيعا، فكيف لو أدرك من نحن بين ظهرانيهم! قال أبو جعفر: رحم اللّه أبا السائب، فكيف لو أدرك من نحن بين ظهرانيهم!.
قال أبو الفرج الأصبهاني: ونحن نقول: اللّه المستعان، فالقصّة أعظم من أن توصف!.
صوت
فإن كان حقّا ما زعمت أتيته ... إليك فقام النائحات على قبري
وإن كان ما بلّغته كان باطلا ... فلا متّ حتى تسهري الليل من ذكري
عروضه من الطويل. والشعر للعباس بن الأحنف يقوله في فوز، وخبرهما يأتي ها هنا، والغناء لبذل، خفيف رمل بالبنصر، وفيه لبنان بن عمرو ثاني ثقيل بالبنصر، وفيه لحن لابن جامع من كتاب إبراهيم. وزعم أبو العباس أنّ لمعبد اليقطينيّ فيه خفيف رمل، وذكر حبش أنّ لإبراهيم خفيف الرمل بالوسطى. وذكر عليّ بن يحيى المنجم أنه لعليّة. وقيل: إن خفيف الرمل بالبنصر للقاسم بن ز نقطة. والصحيح أنه لبذل.
__________
[1] مغالة، أي اغتيالا.
[2] جعفر، يعني قومه بني جعفر. في مثل غيث الوابل، أي كثرة عدد.
[3] الفنيق: الفحل المقرم لا يركب لكرامته على أهله. المصعب: غير الذلول.
4 - ذكر خبر العباس وفوز
كانت جارية لمحمد بن منصور
أخبرني محمد بن يحيى، قال: حدثنا محمد بن إسحاق الخراسانيّ، قال: حدثنا محمد بن النضر، قال:
كانت فوز جارية لمحمد بن منصور، وكان يلقّب فتى العسكر، ثم اشتراها بعض شباب البرامكة فدبّرها [1] وحجّ بها. فلما قدمت قال العباس [2]:
ألا قد قدمت فوز ... فقرّت عين عبّاس
لمن بشّرني البشرى ... على العينين والرّأس
أيا ديباجة الحسن ... ويا رامشنة الآس [3]
يلوموني على الحبّ ... وما بالحبّ من باس!
تشبهه في شعره بأيي العتاهية
أخبرني محمد، قال: حدثنا محمد بن أحمد بن جعفر الأنباريّ - وهو أبو عاصم بن محمد الكاتب - قال:
حدثني علي بن محمد النّوفليّ قال:
كانت فوز لرجل جليل من أسباب السلطان، وكان العبّاس يتشبّه في أشعاره وذكر فوز بما قاله أبو العتاهية في عتبة، فحجّ بها مولاها، فقال العباس [4]:
/يا ربّ ردّ علينا ... من كان أنسا وزينا
من لا نسرّ بعيش ... حتى يكون لدينا
/ يا من أتاح لقلبي ... هواه شؤما وحينا ضما زلت مذغبت عنّي
من أسخن الناس عينا ... ما كان حجّك عندي [5]
إلّا بلاء علينا
فلما قدمت قال:
ألا قد قدمت فوز ... فقرّت عين عبّاس
__________
[1] دبرها: أعتقها عن دبر، أي بعد موته.
[2] ديوانه 165.
[3] قال الشهاب في «شفاء الغليل»: «رامشنة»، قال الصولي: هي ورقة الآس، لها رأسان وفي ديوانه: ويا رائحة الآس.
[4] ديوانه 265.
[5] في ديوانه: «ما كان حجك هذا».
وذكر الأبيات المتقدمة.
معابه بينه وبين الأصمعي
أخبرنا محمد بن العباس اليزيديّ، قال:
حدثنا عبد الرحمن بن أخي الأصمعي، عن عمه، أنه دخل على الفضل بن الربيع يوما، والعباس بن الأحنف بين يديه، فقال العباس للفضل: دعني أعابث الأصمعيّ. قال: لا تفعل، فليس المزاح من شأنه. قال: إن رأى الأمير أن يفعل. قال: ذاك إليك. قال: فلما دخلت قال لي العبّاس: يا أبا سعيد من الذي يقول [1]:
إذا أحببت [2] أن تص ... نع شيئا يعجب النّاسا
فصوّر ها هنا فوزا ... وصوّر ثمّ عبّاسا
فإن لم يدنوا حتى ... ترى خلقيهما خلقا
فكذّبها بما لاقت ... وكذّبه بما قاسى
فقال لي ابن أبي السّعلاء الشاعر: إنه أراد العبث بك، وهو نبطيّ،/ فأجبه على هذا. قال: فقلت له:
لا أعرف هذا، ولكني أعرف الذي يقول:
إذا أحببت أن تبص ... ر شيئا يعجب الخلقا
فصوّر ها هنا زورا ... وصوّر ههنا فلقا
فإن لم يدنوا حتى ... ترى خلقيهما خلقا
فكذّبها بما لاقت ... وكذّبه بما يلقى
فعرّض بالعباس أنه نبطيّ، فضحك الفضل، فوجم العباس، فقال له [الفضل]: قد كنت نهيتك عنه، فلم تقبل.
فوز تجد صداعا
أخبرني محمد بن يحيى، قال: حدثني محمد بن الفضل الهاشميّ، قال: حدثني أبو توبة الحنفيّ، قال:
وجّه العباس بن الأحنف رسولا إلى فوز، فعاد فأخبره أنها تجد صداعا، وأنه رآها معصوبة الرّأس؛ فقال العباس:
عصبت رأسها فليت صداعا ... قد شكته إليّ كان براسي [3]
ثم لا تشتكي، وكان لها الأج ... ر، وكنت السّقام عنها أقاسي
ذاك حتى يقول لي من رآني: ... هكذا يفعل المحبّ المواسي
قال: فبرئت ثم نكست، فقال [4]:
__________
[1] الأبيات في الأغاني 8: 355، وهي في ديوانه 164.
[2] في الديوان: «إذا ما شئت».
[3] ديوانه 162.
[4] ديوانه 160.
إنّ التي هامت بها النّفس ... عاودها من عارض نكس [1]
كانت إذا ما جاءها المبتلى ... أبرأه من كفّها اللّمس [2]
/و ابأبي الوجه المليح الّذي ... قد عشقته الجنّ والإنس
إن تكن الحمّى أضرّت به ... فربما تنكسف الشمس
فوز ساهرة ذاكرة له
أخبرني محمد بن يحيى، قال: حدثني أبو العباس الخلنجيّ، قال: حدثني أبو عبد كان الكاتب [3]، قال:
حدثني أبو توبة الحنفيّ، قال:
لمّا قال العباس بن الأحنف [4]:
أما والذي أبلى المحبّ وزادني ... بلاء، لقد أسرفت في الظلم والهجر
فإن كان حقّا ما زعمت أتيته ... إليك، فقام النائحات على قبري
وإن كان عدوانا عليّ وباطلا ... فلا متّ حتى تسهري الليل من ذكري
بعثت إليه فوز: أظنّنا ظلمناك يا أبا الفضل، فاستجيب لك فينا! ما زلت البارحة ساهرة ذاكرة لك.
في خلقه شدة
أخبرني جحظة البرمكيّ، قال: حدثني أبو عبد اللّه بن حمدون، عن أحمد بن إبراهيم، قال: حدثني محمد بن سلّام، قال:
كان في خلق العباس بن الأحنف شدّة، فضرب غلاما له، وحلف أنه يبيعه، فمضى الغلام إلى فوز فاستشفع بها عليه، فكتبت إليه فيه؛ فقال [5]:
يا من أتانا بالشفاعات ... من عند من فيه لجاجاتي [6]
إن كنت مولاك فإنّ التي ... قد شفعت فيك لمولاتي [7]
إرسالها فيك إلينا لنا ... كرامة فوق الكرامات
/ ورضي عنه ووصله، وأعتقه.
اكتئابه من قولة فوز له: يا شيخ!
أخبرني جحظة، قال: حدثنا أبو عبد اللّه بن حمدون، عن أبيه حمدون بن إسماعيل، عن أخيه إبراهيم بن إسماعيل، قال:
__________
[1] في الديوان: «من سقمها».
[2] في الديوان: «من واحتها».
[3] في س: «أبو عبدان»، والمثبت من أ.
[4] ديوانه 153.
[5] ديوانه 69.
[6] في الديوان: «يا من أتاني ... من عند من أبغيه حاجاتي».
[7] في الديوان: «قد كتبت فيك».
جاءنا العباس بن الأحنف يوما وهو كئيب، فنشّطناه فأبى أن ينشط، فقلنا: ما دهاك؟ فقال: لقيتني فوز اليوم، فقالت لي: يا شيخ! وما قالت ذلك إلّا من حادث ملال. فقلنا له: هوّن عليك؛ فإنها امرأة لا تثبت على حال، وما أرادت إلا العبث بك والمزاح معك. فقال: إني واللّه قد قلت أقبح مما قالت، ثم أنشدنا [1]:
هزئت إذ رأت كئيبا معنّى [2] ... أقصدته الخطوب فهو حزين
هزئت بي ونلت ما شئت منها ... يا لقومي فأيّنا المغبون!
فقلت له: قد انتصفت وزدت.
يمن جارية فوز تزعم أنه راودها
أخبرني محمد بن يحيى، قال: حدثنا علي بن الصبّاح، قال: حدثنا أبو ذكوان، قال:
كانت لفوز جارية يقال لها يمن، وكانت تجيء إلى العباس برسالتها، فمضت إلى فوز، وقد طلبت من العباس شيئا فمنعها إيّاه، وزعمت أنه أرادها ودعاها إلى نفسه، فغضبت فوز من ذلك، فكتب إليها [3]:
لقد زعمت يمن بأني أردتها ... على نفسها، تبّا لذلك من فعل
سلوا عن قميصي مثل شاهد يوسف ... فإنّ قميصي لم يكن قدّ من قبل [4]
معاتبة فوز له في جفائه ورده عليها
أخبرني محمد، قال: حدثنا أحمد بن إسماعيل، قال: حدثني سعيد بن حميد، قال:
كانت فوز قد مالت إلى بعض أولاد الجند، وبلغ ذلك العباس، فتركها ولم ترض هي البديل بعد ذلك، فعادت إلى العباس، وكتبت إليه تعاتبه في جفائه؛ فكتب إليها:
كتبت تلوم وتستريب زيارتي ... وتقول لست لنا كعهد العاهد [5]
/فأجبتها ودموع عيني جمّة ... تجري على الخدّين غير جوامد!
يا فوز لم أهجركم لملالة ... منّي ولا لمقال واش حاسد
لكنّني جرّبتكم فوجدتكم ... لا تصبرون على طعام واحد
سرقته شعر أبي نواس
وقد أنشدني عليّ بن سليمان الأخفش هذه الأبيات، وقال: سرقها من أبي نواس حيث يقول:
صوت
ومظهرة لخلق اللّه ودّا ... وتلقى بالتحيّة والسلام
أتيت فؤادها أشكو إليه ... فلم أخلص إليه من الزّحام
__________
[1] الديوان 260.
[2] في أ: «كبيرا»، وفي الديوان: «أن رأت غلاما».
[3] ديوانه 213.
[4] إشارة إلى ما جاء في سورة يوسف 26: إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكاذِبِينَ
[5] ديوانه 106، وفيه: «و تستريث زيارتي».
فيما من ليس يكفيه محبّ ... ولا ألفا محبّ كلّ عام
أظنّك من بقية قوم موسى ... فهم لا يصبرون على طعام
غنّت فيه عريب لحنا ذكره ابن المعتزّ، ولم يذكر طريقته.
ومما يغنّى فيه من شعر العباس في فوز قوله:
صوت
يا فوز ما ضرّ من يمسي وأنت له ... ألّا يفوز بدنيا آل عبّاس [1]
أبصرت شيبا بمولاها فوا عجبا ... منه يراها ويبدو الشّيب في الرّاس!
غنّاه سليم، رمل مطلق في مجرى الوسطى عن ابن المكّيّ.
وأخبرني محمد بن يحيى قال: حدثنا محمد بن الفضل بن الأسود، قال:
قرأت على أحمد بن أبي فنن شعر العباس بن الأحنف، وكان مشغوفا به، فسمعته يقول: وددت أن أبياته التي يقول فيها:
يا فوز ما ضرّ من يمسي وأنت له
لي بكلّ شعري.
/ وفي بذل يقول عبد اللّه بن العباس الربيعيّ يخاطب عمرا في بذل بقوله:
صوت
تسمّع بحقّ اللّه يا عمرو من بذل ... فقد أحسنت واللّه واعتمدت قتلي
كأني أرى حبّيك يرجح كلّما ... تغنّت لإعجابي وأفقد من عقلي
غنّاه عبد اللّه بن العباس الربيعيّ، ثاني ثقيل بالوسطى عن عمرو، وغنّى فيه عمرو بن بانة خفيف رمل بالبنصر عن حبش.
__________
[1] ديوانه 159.
5 - ذكر بذل وأخبارها
من مولدات المدينة ولها كتاب أغان
كانت بذل صفراء مولّدة من مولّدات المدينة، وربّيت بالبصرة، وهي إحدى المحسنات المتقدّمات، الموصوفات بكثرة الرّواية، يقال: إنها كانت تغنّي ثلاثين ألف صوت. ولها كتاب في الأغاني منسوب الأصوات غير مجنّس، يشتمل على اثني عشر ألف صوت، يقال: إنها عملته لعليّ بن هشام. وكانت حلوة الوجه ظريفة، ضاربة متقدّمة، وابتاعها جعفر بن موسى الهادي، فأخذها منه محمد الأمين، وأعطاه مالا جزيلا، فولدهما جميعا يدّعون ولاءها. فأخذت بذل عن أبي سعيد مولى فائد ودحمان وفليح وابن جامع وإبراهيم، وطبقتهم.
أروى خلق اللّه للغناء
وقرأت على جحظة، عن أبي حشيشة في كتابه الذي جمعه من أخباره وما شاهده،/ قال:
كانت بذل من أحسن الناس غناء في دهرها، وكانت أستاذة كلّ محسن ومحسنة، وكانت صفراء مدنية، وكانت أروى خلق اللّه تعالى للغناء، ولم يكن لها معرفة.
احتيال الأمين في أخذها
وكانت لجعفر بن موسى الهادي، فوصفت لمحمد بن زبيدة، فبعث إلى جعفر يسأله أن يريه إيّاها، فأبى، فزاره محمد إلى منزله، فسمع شيئا لم يسمع مثله، فقال لجعفر: يا أخي، بعني هذه الجارية. فقال: يا سيّدي، مثلي لا يبيع جارية، قال: فهبها لي، قال: هي مدبّرة [1]. فاحتال عليه محمد حتى أسكره، وأمر ببذل فحملت معه إلى الحرّاقة، وانصرف بها.
/ فلما انتبه سأل عنها فأخبر بخبرها، فسكت، فبعث إليه محمد من الغد، فجاءه وبذل جالسة فلم يقل شيئا.
فلما أراد جعفر أن ينصرف قال: أوقروا حرّاقة ابن عمّي دراهم، فأوقرت.
قال: فحدثني عبد اللّه بن الحنينى - وكان أبوه على بيت مال جعفر بن موسى - أنّ مبلغ ذلك المال كان عشرين ألف ألف درهم.
قال: وبقيت بذل في دار محمد إلى أن قتل، ثم خرجت، فكان ولد جعفر وولد محمد يدّعون ولاءها. فلما ماتت ورثها ولد عبد اللّه بن محمّد بن زبيدة.
__________
[1] المدبرة: المعتقة بعد الموت. وفي هامش أ: «المدبر من الرقيق: الذي يقول له سيده بعد الموت: أنت حر بعد دبر مني»، أي بعد وفاتي.
وهب لها الأمين من الجوهر ما لم يملك مثله أحد
وقد روى محمد بن الحسن الكاتب هذا الخبر، عن ابن المكّيّ، عن أبيه، وقال فيه: إن محمدا وهب لها من الجوهر شيئا لم يملك أحد مثله، فسلّم لها، فكانت تخرج منه الشيء بعد الشيء فتبيعه بالمال العظيم، فكان ذلك معتمدها مع ما يصل إليها من الخلفاء إلى أن ماتت وعندها منه بقيّة عظيمة.
إباؤها الزواج حتى موتها
قال: ورغب إليها وجوه القوّاد والكتّاب والهاشميّين في التزويج، فأبت وأقامت على حالها حتى ماتت.
علي بن هشام في موكبه إليها
قال أبو حشيشة في خبره: وكنت عند بذل يوما وأنا غلام، وذلك في أيام المأمون ببغداد، وهي في طارمة [1] لها تمتشط، ثم خرجت إلى الباب، فرأيت الموكب، فظننت أنّ الخليفة يمرّ في ذلك الموضع، فرجعت إليها فقلت: يا ستّي [2]؛ الخليفة يمرّ على بابك؟ فقالت: انظروا أيّ شيء هذا؟ إذ دخل بوّابها فقال: علي بن هشام بالباب. فقالت: وما أصنع به! فقامت إليها وشيكة [3] جاريتها - وكانت ترسلها إلى الخليفة وغيره في حوائجها - / فأكبّت على رجلها، وقالت: اللّه، اللّه! أتحجبين عليّ بن هشام! فدعت بمنديل فطرحته على رأسها ولم تقم إليه، فقال: إني جئتك بأمر سيدي أمير المؤمنين، وذلك أنه سألني عنك، فقلت: لم أرها منذ أيام. فقال: هي عليك غضبى، فبحياتي لا تدخل منزلك حتى تذهب إليها فسترضيها.
تكتب اثني عشر ألف صوت
فقالت: إن كنت جئت بأمر الخليفة فأنا أقوم. فقامت فقبّلت رأسه ويديه [4] وقعد ساعة وانصرف، فساعة خرج قالت: يا وشيكة، هاتي دواة وقرطاسا، فجعلت تكتب فيه [5] يومها وليلتها حتى كتبت اثني عشر ألف صوت - وفي بعض النسخ: «رؤوس سبعة آلاف صوت» - ثم كتبت إليه: يا عليّ بن هشام، تقول: قد استغنيت عن بذل بأربعة آلاف صوت أخذناها منها، وقد كتبت هذا وأنا ضجرة، فكيف لو فرّغت لك قلبي كلّه! وختمت الكتاب، وقالت لها: امضي به إليه.
فما كان أسرع من أن جاء رسوله - خادم أسود يقال له مخارق - بالجواب يقول فيه: يا ستّي، لا واللّه ما قلت الذي بلغك، ولقد كذب عليّ عندك؛ إنما قلت: لا ينبغي أن يكون في الدنيا غناء أكثر من أربعة آلاف صوت، وقد بعثت إليّ بديوان لا أؤدّي شكرك عليه أبدا./ وبعث إليها عشرة آلاف درهم، وتخوتا [6] فيها خزّ ووشي وملح، وتختا مطبقا فيه ألوان الطّيب.
علي بن هشام يعاتبها في جفوة نالته منها
أنشدني عليّ بن سليمان الأخفش لعليّ بن هشام يعاتب بذلا في جفوة نالته منها:
__________
[1] الطارمة: بيت من الخشب، كالقبة.
[2] ستّي: كلمة مولّدة، وفي نهاية الأرب: يا «سيدتي».
[3] في مختار الأغاني: «وشيك»، بغير تاء.
[4] في ب، س: «فقبلت رأسه ورجليه».
[5] في أ: «به».
[6] التخوت: جمع تخت؛ وهو وعاء تصان فيه الثياب.
/
تغيّرت بعدي والزمان مغيّر ... وخست بعهدي والملوك تخيس
وأظهرت لي هجرا وأخفيت بغضة ... وقرّبت وعدا واللسان عبوس
وممّا شجاني أنني يوم زرتكم ... حجبت وأعدائي لديك جلوس
وفي دون ذا ما يستدلّ به الفتى ... على الغدر من أحبابه ويقيس
كفرت بدين الحبّ إن طرت بابكم [1] ... وتلك يمين - ما علمت - غموس
فإن ذهبت نفسي عليكم تشوّقا ... فقد ذهبت للعاشقين نفوس
ولو كان نجمي في السّعود وصلتم ... ولكن نجوم العاشقين نحوس
وأخبرني أبو العباس الهشامي المشك، عن أهله: أنّ عليّ بن هشام كان يهوى بذلا ويكتم ذلك، وأنها هجرته مدّة، فكتب إليها بهذه الأبيات.
تروي ثلاثين ألف صوت
وذكر محمد بن الحسن أنّ أبا حارثة حدّثه عن أخيه أنّ معاوية قال: قالت لي بذل: كنت أروي ثلاثين ألف صوت، فلما تركت الدّرس أنسيت نصفها، فذكرت قولها لزرزر الكبير، فقال: كذبت الزّانية!.
تغني مائة صوت لم يعرفها إبراهيم بن المهدي
قال: وحدثني أحمد بن محمد الفيزران [2]، عن بعض أصحابه - أنّ إبراهيم بن المهدي كان يعظّمها ويتوافى لها، ثم تغيّر بعد ذلك استغناء عند نفسه عنها [3]، فصارت إليه، فدعا بعود فغنّت - في طريقة واحدة وإيقاع واحد وأصبع واحدة - مائة صوت، لم يعرف إبراهيم منها صوتا/ واحدا، ووضعت العود وانصرفت، فلم تدخل داره حتى طال طلبه لها وتضرّعه إليها في الرجوع إليه.
تخجل إسحاق بن إبراهيم الموصلي لجهله أصوات أبيه
وقال محمد بن الحسن، وذكر أحمد بن سعيد المالكيّ أنّ إسحاق بن إبراهيم الموصلي خالف بذلا في نسبة صوت غنّته بحضرة المأمون، فأمسكت عنه ساعة، ثم غنّت ثلاثة أصوات في الثقيل الثاني واحدا بعد واحد، وسألت إسحاق عن صانعها فلم يعرفه، فقالت للمأمون: يا أمير المؤمنين، هي واللّه لأبيه، أخذتها من فيه، فإذا كان هذا لا يعرف غناء أبيه فكيف يعرف غناء غيره! فاشتدّت ذلك على إسحاق حتى رئي ذلك فيه.
أخبرني أبو الحسن الأسديّ، قال: حدثني حمّاد بن إسحاق قال: غنّت بذل يوما بين يدي أبي:
إن تريني ناحل البدن ... فلطول الهمّ والحزن
كان ما أخشى بواحدتي [4] ... ليته واللّه لم يكن
__________
[1] طرت بابكم: حمت حوله شغفا.
[2] في ب، س: «العيزران».
[3] في المختار: «بنفسه عنها».
[4] في هامش أ: «شيبني الحب وأنحلني».
إسحاق يطرب ويشرب على غنائها
فطرب أبي واللّه طربا شديدا، وشرب رطلا، وقال لها: أحسنت يا بنتي، واللّه لا تغنّين صوتا إلّا شربت عليه رطلا.
قال أبو الفرج: والغناء في هذا الشعر لبذل خفيف رمل بالوسطى.
في مجلس شراب المأمون
وذكر أحمد بن أبي طاهر أنّ محمّد بن علي بن طاهر بن الحسين حدّثه أنّ المأمون كان يوما قاعدا يشرب وبيده قدح إذ غنّت بذل:
ألا لا أرى شيئا ألذّ من الوعد
فجعلته:
ألا لا أرى شيئا ألذ من السّحق
/ فوضع المأمون القدح من يده والتفت إليها، وقال: بلى يا بذل، النّيك ألذّ من السّحق [1]، فتشوّرت [2] وخافت غضبه، فأخذ قدحه، ثم قال: أتمّي صوتك وزيدي فيه:
/و من غفلة الواشي إذا ما أتيتها ... ومن زورتي أبياتها خاليا وحدي
ومن صيحة [3] في الملتقى ثم سكتة ... وكلتاهما عندي ألذّ من الخلد
نسبة هذا الصوت
ألا لا أرى شيئا ألذّ من الوعد ... ومن أملي فيه وإن كان لا يجدي
الغناء لإبراهيم خفيف رمل بالبنصر في رواية عمرو بن بانة.
صوت
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول ... متيّم عندها لم يجز مكبول [4]
وما سعاد غداة البين إذ رحلوا ... إلّا أغنّ غضيض الطّرف مكحول
الشعر لكعب [5] بن زهير بن أبي سلمى المزنيّ، والغناء لابن محرز، ثاني ثقيل بالبنصر، عن عمرو بن بانة والهشاميّ.
__________
[1] في هامش أ: «يبعد أن يكون هذا صدر عن المأمون».
[2] تشورت: خجلت.
[3] في المختار: «ضجة».
[4] الديوان: «متيم إثرها».
[5] ديوانه 6.
6 - أخبار كعب بن زهير
نسب أم كعب
كعب بن زهير بن أبي سلمى المزنيّ، وقد تقدم خبر أبيه [1] ونسبه. وأمّ كعب امرأة من بني عبد اللّه بن غطفان يقال لها كبشة بنت عمّار بن عدىّ بن سحيم، وهي أمّ سائر أولاد زهير.
وهو من المخضرمين، ومن فحول الشّعراء.
وسأله الحطيئة أن يقول شعرا يقدّم فيه نفسه، ثم يثنّي به بعده، ففعل.
الحطيئة راوية زهير يسأله أن يذكره في شعره
أخبرنا أبو خليفة، عن محمد بن سلّام، وأخبرني محمد بن الحسن بن دريد عن أبي حاتم، عن أبي عبيدة، قالا:
أتى الحطيئة كعب بن زهير - وكان الحطيئة راوية زهير وآل زهير - فقال له: يا كعب، قد علمت روايتي لكم أهل البيت وانقطاعي إليكم، وقد ذهب الفحول غيري وغيرك، فلو قلت شعرا تذكر فيه نفسك وتضعني موضعا بعدك! وقال أبو عبيدة في خبره: تبدأ بنفسك فيه وتثنّي بي؛ فإنّ الناس لأشعاركم أروى، وإليها أسرع، فقال كعب [2]:
فمن للقوافي شانها من يحوكها ... إذا ما ثوى كعب وفوّز جزول [3]
يقول فلا تعيا بشيء يقوله ... ومن قائليها من يسيء ويعمل [4]
/كفيتك لا تلقى من الناس واحدا ... تنخّل منها مثل ما يتنخّل [5]
يثقّفها حتى تلين متونها ... فيقصر عنها كلّ ما يتمثّل [6]
يجيز نصف بيت عجز عنه النابغة
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ وحبيب بن نصر المهلّبيّ، قالا: حدثنا عمر بن شبّة، قال: حدثنا علي بن الصباح، عن هشام، عن إسحاق بن الجصّاص، قال:
قال زهير بيتا ونصفا ثم أكدى [7]، فمرّ به النّابغة، فقال له: أبا أمامة، أجز، فقال: وما قلت؟ قال: قلت [8]:
__________
[1] في الجزء التاسع صفحة 139 وما بعدها.
[2] سبقت هذه الأبيات في الأغاني 2: 165، وهي في ديوان كعب 529.
[3] فوّز الرجل: إذا قضى نحبه. شانها: جاء بها شائنة معينة. وجرول، هو الحطيئة.
[4] في س: «و يعجل»، والمثبت ما في أوالديوان. ويعمل، أي يتصنع ويتكلف.
[5] في الديوان: «مثل ما أتنخل». وتنخل: اصطفى واختار.
[6] تمثل هذا البيت، وتمثل به: ضربه مثلا.
[7] أكدى، يريد: امتنع عليه القول فلم يستطع إتمام البيتين.
[8] «الموشح» 57.
تزيد الأرض إمّا متّ خفّا [1] ... وتحيا إن حييت بها ثقيلا
نزلت بمستقرّ العرض [2] منها.
أجز، قال: فأكدى واللّه النابغة، وأقبل كعب بن زهير، وإنه لغلام، فقال أبوه: أجز يا بنيّ، فقال: وما أجيز؟
فأنشده، فأجاز النصف بيت، فقال:
وتمنع جانبيها أن يزولا [3]
فضمّه زهير إليه، وقال: أشهد أنك ابني.
زهير ينهاه عن الشعر قبل أن يستحكم
وقال ابن الأعرابيّ: قال حماد الراوية:
تحرّك كعب بن زهير وهو يتكلّم/ بالشعر، فكان زهير ينهاه مخافة أن يكون لم يستحكم شعره، فيروى له ما لا خير فيه، فكان يضربه في ذلك،/ فكلما ضربه يزيد فيه فغلبه، فطال عليه ذلك، فأخذه فحبسه، فقال: والذي أحلف به لا تتكلم ببيت شعر إلّا ضربتك ضربا ينكّلك [4] عن ذلك. فمكث محبوسا عدّة أيام، ثم أخبر أنه يتكلّم به، فدعاه فضربه ضربا شديدا، ثم أطلقه وسرّحه في بهمه [5] وهو غليّم صغير، فانطلق فرعى ثم راح عشيّة، وهو يرتجز:
كأنما أحدو ببهمي عيرا ... من القرى موقرة شعيرا
زهير يثيره ليعلم تمكنه من الشعر
فخرج إليه زهير وهو غصبان، فدعا بناقته فكفلها بكسائه، ثم قعد عليها حتى انتهى إلى ابنه كعب، فأخذ بيده فأردفه خلفه، ثم خرج فضرب ناقته وهو يريد أن يبعث ابنه كعبا ويعلم ما عنده من الشعر، فقال زهير حين برز إلى الحيّ:
إني لتعديني على الحيّ [6] جسرة ... تخبّ بوصّال صروم وتعنق
ثم ضرب كعبا، وقال له: أجز يا لكع، فقال كعب:
كبنيانة القرئيّ موضع رحلها ... وآثار نسغيها من الدّفّ أبلق [7]
فقال زهير:
__________
[1] خفا، أي خفة.
[2] في الموشح: «بمستقر العز».
[3] في بيروت: أن يميلا.
[4] ينكلك: يصرفك.
[5] البهم: الصغار من ولد الضأن.
[6] بيروت: «على الهم».
[7] في ب، س: «القرّى»، وفي حاشية أ: «كقنطرة الرومي». والدف: المشي، النسع: سير مضفور يجعل زماما للبعير وغيره، والنسعان هنا البطان والحقب والنسع: المفصل بين الكف والساعد.
على لاحب مثل المجرّة خلته ... إذا ما علا نشزا من الأرض مهرق [1]
أجز يا لكع، فقال كعب:
منير هداه ليله كنهاره ... جميع، إذا يعلو الحزونة أفرق
زهير يتعسفه ليعلم ما عنده
قال: فتبدّى [2] زهير في نعت النعام، وترك الإبل، يتعسّفه [3] عمدا ليعلم ما عنده، قال:
وظلّ بوعساء الكثيب كأنّه ... خباء على صقبي بوان مروّق
صقبى عمودي، بوان: عمود من أعمدة البيت، فقال كعب:
تراخى به حبّ الضّحاء وقد رأى ... سماوة قشراء الوظيفين عوهق [4]
فقال زهير:
تحنّ إلى مثل الحابير جثّم ... لدى منتج من قيضها [5] المتفلّق
الحبابير: جمع حبارى [6]، وتجمع أيضا حباريات، فقال كعب:
تحطّم عنها قيضها عن خراطم ... وعن حدق كالنّبخ لم يتفتّق
الخراطم ها هنا: المناقير، والنّبخ: الجدري، شبّه أعين ولد النعامة به.
إذنه له في قول الشعر
قال: فأخذ زهير بيد ابنه كعب، ثم قال له: قد أذنت لك في الشّعر يا بنيّ.
فلما نزل كعب وانتهى إلى أهله - وهو صغير يومئذ - قال [7]:
أبيت فلا أهجو الصديق ومن يبع ... بعرض أبيه في المعاشر ينفق
/ قال: وهي أوّل قصيدة قالها.
خروجه وبجير إلى رسول اللّه
أخبرنا أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ وحبيب بن نصر المهلّبيّ قالا: حدثنا عمر بن شبّة، قال: حدثني إبراهيم بن المنذر الحزاميّ، قال: حدثني الحجاج بن ذي الرّقيبة بن عبد الرحمن بن مضرّب بن كعب بن زهير بن أبي سلمى، عن أبيه، عن جدّه/ قال:
__________
[1] اللاحب: الطريق الواضح. مهرق: أملس.
[2] الديوان: «ثم بدأ زهير».
[3] الديوان: يعتسف به عمدا».
[4] تراخى: تطاول. والضحاء للإبل، مثل الغداء للناس. سماوة: شخص. قشراء الوظيفين، يعني الساقين. وعوهق: طويلة العنق.
[5] القبض: القشرة العليا للبيضة.
[6] الحبارى: طائر معروف. وفي الديوان: «لدي سكن».
[7] من قصيدة في ديوان زهير 245، مطلعها:
ويوم تلافيت الصّبا أن يفوتني ... برحب الفروج ذي محّل موثّق
يقول أبو عمرو: «إن زهيرا وكعبا اشتركا فيها».
خرج كعب وبجير ابنا زهير بن أبي سلمى إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم حتى بلغا أبرق العزّاف [1]، فقال كعب لبجير:
الحق الرجل، وأنا مقيم ها هنا، فانظر ما يقول لك.
إسلام بجير
فقدم بجير على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم، فسمع منه وأسلم، وبلغ ذلك كعبا، فقال [2]:
ألا أبلغا عني بجيرا رسالة ... على أيّ شيء عويب غيرك دلّكا [3]
على خلق لم تلف أمّا ولا أبا ... عليه ولم تدرك عليه أخا لكا
سقاك أبو بكر بكأس رويّة ... فأنهلك المأمون منها وعلّكا [4]
إهدار الرسول دمه
ويروى «المأمور». قال: فبلغت أبياته هذه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم فأهدر دمه، وقال: من لقي منكم كعب بن زهير فليقتله.
بجير ينذره ويحثه على الإسلام
فكتب إليه أخوه بجير بخبره، وقال له: انجه [5] وما أراك بمفلت. وكتب إليه بعد ذلك يأمره أن يسلم ويقبل إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم ويقول له: إنّ من شهد أن لا إله إلا اللّه وأنّ محمدا رسوله قبل صلّى اللّه عليه وسلم منه، وأسقط ما كان قبل ذلك. فأسلم كعب، وقال القصيدة التي اعتذر فيها إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم [6]:
بانت سعاد فقلبي اليوم مقبول ... متيّم عندها لم يجز مكبول [7]
إسلامه
قال: ثم أقبل حتى أناخ راحلته بباب مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم، وكان مجلسه من أصحابه مكان المائدة من القوم حلقة ثم حلقة ثم حلقة، وهو وسطهم، فيقبل على هؤلاء يحدّثهم، ثم على هؤلاء، ثم على هؤلاء، فأقبل كعب حتى دخل المسجد فتخطّى حتى جلس إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم، فقال: يا رسول اللّه، الأمان. قال: ومن أنت؟ قال:
كعب بن زهير. قال: أنت الذي يقول ... كيف قال يا أبا بكر؟ فأنشده حتى بلغ إلى قوله:
__________
[1] أبرق العزاف: ماء لبني أسد.
[2] ديوانه 3.
[3] في الديوان:
فهل لك فيما قلت بالخيف هل لكا؟
وجعل الشطر الثاني من هذا البيت عجز بيت آخر، هو:
وخالفت أسباب الهوى وتبعته
وويب مثل ويح وويس.
[4] صدر هذا البيت في الديوان:
شربت مع المأمون كأسا رويّة
[5] انجه، أي انج، زيدت هاء السكت في آخره.
[6] ديوانه 6.
[7] انظر ص 81، هامش (1).
سقاك أبو بكر بكأس رويّة ... وأنهلك المأمون منها وعلّكا
فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم: مأمون واللّه. ثم أنشده - يعني كعبا - :
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول
قال عمر بن شبّة: فحدثني الحزاميّ، قال: حدثني محمد بن فليح، عن موسى بن عقبة، وأخبرني بمثل ذلك أحمد بن الجعد، قال: حدثنا محمد بن/ إسحاق المسّيبيّ، قال: حدثنا محمد بن فليح، عن موسى بن عقبة، قال: أنشدها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم في مسجده، فلما بلغ إلى قوله [1]:
إنّ الرّسول لسيف يستضاء به ... مهنّد من سيوف اللّه مسلول
في فتية من قريش قال قائلهم ... ببطن مكة لمّا أسلموا: زولوا
زالوا فما زال أنكاس ولا كشف ... عند اللقاء ولا خور معازيل [2]
أشار رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم إلى الحلق أن يسمعوا شعر كعب بن زهير.
قال الحزاميّ: قال عليّ بن المديني: لم أسمع قطّ في خبر كعب بن زهير حديثا قطّ أتمّ ولا أحسن من هذا، ولا أبالي ألّا أسمع من خبره غير هذا.
رواية أخرى في إسلام بجير وكعب
قال أبو زيد عمر بن شبّة: ومما يروى من خبره أنّ زهيرا كان نظّارا متوقّيا، وأنه رأى في منامه آتيا أتاه، فحمله إلى المساء حتى/ كاد يمسّها بيده، ثم تركه فهوى إلى الأرض، فلما احتضر قصّ رؤياه على ولده، وقال:
إني لا أشكّ أنه كائن من خبر السّماء بعدي شيء، فإن كان فتمسّكوا به وسارعوا إليه.
فلما بعث النبيّ عليه السّلام خرج إليه بجير بن زهير فأسلم، ثم رجع إلى بلاد قومه، فلما هاجر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم أتاه بجير بالمدينة - وكان من خيار المسلمين - وشهد يوم الفتح مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم، ويوم خيبر ويوم حنين وقال في ذلك [3]:
/صبحناهم بألف من سليم ... وألف من بني عثمان واف
فرحنا والجياد تجول فيهم ... بأرماح مثقّفة خفاف
وفي أكتافهم طعن وضرب ... ورشق بالمريّشة [4] اللّطاف
ثم ذكر خبره وخبر أخيه كعب مثل ما ذكر الحزاميّ، وزاد في الأبيات التي كتب بها كعب إليه:
فخالفت أسباب الهدى وتبعته ... فهل لك فيما قلت بالخيف هل لكا؟
ثم قال في خبره أيضا: إن كعبا نزل برجل من جهينة، فلما أصبح أتى النبيّ عليه السّلام، فقال: يا رسول اللّه،
__________
[1] ديوانه 23.
[2] في الديوان: «و لا ميل»، والكشف: الذين ينهزمون ولا يثبتون. والميل: جمع أميل، وهو الذي لا يثبت على السرج. والنكس:
الضعيف.
[3] ديوانه 245.
[4] المريشة: السهام ذات الريش.
أ رأيت إن أتيتك بكعب بن زهير مسلما أتؤمّنه؟ قال: نعم، قال: فأنا كعب بن زهير، فتواثبت الأنصار تقول:
يا رسول اللّه، ائذن لنا فيه. فقال: وكيف، وقد أتاني مسلما! وكفّ عنه المهاجرون ولم يقولوا شيئا، فأنشد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم قصيدته:
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول
حتى انتهى إلى قوله [1]:
لا يقع الطّعن إلّا في نحورهم ... وما بهم عن حياض الموت تهليل [2]
هكذا في رواية عمر بن شبة، ورواية غيره: «تعليل».
فعند ذلك أومأ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم إلى الحلق [3] حوله أن تسمع منه. قال: وعرّض بالأنصار في قصيدته في عدّة مواضع، منها قوله:
كانت مواعيد عرقوب لها مثلا ... وما مواعيدها إلّا الأباطيل
/ وعرقوب: رجل من الأوس [4].
مدحه الأنصار
فلما سمع المهاجرون بذلك قالوا: ما مدحنا من هجا الأنصار، فأنكروا قوله، وعوتب على ذلك فقال [5]:
من سرّه كرم الحياة فلا يزل ... في مقنب من صالحي الأنصار [6]
الباذلين نفوسهم لنبيّهم ... عند الهياج وسطوة الجبّار [7]
والناظرين بأعين محمّرة ... كالجمر غير كليلة الإبصار
والضّاربين الناس عن أديانهم [8] ... بالمشرفيّ وبالقنا الخطّار
يتطهّرون يرونه نسكا لهم ... بدماء من علقوا من الكفّار [9]
صدموا الكتيبة يوم بدر صدمة ... ذلّت لوقعتها رقاب نزار [10]
__________
[1] ديوانه 25.
[2] في الديوان: «ما إن بهم»، وتهليل: نكوص وفرار.
[3] في س: «الخلق»، والمثبت من أ.
[4] في هامش أ: «ليس عرقوب من الأوس، وإنما هو من العماليق، ولم يقل إنه من الأوس قائل، وإنما قيل: إنه من بني سعد». وفي شرح ديوان كعب 8: «عرقوب بن نصر من العمالقة، نزل بالمدينة قبل أن ينزلها اليهود بعد عيسى».
[5] ديوانه 25.
[6] المقنب: الجماعة من الفوارس، نحو الثلاثين أو أقل. وقيل: ألف، وقيل: أقل.
[7] في الديوان: «يوم الهياج وقبة».
[8] في الديوان: «و الذائدين الناس».
[9] في الديوان: «يتطهرون كأنه نسك لهم». والنسك: كل شيء ذبح في الحرم.
[10] في الديوان:
صدموا عليّا يوم بدر صدمة ... دانت عليّ بعدها لنزار
وقال في شرحه: هو علي بن بكر بن وائل، أبو قبيلة. ويقال: على أخو عبد مناة بن كنانة.
عرقوب المضروب به المثل
قال أبو زيد: الذي [1] عناه كعب رجل من الأوس كان وعد رجلا ثمر نخلة، فلما أطلعت أتاه فقال: دعها حتى تلقح [2]، فلما لقحت قال: دعها حتى تزهي [3]، فلما أزهت أتاه فقال: دعها حتى ترطب،/ ثم أتاه/ فقال:
دعها حتى تتمر، فلما أتمرت عدا عليها ليلا فجدّها، فضرب به في الخلف المثل، وذلك قول الشماخ [4]:
وواعدني ما لا أحاول نفعه ... مواعيد عرقوب أخاه بيترب
وقال المتلمّس لعمرو بن هند:
من كان خلف الوعد شيمته ... والغدر عرقوب له مثل
وما قالته الشعراء في ذكر عرقوب يكثر.
قال إبراهيم بن المنذر: حدّثني معن بن عيسى، قال: حدثني الأوقص محمد بن عبد الرحمن المخزوميّ، قال:
حدثني عليّ بن زيد أنّ كعب بن زهير أنشد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم هذه القصيدة في المسجد الحرام، لا في مسجد المدينة.
قال إبراهيم: حدثني محمد بن الضّحّاك بن عثمان عن أبيه، قال:
عنى كعب بن زهير بقوله:
في فتية من قريش قال قائلهم
عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه.
صوت
أبيني أفي يمنى يديك جعلتني ... فأفرح [5] أم صيّرتني في شمالك
أبيت كأنّي بين شقّين من عصا ... حذار الرّدى أو خيفة من زيالك [6]
تعاللت كي أشجى وما بك علّة ... تريدين قتلي، قد ظفرت بذلك
عروضه من الطويل، الشعر لابن الدّمينة بعضه، وبعضه ألحقه المغنّون به، وهو لغيره. والغناء لابن جامع ثاني ثقيل بالوسطى، وفيه لإبراهيم ثقيل أول بالبنصر.
__________
[1] يريد الذي عناه بقوله: «مواعيد عرقوب».
[2] في هامش أ: «تبلج ... أبلج».
[4] في «اللسان»: «ت ر ب» منسوب إلى الأشجعي، وكذلك في «البلدان». وفي هامش أ: «يترب من أرض اليمامة. ورواه القاسم بن سلام بالثاء، يريد المدينة».
[5] أ: «فأطمع».
[6] زيالك: فراقك.
7 - أخبار ابن الدّمينة ونسبه
نسبه
الدّمينة أمّه، وهي الدّمينة بنت حذيفة السّلولية، واسم ابن الدّمينة عبد اللّه بن عبيد اللّه، أحد بني عامر بن تيم اللّه بن مبشّر بن أكلب بن ربيعة بن عفرس بن حلف [1] بن أفتل وهو خثعم بن أنمار بن إراش [2] بن عمرو بن الغوث بن نبت بن مالك.
وقيل: إنّ أكلب هو ابن ربيعة بن نزار ليس ابن ربيعة بن عفرس، وإنهم حالفوا خثعم ونزلوا فيها فنسبوا إليهم.
ويكنى ابن الدّمينة أبا السّريّ.
وكان بلغه أن رجلا من أخواله من سلول يأتي امرأته ليلا فرصده حتى أتاها فقتله، ثم قتلها بعده، ثم اغتالته سلول بعد ذلك فقتلته.
أخبرني بخبره عليّ بن سليمان الأخفش، قال: حدثنا أبو سعيد السّكّريّ، عن محمد بن حبيب، عن أبي عبيدة وابن الأعرابيّ، وأضفت إلى ذلك ما رواه الزّبير بن بكّار عن أصحابه، وما اتّفقت الروايتان فيه، فإذا اختلفتا نسبت كل خبر إلى راويه.
سلولي يرمي بامرأته
قال الزّبير: حدثني موهوب بن رشيد الكلابيّ، وإبراهيم بن سعد السّلميّ، وعمر بن إبراهيم السّعدي، عن ميناس بن عبد الصمد، عن مصعب بن عمرو السّلوليّ، أخي مزاحم بن عمرو، قالوا جميعا:
/ إنّ رجلا من سلول يقال له مزاحم بن عمرو كان يرمى بامرأة ابن الدّمينة، وكان اسمها حمّاء، قال السكريّ: كان اسمها حمّادة، فكان يأتيها ويتحدّث إليها حتى اشتهر ذلك، فمنعه ابن الدّمينة من إتيانها، واشتدّ عليها.
مزاحم يشهر به
فقال مزاحم يذكر ذلك - وهذا من رواية ابن حبيب، وهي أتمّ وأصحّ [3] - :
يا بن الدّمينة والأخبار يرفعها ... وخد النّجائب والمحقور يخفيها
__________
[1] كذا ضبط في أ، وفي الحاشية من نسخة: «خلف» وفي جمهرة أنساب العرب 390 «حلف»، وقيده بالحاء المهملة غير المنقوطة مضمومة ولام ساكنة، ثم قال: وفي الناس من يقول: «حلف»، بالحاء مفتوحة غير منقوطة ولام مكسورة.
[2] في س والمختار: «إياس».
[3] معاهد التنصيص 1/ 160 وفي ديوان ابن الدمينة تروي بعض هذه الأبيات لمزاحم.
/
يا بن الدّمينة إن تغضب لما فعلت ... فطال خزيك [1] أو تغضب مواليها
أو تبغضوني فكم من طعنة نفذ ... يغذو خلال اختلاج الجوف غاذيها [2]
جاهدت فيها لكم إني لكم أبدا ... أبغي معايبكم عمدا فآتيها
فذاك عندي لكم حتّى تغيّبني ... غبراء مظلمة هار نواحيها
أغشى نساء بني تيم إذا هجعت ... عنّي العيون ولا أبغي مقاريها [3]
كم كاعب من بني تيم قعدت لها ... وعانس حين ذاق النوم حاميها
كقعدة الأعسر العلفوف [4] منتحيا ... متينة من متون النّبل ينحيها [5]
وشهقة عند حسّ [6] الماء تشهقها ... وقول ركبتها: قض [7]، حين تثنيها
/ علامة كيّة ما بين عانتها ... وبين سبّتها [8] لا شلّ كاويها
وتعدل الأير إن زاغت فتبعثه ... حتى يقيم برفق صدره فيها
بين الصّفوقين في مستهدف ومد [9] ... ذي حرّة ذاق طعم الموت صاليها
ماذا ترى ابن عبيد اللّه في امرأة ... ليست بمحصنة عذراء حاويها
أيّام أنت طريد لا تقاربها ... وصادف القوس في الغرّات باريها
ترى عجوز بني تيم ملفّعة [10] ... شمطا عوارضها ربدا دواهيها [11]
إذ تجعل الدّفنس الورهاء عذرتها ... قشارة من أديم ثم تفريها [12]
حتى يظلّ هدان القوم يحسبها [13] ... بكرا وقبل هوى في الدار هاويها
يستدرج مزاحما ويقتله
قال الزّبير عن رجاله، وابن حبيب عن ابن الأعرابيّ:
لما بلغ ابن الدّمينة شعر مزاحم أتى امرأته فقال لها: قد قال فيك هذا الرجل ما قال، وقد بلغك! قالت: واللّه ما رأى ذلك منّي قط. قال: فمن أين له العلامات؟ قالت: وصفهنّ له النساء. قال: هيهات واللّه أن يكون ذلك
__________
[1] في أ: «حزنك».
[2] في هامش أ: غذا، إذا سال، وفي المختار: «يعدو ... عاديها».
[3] مقاريها: محالّ قراها للضيوف.
[4] في هامش أ: «العلفوف: الرجل الضخم»، وفي «اللسان»: رجل علفوف: جاف كثير اللحم والشعر.
[5] في س و «المعاهد»: «من متين النبل يرميها». والمثبت من أ.
[6] في المختار: «حبس الماء».
[7] في «اللسان» قض: حكاية صوت الركبة إذا صاتت، يقال: قالت ركبته: قض، وأنشد الشطر الثاني.
[8] السبة: الإست.
[9] ومد: شديد الحر.
[10] في أ: «معلقة».
[11] عوارضها: جمع عارضة؛ وهي صفحة الحد. والربد: الغبر، جمع ربداء.
[12] في هامش أ: «الدفنس: الهمة المسنة». وفي «اللسان»: الدفنس: الحمقاء. والورهاء الكثيرة الشحم، وعذرتها: بكارتها.
[13] هدان القوم، الهدان: الأحمق الثقيل.
كذلك. ثم أمسك مدّة وصبر حتى ظنّ أن مزاحما قد نسي القصّة، ثم أعاد عليها القول، وأعادت الحلف أنّ ذلك مما وصفه له النساء. فقال لها: واللّه لئن لم تمكّنين منه لأقتلنّك. فعلمت أنه سيفعل ذلك، فبعثت إليه وواعدته ليلا، وقعد/ له ابن الدّمينة وصاحب له، فجاءها للموعد، فجعل يكلّمها وهي مكانها فلم تكلمه، فقال لها:
يا حمّاء، ما هذا الجفاء الليلة؟ قال: فتقول له هي بصوت ضعيف: ادخل، فدخل فأهوى بيده ليضعها عليها، فوضعها على ابن الدّمينة، فوثب عليه هو وصاحبه، وقد جعل له حصى في ثوب، فضرب بها كبده حتى قتله، وأخرجه فطرحه ميّتا، فجاء أهله فاحتملوه، ولم يجدوا به أثر السلاح، فعلموا أنّ ابن الدّمينة قتله.
يهجو سلولا
قال الزّبير في حديثه: وقد قال ابن الدّمينة في تحقيق ذلك [1]:
قالوا: هجتك سلول اللّؤم مخفية ... فاليوم أهجو سلولا لا أخافيها
قالوا: هجاك سلوليّ، فقلت لهم: ... قد أنصف الصّخرة الصّماء راميها
رجالهم شرّ من يمشي ونسوتهم ... شرّ البريّة واست ذلّ حاميها
يحككن بالصّخر أستاها بها نقب ... كما يحكّ نقاب الجرب طاليها
/ قال: وقال أيضا يذكر دخول مزاحم ووضعه يده عليه:
لك الخير إن واعدت حمّاء فالقها ... نهارا، ولا تدلج إذا الليل أظلما
فإنك لا تدري أبيضاء طفلة ... تعانق أم ليثا من القوم قشعما [2]
فلما سرى عن ساعديّ ولحيتي ... وأيقن أني لست حمّاء جمجما
يقتل امرأته وصغيرة له منها
قالوا جميعا: ثم أتى ابن الدّمينة امرأته، فطرح على وجهها قطيفة، ثم جلس عليها حتى قتلها، فلما ماتت قال [3]:
إذا قعدت على عرنين جارية ... فوق القطيفة فادعوا لي بحفّار
/ فبكت بنيّة له منها، فضرب بها الأرض فقتلها، وقال متمثلا: «لا تتخذنّ [4] من كلب سوء جروا [5]».
أخو المقتول يستعدي الوالي
قال الزّبير في خبره، عن عمّه مصعب، عن حميد بن أنيف، قال:
فخرج جناح أخو المقتول إلى أحمد بن إسماعيل فاستعداه على ابن الدّمينة، فبعث إليه فحبسه.
__________
[1] ديوانه 8، معاهد التنصيص 167.
[2] في المختار: «ضيغما».
[3] ديوانه 182، معاهد التنصيص 167.
[4] في أ، والمعاهد: «لا تغذوا» وفي المستقصى: «لا تقتن».
[5] المستقصى 2/ 258 رقم 892.
أم المقتول تحضض أخويه على الثأر
وقالوا جميعا: قالت أمّ أبان والدة مزاحم بن عمرو المقتول، وهي من خثعم، ترثي ابنها، وتحضّض مصعبا وجناحا أخويه [1]:
بأهلي ومالي، بل بحلّ عشيرتي ... قتيل بني تيم بغير سلاح
فهلّا قتلتم بالسّلاح ابن أختكم ... فتظهر فيه للشهود جراح
فلا تطمعوا في الصلح ما دمت حيّة ... وما دام حيّا مصعب وجناح
أ لم تعلموا أنّ الدّوائر بيننا ... تدور، وأنّ الطالبين شحاح
اشتداد الشربين خثعم وبني سلول
قالوا: فلما طال حبسه، ولم يجد عليه أحمد بن إسماعيل سبيلا ولا حجّة خلّاه، وقتلت بنو سلول رجلا من خثعم مكان المقتول، وقتلت خثعم بعد ذلك نفرا من سلول. ولهم في ذلك قصص وأشعار كثيرة.
مقتله
قالوا: وأقبل ابن الدّمينة حاجّا بعد مدّة طويلة، فنزل بتبالة [2]، فعدا عليه مصعب أخو المقتول لمّا رآه، وقد كانت أمّه حرّضته عليه، وقالت: اقتل ابن الدّمينة، فإنه قتل أخاك، وهجا قومك، وذمّ أختك،/ وقد كنت أعذرك قبل هذا، لأنك كنت صغيرا، وقد كبرت الآن. فلما أكثرت عليه خرج من عندها، وبصر بابن الدّمينة واقفا ينشد الناس، فغدا إلى جزّار فأخذ شفرته، وعدا على ابن الدّمينة، فجرحه جراحتين، فقيل: إنه مات لوقته. وقيل: بل سلم تلك الدّفعة، ومرّ به مصعب بعد ذلك وهو في سوق العبلاء ينشد، فعلاه بسيفه حتى قتله، وعدا وتبعه الناس حتّى اقتحم دارا وأغلقها على نفسه، فجاءه رجل من قومه فصاح به: يا مصعب، إن لم تضع يدك في يد السلطان قتلتك العامّة فاخرج، فلما عرفه قال له: أنا في ذمّتك حتى تسلّمني إلى السلطان؟ قال: نعم، فخرج إليه ووضع يده في يده، فسلّمه إلى السلطان، فقذفه في سجن تبالة.
يحرض قومه ويوبخهم
قال السّكّريّ في خبره: ومكث ابن الدّمينة جريحا ليلته، ومات في غد، فقال في تلك الليلة يحرّض قومه [3] ويوبخهم:
هتفت بأكلب ودعوت قيسا ... فلا خذلا دعوت ولا قليلا
تأرت مزاحما وسررت قيسا ... وكنت لما هممت به فعولا
/ فلا تشلل يداك ولا تزالا ... تفيدان الغنائم والجزيلا
فلو كان [4] ابن عبد اللّه حيّا ... لصبّح في منازلها سلولا
__________
[1] «ديوان»: 8، و «المعاهد»: 1/ 168.
[2] بلد باليمن.
[3] ديوان 10 - «معاهد التنصيص»: 1/ 169.
[4] ابن عبد اللّه، هو رزق بن عبد اللّه الخثعمي ابن الدمينة.
مصعب السلولي يحرض قومه لإنقاذه
قال: وبلغ مصعبا أنّ قوم ابن الدّمينة يريدون أن يقتحموا عليه سجن تبالة فيقتلوه به غيلة؛ فقال يحرّض قومه:
لقيت أبا السّريّ وقد تكالا ... له حقّ العداوة في فؤادي [1]
فكاد الغيظ يفرطني إليه ... بطعن دونه طعن السّداد
/ إذا نبحت كلاب السجن حولي ... طمعت هشاشة وهفا فؤادي
طماعة أن يدقّ السجن قومي ... وخوفا أن يبيّتني الأعادي
فما ظنّي بقومي شرّ ظنّ ... ولا أن يسلموني في البلاد
وقد جدّلت [2] قاتلهم فأمسى ... يمجّ دم الوتين على الوساد
هروب مصعب السلولي إلى صنعاء
فجاءت بنو عقيل إليه ليلا، فكسروا السجن، وأخرجوه منه.
قال مصعب: فلما أفلت من السجن هرب إلى صنعاء، فقدم علينا وأبى [3] بها يومئذ وال، فنزل على كاتب لأبي كان مولى لهم، فرأيته حينئذ ولم يكن جلدا من الرجال.
مما يغني به من شعره
ومما يغنّى به من شعر ابن الدّمينة قوله من قصيدة أولها [4]:
أقمت على زمّان [5] يوما وليلة ... لأنظر ما واشي أميمة صانع
فقصرك [6] مني كلّ عام قصيدة ... تخبّ بها خوص المطيّ النّزائع
وهذه القصيدة ذكر أحمد بن يحيى ثعلب أنّ عبد اللّه بن شبيب أنشده إياها، عن محمد بن عبد اللّه الكرانيّ لابن الدّمينة. والذي يغنّى به منها قوله [7]:
صوت
أقضّي نهاري بالحديث وبالمنى ... ويجمعني والهمّ بالليل جامع
__________
[1] ديوانه 21، معاهد التنصيص: 1/ 169. تكالا: أصله تكالأ بمعنى كمن واستتر.
[2] جدلت: صرعته على الجدالة؛ الجدالة: الأرض. وفي المختار: وقد «جندلت».
[3] في ب، س: «و إني» والمثبت في أ.
[4] ديوانه 87.
[5] زمّان، بكسر أوله وتشديد ثانيه وآخره نون: محلة بني مازن بالبصرة. وفي أ: «زمان» بفتح أوله. وفي ديوانه «رمان» بالراء المهملة، ورمان بفتح الراء: جبل في بلاد طيى ء.
[6] س: «فقصدك»، ويقال: قصرك أن تفعل كذا؛ أي حسبك وكفايتك وغايتك، وكذلك قصارك وقصاراك.
[7] هذه الأبيات الثلاثة، نسبها صاحب الآمالي 2: 314، لقيس بن ذريح، وهي من قصيدة طويلة يخلطها الناس كثيرا بقصيدة لمجنون ليلى، توافقها في الوزن والقافية. وانظر ديوانه 1: 170.
نهاري نهار الناس حتى إذا بدا ... لي الليل شاقتني [1] إليك المضاجع
لقد ثبتت في القلب منك محبّة ... كما ثبتت في الراحتين الأصابع
غنّاه إبراهيم رملا بالوسطى، عن عمرو بن بانة.
يحب أميمة ويتزوجها
نسخت من كتاب أبي سعد، قال: حدثنا ابن أبي السّريّ، عن هشام، قال:
هوي ابن الدّمينة امرأة من قومه يقال لها أميمة، فهام بها مدّة، فلما وصلته تجنّى عليها، وجعل ينقطع عنها، ثم زارها ذات يوم فتعاتبا طويلا، ثم أقبلت عليه فقالت [2]:
صوت
وأنت الذي أخلفتني ما وعدتني ... وأشمتّ بي من كان فيك يلوم
وأبرزتني للناس ثم تركتني ... لهم غرضا أرمى وأنت سليم
فلو أنّ قولا يكلم الجسم قد بدا ... بجسمي من قول الوشاة كلوم
الشعر لأميمة: امرأة ابن الدّمينة، والغناء لإبراهيم الموصليّ خفيف رمل بالوسطى، عن عمرو والهشامي.
وذكر حبش أنّ لإبراهيم أيضا فيه/ لحنا من الثقيل الأول بالوسطى، وذكر/ حكم الوادي أنّ هذا اللحن ليعقوب الوادي، وفيه لعريب خفيف ثقيل.
قال: فأجابها ابن الدّمينة، فقال [3]:
وأنت التي قطّعت قلبي حزازة ... ومزّقت قرح [4] القلب فهو كليم
وأنت التي كلفتني دلج السّرى ... وجون القطا بالجلهتين [5] جثوم
وأنت التي أحفظت قومي فكلّهم ... بعيد الرّضا داني الصدود كظيم [6]
قال: ثم تزوّجها بعد ذلك، وقتل وهي عنده.
قصة عاشقين
فأخبرني الحسين بن يحيى، قال: قال حمّاد بن إسحاق: حدثني أبي، قال: حدثنا سعيد بن سلم، عن أبي الحسن الينبعيّ، قال:
بينا أنا وصديق لي من قريش نمشي بالبلاط [7] ليلا إذا بظلّ نسوة في القمر، فالتفتنا فإذا بجماعة نسوة،
__________
[1] في هامش أمن نسخة: «هزتني» وهي أيضا رواية الديوان: 88.
[2] وكذا في ديوان ابن الدمينة: 42 البيتان الأول والثاني، أما الثالث فمنسوب فيه إلى ابن الدمينة، وانظر «معاهد التنصيص»: 1/ 162 وديوان الحماسة: 3/ 318، وفيه نسبت الأبيات إلى أمامة لا أميمة.
[3] ديوان الحماسة 3: 318، ديوانه 42.
[4] في هامش أمن نسخة: «جرح».
[5] الجلهتان: موضع.
[6] نسب هذا البيت في رواية ديوانه 42 إلى صاحبته.
[7] البلاط: موضع بنى مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم وسوق المدينة.
فسمعت واحدة منهنّ وهي تقول: أهو هو؟ فقالت الأخرى: نعم، واللّه إنه لهو هو. فدنت مني ثم قالت: يا كهل، قل لهذا الذي معك:
ليست لياليك في خاخ [1] بعائدة ... كما عهدت ولا أيّام ذي سلم
فقلت له: أجب، فقد سمعت. فقال: قد واللّه قطع بي، وأرتج عليّ، فأجب عنّي، فالتفتّ إليها ثم قلت:
فقلت لها: يا عزّ كلّ مصيبة ... إذا وطّنت يوما لها النفس ذلّت
/ فقالت المرأة: أوه! ثم مضت ومضينا، حتى إذا كنّا بمفرض طريقين مضى الفتى إلى منزله، ومضيت أنا إلى منزلي؛ فإذا أنا بجويرية تجذب ردائي، فالتفتّ إليها، فقالت: المرأة التي كلّمتك تدعوك. فمضيت معها حتى دخلت دارا، ثم صرت إلى بيت فيه حصير، وثنيت لي وسادة فجلست عليها، ثم جاءت جارية بوسادة مثنيّة فطرحتها، وجاءت المرأة فجلست عليها، وقالت: أنت المجيب؟ قلت: نعم. قالت: ما كان أفظّ جوابك وأغلظه! قلت: واللّه ما حضرني غيره. فبكت، ثم قالت لي: واللّه ما خلق اللّه خلقا أحبّ إليّ من إنسان كان معك. قلت: أنا الضامن لك عنه ما تحبّين. قالت: أو تفعل؟ قلت: نعم. فوعدتها أن آتيها به في الليلة القابلة. وانصرفت، فإذا الفتى ببابي، فقلت: ما جاء بك؟ قال: علمت أنها سترسل إليك، وسألت عنك فلم أجدك فعلمت أنك عندها، فجلست أنتظرك. فقلت: فقد كان كلّ ما ظننت، ووعدتها أن آتيها بك في الليلة القابلة. فمضى ثم أصبحنا فتهيّأنا، ورحنا فإذا الجارية تنتظرنا، فمضت أمامنا، حتى دخلنا الدار، فإذا برائحة الطّيب، وجاءت فجلست مليّا، ثم أقبلت عليه فعاتبته طويلا، ثم قالت:
صوت
وأنت الذي أخلفتني ما وعدتني ... وأشمتّ بي من كان فيك يلوم [2]
وأبرزتني للناس ثم تركتني ... لهم غرضا أرمي وأنت سليم
فلو أنّ قولا يكلم الجسم قد بدا ... بجسمي من قول الوشاة كلوم
/ ثم سكتت، فسكت الفتى هنيهة، ثم قال:
غدرت ولم أغدر [3] وخنت ولم أخن ... وفي دون هذا للمحبّ عزاء
/ جزيتك ضعف الودّ ثم صرمتني ... فحبّك في قلبي إليك أداء
فالتفتت إليّ وقالت: ألا تسمع ما يقول؟ قد أخبرتك! قال: فغمزته فكفّ، ثم قالت [4]:
فالتفتت إليّ وقالت: ألا تسمع ما يقول؟ قد أخبرتك! قال: فغمزته فكفّ، ثم قالت [4]:
صوت
تجاهلت وصلي حين لجّت عمايتي ... وهلّا صرمت الحبل إذ أنا مبصر!
ولي من قوى الحبل الذي قطعته ... نصيب وإذ رأيي جميع موفّر
__________
[1] خاخ: موضع بين مكة والمدينة.
[2] راجع هامش 2 من صفحة 100.
[3] كذا ضبط في أ، والفعل كضرب ونصر وسمع، والبيتان في «المعاهد»: 1/ 164.
[4] والمعاهد: 1/ 164.
ولكنّما آذنت بالصّرم [1] بغتة ... ولست على مثل الذي جئت أقدر
غنّى في هذه الأبيات إبراهيم الموصليّ ثقيل أول بالوسطى عن عمرو، وذكر حبش أن فيها ثاني ثقيل بالبنصر.
قال: فقال الفتى مجيبا لها [2]:
لقد جعلت نفسي - وأنت اجترمته ... وكنت أحبّ الناس - عنك تطيب
فبكت، ثم قالت: أو قد طابت نفسك! لا [3] واللّه ما فيك خير بعدها، فعليك السلام. ثم قامت والتفتت إليّ، وقالت: قد علمت أنك لا تفي بضمانك عنه، وانصرفنا.
العباس بن الأحنف ينشد شعرا له
أخبرني يحيى بن عليّ بن يحيى، قال: حدثنا حماد بن إسحاق، قال:
حدثني أبي، قال: كان العباس بن الأحنف إذا سمع شيئا يستحسنه أطرفني به، وأفعل مثل ذلك، فجاءني يوما، فوقف بين البابين، وأنشد لابن الدّمينة [4]:
صوت
ألا يا صبا نجد متى هجت من نجد ... فقد زادني مسراك وجدا على وجد
أ إن هتفت ورقاء في رونق الضحى ... على فنن غضّ النبات من الرّند [5]
بكيت كما يبكي الحزين صبابة ... وذبت من الشّوق المبرّح والصّدّ
بكيت كما يبكي الوليد، ولم تكن ... جزوعا، وأبديت الذي لم تكن تبدي [6]
وقد زعموا أنّ المحبّ إذا دنا ... يملّ وأنّ النأي يشفى من الوجد
بكلّ تداوينا فلم يشف ما بنا ... على أنّ قرب الدار خير من البعد
وزيد على ذلك بيت، وهو:
ولكنّ قرب الدّار ليس بنافع ... إذا كان من تهواه ليس بذي ودّ [7]
ثم ترنّح ساعة، وترجّح [8] أخرى، ثم قال: أنطح العمود برأسي من حسن هذا! فقلت: لا، ارفق بنفسك.
/ الغناء في هذه الأبيات لإبراهيم له فيه لحنان: أحدهما ما خوريّ بالبنصر أوله البيت الثاني، والآخر خفيف ثقيل بالوسطى أوله البيت الأول.
__________
[1] في المعاهد: «بالصهر».
[2] معاهد التنصيص:/ 164.
[3] كذا في أوهو الوجه.
[4] ديوانه 85 باختلاف في الترتيب. الحماسة بشرح التبريزي 3/ 145 ومعاهد التنصيص 1/ 160.
[5] في شرح الديوان: الهتاف: رفع الصوت، والورقاء: الحماسة التي لونها إلى السواد، ومنه قيل للرماد: أورق. والرّونق: البياض.
والرند: الأسل.
[6] في الديوان: «جليدا»، وهو الوجه.
[7] في المختار والمعاهد: «على أن قرب الدار».
[8] في س. ف: «و دبخ». ودبخ الرجل: قبب ظهره وطأطأ رأسه. وفي المعاهد: «ثم ترنح ساعة ترنح النشوان».
ابن هرمة وصديق له
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء، قال: حدثنا الزّبير بن بكّار، قال: حدّثني عبد اللّه بن إبراهيم الجمحيّ، قال:
حدثني أحمد بن سعيد عن ابن زبنّج راوية ابن هرمة، قال:
لقي ابن هرمة بعض أصدقائه بالبلاط، فقال له: من أين أقبلت؟ قال: من المسجد، قال: فأيّ شيء صنعت هناك؟ قال: كنت جالسا مع إبراهيم بن الوليد المخزوميّ، قال: فأيّ شيء قال لك؟ قال: أمرني أن أطلّق امرأتي.
قال: فأيّ شيء قلت له؟ قال: ما قلت له شيئا. قال: فو اللّه ما قال لك ذلك إلّا لأمر أظهرته عليه وكتمتنيه، أفرأيت إن أمرته بطلاق امرأته، أيطلّقها؟ قال: لا، واللّه، قال: فابن الدّمينة كان أنصف منك، كان يهوى امرأة من قومه، فأرسلت إليه: إنّ أهلي قد نهوني عن لقائك/ ومراسلتك، فأرسل إليها [1]:
صوت
أطعت [2] الآمريك بقطع [3] حبلي ... مريهم في أحبّتهم بذاك
فإن هم طاوعوك فطاوعيهم ... وإن عاصوك فاعصي من عصاك
أما والرّاقصات بكلّ فجّ [4] ... ومن صلّى بنعمان الأراك
لقد أضمرت حبّك في فؤادي ... وما أضمرت حبّا من سواك
/ في هذه الأبيات لإسحاق رمل، وفيها لشارية خفيف رمل بالوسطى، ولعريب خفيف ثقيل، ابتداؤه ينشد في الثالث والرابع ثم الثاني والأول، وفيه لمتيّم خفيف رمل آخر.
رد عاشق على صاحبته ببيتين له
وحدّثني بعض أصدقائنا، عن أبي بكر بن دريد - ولم أسمعه منه - قال: حدّثنا عبد الرحمن ابن أخي الأصمعيّ، عن عمّه، ووجدته أيضا في بعض الكتب بغير هذا الإسناد عن الأصمعي، فجمعت الحكايتين، قال:
مررت بالكوفة، وإذا أنا بجارية تطلّع من جدار إلى الطريق، وفتى واقف وظهره إليّ، وهو يقول لها: أسهر فيك وتنامين عني، وتضحكين مني وأبكي، وتستريحين وأتعب، وأمحضك المودّة وتمذقينها [5] لي، وأصدقك وتنافقيني، ويأمرك عدوّي بهجري فتطيعينه، ويأمرني نصيحي بذلك فأعصيه! ثم تنفّس وأجهش باكيا. فقالت له: إنّ أهلي يمنعونني منك، وينهونني عنك؛ فكيف أصنع؟ فقال لها:
أطعت الآمريك بصرم حبلي ... مريهم في أحبّتهم بذاك [6]
__________
[1] معاهد التنصيص 1/ 160. وفي شرح الحماسة للتبريزي 3/ 175 نسبت لخليد مولى العباس بن محمد المعروف بابن العميثل، وكذا في معجم البلدان (نعمان).
[2] في أ: «أريت الأيك»، وفي الهامش من نسخة: «أطعت».
[3] في المختار: «ببتّ حبلي».
[4] في المختار: «بذات عرق».
[5] أمحضك المودة: أخلصها. وتمذقينها، من مذق اللبن، إذا خلطه بالماء، أي لا تخلصين المودة.
[6] في أ: «أريت» وفي هامشها من نسخة: «أطعت».
فإن هم طاوعوك فطاوعيهم ... وإن عاصوك فاعصي من عصاك
ثم التفت فرآني، فقال يا فتى؛ ما تقول أنت فيما قلت؟ فقلت له: واللّه لو عاش ابن أبي ليلى ما حكم إلّا بمثل حكمك.
تمّت أخبار ابن الدّمينة
صوت
وإنّ الذي بيني وبين بني أبي ... وبين بني عمّي لمختلف جدّا [1]
فما أحمل الحقد القديم عليهم ... وليس رئيس القوم من يحمل الحقدا
وليسوا إلى نصري سراعا وإن هم ... دعوني إلى نصر أتيتهم شدّا
إذا أكلوا لحمي وفرت لحومهم ... وإن هدموا مجدي بنيت لهم مجدا
يعاتبني في الدّين قومي وإنما ... تديّنت في أشياء تكسبهم حمدا
عروضه من الطويل. الشعر للمقنّع الكنديّ، والغناء لابن سريج رمل بالوسطى عن عمرو. وفيه من روايته أيضا لمالك خفيف رمل بالوسطى. وذكر علي بن يحيى أنّ لحن ابن سريج خفيف ثقيل. وذكر إبراهيم أنّ فيه لقفا النّجار لم يذكر طريقته، وأظنّه من خفيف الثقيل.
__________
[1] الأبيات في معجم الشعراء 333، واللآلى 615 مع اختلاف في الرواية. وفي اللآلي: «و أنشد يعقوب بن السكيت هذا الشعر لحاتم».
8 - نسب المقنّع الكندي وأخباره
سبب تلقيبه بالمقنع
المقنّع لقب غلب عليه؛ لأنه كان أجمل الناس وجها، وكان إذا سفر اللّثام عن وجهه/ أصابته العين.
قال الهيثم: كان المقنّع أحسن الناس وجها، وأمدّهم قامة، وأكملهم خلقا، فكان إذا سفر لقع - أي أصابته أعين الناس - فيمرض، ويلحقه عنت [1]؛ فكان لا يمشي إلّا مقنّعا.
نسبه
واسمه محمد بن ظفر بن عمير [2] بن أبي شمر بن فرعان بن قيس بن الأسود بن عبد اللّه بن الحارث الولّادة - سمّي بذلك لكثرة ولده - بن عمرو بن معاوية [3] بن كندة بن عفير بن عديّ بن الحارث بن مرّة بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان.
شاعر أموي مقل
شاعر مقلّ من شعراء الدولة الأموية، وكان له محلّ كبير، وشرف ومروءة وسؤدد في عشيرته.
قال الهيثم بن عديّ: كان عمير جدّه سيّد كندة، وكان عمّه عمرو بن أبي شمر ينازع أباه الرّياسة ويساجله فيها، فيقصّر عنه.
أتلف ماله في عطاياه
ونشأ محمد بن عمير المقنّع، فكان متخرّقا في عطاياه، سمح اليد بماله، لا يردّ سائلا عن شيء حتى أتلف كلّ ما خلفه أبوه من مال، فاستعلاه [4] /بنو عمّه عمرو بن أبي شمر بأموالهم وجاههم.
بنو عمه لم يزوجوه أختهم لفقره ودينه
وهوي بنت عمّه عمرو فخطبها إلى إخوتها، فردّوه وعيّروه بتخرّقه وفقره وما عليه من الدّين؛ فقال هذه الأبيات المذكورة.
__________
[1] عنت، أي مشقة، وفي أ: «و يلحقه عيب».
[2] في أ: «عميرة»، والمثبت يوافق ما في الشعر والشعراء أيضا 715، وفي اللآلي: «هو محمد بن عميرة» ويقال: «ابن عمير».
[3] في المختار: «بن معاوية بن ثور بن مربع بن معاوية بن كندة».
[4] في أ: «فاستعداه».
شاعر يفضل شعرا له تعريضا ببخل خليفة
وأخبرني محمد بن يحيى الصوليّ، قال: حدثني محمد بن زكريلا الغلابيّ، عن العتبيّ، قال: حدثني أبو خالد من ولد أميّة بن خلف، قال:
قال عبد الملك بن مروان - وكان أول خليفة ظهر منه بخل - : أيّ الشعراء أفضل؟ فقال له: كثير بن هراسة، يعرّض ببخل عبد الملك: أفضلهم المقنّع الكنديّ حيث يقول:
إني أحرّض أهل البخل كلّهم ... لو كان ينفع أهل البخل تحريضي
ما قلّ مالي إلّا زادني كرما ... حتى يكون برزق اللّه تعويضي
والمال يرفع من لولا دراهمه ... أمسى يقلّب فينا طرف مخفوض
لن تخرج البيض عفوا من أكفهم ... إلّا على وجع [1] منهم وتمريض
كأنّها من جلود الباخلين بها ... عند النوائب تحذى بالمقاريض [2]
فقال عبد الملك - وعرف ما أراد - : اللّه أصدق من المقنّع حيث يقول: وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا
[3].
صوت
يا بن هشام يا عليّ النّدى ... فدتك نفسي ووقتك الرّدى
نسيت عهدي أو تناسيتني ... لمّا عداني عنك صرف النّوى
الشعر والغناء لإسحاق الموصليّ رمل بالبنصر.
__________
[1] في أ: «على وجل».
[2] تحذى: تقطع.
[3] سورة الفرقان 67.
9 - خبر لإسحاق وابن هشام
وهذا الشعر يقوله في عليّ بن هشام أيام كان إسحاق بالبصرة، وله إليه رسالة حسنة، هذا موضع ذكرها، أخبرنا بها عليّ بن يحيى المنجّم، عن أبيه، ووقعت إلينا من عدّة وجوه:
رسالته إلى علي بن هشام
أن إسحاق كتب إلى عليّ بن هشام: «جعلت فداك! بعث إليّ أبو نصر مولاك بكتاب منك إليّ يرتفع عن قدري، ويقصر عنه شكري، فلو لا ما أعرف من معانيه لظننت أنّ الرسول غلط بي فيه، فما لنا ولك يا عبد اللّه، تدعنا حتى إذا أنسينا الدنيا وأبغضناها، ورجونا السلامة من شرّها، أفسدت قلوبنا وعلّقت أنفسنا، فلا أنت تريدنا، ولا أنت تتركنا؛ فبأيّ شيء تستحلّ هذا! فأما ما ذكرته من شوقك/ إليّ فلولا أنك حلفت عليه لقلت:
يا من شكا عبثا إلينا شوقه ... شكوى المحبّ وليس بالمشتاق
لو كنت مشتاقا إليّ تريدني ... ما طبت نفسا ساعة بفراقي
وحفظتني حفظ الخليل خليله ... ووفيت لي بالعهد والميثاق
هيهات قد حدثت أمور بعدنا ... وشغلت باللذّات عن إسحاق
وقد تركت - جعلت فداك - ما كرهت من العتاب في الشعر وغيره، وقلت أبياتا لا أزال أخرج بها إلى ظهر المربد، وأستقبل الشّمال، وأتنسّم أرواحكم فيها، ثم يكون ما اللّه أعلم به، وإن كنت تكرهها تركتها إن شاء اللّه:
ألا قد أرى أنّ الثّواء قليل ... وأن ليس يبقى للخليل خليل
وإني وإن مكّنت [1] في العيش حقبة ... كذي سفر قد حان منه رحيل
/ فهل لي إليّ أن تنظر العين مرّة ... إلى ابن هشام في الحياة سبيل؟!
فقد خفت أن ألقى المنايا بحسرة ... وفي النفس منه حاجة وغليل
وأمّا بعد، فإني أعلم أنك - وإن لم تسل عن حالي - تحبّ أن تعلمها وأن تأتيك عنّي سلامة؛ فأنا يوم كتبت إليك سالم البدن، مريض القلب.
يطلب رأي ابن هشام في كتاب سيصنعه
وبعد: فأنا - جعلت فداك - في صنعة كتاب مليح ظريف، فيه تسمية القوم ونسبهم وبلادهم، وأسبابهم وأزمنتهم، وما اختلفوا فيه من غنائهم، وبعض أحاديثهم، وأحاديث قيان الحجاز والكوفة والبصرة المعروفات والمذكورات، وما قيل فيهنّ من الأشعار، ولمن كنّ، وإلى من صرن، ومن كان يغشاهنّ، ومن كان يرخّص في
__________
[1] في هامش أمن نسخة: «و إن مليت».
السماع من الفقهاء والأشراف، فأعلمني رأيك فيما تشتهي لأعمل على قدر ذلك، إن شاء اللّه.
وقد بعثت إليك بأنموذج، فإن كان كما قال القائل: «قبح اللّه كلّ دنّ أوّله درديّ» [1]، لم نتجشّم إتمامه، وربحنا العناء [2] فيه، وإن كان كما قال العربيّ: «إن الجواد عينه فراره» [3] أعلمتنا؛ فأتممناه مسرورين بحسن رأيك فيه، «إن شاء اللّه».
وهذا مما يدلّ على أنّ «كتاب الأغاني» المنسوب إلى إسحاق ليس له؛ وإنما ألف ما رواه حماد ابنه عنه من دواوين القدماء، غير مختلط بعضها ببعض.
وحشة بعد ألفة
وكان إسحاق يألف عليّا وأحمد ابني هشام وسائر أهلهما إلفا شديدا،/ ثم وقعت بينهم نبوة ووحشة في أمر لم يقع إلينا إلّا لمعا غير مشروحة، فهجاهم هجاء كثيرا، وانفرجت الحال بينه وبينهم.
شعره في مصعب وصباح
فأخبرني محمد بن خلف وكيع ويحيى بن عليّ بن يحيى وغيرهما، عن أبي أيوب سليمان المدينيّ، عن مصعب، قال:
قال لي أحمد بن هشام: أما تستحي أنت وصباح بن خاقان، وأنتما شيخان من مشايخ المروءة والعلم والأدب أن شبّب بذكركما إسحاق في الشعر، وهو مغنّ مذكور، فيقول:
قد نهانا مصعب وصباح ... فعصينا مصعبا وصباحا
عذلا ما عذلا أم ملاما ... فاسترحنا منهما فاستراحا
ويروى:
علما في العذل أم قد ألاما
ويروى:
عذلا عذلهما ثم أناما
/ فقلت: إن كان فعل فما قال إلّا خيرا، إنما ذكر أنّا نهيناه عن خمر شربها، وامرأة عشقها، وقد أشاد باسمك في الشعر بأشدّ من هذا، قال: وما هو؟ قلت: قوله:
شعره في عيّ أحمد بن هشام
وصافية تغشى [4] العيون رقيقة ... رهينة عام في الدّنان وعام
__________
[1] دردى الزيت وغيره: ما يبقى في أسفله، وأصل معناه ما يركد في أسفل كل مائع كالأشربة والأدهان.
[2] في أ: «الغناء».
[3] في «اللسان»: من أمثالهم: إن الجواد عينه فراره، أي يغنيك شخصه ومنظرة عن أن تختبره وأن تفر أسنانه. وفي «اللسان - فرر»:
رواه الجوهري بالفتح، وعن أبي سعيد السيرافي أنه كان يكسر الفاء ويقول: قد لج في ضم الفاء من لا يعتد به. وانظر المستقصى 1/ 315.
[4] في أ: «تعشى العيون».
أدرنا بها الكأس الرّويّة موهنا ... من الليل حتى انجاب كلّ ظلام
فما ذرّ قرن الشّمس حتى كأننا ... من العيّ نحكي أحمد بن هشام
/ قال: أو قد فعل العاضّ بظر أمّه! قلت [1]: إي واللّه لقد فعل.
إلى هاهنا رواية مصعب.
أحمد بن هشام يتوعده
ووجدت هذا الخبر في غير روايته، وفيه زيادة قد ذكرتها، قال: فآلى أحمد بن هشام أن يبلغ فيه كلّ مبلغ يقدر عليه، وأن يجتهد في اغتياله.
علي بن هشام يصلح بينه وبين أخيه أحمد
قال إسحاق: حضرت بدار الخليفة، وحضر عليّ بن هشام، فقال لي: أتهجو أخي وتذكره بما لغني من القبيح؟ فقلت: أو يتعرّض أخوك لي ويتوعّدني! فو اللّه ما أبالي بما يكون منه؛ لأني أعلم أنه لا يقدر لي على ضرّ، والنفع فلا أريده منه، وأنا شاعر مغنّ، واللّه لأهجونّه بما أفرى به جلده، وأهتك مروءته، ثم لأغنينّ في أقبح ما أقوله فيه غناء تسري به الرّكبان. فقال لي: أو تهب لي عرضه، وأصلح بينكما؟ فقلت: ذاك إليك. وإن فعلته فلك لا له. ففعل ذلك، وفعلته به.
ابن عائشة يهجو مصعبا وصباحا
أخبرني عليّ بن سليمان الأخفش، قال: حدثني محمد بن يزيد النحويّ، قال:
كان صباح بن خاقان المنقريّ نديما لمصعب الزّبيري، فقال عبد الرحمن بن أبي عبد الرحمن بن عائشة - وكان خليعا من أهل البصرة - :
من يكن إبطه كآباط ذا الخل ... ق فإبطاي في عداد الفقاح [2]
لي أبطان يرميان جليسي ... بشبيه السّلاح بل بالسّلاح
فكأنّي من نتن هذا وهذا ... جالس بين مصعب وصباح
ينشد الفضل بن الربيع
أخبرني عليّ بن يحيى المنجم، قال: حدثني أبي، قال: حدثني إسحاق،/ قال: دخلت على الفضل بن الربيع يوما، فقال: ما عندك؟ قلت: بيتان أرجو أن يكونا فيما يستطرف، وأنشدته:
سنغضي عن المكروه من كلّ ظالم ... ونصبر حتى يصنع اللّه بالفضل
فتنتصر الأحرار ممّن يصيمها ... وتدرك أقصى ما تطالب من ذحل [3]
قال: فدمعت عينه، وقال: من آذاك لعنه اللّه؟ فقلت: بنو هاشم، وأخبرته الخبر.
__________
[1] في الأصل: قال.
[2] الفقحة: الدبر، والجمع فقاح.
[3] الذحل: الثأر.
قال يحيى بن علي: ولم يذكر بأي شيء أخبره.
صوت
قد حصّت البيضة رأسي [1] فما ... أطعم نوما غير تهجاع
أسعى على جلّ بني مالك ... كلّ امرىء في شأنه ساع
من يذق الحرب يجد طعمها ... مرّا، وتتركه بجعجاع [2]
لا نألم القتل ونجزي به الأع ... داء كيل الصّاع بالصّاع [3]
الشعر لأبي قيس بن الأسلت، والغناء لإبراهيم، خفيف ثقيل أول. وقيل: بل هو لمعبد.
__________
[1] حصت: أذهبت الشعر من رأسه. والبيضة هنا: الخوذة.
[2] الجعجاع: الأرض التي لا أحد بها، واستشهد الجوهري بهذا البيت على الأرض الغليظة.
[3] الأبيات في الجمهرة 653، 654، وابن الأثير 1: 414.
10 - نسب أبي قيس بن الأسلت وأخباره
نسبه
/ أبو قيس لم يقع إليّ اسمه غير ابن الأسلت [1]، والأسلت لقب أبيه [2]، واسمه عامر بن جشم بن وائل بن زيد بن قيس بن عمارة بن مرّة بن مالك بن الأوس بن حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر.
من شعراء الجاهلية
وهو شاعر من شعراء الجاهلية، وكانت الأوس قد أسندت إليه حربها، وجعلته رئيسا عليها، فكفى وساد.
وأسلم ابنه عقبة بن أبي قيس، واستشهد يوم القادسيّة.
وكان يزيد بن مرداس السّلميّ أخو عباس بن مرداس الشاعر قتل قيس بن أبي قيس بن الأسلت في بعض حروبهم، فطلبه بثأره هارون بن النعمان بن الأسلت، حتى تمكّن من يزيد بن مرداس، فقتله بقيس بن أبي قيس، وهو ابن عمه.
ولقيس يقول أبوه أبو قيس بن الأسلت:
أ قيس إن هلكت وأنت حيّ ... فلا تعدم مواصلة الفقير
وهذا الشّعر الذي فيه الغناء يقوله أبو قيس في خرب بعاث [3].
رأي الأوس في حربها
قال هشام بن الكلبي: كانت الأوس قد أسندوا أمرهم في يوم بعاث/ إلى أبي قيس بن الأسلت الوائليّ، فقام في حربهم وآثرها على كلّ أمر حتى شحب وتغيّر، ولبث أشهرا لا يقرب امرأة. ثم إنه جاء ليلة فدقّ على امرأته، وهي كبشة بنت ضمرة بن مالك بن عديّ بن عمرو بن عوف، ففتحت له؛ فأهوى إليها بيده فدفعته، وأنكرته، فقال:
أنا أبو قيس! فقالت: واللّه ما عرفتك حتى تكلّمت. فقال في ذلك أبو قيس هذه القصيدة، وأولها [4]:
قالت ولم تقصد لقيل الخنا [5]: ... مهلا فقد أبلغت أسماعي
استنكرت لونا له شاحبا [6] ... والحرب غول ذات أوجاع
__________
[1] في هامش أ: «اسمه صيفي، وهو أشهر من ألا يقع لأحد». وقال ابن حجر في الإصابة: وقيل عبد اللّه، وقيل غير ذلك.
[2] في ج: «لقب عليه»، وفي م: «و الأسلت واسمه صيفي، وهذا أشهر من ألا يقع لأحد».
[3] بعاث، بالضمّ: موضع من المدينة على ليلتين. وفي ياقوت: «و حكاه صاحب العين بالغين المعجمة، ولم يسمع من غيره».
[4] من قصيدة مفضلية برقم 75 (ص 283).
[5] لم تقصد: لم تأت القصد، وهو الوسط في الأمور، وهو العدل. والخنا: الكلام الرديء.
[6] رواية المفضليات: «أنكرته حين توسمته».
من يذق الحرب يجد طعمها ... مرّا وتتركه بجعجاع [1]
[يوم بعاث]
يوم بعاث وسببه
فأما السبب في هذا اليوم - وهو يوم بعاث - فيما أخبرني به محمد بن جرير الطبريّ، قال: حدثنا [2] محمد بن حميد الرازيّ، قال: حدثنا سلمة بن الفضل، عن محمد بن إسحاق، وأضفت إليه ما ذكره ابن الكلبيّ عن أبيه، عن أبي صالح، عن أبي عبيدة، عن محمد بن عمّار بن ياسر، وعن عبد الرحمن بن سليمان بن عبد اللّه بن حنظلة الغسيل ابن أبي عامر الراهب:
الأوس تطلب عون بني قريظة والنضير
أنّ الأوس كانت استعانت ببني قريظة والنّضير في حروبهم التي كانت بينهم وبين الخزرج، وبلغ ذلك الخزرج، فبعثت إليهم: إنّ الأوس فيما بلغنا/ قد استعانت بكم علينا، ولن يعجزنا أن نستعين بأعدادكم وأكثر منكم من العرب، فإن ظفرنا بكم فذاك ما تكرهون، وإن ظفرتم لم ننم عن الطّلب أبدا، فتصيروا إلى ما تكرهون، ويشغلكم من شأننا ما أنتم الآن منه خالون، وأسلم لكم من ذلك أن تدعونا وتخلّوا بيننا وبين إخواننا.
الخزرج تحتفظ برهائن من قريظة والنضير
فلما سمعوا ذلك علموا أنه الحقّ؛ فأرسلوا إلى الخزرج: إنه قد كان الذي بلغكم، والتمست الأوس نصرنا، وما كنا لننصرهم عليكم أبدا. فقالت لهم الخزرج: فإن كان ذلك كذلك فابعثوا إلينا برهائن تكون في أيدينا. فبعثوا إليهم أربعين غلاما منهم، ففرّقهم الخزرج في دورهم فمكثوا بذلك مدة.
عمرو بن النعمان يرغب قومه في منازل بني قريظة والنضير
ثم إنّ عمرو بن النعمان البياضيّ قال لقومه بياضة: إنّ عامرا أنزلكم منزل سوء بين سبخة ومفازة، وإنه واللّه لا يمسّ رأسي غسل حتى أنزلكم منازل بني قريظة والنّضير على عذب الماء وكريم النّخل. ثم راسلهم: إمّا أن تخلوا/ بيننا وبين دياركم نسكنها، وإمّا أن نقتل رهنكم، فهمّوا أن يخرجوا من ديارهم، فقال لهم كعب بن أسد القرظيّ:
يا قوم، امنعوا دياركم، وخلّوه يقتل الرّهن، واللّه ما هي إلّا ليلة يصيب فيها أحدكم امرأته حتّى يولد له غلام مثل أحد الرّهن.
غدر عمرو بن النعمان بالرهن
فاجتمع رأيهم على ذلك، فأرسلوا إلى عمرو بألّا نسلّم لكم دورنا، وانظروا الذي عاهدتمونا عليه في رهننا، فقوموا لنا به، فعدا عمرو بن النّعمان على رهنهم هو ومن أطاعه من الخزرج، فقتلوهم وأبى عبد اللّه بن أبيّ - وكان سيّدا حليما - وقال: هذا عقوق ومأثم وبغي؛ فلست معينا عليه، ولا أحد من قومي أطاعني. وكان عنده في الرّهن
__________
[1] المفضليات: «و تحبسه بجعجاع» وانظر رقم 2 من هامش ص 116.
[2] تاريخ الطبري 2: 357.
سليم [1] بن أسد القرظيّ - / وهو جدّ محمد بن كعب القرظيّ - فخلّى عنه، وأطلق ناس من الخزرج نفرا فلحقوا بأهليهم، فناوشت الأوس الخزرج يوم قتل الرهن شيئا من قتال غير كبير.
اجتماع قريظة والنضير على معاونة الأوس على الخزرج
واجتمعت قريظة والنّضير إلى كعب بن أسد، أخي بني عمرو بن قريظة، ثم توامروا أن يعينوا الأوس على الخزرج؛ فبعث إلى الأوس بذلك.
بنو قريظة والنضير يؤوون النبيت في دورهم
ثمّ أجمعوا عليه، على أن ينزل كلّ أهل بيت من النّبيت [2] على بيت من قريظة والنضير، فنزلوا معهم في دورهم، وأرسلوا إلى النّبيت يأمرونهم بإتيانهم، وتعاهدوا ألّا يسلموهم أبدا، وأن يقاتلوا معهم حتى لا يبقى منهم أحد. فجاءتهم النّبيت فنزلوا مع [3] قريظة والنّضير في بيوتهم، ثم أرسلوا إلى سائر الأوس في الحرب والقيام معهم على الخزرج، فأجابوهم إلى ذلك. فاجتمع الملأ منهم، واستحكم أمرهم، وجدّوا في حربهم، ودخلت معهم قبائل من أهل المدينة، منهم بنو ثعلبة - وهم من غسان - وبنو زعوراء، وهم من غسّان.
مشاورة الخزرج عبد اللّه بن أبيّ في حرب الأوس
فلما سمعت بذلك الخزرج اجتمعوا، ثم خرجوا، وفيهم عمرو بن النعمان البياضيّ، وعمرو بن الجموح السّلميّ، حتى جاءوا عبد اللّه بن أبيّ، وقالوا له: قد كان الذي بلغك من أمر الأوس وأمر قريظة والنّضير واجتماعهم على حربنا، وإنّا نرى أن نقاتلهم، فإن هزمناهم لم يحرز أحد منهم معقله ولا ملجأه حتى لا يبقى منهم أحد.
فلما فرغوا من مقالتهم قال عبد اللّه بن أبيّ خطيبا وقال: إنّ هذا بغي/ منكم على قومكم وعقوق، وو اللّه ما أحبّ أنّ رجلا [4] من جراد لقيناهم.
تحذير عبد اللّه بن أبيّ عاقبة الغدر
وقد بلغني أنهم يقولون: هؤلاء قومنا منعونا الحياة أفيمنعوننا الموت! واللّه إني أرى قوما لا ينتهون أو يهلكوا عامّتكم، وإني لأخاف إن قاتلوكم أن ينصروا عليكم لبغيكم عليهم، فقاتلوا قومكم كما تقاتلونهم، فإذا ولّوا فخلّوا عنهم، فإذا هزموكم فدخلتم أدنى البيوت خلّوا عنكم. فقال له عمرو بن النعمان: انتفخ واللّه سحرك [5] يا أبا الحارث حين بلغك حلف الأوس قريظة والنضير! فقال عبد اللّه: واللّه لا حضرتكم أبدا، ولا أحد أطاعني أبدا، ولكأني أنظر إليك قتيلا تحملك أربعة في عباءة [6].
__________
[1] كذا في المختار، وهو يوافق ما في الإصابة، وفي الأصول: «سليمان».
[2] النبيت: أبو حي باليمن، واسمه عمرو بن مالك. القاموس: «نبت»، وفي جمهرة أنساب العرب 319: النبيت بنو عمرو بن مالك بن الأوس.
[3] كذا في (ج) والمختار. وفي ب. م: فنزلوا معهم.
[4] الرجل من الجراد: القطعة العظيمة منه.
[5] أصل السحر، بفتح فسكون: «الرئة». وانتفخ سحرك: جاوزت قدرك».
[6] العباءة: كساء معروف. «القاموس».
تولية الخزرج عمرو بن النعمان أمر حربهم
وتابع عبد اللّه بن أبيّ رجال من الخزرج، منهم عمرو بن الجموح الحراميّ. واجتمع كلام الخزرج على أن رأسوا عليهم عمرو بن النعمان البيّاضيّ، وولّوه أمر حربهم، ولبثت الأوس والخزرج أربعين ليلة يتصنّعون للحرب، ويجمع بعضهم لبعض، ويرسلون إلى خلفائهم من قبائل العرب.
حضير الكتائب يحرض الأوس على القتال
فأرسلت الخزرج إلى جهينة وأشجع، فكان الذي ذهب إلى أشجع ثابت بن قيس بن شمّاس، فأجابوه،/ وأقبلوا إليهم، وأقبلت جهينة إليهم أيضا. وأرسلت الأوس إلى مزينة، وذهب حضير الكتائب الأشهليّ إلى أبي قيس بن الأسلت، فأمره أن يجمع له أوس اللّه، فجمعهم له أبو قيس، فقام حضير، فاعتمد على قوسه، وعليه نمرة [1] تشفّ عن عورته، فحرّضهم/ وأمرهم بالجدّ في حربهم، وذكر ما صنعت بهم الخزرج من إخراج النّبيت وإذلال من تخلّف من سائر الأوس، في كلام كثير.
استجابة الأوس لما أراده حضير
فجعل كلّما ذكر ما صنعت بهم الخزرج وما ركبوه منهم يستشيط ويحمى، وتقلص [2] خصيتاه، حتى تغيبا، فإذا كلّموه بما يحبّ تدلّتا حتى ترجعا إلى حالهما. فأجابته أوس اللّه بالذي يحبّ من النّصرة والموازرة والجدّ في الحرب.
قال هشام: فحدثني عبد المجيد بن أبي عيسى، عن خير [3]، عن أشياخ من قومه: أن الأوس اجتمعت يومئذ إلى حضير بموضع يقال له الجباة [4]، فأجالوا الرّأي، فقالت الأوس: إن ظفرنا بالخزرج لم نبق منهم أحدا ولم نقاتلهم كما كنا نقاتلهم. فقال حضير: يا معشر الأوس؛ ما سمّيتم الأوس إلّا لأنكم تؤوسون [5] الأمور الواسعة. ثم قال:
يا قوم قد أصبحتم دوارا [6] ... لمعشر قد قتلوا الخيارا
يوشك أن يستأصلوا الدّيارا
قال: ولما اجتمعت بالجباة طرحوا بين أيديهم تمرا، وجعلوا يأكلون/ وحضير الكتائب جالس، وعليه بردة له قد اشتمل بها الصمّاء [7]، وما يأكل معهم، ولا يدنو إلى التمر غضبا وحنقا.
__________
[1] النمرة: بردة من صوت يلبسها الأعراب.
[2] تقلص: تنقبض.
[3] في أ: «عن حبر».
[4] كذا في المختار. والجباة: ما حول البئر، أو أنه مخفف الجبأة، بمعنى الأكمة.
[5] في «اللسان» «أوس»: وأوس قبيلة من اليمن، واشتقاقه من آس يؤوس أوسا، والاسم الإياس، وهو من العوض.
[6] أصل الدوار صنم كانت العرب تنصبه ويجعلون موضعا حوله يدورون به، واسم ذلك الصنم والموضع الدوار، وهو بالضم، وقد يفتح. قال في «اللسان»: والأشهر في اسم الصنم دوار بالفتح. ومنه قول امرىء القيس في معلقته:
عذارى دوار في طلاء مذبّل
[7] في «اللسان»: «اشتمال الصماء: أن تجلل جسدك بثوبك، نحو شملة الأعراب بأكسيتهم؛ وهو أن يردّ الكساء من قبل يمينه على يده اليسرى وعاتقه الأيسر، ثم يردّه ثانية من خلفه على يده اليمنى وعاتقه الأيمن فيغطيهما جميعا».
عقد الرياسة له
فقال: يا قوم، اعقدوا لأبي قيس بن الأسلت. فقال لهم أبو قيس: لا أقبل ذلك؛ فإني لم أرأّس على قوم في حرب قطّ إلّا هزموا وتشاءموا برياستي. وجعلوا ينظرون إلى حضير واعتزاله أكلهم واشتغاله بما هم فيه من أمر الحرب، وقد بدت خصيتاه من تحت البرد، فإذا رأى منهم ما يكره من الفتور والتخاذل تقلّصتا غيظا وغضبا، وإذا رأى منهم ما يحبّ من الجدّ والتشمير في الحرب عادتا لحالهما.
وأجابت إلى ذلك أوس مناة، وجدّوا في الموازرة والمظاهرة. وقدمت مزينة على الأوس، فانطلق حضير وأبو عامر الراهب بن صيفيّ إلى أبي قيس بن الأسلت، فقالا: قد جاءتنا مزينة، واجتمع إلينا من أهل يثرب ما لا قبل للخزرج به، فما الرّاي إن نحن ظهرنا عليهم: الإنجاز أم البقيّة؟ فقال أبو قيس: بل البقيّة، فقال أبو عامر:
واللّه لوددت أنّ مكانهم ثعلبا ضبّاحا [1]. فقال أبو قيس: اقتلوهم حتى يقولوا: بزا بزا [2] - كلمة كانوا يقولونها إذا غلبوا - فتشاجروا في ذلك، وأقسم حضير ألّا يشرب الخمر أو يظهر ويهدم مزاحما أطم عبد اللّه بن أبيّ.
حضير الكتائب يقسم على هدم مزاحم أطم عبد اللّه بن أبيّ
فلبثوا شهرين يعدّون ويستعدّون، ثم التقوا ببعاث، وتخلّف عن الأوس بنو حارثة بن الحارث، فبعثوا إلى الخزرج: إنّا واللّه ما نريد قتالكم./ فبعثوا إليهم أن ابعثوا إلينا برهن منكم يكونون في أيدينا، فبعثوا إليهم اثني عشر رجلا، منهم خديج، أبو رافع بن خديج.
وبعاث: من أموال بني قريظة، فيها مزرعة يقال لها قورى؛ فلذلك تدعى بعاث الحرب [3].
حشد القوات
وحشد الحيّان فلم يتخلف عنهم إلّا من لا ذكر له. ولم يكونوا حشدوا قبل ذلك في يوم التقوا فيه، فلما رأت الأوس الخزرج أعظموهم، وقالوا لحضير: يا أبا أسيد، لو حاجزت/ القوم، وبعثت إلى من تخلّف من حلفائك من مزينة! فطرح قوسا كانت في يده، ثم قال: أنتظر مزينة، وقد نظر إليّ القوم ونظرت إليهم! الموت قبل ذلك.
فرار الأوس من المعركة
ثم حمل وحملوا، فاقتتلوا قتالا شديدا، فانهزمت الأوس حين وجدوا مسّ السلاح، فولّوا مصعدين في حرّة قورى نحو العويض [4]، وذلك وجه طريق نجد.
الخزرج يعيرون الأوس
فنزل حضير، وصاحب بهم الخزرج: أين الفرار؟ ألا إنّ نجدا سنة - أي مجدب - يعيّرونهم.
__________
[1] ضباحا، أي يخرج من فمه صوتا ليس بصهيل ولا حمحمة. وفي المختار: «صياحا».
[2] في المختار: «نزا نزا».
[3] في المختار: «بعاث الخزرج».
[4] قوري: موضع بظاهر المدينة، وقد ضبطت في أبضم القاف. والعريض: واد بالمدينة.
حضير يعقر نفسه ليثبت قومه
فلما سمع حضير طعن بسنان رمحه فخذه، ونزل وصاح: واعقراه! واللّه لا أريم [1] حتى أقتل، فإن شئتم يا معشر الأوس أن تسلموني فافعلوا.
فتعطّفت عليه الأوس، وقام على رأسه غلامان من بني عبد الأشهل،/ يقال لهما: محمود ولبيد - ابنا خليفة بن ثعلبة - وهما يومئذ معرسان [2] ذوا يطش، فجعلا يرتجزان ويقولان:
أيّ غلامي ملك ترانا ... في الحرب إذ دارت بنا رحانا
وعدّد الناس لنا مكانا
مقتل عمرو بن النعمان
فقاتلا حتى قتلا، وأقبل سهم حتى أصاب عمرو بن النعمان رأس الخزرج فقتله، لا يدرى من رمى به، إلّا أنّ بني قريظة تزعم أنه سهم رجل يقال له أبو لبابة، فقتله.
فبينا عبد اللّه بن أبيّ يتردّد على بغلة له قريبا من بعاث، يتحسّس أخبار القوم، إذ طلع عليه بعمرو بن النّعمان ميّتا في عباءة، يحمله أربعة إلى داره. فلما رآه عبد اللّه بن أبيّ قال: من هذا؟ قالوا: عمرو بن النعمان. قال: ذق وبال العقوق.
انهزام الخزرج
وانهزمت الخزرج، ووضعت الأوس فيهم السّلاح، وصاح صائح: يا معشر الأوس، أسجحوا [3] ولا تهلكوا إخوتكم فجوارهم خير من جوار الثّعالب.
قريظة والنضير تسلبان الخزرج
فتناهت الأوس، وكفّت عن سلبهم بعد إثخان فيهم، وسلبتهم قريظة والنّضير، وحملت الأوس حضيرا من الجراح التي به، وهم يرتجزون حوله ويقولون:
كتيبة زيّنها مولاها ... لا كهلها هدّ ولا فتاها [4]
تحريق الأوس نخل الخزرج ودورهم
وجعلت الأوس تحرّق على الخزرج نخلها ودورها؛ فخرج سعد بن معاذ الأشهليّ حتى وقف على باب بني سلمة، وأجارهم وأموالهم جزاء لهم بيوم الرّعل [5]، وكان للخزرج على الأوس يوم يقال له يوم مغلّس [6]
__________
[1] لا أريم: لا أزول ولا أفارق موضعي.
[2] المعرس، بكسر الميم: السائق الحاذق بالسياق؛ أي هما مع حذقهما ذوا بطش.
[3] أسجحوا: أحسنوا العفو.
[4] الهد بالكسر: الضعيف كأنه مهدود، وبالفتح الجواد كأنه يهد ماله، أي يهضمه. وفي هذه المسألة خلاف بين الأصمعي وابن الأعرابي. هامش أ.
[5] الرعل: موضع قبل واقم، وفيه قتلت بنو حارثة سماكا أبا حضير الكتائب، وأجلوا حضيرا وقومه عن ديارهم. البكري 661.
[6] ديوان قيس بن الخطيم 119: «و كان من أيام العرب يوم مغرس ومقبس، وهما حائطان كانا لدجبية إلى آكام بني عدي بن النجار».
والحائط: البستان.
ومضرّس. وكان [1] سعد بن معاذ حمل يومئذ جريحا إلى عمرو بن الجموح الحراميّ، فمنّ عليه وأجاره وأخاه يوم رعل، وهو على الأوس، من القطع والحرق، فكافأه سعد بمثل ذلك في يوم بعاث.
وأقسم كعب بن أسد القرظيّ ليذلّنّ عبد اللّه بن أبيّ، وليحلقنّ رأسه تحت مزاحم؛ فناداه كعب: انزل يا عدوّ اللّه. فقال له عبد اللّه: أنشدك اللّه وما خذّلت عنكم. فسأل عما قال، فوجده حقّا، فرجع عنه.
العدول عن هدم أطم عبد اللّه بن أبيّ
وأجمعت الأوس على أن تهدم مزاحما أطم عبد اللّه بن أبيّ، وحلف حضير ليهدمنّه، فكلّم فيه، فأمرهم أن يريثوا [2] فيه، فحفروا فيه كوّة. وأفلت يومئذ الزبير بن إياس بن باطا ثابت بن قيس بن شمّاس أخا بني الحارث بن الخزرج، وهي النعمة التي كافأه بها ثابت في الإسلام يوم بني قريظة.
أبو قيس بن الأسلت لا يوافق على هدم دور الخزرج
وخرج حضير الكتائب وأبو عامر الراهب حتى أتيا قيس بن الأسلب بعد الهزيمة، فقال له حضير: يا أبا قيس؛ إن رأيت أن تأتي الخزرج قصرا قصرا ودارا دارا، نقتل ونهدم، حتى لا يبقى منهم أحد! / فقال/ أبو قيس: واللّه لا نفعل ذلك؛ فغضب حضير، وقال: ما سمّيتم الأوس [3] إلا لأنكم تؤوسون الأمر أوسا. ولو ظفرت منّا الخزرج بمثلها ما أقالوناها. ثم انصرف إلى الأوس، فأمرهم بالرجوع إلى ديارهم.
موت حضير من جروحه
وكان حضير جرح يومئذ جراحة شديدة، فذهب به كليب [4] بن صيفيّ بن عبد الأشهل إلى منزله في بني أميّة بن زيد، فلبث عنده أيّاما ثم مات من الجراحة التي كانت به، فقبره اليوم في بني أمية بن زيد.
يهودي أعمى يتتبع سير القتال
وكان يهوديّ أعمى من بني قريظة يومئذ في أطم من آطامهم، فقال لابنة له: أشرفي على الأطم، فانظري ما فعل القوم، فأشرفت، فقالت: أسمع الصوت قد ارتفع في أعلى قورى، وأسمع قائلا يقول: اضربوا يا آل الخزرج. فقال: الدولة إذا على الأوس، لا خير في البقاء. ثم قال: ما ذا تسمعين؟ قالت: أسمع رجالا يقولون:
يا آل الأوس، ورجالا يقولون: يا آل الخزرج. قال: الآن حمي القتال. ثم لبث ساعة، ثم قال: أشرفي فاسمعي، فأشرفت، فقالت: أسمع قوما يقولون:
نحن بنو صخرة أصحاب الرّعل
قال: تلك بنو عبد الأشهل، فظفرت واللّه الأوس - وصخرة أمّهم بنت مرّة بن ظفر أمّ بني عبد الأشهل - ثم وثب فرحا نحو باب الأطم فضرب رأسه بحلق بابه [5]، وكان من حجارة فسقط فمات.
__________
[1] في أ: «و هو أن سعد بن معاذ».
[2] الريث: الإبطاء، وفي المختار: «يؤثروا».
[3] في أ: «ما سميتم الأوس أوسا».
[4] في المختار: «طلبة بن صيفي».
[5] في هامش أ: «حاق بابه: عضادة الباب»، وفي المختار: «بحاف بابه».
وكان أبو عامر قد حلف ليركزن رمحه في أصل مزاحم أطم عبد اللّه بن أبيّ، فخرجت جماعة من الأوس حتى أحاطوا به، وكانت تحت أبي عامر/ جميلة بنت عبد اللّه بن أبيّ، وهي أمّ حنظلة الغسيل بن أبي عامر، فأشرف عليهم عبد اللّه، فقال: إني واللّه ما رضيت هذا الأمر، ولا كان عن رأيي، وقد عرفتم كراهتي له، فانصرفوا عني، فقال أبو عامر: لا واللّه، لا أنصرف حتّى أركز لوائي في أصل أطمك.
فلمّا رأى حنظلة أنه لا ينصرف، قال لهم: إنّ أبي شديد الوجد بي، فأشرفوا بي عليه، ثم قولوا: واللّه لئن لم تنصرف عنّا لنرمينّ برأسه إليك. فقالوا ذلك له، فركز رمحه في أصل الأطم ليمينه [1] ثم انصرف، فذلك قول قيس بن الخطيم [2]:
صبحنا به الاطام حول مزاحم ... قوانس أولى بيضنا كالكواكب [3]
أبو قيس بن الأسلت يأسر مخلد بن الصامت ثم يخلي سبيله
وأسر أبو قيس بن الأسلت يومئذ مخلد بن الصامت الساعديّ أبا مسلمة بن مخلّد، اجتمع إليه ناس من قومه من مزينة ومن يهود، فقالوا: اقتله، فأبى، وخلّى سبيله، وأنشأ يقول:
أسرت مخلّدا فعفوت عنه [4] ... وعند اللّه صالح ما أتيت
مزينة عنده ويهود قورى ... وقومي كلّ ذلكم كفيت [5]
خفاف بن ندبة يرثي حضير الكتائب
وقال خفاف بن ندبة، يرثي حضير الكتائب - وكان نديمه وصديقه - :
لو أنّ المنايا حدن عن ذي مهابة ... لهبن حضيرا يوم أغلق واقما [6]
أطاف به حتى إذا الليل جنّة ... تبّوأ منه منزلا متناعما
/ وقال أيضا يرثيه:
أتاني حديث فكذّبته ... وقيل: خليلك في المرمس
فيا عين بكّي حضير النّدى ... حضير الكتائب والمجلس
/ ويوم شديد أوار الحديد ... تقطّع منه عرى الأنفس
صليت به وعليك الحدي ... د ما بين سلع إلى الأعرس
فأودى بنفسك يوم الوغى ... ونقّى ثيابك لم تدنس
__________
[1] أي لينفذ يمينه.
[2] ديوانه 40.
[3] القوانس: جمع القونس: أعلى بيضة الحديد أو معدنها.
[4] في أ: «أسرنا».
[5] في أ: «لقيت».
[6] واقم: أطم بالمدينة، وفي معجم البلدان:
فلو كان حي ناجيا من حمامه ... لكان حضير يوم أغلق واقما
أخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن عمار، قال: حدثني داود بن محمد بن جميل، عن ابن الأعرابيّ، قال: قال لي الهيثم بن عدي: كنّا جلوسا عند صالح بن حسان، فقال لنا:
وأخبرني عمّي عن الكرانيّ، عن النوشجاني، عن العمريّ، عن الهيثم بن عديّ، قال: قال لنا صالح بن حسّان، وأخبرني به الأخفش عن المبرّد، قال: قال لي صالح بن حسّان:
بيت خفر في امرأة خفرة شريفة
أنشدوني بيتا خفرا في امرأة خفرة شريفة، فقلنا: قول حاتم:
يضيء لنا البيت الظليل خصاصه ... إذا هي يوما حاولت أن تبسّما [1]
فقال: هذه من الأصنام، أريد أحسن من هذا. قلنا: قول الأعشى [2]:
كأنّ مشيتها من بيت جارتها ... مرّ السحابة لا ريث ولا عجل
فقال: هذه خرّاجة ولّاجة كثيرة الاختلاف. قلنا: بيت ذي الرّمّة [3]:
تنوء بأخراها فلأيا قيامها [4] ... وتمشي الهوينا من قريب فتبهر
/ فقال: هذا ليس ما أردت، إنما وصف هذه بالسمن، وثقل البدن. فقلنا: ما عندنا شيء. فقال: قول أبي قيس بن الأسلت [5]:
ويكرمها جاراتها فيزرنها ... وتعتلّ عن إتيانهنّ فتعذر
وليس لها أن تستهين بجارة [6] ... ولكنها منهنّ تحيا وتخفر
أحسن بيت وصفت به الثريا
ثم قال: أنشدوني أحسن بيت وصفت به الثريّا. قلنا: بيت ابن الزّبير الأسديّ:
وقد لاح في القور الثّريّا كأنما [7] ... به راية بيضاء تخفق للطّعن
قال: أريد أحسن من هذا، قلنا: بيت امرىء القيس:
إذا ما الثريّا في السماء تعرّضت ... تعرض أثناء الوشاح المفصّل [8]
قال: أريد أحسن من هذا. قلنا: بيت ابن الطّثريّة:
إذا ما الثريّا في السماء كأنها ... جمان وهى من سلكه فتسرّعا [9]
__________
[1] «ديوانه» 21، وفيه: «خصاصة».
[2] ديوانه 55.
[3] ديوانه 227.
[4] في أ: «تبوء»، والمثبت يوافق ما في الديوان.
[5] معاهد التنصيص 2: 27.
[6] في أ: «تستعين».
[7] في أوالمعاهد: الغور».
[8] ديوانه 14.
[9] معاهد التنصيص 2: 26.
قال: أريد أحسن من هذا. قلنا: ما عندنا شيء. قال: قول أبي قيس بن الأسلت:
وقد لاح في الصّبح الثريّا لمن رأى ... كعنقود ملّاحيّة حين نوّرا [1]
أبو قيس يحكم له بالتقدم في المعنيين السابقين
قال: فحكم له عليهم في هذين المعنيين بالتقدم.
استشهاد عبد الملك بشعره في خطبته بعد مقتل مصعب بن الزبير
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء، قال: حدثنا الحسين بن أحمد بن طالب/ الديناريّ، قال: حدثني أبو عدنان، قال: حدثني الهيثم بن عديّ، قال: حدثني الضحاك بن زميل السّكسكيّ، قال:
لما قتل عبد الملك بن مروان مصعب بن الزّبير خطب الناس بالنّخيلة، فقال في خطبته: أيّها الناس، دعوا الأهواء المضلّة، والآراء المشتّتة، ولا تكلّفونا أعمال المهاجرين وأنتم لا تعملون بها؛ فقد جاريتمونا إلى السيف، فرأيتم كيف صنع اللّه بكم، ولا أعرفنكم بعد الموعظة تزدادون جراءة؛ فإني لا أزداد بعدها/ إلّا عقوبة، وما مثلي ومثلكم إلا كما قال أبو قيس بن الأسلت:
من يصل ناري بلا ذنب ولا ترة ... يصل بنار كريم غير غدّار
أنا النذير لكم منّي مجاهرة ... كي لا ألام على نهي وإعذار
فإن عصيتم مقالي اليوم فاعترفوا ... أن سوف تلقون خزيا ظاهر العار [2]
لتتركنّ أحاديثا ملعّنة [3] ... عند المقيم وعند المدلج السّاري
وصاحب الوتر ليس الدهر مدركه ... عندي وإني لطلّاب لأوتار
أقيم عوجته إن كان ذا عوج ... كما يقوّم قدح النّبعة الباري
صوت
ترفّع أيها القمر المنير ... لعلّك أن ترى حجرا يسير
يسير إلى معاوية بن حرب ... ليقتله كما زعم الأمير
ألا يا حجر حجر بني عديّ ... تلقّتك السلامة والسرور
تنعّمت الجبابر بعد حجر [4] ... وطاب لها الخورنق والسّدير
الشعر لامرأة [5] من كندة ترثي حجر بن عديّ صاحب أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب صلوات اللّه عليه.
والغناء لحكم الوادي رمل بالوسطى، وفيه لحنين هزج خفيف بالوسطى عن ابن المكي والهشاميّ.
__________
[1] الملاحية: من شجر الزهر.
[2] اللسان 3: 69.
[3] كذا في ج، وفي م، أ، س، ب: «و ملعبة» تصحيف.
[4] في أو الطبري: «تجبرت».
[5] هي هند بنت زيد بن مخرمة الأنصاري، كما في الطبري 5: 28.
11 - خبر مقتل حجر بن عديّ
حدثني [1] أحمد بن عبيد اللّه بن عمّار، قال: حدثنا سليمان بن أبي شيخ، قال: حدثنا محمد بن الحكم، قال: حدثنا أبو مخنف، قال: حدثنا خالد بن قطن، عن المجالد بن سعيد الهمدانيّ، والصقعب بن زهير، وفضيل بن خديج [2]، والحسن [3] بن عقبة المرادي، وقد اختصرت جملا من ذلك يسيرة؛ تحرّزا من الإطالة:
استنكاره ذم علي بن أبي طالب ولعنه
أنّ المغيرة بن شعبد لما ولي الكوفة كان يقوم على المنبر فيذمّ عليّ بن أبي طالب وشيعته، وينال منهم، ويلعن قتلة عثمان، ويستغفر لعثمان ويزكّيه، فيقوم حجر بن عديّ فيقول: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ
[4]، وإنّي أشهد أنّ من تذمّون أحقّ بالفضل ممن تطرون، ومنّ تزكّون أحقّ بالذمّ ممن تعيبون.
المغيرة بن شعبة يحذره
فيقول له المغيرة: يا حجر، ويحك! اكفف من هذا، واتّق غضبة السلطان وسطوته؛ فإنها كثيرا ما تقتل مثلك. ثم يكفّ عنه.
صرخة ثائرة منه
فلم يزل كذلك حتى كان المغيرة يوما في آخر أيامه يخطب على المنبر، فنال من عليّ بن أبي طالب عليه السّلام: ولعنه، ولعن شيعته، فوثب حجّر فنعر [5] نعرة أسمعت كلّ من كان في المسجد وخارجه. فقال له:
إنك لا تدري أيها الإنسان بمن تولع، أو هرمت! مر لنا بأعطياتنا وأرزاقنا؛ فإنك قد حبستها عنّا، ولم يكن ذلك لك ولا لمن كان قبلك، وقد أصبحت مولعا بذمّ أمير المؤمنين وتقريظ المجرمين.
استجابة لصرخة الثائر
فقام معه أكثر من ثلاثين رجلا يقولون: صدق واللّه حجر! مر لنا بأعطياتنا؛ فإنا لا ننتفع بقولك هذا، ولا يجدي علينا، وأكثروا في ذلك.
__________
[1] خبر مقتل حجر في الطبري 5: 251 وما بعدما.
[2] في م: حديج، بالحاء المهملة.
[3] في الطبري: «و الحسين».
[4] سورة النساء 134.
[5] نعر: صاح صيحة شديدة.
قوم المغيرة يلومونه في احتماله إياه
فنزل المغيرة ودخل القصر، فاستأذن عليه قومه، ودخلوا ولاموه/ في احتماله حجرا، فقال لهم: إني قد قتلته. قالوا: وكيف ذلك!؟ قال: إنه سيأتي أمير بعدي فيحسبه مثلي فيصنع به شبيها بما ترونه، فيأخذه عند أوّل وهلة فيقتله شرّ قتلة. إنه قد اقترب أجلي، وضعف عملي، وما أحبّ أن أبتدىء أهل هذا المصر بقتل خيارهم وسفك دمائهم، فيسعدوا بذلك وأشقى، ويعزّ معاوية في الدنيا ويذلّ المغيرة في الآخرة، سيذكرونني لو قد حرّبوا العمّال.
قال الحسن بن عقبة: فسمعت شيخا من الحيّ يقول: قد واللّه جرّبناهم فوجدناه خيرهم.
زياد يذكره بصداقته ويحذره ما كان يفعل مع المغيرة
قال: ثم هلك المغيرة سنة خمسين، فجمعت الكوفة والبصرة لزياد، فدخلها، ووجّه إلى حجر فجاءه، وكان له قبل ذلك صديقا، فقال له: قد بلغني ما كنت تفعله بالمغيرة فيحتمله منك؛ وإني واللّه لا أحتملك [1] على مثل ذلك أبدا، أرأيت ما كنت تعرفني به من حبّ عليّ وودّه، فإنّ اللّه قد سلخه من صدري فصيّره بغضا وعداوة، وما كنت تعرفني به من بغض معاوية وعداوته فإنّ اللّه قد سلخه من صدري وحوّله حبّا ومودّة/ وإني أخوك الذي تعهد، إذا أتيتني وأنا جالس للناس فاجلس معي على مجلسي، وإذا أتيت ولم أجلس للناس فاجلس حتى أخرج إليك، ولك عندي في كل يوم حاجتان: حاجة غدوة، وحاجة عشيّة، إنك إن تستقم تسلم لك دنياك ودينك، وإن تأخذ يمينا وشمالا تهلك نفسك وتشط [2] عندي دمك، إني لا أحبّ التنكيل قبل التقدمة، ولا آخذ بغير حجّة، اللهم أشهد. فقال حجر: لن يرى الأمير منّي إلّا ما يحبّ، وقد نصح، وأنا قابل نصيحته.
ثم خرج من عنده، فكان يتّقيه ويهابه، وكان زياد يدنيه ويكرمه ويفضّله، والشيعة تختلف إلى حجر وتسمع منه.
زياد ينذره قبل خروجه إلى البصرة
وكان زياد يشتو بالبصرة، ويصيف بالكوفة، ويستخلف على البصرة سمرة بن جندب، وعلى الكوفة عمرو بن حريث، فقال له عمارة بن عقبة: إنّ الشيعة تختلف إلى حجر، وتسمع منه، ولا أراه عند خروجك إلّا ثائرا، فدعاه زياد فحذّره ووعظه. وخرج إلى البصرة، واستعمل عمرو بن حريث، فجعلت الشيعة تختلف إلى حجر، ويجيء حتى يجلس في المسجد فتجتمع إليه الشيعة، حتى يأخذوا ثلث المسجد أو نصفه، وتطيف بهم النظّارة، ثم يمتلىء المسجد، ثم كثروا، وكثر لغطهم، وارتفعت أصواتهم بذمّ معاوية وشتمه ونقص [3] زياد. وبلغ ذلك عمرو بن حريث، فصعد المنبر، واجتمع إليه أشراف أهل المصر فحثّهم على الطاعة والجماعة. وحذّرهم الخلاف؛ فوثب إليه عنق [4] من أصحاب حجر يكبّرون ويشتمون، حتى دنوا/ منه، فحصبوه وشتموه حتى نزل ودخل القصر، وأغلق عليه بابه، وكتب إلى زياد بالخبر، فلما أتاه أنشد يتمثّل بقول كعب بن مالك:
__________
[1] في م: «احتمله».
[2] أشاط دمه: عرضه للقتل.
[3] في م: «و قصف زياد»، والقصف معناه الكسر، يريد الانتقاص.
[4] العنق: الجماعة من الناس.
فلما غدوا بالعرض [1] قال سراتنا: ... علام إذا لم نمنع العرض نزرع [2]
ما أنا بشيء إن لم أمنع الكوفة من حجر، وأدعه نكالا لمن بعده، ويل أمك حجر! لقد سقط بك العشاء على سرحان [3].
عودة زياد إلى الكوفة
ثم أقبل حتى أتى الكوفة، فدخل القصر، ثم خرج وعليه قباء سندس، ومطرف خزّ أخضر، وحجر جالس في المسجد، وحوله أصحابه ما كانوا. فصعد المنبر فخطب وحذّر الناس، ثم قال لشدّاد بن الهيثم الهلاليّ أمير الشّرط: اذهب فائتني بحجر، فذهب إليه فدعاه، فقال أصحابه: لا يأتيه ولا كرامة. فسبّوا الشّرط، فرجعوا/ إلى زياد فأخبروه، فقال: يا أشراف أهل الكوفة! أتشجّون بيد وتأسون بأخرى [4]؟ أبدانكم عندي، وأهواؤكم مع هذه الهجاجة [5] المذبوب [6]. أنتم معي وإخوتكم وأبناؤكم وعشيرتكم مع حجر.
استعداء زياد أشراف الكوفة عليه
فوثبوا إلى زياد فقالوا: معاذ اللّه أن يكون لنا فيما ها هنا رأي إلّا طاعتك وطاعة أمير المؤمنين، وكلّ ما ظننت أن يكون فيه رضاك فمرنا به. قال: ليقم كلّ امرىء منكم إلى هذه الجماعة التي حول حجر، فليدع/ الرجل أخاه وابنه وذا قرابته ومن يطيعه من عشيرته، حتى تقيموا عنه كلّ من استطعتم. ففعلوا، وجعلوا يقيمون عنه أصحابه حتى تفرّق أكثرهم وبقي أقلّهم.
أمر زياد بإحضاره
فلما رأى زياد خفّة أصحابه قال لصاحب شرطته: اذهب فائتني بحجر، فإن تبعك وإلا فمر من معك أن ينتزعوا غمد السيوف [7]، ثم يشدّوا عليه حتى يأتوا به، ويضربوا من حال دونه.
أصحابه يمنعونه من الذهاب إلى زياد
فلما أتاه شدّاد قال له: أجب الأمير، فقال أصحاب حجر: لا واللّه ولا نعمة عين، لا يجيبه. فقال لأصحابه:
عليّ بعمد السيوف [8]، فاشتدّوا إليها، فأقبلوا بها، فقال عمير بن زيد [9] الكلبيّ أبو العمرّطة [10]: إنه ليس معك رجل
__________
[1] ضبطت العين في أبالفتحة والكسرة. والعرض، بالكسرة: الوادي، وكل واد فيه شجر فهو عروض.
[2] في أ: «يزرع» وفي معجم البلدان:
ولمّا هبطنا العرض قال سراتنا ... علام إذا لم نحفظ العرض نزرع
[3] حاشية أ: «ذكر القاسم بن سلام والفضل أن السرحان هنا الذئب، وليس كذلك، وهو سرحان القريعي، وكان أحد شياطين العرب، فضرب به المثل». وفي «اللسان»: السرحان: الذئب أو الأسد. وهو مثل يضرب في طلب الحاجة تؤدي إلى تلف صاحبها.
[4] تشجون: تجرحون، وتأسون: تعالجون.
[5] الهجاجة: الأحمق، وفي المختار «الجهجاه»، وجهجه بالسبع: صاح ليكفّ.
[6] المذبوب: المبعد المطرود.
[7] في م: الستور، وفي المختار: «أن يشرعوا عمد السيوف». وفي الطبري: «فلينتزعوا عمد السيوف».
[8] في أ: «عليّ بالعمد».
[9] في الطبري والمختار: «بن يزيد».
[10] في أ: «ابن العمرطة».
معه سيف غيري، فما يغني سيفي! قال: فما ترى؟ قال: قم من هذا المكان، فالحق بأهلك يمنعك قومك.
موت عمرو بن الحمق من ضربة عمود
فقام وزياد ينظر على المنبر إليهم فغشوا حجرا بالعمد، فضرب [1] رجل من الحمراء يقال له: بكر بن عبيد رأس عمرو بن الحمق بعمود فوقع.
توارى حجر في منازل الأزد
وأتاه أبو سفيان بن العويمر والعجلان بن ربيعة - وهما رجلان من الأزد - فحملاه، فأتيا به دار رجل من الأزد يقال له عبيد اللّه بن موعد [2]، فلم يزل بها متواريا حتى خرج منها.
الثأر من ضارب عمرو بن الحمق
قال أبو مخنف: فحدثني يوسف بن زياد، عن عبيد اللّه بن عوف [3]، قال:
لما انصرفنا عن عروة باجميرى [4] قبل قتل عبد الملك مصعبا بعام، فإذا أنا بالأحمريّ الذي ضرب عمرو بن الحمق يسايرني؛ ولا واللّه ما رأيته منذ ذلك اليوم، وما كنت أرى لو رأيته أن أعرفه، فلما رأيته ظننته هو هو، وذلك حين نظرنا إلى أبيات الكوفة، فكرهت أن أسأله: أنت ضارب عمرو بن الحمق، فيكابرني، فقلت له: ما رأيتك منذ اليوم الذي ضربت فيه رأس عمرو بن الحمق بالعمود في المسجد فصرعته حتى يومي، ولقد عرفتك الآن حين رأيتك.
فقال لي: لا تعدم بصرك، ما أثبت نظرك! كان ذلك أمر السلطان [5] أما واللّه لقد بلغني أنه قد كان امرأ صالحا، ولقد ندمت على تلك الضّربة، فأستغفر اللّه.
فقلت له: الآن ترى، لا واللّه لا أفترق أنا وأنت حتى أضربك في رأسك مثل الضّربة التي ضربتها عمرو بن الحمق وأموت أو تموت.
قال: فناشدني وسألني باللّه. فأبيت عليه، ودعوت غلاما يدعى رشيدا [6] من سبي أصبهان معه قناة له صلبة، فأخذتها منه ثم أحمل عليه [7]، فنزل عن دابّته، فألحقه حين استوت قدماه على الأرض، فأصفق [8] /بها هامته، فخرّ لوجهه، وتركته ومضيت، فبرأ بعد ذلك، فلقيته مرّتين من دهري، كلّ ذلك يقول لي: اللّه بيني وبينك. فأقول له: اللّه بينك وبين عمرو بن الحمق.
__________
[1] في أ: «فيضرب».
[2] في أ: «مرعل». وفي المختار: «مزعل»، وفي الطبري: «بن مالك».
[3] في ب، س والمختار: عون، والمثبت ما في أوم والطبري.
[4] باجميري: موضع بأرض الموصل.
[5] في ب، س والطبري: «الشيطان»، والمثبت ما في أوالمختار.
[6] في س: «بشيرا» والمثبت والضبط ما في أ.
[7] في المختار: «ثم حملت»، وفي الطبري: «ثم أحمل عليه بها».
[8] في الطبري: «فأصفع بها هامته». وأصفق هامته: أضربها ضربة يسمع لها صوت.
رجع الحديث إلى سياقه الأول
أمر زياد بعض القبائل أن يأتوه به
قال: فقال زياد - وهو على المنبر - لتقم همدان وتميم وهوازن وأبناء بغيض ومذحج وأسد وغطفان فليأتوا جبّانة كندة، وليمضوا من ثمّ إلى حجر، فليأتوني به. ثم كره أن تسير مضر مع/ اليمن، فيقع شغب واختلاف، أو تنشب الحميّة فيما بينهم. فقال: لنقم تميم وهوازن وأبناء بغيض وأسد وغطفان، ولتمض مذحج وهمدان إلى جبّانة كندة، ثم ليمضوا إلى حجر فليأتوني به، وليسر أهل اليمن حتى ينزلوا جبّانة الصيداويين [1]، وليمضوا إلى صاحبهم فليأتوني به.
فخرجت الأزد وبجيلة وخثعم والأنصار وقضاعة وخزاعة، فنزلوا جبّانة الصيداويين، ولم تخرج حضرموت مع اليمن لمكانهم من كندة.
عبد الرحمن بن مخنف يشير على أهل اليمن يرأي
قال أبو مخنف: فحدثني سعيد [2] بن يحيى بن مخنف، عن محمد بن مخنف، قال: فإني لمع أهل اليمن وهم يتشاورون في أمر حجر، فقال لهم عبد الرحمن بن مخنف: أنا مشير عليكم برأي، فإن قبلتموه رجوت أن تسلموا من اللائمة والإثم: أن تلبّثوا قليلا حتى تكفيكم عجلة في شباب مذحج وهمدان ما تكرهون أن يكون [3] من مساءة قومكم في صاحبكم.
/ فأجمع رأيهم على ذلك، فلا واللّه ما كان إلّا كلا ولا [4] حتى أتينا فقيل لنا: إنّ شباب مذحج وهمدان قد دخلوا، فأخذوا كلّ ما وجدوا في بني بجيلة.
حجر يشير على أصحابه أن ينصرفوا عنه
قال: فمرّ أهل اليمن على نواحي دور كندة معذّرين، فبلغ ذلك زيادا، فأثنى على مذحج وهمدان، وذمّ أهل اليمن. فلما انتهى حجر إلى داره ورأى قلّة من معه قال لأصحابه: انصرفوا، فواللّه ما لكم طاقة بمن اجتمع عليكم من قومكم، وما أحبّ أن أعرّضكم للهلاك. فذهبوا لينصرفوا، فلحقتهم أوائل خيل مذحج وهمدان، فعطف عليهم عمير بن يزيد، وقيس بن يزيد، وعبيدة بن عمرو، وجماعة، فتقاتلوا معهم، فقاتلوا عنه ساعة فجرحوا، وأسر قيس بن يزيد، وأفلت سائر القوم، فقال لهم حجر: لا أبا لكم! تفرّقوا لا تقتلوا؛ فإنّي آخذ في بعض هذه الطرق.
يدخل دار سليمان بن يزيد ثم يخرج منها إلى دور بني العنبر
ثم أخذ نحو طريق بني حرب [5] من كندة، حتى أتى دار رجل منهم يقال له سليمان [6] بن يزيد، فدخل داره،
__________
[1] بنو الصيداء: حي من أسد. وفي أ: «الصائدين»، وكذلك في الطبري.
[2] الطبري: «يحيى بن سعيد».
[3] في المختار: «تلوه»، وفي الطبري: «أرى لكم أن تلبثوا قليلا، فإن سرعان شباب همدان ومذحج يكفونكم ما تكرهون أن تلوا من مساءة ... ».
[4] كلا ولا، أي مدة قليلة كز من النطق بهذين الحرفين.
[5] أ: «حوت»، وفي المختار: «طريق بني كعب»، والمثبت يوافق ما في الطبري أيضا.
[6] الطبري: «سليم بن زيد»، والمثبت يوافق ما في المختار أيضا.
وجاء القوم في طلبه، ثم انتهوا إلى تلك الدار، فأخذ سليمان بن يزيد سيفه، ثم ذهب ليخرج إليهم، فبكت بناته، فقال له حجر: ما تريد؟ لا أبا لك! فقال [له]: أريد واللّه أن ينصرفوا عنك؛ فإن فعلوا وإلّا ضاربتهم بسيفي هذا ما ثبت قائمه في يدي دونك. فقال له حجر: بئس واللّه إذن ما دخلت به على بناتك! أما في دارك هذه حائط أقتحمه أو خوخة [1] أخرج منها، عسى اللّه أن يسلّمني/ منهم ويسلّمك؛ فإنّ القوم إن لم يقدروا عليّ في دارك لم يضرّك [2] أمرهم. قال: بلى، هذه خوخة تخرجك إلى دور بني العنبر من كندة، فخرج معه فتية من الحيّ يقصّون له الطريق، ويسلكون به الأزقّة، حتى أفضى إلى النخع، فقال عند ذلك: انصرفوا، رحمكم اللّه.
يدخل دار عبد اللّه بن الحارث ثم يخرج منها إلى دار ربيعة بن ناجذ
فانصرفوا عنه، وأقبل إلى دار عبد اللّه بن الحارث أخي الأشتر، فدخلها، فإنه لكذلك قد ألقى له عبد اللّه الفرش، وبسط له البسط، وتلقّاه ببسط الوجه وحسن البشر إذ أتي فقيل له: إن الشّرط تسأل عنك في النخع وذلك أنّ أمة سوداء يقال لها أدماء لقيتهم فقالت لهم: من تطلبون؟ قالوا: نطلب حجرا، فقالت: هو ذا قد رأيته في النخع، فانصرفوا نحو النخع؛ فخرج متنكّرا، وركب معه عبد اللّه ليلا حتى أتى دار ربيعة بن ناجذ [3] الأزديّ، فنزل بها، فمكث يوما وليلة.
زياد يأمر محمد بن الأشعث أن يأتيه بحجر
فلما أعجزهم أن يقدروا عليه دعا زياد محمد بن الأشعث فقال: أما واللّه لتأتيني بحجر أو لا أدع لك نخلة إلّا قطعتها، ولا دارا إلّا هدمتها،/ ثم لا تسلم منّي بذلك حتى أقطّعك إربا إربا. فقال له: أمهلني أطلبه. قال: قد أمهلتك ثلاثا، فإن جئت به وإلّا فاعدد نفسك من الهلكى. وأخرج محمد نحو السجن وهو منتقع اللون يتلّ تلّا عنيفا [4]. فقال حجر بن يزيد الكنديّ من بني مرّة لزياد: ضمّنّيه وخلّ سبيله ليطلب صاحبه، فإنه مخلى سربه [5] /أحرى أن يقدر عليه منه إذا كان محبوسا. قال: أتضمنه لي؟ قال: نعم. قال: أما واللّه لئن حاص [6] عنك لأوردنّك [7] شعوب، وإن كنت الآن عليّ كريما. قال: إنه لا يفعل. فخلّى سبيله.
ثم إنّ حجر بن يزيد كلّمه في قيس بن يزيد، وقد أتي به أسيرا، فقال: ما عليه من بأس، قد عرفنا رأيه في عثمان رضي اللّه عنه، وبلاءه مع أمير المؤمنين بصفّين، ثم أرسل إليه فأتي به، فقال: قد علمت أنك لم تقاتل مع حجر أنّك ترى رأيه، ولكن قاتلت معه حميّة، وقد غفرنا لك لما نعلمه من حسن رأيك، ولكن لا أدعك حتى تأتيني بأخيك عمير. قال: آتيك به إن شاء اللّه. قال: هات من يضمنه معك. قال: هذا حجر بن يزيد. قال حجر: نعم، على أن تؤمّنه على ماله ودمه. قال: ذلك لك.
فانطلقا فأتيا به، فأمر به فأوقر حديدا، ثم أخذته الرجال ترفعه، حتى إذا بلغ سررها ألقوه، فوقع على
__________
[1] الخوخة: باب صغير في باب كبير، أو مخرج خلف الدار.
[2] أ: «لم يضروك».
[3] الطبرى: «ناجد».
[4] تله: صرعه، أو ألقاه على عنقه وخده.
[5] المختار: «سبيله»، والمثبت يوافق ما في الطبري أيضا.
[6] حاص: عدل.
[7] في المختار: «لأزبرن بك شعوبا»، وفي الطبري: «لأزيرنك شعوب». وشعوب: اسم للمنية.
الأرض، ثم رفعوه فألقوه، ففعل به ذلك مرارا، فقام إليه حجر بن يزيد، فقال: أولم تؤمّنه؟ قال: بلى، لست أهريق له دما، ولا آخذ له مالا. فقالا: هذا يشفي به على الموت.
وقام كلّ من كان عنده من أهل اليمن، فكلّموه فيه، فقال: أتضمنونه لي بنفسه متى [1] أحدث حدثا أتيتموني به؟ قالوا: نعم. فخلّى سبيله.
يطلب من ابن الأشعث أن يسأل زيادا الأمان له حتى يأتي معاوية
ومكثل حجر في منزل ربيعة بن ناجذ [2] يوما وليلة، ثم بعث إلى/ ابن الأشعث غلاما يدعى رشيدا من سبي أصبهان، فقال له: إنه قد بلغني ما استقبلك به هذا الجبّار العنيد، فلا يهولنّك شيء من أمره؛ فإني خارج إليك، فاجمع نفرا من قومك، وادخل عليه، واسأله أن يؤمنّني حتى يبعثني إلى معاوية، فيرى فيّ رأيه.
زياد يأمر بحبسه
فخرج محمد إلى حجر بن يزيد، وجرير بن عبد اللّه، وعبد اللّه أخي الأشتر، فدخلوا إلى زياد فطلبوا إليه فيما سأله حجر، فأجاب، فبعثوا إليه رسولا يعلمونه بذلك. فأقبل حتى دخل على زياد، فقال له: مرحبا يا أبا عبد الرحمن، حرب في أيام الحرب، وحرب وقد سالم الناس! «على نفسها تجني براقش» [3]، فقال له: ما خلعت يدا عن طاعة، ولا فارقت جماعة، وإني لعلى بيعتي. فقال: هيهات يا حجر، أتشج بيد وتأسو بأخرى، وتريد إذا أمكننا اللّه منك أن ترضى! هيهات واللّه! فقال [4]: ألم تؤمنني حتى آتي معاوية، فيرى فيّ رأيه. قال: بلى، انطلقوا به إلى السجن.
زياد يطلب رؤوس أصحاب حجر
فلما مضي به قال: أما واللّه لولا أمانه ما برح حتى يلقط عصبه [5]. فأخرج وعليه برنس في غداة باردة، فحبس عشر ليال، وزياد ماله عمل غير الطلب لرؤوس أصحاب حجر.
عمرو بن الحمق ورفاعة بن شداد يكمنان في جبل بالموصل
فخرج عمرو بن الحمق، ورفاعة بن شدّاد حتى نزلا المدائن، ثم ارتحلا حتى أتيا الموصل، فأتيا جبلا فكمنا فيه، وبلغ عامل ذلك الرّستاق [6] - وهو رجل من همدان يقال له عبيد اللّه [7] بن أبي بلتعة - خبرهما،/ فسار إليهما في الخيل، ومعه أهل البلد، فلما انتهى إليهما خرجا، فأمّا عمرو فكان بطنه قد استسقى [8]، فلم يكن عنده امتناع.
__________
[1] الطبري: «فمتى أحدث».
[2] انظر ص 141 حاشية 2.
[3] هامش أ: براقش: اسم كلب دل بنباحه قوما على أربابه فهلكوا. وفي «اللسان» (برقش) أقوال أخرى في مضرب المثل.
[4] أ: «قال».
[5] أي حتى يقتل.
[6] الرستاق: الناحية في طرف الإقليم والقرى.
[7] ح، والطبري: عبد اللّه.
[8] استسقى: أصابه السقي، بفتح السين وكسرها، وهو ماء يقع في البطن.
عمرو بن الحمق يقع أسيرا ورفاعة ينجو ينفسه
وأما رفاعة فكان شابّا قويا فوثب على فرس له جواد، وقال لعمرو: أقاتل عنك. قال: وما ينفعني أن تقتل؟
انج بنفسك، فحمل عليهم، فأخرجوا له حتى/ أخرجه فرسه، وخرجت الخيل في طلبه، وكان راميا فلم يلحقه فارس إلّا رماه، فجرحه أو عقره، فانصرفوا عنه؛ فأخذ [1] عمرو بن الحمق، فسألوه: من أنت؟ فقال: من إن تركتموه كان أسلم لكم، وإن قتلتموه كان أضرّ عليكم، فسألوه فأبى أن يخبرهم، فبعثوا به إلى عبد الرحمن بن عثمان، وهو ابن أمّ الحكم، الثقفيّ، فلما رأى عمرا عرفه.
معاوية يأمر بقتل عمرو بن الحمق
فكتب إلى معاوية بخبره. فكتب إليه معاوية: إنه زعم أنه طعن عثمان تسع طعنات، وإنه لا يتعدى [2] عليه، فأطعنه تسع طعنات كما طعن عثمان.
رأس ابن الحمق يحمل إلى معاوية
فأخرج فطعن تسع طعنات، فمات في الأولى منهن أو في الثانية، وبعث برأسه إلى معاوية؛ فكان رأسه أوّل رأس حمل في الإسلام.
زياد يطلب من صيفي بن فسيل أن يعلن عليا فيأبى
وجدّ زياد في طلب أصحاب حجر وهم يهربون منه، ويأخذ من قدر عليه منهم، فجاء قيس بن عبّاد الشيباني إلى زياد، فقال له: إن امرأ منّا يقال له صيفيّ بن فسيل [3]، من رؤوس أصحاب حجر، وهو أشدّ الناس عليك؛ فبعث إليه فأتي به، فقال له زياد: يا عدوّ اللّه، ما تقول في أبي تراب؟ / فقال: ما أعرف أبا تراب، قال: ما أعرفك به! أما تعرف عليّ بن أبي طالب! قال: بلى، قال: فذاك أبو تراب، قال: كلّا، فذاك أبو الحسن والحسين. فقال له صاحب الشرطة: أيقول لك الأمير هو أبو تراب وتقول أنت: لا! قال: أفإن كذب الأمير أردت أن أكذب وأشهد له بالباطل كما شهد! قال له زياد: وهذا أيضا مع ذنبك، عليّ بالعصيّ فأتي بها، فقال: ما قولك في عليّ! قال: أحسن قول أنا قائله في عبد من عبيد اللّه أقوله في أمير المؤمنين. قال: اضربوا عاتقه بالعصيّ حتى يلصق بالأرض، فضرب سى لصق بالأرض. ثم قال: أقلعوا عنه، ما قولك فيه؟ قال: واللّه لو شرّحتني بالمدي والمواسي ما زلت [4] عمّا سمعت. قال: لتلعنّنه أو لأضربنّ عنقك. قال: إذا واللّه تضربها قبل ذلك، فأسعد وتشقى إن شاء اللّه، قال: أو قروه حديدا واطرحوه في السجن.
زياد يأمر رؤوس الأرباع أن يشهدوا على حجر وأصحابه
وجمع زياد من أصحاب حجر بن عديّ اثني عشر رجلا في السجن، وبعث إلى رؤوس الأرباع فأشخصهم، فحضروا، وقال: اشهدوا على حجر بما رأيتموه، وهم عمرو بن حريث، وخالد بن عرفطة، وقيس بن الوليد بن
__________
[1] المختار: «فأخذوا».
[2] الطبري: وإنا لا نريد أن نعتدي عليه». وفي المختار: «و إنا لا نتعدى عليه».
[3] المختار: «قسيل»، والمثبت يوافق ما في الطبري أيضا. وفي المختار: 3: 317، «قشيل» قال محققه: وفي تاريخ الإسلام للذهبي:
2/ 293: «قشيل - بالقاف - أو فشيل الربعي، كوفي من شيعة علي، قتل صبرا مع حجر».
[4] الطبري: ما قلت إلا ما سمعت.
عبد شمس بن المغيرة، وأبو بردة بن أبي موسى، فشهدوا أنّ حجرا جمع إليه الجموع، وأظهر شتم الخليفة، وعيب زياد، وأظهر عذر أبي تراب والترحّم عليه، والبراءة من عدوّه، وأهل حربه، وأن هؤلاء الذين معه رؤوس أصحابه، وعلى مثل رأيه.
فنظر زياد في الشهادة فقال: ما أظنّ هذه شهادة قاطعة، وأحبّ أن يكون الشهود أكثر من أربعة.
فكتب أبو بردة بن أبي موسى:
«بسم اللّه الرحمن الرحيم. هذا ما شهد عليه أبو بردة بن أبي موسى/ للّه ربّ العالمين، شهد أنّ حجر بن عديّ خلع الطاعة، وفارق الجماعة، ولعن ودعا إلى الحرب والفتنة، وجمع إليه الجموع يدعوهم إلى نكث البيعة، وخلع أمير المؤمنين معاوية، وكفر باللّه كفرة صلعاء».
فقال زياد: على مثل هذه الشهادة فاشهدوا، واللّه لأجهدنّ في قطع عنق الخائن الأحمق، فشهد رؤوس الأرباع الثلاثة الآخرون على مثل ذلك، ثم دعا الناس، فقال: اشهدوا على مثل ما شهد عليه رؤوس الأرباع.
فقام عثمان بن شرحبيل التيميّ أوّل الناس، فقال:/ اكتبوا اسمي. فقال زياد: ابدءوا بقريش، ثم اكتبوا اسم من نعرفه ويعرفه أمير المؤمنين بالصحة والاستقامة. فشهد إسحاق وموسى وإسماعيل بنو طلحة بن عبيد اللّه، والمنذر بن الزبير، وعمارة بن عقبة، وعبد الرحمن بن هبّار، وعمر بن سعد بن أبي وقاص، وشهد عنان [1]، ووائل بن حجر الحضرميّ، وضرار بن هبيرة، وشدّاد بن المنذر أخو الحضين بن المنذر، وكان يدعى ابن بزيعة.
فكتب شداد بن بزيعة، فقال: أما لهذا أب ينسب إليه، ألغوا هذا من الشهود. فقيل له: إنه أخو الحضين بن المنذر، فقال: انسبوه إلى أبيه، فنسب، فبلغ ذلك شدّادا، فقال: والهفاه على ابن الزّانية؟ أو ليست أمّه أعرف من أبيه؛ فو اللّه ما ينسب إلّا إلى أمّه سميّة.
وشهد حجّار بن أبجر العجلي، وعمرو بن الحجاج، ولبيد بن عطارد، ومحمد بن عمير بن عطارد، وأسماء بن خارجة، وشمر بن ذي الجوشن، وزحر بن قيس الجعفيّ، وشبث بن ربعيّ، وسماك بن مخرمة الأسديّ صاحب مسجد سماك، ودعا المختار بن أبي عبيد [2]، وعروة بن المغيرة بن شعبة/ إلى الشهادة فراغا، وشهد سبعون رجلا.
وائل بن حجر وكثير بن شهاب يذهبان إلى معاوية بكتاب زياد ومعهما جماعة من أصحاب حجر
ودفع ذلك إلى وائل بن حجر، وكثير بن شهاب، وبعثهما عليهما وأهما [3] أن يخرجوهم.
وكتب في الشهود شريح بن الحارث، وشريح بن هانى ء. فأما شريح بن الحارث فقال: سألني عنه فقلت: أما إنه كان صوّاما قوّاما. وأما شرح بن هانىء فقال: بلغني أنّ شهادتي كتبت فأكذبته، ولمته.
وجاء وائل بن حجر وكثير بن شهاب فأخرجا القوم عشيّة، وسار معهم أصحاب الشّرط حتى أخرجوهم، فلما
__________
[1] أ: «عفان»، وفي الطبري: «عنان بن شرحبيل».
[2] المختار: «ابن عبيدة»، والمثبت يوافق ما في الطبري أيضا.
[3] أ: «و أمرهم».
انتهوا إلى جبّانة عرزم [1] نظر قبيصة بن ضبيعة العبسيّ إلى داره في جبّانة عرزم، فإذا بناته مشرفات، فقال لوائل وكثير: أدنياني أوص أهلي، فأدنياه. فلما دنا منهن بكين، فسكت عنهن ساعة، ثم قال: اسكتن، فسكتن، فقال:
اتّقين اللّه واصبرن، فإني أرجو من ربي في وجهي هذا خيرا: إحدى الحسنيين؛ إما الشهادة فنعم سعادة، وإما الانصراف إليكنّ في عافية؛ فإنّ الذي كان يرزقكنّ ويكفيني مؤنتكن هو اللّه تبارك وتعالى وهو حيّ لا يموت، وأرجو ألّا يضيعكنّ، وأنّ يحفظني فيكنّ. ثم انصرف، فجعل قومه يدعون له بالعافية.
وجاء شريح بن هانىء بكتاب، فقال: بلّغوا هذا عني أمير المؤمنين، فتحمّله وائل بن حجر.
ومضوا بهم حتى انتهوا [2] إلى مرج عذراء [3]، فحبسوا به وهم على أميال من دمشق، وهم: حجر بن عديّ الكنديّ، والأرقم بن عبد اللّه الكنديّ،/ وشريك بن شدّاد الحضرميّ، وصيفيّ بن فسيل [4] الشيبانيّ، وقبيصة بن ضبيعة العبسيّ، وكريم بن عفيف الخثعميّ، وعاصم بن عوف البجليّ، وورقاء بن سميّ البجليّ [5]، وكدام بن حيّان، وعبد الرحمن بن حسّان العنزيّان، ومحرز بن شهاب المنقريّ، وعبد اللّه بن جؤيّة التميميّ، وأتبعهم زياد برجلين، وهما عتبة بن الأخنس السعديّ، وسعيد بن نمران الهمدانيّ الناعطيّ، فكانوا أربعة عشر.
كتاب زياد إلى معاوية
فبعث معاوية إلى وائل بن حجر وكثير، فأدخلهما، وفضّ كتابهما، وقرأه على أهل الشام:
«بسم اللّه الرحمن الرحيم. لعبد اللّه معاوية بن أبي سفيان أمير المؤمنين، من زياد بن أبي سفيان.
أمّا بعد، فإنّ اللّه قد أحسن عند أمير المؤمنين البلاء فأداله [6] من عدوّه، وكفاه مؤونة من بغى عليه، إنّ/ طواغيت [7] الترابيّة السابّة رأسهم حجر بن عديّ، خلعوا أمير المؤمنين، وفارقوا جماعة المسلمين، ونصبوا لنا حربا فأطفأها اللّه عليهم، وأمكننا منهم، وقد دعوت خيار أهل المصر وأشرافهم وذوي النّهى والدّين، فشهدوا عليهم بما رأوا وعلموا، وقد بعثت إلى أمير المؤمنين، وكتبت شهادة صلحاء أهل المصر وخيارهم في أسفل كتابي هذا».
/ فلما قرأ الكتاب قال: ما ترون في هؤلاء؟ فقال [8] يزيد بن أسد البجليّ: أرى أن تفرّقهم في قرى الشام، فتكفيكهم طواغيتها [9].
كتاب شريح بن هانىء إلى معاوية ودفع وائل كتاب شريح إليه، فقرأه وهو:
__________
[1] هي بالكوا.
[2] أ: «مضوا حتى انتهى بهم».
[3] مرج عذراء بغوطة دمشق (/).
[4] انظر حاشية 4 ص 144.
[5] الطبري: «ثم الناعطي».
[6] أ: «فأدركه»، وفي المختار: «أذل له الأعداء».
[7] الطواغيت: جمع طاغوت، وهو الكثير الطغيان.
[8] في أ: «قال».
[9] ج، م، المختار: طواعينها.
«بسم اللّه الرحمن الرحيم.
لعبد اللّه معاوية أمير المؤمنين، من شريح بن هانى ء.
أما بعد؛ فقد بلغني أنّ زيادا كتب إليك بشهادتي على حجر، وإن شهادتي على حجر أنه ممّن يقيم الصلاة، ويؤتي الزكاة، ويأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، حرام المال والدم، فإن شئت فاقتله، وإن شئت فدعه».
معاوية يكتب إلى زياد بحيرته في أمر حجر وأصحابه، وزياد يرد عليه يطلب عقابهم
فقرأ كتابه على وائل، وقال: ما أرى هذا إلّا قد أخرج نفسه من شهادتكم. فحبس القوم بعد هذا، وكتب إلى زياد:
«فهمت ما اقتصصت من أمر حجر وأصحابه والشهادة عليهم، فأحيانا أرى أنّ قتلهم أفضل، وأحيانا أرى أن العفو أفضل من قتلهم».
فكتب زياد إليه مع يزيد بن حجيّة التيميّ: «قد عجبت لاشتباه الأمر عليك فيهم مع شهادة أهل مصرهم عليهم، وهم أعلم بهم؛ فإن كانت لك حاجة في هذا المصر فلا تردّنّ حجرا وأصحابه إليه.
حجر يطلب إبلاغ معاوية تمسكه ببيعته
فمرّ يزيد بحجر وأصحابه فأخبرهم بما كتب به زياد، فقال له حجر: أبلغ أمير المؤمنين أنّا على بيعته لا نقيلها ولا نستقيلها، وإنما شهد علينا الأعداء والأظنّاء [1].
/فقدم يزيد بن حجيّة على معاوية بالكتاب، وأخبره بقول حجر. فقال معاوية: زياد أصدق عندنا من حجر.
وكتب جرير بن عبد اللّه في أمر الرجلين اللّذين من بجيلة، فوهبهما له وليزيد بن أسد، وطلب وائل بن حجر في الأرقم الكنديّ، فتركه، وطلب أبو الأعور في عتبة بن الأخنس فوهبه له، وطلب حمزة بن مالك الهمدانيّ في سعيد بن نمران فوهبه له، وطلب [2] حبيب بن مسلمة في عبد اللّه بن جؤيّة التميميّ فخلّى سبيله.
فقام مالك بن هبيرة، فسأله في حجر فلم يشفّعه؛ فغضب وجلس في بيته. وبعث معاوية هدبة [3] بن فيّاض القضاعيّ والحصين بن عبد اللّه الكلابيّ، وآخر معهما يقال له أبو صريف البدريّ، فأتوهم عند المساء، فقال الخثعميّ حين رأى الأعور: يقتل نصفنا وينجو نصفنا. فقال سعيد بن نمران: اللهم اجعلني ممن ينجو، وأنت عني راض. فقال عبد الرحمن بن حسّان العنزيّ: اللهم اجعلني ممن يكرم بهوانهم وأنت عنّي راض، فطالما عرّضت نفسي للقتل، فأبى اللّه إلّا ما أراد.
رسول معاوية يطلب من أصحاب حجر لعن علي فيأبون
فجاء رسول معاوية إليهم فإنه لمعهم إذ جاء رسول بتخلية ستّة منهم وبقي ثمانية. فقال لهم رسول [4] معاوية:
__________
[1] الأظناء: المتهمون.
[2] المختار: «و تكلم».
[3] بيروت: «هدية»، بالياء المشددة، والهاء المفتوحة.
[4] كذا في ح، والطبري، وفي أ، م، ب، س: «رسل».
إنّا قد أمرنا أن نعرض عليكم البراءة من عليّ واللّعن له، فإن فعلتم هذا تركناكم، وإن أبيتم قتلناكم، وأمير المؤمنين يزعم أنّ دماءكم قد حلّت بشهادة أهل مصركم عليكم، غير أنه قد عفا عن ذلك فابرءوا من هذا الرجل يخل سبيلكم. قالوا: لسنا فاعلين؛ فأمر [1] /بقيودهم [2] فحلّت، وأتي بأكفانهم فقاموا الليل كلّه يصلّون. فلما أصبحوا قال أصحاب معاوية: يا هؤلاء، قد رأيناكم البارحة أطلتم الصلاة،/ وأحسنتم الدعاء، فأخبرونا ما قولكم في عثمان، قالوا: هو أوّل من جار في الحكم، وعمل بغير الحق. فقالوا: أمير المؤمنين كان أعرف بكم. ثم قاموا إليهم وقالوا: تبرءون من هذا الرجل؟ قالوا: بل نتولّاه.
فأخذ كلّ رجل منهم رجلا يقتله، فوقع قبيصة في يدي أبي صريف البدريّ، فقال له قبيصة: إنّ الشرّ بين قومي وقومك أمين [3]، أي آمن فليقتلني غيرك، فقال: برّتك رحم. فأخذ الحضرميّ فقتله.
وقتل القضاعيّ صاحبه، ثم قال لهم حجر: دعوني أصلّي ركعتين، فإني واللّه ما توضّأت قطّ إلّا صلّيت، فقالوا له: صلّ، فصلّى ثم انصرف، فقال: واللّه ما صليت صلاة قطّ أقصر منها، ولولا أن يروا أنّ ما بي جزع من الموت لأحببت أن أستكثر منها، ثم قال: اللهم إنّا نستعديك على أمّتنا، فإنّ أهل الكوفة قد شهدوا علينا، وإن أهل الشأم يقتلوننا، أما واللّه لئن قتلتمونا فإني أوّل فارس من المسلمين سلك [4] في واديها، وأوّل رجل من المسلمين نبحته كلابها، فمشى إليه هدبة بن الفيّاض الأعور بالسيف، فأرعدت خصائله [5]، فقال: كلّا، زعمت أنك لا تجزع من الموت، فإنا ندعك، فابرأ من صاحبك. فقال: ما لي لا أجزع، وأنا أرى قبرا محفورا، وكفنا منشورا، وسيفا مشهورا، وإني واللّه إن جزعت لا أقول ما يسخط الربّ، فقتله.
أمر عبد الرحمن بن حسان وكريم بن عفيف مع معاوية
وأقبلوا يقتلونهم واحدا واحدا حتى قتلوا ستّة نفر، فقال عبد الرحمن بن حسان وكريم بن عفيف [6]: ابعثوا بنا إلى أمير المؤمنين، فنحن نقول في هذا الرجل مثل مقالته. فبعثوا إلى معاوية فأخبروه، فبعث: ائتوني بهما. فالتفتا إلى حجر، فقال له العنزيّ: لا تبعد يا حجر، ولا يبعد مثواك؛ فنعم أخو الإسلام كنت، وقال الخثعميّ نحو ذلك.
ثم مضى بهما، فالتفت العنزيّ، فقال متمثلا:
كفى بشفاة القبر [7] بعد لهالك ... وبالموت قطّاعا لحبل القرائن
فلما دخل عليه الخثعميّ قال له: اللّه اللّه يا معاوية! إنك منقول من هذه الدار الزائلة إلى الدار الآخرة الدائمة، ومسؤول عما أردت بقتلنا، وفيما سفكت دماءنا. فقال: ما تقول في علي؟ قال: أقول فيه قولك، أتبرأ من دين عليّ الذي كان يدين اللّه به! وقام شمر بن عبد اللّه الخثعميّ فاستوهبه، فقال: هو لك، غير أني حابسه شهرا، فحبسه، ثم
__________
[1] في أ، م، ب، س: «فأمروا» والمثبت من المختار والطبري.
[2] الطبري: «فأمر بقبورهم فحفرت».
[3] س: «أمن»، وكذلك في الطبري.
[4] أوالطبري: «هلك».
[5] الخصيلة: القطعة من اللحم، أو لحم الفخذين والعضدين والذراعين، أو كل عصبة فيها لحم غليظ، والجمع خصائل. وفي «بيروت»: «فصائله».
[6] أ: «عقيف».
[7] شفاة القبر: حرفه ومدخله.
أطلقه على ألّا يدخل الكوفة ما دام له سلطان. فنزل الموصل، فكان ينتظر موت معاوية ليعود إلى الكوفة، فمات قبل معاوية بشهر.
وأقبل على عبد الرحمن بن حسان، فقال له: يا أخا ربيعة، ما تقول في عليّ؟ قال: أشهد أنه من الذاكرين اللّه كثيرا والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، والعافين عن الناس. قال: فما تقول في عثمان؟ قال: هو أول من فتح أبواب الظلم، وأرتج أبواب الحقّ. قال: قتلت نفسك. قال:/ بل إيّاك قتلت، لا ربيعة بالوادي؛ يعني أنه ليس ثمّ أحد من قومه فيتكلم فيه.
فبعث به معاوية إلى زياد، وكتب إليه: إنّ هذا شرّ من بعثت به، فعاقبه بالعقوبة التي هو أهلها واقتله شرّ قتلة.
فلما قدم به على زياد بعث به إلى قسّ الناطف [1]، فدفنه حيّا.
قال أبو مخنف، عن رجاله: فكان من قتل منهم سبعة نفر: حجر بن عديّ، وشريك بن شدّاد الحضرميّ، وصيفيّ بن فسيل [2] الشيبانيّ، وقبيصة بن ضبيعة العبسيّ،/ ومحرز بن شهاب المنقريّ [3]، وكدام بن حيّان العنزيّ وعبد الرحمن بن حسان العنزيّ. ونجا منهم سبعة: كريم بن عفيف الخثعميّ، وعبد اللّه بن جؤيّة [4] التميميّ، وعاصم بن عوف البجليّ، وورقاء بن سميّ البجليّ، وأرقم بن عبد اللّه الكنديّ، وعتبة بن الأخنس السّعديّ من هوازن، وسعيد بن نمران الهمدانيّ.
وبعث معاوية إلى مالك بن هبيرة لما غضب بسبب حجر مائة ألف درهم، فرضي.
قال أبو مخنف: فحدثني ابن أبي زائدة، عن أبي إسحاق، قال: أدركت الناس يقولون: أول ذلّ دخل الكوفة قتل حجر، ودعوة زياد، وقتل الحسين.
/ قال: وجعل معاوية يقول عند موته: أيّ يوم لي من ابن الأدبر [5] طويل!.
عائشة تبعث عبد الرحمن بن الحارث إلى معاوية في أمر حجر وأصحابه
قال أبو مخنف: وحدثني عبد الملك بن نوفل بن مساحق من بني عامر بن لؤيّ أنّ عائشة بعثت عبد الرحمن بن الحارث بن هشام إلى معاوية في حجر وأصحابه، فقدم عليه وقد قتلهم، فقال له: أين غاب عنك حلم أبي سفيان؟ فقال: حين غاب عني مثلك من حلماء قومي، وحمّلني ابن سميّة فاحتملت.
قال: وكانت عائشة رضي اللّه عنها تقول: لو لا أنّا لم نغيّر شيئا قطّ إلّا آلت بنا الأمور إلى أشد مما كنّا فيه لغيّرنا قتل حجر، أما [6] واللّه إن كان لمسلما ما علمته حاجّا معتمرا.
__________
[1] أوالمختار: «قيس الناطف». وقس الناطف: موضع قرب الكوفة (ياقوت).
[2] انظر ما سبق ص 144 حاشية 4.
[3] الطبري: «السعدي».
[4] الطبري: «حوبة».
[5] ابن الأدبر: لقب حجر بن عدي. «القاموس».
[6] كذا في الطبري والمختار، وفي باقي الأصول: «أم».
رثاء حجر
وقالت امرأة من كندة ترثي حجرا [1]:
ترفّع أيّها القمر المنير ... لعلّك أن ترى حجرا يسير [2]
يسير إلى معاوية بن حرب ... ليقتله كما زعم الأمير
ألا يا ليت حجرا مات موتا ... ولم ينحر كما نحر البعير
ترفّعت الجبابر بعد حجر ... وطاب لها الخورنق والسّدير [3]
وأصبحت البلاد له محولا ... كأن لم يحيها مزن [4] مطير
/ ألا يا حجر حجر بني عديّ ... تلقّتك السلامة والسرور
أخاف عليك سطوة آل حرب [5] ... وشيخا في دمشق له زئير
يرى قتل الخيار عليه حقّا ... له من شرّ أمّته وزير
فإن تهلك فكلّ زعيم قوم ... إلى هلك [6] من الدنيا يصير
صوت
أحنّ إذا رأيت جمال سعدى ... وأبكي إن رأيت لها قرينا [7]
وقد أفد الرّحيل [8] فقل لسعدى: ... لعمرك خبّري ما تأمرينا
الشعر لعمر بن أبي ربيعة، يقوله في سعدى بنت عبد الرحمن بن عوف. والغناء لابن سريج، رمل بالوسطى، عن حبش. وقد قيل: إن عمر قال هذا البيت مع بيت آخر في ليلى بنت الحارث بن عوف المرّيّ. وفيه أيضا غناء، وهو:
صوت
ألا يا ليل إنّ شفاء نفسي ... نوالك إن بخلت فزوّدينا [9]
وقد أفد الرحيل وحان منّا ... فراقك فانظري ما تأمرينا
/ غنّى به الغريض ثقيلا أوّل بالبنصر، عن عمرو وحبش، وفيه خفيف ثقيل يقال إنه أيضا للغريض.
الناس من ينسبه إلى ابن سريج.
__________
[1] هي هند بنت زيد الأنصارية؛ وانظر ما سبق ص 132.
[2] وكذا في المختار. وفي الطبري: «تبصر هل ترى حجرا يسير».
[3] س: «تربعت»، وفي الطبري: «تجبرت». والخورنق: قصر كان بظهر الحيرة. والسدير: قصر كان قريبا منه.
[4] أ: «زمن».
[5] الطبري: «أخاف عليك ما أردى عديا»، والمثبت في المختار أيضا.
[6] الطبري: «من الدنيا إلى ملك يصير».
[7] ديوانه 502.
[8] أفد الرحيل: دنا وأزف.
[9] ديوانه 502.
12 - [أخبار لعمر بن أبي ربيعة]
سعدى بنت عبد الرحمن تبعث إلى عمر بن أبي ربيعة تعظه
أخبرني حرميّ، عن الزّبير، عن طارق بن عبد الواحد، قال: قال عبد الرحمن المخزوميّ:
كانت سعدى بنت عبد الرحمن بن عوف جالسة في المسجد، فرأت عمر بن أبي ربيعة في الطواف، فأرسلت إليه: إذا قضيت طوافك فائتنا، فلما قضى طوافه أتاها فحادثها، وأنشدها، فقالت: ويحك يا بن أبي ربيعة. ما تزال سادرا في حرم اللّه منتهكا، تتناول بلسانك ربّات الحجال من قريش؟! فقال: دعي هذا عنك، أما سمعت ما قلت فيك؟ قالت: وما قلت فيّ؟ فأنشدها:
أحنّ إذا رأيت جمال سعدى ... وأبكي إن رأيت لها قرينا [1]
أ سعدى إنّ أهلك قد أجدّوا ... رحيلا فانظري ما تأمرينا
فقالت: آمرك بتقوى اللّه، وترك ما أنت عليه.
ابن أبي عتيق ينشد سعدى قول عمر
قال الزبير: وحدثني عبد اللّه بن مسلم، قال: أنشد عمر بن أبي ربيعة بن أبي عتيق قوله:
أحنّ إذا رأيت جمال سعدى
قال: فركب ابن أبي عتيق فأتى سعدى بالجناب من أرض بني فزارة. فأنشدها قول عمر، وقال لها:
ما تأمرين؟ فقالت: آمره بتقوى اللّه يا بن الصّدّيق.
يستوقف ليلى بنت الحارث بن عوف وينشدها
قال الزّبير: وحدّثني طارق بن عبد الواحد، عن أبي عبيدة، عن عبد الرحمن المخزوميّ، قال:
لقي عمر بن أبي ربيعة ليلى بنت الحارث بن عوف المرّيّ، وهو يسير على بغلة، فقال لها: قفي أسمعك بعض ما قلت فيك؟ فوقفت، فقال:
ألا يا ليل إنّ شقاء نفسي ... نوالك إن بخلت فنوّلينا
قال: فما بلغنا أنها ردّت عليه شيئا، ومضت.
وقد روى هذا الخبر إبراهيم بن المنذر، عن محمد بن معن، فذكر أنّ ابن أبي عتيق إنما مضى إلى ليلى بنت الحارث بن عوف، فأنشدها هذا البيت، وهو الصحيح؛ لأنّ حلولها بالجنات من أرض فزارة أشبه بها منه بسعدى بنت عبد الرحمن بن عوف. ورواية الزّبير فيما أروى وهم لاختلاط الشعرين في سعدى وليلى.
__________
[1] ديوانه 502.
خبر آخر لسعدى بنت عبد الرحمن معه
أخبرني حرميّ، عن الزبير، عن محمّد بن سلّام، قال:
كانت سعدى بنت عبد الرحمن بن عوف جالسة في المسجد الحرام، فرأت عمر بن أبي ربيعة يطوف بالبيت، فأرسلت إليه: إذا فرغت من طوافك، فائتنا، فأتاها، فقالت: ألا أراك يا بن أبي ربيعة إلّا سادرا في حرم اللّه! أما تخاف اللّه! ويحك إلى متى هذا السّفه! قال: أي هذه، دعي عنك هذا من القول. أما سمعت ما قلت فيك؟ قالت:
لا، فما قلت؟ فأنشدها قوله [1]:
صوت
قالت سعيدة [2] والدموع ذوارف ... منها على الخدّين والجلباب
ليت المغيريّ الذي لم أجزه ... فيما أطال تصيّدي [3] وطلابي
كانت تردّ لنا المنى أيامنا ... إذ لا نلام على هوى وتصابي
أ سعيد [4] ما ماء الفرات وطيبه ... منّي على ظمأ وحبّ شراب
/ بألذّ منك وإن نأيت وقلّما ... يرعى النساء أمانة الغيّاب
عروضه من الكامل، غنّاه الهذليّ رملا بالوسطى، عن الهشاميّ، وغنّاه الغريض خفيف ثقيل بالوسطى، عن عمرو.
فقالت: أخزاك اللّه يا فاسق، ما علم اللّه أنّى قلت مما قلت حرفا، ولكنك إنسان بهوت [5].
وهذا الشعر تغنّي فيه:
قالت سكينة والدموع ذوارف
وفي موضع:
أ سعيد ما ماء الفرات وبرده
أسكين. وإنما غيّره المغنّون: ولفظ عمر ما ذكر فيه في الخبر.
إسحاق يغني الرشيد شعر عمر في سكينة
وقد أخبرني إسماعيل بن يونس، عن ابن شبّة، عن إسحاق، قال: غنّيت الرشيد يوما بقوله:
/قالت سكينة والدموع ذوارف ... منها على الخدّين والجلباب
فوضع القدح من يده وغضب غضبا شديدا، وقال: لعنه اللّه الفاسق، ولعنك معه. فسقط في يدي، وعرف
__________
[1] ديوانه 119.
[2] الديوان: «سكينة».
[3] س: «تصعدي».
[4] الديوان: «أسكين».
[5] بهته، كمنعه: قال عليه ما لم يقل. والبهوت: المباهت.
ما بي، فسكن، ثم قال: ويحك! أتغنّيني بأحاديث الفاسق ابن أبي ربيعة في بنت عمّي، وبنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم! ألا تتحفّظ في غنائك وتدري ما يخرج من رأسك! عد إلى غنائك الآن، وانظر بين يديك. فتركت هذا الصوت حتى أنسيته، فما سمعه منّي أحد بعده. واللّه أعلم.
صوت
فلا زال قبر تبنى وجاسم ... عليه من الوسميّ جود ووابل [1]
فينبت حوذانا وعوفا منوّرا ... سأتبعه من خير ما قال قائل [2]
عروضه من الطويل، والشعر لحسّان [3] بن ثابت الأنصاري. وهذا القبر الذي ذكره حسّان فيما يقال قبر الأيهم بن جبلة بن الأيهم الغسّانيّ. وقيل: إنه قبر الحارث بن مارية الجفني، وهو [4] منهم أيضا. والغناء لعزّة الميلاء، خفيف ثقيل، أول بالوسطى، مما لا يشكّ فيه من غنائها. وقد نسبه قوم إلى ابن عائشة، وذلك خطأ.
__________
[1] تبنى: بلدة بحوران من أعمال دمشق. الوسمي: أول المطر. الجرد: الغزير.
[2] «البلدان»: «سأهدى له». الحوذان والعوف: نبتان طيبا الرائحة.
[3] البيتان نسبهما ياقوت 2: 364 إلى النابغة، وقد وردا في ديوانه 84 مع اختلاف في الرواية.
[4] «بيروت»: «و هم».
13 - أخبار عزة الميلاء
كانت عزّة مولاة للأنصار، ومسكنها المدينة، وهي أقدم من غنّى الغناء الموقّع من النساء بالحجاز، وماتت قبل جميلة، وكانت من أجمل النساء وجها، وأحسنهنّ جسما، وسمّيت الميلاء؛ لتمايلها في مشيها.
سبب تسميتها الميلاء
وقيل: بل كانت تلبس الملاء، وتشبّه بالرجال، فسمّيت بذلك. وقيل: بل كانت مغرمة بالشراب، وكانت تقول: خذ ملئا [1] واردد فارغا - ذكر ذلك حمّاد بن إسحاق، عن أبيه.
والصحيح أنها سمّيت الميلاء لميلها في مشيتها.
مكانتها في الموسيقى والغناء
قال إسحاق: ذكر لي ابن جامع، عن يونس الكاتب، عن معبد، قال: كانت عزّة الميلاء ممّن أحسنّ ضربا بعود، وكانت مطبوعة على الغناء، لا يعيبها أداؤه ولا صنعته ولا تأليفه، وكانت تغنّي أغاني القيان من القدائم، مثل سيرين [2]، وزرنب، وخولة، والرباب، وسلمى، ورائقة، وكانت رائقة أستاذتها. فلما قدم نشيط وسائب خاثر المدينة غنّيا أغاني بالفارسية، فلقنت عزّة عنهما نغما، وألّفت عليها ألحانا عجيبة، فهي أوّل من فتن أهل المدينة بالغناء، وحرّض نساءهم ورجالهم عليه.
رأي مشايخ أهل المدينة فيها
قال إسحاق: وقال الزّبير: إنه وجد مشايخ أهل المدينة إذا ذكروا عزّة قالوا: للّه درّها! ما كان أحسن/ غناءها، ومدّ [3] صوتها، وأندى حلقها، وأحسن ضربها بالمزاهر والمعازف وسائر الملاهي، وأجمل وجهها،/ وأظرف لسانها، وأقرب مجلسها، وأكرم خلقها، وأسخى نفسها، وأحسن مساعدتها.
قال إسحاق: وحدّثني أبي، عن سياط، عن معبد، عن جميلة، بمثل ذلك من القول فيها.
أخذ عنها ابن سريج وابن محرز
قال إسحاق: وحدثني أبي، عن يونس، قال:
كان ابن سريج في حداثة سنّه يأتي المدينة، فيسمع من عزّة ويتعلّم غناءها، ويأخذ عنها، وكان بها معجبا،
__________
[1] المل ء، بالكسر: اسم ما يأخذه الإناء إذا امتلأ. وفي «المختار»: «ملاء».
[2] «بيروت»: «شيرين».
[3] المختار: «و أحل صوتها».
وكان إذا سئل: من أحسن الناس غناء؟ قال: مولاة الأنصار المفضّلة على كلّ من غنّى وضرب بالمعازف والعيدان من الرجال والنّساء.
قال: وحدثني هشام بن المرّيّة أنّ ابن محرز كان يقيم بمكة ثلاثة أشهر، ويأتي المدينة فيقيم بها ثلاثة أشهر من أجل عزّة، وكان يأخذ عنها.
رأي طويس فيها
قال إسحاق: وحدثني الجمحيّ، عن جرير [1] المغنّي المديني، أنّ طويسا كان أكثر ما يأوي إلى منزل عزّة الميلاء، وكان في جوارها، وكان إذا ذكرها يقول: هي سيّدة من غنّى من النساء، مع جمال بارع، وخلق فاضل وإسلام لا يشوبه دنس؛ تأمر بالخير وهي من أهله، وتنهى عن السوء وهي مجانبة [2] له، فناهيك ما كان أنبلها، وأنبل مجلسها!.
ثم قال: كانت إذا جلست جلوسا عامّا فكأنّ الطير على رؤوس أهل مجلسها، من تكلّم أو تحرك نقر رأسه.
قال ابن سلّام: فما ظنّك بمن يقول: فيه طويس هذا القول! ومن ذلك الذي سلم من طويس!.
سمعها معبد وقد أسنت فأعجب بها
قال إسحاق: وحدثني أبو عبد اللّه الأسلميّ، عن معبد:
أنه أتى عزّة يوما وهي عند جميلة وقد أسنّت، وهي تغنّي على معزفة في شعر ابن الإطنابة، قال:
علّلاني وعلّلا صاحبيّا ... واسقياني من المروّق ريّا
قال: فما سمع السامعون قطّ بشيء أحسن من ذلك. قال معبد: هذا غناؤها، وقد أسنّت، فكيف بها وهي شابّة!.
عمر بن أبي ربيعة يغشى عليه حين سمعها تغني شعره
قال إسحاق: وذكر لي عن صالح بن حسّان الأنصاريّ، قال: كانت عزّة مولاة لنا، وكانت عفيفة جميلة، وكان عبد اللّه بن جعفر، وابن أبي عتيق، وعمر بن أبي ربيعة يغشونها في منزلها فتغنّيهم. وغنّت يوما عمر بن أبي ربيعة لحنا لها في شيء من شعره، فشقّ ثيابه، وصاح صيحة عظيمة صعق معها، فلما أفاق قال له القوم: لغيرك الجهل يا أبا الخطاب! قال: إني سمعت واللّه ما لم أملك معه نفسي ولا عقلي.
وقال إسحاق: وحدثني أبو عبد اللّه الأسلميّ المدنيّ، قال:
كان حسّان بن ثابت معجبا بعزّة الميلاء، وكان يقدّمها على سائر قيان المدينة.
غنت شعرا لحسان بن ثابت فبكى
أخبرني حرميّ، عن الزبير، عن محمد بن الحسن المخزوميّ، عن محرز بن جعفر، قال:
__________
[1] كذا ضبط بالتصغير في أو الإكمال: 131 أ.
[2] في المختار: «و هي مجانبته».
ختن زيد بن ثابت الأنصاري بنته، فأولم؛ فاجتمع إليه المهاجرون والأنصار وعامّة أهل المدينة، وحضر حسّان بن ثابت وقد كفّ بصره يومئذ، وثقل سمعه، وكان يقول إذا دعي: أعرس أم عذار [1]؟ فحضر ووضع بين يديه خوان ليس عليه إلّا عبد الرحمن ابنه، فكان/ يسأله: أطعام يد أم يدين؟ فلم يزل يأكل حتى جاءوا بالشّواء، فقال: طعام يدين؛ فأمسك يده حتى إذا فرغ من الطعام ثنيت وسادة، وأقبلت الميلاء، وهي يومئذ شابّة، فوضع في حجرها مزهر، فضربت به، ثم تغنّت، فكان أوّل ما ابتدأت به شعر حسّان، قال:
/فلا زال قبر بين بصرى وجلّق ... عليه من الوسميّ جود ووابل
فطرب حسّان، وجعلت عيناه تنضحان، وهو مصغ لها.
أخبرني ابن عبد العزيز الجوهريّ، عن ابن شبّة، عن الأصمعيّ، عن أبي الزناد، قال:
قلت لخارجة بن زيد: أكان يكون هذا الغناء عندكم؟ قال: كان يكون في العرسات [2] ولم يكن يشهد بما يشهد به اليوم من السّعة.
وكان في إخواننا بني نبيط مأدبة، فدعينا، وثمّ قينة أو قينتان تنشدان شعر حسّان بن ثابت، قال [3]:
انظر خليلي بباب جلّق هل ... تبصر دون البلقاء من أحد؟ [4]؟
قال: وحسّان يبكي، وابنه يومىء إليهما أن زيدا؛ فإذا زادتا بكى حسّان، فأعجبني ما يعجبه من أن تبكيا أباه، وقد كفّ بصر حسّان بن ثابت يومئذ.
أخبرنا وكيع، عن حماد بن إسحاق، عن أبيه، عن الواقديّ، عن عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن أبيه، قال:
سمعت خارجة بن زيد يقول: دعينا إلى مأدبة في آل نبيط، قال خارجة: فحضرتها، وحسّان بن ثابت قد حضرها، فجلسنا/ جميعا على مائدة واحدة، وهو يومئذ قد ذهب بصره، ومعه ابنه عبد الرحمن، فكان إذا أتى طعام سأل ابنه: أطعام يد أم يدين؟ يعني باليد الثّريد وباليدين الشّواء؛ لأنه ينهش نهشا، فإذا قال: طعام يدين أمسك يده. فلما فرغوا من الطعام أتوا بجاريتين: إحداهما رائقة والأخرى عزّة، فجلستا وأخذتا مزهريهما، وضربتا ضربا عجيبا، وغنّتا بقول حسّان:
انظر خليلي بباب جلّق هل ... تبصر دون البلقاء من أحد
فأسمع حسّانا يقول:
قد أراني بها [5] سميعا بصيرا
وعيناه تدمعان، فإذا سكتتا سكت عنه البكاء، وإذا غنّتا بكى، فكنت أرى ابنه عبد الرحمن إذا سكتتا يشير إليهما أن تغنّيا، فيبكي أبوه، فأقول: ما حاجته إلى إبكاء أبيه!.
__________
[1] العرس: طعام الوليمة، والعذار: طعام البناء والختان.
[2] س، ب: «العرسان». والعرسات: جمع عرس: طعام الوليمة، ويجمع على أعراس أيضا.
[3] ديوانه 110.
[4] جلق: اسم لكورة الغوطة، أو هي دمشق نفسها أو قرية من قراها. والبلقاء من أعمال دمشق.
[5] المختار: «هناك».
قال الواقديّ: فحدّثت بهذا الحديث يعقوب بن محمد الظفريّ، فقال: سمعت سعيد بن عبد الرحمن بن حسّان يقول: لما انقلب حسّان من مأدبة بني نبيط إلى منزله استلقى على فراشه، ووضع إحدى رجليه على الأخرى، وقال: لقد أذكرتني رائقة وصاحبتها أمرا ما سمعته أذناي بعيد ليالي جاهليتنا مع جبلة بن الأيهم! فقلت:
يا أبا الوليد! أكان القيان يكنّ عند جبلة؟، فبتسّم ثم جلس، فقال: لقد رأيت عشر قيان: خمس روميّات يغنّين بالروميّة بالبرابط، وخمس يغنّين غناء أهل الحيرة، وأهداهنّ إليه إياس بن قبيصة، وكان يفد إليه من يغنّيه من العرب من مكّة وغيرها، وكان إذا جلس للشرب فرش تحته الآس والياسمين وأصناف الرياحين، وضرب له العنبر والمسك في صحاف الفضة والذهب، وأتي بالمسك الصحيح في صحاف الفضة، وأوقد له العود المندّى [1] إن كان/ شاتيا، وإن كان صائفا بطّن بالثّلج، وأتي هو وأصحابه بكسا صيفيّة يتفضّل هو وأصحابه بها في الصيف، وفي الشتاء الفراء الفنك [2]، وما أشبهه، ولا واللّه ما جلست معه يوما قطّ إلّا خلع عليّ ثيابه التي عليه في ذلك اليوم، وعلى غيري من جلسائه، هذا مع حلم عمّن جهل، وضحك وبذل من غير مسألة، مع حسن وجه وحسن حديث، ما رأيت منه خنى قطّ ولا عربدة، ونحن يومئذ على الشّرك، فجاء اللّه بالإسلام فمحا به كلّ كفر، وتركنا الخمر وما كره، وأنتم اليوم مسلمون تشربون هذا النبيذ/ من التّمر، والفضيخ [3] من الزّهر والرّطب، فلا يشرب أحدكم ثلاثة أقداح حتى يصاحب صاحبته ويفارقها، وتضربون فيه كما تضرب غرائب الإبل فلا تنتهون!.
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ، عن أبي أيوب المدينيّ، عن مصعب الزبيريّ، عن الضحّاك، عن عثمان بن أبي الزناد، عن أبيه، عن خارجة بن زيد مثله، وزاد فيه:
فلما فرغنا من الطعام ثقل علينا جلوس حسّان، فأومأ ابنه إلى عزّة الميلاء فغنّت:
انظر خليلي بباب جلّق هل ... تبصر دون البلقاء من أحد
فبكى حسّان حتى سدر [4]، ثم قال: هذا عمل الفاسق، أما لقد كرهتم مجالستي، فقبّح اللّه مجلسكم سائر اليوم، وقام فانصرف.
أخبرني حرميّ، عن الزبير، عن عمه مصعب، قال:
ذكر هشام بن عروة، عن أبيه: أنه دعي إلى مأدبة في زمن عثمان، ودعي/ حسّان ومعه ابنه عبد الرحمن، ثم ذكر نحو ما ذكره عمر بن شبّة عن الأصمعيّ في الحديث الأول، قال [5]:
__________
[1] في «بيروت»: «الهندي».
[2] المختار: «بفراء الفنك»، والفنك: جنس من الثعالب أصغر من الثعلب المعروف وفروته من أحسن الفراء.
[3] الفضيخ: عصير العنب، وشراب يتخذ من بسر مفضوخ وإن غلبه الماء. «القاموس».
[4] سدر: أصابه شبه دوار وتحير.
[5] ديوانه 110.
نسبة هذا الصوت
انظر خليلي بباب جلّق هل ... تؤنس دون البلقاء من أحد
أجمال شعثا إن هبطن من ال ... محبس بين الكثبان فالسّند [1]
يملن حورا [2] حور المدامع في ... الرّيط وبيض الوجوه كالبرد
من دون بصرى ودونها جبل ... الثلّج عليه السّحاب كالقرد [3]
إنّي وأيدي المخيّسات وما ... يقطعن من كلّ سربخ جدد [4]
أهوى حديث النّدمان في ... فلق الصّبح وصوت المسامر الغرد
تقول شعثا بعد ما هبطت ... بصور حسنى من احتدى بلدي [5]
لا أخدش الخدش بالحبيب ولا ... يخشى نديمي [6] إذا انتشيت يدي
الشعر لحسّان بن ثابت، والغناء لعزّة الميلاء، رمل بالبنصر، وفيه خفيف ثقيل ينسب إلى ابن محرز، وإلى عزّة الميلاء. وإلى الهذليّ في:
تقول شعثاء بعد ما هبطت
/ وما بعده من الأبيات، ثقيل أول مطلق في مجرى البنصر عن إسحاق، وفيها لعبد الرحيم ثاني ثقيل بالوسطى عن عمرو.
نسب شعثاء التي شبب بها حسان بن ثابت
وشعثاء هذه التي شبّب بها حسّان - فيما ذكر الواقديّ ومصعب الزبيريّ - امرأة من أسلم، تزوّجها حسّان، وولدت منه بنتا يقال لها أمّ فراس تزوّجها عبد الرحمن بن أم الحكم. وذكر أبو عمرو الشيبانيّ مثل ما ذكره في نسبها، ووصف أنه خطبها إلى قومها من أسلم فردّوه، فقال يهجوهم [7]:
لقد أتى عن بني الجرباء قولهم ... ودونهم قفّ جمدان فموضوع [8]
قد علمت أسلم الأرذال أنّ لها ... جارا سيقتله في داره الجوع
__________
[1] الديوان: «أجمال شعثاء قد هبطن». الكثبان، في «بيروت»: الطبثان.
[2] الديوان: «يحملن حوّا»، وحوّا، يريد نساء حوّا، والحوة: سمرة الشفة، وشفة حواء: تضرب إلى السواد. وحور المدامع، يعني حور العيون.
[3] القرد، بالتحريك: نفاية الصوف خاصة، ثم استعمل فيما سواه من الوبر والشعر والكتان. «اللسان» (قرد). وفي الديوان و «بيروت»:
«كالقدد».
[4] الديوان: «إني ورب». والمخيات: الإبل المذللة. والسربخ: الأرض البعيدة. وقيل: هي المضلة التي لا يهتدى فيها لطريق.
[5] في «بيروت»:
قعور حسنى من آخذ بيدي
ورواية الديوان:
ستقول شعثاء لو نفيق من ال ... كأس لألفيت مثرى العدد
[6] الديوان: « ... بالنديم ... ولا يخشى جليسي».
[7] ديوانه 267.
[8] الديوان: «و دونهم دف جمدان»، وجمدان موضوع: مكانان، وفي س وبيروت: «حمدان».
وأن سيمنعهم مما نووا حسب ... - لن يبلغ المجد والعلياء - مقطوع
وقد علوا - زعموا - عنّى بأختهم ... وفي الذّرا حسبي [1] والمجد مرفوع
ويل أمّ شعثاء شيئا تستغيث به ... إذا تجلّلها النّعظ الأفاقيع [2]
كأنه في صلاها [3] وهي باركة ... ذراع بكر من النيّاط منزوع [4]
/أخبرني حرميّ، عن الزبير، عن إبراهيم بن المنذر، عن أبي القاسم بن أبي الزناد، عن أخيه عبد الرحمن، عن أبيه، عن خارجة بن زيد، قال:/ شعثاء هذه بنت عمرو، من بني ماسكة من يهود، وكانت مساكن بني ماسكة بناحية القفّ، وكان أبو شعثاء قد رأس اليهود التي تلي بيت الدّراسة للتوراة، وكان ذا قدر فيهم، فقال حسّان يذكر ذلك:
من شعر حسان في شعثاء
هل في تصابي الكريم من فند ... أم هل لمدى الأيام من نفد [5]
تقول شعثاء: لو أفقت [6] عن الكا ... س لألفيت مثري العدد
يأبى لي السيف واللسان وقو ... م لم يضاموا كبدة الأسد
وذكر باقي الأبيات التي فيها الغناء.
ومما قاله حسّان بن ثابت في شعثاء، وغنّي به قوله [7]:
ما هاج حسّان رسوم المقام ... ومظعن الحيّ ومبنى الخيام
والنّؤي قد هدّم أعضاده ... تقادم العهد بوادي تهام
قد أدرك الواشون ما حاولوا ... والحبل من شعثاء رثّ رمام [8]
جنّيّة أرّقني طيفها ... يذهب صبحا ويرى [9] في المنام
هل هي إلّا ظبية مطفل ... مألفها السّدر بنعفي برام [10]
ترعى [11] غزالا فاترا طرفه ... مقارب الخطو ضعيف البغام
__________
[1] الديوان: «قد رغبوا زعموا ... وفي الذرى نسبي» ....
[2] النعظ: قيام الذكر وانتشاره، والمراد به الذكر نفسه. والأفاقيع: الذي يتفقع وتسمع له صوتا.
[3] الصلا: وسط الظهر.
[4] في الديوان:
ذراع آدم من نطاء منزوع
من نطاء، أي من عقبة نطاء. والعقبة: الجبل الطويل يعرض للطريق فيأخذ فيه. ونطاء: بعيدة.
[5] نفد، كسمع، نفادا ونفدا: فني. وهذا البيت لم يرد في ديوانه.
[6] الديوان: «لو تفيق ... ».
[7] ديوانه 380.
[8] في الديوان: «رث الزمام».
[9] في الديوان: ... تذهب ... وترى.
[10] برام: جبل من حرة سليم قرب المدينة. ونعفاه: جانباه. وفي أوس: «بنعف رام».
[11] في «الديوان»: «تزجى».
/
كأنّ فاها ثغب بارد ... في رصف تحت ظلال الغمام [1]
شجّ بصهباء لها سورة [2] ... من بنت كرم [3] عتّقت في الخيام
تدبّ في الكأس دبيبا كما [4] ... دبّ دبى وسط رفاق هيام [5]
من خمر بيسان تخيّرتها ... درياقة توشك فتر العظام [6]
يسعى بها أحمر ذو برنس ... محتلق الذّفرى شديد الحزام [7]
يقول فيها [8]:
قومي بنو النّجّار إذ أقبلت ... شهباء ترمي أهلها بالقتام
لا تخذل الجار ولا تسلم المولى ولا تخصم يوم الخصام الشعر لحسّان، والغناء لمعبد، خفيف رمل بإطلاق الوتر في مجرى الوسطى في البيت الأول من الأبيات، والرابع والتاسع والحادي عشر. وذكر الهشاميّ أنّ فيه لحنا لابن سريج من الرمل بالوسطى.
وهذه الأبيات يقولها حسّان في حرب كانت بينهم [9] وبين الأوس، تعرف بحرب مزاحم، وهو حصن من حصونهم.
شعر لحسان في حرب بين الأوس والخزرج
أخبرني بخبره حرميّ عن الزّبير، عن عمه مصعب، قال:
/ جمعت الأوس وحشدت بأحلافها، ورأّسوا عليهم أبا قيس بن الأسلت يومئذ، فسار بهم حتى كان قريبا من مزاحم. وبلغ ذلك الخزرج، فخرجوا يومئذ وعليهم سعد بن عبادة؛ وذلك أنّ عبد اللّه بن أبيّ كان مريضا أو متمارضا، فاقتتلوا قتالا شديدا، وقتلت بينهم قتلى كثيرة، وكان الطّول [10] يومئذ للأوس؛ فقال حسّان في ذلك:
ما هاج حسّان رسوم المقام ... ومظعن الحيّ ومبنى الخيام
وذكر الأبيات كلها.
أخبرني أحمد بن عبد العزيز، عن عمر بن القاسم بن الحسن، عن محمد/ بن سعد، عن الواقديّ، عن عثمان بن إبراهيم الحاطبيّ، قال:
__________
[1] الثغب: الغدير في ظل جبل لا تصيبه الشمس فيبرد ماؤه. والرصف: الحجارة المتراصفة الدانية.
[2] الديوان: «شجت»، وشجت: مزجت.
[3] الديوان: «من بيت رأس». وبيت رأس: قرية بالأردن.
[4] في الديوان: «تدب في الجسم».
[5] الدبى: أصغر النمل.
[6] الديوان: «ترياقة تسرع».
[7] الديوان: «مختلق الذفرى»، أي فيهما الخلوق. الذفرى: العظم الشاخص خلف الأذن.
[8] ديوانه 382.
[9] أي بين الخزرج الذين هم قوم حسان وبين الأوس.
[10] الطول هنا: الفوز والغلبة.
قال رجل من أهل المدينة: ما ذكر بيت حسّان بن ثابت [1]:
أهوى حديث النّدمان في فلق الصّبح وصوت المسامر الغرد إلّا عدت في الفتوّة كما كنت. قال: وهذا البيت من قصيدته التي يقول فيها:
انظر خليلي بباب جلّق هل ... تؤنس دون البلقاء من أحد
وقد روي أيضا في هذا الخبر غير الروايتين اللتين ذكرتهما.
عبد الرحمن بن حسان يحتال لإبعاد أبيه عن مجلس أصحابه
أخبرني بذلك حرميّ، عن الزبير، عن وهب بن جرير، عن جويرية بن أسماء، عن عبد الوهاب بن يحيى، عن عباد بن عبد اللّه بن الزبير، عن شيخ من قريش، قال:
إني وفتية من قريش عند قينة من قيان المدينة، ومعنا عبد الرحمن بن حسّان بن ثابت إذ استأذن حسّان، فكرهنا دخوله، وشقّ ذلك علينا؛/ فقال لنا عبد الرحمن: أيسّركم ألّا يجلس؟ قلنا: نعم. قال: فمروها إذا نظرت إليه أن ترفع عقيرتها وتغنّي:
أولاد جفنة عند قبر أبيهم ... قبر ابن مارية الكريم المفضل
يغشون حتى ما تهرّ كلابهم ... لا يسألون عن السّواد المقبل
قال: فو اللّه لقد بكى حتى ظننا أنه سقطت نفسه، ثم قال: أفيكم الفاسق! لعمرى لقد كرهتم مجلسي سائر اليوم، وقام فانصرف، واللّه تعالى أعلم.
نسبة هذا الصوت وسائر ما يغنّى فيه من القصيدة [2] التي هو منها.
صوت
أولاد جفنة عند قبر أبيهم ... قبر ابن مارية الجواد المفضل
يسقون من ورد البريص عليهم ... كأسا تصفّق بالرحيق السّلسل [3]
البريص: موضع بدمشق.
بيض الوجوه كريمة أحسابهم ... شمّ الأنوف من الطّراز الأوّل
يغشون حتى ما تهرّ كلابهم ... لا يسألون عن السّواد المقبل
ذكر حبش أن فيه لسيرين [4] قينة حسّان بن ثابت لحنا ثقيلا أول ابتداؤه نشيد [5]، وفيه لعريب ثقيل أول لا يشكّ فيه.
__________
[1] ديوانه 112.
[2] ديوانه 309.
[3] البريص: نهر في دمشق. والبيت في «اللسان» (برص).
[4] أ: «لشيرين».
[5] أ: «ينشد».
ومما يغنى فيه من هذه القصيدة قوله [1]:
صوت
كلتاهما حلب العصير فعاطني ... بزجاجة أرخاهما للمفصل [2]
بزجاجة رقصت بما في قعرها ... رقص القلوص براكب مستعجل
غنّاه إبراهيم الموصليّ رملا مطلقا في مجرى الوسطى، عن إسحاق وعمرو وغيرهما، ويروى: «كلتاهما حلب العصير»، بجعل الفعل للعصير. ويروى للمفصل، بكسر الميم وفتح الصاد، وللمفصل، بفتح الميم وكسر الصاد، وهو اللسان.
أخبرنا بذلك عليّ بن سليمان الأخفش، عن المبرد، حكاية عن أصحابه، عن الأصمعيّ.
رجع الحديث إلى أخبار عزّة الميلاء
عبد اللّه بن جعفر وناسك بالمدينة
قال إسحاق: حدثني مصعب الزبيريّ، عن محمد بن عبيد اللّه بن عبد اللّه بن أبي مليكة، عن أبيه،/ عن جدّه، قال:
كان بالمدينة رجل ناسك من أهل العلم والفقه، وكان يغشى عبد اللّه بن جعفر، فسمع جارية مغنّية لبعض النخّاسين تغني:
بانت سعاد وأمسى حبلها انقطعا [3]
فاستهتر [4] بها وهام، وترك ما كان عليه، حتى مشى إليه عطاء [5] وطاووس فلاماه؛ فكان جوابه لهما أن تمثّل بقول الشاعر:
/يلومني فيك أقوام أجالسهم ... فما أبالي أطار اللّوم أم [6] وقعا
وبلغ عبد اللّه بن جعفر خبره، فبعث إلى النخّاس، فاعترض [7] الجارية، وسمع غناءها بهذا الصوت، وقال لها: ممّن أخذته؟ قالت: من عزّة الميلاء. فابتاعها بأربعين ألف درهم، ثم بعث إلى الرجل فسأله عن خبره، فأعلمه إياه وصدقه عنه، فقال له: أتحبّ أن تسمع هذا الصوت ممن أخذته عنه تلك الجارية؟ قال: نعم، فدعا بعزّة وقال
__________
[1] ديوانه 312.
[2] حاشية أ: «و قبله»:
إن التي ناولتني فرددتها ... قتلت قتلت فهاتها لم تقتل
وكلتاهما، أي التي قتلت - أي مزجت - والتي لم تقتل، أي لم تمزج.
[3] ديوان الأعشى 101 والبلدان (فرع). وتمامه:
واحتلت الغور فالجدين فالفرعا
[4] استهتر بها: شغف وأولع بها.
[5] عطاء وطاووس: كلاهما من أعلام التابعين. وانظر ترجمتهما في ابن خلكان.
[6] أ: «أو».
[7] اعترض الجارية: طلب أن تمرّ أمامه ليراها عن قرب.
لها: غنّيه إياه، فغنّته؛ فصعق الرجل، وخرّ مغشيّا عليه. فقال ابن جعفر: أثمنا فيه، الماء، الماء! فنضح على وجهه، فلما أفاق قال له: أكلّ هذا بلغ بك عشقها؟ قال: وما خفي عنك أكثر. قال: أفتحبّ أن تسمعه منها؟
قال: قد رأيت ما نالني حين سمعته من غيرها، وأنا لا أحبّها، فكيف يكون حالي إن سمعته منها، وأنا لا أقدر على ملكها! قال: أفتعرفها إن رأيتها؟ قال: أو أعرف غيرها! فأمر بها فأخرجت، وقال: خذها فهي لك، واللّه ما نظرت إليها إلا عن عرض. فقبّل الرجل يديه ورجليه، وقال: أنمت عيني، وأحييت نفسي، وتركتني أعيش بين قومي، ورددت إليّ عقلي، ودعا له دعاء كثيرا. فقال: ما أرضى أن أعطيكها هكذا، يا غلام احمل معها مثل ثمنها لكيلا تهتمّ به ويهتمّ بها.
نسبة هذا الصوت
صوت
بانت سعاد وأمسى حبلها انقطعا ... واحتلّت الغور فالجدّين فالفرعا [1]
وأنكرتني وما كان الذي نكرت ... من الحوادث إلّا الشّيب والصّلعا
عروضه من البسيط، والشعر للأعشى، أعشى بني قيس بن ثعلبة.
الأصمعي ينحل الأعشى بيتا من الشعر
وزعم الأصمعيّ أن البيت الثاني هو صنعه ونحله الأعشى.
أخبرنا محمد بن العباس اليزيديّ، عن عمه، عن عبد الرحمن ابن أخي الأصمعيّ، عن عمه، قال:
ما نحلت أحدا من الشعراء شيئا قطّ لم يقله إلّا بيتا واحدا نحلته الأعشى، وهو:
وأنكرتني وما كان الذي نكرت ... من الحوادث إلا الشّيب والصّلعا
الغناء لعزّة الميلاء، خفيف ثقيل أول بالوسطى؛ وذكر عمرو بن بانة أنه لمعبد، وأنكر إسحاق ذلك ودفعه، وفيه للغريض ثقيل أول بالبنصر، وقيل: إنه لجميلة.
عبد اللّه بن جعفر يطلب من أمير المدينة ألا يمنع عزة من الغناء
قال إسحاق: وحدثني ابن سلّام، عن ابن جعدبة، قال:
كان ابن أبي عتيق معجبا بعزّة الميلاء، فأتى يوما عند عبد اللّه بن جعفر، فقال له: بأبي أنت وأمي! هل لك في عزّة، فقد اشتقت إليها! قال: لا، أنا اليوم مشغول. فقال: بأبي أنت وأمي! إنها لا تنشط إلّا بحضورك، فأقسمت عليك إلّا ساعدتني وتركت شغلك، ففعل، فأتياها ورسول الأمير على/ بابها يقول لها: دعي الغناء، فقد ضجّ أهل/ المدينة منك، وذكروا أنك قد فتنت رجالهم ونساءهم. فقال له ابن جعفر: ارجع إلى صاحبك فقل له عنّي: أقسم عليك إلّا ناديت في المدينة: أيّما رجل فسد أو امرأة فتنت بسبب عزّة إلّا كشف نفسه بذلك لنعرفه، ويظهر لنا ولك أمره. فنادى الرسول بذلك، فما أظهر أحد نفسه. ودخل ابن جعفر إليها وابن أبي عتيق معه، فقال لها: لا يهولنّك ما سمعت، وهاتي فغنّينا، فغنّته بشعر القطاميّ [2]:
__________
[1] ديوان الأعشى 101.
[2] الجمهرة 802.
إنّا محيّوك فاسلم أيّها الطّلل ... وإن بليت، وإن طالت بك الطّيل
فاهتزّ ابن أبي عتيق طربا، فقال عبد اللّه بن جعفر: ما أراني أدرك ركابك بعد أن سمعت هذا الصوت من عزّة.
وقد مضت نسبة ما في هذه الأخبار من الأغاني في مواضع أخر.
صوت
من كان مسرورا بمقتل مالك ... فليأت نسوتنا بوجه نهار
يجد النساء حواسرا يندبنه ... قد قمن قبل تبلّج الأسحار
عروضه من الكامل. قوله:
قد قمن قبل تبلّج الأسحار
يعني أنّهن يندبنه في ذلك الوقت؛ وإنما خصّه بالندبة لأنه وقت الغارة. يقول: فهنّ يذكرنه حينئذ؛ لأنه كان من الأوقات التي ينهض فيها للحرب والغارات. قال اللّه تبارك وتعالى: فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً
[1]. وأما قول الخنساء [2]:
يذكّرني طلوع الشمس صخرا ... وأذكره لكلّ غروب شمس
فإنما ذكرته عند طلوع الشمس للغارة، وعند غروبها للضيف.
الشعر للربيع بن زياد العبسيّ، والغناء لابن سريج، رمل بالخنصر في مجرى البنصر، عن إسحاق، واللّه أعلم.
__________
[1] الآية 3 من سورة العاديات.
[2] ديوانها 50.
14 - ذكر نسب الربيع بن زياد وبعض أخباره، وقصة هذا الشعر، والسبب الذي قتل من أجله
نسبه
هو الربيع بن زياد بن عبد اللّه بن سفيان بن ناشب بن هدم بن عوذ بن غالب بن قطيعة بن عبس بن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس بن عيلان بن مضر بن نزار.
وأمّه فاطمة بنت الخرشب، واسم الخرشب عمرو بن النضر بن حارثة بن طريف بن أنمار بن بغيض بن ريث بن غطفان، وهي إحدى المنجبات، كان يقال لبنيها الكملة، وهم: الرّبيع، وعمارة، وأنس.
أمه إحدى المنجبات
ولما سأل معاوية علماء العرب عن البيوتات والمنجبات، وحظر عليهم أن يتجاوزوا في البيوتات ثلاثة، وفي المنجبات ثلاثا، عدّوا فاطمة بنت الخرشب فيمن عدّوا، وقبلها حييّة [1] بنت رياح الغنويّة أم الأحوص وخالد ومالك وربيعة بني جعفر بن كلاب، وماويّة بنت عبد مناة بن مالك بن زيد بن عبد اللّه بن دارم بن عمرو بن تميم، وهي أمّ لقيط وحاجب وعلقمة بني زرارة بن عدس بن زيد بن عبد اللّه بن دارم.
أخبرني محمد بن جعفر النحويّ صهر المبرد، قال: حدثني محمد بن موسى اليزيديّ، قال: حدثني محمد بن صالح بن النطّاح، واللفظ له، وخبره أتمّ، وأخبرني به أبو الحسن الأسديّ، قال: حدّثنا محمد بن صالح بن النطاح، قال:
ولدت فاطمة بنت الخرشب من زياد بن عبد اللّه العبسيّ سبعة؛ فعدّت العرب/ المنجبين منهم ثلاثة، وهم خيارهم.
/ قال محمد بن موسى: قال محمد بن صالح: وحدثني موسى بن طلحة، والوليد بن هشام القحذميّ بمثل ذلك، قال:
فمنهم: الربيع ويقال له الكامل، وعمارة وهو الوهّاب، وأنس وهو أنس الفوارس وهو الواقعة، وقيس وهو البرد، والحارث وهو الحرون، ومالك وهو لاحق، وعمرو وهو الدرّاك.
سئلت أمه عن بنيها فلم تدر أيهم أفضل
قال محمد بن موسى: قال ابن النطاح: وحدثني أبو عثمان العمريّ [2]:
__________
[1] في المختار: «جنة».
[2] أ: «اليقطري».
أنّ عبد اللّه بن جدعان لقي فاطمة بنت الخرشب وهي تطوف بالكعبة فقال لها: نشدتك بربّ هذه البنيّة، أيّ بنيك أفضل؟ قالت: الربيع، لا بل عمارة، لا بل أنس، ثكلتهم إن كنت أدري أيّهم أفضل.
قال ابن النطاح: وحدثني أبو اليقظان سحيم بن حفص العجيفيّ، قال: حدثني أبو الخنساء، قال:
سئلت فاطمة عن بنيها أيّهم أفضل؟ فقالت: الربيع، لا بل عمارة، لا بل أنس، لا بل قيس، وعيشي ما أدري، أما واللّه ما حملت واحدا منهم تضعا، ولا ولدته يتنا، ولا أرضعته غيلا، ولا منعته قيلا، ولا أبتّه على ماقة [1].
قال أبو اليقظان:
أما قولها ما حملت واحدا منهم تضعا، فتقول: لم أحمله في دبر الطّهر وقبل الحيض. وقولها: ولا ولدته يتنا، وهو أن تخرج رجلاه قبل رأسه. ولا أرضعته/ غيلا، أي ما أرضعته قبل أن أحلب ثديي. ولا منعته قيلا، أي لم أمنعه اللبن عند القائلة. ولا أبتّه على ماقة، أي وهو يبكي.
أمه تصفه وتصف إخوته
قال ابن النطاح: وحدثني أبو اليقظان، قال: حدثني أبو صالح الأسديّ قال:
سئلت فاطمة بنت الخرشب عن بنيها، فوصفتهم، وقالت في عمارة: لا ينام ليلة يخاف، ولا يشبع ليلة يضاف. وقالت في الربيع: لا تعدّ مآثره ولا تخشى في الجهل بوادره. وقالت في أنس: إذا عزم أمضى، وإذا سئل أرضى، وإذا قدر أغضى. وقالت في الآخرين أشياء لم يحفظها أبو اليقظان.
حكمته وبعد نظره
وقال ابن النطاح: وحدثني القحذميّ، قال: حدثني أبي، قال: حدثني ابن عيّاش [2]، عن رجل من بني عبس، قال:
ضاف فاطمة ضيف، فطرحت عليه شملة من خزّ وهي مسك كما هي، (فلما وجد رائحتها وأعتم دنا منها، فصاحت به، فكفّ عنها، ثم إنه تحرك أيضا فأرادها عن نفسها) [3]، فصاحت، فكفّ، ثم إنه لم يصبر فواثبها فبطشت به، فإذا هي من أشدّ الناس، فقبضت عليه ثم صاحت: يا قيس، فأتاها، فقالت: إنّ هذا أرادني عن نفسي، فما ترى فيه؟ فقال: أخي أكبر مني، فعليك به، فنادت: يا أنس، فأتاها، فقالت: إنّ هذا أرادني عن نفسي فما ترى فيه؟ فقال لها: أخي أكبر مني فسليه، فنادت: يا عمارة، فأتاها فذكرت ذلك له، فقال لها: السيف، وأراد قتله، فقالت له: يا بنيّ، لو دعونا أخاك فهو أكبر منك، فدعت الربيع، فذكرت ذلك له، فقال: أفتطيعونني يا بني زياد؟
قالوا: نعم، قال: فلا تزنّوا أمّكم، ولا تقتلوا ضيفكم، وخلّوه يذهب، فذهب.
شعر قيل في مدحه ومدح إخوته
قال ابن النطّاح: وقال بعض الشعراء يمدح بني زياد من فاطمة، يقال: إنه قيس بن زهير، ويقال: حاتم طيّىء [4]:
__________
[1] هامش أ: «هذا الخبر روى عن أم تأبط شرا، ذكره ابن السكيت». وانظر اللسان (وضع) و (يتن).
[2] أ: «ابن عباس».
[3] ما بين القوسين ليس في أ، وبدله: «فلما أعتم دنا منها».
[4] الأبيات في ديوان حاتم ص 17 مع اختلاف يسير.
بنو جنّيّة ولدت سيوفا ... قواطع كلّهم ذكر صنيع
وجارتهم حصان لم تزنّى ... وطاغمة الشتاء فما تجوع
شرى ودّي [1] ومكرمتي جميعا ... طوال زمانه مني الربيع
/ وقال سلمة بن الخرشب خالهم فيهم يخاطب قوما منهم أرادوا حربه:
أتيتم إلينا ترجفون [2] جماعة ... فأين أبو قيس وأين ربيع!
وذاك ابن أخت زانه ثوب خاله ... وأعمامه الأعمام وهو نزيع [3]
رفيق بداء الحرب طبّ بصعبها [4] ... إذا شتّ رأي القوم فهو جميع
عطوف على المولى ثقيل على العدا ... أصمّ عن العوراء وهو سميع
وقال رجل من طيى ء، ويقال له الربيع بن عمارة:
فإن تكن الحوادث أفظعتني [5] ... فلم أمر هالكا كابني زياد
هما رمحان خطّيّان كانا ... من السّمر المثقّفة الجياد
تهاب الأرض أن يطأ عليها ... بمثلهما تسالم أو تعادي
أمه تقتل نفسها خوفا من العار
وقال الأثرم: حدثني أبو عمرو الشيبانيّ، قال:
أغار حمل بن بدر أخو حذيفة بن بدر الفزاريّ على بني عبس، فظفر/ بفاطمة بنت الخرشب أمّ الربيع بن زياد وإخوته راكبة على جمل لها، فقادها بجملها، فقالت له: أي رجل [6]، ضلّ حلمك! واللّه لئن أخذتني فصارت هذه الأكمة بي وبك التي أمامنا وراءنا [7] لا يكون بينك وبين بني زياد صلح أبدا؛ لأن الناس يقولون في هذه الحال ما شاءوه، وحسبك من شرّ سماعه. قال: فإني أذهب بك حتى ترعي عليّ إبلي. فلما أيقنت أنه ذاهب بها رمت بنفسها على رأسها من البعير، فماتت خوفا من أن يلحق بنيها عار فيها.
لبيد يحاول الإيقاع بينه وبين النعمان
وحدثني محمد بن العباس اليزيديّ، قال: حدثني عمّي عبد اللّه بن محمد، قال: أخبرنا محمد بن حبيب، عن ابن الأعرابيّ، قال:
وفد أبو براء ملاعب الأسنّة - وهو عامر بن مالك بن جعفر بن كلاب - وإخوته طفيل ومعاوية وعبيدة، ومعهم لبيد بن ربيعة بن مالك بن جعفر، وهو غلام، على النعمان بن المنذر، فوجدوا عنده الربيع بن زياد العبسيّ،
__________
[1] أ: «سرى ودى». والمثبت من ج.
[2] ترجفون: متهيئين للحرب. وفي أ: «تزحفون».
[3] في ب، س، أ: «بزيغ» وهو: الظريف. وما أثبتاه عن ج ويقتضيه المقام.
[4] أ: «بصقعها».
[5] المختار: قطعتني.
[6] أ، م: «أي حمل».
[7] أ: «و صارت وراءنا».
وكان [1] الربيع ينادم النعمان مع رجل من أهل الشام تاجر، يقال له: سرجون [2] بن نوفل، وكان حريفا للنعمان - يعني سرجون - يبايعه، وكان أديبا حسن الحديث والمنادمة، فاستخفّه النعمان، وكان إذا أراد أن يخلو على شرابه بعث إليه وإلى النطاسيّ - متطبّب كان له - وإلى الربيع بن زياد، وكان يدعى الكامل.
فلما قدم الجعفريّون كانوا يحضرون النعمان لحاجتهم، فإذا خلا الربيع بالنعمان طعن فيهم، وذكر معايبهم، ففعل ذلك بهم مرارا، وكانت بنو جعفر له أعداء، فصدّه عنهم، فدخلوا عليه يوما فرأوا منه تغيّرا وجفاء، وقد كان/ يكرمهم قبل ذلك ويقرّب مجلسهم، فخرجوا من عنده غضابا، ولبيد في رحالهم يحفظ أمتعتهم، ويغدو بإبلهم كلّ صباح، فيرعاها، فإذا أمسى انصرف بإبلهم، فأتاهم ذات ليلة فألفاهم يتذاكرون أمر الربيع، وما يلقون منه؛ فسألهم فكتموه، فقال لهم: واللّه لا أحفظ لكم متاعا، ولا أسرّح لكم بعيرا أو تخبروني.
وكانت أمّ لبيد امرأة من بني عبس، وكانت يتيمة في حجر الربيع، فقالوا: خالك قد غلبنا على الملك، وصدّ عنّا وجهه، فقال لهم لبيد: هل تقدرون على أن تجمعوا بينه وبيني فأزجره عنكم بقول ممضّ، ثم لا يلتفت/ النعمان إليه بعده أبدا. فقالوا: وهل عندك من ذلك شي ء؟ قال: نعم، قالوا: فإنا نبلوك بشتم هذه البقلة - لبقلة قدّامهم دقيقة القضبان قليلة الورق لاصقة فروعها بالأرض، تدعى التّربة [3] - فقال: هذه التّربة التي لا تذكى نارا، ولا تؤهل دارا، ولا تسرّ جارا، عودها ضئيل، وفرعها كليل، وخيرها قليل، بلدها شاسع، ونبتها خاشع، وآكلها جائع، والمقيم عليها ضائع، أقصر البقول فرعا، وأخبثها مرعى، وأشدّها قلعا، فتعسا لها وجدعا، القوا بي أخا بني عبس، أرجعه عنكم بتعس ونكس، وأتركه من أمره في لبس.
فقالوا: نصبح فنرى فيك رأينا. فقال لهم عامر: انظروا غلامكم؛ فإن رأيتموه نائما فليس أمره بشيء، وإنما يتكلّم بما جاء على لسانه، ويهذي بما يهجس في خاطره، وإذا رأيتموه ساهرا فهو صاحبكم. فرمقوه بأبصارهم، فوجدوه قد ركب رحلا، فهو يكدم بأوسطه حتى أصبح.
فلما أصبحوا قالوا: أنت واللّه صاحبنا، فحلقوا رأسه، وتركوا/ ذؤابتين، وألبسوه حلّة، ثم غدوا به معهم على النعمان، فوجدوه يتغدّى ومعه الرّبيع وهما يأكلان، ليس معه غيره، والدار والمجالس مملوءة من الوفود.
فلما فرغ من الغداء أذن للجعفريين فدخلوا عليه، وقد كان تقارب أمرهم، فذكروا للنعمان الذي قدموا له من حاجتهم، فاعترض الربيع في كلامهم، فقام لبيد يرتجز، ويقول [4]:
يا ربّ هيجا هي خير من دعه ... أكلّ يوم هامتي مقزّعة [5]
__________
[1] في أ، م بدلا من الأخبار التي تبدأ بقوله: وكان الربيع إلى قوله في صفحة 187: «و أما الشعر الذي فيه الغناء» قوله: قال أبو الفرج:
قد ذكرت هذا القول مستقصى في «أخبار لبيد» فلا فائدة في ذكره ها هنا.
[2] ب، س: سرحون: بالحاء المهملة. وما أثبتناه من ح. وفي أخبار لبيد ج 15/ 363 من «الأغاني» طبع دار الكتب: «زرجون بن توفيق».
[3] التربة: نبت سهلي مفرّض الورق، وقيل: هي شجرة شاكة، وثمرتها كأنها بسرة معلقة، منبتها السبل والحزن وتهامة. «اللسان» (ترب).
[4] ديوان لبيد 340، والخزانة 4: 8.
[5] القزع: تساقط الشعر والصوف وبقاء بعضه.
نحن بنو أمّ البنين الأربعة [1] ... ومن خيار عامر بن صعصعه [2]
المطعمون الجفنة المدعدعه ... والضاربون الهام تحت الخيضعه [3]
يا واهب الخير الكثير من سعه ... إليك جاوزنا بلادا مسبعه
يخبر [4] عن هذا خبير فاسمعه ... مهلا - أبيت اللّعن - لا تأكل معه
إنّ استه من برص ملمّعه ... وإنه يدخل فيها إصبعه [5]
يدخلها حتى يواري أشجعه ... كأنما يطلب شيئا أطمعه [6]
فلما فرغ من إنشاده التفت النعمان إلى الربيع شزرا يرمقه، فقال:/ أكذا أنت؟ قال: لا، واللّه، لقد كذب عليّ ابن الحمق اللئيم. فقال النعمان: أفّ لهذا الغلام، لقد خبّث عليّ طعامي. فقال: أبيت اللعن، أما إني لقد فعلت بأمّه. فقال لبيد: أنت لهذا الكلام أهل، وهي من نساء غير فعل [7]، وأنت المرء فعل هذا بيتيمة في حجره.
فأمر النعمان ببني جعفر فأخرجوا. وقام الرّبيع فانصرف إلى منزله، فبعث إليه النعمان بضعف ما كان يحبوه به، وأمره بالانصراف إلى أهله.
وكتب إليه الربيع: إني قد تخوّفت أن يكون قد وقر في صدرك ما قاله لبيد، ولست برائم حتى تبعث من يجرّدني فيعلم من حضرك من الناس أنّي لست كما قال. فأرسل إليه: إنك لست صانعا بانتفائك ممّا قال لبيد شيئا، ولا قادرا على ما زلّت به الألسن، فالحق بأهلك. فقال الربيع [8]:
لئن رحلت جمالي إنّ لي [9] سعة ... ما مثلها سعة عرضا ولا طولا
/ بحيث لو وزنت لخم بأجمعها ... لم يعدلوا ريشة من ريش سمويلا [10]
ترعى الرّوائم أحرار البقول بها ... لا مثل رعيكم ملحا وغسويلا [11]
فابرق بأرضك يا نعمان متّكئا ... مع النطاسيّ يوما وابن توفيلا
فكتب إليه النعمان [12]:
شرّد برحلك عني حيث شئت ولا ... تكثر عليّ ودع عنك الأباطيلا
__________
[1] أم البنين؛ هي ليلى بنت عامر. قال المرتضى: هي بنت عمرو بن عامر بن ربيعة، وكانت تحت مالك بن جعفر، فولدت له عامر بن مالك، وطفيل بن مالك، وربيعة بن مالك، ومعاوية بن مالك.
[2] في الديوان: ونحن خير عامر بن صعصعة.
[3] المدعدعة: المملوءة. الخيضعة: البيضة التي تلبس على الرأس. والخيضعة أيضا: اختلاط الأصوات في الحرب.
[4] في الديوان: يخبرك.
[5] الملمع: الذي يكون في جسده بقع تخالف سائر لونه.
[6] في الديوان: «شيئا ضيعه». والأشجع: واحد الأشاجع وهي أصول الأصابع التي تتصل بعصب ظاهر الكف.
[7] أي غير فاعلات المنكر.
[8] الأبيات الثلاثة الأول في «اللسان» (سمل)، وهي أيضا في الخزانة 2: 79.
[9] «اللسان»: «لا إلى سعة».
[10] س والخزانة: «سمويلا» بالسين. وسمويل: طائر، وقيل: بلدة كثيرة الطير. وفي «بيروت»: شمويلا، بالشين المعجمة.
[11] الغسويل: نبت ينبت في السباخ.
[12] الأبيات في الخزانة 4: 7، والكتاب 1: 131.
/
فقد ذكرت به والركب حامله ... وردا يعلّل أهل الشام والنّيلا [1]
فما انتفاؤك منه بعد ما جزعت ... هوج المطيّ به إبراق شمليلا [2]
قد قيل ذلك إن حقّا وإن كذبا ... فما اعتذارك من شيء إذا قيلا
فالحق بحيث رأيت الأرض واسعة ... وانشر بها الطّرف إن عرضا وإن طولا
داحس والغبراء
وأما الشعر الذي فيه الغناء فإنّ الربيع بن زياد يقوله [3] في مقتل مالك بن زهير. وكان قتله في بعض تلك الوقائع التي يعرف مبدؤها بداحس والغبراء.
[حرب داحس والغبراء]
وكان السبب في ذلك، فيما أخبرني به عليّ بن سليمان الأخفش، ومحمد بن العباس اليزيديّ، قالا: حدثنا أبو سعيد السكريّ، عن محمد بن حبيب وأبي غسان دماذ، عن أبي عبيدة، وإبراهيم بن سعدان، عن أبيه، قال:
كان من حديث داحس أنّ أمّه فرس كانت لقرواش بن عوف بن عاصم بن عبيد بن ثعلبة بن يربوع يقال لها:
جلوى، وكان أبوه يسمى ذا العقّال، وكان لحوط بن أبي جابر بن أوس بن حميريّ بن رياح؛ وإنما سمّي داحسا لأنّ بني يربوع احتملوا ذات يوم سائرين في نجعة، وكان ذو العقّال مع ابنتي حوط بن أبي جابر بن أوس تجنبانه، فمرّتا به على جلوى فرس قرواش وديقا [4]؛ فلما رآها الفرس ودى وصهل، فضحك شبّان من الحي رأوه،/ فاستحيت الفتاتان فأرسلتاه فنزا على جلوى، فوافق قبولها فأقصّت [5]، ثم أخذه لهما بعض الحيّ، فلحق بهما حوط، وكان رجلا شريرا سيّىء الخلق، فلما نظر إلى عين الفرس قال: واللّه لقد نزا فرسي؛ فأخبراني ما شأنه، فأخبرتاه الخبر، فقال: يا آل رياح، لا واللّه لا أرضى أبدا حتى أخرج ماء فرسي، فقال له بنو ثعلبة: واللّه ما استكرهنا فرسك؛ إنما كان منفلتا، فلم يزل الشرّ بينهما حتى عظم.
فلما رأى ذلك بنو ثعلبة قالوا: دونكم ماء فرسكم؛ فسطا عليها وأدخل يده في ماء وتراب، ثم أدخلها في رحمها حتى ظنّ أنه قد أخرج الماء، واشتملت الرحم على ما كان فيها، فنتجها قرواش مهرا، فسماه داحسا لذلك، وخرج كأنه أبوه ذو العقّال. وفيه يقول جرير [6]:
إنّ الجياد يبتن حول خبائنا ... من آل أعوج أو لذي العقّال
__________
[1] في الخزانة:
فقد رميت بداء لست غاسله ... ما جاور السيل أهل الشام والنيلا
ثم روى الشطر الأول كما رواه الأغاني.
[2] البيت في البكري 809، وقال: شمليل: بلد، وأنشد البيت، وفي أ: «خرعت»، وفيه: «عوج المطي»، وفي الخزانة: «بعد ما قطعت ... أكنافها شمليلا».
[3] ب، س، ج: «و هذا الشعر يقوله الربيع بن زياد في مقتل مالك» والمثبت من أ، م.
[4] الوديق: التي تطلب الفحل. وجلوى: اسم فرس. انظر «اللسان».
[5] أقصت: حملت واستبان حملها. وفي المختار: «فأقصت له»، أي أمكنته من المباشرة.
[6] ديوانه 486، والنقائض 303، وفيهما: «حول قبابنا».
وأعوج: فرس لبني هلال.
فلما تحرك المهر سام [1] مع أمّه وهو فلو يتبعها، وبنو ثعلبة سائرون، فرآه حوط فأخذه، فقالت بنو ثعلبة:
يا بني رياح، ألم تفعلوا فيه أوّل مرة ما فعلتم ثم هذا الآن! فقالوا: هو فرسنا، ولن نترككم أو نقاتلكم عنه أو تدفعوه إلينا.
فلما رأى ذلك بنو ثعلبة قالوا: إذا لا نقاتلكم عنه، أنتم أعزّ علينا، هو فداؤكم، ودفعوه إليهم.
/ فلما رأى ذلك بنو رياح قالوا: واللّه لقد ظلمنا إخوتنا مرّتين، ولقد حلموا وكروموا، فأرسلوا به إليهم مع لقوحين.
/ فمكث عند قرواش ما شاء اللّه، وخرج أجود خيول العرب.
ثم إن قيس بن زهير بن جذيمة العبسيّ أغار على بني يربوع، فلم يصب أحدا غير ابنتي قرواش بن عوف ومائة من الإبل لقرواش، وأصاب الحيّ وهم خلوف، ولم يشهد من رجالهم غير غلامين من بني أزنم بن عبيد بن ثعلبة بن يربوع، فجالا في متن الفرس مرتدفيه [2] وهو مقيّد بقيد من حديد فأعجلهما القوم عن حلّ قيده، واتّبعهما القوم، فضبر [3] بالغلامين ضبرا حتى نجوا به، ونادتهما إحدى الجاريتين: إنّ مفتاح القيد مدفون في مذود الفرس بمكان كذا وكذا، أي بجنب مذود، وهو مكان، أي لا تنزلا عنه إلّا في ذلك المكان، فسبقا إليه حتى أطلقاه ثم كرّا راجعين.
فلما رأى ذلك قيس بن زهير رغب في الفرس، فقال لهما: لكما حكمكما، وادفعا إليّ الفرس، فقالا:
أو فاعل أنت؟ قال: نعم، فاستوثقا منه، على أن يردّ ما أصاب من قليل وكثير، ثم يرجع عوده على بدئه [4]، ويطلق الفتاتين، ويخلّي عن الإبل، وينصرف عنهم راجعا. ففعل ذلك قيس، فدفعا إليه الفرس.
فلما رأى ذلك أصحاب قيس قالوا: لا نصالحك [5] أبدا، أصبنا مائة من الإبل وامرأتين [6]، فعمدت إلى غنيمتنا فجعلتها في فرس/ لك تذهب به دوننا؛ فعظم في ذلك الشرّ حتى اشترى منهم غنيمتهم بمائة من الإبل.
فلما جاء قرواش قال للغلامين الأزنميّين: أين فرسي؟ فأخبراه، فأبى أن يرضى إلّا أن يدفع إليه فرسه، فعظم في ذلك الشرّ حتى تنافروا فيه، فقضي بينهم أن تردّ الفتاتان والإبل إلى قيس بن زهير، ويردّ عليه الفرس. فلما رأى ذلك قرواش رضي بعد شرّ، وانصرف قيس بن زهير، ومعه داحس، فمكث ما شاء اللّه.
وزعم بعضهم أنّ الرهان إنما هاجه بين قيس بن زهير وحذيفة بن بدر بن عمرو بن جويّة بن لوذان بن عديّ بن فزارة بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس بن عيلان بن مضر بن نزار - أن قيسا دخل على بعض الملوك وعنده قينة لحذيفة بن بدر تغنّيه بقول امرىء القيس:
__________
[1] سام، أي رعى.
[2] مرتدفيه: راكب أحدهما خلف صاحبه.
[3] ضبر الفرس: جمع قوائمه ووثب.
[4] أي مسرعا.
[5] في المختار: «لا نصاحبك»، والمثبت في «النقائض» أيضا ص 85.
[6] في أ: «أصابنا ... وامرأتان»، والمثبت في النقائض والمختار.
دار لهند والرّباب وفرتنى ... ولميس قبل حوادث الأيام [1]
وهنّ - فيما يذكر - نسوة من بني عبس، فغضب قيس بن زهير، وشقّ رداءها، وشتمها؛ فغضب حذيفة، فبلغ ذلك قيسا، فأتاه يسترضيه، فوقف عليه، فجعل يكلّمه وهو لا يعرفه من الغضب، وعنده أفراس له، فعابها، وقال:
ما يرتبط مثلك مثل هذه يا أبا مسهر! فقال حذيفة: أتعيبها؟ قال: نعم، فتجاريا حتى تراهنا.
وقال بعض الرواة: إنّ الذي هاج الرّهان أنّ رجلا من بني عبد اللّه بن غطفان ثم أحد بني جوشن - وهم أهل بيت شؤم، أتى حذيفة زائرا - (و يقال إن الذي أتاه الورد العبسي أبو عروة بن الورد) [2] - قال: فعرض عليه حذيفة/ خيله، فقال: ما أرى فيها جوادا مبرّا، والمبرّ؛ الغالب، قال ذو الرمة [3]:
أبرّ على الخصوم فليس خصم ... ولا خصمان يغلبه جدالا
فقال له حذيفة: فعند من الجواد المبرّ؟ فقال: عند قيس بن زهير فقال له: هل لك أن تراهنني عنه؟ قال:
نعم، قد فعلت، فراهنه على ذكر من خيله وأنثى.
ثم إن العبديّ [4] أتى قيس بن زهير،/ وقال: إني قد راهنت عنك [5] على فرسين من خيلك ذكر وأنثى وأوجبت الرّهان.
فقال قيس: ما أبالي من راهنت غير حذيفة، فقال: ما راهنت غيره، فقال له قيس: إنك ما علمت لأنكد.
ثم ركب قيس حتى أتى حذيفة، فوقف عليه، فقال له: ما غدا بك! قال: غدوت لأواضعك الرهان، قال: بل غدوت لتغلقه، قال: ما أردت ذلك. فأبى حذيفة إلا الرّهان، فقال قيس: أخيّرك ثلاث خلال، فإن بدأت فاخترت قبلي فلي خلّتان، ولك الأولى، وإن بدأت فاخترت قبلك فلك خلّتان ولي الأولى.
قال حذيفة: فابدأ، قال قيس: الغاية من مائة غلوة - والغلوة: الرمية بالنّشّابة - قال حذيفة: فالمضمار أربعون ليلة، والمجرى: من ذات الإصاد [6].
ففعلا ووضعا السّبق [7] على يدي غلّاق أو ابن غلّاق، أحد بني ثعلبة بن سعد بن ثعلبة.
/ فأما بنو عبس فزعموا أنه أجرى الخطّار والحنفاء. وزعمت بنو فزارة أنه أجرى قرزلا والحنفاء، وأجرى قيس داحسا والغبراء.
ويزعم بعضهم أن الذي هاج الرهان أنّ رجلا من بني المعتمر [8] بن قطيعة بن عبس يقال له سراقة راهن شابّا من بني بدر - وقيس غائب - على أربع جزائر [9] من خمسين غلوة، فلما جاء قيس كره ذلك، وقال له: لم ينته رهان
__________
[1] ديوانه 114، وفي النقائض: «دار لهر».
[2] من المختار. وعبارة النسخ: «و هم أهل بيت شؤم أتاه الورد أبو عروة أتى حذيفة زائرا» وهي غير مستقيمة.
[3] ديوانه 445.
[4] ب، س: «العبسي» والمثبت في «المختار».
[5] كذا في أ، وهي ساقطة من النقائض.
[6] أ: «ذات الإصال»، وهي ردهة بين الجبال أو موضع.
[7] السبق: ما يوضع بين أهل السباق من رهان فمن سبق أخذه.
[8] في النقائض: المعتم.
[9] جزائر: جمع جزور وهي الناقة.
قطّ إلّا إلى شرّ. ثم أتى بني بدر، فسألهم المواضعة، فقالوا: لا، حتى نعرف سبقنا؛ فإن أخذنا فحقّنا، وإن تركنا فحقّنا.
فغضب قيس ومحك [1]، وقال: أما إذ فعلتم فأعظموا الخطر، وأبعدوا الغاية، قالوا: فذلك لك. فجعلوا الغاية من واردات إلى ذات الإصاد، وذلك مائة غلوة، والثّنيّة فيما بينهما، وجعلوا القصبة في يدي رجل من بني ثعلبة بن سعد، يقال له حصين، ويقال: رجل من بني العشراء من بني فزارة، وهو ابن أخت لبني عبس، وملئوا البركة ماء، وجعلوا السابق أوّل الخيل يكرع فيها.
ثم إن حذيفة بن بدر وقيس بن زهير أتيا المدى الذي أرسلن منه ينظران إلى الخيل كيف خروجها منه. فلما أرسلت عارضاها [2]، فقال حذيفة: خدعتك يا قيس، قال: ترك الخداع من أجرى من مائة؛ فأرسلها مثلا.
ثم ركضا ساعة فجعلت خيل حذيفة تبرّ وخيل قيس [3] تقصّر، فقال/ حذيفة: سبقتك يا قيس، فقال: جري المذكّيات غلاب [4]، فأرسلها مثلا. ثم ركضا ساعة، فقال حذيفة: إنك لا تركض مركضا، فأرسلها مثلا. وقال:
سبقت خيلك يا قيس، فقال قيس: رويدا يعلون الجدد، فأرسلها مثلا.
قال: وقد جعل بنو فزارة كمينا بالثنيّة، فاستقبلوا داحسا فعرفوه فأمسكوه وهو السابق، ولم يعرفوا الغبراء وهي خلفه مصلّية، حتى مضت الخيل واستهلّت من الثنيّة، ثم أرسلوه فتمطّر [5] في آثارها؛ أي أسرع، فجعل يبدرها فرسا فرسا حتى سبقها إلى الغاية مصلّيا، وقد طرح الخيل غير الغبراء، ولو تباعدت الغاية لسبقها؛ فاستقبلها بنو فزارة فلطموها، ثم حلّئوها [6] عن البركة، ثم لطموا داحسا وقد جاءا متواليين. وكان الذي لطمه عمير بن نضلة، فجسأت [7] يده؛ فسمّي جاسئا.
فجاء قيس وحذيفة في آخر الناس، وقد دفعتهم بنو فزارة عن سبقهم، ولطموا أفراسهم، ولم تطقهم [8] بنو عبس يقاتلونهم، وإنما كان من شهد ذلك من بني عبس أبياتا غير كثيرة، فقال قيس بن زهير: يا قوم، إنه لا يأتي قوم إلى قومهم شرّا من الظلم، فأعطونا حقّنا، فأبت بنو فزارة/ أن يعطوهم شيئا - وكان الخطر [9] عشرين من الإبل - فقالت بنو عبس: أعطونا/ بعض سبقنا، فأبوا، فقالوا: أعطونا جزورا ننحرها نطعمها أهل الماء؛ فإنا نكره القالة في العرب. فقال رجل من بني فزارة: مائة جزور وجزور واحد سواء، واللّه ما كنّا لنقرّ لكم بالسبق علينا، ولم نسبق.
فقام رجل من بني مازن بن فزارة فقال: يا قوم، إنّ قيسا كان كارها لأوّل هذا الرهان، وقد أحسن في آخره،
__________
[1] محك: لجّ.
[2] أ: «عارضها».
[3] كذا في المختار والنقائض، وفي أ: «خيل زهير».
[4] هامش أ: «و يروى: غلاء، من المعالاة»، وفي «القاموس»: كل مرماة غلوة وجمعها غلوات وغلاء، وفي المثل: جرى المذكيات غلاء.
[5] في «القاموس»: تمطرت الخيل: جاء يسبق بعضها بعضا. وتمطرت الطير: أسرعت.
[6] حلئوها: منعوها.
[7] جسأت يده: صلبت، وفي المختار والنقائض: «فجفت».
[8] في المختار والنقائض: «و لو يطيقهم بنو عبس لقاتلوهم».
[9] الخطر: السبق.
وإنّ الظلم لا ينتهي إلّا إلى الشر؛ فأعطوه جزورا من نعمكم، فأبوا، فقام إلى جزور من إبله فعقلها ليعطيها قيسا ويرضيه، فقام ابنه فقال: إنك لكثير الخطأ؛ أتريد أن تخالف قومك وتلحق بهم خزاية بما ليس عليهم؟ فأطلق الغلام عقالها، فلحقت بالنّعم. فلما رأى ذلك قيس بن زهير احتمل عنهم هو ومن معه من بني عبس، فأتى على ذلك ما شاء اللّه.
قيس بن زهير قتل عوف بن بدر والربيع يحمل ديته
ثم إنّ قيسا أغار عليهم، فلقي عوف بن بدر فقتله وأخذ إبله، فبلغ ذلك بني فزارة، فهمّوا بالقتال، وغضبوا، فحمل الربيع بن زياد أحد بني عوذ بن غالب بن قطيعة بن عبس دية عوف بن بدر مائة عشراء متلية.
(العشراء: التي أتى عليها من حملها عشرة أشهر من ملقحها. والمتالي: التي نتج بعضها والباقي يتلوها في النتاج).
وأمّ عوف وأم حذيفة ابنة نضلة بن جويّة بن لوذان بن ثعلبة بن عديّ بن فزارة.
واصطلح الناس، فمكثوا ما شاء اللّه.
حذيفة بن بدر يدس فرسانا يقتلون مالك بن زهير
ثم إن مالك بن زهير أتى امرأة يقال لها: مليكة بنت حارثة من بني عوذ [1] بن فزارة، فابتنى بها باللّقاطة [2] قريبا من الحاجر، فبلغ ذلك حذيفة بن بدر، فدسّ له فرسانا على أفراس من مسانّ خيله، وقال: لا تنظروا [3] مالكا إن وجدتموه أن تقتلوه، والربيع [4] بن زياد بن عبد اللّه بن سفيان بن ناشب [5] العبسيّ مجاور حذيفة بن بدر، وكانت تحت الربيع بن زياد معاذة ابنة بدر، فانطلق القوم، فلقوا مالكا فقتلوه، ثم انصرفوا عنه، فجاءوا عشية وقد جهدوا أفراسهم، فوقفوا على حذيفة ومعه الرّبيع بن زياد، فقال حذيفة: أقدرتم على حماركم! قالوا: نعم، وعقرناه.
فقال الربيع: ما رأيت كاليوم قطّ، أهلكت أفراسك من أجل حمار! فقال حذيفة لمّا أكثر عليه من الملامة، وهو يحسب أنّ الذي أصابوا [6] حمارا: إنا لم نقتل حمارا، ولكنا قتلنا مالك بن زهير بعوف بن بدر. فقال الربيع:
بئس لعمر اللّه القتيل قتلت [7]، أما واللّه إني لأظنّه سيبلغ ما نكره [8].
الربيع يغضب لقتل مالك
فتراجعا شيئا من كلام ثم تفرقا، فقام الربيع يطأ الأرض وطأ شديدا، وأخذ يومئذ حمل بن بدر ذا النّون، سيف مالك بن زهير.
__________
[1] في النقائض: «من بني غراب بن فزارة»، وفي المختار: «من بني عوذة».
[2] س: اللفاظة»، والمثبت من النقائض والمختار.
[3] ب، س: «لا تنتظروا»، والمثبت في المختار والنقائض.
[4] في المختار: «و كان الربيع ... مجاورا حذيفة».
[5] في النقائض: «قارب».
[6] في المختار: «أصابوه».
[7] في بيروت: «ما فعلت»، وما هنا موافق للمختار والنقائض.
[8] في المختار: «ما يكره» بالمبني للمجهول.
/ قال أبو عبيدة: فزعموا أنّ حذيفة لما قام الرّبيع بن زياد أرسل إليه بمولّدة له [1] فقال لها: اذهبي إلى معاذة بنت بدر امرأة الربيع فانظري ما ترين الربيع يصنع. فانطلقت الجارية حتى دخلت البيت، فاندسّت بين الكفاء والنّضد - والكفاء: شقّة في آخر البيت، والنّضد: متاع يجعل على حمار من خشب - فجاء الربيع فنفذ البيت حتى أتى فرسه فقبض بمعرفته، ثم مسح متنه حتى قبض بعكوة ذنبه - العكوة: أصل الذنب - ثم رجع إلى البيت ورمحه مركوز بفنائه، فهزّه هزّا شديدا، ثم ركزه كما كان، ثم قال لامرأته: اطرحي لي شيئا، فطرحت له شيئا، فاضطجع عليه، وكانت قد طهرت تلك الليلة، فدنت منه، فقال: إليك! قد حدث أمر،/ ثم تغنّى، وقال [2]
الربيع يرثي مالكا
نام الخليّ وما أغمّض حار [3] ... من سيّىء النّبأ الجليل السّاري
من مثله تمسي النساء حواسرا ... وتقوم معولة مع الأسحار [4]
من كان مسرورا بمقتل مالك ... فليأت نسوتنا بوجه نهار [5]
يجد النساء حواسرا يندبنه ... يبكين قبل تبلّج الأسحار
قد كنّ يخبأن الوجوه تستّرا ... فاليوم حين بدون للنّظّار [6]
يخمشن حرّات الوجوه على امرىء [7] ... سهل الخليقة طيّب الأخبار
أفبعد مقتل مالك بن زهير [8] ... ترجو النساء عواقب الأطهار
/ ما إن أرى في قتله لذوي الحجا ... إلّا المطيّ تشدّ بالأكوار
ومجنّبات ما يذقن عذوفة ... يقذفن بالمهرات والأمهار
العذوف والعدوف واحد، وهو ما أكلته.
ومساعرا صدأ الحديد عليهم ... فكأنما طلي الوجوه بقار [9]
يا ربّ مسرور بمقتل مالك ... ولسوف نصرفه بشرّ محار [10]
فرجعت المرأة [11] فأخبرت حذيفة الخبر، فقال: هذا حين اجتمع أمر إخوتكم، ووقعت الحرب.
حذيفة بن بدر يدس فرسانا وراء الربيع
وقال الربيع لحذيفة وهو يومئذ جاره: سيّرني، فإني جاركم، فسيّره ثلاث ليال، ومع الربيع فضلة من خمر،
__________
[1] أ، والنقائض: «أرسل إليه أمة مولدة».
[2] الأبيات في النقائض 89 وحماسة أبي تمام 1: 298.
[3] حار، مرخم: «حارث».
[4] في المختار: «يوقمن معولة».
[5] النقائض: «بنصف نهار».
[6] والمختار: «برزن للنظار».
[7] هامش أمن نسخة: «حر وجوههن»، وفي المختار: «حر وجوههن على فتى».
[8] في هذا الشطر عيب يسمى القطع.
[9] المساعر: جمع مسعر، وهو موقد نار الحرب.
[10] المحار: المرجع، وفي أ: «نضربه»، وفي المختار: «بشر مصار».
[11] في المختار والنقائض: «الأمة».
فلما سار الربيع دسّ حذيفة في أثره فوارس، فقال: اتبعوه، فإذا مضت [1] ثلاث ليال فإنّ معه فضلة من خمر، فإن وجدتموه قد أهراقها [2] فهو جادّ وقد مضى، فانصرفوا، وإن لم تجدوه قد أراقها فاتبعوه؛ فإنكم تجدونه قد مال لأدنى منزل، فرتع وشرب فاقتلوه، فتبعوه فوجدوه قد شقّ الزّقّ ومضى، فانصرفوا.
فلما أتى الربيع قومه، وقد كان بينه وبين قيس بن زهير شحناء؛ وذلك أنّ الربيع ساوم قيس بن زهير في درع كانت عنده، فلما نظر إليها وهو راكب وضعها بين يديه، ثم ركض بها فلم يردّها على قيس، فعرض/ قيس لفاطمة ابنة الخرشب الأنمارية - من أنمار بن بغيض، وهي إحدى منجبات قيس، وهي أمّ الربيع - وهي تسير في ظعائن من عبس، فاقتاد جملها، يريد أن يرتهنها بالدّرع حتى يردّ عليه، فقالت: ما رأيت كاليوم فعل رجل! أي قيس، ضلّ حلمك! أترجو أن تصطلح أنت وبنو زياد وقد أخذت أمّهم! فذهبت بها يمينا وشمالا! فقال الناس في ذلك ما شاءوا! وحسبك من شرّ سماعه، فأرسلتها مثلا. فعرف قيس بن زهير ما قالت له، فخلّى سبيلها، وأطرد إبلا لبني زياد، فقدم بها مكّة، فباعها من عبد اللّه بن جدعان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرّة القرشيّ، وقال في ذلك قيس بن زهير [3]:
ألم يبلغك والأنباء تنمي ... بما لاقت لبون بني زياد
ومحبسها على القرشيّ تشرى ... بأدراع وأسياف حداد
كما لاقيت من حمل بن بدر ... وإخوته على ذات الإصاد
/ هم فخروا عليّ بغير فخر ... وذادوا دون غايته جوادي
وكنت إذا منيت بخصم سوء ... دلفت له بداهية نآد [4]
بداهية تدقّ الصّلب منه ... فتقصم أو تجوب عن الفؤاد [5]
وكنت إذا أتاني الدّهر ربق ... بداهية شددت لها نجادي
الربق: ما يتقلّده.
/ألم تعلم بنو الميقاب أنّى ... كريم غير منغلث الزّناد [6]
الوقب: الأحمق، والميقاب: التي تلد الحمقى، والمنغلث: الذي ليس بمنتقى.
أطوّف ما أطوّف ثم آوي ... إلى جار كجار أبي دواد
جاره: يعني ربيعة الخير بن قرط بن سلمة بن قشير، وجار أبي دواد يقال له: الحارث بن همّام بن مرّة بن ذهل بن شيبان، وكان أبو دواد في جواره، فخرج صبيان الحيّ يلعبون في غدير، فغمس الصّبيان ابن أبي دواد فيه
__________
[1] في س: «فإذا مضوا» والمثبت من أوالنقائض.
[2] أهراقها: أسالها.
[3] النقائض 90.
[4] نآد: شديدة.
[5] س: «تجوب على الفؤاد»، وجاب الشيء جوبا: خرقه، والمثبت ما في أوالنقائض والمختار.
[6] أ: «كريه يوم ملحمة جلادي». وفي هامشه من نسخة: «غير منفلت»، وفي المختار والنقائض: «غير مغتلث»، ويروى: «معتلث»، وفي «اللسان»: اعتلثت الزند: انتخبته من شجرة لا يدري: أيورى أم لا! واعتلث السهم، بالعين المهملة: أخذه من عرض الشجر.
فقتلوه، فخرج الحارث فقال: لا يبقى صبيّ في الحيّ إلّا غرّق في الغدير أو يرضى أبو دواد، فودي ابن أبي دواد عشر ديات فرضي، وهو قول أبي دواد:
إبلي الإبل لا يحوزها الرا ... عون ومجّ النّدى عليها المدام
قال أبو سعيد: حفظي: لا يحوزها الراعي ومجّ الندى.
إليك ربيعة الخير بن قرط ... وهوبا للطّريف وللتّلاد
كفاني ما أخاف أبو هلال ... ربيعة فانتهت عنّي الأعادي
تظلّ جياده يحدين [1] حولي ... بذات الرّمث كالحدإ الغوادي
كأني إذ أنخت إلى ابن قرط ... عقلت إلى يلملم أو نضاد [2]
وقال أيضا قيس بن زهير:
/إن تك حرب فلم أجنها ... جنتها خيارهم أو هم [3]
حذار الرّدى إذ رأوا خيلنا ... مقدّمها سابح أدهم
عليه كميّ وسرباله ... مضاعفة نسجها محكم
فإن شمّرت لك عن ساقها ... فويها ربيع ولم يسأموا
نهيت ربيعا فلم يزدجر ... كما انزجر الحارث الأضجم [4]
قال أبو عبد اللّه: الحارث الأضجم: رجل من بني ضبيعة بن ربيعة بن نزار، وهو صاحب المرباع.
قال: فكانت تلك الشّحناء بين بني زياد وبين بني زهير، فكان قيس يخاف خذلانهم إياه، فزعموا أنّ قيسا دسّ غلاما له مولّدا، فقال: انطلق كأنك تطلب إبلا؛ فإنهم سيسألونك، فاذكر مقتل مالك، ثم احفظ ما يقولون. فأتاهم العبد، فسمع الربيع يتغنّى بقوله:
أفبعد مقتل مالك بن زهير ... ترجو النساء عواقب الأطهار [5]
فلما رجع العبد إلى قيس فأخبره بما سمع من الربيع بن زياد، عرف قيس أن قد غضب، فاجتمعت بنو عبس على قتال بني فزارة، فأرسلوا إليهم أن ردّوا علينا إبلنا التي ودينا بها [6] /عوفا أخا حذيفة بن بدر لأمّه، فقال:
لا أعطيكم دية ابن أمي، وإنما قتل صاحبكم حمل بن بدر، وهو ابن الأسدية، وأنتم وهو أعلم.
/ فزعم بعض الناس أنهم كانوا ودوا عوف بن بدر بمائة من الإبل متلية؛ أي قد دنا نتاجها، وأنه أتى على تلك الإبل أربع سنين، وأنّ حذيفة بن بدر أراد أن يردّها بأعيانها، فقال له سنان بن خارجة المرّيّ: أتريد أن تلحق بنا
__________
[1] في النقائض: «يجمزن»، وفي أ: «يجرين».
[2] يلملم ونضاد: جبلان.
[3] في النقائض: «صبارتهم أوهم».
[4] في المختار: «الأضخم»، وهو يوافق ما في النقائض. قال: وروى ابن الأعرابي: «الحارث الأجذم».
[5] النقائض: 93.
[6] النقائض والمختار: «و ديناها».
خزاية فنعطيهم أكثر مما أعطونا، فتسبّنا العرب بذلك؟ فأمسكها حذيفة، وأبى بنو عبس أن يقبلوا إلّا إبلهم بعينها فمكث القوم ما شاء اللّه أن يمكثوا.
جندب يقتل مالك بن بدر
ثم إن مالك بن بدر خرج يطلب إبلا له، فمرّ على بني رواحة، فرماه جندب [1] - أحد بني رواحة - بسهم فقتله، فقالت ابنة مالك بن بدر في ذلك [2]:
للّه عينا من رأى مثل مالك ... عقيرة قوم أن جرى فرسان
فليتهما لم يشربا قطّ قطرة [3] ... وليتهما لم يرسلا لرهان
أحلّ به من جندب أمس نذره [4] ... فأيّ قتيل كان في غطفان
إذا سجعت بالرّقمتين حمامة ... أو الرّسّ تبكي فارس الكتفان
فرس له كانت تسمّى الكتفان.
الأسلع بن عبد اللّه بن ناشب يمشي في الصلح بين عبس وذبيان
ثم إنّ الأسلع بن عبد اللّه بن ناشب بن زيد بن هدم بن أدّ بن عوذ بن غالب بن قطيعة بن عبس مشى في الصّلح، ورهن بني ذبيان ثلاثة/ من بنيه وأربعة من بني أخيه حتى يصطلحوا، جعلهم على يدي سبيع بن عمرو من بني ثعلبة بن سعد بن ذبيان. فمات سبيع وهم عنده.
سبيع بن عمرو يوصي مالكا ابنه
فلما حضرته الوفاة قال لابنه مالك بن سبيع: إنّ عندك مكرمة لا تبيد إن أنت احتفظت بهؤلاء الأغيلمة، وكأني بك لو قد متّ قد أتاك حذيفة خالك - وكانت أمّ مالك هذا ابنة بدر - فعصر عينيه، وقال: هلك سيّدنا، ثم خدعك عنهم حتى تدفعهم إليه فيقتلهم، فلا شرف بعدها فإن خفت ذلك فاذهب بهم إلى قومهم.
فلما ثقل جعل حذيفة يبكي ويقول: هلك سيّدنا، فوقع ذلك له في قلب مالك.
مالك دفع الرهن إلى حذيفة
فلما هلك سبيع أطاف بابنه مالك فأعظمه، ثم قال له: يا مالك، إنّي خالك، وإنّي أسنّ منك، فادفع إليّ هؤلاء الصبيان ليكونوا عندي إلى أن ننظر في أمرنا. ولم يزل به حتى دفعهم إلى حذيفة باليعمريّة، واليعمريّة: ماء بواد من بطن نخل من الشّربّة لبني ثعلبة.
فلما دفع مالك إلى حذيفة الرّهن جعل كل يوم يبرز غلاما فينصبه غرضا ويرمي بالنّبل، ثم يقول: ناد أباك، فينادي أباه حتى يمزّقه النبل، ويقول لواقد بن جنيدب: ناد أباك فجعل ينادي: يا عمّاه، خلافا عليهم، ويكره أن
__________
[1] النقائض: «جنيدب».
[2] النقائض 92.
[3] النقائض: «شربة».
[4] كذا في أوالمختار، وفي «بيروت»: «أحل به أمس الجنيدب نذره».
يأبس أباه بذلك - والأبس: القهر والحمل على المكروه - وقال لابن جنيدب بن عمرو بن عبد الأسلع: ناد جنيبة - وكان جنيبة لقب/ أبيه - فجعل ينادي: يا عمراه [1]، باسم أبيه حتى قتل. وقتل عتبة بن قيس بن زهير.
ثم إنّ بني فزارة اجتمعوا هم وبنو ثعلبة وبنو مرّة، فالتقوا هم وبنو عبس، فقتلوا منهم مالك بن سبيع بن عمرو الثعلبيّ [2] - قتله مروان [3] بن زنباع العبسيّ - وعبد العزّى بن حذار الثعلبيّ، والحارث بن بدر الفزاريّ، وهرم بن ضمضم المرّيّ - قتله ورد بن حابس العبسيّ، ولم يشهد ذلك اليوم حذيفة بن بدر، فقالت ناجية أخت هرم بن ضمضم المريّ [4]:
يا لهف نفسي لهفة المفجوع ... ألّا أرى هرما على مودوع
/ من أجل سيّدنا ومصرع جنبه ... علق الفؤاد بحنظل مجدوع [5]
مودوع: فرسه.
بين ذبيان وعبس
ثم إنّ حذيفة بن بدر جمع وتأهّب [6]، واجتمع معه بنو ذبيان بن بغيض فبلغ بني عبس أنهم قد ساروا إليهم، فقال قيس: أطيعوني، فو اللّه لئن لم تفعلوا لأتّكئنّ على سيفي حتى يخرج من ظهري، قالوا: فإنّا نطيعك، فأمرهم فسرّحوا السّوام والضّعاف بليل وهم يريدون أن يظعنوا من منزلهم ذلك، ثم ارتحلوا في الصّبح، وأصبحوا على ظهر العقبة، وقد مضى سوامهم وضعفاؤهم. فلما أصبحوا طلعت عليهم الخيل من الثنايا، فقال قيس: خذوا غير طريق المال؛ فإنه لا حاجة للقوم أن يقعوا في شوكتكم، ولا يريدون بكم في أنفسكم شرّا من ذهاب أموالكم، فأخذوا غير طريق المال.
/ فلما أدرك حذيفة الأثر ورآه [7] قال: أبعدهم اللّه! وما خيرهم بعد ذهاب أموالهم! فاتّبع المال.
وسارت ظعن بني عبس والمقاتلة من ورائهم، وتبع حذيفة وبنو ذبيان المال. فلما أدركوه ردّوه [8] أوّله على آخره، ولم يفلت منهم شيء، وجعل الرجل يطرد ما قدر عليه من الإبل، فيذهب بها. وتفرّقوا، واشتدّ الحر، فقال قيس بن زهير: يا قوم، إن القوم قد فرّق بينهم المغنم، فاعطفوا الخيل في آثارهم، فلم تشعر بنو ذبيان إلا والخيل دوائس [9]، فلم يقاتلهم كبير أحد، وجعل بنو ذبيان إنما همّة الرجل في غنيمته أن يحوزها، ويمضي بها.
فوضعت بنو عبس فيهم السلاح حتى ناشدتهم بنو ذبيان البقيّة، ولم يكن لهم همّ غير حذيفة، فأرسلوا خيلهم مجتهدين في أثره، وأرسلوا خيلا تقصّ [10] الناس ويسألونهم، حتى سقط خبر حذيفة من الجانب الأيسر على
__________
[1] أ: «يا عماه».
[2] أ: «التغلبي»، تحريف.
[3] في النقائض: الحكم بن مروان.
[4] النقائض 94.
[5] أ، النقائض، المختار، بيروت: «مصدوع».
[6] أ، والمختار والنقائض: «و تهيأ».
[7] وكذا في النقائض. وفي المختار: «وراءهم».
[8] أوالمختار والنقائض: «ردوا».
[9] ب، س: دواس، والمثبت في المختار والنقائض وبيروت. ودوائس: يتبع بعضها بعضا.
[10] وكذا في المختار، وفي النقائض: «تنفض» والمراد تتعرفهم.
شدّاد بن معاوية العبسيّ، وعمرو بن ذهل بن مرة بن مخزوم بن مالك بن غالب [1] بن قطيعة العبسيّ، وعمرو بن الأسلع، والحارث بن زهير، وقرواش بن هنيّ بن أسيّد بن جذيمة، وجنيدب.
وكان حذيفة قد استرخى حزام فرسه، فنزل عنه فوضع رجله على حجر مخافة أن يقتصّ أثره، ثم شد الحزام فوقع صدر قدمه على الأرض فعرفوه، وعرفوا حنف فرسه - والحنف: أن تقبل إحدى اليدين على الأخرى، وفي الناس أن تقبل إحدى الرجلين على الأخرى، وأن يطأ/ الرجل وحشيّهما [2]، وجمع الأحنف حنف - فاتبعوه، ومضى حتى استغاث بجفر الهباءة وقد اشتد الحرّ، فرمى بنفسه، ومعه حمل بن بدر، وحنش بن عمرو، وورقاء بن بلال وأخوه - وهما [3] من بني عديّ بن فزارة - وقد نزعوا سروجهم، وطرحوا سلاحهم، ووقعوا في الماء، وتمعّكت [4] دوابّهم، وقد بعثوا ربيئة فجعل يطّلع فينظر، فإذا لم ير شيئا رجع، فنظر نظرة فقال: إني قد رأيت شخصا كالنّعامة أو كالطائر فوق القتادة من قبل مجيئنا. فقال حذيفة: هنّا وهنّا، هذا شدّاد على جروة، وجروة:
فرس شدّاد، والمعنى دع ذكر شداد عن يمينك وعن شمالك، واذكر غيره لما كان يخاف من شدّاد.
فبينا هم يتكلّمون إذا هم بشدّاد بن معاوية واقفا عليهم، فحال بينهم وبين الخيل، ثم جاء عمرو بن الأسلع، ثم جاء قرواش حتى تتامّوا خمسة، فحمل جنيدب على خيلهم فاطّردها، وحمل عمرو بن الأسلع، فاقتحم هو وشدّاد عليهم في الجفر، فقال حذيفة: يا بني عبس! فأين العقول والأحلام! فضربه أخوه [5] /حمل بن بدر بين كتفيه، وقال: اتّق مأثور القول [6] بعد اليوم، فأرسلها مثلا.
وقتل قرواش بن هنيّ حذيفة، وقتل الحارث بن زهير حمل بن بدر وأخذ منه ذا النون سيف مالك بن زهير، وكان حمل أخذه من مالك بن زهير يوم قتله، فقال الحارث بن زهير في ذلك [7]:
/تركت على الهباءة غير فخر ... حذيفة حوله قصد العوالي [8]
سيخبر عنهم حنش بن عمرو ... إذا لا قاهم وابنا بلال
ويخبرهم مكان النّون مني ... وما أعطيته عرق الخلال
العرق: المكافأة، والخلال: المودة، يقول: لم يعطوني السّيف عن مكافأة ومودّة، ولكني قتلت وأخذت.
فأجابه حنش بن عمرو أخو بني ثعلبة بن سعد بن ذبيان [9]:
سيخبرك الحديث به خبير ... يجاهرك العداوة غيرى آلي
بداءتها لقرواش وعمرو ... وأنت تجول جوبك في الشمال
__________
[1] في النقائض: «شداد بن معاوية بن ذهل بن مخزوم بن غالب».
[2] الوحشي: الجانب الأيمن من كل شيء. والوحشي في الرجل: ظهرها، ضد الإنسي.
[3] في المختار: «و همام بن عدي»، والمثبت في النقائض أيضا.
[4] تمعكت دوابهم: تمرغت في التراب.
[5] أ: «فضربه حمل بن بدر».
[6] وكذا في النقائض. وفي المختار: «الكلام».
[7] النقائض 96.
[8] قصد: جمع قصدة. وهي القطعة مما يكسر. والعوالي: الرماح.
[9] النقائض 96.
الجوب: التّرس، يقول: بداءة الأمر لقرواش وعمرو بن الأسلع، وهما اقتحما الجفر وقتلا من قتلا، وأنت ترسك في يدك يجول لم تغن شيئا. ويقال: لك البداءة ولفلان العودة.
وقال قيس بن زهير [1]:
تعلم أنّ خير الناس ميت ... على جفر الهباءة ما يريم
ولو لا ظلمه ما زلت أبكي ... عليه الدهر ما طلع النجوم
ولكنّ الفتى حمل بن بدر ... بغى، والبغي مرتعه وخيم
أظنّ الحلم دلّ عليّ قومي ... وقد يستجهل الرجل الحليم
فلا تغش المظالم لن تراه ... يمتّع بالغنى الرجل الظّلوم
/ ولا تعجل بأمرك واستدمه ... فما صلّى عصاك كمستديم [2]
ألاقي من رجال منكرات ... فأنكرها وما أنا بالغشوم
ولا يعييك عرقوب بلأي ... إذا لم يعطك النّصف الخصيم [3]
ومارست الرجال ومارسوني ... فمعوجّ عليّ ومستقيم
قوله: فما صلّى عصاك كمستديم، يقول: عليك بالتأنّي والرفق، وإياك والعجلة؛ فإنّ العجول لا يبرم أمرا أبدا، كما أنّ الذي يثقف العود إذا لم يجد تصليته على النار لم يستقم له.
وقال في ذلك شدّاد بن معاوية العبسيّ [4]:
من يك سائلا عنّي فإنّي ... وجروة لا نرود ولا نعار [5]
مقرّبة النّساء [6] ولا تراها ... أمام الحيّ يتبعها المهار
لها في الصيف آصرة وجلّ ... وستّ من كرائمها غزار [7]
آصرة: حشيش، وست: أي ست أينق تسقى لبنها.
ألا أبلغ بني العشراء عنّي ... علانية وما يغني السّرار
قتلت سراتكم وحسلت منكم ... حسيلا مثل ما حسل الوبار [8]
__________
[1] النقائض 96.
[2] البيت في «اللسان» (صلا)، وروايته: «فما صلى عصاه كمستديم» وفي هذا البيت والذي بعده إقواء.
[3] النصف، بالكسر: النصفة. وفي النقائض بعد هذا البيت شرح له هذا نصه: قوله: عرقوب، يقول: إذا لم ينصفك خصمك، فأدخل عليه عرقوبا يفسخ حجته.
[4] النقائض 97، ونسبت هذه الأبيات إلى عنترة في ديوانه 65.
[5] البيت في «اللسان» (جرا). وفيه وفي النقائض والمختار: «لا ترود ولا تعار».
[6] في النقائض: «مقربة الشتاء» وفي أ: «مقربة السناء».
[7] في النقائض والمختار: «بالصيف»، وفي «اللسان»: «كلّا آصر: حابس لمن فيه، أو ينتهي إليه من كثرته». والبيت في «اللسان» (أصر)، وروايته: «لها بالصيف ... غزار».
[8] البيت في «اللسان» (حسل)، وفيه: «قال ابن الأعرابي: «حسلت: أبقيت منكم بقية». والوبار: جمع وبر، دويبة على قدر السنور من دواب الصحراء.
/ حسالة الناس وحفالتهم ورعاعهم وخمّانهم وشرطهم وحثالتهم وخشارتهم وغثاؤهم واحد؛ وهم السّفلة.
يقول: قتلت سراتكم وجعلتكم بعدهم حسالة، كما خلقت الوبار حسالة.
وكان ذلك اليوم يوم ذي حسا، ويزعم بعض بني فزارة أنّ حذيفة كان أصاب يومئذ فيمن أصاب من بني عبس تماضر ابنة الشريد السّلميّة أم قيس فقتلها، وكانت في المال، وقال:
ولم أقتلكم سرّا ولكن ... علانية وقد سطع الغبار
صوت
جاء البريد بقرطاس يخبّ به ... فأوجس القلب من قرطاسه فزعا
قلنا: لك الويل، ماذا في صحيفتكم؟ ... قال: الخليفة أمسى مثبتا وجعا [1]
عروضه من الكامل [2]. الشعر ليزيد بن معاوية، والغناء لابن محرز، هزج بالوسطى عن عمرو.
وهذا الشعر يقوله يزيد في علة أبيه التي مات فيها، وكان يزيد يومئذ غازيا غزاة الصائفة.
__________
[1] المثبت، كمكرم: من لا حراك به من المرض.
[2] كذا في الأصول، والصواب أن البيت من البحر البسيط.
15 - [خبر ليزيد بن معاوية]
جيش معاوية يغزو الصائفة
أخبرني عليّ بن سليمان الأخفش، قال: حدثني السكريّ والمبرّد، عن دماذ أبي غسان - واسمه رفيع بن سلمة - عن أبي عبيدة:
أن معاوية وجّه جيشا إلى بلد الروم ليغزو الصائفة، فأصابهم جدريّ فمات أكثر المسلمين، وكان ابنه يزيد مصطبحا بدير مرّان مع زوجته أم كلثوم، فبلغه خبرهم، فقال [1]:
إذا ارتفقت على الأنماط مصطبحا ... بدير مرّان عندي أمّ كلثوم
فما أبالي بما لاقت جنودهم ... بالغذقذونة من حمّى ومن موم
فبلغ شعره أباه، فقال: أجل، واللّه ليلحقنّ بهم فليصيبنّه ما أصابهم.
يزيد يضرب باب القسطنطينية
فخرج حتى لحق بهم، وغزا حتى بلغ القسطنطينية، فنظر إلى قبّتين مبنيّتين عليهما ثياب الديباج، فإذا كانت الحملة للمسلمين ارتفع من إحداهما أصوات الدّفوف والطبول والمزامير، وإذا كانت الحملة للروم ارتفع من الأخرى، فسأل يزيد عنهما فقيل له: هذه بنت ملك الروم، وتلك بنت جبلة بن الأيهم، وكلّ واحدة منهما تظهر السرور بما تفعله عشيرتها، فقال: أما واللّه لأسرّنّها، ثمّ صفّ العسكر، وحمل حتى هزم الرّوم، فأحجرهم في المدينة، وضرب باب القسطنطينية بعمود حديد كان في يده، فهشمه حتى انخرق، فضرب عليه لوح من ذهب، فهو عليه إلى اليوم.
/ نسخت من كتاب محمد بن موسى اليزيديّ: حدثني العباس بن ميمون طابع [2]، قال: حدثني ابن عائشة، عن أبيه، وحدثني القحذميّ:
أنّ ميسون بنت بحدل الكلبيّة كانت تزيّن يزيد بن معاوية، وترجّل جمّته، قال: فإذا نظر إليه معاوية قال:
فإن مات لم تفلح مزينة بعده ... فنوطي عليه يا مزين التّمائما [3]
__________
[1] البيتان في البلدان (غذقذونة) وفي (دير مران). وفي ب، س: «بالفرقدونة»، تحريف. وأم كلثوم هي بنت عبد اللّه بن عامر بن كريز.
[2] في «بيروت»: «طائع».
[3] نوطي: علقي.
يزيد وعنبسة في حضرة معاوية وهو يحتضر
فلما احتضر معاوية حضره يزيد بن معاوية، وعنبسة بن أبي سفيان، فبكى يزيد إلى عنبسة، وقال:
لو فات شيء يرى لفات أبو ... حيّان [1] لا عاجز ولا وكل
الحوّل القلّب الأريب ولن ... يدفع زوء المنية الحيل [2]
/فسمعهما معاوية بعد أن ردّدهما مرارا، فقال: يا بنيّ، إنّ أخوف ما أخاف على نفسي شيء صنعته قبل ذلك، إني كنت أوضّىء رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم، فكساني قميصا، وأخذت شعرا من شعره، فإذا أنا متّ فكفّنّي في قميصه، واجعل الشّعر في منخري وأذني وفمي، وخلّ بيني وبين ربّي، لعل ذلك ينفعني شيئا.
قال العباس بن ميمون: فقلت للقحذميّ: هذا غلط، والدليل على ذلك أنّ أبا عدنان حدثني - وها هو حيّ فاسأله - عن الهيثم بن عديّ، عن ابن عياش، عن الشعبيّ:
/ أنّ معاوية مات ويزيد بالصائفة، فأتاه البريد بنعيه، فأنشأ يقول:
جاء البريد بقرطاس يخبّ به ... فأوجس القلب من قرطاسه فزعا
قلنا: لك الويل، ماذا في صحيفتكم؟ ... قال: الخليفة أمسى مثبتا وجعا
مادت بنا الأرض أو كادت تميد بنا ... كأنّ ما عزّ من أركانها انقلعا
من لم تزل نفسه توفي على وجل [3] ... توشك مقادير تلك النفس أن تقعا
لما وردت وباب القصر منطبق ... لصوت رملة هدّ القلب فانصدعا
الضحاك بن قيس يتولى غسل معاوية ودفنه
وكان الذي تولّى غسله ودفنه الضحاك بن قيس، فخطب الناس، فقال: إنّ ابن هند قد توفّي، وهذه أكفانه على المنبر، ونحن مدرجوه فيها، ومخلّون بينه وبين ربّه، ثم هو البرزخ إلى يوم القيامة. ولو كان يزيد حاضرا لم يكن للضحاك ولا غيره أن يفعل من هذا شيئا.
قال العباس: فسكت القحذميّ، وما ردّ عليّ شيئا.
عبد اللّه بن الزبير يرثي معاوية
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء، قال: حدثني الزّبير بن بكّار، قال: حدثني عمّي، عن جدّي، عن هشام بن عروة، عن أبيه، قال:
صلّى بنا عبد اللّه بن الزّبير يوما، ثم انفتل من الصلاة، فنشج [4]، وكان قد نعي له معاوية، ثم قال: رحم اللّه
__________
[1] أ: «حبان»، والمثبت من ج، م، ب، س.
[2] في «اللسان» (زوأ): زوه المنية: ما يحدث من المنية. وفي هامش أ: «زوء المنية: قدرها».
[3] أ: فوقها «شرف»، وعليها علامة الصحة.
[4] نشج الباكي: غص بالبكاء في حلقه من غير انتحاب.
معاوية إن كنا لنخدعه فيتخادع لنا، وما ابن أنثى بأكرم منه، وإن كنا لنعرفه يتفارق لنا، وما الليث المحرب بأجرأ منه؛ كان واللّه كما قال بطحاء [1] العذريّ:
/ركوب المنابر وثّابها ... معنّ بخطبته يجهر [2]
تريع إليه عيون الكلام ... إذا حصر الهذر المهمر [3]
كان واللّه كما قالت رقيقة، أو قال: بنت رقيقة:
ألا ابكيه ألا ابكيه ... ألا كلّ الفتى فيه
واللّه لودّي أنه بقي بقاء أبي قبيس، لا يتخوّن له عقل، ولا تنقص له قوة.
قال: فعرفنا أنّ الرجل قد استوجس [4].
ابن عباس يرثي معاوية أيضا
أخبرني الحسن بن عليّ، قال: حدثنا ابن مهرويه، قال: حدثنا ابن أبي سعد، قال: قال محمد بن إسحاق المسّيبيّ: حدثني جماعة من أصحابنا: أنّ ابن عباس [5] أتاه نعي معاوية وولاية يزيد، وهو يعشّى أصحابه ويأكل معهم، وقد رفع إلى فيه لقمة، فألقاها وأطرق هنيهة ثم قال: جبل تدكدك، ثم مال بجميعه في البحر، واشتملت عليه الأبحر، للّه درّ ابن هند! ما كان أجمل وجهه، وأكرم خلقه، وأعظم حلمه.
فقطع عليه الكلام رجل من أصحابه، وقال: أتقول هذا فيه؟ فقال: ويحك! إنك لا تدري من مضى عنك، ومن بقي عليك، وستعلم. ثم قطع الكلام.
صوت
/إذا زينب زارها أهلها ... حشدت وأكرمت زوّارها
وإن هي زارتهم زرتهم ... وإن لم أجد لي هوى دارها
فسلمي لمن سالمت زينب ... وحربي لمن أشعلت نارها
وما زلت أرعى لما عهدها ... ولم أتّبع ساعة عارها
عروضه من المتقارب. الشعر لشريح القاضي في زوجته زينب بنت حدير التميمية، والغناء لعمرو بن بانة، ثاني ثقيل بالبنصر، عنه على مذهب إسحاق. وذكر إسحاق في كتاب «الأغاني» المنسوب إليه أنه لابن محرز.
__________
[1] كذا في أ، م، ج، وفي ب، س: «بطحان» بالنون.
[2] معن: متكلّم يعرض في كل شيء.
[3] تريع: ترجع، والفعل من بابي نصر وضرب. المهمر: الكثير الكلام المهذار.
[4] ج، ما: «استوحش».
[5] أ، م: «ابن عياش»، تصحيف.
16 - ذكر شريح ونسبه وخبره
هو فيما أخبرني به الحسن بن علي الخفّاف، قال: حدثنا الحارث [1] بن أبي أسامة، قال: حدثنا أبو سعيد، عن هشام بن السائب. وأخبرني محمد بن خلف وكيع، قال: حدثني عليّ بن عبد اللّه بن معاوية بن ميسرة بن شريح، كلاهما اتفق في الرواية لنسبه:
نسبه
أنه شريح بن الحارث بن قيس بن الجهم بن معاوية بن عامر بن الرائش بن الحارث بن معاوية بن ثور بن مرتع الكنديّ. قال هشام في خبره خاصة: وليس بالكوفة من بني الرائش غيرهم، وسائرهم من هجر وحضر موت.
وقد اختلف الرواة بعد هذا في نسبه؛ فقال بعضهم: شريح بن هانى ء - وهذا غلط - ذاك شريح بن هانىء الحارثيّ، واعتلّ من قال هذا بخبر روي عن مجالد، عن الشّعبيّ، أنه قرأ كتابا من عمر إلى شريح:
من عبد اللّه عمر أمير المؤمنين إلى شريح بن هانى ء. وقد يجوز أن يكون كتب عمر رضي اللّه عنه هذا الكتاب إلى شريح بن هانىء الحارثيّ، وقرأه الشعبيّ، وكلا هذين الرجلين معروف، والفرق بينهما النسب والقضاء؛ فإن شريح بن هانىء لم يقض، وشريح بن الحارث قد قضى لعمر بن الخطاب وعليّ بن أبي طالب عليه السلام. وقيل:
شريح بن عبد اللّه، وشريح بن شراحيل، والصحيح ابن الحارث. وابنه أعلم به.
وقد أخبرنا وكيع، قال: حدثنا أحمد بن عمر بن بكير، قال: حدثني أبي عن الهيثم بن عديّ، عن أبي ليلى:
أن خاتم شريح كان نقشه شريح بن الحارث. وقيل: إنه من أولاد الفرس الذين قدموا اليمن مع سيف بن ذي يزن، وعداده في كندة، وقد روى عنه شبيه بذلك.
/ أخبرنا وكيع، قال: حدثنا عبد اللّه بن محمد الحنفيّ، قال: حدثنا عبدان، قال: حدثنا عبد اللّه بن المبارك، قال: حدثنا سفيان الثوريّ، عن ابن أبي السّفر، عن الشعبيّ، قال:
جاء أعرابيّ إلى شريح، فقال: ممّن أنت؟ قال: أنا من الذين أنعم اللّه عليهم، وعدادي في كندة.
قال وكيع: وقال أبو حسان، عن أيوب بن جابر، عن أبي حصين، قال:
كان شريح إذا قيل له ممن أنت؟ قال: ممّن أنعم اللّه عليه بالإسلام، عديد كندة.
قال وكيع: وقيل: إنما خرج إلى المدينة ثم إلى العراق؛ لأنّ أمّه تزوّجت بعد أبيه فاستحيا.
سنه
وقد اختلف أيضا في سنّه؛ فقيل: مائة وعشرون سنة، وقيل: مائة وعشر، وقيل: أقل من ذلك وأكثر.
__________
[1] ج: «الحسن».
فممن ذكر أنه عمّر مائة وعشرين سنة أشعث بن سوّار، روى ذلك يحيى بن معين، عن المحاربيّ، عن أشعث، وأبو سعيد الجعفيّ، روى ذلك عنه أبو/ إبراهيم الزهريّ. وممن قال أقل من ذلك أبو نعيم.
أخبرنا الحسن بن عليّ، عن الحارث، عن ابن [1] سعد، عن أبي نعيم، قال: بلغ شريح مائة وثمانين سنة.
سنة وفاته
قال الحارث: وأخبرني ابن [1] سعد، عن الواقديّ، عن أبي سبرة، عن عيسى، عن الشعبيّ، قال: توفي شريح في سنة ثمانين، أو تسع وسبعين.
/ قال أبو سعيد [2]: وقال إبراهيم: في سنة ست وسبعين. وقال أبو إبراهيم الزّهريّ، عن أبي سعيد الجعفيّ:
إنّ شريحا مات في زمن عبد الملك بن مروان.
أخبرني وكيع، قال: حدثنا الكرانيّ، عن سهل، عن الأصمعيّ، قال: ولد لشريح وهو ابن مائة سنة.
وروى إسماعيل بن أبان الورّاق، عن عليّ بن صالح، قال: قيل لشريح: كيف أصبحت؟ قال: أصبحت ابن ستّ ومائة، قضيت [3] منها ستين سنة.
عمر يستقضيه
وأخبرني وكيع بخبر عمر حين استقضاه، قال: حدثنا عبد اللّه بن محمد بن أيوب، قال: حدثنا روح بن عبادة، قال: حدثنا شعبة، قال: سمعت سيّارا قال: سمعت الشعبيّ يقول:
إنّ عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه أخذ من رجل فرسا على سوم، فحمل عليه رجلا، فعطب الفرس، فقال عمر: اجعل بيني وبينك رجلا، فقال له الرجل: اجعل بيني وبينك شريحا العراقيّ. فقال: يا أمير المؤمنين! أخذته صحيحا سليما على سوم، فعليك أن تردّه كما أخذته. قال: فأعجبه ما قال، وبعث به قاضيا، ثم قال: «ما وجدته في كتاب اللّه فلا تسأل عنه أحدا، وما لم تستبن في كتاب اللّه فالزم السنّة، فإن لم يكن في السنّة، فاجتهد رأيك».
أخبرني وكيع، قال: أخبرني عبد اللّه بن الحسن، عن النّميريّ، عن حاتم بن قبيصة المهلبيّ، عن شيخ من كنانة، قال:
قال عمر لشريح، حين استقضاه: «لا تشارّ ولا تضارّ، ولا تشتر ولا تبع». فقال عمرو بن العاص: يا أمير المؤمنين:
/إن القضاة إن أرادوا عدلا ... وفصلوا بين الخصوم فصلا [4]
وزحزحوا بالحكم منهم جهلا ... كانوا كمثل الغيث صاب محلا [5]
__________
[1] كذا في «بيروت»، وفي ج: «أبو سعد»، وفي أ، م: «أبو سعيد».
[2] في «بيروت»: ابن سعد.
[3] قضيت منها ستين سنة، أي عملت بالقضاء ستين سنة منها.
[4] أ: «و رفعوا فوق الخصوم فضلا».
[5] ج، م، وهامش أمن نسخة: «كانوا كغيث قد أصاب محلا». وصاب وأصاب بمعنى.
وله أخبار في قضايا كثيرة يطول ذكرها، وفيها ما لا يستغنى عن ذكره، منها محاكمة أمير المؤمنين عليّ عليه السلام إليه في الدّرع.
يقضي بين علي وبين يهودي أخذ درعه
حدثني به عبد اللّه بن محمد بن إسحاق بن أخت داهر بن نوح بالأهواز، قال: حدثنا أبو الأشعث أحمد بن المقدام العجليّ، قال: حدثني حكيم بن حزام، عن الأعمش، عن إبراهيم التيميّ، قال:
عرف عليّ صلوات اللّه عليه درعا مع يهوديّ، فقال: يا يهوديّ، درعي سقطت منّي يوم كذا وكذا، فقال اليهوديّ: ما أدري ما تقول! درعي وفي يدي، بيني وبينك قاضي المسلمين.
فانطلقا إلى شريح، فلما رآه شريح قام له عن مجلسه، فقال له عليّ: اجلس. فجلس شريح، ثم قال: إنّ خصمي لو كان مسلما لجلست معه بين يديك، ولكني سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم يقول: لا تساووهم في المجلس، ولا تعودوا مرضاهم، ولا تشيّعوا جنائزهم، واضطرّوهم إلى أضيق الطرق، وإن سبّوكم فاضربوهم، وإن ضربوكم فاقتلوهم. ثم قال: درعي عرفتها مع هذا اليهوديّ.
فقال شريح لليهوديّ: ما تقول؟ قال: درعي وفي يدي.
قال شريح: صدقت واللّه يا أمير المؤمنين، إنها لدرعك كما قلت، ولكن لا بدّ من شاهد؛ فدعا قنبرا فشهد له، ودعا الحسن بن عليّ، فشهد/ له،/ فقال: أمّا شهادة مولاك فقد قبلتها، وأما شهادة ابنك لك فلا. فقال عليّ: سمعت عمر بن الخطاب يقول: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم يقول إنّ الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنة.
قال: اللهم نعم، قال: أفلا تجيز شهادة أحد سيّدي شباب أهل الجنة! واللّه لتخرجنّ إلى بانقيا فلتقضينّ بين أهلها أربعين يوما. ثم سلّم الدّرع إلى اليهودي.
فقال اليهوديّ: أمير المؤمنين مشى معي إلى قاضيه، فقضى عليه، فرضي به، صدقت إنها لدرعك، سقطت منك يوم كذا وكذا عن جمل أورق فالتقطتها، وأنا أشهد أن لا إله إلّا اللّه وأنّ محمدا رسول اللّه. فقال عليّ عليه السلام: هذه الدّرع لك، وهذه الفرس لك، وفرض له في تسعمائة، فلم يزل معه حتى قتل يوم صفّين.
17 - خبر زينب بنت حدير وتزويج شريح إياها
شريح يصح الشعبي بأن يتزوج من نساء بني تميم
أخبرني الحسن بن عليّ الخفّاف، قال: حدثنا أحمد بن زهير بن حرب [1]، قال: حدثنا أبو همام الوليد بن شجاع، قال: حدثنا ابن أبي زائدة، وأبو محمد رجل ثقة، قال: حدثنا مجالد، عن الشعبيّ، قال:
قال لي شريح: يا شعبيّ، عليكم بنساء بني تميم فإنهنّ النساء، قال: قلت: وكيف ذاك؟ قال: انصرفت من جنازة ذات يوم مظهرا [2]، فمررت بدور بني تميم، فإذا امرأة جالسة في سقيفة على وسادة وتجاهها جارية رؤد - يعني التي قد بلغت - ولها ذؤابة على ظهرها جالسة على وسادة، فاستسقيت، فقالت لي: أيّ الشراب أعجب إليك: النبيذ، أم اللبن، أم الماء؟ قلت: أي ذلك يتيسّر عليكم، قالت: اسقوا الرجل لبنا؛ فإني إخاله غريبا.
يرى زينب بنت حدير، فيخطبها ويتزوجها
فلما شربت نظرت إلى الجارية فأعجبتني، فقلت: من هذه؟ قالت: ابنتي، قالت: وممّن؟ قالت: زينب بنت حدير، إحدى نساء بني تميم، ثم إحدى نساء بني حنظلة، ثم إحدى نساء بني طهيّة، قلت: أفارغة أم مشغولة؟
قالت: بل فارغة، قلت: أتزوّجينيها؟ قالت: نعم إن كنت كفيّا، ولها عمّ فاقصده.
فانصرفت فامتنعت من القائلة، فأرسلت إلى إخواني القرّاء الأشراف: مسروق بن الأجدع، والمسيّب بن نجبة، وسليمان بن صرد الخزاعيّ، وخالد/ بن عرفطة العذريّ، وعروة بن المغيرة بن شعبة، وأبي بردة بن أبي موسى، فوافيت معهم صلاة العصر، فإذا عمّها جالس، فقال: أبا أمية، حاجتك؟ قلت: إليك، قال: وما هي؟
قلت: ذكرت لي بنت أخيك زينب بنت حدير، قال: ما بها عنك رغبة، ولا بك عنها مقصر، وإنك لنهزة.
فتكلمت فحمدت اللّه جلّ ذكره، وصلّيت على النبيّ صلّى اللّه عليه وسلم، وذكرت حاجتي، فردّ الرجل عليّ وزوّجني، وبارك القوم لي، ثم نهضنا.
فما بلغت منزلي حتى ندمت، فقلت: تزوجت إلى أغلظ العرب وأجفاها فهممت بطلاقها، ثم قلت: أجمعها إليّ، فإن رأيت ما أحبّ وإلا طلّقتها.
فأقمت أياما، ثم أقبل نساؤها يهادينها، فلما أجلست في البيت أخذت بناصيتها فبركت، وأخلى لي البيت، فقلت: يا هذه، إنّ من السنة إذا دخلت المرأة على الرجل أن يصلّي ركعتين وتصلّي ركعتين، ويسألا اللّه خير
__________
[1] ب، س: «حرم»، تحريف.
[2] مظهرا: سائرا أو داخلا في الظهيرة.
ليلتهما، ويتعوّذا باللّه من شرها. فقمت أصلّي ثم التفتّ، فإذا هي خلفي فصليت، ثم التفتّ فإذا هي على فراشها، فمددت يدي، فقالت لي: على رسلك، فقلت: إحدى/ الدواهي منيت بها، فقالت: إن الحمد للّه أحمده وأستعينه إني امرأة غريبة، ولا واللّه ما سرت مسيرا قط أشد عليّ منه، وأنت رجل غريب لا أعرف أخلاقك، فحدّثني بما تحبّ فآتيه، وما تكره فأنزجر عنه. فقلت: الحمد للّه وصلّى اللّه على محمد، قدمت خير مقدم، قدمت على أهل دار زوجك سيّد رجالهم، وأنت سيدة نسائهم، أحبّ كذا وأكره كذا.
/ قالت: أخبرني عن أختانك [1] أتحبّ أن يزوروك؟ فقلت: إني رجل قاض، وما أحبّ أن تملّوني.
أم زينب تسأله عن ابنتها فيثني عليها
قال: فبتّ بأنعم ليلة، وأقمت عندها ثلاثا، ثم خرجت إلى مجلس القضاء، فكنت لا أرى يوما إلا هو أفضل من الذي قبله، حتى إذا كان عند رأس الحول دخلت منزلي، فإذا عجوز تأمر وتنهى، قلت: يا زينب، من هذه؟
فقالت: أمّي فلانة. قلت: حيّاك اللّه بالسلام، قالت: أبا أمية كيف أنت وحالك؟ قلت: بخير أحمد اللّه، قالت:
أبا أمية؛ كيف زوجك؟ قلت: كخير امرأة، قالت: إنّ المرأة لا ترى في حال أسوأ خلقا منها في حالين: إذا حظيت عند زوجها، وإذا ولدت غلاما؛ فإن رأبك منها ريب فالسّوط؛ فإنّ الرجال واللّه ما حازت إلى بيوتها شرّا من الورهاء [2] المتدلّلة.
قلت: أشهد أنها ابنتك، قد كفيتنا الرياضة، وأحسنت الأدب.
قال: فكانت في كل حول تأتينا فتذكر هذا، ثم تنصرف.
يعالج زينب من لسعة عقرب
قال شريح: فما غضبت عليها قطّ إلا مرّة كنت لها ظالما فيها؛ وذاك أني كنت أمام قومي فسمعت الإقامة، وقد ركعت ركعتي الفجر، فأبصرت عقربا، فعجلت عن قتلها، فأكفأت عليها الإناء، فلما كنت عند الباب قلت:
يا زينب لا تحرّكي الإناء حتى أجيء، فعجلت فحرّكت الإناء فضربتها العقرب، فجئت فإذا هي تلوّى. فقلت:
ما لك؟ قالت: لسعتني العقرب. فلو رأيتني يا شعبيّ وأنا أعرك أصبعها بالماء والملح، وأقرأ عليها المعوّذتين وفاتحة الكتاب.
كان له جار يضرب امرأته فقال في ذلك شعرا
وكان لي يا شعبيّ جار يقال له ميسرة بن عرير من الحيّ، فكان لا يزال يضرب امرأته، فقلت:
رأيت رجالا يضربون نساءهم ... فشلّت يميني يوم أضرب زينبا
يا شعبيّ، فوددت أني قاسمتها عيشي.
ومما يغنّى فيه من الأشعار التي قالها شريح في امرأته زينب:
__________
[1] أختان: جمع ختن: الصهر من قبل الزوجة.
[2] الورهاء: الحمقاء.
صوت
رأيت رجالا يضربون نساءهم ... فشلّت يميني يوم أضرب زينبا
أأضربها في غير جرم أتت به ... إليّ، فما عذري إذا كنت مذنبا!
فتاة تزين الحلي إن هي حلّيت ... كأن بفيها المسك خالط محلبا [1]
والغناء ليونس الكاتب من كتابه غير مجنّس.
صوت
أمن رسم دار مربع ومصيف ... لعينك من ماء الشؤون وكيف
تذكرت فيها الجهل حتى تبادرت ... دموعي وأصحابي عليّ وقوف
عروضه من مصرّع الطويل. الشعر للحطيئة من قصيدة يمدح بها سعيد بن العاص لما/ ولى الكوفة لعثمان.
والغناء لابن سريج رمل بالوسطى عن عمرو.
__________
[1] المحلب، كمقعد: العسل.
18 - أخبار الحطيئة مع سعيد بن العاص
أخبرنا أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ، قال: حدثنا عمر بن شبّة، قال: حدثنا عبد اللّه بن محمد بن حكيم، عن خالد بن سعيد، عن أبيه، قال: لقيني إياس بن الحطيئة، فقال لي: يا أبا عثمان، مات أبي، وفي كسر بيته عشرون ألفا أعطاه إياها أبوك، وقال فيه خمس قصائد، فذهب واللّه ما أعطيتمونا وبقي ما أعطيناكم، فقلت: صدقت واللّه.
شعره في مدح سعيد بن العاص
قال أبو زيد: فممّا قال فيه قوله:
أمن رسم دار مربع ومصيف ... لعينك من ماء الشؤون وكيف [1]
إليك سعيد الخير جبت مهامها ... يقابلني آل بها وتنوف [2]
ولو لا أصيل اللّبّ غضّ شبابه ... كريم لأيام المنون عروف [3]
إذا همّ بالأعداء لم يثن همّه ... كعاب عليها لؤلؤ وشنوف [4]
حصان لها في البيت زيّ وبهجة ... ومشي كما تمشى القطاة قطوف [5]
ولو شاء وارى الشمس من دون وجهه ... حجاب ومطويّ السراة منيف [6]
ينشد شعرا لأبي دواد الإيادي وعبيد
أخبرنا محمد بن العباس اليزيديّ، وأحمد بن عبد العزيز الجوهريّ، قالا: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثنا عبد اللّه بن محمد بن حكيم الطائيّ، عن خالد/ بن سعيد بن العاص، عن أبيه، قال: كان سعيد بن العاص في المدينة زمن معاوية، وكان يعشّي الناس، فإذا فرغ من العشاء قال الآذن: أجيزوا إلّا من كان من أهل سمره. قال:
فدخل الحطيئة فتعشّى مع الناس، ثم أقبل فقال الآذن: أجيزوا، حتى انتهى إلى الحطيئة، فقال: أجز، فأبى، فأعاد عليه فأبى، فلما رأى سعيد إباءه قال: دعه، وأخذ في الشّعر والحطيئة مطرق لا ينطق، فقال الحطيئة: واللّه ما أصبتم جيّد الشعر، ولا شاعر الشعراء. قال سعيد: من أشعر العرب يا هذا؟ فقال: الذي يقول:
__________
[1] ديوانه 39. والوكيف: سيلان الدموع.
[2] جبت: قطعت. وتنوف: جمع تنوفة، وهي المفازة.
[3] العروف: الصبور على نوائب الأيام. واللب: العقل. الأصمعي: رأيه رأي مسن. وسنه سن غلام.
[4] الكعاف: المرأة حين يبدو ثديها للنهود. الشنوف: جمع شنف، بالفتح، وهو القرط.
[5] الحصان: العفيفة. والقطوف من الدواب: المتقارب الخطو، البطيء.
[6] مطوي سراته، أي محكم أعلاه.
لا أعدّ الإقتار عدما ولكن ... فقد من قد رزئته الإعدام
من رجال من الأقارب بانوا ... من جذام هم الرؤوس الكرام
سلّط الموت والمنون عليهم ... فلهم في صوى [1] المقابر هام
وكذاكم سبيل كلّ أناس ... سوف حقّا تبليهم الأيام
قال: ويحك! من يقول هذا الشعر؟ قال: أبو دواد الإياديّ، قال: أو ترويه؟ قال: نعم، قال: فأنشدنيه، فأنشده الشعر كلّه، قال: ومن الثاني؟ قال: الذي يقول [2]:
أفلح بما شئت فقد يبلغ بالض ... عف وقد يخدع الأريب
قال: ومن يقول هذا؟ قال: عبيد، قال: أو ترويه؟ قال: نعم، قال: فأنشدنيه، فأنشده، ثم قال له: ثمّ من؟
قال: واللّه لحسبك بي عند رهبة أو رغبة، إذا وضعت إحدى رجليّ على الأخرى، ثم رفعت عقيرتي بالشّعر، ثم عويت على أثر القوافي عواء الفصيل الصادر عن الماء.
/ قال: ومن أنت؟ قال: الحطيئة، قال: ويحك! قد علمت تشوّقنا إلى مجلسك، وأنت تكتمنا نفسك منذ الليلة! قال: نعم لمكان هذين الكلبين عندك، وكان عنده كعب بن جعيل، وأخوه. وكان عنده/ سويد بن مشنوء النّهديّ، حليف بني عديّ بن جناب الكلبيّين، فأنشده الحطيئة قوله [3]:
أ لست بجاعلي كابني جعيل ... هداك اللّه أو كابني جناب [4]
أدبّ فلا أقدّر أن تراني [5] ... ودونك بالمدينة ألف باب
وأحبس بالعراء المحل بيتي ... ودونك عازب ضخم الذباب [6]
العازب: الكلأ الذي لم يرع، وقد التفّ نبته.
فقال له سعيد: لعمر اللّه لأنت أشعر عندي منهم، فأنشدني، فأنشده [7]:
سعيد وما يفعل سعيد فإنه ... نجيب فلاه في الرّباط نجيب [8]
سعيد فلا يغررك قلّة لحمه ... تخدّد عنه اللحم فهو صليب
ويروى: خفّة لحمه.
إذا غاب عنّا غاب عنا ربيعنا ... ونسقى الغمام الغرّ حين يؤوب
فنعم الفتى تعشو إلى ضوء ناره ... إذا الريح هبّت والمكان جديب
__________
[1] الصوى: القبور أو علاماتها. وفي النسخ: «صدى»، تحريف.
[2] ديوان عبيد 14.
[3] ديوانه 42.
[4] بنو جعيل من تغلب، وبنو جناب من كلب.
[5] الديوان: «أدب وراء نقدة أن تراني». قال: ونقدة: اسم مكان.
[6] كذا في أ، م والديوان، وفي ب، س، ج: وبيتك عازب صخب. يقول: أقيم بالمحل ولا أدنو إليك هيبة لك.
[7] ديوانه 42.
[8] فلاه: ولده أو رباه. والرباط: الحرب. والرباط والمرابطة: ملازمة ثغر العدو. والبيت في «اللسان» (فلا).
/ فأمر له بعشرة آلاف درهم، ثم عاد فأنشده قصيدته التي يقول فيها:
أمن رسم دار مربع ومصيف
يقول فيها:
إذا همّ بالأعداء لم يثن عزمه ... كعاب عليها لؤلؤ وشنوف
فأعطاه عشر آلاف أخرى.
أخبرني محمد بن الحسن بن دريد، قال: أخبرنا أبو حاتم، عن أبي عبيدة بهذا الحديث نحو ما رواه خالد بن سعيد، وزاد فيه:
فانتهى الشّرط إلى الحطيئة فرأوه أعرابيا قبيح الوجه، كبير السن، سيّىء الحال، رثّ الهيئة، فأرادوا أن يقيموه، فأبى أن يقوم، وحانت من سعيد التفاتة، فقال: دعوا الرجل، وباقي الخبر مثله.
خالد بن سعيد بن العاص يأمر له بكسوة وحملان
قال أبو عبيدة في هذا الخبر: وأخبرني رجل من بني كنانة، قال: أقبل الحطيئة في ركب من بني عبس، حتى قدم المدينة، فأقام مدّة، ثم قال له من في رفقته: إنا قد أرذينا [1] وأخلينا، فلو تقدّمت إلى رجل شريف من أهل هذه القرية فقرانا وحملنا. فأتى خالد بن سعيد بن العاص، فسأله فاعتذر إليه، وقال: ما عندي شيء فلم يعد عليه الكلام، وخرج من عنده، فارتاب به خالد، فبعث يسأل عنه، فأخبر أنه الحطيئة، فردّه. فأقبل الحطيئة، فقعد لا يتكلّم، فأراد خالد أن يستفتحه الكلام، فقال: من أشعر الناس؟ فقال: الذي يقول:
ومن يجعل المعروف من دون عرضه ... يفره ومن لا يتّق الشّتم يشتم [2]
فقال خالد لبعض جلسائه: هذه بعض عقاربه، وأمر بكسوة وحملان، فخرج بذلك من عنده.
صوت
حبّذا ليلتي بتلّ بونّى [3] ... حين نسقّى شرابنا ونغنّى
إذ رأينا جواريا عطرات ... وغناء وقرقفا فنزلنا [4]
ما لهم لا يبارك اللّه فيهم ... إذ يسألون: ويحنا ما فعلنا!
عروضه الضرب الأوّل من الخفيف. الشعر لمالك بن أسماء بن خارجة، والغناء لحنين، رمل/ مطلق في مجرى البنصر عن إسحاق.
__________
[1] أرذينا، أي صارت دوابنا هزلى من طول السفر. فالرفق من الدواب: المهزول الهالك من السير، لا يستطيع براحا.
[2] البيت لزهير بن أبي سلمى ص 30.
[3] تل بوني: من قرى الكوفة.
[4] رواية البيت في البلدان وابن قتيبة 757:
ومررنا بنسوة عطرات ... وسماع وقرقف فنزلنا
والقرقف: الخمر.
19 - أخبار مالك بن أسماء بن خارجة ونسبه
نسبه
هو مالك بن أسماء بن خارجة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاريّ، وقد مضى هذا النسب في أخبار عويف القوافي، وقد مضت أخباره، وذكر هذا البيت من فزارة وشرفه فيها وسائر قصصه هناك.
الحجاج يتزوج أخته هندا، ويوليه على أصبهان، ثم يأمر بحبسه لخيانة ظهرت عليه
وكان الحجاج بن يوسف ولّى مالك بن أسماء بعد أن تزوّج أخته هندا بأصبهان، بعد حبس طويل في خيانة ظهرت عليه، ثم خلّاه بعد ذلك، وطالت أيامه بأصبهان، فظهرت عليه خيانة أخرى، فحبسه وناله بكل مكروه.
أخبرني يخبره أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ، قال: حدثنا عمر بن شبّة، قال: حدثنا عبد اللّه بن عبد الرحمن بن عيسى بن موسى، قال: حدثني هشام بن محمد الهلاليّ، قال:
اختلف الحجّاج وهند بنت أسماء زوجته في وقعة بنات قين، فبعث إلى مالك بن أسماء بن خارجة، فأخرجه من السجن، وكان محبوسا بمال عليه للحجاج، فسأله عن الحديث فحدّثه به، ثم أقبل على هند فقال: قومي إلى أخيك، فقالت: لا أقوم إليه، وأنت ساخط عليه. فأقبل الحجاج عليه، فقال: إنك واللّه ما علمت للخائن أمانته، اللئيم حسبه، الزاني فرجه، فقال: إن أذن الأمير تكلّمت، قال: قل، قال: أما قول الأمير الزاني فرجه، فو اللّه لأنا أحقر عند اللّه عزّ وجلّ وأصغر في عين الأمير من أن يجب للّه عليّ حدّ فلا يقيمه، وأما قوله: اللئيم حسبه، فو اللّه لو علم الأمير مكان رجل أشرف منّي لم يصاهرني، وأما قوله: إني خؤون، فلقد ائتمنني فوفّرت، فأخذني بما أخذني به، فبعت ما كان وراء ظهري، ولو ملكت الدنيا بأسرها لافتديت بها من مثل هذا الكلام.
/ قال: فنهض الحجّاج، وقال: شأنك يا هند بأخيك.
قال مالك بن أسماء: فوثبت هند إليّ فأكبّت عليّ، ودعت بالجواري، ونزعن عنّي حديدي، وأمرت بي إلى الحمّام، وكستني، وانصرفت.
فلبثت أياما، ثم دخلت على الحجاج وبين يديه عهود، وفيها عهدي على أصبهان. قال: خذ هذا العهد، وامض إلى عملك، فأخذته ونهضت. قال: وهي ولايته التي عزله عنها، وبلغ به ما بلغ من الشر.
قال أبو زيد: ويقال إنه كان في الحبس في الدفعة الثانية مضيّقا عليه في كلّ أحواله، حتى كان يشاب له الماء الذي كان يشربه بالرماد والملح، فاشتاق الحجّاج إلى حديثه يوما، فأرسل إليه، فأحضر، فبينا هو يحدّثه إذ استسقى ماء فأتي به، فلما نظر إليه الحجاج قال: لا، هات ماء السجن، فأتى به وقد خلط بالملح والرماد، فسقيه.
قال: ويقال: إنه هرب من الحبس [1]، فلم يزل متواريا حتى مات الحجاج.
__________
[1] في المختار: «السجن».
يكتب إليه أبيه أن يشفع له عند الحجاج
قال: وكتب إليه بعض أهله أن يمضي إلى الشام فيستجير ببعض بني أمية حتى يأمن، ثم يعود إلى مصره.
وقد كان خالد بن عتّاب الرّياحيّ فعل ذلك، واستجار بزفر بن الحارث الكلابيّ، فأجاره، فراجعه عبد الملك في أمره، ثم أجاره، فكتب مالك إلى أبيه يسأله أن يدخل إلى الحجاج ويسأله في أمره، فقال أسماء في ذلك:
أبني فزارة لا تعنّوا شيخكم ... مالي وما لزيارة الحجّاج
شبّهته شبهلا غداة لقيته ... يلقي الرؤوس شواخب الأوداج [1]
/تجري الدماء على النّطاع كأنها ... راح شمول غير ذات مزاج
لا تطلبوا حاجا إليه فإنه ... بئس المؤمّل في طلاب الحاج
يا ليت هندا أصبحت مرموسة ... أوليتها جلست عن الأزواج [2]
خالد بن عتاب والحجاج بن يوسف يتسابان
قال أبو زيد: فأما خبر خالد بن عتّاب الرياحيّ، فإنّ الحجاج كان استعمله على الريّ، وكانت أمّه أمّ ولد، فكتب إليه الحجاج يلخن أمّه، ويقول يابن اللخناء [3]؛ أنت الذي هربت عن أبيك حتى قتل، وقد كان حلف ألّا يسبّ أحد أمّه إلا أجابه كائنا من كان.
فكتب إليه خالد: كتبت إليّ تلخّنني، وتزعم أني فررت عن أبي حتى قتل، ولعمري لقد فررت عنه، ولكن بعد أن قتل، وحين لم أجد لي مقاتلا، ولكن أخبرني عنك يابن اللّخناء المستفرمة [4] بعجم زبيب الطائف، حين فررت أنت وأبوك يوم الحرّة على جمل ثفال [5]، أيكما كان أمام صاحبه، فقرأ الحجاج الكتاب، وقال: صدق:
أنا الّذي فررت يوم الحرّة ... ثم ثنّيت كرّة بفرّه
والشيخ لا يفرّ إلّا مرّه
ثم طلبه، وهرب إلى الشام، وسلّم بيت المال ولم يأخذ منه شيئا.
خالد بن عتاب يستجير بروح بن زنباع فلا يجيره، ويجيره زفر بن الحارث
وكتب الحجاج إلى عبد الملك بما كان منه، وقدم خالد الشام، فسأل عن خاصّة عبد الملك، فقيل له:
روح بن زنباع، فأتاه حين طلعت الشمس، فقال: إني جئتك مستجيرا، فقال: إنني قد أجرتك إلّا أن تكون خالدا،/ قال: فإني خالد، فتغيّر وقال: أنشدك اللّه إلّا خرجت عني؛ فإني لا آمن عبد الملك، فقال: أنظرني حتى تغرب الشمس. فجعل روح يراعيها حتى خرج خالد.
__________
[1] الأوداج: جمع ودج، محركة: عرق في العنق.
[2] في هامش أمن نسخة: « ... أوليتها حبست»، وهي رواية المختار أيضا.
[3] اللخن: تغير الريح، ورجل ألخن وامرأة لخناء.
[4] الفرم والفرمة، وككتاب: دواء تتضيق به المرأة، فهي فرماء ومستفرمة.
[5] جمل ثفال: بطيء.
فأتى زفر بن الحارث الكلابيّ فقال: إني جئتك مستجيرا، قال: قد أجرتك، قال: أنا خالد بن عتّاب، قال:
وإن كنت خالدا.
فلما أصبح دعا ابنين له فتهادى بينهما وقد أسنّ، فدخل على عبد الملك وقد أذن للناس، فلما رآه دعا له بكرسيّ، فجعل [1] عند فراشه، فجلس، ثم قال: يا أمير المؤمنين، إني قد أجرت عليك رجلا، فأجره، قال: قد أجرته إلّا أن يكون خالدا، قال: فهو خالد، قال: لا، ولا كرامة، فقال زفر لابنيه: أنهضاني.
فلما ولّى قال: يا عبد الملك، أما [2] واللّه لو كنت تعلم أنّ يدي تطيق حمل القناة ورأس الجواد لأجرت من أجرت، فضحك، وقال: يا أبا الهذيل، قد أجرناه، فلا أرينّه. وأرسل إلى خالد بألفي درهم، فأخذها، ودفع إلى رسوله أربعة آلاف درهم.
[رجع الخبر إلى حديث مالك بن أسماء]
مالك وأخوه عيينة يعشقان جارية لأختهما هند
أخبرني عليّ بن سليمان الأخفش قال: أخبرنا محمد بن يزيد النحويّ، وأخبرنا إبراهيم بن محمد بن أيوب، قال: حدثنا عبد اللّه بن مسلم، قالا:
عشق مالك بن أسماء جارية لأخته هند، وعشقها أخوه عيينة بن أسماء بن خارجة، فاستعان بأخيها مالك، وهو لا يعلم ما يجد بها، يشكو إليه حبّها، فقال مالك [3]:
/أعيين هلّا إذ كلفت بها ... كنت استغثت بفارغ العقل
أرسلت [4] تبغي الغوث من قبلي ... والمستغاث إليه في شغل
مالك يعشق جارية من بني أسد
قال ابن قتيبة [5] خاصة: وهوي مالك بن أسماء جارية من بني أسد، وكانت تنزل دارا من قصب،/ وكانت دار مالك في بني أسد دارا سريّة مبنيّة بالجصّ والآجرّ فقال:
يا ليت لي خصّا يجاورها ... بدلا بداري في بني أسد
الخصّ فيه تقرّ أعيننا ... خير من الآجرّ والكمد
ينشد عمر بن أبي ربيعة بعض شعره
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء، قال: حدثنا الزّبير بن بكار، قال: حدثني عمّي ويعقوب بن عيسى، وأخبرني عليّ بن صالح بن الهيثم، قال: حدثنا أبو هفّان عن إسحاق الموصلي، عن الزّبير:
__________
[1] في المختار: «فوضع».
[2] في الأصول: «أم واللّه».
[3] الشعر والشعراء 758، وفي ج: «فكتب إليه مالك».
[4] في المختار والشعر والشعراء: «أقبلت».
[5] الشعر والشعراء 758.
أنّ عمر بن أبي ربيعة رأى مالك بن أسماء. قال أبو هفان في خبره: وهو يطوف بالبيت، وقد بهر الناس جماله وكماله، فأعجب عمر ما رأى منه، فسأل عنه فعرفه، فعانقه وسلّم عليه وقال له: أنت أخي حقّا، فقال له مالك: ومن أنا ومن أنت؟ فقال: أما أنا فستعرفني، وأما أنت فالذي تقول:
إنّ لي عند كلّ نفحة بستا ... ن من الورد أو من الياسمينا
نظرا والتفاتة أترجّى ... أن تكوني حللت فيما يلينا
غنّت فيه عليّة بنت المهدي خفيف رمل بالوسطى.
وقال أبو هفّان في حديثه: قال له عمر: ما زلت أحبّك منذ سمعت هذا الشعر لك، فقال له مالك: أنت عمر بن أبي ربيعة، قال: نعم./ قال الزّبير في خبره خاصة: وحدثني [1] ابن أبي كناسة:
أنّ عمر لما لقي مالكا استنشده، فأنشده مالك شيئا من شعره، فقال له عمر: ما أحسن شعرك لو لا أسماء القرى التي تذكرها فيه، قال: مثل ماذا؟ قال: مثل قولك:
إنّ في الرفقة التي شيّعتنا ... بجوير سما لزين الرّفاق
ومثل قولك:
أشهدتنا [2] أم كنت غائبة ... عن ليلتي بحديثة القسب
ومثل قولك:
حبّذا ليلتي بتلّ بونّى ... حين نسقى شرابنا ونغنّي
فقال له مالك: هي قرى البلد الذي أنا فيه، وهو مثل ما تذكره في شعرك من أرض بلادك، قال: مثل ماذا؟
قال: مثل قولك [3]:
حيّ المنازل قد دثرن خرابا ... بين الجوين وبين ركن كسابا [4]
ومثل قولك:
ما على الرّسم بالبليّين لو بيّ ... ن رجع السلام أو لو أجابا
فأمسك عنه عمر بن أبي ربيعة.
/ ومالك بن أسماء الذي يقول [5]:
__________
[1] الخبر في البلدان (تل بوني) وفيه: «ابن كناسة».
[2] في البلدان: «أشهدتني».
[3] ديوانه 422 ومعجم البلدان (كساب).
[4] رواية الديوان:
حي المنازل قد تركن خرابا ... بين الجرير وبين ركن كسابا
وفي البلدان:
قد عمرن خرابا ... بين الحرير وبين ركن كسابا
[5] الشعراء 756.
وحديث ألذّه هو ممّا ... ينعت الناعتون يوزن وزنا
منطق صائب وتلحن أحيا ... نا وأحلى الحديث ما كان لحنا
أخبرني يحيى بن عليّ بن يحيى المنجّم، قال:
حدّثني أبي، قلت للجاحظ: إني قرأت في فصل من كتابك المسمى بكتاب البيان والتبيين [1]: إنما يستحسن من النساء اللّحن في الكلام، واستشهدت ببيتي مالك بن أسماء - يعني هذين البيتين - قال: هو كذاك، فقال: أما سمعت بخبر هند ابنة أسماء بن خارجة مع الحجّاج حين لحنت في كلامها، فعاب ذلك عليها، فاحتجّت ببيتي/ أخيها، فقال لها: إنّ أخاك أراد أنّ المرأة فطنة، فهي تلحن بالكلام إلى غير الظاهر بالمعنى [2] لتستر معناه، وتورّى عنه، وتفهمه من أرادت بالتعريض، كما قال اللّه عزّ وجلّ [3]: وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ
ولم يرد الخطأ من الكلام، والخطأ لا يستحسن من أحد. فوجم الجاحظ ساعة، ثم قال: لو سقط إليّ هذا الخبر أوّلا لما قلت ما تقدم، فقلت له: فأصلحه، فقال: الآن وقد سار به الكتاب في الآفاق، وهذا لا يصلح، أو كلاما نحو ما ذكرنا، فإن أبا أحمد أخبرنا به على سبيل المذاكرة فحفظته عنه.
المتوكل يطلب من ابن داود أن يبتاع له تل بوني
أخبرني الحسين بن يحيى، وجعفر بن قدامة، قالا: قال حماد: حدثني أحمد بن داود السدّي، قال:
/ ورد عليّ كتاب أمير المؤمنين المتوكل، وأنا على سواد الكوفة: أن ابتع لي تلّ بونّى بما بلغت، فابتعتها له، فإذا قرية صغيرة على تلّ، قد خرب ما حواليها من الضّياع، فابتعتها له بعشرة آلاف درهم، قال: فظننته حرّكه على طلبها أنه غنّي:
حبذا ليلتي بتلّ بونّى
فسألت عن ذلك، فعرفت أنّ جاريته مكتومة غنّته هذا الصوت.
قال حماد: ومكتومة هذه جارية أهداها أبي إليه لما ولى الخلافة، فإنه سأل عنه، فعرف أنه قد كفّ بصره، فكتب له بمائة ألف درهم، وأمر بإشخاصه إليه مكرّما، فأشخص إليه، وأهدى إليه عدّة جوار هذه فيهن.
الحجاج يعاتب مالكا ويستتيبه
وروى الهيثم بن عديّ عن ابن عياش أنّ الحجاج دعا يوما بمالك بن أسماء، فعاتبه عتابا طويلا، ثم قال له:
أنت واللّه كما قال أخو بني جعدة [4]:
إذا ما سوأة غرّاء ماتت ... أتيت بسوءة أخرى بهيم [5]
__________
[1] البيان والتبيين 1: 82.
[2] المختار: «إلى غير المعنى في الظاهر».
[3] سورة محمد 30.
[4] ملحق ديوانه 237، والمفضليات 70.
[5] بهيم: سوداء.
وما تنفكّ ترحض [1] كلّ يوم ... من السّوآت كالطفل النهيم [2]
أكلّ الدّهر سعيك في تباب ... تناغي كلّ مومسة أثيم
فقال له: لست كما قال الجعديّ، ولكني كما قلت:
لكل جواد عثرة يستقيلها ... وعثرة مثلي لا تقال مدى الدّهر
فهبنى يا حجّاج أخطأت مرّة ... وجرت عن المثلى وغنّيت بالشعر
فهل لي إذا ما تبت عندك توبة ... تدارك ما قد فات في سالف العمر [3]
/فقال له الحجاج: بلى واللّه، لئن تبت لأقبلنّ توبتك ولأعفّينّ [4] على ما كان من ذنبك ومن لي بذلك يا مالك؟ قال له: لك اللّه به، قال: حسبي اللّه ونعم الوكيل، فانظر ما تقول، قال: الحقّ أصلحك اللّه لا يخفى على أحد.
مالك يعود إلى الشراب
قال: فترك مالك الشراب، ووفّى بعهده وأظهر النسك، ثم طما به الشعر، وطال عليه ترك اللّذّات والشراب، فقال:
وندمان صدق قال لي بعد هدأة ... من الليل: قم نشرب، فقلت له: مهلا
فقال: أبخلا يابن أسماء هاكها ... كميتا كريح المسك تزدهف العقلا [5]
فتابعته فيما أراد ولم أكن ... بخيلا على النّدمان أو شكسا وغلا
ولكنني جلد القوى أبذل النّدى ... وأشرب ما أعطى ولا أقبل العذلا
ضحوك إذا ما دبّت الكأس في الفتى ... وغيّره سكر وإن أكثر الجهلا
قال: فبلغ الحجاج أنّ مالكا قد راجع الشّراب، فقال: لا يأتي مالك بخير سجيس الأوجس [6]،/قاتل اللّه أيمن بن خريم حيث يقول:
إذا المرء وفّى الأربعين ولم يكن ... له دون ما يأتي حجاب ولا ستر
فدعه وما يأتي ولا تعذلنّه ... وإن مدّ أسباب الحياة له العمر
وأنشدنا عليّ بن سليمان الأخفش أبيات أيمن هذه الرائية، وقال: أخذ معناها من قول ابن عباس: إذا بلغ المرء أربعين سنة ولم يتب أخذ إبليس بناصيته، وقال: حبّذا من لا يفلح أبدا. وأول الأبيات هذه:
/و صهباء جرجانيّة لم يطف بها ... حنيف ولم تنغر بها ساعة قدر [7]
__________
[1] ترحض: تغسل، وفي أ: «تدحض» والنهيم المنهوم: الذي يمتلىء بطنه ولا تنتهي نفسه.
[2] كذا في ج، وفي أ، م: «العظيم».
[3] أ: «في منتهى العمر».
[4] المختار: «و لأعفون».
[5] تزدهف العقل: تذهب به.
[6] سجيس الأوجس: طوال الدهر.
[7] لم تنغر: لم تغل.
ولم يشهد القسّ المهينم نارها ... طروفا ولا صلّى على طبخها حبر
أتاني بها يحيى وقد نمت نومة ... وقد غابت الجوزاء وانحدر النّسر
فقلت: اصطبحها أو لغيري سقّها ... فما أنا بعد الشّيب ويحك والخمر!
إذا المرء وفّى الأربعين ولم يكن ... له دون ما يأتي حجاب ولا ستر
فدعه ولا تنفس عليه الذي أتى ... ولو مدّ أسباب الحياة له العمر
صوت
تلك عرسي تروم هجري سفاها ... وجفتني فما توافي عناقي
زعمت أنها تواتي مع الما ... ل وأنى محالف [1] إملاقي
وتناست رزيّة بدمشق ... أشخصت مهجتي فويق التّراقي
يوم نلقى نعش ابن عروة مح ... مولا بأيدي الرجال والأعناق
مستحثّا به سباقا إلى القب ... ر وما إن لحثّهم من سباق
ثم ولّيت موجعا قد شجاني ... قرب عهد بهم وبعد تلاق
عروضه من الخفيف [2]. الشعر لإسماعيل بن يسار النّسائي [3] يرثي محمد بن عروة بن الزّبير. والغناء لدحمان، خفيف ثقيل أوّل بالسبابة في مجرى البنصر عن إسحاق، وفيه لابن محرز ثقيل أول بالبنصر عن حبش.
__________
[1] أ: «محالفي إملاقي».
[2] أ: «من السريع» وهو خطأ.
[3] كذا في المختار؛ قال: وإنما سمي النسائي؛ لأن أباه كان يصنع طعام العرس ويبيعه ويشتري منه من أراد التعريس من المتجملين وممن لم تبلغ حاله اصطناع ذلك. وقيل: سمي بذلك لأنه كان يبيع النجد والفرش التي تتخذ للعرائس، فسمي يسارا النسائي.
20 - [من أخبار عروة بن الزبير]
غضبه لوقوع قوم في أخيه عبد اللّه بمجلس عبد الملك بن مروان
أخبرنا الطوسيّ والحرميّ بن أبي العلاء، قالا: حدثنا الزبير، قال: حدثنا مصعب بن عثمان، عن عامر بن صالح، عن هشام بن عروة، قال:
قدم عروة بن الزبير على عبد الملك بن مروان، فدخل فأجلسه معه على السرير، فجاء قوم فوقعوا في عبد اللّه بن الزبير، فخرج عروة فقال للآذن: إنّ عبد اللّه بن الزّبير ابن أميّ وأبي، فإذا أردتم أن تقعوا فيه فلا تأذنوا لي عليكم.
فذكر ذلك لعبد الملك بن مروان، فقال له عبد الملك: قد أخبرني الآذن بما قلت، وإنّ أخاك لم يكن قتلنا إياه لعداوة، ولكنه طلب أمرا وطلبناه فقتل دونه، وإنّ الشام قوم من أخلاقهم ألا يقتلوا أحدا إلّا شتموه، فإذا أذنّا لأحد قبلك فقد جاء من يشتمه فلا تدخل، وإذا أذنا لأحد وأنت جالس فانصرف.
قدومه على الوليد بن عبد الملك حين شلت رجله
ثم قدم عروة على الوليد بن عبد الملك حين شلّت رجله، فقيل له: اقطعها، قال: إني لأكره أن أقطع منّي طابقا، فارتفعت إلى الركبة، فقيل له: إنها إن وقعت في الركبة قتلتك، فقطعت، ولم يقبض وجهه. وقيل له/ قبل أن يقطعها: نسقيك دواء لا تجد معه ألما، فقال: ما يسعني أنّ هذا الحائط وقاني أذاها.
مقتل ابنه محمد
قال الزّبير: وحدّثني مصعب بن عثمان بن عامر، عن صالح، عن هشام بن عروة، قال:
سقط محمد بن عروة بن الزّبير - وأمه بنت الحكم بن أبي العاص بن أمية - من سطح في اصطبل دوابّ الوليد ابن عبد الملك، فضربته بقوائمها حتى قتلته، فأتى عروة رجل يعزّيه، فقال عروة: إن كنت تعزّيني برجلي/ فقد احتسبتها، فقال: بل أعزّيك بمحمد، قال: وما له؟ فخبّره بشأنه؛ فقال [1]:
وكنت إذا الأيّام أحدثن نكبة [2] ... أقول شوّى ما لم يصبن صميمي [3]
اللهم أخذت عضوا وتركت أعضاء، وأخذت ابنا وتركت أبناء، فإنك إن كنت أخذت لقد أبقيت، وإن كنت ابتليت لقد عافيت.
__________
[1] «اللسان» (شوى)، ونسبه للبريق الهذلي.
[2] كذا في ج و «بيروت»، وفي ب، س: «مالكا».
[3] الشوى: الشيء الهين، وفي ب، س، «بيروت»: «حميمي».
فلما قدم المدينة نزل قصره بالعقيق، فأتاه ابن المنكدر، وقال: كيف كنت؟ فقال: لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً
[1].
عيسى بن طلحة يعزيه أكرم عزاء
قال الزبير: وحدّثني عبد الملك بن عبد العزيز، عن ابن الماجشون: أنّ عيسى بن طلحة جاء إلى عروة بن الزّبير حين قدم من عند الوليد بن عبد الملك، وقد قطعت رجله، فقال عروة لبعض بنيه: اكشف لعمّك عن رجلي ينظر إليها، ففعل، فقال له عيسى: إنا للّه وإنا إليه راجعون، يا أبا عبد اللّه، ما أعددناك للصراع ولا للسباق، ولقد أبقى اللّه لنا منك ما كنا نحتاج إليه منك: رأيك وعلمك. فقال عروة: ما عزّاني أحد عن رجلي مثلك.
الوليد بن عبد الملك يبعث إليه بمن هو أعظم بلاء منه
قال الزبير: وحدثني مصعب بن عثمان، عن عامر بن صالح، عن هشام بن عروة:
أنه قدم على الوليد رجل من عبس ضرير محطوم الوجه، فسأله عن سبب ذلك، فقال: بتّ ليلة في بطن واد، ولا أعلم في الأرض عبسيّا يزيد ماله على مالي، فطرقنا سيل، فذهب بما كان لي من أهل ومال وولد إلّا صبيّا مولودا وبعيرا ضعيفا، فندّ البعير والصبيّ معي، فوضعته،/ واتبعت البعير، فما جاوزت ابني قليلا إلّا ورأس الذئب في بطنه، فتركته، واتّبعت البعير، فرمحني رمحة حطم بها وجهي، وأذهب عيني، فأصبحت لا ذا مال ولا ذا ولد ولا ذا بصر.
عمر بن أبي ربيعة يسأل عن محمد بن عروة
فقال الوليد بن عبد الملك: اذهبوا به إلى عروة ليعلم أنّ في الناس من هو أعظم بلاء منه.
أخبرني حبيب بن نصر المهلبيّ، وعمر بن عبد العزيز بن أحمد [2]، ومحمد بن العباس اليزيديّ، وجماعة أخبروني قالوا: حدثنا الزّبير بن بكار، قال: حدثني عمّي، عن جدي، عن هشام بن عروة قال:
خرجت مع أبي عروة بن الزبير حاجّا، ومعنا أخي محمد بن عروة، وكان من أحسن الناس وجها، فلما كنّا في بعض الطريق إذا نحن بعمر بن أبي ربيعة يكلّم بعضنا، فقلنا: هذا أبو الخطاب لو سايرناه، فرآنا عروة، فقال:
فيم أنتم؟ قلنا: هذا عمر بن أبي ربيعة، فضرب عروة إليه راحلته، فلما رآها عمر عدل إليه فسلّم عليه، ثم قال:
وأين زين المواكب؟ - يعني محمد بن عروة - فقال: قد تقدّم، فعدل عن عروة واتبع محمدا، فقال له عروة: نحن أكفى لك وأولى أن تسايرنا، فقال: إني رجل موكل بالجمال أتبعه حيث كان، وضرب راحلته ومضى.
صوت
يا بني الصّيداء ردّوا فرسي ... إنما يفعل هذا بالذّليل
/ عوّدوا مهري الذي عوّدته ... دلج الليل وإيطاء القتيل
واستباء الزّقّ من حاناته ... شائل الرّجلين معصوبا يميل
__________
[1] سورة الكهف 62.
[2] «بيروت»: «و أحمد بن عبد العزيز الجوهري».
عروضه من ثاني الرمل.
بنو الصّيداء: بطن من بني أسد. والدّلج: السير في آخر الليل، يقال: دلج يدلج - مخففة - إذا سار من آخر الليل، وادّلج يدّلج، إذا سار الليل كله. واستباء الزّقّ، أراد استباء الخمر فيه؛ أي ابتاعها من حاناتها. والحانات:
جمع حانة، وهي الموضع الذي تباع فيه الخمر. وشائل الرجلين: رافعهما.
وروى الأصمعيّ وأبو عمرو:
أحمل الزّق على منسجه ... فيظلّ الضيف نشوانا يميل
الشعر لزيد الخيل الطائيّ. والغناء لابن محرز، خفيف رمل بإطلاق الوتر في مجرى الوسطى، عن يحيى المكيّ. وذكره إسحاق في هذه الطريقة ولم ينسبه إلى أحد، وفيه لعاذل لحن من كتاب إبراهيم غير مجنّس، وذكر حبش أنّ فيه لنبيه [1] لحنا من الثقيل الثاني بالوسطى.
__________
[1] كذا في ما.
21 - أخبار زيد الخيل ونسبه
نسبه
هو زيد بن مهلهل بن يزيد [1] بن منهب بن عبد رضا - ورضا: صنم كان لطيّى ء - ابن محلس بن ثور بن عديّ بن كنانة بن مالك بن نائل [2] بن نبهان، - وهو أسود بن عمرو بن الغوث بن جلهمة - وهو طيّى ء؛ سمّي بذلك لأنه كان يطوى المناهل في غزواته - ابن أدد بن مذحج بن زيد بن يشجب الأصفر بن عريب بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان بن عابر، وهو هود النبي صلّى اللّه عليه وسلم. كذا نسبه النّسّابون، واللّه أعلم.
وأم طيّىء مدلّة بنت ذي منحسان بن عريب بن الغوث بن زهير بن وائل بن الهميسع بن حمير بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان، ومدلّة هذه هي مذحج، وهو لقبها، وهي أم مالك بن أدد، وكانت مدلّة عند أدد أيضا، فولدت له الأشعر واسمه نبت، ومرّة، ابني أدد. ومن الناس من يقول مذحج ظرب [3] صغير اجتمعوا عليه، وليس بأمّ ولا أب، واللّه أعلم.
سماه النبي صلّى اللّه عليه وسلم زيد الخير
وكان زيد الخيل فارسا مغوارا مظفّرا شجاعا بعيد الصّيت [4] في الجاهلية، وأدرك الإسلام ووفد إلى النبيّ صلّى اللّه عليه وسلم، ولقيه وسرّ به وقرّظه، وسمّاه زيد الخير.
شاعر فارس
وهو شاعر مقلّ مخضرم معدود في الشعراء الفرسان، وإنما كان يقول/ الشعر في غاراته ومفاخراته ومغازيه وأياديه عند من مرّ عليه [5] وأحسن في قراه إليه [6].
سبب تسميته زيد الخيل
وإنما سمي زيد الخيل لكثرة خيله، وأنه لم يكن لأحد من قومه ولا لكثير من العرب إلّا الفرس والفرسان، وكانت له خيل كثيرة، منها المسمّاة المعروفة التي ذكرها في شعره وهي ستّة، وهي: الهطّال، والكميت، والورد، وكامل، ودؤول [7]، ولا حق.
__________
[1] «بيروت»: «زيد».
[2] ما: «نابل».
[3] الظرب: الجبل المنبسط أو الصغير، وجمعه ظراب.
[4] في المختار وبيروت: «بعيد الصوت»، وهما بمعنى.
[5] المختار: «من من عليه».
[6] المختار: «و أحسن في ندائه إليه».
[7] المختار: «وزمول».
قال شعرا في خيله
وفي الهطال يقول:
أقرّب مربط الهطّال إنّي ... أرى حربا ستلقح عن حيال
وفي الورد يقول:
أبت عادة للورد أن يكره القنا ... وحاجة نفسي في نمير وعامر
/ وفي دؤول يقول:
فأقسم لا يفارقني دؤول ... أجول به إذا كثر الضّراب
هذا ما حضرني من تسمية خيله في شعره، وقد ذكرها.
له ثلاثة بنين شعراء
وكان لزيد الخيل ثلاثة بنين كلّهم يقول الشعر، وهم عروة، وحريث، ومهلهل. ومن الناس من ينكر أن يكون له من الولد إلّا عروة وحريث.
وهذا الشعر الذي فيه الغناء يقوله في فرس من خيله ظلع في بعض غزواته بني أسد، فلم يتبع الخيل ووقف، فأخذته بنو الصيداء، فصلح عندهم واستقلّ.
وقيل: بل أغزى عليه بعض بني نبهان، فنكّس عنه وأخذ. وقيل:/ إنه خلّفه في بعض أحياء العرب ظالعا ليستقلّ، فأغارت عليهم بنو أسد، فأخذوا الفرس فيما استاقوه لهم، فقال في ذلك زيد الخيل:
يا بني الصّيداء ردّوا فرسي ... إنما يفعل هذا بالذّليل
لا تذيلوه فإني لم أكن ... يا بني الصّيدا لمهري بالمذيل [1]
عوّدوه كالذي عوّدته ... دلج اللّيل وإيطاء القتيل
أحمل الزقّ على منسجه [2] ... فيظلّ الضيف نشوانا يميل
قال أبو عمرو الشيبانيّ: وكان زيد الخيل ملحّا على بني أسد بغاراته، ثم على بني الصيداء منهم، ففيهم يقول [3]:
ضجّت بنو الصّيداء من حربنا ... والحرب من يحلل بها يضجر
بتنا نرجّي نحوهم ضمّرا ... معروفة الأنساب من منسر
حتى صبحناهم بها غدوة ... نقتلهم قسرا على ضمّر
يدعون بالويل وقد مسّهم ... منا غداة الشّعب ذي الهيشر
ضرب يزيل الهام ذو مصدق ... يعلو على البيضة والمغفر
__________
[1] أذان فرسه: لم يحسن القيام عليه فضعف وهزل.
[2] المنسج من الفرس: أسفل حاركه.
[3] الإصابة 3: 598، نقله عن الأغاني.
الهيشر: شجر كثير الشّوك تأكله الإبل.
نسخت من كتاب لأبي المحلم، قال: حدثني أضبط بن الملوّح، قال لي أبي: أنشد حبيب بن خالد بن نضلة الفقعسيّ قول زيد الخيل:
عوّدوا مهري الذي عوّدته
/ فضحك ثم قال: قولوا له: إن عوّدناه ما عوّدته دفعناه إلى أول من يلقانا، وهربنا.
وفد على النبي صلّى اللّه عليه وسلم في جماعة من طيى ء
أخبرني الحسين بن القاسم الكوكبيّ إجازة، قال: حدثني عليّ بن حرب، قال: أنبأني هشام بن الكلبيّ أبو المنذر، قال: حدثني عباد بن عبد اللّه النّبهانيّ عن أبيه عن جده، وأضفت إلى ذلك ما رواه أبو عمرو الشيبانيّ، قالا:
وفد زيد الخيل بن مهلهل على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم، ومعه وزر [1] بن سدوس النّبهانيّ، وقبيصة بن الأسود بن عامر بن جوين الجرميّ [2]، ومالك بن جبير المغني، وقعين بن خليل [3] الطّريفيّ، في عدة من طيى ء، فأناخوا ركابهم بباب المسجد، ودخلوا ورسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم يخطب الناس، فلما رآهم قال: إني خير لكم من العزّى، ومما حازت مناع [4] من كل ضارّ غير يفاع، ومن الجبل الأسود [5] الذي تعبدونه من دون اللّه عزّ وجلّ.
قال أبو المنذر: يعني بمناع [6]: جبل طيى ء.
إسلامه
فقام زيد، وكان من أجمل الرّجال وأتمّهم، وكان يركب الفرس المشرف ورجلاه/ تخطّان الأرض كأنه على حمار، فقال: أشهد أن لا إله إلا اللّه وأنك محمد رسول اللّه. قال: ومن أنت؟ قال: أنا زيد الخيل بن مهلهل. فقال رسول اللّه: بل أنت زيد الخير، وقال: الحمد للّه الذي جاء بك من سهلك/ وجبلك، ورقّق قلبك على الإسلام، يا زيد، ما وصف لي رجل قطّ فرأيته إلّا كان دون ما وصف به إلّا أنت؛ فإنك فوق ما قيل فيك.
أصابته الحمى ومات بها
فلما ولّى قام النبي صلّى اللّه عليه وسلم: أيّ رجل إن سلم من آطام المدينة! فأخذته الحمّى، فأنشأ يقول:
أنخت بآطام المدينة أربعا ... وخمسا يغنّي فوقها الليل طائر
شددت عليها رحلها وشليلها ... من الدّرس والشّعراء والبطن ضامر [7]
__________
[1] كذا في ج، وهو يوافق ما في الإصابة.
[2] كذا في ج، ما، وفي ب، س: «حوير الجرمي». وفي الإصابة: «جودر الحرمي».
[3] ج، والمختار: «بن خالد».
[4] كذا في ما: من غير تشديد وفي ب، س: بالتشديد.
[5] كذا في ج، و «بيروت»، وفي ب، س: «الجمل الأسود».
[6] في ب، س: بيفاع وهو تحريف.
[7] الشليل: مسح من صوف أو شعر يجعل على عجز البعير من وراء الرحل. والدرس، بفتح الدال وكسرها: الثوب الخلق.
والشعراء: ما فيه شعر.
فمكث سبعا، ثم اشتدت الحمّى به فخرج، فقال لأصحابه: جنّبوني بلاد قيس؛ فقد كانت بيننا حماسات في الجاهلية، ولا واللّه لا أقاتل مسلما حتى ألقى اللّه. فنزل بماء لحيّ من طيّىء يقال له فردة، واشتدّت به الحمّى، فأنشأ يقول:
أ مرتحل صحبي المشارق غدوة ... وأترك في بيت بفردة منجد [1]
سقى اللّه ما بين القفيل فطابة ... فما دون أرمام فما فوق منشد
هنالك لو أني مرضت لعادني [2] ... عوائد من لم يشف منهنّ يجهد
فليت اللواتي عدنني لم يعدنني ... وليت اللواتي غبن عنّي عوّدي
قال: وكتب معه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم لبني نبهان بفيدك [3] كتابا مفردا، وقال له: أنت زيد الخير، فمكث بالفردة سبعة أيام ثم مات. فأقام عليه قبيصة بن الأسود المناحة سبعا، ثم بعث راحلته ورحله، وفيه/ كتاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم، فلما نظرت امرأته - وكانت على الشّرك - إلى الراحلة ليس عليها زيد ضربتها بالنار وقالت:
ألا إنما زيد [4] لكلّ عظيمة ... إذا أقبلت أوب الجراد رعالها
لقاهم [5] فما طاشت يداه بضربهم ... ولا طعنهم حتى تولّى سجالها
قال: فبلغني أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم لما بلغه ضرب امرأة زيد الراحلة بالنار، واحتراق الكتاب، قال: بؤسا لبني نبهان.
وقال أبو عمرو الشيبانيّ:
لما وفد زيد الخيل على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم، فدخل إليه، طرح له متّكأ فأعظم أن يتكىء بين يدي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم، فردّ المتّكأ، فأعاده عليه ثلاثا، وعلّمه دعوات كان يدعو بها فيعرف الإجابة، ويستسقى فيسقى، وقال:
يا رسول اللّه، أعطني ثلاثمائة فارس أغير بهم على قصور الروم، فقال له: أيّ رجل أنت يا زيد! ولكن أمّ الكلبة تقتلك - يعني الحمّى - فلم يلبث زيد بعد انصرافه إلّا قليلا حتى حمّ ومات.
قال أبو عمرو: وأسلموا جميعا إلّا وزر؛ فإنّه قال لما رأى النبي صلّى اللّه عليه وسلم: إني لأرى رجلا ليملكنّ رقاب العرب، وو اللّه لا يملك رقبتي أبدا؛ فلحق بالشام، فتنصّر وحلق رأسه، فمات على ذلك.
أخبرني محمد بن الحسن بن دريد، قال: حدثني السكن بن سعيد، عن محمد بن عباد، عن ابن الكلبيّ قال:
أقبل زيد الخيل الطائيّ حتى أتى النبي صلّى اللّه عليه وسلم، وكان زيد رجلا جسيما طويلا جميلا، فقال له/ النبيّ صلّى اللّه عليه وسلم: من أنت؟ قال:/ أنا زيد الخيل. قال: بل أنت زيد الخير، أما إني لم أخبر عن رجل خبرا إلا وجدته دون ما أخبرت به عنه غيرك؛ إن فيك لخصلتين يحبّهما اللّه عزّ وجلّ ورسوله، قال: وما هما يا رسول اللّه؟ قال: الأناة والحلم، فقال زيد: الحمد صلّى اللّه عليه وسلم الذي جبلني على ما يحبّ اللّه ورسوله.
__________
[1] المختار: «مفرد».
[2] المختار: «هنالك إني لو مرضت لعادني».
[3] كذا في «ما» وهو ما يرجحه نص الإصابة والطبقات. وفي المختار: «بفردة»، وفي ب، س: «يفدك» تحريف.
[4] ج والمختار: «ألا نبها زيدا»، رعال: جمع رعلة وهي القطعة من الخيل.
[5] لقاهم: لقيهم، وهي لغة طيىء فيما أشبهها.
عمر يسأله عن طيىء ومسلوكها ونجدتها وأصحاب مرابعها
قال: ودخل زيد على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم وعنده عمر رضي اللّه عنه، فقال عمر لزيد: أخبرنا يا أبا مكنف عن طيىء وملوكها نجدتها [1] وأصحاب مرابعها، فقال زيد: في كلّ يا عمر نجدة وبأس وسيادة، ولكلّ رجل من حيّه مرباع، أما بنو حيّة فملوكنا وملوك غيرنا، وهم القداميس [2] القادة، والحماة الذّادة، والأنجاد السادة، أعظمنا خميسا [3]، وأكرمنا رئيسا، وأجملنا مجالس، وأنجدنا فوارس.
فقال له عمر رضي اللّه عنه: ما تركت لمن بقي من طيىء شيئا، فقال: بلى واللّه؛ أمّا بنو ثعل وبنو نبهان وجرم ففوارس العدوة [4] وطلّاعو كلّ نجوة، ولا تحلّ حبوة، ولا تراع لهم ندوة، ولا تدرك لهم نبوة، عمود البلاد، وحيّة كلّ واد، وأهل الأسل الحداد، والخيل الجياد، والطّارف [5] والتّلاد.
وأما بنو جديلة فأسهلنا قرارا، وأعظمنا أخطارا، وأطلبنا للأوتار، وأحمانا للذّمار، وأطعمنا للجار.
فقال له عمر: سمّ لنا هؤلاء الملوك، قال: نعم، منهم عفير المجير على/ الملوك، وعمرو المفاخر، ويزيد شارب الدماء، والغمر ذو الجود، ومجير الجراد، وسراج كلّ ظلام ولامة [6]، وملحم [7] بن حنظلة؛ هؤلاء كلّهم من بني حيّة.
وأما حاتم بن عبد اللّه الثعليّ [8] الجواد فلا يجاري، والسمح فلا يباري [9]، والليث الضّرغامة، قرّاع كلّ هامة، جوده في الناس علامة، لا يقرّ على ظلامة. فاعترض رجل من بني ثعل لما مدح زيد حاتما، فقال: ومنا زيد بن مهلهل النبهانيّ رئيس قومه وسيّد الشّيب والشبّان، وسمّ الفرسان، وآفة الأقران، والمهيب بكل مكان، أسرع إلى الإيمان، وآمن بالفرقان، رئيس قومه في الجاهلية وقائدهم إلى أعدائهم، على شحط المزار، وطموس الآثار، وفي الإسلام رائدنا إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم، ومجيبه من غير تلعثم ولا تلبّث.
ومنا زيد بن سدوس النّبهانيّ عصمة الجيران، والغيث بكل أوان، ومضرم النيران، ومطعم النّدمان، وفخر كل يمان.
ومنا الأسد الرّهيص، سيد بني جديلة، ومدوّخ [10] كل قبيلة، قاتل عنترة فارس بني عبس، ومكشّف [11] كل لبس.
__________
[1] في ب، من، عدتها.
[2] القداميس: جمع قدموس، وهو السيد.
[3] الخميس: الجيش.
[4] في المختار: العدة.
[5] في المختار: «و الطريف».
[6] في المختار: «و سراج كل الأمة»، واللامة: الهول.
[7] في المختار: «و ملجم»، بالجيم.
[8] في ب، س: الثعلبيّ.
[9] كذا في ج، وفي ب، س: «الجواد بلا مجار، والسمح بلا مبار».
[10] في المختار: «و ممدوح».
[11] في المختار: وكاشف.
فقال عمر لزيد الخيل: للّه درّك يا أبا مكنف [1] فلو لم يكن لطيء غيرك وغير عديّ بن حاتم لقهرت بكما العرب.
قصته مع الشيباني
/ أخبرني ابن دريد، قال: أخبرني عمّي، عن أبيه، عن ابن الكلبيّ، عن أبيه، قال: أخبرني شيخ من بني نبهان، قال:
أصابت بني شيبان سنة ذهبت بالأموال، فخرج رجل منهم بعياله، حتى أنزلهم الحيرة، فقال لهم: كونوا قريبا من الملك يصبكنّ من خيره حتى أرجع إليكنّ، وآلى أليّة لا يرجع حتى يكسبهنّ خيرا أو يموت. فتزوّد زادا، ثم مشى يوما إلى الليل، فإذا هو بمهر مقيّد يدور حول خباء. فقال: هذا أوّل الغنيمة، فذهب يحلّه ويركبه، فنودي:
خلّ عنه واغنم نفسك، فتركه، ومضى سبعة أيام حتى انتهى إلى عطن إبل مع تطويل الشمس، فإذا خباء عظيم وقبّة من أدم، فقال في نفسه:/ ما لهذا الخباء بدّ من أهل، وما لهذه القبة بدّ من ربّ، وما لهذا العطن بدّ من إبل، فنظر في الخباء، فإذا شيخ كبير قد اختلفت ترقوتاه، كأنه نسر.
قال: فجلست خلفه، فلما وجبت [2] الشمس إذا فارس قد أقبل لم أر فارسا قطّ أعظم منه ولا أجسم، على فرس مشرف ومعه أسودان يمشيان جنبيه، وإذا مائة من الإبل مع فحلها، فبرك الفحل، وبركت حوله، ونزل الفارس، فقال لأحد عبديه: احلب فلانة، ثم اسق الشيخ، فحلب في عسّ [3] حتى ملأه، ووضعه بين يدي الشيخ وتنّحى، فكرع منه الشيخ مرّة أو مرّتين، ثم نزع، فثرت إليه فشربته، فرجع إليه العبد. فقال: يا مولاي، قد أتى على آخره، ففرح بذلك، وقال: احلب فلانة، فحلبها، ثم وضع العسّ بين يدي الشيخ، فكرع منه واحدة، ثم نزع، فثرت إليه فشربت نصفه، وكرهت/ أن آتي على آخره، فأتّهم [4]، فجاء العبد فأخذه وقال لمولاه: قد شرب وروي، فقال: دعه، ثم أمر بشاة فذبحت، وشوى للشيخ منها، ثم أكل هو وعبداه، فأمهلت حتى إذا ناموا وسمعت الغطيط ثرت إلى الفحل، فحللت عقاله وركبته، فاندفع بي وتبعته الإبل، فمشيت ليلتي حتى الصباح، فلما أصبحت نظرت فلم أر أحدا، فشللتها إذا شلّا [5] عنيفا حتى تعالى النهار، ثم التفتّ التفاتة فإذا أنا بشيء كأنه طائر، فما زال يدنو حتى تبيّنته، فإذا هو فارس على فرس، وإذا هو صاحبي بالأمس، فعقلت الفحل، ونثلت كنانني، ووقفت بينه وبين الإبل، فقال: احلل عقال الفحل، فقلت: كلّا واللّه، لقد خلّفت نسيّات بالحيرة، وآليت إليّة لا أرجع حتى أفيدهن خيرا أو أموت. قال: فإنك لميّت، حلّ عقاله، لا أمّ لك! فقلت: ما هو إلّا ما قلت لك، فقال: إنك لمغرور: انصب لي خطامه، واجعل فيه خمس عجر [6] ففعلت، فقال: أين تريد أن أضع سهمي؟ فقلت: في هذا الموضع، فكأنما وضعه بيده، ثم أقبل يرمي حتى أصاب الخمسة بخمسة أسهم، فرددت نبلي، وحططت قوسي،
__________
[1] أبو مكنف، كمحسن: كنبة زيد الخيل.
[2] وجبت الشمس: غربت.
[3] العس: القدح العظيم.
[4] ب، س: «فإنهم»، تحريف.
[5] في المختار: «فشللته»، وشل الإبل: طردها.
[6] العجر: جمع عجرة، وهي العقدة.
ووقفت مستسلما؛ فدنا مني وأخذ السيف والقوس، ثم قال: ارتدف خلفي، وعرف أني الرجل الذي شربت اللّبن عنده، فقال: كيف ظنّك بي؟ قلت: أسوأ ظنّ [1]. قال: وكيف؟ قلت: لما لقيت من تعب ليلتك، وقد أظفرك اللّه بي، فقال: أترانا كنّا نهيجك، وقد بتّ/ تنادم مهلهلا؟ قلت: أزيد الخيل أنت؟ قال: نعم، أنا زيد الخيل، فقلت:
كن خير آخذ، فقال: ليس عليك بأس.
فمضى إلى موضعه الذي كان فيه، ثم قال: أما لو كانت هذه الإبل لي لسلمتها إليك، ولكنها لبنت مهلهل، فأقم عليّ؛ فإني على شرف غارة.
فأقمت أياما، ثم أغار على بني نمير بالملح، فأصاب مائة بعير، فقال: هذه أحبّ إليك أم تلك؟ قلت: هذه، قال: دونكها. وبعث معي خفراء من ماء إلى ماء، حتى وردوا بي الحيرة، فلقيني نبطيّ: فقال لي: يا أعرابيّ، أيسرّك أنّ لك بإبلك بستانا من هذه البساتين؟ قلت: وكيف ذاك؟ قال: هذا قرب مخرج نبيّ يخرج فيملك هذه الأرض، ويحول بين أربابها وبينها، حتى إن أحدهم ليبتاع البستان من هذه البساتين بثمن بعير.
قال: فاحتملت بأهلي حتى انتهيت إلى موضع الشّيّطين [2] فبينما نحن في الشّيّطين [3] على ماء لنا، وقد كان الحوفزان بن شريك أغار على بني تميم، فجاءنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم فأسلمنا، وما مضت/ الأيام حتى شربت بثمن بعير من إبلي بستانا بالحيرة. فقال في يوم الملح زيد الخيل:
ويوم الملح ملح بني نمير ... أصابتكم بأظفار وناب
يسأل النبي صلّى اللّه عليه وسلم عن حكم ما تصيده الكلاب من الوحش
أخبرني محمد بن الحسن بن دريد، قال: أخبرني عمّي عن ابن الكلبيّ، عن أبيه، والشرقي:
أنّ زيد الخيل قال للنبي صلّى اللّه عليه وسلم: إن في الحيّ رجلين لهما كلاب مضرّيات [4] تصيد الوحش، أفنأكل مما أمسكته/ ولم تدرك ذكاته؟ فقال: «إذا أرسلت كلبك فاذكر اسم اللّه عليه وكل مما أمسك»، أو كما قال عليه السّلام.
ليلى بنت عروة أنشدت شعرا لأبيها في يوم محجر
أخبرني الحسين بن يحيى، عن حماد بن إسحاق، عن أبيه إسحاق، عن الهيثم بن عديّ، عن حمّاد الراوية، عن ابن أبي ليلى، قال:
أنشدتني ليلى بنت عروة بن زيد الخيل الطائي شعر أبيها في يوم محجّر [5]:
بني عامر هل تعرفون إذا غدا ... أبو مكنف قد شدّ عقد الدوابر [6]
بجيش تضلّ البلق في حجراته ... ترى الأكم فيه سجّدا للحوافر
__________
[1] كذا في ج، وفي ب، س، ما: «أحسن الظن».
[2] كذا في ما. وفي ب، س: سقط اسمه من الكتاب.
[3] الشيطان: واديان في ديار بني تميم لبني دارم، ويوم الشيطين من أيامهم.
[4] مضريات: معلمات للصيد.
[5] أ: «محجن»، تحريف. وفي البلدان: محجر، بالضم ثم الفتح وكسر الجيم المشددة، وقد تفتح. والأبيات في الكامل 1: 358.
[6] س والمختار: «الدوائر»، والمثبت يوافق ما في الكامل.
و
جمع كمثل الليل مرتجز الوغى [1] ... كثير حواشيه [2] سريع البوادر
قالت ليلى: فقلت لأبي: يا أبه، أشهدت ذلك اليوم مع أبيك؟ قال: إي واللّه يا بنيّة، لقد شهدته، قلت: كم كانت خيل أبيك هذه التي وصفت؟ قال: ثلاثة أفراس [3].
غزا بني عامر
نسخت من كتاب عمرو بن أبي عمرو الشيبانيّ بخطّه عن أبيه:
أنّ زيد الخيل بن مهلهل جمع طيّئا وأخلاطا لهم، وجموعا من شذّاذ العرب، فغزا بهم بني عامر ومن جاورهم من قبائل العرب من قيس، وسار إليهم فصبّحهم من طلوع الشمس، فنذروا [4] به وفزعوا إلى الخيل وركبوها، وكان أول من نذر بهم، فلقي جمعهم غنيّ بن أعصر وإخوتهم: الحارث وهو [5] الطّفاوة،/ واسمه مالك بن سعد بن قيس بن عيلان، فاقتتلوا قتالا شديدا، ثم انهزمت بنو عامر، فاستحرّ القتل بغنيّ، وفيهم يومئذ فرسان وشعراء، فملأت طيىء أيديهم من غنائمهم [6].
أسر الحطيئة وأطلقه
وأسر زيد الخيل يومئذ الحطيئة الشاعر، فجزّ ناصيته وأطلقه.
ثم إنّ غنيّا تجمّعت بعد ذلك مع لفّ [7] من بني عامر فغزوا طيئا في أرضهم، فغنموا وقتلوا وأدركوا ثأرهم منهم.
وقد كان زيد الخيل قال في وقعته لبني عامر قصيدته التي يقول [8] فيها:
وخيبة من يخيب على غنيّ ... وباهلة بن أعصر والكلاب
فلما أدركوا ثارهم أجابه طفيل الغنويّ، فقال:
سمونا بالجياد إلى أعاد ... مغاورة بجدّ واعتصاب
نؤمّهم على وعث [9] وشحط ... بقود [10] يطّلعن من النّقاب
وهي طويلة يقول فيها:
__________
[1] في الكامل: «مرتجس الوغى».
[2] في الكامل والمختار: «تواليه».
[3] الكامل: «ثلاثة أفراس، أحدها فرسه».
[4] نذروا به: علموه فحذروه واستعدوا له.
[5] كذا في ج، وفي ب، س: «و هم».
[6] ب، س: «غنائم تميم».
[7] اللف: القوم المجتمعون، أو من عد فيهم.
[8] الإصابة 1: 555:
وجنبة من يخب على غنى
وقال: قال أبو عبيدة: أرادوا وصفهم بعدم الامتناع وعدم الجبن. فإذا خاب من يريد الغنيمة منهم كان غاية في الإدبار. وانظر رواية ابن قتيبة.
[9] كذا في ما، وفي ب، س: رعب. ووعث الطريق تعسر سلوكه.
[10] قود: جمع أقود وهو السلس المنقاد.
أخذنا بالمخطّم من أتاهم ... من السّود المزنّمة الرّغاب [1]
وقتّلنا سراتهم جهارا ... وجئنا بالسّبايا والنّهاب
/ سبايا طيّىء أبرزن قسرا ... وأبدلن القصور من الشّعاب
سبايا طيّىء من كلّ حيّ ... نما [2] في الفرع منها والنّصاب
/ وما كانت بناتهم سبيّا ... ولا رغبا يعدّ من الرّغاب
ولا كانت دماؤهم وفاء ... لنا فيما يعدّ من العقاب
عروة بن زيد الخيل
أخبرني الحسن بن يحيى، قال: حدثنا حماد بن إسحاق، عن أبيه، قال: كان لزيد الخيل ابن يقال له عروة، وكان فارسا شاعرا، فشهد القادسيّة، فحسن فيها بلاؤه، وقال في ذلك يذكر حسن بلائه:
برزت لأهل [3] القادسيّة معلما ... وما كلّ من يغشى الكريهة يعلم
ويوم [4] بأكناف النّخيلة قبلها ... شهدت فلم أبرح أدمّي وأكلم
وأقعصت [5] منهم فارسا بعد فارس ... وما كلّ من يلقى الفوارس يسلم
ونجّاني اللّه الأجلّ وجيرتي ... وسيف لأطراف المرازب مخذم [9]
وأيقنت يوم الدّيلميّين أنني ... متى ينصرف وجهي عن القوم يهزموا
فما رمت حتى مزّقوا برماحهم ... ثيابي وحتى بلّ أخمصي الدّم
محافظة إني امرؤ ذو حفيظة ... إذا لم أجد مستأخرا أتقدّم
قال: وشهد مع عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه صفّين، وعاش إلى إمارة معاوية، فأراده على البراءة من عليّ عليه السّلام، فامتنع عليه، وقال:
/يحاولني معاوية بن حرب ... وليس إلى الذي يهوى سبيل
على جحدي أبا حسن عليّا ... وحظّي من أبي حسن جليل
قال: وله أشعار كثيرة.
بعثه النبي صلّى اللّه عليه وسلم إلى الجرار فقتله لما أبى الإسلام
قال أبو عمرو: كان لتغلب رئيس يقال له الجرّار، وأدرك النبي صلّى اللّه عليه وسلم، وأبى الإسلام، وامتنع منه، فيقال: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم بعث إليه زيد الخيل، وأمره بقتاله، فمضى زيد فقاتله فقتله لمّا أبى الإسلام، وقال في ذلك:
__________
[1] المزنم من الإبل: المقطوع طرف الأذن. قال أبو عبيدة: وإنما يفعل ذلك بالكرام منها، «اللسان». والرغاب: الواسعة الدر الكثيرة النفع، جمع الرغيب. وفي س: «الرعاب» بالعين، والرعاب: السمان.
[2] كذا في ج وب، س: «بمن».
[3] المختار: «لآل»، وهما سواء.
[4] ج، والمختار: «و يوما ... ».
[5] أقعص الفارس: قتله مكانه وأجهز عليه.
[6] المرازب: جمع مرزبان، وهو الرئيس من الفرس. مخذم: قاطع.
صبّحت حيّ بني الجرّار داهية ... ما إن لتغلب بعد اليوم جرّار
نحوي النّهاب ونحوي كلّ جارية ... كأن نقبتها [1] في الخدّ دينار
أغار على بني عامر
قال مؤرّج: خرج رجل من طيىء يقال له: ذؤاب بن عبد اللّه إلى صهر له من هوازن، فأصيب الرجل - وكان شريفا ذا رياسة في حيّه - فبلغ ذلك زيدا، فركب في نبهان ومن تبعه من ولد الغوث، وأغار على بني عامر، وجعل كلما أخذ أسيرا قال له: ألك علم بالطائيّ المقتول؟ فإن قال: نعم، قتله، وإن قال: لا، خلّى سبيله ومنّ عليه.
وأصاب رجالا من بني الوحيد [2] والضباب وبني نفيل. ثم رجع زيد إلى قومه، فقالوا: ما صنعت؟ فقال: ما أصبت بثأر ذؤاب، ولا يبوء به إلا عامر بن مالك ملاعب الأسنة، فأما ابن الطفيل فلا يبوء به، وأنشأ زيد يقول:
لا أرى أن بالقتيل قتيلا ... عامريّا يفي بقتل ذؤاب
ليس من لاعب الأسنة في ... النقع وسمّي ملاعبا بأراب
/ عامر ليس عامر بن طفيل ... لكن العمر رأس حيّ كلاب
ذاك إن ألقه أنال به الوتر ... وقرّت به عيون الصّحاب [3]
/أو يفتني فقد سبقت بوتر ... مذحجيّ وجدّ قومي كأبي
قد تقنّصت للضّباب رجالا ... وتكرمت عن دماء الضّباب
وأصبنا من الوحيد رجالا ... ونفيل فما أساغوا شرابي
فبلغ عامر بن الطفيل قول زيد الخيل وشعره، فأغضبه وقال مجيبا له:
قل لزيد قد كنت تؤثر بالحل ... م إذا سفّهت حلوم الرّجال
ليس هذا القتيل من سلف الحيّ ... كلاع ويحصب وكلال [4]
أو بني آكل المرار ولا صيد ... بني جفنة الملوك الطّوال
وابن ماء السماء قد علم النّا ... س ولا خير في مقالة غالي
إنّ في قتل عامر بن طفيل ... لبواء [5] لطيّىء الأجبال
إنني والذي يحجّ له النّا ... س قليل في عامر الأمثال
يوم لا مال للمحارب في الحر ... ب سوى نصل أسمر عسّال
ولجام في رأس أجرد كالجذ ... ع طوال وأبيض قصّال
ودلاص كالنّهي ذات فضول ... ذاك في حلبة الحوادث مالي [6]
__________
[1] النقبة: الأثر، وفي ج: «ثقبنها» تحريف.
[2] كذا في المختار، وهو الوجه. وفي سائر الأصول: «و كان رجل من أصحاب».
[3] ج: «المصاب».
[4] كلاع ويحصب وكلال: أحياء يمانية.
[5] بواء: كفاء، وفي ج، ما: «لبوارا».
[6] الدلاص: الدروع الملساء اللينة. والنهي: الغدير أو شبهه.
ولعمّي فضل الرياسة والسنّ ... وجدّ [1] على هوازن عالي
/ غير أني أولي هوازن في الحر ... ب بضرب المتوّج المختال
وبطعن الكميّ في حمس النّق ... ع على متن هيكل جوّال
أغار على بني مرة
قال أبو عمرو الشيبانيّ:
لما بلغ زيد الخيل ما كان من الحارث بن ظالم وعمرو بن الإطنابة الخزرجيّ وهجائه إياه، غضب زيد لذلك، فأغار على بني مرّة بن غطفان، فأسر الحارث بن ظالم وامرأته في غارته، ثم منّ عليهما، وقال يذكر ذلك:
ألا هل أتى غوثا ورومان أننا ... صبحنا بني ذبيان إحدى العظائم
وسقنا نساء الحيّ مرّة بالقنا ... وبالخيل تردي قد حوينا ابن ظالم [2]
جنيبا لأعضاد النواجي يقدنه ... على تعب بين النّواجي الرواسم [3]
يقول: اقبلوا منّي الفداء وأنعموا ... عليّ وجزّوني مكان القوادم
وقد مسّ حدّ الرمح قوّارة استه ... فصارت كشدق الأعلم المتضاجم [4]
وسائل بنا جار ابن عوف فقد رأى ... حليلته جالت عليها مقاسمي [5]
تلاعب وحدان العضاريط بعد ما ... جلاها بسهميه لقيط بن حازم [6]
أغرّك أن قيل ابن عوف ولا أرى ... عزيمك إلّا واهيا في العزائم
غداة سبينا من خفاجة سبيها ... ومرّت لهم منّا نحوس الأشائم
فمن مبلغ عني الخزارج غارة ... على حيّ عوف موجفا غير نائم
غارته على بني فزارة وبني عبد اللّه بن غطفان
وقال أبو عمرو: أغار زيد على بني فزارة وبني عبد اللّه بن غطفان ورئيسهم يومئذ أبو ضبّ، ومع زيد الخيل من بني نبهان بطنان يقال لهما: بنو نصر وبنو مالك، فأصاب وغنم، وساقوا/ الغنيمة، وانتهى إلى العلم، فاقتسموا النّهاب، فقال لهم زيد: أعطوني حقّ الرياسة، فأعطاه بنو نصر، وأبى بنو مالك، فغضب زيد، وانحدر إلى بني نصر، فبينما بنو مالك يقتسمون إذ غشيتهم فزارة وغطفان، وهم حلفاء، فاستنقذوا ما بأيديهم. فلما رأى زيد ذلك شدّ على القوم فقتل رئيسهم أبا ضبّ، وأخذ ما في أيديهم، فدفعه إلى بني مالك، وكانوا نادوه يومئذ: يا زيداه أغثنا! فكرّ على القوم حتى استنقذ ما في أيديهم، وردّه، وقال يذكر ذلك:
__________
[1] في المختار: «وجدي».
[2] ردى الفرس - كرمى - رديا ورديانا: رجمت الأرض بحوافرها، أو هو بين العدو والمشي.
[3] أعضاد: جمع عضد: ما حول الشيء. النواجي: جمع ناجية: الناقة السريعة.
[4] أ: «كمثل الأعلم» والمتضاجم: المعوج الفم.
[5] أ: «جالت عليه».
[6] أ، ج: «أحدان العضاريط»، وأحدان ووحدان سواء. والعضاريط: الخدم والأتباع، واحده عضروط.
كررت على أبطال [1] سعد ومالك ... ومن يدع الدّاعي [2] إذا هو ندّدا
فلأيا كررت الورد حتى رأيتهم ... يكبّون في الصحراء مثنى وموحدا
وحتى نبذتم بالصّعيد رماحكم ... وقد ظهرت دعوى زنيم وأسعدا
فما زلت أرميهم بغرّة وجهه ... وبالسيف حتى كلّ تحتي وبلّدا
إذا شكّ أطراف العوالي لبانه ... أقدّمه حتى يرى الموت أسودا
علالتها بالأمس ما قد علمتم ... وعلّ الجواري بيننا أن تسهّدا
لقد علمت نبهان أنّي حميتها ... وأنى منعت السّبي أن يتبدّدا
عشيّة غادرت ابن ضبّ كأنما ... هوى عن عقاب من شماريخ صنددا [3]
بذي شطب أغشي الكتيبة سلهبا [4] ... أقبّ كسرحان الظلام معوّدا [5]
زيد وعامر بن الطفيل
قال أبو عمرو: وخرج زيد الخيل يطلب نعما من بني بدر، وأغار عامر بن الطفيل على بني فزارة، فأخذ امرأة يقال لها هند، واستاق نعما لهم، فقالت بنو بدر لزيد: ما كنا قطّ إلى نعمك أحوج منّا اليوم، فتبعه زيد الخيل، وقد مضى، وعامر يقول: يا هند، ما ظنّك بالقوم؟ فقالت: ظنّي بهم أنهم سيطلبونك، وليسوا نياما عنك.
قال: فحطأ [6] عجزها، ثم قال: لا تقول استها شيئا، فذهبت مثلا.
فأدركه زيد الخيل، فنظر إلى عامر فأنكره لعظمه وجماله، وغشيه زيد فبرز له عامر، فقال: يا عامر؛ خلّ سبيل الظعينة والنّعم. فقال عامر: من أنت؟ قال: فزاري أنا. قال عامر: واللّه ما أنت من القلح [7] أفواها. فقال زيد: خلّ عنها، قال: لا، أو تخبرني من أنت؟ قال: أسديّ، قال: لا واللّه ما أنت من المتكوّرين على ظهور الخيل. قال: خلّ سبيلها. قال: لا واللّه أو تخبرني فأصدقني [8]، قال: أنا زيد الخيل، قال: صدقت؛ فما تريد من قتالي، فو اللّه لئن قتلتني لتطلبنّك بنو عامر، ولتذهبنّ فزارة بالذكر. فقال له زيد: خلّ عنها، قال: تخلّى عنّي وأدعك والظعينة والنّعم؟ قال: فاستأسر، قال: أفعل، فجزّ ناصيته، وأخذ رمحه، وأخذ هندا والنعم، فردّها إلى بني بدر، وقال في ذلك:
إنا لنكثر في قيس وقائعنا ... وفي تميم وهذا الحيّ من أسد
وعامر بن طفيل قد نحوت له ... صدر القناة بماضي الحدّ مطّرد
__________
[1] كذا في أ، ب، س، وفي ج: «فتيان».
[2] أ: «و مثلى دعا الداعي».
[3] أ: «هوى عن حفاف». وفي المختار: «صمردا»، والصمرد، واحد الصماريد؛ وهي الأرضون الصلاب. وصندد: جبل بتهامة.
[4] كذا في أ، ج. وفي المختار: «أغشى الكريهة».
[5] في أ: «كسرحان الظلام معردا».
[6] حطأ فلانا: ضرب ظهره بيده مبسوطة.
[7] القلح، بالقاف والحاء: جمع أقلح؛ وهو الذي في أسنانه صفرة. وفي المختار: الفلج، والفلج: المتباعد وما بين الأسنان.
[8] في المختار: «فتصدقني».
/
لما أحسّ [1] بأنّ الورد مدركه ... وصارما وربيط الجأش ذا لبد
نادى إليّ بسلم بعد ما أخذت ... منه المنية بالحيزوم واللّغد
ولو تصبّر لي حتى أخالطه ... أسعرته طعنة تكتار بالزّبد [2]
/قال: فانطلق عامر إلى قومه مجزوزا [3]، وأخبرهم الخبر، فغضبوا لذلك، وقالوا: لا ترأسنا [4] أبدا، وتجهّزوا ليغيروا على طيى ء، ورأسوا عليهم علقمة بن علاثة، فخرجوا ومعهم الحطيئة وكعب بن زهير.
أسر الحطيئة وكعب بن زهير ثم أطلقهما
فبعث عامر إلى زيد الخيل دسيسا ينذره، فجمع زيد قومه، فلقيهم بالمضيق فقاتلهم، فأسر الحطيئة وكعب بن زهير وقوما منهم، فحبسهم فلما طال عليهم الأسر قالوا: يا زيد، فادنا. قال: الأمر إلى عامر بن الطفيل، فأبوا ذلك عليه، فوهبهم لعامر إلّا الحطيئة وكعبا، فأعطاه كعب فرسه الكميت، وشكا الحطيئة الحاجة، فمنّ عليه، فقال زيد:
أقول لعبدي جرول إذ أسرته ... أثبني ولا يغررك أنك شاعر
أنا الفارس الحامي الحقيقة والذي ... له المكرمات واللّهى [5] والمآثر
وقومي رؤوس الناس والرأس قائد ... إذا الحرب شبّتها الأكفّ المساعر
فلست إذا ما الموت حوذر ورده ... وأترع حوضاه وحمّج ناظر [6]
بوقافة يخشى الحتوف تهيّبا ... يباعدني عنها من القبّ [7] ضامر
/ ولكنني أغشى الحتوف بصعدتي [8] ... مجاهرة إنّ الكريم يجاهر [9]
وأروي سناني من دماء عزيزة ... على أهلها إذ لا ترجّى الأياصر [10]
شعر الحطيئة لزيد
فقال الحطيئة لزيد:
إن لم يكن مالي بآت فإنّني ... سيأتي ثنائي زيدا بن مهلهل [11]
فأعطيت منا الودّ يوم لقيتنا ... ومن آل بدر شدّة لم تهلّل [12]
__________
[1] في أ: «لما تحسب أن الورد». وفي المختار: «لما تيقن».
[2] ب، س، ج: «كالنار بالزند»، وفي المختار: «تكتن بالزبد» والمثبت من أ، ج، وفي هامشه: تكتار، أي تجيش وترمي بالزبد، من قولهم: اكتار الفرس، إذا رفع ذنبه في العدو.
[3] في المختار: «محزونا».
[4] في المختار: «لا نذوق وسنا أبدا».
[5] اللهي: العطايا.
[6] هامش أ: «التحميج: تحديد النظر».
[7] القب: جمع الأقبّ، وهو من الخيل الدقيق الخصر.
[8] في المختار: «و صعدتي». والصعدة: القناة المستوية.
[9] في المختار: «إن الشجاع مجاهر».
[10] الأياصر: جمع آصرة؛ وهي قرابة الرحم.
[11] ديوانه 82، وفيه: إلا يكن ... فإنه».
[12] في الديوان: «و أعطيت منا الود ... ومن آل بدر وقعة» وفي ابن الشجري: «فأعطتك». ولم تهلّل: لم تضعف.
فما نلتنا غدرا ولكن صبحتنا ... غداة التقينا في المضيق بأخيل [1]
تفادى حماة القوم من وقع رمحه ... تفادي ضعاف الطّير من وقع أجدل
وقال فيه الحطيئة أيضا [2]:
وقعت بعبس ثم أنعمت فيهم ... ومن آل بدر قد أصبت الأخايرا [3]
فإن يشكروا فالشكر أدنى إلى التّقى ... وإن يكفروا لا ألف يا زيد كافرا [4]
تركت المياه من تميم بلاقعا ... بما قد ترى منهم حلولا كراكرا [5]
/و حيّ سليم قد أثرت شريدهم [6] ... وبالأمس ما قتّلت يا زيد عامرا [7]
فرضي عنه زيد ومنّ عليه لما قال هذا فيه، وعدّ ذلك ثوابا من الحطيئة وقبله.
امتناع الحطيئة عن هجائه
فلما رجع الحطيئة إلى قومه قام فيهم حامدا لزيد، شاكرا لنعمته، حتى أسرت طيىء بني بدر، فطلبت فزارة وأفناء قيس إلى شعراء العرب أن يهجوا بني لأم وزيدا، فتحامتهم شعراء العرب، وامتنعت من هجائهم، فصاروا إلى الحطيئة فأبى عليهم، وقال: اطلبوا غيري فقد حقن دمي، وأطلقني بغير فداء؛ فلست بكافر نعمته أبدا، قالوا: فإنا نعطيك مائة ناقة، قال: واللّه لو جعلتموها ألفا ما فعلت ذلك. وقال الحطيئة:
كيف الهجاء وما تنفكّ صالحة ... من آل لأم [8] بظهر الغيب تأتينا
المنعمين أقام العزّ وسطهم ... بيض الوجوه وفي الهيجا مطاعينا
/ وقد أخبرنا أبو خليفة، عن محمد بن سلام، قال:
خرج بجير بن زهير والحطيئة ورجل من فزارة يتقنّصون الوحش، فلقيهم زيد الخيل فأسرهم، فافتدى بجير نفسه بفرس كان لكعب أخيه، وكعب يومئذ مجاور في بني ملقط من طيى ء، وشكا إليه الحطيئة الفاقة فأطلقه:
غزا فزارة مع بني نبهان
وقال أبو عمرو: غزت بنو نبهان فزارة وهم متساندون ومعهم زيد الخيل، فاقتتلوا قتالا شديدا، ثم انهزمت فزارة، وساقت بنو نبهان الغنائم/ من النساء والصبيان. ثم إن فزارة حشدت واستعانت [9] بأحياء من قيس، وفيهم رجل من سليم شديد البأس سيّد يقال له: عباس بن أنس الرعليّ، كانت بنو سليم قد أرادوا [10] عقد التاج على رأسه
__________
[1] هامش أ: «الأخيل: الشقراق يتشاءم به». وفي شرح الديوان: «بأخيل: جمع خيل».
[2] ديوانه 87.
[3] ج والمختار: «عنهم»، وفي الديوان: «قد أصبت الأكابرا».
[4] في المختار: «لم ألف».
[5] الكراكر: الجماعات، واحدها كركرة.
[6] المختار: «أبرت شريدهم» وفي ج: «و حتى سليم».
[7] ب، س: «و لا تنس».
[8] في أ: «الذي كريم» وفي هامشه وج: «من آل زيد». وفي المختار: «لآل لأم بظهر الغيب».
[9] أ: «و استغاثت».
[10] أ: «قد أرادت».
في الجاهلية، فحسده ابن عمّ له فلطم عينه، فخرج عباس من أعمال بني سليم في عدّة من أهل بيته وقومه، فنزل في بني فزارة، وكان معهم يومئذ، ولم يكن لزيد المرباع حينئذ، وأدركت فزارة بني نبهان، فاقتتلوا قتالا شديدا، فلما رأى زيد ما لقيت بنو نبهان نادى: يا بني نبهان؛ أأحمل ولي المرباع؟ قالوا: نعم، فشدّ على بني سليم فهزمهم، وأخذ أم الأسود امرأة عباس بن أنس، ثم شدّ على فزارة والأخلاط فهزمهم، وقال في ذلك:
ألا ودّعت جيرانها أمّ أسودا ... وضنّت على ذي حاجة أن يزوّدا
وأبغض أخلاق النساء أشدّه ... إليّ فلا تولنّ أهلي تشددا
وسائل بني نبهان عنّا وعندهم ... بلاء كحدّ السيف إذ قطع اليدا
دعوا مالكا ثم اتّصلنا بمالك ... فكلّ ذكا مصباحه فتوقّدا
وبشر بن عمرو قد تركنا مجندلا ... ينوء بخطّار هناك ومعبدا [1]
تمطّت به قوداء ذات علالة ... إذا الصّلدم الخنذيذ أعيا وبلّدا [2]
لقيناهم نستنقذ الخيل كالقنا ... ويستسلبون السّمهريّ المقصّدا [3]
فيا ربّ قدر قد كفأنا وجفنة ... بذي الرّمث إذ يدعون مثنى وموحدا
/ على أنني أثوي سناني وصعدتي ... - بساقين - زيدا أن يبوء ومعبدا
زيد وقيس بن عاصم
قال أبو عمرو: وقعت حرب بين أخلاط طيّى ء، فنهاهم زيد عن ذلك وكرهه فلم ينتهوا، فاعتزل وجاور بني تميم، ونزل على قيس بن عاصم، فغزت بنو تميم بكر بن وائل وعليهم قيس، وزيد معه، فاقتتلوا قتالا شديدا، وزيد كافّ. فلما رأى ما لقيت تميم ركب فرسه، وحمل على القوم، وجعل يدعو بالتميم، ويتكنّى بكنية قيس إذا قتل رجلا أو أذراه [4] عن فرسه، أو هزم ناحية، حتى هزمت بكر، وظفرت تميم، فصارت فخرا لهم في العرب، وافتخر بها قيس.
فلما قدموا قال له زيد: أقسم لي يا قيس نصيبي، فقال: وأيّ نصيب؟ فو اللّه ما ولي القتال غيري وغير أصحابي، فقال زيد:
ألا هل أتاها والأحاديث جمّة ... مغلغلة أنباء جيش اللّهازم
فلست بوقّاف إذا الخيل أحجمت ... ولست بكذّاب كقيس بن عاصم
تخبّز من لاقيت أن قد هزمتهم ... ولم تدر ما سيماهم والعمائم [5]
بل الفارس الطائيّ فضّ جموعهم [6] ... ومكّة والبيت الذي عند هاشم
__________
[1] أ: «مجدلا ... هناك معبدا».
[2] الصلدم: الفحل الشديد الحافر. والخنذيذ: الطويل وفي أ: «إذا الصارم».
[3] أوج: «و يستلبون». والسمهريّ: الرمح الصليب العود. والمقصد: المكسور.
[4] أذراه: أطاره.
[5] أ: «لا، وعائم». وقال في هامشه: «و عائم: اسم صنم».
[6] الفارس الطائي هو زيد الخيل.
/
إذا ما دعوا عجلا عجلنا عليهم ... بمأثورة تشفي صداع الجماجم
فبلغ المكشّر بن حنظلة العجليّ أحد بني سنان قول زيد، فخرج في ناس من عجل حتى أغار على بني نبهان، فأخذ من نعمهم ما شاء، وبلغ ذلك زيد الخيل، فخرج على فرسه في فوارس من نبهان، حتى اعترض القوم، فقال:
/ ما لي ولك يا مكشّر؟ فقال: قولك:
إذا ما دعوا عجلا عجلنا عليهم
فقاتلهم زيد حتى استنقذ بعض ما كان في أيديهم، ورجع المكشر ببقية ما أصاب. فأغار زيد على بني تيم اللّه بن ثعلبة، فغنم وسبى، وقال في ذلك:
إذا عركت عجل بنا ذنب غيرنا ... عركنا بتيم اللات ذنب بني عجل
حريث بن زيد الخيل
وقال أبو عمرو: كان حريث بن زيد الخيل شاعرا، فبعث عمر بن الخطاب رجلا من قريش يقال له أبو سفيان يستقرىء أهل البادية، فمن لم يقرأ شيئا من القرآن عاقبه، فأقبل حتى نزل بمحلّة بني نبهان، فاستقرأ ابن عمّ لزيد الخيل يقال له أوس بن خالد بن زيد بن منهب، فلم يقرأ شيئا، فضربه، فمات.
فأقامت بنته أم أوس تندبه، وأقبل حريث بن زيد الخيل فأخبرته، فأخذ الرمح فشدّ على أبي سفيان فطعنه فقتله، وقتل ناسا من أصحابه، ثم هرب إلى الشام، وقال في ذلك:
ألا بكّر الناعي بأوس بن خالد ... أخي الشّتوة الغبراء والزّمن المحل
فلا تجزعى يا أمّ أوس فإنّه ... يلاقي المنايا كلّ حاف وذي نعل [1]
فإن يقتلوا أوسا عزيزا فإنني ... تركت أبا سفيان ملتزم الرّحل
ولو لا الأسى ما عشت في الناس بعده ... ولكن إذا ما شئت جاوبني مثلي
أصبنا به من خيرة القوم سبعة ... كراما ولم نأكل به حشف النّخل
صوت
بشّر الظبي والغراب بسعدى ... مرحبا بالذي يقول الغراب
اذهبي فاقرئي السلام عليهم ... ثم ردّي جوابنا يا رباب
عروضه من الخفيف [2]. الشعر لعبيد اللّه بن قيس الرقيّات، والغناء لفند [3] المخنّث - مولى عائشة بنت سعد بن أبي وقّاص - خفيف رمل بالبنصر. وذكر حبش أنّ هذا اللّحن ليحيى المكي، وليس ممن يحصّل قوله.
__________
[1] في المختار: «تصيب المنايا».
[2] أ: «من السريع»، وهو خطأ.
[3] ضبط في أبفتح الفاء، وهو تصحيف.
22 - [خبر لابن قيس الرقيّات]
أخبرني بالسبب الذي قال فيه ابن قيس هذا الشعر الحرميّ بن أبي العلاء، قال: حدثنا الزّبير بن بكّار، قال:
حدّثني عبد الرحمن بن محمد بن أبي الحارث الكاتب، مولى بني عامر بن لؤيّ، وأبو الحارث هذا هو الذي يقول فيه عمر بن أبي ربيعة [1]:
يا أبا الحارث قلبي طائر [2] ... فائتمر أمر رشيد مؤتمن
وقوفه إلى جانب عبد العزيز بن مروان وشعره فيه
قال: حدثني عمرو بن عبد الرحمن بن عمرو بن سهل، قال: حدثني سليمان بن نوفل بن مساحق، عن أبيه، عن جدّه، قال:
أراد عبد الملك بن مروان البيعة لابنه الوليد بعد عبد العزيز بن مروان، وكتب إلى عبد العزيز يسأله ذلك، فامتنع عليه، وكتب إليه يقول له: لي ابن ليس ابنك أحبّ إليّ منه؛ فإن استطعت ألّا يفرق بيننا الموت وأنت لي قاطع فافعل. فرقّ له/ عبد الملك، وكفّ عن ذلك، فقال عبيد اللّه بن قيس في ذلك - وكان عند عبد العزيز - :
يخلفك البيض من بنيك كما ... يخلف عود النّضار في شعبه
ليسوا من الخروع الضّعاف ولا ... أشباه عيدانه ولا غربه
نحن على بيعة الرسول التي ... أعطيت في عجمه وفي عربه
/ نأتي إذا ما دعوت في الزّغف المسرود أبدانه وفي جنبه [3]
نهدي رعيلا أمام أرعن لا ... يعرف وجه البلقاء في لجبه [4]
فقال عبد الملك: لقد دخل ابن قيس الرقيّات مدخلا ضيّقا، وتهدّده وشتمه. وقال: أليس هو القائل:
كيف نومي على الفراش ولما ... تشمل الشّام غارة شعواء
تذهل الشيخ عن بنيه وتبدي ... عن خدام [5] العقيلة العذراء
وهو القائل أيضا:
__________
[1] ديوانه 65.
[2] في الديوان: «يا أبا الخطاب قلبي هائم».
[3] أ: «نأبى»، والزغفة - وقد تحرك - : الدرع اللينة الواسعة المحكمة، أو الرقيقة الحسنة السلاسل. ودرع زغف وجمعه أزغاف، وزغف، محركة، وزغوف.
[4] أ: «وجه اللقاء».
[5] في «اللسان» (خدم): أراد وتبدى عن خدام العقيلة، وخدام ها هنا في نية عن خدامها. وفي ديوانه ص 96: «عن براها».
على بيعة الإسلام بايعن مصعبا ... كراديس من خيل وجمعا مباركا
تدارك أخرانا ويمضي أمامنا ... ويتبع ميمون النقيبة ناسكا
إذا فرغت أظفاره من كتيبة ... أمال على أخرى السيوف البواتكا [1]
قال: فلما بلغ عبيد اللّه قول عبد الملك وشتمه إياه قال:
بشّر الظّبي والغراب بسعدى ... مرحبا بالذي يقول الغراب
قال لي: إنّ خير سعدي قريب ... قد أنى أن يكون منه اقتراب [2]
قلت: أنّى تكون سعدى قريبا ... وعليها الحصون والأبواب
حبذا الرّيم ذو الوشاحين والخصر الذي لا يناله الأثواب [3]
إنّ في القصر لو دخلت غزالا ... مصفقا موصدا عليه الحجاب
/ أرسلت أن فدتك نفسي فاحذر ... ها هنا شرطة عليك غضاب
أقسموا إن رأوك لا تطعم الما ... ء وهم حين يقدرون ذئاب
قلت: قد يغفل الرّقيب ويغفي ... شرطة أو يحين منه انقلاب
أو عسى أن يورّي اللّه أمرا ... ليس في غيبه علينا ارتقاب
اذهبي فاقرئي السلام عليها ... ثم ردّي جوابنا يا رباب
حدثيها ما قد لقيت وقولي ... حقّ للعاشق الكريم ثواب
رجل أنت همّه حين يمسي ... خامرته من أجلك الأوصاب
لا أشمّ الريحان إلّا بعينيّ كرما إنما يشمّ الكلاب
ربّ زار عليّ لم ير منّي ... عثرة وهو مومس كذّاب
خادع اللّه حين جلّله الشيب فأضحى قد بان منه الشّباب
يأمر الناس أن يبرّوا ويمسي ... وعليه من عيبه جلباب
لا تعبني فليس عندك علم ... لا تنامنّ أيّها المغتاب
تختل الناس بالكتاب فهلّا ... حين تغتابني نهاك الكتاب
لست بالمخبت التقيّ ولا المح ... ضيه من مقالتي الاحتساب [4]
/إنني والتي رمت بك كرها ... ساقطا ملصقا عليك التراب
لتذوقنّ غبّ رأيك فينا ... حين تبدو بعرضك الأنداب [5]
قال الزبير: معنى قوله:
لا أشمّ الريحان إلّا بعينيّ كرما إنّما يشمّ الكلاب
__________
[1] البواتك: القواطع.
[2] أنى: حان وقرب.
[3] المثبت من هامش أ، وج وفي ب والديوان: والقصر الذي لا يناله الأتراب.
[4] كذا في أ، ح، وفي ب، س: «و لا المهنيه». وفي الديوان: «و لا المحض الذي لا تذمه الأنساب».
[5] الأنداب: آثار الجروح الباقية.
/ يعرّض بعبد الملك؛ لأنه كان متغيّر الفم يؤذيه رائحته، فكان في يده أبدا ريحان، أو تفّاحة، أو طيب يشمه.
بيت شعر لابن قيس الرقيات أحفظ عبد الملك بن مروان
أخبرني الحرميّ، قال: حدثنا الزبير، عن عمه:
أنّ ابن قيس قال في عبد العزيز بن مروان:
يلتفت الناس عند منبره ... إذا عمود البريّة انهدما
يعني إذا مات عبد الملك؛ لأنّ العهد كان إليه بعده.
قال الزّبير: فأخبرني مصعب بن عثمان، قال:
لما بلغ عبد الملك هذا البيت أحفظه، وقال: بفيه الحجر، وحينئذ قال: لقد دخل ابن قيس مدخلا ضيقا.
الحجاج يبعث إلى عبد الملك بعمران بن عصام العنزي
أخبرني الحرميّ، قال: حدثنا الزبير، قال: حدثني كثيّر بن جعفر، عن أبيه، قال:
قال الحجّاج يوما لأهل ثقته من جلسائه: ما من أحد من بني أميّة أشدّ نصبا [1] لي من عبد العزيز بن مروان، وليس يوم من الأيام إلّا وأنا أتخوّف أن تأتيني منه قارعة، فهل من رجل تدلّوني عليه، له لسان وشعر وجلد؟ قالوا:
نعم، عمران بن عصام العنزيّ، فدعاه فأخلاه، ثم قال: اخرج بكتابي هذا إلى أمير المؤمنين، فاقدح في قلبه من ابنه شيئا في الولاية، فقال له عمران: دسّ أيها الأمير إليّ دسّا، فقال له الحجاج: «إنّ العوان لا تعلّم الخمرة» [2]:
فخرج بكتاب الحجّاح، فلما دخل على عبد الملك دفع إليه الكتاب، وسأله عن الحجّاج، وأمر العراق، فاندفع يقول:
/أمير المؤمنين إليك أهدي ... على الشّحط التحيّة والسلاما
أمير من بنيك يكن جوابي ... لهم أكرومة ولنا نظاما
فلو أن الوليد أطاع فيه ... جعلت له الإمامة والذّماما
فكتب عبد الملك إلى عبد العزيز في ذلك. ثم ذكر من خبرهما في المكاتبة مثل الخبر الذي قبله، وقال فيه:
فرقّ عبد الملك رقّة شديدة، وقال: لا يكون إلى الصلة أسرع مني، فكفّ عن ذلك، وما لبث عبد العزيز إلا ستّة أشهر حتى مات.
الحجاج يقتل ابن الأشعث وعمران بن عصام
فلما كان زمان ابن الأشعث خرج عمران بن عصام معه على الحجّاج، فأتى به حين قتل ابن الأشعث فقتله، فبلغ ذلك عبد الملك فقال: قطع اللّه يدي الحجاج! أقتله وهو الذي يقول:
وبعثت من ولد الأغرّ معتّب ... صقرا يلوذ حمامه بالعوسج
وإذا طبخت بناره أنضجتها ... وإذا طبخت بغيرها لم تنضج
__________
[1] النصب: المعاداة. وفي «بيروت»: بغضا إليّ.
[2] المستقصى 2/ 334 يريد أن المجرب عارف بأمره.
23 - ذكر فند وأخباره
كان خليعا متهتكا
هو فند أبو زيد مولى عائشة بنت سعد بن أبي وقّاص، ومنشؤه المدينة، وكان خليعا متهتكا [1]، يجمع بين الرجال والنساء في منزله، ولذلك يقول فيه ابن قيس الرقيّات.
صوت
/قل لفند يشيّع الأظعانا ... طالما سرّ عيشنا وكفانا
صادرات عشية من قديد [2] ... واردات مع الضّحى عسفانا
زوّدتنا رقيّة الأحزانا ... يوم جازت حمولها السّكرانا [3]
عروضه من الخفيف [4]. غنّاه مالك بن أبي السمح من روايتي إسحاق وعمرو بن بانة. ولحنه من خفيف الثقيل بالسّبابة في مجرى الوسطى.
وقد اختلف في اسمه، فقيل: قند بالقاف، وفند بالفاء أصحّ. وبه يضرب المثل في الإبطاء، فيقال: تعست العجلة.
أرسلته عائشة بنت سعد ليجيئها بنار فجاءها بها بعد سنة
أخبرني الحسين بن يحيى، عن حماد، عن أبيه، قال:
كانت عائشة بنت سعد أرسلته ليجيئها بنار، فخرج لذلك، فلقي عيرا خارجا إلى مصر، فخرج معهم، فلما كان بعد سنة رجع فأخذ نارا، ودخل على عائشة وهو يعدو فسقط وقد قرب منها، فقال: تعست العجلة، فقال بعض الشعراء في رجل ذكر بمثل هذه الحال:
/ما رأينا لعبيد [5] مثلا ... إذ بعثناه يجي بالمسله [6]
غير فند بعثوه [7] قابسا ... فثوى حولا وسبّ العجله
__________
[1] كذا في م والمختار، وفي أ، ج: «منهمكا».
[2] أ: «عشية من الآل»، وفي هامشه من نسخة: «قديد»، وفي البلدان: «من قديد» أيضا.
[3] وكذا في المختار، والبيت في البلدان (سكران) مع ثلاثة أبيات أخرى لابن قيس الرقيات والرواية فيه: « ... حمولها سكرانا».
[4] في أ، م: «من السريع»، وهو خطأ.
[5] في ب، س والمختار: «ما رأينا لسعيد»، وفي «اللسان»: «لغراب».
[6] في المختار و «اللسان»: «بالمشملة»؛ وهي كساء يشتمل به دون القطيفة.
[7] في «اللسان»: «أرسلوه».
ضربه سعد بن إبراهيم فحلفت عائشة ألّا تكلمه أو يرضى عنه
أخبرني الحسين، قال: قال حماد: قرأت على أبي الهيثم بن عديّ، قال:
كان فند أبو زيد مولى لسعد بن أبي وقّاص، فضربه سعد بن إبراهيم ضربا مبرّحا، فحلفت عائشة بنت سعد أنها لا تكلّمه أبدا أو يرضى عنه - وكانت خالته - فصار إليه سعد طاعة لخالته، فوجده وجعا من ضربه، فسلّم عليه فحوّل وجهه عنه إلى الحائط ولم يكلّمه؛ فقال له: أبا زيد، إنّ خالتي حلفت إلّا تكلمني حتى ترضى، ولست ببارح حتى ترضى عني. فقال: أما أنا فأشهد أنك مقيت سمج مبغّض، وقد رضيت عنك على هذه الحال [1] لتقوم عني، وتريحني من وجهك ومن النظر إليك.
فقام من عنده، فدخل على عائشة، وأخبرها بما قال له فند، فقالت: قد صدق، وأنت كذلك ورضيت عنه.
قال: وكان سعد مضطرب الخلق سمجا.
مروان بن الحكم يتهدده
أخبرني الحسن قال: قال حماد: قرأت على أبي بكر:
وذكر عوانة أنّ معاوية كان يستعمل مروان بن الحكم على المدينة سنة، ويستعمل سعيد بن العاص سنة، فكانت ولاية مروان شديدة يهرب فيها أهل الدعارة والفسوق، وولاية سعيد ليّنة يرجعون إليها، فبينا مروان/ يأتي المسجد وفي يده عكّازة له، وهو يومئذ معزول، إذا هو بفند يمشي بين يديه، فوكزه بالعكازة، وقال له: ويلك هيه:
قل لفند يشيّع الأظعانا
أتشيّع الأظعان للفساد - لا أمّ لك - إلى أهل الريبة! ستعلم ما يحلّ بك منّي، فالتفت إليه فند، وقال: نعم، أنا ذلك وسبحان اللّه! ما أسمجك واليا ومعزولا! فضحك مروان، وقال له: تمتّع، إنما هي أيّام قلائل ثم تعلم ما يمرّ بك مني.
صوت
حيّ الدّويرة إذ نأت ... منّا على عدوائها
لا بالفراق تنيلنا ... شيئا ولا بلقائها
عروضه من الكامل [2] الشعر لنبيه بن الحجّاج السّهميّ، والغناء لابن سريج، رمل بالوسطى/ عن عمرو.
__________
[1] المختار: «على هذه الأحوال».
[2] المراد: من مجزوء الكامل.
24 - أخبار نبيه ونسبه
نسبه
هو نبيه بن الحجّاج بن عامر بن حذيفة بن سعد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤيّ بن غالب؛ وأمّه وأم أخيه منبّه أروى بنت عميلة بن السبّاق بن عبد الدار بن قصيّ.
قتل هو وأخوه يوم بدر مشركين
وكان نبيه بن الحجّاج وأخوه من وجوه قريش وذوي النباهة فيهم، وقتلا جميعا يوم بدر مشركين، ولهما يقول أعشى بني تميم - وهو ابن النبّاش بن زرارة، وكان أخوه أبو هالة بن النبّاش زوج خديجة أم المؤمنين في الجاهلية، ولها منه أولاد لهم عقب إلى الآن - وكان الأعشى مدّاحا لهم، وفيهم يقول، وهي قصيدة طويلة [1]:
للّه درّ بني الحجّاج إذ ندبوا ... لا يشتكي فعلهم ضيف ولا جار [2]
إن يكسبوا يطعموا من فضل كسبهم ... وأوفياء بعقد الجار أحرار [3]
وفي نبيه يقول أيضا [4]:
إن نبيها أبا الرزّام أفضلهم [5] ... حلما وأجودهم، والجود تفضيل
ليس لفعل [6] نبيه إن مضى خلف ... ولا لقول أبي الرزّام تبديل
/ ثقف كلقمان، عدل في حكومته [7] ... سيف إذا قام وسط القوم مسلول
وإنّ بيت نبيه منهج فلج [8] ... مخضّر بالندى ما عاش مأهول [9]
__________
[1] الآمدي 21، ونسب قريش 403 ..
[2] في الآمدي:
وقد أراها حديثا وهي آنسة ... لا يشتكي أهلها ...
ندبوا: دعوا للقيام بالأمور.
[3] في ج: «أبرار»، وفي الآمدي:
وأوفياء لمن آووه أبرار
[4] نسب قريش 404.
[5] نسب قريش: «أحلمهم».
[6] نسب قريش: «ليس لقول».
[7] ثقف: حاذق.
[8] فلج: يراد به هنا الواسع.
[9] في نسب قريش 404:
«مخضر أبدا ... »
، والرواية في أ:
« ... مخضر أبدا ما عاش مأمول»
من لا يعرّ ولا يؤذي عشيرته ... ولا نداه عن المعترّ معدول [1]
وله أيضا فيهما مراث قالها فيهما لما قتلا ببدر لم أستجز ذكرها؛ لأنهما قتلا مشركين محاربين اللّه ورسوله.
شعره في زوجتيه وقد سألتاه الطلاق
وكان نبيه من شعراء قريش، وهو القائل وقد سألته زوجتاه الطلاق، ذكر ذلك الزّبير بن بكّار [2]:
تلك عرساي تنطقان بهجر ... وتقولان قول زور وهتر [3]
تسألاني الطلاق أن [4] رأتاني ... قلّ مالي، قد [5] جئتماني بنكر
فلعلّي أن يكثر المال عندي ... ويخلّى [6] من المغارم ظهري
ويرى أعبد لنا وجياد ... ومناصيف [7] من ولائد عشر
ويكأن من يكن له نشب يحبب ومن يفتقر يعش عيش ضرّ/
ويجنّب يسر الأمور ولكنّ ... ذوي المال حضّر كلّ يسر [8]
شعر آخر له
أخبرني الطوسيّ والحرميّ، قالا: حدثنا الزّبير بن بكار، قال: حدثني علي بن صالح:
أنّ عامر بن صالح أنشده لنبيه بن الحجاج:
قصّر العدم [9] بي ولو كنت ذا ما ... ل كثير لأجلب [10] الناس حولي
ولقالوا: أنت الكريم علينا ... ولحطّوا إلى هواي وميلي
ولكلت المعروف كيلا هنيّا [11] ... يعجز الناس أن يكيلوا ككيلي
قال الزّبير: قال عليّ بن صالح: وأنشدني عامر بن صالح لنبيه بن الحجّاج أيضا:
/قالت سليمى إذ طرقت أزورها: ... لا أبتغي إلّا امرأ ذا مال
__________
[1] في ج: «من لا يعق». عرهم: ساءهم. والمعتر: الذي يطيف بك يطلب ما عندك؛ سألك أو سكت عن السؤال. «اللسان» (عرر).
وفي نسب قريش: «من لا يعن».
[2] في هامش أ: «الشعر لزيد بن عمرو بن نفيل».
[3] في أ، م: «قول أثر وعثر».
[4] في ب، س: «إذ رأتاني».
[5] في نسب قريش: «إذ جئتماني».
[6] في ج: «و يعرى».
[7] المناصيف: الخدم، واحدها منصف، كمنبر ومقعد.
[8] في ج:
«و يجنب سر الندى ولكن ... أخا المال محضر كل سر»
[9] أ، م: «قصر الشي ء».
[10] أجلب الناس حولي: تجمعوا وأتوني من كل واد.
[11] أ، م: «هنيئا».
لا أبتغي إلّا امرأ ذا ثروة ... كيما يسدّ مفاقري وخلالي [1]
فلأحرصنّ على اكتساب محبّب ... ولأكسبن في عفّة وجمال
أخبرني الطوسيّ والحرميّ، قالا: حدثنا الزبير بن بكار، قال: حدثني عمّي مصعب، قال:
نزل نبيه بن الحجّاج قديدا [2] يريد الشام، فغيّب بعض بني بكر ناقته، يريد أخذ الجعالة عليها منه، فقال نبيه في ذلك:
وردت قديدا فالتوى بذراعها ... ذؤبان بكر كلّ أطلس أفحج [3]
/رجل صديق ما بدت لك عينه ... فإذا تغيّب فاحتفظ من دعلج
قال الزبير: الدّعلج: الكلب والذّئب، وكلّ مختلس من السباع فهو دعلج، ويقال لاختلاسه: الدّعلجة، وأنشد [4]:
باتت كلاب الحيّ تسري بيننا ... يأكلن دعلجة ويشبع من ثوى
يعني بالدعلجة السرقة.
قال الزّبير: ولا عقب للحجّاج أبي نبيه ومنبّه إلّا من ولد نبيه؛ فإنّ العقب من ولد أبي سلمة إبراهيم بن عبد اللّه بن عفيف بن نبيه، وفي ريطة بنت منبّه؛ فإن عمرو بن العاص تزوّجها فولدت له عبد اللّه بن عمرو [5].
انتزع امرأة من أبيها فلجأ إلى حلف الفضول فخلصوها منها
وهذا الشعر الذي فيه الغناء يقوله في امرأة كان غلب أباها عليها، فاستغاث أبوها بالحلفاء من قريش، والحلف المعروف بحلف الفضول؛ فانتزعوها من نبيه وردّوها على أبيها.
أخبرني الطوسيّ، قال: حدثني الزّبير بن بكار، قال: حدثني غير واحد من قريش، منهم عبد العزيز بن عمر العنبسيّ عن مغنّ [6]، واسمه عيينة بن عبد اللّه بن عنبسة:
/ أنّ رجلا من خثعم قدم مكّة تاجرا، ومعه ابنة له يقال لها القتول، أوضأ نساء العالمين وجها، فعلقها نبيه بن الحجّاج بن عامر بن حذيفة بن سعد بن سهم، فلم يبرح حتى نقلها إليه، وغلب أباها عليها، فقيل لأبيها:
عليك بحلف الفضول؛ فأتاهم فشكا ذلك إليهم، فأتوا نبيه بن الحجّاج، فقالوا: أخرج ابنة هذا الرجل، وهو يومئذ متبدّ [7] بناحية مكة وهي معه، فقال: لا أفعل، قالوا: فإنّا من قد عرفت، فقال: يا قوم متّعوني بها الليلة، فقالوا:
__________
[1] المفاقر: وجوه الفقر لا واحد لها. والخلال: الحاجات.
[2] قديد: موضع قرب مكة.
[3] ذؤبان بكر: يريد لصوصها - أطلس: وسخ الثياب مغبرها - أفحج: متداني صدور قدميه متباعد عقباه.
[4] «اللسان» (دعلج)، وفيه:
باتت كلاب الحي تسري بيننا ... يأكلن دعلجة ويشبع من عفا
قال: والدعلجة: الأخذ الكثير. وقيل: الأكل بنهم.
[5] ورد في النسخ بعد هذا الكلام ما نصه: «نسب نبيه بن الحجاج وأخباره في هذا الشعر وغيره» وقد سبق هذا العنوان في ص 280.
[6] ب، س: «مغني»، أ، م: «مفتي»، وموضعها بياض في ج.
[7] كذا في أ، وفي ب، س، م: منتد. وفي ج: «مبتد»، تصحيف.
قبّحك اللّه، ما أجهلك! لا واللّه ولا شخب لقحة، وهي أوسع أحابيك من السائل، فأخرجها إليهم فأعطوها أباها، وركبوا، وركب معهم الخثعميّ، فلذلك يقول نبيه بن الحجاج [1]:
شعره في ذلك:
... راح صحبي ولم أحيّ القتولا ... لم أودّعهم وداعا جميلا
إذ أجدّ الفضول أن يمنعوها ... قد أراني ولا أخاف الفضولا
لا تخالي أنّي عشية راح الرّكب هنتم عليّ ألّا أقولا
إنني والذي تحجّ له شمط ... إياد وهلّلوا تهليلا [2]
لا تبرّأت من قتيلة بالنّا ... س وهل تبتغون إلّا القتولا [3]
/لم أخبّر عن الحديث ولا أبدأ رسّ الحديث والتقبيلا [4]
ومبيتا بذي المجاز ثلاثا ... ومتى كان حجّنا تحليلا
لن أذيع الحديث عنها ولا أنقاد لو أبيت فيها فتيلا [5] /
أتلوّى بها كما تتلوّى ... حيّة الماء بالأباء طويلا [6]
ثم عدوا عداء [7] نخلة ما يد ... رك منهم أدنى رعيل رعيلا
وبنو غالب أولئك قومي ... ومتى يفزعوا تراهم قبيلا
وندامى بيض الوجوه كهول ... وشباب أسهرت ليلا طويلا
غير هجن ولا لئام ولا تع ... رف منهم إلّا فتى بهلولا [8]
وفي ذلك يقول نبيه بن الحجاج [9]:
حيّ الدّويرة إذ نأت ... منّا على عدوائها [10]
لا بالفراق تنيلنا ... شيئا ولا بلقائها
أخذت حشاشة قلبه ... ونأت فكيف بنائها [11]
__________
[1] ابن كثير 1: 295.
[2] ج: «له حج شمط من إياد».
[3] كذا في أ، م، وفي ب، س:
إبراء من قتيلة بالناس ... هل أراكم تبغون إلا القتولا
[4] سقط هذا البيت من ج.
[5] كذا في النسخ وهو غير موزون.
[6] الأباء: أجمة الحلفاء والقصب، وفي ب، س: «بالإناء»، تصحيف.
[7] أ: «أطواء نخلة».
[8] البهلول: الجامع لكل خير وفي:
« .... ولا
نعدم منهم مبرأ مأمولا
[9] في نسب قريش ثلاثة أبيات من هذا الشعر.
[10] العدواء: البعد.
[11] بنائها: ببعدها.
حلّت تهامة خلّة ... من بيتها ووطائها
ولها بمكة منزل ... من سهلها وحرائها [1]
رفعوا المحلّة فوقها ... واستعذبوا من مائها
تدعو شهابا حولها ... وتعمّ في حلفائها
لو لا الفضول وأنّه ... لا أمن من عدوائها [2]
/لدنوت من أبياتها ... ولطفت حول خبائها
ولجئتها أمشي بلا ... هاد لدى ظلمائها
فشربت فضلة ريقها ... ولبتّ في أحشائها
فسلي بمكة تخبري ... أنّا من أهل وفائها
قدما وأفضل أهلها ... منّا على أكفائها
نمشي بألوية الوغى ... ونموت في أودائها [3]
__________
[1] حراء: جبل بمكة كان يتحنث فيه النبي صلّى اللّه عليه وسلم.
[2] في نسب قريش: «لا أمن من روعائها».
[3] الوادي: مفرج بين جبال أو تلال أو آكام؛ جمعه أوداء وأودية. «القاموس».
25 - [حلف الفضول]
سبب حلف الفضول
أخبرنا به الطّوسي، قال: حدثنا الزبير بن بكار، قال: حدثني أبو الحسن الأثرم، عن أبي عبيدة قال:
كان [1] سبب حلف الفضول أنّ رجلا من أهل اليمن قدم مكة ببضاعة فاشتراها رجل من بني سهم، فلوى الرجل بحقّه؛ فسأله متاعه فأبى عليه، فقام في الحجر، فقال:
يال قصيّ لمظلوم بضاعته ... ببطن مكة نائي الدار والنّفر
وأشعث محرم لم يقض حرمته ... بين المقام وبين الرّكن والحجر
وروى بعض الثقات تماما لهذين البيتين، وهو:
أقائم من بني سهم بذمّتهم ... أم ذاهب في ضلال مال معتمر
إنّ الحرام لمن تمّت حرامته ... ولا حرام لثوب الفاجر الغدر
/ قال: وقال بعض العلماء: إنّ قيس بن شيبة السّلميّ باع متاعا من أبيّ بن خلف، فلواه وذهب بحقّه، فاستجار برجل من بني جمح، فلم يقم بجواره، فقال:
يال قصيّ كيف هذا في الحرم ... وحرمة البيت وأعلاق الكرم
أظلم [2] لا يمنع منّي من ظلم
/ قال: وبلغ الخبر العبّاس بن مرداس السّلميّ، فقال:
إن كان جارك لم تنفعك ذمّته ... وقد شربت بكأس الغلّ أنفاسا [3]
فائت البيوت وكن من أهلها صددا [4] ... لا تلف [5] ناديهم فحشا ولا باسا
وثمّ كن بفناء البيت معتصما ... تلق ابن حرب وتلق المرء عبّاسا
قرمى قريش وحلّا في ذؤابتها [6] ... بالمجد والحزم ما حازا وما ساسا
ساقي الحجيج وهذا ياسر [7] فلج ... والمجد يورث أخماسا وأسداسا
__________
[1] خبر حلف الفضول ورد في ابن هشام 1: 144، وابن كثير 2: 29، والسيرة الحلبية 1: 153.
[2] كذا في أ، م، وفي ب، س: «أظل»، وفي ج: «أضع».
[3] ما: «بكأس الذل».
[4] صددا: قبالتهم وقريبا منهم، وفي نسخة للمختار: «سددا».
[5] كذا في أ؛ وفي ب، س والمختار: لا يلق.
[6] في المختار: «حلا في ذوائبها».
[7] الياسر: السهل اللين، وأيضا: من يتولى قسمة جزور الميسر.
فقام العباس وأبو سفيان حتى ردّا عليه. واجتمعت بطون قريش، فتحالفوا على ردّ الظلم بمكة، وألا يظلم رجل بمكة إلّا منعوه، وأخذوا له بحقه، وكان حلفهم في دار ابن جدعان، فكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم يقول: «لقد شهدت حلفا في دار ابن جدعان ما أحبّ أنّ لي به حمر النّعم، ولو دعيت به [1] لأجبت».
فقال قوم من قريش: هذا واللّه فضل من الحلف؛ فسمّى حلف الفضول.
قال: وقال آخرون: تحالفوا على مثل حلف تحالف عليه قوم من جرهم في هذا الأمر ألّا يقرّوا ظلما ببطن مكة إلّا غيّروه، وأسماؤهم الفضل بن شراعة، والفضل بن قضاعة، والفضل بن سماعة [2].
/قال: وحدثني محمد بن فضالة، عن عبد اللّه بن سمعان، عن ابن شهاب، قال:
كان شأن حلف الفضول أنّ بدء ذلك أنّ رجلا من بني زبيد قدم مكة معتمرا في الجاهلية ومعه تجارة له، فاشتراها منه رجل من بني سهم، فأواها إلى بيته، ثم تغيّب، فابتغى متاعه الزّبيديّ، فلم يقدر عليه، فجاء إلى بني سهم يستعديهم عليه، فأغلظوا عليه، فعرف أن لا سبيل إلى ماله؛ فطوّف في قبائل قريش يستعين بهم، فتخاذلت القبائل عنه، فلما رأى ذلك أشرف على أبي قبيس حين أخذت قريش مجالسها في المسجد، ثم قال:
يا آل فهر لمظلوم بضاعته ... ببطن مكّة نائي الدار والنّفر
ومحرم شعث لم يقض عمرته ... يا إل فهر وبين الحجر والحجر
أقائم من بني سهم بخفرتهم [3] ... فعادل أم ضلال مال معتمر
الحلف ينعقد في دار عبد اللّه بن جدعان ورسول اللّه معهم
فلما نزل أعظمت قريش ذلك، فتكلموا فيه، فقال المطيّبون: واللّه لئن قمنا في هذا ليغضبنّ الأحلاف، وقال الأحلاف: واللّه لئن تكلّمنا في هذا ليغضبنّ المطيّبون، وقال ناس من قريش: تعالوا فليكن حلفا فضولا دون المطيّبين ودون الأحلاف، فاجتمعوا في دار عبد اللّه بن جدعان، وصنع لهم طعاما يومئذ كثيرا، وكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم يومئذ معهم، قبل أن يوحي اللّه إليه، وهو ابن خمس وعشرين سنة. فاجتمعت بنو هاشم وأسد/ وزهرة وتيم، وكان الذي تعاقد عليه القوم: تحالفوا على ألّا يظلم بمكة غريب ولا قريب ولا حرّ ولا عبد إلّا كانوا معه، حتى يأخذوا له بحقّه، ويؤدّوا إليه مظلمته من أنفسهم ومن غيرهم، ثم عمدوا إلى ماء من زمزم فجعلوه/ في جفنة، ثم بعثوا، به إلى البيت، فغسلت به أركانه، ثم أتوا به فشربوه.
الرسول يشيد بحلف الفضول
قال: فحدثنا هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة أمّ المؤمنين رضي اللّه عنها:
أنها سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم يقول: «لقد شهدت في دار عبد اللّه بن جدعان حلف الفضول، أما لو دعيت إليه اليوم لأجبت، وما أحبّ أنّ لي به حمر النّعم، وأني نقضته».
قال: وحدثني عمر بن عبد العزيز العنبسيّ [4] أنّ الذي اشترى من الزّبيديّ المتاع العاص بن وائل السّهميّ.
__________
[1] في المختار: «و لو دعيت له اليوم».
[2] كذا في م، وهامش أ: وورد فيهما بعده: «فلان سقط من الكتاب»، وفي ب، س، ج، أ: الفضل بن فلان. سقط من الكتاب.
[3] أ: «هل مخفر من بني سهم بخفرتهم». والخفرة: الذمة.
[4] كذا في أ، ج، وفي ب، س، م: «العبسي».
أهل الحلف وعلى أي شيء تحالفوا
وقال: أهل حلف الفضول بنو هاشم، وبنو المطلب، وبنو أسد بن عبد العزّى، وبنو زهرة، وبنو تيم، تحالفوا بينهم ألّا يظلم بمكة أحد إلا كنّا جميعا مع المظلوم على الظالم، حتى نأخذ له مظلمته ممّن ظلمه شريفا أو وضيعا، منّا أو من غيرنا.
ثم انطلقوا إلى العاص بن وائل، ثم قالوا: واللّه لا نفارقك حتى تؤدّي إليه حقّه، فأعطى الرجل حقّه، فمكثوا كذلك لا يظلم أحد حقّه بمكة إلّا أخذوه له. وكان عتبة بن ربيعة بن عبد شمس يقول: لو أنّ رجلا وحده خرج من قومه لخرجت من عبد شمس، حتى أدخل في حلف الفضول. وليس عبد شمس في حلف الفضول.
وحدثني محمد بن حسن، عن محمد بن طلحة، عن موسى بن عبد اللّه بن إبراهيم، عن أبيه، وعن محمد بن فضالة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، وعن إبراهيم بن محمد، وعن أبي عبد اللّه بن الهاد:
/ أنّ بني هاشم وبني المطلب وبني أسد بن عبد العزّى وتيم بن مرّة احتلفوا على ألّا يدعوا بمكة كلها، ولا في الأحابيش [1] مظلوما يدعوهم إلى نصرته إلّا أنجدوه، حتى يردّوا عليه مظلمته، أو يبلوا في ذلك عذرا، أو على ألّا يتركوا لأحد عند أحد فضلا إلّا أخذوه، وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - وبذلك سمّي حلف الفضول - باللّه الغالب [2] أنّ اليد على الظالم حتى يأخذوا للمظلوم حقّه ما بلّ بحر صوفة [3]، وعلى التأسّي في المعاش.
قال محمد بن الحسن: قال محمد بن طلحة في حديثه، عن موسى بن محمد عن أبيه، وعن محمد بن فضالة، عن أبيه، قال:
لم يكن بنو أسد بن عبد العزى في حلف الفضول، قال: وكان بعد عبد المطلب.
قال: وحدثني محمد بن الحسن، عن عيسى بن يزيد بن دأب، قال: أهل حلف الفضول: هاشم، وزهرة، وتيم. قال: وقيل له: فهل لذلك شاهد من الشعر؟ قال: نعم، قال: أنشدني بعض أهل العلم قول بعض الشعراء:
تيم بن مرّة إن سألت وهاشم ... وزهرة الخير في دار ابن جدعان
متحالفون على النّدى ما غرّدت ... ورقاء في فنن من جزع كتمان
/ فقيل له: وأين كتمان؟ فقال: واد بنجران [4]؛ فجاء ببيتين مضطربين مختلفي النصفين.
وحدثني أبو الحسن الأثرم، عن أبي عبيدة، قال:
تداعى بنو هاشم وبنو المطلب وبنو أسد بن عبد العزّى وبنو زهرة بن كلاب وتيم بن مرّة إلى حلف الفضول، فاجتمعوا في دار عبد اللّه بن جدعان، فتحالفوا عنده، وتعاقدوا ألّا يجدوا بمكة مظلوما من أهلها ولا من غيرهم
__________
[1] الأحابيش: أحياء من القارة انضموا إلى بني ليث في الحرب التي وقعت بينهم وبين قريش قبل الإسلام؛ سموا بذلك لاسودادهم.
وقيل: إنهم سموا باسم جبل حبشي بأسفل مكة؛ وذلك أن بني المصطلق وبني الهون بن خزيمة اجتمعوا عنده، فحالفوا قريشا وقالوا: إنا ليد على غيرنا ما سجا ليل ووضح نهار. وما أرسى حبشي مكانه. «اللسان» (حبش).
[2] أ: «القائل» وفي هامشه من نسخة: «الغالب».
[3] ما بل بحر صوفة، أي أبدا. وصوف البحر: شيء على شكل الصوف الحيواني. ومن الأبديات قولهم: لا آتيك ما بل بحر صوفة، وحكى اللحياني: ما بل البحر صوفة. (اللسان - «صوف»).
[4] في البلدان: قال أبو منصور: كتمان: اسم بلد في بلاد قيس. وقال غيره: كتمان: واد بنجران.
/ إلّا قاموا معه على من ظلمه حتى يردّوا مظلمته. وشهد النبيّ صلّى اللّه عليه وسلم هذا الحلف قبل أن يبعث، فهذا حلف الفضول.
قال: وحدثني إبراهيم بن حمزة عن جدّي عبد اللّه بن مصعب، عن أبيه، قال: إنما سمّي حلف الفضول [1] لأنه كان في جرهم رجال يردّون المظالم يقال لهم: فضيل وفضّال وفضل ومفضل، قال: فلذلك سمّي حلف الفضول، تعاقدوا أن يردّوا المظالم.
قال: فتحالفوا باللّه الغالب لنأخذنّ للمظلوم من الظالم، وللمقهور من القاهر، ما بلّ بحر صوفة.
قال: وقال أبي: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم:
«فشهدت حلفا في دار عبد اللّه بن جدعان لم يزده الإسلام إلا شدة،/ ولهو أحبّ إلى من حمر النّعم»، قال:
وقال غيره: «لو دعيت إليه لأجبت».
رواية أخرى في سبب تسميته
قال: وحدثني محمد بن حسن، عن نوفل بن عمارة عن إسحاق بن الفضل قال: إنّما سمّت قريش هذا الحلف حلف الفضول؛ لأن نفرا من جرهم يقال لهم: الفضل وفضّال والفضيل، تحالفوا على مثل ما تحالفت عليه هذه القبائل.
قال: وحدثني رجل عن محمد بن حسن، عن محمد بن فضالة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة:
أنها قالت: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم يقول: «لقد شهدت في دار ابن جدعان حلف الفضول، أما لو دعيت إليه لأجبت، وما أحبّ أنّي نقضته، وأنّ لي حمر النّعم».
قال الزّبير: وحدثني علي بن صالح عن جدّي عبد اللّه بن مصعب، عن أبيه:
أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم قال: «و الذي نفسي بيده، لقد شهدت في الجاهلية حلفا - يعني حلف الفضول - أما لو دعيت إليه اليوم لأجبت، لهو أحبّ إليّ من حمر النعم، لا يزيده الإسلام إلا شدّة».
قال: وحدثني أبو الحسن الأثرم، عن أبي عبيدة، قال: حدثني رجل عن محمد بن يزيد الليثيّ، قال: سمعت طلحة بن عبد اللّه بن عوف الزّبيريّ، يقول:
قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم: «لقد شهدت في دار عبد اللّه بن جدعان حلفا ما أحبّ أنّ لي به حمر النعم، ولو أدعى إليه في الإسلام لأجبت».
قال: وحدثني محمد بن حسن، عن نصر بن مزاحم، عن معروف بن خرّبوذ، قال:
/ تداعت بنو هاشم وبنو المطلب وأسد وتيم، فاحتلفوا على ألّا يدعوا بمكة كلّها ولا في الأحابيش مظلوما يدعوهم إلى نصرته إلّا أنجدوه، حتى يردّوا إليه مظلمته، أو يبلوا في ذلك عذرا. وكره ذلك سائر المطيّبين [2] والأحلاف من أمره [3]، وسمّوه حلف الفضول، عيبا له، وقالوا: هذا من فضول القوم، فسمّوه حلف الفضول.
__________
[1] في «اللسان» (فضل): وسمي حلف الفضول، لأنه قام به رجال من جرهم كلهم يسمى الفضل: الفضل بن الحارث، والفضل بن وداعة، والفضل بن فضالة؛ فقيل: حلف الفضول، جمعا لأسماء هؤلاء، كما يقال: سعد وسعود.
[2] كذا في أ، ج، م، وفي ب، س: «المكيبين».
[3] كذا في أ، وفي ب، س: «و الأحلاف من أمرهم».
قال: وحدثني محمد بن حسن، عن إبراهيم بن محمد، عن يزيد بن عبد اللّه بن الهاد، عن محمد بن إبراهيم، قال:
كان حلف الفضول بين بني هاشم وبني أسد وبني زهرة وبني تيم.
قال: فحدثني أبو خيثمة زهير بن حرب، قال: حدثني إسماعيل بن إبراهيم، عن عبد الرحمن بن إسحاق، عن الزّهريّ، عن محمد بن حبيب، عن أبيه، عن عبد الرحمن بن عوف، قال:
قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم: «شهدت مع عمومتي حلف المكّيين، فما أحبّ أنّ لي حمر النّعم وأني أنكثه».
قال: وحدثني محمد بن الحسن، عن محمد بن طلحة، عن عثمان بن عبد الرحمن بن عثمان بن عبيد اللّه التيميّ:
أنه بلغه أنّ الذي بدأ بحلف الفضول من هذه القبائل أمر الغزال الذي سرق من الكعبة.
ابن جبير بن مطعم وعبد الملك بن مروان
/ حدثني محمد بن الحسن، قال: حدثنا محمد بن طلحة، عن موسى بن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيميّ، عن أبيه، قال:
قدم ابن جبير بن مطعم على عبد الملك بن مروان، وكان من حلفاء/ قريش.
بنو عبد شمس وبنو نوفل لم يكونا في حلف الفضول
فقال له عبد الملك: يا أبا سعيد، لم يكن بنو عبد شمس وأنتم - يعني بني نوفل - في حلف الفضول، قال:
وأنتم أعلم يا أمير المؤمنين، قال: لتحدثّني بالحق من ذلك، قال: لا واللّه يا أمير المؤمنين، لقد خرجنا نحن وأنتم منه، ولم تكن يدنا ويدكم إلّا جميعا في الجاهلية والإسلام.
الوليد بن عتبة ينصف الحسين بن علي
قال: وحدثني محمد بن حسن، عن إبراهيم بن محمد بن يزيد بن عبد اللّه بن الهاد اللّيثيّ أنّ محمد بن الحارث التيميّ أخبره:
أنه كان بين الحسين بن عليّ عليهما السلام وبين الوليد بن عتبة بن أبي سفيان كلام - والوليد يومئذ أمير المدينة في زمن معاوية بن أبي سفيان - في مال كان بينهما بذي المروة [1]، فقال الحسين بن عليّ عليهما السلام:
استطال عليّ الوليد بن عتبة في حقّي بسلطانه، فقلت: أقسم باللّه لتنصفنّي في حقّي أو لآخذنّ سيفي، ثم لأقومنّ في مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم، ثم لأدعونّ بحلف الفضول، قال: فقال عبد اللّه بن الزّبير - وكان عند الوليد لما قال الحسين ما قال - : وأنا أحلف باللّه لئن دعا به لآخذنّ سيفي ثم لأقومنّ معه حتى ينصف من حقه أو نموت جميعا. فبلغت المسور بن مخرمة بن نوفل الزهريّ، فقال مثل ذلك، فبلغت عبد الرحمن بن عثمان بن عبيد اللّه التيميّ، فقال مثل ذلك. فلما بلغ الوليد بن عتبة أنصف الحسين من حقّه حتى رضي.
__________
[1] ذو المروة: قرية بوادي القرى. وقيل: بين خشب ووادي القرى. «البلدان».
قال: وحدثني أبو الحسن الأثرم عليّ بن المغيرة، عن أبي عبيدة، قال: حدثني رجل عن يزيد بن عبد اللّه بن أسامة الليثيّ:
أنّ محمد بن إبراهيم التيميّ حدّثه مثل حديث محمد بن حسن الذي قبل هذا.
الحسين بن علي ينازع معاوية في أرض له
قال: وحدثني إبراهيم بن حمزة، عن جدّي عبد اللّه بن مصعب، عن أبيه أنّ الحسين بن عليّ عليهما السلام كان بينه وبين معاوية كلام في أرض له، فقال له الحسين عليه السلام: اختر خصلة من ثلاث خصال: إما أن تشتري مني حقي، وإما أن تردّه عليّ، أو تجعل بيني وبينك ابن الزبير وابن عمر، والرابعة الصّيلم، قال: وما الصّيلم؟
قال: أن أهتف بحلف الفضول، قال: فلا حاجة لنا بالصّيلم.
قال: فخرج وهو مغضب، فمرّ بعبد اللّه بن الزّبير فأخبره، فقال: واللّه لئن لم ينصفني لأهتفنّ بحلف الفضول، فقال عبد اللّه بن الزبير: واللّه لئن هتفت به وأنا مضطجع لأقعدنّ أو قاعد لأقومنّ، ولئن هتفت به وأنا ماش لأسعينّ، ثم لينفدنّ روحي [1] مع روحك، أو لينصفنّك.
قال: فخرج عبد اللّه بن الزّبير فدخل على معاوية فباعه منه، وخرج عبد اللّه فجاء إلى الحسين عليه السلام، فقال: أرسل فانتقد مالك، فقد بعته لك.
قال: وحدثني عليّ بن صالح، عن جدّي عبد اللّه بن مصعب، عن أبيه، قال:
خرج الحسين عليه السلام من عند معاوية، فلقي عبد اللّه بن الزبير، والحسين مغضب، فذكر الحسين أن معاوية ظلمه في حقّ له، فقال الحسين: أخيّره في ثلاث خصال، والرابعة الصّيلم: أن يجعلك أو ابن عمر بيني وبينه، أو يقرّ بحقي، ثم يسألني فأهبه له، أو يشتريه منّي، فإن لم يفعل فو الذي نفسي بيده لأهتفنّ بحلف الفضول.
قال ابن الزبير: والذي نفسي بيده لئن هتفت به وأنا قاعد لأقومنّ أو قائم/ لأمشينّ، أو ماش لأشتدنّ، حتى تفنى روحي مع روحك أو ينصفك.
/ قال: ثم ذهب ابن الزبير إلى معاوية، فقال: لقيني الحسين فخيّرك في ثلاث خصال، والرابعة الصّيلم. قال معاوية: لا حاجة لنا بالصّيلم؛ إنك لقيته مغضبا، فهات الثلاث، قال: تجعلني أو ابن عمر بينك وبينه، قال: فقد جعلتك بيني وبينه أو ابن عمر أو جعلتكما، قال: أو تقرّ له بحقّه وتسأله إياه، قال: أنا أقرّ له بحقّه وأسأله إياه، قال: أو تشتريه منه، قال: وأنا أشتريه منه، قال: فلما انتهى إلى الرابعة قال لمعاوية كما قال للحسين عليه السلام:
إن دعاني إلى حلف الفضول لأجبته، فقال معاوية: لا حاجة لنا بهذا.
رجل من ثمالة يشكو أبيّ بن خلف إلى حلف الفضول
قال: وبلغني أنّ عبد الرحمن بن أبي بكرة والمسور بن مخرمة قالا للحسين بن عليّ عليهما السلام مثل ما قال ابن الزبير، فبلغ ذلك معاوية وعنده جبير بن مطعم، فقال له معاوية: يا أبا محمد، أكنّا في حلف الفضول؟ قال:
لا، قال: فكيف كان؟ قال: قدم رجل من ثمالة فباع سلعة له من أبيّ بن خلف بن وهب بن حذافة بن جمح،
__________
[1] في المختار: «ثم لآتينك حتى تفنى روحي مع روحك أو ينصفك»، وستأتي هذه الرواية.
فظلمه، وكان يسيء المخالطة فأتى الثماليّ إلى أهل حلف الفضول فأخبرهم، فقالوا: اذهب فأخبره أنك أتيتنا، فإن أعطاك حقّك وإلا فارجع إلينا، فأتاه فأخبره بما قال له أهل حلف الفضول، قال: فأخرج إليه ماله، وأعطاه إياه بعينه، وقال:
أيأخذني في بطن مكّة ظالما ... أبيّ ولا قومي لديّ ولا صحبى
وناديت قومي صارخا ليجيبنى [1] ... وكم دون قومي من فياف ومن سهب [2]
ويأبى لكم حلف الفضول ظلامتي ... بني جمح والحقّ يؤخذ بالغصب
القيني يستصرخ عبد اللّه بن جدعان
وقد روى إبراهيم بن المنذر الحزاميّ في أمر حلف الفضول غير ما رواه الزبير، قال إبراهيم: حدثني عبد العزيز بن عمران، قال:
قدم أبو الطمحان القينيّ الشاعر، واسمه حنظلة بن الشرقيّ، فاستجار عبد اللّه بن جدعان التيمي ومعه مال له من الإبل، فعدا عليه قوم من بني سهم فانتحروا ثلاثة من إبله، وبلغه ذلك فأتاهم بمثلها، فقال: أنتم لها ولأكثر منها أهل، فأخذوها فانتحروها، ثم أمسكوا عنه زمانا، ثم جلسوا على شراب لهم، فلما انتشوا غدوا على إبله فأساقوها كلها، فأتى عبد اللّه بن جدعان يستصرخه، فلم يكن فيه ولا في قومه قوة ببني سهم، فأمسك عنهم ولم ينصره، فقال أبو الطمحان [3]:
ألا حنّت المرقال واشتاق ربّها ... تذكّر أرماما وأذكر معشري [4]
ولو علمت صرف البيوع لسرّها [5] ... بمكة أن تبتاع حمضا بإذخر
أجدّ بني الشّر فيّ أنّ أخاهم ... متى يعتلق جارا وإن عزّ يغدر
إذا قلت واف أدركته دروكه ... فيا موزع الجيران بالغيّ أقصر
ثم ارتحل عنهم.
لميس بن سعد يستجير بقريش من ظلم أبي بن خلف
ووفد لميس بن سعد البارقيّ مكة، فاشترى منه أبيّ بن خلف سلعة، فظلمه إياها، فمشى في قريش فلم يجره أحد، فقال:
أيظلمني مالي أبيّ سفاهة ... وبغيا ولا قومي لديّ ولا صحبي
__________
[1] ب، س: «لتجيبني»، والمثبت من باقي النسخ.
[2] السهب، بضم السين: المستوى من الأرض في سهولة. وضبط في أبفتح السين. والسهب، بالفتح: الفلاة. «اللسان» (سهب).
[3] الشعراء 348، والأغاني 11: 178.
[4] ب، س: «أزمانا»، والمثبت يوافق ما في «اللسان» وباقي النسخ. وفي الشعراء: «و ائتب ربها»، أي تهيأ للذهاب وتجهز، وأرمام:
موضع بعينه.
[5] ج: بيثرب، والبيت في الكامل 427، والحمض: بفتح الحاء، نبات لا يهيج في الربيع ويبقى على القيظ وفيه ملوحة، إذا أكلته الإبل شربت عليه، وإذا لم تجده رقت وضعفت. وهو فاكهة الإبل. والإذخر: الحشيش الأخضر.
وناديت قومي بارقا لتجيبني ... وكم دون قومي من فياف ومن سهب
ورجل آخر من زبيد يستجير بقريش
/ ثم قدم رجل من بني زبيد، فاشترى منه رجل من بني سهم يقال له: حذيفة سلعة، وظلمه حقّه، فصعد الزبيديّ [1] على أبي قبيس، ثم نادى بأعلى صوته:
يا آل فهر لمظلوم بضاعته ... ببطن مكّة نائي الحيّ والنّفر
يا آل فهر لمظلوم ومضطهد ... بين المقام وبين الركن والحجر
إنّ الحرام لمن تمّت حرامته ... ولا حرام لثوب الفاجر الغدر
فأعظم الزّبير بن عبد المطلب ذلك، وقال: يا قوم، إني واللّه لأخشى أن يصيبنا ما أصاب الأمم السالفة من ساكني مكّة، فمشى إلى ابن جدعان، وهو يومئذ شيخ قريش، فقال له في ذلك، وأخبره بظلم بني سهم وبغيهم، وقد كان أصاب بني سهم أمران لا يشكّ أنهما للبغي: احتراق المقاييس منهم، وهم قيس ومقيس وعبد قيس بصاعقة، وأقبل منهم ركب من الشام، فنزلوا بماء يقال له القطيعة [2]، فصبّوا فضلة خمر لهم في إناء، وشربوا ثم ناموا، وقد بقيت منهم بقية فكرع منها حيّة أسود، ثم تقيأ في الإناء، فهبّ القوم فشربوا منه، فماتوا عن آخرهم، فأذكره هذا ومثله، فتحالف بنو هاشم وبنو المطلب وبنو زهرة وبنو تيم: باللّه الغالب [3]، إنا ليد واحدة على الظالم، حتى يردّ الحق.
وخرج سائر قريش من هذا الحلف. إلا أنّ ابن الزبير ادّعاه لبني أسد في الإسلام. قال: فأخبرني الواقديّ وغيره أن محمد بن جبير بن مطعم دخل على عبد الملك بن مروان، فسأله عن حلف الفضول فقال: أما أنا وأنت/ يا أمير المؤمنين فلسنا فيه، فقال: صدقت واللّه، إني لأعرفك بالصدق، قال: فإنّ ابن الزبير يدّعيه، فقال: ذاك هو الباطل.
قال: وكان عتبة بن ربيعة يقول: لو أنّ رجلا خرج عن قومه إلى غيرهم لكرم حلف لخرجت عن قومي إلى حلف الفضول.
أقوال أخرى في سبب تسمية حلف الفضول
قال الواقديّ: قد اختلف فيه، لم سمّي حلف الفضول؛ فقيل: إنه سمّي بذلك لأنهم قالوا: لا ندع لأحد عند أحد فضلا إلّا أخذناه منه، وقيل: بل سمع بهذا بعض من لم يدخل فيه، فقال: هذا فضول من الأمر.
وقال الواقديّ: والصحيح أن قوما من جرهم يقال لهم فضل وفضالة وفضّال ومفضّل تحالفوا على مثل هذا في أيامهم، فلما تحالفت قريش هذا الحلف سموا بذلك.
__________
[1] أ: «الزبيري»، والمثبت من باقي الأصول وهو يوافق ما في السيرة الحلبية.
[2] أ: «الغطيفة»، تحريف.
[3] كذا فى أ، ج، م، وفي ب، س: «القاتل».
نسبة ما في هذا الخبر من الغناء
صوت
يا للرّجال لمظلوم بضاعته ... ببطن مكّة نائي الدار والنفر
إنّ الحرام لمن تمّت حرامته ... ولا حرام لثوبي لابس الغدر
غنّاه ابن عائشة، ثقيل أول بالبنصر، عن حبش.
يزيد بن معاوية أول من سن الملاهي في الإسلام
أخبرني إسماعيل بن يونس الشيعيّ، قال: حدثنا عمر بن شبّة، قال: حدثنا المدائنيّ، عن ابن أبي سبرة، عن لقيط بن نصر المحاربيّ، قال:
كان يزيد بن معاوية أول من سنّ الملاهي في الإسلام من الخلفاء، وآوى المغنّين، وأظهر الفتك وشرب الخمر، وكان ينادم عليها سرجون/ النّصرانيّ مولاه والأخطل، وكان يأتيه/ من المغنّين سائب خاثر فيقيم عنده، فيخلع عليه ويصله، فغنّاه يوما:
يا للرّجال لمظلوم بضاعته ... ببطن مكة نائي الأهل والنّفر
فاعترته أريحيّة، فرقص حتى سقط، ثم قال: اخلعوا عليه خلعا يغيب فيها حتى لا يرى منه شيء، فطرحت عليه الثياب والجباب والمطارف والخزّ حتى غاب فيها.
صوت
اشرب هنيئا عليك التاج مرتفقا ... في رأس غمدان دارا منك محلالا
تلك المكارم لا قعبان من لبن ... شيبا بماء فعادا بعد أبوالا
عروضه++ من البسيط.
المرتفق: المتّكىء على مرفقه. وغمدان: اسم قصر كان لسيف بن ذي يزن باليمن. والمحلال. الدار التي يحلّ فيها، أي يقيم فيها. وشيبا: معناه خلطا. والشوب: الخلط، يقال: شاب كذا بكذا إذا خلطهما.
الشعر لأميّة بن أبي الصلت الثقفيّ [1]، وقيل: بل هو للنابغة الجعديّ، وهذا خطأ من قائله؛ وإنما أدخل النابغة البيت الثاني من هذه الأبيات قي قصيدة له على جهة التضمين. والغناء لسائب خاثر خفيف رمل بالوسطى، من رواية حماد عن أبيه، وفيه لطويس لحن من كتاب يونس الكاتب غير مجنّس [2].
__________
[1] البيتان من قصيدة في ديوانه 54 في مدح سيف بن ذي يزن؛ قال في الديوان: وأكثر الرواة يرويها لأبيه، وبعضهم لجده زمعة.
[2] بعده في نسخة أ، م: «تم الجزء الخامس عشر من كتاب «الأغاني الكبير» لأبي الفرج الأصفهاني، يتلوه بمشيئة اللّه وعونه في الجزء السادس عشر نسب أمية بن أبي الصلت وخبره في قول هذا الشعر».
26 - نسب أمية بن أبي الصلت وخبره في قوله هذا الشعر
نسبه
أبو الصّلت عبد اللّه بن أبي ربيعة بن عمرو [1] بن عقدة بن عنزة [2] بن عوف بن قسيّ [3]، وهو ثقيف. شاعر من شعراء الجاهلية قديم. وهذا الشعر يقوله في سيف بن ذي يزن لما ظفر بالحبشة يهنّيه بذلك ويمدحه.
سيف بن ذي يزن يستنجد كسرى
وكان السبب في قدوم الحبشة اليمن وغلبتهم عليها وخروج سيف بن ذي يزن إلى كسرى يستنجد عليهم أنّ ملكا من ملوك اليمن يقال له: ذو نواس غزا أهل نجران، وكانوا نصارى، فحصرهم؛ ثم إنه ظفر بهم فخدّد لهم الأخاديد، وعرضهم على اليهودية فامتنعوا من ذلك، فحرّقهم بالنار، وحرق الإنجيل، وهدم بيعتهم، ثم انصرف إلى اليمن، وأفلت منه رجل يقال له دوس ذو ثعلبان على فرس، فركضه حتى أعجزهم في الرّمل.
دوس ذو ثعلبان يستنجد قيصر
ومضى دوس إلى قيصر ملك الرّوم يستغيثه ويخبره بما صنع [4] ذو نواس بنجران، ومن قتل من النصارى، وأنه خرب كنائسهم، وبقر النساء، وهدم الكنائس، فما فيها ناقوس يضرب به. فقال له قيصر: بعدت بلادي عن بلادكم، ولكن أبعث إلى قوم من أهل ديني، أهل مملكته قريب منكم فينصرونكم. قال دوس ذو ثعلبان؛ فذاك إذا، قال قيصر: إن هذا الذي أصنعه [5] بكم أذلّ للعرب أن/ يطأها سودان ليس ألوانهم على ألوانهم، ولا ألسنتهم على ألسنتهم، فقال الملك: أنظر لأهل دينه إنما هم خوله.
قيصر يكتب إلى ملك الحبشة بنصرة دوس
فكتب إلى ملك الحبشة أن انصر هذا الرجل الذي جاء يستنصرني، واغضب للنصرانية، فأوطىء بلادهم الحبشة.
أرياط يخرج في جيش كبير إلى اليمن
فخرج دوس ذو ثعلبان بكتاب قيصر إلى ملك الحبشة، فلما قرأ كتابه أمر أرياط - وكان عظيما من
__________
[1] مختار الأغاني والإصابة (القسم الرابع، حرف الهمزة): «بن عوف».
[2] في الإصابة: غيرة، وفي ج، م: «غمرة».
[3] كذا في ب، جو الشعراء، وفي أ، م: «قيس».
[4] أ: «و يخبره ما صنع».
[5] أ: «صنعت».
عظمائهم [1] - أن يخرج معه فينصره. فخرج أرياط في سبعين ألفا من الحبشة، وقوّد على جنده قوّادا من رؤسائهم، وأقبل بفيله، وكان معه أبرهة بن الصباح. وكان في عهد ملك الحبشة إلى أرياط:/ إذا دخلت اليمن فاقتل ثلث رجالها، وخرب ثلث بلادها، وابعث إليّ بثلث نسائها.
فخرج أرياط في الجنود فحملهم في السفن في البحر، وعبر بهم حتى ورد اليمن، وقد قدّم مقدمات الحبشة، فرأى أهل اليمن جندا كثيرا، فلما تلاحقوا قام أرياط في جنده خطيبا فقال: يا معشر الحبشة، قد علمتم أنكم لن ترجعوا إلى بلادكم أبدا، هذا البحر بين أيديكم إن دخلتموه غرقتم، وإن سلكتم البرّ هلكتم، واتخذتكم العرب عبيدا، وليس لكم إلّا الصبر حتى تموتوا أو تقتلوا عدوّكم.
انتصار أرياط على ذي نواس
فجمع ذو نواس جمعا كثيرا، ثم سار إليهم فاقتتلوا قتالا شديدا، فكانت الدولة للحبشة، فظفر أرياط، وقتل أصحاب ذي نواس، وانهزموا في كل وجه. فلما تخوّف ذو نواس أن سيؤسر ركض فرسه، واستعرض به البحر، وقال: الموت بالبحر أحسن من إسار أسود، ثم أقحم فرسه لجّة البحر، فمضى به فرسه، وكان آخر العهد به.
/ ثم خرج إليهم ذو جدن الهمدانيّ في قومه، فناوشهم، وتفرّقت عنه همدان، فلما تخوّف على نفسه قال:
ما الأمر إلّا ما صنع ذو نواس، فأقحم فرسه البحر، فكان آخر العهد به.
ودخل أرياط اليمن، فقتل ثلثا، وبعث ثلث السبي إلى ملك الحبشة، وخرب ثلثا، وملك اليمن، وقتل أهلها، وهدم حصونها، وكانت تلك الحصون بنتها الشياطين في عهد سليمان لبلقيس، واسمها بلقمة، وكان مما خرب من حصونهم: سلحون، وبينون، وغمدان، حصونا لم ير مثلها. فقال الحميريّ [2]، وهو بذكر ما دخل على حمير من الذلّ:
هونك أين تردّ العين ما فاتا ... لا تهلكن أسفا في إثر من فاتا
أبعد بينون لا عين ولا أثر ... وبعد سلحون يبني الناس أبياتا!
قال: فلما ظفر أرياط أخذ الأموال، وأظهر العطاء في أهل الشرف، فغضبت الحبشة حين أعطى أشرافهم، وترك أهل الفقر منهم، واستذلّهم وأجاعهم وأعراهم وأتعبهم في العمل، وكلّفهم ما لا يطيقون، فجزع من ذلك الفقراء، وشكا ذلك بعضهم إلى بعض، وقالوا: ما نرانا إلّا أذلّة أشقياء أينما كنّا، إن كان قتال قدّمنا في نحور العدوّ، وإن كان قتل قتلنا، وإن كان عمل فعلينا، والبلايا علينا، والعطايا لغيرنا، مع ما يقصينا ويجفونا.
__________
[1] أ: «أمر إرياط عظيما».
[2] هو ذو جدن الحميري؛ كما في البلدان (بينون)، والبيتان مع آخر هناك، والرواية فيه:
لا تهلكن جزعا في إثر من ماتا ... فإنه لا يرد الدهر ما فاتا
وفي أ، ج: « ... في إثر ما فاتا»، والشعر في الطبري 2: 125، وفيه: « ... يرد الدمع ... لا تهلكي»، وفي «ياقوت».
(سلحين):
يا خلتي ما يرد الدمع ما فاتا ... لا تهلكي أسفا في إثر من فاتا
أبرهة يحرض فقراء الحبشة على أرياط
فقال لهم عند ذلك رجل من الحبشة يقال له أبرهة من قوّاد أرياط: لو أن رجلا غضب لغضبكم إذا لأسلمتموه حتى يذبح كما تذبح الشاة. قالوا: لا والمسيح، ما كنّا نسلمه أبدا، فواثقوه بالإنجيل ألّا يسلموه [1] حتى يموتوا عن آخرهم.
فنادى مناديه فيهم، فاجتمعوا إليه فبلغ ذلك أرياط أنّ أبا أصحم أبرهة جمع لك الجموع، ودعا الناس إلى قتالك. قال: أو قد فعل ذلك أبرهة، وهو ممن لا بيت له في الحبشة! وغضب أرياط غضبا شديدا، وقال: هو أدنى من ذلك نفسا وبيتا، هذا باطل.
قالوا: فأرسل إليه؛ فإن أتاك فهو باطل، وإن لم يأتك فاعلم أنه كما يقال، فأرسل إليه: أجب الملك أرياط.
فجثا أبرهة على ركبتيه وخرّ لوجهه، وأخذ عودا من الأرض فجعله في فيه، وقال للرسول: اذهب إلى الملك فأخبره بما رأيت مني، أنا أخلعه؟ أنا أشدّ تعظيما له من ذلك! وأنا آتيه على أربع قوائم بحساب البهيمة.
فرجع الرسول إلى الملك فأخبره بالخبر،/ فقال: ألم أقل لكم؟ قالوا: الملك أعقل وأعلم منّا.
فلما ولّى الرسول من عند أبرهة وتوارى عنه صاح أبرهة في الفقراء من الحبشة، فاجتمعوا إليه معهم السلاح، والآلة التي كانوا يعملون بها ويهدمون بها مدن اليمن: المعاول والكرازين [2] والمساحي، ثم صفّوا صفّا، وصفّوا خلفه آخر بإزائه. فلما أبطأ أبرهة على الملك وهو يرى أنه يأتيه على أربع قوائم كما قال، وأتى الرسول أرياط فأخبره بما صنع أبرهة، ركب في الملوك ومن تبعه/ من أتباعهم، فلبسوا السلاح وجاءوا بالفيلة، وكان معه سبعة فيلة، حتى إذا دنا بعضهم من بعض برز أبرهة بين الصّفّين، فنادى بأعلى صوته: يا معشر الحبشة، اللّه ربّنا، والإنجيل كتابنا، وعيسى نبيّنا، والنجاشيّ ملكنا، علام يقتل بعضنا بعضا في مذهب النصرانية؟ هذا رجل وأنا رجل فخلّوا بيني وبينه، فإن قتلني عاد الملك إلى ما كان عليه من أثرة الأغنياء وهلاك الفقراء، وإن قتلته سلمتم وعملت فيكم بالإنصاف بينكم ما بقيت.
فقال الملوك لأرياط: قد أخبرناك أنه صنع ما قد ترى، وقد أبيت [3] إلّا حسن الرأي فيه، وقد أنصفك. وكان أرياط قد عرف بالشجاعة والنجدة، وكان جميلا، وكان أبرهة قصيرا دميما قبيحا منكر الجمّة [4]، فاستحيا أرياط من الملوك أن يجبن، فبرز بين الصفّين، ومشى أحدهما إلى صاحبه، وحمل عليه أرياط فضرب أبرهة ضربة وقع منها حاجباه وعامّة أنفه، ووقع بين رجلي أرياط، فعمد أبرهة إلى عمامته فشدّ بها وجهه، فسكن الدّم والتأم الجرح، وأخذ عودا وجعله في فيه، وقال: أيها الملك، إنما أنا شاة فاصنع ما أردت، فقد أبصرت أمري. ففرح أرياط بما صنع، وكان أبرهة قد سمّ خنجرا، وجعله في بطن فخذه، كأنه خافية نسر.
__________
[1] كذا في أ، ح وفي ب، س: «لا يسلموه».
[2] الكرزن، بالفتح، وقد يكسر، والكرزبن: فأس كبير.
[3] كذا في أ، ح، وفي ب، س: «أبنت أحسن الرأي فيه».
[4] الجمة، بضم الجيم: مجتمع شعر الرأس.
أبرهة يقتل أرياط ويتولى ملك اليمن
فلما رأى أبرهة أنّ أرياط قد أفلت عنه، وهو ينظر يمينا وشمالا؛ لئلّا تراه ملوك الحبشة، استلّ خنجره فطعنه طعنة في فرج درعه فأثبته [1]، وخرّ أرياط على قفاه، وقعد أبرهة على صدره فأجهز عليه. فسمى أبرهة الأشرم بتلك الضّربة التي شرمت وجهه وأنفه.
فملك أبرهة عشرين سنة، ثم ملك بعد أبرهة ابنه يكسوم، ثم أخوه مسروق بن أبرهة، وأمه ريحانة امرأة ذي يزن أمّ سيف بن ذي يزن الحميريّ.
سيف بن ذي يزن يسعى لتخليص اليمن من حكم الحبشة
[فلما طال على أهل اليمن البلاء مشوا إلى سيف بن ذي يزن الحميريّ] [2] فكلّموه في الخروج، وقالوا إنّا نجد فيما روت حمير [3] عن خبر لسطيح أنه يوشك أنّ هذا البلاء يفرج بيد رجل من أهل بيتك ابن ذي يزن، وقد رجونا أن ندرك بثأرنا، فأنعم لهم. فخرج إلى قيصر ملك الروم، فكلّمه أن ينصره على الحبشة، فأبى، وقال:
الحبشة على ديني ودين أهل مملكتي، وأنتم على دين يهود، فخرج من عنده يائسا.
النعمان يصحب سيفا إلى كسرى
فخرج عامدا إلى كسرى، فانتهى إلى النعمان بن المنذر بالحيرة فدخل عليه، فأخبره بما لقي قومه من الحبشة، فقال: أقم؛ فإنّ لي على الملك كسرى إذنا في كلّ سنة، وقد حان ذلك.
فلما خرج أخرج معه سيف بن ذي يزن فأدخله على كسرى، فقال: غلبنا على بلادنا، وغلب الأحابيش علينا، وأنا أقرب إليك منهم، لأني أبيض وأنت أبيض، وهم سودان. فقال: بلادك بلاد بعيدة، ولا أبعث معك جيشا في غير منفعة، ولا أمر أخافه على ملكي.
فلما أيأسه من النّصر أمر له بعشرة آلاف درهم واف، وكساه كسا.
فلما خرج بها من باب/ كسرى نثرها بين الصّبيان والعبيد، فرأى ذلك أصحاب كسرى، فقالوا ذلك له؛ فأرسل إليه: لم صنعت بجائزة الملك؟ تنثرها للصّبيان والناس؟ فقال سيف: وما أعطاني الملك! جبال أرضى ذهب وفضّة، جئت إلى الملك ليمنعني من الظّلم، ولم آته ليعطيني الدراهم، ولو أردت الدراهم كان ذلك في بلدي كثيرا.
فقال كسرى: أنظر في أمرك. فخرج سيف على طمع، وأقام عنده/ فجعل سيف كلما ركب كسرى عرض له، فجمع له كسرى مرازبنه، وقال: ما ترون في هذا العربيّ، وقد رأيته رجلا جلدا؟ فقال قائل منهم: إن في السجون قوما قد سجنهم الملك في موجدة عليهم، فلو بعثهم الملك معه فإن قتلوا استراح منهم، وإن ظفروا بما يريد هذا العربيّ فهو زيادة في ملك الملك. فقال كسرى: هذا الرأي.
__________
[1] أثبته: جعله لا يقدر على الحراك. ورواية «الطبري» أن الذي طعنه غلام أكمنه أبرهة.
[2] تكملة من المختار.
[3] كذا في أ، ما وفي ب، س، ج، م: «في هاروت»، تصحيف.
كسرى يعين سيفا بجيش يقوده وهرز
وأمر بهم كسرى فأحضروا فوجد ثمانمائة رجل، فولّى أمرهم رجلا معهم يقال له وهرز، وكان راميا شجاعا مع مكانة في الفرس، وجهّزهم، وأعطاهم سلاحا، وحملهم في البحر في ثماني سفن، فغرقت سفينتان، وبقي من بقي وهم ستمائة رجل؛ فأرسوا إلى ساحل عدن، فلما أرسوا قال وهرز لسيف: ما عندك، فقد جئنا بلادك؟ فقال:
ما شئت من رجل عربيّ وفرس [1] عربي، ثم اجعل رجلي مع رجلك حتى نموت جميعا أو نظفر جميعا.
قال وهرز: أنصفت. فاستجلب سيف من استطاع من اليمن، ثم زحفوا إلى مسروق بن أبرهة، وقد سمع بهم مسروق وبتعبيتهم، فجمع إليه جنده من الحبشة، وسار إليهم، والتقى العسكران، وجعلت أمداد اليمن تثوب إلى سيف، وبعث وهرز ابنا له كان معه على جريدة خيل، فقال: ناوشوهم القتال، حتى ننظر قتالهم، فناوشهم ابنه، وناوشوه شيئا من قتال، ثم تورّط ابّنه في هلكة لم يستطع التخلّص منها؛ فاشتملوا عليه فقتلوه، فازداد وهرز عليهم حنقا. وسيء العرب، وفرحت الحبشة، فأظهروا الصليب، فوتّر وهرز قوسه، وكان لا يقدر أن يوتّرها غيره.
وهرز يقتل مسروقا
وقال وهرز والناس في صفوفهم: انظروا أين ترون ملكهم؟ قال سيف [2]: أرى رجلا قاعدا على فيل تاجه على رأسه، بين عينيه ياقوتة حمراء. قال: ذلك ملكهم. وقال وهرز: اتركوه./ ثم وقف طويلا، ثم قال: انظروا هل تحوّل؟ قالوا: قد تحوّل على فرس. قال: هذا منه اختلاط. ثم وقف طويلا، وقال: انظروا هل تحوّل؟ قالوا:
قد تحول على بغلة، فقال: ابنة الحمار، ذلّ الأسود وذلّ ملكه، ثم قال لأصحابه: نقتله [3] في هذه الرّمية، تأمّلوا النشّابة، وأخذ النشّابة وجعل فوقها في الوتر، ثم نزع فيها حتى ملأها، وكان أيّدا [4]، ثم أرسلها فصكّت الياقوتة التي بين عيني ملكهم مسروق، فتغلغلت النشّابة في رأسه حتى خرجت من قفاه، وحملت عليهم الفرس، فانهزمت الحبشة في كل وجه، وجعلت حمير تقتل من أدركوا منهم، وتجهز على جريحهم.
وهرز يدخل صنعاء ويملك اليمن
وأقبل وهرز يريد أن يدخل صنعاء، وكان موضعهم الذي التقوا فيه خارج صنعاء، وكان اسم صنعاء: أزال [5]، فلما قدمت الحبشة بنوها وأحكموها، فقالت: صنعة؛ فسميت صنعاء، وكانت صنعاء مدينة لها باب صغير يدخل منه، فلما دنا وهرز من باب المدينة رآه صغيرا، فقال: لا تدخل رايتي منكّسة، اهدموا الباب، فهدم باب صنعاء، ودخل ناصبا رايته وسير بها بين يديه. فقال سيف بن/ ذي يزن: ذهب ملك حمير آخر الدهر، لا يرجع إليهم أبدا.
فملك وهرز اليمن، وقهر الحبشة، وكتب إلى كسرى يخبره: إني قد ملكت للملك اليمن، وهي أرض العرب القديمة التي تكون فيها ملوكهم، وبعث بجوهر، وعنبر، ومال، وعود، وزباد [6]، وهو جلود لها رائحة طيّبة.
__________
[1] المثبت في أ، م، ح، وفي ب، س: «قوس»، تصحيف.
[2] في «ما» ما يفيد أن سيف بن ذي يزن هو الذي سأل.
[3] المثبت في أ، م، وفي ب، س، ج: «قتلته».
[4] أيّدا: قويّا.
[5] ب، س: «إيال»، والمثبت من «ما» وهو يوافق ما في معجم البلدان عن الزجاجي.
[6] الزباد: طيب يجلب من دابة كالسنور يقال لها: قط الزباد.
كسرى يأمر وهرز أن يملّك سيفا اليمن
فكتب كسرى يأمره أن يملّك سيفا، ويقدم وهرز إلى كسرى.
فخلّف على اليمن سيفا، فلما خلا سيف باليمن وملكها عدا على الحبشة، فجعل يقتل رجالها ويبقر نساءها عمّا في بطونها، حتى أفناها إلّا بقايا منها/ أهل ذلة وقلة، فاتّخذهم خولا، واتخذ منهم جمّازين [1] بحرابهم بين يديه.
الحبشة يغتالون سيفا
فمكث كذلك غير كثير، وركب يوما وتلك الحبشة معه، ومعهم حرابهم يسعون بها بين يديه، حتى إذا كان وسطا منهم مالوا عليه بحرابهم فطعنوه بها حتى قتلوه.
وكان سيف قد آلى ألّا يشرب الخمر، ولا يمسّ امرأة حتى يدرك ثأره من الحبشة، فجعلت له حلّتان واسعتان فأتزر بواحدة، وارتدى الأخرى، وجلس على رأس غمدان يشرب، وبرّت يمينه. وخرج بعد ذلك يتصيّد فقتلته الحبشة.
وكان ملك أرياط عشرين سنة، وملك أبرهة ثلاثا وعشرين سنة، وملك يكسوم تسع عشرة سنة، وملك مسروق اثنتي عشرة سنة، فهذه أربع وسبعون سنة.
وكان قدوم أهل فارس اليمن مع وهرز بعد الفجار بعشر سنين، وقبل بنيان قريش البيت بخمس سنين، ورسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم ابن ثلاثين سنة أو نحوها؛ لأنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم ولد بعد قدوم الفيل بخمس وخمسين ليلة.
وفود العرب تقدم على سيف لتهنئته بالنصر
ونسخت خبر مديحه سيفا بهذا الشعر من كتاب عبد الأعلى بن حسان، قال: حدثنا الكلبيّ، عن أبي صالح؛ عن ابن عباس، وحدثني به محمد بن عمران المؤدّب بإسناد لست أحفظ الاتصال بينه وبين الكلبيّ فيه، فاعتمدت هذه الرواية، قال:
لما ظفر سيف بن ذي يزن بالحبشة، وذلك بعد مولد النبي/ صلّى اللّه عليه وسلم بسنتين أتته وفود العرب وأشرافها لتهنّيه وتمدحه، وتذكر ما كان من بلائه وطلبه بثأر قومه؛ فأتته وفود العرب من قريش، فيهم عبد المطلب بن هاشم، وأمية بن عبد شمس، وخويلد بن أسد، في ناس من وجوه قريش، فأتوه بصنعاء، وهو في رأس قصر له يقال له:
غمدان، فأخبره الآذن بمكانهم، فأذن لهم، فدخلوا عليه وهو على شرابه، وعلى رأسه غلام واقف ينثر في مفرقه المسك، وعن يمينه ويساره الملوك والمقاول، وبين يديه أمية بن أبي الصلت الثقفيّ ينشده قوله فيه هذه الأبيات [2]:
__________
[1] الجمازون: العداءون بحرابهم أمام موكب الملك.
[2] ديوانه 51، والطبري 1: 147، وابن هشام 1: 69 وفيه: «و قال أبو الصلت بن أبي ربيعة الثقفي. قال ابن هشام: وتروى لأمية بن أبي الصلت».
أمية يمدح سيفا والفرس
لا يطلب الثأر إلّا كابن ذي يزن [1] ... في البحر خيّم للأعداء أحوالا [2]
أتى هرقل وقد شالت نعامته ... فلم يجد عنده النّصر الذي سالا
ثم انتحى نحو كسرى بعد عاشرة ... من السّنين يهين النفس والمالا [3]
حتى أتى [4] ببني الأحرار يقدمهم ... تخالهم فوق متن الأرض أجبالا
للّه درّهم من فتية صبروا ... ما إن رأيت [5] لهم في الناس أمثالا
بيض مرازبة غلب أساورة ... أسد تربّت [6] في الغيضات أشبالا
/ فالتط [7] من المسك إذ شالت نعامتهم ... وأسبل اليوم في برديك إسبالا
واشرب هنيئا عليك التاج مرتفقا ... في رأس غمدان دارا منك محلالا
تلك المكارم لا قعبان من لبن ... شيبا بماء فعادا بعد أبوالا
بنو الأحرار الذين عناهم أمية في شعره هم الفرس الذين قدموا مع سيف بن ذي يزن، وهم إلى الآن يسمّون بني الأحرار بصنعاء، ويسمون باليمن الأبناء، وبالكوفة الأحامرة؛ وبالبصرة الأساورة، وبالجزيرة الخضارمة، وبالشام الجراجمة.
عبد المطلب يهنىء سيفا، وسيف يرحب به وبمن معه
فبدأ عبد المطلب فاستأذن في الكلام، فقال له سيف بن ذي يزن: إن كنت ممن يتكلم بين يدي الملوك، فقد أذنّا لك، فقال عبد المطلب: إنّ اللّه قد أحلّك أيّها الملك محلا رفيعا، صعبا منيعا، شامخا باذخا، وأنبتك منبتا طابت أرومته، وعزّت جرثومته، في أكرم موطن، وأطيب معدن؛ فأنت - أبيت اللعن - ملك العرب، وربيعها الذي به تخصب، وأنت أيّها الملك رأس العرب الذي له تنقاد، وعمودها الذي عليه العماد، ومعقلها الذي إليه يلجأ العباد، فسلفك لنا خير سلف، وأنت لنا منهم خير خلف، فلم يخمل من أنت خلفه، ولن يهلك من أنت سلفه نحن أهل حرم اللّه وسدنة بيته، أشخصنا إليك الذي أبهجنا؛ لكشفك الكرب الذي فدحنا، فنحن وفود التّهنية لا وفود المرزية.
قال: وأيّهم أنت أيها المتكلم؟ قال: أنا عبد المطلب بن هاشم، قال: ابن أختنا؟ قال: نعم. فأدناه حتى أجلسه إلى جنبه، ثم أقبل على القوم/ وعليه، فقال: مرحبا وأهلا، وناقة ورحلا، ومستناخا سهلا، وملكا ربحلا [8]، يعطى عطاء جزلا، قد سمع الملك مقالتكم، وعرف قرابتكم، وقبل وسيلتكم، وأنتم أهل الشرف والنّباهة، ولكم الكرامة ما أقمتم، والحباء إذا ظعنتم.
__________
[1] في الديوان: «ليطلب الثأر أمثال ابن ذي يزن». وفي ابن هشام: «ليطلب الوتر أمثال».
[2] أ: «خيم في البحر للأحباب».
[3] في الديوان: «من السنين لقد أبعدت إيغالا».
[4] أ: «حتى انتحى».
[5] في الديوان: « ... من عصبة خرجوا ... ما إن ترى».
[6] في الديوان: «غر جحاجحة بيض مرازبة ... تربب»، وفي ابن هشام: «أسدا تربب».
[7] الديوان: «و اطل بالمسك».
[8] ربحلا: عظيم الشأن.
سيف يسر إلى عبد المطلب بأمارات ظهور النبي صلّى اللّه عليه وسلم
ثم استنهضوا إلى دار الضيافة والوفود، فأقاموا فيها شهرا لا يصلون إليه، ولا يؤذن لهم في الانصراف، وأجرى لهم الأنزال [1]. ثم انتبه لهم انتباهة، فأرسل إلى عبد المطلب، فأدناه، وأخلى مجلسه، ثم قال:
يا عبد المطلب، إني مفوّض إليك من سرّ علمي أمّرا لو يكون غيرك لم أبح به إليه، ولكني رأيتك موضعه، فأطلعتك طلعه؛ فليكن عندك مطويّا حتى يأذن اللّه فيه، فإنّ اللّه بالغ أمره.
إني أجد في الكتاب المكنون، والعلم المخزون، الذي اخترناه لأنفسنا، واحتجنّاه دون غيرنا، خبرا عظيما، وخطرا جسيما، فيه شرف الحياة، وفضيلة الوفاء للناس عامة، ولرهطك كافة، ولك خاصة.
قال عبد المطلب: مثلك أيّها الملك من سرّ وبرّ، فما هو فداك أهل الوبر، زمرا بعد زمر؟ قال ابن ذي يزن:
إذا ولد غلام بتهامة، بين كتفيه شامة، كانت له الإمامة، ولكم به الزّعامة، إلى يوم القيامة.
قال عبد المطلب: أيّها الملك، لقد أبت بخير ما آب بمثله وافد، ولو لا هيبة الملك وإكرامه وإعظامه لسألته أن يزيدني في البشارة ما أزداد به سرورا. قال ابن ذي يزن: هذا حينه الذي يولد فيه، أو قد ولد؟ اسمه محمد صلّى اللّه عليه وسلم، يموت أبوه وأمه، ويكفله جدّه وعمّه، قد ولدناه [2] /مرارا، واللّه باعثه جهارا، وجاعل له منّا أنصارا، يعزّبهم أولياءه، ويذل بهم أعداءه، يضرب بهم الناس عن عرض،/ ويستبيح بهم كرائم الأرض، يخمد النيران، ويدحر الشيطان، ويكسر الأوثان، ويعبد الرحمن، قوله فصل، وحكمه عدل، يأمر بالمعروف ويفعله، وينهي عن المنكر ويبطله.
فقال عبد المطلب: أيها الملك، عزّ جدّك، وعلا كعبك، ودام ملكك، وطال عمرك، فهل الملك مخبري بإفصاح، فقد أوضح لي بعض الإيضاح.
فقال ابن ذي يزن: والبيت ذي الحجب، والعلامات على النّصب، إنك يا عبد المطلب، لجدّه غير الكذب.
يطلب من عبد المطلب أن يكتم أمر محمد ويحذره من اليهود
فخرّ عبد المطلب ساجدا، فقال له: ارفع رأسك، ثلج صدرك، وعلا أمرك؛ فهل أحسست شيئا مما ذكرته لك؟ فقال عبد المطلب: أيها الملك! كان لي ابن، وكنت به معجبا، وعليه رفيقا، زوّجته كريمة من كرائم قومي، اسمها آمنة بنت وهب؛ فجاءت بغلام سمّيته محمدا، مات أبوه وأمه؛ وكفلته أنا وعمه. قال: الأمر ما قلت لك؛ فاحتفظ بابنك، واحذر عليه من اليهود؛ فإنهم له أعداء، ولن يجعل اللّه لهم عليه سبيلا، واطو ما ذكرت لك عن هؤلاء الرّهط الذين معك؛ فإني لا آمن أن تدخلهم النّفاسة من أن تكون له الرياسة؛ فينصبون له الحبائل، ويطلبون له الغوائل، وهم فاعلون وأبناؤهم، وبطيء ما يجيبه قومه؛ وسيلقى منهم عننا، واللّه مبلج حجّته؛ ومظهر دعوته، وناصر شيعته، ولو لا أني أعلم أنّ الموت مجتاحي قبل مبعثه لسرت بخيلي ورجلي؛ حتى أصيّر يثرب دار ملكي؛ فإني أجد في/ الكتاب المكنون أنّ بيثرب استحكام أمره، وأهل نصرته، وموضع قبره؛ ولو لا أني أتوقّى عليه
__________
[1] النزل: ما هيىء للضيف، وجمعه أنزال.
[2] المختار: «قد وجدناه مرارا»، وفي ما: «قد ولداه سرارا».
الآفات، وأحذر عليه العاهات، لأعلنت على حداثة سنّه أمره، ولكني صارف ذلك إليك من غير تقصير مني بمن معك.
يجزل العطاء لعبد المطلب وصحبه
قال: ثم أمر لكلّ رجل بعشرة أعبد، وعشرة إماء، ومائة من الإبل وحلّتين برودا، وخمسة أرطال ذهبا، وعشرة أرطال فضة، وكرش مملوءة عنبرا، ثم أمر لعبد المطلب بعشرة أضعاف ذلك.
وقال: يا عبد المطلب، إذا حال الحول فائتني. فمات ابن ذي يزن قبل أن يحول الحول.
وكان عبد المطلب كثيرا ما يقول: يا معشر قريش، لا يغبطني رجل منكم بجزيل عطاء الملك، وإن كثر؛ فإنه إلى نفاد، ولكن ليغبطني بما بقي لي شرفه وذكره إلى يوم القيامة. فإذا [1] قيل له: وما ذاك؟ قال: ستعلمون نبأ ما أقول، ولو بعد حين.
وفي ذلك يقول أمية بن عبد شمس [2]:
جلبنا النّصح تحمله المطايا ... إلى أكوار أجمال ونوق
مغلغلة مرافقها ثقالا ... إلى صنعاء من فجّ عميق
تؤمّ بنا ابن ذي يزن ونهدي ... مخاليها إلى أمم الطريق [3]
/فلما وافقت [4] صنعاء صارت ... بدار الملك والحسب العريق
أحمد بن سعيد المالكي يغني طاهر بن الحسين شعر أمية في سيف
أخبرني عليّ بن عبد العزيز، قال: حدثني عبد اللّه بن عبد اللّه بن خرداذبة، قال:
كان أحمد بن سعيد بن قادم المعروف بالمالكيّ، أحد القواد مع طاهر بن الحسين بن عبد اللّه بن طاهر، فكان معه بالريّ، وكان مع محلّه من خدمة السلطان مغنّيا حسن الغناء، وله صنعة، فحضر مجلس طاهر بن عبد اللّه، وهو متنزّه بظاهر الريّ بموضع يعرف بشاذمهر، وقيل: بل/ حضره بقصره بالشاذياخ [5]، فغنّى هذا الصوت:
اشرب هنيئا عليك التاج مرتفقا ... في رأس غمدان ....
البيت فقال ابن عبّاد الرازيّ في وقته من الشعر مثل ذلك المعنى، وصنع فيه، وغنّى فيه أحمد بن سعيد لحنا من خفيف الرمل وهو [6]:
__________
[1] س: «فإذ».
[2] ديوان أمية بن أبي الصلت 43.
[3] في الديوان:
تؤم بها ابن ذي يزن وتفري ... بطون خفافها أم الطريق
وفي أ: «مخالتها».
[4] الديوان: «فلما وافعت» 43.
[5] الشاذياخ: مدينة نيسابور، أم بلاد خراسان.
[6] البلدان (شاذياخ).
صوت
اشرب هنيئا عليك التاج مرتفقا ... بالشاذياخ ودع غمدان لليمن
فأنت أولى بتاج الملك تلبسه ... من هوذة بن عليّ وابن ذي يزن [1]
فطرب طاهر، فاستعاده مرات، وشرب عليه حتى سكر، وأسنى لأحمد بن سعيد الجائزة.
هوذة بن علي ويوم الصفقة
أما ذكره هوذة بن عليّ ولبسه التاج؛ فإنّ السبب في ذلك أنّ كسرى توّج هوذة بن عليّ الحنفيّ، وضمّ إليه جيشا من الأساورة، فأوقع ببني تميم يوم الصّفقة [2].
__________
[1] في البلدان: « ... من ابن هوذة يوما وابن ذي يزن».
[2] يوم الصفقة كان لهوذة بن علي الحنفي على بني تميم، البلدان (صفقة).
[يوم الصفقة]
أخبرني بالسبب في ذلك عليّ بن سليمان الأخفش، قال: حدّثنا أبو سعيد السكّريّ، قال: حدثنا ابن حبيب ودماذ، عن أبي عبيدة، قال ابن حبيب: قال أبو سعيد: وأخبرنا إبراهيم بن سعدان، عن أبيه، عن أبي عبيدة، قال ابن حبيب: وأخبرني ابن الأعرابيّ، عن المفضل، قال أبو سعيد، قالوا جميعا:
كان من حديث يوم الصّفقة [1] أنّ باذام [2] عامل كسرى باليمن بعث إلى كسرى عيرا تحمل ثيابا من ثياب اليمن، ومسكا وعنبرا، وخرجين فيهما مناطق محلّاة، وخفراء تلك العير فيما يزعم بعض الناس بنو الجعيد المراديّون. فساروا من اليمن لا يعرض لهم أحد، حتى إذا كان بحمض [3] من بلاد بني حنظلة بن يربوع [4] وغيرهم، أغاروا عليها فقتلوا من فيها من بني جعيد والأساورة، واقتسموها، وكان فيمن فعل ذلك ناجية بن عقال، وعتبة [5] بن الحارث بن شهاب، وقعنب بن عتّاب، وجزء بن سعد، وأبو مليل عبد اللّه بن الحارث، والنّطف بن جبير، وأسيد بن جنادة، فبلغ ذلك الأساورة الذين بهجر مع كزارجر المكعبر، فساروا إلى بني حنظلة بن يربوع، فصادفوهم على حوض، فقاتلوهم قتالا شديدا، فهزمت الأساورة،/ وقتلوا قتلا شديدا ذريعا، ويومئذ أخذ النّطف الخرجين اللذين يضرب بهما المثل [6].
فلما بلغ ذلك كسرى استشاط غضبا، وأمر بالطعام فادّخر بالمشقّر ومدينة اليمامة، وقد أصابت الناس سنة شديدة، ثم قال: من دخلها من العرب فأميروه ما شاء [7].
فبلغ ذلك الناس، قال: وكان أعظم من أتاها بنو سعد، فنادى منادي الأساورة: لا يدخلها عربيّ بسلاح، فأقيم بوّابون على باب المشقّر، فإذا جاء الرجل ليدخل قالوا: ضع سلاحك، وامتر، واخرج من الباب الآخر؛ فيذهب به إلى رأس الأساورة فيقتله، فيزعمون أنّ خيبريّ بن عبادة بن النوال بن مرة بن عبيد - وهو مقاعس - قال:
يا بني تميم؛ ما بعد السلب إلّا القتل، وأرى قوما يدخلون ولا يخرجون، فانصرف منهم من انصرف من بقيّتهم، فقتلوا بعضهم وتركوا بعضا محتبسين عندهم. هذا حديث المفضّل.
وأما ما وجد عن ابن الكلبيّ في كتاب حمّاد الراوية، فإن كسرى بعث إلى عامله باليمن بعير، وكان باذام [8]
__________
[1] البلدان (صفقة) والطبري 2: 169، وابن الأثير 1: 275، والعقد 5: 224.
[2] في الطبري: «بعث وهرز بأموال وطرف».
[3] ب، س: «حمصي»، ج: «حمضي» والمثبت من م.
[4] في الطبري: «فلما صارت في بلاد يربوع».
[5] أ، م: «و المنطف بن خيبري».
[6] يقال: أصاب كنز النطف. وانظر الطبري 2: 169.
[7] أميروه: أعطوه الميرة.
[8] ب، س: «باذان»، والمثبت من أ، ج، وهو يوافق ما في البلدان أيضا.
على الجيش الذي بعثه كسرى إلى اليمن، وكانت العير تحمل نبعا [1]، فكانت تبذرق [2] من المدائن حتى تدفع إلى النعمان،/ ويبذرقها النعمان بخفراء من بني ربيعة ومضر حتى يدفعها إلى هوذة بن عليّ الحنفي، فيبذرقها حتى يخرجها من أرض بني حنيفة، ثم تدفع إلى سعد،/ وتجعل لهم جعالة، فتسير فيها، فيدفعونها إلى عمّال باذام باليمن.
فلما بعث كسرى بهذه العير قال هوذة للأساورة: انظروا الذي تجعلونه لبني تميم فأعطونيه؛ فأنا أكفيكم أمرهم، وأسير فيها معكم، حتى تبلغوا مأمنكم، فخرج هوذة والأساورة والعير معهم من هجر، حتى إذا كانوا بنطاع بلع بني سعد ما صنع هوذة، فساروا إليهم، وأخذوا ما كان معهم، واقتسموه وقتلوا عامّة الأساورة، وسلبوهم، وأسروا هوذة بن عليّ، فاشترى هوذة نفسه بثلاثمائة بعير، فساروا معه إلى هجر، فأخذوا منه فداءه، ففي ذلك يقول شاعر بني سعد:
ومنّا رئيس القوم ليلة أدلجوا ... بهوذة مقرون اليدين إلى النّحر
وردنا به نخل اليمامة عانيا ... عليه وثاق القدّ والحلق السّمر
فعمد هوذة عند ذلك إلى الأساورة الذين أطلقهم بنو سعد، وكانوا قد سلبوا، فكساهم وحملهم، ثم انطلق معهم إلى كسرى، وكان هوذة رجلا جميلا شجاعا لبيبا، فدخل عليه فقصّ أمر بني تميم وما صنعوا، فدعا كسرى بكأس من ذهب فسقاه فيها، وأعطاه إياها وكساه قباء ديباج منسوجا بالذهب واللؤلؤ، وقلنسوة قيمتها ثلاثون ألف درهم، وهو قول الأعشى [3]:
له أكاليل بالياقوت فصّلها ... صوّاغها لا ترى عيبا ولا طبعا
وذكر أن كسرى سأل هوذة عن ماله ومعيشته فأخبره أنه في عيش رغد، وأنه يغزو المغازي فيصيب.
فقال له كسرى في ذلك: كم ولدك؟ قال: عشرة، قال: فأيّهم أحبّ/ إليك؟ قال: غائبهم حتى يقدم، وصغيرهم حتى يكبر، ومريضهم حتى يبرأ. قال كسرى: الذي أخرج منك هذا العقل حملك على أن طلبت مني الوسيلة. وقال كسرى لهوذة: رأيت هؤلاء الذين قتلوا أساورتي، وأخذوا مالي، أبينك وبينهم صلح؟.
قال هوذة: أيها الملك بيني وبينهم حساء [4] الموت، وهم قتلوا أبي. فقال كسرى: قد أدركت ثأرك، فكيف لي بهم؟ قال هوذة: إنّ أرضهم لا تطيقها أساورتك، وهم يمتنعون بها، ولكن احبس عنهم الميرة، فإذا فعلت ذلك بهم سنة أرسلت معي جندا من أساورتك، فأقيم لهم السوق؛ فإنهم يأتونها، فتصيبهم عند ذلك خيلك.
ففعل كسرى ذلك، وحبس عنهم الأسواق في سنة مجدبة، ثم سرّح إلى هوذة فأتاه، فقال: ائت هؤلاء فاشفني منهم، واشتف. وسرّح معهم جوار بودار [5] ورجلا من أردشير خرّه. فقال لهوذة: سر مع رسولي هذا، فسار في ألف أسوار حتى نزلوا المشّقر من أرض البحرين، هو حصن هجر.
__________
[1] أ، ج: «نبفا». والنبع: شجر القسي.
[2] تبذرق: تخفر.
[3] ديوانه 107.
[4] حساء الموت: شربه وتجرعه.
[5] كذا ضبط في أ، م وفي ج: «جوار يودار».
وبعث هوذة إلى بني حنيفة فأتوه، فدنوا من حيطان المشّقر، ثم نودي: إنّ كسرى قد بلغه الذي أصابكم في هذه السنة، وقد أمر لكم بميرة، فتعالوا، فامتاروا. فانصبّ عليهم الناس، وكان أعظم من أتاهم بنو سعد، فجعلوا إذا جاءوا إلى باب المشّقر أدخلوا رجلا رجلا، حتى يذهب به إلى المكعبر [1] فتضرب عنقه، وقد وضع سلاحه قبل أن يدخل، فيقال له: ادخل من/ هذا الباب واخرج من الباب الآخر، فإذا مرّ رجل/ من بني سعد بينه وبين هوذة إخاء، أو رجل يرجوه، قال للمكعبر: هذا من قومي فيخلّيه له.
فنظر خيبريّ بن عبادة إلى قومه يدخلون ولا يخرجون، وتؤخذ أسلحتهم، وجاء ليمتار، فلما رأى ما رأى قال: ويلكم! أين عقولكم! فو اللّه ما بعد السّلب إلا القتل.
وتناول سيفا من رجل من بني سعد يقال له مصاد، وعلى باب المشّقر سلسلة ورجل من الأساورة قابض عليها، فضربها فقطعها ويد الأسوار، فانفتح الباب، فإذا الناس يقتلون، فثارت بنو تميم.
ويقال: إن الذي فعل هذا رجل من بني عبس يقال له: عبيد بن وهب، فلما علم هوذة أنّ القوم قد نذروا به أمر المكعبر فأطلق منهم مائة من خيارهم، وخرج هاربا من الباب الأول هو والأساورة، فتبعتهم بنو سعد والرباب، فقتل بعضهم، وأفلت من أفلت.
صوت
إذا سلكت حوران من رمل عالج [2] ... فقولا لها: ليس الطريق هنالك
دعوا فلجات [3] الشام قد حيل دونها ... بضرب كأفواه العشار الأوارك [4]
عروضه من الطويل. الشعر لحسّان بن ثابت، والغناء لابن محرز، ولحنه من القدر الأوسط من الثقيل الأول، مطلق في مجرى البنصر.
وهذا الشعر يقول حسان بن ثابت لقريش حين تركت الطريق الذي كانت تسلكه إلى الشام بعد غزوة بدر، واستأجرت فرات بن حيّان [5] العجليّ دليلا، فأخذ بهم غيرها، وبلغ النبي صلّى اللّه عليه وسلم الخبر، فأرسل زيد بن حارثة في سريّة إلى العير فظفر بها، وأعجزه القوم.
__________
[1] في الطبري: «و إنما سمي المكعبر؛ لأنه كان يقطع الأيدي والأرجل. واسمه آزاذ فروذ بن جشنس».
[2] الديوان 295: «إذا سلكت للغور من رمل عالج».
[3] الفلجات: الأودية الصغار.
[4] في الديوان:
.. قد حال دونها ... جلاد كأفواه المخاض الأوارك
والأوراك: التي ترعى الأراك.
[5] ب، س: حبان بالباء، والمثبت من ما، وهو موافق لما في «كتب السيرة».
27 - [ذكر الخبر في [1] سرية زيد بن حارثة]
أخبرني الحسن بن عليّ الخفاف، قال: حدثنا الحارث بن أبي أسامة، قال: حدثنا محمد بن سعد، عن الواقديّ، قال:
كان سبب هذه الغزوة أنّ قريشا قالت: قد عوّر علينا محمد متجرنا [2]، وهو على طريقنا. وقال أبو سفيان وصفوان بن أمية: إن أقمنا بمكة أكلنا رؤوس أموالنا. فقال زمعة [3] بن الأسود: وأنا أدلّكم على رجل يسلك بكم النّجدة [4]، ولو سلكها مغمض العين لاهتدى. فقال صفوان: من هو؟ قال: فرات بن حيّان العجليّ، فاستأجراه، فخرج بهم في الشتاء، فسلك بهم ذات عرق، ثم سلك بهم على غمرة، فانتهى إلى النبيّ صلّى اللّه عليه وسلم خبر العير، فخرج وفيها مال كثير، وآنية من فضّة حملها صفوان بن أمية.
فخرج زيد بن حارثة فاعترضها، فظفر بالعير، وأفلت أعيان القوم، وكان الخمس عشرين ألفا، فأخذه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم فقسّم الأربعة الأخماس على السّرية [5]، وأتى بفرات بن حيّان العجليّ أسيرا، فقيل له: إن أسلمت لم يقتلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم. فلما دعا به رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم أسلم، فأرسله.
حدثنا محمد بن جرير الطبريّ، قال: حدثنا محمد بن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق في خبر هذه السرية بمثل رواية الواقديّ، وزاد فيها فيما رواه:
إن قريشا لما خافت طريقها إلى الشام أخذت على طريق العراق، وذكر أنّ الوقعة كانت على القردة [6]: ماء من مياه نجد.
إبراهيم بن هشام يكتب إلى هشام بن عبد الملك بدعوة بني مخزوم
أخبرني حرميّ بن أبي العلاء،/ قال: حدثنا الزبير بن بكار، قال: حدثني يعقوب بن محمد الزهريّ، قال:
كتب إبراهيم بن هشام إلى هشام بن عبد الملك: إن رأى أمير المؤمنين إذا فرغ من دعوة أعمامه بني عبد مناف أن يبدأ بدعوة أخواله بني مخزوم. فكتب: إن رضي بذلك آل الزبير فافعل. فلما فرغ من إعطاء بني عبد مناف نادى مناديه ببني مخزوم، فناداه عثمان بن عروة، وقال [7]:
__________
[1] في النسخ: «ذكر الخبر في ذلك.
[2] عور علينا متجرنا: عرضه للضياع.
[3] كذا في ما، والطبري وفي ب، س: «ربيعة».
[4] كذا في ما وهو الصواب.
[5] كذا في م وهو الوجه.
[6] ضبطه ابن الفرات بالفاء وكسر الراء المهملة (معجم البلدان ونهاية الأرب).
[7] هو لحسان بن ثابت.
إذا هبطت حوران من أرض [1] عالج ... فقولا لها: ليس الطريق هنالك
فأمر مناديه فنادى بني أسد بن عبد العزّى، ثم مضى على الدعوة.
النبي صلّى اللّه عليه وسلم يقطع فرات بن حيان أرضا بالبحرين
أخبرني محمد بن عبد اللّه الحضرميّ إجازة، قال: حدثنا ضرار بن صرد، قال: حدثنا عليّ بن هشام، عن عمار بن زريق، عن أبي إسحاق، عن عديّ بن حاتم:
أنّ النبي صلّى اللّه عليه وسلم أتى بفرات بن حيّان فقال: إني مسلم، فقال لعليّ صلوات اللّه عليه: إنّ منكم من أكله إلى إيمانه، منهم فرات بن حيّان، وأقطعه أرضا بالبحرين تعلّ ألفا ومائتين.
حدثني أحمد بن يوسف بن سعيد، قال: حدثنا محمد عبيد اللّه بن عتبة، قال: حدثنا موسى بن زياد الزيات، قال: حدثنا عبد الرحمن بن سليمان الأشل [2]، عن زكريا بن أبي زائدة، عن أبي إسحاق، عن جارية [3] بن مضرّب، عن أمير المؤمنين عليّ صلوات اللّه عليه، قال:
أتى النبي صلّى اللّه عليه وسلم بفرات بن حيّان يوم الخندق، وكان عينا للمشركين، فأمر بقتله، فقال: إني مسلم، فقال: إن منكم من أتألّفه على الإسلام وأكله إلى إيمانه، منهم فرات بن حيّان.
صوت
إذا المرء لم يطلب معاشا لنفسه ... شكى الفقر أو لام الصّديق فأكثرا
وصار على الأدنين كلّا وأو شكت ... صلات ذوي القربى له أن تنكّرا
فسر في بلاد اللّه والتمس الغنى ... تعش ذا يسار أو تموت فتعذرا
ولا ترض من عيش بدون ولا تنم ... وكيف ينام الليل من كان معسرا
عروضه من الطويل، الشعر لأبي عطاء السنديّ. والغناء لإبراهيم. خفيف ثقيل بالوسطى، من نسخة عمرو الثانية.
__________
[1] في هامش أمن نسخة: «من رمل عالج»، وهي رواية الديوان أيضا، وكذلك المختار.
[2] في الإصابة: الأشهل.
[3] وكذا في الإصابة، وفي الإكمال: «حارثة بن مضرب».
28 - ذكر أبي عطاء السندي
أبو عطاء، اسمه أفلح بن يسار، مولى بني أسد، ثم مولى عنبر [1] بن سماك بن حصين الأسديّ، منشؤه الكوفة، وهو من مخضرمي الدولتين. مدح بني أميّة وبني هاشم، وكان أبوه يسار سنديّا أعجميا لا يفصح. وكان في لسان أبي عطاء لكنة [2] شديدة ولثغة، فكان لا يفصح [3]. وكان له غلام فصيح سمّاه عطاء، وتكنّى [4] به، وقال: قد جعلتك ابني، وسميتك بكنيتي، فكان يروّيه شعره، فإذا مدح من يجتديه أو ينتجعه أمره بإنشاده ما قاله [5]. وكان ابن كناسة يذكر أنه كاتب مواليه، وأنهم لم يعتقوه.
يكاتب مواليه
أخبرني بذلك محمد بن مزيد، قال: حدثنا حمّاد بن إسحاق، عن أبيه، عن ابن كناسة، قال:
كثر مال أبي عطاء السنديّ بعد أن أعتق، فأعنته مواليه وطمعوا فيه، وادّعوا رقّه، فشكا ذلك إلى إخوانه، فقالوا له: كاتبهم [6]، فكاتبوه على أربعة آلاف، وسعى له/ أهل الأدب والشعر فيها فتركهم، وأتى الحرّ بن عبد اللّه القرشيّ، وهو حليف لقريش لا من أنفسهم، فقال فيه:
شعره في الحر بن عبد اللّه القرشي
أتيتك لا من قربة هي بيننا ... ولا نعمة قدّمتها أستثيبها
ولكن مع الرّاجين أن كنت [7] موردا ... إليه بغاة الدّين تهفو قلوبها [8]
/أغثني بسجل من نداك يكفّني ... وقال [9] الرّدى مرد الرّجال وشيبها
تسمّى ابن عبد اللّه حرّا لوصفه [10] ... وتلك العلا يعنى بها من يصيبها [11]
__________
[1] س، ج: «مولى عمرو بن سماك»، وفي المرزباني 456: اسمه أفلح، وقيل: مرزوق.
[2] ج: «عجمة».
[3] ج: «و كان لا يكاد يفصح».
[4] ج: «و تبناه».
[5] ج: «ما قاله فيه».
[6] كاتب رقيقه: اتفق معه على مال يدفعه له فإن أداه صار حرا».
[7] أوالمختار: «إذا كنت».
[8] المختار: «بغاة الري».
[9] أ: «يقلني ... فداك». وفي المختار: «وقاك الردى مرد الكرام»، وسجل من نداك: نصيب عظيم من عطائك - والسجل في الأصل: الدلو العظيمة فيها ماء.
[10] س والمختار: «كوضعه»، والمثبت من أ، ج.
[11] كذا في المختار، وفي ب، س: «يعيبها».
فأعطاه أربعة آلاف درهم، فأدّاها في مكاتبته وعتق [1].
وشعره في سليمان بن سليم
أخبرني جعفر بن قدامة قال: حدثني حماد بن إسحاق، عن أبيه، قال: كان أبو عطاء السنديّ يجمع بين لثغة ولكنة، وكان لا يكاد يفهم كلامه، فأتى سليمان بن سليم فأنشده:
أعوزتني الرّواة يابن سليم ... وأبى أن يقيم شعري لساني
وغلى بالذي أجمجم صدري ... وجفاني بعجمتي سلطاني [2]
وازدرتني العيون إذ كان لوني ... حالكا مجتوى [3] من الألوان
فضربت الأمور ظهرا لبطن ... كيف أحتال حيلة للساني! [4]
وتمنيت أنني كنت بالشّعر فصيحا وبان بعض بناني
ثم أصبحت قد أنخت ركابي ... عند رحب الفناء والأعطان
فاكفني ما يضيق عنه رواتي ... بفصيح من صالح الغلمان
يفهم الناس ما أقول من الشعر فإنّ البيان قد أعياني
فاعتمدني بالشكر يابن سليم ... في بلادي وسائر البلدان
/ ستوافيهم قصائد غرّ ... فيك سبّاقة لكل [5] لسان
فقديما جعلت شكري جزاء ... كلّ ذي نعمة بما أولاني
لم تزل تشتري المحامد [6] قدما ... بالرّبيح الغالي من الأثمان
فأمر له بوصيف بربريّ فصيح، فسمّاه عطاء، وتكنّى به، وروّاه شعره؛ فكان إذا أراد إنشاد مديح لمن يجتديه، أو مذاكرة لشعره أنشده.
هجاؤه مولاه عنبر بن سماك الأسدي
أخبرني عليّ بن سليمان الأخفش، قال: حدثنا ثعلب، عن أبي العالية الحرّ بن مالك الشاميّ، قال:
لما أثرى أبو عطاء أعنته مولاه عنبر [7] بن سماك الأسديّ، حتى ابتاع نفسه منه، فقال يهجوه:
إذا ما كنت متخذا خليلا ... فلا تثقن بكلّ أخي إخاء
وإن خيّرت بينهم فألصق ... بأهل العقل منهم والحياء
__________
[1] ج: «و أعتق».
[2] في المختار: «لعجمتي».
[3] مجتوى: مبغضا مكروها.
[4] في المختار: «لبياني».
[5] في المختار: «بكل».
[6] في المختار: «المدائح».
[7] انظر ما سبق في نسبه.
فإنّ العقل ليس له إذا ما ... تذوكرت [1] الفضائل من كفاء
وإنّ النّوك للأحساب غول ... به تأوي إلى داء عياء
فلا تثقن من النّوكى بشيء ... ولو كانوا بني ماء السماء
كعنبر الوثيق بناء بيت ... ولكن عقله مثل الهباء
/ وليس بقابل [2] أدبا فدعه ... وكن منه بمنقطع الرّجاء
كان من شعراء بني أمية ومداحهم
قال: وكان أبو عطاء من شعراء بني أميّة ومدّاحهم والمنصبّي الهوى إليهم، وأدرك دولة بني العباس فلم تكن له فيها نباهة، فهجاهم. وفي آخر/ أيام المنصور مات. وكان مع ذلك من أحسن الناس بديهة، وأشدّهم عارضة وتقدّما، وشهد أبو عطاء حرب بني أميّة وبني العباس فأبلى، وقتل غلامه عطاء مع ابن هبيرة، وانهزم هو، وقيل: بل كان أبو عطاء المقتول معه لا غلامه.
شعره في أبي زيد المري وقد أعطاه فرسه فهرب به
أخبرني الحسن بن عليّ، عن أحمد بن الحارث، عن المدائنيّ، قال:
كان أبو عطاء يقاتل المسوّدة [3]، وقدّامه رجل من بني مرّة يكنى أبا يزيد، وقد عقر فرسه، فقال لأبي عطاء:
أعطني فرسك حتى أقاتل عنّي وعنك، وقد كانا أيقنا بالهلاك، فأعطاه أبو عطاء فرسه، فركبه المرّيّ، ثم مضى وترك أبا عطاء، فقال أبو عطاء في ذلك:
لعمرك إنني وأبا يزيد ... لكالساعي إلى وضح السّراب
رأيت مخيلة [4] فطمعت فيها ... وفي الطمع المذلّة للرّقاب
فما أعياك من طلب ورزق ... كما يعييك في سرق الدّواب [5]
وأشهد أنّ مرّة حيّ صدق ... ولكن لست منهم في النّصاب
أخبرني الحسن، عن أحمد بن الحارث، عن المدائنيّ:
أنّ يحيى بن زياد الحارثيّ وحمّادا الراوية كان بينهما وبين معلّى بن هبيرة ما يكون مثله بين الشعراء والرّواة من النّفاسة، وكان معلّى بن هبيرة يحبّ أن يطرح حمادا في لسان شاعر يهجوه.
أبو عطاء وحماد الراوية
قال حمّاد الراوية: فقال لي يوما بحضرة يحيى بن زياد: أتقول لأبي عطاء السنديّ أن يقول في زجّ وجرادة ومسجد بني شيطان؟ قال: فقلت له:/ فما تجعله لي على ذلك؟ قال: بغلتي بسرجها ولجامها. قلت: فعدّلها [6] على يدي يحيى بن زياد، ففعل، وأخذت عليهن موثقا بالوفاء.
__________
[1] في ب: «تذكرت»، والمثبت في المختار. كفاء: شيء يقوم به ويعادله.
[2] أ: «بقائل»، والمثبت في المختار أيضا.
[3] المسودة: يريد بني العباس ومن والاهم لأن لباسهم كان السواد.
[4] المخيلة: السحابة تخالها ما طرة لرعدها وبرقها.
[5] أ: «كما أعياك من».
[6] عدلها: بريد اجعلها في ضمان عدل.
وجاء أبو عطاء السنديّ فجلس إلينا، وقال: مرهبا مرهبا، هيّاكم اللّه. فرحّبت به، وعرضت عليه العشاء، فقال: لا هاجة لي به، فقال: أعندكم نبيذ؟ فأتيناه بنبيذ كان عندنا فشرب حتى احمرّت عيناه، واسترخت علابيه [1]، ثم قلت: يا أبا عطاء، إنّ إنسانا طرح علينا أبياتا فيها لغز، ولست أقدر على إجابته البتة، ومنذ أمس إلى الآن ما يستوي لي منها شيء، ففرّج عني. قال: هات، فقلت:
أبن لي إن سئلت أبا عطاء ... يقينا كيف علمك بالمعاني
فقال:
خبير عالم فاسأل تجدتي ... بها طبّا وآيات المثاني
فقلت:
فما اسم حديدة في رأس رمح ... دوين الكعب ليست بالسّنان؟
فقال أبو عطاء:
هو الزّزّ الذي إن بات ضيفا ... لصدرك لم تزل لك عولتان
قلت: فرّج اللّه عنك، تعني الزجّ. وقلت:
فما صفراء تدعى أمّ عوف ... كأن رجيلتيها منجلان؟
فقال:
أردت زرادة وأزنّ زنّا ... بأنّك ما أردت سوى لساني
/ قلت: فرّج اللّه عنك، وأطال بقاءك! تريد جرادة، وأظنّ ظنا. وقلت:
أتعرف مسجدا لبني تميم ... فويق الميل دون بني أبان؟
فقال:
بنو سيطان [2] دون بني أبان ... كقرب أبيك من عبد المدان
قال حماد: فرأيت عينيه قد احمرّتا، وعرفت الغضب في وجهه وتخوّفته، فقلت: يا أبا عطاء، هذا مقام المستجير بك، ولك النصف مما أخذته، قال: فاصدقني، قال: فأخبرته. فقال لي: أولى لك! قد سلمت وسلم لك جعلك، خذه بورك لك فيه، ولا حاجة لي فيه. فأخذته، وانقلب يهجو معلّى بن هبيرة.
مدح أبا جعفر فلم يثبه
أخبرني الحسن، قال: حدثنا أحمد بن الحارث، عن المدائنيّ:
__________
[1] علباء البعير: عصب عنفه، وجمعه: «علابي». وعلبى الرجل: ظهرت علابيه كبرا.
[2] أ: «شيطان»، بالشين، وفي الشعر والشعراء 743: أيكم يحتال لأبي عطاء حتى يقول جرادة وزج وشيطان، فقال حماد الراوية:
أنا، فلم يلبث أن جاء أبو عطاء، فقال: .... مرهبا مرهبا، هياكم اللّه، قلنا: ألا تتعشى؟ قال: قد تأسيت، فهل عندكم نبيذ؟
قلنا: نعم، فأتى بنبيذ، فشرب حتى استرخت علاييه، وخذيت أذناه، فقال حماد الراوية: كيف بصرك باللغز يا أبا عطاء؟ قال:
هن ... إلى آخر الخبر.
أنّ أبا عطاء مدح أبا جعفر فلم يثبه، فأظهر الانحراف عنه لعلمه بمذهبه في بني أميّة، فعاوده بالمدح، فقال له: يا ماصّ كذا من أمّه، ألست القائل في عدوّ اللّه الفاجر نصر بن سيّار ترثيه:
فاضت دموعي على نصر وما ظلمت ... عين تفيض على نصر بن سيّار
يا نصر من للقاء الحرب إن لقحت ... يا نصر بعدك أو للضيف والجار
الخندفيّ الذي يحمي حقيقته ... في كل يوم مخوف الشرّ والعار
/ والقائد الخيل قبّا في أعنّتها ... بالقوم حتى تلفّ القار بالقار [1]
من كلّ أبيض كالمصباح من مضر ... يجلو بسنّته الظلماء للسّاري
ماض على الهول مقدام إذا اعترضت ... سمر الرّماح وولّى كلّ فرّار
إن قال قولا وفى بالقول موعده ... إنّ الكنانيّ واف غير غدّار
هجاؤه أبا جعفر
واللّه لا أعطيك بعد هذا شيئا أبدا. قال: فخرج من عنده، وقال عدة قصائد يذمّه فيها منها:
فليت [2] جور بني مروان عاد لنا ... وليت عدل بني العبّاس في النار
وقال أيضا:
أليس اللّه يعلم أنّ قلبي ... يحبّ بني أميّة ما استطاعا
وما بي أن يكونوا أهل عدل ... ولكنّي رأيت الأمر ضاعا
شعره في ابن هبيرة حين لم يصله بشي ء
أخبرني الحسن، قال: حدثني الخراز [3]، عن المدائنيّ، قال:
كان أبو عطاء مع ابن هبيرة، وهو يبني مدينته التي على شاطىء الفرات، فأعطى ناسا كثيرا صلات ولم يعطه شيئا، فقال:
قصائد حكتهنّ ليوم فخر [4] ... رجعن إلى صفرا خاليات
رجعن وما أفأن عليّ شيئا ... سوى أنّي وعدت التّرهات
أقام على الفرات يزيد حولا ... فقال الناس: أيّهما الفراتي! [5]
/فيا عجبا لبحر بات يسقي ... جميع الخلق لم يبلل لهاتي
شعره في مدح يزيد بن عمر بن هبيرة
فقال له يزيد بن عمر بن هبيرة: وكم يبلّ لهاتك يا أبا عطاء؟ قال: عشرة آلاف درهم، فأمر ابنه بدفعها إليه، ففعل، فقال يمدح ابنه:
__________
[1] المختار: «الغار بالغار».
[2] الشعر والشعراء: يا ليت.
[3] أ: «الخزاز».
[4] أ: «بقوم قيس»، وفي المختار: «لعدم قيس».
[5] أ: «الفرات».
أمّا أبوك فعين الجود تعرفه ... وأنت أشبه خلق اللّه بالجود [1]
لو لا يزيد ولو لا قبله عمر ... ألقت إليك معدّ بالمقاليد
/ ما ينبت العود إلا في أرومته ... ولا يكون الجنى إلّا من العود
وهب له نصر بن سيار جارية فقال في ذلك شعرا
أخبرني الحسن، قال: حدثنا أحمد، عن المدائنيّ، قال:
وهب نصر بن سيّار لأبي عطاء جارية، فلما أصبح غدا على نصر، فقال: ما فعلت أنت وهي؟ فقال: قد كان شيء منّي منعني من بعض حاجتي - يعني النّوم - يعني النّوم - فقال: وهل قلت في ذلك شعرا؟ قال: نعم، وأنشد:
إنّ النكاح وإن هرمت [2] لصالح ... خلف لعينك من لذيذ المرقد
فقال نصر:
ذاك الشقاء فلا تظنّن غيره ... ليس المشاهد مثل من لم يشهد
فقال: أصلحك اللّه، إني قد امتدحتك فائذن لي أن أنشدك، قال: إني لفي شغل، ولكن ائت تميما، فأتاه فأنشده، فحمله على برذون أبلق، فقال له نصر من الغد: ما فعل بك تميم؟ فقال:
لئن كان أغلق باب الندى ... فقد فتح الباب بالأبلق
ثم أنشده قوله:
وهيكل يقال في جلاله ... تقصر أيدي الناس عن قذاله
/ جعلت أوصالي على أوصاله ... إنّك حمّال على أمثاله
لبس السواد وقال شعرا في ذلك
أخبرني الحسن، قال: حدثنا أحمد بن الحارث، عن المدائنيّ، قال: لما أمر أبو جعفر الناس بلبس السّواد، لبسه أبو عطاء فقال:
كسيت ولم أكفر من اللّه نعمة ... سوادا إلى لوني ودنّا [3] ملهوجا [4]
وبايعت كرها بيعة بعد بيعة ... مبهرجة إن كان أمر مبهرجا [5]
يضيف بيتين من الشعر إلى بيتين بعث بهما إليه إبراهيم بن الأشتر
أخبرني الحسن، قال: حدثنا أحمد، عن المدائنيّ، قال:
بعث إبراهيم بن الأشتر إلى أبي عطاء ببيتين من شعر، وسأله أن يضيف إليهما بيتين من رويّهما وقافيتهما، وهما:
__________
[1] المختار 1: 413.
[2] في ب، س: «هربت» والمثبت من ما.
[3] الدن: قلنسوة محددة الأطراف وكان العباسيون قد أمروا بلبس القلانس.
[4] الملهوج: غير المحكم.
[5] كذا في ما وفي أ: «إن كان أمر».
وبلدة يزدهي الجنّان طارقها ... قطعتها بكناز اللحم معتاطه
وهنا وقد حلّق النّسران أو كربا ... وكانت الدلو بالجوزاء منتاطه
فقال أبو عطاء:
فانجاب عنها قميص الليل فابتكرت ... تسير كالفحل تحت الكور لطّاطه
في أينق كلما حثّ الحداة لها ... بدت مناسمها هوجاء حطّاطه
يهجو بغلة أبي دلامة
أخبرني الحسن، قال: حدثنا أحمد، عن المدائنيّ، قال:
كان سبب هجاء أبي دلامة بغلته أن أبا عطاء السنديّ هجاها، فخاف أبو دلامة أن تشتهر بذلك، وتعرّه، فباعها وهجاها بقصيدته المشهورة. قال: وأبيات أبي عطاء فيها:
أبغل أبي دلامة متّ هزلا ... عليه بالسخاء تعوّلينا
دوابّ الناس تقضم ملمخالي ... وأنت مهانة لا تقضمينا
/ سليه البيع واستعدي عليه ... فإنّك إن تباعي تسمنينا
شعره في مدح نهيك بن معبد
أخبرني الحسن، قال: حدثنا أحمد، عن المدائنيّ، قال:
كان أبو عطاء منقطعا في طريق/ مكة، وخباؤه مطروح، فمرّ به نهيك بن معبد العطارديّ، فقال: لمن هذا الخباء الملقى؟ فقيل: لأبي عطاء السنديّ، فبعث غلمانا له، فضربوا له خباء، وبعث إليه بألطاف وكسوة، فقال:
من صنع هذا؟ قالوا: نهيك بن معبد، فنادى بأعلى صوته يقول:
إذا كنت مرتاد الرجال لنفعهم ... فناد بصوت: يا نهيك بن معبد
فبعث إليه نهيك: لا، زدنا يا أبا عطاء.
فقال ابو عطاء:
إنما أعطيناك على قدر ما أعطيتنا، فإن زدتنا زدناك، واللّه أعلم.
أنشده حماد بيتا فلم يعجبه فقال شعرا يصحح معناه
نسخت من كتاب ابن الطحان [1]: قال الهيثم بن عديّ: أخبرنا حمّاد الراوية، قال:
أنشدت أبا عطاء السنديّ في أثناء حديث هذا البيت:
إذا كنت في حاجة مرسلا ... فأرسل حكيما ولا توصه
فقال أبو عطاء: بئس ما قال! فقلت: كيف تقول أنت؟ قال: أقول:
إذا أرسلت في أمر رسولا ... فأفهمه وأرسله أديبا
وإن ضيّعت ذاك فلا تلمه ... على أن لم يكن علم الغيوبا
__________
[1] م: «النطاح».
شعره في مدح سليمان بن سليم
نسخت من كتاب عبيد اللّه بن محمد اليزيديّ: قال الهيثم بن عديّ، عن/ حماد بن سلمة الكلبيّ، قال:
دخل أبو عطاء السنديّ على سليمان بن سليم بن بشّار [1]، فقال له:
أعوزتني الرّواة يابن سليم ... وأبى أن يقيم شعري لساني
وغلا بالذي أجمجم صدري ... وشكاني من عجمتي شيطاني
وعدتني العيون أن كان لوني ... حالكا مظلما من الألوان
وضربت الأمور ظهرا لبطن ... كيف أحتال حيلة لبياني!
فتمنّيت أنني كنت بالشع ... ر فصيحا وبان بعض بناني
ثم أصبحت قد أنخت ركابي ... عند رحب الفناء والأعطان
فإلى من سواك يابن سليم ... أشتكي كربتي وما قد عناني
فاكفني ما يضيق عنه ذراعي ... بفصيح من صالحي الغلمان
يفهم الناس ما أقول من الشع ... ر فإنّ البيان قد أعياني
ثم خذني بالشكر يابن سليم ... حيث كانت داري من البلدان
فأمر له بوصيف فصيح كان حسن الإنشاد، فقال أبو عطاء أيضا:
فأقبلوا نحوي معا بالقنا ... وكلّهم يسأل: ما شأني؟
فقلت: شأني كلّه أنني ... في تعب من لفظ جرداني
يابن سليم أنت لي عصمة ... من حدث أفزع جيراني
فقد رماني الدّهر عن فقره ... بسهم فقر غير لغبان [2]
صاد فؤادي بعد ما قد سلا ... فصرت كالمقتبل العاني
/ فانعش فدتك النفس مني ومن ... أطاعني من جلّ إخواني
وهب فدتك النفس لي طفلة [3] ... يقمع حرها رأس شيطاني
فإن أيري قد عتا واعتدى ... وصار يبغي بغية الزّاني
فاللّه ثم اللّه في قمعه ... من قبل أن أمنى [4] بسلطان
/ يتركني أضحوكة بعد ما ... أضرب في سرّ وإعلان
فأمر له بجارية قندهاريّة [5] فارهة، فقال:
أحصنني اللّه بكفّي فتى ... مهذّب من سرّ قحطان
__________
[1] أ: «ابن كيسان».
[2] اللغبان: «الشديد الإعياء».
[3] الطفلة: الرخصة الناعمة.
[4] أ: «أنمى».
[5] قندهاربة: منسوبة إلى قندهاز (البلدان).
من حمير أهل السّدي [1] والندى ... وعصمة الخائف والجاني
يا خير خلق اللّه أنت الذي ... أيأست من فسقي شيطاني
يغضب لخطأ راويته في شعر قاله
أخبرني أحمد بن عبد العزيز، قال: حدّثنا عليّ بن محمد النوفليّ، عن أبيه، قال:
كنت جالسا مع سليمان بن مجالد وعنده أبو عطاء السنديّ، إذ قام راوية أبي عطاء ينشد سليمان مديحا لأبي عطاء، وأبو عطاء جالس لا يتكلّم، إذ قال الراوية في إنشاده:
فما فضلت يمينك من يمين ... ولا فضلت شمالك عن شمال [2]
هكذا بالرفع، فغضب أبو عطاء، وقال: ويلك فما مدهته إذا، إنما هزوته، يريد فما مدحته إذا إنما هجوته، ثم أنشده أبو عطاء:
فما فدلت يمينك من يمين ... ولا فدلت شمالك عن شمال
/ فكدت أضحك، ولم أجسر، لأني رأيت القوم جميعا بهم مثل ما بي وهم لا يضحكون؛ خوفا منه.
ينشد نصر بن سيار فيأمر له بجائزة
حدثنا وكيع، قال: أخبرنا أحمد بن زهير، قال: حدثنا سليمان بن منصور، قال: حدثني صالح بن سليمان، قال:
وفد أبو عطاء السنديّ على نصر بن سيّار فأنشده:
قالت تريكة بيتي وهي عاتبة [3]: ... إنّ المقام على الإفلاس تعذيب
ما بال همّ دخيل بات محتضرا ... رأس الفؤاد فنوم العين توجيب
إني دعاني إليك الخير من بلدي ... والخير عند ذوي الأحساب مطلوب
فأمر له بأربعين ألف درهم.
يغضب لأن ضيفه يرقب جاريته
أخبرني محمد بن خلف وكيع والحسن بن عليّ، قالا: حدثنا عبد اللّه بن أبي سعد، قال: حدثني سليمان بن أبي شيخ، عن صالح بن سليمان، قال: دخل إلى أبي عطاء السنديّ ضيف، فأتاه بطعام، فأكل، وأتاه بشراب وجلسا يشربان، فنظر أبو عطاء إلى رجل يلاحظ جاريته، فأنشأ يقول [4]:
كل هنيئا وما شربت مريئا ... ثم قم صاغرا وأنت ذميم
لا أحبّ النديم يومض بالطر ... ف إذا ما خلا لعرس النّديم [5]
__________
[1] السدي: المعروف.
[2] أ: «فما نزلت ولا نزلت»، وفي المختار 1: 414: «و لا فدلت» «يريد: ولا فضلت».
[3] تريكة البيت: التي تترك فلا تتزوج، وهي العانس في بيت أبويها. «اللسان» (ترك).
[4] الأبيات في الكامل: 74 والبيان 3: 347.
[5] الكامل: «يومض بالعين إذا ما انتشى لعرص النديم» في وفي البيت إقراء.
صوت
تجول خلاخيل النساء ولا أرى ... لرملة خلخالا يجول ولا قلبا [1]
أحبّ بني العوّام طرّا لحبّها ... ومن أجلها أحببت أخوالها كلبا
فإن تسلمي نسلم، وإن تتنصّري ... تخطّ رجال بين أعينهم صلبا
عروضه من الطويل. الشعر لخالد بن يزيد بن معاوية يقوله في زوجته رملة بنت الزّبير. والغناء ليحيى المكيّ، ثاني ثقيل أول بالوسطى، من رواية ابنه وأبي العبيس [2]، وفيه لعبيد اللّه بن أبي غسان رمل، وفيه لسعيد بن جابر خفيف رمل بالبنصر، عن حبش.
__________
[1] الكامل 1: 204، والمختار من شعر بشار 151، ومعجم الأدباء 11: 41، والقلب: سوار المرأة.
[2] في أ. ج، م: «العميس».
29 - ذكر خالد ورملة وأخبارهما وأنسابهما
نسبه
خالد بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف. وكان من رجالات قريش سخاء وعارضة وفصاحة، وكان قد شغل نفسه بطلب الكيمياء فأفنى بذلك عمره، وأسقط نفسه. وأمّ خالد بن يزيد أمّ هاشم بنت هاشم بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف.
كان عالما شاعرا
أخبرني الطوسيّ وحرميّ، قالا: حدثنا الزبير، قال: حدثني عمّي مصعب، قال:
كان خالد بن يزيد بن معاوية يوصف بالعلم، ويقول الشعر، وزعموا أنه هو الذي وضع خبر السّفيانيّ وكبّره، وأراد أن يكون للناس فيه طمع حين غلبه مروان بن الحكم على الملك، وتزوّج أمّه أمّ هاشم، وهذا وهم من مصعب؛ فإن السفيانيّ قد رواه غير واحد، وتتابعت فيه رواية الخاصة والعامّة. وذكر خبر أمره أبو جعفر محمد بن عليّ بن الحسين عليهم السلام، وغيره من أهل البيت صلوات اللّه عليهم.
حدثني أبو عبد اللّه [1] الصّيرفيّ، قال: حدثنا محمد بن عليّ بن خلف العطار، قال: حدثنا الحسن بن صالح، عن أبي الأسود، قال: حدثنا صالح بن أبي الأسود - يعني أباه - عن عبد الجبار بن العباس الهمدانيّ، عن عمار الدّهنيّ، قال:
قال أبو جعفر محمد بن عليّ عليهما السلام: كم تعدّون بقاء السفيانيّ فيكم؟ قلت: حمل امرأة تسعة أشهر، قال: ما أعلمكم يأهل الكوفة ..
/ حدثني أبو عبد اللّه قال: حدثنا محمد بن عليّ، قال: حدثنا الحسن بن صالح، قال: حدثنا منصور بن الأسود، قال:
أتيت جابرا الجعفيّ أنا والأسود أخي، فقلنا له: إنا قوم نضرب في هذه التجارات، وقد بلغنا أن الرايات قد قطع بها الفرات، فماذا تشير علينا؟ وماذا تأمرنا؟ قال: اذهبوا حيث شئتم من أرض اللّه تعالى، حتى إذا خرج السّفيانيّ فأقبلوا عودكم على بدئكم.
أمه تكتنى باسمه
أخبرني الطوسيّ وحرميّ، قالا: حدثنا الزّبير بن بكار، عن عمه، قال: لما ولدت أمّ هاشم خالد بن يزيد بن معاوية تركت كنيتها، واكتنت بخالد، وقال فيها يزيد بن معاوية:
__________
[1] أ: «أبو عبيد اللّه».
وما نحن يوم استعبرت أمّ خالد ... بمرضى ذوي داء ولا بصحاح
ولها يقول، وقد قدم من المدينة، وقد تزوّج أمّ مسكين بنت عمر بن عاصم بن عمر بن الخطاب فحملت إليه بالشّام، فأعجب بها، وجفا أمّ خالد، ودخل عليها وهي تبكي، فقال [1]:
ما لك أمّ خالد تبكين ... من قدر حلّ بكم تضجّين!
باعت على بيعك أمّ مسكين ... ميمونة من نسوة ميامين
حلّت محلّك الّذي تحلّين ... زارتك من يثرب في جوارين
في منزل كنت به تكونين
رملة تزوجت عثمان بن عبد اللّه قبل زواجها من خالد
أخبرني الطوسيّ وحرميّ، قالا: حدثنا الزبير بن بكار، عن عمه: أنّ رملة بنت الزبير كانت أخت مصعب بن الزبير لأمه [2]، كانت أمّهما أمّ الرباب بنت أنيف بن عبيد بن مصاد بن كعب بن عليم بن عتّاب [3] /بن ذهل من كلب، وإنما كانت قبل خالد بن يزيد عند عثمان بن عبد اللّه بن حكيم بن حزام بن خويلد بن أسد بن عبد العزّى، فولدت له عبد اللّه بن عثمان،/ وهو زوج سكينة بنت الحسين بن عليّ عليهما السلام.
الحجاج يعاتب خالدا لخطبته رملة فيرد عليه ردا عنيفا
قال الزبير: فحدثني رجل، عن عمر بن عبد العزيز، وأخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ، قال: حدثنا عمر بن شبّة، قال:
لما قتل ابن الزبير حجّ خالد بن يزيد بن معاوية، فخطب رملة بنت الزبير بن العوامّ، فأرسل إليه الحجاج حاجبه عبيد اللّه بن موهب، وقال له: ما كنت أراك تخطب إلى آل الزبير حتى تشاورني، وكيف خطبت إلى قوم ليسوا لك بأكفاء! وكذلك قال جدّك معاوية، وهم الذين قارعوا أباك على الخلافة، ورموه بكل قبيحة، وشهدوا عليه وعلى جدّك بالضّلالة.
فنظر إليه خالد طويلا، ثم قال له: لو لا أنّك رسول، والرسول لا يعاقب لقطّعتك إربا إربا، ثم طرحتك على باب صاحبك، قل له: ما كنت أرى أن الأمور بلغت بك إلى أن أشاورك في خطبة النساء!.
وأما قولك لي: قارعوا أباك وشهدوا عليه بكلّ قبيح، فإنها قريش يقارع بعضها بعضا، فإذا أقرّ اللّه عز وجل الحقّ قراره، كان تقاطعهم وتراحمهم على قدر أحلامهم وفضلهم.
وأما قولك: إنهم ليسوا بأكفاء فقاتلك اللّه يا حجّاج، ما أقلّ علمك بأنساب قريش! أيكون العوام كفؤا لعبد المطلب بن هاشم بتزوّجه صفيّة، وبتزوج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم خديجة بنت خويلد، ولا تراهم أهلا لأبي سفيان! فرجع الحاجب إليه فأعلمه.
__________
[1] نسب قريش 155.
[2] المختار: «لأبيه»، وفي أنساب الأشراف للبلاذري: «أخت مصعب لأبيه وأمه وأمهما الرباب».
[3] في المختار: «بن جناب».
شعره في رملة
قال: وقال عمر بن شبّة في خبره، قال خالد بن يزيد بن معاوية فيها [1]:
أليس يزيد السير في كل ليلة ... وفي كلّ يوم من أحبّتنا قربا
أحنّ إلى بنت الزبير وقد علت ... بنا العيس خرقا من تهامة أو نقبا [2]
إذا نزلت أرضا تحبّب أهلها ... إلينا وإن كانت منازلها حربا
وإن نزلت ماء وإن كان قبلها ... مليحا [3] وجدنا ماءه باردا عذبا
تجول خلاخيل النساء ولا أرى ... لرملة خلخالا يجول ولا قلبا
أقلّوا عليّ اللوم فيها فإنني ... تخيّرتها منهم زبيرية قلبا [4]
أحبّ بني العوّام طرّا لحبّها ... ومن حبها أحببت أخوالها كلبا
قال أبو زيد: وزادوا في الأبيات:
فإن تسلمي نسلم وإن تتنصّري ... تخطّ رجال بين أعينهم صلبا
فقال له عبد الملك: تنصرت يا خالد، قال: وما ذاك؟ فأنشده هذا البيت، فقال له خالد: على من قاله ومن نحلنيه لعنة اللّه.
يشير غضب الحجاج فيعنّفه ويتطاول عليه
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ، قال: حدثني عمر بن شبّة، قال: حدثني موسى بن سعيد بن سلم [5]، قال:
قدم الحجاج على عبد الملك، فخرّ بخالد بن يزيد بن معاوية، ومعه بعض أهل الشام، فقال الشاميّ لخالد:
من هذا؟ فقال خالد كالمستهزى ء: هذا عمرو بن العاصي، فعدل إليه الحجاج، فقال: إني واللّه ما أنا بعمرو بن العاصي ولا ولدت عمرا ولا ولدني؛ ولكني ابن الغطاريف من ثقيف والعقائل/ من قريش، ولقد ضربت بسيفي هذا أكثر من مائة ألف، كلّهم يشهد أنك وأباك من أهل النار، ثم لم أجد لذلك عندك أجرا ولا شكرا، وانصرف عنه، وهو يقول: عمرو بن العاصي، عمرو بن العاصي!.
محمد بن عمرو بن سعيد بن العاص يتنقصه
أخبرني محمد بن/ العباس اليزيديّ، قال: حدثنا أحمد بن الحارث الخراز [6]، قال: حدثنا المدائنيّ، قال:
حدثنا عبد اللّه بن مسلم القرشيّ، عن مطر مولى يزيد بن عبد الملك:
__________
[1] معجم الأدباء 11: 44.
[2] الخرق: الفلاة الواسعة. والنقب: الطريق في الجبل.
[3] المليح: الملح ضد العذب.
[4] زبيرية قلبا، يريد خالصة النسب.
[5] كذا في أ، ب، وفي ج: «سالم».
[6] ف: «الخزار».
أنّ محمد بن عمرو بن سعيد بن العاصي قدم الشام غازيا، فأتى عمّته أميّة [1] بنت سعيد، وهي عند خالد بن يزيد بن معاوية، فدخل خالد فرآه، فقال: ما يقدم علينا أحد من أهل الحجاز إلا اختار المقام عندنا على المدينة، فظنّ محمد أنه يعرّض به، فقال له: وما يمنعهم من ذلك، وقد قدم قوم من أهل المدينة على النواضح [2]، فنكحوا أمّك وسلبوك ملكك، وفرّغوك لطلب الحديث وقراءة الكتب، وعمل الكيميا الذي لا تقدر عليه. انتهى.
أمه تقتل زوجها مروان بن الحكم
أخبرني محمد بن العباس اليزيديّ، قال: حدثنا الخراز عن المدائنيّ، عن أبي أيوب القرشيّ، عن يزيد بن حصين بن نمير:
أنّ مروان بن الحكم تزوّج أم خالد بن يزيد بن معاوية، فناظر خالدا يوما وأراد أن يضع منه في شيء جرى بينهما، فقال له: يابن الرّطبة، فقال له خالد: إنك لأمّي مختبر [3]، وأنت بهذا أعلم. ثم أتى أمّه فأخبرها، وقال:
أنت صنعت بي هذا، فقالت له: دعه، فإنه لا يقولها لك بعد اليوم.
/ فدخل مروان عليها فقال لها: هل أخبرك خالد بشي ء؟ فقالت: يا أمير المؤمنين! خالد أشدّ تعظيما لك من أن يذكر لي خبرا جرى بينك وبينه.
فلما أمسى وضعت مرفقة على وجهه، وقعدت عليها هي وجواريها حتى مات.
وأراد عبد الملك قتلها، وبلغها ذلك، فقالت: أما إنه أشدّ عليك أن يعلم الناس أن أباك قتلته امرأة؛ فكفّ عنها.
رملة تشكو سكينة بنت الحسين إلى عبد الملك بن مروان
أخبرني محمد قال: حدّثني الخراز، عن المدائنيّ، قال: وأخبرني الطوسيّ، عن الزّبير، عن المدائنيّ، عن جويرية قال:
نشزت سكينة بنت الحسين بن عليّ عليهما السلام على زوجها عبد اللّه بن عثمان - وأمّه رملة بنت الزبير - فدخلت رملة على عبد الملك بن مروان، وهو عند خالد بن يزيد بن معاوية، فقالت: يا أمير المؤمنين، لو لا أن يبتزّ أمرنا [4] ما كانت لنا رغبة فيمن لا يرغب فينا، سكينة بنت الحسين عليه السلام قد نشزت على ابني، قال:
يا رملة، إنها سكينة، قالت: وإن كانت سكينة، فو اللّه لقد ولدنا خيرهم، ونكحنا خيرهم، وأنكحنا خيرهم، تعني بمن ولدوا فاطمة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم، ومن نكحوا صفيّة بنت عبد المطلب، ومن أنكحوا النبيّ صلّى اللّه عليه وسلم.
فقال: يا رملة، غرّني منك عروة بن الزّبير، فقالت: ما غرّك، ولكن نصح لك؛ لأنك قتلت أخي مصعبا فلم يأمني عليك.
__________
[1] المختار: «آمنة».
[2] الناضح: البعير الذي يستقى عليه الماء، والأنثى: ناضحه، بهاء.
[3] أ، ج: «فقال له خالد: الأمير مختبر»، وفي المختار: «إنك لأمين مختبر».
[4] المختار: «لو أن لنا من يدبر أمرنا».
شعر خالد في بنت عبد اللّه بن جعفر
أخبرني الطوسيّ، قال: حدثني عمّي مصعب، قال: تزوّج خالد/ بن يزيد بنت عبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب عليه السلام، فقال فيها:
جاءت بها دهم البغال وشهبها ... مقنّعة في جوف حدج [1] مخدّر
مقابلة بين النبيّ محمد ... وبين عليّ والحواري وجعفر
منافيّة جادت بخالص ودّها ... لعبد منافيّ أغرّ مشهّر
قال مصعب: ومن الناس من ينكر تزويجه إياها.
شديد بن شداد يعير عبد الملك بن مروان بخالد
ومما يثبته قول شديد بن شداد بن عامر بن لقيط بن جابر بن وهيب بن ضباب بن حجير بن عبد بن معيص [2] بن عامر بن لؤيّ لعبد الملك بن مروان هذا يعيّره [3] بخالد في تزويجه بنت الزبير وبنت عبد اللّه بن جعفر، قال:
/لا يستوي [4] الحبلان حبل تلبّست [5] ... قواه وحبل قد أمرّ شديد
عليك أمير المؤمنين بخالد ... ففي خالد عما تريد صدود
إذا ما نظرنا في مناكح خالد ... عرفنا الذي يهوى وحيث يريد
خالد يشكو الوليد إلى أبيه عبد الملك
أخبرنا الطوسيّ، قال: حدثنا الزّبير، قال: حدثني مصعب بن عثمان، قال: دخل عبد اللّه بن يزيد بن معاوية على أخيه خالد، فقال: لقد هممت اليوم بقتل الوليد بن عبد الملك، فقال له خالد: بئس ما هممت به في ابن/ أمير المؤمنين ووليّ عهد المسلمين، قال: إنه لقي خيلي فنفّرها، وتلاعب بها، فقال له خالد: أنا أكفيكه إن شاء اللّه. فدخل خالد على عبد الملك، وعنده الوليد، فقال له: يا أمير المؤمنين؛ إن وليّ عهد المسلمين الوليد ابن أمير المؤمنين لقي خيل ابن عمّه عبد اللّه بن يزيد فنفّرها وتلعّب بها، فشقّ ذلك على عبد اللّه، فنكس عبد الملك رأسه، وقرع الأرض بقضيب في يده، ثم رفع رأسه إليه، فقال: إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ
[6]، فقال له خالد: وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً
[7]، فقال له عبد الملك: أتكلمني فيه، وقد دخل عليّ لا يقيم لسانه لحنا، فقال له خالد: يا أمير المؤمنين، أفعلى الوليد تعوّل [8] في اللّحن؟ فقال عبد الملك: إن يكن الوليد لحّانا فأخوه سليمان، قال خالد: وإن
__________
[1] الحدج، بكسر الحاء: الهودج، مركب من مراكب النساء ليس برحل ولا هودج. «اللسان» (حدج).
[2] س: «بغيض»، والمثبت يوافق ما في جمهرة الأنساب 174، 172 وأنساب قريش 435.
[3] في ف: «يغريه»، والمثبت يوافق ما في أ.
[4] نسب قريش: «و لا يستوي».
[5] أ: «حبل تلبثت».
[6] سورة النمل 34.
[7] سورة الإسراء 16.
[8] كذا في المختار، وهو الوجه. وفي باقي الأصول: «تقول».
يكن عبد اللّه لحّانا فأخوه خالد، قال الوليد لخالد: أتكلّمني ولست في عير ولا نفير [1]! قال: ألا تسمع يا أمير المؤمنين ما يقول هذا؟ أنا واللّه ابن العير والنّفير، سيّد العير جدّي أبو سفيان، وسيّد النفير جدّي عتبة بن ربيعة [2]، ولكن لو قلت: حبيلات - يعني حبلة العنب [3] - وغنيمات والطائف لقلنا: صدقت، ورحم اللّه عثمان!.
هذا آخر الحديث. قال مؤلف هذا الكتاب: يعيّره بأمّ مروان، وأنها/ من الطائف، ويعيّره بالحكم، وأنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم طرده إلى الطائف، وترحّم على عثمان لردّه إياه.
حماقة معاوية بن مروان
حدثني محمد بن العباس اليزيديّ، قال: حدثنا أحمد بن الحارث الخراز، عن المدائنيّ، عن إسحاق بن أيوب:
أنّ معاوية بن مروان كان ضعيفا، فقال له خالد بن يزيد: يا أبا المغيرة! ما الذي هوّنك على أخيك فلا يوليك ولاية [4]، قال: لو أردت لفعل، قال: كلّا، قال: بلى واللّه، قال: فسله أن يولّيك بيت لهيا [5]، قال: نعم.
فغدا على عبد الملك، فقال له معاوية: يا أمير المؤمنين! ألست أخاك؟ قال: بلى واللّه، إنك لأخي وشقيقي، قال: فولّني بيت لهيا، قال: متى عهدك بخالد؟ قال: عشيّة أمس، قال: إيّاك أن تكلّمه.
ودخل خالد فقال له: كيف أصبحت يا أبا المغيرة؟ قال: قد نهانا هذا عن كلامك، فغلب على عبد الملك الضّحك، فقام وتفرّق الناس.
قال: وأفلت لمعاوية هذا باز فصاح: أغلقوا أبواب المدينة لا يخرج، قال: وقال له رجل: أنت الشّريف ابن أمير المؤمنين، وأخو أمير المؤمنين، وابن عم أمير المؤمنين عثمان، وأمّك عائشة بنت معاوية، قال: فأنا إذا مردّد في بني اللّخناء تردادا [6].
خالد يتعصب لكلب على قيس
أخبرني الطوسيّ، عن الزبير، عن عمه، قال: كان خالد بن يزيد/ يتعصّب لكلب على قيس في الحرب التي كانت بينهم؛ لأنّ كلبا أخوال أبيه يزيد، وأخوال زوجته، فقال شاعر قيس:
/يا خالد بن أبي سفيان قد قرحت [7] ... منّا القلوب وضاق السّهل والجبل
أأنت تأمر كلبا أنّ تقاتلنا ... جهلا وتمنعهم منّا إذا قتلوا
ها إنّ ذا لا يقرّ الطير ساكنة ... ولا تبرّك من نكرائه الإبل
__________
[1] ليس في عير ولا نفير، أي ليس شيئا يعتد به.
[2] في ف: «جدي عتبة بن ربيعة صاحب النفير، وأبي أبو سفيان صاحب العير».
[3] الحبل: شجر العنب، واحده حبلة.
[4] في المختار: «ما أهونك على أخيك؛ ألا يولّيك ولاية».
[5] بيت لهيا، قرية مشهورة بغوطة دمشق (البلدان).
[6] ف: «ترديدا».
[7] كذا في ف، وفي أ، ب، ج: «قدحت».
صوت
خمس دسسن إليّ في لطف ... حور العيون نواعم زهر
فطرقتهنّ مع الجريّ [1] وقد ... نام الرّقيب وحلّق النّسر
عروضه من الكامل. الشعر للأحوص، والغناء لمعبد، رمل بالسبابة في مجرى البنصر، عن إسحاق.
__________
[1] الجري: الرسول، وهو الخادم أيضا.
30 - [خبر للأحوص]
نسوة من أهل المدينة يعقدن له مجلسا، فيقول في ذلك شعرا
أخبرني حرميّ [1] بن أبي العلاء، قال: حدثني الزبير بن بكّار، قال: أخبرني إبراهيم بن عبد الرحمن، قال:
حدثني إسماعيل بن محمد المخزوميّ، قال:
اجتمع نسوة عند امرأة من أهل المدينة فقلن: أرسلي إلى الأحوص، فإنّا نحبّ أن نتحدث معه ونسمع من شعره، فقالت لهنّ: إذا لا يزيدكنّ على أن يخرج إذا عرفكن، فيشهركنّ وينظم الشعر فيكنّ، فلم يزلن بها حتى أرسلت إليه رسولا يذكر له أمرهنّ ولا يسميهنّ، ويقول له أن يأتيهن مخمّر الرّأس، ففعل، وتحدّث معهنّ وأنشدهن. فلما أراد الخروج وضع يده في تور [2] بين أيديهن فيه خلوق، فغطّى رأسه، وخرج ووضع يده على الباب، ثم تفقّد الموضع الذي كان فيه، فغدا إليه، وطاف حتى وجد أثر يده في الباب، فقال:
خمس دسسن إليّ في لطف ... حور العيون نواعم زهر
فطرقتهنّ مع الجريّ وقد ... نام الرقيب وحلّق النسر
مستبطنا [3] للحيّ إذ قرعوا ... عضبا يلوح بمتنه أثر
/ فعكفن ليلتهن ناعمة ... ثم استفقن [4] وقد بدا الفجر
بأشمّ معسول فكاهته ... غضّ الشباب رداؤه غمر [5]
رزن بعيد الصّوت [6] مشتهر ... جيبت له جوب [7] الرحى عمرو
قامت تخاصره لكلّتها ... تمشي تأوّد غادة بكر
فتنازعا من دون نسوتها ... كلما يسرّ كأنه سحر
كلّ يرى أنّ الشّباب له ... في كل غاية صبوة عذر
سيفانة أمر الشباب بها ... رقراقة لم يبلها الدّهر
حتى إذا أبدى هواه لها ... وبدا هواها ماله ستر
__________
[1] ف: «الحرمي».
[2] التور: إناء.
[3] كذا في ج، ف، وفي أ، ب: مستبطئا.
[4] ف: «ثم افترقن».
[5] الغمر من الثياب: الواسع.
[6] كذا في أ، ب، ف، وفي ح: «بعيد الصيت».
[7] كذا في ف، ح، وفي أ، ب: «جيب الرحى».
سفرت وما سفرت لمعرفة [1] ... وجها أغرّ كأنّه البدر
قال إسماعيل [2] بن محمد: فخرجت وأنا شابّ ومعي شباب نريد مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم، فذكرنا حديث الأحوص وشعره، وقدّامنا عجوز عليها بقايا من الجمال، فلما بلغنا المسجد وقفت علينا والتفتت إلينا، وقالت:
يا فتيان، أنا واللّه إحدى الخمس، كذب وربّ هذا القبر والمنبر ما خلت معه واحدة منّا، ولا راجعته دون نسوتها كلاما.
رواية أخرى في سبب قوله هذا الشعر
قال الزبير:/ وحدثني غير إبراهيم بن عبد الرحمن:
أنّ نسوة من أهل المدينة نذرن مشيا إلى قباء [3] وصلاة فيه، فخرجن ليلا، فطال عليهنّ الليل فنمن، فجاءهنّ الأحوص متّكئا على عرجون/ بن طاب [4]، فتحدّث معهنّ حتى أصبح، ثم انصرف وانصرفن، فقال قصيدته:
خمس دسسن إليّ في لطف ... حور العيون نواعم زهر
وحدثني عمّي، عن أبيه، قال: قال حبيب بن ثابت:
صدرت إلى العقيق، فخلا لي الطريق، فأنشدت أبيات الأحوص هذه، وعجوز سوداء قاعدة ناحية تسمع ما أقول ولا أشعر بها، فقالت: كذب واللّه يا سيّدي؛ إنّ سيفه ليلتئذ لعرجون ابن طاب يتحضّر به، وإني لرسولهنّ إليه.
قال الزبير: وحدثني عمّي، عن أبيه، عن الزّبير [5] بن حبيب، قال: كنت أنشد قول الأحوص:
خمس دسسن إليّ في لطف
قال: فإذا نسوة فيهنّ عجوز سوداء، فأقبلن على العجوز، فقلن لها: لمن هذا الشعر؟ قالت: للأحوص، فقلت [6]: للأحوص لعمري، فقالت لهن: أنا واللّه الجريّ، خرج نسوة يصلّين في مسجد قباء، ثم تحدّثن في رحبة المسجد، في ليلة مقمرة، فقلن: لو كان عندنا الأحوص! فخرجت حتى أتيتهنّ به، وهو متخصّر بعرجون ابن طاب، فتحدّث معهنّ حتى دنا الصبح، فقلن له: لا تذكر خبرنا، ولا تذكر إليه خيرا، قال: قد فعلت، وأنشدهنّ تلك الساعة من الليلة تلك الأبيات، ثم استمرت بأفواه الناس تغنّي:
خمس دسسن إليّ في لطف
الأبيات كلّها، واللّه ما قامت معه امرأة ولا كان بينه وبين واحدة منهن سرّ [7].
__________
[1] ف: «بمعرفة».
[2] كذا في ف، وفي باقي النسخ: «محمد بن إسماعيل».
[3] أي مسجد قباء.
[4] ابن طاب: جنس من تمور المدينة، المضاف والمنسوب. وفي ف: «بعرجون مرطاب».
[5] كذا في النسخ، وتأمل السند السابق.
[6] في ج، ف: «فقلن».
[7] ف: «ستر».
صوت
يابنة الجوديّ قلبي كئيب ... مستهام عندها ما ينيب [1]
ولقد قالوا [2] فقلت: دعوها ... إنّ من تنهون عنه حبيب
إنما أبلى عظامي وجسمي ... حبّها، والحبّ شيء عجيب
عروضه من الرمل. الشعر لعبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي اللّه عنه، والغناء لمعبد، ثقيل أول بالسبابة في مجرى البنصر، عن إسحاق، وفيه لمالك خفيف ثقيل أول بالخنصر في مجرى البنصر، عن إسحاق، وفيه رمل بالسبابة في مجرى الوسطى، لم ينسبه إسحاق إلى أحد. وذكر أحمد بن يحيى المكّيّ أنه لأبيه يحيى. واللّه أعلم.
__________
[1] ف: «ما يثيب».
[2] المختار: «لاموا».
31 - ذكر عبد الرحمن بن أبي بكر وخبره وقصّة بنت الجوديّ
نسبه
عبد الرحمن بن أبي بكر، واسم أبي بكر رضي اللّه عنه عبد اللّه - وكان اسمه في الجاهلية عتيقا، فسمّاه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم عبد اللّه - بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرّة بن كعب بن لؤيّ بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار.
وكان اسم عبد الرحمن عبد العزّى، فسمّاه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم عبد الرحمن.
وأمّه وأمّ عائشة أم رومان بنت عامر بن عويمر بن عبد شمس بن عتّاب بن أذينة بن سبيع بن دهمان بن الحارث بن [1] غنم بن مالك بن كنانة بن خزيمة.
/ هذا قول الزبير، وعمه.
وحكى إبراهيم بن موسى أنها بنت عويمر بن عتّاب بن دهمان بن الحارث بن غنم.
وروى عن محمد بن عبد الرحمن المروانيّ أنها بنت عامر بن عويمر بن أذينة بن سبيع بن الحارث بن دهمان بن غنم بن مالك بن كنانة.
له صحبة بالنبي صلّى اللّه عليه وسلم
ولعبد الرحمن بن أبي بكر رضي اللّه عنه صحبة بالنبيّ صلّى اللّه عليه وسلم، ولم يهاجر مع أبيه صغرا عن ذلك، فبقي بمكانه؛ ثم خرج قبل الفتح مع فتية من قريش. وقيل: بل كان إسلامه في يوم الفتح وإسلام معاوية بن أبي سفيان في وقت واحد غير مدفوع. انتهى.
/ أخبرني الطوسيّ وحرميّ [2] بن أبي العلاء، قالا: حدّثنا الزّبير، قال: حدثني إبراهيم بن حمزة، عن سفيان بن عيينة، عن عليّ بن زيد بن جدعان: أنّ عبد الرحمن بن أبي بكر خرج في فتية من قريش مهاجرا إلى النبيّ صلّى اللّه عليه وسلم قبل الفتح، قال: وأحسبه قال: إنّ معاوية كان معهم [3].
موقفه من أخذ البيعة ليزيد بن معاوية
قال الزّبير: وحدثني عمّي مصعب قال:
__________
[1] ف: «بن عثمان»، والمثبت يوافق ما في نسب قريش وباقي النسخ.
[2] ف: «و الحرمي».
[3] ف: «معه».
وقف محكّم اليمامة على ثلمة [1] فحماها فلم يجز عليه [2] أحد، فرماه عبد الرحمن بن أبي بكر فقتله - وكان أحد الرّماه - فدخل المسلمون من تلك الثّلمة، وهو المخاطب لمروان يوم دعا إلى بيعة يزيد، والقائل: إنّما تريدون أن تجعلوها كسرويّة أو هرقليّة، كلما هلك كسرى أو هرقل ملك كسرى أو هرقل، فقال مروان: أيّها الناس، هذا الذي قال لوالديه: أفّ لكما أتعدانني أن أخرج وقد خلت القرون من قبلي، فصاحت به عائشة: ألعبد الرحمن تقول هذا؟ كذبت واللّه، ما هو به، ولو شئت أن أسمّي من أنزلت فيه لسميته، ولكن أشهد أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم لعن أباك، وأنت في صلبه، فأنت فضض [3] من لعنة اللّه.
حدثنا بذلك أحمد بن الجعد، قال: حدثنا أحمد بن زهير، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا وهب بن جرير، عن جويرية بن أسماء، وفي غير رواية: أنّ عائشة قالت له: يا مروان؛ أفينا تتأوّل القرآن، وإلينا تسوق اللعن؟
/ واللّه لأقومنّ يوم الجمعة بك مقاما تودّ أني لم أقمه. فأرسل إليها بعد ذلك وترضّاها واستعفاها، وحلف ألّا يصلي بالناس أو تؤمّنه، ففعلت.
شعره في ليلى بنت الجودي
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ، قال: حدثنا عمر بن شبّة، قال: حدثنا محمد بن يحيى، قال: حدثنا عبد العزيز بن عمران، عن عبد اللّه [4] بن أبي الزناد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة. وأخبرني الطّوسي، قال: حدثنا الزّبير، قال: حدثنا محمد بن الضحاك، عن أبيه، عن عبد الرحمن بن أبي الزّناد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، قال:
استهيم عبد الرحمن بن أبي بكر بليلى بنت الجوديّ بن عديّ بن عمرو بن أبي عمرو الغسّانيّ، فقال فيها [5]:
تذكرت ليلى [6] والسماوة دونها ... وما لابنة الجوديّ ليلى وماليا
وأنّى تعاطي قلبه حارثيّة [7] ... تحلّ ببصرى أو تحلّ الجوابيا [8]
وكيف يلاقيها، بلى، ولعلّها ... إذا الناس حجّوا قابلا أن تلاقيا [9]
قال أبو زيد: وقال فيها:
يابتة الجوديّ قلبي كئيب ... مستهام عندها ما ينيب
__________
[1] الثلمة: فرجة المكسور والمهدوم.
[2] ف: «فلم يجز عليها».
[3] قال في القاموس: أنت فضض من لعنة اللّه، وبروى: فضض، كعنق وغراب، أي قطعة منها.
[4] ف: «عن عبد الرحمن».
[5] الأبيات في نسب قريش 276، والبيت الأول في الإصابة 4: 390، وانظر نسب قريش.
[6] في نسب قريش: «تذكر ليلى».
[7] نسب قريش: « ... ذكرها حارثية».
[8] كذا في ف وفي أ، ج، ب: «الحوانيا»، والمثبت يوافق ما في نسب قريش.
[9] في نسب قريش:
وأنى تلاقيها .... ... .... قابلا أن توافيا
جاورت أخوالها حيّ عكّ ... فلعكّ [1] من فؤادي نصيب
/ وقد ذكرنا باقي الأبيات فيما تقدم.
قال الزّبير في خبره:
وكان قدم في تجارة، فرآها هناك على طنفسة حولها ولائد، فأعجبته.
وقال أبو زيد في خبره: فقال له عمر: ما لك ولها يا عبد الرحمن! فقال: واللّه ما رأيتها قطّ إلا ليلة في بيت المقدس في جوار ونساء يتهادين، فإذا عثرت إحداهنّ قالت: يابنة الجوديّ، فإذا حلفت إحداهنّ حلفت بابنة الجوديّ.
عمر يأمر بأن تكون ليلى لعبد الرحمن إذا فتحت دمشق
فكتب عمر إلى صاحب الثّغر الذي هي به: إذا فتح اللّه عليكم دمشق فقد غنّمت عبد الرحمن بن أبي بكر ليلى بنت الجوديّ. فلما فتح اللّه عليهم غنّموه إيّاها.
قالت عائشة: فكنت أكلّمه فيما يصنع بها، فيقول: يا أخيّه، دعيني، فو اللّه لكأني أرشف [2] من ثناياها حبّ الرمان. ثم ملّها [3] وهانت عليه، فكنت أكلّمه فيما يسيء إليها كما كنت أكلّمه في الإحسان إليها، فكان إحسانه أن ردّها إلى أهلها.
يردها إلى أهلها
قال الشيخ في خبره:
فقالت له عائشة: يا عبد الرحمن لقد أحببت ليلى فأفرطت، وأبغضت ليلى فأفرطت، فإما أن تنصفها، وإما أن تجهّزها إلى أهلها؛ فجهّزها إلى أهلها.
ليلى بنت ملك دمشق
قال الزّبير: وحدثني عبد اللّه بن نافع الصائغ: عن هشام بن عروة، عن أبيه:
أن عمر بن الخطاب نفّل عبد الرحمن بن أبي بكر بنت الجوديّ، حين فتح دمشق، وكانت بنت ملك دمشق.
روايتان أخريان في أمر عبد الرحمن مع ليلى
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ، قال: حدثنا عمر بن شبّة، قال: حدثنا الصّلت بن مسعود، قال:
حدثنا محمد [4] بن شيرويه، عن سليمان بن صالح، قال: قرأت على عبد اللّه بن المبارك، عن مصعب بن ثابت، عن عبد اللّه بن الزّبير، عن عائشة بنت مصعب، عن عروة بن الزّبير، قال: كانت ليلى بنت الجوديّ بنت ملك من ملوك الشام، فشبّب بها عبد الرحمن بن أبي بكر، وكان قد رآها فيما تقدم بالشام، فلما فتح اللّه عزّ وجلّ على
__________
[1] ب، والمختار: أخوالها حي عكل فلعكل ... ».
[2] ف: «أترشف».
[3] كذا في ب، وفي أ، ف، ج: «بذل لها».
[4] كذا في أ، ب، وفي ج، ف: «أحمد».
المسلمين، وقتلوا أباها أصابوها، فقال المسلمون لأبي بكر: يا خليفة رسول اللّه! أعط هذه الجارية عبد الرحمن، فقد سلّمناها له، قال أبو بكر: أكلّكم [1] على هذا؟ قالوا: نعم، فأعطاه إياها، وكان لها بساط في بلدها لا تذهب إلى الكنيف ولا إلى الحاجة إلّا بسط لها، ورمي بين يديها برمّانتين من ذهب تتلهّى بهما في طريقها. فكان عبد الرحمن إذا خرج من عندها، ثم رجع إليها رأى في عينيها أثر البكاء، فيقول: ما يبكيك؟ اختاري خصالا أيها شئت فعلت بك: إما أن أعتقك وأنكحك، فتقول: لا أشتهيه، وإن شئت رددتك على قومك، قالت: ولا أريد، وإن أحببت رددتك على المسلمين، قالت: لا أريد، قال: فأخبريني ما يبكيك؟ قالت: أبكي الملك من يوم [2] البؤس.
أخبرني أحمد، قال: حدثني أبو زيد، قال: حدثني هارون بن إبراهيم بن معروف، قال: حدثني حمزة بن ربيعة، عن العلاء بن هارون، عن/ عبد اللّه بن عون [3]، عن يحيى بن يحيى الغسانيّ:
أنّ عبد الرحمن قدم على يعلى بن منبّه، وهو على اليمن، فوجدها في السّبي، فسأله أن يدفعها إليه.
شعر آخر له في ليلى
أخبرني أحمد، قال: حدّثنا عمر، قال:
كتب إليّ محمد بن زياد بن عبيد اللّه يذكر أن عبد الرحمن قال فيها:
فإمّا تصبحي بعد اقتراب ... بسلع أو ثنيّات الوداع
فلم ألفظك من شبع ولكن ... لأقضي حاجة النفس الشّعاع [4]
/كأنّ جوانح الأضلاع منّي ... بعيد النوم مبطنة اليراع
عائشة ترثيه
أخبرنا أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ، قال: حدثنا عمر بن شبّة، قال: حدثنا أبو أحمد الزّبيريّ، قال: حدثنا عبد اللّه بن لاحق، عن [5] أبي مليكة، قال:
مات عبد الرحمن بن أبي بكر رضي اللّه عنه بالحبشيّ - جبل من مكّة على أميال [6] - فحمل فدفن بمكة، فقدمت عائشة فوقفت على قبره، ثم قالت [7]:
وكنّا كندماني جذيمة حقبة ... من الدّهر حتى قيل لن يتصدّعا
فلما تفرّقنا كأنّي ومالكا ... لطول اجتماع لم نبت ليلة معا
أما واللّه لو حضرتك لدفنتك حيث متّ، ولو شهدتك لزرتك [8].
__________
[1] كذا في ف وهو الوجه، وفي أ، ب: «أكلمكم».
[2] ف: «أبكي للملك في يوم البؤس».
[3] ف: «عوف».
[4] نفس شعاع: متفرقة، وقد ورد هذا البيت في «اللسان» (شعع) منسوبا إلى قيس بن ذريح، وفيه: «أقضي».
[5] في ف: «لاحق بن أبي مليكة».
[6] في البلدان: «جبل بأسفل مكة بنعمان الأراك».
[7] البلدان (حبشى).
[8] أ، ف: «ما زرتك»، وفي المختار: «لما زرتك».
صوت
أماويّ إنّ المال غاد ورائح ... ويبقى من المال الأحاديث والذّكر [1]
وقد علم الأقوام لو أنّ حاتما ... أراد ثراء المال أمسى له وفر [2]
أماويّ إن يصبح صداي بقفرة ... من الأرض لا ماء لديّ ولا خمر
تري أنّ ما أنفقت لم يك ضائري ... وأنّ يدي مما بخلت به صفر
عروضه من الطويل.
الثراء: الكثرة في المال، وفي عدد القوم أيضا. والوفر: الغنى، ووفور المال. والصّدى ها هنا: كان أهل الجاهلية يذكرون أنّ طائرا يخرج من جسم الإنسان أو من رأسه، فإذا قتل أقبل يصوّت على قبره، حتى يدرك بثأره.
والصّفر: الخالي. والصدى: العطش، والصدى: ما يجيب إذا صوّت في المكان الخالي. وصدأ الحديد مهموز.
الشعر لحاتم الطائيّ. والغناء لإسحاق، رمل بالسبابة في مجرى البنصر. وذكر الهشاميّ أنّ فيه ثقيلا أول، ولمالك خفيفا، وذكر حبش أنّ فيه لابن سريج ثاني ثقيل بالوسطى، وذكر عمرو بن بانة أنّ فيه لابن جامع خفيف رمل بالوسطى.
__________
[1] ديوان حاتم 19.
[2] الديوان: «كان له وفر».
32 - أخبار حاتم ونسبه
نسبه
ذكر ابن الأعرابيّ، عن المفضل [1]، والأثرم، عن أبي عمرو الشيبانيّ، وابن الكلبيّ، عن أبيه والسكريّ، عن يعقوب بن السّكّيت:
أنه حاتم بن عبد اللّه بن سعد بن الحشرج بن امرىء القيس بن عديّ بن أخزم، بن أبي أخزم، واسمه هزومة بن ربيعة بن جرول بن ثعل بن عمرو بن الغوث بن طيى ء.
وقال يعقوب بن السكيت: إنما سمي هزومة؛ لأنه شجّ أو شجّ؛ وإنما سمي طيّىء طيئا - واسمه جلهمة - لأنّه أول من طوى المناهل [2]، وهو ابن أدد بن زيد بن يشحب بن يعرب بن قحطان. ويكنى حاتم أبا سفّانة [3]، وأبا عديّ؛ كني بذلك بابنته سفّانة، وهي أكبر ولده، وبابنه عديّ بن حاتم. وقد أدركت سفّانة وعديّ الإسلام فأسلما، وأتي بسفّانة النبيّ صلّى اللّه عليه وسلم في أسرى طيّىء فمنّ عليها.
علي يروي خبر لقاء ابنته بالنبي صلّى اللّه عليه وسلم
أخبرني بذلك أحمد بن عبيد اللّه بن عمّار، قال: حدثني عبد اللّه بن عمرو [4] بن أبي سعد، قال: حدثني سليمان بن الربيع بن هشام الكوفيّ - ووجدته في بعض نسخ الكوفيين: عن سليمان بن الربيع - أتمّ من هذا فنسخته وجمعتهما./ قال: حدثنا عبد الحميد بن صالح الموصليّ البرجميّ، قال: حدثنا زكريا بن عبد اللّه بن يزيد الصّهبانيّ، عن أبيه، عن كميل [5] بن زياد النخعيّ، عن عليّ عليه السلام، قال:
/ يا سبحان اللّه! ما أزهد كثيرا من الناس في الخير! عجبت لرجل يجيئه أخوه في حاجة فلا يرى نفسه للخير أهلا، فلو كنّا لا نرجو جنّة، ولا نخاف نارا، ولا ننتظر ثوابا، ولا نخشى عقابا، لكان ينبغي لنا أن نطلب مكارم الأخلاق؛ فإنها تدلّ على سبيل النجاة.
فقام رجل، فقال: فداك أبي وأمّي يا أمير المؤمنين، أسمعته من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم؟ قال: نعم، وما هو خير منه؛ لما أتينا بسبايا طيىء كانت في النساء جارية حمّاء [6] حوراء العينين، لعساء لمياء عيطاء [7] شمّاء الأنف، معتدلة
__________
[1] ب: «ابن المفضل»، والمثبت يوافق ما في أ، ف.
[2] ف: «المنازل».
[3] سفانة بنته، وأصل السفانة اللؤلؤة، كما في «القاموس».
[4] ف: «عمير».
[5] أ، ب، ج: «كهيل»؛ والمثبت من ف، وهو يوافق ما في الإكمال 229، والاشتقاق 404.
[6] أ، ج: «جماء»؛ وحماء: بيضاء.
[7] اللعس، محركة: سواء مستحسن في الشفة. واللمى: سمرة في الشفه؛ والعيط، بالتحريك: طول العنق.
القامة، درماء [1] الكعبين، خدلّجة الساقين، لفّاء الفخذين، خميصة الخصر، ضامرة الكشحين، مصقولة المتنين.
فلما رأيتها أعجبت بها، فقلت: لأطلبنّها إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم ليجعلها من فيئي. فلما تكلّمت أنسيت جمالها؛ لما سمعت من فصاحتها، فقالت:
يا محمد، هلك الوالد، وغاب الوافد؛ فإن رأيت أن تخلي عنّي، فلا تشمت بي أحياء العرب؛ فإني بنت سيّد قومي، كان أبي يفكّ العاني، ويحمي الذمار، ويقري الضيف، ويشبع الجائع، ويفرّج عن المكروب، ويطعم الطعام، ويفشي السلام، ولم يردّ طالب حاجة قط؛ أنا بنت حاتم طيى ء.
فقال لها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم: يا جارية، هذه صفة المؤمن،/ لو كان أبوك إسلاميّا لترحمنا عليه، خلّوا عنها؛ فإنّ أباها كان يحبّ مكارم الأخلاق، واللّه يحبّ مكارم الأخلاق [2].
نسب أم حاتم
وأمّ حاتم عتبة [3] بنت عفيف بن عمرو بن امرىء القيس بن عديّ بن أخزم. وكانت في الجود بمنزلة حاتم، لا تدّخر شيئا ولا يسألها أحد شيئا فتمنعه.
بلغ من سخائها أن حجر عليها إخوتها
أخبرني محمد بن الحسن بن دريد، قال: أخبرنا الحرمازيّ [4]، عن العباسي بن هشام، عن أبيه، قال:
كانت عتبة بنت عفيف، وهي أمّ حاتم ذات يسار، وكانت من أسخى الناس، وأقراهم للضيف، وكانت لا تليق [5] شيئا تملكه. فلما رأى إخوتها إتلافها حجروا عليها، ومنعوها مالها، فمكثت دهرا لا يدفع إليها شيء منه، حتى إذا ظنّوا أنها قد وجدت ألم ذلك أعطوها صرمة [6] من إبلها، فجاءتها امرأة من هوازن كانت تأتيها في كلّ سنة تسألها، فقالت لها: دونك هذه الصّرمة فخذيها، فو اللّه لقد عضّني [7] من الجوع ما لا أمنع منه سائلا أبدا، ثم أنشأت تقول [8]:
من شعرها وقد سألتها امرأة من هوازن:
... لعمري لقدما عضّني الجوع عضّة ... فآليت ألّا أمنع الدّهر جائعا
فقولا لهذا اللائمي اليوم: أعفني ... فإن أنت لم تفعل فعضّ الأصابعا
فماذا عساكم أن تقولوا لأختكم ... سوى عذلكم أو عذل من كان مانعا
__________
[1] أ، ب: «ردماء»، تحريف. وامرأة درماء: لا تستبين كعوبها ومرافقها. وخدلجة: ممتلئة.
[2] سيرة ابن هشام 4: 274.
[3] في الشعر والشعراء: عنبة. وفي ف: «غنية».
[4] كذا في ف. وفي الديوان وباقي النسخ: «الجرموزي».
[5] كذا في ف والديوان وفي أ: «لا تملك»، وفي ب: «لا تمسك».
[6] الصرمة: القطعة من الإبل ما بين العشر إلى الثلاثين، أو إلى الخمسين والأربعين، أو ما بين العشرة إلى الأربعين، أو ما بين عشرة إلى بضع عشرة. «القاموس».
[7] ف: مضني.
[8] ديوانه 42.
/
وماذا ترون [1] اليوم إلّا طبيعة ... فكيف بتركي يابن أمّ الطّبائعا
سفانة ابنته من أجود نساء العرب
قال ابن الكلبيّ: وحدثني أبو مسكين قال:
كانت سفّانة بنت حاتم من أجود نساء العرب، وكان أبوها يعطيها الصّرمة بعد الصّرمة من إبله، فتنهبها وتعطيها الناس، فقال لها حاتم: يا بنية، إنّ القرينين إذا اجتمعا في المال أتلفاه، فإما أن أعطي وتمسكي، أو أمسك وتعطي؛ فإنه لا يبقى على هذا شيء.
شعره يشبه جوده
قال ابن الأعرابيّ:
كان حاتم من شعراء العرب، وكان جوادا يشبه/ شعره جوده، ويصدّق قوله فعله، وكان حيثما نزل عرف منزله، وكان مظفّرا، إذا قاتل غلب، وإذا غنم أنهب، وإذا سئل وهب، وإذا ضرب بالقداح فاز، وإذا سابق سبق، وإذا أسر أطلق، وكان يقسم باللّه ألّا يقتل واحد أمّه.
وكان إذا أهلّ الشهر الأصمّ [2] الذي كانت مضر تعظّمه في الجاهلية ينحر في كلّ يوم عشرا من الإبل، فأطعم الناس واجتمعوا إليه، فكان ممّن يأتيه من الشعراء الحطيئة، وبشر بن أبي خازم.
فذكروا أن أمّ حاتم أوتيت وهي حبلى في المنام، فقيل لها: أغلام سمح يقال له: حاتم أحبّ إليك أم عشرة غلمة كالناس، ليوث ساعة البأس، ليسوا بأوغال ولا أنكاس [3]، فقالت: بل حاتم، فولدت حاتما.
لا يأكل إلا إذا وجد من يأكل معه
فلما ترعرع جعل يخرج طعامه، فإن وجد من يأكله معه أكل، وإن لم يجد/ طرحه. فلما رأى أبوه أنه يهلك طعامه قال: له الحق بالإبل، فخرج إليها، ووهب له جارية وفرسا وفلوها [4]، فلما أتى الإبل طفق يبغي الناس فلا يجدهم، ويأتي الطريق فلا يجد عليه أحدا.
عبيد بن الأبرص وبشر بن أبي خازم والنابغة الذبياني يمتدحونه فيهب لهم إبل جده كلها
فبينا هو كذلك إذ بصر بركب على الطريق، فأتاهم فقالوا: يا فتى هل من قرى؟ فقال: تسألوني عن القرى وقد ترون الإبل؟ وكان الذين بصر بهم عبيد بن الأبرص، وبشر بن أبي خازم، والنابغة الذبيانيّ؛ وكانوا يريدون النعمان، فنحر لهم ثلاثة من الإبل، فقال عبيد: إنما أردنا بالقرى اللبن، وكانت تكفينا بكرة إذا كنت لا بدّ متكلّفا لنا شيئا، فقال حاتم: قد عرفت، ولكني رأيت وجوها مختلفة، وألوانا متفرّقة، فظننت أن البلدان غير واحدة؛ فأردت أن يذكر كلّ واحد منكم ما رأى إذا أتى قومه، فقالوا فيه أشعارا امتدحوه بها، وذكروا فضله. فقال حاتم: أردت أن
__________
[1] ف: «و ما إن ترون»، أ: «و ما ترون»، وفي الديوان: «و لا ما ترون إلا ... طبائعا».
[2] قال في «القاموس»: «رجب الأصم، لأنه لا ينادي فيه: «يا لفلان! ويا صباحاه»!.
[3] أوغال: جمع وغل، وهو الضعيف النذل الساقط المقصر. والأنكاس: جمع نكس، وهو الضعيف المقصر عن غاية الكرم، وفي ف: «بأوغاد».
[4] الفلو: المهر إذا فطم.
أحسن إليكم فكان لكم الفضل عليّ، وأنا أعاهد اللّه أن أضرب عراقيب إبلي عن آخرها أو تقدموا [1] إليها فتقتسموها. ففعلوا، فأصاب الرجل تسعة وتسعين بعيرا [2]، ومضوا على سفرهم إلى النعمان. وإن أبا حاتم سمع بما فعل، فأتاه، فقال له: أين الإبل؟ فقال: يا أبت؛ طوّقتك بها طوق الجمامة مجد الدهر، وكرما لا يزال الرجل يحمل بيت شعر أثنى به علينا عوضا من إبلك.
فلما سمع أبوه ذلك قال: أبإبلي فعلت ذلك! قال: نعم، قال: واللّه لا أساكنك أبدا. فخرج أبوه بأهله، وترك حاتما، ومعه جاريته وفرسه وفلوها، فقال يذكر تحوّل أبيه عنه [3]:
/و إني لعفّ الفقر مشترك الغنى ... وتارك شكل [4] لا يوافقه شكلي
وشكلي شكل لا يقوم لمثله ... من الناس إلّا كلّ ذي نيقة مثلي [5]
وأجعل مالي دون عرضي جنّة ... لنفسي وأستغني بما كان من فضلي
وما ضرّني أن سار سعد بأهله ... وأفردني في الدار ليس معي أهلي
سيكفي ابتنائي المجد سعد بن حشرج ... وأحمل عنكم كلّ ما ضاع من ثقل [6]
ولي مع بذل المال في المجد صولة ... إذا الحرب أبدت عن نواجذها العصل [7]
وهذا شعر يدلّ على أنّ جدّه صاحب هذه القصة معه لا أنها قصة أبيه. وهكذا ذكر يعقوب بن السكيت، ووصف أنّ أبا حاتم هلك وحاتم صغير، فكان في حجر جدّه سعد بن الحشرج، فلما فتح يده بالعطاء وأنهب ماله ضيّق عليه جدّه ورحل عنه بأهله، وخلّفه في داره،/ فقال يعقوب خاصة:
فبينا حاتم يوما بعد أن أنهب ماله وهو نائم إذ انتبه، وإذا [8] حوله مائتا بعير أو نحوها تجول ويحطم بعضها بعضا، فساقها إلى قومه، فقالوا: يا حاتم، أبق على نفسك فقد رزقت مالا، ولا تعودنّ إلى ما كنت عليه من الإسراف، قال: فإنها نهبى [9] بينكم، فانتهبت، فأنشأ حاتم يقول:
/تداركني مجدي بسفح متالع ... فلا ييأسن ذو نومة أن يغنّما [10]
قال: ولم يزل حاتم على حاله في إطعام الطعام وإنهاب ماله حتى مضى لسبيله.
حاتم وبنو لأم
قال ابن الأعرابيّ، ويعقوب بن السكّيت، وسائر من ذكرنا من الرّواه:
__________
[1] ف والمختار والديوان 84: «أو تقوموا إليها».
[2] ف والديوان والمختار: «تسعة وثلاثين بعيرا».
[3] ديوانه 6.
[4] الديوان: «و ودك شكل».
[5] النيقة، من قولهم: تنيق في مأكله وملبسه: تجوّد وبالغ، كتنوق، والاسم النيقة، بالكسر. وفي الديوان: «إلا كل ذي خلق مثلي».
[6] كذا في ف، ج. وفي أ، ب: «من نفل»، وفي الديوان: «ما حل من أزلي»، والأزل: الضيق.
[7] النواجذ: أقصى الأضراس، والعصل: المعوجة في صلابة، جمع أعصل، وهو كناية عن اشتداد الحرب.
[8] كذا في أ، ب، وفي ف: «و وهبه وهو نائم».
[9] النهبى: كل ما انتهب.
[10] ديوانه 52، وفي ف: «تداركني جدي».
خرج الحكم بن أبي العاصي بن أمية بن عبد شمس، ومعه عطر يريد الحيرة [1]، وكان بالحيرة سوق يجتمع إليه الناس كل سنة. وكان النعمان بن المنذر قد جعل لبني لأم بن عمرو بن طريف بن عمرو بن ثمامة بن مالك بن جدعان بن ذهل بن رومان بن حبيب بن خارجة بن سعد بن قطنة بن طيىء ربع الطريق طعمة لهم؛ وذلك لأنّ بنت سعد بن حارثة بن لأم كانت عند النعمان، وكانوا أصهاره، فمرّ الحكم بن أبي العاصي بحاتم بن عبد اللّه، فسأله الجوار في أرض طيىء حتى يصير إلى الحيرة، فأجاره، ثم أمر حاتم بجزور فنحرت، وطبخت أعضاء، فأكلوا، ومع حاتم ملحان بن حارثة بن سعد بن الحشرج وهو ابن عمه، فلما فرغوا من الطعام طيّبهم الحكم من طيبة ذلك.
فمرّ حاتم بسعد بن حارثة بن لأم، وليس مع حاتم من بني أبيه غير ملحان، وحاتم على راحلته، وفرسه تقاد، فأتاه بنو لأم فوضع حاتم سفرته وقال: اطعموا حيّاكم اللّه، فقالوا: من هؤلاء معك يا حاتم؟ قال: هؤلاء جيراني، قال له سعد: فأنت تجير علينا في بلادنا؟ قال له: أنا ابن عمّكم وأحقّ من لم تخفروا ذمته، فقالوا: لست هناك. وأرادوا أن يفضحوه كما فضح عامر بن جوين [2] قبله، فوثبوا إليه، فتناول سعد بن حارثة بن لأم/ حاتما، فأهوى له حاتم بالسيف فأطار أرنبة أنفه، ووقع الشرّ حتى تحاجزوا، فقال حاتم في ذلك [3]:
وددت وبيت اللّه لو أنّ أنفه ... هواء فما متّ [4] المخاط عن العظم
ولكنّما لاقاه سيف ابن عمّه ... فآب ومرّ السّيف منه على الخطم [5]
فقالوا لحاتم: بيننا وبينك سوق الحيرة فنماجدك [6] ونضع الرّهن، ففعلوا، ووضعوا تسعة أفراس هنا على يدي رجل من كلب يقال له: امرؤ القيس بن عديّ بن أوس بن جابر بن كعب بن عليم بن جناب، وهو جدّ سكينة بنت الحسين بن عليّ بن أبي طالب صلوات اللّه عليهما، ووضع حاتم فرسه. حتى خرجوا حتى انتهوا إلى الحيرة، وسمع بذلك إياس بن قبيصة الطائيّ، فخاف أن يعينهم النعمان بن المنذر يقوّيهم بماله وسلطانه؛ للصّهر الذي بينهم وبينه، فجمع إياس رهطه من بني حية، وقال: يا بني حيّة، إنّ هؤلاء القوم قد أرادوا أن يفضحوا ابن عمكم في مجاده، أي مماجدته [7] فقال رجل من بني حية [8]: عندي مائة ناقة سوداء ومائة ناقة حمراء أدماء، وقام آخر فقال: عندي عشرة حصن، على كل حصان منها فارس مدجّج لا يرى منه إلّا عيناه. وقال حسان بن جبلة [9] الخير: قد علمتم أنّ أبي قد مات وترك كلّا/ كثيرا، فعليّ كلّ خمر أو لحم أو طعام ما أقاموا في سوق الحيرة. ثم قام إياس فقال: عليّ مثل جميع ما أعطيتم كلكم.
/ قال: وحاتم لا يعلم بشيء مما فعلوا، وذهب حاتم إلى مالك بن جبار، ابن عمّ له بالحيرة كان كثير المال،
__________
[1] ديوان حاتم: «و معه عير له يريد العراق».
[2] ف: «بن حر»، والمثبت يوافق ما في باقي النسخ والديوان.
[3] ديوانه 30.
[4] متّ العظم متّا: سال ما فيه من الودك.
[5] الخطم: مقدم الفم والأنف.
[6] هامش أ: «تماجد القوم فيما بينهم، وماجدته، أمجده؛ أي غلبته بالمجد».
[7] أ، ح: «أي بمماجدته».
[8] ف: «فقام رجل ... فقال: عندي».
[9] ف: «بن حنظلة الخير».
فقال: يابن عم، أعنّي على مخايلتي [1]. قال: والمخايلة المفاخرة، ثم أنشد [2]:
يا مال إحدى خطوب الدّهر قد طرقت ... يا مال ما أنتم عنها بزحزاح
يا مال جاءت حياض الموت واردة ... من بين غمر فخضناه وضحضاح [3]
فقال له مالك: ما كنت لأحرب نفسي ولا عيالي وأعطيك مالي.
فانصرف عنه، وقال مالك في ذلك قوله:
إنّا بنو عمّكم لا أن نباعلكم ... ولا نجاوركم إلّا على ناح [4]
وقد بلوتك إذ نلت الثراء فلم ... ألقك بالمال إلّا غير مرتاح
قال أبو عمرو الشيبانيّ في خبره: ثم أتى حاتم ابن عم له يقال له: وهم ابن عمرو، وكان حاتم يومئذ مصارما له لا يكلّمه، فقالت له امرأته: أي وهم، هذا واللّه أبو سفّانة حاتم قد طلع، فقال: ما لنا ولحاتم! أثبتي النظر، فقالت: ها هو، قال: ويحك هو لا يكلّمني، فما جاء به إليّ؟ فنزل حتى سلّم عليه وردّ سلامه وحيّاه، ثم قال له:
ما جاء بك يا حاتم؟ قال: خاطرت على حسبك وحسبي، قال: في الرّحب والسّعة، هذا مالي - قال: وعدّته يومئذ تسعمائة بعير - فخذها مائة مائة حتى تذهب الإبل أو تصيب ما تريد. فقالت امرأته:/ يا حاتم، أنت تخرجنا من مالنا، وتفضح صاحبنا - تعني زوجها - فقال: اذهبي عنك؛ فو اللّه ما كان الذي غمّك ليردّني عما قبلي. وقال حاتم [5]:
إلا أبلغا وهم بن عمرو رسالة ... فإنك أنت المرء بالخير أجدر
رأيتك أدنى الناس منّا قرابة [6] ... وغيرك منهم كنت أحبو وأنصر
إذا ما أتى يوم يفرّق بيننا ... بموت فكن يا وهم ذو يتأخّر
ذو في لغة طيىء [7]: الذي.
قالوا: ثم قال إياس بن قبيصة: احملوني إلى الملك، وكان به نقرس، فحمل حتى أدخل عليه، فقال: أنعم صباحا أبيت اللعن، فقال النعمان: وحيّاك إلهك، فقال إياس: أتمدّ أختانك بالمال والخيل، وجعلت بني ثعل في قعر الكنانة! أظنّ أختانك أن يصنعوا بحاتم كما صنعوا بعامر بن جوين [8]، ولم يشعروا [9] أنّ بني حيّة بالبلد؛ فإن شئت واللّه ناجزناك حتى يسفح الوادي دما، فليحضروا مجادهم غدا بمجمع العرب.
فعرف النعمان الغضب في وجهه وكلامه، فقال له النعمان: يا أحلمنا لا تغضب؛ فإني سأكفيك.
__________
[1] أ: «مخابلتي»، بالباء تحريف.
[2] ديوانه 31.
[3] ف: «بضحضاح». والغمر: الماء الكثير، والضحضاح: الماء اليسير.
[4] في «اللسان»: باعل القوم قوما آخرين مباعلة وبعالا: تزوج بعضهم إلى بعض. وناح: يريد ناحية.
[5] ديوان حاتم 31.
[6] ف: « ... أدنى الناس مني ... ».
[7] ف: «ذو: لغة أهل اليمن: الذي».
[8] ف: «بن حر».
[9] ف: «و لا يشعرون».
وأرسل النعمان إلى سعد بن حارثة وإلى أصحابه: انظروا ابن عمّكم حاتما، فأرضوه، فو اللّه ما أنا بالذي أعطيكم مالي تبذّرونه، وما أطيق بني حيّة.
/ فخرج بنو لأم إلى حاتم فقالوا له: أعرض عن هذا المجاد ندع أرش أنف ابن عمنا، قال: لا واللّه لا أفعل حتى تتركوا أفراسكم، ويغلب مجادكم. فتركوا أرش أنف صاحبهم وأفراسهم، وقالوا: قبّحها اللّه وأبعدها؛ فإنما هي مقارف [1]، فعمد إليها حاتم، وأطعمها الناس، وسقاهم الخمر، وقال حاتم في ذلك [2]:
/أبلغ بني لأم فإنّ خيولهم ... عقرى وإنّ مجادهم لم يمجد [3]
ها إنّما مطرت سماؤكم دما ... ورفعت رأسك مثل رأس الأصيد
ليكون جيراني أكالا [4] بينكم ... نحلا [5] لكنديّ وسبي مزبد
وابن النّجود إذا غدا متلاطما ... وابن العذوّر ذي العجان الأبرد [6]
ولثابت عيني جذ متماوت ... وللعمظ أوس قد عوى لمقلد [7]
أبلغ بني ثعل بأني لم أكن ... أبدا لأفعلها طوال المسند
لا جئتهم [8] فلّا وأترك صحبتي ... نهبا ولم تغدر بقائمة يدي
وخرج حاتم في نفر من أصحابه في حاجة لهم، فسقطوا على عمرو بن أوس بن طريف بن المثنّى بن عبد اللّه بن يشجب بن عبد ودّ في فضاء من/ الأرض، فقال لهم أوس بن حارثة بن لأم: لا تعجلوا بقتله؛ فإن أصبحتم وقد أحدق الناس بكم استجرتموه، وإن لم تروا أحدا قتلتموه. فأصبحوا وقد أحدق الناس بهم، فاستجاروه فأجارهم، فقال حاتم [9]:
عمرو بن أوس إذا أشياعه غضبوا ... فأحرزوه بلا غرم ولا عار
إنّ بني عبد ودّ كلّما وقعت ... إحدى الهنات أتوها غير أغمار
خبر لأبي الخيبريّ عند قبر حاتم
أخبرني أحمد بن محمد البزار الأطروش، عن عليّ بن حرب، عن هشام بن محمد، عن أبي مسكين جعفر بن المحرز [10] بن الوليد، عن أبيه، قال: قال الوليد جده، وهو مولى لأبي هريرة: سمعت محرز بن أبي هريرة يتحدّث، قال:
__________
[1] ف: «مقاريف»، والمقرب من الخيل: غير الأصيل.
[2] ديوانه 32.
[3] في الديوان: «بلغ بني لأم بأن جيادهم ... لم يرشد».
[4] كذا في ف، وفي الديوان:
ليكون جيراني كأني بينكم
[5] ب، س: «بخلا»، تصحيف.
[6] العذوّر: السيء الخلق، والعجان: الاست، وفي ف، ج: «الأربد».
[7] ف: «و لنابت».
[8] ف: «لا حيّهم قلّا».
[9] ديوانه 65.
[10] ف: «المحرم».
كان رجل يقال له أبو الخيبريّ مرّ في نفر من قومه بقبر حاتم، وحوله أنصاب متقابلات من حجارة كأنهنّ نساء نوائح. قال: فنزلوا به، فبات أبو الخيبريّ ليلته كلّها ينادي: أبا جعفر اقر أضيافك. قال: فيقال له: مهلا؛ ما تكلّم من رمّة [1] بالية! فقال: إنّ طيئا يزعمون أنه لم ينزل به أحد [2] إلّا قراه.
قال: فلما كان من آخر الليل نام أبو الخيبريّ، حتى إذا كان في السّحر وثب فجعل يصيح: وا رحلتاه! فقال له أصحابه: ويلك! ما لك! قال: خرج واللّه حاتم بالسيف وأنا أنظر إليه حتى عقر ناقتي، قالوا: كذبت، قال: بلى، فنظروا إلى راحلته فإذا هي منخزلة [3] لا تنبعث، فقالوا: قد واللّه قراك. فظلّوا يأكلون من لحمها، ثم أردفوه، فانطلقوا فساروا/ ما شاء اللّه، ثم نظروا إلى راكب فإذا هو عديّ بن حاتم راكبا قارنا جملا أسود، فلحقهم، فقال:
أيّكم أبو الخيبريّ؟ فقالوا: هو هذا، فقال: جاءني أبي في النوم، فذكر لي شتمك إياه، وأنه قرى راحلتك لأصحابك [4]، وقد قال في ذلك أبياتا، وردّدها حتى حفظتها؛ وهي [5]:
أبا خيبريّ [6] وأنت امرؤ ... ظلوم العشيرة شتّامها
فماذا [7] أردت إلى رمّة ... ببادية صخب هامها [8]
تبغّي أذاها وإعسارها ... وحولك غوث وأنعامها [9]
وإنّا لنطعم أضيافنا ... من الكوم بالسّيف نعتامها [10]
وقد أمرني أن أحملك على جمل فدونكه، فأخذه وركبه، وذهبوا [11].
حاتم يطلق قومه من أسر الحارث بن عمرو
/ أغارت [12] طيىء على إبل للنعمان بن الحارث بن أبي شمر الجفنيّ، ويقال: هو الحارث بن عمرو، رجل من بني جفنة، وقتلوا ابنا له. وكان الحارث إذا غضب حلف ليقتلنّ وليسبينّ الذّراريّ، فحلف ليقتلنّ من بني الغوث أهل بيت على دم واحد، فخرج يريد طيئا، فأصاب من بني عديّ بن أخزم سبعين رجلا [13] رأسهم وهم بن عمرو من رهط حاتم - وحاتم يومئذ بالحيرة عند/ النعمان - فأصابتهم مقدمات [14] خيله. فلما قدم حاتم الجبلين جعلت
__________
[1] الرمة: العظم البالي، وجمعه رمم.
[2] ف: «لم ينزل به أحد وهو ميت إلا قراه».
[3] منخزلة: منقطعة، وفي ف والمختار: «مختزلة».
[4] ف: «و أنه أقرى راحلتك أصحابك».
[5] ديوانه 18، 11.
[6] في الديوان: «أبا الخيبري».
[7] في أ: «ماذا»، والمثبت من ف.
[8] أ: «ببادية صخب هامها»، وفي ف: «بداوية صيحت هامها». وفي الديوان: «بداوية صخب هامها».
[9] ف والمختار: «عوف وأنعامها».
[10] الكوم: جمع كوماء؛ وهي الناقة العظيمة السنام.
[11] في الديوان: «و ذهب».
[12] ديوانه 13.
[13] في الديوان: «من أخزم تسعين رجلا».
[14] ف: «معربات»، وفي الديوان: «فأصابهم مقدمات الجند».
المرأة تأتيه بالصبيّ من ولدها [1] فتقول: يا حاتم أسر أبو هذا. فلم يلبث إلّا ليلة حتى سار إلى النعمان [2] ومعه ملحان بن حارثة، وكان لا يسافر إلّا وهو معه، فقال حاتم [3]:
ألا إنني قد هاجني الليلة الذّكر [4] ... وما ذاك من حبّ النساء ولا الأشر [5]
ولكنه مما أصاب عشيرتي [6] ... وقومي بأقران حواليهم الصّير [7]
الأقران: الحبال. والصّير: الحظائر، واحدها صيرة.
ليالي نمشي بين جوّ ومسطح [8] ... نشاوى لنا من كلّ سائمة جزر
فيا ليت خبر الناس حيّا وميّتا ... يقول لنا خيرا ويمضي الذي ائتمر
فإن كان شرّا فالعزاء فإننا ... على وقعات الدّهر من قبلها صبر [9]
سقى اللّه ربّ الناس سحّا وديمة ... جنوب السّراة من مآب إلى زغر [10]
بلاد امرىء لا يعرف الذّمّ بيته ... له المشرب الصّافي ولا يطعم الكدر [11]
/تذكرت من وهم بن عمرو جلادة ... وجرأة مغزاه [12] إذا صارخ [13] بكر
فأبشر وقرّ العين منك فإنّني ... أحيّي كريما لا ضعيفا ولا حصر
فدخل حاتم على النعمان [14] فأنشده، فأعجب به، واستوهبهم منه؛ فوهب له بني امرىء القيس بن عديّ، ثم أنزله فأتي بالطعام والخمر، فقال له ملحان: أتشرب الخمر وقومك في الأغلال؟ قم إليه فسله إياهم، فدخل عليه فأنشده [15]
إنّ امرأ القيس أضحت [16] من صنيعتكم ... وعبد شمس - أبيت اللّعن - فاصطنعوا
إنّ عديّا [17] إذا ملكت جانبها ... من أمر غوث على مرأى ومستمع [18]
__________
[1] في ب، س، أ: «ولديها».
[2] في الديوان: «حتى سار إلى الحارث».
[3] ديوانه 14.
[4] ف: «الذعر».
[5] الأشر: المرح.
[6] في الديوان: «ولكنني مما أصاب».
[7] س، ب: «الصبر»، بالباء تصحيف.
[8] س: «جور»، والمثبت من أ، ج، وفي الديوان: «ليالي نمسي بين جو».
[9] ف: « ... بالعزاء ... من قبله صبر»، وفي الديوان: «فإن كان شر فالعزاء».
[10] س، ب: «من ما أتت إلى ذعر»، والمثبت من ج، ف، والديوان؛ وهذا البيت والذي بعده في البلدان، قال: زغر، بوزن زفر، وآخره راء مهملة: قرية بمشارف الشام.
[11] الديوان: «و ليس له الكدر».
[12] الديوان: «و جرأة معداه».
[13] في الديوان: «إذا نازح بكر».
[14] الديوان: «على الحارث».
[15] ديوانه 14، 95.
[16] كذا في ج، وفي أ، ب: «أضحى».
[17] ف: «إن العبيد».
[18] في البيت إقواء.
أتبع بني عبد شمس أمر صاحبهم [1] ... أهلي فداؤك إن ضرّوا وإن نفعوا
لا تجعلنّا - أبيت اللّعن - ضاحية [2] ... كمعشر صلموا الآذان أو جدعوا
/ أو كالجناح إذا سلّت قوادمه ... صار الجناح لفضل الرّيش يتّبع
فأطلق له بني عبد شمس بن عديّ بن أخزم، وبقي قيس بن جحدر بن ثعلبة بن عبد رضيّ بن مالك بن ذبيان بن عمرو بن ربيعة بن جرول الأجئيّ [3]، وهو من لخم، وأمه من بني عديّ، وهو جدّ الطرماح بن حكيم بن نفر بن قيس بن جحدر، فقال له النعمان: أفبقي [4] أحد من أصحابك؟ فقال حاتم [5]:
فككت عديّا كلّها من إسارها ... فأفضل وشفّعني بقيس بن جحدر
أبوه أبي والأمهات أمّهاتنا ... فأنعم فدتك اليوم نفسي [6] ومعشري
/ فقال: هو لك يا حاتم، فقال حاتم [7]:
أبلغ الحارث بن عمرو بأنّي ... حافظ الودّ مرصد للثّواب
ومجيب دعاءه إن دعاني [8] ... عجلا واحدا وذا أصحاب
إنما بيننا وبينك فاعلم ... سير تسع للعاجل المنتاب
فثلاث من السّراة [9] إلى الحلّة ... للخيل جاهدا والرّكاب
وثلاث يوردن تيماء رهوا ... وثلاث يقربن بالأعجاب
/ فإذا ما مررن [10] في مسبطرّ [11] ... فاجمح الخيل مثل جمح الكعاب
اجمح: ارم بهم كما يرمى بالكعاب، ويقال: إذا انتصب لك أمر فقد جمح.
بينما ذاك أصبحت وهي عضدي ... من سبيّ مجموعة ونهاب [12]
[عضدى: مكسورة الأعضاء] [13].
ليت شعري متى أرى قبة ذا ... ت قلاع للحارث الحرّاب
__________
[1] ف: «أبلغ»، وفي الديوان: «إخوتهم».
[2] كذا في ف والديوان، وفي أ، ب: ضاحكة.
[3] كذا في ف وهو الوجه، وفي الديوان: «الأجائي».
[4] انظر الديوان.
[5] ديوانه 15.
[6] ف: «فدتك السوء نفسي».
[7] ديوانه 15.
[8] ب: «و مجيب دعاءه أن دعاني». والمثبت رواية أ، ف، والديوان.
[9] الديوان: «من الشراة».
[10] الديوان: «فإذا ما مررت».
[11] المسبطر: الممتد.
[12] في ف: «بين شتى مجموعة ونهاب».
[13] ليس في ف.
بيفاع [1] وذاك منها محلّ ... فوق ملك يدين بالأحساب
أيها الموعدي [2] فإنّ لبوني ... بين حقل وبين هضب دباب [3]
حيث لا أرهب الجراة [4] وحولي ... ثعليّون [5] كاللّيوث الغضاب
وقال حاتم أيضا [6]:
لم تنسني إطلال ماويّة يأسي ... ولا الزمن الماضي الذي مثله ينسي
إذا غربت شمس النهار وردتها ... كما يرد الظمآن آتية الخمس
حاتم وماوية بنت عفزر
قال: وكنا عند معاوية [7]، فتذاكرنا ملوك العرب، حتى ذكرنا الزّباء [8] وابنة عفزر، فقال معاوية: إني لأحب أن أسمع حديث ماوية وحاتم، وماوية بنت عفزر، فقال رجل من القوم: أفلا أحدثك يا أمير المؤمنين؟ فقال: بلى، فقال: إنّ ماوية بنت عفزر كانت ملكة، وكانت تتزوج من أرادت، وإنها بعثت غلمانا لها وأمرتهم أن يأتوها بأوسم من يجدونه بالحيرة، فجاءوها بحاتم، فقالت له: استقدم إلى الفراش، فقال: حتى أخبرك، وقعد على الباب، وقال: إني أنتظر صاحبين لي، فقالت: دونك أستدخل المجمر. فقال: استي [9] لم تعوّد المجمر، فأرسلها مثلا.
فارتابت منه، وسقته خمرا ليسكر، فجعل يهريقه بالباب فلا تراه تحت الليل، ثم قال: ما أنا بذائق قرى ولا قارّ حتى أنظر ما فعل صاحباي. فقالت: إنّا سنرسل إليهما بقرّي، فقال حاتم: ليس بنافعي شيئا أو آتيهما. قال: فأتاهما، فقال: أفتكونان عبدين لابنة عفزر، ترعيان غنمها أحبّ إليكما أم تقتلكما [10]؟ فقالا: كلّ شيء يشبه بعضه بعضا، وبعض الشّرّ أهون من بعض، فقال حاتم: الرحيل والنجاة. وقال يذكر ابنة عفزر، وأنه ليس بصاحب ريبة [11]:
حننت إلى الأجبال أجبال طيىء ... وحنّت قلوصي [12] أن رأت سوط أحمرا
فقلت لها: إنّ الطريق أمامنا ... وإنا لمحيو [13] ربعنا إن تيسّرا
/ فيا راكبي عليا جديلة إنما ... تسامان ضيما مستبينا فتنظرا [14]
__________
[1] أ، ج: «ببقاع»، وفي ب: «لبقاع» والمثبت من ف والديوان.
[2] ب، س: «إنها موعدي» والمثبت من أ، ف والديوان.
[3] كذا في ف، وهو جبل لبني ثعل، وفي أ، ب، ج: «ضياب».
[4] كذا في أ، ف، والديوان. وفي ج: «الخرارة حولي»؛ وفي ب: «الجراءة حولي».
[5] أ، ف: «ثعلبيون»، والمثبت في الديوان أيضا.
[6] ديوانه 16.
[7] ديوانه 33.
[8] في الديوان: «الزباء ابنة عفزر».
[9] ج، ف والديوان: «است».
[10] ف: أو لتقتلنكما.
[11] ديوانه 34، وفيه: «و ابنة عفزر، كانت بالحيرة، وكان النعمان من يأتيه يريد كرامته أنزله عليها فقال:».
[12] في الديوان: «حنت ... وجنت جنونا».
[13] في الديوان: « ... وإنا محيو ربعنا».
[14] في الديوان: «فيا أخوينا من جديلة ... »، وفي ف: «ضيما مستعينا فبكّرا».
/
فما نكراه غير أنّ ابن ملقط ... أراه وقد أعطى الظّلامة أو جرا [1]
وإني لمزج للمطيّ [2] على الوجا ... وما أنا من خلّانك ابنة عفزرا
وما زلت أسعى بين ناب ودارة ... بلحيان حتى خفت أن أتنضّرا
وحتى حسبت الليل والصبح إذ بدا ... حصانين سيّالين [3] جونا وأشقرا
لشعب من الرّيّان أملك بابه ... أنادي به آل الكبير وجعفرا
أحبّ إليّ من خطيب رأيته [4] ... إذا قلت معروفا تبدل منكرا
تنادي إلى جاراتها: إنّ حاتما ... أراه لعمري بعدنا قد تغيّرا
تغيّرت إني غير آت لريبة [5] ... ولا قائل يوما لذي العرف منكرا
فلا تسأليني واسألي أيّ فارس ... إذا بادر القوم الكنيف المستّرا
ولا تسأليني واسألي أيّ فارس [6] ... إذا الخيل جالت في قنا قد تكسّرا
فلا هي ما ترعى جميعا عشارها ... ويصبح ضيفي ساهم الوجه أغبرا
متى ترني أمشى بسيفي وسطها ... تخفني وتضمر بينها أن تجزّرا
وإني ليغشى أبعد الحيّ جفنتي ... إذا ورق الطّلح الطوال تحسّرا [7]
/فلا تسأليني [8] واسألي به صحبتي ... إذا ما المطيّ بالفلاة تضوّرا
وإني لوهّاب قطوعي [9] وناقتي ... إذا ما انتشيت، والكميت المصدّرا
وإني [10] كأشلاء اللّجام ولن تري ... أخا الحرب إلّا ساهم الوجه أغبرا
أخو [11] الحرب إن عضّت به الحرب عضّها ... وإنّ شمّرت عن ساقها الحرب شمّرا
وإني إذا ما الموت لم يك دونه ... قدى [12] الشّبر أحمى الأنف أن أتأخرا
متى تبغ ودّا من جديلة تلقه ... مع الشن ء [13] منه باقيا متأثّرا
فإلّا يفادونا جهارا نلاقهم [14] ... لأعدائنا ردءا دليلا ومنذرا
__________
[1] في الديوان: « ... أعطى المقادة ... ».
[2] في ف والديوان: «و إني لمزجاء المطي ... ».
[3] في ف والديوان: « ... مشنالين».
[4] في الديوان: « ... من خطيب لقيته».
[5] في ف والديوان: «آت دنية».
[6] في ف والديوان: «أي ياسر».
[7] تحسر: سقط.
[8] ف: «و لا تسأليني».
[9] القطع: طرف من الثياب الموشاة، وجمعه قطوع.
[10] ف والديوان: «رأتني».
[11] أ، ج والديوان: «أخا الحرب».
[12] أ: قدى الشبر: قدر الشبر.
[13] الديوان: مع الشّنّ.
[14] في ج، ف والديوان: «فإلا يعادونا».
إذا حال دوني من سلامان رملة ... وجدت توالي الوصل عندي أبترا
وذكروا أن حاتما دعته نفسه إليها بعد انصرافه من عندها، فأتاها يخطبها فوجد عندها النابغة ورجلا من الأنصار من النّبيت [1]، فقالت لهم: انقلبوا إلى رحالكم، وليقل كلّ واحد منكم شعرا يذكر فيه فعاله ومنصبه، فإني أتزوّج أكرمكم وأشعركم.
/ فانصرفوا ونحر كلّ واحد منهم جزورا، ولبست ماوية ثيابا لأمة لها وتبعتهم، فأتت النّبيتيّ [2] فاستطعمته من جزوره فأطعمها ثيل جمله [3] فأخذته، ثم أتت نابغة بني ذبيان فاستطعمته فأطعمها ذنب جزوره فأخذته، ثم أتت حاتما وقد نصب قدره فاستطعمته، فقال لها: قفي [4] حتى أعطيك ما تنتفعين به إذا صار إليك، فانتظرت فأطعمها قطعا من العجز والسنام، ومثلها من المخدش، وهو عند الحارك [5]، ثم انصرفت، وأرسل كلّ واحد منهم إليها ظهر جمله، وأهدى حاتم إلى جاراتها مثل ما أرسل إليها، ولم يكن يترك جاراته إلّا بهدية. وصبّحوها فاستنشدتهم فأنشدها النّبيتيّ [6]:
/هلّا سألت النّبيتيّين [7] ما حسبي ... عند الشتاء إذا ما هبّت الرّيح
وردّ جازرهم حرفا مصرّمة [8] ... في الرّأس منها وفي الأصلاء تمليح [9]
وقال رائدهم [10]: سيّان مالهم ... مثلان مثل لمن يرعى وتسريح
إذا اللّقاح غدت ملقى أصرّتها [11] ... ولا كريم من الولدان مصبوح
/ فقالت له: لقد ذكرت مجهدة [12].
ثم استنشدت النابغة، فأنشدها يقول [13]:
هلّا سألت بني ذبيان ما حسبي ... إذا الدّخان تغشّى الأشمط البرما [14]
__________
[1] هم قبيلة من الأنصار.
[2] في الديوان: «فأتت النبيتيء متنكرة».
[3] الثيل، بالفتح والكسر: وعاء قضيب البعير.
[4] ف: «قرّى»، وفي الديوان: «اصبري»، والمثبت في أ، ج، ب.
[5] المخدش كمنبر ومحدث: كاهل البعير، والحارك: أعلى الظهر.
[6] ديوان حاتم 36.
[7] الديوان: «هلا سألت بني النبيت».
[8] ف: «ورد جارهم حرفا مضرمة»، والمثبت في الديوان أيضا. الحرف: الناقة الضامرة أو المهزولة، ومصرمة، كمعظمة: ناقة يقطع طبياها ليعيش الإحليل فلا يخرج اللبن ليكون أقوى لها، وقد يكون من انقطاع اللبن بأن يصيب ضرعها شيء فيكوي فينقطع لبنها.
[9] الأصلاء: جمع الصلا: وسط الظهر، وفي ف: «و في الأعصاب تمليح». وفي الديوان والمختار: «و في الأصلاب تمليح».
والتمليح: السمن.
[10] ف: «و قال قائلهم».
[11] أصرة: جمع صرار: ما يشد به.
[12] الديوان: «مكرمة».
[13] ديوانه 66.
[14] الأشمط: الذي خالطه الشيب. البرم: الذي لا يدخل مع القوم في الميسر.
وهبّت الريح من تلقاء ذي أرل [1] ... تزجي مع الليل من صرّادها [2] الصّرما
إنّي أتمم أيساري [3] وأمنحهم ... مثنى الأيادي وأكسو الجفنة الأدما
فلما أنشدها قالت: ما ينفكّ الناس بخير ما ائتدموا.
ثم قالت: يا أخا طيّىء أنشدني، فأنشدها [4]:
أماويّ قد طال التّجنّب والهجر ... وقد عذرتني في طلابكم العذر
أماويّ إنّ المال غاد ورائح ... ويبقى من المال الأحاديث والذّكر
/ أماويّ إني لا أقول لسائل ... إذا جاء يوما: حلّ في مالنا النّذر [5]
أماويّ إمّا مانع فمبيّن ... وإما عطاء لا ينهنهه الزّجر
أماويّ ما يغني الثّراء عن الفتى ... إذا حشرجت يوما [6] وضاق بها الصّدر
إذا أنا دلّاني الذين أحبّهم ... بملحودة زلج جوانبها [7] غبر
وراحوا سراعا ينفضون أكفّهم ... يقولون: قد دمّى [8] أنا ملنا الحفر
أماويّ إن يصبح صداي بقفرة ... من الأرض لا ماء لديّ [9] ولا خمر
تري أنّ ما أنفقت [10] لم يك ضرّني ... وأنّ يدي مما بخلت به صفر
أماويّ إنّي ربّ واحد أمّه ... أخذت [11] فلا قتل عليه ولا أسر
وقد علم الأقوام لو أنّ حاتما ... أراد ثراء المال كان له وفر
فإني لا آلو بمالي صنيعة ... فأوّله زاد وآخره ذخر
يفكّ به العاني ويؤكل طيّبا ... وما إن تعرّته القداح ولا الخمر [12]
/و لا أظلم [13] ابن العمّ إن كان إخوتي ... شهودا وقد أودى بإخوّته [14] الدّهر
__________
[1] أ، ب، ج، س: «أزل»، والمثبت من الديوان والبلدان، قال ياقوت: وأول: جبل بأرض غطفان بينها وبين عذرة، وأنشد للنابغة الذبياني ... وذكرت البيت. وفي ف: «أرك» بالكاف.
[2] ف: «من صرادها»، والمثبت في الديوان أيضا. والصراد: الغيم الرقيق لا ماء فيه. الصرم: جمع صرمة، وهي قطع السحاب، وفي المختار وف: «تزجى مع الصبح».
[3] في الديوان: «إني أسامح». الأيسار: جمع يسر، وهم لمتقامرون.
[4] ديوانه 19.
[5] في الديوان: «النزار»، يريد أنه أصبح قليلا. وفي ف: «نذر».
[6] في الديوان: «إذا حشرجت نفس».
[7] في س، أ، ب، ج: «زلخ». وزلج جوانبها: الزلج، محركة: الزلق، ويسكن. والزلج: المزلة تزل فيها الأقدام لندوته أو ملاسته.
[8] في الديوان: «و راحوا عجالا». وفيه: «قد أدمى».
[9] في الديوان: « ... لا ماء هناك ولا خمر».
[10] في الديوان: «أن ما أهلكت».
[11] ف والديوان: «أجرت فلا قتل».
[12] ف: « ... ولا القمر»، وفي الديوان: «و ما إن تعريه».
[13] في المختار: «و لا ألطم».
[14] في المختار: «بإخوانه».
غنينا زمانا بالتّصعلك والغنى ... وكلّا سقاناه بكأسهما العصر [1]
فما زادنا بغيا على ذي قرابة ... غنانا ولا أزرى بأحسابنا الفقر
وما ضرّ جارا يابنة القوم فاعلمي ... يجاورني ألّا يكون له ستر [2]
بعيني عن جارات قومي غفلة ... وفي السّمع منّي عن حديثهم وقر
فلما فرغ حاتم من إنشاده دعت بالغداء، وكانت قد أمرت إماءها أن يقدّمن إلى كل رجل منهم ما كان أطعمها، فقدّمن إليهم ما كانت أمرتهنّ أن يقدمنه إليهم، فنكّس النّبيتيّ رأسه والنابغة، فلما نظر حاتم إلى ذلك رمى بالذي قدّم إليهما [3]، وأطعمهما مما قدم إليه، فتسللا لواذا، وقالت: إنّ حاتما أكرمكم وأشعركم.
فلما خرج النّبيتيّ والنابغة قالت لحاتم:/ خلّ سبيل امرأتك، فأبى، فزوّدته وردّته. فلما انصرف دعته نفسه إليها، وماتت امرأته، فخطبها فتزوّجته، فولدت عديّا.
إسلام عدي بن حاتم
وقد كان عديّ أسلم وحسن إسلامه، فبلغنا إنّ النبي صلّى اللّه عليه وسلم قال له، وقد سأله عديّ: يا رسول اللّه، إن أبي كان يعطي ويحمل، ويوفي بالذّمّة، ويأمر بمكارم الأخلاق؛ فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم: إنّ أباك خشبة من خشبات جهنّم.
فكأن النبيّ صلّى اللّه عليه وسلم رأى الكآبة في وجهه، فقال له: يا عديّ إنّ أباك وأبي وأبا إبراهيم في النار.
ماوية وحاتم وابن عمه مالك
وكانت ماوية عنده زمانا، وإن ابن عمّ لحاتم كان يقال له: مالك قال لها: ما تصنعين بحاتم؟ فو اللّه لئن وجد شيئا ليتلفّنه، وإن لم يجد ليتكلفنّ، وإن مات ليتركنّ ولده عيالا على قومك، فقالت ماوية: صدقت، إنه كذلك.
وكان النساء - أو بعضهنّ - يطلّقن الرجال في الجاهلية، وكان طلاقهن أنهن إن كنّ في بيت من شعر حوّلن الخباء؛ فإن كان بابه قبل المشرق حوّلنه قبل المغرب، وإن كان بابه قبل اليمن حوّلنه قبل الشام؛ فإذا رأى ذلك الرجل علم أنها قد طلقته فلم يأتها. وإن ابن عم حاتم قال لماوية - وكانت أحسن نساء الناس - : طلّقي حاتما، وأنا أنكحك وأنا خير لك منه، وأكثر مالا، وأنا أمسك عليك وعلى ولدك؛ فلم يزل بها حتى طلّقت حاتما، فأتاها حاتم وقد حوّلت باب الخباء، فقال: يا عديّ، ما ترى أمّك عدي [4] عليها؟ قال: لا أدري، غير أنها قد غيّرت باب الخباء، وكأنه لم يلحن [5] لما/ قال، فدعاه فهبط به بطن واد، وجاء قوم فنزلوا على باب الخباء كما كانوا ينزلون، فتوافوا خمسين رجلا، فضاقت بهم ماوية ذرعا، وقالت لجاريتها: اذهبي إلى مالك فقولي له: إن أضيافا لحاتم قد نزلوا بنا خمسين رجلا فأرسل بناب [6] نقرهم ولبن نغبقهم [7]، وقالت لجاريتها: انظري إلى جبينه وفمه فإن
__________
[1] ب، س: «عنينا». وفي الديوان:
عنينا زمانا بالتصعلك والغنى ... كما الدّهر في أيّامه العسر واليسر
لبسنا صروف الدّهر لينا وغلظة ... وكلّا سقاناه بكأسهما العصر
[2] البيت ليس في ديوانه، وكذا ما بعده.
[3] ف: «بالذي قدمته إليها».
[4] ف: «عدا».
[5] لم يلحن: لم يفطن.
[6] الناب: الناقة المسنة.
[7] الغبوق: ما يشرب بالعشي. وغبقه: سقاه ذلك.
شافهك [1] بالمعروف فاقبلي منه، وإن ضرب بلحيته على زوره، وأدخل يده في رأسه فاقفلي ودعيه، وإنها لما أتت مالكا وجدته متوسّدا وطبا [2] من لبن وتحت بطنه آخر، فأيقظته فأدخل يده في رأسه وضرب بلحيته على زوره، فأبلغته ما أرسلتها به ماوية، وقالت: إنما هي الليلة حتى يعلم الناس مكانه.
فقال لها: اقرئي عليها السلام، وقولي لها: هذا الذي أمرتك أن تطلّقي حاتما فيه، فما عندي من كبيرة قد تركت العمل، وما كنت لأنحر صفيّة [3] غزيرة بشحم كلاها، وما عندي لبن يكفي أضياف حاتم.
فرجعت الجارية فأخبرتها بما رأت منه، وما قال؛ فقالت: ائت حاتما فقولي: إن أضيافك قد نزلوا الليلة بنا، ولم يعلموا بمكانك. فأرسل إلينا بناب ننحرها ونقرهم وبلبن نسقهم؛ فإنما هي الليلة حتى يعرفوا مكانك.
/ فأتت الجارية حاتما فصرخت به.
فقال حاتم: لبيك، قريبا دعوت. فقالت: إنّ ماوية تقرأ عليك السلام وتقول لك: إنّ أضيافك قد نزلوا بنا الليلة، فأرسل إليهم بناب ننحرها ولبن نسقهم. فقال: نعم وأبي. ثم قام إلى الإبل فأطلق ثنّيتين من عقاليهما، ثم صاح بهما حتى أتى الخباء فضرب عراقيبهما، فطفقت ماويّة تصيح وتقول: هذا [4] الذي طلقتك فيه، تترك ولدك وليس لهم شيء، فقال حاتم [5]:
هل الدّهر إلّا اليوم أو أمس أو غد ... كذاك الزمان بيننا يتردّد
/ يردّ علينا ليلة بعد يومها ... فلا نحن [6] ما نبقى ولا الدهر ينفد
لنا أجل إمّا تناهى أمامه ... فنحن على آثاره نتورّد [7]
بنو ثعل قومي فما أنا مدّع ... سواهم إلى قوم وما أنا [8] مسند
بدرئهم أغشى دروء معاشر ... ويحنف عنّي الأبلخ المتعمّد [9]
فمهلا فداك اليوم [10] أمّي وخالتي ... فلا يأمرنّي بالدّنية أسود
على حين أن ذكيت [11] واشتدّ جانبي ... أسام التي أعييت إذ أنا أمرد
/ فهل تركت قبلي حضور مكانها! ... وهل من أتى ضيما وخسفا مخلّد! [12]
__________
[1] الديوان: «فإن بادرك ... ».
[2] الوطب: سقاء اللبن، وهو جلد الجذع فما فوقه، وجمعه أوطب ووطاب وأطاب.
[3] الصفية: الناقة الصغيرة.
[4] أ: «تصبح: هذا الذي».
[5] ديوانه 39.
[6] الديوان: «ثم يومها فما نحن».
[7] ف: «نتزود»، والمثبت من أ، ج، ب والديوان.
[8] في ف، والمختار: «فلا أنا مدّع ... ولا أنا مسند».
[9] الدرء: الدفع، ويحنف: يميل. والأبلخ: المتكبر. وفي الديوان: «و يجنف».
[10] في الديوان: «فمهلا فدى أمي ونفسي وخالتي».
[11] في ف: «زكيت»، وهو يريد عقرت وذبحت.
[12] الديوان:
فهل تركت قبلي حصون مكانها ... وهل أنا إن أعطيت خسفا مخلد
ومعتسف بالرّمح دون صحابه ... تعسّفته بالسّيف والقوم شهّد [1]
فخرّ على حرّ الجبين وذاده ... إلى الموت مطرور الوقيعة [2] مذود [2]
فما رمته [3] حتى أزحت عويصه ... وحتى علاه حالك اللّون أسود
فأقسمت لا أمشي على سرّ جارتي [4] ... يد الدّهر ما دام الحمام يغرّد
ولا أشتري مالا بغدر علمته ... ألا كلّ مال خالط الغدر أنكد
إذا كان بعض المال ربّا لأهله ... فإنّي بحمد اللّه مالي معبّد
يفكّ به العاني ويؤكل طيّبا ... ويعطى إذا ضنّ البخيل المصرّد [5]
إذا ما البخيل الخبّ أخمد ناره ... أقول لمن يصلى بناري: أو قدوا
توسّع قليلا أو يكن ثمّ حسبنا ... وموقدها البادي أعفّ وأحمد [6]
كذاك أمور الناس راض دنيّة ... وسام إلى فرع العلا متورّد
فمنهم جواد قد تلفّت حوله ... ومنهم لئيم دائم [7] الطرف أقود
/ وداع دعاني دعوة فأجبته ... وهل يدع الدّاعين إلا اليلندد [8]
حاتم ونساء من عنترة
أسرت [9] عنزة حاتما، فجعل نساء عنزة يدارئن [10] بعيرا ليفصدنه فضعفن عنه، فقلن: يا حاتم، أفاصده أنت إن أطلقنا [11] يديك؟ قال: نعم. فأطلقن إحدى يديه، فوجأ لبّته فاستدمينه [12]. ثم إنّ البعير عضد، أي لوى عنقه، أي خرّ، فقلن: ما صنعت؟ قال: هكذا فصادتي، فجرت مثلا. قال: فلطمته إحداهنّ، فقال: ما أنتنّ نساء عنزة بكرام، ولا ذوات أحلام. وإن امرأة منهن يقال لها: عاجزة أعجبت به، فأطلقته؛ ولم ينقموا عليه ما فعل، فقال حاتم يذكر البعير الذي فصده [13]:
كذلك فصدي إن سألت مطيّتي ... دم الجوف إذ كلّ الفصاد وخيم [14]
__________
[1] في الديوان: «من دون صحبه ... والقوم هجد». وفي المختار:
تعسفته والسيف والقوم شهد
[2] ذاده: دفعه. ومطرور الوقيعة: السيف. وفي أ، ب، ج: «مزود».
[3] أ: «فما رحته».
[4] في الديوان: «و أقسمت ... إلى سر جارتي».
[5] كذا في الديوان، وفي أ: «إذا منّ». والتصريد: التقليل.
[6] الديوان: «أعف وأنجد».
[7] رواية الديوان:
فإن الجواد من تلفت حوله ... وإن البخيل ناكس الطرف أقود
[8] ف: «إلا التلدد»، واليلتدد: الخصم الشحيح الذي لا ينقاد.
[9] ديوانه 52.
[10] ف: «يدرن».
[11] ف: «إن أطلقنا إحدى يديك».
[12] أ: «فاستدمي منه»، وفي ف: «فاستدمين منه».
[13] ديوانه 53.
[14] في ف: «دم الحوارك والفصاد وخيم» ولا يستقيم معه الوزن.
جوده وهو غلام
أقبل ركب من بني أسد ومن قيس يريدون النعمان، فلقوا حاتما، فقالوا له: إنّا تركنا قومنا يثنون عليك خيرا، وقد أرسلوا إليك رسولا برسالة. قال: وما هي؟ فأنشده الأسديّون شعرا لعبيد ولبشر يمدحانه، وأنشد القيسيّون شعرا للنابغة، فلما أنشدوه قالوا: إنا نستحي أن نسألك شيئا، وإن لنا لحاجة، قال: وما هي؟ قالوا: صاحب لنا قد أرجل [1]، فقال حاتم: خذوا/ فرسي هذه فاحملوا عليها صاحبكم. فأخذوها وربطت الجارية فلوها [2] بثوبها، فأفلت، فاتّبعته الجارية، فقال حاتم: ما تبعكم [3] من شيء فهو لكم، فذهبوا بالفرس والفلو والجارية.
وإنهم/ وردوا على أبي حاتم، فعرف الفرس والفلو، فقال: ما هذا معكم؟ فقالوا: مررنا بغلام كريم فسألناه، فأعطى الجسيم.
رواية أخرى في خبر أبي الخيبري
قال: وكنا عند معاوية فتذاكرنا الجود، فقال رجل من القوم: أجود الناس حيّا وميتا حاتم، فقال معاوية:
وكيف ذلك؛ فإن الرجل من قريش ليعطى في المجلس ما لم يملكه حاتم قطّ ولا قومه، فقال: أخبرك يا أمير المؤمنين، أنّ نفرا من بني أسد مرّوا بقبر حاتم، فقالوا: لنبخّلنّه ولنخبرنّ العرب أنّا نزلنا بحاتم، فلم يقرنا، فجعلوا ينادون: يا حاتم ألا تقري أضيافك! وكان رئيس القوم رجل يقال له: أبا الخيبريّ، فإذا هو بصوت ينادي في جوف الليل:
أبا خيبريّ وأنت امرؤ ... ظلوم العشيرة شتّامها [4]
إلى آخرها، فذهبوا ينظرون؛ فإذا ناقة أحدهم تكوس [5] على ثلاثة أرجل عقيرا. قال: فعجب القوم من ذلك جميعا.
حاتم وأوس بن سعد
وكان أوس بن سعد قال للنعمان بن المنذر: أنا أدخلك بين جبلي طيّىء حتى يدين لك أهلهما، فبلغ ذلك حاتما، فقال [6]:
ولقد بغى بخلاد أوس قومه ... ذلّا وقد علمت بذلك سنبس [7]
/حاشا بني عمرو بن سنبس إنهم ... منعوا ذمار أبيهم أن يدنسوا [8]
وتواعدوا ورد القريّة غدوة ... وحلفت باللّه العزيز لنحبس [9]
__________
[1] أرجل، أي ليس له ما يركبه، فهو راجل.
[2] الفلو: المهر الذي فطم.
[3] ف: «ما بلغكم».
[4] ديوانه 11، وفيه: «حسود العشيرة».
[5] تكوس: تمشي على ثلاث قوائم.
[6] ديوانه 49.
[7] خلاد: أرض في بلاد طيىء عند الجيلين لبني سنبس، وسنبس هي من طيى ء.
[8] ف: «لا يدنس».
[9] الديوان: «ليحس».
واللّه يعلم لو أتى بسلافهم ... طرف الجريض لظلّ يوم مشكس [1]
كالنار والشّمس التي قالت لها ... بيد اللّويمس [2] عالما ما يلمس
لا تطعمنّ الماء إن أوردتهم ... لتمام ظمئكم ففوزوا واحلسوا [3]
أو ذو الحصين وفارس ذو مرّة ... بكتيبة من يدركوه يفرس [4]
وموطّأ الأكناف غير ملعّن ... في الحيّ مشّاء إليه المجلس
شعره في مدح بني بدر
قال: وجاور [5] في بني بدر زمن [6] احتربت جديلة وثعل، وكان ذلك زمن الفساد، فقال يمدح بني بدر [7]:
إن كنت كارهة معيشتنا [8] ... هاتي فحلّي في بني بدر
جاورتهم زمن الفساد فنعم الحيّ في العوصاء [9] واليسر
فسقيت بالماء النّمير ولم ... ينظر إليّ بأعين جزر
/ الضاربين لدى أعنّتهم [10] ... والطاعنين وخيلهم تجري
الخالطين [11] نحيتهم بنضارهم [12] ... وذوي الغنى منهم بذي الفقر
يقيم مكان أسير في قيده ويطلقه
وزعموا أنّ حاتما خرج في الشهر الحرام يطلب حاجة، فلما كان بأرض عنزة ناداه أسير لهم: يا أبا سفّانة؛ أكلني الإسار والقمل، قال: ويلك! واللّه ما أنا في بلاد قومي، وما معي شيء، وقد أسأت بي إذ نوّهت باسمي، ومالك مترك. فساوم به العنزيّين فاشتراه منهم، فقال: خلّوا عنه وأنا أقيم مكانه في قيده حتى أؤدّي فداءه، ففعلوا، فأتي بفدائه.
ماوية تتحدث عن كرمه
وحدّث الهيثم بن عديّ، عمن حدّثه، عن ملحان ابن أخي ماوية امرأة حاتم، قال: قلت لماوية: يا عمّة، حدثيني ببعض عجائب حاتم، فقالت: كلّ أمره عجب، فعن أيّه تسأل؟ قال: قلت: حدّثيني ما شئت، قالت:
__________
[1] المشكس: السيء الخلق، السلاف: المتقدمون. الجريض: غصص الموت.
[2] ف: «كالشمس والنار». ولو يمس: تصغير لامس.
[3] المثبت من ف، أوفي ب، ج: احبسوا. وحلس بالمكان: أقام.
[4] ديوانه «يغرس»، بالغين.
[5] ديوانه 20. وفيه: «و جاور حاتم بني بدر».
[6] ف: «لما»، وفي أ، ب، ج: «و جاور في بني بدر من احترب من جديلة».
[7] ديوانه 20.
[8] الديوان: «العيشتنا ... ».
[9] العوصاء: الشدة والعسر.
[10] كذا في ف والديوان، وفي أ، ب، ج: «لديّ أعينهم».
[11] ف والديوان: «و الخالطين»، وفي «اللسان»: قال ابن بري: صوابه «و الخالطون»، بالواو.
[12] أ: «نجيبهم»، والمثبت من ف والديوان و «اللسان» (تحت). قال: والنحيت: الدخيل في القوم، قالت الخرنق أخت طرفة ... وذكر البيت والذي بعده، ثم قال: «و النضار»: الخالص النسب.
أصابت الناس/ سنة، فأذهبت الخفّ والظّلف، فإني وإياه ليلة قد أسهرنا الجوع، قالت: فأخذ عديّا وأخذت سفّانة، وجعلنا نعلّلهما حتى ناما، ثم أقبل عليّ يحدّثني ويعلّلني بالحديث كي أنام، فرققت له لما به من الجهد، فأمسكت عن كلامه لينام، فقال لي: أنمت؟ مرارا، فلم أجب، فسكتّ فنظر في فتق الخباء فإذا شيء قد أقبل، فرفع رأسه فإذا امرأة، فقال: ما هذا؟ قالت: يا أبا سفّانة؛ أتيتك من عند صبية يتعاوون كالذئاب جوعا، فقال:
أحضريني [1] /صبيانك، فو اللّه لأشبعنّهم. قالت: فقمت سريعا فقلت: بماذا يا حاتم! فو اللّه ما نام صبيانك من الجوع إلّا بالتعليل [2] فقال: واللّه لأشبعنّ صبيانك مع صبيانها.
فلما جاءت قام إلى فرسه فذبحها، ثم قدح نارا ثم أجّجها، ثم دفع إليها شفرة، فقال: اشتوي وكلي، ثم قال: أيقظي صبيانك. قالت: فأيقظتهم [3]، ثم قال: واللّه إنّ هذا للؤم؛ تأكلون وأهل الصّرم [4] حالهم مثل حالكم! فجعل يأتي الصّرم بيتا بيتا فيقول: انهضوا عليكم بالنار. قال: فاجتمعوا حول تلك الفرس، وتقنّع بكسائه فجلس ناحية، فما أصبحوا ومن الفرس على الأرض قليل ولا كثير إلّا عظم وحافر، وإنه لأشدّ جوعا منهم، وما ذاقه.
حاتم ومحرّق
أتى حاتم ومحرّقا [5] فقال له محرّق: بايعني، فقال له: إنّ لي أخوين ورائي، فإن يأذنا لي أبايعك وإلّا فلا، قال: فاذهب إليهما، فإن أطاعاك فأتني بهما، وإن أبيا فأذن بحرب. فلما خرج حاتم قال [6]:
أتاني من الرّيان [7] أمس رسالة ... وعدوى وغيّ ما يقول مواسل [8]
/هما سألاني: ما فعلت؟ وإنني ... كذلك عما أحدثا أنا سائل
فقلت: ألا كيف الزمان عليكما؟ ... فقالا: بخير كلّ أرضك سائل
فقال محرّق: ما أخواه؟ قال [9]: طرفا الجبل، فقال: ومحلوفه لأجلّلنّ مواسلا الرّيط مصبوغات بالزّيت، ثم لأشعلنّه بالنار. فقال رجل من الناس: جهل مرتقى بين مداخل سبلّات [10]. فلما بلغ [11] ذلك محرقا قال: لأقدمنّ
__________
[1] ف: «أحضري صبيانك»، والخبر في الديوان 97 مع اختلاف في الرواية.
[2] التعليل: شغل الصغير عن الطعام بشيء.
[3] ف: «فأيقظتها».
[4] الصرم: الأبيات المجتمعة المنقطعة عن الناس.
[5] محرق: لقب عمرو بن هند.
[6] ديوانه 51.
[7] ب، س: «الديان»، والمثبت من أ، ف والديوان.
[8] كذا في ف، وفي أ، ج: «و غدوا بحيّ»، والريان ومواسل: جبلان، وقد ذكرهما زيد الخيل في شعره، قال:
أتتمنى لسان لا أسر بذكرها ... تصدع منها يذبل ومواسل
وقد سبق الريان منه بذلة ... فأضحى وأعلى هضبه متضائل
وقد ذكر الريان حاتم في قوله:
لشغب من الريان أملك بابه ... أنادي به آل الكبير وجعفرا
وانظر «ياقوت» و «البكري».
[9] ف: «قيل».
[10] سبلات: جبل من جبال أجأ ومواسل أيضا، عن نصر (البلدان).
[11] ف: «فبلغ».
عليك قريّتك [1]. ثم إنه أتاه رجل، فقال له: إنك إن تقدم القريّة تهلك. فانصرف ولم يقدم.
حاتم وأسير له
غزت فزارة طيئا وعليهم حصين [2] بن حذيفة، وخرجت طيىء في طلب القوم، فلحق حاتم رجلا من بدر [3]، فطعنه ثم مضى، فقال: إن مرّ بك أحد فقل له: أنا أسير حاتم. فمرّ به أبو حنبل، فقال: من أنت؟ قال: أنا أسير حاتم. فقال له: إنه يقتلك، فإن زعمت لحاتم أو لمن سألك أنّي أسرتك، ثم صرت في يدي خلّيت سبيلك، فلما رجعوا قال حاتم:/ يا أبا حنبل [4] خلّ سبيل أسيري، فقال أبو حنبل: أنا أسرته، فقال حاتم: قد رضيت بقوله، فقال: أسرني أبو حنبل، فقال حاتم [5]:
إنّ أباك الجون لم يك غادرا ... ألا من بني بدر أتتك الغوائل
صوت
وهاجرة من دون ميّة لم تقل ... قلوصي بها والجندب الجون يرمح [6]
بتيهاء مقفار [7] يكاد ارتكاضها ... بآل الضّحى والهجر بالطّرف يمصح
- الهجر ها هنا مرفوع بفعله، كأنه قال: يكاد ارتكاضها بالآل يمصح بالطرف، هو والهجر./ ويمصح:
يذهب بالطّرف - :
كأنّ الفرند المحض معصوبة به ... ذرا قورها ينقدّ عنها وينصح [8]
إذا ارفضّ أطراف السّياط وهلّلت ... جروم المهاري عدّ منهنّ صيدح [9]
عروضه من الطويل.
الهاجرة: تكون وقت الزوال. والجندب: الجرادة. والجون: الأسود. والجون: الأبيض أيضا: وهو من الأضداد. وقوله: يرمح، أي ينزو من شدة الحرّ لا يكاد يستقرّ على الأرض. والتّيهاء من الأرض: التي يتاه فيها.
والمقفار: التي لا أحد فيها ولا ساكن بها. ذكر ذلك أبو نصر عن الأصمعيّ. وارتكاضها؛ يعني ارتكاض هذه التّيهاء، وهو نزوها بالآل، والآل: السراب. والهجر والهاجرة واحد. وقوله: الهجر بالطرف يمصح، رفع الهجر/ بفعله كأنه قال: يكاد ارتكاضها بالآل يمصح بالطرف، هو والهجر. يمصح: يذهب بالطّرف. والفرند: الحرير الأبيض. والمحض: الخالص. يقول: كأن هذا السراب حرير أبيض، وقد عصبت به ذرى قورها، وهي الجبال
__________
[1] قريّة: موضع بجبل طيى ء.
[2] الديوان: «حصن بن حذيقة».
[3] الديوان: «من بني بدر».
[4] ف: «جبيل»، والمثبت من الديوان أيضا.
[5] ديوانه 50.
[6] ديوان ذي الرمة 86. لم تقل، من القيلولة. والجندب: شبه الجراد في ظهره نقط.
[7] في الديوان: «و بيداء مقفار».
[8] ينقد: ينشق، وفي ف: «ينقد عنه».
[9] كذا في ف، وفي باقي الأصول: «عذبتهن صيدح».
الصغار والواحدة قارة، فتارة يغطيها وتارة ينجاب عنها وينكشف، فكأنه إذا انكشف عنها ينقدّ عنها، وكأنه إذا غطّاها ينصح عنها [1]؛ أي يخاط. ويقال [2]: نصحت الثوب، إذا خطته، والنّاصح: الخيّاط، والنّصاح: الخيط. وقوله:
ارفضّ أطراف السياط، يعني أنها انفتحت أطرافها من طول السفر؛ وأصل الارفضاض التفرّق. والجروم: الأبدان، واحدها جرم، بالكسر. وقوله: هللت جروم المطايا، يعني أنها صارت كالأهلّة في الدّقة [3]. وصيدح: اسم ناقته.
الشعر لذي الرمة، والغناء لإبراهيم الموصليّ ماخوريّ بالوسطى.
تم الجزء السابع عشر من كتاب الأغاني ويليه الجزء الثامن عشر، وأوله: (ذكر ذي الرمة وخبره)
__________
[1] ف: «عليها».
[2] ف: «و يقول».
[3] كذا في ف، وهو الوجه، وفي باقي الأصول: «الرقة».
فهرس موضوعات الجزء السابع عشر
الموضوع الصفحة
ذكر الكميت ونسبه وخبره 5
خبر ابن سريج مع سكينة بنت الحسين 32
خبر لبيد في مرثية أخيه 41
ذكر خبر العباس وفوز 48
ذكر بذل وأخبارها 53
أخبار كعب بن زهير 57
أخبار ابن الدمينة ونسبه 64
نسب المقنع الكندي وأخباره 74
خبر لإسحاق وابن هشام 76
نسب أبي قيس بن الأسلت وأخباره 80
خبر مقتل حجر بن عديّ 90
أخبار لعمر بن أبي ربيعة 104
أخبار عزة الميلاء 107
ذكر نسب الربيع بن زياد 118
خبر ليزيد بن معاوية 136
ذكر شريح ونسبه وخبره 139
خبر زينب بنت حدير وتزويج شريح إياها 142
أخبار الحطيئة مع سعيد بن العاص 145
أخبار مالك بن أسماء بن خارجة ونسبه 148
أخبار عروة بن الزبير 155
أخبار زيد الخيل ونسبه 158
أخبار لابن قيس الرقيات 174
ذكر فند وأخباره 177
أخبار نبيه ونسبه 179
الموضوع الصفحة
حلف الفضول 184
نسب أمية بن أبي الصلت 193
- يوم الصفقة 203
- ذكر الخبر في سرية زيد بن حارثة 206
ذكر أبي عطاء السندي 208
ذكر خالد ورملة وأخبارهما 218
خبر للأحوص 225
ذكر عبد الرحمن بن أبي بكر 228
أخبار حاتم ونسبه 233
فهرس الموضوعات 255
الجزء الثامن عشر
[تتمة التراجم]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ*
1 - ذكر ذي الرمة وخبره
نسبه
اسمه غيلان بن عقبة بن مسعود بن حارثة بن عمرو بن ربيعة بن ملكان بن عديّ بن عبد مناة بن أدّ طابخة بن إلياس بن مضر.
أقوال في سبب تلقيبه ذا الرمة
وقال ابن سلّام: هو غيلان بن عقبة بن بهيش [1] بن مسعود بن حارثة بن عمرو بن ربيعة [2] بن ملكان.
ويكنى أبا الحارث، وذو الرمة لقب. يقال: لقّبته به ميّة؛ وكان اجتاز بخبائها وهي جالسة إلى جنب أمها فاستسقاها ماء، فقالت لها أمها: قومي فاسقيه. وقيل: بل خرق إداوته لمّا رآها، وقال لها: اخرزي لي هذه، فقالت: واللّه ما أحسن ذلك، فإني لخرقاء. قال: والخرقاء التي لا تعمل بيدها شيئا لكرامتها على قومها، فقال لأمها: مريها أن تسقيني ماء، فقالت لها: قومي يا خرقاء فاسقيه ماء، فقامت فأتته بماء، وكانت على كتفه [3] رمّة؛ وهي قطعة من حبل، فقالت: اشرب يا ذا الرّمّة؛ فلقّب بذلك.
وحكى ابن قتيبة [4] أن هذه القصة جرت بينه وبين خرقاء العامريّة.
وقال ابن حبيب: لقّب ذا الرمة لقوله [5]:
أشعث باقي رمّة التّقليد
/ وقيل: بل كان يصيبه في صغره فزع، فكتبت [6] له تميمة، فعلّقها [7] بحبل، فلقّب بذلك ذا الرّمّة.
ونسخت من كتاب محمد بن داود بن الجرّاح: حدثني هارون بن محمد بن عبد الملك الزيات، عن محمد بن صالح العدويّ، عن أبيه، وعن أشياخه، وعدّة من أهل البادية من بني عديّ، منهم زرعة بن أذبول [8] وابنه سليمان وأبو قيس وتميم/ وغيرهم من علمائهم:
__________
[1] كذا في «المشتبه»، و «القاموس»، و «اللآلي»، و «ابن خلكان». وفي «الأصول»: «نهيس».
[2] ج: «بن عمرو بن ساعدة بن كعب بن عوف بن ثعلبة بن ربيعة».
[3] ج: «كفه».
[4] «الشعر والشعراء» 509.
[5] «اللسان» 15: 143، و «نوادر المخطوطات» لابن حبيب 301، و «الشعر والشعراء» 508.
[6] ب، س: «فكتبت له أمه».
[7] أ: «فتعلقها».
[8] ب، س، ف: «دبول».
أنّ أمّ ذي الرّمة جاءت إلى الحصين بن عبدة بن نعيم العدويّ [1] وهو يقرىء الأعراب بالبادية احتسابا بما يقيم لهم صلاتهم، فقالت له: يا أبا الخليل؛ إن ابني هذا يروّع بالليل، فاكتب لي معاذة أعلّقها على [2] عنقه، فقال لها: ائتيني برقّ أكتب فيه، قالت: فإن لم يكن، فهل يستقيم في غير رقّ أن يكتب له؟ قال: فجيئيني بجلد [3]، فأتته بقطعة جلد غليظ، فكتب له معاذة فيه، فعلّقته في عنقه، فمكث دهرا. ثم إنها مرّت مع ابنها لبعض حوائجها بالحصين وهو جالس في ملأ من أصحابه ومواليه، فدنت منه، فسلّمت عليه، وقالت: يا أبا الخليل، ألا تسمع قول غيلان وشعره؟ قال:
بلى. فتقدّم فأنشده، وكانت المعاذة مشدودة على يساره في حبل أسود، فقال الحصين: أحسن ذو الرمة؛ فغلبت عليه.
كان له إخوة كلهم شعراء
وقال الأصمعيّ: أمّ ذي الرمة امرأة من بني أسد يقال لها ظبية، وكان له إخوة لأبيه وأمّه شعراء منهم مسعود، وهو الذي يقول يرثي أخاه ذا الرمّة ويذكر ليلى بنته:
إلى اللّه أشكو لا إلى الناس أنني ... وليلى كلانا موجع مات وافده [4]
/و لمسعود يقول ذو الرمة [5]:
صوت
أقول لمسعود بجرعاء مالك ... وقد همّ دمعي أن تسحّ أوائله
ألا هل ترى الأظعان جاوزن مشرفا ... من الرمل أو سالت بهنّ سلاسله [6]
غنّى فيه يحيى بن المكيّ [7] ثاني ثقيل بالوسطى، على مذهب إسحاق من رواية عمرو.
ومسعود الذي يقول [8] يرثي أخاه أيضا ذا الرمّة، ويرثي أوفى بن دلهم ابن عمه، وأوفى هذا أحد من يروى عنه الحديث.
وقال هارون بن [9] الزيات: أخبرني ابن حبيب، عن ابن الأعرابيّ، قال: كان لذي الرمة إخوة ثلاثة [10]:
مسعود، وجرفاس، وهشام، كلّهم شعراء، وكان الواحد منهم يقول الأبيات فيبني عليها ذو الرمة أبياتا أخر، فينشدها الناس، فيغلب عليها لشهرته وتنسب إليه [11]:
__________
[1] ج: «العذري».
[2] ف: «في عنقه».
[3] ج: «بقطعة جلد».
[4] ج: «واحده».
[5] «ديوانه» 466.
[6] ف: «أو حاذت ... سوائله». ومشرف: موضع، وسلاسل الرمل: ما انعقد واتصل.
[7] ف: «يحيى المكي».
[8] في ف: «يقول فيه أيضا».
[9] ف: «بن محمد الزيات».
[10] في ابن سلام: وكانوا إخوة ثلاثة: غيلان وأوفى ومسعود. وقال ابن قتيبة في «الشعر والشعراء»: وكان لذي الرمة إخوة ثلاثة: هشام وأوفى ومسعود، فجعلهم أربعة إخوة.
[11] «ابن سلام» 481، و «شرح الحماسة» 2: 147، و «الكامل» 1: 153.
نعى الركب أوفى حين آبت ركابهم ... لعمري لقد جاءوا بشرّ فأوجعوا [1]
نعوا باسق الأخلاق لا يخلفونه ... تكاد الجبال الصّمّ منه تصدّع
/ خوى المسجد المعمور بعد ابن دلهم ... فأضحى بأوفى قومه قد تضعضعوا
تعزّيت عن أوفى بغيلان بعده ... عزاء وجفن العين ملآن مترع
ولم تنسني أوفى المصيبات [2] بعده ... ولكن نكاء القرح بالقرح [3] أوجع
وأخوه الآخر هشام، وهو ربّاه [4]، وكان شاعرا. ولذي الرمّة يقول:
أغيلان إن ترجع قوى الودّ بيننا ... فكلّ الذي ولّى من العيش [5] راجع
فكن مثل أقصى الناس عندي فإنني ... بطول التّنائي من أخي السوء قانع
يقول شعرا لأخيه هشام فيجيبه
وقال ذو الرمة لهشام أخيه [6]:
أغرّ هشاما من أخيه ابن أمّه ... قوادم ضأن أقبلت وربيع [7]
وهل تخلف الضأن الغزار أخا النّدى [8] ... إذا حلّ أمر في الصّدور فظيع
/ فأجابه هشام فقال:
إذا بان مالي من سوامك لم يكن ... إليك وربّ العالمين رجوع
فأنت الفتى ما اهتزّ في الزّهر النّدى [9] ... وأنت إذا اشتدّ الزمان منوع [10]
ذو الرمة وأخوه مسعود يقولان شعرا في ظبية سنحت لهما
وذكر المهلّبيّ [11] عن أبي كريمة النجويّ، قال:
/ خرج ذو الرمّة يسير مع أخيه مسعود بأرض الدّهناء، فسنحت لهما ظبية، فقال ذو الرمة [12]:
أقول لدهناوية عوهج جرت ... لنا بين أعلى برقة بالصّرائم [13]
__________
[1] أ: «فأوجفوا»، تصحيف.
[2] أ: «أوفى المصائب».
[3] القرح: الجرح.
[4] ف: «رثاه».
[5] ف: «من الدهر».
[6] «ديوانه» 354.
[7] في «الديوان»: «قوادم ضأن يسرت وربيع».
[8] «الديوان»: «و لا تخلف ... أخا الفتى».
[9] ف: «ما اهتز في الدهر للندى».
[10] ف: «هلوع».
[11] ف: «الهشامي».
[12] «ديوانه» 621.
[13] «الديوان»: «لنا بين أعلى عرفة بالصرائم».
ودهناوية: ظبية من ظباء الدهناء. والصرائم: الرمال. وعوهج: طويلة. وبرقة: موضع.
أبا ظبية الوعساء بين جلاجل ... وبين النّقا آأنت أم أمّ سالم!
وقال مسعود [1]:
فلو تحسن التشبيه والنعت لم تقل ... لشاة النّقا آأنت أم أمّ سالم
جعلت لها قرنين فوق قصاصها [2] ... وظلفين مسودّين تحت القوائم
وقال [3] ذو الرمة [4]:
هي الشّبه لولا مذرواها وأذنها ... سواء ولولا مشقة في القوائم [5]
وكان طفيليا
وكان ذو الرمّة كثيرا ما يأتي الحضر فيقيم بالكوفة والبصرة، وكان طفيليّا.
أخبرني أحمد بن عبد العزيز، قال: حدثني الحسن بن عليّ، قال: حدثني ابن [6] سعيد الكنديّ، قال:
سمعت ابن عيّاش يقول:
حدثني من رأى ذا الرمّة طفيليّا يأتي العرسات [7].
بعض صفاته
نسخت من كتاب محمد بن داود بن الجرّاح: حدثني هارون بن الزيات، قال: أخبرني محمد بن صالح العدويّ، قال: قال زرعة بن أذبول:
كان ذو الرمّة مدوّر الوجه، حسن الشّعرة جعدها، أقنى، أنزع، خفيف العارضين، أكحل، حسن الضحك [8]، مفوّها، إذا كلمك كلّمك أبلغ الناس، يضع لسانه حيث يشاء.
قال حمّاد بن إسحاق: حدثني إدريس بن سليمان بن يحيى بن أبي حصفة، عن عمته عافية وغيرها من أهله:
أنهم رأوا ذا الرمّة باليمامة عند المهاجر بن عبد اللّه شيخا أجنأ [9] سناطا [10] متساقطا.
وقال هارون [11] بن الزيات: حدثني عليّ بن أحمد الباهليّ، قال: حدثني ربيح النميريّ، قال:
اجتمع الناس مرة وتحلّقوا على ذي الرمة، وهو ينشدهم، فجاءت أمه فاطّلعت من بينهم فإذا رجل قاعد وهو
__________
[1] ف: «فقال له مسعود».
[2] قصاص الشعر: حيث تنتهي نبتته من مقدمه أو مؤخره. («القاموس»).
[3] ف «فقال».
[4] «ديوانه» 622.
[5] «الديوان»: «إلا مدرييها وأذنها ... وإلا مشقة، وفي أ: ... إلا مذرييها»، والمذروان من الرأس: ناحيتاه. والمدري: القرن.
والمشقة: الرقة أو فرجة في قوائمها.
[6] ف: «حدثني علي بن سعيد».
[7] العرسات: جمع عرس، بالضم وبضمتين: طعام الوليمة.
[8] ج: «حسن المضحك».
[9] الأجنأ: من يشرف كاهله على صدره.
[10] السناط، بالكسر والضم: الخفيف العارض، أو الذي لا لحية له أصلا.
[11] ج: «هارون بن محمد بن عبد الملك الزيات».
ذو الرمة. وكان دميما شختا [1] أجنأ فقالت أمه: استمعوا إلى شعره، ولا تنظروا إلى وجهه.
قال هارون: وأخبرني يعقوب بن السكّيت، عن أبي عدنان، قال: أخبرني أسيد الغنويّ، قال:
/ سمعت بباديتنا من قوم هضبوا في الحديث [2] أنّ ذا الرّمّة كان ترعيّة [3]، وكان كناز اللحم مربوعا قصيرا، وكان أنفه ليس بالحسن.
الفرزدق وجرير يحسدانه
أخبرني ابن عمّار، عن سليمان بن أبي [4] شيخ، عن أبيه، عن صالح بن سليمان قال:
كان الفرزدق وجرير يحسدان ذا الرمّة، وأهل البادية يعجبهم شعره.
كان صالح بن سليمان راوية لشعره
قال: وكان صالح بن سليمان راوية لشعر ذي الرمّة، فأنشد يوما قصيدة له، وأعرابيّ من بني عديّ يسمع، فقال: أشهد عنّك - أي أنّك - لفقيه تحسن ما تتلوه [5]، وكان يحسبه قرآنا.
إعجاب الكميت بشعره
نسخت من كتاب محمد بن داود: وحدثني هارون بن الزيات، عن محمد بن صالح العدويّ، قال: قال حمّاد الراوية:
قال الكميت حين سمع قول ذي الرمة [6]:
أعاذل قد أكثرت من قول قائل ... وعيب على ذي الودّ [7] لوم العواذل
/ هذا واللّه ملهم، وما علم بدويّ بدقائق [8] الفطنة وذخائر كنز العقل المعدّ لذوي الألباب! أحسن ثم أحسن.
قال محمد بن صالح: وحدثني محمد بن كناسة بذلك عن الكميت، وقال:
/ لما أنشده قوله في هذه القصيدة [9]:
دعاني وما داعي الهوى من بلادها ... إذا ما نأت خرقاء عنّي بغافل
فقال الكميت: للّه بلاد هذا الغلام! ما أحسن قوله! وما أجود وصفه! ولقد شفع [10] البيت الأول بمثله في
__________
[1] أ: «و كان ذميما شيخا». والشخت: الدقيق الضامر خلقة لا هزالا.
[2] هضب الرجل في الحديث: أفاض. وفي ح: «هضبوا الحديث».
[3] رجل ترعية بالتشديد، وقد يخفف: يجيد رعية الإبل.
[4] ف: «أخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن عمار، عن أحمد بن سليمان بن أبي شيخ».
[5] ف: «ما تلوته».
[6] «ديوانه» 500.
[7] في «الديوان»: «و عيب على ذي اللب».
[8] ف: «بدقائق فهم الفطنة».
[9] «ديوانه» 492.
[10] ج: «شيع».
جودة الفهم والفطنة، وقال [1] قول مستسلم.
قال ابن كناسة: وقال لي حمّاد الراوية: ما أخّر القوم ذكره إلّا لحداثة سنّه، وأنهم حسدوه.
آراء قيلت في شعره
قال محمد بن صالح: وقال لي خالد بن كلثوم وأبو عمرو: قال أبو حزام وأبو المطرّف [2]:
لم يكن أحد من القوم في زمانه أبلغ من ذي الرمة، ولا أحسن جوابا؛ كان كلامه أكثر من شعره.
وقال الأصمعيّ: ما أعلم أحدا من العشّاق الحضريّين وغيرهم شكا حبّا أحسن من شكوى ذي الرمّة، مع عفّة وعقل رصين.
قال: وقال أبو عبيدة:
ذو الرمة يخبر فيحسن الخبر، ثم يردّ على نفسه الحجّة من صاحبه [3] فيحسن الردّ، ثم يعتذر فيحسن التخلص، مع حسن إنصاف وعفاف في الحكم.
أخبرني الحسن بن عليّ، قال: حدثنا أبو أيوب المدينيّ، قال: حدثنا الفضل بن إسحاق الهاشميّ، عن مولّى لجدّه، قال:
رأيت ذا الرمة بسوق المربد، وقد عارضه رجل يهزأ به، فقال له: يا أعرابيّ، أتشهد بما لم تر؟ قال: نعم، قال: بماذا؟ قال: أشهد أنّ أباك ناك أمّك.
/ أخبرني محمد بن العبّاس اليزيديّ، قال: حدثني عمّي عبيد اللّه، عن ابن حبيب، عن عمارة بن عقيل، قال:
كان جرير عند بعض الخلفاء، فسأله عن ذي الرمّة، فقال: أخذ من طريف الشعر وحسنه [4] ما لم يسبقه إليه أحد غيره.
أخبرني وكيع [5]، عن حماد بن إسحاق، قال: قال حماد الراوية:
قدم علينا ذو الرمة الكوفة، فلم أر أفصح ولا أعلم بغريب منه.
نسخت من كتاب ابن النطّاح: حدثني أبو عبيدة، عن أبي عمرو، قال: ختم الشّعر بذي الرمة، وختم الرّجز برؤبة.
قال: فما تقول في هؤلاء الذين يقولون؟ قال: كلّ على غيرهم؛ إن قالوا حسنا فقد سبقوا إليه، وإن قالوا قبيحا فمن عندهم.
أخبرني الحسن بن عليّ، قال: حدثنا أحمد بن الحارث الخرّاز، عن المدائنيّ، عن بعض أصحابه، عن حمّاد الرّاوية، قال:
__________
[1] ف: «فقال».
[2] ج: ... وأبو عمرو علي بن حزام وأبو المطرف.
[3] ج: «من صاحبته».
[4] ج: «و وحشيه».
[5] ح: «محمد بن خلف وكيع. قال: حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه ... ».
أحسن الجاهلية تشبيها امرؤ القيس، وذو الرمة أحسن أهل الإسلام تشبيها.
أخبرني محمد بن العباس اليزيديّ، عن عمه عبيد اللّه، عن ابن حبيب، عن عمارة بن عقيل:
أنّ جريرا والفرزدق اتّفقا عند خليفة من خلفاء بني أميّة، فسأل كلّ واحد منهما على انفراد [1] عن ذي الرمة، فكلاهما قال: أخذ من طريف الشعر وحسنه [2] ما لم يسبقه إليه غيره، فقال الخليفة: أشهد لاتفاقكما [3] فيه أنه أشعر منكما جميعا.
/ أخبرني جحظة [4]، عن حماد بن إسحاق، قال: حدثني أبي قال:
أنشد الصّيقل شعر ذي الرمة فاستحسنه، وقال: ما له قاتله اللّه! ما كان إلّا ربيقة، هلّا عاش قليلا [5]!.
وقال هارون بن محمد: أخبرني عليّ بن أحمد الباهليّ، قال: حدثني محمد بن إسحاق البلخيّ، عن سفيان ابن عيينة، عن ابن شبرمة، قال: سمعت ذا الرمة يقول: إذا قلت: كأنّه، ثم لم أجد مخرجا فقطع [6] اللّه لساني.
/ قال هارون: وحدثني [7] العباس بن ميمون طائع، قال: قال الأصمعيّ: كان ذو الرمّة أشعر الناس إذا شبّه، ولم يكن بالمفلق.
وحدثني أبو خليفة، عن محمد بن سلّام، قال:
كان لذي الرمة حظّ في حسن التشبيه لم يكن لأحد من الإسلاميين، كان [8] علماؤنا يقولون: أحسن الجاهلية تشبيها امرؤ القيس، وأحسن أهل الإسلام تشبيها ذو الرّمة.
لقاؤه بمية وشغفه بها
أخبرني محمد بن يزيد قال: حدثنا حماد، عن أبيه، عن أبي عقيل عمارة بن عقيل، عن عمته أم القاسم ابنة بلال بن جرير، عن جارية كانت لأم ميّ، قالت:
كنا نازلين بأسفل الدهناء، وكان رهط ذي الرّمة مجاورين لنا، فجلست مية - وهي حينئذ فتاة حين نهد ثدياها أحسن من رأيته - تغسل ثيابا لها ولأمها في بيت منفرد، وكان بيتا رثّا قد أخلق، ففيه خروق، فلما فرغت ولبست ثيابها جاءت فجلست عند أمها، فأقبل ذو الرّمة حتى دخل إلينا، ثم سلّم، ونشد ضالّة وجلس ساعة ثم خرج.
فقالت مية: إني لأرى هذا العدويّ [9] قد رآني منكشفة واطلع عليّ من/ حيث لا أدري؛ فإنّ بني عديّ [10] أخبث قوم في الأرض، فاذهبي فقصّي أثره، فخرجت فوجدته ما يثبت مقامه، فقصصت أثره ثانية حتى رأيته وقد تردد أكثر
__________
[1] أ: «انفراده».
[2] ف: «و وحشيه».
[3] ف: «أشهد على اتفاقكما».
[4] ح: «أحمد بن جعفر جحظة».
[5] ح: «ما كان إلا زنبقة، ألا عاش قليلا! والربقة: العروة من الحبل، وتصغيرها ربيقة.
[6] ح: «و لم أجد فقطع».
[7] ح: «و حدثني محمد بن العباس».
[8] ج: «و كان».
[9] في «المختار»: «العذري».
[10] في «المختار»: «بني عذرة».
من ثلاثين طرقة [1]، كل ذلك يدنو فيطّلع إليها، ثم يرجع على عقبيه، ثم يعود فيطلع إليها، فأخبرتها بذلك، ثم لم تنشب أن جاءنا شعره فيها من كل وجه ومكان [2].
رواية أخرى في ذلك
وذكر عليّ بن سعيد بن بشر الرازيّ: أن هارون بن مسلم بن سعد حدّثه عن حسين [3] بن براق الأسديّ، عن عمارة بن ثقيف، قال:
حدثني ذو الرّمة أنّ أول ما قاد المودّة بينه وبين ميّة أنه خرج هو وأخوه وابن عمه في بغاء إبل لهم، قال:
بينا [4] نحن نسير إذ وردنا على ماء وقد أجهدنا العطش، فعدلنا إلى حواء [5] عظيم، فقال لي أخي وابن عمي: ائت الحواء فاستسق لنا [6]، فأتيته وبين يديه في رواقه عجوز جالسة. قال: فاستسقيت، فالتفتت وراءها فقالت: يا ميّ، اسقي هذا الغلام، فدخلت عليها فإذا هي تنسج [7] علقة لها، وهي تقول:
يا من يرى [8] برقا يمرّ حينا ... زمزم رعدا وانتحى يمينا [9]
كأنّ في حافاته حنينا [10] ... أو صوت خيل ضمّر يردينا
قال: ثم قامت تصبّ في شكوتي [11] ماء، وعليها شوذب [12] لها، فلما/ انحطّت على القربة رأيت مولّى لم أر أحسن منه، فلهوت بالنظر إليها، وأقبلت تصبّ الماء في شكوتي والماء يذهب يمينا وشمالا. قال: فأقبلت عليّ العجوز «[13] وقالت: يا بنيّ ألهتك ميّ عما بعثك أهلك له، أما ترى الماء يذهب يمينا وشمالا!» [13] فقلت: أما واللّه ليطولنّ هيامي بها.
قال: وملأت شكوتي، وأتيت أخي وابن عمي، ولففت رأسي، فانتبذت ناحية، وقد كانت ميّ قالت: لقد كلّفك أهلك السّفر على ما أرى من صغرك وحداثة سنك، فأنشأت أقول [14]:
قد سخرت [15] أخت بني لبيد ... منّي ومن سلم ومن وليد [16]
__________
[1] طرقة: مرّة من الطرق.
[2] انفردت ف بهذا الخبر.
[3] ف: «غصين بن براق».
[4] ف: «فبينا».
[5] في المختار: «خباء». والخبار والحواء، ككتاب: جماعة البيوت المتدانية.
[6] ف: «فاستسق لنا ماء».
[7] في «المختار»: «تمسح علقة لها». وفي ف: «تنسج شقة لها». والعلقة: قميص بلا كمين، وقيل: ثوب صغير يتخذ للصبي.
[8] في «المختار»: «رأى».
[9] في «المختار»: « ... على يبرينا ... وانتحى حنينا».
[10] «المختار»: «جنينا».
[11] الشكوة: وعاء من أدم الماء واللبن.
[12] الشوذب: ثوب طويل.
(13 - 13) من أ، ف، والمختار.
[14] «ديوانه» 57.
[15] «الديوان»: «قد عجبت».
[16] «الديوان»: «و هزئت مني ومن مسعود».
رأت غلامي سفر بعيد ... يدّرعان اللّيل ذا السّدود [1]
مثل ادّراع اليلمق [2] الجديد
قال: وهي أول قصيدة قلتها ثم أتممتها:
هل [3] تعرف المنزل بالوحيد
ثم مكثت أهيم بها في ديارها عشرين سنة.
ذو الرمة وزوج ميّ
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ، عن النوفليّ [4]، قال: سمعت أبي يقول:
ضاف ذو الرّمة [5] زوج ميّ في ليلة ظلماء، وهو طامع في ألّا يعرفه زوجها، فيدخله بيته [6]، فيراها ويكلّمها، ففطن له الزّوج وعرفه فلم يدخله، وأخرج إليه/ قراه، وتركه بالعراء [7]، وقد عرفته ميّة؛ فلما كان في جوف الليل تغني غناء الرّكبان قال [8]:
أراجعة يا ميّ أيامنا الألى ... بذي الأثل أم لا، ما لهنّ رجوع!
فغضب زوجها، وقال: قومي فصيحي به: يا بن الزانية، وأيّ أيام كانت لي [9] معك بذي الأثل! فقالت:
يا سبحان اللّه، ضيف، والشاعر يقول! فانتضى السيف، وقال: واللّه لأضربنّك به حتى آتي عليك أو تقولي [10]، فصاحت به كما أمرها زوجها، فنهض على [11] راحلته، فركبها وانصرف عنها مغضبا يريد أن يصرف مودّته عنها إلى غيرها.
قال شعرا في خرقاء يغيظ به ميّا
فمرّ بفلج في ركب، وبعض أصحابه يريد/ أن يرقع خفّه، فإذا هو بجوار خارجات من بيت يردن آخر، وإذا خرقاء فيهنّ - وهي امرأة من بني عامر - فإذا جارية حلوة شهلاء [12]، فوقعت عين ذي الرّمة عليها، فقال لها:
يا جارية، أترقعين لهذا الرجل خفّه؟ فقالت تهزأ به: أنا خرقاء لا أحسن أن أعمل؛ فسمّاها خرقاء، وترك ذكر ميّ؛ يريد أن يغيظ بذلك ميّا. فقال فيها قصيدتين أو ثلاثا، ثم لم يلبث أن مات.
__________
[1] يدرعان: يلبسان. والسدود: الظلمات.
[2] اليلمق: القباء، فارسي معرب.
[3] «الديوان»: 15، وأولها:
ألا يا دار مية بالوحيد ... كأن رسومها قطع البرود
[4] ح: «حدثني علي بن محمد النوفلي».
[5] أي نزل ذو الرمة ضيفا عليه.
[6] ف: «بيته ويقريه».
[7] ف: «و تركه بالعراء وراحلته».
[8] «ديوانه» 352 وروايته في «الديوان»: «أيامنا التي ... بذي الرمث».
[9] ف: «كانت لنا».
[10] ف: «أو لتقولن»، وفي المختار: «أو لتقولين».
[11] ف: «إلى راحلته».
[12] الشهل، محركة وبالضم: أقل من الزرق في الحدقة وأحسن منه. («القاموس»).
لقاؤه بجرير والمهاجر بن عبد اللّه
أخبرني الحسين بن يحيى، عن حمّاد، عن الأصمعيّ، عن عمارة بن عقيل، قال:
قال جرير: خرجت مع المهاجر بن عبد اللّه إلى حجّة، فلقينا ذا الرّمة، فاستنشده المهاجر فأنشده [1]:
ومن حاجتي لولا التّنائي وربّما ... منحت الهوى من ليس بالمتقارب
/ عطابيل بيض من ربيعة عامر ... عذاب الثنايا مثقلات الحقائب [2]
يقظن الحمى والرّمل منهنّ محضر [3] ... ويشربن ألبان الهجان النجائب
فالتفت إليّ المهاجر، وقال: أتراه مجنونا!.
رأي لجرير في بيت قاله
أخبرني أبو خليفة، عن محمد بن سلام، قال: أخبرنا أبو البيداء الرّياحيّ، قال:
قال جرير: قاتل اللّه ذا الرمّة حيث يقول [4]:
ومنتزع من بين نسعيه جرّة [5] ... نشيج الشّجا جاءت إلى ضرسه نزرا [6]
أما واللّه لو قال: «ما بين جنبيه» لما كان عليه من سبيل.
جرير وأبو عمرو بن العلاء يصفان شعره
أخبرني الطوسيّ وحبيب [7] المهلبيّ، عن ابن شبّة، عن أبي غزالة [8]، عن هشام بن محمد الكلبيّ، عن رجل من كندة، قال:
سئل جرير عن شعر ذي الرمة فقال: بعر ظباء، ونقط عروس، يضمحلّ [9] عن قليل.
أخبرني أبو خليفة، عن ابن سلّام، قال: كان أبو عمرو بن العلاء يقول: إنما شعر ذي الرّمة نقط [عروس يضمحل عن قليل] [10] وأبعار لها مشمّ في أول شمّة [11]، ثم تعود إلى أرواح البعر.
الفرزدق يعجب بشعره ولا يعده من فحول الشعراء
قال أبو زيد بن شبة: قال أبو عبيدة:
__________
[1] «ديوانه» 56.
[2] في «الديوان»: ... من دؤابة عامر ... رقاق الثنايا مشرفات الحقائب.
وعطابيل: بيض طوال حسان.
[3] في «الديوان»: ... منهن مربع، والهجان: الكرام. والنجائب: الكرام من الإبل. ويقظن: ينزلنه في القيظ، وفي أ: «يعظن».
[4] «ديوانه» 273.
[5] ف: «درة».
[6] أ: «نزر».
[7] ف: «و حبيب بن نصر المهلبي».
[8] ف: «ابن غزالة».
[9] ف: «أي يضمحل عن قريب».
[10] من ابن سلام.
[11] ابن سلام: «شمها».
/ وقف الفرزدق على ذي الرمّة وهو ينشد قصيدته (الحائية) [1] التي يقول فيها [2]:
إذا ارفضّ أطراف السّياط وهلّلت ... جروم المطايا عذّبتهنّ صيدح [3]
فقال [4] ذو الرمة: كيف تسمع يا أبا فراس؟ قال: أسمع حسنا، قال: فما لي لا أعدّ في الفحول من الشعراء؟
قال: يمنعك من ذلك ويباعدك [5] ذكرك الأبعار وبكاؤك الديار، ثم قال [6]:
ودوّيّة لو ذو الرّميمة رامها [7] ... لقصّر عنها ذو الرّميم وصيدح [8]
قطعت إلى معروفها منكراتها ... إذا اشتدّ آل الأمعز المتوضّح [9]
وقال عمر بن شبّة في هذا الخبر: فقام إليه ذو الرمة فقال: أنشدك اللّه أبا فراس أن تزيد عليهما شيئا، فقال:
إنهما بيتان، ولن أزيد عليهما شيئا.
قال: وكان عمر بن شبة يقول عمن أخبره عن أبي عمرو [10]: إنما شعره نقط عروس تصمحل عمّا قليل، وأبعار ظباء لها مشمّ في أول شمها، ثم تعود إلى أرواح الأبعار [11].
كان هواه مع الفرزدق على جرير
وكان [12] هوى ذي الرّمّة مع الفرزدق على جرير؛ وذلك لما كان بين جرير وابن لجأ/ التّيميّ، وتيم وعديّ أخوان من الرّباب، وعكل أخوهم، ولذلك يقول جرير لعكل [13].
فلا يضغمنّ الليث عكلا بغرّة ... وعكل يشمّون الفريس المنيّبا
الفريس ها هنا ابن لجأ، وكذلك يفعل السبع [14] إذا ضغم [15] شاة ثم طرد عنها، أو سبقته، أقبلت/ الغنم
__________
[1] كذا في ف.
[2] «ديوانه» 87.
[3] ارفض: تفرق من العراق. والجرم: الجسد، وهللت جرومها: صارت كالأهلة من الهزال. وصيدح: اسم ناقة ذي الرمة.
[4] ف: «ثم قال».
[5] ف: «و يتقاعد بك».
[6] «ديوانه» 147.
[7] ف: «أمها»، والدوّية: المفازة.
[8] س: «ذو الرماء»، وفي «الديوان».
بصيدح أودي ذو الرميم وصيدح
وذو الرميمة، تصغير ذي الرمة، ورامها بصيدح: ابتغى قطعها بناقته صيدح.
[9] ف: «إذا امتد». وفي «ابن سلام» 469، و «الديوان»:
إذا خب آل دونها يتوضح
الأمعز: المكان الصلب الكثير الحصى. المتوضح: المستبين.
[10] أ: «قال: وكان أبو عمرو يقول».
[11] ف: «البعر».
[12] ابن سلام 46.
[13] «ديوانه»: 14، وابن سلام 469.
[14] ف: «الليث».
[15] ضغم السبع الشاة: عضها، أو عضها دون النهش.
تشمّ موضع الضّغم، فيفترسها [1] السبع، وهي تشم، ولذلك قال جرير لبني عديّ [2]:
وقلت نضاحة لبني عديّ ... ثيابكم ونضح دم القتيل [3]
يحذّر عديّا ما لقي ابن لجأ.
الفرزدق ينتحل أبياتا له
أخبرني أبو خليفة، عن ابن سلام [4] أنّ أبا يحيى الضبيّ قال: قال ذو الرمّة يوما: لقد قلت أبياتا إنّ لها لعروضا وإن لها لمرادا ومعنى بعيدا. قال له الفرزدق: ما هي؟ قال: قلت [5]:
أحين أعاذت بي تميم نساءها [6] ... وجرّدت تجريد اليماني من الغمد
ومدّت بضبعيّ الرّباب ومالك ... وعمرو وشالت من ورائي بنو سعد
ومن آل يربوع زهاء كأنّه ... زها اللّيل [7] محمود النّكاية والرّفد
فقال له الفرزدق: لا تعودنّ فيها، فأنا أحقّ بها منك، قال: واللّه/ لا أعود فيها ولا أنشدها أبدا إلّا لك؛ فهي قصيدة الفرزدق التي يقول فيها [8]:
وكنّا إذا القيسيّ نبّ عتوده ... ضربناه فوق الأنثيين على الكرد [9]
- الأنثيان: الأذنان. والكرد: العنق - .
وروى هذا الخبر حمّاد عن أبيه، عن أبي عبيدة، عن الضحاك الفقيميّ [10] قال:
بينا أنا بكاظمة وذو الرمّة ينشد قصيدته التي يقول فيها:
أحين أعاذت بي تميم نساءها [11]
إذا راكبان قد تدلّيا من نقب [12] كاظمة مقنّعان فوقفا، فلما فرغ ذو الرمّة حسر الفرزدق عن وجهه وقال لراويته [13]: يا عبيد، اضمم إليك [14] هذه الأبيات. قال له ذو الرمة: نشدتك اللّه يا أبا فراس! فقال له: أنا أحقّ بها منك، وانتحل منها هذه الأربعة الأبيات.
__________
[1] ف: «فيغترها».
[2] البيت في «ديوانه» 437.
[3] نضاحة، أي نضحا. والنضح: الرشاش يصيب الثوب من دماء أو ماء.
[4] ف: «حدثنا أبو عبد اللّه بن سلام قال».
[5] ابن سلام 470، و «الموشح» 169، 170، 171، و «ديوان ذي الرمة» 142.
[6] س: «نساءهم». والمثبت في أ، ج، وابن سلام، وفي «الموشح»، و «ديوان ذي الرمة» 142.
[7] «ديوانه»: «دجا الليل».
[8] «ديوانه» 21 و «اللسان» (كرد)، و «المعرب» 279، و «الموشح» 170، وابن سلام 471.
[9] س: «و كان ... إلى الكرد»، والمثبت من المراجع السابقة. والعتود: الجدي القوي.
[10] ف: «عن الضحاك بن القاسم».
[11] س: «نساءهم».
[12] ف: «بيت».
[13] ح: «للراوية».
[14] ج: «اضمم هذه».
المهاجاة بينه وبين هشام المرئي
حدّثنا محمد، قال: حدثنا أبو الغرّاف، قال:
مرّ ذو الرمّة بمنزل لامرىء القيس بن زيد مناة يقال له: مرأة [1]، به نخل، فلم ينزلوه ولم يقروه، فقال [2]:
نزلنا وقد طال [3] النهار وأوقدت ... علينا حصى المعزاء [4] شمس تنالها
أنخنا فظلّلنا بأبراد يمنة ... عتاق وأسياف قديم صقالها [5]
/فلما رآنا أهل مرأة أغلقوا ... مخادع لم ترفع لخير ظلالها [6]
وقد سمّيت باسم امرىء القيس قرية ... كرام صواديها لئام رجالها [7]
فلجّ الهجاء بين ذي الرّمة وبين هشام المرئيّ، فمرّ الفرزدق بذي الرمة وهو ينشد [8]:
صوت
وقفت على ربع لميّة ناقتي ... فما زلت أبكي عنده وأخاطبه
وأسقيه حتى كاد مما أبثّه ... تكلّمني أحجاره وملاعبه
غنّى [9] فيه إبراهيم ثاني ثقيل مطلق في مجرى البنصر، وسيأتي خبره بعد؛ لئلا ينقطع هذا الخبر.
فقال له الفرزدق: ألهاك البكاء [10] في الديار، والعبد يرتجز [11] بك في المقابر [12]، يعني هشاما.
وكان [13] ذو الرّمّة مستعليا هشاما حتى لقي جرير هشاما، فقال: غلبك العبد، يعني ذا الرّمة، قال: فما أصنع يا أبا حزرة، وأنا راجز وهو يقصّد، والرّجز لا يقوم للقصيد في الهجاء؟ ولو رفدتني [14]، فقال جرير - لتهمته ذا الرّمّة
__________
[1] ابن سلام 471.
[2] «ديوانه» 542.
[3] ف: «و قد طاب النهار»، وفي «الديوان»: «و قد غار النهار».
[4] المعزاء: الأرض الصلبة ذات الحصى.
[5] في «الديوان»:
بنيننا علينا ظل أبراد يمنة ... على سمك أسياف قديم صقالها
اليمنة: ضرب من برود اليمن.
[6] في «الديوان»: «فلما دخلنا جوف مرأة غلفت ... دساكر .... ».
والدساكر: جمع دسكرة، وهي بناء كالقصر، حوله بيوت الأعاجم، يكون فيها الشراب والملاهي، أراد بها ها هنا البيوت عامة.
[7] سميت مرأة باسم امرىء القيس. والصوادي: جمع صادية؛ وهي النخل التي بلغت عروقها الماء وطالت، فهي لا تحتاج إلى سقي.
وفي أ: «كدام صواديها».
[8] «ديوانه» 38، ابن سلام 472.
[9] أ: «غناه إبراهيم».
[10] في ابن سلام: «التبكاء».
[11] في ابن سلام: «يرجز بك».
[12] في ح، وابن سلام: «في المقبرة».
[13] ابن سلام 473.
[14] ح، وابن سلام: «فلو رفدتني»، ورفده: أعانه.
بالميل [1] /إلى الفرزدق - : قل له [2]:
/غضبت لرجل من عديّ تشمّسوا ... وفي أيّ يوم لم تشمّس رجالها [3]
وفيم عديّ عند تيم من العلا ... وأيامنا اللّاتي تعدّ فعالها
وضبّة عميّ يابن جلّ [4] فلا ترم ... مساعي قوم ليس منك سجالها [5]
يماشي عديّا لؤمها، لا تجنّه ... من الناس ما مسّت عديّا ظلالها [6]
فقل لعديّ تستعن بنسائها ... عليّ فقد أعيا عديّا رجالها
أذا الرّمّ قد قلّدت قومك رمّة ... بطيئا بأمر المطلقين انحلالها
قال أبو عبد اللّه: فحدثني أبو الغرّاف، قال:
لما بلغت الأبيات ذا الرمة قال: واللّه ما هذا بكلام [7] هشام، ولكنه كلام ابن الأتان [8].
أخبرنا أبو خليفة، قال: حدثنا ابن سلّام، قال: وحدثني [9] أبو البيداء قال:
لما سمعها [10] قال: هو واللّه ينتمي شعر حنظليّ عذريّ [11]، وغلب هشام على ذي الرمّة بها.
/ نسخت من كتاب ابن النطّاح: حدثني أبو عبيدة، قال: حدثني فلان المرئيّ، قال:
أتانا جرير على حمار، وأنا لا أعرفه، فأتي بنبيذ فشرب، فلما أخذ فيه قال: أين هشام؟ فدعي، فقال له:
أنشدني ما قلت في ذي الرمّة، فأنشده، فجعل كلما أنشده قصيدة قال: لم تصنع شيئا، ثم قال له: قد دنا رواحي فاردد [12] هذه الأبيات ومر شبّانكم بروايتها، وذكر الأبيات التي أولها قوله [13]:
غضبت لرجل [14] من تميم تشمّسوا
ذو الرمة يعاتب جريرا فيعينه بأبيات يهجو بها هشاما
قال: فغلبه هشام بها، فلما كان بعد ذلك لقي ذو الرّمة جريرا فقال: تعصّبت على خالك للمرئيّ. فقال جرير: حيث
__________
[1] في ابن سلام: «و ميله إلى الفرزدق».
[2] «ديوان جرير» 486، وابن سلام 473.
[3] ابن سلام: «غضبت لرهط ... »، قال محققه: ويروى: «عجبت لرحل»، و «غضبت لرحل»، بالحاء المهملة. وتشمس: قعد في الشمس أو انتصب لها.
[4] بنو جل بن عدي بن عبد مناة بن ود.
[5] السجال: المساجلة والمباراة والمفاخرة.
[6] ف: « ... ضلالها»، وفي ابن سلام: « ... ما مشت عديا رجالها».
[7] أ، ف: «كلام».
[8] ابن الأتان، يعني جريرا.
[9] ابن سلام 474.
[10] ف: «فلما سمعها».
[11] ف: «نجودي»، وابن سلام: «غدري».
[12] ح: «فار وهذه الأبيات».
[13] ساقط من ج.
[14] انظر التعليق السابق، حاشية 2 ص 19.
فعلت ماذا؟ قال: حين تقول للمرئيّ كذا وكذا، فقال جرير: لأنك [1] ألهاك البكاء في دارميّة حتى استقبحته [2] محارمك.
قال: وقول ذي الرمّة: تعصّبت على خالك، أنّ النّوار بنت جلّ [3] أمّ حنظلة بن مالك، وهي من رهط ذي الرّمة، وكذلك عنى جرير بقوله:
ولو لا أن تقول بنو [4] عديّ ... ألم تك أمّ حنظلة النّوار
أتتكم يا بني ملكان منّي ... قصائد لا تعاورها البحار [5]
فقال ذو الرّمة: لا، ولكن اتهمتني بالميل مع الفرزدق عليك، قال: كذلك هو، قال: فو اللّه ما فعلت، وحلف له بما يرضيه، قال: فأنشدني ما هجوت به المرئيّ، فأنشده قوله [6]:
نبت عيناك عن [7] طلل بحزوى ... عفته الريح وامتضح [8] القطارا
/ فأطال [9] جدّا، فقال له جرير: ما صنعت شيئا، أفأرفدك؟ قال: نعم، قال: قل [10]:
يعدّ الناسبون إلى تميم ... بيوت المجد [11] أربعة كبارا
يعدّون الرّباب وآل سعد [12] ... وعمرا ثم حنظلة الخيارا
ويهلك بينها المرئيّ لغوا ... كما ألغيت في الدّية الحوارا
([13] ويروى: ويذهب بينها [13]).
فغلبه [14] ذو الرّمة بها.
قال: حدثني محمد بن عمر الجرجانيّ [15]، قال: حدثني جماعة من أهل العلم أنّ ذا الرّمّة مرّ بالفرزدق فقال له: أنشدني أحدث ما قلت في المرئيّ، فأنشده هذه الأبيات، فأطرق الفرزدق ساعة، ثم قال: أعد، فأعاد، فقال:
كذبت وايم اللّه، ما هذا لك، ولقد قاله أشدّ لحيين منك، وما هذا إلّا شعر ابن الأتان [16].
__________
[1] ف: «لا، بل».
[2] ف: «حتى استبيحت».
[3] أ: «بنت خال».
[4] في أ: «بني عدي».
[5] في ف: «التجار».
[6] «ديوانه» 193.
[7] أ: «من طلل». وحزوى: موضع بنجد.
[8] ف، و «الديوان»: «و امتنح»، وامتنح، من المنحة وهي العطية، وامتضح، من مضح عرضه: شأنه.
[9] ج: «فأطالها».
[10] «ديوان ذي الرمة» 196.
[11] «الديوان»: «بيوت العز».
[12] «الديوان»:
يعدون الرباب لهم وعمرا وسعدا ثم .....
(13 - 13) كذا في ج.
[14] في ف: «فغلب».
[15] ما: «الجرجراني». وف: «الجرجرائي».
[16] يريد جريرا.
فلما سمعها المرئيّ جعل يلطم رأسه، ويصرخ ويدعو/ بويله، ويقول: قتلني جرير، قتله اللّه! هذا واللّه شعره الذي لو نقطت منه نقطة في البحر لكدّرته، قتلني، وفضحني.
فلما استعلى ذو الرمة على هشام أتى هشام وقومه جريرا فقالوا: يا أبا حزرة، عادتك الحسنى، فقال:
هيهات، ظلمت أخوالي، قد أتاني ذو الرّمة، فاعتذر إليّ، وحلف [1] فلست أعين عليهم.
/ فلما يئسوا من عنده أتوا لهذا المكاتب وقد طلع بمكاتبته، فأعطوه عشرة أعنز، وأعانوه على مكاتبته، فقال أبياتا عينيّة يفضّل فيها بني امرىء القيس على بني عديّ، وهشاما على ذي الرمّة، ومات ذو الرمّة في تلك الأيام، فقال الناس: غلبه هشام.
قال ابن النّطاح: إنما مات ذو الرمة بعقب إرفاد جرير إيّاه على المرئيّ، فقال الناس: غلبه، ولم يغلبه؛ إنما مات قبل الجواب.
يتحدث عن شعره
أخبرني اليزيديّ [2]، عن محمد بن الحسن الأحول، عن بعض أصحابه، عن الشّبو بن قسيم العذريّ [3]، قال:
سمعت ذا الرمّة يقول: من [4] شعري ما طاوعني فيه القول وساعدني، ومنه ما أجهدت نفسي فيه، ومنه ما جننت به جنونا؛ فأما ما طاوعني القول فيه فقولي [5]:
خليليّ عوجا من صدور الرّواحل
وأما ما أجهدت نفسي فيه فقولي [6]:
أأن توسّمت من خرقاء منزلة
أما ما جننت به جنونا فقولي [7]:
ما بال عينك منها الدّمع ينسكب
جرير يتمنى أن ينسب إليه شعر لذي الرمة
أخبرني عليّ بن سليمان، عن محمد بن يزيد، عن عمارة بن عقيل، قال: كان جرير يقول: ما أحببت أن ينسب إليّ من شعر ذي الرمة إلا قوله:
__________
[1] ف: «و حلف لي».
[2] ح: «محمد بن العباس اليزيدي».
[3] ح: «السير بن قسيم العدوي».
[4] ح: «في».
[5] «ديوانه» 491 وعجز البيت:
بجمهور حزوى فابكيا في المنازل
[6] «ديوانه» 567 وفي «الديوان»:
أعن ترسمت ........ ... ماء الصبابة من عينيك مسجوم
[7] «ديوانه» 1 وتمامه:
كأنه من كل مفرية سرب
ما بال عينك منها الماء ينسكب
فإن شيطانه كان له فيها ناصحا.
أخبرني الحسين بن يحيى، عن حماد، عن أبيه، قال:
قال حمّاد الراوية: ما تمم ذو الرمة قصيدته التي يقول فيها:
ما بال عينك منها الماء ينسكب
حتى مات، كان يزيد فيها منذ قالها حتى توفّي.
ذو الرمة وخياط في سوق المربد
أخبرني الحسين بن يحيى، عن حمّاد، عن أبي عدنان، قال: أخبرنا جابر بن عبد اللّه بن جامع بن جرموز الباهليّ، عن كثير بن ناجية، قال:
بينا ذو الرمة ينشد بالمربد والناس مجتمعون إليه، إذا هو بخيّاط يطالعه، ويقول: يا غيلان
أأنت الذي تستنطق الدار واقفا ... من الجهل هل كانت بكنّ حلول؟
فقام ذو الرمّة وفكّر زمانا، ثم عاد فقعد في المربد ينشد، فإذا الخياط قد وقف عليه، ثم قال [1]:
أأنت الذي شبّهت عنزا بقفرة ... لها ذنب فوق استها أمّ سالم؟
وقرنان إمّا يلزقا بك يتركا [2] ... بجنبيك يا غيلان مثل المواسم
جعلت لها قرنين فوق شواتها [3] ... ورابك منها مشقة في القوائم
/ فقام ذو الرمة فذهب، ولم ينشد بعدها في المربد حتى مات الخياط. قال: وأراد الخياط بقوله هذا قول ذي الرمة [4]:
أقول لدهناويّة عوهج جرت ... لنا بين أعلى برقة في الصّرائم [5]
أيا ظبية الوعساء بين جلاجل ... وبين النّقا آأنت أم أمّ سالم؟
هي الشّبه لولا مدرياها [6] وأذنها ... سواء وإلّا مشقة في القوائم
فانتبه ذو الرّمة لذلك، فقال [7]:
/أقول بذي الأرطى عشيّة أرشقت [8] ... إلى الرّكب أعناق الظّباء الخواذل [9]
__________
[1] ح: «فقال».
[2] ح: «يلزمانك يثنيا».
[3] الشواة: الشوى، والشوى: قحف الرأس. وفي ف: «فوق ثيابها».
[4] «ديوانه» 621.
[5] في «الديوان»: « ... بين أعلى عرفة بالصرائم». وفي ف: «بين أعلى عجمة فالصرائم».
[6] في «الديوان»: «إلا مدرييها». والمدريان: القرنان.
[7] «ديوانه» 495.
[8] في «الديوان»:
«و عشية أتلعت ... »
، وفي ف: «أشرفت».
[9] ح: «أعناق المطي».
لأدماء [1] من آرام بين سويقة ... وبين الجبال [2] العفر ذات السّلاسل
أرى فيك من خرقاء يا ظبية اللّوى ... مشابه جنّبت [3] اعتلاق الحبائل
فعيناك عيناها وجيدك جيدها ... ولونك لولا أنها غير عاطل [4]
في البيتين الأخيرين من هذه الأبيات رمل بالوسطى لإبراهيم [5].
رؤبة يعجز عن تفسير بيت قاله الراعي فيفسره له ذو الرمة
أخبرني عليّ بن سليمان الأخفش [6]، عن أبي سعيد السكريّ، عن يعقوب بن السكّيت، عن محمد بن سلّام، عن أبي الغرّاف، قال:
قال ذو الرمة لرؤبة: ما عنى الراعي بقوله [7]:
أناخا بأسوأ الظّنّ ثمّت عرّسا ... قليلا وقد أبقى سهيل فعرّدا
فجعل رؤبة يقول: هي كذا هي كذا، لأشياء لا يقبلها ذو الرمّة، فقال له رؤبة: فمه؟ ويحك! قال: هي الأرض بين المكلئة وبين المجدبة.
الوليد بن عبد الملك يسأل الفرزدق وجريرا عن ذي الرمة
أخبرني الحسين بن يحيى، عن حماد، عن أبي عدنان، عن إبراهيم بن نافع:
أن الفرزدق دخل على الوليد بن عبد الملك أو غيره، فقال له: من أشعر الناس؟ قال: أنا، قال: أفتعلم أحدا أشعر منك؟ قال: لا، إلّا أن غلاما من بني عديّ بن كعب يركب أعجاز الإبل، وينعت الفلوات. ثم أتاه جرير فسأله، فقال له مثل ذلك. ثم أتاه ذو الرمة فقال له: ويحك! أنت أشعر الناس، قال: لا، ولكن غلام من بني عقيل يقال له: مزاحم: يسكن الرّوضات يقول وحشيّا من الشعر لا نقدر على أن نقول مثله.
كثيرة تقول شعرا في ميّ وتنحله ذا الرمة
قال: وكان ذو الرمة يتشبّب [8] بميّ بنت طلبة بن قيس بن عاصم المنقريّ، وكانت كثيرة [9] أمة مولّدة لآل قيس بن
__________
[1] في «الديوان»: «لأدمانة من وحش»، وأدمانة: ظبية.
[2] في «الديوان»: « ... الحبال»، بالحاء المهملة، قال: والحبال يعني حبال الرمل. والعفر: الحمر. والسلاسل من الرمل: ما تعقد منه.
[3] ج: «جنته»، والمثبت من أو «الديوان»: يدعو لها ألا تعلق في حبالة الصائد.
[4] ح و «الديوان»: «إلا أنها». والعاطل: التي لا حلي عليها.
[5] ح: «لإبراهيم الموصلي».
[6] ف: «علي بن سليمان الأخفش عن أبي سعيد».
[7] ابن سلام 477، وروايته:
أناخا بأشوال طروقا بخبة ... قليلا وقد أعيا سهيل فعردا
وفي «اللسان» (خبب) و «المخصص» 10: 173:
أناخوا بأشوال إلى أهل خبة ... طروقا وقد أقعى سهيل فعردا
وفي ح:
أناخا بأشراط وظلا بخبة ... طروقا وقد أقعى سهيل فعردا
[8] ح: «يشبب».
[9] ابن سلام: «كنزة».
عاصم، وهي أم سهم بن بردة اللص الذي/ قتله سنان بن مخيّس [1] القشيريّ أيام محمد بن سليمان، فقالت كثيرة [2]:
على وجه ميّ مسحة من ملاحة ... وتحت الثياب الخزي لو كان باديا
ألم تر أنّ الماء يخبث طعمه ... ولو كان لون الماء في العين صافيا [3]
ونحلتها ذا الرّمة، فامتعض من ذلك، وحلف بجهد [4] أيمانه ما قالها.
قال: وكيف أقول هذا وقد قطعت دهري، وأفنيت شبابي أشبّب بها وأمدحها [5]، ثم أقول هذا، ثم اطّلع على أنّ كثيرة قالتهما، ونحلتهما إياه.
ميّة لا ترد عليه السلام فيغضب ويقول في ذلك شعرا
وقال هارون بن محمد: حدثني عبد الرحمن بن عبد اللّه، قال: حدثني هارون بن سعيد، قال: حدثني أبو المسافر الفقعسيّ، عن أبي بكر بن جبلة الفقعسيّ، قال:
وقف ذو الرمة في ركب معه على ميّة، فسلّموا عليها، فقالت: وعليكم إلّا ذا الرمة [6]، فأحفظه ذلك وغمّه ما سمع منها بحضرة القوم [7]؛ فغضب وانصرف وهو يقول:
أيا ميّ قد أشمتّ بي ويحك العدا ... وقطّعت حبلا كان يا ميّ باقيا
فياميّ لا مرجوع للوصل بيننا ... ولكنّ هجرا بيننا وتقاليا
ألم تر أنّ [8] الماء يخبث طعمه ... وإن كان لون الماء في العين صافيا
محمد بن الحجاج الأسيدي يلتقي بميّة وهي عجوز
أخبرني الحسن بن عليّ الأدميّ، عن [9] ابن مهرويه، عن ابن النطّاح، عن محمد بن الحجاج الأسيديّ من بني أسيد بن عمرو بن تميم، قال:
مررت على ميّة وقد أسنّت، فوقفت عليها وأنا/ يومئذ شابّ فقلت: يا ميّة! ما أرى ذا الرمة إلّا قد ضيّع فيك قوله حيث يقول [10]:
صوت
أما [11] أنت عن ذكراك ميّة مقصر ... ولا أنت ناسي العهد منها فتذكر
__________
[1] أ: «ابن محسر»؛ والمثبت من ف وابن سلام.
[2] ابن سلام: «كنزة»، والشعر في ابن سلام 476، و «أمالي الزجاجي» 57، و «الحماسة» 4: 53، و «الشعر والشعراء» 519.
[3] في هامش ح من نسخة: «و إن كان ... ». وفي «الديوان» 675: « ... أن الماء يخلف طعمه».
[4] ح: «جهد».
[5] س: «و أمذقها»؛ والمثبت من أ، ف، وابن سلام.
[6] ح: «إلا ذو الرمة».
[7] ح: «فأحفظه ما سمع منها بحضرة القوم».
[8] أ: «ألم ترين»، والمثبت من «الديوان».
[9] ف: «قال: حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه».
[10] الأبيات في «ديوانه» 666.
[11] في ح: «و ما».
تهيم بها ما تستفيق ودونها ... حجاب وأبواب وستر مستّر
قال: فضحكت وقالت: رأيتني يا بن أخي وقد ولّيت وذهبت محاسني، ويرحم اللّه غيلان؛ فلقد قال هذا فيّ وأنا أحسن من النار الموقدة في الليلة القرّة في عين المقرور، ولن تبرح حتى أقيم عندك عذره [1]، ثم صاحت:
يا أسماء، اخرجي؛ فخرجت جارية كالمهاة ما رأيت مثلها، فقالت: أما لمن شبّب بهذه وهويها عذر؟ فقلت: بلى، فقالت: واللّه لقد كنت أزمان كنت مثلها أحسن منها، ولو رأيتني يومئذ لازدريت هذه ازدراءك إياي اليوم، انصرف راشدا.
في هذين البيتين لإبراهيم ثاني ثقيل بالوسطى.
أبو سوّار الغنويّ يصف ميّة
أخبرني [2] أبو خليفة، قال: قال محمد بن سلام: قال أبو سوّار [3] الغنويّ:
رأيت ميّة وإذا معها بنون لها صغار، فقلت: صفها لي، فقال: مسنونة الوجه،/ طويلة الخد [4]، شمّاء الأنف، عليها وسم جمال، فقالت: ما تلقّيت [5] بأحد من بنيّ هؤلاء إلّا في الإبل، قلت: أفكانت تنشدك شيئا مما قاله ذو الرمّة فيها؟ قال: نعم، كانت تسحّ سحّا، ما رأى أبوك مثله.
ميّة تجعل للّه عليها أن تنحر بدنة يوم ترى ذا الرمة
فأمّا ابن قتيبة فقال في خبره [6]:
مكثت ميّة زمانا لا ترى ذا الرمّة، وهي تسمع مع ذلك شعره، فجعلت للّه عليها أن تنحر بدنة يوم تراه، فلما رأته رجلا دميما أسود، وكانت من أجمل الناس قالت: واسوأتاه! وابؤساه [7] واضيعة بدنتاه! فقال ذو الرمة:
على وجه ميّ مسحة من ملاحة ... وتحت الثياب الشّين لو كان باديا
قال: فكشفت ثوبها عن جسدها، ثم قالت: أشينا ترى لا أمّ لك! فقال:
ألم تر أنّ الماء يخبث طعمه ... وإن كان لون الماء أبيض صافيا
فقالت: أمّا ما تحت الثياب فقد رأيته وعلمت أن لا شين فيه، ولم يبق إلا أن أقول لك: هلمّ، حتى تذوق ما وراءه، وو اللّه لا ذقت ذاك أبدا، فقال:
فيا ضيعة الشّعر الذي لجّ فانقضى ... بميّ ولم أملك ضلال فؤاديا
قال: ثم صلح الأمر بينهما بعد ذلك، فعاد لما كان عليه من حبّها.
__________
[1] ف: «عذره في».
[2] الخبر في ابن سلام 476.
[3] ج: «ابن سوار».
[4] في ابن سلام: «الخدين».
[5] تلقت المرأة: حبلت.
[6] «الشعر والشعراء» 509.
[7] ساقط من ف، وهو في «الشعر والشعراء».
محمد بن علي الجبيري يلتقي بالنوار ابنة ميّة ويتذاكران شعرا لذي الرمة
وذكر محمد بن عليّ بن حفص الجبيريّ [1] الحنفيّ - من ولد أبي جبيرة - أنّ النّوار بنت عاصم المنقرية - وأمّها ميّة صاحبة ذي الرمة - أخبرته، وقد ذكر عندها ذا الرمة [2]، وأنشدها قوله في أمها [3]:
/هي البرء والأسقام والهمّ والمنى ... وموت الهوى في القلب مني المبرّح [4]
وكان الهوى بالنأي [5] يمحى فيمّحي ... وحبّك عندي يستجدّ ويربح
يربح، أي يزيد الربح [6]. هكذا ذكره الأصمعيّ.
إذا غيّر النأي المحبّين لم أجد ... رسيس الهوى [7] من حبّ ميّة يبرح
فلما سمعت قوله:
إذا غيّر النّأي المحبّين ....
قالت: قبّحه اللّه، هو الذي يقول أيضا:
على وجه ميّ مسحة من ملاحة ... وتحت الثياب الشّين [8] لو كان باديا
/ فقلت لها: أكانت ميّة جدّتك؟ قالت: لا، بل أمّي، فقلت لها: كم تعدّين؟ قالت: ستين سنة.
أخبرني الحسين [9] بن يحيى، قال حماد: قرأت على أبي، عن محمد بن سلام، قال:
كانت ميّ صاحبة ذي الرمة من ولد طلبة بن قيس بن عاصم المنقريّ، وكانت لها بنت [عم] [10] من ولد قيس يقال لها: كثيرة [11] أم سلهمة، فقالت على لسان ذي الرمة:
على وجه ميّ مسحة من ملاحة
الأبيات. فكان ذو الرمة إذا ذكر له ذلك يمتعض منه، ويحلف أنه ما قالها [12] قطّ.
أخبرني بهذا الخبر أبو خليفة، عن محمد بن سلام، عن أبي الغرّاف الضبيّ [13] بمثله، وقال فيه:
__________
[1] ح: «الحميري».
[2] ف: «ذو الرمة».
[3] «ديوانه» 79، 83 من قصيدته التي مطلعها:
أمنزلتي ميّ سلام عليكما ... على النأي، والنائي يسود وينصح
[4] ح: «للأسقام والهم والمنى»، وفي «الديوان»:
هي البرء والأسقام والهم ذكرها ... وموت الهوى لو التنائي المبرح
[5] «الديوان»: «و بعض الهوى بالبحر».
[6] ح: «يزيد كما يزيد الربح».
[7] في «الديوان»:
« ... لم يكد ... ... رسيس الهوى ... »
[8] ح و «الديوان»: «الخزي».
[9] أ: «الحسن بن يحيى.»
[10] ساقط من ف.
[11] انظر الحاشية 4 ص 25.
[12] ح: «ما قاله».
[13] ح: «الفقعسي».
/ إن كثيرة مولاة لهم، وهي [1] أمّ سلهمة اللص الذي قتلته خيل محمد بن سليمان، واللّه أعلم.
أخبرنا أحمد بن عبد العزيز وحبيب المهلبيّ [2]، عن ابن شبّة، عن المدائنيّ، عن سلمة [3]، عن محارب، قال:
كان ذو الرمّة يقرأ ويكتب ويكتم ذلك، فقيل له: كيف تقول: عزيز ابن اللّه أو عزيز بن اللّه؟ فقال: أكثرهما حروفا.
ذو الرمة يكتب
أخبرني إبراهيم بن أيّوب، عن عبد اللّه بن مسلم، قال:
قال [4] عيسى بن عمر: قال لي [5] ذو الرمة: ارفع هذا الحرف، فقلت له: أتكتب؟ فقال بيده [6] على فيه:
اكتم [7] عليّ فإنه عندنا عيب.
رؤبة يتهمه بسرقة شعره
أخبرني ابن دريد، عن أبي حاتم، عن الأصمعيّ، عن محمد بن أبي بكر المخزوميّ، قال:
قال رؤبة: كما قلت شعرا سرقه ذو الرمّة، فقيل له: وما ذاك؟ قال: قلت [8]:
حيّ الشهيق ميّت الأنفاس
فقال هو [9]:
يطرحن بالمهارق الأغفال ... كلّ جهيض لثق السّربال
حيّ الشهيق ميّت الأوصال
/ فقلت له: فقوله واللّه أجود من قولك، وإن كان سرقه منك، فقال: ذلك [10] أغمّ لي.
يحدثنا عن منزلته من الراعي
أخبرني ابن عبد العزيز [11] عن ابن شبّة قال:
__________
[1] ح: «و أمها».
[2] ف: «و حبيب بن نصر».
[3] ح: «عن مسلمة بن محارب».
[4] «الشعر والشعراء» 507.
[5] ج: «قال ذو الرمة».
[6] يريد: أشار بيده على فيه.
[7] «الشعر والشعراء»: «أي اكتم عليّ».
[8] «الشعر والشعراء» 516، وفيه: «موتى العطايا حية الأنفاس».
[9] «ديوانه» 482، «الشعر والشعراء» 516.
والمهارق: الصحف؛ شبه الفلوات بها. والأغفال: اللواتي لا علم بها. والجهيض: الولد الذي سقط لغير تمام. السربال، يعني جلده. وفي ف: «كل حنين» وفي ب: «كل حصين».
[10] ح: «ذاك».
[11] ح: «محمد بن عبد العزيز».
قيل لذي الرمة: إنما أنت راوية الراعي. فقال: أما واللّه لئن قيل ذاك ما مثلي ومثله إلّا شابّ صحب شيخا، فسلك به طرقا ثم فارقه، فسلك الشابّ بعده شعابا وأودية لم يسلكها الشيخ قطّ.
لا يحسن الهجاء والمدح
أخبرني محمد بن أحمد بن الطّلّاس، عن الخراز [1] عن المدائنيّ، وأخبرني به [2] إبراهيم بن أيوب، عن عبد اللّه بن مسلم، عن ابن أخي الأصمعيّ، عن عمه، دخل حديث بعضهم في حديث بعض قال:
إنما [3] وضع من ذي الرمة أنه كان لا يحسن أن يهجو ولا يمدح، وقد مدح بلال بن أبي بردة فقال [4]:
رأيت الناس ينتجعون غيثا ... فقلت لصيدح: انتجعي بلالا
فلما أنشده قال له: أو لم ينتجعني غير صيدح؟ يا غلام، أعطه حبل قتّ لصيدح، فأخجله.
أخبرني أبو خليفة، عن ابن سلّام قال: حدثني أبو الغرّاف قال:
عاب الحكم بن عوانة الكلبيّ ذا الرمة في بعض قوله فقال فيه [5]:
فلو كنت من كلب صميما [6] هجوتكم ... جميعا ولكن لا إخالك من كلب [7]
/ولكنما أخبرت أنك ملصق ... كما ألصقت من غيرها ثلمة القعب [8]
تدهدى فخرّت ثلمة من صميمه [9] ... فكيف بأخرى [10] بالغراء وبالشّعب
ذو الرمة وبلال بن أبي بردة يحتكمان إلى أبي عمرو بن العلاء في رواية شيء من شعر حاتم:
أخبرني أبو خليفة، عن ابن سلّام [11] قال: وحدثني أبو الغرّاف قال:
دخل ذو الرمّة على/ بلال بن أبي بردة، وكان بلال راوية فصيحا أديبا، فأنشده بلال أبيات حاتم طيّىء قال [12]:
لحا اللّه صعلوكا مناه وهمّه ... من العيش أن يلقى لبوسا ومطعما
يرى الخمس تعذيبا وإن نال شبعة ... يبت قلبه من شدّة الهمّ مبهما [13]
__________
[1] ح: «عن أحمد بن الحارث الخراز».
[2] ح: «و أخبرني إبراهيم».
[3] ح: «و إنما».
[4] «ديوانه» 442.
[5] ابن سلام 482، «ديوانه» 53.
[6] «الديوان». وفي «الأصول»: «صحيحا».
[7] «الديوان» وابن سلام. وفي بعض «الأصول»: «في كلب».
[8] «الديوان»: «ولكنني خبرت»، وثلمة الإناء: موضع الكسر من شفته، والقعب: القدح.
[9] ف، وفي أ، س: «صحيحه».
[10] في «الديوان» وابن سلام: «فلز بأخرى».
[11] ابن سلام 483.
[12] «ديوان حاتم» 25، وابن سلام 483.
[13] في ابن سلام: «من قلة الهم».
هكذا أنشد بلال، فقال ذو الرمة: يرى الخمص تعذيبا، وإنما الخمس للإبل، وإنما هو خمص البطن، فمحك بلال - وكان محكا [1] - وقال: هكذا أنشدنيه [2] رواة طيّى ء، فردّ عليه ذو الرمة، فضحك [3]، ودخل أبو عمرو بن العلاء، فقال له بلال: كيف تنشدهما [4]؟ وعرف أبو عمرو الذي به فقال: كلا الوجهين جائز، فقال: أتأخذون عن ذي الرمة؟ فقال: إنه لفصيح وإنا لنأخذ عنه بتمريض. وخرجا من عنده، فقال ذو الرمة لأبي عمرو: واللّه لولا أني أعلم [5] أنك حطبت في حبله وملت [6] مع هواه لهجوتك هجاء لا يقعد إليك اثنان بعده.
أجود شعره في رأي بلال بن جرير
نسخت من كتاب محمد بن داود بن الجرّاح: حدثني هارون بن محمد الزيات، قال: حدثني حمّاد بن إسحاق عن عمارة بن عقيل، قال: قيل لبلال بن جرير: أيّ شعر ذي الرمة أجود؟ فقال [7]:
هل حبل خرقاء بعد اليوم مرموم
إنها مدينة الشعر.
رأي لابن سلام في ذي الرمة
حدثنا [8] أبو خليفة، عن ابن سلّام، قال:
كان ذو الرمة من جرير والفرزدق بمنزلة قتادة من الحسن وابن سيرين، كان يروي عنهما ويروي عن الصحابة، وكذلك ذو الرمّة، هو دونهما ويساويهما في بعض شعره [9].
جماعة من الكوفة يصنعون له أبياتا
أخبرني [10] الجوهريّ قال: حدثنا ابن شبّة، عن ابن معاوية [11]، قال: قال حماد الراوية:
قدم علينا ذو الرمة الكوفة فلم نر أحسن ولا أفصح ولا أعلم بغريب منه؛ فغمّ ذلك كثيرا من أهل المدينة [12]، فصنعوا له أبياتا وهي قوله:
رأى جملا يوما ولم يك قبلها ... من الدّهر يدري كيف خلق الأباعر
__________
[1] كذا في ابن سلام. ومحك: نازع في الكلام وتمادى في اللجاجة، وفي ف: «و كان ضحوكا».
[2] في ابن سلام: «أنشدنيهما».
[3] ابن سلام: «فمحك».
[4] ح: «كيف تنشدها».
[5] ح وابن سلام: «أعلمك».
[6] ابن سلام: «و قلت في هواه».
[7] «ديوانه» 569، وفيه: « ... بعد الهجر»، وتمامه:
أم هل لها آخر الأيام تكليم
[8] ابن سلام 466.
[9] في ابن سلام: «الشعر».
[10] ج: «و أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري».
[11] ج: «عن أحمد بن معاوية الباهلي».
[12] ج: «من أهل الكوفة».
فقال: شظايا مع ظبايا ألا لنا ... وأجفل إجفال الظّليم المبادر
فقلت له: لا ذهل ملكيل بعد ما ... ملا نيفق التّبّان منه بعاذر
قال: فاستعادها مرتين أو ثلاثا، ثم قال: ما أحسب هذا من كلام العرب.
ذو الرمة وعنبسة النحوي
أخبرني أبو الحسن الأسديّ، عن العباس بن ميمون طائع، قال: حدثنا أبو عثمان المازنيّ، عن الأصمعيّ، عن عنبسة النحويّ، قال:
/ قلت لذي الرمة وسمعته ينشد ويقول:
وعينان قال اللّه كونا فكانتا ... فعولين بالألباب ما تفعل الخمر
قال: فقلت له: فهلّا قلت: فعولان؟ فقال: لو قلت: سبحان اللّه، والحمد للّه، ولا إله إلا اللّه، واللّه أكبر، كان خيرا لك؛ أي أنك أردت القدر، وأراد ذو الرمة كونا فعولين بالألباب، وأراد عنبسة: وعينان فعولان.
وروى هذا الخبر ابن الزيّات [1]، عن محمد بن عبادة، عن الأصمعيّ، عن العلاء بن أسلم، فذكر مثله.
يغير شعره لرأي قاله ابن شبرمة
وحكى أن إسحاق بن سويد المعارض له قال: وأخبرني الأخفش، قال: حدثني محمد بن يزيد النحويّ، قال: حدثني عبد الصمد بن المعذّل، قال: حدثني أبي، عن أبيه قال:
قدم ذو الرمّة الكوفة فوقف ينشد الناس بالكناسة قصيدته الحائيّة، حتى أتى على قوله [2]:
إذا غيّر النّأي المحبّين لم يكد ... رسيس الهوى من حبّ ميّة يبرح
/ فناداه ابن شبرمة: يا غيلان، أراه قد برّح. فشنق [3] ناقته، وجعل يتأخّر بها ويفكر. ثم عاد فأنشد قوله:
إذا غيّر النّأي المحبين لم أجد
قال: فلما انصرفت حدّثت أبي، فقال: أخطأ ابن شبرمة حين أنكر على ذي الرّمّة ما أنشد، وأخطأ ذو الرّمّة حين غيّر شعره لقول ابن شبرمة، إنما هذا مثل قول اللّه عز وجل: ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها
[4] وإنما معناه لم يرها ولم يكد.
بلال بن أبي بردة يأمر له بعشرة آلاف درهم
أخبرني الجوهريّ، عن ابن شبرمة، عن يحيى بن نجيم [5] قال:
قال رؤبة لبلال بن أبي بردة: علام تعطي ذا الرمة؟ فو اللّه إنه ليعمد إلى مقطّعاتنا فيصلها فيمدحك بها، فقال:
واللّه لو لم أعطه إلا على تأليفه لأعطيته، وأمر له بعشرة آلاف درهم.
__________
[1] ج: «هارون بن محمد الزيات».
[2] «ديوانه» 78.
[3] ج: «فشنق لناقته»، وشنق البعير: كفه بزمامه حتى ألزق ذفراه بقادمة الرحل، أو رفع رأسه وهو راكبه.
[4] سورة النور 40.
[5] ج: «أحمد بن عبد العزيز الجوهري، قال: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثني يحيى بن نجيم قال:».
رجل بمربد البصرة يراجعه في شعر ينشده
أخبرني إسماعيل بن يونس، قال: حدثنا عمر بن شبّة، حدثنا [1] إسحاق الموصليّ، عن الأصمعيّ، قال [2]:
قال رجل: رأيت ذا الرّمة بمربد البصرة وعليه جماعة مجتمعة وهو قائم، وعليه برد قيمته مائتا دينار، وهو ينشد، ودموعه تجري على لحيته [3]:
ما بال عينك منها الماء ينسكب
فلما انتهى إلى قوله [4]:
تصغي إذا شدّها بالكور جانحة ... حتى إذا ما استوى في غرزها تثب
قلت: يا أخا بني تميم، ما هكذا قال عمّك، قال: وأيّ أعمامي يرحمك اللّه؟ قلت: الراعي، قال: وما قال؟
قال: قلت: قوله [5]:
ولا تعجل المرء قبل الورو ... ك وهي بركبته أبصر [6]
وهيّ إذا قام في غرزها ... كمثل السفينة إذا توقر [7]
/و مصغية خدّها بالزّما ... م فالرأس منها له أصعر [8]
حتى إذا ما استوى طبّقت ... كما طبّق المسحل [9] الأغبر
قال: فأرتج عليه ساعة، ثم قال: إنه نعت ناقة ملك ونعتّ ناقة سوقة. فخرج منها على رؤوس الناس.
روايات في سبب تشبيبه بخرقاء
قأما السبب بين ذي الرمة وخرقاء فقد اختلف فيه الرواة؛ فقيل: إنه كان يهواها، وقيل: بل كاد بها ميّة، وقيل: بل كانت كحّالة فداوت عينه فشبّب بها.
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ [10]، عن النوفليّ، عن أبيه:
أن زوج ميّة أمرها أن تسبّ ذا الرمة غيرة عليها، فامتنعت، فتوعّدها بالقتل، فسبّته فغضب، وشبّب بخرقاء
__________
[1] ج: «قال حدثنا»، والخبر في «الشعر والشعراء» 517.
[2] ج: «عن رجل أخبرني قال».
[3] «ديوانه» 1، وتمامه:
كأنه من كلي مفرية سرب
[4] «ديوانه» 8.
[5] «الشعر والشعراء» 518، «الموشح» 277، «أمالي المرتضى» 1: 279، «اللآلي» 898، «اللسان» (ورك).
[6] «الشعر والشعراء»:
ولا تعجل المرء قبل البرو ... ك، وهي بركبتها أبصر
[7] «الشعر والشعراء»: «أو أوقر».
[8] «الشعر والشعراء»: «و واضعة خدها للزمام». وأصعر: مائل.
[9] المسحل: الحمار الوحشي. وانظر «الموشح» 277.
[10] ج: «قال: حدثنا علي بن محمد النوفلي».
العامريّة؛ يكيد ميّة بذلك، فما قال فيها إلّا قصيدتين أو ثلاثا حتى مات.
أخبرني حبيب بن نصر، عن ابن شبة، عن العتبيّ، عن هارون بن عتبة قال:
شبّب ذو الرمّة بخرقاء العامرية بغير هوى؛ وإنما كانت كحّالة فداوت عينه من رمد كان بها فزال، فقال لها:
ما تحبّين حتى أعطيك؟ فقالت [1]: عشرة أبيات تشبّب بي؛ ليرغب الناس فيّ إذا سمعوا أنّ في بقية للتشبيب، ففعل.
كان الحاجّ يمرون بخرقاء
أخبرنا أبو خليفة، عن ابن سلّام، قال:
كان ذو الرمة شبّب [2] بخرقاء إحدى نساء بني عامر بن ربيعة، وكانت تحلّ فلجا [3]، ويمرّ بها الحاجّ، فتقعد لهم وتحادثهم وتهاديهم، وكانت تجلس معها فاطمة/ بنتها - فحدثني من رآهما - فلم [4] تكن فاطمة مثلها، وكانت تقول: أنا منسك من مناسك الحج؛ لقول ذي الرمّة فيها [5]:
/تمام الحجّ أن تقف المطايا ... على خرقاء واضعة اللّثام
خرقاء تسأل القحيف العقيلي أن يشيب بها
قال ابن سلّام في خبره [6]: وأرسلت خرقاء إلى القحيف العقيليّ تسأله أن يشبب بها فقال:
صوت
لقد أرسلت خرقاء نحوي جريها [7] ... لتجعلني خرقاء فيمن أضلّت
وخرقاء لا تزداد إلّا ملاحة ... ولو عمّرت تعمير نوح وجلّت
خرقاء تسقي ذا الرمة وهي لا تعرفه
حدثني حبيب بن نصر، عن الزّبير، عن موهوب [8] بن رشيد، عمّن حدثه، قال:
نزل ركب بأبي خرقاء العامريّة، فأمر لهم بلبن فسقوه، وقصّر عن شابّ منهم، فأعطته خرقاء صبوحها وهي لا تعرفه، فشربه، ومضوا فركبوا، فقال لها أبوها: أتعرفين الرجل الذي سقيته صبوحك؟ قالت: لا واللّه، قال: هو ذو الرمة القائل فيك الأقاويل، فوضعت يدها على رأسها، وقالت: وا سوأتاه وابؤساه! ودخلت بيتها، فما رآها أبوها ثلاثا.
__________
[1] ج: «لي عشر بنات أيامي، فشبب بي ليرغب الناس فيهن».
[2] ف: «يشبب».
[3] في ابن سلام 477: «فلجة».
[4] ج وابن سلام: «قال: لم تكن».
[5] «ديوانه» 673، ابن سلام 478.
[6] ابن سلام 479.
[7] جريها: رسولها.
[8] ف: «حدثنا الزبير بن بكار قال: حدثنا موهوب ... »، وفي س: «موهب»، والمثبت في أ.
المفضل الضّبيّ يزور خرقاء
حدثني إبراهيم بن أيوب، عن ابن قتيبة، قال: قال [1] الضبيّ:
كنت أنزل على بعض الأعراب إذا حججت، فقال لي يوما: هل لك إلى أن أريك خرقاء صاحبة ذي الرمّة؟
فقلت: إن فعلت فقد بررت. فتوجهنا جميعا نريدها، فعدل بي عن الطريق قدر ميل، ثم أتينا أبيات شعر، فاستفتح/ بيتا ففتح له، وخرجت امرأة طويلة حسنة [2] بها قوّة، فسلّمت وجلست، فتحدثنا ساعة، ثم قالت لي: هل حججت قطّ؟ قلت: غير مرة. قالت: فما منعك من زيارتي؟ أما علمت أنّي منسك من مناسك الحج؟ قلت: وكيف ذاك؟ قالت: أما سمعت قول ذي الرمة:
تمام الحجّ أن تقف المطايا ... على خرقاء واضعة اللّثام
أخبرني وكيع، عن أبي أيوب المدائنيّ [3] عن مصعب الزبيريّ، قال: شبّب ذو الرمة بخرقاء ولها ثمانون سنة.
رواية أخرى في لقاء ذي الرمة بخرقاء
قال هارون بن الزيات: حدثني عبد الرحمن بن عبد اللّه بن إبراهيم، عن محمد بن يعقوب، عن أبيه قال:
رأيت خرقاء بالبصرة وقد ذهبت أسنانها، وإنّ في ديباجة وجهها لبقيّة، فقلت: أخبريني عن السبب بينك وبين ذي الرمّة، فقالت: اجتاز بنا في ركب ونحن عدّة جوار على بعض المياه، فقال: أسفرن، فسفرن غيري، فقال: لئن لم تسفري لأفضحنّك، فسفرت، فلم يزل يقول حتى أزيد، ثم لم أره بعد ذلك.
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال: حدثنا الزّبير بن بكار قال: حدثني موهوب بن رشيد، قال: حدثني جدّي، قال:
كنت مع خرقاء ذي الرمة إذ نزل ببابها ركب من بني تميم فأمر لهم بلبن فسقوه، وقصر اللبن عن شاب منهم، فأمرت له خرقاء بغبوقها، فلما أن رحل عنهم الركب قال لها أبوها: يا خرقاء أتعرفين من سقيت غبوقك اليوم؟
قالت: لا واللّه ما أعرفه، قال: ذاك ذو الرمة، فوضعت يدها على رأسها وقالت: وا سوأتاه! ودخلت خدرها.
/ قال الزبير: وحدثني عبد اللّه بن إبراهيم الجمحيّ، قال: حدثنا أبو الشّبل المعديّ قال:
كانت خرقاء البكائيّة أصبح من القبس، وبقيت بقاء طويلا حتى شبّب بها القحيف [4] العقيليّ.
خرقاء وصباح بن الهذيل
أخبرنا أبو الحسن الأسديّ، عن أحمد بن سليمان، عن أبي شيخ، عن أبيه، عن عليّ بن صالح بن سليمان [5]، عن صباح بن الهذيل أخي زفر بن الهذيل، قال:
__________
[1] ف: «قال المفضل الضبي».
[2] ف: «حسّانه».
[3] أ، ب: «المديني».
[4] ج: «شبب بها العجيف».
[5] ج: «عن أحمد بن سليمان بن صباح».
خرجت أريد الحجّ، فمررت بالمنزل الذي تنزله خرقاء، فأتيتها، فإذا امرأة جزلة، عندها سماطان [1] من الأعراب تحدّثهم [2] وتناشدهم، فسلّمت فردّت، ونسبتني، فانتسبت لها وهي تنزلني، حتى انتسبت [3] إلى أبي، فقالت: حسبك أكرمت [4] ما شئت، ما اسمك؟ قلت: صباح، قالت: وأبو من؟ قلت: أبو المغلّس، قالت:
أخذت أول الليل وآخره، قال: فما كان [5] لي همّة/ إلّا الذّهاب عنها.
الحجاج الأسدي يزور خرقاء، وتنشده شعرا لها في ذي الرمة
نسخت من كتاب محمد بن صالح بن النطّاح: حدثني محمد بن الحجاج الأسديّ التميميّ - وما رأيت تميميا أعلم منه - قال:
حججت فلما صرت بمرّان منصرفا، فإذا أنا بغلام أشعث الذّؤابة قد أورد غنيمات له فجئته فاستنشدته [6]، فقال لي: إليك عنّي، فإني مشغول عنك. وألححت عليه فقال: أرشدك إلى ما بعض ما تحبّ، انظر إلى ذلك البيت الذي يلقاك فإن فيه حاجتك، هذا بيت خرقاء ذي الرمة؛ فمضيت نحوه فطوّحت بالسلام من بعيد، فقالت: ادنه، فدنوت، فقالت: إنك لحضريّ، فمن أنت؟ قلت:/ من بني تميم - وأنه أحسب أنها لا معرفة لها بالناس - قالت:
من أيّ تميم، فأعلمتها، فلم تزل تنزلني حتى انتسبت إلى أبي، فقالت: الحجاج بن عمير بن يزيد؟ قلت: نعم، قالت: رحم اللّه أبا المثنّى! قد كنّا نرجو أن يكون خلفا من عمير بن يزيد، قلت: نعم، فعاجلته المنيّة شابّا، قالت:
حيّاك اللّه يا بنيّ وقرّبك، من أين أقبلت؟ قلت: من الحج. قالت: فما لك لم تمرّ بي وأنا أحد مناسك الحج؟ إنّ حجّك ناقص، فأقم حتى تحجّ أو تكفّر بعتق. قلت: وكيف ذلك؟ قالت: أما سمعت قول غيلان عمّك:
تمام الحجّ أن تقف المطايا ... على خرقاء واضعة اللّثام
قال: وكانت وهي قاعدة بفناء البيت كأنها قائمة من طولها، بيضاء شهلاء، فخمة الوجه. قال: فسألتها عن سنّها، فقالت: لا أدري إلّا أني كنت أذكر شمر بن ذي الجوشن حين قتل الحسين عليه السلام، مرّ بنا وأنا جارية ومعه كسوة فقسّمها في قومه، قالت: وكان أبي قد أدرك الجاهلية وحمل فيها حمالات، قال: ولما أنشدتني خرقاء بيت ذي الرّمة فيها قلت: هيهات يا عمّة، قد ذهب ذلك منك، قالت: لا تقل [7] يا بنيّ، أما سمعت قول قحيف [8] فيّ:
وخرقاء لا تزداد إلّا ملاحة ... ولو عمّرت تعمير نوح وجلّت
ثم قالت: رحم اللّه ذا الرمة؛ فقد كان رقيق البشرة، عذب المنطق، حسن الوصف، مقارب الرّصف، عفيف الطّرف، فقلت لها: لقد أحسنت الوصف، فقالت: هيهات أن يدركه وصف، رحمه اللّه، ورحم من سمّاه اسمه.
__________
[1] السماط: الصف.
[2] ف: «تحادثهم».
[3] ج: «حتى انتهيت».
[4] ج: «كرمت».
[5] ج: «فما كانت».
[6] ف: «فحييته واستنشدته».
[7] أ: «لا تغفل».
[8] أ، و «المختار»: «عجيف». وانظر «المختار» 6: 63.
فقلت: ومن سمّاه؟ قالت: سيد بني عديّ الحصين بن عبدة بن نعيم، ثم أنشدتني لنفسها في ذي الرمة:
/لقد أصبحت في فرعي معدّ ... مكان النّجم في فلك السماء
إذا ذكرت محاسنه تدرّت ... بحار الجود من نحو السماء [1]
حصين شاد بإسمك غير شكّ ... فأنت غياث محل بالفناء
إذا ضنّت سحابة ماء مزن ... تثّجّ بحار جودك بارتواء
لقد نصرت باسمك أرض قحط ... كما نثرت [2] عديّ بالثّراء
فقلت: أحسنت يا خرقاء، فهل سمع ذلك منك ذو الرمة؟ قالت: إي وربي، قلت: فماذا قال؟ قالت: قال:
شكر اللّه لك يا خرقاء نعمة ربّيت شكرها من ذكرها، فقالت: أثقلنا حقّها، ثم قالت: اللهم غفرا، هذا في اللفظ، ونحتاج إلى العمل.
رجل من بني النجار يمر ببيت خرقاء ويحادث ابنتها
أخبرني جحظة، عن حمّاد بن إسحاق، عن أبيه، عن ابن كناسة، عن خيثم بن حجّيّة العجليّ، قال: حدثني رجل من بني النجار، قال:
خرجت/ أمشي في ناحية البادية، فمررت على فتاة قائمة على باب بيت فقمت [3] أكلّمها فنادتني عجوز من ناحية الخباء: ما يقيمك على هذا الغزال النّجديّ؟ فو اللّه ما تنال [4] خيرا منه ولا ينفعك، قال: وتقول هي: دعيه يا أمّاه يكن كما قال ذو الرمة [5]:
وإن لم يكن إلّا معرّس ساعة ... قليلا فإني نافع لي قليلها
فسألت عنهما، فقيل لي: العجوز خرقاء ذي الرمة والفتاة بنتها.
ذو الرمة يموت وله أربعون سنة
وتوفي ذو الرمة في خلافة هشام بن عبد الملك، وله أربعون سنة. وقد اختلفت [6] الرواة في سبب وفاته.
روايات مختلفة في وفاته
أخبرني عليّ بن سليمان الأخفش، عن أبي سعيد السّكّريّ، عن يعقوب بن السّكيت: أنه بلغ أربعين سنة، وفيها توفي [7]، وهو خارج إلى هشام بن عبد الملك، ودفن [8] بحزوى، وهي الرملة التي كان يذكرها في شعره.
__________
[1] ما: «ماء السماء».
[2] ج: «مطرت».
[3] ف: «فوقفت».
[4] ح: «لا تصيب».
[5] «ديوانه» 550. وفيه: «فإن لم يكن إلا تعلل».
[6] ج: «اختلف».
[7] ج: «مات».
[8] ج: «فدفن».
أخبرني [1] أبو خليفة، عن محمد بن سلام، قال: حدثني ابن أبي عديّ قال:
قال ذو الرمة: بلغت نصف الهرم وأنا ابن أربعين [سنة] [2].
قال ابن سلّام: وحدثني أبو الغرّاف أنه مات وهو يريد هشاما، وقال في طريقه في ذلك [3]:
بلاد بها أهلون لست ابن أهلها ... وأخرى بها أهلون ليس بها أهل
وقال هارون بن محمد بن عبد الملك: حدثني القاسم بن محمد الأسديّ، قال: حدثني جبر بن رياط قال:
أنشد ذو الرمة الناس شعرا له، وصف فيه الفلاة بالثّعلبية [4]، فقال له حلبس الأسديّ: إنك لتنعت الفلاة نعتا لا تكون منيّتك إلا بها.
قال: وصدر ذو الرمة على أحد جفري بني تميم وهما على طريق الحاجّ من البصرة، فلما أشرف على البصرة [5] قال [6]:
وإنّي لعاليها وإني لخائف ... لما قال يوم الثّعلبيّة حلبس [7]
/قال: ويقال: إن هذا آخر شعر قاله. فلما توسّط الفلاة نزل عن راحلته فنفرت منه، ولم تكن تنفر منه، وعليها شرابه وطعامه، فلما دنا منها نفرت حتى مات، فيقال: إنه قال عند ذلك [8]:
ألا أبلغ الفتيان [9] عنّي رسالة ... أهينوا [10] المطايا هنّ أهل هوان
فقد تركتني صيدح بمضلّة ... لساني ملتاث من الطّلوان [11]
قال هارون: وأخبرني أحمد بن محمد الكلابيّ بهذه القصة، وذكر أن ناقته وردت على أهله في مياههم، فركبها أخوه، وقصّ أثره، حتى وجده ميّتا وعليه خلع الخليفة، ووجد هذين البيتين مكتوبين على قوسه.
أخبرني أحمد بن عبد العزيز [12]، عن الرّياشيّ، عن الأصمعيّ، عن أبي الوجيه، قال:
دخلت على ذي الرمة وهو يجود بنفسه، فقلت له: كيف تجدك؟ قال: أجدني واللّه أجد ما لا أجد [13] أيام
__________
[1] ابن سلام 480.
[2] من ابن سلام.
[3] ج: «تلك»، والبيت في «ديوانه» 458، وابن سلام 480. وفي ف، و «الديوان»: «ليسوا بأهلها»، وفي ف بعد البيت: «و يروى:
ليسوا بأهلنا».
[4] ج: «و هو بالثعلبية». والثعلبية: من منازل طريق مكة.
[5] ج: «الفلاة».
[6] «ديوانه» 668.
[7] ج: «التغلبية حابس»، والمثبت في «الديوان» و «المختار».
[8] «ديوانه» 675.
[9] ف: «الركبان».
[10] أ: «أهين».
[11] الطلوان: بياض يعلو اللسان من مرض أو عطش.
[12] ح: «عمر بن عبد العزيز بن أحمد».
[13] ح: «ما أجد».
أزعم أني ما لم أجد حيث أقول [1]:
كأنّي غداة [2] الزّرق [3] يا ميّ مدنف ... يجود بنفس قد أحمّ [4] حمامها
حذار اجتذام البين أقران نيّة ... مصاب [5] ولو عات [6] الفؤاد انجذامها
/ قال: وكان آخر ما قاله [7]:
يا ربّ قد أشرفت نفسي وقد علمت ... علما يقينا لقد أحصيت آثاري
يا مخرج الرّوح من جسمي إذا احتضرت ... وفارج الكرب زحزحني عن النّار
/ قال أبو الوجيه: وكانت منيّته هذه في الجدريّ، وفي ذلك يقول [8]:
ألم يأتها أنّي تلبّست بعدها ... مفوّفة صوّاغها غير أخرق [9]
نسخت من كتاب هارون بن الزيات: حدثني عبد الوهاب بن إبراهيم الأزديّ، قال: حدثني جهم بن مسعدة، قال: حدثني محمد بن الحجاج الأسديّ، عن أبيه، قال:
وردت حجرا وذو الرمة به، فاشتكى شكايته التي كانت منها منيّته، وكرهت أن أخرج حتى أعلم بما يكون في [10] شكاته، وكنت أتعهّده، وأعوده في اليوم واليومين، فأتيته يوما وقد ثقل، فقلت: يا غيلان، كيف تجدك؟
فقال: أجدني واللّه يا أبا المثنى اليوم في الموت، لا غداة [11] أقول:
كأني غداة الزّرق [12] يا ميّ مدنف ... يكيد بنفس قد أحمّ حمامها
فأنا واللّه الغداة في ذلك [13]، لا تلك الغداة.
قال هارون بن الزيات: حدثني موسى بن عيسى الجعفريّ، قال: أخبرني أبي قال: أخبرني رجل من بني تميم، قال:
كانت ميتة ذي الرمة أنه اشتكى النّوطة [14] فوجعها دهرا، فقال في ذلك [15]:
__________
[1] «ديوانه» 637.
[2] ح: «كأني يوم البين».
[3] ح: «الرزق ... يكيد بنفس». وفي «الديوان»: «يكيد بنفس».
[4] «الديوان»: «أجم». وأحم: دنا وقرب. والحمام: الموت.
[5] ح و«الديوان»: «مصيب».
[6] ح: «كروعات»، وفي «الديوان»: «لو قرأت الفؤاد».
[7] «ديوانه» 667.
[8] «ديوانه» 670.
[9] ج: «تبدلت». وفي «الديوان»: «غير أخرقا».
[10] ج: «من شكاته».
[11] ج: «لا في غداة».
[12] ج: «الرزق».
[13] ج: «في ذلك اليوم».
[14] النوطة: ورم في الصدر، أو غدة في البطن مهلكة. («القاموس»).
[15] «ديوانه» 491.
ألفت كلاب الحيّ حتى عرفنني ... ومدّت نساج [1] العنكبوت على رحلي
/ قال: ثم قال لمسعود أخيه: يا مسعود، قد أجدني تماثلت وخفّت الأشياء عندنا، واحتجنا إلى زيارة بني مروان، فهل لك بنا فيهم؟ فقال: نعم، فأرسله إلى إبله يأتيه [2] منها بلبن يتزوده، وواعده مكانا، وركب ذو الرمة ناقته فقمصت به، وكانت قد أعفيت [3] من الركوب، وانفجرت [4] النّوطة التي كانت به. قال: وبلغ موعد صاحبه وجهد وقال: أردنا شيئا وأراد اللّه شيئا، وإن العلّة التي كانت بي انفجرت. فأرسل إلى أهله فصلّوا [5] عليه، ودفن برأس حزوى، وهي الرملة التي كان يذكرها في شعره.
قبره بالدهناء
نسخت من كتاب عبيد اللّه [6] بن محمد اليزيديّ: قال أبو عبيدة وذكر هارون [7] بن الزيات، عن محمد بن عليّ بن المغيرة، عن أبيه، عن أبي عبيدة، عن المنتجع بن نبهان قال:
لما احتضر ذو الرمة قال: إني لست ممن يدفن في الغموض والوهاد، قالوا: فكيف نصنع بك ونحن في رمال الدهناء؟ قال: فأين أنتم من كثبان حزوى؟ - قال: وهما رملتان مشرفتان على ما حولهما من الرمال - قالوا: فكيف نحفر لك في الرمل [8] وهو هائل؟ قال: فأين الشجر والمدر والأعواد؟ قال: فصلّينا عليه في بطن الماء، ثم حملنا له الشجر والمدر على الكباش، وهي أقوى على الصّعود في الرمل من الإبل. فجعلوا قبره هناك وزبّروه [9] بذلك الشجر والمدر، ودلّوه في قبره، فأنت إذا عرفت موضع قبره رأيته قبل أن تدخل الدهناء، وأنت بالدّوّ [10] على مسيرة ثلاث.
قال هارون: وحدثني محمد بن صالح العدويّ، قال: ذكر أبو عمرو المراديّ:
/ إن قبر ذي الرمة بأطراف عناق من وسط الدّهناء مقابل الأواعس، وهي أجبل شوارع يقابلن الصّريمة [11] صريمة النّعام، وهذا الموضع لبني سعد ويختلط معهم الرّباب.
قال هارون: وحدثني هارون بن مسلم، عن الزّياديّ، عن العلاء بن برد، قال:
ما كان شيء أحبّ إلى ذي الرمة إذا ورد ماء من أن يطوي ولا يسقي [12]، فأخبرني مخبر أنه مر بالجفر وقد جهده العطش، قال: فسمعته يقول:
__________
[1] في «الديوان»:
«أتتني ... ... ومدت نسوج»
وفي «المختار»: «و مدت مسوح».
[2] أ: «ليأتيه».
[3] ف: «عنت».
[4] ف: «فانفجرت».
[5] «المختار»: «فأتوه وصلوا عليه».
[6] ف: «عبد اللّه».
[7] ف: «و ذكر هارون بن محمد الزيات».
[8] ف: «رمل هائل».
[9] أ: «و دثروه». والزبر أصله طي البئر بالحجارة.
[10] ياقوت: الدو: أرض ملساء بين مكة والبصرة.
[11] أ: «الصرمة».
[12] ف: «و لا يستكفي».
/
يا مخرج الرّوح من جسمي إذا احتضرت ... وفارج الكرب زحزحني عن النار
ثم قضى.
أخبرني محمد بن الحسن بن دريد، عن عبد الرحمن بن أخي الأصمعيّ، عن عمه، عن عيسى بن عمر، قال:
كان ذو الرمة ينشد الشعر، فإذا فرغ قال: واللّه لأكسعنّك [1] بشيء ليس في حسابك: سبحان اللّه، والحمد للّه، ولا إله إلا اللّه، واللّه أكبر.
كان حسن الصلاة والخشوع
أخبرني الحسن بن عليّ، ووكيع، عن أبي أيوب، قال: حدثني أبو معاوية الغلابيّ، قال:
كان ذو الرمّة حسن الصلاة، حسن الخشوع، فقيل له: ما أحسن صلاتك! فقال: إن العبد إذا قام بين يدي اللّه لحقيق أن يخشع.
أخوه مسعود يرثيه
نسخت من كتاب عبيد اللّه اليزيديّ قال: حدثني عبد الرحمن، عن عمّه، عن أبي عمرو بن العلاء، قال:
كان مسعود أخو ذي الرمة يمشي معي كثيرا إلى منزلي فقال لي يوما، وقد بلغ قريبا من منزلي: أنا الذي أقول في أخي ذي الرّمة:
إلى اللّه أشكو لا إلى الناس أنني ... وليلى كلانا موجع مات وافده [2]
فقلت له: من ليلى؟ فقال: بنت أخي ذي الرمة.
__________
[1] كسعه: ضرب دبره بيده أو بصدر قدمه.
[2] ف: «قائده».
2 - ذكر خبر إبراهيم في هذه الأصوات الماخوريّة
أخبرني أحمد بن عبد العزيز، عن ابن شبّة، عن إسحاق الموصليّ، عن أبيه، قال:
صنعت لحنا فأعجبني، وجعلت أطلب له شعرا، فعسر ذلك عليّ، فأريت في المنام كأن رجلا لقيني، فقال لي: يا إبراهيم، أو قد أعياك شعر لغنائك هذا الذي تعجب به؟ قلت: نعم. قال: فأين أنت من قول ذي الرمة [1]:
ألا يا اسلمى يا دار ميّ على البلى ... ولا زال منهلّا بجرعائك القطر
قال: فانتهيت فرحا بالشعر؛ فدعوت من ضرب عليّ فغنيته، فإذا هو أوفق ما خلق اللّه، فلما عملت هذا الغناء في شعر ذي الرمة نبّهت عليه وعلى شعره، فصنعت فيه ألحانا ماخورية منها [2]:
أمنزلتي ميّ سلام عليكما ... هل الأزمن الّلائي مضين رواجع!
وغنّيت بها الهادي فاستحسنها، وكاد يطير فرحا، وأمر لكل صوت بألف دينار.
نسبة ما في هذا الخبر من الغناء
صوت
ألا يا اسلمي يا دار ميّ على البلى ... ولا زال منهلّا بجرعائك القطر
ولو [3] لم تكوني غير شام بقفرة ... تجرّ بها الأذيال صيفيّة كدر [4]
/عروضه من الطويل. وقوله: يا اسلمي ها هنا نداء؛ كأنه قال: يا دار ميّ اسلمي، ويا هذه اسلمي، يدعو لها بالسلامة. ومثله قول اللّه عزّ وجلّ: أَلَّا يَسْجُدُوا [5] لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْ ءَ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ
، فسّره أهل اللغة هكذا، كأنه قال: يا قوم اسجدوا للّه. وميّ ترخيم ميّة إلا أنه أقامه ها هنا مقام الاسم الذي لم يرخّم فنوّنه. وقوله: على البلى، أي اسلمي وإن كنت قد بليت. والمنهلّ: الجاري، يقال: انهلّ المطر انهلالا، إذا سال.
والجرعاء والأجرع من الرمل: الكثير/ الممتد. والشام: موضع يخالف لون الأرض، وهو جمع، واحدته شامة.
والقفر: ما لم يكن فيه نبات ولا ماء، تجر بها الأذيال صيفية يعني الرياح الصيفية الحارة. وأذيالها: مآخيرها التي تسفي التراب على وجه الأرض، شبهها بذيل المرأة، وعنى بها أوائلها. والكدر: التي فيها الغبرة من القتام
__________
[1] «ديوانه» 206.
[2] «ديوانه» 332.
[3] في «الديوان»: «فإن لم تكوني».
[4] شام: جمع شامة؛ وهي بقعة تخالف لون الأرض. صيفية: رياح فيها كدر وغبرة.
[5] على قراءة التخفيف. وانظر القرطبي 13: 186. والآية في سورة النمل 25.
والفجاج؛ فهي تعفّي الآثار وتدفنها. غنّاه إبراهيم الموصليّ ماخوريّا بالوسطى. ومنها [1]:
صوت
أمنزلتي ميّ سلام عليكما ... هل الأزمن اللائي مضين رواجع!
وهل يرجع التّسليم أو يكشف العمى ... ثلاث الأثافي والدّيار البلاقع! [2]
توهمتها يوما فقلت لصاحبي ... وليس لها إلّا الظباء الخواضع [3]
وموشيّة سحم [4] الصّياصي كأنها ... مجلّلة حوّ عليها البراقع
عروضه من الطويل. غنّاه إبراهيم ماخوريّا بالوسطى. والأزمن والأزمان جمع/ زمان. والعمى: الجهالة.
والأثافيّ الثلاث هي الحجارة التي تنصب عليها القدر، واحدتها أثفيّة. والخواضع من الظباء: اللاتي قد طأطأت رؤوسها. والموشيّة: يعني البقر. والصّياصي: القرون واحدتها صيصية. والمجلّلة: التي كأن عليها جلالا [5] سودا. والحوّة: حمرة في سواد. ومما يغنّي فيه من هذه القصيدة قوله [6]:
صوت
قف العنس [7] ننظر نظرة في ديارها ... وهل ذاك من داء الصبابة نافع! [8]
فقال: أما تغشى لميّة منزلا ... من الأرض إلا قلت: هل أنا رابع! [9]
وقلّ لأطلال لميّ تحيّة [10] ... تحيّا بها أو أن ترشّ المدامع
العنس: الناقة. والرابع: المقيم. وقلّ لأطلال، أي ما أقل لهذه الأطلال مما أفعله. وترش المدامع، أي تكثر نضحها الدموع. غناه إبراهيم الموصليّ ماخوريا.
وذكر ابن الزيات، عن محمد بن صالح العذريّ، عن الحرمازيّ، قال:
مرّ الفرزدق على ذي الرمة وهو ينشد:
أمنزلتي ميّ سلام عليكما
فلمّا فرغ قال له: يا أبا فراس، كيف ترى؟ قال: أراك شاعرا. قال: فما أقعدني عن غاية الشعراء؟ قال:
بكاؤك على الدّمن، ووصفك القطا وأبوال الإبل.
__________
[1] «ديوانه» 332.
[2] «الديوان»: «الرسوم البلاقع».
[3] ج: «الخواشع».
[4] الأسحم: الأسود؛ وجمعه سحم. وأصل الصياصي الحصون والمعاقل؛ ولما كانت البقر تحمي بقرونها سميت قرونها صياصى.
يقول: كأن البقر خيل مجللة. حو: دهم، يعني الخيل.
[5] ج: «أجلالها».
[6] «ديوانه» 333.
[7] ب، و «الديوان»: «العيس». والعنس: الناقة الصلبة القوية.
[8] أ: «رافع».
[9] «الديوان»، ج: «هل أنت رابع».
[10] «الديوان»: «و قل إلى أطلال ميّ تحية».
ذو الرمة وعصمة بن مالك يزوران ميّة
حدثني ابن عمار والجوهريّ، وحبيب المهلّبيّ، عن ابن شبّة [1]، عن إسحاق الموصليّ، عن مسعود بن قند، قال:
/ تذاكرنا ذا الرمة يوما فقال عصمة بن مالك: إياي فاسألوا عنه، قال: كان حلو العينين، حسن النغمة، إذا حدّث لم تسأم حديثه، وإذا أنشدك بربر [2] وجشّ صوته، جمعني وإيّاه مربع مرّة، فقال لي: هيا عصمة، إن ميّة من منقر، ومنقر أخبث حيّ وأقفاه لأثر، وأثبته في نظر، وأعلمه بشرّ، وقد عرفوا آثار إبلي؛ فهل عندك من ناقة نزدار [3] عليها ميّة؟ قلت: إي واللّه عندي الجؤذر بنت يمانية الجدليّ، قال: فعليّ بها. فأتيته بها، فركب وردفته فأتينا محلّة ميّة، والقوم خلوف والنساء في الرحال، فلمّا رأين ذا الرمة اجتمعن إلى ميّ، وأنخنا قريبا وأتيناهنّ، فجلسنا إليهنّ، فقالت ظريفة منهنّ: أنشدنا/ يا ذا الرمة. فقال لي: أنشدهنّ يا عصمة. فأنشدت قصيدته التي يقول فيها [4]:
نظرت إلى أظعان ميّ كأنها ... ذرا النّخل أو أثل تميل ذوائبة
فأسبلت العينان والقلب كاتم ... بمغرورق نمّت عليه سواكبة
بكاء فتى خاف الفراق ولم تجل ... جوائلها أسراره ومعاتبه [5]
قالت الظريفة: فالآن فلتجل، ثم أنشدت حتى أتيت على قوله [6]:
وقد حلفت باللّه ميّة ما الذي ... أحدّثها إلّا الذي أنا كاذبه
إذا فرماني اللّه من حيث لا أرى ... ولا زال في أرضي عدوّ أحاربه
فقالت ميّة: ويحك يا ذا الرّمة! خف اللّه وعواقبه. ثم أنشدت حتى أتيت على قوله:
إذا سرحت من حبّ ميّ سوارح ... على القلب أبّته جميعا عوازبه
/ فقالت الظريفة: قتلته قتلك اللّه! فقالت ميّة: ما أصحّه وهنيئا له! فتنفّس ذو الرّمة تنفيسة كاد حرّها يطير بلحيتي، ثم أنشدت حتى أتيت على قوله [7]:
إذا نازعتك القول ميّة أو بدا ... لك الوجه منها أو نضا الدّرع سالبه
فما شئت من خدّ أسيل [8] ومنطق ... رخيم ومن خلق تعلّل جادبه [9]
__________
[1] ج: «حدثني أحمد بن عبيد اللّه بن عمار، وأحمد بن عبد العزيز الجوهريّ، وحبيب بن نصر المهلبي، قالوا: حدثنا عمر بن شبة ... ».
[2] بربر في كلامه: أكثر منه. والبربرة: الجلبة والصياح.
[3] ازداره: زاره.
[4] «ديوانه» 39.
[5] ج: «و مغايبه». وفي «الديوان»: «هوى آلف جاء الفراق فلم تجل».
[6] «ديوانه» 42.
[7] «ديوانه» 42.
[8] «الديوان»: «فيا لك من خدّ أسيل».
[9] جادبه: عاتبه.
فقالت الظريفة: فقد بدا لك الوجه وتنوزع [1] القول، فمن لنا بأن ينضو الدرع سالبه؟ فقالت لها ميّة:
قاتلك اللّه! فماذا تأتين به! فتضاحكت الظريفة وقالت: إن لهذين لشأنا فقوموا بنا عنهما، فقامت وقمن معها [2]، وقمت فخرجت، وكنت قريبا حيث أراهما وأسمع ما ارتفع من كلاميهما، فو اللّه ما رأيته تحرك من مكانه الذي خلّفته فيه حتى ثاب أوائل الرجال، فأتيته فقلت: انهض بنا فقد ثاب القوم فودّعها فركب وردفته وانصرفنا.
ومنها [3]:
صوت
إذا هبّت الأرواح من أيّ جانب ... به أهل ميّ هاج قلبي هبوبها
هوّى تذرف العينان منه وإنما ... هوى كلّ نفس حيث كان حبيبها
الغناء لإبراهيم ماخوريّ بالوسطى عن الهشاميّ.
صوت
إني تذكّرني الزّبير حمامة ... تدعو بمجمع نخلتين هديلا
أفتى النّدى وفتى الطّعان قتلتم ... وفتى الرّياح إذا تهبّ بليلا
لو كنت حرّا يا بن قين مجاشع ... شيّعت ضيفك فرسخا أو ميلا
وفي أخرى: فرسخين وميلا:
قالت قريش: ما أذلّ مجاشعا ... جارا وأكرم ذا القتيل قتيلا!
الشعر لجرير، يهجو الفرزدق ويعيّره بقتل عشيرته الزّبير بن العوّام يوم الجمل، والغناء للغريض ثاني ثقيل بالبنصر عن عمرو.
__________
[1] ج: «من متوزع القلب».
[2] ج: «وهن».
[3] «ديوانه» 66 وفيه: «من نحو جانب».
3 - ذكر مقتل الزبير وخبره
الزبير وعلي بن أبي طالب
حدّثنا أحمد بن عبيد اللّه بن عمّار، وأحمد بن عبد العزيز، عن ابن شبّة قالا: حدثنا المدائنيّ، عن أبي بكر الهذليّ، عن قتادة قال:
سار أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب صلوات اللّه عليه من الزّاوية [1] يريد طلحة والزّبير وعائشة، وصاروا من الفرضة [2] يريدونه، فالتقوا عند قصر عبيد اللّه بن زياد يوم الخميس النصف من جمادى الآخرة سنة ستّ وثلاثين، فلما تراءى الجمعان خرج الزّبير على فرس وعليه سلاحه، فقيل لعليّ صلوات اللّه عليه: هذا الزّبير، فقال: أما واللّه إنه أحرى الرجلين إن ذكّر باللّه أن يذكره، وخرج طلحة، وخرج عليّ عليه السلام إليهما، فدنا منهما حتى اختلفت أعناق دوابّهم، فقال لهما: لعمري لقد أعددتما خيلا ورجالا [3]، إن كنتما أعددتما عند اللّه عذرا فاتّقيا اللّه ولا تكونا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً
[4] ألم أكن أخاكما في دينكما تحرّمان دمي وأحرّم دماءكما؟ فهل من حدث أحلّ لكما دمي؟ فقال له طلحة [5]: ألّبت الناس على عثمان، فقال: يا طلحة، أتطلبني بدم عثمان؟ فلعن اللّه قتلة عثمان، يا زبير، أتذكر يوم مررت مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وآله في بني غنم، فنظر إليّ وضحك، وضحكت إليه، فقلت: لا يدع ابن أبي طالب زهوه، فقال: مه ليس بمزهوّ، ولتقاتلنّه وأنت له ظالم، فقال: اللهمّ نعم، ولو ذكّرت ما سرت مسيري هذا، واللّه لا أقاتلك أبدا. وانصرف عليّ صلوات اللّه عليه إلى أصحابه وقال: أما الزّبير فقد أعطى اللّه عهدا ألّا يقاتلني.
/ قال: ورجع الزبير إلى عائشة فقال لها: ما كنت في موطن مذ عقلت إلّا وأنا أعرف فيه أمري غير موطني هذا، قالت: وما تريد أن تصنع؟ قال: أدعهم وأذهب، فقال له ابنه عبد اللّه: أجمعت بين هذين الغارين [6] حتى إذا حدّد بعضهم لبعض أردت أن تذهب وتتركهم؟ أخشيت [7] رايات ابن أبي طالب وعلمت أنّها تحملها فتية أنجاد.
فأحفظه، فقال: إني حلفت ألّا أقاتله. قال: كفّر عن يمينك وقاتله، فدعا غلاما له يدعى مكحولا فأعتقه، فقال عبد الرحمن بن سليمان التيميّ:
لم أر كاليوم أخا إخوان [8] ... أعجب من مكفّر الأيمان
__________
[1] الزاوية: عدة مواضع، منها موضع قرب البصرة.
[2] في ب: «الفريضة».
[3] في «التجريد»: «و سلاحا».
[4] النحل 92.
[5] في «التجريد»: «فقالا: ألبت ... ».
[6] الغار: الجيش الكثير. وفي ب: «العارين».
[7] في بيروت: «أحسست».
[8] في «التجريد»: «أخا خوان».
بالعتق في معصية الرّحمن
وقال بعض شعرائهم:
يعتق مكحولا لصون دينه ... كفّارة للّه عن يمينه
والنّكث قد لاح على جبينه
مقتل الزبير
حدثني ابن عمّار [1] والجوهريّ قال: حدثنا ابن شبّة [2]، عن عليّ بن محمد النوفليّ، عن الهذليّ، عن قتادة، قال:
وقف الزبير على مسجد بني مجاشع فسأل عن عياض بن حمّاد، فقال له النعمان بن زمام: هو بوادي السّباع فمضى يريده.
حدثني ابن عمّار والجوهريّ، عن عمر، قال: حدّثني المدائنيّ، عن أبي مخنف، عمّن حدّثه عن الشعبيّ، قال:
خرج النعمان مع الزبير حتى بلغ النّجيب [3]، ثم رجع.
/ قال: وحدثنا عن مسلمة بن محارب، عن عوف، وعن أبي/ اليقظان، قالا:
مرّ الزّبير ببني حمّاد فدعوه إلى أنفسهم فقال: اكفوني خيركم وشرّكم، فو اللّه ما كفوه خيرهم وشرّهم. ومضى ابن فرتنى إلى الأحنف وهو بعرق سويقه، فقال: هذا الزّبير قد مرّ، فقال الأحنف: ما أصنع به! جمع بين غارين من المسلمين، فقتل بعضهم بعضا، ثم مرّ يريد أن يلحق بأهله. فقام عمرو بن جرموز وفضالة بن حابس ونفيع بن كعب أحد بني عوف [4] - ويقال نفيع بن عمير - فلحقوه بالعرق، فقتل قبل أن ينتهي إلى عياض، قتله عمرو بن جرموز.
حدثني أحمد بن عيسى بن أبي موسى العجليّ الكوفيّ، وجعفر بن محمد بن الحسن العلويّ الحسنيّ [5]، والعباس بن عليّ بن العبّاس وأبو عبيد الصّيرفيّ، قالوا: حدثنا محمد بن عليّ بن خلف العطّار، قال: حدّثنا عمرو بن عبد الغفار، عن سفيان الثوريّ، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن عليّ بن الحسين عليه السلام، قال:
حدثني ابن عباس قال:
قال لي عليّ صلوات اللّه عليه: ائت الزبير فقل له: يقول لك عليّ بن أبي طالب نشدتك اللّه، ألست قد بايعتني طائعا غير مكره. فما الذي أحدثت فاستحللت به قتالي؟.
وقال أحمد بن يحيى في حديثه: قل لهما: إن أخاكما يقرأ عليكما السلام ويقول: هل نقمتما عليّ جورا في
__________
[1] ف: «أحمد بن عبيد اللّه بن عمار».
[2] ف: «عمر بن شبة».
[3] هب: «النحيت».
[4] في «الطبقات» 3 - 78: «عمير بن جرموز التميمي، وفضالة بن حابس التميمي، ونفيع أو نفيل بن حابس التميمي».
[5] في ف: «الحيني».
حكم أو استئثارا بفي ء؟ فقالا: لا، ولا واحدة منهما، ولكن الخوف وشدّة الطمع.
وقال محمد بن خلف في خبره: فقال الزبير: مع الخوف شدّة المطامع، فأتيت عليّا عليه السلام فأخبرته بما قال الزبير، فدعا بالبغلة فركبها وركبت معه، فدنوا حتى/ اختلفت أعناق دابّتيهما فسمعت عليّا صلوات اللّه عليه يقول: نشدتك اللّه يا زبير، أتعلم أني كنت أنا وأنت في سقيفة بني فلان تعالجني وأعالجك فمرّ بي - يعني النبيّ صلّى اللّه عليه وسلم - فقال: كأنّك تحبّه! فقلت: وما يمنعني! قال: أما إنه ليقاتلنّك وهو لك ظالم. فقال الزبير: اللهمّ نعم، ذكّرتني ما نسيت، وولّى راجعا. ونادى منادي عليّ: ألا لا تقاتلوا القوم حتى يستشهدوا منكم رجلا، فما لبث أن أتي برجل يتشحّط [1] في دمه، فقال عليّ عليه السلام: اللهمّ اشهد، اللهمّ اشهد، اللهمّ اشهد. وأمر الناس فشدّوا عليهم، وأمر الصّرّاخ فصرخوا: لا تذفّفوا [2] على جريح ولا تتبعوا مدبرا، ولا تقتلوا أسيرا.
حدثنا إبراهيم بن عبد اللّه بن محمد بن أيوب المخزوميّ، عن سعيد بن محمد الجرميّ، عن أبي الأحوص، عن عاصم بن بهدلة، عن زرّ بن حبيش، ولا أحسبه إلا قال:
كنت قاعدا عند عليّ عليه السلام، فأتاه آت فقال: هذا ابن جرموز قاتل الزبير بن العوّام يستأذن على الباب، قال: ليدخلنّ قاتل ابن صفيّة النّار، إني سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم يقول: «إن لكلّ نبيّ حواريّ وإنّ حواريّ الزبير».
أخبرني الطّوسيّ وحرميّ، عن الزّبير، عن عليّ بن صالح [3]، عن سالم بن عبد اللّه بن عروة، عن أبيه: أن عمرا أو عويمر بن جرموز [4] قاتل الزبير أتى مصعبا حتى وضع يده في يده، فقذفه في السجن، وكتب إلى عبد اللّه بن الزبير يذكر له أمره، فكتب إليه عبد اللّه: بئس ما صنعت، أظننت أنّي أقتل أعرابيّا من بني تميم بالزّبير! خلّ سبيله، فخلّاه.
عاتكة ترثي الزبير
أخبرني الطوسيّ والحرميّ، عن الزّبير، عن عمه قال: قتل الزبير وهو ابن/ سبع وستين سنة أو ستّ وستين سنة، فقالت عاتكة بنت زيد بن عمرو بن/ نفيل ترثيه:
غدر ابن جرموز بفارس بهمة ... يوم اللقاء وكان غير معرّد [5]
يا عمرو لو نبّهته لوجدته ... لا طائشا رعش اللسان ولا اليد [6]
شلّت يمينك إن قتلت لمسلما ... حلّت عليك عقوبة المستشهد [7]
إنّ الزّبير لذو بلاء صادق ... سمح سجيّته كريم المشهد
كم غمرة قد خاضها لم يثنه ... عنها طرادك يابن فقع القردد [8]
__________
[1] تشحط في الدم: تضرج به.
[2] دففه وذف عليه: أجهز عليه.
[3] في ف: «أخبرني الطوسي الحرمي بن أبي العلاء، قالا: حدثنا الزبير بن بكار».
[4] ف: «عمرو بن عمير بن جرموز».
[5] البهمة: الشجاع، ويراد بالهمة هنا الجيش. والمعرد: الهارب المحجم عن قرنه.
[6] في ف: «السنان». وفي «التجريد»: «البنان». وفي «الطبقات»: 3 - 79: «رعش الجنان».
[7] هب، «التجريد»، «الطبقات»: «المتعمد».
[8] الفقع: نوع من الكمأة، والقردد: المستوى، ويقال للذليل: فقع قرقرة، وفقع القردد. وفي ف: «يابن نبع القردد». وفي ب: «يوم نقع».
فاذهب فما ظفرت يداك بمثله ... فيمن مضى ممن يروح ويغتدي [1]
وكانت عاتكة قبل الزبير عند عمر، وقبل عمر عند عبد اللّه بن أبي بكر.
عبد اللّه بن أبي بكر وعاتكة
أخبرني بخبرها محمد بن خلف وكيع، عن أحمد بن عمرو بن بكر، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا الهيثم بن عديّ، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، وأخبرنا وكيع، قال: حدثني إسماعيل بن مجمّع [2] عن المدائنيّ.
وأخبرني الطوسيّ والحرميّ، قالا: حدثنا الزبير، عن عمّه، عن أبيه، وأخبرني اليزيديّ، عن الخليل بن أسد، عن عمرو بن سعيد، عن الوليد بن هشام بن يحيى الغسّانيّ.
وأخبرني الجوهريّ، عن ابن شبّة، قال: حدثنا محمد بن موسى الهذليّ، وكل/ واحد منهم يزيد في الرواية وينقص منها، وقد جمعت رواياتهم قالوا:
تزوج عبد اللّه بن أبي بكر الصّدّيق عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل، وكانت امرأة لها جمال وكمال وتمام في عقلها ومنظرها وجزالة رأيها، وكانت قد غلبته على رأيه فمرّ عليه أبو بكر أبوه وهو في علّيّة [3] يناغيها [4] في يوم جمعة، وأبو بكر متوجه إلى الجمعة، ثم رجع وهو يناغيها، فقال: يا عبد اللّه أجمّعت [5]؟ قال: أو صلّى الناس؟
قال: نعم - قال: وقد كانت شغلته عن سوق وتجارة كان فيها - فقال له أبو بكر: قد شغلتك عاتكة عن المعاش والتجارة، وقد ألهتك عن فرائض الصلاة [6] طلّقها، فطلّقها تطليقة، وتحولت إلى ناحية [7]، فبينا أبو بكر يصلّي على سطح له في الليل إذ سمعه وهو يقول:
أعاتك لا أنساك ما ذرّ شارق [8] ... وما ناح قمريّ الحمام المطوّق
أعاتك قلبي كلّ يوم وليلة ... لديك بما تخفي النفوس معلّق
لها خلق جزل ورأي ومنطق ... وخلق مصون في حياء ومصدق [9]
فلم أر مثلي طلّق اليوم مثلها ... ولا مثلها في غير شيء تطلّق
فسمع أبو بكر قوله فأشرف عليه وقد رقّ له، فقال: يا عبد اللّه، راجع عاتكة، فقال: أشهدك أني قد راجعتها.
وأشرف على غلام له يقال له أيمن، فقال له: يا أيمن، أنت حرّ لوجه اللّه تعالى، أشهدك أني قد راجعت عاتكة، ثم خرج إليها يجري إلى مؤخّر الدار وهو يقول:
__________
[1] في هب: «فيما مضى ممن يروح ويغتدي». وفي ف: «فيما مضى فيما تروح وتغتدي».
[2] ف: «محمد».
[3] العلية «بالضم والكسر»: بيت منفصل عن الأرض.
[4] في «المختار»: «يداعبها».
[5] جمع: شهد الجمعة.
[6] في «التجريد»، بيروت، «المختار»: «فرائض اللّه تعالى».
[7] في ف، هب: «ناحية الدار».
[8] ما ذر شارق: ما طلعت الشمس حين تشرق.
[9] في «الخزانة» 4 - 351: « ... ورأي ومنصب ... وخلق سوى في الحياة ومصدق».
/
أعاتك قد طلّقت في غير ريبة ... وروجعت [1] للأمر الذي هو كائن
كذلك أمر اللّه غاد ورائح ... على الناس فيه ألفة وتباين
وما زال قلبي للتّفرّق طائرا ... وقلبي لما قد قرّب اللّه ساكن [2]
/ليهنك أني لا أرى فيك سخطة ... وأنك قد تمّت عليك المحاسن
فإنك ممّن زيّن اللّه وجهه ... وليس لوجه زانه اللّه شائن
قال: وأعطاها حديقة له حين راجعها على ألّا تتزوّج بعده، فلما مات من السهم الذي أصابه بالطائف، أنشأت تقول:
فللّه عينا من رأى مثله فتى [3] ... أكرّ وأحمى في الهياج وأصبرا
إذا شرعت فيه الأسنّة خاضها ... إلى الموت حتى يترك الرّمح أحمرا
فأقسمت لا تنفكّ عيني سخينة ... عليك ولا ينفكّ جلدي أغبرا [4]
مدى الدّهر ما غنّت حمامة أيكة ... وما طرد الليل الصّباح المنوّرا
عمر بن الخطاب وعاتكة
فخطبها عمر بن الخطاب، فقالت: قد كان أعطاني حديقة على ألا أتزوج بعده، قال: فاستفتي، فاستفتت عليّ بن أبي طالب عليه السلام، فقال: ردّي الحديقة على أهله وتزوّجي. فتزوجت عمر فسرّح [5] عمر إلى عدّة من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم، فيهم عليّ بن أبي طالب صلوات اللّه عليه - يعني دعاهم - لما بنى بها، فقال له علي: إنّ لي إلى عاتكة حاجة أريد أن أذكّرها إياها، فقل لها تستتر حتى أكلّمها، فقال لها عمر: استتري يا عاتكة فإنّ ابن أبي طالب يريد أن يكلمك،/ فأخذت عليها مرطها [6] فلم يظهر منها إلا ما بدا من براجمها [7]، فقال:
يا عاتكة:
فأقسمت لا تنفكّ عيني سخينة ... عليك ولا ينفكّ جلدي أغبرا [8]
فقال له عمر: ما أردت إلى هذا؟ فقال: وما أرادت إلى أن تقول ما لا تفعل؛ وقد قال اللّه تعالى: كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ
[9] وهذا شيء كان في نفسي أحببت واللّه أن يخرج. فقال عمر: ما حسّن [10] اللّه فهو حسن، فلما قتل عمر، قالت ترثيه:
__________
[1] في ف: «زوجت».
[2] في ف، و «المختار»، و «التجريد»: «فقلبي لما قرت به العين ساكن».
[3] في «التجريد»: «مثل هالك».
[4] في ف: «أصفرا».
[5] في «المختار»: «فسير».
[6] المرط: كساء من صوف أو خزّ.
[7] البراجم: مفاصل الأصابع إذا قبض الشخص كفه نشزت.
[8] في ف: «أصفرا».
[9] الصف 3.
[10] في ب: ما أحسن.
عين جودي بعبرة ونحيب ... لا تملّي على الإمام النّجيب
فجعتنا المنون بالفارس المع ... لم يوم الهياج والتّلبيب
عصمة اللّه والمعين على الدّه ... ر غياث المنتاب والمحروب
قل لأهل الضّرّاء والبؤس موتوا ... قد سقته المنون كأس شعوب
وقالت ترثيه أيضا:
صوت
منع الرّقاد فعاد، عيني عيد [1] ... ممّا تضمّن قلبي المعمود
يا ليلة حبست عليّ نجومها ... فسهرتها والشامتون هجود [2]
قد كان يسهرني حذارك مرّة ... فاليوم حقّ لعيني التّسهيد
أبكي أمير المؤمنين ودونه ... للزّائرين صفائح وصعيد
غنى فيه طويس خفيف رمل عن حمّاد والهشاميّ.
الزبير بن العوام وعاتكة
فلما انقضت عدّتها خطبها الزّبير بن العوّام فتزوّجها، فلما ملكها قال: يا عاتكة، لا تخرجي إلى المسجد، وكانت امرأة عجزاء بادنة .. فقالت: يا بن العوّام، أتريد أن أدع لغيرتك مصلّى صلّيت مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم/ وأبي بكر وعمر فيه؟ قال: فإني لا أمنعك، فلما سمع النداء لصلاة الصبح توضّأ وخرج، فقام لها في سقيفة بني ساعدة، فلما مرّت به ضرب بيده على عجيزتها، فقالت: مالك قطع اللّه يدك! ورجعت، فلما رجع من المسجد قال: يا عاتكة، ما لي لم أرك في مصلّاك؟ قالت: يرحمك اللّه أبا عبد اللّه، فسد الناس بعدك، الصلاة اليوم في القيطون [3] أفضل منها في البيت، وفي البيت أفضل منها في الحجرة. فلما قتل عنها الزّبير بوادي السّباع رثته فقالت:
غدر ابن جرموز بفارس بهمة ... يوم اللقاء وكان غير معرّد
يا عمرو لو نبّهته لوجدته ... لا طائشا رعش اللّسان ولا اليد
هبلتك أمّك إن قتلت لمسلما ... حلّت عليك عقوبة المتعمّد
الحسين بن علي وعاتكة
فلما انقضت عدّتها تزوّجها الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهما السلام، فكانت أوّل من رفع خدّه من التراب - صلّى اللّه عليه وآله ولعن قاتله والرّاضي به يوم قتل - وقالت ترثيه:
وحسينا فلا نسيت حسينا ... أقصدته أسنّة الأعداء [4]
غادروه بكربلاء صريعا ... جادت المزن في ذرى كربلاء
__________
[1] عيد: ما اعتاد من مرض أو حزن ونحوه. وفي ب: عود.
[2] في ف، و «المختار»: «نحست» بدل: «حبست». و «الساهرون رقود» بدل: «و الشامتون هجود».
[3] القيطون: المخدع.
[4] أقصدته أسنّة الأعداء: أصابته فلم تخطئه.
ثم تأيّمت [1] بعده، فكان عبد اللّه بن عمر يقول: من أراد الشّهادة فليتزوّج بعاتكة. ويقال: إن مروان خطبها بعد الحسين عليه السلام فامتنعت عليه، وقالت: ما كنت لأتّخذ حما [2] بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم.
أخبرنا محمد بن العباس اليزيديّ قال: حدثنا الخليل بن أسد قال: حدثني العمريّ قال: حدثنا أسامة بن زيد، عن القاسم بن محمد قال:
/ لم يزل السهم الذي أصاب عبد اللّه بن أبي بكر عند أبي بكر حتى قدم وفد ثقيف فأخرجه إليهم، فقال: من يعرف هذا منكم؟ فقال سعيد بن عبيد من بني علاج: هذا سهمي وأنا بريته، وأنا رشته، وأنا عقبته، وأنا رميت به يوم الطائف فقال أبو بكر: فهذا السهم الذي قتل عبد اللّه، والحمد للّه الذي أكرمه بيدك، ولم يهنك بيده.
طويس يغني شعرا لعاتكة
أخبرني اليزيديّ، عن الزّبير، عن أحمد بن عبيد اللّه بن عاصم بن المنذر بن الزبير، قال:
لما قتل الزبير وخلت عاتكة بنت زيد، خطبها عليّ بن أبي طالب عليه السلام فقالت له: إني لأضنّ بك على القتل يا بن عمّ رسول اللّه.
أخبرني الحسين بن يحيى، عن حمّاد، عن أبيه، عن محمد بن سلّام قال: حدثني أبي قال:
بينا فتية من قريش ببطن محسّر يتذاكرون الأحاديث ويتناشدون الأشعار إذ أقبل طويس وعليه قميص قوهيّ [3] وحبرة قد ارتدى بها، وهو يخطر في مشيته، فسلّم ثم جلس، فقال له القوم: يا أبا عبد اللّه غنّنا شعرا مليحا له حديث ظريف، فغنّاهم بشعر عاتكة بنت زيد ترثي عمر بن الخطاب:
منع الرّقاد فعاد عيني عيد ... ممّا تضمّن قلبي المعمود
الأبيات. فقال القوم: لمن هذه الأبيات يا طويس؟ قال لأجمل خلق اللّه وأشأمهم، فقالوا: بأنفسنا أنت، من هذه؟ قال: هي واللّه من لا يجهل نسبها ولا يدفع شرفها، تزوّجت بابن خليفة نبي اللّه، وثنّت بخليفة نبيّ اللّه، وثلّثت بحواريّ نبيّ اللّه، وربّعت بابن نبي اللّه [4] وكلّا قتلت. قالوا جميعا: جعلنا فداك، إنّ أمر هذه لعجيب، بآبائنا أنت من هذه؟ قال: عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل. فقالوا: نعم، هي على ما وصفت، قوموا بنا لا يدرك مجلسنا شؤمها. قال طويس: إن شؤمها قد مات معها، قالوا: أنت واللّه أعلم منّا.
صوت
يا دنانير قد تنكّر عقلي ... وتحيّرت بين وعد ومطل
شغفي شافعي إليك وإلّا ... فاقتليني إن كنت تهوين قتلي
/ الشعر والغناء لعقيد مولى صالح بن الرشيد، خفيف ثقيل، وفيه لعريب رمل بالوسطى، وهذا الشعر يقوله في دنانير مولاة البرامكة، وكان خطبها فلم تجبه، وقيل: بل قاله أحد اليزيديّين، ونحله إيّاه.
__________
[1] تأيمت: مكثت ولم تتزوج.
[2] في ف، «المختار»: «حموا».
[3] قيمص قوهي: أبيض.
[4] في ف: «و ربعت بابن بنت رسول اللّه». وفي «المختار»: «و ربعت بابن رسول اللّه».
4 - ذكر أخبار دنانير وأخبار عقيد [1]
كانت مولاة ليحيى بن خالد البرمكي
كانت دنانير مولاة يحيى بن خالد البرمكيّ وكانت صفراء مولّدة، وكانت من أحسن الناس وجها وأظرفهنّ وأكملهنّ أدبا وأكثرهنّ رواية للغناء والشعر، وكان الرشيد لشغفه بها يكثر مصيره [2] إلى مولاها ويقيم عندها ويبرّها [3] ويفرط، حتى شكته زبيدة إلى أهله وعمومته، فعاتبوه على ذلك.
لها كتاب في الأغاني
ولها كتاب مجرّد في الأغاني مشهور، وكان اعتمادها في غنائها على ما أخذته من بذل وهي خرّجتها، وقد أخذت أيضا عن الأكابر الذين أخذت بذل عنهم مثل: فليح، وإبراهيم، وابن جامع، وإسحاق، ونظرائهم.
أخبرني جحظة، قال: حدّثني المكّيّ عن أبيه قال:
كنت أنا وابن جامع نعايي [4] دنانير جارية البرامكة، فكثيرا ما كانت تغلبنا.
عرضت على إبراهيم الموصلي صوتا من صنعتهما فأعجبه
أخبرني إسماعيل بن يونس الشّيعيّ، عن ابن شبّة، قال: حدثني إسحاق الموصليّ، قال: قال لي أبي: قال لي يحيى بن خالد: إن ابنتك دنانير قد عملت صوتا اختارته وأعجبت به، فقلت لها: لا يشتدّ إعجابك حتى تعرضيه على شيخك، فإن رضيه فارضيه لنفسك، وإن كرهه فاكرهيه، فامض حتى تعرضه عليك. قال: فقال لي أبي: فقلت له: أيها الوزير فكيف إعجابك أنت به؟ فإنك واللّه ثاقب الفطنة صحيح التّمييز [5]، قال: أكره أن أقول لك: أعجبني فيكون عندك غير معجب؛ إذ كنت عندي رئيس صناعتك، تعرف منها ما لا أعرف، وتقف من لطائفها على ما لا أقف، وأكره/ أن أقول لك: لا يعجبني، وقد بلغ من قلبي مبلغا محمودا، وإنما يتمّ السرور به إذا صادف ذلك منك استجادة وتصويبا. قال: فمضيت إليها، وقد تقدم إلى خدمه يعلمهم أنه سيرسل بي إلى داره، وقال لدنانير: إذا جاءك إبراهيم فاعرضي عليه الصوت الذي صنعته واستحسنته، فإن قال لك: أصبت سررتني بذلك، وإن كره فلا تعلميني. لئلا يزول سروري بما صنعت. قال إسحاق: قال أبي: فحضرت الباب فأدخلت، وإذا الستارة قد نصبت، فسلّمت على الجارية من وراء الستارة، فردّت السلام، وقالت: يا أبت أعرض عليك صوتا قد تقدّم لا شكّ
__________
[1] ب، «الدر المنثور»: عقيل.
[2] هب، «المختار»: «مسيره».
[3] هب، «المختار»: «و يقيم عنده ويبره».
[4] عايا فلانا: ألقى عليه كلاما لا يهتدي لوجهه. وفي هب، ب، بيروت: «نعاني».
[5] هب، ف: «ثاقب الرأي عالي الفطنة».
إليك خبره، وقد سمعت الوزير يقول: إن الناس يفتنون بغنائهم، فيعجبهم منه ما لا يعجب غيرهم، وكذلك يفتنون بأولادهم، فيحسن في أعينهم منهم ما ليس يحسن، وقد خشيت على الصوت أن يكون كذلك، فقلت: هات، فأخذت عودها وتغنّت تقول.
صوت
نفسي أكنت عليك مدّعيا ... أم حين أزمع بينهم خنت!
إن كنت مولعة بذكرهم ... فعلى فراقهم ألا متّ!
/ قال: فأعجبني واللّه غاية العجب واستخفّني الطرب، حتى قلت لها: أعيديه، فأعادته وأنا أطلب لها فيه موضعا أصلحه وأغيّره عليها لتأخذه عنّي، فلا واللّه ما قدرت على ذلك، ثم قلت لها: أعيديه الثالثة فأعادته، فإذا هو كالذهب المصفّى، فقلت: أحسنت يا بنيّة وأصبت، وقد قطعت عليك بحسن إحسانك وجودة إصابتك أنك قائدة للمعلمين [1]؛ إذ قد صرت تحسنين الاختيار وتجيدين الصنعة، قال: ثم خرج فلقيه يحيى بن خالد، فقال: كيف رأيت صنعة ابنتك دنانير؟ قال: أعزّ اللّه الوزير،/ واللّه ما يحسن كثير من حذّاق المغنّين مثل هذه الصنعة، ولقد قلت لها: أعيديه وأعادته عليّ مرات، كلّ ذلك أريد إعناتها، لأجتلب [2] لنفسي مدخلا يؤخذ عنّي وينسب إليّ، فلا واللّه ما وجدته، فقال لي يحيى: وصفك لها يقوم مقام تعليمك إيّاها، وقد - واللّه - سررتني وسأسرّك، فوجّه إليّ بمال عظيم.
اشتراها يحيى بن خالد من رجل من أهل المدينة
وذكر محمد بن الحسن الكاتب، قال: حدّثني ابن المكّي، قال:
كانت دنانير لرجل من أهل المدينة، وكان خرّجها وأدّبها، وكانت أروى الناس للغناء القديم، وكانت صفراء صادقة الملاحة، فلما رآها يحيى وقعت بقلبه فاشتراها.
الرشيد يعجب بها فتعلم أم جعفر وتشكوه إلى عمومته
وكان الرشيد يسير [3] إلى منزلة فيسمعها، حتى ألفها واشتد عجبه [4] بها فوهب لها هبات سنية، منها أنه وهب لها في ليلة عيد عقدا، قيمته ثلاثون ألف دينار، فردّ عليه في مصادرة البرامكة بعد ذلك. وعلمت أمّ جعفر خبره فشكته إلى عمومته، فصاروا جميعا إليه فعاتبوه، فقال: ما لي في هذه الجارية من أرب في نفسها، وإنما أربى في غنائها، فاسمعوها، فإن استحقت أن يؤلف غناؤها وإلا فقولوا ما شئتم، فأقاموا عنده، ونقلهم إلى يحيى حتى سمعوها عنده فعذروه، وعادوا إلى أم جعفر فأشاروا عليها ألا تلحّ في أمرها فقبلت ذلك، وأهدت إلى الرّشيد عشر جوار، منهن: ماردة أم المعتصم، ومراجل أم المأمون، وفاردة [5] أم صالح.
وقال هارون بن محمد بن عبد الملك الزيّات: أخبرني محمد بن عبد اللّه الخزاعيّ قال:
__________
[1] ب، بيروت: «و قد قطعت عليك بحسن إحسانك وجودة إصابتك فائدة المعلمين». وفي ف: «و قد قطعت عنك بحسن اختيارك وجودة إصابتك فائدة المعلمين».
[2] ف: «لأحتال».
[3] ف: «يصير».
[4] ف: «إعجابه».
[5] في ب: مارية «أم المعتصم». وفي ف: فارد «أم صالح».
حدثني عبّاد البشريّ [1] قال: مررت بمنزل من منازل طريق مكّة يقال له/ النّباج، فإذا كتاب [2] على حائط في المنزل، فقرأته فإذا هو: النّيك أربعة؛ فالأول شهوة، والثاني لذّة، والثالث شفاء، والرابع داء [3]، وحر إلى أيرين أحوج من أير إلى حرين، وكتبت دنانير مولاة البرامكة بخطّها.
أخبرني إسماعيل بن يونس، عن ابن شبّة: أن دنانير أخذت عن إبراهيم الموصليّ حتى كانت تغنّي غناءه، فتحكيه فيه حتى لا يكون بينهما فرق، وكان إبراهيم يقول ليحيى: متى فقدتني ودنانير باقية فما فقدتني.
دنانير تصاب بالعلة الكلبية
قال: وأصابتها العلّة الكلبيّة فكانت لا تصبر عن الأكل ساعة واحدة [4]، فكان يحيى يتصدّق عنها في كل يوم من شهر رمضان بألف دينار، لأنها كانت لا تصومه، وبقيت عند البرامكة مدة طويلة.
الرشيد يأمر بصفع دنانير حتى تغني
أخبرني ابن عمّار، وابن عبد العزيز، وابن يونس، عن ابن شبّه، عن إسحاق:
وأخبرني جحظة، عن أحمد بن الطّيّب: أنّ الرشيد دعا بدنانير البرمكيّة بعد قتله إيّاهم، فأمرها أن تغنّي، فقالت: يا أمير المؤمنين، إني آليت ألّا أغنّي بعد سيّدي أبدا، فغضب، وأمر بصفعها، فصفعت، وأقيمت على رجليها، وأعطيت العود، وأخذته وهي تبكي أحرّ بكاء، واندفعت/ فغنّت:
صوت
يا دار سلمى بنازح السّند ... بين الثّنايا ومسقط اللّبد
لمّا رأيت الدّيار قد درست ... أيقنت أنّ النّعيم لم يعد
/ الغناء للهذليّ خفيف ثقيل أول مطلق في مجرى الوسطى، وذكر عليّ بن يحيى المنجّم وعمرو أنه لسياط في هذه الطريقة.
قال: فرقّ لها الرشيد وأمر بإطلاقها وانصرفت، ثم التفت إلى إبراهيم بن المهديّ فقال له: كيف رأيتها؟ قال:
رأيتها تختله برفق، وتقهره بحذق.
خطبها عقيد فردته وبقيت على حالها إلى أن ماتت
قال عليّ بن محمد الهشاميّ [5]: حدثني أبو عبد اللّه بن حمدون أن عقيدا [6] مولى صالح بن الرشيد خطب دنانير البرمكيّة، وكان هويها وشغف بذكرها، فردّته، واستشفع عليها مولاه صالح بن الرشيد، وبذل، والحسين بن محرز، فلم تجبه وأقامت على الوفاء لمولاها، فكتب إليها عقيد قوله:
__________
[1] ف: «النشوي»، وفي «المختار»: «النسوي».
[2] الكتاب هنا الكتابة. وفي «المختار»: «و إذا على الحائط مكتوب ما صورته ... ».
[3] ف: «دواء».
[4] ف: «مرة واحدة».
[5] في ف، بيروت: «البسامي».
[6] في ب، «الدر المنثور»: «عقيلا».
يا دنانير قد تنكّر عقلي ... وتحيّرت بين وعد ومطل
شفّعي [1] شافعي إليك وإلّا ... فاقتليني إن كنت تهوين قتلي
أنا باللّه والأمير وما آ ... مل من موعد الحسين وبذل
ما أحبّ الحياة يا حبّ [2] إن لم ... يجمع اللّه عاجلا بك شملي
فلم يعطفها ذلك على ما يحبّ، ولم تزل على حالها إلى أن ماتت.
وكان عقيد حسن الغناء والضرب قليل الصّنعة، ما سمعنا منه بكبير [3] صنعة، ولكنه كان بموضع من الحذق والتّقدّم.
/ قال محمد بن الحسن: حدثني أبو حارثة [4] عن أخيه أبي معاوية قال:
شهدت إسحاق يوما وعقيد يغنّيه:
صوت
هلّا سألت ابنة العبسيّ ما حسبي ... عند الطّعان إذا ما احمرّت الحدق
وجالت الخيل بالأبطال عابسة ... شعث النّواصي عليها البيض تأتلق
الشعر يقال: إنه لعنترة ولم يصحّ له، والغناء لابن محرز خفيف ثقيل أول بالوسطى. قال: فجعل إسحاق يستعيده ويشرب ويصفّق حتى والى بين أربعة أرطال، وسأله بعض من حضر: من أحسن الناس غناء؟ قال: من سقاني أربعة أرطال.
أبو حفص الشطرنجي يقول فيها شعرا يغنيه ابن جامع
وفي دنانير يقول أبو حفص الشّطرنجيّ.
صوت
أشبهك المسك وأشبهته ... قائمة في لونه قاعده
لا شك إذ لونكما واحد ... أنّكما من طينة واحده
غنّاه ابن جامع هزجا بالبنصر وقيل: إنه لأبي فارة.
وذكر هارون بن محمد بن عبد الملك الزيات، عن عليّ بن محمد النوفليّ، عن مولاة بن جامع أنّ مولاها كان يهوي جارية صفراء. فقال فيها هذا الشعر وغنّى فيه، وأظن هذا وهما؛ لأنا لم نسمع لابن جامع بشعر قط، ولعله غنّاه في شعر أبي حفص الشّطرنجيّ. فظننته له.
ومما غنّاه عقيد في دنانير والشعر للموصليّ إلا البيت الأول فليس [5] له).
__________
[1] في ب، «الدر المنثور: «شغفي».
[2] في هب، «الدر المنثور»، ب: «يا أخت». والحب: الحبيب.
[3] في ف، هب، بيروت: «بكثير».
[4] في ب: «أبو جارية».
(5 - 5) كذا في في ف، هب وهذا الصوت وما يليه من خبر خلت منه نسخة بولاق.
صوت
عقيد يقول فيها شعرا ويغنيه
هذي دنانير تنساني فأذكرها ... وكيف تنسى محبّا ليس ينساها!
واللّه واللّه لو كانت إذا برزت ... نفس المتيّم في كفّيه ألقاها
والشعر والغناء لعقيد، ولحنه من الرّمل المطلق في مجرى الوسطى، وفيه هزج خفيف محدّث.
المغنون والجواري يغنون عند الأمين بشعر عقيد فيها
قال أحمد بن أبي طاهر: حدثني عليّ بن محمد قال: حدثني جابر بن مصعب، عن مخارق، قال:
مرّت بى ليلة ما مرّ بي قطّ مثلها. جاءني رسول محمد الأمين وهو خليفة، فأخذني وركض بي إليه ركضا، فحين وافيت أتي بإبراهيم بن المهدي [1] على مثل حالي، فنزلنا، وإذا هو في صحن لم أر مثله قد ملىء شمعا من شمع محمد الأمين الكبار، وإذا به واقف ثم دخل/ في الكرح [2]، والدار مملوءة بالوصائف يغنّين على الطبول والسّرنايات [3] ومحمد في وسطهنّ يرتكض في الكرح، فجاءنا رسوله، فقال: قوما في هذا الباب مما يلي الصّحن، فارفعا أصواتكما مع السرناي أين بلغ، وإيّاكما أن أسمع في أصواتكما تقصيرا عنه، قال: فأصغينا فإذا الجواري والمخنّثون يزمرون ويضربون:
هذي دنانير تنساني وأذكرها ... وكيف تنسى محبّا ليس ينساها!
أعوذ باللّه من هجران جارية ... أصبحت من حبّها أهذي بذكراها
قد أكمل الحسن في تركيب صورتها ... فارتجّ أسفلها واهتزّ أعلاها
/ قامت تمشّى فليت اللّه صيّرني ... ذاك التراب الذي مسّته رجلاها
واللّه واللّه لو كانت إذا برزت ... نفس المتيّم في كفّيه ألقاها
فما زلنا نشقّ حلوقنا مع السرناي ونتبعه حذرا من أن نخرج عن طبقته، أو نقتصر عنه إلى الغداة، ومحمد يجول في الكرح ما يسأمه، يدنو إلينا مرة في جولانه ويتباعد مرّة، وتحول الجواري بيننا وبينه حتى أصبحنا.
صوت
ألا طرقت أسماء لا حين مطرق ... وأنّى إذا حلّت بنجران نلتقي
__________
[1] في ف، «المختار»، بيروت: «إبراهيم الموصلي».
[2] أصل معنى الكرح بيت الراهب. وفي ف، بيروت، «المختار»: «و إذا محمد قد دخل في الخدم».
[3] السرنايات: من آلات الصفير. وفي ب: «السرنابات والسرنابي».
بوجّ وما بالي بوجّ وبالها [1] ... ومن يلق يوما جدّة الحبّ يخلق
عروضه من الطويل، الشعر لخفاف بن ندبة، والغناء لابن محرز خفيف ثقيل أول بالسّبابة في مجرى الوسطى عن إسحاق، وفيه لابن سريج ثاني ثقيل بالسباب في مجرى البنصر عن إسحاق أيضا، وذكر عمرو بن بانة أن فيه لحنا لمعبد ثاني ثقيل بالوسطى، وفيه لعلّويه خفيف رمل بالوسطى، وفيه للقاسم بن زرزور [2] خفيف رمل آخر صحيح في غنائه، وفيه لابن مسجح ثقيل أول، عن إبراهيم، ويحيى المكيّ، والهشاميّ، وفيه لمخارق رمل بالبنصر.
__________
[1] ف، بيروت: «ألحت بنوح ما لنوح وما لها».
[2] في هب: «زرور». وفي ف: «زرزر».
5 - أخبار خفاف ونسبه
هو خفاف بن عمير [1] بن الحارث بن الشّريد بن رياح بن يقظة بن عصيّة بن خفاف بن امرىء القيس بن بهثة بن سليم بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان بن مضر بن نزار، وندبة أمه وهي أمة سوداء، وكان خفاف أسود أيضا، وهو شاعر من شعراء الجاهلية وفارس من فرسانهم، وجعله ابن سلّام في الطبقة الخامسة من الفرسان مع مالك بن نويرة، ومع ابني عمّه صخر ومعاوية ابني عمرو بن الشريد، ومالك بن حمار الشّمخي [2].
أحد فرسان العرب وأغربتهم
أخبرني أبو خليفة إجازة عن محمد بن سلام، قال:
كان خفاف بن ندبة - وهي أمه - فارسا شجاعا شاعرا، وهو أحد أغربة العرب [3]، وكان هو ومعاوية بن الحارث بن الشّريد أغار على بني ذبيان يوم حوزة [4]، فلما قتلوا معاوية بن عمرو قال خفاف: واللّه لا أريم اليوم أو أقيد به سيّدهم، فحمل على مالك بن حمار وهو يومئذ فارس بني فزارة وسيّدهم فطعنه فقتله، وقال:
فإن تك خيلي قد أصيب صميمها ... فعمدا على عيني تيمّمت مالكا
رفعت له ما جرّ إذ جرّ موته [5] ... لأبني مجدا أو لأثأر هالكا
أقول له والرّمح يأطر متنه: ... تأمّل خفافا إنّني أنا ذلكا [6]
/قال ابن سلّام: وهو الذي يقول:
/يا هند يا أخت بني الصّارد ... ما أنا بالباقي ولا الخالد
إن أمس لا أملك شيئا فقد ... أملك أمر المنسر الحارد [7]
في هذين البيتين لعبيد اللّه بن أبي غسّان خفيف ثقيل أول بالبنصر عن الهشاميّ.
ينال من العباس بن مرداس، والعباس يرد عليه
أخبرني عمّي، عن عبد اللّه بن سعد، عن أحمد بن عمر، عن عمر [8] بن خالد بن عاصم بن عمرو بن عثمان بن عفان رضي اللّه عنه، عن الحجاج السّلميّ قال:
__________
[1] في هب، ب: «عمرو».
[2] في «المختار»: «مالك بن حماد الجشمي». وفي ب: «مالك بن حماد الشحمي».
[3] أغربة العرب: سودانهم، منهم جاهليون وإسلاميون. انظر «المحيط» (غرب).
[4] في ف: «يوم الحريرة»، وفي ف: «يوم الجزيرة».
[5] في «الخزانة» 2 - 470: «نصبت له علوي وقد خام صحبتي». وفي ف: «دلفت له يا حز إذ حرّ ثوبه».
[6] يأطر: يثني. والمتن: الظهر، يريد ظهر مالك.
[7] ب: «المنسر الجارد»، وفي هب: «رأي اليسر الجارد». والمنسر: الخيل ما بين الثلاثين إلى الأربعين أو من الأربعين إلى الخمسين أو إلى الستين أو من المائة إلى المائتين. والحارد: المجتمع الخلق الشديد.
[8] في ب: «عمرو بن خالد».
كان بدء ما كان بين خفاف بن ندبة والعباس بن مرداس أنّ خفافا كان في ملإ من بني سليم فقال لهم: إن عباس بن مرداس يريد أن يبلغ فينا ما بلغ عباس بن أنس، ويأبى ذلك عليه خصال قعدن به، فقال له فتى من رهط العبّاس: وما تلك الخصال يا خفاف؟ قال: اتّقاؤه بخيله عند الموت، واستهانته بسبايا العرب، وقتله الأسرى، ومكالبته للصعاليك على الأسلاب، ولقد طالت حياته حتى تمنّينا موته، فانطلق الفتى إلى العبّاس فأخبره الخبر، فقال العبّاس: يابن أخي، إن لم يكن كالأصمّ في فضله فلست كخفاف في جهله، وقد مضى الأصمّ بما في أمس وخلّفني بما في غد، فلما أمسى تغنّى، وقال:
خفاف ما تزال تجرّ ذيلا ... إلى الأمر المفارق للرّشاد
إذا ما عاينتك بنو سليم ... ثنيت لهم بداهية نآد [1]
/و قد علم المعاشر من سليم ... بأنّى فيهم حسن الأيادي
فأورد يا خفاف فقد بليتم ... بني عوف بحيّة بطن وادي
قال: ثم أصبح فأتى خفافا. وهو في ملإ من بني سليم، فقال: قد بلغني مقالتك يا خفاف، واللّه لا أشتم عرضك ولا أسبّ أباك وأمّك، ولكنّي رام سوادك بما فيك [2] وإنك لتعلم أنّي أحمي المصافّ [3] وأتكرّم على السّلب [4] وأطلق الأسير وأصون السبيّة. وأما زعمك أني أتّقي بخيلي الموت فهات من قومك رجلا اتّقيت به.
وأما استهانتي بسبايا العرب فإني أحذو القوم في نسائهم بفعالهم في نسائنا، وأما قتلي الأسرى فإني قتلت الزّبيديّ بخالك؛ إذ عجزت عن ثأرك. وأما مكالبتي الصعاليك على الأسلاب، فو اللّه ما أتيت على مسلوب قطّ إلا لمت سالبه. وأما تمنّيك موتي. فإن متّ قبلك فأغن غنائي، وإن سليما لتعلم أني أخفّ عليهم مؤونة، وأثقل على عدوّهم وطأة منك، وإنّك لتعلم أنّي أبحت حمى بني زبيد، وكسرت قرني الحارث [5] وأطفأت جمرة خثعم، وقلّدت بني كنانة قلائد العار، ثم انصرف. فقال خفاف أبياتا لم يحفظ الشيخ منها إلا قوله:
ولم تقتل أسيرك من زبيد ... بخالي بل غدرت بمستفاد
فزندك في سليم شرّ زند ... وزادك في سليم شرّ زاد
فأجابه العباس بقوله:
ألا من مبلغ عنّي خفافا ... فإنّي لا أحاشي من خفاف
نكحت وليدة ورضعت أخرى ... وكان أبوك تحمله قطاف
/ فلست لحاصن إن لم نزرها ... تثير النّقع من ظهر النّعاف [6]
سراعا قد طواها الأين دهما ... وكمتا لونها كالورس صاف [7]
__________
[1] نآد: شديدة.
[2] السواد: الشخص. وفي ب: «و لكن رمى سوادك بما فيك».
[3] المصافّ: مواقف القتال.
[4] في ب، بيروت: «و أتكلم على السبي».
[5] في ب، هب: «و كسرت قوى بني الحارث».
[6] في ف: «فلست بحاضن إن لم تروها». والحاصن: العفيفة. والنعاف: جمع نعف؛ وهو المكان المرتفع في اعتراض.
[7] في ف، «المختار»، هب: سواهم بدل سراعا، ودهم وكمت «بالرفع».
ابن عم للعباس يحرضه على الحرب
قال: ثم كف العباس وخفاف حتى أتى ابن عم للعباس يكنى أبا عمرو بن بدر، وكان غائبا، فقال: يا عباس! ما نقول فيك خيرا إلّا وهو باطل، قال: وكيف ذلك، ويحك! قال: أخبرني عنك، أكلّ الذي أقررت [1] به من خفاف في نفيه أباك وتهجينه عرضك؛ ليأس من نصر قومك أو ضعف من نفسك؟ قال: لا، ولا واحدة منهما، ولكني أحببت البقيا، قال: فاسمع ما قلته، قال: هات، فأنشأ يقول:
أرى العباس ينفض مذرويه [2] ... دهين الرأس تقليه النساء
وقد أزرى بوالده خفاف ... ويحسب مثله الداء العياء [3]
فلا تهد السّباب إلى خفاف ... فإن السّبّ تحسنه الإماء
ولا تكذب وأهد إليه حربا ... معجّلة فإن الحرب داء
أذلّ اللّه شرّكما قبيلا ... ولا سقّت له رسما سماء
العباس وخفاف يلتقيان بقومهما ويقتتلان قتالا شديدا
قال العباس: قد آذنت خفافا بحرب، ثم أصبحا فالتقيا بقومهما، فاقتتلوا قتالا شديدا يوما إلى الليل، وكان الفضل للعباس على خفاف، فركب إليه مالك بن عوف ودريد بن الصّمّة الجشميّ في وجوه هوازن، فقام دريد خطيبا فقال: يا معشر بني سليم، إنه أعجلني إليكم صدر واد ورأي جامع، وقد ركب صاحباكم شرّ مطيّة، وأوضعا/ إلى أصعب غاية، فالآن قبل أن يندم الغالب ويذلّ المغلوب [4]، ثم جلس.
دريد بن الصمة ومالك بن عوف يحذرانهما عاقبة الحرب
فقام مالك بن عوف [5] فقال: يا معشر بني سليم، إنكم نزلتم منزلا بعدت فيه هوازن، وشبعت منكم فيه بنو تميم، وصالت عليكم فيه بكر بن وائل، ونالت فيه منكم بنو كنانة، فانزعوا وفيكم بقية قبل أن تلقوا عدوّكم بقرن أعضب وكفّ جذماء، قال: فلما أمسينا تغنى دريد بن الصّمّة فقال:
سليم بن منصور ألمّا تخبّروا ... بما كان من حربي كليب وداحس
وما كان في حرب اليحابر [6] من دم ... مباح وجدع مؤلم للمعاطس
وما كان في حربي سليم وقبلهم ... بحرب بعاث من هلاك الفوارس
تسافهت الأحلام فيها جهالة ... وأضرم فيها كلّ رطب ويابس
فكفّوا خفافا عن سفاهة رأيه ... وصاحبه العبّاس قبل الدّهارس [7]
__________
[1] في ب: «خبرني عن أصل الذي أقررت به ... الخ».
[2] المذروان: طرفا الإلية. وجاء ينفض مذرويه: جاء باغيا يتهدد.
[3] في هب: «سبك مثله الداء العياء». وفي «المختار»: «و لكن نسله الداء العياء».
[4] في ب: «و يذم المطلوب».
[5] في ب: «مالك بن أوس».
[6] في ب: «البحائر»، تحريف.
[7] الدهارس: الدواهي.
وإلّا فأنتم مثل من كان قبلكم ... ومن يعقل الأمثال غير الأكايس
وقال مالك بن عوف النّصريّ:
سليم بن منصور دعوا الحرب إنما ... هي الهلك للأقصين أو للأقارب
ألم تعلموا ما كان في حرب وائل ... وحرب مراد أو لؤيّ بن غالب
تفرّقت الأحياء منهم لجاجة ... وهم بين مغلوب ذليل وغالب
فما لسليم ناصر من هوازن ... ولو نصروا لم تغن نصرة غائب
دريد بن الصمة يعاهدهما على الكف عن الحرب وتهادي الشعر من غير شتم
/ قال: ثم أصبحنا، فاجتمعت بنو سليم، وجاء العبّاس وخفاف، فقال لهما دريد بن الصّمة ولمن حضر من قومهما: يا هؤلاء! إن أوّلكم كان خير أوّل، وكل حيّ سلف خير من الخلف، فكفّوا صاحبيكم عن لجاج الحرب وتهاجي الشعر، قال: فاستحيا العباس فقال: فإنا نكف عن الحرب، ونتهادى الشعر، قال: فقال دريد: فإن كنتما لا بد فاعلين فاذكرا ما شئتما ودعا الشّتم، فإن الشّتم طريق الحرب، فانصرفا على ذلك. فقال العباس بن مرداس:
فأبلغ لديك بني مالك ... فأنتم بأنبائنا أخبر
فأما النّخيل فليست لنا ... نخيل تسقّى [1] ولا تؤبر
ولكنّ جمعا كجذل [2] الحكا ... ك فيه المقنّع والحسّر
مغاوير تحمل أبطالنا ... إلى الموت ساهمة ضمّر
وأعددت للحرب خيفانة ... تديم الجراء [3] إذا تخطر
صنيعا كقارورة الزّعفرا ... ن ممّا تصان ولا تؤثر
ويقال: صبيغا. قال: فأجابه خفاف فقال:
أعبّاس إنّ استعار القصي ... د في غير معشره [4] منكر
علام تناول ما لا تنال ... فتقطع نفسك أو تخسر [5]
/فإنّ الرّهان إذا ما أريد ... فصاحبه الشامخ المخطر [6]
تخاوص لم تستطع عدّة [7] ... كأنك من بغضنا أعور
فقصرك مأثورة إن بقي ... ت أصحو بها لك أو أسكر [8]
لساني وسيفي معا فانظرن ... إلى تلك أيّهما تبدر
__________
[1] في ف، بيروت: «تجذ».
[2] الجذل: عود ينصب للإبل الجربي لتحتك به.
[3] في ب، بيروت: الجداء.
[4] في ف: «موضعه».
[5] ف: تحسر.
[6] في ف، هب: «السابح المحضر».
[7] في هب، ف، بيروت: «تخاوص لم تستطع غيره». وتخاوص: غض من بصره شيئا.
[8] ف: «فقصرك ما بعده ... أو أشكر».
قال: فلما طال الأمر بينهما من الحرب والتّهاجي، قال عباس: إني واللّه ما رأيت لخفاف مثلا إلا شبام بني زبيد [1] فإنه كان يلقى من ابن عمه ثروان بن مرّة من الشتم والأذى ما ألقى من خفاف، فلما لجّ في شتمه تركه وما هو فيه، فقال:
وهبت لثروان بن مرّة نفسه ... وقد أمكنتني من ذؤابته يدي
وأحمل ما في اليوم من سوء رأيه ... رجاء التي يأتي بها اللّه في غد [2]
فقال خفاف: إني واللّه ما وجدت لعباس مثلا إلا ثروان بني زبيد، فإنه كان يلقي من شبام ما ألقى من العباس من الأذى، فقال ثروان:
رأيت شباما لا يزال يعيبني ... فلله ما بالي وبال شبام!
فقصرك منّي ضربة مازنيّة ... بكفّ فتى في القوم غير كهام
فتقصر عني يا شبام بن مالك ... وما عضّ سيفي شاتمي بحرام
فقال عباس: جزاك اللّه عني يا خفاف شرّا، فقد كنت أخفّ بني سليم من دمائها ظهرا، وأخمصها بطنا، فأصبحت العرب تعيّرني بما كنت أعيب عليها من/ الاحتمال وأكل الأموال، وصرت ثقيل الظّهر من دمائها منفضج [3] البطن من أموالها، وأنشأ يقول:
/ألم تر أنّي تركت الحروب ... وأنّي ندمت على ما مضى
ندامة زار على نفسه ... لتلك التي عارها يتّقى
فلم أوقد الحرب حتى رمى ... خفاف بأسهمه من رمى
فإن تعطف القوم أحلامهم ... فيرجع من ودّهم ما نأى
فلست فقيرا إلى حربهم ... وما بي عن سلمهم من غنى
فقال خفاف:
أعبّاس إمّا كرهت الحروب ... فقد ذقت من عضّها ما كفى
أألقحت حربا لها شدّة ... زمانا تسعّرها باللّظى
فلمّا ترقّيت في غيّها ... دحضت وزلّ بك المرتقى
فلا زلت تبكي على زلّة ... وماذا يردّ عليك البكا
فإن كنت أخطأت في حربنا ... فلسنا نقيلك هذا الخطا
وإن كنت تطمع في سلمنا ... فزاول ثبيرا وركني حرا
أخبرني حبيب بن نصر المهلبيّ قال: حدثنا عبد اللّه بن أبي سعد، قال: حدّثني مسعود بن عيسى العبديّ، عن يحيى بن عبد اللّه بن الفضل الفزاريّ، وكان علّامة بأمر قيس، قال:
كان خفاف بن ندبة في جماعة من قومه، فقال: إنّ عباس بن مرداس ليريد أن/ يبلغ فينا مبلغ عباس بن
__________
[1] في ب: «شبام بن زبيد».
[2] في ف: «رجاء الذي يأتي به اللّه في غد».
[3] في هب: «منفضخ البطن». ومنفضج البطن: منتفخه.
أنس، وتأبى عليه خصال قعدن به عن ذلك، فقال فتى من رهط عباس: ما تلك الخصال يا خفاف؟ فقال: اتّقاؤه بخيله عند الموت، ومكالبة الصعاليك على الأسلاب، وقتله الأسرى، واستهانته بسبايا العرب، وايم اللّه، لقد طالت حياته حتى تمنّينا موته، فانطلق الفتى إلى العباس فحدّثه الحديث، فقال العباس: يابن أخي إلّا أكن كالأصمّ في فضله فلست كخفاف في جهله، وقد مضى الأصمّ بما في أمس، وخلّفني لما في غد، فلما أمسى تغنّى، فقال:
خفاف أما تزال تجرّ ذيلا ... إلى الأمر المقرّب للفساد
وقد علم المعاشر من سليم ... بأنّي فيهم حسن الأيادي
وأنّي يوم جمع بني عطيف ... حملت بحالك وهج المرادي [1]
وأني لا أعيّر في سليم ... بردّ الخيل سالمة الهوادي
وأنّي في ملمّة كلّ يوم ... أقي صحبي وفي خيلي تعادي
ولم أسلب بحمد اللّه كبشا ... سلاحا بين مختلف الصّعاد [2]
ولم أحلل لمحصنة نطاقا ... ولم أر عتقها إلا مرادي
فأورد يا خفاف فقد منيتم ... بني عوف بحيّة بطن وادي
فلما أصبح أتى خفافا وهو في ملأ من قومه، فقال: قد بلغني مقالك يا خفاف، وايم اللّه، إنك لتعلم أني أحمي المصافّ [3]، وأكره السلب، وأطلق الأسير، وأصون السّبيّة.
فأمّا زعمك أنّي أتّقي بخيلي عند الموت فهات لي من قومك رجلا اتّقيت به،/ وأما قتلى الأسرى فإني قتلت الزّبيديّ بخالك، وأما سلبي الأسير فو اللّه ما أتيت على مسلوب قطّ إلّا لمت سالبه، وأما استهانتي بالسّبايا فإني أحذو القوم في سباياهم فعالهم في سبايانا، وأما تمنّيك موتي فإن متّ قبلك فأغن غنائي، ثم انصرف. فقال خفاف مجيبا للعباس عن قوله:
لعمر أبيك يا عبّاس إني ... لمنقطع الرّشاء من الأعادي
وإني قد تعاتبني سليم ... على جرّ الذيول إلى الفساد
أكلّ الدهر لا تنفكّ تجري ... إلى الأمر المفارق للسّداد
إذا ما عاينتك بنو سليم ... تبيت لهم بداهية نآد
فزندك في سليم شرزند ... وزادك في المعاشر [4] شرّ زاد
ألا للّه درّك من رئيس ... إذا عاديت فانظر من تعادي
جريت مبرّزا وجريت تكبو ... على تعب فهل لك من معاد
ولم تقتل أسيرك من زبيد ... بخالي بل غدرت بمستقاد
ومستقاد: الزّبيديّ.
__________
[1] المرادي: جمع مردى، وهو الحجر الذي تكسر به الصخور.
[2] الكبش: سيد القوم وقائدهم، والصعاد: القنا المستويات.
[3] المصاف: مواقف القتال. وفي ف: المصاب.
[4] في «المختار»: وزادك في سليم.
وإنّ رهط خفاف لاموه وقالوا: اكفف عن الرجل. فقال: كيف أكفّ عن رجل يريد أن يترنا أمرنا بغير فضل.
وقال رهط العباس له: أيها الرجل، اكفف، فقال قولا جميلا، وقال العبّاس عند ذلك:
هل تعرف الطّلل القديم كأنّه ... وشم بأسفل ذي الخيام مرجّع
بقيت معارفه على مرّ الصّبا ... بعد الجميع كأنه قد يمرع
دار التي صادت فؤادك بعد ما ... شمل المفارق منك شيب أروع
وزعمت أنّك لا تراح إلى الصّبا ... وعلتك منه شبيبة لا ترجع
/ يأيها المرء السفيه ألا ترى ... أني أضرّ إذا هويت وأنفع
وأعيش ما قدر الإله على القلى ... وأعفّ نفسي عن مطامع تطمع
كرما على الخطر اليسير ولا ترى ... نفسي إلى الأمر الدنيّ تطلّع
وأردّ ذا الضّغن اللئيم برأيه ... حتى يموت وليس فينا مطمع
للّه درّك لا تمنّ مماتنا ... فالموت ويحك قصرنا والمرجع
لو كان يهلك من تمنّى موته ... حلّت عليك دهية لا ترقع
ومكثت في دار الهوان موطّأ ... بالذّلّ ليس لداركم من يمنع
فقال خفاف مجيبا له:
عجبت أمامة إذ رأتني شاحبا ... خلق القميص وأنّ رأسي أصلع
وتنفست صعدا فقلت لها: اقصري ... إني امرؤ فيما أضرّ وأنفع
مهلا أبا أنس فإني للّذي ... خلّى عليك دهيّة لا ترفع
وضربت أمّ شؤون رأسك ضربة ... فاستكّ منها في اللّقاء المسمع
نعليّ حذو نعالها ولربّما ... أحذو العدا ولكلّ عاد مصرع
لا تفخرنّ فإنّ عودي نبعة ... أعيت أبا كرب وعودك خروع [1]
ولقد أقود إلى العدوّ مقلّصا ... سلس القياد له تليل أتلع [2]
نهد المراكل والدّسيع يزينه ... شنج النّسا وأباجل لا تقطع [3]
/و عليّ سابغة كأنّ قتيرها ... حدق الجنادب ليس فيها مطمع [4]
زغف مضاعفة تخيّر سردها ... ذو فائش وبنو المرار وتبّع [5]
في فتية بيض الوجوه كأنهم ... أسد على لحم ببيشة طلّع
__________
[1] عودي نبعة: صلب شديد. وعودك خروع: ليّن متثن.
[2] تليل أتلع: عنق طويل.
[3] نهد المراكل: واسع الجوف. والدسيع: مغرز العنق في الكاهل. وفرس شنج النسا: صفة محمودة، لأنه إذا تشنج نساه لم تسترخ رجلاه. والأباجل: جمع أبجل، وهو عرق في الفرس والبعير.
[4] درع سابغة: تامة طويلة. والقتير: رؤوس المسامير في الدرع. والحدق جمع حدقة؛ وهي سواد العين الأعظم، والجنادب جمع جندب، وهو الصغير من الجراد.
[5] الزغف جمع زغفة؛ وهي الدرع الواسعة. وسردها: نسجها. وفائش: واد كان يحميه ذو فائش سلامة بن يزيد اليحصبي.
لا ينكلون إذا لقوا أعداءهم ... إنّ الحمام هو الطريق المهيع [1]
وكان خفاف قد كفّ عن العبّاس، حتى أتاه غلام من قومه، فقال: أبى العباس إلا جرأة عليك وعيبا لك، فغضب خفاف ثم قال: ما يدعوه إلى ذلك؟ فو اللّه إن أباه لرابط السهم، وإن أمّه لخفيّة الشخص، ولئن طلب مسعاي ليعلمنّ أنه قصير الخطوة أجذم الكف، وما ذنبنا إليه إلا أنّا استنقذنا أباه من عصيّ بني حزام، وكافحنا دونه يوم بني فراس، ونصرنا أباه على حرب بن أميّة. وقال خفاف في ذلك:
لن يترك الدهر عبّاس تقحّمه ... حتى يذوق وبال البغي عبّاس
أمسكت عن رميه حولا ومقتله ... باد لتعذرني في حربه الناس
عمدا أجرّ له ثوبي لأخدعه ... عن رأيه ورجائي عنده ياس
فالآن إذا صرّحت منه حقيقته ... ظلما فليس بشتمي شاتمي باس
أجدّ يوما بقولي كلّ مبتدىء ... كما يجدّ بكفّ الجازر الفاس
تأبى سليم إذا عدّت مساعيها ... أن يحرز السّبق عبّاس ومرداس
أودى أبو عامر عبّاس معترفا ... أنّا إذا ما سليم حصّلت راس
فبلغ العباس أمر خفاف، فأتاه، فالتقيا عند أسماء بن عروة بن الصّلت بن حزام بن عبد اللّه بن حازم بن الصلت، وكان مأمونا في بني سليم، فقال العباس: قد بلغني قولك يا خفاف، ولعمري لا أشتم أباك ولا أمّك، ولكنّي رام سوادك بما فيك./ واللّه ما كنت إلى ذمّك بالهيمان ولا إلى لحمك بالقرم، وإن سليما لتعلم أني أبحت حمى بني زبيد، وأطفأت جمرة خثعم، وكسرت قرني [2] بني الحارث بن كعب، وقلّدت بني كنانة قلائد العار، وإني يا خفاف لأخفّ منك [3] على بني سليم مؤونة، وأثقل منك على عدوّهم وطأة، وقال مجيبا له:
إني رأيت خفافا ليس يهنئه ... شيء سوى شتم عبّاس بن مرداس
مهلا خفاف فإن الحق معضبة [4] ... والحمق ليس له في الناس من آسي
سائل سليما إذا ما غارة لحقت ... منها فوارس حشد غير أنكاس
من خثعم وزبيد أو بني قطن ... أو رهط فروة دهرا أو شحا الناس [5]
ينبوا من الفارس الحامي حقيقته ... إذا أتوك بحام غير عبّاس
لا يحسب النّاس قول الحق معترفا ... فانظر خفاف فما في الحق من باس
من زار خيل بني سعد مسوّمة ... يهدي لأولها لأي بن شمّاس
يوم اعترضت أبا بدر بجائفة ... تعوي بعرق من الأحشاء قلّاس [6]
أدعى الرئيس إذا ما حربكم كشفت ... عن ساقها لكم والأمر للرّاس
__________
[1] الطريق المهيع: الواسع البين.
[2] في هب: «و كسرت قرني في بني الحارث».
[3] ف: «عنك».
[4] معضبة: مقطعة.
[5] الشحا: الواسع، والمراد جميع الناس.
[6] الطعنة الجائفة: التي تصل إلى الجوف. وعرق قلاس: يزخر بالدم.
حتى إذا انكشفت عنكم عمايتها ... أنشأت تضرب أخماسا لأسداس
وسعى أهل الفساد إلى خفاف فقالوا: إنّ عبّاسا قد فضحك، فقال خفاف:
ألا أيّها المهدي لي الشّتم ظالما ... ولست بأهل حين أذكر للشّتم
أبى الشّتم أنّي سيّد وابن سادة ... مطاعين في الهيجا مطاعيم للّحم [1]
/هم منحوا نصرا [2] أباك وطاعنوا ... وذلك إذ ترمى ذليلا ولا ترمي
كمستلحم في ظلمة اللّيل بعد ما [3] ... رأى الموت صرفا والسيوف بها تهمي
أدبّ على أنماط [4] بيضاء حرّة ... مقابلة الجدّين ماجدة العمّ
وأنت لحنفاء اليدين لو أنّها ... تباع لما جاءت بزند ولا سهم
وإني على ما كان أول أوّل ... عليه، كذاك القرم ينتج للقرم [5]
وأكرم نفسي عن أمور دنيئة ... أصون بها عرضي وآسو بها كلمي
وأصفح عمّن لو أشاء جزيته ... فيمنعني رشدي ويدركني حلمي
وأغفر للمولى وإن ذو عظيمة ... على البغي منها لا يضيق بها حزمي [6]
فهذي فعالي ما بقيت وإنّني ... لموص به عقبي إذا كنت في رجمي [7]
فقال له قومه: لو كان أوّل قولك كآخره يا خفاف لأطفأت النائرة [8]، وأذهبت سخائم النّمائم، فقال العباس مجيبا له:
ألا أيّها المهدي لي الشّتم ظالما ... تبيّن إذا راميت هضبة من ترمي
أبى الذّمّ عرضي إنّ عرضي طاهر ... وإني أبيّ من أباة ذوي غشم
وإنّي من القوم الذين دماؤهم ... شفاء لطلّاب التّرات من الوغم [9]
/و قال أيضا:
إن تلقني تلق ليثا في عرينته ... من أسد خفّان في أرساغه فدع [10]
/لا يبرح الدهر صيدا قد تقنّصه ... من الرجال على أشداقه القمع [11]
وكان العباس وخفاف قد همّا بالصّلح، وكرهت بنو سليم الحرب، فجاء غويّ من رهط العبّاس فقال للعبّاس:
إنّ خفافا قد أنحى عليك وعلى والديك، فغضب العباس، ثم قال: قد واللّه هجاني، فكان أعظم ما عابني به أصغر
__________
[1] في ب: «مطاعيم للجرم».
[2] في ب، هب: الضرى.
[3] في ب: محزما بدل بعد ما، وتعمي بدل تهمي.
[4] الأنماط جمع نمط، وهو ضرب من البسط.
[5] في ب: «عليه كذاك القوم ينتج للقوم»، تحريف. والقرم: السيد أو العظيم على التشبيه بالفحل.
[6] في ب: «جزمي»، تصحيف.
[7] رجمي: قبري.
[8] النائرة: العداوة.
[9] الوغم: الحقد الثابت. وفي ب: «شفاء لطلاب التراث من الرغم»، تحريف. وفي ف، بيروت: «شفاء لطلاب الشفاء من الرغم».
[10] فدع: اعوجاج.
[11] القمع: الاحمرار.
عيب فيه، ثم هجا والديّ فما ضرّهما ولا نفعه، ثم برزت له فأخفى شخصه واتّقاني بغيره، ولو شئت لشتمت أباه وثلبت عرضه، ولكني وإياه كما قال شبام بني زبيد [1] لابن عم له، يقال له ثروان بن مرّة، كان أشبه الناس بخفاف:
وهبت لثروان بن مرّة نفسه ... وقد أمكنتني من ذؤابته يدي
وأحمل ما في اليوم من سوء رأيه ... رجاء الذي يأتي [2] به اللّه في غد
ولست عليه في السّفاه كنفسه ... ولست إذا لم أهجه بموعّد
وقال:
أراني كلما قاربت قومي ... نأوا عني وقطعهم شديد
سئمت عتابهم فصفحت عنهم ... وقلت لعلّ حلمهم يعود
وعلّ اللّه يمكن من خفاف ... فأسقيه التي عنها يحيد
بما اكتسبت يداه وجرّ فينا ... من الشّحنا التي ليست تبيد
/ وأنّى لي يؤدّبني خفاف ... وعوف والقلوب لها وقود
وإني لا أزال أريد خيرا ... وعند اللّه من نعم مزيد
فضاقت بي صدورهم وغصّت ... حلوق ما يبضّ لها وريد
متى أبعد فشرّهم قريب ... وإن أقرب فودّهم بعيد
أقول لهم وقد لهجوا بشتمي: ... ترقّوا يا بني عوف وزيدوا
فما شتمي بنافع حيّ عوف ... أينقصني الهبوط أم الصّعود
أتجعلني سراة بني سليم ... ككلب لا يهرّ ولا يصيد
كأنّي لم أقد خيلا عتاقا ... شوازب ما لها في الأرض عود [3]
أجشّمها مهامه طامسات ... كأنّ رمال صحصحها [4] قعود
عليها من سراة بني سليم ... فوارس نجدة في الحرب صيد
فأوطي من تريد بني سليم ... بكلكلها ومن ليست تريد
فلما بلغ خفافا قول العباس قال: واللّه ما عبت العباس إلا بما فيه، وإني لسليم العود، صحيح الأديم، ولقد أدنيت سوادي من سواده فلم أحجم ولا نكصت عنه، وإني وإيّاه كما قال ثروان لشبام بني زبيد [5]، وكان يلقى منه ما لقي من العباس، قال:
رأيت شباما لا يزال يعيبني ... فللّه ما بالي وبال شبام
فقصرك منّي ضربة مازنيّة ... بكفّ امرىء في الحرب غير كهام [6]
__________
[1] ب: شبام بن زبيد.
[2] ف: «رجاء التي يأتي بها اللّه ... ».
[3] ف: «خيلا سيارا». والشوازب: الضوامر. وفي ب: «كأني لم أقل ... مثلها في الأرض» تحريف.
[4] الصحصح: ما استوى من الأرض وجرد.
[5] ب: لشبام بن زبيد.
[6] ب: الحي بدل الحرب. وفي ف، المختار: «بكف فتى في الحق»، وقصرك: مصدر قصر بمعنى انتهى وكف. وسيف كهام: كليل.
/
من اليوم أو من شيعه [1] بمهنّد ... خصوم لهامات الرجال حسام
/ قتقصر عني يا شبام بن مالك ... وما عضّ سيفي شاتمي بحرام
وقال خفاف:
أرى العباس ينقص كلّ يوم ... ويزعم أنه جهلا يزيد
فلو نقضت عزائمه وزادت ... سلامته لكان كما يريد [2]
ولكنّ المعالم أفسدته ... وخلق [3] في عشيرته زهيد
فعبّاس بن مرداس بن عمرو ... وكذب المرء أقبح ما يفيد
حلفت بربّ مكة والمصلّى ... وأشياخ محلّقة تنود [4]
بأنك من مودّتنا قريب ... وأنت من الذي تهوى بعيد
فأبشر أن بقيت بيوم سوء ... يشيب له من الخوف الوليد
كيومك إذ خرجت تفوق [5] ركضا ... وطار القلب وانتفخ الوريد
فدع قول السّفاهة لا تقله ... فقد طال التّهدّد والوعيد
رأينا من نحاربه شقيّا ... ومن ذا في بني [6] عوف سعيد
وقال خفاف أيضا:
أعبّاس إنّا وما بيننا ... كصدع الزّجاجة لا يجبر
فلست بكف ء لأعراضنا ... وأنت بشتمكنا [7] أجدر
/ ولسنا بأهل لما قلتم ... ونحن بشتمكم أعذر
أراك بصيرا بتلك التي ... تريد وعن غيرها أعور
فقصرك مني رقيق الذّبا ... ب عضب كريهته مبتر
وأزرق في رأس خطّيّة ... إذا هزّ أكعبها تخطر
يلوح السّنان على متنها ... كنار على مرقب تسعر
وزغف دلاص حباها العزيز [8] ... توارثها قبله حمير
فتلك وجرداء خيفانة [9] ... إذا زجر الخيل لا تزجر
إذا ألقت الخيل أذيالها [10] ... فأنت على جريها أقدر
__________
[1] شيعه: بعده، يريد به الغد.
[2] في ف، بيروت: «و لو نقصت عواليه وزادت». وفي هب: «فلو نقصت عرائكه وزادت».
[3] في ب: ولكن المعايب ... وخلف.
[4] تنود: تمايل من النعاس. وفي ب، بيروت: تهود.
[5] في ف، بيروت: تفوت.
[6] في هب، ف. وفي ب، بيروت: يا بني.
[7] في هب: بشتمكها. وفي ب: يشتمكما.
[8] في ب: «كماء الغدير ... توارثه» بدل: «حباها العزيز ... توارثها». والزغف: الدرع الواسعة الطويلة. ودلاص: ملساء لينة.
[9] الخيفانة: السريعة.
[10] في ب: أولادها.
متى يبلل الماء أعطافها ... تبذّ الجياد وما تبهر
أنهنه بالسوط من غربها [1] ... وأقدمها حيث لا ينكر
وأرحضها [2] غير مذمومة ... بلبّاتها العلق الأحمر
أقول وقد شكّ أقرابها [3] ... غدرت ومثلي لا يغدر
وأشهدها غمرات الحروب ... فسيّان تسلم أو تعقر
وقال العباس:
خفاف ألم تر ما بيننا ... يزيد استعارا إذا يسعر
ألم تر أنا نهين التّلا ... دللسائلين وما نعذر [4]
/لأنا نكلّف فوق التي ... يكلّفها الناس لو تخبر
لنا شيم غير مجهولة ... توارثها الأكبر الأكبر
وخيل تكدّس بالدّار عي ... ن تنحر في الرّوع أو تعقر
عليها فوارس مخبورة ... كجنّ مساكنها عبقر
ورجراجة [5] مثل لون النجو ... م لا العزل فيها ولا الحسّر
وبيض سوابغ مسرودة ... مواريث ما أورثت حمير
فقد يعلم الحيّ عند الصّياح ... بأن العقيلة بي تستر
وقد يعلم الحيّ عند الرها ... ن أنّي أنا الشامخ المخطر [6]
وقد يعلم الحيّ عند السؤا ... ل أنّي أجود وأستمطر
فأنّى تعيّرني بالفخار ... فها أنا هذا هو المنكر [7]
صوت
ألا لا أبالي بعد ريّا أوافقت ... نوانا نوى الجيران أم لم توافق
هجان المحيّا حرّة الوجه سربلت ... من الحسن سربالا عتيق البنائق
الشعر لجبهاء الأشجعيّ، والغناء لإسحاق رمل بإطلاق الوتر في مجرى البنصر عن إسحاق.
__________
[1] أنهنه: أكف، والغرب: النشاط والحدة.
[2] ف: وأرجعها.
[3] ف: أقرانها. والأقراب جمع قرب، وهو الخاصرة.
[4] في ب: « ... نهينا البلاد ... وما نغدر».
[5] كتيبة رجراجة: تموج من كثرتها.
[6] في ف:
وقد علم الحي عند النطاح ... أني أنا السابح المطحر
ورواية هب: عند الرهان، والباقي كرواية ف.
[7] في بيروت: «هذا ذيك» بدل «فها أنا».
6 - أخبار جبهاء ونسبه
نسبه
جبهاء لقب غلب عليه، يقال جبهاء وجبيهاء [1] جميعا، واسمه يزيد بن عبيد، ويقال: يزيد بن حميمة بن عبيد بن عقيلة بن قيس بن رويبة بن سحيم بن عبيد بن هلال بن زبيد بن بكر بن أشجع، شاعر بدويّ من مخاليف الحجاز، نشأ وتوفّي في أيام بني أمية، وليس ممّن انتجع الخلفاء بشعره ومدحهم فاشتهر، وهو مقلّ، وليس من معدودي الفحول، ومن الناس من يروي هذه الأبيات لأبي ربيس الثّعلبيّ [2] وليس ذلك بصحيح، وهي في شعر جبهاء موجودة.
لقاؤه بالفرزدق
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال: حدّثنا الزّبير بن بكّار، قال: حدثني عمّي، وأخبرني عليّ بن سليمان الأخفش، قال: حدّثنا أبو الحسن الأحول، عن الطّوسيّ، عن أبي عمرو الشّيبانيّ، قال:
قدم جبيهاء الأشجعيّ البصرة بجلوبة [3] له يريد بيعها، فلقيه الفرزدق بالمربد، فقال: ممّن الرّجل؟ قال: من أشجع، قال: أتعرف شاعرا منكم يقال له جبهاء أو جبيهاء؟ قال: نعم. قال: أفتروي قوله:
أمن الجميع بذي البقاع [4] ربوع ... هاجت فؤادك والرّبوع تروع
قال: نعم، قال: فأنشدنيها، فأنشده قوله منها:
من بعد ما نكرت وغيّر آيها ... قطر ومسبلة الدّموع [5] خريع
/ يا صاحبيّ ألا ارفعا لي آية ... تشفى الصّداع فيذهل المرفوع
ألواح ناجية كأنّ تليلها [6] ... جذع تطيف به الرّقاة منيع
حتى أتى على آخرها، فقال الفرزدق: فأقسم باللّه إنك لجبهاء، أو إنّك لشيطانه.
قال الأخفش في خبره عن أصحابه: الخريع: الذاهبة العقل، شبّه السحابة بها لأنّها لا تتمالك من المطر.
/ أخبرني الحسن بن عليّ قال: حدّثنا أحمد بن عبيد المكتب قال: حدثني عليّ بن الصّباح، عن ابن الكلبيّ، قال:
__________
[1] في ب، هب: جبها وجبيها.
[2] ف، بيروت: لابن دبيس التغلبي. وفي ب، هب: «لابن رئيس الثعلبي»، تحريف. وقال الزبيدي في «التاج» (ربس): أبو الربيس عباد بن طهمة، هكذا بالميم في التكملة، وذكر الحافظ أنه طهفة الثعلبي شاعر من بني ثعلبة بن سعد بن ذبيان، هكذا قاله الصاغاني. وفي «اللسان»: أبو الربيس التغلبي من شعراء تغلب وهو تصحيف، والصواب مع الصاغاني.
[3] الجلوبة: الإبل يحمل عليها متاع القوم.
[4] ف، بيروت: النعاع.
[5] في ف: ومسبلة الذيول.
[6] الناجية: الناقة، والتليل: العنق.
قدم جبيهاء الأشجعيّ المدينة بجلوبة له، فبينا هو يبيعها والفرزدق يومئذ بالمدينة إذ مرّ به، فقال له: ممن أنت؟ قال: من أشجع، قال: أتعرف شاعرا منكم يقال له جبهاء أو جبيهاء؟ قال: نعم، قال: أتروي قصيدته:
ألا لا أبالي بعد ريّا أوافقت ... نوانا نوى الجيران أم لم توافق
قال: نعم. قال: أنشدنيها، فأنشده إيّاها، فقال الفرزدق: أقسم باللّه إنّك لجبيهاء، أو إنك لشيطانه.
هجرته إلى المدينة
أخبرني الحرميّ قال: حدثنا الزّبير، قال: حدثني عمّي، عن سليمان بن عيّاش، قال:
قالت زوجة جبهاء الأشجعيّ له: لو هاجرت بنا إلى المدينة وبعت إبلك وافترضت في العطاء كان خيرا لك، قال: أفعل. فأقبل بها وبإبله حتى إذا كان بحرّة واقم من شرقيّ المدينة، شرّعها بحوض واقم ليسقيها [1]، فحنّت ناقة منها ثم نزعت،/ وتبعتها الإبل، وطلبها ففاتته، فقال لزوجته: هذه إبل لا تعقل، تحنّ إلى أوطانها، ونحن أحقّ بالحنين منها، أنت طالق إن لم ترجعي، وفعل اللّه بك وفعل وردّها وقال:
قالت أنيسة دع بلادك والتمس ... دارا بطيبة ربّة الآطام
تكتب عيالك في العطاء وتفترض ... وكذاك يفعل حازم الأقوام
فهممت ثم ذكرت ليل لقاحنا ... بلوى عنيزة [2] أو بقفّ بشام
إذ هنّ عن حسبي مذاود كلّما ... نزل الظلام بعصبة أغتام [3]
إن المدينة لا مدينة فالزمي ... حقف السّناد وقبّة الأرجام [4]
يحلب [5] لك اللّبن الغريض وينتزع ... بالعيس من يمن إليك وشام
وتجاوري النفر الذين بنبلهم [6] ... أرمي العدوّ إذا نهضت أرامي
الباذلين إذا طلبت تلادهم [7] ... والمانعي ظهري من الغرّام
مجاورته في بني تيم
أخبرني محمد بن خلف وكيع، قال: حدّثني أحمد بن زهير، قال: حدّثني مصعب قال: جاور جبهاء الأشجعيّ في بني تيم، بطن من أشجع، فاستمنحه مولى لهم عنزا، فمنحه/ إيّاها فأمسكها دهرا، فلما طال على جبهاء ألّا يردّها [8]، قال جبهاء:
أمولى بني تيم ألست مؤدّيا ... منيحتنا فيما تردّ المنائح [9]
__________
[1] شرعها: أوردها الماء. واقم: أطم من آطام المدينة.، وحرة واقم إلى جانبه.
[2] اللوى: ما التف من الرمل. والقف: ما ارتفع من الأرض. وعنيزة وبشام: موضعان. وفي ب: «بذوي عنيزة»، تحريف.
[3] الأغتام: الذين لا يفصحون.
[4] في ب: الأرحام.
[5] في ب: يجلب.
[6] في ف: «بنيلهم»، تصحيف.
[7] في ب: «بلادهم»، تصحيف.
[8] ب، هب: ما لا يردها.
[9] المنائح: الهبات.
لها شعر صاف وجيد مقلّص ... وجسم زخاريّ وضرس مجالح [1]
فأرسل إليه التّيميّ يقول:
بلى، سنؤدّيها إليك ذميمة ... لتنكحها إن أعوزتك المناكح
فعمد به جبهاء فنزل، وقال:
لو كنت شيخا من سواة نكحتها ... نكاح يسار عنزه وهي سارح
قال: وهم يعيّرون [2] بنكّاح العنز.
جبهاء وموسى بن زياد
أخبرني وكيع، قال: حدّثني أبو أيّوب المدينيّ، عن مصعب، قال: استطرق جبهاء الأشجعيّ موسى بن زياد الأشجعيّ كبشا [3]، فوعده ثم مطله، فقال جبهاء:
/واعدني الكبش موسى ثم أخلفني ... وما لمثلي تعتلّ الأكاذيب
يا ليت كبشك يا موسى يصادفه ... بين الكراع وبين الوجنة الذّيب
أمسى بذي الغصن أو أمسى بذي سلم ... فقحّمته إلى أبياتك اللّوب [4]
فجاء والحيّ أيقاظ فطاف بهم ... طوفين ثم أقرّته الأحاليب
/ فبات ينظره حرّان منطويا ... كأنه طالب للوتر مكروب
وقام يشتدّ حتى نال غرّته ... طاوي الحشا ذرب الأنياب مذبوب [5]
بغفلة من زريق فاستمرّ به ... ودونه آكم الحقف الغرابيب [6]
سل عنه أرخمة بيضا وأغربة ... سودا لهنّ حنى أطمى سلاهيب [7]
يردين ردي العذارى حول دمنته ... كما يطوف على الحوض المعاقيب
فجاء يحمل قرنيه ويندبه ... فكلّ حيّ إذا ما مات مندوب [8]
صوت
ولها ولا ذنب لها ... حبّ كأطراف الرّماح
في القلب يجرح والحشا ... فالقلب مجروح النّواحي
الشعر لوالبة بن الحباب، والغناء ليزيد، رمل بالوسطى عن الهشاميّ وعمرو، وفيه لسبك [9] الزامر لحن عن ابن خرداذبه.
__________
[1] الزخارى: الكثير الشحم واللحم، والمجالح: الذي يقشر الشجر.
[2] في ف: يعرفون.
[3] استطرق كبشا: طلبه للضراب.
[4] اللوب: العطش.
[5] مذبوب: مجنون.
[6] الحقف: ما أعوج من الرمل. والغرابيب: السود.
[7] أطمى سلاهيب: مرتفع.
[8] انفردت «ف» بالأبيات السبعة الأخيرة.
[9] في ف: لشك الزامر.
7 - أخبار والبة بن الحباب
شاعر عباسي
والبة بن الحباب أسديّ صليبة، كوفيّ، شاعر من شعراء الدولة العباسيّة، يكنى أبا أسامة. وهو أستاذ أبي نواس، وكان ظريفا شاعرا غزلا وصّافا للشراب [1] والغلمان المرد، وشعره في غير ذلك مقارب ليس بالجيّد، وقد هاجى بشّارا وأبا العتاهية، فلم يصنع شيئا وفضحاه، فعاد إلى الكوفة كالهارب، وخمل ذكره بعد.
المهدي يعجب بشعره ولا ينادمه
أخبرني محمد بن مزيد [2] قال: حدثنا حمّاد بن إسحاق، قال: حدثني أبي، وأخبرني محمد بن القاسم الأنباريّ، والحسن بن علي الأدميّ جميعا، عن القاسم بن محمد الأنباريّ قال: حدثنا يعقوب بن عمر، قال:
حدثني أحمد بن سلمان، قال: حدثني أبو عدنان السّلميّ الشاعر، قال:
قال المهدي لعمارة بن حمزة: من أرقّ الناس شعرا؟ قال: والبة بن الحباب الأسديّ، وهو الذي يقول:
ولها ولا ذنب لها ... حبّ كأطراف الرّماح
في القلب يقدح والحشا ... فالقلب مجروح النّواحي
قال: صدقت واللّه، قال: فما يمنعك عن منادمته يا أمير المؤمنين؟ قال: يمنعني قوله:
قلت لساقينا على خلوة ... أدن كذا رأسك من راسي
ونم على صدرك لي ساعة ... إنّي امرؤ أنكح جلّاسي [3]
/أفتريد أن نكون من جلّاسه على هذه الشّريطة!.
قال شعرا في أبي نواس
أخبرني الحسين بن القاسم الكوكبيّ إجازة: حدثني عبد اللّه بن مسلم بن قتيبة، ووجدته في بعض الكتب عن ابن قتيبة وروايته أتمّ، فجمعتهما، قال:
حدّثني الدّعلجيّ غلام أبي نواس، قال: أنشدت يوما بين يدي أبي نواس قوله:
يا شقيق النفس من حكم ... نمت عن ليلي [4] ولم أنم
__________
[1] في «التجريد»: للخمر.
[2] في ف، بيروت: محمد بن الحسن بن دريد.
[3] في ب، هب، بيروت: حلاسيا. وقبلها: من راسيا.
[4] في ب: عن عيني.
وكان قد سكر، فقال: أخبرك بشيء على أن تكتمه؟ قلت: نعم، قال: أتدري من المعنيّ بقوله: يا شقيق النفس من حكم؟ قلت: لا، قال: أنا واللّه المعنيّ بذلك، والشعر لوالبة بن الحباب، قال: وما علم بذلك غيرك وأنت أعلم، فما حدّثت بهذا حتى مات.
قال: وقال الجاحظ: كان والبة بن الحباب، ومطيع بن إياس، ومنقذ بن عبد الرحمن الهلاليّ، وحفص بن أبي وردة، وابن/ المقفّع، ويونس بن أبي فروة، وحمّاد بن عجرد، وعليّ بن الخليل، وحمّاد بن أبي ليلى الراوية، وابن الزّبرقان [1]، وعمارة بن حمزة، ويزيد بن الفيض، وجميل بن محفوظ، وبشّار المرعّث [2]، وأبان اللّاحقيّ ندماء، يجتمعون على الشراب وقول الشعر ولا يكادون يفترقون، ويهجو بعضهم بعضا هزلا وعمدا، وكلهم متّهم في دينه.
والبة وأبو العتاهية يتهاجيان
أخبرني محمد بن يحيى الصّوليّ، قال: حدثنا محمد بن موسى بن حمّاد، قال: حدثني/ محمد بن القاسم، قال: حدثني إسحاق بن إبراهيم بن محمد السالميّ الكوفيّ التّيميّ، قال: حدثني محمد بن عمر الجرجانيّ، قال:
رأيت أبا العتاهية جاء إلى أبي، فقال له: إن والبة بن الحباب قد هجاني، ومن أنا منه؟ أنا جرّار مسكين، وجعل يرفع من والبة ويضع من نفسه، فأحبّ أن تكلمه أن يمسك عنّي. قال: فكلم أبي والبة، وعرّفه أن أبا العتاهية جاءه وسأله ذلك، فلم يقبل وجعل يشتم أبا العتاهية، فتركه، ثم جاء أبو العتاهية فسأله عما عمل في حاجته، فأخبره بما ردّ عليه والبة، فقال لأبي: لي الآن إليك حاجة، قال: وما هي؟ قال: لا تكلمني في أمره، قال: قلت له: هذا أوّل [3] ما يجب لك، قال: فقال: أبو العتاهية يهجوه:
أوالب أنت في العرب ... كمثل الشّيص في الرّطب
هلمّ إلى الموالي الصّي ... د في سعة وفي رحب
فأنت بنا لعمر اللّ ... ه أشبه منك بالعرب
غضبت عليك ثم رأي ... ت وجهك فانجلى غضبي
لما ذكّرتني من لون أج ... دادي ولون أبي
فقل ما شئت أقبله [4] ... وإن أطنبت في الكذب
لقد أخبرت عنك وعن ... أبيك الخالص العربي
فقال العارفون به ... مصاص غير مؤتشب [5]
__________
[1] ف، بيروت: «و حماد بن الزبرقان»، تصحيف.
[2] في ب، س، هب: «المرغث». وسمي المرعث لبيت قاله، وهو:
قال ريم مرعث ... ساحر الطرف والنظر
وانظر الأغاني 3 - 140 ط. دار الكتب.
[3] ف، هب، بيروت: أقل ما يجب لك.
[4] في ف: «أحمله».
[5] المصاص: الخالص من كل شيء. وغير مؤتشب: غير مختلط.
/
أتانا من بلاد الرّو ... م معتجرا [1] على قتب
خفيف الحاذ [2] كالصّمصا ... م أطلس غير ذي نشب
أوالب ما دهاك وأن ... ت في الأعراب ذو نسب
أراك ولدت بالمرّي ... خ يابن سبائك الذهب
فجئت أقيشر الخدّي ... ن أزرق عارم الذّنب
لقد أخطأت في شتمي ... فخبّرني ألم أصب
وقال في والبة أيضا:
نطقت بنو أسد ولم تجهر ... وتكلّمت خفيا [3] ولم تظهر
وأما وربّ البيت لو نطقت ... لتركتها وصباحها أغبر
أيروم شتمي منهم رجل ... في وجهه عبر لمن فكّر
وابن الحباب صليبة زعموا ... ومن المحال صليبة أشقر
/ ما بال من آباؤه عرب الأل ... وان يحسب من بني قيصر
أترون أهل البدو قد مسخوا ... شقرا أما هذا من المنكر
وقال: وأول هذه القصيدة:
صرّح بما قد قلته واجهر ... لابن الحباب وقل ولا تحصر
ما لي رأيت أباك أسود غر ... بيب القذال كأنه زرزر [4]
وكأنّ وجهك حمرة رئة ... وكأنّ رأسك طائر أصفر
/ قال: وبلغ الشعر والبة، فجاء إلى أبي فقال: قد كلمتني في أبي العتاهية، وقد رغبت في الصّلح، قال له أبي:
هيهات إنه قد أكّد عليّ إن لم تقبل [5] ما طلب أن أخلّي بينك وبينه، وقد فعلت، فقال له والبة: فما الرأي عندك؟ فإنه فضحني [6]، قال: تنحدر إلى الكوفة، فركب زورقا ومضى من بغداد إلى الكوفة، وأجود ما قاله والبة في أبي العتاهية قوله:
كان فينا يكنى أبا إسحاق ... وبها الرّكب سار في الآفاق
فتكنّى معتوهنا بعتاه ... يا لها كنية أتت باتفاق
خلق اللّه لحية لك لا تن ... فكّ معقودة لدى الحلّاق
وله فيه، وهو ضعيف سخيف من شعره:
قل لابن بائعة القصار [7] ... وابن الدّوارق والجرار
__________
[1] معتجرا: معتما.
[2] الحاذ: الظهر. وخفيف الحاذ: قليل المال. وفي ف: خفيف الحال.
[3] في ف: تكلمت حينا.
[4] الغربيب: الأسود. والقذال: جماع مؤخر الرأس، أو: ما بين نقرة القفا إلى الأذن. والزرزر: طائر من نوع العصفور؛ سمي بذلك لزرزرته، أي تصويته، وفي هب: «زوزر».
[5] في ب، س، بيروت: «ألّا يقبل ما طلب وأن أخلي».
[6] في ب: فقال له والبة: فما الرأي عندك؟ فقال: «فضحني»، تحريف.
[7] في ف، بيروت: التغار بدل القصار. والتغار: الإجانة.
تهوى عتيبة ظاهرا ... وهواك في أير الحمار
تهجو مواليك الألى ... فكّوك من ذلّ الإسار
والبة وعلي بن ثابت
أخبرني عمّي، قال: حدّثني أحمد بن أبي طاهر قال: حدّثني ابن أبي فنن، قال:
كان والبة بن الحباب خليلا لعليّ بن ثابت، وصديقا ودودا، وفيه يقول:
حيّ بها والبة المصطفى ... حيّ كريما وابن حرّ هجان
وقاسما نفسي فدت قاسما ... من حدث الموت وريب الزّمان
/ قال: ولمّا مات والبة رثاه، فقال:
بكت البريّة قاطبه ... جزعا لمصرع والبه
قامت لموت أبي أسا ... مة في الرّفاق النّادبة
يقصد أبا بجير الأسدي بالأهواز ويلتقي بأبي نواس
قال: وكان والبة أستاذ أبي نواس، وعنه أخذ ومنه اقتبس، قال: وكان والبة قد قصد أبا بجير الأسديّ وهو يتولّى للمنصور الأهواز، فمدحه وأقام عنده، فألفى أبا نواس هناك وهو أمرد، فصحبه وكان حسن الوجه، فلم يزل معه، فيقال: إنه كشف ثوبه ليلة فرأى حمرة أليتيه وبياضهما، فقبّلهما فضرط عليه أبو نواس، فقال له: لم فعلت هذا ويلك، قال: لئلّا يضيع قول القائل: ما جزاء من يقبّل الإست إلا ضرطة.
والبة وأبو سلهب الشاعر
أخبرني محمّد بن العبّاس اليزيديّ، قال: حدّثني عمّي الفضل، قال: حدّثني أبو سلهب الشاعر، قال:
كان والبة بن الحباب صديقي، وكان ماجنا طبعا، خفيف الرّوح، خبيث الدّين، وكنا ذات يوم نشرب بغمّى، فانتبه/ يوما من سكره، فقال لي: يا أبا سلهب، اسمع، ثم أنشدني، قال:
شربت وفاتك مثلي جموح ... بغمّى بالكؤوس وبالبواطي [1]
يعاطيني الزّجاجة أريحيّ ... رخيم الدّلّ بورك من معاطي
أقول له على طرب: ألطني ... ولو بمؤاجر علج نباطي
فما خير الشّراب بغير فسق ... يتابع بالزّناء وباللّواط [2]
/جعلت الحجّ في غمّى وبنّا [3] ... وفي قطربّل أبدا رباطي
فقل للخمس آخر ملتقانا ... إذا ما كان ذاك على الصّراط
يعني الصّلوات.
قال: وحدثني أنه كان ليلة نائما وأبو نواس غلامه إلى جانبه نائم إذ أتاه آت في منامه، فقال له: أتدري من
__________
[1] البواطي جمع باطية: إناء من زجاج يملأ من الشراب، ويوضع بين الشرب يغترفون منه.
[2] في ب، س: «يتابعه زناء أو لواط»، ويكون في الشعر إقواء.
[3] غمى وبنا: قريتان من نواحي بغداد («معجم البلدان»).
هذا النائم إلى جانبك؟ قال: لا، قال: هذا أشعر منك وأشعر من الجنّ والإنس، أما واللّه لأفتننّ بشعره الثّقلين ولأغرينّ به أهل المشرق والمغرب، قال: فعلمت أنّه إبليس، فقلت له: فما عندك؟ قال: عصيت ربّي في سجدة فأهلكني، ولو أمرني أن أسجد له ألفا لسجدت.
حكم الوادي يغني شعر والبة
أخبرني الحسين [1] بن يحيى قال: حدثنا حمّاد بن إسحاق، قال:
قرأت على أبي عن أبيه أنّ حكم الوادي أخبره أنّه دخل على محمّد بن العبّاس يوما بالبصرة وهو يتململ خمارا، وبيده كأس وهو يجتهد في شربها فلا يطيقه، وندماؤه بين يديه في أيديهم أقداحهم، وكان يوم نيروز [2]، فقال لي: يا حكم غنّني فإن أطربتني فلك كلّ ما أهدي إليّ اليوم [3] قال: وبين يديه من الهدايا أمر عظيم، فاندفعت أغنّي في شعر والبة بن الحباب:
صوت
قد قابلتنا الكؤوس ... ودابرتنا النّحوس [4]
/و اليوم هرمزروز [5] ... قد عظّمته المجوس
لم نخطه في حساب ... وذاك ممّا نسوس
فطرب واستعاده، فأعدته ثلاث مرّات، فشمّرت قدحه [6] واستمرّ في شربه، وأمر بحمل كل ما كان بين يديه إليّ، فكانت قيمته ثلاثين ألف درهم.
لحن حكم الوادي في هذا الشعر هزج بالبنصر عن الهشاميّ وإبراهيم وغيرهما.
صوت
لقد زاد الحياة إليّ حبّا ... بناتي إنّهنّ من الضّعاف
مخافة أن يذقن البؤس بعدي ... وأن يشربن رنقا بعد صاف
وأن يرين إن كسي الجواري ... فيبدي الصّرّ عن هزل عجاف [7]
ولولاهنّ قد سوّمت مهري ... وفي الرّحمان للضّعفاء كاف
الشعر لعمران بن حطان فيما ذكر أبو عمرو الشّيبانيّ، وذكر المدائنيّ أنّه لعيسى الحبطيّ، وكلاهما من الشّراة، والغناء لمحمّد بن الأشعث الكوفيّ، خفيف رمل بالوسطى من رواية عمرو بن بانة.
__________
[1] في ب، ما: الحسن.
[2] النيروز عند الفرس: أول يوم من أيام السنة الشمسية.
[3] في ب: «فلك كل ما يهدي إلى اليوم».
[4] ف: وأدبرتنا.
[5] في ب، س: «و اليوم هو نيروز».
[6] شعرت: خففت بالماء. وفي ب، بيروت، هب: «فشرب».
[7] في ب، ف: «كوم عجاف». چ وفي هب، بيروت: «كرم عجاف».
8 - أخبار عمران بن حطان ونسبه
نسبه
هو عمران بن حطّان، بن ظبيان بن لوذان، بن عمرو، بن الحارث، بن سدوس، بن شيبان، بن ذهل، ابن ثعلبة، بن عكابة، بن صعب، بن عليّ، بن بكر، بن وائل.
من شعراء الشراة
وقال ابن الكلبيّ: هو عمران، بن حطّان، بن ظبيان، بن معاوية، بن الحارث، بن سدوس [1]. ويكنى أبا شهاب [2]. شاعر فصيح من شعراء الشّراة [3] ودعاتهم والمقدّمين في مذهبهم، وكان من القعدة [4]؛ لأن عمره طال فضعف عن الحرب وحضورها، فاقتصر على الدّعوة والتحريض بلسانه.
من رواة الحديث
كان قبل أن يفتن بالشّراة مشتهرا بطلب العلم والحديث، ثم بلي بذلك المذهب فضلّ وهلك، لعنه اللّه، وقد أدرك صدرا من الصحابة، وروى عنهم، وروى عنه أصحاب الحديث. فما روي عنه ما أخبرنا به محمد بن العباس اليزيديّ، قال: حدّثنا الرّياشيّ، قال: حدثنا أبو الوليد الطّيالسيّ، عن أبي عمرو بن العلاء، عن أبي صالح بن سرح اليشكريّ، عن عمران بن حطّان قال:
كنت عند عائشة فتذاكروا القضاة، فقالت: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم: «يؤتى بالقاضي العدل، فلا يزال به ما يرى من شدّة الحساب، حتى يتمنى أنّه لم يقض بين اثنين في تمرة».
وكان أصله من البصرة، فلما اشتهر بهذا المذهب طلبه الحجّاج، فهرب إلى الشأم، فطلبه عبد الملك، فهرب إلى عمان، وكان ينتقل إلى أن مات في تواريه.
تزوج امرأة من الشراة فأضلته
أخبرني محمّد بن عمران الصّيرفي، قال: حدّثنا الحسن بن عليل العنزيّ، قال: حدّثنا منيع بن أحمد السّدوسيّ، عن أبيه، عن جده، قال:
كان عمران بن حطّان من أهل السّنّة والعلم، فتزوّج امرأة من الشّراة من عشيرته، وقال: أردّها عن مذهبها إلى الحق، فأضلّته وذهبت به.
__________
[1] ف: « ... بن ظبيان بن سعد بن معاوية بن سدوس».
[2] في ب، بيروت، «المختار»: «و يكنى أبا سماك».
[3] الشراة: الخوارج، سموا بذلك لقولهم: إننا شرينا أنفسنا في طاعة اللّه، أي بعناها بالجنة حين فارقنا الأئمة الجائرة.
[4] القعدة: العاجزون.
طلبه الحجاج فهرب منه إلى الشام
وأخبرني بخبره في هربه من الحجاج عمر بن عبد اللّه بن جميل العتكيّ، ومحمد بن العباس اليزيديّ، قالا:
حدثنا الرّياشيّ، قال: حدثنا الحكم بن مروان، قال: حدثنا الهيثم بن عديّ قال:
طلب الحجّاج عمران بن حطّان السّدوسيّ، وكان من قعدة الخوارج، فكتب فيه إلى عمّاله وإلى عبد الملك.
وأخبرني بهذا الخبر أيضا الحسن بن عليّ الخفّاف، ومحمد بن عمران الصيرفيّ، قالا: حدثنا العنزيّ، قال:
حدّثنا محمد بن عبد الرحمن بن عبد الصّمد الدّارع، قال: حدّثنا أبو عبيدة معمر بن المثنّى، عن أخيه يزيد بن المثنّى: أن عمران بن حطّان خرج هاربا من الحجاج، فطلبه، وكتب فيه إلى عمّاله وإلى عبد الملك، فهرب ولم يزل يتنقّل في أحياء العرب، وقال في ذلك:
حللنا في بني كعب بن عمرو ... وفي رعل [1] وعامر عوثبان
وفي جرم وفي عمرو بن مرّ ... وفي زيد وحيّ بني الغدان
عمران وروح بن زنباع
ثم لحق بالشأم فنزل بروح بن زنباع الجذاميّ، فقال له روح: ممّن أنت؟ قال: من الأزد، أزد السّراة [2]، قال: وكان روح يسمر عند عبد الملك فقال له ليلة: يا أمير المؤمنين إنّ في أضيافنا رجلا ما سمعت منك حديثا قط إلّا حدّثني به وزاد فيما/ ليس عندي قال: ممّن هو؟ قال: من الأزد، قال: إني لأسمعك تصف صفة عمران بن حطّان؛ لأنني سمعتك تذكر لغة نزاريّة [3] وصلاة وزهدا ورواية وحفظا، وهذه صفته، فقال روح: وما أنا وعمران! ثم دعا بكتاب/ الحجاج فإذا فيه:
أما بعد، فإنّ رجلا من أهل الشّقاق والنّفاق، قد كان أفسد عليّ أهل العراق وحبّبهم بالشّراية [4]، ثم إني طلبته، فلما ضاق عليه عملي تحوّل إلى الشام، فهو ينتقل في مدائنها، وهو رجل ضرب [5] طوال أفوه أروق [6]، قال: قال روح: هذه واللّه صفة الرجل الذي عندي. ثم أنشد عبد الملك يوما قول عمران يمدح عبد الرحمن بن ملجم - لعنه اللّه - بقتله عليّ بن أبي طالب، صلوات اللّه عليه:
يا ضربة من كريم ما أراد بها ... إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا
إني لأفكر فيه ثم أحسبه ... أوفى البريّة عند اللّه ميزانا
ثم قال عبد الملك: من يعرف منك قائلها؟ فسكت القوم جميعا، فقال لروح: سل ضيفك عن قائلها، قال:
نعم أنا سائله [7]، وما أراه يخفى على ضيفي ولا سألته عن شيء قطّ فلم أجده إلّا عالما به. وراح روح إلى
__________
[1] في «المختار»: عك. وفي ف: عتك، تحريف، ورعل: قبيلة من سليم.
[2] في ب، هب، ف: الشراة. وفي «المختار» أزد شنوءة.
[3] في ف، «المختار»، «التجريد»: فزارية.
[4] في هب، «المختار» وحببهم بالشراة.
[5] الضرب: الخفيف اللحم.
[6] الأروق: الطويل الأسنان. وفي ب، هب، بيروت: «أزرق».
[7] في ب: «أنا سائلهم».
أضيافه، فقال: إنّ أمير المؤمنين سألنا عن الذي يقول:
يا ضربة من كريم ما أراد بها ... ... ... ... ...
ثم ذكر الشعر، وسألهم عن قائله، فلم يكن عند أحد منهم علم، فقال له عمران:/ هذا قول عمران بن حطّان في ابن ملجم قاتل عليّ بن أبي طالب، قال: فهل فيها غير هذين البيتين تفيدنيه؟ قال:
نعم:
للّه درّ المراديّ الذي سفكت ... كفّاه مهجة شرّ الخلق إنسانا
أمسى عشيّة غشّاه بضربته ... ممّا جناه من الآثام عريانا
- صلوات اللّه على أمير المؤمنين، ولعن اللّه عمران بن حطان وابن ملجم - فغدا روح فأخبر عبد الملك، فقال: من أخبرك بذلك، فقال: ضيفي، قال: أظنّه عمران بن حطّان، فأعلمه أنّي قد أمرتك أن تأتيني به، قال:
أفعل، فراح روح إلى أضيافه فأقبل على عمران، فقال له: إني ذكرتك لعبد الملك، فأمرني أن آتيه بك، قال: كنت أحبّ ذلك منك، وما منعني من ذكره إلا الحياء منك، وأنا متّبعك، فانطلق. فدخل روح على عبد الملك، فقال له:
أين صاحبك؟ فقال: قال لي: أنا متّبعك، قال: أظنّك واللّه سترجع فلا تجده، فلما رجع روح إلى منزله إذا عمران قد مضى، وإذا هو قد خلّف رقعة في كوّة عند فراشه، وإذا فيها يقول:
يا روح كم من أخي مثوى نزلت به ... قد ظنّ طنّك من لخم وغسّان
حتى إذا خفته فارقت منزله ... من بعد ما قيل: عمران بن حطّان
قد كنت ضيفك حولا لا تروّعني ... فيه الطوارق من إنس ولا جان
حتى أردت بي العظمى فأوحشني ... ما أوحش الناس من خوف ابن مروان
فاعذر أخاك ابن زنباع فإنّ له ... في الحادثات هنات ذات ألوان
يوما يمان إذا لاقيت ذا يمن ... وإن لقيت معدّيا فعدناني
لو كنت مستغفرا يوما لطاغية ... كنت المقدّم في سرّي وإعارني
لكن أبت ذاك آيات مطهّرة ... عند التّلاوة في طه وعمران
نزوله بزفر بن الحارث ثم خروجه من عنده
قال: ثم أتى عمران بن حطّان الجزيرة، فنزل بزفر بن الحارث الكلابي بقرقيسيا، فجعل شباب/ بني عامر يتعجّبون من صلاته وطولها، وانتسب لزفر أوزاعيّا، فقدم على زفر رجل من أهل الشام قد كان رأى عمران بن حطّان بالشام عند روح بن زنباع، فصافحه وسلّم عليه، فقال زفر للشّامي: أتعرفه؟ قال: نعم، هذا شيخ من الأزد، فقال له زفر: أزديّ مرّة وأوزاعيّ أخرى! إن كنت خائفا آمنّاك، وإن كنت عائلا أغنيناك، فقال: إن اللّه هو المغني، وخرج من عنده وهو يقول:
إن الّتي أصبحت يعيا بها زفر ... أعيت عياء على روح بن زنباع [1]
أمسى يسائلني حولا لأخبره ... والناس من بين مخدوع وخدّاع
__________
[1] في «المختار» «عيت عياء» وفي ب، س: « ... يعني بها زفر ... أعيت عناء .. ».
حتى إذا انجذمت منّي حبائله ... كفّ السّؤال ولم يولع بإهلاعي [1]
فاكفف كما كفّ روح إنّني رجل ... إمّا صريح وإمّا فقعة القاع [2]
أمّا الصّلاة فإني غير تاركها ... كلّ امرىء للّذي يعنى به ساعي
فاكفف لسانك عن هزّي ومسألتي ... ماذا تريد إلى شيخ لأوزاع!
أكرم بروح بن زنباع وأسرته ... قوما دعا أوّليهم للعلا داعي
جاورتهم سنة فيما دعوت به ... عرضي صحيح ونومي غير تهجاع
فاعمل فإنك منعيّ بحادثة ... حسب اللّبيب بهذا الشيب من ناعي
هروبه من الحجاج إلى روذ ميسان ووفاته بها
ثم خرج فنزل بعمان بقوم يكثرون ذكر أبي بلال مرداس بن أديّة، ويثنون عليه ويذكرون فضله، فأظهر فضله ويسّر أمره عندهم، وبلغ الحجاج مكانه، فطلبه، فهرب فنزل في روذميسان - طسّوج من طساسيج السّواد إلى جانب الكوفة - فلم يزل به حتى مات، وقد كان نازلا هناك على رجل من الأزد، فقال في ذلك:
نزلت بحمد اللّه في خير أسرة ... أسرّ بما فيهم من الإنس والخفر
نزلت بقوم يجمع اللّه شملهم ... وما لهم عود سوى المجد يعتصر
من الأزد إنّ الأزد أكرم أسرة ... يمانية قربوا [3] إذا نسب البشر
قال اليزيديّ: الإنس بالكسر: الاستئناس. وقال الرّياشي: أراد قربوا فخفّف، قال:
وأصبحت فيهم آمنا لا كمعشر ... بدوني [4] فقالوا من ربيعة أو مضر
أو الحيّ قحطان وتلك سفاهة ... كما قال لي روح وصاحبه زفر
وما منهم إلا يسرّ بنسبة ... تقرّبني [5] منهم وإن كان ذا نفر
فنحن بنو الإسلام واللّه واحد [6] ... وأولي عباد اللّه باللّه من شكر
أخبرنا اليزيديّ قال: حدثنا الرّياشيّ قال: حدّثنا الأصمعيّ عن المعتمر بن سليمان قال:
كان عمران بن حطّان رجلا من أهل السنة، فقدم عليه غلام من عمان كأنه نصل، فقلبه عن مذهبه في مجلس واحد.
/ أخبرني اليزيديّ، قال: حدثنا الرّياشيّ، قال: حدّثنا مسدّد بن مسرهد، قال: حدّثنا بشر بن المفضّل، عن سلمة [7] بن علقمة، عن محمد بن سيرين، وأخبرني الحسن بن عليّ، قال: حدثنا الحسن [8] بن عليل العنزيّ،
__________
[1] الإهلاع: الإفزاع والترويع.
[2] يقال لمن لا أصل له: هو فقعة القاع.
[3] في «المختار»: «تعلو».
[4] في بيروت: «أتوني». وفي «المختار»: «بدوا بي».
[5] في ب: «تصيرني».
[6] في «المختار»: «و اللّه ربنا».
[7] في ب، س: «مسلم».
[8] في ب: «الحسين»، تحريف.
قال: حدثنا عمرو بن عليّ القلّاس،/ وعباس العنبريّ، ومحمد بن عبد اللّه المخزوميّ، قالوا: حدّثنا عبد الرحمن ابن مهديّ، عن بشر بن المفضّل، عن سلمة بن علقمة، عن محمد بن سيرين، قال:
تزوّج عمران بن حطّان امرأة من الخوارج فقيل له فيها، فقال: أردّها عن مذهبها فذهبت هي به.
خارجي يتخلف عن الخروج ويتمثل بشعر لعمران
نسخت عن بعض الكتب: حدّثنا المدائنيّ، عن جويرية قال:
كتب عيسى الحبطيّ إلى رجل منهم يقال له أبو خالد، كان تخلّف عن الخروج مع قطريّ أو غيره منهم:
أبا خالد أنفر فلست بخالد ... وما ترك الفرقان عذرا لقاعد
أتزعم أنّا الخارجون على الهدى [1] ... وأنت مقيم بين لصّ وجاحد!
فكتب إليه: ما منعني عن الخروج إلّا بناتي والحدب [2] عليهن حين سمعت عمران بن حطّان يقول:
لقد زاد الحياة إليّ حبّا ... بناتي إنّهن من الضّعاف
ولو لا ذاك قد سوّمت مهري ... وفي الرّحمن للضّعفاء كاف
/ قال: فجلس عيسى يقرأ الأبيات ويبكي، ويقول: صدق أخي، إنّ في ذلك لعذرا له، وإنّ في الرحمن للضعفاء كافيا.
الأخطل يرى أن عمران أشعر الشعراء
وقال هارون: أخذت من خط أبي عدنان: أخبرني أبو ثروان الخارجيّ، قال: سمعت أشياخ الحيّ يقولون:
اجتمعت الشعراء عند عبد الملك بن مروان فقال لهم: أبقي أحد أشعر منكم؟ قالوا: لا. فقال الأخطل:
كذبوا يا أمير المؤمنين، قد بقي من هو أشعر منهم، قال: ومن هو؟ قال عمران بن حطّان، قال: وكيف صار أشعر منهم؟ قال: لأنه قال وهو صادق ففاتهم، فكيف لو كذب كما كذبوا!.
الحجاج يتحصن من غزالة الحرورية وعمران يتهكم عليه
أخبرنا الحسن بن عليّ قال: حدثنا ابن مهرويه عن ابن أبي سعد، عن أحمد بن محمد بن عليّ بن حمزة الخراسانيّ، عن محمد بن يعقوب بن عبد الوهاب، عن يحيى بن عباد بن عبد اللّه بن الزبير، عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن القارى ء، عن الزّهريّ، عن أبيه:
أنّ غزالة الحروريّة [3]، لما دخلت على الحجاج هي وشبيب الكوفة، تحصّن منها وأغلق عليه قصره، فكتب إليه عمران بن حطّان، وقد كان الحجاج لجّ في طلبه، قال:
أسد عليّ وفي الحروب نعامة ... ربداء تجفل من صفير الصافر [4]
هلّا برزت إلى غزالة في الوغى ... بل كان قلبك في جناحي طائر
__________
[1] في هب، ب، «التجريد»: «أتزعم أن الخارجين على الهدى».
[2] في ب، هب: «و الحرب».
[3] الحرورية: فرقة من الخوارج ينسبون إلى حروراء: قرية بقرب الكوفة، كان أول اجتماعهم بها وتعمقوا في أمر الدين حتى مرقوا منه.
[4] ربداء: مقيمة. تجفل: تهرب.
صدعت غزالة قلبه بفوارس ... تركت مدابره كأمس الدّابر
ثم لحق بالشام فنزل على روح بن زنباع.
عمران يصير حروريّا
أخبرنا محمد بن العبّاس اليزيديّ، قال: حدّثنا محمد بن خالد أبو حرب، قال: حدثنا محمد بن عبّاد المهلبيّ، قال: حدثنا جرير بن حازم، قال:
كان عمران بن حطّان أشدّ الناس خصومة للحروريّة حتى لقيه أعرابيّ حروريّ فخاصمه فخصمه فصار عمران حروريّا، ورجع عن رأيه.
قال جرير بن حازم: كان الفرزدق يقول: لقد أحسن بنا ابن حطّان حيث لم يأخذ فيما أخذنا فيه، ولو أخذ فيما أخذنا فيه لأسقطنا؛ يعني لجودة شعره.
لا يقول أحد من الشعراء شعرا إلا نسب إليه لشهرته
نسخت من كتاب ابن سعد قال: أخبرني الحسن بن عليل العنزيّ، قال: أخبرني أحمد/ بن عبد اللّه بن سويد بن منجوف السّدوسيّ، قال: أخبرني أحمد بن مؤرّج، عن أبيه قال: حدثني به تميم بن سوادة، وهو ابن أخت مؤرّج، قال: حدثني أبو العوّام السّدوسيّ، قال:
كان مالك المذموم [1] رجلا من بني عامر بن ذهل، وكان من الخوارج، وكان الحجّاج يطلبه. قال أبو العوّام: فدخلت عليه يوما وهو في تواريه، فأنشدني يقول:
ألم يأن لي يا قلب أن أترك الصّبا ... وأن أزجر النفس اللّجوج عن الهوى
وما عذر من يعمى وقد شاب رأسه ... ويبصر أبواب الضّلالة والهدى
ولو قسم الذّنب الذي قد أصبته ... على النّاس خاف النّاس كلّهم الرّدى
فإن جنّ ليل كنت باللّيل نائما [2] ... وأصبح بطّال العشيّات والضّحى
قال: فلما فرغ من إنشادها قال: سيغلبني عليها صاحبكم، يعني عمران بن حطّان، فكان كذلك، لمّا شاعت رواها الناس لعمران، وكان لا يقول أحد من الشّعراء شعرا إلّا نسب إليه لشهرته إلّا من كان مثله في الشّهرة مثل قطريّ/ وعمرو القنا [3] وذويهما، قال: ثم هرب إلى اليمامة من الحجّاج، فنزل بحجر، فأتاه آل حكّام الحنفيّون [4]، فقال:
طيّروني من البلاد وقالوا ... مالك النّصف [5] من بني حكّام
ناق سيري قد جدّ حقّا [6] بنا السّ ... ير وكوني جوّالة في الزّمام
__________
[1] في بيروت: المزموم. وفي ب: المرموم.
[2] في هب: « ... كنت بالليل قائما». وفي ب، بيروت: «و إن جن ليل كان بالليل نائما».
[3] في ب: «عمرو الغناء».
[4] في ب: «فأداه إلى بني حكام الحنفيون»، تحريف.
[5] النصف «بكسر النون وتفتح وتضم»: اسم بمعنى الإنصاف.
[6] في ب: قد جد خفيّا.
فمتى تعلقي [1] يد الملك الأس ... ود تستيقني بألّا تضامي
قد أراني ولي من الحاكم النّص ... ف بحدّ السّنان أو بالحسام
قال: والملك الأسود إبراهيم بن عربيّ والي اليمامة لعبد الملك، وكان ابن حكّام على شرطته قال:
ومنينا بطمطم [2] حبشيّ ... حالك الوجنتين من آل حام
لا يبالي إذا تضلّع خمرا ... أبحلّ رماك أم بحرام [3]
قال العنزيّ: فأخبرني محمد بن إدريس بن سليمان بن أبي حفصة، عن أبيه، قال: كان مالك المذموم من أحسن الناس قراءة للقرآن، فقرأ ذات ليلة فسمعت قراءته امرأة من آل حكّام [4] فرمت بنفسها من فوق سطح كانت عليه، فسمع الصوت أهلها، فأتوه فضربوه ضربات، فاستعدى عليهم إبراهيم بن عربيّ، وكان عبد اللّه/ بن حكّام على شرطته فلم يعده [5] عليهم، فهجاه بالأبيات الماضية، وهجاه بقصيدته التي أوّلها:
دار سلمى بالجزع ذي الآطام ... خبّرينا سقيت صوب الغمام
وهي طويلة ينسبونها أيضا إلى عمران بن حطّان.
الفرزدق يعترف بتفوقه ونبوغه
أخبرني أحمد بن الحسين الأصبهانيّ ابن عمّي قال: حدّثني أبو جعفر بن رستم الطبريّ النّحويّ، قال: حدثنا أبو عثمان المازنيّ، قال: حدّثنا عمرو بن مرّة [6]، قال:
مرّ عمران بن حطّان على الفرزدق وهو ينشد والناس حوله، فوقف عليه، ثم قال:
أيّها المادح العباد ليعطى ... إنّ للّه ما بأيدي العباد
فاسأل اللّه ما طلبت إليهم ... وارج فضل المقسّم العوّاد
/ لا تقل في الجواد ما ليس فيه ... وتسمّي البخيل باسم الجواد
فقال الفرزدق: لو لا أنّ اللّه عز وجل شغل عنا هذا برأيه للقينا منه شرّا.
مسلمة بن عبد الملك يبكيه شعر لعمران
وقال هارون بن الزّيّات: أخبرني عبد الرحمن بن موسى الرّقيّ، قال: حدّثنا أحمد بن محمّد بن حميد بن سليمان بن حفص بن عبد اللّه بن أبي جهم بن حذيفة بن غانم العدويّ [7]، قال: حدثنا يزيد بن مرة، عن أبي عبيدة معمر بن المثنى عن عيسى بن يزيد بن بكر المدنيّ، قال:
اجتمع عند مسلمة بن عبد الملك ناس من سمّاه، فيهم عبد اللّه بن عبد الأعلى الشّاعر، فقال مسلمة: أيّ بيت
__________
[1] في ب: «تلقني». وفي هب: «نلتقي»، وسقط البيت الثاني منها.
[2] رجل طمطم كزبرج: في لسانه عجمة.
[3] تضلع: امتلأ. وفي ف، بيروت: «بحلال رماك ... ».
[4] في ب: «من آل حام».
[5] لم يعده: لم ينصره.
[6] في ب، هب: «عمرو بن ترمذة».
[7] في ب: « ... بن سديفة بن هاشم العدوي» بدلا من «حذيفة بن غانم العدوي».
قالته العرب أوعظ وأحكم؟ فقال له عبد اللّه قوله:
صبا ما صبا حتى علا الشّيب رأسه ... فلما علاه قال للباطل ابعد
/ فقال مسلمة: إنّه واللّه ما وعظني شعر قطّ كما وعظني شعر ابن حطّان حيث يقول:
فيوشك يوم أن يقارن ليلة ... يسوقان حتفا راح نحوك أو غدا
فقال بعض من حضر: واللّه لقد سمعته أجّل الموت ثم أفناه، وما صنع هذا غيره، فقال مسلمة: وكيف ذاك؟
قال: قال:
لا يعجز الموت شيء دون خالقه ... والموت فان إذا ما ناله الأجل
وكلّ كرب أمام الموت متّضع ... للموت، والموت فيما بعده جلل
فبكى مسلمة حتى اخضلّت لحيته، ثم قال: ردّدهما عليّ، فردّدهما عليه حتى حفظهما.
أخبرني الحسن بن عليّ، قال: حدثنا الحسن بن عليل العنزيّ، قال: حدثنا منيع بن أحمد بن مؤرّج السّدوسيّ، عن أبيه، عن جدّه، قال:
تزوج عمران بن حطّان حمزة بنت عمه ليردّها عن مذهب الشّراية، فذهبت به إلى رأيهم، فجعل يقول فيها الشعر، فممّا قال فيها:
يا حمز إنّي على ما كان من خلقي ... مثن بخلّات صدق كلّها فيك
اللّه يعلم أنّي لم أقل كذبا ... فيما علمت وأنّي لا أزكّيك
امرأته تتهمه بالكذب في شعره فيرداتهامها
أخبرني الحسن، قال: حدثنا محمد بن موسى، وحدثني بعض أصحابنا، عن العمريّ، عن الهيثم بن عديّ:
أنّ امرأة عمران بن حطّان قالت له: ألم تزعم أنّك لا تكذب في شعرك؟ قال: بلى، قالت: أفرأيت قولك:
وكذاك مجزأة بن ثو ... ر كان أشجع من أسامه
أ يكون رجل أشجع من الأسد؟ قال: نعم، إنّ مجزأة بن ثور فتح مدينة كذا، والأسد لا يقدر على فتح مدينة.
صوت
نديميّ قد خفّ الشّراب ولم أجد ... له سورة في عظم رأسي ولا جلدي
نديميّ هذي غبّهم فاشربا بها ... ولا خير في شرب يكون على صرد [1]
الشعر لعمار بن الوليد بن المغيرة المخزوميّ، والغناء لابن سريج خفيف ثقيل.
__________
[1] سقاه الخمر صردا، أي صرفا. وفي ف، بيروت: «على حرد».
9 - أخبار عمارة بن الوليد ونسبه
نسبه
عمارة بن الوليد، بن المغيرة، بن عبد اللّه، بن مخزوم، بن يقظة، بن مرّة، بن كعب، بن لؤيّ، بن غالب، وهو أحد أزواد الرّكب [1]، ويقال له الوحيد، وكان أزواد الرّكب لا يمرّ عليهم أحد إلا قروه وأحسنوا ضيافته، وزوّدوه ما يحتاج إليه لسفره، وكان عمارة بن الوليد فخورا معنّا [2] متعرّضا لكل ذي عارضة من قريش، فأخبرني عمّي قال: حدّثنا عبد اللّه بن شبيب، قال: حدثنا الزّبير بن بكّار، عن الحزاميّ، قال:
مرّ عمارة بن الوليد بمسافر بن عمرو، فوقف عليه وهو منتش، فقال:
خلق البيض الحسان لنا ... وجياد الرّيط والأزر
كابرا كنّا أحقّ به ... حين صيغ الشّمس والقمر
فأجابه مسافر بن عمرو بن أميّة، فقال:
أعمار بن الوليد لقد ... يذكر الشّاعر من ذكره [3]
هل أخو كأس مخفّفها ... وموقّ صحبه سكره
ومحيّيهم إذا شربوا ... ومقلّ فيهم هذره
خلق البيض الحسان لنا ... وجياد الرّيط والحبره
كابرا كنّا أحقّ به ... كلّ حيّ تابع أثره
يعود إلى الشراب بعد أن عاهد امرأته على تركه
أخبرني عمّي قال: حدثنا الكرانيّ، قال: حدّثنا العمريّ، عن الهيثم بن عديّ/ عن حمّاد الراوية: أنّ عمارة بن الوليد خطب امرأة من قومه فقالت: لا أتزوّجك أو تترك الشّراب والزّنا، قال: أما الزّنا فأتركه، وأما الشّراب فلا أتركه ولا أستطيع. ثم اشتدّ وجده بها فحلف ألّا يشرب، فتزوجها ومكث حينا لا يشرب، ثم إنه لبس ذات يوم حلّته وركب ناقته وخرج يسير، فمر بخمّار وعنده شرب يشربون، فدعوه فدخل عليهم وقد أنفدوا ما عندهم، فقال للخمّار: أطعمهم ويلك، فقال: ليس عندي شيء، فنحر لهم ناقته، فأكلوا منها، فقال: اسقهم، ولم يكن معهم شيء يشربون به، فسقاهم ببردته، ومكثوا أياما ذوات عدد، ثم خرج فأتى أهله، فلما رأته امرأته،
__________
[1] في «القاموس» (زود): أزواد الركب: مسافر بن أبي عمرو، وزمعة بن الأسود، وأبو أمية بن المغيرة؛ لأنه لم يكن يتزود معهم أحد في سفر، يطعمونه ويكفونه الزاد».
[2] المعن: من يدخل فيما لا يعنيه ويعرض في كل شيء. وفي «المختار»: «متعرضا لكل من عارضه من قريش». وفي ف: معيا. وفي بيروت: معييا.
[3] ف، «المختار»، بيروت: «يذكر الإنسان من ذكره».
قالت له: ألم تحلف ألّا تشرب؟ ولامته، فقال:
ولسنا بشرب أمّ عمرو [1] إذا انتشوا ... ثياب النّدامى عندهم كالغنائم
ولكنّنا يا أمّ عمرو نديمنا ... بمنزلة الرّيّان ليس بعائم
أسرّك لما صرّع القوم نشوة ... أن أخرج منها سالما غير غارم
خليّا كأنّي لم أكن كنت فيهم ... وليس الخداع مرتضى في التّنادم
ملاحاة بينه وبين عمرو بن العاص
[أخبرني جعفر بن قدامة قال: حدثني عبد اللّه بن أبي سعد، قال: حدثني محمد بن محمد بن قادم مولى بني هاشم، قال: حدثني عمي: أحمد بن جعفر، عن ابن دأب، قال:
قدم رجل من تجار الروم بحلّة من لباس قيصر على أهل مكة، فأتى بها عمارة بن الوليد بن المغيرة المخزوميّ، فعرضها عليه بمائة حقّ من الإبل، فاستغلاها، فأتى بها عمرو بن العاص، فقال له: هل أتيت بها أحدا؟
قال: نعم، عمارة بن الوليد فاستغلاها وقال: لن تعدم لها غويّا من بني سهم، قال: قد أخذتها، فاشتراها بمائة حقّ، يعني مائة بعير، ثم أقبل يخطر فيها حتى أتى بني مخزوم، فناداه عمارة: أتبيع الحلّة يا عمرو؟ فغضب والتفت إلى عمارة، فقال:
/عليك بجزّ رأس أبيك إنّا ... كفيناك المسهّمة [2] الرّقاقا
زووها [3] عنكم وغلت عليكم ... وأعطينا بها مائة حقاقا
وقلتم: لا نطيق ثياب سهم ... وكلّ سوف يلبس ما أطاقا
قال: فغضب عمارة وقال: يا عمرو، ما هذا التّهوّر؟ إنك لست بعتبة بن ربيعة، ولا بأبي سفيان بن حرب، ولا الوليد بن المغيرة، ولا سهيل بن عمر، ولا أبيّ بن خلف، فقال عمرو: إلّا أكن بعضهم فإن كلّ واحد منهم خير ما فيه فيّ: من عتبة حلمه، ومن أبي سفيان رأيه، ومن سهيل جوده، ومن أبيّ بن خلف نجدته، وأما الوليد فو اللّه ما أحب أنّ فيّ كلّ ما فيه من خير وشر، ولكنك واللّه مالك عقل الوليد، ولا بأس الحارث بن هشام وخالد بن الوليد، ولا لسان أبي الحكم، يعني أبا جهل. وانصرف، فأمر عمارة بجزور فنحرت على طريق عمرو، وأقبل عمرو فقال: لمن هذه الجزور؟ قيل: لعمارة، فقال له: أطعمنا منها يا عمارة، فضحك منه، ثم قال:
عليك بجزر أير أبيك إنا ... كفيناك المشاشة والعراقا [4]
ومنسبة الأطايب من قريش ... ولم تر كأسنا إلّا دهاقا
ونلبس في الحوادث كلّ زغف [5] ... وعند الأمن أبرادا رقاقا
فوقع الشرّ بينهم، فقال عمرو:
__________
[1] في ب، ما: «أم عوف».
[2] سهّم الثوب وغيره: صور فيه سهاما، فهو مسهم.
[3] زووها عنكم: صرفوها ونحّتوها.
[4] المشاشة: رأس العظم اللين الذي يمكن مضغه. والعراق: العظم أكل لحمه.
[5] الزغف: الدرع الواسعة الطويلة.
لعمر أبيك والأخبار تنمي ... لقد هيّجتني يابن الوليد
فلا تعجل عمارة إنّ سهما ... لمخزوم بن يقظة في العديد
وأورد يا عمارة إنّ عودي ... من أعواد الأباطح خير عود
/ فأجابه عمارة، فقال:
ألا يا عمرو هل لك في قريش ... أب مثل المغيرة والوليد
وجدّ مثل عبد اللّه ينمي ... إلى عمرو بن مخزوم بعود
إذا ما عدّت الأعواد نبعا ... فمالي في الأباطح من نديد
وقد علمت سراة بني لؤيّ ... بأنّي غير مؤتشب زهيد
وإني للمنابذ من قريش ... شجا في الحلق من دون الوريد
أحوط ذمارهم [1] وأكفّ عنهم ... وأصبر في وغا اليوم الشّديد
وأبذل ما يضنّ به رجال ... وتطعمني المروءة في المزيد
وإنك من بني سهم بن عمرو ... مكان الرّدف من عجز القعود
وكان أبوك جزّارا ... وكانت ... له فأس وقدر من حديد [2]]
أخبرني عمّي قال: حدّثنا الكرانيّ، عن العمريّ، عن أبي عوانة، عن عبد الملك بن عمير، أنّ عمر بن الخطاب قسم برودا في المهاجرين.
عمر بن الخطاب يتمثل بشعره
قال العمريّ: هكذا ذكر أبو عوانة، وقد حدثني الهيثم، عن أبي يعقوب الثّقفيّ، عن عبد الملك بن عمير، قال: أخبرني من شهد ذلك:
أن عبد اللّه بن أبي ربيعة المخزوميّ بعث إلى عمر بن الخطاب بحلل من اليمن، فقال عمر: عليّ بالمحمّدين، فأتي بمحمد بن أبي بكر، ومحمد بن جعفر بن أبي طالب، ومحمد بن طلحة بن عبيد اللّه، ومحمد بن/ عمرو بن حزم، ومحمد بن حاطب بن أبي بلتعة، ومحمد بن حطّاب [3] أخي حاطب، وكلهم سمّاه النبي صلّى اللّه عليه وسلم محمدا، فأقبلوا، فاطّلع محمد بن حطّاب [4] /فيها، فقال له عمر: يا شيبة معمر - يعني عمّا له قتل يوم بدر - اكفف، وكان زيد بن ثابت الأنصاريّ عنده، فقال له عمر: أعطهم حلّة حلّة، فنظر إلى أفضلها، وكانت أمّ أحدهم عنده، فقال عمر: ما هذا؟ فقال: هذه لفلان، الذي هو ربيبه، فقال عمر: أردده، وتمثل بقول عمار بن الوليد:
أسرّك لمّا صرّع القوم نشوة ... أن اخرج منها سالما غير غارم
خليّا كأني لم أكن كنت فيهم ... وليس الخداع مرتضى في التّنادم [5]
__________
[1] أحوط ذمارهم: أحفظ ما يلزمني حفظه والدفاع عنه.
(2 - 2) انفردت نسخة بهذا الخبر من ص 123 - 125 طبعة دار الكتب.
[3] في ب: «محمد بن حاطب».
[4] في ب: «فاطلع على محمد بن حطاب»، تصحيف.
[5] في ما: «و ليس الخداع مرتضى في التراتم».
وقال أبو عوانة: ..... من تصافي التنادم.
ثم أمر بالبرود فغطّيت بثوب، ثم خلطها [1]، ثم قال: ليدخل كلّ امرىء يده فليأخذ حلّته وما قسم له.
صوت
قد يجمع المال غير آكله ... ويأكل المال غير من جمعه
فاقبل من الدّهر ما أتاك به ... من قرّ عينا بعيشه نفعة
لكلّ همّ من الهموم سعه ... والصّبح والمسي لا فلاح معه [2]
الشعر للأضبط بن قريع، والغناء لأحمد بن يحيى المكّي، ثقيل أول بالسّبابة في مجرى البنصر من روايته، وسمعناه يغني في طريقة خفيف رمل، فسألت عنه ذكاء وجه الرّزّة، فذكر أنه سمعه من محمد بن يحيى المكيّ في هذه الطريقة، ولم يعرف صانعه ولا سأل عنه.
__________
[1] في ب، س، بيروت: خللها.
[2] في ف، «المختار»: «لا بقاء معه».
10 - أخبار الأضبط ونسبه
كان الأضبط مفركا
أخبرني جعفر بن قدامة قال: حدثني عبد اللّه بن طاهر، قال: قال أبو محلّم: أخبرني ضرار [1] بن عيينة، أحد بني عبد شمس، قال:
كان الأضبط بن قريع مفرّكا [2]، وكان إذا لقي في الحرب تقدم أمام الصف، ثم قال:
أنا الذي تفركه حلائله ... ألا فتى معشّق أنازله!
قال: فاجتمع نساؤه ذات ليلة يسمرن، فتعاقدن على أن يصدقن الخبر عن فرك الأضبط، فأجمعن أن ذلك لأنه بارد الكمرة، فقالت لإحداهنّ خالتها: أتعجز إحداكنّ إذا كانت ليلته منها أن تسخن كمرته بشيء من دهن؟ فلما سمع قولها صاح: يا آل عوف، يا آل عوف، فثار الناس وظنوا أنه قد أتي، فقال: أوصيكم بأن تسخنوا الكمرة فإنه لا حظوة لبارد الكمرة، فانصرفوا يضحكون، وقالوا: تبّا لك، ألهذا دعوتنا!.
شعره فيمن خالفوه
قال أبو محلّم: كانت أمّ الأضبط عجيبة [3] بنت دارم بن مالك بن حنظلة، وخالته الطّموح [4] بنت دارم أم جشم وعبشمس [5] ابني كعب بن سعد، فحارب بنو الطّموح قوما من بني سعد، فجعل الأضبط يدسّ إليهم الخيل والسلاح ولا يصرّح بنصرتهم خوفا من أن يتحزّب قومه حزبين معه وعليه، وكان يشير عليهم/ بالرأي فإذا أبرمه نقضوه وخالفوا عليه، وأروه مع ذلك أنهم على رأيه، فقال في ذلك:
/لكل همّ من الهموم سعه ... والمسي والصّبح لا فلاح معه [6]
لا تحقرنّ الفقير علّك أن ... تركع يوما والدهر قد رفعه [7]
وصل حبال البعيد إن وصل الحب ... ل وأقص القريب إن قطعه
قد يجمع المال غير آكله ... ويأكل المال غير من جمعه
__________
[1] في ف، بيروت: صبار.
[2] المفرك: المتروك المبغض.
[3] في ب، هب، «المختار»: عجبة.
[4] في ب، هب: الطم بنت دارم.
[5] في ف، بيروت: « ... بن جشم وعبد شمس».
[6] صدر البيت في «الشعر والشعراء» 226، ط ليدن:
«يا قوم من عاذري من الخدعة»
وفي «الخزانة» 4 - 591:
«لكل ضيق من الأمور سعه»
، وفي «المختار»: «لا بقاء معه» بدل: «لا فلاح معه».
[7] في «الشعر والشعراء» 226:
«لا تهين الفقير ... أن تخشع».
ما بال من غيّه مصيبك لا ... يملك شيئا من أمره وزعه [1]
حتى إذا ما انجلت غوايته ... أقبل يلحى وغيّه فجعه
أذودعن نفسه ويخدعني ... يا قوم من عاذري من الخدعه
فاقبل من الدّهر ما أتاك به [2] ... من قرّ عينا بعيشه نفعه
نشوز امرأته عليه وشعره في ذلك
أخبرني الحسن بن عليّ، قال: حدثنا الخراز عن المدائنيّ، قال:
كان الأضبط بن قريع قد تزوج امرأة على مال ووصيفة، فنشزت عليه، ففارقها ولم يعطها ما كان ضمن لها، فلما احتملت أنشأ يقول:
ألم ترها بانت بغير وصيفة ... إذا ما الغواني صاحبتها الوصائف
ولكنها بانت شموس بزيّة ... منعّمة الأخلاق حدباء شارف
لو أنّ رسول اللّهو سلّم واقفا ... عليها لرامت وصله وهو واقف
أبو عبيدة وخلف لا يعرفان إلا بيتا وعجز بيت من قصيدة له
أخبرنا وكيع قال: حدثنا ابن أبي سعيد [3]، قال:
حدثنا الجمّاز، قال: أنشدت أبا عبيدة وخلفا الأحمر شعر الأضبط:
وصل حبال البعيد إن وصل الحب ... ل وأقص القريب إن قطعه
فما عرفا منه إلا بيتا وعجز بيت، فالبيت الذي عرفاه:
فاقبل من الدّهر ما أتاك به ... .......
والعجز:
يا قوم من عاذري من الخدعة
والخدعة: قوم من بني سعد [4] بن زيد مناة بن تميم.
صوت
وما أنا في أمري ولا في خصومتي ... بمهتضم حقّي ولا قارع سنّي [5]
ولا مسلم مولاي عند جناية ... ولا خائف مولاي من شرّ ما أجني
الشعر لأعشى بني ربيعة، والغناء لإبراهيم ثاني ثقيل بالوسطى، عن عمرو.
__________
[1] وزعه: كفه.
[2] في «سمط اللآلي» 1/ 326: «واقنع من الدهر ... ».
[3] في ب: سعيد. وفي هب: ابن سعد.
[4] في «سمط اللآلي» 1 - 327: قوم من سعد ....
[5] ف: «قرني». وفي «سمط اللآلي» 906: «و لا سالم قرني».
11 - أخبار الأعشى ونسبه
نسبه
الأعشى اسمه عبد اللّه بن خارجة بن حبيب بن قيس بن عمرو بن حارثة بن أبي ربيعة بن ذهل بن شيبان بن ثعلبة الحصين بن عكابة بن صعب بن عليّ بن بكر بن وائل بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعميّ بين جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار: شاعر إسلامي من ساكني الكوفة، وكان مروانيّ المذهب، شديد التعصب لبني أمية.
قدومه على عبد الملك
أخبرني محمد بن العباس اليزيديّ قال: حدثنا عمّي محمد بن عبيد اللّه عن محمد بن حبيب [1]، وأخبرني محمد بن الحسن بن دريد، عن عمه العباس بن هشام، عن أبيه، قالا:
قدم أعشى بني ربيعة على عبد الملك بن مروان، فقال له عبد الملك: ما الذي بقي منك؟ قال: أنا الذي أقول:
/و ما أنا في أمري ولا في خصومتي ... بمهتضم حقّي ولا قارع سنّي
ولا مسلم مولاي عند جناية ... ولا خائف مولاي من شر ما أجني
وإن فؤادي بين جنبيّ عالم ... بما أبصرت عيني وما سمعت أذني
وفضّلني في الشّعر واللّبّ أنّني ... أقول على علم وأعرف من أعني
فأصبحت إذ فضّلت مروان وابنه ... على الناس قد فضّلت خير أب وابن
فقال عبد الملك: من يلومني على هذا؟ وأمر له بعشرة آلاف درهم، وعشرة تخوت/ ثياب، وعشر فرائض من الإبل، وأقطعه ألف جريب [2]، وقال له: امض إلى زيد الكاتب يكتب لك بها، وأجرى له على ثلاثين عيّلا [3] فأتى زيدا فقال له: ائتني غدا، فأتاه فجعل يردّده، فقال له:
يا زيد يا فداك كلّ كاتب ... في الناس بين حاضر وغائب
هل لك في حقّ عليك واجب ... في مثله يرغب كلّ راغب
وأنت عفّ طيّب المكاسب ... مبرّأ من عيب كلّ عائب
ولست - إن كفيتني [4] وصاحبي ... طول غدوّ ورواح دائب
__________
[1] وحبيب أمه، وانظر «تحفة الأبيه فيمن نسب إلى غير أبيه».
[2] الجريب من الأرض: ثلاثة آلاف وستمائة ذراع، وقيل: عشرة آلاف ذراع.
[3] عيل الرجل: أهل بيته الذين يتكفل بهم من أزواج وأولاد وأتباع.
[4] في ف: كلفتني.
وسدّة الباب [1] وعنف الحاجب ... - من نعمة أسديتها بخائب
فأبطأ عليه زيد، فأتى سفيان بن الأبرد الكلبيّ، فكلّمه سفيان فأبطأ عليه، فعاد إلى سفيان، فقال له:
عد إذ بدأت أبا يحيى فأنت لها ... ولا تكن حين هاب النّاس هيّابا [2]
واشفع شفاعة أنف لم يكن ذنبا ... فإنّ من شفعاء النّاس أذنابا
فأتى سفيان زيدا الكاتب فلم يفارقه حتى قضى حاجته.
بحث عبد الملك على الخروج لمحاربة ابن الزبير
قال محمد بن حبيب: دخل أعشى بني أبي ربيعة [3] على عبد الملك وهو يتردد في الخروج لمحاربة ابن الزبير ولا يجدّ، فقال له: يا أمير المؤمنين، ما لي أراك متلوّما ينهضك الحزم ويقعدك العزم، وتهم بالإقدام وتجنح إلى الإحجام، انقد لبصيرتك/ وأمض رأيك، وتوجّه إلى عدوّك، فجدّك مقبل، وجدّه مدبر، وأصحابه له ماقتون، ونحن لك محبّون، وكلمتهم مفترقة، وكلمتنا عليك مجتمعة، واللّه ما تؤتى من ضعف جنان، ولا قلّة أعوان، ولا يثبّطك عنه ناصح، ولا يحرّضك عليه غاشّ، وقد قلت في ذلك أبياتا فقال: هاتها، فإنك تنطق بلسان ودود وقلب ناصح، فقال:
آل الزّبير من الخلافة كالّتي ... عجل النّتاج بحملها فأحالها
أو كالضّعاف من الحمولة حمّلت ... ما لا تطيق فضيّعت أحمالها
قوموا إليهم لا تناموا عنهم ... كم للغواة أطنتموا إمهالها [4]
إنّ الخلافة فيكم لا فيهم ... ما زلتم أركانها وثمالها [5]
أمسوا على الخيرات قفلا مغلقا [6] ... فانهض بيمنك فافتتح أقفالها
فضحك عبد الملك، وقال: صدقت يا أبا عبد اللّه، إنّ أبا خبيب لقفل دون كل خير، ولا نتأخّر عن مناجزته إن شاء اللّه، ونستعين اللّه عليه، وهو حسبنا ونعم الوكيل، وأمر له بصلة سنية.
جفاء الحجاج ثم سر بكلامه
/ قال ابن حبيب: كان الحجّاج قد جفا الأعشى واطّرحه لحالة كانت عند بشر بن مروان، فلما فرغ الحجّاج من حرب الجماجم ذكر فتنة ابن الأشعث، وجعل يوبّخ أهل العراق، ويؤنّبهم، فقال من حضر من أهل البصرة: إنّ الرّيب والفتنة بدآ من أهل الكوفة، وهم أول من خلع الطاعة وجاهر بالمعصية، فقال أهل الكوفة: لا، بل أهل البصرة أوّل من أظهر المعصية مع جرير بن هميان السّدوسيّ، إذ جاء مخالفا من السّند [7]. وأكثروا من ذلك، فقام
__________
[1] في ف: وشدة الباب.
[2] في ب: « ... ولا تكن من كلام الناس هيابا».
[3] في أ، ف: «أعشى بني ربيعة»، ويقال له أعشى بني ربيعة نسبة إلى ربيعة بن نزار، وأعشى بني أبي ربيعة نسبة إلى أبي ربيعة بن ذهل بن شيبان».
[4] في ف: إهمالها.
[5] ثمالها: غياثها.
[6] في ف: موثقا.
[7] في ب: «إذ جاء من الهند».
أعشى بني أبي ربيعة، فقال: أصلح اللّه الأمير/ لا براءة من ذنب، ولا ادّعاء على اللّه في عصمة لأحد من المصرين، قد واللّه اجتهدوا جميعا في قتالك، فأبى اللّه إلّا نصرك؛ ذلك أنهم جزعوا وصبرت، وكفروا وشكرت، وغفرت إذ قدرت، فوسعهم عفو اللّه وعفوك فنجوا، فلولا ذلك لبادوا وهلكوا، فسرّ الحجّاج بكلامه وقال له جميلا، وقال: تهيّأ للوفادة إلى أمير المؤمنين حتى يسمع هذا منك شفاها، انتهى.
اعتذاره للحجاج من رثائه عبد اللّه بن الجارود
أخبرني محمد بن خلف وكيع، قال: حدثني حمّاد بن إسحاق، عن أبيه، قال: بلغ الحجّاج أنّ أعشى بني أبي ربيعة رثى عبد اللّه بن الجارود، فغضب عليه، فقال يعتذر إليه:
أبيت كأنّي من حذار ابن يوسف ... طريد دم ضاقت عليه المسالك
ولو غير حجّاج أراد ظلامتي ... حمتني من الضّيم السّيوف الفواتك
وفتيان صدق من ربيعة قصرة ... إذا اختلفت يوم اللّقاء النّيازك [1]
يحامون عن أحسابهم بسيوفهم ... وأرماحهم واليوم أسود حالك
مدحه عبد الملك بن مروان
أخبرني أبو الحسن الأسديّ، قال: حدّثني أحمد بن عبد اللّه بن عليّ [2] بن سويد بن منجوف، عن ابن مؤرّج، عن أبيه، قال:
دخل أعشى بني أبي ربيعة على عبد الملك بن مروان، فأنشده قوله:
رأيتك أمس خير بني معدّ ... وأنت اليوم خير منك أمس
وأنت غدا تزيد الضّعف ضعفا ... كذاك تزيد سادة عبد شمس [3]
/فقال له: من أيّ بني أبي ربيعة أنت؟ قال: فقلت له: من بني أمامة، قال: فإن أمامة ولد [4] رجلين: قيسا وحارثة، فأحدهما نجم، والآخر خمل. فمن أيهما أنت؟ قال: قلت: أنا من ولد حارثة، وهو الذي كانت بكر بن وائل توّجته، قال: فقام بمخصرة [5] في يده، فغمز بها في بطني، ثم قال: يا أخا بني أبي ربيعة همّوا ولم يفعلوا، فإذا حدّثتني فلا تكذبني، فجعلت له عهدا ألا أحدّث قرشيّا بكذب أبدا.
مدحه أسماء بن خارجة
أخبرني عمّي، قال: حدّثنا ابن أبي سعد، قال: حدّثني أحمد بن الهيثم السّلميّ [6]، قال: حدثني أبو فراس محمد بن فراس، عن الكلبيّ، قال:
__________
[1] يقال: فلان ابن عمه قصرة، أي قريب. والنيازك: الرماح القصيرة.
[2] في ب: «حدثني عبد اللّه بن علي».
[3] في «المؤتلف والمختلف» 10: «و أنت غدا تزيد الضعف خيرا». وبعده:
وتاج الملك ليس يزال فيهم ... يحوّل فوق رأس كل رأس
[4] ف: ولدت رجلين.
[5] المخصرة: ما يأخذه الملك بيده يشير به إذا خاطب والخطيب إذا خطب.
[6] في هب، ب: الشامي.
أتى أعشى بني أبي ربيعة أسماء بن خارجة فامتدحه فأعطاه وكساه، فقال:
لأسماء بن خارجة بن حصن ... على عب ء النّوائب والغرامه
أقلّ تعلّلا يوما وبخلا ... على السّؤال من كعب بن مامه
ومصقلة الذي يبتاع بيعا ... ربيحا فوق ناجية بن سامه
قال الكلبيّ: جعل ناجية رجلا وهي امرأة؛ لضرورة الشعر.
مدحه سليمان بن عبد الملك
قال أبو فراس: فحدّثني/ الكلبيّ، عن خداش، قال:
دخل أعشى بني أبي ربيعة على سليمان بن عبد الملك وهو وليّ عهد فقال:
أتينا سليمان الأمير نزوره ... وكان امرأ يحبى [1] ويكرم زائره
/ إذا كنت في النّجوى به متفرّدا ... فلا الجود مخليه ولا البخل حاضره [2]
كلا شافعي [3] سؤّاله من ضميره ... على البخل ناهيه وبالجود آمره [4]
فأعطاه وأكرمه وأمر كلّ من كان بحضرته من قومه ومواليه بصلته، فوصلوه فخرج وقد ملأ يديه.
صوت
نأتك أمامة إلّا سؤالا ... وإلّا خيالا يوافي خيالا
يوافي مع الليل ميعادها ... ويأبى مع الصّبح إلا زيالا
فذلك يبذل من ودّها ... ولو شهدت لم توات النّوالا
فقد ريع قلبي إذّ أعلنوا ... وقيل أجدّ الخليط احتمالا [5]
الشعر لعمرو بن قميئة، والغناء لحنين خفيف رمل بالوسطى من رواية أحمد بن يحيى المكيّ، وذكر الهشاميّ وغيره أنه من منحول يحيى إلى حنين.
__________
[1] ف: يحيا.
[2] في هب: ناصره.
[3] في ب، س: فلا شافعي.
[4] في شرح «ديوان الحماسة» 4 - 287: «عن الجهل ناهيه وبالحلم آمره».
[5] في ب، س: الزيالا.
12 - أخبار عمرو بن قميئة ونسبه
نسبه
هو فيما ذكر أبو عمرو الشّيبانيّ، عن أبي برزة: عمرو بن قميئة بن ذريح بن سعد بن مالك بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن عليّ بن بكر بن وائل بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعميّ بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار.
قال ابن الكلبيّ: ليس من العرب من له ولد، كلّ واحد منهم قبيلة مفردة قائمة بنفسها غير ثعلبة بن عكابة، فإنه ولد أربعة كلّ واحد منهم قبيلة: شيبان بن ثعلبة، وهو أبو قبيلة، وقيس بن ثعلبة، وهو أبو قبيلة، وذهل بن ثعلبة وهو أبو قبيلة، [1] وتيم اللّه بن ثعلبة وهو أبو قبيلة [1].
وكان عمرو بن قميئة من قدماء الشعراء في الجاهلية، ويقال: إنه أوّل من قال الشعر من نزار، وهو أقدم من امرىء القيس، ولقيه امرؤ القيس في آخر عمره فأخرجه معه إلى قيصر لمّا توجه إليه فمات معه في طريقه، وسمّته العرب عمرا الضائع لموته في غربة وفي غير أرب ولا مطلب.
بعض صفاته
نسخت خبره من روايتي أبي عمرو الشّيبانيّ، ومؤرّج، وأخبرني ببعضه الحسن بن عليّ، عن أبيه، عن ابن أبي سعد، عن ابن الكلبيّ، فذكرت ذلك في مواضعه، ونسبته إلى رواته، قالوا جميعا:
كان عمرو بن قميئة شاعرا فحلا متقدّما، وكان شابّا جميلا حسن الوجه مديد القامة حسن الشّعر [2]، ومات أبوه وخلّفه صغيرا، فكفله عمّه مرثد بن سعد،/ وكانت سبّابتا قدميه ووسطياهما ملتصقتين، وكان عمّه [3] محبّا له معجبا به، رقيقا عليه.
مراودة امرأة عمه له وامتناعه عليها
وأخبرني عمّي قال: حدّثنا الكرانيّ، قال: حدّثنا أبو عمر العمريّ، عن لقيط، وذكر مثل ذلك سائر الرّواة:
أنّ مرثد بن سعد بن مالك عمّ عمرو بن قميئة كانت عنده امرأة ذات جمال، فهويت عمرا وشغفت به، ولم تظهر له ذلك، فغاب مرثد/ لبعض أمره - وقال لقيط في خبره: مضى يضرب بالقداح - فبعثت امرأته إلى عمرو تدعوه على لسان عمّه، وقالت للرّسول: ائتني به من وراء البيوت، ففعل، فلما دخل أنكر شأنها، فوقف ساعة، ثم راودته عن نفسه، فقال: لقد جئت بأمر عظيم، وما كان مثلي ليدعى لمثل هذا، واللّه لو لم أمتنع من ذلك وفاء
__________
(1 - 1) تكملة من ف، هب، «مختار الأغاني».
[2] في هب، ب: الشعرة.
[3] في ب: حيه.
لأمتنعنّ منه خوف الدّناءة والذّكر القبيح الشّائع عنّي في العرب، قالت: واللّه لتفعلنّ أو لأسوأنّك، قال: إلى المساءة تدعينني. ثم قام فخرج من عندها، وخافت أن يخبر عمّه بما جرى، فأمرت بجفنة فكفئت على أثر عمرو، فلما رجع عمّه وجدها متغضّبة، فقال لها: ما لك؟ قالت: إنّ رجلا من قومك قريب القرابة، جاء يستامني نفسي ويريد فراشك منذ خرجت، قال: من هو؟ قالت: أما أنا فلا أسمّيه، ولكن قم فافتقد أثره تحت الجفنة، فلما رأى الأثر عرفه.
هروبه من عمه إلى الحيرة
قال مؤرّج في خبره: فحدّثني أبو برزة وعلقمة بن سعد وغيرهما من بني قيس بن ثعلبة، قالوا:
وكان لمرثد سيف يسمّى ذا الفقار، فأتى ليضربه به، فهرب فأتى الحيرة، فكان عند اللّخميّين ولم يكن يقوى على بني مرثد لكثرتهم، وقال لعمرو بن هند: إنّ القوم اطّردوني، فقال له: ما فعلوا إلا وقد أجرمت، وأنا أفحص/ عن أمرك، فإن كنت مجرما ما رددتك إلى قومك، فغضب وهمّ بهجائه وهجاء مرثد، ثم أعرض عن ذلك، ومدح عمّه واعتذر إليه، انتهى.
وأما أبو عمرو فإنّه قال:
لما سمع مرثد بذلك، هجر عمرا وأعرض عنه، ولم يعاقبه [1] لموضعه من قلبه، فقال عمرو يعتذر إلى عمّه:
خليليّ لا تستعجلا أن تزوّدا ... وأن تجمعا شملي وتنتظرا غدا
فما لبثي يوما بسائق مغنم ... ولا سرعتي يوما بسائقة الرّدى [2]
وإن تنظراني [3] اليوم أقض لبانة ... وتستوجبا منّا عليّ وتحمدا
لعمرك ما نفس بجدّ رشيدة ... تؤامرني سوءا [4] لأصرم مرثدا
وإن ظهرت مني قوارص جمّة ... وأفرع من لومي مرارا وأصعدا [5]
على غير جرم أن أكون جنيته ... سوى قول باغ كادني فتجهّدا
لعمري لنعم المرء تدعو بخيله [6] ... إذا ما المنادي في المقامة ندّدا
عظيم رماد القدر لا متعبّس ... ولا مؤيس منها إذا هو أوقدا
وإن صرّحت كحل [7] وهبّت عريّة ... من الرّيح لم تترك من المال مرفدا
صبرت على وطء الموالي وخطبهم [8] ... إذا ضنّ ذو القربى عليهم وأخمدا
يعني أخمد ناره بخلا، وروى: أجمدا. المجمد: البخيل.
__________
[1] في ب: يعاتبه.
[2] في ف:
«فما كنت يوما ... ... ولا سرعتي يوما بسابقة»
وفي «الديوان»:
«فما لبث يوما بسابق مغنم ... ... بسابقة الردى»
[3] في ب: «و إن تنظرا في اليوم».
[4] في ف، و «الديوان» 11: سرا.
[5] في ب: «و أفرغ من لؤمي»، تحريف.
[6] في ب: بخلة، وفي «الديوان» 11: تدعو بحبله.
[7] كحل: السنة الشديدة المجدبة. وفي ف: عجل. والعرية: الباردة. والمرفد: ما يعطى للضيف.
[8] في هب: «و حطهم». وفي ف، بيروت، و «الديوان» 12: «و حطمهم».
/
ولم يحم فرج الحيّ إلا محافظ ... كريم المحيّا ماجد غير أجردا [1]
الأجرد: الجعد اليد البخيل.
حماد الراوية يرى أنه أشعر الناس
أخبرني محمد بن العبّاس اليزيديّ، قال: حدّثني عمّي الفضل بن إسحاق، عن الهيثم بن عديّ، قال:
سأل رجل حمّادا الرّاوية بالبصرة وهو عند بلال بن أبي بردة: من أشعر النّاس؟ قال الذي يقول:
رمتني بنات الدّهر من حيث لا أرى ... فما بال من يرمى وليس برام [2]
/قال: والشعر لعمرو بن قميئة.
بلوغه التسعين وقوله في ذلك
قال عليّ بن الصباح في خبره، عن ابن الكلبيّ:
وعمّر ابن قميئة تسعين سنة، فقال لمّا بلغها:
كأنّي وقد جاوزت تسعين حجّة ... خلعت بها عنّي عنان لجامي [3]
على الرّاحتين مرّة وعلى العصا ... أنوء ثلاثا بعدهنّ قيامي
رمتني بنات الدّهر من حيث لا أرى ... فما بال من يرمى وليس برام!
فلو أنّ ما أرمى بنبل رميتها ... ولكنّما أرمى بغير سهام
إذا ما رآني النّاس قالوا: ألم يكن ... حديثا جديد البري [4] غير كهام!
وأفنى وما أفني من الدهر ليلة ... ولم يفن ما أفنيت سلك نظام
وأهلكني تأميل يوم وليلة ... وتأميل عام بعد ذاك وعام
عبد الملك بن مروان يتمثل بشعر له
أخبرني الحسين بن يحيى، قال: قال حمّاد بن إسحاق: قرأت على أبي: حدّثنا الهيثم بن عديّ، عن مجالد [5]، عن الشّعبيّ قال:
دخلت على عبد الملك بن مروان في علّته التي مات فيها، فقلت: كيف تجدك يا أمير المؤمنين؟ فقال:
أصبحت كما قال عمرو بن قميئة:
كأنّي وقد جاوزت تسعين حجّة ... خلعت بها عنّي عنان لجام
رمتني بنات الدّهر من حيث لا أرى ... فكيف بمن يرمى وليس برام!
فلو أنّها نبل إذا لاتّقيتها ... ولكنّما أرمى بغير سهام
__________
[1] في «الديوان» - 12: «غير أحردا».
[2] في «الديوان» - 23، و «الشعر والشعراء»: «فكيف بمن يرمي وليس برام».
[3] في «الديوان» - 23: «خلعت بها يوما عذار لجامي».
[4] في ف، بيروت: «حديد البز». وفي «الديوان» - 23: «جديد البز». والبز: السلاح.
[5] في ب: مخلد.
وأهلكني تأميل يوم وليلة ... وتأميل عام بعد ذاك وعام
فقلت: لست كذلك يا أمير المؤمنين، ولكنّك [1] كما قال لبيد:
قامت تشكّى إليّ الموت مجهشة ... وقد حملتك سبعا بعد سبعينا
فإن تزادي ثلاثا تبلغي أملا ... وفي الثّلاث وفاء للثّمانينا
([2] فعاش حتى بلغ التّسعين، فقال:
كأني وقد جاوزت تسعين حجّة ... خلعت بها عن منكبيّ ردائيا
فعاش حتى بلغ عشرا ومائة سنة، فقال:
أليس في مائة قد عاشها رجل ... وفي تكامل عشر بعدها عبر [2])
فعاش واللّه حتى بلغ مائة وعشرين سنة، فقال:
وغنيت سبتا قبل مجرى داحس [3] ... لو كان للنّفس اللجوج خلود
/ ويروى: «دهرا قبل مجرى داحس»، فعاش حتى بلغ مائة وأربعين سنة، فقال:
ولقد سئمت من الحياة وطولها ... وسؤال هذا النّاس كيف لبيد؟
فتبسّم عبد الملك وقال: لقد قوّيت من نفسي بقولك يا عامر، وإنّي لأجد خفّا [4] وما بي من بأس وأمر لي بصلة، وقال لي: اجلس يا شعبيّ فحدّثني ما بينك وبين الليل، فجلست فحدثته حتى أمسيت، وخرجت من عنده، فما أصبحت حتى سمعت الواعية [5] في داره.
خروجه مع امرىء القيس إلى قيصر
أخبرني عمّي قال: حدّثني عبد اللّه بن أبي سعد، قال: حدّثني محمد بن عبد اللّه بن طهمان السّلمي، عن إسحاق بن مرار الشّيبانيّ، قال:
نزل امرؤ القيس بن حجر ببكر بن وائل، وضرب قبّته، وجلس إليه وجوه بكر بن وائل، فقال لهم: هل فيكم أحد يقول الشّعر؟ فقالوا: ما فينا/ شاعر إلا شيخ قد خلا من عمره وكبر، قال: فأتوني به، فأتوه بعمرو بن قميئة وهو شيخ، فأنشده فأعجب به، فخرج به معه إلى قيصر، وإيّاه عنى امرؤ القيس بقوله:
بكى صاحبي لمّا رأى الدّرب دونه ... وأيقن أنّا لاحقان بقيصرا
فقلت له: لا تبك عينك إنّما ... نحاول ملكا أو نموت فنعذرا
وقال مؤرّج في هذا الخبر: إنّ امرأ القيس قال لعمرو بن قميئة في سفره: ألا تركب إلى الصّيد؟ فقال عمرو:
__________
[1] في ب: وهذا.
(2 - 2) التكملة من ف، هب، وهي ساقطة من ب.
[3] في ف: «وصلت سنينا بعد مجرى داحس».
[4] في ب: «لا أجد خفا».
[5] الواعية: الصراخ.
شكوت إليه أنّني ذو جلالة ... وأنّي كبير ذو عيال مجنّب [1]
فقال لنا: أهلا وسهلا ومرحبا ... إذا سرّكم لحم من الوحش فاركبوا
صوت
يا آح من حرّ الهوى إنّما ... يعرف حرّ الحبّ من جرّبا
أصبحت للحبّ أسيرا فقد ... صعّدني الحبّ وقد صوّبا
لا شكّ أني ميّت حسرة ... إن لم أزر قبل غد زينبا
تلك الّتي إن نلتها لم أبل ... من شرّق الدّهر أو غرّبا [2]
الشعر للمؤمّل بن جميل [3] بن يحيى بن أبي حفصة بن عمرو بن مروان بن أبي حفصة، والغناء لابن جامع رمل بالوسطى، عن إبراهيم والهشاميّ.
__________
[1] في «الديوان» - 65: ذو خلالة. والجلالة: عظم القدر. والخلالة: الصداقة المختصة التي ليس فيها خلل. وجنب القوم: انقطعت ألبانهم وقلت فهم مجنبون. وهو مجنب: فقير.
[2] في ف: ومن غرّبا.
[3] في ف: المؤمل بن حميد بن يحيى ...
13 - أخبار المؤمل بن جميل
كان أبوه جميل يلقب قتيل الهوى
قد مضى نسب أبي حفصة في أخبار مروان، وكان يحيى بن أبي حفصة يكنى أبا جميل. والمؤمّل بن جميل يكنى أبا جميل. وأم جميل أميرة بنت زياد بن هوذة بن شماس بن لؤيّ من بني أنف الناقة الذين يمدحهم الحطيئة.
وأم المؤمّل شريفة بنت المذلق بن الوليد بن طلبة بن قيس بن عاصم المنقريّ، وكان جميل يلقّب قتيل الهوى، ولقّب بذلك لقوله:
قلن: من ذا؟ فقلت: هذا الي ... مانيّ قتيل الهوى أبو الخطاب
قلن: باللّه أنت ذاك يقينا ... لا تقل قول مازح لعاب
إن تكن أنت هو فأنت منانا ... خاليا كنت أو مع الأصحاب
أخبار له مع غلامه المطرز
أخبرني بذلك يحيى بن عليّ، إجازة عن محمد بن إدريس بن سليمان، عن أبيه، وحكى أبو أحمد - رحمه اللّه - عن محمد بهذا الإسناد:
أن أبا جميل اشترى غلاما مدنيّا مغنيّا مجلوبا من مولّدي [1] السّند على البراءة من كل عيب، يقال له المطرّز، فدعا أصحابا له ذات يوم، ودعا شيخين من أهل اليمامة مغنّيين، يقال لأحدهما السائب وللآخر شعبة، فلما أخذ القوم مجلسهم ومعهم المطرّز اندفع الشيخان فغنّيا، فقال المطرّز لأبي جميل مولاه: ويلك يا أبا جميل يابن الزّانية، أتدري ما فعلت ومن عندك؟ فقال له: ويلك! أجننت! ما لك! قال: أما أنا فأشهد أنك تأمن مكر اللّه حين أدخلت منزلك هذين.
قال: وبعثه يوما يدعو أصدقاء له، فوجدهم عند رجل من أهل اليمامة/ يقال له بهلول، وهو في بستان له، فقال لهم: مولاي/ أبو جميل قد أرسلني أدعوكم، وقد بلّغتكم رسالته، وإن شاورتموني أشرت عليكم، فقالوا:
أشر علينا، قال: أرى ألا تذهبوا إليه، فمجلسكم واللّه أنزه من مجلسه وأحسن، فقالوا له: قد أطعناك، قال:
وأخرى، قالوا: وما هي؟ قال: تحلفون عليّ ألّا أبرح، ففعلوا، فأقام عندهم.
وغضب عليه أبو جميل يوما فبطحه يضربه وهو يقول: ويلك أبا جميل! اتق اللّه فيّ، اللّه اللّه في أمري، أما علمت ويلك خبري قبل أن تشتريني! قال: وكان يبعثه إلى بئر لهم عذبة في بستان له يسقي منها لهم ماء، فكان يستقيه ثم يصبّه لجيران لهم في حيّهم، ثم يستقي مكانه من بئر لهم غليظة، فإذا أنكر مولاه قال له: سل الغلمان إذا أتيت البستان: هل استقيت منه؟ فيسألهم فيجده صادقا.
__________
[1] في ب: موالي. ومجلوبا من جلبه جلبا: ساقه من موضع إلى آخر، فهو مجلوب.
انقطاعه إلى جعفر بن سليمان ثم عبد اللّه بن مالك
حدّثنا يحيى بن محمد بن إدريس، عن أبيه:
أنّ يحيى بن أبي حفصة زوّج ابنه جميلا شريفة بنت المذلّق بن الوليد بن طلبة بن قيس بن عاصم، فولدت له المؤمّل بن جميل، وكان شاعرا ظريفا غزلا، وكان منقطعا إلى جعفر بن سليمان بالمدينة، ثم قدم العراق فكان مع عبد اللّه بن مالك، وذكره للمهديّ فحظي عنده، وهو الذي يقول في شكاة اشتكاها عبد اللّه بن مالك:
ظلّت عليّ الأرض مظلمة ... إذ قيل عبد اللّه قد وعكا
يا ليت ما بك بي وإن تلفت ... نفسي لذاك وقلّ ذاك لكا
وهو الذي يقول:
يا آح من حرّ الهوى إنما ... يعرف حرّ الحبّ من جرّبا
وذكر الأبيات التي تقدم ذكرها والغناء فيها.
صوت
إني وهبت لظالمي ظلمي ... وغفرت ذاك له على علم
ما زال يظلمني وأرحمه ... حتّى رثيت له من الظّلم
الشعر لمساور الورّاق، والغناء لإبراهيم بن أبي العبيس، ثاني ثقيل بالوسطى، أخبرني بذلك ذكاء وغيره.
14 - أخبار مساور ونسبه
نسبه
هو مساور بن سوّار بن عبد الحميد، من آل قيس بن عيلان بن مضر، ويقال: إنه مولى خويلد من عدوان [1] كوفيّ قليل الشّعر من أصحاب الحديث ورواته، وقد روى عن صدر من التابعين، وروى عنه وجوه أصحاب الحديث.
أخبرني عليّ بن طيفور بن غالب النّسائيّ قال: حدّثنا يعقوب بن حميد بن كاسب، قال: حدّثنا حمّاد بن أسامة، عن مساور الورّاق، قال: حدّثني جعفر بن عمرو بن حريث، عن أبيه، قال:
كأنّي أنظر إلى النبيّ صلّى اللّه عليه وسلم وهو على ناقته يخطب، وعليه عمامة سوداء، قد أرخاها بين كتفيه.
خبره مع ابن أبي ليلى
أخبرني محمّد بن الحسن بن دريد، قال: أخبرنا الأشناندانيّ، عن الأصمعي، قال:
كان قوم يجلسون إلى ابن أبي ليلى، فكتب قوما منهم لعيسى بن موسى، وأشار [2] عليه أن يشغلهم ويصلهم،/ فأتى مساور الورّاق، فكلّمه أن يجعله فيهم فلم يفعل، فأنشأ يقول:
أراك تشير بأهل الصلاح ... فهل لك في الشاعر المسلم
كثير العيال قليل السؤا ... ل عفّ مطاعمه معدم [3]
يقيم الصّلاة ويؤتى الزّكاة ... وقد حلّق العام بالموسم
وأصبح واللّه في قومه ... وأمسى وليس بذي درهم
قال: فقال ابن أبي ليلى: لا حاجة لنا فيه، فقال فيه مساور أبياتا، قال أبو بكر بن دريد: كرهنا ذكرها صيانة لابن أبي ليلى.
هجا حفص بن أبي بردة لأنه عاب شعرا للمرقش الأكبر
أخبرني محمد قال: حدثني التّوّزيّ [4] قال:
كان مساور الورّاق، وحمّاد عجرد، وحفص بن أبي بردة مجتمعين، فجعل حفص يعيب شعر المرقّش الأكبر، فأقبل عليه مساور فقال:
__________
[1] في ب، بيروت: عدنان.
[2] في ب: وأشاروا.
[3] سقط هذا البيت من ف.
[4] ف: «حدثنا الأشنانداني قال حدثنا ابن أبي ليلى».
لقد كان في عينيك يا حفص شاغل ... وأنف كثيل [1] العود عما تتبّع
تتبّعت لحنا في كلام مرقّش ... ووجهك مبنيّ على اللحن أجمع
فقام حفص من المجلس خجلا، وهاجره مدة.
وصيته لابنه
نسخت من كتاب عبيد اللّه اليزيديّ بخطّه: حدّثنا سليمان بن أبي شيخ، قال: كان مساور الورّاق من جديلة قيس، ثم من عدوان، مولى لهم، فقال لابنه يوصيه:
شمّر ثيابك واستعدّ لقائل ... واحكك جبينك للعهود بثوم
إنّ العهود صفت لكل مشمّر ... دبر الجبين مصفّر موسوم
أحسن وصاحب كلّ قار ناسك ... حسن التّعهّد للصلاة صؤوم
من ضرب حمّاد هناك ومسعر ... وسماك العتكيّ وابن حكيم
وعليك بالغنويّ فاجلس عنده ... حتى تصيب وديعة ليتيم [2]
تغنيك عن طلب البيوع نسيئة ... وتكفّ عنك لسان كلّ غريم
وإذا دخلت على الرّبيع مسلّما ... فاخصص شبابة منك بالتّسليم
ولاه عيسى بن موسى عملا فانكسر عليه الخراج
قال: ففعل ما أوصاه به أبوه، فلم يلبث مساور أن ولّاه عيسى بن موسى عملا، ودفع إليه عهده، فانكسر عليه الخراج، فدفع إلى بطين صاحب عذاب عيسى يستأديه، فقال مساور:
/وجدت دواهر [3] البقّال أهنى ... من الفرنيّ [4] والجدي السّمين
وخيرا في العواقب حين تبلي ... إذا كان المردّ إلى بطين
فكن يا ذا المطيف بقاضيينا ... غدا من علم ذاك على يقين
وقل لهما إذا عرضا [5] بعهد: ... برئت إلى عرينة من عرين
فإنك طالما بهرجت فيها ... بمثل الخنفساء على الجنين
مرّ بمقبرة صديقه حميد الطوسيّ وقال في ذلك شعرا
أخبرني الحسن بن عليّ، قال: حدّثنا محمد بن موسى بن حماد، قال:
مرّ مساور الورّاق بمقبرة حميد الطوسيّ وكان له صديقا، فوقف عليها مستعبرا، وأنشأ يقول:
أبا غانم أمّا ذراك فواسع ... وقبرك معمور الجوانب محكم
__________
[1] الثيل: وعاء قضيب البعير، والعود: المسن من الإبل. وفي ف: «كمثل العود».
[2] في ب: لتميم.
[3] في هب: نواهض. وفي ف: نواقض. والدواهر: الشدائد. والفرني: نوع من الخبز يعجن بالسمن والسكر.
[4] الفرني جمع فرنية، وهي خبزة تروى لبنا وسمنا وسكرا.
[5] في ف: اعترضا.
/
وما ينفع المقبور عمران قبره ... إذا كان فيه جسمه يتهدّم
شعر له في أصحاب أبي حنيفة
أخبرني إسماعيل بن يونس الشّيعيّ قال: حدّثنا الرّياشيّ قال: حدّثنا محمد بن الصبّاح، عن سفيان بن عيينة، ونسخت هذا الخبر أيضا من بعض الكتب: أنّ حامد بن يحيى البلخيّ [1]، حدّث عن سفيان بن عيينة، وهذه الرواية أتمّ، قال:
لمّا سمع مساور الورّاق لغط أصحاب أبي حنيفة وصياحهم أنشأ يقول:
كنّا من الدّين قبل اليوم في سعة ... حتى بلينا بأصحاب المقاييس
قوم إذا اجتمعوا ضجّوا كأنّهم ... ثعالب ضبحت بين النّواويس [2]
/فبلغ ذلك أبا حنيفة وأصحابه، فشقّ عليهم وتوعّدوه، فقال أبياتا ترضيهم وهي:
إذا ما النّاس يوما قايسونا ... بآبدة من الفتيا ظريفه
أتيناهم بمقياس ظريف [3] ... مصيب من قياس أبي حنيفه
إذا سمع الفقيه بها وعاها ... وأثبتها بحبر في صحيفه
فبلغ أبا حنيفة فرضي. قال مساور: ثم دعينا إلى وليمة بالكوفة في يوم شديد الحرّ، فدخلت فلم أجد لرجلي موضعا من الزّحام، وإذا أبو حنيفة في صدر البيت، فلما رآني قال: إليّ يا مساور، فجئت فإذا مكان واسع، وقال لي: اجلس، فجلست، فقلت في نفسي: نفعتني أبياتي اليوم. قال: وكان إذا رآني بعد ذلك يقول لي: ها هنا، ها هنا، ويوسّع لي إلى جنبه، ويقول: إنّ هذا من أهل الأدب والفهم، انتهى.
حفظ حقوق جيرانه ولكنهم ضيعوا حقه فهجاهم
أخبرني محمّد بن الحسين بن دريد، قال: حدّثنا أبو المعمّر عبد الأول بن مزيد، أحد بني أنف الناقة، قال:
كان مساور الورّاق لا يضيع حقّا لجار له، فماتت بنته، فلم يشهدها من جيرانه إلّا نفر يسير، فقال مساور في ذلك:
تغيّب عنّي كلّ جاف ضرورة ... وكلّ طفيليّ من القوم عاجز
سريع إذا يدعى ليوم وليمة ... بطيء إذا ما كان حمل الجنائز
أخبرني محمد بن الحسن، قال: حدّثنا عبد الأول، قال:
قدم جار لمساور الورّاق من سفر، فجاءه يسلّم عليه، فقال: يا جارية، هاتي لأبي القاسم غداء، فجاءت برغيق فوضعته على الخوان، فمدّ يده يأكل مع مساور،/ وقال له: يا أبا القاسم، كل من هذا الخبز، فما أكلت خبزا أطيب منه، فقال مساور في ذلك:
__________
[1] أ، ب، س: «بن أبي يحيى»، والمثبت من ف.
[2] ضبحت الثعالب: صوتت. والنواويس: القبور. وفي «المختار»: «ثعالب ضجت».
[3] في ف: صليب.
ما كنت أحسب أنّ الخبز فاكهة ... حتّى رأيتك يا وجه الطّبرزين [1]
كأنّ لحيته في وجهه ذنب ... أو شعرة فوق بظر غير مختون
يعود أبا العيص الجرمي ويسمع منه شعرا في مرض موته
أخبرني الحسن بن عليّ قال: حدّثنا أحمد بن الحارث، عن المدائنيّ قال: دخل مساور الورّاق على أبي العيص الجرميّ يعوده وكان صديقه، فكلّمه فلم يجبه، فبكى مساور جزعا عليه، وأدنى رأسه منه يكلّمه، فقال أبو العيص:
أفي كلّ عام مرضة بعد نقهة [2] ... وتنعى ولا تنعى متى ذا إلى متى
سيوشك يوم أن يجيء [3] وليلة ... يسوقان حتفا راح نحوك أو غدا
/ فتمسي صريعا لا تجيب لدعوة ... ولا تسمع الدّاعي وإن جدّ في الدّعا [4]
ثم لم يلبث أن مات، رحمه اللّه.
صوت
تنامين عن ليلي وأسهره وحدي ... وأنهى جفوني أن تبثّك ما عندي
فإن كنت ما تدرين ما قد فعلته ... بنا فانظري ماذا على قاتل العمد
الشعر لسعيد بن حميد الكاتب، والغناء لعريب خفيف ثقيل مطلق بالسّبابة في مجرى الوسطى.
__________
[1] الطبرزين: آلة من السلاح تشبه الفأس.
[2] ف: ثم نقهة.
[3] ف: يحين.
[4] لم يرد هذا البيت في ف.
15 - أخبار سعيد بن حميد ونسبه
نسبه
[1] سعيد بن حميد بن سعيد بن حميد بن بحر، يكنى أبا عثمان [1] من أولاد الدّهاقين، وأصله من النّهروان الأوسط، وكان هو يقول: إنّه مولى بني سامة بن لؤيّ، من أهل بغداد، بها ولد ونشأ، ثم كان يتنقّل في السّكنى بينها وبين سرّ من رأى.
كان كاتبا شاعرا
كاتب شاعر مترسّل، حسن الكلام فصيح، وكان أبوه وجها من وجوه المعتزلة، فخالف أحمد بن أبي دواد في بعض مذهبه، فأغرى به المعتصم، وقال: إنه شعوبيّ زنديق، فحبسه مدة طويلة، ثم بانت براءته له أو للواثق بعده، فخلّى سبيله، وكان شاعرا أيضا، فكان يهجو أحمد بن أبي دواد، وأنشدنيها جماعة من أصحابنا، قال:
أبوه يهجو أحمد بن أبي دواد
لقد أصبحت تنسب في إياد ... بأن يكنى أبوك أبا دواد
فلو كان اسمه عمرو بن معدي ... دعيت إلى زبيد أو مراد
لئن أفسدت بالتّخويف عيشي ... لما أصلحت أصلك في إياد
وإن تك قد أصبت طريف مال ... فبخلك باليسير من التّلاد
قوة حافظته
فذكر محمّد بن موسى أن أبا يوسف بن الدّقّاق [2] اللّغويّ أخبره أنّ حميد بن سعيد بن حميد دفع إليه ابنه سعيدا وهو صبيّ فقال له: امض به معك إلى مجلس ابن الأعرابيّ، قال: فحضرناه ذات يوم، فأنشدنا أرجوزة لبعض العرب فاستحسنتها، ولم تكن معنا محبرة نكتبها منها، فلما انصرفنا قلت له: فاتتنا هذه الأرجوزة، فقال: لم تفتك، أتحبّ أن أنشدكها؟ / قلت: نعم، فأنشدنيها وهي نيّف وعشرون بيتا قد حفظها عنه، وإنما سمعها مرّة واحدة، فلقيت أباه من غد، فقال لي: كيف/ رأيت سعيدا؟ قلت له: إنك أوصيتني به، وأنا أسألك الآن أن توصيه بي، فضحك وسألني عن الخبر، فأعلمته فسرّ به.
خبره مع أبي العباس بن ثوابة
أخبرني عليّ بن العبّاس بن أبي طلحة، قال: حدّثني ابن أبي المدوّر، قال:
__________
(1 - 1) ف: «سعيد بن حميد بن يحيى»، يكنى أبا عثمان.
[2] ف: «أن أبا يوسف الدقاق».
دخل سعيد بن حميد يوما على أبي العبّاس بن ثوابة، وكان أبو العبّاس يعاتبه على الشّغف بالغلمان المرد، فرأى على رأسه غلاما أمرد حسن الوجه، عليه منطقة وثياب حسان، فقال له: يا أبا العبّاس:
أزعمت أنّك لا تلوط فقل لنا ... هذا المقرطق [1] قائما ما يصنع!
شهدت ملاحته عليك بريبة ... وعلى المريب شواهد لا تدفع
فضحك أبو العبّاس وقال: خذه، لا بورك لك فيه حتى نستريح من عتبك.
حيلة له مع غلام من أولاد الموالي وشعره في ذلك
أخبرني عمّي، رحمه اللّه، قال: قال لي محمد بن موسى بن الحسن بن الفرات الكاتب: كان سعيد بن حميد يهوى غلاما له من أولاد الموالي، فغاب عنه مدّة، ثم جاءه مسلّما، فقال له: غبت عنّي هذه المدة ثم تجيئني فلا تقيم عندي! فقال له: قد أمسينا، فقال: تبيت، قال: لا واللّه لا أقدر، ولم يزل به حتى اتّفقا على أنّه إذا سمع أذان العتمة [2] انصرف، فقال له: قد رضيت. ووضع النّبيذ، فجعل سعيد يحثّ السّقي [3] بالأرطال، فلما قرب وقت العتمة، أخذ رقعة فكتب فيها إلى إمام المسجد وهو مؤذّنه قوله:
قل لداعي الفراق [4] أخّر قليلا ... قد قضينا حقّ الصّلاة طويلا
أخّر الوقت في الأذان [5] وقدّم ... بعدها الوقت بكرة وأصيلا
/ ليس في ساعة تؤخّرها وز ... ر فنحيا بها وتأتي جميلا [6]
فتراعى حقّ الفتوّة فينا ... وتعافى من أن تكون ثقيلا [7]
فلما قرأ المؤذّن الرّقعة ضحك وكتب إليه يحلف أنه لا يؤذّن ليلته تلك العتمة، وجعل الفتى ينتظر الأذان حتى أمسى وسمع صوت الحارث، فعلم أنّها حيلة وقعت عليه وبات في موضعه، وقال سعيد في ذلك:
عرّضت بالحبّ له وعرّضا ... حتى طوى قلبي على جمر الغضى
وأظهرت نفسي عن الدّهر الرّضا ... ثم جفاني وتولّى معرضا
لم ينقض الحبّ بلى [8] صبري انقضى ... فداك من ذاق [9] الكرى أو غمّضا
حتى طرقت فنسيت ما مضى ... سألته حويجة [10] فأعرضا
وقال: لا، قول مجيب برضا ... فكان ما كان وكابرنا القضا
__________
[1] قرطقه: ألبسه القرطق؛ وهو قباء ذو طاق واحد فهو مقرطق.
[2] العتمة: وقت صلاة العشاء الآخرة.
[3] في «المختار»: السعي بالأرطال.
[4] في هب، «المختار»: الصلاة.
[5] في «التجريد»: في الصلاة.
[6] البيت من «المختار» و «التجريد»، ولم يرد في ف، ب، هب.
[7] في «التجريد»، ف: «حق المودة» بدل: «حق الفتوة».
[8] في ب: على.
[9] في هب:
«فذاك من ذاق ... »
وفي «المختار»:
«فذاق من ذاق»
[10] في «المختار»: حوائجا.
في هذه الأبيات هزج لأحمد بن صدقة، أخبرني بذلك ذكاء وجه الرّزّة.
وجدت في بعض الكتب:
حدثني أحمد بن سليمان بن وهب أنه كان في مجلس فيه سعيد بن حميد، فلما سكروا قام سعيد قومة بعد العصر [1]، فلم نشعر إلا وقد أخذ ثيابه فلبسها، وأخذ بعضدتي الباب، وأنشأ يقول:
سلام عليكم حالت الرّاح بيننا ... وألوت بنا عن كل مرأى ومسمع
/ ولم يبق إلا أن يميل بنا الكرى ... ويجمع نوم [2] بين جنب ومضجع
/ فقام له أهل المجلس، وقالوا: يا سيدنا، اذهب في حفظ اللّه وفي ستره، فانصرف وودّعهم.
كتب لفضل الشاعرة يعتذر إليها
حدثني محمد بن الطّلّاس أبو الطّيّب، قال: حدثني عبد اللّه بن طالب الكاتب قال:
قرأت رقعة بخطّ سعيد بن حميد إلى فضل الشاعرة يعتذر إليها من تغيّر ظنّته به، وفي آخرها:
تظنّون أني قد تبدّلت بعدكم ... بديلا وبعض الظّنّ إثم ومنكر
إذا كان قلبي في يديك رهينة ... فكيف بلا قلب أصافي وأهجر!
في هذين البيتين لابن القصّار الطّنبوريّ رمل، وفيهما لمحمد قريض خفيف رمل.
خبره مع كعب جارية أبي عكل المقين
أخبرني عليّ بن العباس بن أبي طلحة الكاتب قال: حدثني أبو عليّ المادرانيّ [3] أنه كان في مجلس فيه كعب جارية أبي عكل المقيّن، وكان بعض أهل المجلس يهواها قال: فدخل إلينا سعيد بن حميد، فقام إليه أهل المجلس جميعا سوى الجارية والفتى، فأخذ سعيد الدواة فكتب رقعة وألقاها في حجرها، فإذا فيها قوله:
ما على أحسن خل ... ق اللّه أن يحسن فعله
بأبي أنت وأمّي ... من مليك قلّ عدله
وبخيل بالهوى لو ... كان يسلى عنه بخله
أكثر العاذل في حبّ ... ك لو ينفع عذله
فهو مشغول بعذلي ... وفؤادي بكل شغله
أكثر الشّكوى وأستع ... دي على من قلّ بذله
/ فوثبت الجارية فقبّلت رأسه وجلست إلى جنبه، فقال الرّجل الذي كان يهواها: هذا واللّه كلام الشّياطين ورقية الزّنا، وبهذا يتمّ الأمر، أما أنا فإني أشهدكم، لا قرأت اليوم في صلاتي غير هذه الأبيات لعلّها تنفعني، فضحك سعيد وقال: بحياتي قومي فارجعي إليه حتى تكون الأبيات قد نفعته قبل أن يقرأها في صلاته، وسرّيني بذلك، فقامت فرجعت إلى موضعها.
__________
[1] ف: «فلما سكرنا نام سعيد نومة».
[2] ف: «سكر».
[3] في هب: الداراني. وفي ف: «أبو علي المداري أنه كان في مجلس فيه لعب جارية بن علل المقين».
خبرة مع جارية كان يهواها زارته على غير وعد
قال عليّ بن العبّاس: وحدثني أبو عليّ المادرانيّ: أنّه كان عنده يوما، فدخلت إليه جارية - كان يهواها - غفلة على غير وعد، فسرّ بذلك وقال لها: قد كنت على عتابك، فأمّا الآن فلا، فقالت: أمّا العتاب فلا طاقة لي به، وو اللّه ما جئتك إلا عند غفلة البوّاب، فقال سعيد [1] في ذلك:
زارك زور على ارتقاب ... مغتنما غفلة الحجّاب
مستترا بالنّقاب يبدو ... ضياء خدّيه في النّقاب
كالشّمس تبدو وقد طواها ... دونك ستر من السّحاب
قد كان في النفس منك عتب ... يدعو إلى شدّة اجتناب
فملت بالعتب عن حبيب ... يضعف عن موقف العتاب
والذّنب منه وأنت تخشى ... في هجره صولة العقاب
عبد اللّه بن داود يستحسن شعرا له
/ أخبرني عمّي قال: حدّثني ابن أبي سعد، قال: حدّثني محمّد بن عبد اللّه بن داود، قال: كان أبي يستحسن قول سعيد بن حميد:
تظنّون أنّي قد تبدّلت بعدكم ... بديلا، وبعض الظّنّ إثم ومنكر
إذا كان قلبي في يديك رهينة ... فكيف بلا قلب أصافي وأهجر!
/ ويقول: لئن عاش هذا الغلام ليكوننّ له في الشّعر شأن.
في هذين البيتين غناء من خفيف الرمل، وذكر قريض أنّه له.
زارته فضل الشاعرة فجأة أثناء ذهابها إلى القصر فقال في ذلك شعرا
أخبرني ابن أبي طلحة قال: حدّثني إسحاق بن مسافر أنه كان عند سعيد بن حميد يوما إذ دخلت عليه فضل الشاعرة على غفلة، فوثب إليها وسلّم عليها، وسألها أن تقيم عنده، فقالت: قد جاءني وحياتك رسول من القصر، فليس يمكنني الجلوس، وكرهت أن أمرّ ببابك ولا أراك، فقال سعيد من وقته على البديهة:
قربت ولا نرجو اللّقاء ولا نرى [2] ... لنا حيلة يدنيك منّا احتيالها
فأصبحت كالشمس المنيرة ضوؤها ... قريب ولكن أين منّا منالها!
كظاعنة ضنّت بها غربة النّوى ... علينا ولكن قد يلمّ خيالها
تقرّبها الآمال ثم تعوقها ... مماطلة الدّنيا بها واعتلالها
ولكنها أمنيّة فلعلها ... يجود بها صرف النّوى وانتقالها
__________
[1] ف: سعيد بن حميد.
[2] في ف: «قربت ولم نرج اللقاء ولم تجد».
تغاضب وفضل فكتب إليها فصارت إليه وصالحته
أخبرني عمّي قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد، قال: حدّثني محمد بن عبد اللّه بن يعقوب بن داود؛ قال:
تغاضب سعيد بن حميد وفضل الشّاعرة أياما، ثم كتب إليها:
تعالي نجدّد عهد الرّضا ... ونصفح في الحبّ عمّا مضى
ونجري على سنّة العاشقين ... ونضمن عني وعنك الرّضا
ويبذل هذا لهذا هواه ... ويصبر في حبّه للقضا
ونخضع [1] ذلّا خضوع العبيد ... لمولى عزيز إذا أعرضا
فإنّي مذ لجّ هذا العتاب ... كأنّي أبطنت جمر الغضى [2]
/فصارت إليه وصالحته.
في هذه الأبيات لهاشم بن سليمان ثقيل أول بالوسطى، وفيها لابن القصّار خفيف رمل.
رسول الحسن بن مخلد يدعوه فيقول في ذلك شعرا
أخبرني ابن أبي طلحة قال: حدّثنا أبو العبّاس بن أبي المدوّر قال:
بات سعيد بن حميد عند أبي الفضل بن أحمد بن إسرائيل، [3] واصطبحا على غناء حسن كان عندهما [3]، فجاءه رسول الحسن بن مخلّد وقد أمر ألّا يفارقه لأمر مهمّ، فقام فلبس ثيابه، وأنشأ يقول:
يا ليلة بات النّحوس بعيدة ... عنها على رغم الرّقيب الرّاصد
تدع العواذل لا يقمن لحاجة ... وتقوم بهجتها بعذر الحاسد
ضنّ الزّمان بها فلمّا نلتها ... ورد الفراق فكان أقبح وارد
والدّمع ينطق للضمير مصدّقا ... قول المقرّ مكذّبا للجاحد
أبو العباس بن ثوابة يعاتبه على تأخره عنه فيجيبه
أخبرني ابن أبي طلحة قال: حدثني أبو العبّاس بن أبي المدوّر، قال:
كان سعيد بن حميد/ صديقا لأبي العباس بن ثوابة، فدعاه يوما، وجاءه رسول فضل الشّاعرة يسأله المصير إليها، فمضى معه وتأخّر عن أبي العبّاس، فكتب إليه رقعة يعاتبه فيها معاتبة فيها بعض الغلظة، فكتب إليه سعيد:
أقلل عتابك فالبقاء قليل ... والدهر يعدل تارة [4] ويميل
لم أبك من زمن ذممت صروفه ... إلا بكيت عليه حين يزول
__________
[1] ف: «و نجمع».
[2] في ف جاء البيت:
فإن فرق الدهر ما بيننا ... فمن ذا يقوم لصرف القضا
بدلا من البيت الأخير - واختلاف في ترتيب الأبيات، فالبيت الثالث مكان الثاني، والثاني مكان الثالث.
(3 - 3) في ف: واصطحبا على غناء حسن كان عنده.
[4] ف: «يعدل مرة».
/
ولكلّ نائبة ألمّت مدّة ... ولكلّ حال أقبلت تحويل
والمنتمون إلى الإخاء جماعة ... إن حصّلوا أفناهم التّحصيل
ولعلّ أحداث الليالي والرّدى [1] ... يوما ستصدع بيننا وتحول
فلئن سبقت لتبكينّ بحسرة ... وليكثرنّ عليّ منك عويل
ولتفجعنّ بمخلص لك وامق ... حبل الوفاء بحبله موصول
[2] وليذهبنّ جمال كلّ مروءة ... وليعفونّ فناؤها المأهول
ولئن سبقت، ولا سبقت، ليمضين ... من لا يشاكله لديّ عديل
وأراك تكلف بالعتاب وودّنا ... باق عليه من الوفاء دليل
ودّ بدا لذوي الإحاء جميله ... وبدت عليه بهجة وقبول
ولعلّ أيام الحياة قصيرة ... فعلام يكثر عتبنا ويطول
مظلومة جارية الدقيقي تعاتبه على هجرانه فيرد عليها
أخبرني الطّلحيّ قال: حدثني أبو عليّ بن أبي الرعد: أن سعيد بن حميد كان يهوى مظلومة جارية الدقيقيّ، فبلغه أنها تواصل بعض أعدائه، فهجرها مدة، فكتبت إليه تعاتبه وتتشوقه، فكتب إليها:
أمري وأمرك شيء غير متّفق ... والهجر أفضل من وصل على ملق
لا أكذب اللّه، ما نفسي بسالية ... ولا خليقة أهل الغدر من خلقي
فإن وثقت بودّ كنت أبذله ... فعاودي سوء ظن بي ولا تثقي [2]
اعتذر إلى هبة المغنية فوثبت إليه وقبّلت رأسه
وذكر اليوسفيّ الكاتب أنه حضر سعيدا في منزل بعض إخوانه وعندهم هبة [3] المغنّية، وكان سعيد يتعشّقها ويهيم بها، فغضبت عليه يوما لبعض الكلام على النبيذ،/ ودخلت بعد ذلك وهو في القوم، فسلّمت عليهم سواه، فقالوا لها: أتهجرين أبا عثمان؟ فقالت: أحبّ أن تسألوه ألّا يكلّمني، فقال سعيد:
اليوم أيقنت أنّ الهجر متلفة ... وأنّ صاحبه منه على خطر
كيف [4] الحياة لمن أمسى على شرف ... من المنيّة بين الخوف والحذر
يلوم عينيه أحيانا بذنبهما [5] ... ويحمل الذنب أحيانا على القدر
تنأون عنه وينأى قلبه معكم ... فقلبه أبدا منه على سفر
فوثبت إليه وقبّلت رأسه، وقالت: لا أهجرك واللّه أبدا ما حييت.
__________
[1] في «المختار»: والنوى.
(2 - 2) الأبيات والخبر من نسخة ف، وهما ساقطان من نسخة ب، ش والأبيات في «المختار».
[3] في ب، س: «هذه المغنية».
[4] في ب، س: كرب الحياة.
[5] ف، بيروت: لذرفها.
غضبت عليه فضل الشاعرة فكتب إليها فراجعت وصله
أخبرني جحظة قال: حدثني ميمون بن هارون، قال:
غضبت فضل الشاعرة على سعيد بن حميد فكتب إليها:
يأيّها الظالم ما لي ولك ... أهكذ تهجر من واصلك!
لا تصرف الرّحمة عن أهلها ... قد يعطف المولى على من ملك
ظلمت نفسا فيك علقتها ... فدار بالظّلم عليّ الفلك [1]
تبارك اللّه فما أعلم اللّه ... بما ألقى وما أغفلك!
فراجعت وصله، وصارت إليه جوابا للرقعة.
في هذه الأبيات لعريب ثاني ثقيل وهزج، عن ابن المعتز، وأخبرني ذكاء وجه الرّزة أنّ الثقيل الثاني لأحمد بن أبي العلاء.
فضل الشاعرة تشكو شدة شوقها إليه فيكتب إليها
أخبرني الطوسي الطّلحيّ [2] قال: حدّثنا محمد بن السّريّ: أنّ سعيد بن حميد كان في مجلس الحسن بن مخلّد، إذ جاءه الغلام برقعة فضل الشاعرة تشكو فيها شدّة/ شوقها، فقرأها وضحك، - فقال له الحسن بن مخلّد:
بحياتي عليك أقرئنيها، فدفعها إليه فقرأها وضحك وقال له: قد وحياتي ملّحت فأجب، فكتب إليها:
يا واصف الشوق عندي من شواهده ... قلب يهيم وعين دمعها يكف
/ والنّفس شاهدة بالودّ عارفة ... وأنفس الناس بالأهواء تأتلف
فكن على ثقة منّي وبيّنة ... إنّي على ثقة من كل ما تصف
عدلت فضل عنه إلى بنان بن عمرو فقال فيها شعرا
أخبرني جحظة قال: حدّثني ميمون بن هارون قال:
لما عشقت فضل الشاعرة بنان بن عمرو [3] المغني، وعدلت عن سعيد بن حميد إليه أسف عليها وأظهر تجلّدا، ثم قال فيها:
قالوا: تعزّ وقد بانوا فقلت لهم: ... بان العزاء على آثار من بانا
وكيف يملك سلوانا لحبّهم ... من لم يطق للهوى سترا وكتمانا!
كانت عزائم صبري أستعين بها ... صارت عليّ بحمد اللّه أعوانا
لا خير في الحبّ لا تبدو شواكله ... ولا ترى منه في العينين عنوانا
قال أبو الحسن جحظة [4]: وغنّى فيه بعض المحدثين لحنا حسنا، وأظنه عنى نفسه.
__________
[1] ف: عليها الفلك.
[2] أ، ب، س: «أخبرني الطلحي».
[3] ف، بيروت: بنان بن عمرون.
[4] أ، ب، س: «قال أبو الحسن: وغنى».
كتب إلى أبي هفان يتبرأ من طعن فيه نسب إليه ظلما
أخبرني الطّلحيّ قال: حدثني أبو عيسى الكاتب: أن أبا هفّان بلغه عن سعيد بن حميد كلام فيه جفاء وطعن على شعره، فتوعده بالهجاء، وكان الحاكي عن ذلك كاذبا، فبلغ سعيدا ما جرى، فكتب إلى أبي هفّان:
أمسى يخوّفني العبديّ صولته [1] ... وكيف آمن بأس الضّيغم الهصر!
من ليس يحرزني من سيفه أجلي ... وليس يمنعني من كيده حذري
/ ولا أبارزه بالأمر يكرهه ... ولو أعنت بأنصار من الغير
له سهام بلا ريش ولا عقب ... وقوسه أبدا عطل من الوتر
وكيف آمن من نحري له غرض ... وسهمه صائب يخفى عن البصر [2]!
عاتبته فضل الشاعرة فزارها وقال فيها شعرا
أخبرني الطّلحيّ قال: حدّثني محمد بن السّريّ: أنّه سار إلى سعيد بن حميد وهو في دار الحسن بن مخلّد في حاجة له، قال: فإني عنده إذ جاءته رقعة فضل الشاعرة، وفيها هذان البيتان:
صوت
الصبر ينقص والسّقام يزيد ... والدّار دانية وأنت بعيد
أشكوك أم أشكو إليك فإنه ... لا يستطيع سواهما المجهود
أنا يا أبا عثمان في حال التّلف ولم تعدني، ولا سألت عن خبري.
فأخذ بيدي فمضينا إليها، فسأل عن خبرها، فقالت: هو ذا أموت وتستريح مني، فأنشأ يقول:
لا متّ قبلي [3] بل أحيا وأنت معا ... ولا أعيش إلى يوم تموتينا
لكن نعيش بما نهوى وتأمله ... ويرغم اللّه فينا أنف واشينا [4]
حتى إذا قدّر الرحمن ميتتنا ... وحان من أمرنا ما ليس يعدونا
متنا جميعا كغصنى بانة ذبلا ... من بعد ما نضرا واستوسقا حينا
ثمّ السّلام علينا في مضاجعنا ... حتى نعود إلى ميزان منشينا
/ أخبرني إبراهيم بن القاسم بن زرزور [5] قال: قال لي أبي:
كانت فضل الشّاعرة تتعشق/ سعيد بن حميد مدّة طويلة، ثم تعشقت بنانا، وعدلت عنه، فقال فيها قصيدته الدّالية التي يقول فيها:
__________
[1] في ب: بصولته.
[2] لم يرد هذا البيت في ف.
[3] في ف: لا مت قبلك.
[4] ف: شانينا.
[5] ب، س، أ: «ززور»، وفي ف: «زرزر».
تنامين عن ليلي وأسهره وحدي [1]
فلم تتعطّف عليه، وبلغها بعد ذلك أنه قد عشق جارية من جواري القيان، فكتبت إليه:
يا عالي السنّ سيّىء الأدب ... شبت وأنت الغلام في الطّرب
ويحك إنّ القيان كالشّرك الم ... نصوب بين الغرور والعطب
لا تصدّين للفقير ولا ... يطلبن إلا معادن الذهب
بينا تشكّى هواك إذ عدلت ... عن زفرات الشّكوى إلى الطّلب
تلحظ هذا وذاك وذا ... لحظ محبّ وفعل مكتسب
عادته فضل في مرضه وأهدته هدايا كثيرة
أخبرني إبراهيم قال: وحدّثني أبي قال:
اقتصد سعيد بن حميد، فسألتني فضل الشاعرة، وسألت عريب أن نمضي إليه، ففعلنا، وأهدت إليه هدايا، فكان منها ألف جدي وحمل [2] وألف دجاجة فائقة، وألف طبق ريحان وفاكهة، ومع ذلك طيب كثير وشراب وتحف حسان، فكتب إليها سعيد: إنّ سروري لا يتم إلا بحضورك، فجاءته في آخر النهار، وجلسنا نشرب، فاستأذن غلامه لبنان فأذن له، فدخل إلينا وهو يومئذ شابّ طرير، حسن الوجه،/ حسن الغناء، نظيف الثياب، شكل [3]، فذهب بها كلّ مذهب، وأقبلت عليه بحديثها ونظرها، فتشمّز [4] سعيد واستطير غضبا، وتبيّن بنان القصّة فانصرف، وأقبل عليها سعيد يعذلها ويؤنّبها ساعة، ثم أمسك، فكتبت إليه:
يا من أطلت تفرّسي ... في وجهه وتنفّسي
أفديك من متدلّل ... يزهى بقتل الأنفس
هبني أسأت وما أسأ ... ت بلى أقرّ أنا المسي
أحلفتني ألّا أسا ... رق نظرة في مجلسي
فنظرت نظرة مخطىء ... أتبعتها بتفرّس
ونسيت أنّي قد حلف ... ت، فما عقوبة من نسي؟
فقام سعيد، فقبّل رأسها وقال: لا عقوبة عليه بل نحتمل هفوته، ونتجافى عن إساءته، وغنت عريب في هذا الشّعر هزجا، فشربنا عليه بقيّة يومنا، ثم افترقنا. وأثّر بنان في قلبها وعلقت به، فلم تزل حتى واصلته وقطعت سعيدا.
وجدت في بعض الكتب عن عبد اللّه بن المعتز، قال: قال لي إبراهيم بن المهدي [5]:
كانت فضل الشّاعرة من أحسن خلق اللّه خطّا، وأفصحهم كلاما، وأبلغهم في مخاطبة، وأثبتهم في محاورة،
__________
[1] عجز البيت كما جاء في ف، بيروت: «و أنهى دموعي أن تبثك ما عندي». وفي «التجريد»: «و أنهى جفوني ... ».
[2] ب، س: «و جمل.
[3] شكل: فيه دلال وغزل.
[4] تشمز: تقبض. وفي «المختار»: «فغم». وفي ب، س: «فتشمر»، تصحيف.
[5] ف، بيروت: المدبر.
فقلت يوما لسعيد بن حميد: أظنّك يا أبا عثمان تكتب لفضل رقاعها وتقيّدها [1] وتخرّجها، فقد أخذت نحوك في الكلام وسلكت سبيلك، فقال لي وهو يضحك: ما أخيب [2] ظنّك، ليتها تسلم منّي ولا آخذ كلامها ورسائلها [3]، واللّه يا أخي لو أخذ أفاضل الكتّاب وأماثلهم عنها لما استغنوا عن ذلك.
صوت
كلّ حيّ لاقي الحمام فمودي ... ما لحيّ مؤمّل من خلود
لا تهاب المنون شيئا ولا تب ... قي على والد ولا مولود
الشعر لابن مناذر، والغناء لبنان ثقيل أول بالسّبابة في مجرى الوسطى من كتابه الذي جمع فيه صنعته، وفيه لساجي [4] جارية عبيد اللّه بن عبد اللّه بن طاهر ثقيل أوّل أيضا على مذهب النّوح، ابتداؤه نشيد.
__________
[1] ف: «و تفيدها».
[2] ف: «ما أحسن ظنك».
[3] ب، هب: « ... لآخذ كلامها ورسائلها».
[4] هب، ب، س: لشاج.
16 - أخبار ابن مناذر ونسبه
نسبه وكنيته
هو محمّد بن مناذر مولى بني صبير بن يربوع، ويكنى أبا جعفر، وقيل: إنه كان يكنى أبا عبد اللّه.
ووجدت في بعض الكتب رواية عن ابن حبيب أنه كان يكنى أبا ذريح وقد كان له ابن يسمى ذريحا، فمات وهو صغير وإياه عنى بقوله:
كأنّك للمنايا يا ... ذريح اللّه صوّركا
فناط بوجهك الشّعرى ... وبالإكليل قلّدكا
ولعلّه اكتنى به قبل وفاته.
وقال الجاحظ: كان محمّد بن مناذر مولى سليمان القهرمان، وكان سليمان مولى عبيد اللّه بن أبي بكرة مولى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم، وكان أبو بكرة عبدا لثقيف، ثم ادّعى عبيد اللّه بن أبي بكرة أنه ثقفيّ، وادّعى سليمان القهرمان أنه تميميّ، وادّعى ابن مناذر أنه صليبة من بني صبير بن يربوع، فابن مناذر مولى مولى مولى، وهو دعيّ مولى دعيّ، وهذا ما لا يجتمع في غيره قط ممّن عرفناه وبلغنا خبره.
كان إماما في العلم باللغة
ومحمد بن مناذر شاعر فصيح مقدّم في العلم باللغة وإمام فيها، وقد أخذ عنه أكابر أهلها، وكان في أوّل أمره يتألّه، ثم عدل عن ذلك فهجا الناس، وتهتّك وخلع، وقذف أعراض أهل البصرة حتى نفي عنها إلى الحجاز فمات هناك. وهذه الأبيات يرثي بها ابن مناذر عبد المجيد بن عبد الوهاب الثّقفيّ، وكان عبد الوهاب [1] محدّثا جليلا، وقد روى عنه وجوه المحدّثين وكبراء الرّواة، وكان ابن مناذر يهوى عبد المجيد هذا. فكان في أيّام حياته/ مستورا متألّها جميل الأمر، فلمّا مات عبد المجيد حال عن جميع ما كان عليه، وأخبارهما تذكر في مواضعهما.
كان ناسكا في أول أمره، إلى أن فتن بعبد المجيد بن عبد الوهاب الثقفي فتهتك وفتك
أخبرني عليّ بن سليمان الأخفش، قال: حدّثنا محمد بن يزيد النّحويّ، قال:
كان ابن مناذر مولى صبير بن يربوع، وكان إماما في علم اللّغة وكلام العرب، وكان في أوّل أمره ناسكا ملازما للمسجد، كثير النّوافل، جميل الأمر إلى أن فتن بعبد المجيد بن عبد الوهاب الثّقفيّ، فتهتّك بعد ستره، وفتك بعد نسكه، ثم ترامى به الأمر بعد موت عبد المجيد بن عبد الوهاب الثقفيّ إلى أن شتم الأعراض وأظهر البذاء وقذف المحصنات، ووجبت عليه حدود، فهرب إلى مكة وبقي بها حتى مات.
__________
[1] ف: «و كان عبد المجيد ... ».
كان سفيان بن عيينة يسأله عن معاني حديث النبي صلّى اللّه عليه وسلم فيخبره بها
وكان يجالس سفيان بن عيينة، فيسأله سفيان عن معاني حديث النبي صلّى اللّه عليه وسلم فيخبره بها، ويقول له: كذا وكذا مأخوذ من كذا، فيقول سفيان: كلام العرب بعضه يأخذ برقاب بعض. قال: وأدرك المهديّ/ ومدحه، ومات في أيام المأمون.
أخبرني عليّ بن سليمان، قال: حدّثني محمد بن يزيد وغيره: أنّ محمّد بن مناذر كان إذا قيل له: ابن مناذر - بفتح الميم - يغضب، ثم يقول: أمناذر الصّغرى أم مناذر الكبرى؟ وهما كورتان من كور الأهوار، إنما هو مناذر على وزن مفاعل من ناذر فهو مناذر، مثل ضارب فهو مضارب، وقاتل فهو مقاتل.
وعظته المعتزلة فلم يتعظ، ومنعوه دخول المسجد فنابذهم وهجاهم
قال محمد بن يزيد: ولما عدل محمد بن مناذر عما كان عليه من النّسك والتّألّه وعظته المعتزلة فلم يتّعظ، وأوعدته بالمكروه فلم يزدجر، ومنعوه دخول المسجد فنابذهم/ وطعن عليهم وهجاهم، وكان يأخذ المداد بالليل فيطرحه في مطاهرهم، فإذا توضّئوا به سوّد وجوههم وثيابهم، وقال في توعد المعتزلة إيّاه:
أبلغ لديك بني تميم مألكا [1] ... عنّي وعرّج في بني يربوع
أنّي أخ لكم بدار مضيعة ... بوم وغربان عليه وقوع [2]
يا للقبائل من تميم ما لكم ... روبى [3] ولحم أخيكم بمصيع
هبّوا له فلقد أراه بنصركم ... يأوي إلى جبل أشمّ منيع
وإذا تحزّبت القبائل كنتم ... ثقتي لكلّ ملمّة وفظيع [4]
إن أنتم لم تثأروا لأخيكم [5] ... حتى يباء بوتره المتبوع
فخذوا المغازل بالأكفّ وأيقنوا ... ما عشتم بمذلّة وخضوع
إن كنتم حدبا [6] على أحسابكم ... سمعا فقد أسمعت كلّ سميع
أين الصّبيريّون [7] لم أر مثلهم ... في النائبات وأين رهط وكيع!
قال: ثم استحيا من قوله: أين الصّبيريّون؟ لقلّة عددهم فقال: أين الرّياحيّون؟.
أخبرني الحسن بن عليّ، قال: حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه، قال: حدّثني الحسن بن عليّ، قال:
حدّثني مسعود بن بشر، قال:
قال لي ابن مناذر: ولع بي قوم من المعتزلة ففرقت منهم، قال: وكان مولى صبير بن يربوع، فقلت: بنو صبير
__________
[1] المألك: الرسالة.
[2] في البيت إقواء.
[3] قوم روبى: خاثر والأنفس مختلطون.
[4] ب، س، و «معجم الأدباء» 19 - 59: صلتم بدل كنتم. وبفتى بدل ثقتي.
[5] ب، س، و «معجم الأدباء» 19 - 59: «لم توتروا». ومعنى توتروا: تفزعوا وتأخذوا له ونره.
[6] في ب، س، و «معجم الأدباء» 19 - 59: «حربا».
[7] في «معجم الأدباء» 19 - 59: «أين الرياحيون ... ».
نفسان ونصف، فمن أدعو/ منهم؟ فقلت: ليس إلا إخوتهم بنو رياح، فقلت أبياتات حرّضتهم فيها، وحضضت بنو رياح، فقلت:
أين الرّياحيّون لم أر مثلهم ... في النّائبات وأين رهط وكيع!
قال: فجاء خمسون شيخا من بني رياح فطردوهم عنّي.
أخبرني عليّ بن سليمان قال: حدّثني محمد بن يزيد، قال: حدثني الجاحظ، عن مسعود بن بشر، عن أبي عبيدة، قال:
ما زادت بنو صبير بن يربوع قط على سبعة نفر، كلّما ولد منهم مولود مات منهم ميّت.
كان من أهل عدن
أخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن عمّار، قال: حدثني يعقوب بن نعيم، قال: حدثني إسحاق بن محمد النّخعيّ، قال: حدّثني أبو عثمان المازنيّ، قال:
كان ابن مناذر من أهل عدن، وإنّما صار إلى البصرة في طلب الأدب لتوافر العلماء فيها، فأقام فيها مدّة، ثم شغل بعبد المجيد بن عبد الوهاب الثّقفيّ، فتطاول أمره إلى أن خرج عنها، وكان مقيما بمكّة، فلما مات عبد المجيد نسك. وقوم يقولون: إنه كان دهريّا.
كره الناس إمامته في المسجد بعد تهتكه فهجوه ورد عليهم
وذكر أبو دعامة، عن عطاء الملط [1] قال:
كان/ ابن مناذر يؤمّ النّاس في المسجد الذي في قبيلته، فلما أظهر ما أظهره من الخلاعة والمجون كرهوا أن يصلّي بهم وأن يأتمّوا به [2] فقالوا شعرا وذكروا ذلك فيه وهجوه، وألقوا الرقعة في المحراب، فلما قضى صلاته قرأها، ثم قلبها وكتب فيها يقول:
نبّئت قافية قيلت تناشدها ... قوم سأترك في أعراضهم ندبا
ناك الذين رووها أمّ قائلها ... وناك قائلها أمّ الذي كتبا
ثم رمى بها إليهم ولم يعد إلى الصلاة بهم.
أول لقاء له بأبي نواس
أخبرني محمد بن عمران الصّيرفيّ، قال: حدثنا الحسن بن عليل العنزيّ، قال:
حدثنا أبو الفضل بن عبدان بن أبي حرب الصّفّار، قال: حدّثني الفضل بن موسى مولى بني هاشم، قال:
دخل ابن مناذر المسجد الجامع بالبصرة، فوقعت عينه على غلام مستند إلى سارية فخرج والتمس غلاما ورقعة ودواة، فكتب أبياتا مدحه بها، وسأل الغلام الذي التمسه أن يوصّل الرّقعة إلى الفتى المستند إلى السارية، فذهب بها إلى الغلام، فلما قرأها قلبها وكتب على ظهرها يقول:
__________
[1] ب، س: عطاء الملك.
[2] ف: يأثموا به.
مثل امتداحك لي بلا ورق [1] ... مثل الجدار بني على خصّ
وألذّ عندي من مديحك لي ... سود النّعال وليّن القمص
فإذا عزمت فهيّ لي ورقا ... فإذا فعلت فلست أستعصي
فلما قرأها ابن مناذر قام إليه فقال له: ويلك، أأنت أبو نواس؟ قال: نعم، فسلّم عليه وتعانقا، وكان ذلك أوّل المودّة بينهما.
خبره مع أبي العتاهية
أخبرني محمّد بن الحسن بن دريد، قال: حدّثني أبو حاتم، قال:
اجتمع أبو العتاهية ومحمد بن مناذر، فقال له أبو العتاهية: يا أبا عبد اللّه، كيف أنت في الشّعر؟ قال: أقول في الليلة إذا سنح القول لي، واتّسعت القوافي عشرة أبيات إلى خمسة عشر، فقال له أبو العتاهية: لكنّي لو شئت أن أقول في الليلة ألف بيت لقلت، فقال ابن مناذر: أجل واللّه إذا أردت أن أقول مثل قولك:
ألا يا عتبة السّاعة ... أموت السّاعة السّاعة
قلت: ولكني لا أعوّد نفسي مثل هذا الكلام السّاقط، ولا أسمح لها به، فخجل أبو العتاهية وقام يجرّ رجله.
/ أخبرني به الحسن بن عليّ، قال: حدثنا ابن مهرويه، قال: حدّثني سهل بن محمد أبو حاتم، وأحمد بن يعقوب بن المنير ابن أخت أبي بكر الأصمّ. قال ابن مهرويه: وحدثني به يحيى بن الحسن [2] الرّبيعيّ، عن غسّان بن المفضّل [3]، قال:
اجتمع أبو العتاهية، وابن مناذر، فاجتمع الناس إليهما، وقالوا: هذان شيخا الشّعراء [4]، فقال أبو العتاهية لابن مناذر: يا أبا عبد اللّه، كم تقول في اليوم من الشّعر؟ وذكر باقي الخبر مثل المتقدم سواء.
رفض خلف الأحمر أن يقيس شعره إلى شعر الجاهليين
أخبرني أبو دلف هاشم بن محمد الخزاعيّ، قال: حدّثنا العباس بن ميمون طائع، قال:
سمعت الأصمعيّ يقول: حضرنا مأدبة ومعنا أبو محرز خلف الأحمر، وحضرها ابن مناذر، فقال لخلف الأحمر: يا أبا محرز، إن يكن النّابغة، وامرؤ القيس، وزهير، قد ماتوا فهذه أشعارهم مخلّدة فقس شعري إلى شعرهم، واحكم فيها بالحقّ، فغضب خلف، ثم أخذ صحفة/ مملوءة مرقا فرمى بها عليه فملأه، فقام ابن مناذر مغصبا، وأظنه هجاه بعد ذلك.
طلب من أبي عبيدة أن يحكم بين شعره وشعر عدي بن زيد
أخبرني حبيب بن نصر المهلّبيّ، قال: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدّثنا خلّاد [5] الأرقط، قال:
__________
[1] الورق: الدراهم المضروبة.
[2] ف: بن الحسين.
[3] ب، س: الفضل.
[4] ف: شيخا الشعر.
[5] ب، س: حماد الأرقط.
لقيني ابن مناذر بمكة، فأنشدني قصيدته:
كلّ حيّ لاقي الحمام فمودي
ثم قال لي: أقرىء أبا عبيدة السلام وقل له: يقول لك ابن مناذر، اتّق اللّه واحكم بين شعري وشعر عديّ بن زيد، ولا تقل ذلك جاهليّ، وهذا إسلاميّ، وذاك قديم وهذا محدث فتحكم بين العصرين، ولكن احكم بين الشعرين ودع/ العصبيّة، قال: وكان ابن مناذر ينحو نحو عديّ بن زيد في شعره، ويميل إليه ويقدّمه.
ينحو نحو عدي بن زيد في شعره ويقدمه
أخبرني الحسن بن عليّ، قال: حدثنا ابن مهرويه، قال: حدّثني محمد بن عثمان الكزبريّ، قال: أخبرني محمد بن الحجاج الجرادانيّ، قال:
قلت لابن مناذر: من أشعر الناس؟ قال: من كنت في شعره، فقلت له: ومن [1] ذاك؟ فقال: عديّ بن زيد، وكان ينحو نحوه في شعره ويقدّمه ويتّخذه إماما.
كان أبو عبد المجيد الثقفي على جلالته وسنه لا ينكر صحبة ابنه لابن مناذر
والأبيات التي فيها الغناء أوّل قصيدة لمحمد بن مناذر رثى بها عبد المجيد بن عبد الوهّاب بن عبد المجيد الثّقفيّ، وكان يهواه، وكان عبد المجيد هذا فيما يقال من أحسن الناس وجها وأدبا ولباسا، وأكملهم في كلّ حال، وكان على غاية المحبّة لابن مناذر والمساعدة له والشّغف به. وكان يبلغ خبره أباه على جلالته وسنّه وموضعه من العلم، فلا ينكر ذلك؛ لأنّه لم تكن تبلغه عنه ريبة، وكان ابن مناذر حينئذ حميد الأمر [2] حسن المروءة عفيفا.
فحدّثني الحسن بن عليّ، قال: حدثنا أحمد بن حدّان [3]، قال: حدثني قدامة بن نوح، قال:
قيل لعبد الوهاب بن عبد المجيد الثّقفيّ: إن ابن مناذر قد أفسد ابنك، وذكره في شعره وشبّب به، فقال عبد الوهاب: أو لا يرضى ابني أن يصحبه مثل ابن مناذر ويذكره في شعره!.
خروجه إلى جبانة بانة أم عبد المجيد مع جواريها
أخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن عمّار، قال: حدثني عليّ بن محمد بن سليمان النّوفليّ، قال:
أمّ عبد المجيد بن عبد الوهاب الثّقفيّ الذي كان يشبّب به ابن مناذر بانة بنت أبي العاصي، وهي مولاة جنان التي يشبّب بها أبو نواس، قال: فحدّثني من رأى/ محمد بن مناذر يوم ثالث بانة هذه، وقد خرج جواريها إلى قبرها، فخرج معهنّ نحو الجبّانة بالبصرة، قال: فقلت له: يا أبا عبد اللّه، أين تريد؟ فقال:
اليوم يوم الثّلاثا ... ويوم ثالث بانه
اليوم تكثر فيه الظّبا ... ء في الجبّانه
__________
[1] في ب، س: فقلت له: على ذاك.
[2] ف: جميل الأمر.
[3] ب: «جدان»، تصحيف.
قال أبو الحسن: ولدت بانة من عبد الوهّاب بن عبد المجيد أولاده: عبد المجيد وأبا العاصي، وزيادا. وزياد الذي عناه أبو نواس في قوله يشبّب بجنان:
جفن عيني قد كاد يس ... قط من طول ما اختلج
وفؤادي من حرّ حبّ ... ك قد كاد أو نضج
[1] خبّريني فدتك نف ... سي وأهلي متى الفرج!
كان ميعادنا خرو ... ج زياد فقد خرج
/ قال ابن عمّار: قال لي النّوفليّ: في هذه الأبيات غناء حلو مليح، لو سمعته لشربت عليه أربعة أرطال.
قال النوفليّ: وكان لعبد الوهاب ابن يقال له: محمد، كان أسنّ ولده، ويقال: إنه كان يتعشّق بانة ابنة أبي العاصي هذه امرأة أبيه، وإن زياد بن عبد الوهاب منه، وكان أشبه الناس به.
حدثني ابن عمار قال: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثني أبي قال:
خرج ابن مناذر يوما من صلاة التّراويح وهو في المسجد بالبصرة، وخرج عبد المجيد بن عبد الوهاب خلفه، فلم يزل يحدّثه إلى الصّبح، وهما قائمان، إذا انصرف عبد المجيد شيّعه ابن مناذر إلى منزله، فإذا بلغه وانصرف ابن مناذر شيّعه عبد المجيد، لا يطيب أحدهما نفسا بفراق صاحبه حتى أصبحا. فقيل/ لعبد الوهاب بن عبد المجيد: ابن مناذر قد أفسد ابنك، فقال: أو ما يرضى ابني أن يرضى بما يرضى به ابن مناذر [2].
قصيدة له في مدح عبد المجيد بن عبد الوهاب
وفي عبد المجيد يقول ابن مناذر يمدحه، وهو من مختار ما قاله فيه، أنشدنيها عليّ بن سليمان الأخفش، عن محمد بن زيد من قصيدة أولها:
شيّب ريب الزّمان رأسي ... لهفي على ريب ذا الزّمان
يقدح في الصّمّ من شرورى ... ويحدر [3] الصّمّ من أبان
يقول فيها يمدح عبد المجيد:
منّي إلى الماجد المرجّى ... عبد المجيد الفتى الهجان
خير ثقيف أبا ونفسا ... إذا التقت حلقتا البطان
نفسي فداء له وأهلي ... وكلّ ما تملك اليدان
كأنّ شمس الضّحى وبدر ... الدّجى عليه معلّقان
نيطا معا فوق حاجبيه ... والبدر والشّمس يضحكان
مشمّر، همّه المعالي ... ليس برثّ ولا بواني
__________
[1] ف: حدثني.
[2] في «المختار»: «أو ما يرضى ابني أن يرضى به ابن مناذر».
[3] في ب، هب: ويحذر. وشرورى، وأبان: جبلان.
بنى له عزّة ومجدا ... في أول [1] الدّهر بانيان
بان تلقّاه من ثقيف ... ومن ذرا الأزد خير باني [2]
فاسأله ممّا حوت يداه ... يهتزّ كالصّارم اليماني [3]
ملازمته عبد المجيد في مرضه
أخبرني عمّي، قال: حدّثني عبد اللّه بن أبي سعد، قال: حدّثني أبو توبة صالح بن محمد قال:
مرض عبد المجيد بن عبد الوهاب الثّقفيّ مرضا شديدا بالبصرة، وكان ابن مناذر ملازما له يمرّضه ويخدمه، ويتولى أمره بنفسه، لا يكله إلى أحد. فحدّثني بعض أهلهم قال: حضرت يوما عنده، وقد أسخن له ماء حارّ ليشربه، واشتدّ به الأمر فجعل يقول: آه! بصوت ضعيف، فغمس ابن مناذر يده في الماء الحارّ وجعل يتأوّه مع عبد المجيد ويده تحترق حتى كادت يده تسقط، فجذبناها وأخرجناها من الماء، وقلنا له: أمجنون أنت! أيّ شيء هذا! أينتفع به ذاك! فقال: أساعده، وهذا جهد من مقلّ، ثم استقلّ من علّته تلك وعوفي مدّة طويلة، ثم تردّى من سطح فمات، فجزع عليه جزعا شديدا حتى كاد يفضل/ أهله وإخوته في البكاء والعويل، وظهر منه من الجزع ما عجب الناس له، ورثاه بعد ذلك بقصيدته المشهورة، فرواها أهل البصرة، ونيح بها على عبد المجيد، وكان الناس يعجبون بها ويستحسنونها.
أخبرني الحسن بن عليّ، قال: حدّثنا محمد بن القاسم النّوشجانيّ [4]، قال: سمعت أبي يقول:
حضرت سفيان بن عيينة يقول لابن مناذر: أنشدني ما قلت في عبد المجيد، فأنشده قصيدته الطويلة الدّالية.
قال سفيان: بارك اللّه فيك، فلقد تفرّدت بمراثي أهل العراق.
سقوط عبد المجيد من السطح على رأسه وموته
فأخبرني عمّي، قال: حدثني أبو هفّان، قال: قال جمّاز:
تزوج عبد المجيد امرأة من أهله فأولم عليها شهرا يجتمع عنده في كلّ يوم وجوه أهل البصرة وأدباؤها وشعراؤها، فصعد ذات يوم إلى السطح فرأى طنبا من أطناب السّتارة قد انحلّ، فأكبّ عليه ليشدّه، فتردّى على رأسه ومات من سقطته، فما رأيت مصيبة قطّ كانت أعظم منها ولا أنكأ للقلوب.
طارح محمد بن عمر الخراز رثاءه في عبد المجيد وناحا عليه به بعد أن وضعا فيه لحنا
أخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن عمّار قال: حدثني الحسن بن عليل العنزيّ، قال: حدثني العبّاس بن عبد الواحد بن جعفر بن سليمان، قال: حدثني محمد بن عمر الخرّاز [5]، قال:
قال لي ابن مناذر: ويحك! ولست أرى نساء ثفيف ينحن على عبد المجيد نياحة على استواء، قلت: فما
__________
[1] في ب: أزل.
[2] في ب:
«بأن تلقاه ... غير بان»
، تحريف.
[3] كذا في ف. وفي ب، س: «جاء البيت الثامن مكان التاسع».
[4] ف: محمد بن محمد بن القاسم النوشجاني.
[5] ف: عن جعفر بن سليمان، قال: حدثني محمد بن عمرو الجان.
تحبّ؟ قال: تخرج معي حتى أطارحك، فطارحني القصيدة التي يقول فيها:
إنّ عبد المجيد يوم تولّى ... هدّ ركنا ما كان بالمهدود
هدّ عبد المجيد ركني وقد كن ... ت بركن أبوء منه شديد [1]
قال: فما زلت حتى حفظتها ووعيتها، ووضعنا فيها لحنا، فلما كان في الليلة التي يناح بها على عبد المجيد فيها، صلّينا العشاء الآخرة في المسجد الجامع، ثم خرجنا إلى دارهم، وقد صعد النساء على السّطح ينحن عليه، فسكتن سكتة لهنّ، فاندفعنا أنا وهو ننوح عليه، فلما سمعتنا أقبلن يلطمن ويصحن حتى كدن ينقلبن من السطح إلى أسفل من شدة تشرّفهنّ علينا وإعجابهنّ بما سمعنه منا، وأصبح أهل المسجد ليس لهم حديث غيرنا، وشاع الخبر بالبصرة وتحدّث به الناس حتى نقل من مجلس إلى مجلس.
أم عبد المجيد تبرّ قسمه وتصيح صياحا يقال إنه أول ما قيل في الإسلام
وأخبرني الحسن بن عليّ، قال: حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه، قال لي: حدثني موسى بن [2] حماد بن عبد اللّه القرشيّ، قال: حدثني محمد بن النعمان بن جبلة الباهليّ، قال: لما قال ابن مناذر:
لأقيمنّ مأتما كنجوم اللّيل ... زهرا يلطمن حرّ الخدود
موجعات يبكين للكبد ... الحرّى عليه وللفؤاد العميد
/ قالت أم عبد المجيد: واللّه لأبرّنّ قسمه، فأقامت مع أخوات عبد المجيد وجواريه مأتما عليه، وقامت تصيح عليه: واي، ويه، واي، ويه، فيقال: إنها أول من فعل ذلك وقاله في الإسلام.
رثاء له في عبد المجيد
وأخبرني بهذا الخبر ابن عمّار عن عليّ بن محمد النوفليّ عن عمه:
أخبرني عليّ بن سليمان الأخفش، قال: حدثنا محمد بن يزيد، عن محمد بن عامر النخعيّ [3]، قال:
أنشدني محمد بن مناذر لنفسه يرثي عبد المجيد بن عبد الوهاب يقول:
/يا عين حقّ لك البكا ... ء لحادث الرّزء الجليل
فابكي على عبد المجي ... د وأعولي كلّ العويل
لا يبعد اللّه الفتى ال ... فيّاض ذا الباع الطّويل
عجل الحمام به فودّ عن ... ا وآذن بالرّحيل
لهفي على الشّعر المعفّ ... ر منك والخدّ الأسيل
كسفت لفقدك شمسنا ... والبدر آذن بالأفول
عرض قصيدته الدالية على أبي عبيدة فلم تعجبه
حدثني عمّي قال: حدثنا الكرانيّ قال: حدثني النّضر بن عمرو عن المازنيّ، قال: حدثنا حيّان:
__________
[1] بيتان من قصيدة تقع في تسعة وثلاثين بيتا. انظر «مهذب الأغاني» 7 - 160.
[2] ف: «حدثني يونس بن حماد».
[3] ف: «الحنفي».
أنّ ابن مناذر دفع قصيدته الدالية إليه، وقال: اعرضها على أبي عبيدة، فأتيته وهو على باب أبي عمرو بن العلاء، فقرأت عليه منها خمسة أبيات فلم تعجبه، وقال: دعني من هذا، فإني قد تشاغلت بحفظ القرآن عنه وعن مثله، قال: وكان أبو عبيدة يبغضه ويعاديه لأنه هجاه.
هبود وعبود
أخبرني محمد بن مزبد بن أبي الأزهر، قال: حدّثنا حماد بن إسحاق، عن أبيه، قال: قال ابن مناذر: قلت:
يقدح الدهر في شماريخ رضوى
/ ثم مكثت حولا لا أدري بم أتمّمه، فسمعت قائلا يقول: هبّود، قلت: وما هبّود؟ فقال لي: جبيل في بلادنا، فقلت:
ويحطّ الصّخور من هبّود
قال إسحاق: وسمع أعرابيّ هذا البيت، فقال: ما أجهل قائله بهبّود! واللّه أنها لأكيمة ما توارى الخارى ء، فكيف يحطّ منها الصّخور!.
أخبرني عمّي، قال: حدثنا الكرانيّ، قال: حدّثني أبو حاتم، قال: سمعت أبا مالك عمرو بن كركرة يقول:
أنشدني ابن مناذر قصيدته الدّالية التي رثى فيها عبد المجيد، فلمّا بلغ إلى قوله:
يقدح الدّهر في شماريخ رضوى ... ويحطّ الصّخور من هبّود
قلت له: هبّود، أيّ شيء هو؟ فقال: جبل، فقلت: سخنت عينك، هبّود واللّه بئر باليمامة ماؤها ملح لا يشرب منه شيء خلقه اللّه، وقد واللّه خريت فيها مرّات، فلما كان بعد مدة وقفت عليه في مسجد البصرة وهو ينشدها، فلما بلغ هذا البيت أنشدها:
ويحط الصّخور من عبّود
فقلت له: عبّود، أيّ شيء هو ذا [1]؟ فقال: جبل بالشّام، فلعلك يا بن الزّانية خريت عليه أيضا، فضحكت ثم قلت: لا ما خريت عليه ولا رأيته، وانصرفت عنه وأنا أضحك.
أخبرني عمّي قال: حدّثني الكرانيّ، عن العمريّ، عن الهيثم بن عديّ، قال:
كان يحيى بن زياد يرمى بالزّندقة، وكان من أظرف الناس وأنظفهم، فكان يقال: أظرف من الزّنديق.
شعر له في محمد بن زياد
وكان الحاركيّ واسمه محمد بن زياد يظهر الزندقة تظارفا، فقال فيه ابن مناذر:
يا بن زياد يا أبا جعفر ... أظهرت دينا غير ما تخفي
مزندق والظاهر باللفظ [2] في ... باطن إسلام فتى عف
__________
[1] في ب، س: أي شيء هو زيادة.
[2] ف: «مزندق الظاهر باللطف».
لست بزنديق ولكنّما ... أردت أن توسم بالظّرف [1]
وقال فيه أيضا:
يا أبا جعفر كأنك قد صر ... ت على أجرد طويل الجران [2]
/من مطايا ضوامر ليس يصهل ... ن إذا ما ركبن يوم رهان
لم يذلّلن بالسّروج ولا أق ... رح أشداقهنّ جذب العنان
قائمات مسوّمات لدى الجس ... ر لأمثالكم من الفتيان
انصرف الناس عن حلقته إلى حلقة عتبة النحوي فقال شعرا في ذلك
أخبرني هاشم بن محمد الخزاعيّ قال: حدّثنا عيسى بن إسماعيل تينة عن ابن عائشة، قال:
كان عتبة النّحويّ من أصحاب سيبويه، وكان صاحب نحو فهما بما يشرحه ويفسّره على مذاهب أصحابه، وكان ابن مناذر يتعاطى ذلك، ويجلس إليه قوم يأخذونه عنه، فجلس عتبة قريبا من حلقته، فتقوّض الناس إليه، وتركوا ابن مناذر، فلمّا كان في يوم الجمعة الأخرى قام ابن مناذر من حلقته، فوقف على عتبة، ثم أنشأ يقول:
قوموا بنا جميعا ... لحلقة العذاري
تجمعن للشقاء ... إلى عتبة الخسار [3]
ما لي وما لعتب ... ة إذ يبتغي ضراري
/ قال: فقام عتبة إليه فناشده ألّا يزيد، ومنع من كان يجلس إلى ابن مناذر من حضور حلقته، وجلس هو بعيدا من ابن مناذر بعد ذلك.
كان جاره ابن عمير يغري به المعتزلة فهجاه
حدّثني عمّي، قال: حدثنا الكرانيّ، قال: حدّثنا عيسى بن إسماعيل تينة، قال:
كان لابن مناذر جار يقال له ابن عمير [4] من المعتزلة، فكان يسعى بابن مناذر إليهم، ويسبّه ويذكره بالفسق ويغريهم به، فقال يهجوه:
بنو عمير مجدهم دارهم ... وكلّ قوم فلهم مجد
كأنهم فقع [5] بدوّيّة ... وليس لهم قبل ولا بعد
بثّ عمير لؤمه فيهم ... فكلّهم من لؤمه جعد
وأخبرني بهذا الخبر الحسن بن عليّ، عن ابن مهرويه، عن النّوفليّ بمثله، وزاد فيه: وعبد اللّه بن عمير - أبو هؤلاء الذين هجاهم - أخو عبد اللّه بن عامر لأمّه، أمّهما دجاجة بنت إسماعيل بن الصّلت السّلميّ.
__________
[1] في ف: البيت الثاني مكان الثالث.
[2] الجران: باطن العنق من البعير وغيره.
[3] في هب: جمعن. وفي ب، بيروت:
«يجمعن ... مع عتبة»
[4] ف: «أبو عمير».
[5] الفقع: البيضاء الرخوة من الكمأة. يقال للذليل: هو أذل من فقع بقرقرة أو بقرقر. وفي ب: «قفع»، تصحيف.
كان من أحضر الناس جوابا
أخبرني هاشم بن محمد، قال: حدثنا الخليل بن أسد، قال:
كان ابن مناذر من أحضر الناس جوابا، قال له رجل: ما شأنك؟ قال: عظم في أنفي.
قال: وسأله رجل يوما: ما الجرباء؟ فأومأ بيده إلى الأرض، قال: هذه، يهزأ به، وإنّما الجرباء السّماء.
خبره مع الخليل بن أحمد
أخبرني أحمد بن العبّاس العسكريّ المؤدّب، قال: حدثنا الحسن بن عليل العنزيّ، قال: حدّثني جعفر بن محمّد عن دماذ [1] قال:
/ دار بين الخليل بن أحمد وبين ابن مناذر كلام، فقال له الخليل: إنما أنتم معشر الشّعراء تبع لي، وأنا سكّان السّفينة، إن قرّظتكم ورضيت قولكم نفقتم وإلّا كسدتم، فقال ابن مناذر: واللّه لأقولنّ في الخليفة قصيدة أمتدحه بها ولا أحتاج إليك فيها عنده ولا إلى غيرك.
يمدح الرشيد فيجيزه
فقال في الرّشيد قصيدته الّتي أوّلها:
ما هيّج الشوق من مطوّقة ... أوفت على بانة تغنّينا
يقول فيها:
ولو سألنا بحسن وجهك يا ... هارون صوب الغمام أسقينا
/ قال: وأراد أن يفد بها [2] إلى الرشيد، فلم يلبث أن قدم الرشيد البصرة حاجّا ليأخذ على طريق النّباج [3] وكان الطريق [4] قديما، فدخلها وعديله إبراهيم الحرّانيّ فتحمّل عليه ابن مناذر بعثمان بن الحكم الثّقفيّ، وأبي بكر السّلميّ حتى أوصلاه إلى الرّشيد، فأنشده إيّاها، فلما بلغ آخرها كان فيها بيت يفتخر فيه وهو:
قومي تميم عند السّماك لهم ... مجد وعزّ فما ينالونا [5]
فلما أنشده هذا البيت تعصّب عليه قوم من الجلساء، فقال له بعضهم: يا جاهل، أتفخر في قصيدة مدحت بها أمير المؤمنين. وقال آخر: هذه حماقة بصريّة، فكفّهم عنه الرشيد ووهب له عشرين ألف درهم.
الرشيد يستشهد بشعره ويبعث له بجائزة
أخبرني عليّ بن سليمان الأخفش قال: حدّثنا محمد بن يزيد، قال: حدثني سهيل السّلميّ: أنّ الرّشيد استسقى في سنة قحط فسقي الناس، فسرّ بذلك، وقال: للّه درّ ابن مناذر حيث يقول:
__________
[1] ب: ابن دماذ.
[2] ف، بيروت: «ينفذ بها»، وفي المختار: «ينفذها».
[3] في بلاد العرب نباجان، أحدهما على طريق البصرة يقال له نباج بني عامر وهو بحذاء فيد، والآخر نباج بني سعد بالقريتين.
[4] في ب، بيروت: «و هو كان الطريق».
[5] ف: «فما يبالونا».
/
ولو سألنا بحسن وجهك يا ... هارون صوب الغمام أسقينا
وسأل عن خبره فأخبر أنّه بالحجاز، فبعث إليه بجائزة.
هجاؤه بكر بن بكار
أخبرني هاشم بن محمد الخزاعيّ، عن محمد بن عمران الصّيرفيّ، قال: حدّثنا العنزيّ، قال: حدّثنا نصر بن علي الجهضميّ، قال: حدّثني محمّد بن عباد المهلبيّ [1]، قال:
شهد بكر بن بكّار عند عبيد اللّه بن الحسن بن الحصين بن الحرّ العنزيّ بشهادة، فتبسّم ثم قال له: يا بكر، ما لك ولابن مناذر حيث يقول:
أعوذ باللّه من النّار ... ومنك يا بكر بن بكّار
فقال: أصلح اللّه القاضي، ذاك رجل ماجن خليع لا يبالي ما قال، فقال له: صدقت وزاد تبسّمه، وقبل شهادته، وقام بكر وقد تشوّر [2] وخجل. قال العنزيّ: فحدثني أبو غسّان دماذ قال:
أنشدني ابن مناذر هذا الشّعر الذي قاله في بكر بن بكّار وهو:
أعوذ باللّه من النّار ... ومنك يا بكر بن بكّار
يا رجلا ما كان فيما مضى ... لآل حمران بزوّار
ما منزل أحدثته رابعا ... معتزلا [3] عن عرصة الدّار
ما تبرح الدّهر على سوأة ... تطرح حبّا للخشنشار
يا معشر الأحداث يا ويحكم ... تعوّذوا بالخالق الباري
من حربة نيطت على حقوه ... يسعى بها كالبطل الشّاري
يوم تمنّى أنّ في كفّه ... أير أبي الخضر بدينار
/ قال ابن مهرويه في خبره: والخشنشار هو معاوية الزّياديّ المحدّث، ويكنى أبا الخضر، وكان جميل الوجه.
وقال العنزيّ في حديثه: حدّثني إسحاق بن عبد اللّه الحمرانيّ، وقد سألته عن معنى هذا الشعر، فقال:
الخشنشار: غلام أمرد جميل الوجه كان في محلّتنا، وهذا لقبه، وكان بكر بن بكار يتعشّقه، فكان يجيء إلى أبي فيذاكره الحديث ويجالسه وينظر إلى الخشنشار.
قال العنزيّ: حدّثني عمر بن شبّة، قال:
بلغني أنّ عبيد اللّه بن الحسن [4] لقي/ ابن مناذر فقال له: ويحك، ما أردت إلى بكر بن بكّار ففضحته، وقلت فيه قولا لعلّك لم تتحقّفه؟ فبدأ ابن مناذر يحلف له بيمين ما سمعت قطّ أغلظ منها، أنّ الذي قاله في بكر شيء يقوله معه كلّ من يعرف بكرا ويعرف الخشنشار، ويجمع عليه ولا يخالفه فيه، فانصرف عبيد اللّه مغموما بذلك قد بان
__________
[1] كذا في ف. وفي ب: «أخبرني الحسن بن علي، قال: حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه، قال: حدثنا الحسن بن علي، قال:
حدثنا نصر بن علي الجهضمي، قال: حدثني محمد بن عباد المهلبي، قال:».
[2] تشور مطاوع شوره، أي خجل.
[3] ب، بيروت: منتزحا.
[4] في هب: عبيد اللّه بن الحسين. وفي ب: عبد اللّه بن الحسن.
فيه، فلما بعد عنا، قلت لابن مناذر: برىء اللّه منك، ويلك ما أكذبك! أكلّ من يعرف بكر بن بكّار [1] يقول فيه مثل قولك حتى حلفت بهذه اليمين؟ فقال: سخنت عينك، فإذا كنت أعمى القلب أيّ شيء أصنع! أفتراني كنت أكذّب نفسي عند القاضي، إنما موّهت عليه وحلفت له أن كلّ من يعرفها يقول مثل قولي، وعنيت ما ابتدأت به من الشعر وهو قولي:
أعوذ باللّه من النّار
أفتعرف أنت أحدا يعرفهما أو يجهلهما إلّا يقول كما قلت: أعوذ باللّه من النار، إنما موّهت على القاضي وأردت تحقيق قولي عنده.
/ قال مؤلف هذا الكتاب: وبكر بن بكّار رجل محدّث، قد روى عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح تفسير مجاهد، وروى حديثا صالحا.
أخبرني حبيب بن نصر المهلّبيّ، قال: حدثنا عمر بن شبّة، قال: حدّثنا بكر بن بكّار عن عبد اللّه بن المحرز، عن قتادة، عن أنس: أن النبيّ صلّى اللّه عليه وسلم قال: «زيّنوا القرآن بأصواتكم».
أخبرني الحسن بن عليّ، قال: حدّثنا ابن مهرويه، قال: حدّثني الأحوص بن الفضل البصريّ [2]، قال:
حدّثنا ابن معاوية الزّياديّ، وأبوه الخشنشار الذي يقول فيه ابن مناذر:
تطرح حبّا للخشنشار
قال: حدثني من لقي ابن مناذر بمكّة فقال: ألا تشتاق إلى البصرة؟ فقال له:
أخبرني عن شمس الوزّانين، أعّى حالها؟ قال: نعم، قال: وثيق بن يوسف الثّقفيّ حيّ؟ قال: نعم، قال:
فغسّان بن الفضل [3] الغلّابيّ حيّ؟ قال: نعم، قال: لا، واللّه لا دخلتها ما بقي فيها واحد من الثّلاثة. قال: وشمس الوزّانين في طرف المربد بحضرة مسجد الأنصار في موضع حيطانه قصار لا تكاد الشّمس تفارقه.
كان محمد بن عبد الوهاب أخو عبد المجيد يعاديه
أخبرني حبيب بن نصر المهلّبيّ قال: حدّثنا عمر بن شبّة، قال:
كان محمّد بن عبد الوهاب الثّقفيّ أخو عبد المجيد يعادي محمد بن مناذر بسبب ميله إلى أخيه عبد المجيد، وكان ابن مناذر يهجوه ويسبّه ويقطعه، وكلّ واحد منهما يطلب لصاحبه المكروه ويسعى عليه، فلقي محمد بن عبد الوهاب ابن مناذر في مسجد البصرة، ومعه دفتر فيه كتاب العروض بدوائره، ولم يكن محمّد بن عبد الوهاب يعرف العروض، فجعل يلحظ الكتاب ويقرؤه فلا يفهمه، وابن مناذر/ متغافل عن فعله، ثم قال له: ما في كتابك هذا؟ فخبأه في كمّه وقال: وأيّ شيء عليك ممّا فيه؟ فتعلّق به ولبّبه، فقال له ابن مناذر: يا أبا الصّلت، اللّه اللّه في دمي، فطمع فيه وصاح يا زنديق، في كمّك الزّندقة، فاجتمع النّاس إليه، فأخرج الدّفتر من كمّه وأراهم [4] إيّاه،
__________
[1] في ب: بكر بن وائل.
[2] في هب: المفضل النصري. وفي ب: المفضل.
[3] ف: «المفضل».
[4] في ب: وأراه.
فعرفوا براءته ممّا قذفه به، ووثبوا على محمّد بن عبد الوهاب واستخفّوا به، وانصرف بخزي [1]، وقال ابن مناذر يهجوه:
إذا أنت تعلّقت [2] ... بحبل من أبي الصّلت
تعلّقت بحبل وا ... هن القوّة منبتّ
/ إذا ما بلغ المجد ... ذوو الأحساب بالمتّ
تقاصرت عن المجد ... بأمر رائب شخت [3]
فلا تسمو إلى المجد ... فما أمرك [4] بالثّبت
ولا فرعك في العيدا ... ن عود ناضر النّبت [5]
وما يبقي لكم يا قو ... م من أثلتكم نحتي
فها فاسمع قريضا من ... رقيق حسن النّعت
يقول الحقّ إن قال ... ولا يرميك بالبهت
وفي نعت لوجعاء ... قد استرخت من الفتّ
فعندي لك يا مأبو ... ن مثل الفالج البختي [6]
/عتلّ يعمل الكوم ... من السّبت إلى السّبت
له فيشلة إن أد ... خلت واسعة الخرت [7]
وإلا فاطل وجعاء ... ك بالخضخاض والزّفت [8]
ألم يبلغك تسآلي ... لدى العلّامة المرت
فقال الشيخ سرجوي ... ه [9]: داء المرء من تحت
فخذ من ورق الدّفلى ... وخذ من ورق القتّ
وخذ من جعر [10] كيسان ... ومن أظفار نسّخت
فغرغره به واسعط ... بذا في دائه أفتي
قال: ونسّخت [11]: لقب أبي عبيدة، وهو اسم من أسماء اليهود؛ لقب به تعريضا بأنّ جدّه كان يهوديّا، وكان أبو عبيدة وسخا طويل الأظفار أبدا والشّعر، وكان يغضب من هذا اللّقب.
__________
[1] في ب: فانصرفوا ووثب يجري.
[2] ف: تمسكت.
[3] الرائب من الأمور: ما فيه شبهة وريبة. والشخت: الضامر.
[4] ف: فما أصلك.
[5] في ب: «البكت»، تحريف.
[6] في ف، بيروت: «مثل الجمل البختي». وفي ب: «الفالح البحت». ولعلها الفالج البخت وهو ما أثبتناه. والفالج: الجمل الضخم ذو السنامين، والبخت: الإبل الخراسانية.
[7] الخرت: الثقب.
[8] الوجعاء: السافلة؛ وهي الدبر. والخضخاض: نفط أسود تدهن به الإبل الجربى.
[9] في ف: وقال الشيخ ما سر جويه ...
[10] في ب: وخذ من جعد ... والجعر: خرء كل ذي مخلب من السباع.
[11] في ف: سنخت. وفي المختار: شبخت.
فأخبرني الحسن بن عليّ، عن ابن مهرويه، عن عليّ بن محمد النوفليّ، قال: لمّا قال ابن مناذر هذه الأبيات:
إذا أنت تعلّقت ... بحبل من أبي الصّلت
تعلّقت بحبل وا ... هن القوّة منبتّ
وقال الشيخ سرجو ... يه: داء المرء من تحت
/ فبلغ ذلك سرجويه، فجاء إلى محمد بن عبد الوهاب، فوقف عليه في مجلسه وعنده جماعة من أهله وإخوانه وجيرانه، فسلّم عليه وكان أعجميّا لا يفصح، ثم قال: «بركست كمن كفتم أن كسر مناذر كفت: داء المرء من تحت» [1]، فكاد القوم أن يفتضحوا من الضّحك، وصاح به محمد: اعزب قبّحك اللّه، فظنّ أنه لم يقبل عذره، فأقبل يحلف له مجتهدا ما قال ذاك، ومحمد يصيح به: ويلك اعزب عنّي، وهو في الموت منه، وكلما زاده من الصّياح إليه زاده في العذر واجتهد في الأيمان، وضحك الناس حتى غلبوا، وقام محمد خجلا فدخل منزله وتفرّقوا.
قال أبو الحسن النّوفليّ: ثم مضى لذلك زمان، وهجا أبو نعامة أبا عبد اللّه عريسة الكاتب/ فقال فيه:
وروى شيخ تميم ... خالد أنّ هريسة
يدخل الأصلع ذا الخر ... جين في جوف الكنيسة
فلقي خالد بن الصبّاح هذا هريسة، وكان يعاديه، وأراد أن يخجله، فحلف له مجتهدا أنّه لم يقل فيه ما قاله أبو نعامة، فقال هريسة: يا بارد! لم ترد أن تعتذر، إنما أردت أن تتشبّه بابن مناذر ومحمّد بن عبد الوهاب، وبأبي الشّمقمق وأحمد بن المعذّل، ولست من هؤلاء في شيء.
شعر له في ضرير وأخرس جالسين عنده
قرأت في بعض الكتب عن ابن أبي سعد، قال: حدّثني أبو الخطّاب الحسن بن محمد، عن محمد بن إسحاق البلخيّ، قال:
دخلت على ابن مناذر يوما وعنده رجل ضرير جالس عن يمينه، ورجل بصير جالس عن شماله ساكت لا ينطق، قال: فقلت له: ما خبرك؟ فقال:
/ بين أعمى وأخرس أخرس اللّه لسان الأعمى وأعمى البصيرا قال: فوثبا فخرجا من عنده وهما يشتمانه.
خبره مع سفيان بن عيينة
ونسخت من كتاب ابن أبي الدّنيا: حدّثني أبو محمّد التّميميّ، قال: حدّثني إبراهيم بن عبد اللّه، عن الحسن بن عليّ، قال:
كنّا عند باب سفيان بن عيينة وقد هرب منا، وعنده الحسن بن عليّ التّختاخ، ورجل من الحجبة، ورجل من أصحاب الرشيد، فدخل بهم وليس يأذن لنا، فجاء ابن مناذر فقرب من الباب، ثم رفع صوته فقال.
__________
[1] كذا في هب، مد: يريد سرجويه أن يقول لابن عبد الوهاب: «إن ما قاله ابن مناذر منسوبا إليه غير صحيح».
بعمرو وبالزّهريّ والسّلف الأولى ... بهم ثبتت رجلاك عند المقاوم
جعلت طوال الدهر يوما لصالح ... ويوما لصبّاح ويوما لحاتم
وللحسن التّختاخ [1] يوما ودونهم ... خصصت حسينا دون أهل المواسم
نظرت وطال الفكر فيك فلم أجد ... رحاك جرت إلّا لأخذ الدّراهم
فخرج سفيان وفي يده عصا وصاح: خذوا الفاسق، فهرب ابن مناذر منه، وأذن لنا فدخلنا.
رثاؤه سفيان بن عيينة
أخبرني الحسن بن عليّ، قال: حدّثنا محمد بن القاسم بن مهرويه، قال: حدثني أبو بكر المؤدّب، قال:
حدّثني محمد بن قدامة، قال:
سمعت سفيان بن عيينة يقول لابن مناذر: يا أبا عبد اللّه، ما بقي أحد أخافه غيرك، وكأنّي بك قد متّ فرثيتني، فلما مات سفيان بن عيينة، قال ابن مناذر يرثيه:
راحوا بسفيان على نعشه ... والعلم مكسوّين أكفانا [2]
/إنّ الذي غودر [3] بالمنحنى ... هدّ من الإسلام أركانا
لا يبعدنك اللّه من ميّت ... ورّثنا [4] علما وأحزانا
سفيان بن عيينة يتكلم بكلام لابن مناذر
أخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن عمّار، قال: حدّثني أحمد بن سليمان بن أبي شيخ قال:
حدّثني شيخ من أهل الكوفة يقال له عوّام، قال: سمعت سفيان بن عيينة وقد تكلّم بكلام استحسن، فسأله محمد بن مناذر أن يمليه عليه، فتبسّم سفيان وقال له: هذا كلام سمعتك تتكلّم به فاستحسنته فكتبته عنك، قال:
وعلى ذلك أحبّ أن تمليه عليّ، فإني إذا رويته عنك كان/ أنفق له من أن أنسبه إلى نفسي.
قال عوّام: وأنشدني ابن عائشة لابن مناذر يرثي سفيان بن عيينة بقوله:
يجني من الحكمة نوّارها ... ما تشتهي الأنفس ألوانا [5]
يا واحد الأمّة في علمه ... لقيت من ذي العرش غفرانا
راحوا بسفيان على نعشه ... والعلم مكسوّين أكفانا
رجع إلى المجون بعد موت عبد المجيد بن عبد الوهاب
أخبرني عليّ بن سليمان، قال: حدّثنا محمد بن يزيد، عن محمد بن عامر الحنفيّ، قال:
لمّا مات عبد المجيد بن عبد الوهاب، خرج ابن مناذر إلى مكّة، وترك النّسك وعاد للمجون والخلع، وقال
__________
[1] في ف: المحتاج. والتختاخ: الألكن.
[2] في «معجم الأدباء» 19/ 60: «راحوا بسفيان على عرشه».
[3] في ب: غور.
[4] ف، بيروت: ورثتنا.
[5] في «معجم الأدباء» 19 - 60:
«يجني من الحكمة سفياننا»
في هذا المعنى شعرا كثيرا، حتى كان إذا مدح أو فخر، لم يجعل افتتاح شعره ومباديه إلا المجون، وحتى قال في مدحه للرّشيد:
هل عندكم رخصة عن الحسن الب ... صريّ في العشق وابن سيرينا!
/ إنّ سفاها بذي الجلالة والشّي ... بة ألّا يزال مفتونا
وقال أيضا في هذا المعنى:
ألا يا قمر المسج ... د هل عندك تنويل!
شفائي منك - إن ... نوّلتني - شمّ وتقبيل
سلا كلّ فؤاد [1] و ... فؤادي بك مشغول
لقد حمّلت من حبّي ... ك ما لا يحمل الفيل [2]
خبره مع يونس النحوي
أخبرني الحسن بن عليّ، قال: حدثني ابن مهرويه، قال: حدثنا العبّاس بن الفضل الربعيّ، قال: حدثني التّوزيّ، قال:
قال ابن مناذر ليونس النحويّ يعرّض به: أخبرني عن جبّل أتنصرف أم لا؟ وكان يونس من أهلها، فقال له:
قد عرفت ما أردت يابن الزّانية. فانصرف ابن مناذر: فأعدّ شهودا يشهدون عليه بذلك، وصار إليه وسأله، هل تنصرف جبّل؟ وعلم يونس ما أراد، فقال له: الجواب ما سمعته أمس.
خبر زيارة حجاج الصواف له بمكة
أخبرني الحسن بن علي، قال: حدثنا يعقوب بن إسرائيل، قال: حدّثني إسحاق بن محمد النخعيّ، قال:
حدثني إسحاق بن عمرو السّعديّ، قال: حدّثني الحجاج الصّوّاف. وأخبرني الحسن بن عليّ أيضا، قال: حدّثني ابن مهرويه، قال: حدّثني إسحاق بن محمد، قال: حدثني أميّة بن أبي مروان، قال: حدثني حجّاج الصّوّاف الأعور، قال:
خرجت إلى مكّة فكان هجّيراي [3] في الطريق ابن مناذر، وكان لي إلفا وخدنا وصديقا، فدخلت مكة فسألت عنه، فقالوا: لا يبرح المسجد، فدخلت/ المسجد فالتمسته فوجدته بفناء زمزم، وعنده أصحاب الأخبار والشّعراء يكتبون عنه، فسلّمت وأنا أقدّر أن يكون عنده من الشّوق إليّ مثل ما عندي، فرفع رأسه فردّ السّلام ردّا ضعيفا، ثم رجع إلى القوم يحدّثهم ولم يحفل بي، فقلت في نفسي: أتراه ذهبت عنه معرفتي! فبينا أنا أفكّر إذ طلع أبو الصّلت بن عبد الوهاب الثقفيّ من باب بني شيبة داخلا المسجد، فرفع رأسه فنظر إليه، ثم أقبل عليّ فقال:
أتعرف هذا؟ فقلت: نعم، هذا الذي يقول فيه من قطع اللّه لسانه:
/إذا أنت تعلّقت ... بحبل من أبي الصّلت
__________
[1] في ب: «كل فؤادي».
[2] الأبيات في «الشعر والشعراء» 2 - 870.
[3] الهجيري: الشأن والقصد.
تعلّقت بحبل وا ... هن القوّة منبتّ
قال: فتغافل عنّي، وأقبل عليهم ساعة، ثم أقبل عليّ فقال: من أيّ البلاد أنت؟ قلت: من أهل البصرة، قال:
وأين تنزل منها؟ قلت: بحضرة بني عائش الصّوّافين، قال: أتعرف هناك ابن زانية يقال له: حجّاج الصّواف؟ قلت:
نعم تركته ينيك أمّ ابن زانية يقال له: ابن مناذر، فضحك وقام إليّ فعانقني.
هجاؤه حجاج الصواف
قال مؤلّف هذا الكتاب: ولابن مناذر هجاء في حجّاج الصّوّاف على سبيل العبث، وهو قوله.
إنّ ادّعاء الحجّاج في العرب ... عند ثقيف من أعجب العجب
وهو ابن زان لألف زانية ... وألف علج معلهج النّسب [1]
ولو دعاه داع فقال له: ... يا ألأم النّاس كلّهم أجب
إذا لقال الحجّاج: لبّيك من ... داع دعاني بالحقّ لا الكذب
ولو دعاه داع فقال له: ... من المعلّى في اللؤم؟ قال: أبي
/ أبوه زان والأمّ زانية ... بنت زناة مهتوكة الحجب
تقول: عجّل أدخل، لنائكها ... اتركه في استي إن شئت أو ركبي [2]
من ناكني فيهما فأوسعني ... رهزا دراكا أعطيته سلبي
همّ حري النّيك فابتغوا لحري ... أير حمار أقضي به أربي
أحبّ أير الحمار وا بأبي ... فيشة أير الحمار وا بأبي
إذا رأته قالت: فديتك يا ... قرّة عيني ومنتهى طلبي
إذا سمعت النّهيق هاج حري ... شوقا إليه وهاج لي طربي
يأخذني في أسافلي وحري ... مثل اضطرام الحريق في الحطب
شكت إليّ نسوة فقلن لها ... وهي تنادي بالويل والحرب:
كفّي قليلا، قالت: وكيف وبي ... في جوف صدعي [3] كحكّة الجرب
أرى أيور الرّجال من عصب ... ليت أيور الرّجال من خشب
هجاه إسكاف بالبصرة فهرب منها
أخبرني الحسن بن عليّ، قال: حدّثني أحمد بن محمد الرّازيّ أبو عبد اللّه، قال: حدثني أبو بجير [4]، قال:
كان ابن مناذر يجلس إلى إسكاف بالبصرة، فلا يزال يهجوه بالأبيات فيصيح من ذلك ويقول له: أنا صديقك فاتّق اللّه وأبق على الصّداقة وابن مناذر يلحّ، فقال الإسكاف: فإني أستعين اللّه عليك وأتعاطى الشعر، فلما أصبح غدا عليه ابن مناذر كما كان يفعل، فأخذ يعبث به ويهجوه، فقال الإسكاف:
__________
[1] في ب:
« ... معلهج الحسب»
وفي ف:
«و ابن ثفل معلهج النسب»
والمعلهج: الهجين.
[2] الركب: من أسماء الفرج، وفي ف: أيرك بدل: اتركه.
[3] الصدع: الشق.
[4] في ف، بيروت: أبو يحيى.
كثرت أبوّته وقلّ عديده ... ورمى القضاء به فراش مناذر
عبد الصّبيريّين لم تك شاعرا ... كيف ادّعيت اليوم نسبة شاعر!
/ فشاع هذان البيتان بالبصرة ورواهما أعداؤه، وجعلوا يتناشدونهما إذا رأوه، فخرج/ من البصرة إلى مكّة وجاور بها، فكان هذا سبب هربه من البصرة.
أخبرني عمّي، قال: حدّثنا الكرانيّ، عن أبي حاتم، قال:
قال ابن مناذر: ما مرّ بي شيء قطّ أشدّ عليّ ممّا مرّ بي من قول أبي العسعاس فيّ:
كثرت أبوّته وقلّ عديده ... ورمى القضاء به فراش مناذر
انظر بكم صنف قد هجاني في هذا البيت قبّحه اللّه، ثم منعني من مكافأته أنّي لم أجد له نباهة فأغضّها، ولا شرفا فأهدمه، ولا قدرا فأضعه.
يستطيع أن يجعل كلامه كله شعرا
أخبرني عمّي، قال: حدّثني الكرانيّ، قال: حدّثني بشر بن دحية الزّياديّ أبو معاوية قال:
سمعت ابن مناذر يقول: إن الشّعر ليسهل عليّ حتى لو شئت ألّا أتكلّم إلا بشعر لفعلت.
أخبرني هاشم بن محمد الخزاعيّ، قال: حدّثنا العبّاس بن ميمون طايع، قال: حدّثني بعض أصحابنا، قال:
رأيت ابن مناذر بمكّة وهو يتوكّأ على رجل يمشي معه وينشد:
إذا ما كدت أشكوها ... إلى قلبي، لها شفعا
ففرّق بيننا دهر ... يفرّق بين ما اجتمعا
فقلت: إنّ هذا لا يشبه شعرك، فقال: إن شعري برد بعدك [1].
ذم امرأة محمد بن عبد الوهاب الثقفي
أخبرني عيسى بن الحسين الورّاق، قال: حدّثنا أبو أيّوب المدينيّ [2]، قال:
حدّثنا بعض أصحابنا أنّ محمد بن عبد الوهاب الثّقفيّ تزوّج امرأة من ثقيف يقال لها عمّارة، وكان ابن مناذر يعاديه، فقال في ذلك:
/لمّا رأيت القصف والشّاره ... والبزّ ضاقت به الحاره
والآس والرّيحان يرمى به ... من فوق ذي الدّارة والدّاره
قلت: لمن ذا؟ قيل: أعجوبة ... محمّد زوّج عمّاره
لا عمّر اللّه بها ربعه ... فإنّ عمّارة بدكاره [3]
ويحك فرّي واعصبي فاك لي [4] ... فهذه أختك فرّاره
__________
[1] في ف، بيروت: «إن شعري بدل بعدك».
[2] ب: المدني.
[3] في هب: مذكاره. وبدكاره: كلمة فارسية معناها بنت زنا.
[4] ف: «و اعصبي ذاك بي».
قال: فو اللّه ما لبثت عنده إلا مديدة حتى هربت، وكانت لها أخت قبلها متزوّجة إلى بعض أهل البصرة ففركته [1] وهربت منه، فكانوا يعجبون من موافقة فعلها قول ابن مناذر.
شعر له في أبي أمية خالد
قال أبو أيّوب: وحدّثت أن أبا أميّة [2] واسمه خالد - وهو الذي يقول فيه أبو نواس:
أيها المقبلان من حكمان ... كيف خلّفتما أبا عثمان؟
وأبا أميّة المهذّب والما ... جد والمرتجى لريب الزّمان
- كان خطب امرأة من ثقيف، ثم ولد عثمان بن أبي العاصي، فردّ عنها، وتصدّى للقاضي أن يضمّنه مالا من أموال اليتامى، فلم يجبه إلى ذلك، ولم يثق به، فقال فيه ابن مناذر:
أبا أميّة لا تغضب عليّ فما ... جزاء ما كان فيما بيننا الغضب
إن كان ردّك قوم عن فتاتهم ... ففي كثير من الخطّاب قد رغبوا
قالوا: عليك ديور ما تقوم بها ... في كلّ عام تستحدث الكتب
وقد تقحّم من خمسين غايتها ... مع أنه ذو عيال بعد ما انشعبوا
/ وفي الّتي فعل القاضي فلا تجدن ... فليس في تلك لي ذنب ولا ذنب
أردت أموال أيتام تضمّنها ... وما يضمّن إلّا من له نشب
بلغه عن ابن دأب قول قبيح فهجاه
أخبرني محمّد بن خلف وكيع، قال: حدّثني أحمد بن زهير، قال: سمعت إبراهيم بن المنذر الخزاميّ يقول:
بلغ ابن مناذر عن ابن دأب قول قبيح، قال: فدعاني، وقال: اكتب:
فمن يبغ الوصاة فإنّ عندي ... وصاة للكهول وللشّباب
خذوا عن [3] مالك وعن ابن عون ... ولا ترووا أحاديث ابن داب
ترى الغاوين يتّبعون منها ... ملاهي من أحاديث كذاب
إذا التمست منافعها اضمحلّت ... كما يرفضّ رقراق السّحاب
قال: فرويت، وافتضح بها ابن دأب. قال الحزاميّ: فلما قدمت العراق وجدتهم قد جعلوها:
خذوا عن يونس وعن ابن عون
رثاؤه الرشيد
أخبرني عمّي، قال: حدثنا الكرانيّ، قال: حدّثنا أبو حاتم، قال:
كان الرّشيد قد وصل ابن مناذر مرّات صلات سنيّة، فلما مات الرّشيد رثاه ابن مناذر فقال:
__________
[1] فركته: كرهته.
[2] في ب، س: وحدثت أن أمية.
[3] في ب: خذوا من مالك.
من كان يبكي للعلا ... ملكا وللهمم الشّريفة
فليبك هارون الخلي ... فة للخليفة والخليفه [1]
هجاؤه خالد بن طليق
أخبرني محمّد بن خلف وكيع، قال: حدّثنا أحمد بن أبي خيثمة، عن محمد بن سلّام قال:
/ كان محمّد بن طليق وسائر بني طليق أصدقاء لابن مناذر، فلما ولي المهديّ الخلافة استقضى خالد بن طليق، وعزل عبيد اللّه بن الحسن بن الحرّ [2]، فقال ابن مناذر يهجو خالدا مجونا وخبثا منه:
أصبح الحاكم يا لنّ ... اس من آل طليق
جالسا يحكم في النّا ... س بحكم الجاثليق [3]
يدع القصد ويهوي ... في بنيّات الطّريق [4]
يا أبا الهيثم ما كن ... ت لهذا بخليق
لا ولا كنت لما حمّل ... ت منه بمطيق
حبله حبل غرور ... عنده [5] غير وثيق
قال ابن سلّام: فقلت لابن مناذر: ويحك إذا بلغ إخوانك وأصدقاءك من آل طليق أنّك هجوتهم ما يقولون لك؟ وبأيّ شيء تعتذر إليهم؟ فقال: لا يصدّقون إذا بلغهم أنّي هجوتهم بذلك؛ لأنهم يثقون بي.
مدح بني مخزوم لأنهم زاروه في مرضه
أخبرني الحسن بن عليّ، قال: حدّثنا محمد بن القاسم بن مهرويه، قال: حدّثني الحسن بن عليل [6]، عن مسعود بن بشر، قال: حدّثنا محمّد بن مناذر، قال:
كنت بمكّة فاشتكيت، فلم يعدني من قريش إلا بنو مخزوم وحدهم، فقلت أمدحهم:
جاءت قريش تعودني زمرا ... فقد وعى أحرها لها الحفظه
/ ولم تعدني تيم وإخوتها ... وزارني الغرّ [7] من بني يقظه
لن يبرح العزّ منهم أبدا ... حتى تزول الجبال من قرظه [8]
ابن عائشة يطلب سماع مرثيته في عبد المجيد
/ أخبرني الحسن، عن ابن مهرويه، عن إسحاق بن محمد النخعيّ، قال:
__________
[1] في ب، مد: للخليفة للخليفة.
[2] في ف: «عبد اللّه بن الحسن بن الحسن». وفي بيروت: «عبيد اللّه بن الحسن بن الحسن».
[3] الجاثليق: رئيس الأساقفة (معربة). وفي «الشعر والشعراء»:
«ضحكة يحكم ... برأي الجاثليق»
[4] بنيات الطريق: طرق صغيرة تتشعب من الجادة، وهي الترهات. ومنه المثل:
«دع بنيات الطريق»
[5] في ف: عقده.
[6] في ف، هب: الحسن بن علي.
[7] في هب: وعادني الغر، وفي ب: وزارني العز.
[8] قرظة: قرية بوادي عرادات وهو بين اليمن وبين نجد «عن «معجم البلدان» 3 - 638.
كنّا عند ابن عائشة فقال لعبد الرحمن ابنه: أنشدني مرثية ابن مناذر عبد المجيد فجعل ينشدها فكلّما أتى على بيت استحسنه، حتى أتى على هذا البيت:
لأقيمنّ مأتما كنجوم اللّيل ... زهرا يخمشن [1] حرّ الخدود
فقال ابن عائشة: هذا كلام ليّن كأنه من كلام المخنّثين، فلما أتى على هذا البيت:
كنت لي عصمة وكنت سماء ... بك تحيا أرضي ويخضرّ عودي
فقال: هذا بيتها، ثم أنشد:
إنّ عبد المجيد يوم تولّى ... هدّ ركنا ما كان بالمهدود
ما درى نعشه ولا حاملوه ... ما على النّعش من عفاف وجود
وأرانا كالزّرع يحصدنا الدّه ... ر فمن بين قائم وحصيد
فقال ابن عائشة: أجعله زرعا يحصدنا اللّه؟ فليس هذا من كلام المسلمين، ألا ترى إلى قوله: إنّه يقول:
يحكم اللّه ما يشاء فيمضي ... ليس حكم الإله بالمردود
عاقبه الرشيد على رثائه البرامكة
أخبرني محمد بن يحيى الصّوليّ، قال: حدثني محمد بن موسى، ولم يتجاوزه بالإسناد.
/ ونسخت هذا الخبر من كتاب ابن أبي مريم الحاسب: حدّثني ابن القدّاح، وعبد اللّه بن إبراهيم بن قدامة الجمحيّ، قالا: حدّثنا ابن مناذر، قال:
حج الرّشيد بعد إيقاعه بالبرامكة وحج معه الفضل بن الرّبيع، وكنت [2] مضيّقا مملقا، فهيّأت فيه قولا أجدت تنميقه وتنوّقت فيه، فدخلت إليه في يوم التّروية وإذا هو يسأل عنّي ويطلبني، فبدرني الفضل بن الرّبيع قبل أن أتكلّم، فقال: يا أمير المؤمنين، هذا شاعر البرامكة ومادحهم، وقد كان البشر ظهر لي في وجهه لمّا دخلت، فتنكّر وعبس في وجهي، فقال الفضل: مره يا أمير المؤمنين أن ينشدك قوله فيهم:
أتانا بنو الأملاك من آل برمك
فقال لي: أنشد، فأبيت، فتوعّدني وأكرهني، فأنشدته:
أتانا بنو الأملاك من آل برمك ... فياطيب أخبار ويا حسن منظر
إذا وردوا بطحاء مكة أشرقت ... بيحيى وبالفضل بن يحيى وجعفر
فتظلم بغداد ويجلو لنا الدّجى ... بمكّة ما حجّوا [3] ثلاثة أقمر
فما صلحت إلا لجود أكفّهم ... وأرجلهم [4] إلا لأعواد منبر
إذا راض يحيى الأمر ذلّت صعابه ... وحسبك من راع له ومدبّر
__________
[1] في ف: يلطمن.
[2] في ب: «و كان»، تحريف.
[3] في هب:
«ما كانوا ثلاثة أبدر»
، وفي ف:
«ما عشنا»
وفي «معجم الأدباء» 19 - 57:
«ما عشنا ثلاثة أبحر»
[4] في ف: أقدامهم. وفي «معجم الأدباء» 19 - 57:
«فما خلقت إلا لجود ... ... وأرجلهم ... »
ترى الناس إجلالا له وكأنّهم ... غرانيق ماء تحت باز مصرصر [1]
ثم أتبعت ذلك بأن قلت: كانوا أولياءك يا أمير المؤمنين أيام مدحتهم، وفي/ طاعتك لم يلحقهم سخطك ولم تحلل بهم نقمتك، ولم أكن في ذلك مبتدعا، ولا خلا أحد من نظرائي من مدحهم، وكانوا قوما قد أظلّني فضلهم، وأغناني رفدهم فأثنيت بما أولوا، فقال: يا غلام، الطم وجهه، فلطمت واللّه حتى سدرت [2] وأظلم ما كان بيني وبين أهل المجلس، ثم قال: اسحبوه على/ وجهه، ثم قال: واللّه لأحرمنّك ولا تركت أحدا يعطيك شيئا في هذا العام، فسحبت حتى أخرجت، وانصرفت وأنا أسوأ الناس حالا في نفسي وحالي وما جرى عليّ، ولا واللّه ما عندي ما يقيم يومئذ قوت عيالي لعيدهم، فإذا بشابّ قد وقف عليّ، ثم قال: أعزز عليّ واللّه يا كبيرنا بما جرى عليك، ودفع إليّ صرّة وقال: تبلّغ بما في هذه، فظننتها دراهم فإذا هي مائة دينار - قال الصوليّ في خبره: فإذا هي ثلاثمائة دينار - فقلت له: من أنت جعلني اللّه فداءك! قال: أنا أخوك أبو نواس، فاستعن بهذه الدنانير واعذرني، فقبلتها، وقلت: وصلك اللّه يا أخي وأحسن جزاءك.
كافأه جعفر بن يحيى على القراءة بعد تركه الشعر
أخبرني الحسن بن عليّ قال: حدّثنا ابن مهرويه، قال: حدثنا يحيى بن الحسن الرّبيعيّ، قال: حدثنا أبو معاوية الغلابيّ، قال: قال سفيان بن عيينة:
كلّمني ابن مناذر في أن أكلّم له جعفر بن يحيى، فكلّمته له، وقد كان ابن مناذر ترك الشّعر، فقال: إن أحبّ أن يعود إلى الشّعر أعطيته خمسين ألفا، وإن أحبّ أن أعطيه على القراءة أعطيته عشرة آلاف، فذكرت ذلك له، فقال لي: خذ لي على القراءة، فإني لا آخذ على الشعر وقد تركته.
أخبرني عمّي عن الكرانيّ، عن الرياشيّ، قال: قال العتبيّ:
جاءت قصيدة لا يدرى من قائلها، فقال ابن مناذر:
هذه الدّهماء تجري فيكم ... أرسلت عمدا تجرّ الرّسنا
قال شعرا يصف فيه الألفة بين الرشيد وجعفر بن يحيى
قال الكرّانيّ: وحدثني الرّياشيّ قال: سمعت خلف بن خليفة يقول:
قال لي ابن مناذر: قال لي جعفر بن يحيى: قل فيّ وفي الرّشيد شعرا تصف فيه الألفة بيننا فقلت:
قد تقطع الرّحم القريب وتكفر ال ... نّعمى ولا كتقارب القلبين
يدني الهوى هذا ويدني ذا الهوى ... فإذا هما نفس ترى نفسين
قال مؤلف هذا الكتاب: هذا أخذه من كلام رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم نقلا؛ فإن ابن عيينة روى عن إبراهيم بن ميسرة، عن طاوس، عن ابن عبّاس: أن النبي صلّى اللّه عليه وسلم قال: «إنّ الرّحم تقطع، وإن النّعم تكفر، ولن ترى [3] مثل تقارب القلوب».
__________
[1] الغرانيق جمع غرنوق، وهو طائر مائي، أو هو الكركي، والمصرصر: المصوت بشدة.
[2] سدرت: تحيرت.
[3] في ب، س: ولم تر.
أخبرني هاشم بن محمد، قال: حدّثنا العباس بن ميمون، قال: حدثنا سليمان الشّاذكونيّ قال:
كنا عند سفيان بن عيينة، فحدّث عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله عز وجل: قالُوا سَلاماً*
[1] قالوا سدادا، قال: فقال ابن مناذر وهو إلى جنبي: التنزيل أبين من التفسير [2].
خبره مع أبي حية النميري
أخبرني عمّي، قال: حدثنا الكرانيّ، عن أبي حاتم، وعن العتبيّ، عن أبي معبد قال [3]:
مرّ بنا أبو حيّة النّميريّ ونحن عند ابن مناذر، فقال لنا: علام اجتمعتم؟ فقلنا: هذا شاعر المصر، فقال له:
أنشدني، فأنشده ابن مناذر، فلما فرغ، قال له أبو حيّة:/ ألم أقل لك: أنشدني؟ فقالوا له: أنشدنا أنت يا أبا حيّة، فأنشدهم قوله:
ألا حيّ من أجل الحبيب المغانيا [4] ... لبسن البلى ممّا لبسن اللّياليا
إذا ما تقاضى المرء [5] يوم وليلة ... تقاضاه شيء لا يملّ التّقاضيا
فلما فرغ، قال له ابن مناذر: ما أرى في شعرك شيئا يستحسن، فقال له: ما في شعري شيء يعاب إلا استماعك إياه، فكادا أن يتواثبا، ثم افترقا.
هجا خالد بن طليق وعيسى بن سليمان
أخبرني عمّي، قال: حدّثني الكرانيّ، عن ابن/ عائشة قال:
ولي خالد بن طليق القضاء بالبصرة، وعيسى بن سليمان الإمارة بها، فقال محمد بن مناذر يهجوهما بقوله:
الحمد للّه على ما أرى ... خالد القاضي وعيسى أمير
لكنّ عيسى نوكه ساعة ... ونوك هذا منجنون يدور [6]
وقال في شيرويه الزّياديّ، وشيرويه لقب، واسمه أحمد، وسأله حاجة، فأبى أن يقضيها إلّا على أن يمدحه:
يا سميّ النّبيّ بالعربيّه ... وسميّ اللّيوث بالفارسيّه
إن غضبنا فأنت عبد ثقيف ... أو رضينا فأنت عبد أميّه
فغضب شيرويه وجعل يشتمه، وشاع الشّعر بالبصرة، فكان بعد ذلك إذا قيل لشيرويه: ابن مناذر عليك غضبان أو عنك راض، يشتم من يقول له ذلك.
أخبرني الحسن بن القاسم الكوكبيّ قال: حدثنا ابن أبي الدّنيا قال: سمعت محمد بن قدامة الجوهريّ يقول:
سمعت سفيان بن عيينة يقول لمحمد بن مناذر: كأنك بي قد متّ فرثيتني، فلما مات، قال ابن مناذر يرثيه:
__________
[1] الذاريات 25، هود 69.
[2] في «لسان الميزان» لابن حجر 5 - 393 ط. الهند: فقال ابن مناذر: معنى التنزيل أبين من التأويل.
[3] ف: «عن أبي معاوية».
[4] في ب: «المعانيا»، تصحيف، والتصويب من هب، ف.
[5] في ب: الأمر.
[6] النوك: الحمق. والمنجنون: ما يستقى عليها.
/
إنّ الذي غودر بالمنحنى ... هدّ من الإسلام أركانا
راحوا بسفيان على نعشه [1] ... والعلم مكسوّين أكفانا
لا يبعدنك اللّه من هالك ... ورّثتنا علما وأحزانا
يفسر كلمات لعبد اللّه بن مروان
أخبرنا عمّي، قال: حدثنا عبد اللّه بن أبي سعد، قال: حدّثنا عبد اللّه بن مروان بن معاوية الفزاريّ، قال:
حدّثنا سفيان قال:
سمعت أعرابية تقول: من يشتري مني الحزاة؟ فقلت لها: وما الحزاة؟ قالت: تشتريها النّساء للطّشّة والخافية والإقلات. قال عبد اللّه بن مروان: فسألت ابن مناذر عن تفسير ذلك، فقال: الطّشّة: وجع يصيب الصّبيان في رؤوسهم كالزّكام. والخافية: ما خفي من العلل المنسوبة إلى أذى الجن [2]. والإقلات: قلّة الولد. وأنشدني ابن مناذر بعقب ذلك:
بغاث الطّير أكثرها فراخا ... وأمّ الصّقر مقلات نزور [3]
أي قليلة الفراخ.
أخبرني محمّد بن الحسن بن دريد، قال: حدّثني أبو حاتم، قال:
سمعت محمّد بن مناذر يقول: العذراء: البتول، والبتور والبتيل واحد، وهي المنقطعة إلى ربّها.
قال: وسأله - يعني ابن مناذر - أبو هريرة الصّيرفيّ بحضرتي فقال: كيف تقول: أمّا لا أو إمّا لا؟ فقال له مستهزئا به: أمّا لا [4]، ثم التفت إليّ فقال أسمعت أعجب من هذه المسألة!.
يجيب على سؤال لم يجب عنه أبو عبيدة
أخبرني الحسن بن عليّ، قال: حدّثني ابن مهرويه، قال: حدّثني العبّاس بن الفضل الرّبعيّ، قال: حدّثنا التّوّزيّ، قال:
سألت أبا عبيدة عن اليوم الثاني من النّحر: ما كانت العرب تسمّيه؟ قال: ليس عندي من ذلك علم. فلقيت ابن مناذر بمكّة، فأخبرته بذلك، فعجب وقال: أيسقط هذا عن مثل أبي عبيدة! هي أربعة أيّام متواليات كلّها على الرّاء: أولها يوم النّحر، والثّاني يوم القرّ، والثّالث يوم النّفر، والرّابع يوم الصدر. فحدّثته - يعني أبا عبيدة - فكتبه عن ابن/ مناذر، وقد روى ابن مناذر الحديث المسند، ونقله عنه المحدّثون.
بعض روايات له
أخبرني عمّي، قال: حدّثنا الكرانيّ، قال: حدّثنا الخليل بن أسد، عن محمد بن مسعدة الدّارع أبي الجهجاه، قال:
__________
[1] في «معجم الأدباء» 19 - 60: « ... على عرشه».
[2] في ب: «الحق»، تحريف.
[3] البيت للعباس بن مرداس في «شرح الحماسة» 3 - 153 ط. حجازي ضمن قصيدة من تسعة أبيات، مطلعها:
ترى الرجل النحيف فتزدريه ... وفي أثوابه أسد مزير
[4] الصواب: «إمّا لا» بكسر الهمزة، أي إن كنت لا تفعل غيره.
حدّثني محمّد بن مناذر الشّاعر، قال: حدثني سفيان الثّوري، عن الأغرّ، عن وهب بن منبّه، قال: كان يقال:
الحياء من الإيمان، والمذى - مكسور الميم مقصور - من النّفاق، فقلت: إنّ الناس يقولون: المذاء، فقال: هو كما أخبرتك، فقلت له: وما المذا؟ قال: اللّين في أمر النساء، ومنه درع ماذيّ، وعسل ماذيّ.
أخبرني الحسن بن عليّ، قال: حدثنا ابن مهرويه، قال: حدّثني إبراهيم بن عبد اللّه بن الجنيد، قال: حدثني حامد بن يحيى البلخيّ، قال:
حدثني محمد بن مناذر الشاعر، قال: حدّثني يحيى بن عبد اللّه بن مجالد، عن الشّعبيّ، عن مسروق، عن عبد اللّه، قال: لمّا نظر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم يوم بدر إلى القتلى وهم مصرّعون، قال لأبي بكر: «لو أنّ أبا طالب حيّ لعلم أنّ أسيافنا قد أخذت بالأماثل»، يعني قول أبي طالب:
كذبتم وبيت اللّه إن جدّ ما أرى ... لتلتبسن أسيافنا بالأماثل [1]
/أخبرني محمد بن خلف قال: حدّثني إسحاق بن محمد النخعيّ، قال:
حدثنا ابن مناذر، قال: حدّثنا سفيان بن عيينة، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، قال: قال عليّ عليه السلام: «ما قام بي [2] من النّساء إلا الحارقة أسماء». قال ابن مناذر: الحارقة: التي تجامع على جنب.
أخبرني محمّد بن عمران الصّيرفي قال: حدّثنا الحسن بن عليل العنزيّ، عن العباس بن عبد الواحد، عن محمد بن عمرو، عن محمد بن مناذر، عن سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن طاوس، عن أبي هريرة، قال:
جاء الشيطان إلى عيسى، قال: ألست تزعم أنك صادق؟ قال: بلى، قال: فأوف على هذه الشّاهقة، فألق نفسك منها، فقال: ويلك، ألم يقل اللّه: يابن آدم، لا تبلني بهلاكك، فإنّي أفعل ما أشاء.
كتب رقعة فيها شعر لغلام في مسجد البصرة
أخبرني عيسى بن الحسين الورّاق، عن حمّاد بن إسحاق، عن أبيه، قال:
نظر محمد بن مناذر إلى غلام حسن الوجه في مسجد البصرة، فكتب إليه بهذه الأبيات:
وجدت في الآثار في بعض ما ... حدّثنا الأشياخ في المسند
ممّا روى الأعمش عن جابر ... وعامر الشّعبيّ والأسود
وما روى شعبة عن عاصم ... وقاله حمّاد عن فرقد
وصيّة جاءت إلى كل ذي ... خدّ خلا من شعر أسود
أن يقبلوا الرّاغب في وصلهم ... فاقبل فإني فيك لم أزهد
نوّل فكم من جمرة ضمّها ... قلبي من حبّيك لم تبرد
فلمّا قرأها الفتى ضحك، وقلب الرّقعة، وكتب في ظهرها: لست شاعرا/ فأجيبك، ولا فاتكا فأساعدك، وأنا أعوذ باللّه ربّك من شرّك.
__________
[1] ف: « ... بالأنامل».
[2] ف: «لي».
رواية أخرى في خبره مع أبي العتاهية
أخبرني محمد بن عمران الصيرفيّ، قال: حدّثنا الحسن بن عليل العنزيّ، قال: حدّثنا محمد بن عبد اللّه العبديّ، قال: حدّثنا عليّ بن المبارك/ الأحمر، قال:
لقي أبو العتاهية ابن مناذر بمكّة، فجعل يمازحه ويضاحكه، ثم دخل على الرّشيد، فقال: يا أمير المؤمنين، هذا ابن مناذر شاعر البصرة يقول قصيدة في سنة، وأنا أقول في سنة مائتي قصيدة [1]، فقال الرشيد: أدخله إليّ، فأدخله إليه وقدّر أنّه يضعه عنده، فدخل فسلّم ودعا، فقال: ما هذا الذي يحكيه عنك أبو العتاهية؟ فقال ابن مناذر:
وما ذاك يا أمير المؤمنين؟ قال: زعم أنك تقول قصيدة في سنة، وأنّه يقول كذا وكذا قصيدة في السّنة، فقال:
يا أمير المؤمنين، لو كنت أقول كما يقول:
ألا يا عتبة السّاعة ... أموت السّاعة السّاعه
لقلت منه كثيرا، ولكنّي الذي أقول:
إنّ عبد المجيد يوم تولّى ... هدّ ركنا ما كان بالمهدود
ما درى نعشه ولا حاملوه ... ما على النّعش من عفاف وجود
فقال له الرشيد: هاتها فأنشدنيها، فأنشده، فقال الرشيد: ما كان ينبغي أن تكون هذه القصيدة إلّا في خليفة أو وليّ عهد، ما لها عيب إلّا أنّك قلتها في سوقة، وأمر له بعشرة آلاف درهم، فكاد أبو العتاهية يموت غمّا وأسفا.
سئل عنه يحيى بن معين فذمّه
أخبرني الحسن بن عليّ، قال: حدّثنا ابن مهرويه، قال: حدثنا إبراهيم بن الجنيد، قال:
سألت يحيى بن معين، عن محمّد بن مناذر الشاعر، فقال: لم يكن بثقة ولا مأمون، رجل سوء نفي من البصرة، ووصفه بالمجون والخلاعة، فقلت: إنما/ تكتب شعره [2] وحكايات عن الخليل بن أحمد، فقال: هذا نعم. وأما الحديث فلست أراه موضعا له.
وفاته بعد أن كف بصره
أخبرني الحسن، قال: حدّثني ابن مهرويه، قال: حدثني عليّ بن محمد النّوفليّ قال:
رأيت ابن مناذر في الحجّ سنة ثمان وتسعين ومائة، قد كفّ بصره، تقوده جويرية حرّة، وهو واقف يشتري ماء قربة، فرأيته وسخ الثّوب والبدن، فلما صرنا إلى البصرة أتتنا وفاته في تلك الأيّام.
أخبرني عيسى بن الحسين الورّاق قال: حدّثنا خلّاد الأرقط قال:
تذاكرنا ابن مناذر في حلقة يونس، فقدح فيه أكثر أهل الحلقة، حتى نسبوه إلى الزّندقة، فلما صرت في السّقيفة التي في مقدّم المسجد سمعت قراءة قريبة من حائط القبلة، فدنوت فإذا ابن مناذر قائم يصلّي، فرجعت إلى الحلقة، فقلت لأهلها: قلتم في الرجل ما قلتم، وها هو ذا قائم يصلّي حيث لا يراه إلا اللّه عزّ وجلّ.
__________
[1] في هب: «في سنة واحدة مائتي قصيدة»، وفي ب: «ما بين قصائد»، تحريف.
[2] ف: «إنما يكتب عنه شعرا أو حكايات عن الخليل».
خبره مع أبي خيرة
أخبرني محمّد بن جعفر الصّيدلانيّ النّحويّ قال: حدثنا أحمد بن القاسم البرقيّ، قال: حدّثنا أحمد بن يعقوب، قال: حدّثني أحمد بن يحيى الهذليّ التّمّار، عن عبد اللّه بن عبد الصّمد الضّبّيّ قال:
كنّا يوما جلوسا في حلقة هبيرة بن جرير الضّبّيّ [1] إذ أقبل محمّد بن مناذر في برد قد كسته إيّاه بانة بنت أبي العاصي، فسلّم عليّ وحدي، ولم يعرف منهم أحدا، ثم قام فجلس إلى أبي خيرة، فخاطبه مخاطبة خفيفة [2]، وقام مغضبا، فقال لي هبيرة: من هذا؟ فقلت: محمّد بن مناذر، فقال: إنا للّه قوموا بنا، فقام إلى أبي خيرة، فقال له: ماذا قال لك ابن مناذر؟ قال: سألني عن شيء وكنت مشغولا عنه فقال [3]:/يا أبا خيرة إن العشائر تغبطنا لعلمك، وما جعل/ اللّه عندك، فنشدناك اللّه أن تكون لنا، كما كان عرادة لبني نمير، فإنه تعرّض لجرير فهجاه فعمّهم فقال:
عرادة من بقيّة قوم لوط ... ألا تبّا لما فعلوا تبابا
أتدري من كان عندك آنفا؟ قال: لا، قال: ابن مناذر، وما تعرّض لأعراض قوم قطّ إلّا هتكها وهتكهم، فإذا جاءك يسألك عن شيء فأجبه، ولا تعتلّ عليه بالبول، ولا تطلب منه شيئا، وكلّ ما أردت من جهته ففي مالي، قال: أفعل. قال: وكان أبو خيرة إذا سأله إنسان عن شيء ولم يعطه شيئا يعتلّ عليه بالبول. فما شعرنا من غد إلا بابن مناذر وقد أقبل، فعلمنا أنه قصد أبا خيرة، فأتيناه، فلما رأى جمعنا استحيا منّا، وسلّم علينا وتبسّم، ثم قال:
يا أبا خيرة، قد قلت شعرا، وقبيح بمثلي أن يسأل عنه فلا يدري ما فيه، وإنّي ذكرت فيه إنسانا فشبّهته بالأفّار، فأيّ شيء هو؟ فاحمرّ وجه أبي خيرة واضطرب، وقال: هو التّيس الوثّاب الذي ينزو وقضيبه رخو فلا يصل، فقال:
جزيت خيرا، ووثب وهو يضحك، فقمنا إليه وقلنا: قد علمنا أنّك عنيت هذا الشيخ، فإن رأيت أن تهبه لنا فافعل؛ فإنّه شيخنا، قال: واللّه ما عنيت غيره، وقد وهبته لكم وكرامة، واللّه لا يسمع مني أجد ما قلت فيه، ولا أذكره إلا بخير أبدا، وإن كان قد أساء العشرة أمس.
صوت
لا زلت تنشر أعيادا وتطويها ... تمضي بها لك أيّام وتمضيها [4]
ولا تقضّت بك الدنيا ولا برحت ... تطوي لك الدهر أياما وتفنيها
الشعر لأشجع السّلميّ، والغناء لإبراهيم الموصليّ ثاني مطلق في مجرى البنصر، وفيه لمحمد قريض [5] لحن من الثقيل الأول، وهو من مشهور غنائه ومختاره.
__________
[1] ف: «حديد».
[2] في ف، بيروت: خفية.
[3] وفي ب، س: «فقلت: آه يا أبا خيرة».
[4] في ب: «تقضي بها لذ أيام .. ».
[5] ف: «قريص».
17 - نسب أشجع وأخباره
نسبه
أخبرني محمد بن عمران الصّيرفيّ والحسن بن عليّ قالا: حدثنا الحسن بن عليل العنزيّ، قال: حدثني عليّ بن الفضل [1] السّلميّ، قال:
كان أشجع بن عمرو السلميّ يكنى أبا الوليد من ولد الشّريد بن مطرود السلميّ، تزوج أبوه امرأة من أهل اليمامة، فشخص معها إلى بلدها فولدت له هناك أشجع، ونشأ باليمامة، ثم مات أبوه.
كان يعد من فحول الشعراء
فقدمت به أمّه البصرة تطلب ميراث أبيه، وكان له هناك مال فماتت بها، وربّي أشجع ونشأ بالبصرة، فكان من لا يعرفه يدفع نسبه، ثم كبر وقال الشّعر وأجاد وعدّ في الفحول، وكان الشّعر يومئذ في ربيعة واليمن، ولم يكن لقيس شاعر معدود، فلما نجم أشجع وقال الشّعر، افتخرت به قيس وأثبتت نسبه، وكان له أخوان: أحمد وحريث ابنا عمرو، وكان أحمد شاعرا ولم يكن يقارب أشجع، ولم يكن لحريث شعر، ثم خرج أشجع إلى الرّقّة والرّشيد بها، فنزل على بني سليم فتقبّلوه وأكرموه، ومدح البرامكة، وانقطع إلى جعفر خاصّة وأصفاه مدحه، فأعجب به ووصله إلى الرشيد، ومدحه فأعجب به أيضا، فأثرى وحسنت حاله في أيّامه وتقدّم عنده.
شخص من البصرة إلى الرقة لينشد الرشيد قصيدته
أخبرني محمد بن عمران، قال: حدّثني العنزيّ، قال: حدّثني صخر بن أسد السّلميّ، قال: حدّثني أبي أسد/ بن جديلة، قال: حدّثني أشجع السّلميّ قال:
شخصت من البصرة إلى الرّقّة، فوجدت الرّشيد غازيا، ونالتني خلّة، فخرجت حتى لقيته منصرفا من الغزو، وكنت قد اتّصلت ببعض أهل داره، فصاح صائح ببابه: من كان ها هنا من الشعراء فليحضر يوم الخميس، فحضرنا سبعة وأنا ثامنهم، وأمرنا بالبكور [2] في يوم الجمعة، فبكّرنا وأدخلنا، وقدّم واحد منا ينشد على الأسنان، وكنت/ أحدث القوم سنّا، وأرثّهم [3] حالا، فما بلغ إليّ حتى كادت الصلاة أن تجب، فقدّمت والرّشيد على كرسيّ، وأصحاب الأعمدة بين يديه سماطان [4].
خاف وجوب الصلاة فبدأ إنشاد الرشيد بما جاء في قصيدته من مدح
فقال لي: أنشدني، فخفت أن أبتدىء من أوّل قصيدتي بالتّشبيب فتجب الصلاة ويفوتني ما أردت، فتركت
__________
[1] في ف: المفضل.
[2] في ب: للبكور.
[3] في «المختار»: وأرقهم.
[4] سماط القوم: صفهم.
التّشبيب وأنشدته من موضع المديح في قصيدتي التي أوّلها:
تذكّر عهد البيض وهو لها ترب ... وأيّام يصبي الغانيات ولا يصبو
فابتدأت قولي في المديح:
إلى ملك يستغرق المال جوده ... مكارمه نثر [1] ومعروفه سكب
وما زال هارون الرّضا بن محمّد ... له من مياه النّصر مشربها العذب
متى تبلغ العيس المراسيل بابه ... بنا فهناك الرّحب والمنزل الرّحب
لقد جمعت فيك الظّنون ولم يكن ... بغيرك ظنّ يستريح له القلب [2]
جمعت ذوي الأهواء حتى كأنّهم ... على منهج بعد افتراقهم ركب
بثثت [3] على الأعداء أبناء دربة ... فلم يقهم منهم حصون ولا درب
وما زلت ترميهم بهم متفرّدا ... أنيساك حزم الرّأي والصّارم العضب
جهدت فلم أبلغ علاك بمدحة ... وليس على من كان مجتهدا عتب
فضحك الرّشيد وقال لي: خفت أن يفوت وقت الصلاة فينقطع المديح عليك، فبدأت به وتركت التّشبيب، وأمرني بأن أنشده التّشبيب فأنشدته إيّاه، فأمر لكلّ واحد من الشّعراء بعشرة آلاف درهم وأمر لي بضعفها.
أنشد الرشيد قصيدته الميمية فاستحسنها وقال: هكذا تمدح الملوك
أخبرني حبيب بن نصر المهلّبيّ، قال: حدّثنا عمر بن شبّة، قال: حدّثني أحمد بن سيّار الجرجانيّ وكان راوية شاعرا مدّاحا ليزيد بن مزيد، قال:
/ دخلت أنا وأشجع والتّيميّ، وابن رزين الخراسانيّ [4] على الرشيد في قصر له بالرقّة، وكان قد ضرب أعناق قوم في تلك الساعة، فجعلنا نتخلّل الدّماء حتى وصلنا إليه، فأنشده أبو محمد التّيميّ قصيدة له يذكر فيها نقفور [5] ووقعته ببلاد الرّوم، فنثر عليه مثل الدّرّ من جودة شعره، وأنشده أشجع قوله:
قصر عليه تحيّة وسلام ... ألقت عليه جمالها الأيّام
قصرت [6] سقوف المزن دون سقوفه ... فيه لأعلام الهدى أعلام
تثني على أيّامك الأيّام ... والشاهدان الحلّ والإحرام
[7] نتك من ظل النبي وصيّة ... بة وشجت بها الأرحام
برقت سماؤك في العدو وأمطرت ... هاما لها ظلّ السيوف غمام
وإذا سيوفك صافحت هام العدى ... طارت لهن عن الرؤوس الهام [7]
__________
[1] في «المختار»: فينا.
[2] أ، ب، س:
«بغيرك ما ظن يستريح له قلب»
، وهو غير مستقيم الوزن.
[3] في ب، ما: بنيت.
[4] ف: «الخزاعي».
[5] في ب: تغفور.
[6] في ف، بيروت: قصر.
(7 - 7) الأبيات الثلاثة من «مختار الأغاني».
وعلى عدوّك يابن عمّ محمّد ... رصدان ضوء الصّبح والإظلام
فإذا تنبّه رعته وإذا غفا ... سلّت عليه سيوفك الأحلام
/ وأنشدته أنا قولي:
زمن بأعلى الرّقمتين قصير
حتى انتهيت إلى قولي:
لا تبعد الأيّام إذ ورق الصّبا ... خضل وإذ غضّ الشباب [1] نضير
فاستحسن هذا البيت، ومضيت في القصيدة حتى أتممتها، فوجّه إليّ الفضل بن الربيع: أنفذ إليّ قصيدتك، فإني أريد أن أنشدها الجواري من استحسانه إيّاها.
/ قال: وركب الرشيد يوما قبّة وسعيد بن سالم [2] معه في القبّة، فقال: أين محمد البيذق؟ وكان رجلا حسن الصّوت ينشد الشعر فيطرب بحسن صوته أشدّ من إطراب الغناء، فحضر، فقال: أنشدني قصيدة الجرجانيّ، فأنشده، فقال: الشّعر في ربيعة سائر اليوم، فقال له سعيد بن سالم: يا أمير المؤمنين، استنشده قصيدة أشجع بن عمرو، فأبى، فلم يزل به حتى أجاب إلى استماعها، فلما أنشده هذين البيتين:
وعلى عدوّك يابن عمّ محمّد
والذي بعده، قال له سعيد بن سالم [2]: واللّه يا أمير المؤمنين، لو خرس بعد هذين لكان أشعر الناس.
أخبرني الحسن بن عليّ الخفّاف، قال: حدّثني محمد بن القاسم بن مهرويه، قال: حدّثني أبي، قال:
بلغني أنّ أشجع لمّا أنشد الرّشيد هذين البيتين:
وعلى عدوّك يابن عمّ محمّد
والذي بعده، طرب الرشيد، وكان متّكئا فاستوى جالسا، وقال: أحسن واللّه، هكذا تمدح الملوك.
أخبرني أحمد بن إسحاق العسكريّ، والحسن بن عليّ، قالا: حدثنا أحمد بن سعيد بن سالم الباهليّ، عن أبيه، قال:
كنت عند الرّشيد، فدخل إليه أشجع، ومنصور النّمريّ، فأنشده أشجع قوله:
وعلى عدوّك يابن عمّ محمّد ... رصدان ضوء الصّبح والإظلام
فإذا تنبّه رعنه وإذا غفا [3] ... سلّت عليه سيوفك الأحلام
فاستحسن ذلك الرّشيد، وأومأت إلى أشجع أن يقطع الشعر، وعلمت أنّه لا يأتي/ بمثلهما، فلم يفعل، ولمّا أنشده ما بعدهما فتر الرّشيد وضرب بمحضرة كانت بيده الأرض، واستنشد منصورا النّمريّ، فأنشده قوله:
ما تنقضي حسرة منّي ولا جزع ... إذا ذكرت شبابا ليس يرتجع
__________
[1] في ف: غصن.
[2] ف: «سلم».
[3] في «الشعر والشعراء» لابن قتيبة 2 - 882 ط. المعارف: ... وإذا هدى.
فمرّ واللّه في قصيدة قلّ ما تقول العرب مثلها، فجعل الرشيد يضرب بمخصرته الأرض ويقول: الشّعر في ربيعة سائر اليوم، فلما خرجنا قلت لأشجع: غمزتك أن تقطع فلم تفعل، ويلك! ولم تأت بشيء، فهلّا متّ بعد البيتين أو خرست، فكنت تكون أشعر الناس.
اشترى جعفر بن يحيى ضيعة وردها على أصحابها فمدحه
أخبرني حبيب بن نصر المهلّبيّ، قال: حدّثنا هارون بن محمد بن عبد الملك الزّيّات قال: حدّثني موسى بن عيسى، قال:
اشترى جعفر بن يحيى المرغاب [1] من آل الرشيد [2] بعشرين ألف ألف درهم، وردّه على أصحابه، فقال أشجع السّلميّ يمدحه بذلك ويقول:
ردّ السّباخ ندى يديه وأهلها ... منها بمنزلة السّماك الأعزل
قد أيقنوا بذهابها وهلاكهم ... والدّهر يوعدهم بيوم أعضل [3]
فافتكّها لهم وهم من دهرهم ... بين الجران وبين حدّ الكلكل
ما كان يرجى غيره لفكاكها ... يرجى الكريم لكل خطب معضل
أنشد جعفر بن يحيى مديحا له لوقته على وزن قصيدة لحميد بن ثور وقافيتها
/ أخبرني الحسن بن عليّ الخفّاف قال: حدثني أحمد بن محمد حرّان [4]، عن قدامة بن نوح، قال:
جلس جعفر بن يحيى بالصالحيّة يشرب على مستشرف له، فجاءه/ أعرابيّ من بني هلال، فاشتكى واستماح بكلام فصيح ولفظ مثله يعطف المسؤول [5]، فقال له جعفر بن يحيى: أتقول الشعر يا هلاليّ؟ فقال:
قد كنت أقوله وأنا حدث أتملّح به، ثم تركته لمّا صرت شيخا، قال: فأنشدنا لشاعركم حميد بن ثور، فأنشده قوله:
لمن الدّيار بجانب الحمس ... كمحطّ ذي الحاجات بالنّفس
حتى أتى على آخرها، فاندفع أشجع، فأنشده مديحا له فيه قاله لوقته على وزنها وقافيتها، فقال:
ذهبت مكارم جعفر وفعاله ... في النّاس مثل مذاهب الشمس
ملك تسوس له المعالي نفسه ... والعقل خير سياسة النّفس
فإذا تراءته الملوك تراجعوا ... جهر الكلام بمنطق همس
ساد البرامك جعفر وهم الألى ... بعد الخلائف سادة الإنس
ما ضرّ من قصد ابن يحيى راغبا ... بالسّعد حلّ به أم النّحس
__________
[1] المرغاب: ضيعة.
[2] ف: «من الرشيد».
[3] في ف، بيروت: أعصل.
[4] ف: «أحمد بن محمد بن حدان».
[5] ف: «فشكى واستماح بلفظ لطيف فصيح، وكلام مثله يعطف المسؤول».
طلب منه جعفر وصف مكانه شعرا فقال وأجاد
فقال له جعفر: صف موضعنا هذا، فقال:
قصور الصالحيّة كالعذارى ... لبسن ثيابهنّ ليوم عرس
مطلّات على بطن كسته ... أيادي الماء وشيا نسج غرس
إذا ما الطّلّ أثّر في ثراء ... تنفّس نوره من غير نفس
فتغبقه السّماء بصبغ ورس ... وتصبحه بأكؤس عين شمس [1]
/فقال جعفر للأعرابي: كيف ترى صاحبنا يا هلاليّ؟ فقال: أرى خاطره طوع لسانه، وبيان الناس تحت بيانه، وقد جعلت له ما تصلني به، قال: بل نقرّك [2] يا أعرابيّ ونرضيه، وأمر للأعرابيّ بمائة دينار ولأشجع بمائتين.
أنس بن أبي شيخ يعجب بشعره ويقدمه إلى جعفر بن يحيى
أخبرني عمّي قال؛ حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد، قال: حدّثني أبو عامة، قال: حدّثني أشجع السّلميّ، قال:
كنت ذات يوم في مجلس بعض إخواني أتحدّث وأنشد، إذ دخل عليهم أنس بن أبي شيخ النّصريّ صاحب جعفر بن يحيى، فقام له جميع القوم غيري، ولم أعرفه فأقوم له، فنظر إليّ وقال: من هذا الرّجل؟ قالوا: أشجع السّلميّ الشّاعر، قال: أنشدني بعض قولك، فأنشدته. فقال: إنّك لشاعر، فما يمنعك من جعفر بن يحيى؟ فقلت:
ومن لي بجعفر بن يحيى؟ فقال: أنا، فقل أبياتا ولا تطل فإنه يملّ الإطالة، فقلت: لست بصاحب إطالة، فقلت أبياتا على نحو ما رسم لي، وصرت إلى أنس فقال: تقدّمني إلى الباب، فتقدّمت، فلم يلبث أن جاء فدخل، وخرج أبو رمح الهمذانيّ حاجب [3] جعفر بن يحيى، فقال أشجع: فقمت، فقال: ادخل، فدخلت، فاستنشدني فأنشدته أقول:
وترى الملوك إذا رأيتهم ... كلّ بعيد الصّوت والجرس
فإذا بدا لهم ابن يحيى جعفر ... رجعوا الكلام بمنطق همس
ذهبت مكارم جعفر وفعاله ... في النّاس مثل مذاهب الشّمس
/ قال: فأمر له بعشرة آلاف درهم، قال: وكان أشجع يحبّ الثّياب، وكان يكتري الخلعة كل يوم بدرهمين، فيلبسها أياما، ثم يكتري غيرها، فيفعل بها مثل ذلك،/ قال: فابتعت أثوابا كثيرة بباب الكرخ، فكسوت عيالي وعيال إخوتي حتى أنفقتها.
الفضل بن يحيى يهب له ضعف ما وهبه إياه جعفر
ثم لقيت المبارك مؤدّب الفضل بن يحيى بعد أيام، فقال لي: أنشدني ما قلته في جعفر، فأنشدته، فقال:
__________
[1] في ما:
«فتغبقه بصبغ لون ورس»
وفي ف، بيروت: «و تصبحه بكأس عين شمس». وفي «اللسان»: غبقه يغبقه غبقا: سقاء غبوقا؛ وهو الشرب بالعشي. وصبحه يصبحه: سقاه صبوحا. والصبوح: ما أصبح عندهم من شرابهم.
[2] في مد، ما: نصلك. وفي «المختار»: نبرك. وفي ب: نقدك.
[3] في ب، س: أبو زنج الهمذاني صاحب جعفر.
ما يمنعك من الفضل؟ فقلت: ومن لي بالفضل؟ فقال: أنا لك به، فأدخلني عليه، فأنشدته:
وما قدّم الفضل بن يحيى مكانه ... على غيره بل قدّمته المكارم
لقد أرهب الأعداء حتى كأنما ... على كل ثغر بالمنيّة قائم
فقال لي: كم أعطاك جعفر؟ فقلت: عشرة آلاف درهم، فقال: أعطوه عشرين ألفا.
جعفر بن يحيى يجري عليه في كل جمعة مائة دينار
أخبرني علي بن صالح، قال: حدّثني أحمد بن أبي فنن، قال: حدثني داود بن مهلهل، قال:
لما خرج جعفر بن يحيى ليصلح أمر الشام، نزل في مضربه، وأمر بإطعام الناس، فقام أشجع فأنشده قوله:
فئتان باغية وطاغية ... جلّت أمورهما عن الخطب
قد جاءكم بالخيل شازبة [1] ... ينقلن نحوكم رحى الحرب
لم يبق إلا أن تدور بكم ... قد قام هاديها على القطب
قال: فأمر له بصلة ليست بالسّنيّة، وقال له: دائم القليل خير من منقطع الكثير، فقال له: ونزره [2] أكثر من جزيل غيره، فأمر له بمثلها، قال: وكان يجري عليه في كلّ جمعة مائة دينار مدة مقامه ببابه.
إسحاق الموصلي ينشد له قصيدة في الخمر أمام الرشيد وجعفر بن يحيى
أخبرني محمد بن جعفر النحويّ صهر المبرّد، قال: حدثني الفضل بن محمد اليزيديّ، قال: حدثنا إسحاق الموصليّ، قال:
دخلت إلى الرّشيد يوما، وهو يخاطب جعفر بن يحيى بشيء لم أسمع ابتداءه، وقد علا صوته، فلما رآني مقبلا قال لجعفر بن يحيى: أترضى بإسحاق؟ قال جعفر: واللّه ما في علمه مطعن إن أنصف، فقال لي: أيّ شيء تروي للشعراء المحدثين [3] في الخمر؟ أنشدني من أفضل ما عندك وأشدّه تقدّما، فعلمت أنهما كانا يتماريان في تقديم أبي نواس، فعدلت عنه إلى غيره؛ لئلا أخالف أحدهما، فقلت: لقد أحسن أشجع في قوله:
وقد طعنت الليل في أعجازه ... بالكأس بين غطارف كالأنجم [4]
يتمايلون على النعيم كأنّهم ... قضب من الهنديّ لم تتثلّم
وسعى بها الظّبي العزير يزيدها ... طيبا ويغشمها إذا لم تغشم [5]
والليل منتقب بفضل ردائه ... قد كاد يحسر عن أغرّ أرثم [6]
فإذا أدارتها الأكفّ رأيتها ... تثني الفصيح إلى لسان الأعجم
وعلى بنان مديرها عقيانة ... من سكبها وعلى فضول المعصم
__________
[1] في ب، س: شارية. وفي «المختار»: شازية. وفي ما: شاربة. وما أثبتناه من ف. والمعنى: ضامرة يابسة.
[2] في س: ونزر الوزير.
[3] في ب، س: «أي شيء تروي الشعراء المحدثون في الخمر».
[4] الغطارف: السادة الأشراف.
[5] تغشم: تظلم.
[6] الأرثم من الخيل: ما كان في طرف أنفه بياض أو كان أبيض الشفة العليا.
تغلي إذا ما الشّعريان تلظّيا ... صيفا وتسكن في طلوع المرزم [1]
ولقد فضضناها بخاتم ربّها ... بكرا وليس البكر مثل الأيّم
ولها سكون في الإناء وخلفها ... شغب يطوّح بالكميّ المعلم
/ تعطى على الظّلم الفتى بقيادها ... قسرا وتظلمه إذا لم يظلم
الرشيد يفضل أبا نواس عليه في وصف الخمر
فقال لي الرّشيد: قد عرفت تعصّبك على أبي نواس، وإنك عدلت عنه متعمدا، ولقد أحسن أشجع، ولكنه لا يقول أبدا مثل قول أبي نواس:
يا شقيق النّفس من حكم ... نمت عن ليلي ولم أنم
فقلت له: ما علمت ما كنت فيه يا أمير المؤمنين، وإنما أنشدت ما حضرني، فقال: حسبك قد سمعت الجواب.
قال الفضل: وكان في إسحاق تعصّب على أبي نواس لشيء جرى بينهما.
الواثق يطرب لشعر أشجع ويستعيده
أخبرني محمد بن مزيد، قال: حدثنا حمّاد بن إسحاق، عن أبيه، قال:
اصطبح [2] الواثق في يوم مطير، واتصل شربه وشربنا معه حتى سقطنا لجنوبنا صرعى، وهو معنا على حالنا، فما حرّك أحد منا عن مضجعه، وخدم الخاصة يطوفون علينا ويتفقدوننا، وبذلك أمرهم، وقال:
لا تحرّكوا أحدا عن موضعه، فكان هو أول من أفاق منا، فقام وأمر بإنباهنا فأنبهنا فقمنا فتوضأنا وأصلحنا من شأننا، وجئت إليه وهو جالس وفي يده كأس، وهو يروم شربها، والخمار يمنعه، فقال لي: يا إسحاق، أنشدني في هذا المعنى شيئا، فأنشدته قول أشجع السّلميّ:
ولقد طعنت الليل في أعجازه ... بالكأس بين غطارف كالأنجم
يتمايلون عن النّعيم كأنّهم ... قضب من الهنديّ لم تتثلّم
وسعى بها الظّبي الغرير يزيدها ... طيبا ويغشمها إذا لم تغشم
والليل منتقب بفضل ردائه ... قد كاد يحسر عن أغرّ أرثم
وإذا أدارتها الأكفّ رأيتها ... تثني الفصيح إلى لسان الأعجم
/ وعلى بنان مديرها عقيانة ... من لونها [3] وعلى فضول المعصم
تغلي إذا ما الشّعريان تلظّيا ... صيفا وتسكن في طلوع المرزم
ولقد فضضناها بخاتم ربّها ... بكرا وليس البكر مثل الأيّم
ولها سكون في الإناء وخلفها ... شغب يطوّح بالكميّ المعلم
__________
[1] الشعريان والمرزم: نجوم.
[2] في ب، س: أصبح.
[3] في «المختار»: من سكبها.
تعطي على الظّلم الفتى بقيادها ... قسرا وتظلمه إذا لم يظلم
فطرب وقال: أحسن واللّه أشجع، وأحسنت يا أبا محمد، أعد بحياتي، فأعدتها وشرب كأسه، وأمر لي بألف دينار.
عزّى الفضل بن الربيع في ابنه العباس فأحسن العزاء وقال شعرا يرثيه
أخبرني جعفر بن قدامة، قال: حدثنا أبو هفّان، قال:
ذكر أبو دعامة أنّ أشجع دخل على الفضل بن الرّبيع، وقد توفّي ابنه العباس والناس يعزّونه، فعزّاه فأحسن، ثم استأذنه في إنشاد مرثية قالها فيه، فأذن له فأنشده:
لا تبكينّ بعين غير جائدة ... وكلّ ذي حزن يبكي كما يجد
أيّ امرىء كان عباس لنائبة ... إذا تقنّع دون الوالد الولد
لم يدنه طمع من دار مخزية ... ولم يعزّ له من نعمة بلد
قد كنت ذا جلد في كلّ نائبة ... فبان منّي عليك الصبر والجلد
لمّا تسامت بك الآمال وابتهجت ... بك المروءة واعتدّت بك العدد
/ ولم يكن لفتى في نفسه أمل ... إلا إليك به من أرضه يفد
وحين جئت أمام السّابقين ولم ... يبلل عذارك ميدان ولا أمد
وافاك يوم على نكراء مشتمل ... لم ينج من مثله عاد ولا لبد
فما تكشّف إلا عن مولولة ... حرّى ومكتئب أحشاؤه تقد
/ قال: فبكى الفضل وبكى الناس معه، وما انصرفوا يومئذ يتذاكرون غير أبيات أشجع.
عزّى الرشيد في ابن له فأحسن وأمر بصلته
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء، قال: حدثنا الحسن بن محمد بن طالب الدّيناري، قال: حدّثني عليّ بن الجهم، قال:
دخل أشجع على الرّشيد وقد مات ابن له، والناس يعزّونه فأنشده قوله:
نقص من الدّين ومن أهله ... نقص المنايا من بني هاشم
قدّمته - فاصبر على فقده - ... إلى أبيه وأبي القاسم
فقال الرّشيد: ما عزّاني اليوم أحد أحسن من تعزية أشجع، وأمر له بصلة.
أذن له جعفر بن يحيى بالوصول إليه وحده دون سائر الناس
أخبرني الحسن بن عليّ، قال: حدّثنا العنزيّ، قال: حدثني عبد الرّحمن بن النّعمان السّلميّ قال:
كنّا بباب جعفر بن يحيى وهو عليل، فقال لنا الحاجب: إنه إذن عليه، فكتب إليه أشجع:
لمّا اشتكى جعفر بن يحيى ... فارقني النّوم والقرار
ومرّ عيشي عليّ حتّى ... كأنّما طعمه المرار
خوفا على جعفر بن يحيى ... لا حقّق الخوف والحذار
إن يعفه اللّه لا نحاذر ... ما أحدث الليل والنهار
قال: فأوصل الحاجب رقعته، ثم خرج فأمره بالوصول وحده، وانصرف سائر النّاس.
الرشيد يأمر بتعجيل صلته له
أخبرني الحسن قال: حدثنا العنزيّ، قال: حدّثني محمد بن الحسين، عن عمرو بن عليّ: أنّ أشجع السّلميّ كتب إلى الرشيد وقد أبطأ عنه شيء أمر له به:
/أبلغ أمير المؤمنين رسالة ... لها عنق [1] بين الرّواة فسيح
بأنّ لسان الشعر ينطقه النّدى ... ويخرسه الإبطاء وهو فصيح
فضحك الرشيد وقال له: لن يخرس لسان شعرك، وأمر بتعجيل صلته.
مدح محمد بن منصور بشعر كان أحب مدائحه إليه
أخبرني الحسن، ومحمد بن يحيى الصّوليّ، قالا: حدثنا العنزيّ، قال: حدثني أحمد بن محمد بن منصور بن زياد، وكان يقال لأبيه فتى العسكر، قال:
أقبل أشجع إلى باب أبي، فرأى ازدحام الناس عليه، فقال:
على باب ابن منصور ... علامات من البذل
جماعات وحسب البا ... ب [2] نبلا كثرة الأهل
فبلغ أبي بيتاه هذان، فقال: هما واللّه أحبّ مدائحه إليّ.
هنأ جعفر بن يحيى بولاية خراسان
أخبرني عمّي، والحسن بن عليّ، قال: حدّثنا الفضل بن محمد اليزيديّ، قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم الموصليّ، قال:
لما ولّى الرشيد جعفر بن يحيى خراسان جلس للناس فدخلوا عليه يهنّئونه ثم دخل الشعراء فأنشدوه؛ فقام أشجع آخرهم، فاستأذن في الإنشاد فأذن له، فأنشده قوله:
أتصبر للبين أم تجزع ... فإنّ الدّيار غدا بلقع [3]
/غدا يتفرّق أهل الهوى ... ويكثر باك ومسترجع
حتى انتهى إلى قوله:
ودوّيّة [4] بين أقطارها ... مقاطيع أرضين لا تقطع
__________
[1] العنق: السير السريع.
[2] في ف: وحسب الدار.
[3] البلقع: الأرض القفر التي لا شيء بها.
[4] الدوية: الصحراء الواسعة.
/
تجاوزتها فوق عيرانة [1] ... من الريح في سيرها أسرع
إلى جعفر نزعت رغبة ... وأيّ فتى نحوه تنزع
فما دونه لامرىء مطمع ... ولا لامرىء غيره مقنع [2]
ولا يرفع الناس من حطّه ... ولا يضعون الذي يرفع
يريد الملوك مدى جعفر ... ولا يصنعون كما يصنع
وليس بأوسعهم في الغنى ... ولكنّ معروفه أوسع
تلوذ الملوك بآرائه [3] ... إذا نالها الحدث الأفظع
بديهته مثل تدبيره ... متى رمته [4] فهو مستجمع
وكم قائل إذ رأى ثروتي [5] ... وما في فضول الغنى أصنع:
غدا في ظلال ندى جعفر ... يجرّ ثياب الغنى أشجع
فقل لخراسان تحيا فقد ... أتاها ابن يحيى الفتى الأروع
فأقبل عليه جعفر بن يحيى ضاحكا، واستحسن شعره، وجعل يخاطبه مخاطبة الأخ أخاه، ثم أمر له بألف دينار.
يهوّن على جعفر بن يحيى عزله عن خراسان
قال: ثم بدا للرّشيد في ذلك التّدبير، فعزل جعفرا عن خراسان بعد أن أعطاه العهد والكتب، وعقد له العقد وأمر ونهى، فوجم لذلك جعفر، فدخل عليه أشجع فأنشده يقول:
أمست خراسان تعزّى بما ... أخطأها من جعفر المرتجى
/ كان الرّشيد المعتلى أمره ... ولّى عليها المشرق الأبلجا [6]
ثم أراه رأيه أنّه ... أمسى إليه منهم أحوجا
فكم به الرّحمن [7] من كربة ... في مدّة تقصر قد فرّجا
فضحك جعفر ثم قال: لقد هوّنت عليّ العزل، وقمت لأمير المؤمنين بالعذر، فسلني ما شئت، فقال: قد كفاني جودك ذلّة السؤال، فأمر له بألف دينار آخر.
يمدح محمد الأمين وهو ابن أربع سنين
أخبرني عمّي، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد، عن أبي دعامة، عن أشجع، قال:
__________
[1] العيرانة: الناقة النشيطة. وفي ب، ما: «ريحانة».
[2] في «الشعر والشعراء» لابن قتيبة 2 - 883:
وما خلفه لامرىء مطمع ... ولا دونه لامرىء مقنع
[3] في ب، ما: «بأبوابه».
[4] في «الشعر والشعراء» لابن قتيبة 2/ 883:
«متى هجته»
[5] في «الشعر والشعراء» لابن قتيبة 2/ 883:
«و كم قائل إذ رأى بهجتي»
[6] في ب، ما:
«ولى عليه»
وفي ف:
«ولى على مشرقها»
وفي «التجريد»:
«ولى على مشرقه»
[7] في «المختار»:
«فكم فك به الرحمن من كربة»
ولا يستقيم الوزن.
دخلت على محمد الأمين حين أجلس مجلس الأدب للتّعليم، وهو ابن أربع سنين، وكان يجلس فيه ساعة ثم يقوم فأنشدته:
ملك أبوه وأمّه من نبعة ... منها سراج الأمّة الوهّاج
شربت بمكة في ربا بطحائها ... ماء النّبوّة ليس فيه مزاج
يعني النّبعة. قال: فأمرت له زبيدة بمائة ألف درهم، قال: ولم يملك الخلافة أحد أبوه وأمّه من بني هاشم إلا أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب صلوات اللّه عليه، ومحمد بن زبيدة [1].
يمدح إبراهيم بن عثمان بن نهيك
أخبرني الحسن بن عليّ، ومحمد بن يحيى الصوليّ، قالا: حدّثنا الحسن بن عليل العنزيّ،/ قال: حدثنا المهزميّ، قال:
لما ولي إبراهيم بن عثمان بن نهيك الشرطة، دخل عليه أشجع، فأنشده قوله فيه:
/لمن المنازل مثل ظهر الأرقم ... قدمت وعهد أنيسها لم يقدم
فتكت بها سنتان تعتورانها ... بالمعصفات [2] وكلّ أسحم مرزم [3]
دمن إذا استثبتّ عينك عهدها ... كرّت إليك بنظرة المتوهّم
ولقد طعنت الليل في أعجازه ... بالكأس بين غطارف كالأنجم
يتمايلون على النّعيم كأنّهم ... قضب من الهنديّ لم تتثلّم
واللّيل مشتمل بفضل ردائه ... قد كاد يحسر عن أغرّ أرثم [4]
لبني نهيك طاعة لو أنها ... زحمت بهضب متالع لم تكلم
قوم إذا غمزوا قناة عدوّهم ... حطموا جوانبها ببأس محطم
في سيف إبراهيم خوف واقع ... لذوي النّفاق وفيه أمن المسلم
ويبيت يكلأ - والعيون هواجع - ... مال المضيع ومهجة المستسلم [5]
ليل يواصله بضوء نهاره ... يقظان ليس يذوق نوم النّوّم
شدّ الخطام بأنف كلّ مخالف ... حتى استقام له الذي لم يخطم
لا يصلح السّلطان إلا شدّة ... تغشى البريء بفضل ذنب المجرم
منعت مهابتك النفوس حديثها ... بالشيء [6] تكرهه وإن لم تعلم
ونهجت في سبل السّياسة مسلكا ... ففهمت مذهبها الذي لم يفهم
__________
[1] «التجريد»: محمد بن الرشيد.
[2] ف: «بالمعضلات».
[3] المرزم: المصوت.
[4] الأغر: الأبيض، والأرثم: الفرس في طرف أنفه بياض.
[5] لم يرد هذا البيت في ف. والمضيع: من كثرت ضياعه، وهو موجود في باقي النسخ، وفي «الشعر والشعراء» لابن قتيبة 2/ 884.
[6] في «الشعر والشعراء»: «بالأمر تكرهه».
فوصله وحمله وخلع عليه.
يراجع جعفر بن يحيى في تقليل عطائه فيزيده
أخبرني محمد بن يحيى الصّوليّ، قال: حدثنا الغلابيّ قال: حدثنا مهديّ بن سابق، قال:
أعطى جعفر بن يحيى مروان بن أبي حفصة - وقد مدحه - ثلاثين ألف درهم، وأعطى أبا البصير عشرين ألفا، وأعطى أشجع - وقد أنشده معهما - ثلاثة آلاف درهم، وكان ذلك في أول اتصاله به، فكتب إليه أشجع يقول:
أعطيت مروان الثّلا ... ثين التي دلّت رعاثه [1]
وأبا البصير وإنما ... أعطيتني منهم ثلاثة
ما خانني حوك القري [2] ... ض ولا اتّهمت سوى الحداثه
فأمر له بعشرين ألف درهم أخرى.
العباس بن محمد ينشد الرشيد شعرا لأشجع ويدعيه لنفسه
حدثني عليّ بن صالح بن الهيثم الأنباريّ، قال: حدثني أبو هفان، قال: حدثني سعيد بن هريم وأبو دعامة، قالا:
كان انقطاع أشجع إلى العباس بن محمد بن عليّ بن عبد اللّه بن العباس، فقال الرّشيد للعباس يوما: يا عمّ، إن الشّعراء قد أكثروا في مدح محمد بسببي وبسبب أمّ جعفر، ولم يقل أحد منهم في المأمون شيئا، وأنا أحبّ أن أقع على شاعر فطن ذكيّ يقول فيه، فذكر العبّاس ذلك لأشجع، وأمره أن يقول فيه، فقال:
بيعة المأمون آخذة ... بعنان الحقّ في أفقه
/ أحكمت مرّاتها [3] عقدا ... تمنع المختال في نفقه
لن يفكّ المرء ربقتها ... أو يفكّ الدّين من عنقه
/ وله من وجه والده ... صورة تمّت ومن خلقه
قال: فأتى بها العبّاس الرّشيد، وأنشده إيّاها فاستحسنها وسأله: لمن هي؟ فقال: هي لي، فقال: قد سررتني مرّتين: بإصابتك ما في نفسي، وبأنها لك، وما كان لك فهو لي، وأمر له بثلاثين ألف دينار، فدفع إلى أشجع منها خمسة آلاف درهم، وأخذ باقيها لنفسه.
يستعجل عطاء يحيى بن خالد ثم يمدحه
أخبرني عمّي، قال: حدثنا عبد اللّه بن أبي سعد، قال: حدثنا محمد بن عبد اللّه بن مالك الخزاعيّ، قال:
وعد يحيى بن خالد أشجع السّلميّ وعدا، فأخّره عنه، فقال له قوله:
رأيتك لا تستلذّ المطال ... وتوفي إذا غدر الخائن
__________
[1] الرعاث جمع رعثة، وهي عثنون الديك، ويريد بتدلي رعاثه أنه تكبّر وزها.
[2] ف: «حوز القريض».
[3] المرات جمع مرة، وهي طاقة الحبل. وفي ما: «مرانها».
فماذا تؤخّر من حاجتي ... وأنت لتعجيلها ضامن!
ألم تر أنّ احتباس النّوال ... لمعروف صاحبه شائن!
فلم يتعجّل ما أراد، فكتب إليه:
رويدك إنّ عزّ الفقر أدنى ... إليّ من الثّراء مع الهوان
وماذا تبلغ الأيّام منّي ... بريب صروفها ومعي لساني
فبلغ قوله جعفرا فقال له: ويلك يا أشجع! هذا تهدّد فلا تعد لمثله، ثم كلّم أباه فقضى حاجته، فقال:
كفاني صروف الدّهر يحيى بن خالد ... فأصبحت لا أرتاع للحدثان
كفاني - كفاه اللّه كلّ ملمّة - ... طلاب فلان مرّة وفلان
فأصبحت في رغد من العيش واسع ... أقلّب فيه ناظري ولساني
جعفر بن يحيى يوليه عملا ثم يصرفه عنه
أخبرني محمد بن عمران الصّيرفيّ، قال: حدّثنا العنزيّ عن ابن النّطّاح، قال:
/ ولّى جعفر بن يحيى أشجع عملا، فرفع إليه أهله رفائع [1] كثيرة، وتظلّموا منه وشكوه، فصرفه جعفر عنهم، فلما رجع إليه من عمله مثل بين يديه، ثم أنشأ يقول:
أمفسدة سعاد عليّ ديني ... ولائمتي على طول الحنين
وما تدري سعاد إذا تخلّت ... من الأشجان كيف أخو الشّجون
تنام ولا أنام لطول حزني ... وأين أخو السّرور من الحزين!
لقد راعتك عند قطين سعدى ... رواحل غاديات بالقطين [2]
كأنّ دموع عيني يوم بانوا ... عيانا سحّ مطّرد معين [3]
لقد هزّت سنان القول منّي ... رجال رفيعة لم يعرفوني
هم جازوا حجابك يابن يحيى ... فقالوا بالذي يهوون دوني
أطافوا بي لديك وغبت عنهم ... ولو أدنيتني لتجنّبوني
وقد شهدت عيونهم فمالت ... عليّ وغيّبت عنهم عيوني
ولمّا أن كتبت بما أرادوا ... تدرّع [4] كلّ ذي غمز دفين
/ كففت عن المقاتل باديات ... وقد هيّأت صخرة منجنون [5]
ولو أرسلتها دمغت رجالا ... وصالت في الأخشّة والشّؤون [6]
__________
[1] الرفائع: جمع رفيعة؛ وهي القصة المرفوعة إلى الحاكم.
[2] القطين: الخدم والحاشية.
[3] في ف: «غياث سح مطرد معين».
[4] في ب: «تردع».
[5] المنجنون: الدولاب يستقى عليها.
[6] الأخشة جمع خشاش، وهو العود يجعل في عظم أنف البعير، والشؤون جمع شأن، وهو عرق الدمع.
/
وكنت إذا هززت حسام قول ... قطعت بحجّتي علق [1] الوتين
لعلّ الدهر يطلق من لساني ... لهم يوما ويبسط من يميني
فأقضي دينهم بوفاء قول ... وأثقلهم لصدقي بالديون
وقد علموا جميعا أنّ قولي ... قريب حين أدعوه يجيني
وكنت إذا هجوت رئيس قوم ... وسمت على الذّؤابة والجبين
بخطّ مثل حرق النّار باق ... يلوح على الحواجب والعيون
أمائلة بودّك يابن يحيى ... رجالات ذوو ضغن كمين
يشيمون السّيوف [2] إذا رأوني ... فإن ولّيت سلّت من جفون
ولو كشفت سرائرنا جميعا ... علمت من البريء من الظّنين [3]
علام - وأنت تعلم نصح جنبي ... وأخذي منك بالسّبب المتين
وعسفي كلّ مهمهة خلاء ... إليك بكل يعملة أمون [4]
وإحيائي الدّجى لك بالقوافي ... أقيم صدورهنّ على المتون -
تقرّب منك أعدائي وأنأى ... ويجلس مجلسي من لا يليني!
ولو عاتبت نفسك في مكاني [5] ... إذا لنزلت عندك باليمين
ولكنّ الشّكوك نأين عنّي ... بودّك، والمصير إلى اليقين
فإن أنصفتني أحرقت منهم ... بنضج الكيّ أثباج [6] البطون
أول ما نجم به أشجع اتصاله بجعفر بن المنصور
أخبرني محمد بن يحيى الصّوليّ والحسن بن عليّ، قالا: حدثنا العنزيّ، قال: حدثنا عليّ بن الفضل السّلميّ، قال:
أوّل ما نجم به أشجع أنّه اتّصل بجعفر بن المنصور وهو حدث، وصله به أحمد بن يزيد السّلميّ وابنه عوف، فقال أشجع في جعفر بن المنصور قوله:
اذكروا حرمة العواتك منّا ... يا بني هاشم بن عبد مناف
قد ولدناكم ثلاث ولادا ... ت خلطن الأشراف بالأشراف
مهّدت هاشما نجوم قصيّ ... وبنو فالح حجور عفاف
إنّ أرماح بهثة بن سليم [7] ... لعجاف الأطراف غير عجاف
__________
[1] العلق: الحبل. وفي ف: «عرق».
[2] يشيمون السيوف: يدخلونها في أغمادها.
[3] الظنين: المتهم.
[4] اليعملة: الناقة النجيبة المطبوعة على العمل. الأمون: الموفقة الخلق المأمونة الكلال.
[5] ف: «من فؤادي».
[6] الأثباج: جمع ثبج، وهو الوسط من كل شيء.
[7] كذا في «القاموس» (بهث). وفي ف، «المختار»: «بهشة». وفي ب، ما: «بهمة من سليم».
ولأسيافهم فرى غير لذّ ... راجع في مراجع الأكتاف
معشر يطعمون من ذروة الشّو ... ل ويسقون خمرة الأقحاف [1]
يضربون الجبّار في أخدعيه ... ويسقّونه نقيع الذّعاف [2]
فشاع شعره وبلغ البصرة، ولم يزل أمره يتراقى إلى أن وصلته زبيدة بعد وفاة أبيها بزوجها هارون الرشيد، فأسنى جوائزه، وألحقه بالطّبقة العليا من الشّعراء.
الفضل بن الربيع يصله بالرشيد فيمدحه ثم يمدح الفضل
أخبرني عمّي، قال: حدّثني أحمد بن المرزبان، قال: حدّثني شيبة بن أحمد بن هشام، قال: حدّثني أحمد/ بن العباس الرّبيعيّ:
أن الذي أوصل أشجع السّلميّ إلى الرّشيد جدّه الفضل بن الربيع، وأنه أوصله له وقال له: هو أشعر شعراء اهل هذا الزّمان، وقد اقتطعته عنك البرامكة، فأمره بإحضاره وإيصاله مع الشعراء ففعل، فلمّا وصل إليه أنشده قوله:
/قصر عليه تحيّة وسلام ... نثرت عليه جمالها الأيّام
فيه اجتلى الدّنيا الخليفة والتقت ... للملك فيه سلامة وسلام
قصر سقوف المزن دون سقوفه ... فيه لأعلام الهدى أعلام
نشرت عليه الأرض كسوتها التي ... نسج الرّبيع وزخرف الإرهام [3]
أنتك من ظلّ النّبيّ وصيّة ... وقرابة وشجت بها الأرحام
برقت سماؤك في العدوّ وأمطرت ... هاما لها ظلّ السّيوف غمام
وإذا سيوفك صافحت هام العدا ... طارت لهنّ عن الرؤوس الهام
أثنى على أيّامك الأيّام ... والشّاهدان: الحلّ والإحرام
وعلى عدوّك يابن عمّ محمّد ... رصدان: ضوء الصّبح والإظلام
فإذا تنبّه رعته، وإذا غفا ... سلّت عليه سيوفك الأحلام
قال: فاستحسنها الرّشيد، وأمر له بعشرين ألف درهم، فمدح الفضل بن الرّبيع، وشكر له إيصاله إيّاه إلى الرشيد، فقال فيه قصيدته الّتي أوّلها:
غلب الرّقاد على جفون المسهد ... وغرقت في سهر وليل سرمد
قد جدّ بي سهر فلم أرقد له ... والنّوم يلعب في جفون الرّقّد
ولطالما سهرت لحبّي أعين ... أهدى السّهاد لها ولمّا أسهد
أيّام أرعى في رياض بطالة ... ورد الصّبا منها الذي لم يورد
لهو يساعده الشّباب ولم أجد ... بعد الشّبيبة في الهوى من مسعد [4]
__________
[1] الشول: الناقة. والأقحاف جمع قحف وهو إناء من خشب مثل قحف الرأس كأنه نصف قدح. وفي ب: «خمرة الإتحاف».
[2] الأخدعان: عرقان في صفحتي العنق قد خفيا وبطنا. والذعاف: السم.
[3] أرهمت السماء: أتت بالرهمة، وهي المطر الضعيف.
[4] أسعده: أعانه فهو مسعد.
وخفيفة الأحشاء غير خفيفة ... مجدولة جدل العنان الأجرد
/ غضبت على أعطافها أردافها ... فالحرب بين إزارها والمجسد [1]
خالفت فيه عاذلا لي ناصحا ... فرشدت حين عصيت قول المرشد
أأقيم محتملا لضيم حوادث ... مع همّة موصولة بالفرقد
وأرى مخايل ليس يخلف نوؤها ... للفضل إن رعدت وإن لم ترعد
للفضل أموال أطاف بها النّدى ... حتى جهدن وجوده لم يجهد
يابن الرّبيع حسرت شكري بالتي ... أوليتني في عود أمرك والبدي [2]
أوصلتني ورفدتني وكلاهما ... شرف فقأت به عيون الحسّد
ووصفتني عند الخليفة غائبا ... وأذنت لي فشهدت أفخر مشهد [3]
وكفيتني [4] منن الرّجال بنائل ... أغنى يدي عن أن تمدّ إلى يد
يسأل جعفر بن يحيى ابتياع غلام جميل فيجيبه
أخبرني محمد بن عمران الصيرفيّ، قال: حدّثنا العنزيّ، قال: حدثني صخر بن أحمد السلميّ،/ عن أبيه، قال:
كنت أنا وأشجع بالرّقّة جلوسا، فمرّ بنا غلام أمرد روميّ جميل الوجه، فكلّمه أشجع وسأله هل يبيعه مالكه؟
فقال: نعم، فقال أشجع يمدح جعفر بن يحيى، وسأله ابتياعه له فقال:
ومضطرب الوشاح لمقلتيه ... علائق ما لوصلتها انقطاع
تعرّض لي بنظرة ذي دلال ... يريع [5] بمقلتيه ولا يراع
لحاظ ليس تحجب عن قلوب ... وأمر في الذي يهوى مطاع
ووسعي ضيّق عنه ومالي ... وضيق الأمر يتبعه اتّساع
وتعويلي على مال ابن يحيى ... إليه حنّ شوقي والنّزاع
وثقت بجعفر في كلّ خطب ... فلا هلك يخاف ولا ضياع
/ فأمر له بخمسة آلاف درهم، وقال: اشتره بها فإن لم تكفك فازدد.
يذكر جاريته ريم في قصيدة رثى بها الرشيد
أخبرني الحسن بن عليّ، قال: حدثنا أحمد بن الحارث، قال:
كانت لأشجع جارية يقال لها: ريم، وكان يجد بها وجدا شديدا، فكانت تحلف له إن بقيت بعده لم تعرّض لغيره، وكان يذكرها في شعره، فمن ذلك قوله في قصيدته التي يرثي بها الرشيد:
__________
[1] المجسد: ثوب يلي الجسد.
[2] في «المختار»:
« ... شكري بالذي ... ... في عود أمري ... »
[3] ساقط من ف.
[4] في ب، س: «و كففتني».
[5] ف، بيروت: «يروع».
وليس لأحزان النّساء تطاول ... ولكنّ أحزان الرّجال تطول
فلا تبخلي بالدّمع عنّي؛ فإنّ من ... يضنّ بدمع عن هوى لبخيل
فلا كنت ممن يتبع الرّيح طرفه ... دبورا إذا هبّت له وقبول [1]
إذا دار فيء أتبع الفيء طرفه ... يميل مع الأيّام حيث تميل
قال: وقال فيهما أيضا:
إذا غمّضت فوقي جفون حفيرة ... من الأرض فابكيني بما كنت أصنع
تعزّك عنّي عند ذلك سلوة ... وأن ليس فيمن وارت الأرض مطمع
إذا لم تري شخصي وتغنك ثروتي ... ولم تسمعي منّي ولا منك أسمع
فحينئذ تسلين عنّي وإن يكن ... بكاء فأقصى ما تبكّين أربع
قليل وربّ البيت يا ريم ما أرى ... فتاة بمن ولّى به الموت تقنع
بمن تدفعين الحادثات إذا رمى ... عليك بها عام من الجدب يطلع
فحينئذ تدرين من قد رزيته ... إذا جعلت أركان بيتك تنزع
أحمد أخوه يجيبه بشعر ينسبه إلى جاريته ريم
قال: فشكته ريم إلى أخيه أحمد بن عمرو، فأجابه عنها بشعر نسبه إليها، ومدح فيه الفضل أيضا فاختير شعره على شعر أخيه وهو:
/ذكرت فراقا والفراق [2] يصدّع ... وأيّ حياة بعد موتك تنفع!
إذا الزّمن الغرّار [3] فرّق بيننا ... فما لي في طيب من العيش مطمع
ولا كان يوم يابن عمرو وليلة ... يبدّد فيها شملنا ويصدّع
ولا كان يوم فيه تثوي [4] رهينة ... فتروى بجسمي الحادثات وتشبع
/ وألطم وجها كنت فيك أصونه ... وأخشع مما لم أكن منه أخشع
ولو أنني غيّبت في اللّحد لم تبل ... ولم تزل الراؤون لي تتوجّع [5]
وهل رجل أبصرته متوجّعا ... على امرأة أو عينه الدّهر تدمع!
ولكن إذا ولّت يقول لها: اذهبي ... فمثلك أخرى سوف أهوى وأتبع
ولو أبصرت عيناك ما بي لأبصرت ... صبابة قلب [6] غيمها ليس يقشع
إلى الفضل فارحل بالمديح فإنه ... منيع الحمى معروفه ليس يمنع
وزره تزر حلما وعلما وسوددا ... وبأسا به أنف الحوادث يجدع
__________
[1] الدبور: ريح تهب من المغرب، وتقابل القبول، وهي ريح الصبا.
[2] ف: «و التفرق».
[3] ف: «الغدار».
[4] ف: «أثوي»، تحريف.
[5] ف: «في الترب» بدل «في اللحد»، وفي ما: «في البحر».
[6] ف: «صبابة حزن».
وأبدع إذا ما قلت في الفضل مدحة ... كما الفضل في بذل المواهب يبدع
إذا ما حياض المجد قلّت مياهها ... فحوض أبي العبّاس بالجود مترع
وإن سنة ضنّت بخصب على الورى ... ففي جوده مرعى خصيب ومشرع
وما بعدت أرض بها الفضل نازل ... ولا خاب من في نائل الفضل يطمع
فنعم المنادى الفضل عند ملمّة [1] ... لدفع خطوب مثلها ليس يدفع
/ إليك أبا العبّاس سارت نجائب ... لها همم تسمو إليك وتنزع
بذكرك نحدوها إذا ما تأخّرت ... فتمضي على هول المضيّ وتسرع
وما للسان المدح دونك مشرع ... ولا للمطايا دون بابك مفزع
إليك أبا العبّاس أحمل مدحة ... مطيّتها - حتى توافيك - أشجع
فزعت إلى جدواك فيها وإنما ... إلى مفزع الأملاك يلجا ويفزع
قال: فأنشدها أشجع الفضل، وحدّثه بالقصّة، فوصل أخاه وجاريته ووصله.
وقال أحمد بن الحارث: فقيل لأحمد بن عمرو أخي أشجع: ما لك لا تمدح الملوك كما يمدحهم أخوك؟
فقال: إن أخي بلاء عليّ وإن كان فخرا، لأنّي [2] لا أمدح أحدا ممّن يرضيه دون شعري ويثيب عليه بالكثير من الثّواب [3] إلا قال: أين هذا من قول أشجع؟ فقد امتنعت من مدح أحد لذلك.
أحمد أخو أشجع يهجوه
قال أحمد بن الحارث: وقال أحمد بن عمرو يهجو أخاه أشجع، وقد كان أحمد مدح محمد بن جميل بشعر قاله فيه، فسأل أخاه أشجع إيصاله، ودفع القصيدة إليه فتوانى عن ذلك، فقال يهجوه - أخبرني بذلك أحمد بن محمد بن جميل - :
وسائلة لي: ما أشجع؟ ... فقلت: يضر ولا ينفع
قريب من الشّرّ واع له ... أصمّ عن الخير ما يسمع
بطيء عن الأمر أحظى به ... إلى كل ما ساءني مسرع
شرود الوداد على قربه ... يفرّق منه الذي أجمع
أسبّ بأنّي شقيق له ... فأنفي به أبدا أجدع
الفضل بن يحيى يطرب لشعر أشجع ويكافىء منشده
أخبرني جعفر بن قدامة، قال: حدّثنا حمّاد بن إسحاق، عن أبيه، قال:
دخلت على الفضل بن يحيى وقد بلغ الرشيد إطلاقه يحيى بن عبد اللّه/ بن حسن، وقد كان أمره بقتله/ فلم يظهر له أنه بلغه إطلاقه [4]، فسأله عن خبره: هل قتلته؟ فقال: لا، فقال له: فأين هو؟ قال: أطلقته، قال: ولم؟
__________
[1] ف:
«فنعم المنادى عند كل ملمة»
[2] ف: «على أني لا أمدح ... ».
[3] ف، بيروت: «من النوال».
[4] كذا في ف، وفي باقي الأصول: «أنه قتله».
قال: لأنه سألني بحقّ اللّه وبحقّ رسوله وقرابته منه ومنك، وحلف لي أنّه لا يحدث حدثا، وأنه يجيبني متى طلبته.
فأطرق ساعة، ثم قال: امض بنفسك في طلبه حتى تجيئني به واخرج الساعة، فخرج. قال: فدخلت عليه مهنّئا بالسّلامة فقلت له: ما رأيت أثبت من جنانك ولا أصحّ من رأيك فيما جرى،. وأنت واللّه كما قال أشجع:
بديهته وفكرته سواء ... إذا ما نابه الخطب الكبير
وأحزم ما يكون الدّهر رأيا ... إذا عيّ المشاور والمشير
وصدر فيه للهمّ اتّساع ... إذا ضاقت بما تحوي الصّدور
فقال الفضل: انظروا كم أخذ أشجع على هذه القصيدة، فاحملوا إلى أبي محمد مثله. قال: فوجده قد أخذ ثلاثين ألف درهم، فحملت إليّ.
يرثي صديقا له من بغداد
أخبرني الحسين بن القاسم الكوكبيّ إجازة، قال: حدثني محمد بن عجلان، قال: حدّثنا ابن خلّاد، عن حسين الجعفيّ، قال:
كان أشجع إذا قدم بغداد ينزل على صديق له من أهلها، فقدمها مرّة فوجده قد مات، والنوح والبكاء في داره، فجزع لذلك وبكى، وأنشأ يقول:
ويحها هل درت على من تنوح ... أسقيم فؤادها أم صحيح!
قمر أطبقوا عليه ببغدا ... د ضريحا، ماذا أجنّ الضّريح!
رحم اللّه صاحبي ونديمي ... رحمة تغتدي وأخرى تروح
وهذه القصيدة التي فيها الأبيات المذكورة والغناء فيها، من قصيدة يمدح بها أشجع الرّشيد ويهنّئه بفتح هرقلة، وقد مدحه بذلك وهنّأه جماعة من الشّعراء وغنّي في جميعها، فذكرت خبر فتح هرقلة لذكر ذلك.
سبب غزاة الرشيد هرقلة
أخبرني بخبره عليّ بن سليمان الأخفش، قال: حدّثنا محمد بن يزيد، قال:
كان من خبر غزاة الرّشيد هرقلة أن الرّوم كانت قد ملّكت امرأة، لأنه لم يكن بقي في أهل زمانها من أهل بيتها [1] - بيت المملكة - غيرها، وكانت تكتب إلى المهديّ والهادي والرّشيد أوّل خلافته بالتّعظيم والتّبجيل، وتدرّ عليه الهدايا، حتى بلغ ابن لها فحاز الملك دونها، وعاث وأفسد، وفاسد الرّشيد، فخافت على ملك الرّوم أن يذهب، وعلى بلادهم أن تعطب؛ لعلمها بالرّشيد وخوفها من سطوته، فاحتالت لابنها فسملت عينيه [2]، فبطل منه الملك وعاد إليها، فاستنكر ذلك أهل المملكة وأبغضوها من أجله، فخرج عليها نقفور وكان كاتبها، فأعانوه وعضّدوه، وقام بأمر الملك وضبط أمر الرّوم، فلمّا قوي على أمره وتمكّن من ملكه كتب إلى الرّشيد:
كتاب نقفور إلى الرشيد
«من نقفور ملك الرّوم إلى الرّشيد ملك العرب، أما بعد؛ فإنّ هذه المرأة كانت وضعتك وأباك وأخاك موضع
__________
[1] ف: « ... بقي في زمانها من أهل بيتها ... الخ».
[2] سملت عينيه: فقأتهما بحديدة محماة.
الملوك، ووضعت نفسها موضع السّوقة، وإني واضعك بغير ذلك الموضع، وعامل على تطرّق [1] بلادك والهجوم على أمصارك، أو تؤدّي إليّ ما كانت المرأة تؤدّي إليك، والسّلام».
رد الرشيد عليه
فلمّا ورد كتابه على الرّشيد كتب إليه:
«بسم اللّه الرحمن الرحيم - من عبد اللّه هارون أمير المؤمنين إلى نقفور كلب الرّوم،/ أما بعد، فقد فهمت كتابك، وجوابك عندي ما تراه عيانا لا ما تسمعه». ثم شخص من شهره ذلك يؤمّ بلاد الرّوم في جمع لم يسمع بمثله، وقوّاد لا يجارون نجدة ورأيا، فلما بلغ ذلك نقفور ضاقت عليه الأرض بما رحبت، وشاور في أمره.
أبو العتاهية يذكر هزيمة نقفور ويمدح الرشيد
وجدّ الرّشيد يتوغّل في بلاد الروم فيقتل ويغنم ويسبي، ويخرّب الحصون ويعفّي الآثار حتى صار إلى طرق متضايقة دون قسطنطينيّة، فلما بلغها وجدها وقد أمر نقفور بالشّجر فقطع ورمي به في تلك الطّرق، وألقيت فيه النّار، فكان أوّل من لبس ثياب النفّاطين محمد بن يزيد بن مزيد، فخاضها، ثم اتّبعه الناس، فبعث إليه نقفور بالهدايا وخضع له أشدّ الخضوع، وأدّى إليه الجزية عن رأسه فضلا عن أصحابه فقال في ذلك أبو العتاهية:
إمام الهدى أصبحت بالدّين معنيّا ... وأصبحت تسقي كلّ مستمطر ريّا
لك اسمان شقّا من رشاد ومن هدى ... فأنت الذي تدعى رشيدا ومهديّا
إذا ما سخطت الشيء كان مسخّطا ... وإن ترض شيئا كان في النّاس مرضيّا
بسطت لنا شرقا وغربا يد العلا ... فأوسعت شرقيّا وأوسعت غربيّا
ووشّيت وجه الأرض بالجود والنّدى ... فأصبح وجه الأرض بالجود موشيّا
وأنت - أمير المؤمنين - فتى التقى ... نشرت من الإ «حسان ما كان مطويّا
قضى اللّه أن يبقى لهارون ملكهه ... وكان قضاء اللّه في الخلق مقضيّا
تجلّلت الدّنيا لهارون ذي الرّضا [2] ... وأصبح نقفور لهارون ذمّيّا
شاعر من أهل جدّة يعلم الرشيد بغدر نقفور
فرجع الرشيد - لمّا أعطاه نقفور ما أعطاه - إلى الرّقّة، فلما سقط الثّلج وأمن نقفور أن يغزى اغترّ بالمهلة، ونقض ما بينه وبين الرشيد، ورجع إلى حالته الأولى، فلم يجتزىء يحيى بن خالد - فضلا عن غيره - على إخبار الرّشيد بغدر نقفور، فبذل هو وبنوه الأموال للشّعراء على أن يقولوا أشعارا في إعلام الرّشيد بذلك، فكلّهم كعّ [3] وأشفق إلا شاعرا من أهل جدّة كان يكنى أبا محمد،/ وكان مجيدا قويّ النّفس قويّ الشّعر، وكان ذو اليمينين اختصّه في أيّام المأمون ورفع قدره جدّا، فإنّه أخذ من يحيى وبنيه مائة ألف درهم، ودخل على الرّشيد فأنشده:
__________
[1] وعامل على تطرق بلادك، أي على السير إليها.
[2] في «التجريد»:
«تحليت للدنيا وللدين بالرضا»
[3] كع: جبن.
نقض الذي أعطاكه [1] نقفور ... فعليه دائرة البوار تدور
أبشر أمير المؤمنين فإنّه ... فتح أتاك به الإله كبير
فلقد تباشرت الرّعيّة أن أتى ... بالنّقض [2] عنه وافد وبشير
ورجت بيمنك [3] أن تعجّل غزوة ... تشفي النّفوس نكالها مذكور
أعطاك جزيته وطأطأ خدّه ... حذر الصّوارم والرّدى محذور
فأجرته من وقعها وكأنّها ... بأكفّنا شعل الضّرام تطير
وصرفت في [4] طول العساكر قافلا ... عنه وجارك آمن مسرور
نقفور إنّك حين تغدر أن نأى ... عنك الإمام لجاهل مغرور
أظننت حين غدرت أنك مفلت ... هبلتك أمّك ما ظننت غرور
/ ألقاك حينك في زواخر بحره ... فطمت عليك من الإمام بحور
إنّ الإمام على اقتسارك قادر ... قربت ديارك أو نأت بك دور
ليس الإمام وإن غفلنا غافلا ... عما يسوس بحزمه ويدير
ملك تجرّد للجهاد بنفسه ... فعدوّه أبدا به مقهور
يا من يريد رضا الإله بسعيه ... واللّه لا يخفى عليه ضمير
لا نصح ينفع من يغشّ إمامه ... والنّصح من نصحائه مشكور
/ نصح الإمام على الأنام فريضة ... ولأهله كفّارة وطهور
فتح هرقلة
قال: فلما أنشده، قال الرّشيد: أو قد فعل! وعلم أن الوزراء احتالوا في إعلامه ذلك فغزاه في بقيّة من الثلج، فاقتتح هرقلة في ذلك الوقت، فقال أبو العتاهية في فتحه إياها:
ألا نادت هرقلة بالخراب ... من الملك الموفّق للصّواب [5]
غدا هارون يرعد بالمنايا ... ويبرق بالمذكّرة القضاب [6]
ورايات يحلّ النّصر فيها ... تمرّ كأنّها قطع السّحاب
أمير المؤمنين ظفرت فاسلم ... وأبشر بالغنيمة والإياب
قال محمد [7]: وجعل الرشيد قبل وصوله إلى هرقلة يفتح المدن والحصون ويخرّبها، حتى أناخ على هرقلة وهي أوثق حصن وأعزّه جانبا وأمنعه ركنا، فتحصّن أهلها، وكان بابها يطل على واد، ولها خندق يطيف بها،
__________
[1] ف: «أعطيته».
[2] ب: «بالنقد».
[3] ب، «التجريد»: «و رجت يمينك».
[4] ف: «من طول».
[5] في «التجريد»: «الموثق بالصواب».
[6] المذكرة القضاب: الداهية الشديدة القاطعة.
[7] ف: «قال محمد بن يزيد».
فحدّثني شيخ من مشايخ المطّوّعة وملازمي الثّغور يقال له عليّ بن عبد اللّه، قال: حدّثني جماعة أنّ الرّشيد لما حصر أهل هرقلة وغمهم وألحّ بالمجانيق والسهام والعرّادات [1] فتح الباب [2] فاستشرف المسلمون لذلك [2] فإذا برجل من أهلها كأكمل [3] الرّجال قد خرج في أكمل السلاح، فنادى: قد طالت مواقعتكم إيانا فليبرز إليّ منكم رجلان، ثم لم يزل يزيد حتى بلغ عشرين رجلا، فلم يجبه أحد، فدخل وأغلق باب الحصن وكان الرّشيد نائما فلم يعلم بخبره، إلا بعد انصرافه، فغضب ولام خدمه وغلمانه على تركهم إنباهه، وتأسف لفوته، فقيل له: إنّ امتناع الناس منه سيغويه ويطغيه، وأحر به أن يخرج في غد فيطلب مثل/ ما طلب، فطالت على الرّشيد ليلته وأصبح كالمنتظر له، ثم إذا هو بالباب قد فتح وخرج طالبا للمبارزة، وذلك في يوم شديد الحرّ، وجعل يدعو بأنه يثبت لعشرين منهم، فقال الرّشيد: من له؟ فابتدره جلّة القوّاد كهرثمة، ويزيد بن مزيد، وعبد اللّه بن مالك، وخزيمة بن حازم، وأخيه عبد اللّه، وداود بن يزيد، وأخيه، فعزم على إخراج بعضهم، فضجّت المطّوّعة حتى سمع ضجيجهم، فأذن لعشرين منهم، فاستأذنوه في المشورة فأذن لهم، فقال قائلهم: يا أمير المؤمنين، قوّادك مشهورون بالبأس والنّجدة وعلوّ الصوت ومداوسة [4] الحروب، ومتى خرج واحد منهم فقتل هذا العلج [5] لم يكبر ذلك، وإن قتله العلج كانت وضيعة [6] على العسكر عجيبة وثلمة لا تسدّ، ونحن عامّة لم يرتفع لأحد منا صوت إلا كما يصلح للعامّة، فإن رأى أمير المؤمنين أن يخلّينا نختار رجلا فنخرجه إليه، فإن ظفر علم أهل الحصن/ أنّ أمير المؤمنين قد ظفر بأعزّهم على يد رجل من العامّة، ومن أفناء الناس ليس ممن يوهن قتله ولا يؤثّر، وإن قتل الرّجل فإنما استشهد رجل ولم يؤثّر ذهابه في العسكر ولم يثلمه، وخرج إليه رجل بعده مثله حتى يقضي اللّه ما شاء [7]، قال الرّشيد: قد استصوبت رأيكم هذا. فاختاروا رجلا منهم يعرف بابن الجزريّ، وكان معروفا في الثّغر بالبأس والنجدة، فقال الرشيد: أتخرج؟ قال: نعم، وأستعين اللّه، فقال: أعطوه فرسا ورمحا وسيفا وترسا، فقال: يا أمير المؤمنين! أنا بفرسي أوثق، ورمحي بيدي أشدّ [8]، ولكني قد قبلت السيف والتّرس، فلبس سلاحه واستدناه الرّشيد فودّعه، واستتبعه [9] الدّعاء، وخرج معه عشرون رجلا من المطّوّعة، فلما انقضّ في الوادي قال لهم العلج وهو يعدّهم واحدا واحدا: إنما كان الشّرط عشرين وقد زدتم رجلا، ولكن لا بأس، فنادوه: ليس يخرج إليك منا إلا رجل واحد، فلما فصل/ منهم ابن الجزريّ تأمّله الرّوميّ وقد أشرف أكثر الرّوم من الحصن يتأمّلون صاحبهم والقرن حتى ظنّوا أنه لم يبق في الحصن أحد إلا أشرف، فقال الرّوميّ: أتصدقني، عما أستخبرك [10]؟ قال: نعم، فقال:
أنت باللّه ابن الجزري؟ قال: اللهم نعم، فكفّر له [11]، ثم أخذ في شأنهما فاطّعنا حتى طال الأمر بينهما، وكاد
__________
[1] العرادات: جمع عرادة، وهي آلة من آلات الحرب؛ منجنيق صغير.
(2 - 2) زيادة من ف.
[3] ف: «كأجمل الرجال».
[4] مداوسة الحروب: المران عليها وتذليلها. وفي ف: «مدارسة».
[5] العلج: الرجل الضخم من كفار العجم.
[6] الوضيعة: الحطيطة. وفي ف: «كانت وصمة على العسكر قبيحة».
[7] ب: «يمضي إليه ما شاء».
[8] ف: «أسد».
[9] ف: «و أتبعه».
[10] في مد: «فيما أستخبرك». وفي ب: «عم استنخبوك».
[11] كفر له: انحنى ووضع يده على صدره وطأطأ رأسه كالركوع تعظيما له.
الفرسان أن يقوما [1] وليس يخدش واحد منهما صاحبه، ثم تحاجزا [2] بشيء، فزجّ كلّ واحد منهما برمحه، وأصلت سيفه، فتجالدا مليّا، واشتدّ الحرّ عليهما، وتبلّد الفرسان، وجعل ابن الجزريّ يضرب الرّوميّ الضربة التي يرى أنه قد بلغ فيها فيتقيها الروميّ، وكان ترسه حديدا؛ فيسمع لذلك صوت منكر، ويضربه الرّوميّ ضرب معذّر؛ لأن ترس ابن الجزريّ كان درقة، فكان العلج يخاف أن يعضّ بالسّيف فيعطب، فلما يئس من وصول كل واحد منهما إلى صاحبه انهزم ابن الجزريّ؛ فدخلت المسلمين كآبة لم لم يكتئبوا مثلها قطّ، وعطعط [3] المشركون اختيالا وتطاولا، وإنما كانت هزيمته حيلة منه؛ فأتبعه العلج، وتمكّن منه ابن الجزريّ فرماه بوهق [4] فوقع في عنقه وما أخطأه، وركض فاستلّه عن فرسه، ثم عطف عليه فما وصل إلى الأرض حيّا حتى فارقه رأسه، فكبّر المسلمون أعلى تكبير، وانخذل المشركون وبادروا الباب يغلقونه، واتصل الخبر بالرّشيد فصاحب القوّاد: اجعلوا النار في المجانيق وارموها فليس عند القوم دفع، ففعلوا وجعلوا الكتّان والنّفط على الحجارة وأضرموا فيها النار ورموا بها السور، فكانت النار تلصق به وتأخذ الحجارة، وقد تصدّع فتهافتت، فلما أحاطت بها النيران فتحوا الباب مستأمنين ومستقبلين، فقال الشاعر المكّيّ الذي كان ينزل جدّة:
صوت
هوت هرقلة لمّا أن رأت عجبا ... حوائما [5] ترتمي بالنّفط والنّار
كأنّ نيراننا في جنب قلعتهم ... مصبّغات على أرسان قصّار
في هذين البيتين لابن جامع لحن من الثقيل الأوّل بالبنصر.
قال محمد بن يزيد: وهذا كلام ضعيف لين، ولكنّ قدره عظيم في ذلك الموضع والوقت، وغنّى فيه المغنّون بعد ذلك./ وأعظم الرّشيد الجائزة للجدّيّ الشاعر، وصبّت الأموال على ابن الجزريّ وقوّد، فلم يقبل التّقويد إلا بغير رزق ولا عوض، وسأل أن يعفى وينزل بمكانه من الثّغر، فلم يزل به طول عمره.
ابن جامع يغني الرشيد بهرقلة
أخبرني محمد بن خلف وكيع، قال: حدثنا عبد اللّه بن أبي سعد، قال: حدّثنا أحمد بن عليّ بن أبي نعيم المروزيّ قال:
خرج الرّشيد غازيا بلاد الرّوم فنزل بهرقلة، فدخل عليه ابن جامع فغنّاه:
هوت هرقلة لمّا أن رأت عجبا ... حوائما ترتمي بالنّفط والنّار
فنظر الرشيد إلى ماشية قد جيء بها، فظنّ أن الطاغية قد أتاه، فخرج يركض على فرس له وفي يده الرّمح، وتبعه الناس، فلما تبيّن له أنها ماشية رجعوا، فغنّاه ابن جامع:
__________
[1] ف: «و كاد الفرسان يقومان».
[2] ف: «ثم تحاورا بشي ء».
[3] العطعطة: تتابع الأصوات واختلاطها.
[4] الوهق: الحبل في طرفيه أنشوطة يطرح في عنق الدابة والإنسان.
[5] في «التجريد»: «جواثما».
صوت
رأى في السّما رهجا [1] فيمّم نحوه ... يجرّ ردينيّا وللرّهج يستقري
تناولت أطراف البلاد بقدرة ... كأنّك فيها تقتفي أثر الخضر
/ الغناء لابن جامع ثاني ثقيل عن بذل وابن المكّيّ.
أشجع يهنىء الرشيد بفتح هرقلة
أخبرني هاشم بن محمد أبو دلف الخزاعيّ، قال: حدثني الفضل بن محمد اليزيديّ، عن إسحاق الموصليّ، قال:
لما انصرف الرشيد من غزاة هرقلة قدم الرّقّة في آخر شهر رمضان، فلما عيّد جلس للشعراء، فدخلوا عليه وفيهم أشجع، فبدرهم وأنشأ يقول:
لا زلت تنشر أعيادا وتطويها ... تمضي بها لك أيام وتثنيها
مستقبلا زينة الدّنيا وبهجتها ... أيامنا لك لا تفنى وتفنيها [2]
ولا تقضّت بك الدّنيا ولا برحت ... يطوي لك الدّهر أياما وتطويها
وليهنك الفتح والأيّام مقبلة ... إليك بالنصر معقودا نواصيها [3]
أمست هرقلة تهوي [4] من جوانبها ... وناصر اللّه والإسلام يرميها
ملّكتها وقتلت النّاكثين بها ... بنصر من يملك الدّنيا وما فيها
ما روعي الدّين والدّنيا على قدم ... بمثل هارون راعيه وراعيها
قال: فأمر له بألف دينار، وقال: لا ينشدني أحد بعده، فقال أشجع: واللّه لآمره بألّا ينشده أحد بعدي أحبّ إليّ من صلته.
حدثني أحمد بن وصيف، ومحمد بن يحيى الصّوليّ، قالا: حدثنا محمد بن موسى بن حماد، قال: حدّثني عبد اللّه بن عمرو الوراق، قال: حدّثني أحمد بن محمد بن منصور بن زياد، عن أبيه، قال:
/ دخل أشجع على الرّشيد ثاني يوم الفطر فأنشده:
صوت
استقبل العيد بعمر جديد ... مدّت لك الأيّام حبل الخلود
__________
[1] الرهج: الغبار أو ما أثير منه.
[2] جاء في ف بيتان مكان هذا البيت وهما:
مستقبلا بهجة وزينتها ... أيامها لك نظم في لياليها
العيد والعيد والأيام بينهما ... موصولة لك لا تفنى وتقنيها
والبيتان أيضا في «الشعر والشعراء» لابن قتيبة 2/ 884 مع خلاف في بعض الألفاظ.
[3] في «الشعر والشعراء» 2/ 884:
«وليهنك النصر ... ... إليك بالفتح ... »
[4] «التجريد»:
«ترمي من جوانبها»
مصعّدا في درجات العلا ... نجمك مقرون بسعد السّعود
واطو رداء الشّمس ما أطلعت ... نورا جديدا كلّ يوم جديد
تمضي لك الأيام ذا غبطة ... إذا أتى عيد طوى عمر عيد
/ فوصله بعشرة آلاف درهم، وأمر أن يغنّى في هذه الأبيات.
يصف فتح طبرستان ويمدح الرشيد
أخبرني محمد بن جعفر النّحويّ، قال: حدثنا محمد بن موسى بن حمّاد، قال: حدثني أبو عبد اللّه النّخعيّ، قال:
دخل أشجع على الرشيد فأنشده قوله:
أبت طبرستان غير الذي ... صدعت به بين أعضائها
ضممت مناكبها ضمّة ... رمتك بما بين أحشائها
سموت إليها بمثل السّماء ... تدلّى الصّواعق في مائها
فلمّا نظرت إلى جرحها ... وضعت الدّواء على دائها
فرشت الجهاد ظهور الجياد [1] ... بأبنائه وبأبنائها
بنفسك ترميهم والخيول ... كرمي العقاب بأفلائها [2]
نظرت برأيك لمّا همم ... ت دون الرّجال وآرائها
قال: فأمر له بألف دينار.
يمدح الرشيد بعد قدومه من الحج وقد مطر الناس
أخبرني محمد بن جعفر، قال: حدّثنا محمد بن موسى، قال: حدثني أبو عمرو الباهليّ البصريّ قال:
دخل أشجع بن عمرو السّلميّ على هارون الرّشيد حين قدم من الحجّ، وقد مطر الناس يوم قدومه، فأنشده يقول:
إنّ يمن الإمام لمّا أتانا ... جلب الغيث من متون الغمام
فابتسام النّبات في أثر الغي ... ث بنوّاره كسرج [3] الظّلام
ملك من مخافة اللّه مغض ... وهو مغضى له من الإعظام
ألف الحجّ والجهاد فما ين ... فكّ من سفرتين في كلّ عام
سفر للجهاد نحو عدوّ ... والمطايا لسفرة الإحرام
طلب اللّه فهو يسعى إليه ... بالمطايا وبالجياد السّوامي
فيداه يد بمكّة تدعو ... ه وأخرى في دعوة [4] الإسلام
__________
[1] في الأساس: فرشته أمري: بسطته له كله.
[2] الفلاة: الصحراء الواسعة، وجمعها فلى، وجمع الجمع أفلاء. وفي ف: «بأفنائها» بدل «بأفلائها».
[3] السرج: جمع سراج: المصباح.
[4] في ف، بيروت: «غزوة».
يذكر حفر نهر ويمدح الرشيد
أخبرني محمد بن جعفر، قال: حدثني محمد بن موسى بن حمّاد، قال: أخبرني أبو عبد اللّه النّخعيّ، قال:
أمر الرّشيد بحفر نهر لبعض أهل السّواد، وقد كان خرب وبطل ما عليه، فقال أشجع السّلميّ يمدحه:
أجرى الإمام الرّشيد نهرا ... عاش بعمرانه الموات
جاد عليه بريق فيه ... وسرّ مكنونه الفرات
ألقمه درّة لقوحا ... يرضع أخلافها النّبات [1]
حلم الرشيد حلما مزعجا ومات بعده فرثاه أشجع
أخبرني جحظة، قال: حدّثني ميمون بن هارون، قال:
/ رأى الرّشيد فيما يرى النّائم كأنّ امرأة وقفت عليه وأخذت كفّ تراب ثم قالت له: هذه تربتك عن قليل، فأصبح فزعا، وقصّ رؤياه، فقال له أصحابه: وما هذا؟ قد يرى النّاس أكثر ممّا رأيت وأغلظ ثم لا يضرّ. فركب وقال: واللّه إنّي لأرى الأمر قد قرب، فبينا هو يسير إذ نظر إلى امرأة واقفة من وراء شبّاك حديد تنظر إليه، فقال:
هذه واللّه المرأة التي رأيتها، ولو رأيتها بين ألف امرأة [2] ما خفيت عليّ،/ ثم أمرها أن تأخذ كفّ تراب فتدفعه إليه، فضربت بيدها إلى الأرض التي كانت عليها فأعطته منها كفّ تراب، فبكى ثم قال: هذه واللّه التّربة التي أريتها، وهذه المرأة بعينها. ثم مات بعد مدّة، فدفن في ذلك الموضع بعينه، اشتري له ودفن فيه، وأتى نعيه بغداد، فقال أشجع يرثيه:
غربت بالمشرق الشّمس فقل للعين تدمع
ما رأينا قطّ شمسا ... غربت من حيق تطلع
يتغزل في جارية حرب الثقفي ويذمه
أخبرني عمّي، قال: حدّثنا محمد بن موسى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد، قال: حدثني محمد بن عبد اللّه بن مالك، قال:
كان حرب بن عمرو الثّقفيّ نخّاسا، وكانت له جارية مغنّيه، وكان الشعراء والكتّاب وأهل الأدب ببغداد يختلفون إليها يسمعونها، وينفقون في منزله النّفقات الواسعة، ويبرّونه ويهدون إليه، فقال أشجع:
جارية تهتزّ أرادفها ... مشبعة الخلخال والقلب [3]
أشكو الذي لاقيت من حبّها ... وبغض مولاها إلى الرّبّ
من بغض مولاها ومن حبّها ... سقمت بين البغض والحبّ
/ فاختلجا في الصدر حتى استوى ... أمرهما فاقتسما قلبي
تعجّل اللّه شفائي بها ... وعجّل السّقم إلى حرب
__________
[1] في ب، مد: «أخلافه». والدّرّة: اللّبن أو كثرته، والأخلاف جمع خلف: حلمة ضرع الناقة.
[2] في ب، مد، ما: «و لو رأيتها ألف مرة ما خفيت»!.
[3] القلب: سوار المرأة.
[1] قال مؤلف هذا الكتاب: فأخذ هذا المعنى بعض المحدثين من أهل عصرنا، فقال في مغنّية تعرف بالشّاة:
بحبّ الشّاة ذبت ضنى ... وطال لزوجها مقتي
فلو أنّي ملكتهما ... لأسعد في الهوى بختي
فأدخل في استها أيري ... ولحية زوجها في استي [1]
يهنىء يحيى بن خالد بسلامته من المرض
أخبرني أبو الحسن الأسديّ، قال: حدثنا سليمان بن أبي شيخ، قال: حدثني صالح بن سليمان، قال:
اعتلّ يحيى بن خالد ثم عوفي، فدخل النّاس يهنئّونه بالسّلامة، ودخل أشجع فأنشده:
لقد قرعت شكاة أبي عليّ ... قلوب معاشر كانوا صحاحا [2]
فإن يدفع لنا الرّحمن عنه ... صروف الدّهر والأجل المتاحا
فقد أمسى صلاح أبي عليّ ... لأهل الدّين والدّنيا صلاحا [3]
إذا ما الموت أخطأه فلسنا ... نبالي الموت حيث غدا وراحا
قال: فما أذن يومئذ لأحد سواه في الإنشاء لاختصاص البرامكة إيّاه.
يعود علي بن شبرمة في مرضه
أخبرني الحسن بن عليّ، قال: حدّثنا محمد بن القاسم بن مهرويه، قال: حدّثنا محمد بن عمران [4] الضّبّيّ، قال: سمعت محمد بن أبي مالك الغنويّ، يقول:
/ دخل أشجع السّلميّ على عليّ بن شبرمة يعوده، فأنشأ يقول:
إذا مرض القاضي مرضنا بأسرنا ... وإن صحّ لم يسمع لنا بمريض
/ فأصبحت - لمّا اعتلّ يوما - كطائر ... سما بجناح للنهوض مهيض
قال: فشكره ابن شبرمة وحمله على بغلة كانت له.
منعه حاجب أبان بن الوليد من الدخول عليه فهجاه
أخبرني الحسن، قال: حدّثنا ابن مهرويه، قال: حدّثني محمد بن عمران، قال: سمعت محمد بن أبي مالك يقول:
جاء أشجع ليدخل على أبان بن الوليد البجليّ، فمنعه حاجبه، وانتهره غلمانه، فقال فيه:
ألا أيّها المشلي [5] عليّ كلابه ... ولي - غير أن لم أشلهنّ - كلاب
رويدك لا تعجل عليّ فقد جرى ... بخزيك [6] ظبي أعضب وغراب
__________
(1 - 1) ساقط من ف.
[2] في «الشعر والشعراء»:
« ... كانت صحاحا»
[3] في «الشعر والشعراء»:
«لأهل الأرض كلهم صلاحا»
[4] ب: «عبدان».
[5] المشلي: المغري.
[6] ب، مد: «بجريك»، وظبي أعضب: انكسر قرنه.
علام تسدّ الباب والسّرّ قد فشا ... وقد كنت محجوبا ومالك باب
فلو كنت ممّن يشرب الخمر سادرا ... إذا لم يكن دوني عليك حجاب
ولكنّه يمضي لي الحول كاملا ... ومالي إلّا الأبيضين [1] شراب
من الماء أو من شخب دهماء ثرّة [2] ... لها حالب لا يشتكي وحلاب
مر بقبري الوليد بن عقبة وأبي زبيد الطائي فقال شعرا
أخبرني أحمد بن جعفر جحظة، قال: حدّثني ميمون بن هارون، قال: حدّثنا عليّ بن الجهم، قال: حدثني ابن أشجع السّلميّ، قال:
لما مرّ أبي وعمّاي أحمد ويزيد - وقد شربوا حتى انتشوا - بقبر الوليد بن عقبة وإلى جانبه قبر أبي زبيد الطّائيّ - وكان نصرانيّا - والقبران مختلفان كلّ واحد منهما متوجّه إلى قبلة ملّته، وكان أبو زبيد أوصى لمّا احتضر أن يدفن إلى جنب/ الوليد بالبليخ قال: فوقفوا على القبرين، وجعلوا يتحدّثون بأخبارهما ويتذاكرون أحاديثهما، فأنشأ أبي يقول:
مررت على عظام أبي زبيد ... وقد لاحت ببلقعة صلود
وكان له الوليد نديم صدق ... فنادم قبره قبر الوليد
أنيسا ألفة ذهبت فأمست ... عظامهما تآنس [3] بالصّعيد
وما أدري بمن تبدا المنايا ... بأحمد أو بأشجع أو يزيد
قال: فماتوا واللّه كما رتّبهم في الشّعر، أولهم أحمد، ثم أشجع، ثم يزيد.
صوت
حيّ ذا الزّور وانهه أن يعودا ... إنّ بالباب حارسين قعودا
من أساوير ما ينون [4] قياما ... وخلاخيل تذهل المولودا
لا ذعرت السّوام في فلق الصّبح مغيرا ولا دعيت يزيدا
يوم أعطي مخافة الموت ضيما [5] ... والمنايا يرصدنني أن أحيدا
الشّعر ليزيد بن ربيعة بن مفرّغ الحميريّ، والغناء لسياط خفيف رمل بإطلاق الوتر في مجرى البنصر عن إسحاق، وذكر أحمد بن المكيّ أنه لأبيه يحيى، وذكر الهشاميّ أنّه لفليح. قال: ومن هذا الصوت سرق لحن:
تلك عرسي تلومني في التّصابي
__________
[1] الأبيضان: اللبن والماء.
[2] الثرة: الغزيرة. وشخب اللبن: حلبه. والدهماء: الخالصة الحمرة.
[3] في ف: «تأنس».
[4] ب:
«ماكثات قياما»
[5] «التجريد»:
«يوم أعطى مخافة الموت ظلما»
وفي «الشعر والشعراء»:
«يوم أعطى من المخافة ضيما»
18 - أخبار ابن مفرغ ونسبه
نسبه وسبب تلقيب جده مفرغا
هو يزيد بن ربيعة بن مفرّغ [1]، ولقّب جدّه مفرّغا لأنه راهن على سقاء لبن أن يشربه كلّه فشربه كله/ حتّى فرّغه، فلقب مفرّغا، ويكنى أبا عثمان، وهو من حمير فيما يزعم أهله، وذكر ابن الكلبيّ وأبو عبيدة أن مفرّغا كان شعّابا بتبالة [2]، فادّعى أنّه من حمير. وقال عليّ بن محمد النّوفليّ: ليس أحد بالبصرة من حمير إلّا آل الحجّاج بن ناب الحميريّ وبيتا آخر ذكره، ودفع بيت ابن مفرّغ.
أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان، قال: أخبرني أحمد بن الهيثم القرشيّ [3]، قال: أخبرني العمريّ، عن لقيط بن بكر المحاربيّ، قال:
هو يزيد بن ربيعة بن مفرّغ الحميريّ حليف قريش، ثم حليف آل خالد بن أسيد بن أبي العيص بن أميّة بن عبد شمس. قال العمريّ: وكان ابن المكيّ يقول: كان مفرّغ عبدا للضّحاك بن عبد عوف الهلاليّ فأنعم عليه.
قال محمد بن خلف: أخبرني محمد بن عبد الرّحمن الأسديّ، عن محمّد بن رزين، قال: قال الأخفش:
كان ربيعة بن مفرّغ شعّابا بالمدينة وكان ينسب إلى حمير، وإنما سمّي مفرّغا لتفريغه العسّ [4] وكان شاعرا غزلا محسنا، والسيّد [5] من ولده.
أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان، قال: حدّثني أبو العيناء قال:
/ سئل الأصمعيّ عن شعر تبّع وقصّته ومن وضعهما، فقال: ابن مفرّغ؛ وذلك أنّ يزيد بن معاوية لمّا سيّره إلى الشّام وتخلّصه من عبّاد بن زياد أنزله الجزيرة، وكان مقيما برأس عين، وزعم أنّه من حمير، ووضع سيرة تبّع وأشعاره، وكان النّمر بن قاسط يدّعي أنّه منهم.
وقال الهيثم بن عديّ: هو يزيد بن زياد بن ربيعة بن مفرّغ اليحصبيّ، من حمير، يحصب بن مالك بن زيد بن الغوث بن سعد بن عوف بن عديّ بن مالك بن زيد بن سهل بن عمرو بن قيس بن معاوية بن جشم [6] بن عبد
__________
[1] في «معجم الأدباء» 20/ 43: «يزيد بن زياد بن ربيعة المعروف بابن مفرغ» بضم الميم وكسر الراء من غير تشديد.
وجاء في كتاب «الوفيات» 5/ 384: «و أكثر العلماء يقولون: يزيد بن ربيعة بن مفرغ ويسقطون زيادا». وفي «الخزانة» 2/ 212:
و «مفرغ بكسر الراء المشدودة لقب جده».
[2] الشعاب: من يصلح الصدوع. وتبالة: موضع ببلاد اليمن. وفي «الوفيات» أن مفرغا كان حدادا.
[3] ب: «القرظي».
[4] ف: «و إنما سمي مفرغا لأنه خاطر على عس لبن فشربه، فسمي مفرغا لتفريغه العس».
[5] يريد السيد الحميري الشاعر.
[6] ب: «خيثم».
شمس بن وائل بن الغوث بن الهميسع بن حمير بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان.
أخبرني بخبره جماعة من مشايخنا، منهم أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ، عن عمر بن شبّة ومحمد بن خلف بن المرزبان، عن جماعة من أصحابه، وأحمد بن عبد العزيز الجوهريّ، عن عليّ بن محمد النّوفليّ، عن أبيه، فما اتّفقت رواياتهم من خبره جمعتها في ذكره، وما اختلفت أفردت كلّ منفرد منهم بروايته.
سفره مع عباد بن زياد ووصية سعيد بن عثمان
أخبرني محمد بن الحسن بن دريد، قال: حدّثنا أبو حاتم، عن أبي عبيدة، عن مسلمة بن محارب، وأخبرني الجوهريّ، قال: حدّثنا عمر بن شبّة، وأخبرنا محمد بن العبّاس اليزيديّ، قال: قرأت على محمد بن الحسن بن دريد [1] عن ابن الأعرابيّ، وأخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال: حدّثنا أحمد بن الهيثم قال: حدثنا العمريّ، عن لقيظ بن بكير، قالوا جميعا:
/ لمّا ولي سعيد بن عثمان بن عفان خراسان، استصحب يزيد بن ربيعة بن مفرّغ، واجتهد به أن يصحبه، فأبى عليه وصحب عبّاد بن زياد، فقال له سعيد بن عثمان: أما إذ أبيت أن تصحبني وآثرت عبّادا فاحفظ ما أوصيك به، إن عبّادا رجل لئيم، فإيّاك والدّالّة [2] عليه، وإن دعاك إليها من نفسه فإنها خدعة منه لك عن نفسك، وأقلل زيارته، فإنّه طرف [3] ملول، ولا تفاخره وإن فاخرك، فإنّه لا يحتمل لك ما كنت أحتمله. ثمّ دعا سعيد بمال فدفعه إلى ابن مفرّغ، وقال: استعن به على سفرك، فإن صلح لك مكانك من عبّاد وإلا فمكانك عندي ممهّد فائتني، ثم سار سعيد إلى خراسان، وتخلّف ابن مفرّغ عنه، وخرج مع عبّاد.
قال ابن دريد في خبره،/ عن مسلمة [4] بن محارب:
فلما بلغ عبيد اللّه بن زياد صحبة ابن مفرّغ أخاه عبّادا شق عليه، فلما سار أخوه عبّاد شيّعه وشيّع الناس معه، وجعلوا يودّعونه ويودّع الخارجون مع عبّاد عبيد اللّه بن زياد، فلما أراد عبيد اللّه أن يودع أخاه دعا ابن مفرّغ، فقال له:
إنك سألت عبّادا أن تصحبه وأجابك إلى ذلك، وقد شقّ عليّ، فقال له ابن مفرّغ: ولم أصلحك اللّه؟ قال:
لأن الشاعر لا يقنعه من الناس ما يقنع بعضهم من بعض؛ لأنه يظن فيجعل الظنّ يقينا، ولا يعذر في موضع العذر، وإن عبّادا يقدم على أرض حرب فيشتغل بحروبه وخراجه عنك، فلا تعذره أنت، وتكسبنا شرّا وعارا، فقال له:
/ لست كما ظنّ الأمير، وإنّ لمعروفه عندي لشكرا كثيرا، وإنّ عندي - إن أغفل أمري - عذرا ممهّدا، قال:
لا، ولكن تضمن لي إن أبطأ عنك ما تحبّه إلّا تعجل عليه حتى تكتب إليّ، قال: نعم، قال: امض إذا على الطائر الميمون. قال: فقدم عبّاد خراسان، واشتغل بحربه وخراجه، فاستبطأه ابن مفرّغ ولم يكتب إلى عبيد اللّه بن زياد يشكوه كما ضمن له، ولكنه بسط لسانه فذمّه وهجاه.
يهجو عبادا ببيت من الشعر
وكان عبّاد عظيم اللّحية كأنها جوالق، فسار يزيد بن مفرّغ يوما مع عبّاد، فدخلت الريح فنفشتها، فضحك
__________
[1] ف: «محمد بن الحسن الأحون».
[2] ب: «الدلالة».
[3] الطرف: من لا يثبت على صاحب.
[4] ف: «عن مسلم بن محارب».
ابن مفرّغ، وقال لرجل من لخم كان إلى جنبه قوله:
ألا ليت اللّحى كانت حشيشا ... فنعلفها خيول المسلمينا [1]
فسعى به اللّخميّ إلى عبّاد، فغضب من ذلك غضبا شديدا، وقال: لا يجمل بي عقوبته في هذه الساعة [2] مع الصحبة لي، وما أؤخّرها إلا لأشفي نفسي منه لأنه كان يقوم فيشتم أبي في عدّة مواطن، وبلغ الخبر ابن مفرّغ فقال:
إني لأجد ريح الموت من عبّاد.
يطلب من عباد الإذن في الرجوع
ثم دخل عليه فقال له: أيّها الأمير، إني كنت مع سعيد بن عثمان، وقد بلغك رأيه فيّ، ورأيت جميل أثره عليّ، وإنّي اخترتك عليه، فلم أحظ منك بطائل [3]، وأريد أن تأذن لي في الرّجوع، فلا حاجة لي في صحبتك، فقال له: أمّا اختيارك إيّاي فإني اخترتك كما اخترتني، واستصحبتك حين سألتني، وقد أعجلتني عن/ بلوغ محبّتي فيك، وقد طلبت الإذن [4] لترجع إلى قومك، فتفضحني فيهم [5]، وأنت على الإذن قادر بعد أن أقضي حقّك، فأقام. وبلغ عبّادا أنه يسبّه ويذكره وينال من عرضه، وأجرى عبّاد الخيل فجاء سابقا، فقال ابن مفرّغ:
سبق عبّاد وصلّت [6] لحيته
عباد يحبسه بدين عليه ويبيعه الأراكة وبردا
وطلب عليه العلل، ودسّ إلى قوم كان لهم عليه دين، فأمرهم أن يقدموه إليه، ففعلوا، فحبسه وأضرّ به، فبعث إليه أن بعني الأراكة وبردا، وكانت الأراكة قينة لابن مفرّغ. وبرد غلامه، ربّاهما وكان شديد الضّنّ بهما، فبعث إليه ابن مفرّغ مع الرّسول: أيبيع المرء نفسه أو ولده؟ فأضرّ به عبّاد حتى أخذهما منه. هذه رواية مسلمة.
وأمّا لقيط وعمر بن شبّة فإنهما ذكرا أنه باعهما عليه، فاشتراهما رجل من أهل خراسان. قال لقيط: فلمّا دخلا منزله قال له برد، وكان داهية أريبا: أتدري ما اشتريت؟ قال: نعم، اشتريتك وهذه الجارية. قال: لا واللّه ما اشتريت إلّا العار والدّمار والفضيحة أبدا ما حييت، فجزع الرجل وقال له: كيف ذلك؟ ويلك! قال: نحن ليزيد بن ربيعة بن مفرّغ، واللّه ما أصاره إلى هذه الحال إلا لسانه وشرّه، أفتراه يهجو/ ابن زياد - وهو أمير خراسان، وأخوه أمير العراقين، وعمّه الخليفة - في أن استبطأه ويمسك عنك، وقد ابتعتني وابتعت هذه الجارية وهي نفسه التي بين جنبيه؟ واللّه ما أرى أحدا أدخل بيته أشأم على نفسه وأهله مما أدخلته منزلك، فقال: فاشهد أنّك وإيّاها له، فإن شئتما أن تمضيا إليه فامضيا، على أنّي أخاف على نفسي إن بلغ ذلك ابن زياد، وإن شئتما أن تكونا له عندي فافعلا، قال: فاكتب إليه بذلك. فكتب الرجل إلى ابن مفرّغ في الحبس بما فعله، فكتب إليه يشكر فعله، وسأله أن يكونا عنده حتى يفرّج اللّه عنه.
__________
[1] في «الشعر والشعراء» لابن قتيبة 1/ 319، ف:
«فنعلفها دواب المسلمينا»
[2] ب، مد: «في هذه السرعة».
[3] ب: «فلم أحل منك بطائل».
[4] ب، س: «الآن».
[5] ف: «ففضحني قبلهم».
[6] صلت: جاءت تالية.
/ قال: وقال عبّاد لحاجبه: ما أرى هذا - يعني ابن مفرّغ - يبالي بالمقام في الحبس، فبع فرسه وسلاحه وأثاثه، واقسم ثمنها بين غرمائه، ففعل ذلك وقسم الثّمن بينهم، وبقيت عليه بقيّة حبسه بها. فقال ابن مفرّغ يذكر غلامه بردا وجاريته الأراكة وبيعهما:
شريت بردا ولو ملّكت صفقته ... لما تطلّبت في بيع له رشدا
لو لا الدّعيّ ولو لا ما تعرّض لي ... من الحوادث ما فارقته أبدا
يا برد ما مسّنا برد [1] أضرّ بنا ... من قبل هذا ولا بعنا له ولدا [2]
أمّا الأراك فكانت من محارمنا ... عيشا لذيذا وكانت جنّة رغدا
كانت لنا جنّة كنّا نعيش بها ... نغنى بها إن خشينا الأزل والنّكدا [3]
يا ليتني قبل ما ناب الزّمان به ... أهلي لقيت على عدوانه الأسدا [4]
قد خاننا زمن لم نخش عثرته [5] ... من يأمن اليوم أم من ذا يعيش غدا!
لامتني النّفس في برد فقلت لها ... لا تهلكي إثر برد هكذا كمدا
كم من نعيم أصبنا من لذاذته ... قلنا له إذ تولّى ليته خلدا
خروجه من السجن وهروبه إلى البصرة
قالوا: وعلم ابن مفرّغ أنه إن أقام على ذمّ عبّاد وهجائه وهو في محبسه زاد نفسه شرّا؛ فكان يقول للنّاس إذا سألوه عن حبسه ما سببه: رجل أدّبه أميره ليقوّم من أوده، أو يكفّ من غربه [6]، وهذا لعمري خير من جرّ الأمير ذيله على مداهنة لصاحبه، فلما بلغ عبّادا قوله [7] رقّ له وأخرجه من السّجن،/ فهرب حتى أتى البصرة، ثم خرج منها إلى الشّام وجعل ينتقل في مدنها هاربا ويهجو زيادا وولده.
وقال المدائنيّ في خبره:
لمّا بلغ عبّاد بن زياد أنّ ابن المفرّغ قال:
سبق عبّاد وصلّت لحيته
هجاء في ابن مفرغ ينشده ابنه في مجلس عباد
دعا ابنه والمجلس حافل فقال له: أنشدني هجاء أبيك الذي هجي به، فقال: أيّها الأمير، ما كلّف أحد قطّ ما كلّفتني، فأمر غلاما له أعجميّا وقال له: قم على رأسه، فإن أنشد ما أمرته به وإلا فصبّ السّوط على رأسه أبدا أو ينشده، فأنشده أبياتا هجي بها أبوه أولها:
__________
[1] ف، و «رغبة الآمل» 2/ 70: «دهر».
[2] ف: «و لا بعنا لنا ولدا».
[3] الأزل: الضيق والشدة.
[4] ف:
«لقيت أهل على عدوانه الأسدا»
[5] ف: «عبرته».
[6] ف: «و يكف من غربه».
[7] ب: «فلما بلغ ذلك عبادا من قوله».
قبح الإله ولا يقبّح غيره ... وجه الحمار ربيعة بن مفرّغ
وجعل عبّاد يتضاحك به، فخرج ابن ابن مفرّغ من عنده وهو يقول: واللّه لا يذهب شتم شيخي باطلا، وقال يهجوه بقوله:
أصرمت حبلك من أمامه ... من بعد أيّام برامه
/ فالرّيح تبكي شجوها ... والبرق يضحك في الغمامة
لهفي على الأمر الذي ... كانت عواقبه ندامه
تركي سعيدا ذا النّدى ... والبيت ترفعه الدّعامه
فتحت سمرقند له ... وبنى بعرصتها خيامه
وتبعت عبد بني علا ... ج [1]، تلك أشراط القيامه!
جاءت به حبشيّة ... سكّاء [2] تحسبها نعامه
/ وشريت بردا ليتني ... من بعد برد كنت هامه
أو بومة [3] تدعو صدى ... بين المشقّر واليمامه
فالهول يركبه الفتى ... حذر المخازي والسّآمه
والعبد يقرع بالعصا ... والحرّ تكفيه الملامه
قال [4]: ثم لجّ في هجاء بني زياد حتى تغنّى أهل البصرة في أشعاره، فطلبه عبيد اللّه طلبا شديدا حتى كاد يؤخذ، فلحق بالشام.
واختلفت الرّواة فيمن ردّه إلى ابن زياد، فقال بعضهم: معاوية، وقال بعضهم: يزيد، والصّحيح أنه يزيد؛ لأن عبّاد بن زياد إنما ولي سجستان في أيام يزيد. وقال بعضهم: بل الذي ولّاه معاوية، وهو الذي ولّى سعيد بن عثمان خراسان.
سعيد بن عثمان يعاتب معاوية لأنه جعل البيعة لابنه يزيد
أخبرني محمّد بن العبّاس اليزيديّ، وعبيد اللّه بن محمد الرازيّ [5]، قالا: حدثنا أحمد بن الحارث، عن المدائنيّ قال:
دخل سعيد بن عثمان على معاوية بن أبي سفيان فقال: علام جعلت يزيد وليّ عهدك دوني؟ فو اللّه لأبي خير من أبيه، وأمّي خير من أمه، وأنا خير منه، وقد ولّيناك فما عزلناك، وبنا نلت ما نلت، فقال له معاوية: أمّا قولك:
إنّ أباك خير من أبيه فقد صدقت لعمر اللّه؛ إن عثمان لخير منّي، وأما قولك: إن أمك خير من أمّه، فحسب المرأة أن تكون في بيت قومها وأن يرضاها بعلها وأن ينجب ولدها. وأما قولك: إنّك خير من يزيد، فو اللّه يا بنيّ ما يسرّني
__________
[1] بنو علاج: بطن من ثقيف.
[2] سكاء: صغيرة الأذنين.
[3] ب: «فهامة». وفي «المختار»: «هتافة» بدل «أو بومة». وفي مد، ف: «هي هامة».
[4] ف: «قالوا».
[5] ف: «عبد اللّه بن أحمد الرازي».
أنّ لي بيزيد ملء الغوطة مثلك. وأما قولك: إنكم ولّيتموني فما عزلتموني، فما ولّيتموني، وإنما ولّاني من هو خير منكم عمر، فأقررتموني، وما كنت بئس الوالي لكم، لقد قمت بثأركم، وقتلت/ قتلة أبيكم، وجعلت الأمر فيكم، وأغنيت فقيركم، ورفعت الوضيع منكم، فكلّمه يزيد في أمره فولّاه خراسان.
رجع الحديث إلى سياقة أخبار ابن مفرغ
ينتقل في قرى الشام هاجيا بني زياد
قالوا: فلم يزل ينتقل في قرى الشام ونواحيها، ويهجو بني زياد [1]، وأشعاره فيهم ترد البصرة وتنتشر وتبلغهم، فكتب عبيد اللّه بن زياد إلى معاوية، وقال الآخرون: إنه كتب إلى يزيد وهو الصحيح، يقول له: إن ابن مفرّغ هجا زيادا وبنى زياد بما هتكه في قبره، وفضح بنيه طول الدهر، وتعدّى ذلك إلى أبي سفيان، فقذفه بالزنا وسبّ ولده، فهرب من خراسان إلى البصرة، وطلبته حتى لفظته الأرض، فلجأ إلى الشام يتمضّغ لحومنا بها، ويهتك أعراضنا، وقد بعثت إليك بما هجانا به لتنتصف لنا منه. ثم بعث بجميع ما قاله ابن مفرّغ/ فيهم.
فأمر يزيد بطلبه، فجعل ينتقل من بلد إلى بلد، فإذا شاع خبره انتقل حتى لفظته الشام، فأتى البصرة ونزل على الأحنف بن قيس، فالتجأ به واستجار، فقال له الأحنف: إني لا أجير على ابن سميّة [2] فأعزل، وإنما يجير الرجل على عشيرته، فأما على سلطانه فلا، فإن شئت أجرتك من بني سعد وشعرائهم، فلا يريبك أحد منهم، فقال له ابن مفرّغ: بأستاه بني سعد [3] وما عساهم أن يقولوا فيّ؟ هذا ما لا حاجة لي فيه.
ثم أتى خالد بن عبد اللّه بن خالد بن أسيد فاستجار به، فأبى أن يجيره، فأتى عمر بن عبيد اللّه بن معمر فوعده، وأتى طلحة الطّلحات فوعده، وأتى المنذر بن الجارود العبديّ فأجاره؛ وكانت بحريّة بنت المنذر تحت عبيد اللّه.
المنذر بن الجارود العبدي يجيره
وكان المنذر من أكرم النّاس عليه، فاغترّ بذلك وأدلّ بموضعه منه، وطلبه عبيد اللّه وقد بلغه وروده البصرة فقيل له: أجاره المنذر بن الجارود، فبعث عبيد اللّه إلى المنذر فأتاه، فلما دخل عليه بعث عبيد اللّه بالشرط، فكبسوا داره [4] وأتوه بابن مفرّغ، فلم يشعر المنذر إلا بابن مفرّغ قد أقيم على رأسه، فقام المنذر إلى عبيد اللّه بالشرط، فكبسوا داره [4] وأتوه بابن مفرّغ، فلم يشعر المنذر إلا بابن مفرّغ قد أقيم على رأسه، فقام المنذر إلى عبيد اللّه فكلّمه فيه فقال: أذكّرك اللّه - أيّها الأمير - أن تخفر [5] جواري فإني قد أجرته، فقال عبيد اللّه: يا منذر ليمدحنّ أباك وليمدحنّك، ولقد هجاني وهجا أبي ثم تجيره عليّ، لا ها اللّه [6] لا يكون ذلك أبدا، ولا أغفرها له، فغضب المنذر، فقال له: لعلك تدلّ بكريمتك عندي، إن شئت واللّه لأبيننّها بتطليق البتّة، فخرج المنذر من عنده، وأقبل عبيد اللّه على ابن مفرّغ فقال له: بئسما صحبت به عبّادا. قال: بئسما صحبني به عبّاد، اخترته على سعيد وأنفقت
__________
[1] ف: «و يهجو ابني زياد».
[2] ف: «بني سمية».
[3] ب، مد، ما: «يا أستاذ بنو سعد».
[4] كبسوا داره: هجموا عليه فجأة واحتاطوها.
[5] ب: «ألّا تخفر». يقال: خفره: أجاره وحماه، وحفره أيضا: نقض عهده وغدر به.
[6] لاها اللّه، أي لا واللّه.
على صحبته كلّ ما أفدته وكلّ ما أملكه، [1] وظننت أنه لا يخلو من عقل زياد وحلم معاوية وسماحة قريش، فعدل عن ظنّي كله [1]. ثم عاملني بكل قبيح، وتناولني بكلّ مكروه، من حبس وغرم وشتم وضرب، فكنت كمن شام برقا خلّبا في سحاب جهام، فأراق ماءه طمعا فيه فمات عطشا، وما هربت من أخيك إلا لمّا خفت من أن يجري فيّ إلى ما يندم عليه، وقد صرت الآن في يدك، فشأنك فاصنع بي ما أحببت، فأمر بحبسه.
عبيد اللّه يستأذن يزيد بن معاوية في قتله
وكتب إلى يزيد بن معاوية يسأله أن يأذن له في قتله، فكتب إليه: إيّاك وقتله، ولكن عاقبهه بما ينكّله ويشدّ سلطانك، ولا تبلغ نفسه، فإنّ له عشيرة هي جندي وبطانتي، ولا ترضى بقتله منّي، ولا تقنع إلا بالقود/ منك، فاحذر ذلك، واعلم أنّه الجدّ منهم ومني، وأنك مرتهن بنفسه، ولك في دون تلفها مندوحة تشفي من الغيظ. فورد الكتاب على عبيد اللّه بن زياد، فأمر بابن مفرّغ فسقي نبيذا حلوا قد خلط معه الشّبرم [2] فأسهل بطنه، وطيف به وهو في تلك الحال، وقرن بهرّة وخنزيرة، فجعل يسلح والصبيان يتبعونه ويقولون له بالفارسية:
اين چيست؟ فيقول:
آبست نبيذ است ... عصارات زبيست
سميّة روسبيد است [3]
:
وجعل كلما جرّ الخنزيرة ضجت، فجعل يقول:
ضجّت سميّة لما لزّها [4] قرني ... لا تجزعي إنّ شرّ الشّيمة الجزع
فجعل يطاف به في أسواق البصرة والصّبيان خلفه يصيحون به، وألح عليه ما يخرج منه حتى أضعفه فسقط، فعرف ابن زياد ذلك، فقيل: إنه لما به لا نأمن أن يموت، فأمر به أن يغسل، ففعلوا ذلك به، فلما اغتسل قال:
/يغسل الماء ما فعلت وقولي ... راسخ منك في العظام البوالي
عبد اللّه يرده إلى الحبس
فردّه عبيد اللّه إلى الحبس، وأمر بأن يسلم محجما وقدّموا له علوجا، وأمر بأن يحجمهم، فكان يأخذ المشارط فيقطع بها رقابهم فيتوارون [5] منه، فتركه وردّه إلى محبسه، وقامت الشّرط على رأسه تصبّ عليه السياط ويقولون له: احجمهم، فقال:
/و ما كنت حجّاما ولكني أحلّني ... بمنزلة الحجّام نأيي عن الأهل [6]
__________
(1 - 1) التكملة من «المختار»، ف.
[2] الشبرم: نبات له حب كالعدس مسهل.
[3] هذه أبيات بالفارسية وردت في «الطبري» 6/ 177 وقد كثر فيها التحريف. والمعنى: الأولاد يسألون: ما هذا؟ ويجيبهم ابن مفرغ:
هذا ماء نبيذ، هذه عصارة نبيذ، هذه سمية البغي.
[4] لزها قرني: شدها وألزمها إياه.
[5] ف: «فيهربون».
[6] «المختار»: «عن الأصل».
عباد بن زياد يجمع ما هجاه به ويرسله إلى معاوية
وقال عمر بن شبّة في خبره: جمع عبّاد بن زياد كلّ شيء هجاه به ابن مفرّغ، وكتب به إلى أخيه عبيد اللّه وهو يومئذ وافد على معاوية، فكان فيما كتب إليه قوله:
إذا أودى معاوية بن حرب ... فبشّر شعب قعبك [1] بانصداع
فأشهد أن أمّك لم تباشر ... أبا سفيان واضعة القناع
ولكن كان أمر فيه لبس ... على وجل شديد وامتناع [2]
وقوله:
ألا أبلغ معاوية بن حرب ... مغلغلة من الرّجل اليماني
أتغضب أن يقال أبوك عفّ ... وترضى أن يقال أبوك زاني
فأشهد أنّ رحمك [3] من زياد ... كرحم الفيل من ولد الأتان
وأشهد أنها ولدت زيادا [4] ... وصخر من سميّة غير داني
فدخل عبيد اللّه بن زياد على معاوية، فأنشده هذه الأشعار، واستأذنه في قتله فلم يأذن له وقال: أدّبه أدبا وجيعا منكّلا، ولا تتجاوز ذلك إلى القتل، وذكر باقي الحديث كما ذكره من تقدم.
قالوا جميعا: وقال ابن مفرّغ يذكر جوار المنذر بن الجارود إيّاه وأمانه:
تركت قريشا أن أجاور فيهم ... وجاورت عبد القيس أهل المشقّر
/ أناس أجارونا فكان جوارهم ... أعاصير من قسو العراق المبذّر [5]
فأصبح جاري من خزيمة [6] قائما ... ولا يمنع الجيران غير المشمّر [7]
يذكر ما فعله ابن زياد ويستشير قومه
وقال أيضا في ذلك:
أصبحت لا من بني قيس فتنصرني ... قيس العراق ولم تغضب لنا مضر
ولم تكلّم قريش في حليفهم ... إذ غاب ناصره بالشّام واحتضروا [8]
واللّه يعلم ما تخفي النّفوس وما ... سرّى أميّة أو ما قال لي عمر
وقال لي خالد قولا قنعت به ... لو كنت أعلم أنّى يطلع القمر
__________
[1] ب، «المختار»: «قلبك». والشعب: الإصلاح والالتئام. والقعب: القدح الضخم الغليظ.
[2] «المختار»:
«و ارتياع»
وفي «معجم الأدباء» 20/ 46:
«على عجل شديد وارتياع»
[3] الرحم: القرابة. وروى في «الشعر والشعراء»:
وأشهد أنّ إلّك من زياد ... كإلّ الفيل من ولد الأتان
[4] في «الشعر والشعراء»:
«و أشهد أنها حملت زيادا»
[5] ف: «المشذر»، والقسو: الغلظ والصلابة.
[6] ب: «جزيمة».
[7] المشمر: الجاد المصمم.
[8] احتضروا: جاءوا.
لو أنّني شهدتني حمير غضبت ... دوني فكان لهم فيما رأوا عبر
أو كنت جار بني هند [1] تداركني ... عوف بن نعمان أو عمران أو مطر
وقال أيضا يذكر ذلك وما فعل به ابن زياد:
دار سلمى بالخبث ذي الأطلال ... كيف نوم الأسير في الأغلال
أين منّي السّلام من بعد نأي ... فارجعي لي تحيّتي وسؤالي
أين منّي نجائبي وجيادي ... وغزالي، سقى الإله غزالي
/ أين لا أين جنّتي وسلاحي ... ومطايا سيّرتها [2] لارتحالي
هدم الدّهر عرشنا فتداعى ... قبلينا إذ كلّ عيش [3] بالي
إذ دعانا زواله فأجبنا ... كلّ دنيا ونعمة لزوال
/ أم قضينا حاجاتنا فإلى المو ... ت مصير الملوك والأقيال
لا وصومي لربّنا وزكاتي ... وصلاتي أدعو بها وابتهالي
ما أتيت الغداة أمرا دنيّا ... ولدى اللّه كابر الأعمال [4]
أيّها المالك المرهّب بالقتل بلغت النّكال كلّ النّكال
فاخش نارا تشوي الوجوه ويوما ... يقذف الناس بالدّواهي الثّقال
قد تعدّيت في القصاص وأدر ... كت ذحولا لمعشر أقتال [5]
وكسرت السّنّ الصّحيحة منّي ... لا تذلّن فمنكر إذلالي
وقرنتم مع الخنازير هرّا ... ويميني مغلولة وشمالي
وكلابا ينهشنني من ورائي ... عجب النّاس ما لهنّ ومالي!
وأطلتم مع العقوبة سجنا ... فكم السّجن أو متى إرسالي!
يغسل الماء ما صنعت وقولي ... راسخ منك في العظام البوالي
لو قبلت الفداء أو رمت مالي ... قلت: خذه فداء نفسي مالي [6]
لو بغيري من معشري لعب الدّهر لما ذمّ نصرتي واحتيالي
كم بكاني من صاحب وخليل ... حافظ الغيب حامد للخصال [7]
ليت أنّي كنت الحليف للخم ... وجذام أو طيّىء الأجمال [8]
بدلا من عصابة من قريش ... أسلموني للخصم عند النّضال
__________
[1] ب، ما، مد: «نهد».
[2] ف: «يسرتها».
[3] ف: «كل شي ء».
[4] ف: «كانت الأعمال».
[5] الذحل: الثأر أو العداوة والحقد، والجمع ذحول. والأقتال جمع قتل «بكسر القاف» وهو الشجاع أو المقاتل.
[6] ف: «فدى لنفسي مالي».
[7] ف: «حامد لخصالي».
[8] ف: «و طيىء الأجيال».
البهاليل من بني عبد شمس ... فضلوا النّاس بالعلا والفعال
/ وبنو التّيم تيم مرّة لمّا ... لمع الموت في ظلال العوالي
منعوا البيت بيت مكّة ذا الحجر إذ الطّير عكّف في الظّلال [1]
والبهاليل خالد وسعيد ... شمس دجن ووضّح كالهلال [2]
في الأرومات والذّرى من بني العيص قروم إذا تعدّ المعالي
كنت منهم، ما حرّموا فحرام ... لم يراموا، وحلّهم من حلال [3]
وذوو المجد من خزاعة كانوا ... أهل ودّي في الخصب والإمحال
خذلوني وهم لذاك دعوني ... ليس حامي الذّمار بالخذّال
لا تدعني فداك أهلي ومالي ... إنّ حبليك من متين الحبال [4]
حسرتا إذ أطعت أمر غواتي [5] ... وعصيت النّصيح ضلّ ضلالي
يهجو عبادا ويذكر سعيد بن عثمان
وقال يهجو عبّاد بن زياد ويذكر سعيد بن عثمان:
أيها الشاتم جهلا سعيدا ... وسعيد في الحوادث ناب
/ ما أبوكم مشبها لأبيه ... فاسألوا الناس بذاكم تجابوا
ساد عبّاد وملّك [6] جيشا ... سبّحت من ذاك صمّ صلاب
إنّ عاما صرت فيه أميرا ... تملك النّاس لعام عجاب
يمحو ما كتبه من هجاء على الحيطان بأظافره
قال: واتصل هجاؤه زيادا وولده وهو في الحبس، فردّه عبيد اللّه إلى أخيه عبّاد بسجستان، ووكّل به رجالا ووجههم معه، وكان لما هرب من عبّاد يهجوه/ ويكتب كلّ ما هجاه به على حيطان الخانات، وأمر عبيد اللّه الموكّلين به أن يأخذوه بمحو ما كتبه على الحيطان بأظافيره، وأمرهم ألّا يتركوه يصلّي إلا إلى قبلة النصارى إلى المشرق، فكانوا إذا دخلوا بعض الخانات التي نزلها فرأوا فيها شيئا مما كتبه من الهجاء، أخذوه بأن يمحوه بأظافره، فكان يفعل ذلك ويحكّه حتى ذهبت أظافره، فكان يمحوه بعظام أصابعه ودمه، حتى سلّموه إلى عبّاد فحبسه وضيّق عليه. قال عمر بن شبّة في خبره: فقال ابن مفرّغ:
سرت تحت أقطاع من اللّيل زينب ... سلام عليكم هل لما فات مطلب!
ويروى:
__________
[1] ف: «كالظلال».
[2] ف:
«و الكريمان خالد وسعيد»
«و واضح كالهلال»
[3] ف:
«و حلهم بحلالي»
[4] ف: «متان الحبال».
[5] ف:
«إذ أطعت فيك غواتي»
[6] ب: «و مالأ جيشا».
ألا طرقتنا آخر اللّيل زينب ... أصاب عذابي [1] اللون فاللّون شاحب
كما الرأس من هول المنيّة أشيب ... قرنت بخنزير وهرّ وكلبة
زمانا وشان الجلد ضرب مشذّب ... وجرّعتها صهباء من غير لذّة
تصعّد في الجثمان ثم تصوّب ... وأطعمت ما إن لا يحلّ لآكل [2]
وصلّيت شرقا بيت مكّة مغرب ... من الطّفّ مجنوبا [3] إلى أرض كابل
فملّوا وما ملّ الأسير المعذّب ... فلو أنّ لحمي إذ هوى لعبت به
كرام الملوك أو أسود وأذؤب ... لهوّن وجدي أو لزادت بصيرتي
ولكنما أودت بلحمي أكلب ... أعبّاد ما للّؤم عنك محوّل
ولا لك أمّ في قريش ولا أب ... سينصرني من ليس تنفع عنده
رقاك وقرم من أميّة مصعب [4] ... /و قل لعبيد اللّه: ما لك والد
بحقّ ولا يدري امرؤ كيف تنسب!
في أول هذا الشعر غناء نسبته.
صوت
ألا طرقتنا آخر اللّيل زينب ... سلام عليكم هل لما فات مطلب!
وقالت: تجنّبنا ولا تقربنّنا ... فكيف وأنتم حاجتي أتجنّب!
الغناء لسياط ثاني ثقيل بالوسطى عن الهشاميّ.
استثارته قومه ببيتين يقرآن على المصلين بجامع دمشق
وقالوا جميعا: فلما طال مقام ابن مفرّغ في السجن استأجر رسولا إلى دمشق، وقال له: إذا كان يوم الجمعة فقف على درج جامع [5] دمشق، ثم اقرأ هذين البيتين بأرفع ما يمكنك من صوتك، وكتبهما في رقعة، وهما:
أبلغ لديك بني قحطان قاطبة ... عضّت بأير أبيها سادة اليمن
أضحى دعيّ زياد فقع قرقرة [6] ... - يا للعجائب - يلهو بابن ذي يزن!
ففعل الرسول ما أمره به، فحميت اليمانية وغضبوا له، ودخلوا على معاوية فسألوه فيه/ فدفعهم [7] عنه، فقاموا غضابا، وعرف معاوية ذلك في وجوههم، فردّهم ووهبه لهم، ووجّه رجلا من بني أسد يقال له خمخام
__________
[1] ما، مد: «عداتي».
[2] ما، مد، ب:
«و أطعمت مالا إن يحل لآكل»
[3] ب: «مجلوبا»، ومجنوبا أي مقودا إلى جنب فرس.
[4] القرم: السيد. والمصعب: الفحل.
[5] ف: «مسجد».
[6] يقال للذليل: هو أذل من فقع بقرقرة أو بقرقر، أي أذل من كمأة في أرض منخفضة؛ لأنه لا يمتنع على من جناه، أو لأنه يداس بالأرجل. وفي مد، ما: «فوق قرقرة». وفي ب: «نقع قرقرة»، تحريف.
[7] ف: «فدافعهم عنه».
- ويقال: جهثام - بريدا إلى عبّاد، وكتب له عهدا، وأمره بأن يبدأ بالحبس فيخرج ابن مفرّغ منه ويطلقه، قبل أن يعلم عبّاد فيم قدم فيغتاله، ففعل ذلك به، فلما خرج من الحبس قرّبت إليه بغلة من بغال البريد فركبها، فلما استوى على ظهرها قال:
عدس [1] ما لعبّاد عليك إمارة ... نجوت وهذا تحملين طليق
/ فإن الّذي نجّى من الكرب بعد ما ... تلاحم في درب عليك مضيق
أتاك بخمخام فأنجاك فالحقي ... بأهلك [2] لا تحبس عليك طريق
لعمري لقد أنجاك من هوّة الرّدى ... إمام وحبل للأنام وثيق
سأشكر ما أوليت من حسن نعمة ... ومثلي بشكر المنعمين حقيق [3]
معاوية يعفو عنه
قال عمر بن شبّة في خبره، ووافقه لقيط بن بكير: فلما أدخل على معاوية بكى وقال: ركب مني ما لم يركب من مسلم قطّ، على غير حدث في الإسلام ولا خلع يد من طاعة ولا جرم، فقال: ألست القائل:
ألا أبلغ معاوية بن حرب ... مغلغلة من الرّجل اليماني
أتغضب أن يقال أبوك عفّ ... وترضى أن يقال أبوك زان!
فأشهد أنّ رحمك من زياد ... كرحم الفيل من ولد الأتان [4]
وأشهد أنّها ولدت زيادا [5] ... وصخر من سميّة غير دان
فقال: لا والذي عظّم حقّك يا أمير المؤمنين ما قلته، ولقد بلغني أنّ عبد الرحمن بن الحكم قاله ونسبه إليّ.
قال: أفلم تقل:
شهدت بأنّ أمّك لم تباشر ... أبا سفيان واضعة القناع
ولكن كان أمر فيه لبس ... على وجل شديد وارتياع
أو لست القائل:
إنّ زيادا ونافعا وأبا ... بكرة عندي من أعجب العجب
/ إنّ رجالا ثلاثة خلقوا ... في رحم أنثى ما كلهم لأب
ذا قرشيّ كما يقول، وذا ... مولى، وهذا بزعمه عربي
في أشعار كثيرة قلتها في هجاء زياد وبنيه، اذهب فقد عفوت عن جرمك، ولو إيّانا تعامل لم يكن شيء مما كان، فاسكن أيّ أرض شئت [6]. فاختار الموصل فنزلها، ثمّ ارتاح إلى البصرة فقدمها، فدخل على عبيد اللّه بن
__________
[1] عدس: اسم البغلة، أو كلمة زجر للبغال.
[2] ب: «بأرضك». وفي ف: «فنجاك فالحقن».
[3] «التجريد»، ف: «خليق».
[4] انظر الحاشية رقم 4 ص 265.
[5] انظر الحاشية رقم 5 ص 265.
[6] ف: «أحببت».
زياد، واعتذر إليه وسأله الصّفح والأمان، فأمّنه وأقام بها مدّة، ثمّ دخل عليه بعد أن أمّنه فقال: أصلح اللّه الأمير، إني قد ظننت أنّ نفسك لا تطيب لي بخير أبدا، ولي أعداء لا آمن سعيهم عليّ بالباطل، وقد رأيت أن أتباعد، فقال له: إلى أين شئت؟ فقال: كرمان، فكتب له إلى شريك بن الأعور وهو عليها بجائزة وقطيعة/ وكسوة، فشخص فأقام بها حتى هرب عبيد اللّه من البصرة، فعاد إليها. هذه رواية عمر بن شبّة.
رواية أخرى في سبب إنقاذه من ابني زياد
وقال محمد بن خلف في روايته، عن أحمد بن الهيثم، عن المدائنيّ، وعن العمريّ، عن لقيط:
أنّ ابن مفرّغ لمّا طال حبسه وبلاؤه، ركب طلحة الطّلحات إلى الحجاز، ولقي قريشا - وكان ابن مفرّغ حليفا لبني أميّة - فقال لهم طلحة: يا معشر قريش، إنّ أخاكم وحليفكم ابن مفرّغ قد ابتلي بهذه الأعبد من بني زياد، وهو عديدكم وحليفكم ورجل منكم، وو اللّه ما أحب أن يجري اللّه عافيته على يدي دونكم، ولا أفوز بالمكرمة في أمره وتخلوا منها، فانهضوا معي بجماعتكم إلى يزيد بن معاوية، فإنّ أهل اليمن قد تحرّكوا بالشّام، فركب خالد بن عبد اللّه بن خالد [1] بن أسيد، وأمية بن عبد اللّه أخوه، وعمر بن عبيد اللّه بن معمر، ووجوه خزاعة [2] وكنانة/ وخرجوا إلى يزيد، فبينا هم يسيرون ذات ليلة إذ سمعوا راكبا يتغنّى في سواد الليل بقول ابن مفرّغ ويقول:
إنّ تركي ندى سعيد بن عثما ... ن بن عفّان [3] ناصري وعديدي
واتّباعي أخا الضّراعة واللّؤ ... م لنقص وفوت شأو بعيد
قلت واللّيل مطبق بعراه: ... ليتني متّ قبل ترك سعيد
ليتني متّ قبل تركي أخا النّج ... دة والحزم والفعال السّديد
عبشميّ أبوه عبد مناف ... فاز منها بتاجها المعقود
ثمّ جود لو قيل: هل من مزيد [4] ... قلت للسائلين: ما من مزيد
قل لقومي لدى الأباطح من آ ... ل لؤيّ بن غالب ذي الجود:
سامني بعدكم دعيّ زياد ... خطّة الغادر [5] اللئيم الزّهيد
كان ما كان في الأراكة واجت ... بّ ببرد سنام عيسي وجيدي
أوغل العبد في العقوبة والشّت ... م وأودى بطارفي وتليدي
فارحلوا في حليفكم وأخيكم ... نحو غوث المستصرخين يزيد
فاطلبوا النّصف [6] من دعيّ زياد ... وسلوني بما ادّعيت شهودي
قال: فدعا القوم بالراكب فقالوا له: ما هذا الذي سمعناه منك تغنّي به؟ فقال: هذا قول رجل واللّه إنّ أمره لعجب، رجل ضائع بين قريش واليمن، وهو رجل الناس، قالوا: ومن هو؟ قال: ابن مفرّغ، قالوا:/ واللّه ما رحلنا
__________
[1] ب: «إلى خالد بن أسيد».
[2] ب: «في وجوه خزاعة».
[3] في «الشعر والشعراء»:
« ... سعيد بن عثمان ... فتى الجود ... »
[4] ب: «لو قيل فيه مزيد».
[5] ف:
«خطة العار واللئيم الزهيد»
[6] النصف: الإنصاف.
إلا فيه، وانتسبوا له، فضحك وقال: أفلا أسمعكم من قوله أيضا؟ قالوا: بلى، فأنشدهم قوله:
لعمري لو كان الأسير ابن معمر ... وصاحبه أو شكله ابن أسيد
ولو أنّهم نالوا أميّة أرقلت [1] ... براكبها الوجناء نحو يزيد
فأبلغت عذرا في لؤيّ بن غالب ... وأتلفت فيهم طارفي وتليدي
فإن لم يغيّرها الإمام بحقّها ... عدلت إلى شمّ شوامخ صيد
فناديت فيهم دعوة يمنيّة ... كما كان آبائي دعوا وجدودي
/ ودافعت حتّى أبلغ الجهد عنهم ... دفاع امرىء في الخير غير زهيد
فإن لم تكونوا عند ظنّي بنصركم ... فليس لها غير الأغرّ سعيد
بنفسي وأهلي ذاك حيّا وميّتا ... نضار وعود المرء أكرم عود
فكم من مقام في قريش كفيته ... ويوم يشيب الكاعبات شديد
وخصم تحاماه لؤيّ بن غالب ... شببت له ناري فهاب وقودي
وخير كثير قد أفأت عليكم ... وأنتم رقود أو شبيه رقود
قال: فاسترجع القوم لقوله وقالوا: واللّه لا نغسل رؤوسنا في العرب إن لم نغسلها [2] بفكّه. فأغذّ القوم السّير حتى قدموا الشّأم.
وفد اليمانية يذهب إلى يزيد بن معاوية
وبعث ابن مفرّغ [3] رجلا من بني الحارث بن كعب، فقام على سور حمص، فنادى بأعلى صوته الحصين [4] ابن نمير - وكان والي حمص - بهذه الأبيات وكان عظيم الجبهة:
/أبلغ لديك بني قحطان قاطبة ... عضّت بأير أبيها سادة اليمن
أمسى دعيّ زياد فقع قرقرة ... يا للعجائب يلهو بابن ذي يزن!
والحميريّ طريح وسط مزبلة ... هذا لعمركم غبن من الغبن
والأجبه ابن نمير فوق مفرشه ... يدنو إلى أحور العينين ذي غنن [5]
قوموا فقولوا: أمير المؤمنين لنا ... حقّ عليك ومنّ ليس كالمنن
فاكفف دعيّ زياد عن أكارمنا ... ماذا يريد على الأحقاد والإحن [6]
فاجتمعت اليمانية إلى حصين، فعيّروه بما قاله ابن مفرّغ، فقال الحصين: ليس لي رأي دون يزيد بن أسد، ومخرمة بن شرحبيل، فأرسل إليهما، فاجتمعوا في منزل الحصين، فقال لهما الحصين: اسمعا ما أهدى إليّ شاعركم وقاله لكم في أخيكم - يعني نفسه - وأنشدهم، فقال يزيد بن أسد: قد جئتكم بأعظم من هذا، وهو قوله:
__________
[1] أرقلت: أسرعت، من الإرقال وهو ضرب من الخبب.
[2] مد: «إن لم يغتسلها». وفي ما: «إن لم نغتسلها». وفي ف: «إن لم نستقلها».
[3] ب: «و بعث إلى ابن مفرغ رجلا ... » تحريف.
[4] ف: «الحصن بن نمير».
[5] الأجبه: العظيم الجبهة. والغنن جمع غنة، وهو صوت من اللهاة والأنف.
[6] ب، ما، مد:
«ماذا تريد إلى الأحقاد والإحن»
وما كنت حجّاما ولكن أحّلني ... بمنزلة الحجّام نأيي عن الأصل [1]
فقال الحصين: واللّه لقد أساء إلينا أمير المؤمنين في صاحبنا مرّتين، إحداهما أنه هرب إليه فلم يجره، وأخرى أنّه أمر بعذابه غير مراقب لنا فيه، وقال يزيد بن أسد: إنّي لأظن أنّ طاعتنا ستفسد ويمحوها ما فعل [2] بابن مفرّغ، ولقد تطلّع من نفسي شيء، للموت أحبّ إليّ منه. وقال مخرمة بن شرحبيل: أيها الرّجلان، اعقلا فإنه لا معاوية لكما [3]، واعرفا أنّ صاحبكما لا تقدح فيه الغلظة، فاقصدا التّضرّع، فركب القوم إلى دمشق/ وقدموا على يزيد بن معاوية، وقد سبقهم الرّجل، فنادى بذلك الشّعر يوم الجمعة على درج مسجد دمشق، فثارت اليمانية وتكلّموا، ومشى بعضهم إلى بعض، وقدم وفد القرشيّين في أمره مع طلحة الطّلحات، فسبقوا القرشيّين، ودخلوا على يزيد بن معاوية، فتكلم الحصين بن نمير، فذكر بلاءه وبلاء قومه وطاعتهم، وقال: يا أمير المؤمنين، إنّ الذي أتاه ابن زياد إلى صاحبنا، لا قرار عليه، وقد سامنا عبيد اللّه وعبّاد خطّة خسف، وقلّدانا قلادة عار، فأنصف/ كريمنا من صاحبه، فو اللّه لئن قدرنا لنعفونّ، ولئن ظلمنا لننتصرنّ. وقال يزيد بن أسد: يا أمير المؤمنين، إنّا لو رضينا بمثلة ابن زياد بصاحبنا وعظيم ما انتهك منه، لم يرض اللّه عزّ ذكره بذلك [4] ولئن تقرّبنا إليك بما يسخط اللّه ليباعدنّنا اللّه منك، وإن يمانيّتك قد نفرت لصاحبها نفرة طار غرابها، وما أدري متى يقع، وكلّ نائرة [5] تقدح في الملك وإن صغرت لم يؤمن أن تكبر، وإطفاؤها خير من إضرامها لا سيما إذا كانت في أنف لا يجدع، ويد لا تقطع، فأنصفنا من ابني زياد [6].
وقال مخرمة بن شرحبيل، وكان متألّها عظيم الطاعة في أهل اليمن: إنه لا يد تحجزك [7] عن هواك، ولو مثّلت بأخينا وتولّيت ذلك منه بنفسك لم يقم فيه قائم ولم يعاتبك فيه معاتب، ولكنّ ابني زياد استخفّانا [8] بما يثقل عليك من حقّنا،/ وتهاونا بما تكرمه منّا، وأنت بيننا وبين اللّه، [9] ونحن بينك وبين الناس [9]، فأنصفنا من صاحبيك، ولينفعنا بلاؤنا عندك.
فقال يزيد: إنّ صاحبكم أتى عظيما؛ نفى زيادا من أبي سفيان، ونفى عبّادا وعبيد اللّه من زياد، وقلّدهم طوق الحمامة، وما شجّعه على ذلك إلا نسبه فيكم، وحلفه في قريش، فأمّا إذ بلغ الأمر ما أرى، وأشفى بكم على ما أشفى، فهو لكم، وعليّ رضاكم.
وفد القرشيين يقابل يزيد بن معاوية
قال: وانتهى القرشيّون إلى الحاجب فاستأذن لهم، وقال لليمانيّين: قد أتتكم برى الذهب من أهل العراق،
__________
[1] ف: «الأهل».
[2] ف: «ما صنع».
[3] يشير إلى حلم معاوية الذي مات، وغضب يزيد.
[4] ف: «لم يرض اللّه عمّن رضي بذلك».
[5] النائرة: العداوة والشحناء.
[6] ف: «ابن زياد».
[7] في ب، مد: «إنه لا يدع تحجزك عن هواك دون اللّه ولو مثلت ... الخ».
[8] ف: «استخفا بما يثقل عليك من حقنا».
(9 - 9) التكملة من ف.
فدخلوا وسلّموا والغضب يتبيّن [1] في وجوههم، فظنّ يزيد الظنون، وقال لهم: ما لكم؟ انفتق فتق أو حدث حدث فيكم؟ قالوا: لا، فسكن.
فقال طلحة الطّلحات:
يا أمير المؤمنين، أما كفى العرب ما لقيت من زياد، حتى استعملت عليها ولده يستكثرون لك أحقادها، ويبغّضونك إليها، إنّ عبيد اللّه وأخاه أتيا إلى ابن مفرّغ ما قد بلغك، فأنصفنا منهما إنصافا تعلم العرب أنّ لنا منك خلفا من أبيك، فو اللّه، لقد خبأ لك فعلهما خبئا عند أهل اليمن لا تحمده لك، ولا تحمده لنفسك.
وتكلّم خالد بن عبد اللّه بن خالد بن أسيد فقال:
يا أمير المؤمنين، إنّ زيادا ربّي في شرّ حجر، ونشأ في أخبث نش ء، فأثبتّم نصابه في قريش، وحملتموه [2] على رقاب الناس، فوثب ابناه على أخينا وحليفنا/ وحليفك، ففعلا به الأفاعيل التي بلغتك، وقد غضبت له قريش الحجاز ويمن الشّأم ممّن لا أحبّ واللّه لك غضبه، فأنصفنا من ابني زياد.
وتكلم أخوه أميّة بنحو ممّا تكلم أخوه وقال:
واللّه يا أمير المؤمنين لا أحطّ رحلي، ولا أخلع ثياب سفري، أو تنصفنا من ابني زياد، أو تعلم العرب أنك قد قطعت أرحامنا، ووصلت ابني زياد بقطعنا، وحكمت بغير الحقّ لهما علينا.
وقال ابن معمر: يا أمير المؤمنين، إنّ ابن مفرّغ طالما ناضل عن عرضك وعرض أبيك وأعراض قومك، ورمى عن جمرة أهلك، وقد أتى بنو زياد فيه ما لو كان معاوية حيّا لم يرض به، وهذا رجل له شرف في قومه، وقد نفروا له نفرة لها ما بعدها، فأعتبهم وأنصف الرجل [3] ولا تؤثر مرضاة ابني زياد على مرضاة اللّه عزّ وجلّ.
يزيد يرحب بالوفدين ويرسل من يطلق ابن مفرغ
فقال يزيد: مرحبا بكم وأهلا، واللّه لو أصابه خالد ابني بما ذكرتم لأنصفته منه، ولو رحلتم في جميع ما تحيط به العراق لوهبته لكم، وما عندي إلا إنصاف المظلوم، ولكنّ صاحبكم/ أسرف على القوم. وكتب يزيد ببناء داره، وردّ ماله وتخلية سبيله، وألّا إمرة لأحد من بني زياد عليه، وقال: لو لا أنّ في القود بعد ما جرى منه فسادا في الملك لأقدته من عبّاد.
وسرّح يزيد رجلا من حمير يقال له خمخام، وكتب معه إلى عبّاد بن زياد: نفسك نفسك وأن تسقط من ابن مفرّغ شعرة فأقيدك واللّه به، ولا سلطان لك ولا لأخيك ولا لأحد غيري عليه، فجاء خمخام حتى انتزعه جهارا من الحبس [4] بمحضر الناس وأخرجه.
دخوله على يزيد وما دار بينهما
قالوا: فلما دخل على يزيد قال له: يا أمير المؤمنين، اختر منّي خصلة من ثلاث خصال، في كلّها لي فرج،
__________
[1] ف: «بيّن».
[2] ب، مد، ما: «فأثبتهم نصابه في قريش وحملت ... الخ».
[3] ف: «فأعنهم وأنصفهم من الرجل».
[4] ب، ما، مد: «من المجلس».
إما أن تقيدني من ابن زياد، وإما أن تخلّي بيني وبينه، وإما أن تقدّمني فتضرب عنقي.
فقال له يزيد: قبّح اللّه ما اخترته وخيّرتنيه [1]؛ أما القود من ابن زياد فما كنت لأقيدك من عامل كان عليك، ظلمته وشتمت عرضه وعرضي معه، وأما التّخلية بينك وبينه فلا، ولا كرامة، ما كنت لأخلّي بينك وبين أهلي تقطع أعراضهم، وأما ضرب عنقك، فما كنت لأضرب عنق مسلم من غير أن يستحقّ ذلك، ولكني أفعل ما هو خير لك مما اخترته لنفسك؛ أعطيك ديتك، فإنهم قد عرّضوك للقتل، واكفف عن ولد زياد، فلا يبلغني أنك ذكرتهم، وانزل أيّ البلاد شئت، وأمر له بعشرة آلاف درهم.
اعتذاره لعبيد اللّه بن زياد
فخرج حتى أتى الموصل وأقام بها ما شاء اللّه، ثم خرج ذات يوم يتصيّد، فلقي دهقانا على حمار له، فقال: من أين أقبلت؟ قال: من العراق، قال: من أيّها؟ قال: من البصرة، ثم من الأهواز [2]، قال: فما فعل المسرقان [3]؟ قال: على حاله، قال: أفتعرف أناهيد بنت أعنق؟ قال: نعم، قال: ما فعلت؟ قال: على أحسن ما عهدت.
قال: فضرب برذونه وسار حتى أتى الأهواز، ولم يعلم أهله ولا غيرهم بمسيره.
ثم أتى عبيد اللّه بن زياد، فدخل عليه واعتذر إليه، وسأله الأمان فأمّنه، ثم سأله أن يكتب له إلى شريك بن الأعور، فكتب له ووصله.
عودته إلى البصرة وهجاؤه بني زياد
وخرج فأقام بكرمان حتى غلب ابن الزّبير على العراق، وهرب ابن زياد/ وكان أهل البصرة قد أجمعوا على قتله، فخرج عن البصرة هاربا، فعاد ابن مفرّغ إلى البصرة، وعاود هجاء بني زياد، فقال يذكر هرب عبيد اللّه وتركه [4] أمّه بقوله:
أعبيد هلّا كنت أوّل فارس ... يوم الهياج دعا بحتفك داع
أسلمت أمّك والرّماح تنوشها ... يا ليتني لك ليلة الإفزاع
إذ تستغيث وما لنفسك مانع ... عبد تردّده بدار ضياع
هلّا عجوزك إذ تمدّ بثديها ... وتصيح ألّا تنزعنّ قناعي
أنقذت من أيدي العلوج كأنها ... ربداء مجفلة ببطن القاع [5]
فركبت رأسك ثم قلت: أرى العدا ... كثروا وأخلف موعدي أشياعي [6]
فانجي بنفسك وابتغي نفقا فما ... لي طاقة [7] بك والسلام وداعي
__________
[1] ف: «و خيرته».
[2] ب، ما، مد: «من الإيوان».
[3] المشرقان: نهر بخوزستان عليه عدة قرى («معجم البلدان»).
[4] ف: «و يذكر أمه».
[5] «المختار»، ف: «من أيدي العبيد». والربداء: السوداء الضاربة إلى الغبرة. يشبهها بالنعامة. وفي ف: «ربداء مخلفة».
[6] ب: «و أخلف موعد الأشياع».
[7] ف، «المختار»: «لي حيلة».
ليس الكريم بمن يخلّف أمّه ... وفتاته في المنزل الجعجاع [1]
حذر المنيّة والرّماح تنوشه ... لم يرم دون نسائه بكراع [2]
متأبّطا سيفا عليه يلمق [3] ... مثل الحمار أثرته بيفاع
/ لا خير في هذر يهزّ [4] لسانه ... بكلامه والقلب غير شجاع
لابن الزّبير غداة يذمر [5] منذرا ... أولى بغاية كلّ يوم وقاع
وأحقّ بالصبر الجميل من امرىء ... كزّ أنامله قصير الباع
جعد اليدين عن السّماحة [6] والنّدى ... وعن الضّريبة فاحش منّاع
/ كم يا عبيد اللّه [7] عندك من دم ... يسعى ليدركه بقتلك ساع
ومعاشر أنف أبحت حريمهم ... فرّقتهم من بعد طول جماع
اذكر حسينا وابن عروة هانئا ... وابني عقيل فارس المرباع
وقال أيضا يذكر هربه:
أقرّ بعيني أنّه عقّ أمّه [8] ... دعته فولّاها استه وهو يهرب
وقال: عليك الصبر كوني سبيّة ... كما كنت أو موتي؛ فذلك أقرب
وقد هتفت هند: بماذا أمرتني؟ ... أبن لي وحدّثني إلى أين أذهب؟
فقال: اقصدي للأزد في عرصاتها [9] ... وبكر فما إن عنهم متجنّب
أخاف تميما والمسالح [10] دونها ... ونيران أعدائي عليّ تلهّب
وولّى وماء العين يغسل وجهها [11] ... كأن لم يكن والدّهر بالناس قلّب
بما قدّمت كفّاك لا لك مهرب ... إلى أيّ قوم والدّماء تصبّب
فكم من كريم قد جررت جريرة ... عليه فمقبور وعان يعذّب
ومن حرّة زهراء قامت بسحرة ... تبكّي قتيلا أو صدى يتأوّب [12]
فصبرا عبيد بن العبيد فإنما ... يقاسي الأمور المستعدّ المجرّب
وذق كالذي قد ذاق منك معاشر ... لعبت بهم إذ أنت بالنّاس تلعب
__________
[1] الجعجاع: الضيق الخشن الغليظ.
[2] الكراع: الخيل. ويقال: فلان ما ينضح الكراع أي ضعيف الدفاع.
[3] اليلمق: القباء.
[4] ف: «يهد لسانه».
[5] يذمر: يهدد.
[6] ب، ف: «على السماحة».
[7] ف: «يا عدي اللّه».
[8] ب: «أفر عبيد والسيوف عن أمه».
[9] العرصة: ساحة الدار، وهي البقعة الواسعة بين الدور التي ليس فيها بناء.
[10] المسالح جمع مسلحة وهي موضع السلاح أو القوم ذوو السلاح.
[11] ف: «يغسل جفنها».
[12] ف: «و كم حرّة زهراء». وفي ب، ما: «أو فتى يتأوب». ويتأوب: يرجع.
فلو كنت حرّا أو حفظت وصيّة ... عطفت على هند وهند تسحّب
/ وقاتلت حتى لا تري لك مطمعا [1] ... بسيفك في القوم الذين تحزّبوا
وقلت لأمّ العبد أمّك: إنني ... وإن كثر الأعداء حام مذبّب [2]
ولكن أبى قلب أطيرت بناته [3] ... وعرق لكم في آل ميسان يضرب
وقال في ذلك أيضا:
ألا أبلغ عبيد اللّه عنّي ... عبيد اللّؤم عبد بني علاج
عليّ لكم قلائد باقيات ... يثرن عليكم نقع العجاج
تدّعيت الخضارم من قريش ... فما في الدّين بعدك من حجاج [4]
أبن لي هل بيثرب زند ورد ... قرى آبائك النّبط العجاج! [5]
وقال فيه أيضا:
عبيد اللّه عبد بني علاج ... كذاك نسبته وكذاك كانا
أعبد الحارث الكنديّ ألا ... جعلت لإست أمّك ديدبانا [6]
/فتستر عورة كانت قديما ... وتمنع أمّك النّبط البطانا
وقال يهجو عبيد اللّه وعبّادا، أنشدناه جماعة، منهم هاشم بن محمد الخزاعيّ، عن دماذ، عن أبي عبيدة، وهذا من قصيدة له طويلة أوّلها:
جرت أمّ الظّباء ببين ليلى ... وكلّ وصال حبل لانقطاع
/ يقول فيها:
وما لاقيت من أيّام بؤس [7] ... ولا أمر يضيق به ذراعي
ولم تك شيمتي عجزا ولؤما ... ولم أك بالمضلّل في المساعي
سوى يوم الهجين ومن يصاحب ... لئام الناس يغض على القذاع [8]
حلفت بربّ مكّة لو سلاحي ... بكفي [9] إذ تنازعني متاعي
لباشر أمّ رأسك مشرفيّ ... كذاك دواؤنا وجع الصّداع
__________
[1] ف: «مطعما».
[2] مذبب: مدافع.
[3] ب: «ثيابه».
[4] ف: «خلاج». والخضارم جمع خضرم، وهو السيد الحمول أو الجواد المعطاء.
[5] ما، مد:
«بربي إيليا النبط العجاج»
وفي ب، س:
«فربي إيليا ... »
وزندورد: بلد قرب واسط، والعجاج: رعاع الناس («قاموس»).
[6] الديدبان: الرقيب.
[7] ف: «شرّ».
[8] القذاع: الفحش والمشاتمة.
[9] ف: «لو بكفي سلاحي».
أفي أحسابنا تزري علينا ... هبلت وأنت زائدة الكراع [1]
تبغّيت الذّنوب عليّ جهلا ... جنونا ما جننت ابن اللّكاع [2]
فما أسفي على تركي سعيدا ... وإسحاق بن طلحة واتّباعي
ثنايا الوبر عبد بني علاج ... عبيدة [3] فقع قرقرة بقاع
إذا ما راية رفعت لمجد ... وودّع أهلها خير الوداع
فأير في است أمّك من أمير ... كذاك يقال للحمق اليراع [4]
ولا بلّت سماؤك من أمير ... فبئس معرّس الرّكب الجياع [5]
ألم تر إذ تحالف حلف حرب ... عليك غدوت [6] من سقط المتاع
وكدت تموت أن صاح ابن آوى ... ومثلك مات من صوت السّباع
ويوم فتحت سيفك من بعيد ... أضعت وكلّ أمرك للضّياع
/ إذا أودى معاوية بن حرب ... فبشّر شعب قعبك [7] بانصداع
فأشهد أنّ أمّك لم تباشر ... أبا سفيان واضعة القناع
ولكن كان أمرا فيه لبس ... على عجل شديد وارتياع
قال: وكان عبّاد في بعض حروبه ذات ليلة نائما في عسكره، فصاحت بنات آوى، فثارت الكلاب إليها، ونفر بعض الدّوابّ ففزع عبّاد وظنها كبسة من العدوّ، فركب فرسه ودهش، فقال: افتحوا سيفي، فعيّره بذلك ابن مفرّغ.
ومما قاله ابن مفرّغ في هجاء بني زياد وغنّي فيه:
صوت
كم بالدّروب وأرض الهند من [8] قدم ... ومن جماجم قتلى ما هم قبروا
ومن سرابيل أبطال مضرّجة ... ساروا إلى الموت ما خاموا [9] ولا ذعروا
بقندهار [10] ومن تحتم منيّته ... بقندهار يرجّم دونه الخبر
غنّى في هذه الأبيات ابن جامع:
أجدّ أهلك، لا يأتيهم خبر ... منّا ولا منهم عين ولا أثر
/ ولم تكلّم قريش في حليفهم ... إذ غاب أنصاره بالشّام واحتضروا
__________
[1] ف: «و أنت هبلت زائدة الكراع». والكراع من كل شي ء: طرفه.
[2] امرأة لكاع: لئيمة، ولم يرد هذا البيت في ف.
[3] ف: «عبيدا». والوبر: حيوان في حجم الأرنب.
[4] اليراع: الجبان. وجاء هذا البيت في ف مكان الذي قبله.
[5] «و لا بلت سماؤك»: يدعو عليه بالجدب. والمعرّس: مكان التعريس أي النزول.
[6] ف: «عددت».
[7] القعب: القدح الضخم. وفي «المختار»: «شعب قلبك».
[8] ب، ما، مد:
« ... وأرض الروم من قرم»
وفي «معجم ياقوت»:
«كم بالجروم ... »
[9] خاموا: جبنوا. وفي ف: «ما خافوا».
[10] في «معجم ياقوت»: قندهار: مدينة من بلاد السند أو الهند، سار إليها عباد بن زياد وفتحها.
لو أنّني شهدتني حمير غضبت ... إذا فكان لها فيما جرى غير
رهط الأغرّ شراحيل بن ذي كلع ... ورهط ذي فائش ما فوقهم بشر [1]
قولا لطلحة ما أغنت صحيفتكم ... وهل لجارك إذ أوردته صدر!
/ فمن لنا بشقيق أو بأسرته ... ومن لنا ببني ذهل إذا خطروا!
هم الذين سموا والخيل عابسة ... والناس عند زياد كلهم حذر
لولاهم كان سلّام بمنزلتي ... أولى لهم ثمّ أولى بعد ما ظفروا
أخبرني محمد بن خلف، عن أبي بكر العامريّ، عن إسحاق بن محمد، عن القحذميّ [2] قال: هجا سلام الرّافعيّ مقاتل [3] بن مسمع فقال فيه:
أبى لك يا ذا المجد أنّ مقاتلا ... زنى واستحلّ الفارسيّ المشعشعا [4]
في أبيات هجاه بها فحبسه مقاتل بالعربة [5] فركب شقيق بن ثور في جماعة من بني ذهل إلى الحبس فأخرجه؛ فضرب به ابن مفرّغ المثل في الشّعر الماضي.
أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان، قال: حدّثني أبو عبد اللّه اليمانيّ، قال: حدّثنا الأصمعيّ، عن عبد الرحمن بن أبي الزّناد قال:
قال لي عبيد اللّه بن زياد: ما هجيت بشيء أشدّ عليّ من قول ابن مفرّغ:
فكّر؛ ففي ذاك إن فكّرت معتبر ... هل نلت مكرمة إلا بتأمير!
عاشت سميّة ما تدري وقد عمرت ... أنّ ابنها من قريش في الجماهير
وروى [6] اليزيديّ في روايته عن الأحول: قال أبو عبيدة:
كان زياد يزعم أنّ أمّه سميّة بنت الأعور من بني عبد شمس بن زيد مناة بن تميم، فقال ابن مفرّغ يردّ ذلك عليه:
فأقسم ما زياد من قريش ... ولا كانت سميّة من تميم
ولكن نسل عبد من بغيّ ... عريق الأصل في النّسب اللّئيم
يتابع هجاء ابن زياد ويرميه بالأبنة
أخبرني هاشم بن محمد قال: حدّثنا أبو غسّان دماذ قال: أنشدني أبو عبيدة لابن مفرّغ يهجو ابن زياد ويرميه بالأبنة:
أبلغ قريشا قضّها وقضيضها ... أهل السّماحة والحلوم الرّاجحه
__________
[1] ب: «ذي قابس». وفي ما: «ما مثلهم بشر».
[2] ما، مد، ب: الفخذمي «تصحيف». والقحذمي هو الوليد بن هشام القحذمي.
[3] ف: «مهلهل بن مسمع».
[4] ب، مد: «أما لك ... ». واستحل الفارسيّ المشعشعا يريد الخمر.
[5] العربة: موضع. وفي مد: «بالغربة»، تصحيف. وفي ب: «بالغرفة»، تحريف.
[6] ف: «و قال اليزيدي».
أنّي ابتليت بحيّة ساورته [1] ... بيد لعمري لم تكن لي رابحه
صفق المبخّل صفقة ملعونة ... جرّت عليه من البلايا فادحه [2]
شتّان من بطحاء مكّة داره ... وبنو المضاف إلى السّباخ المالحه
جعدت أنامله ولام نجاره ... وبذاك تخبرنا الظّباء السانحه
فإذا أميّة صلصلت أحسابها ... فبنو زياد في الكلاب النّابحه
قالوا: يناك، فقلت: في جوف استه ... وبذاك خبّرني الصّدوق الفاضحه
لم يبق أير أسود أو أبيض ... إلّا له استك في الخلاء مصافحه
مقتل عبيد اللّه وشعر ابن مفرغ في ذلك
وأخبرني إبراهيم بن السريّ بن يحيى، قال: حدّثني أبي، عن شعيب، عن سيف، قال:
لما قتل/ عبيد اللّه بن زياد يوم الزّاب، قتله أصحاب المختار بن أبي عبيد ويقال: إن إبراهيم بن الأشتر حمل على كتيبته فانهزموا، ولقي عبيد اللّه فضربه فقتله، وجاءه إلى أصحابه فقال: إنّي ضربت رجلا فقددته نصفين فشرّقت يداه وغرّبت رجلاه، وفاح منه المسك، وأظنّه ابن مرجانة، وأومأ لهم إلى موضعه، فجاءوا إليه وفتّشوا عليه، فوجدوه كما ذكر، وإذا هو ابن زياد، فقال ابن مفرّغ يهجوه:
إنّ الّذي عاش ختّارا [3] بذمّته ... وعاش عبدا قتيل اللّه بالزّاب
العبد للعبد لا أصل ولا طرف [4] ... ألوت به ذات أظفار وأنياب
إن المنايا إذا ما زرن [5] طاغية ... هتكن عنه ستورا بين أبواب
/ هلّا جموع نزار إذا لقيتهم ... كنت امرأ من نزار [6] غير مرتاب
لا أنت زاحمت عن ملك فتمنعه ... ولا مددت إلى قوم بأسباب [7]
ما شقّ جيب ولا ناحتك نائحة ... ولا بكتك جياد عند أسلاب
لا يترك اللّه أنفا تعطسون بها ... بني العبيد شهودا غير غيّاب
أقول بعدا وسحقا عند مصرعه ... لابن الخبيثة وابن الكودن الكابي [8]
الحسين بن علي يتمثل بالبيتين الأخيرين من هذه القصيدة
والقصيدة المذكورة بها غناء فيه منها، وقال:
حيّ ذا الزّور وانهه أن يعودا ... إنّ بالباب حارسين قعودا
__________
[1] ب: «ساورتهم». والحية: الأفعى (تذكر وتؤنث) فيقال: هو الحية وهي الحية.
[2] لم يرد هذا البيت والذي بعده في ف.
[3] الختّار: الغادر.
[4] الطرف: الشريف.
[5] ب: «رزن».
[6] ف، «التجريد»: «من قريش».
[7] «التجريد»، ف: «بأحساب».
[8] الكودن: البرذون الهجين أو البغل. والكابي: المنكب على وجهه.
من أساوير ما ينون قياما ... وخلاخيل تذهل المولودا
[1] وطماطيم من مشايخ جون [2] ... ألبسوني مع الصّباح قيودا
أيّ بلوى معيشة قد بلونا ... فنعمنا وما رجونا خلودا
ودهور لقيننا موجعات ... وزمان يكسّر الجلمودا
فصبرنا على مواطن ضيق ... وخطوب تصيّر البيض سودا
ظلّ فيها النصيح يرسل سرّا ... لا تهالنّ إن سمعت الوعيدا
أفإنس ما هكذا صبر إنس ... أم من الجنّ أم خلقت حديدا
لا ذعرت السّوام في فلق الص ... بح مغيرا ولا دعيت يزيدا [3]
يوم أعطي مخافة الموت ضيما ... والمنايا يرصدنني أن أحيدا [1]
قال: وهي قصيدة طويلة
وتمثّل الحسين بن عليّ صلوات اللّه عليه بهذين البيتين لمّا خرج من المدينة إلى مكة عند بيعة يزيد:
لا ذعرت السّوام في فلق الصّ ... بح مغيرا ولا دعيت يزيدا
يوم أعطي مخافة الموت ضيما ... والمنايا يرصدنني أن أحيدا
حدّثني أحمد بن عيسى أبو موسى العجليّ العطّار بالكوفة قال: حدّثني الحسين [4] بن نصر بن مزاحم المنقريّ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثنا عمر بن سعد، عن أبي مخنف، قال: حدثني عبد الملك بن نوفل بن مساحق، عن أبي سعيد المقبريّ قال:
واللّه لرأيت حسينا عليه السلام وهو يمشي بين رجلين، يعتمد على هذا مرّة، وعلى هذا مرة، حتى دخل المسجد وهو يقول:
لا ذعرت السّوام ..... البيتين.
قال: فقلت عند ذلك إنّه لا يلبث إلا قليلا حتى يخرج، فما لبث أن خرج فلحق بمكة، فلما خرج من المدينة قال: فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ قالَ: رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ
[5]. ولما توجّه نحو مكة قال: وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ قالَ عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ
[6].
مروان بن الحكم يعطيه ويكسوه
أخبرني جعفر بن قدامة، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد، قال: حدّثني عليّ بن الصبّاح، عن ابن الكلبيّ قال:
لما قدم ابن مفرّغ إلى معاوية مع خمخام الذي وجّهه إليه، فانتزعه من عبّاد بن زياد، نزل على مروان بن
__________
(1 - 1) التكملة من ف.
[2] «الشعر والشعراء» 1 - 322:
«و طماطيم من سبابيج غتم»
والطماطيم: الأعاجم في لسانهم طمطمة أي عجمة لا يفصحون.
[3] مد، ما: «لا دعوت». وفي «الشعر والشعراء» 1 - 322:
«لا ذعرت السوام في غلس الليل»
[4] ب، مد، ما: «الحسن بن نصر».
[5] القصص/ 21.
[6] القصص/ 22.
الحكم وهو يومئذ عند معاوية، فأعطاه وكساه، وقام بأمره واسترفد له كلّ من قدر عليه من بني أبي العاص [1] /بن أمية، فقال ابن مفرّغ يمدحه من قصيدته:
/و أقمتم سوق الثّناء ولم تكن ... سوق الثّناء تقام في الأسواق [2]
فكأنما جعل الإله إليكم ... قبض النّفوس وقسمة الأرزاق
كان يهوى أناهيد بنت الأعنق
أخبرني هاشم بن محمد الخزاعيّ، قال: حدّثنا أبو غسّان دماذ، عن أبي عبيدة قال:
كان ابن مفرّغ يهوى أناهيد بنت الأعنق، وكان الأعنق دهقانا من الأهواز، له ما بين الأهواز وسرّق ومناذر والسّوس، وكان لها أخوات يقال لهنّ أسماء والجمانة، وأخرى قد سقط عن دماذ، فكان يذكرهن جميعا في شعره، فمن ذلك قوله في صاحبته أناهيد من أبيات:
سيري أناهيد بالعيرين آمنة ... قد سلّم اللّه من قوم بهم طبع [3]
[4] لا بارك اللّه فيهم معشرا جبنا ... ولا سقى دارهم قطرا ولا ربعوا
السارقين إذا جاعوا نزيلهم ... والأخبثين بطونا كلما شبعوا
لا تأمننّ حزاميّا نزلت به ... قوم لديهم تناهى اللّؤم والصّرع
جاور بني خلف تحمد جوراهم ... الأعظمين دفاعا كلما دفعوا
والمطعمين إذا ما شتوة أزمت ... فالناس شتّى إلى أبوابهم شرع [5]
هم خير قومهم إن حدّثوا صدقوا ... أو حاولوا النفع في أشياعهم نفعوا
المانعين من المخزاة جارهم ... والرّافعين من الأذنين ما صنعوا
انزل بطلحة يوما إنّ منزله ... سهل المباءة بالعلياء مرتفع [4]
وفي أسماء أختها يقول:
/تعلّق من أسماء ما قد تعلّقا ... ومثل الذي لاقى من الحبّ [6] أرّقا
وحسبك من أسماء نأيّ وأنها ... إذا ذكرت هاجت فؤادا معلّقا
سقى هزم الإرعاد منبجس العرى ... منازلها بالمسرقان فسرّقا [7]
وتستر [8] لا زالت خصيبا جنابها ... إلى مدفع السّلّان من بطن دورقا
__________
[1] ف: «من بني العاص بن أمية».
[2] ف:
«و أقام سوقا للثناء ... ... تعد في الأسواق»
[3] الطبع: الشّين والعيب.
(4 - 4) التكملة من ف.
[5] يقال: الناس في هذا شرع أي سواء.
[6] ف، و «شرح نهج البلاغة»: «من الشوق». وفي «معجم البلدان»: «من الوجد».
[7] «معجم البلدان»: «من مسرقان فسرقا»، ومسرقان: نهر بخوزستان عليه عدة قرى. وفي ف: «بالمشرقان فشرقا» تصحيف. وسرّق إحدى كنوز الأهواز. وفي «شرح نهج البلاغة»: «منبعج الكلى» بدل «منبجس العرى».
[8] تستر: أعظم مدينة بخوزستان («ياقوت»).
إلى الكوثج الأعلى إلى رامهرمز ... إلى قريات الشّيح من فوق سفسقا [1]
رامهرمز: بلد من أعمال الأهواز معروف.
بلاد بنات الفارسية إنّها ... سقتنا على لوح شرابا معتّقا [2]
يترك زوجته عند أخواله ويذهب إلى محبوبته أناهيد
أخبرني عمّي، قال: حدثنا الكرانيّ، قال: حدثنا العمريّ، عن الهيثم بن عديّ، وأخبرنا هاشم بن محمد قال: حدثنا دماذ أبو غسّان، عن أبي عبيدة، قالا:
لما فصل ابن مفرّغ من عند معاوية، نزل بالموصل على أقواله من آل ذي العشراء من حمير، قال الهيثم في روايته: فزوّجوه امرأة منهم - ولم يذكر ذلك أبو عبيدة - فلما كان اليوم الذي يكون البناء في ليلته، خرج يتصيّد ومعه غلامه برد، فإذا هو بدهقان [3] على حمار يبيع عطرا وأدهانا. فقال له ابن مفرّغ: من أين أقبلت؟ قال: من الأهواز، قال: ويحك! كيف خلّفت المسرقان وبرد مائه؟ قال: على حاله، قال: ما فعلت دهقانة يقال لها أناهيد بنت أعنق؟
قال: أصديقة ابن مفرّغ؟ قال: نعم، قال: ما تجفّ جفونها من البكاء عليه، فقال لغلامه: أي برد، أما تسمع؟ / قال:
بلى، قال: هو بالرّحمن كافر إن لم يكن هذا وجهي إليها، فقال له برد: أكرمك القوم وقاموا دونك، وزوّجوك كريمتهم، ثم تصنع هذا بهم، وتقدم على ابن زياد بعد خلاصك منه من غير أمره ولا عهد منه ولا عقد! أبق أيها الرجل على نفسك، وأقم بموضعك، وابن بأهلك، وانظر في أمرك، فإن جدّ عزمك كنت حينئذ وما تختاره. قال: دع ذا عنك، هو بالرحمن كافر إن عدل [4] عن الأهواز ولا عرّج على شيء غيرها، ومضى لوجهه من غير أن يعلم أهله، وقال قصيدته:
سما [5] برق الجمانة فاستطارا ... لعلّ البرق ذاك يحور [6] نارا
قعدت له العشاء فهاج شوقي ... وذكّرني المنازل والدّيارا
ديار للجمانة مقفرات ... بلين وهجن للقلب ادّكارا
/ فلم أملك دموع العين منّي ... ولا النّفس التي جاشت مرارا
بسرّق فالقرى من صهرتاج [7] ... فدير الراهب الطلل القفارا
فقلت لصاحبي: عرّج قليلا ... نذاكر شوقنا الدّرس البوارا
بآية ما غدوا وهم جميع ... فكاد الصبّ ينتحر انتحارا
فقال: بكوا لفقدك منذ حين ... زمانا ثم إنّ الحيّ سارا
بدجلة فاستمرّ بهم سفين ... يشقّ صدورها اللّجج الغمارا
كأن لم أغن في العرصات منها ... ولم أذعر بقاعتها صوارا [8]
__________
[1] ف: «إلى الكرج». وفي «شرح البلاغة»:
«إلى الشرف الأعلى ... ... إلى قريات الشيخ من أنهر أربقا»
[2] ف: «نبات» بدل «بنات»، و«شرابا مروقا» بدل «شرابا معتقا».
[3] ب، مد، ما: «بدهان».
[4] ف: «إن عاج عن الأهواز».
[5] ب، ما، مد: «سقى».
[6] يحور: يرجع.
[7] ب، ما، مد: «صهرياج»، تصحيف، وهي موضع بالأهواز. («معجم ياقوت»).
[8] الصوّار (بالضم ويكسر): القطيع من البقر.
ولم أسمع غناء من خليل ... وصوت مقرطق خلع العذارا [1]
قال: فقدم البصرة فذكر لعبيد اللّه بن زياد مقدمه، فلم يعرض له، وأرسل/ إليه أن أقم آمنا، فأقام بالبصرة أشهرا يختلف من البصرة إلى الأهواز، فيزور أناهيد، ويقيم عندها.
ثم أتى عبيد اللّه بن زياد فقال له: إني امرؤ لي أعداء، ولست آمن بعضهم أن يقول شيئا على لساني يحفظ الأمير عليّ، وأحب أن يأذن لي أن أتنحّى عنه، فقال له: حلّ حيث شئت، فخرج حتى قدم على شريك بن الأعور الحارثيّ وهو يومئذ عامل عبيد اللّه بن زياد على فارس وكرمان، فأعطاه ثلاثين ألف درهم، فقدم بها الأهواز فأعطاها أناهيد.
ذهب إلى عبيد اللّه بن أبي بكر فأعطاه وأكرمه
أخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن عمّار، قال: حدّثنا سليمان بن أبي شيخ، قال:
حدثني محمد بن الحكم، عن عوانة:
أنّ عبيد اللّه بن أبي بكرة كتب إلى يزيد بن مفرّغ: إني قد توجهت إلى سجستان فالحق بي، فلعلك إن قدمت عليّ ألّا تندم ولا يذمّ رأيك. فتجهّز ابن مفرّغ وخرج حتى قدم سجستان ممسيا، فدخل عليه فشغله بالحديث، وأمر له بمنزل [2] وفرش وخدم، وجعل يطاوله حتى علم أنه قد استتمّ له ما أمر له به، ثم صرفه إلى المنزل الذي قد هيّىء له، ثم دعا به في اليوم الثاني فقال له: يا بن مفرّغ، إنّك قد تجشّمت إليّ شقّة بعيدة، واتّسع لك الأمل فرحلت إليّ لأقضي عنك دينك ولأغنيك عن الناس، وقلت: أبو حاتم بسجستان فمن لي بالغنى [3] بعده! فقال: واللّه ما أخطأت أيّها الأمير ما كان في نفسي، فقال عبيد اللّه: أما واللّه لأفعلنّ ولأقلّنّ [4] لبثك عندي، ولأحسننّ صلتك، وأمر له بمائة ألف درهم، ومائة وصيفة [5] ومائة نجيبة،/ وأمر له بما ينفقه إلى أن يبلغ بلده سوى المائة الألف، وبمن يكفيه الخدمة من غلمانه وأعوانه [6]، وقال له: إن من خفّة السّفر ألّا تهتمّ بخفّ ولا حافر، وكان مقامه عنده سبعة أيّام.
ثم ارتحل وشيّعه عبيد اللّه [7] إلى قرية على أربعة فراسخ يقال لها: زالق، ثم قال له: يابن مفرّغ، إنه ينبغي للمودّع أن ينصرف، وللمتكلّم أن يسكت، وأنا من قد عرفت، فأبق على الأمل وحسن ظنّك بي ورجائك فيّ، وإذا بدا لك أن تعود فعد، والسلام.
قال: وسار ابن مفرّغ حتى أتى رامهرمز، فنزل بقرية [8] أبجر، فنزلت إليه بنت الأبجر فقالت: يابن مفرّغ، لمن هذا المال؟ قال: لابنة أعنق دهقانة الأهواز، وإذا رسولها في القافلة بكتابها: إنك لو كنت على العهد الأول لتعجّلت إليّ ولم تساير ثقلك، ولكن قد علمت أن المال الذي أعطاكه عبيد اللّه قد شغلك عنّي،/ قال: فأعطى رسولها مالا على أن يقول فيه خيرا، وقد قال لابنة أبجر في جواب قولها له:
__________
[1] ف: «و صوت مقصب خلع العذارا». والمقرطق: الذي يلبس القرطق؛ وهو قباء ذو طاق واحد (معرب).
[2] ف: «و أمر له سرّا بمنزل وفرش».
[3] ب: «بالغناء».
[4] ب، مد: «و لأقيمن لبثك».
[5] ف: «و مائة وصيفة ومائة وصيف، ومائة نحيبة ... ».
[6] ف: «من غلمانه ومواليه».
[7] ف: «عبيد اللّه بن أبي بكرة».
[8] ف: «بقلعة أبجر».
حباني عبيد اللّه يابنة أبجر ... بهذا، وهذا للجمانة أجمع
يقرّ بعيني أن أراها وأهلها ... بأفضل حال ذاك مرأى ومسمع
وخبّرتها قالت: لقد حال بعدنا ... فقد جعلت نفسي إليها تطلّع
وقلت لها لمّا أتاني رسولها ... وأيّ رسول لا يضرّ وينفع
أحبّك ما دامت بنجد وشيجة [1] ... وما رفعت يوما إلى اللّه إصبع
وإني مليء يا جمانة بالهوى ... وصدق الهوى إن كان ذلك يقنع
/ قال: فلما انتهت رسل عبيد اللّه بن أبي بكرة معه إلى الأهواز قالوا له: قد بلغنا حيث أمرنا، قال: أجل، ثم أمر ابنة أعنق أن تفتح الباب وقال لها: كلّ ما دخل دارك فهو لك.
يمدح عبيد اللّه بن أبي بكرة
وأقام بالأهواز، ودعا ندماء كانوا له من فتيان العرب فلم يبق ظريف ولا مغنّ إلا أتاه، واستماحه جماعة قصدوه من أهل البصرة والكوفة والشّام فأعطاهم، ولم يفارق أناهيد ومعه شيء من المال، وجعل القوم يسألونه عن عبيد اللّه بن أبي بكرة وكيف هو وأخلاقه وجوده فقال:
يسائلني أهل العراق عن النّدى ... فقلت: عبيد اللّه حلف المكارم
فتى حاتميّ في سجستان رحله ... وحسبك جودا أن يكون كحاتم
سما لينال المكرمات فنالها ... بشدّة ضرغام وبذل الدّراهم
وحلم إذا ما سورة الحقد [2] أطلقت ... حبا القوم عند الفادح المتفاقم
وإنّ له في كلّ حيّ صنيعة ... يحدّثها الرّكبان أهل المواسم
دعاني إليه جوده ووفاؤه ... ومن دون مسراه عداة الأعاجم
فلم أبق إلا جمعة في جواره ... ويومين حلّا من أليّة آثم [3]
إلى أن دعاني زانه اللّه بالعلا ... فأنبت ريشي من صميم القوادم [4]
وقال: إذا ما شئت يا بن مفرّغ ... فعد عودة ليست كأضغاث حالم
فقلت له - لا يبعد اللّه داره - : ... أعود إذا ما جئتكم غير حاشم
وأحمدت وردي إذ وردت حياضه ... وكلّ كريم نهزة [5] للأكارم
/ فأصبح لا يرجو العراق وأهله ... سواه لنفع أو لدفع العظائم
وإنّ عبيد اللّه هنّا رفده ... سراحا وأعطى رفده غير غانم [6]
__________
[1] الوشيجة: عرق الشجرة.
[2] ف، «المختار»: «سورة الجهل». وسورة الحقد: حدته وشدته.
[3] الألية: القسم. وفي ف، «المختار»: «فلم أثو» بدل «فلم أبق».
[4] ف، «المختار»: «فأنبت من ريشي مهيض القوادم».
[5] النهزة: الفرصة.
[6] هنّأ رفده: أكثره. وفي «المختار»: «غير عاتم» أي غير كافّ عنه بعد أن مضى فيه.
يخدع عمه في أناهيد
وقال الهيثم في خبره: كان عمرو بن مفرّغ، عمّ يزيد بن ربيعة بن مفرّغ، رجلا له جاه وقدر عند السّلطان، وكان ذا مال وثروة، وذا دين وفضل وصلاح، فكان يعنّف ابن أخيه في أمر أناهيد عشيقته، ويعذله ويعيّره بها، فلما أكثر عليه أتاه يوما فقال له: يا عمّ، جعلت فداك، إنّ لي بالأهواز حاجة، ولي على قوم بها نحو من ثلاثين ألف درهم قد خفت أن تتوى [1] عليّ، فإن رأيت أن تتجشّم العناء معي إليها حتى تطالب لي بحقي، وتعينني بجاهك على غرمائي./ وكان عمرو بن مفرّغ قد استخلفه ابن عبّاس عليها؛ إذ كان عامل أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب صلوات اللّه عليه وعلى آله على البصرة، وكان عامل الأهواز - حين سأل ابن مفرّغ عمّه أن يخرج معه - ميمون بن عامر أخو بني قيس بن ثعلبة الذي يقال لدراهمه اليوم الميمونية [2]. فلم يزل ابن مفرّغ بعمه حتى أجابه إلى الخروج فاستأجر سفينة وتوجّه إلى الأهواز، وكتب إلى أناهيد أن تهيّئي وتزيّني بأحسن زينتك، واخرجي إليّ مع جواريك فإني موافيك، ومنزلها يومئذ بين سرّق ورامهرمز.
فلما نزلوا منزلها خرجت إليهم. وجلست معهم في هيئتها وزيّها وحليّها وآلتها، فلما رآها عمّه قال له: قبّحك اللّه! أفهلّا إذ فعلت ما فعلت كنت علقت مثل هذه! [3] فقال: يا عمّ، أو قد أعجبتك؟ فقال: ومن لا تعجبه هذه [3] قال: ألجدّ هذا منك؟ قال: نعم واللّه، قال: فإنها واللّه هذه بعينها، فقال: يا خبيث إنما أشخصتني لهذا، يا غلام ارحل بنا. فانصرف عمّه إلى البصرة/ وأقام هو معها، ولم يزل يتردّد كذلك حتى مات في الطاعون في أيام مصعب بن الزبير.
لزوم غرمائه له لديون ركبته واحتياله لقضائها
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ وحبيب بن نصر المهلّبيّ قالا: حدثنا عمر بن شبّة قال: حدثنا القحذميّ قال:
لزم يزيد بن مفرّغ غرماؤه بدين، فقال لهم: انطلقوا نجلس على باب الأمير، عسى أن يخرج الأشراف من عنده فيروني فيقضوا عنّي، فانطلقوا به، فكان أوّل من خرج إما عمر بن عبيد اللّه بن معمر وأما طلحة الطّلحات، فلما رآه قال: أبا عثمان، ما أقعدك ها هنا؟ قال: غرمائي هؤلاء لزموني بدين لهم عليّ، قال: وكم هو؟ قال:
سبعون ألفا، قال: عليّ منها عشرة آلاف درهم.
ثمّ خرج الآخر على الأثر، فسأله ما سأل صاحبه، فقال: هل خرج أحد قبلي؟ قالوا: نعم، فلان، قال: فما صنع؟ قالوا: ضمن عشرة آلاف درهم، قال: فعليّ مثلها.
ابن أبي بكرة يقضي دينه فيمدحه
قال: ثم جعل الناس يخرجون، فمنهم من يضمن الألف إلى أكثر من ذلك، حتى ضمنوا أربعين ألفا [4].
وكان يأمل عبيد اللّه بن أبي بكرة، فلم يخرج حتى غربت الشمس، فخرج مبادرا، فلم يره حتى كاد يبلغ بيته،
__________
[1] تتوى: تذهب وتهلك.
[2] ب: «المأمونية».
(3 - 3) تكملة من ف.
[4] ف: «أربعين ألف درهم».
فقيل له: إنك مررت بابن مفرّغ ملزوما [1]، وقد مرّ به الأشراف فضمنوا عنه، فقال: واسوأتاه! إنّي أخاف أن يظنّ أنّي تغافلت عنه، فكرّ راجعا، فوجده قاعدا، فقال له: أبا عثمان ما يجلسك ها هنا؟ قال: غرمائي هؤلاء يلزمونني، قال:/ كم عليك؟ قال: سبعون ألفا، قال: وكم ضمن عنك؟ قال: أربعون ألفا، قال: فاستمتع بها وعليّ دينك أجمع، فقال فيه يخاطب نفسه:
لو شئت لم تعني ولم تنصبي ... عشت بأسباب أبي حاتم
عشت بأسباب الجواد الذي ... لا يختم الأموال بالخاتم
من كفّ بهلول له عدّة [2] ... ما إن لمن عاداه من عاصم
المطعم النّاس إذ حاردت ... نكباؤها في الزّمن العارم [3]
والفاصل الخطة يوم اللّجا ... للأمر عند الكربة اللّازم
جاورته حينا فأحمدته ... أثني وما الحامد كالّلائم
كم من عدوّ شامت كاشح ... أخزيته يوما ومن ظالم
/ أذقته الموت على غرّة ... بأبيض ذي رونق صارم
بديح يغني شعرا لابن مفرغ فيصله ويكسوه
أخبرني عمّي، قال: حدّثني أبو أيّوب المدينيّ، قال: حدّثني حمّاد بن إسحاق، عن أبيه، قال:
قدم بديح [4] الكوفة، فغنّى بها دهرا، وأصاب مالا كثيرا، ثمّ خرج إلى البصرة، ثمّ أتى الأهواز، ثمّ عاد إلى البصرة، فصحب ابن مفرّغ [5] في سفينة حتى إذا كان في نهر معقل تغنّى وهو لا يعرف ابن مفرّغ بقوله:
/سما برق الجمانة فاستطارا ... لعلّ البرق ذاك يعود نارا [6]
قال: فطرب ابن مفرّغ وقال: يا ملّاح، كرّ بنا إلى الأهواز، فكرّ وهو يغنّيه، ثمّ كرّ راجعا إلى البصرة، وكرّوا معه، وهو يعيد هذا الصوت. قال: ووصل ابن مفرّغ بديحا [7] وكساه.
صوت
رضيت الهوى إذ حلّ بي متخيّرا ... نديما وما غيري له من ينادمه
أعاطيه كأس الصّبر بيني وبينه ... يقاسمنيها مرّة وأقاسمه
يقال: إنّ الشّعر لبشّار، والغناء للزّبير بن دحمان، هزج بالوسطى عن الهشاميّ وأحمد بن المكّيّ.
__________
[1] لزم المال فلانا: وجب عليه، فهو ملزوم.
[2] البهلول: السيد الجامع لصفات الخير. وفي ب: «له غرّة».
[3] حاردت السنة: قلّ مطرها. والنكباء: ريح انحرفت عن مهابّ الرياح. والزمن العارم: الشديد.
[4] ب: «بدوي».
[5] ف: «ابن مفرغ الحميري».
[6] ف: «يحور نارا».
[7] ب: «بدويا».
19 - أخبار الزبير بن دحمان
قدم على الرشيد من الحجاز والمغنون حزبان
قد مضت أخبار أبيه، ونسبه وولاؤه في متقدّم الكتاب، وكان الزّبير أحد المحسنين المتقنين الرّواة الضّرّاب، المتقدّمين في الصّنعة، وقدم على الرشيد من الحجاز، وكان المغنون في أيّامه حزبين: أحدهما في حزب إبراهيم الموصليّ وابنه إسحاق، والآخر في حزب ابن جامع وابن المهديّ، وكان إبراهيم بن المهديّ أوكد أسباب هذا التّحزّب والتّعصّب لما كان بينه وبين إسحاق [1] وكان الزبير بن دحمان في حزب إسحاق، وأخوه عبيد اللّه في حزب إبراهيم بن المهديّ [1].
يغني الرشيد من غناء المتقدمين فيفضل أخاه
فأخبرني محمد بن مزيد، قال: حدّثني حمّاد بن إسحاق، عن أبيه، قال:
لما قدم الزّبير بن دحمان على الرّشيد من الحجاز، قدم رجل ما شئت من رجل؛ عقلا ونبلا ودينا وأدبا وسكونا ووقارا، وكان أبوه قبله كذلك، وقدم معه أخوه عبيد اللّه [2]، فما وصلا إلى الرشيد، وجلسا معنا، تخيّلت في الزّبير الفضل فقلت لأبي: يا أبت، أخلق بالزّبير أن يكون أفضل من أخيه، فقال: هذا لا يجيء بالظّنّ والتّخيّل [3]، والجواد إنّما يمتحن في الميدان، فقلت له: فالجواد عينه فراره [4]، فضحك، وقال: ننظر في فراستك، فلما غنّيا بان فضل الزّبير وتقدّمه، فاصطفاه أبي واصطفيته لأنفسنا، وقرّظناه [5] ووصفناه، وصار في حيّزنا.
الرشيد يستعيده صوتا من صنعته ثلاث مرات
وغنّى الرّشيد غناء/ كثيرا من غناء المتقدّمين فأجاد وأحسن، وسأله الرّشيد أن يغنّيه شيئا من صنعته، فالتوى بعض الالتواء وقال: قد سمع أمير المؤمنين غناء الحذّاق من المتقدمين وغناء من بحضرته من خدمه، ومن وفد عليه من الحجازيّين، وما عسى أن يأتي من صنعتي؟ فأقسم عليه أن يغنّيه شيئا من صنعته، وجدّ به في ذلك، فكان أول صوت غنّاه منها:
__________
(1 - 1) التكملة من ف.
[2] ب: «عبد اللّه».
[3] «المختار»: «و التخمين».
[4] المثل: «إن الجواد عينه فراره» في «مجمع الأمثال بترتيب الكرماني» - 37 ط. طهران، وجاء فيه: الفرار - بالكسر - النظر إلى أسنان الدابة ليعرف قدر سنه، وهو مصدر، ومنه قول الحجاج: فررت عن ذكاء، ويروى فراره - بالضم - وهو اسم منه؛ يضرب لمن يدل ظاهره على باطنه فيغني عن الاختبار حتى لقد يقال: إن الخبيث عينه فراره.
[5] ف: «و قرّبناه».
صوت
ارحلا صاحبيّ حان الرّحيل ... وابكياني فليس تبكي الطّلول
/ قد تولّى النّهار وانقضت الشّ ... مس يمينا وحان منها أفول
لحن هذا الصوت خفيف ثقيل.
قال:
فسمعت واللّه صنعة حسنة متقنة لا مطعن عليها، فطرب الرّشيد واستعاده هذا الصّوت ثلاث مرّات، وأمر له بثلاثين ألف درهم، ولأخيه بعشرين ألف درهم. ثم لم يزل زبير معنا كواحد منا، وانحاز عبيد اللّه [1] إلى جنبة إبراهيم بن المهديّ، فكان معه. قال حمّاد: فقلت لأبي: كيف كانت صنعة عبيد اللّه [1]؟ قال: أنا أجمل لك القول، لو كان زبير مملوكا لاشتريته بعشرين ألف دينار، ولو كان عبيد اللّه مملوكا ما طابت نفسي على أن أشتريه بأكثر من عشرين دينارا، فقلت: قد أجبتني بما يكفيني.
يغني الرشيد بشعر مدحه به
حدّثني رضوان بن أحمد الصّيدلانيّ، قال: حدثنا يوسف بن إبراهيم، قال: حدثني أبو إسحاق إبراهيم بن المهديّ، ومحمد بن الحارث بن بسختّر: أنّ الرّشيد كتب في إشخاص الزّبير بن دحمان إلى مدينة السّلام [2]، فوافاها واتّفق قدومه في وقت خروج [3] الرّشيد إلى الرّيّ لمحاربة بندار هرمز أصبهبد طبرستان، فأقام الزّبير بمدينة/ السّلام إلى أن دخل الرّشيد، فلما قدم دخل عليه بالخيزرانة [4]، وهو الموضع الذي يعرف بالشّمّاسيّة [5]، فغنّاه في أول غنائه صوتا في شعر قاله هو أيضا في الرّشيد مدحه به، وذكر خروجه إلى طبرستان وهو:
صوت
ألا إنّ حزب اللّه ليس بمعجز ... وأنصاره في منعة المتحرّز
أبى اللّه أن يعصى لهارون أمره ... وذلّت له طوعا يد المتعزّز
إذا الرّاية السّوداء راحت أو اغتدت ... إلى هارب منها فليس بمعجز
لطاعت لهارون العداة لدى الوغا ... وكبّر للإسلام بندار هرمز [6]
لم أجد هذا الصّوت منسوبا في شيء من الكتب إلّا في كتاب بذل، وهو فيه غير مجنس.
وذكر إبراهيم بن المهدي أنّ الشّعر للزّبير بن دحمان، وهذا خطأ؛ الشّعر لأبي العتاهية وهو موجود في شعره من قصيدة طويلة مدح بها الرشيد.
__________
[1] ب: «عبد اللّه».
[2] مدينة السلام هي بغداد.
[3] ب: «يخرج الرشيد ... ».
[4] ف: «الخيزرانية».
[5] الشماسية: منسوبة إلى بعض شماسي النصارى، وهي مجاورة لدار الروم التي في أعلى مدينة بغداد. («معجم ياقوت»).
[6] ف:
«أطاعت ... لذي الوغا ... ... وكفّر للإسلام»
قال أبو إسحاق: فاستحسن الرّشيد الشّعر والغناء، وأمر له بألف دينار فدفعت إليه، ومكث ساعة ثم غنّى صوتا ثانيا وهو:
صوت
وأحور كالغصن يشفي السّقام ... ويحكي الغزال إذا مارنا
شربت المدام على وجهه ... وعاطيته الكأس حتى انثنى
وقلت مديحا أرجّي به ... من الأجر حظّا ونيل الغنى
وأعني بذاك الإمام الذي ... به اللّه أعطى العباد المنى
/ لحن هذا الصوت ثاني ثقيل مطلق.
قال: فما فرغ من الصّوت حتى أمر له بألف دينار آخر فقبضه، وخفّ على قلبه واستظرفه، فأغناه في مدّة يسيرة من الأيّام.
يغني الرشيد بشعر يزيد ندمه على ما فعله بالبرامكة
أخبرني عيسى بن الحسين الورّاق، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد قال: حدثني أبو توبة، عن القطرانيّ، عن محمد بن حبيب قال:
كان الرّشيد بعد قتله البرامكة شديد الأسف عليهم، والتّندّم/ على ما فعله بهم، ففطن لذلك الزّبير بن دحمان، فكان يغنّيه في هذا المعنى ويحرّكه، فغنّاه يوما والشعر لامرأة من بني أسد:
من للخصوم إذا جد الخصام بهم ... يوم النّزال ومن للضّمّر القود [1]
وموقف قد كفيت النّاطقين به ... في مجمع من نواصي النّاس مشهود [2]
فرّجته بلسان غير ملتبس ... عند الحفاظ وقول غير مردود [3]
فقال له الرّشيد: أعد، فأعاد، فقال له: ويحك! كأن قائل هذا الشّعر يصف به يحيى بن خالد، وجعفر بن يحيى، وبكى حتى جرت دموعه، ووصل الزّبير صلة سنيّة.
إسحاق يفضّل الزبير على أبيه وأخيه في الغناء
أخبرني الحسين بن يحيى، عن حماد قال:
كان أبي يقول: ما كان دحمان يساوي على الغناء أربعمائة درهم، وأشبه خلق اللّه به غناء ابنه عبيد اللّه، وكان يفضّل الزبير بن دحمان على أبيه وأخيه [4] تفضيلا بعيدا. وفي الزبير يقول إسحاق وله فيه غناء وهو:
__________
[1] ف: «يوم الجدال» بدل «يوم النزال». والقود جمع أقود، وهو من الخيل الذلول المنقاد، أو الشديد العنق لقلة التفاته.
[2] نواصي الناس: أشرافهم والمتقدمون منهم.
[3] ف: «بلسان غير مشتبه». وفي «المختار»، ف: «و قلب غير مزءود».
[4] ب: «و إخوته».
أسعد بدمعك يا أبا العوّام ... صبّا صريع هوى ونضو سقام
ذكر الأحبّة فاستجنّ وهاجه ... للشوق نوح حمامة وحمام
لم يبد ما في الصّدر إلّا أنّه ... حيّا العراق وأهله بسلام
ودعاه داع للهوى فأجابه ... شوقا إليه وقاده بزمام
الشّعر والغناء لإسحاق ثقيل أول بالوسطى عن عمرو، وهذا الشعر قاله إسحاق وهو بالرّقّة مع الرّشيد يتشوّق إلى العراق.
إسحاق يغني الرشيد بالرقة شعرا يحنّ فيه إلى بغداد
أخبرني عمّي قال: حدثني عليّ بن محمد بن نصر، قال: حدّثني جدّي حمدون [1] بن إسماعيل، قال: قال لي إسحاق:
كنّا مع الرشيد بالرّقّة، وخرج يوما إلى ظهرها يصيد [2]، وكنت في موكبه أساير الزّبير بن دحمان فذكّرني بغداد وطيبها وأهلي وإخواني وحرمي فتشوّقت لذلك شوقا شديدا، وعرض لي همّ وفكر حتى أبكاني، فقال لي الزّبير: ما لك يا أبا محمد؟ فشكوت إليه ما عرض لي، وقلت:
أسعد بدمعك يا أبا العوّام ... صبّا صريع هوى ونضو سقام
وذكر باقي الأبيات، وعلمت أن الخبر سينمي إلى الرشيد، فصنعت في الأبيات لحنا، فلما جلس الرّشيد للشّرب ابتدأت فغنّيته إياه، فقال لي: تشوّقت واللّه يا إسحاق وشوّقت وبلغت ما أردت، وأمر لي بثلاثين ألف درهم، وللزّبير بعشرين ألفا، ورحل إلى بغداد بعد أيّام.
الفضل بن الربيع يغضب من إسحاق
أخبرني يحيى بن عليّ بن يحيى المنجّم، قال: أخبرني أبي، قال: قال لي إسحاق،/ وأخبرني به الحسن بن عليّ، قال: حدّثنا عبد اللّه بن عمرو [3] بن أبي سعد، قال: حدّثني محمد بن عبد اللّه بن مالك، عن إسحاق قال:
جاءني الزّبير بن دحمان ذات يوم مسلّما، فاحتبسته فقال: قد أمرني الفضل بن الرّبيع بأن أصير إليه فقلت:
أقم يا أبا العوّام ويحك نشرب ... ونلهو مع اللّاهين يوما ونطرب
إذا ما رأيت اليوم قد جاء خيره ... فخذه بشكر واترك الفضل يغضب
/ قال: فأقام عندي فشربنا باقي يومنا، ثم سار [4] الزّبير إلى الفضل، فسأله عن سبب تأخره عنه، فحدّثه بالحديث، وأنشده الشعر، فغضب وحوّل وجهه عنّي، وأمر عونا حاجبه ألّا يدخلني اليوم ولا يستأذن لي عليه، ولا يوصّل لي رقعة إليه، قال: فقلت:
__________
[1] ب: «جدي عن حمدون بن إسماعيل».
[2] ف: «يتصيّد».
[3] ف: «عبد اللّه بن عمر».
[4] ف: «صار».
حرام عليّ الكأس ما دمت غضبانا ... وما لم يعد عنّي رضاك كما كانا
فأحسن فإنّي قد أسأت ولم تزل ... تعوّدني عند الإساءة إحسانا
قال: وأنشدته إياهما، فضحك ورضي عنّي، وعاد إلى ما كان عليه.
وأخبرني الحسين [1] بن يحيى، عن حمّاد، عن أبيه بهذا الخبر، فذكر نحو ما ذكره الآخران [2] وزاد فيه:
وقلت في عون حاجبه:
عون يا عون ليس مثلك عون ... أنت لي عدّة إذا كان كون
لك عندي واللّه إن رضي الفض ... ل غلام يرضيك أو برذون
فأتى عون الفضل بالشّعرين جميعا، فلما قرأهما ضحك وقال له: ويلك إنما عرّض لك بقوله: «غلام يرضيك» بالسّوأة، فقال: قد وعدني ما سمعت، فإن شئت أن تحرمنيه فأنت أعلم، فأمره أن يرسل إليّ وأتاني رسوله، فصرت إليه ورضي عنّي.
إسحاق والزبير يحكمان حبشيّا في غنائهما
أخبرني الحسن بن عليّ، قال: حدّثني عبد اللّه بن أبي سعد، قال: حدّثني محمد بن عبد اللّه بن مالك، قال:
حدّثني إسحاق، قال:
كان عندي الزّبير بن دحمان يوما، فغنّيت لحن أبي [3]:
أشاقك من أرض العراق طلول ... تحمّل منها جيرة وحمول!
فقال لي الزّبير: أنت الأستاذ وابن الأستاذ السيد، وقد أخذت عن أبيك هذا الصوت وأنا أغنّيه أحسن، فقلت له: واللّه إني لا أحبّ أن يكون ذلك كذلك [4] فغضب وقال: فأنا واللّه أحسن غناء منك. وتلاحينا طويلا، فقلت له:
هلمّ نخرج إلى صحراء الرّقّة، فيكون أكلنا وشربنا هناك، ونرضى في الحكم بأول من يطلع علينا، قال: أفعل.
فأخرجنا طعامنا وشرابنا وجلسنا نشرب على الفرات، فأقبل حبشيّ يحفر الأرض بالبال [5]، فقلت له: أترضى بهذا قال: نعم، فدعوناه فأطعمناه وسقيناه، وبدرني الزبير بالغناء، فغنّى الصوت، فطرب الحبشيّ وحرّك رأسه حتى طمع الزبير فيّ، ثم أخذت العود فغنيته فتأملني الحبشيّ ساعة ثم صاح، وأيّ شيطان هوه! ومدّ بها صوته، فما أذكر أنّي ضحكت مثل ضحكي يومئذ، وانخزل الزّبير.
نسبة هذا الصوت
صوت
شعر لأبي العتاهية يمدح به الفضل بن الربيع وفيه غناء
__________
[1] ب: «الحسن بن يحيى».
[2] ب: «الآخر».
[3] ب: «لحن إسحاق».
[4] ب: «و اللّه إني لأحب».
[5] البال: ما يعتمل به في أرض الزرع. وفي ب: «بالناب».
أشاقك من أرض العراق طلول ... تحمّل منها جيرة وحمول!
وكيف ألذّ العيش بعد معاشر ... بهم كنت عند النّائبات أصول!
الشعر لأبي العتاهية، والغناء لإبراهيم ثقيل أوّل بالسبابة في مجرى البنصر، عن أحمد بن المكّيّ، وفيه للحسين بن محرز ثقيل أوّل بالوسطى.
وهذان البيتان من قصيدة مدح بها أبو العتاهية الفضل بن الرّبيع، قال: أنشدنيها/ عبد اللّه بن الرّبيع الربيعيّ، قال: أنشدنيها/ أبو سويد عبد القويّ [1] بن محمد بن أبي العتاهية لجدّه يمدح الفضل بن الربيع، وإنما ذكرت ذلك ها هنا لأنّ من الناس من ينسبهما إلى غيره، فذكرت الأبيات الأول، وفيها يقول في مدح الفضل بن الرّبيع:
قبائل من أقصى وأدنى تجمّعت ... فهنّ على آل الرّبيع كلول
تمرّ ركاب السّفر تثني عليهم ... عليها من الخير الكثير حمول
إليك أبا العبّاس حنّت بأهلها ... مغان وحنّت ألسن وعقول
وأنت جبين الملك بل أنت سمعه ... وأنت لسان الملك حين تقول
وللملك ميزان يداك تقيمه ... يزول مع الإحسان حيث يزول
الرشيد يرضى عن أم جعفر بعد أن سمع غناء للزبير من شعر ابن الأحنف
حدثني الصّوليّ، قال: حدثني المغيرة بن محمد المهلّبيّ، قال: حدّثنا الزّبير، قال: حدثني رجل من ثقيف، قال:
غضب الرشيد على أمّ جعفر، ثم ترضّاها فأبت أن ترضى عنه، فأرق ليلته ثم قال: افرشوا لي على دجلة، ففعلوا، فقعد ينظر إلى الماء وقد رأى زيادة عجيبة، فسمع غناء في هذا الشعر:
صوت
جرى السيل فاستبكاني السّيل إذ جرى ... وفاضت له من مقلتيّ غروب
وما ذاك إلّا حين خبّرت أنّه ... يمرّ بواد أنت منه قريب
يكون أجاجا ماؤه فإذا انتهى [2] ... إليكم تلقّى طيبكم فيطيب
فيا ساكني شرقيّ دجلة كلّكم ... إلى القلب من أجل الحبيب حبيب
/ الشعر للعبّاس بن الأحنف، والغناء للزّبير بن دحمان، خفيف رمل بالوسطى، عن الهشاميّ.
فسأل عن النّاحية التي فيها الغناء فقيل: دار ابن المسيّب، فبعث إليه أن ابعث بالمغنيّ، فإذا هو الزّبير بن دحمان، فسأله عن الشعر فقال: هو للعبّاس بن الأحنف، فأحضر واستنشده، فأنشده إياه، وجعل الزّبير يغنّيه وعبّاس ينشده، وهو يستعيدهما، حتى أصبح، وقام فدخل إلى أمّ جعفر، فسألت عن سبب دخوله فعرّفته، فوجّهت إلى العبّاس بألف دينار، وإلى الزّبير بألف دينار أخرى.
__________
[1] ف: «عبد العزيز».
[2] ف: «يكون أجاجا دونكم فإذا انتهى».
الرشيد يفضل لحنه على عشرين لحنا صنعها زملاؤه
أخبرني عمّي، قال: حدّثني عليّ بن محمد، عن جدّه حمدون، قال:
تشوّق الرّشيد بغداد وهو بالرّقّة، فانحدر إليها، وأقام بها مدّة، وخلّف هناك بعض جواريه، وكانت حظيّة له فيهن خلّفها لمغاضبة كانت بينه وبينها، فتشوّقها تشوّقا شديدا، وقال فيها:
صوت
سلام على النّازح المغترب ... تحيّة صبّ به مكتئب
غزال مراتعه بالبليخ ... إلى دير زكّى فجسر الخشب [1]
أيا من أعان على نفسه ... بتخليفه طائعا من أحبّ
سأستر والسّتر من شيمتي ... هوى من أحبّ لمن لا أحبّ [2]
وجمع المغنين، فحضر إبراهيم الموصليّ، وابن جامع، وفليح، وزبير بن دحمان، والمعلّى بن طريف، وحسين بن محرز، وسليم بن سلام، ويحيى المكيّ، وابنه، وإسحاق، وأبو زكار/ الأعمى، وأعطاهم الشعر وقال: ليعمل كل واحد منكم فيه/ لحنا. قال: فلقد عملوا فيه عشرين لحنا، فما أعجب منها إلا بلحن الزّبير وحده، أعجب به إعجابا شديدا، وأجازه خاصّة دون الجماعة بجائزة سنيّة.
غنّى إبراهيم في هذه الأبيات ولحنه ما خوريّ بالوسطى [3]، ولفليح فيها ثاني ثقيل بالوسطى، ولابن جامع رمل بالبنصر، ولابن المكيّ ثقيل أول بالوسطى، وللزبير بن دحمان خفيف ثقيل بالسبابة في تجرى البنصر، وللمعلّى خفيف رمل بالوسطى، ولإسحاق رمل بالوسطى، وللحسين بن محرز هزج بالوسطى.
صوت
يا ناعش الجدّ إذا الجدّ عثر ... وجابر العظم إذا العظم انكسر
أنت ربيعي والرّبيع ينتظر ... وخير أنواء [4] الرّبيع ما بكر
الشعر للعمانيّ الراجز، والغناء لشارية خفيف رمل، من كتاب ابن المعتز وروايته.
__________
[1] ب: «بقصر الخشب»، وفي ف: «بقصر الحزب». والبليخ: نهر بالرقة. ودير زكي: دير بالرها.
[2] ب: «هوى من أحب بمن لا أحب».
[3] ف: «و لحنه ماخوري بالوسطى ولابن صغير العين خفيف ثقيل بالسبابة في مجرى البنصر وللمعلى خفيف رمل ... الخ».
[4] ب: «أنواع».
20 - نسب العماني وخبره [1]
نسبه
اسمه محمد بن ذؤيب بن محجن بن قدامة بن بلهيّة [2] الحنظليّ ثمّ الدّارميّ صليبة، وقيل له: العمانيّ، وهو بصريّ؛ لأنه كان شديد صفرة اللون، وليس هو ولا أبوه من أهل عمان، وكان شاعرا راجزا متوسطا، من شعراء الدولة العباسية، ليس من نظراء الشعراء الذين شاهدهم في عصره، مثل أشجع وسلم ومروان، ولكنه كان لطيفا داهيا مقبولا، فأفاد بشعره [3] أموالا جليلة.
يدخل على الرشيد وينشده فيجزل صلته
أخبرني ابن أبي الأزهر، قال: حدّثنا حمّاد بن إسحاق، عن أبيه، عن جبر بن رياط الأسديّ:
أنّ عبد الملك بن صالح أدخل العمانيّ على الرّشيد فأنشده:
يا ناعش الجدّ إذا الجدّ عثر ... وجابر العظم إذا العظم انكسر
أنت ربيعي والربيع ينتظر ... وخير أنواء الربيع ما بكر
فقال له الرشيد: إذا يبكر عليك ربيعنا، يا فضل، أعطه خمسة آلاف دينار، وخمسين ثوبا.
قال إسحاق: قال جبر: لما دخل الرّشيد الرّقّة استقبله العمانيّ، فلما بصر به ناداه:
هارون يابن الأكرمين منصبا ... لما ترحّلت فصرت كثبا
من أرض بغداد تؤمّ المغربا ... طابت لنا ريح الجنوب والصّبا
ونزل الغيث لنا حتى ربا ... ما كان من نشز وما تصوّبا [4]
فمرحبا ومرحبا ومرحبا
/ فقال له الرّشيد: وبك مرحبا يا عمانيّ وأهلا، وأجزل صلته.
ينشد الرشيد أرجوزة طويلة أثناء قعوده للبيعة لابنه محمد
أخبرني محمد بن جعفر النّحويّ صهر المبرّد المعروف بابن الصّيدلانيّ [5]، قال: حدّثنا محمد بن موسى،
__________
[1] ف: «و أخباره».
[2] ب: «باسية».
[3] ب، ما: «بفعله». وفي مد: «فأفاد أموالا جليلة».
[4] ف: «حيث ربا» بدل «حتى ربا». وتصوب: انحدر، ومنه قول الصنوبري:
وكأنّ محمرّ الشقي ... ق إذا تصوّب أو تصعّد
أعلام ياقوت نشر ... ن على رماح من زبرجد
[5] ف: «المعروف بالصيدلاني».
عن حمّاد، قال: قال العتبيّ [1]:
لما وجّه الفضل بن يحيى الوفد من خراسان إلى الرّشيد يحضّونه على البيعة لابنه محمّد قعد لهم [2] الرّشيد، وتكلم القوم على مراتبهم، وأظهروا السرور بما دعاهم إليه من البيعة لابنه، وكان فيمن حضر محمد بن ذؤيب العمانيّ، فقام بين صفوف القوّاد، ثم أنشأ يقول:
لمّا أتانا خبر مشهّر ... أغرّ لا يخفى على من يبصر
جاء به الكوفيّ والمبصّر ... والراكب المنجد والمغوّر
/ يخبّر النّاس وما يستخبر ... قلت لأصحابي ووجهي ومسفر
وللرجال: حسبكم لا تكثروا ... فاز بها محمد فأقصروا
قد كان هذا قبل هذا يذكر ... في كتب العلم التي تسطّر [3]
فقل لمن كان قديما يتجر: ... قد نشر العدل [4] فبيعوا واشتروا
وشرّقوا وغرّبوا وبشّروا [5] ... فقد كفى اللّه الذي يستقدر
بمنّه أفعال ما قد يحذر ... والسيف عنّا مغمد ما يشهر
وقلّد الأمر الأغرّ الأزهر ... نوء السّماكين الذي يستمطر
بوجهه إن كان عام أغبر ... سرّت به أسرّة ومنبر
وابتهج [6] النّاس به واستبشروا ... وهلّلوا لربّهم وكبّروا
/ شكرا ومن حقّهم أن يشكروا ... إذ ثبتت أوتاد ملك يعمر
من هاشم في حيث طاب العنصر ... وطاح من كان عليها يزفر
إنّ بني العبّاس لم يقصّروا ... إذ نهضوا لملكهم فشمّروا
وعقدوا ونزعوا وأمّروا ... ودبّروا فأحكموا ما دبّروا
وأوردوا بالحزم ثم أصدروا ... والحزم رأي مثله لا ينكر
إذا الرّجال في الرّجال خيّروا ... يا أيها الخليفة المطهّر
والمؤمن المبارك الموقّر [7] ... والطّيّب الأغصان والمظفّر
ما النّاس إلا غنم تنشّر ... إن لم تداركهم براع يخطر
على قواصي طرقها ويستر [8] ... ويمنع الذّئب فلا ينفّر
فامنن علينا بيد لا تكفر ... مشهورة ما دام زيت يعصر
__________
[1] ف: «الفقيمي».
[2] ب: «فعذلهم»، تصحيف.
[3] ب: «الذي يسطر».
[4] ف: «قد يسر العدل».
[5] ف: «و غربوا وسيروا».
[6] ف: «و انتجع الناس».
[7] ف: «المؤمر».
[8] مد:
«على قواصي طوقها ويستر»
وفي ب:
«على قلوص طرقها ويستر»
وانظر لنا وخلّ من لا ينظر ... واجسر كما كان أبوك يجسر
لا خير في مجمجم [1] لا يظهر ... ولا كتاب بيعة لا ينشر
وقد تربّصت فليس تعذر [2] ... فليت شعري ما الذي تنتظر!
أأنت قائم به أم تسخر [3] ... ما لك في محمد لا تعذر!
وليت شعري والحديث يؤثر ... أترقد الليل ونحن نسهر!
خوفا على أمورنا ونضجر ... واللّه واللّه الذي يستغفر
/ لأن يموت معشر ومعشر ... خير لنا من فتنة تسعّر
يهلك فيها دينهم ويوزروا ... وقد وفى القوم الذين انتصروا [4]
لصاحب الرّوم وذاك أصغر ... منه وهذا البحر لا يكدّر
وذاكم العلج وهذا الجوهر ... ينمي به محمد وجعفر
والخلفاء والنّبيّ الأكبر ... ونبعة من هاشم وعنصر
واعلم وأنت المرء لا يبصّر ... [5] (و اللّه يبقيك وتجبر [5]
منّا ذوي العسرة حتى يوسروا ... / أنّ الرّجال إن ولوها آثروا
ذوي القرابات بها، واستأثروا ... بها، وضلّ أمرهم واستكبروا
والملك لا رحم له فيأصر ... ذا رحم والناس قد تغيّروا
فأحكم الأمر وأنت تقدر ... فمثل هذا الأمر لا يؤخّر
فلما فرغ من أرجوزته قال له الرشيد: أبشر يا عمانيّ بولاية محمد العهد، فقال: إي واللّه يا أمير المؤمنين، بشرى الأرض المجدبة بالغيث، والمرأة النّزور بالولد، والمريض المدنف بالبرء، قال: ولم ذاك؟ قال: لأنه نسيج وحده، وحامي مجده، وموري زنده. قال: فما لك في عبد اللّه [6]، قال: مرعى ولا كالسّعدان، فتبسّم الرّشيد وقال: قاتله اللّه من أعرابيّ ما أعرفه بمواضع الرغبة، وأسرعه إلى أهل البذل والعائدة، وأبعده من أهل الحزم والعزم، والذين لا يستمنح ما لديهم بالثّناء، أما واللّه إني لأعرف في عبد اللّه حزم المنصور ونسك المهديّ، وعزّ نفس الهادي، ولو أشاء أن أنسبه إلى الرّابعة لنسبته إليها.
يرشح القاسم لولاية العهد في أرجوزة ينشدها للرشيد
أخبرني الحسن بن عليّ، قال: حدّثنا محمد بن القاسم بن مهرويه، قال: حدّثنا عليّ بن الحسن الشّيبانيّ، وأخبرني به محمد بن جعفر، عن محمد بن موسى، عن حمّاد، عن أبي محمد المطبخيّ [7]، عن عليّ بن الحسن
__________
[1] جمجم الشيء في صدره: أخفاه ولم يبده فهو مجمجم.
[2] ب: «فلست تغدر».
[3] ف: «أنائم أنت به أم تسهر».
[4] مد، ما: «انتظروا». وفي ف: «نصّروا». ويوزروا: يصابوا بالوزر، وهو الذنب.
(5 - 5) التكملة من ف.
[6] يعني المأمون.
[7] ب: «المضهنجي».
الشّيبانيّ، قال: أخبرني أبو خالد الطائيّ، عن جبير بن ضبينة الطائيّ، قال: أخبرني الفضل [1]، قال:
حضرت الرّشيد يوما وجلس للشعراء، فدخل عليه الفضل بن الرّبيع وخلفه العمانيّ، فأدناه الرّشيد واستنشده، فأنشده أرجوزة له فيه، حتى انتهى إلى هذا الموضع:
قل للإمام المقتدى بأمّه [2]: ... ما قاسم دون مدى ابن أمّه
وقد رضيناه فقم فسمّه
قال: فتبسّم الرّشيد ثم قال: ويحك! أما رضيت أن أولّيه العهد وأنا جالس حتى أقوم على رجلي! فقال له العمانيّ: ما أردت يا أمير المؤمنين قيامك على رجليك؛ إنما أردت قيام العزم، قال: فإنا قد ولّيناه العهد، وأمر بالقاسم أن يحضر. ومرّ العمانيّ في أرجوزته يهدر حتى أتى على آخرها، وأقبل القاسم فأومأ إليه الرشيد، فجلس مع أخويه فقال له: يا قاسم، عليك جائزة هذا الشّيخ، فقد سألنا أن نولّيك العهد وقد فعلنا، فقال: حكمك يا أمير المؤمنين، فقال: وما أنا وهذا! بل حكمك، وأمر له الرّشيد بجائزة، وأمر له القاسم بجائزة أخرى مفردة.
يمدح أبا الحرّ التميمي
أخبرني محمد بن مزيد، قال: حدّثنا حمّاد بن إسحاق، عن أبيه قال:
دخل محمد بن ذؤيب العمانيّ على أبي الحرّ التّميميّ بالبصرة، فأطعمه وسقاه وجلّله بكساء فقال فيه:
إن أبا الحرّ لعين الحرّ ... يدفع عنّا سبرات القرّ [3]
باللحم والشّحم وخبز البرّ ... ونطفة مكنونة في الجرّ [4]
يشربها أشياخنا في السّرّ ... حتى نرى حديثنا كالدّرّ
ويمدح عبد الملك بن صالح فيثيبه
أخبرني محمد بن مزيد، قال: حدّثنا حمّاد [5]، عن أبيه، قال:
قصد العمانيّ عبد الملك بن صالح/ الهاشميّ متوسّلا به إلى الرشيد في الوصول إليه مع الشعراء، ومدح عبد الملك بقصيدته التي يقول فيها:
نمته العرانين [6] من هاشم ... إلى النّسب الأوضح الأصرح
إلى نبعة فرعها في السماء ... ومغرسها سرّة الأبطح
فأدخله عبد الملك إلى الرّشيد بالرّقة فأنشده:
هارون يابن الأكرمين حسبا ... لما ترحّلت فكنت كثبا
من أرض بغداد تؤمّ المغربا ... طابت لنا ريح الجنوب والصّبا
__________
[1] ف: «أبو خالد عن يحيى بن صفية الطائي، قال: أخبرني الفضل».
[2] أمّ القوم وبهم: تقدّمهم.
[3] السبرات جمع سبرة، وهي الغداة الباردة.
[4] ب: «في الحر» والجر جمع جرّة، وهي إناء من خزف.
[5] ف: «حماد بن إسحاق».
[6] ف: «الغرانيق». وعرانين القوم: سادتهم وأشرافهم.
ونزل الغيث لنا حتى ربا ... ما كان من نشز وما تصوّبا [1]
فمرحبا ومرحبا ومرحبا
/ فأعطاه خمسة آلاف دينار وخمسين ثوبا.
يصف طعاما قدمه له محمد بن سليمان
أخبرني عمّي والحسين بن القاسم الكوكبيّ، قالا: حدثنا عبد اللّه بن أبي سعد، قال: حدّثنا إسحاق بن عبد اللّه الأزديّ، عن محمد بن عبد اللّه العامريّ القرشيّ، عن العمانيّ الشاعر:
أنه تغدّى مع محمد بن سليمان بن عليّ، فكان أوّل ما قدّم إليهم فرنيّة [2] في لبن عليها سكر، ثم تتابع الطّعام، فقال له: قل فيما أكلت شعرا تصفه، فقال:
جاءوا بفرنى لهم ملبون ... بات يسقّى خالص السّمون
مصومع أكوم ذي غضون [3] ... قد حشيت بالسكّر المطحون
ولوّنوا ما شئت من تلوين ... من بارد الطّعام والسّخين
ومن شراسيف ومن طردين ... ومن هلام ومصوص جون [4]
ومن إوزّ فائق سمين ... ومن دجاج قيت بالعجين [5]
فالشّحم في الظّهور والبطون ... وأتبعوا ذلك بالجوزين
وبالخبيص الرّطب واللّوزين ... وفكّهوا بعنب وتين
والرّطب الأزاذ [6] والهيرون [7] ... محمد يا سيّد البنين
/ وبكر بنت المصطفى الأمين [8] ... الصادق المبارك الميمون
وابن ولاة البيت والحجون ... اسمع لنعت غير ذي تغنين
يخرج من فنّ إلى فنون ... إن الحديث فيك ذو شجون
سبب تسميته العماني
أخبرنا الحسن بن عليّ، قال: حدّثنا محمد بن القاسم بن مهرويه، قال: حدّثني أحمد بن أبي كامل، قال:
حدّثني أبو هاشم القينيّ، قال:
كان محمد بن ذؤيب العمانيّ الراجز من أهل البصرة، ويكنى أبا عبد اللّه وإنّما قيل له العمانيّ؛ لأنّه أقبل يوما
__________
[1] انظر ص 311 (الحاشية 4).
[2] الفرنية: خبز مستدير.
[3] مصومع: مجمع عال. وفي ف: «أكرم» بدل «أكوم».
[4] الشراسيف جمع شرسوف: وهو مقط الضلع، وهو الطرف المشرف على البطن. والطردين: طعام للأكراد. والهلام: طعام من لحم عجلة بجلدها أو مرق السكباج المبرد المصفى من الدهن. والمصوص: طعام يطبخ وينقع في الخلّ أو من لحم الطير خاصة.
[5] ب: «فت».
[6] الأزاذ: نوع جيد من التمر.
[7] الهيرون: البرّيّ من التمر والرطب.
[8] ف: «و ابن عم المصطفى الأمين».
وقد خرج من علّة ووجهه أصفر، فقال له بعض أصحابنا: يا أبا عبد اللّه قد خرجت من هذه العلّة كأنك جمل عمانيّ، قال: وكانت جمال عمان تحمل الورس من اليمن إلى عمان فتصفرّ، قال: وهو من بني تميم، ثم من بني فقيم.
يمدح عيسى بن موسى فيصله
قال: فقدم على عيسى بن موسى، فلمّا وصل إليه أنشده مديحا له وفد إليه به، فاستحسنه ووصله واقتطعه إليه وخصّه، وجعله في جلسائه، فقال العمانيّ فيه:
/ما كنت أدري ما رخاء العيش ... ولا لبست الوشي بعد الخيش
حتى تمدّحت فتى قريش ... عيسى، وعيسى عند وقت الهيش [1]
حين يخفّ غيره للطّيش [2] ... زين المقيمين وعزّ الجيش
راش جناحيّ وفوق الرّيش
ينشد الرشيد قصيدة أثناء حصاره هرقلة يذكر فيها بغداد
أخبرني حبيب بن نصر المهلبيّ، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد، قال: حدّثني أحمد بن عليّ بن أبي نعيم، قال: حدّثنا موسى بن صبيح المروزيّ، قال:
/ خرج الرّشيد غازيا بلاد الرّوم، فنزل بهرقلة، ونصب الحرب عليها، فدخل عليه العمانيّ وهو يذكر بغداد وطيبها وما فيها أهلها من النّعمة، فأنشده العمانيّ قصيدة له في هذا المعنى، يذكر فيها طيب العيش ببغداد، وسعة النعم، وكثرة اللذّات، يقول فيها:
ثم أتوهم بالدّجاج الدّجّج ... بين قديد وشواء منضج
وبعبيط ليس بالملهوج ... فدقّ دقّ الكودنيّ الدّيرج [3]
حتى ملا أعفاج [4] بطن نفّج ... وقال للقينة: صبّي وامزجي
قال: فوهب له على القصيدة ثلاثين ألف درهم.
ابن جامع يغني الرشيد شعرا في ضرب هرقلة
ثم دخل إليه ابن جامع وقد أمر الرّشيد أن يوضع الكبريت والنّفط الأبيض على الحجارة، وتلفّ بالمشاقة [5]، وتوقد فيها النار، ثم توضع في كفّة المنجنيق ويرمى بها السّور، ففعلوا ذلك، وكانت النار تثبت في السّور وتصدّعه حتى طلبوا الأمان حينئذ، فغنّاه ابن جامع وقال:
هوت هرقلة لمّا أن رأت عجبا ... حوائما [6] ترتمي بالنّفط والنّار
__________
[1] الهيش: الفتنة.
[2] ب، مد، ما: «حين تجف عبرة للطيش».
[3] لحم عبيط: طري. والكودني: الفيل. وفي ف: «فدق دق الكودرين الديرج».
[4] الأعفاج جمع عفج، وهو ما ينتقل الطعام إليه بعد المعدة. وفي ف: «حتى ملأ أنفاج بطن تنتجي».
[5] المشاقة: ما سقط من الشعر والكتان ونحوهما عند المشط.
[6] ب، مد، ما: «جواثما».
كأنّ نيراننا في جنب قلعتهم ... مصبّغات على أرسان قصّار
فأمر له بثلاثين ألف درهم أخرى.
يرتجل شعرا في فرس للمهديّ فيجيزه
أخبرني جعفر بن قدامة، قال: حدّثني أبو هفّان، قال: حدّثني أحمد بن سليمان، قال: قال يزيد بن عقال [1]:
/كنا وقوفا والمهديّ قد أجرى الخيل فسبقها فرس له يقال له الغضبان، فطلب الشّعراء فلم يحضر أحد منهم إلا أبو دلامة، فقال له: قلّده يا زند، فلم يفهم ما أراد فقلّده عمامته، فقال له المهديّ: يا بن اللّخناء، أنا أكثر عمائم منك؛ إنما أردت أن تقلّده شعرا، ثم قال: يا لهفي على العمانيّ، فلم يتكلّم بها حتى أقبل العمانيّ، فقيل له:
ها هو ذا قد أقبل الساعة يا أمير المؤمنين، فقال: قدّموه، فقدّموه فقال: قلّد فرسي هذا، فقال غير متوقف:
قد غضب الغضبان إذ جدّ الغضب ... وجاء يحمي حسبا فوق الحسب
من إرث عبّاس بن عبد المطّلب ... وجاءت الخيل به تشكو التّعب
له عليها ما لكم على العرب
فقال له المهديّ: أحسنت واللّه، وأمر له بعشرة آلاف درهم.
صوت
لقد علمت وما الإسراف من خلقي ... أن الذي هو رزقي سوف يأتيني
أسعى له فيعنّيني تطلّبه ... ولو قعدت أتاني لا يعنّيني
الشعر لعروة بن أذينة، والغناء لمخارق ثقيل أول بالبنصر عن عمرو.
__________
[1] ب، ما، مد: «يزيد بن عفان».
21 - أخبار عروة بن أذينة ونسبه [1]
نسبه
هو عروة بن أذينة، وأذينة لقبه، واسمه يحيى بن مالك [2] بن الحارث بن عمرو بن عبد اللّه بن زحل بن يعمر، وهو الشّدّاخ بن عوف بن كعب بن عامر بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار. وسمّي يعمر بالشّدّاخ لأنه تحمّل ديات قتلى كانت بين قريش وخزاعة، وقال: قد شدخت هذه الدّماء تحت قدميّ، فسمّي الشّدّاخ.
قال ابن الكلبيّ: الشّدّاخ، بضمّ الشّين.
شاعر وفقيه ومحدّث
ويكنى عروة بن أذينة أبا عامر، وهو شاعر غزل مقدّم، من شعراء أهل المدينة، وهو معدود في الفقهاء والمحدّثين، روى عنه مالك بن أنس، وعبيد اللّه بن عمر العدويّ. أخبرني بذلك أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ، عن عمر بن شبّة، وروى جدّه مالك بن الحارث عن عليّ بن أبي طالب عليه السّلام.
روى قصة عن جده مالك
أخبرني الحسن بن عليّ قال: حدّثنا محمد بن موسى، قال: حدّثنا أحمد بن الحارث، عن المدائنيّ، عن ابن دأب، عن عروة بن أذينة، عن أبيه، قال: حدّثني أبي مالك بن الحارث قال:
خرج مع عليّ بن أبي طالب عليه السلام رجل من قومي كان مصطلما [3]، فخرجت في أثره وخشيت انقراض أهل بيته، فأردت أن أستأذن له من عليّ، فأدركت عليّا عليه السلام بالبصرة، وقد هزم النّاس ودخل البصرة، فجئته فقال:/ مرحبا بك يا بن الفقيمة، أبدا لك فينا بداء [4]؟ قلت: واللّه إنّ نصرتك لحقّ، وإنّي لعلى ما عهدت أحبّ العزلة، ثم ذاكرته أمر ابن عمّي ذلك، فلم يبعد عنه [5]، فكنت آتيه أتحدّث إليه. فركب يوما يطوف وركبت معه، فإني لأسير إلى جانبه إذ مررنا بقبر طلحة، فنظر إليه نظرا شديدا، ثم أقبل عليّ فقال: أمسى واللّه أبو محمد بهذا المكان غريبا، ثم تمثّل:
وما تدري وإن أزمعت أمرا ... بأيّ الأرض يدركك المقيل
__________
[1] جاءت هذه الترجمة في الجزء الحادي والعشرون 105 - 111 بعد أن سقطت من نسخة بولاق وموضعها هنا، كما جاءت في نسخة ف وغيرها من النسخ الخطية الموثوقة.
[2] «مهذب الأغاني»: «يحيى بن مالك الليثي الكناني».
[3] المصطلم: المقطوع.
[4] البداء، بفتح الباء: ظهور الرأي بعد أن لم يكن. ويقال: بدا لي في هذا الأمر بداء: ظهر لي فيه رأي آخر.
[5] ف: «يبعد منه».
واللّه إنّي لأكره أن تكون قريش قتلى تحت بطون الكواكب. قال: فوقع العراقيّون يشتمون طلحة وسكت عليّ وسكتّ، حتى إذا فرغوا أقبل عليّ عليه السلام عليّ فقال: إيه يابن الفقيمة، واللّه إنه وإن قالوا ما سمعت لكما قال أخو جعفيّ:
فتى كان يدنيه الغنى من صديقه ... إذا ما هو استغنى ويبعده الفقر
ثم أردت أن أكلّمه بشيء فقلت: يا أمير المؤمنين، فقال: وما منعك أن تقول: يا أبا الحسن [1]! فقلت:
أبيت، فقال: واللّه إنّها لأحبّهما إليّ ولولا الحمقى، ولوددت أني خنقت بحبل حتى أموت قبل أن يفعل عثمان ما فعل، وما أعتذر من قيام بحقّ، ولكنّ العافية مما ترى كانت خيرا.
ذهب مع أبيه لمكة ورأى حريق الكعبة
حدّثنا محمد خلف وكيع، والحسن بن عليّ الخفّاف، قالا: حدّثنا الحارث بن أبي أسامة، قال: حدّثنا محمد بن سعد، عن الواقديّ، عن عبد اللّه بن يزيد، عن عروة بن أذينة، قال:
قدمت مع أبي مكّة يوم احترقت الكعبة، فرأيت الخشب وقد خلصت إليه/ النّار، ورأيت الكعبة متجرّدة، من الحريق، ورأيت الرّكن قد اسودّ وتصدّع من ثلاثة أمكنة، فقلت: ما أصاب الكعبة؟ فأشاروا إلى رجل من أصحاب ابن الزّبير فقالوا: هذا احترقت بسببه؛ أخذ قبسا في رأس رمح، فطيّرت الرّيح [2] منه شيئا، فضربت أستار الكعبة فيما بين اليمانيّ إلى الأسود.
وفد على هشام فذكّره بشعره في القناعة ولامه ثم ندم فأرسل إليه جائزة
حدّثني محمد بن جرير الطّبريّ وحفظته، وأخبرنا به أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ، وحبيب بن نصر المهلّبيّ قالوا: حدثنا عمر بن شبّة، قال: حدّثني عمر بن محروس الورّاق بن أقيصر السّلميّ، قال: حدّثنا يحيى بن عروة بن أذينة، قال:
أتى أبي وجماعة من الشعراء هشام بن عبد الملك، فنسبهم، فلما عرف أبي قال له: أنت القائل:
لقد علمت وما الإسراف من خلقي ... أنّ الذي هو رزقي سوف يأتيني [3]
أسعى له فيعنّيني تطلّبه ... ولو جلست [4] أتاني لا يعنّيني
هذان البيتان فقط ذكرهما المهلّبيّ والجوهريّ، وذكر محمد بن جرير في خبره الأبيات كلها:
وأنّ حظّ امرىء غيري سيبلغه ... لابدّ لابدّ أن يحتازه [5] دوني
لا خير في طمع يدني لمنقصة ... وغفّة [6] من قوام العيش تكفيني
/ لا أركب الأمر تززي بي عواقبه ... ولا يعاب به عرضي ولا ديني
__________
[1] ف: «يا أبا حسن».
[2] في «تاريخ الطبري» 5 - 499 ط. المعارف: «فطيرت الريح به».
[3] في «الشعر والشعراء» 2 - 579:
« ... فما الإسراف في طمعي»
وفي اللسان (شرف):
«و ما الإشراف في طمعي»
[4] ف، و «الشعر والشعراء» 2 - 579، و «التجريد»:
«و لو قعدت»
[5] مج، «التجريد»: «يجتازه».
[6] ف، «التجريد»، س:
«و غبر من كفاف العيش»
وفي «المختار»:
«و غفة من كفاف العيش»
والغفة: البلغة من العيش.
كم من فقير غنيّ النّفس تعرفه ... ومن غنيّ فقير النّفس مسكين
ومن عدوّ رماني لو قصدت له ... لم يأخذ النّصف مني حين يرميني [1]
ومن أخ لي طوى كشحا فقلت له: ... إنّ انطواءك عني سوف يطويني
إني لأنطق فيما كان من أربي ... وأكثر الصّمت فيما ليس يعنيني
لا أبتغي وصل من يبغي مفارقتي [2] ... ولا ألين لمن لا يشتهي ليني
فقال له ابن أذينة: نعم أنا قائلها، قال: أفلا قعدت في بيتك حتى يأتيك رزقك!.
وغفل عنه هشام، فخرج من وقته وركب راحلته ومضى منصرفا، ثم افتقده هشام فعرف خبره، فأتبعه بجائزة وقال للرّسول: قل له: أردت أن تكذّبنا وتصدّق نفسك. فمضى الرسول فلحقه وقد نزل على ماء يتغذّى عليه، فأبلغه رسالته ودفع الجائزة. فقال: قل له: صدّقني ربّي وكذّبك.
قال يحيى بن عروة: وفرض له فريضتين، فكنت أنا في إحداهما.
أخبرنا وكيع قال: حدّثنا هارون بن محمد بن عبد الملك، قال: حدّثني الزّبير بن بكّار، قال: حدّثني أبو غزيّة، قال: حدّثني أنس بن حبيب، قال:
خرج ابن أذينة إلى هشام بن عبد الملك في قوم من أهل المدينة وفدوا عليه، وكان ابنه مسلمة بن هشام سنة حجّ أذن لهم في الوفود عليه، فلما دخلوا على هشام انتسبوا له وسلّموا عليه، فقال: ما جاء بك يابن أذينة؟
فقال:
أتينا نمتّ بأرحامنا ... وجئنا بإذن أبي شاكر
فإنّ الذي سار معروفه ... بنجد وغار مع الغائر
/ إلى خير خندف في ملكها ... لباد من النّاس أو حاضر
فقال له هشام: ما أراك إلا قد أكذبت نفسك حيث تقول:
لقد علمت وما الإسراف من خلقي ... أنّ الذي هو رزقي سوف يأتيني
أسعى له فيعنّيني تطلّبه ... ولو جلست أتاني لا يعنّيني
فقال له ابن أذينة: ما أكذبت نفسي يا أمير المؤمنين، ولكني صدّقتها، وهذا من ذاك. ثم خرج من عنده فركب راحلته إلى المدينة، فلما أمر لهم هشام بجوائزهم فقده، فقال: أين ابن أدينة؟ فقالوا: غضب من تقريعك له يا أمير المؤمنين، فانصرف راجعا إلى المدينة، فبعث إليه هشام بجائزته.
مرّ بغنمه وراعيه نائم فضربه وقال شعرا
أخبرنا وكيع، قال: حدّثنا هارون بن محمد، قال: حدّثنا الزّبير بن بكّار، قال: حدّثني عمّي، عن عروة بن عبيد اللّه، قال:
كان عروة بن أذينة نازلا مع أبي في قصر عروة بالعقيق، وخرج أبي يوما يمشي وأنا معه وابن أذينة، ونظر إلى
__________
[1] هذا البيت ساقط من ف. والنّصف: الإنصاف. يقال: ما جعلوا بيني وبينهم نصفا.
[2] «المختار»: «مقاطعتي».
غنم كانت له في يدي راع يقال له كعب، وهي مهملة، وكعب نائم حجرة [1]، فجعل ابن أذينة ينزو حوله وهو يضربه ويقول:
لو يعلم الذّئب بنوم كعب ... إذا لأمسى عندنا ذا ذنب
اضربه ولا يقول حسبي ... لابدّ عند ضيعة من ضرب
غنّى ابن عائشة بشعره
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ، وحبيب بن نصر المهلّبيّ، وإسماعيل بن يونس الشّيعيّ قالوا: حدّثنا عمر بن شبّة، قال: حدّثني أبو غسّان محمد بن يحيى، عن بعض أصحابه، قال:
/ مرّ ابن عائشة المغنيّ بعروة بن أذينة، فقال له: قل لي أبياتا هزجا أغنّي فيها، فقال له: اجلس، فجلس، فقال:
صوت
سليمى أجمعت بينا ... فأين تقولها أينا!
وقد قالت لأتراب ... لها زهر تلاقينا:
تعالين فقد طاب ... لنا العيش تعالينا
وغاب البرم [2] اللي ... لة والعين فلا عينا
فأقبلن إليها مس ... رعات يتهادينا
إلى مثل مهاة الرّم ... ل تكسو المجلس الزّينا
تمنّين مناهن ... فكنّا ما تمنّينا
قال أبو غسّان: فحدّثت أنّ ابن عائشة رواها، ثم ضحك لمّا سمع قوله:
تمنّين مناهنّ ... فكنّا ما تمنّينا
ثم قال: يا أبا عامر تمنّينك [3] لمّا أقبل بخرك وأدبر ذكرك.
ذكر عند عمر بن عبد العزيز فامتدحه
قال عمر بن شبّة: قال أبو غسّان: فحدّثني حمّاد الحسينيّ قال:
ذكر ابن أذينة عند عمر بن عبد العزيز، فقال: نعم الرّجل أبو عامر، على أنه الذي يقول:
وقد قالت لأتراب ... لها زهر تلاقينا
/ وأخبرني بهذا الخبر وكيع، قال: حدّثني هارون بن محمد بن عبد الملك الزّيات، عن الزّبير، عن محمد بن يحيى، عن إسحاق بن إبراهيم، عن قسطاس قال:
__________
[1] حجرة: ناحية.
[2] البرم: الضجر السّؤوم.
[3] «المختار»: «تمنتك».
مرّ ابن عائشة بابن أذينة، ثمّ ذكر الخبر مثل الذي قبله.
اعتراض سكينة على ادعائه العفة مع شعر قاله
أخبرني حبيب بن نصر المهلّبيّ، والحرميّ بن أبي العلاء، قالا: حدّثنا الزّبير بن بكّار، قال: حدثني أبو معاوية عبد الجبّار بن سعيد المساحقيّ، وأخبرنا به وكيع، قال: حدّثنا أبو أيّوب المدينيّ، عن الحارث بن محمد العوفيّ، قال:
وقفت سكينة بنت الحسين بن عليّ عليهما السّلام على عروة بن أذينة في موكبها ومعها جواريها، فقالت: يا أبا عامر، أنت الذي تزعم أن لك مروءة، وأنّ غزلك من وراء عفّة وأنّك تقيّ؟ قال: نعم، قالت: أفأنت الذي تقول:
صوت
قالت وأبثثتها وجدي فبحت به: ... قد كنت عندي تحبّ السّتر فاستتر
أ لست تبصر من حولي؟ فقلت لها: ... غطّى هواك وما ألقى على بصري [1]
قال لها: بلى، قالت: هنّ حرائر إن كان هذا خرج من قلب سليم، أو قالت: من قلب صحيح.
في هذين البيتين لعلّوية رمل بالبنصر، وفيهما لإسحاق هزج بالوسطى،/ وفيهما لمخارق ثقيل أول بالبنصر، عن الهشاميّ وعمرو بن بانة، وذكر حبش أنّ الثقيل الأول لمعبد اليقطينيّ.
تمثل المتوكل للمنتصر بشعره
وذكر عليّ بن محمد بن نصر البسّاميّ أن خاله أبا عبد اللّه بن حمدون بن إسماعيل قال:
كنت جالسا بين يدي المتوكل، وبين يديه المنتصر، فأحضر المعثزّ وهو صبيّ صغير، فلعب فأفرط في اللّعب، والمنتصر يرمقه كالمنكر لفعله، فنظر إليه المتوكّل عدّة دفعات، ثم التفت إلى المنتصر فقال: يا محمد:
قالت وأبثثتها وجدي فبحت به: ... قد كنت عندي تحب السّتر فاستتر
قال: فاعتذر إليه المنتصر عذرا قبله وهو مقطّب معرض. قال: وكان المنتصر أشدّ خلق اللّه بغضا للمعتز، وطعنا عليه. ولقد دخلت إليه يوما ودخل إليه أبو خالد المهلّبيّ بعد قتل المتوكل وإفضاء الخلافة إليه، ومع المهلبيّ درع كأنها فضة، فقال: يا أمير المؤمنين، هذه درع المهلّب، فأخذها وقام فلبسها، ورأى المعتزّ وعليه وشيء مثقل وما أشبه ذلك، فتمثّل ببيت جرير:
لبست سلاحي والفرزدق لعبة ... عليه وشاحا كرّج [2] وجلاجله
اعترضت امرأة على شعر قاله
أخبرني وكيع، قال: حدثني هارون بن محمد، قال: حدّثني عبد اللّه بن شعيب الزّبيريّ، قال: حدثني عبد العزيز بن أبي سلمة قال:
__________
[1] البيتان في «الشعر والشعراء» 2 - 579 ط. المعارف. وفي «التنبيه» - 27 ط. دار الكتب.
[2] الكرّج: مهر خشبي يلعب عليه الأطفال.
مرّت امرأة بابن أذينة وهو بفناء داره فقالت له: أأنت ابن أذينة؟ قال: نعم، قالت: أأنت الذي يقول النّاس إنّك امرؤ صالح [1]، وأنت الّذي تقول:
إذا وجدت أوار الحبّ في كبدي ... عمدت نحو سقاء القوم أبترد
/ هبني بردت ببرد الماء ظاهره ... فمن لحرّ على الأحشاء يتّقد! [2]
أبو السائب المخزومي يطلب إنشاده شعرا قاله عروة
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء، قال: حدّثنا الزّبير بن بكّار، قال: حدّثني عمّي، عن عروة بن عبد اللّه، وأخبرنا به وكيع، عن هارون بن الزّيّات، عن الزّبيريّ، عن عمه، عن عروة بن عبد اللّه، وذكره حمّاد، عن أبيه، عن الزّبيريّ، عن عروة هذا قال:
كان عروة بن أذينة نازلا في دار أبي بالعقيق، فسمعه ينشد:
صوت
إنّ التي زعمت فؤادك ملّها ... جعلت هواك كما جعلت هوى لها
فبك الّذي [3] زعمت بها وكلاكما ... يبدي لصاحبه الصّبابة كلّها
ويبيت بين جوانحي حبّ لها ... لو كان تحت فراشها لأقلّها [4]
ولعمرها لو كان حبّك فوقها ... يوما وقد ضحيت إذا لأظلّها
وإذا وجدت لها وساوس سلوة ... شفع الفؤاد إلى الضّمير فسلّها [5]
بيضاء باكرها النّعيم فصاغها ... بلباقة فأدقّها وأجلّها [6]
لما عرضت مسلّما لي حاجة ... أرجو معونتها وأخشى دلّها [7]
منعت تحيّتها فقلت لصاحبي: ... ما كان أكثرها لنا وأقلّها
/ فدنا فقال: لعلّها معذورة ... من أجل رقبتها، فقلت: لعلّها
قال: فأتاني أبو السّائب المخزوميّ وأنا في داري بالعقيق، فقلت له بعد التّرحيب: هل بدت لك حاجة؟
فقال: نعم، أبيات لعروة بن أذينة، بلغني أنّك سمعتها منه، فقلت له: وأيّة أبيات؟ فقال: وهل يخفى القمر؟ قوله:
إنّ الّتي زعمت فؤادك ملّها
فأنشدته إيّاها، فلما بلغت إلى قوله: «فقلت: لعلّها». قال: أحسن واللّه، هذا واللّه الدّائم العهد، الصادق الصبابة، لا الذي يقول:
__________
[1] ف، «التجريد»: «يقول الناس: إنك بريء وإنك صالح».
[2] البيتان في «التنبيه» - 26 ط. دار الكتب، وروي الشطر الأخير من البيت الثاني:
«فمن لنار على الأحشاء تتقد»
[3] مج، «المختار»: «التي زعمت».
[4] أقلها: أصابها وأتعبها. وهذا البيت ساقط من ف.
[5] في «الأمالي» 1 - 156:
«شفع الضمير لها إلى فسلها»
، وفي «المختار»:
«شفع الضمير إلى الفؤاد فسلها»
[6] في «الأمالي» 1 - 156:
«بلبانه فأرقها وأجلها»
[7] س: «ذلّها».
إن كان أهلك يمنعونك رغبة ... عنّي فأهلي بي أضنّ وأرغب
اذهب لا صحبك اللّه ولا وسّع عليك - يعني قائل هذا البيت - لقد عدا الأعرابيّ طوره، وإني لأرجو أن يغفر اللّه لصاحبك - يعني عروة - لحسن ظنّه بها، وطلبه العذر لها. قال: فعرضت عليه الطّعام فقال: لا، واللّه ما كنت لآكل بهذه الأبيات طعاما إلى اللّيل، وانصرف.
ذكر ما في هذا الخبر من الغناء
في الشّعر المذكور فيه لعروة في البيت الأول والرّابع من الأبيات خفيف رمل بالوسطى، نسبه ابن المكّيّ إلى ابن مسجح، وقيل: إنّه من منحوله إليه، وفيهما وفي البيت الثالث من شعر ابن أذينة خفيف ثقيل لابن الهربذ، والبيت:
ويبيت بين جوانحي حبّ لها ... لو كان تحت فراشها لأقلّها
رأي لأبي السائب في شعر قاله
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال: حدّثنا الزّبير بن بكّار، قال: حدّثنا عمر بن أبي بكر المؤمّليّ، قال:
أخبرنا عبد اللّه بن أبي عبيدة [1]، قال: قلت: لأبي السّائب المخزومي: ما أحسن عروة بن أذينة حيث يقول:
صوت
لبثوا ثلاث منّى بمنزل غبطة ... وهم على غرض لعمرك ما هم
متجاورين بغير دار إقامة ... لو قد أجدّ رحيلهم لم يندموا
ولهنّ بالبيت العتيق لبانة ... والبيت يعرفهنّ لو يتكلّم [2]
لو كان حيّا قبلهنّ ظعائنا ... حيّا الحطيم وجوههنّ وزمزم
وكأنّهنّ وقد حسرن لواغبا ... بيض بأكناف الحطيم مركّم
في هذه الأبيات الثّلاثة لابن سريج ثاني ثقيل بالبنصر عن عمرو.
قال: فقال: لا، واللّه ما أحسن ولا أجمل، ولكنّه أهجر وأخطل في صفتهنّ بهذه الصفة، ثم لا يندم على رحيلهن، أهكذا قال كثيّر حيث يقول:
صوت
تفرّق أهواء الحجيج على منّى ... وصدّعهم شعب النّوى صبح أربع [3]
فريقان: منهم سالك بطن نخلة ... وآخر منهم سالك بطن تضرع [4]
- في هذين البيتين للدلال ثاني ثقيل بالوسطى عن الهشاميّ وحبش - .
__________
[1] ف: «أخبرنا عبد اللّه بن عبيدة».
[2] ف: «لا يتكلم».
[3] في ف: «منذ أربع». وفي «معجم البلدان» 1 - 853:
«إلى منى ... ... مشى أربع»
[4] في «معجم البلدان» 1 - 853: تضرع: جبل لكنانة قرب مكة.
فلم أر دارا مثلها غبطة ... وملقى إذا التفّ الحجيج بمجمع
أقلّ مقيما راضيا بمكانه ... وأكثر جارا ظاعنا لم يودّع
انظر إليه كيف تقدّمت شهادته علمه وكبا لسانه ببيانه [1]، وهل يغتبط عاقل بمقام لا يرضى به [2]، ولكن مكره أخوك لا بطل، والعرجيّ كان أوفي بالعهد منهما وأولى بالصّواب، حين تعرّض لها نافرة من منّى، فقال لها عاتبا مستكينا:
/عوجي عليّ فسلّمي جبر ... فيم الصّدود وأنتم سفر!
ما نلتقي إلّا ثلاث منى ... حتى يفرّق بيننا النّفر
في هذين البيتين غناء قد تقدّمت نسبته في أخبار ابن جامع في أوّل الكتاب [3].
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء، قال: حدّثنا الزّبير بن بكّار، قال: حدّثني جعفر بن موسى اللّهبي، قال:
كان عبد الملك بن مروان إذا قدم مكّة أذن للقرشيّين في السّلام عليه، فإذا أراد الخروج لم يأذن لأحد منهم وقال: أكذبنا إذا قول الملحّى - يعني كثيّرا - حيث يقول:
تفرّق أهواء الحجيج على منى ... وصدّعهم شعب النوى صبح أربع
وذكر الأبيات الأربعة.
خالد صامة يغني شعره بين يدي الوليد بن يزيد
أخبرنا عليّ بن سليمان الأخفش، قال: حدّثنا محمد بن يزيد، قال: حدّث الزبيريّ، عن خالد صامة، وكان أحد المغنّين قال:
قدمت على الوليد بن يزيد، فدخلت إليه وهو في مجلس ناهيك به، وهو على سرير، وبين يديه معبد ومالك وابن عائشة وأبو كامل، فجعلوا يغنّون، حتى بلغت النّوبة إليّ فغنّيته:
صوت
سرى همّي وهمّ المرء يسري ... وغار النّجم إلا قيس فتر [4]
/أراقب في المجرّة كلّ نجم ... تعرّض للمجرّة كيف يجري
لهمّ ما أزال له مديما ... كأنّ القلب أضرم حرّ جمر [5]
على بكر أخي ولّى حميدا ... وأيّ العيش يصفو بعد بكر!
__________
[1] ف: «و كفى لسانه ببيانه».
[2] ف: «و جعل يغتبط عاقل بمقام ولا يرضى به».
[3] البيتان في الجزء الأول ص 422 (طبع الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر) معزوان للعرجي، وهو يشبب ببجيرة المخزومية زوجة محمد بن هشام وجاء بعدهما بيت ثالث وهو:
الحول بعد الحول يجمعنا ... ما الدهر إلا الحول والهشر
[4] في «رغبة الآمل» 2 - 238:
«و غار النجم إلا قيد فتر»
وقيس فتر: مقداره.
[5] ف: «قديما» بدل: «مديما». وفي «رغبة الآمل» 2 - 238:
«كأن القلب سعر حر جمر»
فقال لي الوليد: أعد يا صام [1]، ففعلت، فقال لي: من يقول هذا الشّعر؟ قلت: عروة [2] بن أذينة يرثي أخاه بكرا. فقال لي: وأيّ العيش لا يصفو بعده هذا العيش واللّه الذي نحن فيه على رغم أنفه، واللّه لقد تحجّر واسعا [3].
لابن سريج في هذه الأبيات ثاني ثقيل بالوسطى عن عمرو وابن المكّيّ وغيرهما وفيها رمل ينسب إلى ابن عباد الكاتب، وإلى حاجب الحزّور [4]، وإلى مسكين بن صدقة.
حدّثنا الأخفش، عن محمد بن يزيد، قال: قال الزّبيري:
حدّثت أن سكينة بنت الحسين عليه السلام أنشدت هذا الشعر فقالت: من بكر هذا؟ أليس هو الأسود الدّحداح [5] الذي كان يمرّ بنا؟ قالوا: نعم، فقالت: لقد طاب كلّ شيء بعده حتى الخبز والزّيت.
اعترض ابن أبي عتيق على شعره في رثاء أخيه فخاصمه
وأخبرني الحسن بن عليّ الخفّاف، قال: حدّثنا أحمد بن سعيد الدّمشقيّ، قال: حدّثنا الزّبير بن بكّار، قال:
حدثني عمّي، قال:
لقي ابن أبي عتيق عروة بن أذينة فأنشده قوله:
لا بكر لي إذ دعوت بكرا ... ودون بكر ثرى وطين
/ حتى فرغ منها، ثم أنشده:
سرى همّي وهمّ المرء يسري
حتى بلغ إلى قوله:
وأيّ العيش يصلح بعد بكر!
فقال له ابن أبي عتيق [6]: كلّ العيش واللّه يصلح بعده حتى الخبز والزيت. فغضب عروة من قوله، وقام عن مجلسه، وحلف ألّا يكلّمه أبدا، فماتا متهاجرين.
__________
[1] ف، مج: «يا أصم».
[2] ف: «عمر بن أذينة».
[3] تحجر واسعا: ضيّق على نفسه.
[4] س: «ينسب إلى أبي عباد الكلب، وإلى صاحب الحرون».
[5] الدحداح: القصير.
[6] س، مج: «ابن عتيق».
22 - ذكر مخارق وأخباره [1]
نسبه
هو مخارق بن يحيى بن ناووس الجزّار مولى الرّشيد، وقيل: بل ناووس لقب أبيه يحيى، ويكنى أبا المهنّأ، كناه الرشيد بذلك.
وكان قبله لعاتكة بنت شهدة، وهي من المغنّيات المحسنات المتقدّمات في الضّرب، ذكر ذلك مخارق واعترف به. ونشأ بالمدينة، وقيل: بل كان منشؤه بالكوفة.
بان طيب صوته فعلمته مولاته الغناء
وكان أبوه جزّارا مملوكا، وكان مخارق وهو صبيّ ينادي على ما يبيعه أبوه [2] من اللحم، فلما بان طيب صوته علّمته مولاته طرفا من الغناء، ثم أرادت بيعه، فاشتراه إبراهيم الموصليّ منها، وأهداه للفضل بن يحيى، فأخذه الرّشيد منه، ثم أعتقه.
اشتراه إبراهيم الموصلي ثم وهبه إلى الفضل بن يحيى ثم صار إلى الرشيد
أخبرني الحسين بن يحيى، قال: قال حمّاد: حدّثني زكريّا مولاهم، وأخبرني محمد بن يحيى الصّوليّ، قال: حدّثني عبيد اللّه بن محمد بن عبد الملك، قال: حدّثنا حمّاد بن إسحاق، عن زكريّا مولاهم، قال:
قدمت مولاة مخارق به من الكوفة، فنزلت المخرّم [3]، وصار إبراهيم إلى جدّي الأصبغ بن سنان المقيّن [4] وسيرين [5] بن طرخان النّخّاس، فقالا له: إن/ ها هنا امرأة من أهل الكوفة قد قدمت ومعها غلام يتغنّى، فأحبّ أن تنفعها فيه، قال: فوجّهني مع مولاته لأحمله، فوجدته متمرّغا في رمل الجزيرة التي بإزاء المخرّم وهو يلعب، فحملته خلفي وأتيت به إبراهيم، فتغنّى بين يديه فقال لها: كم أملك فيه؟ قالت: عشرة آلاف درهم، قال: قد أخذته بها وهو خير منها. فقالت: أقلني، قال: قد فعلت، فكم أملك فيه؟ قالت: عشرون ألفا، قال: قد أخذته بها وهو خير منها. فقالت: واللّه ما تطيب نفسي أن أمتنع [6] من عشرين ألف درهم بكبد رطبة، فهل لك فيّ خصلة تعطيني به ثلاثين ألف درهم ولا أستقيلك [7] بعدها؟ فقال: قد فعلت وهو خير منها، فصفقت على يده [8] وبايعته، وأمر
__________
[1] جاءت هذه الترجمة في الجزء الحادي والعشرين 143 - 159، وسقطت من طبعة بولاق وموضعها هنا، كما جاءت في نسخة ف وغيرها من النسخ الخطية الموثوقة.
[2] ف: «أبو مخارق».
[3] المخرم (بكسر الراء): محلة كانت ببغداد بين الرصافة ونهر المعلى منسوبة إلى مخرم بن يزيد بن شريح.
[4] المقين من قيّنه تقيينا: زيّنه.
[5] في «المختار»: «شيرين بن طرخان». وفي مج: «بشر بن طرخان»، وفي ما: «ابن طرخان».
[6] ف، «المختار»: «و اللّه ما تطيب نفسي أن أمنع كبدا رطبة عشرين ألف درهم».
[7] ف: «و لا أستقلك». واستقاله البيع: طلب إليه أن يفسخه.
[8] صفقت على يده: ضربت يدها على يده، وذلك وجوب البيع.
بالمال فأحضر، وأمر بثلاثة آلاف درهم فزيدت عليه، وقال: تكون هذه لهديّة تهدينها أو كسوة تكتسينها، ولا تثلمين المال.
وراح إلى الفضل بن يحيى فقال له: ما خبر غلام بلغني أنك اشتريته؟ قال: هو ما بلغك، قال: فأرنيه، فأحضره، فلما تغنّى بين يدي الفضل قال له: ما أرى فيه الذي رأيت، قال: أنت تريد أن يكون في الغناء مثلي في ساعة واحدة، ولم يكن مثله في الدّنيا ولا يكون أبدا. فقال: بكم تبيعه؟ فقال: اشتريته بثلاثة وثلاثين ألف درهم، وهو حرّ لوجه اللّه تعالى إن بعته إلا بثلاثة وثلاثين ألف دينار، فغضب الفضل وقال: إنما أردت أن تمنعنيه أو تجعله سببا لأن تأخذ منّي ثلاثة وثلاثين ألف دينار، فقال له: أنا أصنع بك خصلة؛ أبيعك نصفه بنصف هذا المال، وأكون شريكك في نصفه وأعلّمه، فإن أعجبك إذا علّمته أتممت لي باقي المال. وإلا بعته بعد ذلك وكان الرّبح بيني وبينك. فقال له الفضل: إنما أردت أن تأخذ منّي المال الذي قدّمت ذكره، فلما لم تقدر على ذلك أردت أن تأخذ نصفه.
/ وغضب، فقال له إبراهيم: فأنا أهبه لك، على أنه يساوي ثلاثة وثلاثين ألف دينار، قال: قد قبلته، قال:
قد وهبته لك، وغدا إبراهيم على الرّشيد، فقال له: يا إبراهيم ما غلام بلغني أنك وهبته للفضل؟ قال: فقلت: غلام يا أمير المؤمنين لم تملك العرب ولا العجم مثله، ولا يكون مثله أبدا، قال: فوجّه إلى الفضل فأمره بإحضاره، فوجّه به إليه فتغنّى بين يديه، فقال لي: كم يساوي؟ قال: قلت: يساوي خراج مصر وضياعها.
فقال لي: ويلك، أتدري ما تقول! مبلغ هذا المال كذا وكذا، فقلت: وما مقدار هذا المال في شيء لم يملك أحد مثله قطّ! قال: فالتفت إلى مسرور الكبير وقال:
قد عرفت يميني ألّا أسأل أحدا من البرامكة شيئا بعد فنفنة [1]، فقال مسرور: فأنا أمضي إلى الفضل فأستوهبه منه، فإذا وهبه لي وكان عبدي فهو عبدك، فقال له: شأنك. فمضى مسرور إلى الفضل فقال له: قد عرفتم ما وقعتم فيه من أمر فنفنة [1]، وإن منعتموه هذا الغلام قامت القيامة، واستوهبه منه فوهبه له، فبلغ ما رأيت. فكان علّوية إذا غضب على مخارق يقول له - حيث يقول: أنا مولى أمير المؤمنين - متى كنت كذلك؟ إنما أنت عبد الفضل بن يحيى أو مولى مسرور.
سبب تلقيب أبيه بناووس
أخبرني ابن أبي الأزهر، قال: حدّثنا حمّاد بن إسحاق، عن أبيه قال:
كان مخارق بن ناووس الجزّار؛ وإنما لقّب بناووس لأنه بايع رجلا أنه يمضي إلى ناووس [2] الكوفة فيطبخ فيه قدرا بالليل حتى تنضج، فطرح رهنه بذلك، فدسّ الرجل الذي راهنه رجلا، فألقى نفسه في النّاووس [2] بين الموتى، فلمّا فرغ من الطّبيخ [3] /مدّ الرّجل يده من بين الموتى وقال له: أطعمني، فغرف ملء المغرفة من المرقة فصبّها في يد الرجل فأحرقها، وضربها بالمغرفة وقال له: اصبر حتى نطعم الأحياء أولا ثم نتفرّغ للموتى، فلقّب بناووس لذلك، فنشأ ابنه مخارق، وكان ينادي عليه إذا باع الجزور، فخرج له صوت عجيب، فاشتراه أبي وأهداه
__________
[1] «المختار»، «قنقنة»، ولعله خادم أو جارية.
[2] الناووس: مقبرة النصارى.
[3] ف، «التجريد»: «فلما فرغ ناووس من طبيخه».
للرّشيد فأمره بتعليمه فعلّمه حتى بلغ المبلغ الذي بلغه.
غنى لرشيد بعد ابن جامع ففاقه
وكان يقف بين يدي الرّشيد مع الغلمان لا يجلس، ويغنّي وهو واقف، فغنّى ابن جامع ذات يوم بين يدي الرّشيد:
كأنّ نيراننا في جنب قلعتهم ... مصبّغات على أرسان قصّار [1]
هوت هرقلة لمّا أن رأت عجبا ... حوائما [2] ترتمي بالنّفط والنّار
فطرب الرشيد واستعاده عدّة مرّات، وهو شعر مدح به الرشيد في فتح هرقلة، وأقبل يومئذ على ابن جامع دون غيره، فغمز مخارق إبراهيم بعينه، وتقدّمه إلى الخلاء، فلما جاءه قال له: ما لي أراك منكسرا [3]؟ قال: أما ترى إقبال أمير المؤمنين على ابن جامع بسبب هذا الصوت؟ فقال: قد واللّه أخذته، فقال له: ويحك إنه الرّشيد، وابن جامع من تعلم، ولا يمكن معارضته إلا بما يزيد على غنائه، وإلا فهو الموت، وقال: دعني وخلاك ذمّ، وعرّفه أنّي أغنّي به، فإن أحسنت فإليك ينسب، وإن أسأت فإليّ يعود [4]. فقال للرّشيد: يا أمير المؤمنين، أراك متعجبا من هذا/ الصوت بغير ما يستحقه وأكثر ممّا يستوجبه، فقال: لقد أحسن ابن جامع ما شاء، قال: أو لابن جامع هو؟ قال: نعم، كذا ذكر، قال له: فإن عبدك مخارقا يغنّيه، فنظر إلى مخارق، فقال: نعم يا أمير المؤمنين، فقال: هاته، فغنّاه وتحفّظ فيه، فأتى بالعجائب؛ فطرب الرّشيد حتى كاد يطير فرحا، وشرب، ثم أقبل على ابن جامع فقال له: ويلك، ما هذا! فابتدأ يحلف له بالطّلاق وكلّ محرجة أنّه لم يسمع ذلك الصوت قطّ إلّا منه، ولا صنعه غيره، وأنها حيلة جرت عليه، فأقبل على إبراهيم وقال: أصدقني بحياتي، فصدقه [5] عن قصّة مخارق، فقال له: أكذلك هو يا مخارق؟ قال: نعم يا مولاي، فقال: اجلس إذن مع أصحابك، فقد تجاوزت مرتبة من يقوم، وأعتقه ووصله بثلاثة آلاف دينار، وأقطعه ضيعة ومنزلا.
كان سبب عتقه وغناه لحنا غناه أمام الرشيد
أخبرني محمد بن خلف وكيع، وحدّثني محمد بن خلف بن المرزبان، قال وكيع: حدّثني هارون بن مخارق، وقال ابن المرزبان: ذكر هارون بن مخارق، قال:
كان أبي إذا غنّى هذا الصوت:
يا ربع سلمى لقد هيّجت لي طربا ... زدت الفؤاد على علّاته وصبا [6]
ربع تبدّل ممّن كان يسكنه ... عفر الظّباء وظلمانا به عصبا [7]
__________
[1] المصبغات: الملونات، والأرسان من الأرض: الحزنة. والقصار: المبيض الثياب.
[2] «المختار»: «جواثما». وجاء البيت الثاني في «التجريد» مكان الأول.
[3] ف: «ما لي رأيتك مفكرا».
[4] «التجريد»، ف: «و إن أسأت فعليّ يعود».
[5] «المختار»: «فصدق».
[6] ف: «نصبا».
[7] العصب: جمع عصبه، وهي الجماعة.
يبكي ويقول: أنا مولى هذا الصّوت، فقلت له: وكيف ذاك يا أبت؟ فقال: غنّيته مولاي الرّشيد فبكى وشرب عليه رطلا، ثمّ قال: أحسنت يا مخارق فسلني حاجتك، فقلت: أن تعتقني يا أمير المؤمنين أعتقك اللّه من/ النّار، فقال: أنت حرّ لوجه اللّه، فأعد الصوت، فأعدته فبكى وشرب رطلا ثم قال: أحسنت يا مخارق فسلني حاجتك، فقلت: ضيعة تقيمني غلّتها، قال: قد أمرت لك بها، أعد الصوت، فأعدته فبكى وقال: سل حاجتك، فقلت:
يا أمير المؤمنين تأمر لي بمنزل وفرش وخادم، قال: ذلك لك، أعد الصّوت، فأعدته، فبكى وقال: سل حاجتك، فقبّلت الأرض بين يديه وقلت: حاجتي أن يطيل اللّه بقاءك ويديم عزّك ويجعلني من كلّ سوء فداءك، فأنا مولى هذا الصوت بعد مولاي.
المأمون يسأل إسحاق عنه وعن إبراهيم بن المهدي
[1] وذكر محمد بن الحسن الكاتب أنّ أبان بن سعيد حدّثه:
أنّ المأمون سأل إسحاق، عن إبراهيم بن المهديّ ومخارق فقال: يا أمير المؤمنين إذا تغنّى إبراهيم بن المهديّ بعلمه فضل مخارقا، وإذا تغنّى مخارق بطبعه وفضل صوته فضل إبراهيم، فقال له: صدقت [1].
أخبرني عليّ بن سليمان الأخفش، قال: حدّثنا المبرد بهذا الخبر فقال: حدّثني بعض حاشية السلطان:
أنّ إبراهيم الموصليّ غنّى الرّشيد يوما هذا الصوت فأعجب به وطرب له واستعاده مرارا، فقال له: فكيف لو سمعته من عبدك مخارق، فإنّه أخذه عنّي وهو يفضل فيه الخلق جميعا ويفضلني، فدعا بمخارق فأمره أن يغنّيه، وذكر باقي الخبر مثل الذي تقدّم.
كناه الرشيد أبا لنهنأ لإحسانه في الغناء
أخبرني الحسن بن عليّ، قال: حدثنا ابن أبي الدّنيا، عن إسحاق بن محمد النّخعيّ، عن الحسين بن الضّحّاك، عن مخارق:
أن الرّشيد قال يوما للمغنّين وهو مصطبح، من منكم يغنّي [2]:
يا ربع سلمى لقد هيّجت لي طربا
/ فقمت فقلت: أنا يا أمير المؤمنين، فقال: هاته، فغنّيته، فطرب وشرب ثم قال: عليّ بهرثمة بن أعين، فقلت في نفسي: ما يريد منه؟ فجاءوا بهرثمة، فأدخل إليه وهو يجرّ سيفه، فقال له: يا هرثمة، مخارق الشّاري [3] الذي قتلناه بناحية الموصل ما كانت كنيته؟ فقال: أبو المهنّأ، فقال: انصرف، فانصرف، ثم أقبل عليّ وقال: قد كنيتك أبا المهنأ لإحسانك، وأمر لي بمائة ألف درهم، فانصرفت بها وبالكنية.
الواثق يعذر غلمانه حين تركوا قصره وذهبوا لسماع غنائه
أخبرني جعفر بن قدامة، قال: حدثني عليّ بن محمد بن نصر البسّاميّ، قال: حدّثني خالي أبو عبد اللّه بن حمدون، قال:
__________
[1] - (1) هذا الخبر ساقط من ف.
[2] ف: «يغنيني».
[3] الشاري: من يبيع نفسه في طاعة اللّه، واحد الشراة. والشراة: فرقة من الخوارج.
رحنا إلى الواثق وأمّه عليلة، فلمّا صلّى المغرب دخل إلى أمه، وأمر بألّا نبرح، وكان في الصّحن حصر غير مفروشة. فقال لي مخارق: امض بنا حتى نفرش [1] حصيرا من هذه الحصر فنجلس على بعضه ونتّكىء على المدرّج منه، وكانت ليلة مقمرة، فمضينا ففرشنا بعض تلك الحصر، واستلقينا وتحدثنا، وأبطأ الواثق عند أمّه، فاندفع مخارق فغنّى:
أيا بيت ليلى إنّ ليلى عربية ... براذان لا خال لديها ولا ابن عم [2]
فاجتمع علينا الغلمان وخرج الواثق فصاح: يا غلام، فلم يجبه أحد، ومشى من المجلس إلى أن توسّط الدّار، فلما رأيته بادرت إليه، فقال:/ لي: ويلك، هل حدث في داري شي ء؟ [3] فقلت: لا يا سيّدي، فقال:
فمالي أصيح فلا أجاب! [3] فقلت: مخارق يغنّي والغلمان قد اجتمعوا عليه، فليس فيهم فضل لسماع غير ما يسمعونه منه، فقال: عذر واللّه لهم يابن حمدون، وأيّ عذر! ثم جلس وجلسنا بين يديه إلى السّحر.
إبراهيم الموصلي يعرف جودة طبعه فيخصه بالتعليم
وذكر هارون بن محمد بن عبد الملك أنّ مخارقا كان ينادي على اللّحم الذي يبيعه أبوه، فيسمع له صوت عجيب، فاشترته عاتكة بنت شهدة وعلّمته شيئا من الغناء ليس بالكثير، ثم باعته من آل الزّبير، فأخذه منهم الرّشيد وسلمه إلى إبراهيم الموصليّ، فأخذ عنه، وكان إبراهيم يقدّمه ويؤثره ويخصّه بالتّعليم لما تبيّنه منه ومن جودة طبعه.
كان عبدا لعاتكة بنت شهدة الحاذقة بالغناء
أخبرني عليّ بن عبد العزيز الكاتب قال: حدّثني ابن خرداذبه قال:
كان مخارق بن يحيى بن ناووس الجزّار، وكان عبدا لعاتكة بنت شهدة، وكانت عاتكة أحذق الناس بالغناء، وكان ابن جامع يلوذ منها بالتّرجيع [4] الكثير، فتقول له: أين يذهب بك؟ هلمّ إلى معظم الغناء ودعني من جنونك، قال: فحدّثني من حضرهما أنّ عاتكة أفرطت يوما في الردّ على ابن جامع بحضرة الرّشيد، فقال لها: أي أمّ العبّاس، أنا - يشهد اللّه - أحبّ [5] أن تحتك شعرتي بشعرتك، فقالت له: اسكت قطع اللّه لسانك، ولم تعاود بعد ذلك أذيّته، قال: وكانت شهدة أمّ عاتكة نائحة. هكذا ذكر ابن خرداذبه، وليس الأمر في ذلك كما ذكره.
محمد بن داود يغني الرشيد بلحن أخذه عن شهدة فيفوق المغنين
حدّثني محمد بن يحيى الصّوليّ، قال: حدّثنا الغلابيّ، قال: حدّثني عليّ/ بن محمد النّوفليّ عن عبد اللّه بن
__________
[1] في س، ف: «نبسط حصيرا».
[2] راذان «بعد الألف ذال معجمة» الأسفل، وراذان الأعلى: كورتان بسواد بغداد تشتملان على قرى كثيرة، وأورد ياقوت في «معجمه» 2 - 730 البيت بعد قوله: وقال مرّة بن عبد اللّه النهدي في راذان المدينة، وجاء بعده البيتان:
ويا بيت ليلى لو شهدتك أعولت ... عليك رجال من فصيح ومن عجم
ويا بيت ليلى لا يبست ولا تزل ... بلادك يسقيها من الواكف الدّيم
وفي ف: «بداران» بدل «براذان».
(3 - 3) ساقط من ف.
[4] رجع صوته، وفيه: ردده في حلقه.
[5] ف: «أشتهي».
العبّاس الرّبيعيّ، أنّه كان هو وابن جامع وإبراهيم الموصليّ وإسماعيل بن عليّ عند الرّشيد، ومعهم محمد بن داود بن عليّ، فغنّى المغنّون جميعا، ثم اندفع محمد بن داود فغنّاه:
صوت
أمّ الوليد سلمتني حلمي ... وقتلتني فتحلّلي إثمي [1]
باللّه يا أمّ الوليد أما ... تخشين فيّ عواقب الظّلم!
وتركتني أبغي الطّبيب وما ... لطبيبنا بالدّاء من علم [2]
قال: فاستحسنه الرّشيد وكلّ من حضر وطروا له، فسأله الرّشيد: عمّن أخذته، فقال: أخذته عن شهدة جارية الوليد بن يزيد، قال عبد اللّه بن العبّاس، وهي أمّ عاتكة بنت شهدة.
الأبيات المذكورة التي فيها الغناء لعبيد اللّه بن قيس الرّقيّات، وتمامها:
للّه درّك في ابن عمّك قد ... زوّدته سقما على سقم
في وجهها ماء الشّباب ولم ... تقبل بمكروه ولا جهم [3]
والغناء فيه لابن محرز لحنان، كلاهما له، أحدهما ثقيل الأوّل بالخنصر في مجرى الوسطى عن إسحاق، والآخر خفيف ثقيل الأول بالبنصر عن/ عمرو بن بانة، وفيه لمالك ثاني ثقيل عن الهشاميّ وحبش، وفيه لسليمان خفيف رمل بالبنصر عنهما، وثقيل أوّل للحسين بن محرز.
الواثق يوازن بين جماعة من المغنين ويذكر أثر غناء مخارق
وقال هارون بن محمد بن عبد الملك الزّيات، قال أبي:
قال الواثق أمير المؤمنين: خطأ مخارق كصواب علّوية، وخطأ إسحاق كصواب مخارق، وما غنّاني مخارق قطّ إلا قدّرت أنّه من قلبي خلق، ولا غنّاني إسحاق إلا ظننت أنه قد زيد في ملكي ملك آخر.
قال: وكان يقول: أتريدون أن تنظروا فضل مخارق على جميع أصحابه: انظروا إلى هؤلاء الغلمان الذين يقفون في السّماط. فكانوا يتفقّدونهم وهم وقوف، فكلهم يسمع الغناء من المغنين جميعا وهو واقف مكانه ضابط لنفسه، فإذا تغنّى مخارق خرجوا عن صورهم فتحرّكت أرجلهم ومناكبهم، وبانت أسباب الطّرب فيهم، وازدحموا على الحبل الذي يقفون من ورائه.
يستوقف الناس بحسن صوته في الأذان
قال هارون: وحدّثت أنه خرج مرّة إلى باب الكناسة بمدينة السّلام، والنّاس يرتحلون [4] للخروج إلى مكة،
__________
[1] تحللي إثمي: أبيحيه أو اجعليه حلالا. وفي «الديوان» - 149 ط. بيروت: «فتحملي إثمي»، وفي ف: «فتجللي».
[2] في «الديوان» - 149:
باللّه يا أم البنين ألم ... تخشي عليك عواقب الإثم
وتركتني أدعو الطبيب وما ... لطبيبكم بالداء من علم
[3] في «الديوان» - 150:
«و بوجهها ماء الشباب ولم ... ... تقبل بملعون ولا جهم»
والجهم: الاستقبال بوجه كريه.
[4] ف، مج: «يترحلون». وفي ما: «يرحلون».
فنظر إليهم واجتماعهم وازدحامهم [1]، فقال لأصحابه الذين خرجوا معه: قد جاء في الخبر أنّ ابن سريج كان يتغنّى في أيّام الحجّ، والنّاس بمنى فيستوقفهم بغنائه، وسأستوقف لكم هؤلاء الناس وأستلهيهم جميعا، لتعلموا أنه لم يكن ليفضلني إلا بصنعته دون صوته، ثم اندفع يؤذّن، فاستوقف أولئك الخلق واستلهاهم، حتى جعلت المحامل يغشى بعضها بعضا، وهو كالأعمى عنها لما خامر قلبه من الطّرب لحسن ما يسمع.
أبو العتاهية يعجب بغنائه إعجابا شديدا
أخبرني أحمد بن جعفر جحظة، قال: حدثني ابن أخت الحاركيّ وأبو سعيد/ الرّامهرمزيّ، وأخبرني عليّ بن سليمان الأخفش، قال: حدّثنا محمد بن يزيد الأزديّ [2]، عن أحمد بن عيسى الجلوديّ عن محمد بن سعيد التّرمذيّ - وكان إسحاق إذا ذكر محمدا وصفه بحسن الصّوت، ثم قال: قد أفلتنا منه، فلو كان يغنّي لتقدّمنا جميعا بصوته - قالوا:
جاء أبو العتاهية إلى باب مخارق فطرقه واستفتح [3]، فإذا مخارق قد خرج إليه، فقال له أبو العتاهية:
يا حسّان [4] هذا الإقليم، يا حكيم أرض بابل، اصبب في أذني شيئا يفرح به قلبي، وتنعم به نفسي، فقال: انزلوا، فنزلنا، فغنّانا، قال محمد بن سعيد: فكدت أسعى على وجهي طربا. قال: وجعل أبو العتاهية يبكي، ثم قال له:
يا دواء المجانين لقد رقّقت حتّى كدت أحسوك، فلو كان الغناء طعاما لكان غناؤك أدما، ولو كان شرابا لكان ماء الحياة.
أبو العتاهية يشتهي سماعه حين حضرته الوفاة
نسخت من كتاب ابن أبي الدّنيا، حدّثني بعض خدم السّلطان، قال:
قال رجل لأبي العتاهية وقد حضرته الوفاة: هل في نفسك شيء تشتهيه؟ قال: أن يحضر مخارق الساعة فيغنّيني:
سيعرض عن ذكري وتنسى مودّتي [5] ... ويحدث بعدي للخليل خليل
إذا ما انقضت عنّي من الدهر مدّتي ... فإن غناء الباكيات قليل
سأل أبا العتاهية عن شعره في تبخيل الناس
أخبرني عمّي، قال: حدّثنا محمد بن عليّ بن حمزة العلويّ، قال: حدّثنا علي بن الحسين بن الأعرابيّ، قال:
لقي مخارق أبا العتاهية، فقال له: يا أبا إسحاق، أأنت القائل:
/اصرف بطرفك حيث شئ ... ت فلن ترى إلّا بخيلا
قال له: نعم. قال: بخّلت الناس جميعا، قال: فاصرف بطرفك يا أبا المهنّأ فانظر فإنّك لن ترى إلّا بخيلا،
__________
[1] س: «فنظر إلى كثرتهم واجتماعهم وازدحامهم».
[2] س: «محمد بن يزيد المبرد الأزدي».
[3] ف: «إلى باب مخارق واستفتح».
[4] حسن الشي ء: جمل، فهو حاسن وحسن وحسين وحسّان.
[5] ف، «المختار»: «ستعرض عن ذكري وتنسى مودتي» بالبناء للفاعل.
وإلا فأكذبني بجواد واحد، فالتفت مخارق يمينا وشمالا ثم أقبل عليه فقال: صدقت يا أبا إسحاق، فقال له أبو العتاهية: فديتك، لو كنت ممّا يشرب لذررت على الماء وشربت.
غنّى بين قبرين فترك الناس أعمالهم والتفوا حوله
أخبرني إسماعيل بن يونس الشّيعيّ، قال: حدثنا عمر بن شبّة، قال: حدّثني بعض آل نوبخت، قال:
كان أبي وعبد اللّه بن أبي سهل وجماعة من آل نوبخت وغيرهم وقوفا بكناسة الدّوابّ في الجانب الغربيّ من بغداد يتحدّثون، فإنهم لكذلك إذ أقبل مخارق على حمار أسود، وعليه قميص رقيق ورداء مسهّم [1]، قال: فيم كنتم؟ فأخبروه، فقال: دعوني من وسواسكم هذا، أيّ شيء لي عليكم إن رميت بنفسي بين قبرين من هذه القبور وغطّيت وجهي وغنّيت صوتا، فلم يبق أحد بهذه الكناسة ولا في الطّريق من مشتر ولا بائع ولا صادر ولا وارد إلا ترك عمله وقرب منّي واتّبع صوتي؟ فقال له عبد اللّه: إنّي لأحبّ أن أرى هذا، فقل ما شئت، فقال: فرسك الأشقر الذي طلبته منك فمنعتنيه، قال: هو لك إن فعلت ما قلت، ثمّ دخلها ورمى بنفسه بين قبرين وتغطّى بردائه، ثمّ اندفع يغنّي فغنّى في شعر أبي العتاهية:
نادت بوشك رحيلك الأيام ... أفلست تسمع أم بك استصمام!
/ قال: فرأيت الناس يتقوّضون إلى المقبرة أرسالا [2] من بين راكب وراجل وصاحب شول وصاحب جدي [3] ومارّ بالطريق، حتى لم يبق بالطريق أحد، ثم قال لنا من تحت ردائه: هل بقي أحد؟ قلنا: لا، وقد وجب الرّهن، فقام فركب حماره، وعاد النّاس إلى صنائعهم، فقال لعبد اللّه: أحضر الفرس، فقال: على أن تقيم اليوم عندي، قال: نعم، فانصرفنا معهما، وسلّم الفرس إليه وبرّه وأحسن إليه وأحسن رفده.
نسبة هذا الصوت
صوت
نادت بوشك رحيلك الأيّام ... أفلست تسمع أم بك استصمام!
ومضى أمامك من رأيت وأنت لل ... باقين [4] حتّى يلحقوك إمام
ما لي أراك كأنّ عينك لا ترى ... عبرا [5] تمرّ كأنّهنّ سهام
تمضي الخطوب وأنت منتبه لها ... فإذا مضت فكأنّها أحلام
الشّعر لأبي العتاهية، والغناء لإبراهيم ثقيل أول بالوسطى، وفيه لمخارق هزج بالوسطى، كلاهما عن عمرو، وفيه رمل يقال: إنه لعلّوية، ويقال: إنه لمخارق عن الهشاميّ.
__________
[1] سهّم الثوب: صور فيه سهاما؛ فهو مسهّم.
[2] يتقوضون: يجيئون ويذهبون، وفي «المختار»: «ينفضون». والأرسال جمع رسل: الجماعة من الناس.
[3] ما، «المختار»: «و صاحب شوك وصاحب كرى». والشول جمع شائلة على غير قياس، وهي من الإبل: التي أتى عليها من حملها أو وضعها سبعة أشهر فجف لبنها.
[4] ف: «و أنت في الباقين».
[5] ف: «عيرا».
بكى أبو العتاهية حين سمع جارية تغني لحنا لمخارق في شعر له
أخبرني جحظة، قال: ذكر ابن المكّيّ المرتجل عن أبيه:
أنّ أبا العتاهية دخل يوما إلى صديق له وعنده جارية تغنّي، فقال:/ أبا إسحاق إن هذه الجارية تغنّي صوتا حسنا في شعر لك، أفتنشط إلى سماعه؟ قال: هاتيه، فغنّته لحنا لعمرو بن بانة في قوله:
نادت بوشك رحيلك الأيّام
فعبس وبسر وقال: لا جزى اللّه خيرا من صنع هذه الصّنعة في شعري، قال: فإنّها تغنّي فيه لحنا لمخارق، قال: فلتغنّه فغنّته، فأعجبه وطرب حتى بكى ثم قال: جزى اللّه هذا عنّي خيرا، وقام فانصرف.
وقد روى هذا الخبر هارون بن الزّيات، عن حمّاد بن إسحاق عن أبيه، عن غزوان: أنه كان وعبيد اللّه بن أبي غسّان، وأبو العتاهية، ومحمد بن عمرو الرّوميّ، عند ابن أبي مريم [1] ومعهم مغنّية يقال لها بنت إبليس، فغنّى عبيد اللّه بن أبي غسّان في لحن مخارق:
نادت بوشك رحيلك الأيّام
فلم يستحسنه أبو العتاهية، ثمّ غنّى فيه لحنا لإبراهيم بن المهديّ فأطربه، وقال: جزى اللّه عنّي هذا خيرا.
أخبرني إسماعيل بن يونس الشّيعيّ، قال: حدّثنا عمر بن شبّة، قال: بلغني أنّ المتوكل دخل إلى جارية من جواريه وهي تغنّي:
صوت
أمن قطر النّدى نظّم ... ت ثغرك أم من البرد!
وريقك من سلاف الكر ... م أم من صفوة الشّهد!
أيا من قد جرى منّي ... كمجرى الرّوح في الجسد [2]
ضميرك شاهدي فيما ... أقاسيه من الكمد
/ والغناء لمخارق رمل، فقال لها: ويحك، لمن هذا الغناء؟ فقالت: أخذته من مخارق، قال: فألقيه على الجواري جميعا، ففعلت، فلما أخذنه عنها أمر بإخراجهنّ إليه، ودعا بالنّبيذ، وأمر بألّا يغنّينه غيره ثلاثة أيام متوالية، وكان ذلك بعد وفاة مخارق.
أدخل أبا المضاء الأسدي بيته وسقاه وغنّاه وكساه فقال فيه شعرا
وأخبرنا إسماعيل بن يونس الشّيعيّ، قال: حدّثنا عمر بن شبّة، قال: قال عمر بن نوح بن جرير:
سألت أبا المضاء الأسديّ أن ينشدني فقال: أنشدك من شعري شيئا، قلته لرجل لقيته على الجسر ببغداد، فأعجبه مني ما يرى من دماثتي، وأقبلت أحدّثه وهو ينصت لي، وأنشده وهو يحسن الإصغاء إلى إنشادي، ويحدّثني فيحسن الحديث، حتى بلغنا منزله، فأدخلني فغدّاني ثم لم يرم حتى كساني وسقاني فروّاني، ثم أسمعني واللّه شيئا
__________
[1] ف: «عند ابن أبي موسى».
[2] ف: «في جسدي».
ما طار في مسامعي شيء قطّ أحسن منه، فلما خرجت سألت عنه، فقال لي غلمانه: هذا أبو المهنّأ مخارق، فقلت فيه:
أعاد اللّه يوم أبي المهنّأ ... علينا إنّه يوم نضير [1]
تغيّب نحسه عنّا وأرخى ... علينا وابل جود [2] مطير
فلمّا أن رأيت القطر فوقي ... وأقداحا يحثّ بها المدير
وأسعدنا بصوت لو وعاه ... وليّ العهد خفّ به السّرير [3]
تذكّرت الحبيب وأهل نجد ... وروضا نبته غضّ نضير
قال: فقلت له: ولم ذكرت نجدا مع ما كنت فيه؟ وكان ينبغي لك أن تنساه، قال: كلّا، إنّ المرء إذا كان فيما يحبّ تذكّر أهله، قلت: فما غنّاك؟ قال: غنّاني:
/و ما روضة جاد الرّبيع بهطله ... عليها فروّاها ورقّت غصونها
وهبّت عليها الرّيح حتى تبسّمت ... وحتى بدت فوق الغصون عيونها
بأحسن منها إذ بدت وسط مجلس ... وفي يدها عود فصيح يزينها
وقد أنطقته والشّمال جريّة ... على عقد ما تلقي عليها يمينها [4]
قال: فلم يزل يردّده عليّ حتى قضيت وطري من لذّتي، وحفظته عنه.
غنى لإبراهيم الموصلي فجرت دموعه ونشج أحرّ نشيج
أخبرني جحظة، قال: حدّثني حمّاد بن إسحاق، عن أبيه قال:
دخلت على جدّك إبراهيم وهو جالس بين بابين له، ومخارق بين يديه يغنّيه:
يا ربع بشرة إن أضرّ بك البلى ... فلقد رأيتك آهلا معمورا
قال: واللّحن الذي كان يغنّيه لمالك، وفيه عدّة ألحان مشتركة، فرأيت دموع أبي تجري عمى خدّيه من أربعة أماكن وهو ينشج أحرّ نشيج [5]، فلمّا رأني قال: يا إسحاق هذا واللّه صاحب اللواء غدا إن مات أبوك.
رأى رؤيا فسّرها إبراهيم الموصلي بأن إبليس قد عقد له لواء صنعة الغناء
أخبرني الحسن بن عليّ الخفّاف، قال: حدّثني محمد بن القاسم بن مهرويه، قال: حدثني هارون بن مخارق، عن أبيه، قال:
رأيت وأنا حدث كأنّ شيخا جالسا على سرير في روضة حسنة قد دعاني، فقال لي: غنّني يا مخارق، فقلت:
أصوتا تقترحه أم ما حضر؟ فقال: ما حضر، فغنّيته بصنعتي في:
__________
[1] ف: «يوم قصير».
[2] الجود: المطر الغزير، وقد يأتي وصفا كما ورد في البيت.
[3] في: «حف به السرور».
[4] ف:
«ما تلقى عليه يمينها»
، والشمال: الريح التي تهب من جهة الشمال وتقابل الجنوب. والجرية: الوكيلة.
[5] نشج الباكي نشيجا: غص بالبكاء في حلقه من غير انتحاب.
صوت
دعي القلب لا يزدد خبالا مع الذي ... به منك أو داوي جواه المكتّما
وليس بتزويق اللسان وصوغه ... ولكنّه قد خالط اللّحم والدّما
/ ولحن مخارق فيه ثقيل أول، وفيه لابن سريج رمل.
قال: فقال لي: أحسنت يا مخارق، ثم أخذ وترا من أوتار العود فلفّه على المضراب، ودفعه إليّ، فجعل المضراب يطول ويغلظ، والوتر ينتشر ويعرض حتى صار المضراب كالرّمح، والوتر كالعذبة عليه، وصار في يدي علما، ثم انتبهت فحدّثت برؤياي إبراهيم الموصليّ، فقال لي: الشّيخ، بلا شك، إبليس، وقد عقد لك لواء صنعتك، فأنت ما حييت رئيس أهلها.
قال مؤلّف هذا الكتاب: وأظنّ أنّ الشاعر الذي مدح مخارقا إنما عنى هذه الرؤيا بقوله:
لقد عقد الشّيخ الذي غرّ آدما ... وأخرجه من جنة وحدائق
لواءي فنون للقريض وللغنا ... وأقسم لا يعطيهما غير حاذق
أرسل الواثق جواريه إلى بيته ليصحح لهن صوتا
وذكر محمد بن الحسن الكاتب، أنّ هارون بن مخارق حدّثه فقال:
كان الواثق شديد الشّغف بأبي، وكان قد اقتطعه عنّا، وأمر له بحجرة في قصره، وجعل له يوما في الأسبوع لنوبته في منزله، وكان جواريه يختلفن [1] لذلك اليوم، قال: فانصرف إلينا مرّة في نوبته فصلّى الغداة مع الفجر على أسرّة في صحن الدّار في يوم صائف وجلس يسبّح، فما راعنا إلا خدم بيض قد دخلوا فسلّموا عليه وقالوا:
إن أمير المؤمنين قد دعا بنا في هذه الساعة، فأعدنا عليه الصوت الذي طرحته علينا فلم يرضه من أحد منا، وأمرنا بالمصير إليك لنصحّحه عليك، قال: فأمر غلمانه فطرحوا لهم عدّة كراسيّ فجلسوا عليها، ثم قال لهم:
ردّوا الصوت، فردّوه، فلم يرضه من أحد منهم، فدعا بجاريته عميم، فردّته عليهم، فلم يرضه منها، قال:
/ فتحوّل إليهم ثم اندفع فردّ الصوت على الخدم، فخرج الوصائف من حجر جواريه حتى وقفن حوالي الأسرّة، ودخل غلام من غلمانه وكان يستقي الماء، فهجم على الصّحن بدلوه، وجاءت جارية على كتفها جرّة من جرار المزمّلات [2]، حتى وقفت بالقرب منه، قال: وسبقتني عيناي فما كففت دموعها [3] حتى فاضت.
ثمّ قطع الصوت حين استوفاه، فرجع الوصائف الأصاغر سعيا إلى حجر الجواري، وخرج الغلام السّقّاء يشتدّ إلى بغلة، ورجعت الجارية الحاملة الجرة المزمّلة شدّا إلى الموضع الذي خرجت منه، فتبسّم أبي وقال: ما شأنك يا هارون؟ فقلت: يا أبت جعلني اللّه فداءك، ما ملكت عيني، قال: وأبوك أيضا لم يملك عينه.
نام في بيت إبراهيم بن المهدي وهو يغني ثم انتبه وأكمل الغناء
وذكر هارون بن الزّيات عن أصحابه قال:
__________
[1] في ما، ف: «يحتففن».
[2] المزملات: جمع مزمّلة؛ وهي الجرة يبرد فيها الماء، وفي وسطها ثقب فيه قصبة من الفضة أو الرصاص يشرب منها (عراقية).
[3] ف: «دموعهما».
جمع إبراهيم بن المهديّ المغنّين ذات يوم في منزله، فأقاموا، فلمّا دخلوا في الليل ثمل مخارق وسكر سكرا شديدا، فسألوه أن يغني صوتا، فغنّى هذا البيت من شعر عمر بن أبي ربيعة المخزوميّ:
قال: ساروا وأمعنوا واستقلّوا ... وبرغمي لو استطعت سبيلا
فانتهى منه إلى قوله: واستقلوا. وانثنى نائما، فقال إبراهيم بن المهديّ: مهّدوه [1] ولا تزعجوه، فمهّدوه ونام، حتى مضى أكثر الليل، ثم استقلّ من نومه فانتبه وهو يغني تمام البيت:
وبرغمي لو استطعت سبيلا
[2] وهو تمام البيت من حيث قطعه وسكت عليه من صوته [2].
/قال: فجعل إبراهيم يتعجّب منه، ويعجب منه من حضره، من جودة طبعه وذكائه وصحّة فهمه.
محمد بن الحسن بن مصعب يسأل إسحاق عنه وعن إبراهيم بن المهدي: أيهما أحذق غناء
حدثنا يحيى بن عليّ بن يحيى المنجّم، قال: حدّثنا حمّاد بن إسحاق، قال: قال محمد بن الحسن بن مصعب:
قلت لإسحاق يوما: أسألك باللّه إلّا صدقتني في مخارق وإبراهيم بن المهديّ، أيهما أحذق وأحسن غناء؟
فقال لي إسحاق: أجادّ أنت؟ واللّه ما تقاربا قطّ، والدّليل على فضل مخارق عليه أنّ إبراهيم لا يؤدّي صوتا قديما ثقيلا جيّدا أبدا ولا يستوفيه، وإنما يغنّي الأهزاج والغناء الخفيف، وأمّا الذي فيه عمل شديد فلا يصيبه.
طلب منه سعيد بن سلم الغناء في شعر ضعيف
أخبرني يحيى، قال: حدّثنا أبو أيّوب المدينيّ، قال: حدثني بعض ولد سعيد بن سلم، قال:
دخل مخارق على سعيد بن سلم فسأله حاجة، فلما خرج قيل له: أما تعرف هذا؟ هذا مخارق، فقال:
ويحكم! دخل ولم نعرفه، وخرج ولم نعرفه، ردّوه، فردّوه، فقال له: دخلت علينا ولم نعرفك، فلمّا عرفناك [3] أحببنا ألّا تخرج حتى نسمعك، فقال له: أيّ شيء تشتهي أن أسمعك؟ فقال:
يا ريح ما تصنعين بالدّمن [4] ... كم لك من محو منظر حسن!
فغنّاه مخارق، فلمّا خرج قال لبعض بنيه: أبوكم هذا نكس [5] يتشهّى على مثلي:
يا ريح ما تصنعين بالدّمن
/ أخبرنا يحيى بن عليّ، قال: حدّثنا حمّاد بن إسحاق، قال: حدّثني عمّي محمد، قال:
سمعت أبي يقول وقد غنّى مخارق: نعم الفسيلة [6] غرس إبليس في الأرض.
__________
[1] مهدوء: مكنوه من النوم.
(2 - 2) التكملة من ف.
[3] ف: «عرفنا».
[4] الدمن جمع دمنة، وهي آثار الدار.
[5] النكس: الضعيف الذي لا خير فيه.
[6] الفسيلة: جزء من النبات يفصل عنه ويغرس، أو النخلة الصغيرة تقطع من الأم أو تقلع من الأرض فتغرس.
جارية تغني صوتا له بحضرته فتحسن
أخبرني عمّي، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد، قال: حدّثني محمد بن محمد، قال:
سمع محمد بن سعيد القارىء مهديّة جارية يعقوب بن السّاحر تغني صوتا لمخارق بحضرته، وقد كانت أخذته عنه وهو:
ما لقلبي يزداد في اللهو غيّا ... والليالي قد أنضجتني كيّا
سهلت بعدك الحوادث حتّى ... لست أخشى ولا أحاذر شيّا
فأحسنت فيه ما شاءت، وانصرف محمد بن سعيد، وقرأ على لحنه: يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ
[1].
قصة رجل حلف بالطلاق أن يسمعه ثلاث مرات
حدّثني عمّي، قال: حدثنا عبد اللّه، قال: حدثني محمد، قال:
كنت عند مخارق أنا وهارون بن أحمد بن هشام، فلعب مع هارون بالنّرد فقمره مخارق مائتي رطل باقلّا طريّا، فقال مخارق: وأنتم عندي أطعمكم من لحم جزور من الصناعة، يعني من صناعة أبيه يحيى بن ناووس الجزّار.
قال: ومرّ بهارون بن أحمد فصيل ينادى عليه، فاشتراه بأربعة دنانير، ووجّه به إلى مخارق، وقال: يكون ما تطعمنا من هذا الفصيل، فاجتمعنا وطبخ مخارق بيده جزوريّة، وعمل من سنامه وكبده ولحمه غضائر [2] شويت في التّنّور، وعمل من لحمه لونا يشبه الهريسة بشعير مقشّر [3] في نهاية الطّيب، فأكلنا وجلسنا نشرب، فإذا نحن بامرأة تصيح من الشّطّ:/ يا أبا المهنّأ، اللّه اللّه فيّ، حلف زوجي عليّ بالطّلاق أن يسمع غناءك ويشرب عليه، فقال: اذهبي وجيئي به، فجاء فجلس، فقال له: ما حملك على ما صنعت، فقال له: يا سيّدي، كنت سمعت صوتا من صنعتك فطربت عليه حتى استخفّني الطّرب، فحلفت أن أسمعه منك ثقة بإيجابك حقّ زوجتي، وكانت زوجته داية هارون بن مخارق. فقال: وما هو الصوت؟ فقال:
صوت
بكرت عليّ فهيّجت وجدا ... هوج [4] الرّياح وأذكرت نجدا
أتحنّ من شوق إذا ذكرت ... نجد وأنت تركتها عمدا
الشعر لحسين بن مطير، والغناء لمخارق ثقيل أول، وفيه لإسحاق ثقيل أول آخر، فغنّاه إياه وسقاه رطلا، وأمره بالانصراف، ونهاه أن يعاود، وخرج. فما لبثنا أن عادت المرأة تصرخ: اللّه اللّه فيّ يا أبا المهنّأ، قد أعاد زوجي المشؤوم اليمين أنك تغنّيه صوتا آخر، فقال لها: أحضريه، فأحضرته أيضا، فقال له: ويلك، ما لي ولك! أيّ شيء قصّتك [5]! فقال له: يا سيّدي أنا رجل طروب، وكنت قد سمعت صوتا لك آخر فاستفزّني الطّرب إلى أن
__________
[1] مريم/ 12.
[2] ف، ما: «ضفائر». والغضائر: القطع.
[3] ف: «مقشور».
[4] الهوج: جمع هوجاء، وهي الرياح المتداركة الهبوب كأن بها هوجا.
[5] س: «أيش قصتك»!.
حلفت بالطلاق ثلاثا أنّي أسمعه منك، قال: وما هو؟ قال لحنك:
أبلغ سلامة أنّ البين قد أفدا [1] ... وأنّ صحبك عنها رائحون غدا
هذا الفراق يقينا إن صبرت له ... أو لا فإنّك منها ميّت كمدا
لا شكّ أنّ الذي بي سوف يهلكني ... إن كان أهلك حبّ قبله أحدا
/ فغنّاه إيّاه مخارق وسقاه رطلا، وقال له: احذر ويلك أن تعاود، فانصرف. ولم تلبث أن عاودت الصّياح تصرخ: يا سيّدي، قد عاود اليمين ثلاثة، اللّه اللّه فيّ وفي أولادي، قال: هاتيه، فأحضرته، فقال لها: انصرفي أنت، فإن هذا كلما انصرف حلف وعاد، فدعيه يقيم يومه كلّه، فتركته وانصرفت، فقال له مخارق: ما قصّتك أيضا؟ قال:
قد عرّفتك يا سيّدي أنّني رجل طروب، وكنت سمعت صوتا من صنعتك فاستخفّني الطّرب له فحلفت أنّي أسمعه منك، قال: وما هو؟ قال:
ألف الظّبي بعادي ... ونفى الهمّ رقادي
وعدا الهجر على الوص ... ل بأسياف حداد
قل لمن زيّف ودّي: ... لست أهلا لودادي
قال: فغنّاه إيّاه وسقاه رطلا، ثم قال: يا غلام، مقارع، فجيء بها، فأمر به فبطح، وأمر بضربه فضرب خمسين مقرعة، وهو يستغيث فلا يكلّمه، ثم قال له: احلف بالطّلاق أنك لا تذكرني أبدا، وإلّا كان هذا دأبك إلى الليل، فحلف بالطّلاق ثلاثا على ما أمره به، ثمّ أقيم فأخرج عن الدار، فجعلنا نضحك بقيّة يومنا من حمقه.
أشرف من بيته على القبور وغنى باكيا
أخبرني عمّي، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد، قال: حدّثنا أحمد بن محمد، قال: حدّثني إسحاق بن عمر بن بزيع، قال:
أتيت مخارقا ذات يوم ومعي زرزور الكبير لنقيم عنده، فوجدته قد أخرج رأسه من جناح له، وهو مشرف على المقابر يغنّي هذا البيت ويبكي:
أين الملوك التي كانت مسلّطة
قال: فاستحسنّا ما سمعناه منه استحسان من لم يسمع قطّ غناء غيره، فقال/ لنا: انصرفوا، فليس فيّ فضل اليوم بعد ما رأيتم. قال محمد: وكان واللّه مخارق ممّن لو تنفّس لأطرب من يسمعه استماع نفسه.
سمعت الظباء غناءه فوقفت بالقرب منه مصغية
وذكر محمد بن الحسن الكاتب أنّ محمد بن أحمد بن يحيى المكّيّ حدّثه عن أبيه قال:
خرج مخارق مع بعض إخوانه إلى بعض المتنزّهات، فنظر إلى قوس مذهبة مع أحد من خرج معه، فسأله إيّاها، فكأنّ المسؤول ضنّ بها. قال: وسنحت ظباء بالقرب منه، فقال لصاحب القوس: أرأيت إن تغنّيت صوتا فعطفت عليك به خدود هذه الظباء، أتدفع إليّ هذه القوس؟ قال: نعم، فاندفع يغني.
__________
[1] أفد: دنا أو عجل.
صوت
ماذا تقول الظّباء ... أفرقة أم لقاء!
أم عهدها بسليمى ... وفي البيان شفاء!
مرّت بنا سانحات ... وقد دنا الإمساء
فما أحارت جوابا ... وطال فيها [1] العناء
في هذه الأبيات ليحيى المكّيّ ثقيل أول بالوسطى.
قال: فعطفت الظّباء راجعة إليه حتى وقفت بالقرب منه، مستشرفة تنظر إليه مصغية تسمع صوته، فعجب من حضر من رجوعها ووقوفها، وناوله الرّجل القوس فأخذها وقطع الغناء، فعاودت الظّباء نفارها، ومضت راجعة على سننها [2].
غنى وسط دجلة فتسابق الناس لسماعه
قال ابن المكّيّ: وحدّثني رجل من أهل البصرة كان يألف مخارقا ويصحبه، قال:
كنت [3] معه مرّة في طيّار ليلا وهو سكران، فلما توسّط دجلة اندفع بأعلى صوته فغنّى، فما بقي أحد في الطّيّار من ملّاح ولا غلام ولا خادم إلا بكى من رقّة صوته، ورأيت الشّمع والسّرج من جانبي دجلة في صحون القصور والدّور يتساعون بين يدي أهلها [4] يستمعون غناءه.
ابن الأعرابي يستكثر الهبة التي أخذها لشعر غناه
حدّثني الصّوليّ، قال: حدثني محمد بن عبد اللّه التّميميّ الحزنبل، قال:
كنا في مجلس ابن الأعرابيّ إذ أقبل رجل من ولد سعيد بن سلم كان يلزم ابن الأعرابيّ، وكان يحبّه ويأنس به، فقال له: ما أخّرك عنّي؟ فاعتذر بأشياء منها أنه قال: كنت مع مخارق عند بعض بني الرّشيد، فوهب له مائة ألف درهم على صوت غنّاه إياه، فاستكثر [5] ابن الأعرابيّ ذلك واستهوله، وعجب منه وقال له: بأيّ شيء غنّاه؟
قال: غنّاه بشعر العبّاس بن الأحنف:
صوت
بكت عيني لأنواع ... من الحزن وأوجاع
وإني كلّ يوم عن ... دكم يحظى بي السّاعي
فقال ابن الأعرابيّ: أمّا الغناء فما أدري ما هو، ولكن هذا واللّه كلام قريب مليح.
__________
[1] ف: «و طال منها».
[2] السنن: الطريقة.
[3] ف، ما: «ركبت معه في طيار ... الخ». والطيار: القارب السريع.
[4] يتساعون بين يدي أهلها: يتسابقون.
[5] ف: «فاستكبر ذلك ابن الأعرابي واستهاله».
لحن مخارق في هذين البيتين ثقيل أول من جامع صنعته، وفيهما لإبراهيم الموصليّ ثاني ثقيل بالوسطى عن عمرو بن بانة. وذكر حبش أنّ فيهما لإبراهيم بن المهديّ لحنا ماخوريّا.
نصح إبراهيم بن المهدي شارية بألّا تتشبه به في تزايده وإلا هلكت
أخبرني أحمد بن جعفر جحظة، قال: حدّثني هبة اللّه بن إبراهيم بن المهديّ، قال:
غنّت شارية يوما بحضرة أبي صوتا، فأحدّ النظر إليها وصبر حتى قطعت نفسها ثم قال لها: أمسكي، فأمسكت، فقال لها: قد عرفت إلى أيّ شيء ذهبت؛ أردت أن تتشبّهي بمخارق في تزايده، قالت: نعم يا سيدي.
قال: إيّاك ثم إياك أن تعودي، فإن مخارقا خلقه اللّه وحده في طبعه وصوته ونفسه، يتصرّف في ذلك أجمع كيف أحبّ، ولا يلحقه في ذلك أحد، وقد أراد غيرك أن يتشبه به في هذه الحال فهلك، وافتضح ولم يلحقه، فلا أسمعنّك تتعرّضين لمثل هذا بعد وقتك هذا [1].
غلمان المعتصم يتركونه ويجتمعون لسماع مخارق فيعذرهم
أخبرني عمّي، قال: حدّثني عليّ بن محمد بن نصر البسّامي، قال: حدثني خالي أبو عبد اللّه عن أبيه، قال:
كنّا بين يدي المعتصم ذات ليلة نشرب إلى أن سكرنا جميعا، فقام، فنام [2] وتوسّدنا أيدينا [2] ونمنا في مواضعنا، ثمّ انتبه فصاح فلم يجبه أحد، وسمعنا صياحه فتبادرنا نسأل عن الغلمان، فإذا مخارق قد انتبه قبلنا فخرج إلى الشّطّ يتنسّم الهواء، واندفع يغنّي، فتلاحق به الغلمان جميعا، فجئت إلى المعتصم فأخبرته وقلت: مخارق على الشّطّ يغنّي والغلمان قد اجتمعوا عليه، فليس فيهم فضل لشيء غير استماعه، فقال لي: يا بن حمدون، عذر واللّه وأيّ عذر! ثمّ جلس وجلسنا بين يديه إلى السّحر.
المأمون يسأل إسحاق عن غناء مخارق وإبراهيم بن المهدي
وذكر محمد بن الحسن [3] الكاتب أنّ أبان بن سعيد حدّثه:
أنّ المأمون سأل إسحاق عن إبراهيم بن المهديّ ومخارق، فقال: يا أمير/ المؤمنين، إذا تغنّى إبراهيم بعلمه فضل مخارقا، وإذا تغنّى مخارق بطبعه وفضل صوته فضل إبراهيم، فقال له: صدقت.
غنى الأمين فخلع عليه جبة ثم ندم حين رآها عليه
نسخت من كتاب هارون بن الزّيات:
حدّثني هارون بن مخارق عن أبيه، قال: دعاني محمد الأمين يوما وقد اصطبح فاقترح عليّ:
استقبلت ورق الرّيحان تقطفه ... وعنبر الهند والورديّة الجددا
أ لست تعرفني في الحيّ جارية ... ولم أخنك ولم ترفع إليّ يدا [4]
__________
[1] ف: «بعد وقبل هذا».
(2 - 2) التكملة من ما.
[3] ف: «محمد بن الحسين الكاتب».
[4] س: « .. ولم أرفع إليك يدا».
فغنّيته إياه، فطرب طربا شديدا وشرب عليه ثلاثة أرطال ولاء، وأمر لي بألف دينار وخلع عليّ جبّة وشي كانت عليه مذهبة، ودرّاعة مثلها وعمامة مثلها تكاد تعشي البصر من كثرة الذّهب، فلمّا لبست ذلك ورآه عليّ ندم، وكان كثيرا ما يفعل ذلك، فقال لبعض الخدم: قل للطبّاخ يأتينا بمصليّة [1] معقودة الساعة، فأتى بها، فقال لي: كل معي، وكنت أعرف النّاس بمذهبه وبكراهته لذلك، فامتنعت. فحلف أن آكل معه، فحين أدخلت يدي في الغضارة [2] رفع يده، ثم قال: أفّ نغّصتها عليّ واللّه وقذّرتها عندي بإدخالك يدك فيها، ثمّ رفس القصعة رفسة فإذا هي في حجري، وودكها [3] يسيل على الخلعة حتى نفذ إلى جلدي، فقمت مبادرا فنزعتها، وبعثت بها إلى منزلي وغيّرت ثيابي وعدت وأنا مغموم منها وهو يضحك، فلمّا رجعت إلى منزلي جمعت كلّ صانع حاذق فجهدوا في إخراج ذلك الأثر منها فلم يخرج، ولم أنتفع بها حتى أحرقتها فأخذت ذهبها، وضرب الدّهر بعد ذلك ضرباته.
يؤاكل المأمون ويغنيه فيعبس في وجهه ثم يدعوه ثانية ويكافئه
ثم دعاني المأمون يوما، فدخلت إليه وهو جالس، وبين يديه مائدة عليها رغيفان ودجاجتان، فقال لي: تعال فكل، فامتنعت، فقال لي: تعال ويلك فساعدني. فجلست فأكلت معه حتى استوفى، ووضع النبيذ ودعا علّوية فجلس، وقال لي: يا مخارق، أتغنّي:
أقول التماس العذر لمّا ظلمتني ... وحمّلتني ذنبا وما كنت مذنبا
فقلت: نعم يا سيّدي، قال: غنّه، فغنّيته فعبس في وجهي ثم قال: قبّحك اللّه أهكذا يغنّى هذا! ثم أقبل على علّوية فقال: أتغنّيه؟ قال: نعم يا سيّدي، قال: غنّه، فغنّاه، فو اللّه ما قاربني فيه، فقال: أحسنت واللّه، وشرب رطلا، وأمر له بعشرة آلاف درهم، واستعاده ثلاثا، وشرب عليه ثلاثة أرطال يعطيه مع كلّ عشرة آلاف درهم، ثم خذف بإصبعه [4] وقال: برق يمان، وكان إذا أراد قطع الشرب فعل ذلك، وقمنا فعلمت من أين أتيت.
فلمّا كان بعد أيام دعاني فدخلت إليه وهو جالس في ذلك الموضع بعينه يأكل هناك، فقال لي: تعال ويلك فساعدني، فقلت: الطلاق لي لازم إن فعلت، فضحك ثم قال: ويلك، أتراني بخيلا على الطّعام! لا واللّه، ولكنني أردت أن أؤدّبك، إنّ السادة لا ينبغي لعبيدها أن تؤاكلها، أفهمت؟ فقلت: نعم، قال: فتعال الآن فكل على الأمان فقلت: أكون إذا أوّل من أضاع تأديبك إياه واستحقّ العقوبة من قريب، فضحك حتى استغرب [5]، ثمّ أمر لي بألف دينار، ومضيت إلى حجرتي المرسومة لي [6] للخدمة، وأتيت هناك بطعام فأكلت، ووضع النّبيذ ودعاني وبعلّوية، فلمّا جلسنا قال له: يا عليّ، أتغنّي:
/ألم تقولي: نعم، قالت: أرى وهما ... منيّ وهل يؤخذ الإنسان بالوهم! [7]
__________
[1] صلى اللحم يصليه صليا: شواه فهو مصليّ، ويقال: أتى بشاة مصليّة.
[2] الغضارة كسحابة: القصعة الكبيرة.
[3] الودك: ما يتحلب من اللحم والشحم من دسم.
[4] خذف بإصبعه: حركه كأنه يرمي شيئا.
[5] استغرب: بالغ في الضحك.
[6] ف، ما: «المرسومة بي».
[7] الوهم: السهو أو الخطأ.
فقال: نعم يا سيّدي، فقال: هاته، فغنّاه، فعبس في وجهه وبسر [1] وقال: قبّحك اللّه، أتغنّي هذا هكذا! ثمّ أقبل عليّ فقال: أتغنّيه يا مخارق؟ فقلت: نعم يا سيّدي، وعلمت أنه أراد أن يستقيد [2] لي من علّوية ويرفع مني، وإلا فما أتى علّوية بما يعاب فيه، فغنّيته، فطرب وشرب رطلا، وأمر لي بعشرة آلاف درهم، وفعل ذلك ثلاث مرّات كما فعل به.
ثمّ أمر بالانصراف فانصرفنا، وما عاودت بعد ذلك مؤاكلة خليفة إلى وقتنا هذا.
نسبة ما في هذا الخبر من الغناء
صوت
استقبلت ورق الرّيحان تقطفه ... وعنبر الهند والورديّة الجددا
أ لست تعرفني في الحيّ جارية ... ولم أخنك ولم تمدد إليّ يدا
الشعر - فيما يقال - لعمر بن أبي ربيعة، والغناء للغريض خفيف رمل بالسبابة في مجرى الوسطى عن إسحاق، وأصله يماني، وفيه لابن جامع هزج.
صوت
أقول التماس العذر لما ظلمتني ... وحمّلتني ذنبا وما كنت مذنبا
هبيني أمرأ إمّا بريئا ظلمته ... وإمّا مسيئا قد أناب وأعتبا [3]
الشعر للأحوص، والغناء لمالك خفيف رمل بالوسطى عن عمرو.
صوت
ألم تقولي: نعم، قالت: أرى وهما ... منّي وهل يؤخذ الإنسان بالوهم!
قولي: نعم، إنّ «لا» - إن قلت - قاتلتي ... ماذا تريدين من قتلي بغير دم!
الغناء لسياط خفيف رمل بالبنصر عن عمرو، ولم يقع إليّ لمن الشّعر.
يتنافس هو وعلوية في غناء صوت فيسبق علوية
قال هارون: وحدّثني أبو معاوية الباهليّ، قال:
حضرت علّوية ومخارقا مجتمعين في مجلس، فغنّى علوية صوتا فأحسن فيه وأجاده، فأعاده مخارق وبرّز عليه وزاد، فردّه علّوية وتعمّل فيه واجتهد فزاد على مخارق، فجثا مخارق على ركبتيه وغنّاه وصاح فيه حتى اهتزّ منكباه، فما ظننّا إلا أنّ الأرض قد زلزلت بنا، وغلب واللّه ما سمعنا على عقولنا، ونظرت إلى لون علّوية وقد امتقع
__________
[1] بسر: أظهر العبوس.
[2] يستقيد لي: يأخذ لي بثأري.
[3] أعتبه: أرضاه بعد العتاب.
وطار دمه، فلمّا فرغ مخارق توقّعنا أن يغنّي علّوية، فما فعل ولا غنّى بقية يومه. قال: وكان مخارق إذا صاح قطع أصحاب النايات.
سأله الأمين أن يغنيه أصواتا فلم يحسن فأرسله إلى إسحاق ليعلمه
أخبرني وسواسة بن الموصليّ، وهو أحمد [1] بن إسماعيل بن إبراهيم، قال: حدّثنا حمّاد بن إسحاق، قال:
قال لي مخارق: دعاني يوما محمد المخلوع فدخلت عليه وعنده إبراهيم بن المهديّ، فقال: غنّني يا مخارق، فغنّيته أصواتا عديدة، فلم يطرب لها وقال: هذا كله معاد، فغنّني:
لقد أزمعت للبين هند زيالها [2]
فقلت: لا واللّه ما أحسنه، فقال: غنّني:
لا والذي نحرت له البدن
/ فقلت: لا واللّه ما أحسنه، فقال: غنّني:
يا دار سعدى سقى أطلالك الدّيما
فقلت: لا واللّه لا أحسنه، فغضب، وقال: ويلك! أسألك عن ثلاثة أصوات فلا تحسن منها واحدا! فقال له إبراهيم بن المهديّ: وما ذنبه؟ إسحاق أستاذه وعليه يعتمد، وهو يضايقه [3] في صوت يعلّمه إياه، فقلت: قد واللّه صدق، ما يعطيني شيئا ولا يعلّمنيه، قال: فما دواؤه؟ فقد واللّه أعياني، فقال له إبراهيم: توكّل به من يصبّ على رأسه العذاب حتى يعلّمه مائة صوت، قال: أمّا هذا فبعيد، ولكن اذهب إليه عني فمره أن يعلّمك هذه الثلاثة الأصوات، فإن فعل وإلا فصبّ السّوط على رأسه حتى يعلّمك.
يذهب إلى إسحاق ليعلمه فيكله إلى جارية له
فدخلت إلى إسحاق، فجلست بغير أمره، وسلّمت سلاما منكرا. ثم أقبلت عليه فقلت: يأمرك أمير المؤمنين أن تعلّمني كذا وكذا قال: ما أحسنه، فقلت: إني أنفّذ فيك ما أمرني به، فقال: تنفّذ فيّ ما أمرت به، ألا تستحي ويحك مني ومن تربيتي إياك! قلت: فلا بدّ من أن تعلّمني ما أمرك به أمير المؤمنين، قال: فإني لست أحسنه ولكن فلانة تحسنه، هاتوها. فجاءت وجعلت تطارحني حتى أخذت الأصوات الثّلاثة، وجعل كل من جاء يومئذ لا يحجبه ليروني وجاريته تطارحني.
فلمّا أخذت الأصوات رجعت إلى محمد وأخبرته الخبر وحضر إسحاق، فغنّيته إياها، فطرب، وجعل إبراهيم بن المهديّ يقول: أحسن واللّه، أحسن واللّه، فلما فرغت قال إسحاق: لا واللّه ما أحسن ولا أصاب هو ولا إبراهيم في استحسانه، ولقد جهدت الجارية جهدها أن يأخذه عنها فلم يتوجّه له، ثم اندفع فغنّاها، فكأني واللّه كنت ألعب عندما سمعت.
/ ثم أقبل على إبراهيم بن المهديّ فقال له: كم أقول لك: ليس هذا من علمك ولا ممّا تحسنه وأنت تكابر
__________
[1] ف: «و هو ابن أحمد بن إسماعيل بن إبراهيم».
[2] ف: «زوالها».
[3] س: «و هو يطابقه».
وتدخل نفسك فيما لا تحسنه! فقال: ألا تراه يا أمير المؤمنين يصيّرني مغنّيا! فقال له إسحاق: ولم تجحد ذلك! أو أسررت إليّ منه شيئا لم تظهره للناس وتعلّمهم إياه! ومتى صرت تأنف من هذا وأنت تتبحبح به! فليتك تحسنه، واللّه ما تفرق بين الخطأ والصواب فيه، وإن شئت الآن ألقيت عليك ثلاثين مسألة من أيّ علم شئت، فإن أجبت في واحدة منهن وإلّا علمت أنك متكلّف. فقال: يا أمير المؤمنين يستقبلني بهذا بين يديك! قال [1]: وما هذا مما لا أستقبلك به؟ فقال له محمد: نعم اختر ما شئت حتى نسألك عنه فقال: إنما يفعل هذا الصبيان [2]، وانكسر حتى رحمته، فقلت لمحمد: يا أمير المؤمنين لعلك ترى مع هذا القول أنه لا يحسن، بلى واللّه إنه ليحسن كلّ شيء وما يقدر أحد أن يقول هذا غيري، وإنه ليتقدّم كثيرا من الناس في كل شيء، فجعل محمد يضحك وهو يقول، تشجّه بيد وتدهنه بيد، وتجرّحه بيد وتأسوه بيد!.
نسبة هذه الأصوات
صوت
لقد أزمعت للبين هند زيالها ... وزمّوا [3] إلى أرض العراق جمالها
فما ظبية أدماء واضحة القرا ... تنصّ إلى برد الظّلال غزالها [4]
/تحتّ بقرنيها برير أراكة ... وتعطو بظلفيها إذا الغصن طالها [5]
بأحسن منها مقلة ومقلّدا ... وجيدا إذا دانت تنوط شكالها [6]
الشّعر لكثيّر، والغناء لمعبد خفيف ثقيل أوّل بالوسطى عن عمرو، وفيه لابن سريج في الثّالث والثّاني ثقيل أول بالسّبابة في مجرى البنصر، عن إسحاق، ولإبراهيم ثقيل أول بالوسطى عن عمرو، في الثّاني ثمّ في الثّالث، وفي كتاب حكم: لحكم فيه خفيف ثقيل، وعن حبش لطويس فيه رمل بالوسطى، وذكر أيضا أن لحن معبد ثاني ثقيل.
صوت [7]
يا دار سعدى سقى أطلالك الدّيما ... مسقي الرّوايا وإن هيّجت لي سقما
دار خلت وعفت منها معالمها ... إلّا الثّمام وإلّا النّؤي والحمما [8]
الغناء لقفا النّجّار ثقيل أول بالوسطى عن عمرو والهشاميّ وإبراهيم.
__________
[1] ف: «فقلت».
[2] ف: «بالصبيان».
[3] يقال: زمّ القوم: تقدّمهم كأنه زمام. وزموا جمالها: أرسلوها متقدمة.
[4] القرا: الظهر. والنص من الشي ء: منهّاه ومبلغ أقصاه. وتنص غزالها: تسنحثه.
[5] البرير: ثمر الأراك. وتعطو بظلفيها: ترتفع بهما. وطالها ارتفع عنها.
[6] تنوط: تعلق. الشكال: وثاق بين الحقب والبطان وبين اليد والرجل.
[7] في ف جاء هذا الصوت تاليا للذي بعد.
[8] الثمام: نبت ضعيف لا يطول. والنؤي: الحفير حول الخيمة يمنع السيل. والحمم جمع حمة وهو الفحم وكل ما احترق بالنار.
صوت
لا والذي نحرت له البدن ... وله بمكّة قبّل الرّكن
ما زلت يا سكني أخا أرق ... متكنّفا بي الهمّ والحزن
أخشى عليك وبعضه شفق ... أن يفتنوك وأنت مفتتن
الغناء لابن سريج رمل بإطلاق الوتر في مجرى البنصر، عن إسحاق/ وذكر الهشاميّ أنه لسليمان الوادي أوله فيه لحن، ونسبه إبراهيم إلى ابن عبّاد ولم يجنّسه.
أخبرني عمّي: حدّثنا أحمد بن أبي طاهر، قال:
حدّثني عبد الوهّاب المؤذّن، قال: انحدرنا مع المعتصم من السنّ [1] ونحن في حرّاقته [2]، وحضر وقت الأذان فأذّنت، فلما فرغت من الأذان اندفع مخارق بعدي فأذّن وهو جاث على ركبتيه، فتمنيت واللّه أن دجلة أهرقت [3] لي فغرقت فيها.
غضب عليه المعتصم ثم صالحه وأعاده إلى مرتبته
أخبرني عمّي، قال: حدّثني عبد اللّه بن عبد اللّه بن حمدون، قال: حدّثني أبي، قال:
غضب المعتصم على مخارق فأمر به أن يجعل في المؤذّنين ويلزمهم، ففعل ذلك، وأمهل حتى علم أنّ المعتصم يشرب وأذّنت العصر، فدخل هو إلى السّتر حيث يقف المؤذّن للسلام، ثمّ رفع صوته جهده وقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة اللّه وبركاته، الصّلاة يرحمك اللّه، فبكى حتى جرت دموعه، وبكى كلّ من حضره، ثمّ قال: أدخلوه إليّ، ثم أقبل علينا وقال: سمعتم هكذا قطّ! هذا الشيطان لا يترك أحدا يغضب عليه، فأمر به فأدخل إليه، فقبّل الأرض بين يديه، فدعاه المعتصم إليه وأعطاه يده فقبّلها، وأمره بإحضار عوده فأحضر، فأعاده إلى مرتبته.
إسحاق الموصلي يبدي رأيه في علوية ومخارق
وجدت في بعض الكتب، عن عليّ بن محمد [4] البسّاميّ، عن جدّه حمدون بن إسماعيل قال:
/ غنّى علّوية يوما بين يدي إسحاق الموصليّ:
هجرتك إشفاقا عليك من الأذى ... وخوف الأعادي واتّقاء النّمائم
فقال له إسحاق: أحسنت يا أبا الحسن أحسنت، واستعاده ثلاثا وشرب، فقال له علّوية: يا أستاذ، أين أنا الآن من صاحبي - يعني مخارقا - مع قولك هذا لي؟ فقال: لا ترد أن تعرف هذا، قال: بي واللّه إلى معرفته أعظم الحاجة، فقال: إذا غنيتما ملكّا اختاره عليك وأعطاه الجائزة دونك، فضجر علّوية وقال لإسحاق: أفّ من رضاك وغضبك!.
__________
[1] السنّ: مدينة على دجلة.
[2] الحرّاقة: سفينة خفيفة المر.
[3] س، ف: «انفرقت».
[4] ف: «عن علي بن البسامي».
نسبة هذا الصوت
صوت
هجرتك إشفاقا عليك من الأذى ... وخوف الأعادي واتّقاء النمائم
وإنّي وذاك الهجر لو تعلمينه ... كسالية عن طفلها وهي رائم [1]
الشّعر لهلال بن عمرو الأسديّ، والغناء لعلّوية ثقيل أوّل بالوسطى، عن عمرو.
رأي أبي يعقوب الخريمي في علوية ومخارق
وقال الجاحظ: قال أبو يعقوب الخريميّ [2]:
ما رأيت كثلاثة رجال كانوا يأكلون النّاس أكلا، حتى إذا رأوا ثلاثة رجال ذابوا كما يذوب الرّصاص على النّار: كان هشام بن الكلبيّ علّامة نسّابة وراوية للمثالب عيّابة، فإذا رأى الهيثم بن عديّ ذاب كما يذوب الرّصاص، وكان عليّ بن الهيثم جونقا مفقعا [3] نيّا صاحب تقعّر يستولي على كل كلام، لا يحفل بخطيب ولا شاعر، فإذا رأى موسى الضّبيّ/ ذاب كما يذوب الرّصاص، وكان علّوية واحد الناس في الغناء رواية وحكاية ودراية وصنعة وجودة ضرب وأضراب وحسن خلق، فإذا رأى مخارقا ذاب كما يذوب الرّصاص على النار.
حج في السنة التي حجت فيها أم جعفر بسبب جاريتها بهار
أخبرني عليّ بن عبد العزيز الكاتب، عن ابن خرداذبه قال:
هوي مخارق جارية لأمّ جعفر، فحجّ في السنة التي حجت فيها أمّ جعفر بسبب الجارية، فقال أحمد بن هشام فيه:
يحجّ النّاس من برّ وتقوى ... وحجّ أبي المهنّا للتّصابي
وهب المعتصم دار مخارق ليونازة خليفة الأفشين فقال عيسى ابن زينب شعرا في ذلك
قال: وكان المعتصم قد وهب دار مخارق لمّا قدم بغداد ليونازة خليفة الأفشين، فقال عيسى ابن زينب في ذلك:
يا دار غيّر رسمها يونازه ... وبقي مخارق قاعدا في فازه [4]
لا تجزعنّ أبا الممهنّا إنّها ... دنيا تنال بذلّة وعزازه
أم جعفر تهب له جاريتها بهار
أخبرني إسماعيل بن يونس الشّيعيّ، قال: حدّثنا عمر بن شبّة، وحدّثني محمد بن يحيى الصّوليّ، قال:
__________
[1] رائم من رأمت الناقة ولدها: عطفت عليه، فهي رائم. وفي الشعر إقواء لاختلاف حركة الروي بالرفع في هذا البيت، والجر في البيت الذي قبله.
[2] ف: «قال أبو عمرو الخريمي».
[3] المفقع: الفقير المجهود، وجونقا: لقب له.
[4] الفازة: مظلة من نسيج أو غيره تمد على عمود أو عمودين.
وجدت بخطّ عبد اللّه بن الحسين: حدثني الحسن بن إبراهيم بن رياح، قالا:
كان مخارق يهوى جارية لأم جعفر يقال لها بهار [1]، ويستر ذلك عن أمّ جعفر، حتى بلغها ذلك، فأقصته ومنعته من المرور ببابها، وكان بها كلفا. قال الصّوليّ في خبره: فلما علم أن الخبر قد بلغ أمّ جعفر قطعها وتجافاها؛ إجلالا لأم جعفر، وطمعا في السلوّ عنها، وضاق ذرعه بذلك، فبينا/ هو ذات ليلة في زلّال [2]، وقد انصرف من دار المأمون، وأمّ جعفر تشرب على دجلة، إذ حاذى دارها، فرأى الشمع يزهر فيها، فلما صار بمسمع منها ومرأى اندفع فغنّى:
صوت
إن تمنعوني ممرّي قرب دارهم ... فسوف أنظر من بعد إلى الدّار
سيما الهوى شهرت حتى عرفت بها ... أنّي محبّ وما بالحبّ من عار
ما ضرّ جيرانكم - واللّه يصلحهم ... لولا شقائي - إقبالي وإدباري
لا يقدرون على منعي ولو جهدوا ... إذا مررت وتسليمي بإضماري
الشعر للعباس بن الأحنف، والغناء لمخارق رمل بالوسطى.
فقالت أمّ جعفر: مخارق واللّه، ردّوه، فصاحوا بملّاحه: قدّم، فقدّم، وأمره الخدم بالصّعود، فصعد، وأمرت له أمّ جعفر بكرسيّ وصينيّة فيها نبيذ، فشرب، وخلعت عليه، وأمرت الجواري فغنّين، ثمّ ضربن عليه فغنّى فكان أوّل ما غنّى:
صوت
أغيب عنك بودّ ما يغيّره ... نأي المحلّ ولا صرف من الزمن
فإن أعش فلعلّ الدّهر يجمعنا ... وإن أمت فقتيل الهمّ والحزن
قد حسّن اللّه في عينيّ ما صنعت ... حتّى أرى حسنا ما ليس بالحسن
الشّعر للعبّاس بن الأحنف، والغناء لمخارق رمل.
/ قال: فاندفعت بهار فغنّت كأنها تباينه، وإنما أجابته عن معنى ما عرّض لها به:
تعتلّ بالشّغل عنا ما تلمّ بنا ... والشّغل للقلب ليس الشّغل للبدن
ففطنت أمّ جعفر أنها خاطبته في نفسها، فضحكت وقالت: ما سمعنا بأملح ممّا صنعتما، وقال إسماعيل بن يونس في خبره: ووهبتها له.
غنّى المأمون حين قدم مكة أحدث صوت صنعه
وقال هارون بن الزّيات:
__________
[1] ف، س: «نهار».
[2] زلال: شبه قارب يسير في النهر.
حدّثني هارون بن مخارق عن أبيه: أنّ المأمون سأله لما قدم مكة عن أحدث صوت صنعه، فغنّاه:
صوت
أقبلت تحصب الجمار وأقبل ... ت لرمي الجمار من عرفات
ليتني كنت في الجمار أنا المح ... صوب [1] من كفّ زينب حصيات
الشّعر للنّميريّ، والغناء لمخارق خفيف رمل بالبنصر، قال: فضحك، ثمّ قال: لعمري إن هذا لأحدث ما صنعت، ولقد قنعت بيسير، وما أظنّ بهار كانت تبخل عليك بأن تحصبك بحصاة كما تحصب الجمار. واستعاده الصوت مرّات.
غنى بشعر للمأمون في جارية له فأبكاه
أخبرني جعفر بن قدامة قال:
حدّثني هارون بن مخارق، قال: حدثني أبي، قال: كنّا عند المأمون يوما، فجاءه الخادم الحرميّ فأسرّ إليه شيئا، فوثب فدخل معه، ثمّ أبطأ علينا ساعة وعاود وعينه تذرف، فقال لنا: دخلت الساعة إلى جارية لي كنت أتحظّاها، فوجدتها/ في الموت، فسلّمت عليها فلم تستطع ردّ السّلام إلا إيماء بإصبعها، فقلت هذين البيتين:
سلام على من لم يطق عند بينه ... سلاما، فأومى بالبنان المخضّب
فما اسطعت توديعا له بسوى البكا ... وذلك جهد المستهام المعذّب
ثمّ قال: غنّ فيها يا مخارق، ففعلت، فما استعادني ذلك الغناء قطّ إلا بكى.
حج رجل معه وغناه صوتا فوهب له حجته
أخبرني الحسين بن القاسم الكوكبيّ إجازة، قال: حدّثني أحمد بن أبي العلاء، قال: حدّثني أبي، قال:
حجّ رجل مع مخارق، فلما قضيا الحجّ وعادا، قال له الرّجل في بعض طريقه: بحقّي عليك غنّني صوتا، فغنّاه:
رحلنا فشرّقنا وراحوا فغرّبوا ... ففاضت لروعات الفراق عيون
فرفع الرجل يده إلى السماء وقال: اللهمّ إني أشهدك أنّي قد وهبت [2] حجّتي له.
وفاته
وتوفّي مخارق في أوّل خلافة المتوكّل، وقيل: بل في آخر خلافة الواثق، وذكر ابن خرداذبه أن سبب وفاته أنه كان أكل قنّبيطيّة باردة فقتلته من فوره [3].
__________
[1] ف:
«ليتني في الجمار كنت أنا المحصوب»
[2] ف: «وجهت حجتي له».
[3] ف: «فقتلته من يومه».
صوت
إذا متّ فادفنّي إلى جنب كرمة ... تروّي مشاشي [1] بعد موتي عروقها
ولا تدفننّي [2] بالفلاة فإنّني ... أخاف إذا ما متّ ألّا أذوقها
عروضه من الطويل، ويروى:
إذا رحت مدفونا فلست أذوقها
الشعر لأبي محجن الثقفيّ، والغناء لإبراهيم الموصليّ ثقيل أوّل بالوسطى عن عمرو، وفيه لحنين لحن ذكره إبراهيم ولم يجنّسه.
إلى هنا انتهى الجزء الثامن عشر من كتاب الأغاني، ويليه الجزء التاسع عشر، وأوله «ذكر أبي محجن ونسبه».
__________
[1] المشاش: العظم.
[2] في هذا البيت إقواء، وبالرواية الأخرى لا إقواء فيه.
فهرس موضوعات الجزء الثامن عشر
الموضوع الصفحة
ذكر ذي الرمة وخبره 259
ذكر خبر إبراهيم 293
ذكر مقتل الزبير وخبره 297
ذكر أخبار دنانير وأخبار عقيد 304
أخبار خفاف ونسبه 310
أخبار جبهاء ونسبه 322
أخبار والبة بن الحباب 325
أخبار عمران بن حطان ونسبه 330
أخبار عمارة بن الوليد ونسبه 338
أخبار الأضبط ونسبه 342
أخبار الأعشى ونسبه 344
أخبار عمرو بن قميئة ونسبه 348
أخبار المؤمل بن جميل 353
أخبار مساور ونسبه 355
أخبار سعيد بن حميد ونسبه 359
أخبار ابن مناذر ونسبه 369
نسب أشجع وأخباره 397
أخبار ابن مفرغ ونسبه 425
أخبار الزبير بن دحمان 454
نسب العماني وخبره 461
أخبار عروة بن أذينة ونسبه 468
ذكر مخارق وأخباره 477
فهرس الموضوعات 503
الجزء التاسع عشر
[تتمة التراجم]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ*
1 - ذكر أبي محجن ونسبه [1]
نسبه
أبو محجن عبد اللّه [2] بن حبيب بن عمرو بن عمير بن عوف بن عقدة بن عنزة بن عوف بن قسيّ وهو ثقيف، وقد مضى نسبه في عدّة مواضع.
وأبو محجن من المخضرمين الّذين أدركوا الجاهلية والإسلام، وهو شاعر فارس شجاع معدود في أولي البأس والنّجدة، وكان من المعاقرين للخمر المحدودين في شربها.
نفاه عمر بجزيرة حضوضي مع ابن جهراء ففر منه
أخبرني عليّ بن سليمان الأخفش، قال: حدّثنا محمد بن الحسن الأحول، عن ابن الأعرابيّ، عن المفضّل، قال:
لمّا كثر شرب أبي محجن الخمر، وأقام عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه عليه الحدّ مرارا وهو لا ينتهي، نفاه إلى جزيرة في البحر يقال لها حضوضى [3]، وبعث معه حرسيّا [4] يقال له ابن جهراء، فهرب منه على ساحل البحر، ولحق بسعد بن أبي وقّاص، وقال في ذلك يذكر هربه من ابن جهراء:
الحمد للّه نجّاني وخلّصني ... من ابن جهراء والبوصيّ [5] قد حبسا
من يجشم البحر والبوصيّ مركبه ... إلى حضوضى فبئس المركب التمسا
/ أبلغ لديك أبا حفص مغلغلة ... عبد الإله إذا ما غار أو جلسا
أنّي أكرّ على الأولى إذا فزعوا ... يوما وأحبس تحت الرّاية الفرسا
أغشى الهياج وتغشاني مضاعفة ... من الحديد إذا ما بعضهم خنسا [6]
__________
[1] هذه الترجمة جاءت بالجزء الحادي والعشرين وموضعها هنا كما جاءت في ف وغيرها من النسخ المخطوطة الموثوق بها.
[2] في «المؤتلف والمختلف» للآمدي ط. الحلبي/ 133: حبيب بن عمرو بن عمير بن عوف بن عقدة بن غيرة الثقفي.
[3] قال الحازمي: حضوضى: جزيرة في البحر، وفي «معجم ياقوت»: حضوضى: جبل في الغرب، كانت العرب في الجاهلية تنفي إليه خلعاءها.
[4] الحرسي: واحد حرس السلطان.
[5] البوصي: ضرب من السفن (فارسي معرب).
[6] خنس: تأخر وتخلف.
أحب الشموس الأنصارية فشكاه زوجها لعمر
هذه رواية ابن الأعرابيّ عن المفضّل، قال ابن الأعرابيّ: وحدّثني ابن دأب بسبب نفي عمر إيّاه، فذكر أنّ أبا محجن هوي امرأة من الأنصار يقال لها شموس، فحاول النّظر إليها بكلّ حيلة، فلم يقدر عليها، فآجر نفسه من عامل يعمل في حائط [1] إلى جانب منزلها، فأشرف من كوّة [2] في البستان، فرآها فأنشأ يقول:
ولقد نظرت إلى الشّموس ودونها ... حرج من الرّحمن غير قليل
قد كنت أحسبني كأغنى واحد ... ورد المدينة عن زراعة فول
رجع إلى حديث فراره من ابن جهراء
فاستعدى زوجها عليه عمر بن الخطّاب، فنفاه إلى حضوضى، وبعث معه رجلا يقال له ابن جهراء قد كان أبو بكر رضي اللّه عنه يستعين به، قال له عمر: لا تدع أبا محجن يخرج معه سيفا، فعمد أبو محجن إلى سيفه فجعل نصله في غرارة وجعل جفنة في غرارة أخرى، فيهما دقيق له.
فلما انتهى به إلى السّاحل وقرب البوصيّ اشترى أبو محجن شاة وقال لابن جهراء: هلمّ نتغدّ ووثب إلى الغرارة كأنّه يخرج منها فأخذ السيف، فلما رآه ابن جهراء والسيف في يده خرج يعدو حتى ركب بعيره راجعا إلى عمر، فأخبره الخبر.
قاتل العجم يوم أرماث بعد أن أطلقته امرأة بن أبي وقاص
وأقبل أبو محجن إلى سعد بن أبي وقّاص وهو يقاتل العجم يوم القادسيّة، وبلغ عمر خبره، فكتب إلى سعد بحبسه، فحبسه، فلما كان يوم أرماث [3]؛ والتحم القتال سأل أبو محجن امرأة سعد أن تعطيه فرس سعد وتحلّ قيده ليقاتل المشركين، فإن استشهد فلا تبعة عليه، وإن سلم عاد حتى يضع رجله في القيد، فأعطته الفرس، وخلّت سبيله، وعاهدها على الوفاء، فقاتل فأبلى بلاء حسنا إلى الليل، ثم عاد إلى حبسه.
حدّثني بهذا الحديث عمّي عن الخرّاز، عن المدائنيّ، عن إبراهيم بن حكيم، عن عاصم بن عروة:
أنّ عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه غرّب رجلا من ثقيف وهو أبو محجن، وكان يدمن الخمر وأمر ابن جهراء النّصريّ ورجلا آخر أن يحملاه في البحر، وذكر الخبر مثل الّذي قبله، وزاد فيه: وقال أبو محجن أيضا:
__________
[1] الحائط: البستان.
[2] الكوة: الخرق.
[3] ف: يوم «قس الناطف»، وفي «معجم البلدان» 1 - 211: أرماث كأنه جمع رمث: اسم نبت بالبادية، كان أول يوم من أيام القادسية يسمونه يوم أرماث، وذلك في أيام عمر بن الخطاب وإمارة سعد بن أبي وقاص، قال ياقوت: ولا أدري أهو موضع أم أرادوا النبت المذكور.
قال عمرو بن شأس الأسدي:
عشية أرماث ونحن نذودهم ... ذياد العوافي عن مشاربها عكلا
وفيه 4 - 97: قس الناطف: موضع قريب من الكوفة على شاطىء الفرات الشرقي كانت به وقعة بين الفرس والمسلمين في سنة 13 ه في خلافة عمر بن الخطاب، وأمير المسلمين أبو عبيد بن مسعود بن عمرو، ويعرف هذا اليوم بيوم الجسر.
صوت
صاحبا سوء صحبتهما ... صاحباني يوم أرتحل
ويقولان: ارتحل معنا ... فأنادي [1]: إنّني ثمل
إنّني باكرت مترعة ... مزّة راووقها خضل [2]
/الغناء في البيتين الأخيرين لنشو خفيف رمل وأوله:
ويقولان اصطبح معنا
قال الأصبهانيّ: وهذه القصة كانت لأبي محجن في يوم من أيّام حرب القادسية يقال له: يوم أرماث، وكانت أيّامها المشهورة يوم أغواث ويوم أرماث ويوم الكتائب وخبرها يطول جدّا؛ وليس في كلّها كان لأبي محجن خبر، وإنما ذكرنا هاهنا خبره، فذكرنا منها ما كان اتّصاله بخبر أبي محجن.
حدّثنا بذلك محمد بن جرير الطّبريّ، قال: كتب إليّ السّريّ بن يحيى؛ يذكر عن شعيب، عن سيف، عن محمد بن طلحة وزياد وابن مخراق، عن رجل من طيىء قال:
لمّا كان يوم الكتائب اقتتل المسلمون والفرس منذ أصبحوا إلى أن انتصف النّهار، فلما غابت [3] الشّمس تزاحف الناس فاقتتلوا حتى انتصف اللّيل؛ وهذه اللّيلة الّتي كان في صبيحتها يوم أرماث، وقد كان المسلمون يوم أغواث أشرفوا على الظّفر وقتلوا عامّة أعلام الفرس، وجالت خيلهم في القلب، فلو لا أنّ رجلهم [4] ثبتوا حتى كرّت الخيل لكان رئيسهم قد أخذ؛ لأنه كان ينزل عن فرسه؛ ويجلس على سريره، ويأمر النّاس بالقتال؛ قالوا: فلمّا انتصف اللّيل تحاجز الناس، وبات المسلمون ينتمون منذ لدن أمسوا.
وسمع ذلك سعد فاستلقى لينام، وقال لبعض من عنده: إن تمّ الناس على الانتماء فلا توقظني فإنهم أقوياء على عدوّهم؛ وإن سكتوا وسكت العدو فلا تنبّهني فإنهم على السواء؛ وإن سمعت العدوّ ينتمون وهؤلاء سكوت فأنبهني فإن انتماء العدوّ من السّوء.
/ قالوا: ولما اشتدّ القتال في تلك الليلة، وكان أبو محجن قد حبسه سعد بكتاب عمر، وقيّده فهو في القصر، صعد أبو محجن إلى سعد يستعفيه ويستقيله، فزبره [5] وردّه، فنزل فأتى سلمى بنت أبي حفصة فقال:
يا بنت آل أبي حفصة، هل لك إليّ خير؟ قالت: وما ذاك؟ قال: تخلّين عنّي وتعيرينني البلقاء، فللّه عليّ إن سلّمني اللّه أن أرجع إلى حضرتك حتى تضعي رجليّ في قيدي. فقالت: وما أنا وذاك؟ فرجع يرسف في قيوده ويقول:
كفى حزنا أن تردي [6] الخيل بالقنا ... وأترك مشدودا عليّ وثاقيا
__________
[1] في: ما، مج، س: «و أقول».
[2] الراووق: الباطية أو الكأس، والخضل: المبتلّ النديّ.
[3] ف: «فلما قامت الشمس».
[4] الرجل: جمع الراجل وهو الماشي على رجليه.
[5] زبره عن كذا: منعه ونهاه.
[6] في ما، مج، المختار: «ترتدي». وردي الفرس: رجم الأرض بحوافره في سيره وعدوه.
إذا قمت عنّاني الحديد وغلّقت ... مصاريع من دوني تصمّ المناديا
وقد كنت ذا مال كثير وإخوة ... فقد تركوني واحدا لا أخاليا
وقد شفّ جسمي أنّني كلّ شارق ... أعالج كبلا مصمتا قد برانيا [1]
فللّه درّي يوم أترك موثقا ... وتذهل عنّي أسرتي ورجاليا
حبيسا عن الحرب العوان وقد بدت ... وإعمال غيري يوم ذاك العواليا
وللّه عهد لا أخيس بعهده ... لئن فرجت ألّا أزور الحوانيا [2]
فقالت له سلمى: إني قد استخرت اللّه ورضيت بعهدك، فأطلقته وقالت: أمّا الفرس فلا أعيرها، ورجعت إلى بيتها، فاقتادها أبو محجن وأخرجها من باب القصر الّذي يلي الخندق، فركبها ثم دبّ عليها، حتى إذا كان بحيال الميمنة، وأضاء النّهار، وتصافّ النّاس، كبّر، ثم حمل على ميسرة القوم فلعب برمحه وسلاحه/ بين الصّفّين، ثم رجع من خلف المسلمين إلى القلب فبدر [3] أمام الناس، فحمل على القوم فلعب بين الصّفّين برمحه وسلاحه، وكان يقصف الناس ليلتئذ قصفا منكرا؛ فعجب الناس منه وهم لا يعرفونه ولم يروه بالأمس، فقال بعض القوم: هذا من أوائل أصحاب هشام بن عتبة أو هشام بنفسه. وقال قوم: إن كان الخضر يشهد الحروب فهو صاحب البلقاء. وقال آخرون: لو لا أنّ الملائكة لا تباشر القتال ظاهرا لقلنا هذا ملاك بيننا؛ وجعل سعد يقول - وهو مشرف ينظر إليه - : الطّعن طعن أبي محجن، والضّبر ضبر البلقاء [4]. ولو لا محبس أبي محجن لقلت: هذا أبو محجن وهذه البلقاء، فلم يزل يقاتل حتى انتصف الليل، فتحاجز أهل العسكرين وأقبل أبو محجن حتى دخل القصر، ووضع عن نفسه ودابّته، وأعاد رجليه في القيد، وأنشأ يقول:
لقد علمت ثقيف غير فخر ... بأنّا نحن أكرمهم سيوفا
وأكثرهم دروعا سابغات ... وأصبرهم إذا كرهوا الوقوفا
وأنّا رفدهم في كلّ يوم ... فإن جحدوا فسل بهم عريفا [5]
وليلة قادس لم يشعروا بي ... ولم أكره بمخرجي الزّحوفا
فإن أحبس فقد عرفوا بلائي ... وإن أطلق أجرّعهم حتوفا [6]
فقالت له سلمى: يا أبا محجن؛ في أيّ شيء حبسك هذا الرّجل؟ فقال: أما واللّه ما حبسني بحرام أكلته ولا
__________
[1] الشارق: الشمس حين تشرق، والكبل: القيد.
[2] لا أخيس بالعهد: لا أنقضه. والحواني: الخمارات.
[3] في تاريخ الطبري 3 - 548 ط. المعارف: «فندر أمام الناس»، أي تقدم.
[4] الضبر: جمع القوائم والوثب.
[5] في تاريخ الطبري 3 - 549 ط. المعارف:
وأنا وفدهم في كل يوم ... فإن عميوا فسل بهم عريفا
[6] في تاريخ الطبري 3 - 549 ط. المعارف:
فإن أحبس فذلكم بلائي ... وإن أترك أذيقهم الحتوفا
شربته، ولكني كنت صاحب شراب في الجاهلية وأنا/ امرؤ شاعر يدبّ الشّعر على لساني فينفثه [1] أحيانا، فحبسني لأني قلت:
إذا متّ فادفنّي إلى أصل كرمة ... تروّي عظامي بعد موتي عروقها
ولا تدفننّي في الفلاة فإنني ... أخاف إذا ما متّ ألّا أذوقها [2]
ليروى بخمر الحصّ [3] لحمي فإنّني ... أسير لها من بعد ما قد أسوقها
سعد بن أبي وقاص يعلم خبر إطلاقه وصدق قتاله فيفرج عنه
قال: وكانت سلمى قد رأت في المسلمين جولة، وسعد بن أبي وقّاص في القصر لعلّة كانت به، لم يقدر معها على حضور الحرب، وكانت قبله عند المثنّى بن حارثة الشّيبانيّ! فلما قتل خلف عليها سعد، فلما رأت شدّة البأس صاحت: وامثنّياه ولا مثنّى لي اليوم، فلطمها سعد، فقالت: أفّ لك، أجبنا وغيرة؟ وكانت مغاضبة لسعد عشيّة أرماث وليلة الهدأة وليلة السّواد، حتى إذا أصبحت أتته وصالحته، وأخبرته خبر أبي محجن، فدعا به وأطلقه وقال: اذهب فلست مؤاخذك بشيء تقوله حتى تفعله، قال: لا جرم، واللّه إني لا أجبت لساني إلى صفة قبيح أبدا.
خرج مع سعد بن أبي وقاص لحرب الأعاجم
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ، وحبيب بن نصر المهلبيّ، قالا: حدّثنا عمر بن شبّة، قال: حدّثنا محمد بن حاتم، قال: حدّثنا محمد بن حازم، قال: حدّثنا عمرو بن المهاجر، عن إبراهيم بن محمد بن سعد، عن أبيه، وأخبرني عليّ بن سليمان الأخفش قال: حدّثنا محمد بن الحسن بن دينار مولى بني هاشم، عن ابن الأعرابيّ عن المفضّل، وروايته أتمّ، قالوا:
كان أبو محجن الثّقفيّ فيمن خرج مع سعد بن أبي وقّاص لحرب الأعاجم/ فكان سعد يؤتى به شاربا فيتهدّده فيقول له: لست تاركها إلا للّه عزّ وجلّ؛ فأمّا لقولك فلا. قالوا: فأتي به يوم القادسيّة وقد شرب الخمر؛ فأمر به إلى القيد، وكانت بسعد جراحة فلم يخرج يومئذ إلى النّاس؛ فاستعمل على الخيل خالد بن عرفطة، فلما التقى الناس قال أبو محجن:
كفى حزنا أن تردي الخيل بالقنا ... وأترك مشدودا عليّ وثاقيا
يقسم على ألا يشرب الخمر بعد أن عفا عنه سعد
وذكر الأبيات وسائر خبره مثل ما ذكره محمد بن جرير، وزاد فيه: فجاءت زبراء امرأة سعد - هكذا قال:
والصّحيح أنها سلمى - فأخبرت سعدا بخبره؛ فقال سعد: أما واللّه لا أضرب اليوم رجلا أبلى اللّه المسلمين على يده
__________
[1] في تاريخ الطبري 4 - 124 ط. الحسينية: «يبعثه على شفتي أحيانا فيساء لذلك ثنائي، ولذلك حبسني».
[2] أذوقها مرفوعة باعتبار «أن» مخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن أو ضمير متكلم محذوف وجملة أذوقها خبر، وانظر «خزانة الأدب» 3 - 550 ط. بولاق.
[3] الحص «بالضم» في اللغة الورس، وهو موضع بنواحي حمص ينسب إليه الخمر، وأورد ياقوت في 2 - 74، الأبيات الثلاثة، وجاء البيت الأخير برواية:
ويروى بخمر الحص لحدي فإنني ... أسير لها من بعد ما قد أسوقها
وهذه روايته أيضا في «تاريخ الطبري» 3 - 549 ط. المعارف.
ما أبلاهم، فخلّى سبيله، فقال أبو محجن: قد كنت أشربها إذ كان الحدّ يقام عليّ وأطّهّر منها، فأما إذ بهرجتني [1] فلا واللّه لا أشربها أبدا. وقال ابن الأعرابيّ في خبره: وقال أبو محجن في ذلك:
إن كانت الخمر قد عزّت وقد منعت ... وحال من دونها الإسلام والحرج
فقد أباكرها صرفا وأمزجها ... ريّا وأطرب أحيانا وأمتزج
وقد تقوم على رأسي منعمّة ... خود إذا رفعت في صوتها غنج [2]
ترفّع الصّوت أحيانا وتخفضه ... كما يطنّ ذباب الرّوضة الهزج
يرد على امرأة ظنت أنه فر من المعركة
أخبرني الجوهريّ والمهلّبيّ قالا: حدّثنا عمر بن شبّة وقال:
لمّا انصرف أبو محجن ليعود إلى محبسه رأته امرأة فظنّته منهزما؛ فأنشأت تعيّره بفراره:
/من فارس كره الطّعان يعيرني ... رمحا إذا نزلوا بمن الصّفّر
فقال لها أبو محجن:
إن الكرام على الجياد مبيتهم ... فدعي الرّماح لأهلها وتعطّري
يرثي أبا عبيد بن مسعود بعد أن قتله فيل الأعداء
وذكر السّريّ، عن شعيب، عن سيف في خبره، ووافقته رواية ابن الأعرابي عن المفضّل:
أنّ النّاس لمّا التقوا مع العجم يوم قس النّاطف، كان مع الأعجام فيل يكرّ عليهم، فلا تقوم له الخيل؛ فقال أبو عبيد بن مسعود: هل له مقتل؟ فقيل له: نعم؛ خرطومه إلا أنّه لا يفلت منه من ضربه؛ قال: فأنا أهب نفسي للّه، وكمن له حتى إذا أقبل وثب إليه فضرب خرطومه بالسّيف؛ فرمى به، ثم شدّ عليه الفيل فقتله، ثم استدار فطحن الأعاجم وانهزموا، فقال أبو محجن الثّقفيّ يرثي أبا عبيد:
أنّى تسدّت [3] نحونا أمّ يوسف ... ومن دون مسراها فياف مجاهل
إلى فتية بالطّفّ نيلت [4] سراتهم ... وغودر أفراس لهم ورواحل
وأضحى أبو جبر خلاء بيوته ... وقد كان يغشاها الضّعاف الأرامل
وأضحى بنو عمرو لدى الجسر منهم ... إلى جانب الأبيات جود ونائل
وما لمت نفسي فيهم غير أنّها ... لها أجل لم يأتها وهو عاجل
وما رمت حتى خرّقوا بسلاحهم ... إهابي وجادت بالدّماء الأباجل [5]
__________
[1] بهرجتني: أهدرتني بإسقاط الحد عني (اللسان).
[2] الخود: المرأة الشابة. والغنج: الدلال. وفي س، ف: «فيها إذا رفعت في صوتها غنج».
[3] تسدت نحونا: جازت.
[4] ف: «حلت سراتهم».
[5] رمت: فارقت وبرحت. والإهاب: الجلد. والأباجل: جمع أبجل وهو عرق غليظ في الرجل أو في اليد بإزاء الأكحل.
/
وحتى رأيت مهرتي مزوئرة ... من النّبل [1] يدمى نحرها والشّواكل
وما رحت حتى كنت آخر رائح [2] ... وصرّع حولي الصّالحون الأماثل
مررت على الأنصار وسط رحالهم ... فقلت: ألا هل منكم اليوم قافل؟
وقرّبت روّاحا وكورا ونمرقا ... وغودر في ألّيس [3] بكر ووائل
ألا لعن اللّه الذين يسرّهم ... رداي وما يدرون ما اللّه فاعل
يقسم في شعر له بأنه لا يشرب الخمر أبدا
قال الأخفش في روايته، عن الأحول، عن ابن الأعرابيّ، عن المفضّل: قال أبو محجن في تركه الخمر:
رأيت الخمر صالحة وفيها ... مناقب تهلك الرّجل الحليما
فلا واللّه أشربها حياتي ... ولا أسقي بها أبدا نديما
معاوية وابن أبي محجن
أخبرني عمّي قال: حدّثنا محمد بن سعد الكرانيّ قال: حدّثنا العمريّ، عن لقيط، عن الهيثم بن عديّ.
وأخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال: حدثنا عبد الرحمن ابن أخي الأصمعيّ عن عمّه، وأخبرني إبراهيم بن أيوب عن ابن قتيبة قالوا:
دخل ابن أبي محجن على معاوية، فقال له: أليس أبوك الّذي يقول:
إذا متّ فادفنّي إلى أصل كرمة [4] ... تروّي عظامي بعد موتي عروقها
ولا تدفننّي بالفلاة فإنّني ... أخاف إذا ما متّ ألّا أذوقها
/ فقال ابن أبي محجن: لو شئت لذكرت ما هو أحسن من هذا من شعره؛ قال: وما ذاك؟ قال: قوله:
لا تسألي الناس عن مالي وكثرته ... وسائلي الناس ما فعلي وما خلقي [5]
أعطي السّنان غداة الرّوع حصّته ... وعامل الرّمح أرويه من العلق [6]
وأطعن الطعنة النّجلاء عن عرض ... وأحفظ السرّ فيه ضربة العنق
عفّ المطالب عمّا لست نائله ... - وإن ظلرمت - شديد الحقد والحنق
__________
[1] كذا في «معجم البلدان». ومزوئرة: معرضة ومنحرفة. والشواكل جمع شاكلة وهي الخاصرة. وفي س: «لدى الفيل» بدل «من النبل» وفي ف: «أرى الفيل».
[2] ف: «أول رائح».
[3] أليس: الموضع الّذي كانت فيه الوقعة بين المسلمين والفرس في أول أرض العراق من ناحية البادية. وفي ف، ما، مج: «و غودر في الأبيات».
[4] في «الشعر والشعراء»، و «خزانة الأدب»: «إلى جنب كرمة».
[5] في «الشعر والشعراء»:
لا تسأل الناس: ما مالي وكثرته ... وسائل القوم: ما حزمي وما خلقي
[6] عامل الرمح: ما يلي السنان، والعلق: الدم.
وقد أجود وما لي بذي فنع ... وقد أكرّ وراء المحجر البرق [1]
والقوم أعلم أني من سراتهم ... إذا سما بصر الرّعديدة الشّفق [2]
قد يعسر المرء حينا وهو ذو كرم ... وقد يثوب [3] سوام العاجز الحمق
سيكثر المال يوما بعد قلّته ... ويكتسي العود بعد اليبس بالورق
فقال معاوية: لئن كنا أسأنا لك القول لنحسننّ لك الصّفد [4]، ثم أجزل جائزته وقال: إذا ولدت النّساء فلتلد مثلك!.
عمر بن الخطاب يحده وجماعة من أصحابه في شربهم الخمر
أخبرني الحسن بن عليّ وعيسى بن الحسين الورّاق، قالا: حدثنا ابن مهرويه، قال: حدثني صالح بن عبد الرّحمن الهاشميّ، عن العمريّ، عن العتبيّ، قال: أتي عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه بجماعة فيهم أبو محجن الثقفيّ وقد شربوا الخمر، فقال: أشربتم الخمر بعد أن حرّمها اللّه ورسوله، فقالوا: ما حرّمها اللّه ولا رسوله؛ إن اللّه تعالى يقول:/ لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا إِذا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ
[5]؛ فقال عمر لأصحابه: ما ترون فيهم؟ فاختلفوا فيهم فبعث إلى عليّ بن أبي طالب عليه السّلام فشاوره؛ فقال عليّ: إن كانت هذه الآية كما يقولون فينبغي أن يستحلّوا الميتة والدّم ولحم الخنزير؛ فسكتوا، فقال عمر لعليّ: ما ترى فيهم؟ قال: أرى إن كانوا شربوها مستحلّين لها أن يقتلوا، وإن كانوا شربوها وهم يؤمنون أنها حرام أن يحدّوا، فسألهم؛ فقالوا: واللّه ما شككنا في أنها حرام، ولكنا قدّرنا أن لنا نجاة فيما قلناه، فجعل يحدّهم رجلا رجلا، وهم يخرجون حتى انتهى إلى أبي محجن، فلما جلده أنشأ يقول:
أ لم تر أنّ الدهر يعثر بالفتى ... ولا يستطيع المرء صرف المقادر
صبرت [6] فلم أجزع ولم أك كائعا ... لحادث دهر في الحكومة جائر
وإني لذو صبر وقد مات إخوتي ... ولست عن الصهباء يوما بصابر
رماها أمير المؤمنين بحتفها ... فخلّانها يبكون حول المعاصر
فلما سمع عمر قوله:
ولست عن الصّهباء يوما بصابر
قال: قد أبديت ما في نفسك ولأزيدنّك عقوبة لإصرارك على شرب الخمر؛ فقال له عليّ عليه السّلام:
ما ذلك لك، وما يجوز أن تعاقب رجلا قال: لأفعلنّ وهو لم يفعل، وقد قال اللّه في سورة الشعراء: وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ
__________
[1] في ما، ف: «و قد أكر وراء المحجر الفرق». والفنع: الكثرة، والمحجر: المغطى المستور. والبرق: الدهش المتحير حتى لا يطرف.
[2] في الشعر والشعراء - 388 ط. الحلبي، والخزانة 3 - 555:
«إذا تطيش يد الرعديدة الفرق»
والرعديدة: الجبان يرعد عند القتال.
[3] يثوب: يجتمع. وفي شرح شواهد المغني - 38:
«و قد يثوب الغنى للحاجز الحمق»
[4] الصفد: العطاء.
[5] سورة المائدة، الآية: 93.
[6] في ف، ما: «ضربت» بدل «صبرت». والكائع: الجبان الهياب.
[1]، فقال عمر: قد استثنى اللّه منهم قوما فقال: إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ*
[2]. فقال عليّ عليه السّلام: أفهؤلاء عندك منهم وقد قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «لا يشرب العبد الخمر حين يشربها وهو مؤمن».
قبره في أذربيجان نبتت عليه كرمة
أخبرنا محمد بن خلف بن المرزبان، قال: حدّثنا أحمد بن الهيثم بن فراس، قال: حدّثنا العمريّ، عن الهيثم بن عديّ، قال:
أخبرني من مرّ بقبر أبي محجن الثقفيّ في نواحي أذربيجان - أو قال في نواحي جرجان - فرأيت قبره وقد نبتت عليه ثلاثة أصول كرم قد طالت وأثمرت وهي معروشة، وعلى قبره مكتوب: هذا قبر أبي محجن الثقفيّ، فوقفت طويلا أتعجّب مما اتّفق له حتى صار كأمنيّة بلغها حيث يقول:
إذا متّ فادفنّي إلى أصل كرمة ... تروّي عظامي بعد موتي عروقها
صوت
ألا يا لقومي لا أرى النّجم طالعا ... ولا الشّمس إلّا حاجبي بيميني
معزّيتي خلف القفا بعمودها ... فجلّ نكيري أن أقول ذريني
أمين على أسرارهنّ وقد أرى ... أكون على الأسرار غير أمين
فللموت خير من حداج موطّأ ... مع الظّعن لا يأتي المحلّ لحين
عروضه من الطّويل؛ والمعزّية: امرأة تكون مع الشّيخ الخرف تكلؤه. وقوله:
أمين على أسرارهنّ ...
أي أنّ النّساء صرن يتحدّثن بين يديّ بأسرارهنّ، ويفعلن ما كنّ قبل ذلك يرهبنني فيه؛ لأني لا أضرّهن.
والحداج والحدج: مركب من مراكب النّساء.
الشّعر لزهير بن جناب الكلبيّ، والغناء لأهل مكة، ولحنه من خفيف الثّقيل الأول بالوسطى عن الهشاميّ وحبش، وفيه لحنين ثاني ثقيل بالوسطى.
__________
[1] سورة الشعراء، الآية: 226.
[2] سورة الشعراء، الآية: 227.
2 - أخبار زهير بن جناب ونسبه [1]
نسبه
زهير بن جناب بن هبل بن عبد اللّه بن كنانة بن بكر بن عوف بن عذرة بن زيد اللّات بن رفيدة بن ثور بن كلب بن وبرة بن تغلب [2] بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة.
شاعر جاهليّ، وهو أحد المعمّرين، وكان سيّد بني كلب وقائدهم في حروبهم؛ وكان شجاعا مظفّرا ميمون النّقيبة في غزواته، وهو أحد من ملّ عمره فشرب الخمر صرفا حتى قتلته.
ولم يوجد شاعر في الجاهليّة والإسلام ولد من الشّعراء أكثر ممّن ولد زهير، وسأذكر أسماءهم وشيئا من شعرهم بعقب ذكر خبره إن شاء اللّه تعالى.
سبب غزوه غطفان
قال ابن الأعرابيّ: كان سبب غزوة زهير بن جناب غطفان أنّ بني بغيض حين خرجوا من تهامة ساروا بأجمعهم، فتعرّضت لهم صداء وهي قبيلة من مذحج؛ فقاتلوهم وبنو بغيض سائرون بأهليهم ونسائهم وأموالهم، فقاتلوا عن حريمهم فظهروا على صداء فأوجعوا فيهم ونكأوا [3]؛ وعزّت بنو بغيض بذلك وأثرت وأصابت غنائم؛ فلمّا رأوا ذلك قالوا: أما واللّه لنتّخذنّ حرما مثل حرم مكة لا يقتل صيده، ولا يعضد شجره، ولا يهاج عائذه [4]، فوليت ذلك بنو مرّة بن عوف.
ثمّ كان القائم على أمر الحرم وبناء حائطه رياح بن ظالم، ففعلوا ذلك وهم/ على ماء لهم يقال له بسّ [5].
وبلغ فعلهم وما أجمعوا عليه زهير بن جناب وهو يومئذ سيّد بني كلب؛ فقال: واللّه لا يكون ذلك أبدا وأنا حيّ، ولا أخلّي غطفان تتّخذ حرما أبدا.
قتل فارسهم الأسير وردّ نساءهم وقال شعرا في ذلك.
فنادى في قومه فاجتمعوا إليه فقام فيهم، فذكر حال غطفان وما بلغه عنها؛ وأنّ أكرم مأثرة يعتقدها هو وقومه أن يمنعوهم من ذلك ويحولوا بينهم وبينه، فأجابوه، واستمدّ بني القين من جشم [6] فأبعوا أن يغزوا معه، فسار في
__________
[1] جاءت هذه الترجمة في الجزء الحادي والعشرين، وموضعها هنا وفقا لما جاء في ف وغيرها من المخطوطات الموثوقة.
[2] ف: «وبرة بن ثعلبة».
[3] ما: «ونكوا». ونكأ العدوّ: جرحه وقتله.
[4] لا يهاج عائذه: لا يفزع من يلجأ إليه ويعتصم به.
[5] في «معجم ياقوت» 1 - 622، بسّ: «ماء لغطفان».
[6] استمد بني القين من جشم: طلب منهم المدد.
قومه حتى غزا غطفان؛ فقاتلهم فظفر بهم زهير وأصاب حاجته فيهم، وأخذ فارسا منهم أسيرا في حرمهم الّذي بنوه، فقال لبعض أصحابه: اضرب رقبته، فقال: إنّه بسل [1]، فقال زهير: وأبيك ما بسل عليّ بحرام.
ثم قام إليه فضرب عنقه وعطّل ذلك الحرم؛ ثم منّ على غطفان وردّ النّساء واستاق الأموال؛ وقال زهير في ذلك:
ولم تصبر لنا غطفان لمّا ... تلاقينا وأحرزت النّساء
فلو لا الفضل منّا ما رجعتم ... إلى عذراء شيمتها الحياء
وكم غادرتم بطلا كميّا [2] ... لدى الهيجاء كان له غناء
فدونكم ديونا فاطلبوها ... وأوتارا ودونكم اللّقاء
فإنّا حيث لا نخفي عليكم ... ليوث حين يحتضر اللّواء [3]
فخلّى بعدها غطفان بسّا ... وما غطفان والأرض الفضاء!
/ فقد أضحى لحيّ بني جناب ... فضاء الأرض والماء الرّواء [4]
ويصدق طعننا في كلّ يوم ... وعند الطّعن يختبر اللّقاء
نفينا نخوة الأعداء عنّا ... بأرماح أسنّتها ظماء
ولو لا صبرنا يوم التقينا ... لقينا مثل ما لقيت صداء
غداة تعرّضوا لبني بغيض ... وصدق الطّعن للنّوكى [5] شفاء
وقد هربت حذار الموت قين ... على آثار من ذهب العفاء
وقد كنّا رجونا أن يمدّوا ... فأخلفنا من أخوتنا الرّجاء
وألهى القين عن نصر الموالي ... حلاب النّيب والمرعى الضّراء [6]
طعنه ابن زيّابة وظن أنه مات فحمل إلى قومه وعوفي
وقال أبو عمرو الشّيباني: كان أبرهة حين طلع نجدا أتاه زهير بن جناب، فأكرمه أبرهة وفضّله على من أتاه من العرب، ثم أمّره على ابني وائل: تغلب وبكر، فوليهم حتى [7] أصابتهم سنة شديدة، فاشتدّ عليهم ما يطلب منهم زهير، فأقام بهم زهير في الجدب، ومنعهم من النّجعة حتى يؤدّوا ما عليهم، فكادت مواشيهم تهلك. فلما رأى ذلك ابن زيّابة - أحد بني تيم اللّه بن ثعلبة، وكان رجلا فاتكا - بيّت زهيرا [8] وكان نائما في قبّة له من أدم، فدخل فألفى زهيرا نائما، وكان رجلا عظيم البطن، فاعتمد التّيميّ بالسّيف على بطن زهير حتى أخرجه من ظهره مارقا بين
__________
[1] بسل: حرام.
[2] في ف: «و كم غادرت من بطل كمي».
[3] يحتضر: يحضر. وفي «مختار الأغاني»:
« ... حين يهتصر اللواء»
أي حين يسقط.
[4] الماء الرواء: العذب أو الكثير.
[5] النوكى جمع أنوك، وهو الأحمق أو العاجز الجاهل.
[6] في مج:
«و ألهى القين عن محض الموالي»
وفي ف: «جلاب النبت» بدل «حلاب النيب». والضراء: الشجر الملتف.
[7] في ف: «حين أصابتهم».
[8] بيت فلانا: أوقع به ليلا دون أن يعلم.
الصّفاق، وسلمت أعفاج بطنه [1]، وظنّ التّيميّ أنّه/ قد قتله، وعلم زهير أنه قد سلم، فتخوّف أن يتحرّك فيجهز عليه، فسكت. وانصرف ابن زيّابة إلى قومه، فقال لهم: قد - واللّه - قتلت زهيرا وكفيتكموه، فسرّهم ذلك. ولمّا علم زهير أنه لم يقدم عليه إلا عن ملأ من قومه بكر وتغلب - وإنما مع زهير نفر من قومه بمنزلة الشّرط - أمر زهير قومه فغيّبوه بين عمودين في ثياب ثم أتوا القوم فقالوا لهم: إنكم قد فعلتم بصاحبنا ما فعلتم، فأذنوا لنا في دفنه، ففعلوا.
شعر ابن زيابة في نبوّ سيفه عنه
فحملوا زهيرا ملفوفا في عمودين والثّياب عليه، حتى إذا بعدوا عن القوم أخرجوه فلفّفوه في ثيابه، ثم حفروا حفيرة وعمّقوا، ودفنوا فيها العمودين، ثم ساروا ومعهم زهير، فلمّا بلغ زهير أرض قومه جمع لبكر وتغلب الجموع، وبلغهم أنّ زهيرا حيّ، فقال ابن زيّابة:
طعنة ما طعنت في غبش [2] اللّي ... ل زهيرا وقد توافى الخصوم
حين تجبي له المواسم بكر ... أين بكر، وأين منها الحلوم!
خانني السيف إذ طعنت زهيرا ... وهو سيف مضلّل مشؤوم [3]
غزا بكرا وتغلب وشعره في ذلك
قال: وجمع زهير بني كلب ومن تجمّع له من شذّاذ العرب والقبائل [4]، ومن أطاعه من أهل اليمن، فغزا بكرا وتغلب ابني وائل، وهم على ماء يقال له الحبيّ [5]، وقد كانوا نذروا [6] به، فقاتلهم قتالا شديدا، ثم انهزمت بكر وأسلمت بني تغلب، فقاتلت شيئا من قتال ثم انهزمت، وأسر كليب ومهلهل/ ابنا ربيعة، واستيقت الأموال، وقتلت كلب في تغلب قتلى كثيرة، وأسروا جماعة من فرسانهم ووجوههم، وقال زهير بن جناب في ذلك:
تبّا لتغلب أن تساق نساؤهم ... سوق الإماء إلى المواسم عطّلا [7]
لحقت أوائل خيلنا سرعانهم [8] ... حتى أسرن على الحبيّ مهلهلا
إنّا - مهلهل - ما تطيش رماحنا ... أيام تنقف [9] في يديك الحنظلا
ولّت حماتك هاربين من الوغى ... وبقيت في حلق الحديد مكبّلا
فلئن قهرت لقد أسرتك عنوة ... ولئن قتلت لقد تكون مؤمّلا [10]
__________
[1] الصفاق: الجلد الباطن تحت الجلد الظاهر. والأعفاج: جمع عفج، وهي معي الإنسان.
[2] في المختار: «في غلس الصبح». وفي الشعر والشعراء - 339 ط. الحلبي: «غبس الليل»، وكلها بمعنى الظلمة.
[3] في «الشعر والشعراء» - 339:
«خانني الرمح ... ... وهو رمح ... »
[4] ف، المختار: «من شذاذ القبائل».
[5] في ما: «الجبيّ». وفي المختار: «الحنيّ» وكلاهما «تصحيف»، وحبيّ: موضع بتهامة.
[6] نذروا به: علموا به فحذروه واستعدوا له.
[7] ف، ما: «إذ تساق». وعطل: بدون حلي.
[8] سرعان الخيل: أوائلها.
[9] ف، المختار: «ينبت في يديك». وتنقف الحنظلّ: تشقّه.
[10] س، ف: «مرملا»، والمرمل: المطلخ بالدم.
وقال أيضا يعيّر بني تغلب بهذه الواقعة في قصيدة أوّلها:
حيّ دارا تغيّرت بالجناب ... أقفرت من كواعب أتراب
يقول فيها:
أين أين الفرار من حذر المو ... ت وإذ يتّقون بالأسلاب!
إذ أسرنا مهلهلا وأخاه ... وابن عمرو في القدّ وابن شهاب
وسبينا من تغلب كلّ بيضا ... ء رقود الضّحى برود الرّضاب
يوم يدعو مهلهل بالبكر ... ها أهذي حفيظة الأحساب [1]!
ويحكم ويحكم أبيح حماكم ... يا بني تغلب أما من ضراب!
وهم هاربون في كلّ فجّ ... كشريد النّعام فوق الرّوابي
/ واستدارت رحى المنايا عليهم ... بليوث من عامر وجناب
طحنتهم أرحاؤها [2] بطحون ... ذات ظفر حديدة الأنياب
فهم بين هارب ليس يألو ... وقتيل معفّر في التّراب
فضل العزّ عزّنا حين نسمو ... مثل فضل السّماء فوق السّحاب
وفد مع أخيه حارثة على أحد ملوك غسان
أخبرني محمد بن الحسن بن دريد، قال: حدّثنا عمّي، عن ابن الكلبيّ، عن أبيه، قال:
وفد زهير بن جناب وأخوه حارثة على بعض ملوك غسّان، فلما دخلا عليه [3] حدّثاه وأنشداه، فأعجب بهما ونادمهما، فقال يوما لهما: إن أمّي عليلة شديدة العلّة، وقد أعياني دواؤها، فهل تعرفان لها دواء؟ فقال حارثة:
كميرة حارّة - وكانت فيه لوثة - فقال الملك: أيّ شيء قلت؟ فقال له زهير: كميئة حارّة تطعمها، فوثب الملك - وقد فهم الأولى والآخرة - يريهما أنه يأمر بإصلاح الكمأة لها، وحلم عن مقالة حارثة. وقال حارثة لزهير: يا زهير اقلب ما شئت ينقلب، فأرسلها مثلا.
ذهب عقله آخر عمره فكان يخرج فيرده أحد ولده
أخبرني عمّي، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد، قال: حدّثني أحمد بن الغيث الباهليّ عن أبيه، قال:
كان من حديث زهير بن جناب الكلبيّ أنّه كان قد بلغ عمرا طويلا حتى ذهب عقله، وكان يخرج تائها لا يدري أين يذهب، فتلحقه المرأة من أهله والصّبيّ، فتردّه وتقول له: إني أخاف عليك الذّئب أن يأكلك، فأين تذهب؟
فذهب يوما من أيّامه، ولحقته ابنة له فردّته، فرجع معها وهو يهدج كأنه رأل [4]، وراحت عليهم سماء في الصيف/ فعلتهم منها بغشة [5] ثم أردفها غيث، فنظر وسمع له الشّيخ زجلا منكرا. فقال: ما هذا يا بنيّة؟ فقالت: عارض
__________
[1] في «المختار»: «ويحكم في حفيظة الأحساب». وفي ف: «أين حامي حفيظة الأحساب».
[2] في «المختار»: «رحاؤها»، والطحون: الحرب.
[3] ف: «دخلا إليه».
[4] الرأل: ولد النعام.
[5] البغشة: المطرة الضعيفة.
هائل إن أصابنا دون أهلنا هلكنا، فقال: انعتيه لي، فقالت: أراه منبطحا مسلنطحا [1]، قد ضاق ذرعا وركب ردعا [2]، ذا هيدب [3] يطير، وهماهم [4] وزفير، ينهض نهض الطير الكسير، عليه مثل شباريق [5] السّاج، في ظلمة اللّيل الدّاج، يتضاحك مثل شعل النيران، تهرب منه الطير، وتوائل [6] منه الحشرة. قال: أي بنية، وائلي منه إلى عصر [7] قبل أن لا عين ولا أثر.
كان يدعى الكاهن لصحة رأيه
أخبرني محمد بن القاسم الأنباريّ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني أحمد بن عبيد، عن ابن الكلبيّ، عن أبيه، عن مشيخة من الكلبيّين قالوا:
عاش زهير بن جناب بن هبل بن عبد اللّه خمسين ومائتي سنة أوقع فيها مائتي وقعة في العرب، ولم تجتمع قضاعة إلا عليه وعلى حنّ بن زيد العذريّ، ولم يكن في اليمن أشجع ولا أخطب ولا أوجه عند الملوك من زهير.
وكان يدعى الكاهن، لصحّة رأيه.
عمرّ حتى ملّ عمره، وشعره في ذلك
قال هشام: ذكر حمّاد الرّاوية أنّ زهيرا عاش أربعمائة وخمسين سنة، قال:/ وقال الشّرقيّ بن القطاميّ:
عاش زهير أربعمائة سنة، فرأته ابنة له فقالت لابن ابنها: خذ بيد جدّك، فقال له: من أنت؟ فقال: فلان بن فلان بن فلانة، فأنشأ يقول:
أبنيّ إن أهلك فقد ... أورثتكم مجدا بنيّه
وتركتكم أبناء سا ... دات زنادكم وريّه [8]
ولكلّ ما نال الفتى ... قد نلته إلا التّحيّه [9]
والموت خير للفتى ... فليهلكن وبه بقيّه
من أن يرى الشّيخ البجا ... ل وقد تهادى بالعشيّه [10]
ولقد شهدت النّار للأس ... لاف توقد في طميّه [11]
__________
[1] ف: «أراه مسطحا مسلنطحا متبطحا». والمسلنطح: الواقع على وجهه.
[2] ركب ردعا: سقط وكأنه وقع على عنقه.
[3] الهيدب: السحاب الداني.
[4] الهماهم: جمع همهمة، وهي ترديد الزفير.
[5] الشباريق: القطع.
[6] توائل منه: تطلب النجاة.
[7] عصر - بكسر أوله وسكون ثانيه - ورواه بعضهم بالتحريك، والأول أشهر وأكثر: هو كل ما يتحصن به.
[8] في أمالي المرتضى 1: 240: «و تركتكم أرباب سادات». زنادكم ورية: كني بذلك عن بلوغ مأربهم.
[9] التحية: الملك أو البقاء.
[10] البجال: الّذي يبجله قومه. وفي الشعر والشعراء:
«من أن يرى الشيخ الكبير»
[11] في معجم ياقوت: طمية: جبل في طريق مكة، وروى البيت فيه:
ولقد شهدت النار بالأنفار توقد في طميّه
ولقد رحلت البازل ال ... كوماء ليس لها وليّه [1]
وخطبت خطبة ماجد [2] ... غير الضّعيف ولا العييّه
ولقد غدوت بمشرف ال ... قطرين لم يغمز شظيّه [3]
فأصبت من بقر الجنا ... ب ضحى ومن حمر القفيّه [4]
/قال ابن الكلبيّ: وقال زهير في كبره أيضا:
ألا يا لقومي لا أرى النّجم طالعا ... ولا الشّمس إلا حاجبي بيميني
معزّبتي عند القفا بعمودها ... فأقصى نكيري أن أقول ذريني [5]
أمين على أسرارهنّ وقد أرى [6] ... أكون على الأسرار غير أمين
فللموت خير من حداج موطّأ ... على الظّعن لا يأتي المحلّ لحين
قال: وقال زهير أيضا في كبره:
إن تنسني الأيام إلا جلالة ... أمت حين لا تأسى عليّ العوائد
فيأذى بي الأدنى ويشمت بي العدا ... ويأمن كيدي الكاشحون الأباعد
قال: وقال زهير أيضا:
لقد عمّرت حتى لا أبالي ... أحتفي في صباحي أم مسائي
وحقّ لمن أتت مائتان عاما ... عليه أن يملّ من الثّواء
شهدت الموقدين على خزازى ... وبالسّلّان جمعا ذا زهاء [7]
ونادمت الملوك من آل عمرو ... وبعدهم بني ماء السماء
خالفه ابن أخيه عبد اللّه بن عليم فشرب الخمر
قال ابن الكلبيّ: وكان زهير إذا قال: ألا إن الحيّ ظاعن، ظعنت قضاعة؛ وإذا قال: ألا إن الحيّ مقيم، نزلوا وأقاموا. فلمّا أن أسنّ نصب ابن أخيه عبد اللّه بن عليم للرّياسة في كلب، وطمع أن يكون كعمّه وتجتمع قضاعة كلّها عليه، فقال/ زهير يوما: ألا إنّ الحيّ ظاعن، فقال عبد اللّه: ألا إنّ الحيّ مقيم، فقال زهير: ألا إنّ الحيّ مقيم، فقال عبد اللّه: ألا إنّ الحيّ ظاعن، فقال زهير: من هذا المخالف عليّ منذ اليوم؟ فقالوا: ابن أخيك عبد اللّه بن عليم، فقال: أعدى الناس للمرء ابن أخيه إلّا أنّه لا يدع قاتل عمّه أو يقتله. ثم أنشأ يقول:
__________
[1] البازل: الناقة انشق نابها بدخولها في السنة التاسعة، والكوماء: الضخمة السنام. والولية: كل ما ولى ظهر البعير من كساء أو غيره.
[2] في أمالي المرتضى:
«و خطبت خطبة حازم»
[3] مشرف القطرين: مرتفع الجانبين. وغمزت الدابة: مالت من رجلها أي ظلعت، والشظية: عظم الساق.
[4] القفية: الناحية.
[5] المعزّبة: امرأة الرجل، والقفا: موضع.
[6] في أمالي المرتضى:
«أمينا على سر النساء وربما»
[7] في معجم البلدان: خزازى: جبل. وفي ف: حوازى (تحريف). والسلان: الأودية. وكانت عندهما وقائع. وقوم ذو زهاء: ذو عدد كثير. وفي المعمرين - 27:
«شهدت المحضأين على خزاز»
وكيف بمن لا أستطيع فراقه ... ومن هو إن لم تجمع الدّار آلف!
أمير شقاق إن أقم لا يقم معي ... ويرحل، وإن أرحل يقم ويخالف [1]
ثم شرب الخمر صرفا حتّى مات.
قال: وممّن شرب الخمر صرفا حتى مات عمرو بن كلثوم التّغلبيّ، وأبو براء عامر بن مالك ملاعب الأسنّة.
قال هشام [2]: عاش هبل بن عبد اللّه جدّ زهير بن جناب ستّمائة سنة وسبعين، وهو القائل:
يا ربّ يوم قد غني فيه هبل ... له نوال ودرور وجذل [3]
كأنّه في العزّ عوف أو حجل
قال: عوف وحجل: قبيلتان من كلب.
كان نازلا مع الجلاح بن عوف فأنذرته أخته فخالفه الجلاح فرحل هو وقال شعرا
وقال أبو عمرو الشّيباني: كان الجلاح بن عوف السّحميّ قد وطّأ لزهير بن جناب وأنزله معه، فلم يزل في جناحه حتى كثر ماله وولده، وكانت أخت زهير متزوّجة في بني القين بن جسر، فجاء رسولها إلى زهير ومعه برد فيه صرار رمل وشوكة قتاد،/ فقال زهير لأصحابه: أتتكم شوكة شديدة، وعدد كثير فاحتملوا، فقال له الجلاح:
أنحتمل لقول امرأة! واللّه لا نفعل، فقال زهير:
أما الجلاح فإنّني فارقته ... لا عن قلّى ولقد تشطّ بنا النّوى
فلئن ظعنت لأصبحنّ مخيّما [4] ... ولئن أقمت لأظعننّ على هوى
قال: فأقام الجلاح، وظعن زهير، وصبّحهم الجيش فقتل عامّة قوم الجلاح وذهبوا بماله.
قال: واسم الجلاح عامر بن عوف بن بكر بن عوف بن عامر بن عوف بن عذرة.
اجتمع مع عشيرته فقصده الجيش فهزمهم وقتل رئيسا منهم
ومضى زهير لوجهه حتى اجتمع مع عشيرته من بني جناب، وبلغ الجيش خبره فقصدوه، فحاربهم وثبت لهم فهزمهم وقتل رئيسا منهم، فانصرفوا عنه خائبين، فقال زهير:
أمن آل سلمى ذا الخيال المؤرّق ... وقد يمق [5] الطيف الغريب المشوّق
وأنّي اهتدت سلمى لوجه محلّنا ... وما دونها من مهمه الأرض يخفق
فلم تر إلا هاجعا عند حرّة ... على ظهرها كور عتيق ونمرق [6]
ولمّا رأتني والطّليح تبسّمت ... كما انهلّ أعلى عارض يتألّق
فحيّيت عنّا زوّدينا تحيّة ... لعلّ بها العاني من الكبل يطلق
__________
[1] ف:
«أمين شقاء ... »
[2] ف: «هاشم».
[3] الدرور: الكثرة. والجذل: الفرح. وفي ف: «و دروه»، وهو التلألؤ.
[4] مخيما: مقيما.
[5] يمق: يحب.
[6] الكور: الرحل. والنمرق: الوسادة الصغيرة.
فردّت سلاما ثم ولت بحاجة ... ونحن لعمري يا بنة الخير أشوق [1]
/فيا طيب ما ريّا [2] ويا حسن منظر ... لهوت به لو أنّ رؤياك تصدق
ويوم أثالى قد عرفت رسومها ... فعجنا إليها والدّموع ترقرق
وكادت تبين القول لمّا سألتها ... وتخبرني لو كانت الدار تنطق
فيا دار سلمى هجت للعين عبرة ... فماء الهوى يرفضّ أو يترقرق [3]
وقال زهير في هذه القصيدة يذكر خلاف الجلاح عليه:
أيا قومنا إن تقبلوا الحقّ فانتهوا ... وإلا فأنياب من الحرب تحرق [4]
فجاءوا إلى رجراجة مكفهرّة ... يكاد المدير نحوها الطّرف يصعق [5]
سيوف وأرماح بأيدي أعزّة ... وموضونة ممّا أفاد محرّق [6]
فما برحوا حتى تركنا رئيسهم ... وقد مار فيه المضرحيّ المذلّق [7]
وكائن ترى من ماجد وابن ماجد ... له طعنة نجلاء للوجه يشهق
وقال زهير في ذلك أيضا:
سائل أميمة عنّي هل وفيت لها ... أم هل منعت من المخزاة جيرانا
لا يمنع الضّيف إلا ماجد بطل ... إنّ الكريم كريم أينما كانا [8]
لمّا أبى جيرتي إلا مصمّمة ... تكسو الوجوه من المخزاة ألوانا
/ ملنا عليهم بورد لا كفاء له ... يفلقن بالبيض تحت النّقع أبدانا
إذا ارجحنّوا علونا هامهم قدما ... كأنّما نختلي بالهام خطبانا [9]
كم من كريم هوى للوجه منعفرا ... قد اكتسى ثوبه في النّقع ألوانا
ومن عميد تناهى بعد عثرته ... تبدو ندامته للقوم خزيانا
كل أولاده شعراء وهذه نماذج من شعرهم
وأمّا الشعراء من ولد زهير:
فمنهم مصاد بن أسعد بن جنادة بن صهبان بن امرىء القيس بن زهير بن جناب، وهو القائل:
__________
[1] في ر:
« ... ثم ولت لحاجة ... »
[2] في ف:
«فيا طيب مثوانا»
[3] في ف: «يتدفق». وجاء في ف: «قال مؤلف هذا الكتاب: أخذ ذو الرمة هذا البيت كله فقال:
أدارا بحزوى هجت للعين عبرة ... فماء الهوى يرفض أو يترقرق
[4] تحرق: تحتك شدة وغيظا فيسمع لها صوت.
[5] كتيبة رجراجة: تموج من كثرتها. وفي ف: «يكاد المرنّى» بدل «يكاد المدير».
[6] الموضونة: الدرع المنسوجة أو المقاربة النسج.
[7] المضرحى: النسر، والمذلّق: المحدد الطرف. وفي ر:
«و قد حار فيه المضرحيّ»
[8] ف: «حيثما كانا».
[9] ارجحنوا: مالوا ووقعوا. نختلي: نقطع. الخطبان: نبت، أو الخضر من ورق السمر.
تمنّيت أن تلقى لقاح ابن محرز ... وقبلك شامتها العيون النّواظر
ممنّحة في الأقربين مناخة ... وللضّيف فيها والصّديق معاقر [1]
فهلّا بني عيناء عاينت جمعهم ... بحالة [2] إذا سدّت عليك المصادر
- ومنهم حريث بن عامر بن الحارث بن امرىء القيس بن زهير بن جناب، وهو القائل:
أرى قومي بني قطن أرادوا ... بألّا يتركوا بيديّ مالا
فإن لم أجزهم غيظا بغيظ ... وأوردهم على عجل شلالا [3]
فليت التّغلبيّة لم تلدني ... ولا أغنت بما ولدت قبالا [4]
- ومنهم الحزنبل بن سلامة بن زهير بن أسعد بن صهبان بن امرىء القيس بن زهير بن جناب، وهو القائل:
/عبثت بمنخرق القميص كأنّه ... وضح الهلال على الخمور معذل
يا سلم ويحك والخليل معاتب ... أزمعت أن تصلي سواي وتبخلي
لمّا رأيت بعارضيّ ولمّتي ... غير المشيب على الشباب المبدل [5]
صرّمت حبل فتى يهشّ إلى النّدى ... لو تطلبين نداه لم يتعلّل
إنا لنصبر عند معترك الوغى ... ونبذ مكرمة الكريم المفضل [6]
- ومنهم غرير بن أبي جابر بن زهير بن جناب، وهو القائل:
أبلغ أبا عمرو وأن ... ت عليّ ذو النّعم الجزيله
أنّا منعنا أن تذلّ ... بلادكم وبنو جديله
وطرقتهم ليلا أخ ... بّرهم بهم ومعي وصيله [7]
فصدقتهم خبري فطا ... روا في بلادهم الطّويله
- ومنهم عرفجة بن جنادة بن أبيّ بن النّعمان [8] بن زهير بن جناب، وهو القائل:
عفا أبرق العزّاف من أمّ جابر ... فمعنعرج الوادي عفا فحفير
فروض ثوير عن يمين رويّة ... كأن لم تربّعه أوانس حور [9]
رقاق الثّنايا والوجوه، كأنها ... ظباء الفلا [10] في لحظهن فتور
__________
[1] س:
«ممنحة في الأمر بين مباحة»
وفي ف:
«ممنحة في الأقربين مباحة»
[2] حالة: موضع. وفي ر: «بحالك».
[3] شلالا: متفرقين.
[4] ف:
«و لا غنيت ... »
وقبالا، أي بما يقبل.
[5] س، ر:
«غير الشباب على المشيب المبدل»
[6] ف: «الأفضل».
[7] وصيلة: رفقة أو سيف.
[8] س، ف: «بن أبي النعمان».
[9] أبرق العزاف، وثوير، وروية: مياه في بلاد العرب. وحفير: موضع بين مكة والمدينة.
[10] ف: «ظباء الملا».
- ومنهم المسيّب بن رفل [1] بن حارثة بن جناب بن قيس بن امرىء القيس بن أبي جابر بن زهير بن جناب، وهو القائل:
/قتلنا يزيد بن المهلّب بعدما ... تمنّيتم أن يغلب الحقّ باطله
وما كان منكم في العراق منافق ... عن الدّين إلا من قضاعة قاتله
تجلّله قحل بأبيض صارم ... حسام جلا عن شفرتيه صياقله [2]
يعني بالفحل ابن عيّاش بن شمر بن أبي شراحيل بن غرير بن أبي جابر بن زهير بن جناب، وهو الّذي قتل يزيد بن المهلّب.
ومن بني زهير شعراء كثير، ذكرت منهم الفحول دون غيرهم.
صوت
تدّعى الشوق إن نأت ... وتجنّى إذا دنت
سرّني لو صبرت عن ... ها فتجزى بما جنت
إنّ سلمى لو اتّقت ... ربّها فيّ أنجزت
زرعت في الحشا الهوى ... وسقته حتى نبت [3]
الشّعر لمسلم بن الوليد، والغناء لعريب خفيف ثقيل. وقيل: إنه لأبي العبيس بن حمدون. وذكر الهشاميّ أن لإسحاق في: إنّ سلمى ... وما بعده لحنا من الثّقيل الأول بالبنصر.
__________
[1] ف: «المسيب بن زفر» وجاء في ذلك «المسيب بن الرفل الزهيري من ولد زهير بن جناب».
[2] ف، س: «تجلله فحل».
[3] الأبيات في شرح الديوان - 308 ط. دار المعارف. وبعد البيت الأول:
واعتدنا وأخلفت ... فأساءت وأحسنت
3 - نسب مسلم بن الوليد وأخباره [1]
نسبه
وهو مسلم بن الوليد، أبوه الوليد مولى الأنصار ثم مولى أبي أمامة أسعد بن زرارة الخزرجيّ.
كان يلقب صريع الغواني
يلقّب صريع الغواني، شاعر متقدم من شعراء الدّولة العبّاسيّة، منشؤه ومولده الكوفة.
وهو - فيما زعموا - أوّل من قال الشّعر المعروف بالبديع، هو لقّب هذا الجنس البديع واللّطيف [2]. وتبعه فيه جماعة، وأشهرهم فيه أبو تمّام الطائيّ فإنه جعل شعره كلّه مذهبا واحدا فيه. ومسلم كان متقنّنا متصرّفا في شعره.
أخبرني عليّ بن سليمان الأخفش، قال: قال أبو العباس محمد بن يزيد:
كان مسلم شاعرا حسن النّمط، جيّد القول في الشراب [3]، وكثير من الرّواة يقرنه بأبي نواس في هذا المعنى.
وهو أوّل من عقد هذه المعاني الظّريفة واستخرجها.
اتهم بأنه أول من أفسد الشعر
حدّثنا أحمد بن عبيد اللّه بن عمّار، قال: حدّثنا محمد بن القاسم بن مهرويه، قال: سمعت أبي، يقول: أول من أفسد الشّعر مسلم بن الوليد، جاء بهذا الّذي سمّاه النّاس البديع، ثم جاء الطّائيّ بعده فتفنّن فيه [4].
كان منقطعا إلى يزيد بن يزيد
أخبرني إبراهيم بن أيّوب عن عبد اللّه بن مسلم الدّينوريّ، قال:
كان مسلم بن الوليد وأخوه سليمان منقطعين إلى يزيد بن مزيد ومحمد بن منصور بن زياد، ثم الفضل بن سهل بعد ذلك. وقلّد الفضل مسلما المظالم بجرجان فمات بها.
/ أخبرني عليّ بن سليمان، قال: حدّثنا محمد بن يزيد قال:
كان السبب في قول مسلم:
تدّعي الشوق إن نأت ... وتجنّي إذا دنت
__________
[1] سقطت هذه الترجمة من طبعة بولاق، وموضعها هنا كما جاءت في نسخة ف وغيرها من النسخ الخطية الموثوقة.
[2] في مي: «فجنس البديع، وتبعه ... » وفي مج: «و هو لقب الجنس البديع وتبعه ... ».
[3] في مي، مج: «جيد الغزل في الشراب».
[4] في ما: «فجن فيه فتحير الناس». وفي ف: «ثم جاء الطائي بعده فتحير الناس فيه».
غازل جارية منزلها في مهب الشمال من منزله، ولم يكن يهواها
أنّه علق جارية ذات ذكر وشرف [1]، وكان منزلها في مهبّ الشّمال من منزله، وفي ذلك يقول:
صوت
أحبّ الرّيح ما هبّت شمالا ... وأحسدها إذا هبت جنوبا
أهابك أن أبوح بذات نفسي ... وأفرق إن سألتك أن أخيبا
وأهجر صاحبي حبّ التّجنّي ... عليه إذا تجنّيت الذّنوبا [2]
كأني حين أغضي عن سواكم ... أخاف لكم على عيني رقيبا
غنّى عبد اللّه بن العبّاس الرّبيعي في هذه الأبيات هزجا بالبنصر عن الهشاميّ.
كان يحب جاريته محبة شديدة
قال: وكانت له جارية يرسلها إليها ويبثّها سرّه، وتعود إليه بأخبارها ورسائلها؛ فطال ذلك بينهما؛ حتى أحبّتها الجارية الّتي علقها مسلم ومالت إليها، وكلتاهما في نهاية الحسن والكمال.
وكان مسلم يحبّ جاريته هذه محبّة شديدة، ولم يكن يهوى تلك، إنما كان يريد الغزل والمجون والمراسلة، وأن يشيع له حديث [3] بهواها، وكان يرى ذلك من/ الملاحة والظّرف والأدب، فلما رأى مودّة تلك لجاريته هجر جاريته مظهرا لذلك، وقطعها عن الذّهاب إلى تلك، وذلك قوله:
وأهجر صاحبي حبّ التّجنّي ... عليه إذا تجنّيت الذّنوبا
وراسلها مع غير جاريته الأولى، وذلك قوله:
تدّعى الشوق إن نأت ... وتجنّى إذا دنت
واعدتنا وأخلفت ... ثم ساءت فأحسنت [4]
سرّني لو صبرت عن ... ها فتجزى بما جنت
[5] إنّ سلمى لو اتّقت ... ربّها فيّ أنجزت
زرعت في الحشا الهوى ... وسقته حتى نبت [5]
أخبرني الحسين بن يحيى ومحمد بن يزيد، قالا: حدّثنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه، قال:
لقي مسلم بن الوليد أبا نواس فقال له: ما أعرف لك بيتا إلا فيه سقط، قال: فما تحفظ من ذلك؟ قال: قل أنت ما شئت حتى أريك سقطه فيه، فأنشده:
__________
[1] في ما: «ذات خطر وشرف».
[2] في الديوان - 274 ط. المعارف: «إن تجنبت».
[3] في مي: «و أن يسمع له حديث ... » الخ.
[4] في ما، والديوان - 308، و «المختار»: «فأساءت وأحسنت».
(5 - 5) التكلمة من مي والديوان - 308.
ذكر الصّبوح سحيرة [1] فارتاحا ... وأملّه ديك الصّباح صياحا
فقال له مسلم: فلم أملّه وهو الّذي أذكره وبه ارتاح؟ فقال أبو نواس: فأنشدني شيئا من شعرك ليس فيه خلل، فأنشده مسلم:
/عاصى الشّباب فراح غير مفنّد [2] ... وأقام بين عزيمة وتجلّد
فقال له أبو نواس: قد جعلته رائحا مقيما في حال واحدة وبيت واحد. فتشاغبا وتسابّا ساعة، وكلا البيتين صحيح المعنى.
ذكر أمام المأمون وعرضت أبيات من شعره أعجبته
أخبرني جعفر بن قدامة قال: قال لي محمد بن عبد اللّه بن مسلم: حدّثني أبي، قال:
اجتمع أصحاب المأمون عنده يوما، فأفاضوا في ذكر الشّعر والشّعراء، فقال له بعضهم: أين أنت يا أمير المؤمنين عن مسلم بن الوليد؟ قال: حيث يقول ماذا؟ قال: حيث يقول وقد رثى رجلا:
أرادوا ليخفوا قبره عن عدوّه ... فطيب تراب القبر دلّ على القبر
وحيث مدح رجلا بالشّجاعة فقال:
يجود بالنّفس إذ ضنّ [3] الجواد بها ... والجود بالنّفس أقصى غاية الجود
وهجا رجلا بقبح الوجه والأخلاق فقال:
قبحت مناظره فحين خبرته ... حسنت مناظره لقبح المخبر
وتغازل فقال:
هوّى يجدّ وحبيب يلعب ... أنت لقى بينهما معذّب
فقال المأمون: هذا أشعر من خضتم اليوم في ذكره.
الرشيد ينبه يزيد بن مزيد إلى ما قاله فيه مسلم من مدح
أخبرني محمد بن عمران الصّيرفيّ والحسن بن عليّ الخفّاف، قالا: حدّثنا الحسن بن عليل العنزيّ، قال:
حدّثني قعنب بن المحرز، وابن النّطّاح، عن القحذميّ، قال:
/ قال يزيد بن مزيد: أرسل إليّ الرّشيد يوما في وقت لا يرسل فيه إلى مثلي فأتيته لابسا سلاحي، مستعدّا لأمر إن أراده، فلما رآني ضحك إليّ ثم قال: يا يزيد خبّرني من الّذي يقول فيك:
تراه في الأمن في درع مضاعفة ... لا يأمن الدّهر أن يدعى على عجل [4]
صافي العيان طموح العين همّته ... فكّ العناة وأسر الفاتك الخطل
__________
[1] في ما، ف: «بسحرة».
[2] في مي، مج:
«ذكر الصبوح فراح غير مفند»
والتفنيد: اللوم. والبيت في الديوان - 230 من قصيدة طويلة.
[3] في مي، والعقد، وديوان المعاني: «إن ضن الجواد». وفي الديوان - 164:
«إذ أنت الضنين بها»
وفي تاريخ بغداد:
«إذ ضن البخيل بها»
[4] في الشعر والشعراء 2: 811، والأغاني 5: 41:
«أن يأتي على عجل»
وفي شرح سقط الزن 68:
«أن يؤتى على عجل»
للّه من هاشم في أرضه جبل ... وأنت وابنك ركنا [1] ذلك الجبل
فقلت: لا أعرفه يا أمير المؤمنين. قال: سوءة لك من سيّد قوم يمدح بمثل هذا الشّعر ولا تعرف قائله، وقد بلغ أمير المؤمنين فرواه ووصل قائله، وهو مسلم بن الوليد. فانصرفت فدعوت به ووصلته وولّيته.
أخبرني محمد بن عمران الصّيرفيّ، والحسن بن عليّ الخفّاف، قالا: حدّثنا الحسن بن عليل العنزيّ، قال:
حدّثني أبو عبد اللّه أحمد بن محمد بن سليمان الحنفيّ ذو الهدمين، قال: حدّثني أبي، قال:
دخل يزيد بن مزيد على الرّشيد فقال له: يا يزيد، من الّذي يقول فيك:
لا يعبق الطّيب خدّيه ومفرقه ... ولا يمسّح عينيه من الكحل
قد عوّد الطّير عادات وثقن بها ... فهنّ يتبعنه [2] في كلّ مرتحل
يزيد بن مزيد يسمع مدحه فيه ويأمر له بجائزة
فقال: لا أعرف قائله يا أمير المؤمنين. فقال له هارون: أيقال فيك مثل هذا/ الشّعر ولا تعرف قائله! فخرج من عنده خجلا، فلما صار إلى منزله دعا حاجبه فقال له: من بالباب من الشّعراء؟ قال: مسلم بن الوليد، فقال:
وكيف حجبته عنّي فلم تعلمني بمكانه؟ قال: أخبرته أنّك مضيق [3]، وأنّه ليس في يديك شيء تعطيه إياه، وسألته الإمساك والمقام أياما إلى أن تتّسع. قال: فأنكر ذلك عليه وقال: أدخله إليّ. فأدخله إليه، فأنشده قوله:
أجررت حبل خليع في الصّبا غزل ... وشمّرت همم العذّال في عذلي [4]
ردّ البكاء على العين الطّموح هوّى ... مفرّق بين توديع ومرتحل [5]
أما كفى البين أن أرمى بأسهمه ... حتى رماني بلحظ الأعين النّجل!
مما جنت لي - وإن كانت منّى صدقت - ... صبابة خلس التّسليم بالمقل [6]
فقال له: قد أمرنا لك بخمسين ألف درهم، فاقبضها واعذر. فخرج الحاجب فقال لمسلم: قد أمرني أن أرهن ضيعة من ضياعه على مائة ألف درهم، خمسون ألفا لك وخمسون ألفا لنفقته. وأعطاه إيّاها، وكتب صاحب الخبر بذلك إلى الرّشيد، فأمر ليزيد بمائتي ألف درهم وقال: اقض الخمسين الّتي أخذها الشّاعر وزده مثلها. وخذ مائة ألف لنفقتك. فافتكّ ضيعته، وأعطى مسلما خمسين ألفا أخرى.
يزوره صديق من الكوفة فيبيع خفيه ليقدم له طعاما
أخبرني الحسن بن عليّ الخفّاف، قال: حدّثنا محمّد بن القاسم بن مهرويه، قال: حدّثني عليّ بن عبيد الكوفيّ، وعليّ بن الحسن كلاهما، قال: أخبرني عليّ بن عمرو، قال:
/ حدّثني مسلم بن الوليد المعروف بصريع الغوائي قال: كنت يوما جالسا في دكان خيّاط بإزاء منزلي، إذ
__________
[1] في المختار من شعر بشار - 30:
«و أنت وابناك ركنا ذلك الجبل»
[2] في مي: «فهن يصحبنه».
[3] أضاق الرجل فهو مضيق: ضاق عليه معاشه.
[4] في الديوان - 1: «في العذل».
[5] في المختار: «و محتمل». وفي الديوان ط. المعارف:
«هاج البكاء ... ومحتمل»
[6] في الديوان - 3:
«مما جنى لي»
رأيت طارقا ببابي، فقمت إليه فإذا هو صديق لي من أهل الكوفة قد قدم من قمّ، فسررت به، وكأنّ إنسانا لطم وجهي، لأنّه لم يكن عندي درهم واحد أنفقه عليه، فقمت فسلّمت عليه، وأدخلته منزلي، وأخذت خفّين كانا لي أتجمّل بهما، فدفعتهما إلى جاريتي، وكتبت معهما رقعة إلى بعض معارفي في السّوق، أسأله أن يبيع الخفّين ويشتري لي لحما وخبزا بشيء سمّيته. فمضت الجارية وعادت إليّ وقد اشترى لها ما قد حدّدته له، وقد باع الخفّين [1] بتسعة دراهم، فكأنّها إنما جاءت بخفّين جديدين. فقعدت أنا وضيفي نطبخ، وسألت جارا لي أن يسقينا قارورة نبيذ، فوجّه بها إليّ، وأمرت الجارية بأن تغلق باب الدّار مخافة طارق يجيء فيشركنا فيما نحن فيه، ليبقى لي وله ما نأكله إلى أن ينصرف.
يصل إليه رسول يزيد بن مزيد ويدفع إليه عشرة آلاف درهم
فإنّا لجالسان نطبخ حتى طرق الباب طارق، فقلت لجاريتي: انظري من هذا. فنظرت من شقّ الباب فإذا رجل عليه سواد وشاشيّة ومنطقة ومعه شاكريّ، فخبّرتني بموضعه فأنكرت أمره [2]، ثم رجعت إلى نفسي فقلت: لست بصاحب دعارة، ولا للسّلطان عليّ سبيل. ففتحت الباب وخرجت إليه، فنزل عن دابّته وقال: أأنت مسلم بن الوليد؟ قلت: نعم. فقال: كيف لي بمعرفتك؟ قلت: الّذي دلّك على منزلي يصحّح لك معرفتي. فقال لغلامه:
امض إلى الخيّاط فسله عنه. فمضى فسأله عنّي فقال: نعم هو مسلم بن الوليد. فأخرج إليّ كتابا من خفّه، وقال:
هذا كتاب الأمير يزيد بن مزيد إليّ، يأمرني ألّا أفضّه إلا عند لقائك، فإذا فيه: إذا لقيت مسلم بن الوليد فادفع إليه/ هذه العشرة آلاف درهم، الّتي أنفذتها تكون له في منزله، وادفع ثلاثة آلاف درهم نفقة ليتحمّل بها إلينا. فأخذت الثّلاثة والعشرة، ودخلت إلى منزلي والرّجل معي، فأكلنا ذلك الطعام، وازددت فيه وفي الشّراب، واشتريت فاكهة، واتّسعت ووهبت لضيفي من الدّراهم ما يهدي به هديّة لعياله.
يذهب إلى يزيد وينشده قصيدة في مدحه
وأخذت في الجهاز، ثم ما زلت معه حتى صرنا إلى الرّقّة إلى باب يزيد، فدخل الرّجل وإذا هو أحد حجّابه، فوجده في الحمّام، فخرج إليّ فجلس معي قليلا، ثم خبّر الحاجب بأنّه قد خرج من الحمّام، فأدخلني إليه، وإذا هو على كرسيّ جالس، وعلى رأسه وصيفة بيدها غلاف مرآة، وبيده هو مرآة، ومشط يسرّح لحيته، فقال لي:
يا مسلم، ما الّذي بطّأ بك عنّا؟ فقلت: أيّها الأمير، قلّة ذات اليد. قال: فأنشدني. فأنشدته قصيدتي الّتي مدحته فيها:
أجررت حبل خليع في الصّبا غزل ... وشمّرت همم العذّال في عذلي
فلما صرت إلى قولي:
لا يعبق الطّيب خدّيه ومفرقه ... ولا يمسّح عينيه من الكحل [3]
__________
[1] في ف والمختار: «الخف».
[2] في ما: «أمري». والشاشية: العمامة. والمنطقة: الحزام ينتطق به. والشاكري: الأجير.
[3] في الأغاني 5/ 44، وابن خلكان 2/ 284: «كفيه ومفرقه». وجاء في شرح الديوان - 13: «لا يعبق الطيب خديه ومفرقه أي لا يلصق بهما. ولا يمسح عينيه من الكحل أي لا يتكحل ... يطعن بذلك على بني عمه الذين كانوا أقبلوا إلى أبيهم ليلا متعطرين، وأقبل هو إليه في السلاح».
يقص عليه سبب دعوته له
وضع المرآة في غلافها، وقال للجارية: انصرفي، فقد حرّم علينا مسلم الطّيب. فلما فرغت من القصيدة قال لي: يا مسلم، أتدري ما الّذي حداني إلى أن وجهت إليك؟ فقلت: لا واللّه ما أدري. قال: كنت عند الرّشيد منذ ليال أغمّز [1] رجليه، إذ قال لي: يا يزيد، من القائل فيك:
/سلّ الخليفة سيفا من بني مطر ... يمضي فيخترم الأجساد والهاما [2]
كالدّهر لا ينثني عمّا [3] يهمّ به ... قد أوسع الناس إنعاما وإرغاما
فقلت: لا واللّه ما أدري. فقال لي الرّشيد: يا سبحان اللّه! أنت مقيم على أعرابيّتك، يقال فيك مثل هذا الشّعر ولا تدري من قائله! فسألت عن قائله، فأخبرت أنّك أنت هو، فقم حتى أدخلك على أمير المؤمنين.
يدخل على الرشيد ويمدحه فيأمر له بجائزة
ثم قام فدخل على الرّشيد، فما علمت حتى خرج عليّ الإذن فأذن لي، فدخلت على الرّشيد، فأنشدته ما لي فيه من الشّعر، فأمر لي بمائتي ألف درهم، فلما انصرفت إلى يزيد أمر لي بمائة وتسعين ألفا، وقال: لا يجوز لي أن أعطيك مثل ما أعطاك أمير المؤمنين. وأقطعني إقطاعات تبلغ غلّتها مائتي ألف درهم.
يهجو يزيد فيدعوه الرشيد ويحذره
قال مسلم: ثم أفضت بي الأمور بعد ذلك إلى أن أغضبني فهجوته، فشكاني إلى الرّشيد، فدعاني وقال:
أتبيعني عرض يزيد؟ فقلت: نعم يا أمير المؤمنين. فقال لي: بكم؟ فقلت: برغيف خبز. فغضب حتى خفته على نفسي، وقال: قد كنت على أن أشتريه منك بمال جسيم، ولست أفعل ولا كرامة، فقد علمت إحسانه إليك، وأنا نفيّ من أبي، وو اللّه ثمّ واللّه لئن بلغني أنّك هجوته لأنزعنّ لسانك من بين فكّيك، فأمسكت عنه بعد ذلك، وما ذكرته بخير ولا شرّ.
البيدق يصله بيزيد بن مزيد ويسمعه شعره فيأمر له بجائزة
أخبرني الحسن بن علي، قال: حدّثنا محمد بن القاسم بن مهرويه، قال: حدّثني محمد بن عبد اللّه اليعقوبيّ، قال:
/ حدّثني البيدق [4] الرّاوية - وكان من أهل نصيبين - قال: دخلت دار يزيد بن مزيد يوما وفيها الخلق، وإذا فتى شابّ جالس في أفناء النّاس، ولم يكن يزيد عرفه بعد، وإذا هو مسلم بن الوليد، فقال لي: ما في نفسي أن أقول شعرا أبدا، فقلت: ولم؟ قال: لأنّي قد مدحت هذا الرّجل بشعر ما مدح بمثله قطّ، ولست أجد من يوصّله، فقلت له: أنشدني بعضه، فأنشدني منه:
موف على مهج في يوم ذي رهج ... كأنّه أجل يسعى إلى أمل
__________
[1] الغمز: الكبس باليد والجس.
[2] في الديوان - 63:
«فيخترق الأجساد ... »
وفي ديوان المعاني:
«فيخترق الأحشاء ... »
[3] في الديوان - 62:
«لا ينثني عمن يهم به»
[4] في مي: «البيزق».
يقري السّيوف نفوس النّاكثين به ... ويجعل الرّوس تيجان القنا الذّبل
لا يعبق الطّيب خدّيه ومفرقه ... ولا يمسّح عينيه من الكحل
إذا انتضى سيفه كانت مسالكه ... مسالك الموت في الأجسام والقلل [1]
وإن خلت بحديث النّفس فكرته ... عاش الرّجاء ومات الخوف من وجل [2]
كاللّيث إن هجته فالموت راحته ... لا يستريح إلى الأيّام والدّول
للّه من هاشم في أرضه جبل ... وأنت وابنك ركنا ذلك الجبل
صدّقت ظنّي وصدّقت الظّنون به ... وحطّ جودك عقد الرّحل عن جملي [3]
قال: فأخذت منها بيتين، ثم قلت له: أنشدني أيضا ما لك فيه، فأنشدني قصيدة أخرى ابتداؤها:
/طيف الخيال حمدنا منك إلماما ... داويت سقما وقد هيّجت أسقاما
يقول فيها:
كالدّهر لا ينثني عمّا يهمّ به ... قد أوسع النّاس إنعاما وإرغاما
قال: فأنشدت هذه الأبيات يزيد بن مزيد، فأمر له بخمسمائة درهم. ثم ذكرته بالرّقّة فقلت له: هذا الشّاعر الّذي قد مدحك فأحسن، تقتصر به على خمسمائة درهم! فبعث إليه بخمسمائة درهم أخرى، قال: فقال لي مسلم:
جاءتني وقد رهنت طيلساني على رؤوس الإخوان [4]، فوقعت منّي أحسن موقع.
تضمخ يزيد بالطيب ثم غسله لئلا يكذب قول مسلم
أخبرني محمد بن عمران، قال: حدّثنا العنزيّ، عن محمد بن بدر العجليّ، عن إبراهيم بن سالم، عن أبي فرعون مولى يزيد بن مزيد قال:
ركب يزيد يوما إلى الرّشيد فتغلّف بغالية [5]، ثم لم يلبث أن عاد فدعا بطست فغسل الغالية، وقال: كرهت أن أكذّب قول مسلم بن الوليد:
لا يعبق الطّيب خدّيه ومفرقه ... ولا يمسّح عينيه من الكحل
يشير على يزيد بن مزيد بإحراق كتاب وصله
أخبرني جعفر بن قدامة، قال: حدّثني عبد اللّه بن أبي سعد، قال: حدّثني أبو توبة، قال:
كان مسلم بن الوليد جالسا بين يدي يزيد بن مزيد فأتاه كتاب فيه مهمّ له، فقرأه سرّا ووضعه، ثم أعاد قراءته ووضعه، ثم أراد القيام، فقال له مسلم بن الوليد:
__________
[1] في الديوان - 14: «في الأبدان والقلل».
[2] في الديوان - 24: «حيي الرجاء»، وفي المستجاد - 101:
« ... بحديث النفس نظرته»
وجاء في الشرح: «إذا خلت بحديث النفس فكرته فإنه يفكر في بذل العطايا للناس فيموت خوفهم للفقر عند ذلك».
[3] في ف: «و حل جودك»، والمثبت من ما، مج، والديوان - 23، وجاء في الشرح: «صدّقت ظني وظن من علم إقبالي إليك، وأغنيتني عن السفر فلا أحتاج إلى أن أسافر بعدها أبدا».
[4] ف: «على رؤوس لإخواني».
[5] تغلف بغالية: تطيب بالطيب.
الحزم تحريقه إن كنت ذا حذر [1] ... وإنّما الحزم سوء الظّنّ بالنّاس
لقد أتاك وقد أدّى أمانته ... فاجعل صيانته في بطن أرماس
/ قال: فضحك يزيد وقال: صدقت لعمري. وخرّق الكتاب، وأمر بإحراقه.
انقطع إلى محمد بن يزيد بعد موت أبيه ثم هجره
حدّثني عمّي وجحظة، قالا: حدّثنا عليّ بن الحسين بن عبد الأعلى، قال: حدّثني أبو محلّم، وحدّثني عمّي، قال: حدّثني عبد اللّه بن أبي سعد، قال: حدّثني أبو توبة، قال:
كان مسلم بن الوليد صديقا ليزيد بن مزيد ومدّاحا له، فلما مات انقطع إلى ابنه محمد بن يزيد، ومدحه كما مدح أباه، فلم يصنع إليه خيرا، ولم يرضه ما فعله به، فهجره وانقطع عنه، فكتب إليه يستحفيه [2] ويلومه على انقطاعه عنه، ويذكّره حقوق أبيه عليه، فكتب إليه مسلم:
لبست عزاء عن لقاء محمد ... وأعرضت عنه منصفا وودودا
وقلت لنفس قادها الشّوق نحوه ... فعوّضها حبّ اللّقاء صدودا
هبيه امرأ قد كان أصفاك ودّه ... فمات وإلّا فاحسبيه يزيدا
لعمري لقد ولّى فلم ألق بعده ... وفاء لذي عهد يعدّ حميدا
مات يزيد ببرذعة فرثاه مسلم
أخبرني محمد بن القاسم الأنباريّ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني أحمد بن محمد بن أبي سعد، قال:
أهديت إلى يزيد بن مزيد جارية وهو يأكل، فلما رفع الطّعام من بين يديه وطئها فلم ينزل عنها، إلا ميّتا، وهو ببرذعة [3]، فدفن في مقابر برذعة، وكان مسلم معه في صحابته فقال يرثيه:
/قبر ببرذعة استسرّ ضريحه ... خطرا تقاصر دونه الأخطار
أبقى الزّمان على ربيعة بعده ... حزنا كعمر الدّهر ليس يعار
سلكت بك العرب السّبيل إلى العلا ... حتى إذا بلغوا المدى بك حاروا
ويروى:
حتى إذا سبق الرّدى بك حاروا [4]
- هكذا أنشده الأخفش - :
نفضت بك الأحلاس نفض إقامة ... واسترجعت روّادها الأمصار
فاذهب كما ذهبت غوادي مزنة ... أثنى عليها السّهل والأوعار
__________
[1] في الديوان - 324، وعيون الأخبار: «تخريقه».
[2] استحفاء: استخبره. وفي مي، ما: «يستجفيه».
[3] برذعة: بلد في أقصى أذربيجان.
[4] في مي، مج:
«حتى إذا بلغوا المداخل جاروا»
وفي ف:
«حتى إذا بلغوا المدى بك جاروا»
قصة راويته الّذي أرسله إلى داود بن يزيد المهلبي
نسخت من كتاب جدّي يحيى بن محمد بن ثوابة: حدّثني الحسن بن سعيد، عن أبيه، قال:
كان داود بن يزيد بن حاتم المهلّبيّ يجلس للشّعراء في السّنة مجلسا واحدا فيقصدونه لذلك اليوم وينشدونه، فوجّه إليه مسلم بن الوليد راويته بشعره الّذي يقول فيه:
جعلته حيث ترتاب الرّياح به ... وتحسد الطّير فيه أضبع البيد [1]
فقدم عليه يوم جلوسه للشّعراء، ولحقه بعقب خروجهم عنه، فتقدّم إلى الحاجب وحسر لثامه عن وجهه ثم قال له: استأذن لي على الأمير. قال: ومن أنت؟ قال: شاعر. قال: قد انصرم وقتك، وانصرف الشّعراء، وهو على القيام. فقال له: ويحك/ قد وفدت على الأمير بشعر ما قالت العرب مثله. قال: وكان مع الحاجب أدب يفهم به ما يسمع، فقال: هات حتى أسمع، فإن كان الأمر كما ذكرت أوصلتك إليه. فأنشده بعض القصيدة، فسمع شيئا يقصر الوصف عنه، فدخل على داود فقال له: قد قدم على الأمير شاعر بشعر ما قيل فيه مثله، فقال: أدخل قائله.
فأدخله، فلمّا مثل بين يديه سلّم وقال: قدمت على الأمير - أعزّه اللّه - بمدح يسمعه فيعلم به تقدّمي على غيري ممّن امتدحه. فقال: هات. فلما افتتح القصيدة وقال:
لا تدع بي الشّوق إني غير معمود ... نهى النّهى عن هوى البيض الرّعاديد [2]
استوى جالسا وأطرق، حتى أتى الرّجل على آخر الشّعر، ثم رفع رأسه إليه ثم قال: أهذا شعرك؟ قال: نعم أعزّ اللّه الأمير، قال: في كم قلته يا فتى؟ قال: في أربعة أشهر، أبقاك اللّه، قال: لو قلته في ثمانية أشهر لكنت محسنا، وقد اتّهمتك لجودة شعرك وخمول ذكرك، فإن كنت قائل هذا الشّعر فقد أنظرتك أربعة أشهر في مثله، وأمرت بالإجراء عليك، فإن جئتنا بمثل هذا الشّعر وهبت لك مائة ألف درهم وإلا حرمتك. فقال: أو الإقالة، أعزّ اللّه الأمير. قال: أقلتك، قال: الشّعر لمسلم بن الوليد، وأنا راويته والوافد عليك بشعره. فقال: [3] أنا ابن حاتم [3]، إنّك لمّا افتتحت شعره فقلت:
لا تدع بي الشّوق إنّي غير معمود
سمعت كلام مسلم يناديني فأجبت نداءه واستويت جالسا. ثم قال: يا غلام، أعطه عشرة آلاف درهم، واحمل السّاعة إلى مسلم مائة ألف درهم.
أنشد الفضل بن سهل شعرا فولاه البريد بجرجان
أخبرني الحسين بن القاسم الكوكبيّ، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد، قال: حدّثني مسعود بن عيسى العبديّ، قال: أخبرني موسى بن عبد اللّه التّميميّ، قال:
دخل مسلم بن الوليد الأنصاريّ على الفضل بن سهل لينشده شعرا، فقال له: أيّها الكهل، إنّي أجلّك عن الشّعر فسل حاجتك، قال: بل تسّتتمّ اليد عندي بأن تسمع، فأنشده:
__________
[1] في مي، مج: «أسبع» بدل: «أضبع».
[2] في الديوان - 151:
«نهى النهي عن هوى الهيف الرعاديد»
(3 - 3) التكملة من ما، ساقطة من مي، مج.
دموعها من حذار البين تنسكب ... وقلبها مغرم من حرّها يجب
جدّ الرّحيل به عنها ففارقها ... لبينه اللّهو واللّذّات والطّرب
يهوى المسير إلى مرو ويحزنه ... فراقها فهو ذو نفسين يرتقب
فقال له الفضل: إني لأجلّك عن الشعر، قال: فأغنني بما أحببت من عملك؛ فولّاه البريد بجرجان.
قال بيتا من الشعر أخذ معناه من التوراة
أخبرني الحسن بن عليّ، قال: حدّثنا محمد بن القاسم بن مهرويه، قال: حدّثني الحسين بن أبي السّريّ.
وأخبرني بهذه الأخبار محمد بن خلف بن المرزبان، قال: حدّثني إبراهيم بن محمد الورّاق، عن الحسين بن أبي السّريّ قال: قيل لمسلم بن الوليد: أيّ شعرك أحبّ إليك؟ قال: إن في شعري لبيتا أخذت معناه من التّوراة، وهو قولي:
دلّت على عيبها الدّنيا وصدّقها ... ما استرجع الدّهر ممّا كان أعطاني
قذف في البحر بدفتر فيه شعره فقلّ شعره
قال الحسين: وحدّثني جماعة من أهل جرجان أنّ راوية مسلم جاء إليه بعد أن تاب ليعرض عليه شعره، فتغافله مسلم، ثم أخذ منه الدّفتر الّذي في يده، فقذف به في البحر، فلهذا قلّ شعره، فليس في أيدي النّاس منه إلا ما كان بالعراق، وما كان في أيدي الممدوحين من مدائحهم.
كان يكره لقب صريع الغواني
قال الحسين: وحدّثني الحسين بن دعبل، قال: قال أبي لمسلم: ما معنى ذلك:
لا تدع بي الشّوق إنّي غير معمود
قال: لا تدعني صريع الغواني فلست كذلك؛ وكان يلقّب هذا اللّقب وكان له كارها.
عتب عليه عيسى بن داود ثم رضي عنه
أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان، قال: حدّثنا حمّاد بن إسحاق، عن أبيه، قال: عتب عيسى بن داود [1] على مسلم بن الوليد فهجره، وكان إليه محسنا، فكتب إليه مسلم:
شكرتك للنّعمى فلمّا رميتني ... بصدّك تأديبا شكرتك في الهجر
فعندي للتّأديب شكر وللنّدى ... وإن شئت كان العفو أدعى [2] إلى الشّكر
إذا ما اتّقاك [3] المستليم بعذره ... فعفوك خير من ملام على عذر
قال: فرضي عنه وعاد له إلى حاله.
__________
[1] كذا في مي، مج. وفي ف: «عيسى برد أبيرود». وفي ما: «عيسى بن يزد أبيرود»
[2] في ما والديوان - 319: «أدنى»، والمثبت من ف، مي، مج.
[3] في ما: والديوان - 319: «إذا ما التقاك».
كان بخيلا
أخبرني الحسن بن عليّ، قال: حدّثني ابن مهرويه، قال: حدّثني محمد بن الأشعث، قال: حدّثني دعبل بن عليّ، قال: كان مسلم بن الوليد من أبخل الناس، فرأيته يوما وقد استقبل الرّضا عن غلام له بعد موجدة، فقال له: قد رضيت عنك وأمرت لك بدرهم.
يذمه دعبل عند الفضل بن سهل فيهجوه
أخبرني الحسن بن عليّ، قال: حدّثني ابن مهرويه، قال: حدّثني محمد بن عمرو بن سعيد قال:
خرج دعبل إلى خراسان لمّا بلغه حظوة مسلم بن الوليد عند الفضل بن سهل. فصار إلى مرو، وكتب إلى الفضل بن سهل:
لا تعبأن بابن الوليد فإنه ... يرميك بعد ثلاثة بملال
إنّ الملول وإن تقادم عهده ... كانت مودّته كفيء ظلال
قال: فدفع الفضل إلى مسلم الرّقعة وقال له: انظر يا أبا الوليد إلى رقعة دعبل فيك، فلمّا قرأها قال له: هل عرفت لقب دعبل وهو غلام أمرد وهو يفسق به؟ قال: لا، قال: كان يلقّب بميّاس، ثم كتب إليه:
ميّاس قل لي: أين أنت من الورى ... لا أنت معلوم [1] ولا مجهول!
أمّا الهجاء فدقّ عرضك دونه ... والمدح عنك كما علمت جليل
فاذهب فأنت طليق عرضك إنّه ... عرض عززت به وأنت ذليل
ما جرى بينه وبين دعبل بسبب جارية
أخبرني محمد بن الحسين الكنديّ الكوفيّ مؤدّبي، قال: حدّثني أزهر بن محمد، قال:
حدّثني الحسين بن دعبل، قال: سمعت أبي يقول: بينا أنا جالس بباب الكرخ إذ مرّت بي جارية لم أر أحسن منها وجها ولا قدّا تتثنّى في مشيها وتنظر في أعطافها، فقلت متعرّضا لها:
دموع عيني بها انبساط ... ونوم عيني به انقباض
/ فأجابتني بسرعة فقالت:
وذا قليل لمن دهته ... بلحظها الأعين المراض
فأدهشتني وعجبت منها فقلت:
فهل لمولاي عطف قلب ... وللّذي في الحشا انقراض
فأجابتني غير متوقّفة فقالت:
إن كنت تهوى الوداد منا ... فالودّ في ديننا قراض
__________
[1] في ف، مي، مج: معقول.
قال: فما دخل أذني كلام قطّ أحلى من كلامها، ولا رأيت أنضر وجها منها، فعدلت بها عن ذلك الشعر [1] وقلت:
أ ترى الزّمان يسرّنا بتلاق ... ويضمّ مشتاقا إلى مشتاق
فأجابتني بسرعة فقالت:
ما للزّمان وللتّحكّم بيننا ... أنت الزّمان فسرّنا بتلاق
قال: فمضيت أمامها أؤمّ بها دار مسلم بن الوليد وهي تتبعني، فصرت إلى منزله، فصادفته على عسرة، فدفع إليّ منديلا وقال: اذهب فبعه، وخذ لنا ما نحتاج إليه وعد؛ فمضيت مسرعا. فلما رجعت وجدت مسلما قد خلا بها في سرداب، فلما أحسّ بي وثب إليّ وقال: عرّفك اللّه يا أبا عليّ جميل ما فعلت، ولقّاك ثوابه، وجعله أحسن حسنة لك، فغاظني قوله وطنزه [2]، وجعلت أفكّر أيّ شيء أعمل به، فقال: بحياتي يا أبا عليّ أخبرني من الّذي يقول:
بتّ في درعها وبات رفيقي ... جنب القلب طاهر الأطراف
/ فقلت:
من له في حر امّه ألف قرن ... قد أنافت على علوّ مناف!
وجعلت أشتمه وأثب [3] عليه، فقال لي: يا أحمق، منزلي دخلت، ومنديلي بعت، ودراهمي أنفقت، على من تحرد أنت؟ وأيّ شيء سبب حردك يا قوّاد؟ فقلت له: مهما كذبت عليّ فيه من شيء فما كذبت في الحمق والقيادة.
هجاؤه ثلاثة كانوا يصلونه أخبرني الحسن بن عليّ، قال: حدّثني ابن مهرويه والعنزيّ، عن محمد بن عبد اللّه العبديّ، قال:
هجا مسلم بن الوليد سعيد بن سلم ويزيد بن مزيد وخزيمة بن خازم فقال:
ديونك لا يقضى الزّمان غريمها ... وبخلك بخل الباهليّ سعيد
سعيد بن سلم أبخل [4] النّاس كلّهم ... وما قومه من بخله ببعيد
يزيد له فضل ولكنّ مزيدا ... تدارك فينا بخله بيزيد [5]
خزيمة لا عيب له [6] غير أنه ... لمطبخه قفل وباب حديد
هجاؤه سعيد بن سلم أخبرني هاشم بن محمد الخزاعيّ، قال: حدّثنا عيسى بن إسماعيل تينة، قال: حدّثنا الأصمعيّ، قال:
قال لي سعيد بن سلم: قدمت عليّ امرأة من باهلة من اليمامة، فمدحتني بأبيات، ما تمّ سروي بها حتى
__________
[1] في ما: «الوجه».
[2] طنزه: سخريته وتهكمه.
[3] ف: «و أبث عليه».
[4] في الديوان - 271:
«سعيد بن سلم ألأم الناس كلهم»
[5] في الديوان - 271:
«تدارك أقصى مجده بيزيد»
[6] في الديوان - 271:
«خزيمة لا بأس به غير أنه»
نغّصنيها مسلم بن الوليد بهجاء بلغني أنّه هجاني به، فقلت: ما الأبيات الّتي مدحت بها؟ فأنشدني:
/قتيبة قيس ساد قيسا وسلمها ... فلما تولّى ساد قيسا سعيدها
وسيّد قيس سيّد النّاس كلّها ... وإن مات من رغم وذلّ حسودها
هم رفعوا كفّيك بالمجد والعلا ... ومن يرفع الأبناء إلا جدودها
إذا مدّ للعليا سعيد يمينه ... ثنت كفّه عنها أكفّا تريدها
قال الأصمعيّ: فقلت له: فبأيّ شيء نغّصها عليك مسلم؟ فضحك وقال: كلّفتني شططا، ثم أنشد:
وأحببت من حبّها [1] الباخلين ... حتى ومقت ابن سلم سعيدا
إذا سيل عرفا كسا وجهه ... ثيابا من النّقع صفرا وسودا [2]
يغار [3] على المال فعل الجوا ... دو تأبى خلائقه أن يجودا
يهجو بعض الكتاب لأنه لم يعجبه شعره
أخبرني عمّي، قال: حدّثنا الكرانيّ، قال: حدّثني النّوشجانيّ الخليل بن أسد، قال: حدّثني عليّ بن عمرو، قال:
وقف بعض الكتّاب على مسلم بن الوليد وهو ينشد شعرا له في محفل، فأطال ثم انصرف، وقال لرجل كان معه: ما أدري أيّ شيء أعجب الخليفة والخاصّة من شعر هذا؟ فو اللّه ما سمعت منه طائلا، فقال مسلم: ردّوا عليّ الرّجل، فردّ إليه، فأقبل عليه ثم قال:
أمّا الهجاء فدقّ عرضك دونه ... والمدح عنك كما علمت جليل
فاذهب فأنت طليق عرضك إنه ... عرض عززت به وأنت ذليل
كان أستاذا لدعبل ثم تخاصما ولم يلتقيا
أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان، قال: حدّثني إبراهيم بن محمد الورّاق، قال: حدّثني الحسين بن أبي السّريّ، قال:
كان مسلم بن الوليد أستاذ دعبل وعنه أخذ، ومن بحره استقى. وحدّثني دعبل أنّه كان لا يزال يقول الشّعر فيعرضه على مسلم، فيقول له: إيّاك أن يكون أوّل ما يظهر لك ساقطا فتعرف به، ثم لو قلت كلّ شيء جيّدا كان الأوّل أشهر عنك، وكنت أبدا لا تزال تعيّر به، حتّى قلت:
أين الشّباب وأيّة سلكا
فلما سمع هذه قال لي: أظهر الآن شعرك كيف شئت.
قال الحسن: وحدّثني أبو تمّام الطّائيّ قال:
__________
[1] في ما: «من أجلها».
[2] في الديوان - 270:
«ثيابا من اللؤم حمرا وسودا»
[3] في ف: «أغار». وفي الديوان - 270: «يغير».
ما زال دعبل متعصّبا لمسلم، مائلا إليه، معترفا بأستاذيّته حتى ورد عليه جرجان، فجفاه مسلم، وهجره دعبل، فكتب إليه:
أبا مخلد كنّا عقيدي مودّة ... هوانا وقلبانا جميعا معا معا
أحوطك بالغيب الّذي أنت حائطي ... وأجزع إشفاقا بأن تتوجّعا [1]
فصيّرتني بعد انتكاثك [2] متهما ... لنفسي عليها أرهب الخلق أجمعا
غششت الهوى حتى تداعت أصوله ... بنا وابتذلت الوصل حتى تقطّعا
وأنزلت من بين الجوانح والحشا ... ذخيرة ودّ طال ما قد تمنّعا
فلا تلحينّي ليس لي فيك مطمع ... تخرّقت حتى لم أجد لك مرقعا
فهبك يميني استأكلت فقطعتها ... وجشّمت قلبي صبره فتشجّعا [3]
/قال: ثم تهاجرا بعد ذلك، فما التقيا حتى ماتا.
محمد بن أبي أمية يمزح معه
أخبرني عمّي، قال: حدّثنا أحمد بن أبي طاهر، قال: أخبرني أحمد بن أبي أميّة، قال: لقي أخي محمد بن أبي أميّة مسلم بن الوليد وهو يتثنّى [4]، ورواته مع بعض أصحابه [5]، فسلّم عليه، ثم قال له: قد حضرني شيء.
فقال: هاته، قال: على أنه مزاح ولا تغضب، قال: هاته ولو كان شتما، فأنشدته:
من رأى فيما خلا رجلا ... تيهه أربى على جدته
يتمشّى راجلا وله ... شاكريّ في قلنسيته
فسكت عنه مسلم ولم يجبه، وضحك ابن أبي أميّة وافترقا.
لقي محمد بن أبي أمية بعد موت برذونه فردّ عليه مزاحه
قال: وكان لمحمد برذون يركبه فنفق، فلقيه مسلم وهو راجل، فقال: ما فعل برذونك؟ قال: نفق، قال:
فنجازيك إذا على ما أسلفتناه، ثم أنشده:
قل لابن ميّ لا تكن جازعا ... لن يرجع البرذون باللّيث [6]
طامن أحشاءك فقدانه [7] ... وكنت فيه عالي الصّوت
__________
[1] المختار:
«من أن يتوجعا»
وفي ف:
«أحوطك بالغيب الّذي لست حائطي»
[2] المختار:
«بعد انتهابك»
[3] المختار:
«صبوة فتجشعا»
بدل:
«صبره فتجشعا»
[4] في ما: «يمشي».
[5] في مي: «و طويلته مع بعض أصحابه».
[6] في الديوان - 282:
«ليس على البرذون من فوت»
والبرذون: ضرب من الدواب يخالف الخيل العراب، عظيم الخلقة، غليظ الأعضاء.
[7] في الديوان - 282:
«طأطأ من تيهك فقدانه»
وكنت لا تنزل عن ظهره ... ولو من الحشّ [1] إلى البيت
ما مات من سقم ولكنّه [2] ... مات من الشّوق إلى الموت
أبو تمام يحفظ شعره وشعر أبي نواس
أخبرني الحسن بن عليّ، قال: حدّثني ابن مهرويه، قال: حدّثني أحمد بن سعيد الحريريّ أنّ أبا تمّام حلف ألّا يصلّي حتى يحفظ شعر مسلم وأبي نواس، فمكث/ شهرين كذلك حتى حفظ شعرهما. قال: ودخلت عليه فرأيت شعرهما بين يديه، فقلت له: ما هذا؟ فقال: اللّات والعزّى وأنا أعبدهما من دون اللّه.
اجتمع مع أبي نواس فتناشدا شعرهما
أخبرني الحسن بن عليّ، قال: حدّثنا ابن مهرويه، قال: حدّثني سمعان بن عبد الصّمد، قال: حدّثني دعبل بن عليّ، قال:
كان أبو نواس يسألني أن أجمع بينه وبين مسلم بن الوليد؛ وكان مسلم يسألني أن أجمع بينه وبين أبي نواس، وكان أبو نواس إذا حضر تخلّف مسلم، وإذا حضر مسلم تخلّف أبو نواس، إلى أن اجتمعا، فأنشده أبو نواس:
أجارة بيتينا أبوك غيور ... وميسور ما يرجى لديك عسير
وأنشده مسلم:
للّه من هاشم في أرضه جبل ... وأنت وابنك ركنا ذلك الجبل
فقلت لأبي نواس: كيف رأيت مسلما؟ فقال: هو أشعر النّاس بعدي. وسألت مسلما وقلت: كيف رأيت أبا نواس؟ فقال: هو أشعر الناس وأنا بعده.
أمر له ذو الرياستين بمال عظيم بعد أن أنشده شعرا شكا فيه حاله
أخبرني الحسن، قال: حدّثنا ابن مهرويه، قال: حدّثني إبراهيم بن عبد الخالق الأنصاريّ من ولد النّعمان بن بشير، قال: حدّثني مسلم بن الوليد، قال:
وجّه إليّ ذو الرّياستين، فحملت إليه، فقال: أنشدني قولك:
بالغمر من زينب أطلال ... مرّت بها بعدك أحوال
فأنشدته إيّاها حتّى انتهيت إلى قولي:
وقائل ليست له همّة ... كلّا ولكن ليس لي مال
وهمّة المقتر أمنيّة ... همّ مع الدّهر [3] وأشغال
/ لا جدة أنهض عزمي بها [4] ... والناس سؤّال وبخّال
__________
[1] الحش: البستان.
[2] في الديوان - 282:
«ما مات من حتف ولكنه»
[3] الديوان - 121:
«عون على الدهر»
[4] في الديوان - 150:
«لا حدة تنهض في عزمها»
فاقعد مع الدّهر إلى دولة ... ترفع فيها حالك الحال [1]
قال: فلمّا أنشدته هذا البيت قال: هذه واللّه الدّولة الّتي ترفع حالك [2]. وأمر لي بمال عظيم وقلّدني - أو قال قبّلني - جوز جرجان [3].
هجا معن بن زائدة ويزيد بن مزيد فهدده الرشيد
حدّثني جحظة، قال: حدّثني ميمون بن هارون، قال: كان مسلم بن الوليد قد انحرف عن معن بن زائدة بعد مدحه إياه، لشيء أوحشه منه، فسأله يزيد بن مزيد أن يهبه له، فوعده ولم يفعل، فتركه يزيد خوفا منه، فهجاه هجاء كثيرا، حتى حلف له الرشيد إن عاود هجاءه قطع لسانه، فمن ذلك قوله فيه:
يا معن إنّك لم تزل في خزية ... حتى لففت أباك في الأكفان
فاشكر بلاء الموت عندك إنّه ... أودى بلؤم الحيّ من شيبان
قال: وهجا أيضا يزيد بن مزيد بعد مدحه إياه فقال:
أيزيد يا مغرور ألأم من مشى ... ترجو الفلاح وأنت نطفة [4] مزيد
إن كنت تنكر منطقي فاصرخ به ... يوم العروبة [5] عند باب المسجد
في من يزيد فإن أصبت بمزيد ... فلسا فهاك على مخاطرة يدي
/ هكذا روى جحظة في هذا الخبر، والشّعران جميعا في يزيد بن مزيد، فالأوّل منهما أوّله:
أيزيد إنّك لم تزل في خزية
وهكذا هو في شعر مسلم. ولم يلق مسلم معن بن زائدة، ولا له فيه مدح ولا هجاء.
رثاؤه يزيد بن مزيد
أخبرني عمّي، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد، قال: حدّثنا محمد بن عبد اللّه بن جشم، قال:
كان يزيد بن مزيد قد سأل مسلم بن الوليد عما يكفيه ويكفي عياله، فأخبره فجعله جراية له، ثم قال: ليس هذا مما تحاسب به بدلا من جائزة أو ثواب مديح. فكان يبعث به إليه في كلّ سنة، فلمّا مات يزيد رثاه مسلم فقال:
أحقّا أنّه أودى يزيد ... تبيّن أيّها النّاعي المشيد!
أتدري من نعيت وكيف دارت ... به شفتاك دار بها الصّعيد [6]
__________
[1] في الديوان - 150:
«فاصبر مع الدهر ... ... تحمل فيها ... »
[2] في مي، مج: «الّتي ترفع حالك الخال». وفي المختار: «هذه الدولة الّتي يرفع فيها حالك».
[3] ما: «حوز». ولعلها جوز حانان أو جوزجان، وهما واحد. اسم لكورة واسعة من كور بلخ بخراسان. وقبّله: جعله يلتزم العمل.
[4] في ف: «خلفة».
[5] يوم العروبة: يوم الجمعة، وهو من أسمائها القديمة.
[6] في الديوان - 147:
تأمل من نعيت وكيف فاهت ... به شفتاك كان بها الصعيد
أحامي المجد والإسلام أودى ... فما للأرض ويحك لا تميد!
تأمّل هل ترى الإسلام مالت ... دعائمه وهل شاب الوليد
وهل شيمت سيوف بني نزار ... وهل وضعت عن الخيل اللّبود
وهل تسقي البلاد عشار [1] مزن ... بدرّتها وهل يخضرّ عود
أما هدّت لمصرعه نزار ... بلى وتقوّض المجد المشيد
وحلّ ضريحه إذ حلّ فيه ... طريف المجد والحسب التّليد
/ أما واللّه ما تنفكّ عيني ... عليك بدمعها أبدا تجود
وإن تجمد دموع لئيم قوم ... فليس لدمع ذي حسب جمود
أبعد يزيد تختزن البواكي ... دموعا أو تصان لها خدود
لتبكك قبّة الإسلام لمّا ... وهت أطنابها ووهى العمود
ويبكك شاعر لم يبق دهر ... له نشبا وقد كسد القصيد
فإن يهلك يزيد فكلّ حيّ ... فريس للمنيّة أو طريد
هكذا في الخبر، والقصيدة للتّيميّ.
مدح الفضل بن سهل
أخبرني محمد بن يحيى الصّوليّ، قال: حدّثنا الهشاميّ، قال: حدّثني عبد اللّه بن عمرو، قال: حدّثني موسى بن عبد اللّه التّميميّ، قال: دخل مسلم بن الوليد على الفضل بن سهل، فأنشده قوله فيه:
لو نطق الناس أو أنبوا بعلمهم ... ونبّهت عن معالي دهرك الكتب [2]
لم يبلغوا منك أدنى ما تمتّ به ... إذا تفاخرت الأملاك وانتسبوا
فأمر له عن كلّ بيت من هذه القصيدة بألف درهم.
رثاؤه الفضل بن سهل
ثم قتل الفضل فقال يرثيه:
ذهلت فلم أنقع غليلا بعبرة ... وأكبرت أن ألقى بيومك ناعيا
فلمّا بدا لي أنّه لاعج الأسى ... وأن ليس إلا الدّمع للحزن شافيا
أقمت لك الأنواح ترتدّ بينها ... مآتم تندبن [3] النّدى والمعاليا
وما كان منعى الفضل منعاة واحد [4] ... ولكنّ منعى الفضل كان مناعيا
/ أللبأس أم للجود أم لمقاوم ... من الملك يزحمن الجبال الرّواسيا!
__________
[1] في ما، والوفيات: ثقال مزن. وعشار معدول عن عشرة عشرة، يقال: جاءوا عشار أي جاءوا عشرة عشرة.
[2] في الديوان - 304:
« ... أو أثنوا بعلمهم»
وفي المختار:
«و نبأت عن معالي دهرك»
[3] ف:
«تبدين الندى والمعاليا»
[4] وفي ف والديوان - 346:
«منعى وحادة»
وفي ما والمختار:
«منعى وجادة»
عفت بعدك الأيّام لا بل تبدّلت ... وكنّ كأعياد فعدن مباكيا
فلم أر إلّا قبل يومك ضاحكا ... ولم أر إلا بعد يومك باكيا
عابه العباس بن الأحنف في مجلس فهجاه
أخبرني الحسين بن القاسم الكوكبيّ، قال: حدّثنا محمد بن عجلان، قال: حدّثنا يعقوب بن السّكّيت، قال: أخبرني محمد بن المهنّأ، قال: كان العبّاس بن الأحنف مع إخوان له على شراب، فذكروا مسلم بن الوليد، فقال بعضهم: صريع الغواني، فقال العبّاس: ذاك ينبغي أن يسمّى صريع الغيلان لا صريع الغواني، وبلغ ذلك مسلما فقال يهجوه:
بنو حنيفة لا يرضى الدّعيّ بهم ... فاترك حنيفة واطلب غيرها نسبا
فاذهب فأنت طليق الحلم [1] مرتهن ... بسورة الجهل ما لم أملك الغضبا
اذهب إلى عرب ترضى بنسبتهم ... إني أرى لك خلقا يشبه العربا
منّيت منّي وقد جدّ الجراء [2] بنا ... بغاية منعتك الفوت والطّلبا
ينصرف عن هجاء خزيمة بن خازم ويتمسك بهجاء سعيد بن سلم
أخبرني محمد بن يزيد، قال: حدّثنا حمّاد بن إسحاق، عن أبيه، عن جدّه، قال: قلت لمسلم بن الوليد:
ويحك! أما استحييت من النّاس حين تهجو خزيمة بن خازم، ولا استحييت منا ونحن إخوانك، وقد علمت أنّا نتولّاه وهو من تعرف فضلا وجودا؟ فضحك، وقال لي: يا أبا إسحاق، لغيرك الجهل، أما تعلم أنّ الهجاء آخذ بضبع الشّاعر وأجدّى عليه من المديح المضرع؟ وما ظلمت مع ذلك منهم أحدا،/ ما مضى فلا سبيل إلى ردّه، ولكن قد وهبت لك عرض خزيمة بعد هذا. قال: ثم أنشدني قوله في سعيد بن سلم:
ديونك لا يقضى الزّمان غريمها ... وبخلك بخل الباهليّ سعيد
سعيد بن سلم أبخل الناس كلّهم ... وما قومه من بخله ببعيد
فقلت له: وسعيد بن سلم صديقي أيضا، فهبه لي، فقال: إن أقبلت على ما يعنيك، وإلا رجعت فيما وهبت لك من خزيمة، فأمسكت عنه راضيا بالكفاف.
مدح محمد بن يزيد بن مزيد ثم انصرف عنه
أخبرني حبيب بن نصر المهلّبيّ، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد، قال: حدّثني عبد اللّه بن محمد بن موسى بن عمر بن حمزة بن بزيع، قال: حدّثني عبد اللّه بن الحسن اللّهبيّ، قال:
كان مسلم بن الوليد مدّاحا ليزيد بن مزيد، وكان يؤثره ويقدّمه ويجزل صلته، فلما مات وفد على ابنه محمد، فمدحه وعزّاه عن أبيه، وأقام ببابه أيّاما فلم ير منه ما يحبّ، فانصرف عنه وقال فيه:
لبست عزاء عن لقاء محمد ... وأعرضت عنه منصفا وودودا
__________
[1] في الديوان - 259:
«فاقعد فأنت طليق العفو مرتهن»
[2] في الديوان - 259:
«و قد هاج الرهان»
والجراء: الفتوة.
وقلت لنفس قادها الشّوق نحوه ... فعوّضها منه اللّقاء صدودا [1]
هبيه امرأ قد كان أصفاك ودّه ... ومات وإلا فاحسبيه يزيدا
لعمري لقد ولّى فلم ألق بعده ... وفاء لذي عهد يعدّ حميدا
مدح الفضل بن يحيى فأجزل له العطاء ووهبه جارية أعجبته بعد أن قال فيها شعرا
أخبرني حبيب بن نصر، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد، قال: حدّثني أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن داود، قال: / دخل مسلم بن الوليد يوما على الفضل بن يحيى، وقد كان أتاه خبر مسيره، فجلس للشّعراء فمدحوه وأثابهم، ونظر في حوائج النّاس فقضاها، وتفرّق النّاس عنه، وجلس للشّرب، ومسلم غير حاضر لذلك، وإنّما بلغه حين انقضى المجلس، فجاءه فأدخل إليه فاستأذن في الإنشاد، فأذن له، فأنشده قوله فيه:
أتتك المطايا تهتدي بمطيّة ... عليها فتى كالنّصل مؤنسه النّصل
يقول فيها:
وردت [2] رواق الفضل آمل فضله ... فحطّ الثّناء الجزل نائله الجزل
فتى ترتعي الآمال مزنة جوده [3] ... إذا كان مرعاها الأمانيّ والمطل
تساقط يمناه النّدى وشماله الرّدى وعيون القول منطقه الفصل
ألحّ على الأيام يفري خطوبها ... على منهج ألفى أباه به قبل
أناف به العلياء يحيى وخالد ... فليس له مثل ولا لهما مثل
فروع أصابت مغرسا متمكّنا ... وأصلا فطابت حيث وجّهها الأصل [4]
بكفّ أبي العبّاس يستمطر الغنى ... وتستنزل النّعمى ويسترعف النّصل
قال: فطرب الفضل طربا شديدا، وأمر بأن تعدّ الأبيات، فعدّت فكانت ثمانين بيتا فأمر له بثمانين ألف درهم، وقال: لو لا أنّها أكثر ما وصل به الشّعراء لزدتك، ولكنّه شأو لا يمكنني أن أتجاوزه - يعني أنّ الرشيد رسمه لمروان بن أبي/ حفصة - وأمره بالجلوس معه والمقام عنده لمنادمته، فأقام عنده، وشرب معه، وكان على رأس الفضل وصيفة تسقيه كأنها لؤلؤة، فلمح الفضل مسلما ينظر إليها، فقال: قد - وحياتي يا أبا الوليد - أعجبتك، فقل فيها أبياتا حتى أهبها لك، فقال:
إن كنت تسقين غير الرّاح فاسقيني ... كأسا ألذّ بها من فيك تشفيني
عيناك راحي، وريحاني حديثك لي، ... ولون خدّيك لون الورد يكفيني
إذا نهاني عن شرب الطّلا حرج ... فخمر عينيك يغنيني ويجزيني
__________
[1] في الديوان - 310:
«فعوضها حب اللقاء صدودا»
[2] في الديوان - 263:
«وردن رواق الفضل فضل ابن جعفر»
[3] في ما: «فضله». وفي المختار:
«الأماني والبطل»
[4] في ما: «فطالت». وفي الديوان - 264:
فروع تلقتها المغارس فاعتلى ... بها عاطفا أعناقها قصده الأصل
لو لا علامات شيب لو أتت وعظت ... لقد صحوت ولكن سوف تأتيني
أرضي الشّباب فإن أهلك فعن قدر ... وإن بقيت فإن الشّيب يشقيني [1]
فقال له: خذها بورك لك فيها. وأمر بتوجيهها مع بعض خدمها إليه.
ماتت زوجته فجزع عليها وتنسك
أخبرني حبيب بن نصر المهلّبيّ، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد، قال: حدّثني أحمد بن إبراهيم، قال:
كانت لمسلم بن الوليد زوجة من أهله، كانت تكفيه أمره وتسرّه فيما تليه له [2] منه، فماتت فجزع عليها جزعا شديدا، وتنسّك مدّة طويلة، وعزم على ملازمة ذلك، فأقسم عليه بعض إخوانه ذات يوم أن يزوره ففعل، فأكلوا وقدّموا الشّراب، فامتنع منه مسلم وأباه، وأنشأ يقول:
بكاء وكأس، كيف يتّفقان؟ [3] ... سبيلاهما في القلب مختلفان
دعاني وإفراط البكاء فإنّني ... أرى اليوم فيه غير ما تريان
غدت والثّرى أولى بها من وليّها ... إلى منزل ناء لعينك دان
/ فلا حزن حتى تذرف العين ماءها ... وتعترف الأحشاء للخفقان
وكيف بدفع اليأس للوجد بعدها ... وسهماهما [4] في القلب يعتلجان!
هاجاه ابن قنبر فأمسك عنه بعد أن بسط لسانه فيه
أخبرني حبيب بن نصر، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد، قال: حدّثني عليّ بن الصّبّاح، قال: حدّثني مالك بن إبراهيم، قال:
كان مسلم بن الوليد يهاجي الحكم بن قنبر المازنيّ، فغلب عليه ابن قنبر مدة وأخرسه، ثم أثاب مسلم بعد أن انخزل وأفحم، فهتك ابن قنبر حتى كفّ عن مناقضته، فكان يهرب منه، فإذا لقيه مسلم قبض عليه وهجاه وأنشده ما قاله فيه فيمسك عن إجابته؛ ثم جاءه ابن قنبر إلى منزله واعتذر إليه ممّا سلف، وتحمّل عليه بأهله وسأله الإمساك، فوعده بذلك، فقال فيه:
حلم ابن قنبر حين أقصر جهله ... هل كان يحلم شاعر عن شاعر؟
ما أنت بالحكم الّذي سمّيته ... غالتك حلمك هفوة من قاهر
لو لا اعتذارك لارتمى بك زاخر ... مرح العباب يفوت طرف النّاظر
لا ترتعن لحمى لسانك بعدها ... إنّي أخاف عليك شفرة جازر
واستغنم العفو الّذي أوتيته ... لا تأمننّ عقوبة من قادر
__________
[1] في الديوان - 344:
« ... فإن الشيب يسليني»
[2] المختار: «و تستره عن الناس بمالها».
[3] المختار: «يجتمعان».
[4] في ف، ما: «و همّاهما».
مسلم وابن قنبر يتهاجيان في مسجد الرصافة
أخبرني الحسن بن عليّ، قال: حدّثنا محمد بن القاسم بن مهرويه، قال: حدّثني محمد بن عبد اللّه أبو بكر العبديّ، قال:
رأيت مسلم بن الوليد وابن قنبر في مسجد الرّصافة في يوم جمعة، وكل واحد منهما بإزاء صاحبه، وكانا يتهاجيان، فبدأ مسلم فقال:
أنا النّار في أحجارها مستكنّة ... فإن كنت ممن يقدح النّار فاقدح
/ فأجابه ابن قنبر فقال:
قد كنت تهوي وما قوسي بموترة ... فكيف ظنّك بي والقوس في الوتر
قال: فوثب إليه مسلم وتواخزا [1] وتواثبا، وحجز الناس بينهما فتفرّقا.
لامه رجل من الأنصار على انخزاله أمام ابن قنبر فعاد إلى هجائه
أخبرني الحسن بن عليّ، قال: حدّثني محمد بن القاسم بن مهرويه، قال: حدّثني عليّ بن عبيد الكوفيّ، قال: حدّثني عليّ بن عمروس الأنصاريّ، قال:
جاء رجل من الأنصار ثم من الخزرج إلى مسلم بن الوليد فقال له: ويلك ما لنا ولك، قد فضحتنا وأخزيتنا، تعرّضت لابن قنبر فهاجيته، حتى إذا أمكنته من أعراضنا انخزلت عنه وأرعيته لحومنا، فلا أنت سكتّ ووسعك ما وسع غيرك، ولا أنت لمّا انتصرت انتصفت. فقال له مسلم: فما أصنع؟ فأنا أصبر عليه، فإن كفّ وإلا تحمّلت عليه بإخوانه، فإن كفّ وإلا وكلته إلى بغيه، ولنا شيخ يصوم الدهر ويقوم الليل، فإن أقام على ما هو عليه سألته أن يسهر له ليلة يدعو اللّه عليه فيها فإنها تهلكه، فقال له الأنصاريّ: سخنت عينك! أو بهذا تنتصف ممن هجاك؟ ثم قال له:
قد لاذ من خوف ابن قنبر مسلم ... بدعاء والده مع الأسحار
ورأيت شرّ وعيده أن يشتكي ... ما قد عراه إلى أخ أو جار
ثكلتك أمّك قد هتكت حريمنا ... وفضحت أسرتنا بني النجار
عمّمت خزرجنا ومعشر أوسنا ... خزيا جنيت به على الأنصار
فعليك من مولّى وناصر أسرة ... وعشيرة غضب الإله الباري
قال: فكاد مسلم أن يموت غمّا وبكاء وقال له: أنت شرّ عليّ من ابن قنبر. ثم أثاب وحمي، فهتك ابن قنبر ومزّقه حتى تركه، وتحمّل عليه بابنه وأهله حتى أعفاه من المهاجاة.
رجع الحديث عما وقع بينه وبين ابن قنبر
ونسخت هذا الخبر من كتاب جدّي يحيى بن محمد بن ثوابة بخطه، قال:
حدّثني الحسن بن سعيد، قال: حدّثني منصور بن جمهور قال:
__________
[1] تواخزا: طعن كل منهم صاحبه طعنة غير نافذة.
لما هجا ابن قنبر مسلم بن الوليد أمسك عنه مسلم بعد أن أشلى [1] عليه لسانه قال: فجاءه عمّ له فقال له: يا هذا الرجل، إنك عند الناس فوق ابن قنبر في عمود الشعر، وقد بعث [2] عليك لسانه ثم أمسكت عنه، فإما أن قارعته أو سالمته. فقال له مسلم: إن لنا شيخا وله مسجد يتهجّد فيه، وله بين ذلك دعوات يدعو بهنّ، ونحن نسأله أن يجعله من بعض دعواته، فإنا نكفاه، فأطرق الرجل ساعة ثم قال:
غلب ابن قنبر واللئيم مغلّب ... لما اتّقيت هجاءه بدعاء
ما زال يقذف بالهجاء ولذعه ... حتى اتّقوه بدعوة الآباء!
قال: فقال له مسلم: واللّه ما كان ابن قنبر يبلغ مني هذا كلّه، فأمسك لسانك عني، وتعرّف خبره بعد هذا.
قال: فبعث - واللّه - عليه من لسان مسلم ما أسكته. هكذا جاء في الأخبار.
وقد حدّثني بخبر مناقضته ابن قنبر جماعة ذكروا قصائدهما جميعا، فوجدت في الشعر الفضل لابن قنبر عليه، لأن له عدة قصائد لا نقائض لها، يذكر فيها تعريده [3] عن الجواب، وقصائد يذكر فيها أنّ مسلما فخر على قريش وعلى النبي صلّى اللّه عليه وسلّم ورماه بأشياء تبيح دمه، فكفّ مسلم عن مناقضته خوفا منها، وجحد أشياء كان قالها فيه.
فمن أخبرني بذلك هاشم بن محمد الخزاعيّ، قال:
حدّثني عبد اللّه بن عمرو بن أبي سعد قال: حدّثني محمد بن عبد اللّه بن الوليد مولى الأنصار، وكان عالما بشعر مسلم بن الوليد وأخباره، قال:
سبب المهاجاة بينه وبين ابن قنبر
كان سبب المهاجاة بين مسلم بن الوليد والحكم بن قنبر أنّ الطّرمّاح بن حكيم قد كان هجا بني تميم بقصيدته الّتي يقول فيها:
لا عزّ نصر امرىء أضحى له فرس ... على تميم يريد النصر من أحد
إذا دعا بشعار الأزد نفّرهم ... كما ينفّر صوت الليث بالنّقد
لو حان ورد تميم ثم قيل لهم: ... حوض الرسول عليه الأزد، لم ترد
أو أنزل اللّه وحيا أن يعذّبها ... إن لم تعد لقتال الأزد، لم تعد
وهي قصيدة طويلة، وكان الفرزدق أجاب الطّرماح عنها، ثم إن ابن قنبر المازنيّ قال بعد خبر طويل يرد على الطّرمّاح:
يا عاويا هاج ليثا بالعواء له ... شئن البراثن ورد اللون ذا لبد [4]
أيّ الموارد هابت جمّ غمرته ... بنو تميم على حال فلم ترد
ألم ترد يوم قندابيل معلمة ... بالخيل تضبر نحو الأزد كالأسد [5]
__________
[1] أشلى لسانه: أطلقه.
[2] في مي: «بعثت».
[3] تعريده: هربه.
[4] في مي: «ذا اللبد».
[5] قندابيل: مدينة بالسند. وفي ف: «قتل أبيك» بدل: «قندابيل» وضيرت القرس: جمعت قوائمها ووثبت.
بفتية لم تنازعها فتطبعها [1] ... بلؤمها طيّىء ثديا ولم تلد
خاضت إلى الأزد بحرا ذا غوارب من ... سمر طوال وبحرا من قنا قصد [2]
فأوردتها مناياها بمرهفة ... ملس المضارب لم تفلل ولم تكد
وهي قصيدة طويلة. وقد كان الطّرمّاح قال أيضا:
تميم بطرق اللؤم أهدى من القطا ... ولو سلكت طرق المكارم ضلّت
أرى الليل يجلوه النهار ولا أرى ... عظام المخازي عن تميم تجلّت
/ وقد كان الفرزدق أيضا أجابه عنها، وقال ابن قنبر [3] ينقضها:
لعمرك ما ضلّت تميم ولا جرت ... على إثر أشياخ عن المجد ضلّت
ولا جبنت بل أقدمت يوم كسّرت ... لها الأزد أغماد السّيوف وسلّت
بغائط قندابيل والموت خائض ... عليها بآجال لها قد أظلّت [4]
فما برحت تسقى كؤوس حمامها ... إذا نهلت كرّوا عليها فعلّت
إلى أن أبادتهم تميم وأكذبت ... أمانيّ للشّيطان عنها اضمحلّت
وحان فراق منهم كلّ خدلة ... مفارقة بعلا به قد تملّت
وهي أيضا طويلة قال: فبلغ مسلم بن الوليد هجاء ابن قنبر للأزد وطيّى وردّه على الطّرمّاح بعد موته.
فغضب من ذلك. وقال: ما المعنى في مناقضة رجل ميّت وإثارة الشّرّ بذكر القبائل، لا سيّما وقد أجابه الفرزدق عن قوله؟ فأبى ابن قنبر إلا تماديا في مناقضته، فقال مسلم قصيدته الّتي أولها:
آيات أطلال برامة درّس ... هجن الصّبابة إذ ذكرت [5] معرّسي
أوحت إلى درر الدّموع فأسبلت ... واستفهمتها غير أن لم تنبس
يقول فيها يصف الخمر:
صفراء من حلب الكروم كسوتها ... بيضاء من حلب الغيوم البجّس [6]
طارت [7] ولاوذها الحباب فحاكها ... فكأن حليتها جنيّ النّرجس
/ ويقول فيها يصف السّيوف:
وتفارق الأغماد تبدو تارة ... حمرا وتخفى تارة في الأرؤس
حرب يكون وقودها أبناءها ... لقحت على عقر ولمّا تنفس
__________
[1] في ما، مهذب الأغاني: «قتطعنها».
[2] القصد: القطع جمع قصدة.
[3] في ما: «و قال الفرزدق يجيبه».
[4] في ف:
« ... والموت جائل ... ... عليها بآجال لهم قد أظلت»
[5] في ما:
«و الهوى بمعرّسي»
وفي الديوان - 130:
«و استثرن معرّسي»
[6] في الديوان - 131:
«من صوب الغيوم البجّس»
[7] في الديوان - 132: «مزجت». وفي مي:
«طارت ولاذ بها الحباب فحاطها»
من هارب ركب النّجاء ومقعص ... جثمت منيّته على المتنفّس
غصبته أطراف الأسنّة نفسه ... فثوى فريسة ولّغ أو نهّس
إن كنت نازلة اليفاع فنكّبي ... دار الرّباب وخزرجي أو أوّسي
وتجنّبي الجعراء [1] إنّ سيوفهم ... حدث وإن قناتهم لم تضرس
هل طيّىء الأجبال شاكرة امرىء ... ذاد القوافي عن حماها مردس [2]
أحمي - أبا نفر - عظام حفيرة ... درست وباقي غرسها لم يدرس
كافأت نعمتها بضعف بلائها ... ثم انفردت بمنصب لم يدنس [3]
وإذا افتخرت عددت سعي مآثر ... قصرت على الإغضاء طرف الأشوس
رفعت بنو النّجّار حلفي فيهم [4] ... ثم انفردت فأفسحوا عن مجلسي
فاعقل لسانك عن شتائم قومنا [5] ... لا يعلقّنك خادر من مأنس
أخلفت فخرك [6] من أبيك وجئتني ... بأب جديد بعد طول تلمّس
أخذت عليه المحكمات طريقها ... فغدا يهاجي أعظما في مرمس [7]
/قال: فلم يجبه ابن قنبر عن هذه بشيء، ثم التقيا فتعاتبا، واعتذر كل واحد منهما إلى صاحبه، فقال مسلم يهجوه:
حلم ابن قنبر حين قصّر شعره ... هل كان يحلم شاعر عن شاعر
يهجو قريشا ويفخر بالأنصار
وقد مضت هذه الأبيات متقدّما. قال: ومكث ابن قنبر حينا لا يجيبه عن هذا ولا عن غيره بشيء طلبا للكفاف، ثم هجا مسلم قريشا وفخر بالأنصار فقال:
قل لمن تاه إذ بنا عزّ جهلا ... ليس بالتّيه يفخر الأحرار
فتناهوا وأقصروا فلقد جا ... رت عن القصد فيكم الأنصار [8]
أيّكم حاط ذا جوار بعزّ ... قبل أن تحتويه منّا الدّار
أو رجا أن يفوت قوما بوتر ... لم تزل تمتطيهم الأوتار
لم يكن ذاك فيكم فدعوا الفخر بما لا يسوغ فيه افتخار
ونزارا ففاخروا تفضلوهم ... ودعوا من له عبيدا نزار
__________
[1] في مي، مج: «الحمراء». وفي الديوان - 136: «الخفراء».
[2] في الديوان - 137: «الأقعس» بدل «مردس». والمردس: الآلة الّتي تسوى وتكسر.
[3] في ما: «لم ينجس».
[4] في الديوان - 136: «بيتي فيهم ... ثم انتميت».
[5] في الديوان - 139: «عرضنا».
[6] في الديوان - 139: «أخلقت فخرك». وفي ف، ما: «نجرك».
[7] في ما: «مدرس». وفي الديوان - 140: «فغدا يناقض أعظما في أرمس».
[8] في الديوان - 315: «الأبصار» بدل «الأنصار».
فبنا عزّ منكم الذّلّ والدّ ... هر عليكم بريبة كرّار
حاذروا دولة الزّمان عليكم ... إنّه بين أهله أطوار
فتردّوا ونحن للحالة الأو ... لي وللأوحد [1] الأذلّ الصّغار
فاخرتنا لمّا بسطنا لها الف ... خر قريش وفخرها مستعار
ذكرت عزّها وما كان فيها ... قبل أن يستجيرنا مستجار
إنّما كان عزّها في جبال ... ترتقيها كما ترقّى الوبار [2]
/أيّها الفاخرون بالعزّ، وال ... عزّ لقوم سواهم والفخار
أخبرونا من الأعزّ أألمن ... صور حتى اعتلى أم الأنصار؟
فلنا العزّ قبل عزّ قريش ... وقريش تلك الدّهور تجار
ابن قنبر يجيبه
قال: فانبرى له ابن قنبر يجيبه فقال:
ألا أمثل أمير المؤمنين بمسلم ... وأفلق به الأحشاء من كل مجرم
ولا ترجعن عن قتله باستتابة ... فما هو عن شتم النّبي بمحرم [3]
ولا عن مساواة له ولقومه ... قريش بأصداء لعاد وجرهم
ويفخر بالأنصار جهلا على الّذي ... بنصرته فازوا بحظّ ومغنم
وسمّوا به الأنصار لا عزّ قائل ... أراد قريشا بالمقال المذمّم
ومنهم رسول اللّه أزكى من انتمى ... إلى نسب زاك ومجد مقدّم
وما كانت الأنصار قبل اعتصامها ... بنصر قريش في المحلّ المعظّم
ولا بالألى يعلون أقدار قومهم ... صداء وخولان ولخم وسلهم
ولكنّهم باللّه عاذوا ونصرهم ... قريشا ومن يستعصم اللّه يعصم
فعزّوا وقد كانوا وفطيون [4] فيهم ... من الذلّ في باب من العز مبهم
يسومهم الفطيون ما لا يسامه ... كريم ومن لا ينكر الظّلم يظلم
وإنّ قريشا بالمآثر فضّلت ... على الخلق طرّا من فصيح وأعجم
فما بال هذا العلج ضلّ ضلاله ... يمدّ إليهم كفّ أجذم أعسم [5]
يسامي قريشا مسلم وهم هم ... بمولى يمانيّ وبيت مهدّم
/ إذا قام فيه غيرهم لم يكن له ... مقام به من لؤم مبنى ومدعم
__________
[1] في ف: و «للأدحر».
[2] في ف:
«إنما كان غيرها»
والوبار: جمع وبر؛ وهو حيوان من ذوات الحافر في حجم الأرنب.
[3] في ف: «بمحجم».
[4] الفطيون: ملك تملك بيثرب. وقال ابن الكلبي: الفطيون اسمه عامر بن عامر بن ثعلبة (الاشتقاق لابن دريد).
[5] الأعسم، من عسم الكف وهو يبس مفصل الرسغ حتى يعوج.
جعاسيس [1] أشباه القرود لو أنّهم ... يباعون ما ابتيعوا جميعا بدرهم
وما مسلم من هؤلاء ولا ألى ... ولكنّه من نسل علج ملكّم
تولّى زمانا غيرهم ثمّت ادّعى ... إليهم فلم يكرم ولم يتكرّم [2]
فإن يك منهم فالنّضير ولفّهم [3] ... مواليه لا من يدّعي بالتّزعّم
وإن تدعه الأنصار مولى أسمهم ... بقافية تستكره الجلد بالدّم
عقابا لهم في إفكهم وادّعائهم ... لأقلف منقوش الذراع موشّم
فلا تدّعوه وانتفوا [4] منه تسلموا ... بنفيكموه من مقام ومأثم
وإلا فغضّوا الطّرف وانتظروا الرّدى ... إذا اختلفت فيكم صوارد أسهمي
ولم تجدوا منها مجنّا يجنّكم ... إذا ذلعت من كلّ فجّ ومعلم
وأنتم بنو أذناب من أنتم له ... ولستم بأبناء السّنام المقدّم
ولا ببني الرأس الرفيع محلّه ... فيسمو بكم مولّى مسام وينتمي
فكيف رضيتم أن يسامى نبيّكم ... ببيتكم الرّثّ القصير المهدّم
سأحطم من سامى النبيّ تطاولا ... عليه وأكوي منتماه بميسم
أيعدل بيت يثربيّ بكعبة [5] ... ثوتها قريش في المكان المحرّم
/ قريش خيار اللّه واللّه خصّهم ... بذلك فاقعس أيّها العلج وارغم
ومن يدّعي منه الولاء مؤخّر ... إذا قيل للجاري إلى المجد أقدم
قال: وكان مسلم قال هذه القصيدة في قريش وكتمها، فوقعت إلى ابن قنبر، وأجابه عنها، واستعلى عليه وهتكه، وأغرى به السّلطان، فلم يكن عند مسلم في هذا جواب أكثر من الانتفاء منها، ونسبتها إلى ابن قنبر، والادّعاء عليه أنّه ألصقها به ونسبها إليه، ليعرّضه للسّلطان، وخافه فقال ينتفي من هذه القصيدة ويهجو تميما:
قصيدته في هجاء تميم
دعوت أمير المؤمنين ولم تكن ... هناك، ولكن من يخف يتجسّم
وإنّك إذ تدعو الخليفة ناصرا ... لكالمترقّي في السماء بسلّم
كذاك الصّدى تدعو من حيث لا ترى ... وإن تتوهّمه تمت في التّوهّم
هجوت قريشا عامدا ونحلتني ... رويدك يظهر ما تقول فيعلم
إذا كان مثلي في قبيلي فإنّه ... على ابني لؤيّ قصرة غير متهم
__________
[1] الجعاسيس: جمع جعسوس، وهو القصير. وفي مي: «جعاميس». والجعسوس: الرجيع. يقال: رمى بجعاميس بطنه.
[2] في ما: «و لما يكرم».
[3] في مي، مج: «و لفه».
[4] في مي، مج «و ابعدوا».
[5] في ف، مي، مج:
«أتعدل بيتا يثربيا بكعبة»
سيكشفك التّعديل عمّا قرفتني ... به فتأخّر عارفا أو تقدّم [1]
فإنّ قريشا لا تغيّر ودّها [2] ... ولا يستمال عهدها بالتّزعّم
مضى سلف منهم وصلّى بعقبهم ... لنا سلف في الأوّل المتقدّم
جروا فجرينا سابقين بسبقهم ... كما اتّبعت كفّ نواشر معصم
وإنّ الّذي يسعى ليقطع بيننا ... كملتمس اليربوع في جحر أرقم
أضلّك قدع الآبدات طريقها ... فأصبحت من عميائها في تهيّم [3]
/و خانتك عند الجري - لمّا اتّبعتها - ... تميم فحاولت العلا بالتقحّم
فأصبحت ترميني بسهمي وتتّقى ... يدي بيدي، أصليت نارك فاضرم
ابن قنبر يهجوه
قال: ثم هجاه ابن قنبر بقصيدة أوّلها:
قل لعبد النّضير مسلم الوغد ال ... دّنيّ اللئيم شيخ [4] النّصاب
اخس يا كلب إذ نبحت فإنّي ... لست ممن يجيب نبح الكلاب
أفأرضى ومنصبي منصب العزّ ... وبيتي في ذروة الأحساب
أن أحطّ الرّفيع من سمك بيتي ... بمهاجاة أوشب الأوشاب
من إذا سيل: من أبوه؟ بدا منه ... حياء يحميه رجع [5] الجواب
وإذا قيل حين يقبل: من ... أنت ومن تعتزيه في الأنساب
قلت: هاجي ابن قنبر، فتسر ... بلت بذكري فخرا لدى النّسّاب
ابن قنبر يتابع هجاءه
وهي قصيدة طويلة، فلم يجبه مسلم عنها بشيء، فقال فيه ابن قنبر أيضا:
لست أنفيك إن سواي نفاكا ... عن أبيك الّذي له منتماكا
ولماذا أنفيك يا بن وليد ... من أب إن ذكرته أخزاكا
ولو أنّي طلبت ألأم منه ... لم أجده إن لم تكن أنت ذاكا
لو سواه أباك كان جعلنا ... ه إن [6] الناس طاوعونا أباكا
حاك دهرا بغير حذق [7] لبرد ... وتحوك الأشعار أنت كذاكا
__________
[1] قرفتني: اتهمتني. والتعديل: تزكية الشهود.
[2] في ما، والديوان - 339:
«لا يغادر ودّها»
[3] في الديوان - 339:
«أضلك قرع الآبدات ... »
، والقدع: المجاوزة. وتهيمه الهوى تهيما: حمله على الهيام.
[4] في مي: «سنخ». والسّنخ: الأصل.
[5] في مي: «ردّ الجواب».
[6] في ما: «إذا الناس».
[7] وفي ف:
«حاك دهرا بغير جدّ لبرد»
/ وهي طويلة، فلم يجبه مسلم عنها بشيء، فقال ابن قنبر أيضا يهجوه:
فخر العبد عبد قنّ [1] اليهود ... بضعيف من فخره مردود
فاخر الغرّ من قريش بإخوا ... ن خنازير [من] يثرب والقرود
يتولّى بني النّضير ويدعو ... بهم الفخر من مكان بعيد
وبني الأوس والخزرج أهل الذّ ... لّ في سالف الزّمان التّليد
إذ رضوا بافتضاض [2] فطيون منهم ... كلّ بكر ريّا الرّوادف رود
وبنو عمّها شهود لما يف ... عل فطيون قبّحوا من شهود
خلف باب الفطيون والبغل منهم [3] ... لا بذي غيرة ولا بنجيد
فإذا ما قضى اليهوديّ منها ... نحبه [4] قنّعوا بخزي جديد
قال: فلما أفحش في هذه القصيدة وفي عدّة قصائد قالها، ومسلم لا يجيبه، مشى إليه قوم من مشيخة الأنصار، واستعانوا بمشيخة من قرّاء تميم وذوي العلم والفضل منهم، فمشوا معهم إليه فقالوا له: ألا تستحي من أن تهجو من لا يجيبك؟ أنت بدأت الرّجل فأجابك، ثم عدت فكفّ، وتجاوزت ذلك إلى ذكر أعراض الأنصار الّتي كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يحميها ويذبّ عنها ويصونها، لغير حال أحلّت لك ذلك منهم، فما زالوا يعظونه ويقولون له كل قول حتى أمسك عن المناقضة لمسلم، فانقطعت.
صوت
ثلاثة تشرق الدّنيا ببهجتهم ... شمس الضحى وأبو إسحاق والقمر
يحكي أفاعيله [5] في كلّ نائبة ... الغيث والليث والصّمصامة الذّكر
الشّعر لمحمد بن وهيب، والغناء لعلّويه ثقيل أول بالوسطى، وفيه لإبراهيم بن المهديّ ثقيل أول آخر عن الهشاميّ.
__________
[1] في ف:
«فخر العبد، علج قن اليهود»
وفي مي:
«فخر العلج، علج قن اليهود»
[2] افتض الجارية: أزال بكارتها.
[3] البعل: المرأة. وفي ما، مي:
«و الفعل فيهم»
[4] في ما: «وطرا».
[5] في مي: «فعائله».
4 - أخبار محمد بن وهيب [1]
شعراء الدولة العباسية
محمد بن وهيب الحميريّ صليبة شاعر من أهل بغداد من شعراء الدولة العباسية، وأصله من البصرة [2]، وله أشعار كثيرة يذكرها فيها ويتشوّقها، ويصف إيطانه إياها ومنشأه بها.
مدح الحسن بن رجاء ثم المأمون فأكرمه
[3] وكان يستمنح الناس بشعره، ويتكسّب بالمديح، ثم توسّل إلى الحسن بن سهل بالحسن بن رجاء بن أبي الضّحاك ومدحه، فأوصله إليه وسمع شعره فأعجب به واقتطعه إليه، وأوصله إلى المأمون حتى مدحه وشفع له فأسنى جائزته، ثم لم يزل منقطعا إليه حتى مات. وكان يتشيّع، وله مراث في أهل البيت.
منزلته
هو متوسط من شعراء طبقته، وفي شعره أشياء نادرة فاضلة، وأشياء متكلفة [3].
المعتصم يسمع مديحه ويجيزه دون غيره
أخبرنا محمد بن خلف وكيع، قال: زعم أبو محلّم، وأخبرني عمّي، عن عليّ بن الحسين بن عبد الأعلى، عن أبي محلّم، قال:
اجتمع الشعراء على باب المعتصم فبعث إليهم محمد بن عبد الملك الزّيات أنّ أمير المؤمنين يقول لكم: من كان منكم يحسن أن يقول مثل/ قول النمريّ في الرشيد:
خليفة اللّه إن الجود أودية ... أحلّك اللّه منها حيث تجتمع
من لم يكن بأمين اللّه معتصما ... فليس بالصلوات الخمس ينتفع
إن أخلف القطر لم تخلف مخايله [4] ... أو ضاق أمر ذكرناه فيتّسع
/ فليدخل وإلا فلينصرف، فقام محمد بن وهيب فقال: فينا من يقول مثله، قال: وأيّ شيء قلت؟ فقال:
ثلاثة تشرق الدنيا ببهجتهم ... شمس الضّحى وأبو إسحاق والقمر
__________
[1] موضع هذه الترجمة هنا كما جاءت في ف والمخطوطات الموثوقة بعد ترجمة مسلم بن الوليد، وجاءت في طبعة بولاق بعد ترجمة عبد اللّه بن العباس الربيعي.
[2] في المختار: «من شعراء البصرة».
(3 - 3) التكملة من ف.
[4] المخايل من السحب: المنذرة بالمطر. ويقال: ظهرت في فلان مخايل النجابة: دلائلها ومظنتها.
تحكي [1] أفاعيله في كل نائبة ... الغيث والليث والصّمصامة الذّكر
فأمر بإدخاله وأحسن جائزته.
رجع الحديث عن صلته بالحسن بن رجاء
أخبرني عمّي، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد، قال: حدّثني محمد بن محمد بن مروان بن موسى قال:
حدّثني محمد بن وهيب الشاعر قال:
لما تولّى الحسن بن رجاء بن أبي الضّحاك الجبل قلت فيه شعرا وأنشدته أصحابنا دعبل بن عليّ وأبا سعد المخزوميّ، وأبا تمام الطائيّ، فاستحسنوا الشعر وقالوا: هذا لعمري من الأشعار الّتي تلقى بها الملوك، فخرجت إلى الجبل فلما صرت إلى همذان أخبره الحاجب بمكاني فأذن لي فأنشدته الشعر فاستحسن منه قولي:
أجارتنا إنّ التّعفّف بالياس ... وصبرا على استدرار دنيا بإبساس [2]
حريّان ألّا يقذفا بمذلة ... كريما وألّا يحوجاه إلى الناس
أجارتنا إنّ القداح كواذب ... وأكثر أسباب النّجاح مع الياس
فأمر حاجبه بإضافتي فأقمت بحضرته كلما دخلت إليه لم أنصرف إلا بحملان أو خلعة أو جائزة حتى انصرم الصّيف فقال لي: يا محمد إن الشتاء عندنا علج [3] فأعدّ يوما للوداع. فقلت: خدمة الأمير أحبّ إليّ، فلما كاد الشتاء أن يشتدّ قال لي: هذا أوان [4] الوداع، فأنشدني الثلاثة الأبيات فقد فهمت الشعر كله، فلما أنشدته:
/أجارتنا إن القداح كواذب ... وأكثر أسباب النّجاح مع الياس
قال: صدقت، ثم قال: عدّوا أبيات القصيدة فأعطوه لكل بيت ألف درهم، فعدّت فكانت اثنين وسبعين بيتا، فأمر لي باثنين وسبعين ألف درهم، وكان فيما أنشدته في مقامي واستحسنه قولي:
صوت
دماء المحبّين لا تعقل [5] ... أما في الهوى حكم يعدل!
تعبّدني حور الغانيات ... ودان الشباب له الأخطل [6]
ونظرة عين تعلّلتها ... غرارا كما ينظر الأحول
مقسّمة بين وجه الحبيب ... وطرف الرقيب متى يغفل
__________
[1] انظر ص 73.
[2] الإبساس: التصويت للناقة بلطف لتسكن وتدرّ.
[3] في مي: «صعب». والعلج: الشديد.
[4] مي: «يوم الوداع».
[5] لا تعقل: لا تدفع ديتها.
[6] الأخطل: السريع الخفيف أو الأحمق.
[1] في هذه الأبيات هزج طنبوريّ سمعته من جحظة فذكر أنه يراه للمسدود ولم يحقّق صانعه.
قال الأصبهانيّ: وهذه الأبيات له في المطّلب بن عبد اللّه بن مالك الخزاعيّ.
قال محمد بن وهيب: وأهدي إلى الحسن بن رجاء غلام فأعجب به فكتبت إليه:
ليهنك الزائر الجديد ... جرى به الطائر السعيد
جاء مشوق إلى مشوق ... فذا ودود وذا ودود
يوم نعيم ويوم لهو ... خصصت فيه بما تريد
إلف مشوق أتاه ألف ... فمستفاد ومستفيد [1]
/حدّثني أحمد بن عبيد اللّه بن عمّار بهذا الحديث، عن يعقوب بن إسرائيل قرقارة، عن محمد بن محمد بن مروان [2] بن موسى، عن محمد بن وهيب، فذكر مثل الّذي قبله وزاد فيه، فلم يزل يستعيدني:
/أجارتنا إن القداح كواذب ... وأكثر أسباب النّجاح مع الياس
وأنا أعيده عليه، فانصرفت من عنده بأكثر مما كنت أؤمل.
دخل على أبي دلف فأعظمه لإعجابه بشعره
حدّثني عليّ بن صالح بن الهيثم الأنباريّ الكاتب، قال: حدّثني أبو هفّان، قال: حدّثني خالي، قال:
كنت عند أبي دلف القاسم بن عيسى، فدخل عليه محمد بن وهيب الشاعر فأعظمه جدّا، فلما انصرف قال له أخوه معقل: يا أخي، قد فعلت بهذا ما لم يستحقّه، ما هو في بيت من الشّرف، ولا في كمال من الأدب، ولا بموضع من السلطان، فقال: بلى يا أخي، إنه لحقيق بذلك، أو لا يستحقه وهو القائل:
صوت
يدلّ على أنني عاشق ... من الدمع مستشهد ناطق
ولي مالك أنا عبد له ... مقرّ بأني له وامق
إذا ما سموت إلى وصله ... تعرّض لي دونه عائق
وحاربني فيه ريب الزّمان ... كأنّ الزّمان له عاشق
في هذه الأبيات رمل طنبوريّ أظنّه لجحظة.
هنأ المطلب بن عبد اللّه بعد عودته من الحج فوصله بصلة كبيرة
حدّثني عمّي، قال: حدثنا عبد اللّه بن أبي سعد، قال: حدّثني محمد بن عبد اللّه بن مالك، قال:
/ لما قدم المطّلب بن عبد اللّه بن مالك من الحج لقيه محمد بن وهيب مستقبلا مع من تلقّاه، ودخل إليه مهنئا بالسّلامة بعد استقراره، وعاد إليه في الثالثة [3] فأنشده قصيدة طويلة مدحه بها، يقول فيها:
__________
(1 - 1) التكملة من ف، مي.
[2] ف: «محمد بن محمد بن هارون».
[3] ب: «في الثانية».
وما زلت أسترعي [1] لك اللّه غائبا ... وأظهر إشفاقا عليك وأكتم
وأعلم أنّ الجود ما غبت غائب ... وأنّ النّدى في حيث كنت مخيّم [2]
إلى أن زجرت الطير سعدا سوانحا ... وحمّ لقاء بالسّعود ومقدم
وظلّ يناجيني بمدحك خاطر [3] ... وليلي ممدود الرّواقين أدهم
وقال: طواه الحجّ فاخشع لفقده ... ولا عيش حتى يستهلّ المحرّم
سيفخر ما ضمّ الحطيم وزمزم ... بمطّلب لو أنه يتكلّم
وما خلقت إلا من الجود كفّه ... على أنها والبأس خدنان توأم
أعدت إلى أكناف مكة بهجة ... خزاعيّة كانت تجلّ وتعظم
ليالي سمّار الحجون إلى الصّفا ... خزاعة إذ خلّت لها البيت جرهم
ولو نطقت بطحاؤها وحجونها ... وخيف منّى والمأزمان [4] وزمزم
إذا لدعت [5] أجزاء جسمك كلها ... تنافس في أقسامه لو تحكّم
ولو ردّ مخلوق إلى بدء خلقه ... إذا كنت جسما بينهن تقسّم
/ سما بك منها كل خيف فأبطح ... نما بك [6] منه الجوهر المتقدّم
وحنّ إليك الركن حتى كأنّه ... وقد جئته خلّ عليك مسلّم
قال: فوصله صلة سنية وأهدى له هدية حسنة من طرف ما قدم به وحمله، واللّه أعلم.
مدح الحسن بن سهل فأطربه ولم يقصد غيره إلى أن مات
أخبرني جعفر بن قدامة، قال: حدّثني الحسن بن الحسن بن رجاء، عن أبيه وأهله،/ قالوا:
كان محمد بن وهيب الحميريّ لمّا قدم المأمون من خراسان مضاعا مطّرحا، إنما يتصدى للعامة وأوساط الكتّاب [7] والقوّاد بالمديح ويسترفدهم فيحظى باليسير، فلما هدأت الأمور واستقرّت واستوسقت جلس أبو محمد الحسن بن سهل يوما منفردا بأهله وخاصّته وذوي مودّته ومن يقرب من أنسه، فتوسل إليه محمد بن وهيب بأبي حتى أوصله مع الشعراء، فلما انتهى إليه القول استأذن في الإنشاد فأذن له، فأنشده قصيدته الّتي أولها:
ودائع أسرار طوتها السرائر ... وباحت بمكتوماتهنّ النّواظر
ملكت بها [8] طيّ الضمير وتحته ... شبالوعة عضب الغرارين باتر
__________
[1] ب: «أستدعي» وأسترعي لك اللّه: أطلب منه أن يرعاك.
[2] ب:
«في حيث أنت مخيم»
[3] ب: «خاطري».
[4] المأزمان: موضع بمكة بين المشعر الحرام ومكة.
[5] ف:
«إذا لادعت ... ... تنافس في أحكامها»
[6] ف:
«نصابك منه»
[7] مي: «و أوساط الناس من الكتاب».
[8] ف:
«تمكن في طي الضمير»
وفي المختار:
«ملكن إلى طي الضمير»
فأعجم عنها ناطق وهو معرب ... وأعربت العجم الجفون العواطر [1]
ألم تغذني السّرّاء في ريّق الهوى [2] ... غريرا بما تجني عليّ الدّوائر
تسالمني الأيّام في عنفوانه ... ويكلؤني طرف من الدهر ناظر
حتى انتهى إلى قوله:
/إلى الحسن الباني العلا يمّمت بنا [3] ... عوالي المنى حيث الحيا المتظاهر
إلى الأمل المبسوط والأجل الّذي ... بأعدائه تكبوا الجدود العواثر
ومن أنبعت عين المكارم كفّه ... يقوم مقام القطر والروض دائر
تعصّب تاج الملك في عنفوانه ... وأطّت به عصر الشّباب المنابر [4]
تعظّمه [5] الأوهام قبل عيانه ... ويصدر عنه الطّرف والطّرف حاسر
به تجتدى النّعمى وتستدرك المنى ... وتستكمل الحسنى وترعى الأواصر
أصات بنا داعي نوالك مؤذنا ... بجودك إلا أنه لا يحاور [6]
قسمت صروف الدهر بأسا ونائلا ... فمالك موتور وسيفك واتر
ولمّا رأى اللّه الخلافة قد وهت ... دعائمها واللّه بالأمر خابر
بنى بك أركانا عليك محيطة ... فأنت لها دون الحوادث ساتر [7]
وأرعن فيه للسوابغ جنّة ... وسقف سماء أنشأته الحوافر [8]
يعني أنّ على الدروع من الغبار ما قد غشيها فصار كالجنة لها.
لها فلك فيه الأسنّة أنجم ... ونقع المنايا مستطير وثائر
أجزت قضاء الموت في مهج العدا ... ضحى فاستباحتها المنايا الغوادر
/ لك اللّحظات الكالئات قواصدا ... بنعمى وبالبأساء وهي شوازر [9]
ولم لم تكن إلا بنفسك فاخرا ... لما انتسبت إلّا إليك المفاخر
قال: فطرب أبو محمد حتى نزل عن سريره إلى الأرض وقال: أحسنت واللّه وأجملت، ولو لم تقل قط
__________
[1] في ب:
«و أعجبت العجم»
وفي مي، مد:
«الجفون الفواتر»
وفي ف:
«الجفون النواظر»
[2] ب:
«ألم تقذني السراء في رتق الهوى»
[3] ف:
« ... المعالي صمت بنا»
[4] وأطت المنابر: صوتت. وفي ف:
«و أطت به غض الشباب المآثر»
[5] ب: «تعطفه».
[6] ب:
«أهاب بنا ... ... بدونك إلا أنه لا يحاور»
[7] في المختار: جاء عجز البيت التالي مكان هذا العجز.
[8] جيش أرعن: له فضول يشبه رعن الجبل. ويقال: لقوهم بأرعن أي بجيش مضطرب لكثرته. والسوابغ جمع سابغة، وهي الدرع الواسعة. الجنة: السترة. الحوافر جمع حافر، وهو من الدابة بمنزلة القدم للإنسان.
[9] في ب:
«و بالبأساء فيه شواذر»
والشوازر من شزره وشزر إليه: نظر إليه بمؤخر عينه. وأكثر ما يكون في حال الإعراض أو الغضب.
ولا تقول في باقي دهرك غير هذا لما احتجت إلى القول، وأمر له بخمسة آلاف دينار فأحضرت واقتطعه إلى نفسه، فلم يزل في جنبته [1] أيّام ولايته وبعد ذلك إلى أن مات ما تصدّى لغيره.
تردد على علي بن هشام فحجبه فهجاه هجاء موجعا
حدّثني أحمد بن جعفر جحظة، قال: حدثني ميمون بن هارون، قال:
كان/ محمد بن وهيب الحميريّ الشاعر قد مدح عليّ بن هشام وتردّد إليه وإلى بابه دفعات، فحجبه ولقيه يوما، فعرض له في طريقه وسلّم عليه، فلم يرفع إليه طرفه، وكان فيه تيه شديد، فكتب إليه رقعة يعاتبه فيها، فلما وصلت إليه خرّقها وقال: أيّ شيء يريد هذا الثقيل السّيّىء الأدب؟ فقيل له ذلك فانصرف مغضبا وقال: واللّه ما أردت ماله وإنما أردت التوسّل بجاهه سيغني اللّه جل وعز عنه، أما واللّه ليذمّنّ مغبّة فعله. وقال يهجوه:
أزرت بجود عليّ خيفة العدم [2] ... فصدّ منهزما عن شأو ذي الهمم
لو كان من فارس في بيت مكرمة ... أو كان من ولد الأملاك في العجم
أو كان أوله أهل البطاح أو الرّ ... كب الملبّنون إهلالا إلى الحرم
أيام تتّخذ الأصنام آلهة ... فلا ترى عاكفا إلا على صنم
لشجّعته على فعل الملوك لهم ... طبائع لم ترعها خيفة العدم
/ لم تند كفّاك [3] من بذل النّوال كما ... لم يند سيفك مذ قلّدته بدم
كنت امرأ رفعته فتنة فعلا ... أيامها غادرا بالعهد والذّمم
حتى إذا انكشفت عنّا عمايتها [4] ... ورتّب النّاس بالأحساب والقدم
مات التّخلّق وارتدّتك مرتجعا ... طبيعة نذلة الأخلاق والشّيم
كذاك من كان لا رأسا ولا ذنبا ... كزّ [5] اليدين حديث العهد بالنّعم
هيهات ليس بحمّال الدّيات ولا ... معطي الجزيل ولا المرهوب ذي النّقم
قال: فحدّثني بعض بني هاشم أنّ هذه الأبيات لمّا بلغت عليّ بن هشام ندم على ما كان منه، وجزع لها وقال: لعن اللّه اللّجاج فإنه شرّ خلق تخلّقه الناس، ثم أقبل على أخيه الخليل بن هشام فقال: اللّه يعلم أني لا أدخل على الخليفة وعليّ السيف إلا وأنا مستح منه، أذكر قول ابن وهيب فيّ:
لم تند كفّاك من بذل النّوال كما ... لم يند سيفك مذ قلّدته بدم
حدثني محمد بن يحيى الصّوليّ، قال: حدثني ميمون [6] بن هارون، قال: من سمع ابن الأعرابيّ، يقول:
__________
[1] جنبته: ناجيته.
[2] ف:
«أزردت عليه بجود خيفة العدم»
[3] في المختار:
«لم تند كفك»
[4] في المختار، مي، ب: «غيابتها».
[5] في معاهد التنصيص 1: 224: «كد اليدين».
[6] ف: «محمد بن هارون».
أهجى بيت قاله المحدثون قول محمد بن وهيب:
لم تند كفّاك من بذل النوال كما ... لم يند سيفك مذ قلّدته بدم
تعرض لأعرابية فأجابته جوابا مسكتا
أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان، قال: حدثني محمد بن مرزوق البصريّ، قال:
/ حدثني محمد بن وهيب قال: جلست بالبصرة إلى عطّار فإذا أعرابية سوداء قد جاءت فاشترت من العطّار خلوقا فقلت له: تجدها اشترته لابنتها وما ابنتها وما ابنتها إلا خنفساء، فالتفتت إليّ متضاحكة، ثم قالت: لا واللّه، لكن مهاة جيداء [1]، إن قامت فقناة، وإن قعدت فحصاة، وإن مشت فقطاه، أسفلها كثيب، وأعلاها قضيب، لا كفتياتكم اللواتي تسمّنونهن بالفتوت [2]، ثم انصرفت وهي تقول:
إن الفتوت للفتاة مضرطه ... يكربها في البطن حتى تثلطه [3]
// فلا أعلمني ذكرتها إلا أضحكني ذكرها.
تردد على مجلس يزيد بن هارون ثم تركه
حدثني عيسى بن الحسين الورّاق، قال: حدثنا أبو هفّان، قال:
كان محمد بن وهيب يتردد إلى مجلس يزيد بن هارون، فلزمه عدّة مجالس يملي فيها كلها فضائل أبي بكر وعمر وعثمان رضي اللّه عنهم، لا يذكر شيئا من فضائل عليّ عليه السّلام، فقال فيه ابن وهيب:
آتي يزيد بن هارون أدالجه [4] ... في كل يوم ومالي وابن هارون
فليت لي بيزيد حين أشهده ... راحا وقصفا وندمانا يسلّيني
أغدو إلى عصبة صمّت مسامعهم ... عن الهدى بين زنديق ومأفون
لا يذكرون عليّا في مشاهدهم ... ولا بنيه بني البيض الميامين
/ اللّه [5] يعلم أني لا أحبّهم ... كما هم بيقين لا يحبّوني
ويستطيعون عن ذكرى [6] أبا حسن ... وفضله قطّعوني بالسّكاكين
ولست أترك تفضيلي له أبدا ... حتى الممات على رغم الملاعين [7]
__________
[1] ب: «لا واللّه ولكن مهاة خبنداة».
[2] فت الشي ء: دقه وكسره فهو مفتوت وفتيت وفتوت.
[3] ب:
«يكربها بالليل»
- ويكربها: يشق عليها.
[4] أصل المدالجة: السير في آخر الليل، ومنه قول البحتري:
ومن سحر به دالجت فيها ... تغنم قينة وهبوب ساق
والمقصود هنا أسهر معه وقتا طويلا من الليل.
[5] مي، مد، ف: «إني لأعلم».
[6] مي، ف: «في ذكري».
[7] ف:
«على رغم المعادين»
مذهبه من شعره
أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان، قال: حدثني إسحاق بن محمد الكوفيّ، قال: حدثني محمد بن القاسم بن يوسف. وأخبرني به الحسن بن عليّ، قال: حدثنا أحمد بن القاسم، قال: حدثني إسحاق، عن محمد بن القاسم بن يوسف قال:
كان محمد بن وهيب يأتي أبي فقال له أبي يوما: إنك تأتينا وقد عرفت مذاهبنا فنحبّ أن تعرّفنا مذهبك فنوافقك أو نخالفك، فقال له: في غد أبيّن لك أمري ومذهبي. فلما كان من غد كتب إليه:
أيّها السّائل قد بيّ ... نت إن كنت ذكيّا
أحمد اللّه كثيرا ... بأياديه عليّا
شاهدا [1] أن لا إله ... غيره ما دمت حيّا
وعلى أحمد بالصّد ... ق رسولا ونبيّا
ومنحت الودّ قربا ... ه وواليت الوصيّا
وأتاني خبر مطّرح ... لم يك شيّا
أن على غير اجتماع ... عقدوا الأمر بديّا
فوقفت القوم تيما ... وعديّا وأميّا
غير شتّام ولكنّي ... تولّيت عليّا
اعتزازه بشعره
حدثني جحظة، قال: حدثني عليّ بن يحيى المنجم، قال:
بلغ محمد بن وهيب أنّ دعبل بن عليّ قال: أنا ابن قولي [2]:
لا تعجبي يا سلم من رجل ... ضحك المشيب برأسه فبكى
وأنّ أبا تمام قال: أنا ابن قولي [2]:
نقّل فؤادك حيث شئت من الهوى ... ما الحبّ إلا للحبيب الأوّل
فقال محمد بن وهيب: وأنا ابن قولي [2]:
ما لمن تمّت محاسنه ... أن يعادي طرف من رمقا
/ لك أن تبدي لنا حسنا ... ولنا أن نعمل الحدقا
قال أبو الفرج الأصبهانيّ [3]: وهذا من جيّد شعره ونادره، وأول هذه الأبيات قوله:
نم فقد وكّلت بي الأرقا ... لاهيا تغري بمن عشقا [4]
__________
[1] ف: «شاهد» بدل «شاهدا».
[2] في ب: «قال أين قولي».
[3] ف: «قال مؤلف هذا الكتاب».
[4] ف:
«لاهيا بعدا لمن عشقا»
إنّما أبقيت من جسدي ... شبحا غير الّذي خلقا
كنت كالنّقصان في قمر ... ماحقا [1] منه الّذي اتّسقا
وفتى ناداك من كثب ... أسعرت أحشاؤه حرقا [2]
غرقت في الدّمع مقلته ... فدعا إنسانها الغرقا
إنّما عاقبت ناظره ... أن أعاد اللّحظ [3] مسترقا
ما لمن تمّت محاسنه ... أن يعادي طرف من رمقا
/ لك أن تبدي لنا حسنا ... ولنا أن نعمل الحدقا
قدحت كفّاك زند هوى ... في سواد القلب فاحترقا
وصف غلمان أحمد بن هشام فوهبه غلاما فمدحه
حدثني عمّي، قال: حدثني أبو عبد اللّه الهشاميّ، عن أبيه، قال:
دخل محمد بن وهيب على أحمد بن هشام يوما وقد مدحه، فرأى بين يديه غلمانا روقة مردا وخدما بيضا فرّها [4] في نهاية الحسن والكمال والنظافة، فدهش لما رأى وبقي متبلّدا لا ينطق حرفا، فضحك أحمد منه وقال له:
ما لك؟ ويحك! تكلّم بما تريد، فقال:
قد كانت الأصنام وهي قديمة ... كسرت وجدّعهنّ إبراهيم
ولديك أصنام سلمن من الأذى ... وصفت لهنّ غضارة [5] ونعيم
وبنا إلى صنم نلوذ بركنه ... فقر وأنت إذا هززت كريم
فقال له: اختر من شئت، فاختار واحدا منهم، فأعطاه إياه، فقال يمدحه:
فضلت مكارمه على الأقوام ... وعلا فحاز [6] مكارم الأيّام
وعلته أبّهة الجلال كأنّه ... قمر بدا لك من خلال غمام
إنّ الأمير على البريّة كلّها ... بعد الخليفة أحمد بن هشام
الحسن بن سهل يصله بالمأمون فيمدحه
وأخبرني جعفر بن قدامة في خبره الّذي ذكرته آنفا عنه، عن الحسن بن الحسن بن رجاء، عن أبيه، قال:
لمّا قدم المأمون، لقيه أبو محمد الحسن بن سهل، فدخلا جميعا، فعارضهما ابن وهيب وقال:
/اليوم جدّدت النّعماء والمنن ... فالحمد للّه حلّ العقدة الزّمن
__________
[1] ب:
«ما خفي منه»
[2] ف:
« ... من كرب ... ... ملأت أحشاءه حرقا»
[3] ب:
«إذ أعاد الطرف»
[4] الروقة: الجميل جدا من الغلمان والجواري - للمذكر والمؤنث والمفرد والمثنى والجمع. وفره فراهة: جمل وحسن أو حذق ومهر فهو فاره جمعه فرّه.
[5] ف: «نضارة». والغضارة: النعمة وطيب العيش.
[6] ف، ب، المختار: «فخار».
اليوم أظهرت الدّنيا محاسنها ... للنّاس لما التقى المأمون والحسن
قال: فلما جلسا سأله المأمون عنه فقال: هذا رجل من حمير، شاعر مطبوع، اتصل بي متوسلا إلى أمير المؤمنين وطالبا الوصول مع نظرائه، فأمر المأمون بإيصاله مع الشعراء، فلما وقف بين يديه، وأذن له في الإنشاد، أنشده قوله:
طلان طال عليهما الأمد ... دثرا فلا علم ولا نضد
/ لبسا البلى فكأنّما وجدا ... بعد الأحبّة مثل ما أجد
حيّيتما طللين، حالهما ... بعد الأحبّة غير ما عهدوا
إمّا طواك [1] سلوّ غانية ... فهواك لا ملل ولا فند
إن كنت صادقة الهوى فردي ... في الحبّ منهلي [2] الّذي أرد
أدمي هرقت وأنت آمنة ... أم ليس لي عقل ولا قود [3]؟
إن كنت فتّ وخانني سبب ... فلربّما يخطىء [4] مجتهد
حتى انتهى إلى قوله في مدح المأمون:
يا خير منتسب لمكرمة ... في المجد حيث تبحبح [5] العدد
في كل أنملة لراحته ... نوء يسحّ وعارض حشد [6]
/و إذا القنا رعفت أسنّته ... علقا وصمّ كعوبها قصد [7]
فكأنّ ضوء حبينه قمر ... وكأنّه في صولة أسد
وكأنّه روح تدبّرنا ... حركاته وكأنّنا جسد
المأمون يستشير فيه الحسن بن سهل ثم يلحقه بجوائز مروان بن أبي حفصة
فاستحسنها المأمون وقال لأبي محمد: احتكم له، فقال: أمير المؤمنين أولى بالحكم، ولكن إن أذن لي في المسألة سألت له، فأما الحكم فلا، فقال: سل، فقال: يلحقه بجوائز مروان بن أبي حفصة، فقال: ذلك واللّه أردت، وأمر بأن تعدّ أبيات قصيدته ويعطى لكل بيت ألف درهم، فعدّت فكانت خمسين، فأعطي خمسين ألف درهم.
من مدائحه للمأمون
قال الأصبهانيّ: وله في المأمون والحسن بن سهل خاصة مدائح شريفة نادرة، من عيونها قوله في المأمون في قصيدة أولها:
__________
[1] في ف: «إن ماطلوك».
[2] في مد: «منهلنا». وفي المختار ومعاهد التنصيص: «منهله».
[3] لا عقل ولا قود أي لا دية ولا قصاص.
[4] مد، ف:
«فلربما لم يحظ مجتهد»
[5] في ب، المختار:
«حيث ينتج العدد»
[6] النوء: المطر. والعارض: السحاب المعترض في الأفق. وحشد: لا ينقطع ماؤه.
[7] العلق: القطعة من العلق للدم، والرمح الأصم: الصلب المتين، والقصد: جمع قصدة؛ وهي القطعة مما يكسر.
العذر إن أنصفت متّضح ... وشهيد حبّك [1] أدمع سفح
فضحت ضميرك عن ودائعه ... إنّ الجفون نواطق فصح [2]
وإذا تكلّمت العيون [3] على ... إعجامها فالسّر مفتضح
ربما أبيت معانقي قمر ... للحسن فيه مخايل تضح [4]
نشر الجمال على محاسنه ... بدعا وأذهب همّه الفرح
يختال في حلل الشّباب به ... مرح وداؤك أنه مرح
ما زال يلثمني مراشفه ... ويعلّني الإبريق والقدح
/ حتى استردّ اللّيل خلعته ... ونشا خلال سواده وضح
وبدا الصّباح كأن غرّته ... وجه الخليفة حين يمتدح
يقول فيها:
نشرت بك الدّنيا محاسنها ... وتزيّنت بصفاتك المدح
وكأنّ ما قد غاب عنك له ... بإزاء طرفك عارضا شبح [5]
وإذا سلمت فكلّ حادثة ... جلل فلا بؤس ولا ترح
مدح المطلب بن عبد اللّه فوصله وأقام عنده مدة
/ أخبرني هاشم بن محمد الخزاعيّ، قال: حدثني أهلنا:
أنّ محمد بن وهيب قصد المطّلب بن عبد اللّه بن مالك الخزاعيّ - عمّ أبي - وقد ولي الموصل وكان له صديقا حفيّا، وكان كثير الرّفد له والثّواب على مدائحه، فأنشده قوله فيه:
صوت
دماء المحبّين لا تعقل ... أما في الهوى حاكم [6] يعدل
تعبّدني حور الغانيات ... ودان الشّباب له الأخطل [7]
ونظرة عين تلافيتها ... غرارا كما ينظر الأحول
مقسّمة بين وجه الحب ... يب وطرف الرّقيب متى يغفل
أذمّ على غربات [8] النّوى ... إليك السّلوّ ولا أذهل
__________
[1] ف: «و شهود حبك».
[2] مي، مد، ب: «فضح».
[3] التجريد:
«و إذا تكلمت الجفون»
[4] مي، مد:
«ربما أبيت ... مخايل فصح»
وفي ب: «مخايل نصح». وتضح: تبين وتظهر.
[5] ف:
«بإزاء طرفك عارض سنح»
[6] ب: «حكم يعدل».
[7] ب: «الأخطل». والأخطل: الخفيف السريع أو الأحمق.
[8] الغربات جمع غربة، وهي البعد.
وقالوا عزاؤك بعد الفراق ... إذا حمّ مكروهه أجمل
أقيدي دما سفكته العيون ... بإيماض كحلاء لا تكحل
فكلّ سهامك لي مقصد [1] ... وكلّ مواقعها مقتل
سلام على المنزل المستحيل ... وإن ضنّ بالمنطق المنزل
وعضب [2] الضّريبة يلقى الخطوب ... بجدّ عن الدّهر لا ينكل
تغلغل شرقا إلى مغرب ... فلمّا تبدّت له الموصل
ثوى حيث لا يستمال الأريب ... ولا يؤلف اللّقن الحوّل
لدى ملك قابلته السّعود ... وجانبه الأنجم الأفّل
لأيّامه سطوات الزّمان ... وإنعامه حين لا موئل
سما مالك بك للباهرات ... وأوحدك المربأ الأطول
وليس بعيدا بأن تحتذي [3] ... مذاهب آسادها الأشبل
قال: فوصله وأحسن جائزته وأقام عنده مدة، ثم استأذنه في الانصراف فلم يأذن له، وزاد في ضيافته [4] وجراياته وجدّد له صلة، فأقام عنده برهة أخرى، ثم دخل عليه فأنشده:
ألا هل إلى ظلّ العقيق وأهله [5] ... إلى قصر أوس فالحزير معاد؟
وهل لي بأكناف المصلّى فسفحه ... إلى السّور مغدى ناعم ومراد؟
فلم تنسني نهر الأبلّة نيّة ... ولا عرصات المربدين بعاد [6]
/هنالك لا تبني الكواعب خيمة ... ولا تتهادى كلثم وسعاد
أجدّي [7] لا ألقى النّوى مطمئنّة ... ولا يزدهيني مضجع ومهاد
فقال له: أبيت إلا الوطن والنّزاع إليه! ثم أمر له بعشرة آلاف درهم، وأوقر له زورقا من طرف الموصل وأذن له.
المأمون يتمثل من شعره
[8] حدثني محمد بن يحيى الصّولي، قال: حدثني أبو عبد اللّه الماقطانيّ، عن عليّ بن الحسين بن عبد الأعلى، عن سعيد بن وهيب، قال:
كان المأمون كثيرا ما يتمثّل إذا كربه الأمر:
__________
[1] مقصد: مصيب قاتل.
[2] ب: «و غض الضريبة».
[3] مد:
«و ليس بديعا بأن تحتذي»
وفي مي:
«و ليس عجيبا بأن تحتذى»
وفي ف:
«و ليس بديعا بأن تقتفى»
[4] ف، مي: «في إقامته».
[5] ب:
«ألا هل إليّ فيّ العقيق وظلّه»
[6] ف:
«و لا يتهادى بالمرين بعاد»
[7] ف:
«أجدك لا تلقى النوى»
[8] من أول هنا حتى آخر الترجمة ساقط من ب ثابت في ف، مي، مم.
ألا ربّما ضاق الفضاء بأهله ... وأمكن من بين الأسنّة مخرج
قصيدته في ابن عباد وزير المأمون حين أبعده
قال الأصبهانيّ: وهذا الشعر لمحمد بن وهيب يقوله في ابن عبّاد وزير المأمون، وكان له صديقا، فلما ولي الوزارة اطّرحه لانقطاعه إلى الحسن بن سهل فقال فيه قصيدة أوّلها:
تكلّم بالوحي البنان المخضّب ... وللّه شكوى معجم كيف يعرب؟
أإيماء أطراف البنان ووجهها ... أباتا له كيف الضّمير المغيّب؟
وقد كان حسن الظّنّ أنجب مرّة ... فأحمد عقبى أمره المتعقّب
فلما تدبّرت الظّنون [1] مراقبا ... تقلّب حاليها إذا هي تكذب
بدأت بإحسان فلما شكرته ... تنكّرت لي حتى كأنّي مذنب
وكلّ فتى يلقي الخطوب بعزمه ... له مذهب عمّن له عنه مذهب
/ وهل يصرع الحبّ الكريم وقلبه ... عليم بما يأتي وما يتجنّب
تأنّيت حتى أوضح العلم أنّني ... مع الدهر يوما مصعد ومصوّب
وألحقت أعجاز الأمور صدورها ... وقوّمها غمز القداح المقلّب
وأيقنت أن اليأس للعرض صائن ... وأن سوف أغضي للقذي حين أرغب
أغادرتني بين الظّنون مميّزا ... شواكل أمر بينهن مجرّب
يقرّبني من كنت أصفيك دونه ... بودّي وتنأى بي فلا أتقرّب
فللّه حظّي منك كيف أضاعه ... سلوّك عنّي والأمور تقلب
أبعدك أستسقي بوارق مزنة ... وإن جاد هطّل من المزن هيدب [2]
إذا ما رأيت البرق أغضيت دونه ... وقلت إذا ما لاح: ذا البرق خلّب
وإن سنحت لي فرصة لم أسامها ... وأعرضت عنها خوف ما أترقّب
تأدّبت عن حسن الرّجاء فلن أرى ... أعود له إن الزّمان [3] مؤدّب
وقال له أيضا:
هل الهمّ إلا كربة تتفرّج ... لها معقب تحدى إليه وتزعج [4]
وما الدّهر إلا عائد مثل سالف ... وما العيش إلا جدّة ثم تنهج [5]
وكيف أشيم البرق والبرق خلّب ... ويطمعني ريعانه المتبلّج [6]
/و كيف أديم الصبر لابي ضراعة ... ولا الرّزق محظور ولا أنا محرج؟
__________
[1] ف: «الأمور».
[2] الهيدب: السحاب المتدلى الّذي يدنو من الأرض ويرى كأنه خيوط عند انصبابه.
[3] مي، مم: «الرجاء».
[4] مي: «هل الدهر» بدل: «هل الهم».
[5] المختار:
«و ما الدهر إلا غابر»
الجدّة: الطريقة. وتنهج: تبلى.
[6] المختار:
«و مطمعني إنعامه المتبلج»
والمبتلج: المنير.
ألا ربّما كان التّصبّر ذلّة ... وأدنى إلى الحال الّتي هي أسمج
وهل يحمل الهمّ الفتى وهو ضامن ... سرى الليل رحّال العشيّات مدلج
ولا صبر ما أعدى على الدّهر مطلب ... وأمكن إدلاج وأصحر منهج [1]
ألا ربّما ضاق الفضاء بأهله ... وأمكن من بين الأسنّة مخرج
وقد يركب الخطب الّذي هو قاتل ... إذا لم يكن إلا عليه معرّج
مدح الأفشين فأجازه المعتصم
حدثني بعض أصحابنا عن أحمد بن أبي كامل قال:
كان محمد بن وهيب تيّاها شديد الذّهاب بنفسه، فلمّا قدم الأفشين - وقد قتل بابك - مدحه بقصيدته الّتي أوّلها:
طلول ومغانيها ... تناجيها وتبكيها
يقول فيها:
بعثت الخيل، والخير ... عقيد في نواصيها
وهي من جيّد شعره، فأنشدناها ثم قال: ما لها عيب سوى أنها لا أخت لها.
قال: وأمر المعتصم للشعراء الذين مدحوا الأفشين بثلاثمائة ألف درهم جرت تفرقتها على يد ابن أبي دواد، فأعطى منها محمد بن وهيب ثلاثين ألفا، وأعطى أبا تمّام عشرة آلاف درهم. قال ابن أبي كامل: فقلت لعليّ بن يحيى المنجّم: ألا تعجب من هذا الحظّ؟ يعطى أبو تمام عشرة آلاف وابن وهيب ثلاثين ألفا، وبينهما كما بين السماء والأرض./ فقال: لذلك علّة لا تعرفها؛ كان ابن وهيب مؤدّب الفتح بن خاقان، فلذلك وصل إلى هذه الحال.
يذكر الدنيا ويصف حاله وهو عليل
أخبرني محمد بن يحيى الصّوليّ. قال: حدثني أبو زكوان، قال:
حدثني من دخل إلى محمد بن وهيب يعوده وهو عليل قال: فسألته عن خبره فتشكّى ما به ثم قال:
نفوس المنايا بالنّفوس تشعّب ... وكلّ له من مذهب الموت مذهب
نراع لذكر الموت ساعة ذكره ... وتعترض الدّنيا فنلهو ونلعب
وآجالنا في كلّ يوم وليلة ... إلينا على غرّاتنا تتقرّب
أأيقن أنّ الشيب ينعى حياته ... مدرّ لأخلاف الخطيئة مذنب
يقين كأنّ الشّكّ أغلب أمره ... عليه وعرفان إلى الجهل ينسب
وقد ذمّت الدّنيا إليّ نعيمها ... وخاطبني إعجامها وهو معرب
__________
[1] البيت من نسختي مي، مم. وجاء مكان هذا البيت في المختار:
أبي لي إغضاء الجفون على القذى ... يقيني ألّا عسر إلا سيفرج
وأصحر: اتسع.
و
لكنّني منها خلقت لغيرها ... وما كنت منه فهو عندي [1] محبّب
ابن أبي فنن وأبو يوسف الكندي يطعنان عليه فيرد عليهما من ينصفه
أخبرني الحسن بن عليّ، قال: حدثنا ابن مهرويه، قال: حدثني أحمد بن أبي كامل، قال:
كنّا في مجلس ومعنا أبو يوسف الكنديّ وأحمد بن أبي فنن، فتذاكرنا شعر محمد بن وهيب فطعن عليه ابن أبي فنن وقال: هو متكلّف حسود، إذا أنشد شعرا لنفسه قرظه ووصفه في نصف يوم وشكا أنّه مظلوم منحوس الحظّ وأنّه لا تقصّر به عن مراتب القدماء حال، فإذا أنشد شعر غيره حسده، وإن كان على نبيذ عربد عليه، وإن كان صاحيا عاداه واعتقد فيه كلّ مكروه. فقلت له: كلاكما لي صديق، وما أمتنع من/ وصفكما جميعا بالتّقدّم وحسن الشعر، فأخبرني عمّا أسألك عنه إخبار منصف، أو يعدّ متكلّفا من يقول:
أبي لي إغضاء الجفون على القذى ... يقيني أن لا عسر إلّا مفرّج
ألا ربّما ضاق الفضاء بأهله ... وأمكن من بين الأسنّة مخرج؟
أو يعدّ متكلّفا من يقول:
رأت وضحا من مفرق الرأس راعها ... شريحين مبيضّ به وبهيم؟
فأمسك ابن أبي فنن، واندفع الكنديّ فقال: كان ابن وهيب ثنويّا. فقلت له: من أين علمت ذاك؟ أكلّمك على مذهب الثّنويّة قطّ؟ قال: لا، ولكني استدللت من شعره على مذهبه، فقلت: حيث يقول ماذا؟ فقال: حيث يقول:
طللان طال عليهما الأمد
وحيث يقول:
تفترّ عن سمطين من ذهب
إلى غير ذلك مما يستعمله في شعره من ذكر الإثنين.
فشغلني واللّه الضّحك عن جوابه. وقلت له: يا أبا يوسف، مثلك لا ينبغي أن يتكلّم فيما لم ينفذ فيه علمه.
يستنجز محمد بن عبد الملك الزيات حاجته
أخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن عمّار، قال: حدّثني أحمد بن سليمان بن أبي شيخ، عن أبيه، قال:
سأل محمد بن وهيب محمد بن محمد بن عبد الملك الزّيّات حاجة فأبطأ فيها، فوقف عليه ثم قال له:
/طبع الكريم على وفائه ... وعلى التّفضّل في إخائه
تغني عنايته الصّديق عن التّعرّض لاقتضائه
حسب الكريم حياؤه [2] ... فكل الكريم إلى حيائه [2]
فقال له: حسبك فقد بلغت إلى ما أحببت [3]، والحاجة تسبقك إلى منزلك. ووفى له بذلك.
__________
[1] المختار:
«فهو شيء محبب»
[2] وفي التجريد:
« .... حباؤه ... ... حبائه»
بدل:
«حياؤه ... ... حياته ... »
[3] ف: «فقد حثثت فأبلغت». وفي التجريد: «قد حنّنت فأبلغت».
صوت
وددت على ما كان من سرف الهوى ... وغيّ الأماني أنّ ما شئت يفعل
/ فترجع أيّام تقضّت ولذّة ... تولّت، وهل يثنى من الدّهر [1] أوّل!
الشعر لمزاحم العقيليّ، والغناء لمقاسة بن ناصح، خفيف رمل بالبنصر عن الهشاميّ. قال الهشاميّ. قال الهشاميّ: وفيه لأحمد بن يحيى المكّيّ رمل.
__________
[1] ب، س: «من العيش».
5 - أخبار مزاحم ونسبه
نسبه
هو مزاحم بن عمرو [1] بن الحارث بن مصرّف بن الأعلم بن خويلد بن عوف بن عامر بن عقيل بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن.
وقيل: مزاحم بن عمرو بن مرّة بن الحارث بن مصرّف بن الأعلم، وهذا القول عندي أقرب إلى الصواب.
بدويّ شاعر فصيح إسلاميّ، صاحب قصيد ورجز، كان في زمن جرير والفرزدق. وكان جرير يصفه ويقرّظه ويقدّمه.
بيتان له تمنى جرير أنهما له
أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان، قال: حدثني الفضل بن محمد اليزيديّ، عن إسحاق الموصليّ، قال:
قال لي عمارة بن عقيل: كان جرير يقول: ما من بيتين كنت أحبّ أن أكون سبقت إليهما غير بيتين من قول مزاحم العقيليّ:
وددت على ما كان من سرف الهوى ... وغيّ الأماني أنّ ما شئت يفعل
فترجع أيّام مضين ولذّة ... تولّت وهل يثنى من العيش أوّل!
قال المفضّل: قال إسحاق: سرف الهوى: خطؤه، ومثله قول جرير:
أعطوا هنيدة [2] تحدوها ثمانية ... ما في عطائهم منّ ولا سرف
/ أراد أنهم يحفظون [3] مواضع الصنائع، لا أنه وصفهم بالاقتصاد والتوسّط في الجود.
إسحاق يعجب بشعره
قال إسحاق: وواعدني زياد الأعرابيّ موضعا من المسجد، فطلبته فيه فلم أجده، فقلت له بعد ذلك: طلبتك لموعدك [4] فلم أجدك. فقال: أين طلبتني؟ فقلت: في موضع كذا وكذا، فقال: هناك واللّه سرفتك، أي أخطأتك.
أخبرني محمد بن مزيد بن أبي الأزهر، قال:
__________
[1] مي، ف: «مزاحم بن الحارث بن مصرف»، وفي الخزانة 3: 45: «مزاحم بن الحارث: شاعر إسلامي من بني عقيل بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة».
[2] هنيدة: مائة من الإبل.
[3] ف: «لا يخطؤون» بدل «يحفظون». وفي ب: «أراد أنهم لا يخطئون مواضع الصنائع إلا أنه ... ».
[4] مي: «لموضعك».
أنشدني حماد عن أبيه لمزاحم العقيليّ قال - وكان يستجيدها ويستحسنها - :
لصفراء في قلبي من الحبّ شعبة ... حمى لم تبحه الغانيات صميم [1]
بها حلّ بيت الحبّ ثم ابتنى بها ... فبانت بيوت الحيّ وهو مقيم
بكت دارهم من نأيهم فتهلّلت ... دموعي فأيّ الجازعين ألوم!
أمستعبرا يبكي من الحزن والجوى ... أم آخر يبكي شجوه فيهيم؟
تضمّنه من حبّ صفراء بعد ما ... سلا هيضات الحب فهو كليم [2]
ومن يتهيّض [3] حبّهن فؤاده ... يمت أو يعش ما عاش وهو سقيم
كحرّان صاد ذيد عن برد مشرب ... وعن بللات الرّيق [4] فهو يحوم
منعه عمه من زواجه بابنته لفقره
أخبرني عليّ بن سليمان الأخفش، قال: حدثنا أبو سعيد السّكّري، قال: أخبرنا محمد بن حبيب، عن ابن أبي الدّنيا العقيليّ - قال ابن حبيب: وهو صاحب الكسائيّ وأصحابنا - قال:
كان مزاحم العقيليّ خطب ابنة عم له دنية [5] فمنعه أهلها لإملاقه وقلة ماله، وانتظروا/ بها/ رجلا موسرا في قومها كان يذكرها ولم يحقق، وهو يومئذ غائب. فبلغ ذلك مزاحما من فعلهم، فقال لعمّه: يا عمّ، أتقطع رحمي وتختار عليّ غيري لفضل أباعر تحوزها وطفيف من الحظ تحظى به! وقد علمت أني أقرب إليك من خاطبها الّذي تريده، وأفصح منه لسانا، وأجود كفّا، وأمنع جانبا، وأغنى عن العشيرة! فقال له: لا عليك فإنها إليك صائرة، وإنما أعلّل أمّها بهذا، ثم يكون أمرها لك، فوثق به.
تزوجت ابنة عمه في غيابه فقال فيها شعرا
وأقاموا مدة، ثم ارتحلوا ومزاحم غائب، وعاد الرجل الخاطب لها فذاكروه [6] أمرها، فرغب فيها، فأنكحوه إياها، فبلغ ذلك مزاحما فأنشأ يقول:
نزلت بمفضى سيل حرسين والضّحى ... يسيل بأطراف المخارم آلها [7]
بمسقيّة الأجفان أنفد دمعها ... مقاربة الألّاف ثمّ زيالها [8]
فلما نهاها اليأس أن تؤنس الحمى ... حمى البئر جلّى عبرة العين جالها [9]
__________
[1] ب: «سموم». وفي مي، مد: «جموم». وفي ب:
«لم تبحه الغانيات سموم»
[2] ب: «فهو كظيم». والهيضات جمع هيضة، وهي معاودة الهم والحزن.
[3] تهيضه الغرام: عاوده مرة بعد أخرى.
[4] مي: «نهلات الريق».
[5] ابنة عم له دنية أي، لاصقة النسب.
[6] ب: «فذكروا».
[7] حرس: من مياه بني عقيل بنجد. والمخارم: الطرق في الغليظ من الأرض. وفي مي، مد، ف: «نظرت» بدل: «نزلت». وفي ب:
«يسير بأيام المخارم»
[8] ف: «مفارقة الألاف».
[9] مي، ف:
«حمى البين جلى عبرة البين جالها»
أ يا ليل إن تشحط بك الدار غربة ... سوانا ويعيي النّفس فيك احتيالها
فكم ثم كم من عبرة قد رددتها ... سريع على جيب القميص انهلالها [1]
خليليّ هل من حيلة تعلمانها ... يقرّب من ليلى إلينا احتيالها
فإنّ بأعلى الأخشبين أراكة ... عدتني عنها الحرب دان ظلالها
وفي فرعها لو تستطاع جنابها ... جنى يجتنيه المجتني لو ينالها
هنيئا لليلى مهجة ظفرت بها ... وتزويج ليلى حين حان ارتحالها
/ فقد حبسوها محبس البدن وابتغى ... بها الرّبح أقوام تساخف مالها [2]
فإنّ مع الرّكب الذين تحمّلوا ... غمامة صيف زعزعتها شمالها
سجنه ثم هربه
وقال محمد بن حبيب في خبره، قال ابن الأعرابيّ:
وقع بين مزاحم العقيلي وبين رجل من بني جعدة لحاء في ماء فتشاتما وتضاربا بعصيّهما، فشجّه مزاحم شجّة أمّته [3]، فاستعدت بنو جعدة على مزاحم فحبس حبسا طويلا، ثم هرب من السّجن، فمكث في قومه مدة، وعزل ذلك الوالي وولى غيره، فسأله ابن عمّ لمزاحم يقال له مغلّس أن يكتب أمانا لمزاحم، فكتبه له، وجاء مغلّس والأمان معه، فنفر مزاحم منه وظنّها خيلة من السّلطان، فهرب وقال في ذلك:
أتاني بقرطاس الأمير مغلّس ... فأفزع قرطاس الأمير فؤاديا
فقلت له: لا مرحبا بك مرسلا ... إليّ ولا لي من أميرك داعيا [4]
أليست جبال القهر قعسا مكانها ... وعروى وأجبال الوحاف كما هيا؟ [5]
أخاف ذنوبي أن تعدّ ببابه ... وما قد أزلّ الكاشحون أماميا
ولا أستريم عقبة الأمر بعد ما ... تورّط في بهماء كعبي وساقيا [6]
هوى امرأة من قومه وتزوجت غيره
أخبرني محمد بن مزيد، وأحمد بن جعفر جحظة، قالا: حدّثنا حمّاد بن إسحاق، عن أبيه، قال:
كان مزاحم العقيليّ يهوى امرأة من قومه يقال لها ميّة، فتزوّجت رجلا كان/ أقرب إليها من مزاحم، فمر عليها بعد أن دخل بها زوجها، فوقف عليها ثم قال:
/أيا شفتي ميّ أما من شريعة ... من الموت إلا أنتما توردانيا!
ويا شفتي ميّ أمالي إليكما ... سبيل وهذا الموت قد حلّ دانيا!
__________
[1] ف: «انهمالها».
[2] تساخف مالها: رق حالها.
[3] أمته: أصابت أم دماغه.
[4] ف، مي:
«و لا لبّى أميرك»
[5] قعسا جمع أقعس أي ثابتة. وفي مد: «تمسي مكانها».
[6] مد، ف:
«و لا أستديم ... ... تورّط بي وهنا بكعبي وساقيا»
ويا شفتي ميّ أما تبذلان لي ... بشيء وإن أعطيت أهلي وماليا!
فقالت: أعزز عليّ يا بن عمّ بأن تسأل ما لا سبيل إليه، وهذا أمر قد حيل دونه، فاله عنه. فانصرف.
جرير يتمنى أن يكون له بعض شعر مزاحم
أخبرني عليّ بن سليمان الأخفش، قال: حدّثنا محمد بن يزيد النّحويّ، قال:
حدّثني عمارة بن عقيل قال: قال لي أبي: قال عبد الملك بن مروان لجرير: يا أبا حرزة، هل تحب أن يكون لك بشيء من شعرك شيء من شعر غيرك؟ قال: لا، ما أحبّ ذلك، إلا أنّ غلاما ينزل الرّوضات من بلاد بني عقيل يقال له مزاحم العقيليّ، يقول حسنا من الشعر [1] لا يقدر أحد من أن يقول مثله، كنت أحبّ أن يكون لي بعض شعره مقايضة ببعض شعري.
هوى امرأة من قومه يقال لها ليلى وتزوجت غيره
أخبرني محمد بن الحسن بن دريد، قال: حدّثني عمّي، عن العبّاس بن هشام، عن أبيه، قال:
كان مزاحم العقيليّ يهوى امرأة من قومه يقال لها ليلى، فغاب غيبة عن بلاده، ثم عاد وقد زوّجت، فقال في ذلك:
أتاني بظهر الغيب أن قد تزوّجت ... فظّلت بي الأرض الفضاء تدور
وزايلني لبّي وقد كان حاضرا ... وكاد جناني عند ذاك يطير
فقلت وقد أيقنت أن ليس بيننا ... تلاق وعيني بالدموع [2] تمور
/ أيا سرعة الأخبار حين تزوّجت ... فهل يأتينّي بالطّلاق بشير
ولست بمحص حبّ ليلى لسائل ... من النّاس إلا أن أقول كثير
صوت
لها في سواد القلب تسعة أسهم ... وللناس طرّا من هواي عشير [3]
قال ابن الكلبيّ: ومن الناس من يزعم أنّ ليلى هذه التي يهواها مزاحم العقيليّ هي التي كان يهواها المجنون، وأنهما اجتمعا هو ومزاحم في حبّها.
هوى امرأة أخرى من قشير وتزوجت غيره
قال الأصبهانيّ: وقد أخبرني بشرح هذا الخبر الحسن بن عليّ، قال: حدثنا عبد اللّه بن أبي سعد، عن عليّ بن الصّباح، عن ابن الكلبيّ، قال:
كان مزاحم بن مرّة العقيلي يهوي امرأة [4] من قشير يقال لها ليلى بنت موازر، ويتحدّث إليها مدة حتى شاع أمرهما، وتحدّثت جواري الحيّ به، فنهاه أهلها عنها، وكانوا متجاورين، وشكوه إلى الأشياخ من قومه فنهوه
__________
[1] مي، مد: «وحشيّا من الشعر».
[2] مي:
«و عيني بالدماء»
[3] عشير، أي جزء من العشرة.
[4] ف: «جارية من قشير».
واشتدّوا عليه، فكان يتفلّت إليها في أوقات الغفلات، فيتحدّثان ويتشاكيان، ثم انتجعت بنو قشير في ربيع لهم ناحية غير تلك قد نضّرها غيث وأخصبها، فبعد عليه خبرها واشناقها، فكان يسأل عنها كلّ وارد، ويرسل إليها بالسلام مع كل صادر، حتى ورد عليه يوما راكب من قومها، فسأله عنها فأخبره أنها خطبت فزوّجت، فوجم طويلا ثم أجهش باكيا وقال:
أتاني بظهر الغيب أن قد تزوّجت ... فظلّت بي الأرض الفضاء تدور
وذكر الأبيات الماضية.
/ وقد أنشدني هذه القصيدة لمزاحم ابن أبي الأزهر، عن حمّاد/ عن أبيه، فأتى بهذه الأبيات وزاد فيها:
وتنشر نفسي بعد موتي بذكرها ... مرارا فموت مرّة ونشور
عججت لربي عجّة [1] ما ملكتها ... وربّي بذي الشّوق الحزين بصير
ليرحم ما ألقى ويعلم أنّني ... له بالذي يسدي إليّ شكور
لئن كان يهدى برد أنيابها العلا ... لأحوج منّي إنّني لفقير
الفرزدق وجرير وذو الرمة يفضلونه على أنفسهم
حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبو أيوب المدينيّ، قال: قال أبو عدنان:
أخبرنا تميم بن رافع قال: حدّثت أنّ الفرزدق دخل على عبد الملك بن مروان - أو بعض بنيه - فقال له:
يا فرزدق، أتعرف أحدا أشعر منك؟ قال: لا، إلا غلاما من بني عقيل، يركب أعجاز الإبل وينعت الفلوات فيجيد، ثم جاءه جرير فسأله عن مثل ما سأل عنه الفرزدق فأجابه بجوابه، فلم يلبث أن جاءه ذو الرّمة فقال له: أنت أشعر النّاس؟ قال: لا، ولكن غلام من بني عقيل يقال له مزاحم يسكن الرّوضات؟ يقول وحشيّا من الشعر لا يقدر على مثله، فقال: فأنشدني بعض ما تحفظ من ذلك، فأنشده قوله:
خليليّ عوجا بي على الدار نسأل ... متى عهدها بالظّاعن المترحّل [2]
فعجت وعاجوا فوق بيداء موّرت [3] ... بها الريح جولان التراب المنخّل
حتى أتى على آخرها ثم قال: ما أعرف أحدا يقول قولا يواصل هذا.
صوت
أكذّب طرفي عنك في كلّ ما أرى ... وأسمع أذني منك ما ليس تسمع
فلا كبدي تبلى ولا لك رحمة ... ولا عنك إقصار ولا فيك مطمع
لقيت أمورا فيك لم ألق مثلها ... وأعظم منها فيك ما أتوقع
فلا تسأليني في هواك زيادة ... فأيسره يجزي وأدناه يقنع
الشعر لبكر بن النّطّاح، والغناء لحسين بن محرز ثقيل أول بالوسطى عن الهشاميّ.
__________
[1] عج الرجل: صاح ورفع صوته، وفي ف: حججت لربي حجة.
[2] في الخزانة 3: 45:
«بالظاعن المتحمل»
[3] مي، مد: «صفقت»، وموّرت: أثارت.
6 - أخبار بكر بن النطاح ونسبه
اسمه ونسبه
بكر بن النطّاح الحنفيّ [1]. يكنى أبا وائل، هكذا أخبرنا وكيع عن عبد اللّه بن شبيب، وذكر غيره أنه عجليّ من بني سعد بن عجل، واحتجّ من ذكر أنه عجليّ بقوله:
فإن يك جدّ القوم فهر بن مالك ... فجدّي عجل قرم بكر بن وائل
وأنكر ذلك من زعم أنه حنفيّ وقال: بل قال:
فجدّي لجيم قرم بكر بن وائل
وعجل بن لجيم وحنيفة بن لجيم أخوان.
وكان بكر بن النطّاح صعلوكا يصيب الطّريق، ثم أقصر عن ذلك، فجعله أبو دلف من الجند، وجعل له رزقا سلطانيّا، وكان شجاعا بطلا فارسا شاعرا حسن الشّعر والتصرّف فيه، كثير الوصف لنفسه بالشجاعة والإقدام.
قصته مع أبي دلف
/ فأخبرني الحسن بن عليّ [2]، قال: حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه، قال: حدّثني أبي، قال:
قال بكر بن النّطّاح الحنفيّ قصيدته التي يقول فيها:
هنيئا لإخواني ببغداد عيدهم ... وعيدي بحلوان قراع الكتائب
وأنشدها أبا دلف فقال له: إنك لتكثر الوصف لنفسك بالشّجاعة، وما رأيت لذلك عندك أثرا قطّ، ولا فيك، فقال له: أيّها الأمير وأيّ غناء يكون عند الرجل الحاسر الأعزل؟ فقال: أعطوه فرسا وسيفا وترسا ودرعا ورمحا، فأعطوه ذلك أجمع، فأخذه وركب الفرس وخرج على وجهه، فلقيه مال لأبي دلف يحمل من بعض ضياعه، فأخذه/ وخرج جماعة من غلمانه فمانعوه عنه، فجرحهم جميعا وقطعهم وانهزموا. وسار بالمال، فلم ينزل إلا على عشرين فرسخا، فلما اتصل خبره بأبي دلف قال: نحن جنينا على أنفسنا، وقد كنّا أغنياء عن إهاجة أبي وائل، ثم كتب إليه بالأمان، وسوّغه المال، وكتب إليه: صر إلينا فلا ذنب لك، لأنا نحن كنا سبب فعلك بتحريكنا إياك وتحريضنا؛ فرجع ولم يزل معه يمتدحه، حتى مات.
__________
[1] في تاريخ بغداد 7: 90: بكر بن النطاح بن أبي حمار الحنفي.
[2] ف: «عليّ بن الحسين».
قصته مع الرشيد ويزيد بن مزيد
أخبرني الحسن بن عليّ، قال: حدّثني محمد بن موسى، قال: حدّثني الحسن بن إسماعيل، عن ابن الحفصيّ، قال: قال يزيد بن مزيد:
وجّه إليّ الرشيد في وقت يرتاب فيه البريء، فلمّا مثلت بين يديه قال: يا يزيد، من الّذي يقول:
ومن يفتقر منّا يعش بحسامه ... ومن يفتقر من سائر النّاس يسأل
فقلت له: والّذي شرّفك وأكرمك بالخلافة ما أعرفه، قال: فمن الّذي يقول:
وإن يك جدّ القوم فهر بن مالك ... فجدّي لجيم قرم بكر بن وائل
قلت: لا والّذي أكرمك وشرّفك يا أمير المؤمنين ما أعرفه، قال: والّذي كرّمني وشرّفني إنك لتعرفه، أتظن يا يزيد أني إذا أوطأتك بساطي وشرّفتك بصنيعتي أني أحتملك على هذا؟ أو تظن أني لا أراعي أمورك وأتقصّاها، وتحسب أنه يخفى عليّ شيء منها؟ واللّه إن عيوني لعليك في خلواتك ومشاهدك، هذا جلف من أجلاف ربيعة عدا طوره وألحق قريشا بربيعة فأتني به. فانصرفت وسألت عن قائل الشعر، فقيل لي: هو بكر بن النطاح، وكان أحد أصحابي، فدعوته وأعلمته ما كان من الرشيد، فأمرت له بألفي درهم، وأسقطت اسمه من الديوان، وأمرته ألا يظهر ما دام الرّشيد حيّا، فما ظهر حتى مات الرشيد، فلما مات ظهر، فألحقت اسمه وزدت في عطائه [1].
شعره في جارية تدعى رامشنة
أخبرني محمد بن خلف وكيع، قال: حدّثني محمد بن حمزة العلويّ، قال: حدّثني أبو غسّان دماذ، قال:
حضرت بكر بن النّطّاح الحنفيّ في منزل بعض الحنفيّين، وكانت للحنفيّ جارية يقال لها رامشنة، فقال فيها بكر بن النطاح:
حيّتك بالرّامشن رامشنة ... أحسن من رامشنة الآس
جارية لم يقتسم بضعها ... ولم تبت [2] في بيت نخّاس
أفسدت إنسانا على أهله ... يا مفسد النّاس على النّاس
/ وقال فيها:
أكذّب طرفي عنك والطّرف صادق ... وأسمع أذني منك ما ليس تسمع
ولم أسكن الأرض التي تسكنينها ... لكي لا يقولوا صابر ليس يجزع
فلا كبدي تبلى ولا لك رحمة ... ولا عنك إقصار ولا فيك مطمع
لقيت أمورا فيك لم ألق مثلها ... وأعظم منها منك ما أتوقّع
فلا تسأليني في هواك زيادة ... فأيسره يجزي وأدناه يقنع
__________
[1] مي، مد، ف: «وزدت في إنزاله».
[2] ف، مي، مد: «تقم»، بدل: «تبت».
المأمون يعجب بشعره وينقد سلوكه
أخبرني الحسن بن عليّ، قال: حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه، عن عليّ بن الصّباح - وأظنه مرسلا وأن بينه وبينه ابن أبي سعد أو غيره، لأنه لم يسمع من عليّ بن الصبّاح - قال: حدّثني أبو الحسين الراوية، قال لي المأمون:
أنشدني أشجع بيت وأعفّه وأكرمه من شعر المحدثين، فأنشدته:
ومن يفتقر منّا يعش بحسامه ... ومن يفتقر من سائر النّاس يسأل
وإنّا لنلهو بالسّيوف كما لهت ... عروس بعقد أو سخاب [1] قرنفل
/ فقال: ويحك! من يقول هذا؟ فقلت: بكر بن النطّاح، فقال: أحسن واللّه، ولكنه قد كذب في قوله، فما باله يسأل أبا دلف ويمتدحه وينتجعه! هلّا أكل خبزه بسيفه كما قال!.
مدح أبا دلف فأعطاه جائزة
أخبرني الحسن بن عليّ، قال: حدّثنا ابن مهرويه، قال: حدّثني أبو الحسن الكسكريّ [2]، قال:
بلغني أن أبا دلف لحق أكرادا قطعوا الطّريق في عمله، وقد أردف منهم فارس رفيقا له خلفه، فطعنهما جميعا فأنفذهما، فتحدّث الناس بأنه نظم [3] بطعنة واحدة فارسين على فرس، فلما قدم من وجهه دخل إليه بكر بن النّطّاح فأنشده:
صوت
قالوا: وينظم فارسين بطعنة ... يوم اللّقاء ولا يراه جليلا
لا تعجبوا فلو أنّ طول قناته ... ميل إذا نظم الفوارس ميلا [4]
قال: فأمر له أبو دلف بعشرة آلاف درهم، فقال بكر فيه:
له راحة لو أنّ معشار جودها ... على البرّ كان البرّ أندى من البحر
ولو أنّ خلق اللّه في جسم فارس ... وبارزه كان الخليّ من العمر
أبا دلف بوركت في كل بلدة ... كما بوركت في شهرها ليلة القدر
عشق غلاما نصرانيا وقال فيه شعرا
أخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن عمّار، وعيسى بن الحسين، قالا: حدّثنا يعقوب بن إسرائيل، قال: حدّثني أبو زائدة، قال:
/ كان بكر بن النّطّاح الحنفيّ يتعشّق غلاما نصرانيّا ويجنّ به، وفيه يقول:
__________
[1] سخاب قرنفل: عقد قرنفل.
[2] ف: «العسكري». وفي مد: «الكسكوبي». والكسكري نسبة إلى كسكر: كورة واسعة بالقرب من البصرة.
[3] ف: «أنه أنفذ بطعنة واحدة».
[4] في فوات الوفيات 1: 79:
«لا تعجبن لو كان مد قناته ... ... ميلا ... »
يا من إذا درس الإنجيل كان له ... قلب التّقيّ عن القرآن منصرفا
إنّي رأيتك في نومي تعانقني ... كما تعانق لام الكاتب الألفا
رده أبو دلف فغضب عليه وانصرف عنه
أخبرني محمد بن القاسم الأنباريّ، قال: حدّثني الحسن بن عبد الرحمن/ الرّبعيّ [1]، قال:
كان بكر بن النّطّاح يأتي أبا دلف في كل سنة، فيقول له: إلى جنب أرضي أرض تباع وليس يحضرني ثمنها، فيأمر له بخمسة آلاف درهم ويعطيه ألفا لنفقته [2]، فجاءه في بعض السنين فقال له مثل ذلك، فقال له أبو دلف:
ما تفنى هذه الأرضون الّتي إليها جانب ضيعتك [3]! فغضب وانصرف عنه، وقال:
يا نفس لا تجزعي من التّلف ... فإن في اللّه أعظم الخلف
إن تقنعي باليسير تغتبطي ... ويغنك اللّه عن أبي دلف
رده قرّة بن محرز فغضب عليه وانصرف عنه كذلك
قال: وكان بكر بن النّطّاح يأتي قرّة بن محرز الحنفيّ بكرمان فيعطيه عشرة آلاف درهم، ويجري عليه في كل شهر يقيم عنده ألف درهم، فاجتاز به قرّة يوما وهو ملازم في السّوق وغرماؤه يطالبونه بدين، فقال له: ويحك! أما يكفيك ما أعطيك حتى تستدين وتلازم في السّوق! فغضب عليه وانصرف عنه وأنشأ يقول:
ألا يا قرّ لا تك سامريّا [4] ... فتترك من يزورك في جهاد
أتعجب أن رأيت عليّ دينا ... وقد أودى الطّريف مع التّلاد
ملأت يدي من الدّنيا مرارا ... فما طمع العواذل في اقتصادي
ولا وجبت عليّ زكاة مال ... وهل تجب الزّكاة على جواد!
مدح أبا دلف ببيتين فأعطاه جائزة
أخبرني محمد بن مزيد بن أبي الأزهر، قال: حدّثنا حمّاد بن إسحاق، عن أبيه، قال:
كنت يوما عند عليّ بن هشام، وعنده جماعة فيهم عمارة بن عقيل، فحدّثته أنّ بكر بن النطّاح دخل إلى أبي دلف وأنا عنده، فقال لي أبو دلف: يا أبا محمد أنشدني مديحا فاخرا تستطرفه، فبدر إليه بكر وقال: أنا أنشدك أيها الأمير بيتين قلتهما فيك في طريقي هذا إليك وأحكّمك، فقال: هات، فإن شهد لك أبو محمد رضينا، فأنشده:
إذا كان الشّتاء فأنت شمس ... وإن حضر المصيف [5] فأنت ظلّ
وما تدري إذا أعطيت مالا ... أتكثر في سماحك أم تقل
__________
[1] ف، ب: «الحسن بن عبد اللّه بن الربعيّ».
[2] ف، مي: «لنفقتها».
[3] مي، مد: «أرضك».
[4] سامري، منسوب إلى السامريّ، من قوم موسى الّذي جعل من الذهب عجلا يعبد.
[5] فوات الوفيات 1: 79:
«و إن كان المصيف ... »
فقلت له: أحسن واللّه ما شاء ووجبت مكافأته، فقال: أما إذ رضيت فأعطوه عشرة آلاف درهم، فحملت إليه، وانصرفت إلى منزلي، فإذا أنا بعشرين ألفا قد سبقت إليّ، وجّه بها أبو دلف، قال: فقال عمارة لعليّ بن هشام: فقد قلت أنا في قريب من هذه القصّة:
ولا عيب فيهم غير أنّ أكفّهم ... لأموالهم مثل السّنين الحواطم [1]
وأنهم لا يورثون بذيهم ... - وإن ورثوا خيرا - كنوز الدّراهم
رثى معقل بن عيسى
أخبرني عمّي، قال: حدّثني عبد اللّه بن أبي سعد، قال: حدّثني أبو توبة، قال:
كان معقل بن عيسى صديقا لبكر بن النطّاح، وكان بكر فاتكا صعلوكا، فكان لا يزال قد أحدث حادثة في عمل أبي دلف، أو جنى جناية، فيهمّ به فيقوم دونه معقل حتى يتخلّصه، فمات معقل فقال بكر بن النطاح يرثيه بقوله:
/و حدّث عنه بعض من قال إنّه ... رأت عينه فيما ترى عين حالم [2]
/كأنّ الّذي يبكي على قبر معقل [3] ... ولم يره يبكي على قبر حاتم
ولا قبر كعب إذ يجود بنفسه ... ولا قبر حلف الجود قيس بن عاصم
فأيقنت أنّ اللّه فضّل معقلا ... على كل مذكور بفضل المكارم
هجاه عباد بن الممزق لبخله
أخبرني عمّي، قال: حدّثنا الكرانيّ، قال: حدّثني العمريّ، قال:
كان بكر بن النّطاح الحنفيّ أبو وائل بخيلا، فدخل عليه عبّاد بن الممزّق يوما، فقدّم إليه خبزا يابسا قليلا بلا أدم، ورفعه من بين يديه قبل أن يشبع، فقال عبّاد يهجوه:
من يشتري مني أبا وائل ... بكر بن نطّاح بفلسين؟
كأنما الآكل من خبزه ... يأكله من شحمة العين
قال: وكان عبّاد هذا هجّاء ملعونا، وهو القائل:
أنا الممزّق أعراض اللّئام كما ... كان الممزّق أعراض اللّئام أبي
مدح مالك بن طوق ثم هجاه
أخبرني عمّي، قال: حدّثنا أبو هفّان، قال:
كان بكر بن النّطّاح قصد مالك بن طوق فمدحه، فلم يرض ثوابه، فخرج من عنده وقال يهجوه:
فليت جدا مالك كلّه ... وما يرتجى منه من مطلب
أصبت بأضعاف أضعافه ... ولم أنتجعه ولم أرغب
__________
[1] حطمه: كسره، والسنون الحواطم: المهلكة.
[2] ف، المختار:
وحدثني عن بعض من قال إنه ... رأت عينه فيما ترى عين نائم
[3] المختار:
«كأن الندى يبكي على قبر معقل»
أسأت اختياري منك الثّواب [1] ... لي الذّنب جهلا ولم تذنب
/ وكتبها في رقعة وبعث بها إليه، فلما قرأها وجّه جماعة من أصحابه في طلبه، وقال لهم: الويل لكم إن فاتكم بكر بن النّطّاح.
اعتذر إليه وأعطاه فمدحه
ولا بد أن تنكفئوا على أثره [2] ولو صار إلى الجبل، فلحقوه فردّوه إليه، فلما دخل داره ونظر إليه قام فتلقاه وقال: يا أخي، عجلت علينا وما كنّا نقتصر بك على ما سلف وإنما بعثنا إليك بنفقة، وعوّلنا بك على ما يتلوها، واعتذر كلّ واحد منهما إلى صاحبه، ثم أعطاه حتى أرضاه، فقال بكر بن النّطّاح يمدحه:
أقول لمرتاد ندى غير مالك ... كفى بذل هذا الخلق بعض عداته
فتى جاد بالأموال في كلّ جانب ... وأنهبها [3] في عوده وبداته
فلو خذلت أمواله بذل [4] كفّه ... لقاسم من يرجوه شطر حياته
ولو لم يجد في العمر قسمة ماله [5] ... وجاز له الإعطاء من حسناته
لجاد بها من غير كفر بربّه ... وشاركهم في صومه وصلاته
فوصله صلة ثانية لهذه الأبيات، وانصرف عنه راضيا.
هكذا ذكر أبو هفّان في خبره وأحسبه غلطا، لأن أكثر مدائح بكر بن النّطّاح في مالك بن عليّ الخزاعيّ - وكان يتولّى طريق خراسان - وصار إليه بكر بن النّطاح بعد وفاة أبي دلف ومدحه، فأحسن تقبّله وجعله في جنده، وأسنى له الرّزق، فكان معه، إلى أن قتله الشّراة بحلوان، فرثاه بكر بعدّة قصائد هي من غرر شعره وعيونه.
كان مع مالك الخزاعي يوم أن قتل فرثاه
فحدّثني عمّي، قال: حدّثني أحمد بن أبي طاهر، عن أبي وائلة السّدوسيّ، قال:
عاثت الشّراة بالجبل عيثا شديدا، وقتلوا الرجال والنساء والصّبيان،/ فخرج إليهم مالك بن عليّ الخزاعيّ وقد وردوا حلوان، فقاتلهم قتالا شديدا فهزمهم عنها، وما زال يتبعهم حتى بلغ بهم قرية يقال لها: حدّان [6]، فقاتلوه عندها قتالا شديدا، وثبت الفريقان إلى الليل حتى حجز بينهم، وأصابت مالكا ضربة على رأسه أثبتته [7]، وعلم أنه ميّت، فأمر بردّه إلى حلوان، فما بلغها حتى مات، فدفن على باب حلوان، وبنيت لقبره قبّة على قارعة الطريق، وكان معه بكر بن النّطّاح يومئذ، فأبلى بلاء حسنا، وقال بكر يرثيه:
__________
[1] ب:
«أسأت اختياري فنلت النوى»
[2] مي: «و لا بد أن تبلغوا في أثره».
[3] فوات الوفيات 1: 79: «و أوهبها».
[4] فوات الوفيات: «جود كفه».
[5] فوات الوفيات: «قسمة باذل».
[6] حدّان - بالضم - : إحدى محالّ البصرة القديمة. وفي ف: «حيداد».
[7] أثبتته: جعلته ثابتا في مكانه لا يفارقه.
يا عين جودي بالدّموع السّجام ... على الأمير اليمنيّ الهمام
على فتى الدّنيا وصنديدها ... وفارس الدّين وسيف الإمام
لا تدخري الدمع على هالك ... أيتم إذ أودى جميع الأنام
طاب ثرى حلوان إذ ضمّنت ... عظامه، سقيا لها من عظام
أغلقت الخيرات أبوابها ... وامتنعت بعدك يا بن الكرام
وأصبحت خيلك بعد الوجا ... والغزو تشكو منك طول الجمام
ارحل بنا نقرب إلى مالك ... كيما نحيّي قبره بالسّلام
كان لأهل الأرض في كفّه ... غنى عن البحر وصوب الغمام
وكان في الصّبح كشمس الضّحى ... وكان في الليل كبدر الظّلام [1]
وسائل يعجب من موته ... وقد رآه وهو صعب المرام
/ قلت له عهدي به معلما ... يضربهم عند ارتفاع القتام
والحرب من طاولها [2] لم يكد ... يفلت من وقع صقيل حسام
لم ينظر الدّهر لنا إذ عدا ... على ربيع النّاس في كل عام
لن يستقيلوا أبدا فقده ... ما هيّج الشّجو دعاء الحمام
قال: وقال أيضا يرثيه:
أيّ امرىء خضب الخوارج ثوبه [3] ... بدم عشيّة راح من حلوان
يا حفرة ضمّت محاسن مالك ... ما فيك من كرم ومن إحسان
لهفي على البطل المعرّض خدّه ... وجبينه لأسنة الفرسان
خرق الكتيبة معلما متكنّبا [9] ... والمرهفات عليه كالنّيران
ذهبت بشاشة كلّ شيء بعده ... فالأرض موحشة بلا عمران
هدم الشّراة غداة مصرع مالك ... شرف العلا ومكارم البنيان
قتلوا فتى العرب الّذي كانت به ... تقوى على اللّزبات [4] في الأزمان
حرموا معدّا ما لديه وأوقعوا ... عصبيّة في قلب كلّ يماني
تركوه في رهج العجاج كأنه [5] ... أسد يصول بساعد وبنان
هوت الجدود عن السّعود لفقده ... وتمسّكت بالنّحس والدّبران
/ لا يبعدنّ أخو خزاعة إذ ثوى ... مستشهدا في طاعة الرّحمن
/ عزّ الغواة به وذلّت أمة ... محبوّة بحقائق الإيمان
__________
[1] في المختار:
«و كان بالليل كبدر التمام»
[2] مي: «حاولها».
[3] ف: «تربه».
[4] ف، المختار: «الأزمات». والمزبات جمع: لزبة، وهي الشدة أو القحط.
[5] المختار: «تركوه في رهج الغبار كأنه» والرهج: الغبار أو ما أثير منه. والعجاج: الغبار.
وبكاه مصحفه وصدر قناته [1] ... والمسلمون ودولة السّلطان
وغدت تعقّر خيله وتقسّمت ... أدراعه وسوابغ الأبدان
أفتحمد الدّنيا وقد ذهبت ... بمن كان المجير لنا من الحدثان!
تشوقه بغداد وهو بالجبل
أخبرني هاشم بن محمد الخزاعيّ، قال: أنشدني أبو غسّان دماذ لبكر بن النّطّاح يتشوّق بغداد وهو بالجبل يومئذ:
نسيم المدام وبرد السّحر ... هما هيّجا الشّوق حتى ظهر
تقول: اجتنب دارنا بالنّهار ... وزرنا إذا غاب ضوء القمر
فإنّ لنا حرسا إن رأوك ... ندمت وأعطوا عليك الظّفر
وكم صنع اللّه من مرّة ... عليهم وقد أمروا بالحذر
سقى اللّه بغداد من بلدة ... وساكن بغداد صوب المطر
ونبّئت أنّ جواري القصو ... ر صيّرن ذكري حديث السّمر
ألا ربّ سائلة بالعرا ... ق عنّي وأخرى تطيل الذّكر [2]
تقول: عهدنا أبا وائل ... كظبي الفلاة المليح الحور
ليالي كنت أزور القيان ... كأنّ ثيابي بهار الشّجر [3]
هوى جارية من القيان وقال فيها شعرا
حدّثني جعفر بن قدامة، قال: حدّثني ميمون بن هارون، قال:
كان بكر بن النّطّاح يهوى جارية من جواري القيان وتهواه، وكانت لبعض الهاشميّين، يقال لها درّة، وهو يذكرها في شعره كثيرا، وكان يجتمع معها في منزل/ رجل من الجند من أصحاب أبي دلف يقال له: الفرز، فسعى به إلى مولاها، وأعلمه أنه قد أفسدها وواطأها على أن تهرب معه إلى الجبل، فمنعه من لقائها وحجبه عنها، إلى أن خرج إلى الكرج مع أبي دلف، فقال بكر بن النّطّاح في ذلك:
أهل دار بين الرّصافة والجس ... ر أطالوا غيظي بطول الصّدود
عذّبوني ببعدهم وابتلوا قلب ... ي بحزنين [4]: طارف وتليد
ما تهبّ الشّمال إلا تنفّ ... ست وقال الفؤاد للعين: جودي
قلّ عنهم صبري ولم يرحموني ... فتحيّرت كالطّريد الشّريد
وكلتني الأيام فيك إلى نفس ... ي فأعييت وانتهى مجهود
وقال فيها أيضا وفيه غناء من الرمل الطنبوريّ:
__________
[1] مد، ب: «و صدر حسامه».
[2] ف، مي: «الفكر».
[3] البهار: نبت طيب الرائحة.
[4] ب: «بحبين».
العين تبدي الحبّ والبغضا ... وتظهر الإبرام والنّقضا
درّة ما أنصفتني في الهوى ... ولا رحمت الجسد المنضى [1]
مرّت بنا في قرطق [2] أخضر ... يعشق منها بعضها بعضا
غضبي ولا واللّه يا أهلها ... لا أشرب البارد أو ترضى
/ كيف أطاعتكم بهجري وقد ... جعلت خدّيّ لها أرضا!
وقال فيها أيضا وفيه رمل طنبوري:
صدّرت فأمسى لقاؤها حلما [3] ... واستبدل الطرف بالدّموع دما
وسلّطت حبّها على كبدي ... فأبدلتني بصحّة سقما
/ وصرت فردا أبكي لفرقتها ... وأقرع السّنّ بعدها ندما
شقّ عليها قول الوشاة لها: ... أصبحت في أمر ذا الفتى علما
لو لا شقائي وما بليت به ... من هجرها ما استثرت ما اكتتما [4]
كم حاجة في الكتاب بحت بها ... أبكيت منها القرطاس والقلما
وقال فيها أيضا، وفيه رمل لأبي الحسن أحمد بن جعفر جحظة:
بعدت عني فتغيّرت لي ... وليس عندي لك تغيير
فجدّدي ما رثّ من وصلنا ... وكلّ ذنب لك مغفور
أطيّب النّفس بكتمان ما ... سارت به من غدرك العير
وعدك يا سيّدتي غرّني ... منك ومن يعشق مغرور
يحزنني علمي بنفسي إذا ... قال خليلي أنت مهجور
يا ليت من زيّن هذا لها ... جارت لنا فيه المقادير
ساقي النّدامي سقّها صاحبي [5] ... فإنني ويحك معذور
أأشرب الخمر على هجرها ... إني إذا بالهجر مسرور!
وفيها يقول وقد خرج مع أبي دلف إلى أصبهان:
يا ظبية السّيب التي أحببتها ... ومنحتها لطفي ولين جناحي
عيناي باكيتان بعدك للّذي ... أودعت قلبي من ندوب جراح
سقيا لأحمد من أخ ولقاسم ... فقدا غدوّي لاهيا ورواحي
__________
[1] المنضى: المهزول.
[2] القرطق: قباء ذو طاق واحد «معرب».
[3] مي: «حرما»، وفي ب: «حمما».
[4] ب:
«لو لا سقامي ما بيت به ... من هجرها لاستترت فاكتتما»
[5] ب:
«ساقي المدام أسقها صاحبي»
/
وتردّدي من بيت فرز آمنا ... من قرب كلّ مخالف وملاحي
أيام تغبطني الملوك ولا أرى ... أحدا له كتدلّلي ومراحي
تصف القيان إذا خلون مجانتي ... ويصفن للشّرب الكرام سماحي
ومما يغنّى فيه من شعر بكر بن النّطّاح في هذه الجارية قوله:
صوت
هل يبتلى أحد بمثل بليّتي ... أم ليس لي في العالمين ضريب؟
قالت عنان وأبصرتني شاحبا: ... يا بكر مالك قد علاك شحوب؟
فأجبتها: يا أخت لم يلق الّذي ... لاقيت إلا المبتلى أيّوب
قد كنت أسمع بالهوى فأظنّه ... شيئا يلذّ لأهله ويطيب
حتى ابتليت بحلوه وبمرّه ... فالحلو منه للقلوب مذيب
والمرّ يعجز منطقي عن وصفه ... للمرّ وصف يا عنان عجيب
/ فأنا الشّقيّ بحلوه وبمرّه ... وأنا المعنّى الهائم المكروب
يا درّ حالفك الجمال فما له ... في وجه إنسان سواك نصيب
كلّ الوجوه تشابهت وبهرتها ... حسنا فوجهك في الوجوه غريب
والشمس يغرب في الحجاب ضياؤها ... عنّا ويشرق وجهك المحجوب
ومما يغنّى فيه من شعره فيها أيضا:
غضب الحبيب عليّ في حبّي له ... نفسي الفداء لمذنب غضبان
ما لي بما ذكر الرّسول يدان بل ... إن تمّ رأيك ذا خلعت عناني
/ يا من يتوق إلى حبيب مذنب ... طاوعته فجزاك بالعصيان
هلّا انتحرت فكنت أول هالك ... إن لم يكن لك بالصّدود يدان
كنّا وكنتم كالبنان وكفّها ... فالكفّ مفردة بغير بنان
خلق السّرور لمعشر خلقوا له ... وخلقت للعبرات والأحزان
صوت
ليت شعري أأوّل الهرج هذا ... أم زمان من فتنة غير هرج [1]
إن يعش مصعب فنحن بخير ... قد أتانا من عيشنا ما نرجّي [2]
ملك يطعم الطّعام ويسقي ... لبن البخت في عساس الخلنج [3]
__________
[1] الهرج: الفتنة والاختلاط.
[2] في الديوان - 180 ط. بيروت:
« ... فإنا بخير ... ... قد أتانا من عيشه ... »
[3] في الديوان - 180:
جلب الخيل من تهامة حتّى ... بلغت خيله [1] قصور زرنج
حيث لم تأت قبله خيل ذي الأكتاف يوجفن [2] بين قفّ ومرج عروضه من الخفيف. الشعر لعبيد اللّه بن قيس الرّقيّات، والغناء ليونس الكاتب ماخوري بالبنصر، وفيه لمالك ثاني ثقيل بالخنصر في مجرى البنصر عن إسحاق.
__________
«ملك يبرم الأمور ولا ... يشرك في رأيه الضعيف المزجّي»
والبخت: الإبل الخراسانية، وعساس جمع عس، وهو القدح الكبير، والخلنج: شجر تصنع من خشبه القصاع.
[1] في الديوان - 180: «وردت خيله» وزرنج: مدينة بسجستان.
[2] في الديوان - 180: «يرجعن». وذو الأكتاف: سابور بن هرمز قاتل العرب ونزع أكتاف من قتلهم.
7 - مقتل مصعب بن الزبير
خرج لمحاربة عبد الملك بن مروان
وهذا الشعر يقوله عبيد اللّه بن قيس لمصعب بن الزّبير لما حشد للخروج عن الكوفة لمحاربة عبد الملك بن مروان.
استشارة عبد الملك بن مروان في المسير إلى العراق
وكان السبب في ذلك، فيما أجاز لنا الحرميّ بن أبي العلاء روايته عنه، عن الزّبير بن بكار، عن المدائنيّ، قال:
لما كانت سنة اثنتين وسبعين، استشار عبد الملك بن مروان عبد الرحمن بن الحكم في المسير إلى العراق ومناجزة مصعب، فقال: يا أمير المؤمنين، قد واليت بين عامين تغزو فيهما وقد خسرت خيلك ورجالك، وعامك هذا عام حارد فأرح نفسك ورجلك [1] ثم ترى رأيك. فقال: إني أبادر ثلاثة أشياء، وهي أنّ الشام أرض بها المال قليل فأخاف أن ينفد ما عندي، وأشراف أهل العراق قد كاتبوني يدعونني إلى أنفسهم، وثلاثة من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قد كبروا ونفدت أعمارهم، وأنا أبادر بهم الموت أحبّ أن يحضروا معي.
ثم دعا يحيى بن الحكم - وكان يقول: من أراد أمرا فليشاور يحيى بن الحكم فإذا أشار عليه بأمر فليعمل بخلافه. فقال: ما ترى في المسير إلى العراق؟ قال: أرى أن ترضى بالشام وتقيم بها وتدع مصعبا/ بالعراق، فلعن اللّه العراق! فضحك عبد الملك.
ودعا عبد اللّه بن خالد بن أسيد فشاوره، فقال: يا أمير المؤمنين قد غزوت مرة فنصرك اللّه، ثم غزوت ثانية فزادك اللّه بها عزّا، فأقام عامك هذا.
فقال لمحمد بن مروان: ما ترى؟ قال: أرجو أن ينصرك اللّه أقمت أم غزوت، فشمّر فإن اللّه ناصرك. فأمر الناس فاستعدوا للمسير، فلما أجمع عليه قالت عاتكة بنت يزيد بن معاوية زوجته: يا أمير المؤمنين، وجّه الجنود وأقم، فليس الرأي أن يباشر/ الخليفة الحرب بنفسه، فقال: لو وجّهت أهل الشام كلّهم فعلم مصعب أنّي لست معهم لهلك الجيش كله، ثم تمثل:
ومستخبر عنّا يريد بنا الرّدى ... ومستخبرات والعيون سواكب
ثم قدّم محمد بن مروان ومعه عبد اللّه بن خالد بن أسيد وبشر بن مروان، ونادى مناديه: إن أمير المؤمنين قد استعمل عليكم سيّد الناس محمد بن مروان. وبلغ مصعب بن الزبير مسير عبد الملك، فأراد الخروج فأبى عليه أهل
__________
[1] ف: «فأرح نفسك وجسدك».
البصرة وقالوا: عدوّنا مطلّ علينا - يعنون الخوارج - فأرسل إليهم بالمهلّب وهو بالموصل، وكان عامله عليها، فولّاه قتال الخوارج، وخرج مصعب فقال بعض الشعراء:
أكلّ عام لك باجميرا ... تغزو بنا ولا تفيد خيرا [1]
القتال بينه وبين عبد الملك
قال: وكان مصعب كثيرا ما يخرج إلى باجميرا يريد الشام ثم يرجع، فأقبل عبد الملك حتى نزل الأخنونيّة [2] ونزل مصعب بمسكن إلى جنب أوانا [3] وخندق خندقا ثم تحوّل ونزل دير الجاثليق وهو بمسكن، وبين العسكرين ثلاثة فراسخ - ويقال فرسخان - فقدّم عبد الملك محمدا وبشرا أخويه وكلّ واحد منهما على جيش والأمير محمد، وقدّم مصعب إبراهيم بن الأشتر، ثم كتب عبد الملك إلى أشراف أهل الكوفة والبصرة، يدعوهم إلى نفسه ويمينهم، فأجابوه وشرطوا عليه شروطا، وسألوه ولايات، وسأله ولاية أصبهان أربعون رجلا منهم، فقال عبد الملك لمن حضره: ويحكم! ما أصبهان هذه! تعجّبا ممن يطلبها [4]، وكتب إلى إبراهيم بن الأشتر: لك ولاية ما سقى الفرات إن تبعتني، فجاء إبراهيم بالكتاب إلى مصعب فقال: هذا كتاب عبد الملك، ولم يخصصني بهذا دون غيري من نظرائي، ثم قال: فأطعني فيهم، قال: أصنع ماذا؟ قال: تدعوهم/ فتضرب أعناقهم. قال: أقتلهم على ظن ظننته! قال: فأوقرهم حديدا وابعث بهم إلى أرض المدائن [5] حتى تنقضي الحرب، قال: إذا تفسد قلوب عشائرهم، ويقول الناس: عبث مصعب بأصحابه. قال: فإن لم تفعل فلا تمدّني بهم فإنهم كالمومسة تريد كل يوم خليلا، وهم يريدون كل يوم أميرا.
أرسل عبد الملك إلى مصعب رجلا يدعوه إلى أن يجعل الأمر شورى في الخلافة، فأبى مصعب، فقدّم عبد الملك أخاه محمدا ثم قال: اللهم انصر محمدا - ثلاثا - ثم قال: اللهم انصر أصلحنا وخيرنا لهذه الأمة. قال:
وقدّم مصعب إبراهيم بن الأشتر، فالتقت المقدمتان وبين عسكر مصعب وعسكر ابن الأشتر فرسخ، ودنا عبد الملك حتى قرب من عسكر محمد، فتناوشوا، فقتل رجل على مقدمة محمد/ يقال له فراس، وقتل صاحب لواء بشر وكان يقال له أسيد، فأرسل محمد إلى عبد الملك أنّ بشرا قد ضيّع لواءه. فصرف [6] عبد الملك الأمر كله إلى محمد، وكفّ الناس وتواقفوا، وجعل أصحاب ابن الأشتر يهمّون بالحرب ومحمد بن مروان يكف أصحابه، فأرسل عبد الملك إلى محمد: ناجزهم، فأبى، فأوفد [7] إليه رسولا آخر وشتمه، فأمر محمد رجلا فقال له: قف خلفي في ناس من أصحابك فلا تدعنّ أحدا يأتيني من قبل عبد الملك، وكان قد دبّر تدبيرا سديدا في تأخير المناجزة إلى وقت رآه، فكره أن يفسد عبد الملك تدبيره عليه، فوجّه إليه عبد الملك عبد اللّه بن خالد بن أسيد، فلما رأوه أرسلوه إلى محمد بن مروان: هذا عبد اللّه بن خالد بن أسيد، فقال: ردّوه بأشد ممّا رددتم من جاء قبله، فلما قرب المساء أمر
__________
[1] باجميرا: موضع في أرض الموصل. ذكره ياقوت في 1: 454، وأورد البيت وعزاه لأبي جهم الكناني.
[2] في معجم البلدان: الأخنونية: موضع من أعمال بغداد.
[3] في معجم البلدان: أوانا: بليدة كثيرة البساتين والشجر نزهة، بينها وبين بغداد عشرة فراسخ.
[4] ف: «تعجبا من كثرة من يطلبها».
[5] الطبري 7: 185: ط الحسينية: «أبيض كسرى». وفي ف: «أبيض المدائن».
[6] ف: «فصيّر عبد الملك الأمر كله إلى محمد».
[7] ف: «فرد عليه رسولا آخر».
محمد بن مروان أصحابه بالحرب، وقال: حرّكوهم قليلا، فتهايج الناس، ووجه مصعب عتّاب [1] بن ورقاء الرّياحيّ يعجّز إبراهيم، فقال له: قد قلت له: لا تمدّني بأحد من أهل العراق فلم يقبل، واقتتلوا، وأرسل/ إبراهيم بن الأشتر إلى أصحابه - بحضرة الرسول ليرى خلاف أهل العراق عليه في رأيه - ألا تنصرفوا عن الحرب حتى ينصرف أهل الشام عنكم، فقالوا: ولم لا ننصرف؟ فانصرفوا وانهزم الناس حتى أتوا مصعبا. وصبر إبراهيم بن الأشتر فقاتل حتى قتل، فلما أصبحوا أمر محمد بن مروان رجلا فقال: انطلق إلى عسكر مصعب فانظر كيف تراهم بعد قتل ابن الأشتر، قال: لا أعرف موضع عسكرهم، فقال له إبراهيم بن عديّ الكنانيّ: انطلق فإذا رأيت النخل فاجعله منك موضع سيفك، فمضى الرجل حتى أتى عسكر مصعب، ثم رجع إلى محمد فقال: رأيتهم منكسرين. وأصبح معصب فدنا منه، ودنا محمد بن مروان حتى التقوا، فترك قوم من أصحاب مصعب مصعبا وأتوا محمد بن مروان، فدنا إلى مصعب ثم ناداه: فداك أبي وأمي، إن القوم خاذلوك ولك الأمان، فأبى قبول ذلك، فدعا محمد بن مروان ابنه عيسى بن مصعب، فقال له أبوه: انظر ما يريد محمد، فدنا منه فقال له: إني لكم ناصح؛ إن القوم خاذلوكم ولك ولأبيك الأمان، وناشده. فرجع إلى أبيه فأخبره، فقال: إني أظن القوم سيفون، فإن أحببت أن تأتيهم فأتهم، فقال: واللّه لا تتحدث نساء قريش أني خذلتك ورغبت بنفسي عنك، قال: فتقدم حتى أحتسبك، فتقدم وتقدم ناس معه فقتل وقتلوا، وترك أهل العراق مصعبا حتى بقي في سبعة. وجاء رجل من أهل الشام ليحتز رأس عيسى، فشد عليه مصعب فقتله، ثم شد على الناس فانفرجوا، ثم رجع فقعد على مرفقة ديباج، ثم جعل يقوم عنها ويحمل على أهل الشام فيفرجون عنه، ثم يرجع فيقعد على المرفقة، حتى فعل ذلك مرارا، وأتاه عبيد اللّه بن زياد بن ظبيان فدعاه إلى المبارزة، فقال له: اعزب يا كلب، وشد عليه مصعب فضربه على البيضة فهشمها وجرحه، فرجع عبيد اللّه فعصّب رأسه، وجاء ابن أبي فروة كاتب مصعب فقال له: جعلت فداك، قد تركك القوم وعندي خيل مضمّرة فاركبها وانج بنفسك، فدفع في صدره وقال: ليس أخوك بالعبد.
مقتل مصعب
ورجع ابن ظبيان إلى مصعب، فحمل عليه، وزرق [2] /زائدة بن قدامة مصعبا ونادى:/ يا لثارات المختار! فصرعه، وقال عبيد اللّه لغلام له [3]: احتزّ رأسه، فنزل فاحتز رأسه، فحمله إلى عبد الملك، فيقال: إنه لما وضعه بين يديه سجد. قال ابن ظبيان: فهمت واللّه أن أقتله فأكون أفتك العرب، قتلت ملكين من قريش في يوم واحد، ثم وجدت نفس تنازعني إلى الحياة فأمسكت.
قال: وقال يزيد بن الرّقاع العامليّ أخو عديّ بن الرقاع وكان شاعر أهل الشام:
نحن قتلنا ابن الحواريّ مصعبا ... أخا أسد والمذحجيّ اليمانيا
يعني ابن الأشتر، قال:
ومرّت عقاب الموت منا بمسلم ... فأهوت له ظفرا [4] فأصبح ثاويا
__________
[1] ف: «و وجه مصعب إبراهيم بن عتاب بن ورقة».
[2] زرقه: رماه بالمزراق. وفي ف: «و زرق ابن زائدة بن قدامة مصعبا».
[3] مم: «لغلام له ديلمي».
[4] ب، مد:
«فأهوت له طير»
وفي الطبري 7: 187 ط الحسينية:
«فأهوت له نابا»
قال الزبير: ويروى هذا الشعر للبعيث اليشكريّ، ومسلم الّذي عناه هو مسلم بن عمرو الباهلي.
مقتل مسلم بن عمرو الباهلي
حدثنا محمد بن العباس اليزيديّ، قال: حدثنا سليمان بن أبي شيخ، قال: حدثنا محمد بن الحكم، عن عوانة، قال:
كان مسلم بن عمرو الباهليّ على ميسرة إبراهيم بن الأشتر، فطعن وسقط فارتثّ [1]، فلما قتل مصعب أرسل إلى خالد بن يزيد بن معاوية أن يطلب له الأمان من عبد الملك، فأرسل إليه: ما تصنع بالأمان وأنت بالموت؟ قال:
ليسلم لي مالي ويأمن ولدي. قال: فحمل على سرير فأدخل على عبد الملك بن مروان، فقال عبد الملك لأهل الشام: هذا أكفر الناس لمعروف، ويحك أكفرت معروف يزيد بن معاوية عندك؟ فقال له خالد: تؤمنّه يا أمير المؤمنين، فأمّنه، ثم حمل فلم يبرح الصّحن حتى مات، فقال الشاعر:
نحن قتلنا ابن الحواريّ مصعبا ... أخا أسد والمذحجيّ اليمانيا
/ حدثنا محمد بن العباس، قال: حدثنا أحمد بن الحارث الخراز، عن المدائنيّ، قال:
قال رجل لعبيد اللّه بن زياد بن ظبيان: بماذا تحتجّ عند اللّه عز وجل من قتلك لمصعب؟ قال: إن تركت أحتجّ رجوت أن أكون أخطب من صعصعة بن صوحان.
مصعب وسكينة بنت الحسين
وقال مصعب الزبيريّ في خبره: قال الماجشون:
فلما كان يوم قتل مصعب دخل إلى سكينة بنت الحسين عليهما السّلام فنزع عنه ثيابه، ولبس غلالة [2] وتوشح بثوب، وأخذ سيفه، فعلمت سكينة أنه لا يريد أن يرجع فصاحت من خلفه: واحزناه [3] عليك يا مصعب، فالتفت إليها وقد كانت تخفى ما في قلبها منه، أوكلّ هذا لي في قلبك! فقالت: إي واللّه، وما كنت أخفي أكثر، فقال:
لو كنت أعلم أن هذا كله لي عندك لكانت لي ولك حال، ثم خرج ولم يرجع.
قال مصعب: وحدثني مصعب بن عثمان: أن مصعب بن الزبير لما قدمت عليه سكينة أعطى أخاها عليّ بن الحسين عليهم السّلام - وهو كان حملها إليه - أربعين ألف دينار.
قال مصعب: وحدثني معاوية بن بكر الباهليّ قال:
قالت سكينة: دخلت على مصعب وأنا أحسن من النار الموقدة. قال: وكانت قد ولدت منه بنتا، فقال لها:
سميها زبراء، فقالت: بل أسميها باسم بعض أمهاتي، فسمتها الرّباب.
قال: فحدثني محمد بن سلام، عن شعيب بن صخر، عن أمه سعدة بنت عبد اللّه بن سالم، قالت:
لقيت سكينة بنت الحسين بين مكة ومنّى فقالت: قفي يا بنت عبد اللّه، ثم كشفت عن ابنتها فإذا هي قد أثقلتها
__________
[1] أرتث: حمل من المعركة جريحا وفيه رمق.
[2] الغلالة: شعار يلبس تحت الثوب وتحت الدرع أيضا.
[3] ف: «و احرباه عليك يا مصعب».
باللؤلؤ. فقالت: واللّه ما ألبستها/ إياه إلا لتفضحه، قال: فلما/ قتل مصعب ولي أمر ماله عروة بن الزبير، فزوّج [1] ابنه عثمان بن عروة ابنة أخيه من سكينة وهي صغيرة فماتت قبل أن تبلغ، فورث عثمان بن عروة منها عشرة آلاف دينار.
قال: ولما دخلت سكينة الكوفة بعد قتل مصعب خطبها عبد الملك فقالت: واللّه لا يتزوجني بعده قاتله أبدا.
وتزوجت عبد اللّه بن عثمان بن عبد اللّه بن حكيم بن حزام، ودخلت بينها وبينه رملة بنت الزبير أخت مصعب حتى تزوجها خوفا من أن تصير إلى عبد الملك، فولدت منه ابنا فسمته عثمان - وهو الّذي يلقّب بقرين - وربيحة ابني عبد اللّه بن عثمان، فتزوج ربيحة العباس بن الوليد بن عبد الملك.
عبيد اللّه بن قيس الرقيات يرثي مصعبا
ثم مات عبد اللّه بن عثمان عنها فتزوجها زيد بن عمرو بن عثمان بن عفان، فقال عبيد اللّه بن قيس الرقيات يرثي مصعبا:
صوت
إن الرّزيّة يوم مس ... كن [2] والمصيبة والفجيعة
يابن الحواريّ الّذي ... لم يعده يوم الوقيعه
غدرت به مضر العرا ... ق وأمكنت منه ربيعه [3]
تاللّه [4] لو كانت له ... بالدّير يوم الدير شيعه
لوجدتموه حين يد ... لج لا يعرّس [5] بالمضيعه
غنّاه يونس الكاتب من كتابه، ولحنه خفيف رمل بالوسطى، وفيه لموسى/ شهوات خفيف رمل بالبنصر عن حبش، وقيل: بل هو هذا اللحن، وغلط من نسبه إلى موسى.
وقال عديّ بن الرّقاع العامليّ يذكر مقتله:
لعمري لقد أصحرت [6] خيلنا ... بأكناف دجلة للمصعب
يهزّون كلّ طويل القنا ... ة معتدل النّصل والثّعلب [7]
فداؤك أمّي وأبناؤها ... وإن شئت زدت عليهم [8] أبي
__________
[1] ب: «فزوج ابنه عثمان بن عروة منها بعشرة آلاف دينار».
[2] مسكن «بكسر الكاف»: موضع على نهر دجيل عند دير الجاثليق به قبر مصعب. «معجم البلدان».
[3] في معجم البلدان بعد هذا البيت:
وأصبت وترك يا رب ... يع وكنت سامعا مطيعا
[4] في معجم البلدان: يا لهف لو كانت لها ... وجاء بعده:
أو لم يخونوا عهده ... أهل العراق بنو اللكيعة
[5] عرّس المسافر: نزل آخر الليل للراحة.
[6] أصحرت: برزت في الصحراء.
[7] الثعلب هنا: طرف الرمح في أسفل السنان.
[8] ف: «زدت عليها».
وما قلتها رهبة إنما ... يحلّ العقاب على المذنب
إذا شئت دافعت مستقتلا [1] ... أزاحم كالجمل الأجرب
فمن يك منّا يبت آمنا ... ومن يك من غيرنا يهرب
غنّاه معبد من رواية إسحاق ثاني ثقيل بالسبابة في مجرى الوسطى.
ابن قيس يرثي مصعبا
وقال ابن قيس يرثي مصعبا:
لقد أورث المصرين خزيا وذلّة ... قتيل بدير الجاثليق مقيم
فما قاتلت في اللّه بكر بن وائل ... ولا صبرت عند اللّقاء تميم
ولكنه رام القيام ولم يكن ... لها مضريّ يوم ذاك كريم
مصعب يسأل عن قتل الحسين
قال الزبير: وكان مصعب لمّا قدم الكوفة يسأل عن الحسين بن عليّ عليهما السّلام وعن قتله، فجعل عروة بن المغيرة يحدّثه عن ذلك، فقال متمثّلا بقول سليمان بن قتّة:
فإنّ الألى بالطّفّ من آل هاشم ... تأسّوا فسنّوا للكرام التّأسّيا
/ قال عروة: فعلمت أن مصعبا لا يفرّ أبدا.
الحجاج يتأسى بموقف مصعب
قال الزبير: وقال أبو الحكم بن خلاد بن قرّة السّدوسيّ: حدثني أبي، قال:
لما كان يوم السّبخة حين عسكر الحجاج بإزاء شبيب الشاريّ قال له الناس: لو تنحّيت أيها الأمير عن هذه السّبخة؟ فقال لهم: ما تنحّوني - واللّه - إليه أنتن، وهل ترك مصعب لكريم مفرّا؟ ثم تمثّل قول الكلحبة:
إذا المرء لم يغش المكاره أوشكت ... حبال الهوينى بالفتى أن تقطّعا
خطبة عبد اللّه بن الزبير بعد مقتل مصعب
قال الزبير: وحدّثني المدائنيّ، عن عوانة والشّرقيّ بن القطاميّ، عن أبي جناب، قال: حدّثني شيخ من أهل مكة، قال:
لما أتى عبد اللّه بن الزبير قتل مصعب أضرب عن ذكره أياما حتى تحدثت به إماء مكة في الطريق، ثم صعد المنبر فجلس عليه مليّا لا يتكلم، فنظرت إليه والكآبة على وجهه، وجبينه يرشح عرقا، فقلت لآخر إلى جنبي: ما له لا يتكلم؟ أتراه يهاب المنطق؟ فو اللّه إنه لخطيب، فما تراه يهاب؟ قال: أراه يريد أن يذكر قتل مصعب سيّد العرب فهو يفظع لذكره، وغير ملوم [2] فقال: الحمد للّه الّذي له الخلق والأمر ومالك الدنيا والآخرة، يعزّ من يشاء ويذلّ
__________
[1] ف، المختار: «نازلت مستقبلا».
[2] ب: «و هو بفظيع ما تذكره غير ملوم».
من يشاء، ألا إنه لم يذلّ واللّه من كان الحق معه وإن كان مفردا ضعيفا، ولم يعزّ من كان الباطل معه، وإن كان في العدّة والعدد والكثرة، ثم قال: إنه قد أتانا خبر من العراق بلد الغدر والشقاق فساءنا وسرّنا، أتانا أن مصعبا قتل رحمة اللّه عليه ومغفرته، فأما الّذي أحزننا من ذلك فإن لفراق الحميم لذعة يجدها حميمه عند المصيبة، ثم يرعوي من بعد ذو الرأي والدين إلى جميل الصبر. وأما الّذي سرّنا منه فإنا قد علمنا أن قتله شهادة له وأن اللّه عز وجل جاعل لنا وله ذلك خيرة إن شاء اللّه تعالى. إن أهل العراق أسلموه وباعوه بأقل ثمن كانوا يأخذونه منه وأخسره، أسلموه إسلام/ النّعم المخطّم [1] فقتل، ولئن قتل لقد قتل أبوه وعمّه وأخوه وكانوا الخيار الصالحين، إنا واللّه ما نموت حتف أنوفنا، ما نموت إلا قتلا، قعصا بين قصد [2] الرّماح وتحت ظلال السّيوف وليس كما يموت بنو مروان، واللّه ما قتل رجل منهم في جاهلية ولا إسلام قط، وإنما الدنيا عارية من الملك القهار، الّذي لا يزول سلطانه، ولا يبيد ملكه، فإن تقبل الدنيا عليّ لا آخذها أخذ الأشر البطر، وإن تدبر عني لا أبك عليها بكاء الخرف المهتر. ثم نزل.
رجل من بني أسد يرثي مصعبا
وقال رجل من بني أسد بن عبد العزّى يرثي مصعبا:
لعمرك إنّ الموت منا لمولع ... بكلّ فتى رحب الذّراع أريب
فإن يك أمسى مصعب نال حتفه ... لقد كان صلب العود غير هيوب [3]
جميل المحيّا يوهن القرن غربه ... وإن عضّه دهر فغير رهوب
أتاه حمام الموت وسط جنوده ... فطاروا شلالا [4] واستقى بذنوب
ولو صبروا نالوا حبا [5] وكرامة ... ولكنّهم ولّوا بغير قلوب
كان مصعب أشجع الناس
قال: وقال عبد الملك يوما لجلسائه: من أشجع الناس؟ فأكثروا في هذا المعنى، فقال: أشجع الناس مصعب بن الزبير، جمع بين عائشة بنت طلحة وسكينة بنت الحسين وأمة [6] الحميد بنت عبد اللّه بن عاصم، وولي العراقين، ثم زحف إلى الحرب، فبذلت له الأمان/ والحباء والولاية والعفو عمّا خلص في يده، فأبى قبول ذلك، واطّرح كل/ ما كان مشغوفا [7] به من ماله وأهله وراء ظهره، وأقبل بسيفه قرما [8] يقاتل وما بقي معه إلا سبعة نفر حتى قتل كريما.
__________
[1] المخطم: الّذي جعل الخطام على أنفه ليعتاد به.
[2] قصد الرماح جمع قصدة؛ وهي القطعة منه بعد كسرها.
[3] ف:
جميل المحيا يوهن القرن عزمه ... وإن عزه دهر فغير هيوب
وإن يك أمسى مصعب نال حتفه ... لقد كان صلب العود غير رهوب
[4] فطاروا شلالا: فروا متفرقين.
[5] الحبا: جمع حبوة، وهي العطية.
[6] ف: «و أمة الحميد ... ».
[7] ف: «ما كان مشغولا به من ماله».
[8] ف، مد: «و أقبل بسيفه قدما» .. وقرم: شديد الرغبة، من قرم اللحم وإليه: اشتدت شهوته إليه فهو قرم.
ابن قيس الرقيات يمدح مصعبا
أخبرني أحمد بن عبد العزيز، قال: حدّثنا عمر بن شبّة، قال:
لمّا ولي مصعب بن الزبير العراق أقرّ عبد العزيز بن عبد اللّه بن عامر على سجستان وأمدّه بخيل، فقال ابن قيس الرّقيّات:
ليت شعري أأوّل الهرج هذا ... أم زمان من فتنة غير هرج؟
إن يعش مصعب فنحن بخير ... قد أتانا من عيشنا ما نرجّي
أعطي النّصر والمهابة في الأعداء حتى أتوه من كل فجّ حيث لم تأت قبله خيل ذي الأكتاف يوجفن بين قفّ ومرج
ملك يطعم الطّعام ويسقى ... لبن البخت في عساس الخلنج
قال الزبير: حدّثني عمّي مصعب: أن عبيد اللّه بن قيس كان عند عبد الملك، فأقبل غلمان له معهم عساس خلنج فيها لبن البخت، فقال عبد الملك: يا بن قيس، أين هذا من عساس مصعب التي تقول فيها:
ملك يطعم الطعام ويسقي ... لبن البخت في عساس الخلنج؟
فقال: لا أين يا أمير المؤمنين، لو طرحت عساسك هذه في عسّ من عساس مصعب لوسعها وتغلغلت في جوفه، فضحك عبد الملك ثم قال: قاتلك اللّه يا بن قيس، فإنك تأبى إلا كرما ووفاء.
قصة يونس الكاتب والوليد بن يزيد
حدّثني عمّي، قال: حدّثني أحمد بن الطيب، قال: قال لي أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن داود:
خرج يونس الكاتب من المدينة يريد الشام بتجارة، فبلغ الوليد بن يزيد مكانه فأتته رسله وهو في الخان، وذلك في خلافة هشام، والوليد يومئذ أمير، فقالوا له: أجب الأمير، قال: فذهبت معهم، فأدخلوني عليه ولا أدري من هو إلا أنه حسن الوجه نبيل، فسلمت عليه، فأمرني بالجلوس فجلست، ودعا بالشراب والجواري، فكنّا يومنا وليلتنا في أمر عجيب، وغنيته فأعجبه غنائي، وكان ممّا أعجبه:
ليت شعري أأوّل الهرج هذا ... أم زمان من فتنة غير هرج؟
فلم يزل يستعيده إلى الصبح، ثم اصطبح عليه ثلاثة أيام، فقلت: أيها الأمير، أنا رجل تاجر قدمت هذا البلد في تجارة لي، وقد ضاعت، فقال: تخرج غدا غدوة وقد ربحت أكثر من تجارتك. وتمّم شربه، فلما أردت الانصراف لحقني غلام من غلمانه بثلاثة آلاف دينار، فأخذتها ومضيت، فلما أفضت الخلافة إليه أتيته، فلم أزل مقيما عنده حتى قتل.
قال أحمد بن الطيب - وذكر مصعب الزّبيريّ - أنّ يونس قال:
كنت أشرب مع أصحاب لي فأردت أن أبول، فقمت وجلست أبول على كثيب رمل، فخطر ببالي قول ابن قيس:
ليت شعري أأوّل الهرج هذا
فغنيت فيه لحنا استحسنته وجاء عجبا من العجب، فألقيته على جاريتي عاتكة، وردّدته حتى أخذته، وشاع لي في الناس [1]، فكان أول صوت شاع لي وارتفع به قدري وقرنت بالفحول من المغنّين، وعاشرت الخلفاء من أجله، وأكسبني مالا جليلا.
صوت
ألا ناد جيراننا [2] يقصدوا ... فنقضى اللّبانة أو نعهد
كأنّ على كبدي جمرة [3] ... حذارا من البين ما تبرد
الشعر لكثيّر، والغناء لأشعب المعروف بالطمع [4]، ثاني ثقيل بالوسطى، وفي البيت الثاني لابن جامع لحن من الثقيل الأول بالبنصر عن حبش.
__________
[1] ف: «و شاع في الدنيا».
[2] ب:
«أنادي لجيراننا»
[3] ب:
«كأن على كبدي قرحة»
[4] ف: «لأشعب الطامع».
8 - ذكر أشعب وأخباره
نسبه
هو أشعب بن جبير، واسمه شعيب، وكنيته أبو العلاء، كان يقال لأمه: أم الخلندج، وقيل: بل أم جميل، وهي مولاة أسماء بنت أبي بكر واسمها حميدة [1]. وكان أبوه خرج مع المختار بن أبي عبيدة [2]، وأسره مصعب فضرب عنقه صبرا، وقال: تخرج عليّ وأنت مولاي؟ ونشأ أشعب بالمدينة في دور [3] آل أبي طالب، وتولّت تربيته وكفلته عائشة بنت عثمان بن عفان.
وحكي عنه أنه حكى عن أمه أنها كانت تغري بين أزواج النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، وأنها زنت فحلقت وطيف بها، وكانت تنادي على نفسها: من رآني فلا يزنين [4]، فقالت لها امرأة كانت تطّلع عليها: يا فاعلة، نهانا اللّه عز وجل عنه فعصيناه، أو نطيعك وأنت مجلودة محلوقة راكبة على جمل!.
أمه كانت مستظرفة من زوجات النبي
وذكر رضوان بن أحمد الصّيدلانيّ فيما أجاز لي روايته عنه، عن يوسف بن الداية، عن إبراهيم بن المهدي:
أن عبيدة بن أشعب أخبره - وقد سأله عن أوّلهم وأصلهم - أن أباه وجدّه كانا موليي عثمان، وأن أمه كانت مولاة لأبي سفيان بن حرب، وأن ميمونة أم المؤمنين أخذتها معها لمّا تزوجها النبي صلّى اللّه عليه وسلّم، فكانت تدخل إلى أزواج النبي صلّى اللّه عليه وسلّم فيستظرفنها، ثم إنها فارقت ذلك وصارت تنقل أحاديث بعضهن إلى بعض وتغري بينهن، فدعا النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم عليها فماتت.
/ وذكروا أنه كان مع عثمان - رضي اللّه عنه - في الدار، فلما حصر جرّد مماليكه السيوف ليقاتلوا، فقال لهم عثمان: من أغمد سيفه فهو حرّ، قال أشعب: فلما وقعت واللّه في أذني كنت أول من أغمد سيفه، فأعتقت.
سنّ أشعب
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ، قال: حدثنا عمر بن شبّة، قال: حدّثني إسحاق الموصليّ، قال:
حدّثني الفضل بن الرّبيع، قال:
__________
[1] ف، والتجريد: «أم الجلندح، وقيل: بل أم حميد». وفي تاريخ بغداد 7: 37: أم حميدة بضم الحاء وبفتحها، وقيل: إن أمه جعدة مولاة اسماء بنت أبي بكر الصديق.
[2] ف، مي: «عبيد».
[3] ب: «في ديوان آل أبي طالب».
[4] ف: «فلا يزني».
كان أشعب عند أبي سنة أربع وخمسين ومائة، ثم خرج إلى المدينة فلم يلبث أن جاء نعيه. وهو أشعب بن جبير، وكان أبوه مولى لآل الزّبير، فخرج مع المختار، فقتله مصعب صبرا مع من قتل.
أخبرني الجوهريّ، قال: حدثنا ابن مهرويه، قال: حدثنا أحمد بن إسماعيل اليزيديّ، قال: حدّثني التّوزيّ، عن الأصمعيّ، قال:
قال أشعب: نشأت أنا وأبو الزّناد في حجر عائشة بنت عثمان، فلم يزل يعلو وأسفل حتى بلغنا هذه المنزلة.
أخبرني أحمد بن عبد العزيز، قال: حدّثني محمد بن القاسم بن مهرويه، قال: حدثنا الزّبير بن بكّار، قال:
حدثنا عبيد اللّه [1] بن الحسن والي المأمون على المدينة، قال:
حدّثني محمد بن عثمان بن عفان قال: قلت لأشعب: لي إليك حاجة، فحلف بالطلاق لابنة وردان [2]:
لا سألته حاجة إلا قضاها، فقلت له: أخبرني عن سنّك، فاشتد ذلك عليه حتى ظننت أنه سيطلّق، فقلت له: على رسلك، وحلفت له إني لا أذكر سنّه ما دام حيّا، فقال لي: أمّا إذ فعلت فقد هوّنت عليّ، أنا واللّه حيث حصر جدّك عثمان بن عفان، أسعى في الدار ألتقط السهام. قال الزبير/: وأدركه أبي.
أخبرني أحمد، قال: حدّثني محمد بن القاسم بن مهرويه، قال: حدّثني محمد بن عبد اللّه اليعقوبيّ، عن الهيثم بن عديّ، قال:
/ قال أشعب: كنت ألتقط السهام من دار عثمان يوم حوصر، وكنت في شبيبتي ألحق الحمر الوحشية عدوا.
أمه يطاف بها بعد أن بغت
أخبرني أحمد، قال: حدّثني محمد بن القاسم بن مهرويه، قال: حدثنا عبد الرحمن بن الجهم أبو مسلم وأحمد بن إسماعيل، قالا: أخبرنا المدائنيّ، قال:
كان أشعب الطامع [3] - واسمه شعيب - مولى لآل الزبير من قبل أبيه، وكانت أمه مولاة لعائشة بنت عثمان بن عفان؛ وكانت بغت [4] فضربت وحلقت وطيف بها وهي تنادي: من رآني فلا يزنين، فأشرفت عليها امرأة فقالت:
يا فاعلة، نهانا اللّه عز وجل عن الزنا فعصيناه، ولسنا ندعه لقولك وأنت محلوقة مضروبة يطاف بك.
أخبرني أحمد، قال: حدثنا أحمد بن مهرويه، قال: كتب إليّ ابن أبي خيثمة يخبرني أن مصعب بن عبد اللّه أخبره، قال:
اسم أشعب شعيب، ويكنى أبا العلاء، ولكنّ الناس قالوا أشعب فبقيت عليه، وهو شعيب بن جبير مولى آل الزبير، وهم يزعمون اليوم أنهم من العرب، فزعم أشعب أن أمه كانت تغري بين أزواج النبي صلّى اللّه عليه وسلّم ورحمهم، وامرأة أشعب بنت وردان، ووردان الّذي بني قبر النبي صلّى اللّه عليه وسلّم حين بني عمر بن العزيز المسجد.
__________
[1] ف: «عبد اللّه بن الحسن».
[2] ف: «فحلف بطلاق بنت وردان».
[3] ب: «الطمع». وفي مد: «كثير الطمع».
[4] ف: «و كانت تعيث فحلقت وضربت وحملت على جمل وطيف بها».
كان أشعب حسن الصوت بالقرآن
أخبرني أحمد قال: حدّثني محمد بن القاسم، قال: وكتب إليّ ابن أبي خيثمة يخبرني أنّ مصعب بن عبد اللّه أخبره، قال:
كان أشعب من القرّاء للقرآن، وكان قد نسك وغزا، وكان حسن الصوت بالقرآن، وربما صلّى بهم القيام.
أخبرني أحمد بن عبد العزيز، قال: حدّثني محمد بن القاسم، قال: حدّثني أحمد بن يحيى، قال: أخبرنا إسحاق بن إبراهيم، قال:
/ كان أشعب مع ملاحته ونوادره يغني أصواتا فيجيدها، وفيه يقول عبد اللّه بن مصعب الزّبيريّ:
صوت
إذا تمزّزت صراحيّة [1] ... كمثل ريح المسك أو أطيب
ثم تغنّى لي بأهزاجه ... زيد أخو الأنصار أو أشعب
حسبت أنّي ملك جالس ... حفّت به الأملاك والموكب
وما أبالي وإله الورى ... أشرّق العالم أم غرّبوا
غنّى في هذه الأبيات زيد الأنصاريّ خفيف رمل بالبنصر.
وقد روى أشعب الحديث عن جماعة من الصحابة:
أخبرني عمي، قال: حدّثني عبد اللّه بن أبي سعد أن الربيع بن ثعلب حدثهم، قال: حدّثني أبو البحتري:
حدّثني أشعب، عن عبد اللّه بن جعفر، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «لو دعيت إلى ذراع لأجبت، ولو أهدي إليّ كراع لقبلت».
أشعب وسالم بن عبد اللّه
قال ابن أبي سعد، وروي عن محمد بن عباد بن موسى، عن عتّاب بن إبراهيم [2]، عن أشعب الطامع - قال عتاب: وإنما حملت هذا الحديث عنه لأنه عليه - قال: دخلت إلى سالم بن عبد اللّه بستانا له [3] فأشرف عليّ وقال:
يا أشعب، ويلك لا تسأل، فإني سمعت أبي يقول: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: «ليأتينّ أقوام يوم القيامة ما في وجوههم/ مزعة لحم [4]، قد أخلقوها بالمسألة».
ويروى عن يزيد بن موهب الرمليّ [5]، عن عثمان بن محمد، عن أشعب، عن/ عبد اللّه بن جعفر: أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم تختّم في يمينه.
__________
[1] تمزز الشراب: تمصصه. والصراحية: آنية الخمر والمراد الخمر.
[2] ف: «عباد بن إبراهيم».
[3] ف: «بيتا له».
[4] المزعة: القطعة من اللحم وغيرها.
[5] ب: «يزيد بن وهب المؤملي».
أخبرني أحمد، قال: حدّثني عمر بن شبّة، قال: حدّثني الأصمعيّ، عن أشعب، قال: استنشدني ابن لسالم بن عبد اللّه بن عمر غناء الرّكبان بحضرة أبيه سالم فأنشدته، ورأس أبيه سالم في بتّ [1] فلم ينكر ذلك.
أخبرني أحمد بن عبد العزيز، قال: حدّثني محمد بن القاسم بن مهرويه، قال: حدّثني أبو مسلم، عن عبد الرحمن بن الحكم [2]، عن المدائني، قال: دفعت عائشة بنت عثمان أشعب في البزّازين فقالت له بعد حول:
أتوجّهت لشي ء؟ قال: نعم، تعلمت نصف العمل وبقي نصفه، قالت: وما تعلمت؟ قال: تعلمت النشر وبقي الطيّ.
أشعب يدعو اللّه أن يذهب عنه الحرص ثم يستقبل ربه
قال المدائنيّ: وقال أشعب: تعلقت بأستار الكعبة فقلت: اللهم أذهب عني الحرص والطلب إلى الناس، فمررت بالقرشيّين وغيرهم فلم يعطني أحد شيئا، فجئت إلى أمي فقالت: ما لك قد جئت خائبا؟ فأخبرتها، فقالت:
لا واللّه لا تدخل حتى ترجع فتستقيل ربّك، فرجعت فقلت: يا رب أقلني، ثم رجعت، فلم أمرّ بمجلس لقريش وغيرهم إلا أعطوني ووهب لي غلام، فجئت إلى أمي بحمار موقر من كل شيء، فقالت: ما هذا الغلام؟ فخفت أن أخبرها بالقصة فتموت فرحا، فقلت: وهبوا لي، قالت: أي شي ء؟ قلت: غين، قالت: أيّ شيء غين؟ قلت: لام، قالت: وأيّ شيء لام؟ قلت: ألف، قالت: وأيّ شيء ألف؟ قلت: ميم، قال: وأيّ شيء ميم؟ قلت: غلام. فغشي عليها. ولو لم أقطّع الحروف لماتت الفاسقة فرحا.
أخبرني أحمد، قال: حدّثني محمد بن القاسم، قال: حدّثني العباس بن ميمون، قال: سمعت الأصمعيّ، يقول:
سمعت أشعب يقول: سمعت الناس يموجون في أمر عثمان. قال الأصمعيّ: ثم أدرك المهديّ.
صفته
أخبرني أحمد، قال: حدّثني محمد بن القاسم، قال: حدّثني يحيى بن الحسن بن عبد الخالق بن سعيد الرّبيعيّ [3]، قال: حدّثني هند بن حمدان [4] الأرقميّ المخزوميّ، قال: أخبرني أبي، قال: كان أشعب أزرق أحول أكشف أقرع [5].
قال: وسمعت الأرقميّ يقول: كان أشعب يقول: كنت أسقي الماء في فتنة عثمان بن عفان. واللّه أعلم.
أشعب والدينار
أخبرني أحمد، قال: حدّثني محمد بن القاسم، قال: حدثنا عيسى بن موسى، قال: حدّثنا الأصمعيّ، قال:
أصاب أشعب دينارا بالمدينة، فاشترى به قطيفة، ثم خرج إلى قباء يعرّفها، ثم أقبل عليّ فيما أحسب - شك أبو يحيى - فقال: أتراها تعرّف.
__________
[1] البت: الطيلسان من خز ونحوه.
[2] ف، مم: «أبو مسلم عبد الرحمن بن الجهم».
[3] ب: «عبد الخالق بن سعيد الزينبي».
[4] ف: «هند بن حمران الأرقمي».
[5] ف: «أفدع» والأكشف: الّذي انحسر مقدم شعر رأسه.
قال أحمد: وحدثناه أبو محمد بن سعد، قال: حدّثني أحمد بن معاوية بن بكر، قال: حدّثني الواقديّ، قال:
كنت مع أشعب نريد المصلّى، فوجد دينارا، فقال لي: يا بن واقد، قلت: ما تشاء؟ قال: وجدت دينارا فما أصنع به؟ قال: قلت: عرّفه، قال: أم العلاء إذا طالق، قال: قلت: فما تصنع به إذا؟ قال: أشتري به قطيفة أعرّفها.
قال: وحدّثني محمد بن القاسم، قال: وحدّثنيه محمد بن عثمان [1] الكريزيّ، عن الأصمعيّ: أن أشعب وجد دينارا فتخرّج من أخذه دون أن يعرّفه، فاشترى به قطيفة، ثم قام على باب المسجد الجامع فقال: من يتعرف الوبدة [2]؟.
أخبرني أحمد الجوهريّ، قال: حدّثني محمد بن القاسم، قال: سألت العنزيّ، فقال: الوبد/ من كل شي ء:
الخلق؛ وبد الثوب وومد إذا أخلق.
أشعب يطرب الناس بغنائه
أخبرنا أحمد، قال: حدّثني محمد بن القاسم، قال: حدثنا عيسى بن موسى، قال: حدثنا الأصمعيّ، قال:
رأيت أشعب يغنّي وكأن صوته صوت بلبل.
أخبرنا أحمد بن عبد العزيز، قال: حدثنا محمد بن القاسم بن عبد اللّه في رفقة فيها ألف محمل، وكان ثمّ قاصّ يقصّ عليهم، فجئت فأخذت في أغنية من الرقيق، فتركوه وأقبلوا إليّ، فجاء يشكوني إلى سالم فقال: إن هذا صرف وجوه الناس عني، قال: وأتيت سالما - وأحسبه قال - والقاسم، فسألتهما بوجه اللّه العظيم، فأعطياني، وكانا ببغضانني أو أجدهما يبغضني في اللّه، قال: قلنا: لا تجعل هذا في الحديث، قال: بلى.
حدّثنا أحمد، قال: حدّثنا محمد بن القاسم، قال: وحدّثناه قعنب بن محرز الباهليّ، قال: أخبرنا الأصمعيّ، عن أشعب، قال:
قدم علينا قاصّ كوفيّ يقصّ في رفقته، وفيها ألف بعير، فخرجنا وأحرمنا من الشّجرة بالتّلبية، فأقبل الناس إليّ وتركوه. قال: ابن أمّ حميد، فجاء إليّ عبد اللّه بن عمرو بن عثمان بن عفان، فقال: إنّ مولاك هذا قد ضيّق عليّ معيشتي.
أشعب وزياد بن عبد اللّه الحارثي
أخبرنا أحمد، قال: حدّثنا محمد بن القاسم، قال: أخبرنا أبو مسلم عبد الرحمن بن الجهم، عن المدائنيّ، قال:
تغدّى أشعب مع زياد بن عبد اللّه الحارثيّ، فجاءوا بمضيرة [3]، فقال أشعب لخبّاز: ضعها بين يديّ، فوضعها بين يديه، فقال زياد: من يصلّي بأهل السّجن؟ قال: ليس لهم إمام، قال: أدخلوا أشعب يصلّي بهم، قال أشعب:
أو غير ذلك أصلح اللّه الأمير؟ قال: وما هو؟ قال: أحلف ألّا آكل مضيرة أبدا.
أخبرنا أحمد، قال: حدّثنا محمد بن القاسم، قال: حدّثني قعنب بن المحرز، قال: حدّثنا الأصمعيّ، قال:
__________
[1] ف: «محمد بن عمران الكريزي».
[2] ف: «من يتعرف الومدة».
[3] المضيرة عند العرب: طبخ اللحم باللبن البحت الصريح الّذي قد حذى اللسان حتى ينضج اللحم وتخثر المضيرة.
/ ولّى المنصور زياد بن عبد اللّه الحارثيّ مكة والمدينة، قال أشعب: فلقيته بالجحفة [1] فسلّمت عليه، قال:
فحضر الغداء، وأهدي إليه جدّي فطبخه مضيرة، وحشيت القبة [2] قال: فأكلت أكلا أتملّح به، وأنا أعرف صاحبي، ثم أتي بالقبّة، فشققتها، فصاح الطبّاخ: إنا للّه! شقّ القبة، قال: فانقطعت، فلما فرغت قال: يا أشعب! هذا رمضان قد حضر، ولا بدّ أن تصلي بأهل السجن، قلت: واللّه ما أحفظ من كتاب اللّه إلا ما أقيم به صلاتي، قال: لا بدّ منه، قال: قلت: أو لا آكل جديا مضيرة؟ قال: وما أصنع به وهو في بطنك؟ قال: قلت: الطّريق بعيد أريد أن أرجع إلى المدينة، قال: يا غلام، هات ريشة ذنب ديك - قال أشعب: والجحفة أطول بلاد اللّه ريشة ذنب ديك - قال:
فأدخلت في حلقي فتقيّأت ما أكلت، ثم قال لي: ما رأيك؟ قال: قلت: لا أقيم ببلدة يصاح فيها: شقّ القبة، قال:
لك وظيفة على السلطان وأكره أن أكسرها عليك، فقل ولا تشطط قال: قلت: نصف درهم كراء حمار يبلّغني المدينة، قال: أنصفت وأعطانيه.
من طرائف أشعب
أخبرنا أحمد، قال: حدّثنا محمد بن القاسم، قال: أخبرني أبو مسلم، عن المدائنيّ، قال:
أتي أشعب بفالوذجة عند بعض الولادة، فأكل منها، فقيل له: كيف تراها يا أشعب؟ قال: امرأته طالق إن لم تكن عملت قبل أن يوحي اللّه عز وجل إلى النحل.
أخبرنا أحمد، قال: حدّثنا محمد بن القاسم، قال: حدّثنا عبد اللّه بن شعيب الزّبيريّ [3]، عن عمّه. قال أبو بكر: وحدّثني ابن أبي سعد، قال: حدّثني عبد اللّه بن شعيب [3] وهو أتمّ من هذا وأكثر كلاما، قال:
/ جاء/ أشعب إلى أبي بكر بن يحيى من آل الزبير، فشكا إليه، فأمر له بصاع من تمر، وكانت حال أشعب رثّة، فقال له أبو بكر بن يحيى: ويحك يا أشعب! أنت في سنّك وشهرتك تجيء في هذه الحال فتضع نفسك فتعطي مثل هذا؟ اذهب فادخل الحمام فاخضب لحيتك، قال أشعب: ففعلت، ثم جئته فألبسني ثياب صوف له وقال: اذهب الآن فاطلب، قال: فذهبت إلى هشام بن الوليد صاحب البغلة من آل أبي ربيعة، وكان رجلا شريفا موسرا، فشكا إليه فأمر له بعشرين دينارا، فقبضها أشعب وخرج إلى المسجد، وطفق كلما جلس في حلقة يقول:
أبو بكر بن يحيى، جزاه اللّه عني خيرا، أعرف الناس بمسألة، فعل بي وفعل، فيقص قصته، فبلغ ذلك أبا بكر فقال: يا عدوّ نفسه! فضحتني في الناس، أفكان هذا جزائي!.
أخبرنا أحمد، قال: قال: حدّثني محمد بن القاسم، قال: أخبرني محمد بن الحسين بن عبد الحميد، قال:
حدّثني شيخ أنه نظر إلى أشعب بموضع يقال له الفرع [4] يبكي وقد خضب بالحناء، فقالوا: يا شيخ ما يبكيك؟ قال: لغربة هذا الجناح، وكان على دار واحدة ليس بالفرع غيره.
أخبرنا أحمد، قال: حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه، قال: أخبرني محمد بن الحسين، قال: حدّثني أبي، قال:
__________
[1] الجحفة: قرية كبيرة على طريق المدينة من مكة على أربع مراحل. وفي ب: «بالمحفة» تحريف.
[2] القبة: هنة ذات أطباق متصلة بالكرش.
[3] ف: «عبد اللّه بن مصعب الزبيري».
[4] الفرع: قرية من نواحي الربذة بينها وبين المدينة ثمانية برد على طريق مكة.
نظرت إلى أشعب يسلّم على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: وهو يدعو ويتضرّع، قال: فأدمت نظري إليه، فكلما أدمت النظر إليه كلّح وبثّ أصابعه في يده بحذائي حتى هربت فسألت عنه فقالوا: هذا أشعب.
أخبرني أحمد، قال: حدّثني محمد بن القاسم، قال: حدّثني محمد بن الحسين، قال: حدّثني إسحاق بن إبراهيم بن عجلان الفهريّ، قال:
/ إن أشعب مرّ برشّ قد رشّ من الليل في بعض نواحي المدينة فقال: كأن هذا الرش كساء برنكانيّ [1] فلما توسطه قال: أظنني واللّه قد صدقت، وجلس يلمس الأرض.
أخبرنا أحمد، قال: حدثنا محمد بن القاسم، قال: حدّثني محمد بن الحسين، قال: حدثنا بعض المدنيين، قال:
كان لأشعب خرق في بابه، فينام ويخرج يده من الخرق ويطمع أن يجيء إنسان فيطرح في يده شيئا؛ من الطمع.
أخبرني أحمد، قال: حدثني محمد بن القاسم، قال: حدّثنا الزبير، قال: حدّثني عبد الرحمن بن عبد اللّه الزهريّ، قال:
صلّى أشعب يوما إلى جانب مروان بن أبان بن عثمان، وكان مروان عظيم الخلق والعجيزة، فأفلتت منه ريح عند نهوضه، لها صوت، فانصرف أشعب من الصلاة، فوهم الناس أنه هو الّذي خرجت منه الريح، فلما انصرف مروان إلى منزله جاءه أشعب فقال له: الدّية، فقال: دية ماذا؟ فقال: دية الضرطة الّتي تحمّلتها عنك، واللّه وإلا شهّرتك، فلم يدعه حتى أخذ منه شيئا صالحا.
أخبرنا أحمد، قال: حدثنا محمد بن القاسم، قال: حدّثني إبراهيم بن الجنيد، قال: حدّثني سوّار بن عبد اللّه [2]، قال: حدّثني مهديّ [3] بن سليمان المنقريّ مولى لهم، عن أشعب، قال:
دخلت على القاسم بن محمد وكان يبغضني في اللّه وأحبّه فيه، فقال: ما أدخلك عليّ؟ اخرج عني، فقلت:
أسألك باللّه لما جددت [4] عذقا، قال: يا غلام، جدّ له عذقا، فإنه سأل بمسألة لا يفلح من ردّها أبدا.
/ أخبرنا أحمد، قال: حدّثني محمد بن القاسم، قال: حدثنا الرّياشيّ، قال: حدّثني أبو سلمة أيوب بن عمر، عن المحرزيّ، وهو أيوب بن عباية أبو سليمان، قال:
كان/ لأشعب عليّ في كل سنة دينار، قال: فأتاني يوما ببطحان [5] فقال: عجّل لي ذلك الدينار، ثم قال: لقد رأيتني أخرج من بيتي فلا أرجع شهرا مما آخذ من هذا وهذا وهذا.
__________
[1] البرنكانيّ: كساء من صوف.
[2] ب: «سوار بن عبد».
[3] ب: «معدي بن سليمان».
[4] جددت: قطعت.
[5] بطحان: واد بالمدينة وهو أحد أوديتها الثلاثة، وهي العقيق وبطحان وقناة.
بين أشعب وابنه
أخبرنا أحمد، قال: حدّثني محمد بن القاسم، قال: حدّثني عليّ بن محمد النوفليّ، قال: سمعت أبي يحكي عن بعض المدنيين، قال:
كبر أشعب فملّه الناس وبرد عندهم، ونشأ ابنه فتغنّى وبكى وأندر [1]، فاشتهى الناس ذلك، فأخصب وأجدب أبوه، فدعاه يوما وجلس هو وعجوزه، وجاء ابنه وامرأته فقال له: بلغني أنك قد تغنّيت وأندرت وحظيت [2]، وأن الناس قد مالوا إليك فهلم حتى أخايرك [3]، قال: نعم، فتغنّى أشعب فإذا هو قد انقطع وأرعد، وتغنّى ابنه فإذا هو حسن الصوت مطرب، وانكسر أشعب ثم أندر فكان الأمر كذلك، ثم خطبا فكان الأمر كذلك، فاحترق أشعب فقام فألقى ثيابه، ثم قال: نعم، فمن أين لك مثل خلقي؟ من لك بمثل حديثي؟ قال: وانكسر الفتى، فنعرت [4] العجوز ومن معها عليه.
حديثه عن وفاة بنت الحسين بن علي
أخبرني أحمد، قال: حدّثني عبد اللّه بن عمرو بن أبي سعد، قال: حدّثني عليّ بن الحسين [5] بن هارون، قال: حدّثني محمد بن عباد بن موسى، قال: حدّثني محمد بن عبد اللّه بن جعفر بن سليمان وكان جارنا هنا، قال:
حدّثني محمد بن حرب الهلاليّ - وكان على شرطة محمد بن سليمان - قال:
دخلت على جعفر بن سليمان وعنده أشعب يحدّثه قال:
/ كانت بنت حسين بن عليّ عند عائشة بنت عثمان تربّيها حتى صارت امرأة، وحج الخليفة فلم يبق في المدينة خلق من قريش إلا وافى الخليفة إلا من لا يصلح لشيء، فماتت بنت حسين بن عليّ، فأرسلت عائشة إلى محمد بن عمرو بن حزم وهو والي المدينة، وكان عفيفا حديدا [6] عظيم اللّحية، له جارية موكّلة بلحيته إذا ائتزر لا يأتزر عليها، وكان إذا جلس للناس جمعها ثم أدخلها تحت فخذه. فأرسلت عائشة: يا أخي قد ترى ما دخل عليّ من المصيبة بابنتي، وغيبة [7] أهلي وأهلها، وأنت الوالي، فأمّا ما يكفي النساء من النساء فأنا أكفيكه بيدي وعيني، وأما ما يكفي الرجال من الرجال فاكفنيه، مر بالأسواق أن ترفع، وأمر بتجويد عمل نعشها، ولا يحملها إلا الفقهاء الألبّاء من قريش بالوقار والسكينة، وقم على قبرها ولا يدخله إلا قرابتها من ذوي الحجا والفضل، فأتى ابن حزم رسولها حين تغدّى ودخل ليقيل، فدخل عليه فأبلغه رسالتها، فقال ابن حزم لرسولها: أقرىء ابنة المظلوم السّلام وأخبرها أني قد سمعت الواعية [8] وأردت الركوب إليها فأمسكت عن الركوب حتى أبرد، ثم أصلّي، ثم أنفّذ كلّ ما أمرت به. وأمر حاجبه وصاحب شرطته برفع الأسواق، ودعا الحرس وقال: خذوا السّياط حتى تحولوا بين
__________
[1] أندر: أتى بنادر من قول أو فعل.
[2] ب: «و خطبت».
[3] خايره في كذا: غالبه فغلبه وكان خيرا منه.
[4] نعرت العجوز: صاحت وصخبت.
[5] ب: «علي بن الحسن».
[6] رجل حديد: فيه بأس وشدّة.
[7] ف: «و نجيبة أهلي وأهلها».
[8] الواعية: الصراخ على الميت.
الناس وبين النعش إلا ذوي قرابتها بالسكينة والوقار، ثم نام وانتبه وأسرج له، واجتمع كلّ من كان بالمدينة، وأتى باب عائشة حين أخرج النعش، فلما رأى الناس النعش التقفوه، فلم يملك ابن حزم ولا الحرس منه شيئا، وجعل ابن حزم يركض خلف النعش ويصيح بالناس من السّفلة والغوغاء: اربعوا أي ارفقوا فلم يسمعوا، حتى بلغ بالنعش القبر، فصلى عليها، ثم وقف على القبر فنادى: من ها هنا من قريش؟ فلم يحضره إلا مروان بن أبان بن عثمان،/ وكان رجلا عظيم البطن بادنا [1] لا يستطيع أن ينثني من بطنه، سخيف [2] العقل، فطلع وعليه سبعة قمص،/ كأنها درج، بعضها أقصر من بعض ورداء عدنيّ يثمن ألفي درهم، فسلّم وقال له ابن حزم: أنت لعمري قريبها، ولكنّ القبر ضيّق لا يسعك، فقال: أصلح اللّه الأمير إنما تضيق الأخلاق. قال ابن حزم: إنا للّه، ما ظننت أن هذا هكذا كما أرى، فأمر أربعة فأخذوا بضبعه [3] حتى أدخلوه في القبر، ثم أتى خراء الزّنج، وهو عثمان بن عمرو بن عثمان فقال: السّلام عليك أيها الأمير ورحمة اللّه، ثم قال: وا سيدتاه وابنت أختاه! فقال ابن حزم: تاللّه لقد كان يبلغني عن هذا أنه مخنّث، فلم أكن أرى أنه بلغ هذا كله، دلّوه فإنه عورة هو واللّه أحق بالدفن منها، فلما أدخلا قال مروان لخراء الزنج: تنحّ إليك شيئا فقال له خراء الزنج: الحمد للّه رب العالمين، جاء الكلب الإنسيّ يطرد الكلب الوحشيّ، فقال لهما ابن حزم: اسكتا قبّحكما اللّه وعليكما لعنته، أيكما الإنسيّ من الوحشيّ، واللّه لئن لم تسكتا لآمرنّ بكما تدفنان، ثم جاء خال للجارية من الحاطبيّين وهو ناقة من مرض لو أخذ بعوضة لم يضبطها فقال: [4] أنا خالها وأمي سودة وأمها حفصة، ثم رمى بنفسه في القبر، فأصاب ترقوة خراء الزنج فصاح: أوه [4] ألح اللّه الأمير دقّ واللّه عرقوبي، فقال ابن حزم: دق اللّه عرقوبك، وترقوتك اسكت ويلك، ثم أقبل على أصحابه فقال: ويحكم إني خبّرت أن الجارية بادن، ومروان لا يقدر أن ينثني من بطنه، وخراء الزنج مخنّث لا يعقل سنّة ولا دفنا، وهذا الحاطبيّ لو أخذ عصفورا لم يضبطه لضعفه، فمن يدفن هذه الجارية؟ واللّه ما أمرتني بهذا بنت المظلوم، فقال له جلساؤه: لا واللّه ما بالمدينة خلق من قريش، ولو كان في هؤلاء خير لما بقوا، فقال: من ها هنا من مواليهم؟ فإذا أبو هانىء الأعمى وهو ظئر [5] لها، فقال ابن حزم: من أنت رحمك اللّه؟ قال: أنا أبو هانىء ظئر عبد اللّه بن عمرو بن عثمان وأنا أدفن أحياءهم وأمواتهم، فقال: أنا في طلبك، ادخل رحمك اللّه، فادفن/ هؤلاء الأحياء، حتى يدلّى عليك [6] الموتى [7] ثم أقبل على أصحابه فقال: إنا للّه - وهذا أيضا أعمى لا يبصر، فنادوا: من ها هنا من مواليهم [7] فإذا برجل يزيديّ يقال له أبو موسى قد جاء، فقال له ابن حزم: من أنت أيضا؟ قال: أنا أبو موسى صالمين، وأنا ابن السميط سميطين [8] والسعيد سعيدين، والحمد للّه رب العالمين، فقال ابن حزم: واللّه العظيم لتكونن لهم خامسا، رحمك اللّه يا بنت رسول اللّه، فما اجتمع على جيفة خنزير ولا كلب ما اجتمع على جثتك، فإنا للّه وإنا إليه راجعون، [9] وأظنه سقط رجل آخر [9].
__________
[1] ف: «عظيم البطن فأفاء».
[2] رجل سخيف العقل: ناقصه.
[3] الضبع: ما بين الإبط إلى نصف العضد من أعلاها وهما ضبعان.
(4 - 4). تكملة من ف.
[5] الظئر: الناقة تعطف على ولد غيرها، ومنه قيل للمرأة الأجنبية تحضن ولد غيرها: ظئر وللرجل الحاضن: ظئر أيضا.
[6] ف: «حتى يدلي إليك الموتى».
(7 - 7). التكملة من ف.
[8] ف: «و أنا ابن أبي السميط سميطين».
(9 - 9). التكملة من ف.
أخبرني أحمد، قال: حدّثني محمد بن القاسم، قال: حدّثني اليعقوبيّ محمد بن عبد اللّه، قال: حدّثني أبو بكر الزلال الزبيريّ، قال: [1] حدّثني من رأى أشعب وقد علّق رأس كلبه وهو يضربه ويقول له: تنبح الهدية وتبصبص للضيف.
أرضع أشعب جديا لبن زوجته
أخبرنا أحمد، قال: حدّثني عبد اللّه بن عمرو بن أبي سعد، قال: حدّثني محمد بن محمد الزّبيري أبو الطّاهر، قال: [1] حدّثني يحيى بن محمد بن أبي قتيلة، قال:
غذا أشعب جديا بلبن زوجته وغيرها حتى بلغ الغاية قال: ومن مبالغته في ذلك أن قال لزوجته: أي ابنة وردان، إني أحب أن ترضعيه بلبنك. قال: ففعلت، قال: ثم جاء به إلى إسماعيل بن جعفر بن محمد فقال: باللّه إنه لابني، قد رضع بلبن زوجتي وقد حبوتك به، ولم أر أحدا يستأهله سواك، قال: فنظر إسماعيل إلى فتنة من الفتن فأمر به فذبح وسمط، فأقبل عليه أشعب، فقال: المكافأة، فقال: ما عندي واللّه اليوم شيء، ونحن من تعرف، وذلك غير فائت لك، فلما يئس منه قام من عنده فدخل على أبيه جعفر بن محمد، ثم اندفع يشهق/ حتى التقت أضلاعه، ثم قال: أخلني، قال: ما معنا أحد يسمع ولا عين عليك، قال: وثب ابنك إسماعيل على ابني فذبحه وأنا أنظر إليه، قال: فارتاع/ جعفر وصاح: ويلك! وفيم؟ وتريد ماذا؟ قال: أمّا ما أريد فو اللّه ما لي في إسماعيل حيلة ولا يسمع هذا سامع أبدا بعدك. فجزاه خيرا وأدخله منزله، وأخرج إليه مائتي دينار وقال له: خذ هذه ولك عندنا ما تحبّ، قال: وخرج إلى إسماعيل لا يبصر ما يطأ عليه، فإذا به مترسّل في مجلسه، فلما رأى وجه أبيه نكره، وقام إليه، فقال: يا إسماعيل أو فعلتها بأشعب؟ قتلت ولده، قال: فاستضحك وقال: جاءني بجدي من صفته كذا، وخبّره الخبر، فأخبره أبوه ما كان منه وصار إليه. قال: فكان جعفر يقول لأشعب: رعبتني رعبك اللّه [2] فيقول:
روعة ابنك واللّه إيّاي في الجدي أكبر من روعتك أنت في المائتي الدّينار.
حزن أشعب لوفاة خالد بن عبد اللّه
أخبرنا أحمد، قال: حدّثنا عبد اللّه بن عمرو بن أبي سعد، قال: حدّثني محمد بن إسحاق المسيّبيّ [3]، قال:
حدّثني عمير بن عبد اللّه بن أبي بكر بن سليمان بن أبي خيثمة - قال: وعمير لقب واسمه عبد الرحمن - عن أشعب، قال:
أتيت خالد بن عبد اللّه بن عمرو بن عثمان بن عفان ليلة أسأله، فقال لي: أنت على طريقة لا أعطي على مثلها، قلت: بلى جعلت فداءك، فقال: قم فإن قدر شيء فسيكون، قال: فقمت، فإني لفي بعض سكك المدينة، إذ لقيني رجل فقال: يا أشعب إن كان اللّه قد ساق إليك رزقا فما أنت صانع؟ قلت: أشكر اللّه وأشكر من فعله، قال: كم عيالك؟ فأخبرته قال: قد أمرت أن أجري عليك وعلى عيالك ما كنت [4] حيّا، قال: من أمرك؟ قال:
__________
(1 - 1) تكملة من ف.
[2] ف: «رعتني راعك اللّه».
[3] ب: «السيبي»، وفي مد، مم: «السبيبيّ».
[4] ف: «ما دمت حيا».
لا أخبرك ما كانت هذه فوق هذه، يريد السماء، وأشار إليها قال: قلت: إن هذا معروف يشكر، قال: الّذي أمرني لم يرد شكرك، وهو يتمنى [1] ألّا يصل مثلك. قال: فمكثت آخذ ذلك إلى أن توفّي خالد بن عبد اللّه بن عمرو بن عثمان، قال: فشهدته قريش وحفل له الناس قال: فشهدته فلقيني ذلك الرجل فقال: يا أشعب/ انتف رأسك ولحيتك، هذا واللّه صاحبك الّذي كان يجري عليك ما كنت أعطيك، وكان واللّه يتمنّى مباعدة مثلك، قال: فحمله واللّه الكرم إذ سألته أن فعل بك ما فعل، قال عمير: قال أشعب: فعملت بنفسي واللّه حينئذ ما حلّ وحرم.
أشعب في المسجد
أخبرني أحمد، قال: حدّثني محمد بن القاسم بن مهرويه، قال: حدّثنا الزّبير بن بكّار، قال:
كان أشعب يوما في المسجد يدعو وقد قبّض وجهه فصيّره كالصّبرة [2] المجموعة، فرآه عامر بن عبد اللّه بن الزبير فحصبه [3] وناداه: يا أشعب، إذا تناجى ربك فناجه بوجه طلق، قال: فأرخى لحيه [4] حتى وقع على زوره، قال: فأعرض عنه عامر وقال: ولا كلّ هذا.
جز أشعب لحيته
أخبرني أحمد بن عبد العزيز، قال: حدّثني محمد بن القاسم، قال: حدّثني الزّبير، قال: حدّثني مصعب، قال:
جزّ أشعب لحيته فبعث إليه نافع بن ثابت بن عبد اللّه بن الزّبير: ألم أقل لك إن البطّال [5] أملح ما يكون إذا طالت لحيته فلا تجزز لحيتك.
طرائف من طمعه وبخله
أخبرني أحمد، قال: حدّثني محمد بن القاسم، قال: حدثنا أبو الحسن أحمد بن يحيى، قال: أخبرنا أبو الحسن المدائنيّ، قال:
وقف أشعب على امرأة تعمل طبق خوص فقال: لتكبّريه فقالت: لم؟ أتريد أن تشتريه؟ قال: لا، ولكن عسى أن يشتريه إنسان فيهدي إليّ فيه/، فيكون كبيرا خير من أن يكون صغيرا.
أخبرني أحمد بن عبد العزيز، قال: حدّثني محمد بن القاسم، قال: أخبرنا أحمد بن يحيى/ قال: أخبرنا المدائنيّ، قال: قالت صديقة أشعب لأشعب: هب لي خاتمك أذكرك به، قال: اذكريني أنّي منعتك إياه؛ فهو أحبّ إليّ.
أخبرني أحمد، قال: حدّثني محمد بن القاسم بن مهرويه، قال: أخبرنا أبو مسلم، قال: أخبرنا المدائنيّ، قال:
__________
[1] ف: «و هو يتمرى».
[2] الصبرة: الكومة من الطعام. وفي ف: «كالسفرة».
[3] ب: «فحبسه».
[4] اللحى: عظم الحنك وهو الّذي عليه الأسنان. وفي ف: «إنما تناجى ربك فناجه ... ».
[5] البطال: المتعلل.
قال أشعب مرة للصبيان: هذا عمرو بن عثمان يقسّم مالا، فمضوا، فلما أبطؤوا عنه اتّبعهم؛ يحسب أنّ الأمر قد صار حقّا كما قال.
أخبرنا أحمد، قال: حدثنا محمد بن القاسم، قال: أخبرنا أحمد بن يحيى، قال: أخبرنا المدائنيّ، قال:
دعا زياد بن عبد اللّه أشعب فتغدّى معه، فضرب بيده إلى جدي بين يديه، وكان زياد أحد [1] البخلاء بالطعام، فغاظه ذلك، فقال لخدمه: أخبروني عن أهل السجن ألهم إمام يصلّي بهم؟ وكان أشعب من القرّاء لكتاب اللّه تعالى، قالوا: لا، قال: فأدخلوا أشعب فصيّروه إماما لهم، قال أشعب: أو غير ذلك؟ قال: وما هو؟ قال:
أحلف لك - أصلحك اللّه - ألّا أذوق جديا أبدا، فخلّاه.
أخبرنا أحمد، قال: حدثنا محمد بن القاسم، قال: أخبرنا أبو مسلم، قال: أخبرنا المدائنيّ، قال:
رأيت أشعب بالمدينة يقلّب مالا كثيرا فقلت له: ويحك ما هذا الحرص! ولعلك أن تكون أيسر ممّن تطلب منه [2]، قال: إني قد مهرت في هذه [3] المسألة، فأنا أكره أن أدعها فتنفلت منّي.
/ أخبرنا أحمد، قال: حدّثنا محمد بن القاسم، قال: أخبرنا أبو مسلم، قال: أخبرنا المدائنيّ، قال:
قيل لأشعب: ما بلغ من طمعك؟ قال: ما رأيت اثنين يتسارّان قطّ إلا كنت أراهما يأمران لي بشيء.
أخبرنا أحمد، قال: حدثنا محمد بن القاسم، قال: حدثنا أبو مسلم، قال: أخبرنا المدائنيّ، قال:
قال أشعب لأمه: رأيتك في النوم مطليّة بعسل وأنا مطليّ بعذرة، فقالت: يا فاسق هذا عملك الخبيث كساكه [4] اللّه عز وجل، قال: إن في الرؤيا شيئا آخر، قالت: ما هو؟ قال: رأيتني ألطعك وأنت تلطعيني [5]، قالت:
لعنك اللّه يا فاسق.
أخبرنا أحمد، قال: حدّثني محمد بن القاسم، قال: أخبرنا أبو مسلم، قال: أخبرنا المدائنيّ، قال:
كان أشعب يتحدّث إلى امرأة بالمدينة حتى عرف ذلك، فقالت لها جاراتها يوما: لو سألته شيئا فإنه موسر، فلما جاء قالت: إن جاراتي ليقلن لي: ما يصلك بشيء، فخرج نافرا من منزلها، فلم يقربها شهرين، ثم إنه جاء ذات يوم فجلس على الباب، فأخرجت إليه قدحا ملآن ماء، فقالت: اشرب هذا من الفزع، فقال: اشربيه أنت من الطمع.
أخبرنا أحمد بن عبد العزيز، قال: حدّثني محمد بن القاسم، قال: أخبرنا أبو مسلم وأحمد بن يحيى - واللّفظ لأحمد - قال: أخبرنا المدائنيّ عن جهم بن خلف، قال:
حدّثني رجل قال: قلت لأشعب: لو تحدّثت عندي العشيّة؟ فقال: أكره أن يجيء ثقيل، قال: قلت: ليس غيرك وغيري، قال: فإذا صلّيت الظهر فأنا عندك،/ فصلّى وجاء، فلما وضعت الجارية الطعام إذا بصديق لي يدقّ الباب، فقال: ألا ترى قد صرت إلى ما أكره؟ قال: قلت: إن عندي فيه عشر خصال، قال: فما هي؟ قال: أولها أنه
__________
[1] ب: «أخا البخلاء».
[2] ب: « ... ولعلك أن تكون أسيرا ممن تطلب منه».
[3] ب: «إني قد مهدت المسألة».
[4] ف: «ألبسكه اللّه».
[5] لطع الشي ء: لحسه.
لا يأكل ولا يشرب، قال: التّسع الخصال لك، أدخله. قال أبو مسلم/: إن كرهت واحدة منها لم أدخله.
أخبرنا أحمد، قال: حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه، قال: أخبرنا أبو مسلم، قال: أخبرنا المدائنيّ، قال:
دخل أشعب يوما على الحسين بن عليّ وعنده أعرابيّ قبيح المنظر مختلف الخلقة، فسبّح أشعب حين رآه، وقال للحسين عليه السّلام: بأبي أنت وأمي، أتأذن لي أن أسلح عليه؟ فقال الأعرابيّ: ما شئت، ومع الأعرابيّ قوس وكنانة، ففوّق له سهما وقال: واللّه لئن فعلت لتكوننّ آخر سلحة سلحتها، قال أشعب للحسين: جعلت فداءك، قد أخذني القولنج [1].
أخبرنا أحمد بن عبد العزيز، قال: حدّثني محمد بن القاسم، قال: أخبرنا أبو مسلم، قال: أخبرنا المدائنيّ، قال:
ذكر أشعب بالمدينة رجلا قبيح الاسم، فقيل له: يا أبا العلاء، أتعرف فلانا؟ قال: ليس هذا من الأسماء الّتي عرضت على آدم.
وجدت في بعض الكتب، عن أحمد بن الحارث الخراز [2]، عن المدائنيّ، قال:
توضّأ أشعب فغسل رجله اليسرى وترك اليمنى فقيل له: لم تركت غسل اليمنى؟ قال: لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال:
«أمّتي غرّ محجّلون من آثار الوضوء، وأنا أحبّ أن أكون أغرّ محّلا مطلق اليمنى» [3].
/و أخبرت بهذا الإسناد قال:
سمع أشعب حبّي المدينيّة تقول: اللهم لا تمتني حتى تغفر لي ذنوبي، فقال لها: يا فاسقة أنت لم تسألي اللّه المغفرة إنما سألته عمر الأبد، يريد أنه لا يغفر لها أبدا.
أخبرنا أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ، قال: حدّثني محمد بن القاسم، قال: أخبرنا المدائنيّ، عن فليح بن سليمان، قال:
ساوم أشعب رجلا بقوس عربيّة فقال الرجل: لا أنقصها عن دينار، قال أشعب: أعتق ما أملك لو أنها إذا رمي بها طائر في جوّ السماء وقع مشويّا بين رغيفين ما أخذتها بدينار.
أخبرنا أحمد، قال: حدثنا محمد بن القاسم، قال: أخبرنا مسلم، قال: أخبرنا المدائني، قال:
أهدى رجل من بني عامر بن لؤيّ إلى إسماعيل الأعرج بن جعفر بن محمد فالوذجة، وأشعب حاضر، قال:
كل يا أشعب، فلما أكل منها قال: كيف تجدها يا أشعب؟ قال: أنا بريء من اللّه ورسوله إن لم تكن عملت قبل أن يوحي اللّه عزّ وجلّ إلى النّحل، أي ليس فيها من الحلاوة شيء.
أخبرنا أحمد قال: حدثنا محمد بن القاسم، قال: أخبرنا أبو مسلم، قال: أخبرنا المدائنيّ، قال:
سأل سالم بن عبد اللّه أشعب عن طمعه، قال: قلت لصبياني مرّة: هذا سالم قد فتح باب صدقة عمر [4]،
__________
[1] القولنج: مرض معوي مؤلم يصعب معه خروج البراز والريح.
[2] ب: «الحزاز».
[3] ب: «أغر محجل ثلاث مطلق اليمين».
[4] مد: «صدقاته».
فانطلقوا يعطكم تمرا، فمضوا، فلما أبطؤوا ظننت أنّ الأمر كما قلت فاتّبعتهم.
أخبرني أحمد بن عبد العزيز، قال: حدّثني محمد بن القاسم، قال: أخبرنا أبو مسلم، قال: أخبرني المدائنيّ، قال:
/ بينا أشعب يوما يتغدّى إذ دخلت جارة [1] له، ومع أشهب امرأته تأكل، فدعاها لتتغدّى، فجاءت الجارة [1] فأخذت العرقوب بما عليه - قال: وأهل المدينة يسمونه عرقوب ربّ البيت - قال: فقام أشعب فخرج ثم عاد فدقّ الباب، فقالت له امرأته: يا سخين العين ما لك! قال: أدخل؟ قالت: أتستأذن أنت، وأنت ربّ البيت؟ قال: لو كنت ربّ البيت ما كانت العرقوب بين يدي هذه.
أشعب يبكي نفسه
أخبرني بعض أصحابنا، قال: حدثنا أحمد بن سعيد الدّمشقيّ، قال: حدثنا الزبير، قال: حدّثني مصعب، قال: قال لي ابن كليب:
حدّثت مرّة أشعب بملحة فبكى، فقلت: ما يبكيك؟ قال: أنا بمنزلة شجرة/ الموز إذا نشأت ابنتها قطعت، وقد نشأت أنت في مواليّ وأنا الآن أموت، فإنما أبكي على نفسي.
أخبرني أحمد بن عبد العزيز، قال: حدثنا ابن مهرويه، قال: حدثنا الزّبير بن بكّار، قال:
كان أشعب الطّمع يغنّي وله أصوات قد حكيت عنه، وكان ابنه عبيدة يغنّيها، فمن أصواته هذه:
أروني من يقوم لكم مقامي ... إذا ما الأمر جلّ عن الخطاب
إلى من تفزعون إذا حثوتم ... بأيديكم عليّ من التراب
أشعب وسكينة بنت الحسين
أخبرني الحسن بن عليّ الخفّاف، قال: حدثنا أحمد بن سعيد الدّمشقيّ، قال: حدثنا الزبير بن بكّار، قال:
حدثنا شعيب بن عبيدة بن أشعب، عن أبيه، عن جدّه، قال:
كانت سكينة بنت الحسين بن عليّ عليهم السّلام عند زيد بن عمرو بن عثمان بن عفان/ قال: وقد كانت أحلفته ألّا يمنعها سفرا ولا مدخلا ولا مخرجا فقالت: اخرج بنا إلى حمران [2] من ناحية عسفان، فخرج بها فأقامت، ثم قالت له: اذهب بنا نعتمر، فدخل بها مكة، فأتاني آت، فقال: تقول لك ديباجة الحرم - وهي امرأة من ولد عتّاب بن أسيد - : لك عشرون دينارا إن جئتني يزيد بن عمرو الليلة في الأبطح، [3] قال أشعب: وأنا أعرف سكينة وأعلم ما هي، ثم غلب عليّ طباع السوء والشره، فقلت لزيد فيما بيني وبينه: إن ديباجة الحرم أرسلت إليّ بكيت وكيت، فقال: عدها الليلة بالأبطح [3]، فأرسلت إليها فواعدتها الأبطح وإذا الديباجة قد افترشت بساطا في الأبطح وطرحت النمارق، ووضعت حشايا وعليها أنماط، فجلست عليها، فلما طلع زيد قامت إليه، فتلقّته وسلّمت
__________
[1] ب: «جارية».
[2] حمران: ماء في ديار الرباب (معجم البلدان). وفي ب، مد: «حمدان»، تحريف.
(3 - 3) التكملة من ف.
عليه، ثم رجعت إلى مجلسها، فلم ننشب أن سمعنا شحيج بغلة سكينة، فلما استبانها زيد قام فأخذ بركابها، واختبأت ناحية، فقامت الديباجة إلى سكينة فتلقّتها وقبّلت بين عينيها، وأجلستها على الفراش، وجلست هي على بعض النمارق، فقالت سكينة: أشعب واللّه صاحب هذا الأمر، ولست لأبي إن لم يأت يصيح صياح الهرة [1] لن يقوم لي بشيء أبدا، فطلعت على أربع أصيح صياح الهرة [1]، ثم دعت جارية معه مجمر كبير فحفنت منه وأكثرت، وصبّت في حجر الديباجة، [2] وحفنت لمن معها فصبّته في حجورهن [2] وركبت وركب زيد وأنا معهم، فلما صارت إلى منزلها قالت لي: يا أشعب أفعلتها؟ قلت: جعلت فداءك، إنما جعلت لي عشرين دينارا، وقد عرفت طمعي وشرهي، واللّه لو جعلت لي العشرين دينارا على قتل أبويّ لقتلتهما، قال: فأمرت بالرحيل إلى الطائف، فأقامت بالطائف وحوّطت [3] من ورائها بحيطان ومنعت زيدا أن يدخل عليها. قال: ثم قالت لي يوما: قد أثمنا في زيد وفعلنا [4] ما لا يحل لنا، ثم أمرت بالرحيل إلى المدينة، وأذنت لزيد فجاءها.
/ قال الزّبير: وحدّثني عبد اللّه بن محمد بن أبي سلمة قال:
جاء أشعب إلى مجلس أصحابنا فجلس فيه، فمرّت جارية لأحدهم بحزمة عراجين من صدقة عمر، فقال له أشعب: فديتك، أنا محتاج إلى حطب فمر لي بهذه الحزمة، قال: لا، ولكن أعطيك نصفها على أن تحدّثني بحديث ديباجة الحرم، فكشف أشعب ثوبه عن استه واستوفز وجعل يخنس [5] ويقول: إن لهذا زمانا [6]، وجعلت خصيتاه تخطّان الأرض، ثم قال: أعطاني واللّه فلان في حديث ديباجة الحرم عشرين دينارا، وأعطاني فلان كذا، وأعطاني فلان كذا، حتى عدّ أموالا، وأنت الآن تطلبها مني بنصف حزمة عراجين! ثم قام فانصرف.
وفي ديباجة الحرم يقول عمر بن أبي ربيعة:
صوت
ذهبت ولم تلمم بديباجة الحرم ... وقد كنت منها في عناء وفي سقم
جننت بها لمّا سمعت بذكرها ... وقد كنت مجنونا بجاراتها القدم
إذا أنت لم تعشق ولم تدر ما لهوي ... فكن حجرا بالحزن من حرّة أصمّ [7]
غناه مالك بن أبي السّمح من رواية يونس عن حبيش [8].
قال الزبير: وحدّثني شعيب بن عبيدة، عن أبيه، قال:
دخل رجل من قريش على سكينة بنت الحسين عليهما السّلام، قال: فإذا أنا بأشعب متفحّج [9] جالس تحت
__________
(1 - 1) التكملة من ف.
(2 - 2) التكملة من ف.
[3] ف: «و أحاطت».
[4] ف: «و عملنا ما لا يحل لنا».
[5] استوفز في قعدته: قعد منتصبا غير مطمئن. وخنس: تأخر.
[6] ف: «أف لهذا زمنا، أف لهذا زمنا»، بدل: «إن لهذا زمانا».
[7] ف: «من صخرة أصم».
[8] ب، مد، مم: «غير مجنس» بدل: «عن حبيش».
[9] المتفحج: المفرج بين رجليه.
السرير، فلما رآني جعل يقرقر مثل الدجاجة فجعلت أنظر إليه وأعجب، فقالت: ما لك تنظر إلى هذا؟ قلت: إنه لعجب، قالت: إنه لخبيث، قد أفسد علينا أمورنا بغباوته، فحضنته بيض دجاج، ثم أقسمت أنه لا يقوم عنه حتى ينفق [1]./و هذا الخبر عندنا غير مشروح، ولكن هذا ما سمعناه، ونسخته على الشرح من أخبار إبراهيم بن المهديّ الّتي رواها عنه يوسف بن إبراهيم، وقد ذكر في أخبار سكينة.
وروى عن أحمد بن الحسن البزّاز: وجدت بخط ابن الوشّاء، عن أبي الوشاء، عن الكديمي، عن أبي عاصم قال: قيل لأشعب الطامع: أرأيت أحدا قط أطمع منك، قال: نعم كلبا يتبعني أربعة أميال على مضغ العلك [2].
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء، وعمي عبد العزيز بن أحمد [3]، وحبيب بن نصر المهلّبيّ، قالوا: حدثنا الزبير بن بكار، قال: حدّثني مصعب، عن عثمان بن المنذر، عن عبد اللّه بن أبي بشر بن عثمان بن المغيرة، قال:
سمعت جلبة شديدة مقبلة من البلاط، وأسرعت فإذا جماعة مقبلة، وإذا امرأة قد فرعتهم طولا، وإذا أشعب بين أيديهم بكفّه دفّ وهو يغنّي به ويرقص ويحرف استه ويحركها ويقول:
ألا حيّ الّتي خرجت ... قبيل الصّبح فاختمرت
يقال بعينها رمد ... ولا واللّه ما رمدت
فإذا تجاوز في الرقص الجماعة رجع إليهم حتى يخالطهم ويستقبل المرأة فيغنّي في وجهها وهي تبسم وتقول:
حسبك الآن، فسألت عنها، فقالوا: هذه جارية صريم المغنية استلحقها صريم عند موته، واعترف بأنها بنته، فحاكمت ورثته [4] إلى السلطان، فقامت لها البينة فألحقها به وأعطاها الميراث منه، وكانت أحسن خلق اللّه غناء، كان يضرب بها المثل في الحجاز فيقال: أحسن من غناء الصّريميّة.
أخبرني الحسن بن عليّ، قال: حدثنا الدمشقيّ، قال: حدثنا الزّبير بن بكّار، قال: وحدّثني أبي، قال:
/ اجتازت جنازة الصّريميّة بأشعب وهو جالس في قوم من قريش فبكى عليها ثم قال: ذهب اليوم الغناء كله، وعلى أنها الزانية كانت - لا رحمها اللّه - شرّ خلق اللّه، فقيل: يا أشعب ليس بين بكائك عليها ولعنك إيّاها فصل في كلامك، قال: نعم، كنّا نجيئها الفاجرة بكبش، فيطبخ لنا في دارها ثم لا تعشّينا - يشهد اللّه - إلا بسلق.
أشعب والغاضري
أخبرني الحسن بن عليّ، قال: حدثنا أحمد بن زهير، قال: حدثنا مصعب:
بلغ أشعب أن الغاضريّ [5] قد أخذ في مثل مذهبه ونوادره، وأن جماعة قد استطابوه، فرقبه حتى علم أنه في مجلس/ من مجالس قريش يحادثهم ويضحكهم فصار إليه، ثم قال له: قد بلغني أنك قد نحوت نحوي وشغلت عنّي من كان يألفني فإن كنت مثلي فافعل كما أفعل، ثم غضّن [6] وجهه وعرّضه وشنّجه حتى صار عرضه أكثر من طوله،
__________
[1] ف: «ينقب».
[2] العلك: اللبان.
[3] كذا في جميع النسنخ ونرجح أن يكون أحمد بن عبد العزيز.
[4] ف: «فخاصمت ورثته».
[5] ب: «الناضري».
[6] غضن وجهه: ثناه. وفي ب: «غض».
وصار في هيئة لم يعرفه أحد بها، ثم أرسل وجهه وقال له: افعل هكذا وطوّل وجهه حتى كاد ذقنه يجوز صدره، وصار كأنه وجه الناظر في سيفه، ثم نزع ثيابه وتحادب فصار في ظهره حدبة كسنام البعير، وصار طوله مقدار شبر أو أكثر، ثم نزع سراويله وجعل يمد جلد خصييه حتى حكّ بهما الأرض، ثم خلّاهما من يده ومشى وجعل يخنس [1] وهما يخطّان الأرض، ثم قام فتطاول وتمدّد وتمطّى حتى صار أطول ما يكون من الرجال، فضحك واللّه القوم حتى أغمي عليهم وقطع الغاضريّ فما تكلم بنادرة، ولا زاد على أن يقول: يا أبا العلاء لا أعاود ما تكره، إنما أنا تلميذك وخرّيجك، ثم انصرف أشعب وتركه.
من أخلاق أمه
أخبرني رضوان بن أحمد الصّيدلانيّ، قال: حدثنا يوسف بن إبراهيم، عن إبراهيم بن المهديّ، عن عبيدة بن أشعب، عن أبيه: أنه كان مولده في سنة تسع من الهجرة، وأن أباه كان من مماليك عثمان، وأنّ أمّه كانت تنقل كلام أزواج النبي صلّى اللّه عليه وسلّم بعضهن إلى بعض، فتلقي بينهن الشّرّ، فتأذّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بذلك،/ فدعا اللّه عز وجل عليها فأماتها، وعمّر ابنها أشعب حتى هلك في أيام المهديّ.
كان من المعتزلة
وكان في أشعب خلال، منها أنه كان أطيب أهل زمانه عشرة وأكثرهم نادرة، ومنها: أنه كان أحسن الناس أداء لغناء سمعه، ومنها: أنه أقوم أهل دهره بحجج المعتزلة وكان امرأ منهم.
أشعب وعبد اللّه بن عمر
قال إبراهيم بن المهديّ فحدّثني عبيدة بن أشعب، عن أبيه، قال: بلغني أن عبد اللّه بن عمر كان في مال له [2] يتصدق بثمرته، فركبت ناضحا [3] ووافيته في ماله، فقلت: يا بن أمير المؤمنين ويا بن الفاروق أوقر لي بعيري هذا تمرا، فقال لي: أمن المهاجرين أنت؟ قلت: اللهمّ لا، قال: فمن الأنصار أنت؟ فقلت: اللهم لا، قال: أفمن التابعين بإحسان؟ فقلت: أرجو، فقال: إلى أن يحقّق رجاؤك، قال: أفمن أبناء السبيل أنت؟ قلت: لا، قال: فعلام أوقر لك بعيرك تمرا؟ قلت: لأني سائل، وقد قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «إن أتاك سائل على فرس فلا تردّه»، فقال: لو شئنا أن نقول لك: إنه قال: لو أتاك على فرس، ولم يقل أتاك على ناضح بعير [4] لقلنا، ولكنّي أمسك عن ذلك لاستغنائي عنه؛ لأني قلت لأبي عمر بن الخطاب: إذا أتاني سائل على فرس يسألني أعطيته؟ فقال: إني سألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عما سألتني عنه، فقال لي: نعم إذا لم تصب راجلا ونحن أيها الرّجل نصيب رجّالة فعلام أعطيك وأنت على بعير؟ فقلت له: بحق أبيك الفاروق، وبحق اللّه عز وجل، وبحق رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لما أوقرته لي تمرا، فقال لي عبد اللّه: أنا موقره لك تمرا، ووحق اللّه ووحق رسوله لئن عاودت استحلافي لا أبررت لك قسمك، ولو أنك اقتصرت على استحلافي بحق أبي عليّ في تمرة أعطيكها لما أنفدت قسمك، لأني سمعت أبي يقول: إن
__________
[1] خنس: تخلف وتوارى.
[2] ف: «بلغني مكان عبد اللّه بن عمر في مال له».
[3] ف: «أتاك على بعير».
[4] الناضح: البعير يتسقى عليه.
رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: لا تشدّ الرّحال إلى مسجد لرجاء الثواب إلا إلى المسجد الحرام ومسجدي/ بيثرب،/ ولا يبرّ امرؤ قسم مستحلفه إلا أن يستحلفه بحق اللّه وحق رسوله، ثم قال للسودان في تلك الحال [1]: أوقروا له بعيره تمرا، قال: ولما أخذ السودان في حشو الغرائر قلت: إن السودان أهل طرب، وإن أطربتهم أجادوا حشو غرائري، فقلت:
يا بن الفاروق، أتأذن لي في الغناء فأغنّيك؟ فقال لي: أنت وذلك [2]، فاندفعت في النّصب [3]، فقال لي: هذا الغناء الّذي لم نزل نعرفه. ثم غنيته صوتا آخر لطويس المغنّي وهو:
خليليّ ما أخفي من الحب ناطق ... ودمعي بما قلت الغداة شهيد [4]
فقال لي عبد اللّه: يا هناه، لقد حدث في هذا المعنى ما لم نكن نعرفه، قال: ثم غنّيته لابن سريج:
يا عين جودي بالدموع السّفاح ... وابكي على قتلى قريش البطاح
فقال: يا أشعب، ويحك، هذا يحيق الفؤاد - أراد: يحرق الفؤاد، لأنه كان ألثغ لا يبين بالراء ولا باللام. قال أشعب: وكان بعد ذلك لا يرائي إلا استعادني هذا الصوت.
من نوادره
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء، قال: حدّثنا الزّبير بن بكّار، قال: حدّثني عمي، قال:
لقي أشعب صديق لأبيه فقال له: ويحك يا أشعب، كان أبوك ألحى وأنت أنطّ [5] فإلى من خرجت؟ قال: إلى أمّي.
من حيله
أخبرني الحسن بن عليّ، قال: أخبرنا أحمد بن أبي خيثمة، قال: حدثنا مصعب بن عبد اللّه، عن مصعب بن عثمان، قال:
لقي أشعب سالم بن عبد اللّه بن عمر فقال: يا أشعب، هل لك في هريس قد أعدّ لنا؟ قال: نعم، بأبي أنت وأمي. قال: فصر إليّ، فمضى إلى منزله، فقالت له امرأته: قد/ وجّه إليك عبد اللّه بن عمرو بن عثمان يدعوك.
قال: ويحك، إن لسالم بن عبد اللّه هريسة قد دعاني إليها، وعبد اللّه بن عمرو في يدي متى شئت، وسالم إنما دعوته للناس فلتة، وليس لي بدّ من المضيّ إليه. قالت: إذا يغضب عبد اللّه، قال: آكل عنده، ثم أصير إلى عبد اللّه. فجاء إلى سالم وجعل يأكل أكل متعالل فقال له: كل يا أشعب وابعث ما فضل عنك إلى منزلك، قال: ذاك أردت بأبي أنت وأمّي، فقال: يا غلام، احمل هذا إلى منزله، فحمله ومضى معه فجاء به امرأته فقالت له: ثكلتك أمّك، قد حلف عبد اللّه أن لا يكلّمك شهرا، قال: دعيني وإياه، هاتي شيئا من زعفران، فأعطته ودخل الحمّام يمسح على وجهه ويديه [6] وجلس في الحمام حتى صفّره، ثم خرج متكئا على عصا يرعد، حتى أتى دار عبد اللّه بن عمرو،
__________
[1] ب: «ثم قال للسودان في ذلك المال».
[2] ف: «أنت ورأيك».
[3] النصب: نوع من الغناء.
[4] ب: «باطل» بدل «ناطق». و «شهير» بدل «شهيد».
[5] الأنط: الخفيف شعر اللحية أو الحاجبين.
[6] ف: «و بدنه».
فلما رآه حاجبه قال: ويحك، بلغت بك العلّة ما أرى؟ ودخل وأعلم صاحبه فأذن له، فلما دخل عليه إذا سالم بن عبد اللّه عنده، فجعل يزيد في الرّعدة ويقارب الخطو، فجلس وما يقدر أن يستقلّ، فقال عبد اللّه: ظلمناك يا أشعب في غضبنا عليك، فقال له سالم: ما لك ويلك! ألم تكن عندي آنفا وأكلت هريسة؟ فقال له: وأيّ أكل ترى بي؟
قال: ويلك! ألم أقل لك كيت وكيت وتقل لي كيت وكيت؟ قال له: شبّه لك، قال: لا حول ولا قوة إلا باللّه، واللّه إني لأظنّ الشيطان يتشبّه بك. ويلك! أجادّ أنت؟ قال: عليّ وعليّ إن كنت خرجت منذ شهر [1]. فقال له عبد اللّه:
اعزب ويحك أتبهته، لا أمّ لك! قال: ما قلت إلا حقّا، قال: بحياتي اصدقني وأنت آمن من غضبي، قال:
لا وحياتك لقد صدق. ثم حدّثه بالقصة فضحك حتى استلقى على قفاه.
ابنه يذكر بعض طرائف أبيه
[2] أخبرني رضوان بن أحمد بن يوسف بن إبراهيم، عن إبراهيم بن المهديّ:
أنّ الرشيد لمّا ولّاه دمشق بعث إليه عبد اللّه بن أشعب، وكان يقدم عليه من الحجاز إذا أراد أن يطرب.
/ قال إبراهيم: وكان يحدّثني من حديث أبيه بالطرائف:
عادلته [3] يوما وأنا خارج من دمشق في قبّة على بغل لألهو بحديثه، فأصابنا في الطريق برد شديد فدعوت بدوّاج سمّور [4] لألبسه، فأتيت به فلما لبسته أقبلت على ابن أشعب فقلت: حدّثني بشيء من طمع أبيك. فقال لي:
ما لك ولأبي، ها أنا إذا دعوت بالدّوّاج فما شككت واللّه في أنك إنما جئت به لي، فضحكت من قوله، ودعوت بغيره فلبسته وأعطيته إياه، ثم قلت له:
ألأبيك ولد غيرك؟ فقال: كثير، فقلت: عشرة؟ قال: أكثر، قلت: فخمسون؟ قال: أكثر كثير، قلت: مائة؟
قال: دع المئين وخذ الألوف، فقلت: ويلك! أيّ شيء تقوله؟ أشعب أبوك ليس بينك وبينه أب، فكيف يكون له ألوف من الولد؟ فضحك ثم قال: لي في هذا خبر ظريف، فقلت له: حدّثني به، فقال:
كان أبي منقطعا إلى سكينة بنت الحسين، وكانت متزوجة بزيد بن عمرو بن عثمان بن عفان وكانت محبّة له، فكان لا يستقر معها، تقول له: أريد الحج فيخرج معها، فإذا أفضوا إلى مكة تقول: أريد الرجوع إلى المدينة، فإذا عاد إلى المدينة، قالت: أريد العمرة، فهو معها في سفر لا ينقضي. قال عبد اللّه: فحدّثني أبي قال:
كانت قد حلّفته بما لا كفّارة له ألا يتزوج عليها ولا يتسرّى ولا يلمّ بنسائه وجواريه إلا بإذنها، وحجّ الخليفة في سنة من السنين فقال لها: قد حج الخليفة ولا بدّ لي من لقائه، قالت: فاحلف بأنك لا تدخل الطائف، ولا تلمّ بجواريك على وجه ولا سبب، فحلف لها بما رضيت به من الأيمان على ذلك، ثم قالت له: احلف بالطلاق، فقال: لا أفعل، ولكن ابعثي معي بثقتك، فدعتني وأعطتني ثلاثين دينارا وقالت لي: اخرج معه، وحلّفتني/ بطلاق بنت وردان زوجتي ألا أطلق له الخروج إلى الطائف بوجه ولا سبب، فحلفت لها بما أثلج صدرها، فأذنت له فخرج وخرجت معه. فلما حاذينا الطائف قال لي: يا أشعب، أنت تعرفني وتعرف صنائعي عندك، وهذه ثلاثمائة دينار،
__________
[1] ف: «إن كنت رأيتك منذ شهر».
[2] سقط هذا الخبر من ب، وأثبتناه من ف، ما، مد.
[3] عادله: ركب معه.
[4] الدواج: اللحاف الّذي يلبس. والسمور: حيوان بري يتخذ من جلده فراء ثمينة للينها وخفتها وإدفائها.
خذها بارك اللّه لك فيها وأذن لي ألمّ بجواريّ، فلما سمعتها ذهب عقلي ثم قلت: يا سيدي، هي سكينة، فاللّه اللّه فيّ. فقال: أو تعلم سكينة الغيب! فلم يزل بي حتى أخذتها وأذنت له، فمضى وبات عند جواريه. فلما أصبحنا رأيت أبيات قوم من العرب قريبة منا، فلبست حلّة وشي كانت لزيد قيمتها ألف دينار، وركبت فرسه وجئت إلى النساء فسلّمت فرددن، ونسبنني فانتسبت نسب زيد، فحادثنني وأنسن بي. وأقبل رجال الحيّ، وكلما جاء رجل سأل عن نسبي فخبّر به هابني وسلّم عليّ وعظّمني وانصرف، إلى أن أقبل شيخ كبير منكر مبطون، فلما خبّر بي وبنسبي شال حاجبيه عن عينه، ثم نظر إليّ وقال: وأبي ما هذه خلقة قرشيّ ولا شمائله، وما هو إلا عبد لهم نادّ، وعلمت أنه يريد شرّا، فركبت الفرس ثم مضيت، ولحقني فرماني بسهم فما أخطأ قربوس السرج، وما شككت أنه يلحقني بآخر يقتلني فسلحت - يعلم اللّه - في ثيابي فلوّثها ونفذ إلى الحلّة فصيّرها شهرة [1]، وأتيت رحل زيد بن عمرو فجلست أغسل الحلّة وأجففها، وأقبل زيد بن عمرو، فرأى ما لحق الحلّة والسرج، فقال لي: ما القصة؟
ويلك! فقلت: يا سيدي الصدق أنجى، وحدثته الحديث فاغتاظ ثم قال لي: ألم يكفك أن تلبس حلتي وتصنع بها ما صنعت، وتركب فرسي وتجلس إلى النساء حتى انتسبت بنسبي وفضحتني، وجعلتني عند العرب ولّاجا جمّاشا [2]، وجرى عليك ذلّ نسب إليّ، أنا نفيّ من أبي ومنسوب إلى أبيك إن لم أسؤك وأبلغ في ذلك.
ثم لقي الخليفة وعاد ودخلنا إلى سكينة، فسألته عن خبره كله فخبرها حتى انتهى إلى ذكر/ جواريه، فقالت:
إيه وما كان من خبرك في طريقك؟ هل مضيت إلى جواريك بالطائف؟ فقال لها: لا أدري، سلي ثقتك. فدعتني فسألتني، وبدأت فحلفت لها بكل يمين محرجة أنه ما مرّ بالطائف ولا دخلها ولا فارقني، فقال لها: اليمين الّتي حلف بها لازمة لي إن لم أكن دخلت الطائف وبتّ عند جواريّ وغسّلتهن [3] جميعا، وأخذ مني ثلاثمائة دينار، وفعل كذا وكذا، وحدّثها الحديث كله وأراها الحلّة والسرج، فقالت لي: أفعلتها يا أشعب! أنا نفيّة من أبي إن أنفقتها إلا فيما يسوءك، ثم أمرت بكبس [4] منزلي وإحضارها الدنانير فأحضرت، فاشترت بها خشبا وبيضا وسرجينا، وعملت من الخشب بيتا فحبستني فيه وحلفت ألا أخرج منه ولا أفارقه حتى أحضن البيض كلّه إلى أن ينقب، فمكثت أربعين يوما أحضن لها البيض حتى نقب، وخرج منه فراريج كثيرة فربّتهن وتناسلن فكنّ بالمدينة يسمّين بنات أشعب ونسل أشعب، فهؤلاء إلى الآن بالمدينة نسل يزيد على الألوف، كلهن أهلي وأقاربي.
قال إبراهيم: فضحكت واللّه من قوله ضحكا ما أذكر أنّي ضحكت مثله قط ووصلته، ولم يزل عندي زمانا حتى خرج إلى المدينة وبلغني أنه مات هناك [5].
يتسور البستان طلبا للطعام
أخبرني أحمد، قال: حدّثنا مصعب بن عبد اللّه بن عثمان، قال:
قال رجل/ لأشعب: إنّ سالم بن عبد اللّه قد مضى إلى بستان فلان ومعه طعام كثير، فبادر حتى لحقه فأغلق
__________
[1] الشهرة: ظهور الشيء في شنعة.
[2] الولاج: الكثير الدخول. والجماش: المتعرض للنساء.
[3] غسلتهن: جامعتهن.
[4] كبس دار فلان: هجم عليها فجأة وأحاط بها.
[5] انتهى الخبر المشار إلى أوله في الحاشية رقم 3 ص 162.
الغلام الباب دونه، فتسوّر عليه، فصاح به سالم: بناتي ويلك بناتي، فناداه أشعب: لَقَدْ عَلِمْتَ ما لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ ما نُرِيدُ
[1]، فأمر بالطعام فأخرج إليه منه ما كفاه.
يقوقىء مثل الدجاجة
أخبرني الحسن بن عليّ، قال: حدثنا أحمد بن سعيد، قال: حدثنا الزّبير بن بكّار، قال: حدّثني عمّي، قال:
/ بعثت سكينة إلى أبي الزّناد فجاءها تستفتيه في شيء، فاطّلع أشعب عليه من بيت وجعل يقوقىء مثل ما تقوقىء الدجاجة، قال: فسبّح أبو الزّناد وقال: ما هذا؟ فضحكت وقالت: إن هذا الخبيث أفسد علينا بعض أمرنا، فحلفت أن يحضن بيضا في هذا البيت ولا يفارقه حتى ينقب، فجعل أبو الزّناد يعجب من فعلها.
وقد أخبرني محمد بن جعفر النحويّ بخبر سكينة الطويل على غير هذه الرواية، وهو قريب منها، وقد ذكرته في أخبار سكينة بنت الحسين مفردا عن أخبار أشعب هذه في أخبارها مع زيد بن عمرو بن عثمان بن عفان.
عبد يسلح في يده
أخبرني الحسن بن عليّ، قال: حدثنا أحمد بن أبي خيثمة، قال: حدثنا مصعب، قال: حدّثني بعض المدنيين، قال:
كان لأشعب حرق في بابه، فكان ينام ثم يخرج يده من الخرق يطمع في أن يجيء إنسان يطرح في يده شيئا من شدة الطمع، فبعث إليه بعض من كان يعبث به من مجّان آل الزبير بعبد له فسلح في يده، فلم يعد بعدها إلى أن يخرج يده.
وأخبرني به الجوهريّ، عن ابن مهرويه، عن محمد بن الحسن، عن مصعب، عن بعض المدنيين فذكر نحوه ولم يذكر ما فعل به الماجن.
أشعب وسالم بن عبد اللّه بن عمر
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ، قال: حدثنا عبد اللّه بن أبي سعد، قال: حدّثني محمد بن محمد الزّبيريّ أبو طاهر، قال: حدثنا يحيى بن محمد بن أبي قتيلة، قال: حدّثني إسماعيل بن جعفر بن محمد الأعرج أنّ أشعب حدّثه، قال:
جاءني فتية من قريش فقالوا: إنا نحب أن تسمع سالم بن عبد اللّه بن عمر صوتا من الغناء وتعلمنا ما يقول لك، وجعلوا لي على ذلك جعلا فتنني [2]، فدخلت على سالم فقلت:/ يا أبا عمر، إنّ لي مجالسة وحرمة ومودة وسنّا، وأنا مولع بالتّرنم، قال: وما التّرنّم؟ قلت: الغناء، قال: في أي وقت؟ قلت: في الخلوة ومع الإخوان في المنزه، فأحب أن أسمعك، فإن كرهته أمسكت عنه، وغنّيته فقال: ما أرى بأسا، فخرجت فأعلمتهم، قالوا: وأي شيء غنيته؟ قلت: غنيته:
قرّبا مربط النّعامة منّي ... لقحت حرب وائل عن حيالي [3]
__________
[1] سورة هود: 79.
[2] ف: «جعلا قيدني». والجعل: الأجر الّذي يأخذه الإنسان على فعل شيء.
[3] البيت للحارث بن عباد، وانظر الأمالي 2: 131 ط دار الكتب.
فقالوا: هذا بارد ولا حركة فيه، ولسنا نرضى، فلما رأيت دفعهم إياي وخفت ذهاب ما جعلوه لي رجعت فقلت: يا أبا عمر، آخر، فقال: ما لي ولك؟ فلم أملّكه كلامه حتى غنيت، فقال: ما أرى بأسا، فخرجت إليهم فأعلمتهم فقالوا: وأي شيء غنيته؟ فقلت: غنّيته قوله:
لم يطيقوا أن ينزلوا ونزلنا ... وأخو الحرب من أطاق النّزالا
فقالوا: ليس هذا بشيء، فرجعت إليه فقال: مه، قلت: وآخر، فلم أملّكه أمره حتى غنيت:
غيّضن من عبراتهنّ وقلن لي: ... ما ذا لقيت من الهوى ولقينا [1]
/فقال: نهلا نهلا [2]، فقلت: لا واللّه إلا بذاك السّداك، وفيه تمر عجوة من صدقة عمر فقال: هو لك، فخرجت به عليهم وأنا أخطر فقالوا: مه، فقلت: غنّيت الشيخ:
غيّضن من عبراتهنّ وقلن لي ... ............... ......
فطرب وفرض لي فأعطاني هذا، وكذبتهم، واللّه ما أعطانيه إلا استكفافا حتى صمتّ.
/ قال ابن أبي سعد: السّداك: الزّبيل الكبير. وفرض لي أي نقّطني، يعني ما يهبه الناس للمغنّين ويسمّونه النّقط.
كانت له ألحان مطربة وشهد له معبد
حدّثني الجوهريّ، قال: حدثنا محمد بن القاسم، قال: حدّثني قعنب بن المحرز، عن الأصمعيّ، قال:
حدّثني جعفر بن سليمان، قال:
قدم أشعب أيام أبي جعفر، فأطاف به فتيان بني هاشم وسألوه أن يغنّيهم فغنّى فإذا ألحانه مطربة [3] وحلقه على حاله، فقال له جعفر بن المنصور: لمن هذا الشعر والغناء:
لمن طلل بذات الجي ... ش أمسى دارسا خلقا؟
فقال له: أخذت الغناء عن معبد، وهو للدّلال، ولقد كنت آخذ اللحن عن معبد فإذا سئل عنه قال: عليكم بأشعب فإنه أحسن تأدية له مني.
أشعب يلازم جريرا ويغنيه في شعره
أخبرني محمد بن مزيد، قال: حدثنا حمّاد بن إسحاق، عن أبيه، عن عبد اللّه بن مصعب، قال:
قدم جرير المدينة، فاجتمع إليه الناس يستنشدونه ويسألونه عن شعره، فينشدهم ويأخذون عنه وينصرفون، ولزمه أشعب من بينهم فلم يفارقه، فقال له جرير: أراك أطولهم جلوسا وأكثرهم سؤالا، وإني لأظنّك ألأمهم حسبا، فقال له: يا أبا حزرة، أنا واللّه أنفعهم لك، قال: وكيف ذلك؟ قال: أنا آخذ شعرك فأحسّنه وأجوّده، قال:
__________
[1] البيت لجرير في شرح ديوان جرير 578 ط الصاوي، وقبله:
إن الذين غدوا بلبك غادروا ... وشلا بعينك ما يزال معينا
[2] ف، مد: «مهلا مهلا». والنهل: ما أكل من الطعام.
[3] ف: «ألحانه طربة».
كيف تحسّنه وتجوّده؟ قال: فاندفع فغناه في شعره والغناء لابن سريج:
صوت
يا أخت ناجية السّلام عليكم ... قبل الرحيل وقبل لوم العذّل [1]
لو كنت أعلم أن آخر عهدكم ... يوم الرّحيل فعلت ما لم أفعل
/ قال: فطرب جرير حتى بكى وجعل يزحف إليه حتى لصقت ركبته بركبته وقال: أشهد أنك تحسّنه وتجوّده، فأعطاه من شعره ما أراد، ووصله بدنانير وكسوة.
حدّثني أحمد بن عبد العزيز، قال: حدثنا محمد بن القاسم، قال: حدّثني أبي، قال: قال الهيثم بن عديّ:
لقيت أشعب فقلت له: كيف ترى أهل زمانك هذا؟ قال: يسألون عن أحاديث الملوك ويعطون إعطاء العبيد.
أشعب وأم عمر بنت مروان
حدّثني أحمد، قال: حدّثني محمد بن القاسم، قال: حدثنا أحمد بن يحيى، قال: أخبرنا مصعب، قال:
حجّت أم عمر بنت مروان فاستحجبت [2] أشعب وقالت له: أنت أعرف الناس بأهل المدينة، فأذن لهم على مراتبهم، وجلست لهم مليّا، ثم قامت فدخلت القائلة، فجاء طويس فقال لأشعب: استأذن لي على أم عمر، فقال:
ما زالت جالسة وقد دخلت، فقال له: يا أشعب ملكت يومين فلم تفتّ بعرتين ولم تقطع شعرتين، فدقّ أشعب الباب ودخل إليها، فقال لها: أنشدك اللّه يا بنة مروان، هذا طويس بالباب فلا تتعرّضي للسانه ولا تعرّضيني، فأذنت له، فلما دخل إليها قال لها: واللّه لئن كان بابك غلقا لقد كان باب/ أبيك فلقا [3]، ثم أخرج دفّه ونقر به وغنّى:
ما تمنعي يقظي فقد تؤتينه ... في النوم غير مصرّد محسوب
كان المنى بلقائها فلقيتها ... فلهوت من لهو امرىء مكذوب
قالت: أيهما أحبّ إليك العاجل أم الآجل؟ فقال: عاجل وآجل، فأمرت له بكسوة.
/ أخبرني الجوهريّ، قال: حدّثني ابن مهرويه، عن أبي مسلم، عن المدائنيّ، قال:
حدّث رجل من أهل المدينة أشعب بحديث أعجبه فقال له: في حديثك هذا شيء، قال: وما هو؟ قال: تقليبه على الرأس.
أشعب والوليد بن يزيد
أخبرني الجوهريّ، قال: حدّثني ابن مهرويه، قال: أخبرنا أبو مسلم، قال: حدثنا المدائنيّ، قال:
بعث الوليد بن يزيد إلى أشعب بعد ما طلّق امرأته سعدة فقال له: يا أشعب، لك عندي عشرة آلاف درهم على أن تبلّغ رسالتي سعدة، فقال له: أحضر المال حتى أنظر إليه، فأحضر الوليد بدرة فوضعها أشعب على عنقه، ثم قال: هات رسالتك يا أمير المؤمنين، قال: قل لها: يقول لك:
__________
[1] ف: «قبل الفراق وقبل عذل العذل».
[2] استحجبت أشعب: ولته الحجابة.
[3] باب غلق: مغلق، فعل بمعنى مفعول. وفلق: مفتوح. وفي مد: «دلقا».
أسعدة هل إليك لنا سبيل ... وهل حتى القيامة من تلاقي؟!
بلى، ولعلّ دهرا أن يواتي ... بموت من حليلك أو طلاق
فأصبح شامتا وتقرّ عيني ... ويجمع شملنا بعد افتراق
قال: فأتى أشعب الباب، فأخبرت بمكانه، فأمرت ففرشت لها فرش وجلست فأذنت له، فدخل فأنشدها ما أمره، فقالت لخدمها: خذوا الفاسق، فقال: يا سيدتي إنها بعشرة آلاف درهم، قالت: واللّه لأقتلنّك أو تبلّغه كما بلغتني، قال: وما تهبين لي؟ قالت: بساطي الّذي تحتي، قال: قومي عنه، فقالت فطواه ثم قال: هاتي رسالتك جعلت فداءك، قالت: قل له:
أتبكي على لبنى وأنت تركتها ... فقد ذهبت لبنى فما أنت صانع؟!
فأقبل أشعب فدخل على الوليد فأنشده البيت، فقال: أوّه! قتلتني واللّه، ما تراني صانعا بك يا بن الزانية؟ اختر إمّا أن أدلّيك منكّسا في بئر، أو أرمي بك من فوق القصر/ منكّسا، أو أضرب رأسك بعمودي هذا ضربة، فقال:
ما كنت فاعلا بي شيئا من ذلك، قال: ولم؟ قال: لأنّك لم تكن لتعذّب رأسا فيه عينان قد نظرتا إلى سعدة فقال:
صدقت يا بن الزّانية، اخرج عنّي.
وقد أخبرني بهذا الخبر محمد بن مزيد، عن حمّاد، عن أبيه، عن الهيثم بن عديّ، أنّ سعدة لمّا أنشدها أشعب قوله:
أسعدة هل إليك لنا سبيل ... وهل حتّى القيامة من تلاقي؟!
قالت: لا واللّه لا يكون ذلك أبدا، فلما أنشدها:
بلى ولعلّ دهرا أن يواتي ... بموت من حليلك أو طلاق
قالت: كلّا إن شاء اللّه، بل يفعل اللّه ذلك به، فلمّا أنشدها:
فأصبح شامتا وتقرّ عيني ... ويجمع شملنا بعد افتراق
قالت: بل تكون الشّماتة به، وذكر باقي الخبر مثل حديث الجوهريّ، عن ابن مهرويه.
/ أخبرني عمّي، قال: حدّثنا محمد بن سعد الكرانيّ، قال: حدّثنا العمريّ، عن الهيثم بن عديّ، قال:
كتب الوليد بن يزيد في إشخاص أشعب من الحجاز إليه وجمله على البريد، فحمل إليه، فلما دخل أمر بأن يلبس تبّانا [1] ويجعل فيه ذنب قرد، ويشدّ في رجليه أجراس، وفي عنقه جلاجل، ففعل به ذلك، فدخل وهو عجب من العجب، فلما رآه ضحك منه وكشف عن أيره، قال أشعب: فنظرت إليه كأنّه ناي مدهون، فقال لي:/ اسجد للأصمّ ويلك، يعني أيره، فسجدت، ثم رفعت رأسي وسجدت أخرى، فقال: ما هذا؟ فقلت: الأولى للأصمّ، والثانية لخصيتيك، فضحك وأمر بنزع ما كان ألبسنيه ووصلني، ولم أزل من ندمائه حتى قتل.
أخبرني محمد بن مزيد، قال: حدّثنا حمّاد بن إسحاق، عن أبيه، قال:
قال رجل لأشعب إنه أهدي إلى زياد بن عبد اللّه الحارثيّ قبّة أدم قيمتها عشرة آلاف درهم فقال: امرأته الطّلاق
__________
[1] التبان: سراويل قصيرة إلى الركبة أو ما فوقها تستر العورة. وفي مد: «ثيابا».
لو أنّها قبّة الإسلام ما ساوت ألف درهم. فقيل له: إن معها جبّة وشي حشوها قزّ قيمتها عشرون ألف دينار، فقال:
أمّه زانية لو أنّ حشوها زغب أجنحة الملائكة ما ساوت عشرين دينارا.
أشعب ورجل من ولد عامر بن لؤي
أخبرني عمّي، قال: حدّثني أبو أيوب المدائنيّ، قال: حدّثني مصعب بن عبد اللّه الزّبيري، عن أبيه، قال:
حدّثني أشعب، قال:
ولي المدينة رجل من ولد عامر بن لؤيّ، وكان أبخل النّاس وأنكدهم [1]، وأغراه اللّه بي يطلبني في ليله ونهاره، فإن هربت منه هجم على منزلي بالشّرط، وإن كنت في موضع بعث إلى من أكون معه أو عنده يطلبني منه، فيطالبني بأن أحدّثه وأضحكه، ثم لا أسكت ولا ينام [2]، ولا يطعمني ولا يعطيني شيئا، فلقيت منه جهدا عظيما وبلاء شديدا. وحضر الحجّ، فقال لي: يا أشعب، كن معي، فقلت: بأبي أنت وأمي، أنا عليل، وليست لي نية في الحج. فقال: عليه وعليه، وقال: إن الكعبة بيت النّار، لئن لم تخرج معي لأودعنّك الحبس حتى أقدم، فخرجت معه مكرها، فلما نزلنا المنزل أظهر أنّه صائم ونام حتى تشاغلت، ثم أكل ما في سفرته، وأمر غلامه أن يطعمني رغيفين بملح، فجئت وعندي أنّه صائم، ولم أزل أنتظر المغرب/ أتوقّع إفطاره، فلما صلّيت المغرب قلت لغلامه:
ما ينتظر بالأكل؟ قال: قد أكل منذ زمان، قلت: أو لم يكن صائما؟ قال: لا، قلت: أفأطوي أنا؟ قال: قد أعدّ لك ما تأكله فكل، وأخرج إليّ الرّغيفين والملح فأكلتهما وبتّ ميّتا جوعا، وأصبحت فسرنا حتى نزلنا المنزل، فقال لغلامه: ابتع لنا لحما بدرهم، فابتاعه، فقال: كبّب لي قطعا، ففعل، فأكله ونصب القدر، فلما اغبرّت قال: اغرف لي منها قطعا، ففعل، فأكلها، ثم قال: اطرح فيها دقّة وأطعمني منها، ففعل، ثم قال: ألق توابلها وأطعمني منها، ففعل؛ وأنا جالس أنظر إليه لا يدعوني، فلما استوفى اللّحم كلّه قال: يا غلام، أطعم أشعب، ورمى إليّ برغيفين، فجئت إلى القدر وإذا ليس فيها إلا مرق وعظام، فأكلت الرّغيفين، وأخرج له جرابا فيه فاكهة يابسة، فأخذ منها حفنة فأكلها، وبقي في كفّه كفّ لوز بقشره، ولم يكن له فيه حيلة، فرمى به إليّ وقال: كل هذا يا أشعب، فذهبت أكسر واحدة منها فإذا بضرسي قد انكسرت منه قطعة فسقطت/ بين يديّ، وتباعدت أطلب حجرا أكسره به، فوجدته، فضربت له لوزة فطفرت - يعلم اللّه - مقدار رمية حجر، وعدوت في طلبها، فبينما أنا في ذلك إذ أقبل بنو مصعب - يعني ابن ثابت وإخوته - يلبّون بتلك الحلوق الجهوريّة، فصحت بهم: الغوث الغوث العياذ باللّه وبكم يا آل الزّبير، الحقوني أدركوني، فركضوا إليّ، فلما رأوني قالوا: أشعب، ما لك ويلك! قلت: خذوني معكم تخلّصوني من الموت، فحملوني معهم، فجعلت أرفرف بيدي كما يفعل الفرخ إذا طلب الزّقّ من أبويه، فقالوا: ما لك ويلك! قلت: ليس هذا وقت الحديث، زقّوني مما معكم، فقد متّ ضرّا وجوعا منذ ثلاث، قال: فأطعموني حتى تراجعت نفسي، وحملوني معهم في محمل، ثم قالوا: أخبرنا بقصّتك، فحدّثتهم وأريتهم ضرسي المكسورة، فجعلوا يضحكون/ ويصفّقون وقالوا: ويلك! من أين وقعت على هذا؟ هذا من أبخل خلق اللّه وأدنئهم نفسا، فحلفت بالطّلاق أني لا أدخل المدينة ما دام له بها سلطان، فلم أدخلها حتى عزل.
__________
[1] مد: «و أنكرهم».
[2] ف: «و لا أنام».
أشعب يسقط الغاضري
أخبرني رضوان بن أحمد الصّيدلانيّ، قال: حدّثنا يوسف بن إبراهيم، قال: حدّثنا إبراهيم بن المهديّ، قال:
حدّثني عبيدة بن أشعب، قال:
كان الغاضريّ مندر [1] أهل المدينة ومضحكهم قبل أبي، فأسقطه أبي واطّرح، وكان الغاضريّ حسن الوجه مادّ القامة عبلا فخما، وكان أبي قصيرا دميما قليل اللّحم؛ إلّا أنّه كان يتضرّم ويتوقّد ذكاء وحدّة وخفّة روح، وكان الغاضريّ يحسده إلا أنهما متساويان، وكان الغاضريّ لقيطا منبوذا لا يعرف له أب، فمرّ يوما - ومعه فتية من قريش - بأبي في المسجد وقد تأذّي بثيابه فنزعها، وتجرّد وجلس عريانا، فقال لهم الغاضريّ: أنشدتكم اللّه هل رأيتم أعجب من هذه الخلقة! يريد خلقة أبي، فقال له أبي: إنّ خلقتي لعجيبة، وأعجب منها أنه زقّني [2] اثنان فصرت نضوا [3]، وزقّك واحد فصرت بختيّا [4]، قال: وأهل المدينة يسمون المهلوس [5] من الفراخ النّضو والمسرول [6] البختيّ، فغضب الغاضريّ عند ذلك وشتمه، فسقط واستبرد، وترك النوادر بعد ذلك، وغلب أبي على أهل المدينة واستطابوه، وكان هذا سببه.
أشعب وزياد بن عبد اللّه الحارثي
أخبرني جعفر بن قدامة، قال: حدّثنا حمّاد بن إسحاق، عن أبيه، قال:
/ كان زياد بن عبد اللّه الحارثيّ أبخل خلق اللّه، فأولم وليمة لطهر بعض أولاده، وكان النّاس يحضرون ويقدّم الطّعام فلا يأكلون منه إلا تعلّلا وتشعّثا [7] لعلمهم به، فقدّم فيما قدّم جدي مشويّ فلم يعرض له أحد، وجعل يردّده على المائدة ثلاثة أيّام والناس يجتنبونه إلى أن انقضت الوليمة، فأصغى أشعب إلى بعض من كان هناك فقال: امرأته الطّلاق إن لم يكن هذا الجدي بعد أن ذبح وشوي أطول عمرا وأمدّ حياة منه قبل أن يذبح، فضحك الرّجل، وسمعها زياد فتغافل.
غضبت سكينة عليه فأمرت بحلق لحيته
أخبرني عمّي، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد، قال: حدّثني محمد بن عبد اللّه بن مالك، عن إسحاق، قال: حدّثني إبراهيم بن المهديّ، عن عبيدة بن أشعب، قال:
غضبت سكينة على أبي في شيء خالفها فيه فحلفت لتحلقنّ لحيته، ودعت بالحجّام فقالت له: احلق لحيته، فقال له الحجّام: انفخ شدقيك حتى أتمكّن منك، فقال له: يا بن البظراء، أمرتك أن تحلق لحيتي أو تعلّمني الزّمر! خبّرني عن امرأتك إذا أردت أن تحلق/ حرها تنفخ أشداقه! فغضب الحجّام وحلف ألّا يحلق لحيته وانصرف، وبلغ سكينة الخبر وما جرى بينهما فضحكت وعفت عنه.
__________
[1] أندر: أتى بالنوادر من قول أو فعل فهو مندر.
[2] زق الطائر فرخه: أطعمه بفيه.
[3] النضو: المهزول.
[4] البختي: الواحد من الإبل الخراسانية.
[5] هلسه المرض: هزله فهو مهلوس.
[6] حمامة مسرولة: في رجليها ريش كأنه سراويل.
[7] تشعث من الطعام: أكل منه قليلا.
بين زياد بن عبد اللّه الحارثي وكاتبه
أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان، قال: حدّثني أبو العيناء، عن الأصمعيّ، قال:
أهدى كاتب لزياد بن عبد اللّه الحارثيّ إليه طعاما، فأتي به وقد تغدّى فغضب وقال: ما أصنع به وقد أكلت؟
ادعوا أهل الصّفة [1] يأكلونه، فبعث إليهم وسأل/ كاتبه: فيم دعا أهل الصّفّة؟ فعرّف، فقال الكاتب: عرّفوه أنّ في السّلال أخبصة [2] وحلواء ودجاجا وفراخا، فأخبر بذلك، فأمر بكشفها، فلما رآها أمر برفعها فرفعت، وجاء أهل الصّفّة فأعلم، فقال: اضربوهم عشرين عشرين درّة، واحبسوهم فإنهم يفسون في مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ويؤذون المصلّين، فكلّم فيهم، فقال: حلّفوهم ألّا يعاودوا وأطلقوهم.
أشعب وأبان بن عثمان والأعرابي
أخبرني محمد بن مزيد، قال: حدثنا عمر بن شبّة، قال: حدثنا ابن زبالة، قال: حدثنا ابن زبنّج راوية ابن هرمة، عن أبيه، قال:
كان أبان بن عثمان من أهزل النّاس وأعبثهم [3]، وبلغ من عبثه أنه كان يجيء باللّيل إلى منزل رجل في أعلى المدينة له لقب يغضب منه فيقول له: أنا فلان بن فلان، ثم يهتف بلقبه، فيشتمه أقبح شتم وأبان يضحك. فبينما نحن ذات يوم عنده وعنده أشعب إذ أقبل أعرابيّ ومعه جمل له، والأعرابيّ أشقر أزرق أزعر [4] غضوب يتلظّى كأنه أفعى، ويتبيّن الشّرّ في وجهه ما يدنو منه أحد إلا شتمه ونهره، فقال أشعب لأبان: هذا واللّه من البادية [5] ادعوه، فدعي وقيل له: إن الأمير أبان بن عثمان يدعوك، فأتاه فسلّم عليه، فسأله أبان عن نسبه فانتسب له، فقال: حيّاك اللّه يا خالي، حبيب ازداد حبّا، فجلس، فقال له: إنّي في طلب جمل مثل جملك هذا منذ زمان فلم أجده كما أشتهي بهذه الصّفة، وهذه القامة، واللون، والصدر، والورك، والأخفاف،/ فالحمد للّه الّذي جعل ظفري به من عند من أحبّه، أتبيعه؟ فقال: نعم أيها الأمير، فقال: فإنّي قد بذلت لك به مائة دينار - وكان الجمل يساوي عشرة دنانير - فطمع الأعرابيّ وسرّ وانتفخ، وبان السّرور والطّمع في وجهه، فأقبل أبان على أشعب ثم قال له: ويلك يا أشعب! إنّ خالي هذا من أهلك وأقاربك - يعني في الطمع - فأوسع له ممّا عندك. فقال له: نعم بأبي أنت وزيادة، فقال له أبان: يا خالي، إنما زدتك في الثمن على بصيرة وإنما الجمل يساوي ستّين دينارا، ولكن بذلت لك مائة لقلّة النّفد عندنا، وإني أعطيك به عروضا [6] تساوي مائة، فزاد طمع الأعرابيّ وقال: قد قبلت ذلك أيّها الأمير، فأسرّ إلى أشعب، فأخرج شيئا مغطّى فقال له: أخرج ما جئت به، فأخرج جرد عمامة خزّ خلق تساوي أربعة دراهم، فقال له:
قوّمها يا أشعب، فقال له: عمامة الأمير تعرف به، ويشهد فيها الأعياد والجمع ويلقى فيها الخلفاء؛ خمسون دينارا.
__________
[1] أهل الصفة: فقراء المهاجرين ومن لم يكن له منزل يسكنه فكانوا يأوون إلى موضع مظلل في مسجد المدينة يسكنونه.
[2] الأخبصة جمع خبيص؛ وهي الحلواء المخلوطة من التمر والسمن.
[3] مد، ونهاية الأرب 4: 34: «و أولعهم».
[4] الأزعر: السيء الخلق.
[5] ف: «الهابة»، أي الصنف. يقال: هذا بابته: من الصنف الّذي يصلح للسخرية. وفي معجم البلدان 1: 452: بابه: من قرى بخارى.
[6] العروض جمع عرض، وهو كل شيء سوى الدراهم والدنانير.
فقال: ضعها بين يديه. وقال لابن زبنج، أثبت قيمتها. فكتب ذلك، ووضعت العمامة بين يدي الأعرابيّ، فكاد يدخل بعضه في بعض غيظا، ولم يقدر على الكلام، ثم قال: هات قلنسوتي، فأخرج قلنسوة طويلة خلقة قد علاها الوسخ والدّهن وتخرّقت، تساوي نصف درهم، فقال: قوّم، فقال: قلنسوة الأمر تعلو هامته/ ويصلّي فيها الصّلوات الخمس، ويجلس للحكم؛ ثلاثون دينارا. قال: أثبت، فأثبت ذلك، ووضعت القلنسوة بين يدي الأعرابيّ، فتربّد وجهه وجحظت عيناه وهمّ بالوثوب، ثم تماسك وهو متقلقل.
ثم قال لأشعب: هات ما عندك، فأخرج خفّين خلقين قد نقبا [1] وتقشّرا وتفتّقا، فقال له: قوّم، فقال: خفّا الأمير يطأ بهما الرّوضة، ويعلو بهما منبر النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم؛/ أربعون دينارا. فقال: ضعهما بين يديه فوضعهما. ثم قال للأعرابيّ: اضمم إليك متاعك، وقال لبعض الأعوان: اذهب فخذ الجمل، وقال لآخر: امض مع الأعرابيّ فاقبض منه ما بقي لنا عليه من ثمن المتاع وهو عشرون دينارا، فوثب الأعرابيّ فأخذ القماش فضرب به وجوه القوم لا يألو في شدّة الرّمي به، ثم قال له: أتدري أصلحك اللّه من أي شيء أموت؟ قال: لا، قال: لم أدرك أباك عثمان فأشترك واللّه في دمه إذ ولد مثلك، ثم نهض مثل المجنون حتى أخذ برأس بعيره، وضحك أبان حتى سقط وضحك كلّ من كان معه. وكان الأعرابيّ بعد ذلك إذا لقي أشعب يقول له: هلمّ إليّ يا بن الخبيثة حتى أكافئك على تقويمك المتاع يوم قوّم، فيهرب أشعب منه.
يخشى أن تحسده العجوز على خفة موته
أخبرني جعفر بن قدامة، قال: حدثنا أحمد بن الحارث، عن المدائنيّ، قال: حدّثني شيخ من أهل المدينة، قال:
كانت بالمدينة عجوز شديدة العين، لا تنظر إلى شيء تستحسنه إلا عانته [2]، فدخلت على أشعب وهو في الموت، وهو يقول لبنته: يا بنيّة، إذا متّ فلا تندبيني، والناس يسمعونك، فتقولين: وا أبتاه أندبك للصّوم والصّلوات، وا أبتاه أندبك للفقه والقراءة، فيكذّبك النّاس ويلعنوني. والتفت أشعب فرأى المرأة، فغطّى وجهه بكمّه وقال لها: يا فلانة باللّه إن كنت استحسنت شيئا ممّا أنا فيه فصلّي على النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم لا تهلكيني. فغضبت المرأة وقالت: سخنت عينك [3]، في أيّ شيء أنت مما يستحسن! أنت في آخر رمق! قال: قد علمت ولكن قلت لئلا تكوني/ قد استحسنت خفّة الموت عليّ وسهولة النّزع، فيشتدّ ما أنا فيه. وخرجت من عنده وهي تشتمه، وضحك كلّ من كان حوله من كلامه، ثم مات.
أمثلة من طرائفه وطمعه
أخبرني الحسن بن عليّ، قال: حدّثنا أحمد بن أبي طاهر، قال: حدّثنا أبو أيوب المدينيّ، عن مصعب، قال:
لاعب أشعب رجلا بالنّرد، فأشرف على أن يقمره إلا بضرب دويكّين، ووقع الفصّان في يد ملاعبه، فأصابه
__________
[1] نقبا: تخرقا.
[2] عانته: حسدته.
[3] سخنت عينك، نقيض قرّت.
زمع [1] وجزع، فضرب يكين وضرط مع الضّربة فقال له أشعب: امرأته طالق إن لم أحسب لك الضّرطة بنقطة حتى يصير لك اليكّان دوويكّ وتقمر [2]. وسلّم له القمر بسبب الضّرطة.
أخبرني الحسن، قال: حدّثنا أحمد، قال: حدّثني أبو أيّوب، عن حمّاد، عن ابن إسحاق، عن أبيه، قال:
قال رجل لأشعب: كان أبوك ألحى وأنت أثطّ [3] فإلى من خرجت؟ قال: إلى أمّي، فمرّ الرجل وهو يعجب من جوابه، وكان رجلا صالحا.
أخبرني هاشم بن محمد الخزاعيّ، قال: حدّثني الرّياشيّ، قال:
سمعت أبا عاصم النّبيل يقول: رأيت أشعب وسأله رجل: ما بلغ من طمعك؟ قال: ما زفّت عروس بالمدينة إلى زوجها قطّ إلا فتحت بابي، رجاء أن تهدي إليّ.
أخبرني حبيب بن نصر المهلّبي، قال: حدّثنا الزّبير بن بكّار، عن عمّه، قال:
تظلّمت/ امرأة أشعب منه إلى أبي بكر محمد [4] بن عمرو بن حزم وقالت:/ لا يدعني أهدأ من كثرة الجماع، فقال له أشعب: أتراني أعلف ولا أركب، لتكفّ ضرسها لأكفّ أيري.
قال: وشكا خال لأشعب إليه امرأته وأنها تخونه في ماله، فقال له: فديتك لا تأمنن قحبة، ولو أنّها أمّك، فانصرف عنه وهو يشتمه.
أخبرني عمّي، قال: حدّثني عبد اللّه بن أبي سعد، قال: حدّثني قعنب بن المحرز، عن الأصمعيّ، عن جعفر بن سليمان، قال:
قدم علينا أشعب أيّام أبي جعفر، فأطاف به فتيان بني هاشم، وسألوه أن يغنّي فغنّاهم فإذا ألحانه مطربة [5] وحلقه على حاله، فسألوه: لمن هذا اللّحن:
لمن طلل بذات الج ... يش أمسى دارسا خلقا؟
فقال: للدلال، وأخذته عن معبد، ولقد كنت آخذ عنه الصوت، فإذا سئل عنه قال: عليكم بأشعب فإنه أحسن أداء له مني.
الحسن بن الحسن بن علي يعبث به
أخبرني الحسن بن عليّ، قال: حدّثنا محمد بن القاسم بن مهرويه، قال: ذكر الزّبير بن بكّار، عن شعيب بن عبيدة بن أشعب، عن أبيه، قال:
كان الحسن بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليهم السّلام يعبث بأبي أشدّ عبث، وربما أراه في عبثه أنه قد ثمل وأنه يعربد عليه، ثم يخرج إليه بسيف مسلول ويريه أنه يريد قتله، فيجري بينهما في ذلك كلّ مستمع، فهجره أبي مدّة طويلة، ثم لقيه يوما، فقال له: يا أشعب، هجرتني وقطعتني ونسيت عهدي، فقال له: بأبي أنت وأمّي، لو كنت تعربد بغير السّيف ما هجرتك، ولكن ليس مع السّيف لعب، فقال له: فأنا أعفيك من هذا فلا تراه منّي أبدا،
__________
[1] الزمع: الدهش والخوف.
[2] قمره قمرا: غلبه في لعب القمار.
[3] الأثط: الّذي لا لحية له.
[4] ب، س: «إلى أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم».
[5] ف: «فإذا ألحانه طريّة».
وهذه عشرة دنانير، ولك حماري الّذي/ تحتي أحملك عليه، وصر إليّ ولك الشرط ألّا ترى في داري سيفا، قال:
لا واللّه أو تخرج كلّ سيف في دارك قبل أن نأكل قال: ذلك لك، قال: فجاءه أبي، ووفّى له بما قال من الهبة وإخراج السّيوف، وخلّف عنده سيفا في الدار، فلما توسّط الأمر قام إلى البيت فأخرج السيف مشهورا، ثم قال:
يا أشعب إنما أخرجت هذا السيف لخير أريده بك، قال: بأبي أنت وأمّي، وأيّ خير يكون مع السّيف؟ ألست تذكر الشرط بيننا؟ قال له: فاسمع ما أقول لك، لست أضربك به، ولا يلحقك منه شيء تكرهه، وإنما أريد أن أضجعك وأجلس على صدرك، ثم آخذ جلدة حلقك بإصبعي من غير أن أقبض على عصب ولا ودج ولا مقتل، فأحزّها بالسيف، ثم أقوم عن صدرك وأعطيك عشرين دينارا، فقال: نشدتك اللّه يا بن رسول اللّه ألّا تفعل بي هذا! وجعل يصرخ ويبكي ويستغيث، والحسن لا يزيده على الحلف له أنه لا يقتله، ولا يتجاوز به أن يحزّ جلده فقط، ويتوعّده مع ذلك بأنّه إن لم يفعله طائعا فعله كارها، حتى إذا طال الخطب بينهما، واكتفى الحسن من المزح معه، أراه أنّه يتغافل عنه، وقال له: أنت لا تفعل هذا طائعا، ولكن أجيء بحبل فأكتفك به، ومضى كأنه يجيء بحبل، فهرب أشعب وتسوّر حائطا بينه وبين عبد اللّه بن حسن أخيه فسقط إلى داره، فانفكّت رجله وأغمي عليه، فخرج عبد اللّه فزعا، فسأله عن قصته، فأخبره، فضحك منه وأمر له بعشرين دينارا، وأقام في منزله/ يعالجه ويعوله إلى أن صلحت حاله. قال: وما رآه الحسن بن الحسن بعدها.
وأخبرني الحرميّ بن أبي العلاء، قال: حدّثنا الزّبير بن بكّار، قال: حدّثني عمّي، قال:
دعا حسن بن حسن بن عليّ عليهم السّلام أشعب، فأقام عنده، فقال لأشعب يوما: أنا أشتهي كبد هذه الشّاة - لشاة عنده عزيزة عليه فارهة - فقال له أشعب:/ بأبي أنت وأمّي أعطنيها وأنا أذبح لك أسمن شاة بالمدينة، فقال:
أخبرك أني أشتهي كبد هذه وتقول لي: أسمن شاة بالمدينة، اذبح يا غلام، فذبحها وشوى له من كبدها وأطايبها، فأكل. ثم قال لأشعب من الغد: يا أشعب أنا أشتهي من كبد نجيبي هذا - لنجيب كان عنده ثمنه ألوف دراهم - فقال له أشعب: يا سيدي في ثمن هذا واللّه غناي، فأعطنيه وأنا واللّه أطعمك من كبد كلّ جزور بالمدينة، فقال: أخبرك أنّي أشتهي من كبد هذا وتطعمني من غيره! يا غلام انحر، فنحر النّجيب وشوى كبده فأكلا، فلما كان اليوم الثالث قال له: يا أشعب، أنا واللّه أشتهي أن آكل من كبدك، فقال له: سبحان اللّه أتأكل من أكباد النّاس! قال: قد أخبرتك، فوثب أشعب فرمى بنفسه من درجة عالية فانكسرت رجله، فقيل له: ويلك أظننت أنّه يذبحك؟ فقال: واللّه لو أنّ كبدي وجميع أكباد العالمين جميعا اشتهاها لأكلها. وإنّما فعل حسن بالشّاة والنّجيب ما فعل توطئة للعبث بأشعب.
تمت أخباره.
صوت
ألمّت خناس وإلمامها ... أحاديث نفس وأحلامها
يمانية من بني مالك ... تطاول في المجد أعمامها
الشعر لعويف القوافي الفزاريّ والغناء للهذليّ رمل بالوسطى، عن عمرو، وذكر حمّاد [1] بن إسحاق، عن أبيه أن فيه لحنا لجميلة ولم يذكر طريقته، وفيه لأبي العبيس بن حمدون خفيف ثقيل مطلق في مجرى الوسطى.
__________
[1] مد: «أحمد بن إسحاق».
9 - أخبار عويف ونسبه
نسبه
هو عويف بن معاوية بن عقبة بن حصن، وقيل: ابن عقبة بن عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر بن عمرو بن جؤيّة بن لوذان بن ثعلبة بن عديّ بن فزارة بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس بن عيلان بن مضر بن نزار.
وعويف القوافي شاعر مقلّ من شعراء الدّولة الأمويّة من ساكني الكوفة، وبيته أحد البيوت المقدّمة الفاخرة في العرب.
بيوتات العرب المشهورة بالشرف ثلاثة
قال أبو عبيدة: حدّثني أبو عمرو بن العلاء أنّ العرب كانت تعدّ البيوتات المشهورة بالكبر والشّرف من القبائل بعد بيت هاشم بن عبد مناف في قريش ثلاثة بيوت، ومنهم من يقول أربعة، أولها بيت آل حذيفة بن بدر الفزاريّ بيت قيس، وبيت آل زرارة بن عدس الدّارميّين بيت تميم، وبيت آل ذي الجدّين بن عبد اللّه بن همّام بيت شيبان، وبيت بني الدّيان من بني الحارث بن كعب بيت اليمن.
وأما كندة فلا يعدّون/ من أهل البيوتات، إنما كانوا ملوكا.
كسرى يسأل النعمان عن شرف القبيلة
وقال ابن الكلبيّ: قال كسرى للنّعمان: هل في العرب قبيلة تشرف على قبيلة؟ قال: نعم. قال: بأيّ شي ء؟
قال: من كانت له ثلاثة آباء متوالية رؤساء، ثم اتّصل ذلك بكمال الرّابع، والبيت من قبيلته فيه، قال: فاطلب لي ذلك، فطلبه فلم يصبه إلا في آل حذيفة بن بدر بيت قيس بن عيلان، وآل حاجب بن زرارة بيت تميم، وآل ذي الجدّين بيت شيبان، وآل الأشعث بن قيس بيت كندة. قال: فجمع هؤلاء/ الرّهط ومن تبعهم من عشائرهم، فأقعد لهم الحكّام العدول، فأقبل من كلّ قوم منهم شاعرهم، وقال لهم: ليتكلّم كلّ رجل منكم بمآثر قومه وفعالهم، وليقل شاعرهم فيصدق، فقام حذيفة بن بدر - وكان أسنّ القوم وأجرأهم مقدما - فقال: لقد علمت معدّ أنّ منا الشّرف الأقدم، والعزّ الأعظم، ومأثرة الصّنيع الأكرم، فقال من حوله: ولم ذاك يا أخا فزارة؟ فقال: ألسنا الدّعائم الّتي لا ترام، والعزّ الّذي لا يضام! قيل له: صدقت، ثم قام شاعرهم فقال:
فزارة بيت العزّ والعزّ فيهم ... فزارة قيس حسب قيس نضالها
لها العزّة القعساء والحسب الّذي ... بناه لقيس في القديم رجالها
فمن ذا إذا مدّ الأكفّ إلى العلا ... يمدّ بأخرى مثلها فينالها
فهيهات قد أعيا القرون مضت ... مآثر قيس مجدها وفعالها
وهل أحد إن مدّ يوما بكفّه ... إلى الشمس في مجرى النّجوم ينالها!
وإن يصلحوا يصلح لذاك جميعنا ... وإن يفسدوا يفسد على النّاس حالها [1]
ثم قام الأشعث بن قيس - وإنّما أذن له أن يقوم قبل ربيعة وتميم لقرابته بالنّعمان - فقال: لقد علمت العرب أنّا نقاتل عديدها الأكثر، وقديم زحفها الأكبر، وأنا غياث اللّزبات [2]. فقالوا: لم يا أخا كندة؟ قال: لأنّا ورثنا ملك كندة فاستظللنا بأفيائه، وتقلّدنا منكبه الأعظم، وتوسّطنا بحبوحة الأكرم، ثم قام شاعرهم فقال:
/إذا قست أبيات الرّجال ببيتنا ... وجدت له فضلا على من يفاخر
فمن قال: كلّا أو أتانا بخطّة ... ينافرنا يوما فنحن نخاطر
تعالوا فعدّوا يعلم النّاس أيّنا ... له الفضل فيما أورثته الأكابر
ثم قام بسطام بن قيس فقال: لقد علمت ربيعة أنّا بناة بيتها الّذي لا يزول، ومغرس عزّها الّذي لا ينقل، قالوا: ولم يا أخا شيبان؟ قال: لأنّا أدركهم للثّأر، وأقتلهم للملك الجبّار، وأقولهم للحقّ، وألدّهم للخصم، ثم قام شاعرهم فقال:
لعمري لبسطام أحقّ بفضلها ... وأولى ببيت العزّ عزّ القبائل
فسائل - أبيت اللّعن - عن عزّ قومنا ... إذا جدّ يوم الفخر كلّ مناضل
أ لسنا أعزّ النّاس قوما وأسرة ... وأضربهم للكبش [3] بين القبائل
فيخبرك الأقوام عنها فإنها [4] ... وقائع ليست نهزة للقبائل
/ وقائع عزّ كلّها ربعيّة ... تذلّ لهم فيها رقاب المحافل
إذا ذكرت لم ينكر النّاس فضلها ... وعاذ بها من شرّها كلّ قائل
وإنّا ملوك النّاس في كل بلدة ... إذا نزلت بالنّاس إحدى الزّلازل
ثم قام حاجب بن زرارة فقال: لقد علمت معدّ أنّا فرع دعامتها، وقادة زحفها، فقالوا له: بم ذاك يا أخا بني تميم؟ قال: لأنّا أكثر الناس إذا نسبنا عددا [5]، وأنجبهم ولدا، وأنّا أعطاهم للجزيل، وأحملهم للثّقيل، ثم قام شاعرهم فقال:
لقد علمت أبناء [6] خندف أنّنا ... لنا العزّ قدما في الخطوب الأوائل
وأنّا هجان [7] أهل مجد وثروة ... وعزّ قديم ليس بالمتضائل
/ فكم فيهم من سيّد وابن سيّد ... أغرّ نجيب ذي فعال ونائل
__________
[1] ف، المختار:
فإن تصالحوا نصلح كذاك جميعنا ... وإن تفسدوا يفسد على الناس حلها
[2] اللزبات جمع لزبة، وهي الشدة أو القحط.
[3] الكبش هنا: سيد القوم وقائدهم، وقيل: المنظور إليهم فيهم.
[4] ف:
«فيخبرك الأقوام عنا بأنها»
[5] مي، مد: «إذا شئنا عديدا».
[6] مد: «آباء».
[7] الهجان: أخيار والخالص من كل شيء، يستوي فيه المذكر والمؤنث والمفرد والمثنى والجمع.
فسائل - أبيت اللّعن - عنّا فإنّنا ... دعائم هذا النّاس عند الجلائل
ثم قام قيس بن عاصم فقال: لقد علم هؤلاء أنّا أرفعهم في المكرمات دعائم، وأثبتهم في النّائبات مقاوم، قالوا: ولم ذاك يا أخا بني سعد؟ قال: لأنّا أمنعهم للجار، وأدركهم للثأر، وأنّا لا ننكل [1] إذا حملنا، ولا نرام إذا حللنا، ثم قام شاعرهم فقال:
لقد علمت قيس وخندف كلّها ... وجلّ تميم والجموع الّتي ترى [2]
بأنّا عماد في الأمور وأنّنا ... لنا الشّرف الضّخم المركّب في النّدى
وأنّا ليوث النّاس في كل مأزق ... إذا اجتزّ بالبيض الجماجم والطّلى [3]
وأنّا إذا داع دعانا لنجدة ... أجبنا سراعا في العلا ثمّ من دعا
فمن ذا ليوم الفخر يعدل عاصما ... وقيسا إذا مدّ الأكفّ إلى العلا
فهيهات قد أعيا الجميع فعالهم ... وفاتوا بيوم الفخر مسعاة من سعى
فلما سمع كسرى ذلك منهم قال [4]: ليس منهم إلا سيّد يصلح لموضعه، فأثنى حباءهم.
سبب تسميته عويف القوافي
وإنّما قيل لعويف: عويف القوافي لبيت قاله، نسخت خبره في ذلك من كتاب محمد بن الحسن بن دريد ولم أسمعه منه. قال: أخبرنا السّكن بن سعيد، عن محمد بن عبّاد، عن ابن الكلبيّ، قال:
أقبل عويف القوافي - وهو عويف بن معاوية بن عقبة بن حصن بن حذيفة/ الفزاريّ، وإنّما قيل له عويف القوافي، كما حدّثني عمّار بن أبان بن سعيد بن عيينة، ببيت قاله:
سأكذب من قد كان يزعم أنّني ... إذا قلت قولا لا أجيد القوافيا
قال: فوقف على جرير بن عبد اللّه البجليّ وهو في مجلسه [5] فقال:
أصبّ على بجيلة من شقاها ... هجائي حين أدركني المشيب
فقال له جرير: ألا أشتري منك أعراض بجيلة؟ قال: بلى، قال: بكم؟ قال: بألف درهم وبرذون، فأمر له بما طلب فقال:
لو لا جرير هلكت بجيله ... نعم الفتى وبئست القبيله
فقال جرير: ما أراهم نجوا منك بعد.
نسخت من كتاب أبي سعيد السكريّ في كتاب/ «من قال بيتا فلقّب به» قال: أخبرني محمد بن حبيب قال:
وإنّما قيل لعويف: عويف القوافي لقوله، وقد كان بعض الشعراء عيّره بأنّه لا يجيد الشّعر، فقال أبياتا منها:
__________
[1] ف: «نتكل».
[2] ف، مي، مد:
«و الجموع الّذي ترى»
[3] الطّلى: الرقاب. وفي ف:
«إذا اختل بالبيض الجماجم والطلى»
[4] في مد: «قال لقيس: ما منهم إلا سيد ... الخ».
[5] ب: «في مسجده».
سأكذب من قد كان يزعم أنّني ... إذا قلت شعرا [1] لا أجيد القوافيا
فسمّي عويف القوافي.
قصته مع عبد الملك بن مروان
أخبرنا محمد بن خلف وكيع، قال: حدّثني أحمد [2] بن إسحاق، عن أبيه، قال: حدّثني عزيز بن طلحة بن عبد اللّه بن عثمان بن الأرقم المخزوميّ، قال: حدّثني غير واحد من مشيخة قريش، قالوا:
لم يكن رجل من ولاة أولاد عبد الملك بن مروان كان أنفس على قومه، ولا أحسد/ لهم من الوليد بن عبد الملك. فأذن يوما للنّاس فدخلوا عليه؛ وأذن للشّعراء، فكان أوّل من بدر بين يديه عويف القوافي الفزاريّ، فاستأذنه في الإنشاد فقال: ما بقّيت لي بعد ما قلت لأخي بني زهرة! قال: وما قلت له مع ما قلت لأمير المؤمنين؟
قال: ألست الّذي تقول:
يا طلح أنت أخو النّدى وحليفه ... إنّ النّدى من بعد طلحة ماتا
إنّ الفعال إليك أطلق رحله ... فبحيث بتّ من المنازل باتا
أو لست الّذي تقول:
إذا ما جاء يومك يا بن عوف ... فلا مطرت على الأرض السّماء
ولا سار البشير [3] بغنم جيش ... ولا حملت على الطّهر النّساء
تساقى الناس بعدك يا بن عوف ... ذريع الموت ليس له شفاء
ألم تقم علينا السّاعة يوم قامت عليه؟ لا واللّه لا أسمع منك شيئا، ولا أنفعك بنافعة أبدا، أخرجوه عنّي.
قصته مع طلحة أخي بني زهرة
فلما أخرج قال له القرشيّون والشاميّون: وما الّذي أعطاك طلحة حين استخرج هذا منك؟ قال: أما واللّه لقد أعطاني غيره أكثر من عطيّته، ولكن لا واللّه ما أعطاني أحد قطّ أحلى في قلبي ولا أبقى شكرا ولا أجدر ألّا أنساها ما عرفت الصّلات من عطيّته، قالوا: وما أعطاك؟ قال: قدمت المدينة ومعي بضيّعة [4] لي لا تبلغ عشرة دنانير، أريد أن أبتاع قعودا من قعدان الصّدقة، فإذا برجل في صحن السّوق على طنفسة [5] قد طرحت له، وإذا النّاس حوله، وإذا بين يديه إبل معلوفة [6] له، فظننت/ أنه عامل السّوق، فسلّمت عليه، فأثبتني وجهلته، فقلت: أي رحمك اللّه، هل أنت معيني ببصرك على قعود من هذه القعدان تبتاعه لي؟ فقال: نعم، أو معك ثمنه؟ فقلت: نعم، فأهوى بيده إليّ فأعطيته بضيّعتي، فرفع طنفسته وألقاها تحتها، ومكث طويلا، ثم قمت إليه فقلت: أي رحمك اللّه، انظر في حاجتي فقال: ما منعني منك إلا النّسيان، أمعك حبل؟ قلت: نعم، قال: هكذا أفرجوا، فأفرجوا عنه حتى استقبل
__________
[1] ف:
«إذا قلت قولا»
[2] ف: «حماد بن إسحاق».
[3] ف، التجريد، مد: «العزيز».
[4] بضيعة: تصغير بضاعة، وهي مقدار من المال، يعد للتجارة.
[5] الطنفسة: البساط.
[6] مي، المختار: «معقولة».
الإبل الّتي بين يديه، فقال: اقرن [1] هذه وهذه وهذه، فما برحت حتى أمر لي بثلاثين بكرة أدنى بكرة منها - ولا دنيّة فيها - خير من بضاعتي. ثم رفع طنفسته فقال: وشأنك ببضاعتك فاستعن بها على من ترجع إليه، فقلت: أي رحمك اللّه، أتدري ما تقول! فما بقي عنده إلا من نهرني وشتمني، ثم بعث معي نفرا فأطردوها حتى أطلعوها من رأس/ الثّنيّة، فو اللّه لا أنساه ما دمت حيّا أبدا.
وهذا الصّوت المذكور تمثّل به إبراهيم بن عبد اللّه بن حسن بن حسن بن عليّ يوم مقتله.
حدّثني ابن عبيد اللّه [2] بن عمّار، قال: حدّثني ميسرة بن سيّار [3] أبو محمد، قال: حدّثني إبراهيم بن علي الرّافقيّ، عن المفضّل الضّبّيّ، وحدّثنا يحيى بن عليّ بن يحيى المنجّم، وأحمد بن عبد العزيز الجوهريّ قالا:
حدثنا عمر بن شبّة، قال: حدّثني عبد الملك بن سليمان، عن عليّ بن الحسن، عن المفضّل الضّبّيّ؛ ورواية ابن عمّار أتمّ من هذه الرّواية [4].
/و نسخت هذا الخبر أيضا من بعض الكتب عن أبي حاتم السّجستانيّ، عن أبي عثمان اليقطريّ [5]، عن أبيه، عن المفضّل، وهو أتم الرّوايات، وأكثر اللفظ له قال:
قال المفضّل: خرجت مع إبراهيم بن عبد اللّه بن حسن بن حسن، فلمّا صار بالمربد، وقف على رأس سليمان بن عليّ فأخرج إليه صبيان من ولده، فضمّهم [6] إليه وقال: هؤلاء واللّه منّا ونحن منهم، إلا أنّ آباءهم فعلوا بنا وصنعوا، وذكر كلاما يعتدّ عليهم فيه بالإساءة، ثم توجّه لوجهه وتمثّل:
مهلا بني عمّنا ظلامتنا ... إنّ بنا سورة من القلق
لمثلكم نحمل السيوف ولا ... تغمز أحسابنا من الدّقق [7]
إنّي لأنمي إذا انتميت إلى ... عزّ عزيز ومعشر صدق
بيض سباط كأنّ أعينهم ... تكحل يوم الهياج بالعلق [8]
فقلت: ما أفحل هذه الأبيات، فلمن هي؟ قال: لضرار بن الخطّاب الفهريّ، قالها يوم الخندق، وتمثّل بها عليّ بن أبي طالب عليه السّلام يوم صفّين، والحسين بن عليّ يوم قتل، وزيد بن عليّ عليهم السّلام، ولحق القوم، ثم مضى إلى باخمرى [9]، فلما قرب منها أتاه نعي أخيه محمد، فتمثّل:
نبّئت أنّ بني ربيعة أجمعوا ... أمرا خلالهم لتقتل خالدا
إن يقتلوني لا تصب أرماحهم ... ثأري ويسعى القوم سعيا جاهدا
__________
[1] ف: «اقترن».
[2] ف: «أحمد بن عبيد اللّه بن عمار».
[3] ف، مي: «ميسرة بن حسان».
[4] مي: «أتم الروايات».
[5] ف: «القطيني».
[6] ف: «صبيّان من ولده فضمهما إليه».
[7] الدّقق: جمع داق وهم المظهرون عيوب الناس. وفي ب: «من الرفق».
[8] العلق جمع علوق، وهي المنية. وفي ف، مي، مد: «بالزرق».
[9] باخمري: موضع بين الكوفة وواسط، وهو إلى الكوفة أقرب؛ «معجم البلدان».
أرمي الطريق وإن صددت بضيقه ... وأنازل البطل الكميّ الجاحدا
/ فقلت: لمن هذه الأبيات؟ فقال: للأحوص بن جعفر بن كلاب، تمثّل بها يوم شعب جبلة، وهو اليوم الّذي لقيت فيه قيس تميما، قال: وأقبلت عساكر أبي جعفر، فقتل من أصحابه وقتل من القوم، وكاد أن يكون الظّفر له [1].
قال ابن عمّار في حديثه: قال المفضّل: فقال لي: حرّكني بشيء، فأنشدته هذه الأبيات:
ألا أيّها النّاهي فزارة بعد ما ... أجدّت بسير إنما أنت حالم
أبى كلّ حرّ أن يبيت بوتره ... ويمنع منه النوم إذا أنت نائم
أقول لفتيان العشيّ: تروّحوا ... على الجرد في أفواههنّ الشّكائم
قفوا وقفة من يحي لا يخز بعدها ... ومن يخترم لا تتّبعه اللّوائم
وهل أنت إن باعدت نفسك منهم ... لتسلم فيما بعد ذلك سالم
فقال لي: أعد، فتنبّهت، وندمت، فقلت: أو غير ذلك؟ فقال: لا، أعدها، فأعدتها، فتمطّى في ركابيه حتى خلته قد قطعهما، ثم خمل فكان آخر العهد به.
هذه رواية ابن عمّار، وفي الرواية الأخرى/: فحمل فطعن رجلا، وطعنه آخر، فقلت: أتباشر الحرب بنفسك والعسكر منوط بك؟ فقال: إليك يا أخا بني ضبّة، كأنّ عويفا أخا بني فزارة نظر في يومنا هذا حيث يقول:
ألمّت خناس وإلمامها ... أحاديث نفس وأحلامها [2]
يمانيّة من بني مالك ... تطاول في المجد أعمامها
/ وإنّ لنا أصل جرثومة ... تردّ الحوادث أيّامها
تردّ الكتيبة مغلولة ... بها أفنها وبها آمها [3]
قال: وجاءه السّهم العائر [4] فشغله عني.
اعترض عمر بن عبد العزيز وأسمعه شعرا
أخبرني محمد بن عمران الصّيرفيّ، قال: حدّثنا الحسن بن عليل العنزيّ، قال: حدّثني محمد بن معاوية الأسديّ، قال: حدّثني أصحابنا الأسديّون، عن أبي بردة بن أبي موسى الأشعريّ، قال:
حضرت مع عمر بن عبد العزيز جنازة، فلما انصرف انصرفت معه، وعليه عمامة قد سدلها من خلفه، فما علمت به حتى اعترضه رجل على بعير فصاح به:
أجبني أبا حفص لقيت محمدا ... على حوضه مستبشرا ورآكا [5]
__________
[1] مي: «الغزو له».
[2] ب: «و أسقامها».
[3] ب: «و بها ذامها». والأفن: ضعف الرأي، والآم: العيب والنقص.
[4] العائر من السهام: ما لا يدري راميه. وفي ف: «العابر».
[5] ف:
«على حوضه يحظيك منه دراكا»
وفي المختار:
«على حوضه يسقى به ويراكا»
وفي الخزانة 3: 88:
«على حوضه مستبشرا وأراكا»
فقال له عمر: لبّيك، ووقف ووقف النّاس معه، ثم قال له: فمه، فقال:
فأنت امرؤ كلتا يديك مفيدة ... شمالك خير من يمين سواكا
قال: ثم مه، فقال:
بلغت مدى المجرين قبلك إذ جروا ... ولم يبلغ المجرون بعد مداكا [1]
فجدّاك لا جدّين أكرم منهما ... هناك تناهي المجد ثم هناكا
فقال له عمر: ألا أراك شاعرا! ما لك عندي من حقّ، قال: لا، ولكني سائل/ وابن سبيل وذو سهمة [2].
فالتفت عمر إلى قهرمانه فقال: أعطه فضل نفقتي، قال: وإذا هو عويف القوافي الفزاريّ.
هجا بني مرة
أخبرني هاشم بن محمد الخزاعيّ، قال: حدّثنا أبو غسّان دماذ، عن أبي عبيدة، قال:
لما كان يوم ابن جرح، وافتتلت [3] بنو مرّة وبنو حنّ بن عذرة، قال عويف القوافي لبني مرّة يهجوهم ويوبّخهم بتركهم نصرهم:
كنّا لكم يا مرّ أمّا حفيّة ... وكنتم لنا يا مرّ بوّا [4] مجلّدا
وكنتم لنا سيفا وكنّا وعاءه ... إذا نحن خفنا أن يكلّ فيغمدا
عقيل بن علفة يجيبه بقصيدة
فأجابه عقيل بن علّفة بقصيدته الّتي أوّلها:
أماويّ إنّ الركب مرتحل غدا ... وحقّ ثويّ نازل أن يزوّدا
يقول فيها يخاطب عويفا:
إذا قلت: قد سامحت سهما ومازنا [5] ... أبى النّسب الدّاني وكفرهم اليدا
وقد أسلموا أستاههم لقبيلة ... قضاعيّة يدعون حنّا [6] وأصيدا
فما كنت أمّا بل جعلتك لي أخا ... وقد كنت في النّاس الطّريد المشرّدا
عويف استها قد رمت ويلك مجدنا ... قديما فلم تعد الحمار المقيّدا
/ ولو أنّني يوم ابن جرح لقيتهم ... لجرّدت في الأعداء عضبا مهنّدا
وأبيات عويف هذه يقولها يوم مرج راهط؛ وهي الحرب الّتي كانت بين قيس وكلب.
__________
[1] ف، المختار:
«و لن يدرك المجرون بعد مداكا»
[2] السّهمة: القرابة، والنصيب، والقسمة، وفي المختار: «و ذو نهمة».
[3] ف: «و أقبلت بنو مرة».
[4] البو: جلد ولد الناقة يحشى تبنا بعد موته ويقرب من أمه لتدرّ عليه.
[5] ف:
«أيا قلب قد سامحت شمخا ومازنا»
[6] حن: أبو حي من عذرة.
يوم مرج راهط
أخبرني بالسّبب فيه أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ، قال: أخبرني سليمان بن أيّوب بن أعين أبو أيّوب المدينيّ [1]، قال: حدّثنا المدائنيّ، قال:
كان بدء حرب قيس وكلب في فتنة ابن الزّبير ما كان من وقعة مرج راهط، وكان من قصّة المرج أنّ مروان بن الحكم بن أبي العاص قدم بعد هلاك يزيد بن معاوية والنّاس يموجون، وكان سعيد بن بحدل الكلبيّ على قنّسرين، فوثب عليه زفر بن الحارث فأخرجه منها وبايع لابن الزّبير، فلما قعد زفر على المنبر قال: الحمد للّه الّذي أقعدني مقعد الغادر الفاجر، وحصر، فضحك الناس من قوله، وكان النّعمان بن بشير على حمص، فبايع لابن الزّبير. وكان حسّان [2] بن بحدل على فلسطين والأردنّ، فاستعمل على فلسطين روح بن زنباع الجذاميّ، ونزل هو الأردنّ فوثب نابل بن قيس الجذاميّ على روح بن زنباع، فأخرجه من فلسطين وبايع لابن الزّبير.
موقف الضحاك بن قيس الفهري
وكان الضّحّاك بن قيس الفهريّ عاملا ليزيد بن معاوية على دمشق حتى هلك، فجعل يقدّم رجلا ويؤخّر أخرى، إذا جاءته اليمانية وشيعة بني أميّة أخبرهم أنه أمويّ، وإذا جاءته القيسيّة أخبرهم أنه يدعو إلى ابن الزّبير، فلما قدم مروان قال له الضّحّاك: هل لك أن تقدم على ابن الزّبير ببيعة أهل الشام؟ قال: نعم، وخرج من عنده، فلقيه عمرو بن سعيد بن العاص، ومالك بن هبيرة، وحصين بن نمير الكنديّان، وعبيد اللّه بن زياد، فسألوه عمّا أخبره به الضّحّاك، فأخبرهم، فقالوا له: أنت شيخ بني أميّة، وأنت عمّ الخليفة، هلمّ نبايعك. فلما فشا ذلك أرسل الضّحّاك إلى بني أميّة/ يعتذر إليهم، ويذكر حسن بلائهم عنده، وأنّه لم يرد شيئا يكرهونه، فاجتمع مروان بن الحكم، وعمرو بن سعيد بن العاص، وخالد وعبد اللّه ابنا يزيد بن معاوية وقال لهم: اكتبوا إلى حسّان بن بحدل فليسر من الأردنّ حتى ينزل الجابية، ونسير من ها هنا حتى نلقاه، فيستخلف رجلا ترضونه، فكتبوا إلى حسّان، فأقبل في أهل الأردنّ، وسار الضّحّاك بن قيس وبنو أميّة في أهل دمشق، فلما استقلّت الرّايات من جهة دمشق، قالت القيسيّة للضّحّاك: دعوتنا لبيعة ابن الزّبير، وهو رجل هذه الأمّة، فلما تابعناك خرجت تابعا لهذا الأعرابيّ من كلب تبايع لابن أخته تابعا له، قال: فتقولون ماذا؟ قالوا: نقول: أن تنصرف وتظهر بيعة ابن الزّبير ونظهرها معك، فأجابهم إلى ذلك، وسار حتى نزل مرج راهط، وأقبل حسّان حتى لقي مروان بن الحكم، فسار حتى دخل دمشق، فأتته اليمانية تشكر بلاء بني أميّة، فساروا مع مروان حتى نزلوا المرج على الضّحّاك، وهم نحو سبعة آلاف، والضّحّاك في نحو من ثلاثين ألفا، فلقوا الضّحّاك، فقتل الضحّاك، وقتل معه أشراف من قيس، فأقبل زفر هاربا من وجهه ذاك حتى دخل قرقيسيا، وأقام عمير بن الحباب شيئا على طاعة بني مروان، ثم أقبل حتى دخل قرقيسيا على زفر فأقام معه، وذلك بعد يوم خازر [3] حين قتل عبيد اللّه/ بن زياد.
__________
[1] ب: «المدائنيّ».
[2] ف: «جساس».
[3] خازر: نهر بين إربل والموصل، يصب في دجلة عن (معجم البلدان).
ما قيل في يوم المرج
وأقبل زفر يبكي قتلى المرج ويقول:
لعمري لقد أبقت وقيعة راهط ... لمروان صدعا بيننا متنائيا
أتذهب كلب لم تنلها رماحنا ... ويترك قتلى راهط هي ماهيا!
/ فقد ينبت المرعى على دمن الثّرى ... وتبقى حزازات النّفوس كما هيا
أبعد ابن صقر وابن عمرو تتابعا ... ومصرع همّام أمنّى الأمانيا [1]!
فقال ابن المخلاة الكلبيّ يجيبه:
لعمري لقد أبقت وقيعة راهط ... على زفر داء من الدّاء باقيا
تبكّي على قتلى سليم وعامر ... وذبيان مغرورا [2] وتبكى البواكيا
وقال ابن المخلاة في يوم المرج:
ويوم ترى الرّايات فيه كأنّها ... حوائم طير مستدير وواقع
مضى أربع بعد اللّقاء وأربع ... وبالمرج باق من دم القوم [3] ناقع
طعنّا زيادا في استه وهو مدبر ... وثور أصابته السّيوف القواطع
ونجّى حبيشا ملهب [4] ذو علالة ... وقد جذّ من يمنى يديه الأصابع
وقد شهد الصّفّين عمرو بن محرز ... فضاق عليه المرج والمرج واسع
وقال رجل من بني عذرة:
سائل بني مروان أهل العجّ [5] ... رهط النّبيّ وولاة الحجّ
عنّا وعن قيس غداة المرج ... إذ يثقفون ثقفا بنجّ [6]
تسديس أطراف القنا المعوجّ ... إذ أخلف الضّحّاك ما يرجّي
مذ تركوا من بعد طول هرج [7] ... لحم ابن قيس للضّباع العرج
/ وقال جوّاس بن القعطل [8] الكلابيّ في يوم المرج:
هم قتلوا براهط جدّ قيس [9] ... سليما والقبائل من كلاب
__________
[1] في معجم ياقوت 2: 744 ط ليبزج:
أبعد ابن عمرو وابن معن تتابعا ... ومقتل همام أمنّى الأمانيا
[2] مي: «معروفا».
[3] ف: «من دم الجوف».
[4] الملهب: الفرس الشديد الجري المثير للغبار. وجذّ: قطع.
[5] مي، ف: «أهل الفج». وعج بالتلبية في الحج: رفع صوته.
[6] مي، ف:
«إذ يثقفون نقفا خرفج»
وثقفة بالرمح: طعنه. والنج: سيل الجرح بما فيه.
[7] مي:
«فتركوا من بين ضرب هرج»
وفي ف:
«فتركوا من بعد ... »
[8] ب: «جواس بن قعطل». وفي مد، ف: «جواس بن يعطل».
[9] ف: «جلّ قيس».
وهم قتلوا بني بدر وعبسا ... وألصق حرّ وجهك [1] بالتّراب
تذكّرت الذّحول [2] فلن تقضّى ... ذحولك [2] أو تساق إلى الحساب
إذا سارت قبائل من جناب ... وعوف أشحنوا [3] شمّ الهضاب
وقد حاربتنا فوجدت حربا ... تغصّك حين تشرب بالشّراب
فأقبل عمير يخطر، فخرج من قرقيسيا يتطرّف [4] بوادي كلب، فيغير عليها وعلى من أصاب من قضاعة وأهل اليمن، ويخصّ كلبا ومعشر تغلب [5]، قبل أن تقع الحرب بين قيس وتغلب، فجعل أهل البادية ينتصفون من أهل القرار [6] كلّهم. فلما رأت كلب ما لقي أصحابهم، وأنهم لا يمتنعون من خيل الحاضرة، اجتمعوا إلى حميد بن حريث بن بحدل، فسار بهم حتى نزل تدمر، وبه بنو نمير، وقد كان بين النّميريّين خاصة وبين الكلبيّين الذين بتدمر عقد مع ابن بخدل بن بعّاج الكلبيّ، فأرسلت بنو نمير رسلا إلى حميد يناشدونه الحرمة، فوثب عليهم/ ابن بعّاج الكلبيّ فذبحهم، وأرسلوا إليهم: إنّا قد قطعنا الّذي بينا وبينكم، فالحقوا بما يسعكم من/ الأرض، فالتقوا فقتل ابن بعّاج وظفر بالنّميريّين فقتلوا قتلا ذريعا وأسروا [7]، فقال راعي الإبل في قتل ابن بعّاج ولم يذكر غيره من الكلبيّين:
تجىء [8] ابن بعّاج نسور كأنّها ... مجالس تبغي بيعة عند تاجر
تطيف بكلبيّ عليه جديّة [9] ... طويل القرا [10] يقذفنه في الحناجر
يقول له من كان يعلم علمه ... كذاك انتقام اللّه من كلّ فاجر
وقد كان زفر بن الحارث لمّا أغار عمير بن الحباب على الكلبيّين قال يعيّرهم بقوله:
يا كلب قد كلب الزّمان عليكم ... وأصابكم منّي عذاب مرسل
إنّ السّماوة لا سماوة فالحقي ... بمنابت الزّيتون وابني بحدل [11]
وبأرض عكّ والسّواحل إنّها ... أرض تذوّب باللّقاح وتهزل [12]
__________
[1] ف:
«و ألصق خد قيس»
[2] الذّحول: الثارات. وفي ب، مي، مد:
«الدخول ... دخولك»
[3] أشحنوا: ملأوا. وفي مي: «أبحروا».
[4] مي: «يتطوف».
[5] ب، مي: «و يحض كلبا ومعه تغلب».
[6] القرار: الحضر. وفي ب، مد، مي: «القرى».
[7] ف: «فقتلوا قتلا شديدا وسيّروا».
[8] مد، مي: «تجر».
[9] الجدية: الدم.
[10] القرا: الظهر.
[11] في البيت إقواء. والسماوة: ماءة لكلب بين الكوفة والشام.
[12] مي:
«تذوب بها اللقاح»
حميد بن بحدل يغير على بوادي قيس
فجمع لهم حميد بن الحريث بن بحدل، ثم خرج يريد الغارة على بوادي قيس، فانتهى إلى ماء لبني تغلب، فإذا النّساء والصّبيان يبكون، فقالت لهم النساء - وهن يحسبنهم قيسا - : ويحكم، ما ردّكم إلينا، فقد فعلتم بنا بالأمس ما فعلتم! فقالت لهم كلب: وما لكم؟ قالوا: أغار علينا بالأمس عمير بن الحباب، فقتل رجالنا، واستاق أموالنا، ولم يشككن أنّ الخيل خيل قيس وأنّ عميرا عاد إليهن، فقال بعض كلب لحميد: ما تريد من نسوة قد أغير عليهن وحربن، وصبية يتامى، وتدع عميرا. فاتّبعوه، فبينا هم يسيرون إذ أخذوا رجلا ربيئة للقوم. فسألوه فقال لهم: هذا الجيش/ ها هنا والأموال، وقد خرج عمير في فوارس يريد الغارة على أهل بيت من بني زهير بن جناب، أخبر عنهم مخبر، فأقام حميد حتى جنّ عليه اللّيل، ثم بيّت القوم بياتا. وقال حميد لأصحابه: شعاركم: نحن عباد اللّه حقّا. فأصابوا عامة ذلك العسكر، ونجا فيمن نجا رجل عريان قذف ثوبه وجلس على فرس عري، فلما انتهى إلى عمير، قال عمير: قد كنت أسمع بالنذير العريان [1] فلم أره، فهو هذا، ويلك ما لك! قال: لا أدري غير أنه لقينا قوم فقتلوا من قتلوا وأخذوا العسكر، فقال: أفتعرفهم؟ قال: لا، فقصد عمير القوم وقال لأصحابه: إن كانت الأعاريب فسيسارعون إلينا إذا رأونا، وإن كانت خيول أهل الشام فستقف. وأقبل عمير، فقال حميد لأصحابه: لا يتحرّكنّ منكم أحد، وانصبوا القنا، فحمل عمير حملة لم تحرّكهم، ثم حمل فلم يتحرّكوا، فنادى مرارا: ويحكم من أنتم؟! فلم يتكلّموا، فنادى عمير أصحابه: ويلكم خيل بني بحدل والأمانة، وانصرف على حاميته، فحمل عليه فوارس من كلب يطلبونه، ولحقه مولى لكلب يقال له شقرون، فاطّعنا، فجرح عمير وهرب حتى دخل قرقيسيا إلى زفر، ورجع حميد إلى من ظفر به من الأسرى والقتلى، فقطع سبالهم [2] وأنفسهم، فجعلها في خيط، ثم ذهب بها إلى الشّام، وقال قائل: بل بعث بها إلى عمير وقال: كيف ترى؟ أوقعي أم وقعك؟ فقال في ذلك سنان بن جابر الجهنيّ:
لقد طار في الآفاق أنّ ابن بحدل ... حميدا شفى كلبا فقرّت عيونها
/ وعرّف قيسا بالهوان [3] ولم تكن ... لتنزع إلّا عند أمر يهينها
/ فقلت له: قيس بن عيلان إنّه ... سريع - إذا ما عضّت الحرب - لينها
سما بالعتاق الجرد من مرج راهط ... وتدمر ينوي بذلها لا يصونها [4]
فكان لها عرض السّماوة ليلة ... سواء عليها سهلها وحزونها
فمن يحتمل في شأن كلب ضغينة ... علينا إذا ما حان في الحرب حينها
فإنّا وكلبا كاليدين متى تضع ... شمالك في شيء [5] تعنها يمينها
لقد تركت قتلي حميد بن بحدل ... كثيرا ضواحيها قليلا دفينها
وقيسيّة قد طلّقتها رماحنا ... تلّفت كالصّيداء [6] أودى جنينها
__________
[1] ب: «كنت أسمع بالمدينة بلاء نذيره العريان».
[2] السبال جمع سبلة؛ وهي الدائرة في وسط الشفة العليا، وقيل: ما على الشارب من الشعر. وفي مي: «بنانهم».
[3] ب: «بالقوافي».
[4] ب:
«و تدمر تنزى بزلها لا يصونها»
[5] مي: «في أمر».
[6] الصيداء: المائلة العنق.
وقال سنان أيضا في هذا الأمر بعد ما أوقع ببني فزارة:
يا أخت قيس سلي عنّا علانية ... كي تخبري من بيان العلم [1] تبيانا
إنّا ذوو حسب مال ومكرمة ... يوم الفخار وخير النّاس فرسانا
منّا ابن مرّة عمر وقد سمعت به ... غيث الأرامل لا يردين [2] ما كانا
والبحدليّ الّذي أردت فوارسه ... قيسا غداة اللّوى من رمل عدنانا
فغادرت حلبسا منها بمعترك ... والجعد منعفرا لم يكس أكفانا
كائن تركنا غداة العاه [3] من جزر ... للطير منهم ومن ثكلى وثكلانا
ومن غوان تبكّي لا حميم لها ... بالعاه [3] تدعو بني عمّ وإخوانا
فلما انتهى الخبر إلى عبد الملك بن مروان، وعبد اللّه ومصعب يومئذ حيّان،/ وعند عبد الملك حسّان بن مالك بن بحدل وعبد اللّه بن مسعدة بن حكم الفزاريّ، وجيء بالطّعام، فقال عبد الملك لابن مسعدة: ادن، فقال ابن مسعدة: لا واللّه، لقد أوقع حميد بسليم وعامر وقعة لا ينفعني بعدها طعام حتى يكون لها غير، فقال له حسّان:
أجزعت أن كان بيني وبينكم في الحاضرة على الطّاعة والمعصية، فأصبنا منكم يوم المرج، وأغار أهل قرقيسيا بالحاضرة على البادية بغير ذنب؟ فلما رأى حميد ذلك طلب بثأر قومه، فأصاب بعض ما أصابهم، فجزعت من ذلك، وبلغ حميدا قول ابن مسعدة فقال: واللّه لأشغلنّه بمن هو أقرب إليه من سليم وعامر.
ذكر في شعره إيقاع حميد ببني فزارة
فخرج حميد في نحو من مائتي فارس، ومعه رجلان من كلب دليلان، حتى انتهى إلى بني فزارة أهل العمود لخمس عشرة مضت من شهر رمضان، فقال: بعثني عبد الملك بن مروان مصدّقا: فابعثوا إلى كل من يطيق أن يلقانا، ففعلوا، فقتلهم أو من استطاع منهم، وأخذ أموالهم، فبلغ قتلاهم نحوا من مائة ونيّف، فقال عويف القوافي:
منا اللّه [4] أن ألقى حميد بن بحدل ... بمنزلة فيها إلى النّصف معلما
لكيما نعاطيه ونبلو بيننا ... سريجيّة [5] يعجمن في الهام معجما
ألا ليت أنّي صادفتني منيّتي ... ولم أر قتلى العام يا أمّ أسلما
ولم أر قتلى لم تدع لي بعدها [6] ... يدين فما أرجو من العيش أجذما
/ وأقسم ما ليث بخفّان [7] خادر ... بأشجع من جعد جنانا ومقدما
__________
[1] مي: «الأمر».
[2] ف:
«لا يؤذين ما كانا»
[3] العاه: جبل بأرض فزارة (معجم البلدان). وفي ب: «الفاه»، تصحيف.
[4] منا اللّه كذا: قدره.
[5] السريجية: السيوف المنسوبة إلى سريج، وهو قين كان يعملها:
[6] مي:
«و لم أر قتلى لم يدع لي قتلها»
[7] خفان: موضع قرب الكوفة (معجم البلدان).
/ يعني الجعد بن عمران بن عيينة وقتل يومئذ.
أسماء بن خارجة يشكو حميدا إلى عبد الملك
فلما رجع عبد الملك من الكوفة وقتل مصعب، لحقه أسماء بن خارجة بالنّخيلة، فكلّمه فيما أتى حميد به إلى أهل العمود من فزارة، وقال: حدّثنا أنه مصدّقك وعاملك، فأجبناك وبك عذنا، فعليك وفي ذمتك ما على الحرّ في ذمّته، فأقدنا من قضاعيّ سكّير، فأبى عبد الملك وقال: انظر في ذلك وأستشير [1] وحميد يجحد وليست لهم بيّنة، فوادهم ألف وألف ومائتي ألف، وقال: إني حاسبها في أعطيات قضاعة، فقال في ذلك عمرو بن مخلاة الكلبيّ.
صوت
خذوها يا بني ذبيان عقلا ... على الأجياد واعتقدوا الخداما [2]
دراهم من بني مروان بيضا ... ينجّمها لكم عاما فعاما
وأيقن أنّه يوم طويل ... على قيس يذيقهم السّماما [3]
ومختبّ أمام القوم يسعى ... كسرحان التّنوفة حين ساما [4]
رأى شخصا على بلد بعيد ... فكبّر حين أبصره وقاما
وأقبل يسأل البشرى إلينا [5] ... فقال: رأيت إنسا أو نعاما
وقال لخيله سيري حميد ... فإنّ لكلّ ذي أجل حماما
/ فما لاقيت من سجح [6] وبدر ... ومرّة فاتركي حطبا حطاما
بكل مقلّص عبل شواه ... يدقّ بوقع نابيه اللّجاما [7]
وكل طمرّة مرطى سبوح ... إذا ما شدّ فارسها الحزاما [8]
وقائلة على دهش وحزن ... وقد بلّت مدامعها اللّثاما
كأنّ بني فزارة لم يكونوا ... ولم يرعوا بأرضهم الثّماما [9]
ولم أر حاضرا منهم بشاء ... ولا من يملك النّعم الرّكاما [10]
__________
[1] ب: «انظر في ذلك واستشر».
[2] في أنساب الأشراف:
«على الأحياء واعتقدوا الخزاما»
واعتقد الشي ء: نقيض حله، والخدام: جمع خدمة، وهي السير الغليظ المحكم مثل الحلقة تشد في رسغ البعير.
[3] السمام جمع سم، وهو القاتل من الأدوية ونحوها.
[4] المختب: المسرع. والسرحان: الذئب. والتنوفة: الأرض الواسعة أو الصحراء. وسام: ذهب في ابتغاء الشيء.
[5] ف:
«فأقبل يسأل اليسرى إلينا»
[6] ف، مي: «شمخ».
[7] ف:
«يدق بهمز نابيه اللجاما»
[8] الطمرة: الفرس الجواد الشديد العدو. المرطى: الخفيف شعر الجسد. والسبوح: الفرس يمد يديه في الجري.
[9] الثمام: عشب من الفصيلة النخيلية.
[10] النعم الركام: النعم الضخم.
فزارة تنتقم من قيس
قال: فلما أخذوا الدّية انطلقت فزارة فاشترت خيلا وسلاحا، ثم استتبعت سائر قبائل قيس، ثم أغارت على ماء يدعى بنات قين، يجمع بطونا من بطون كلب كثيرة وأكثر من عليه بنو عبد ودّ وبنو عليم بن جناب، وعلى قيس يومئذ سعيد بن عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر، وحلحلة [1] بن قيس بن الأشيم بن يسار أحد بني العشراء [2]، فلما أغاروا نادوا بني عليم: إنا لا نطلبكم بشيء، وإنما نطلب بني عبد ودّ بما صنع الدّليلان اللّذان حملا حميدا، وهما المأمور ورجل آخر اسمه أبو أيّوب، فقتل من العبديّين تسعة عشر [3] رجلا، ثم مالوا على العليميّين فقتلوا منهم خمسين رجلا، وساقوا أموالا.
موقف عبد الملك بن مروان وعرضه الدية
فبلغ الخبر عبد الملك، فأمهل حتى إذا ولي الحجّاج العراق كتب إليه يبعث إليه سعيد بن عيينة وحلحلة بن قيس ومعهما نفر من الحرس، فلما قدم بهما عليه قذفهما في/ السّجن وقال لكلب: واللّه لئن قتلتم رجلا لأهريقنّ دماءكم، فقدم عليه من بني عبد ودّ عياض ومعاوية ابنا ورد، ونعمان بن سويد، وكان سويد أبوه ابن مالك يومئذ أشرف من قتل يوم بنات قين، وكان شيخ بني عبد ودّ، فقال/ له النّعمان: دماءنا يا أمير المؤمنين، فقال له عبد الملك: إنما قتل منكم الصّبيّ الصّغير والشيخ الفاني، فقال النّعمان: قتل منا واللّه من لو كان أخا لأبيك لاختير عليك في الخلافة، فغضب عبد الملك غضبا شديدا، فقال له معاوية وعياض: يا أمير المؤمنين، شيخ كبير موتور.
فأعرض عنه عبد الملك وعرض الدّية، وجعل خالد بن يزيد بن معاوية ومن ولدته كلب يقولون: القتل، ومن كانت أمّه قيسيّة من بني أميّة يقولون: لا، بل الدّية كما فعل بالقوم، حتى ارتفع الكلام بينهم بالمقصورة، فأخرجهم عبد الملك ودفع حلحلة إلى بعض بني عبد ودّ، ودفع سعيد بن عيينة إلى بعض بني عليم، وأقبل عليهما عبد الملك فقال: ألم تأتياني تستعدياني فأعديتكما وأعطيتكما الدّية، ثم انطلقتما فأخفرتما ذمّتي وصنعتما ما صنعتما، فكلّمه سعيد بكلام يستعطفه به ويرقّقه، فضرب حلحلة صدره وقال: أترى خضوعك لابن الزّرقاء نافعك عنده، فغضب عبد الملك وقال: اصبر حلحلة، فقال له: أصبر من عود بجنبيه جلّب [4] فقتلا وشقّ ذلك على قيس، وأعظمه أهل البادية منهم والحاضرة، فقال في ذلك عليّ بن الغدير الغنويّ:
لحلحلة القتيل ولابن بدر ... وأهل دمشق أنجبة تبين
فبعد اليوم أيّام طوال ... وبعد خمود فتنتكم فتون
وكلّ صنيعة رصد ليوم ... تحلّ به لصاحبها الزّبون [5]
/خليفة أمّة قسرت عليه ... تخمّط [6] واستخفّ بمن يدين
__________
[1] ب: «طلحة بن قيس».
[2] بنو العشراء: قوم من فزارة، وفي ب: «بنو العسراء»، تصحيف.
[3] ف: «فقتل من العبديين سبعة عشر رجلا».
[4] جلب الرحل وجلبه (بالضم والكسر) عيدانه.
[5] ف: «تحل به لصاحبه الديون».
[6] تخمط: تكبر.
فقد أتيا حميد ابن المنايا [1] ... وكلّ فتى ستشعبه المنون
وقال رجل من بني عبد ودّ:
نحن قتلنا سيّديهم بشيخنا ... سويد فما كانا وفاء به دما
وقال حلحلة وهو في السّجن:
لعمري لئن شيخا فزارة أسلما ... لقد خزيت قيس وما ظفرت كلب
وقال أرطاة بن سهيّة يحرّض قيسا:
أيقتل شيخنا ويرى حميد ... رخيّ البال منتشيا [2] خمورا
فإن دمنا بذاك وطال عمر ... بنا وبكم ولم نسمع نكيرا
فناكت أمّها قيس جهارا ... وعضّت بعدها مضر الأيورا
وقال عميرة بنت حسّان الكلبيّة تفخر بفعل حميد في قيس:
سمت كلب إلى قيس بجمع ... يهدّ مناكب الأكم الصّعاب
بذي لجب يدقّ الأرض حتى ... تضايق من دعا بهلا وهاب [3]
نفين إلى الجزيرة فلّ قيس ... إلى بقّ بها وإلى ذباب [4]
وألفينا هجين بني سليم ... يفدّي المهر من حبّ الإياب
فلو لا عدوة المهر المفدّى ... لأبت وأنت منخرق الإهاب
/ ونجّاه حثيث الرّكض منا ... أصيلانا ولون الوجه كابي
وآض كأنه يطلى بورس ... ودقّ هويّ كاسرة عقاب
حمدت اللّه إذ لقّى سليما ... على دهمان صقر بني جناب
تركن الرّوق [5] من فتيات قيس ... أيامى قد يئسن من الخضاب
فهنّ إذا ذكرن حميد كلب ... نعقن برنّة بعد انتحاب
متى تذكر فتى كلب حميدا ... تر القيسيّ يشرق بالشّراب
مدح عيينة بن أسماء رغم تطليقه أخته
أخبرني محمد بن الحسن بن دريد، قال: أخبرني عبد الرحمن بن أخي الأصمعيّ، عن عمه، قال:
أنشدني رجل من بني فزارة لعويف القوافي - وهو عويف بن معاوية بن عقبة بن حصن بن حذيفة الفزاري - وكانت أخته عند عيينة بن أسماء بن خارجة فطلّقها، فكان عويف مراغما لعيينة وقال: الحرة لا تطلّق بغير ما بأس،
__________
[1] ف:
«فقد لقيا حميد ابن المنايا»
[2] انتشى فلان: بدأ سكره.
[3] هلا: زجر للخيل، وهاب: زجر للإبل عند السوق.
[4] بق: مدينة على شاطى الفرات، وذباب: جبل بالمدينة.
[5] الروق: الجميلات.
فلما حبس الحجّاج عيينة وقيّده قال عويف:
منع الرّقاد - فما يحسّ رقاد - ... خبر أتاك ونامت العوّاد [1]
خبر أتاني عن عيينة موجع ... ولمثله تتصدّع الأكباد
بلغ النفوس بلاؤها [2] فكأننا ... موتى وفينا الرّوح والأجساد
ساء الأقارب يوم ذاك فأصبحوا ... بهجين قد سرّوا به الحسّاد [3]
/يرجون عثرة جدّنا ولو أنّهم ... لا يدفعون بنا المكاره بادوا
لمّا أتاني عن عيينة أنّه ... عان تظاهر فوقه الأقياد [4]
نخلت [5] له نفسي النّصيحة إنه ... عند الشّدائد تذهب الأحقاد
وذكرت أيّ فتى يسدّ مكانه ... بالرّفد حين تقاصر الأرفاد
أم من يهين لنا كرائم ماله ... ولنا إذا عدنا إليه معاد
لو كان من حضن تضاءل ركنه ... أو من نضاد بكت عليه نضاد [6]
مدح عبد الرحمن ابن مروان وهو صغير السن
أخبرني حبيب بن نصر المهلّبيّ، قال: حدّثنا عمر بن شبّة، قال: قال العتبيّ:
سأل عويف القوافي في حمالة، فمرّ به عبد الرّحمن بن محمد بن مروان وهو حديث السّنّ، فقال له: لا تسأل أحدا وصر إليّ أكفك، فأتاه فاحتملها جمعاء له، فقال عويف يمدحه:
غلام رماه اللّه بالخير يافعا ... له سيمياء لا تشقّ على البصر
كأنّ الثّريّا علّقت في جبينه ... وفي حدّه الشّعرى وفي جيده القمر
ولمّا رأى المجد استعيرت ثيابه ... تردّى رداء واسع الذّيل واتّزر
إذا قيلت العوراء أغضى [7] كأنّه ... ذليل بلا ذلّ ولو شاء لانتصر
رآني فآساني ولو صدّ لم ألم ... على حين لا باد يرجّى ولا حضر
/ قال أبو زيد: هذه الأبيات لابن عنقاء الفزاريّ، يقولها في ابن أخ له، كان قوم من العرب أغاروا على نعم ابن عنقاء، فاستاقوها، حتى لم يبق له منها شيء، فأتى ابن أخيه فقال له: يا بن أخي، إنه قد نزل بعمّك ما ترى،
__________
[1] في سمط اللآلي 813:
«مما شجاك وحفت العواد»
وفي شرح ديوان الحماسة لأبي تمام 1: 253 ط حجازي:
«مما شجاك ونامت العواد»
[2] مي، مد: «بلاؤنا». وفي شرح ديوان الحماسة 1: 253 والمختار: «بلاؤه».
[3] هجين: موضع.
«و قد سروا به الحساد»
كذا في جميع النسخ بلغة أكلوني البراغيث ولعلها
«قد سرت به الحساد»
[4] في شرح ديوان الحماسة 1: 254 ط حجازي:
«أمسي عليه تظاهر الأقياد»
[5] نخلت له نفسي النصيحة: أخلصتها.
[6] حضن: جبل بأعلى نجد، وهو أول حدود نجد. ونضاد: جبل بالعالية، وبيني عند أهل الحجاز على الكسر وعند تميم ينزلونه منزلة ما لا ينصرف. وروى البيت في معجم البلدان 4: 790:
«لو كان من حضن قضاك منية»
، والأبيات في الخزانة 3: 88 فيما عدا الأخير، وفي شرح الحماسة 1: 253 فيما عدا الرابع والأخير.
[7] ب: «ولّى».
فهل من حلوبة؟ قال: نعم يا عمّ، يروح المال وأبلغ مرادك،/ فلما راح ماله قاسمه إيّاه وأعطاه شطره، فقال ابن عنقاء:
رآني على ما بي عميلة فاشتكى ... إلى ماله حالي أسرّ كما جهر
وذكر بعد هذا البيت باقي الأبيات. قال أبو زيد: وإنّما تمثّلها [1] عويف.
رثى سليمان بن عبد الملك ومدح عمر بن عبد العزيز
أخبرني محمد بن خلف وكيع، والحسن بن عليّ قالا: حدّثنا الغلابيّ، قالا: حدثنا محمد بن عبيد اللّه، عن عطاء بن مصعب، عن عاصم بن الحدثان، قال:
لما مات سليمان بن عبد الملك وولي عمر بن عبد العزيز الخلافة، وفد إليه عويف القوافي وقال شعرا رثى به سليمان ومدح عمر فيه، فلما دخل إليه أنشده:
لاح سحاب فرأينا برقه ... ثم تدانى فسمعنا صعقه
وراحت الرّيح تزجّي بلقه ... ودهمه ثم تزجّي ورقه
ذاك سقى قبرا فروّى ودقه ... قبر امرىء عظّم ربّي حقّه
قبر سليمان الّذي من عقّه ... وجحد الخير الّذي قد بقّه [2]
في المسلمين جلّه ودقّه ... فارق في الجحود منه صدقه [3]
قد ابتلى اللّه بخير خلقه ... ألقى إلى خير قريش وسقه
/ يا عمر الخير الملقّى وفقه ... سمّيت بالفاروق فافرق فرقه
وارزق عيال المسلمين رزقه ... واقصد إلى الجود ولا توقّه
بحرك عذب الماء ما أعقّه ... ريّك فالمحروم من لم يسقه
فقال له عمر: لسنا من الشّعر في شيء، ومالك في بيت المال حقّ، فألحّ عويف يسأله فقال: يا مزاحم، انظر فيما بقي من أرزاقنا فشاطره إيّاه، ولنصبر على الضّيق إلى وقت العطاء، فقال له عبد الرّحمن بن سليمان بن عبد الملك: بل توفّر يا أمير المؤمنين وعليّ رضا الرّجل، فقال: ما أولاك بذلك، فأخذ بيده وانصرف به إلى منزله، وأعطاه حتى رضى.
صوت
صفراء يطويها الضّجيع لصلبها ... طيّ الحمالة ليّن مثناها
نعم الضّجيع إذا النّجوم تغوّرت ... بالغور أولاها على أخراها
__________
[1] ف: «تمثل بها عويف».
[2] بقه: وسعه.
[3] مي:
«فارق منه في الجحود صدقه»
عذب مقبّلها وثير ردفها ... عبل شواها طيّب مجناها
يا دار صهباء [1] الّتي لا أنتهي ... عن حبّها أبدا ولا أنساها
الشعر لعبد اللّه بن جحش الصعاليك، والغناء فيه لعليّ بن هشام ثقيل أول بالوسطى من كتاب أحمد بن المكيّ.
__________
[1] ف:
«يا دار صفراء»
10 - أخبار عبد اللّه بن جحش
طلاق صهباء من ابن عمها
أخبرني هاشم بن محمد الخزاعيّ، قال: حدّثنا عمر بن شبّة، قال: حدّثني محمد بن يحيى أبو غسّان، عن غسّان بن عبد الحميد قال:
كان بالمدينة امرأة يقال لها: صهباء من أحسن الناس وجها، وكانت من هذيل، فتزوّجها ابن عمّ لها، فمكث حينا معها لا يقدر عليها من/ شدّة ارتتاقها، فأبغضته وطالبته بالطّلاق، فطلّقها. ثم أصاب الناس مطر شديد في الخريف، فسال العقيق سيلا عظيما، وخرج أهل المدينة، وخرجت صهباء معهم، فصادفت عبد اللّه بن جحش وأصحابه في نزهة، فرآها وافترقا.
يهيم بصهباء ويتقدم لخطبتها
ثم مضت إلى أقصى الوادي فاستنقعت في الماء وقد تفرّق النّاس وخفّوا، فاجتاز بها ابن جحش فرآها فتهالك عليها وهام بها، وكان بالمدينة امرأة تدلّ على النّساء يقال لها: قطنة، كانت تداخل القرشيّات وغيرهن، فلقيها ابن جحش فقال لها: اخطبي عليّ صهباء، فقالت: قد خطبها عيسى بن طلحة بن عبيد اللّه وأجابوه، ولا أراهم يختارونك عليه، فشتمها ابن جحش وقال لها: كلّ مملوك له فهو حرّ، لئن لم تحتالي فيها حتى أتزوّجها لأضربنّك ضربة بالسيف - وكان مقداما جسورا - ففرقت منه فدخلت على صهباء وأهلها، فتحدّثت معهم، ثم ذكرت ابن عمّها، فقالت لعمة صهباء: ما باله فارقها، فأخبرتها خبرها، وقالت: لم يقدر عليها وعجز عنها. فقالت لها:
وأسمعت صهباء - : إنّ هذا ليعتري كثيرا من الرجال فلا ينبغي أن تتقدّموا في أمرها إلا على من تختبرونه، وأما واللّه لو كان ابن جحش لصهباء/ لثقبها ثقب اللّؤلؤ ولو رتقت بحجر، ثم خرجت من عندهم.
زواجه بصهباء
فأرسلت إليها صهباء: مري ابن جحش فليخطبني، فلقيته قطنة فأخبرته الخبر، فمضى فخطبها، فأنعمت له [1] وأبى أهلها إلا عيسى بن طلحة، وأبت هي إلا ابن جحش، فتزوّجته ودخل بها وافتضّها، وأحبّ كلّ واحد منهما صاحبه فقال فيها:
نعم الضّجيع إذا النّجوم تغوّرت ... بالغور أولاها على أخراها
عذب مقبّلها وثير ردفها ... عبل شواها طيّب مجناها
صفراء يطويها الضجيع لجنبها ... طيّ الحمالة ليّن متناها [2]
__________
[1] أنعمت له: قالت: نعم.
[2] ب: «لحينها» بدل «لجنبها». وفي التجريد: «لحسنها». وفي ف: «مثناها» بدل «متناها». (و انظر ص 211).
لو يستطيع ضجيعها لأجنّها ... في الجوف حبّ نسيمها ونشاها [1]
يا دار صهباء الّتي لا أنتهي ... عن ذكرها أبدا ولا أنساها
كان عبد الملك بن مروان معجبا بشعره
أخبرني حبيب [2] بن نصر المهلبي، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد، قال: حدّثني عبد الرّحيم [3] بن أحمد بن زيد بن الفرج، قال: حدّثني محمد بن عبد اللّه، قال:
كان عبد الملك بن مروان معجبا بشعر عبد اللّه بن جحش، فكتب إليه يأمره بالقدوم عليه، فورد كتابه وقد توفّي، فقال إخوانه لابنه:
ذهب ابنه إلى عبد الملك فطرده لتضييعه أدب أبيه
لو شخصت إلى أمير المؤمنين عن إذنه لأبيك لعلّه كان ينفعك، ففعل، فبينا هو في طريقه إذ ضاع منه كتاب الإذن، فهمّ بالرّجوع، ثم مضى لوجهه،/ فلما قدم على عبد الملك سأله عن أبيه فأخبره بوفاته، ثم سأله عن كتابه فأخبره بضياعه فقال له: أنشدني قول أبيك:
صوت
هل يبلغنها السّلام أربعة ... منّي وإن يفعلوا فقد نفعوا
على مصكّين من جمالهم ... وعنتريسين فيهما سطع [4]
قرّب جيراننا جمالهم ... صبحا فأضحوا بها قد انتجعوا
ما كنت أدري بوشك بينهم ... حتى رأيت الحداة قد طلعوا
/ قد كاد [5] قلبي - والعين تبصرهم ... لما تولّى بالقوم - ينصدع
ساروا وخلّفت بعدهم دنفا ... أليس باللّه بئس ما صنعوا!
قال: لا واللّه يا أمير المؤمنين ما أرويه، قال: لا عليك، فأنشدني قول أبيك:
صوت
أجدّ اليوم جيرتك الغيارا ... رواحا أم أرادوه ابتكارا
بعينك كان ذاك وإن يبينوا ... يزدك البين صدعا مستطارا [6]
بلى أبقت من الجيران عندي ... أناسا ما أوافقهم كثارا
__________
[1] مد: «في القلب» بدل «في الجوف». وفي التجريد:
«حب نسيمها وجناها»
وفي المختار:
«شهوة ريحها وجناها»
والنشا: نسيم الريح الطيبة (و انظر ص 215).
[2] ف: «جعفر بن نصر المهلبي».
[3] ف: «عبد الرحمن بن أحمد».
[4] المصك: القوي. والعنتريس: الناقة القوية الغليظة. والسطع: طول العنق.
[5] ف: «قد كان».
[6] ف: «شعبا مستطارا».
وماذا كثرة الجيران تغنّي ... إذا ما بان من أهوى فسارا
/ قال: لا واللّه ما أرويه يا أمير المؤمنين، قال: ولا عليك، فأنشدني قول أبيك:
دار لصهباء الّتي لا ينثني ... عن ذكرها قلبي ولا أنساها
صفراء يطويها الضّجيع لصلبها ... طيّ الحمالة ليّن متناها
لو يستطيع ضجيعها لأجنّها ... في القلب شهوة ريحها ونشاها
قال: لا واللّه يا أمير المؤمنين، ما أرويه، وإنّ صهباء هذه لأمّي، قال: ولا عليك، قد يبغض الرجل أن يشبّب بأمّه، ولكن إذا نسب بها غير أبيه، فأفّ لك! ورحم اللّه أباك، فقد ضيّعت أدبه وعققته؛ إذ لم ترو شعره. اخرج فلا شيء لك عندنا.
صوت
أماطت كساء الخزّ عن حرّ وجهها ... وأدنت على الخدّين بردا مهلهلا
من اللّاء لم يحججن يبغين حسبة ... ولكن يقتّلن [1] البريء المغفّلا
رأتني خضيب الرّأس شمّرت مئزري ... وقد عهدتني أسود الرّأس مسبلا
خطوّا [2] إلى اللّذات أجررت مئزري ... كإجرارك الحبل الجواد المحجّلا
صريع الهوى لا يبرح الحبّ قائدي ... بشرّ [3] فلم أعدل عن الشّرّ معدلا
لدى الجمرة القصوى فريعت وهلّلت ... ومن ريع في حجّ من الناس هلّلا
الشعر للعرجيّ، والغناء لعبد اللّه بن العبّاس الرّبيعيّ ثقيل أول في الأول والثاني والخامس والسادس من هذه الأبيات، وهو من جيّد الغناء وفاخر الصنعة، ويقال: إنّه أول شعر [4] صنعه، ولعزار [5] المكّيّ في الثّالث وما بعده ثاني ثقيل، عن يحيى المكّيّ وغيره، وفيه خفيف ثقيل ينسب إلى معبد وإلى ابن سريج وإلى الغريض، وفيه لإبراهيم لحن من كتابه غير مجنّس، وأنا ذاكر ها هنا أخبارا لهذا الشّعر من أخبار العرجيّ؛ إذ كان أكثر أخباره قد مضى سوى هذه.
__________
[1] ف: «ليقنلن».
[2] ف: «خطوطا».
[3] ف: «لشرّ».
[4] ف: «إنّه أول غناء صنعه».
[5] ف: «و لغرار المكي».
11 - بعض أخبار للعرجي
امرأة تتمثل بشعره
أخبرني محمد بن خلف وكيع، قال: حدّثنا إسماعيل بن مجمّع، عن المدائنيّ، عن عبد اللّه بن سليم، قال:
قال عبيد اللّه بن عمر العمريّ:
خرجت حاجّا فرأيت امرأة جميلة تتكلم بكلام رفثت [1] فيه، فأدنيت ناقتي منها، ثم قلت لها: يا أمة اللّه، ألست حاجّة! أما تخافين اللّه! فسفرت عن وجه يبهر الشّمس حسنا، ثم قالت: تأمّل يا عمّي،/ فإنّي ممّن عنى العرجيّ بقوله:
من اللاء لم يحججن يبغين حسبة ... ولكن ليقتلن البريء المغفّلا
قال: فقلت لها: فإني أسأل اللّه ألّا يعذّب هذا الوجه بالنّار. قال: وبلغ ذلك سعيد بن المسيّب فقال: أما واللّه لو كان من بعض بغضاء أهل العراق لقال لها: اعزبي قبّحك اللّه، ولكنّه ظرف [2] عبّاد الحجاز.
وقد رويت هذه الحكاية عن أبي حازم بن دينار.
أخبرني به وكيع، قال: حدّثنا أحمد بن زهير، قال: حدّثنا مصعب الزّبيريّ، قال: حدّثني عبد الرّحمن بن أبي الحسن [3] وقد روى عنه ابن أبي ذئب، قال:
بينا أبو حازم يرمي الجمار إذ هو بامرأة متشعبذة - يعني حاسرة - فقال لها: أيّتها المرأة استتري، فقالت: إنّي واللّه من اللّواتي قال فيهن الشّاعر قوله:
من اللاء لم يحججن يبغين حسبة ... ولكن ليقتلن البريء المغفّلا
وترمي بعينيها القلوب ولا ترى ... لها رمية لم تصم منهن مقتلا
/ فقال أبو حازم لأصحابه: ادعوا اللّه لهذه الصّورة الحسنة ألّا يعذّبها بالنار.
وأبو حازم هذا هو أبو حازم بن دينار من وجوه التّابعين، قد روى عن سهل بن سعد وأبي هريرة، وروى عنه مالك وابن أبي ذئب ونظراؤهما.
حدّثني عمّي، قال: حدّثني الكرانيّ، قال: حدّثني العمريّ، عن العتبيّ، عن الحكم بن صخر، قال:
__________
[1] رفث في كلامه: أفحش.
[2] ف، مي، مد: «و لكنه أظرف عباد الحجاز».
[3] ف: «عبد اللّه بن أبي الحنبش».
انصرفت من منّي فسمعت زفنا [1] من بعض المحامل، ثم ترنّمت جارية فتغنّت:
من الّلاء لم يحججن يبغين حسبة ... ولكن ليقتلن البريء المغفّلا
فقلت لها: أهذا مكان هذا يرحمك اللّه! فقالت: نعم وإيّاك أن تكونه.
__________
[1] زفن زفنا: رقص، وأصله الدفع الشديد والضرب بالرجل كما يفعل الراقص.
12 - أخبار عبد اللّه بن العباس الربيعى
نسبه
عبد اللّه بن العبّاس بن الفضل بن الرّبيع، والرّبيع - على ما يدّعيه أهله - ابن يونس بن أبي فروة، وقيل: إنه ليس ابنه، وآل أبي فروة يدفعون ذلك ويزعمون أنه لقيط، وجد منبوذا، فكفله يونس بن أبي فروة وربّاه، فلما خدم المنصور ادّعى إليه [1]، وأخباره مذكورة مع أخبار ابنه الفضل في شعر يغنّى به من شعر الفضل وهو:
كنت صبّا وقلبي اليوم سالي
ويكنى عبد اللّه بن العبّاس أبا العبّاس.
كان شاعرا مطبوعا ومغنيا جيد الصنعة
وكان شاعرا مطبوعا، ومغنّيا محسنا جيّد الصّنعة نادرها، حسن الرّواية، حلو الشعر ظريفه، ليس من الشّعر الجيّد الجزل ولا من المرذول، ولكنه شعر مطبوع ظريف مليح المذهب، من أشعار المترفين وأولاد النّعم.
حدّثني أبو القاسم الشّير بابكيّ [2] - وكان نديما لجدّي يحيى بن محمد - عن يحيى بن حازم، قال: حدّثني عبد اللّه بن العبّاس الربيعيّ، قال:
دخل محمد بن عبد الملك الزيات على الواثق وأنا بين يديه أغنّيه، وقد استعادني [3] صوتا فاستحسنه، فقال له محمد بن عبد الملك: هذا واللّه يا أمير المؤمنين أولى الناس بإقبالك عليه واستحسانك له واصطناعك إيّاه، فقال:
أجل، هذا مولاي وابن مولاي وابن مواليّ لا يعرفون غير ذلك، فقال له: ليس كلّ مولى - يا أمير المؤمنين - / بوليّ/ لمواليه، ولا كلّ مولّى متجمّل بولائه، يجمع ما جمع عبد اللّه من ظرف وأدب وصحّة عقل وجودة شعر، فقال الحسن له: صدقت يا محمد. فلما كان من الغد جئت محمد بن عبد الملك شاكرا لمحضره [4]، فقلت له في أضعاف كلامي: وأفرط الوزير - أعزه اللّه - في وصفي وتقريظي بكلّ شيء حتى وصفني بجودة الشّعر وليس ذلك عندي، وإنما أعبث بالبيتين والثّلاثة، ولو كان عندي أيضا شيء بعد ذلك لصغر عن أن يصفه الوزير، ومحلّه في هذا الباب المحلّ الرفيع المشهور، فقال: واللّه يا أخي، لو عرفت مقدار شعرك وقولك:
يا شادنا رام إذ مرّ ... في السّعانين قتلي
__________
[1] ادعى إليه: انتسب.
[2] مي، مد: «السير بابكي». وفي ب: «السشير بابكي».
[3] ب: «و قد استغناني».
[4] ف، مي: «شاكرا لحسن محضره».
يقول لي: كيف أصب ... حت كيف يصبح مثلي!
لما قلت هذا القول، واللّه لو لم يكن لك شعر في عمرك كله إلا قولك: «كيف يصبح مثلي» لكنت شاعرا مجيدا.
حدّثني جحظة، قال: حدّثني أحمد بن الطّيّب، قال: حدّثني حمّاد بن إسحاق، قال:
سمعت عبد اللّه بن العبّاس الرّبيعيّ يقول: أنا أوّل من غنّى بالكنكلة [1] في الإسلام ووضعت هذا الصوت عليها:
أتاني يؤامرني في الصّبو ... ح ليلا فقلت له: غادها
سبب تعلمه الغناء
حدّثني جعفر بن قدامة، قال: حدّثنا عليّ بن يحيى المنجّم، قال: حدّثني عبد اللّه بن العبّاس الربيعيّ، قال:
كان سبب دخولي في الغناء وتعلّمي إياه أنّي كنت أهوى جارية لعمّتي رقيّة بنت الفضل بن الرّبيع، فكنت لا أقدر على ملازمتها والجلوس معها خوفا من أن يظهر ما لها عندي فيكون ذلك سبب منعي منها، فأظهرت لعمّتي أنني أشتهي أن أتعلّم الغناء ويكون ذلك في ستر عن جدّي، وكان جدّي وعمّتي في حال من الرّقة عليّ والمحبّة لي لا نهاية وراءها، لأنّ أبي توفّي في حياة جدّي الفضل، فقالت: يا بنيّ، وما دعاك إلى ذلك؟ فقلت: شهوة غلبت على قلبي إن منعت منها متّ غمّا، وكان لي في الغناء طبع قويّ، فقالت لي: أنت أعلم وما تختاره، واللّه ما أحبّ منعك من شيء، وإني لكارهة أن تحذق ذلك وتشهر به فتسقط ويفتضح أبوك وجدّك، فقلت: لا تخافي ذلك، فإنما آخذ منه مقدار ما ألهو به، ولازمت الجارية لمحبّتي إيّاها بعلّة الغناء، فكنت آخذ عنها وعن صواحباتها حتى تقدّمت الجماعة حذقا، وأقررن لي بذلك، وبلغت ما كنت أريد من أمر الجارية، وصرت ألازم مجلس جدّي فكان يسرّ بذلك ويظنّه تقرّبا مني إليه، وإنما كان وكدي فيه أخذ الغناء، فلم يكن يمرّ لإسحاق ولا لابن جامع ولا للزّبير بن دحمان ولا لغيرهم صوت إلا أخذته، فكنت سريع الأخذ، وإنما كنت أسمعه مرّتين أو ثلاثا، وقد صحّ لي وأحسست من نفسي قوّة في الصّناعة، فصنعت أول صوت صنعته في شعر العرجيّ:
أماطت كساء الخزّ عن حرّ وجهها ... وأدنت على الخدّين بردا مهلهلا
ثم صنعت في:
أقفر من بعد خلّة سرف ... فالمنحنى فالعقيق فالجرف [2]
/و عرضتهما على الجارية الّتي كنت أهواها وسألتها عمّا عندها فيهما، فقالت: لا يجوز/ أن يكون في الصّنعة شيء فوق هذا، وكان جواري الحارث بن بسخنّر [3] وجواري ابنه محمد يدخلن إلى دارنا فيطرحن على جواري
__________
[1] مي، مد: «بالكبكلة». وفي المختار: «بالكلكلة». وجاء في مقال للأستاذ بهجت الأثري عضو المجمع اللغوي عنوانه «الألفاظ الحضارية ودلالتها التاريخية»؛ الكنكلة: آلة طرب هندية ذات وتر واحد يمر على قرعة فيقوم مقام أوتار العود «عن كتاب فخر السودان على البيضان للجاحظ»، أو لعلها نغمة من نغمات الموسيقى أو آلة من آلات الطرب عرفها العباسيون واستعملوها في أواخر القرن الثاني. وانظر «نهاية الأرب» للنويري 5: 22.
[2] سرف والمنحنى والعقيق والجرف: مواضع. وفي ب: «من بعد حلة».
[3] ب: «بشخير».
عمّتي وجواري جدّي ويأخذن أيضا مني ما ليس عندهن من غناء دارنا، فسمعنني ألقي هذين الصّوتين على الجارية، فأخذنهما منّي وسألن الجارية عنهما، فأخبرتهن أنّهما من صنعتي، فسألنها أن تصحّحهما لهنّ، ففعلت فأخذنهما عنها، ثم اشتهر حتى غنّي الرّشيد بهما يوما، فاستظرفهما وسأل إسحاق: هل تعرفهما؟ فقال: لا، وإنّهما لمن حسن الصّنعة وجيّدها ومتقنها، ثم سأل الجارية عنهما فتوقّفت خوفا من عمّتي وحذرا أن يبلغ جدّي أنها ذكرتني، فانتهرها الرشيد، فأخبرته بالقصة.
جدّه ينفي معرفته بأنه يغني
فوجّه من وقته فدعا بجدّي، فلما أحضره قال له: يا فضل، يكون لك ابن يغنّي ثم يبلغ في الغناء المبلغ الّذي يمكنه معه أن يصنع صوتين يستحسنهما إسحاق وسائر المغنّين ويتداولهما جواري القيان ولا تعلمني بذلك؟ كأنك رفعت قدره عن خدمتي في هذا الشأن! فقال له جدّي: وحقّ ولائك يا أمير المؤمنين ونعمتك، وإلّا فأنا نفيّ منهما بريء من بيعتك [1] وعليّ العهد والميثاق والعتق والطّلاق، إن كنت علمت بشيء من هذا قطّ إلا منك السّاعة، فمن هذا من ولدي؟ قال: عبد اللّه بن العبّاس هو، فأحضرنيه السّاعة. فجاء جدّي وهو يكاد أن ينشقّ غيظا، فدعاني، فلمّا خرجت إليه شتمني وقال: يا كلب، بلغ من أمرك ومقدارك أن تجسر على أن تتعلّم الغناء بغير إذني، ثم زاد ذلك حتى صنعت، ولم تقنع بهذا حتى ألقيت صنعتك على الجواري في داري، ثم تجاوزتهن إلى جواري الحارث بن بسخنّر، فاشتهرت وبلغ أمرك أمير المؤمنين، فتنكّر لي ولا مني وفضحت آباءك/ في قبورهم، وسقطت الأبد إلا من المغنّين وطبقة الخنياكرين [2]. فبكيت غمّا بما جرى، وعلمت أنه قد صدق، فرحمني وضمّني إليه وقال: قد صارت الآن مصيبتي في أبيك مصيبتين: إحداهما به وقد مضى وفات، والأخرى بك وهي موصولة بحياتي، ومصيبة باقية العار عليّ وعلى أهلي بعدي، وبكى وقال: عزّ عليّ يا بنيّ أن أراك أبدا ما بقيت على غير ما أحبّ، وليست لي في هذا الأمر حيلة، لأنّه أمر قد خرج عن يدي، ثم قال: جئني بعود حتى أسمعك وأنظر كيف أنت، فإن كنت تصلح للخدمة في هذه الفضيحة، وإلا جئته بك منفردا وعرّفته خبرك واستعفيته لك، فأتيته بعود وغنّيته غناء قديما، فقال: لا، بل غنّي صوتيك اللذين صنعتهما، فغنّيته إيّاهما فاستحسنهما وبكى، ثم قال: بطلت واللّه يا بنيّ وخاب أملي فيك، فواحزني عليك وعلى أبيك! فقلت له: يا سيّدي، ليتني متّ من قبل ما أنكرته أو خرست، وما لي حيلة ولكنّي وحياتك يا سيّدي، وإلا فعليّ عهد اللّه وميثاقه والعتق والطّلاق وكلّ يمين يحلف بها حالف لازمة لي، لا غنّيت أبدا إلا لخليفة أو وليّ عهد، فقال: قد أحسنت فيما نبّهت [3] عليه من هذا.
غنى أمام الرشيد فطرب وكافأه وكساه
ثم ركب وأمرني، فأحضرت فوقفت بين يدي الرّشيد وأنا أرعد فاستدناني حتى صرت أقرب الجماعة إليه ومازحني وأقبل عليّ وسكّن منّي، وأمر جدّي بالانصراف وأمر الجماعة فحدّثوني [4]، وسقيت أقداحا وغنى المغنّون جميعا، فأومأ إليّ إسحاق الموصليّ بعينه/ أن ابدأ فغنّ إذا بلغت النّوبة إليك قبل أن تؤمر بذلك، ليكون ذلك أصلح
__________
[1] ف: «بريء من تبعتك».
[2] خنياكر: كلمة فارسية بمعنى المطرب والموسيقيّ.
[3] ف: «تنبهت عليه من هذا».
[4] ف، المختار: «و أومأ إلى الجماعة فخدموني».
وأجود بك، فلما جاءت النّوبة إليّ أخذت عودا ممّن كان إلى جنبي وقمت قائما واستأذنت في الغناء، فضحك الرشيد وقال: غنّ جالسا، فجلست وغنّيت لحني الأوّل/ فطرب واستعاده ثلاث مرّات، وشرب عليه ثلاثة أنصاف، ثم غنّيت الثاني، فكانت هذه حاله، وسكر، فدعا بمسرور فقال له: احمل السّاعة مع عبد اللّه عشرة آلاف دينار وثلاثين ثوبا من فاخر ثيابي، وعيبة مملوءة طيبا، فحمل ذلك أجمع معي.
المعتصم يأمره بالتكفير عن يمينه والغناء لأصحابه جميعا
قال عبد اللّه: ولم أزل كلّما أراد وليّ عهد أن يعلم من الخليفة بعد الخليفة الوالي أهو أم غيره دعاني فأمرني بأن أغنّي، فأعرّفه بيميني، فيستأذن الخليفة في ذلك، فإن أذن لي في الغناء عنده عرف أنه وليّ عهد، وإلّا عرف أنه غيره حتى كان آخرهم الواثق، فدعاني في أيّام المعتصم وسأله أن يأذن لي في الغناء، فأذن لي، ثم دعاني من الغد فقال: ما كان غناؤك إلا سببا لظهور سرّي وسرّ الخلفاء قبلي، ولقد همّمت أن آمر بضرب رقبتك. لا يبلغني أنّك امتنعت من الغناء عند أحد، فو اللّه لئن بلغني لأقتلنّك، فأعتق من كنت تملكه يوم حلفت، وطلق من كان يوجد عندك من الحرائر، واستبدل بهنّ وعليّ العوض من ذلك، وأرحنا من يمينك هذه المشؤومة، فقمت وأنا لا أعقل خوفا منه، فأعتقت جميع من كان بقي عندي من مماليكي، الذين حلفت يومئذ وهم في ملكي، وتصدّقت بجملة، واستفتيت في يميني أبا يوسف القاضي حتى خرجت منها، وغنّيت بعد ذلك إخواني جميعا حتى اشتهر أمري، وبلغ المعتصم خبري، فتخلّصت منه، ثم غضب عليّ الواثق لشيء أنكره، وولي الخلافة وهو ساخط عليّ فكتبت إليه:
اذكر أمير المؤمنين وسائلي [1] ... أيّام أرهب سطوة السّيف
أدعو إلهي أن أراك خليفة ... بين المقام ومسجد الخيف
فدعاني ورضي عنّي.
/ حدّثني سليمان بن أبي شيخ قال:
دخلت على العبّاس بن الفضل بن الربيع ذات يوم وهو مختلط مغتاظ وابنه عبد اللّه عنده، فقلت له: ما لك أمتع اللّه بك؟ قال: لا يفلح واللّه ابني عبد اللّه أبدا. فظننته قد جنى جناية، وجعلت أعتذر إليه له، فقال: ذنبه أعظم من ذلك وأشنع، فقلت: وما ذنبه؟ قال: جاءني بعض غلماني فحدّثني أنه رآه بقطربّل يشرب نبيذ الدّاذيّ [2] بغير غناء، فهل هذا فعل من يفلح؟ فقلت له وأنا أضحك: سهّلت عليّ القصّة، قال: لا تقل ذاك فإنّ هذا من ضعة النّفس وسقوط الهمّة، فكنت إذا رأيت عبد اللّه بعد ذلك في جملة المغنّين، وشاهدت تبذّله في هذه الحال وانخفاضه عن مراتب أهله تذكّرت قول أبيه فيه.
صنع غناء في شعر لأبي العتاهية وغناه
قال: وسمعته يوما يغني بصنعته في شعر أبي العتاهية:
__________
[1] المختار: «رسائلي».
[2] الداذي: شراب الفساق. وفي ف: «يشرب الداذيّ».
صوت
أنا عبد لها مقرّ وما يملك غيرها من النّاس رقّا
ناصح مشفق وإن كنت ما أر ... زق منها والحمد للّه عتقا
ليتني متّ فاسترحت فإنّي ... أبدا ما حييت منها ملقّى
/ لحن عبد اللّه بن العبّاس في هذا الشّعر رمل.
إسحاق الموصلي يصنع له لحنا من شعره
أخبرني جعفر بن قدامة، قال: حدّثني عليّ بن يحيى وأحمد بن حمدون، عن أبيه. وأخبرني جحظة، عن أبي عبد اللّه الهاشميّ، أنّ إسحاق الموصليّ دخل يوما إلى الفضل/ بن الرّبيع وابن ابنه عبد اللّه بن العبّاس في حجره قد أخرج إليه وله نحو السّنتين، وأبوه العبّاس واقف بين يديه، فقال إسحاق للوقت:
مدّ لك اللّه الحياة مدّا ... حتى يكون ابنك هذا جدّا
مؤزّرا بمجده مردّى ... ثم يفدّى مثل ما تفدّى
أشبه منك سنّة [1] وخدّا ... وشيما محمودا ومجدا
كأنّه أنت إذا تبدّى
قال: فاستحسن الفضل الأبيات وصنع فيها إسحاق لحنه المشهور، وقال جحظة في خبره عن الهاشميّ، وهو رمل ظريف من حسن الأرمال ومختارها، فأمر له الفضل بثلاثين ألف درهم.
أصبح العباس بن الفضل مهموما فنشطه الشعر والشراب
أخبرني جعفر بن قدامة، قال: حدّثني عبد اللّه بن عمر، قال: حدّثني محمد بن عبد اللّه بن مالك، قال:
حدّثني بعض ندماء الفضل بن الربيع قال: كنا عند الفضل بن الربيع في يوم دجن، والسماء ترشّ [2] وهو أحسن يوم وأطيبه، وكان العبّاس يومئذ قد أصبح مهموما، فجهدنا أن ينشط، فلم تكن لنا في ذلك حيلة، فبينا نحن كذلك إذ دخل عليه بعض الشعراء، إمّا الرّقاشيّ وإمّا غيره من طبقته، فسلّم وأخذ بعضادتي الباب ثم قال:
ألا أنعم صباحا يا أبا الفضل [3] واربع ... على مربع القطربّليّ المشعشع
وعلّل نداماك العطاش بقهوة ... لها مصرع في القوم غير مروّع
فإنك لاق كلّما شئت ليلة ... ويوما يغصّان الجفون بأدمع
/ قال: فبكى العبّاس وقال: صدقت واللّه، إن الإنسان ليلقى ذلك متى يشاء، ثم دعا بالطّعام فأكل، ثم دعا بالشّراب فشرب ونشط، ومرّ لنا يوم حسن طيّب.
__________
[1] السنة: الوجه أو الجبهة.
[2] ف: «تطش». وفي مد: «تبغش». وفي مي: «تبعثر».
[3] ت: «أيها الفضل».
وسط أحمد بن المرزبان المنتصر
حدّثني عمّي، قال: حدّثني أحمد بن المرزبان، قال:
جاءني عبد اللّه بن العبّاس في خلافة المنتصر وقد سألني عرض رقعة عليه، فأعلم أنّي نائم، وقد كنت شربت باللّيل شربا كثيرا، فصلّيت الغداة ونمت، فلما انتبهت إذا رقعة عند رأسي وفيها مكتوب:
أنا بالباب واقف منذ أصب ... حت على السّرج ممسك بعناني
وبعين البوّاب كلّ الّذي بي ... ويراني كأنّه لا يراني
فأمرت بإدخاله، فدخل، فعرّفته خبري واعتذرت إليه وعرضت رقعته على المنتصر وكلّمته حتى قضى حاجته.
غناؤه مع إسحاق
أخبرني محمد بن مزيد بن أبي الأزهر، قال: حدثنا حمّاد بن إسحاق، قال:
دعا عبد اللّه بن العبّاس الرّبيعيّ يوما أبي، وسأله أن يبكر إليه [1] ففعل، فلما دخل بادر إليه عبد اللّه بن العبّاس ملتقيا وفي يده العود وغنّاه:
قم نصطبح يفديك كلّ مبخّل ... عاب [2] الصّبوح لحبّه للمال
من قهوة صفراء صرف [3] مزّة ... قد عتّقت في الدّنّ مذ أحوال
/ قال: وقدّم الطّعام فأكلنا واصطبحنا، واقترح أبي هذا الصّوت عليه بقيّة يومه.
يناشد الشعر مع إسحاق بعد أن غنى
قال: وأتيته في داره بالمطيرة [4] عائدا، فوجدته في عافية، فجلسنا نتحدّث فأنشدته لذي الرّمّة:
إذا ما امرؤ حاولن أن يقتتلنه ... بلا إحنة بين النّفوس ولا ذحل
تبسّمن عن نور الأقاحيّ في الثّرى ... وفتّرن عن أبصار مكحولة نجل
وكشّفن عن أجياد غزلان رملة ... هجان فكان القتل أو شبهة [5] القتل
وإنّا لنرضى حين نشكو بخلوة ... إليهن حاجات النّفوس بلا بذل
وما الفقر أزرى عندهنّ بوصلنا ... ولكن جرت أخلاقهنّ على البخل
قال: فأنشدني هو:
أنّى اهتدت لمناخنا [6] جمل ... ومن الكرى لعيوننا كحل
__________
[1] ب: «يبكر عليه».
[2] ب: «دأب الصبوح».
[3] ب: «صفر مرة».
[4] المطيرة: قرية من نواحي سامراء، كانت من متنزهات بغداد وسامراء.
[5] ف: «أو شبه». وفي مي، مد: «مشبه القتل».
[6] المناخ: محل الإقامة.
طرقت أخا سفر وناجية ... خرقاء عرّفني بها الرّحل [1]
في مهمه هجع الدّليل به ... وتعلّلت بصريفها البزل [2]
فكأنّ أحدث من ألمّ به ... درجت على آثاره النّمل
قال إسحاق: فقال لي عبد اللّه بن العبّاس: كلّ ما يملك في سبيل اللّه إن فارقتك ولم نصطبح على هذين الشّعرين، وأنشدك وتنشدني، ففعلنا ذلك وما غنّينا ولا غنّينا.
اصطبح مع خادم صالح بن عجيف على زنا بنت الخس
أخبرني محمد بن مزيد، قال: حدّثنا حمّاد بن إسحاق، عن أبيه، قال:
/ لقيت عبد اللّه بن العبّاس يوما في الطّريق فقلت له: ما كان خبرك أمس؟ فقال: اصطحبت، فقلت: على ما ذا ومع من؟ فقال: مع خادم صالح بن عجيف، وأنت به عارف، وبخبري معه ومحبّتي له عالم، فاصطبحنا على زنا بنت الخسّ [3] لمّا حملت من زنا، وقد سئلت: ممّن حملت؟ فقالت:
أشمّ كغصن البان جعد مرجّل ... شغفت به لو كان شيئا مدانيا
ثكلت أبي إن كنت ذقت كريقه ... سلافا ولا عذبا من الماء صافيا [4]
وأقسم لو خيّرت بين فراقه ... وبين أبي لاخترت أن لا أباليا
فإن لم أوسّد ساعدي بعد هجعة [5] ... غلاما هلاليّا فشلّت بنانيا [6]
فقلت له: أقمت على لواط وشربت على زنا، واللّه ما سبقك إلى هذا أحد.
طلب من فائز غلام محمد بن راشد الغناء وهم يشربون
أخبرني محمد بن العبّاس اليزيديّ، قال: أخبرني ميمون بن هارون، قال:
كان محمد بن راشد الخنّاق عند عبد اللّه بن العبّاس بن الفضل بن الرّبيع على القاطول في أيام المعتصم، وكان لمحمد بن راشد غلام يقال له: فائز، يغنّي غناء حسنا، فأظلّتهم سحابة وهم يشربون، فقال عبد اللّه بن العبّاس:
محمد قد جادت علينا بمائها ... سحابة مزن برقها يتهلّل
ونحن من القاطول في متربّع ... ومنزلنا فيه المنابت مبقل [7]
فمر فائزا يشدو إذا ما سقيتني ... أعن ظعن الحيّ الألى كنت تسأل
ولا تسقني إلا حلالا فإنّني ... أعاف من الأشياء ما لا يحلّل
__________
[1] ف، مد: «عرّق نيّها الرحل». وفي مي: «عرق قتبها». والناجية: الناقة السريعة.
[2] المهمه: المفازة البعيدة، والصريف: صرير ناب البعير، والبزل جمع بازل، وهو البعير الّذي انشق نابه بدخوله في السنة التاسعة.
[3] ب: «الحسن». وفي مي، مد: «الخنس».
[4] ف: «سلافا ولا ماء من المزن صافيا».
[5] ف: «بعد رقدة».
[6] المختار: «فشلت يمينيا».
[7] القاطول: اسم نهر كأنه مقطوع من دجلة، وكان في موضع سامراء قبل أن تعمر وكان الرشيد أول من حفر هذا النهر. (معجم البلدان). وفي ب:
«و منزلنا جم المذانب مبقل»
/ قال: فأمر محمد بن راشد غلامه فائزا، فغنّاه بهذا الصوت، وشرب عليه حتى سكر.
قال: وكان أبو أحمد بن الرّشيد قد عشق فائزا، فاشتراه من محمد بن راشد بثلاثمائة ألف درهم، فبلغ ذلك المأمون، فأمر بأن يضرب محمد بن راشد ألف سوط، ثم سئل فيه فكفّ عنه، وارتجع منه نصف المال، وطالبه بأكثر فوجده قد أنفقه وقضى دينه، ثم حجر على أبي أحمد بن الرّشيد، فلم يزل محجورا عليه طوال أيام المأمون؛ وكان أمر ماله مردودا إلى مخلد بن أبان.
شرب الخمر في ليلة من رمضان إلى الفجر
أخبرني الحسن بن عليّ، قال: حدّثنا محمد بن القاسم بن مهرويه، قال: أخبرني ابن الجرجانيّ [1]، قال:
اتفق يوم النيروز في شهر رمضان، فشرب عبد اللّه بن العبّاس بن الفضل في تلك اللّيلة إلى أن بدا الفجر أن يطلع، وقال في ذلك وغنّى فيه قوله:
اسقني صفراء صافية ... ليلة النّيروز والأحد
حرّم الصّوم اصطبا حكما ... فتزوّد شربها لغد
صنع لحنا للواثق وغناه في يوم نيروز فلم يستعد غيره
أخبرني عمّي، قال: حدّثنا محمد بن القاسم بن مهرويه، قال: حدّثني إبراهيم بن المدبّر، قال:
قال لي محمد بن الفضل الجرجانيّ: أنشدت عبد اللّه بن العبّاس الربيعيّ للمعلّى الطائيّ:
باكر صبوحك صبحة النّيروز ... واشرب بكأس مترع وبكوز
ضحك الربيع إليك عن نوّاره ... آس ونسرين ومرماحوز
فاستعادنيهما فأعدتهما عليه، وسألني أن أمليهما، وصنع فيهما لحنا غنّى به الواثق في يوم نيروز، فلم يستعد غيره يومئذ، وأمر له بثلاثين ألف درهم.
تأثر من شعر لجميل إلى أن بكى
أخبرني جعفر بن قدامة، قال: حدّثني عليّ بن يحيى، قال:
أنشدني عبد اللّه بن العبّاس بن الفضل بن الرّبيع لجميل، وأنشدنيه وهو يبكي ودموعه تنحدر على لحيته.
صوت
فما لك لما خبّر الناس أنّني ... غدرت بظهر الغيب لم تسليني [2]
فأحلف بتّا أو أجيء بشاهد ... من الناس عدل إنّهم ظلموني
قال: وله فيه صنعة من خفيف الثّقيل وخفيف الرمل.
__________
[1] ف: «ابن الجرجراني».
[2] ب: «لم تسأليني»، وهو بذلك يختل وزنه.
كان مصطبحا دهره ويقول الشعر في الصبوح
أخبرني عمّي، قال: حدّثني عبيد اللّه بن محمد بن عبد الملك الزّيات، قال: حدّثنا نافذ مولانا، قال:
كان عبد اللّه بن العبّاس صديقا لأبيك، وكان يعاشره كثيرا، وكان عبد اللّه بن العباس مصطبحا دهره لا يفوته ذلك إلّا في يوم جمعة أو صوم شهر رمضان، وكان يكثر المدح للصّبوح ويقول الشّعر فيه، ويغنّي فيما يقوله، قال عبيد اللّه: فأنشدني نافذ مولانا وغيره من أصحابنا في ذلك، منهم حمّاد بن إسحاق:
صوت
ومستطيل على الصّهباء باكرها ... في فتية باصطباح الرّاح حذّاق
فكلّ شيء رآه خاله [1] قدحا ... وكلّ شخص رآه خاله [1] الساقي
قال: ولحنه فيه خفيف رمل ثقيل. قال حمّاد: وكان أبي يستجيد هذا الصّوت من صنعته/، ويستحسن شعره ويعجب من قوله:
/فكلّ شيء رآه خاله قدحا ... وكلّ شخص رآه خاله السّاقي
ويعجب من قوله:
ومستطيل على الصّهباء باكرها
ويقول: وأيّ شيء تحته من المعاني الظريفة!.
قال: وسمعه أبي يغنّيه فقال له: كأنّك واللّه يا عبد اللّه خطيب يخطب على المنبر، قال عبد اللّه بن محمد:
فأنشدني حمّاد له في الصّبوح:
لا تعذلن في صبوحي ... فالعيش شرب الصّبوح
ما عاب مصطبحا ق ... طّ غير وغد شحيح
قال عمّي: قال عبيد اللّه: دخل يوما عبد اللّه بن العبّاس الرّبيعيّ على أبي مسلّما، فلما استقرّ به المجلس وتحادثا ساعة قال له: أنشدني شيئا من شعرك، فقال: إنما أعبث ولست ممّن يقدم عليك بإنشاد شعره، فقال:
أتقول هذا وأنت القائل:
يا شادنا رام إذ مرّ ... في السّعانين قتلي
تقول لي: كيف أصبحت؟ ... كيف يصبح مثلي!
أنت واللّه أعزّك اللّه أغزل الناس وأرقّهم شعرا، ولو لم تقل غير هذا البيت الواحد لكفاك ولكنت شاعرا.
كتب شعرا في ليلة مقمرة وصنع فيه لحنا
أخبرني عمّي والحسين بن القاسم الكوكبيّ، قالا: حدّثنا أحمد بن أبي طاهر، قال: حدّثني أحمد بن الحسين الهشاميّ [2] أبو عبد اللّه، قال:
__________
[1] التجريد: «ظنه».
[2] ف: «الهاشمي».
حدّثني عبد اللّه بن العبّاس بن الفضل بن الرّبيع قال:
/ كنت جالسا على دجلة في ليلة من اللّيالي، وأخذت دواة وقرطاسا وكتبت شعرا حضرني وقلته في ذلك الوقت:
صوت
أخلفك الدهر ما تنظره ... فاصبر فذا جلّ أمر ذا القدر [1]
لعلّنا أن نديل من زمن [2] ... فرّقنا والزّمان ذو غير
قال: ثم أرتج عليّ فلم أدر ما أقول حتى يئست من أن يجيئني شيء، فالتفتّ فرأيت القمر وكانت ليلة تتمّته فقلت:
فانظر إلى البدر فهو يشبهه ... إن كان قد ضنّ عنك بالنّظر
ثم صنعت فيه لحنا من الثّقيل الثاني. قال أبو عبد اللّه الهشاميّ: وهو واللّه صوت حسن.
وصف البرق وصنع فيه لحنا غناه للواثق
أخبرني جحظة عن ابن حمدون، وأخبرني به الكوكبيّ، عن عليّ بن محمد بن نصر، عن خالد بن حمدون، قال:
كنّا عند الواثق في يوم دجن، فلاح برق واستطار، فقال: لو في هذا شيء [3]، فبدرهم عبد اللّه بن العبّاس بن الفضل بن الرّبيع، فقال هذين البيتين:
أعنّي على لامع بارق ... خفيّ كلمحك بالحاجب
كأنّ تألّقه في السّماء ... يدا كاتب أو يدا حاسب
/ وصنع فيه لحنا شرب فيه الواثق بقيّة يومه، واستحسن شعره ومعناه وصنعته، ووصل عبد اللّه بصلة سنيّة.
صنع لحنا في شعر الحسين بن الضحاك وغناه
حدّثني عمّي، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد، قال: حدّثني محمد/ بن محمد بن مروان، قال: حدّثني الحسين بن الضّحّاك، قال:
كنت عند عبد اللّه بن العبّاس بن الفضل بن الرّبيع، وهو مصطبح، وخادم له قائم يسقيه فقال لي: يا أبا عليّ، قد استحسنت سقي هذا الخادم، فإن حضرك شيء في قصّتنا هذه فقل، فقلت:
أحيت صبوحي فكاهة اللّاهي ... وطاب يومي بقرب أشباهي
فاستثر اللهو من مكامنه ... من قبل يوم منغّص ناهي
بابنة كرم من كفّ منتطق ... مؤتزر بالمجون تيّاه
__________
[1] ف:
«فاصبر فهذي جرائر القدر»
[2] أدال اللّه بني فلان من عدوهم: جعل الكرة لهم عليه. وفي ف: لعلنا أن ندال».
[3] ف: «قولوا في هذا شيئا». وفي مي، مد: «لو أن في هذا شيئا».
يسقيك من طرفه ومن يده [1] ... سقي لطيف مجرّب داهي
طاسا وكاسا [2] كأنّ شاربها ... حيران بين الذّكور والسّاهي
فاستحسنه عبد اللّه، وغنّى فيه لحنا مليحا، وشربنا عليه بقيّة يومنا.
قصته مع جارية نصرانية أحبها
أخبرني عمّي، قال: حدّثنا أبو عبد اللّه أحمد بن المرزبان بن الفيرزان [3]، قال: حدّثني شيبة بن هشام، قال:
كان عبد اللّه بن العبّاس بن الفضل بن الرّبيع قد علق جارية نصرانيّة قد رآها في بعض أعياد النّصارى، فكان لا يفارق البيع في أعيادهم شغفا بها، فخرج في عيد ما سرجيس فظفر بها في بستان إلى جانب البيعة، وقد كان قبل ذلك يراسلها ويعرّفها حبّه لها، فلا تقدر على مواصلته ولا على لقائه إلا على الطّريق، فلما ظفر بها التوت عليه/ وأبت بعض الإباء، ثم ظهرت له وجلست معه، وأكلوا وشربوا، وأقام معها ومع نسوة كنّ معها أسبوعا، ثم انصرفت في يوم خميس، فقال عبد اللّه بن العبّاس في ذلك وغنّى فيه:
ربّ صهباء من شراب المجوس ... قهوة بابليّة خندريس
قد تجلّيتها بناي وعود ... قبل ضرب الشّمّاس بالنّاقوس
وغزال مكحّل ذي دلال ... ساحر الطرف سامريّ عروس
قد خلونا بطيبه نجتليه ... يوم سبت إلى صباح الخميس
بين ورد وبين آس جنيّ ... وسط بستان دير ما سرجيس
يتثنّى بحسن جيد غزال ... وصليب مفضّض آبنوسي
كم لثمت الصّليب في الجيد منها ... كهلال مكلّل بشموس
تطير من الغراب واستبشر بالهدهد
أخبرني عمّي، قال: حدّثني أحمد بن المرزبان، عن شيبة بن هشام، قال:
كان عبد اللّه بن العبّاس يوما جالسا ينتظر هذه النّصرانيّة الّتي كان يهواها، وقد وعدته بالزّيارة، فهو جالس ينتظرها ويتفقّدها إذ سقط غراب على برّادة [4] داره فنعب مرّة واحدة ثم طار، فتطيّر عبد اللّه من ذلك ولم يزل ينتظرها يومه فلم يرها، فأرسل رسوله عشاء [5] يسأل عنها، فعرّف أنها قد انحدرت مع أبيها [6] إلى بغداد، فتنغّص عليه يومه، وتفرّق من كان عنده، ومكث مدّة لا يعرف لها خبرا. فبينا هو جالس ذات يوم مع أصحابه، إذ سقط هدهد على برّادته، فصاح ثلاثة أصوات وطار، فقال عبد اللّه بن العبّاس: وأيّ شيء أبقى الغراب للهدهد علينا؟
__________
[1] ف:
«يسقيك من عينه ومن يده»
[2] ف: «كأسا وكأسا».
[3] ف: «المرزبان بن الفيروزان».
[4] البرادة: شيء يتخذ فوق الدار. توضع عليه أواني الماء لتبرد.
[5] ف: «فوجه برسوله عشيّا».
[6] ف: «مع أخيها».
وهل ترك لنا أحدا يؤذينا بفراقه؟ وتطيّر من ذلك، فما فرغ من كلامه حتى دخل رسولها يعلمه/ أنها/ قد قدمت منذ ثلاثة أيام، وأنها قد جاءته زائرة على إثر رسولها، فقال في ذلك من وقته:
سقاك اللّه يا هد ... هد وسميّا من القطر
كما بشّرت بالوصل ... وما أنذرت بالهجر
فكم ذا لك من بشرى ... أتتني منك في ستر
كما جاءت سليمان ... فأوفت منه بالنّذر
ولا زال غراب الب ... ين في قفّاعة [1] الأسر
كما صرّح بالبين ... وما كنت به أدري
ولحنه في هذا الشّعر هزج.
غنى للمتوكل لحنا لم يعجبه فذكره بألحان له سابقة
حدّثني عمّي، قال: حدّثني ميمون بن هارون، قال: قال إسحاق بن إبراهيم بن مصعب:
قال لي عبد اللّه بن العبّاس الربيعيّ: لمّا صنعت لحني في شعري:
ألا اصبحاني يوم السّعانين ... من قهوة عتّقت بكركين [2]
عند أناس قلبي بهم كلف ... وإن تولّوا دينا سوى ديني
قد زيّن الملك جعفر وحكى ... جود أبيه وبأس هارون
وأمّن [3] الخائف البريء كما ... أخاف أهل الإلحاد في الدّين
دعاني المتوكّل، فلما جلست في مجلس المنادمة غنّيت هذا الصّوت فقال لي: يا عبد اللّه، أين غناؤك في هذا الشعر في أيّامي هذه من غنائك في:
/أماطت كساء الخزّ عن حرّ وجهها ... وأدنت على الخدّين بردا مهلهلا
ومن غنائك في:
أقفر من بعد خلّة سرف ... فالمنحنى فالعقيق فالجرف
ومن سائر صنعتك المتقدّمة الّتي استفرغت محاسنك فيها، فقلت له: يا أمير المؤمنين، إنّي كنت أتغنّى في هذه الأصوات ولي شباب وطرب وعشق، ولو ردّ عليّ لغنّيت مثل ذلك الغناء، فأمر لي بجائزة واستحسن قولي.
غنى للمنتصر بشعر لم يطلبه منه فلم يصله بشي ء
حدّثني عمّي، قال: حدّثنا أحمد بن المرزبان، قال: حدّثني أبي، قال:
ذكر المنتصر يوما عبد اللّه بن العبّاس وهو في قراح [4] النّرجس مصطبح، فأحضره وقال له: يا عبد اللّه، اصنع
__________
[1] القفاعة: شيء يتخذ من جريد النخل، ثم يرسل به على الصيد فيصاد.
[2] كركين: من قرى بغداد (معجم ياقوت). وفي ب: «بكرين» وهو تحريف.
[3] ف: «و آس الخائف».
[4] القراح من كل شي ء: الخالص.
لحنا في شعري الفلانيّ، وغنّني به، وكان عبد اللّه حلف لا يغنّي في شعره، فأطرق مليّا، ثم غنّى في شعر قاله للوقت وهو:
يا طيب يومي في قراح النّرجس ... في مجلس ما مثله من مجلس!
تسقى مشعشعة كأنّ شعاعها ... نار تشبّ لبائس مستقبس
قال: فجهد أبي بالمنتصر يوما واحتال عليه بكلّ حيلة أن يصله بشيء فلم يفعل.
غنى للمتوكل فأطربه وأمر له بجائزة
حدّثني عمّي، قال: حدّثني أحمد بن المرزبان، قال: حدّثني أبي، قال:
غضبت قبيحة على المتوكّل وهاجرته، فجلس ودخل الجلساء والمغنّون، وكان فيهم عبد اللّه بن العبّاس الربيعيّ، وكان قد عرف الخبر، فقال هذا الشّعر وغنّى فيه:
لست منّي ولست منك فدعني ... وامض عنّي مصاحبا بسلام [1]
/لم تجد علّة تجنّى بها ال ... ذّنب فصارت تعتلّ بالأحلام
/ فإذا ما شكوت ما بي قالت: ... قد رأينا خلاف ذا في المنام
قال: فطرب المتوكّل وأمر له بعشرين ألف درهم وقال له: إنّ في حياتك يا عبد اللّه لأنسا وجمالا وبقاء للمروءة والظّرف.
غنى بشعر للسليك
أخبرني عمّي، قال: حدّثني أحمد بن المرزبان، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عبد اللّه بن العبّاس الرّبيعيّ، قال:
كنت في بعض العساكر فأصابتنا السّماء حتى تأذّينا، فضربت لي قبّة تركيّة، وطرح لي فيها سريران، فخطر بقلبي قول السّليك:
صوت
قرّب النّحّام [2] واعجل يا غلام ... واطرح السّرج عليه واللّجام
أبلغ [3] الفتيان أنّى خائض ... غمرة الضّرب فمن شاء أقام
فغنّيت فيه لحني المعروف، وغدونا فدخلت مدينة، فإذا أنا برجل يغنّي به وو اللّه ما سبقني إليه أحد ولا سمعه منّي أحد، فما أدري من الرّجل، ولا من أين كان له، وما أرى إلا أنّ الجنّ أوقعته في لسانه!.
__________
[1] ف:
«يا حبيبي مصاحبا بسلام»
[2] النحام: اسم فرس.
[3] ف: «أبلغ».
غنى لمحمد بن الجهم فاحتمل خراجه في سنة
حدّثني عمّي، قال: حدّثني أحمد بن المرزبان، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عبد اللّه بن العبّاس الرّبيعيّ، قال:
كنت عند محمد بن الجهم البرمكيّ بالأهواز، وكانت ضيعتي في يده، فغنّيته في يوم مهرجان وقد دعانا للشّرب:
صوت
المهرجان ويوم الاثنين ... يوم سرور قد حفّ بالزّين [1]
ينقل من وغرة المصيف إلى [2] ... برد شتاء ما بين فصلين
محمد يا بن الجهم ومن بنى ... للمجد بيتا من خير بيتين [3]
عش ألف نيروز ومهرج فرحا ... في طيب عيش وقرّة العين [4]
قال: فسرّ بذلك واحتمل خراجي في تلك السّنة، وكان مبلغه ثلاثين ألف درهم.
عشق جارية عند أبي عيسى بن الرشيد فوجه بها معه إلى منزله
أخبرني الحسن بن عليّ، قال: حدّثنا محمد بن القاسم بن مهرويه، قال: حدّثني ابن أبي سعد، قال: حدّثني أبو توبة القطرانيّ، عن محمد بن حسين [5]، قال:
كنّا عند أبي عيسى بن الرّشيد في زمن الرّبيع ومعنا مخارق، وعلّوية، وعبد اللّه بن العبّاس الرّبيعيّ، ومحمد بن الحارث بن بسخنّر [6]، ونحن مصطبحون في طارمة [7] مضروبة على بستانه، وقد تفتّح فيه ورد وياسمين وشقائق، والسماء متغيّمة غيما مطبقا، وقد بدأت ترشّ رشّا ساكبا [8]، فنحن في أكمل نشاط وأحسن يوم إذ خرجت قيّمة دار أبي عيسى فقالت: يا سيّدي، قد جاءت عساليج، فقال: لتخرج إلينا، فليس بحضرتنا من تحتشمه، فخرجت إلينا جارية شكلة [9] حلوة، حسنة العقل والهيئة/ والأدب، في يدها عود. فسلّمت، فأمرها أبو عيسى بالجلوس فجلست، وغنّى القوم حتى انتهى الدّور إليها، وظنّنا أنها لا تصنع شيئا وخفنا أن تهابنا فتحصر، فغنّت غناء حسنا مطربا متقنا، ولم تدع أحدا ممّن حضر إلا غنّت صوتا من صنعته وأدّته على غاية الإحكام، فطربنا
__________
[1] ف: «يوم سرور طيب زين».
[2] ف: «ينقل من حر مصيف إلى».
[3] ف:
«محمد بن الجهم يا من بنا ... ه المجد من أكرم بيتين»
[4] ف، مي، مد:
«عش ألف نيروز ومهرج بنا ... مغتبطا في قرة العين»
[5] ف: «محمد بن جبر».
[6] ب، مي، مد: «بن بشخير».
[7] الطارمة: بيت من خشب كالقبة (معرب).
[8] ف: «رشّا ساكنا».
[9] شكلت المرأة شكلا: كانت ذات دلال وغزل، فهي شكلة.
واستحسنّا غناءها وخاطبناها بالاستحسان، وألحّ عبد اللّه بن العبّاس من بيننا بالاقتراح عليها والمزاح معها والنّظر إليها، فقال له أبو عيسى: عشقتها وحياتي يا عبد اللّه، قال: لا واللّه/ يا سيّدي وحياتك ما عشقتها، ولكني استحسنت [1] كلّ ما شاهدت منها من منظر وشكل وعقل وعشرة وغناء، فقال له أبو عيسى: فهذا واللّه هو العشق وسببه، وربّ جدّ جرّه اللّعب. وشربنا، فلما غلب النّبيذ على عبد اللّه غنّى أهزاجا قديمة وحديثة، وغنّى فيما غنّى بينهما هزجا في شعر قاله فيها لوقته، فما فطن له إلا أبو عيسى وهو:
صوت
نطق السّكر بسرّي فبدا ... كم يرى المكتوم يخفى لا يضح
سحر عينيك إذا ما رنتا ... لم يدع ذا صبوة أو يفتضح
ملكت قلبا [2] فأمسى غلقا ... عندها صبّا بها لم يسترح
بجمال وغناء حسن ... جلّ عن أن ينتقيه المقترح
أورث القلب هموما ولقد ... كنت مسرورا بمرآه فرح
ولكم مغتبق همّا وقد ... بكر [3] اللّهو بكور المصطبح
- الغناء لعبد اللّه بن العبّاس هزج - فقال له أبو عيسى: فعلتها واللّه يا عبد اللّه، وطار/ طربا [4]، وشرب على الصّوت وقال له: صحّ واللّه قولي لك في عساليج، وأنت تكابرني حتّى فضحك السّكر. فجحد، وقال: هذا غناء كنت أرويه، فحلف أبو عيسى أنه ما قاله ولا غنّاه إلا في يومه، وقال له: احلف بحياتي أنّ الأمر ليس هو كذلك، فلم يفعل، فقال له أبو عيسى: واللّه لو كانت لي لوهبتها لك، ولكنها لآل يحيى بن معاذ، واللّه لئن باعوها لأملّكنّك إيّاها ولو بكلّ ما أملك، ووحياتي لتنصرفنّ قبلك إلى منزلك، ثم دعا بحافظتها وخادم [5] من خدمه، فوجّه بها معهما إلى منزله. والتوى عبد اللّه قليلا وتجلّد، وجاحدنا أمره ثم انصرف.
اشترت عمته عساليج ثم وهبتها له
واتّصل الأمر بينهما بعد ذلك، فاشترتها عمّته رقيّة بنت الفضل بن الرّبيع من آل يحيى بن معاذ، وكانت عندهم حتى ماتت.
فحدّثني جعفر بن قدامة بن زياد عن بعض شيوخه - سقط عني اسمه - قال: قالت بذل الكبيرة لعبد اللّه بن العبّاس: قد بلغني أنك عشقت جارية يقال لها عساليج فاعرضها عليّ، فإمّا أن عذرتك وإمّا أن عذلتك، فوجّه إليها فحضرت، وقال لبذل: هذه هي ياستي فانظري واسمعي، ثم مريني بما شئت أطعك، فأقبلت عليه عساليج وقالت:
يا عبد اللّه أتشاور فيّ؟ فو اللّه ما شاورت لمّا صاحبتك، فنعرت [6] بذل وصاحت: إيه، أحسنت واللّه يا صبيّة، ولو لم
__________
[1] ف: «استملحت».
[2] مي، مد، التجريد: «قلبي». وفي ف: «ملكت كفي».
[3] ف:
«و لكم مقترح هما وقد ... باكر ... »
[4] ف: «و نقر طربا».
[5] ف: «ثم دعا حافظتها وخادما».
[6] نعرت: صاحت وصوتت بخيشومها.
تحسني شيئا ولا كانت فيك خصلة تحمد لوجب أن تعشقي لهذه الكلمة، أحسنت واللّه، ثم قالت لعبد اللّه:
ما ضيّعت [1]، احتفظ بصاحبتك.
غنى الواثق في يوم نيروز فأمر له بجائزة
حدّثني عمّي، قال: حدّثني محمد [2] بن المرزبان، عن أبيه، عن عبد اللّه بن العبّاس، قال:
/ دعانا الواثق في يوم نوروز، فلما دخلت عليه غنّيته في شعر قلته وصنعت فيه لحنا وهو:
هيّ للنّيروز جاما ... ومداما وندامى
يحمدون اللّه والوا ... ثق هارون الإماما
ما رأى كسرى أنوشر ... وان مثل العام عاما
نرجسا غضّا ووردا ... وبهارا وخزامى
/ قال: فطرب واستحسن الغناء، وشرب عليه حتى سكر، وأمر لي بثلاثين ألف درهم.
حدّثني عمّي، قال: حدّثني أحمد بن المرزبان، قال: حدّثني شيبة بن هشام قال:
ألقت متيّم على جوارينا هذا اللحن وزعمت أنّها أخذته من عبد اللّه بن العبّاس والصّنعة له:
صوت
اتّخذت عدوّة ... فسقى الإله عدوّتي
وفديتها بأقاربي ... وبأسرتي وبجيرتي
جدلت كجدل الخيزرا ... ن وثنّيت فتثنّت
واستيقنت أنّ الفؤا ... د يحبّها فأدلّت
عشق مصابيح وقال فيها شعرا
قال: ثم حدّثتنا متيّم أنّ عبد اللّه بن العبّاس كان يتعشّق مصابيح جارية الأحدب المقيّن [3]، وأنّه قال هذا الشعر فيها، وغنّى فيه هذا اللّحن بحضرتها، فأخذته عنه./ هكذا ذكر شيبة بن هشام من أمر مصابيح، وهي مشهورة من جواري آل يحيى بن معاذ، ولعلها كانت لهذا المقيّن قبل أن يملكها آل يحيى، وقبل أن تصل [4] إلى رقيّة بنت الفضل بن الرّبيع.
وحدّثنا أيضا عمّي، قال: حدّثنا أحمد بن المرزبان، عن شيبة ابن هشام، قال:
كان عبد اللّه بن العبّاس يتعشّق جارية الأحدب المقيّن - ولم يسمّها في هذا الخبر - فغاضبها في شيء بلغه عنها، ثم رام بعد ذلك أن يترضّاها فأبت، وكتب إليها رقعة يحلف لها على بطلان ما أنكرته، ويدعو اللّه على من
__________
[1] ب: ما صنعت «تصحيف».
[2] ف: «أحمد بن المرزبان».
[3] ب: «القين».
[4] ف: «تصير».
ظلم، فلم تجبه عن شيء ممّا كتب به، ووقّعت تحت دعائه: آمين، ولم تجب عن شيء مما تضمّنته الرّقعة بغير ذلك، فكتب إليها:
أمّا سروري بالكتا ... ب فليس يقنى ما بقينا
وأتى الكتاب وفيه لي [1] ... آمين ربّ العالمينا
قال: وزارته في ليلة من ليالي شهر رمضان وأقامت عنده ساعة، ثم انصرفت وأبت أن تبيت وتقيم ليلتها عنده، فقال هذا الشّعر وغنّى فيه هزجا وهو مشهور من أغانيه وهو:
صوت
يا من لهمّ أمسى يؤرّقني ... حتى مضى شطر ليلة الجهني [2]
عنّي ولم أدر أنّها حضرت ... كذاك من كان حزنه حزني [3]
/إنّي سقيم [4] مولّه دنف ... أسقمني حسن وجهك الحسن
جودي له بالشفاء منيته ... لا تهجري هائما عليك ضني
قال: وليلة الجهنيّ ليلة تسع عشرة من شهر رمضان، قال رجل من جهينة: إنّه رأى فيها ليلة القدر فيما يرى النّائم فسمّيت ليلة الجهنيّ.
غنى في دار محمد بن حماد
أخبرني عمّي، قال: حدّثنا أحمد بن المرزبان، قال: حدّثني شيبة بن هشام، قال:
دعانا محمد بن حمّاد بن دنقش [5] وكان له ستارة في نهاية الوصف، وحضر معنا عبد اللّه بن العباس، فقال عبد اللّه وغنّى فيه:
دع عنك لومي فإنّي غير منقاد ... إلى الملام وإن أحببت إرشادي
/ فلست أعرف لي يوما سررت به ... كمثل يومي في دار ابن حمّاد
غنى الواثق بشعر ذكرت فيه أعياد النصارى فخشي أن ينتصر
أخبرني يحيى بن عليّ بن يحيى، قال: حدّثني أبو أيّوب المدينيّ، قال: حدّثني ابن المكّيّ، عن عبد اللّه بن العبّاس، قال: لمّا صنعت لحني في شعري:
__________
[1] ف:
«وافي وقد وقّعت لي»
[2] ف:
«حتى مضى الشطر ليلة الجهني»
[3] ف:
«كذاك من كان حزنها حزني»
[4] مد، مي: «إني شقيّ».
[5] غير واضحة في ف.
صوت
يا ليلة ليس لها صبح ... وموعدا ليس له نجح
من شادن مرّ على وعده المي ... لاد والسّلّاق والذّبح
- هذه أعياد النّصارى - غنّيته الواثق فقال: ويلكم، أدركوا هذا لا يتنصّر، وتمام هذا الشّعر:
وفي السّعانين لو أنّي به ... وكان أقصى الموعد الفصح
فاللّه أستعدي على ظالم ... لم يغن عنه الجود والشّحّ
/ نسخت من كتاب أبي سعيد السّكّريّ: قال أبو العتاهية: وفيه لعبد اللّه بن العبّاس غناء حسن:
أنا عبد لها مقرّ وما يم ... لك لي غيرها من الناس رقّا
ناصح مشفق وإن كنت ما أر ... زق منها والحمد للّه عتقا
ومن الحين والشّقاء تعلّ ... قت مليكا مستكبرا حين يلقى
إن شكوت الّذي لقيت إليه ... صدّ عنّي وقال: بعدا وسحقا
حكى حاله في غناء بحضرة حمدون بن إسماعيل
أخبرني عمّي، قال: حدّثني عليّ بن محمد بن نصر، عن جدّه حمدون بن إسماعيل، قال:
دخلت يوما إلى عبد اللّه بن العبّاس الربيعيّ، وخادم له يسقيه، وبيده عوده، وهو يغنّي هذا الصوت:
إذا اصطبحت ثلاثا ... وكان عودي نديمي
والكأس تغرب [1] ضحكا ... من كفّ ظبي رخيم
فما عليّ طريق ... لطارقات الهموم
قال: فما رأيت أحسن ممّا حكى حاله في غنائه، ولا سمعت أحسن ممّا غنّى.
عشق غلام حزام خادم المعتصم
أخبرني الحسين [2] بن القاسم الكوكبيّ، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد، قال: حدّثني دوسر [3] الخراسانيّ قال:
اشترى حزام [4] خادم المعتصم خادما نظيفا، كان عبد اللّه بن العبّاس بن الفضل/ بن الربيع يتعشّقه، فسأله هبته له أو بيعه منه فأبى، فقال عبد اللّه أبياتا وصنع فيها غناء، وهي قوله:
يوم سبت فصرّفا لي المداما ... واسقياني لعلّني أن أناما
شرّد النوم حبّ ظبي غرير ... ما أراه يرى الحرام حراما
__________
[1] ف: «فضحك ضحكا».
[2] ب: «الحسن بن القاسم».
[3] ب: «دوس الخراساني».
[4] ب: «حزم».
اشتراه يوما بعلفة يوم ... أصبحت عنده [1] الدواب صياما
فاتصلت الأبيات وخبرها بحزام، فخشي أن تشتهر ويسمعها المعتصم فيأتي عليه؛ فبعث بالغلام إلى عبد اللّه، وسأله أن يمسك عن الأبيات، ففعل.
إبراهيم الموصلي يغني أمام الرشيد لحنا من صنعته فيرسل إليه ويلازمه
حدّثني الصّوليّ، قال: حدّثني الحسين بن يحيى، قال: قلت لعبد اللّه بن العبّاس: إنه بلغني لك خبر مع الرّشيد أول ما شهرت بالغناء،/ فحدّثني به، قال: نعم أول صوت صنعته:
أتاني يؤامرني في الصّبو ... ح ليلا فقلت له: غادها
فلما تأتّى [2] لي وضربت عليه بالكنكلة؛ عرضته على جارية لنا يقال لها راحة، فاستحسنته وأخذته عنّي، وكانت تختلف إلى إبراهيم الموصليّ، فسمعها يوما تغنّيه وتناغي [3] به جارية من جواريه، فاستعادها إيّاه وأعادته عليه، فقال لها: لمن هذا؟ فقالت: صوت قديم، فقال لها: كذبت، لو كان قديما لعرفته، وما زال يداريها ويتغاضب عليها حتى اعترفت له بأنّه من صنعتي، فعجب من ذلك، ثم غنّاه يوما بحضرة الرشيد، فقال له: لمن هذا اللّحن يا إبراهيم؟ فأمسك عن الجواب وخشي أن يكذبه فينمي الخبر إليه من غيره، وخاف من جدّي أن يصدقه، فقال له: ما لك/ لا تجيبني؟ فقال: لا يمكنني يا أمير المؤمنين، فاستراب بالقصّة، ثم قال: واللّه، وتربة المهديّ لئن لم تصدقني لأعاقبنّك عقوبة موجعة، وتوهّم أنّه لعليّة أو لبعض حرمه فاستطير غضبا، فلما رأى إبراهيم الجدّ منه صدقه فيما بينه وبينه سرّا، فدعا لوقته الفضل بن الرّبيع ثم قال له: أيصنع ولدك غناء ويرويه الناس ولا تعرّفني؟
فجزع وحلف بحياته وبيعته أنه ما عرف ذلك قطّ، ولا سمع به إلا في وقته ذلك، فقال له: ابن [4] ابنك عبد اللّه بن العبّاس أحضرنيه السّاعة، فقال: أنا أمضي وأمتحنه، فإن كان يصلح للخدمة أحضرته، وإلّا كان أمير المؤمنين أولى من ستر عورتنا، فقال: لا بدّ من إحضاره. فجاء جدّي فأحضرني وتغيّظ عليّ، فاعتذرت وحلفت له أن هذا شيء ما تعمّدته، وإنما غنّيت لنفسي، وما أدري من أين خرج، فأمر بإحضار عود فأحضر، وأمرني فغنّيته الصوت، فقال:
قد عظمت مصيبتي فيك يا بنيّ، فحلفت له بالطلاق والعتاق ألّا أقبل على الغناء رفدا أبدا، ولا أغنّي إلا خليفة أو وليّ عهد، ومن لعلّه أن يكون حاضرا مجالسهم، فطابت نفسه. فأحضرني [5]، فغنّيت الرشيد الصوت فطرب وشرب عليه أقداحا، وأمرني بالملازمة مع الجلساء، وجعل لي نوبة، وأمر بحمل عشرة آلاف دينار إلى جدّي، وأمره أن يبتاع ضيعة لي بها، فابتاع لي ضيعتي بالأهواز، ولم أزل ملازما للرّشيد حتى خرج إلى خراسان، وتأخرت عنه وفرّق الموت بيننا.
__________
[1] ف: «أصبحت غبّه».
[2] ف: «فلما دار لي».
[3] ف: «و تعايي».
[4] ف: «أين ابنك عبد اللّه بن العباس».
[5] ف: «فأحضرت».
اقترض الواثق مالا ليعطيه له
قال ابن المرزبان: فكان عبد اللّه بن العبّاس سببا لمعرفة أولياء العهود برأي الخلفاء فيهم، فكان منهم الواثق، فإنه أحبّ أن يعرف: هل يولّيه المعتصم العهد بعده أم لا، فقال له عبد اللّه: أنا أدلّك على وجه تعرف به ذلك، فقال: وما هو؟ فقال: تسأل أمير المؤمنين أن يأذن للجلساء والمغنّين أن يصيروا إليك، فإذا فعل ذلك فاخلع عليهم/ وعليّ معهم، فإني لا أقبل خلعتك لليمين الّتي عليّ؛ ألّا أقبل رفدا إلا من خليفة أو وليّ عهد. فقعد الواثق ذات يوم وبعث إلى المعتصم وسأله الإذن إلى الجلساء [1]، فأذن لهم، فقال له عبد اللّه بن العبّاس: قد علم أمير المؤمنين يميني، فقال له: امض إليه فإنك لا تحنث، فمضى إليه وأخبره الخبر فلم يصدّقه، وظنّ أنه يطيّب نفسه، فخلع عليه وعلى الجماعة، فلم يقبل عبد اللّه خلعته، وكتب إلى المعتصم يشكوه، فبعث إليه: اقبل الخلعة،/ فإنه وليّ عهدي، ونمى إليه الخبر أنّ هذا كان حيلة من عبد اللّه، فنذر دمه، ثم عفا عنه.
وسرّ الواثق بما جرى، وأمر إبراهيم بن رياح، فاقترض له ثلاثمائة ألف درهم، ففرّقها على الجلساء، ثم عرف غضب المعتصم على عبد اللّه بن العباس واطّراحه إيّاه، فاطّرحه هو أيضا. فلمّا ولي الخلافة استمرّ على جفائه، فقال عبد اللّه:
ما لي جفيت وكنت لا أجفى ... أيام أرهب سطوة السّيف
أدعو إلهي أن أراك خليفة ... بين المقام ومسجد الخيف
ودسّ من غنّاه الواثق، فلما سمعه سأل عنه، فعرف قائله، فتذمّم [2] ودعا عبد اللّه فبسطه ونادمه إلى أن مات.
وذكر العتّابيّ عن ابن الكلبيّ أنّ الواثق كان يشتهي على عبد اللّه بن العباس:
أيّها العاذل جهلا تلوم ... قبل أن ينجاب عنه الصّريم [3]
وأنه غنّاه يوما فأمر بأن يخلع عليه خلعة، فلم يقبلها ليمينه، فشكاه إلى المعتصم، فكاتبه في الوقت، فكتب إليه مع مسرور سمّانة: اقبل خلع [4] هارون فإنك لا تحنث، فقبلها وعرف الواثق أنّه وليّ عهد.
خرج يوم الشعانين ليرى محبوبته النصرانية
حدّثني عمّي، قال: حدّثني أحمد بن المرزبان، قال: حدّثني شيبة بن هشام، قال:
كان عبد اللّه بن العبّاس يهوى جارية نصرانيّة لم يكن يصل إليها ولا يراها إلا إذا خرجت إلى البيعة، فخرجنا يوما معه إلى السّعانين، فوقف حتى إذا جاءت فرآها، ثم أنشدنا لنفسه، وغنّى فيه بعد ذلك:
__________
[1] ف: «و سأله الإذن للجلساء».
[2] تذمم: استنكف واستحيا.
[3] الصريم: القطعة من الليل.
[4] ف: «خلعة».
صوت
إن كنت ذا طبّ فداويني [1] ... ولا تلم فاللّوم يغريني
يا نظرة أبقت جوى قائلا ... من شادن يوم السّعانين
ونظرة من ربرب [2] عين ... خرجن في أحسن تزيين
خرجن يمشين إلى نزهة ... عواتقا [3] بين البساتين
مزنّرات بهمايينها [4] ... والعيش ما تحت الهمايين
لحن عبد اللّه بن العبّاس في هذا الشعر هزج.
شرب ليلة الشك في رمضان في يوم نيروز
أخبرني الحسن بن عليّ، قال: حدّثنا محمد بن القاسم بن مهرويه، قال: حدّثنا محمد بن عمر الجرجانيّ، ومحمد بن حمّاد كاتب راشد، قالا:
كتب عبد اللّه بن العبّاس الرّبيعيّ في يوم نيروز - واتّفق في يوم الشّكّ بين شهري رمضان وشعبان - إلى محمد بن الحارث بن بسخنّر يقول:
اسقني صفراء صافية ... ليلة النّيروز والأحد
/ حرّم الصّوم [5] اصطباحكما ... فتزوّد شربها لغد
وأتنا أو فادعنا عجلا ... نشترك في عيشة رغد
قال: فجاءه محمد بن الحارث بن بسخنّر فشربا ليلتهما.
صنع لحنا من شعره للواثق فأمر له بجائزة
أخبرني يحيى بن عليّ بن يحيى، قال: حدّثنا أبو أيّوب المدينيّ، قال: حدّثنا أحمد بن المكّيّ، قال: حدّثنا عبد اللّه بن العبّاس الربيعيّ،/ قال:
جمع الواثق يوما المغنّين ليصطبح، فقال: بحياتي إلّا صنعت لي هزجا حتى أدخل وأخرج إليكم السّاعة، ودخل إلى جواريه، فقلت هذه الأبيات وغنّيت فيها هزجا قبل أن يخرج، وهي:
صوت
بأبي زور أتانى بالغلس ... قمت إجلالا له حتى جلس
فتعانقنا جميعا ساعة ... كادت الأرواح فيها تختلس
__________
[1] إثبات الياء هنا ضرورة شعرية.
[2] الربرب: القطيع من الظباء، ومن البقر الوحشيّ والإنسيّ، لا واحد له.
[3] عواتق جمع عاتقة، وهي الشابة أول ما أدركت فخدرت في بيت أهلها ولم تبن إلى زوج.
[4] مزنّرات: لابسات الزنار؛ وهو حزام يشده النصراني على وسطه، والهمايين جمع هميان، وهو كيس تجعل فيه النفقة ويشد على الوسط.
[5] ب: «النوم».
قلت: يا سؤلي ويا بدر الدّجى ... في ظلام اللّيل ما خفت العسس!
قال: قد خفت ولكنّ الهوى ... آخذ بالرّوح منّي والنّفس
زارني يخطر في مشيته ... حوله من نور خدّيه قبس
قال: فلمّا خرج من دار الحرم قال لي: يا عبد اللّه، ما صنعت؟ فاندفعت فغنّيته، فشرب حتى سكر، وأمر لي بخمسة آلاف درهم، وأمرني بطرحه على الجواري، فطرحته عليهن.
صنع لحنا جميلا من شعر يوسف بن الصقيل
أخبرني يحيى بن عليّ بن يحيى، قال: حدّثنا أبو أيّوب المدينيّ، عن حمّاد، قال:
من مليح صنعة عبد اللّه بن العبّاس الربيعيّ، والشّعر ليوسف بن الصّيقل، ولحنه هزج:
صوت
أبعد المواثيق لي ... وبعد السؤال الحفي
وبعد اليمين الّتي ... حلفت على المصحف
تركت الهوى بيننا ... كضوء سراج طفي
فليتك إذ لم تفي ... بوعدك لم تخلفي
غنى للواثق لحنا من شعر الأحوص فأعطاه ألف دينار
حدّثني الصّوليّ، قال: حدّثني يزيد بن محمد المهلّبيّ، قال:
كان الواثق قد غضب على فريدة لكلام أخفته إيّاه فأغضبته، وعرفنا ذلك وجلس في تلك الأيّام للصّبوح، فغنّاه عبد اللّه بن العبّاس:
صوت
لا تأمني الصّرم منّي أن تري كلفي ... وإن مضى لصفاء الودّ أعصار
ما سمّي القلب إلا من تقلّبه ... والرأي يصرف والأهواء أطوار
كم من ذوي مقة [1] قبلي وقبلكم ... خانوا فأضحوا إلى الهجران قد صاروا
فاستعاده الواثق مرارا، وشرب عليه وأعجب به، وأمر لعبد اللّه بألف دينار وخلع عليه.
الشّعر للأحوص، والغناء لعبد اللّه بن العبّاس هزج بالوسطى عن عمرو.
فضّله المتوكل على سائر المغنين
وأخبرني جعفر بن قدامة، قال: حدّثنا حمّاد بن إسحاق، قال: حدّثني عبد اللّه بن العبّاس بن الفضل بن الربيع، قال:
__________
[1] المقة: الحب، وفي ف: «سمة».
/ غنّيت المتوكّل ذات يوم:
أحبّ إلينا منك دلّا وما يرى ... له عند فعلي من ثواب ولا أجر
فطرب وقال: أحسنت واللّه يا عبد اللّه، أما واللّه لو رآك النّاس كلّهم كما أراك لما ذكروا مغنّيا سواك أبدا.
أشار بذكره ابن الزيات عند المعتصم
نسخت من كتاب لأبي العبّاس بن ثوابة بخطّه: حدّثني أحمد بن إسماعيل بن حاتم، قال: قال لي عبد اللّه بن العبّاس الرّبيعيّ:
دخلت على المعتصم أودّعه/ وأنا أريد الحجّ، فقبّلت يده وودّعته، فقال: يا عبد اللّه إنّ فيك لخصالا تعجبني كثّر اللّه في مواليّ مثلك، فقبّلت رجله والأرض بين يديه، وأحسن محمد بن عبد الملك الزّيّات محضري وقال له:
إنّ له يا أمير المؤمنين، أدبا حسنا وشعرا جيّدا، فلما خرجت قلت له: أيّها الوزير، ما شعري أنا في الشعر تستحسنه وتشيد بذكره بين يدي الخليفة! فقال: دعنا منك، تنتفي من الشّعر وأنت الّذي تقول:
يا شادنا مرّ إذ را ... م في السّعانين قتلي
يقول لي: كيف أصبح ... ت، كيف يصبح مثلي!
أحسنت واللّه في هذا، ولو لم تقل غير هذا لكنت شاعرا.
طلب منه سوار بن عبد اللّه القاضي أن يصنع له لحنا في شعر قاله
أخبرني عمّي، قال: حدّثنا أحمد بن المرزبان، قال: قال أبي: قال عبد اللّه بن العبّاس الرّبيعيّ:
لقيني سوّار بن عبد اللّه القاضي - وهو سوّار الأصغر - فأصغى إليّ وقال: إنّ لي إليك حاجة فأتني في خفي، فجئته، فقال: لي إليك حاجة قد أنست بك فيها، لأنك لي/ كالولد، فإن شرطت لي كتمانها أفضيت بها إليك، فقلت: ذلك للقاضي عليّ شرط واجب، فقال: إني قلت أبياتا في جارية لي أميل إليها وقد قلتني وهجرتني:
وأحببت أن تصنع فيها لحنا وتسمعنيه، وإن أظهرته وغنّيته بعد ألّا يعلم أحد أنه شعري، فلست أبالي، أتفعل ذلك؟
قلت: نعم حبّا وكرامة، فأنشدني:
صوت
سلبت عظامي لحمها فتركتها ... عواري في أجلادها [1] تتكسّر
وأخليت منها مخّها فكأنّها ... أنابيب في أجوافها الرّيح تصفر
إذا سمعت باسم الفراق ترعّدت ... مفاصلها من هول ما تتحذّر
خذي بيدي ثم اكشفي الثوب فانظري ... بلى جسدي لكنّني أتستّر
وليس الّذي يجري من العين ماؤها ... ولكنّها روح تذوب فتقطر
- اللحن الّذي صنعه عبد اللّه بن العبّاس في هذا الشّعر ثقيل أول - قال عبد اللّه: فصنعت فيه لحنا، ثم عرّفته
__________
[1] أجلاد الإنسان: تجاليده، وهي جماعة جسمه وبدنه.
خبره في رقعة كتبتها إليه، وسألته وعدا يعدني به للمصير إليه، فكتب إليّ: نظرت في القصّة فوجدت هذا لا يصلح ولا ينكتم عليّ حضورك وسماعي إيّاك، وأسأل اللّه أن يسرّك ويبقيك. فغنّيت الصوت وظهر حتى تغنّى به الناس، فلقيني سوّار يوما فقال لي: يا بن أخي، قد شاع أمرك في ذلك الباب حتى سمعناه من بعد كأنّا لم نعرف القصّة فيه، وجعلنا جميعا نضحك.
صنع لحنا جيدا في شفاء بشر خادم بن عجيف
كان بشر خادم صالح بن عجيف عليلا ثم برى ء، فدخل إلى عبد اللّه بن/ العبّاس، فلما رآه قام فتلقّاه وأجلسه إلى جانبه، وشرب سرورا بعافيته، وصنع لحنا من الثقيل الأول وهو من جيّد صنعته:
صوت
مولاي ليس لعيش لست حاضره ... قدر ولا قيمة عندي ولا ثمن
ولا فقدت من الدّنيا ولذّتها ... شيئا إذا كان عندي وجهك الحسن
غنى الواثق بعد شفائه لحنا في شعر قاله فأجازه
/ حدّثني محمد بن مزيد بن أبي الأزهر، قال: حدّثنا حمّاد بن إسحاق، قال: حدّثنا عبد اللّه بن العبّاس الربيعيّ، قال:
جمعنا الواثق يوما بعقب علّة غليظة كان فيها، فعوفي وصحّ جسمه، فدخلت إليه مع المغنّين وعودي في يدي، فلما وقعت عيني عليه من بعيد، وصرت بحيث يسمع صوتي، ضربت وغنّيت في شعر قلته في طريقي إليه، وصنعت فيه لحنا وهو:
صوت
اسلم وعمّرك الإله لأمّة ... بك أصبحت قهرت ذوي الإلحاد
لو تستطيع وقتك كلّ أذيّة ... بالنّفس والأموال والأولاد
فضحك وسرّ وقال: أحسنت يا عبد اللّه وسررتني، وتيّمنت بابتدائك، ادن مني، فدنوت منه حتى كنت أقرب المغنّين إليه، ثم استعادني الصوت، فأعدته ثلاث مرّات، وشرب عليه ثلاثة أقداح، وأمر لي بعشرة آلاف درهم وخلعة من ثيابه.
فاجأته محبوبته النصرانية بالوداع فقال شعرا وغناه
/ حدّثني الصّوليّ، قال: حدّثني عون بن محمد الكنديّ، قال:
كان عبد اللّه بن العبّاس بن الفضل بن الرّبيع يهوى جارية نصرانيّة، فجاءته يوما تودّعه، فأعلمته أن أباها يريد الانحدار إلى بغداد والمضيّ بها معه، فقال في ذلك وغنّى فيه:
صوت
أفدي الّتي قلت لها ... والبين منّا قد دنا:
فقدك قد أنحل جسم ... ي وأذاب البدنا
قالت: فماذا حيلتي ... كذاك قد ذبت أنا!
باليأس بعدي فاقتنع ... قلت: إذا قلّ الغنا
طلب من علي بن عيسى الهاشمي تأجيل الصوم ومباشرة الشرب فأجابه
حدّثني الصّوليّ، قال: حدّثني عون بن محمد، قال: حدّثني عليّ بن عيسى بن جعفر الهاشميّ، قال:
دخل عليّ عبد اللّه بن العبّاس في يوم النّصف من شعبان، وهو يوم سبت، وقد عزمت على الصّوم، فأخذ بعضادتي باب مجلسي، ثم قال: يا أميري:
تصبح في السّبت غير نشوان ... وقد مضى عنك نصف شعبان!
فقلت: قد عزمت على الصوم، فقال: أفعليك وزر إن أفطرت اليوم - لمكاني وسررتني بمساعدتك لي - وصمت غدا، وتصدّقت مكان إفطارك؟ فقلت: أفعل، فدعوت بالطّعام فأكلت، وبالنبيذ فشربنا، وأصبح من غد عندي، فاصطبح وساعدته، فلما كان اليوم الثالث انتبهت سحرا وقد قال هذا الشعر وغنّى فيه:
/شعبان لم يبق منه ... إلا ثلاث وعشر
فباكر الرّاح صرفا ... لا يسبقنّك فجر
فإن يفتك اصطباح ... فلا يفوتنك سكر
ولا تنادم فتى وقت ... شربه الدّهر عصر
قال: فأطربني واصطبحت معه في اليوم الثّالث، فلمّا كان من آخر النّهار سكر وانصرف،/ وما شربنا يومنا كلّه إلا على هذا الصّوت.
دخل على المتوكل في آخر شعبان وطلب منه الشراب فأجابه
حدّثني عمّي، قال: حدّثني ابن دهقانة النّديم، قال:
دخل عبد اللّه بن العباس إلى المتوكّل في آخر شعبان فأنشده:
علّلاني نعمتما بمدام ... واسقياني من قبل شهر الصّيام
حرّم اللّه في الصّيام التّصابي ... فتركناه طاعة للإمام
أظهر العدل فاستنار به الدّين وأحيا شرائع الإسلام فأمر المتوكّل بالطّعام فأحضر، وبالنّديم وبالجلساء فأتي بذلك، فاصطبح وغنّاه عبد اللّه في هذه الأبيات، فأمر له بعشرة آلاف درهم.
حرم المرابين من مائة ألف دينار
أخبرني الحسن بن عليّ، قال: حدّثنا يزيد بن محمد المهلّبيّ، قال: حدّثني عبد اللّه بن العبّاس قال:
كنت مقيما بسرّ من رأى وقد ركبني دين ثقيل أكثره عينة [1] وربا، فقلت في المتوكّل:
اسقياني سحرا بالكبّره [2] ... ما قضى اللّه ففيه الخيره
أكرم اللّه الإمام المرتضى ... وأطال اللّه فينا عمره
/ إن أكن أقعدت عنه هكذا ... قدّر اللّه رضينا قدرا
سرّه اللّه وأبقاه لنا ... ألف عام وكفانا الفجره
وبعثت بالأبيات إليه، وكنت مستترا من الغرماء، فقال لعبيد اللّه بن يحيى: وقّع إليه: من هؤلاء الفجرة الذين استكفيت اللّه شرّهم؟ فقلت: المعيّنون الذين قد ركبني لهم أكثر مما أخذت منهم من الدّين بالرّبا، فأمر عبيد اللّه أن يقضي ديني، وأن يحتسب لهم رؤوس أموالهم، ويسقط الفضل، وينادي بذلك في سرّ من رأى حتى لا يقضي أحد أحدا إلّا رأس ماله، وسقط عنّي وعن النّاس من الأرباح زهاء مائة ألف دينار كانت أبياتي هذه سببها.
عتب على إخوانه لأنهم لم يعودوه في مرضه فجاءوه معتذرين
حدّثني الصّوليّ، قال: حدّثني عون بن محمد الكنديّ، قال: حدّثني أبي، قال:
مرض عبد اللّه بن العباس بسرّ من رأى في قدمة قدمها إليها، فتأخّر عنه من كان يثق به، فكتب إليهم:
ألا قل لمن بالجانبين بأنّني ... مريض عداني [3] عن زيارتهم ما بي
فلو بهم بعض الّذي لي لزرتهم ... وحاش لهم من طول سقمي وأوصابي
وإن أقشعت عني سحابة علّتي ... تطاول عتبي إن تأخّر إعتابي [4]
قال: فما بقي أحد من إخوانه إلا جاءه عائدا معتذرا.
غنى عند علوية بشعر في النصرانية التي كان يهواها
أخبرني عمّي، قال: حدّثني عبد اللّه بن أبي سعد، قال: حدّثني محمد بن محمد بن موسى، قال:
سمعت عبد اللّه بن العبّاس يغنّي ونحن مجتمعون عند علّوية بشعر في النّصرانيّة الّتي كان يهواها والصّنعة له:
صوت
إنّ في القلب من الظّبي كلوم ... فدع اللّوم فإن اللّوم لوم [5]
حبّذا يوم السّعانين وما ... نلت فيه من نعيم لو يدوم
إن يكن أعظمت أن همت به ... فالذي تركب من عذلي عظيم
/ لم أكن أوّل من سنّ الهوى ... فدع اللّوم فذا داء قديم
الغناء لعبد اللّه هزج بالوسطى.
__________
[1] العينة: أن يبيع الرجل متاعه إلى أجل، ثم يشتريه في المجلس بثمن حال ليسلم به من الربا.
[2] الكبرة: مبالغة في الكبير.
[3] عداني: صرفني ومنعني.
[4] أعتبني: أزال الشكوى والعتاب، الهمزة للسلب.
[5] القافية مرفوعة في «ف».
علّم وصيفته هيلانة الغناء
حدّثني أبو بكر الرّبيعيّ، قال: حدّثتني عمتي - وكانت ربّيت في دار عمّها عبد اللّه بن العباس - قالت: كان عبد اللّه لا يفارق الصّبوح أبدا إلا في يوم جمعة، أو شهر رمضان، وإذا حجّ. وكانت له وصيفة يقال لها: هيلانة قد ربّاها وعلّمها الغناء، فأذكره يوما وقد اصطبح، وأنا في حجره جالسة والقدح في يده اليمنى، وهو يلقي على الصّبيّة صوتا أوله:
صدع البين الفؤادا ... إذ به الصائح نادى
فهو يردّده، ويومىء بجميع أعضائه إليها يفهمها نغمه، ويوقّع بيده على كتفي مرّة وعلى فخذي أخرى، وهو لا يدري حتى أوجعني، فبكيت وقلت: قد أوجعتني ممّا تضربني وهيلانة لا تأخذ الصّوت وتضربني أنا، فضحك حتى استلقى واستملح قولي، فوهب لي ثوب قصب أصفر، وثلاثة دنانير جددا، فما أنسى فرحي بذلك وقيامي به إلى أمّي، وأنا أعدو إليها وأضحك فرحا به.
نسبة هذا الصوت
صوت
صدع البين الفؤادا ... إذ به الصائح نادى
بينما الأحباب مجمو ... عون إذ صاروا فرادى
فأتى بعض بلادا ... وأتى بعض بلادا
كلّما قلت: تناهى ... حدثان الدّهر عادا
الشعر والغناء لعبد اللّه هزج بالوسطى عن عمرو.
صوت
حضر الرحيل وشدّت الأحداج [1] ... وغدا بهنّ مشمّر مزعاج
للشوق نيران قدحن بقلبه ... حتى استمرّ به الهوى الملجاج
أزعج هواك إلى الّذين تحبّهم ... إن المحبّ يسوقه الإزعاج
لن يدنينّك للحبيب ووصله ... إلّا السّرى والبازل الهجهاج [2]
الشعر لسلم الخاسر، والغناء لهاشم بن سليمان ثقيل أول بالوسطى.
__________
[1] أحداج: جمع حدج؛ وهو مركب من مراكب النساء مثل الهودج.
[2] البازل: الجمل حين يدخل في التاسعة؛ والهجهاج: الشديد الهدير.
13 - أخبار سلم الخاسر ونسبه [1]
نسبه، ومقدرته الشعرية
سلم بن عمرو مولى بني تيم بن مرّة، ثم مولى أبي بكر الصديق، رضوان اللّه عليه، بصريّ، شاعر مطبوع متصرّف في فنون الشّعر، من شعراء الدولة العباسية. وهو راوية بشار بن برد وتلميذه، وعنه أخذ، ومن بحره اغترف، وعلى مذهبه ونمطه قال الشعر.
سبب تلقيبه سلم الخاسر
ولقّب سلم بالخاسر [2] - فيما يقال - لأنه ورث من أبيه مصحفا، فباعه واشترى بثمنه طنبورا. وقيل: بل خلّف له أبوه مالا، فأنفقه على الأدب والشعر، فقال له بعض أهله: إنك لخاسر الصفقة، فلقّب بذلك.
صداقته للموصلي وأبي العتاهية وانقطاعه للبرامكة
وكان صديقا لإبراهيم الموصليّ، ولأبي العتاهية خاصة من الشعراء والمغنين، ثم فسد ما بينه وبين أبي العتاهية. وكان سلم منقطعا إلى البرامكة، وإلى الفضل بن يحيى خصوصا من بينهم. وفيه يقول أبو العتاهية:
إنما الفضل لسلم وحده ... ليس فيه لسوى سلم درك [3]
من قول أبي العتاهية له
وكان هذا أحد الأسباب في فساد ما بينه وبين أبي العتاهية. ولسلم يقول أبو العتاهية وقد حج مع عتبة [4]:
/و اللّه واللّه ما أبالي متى ... ما متّ يا سلم بعد ذا السفر
أليس قد طفت حيث طافت وقبّ ... لت الّذي قبلت من الحجر [5]
وله يقول أبو العتاهية وقد حبس إبراهيم الموصليّ:
سلم يا سلم ليس دونك سرّ ... حبس الموصليّ فالعيش مرّ
ما استطاب اللذات مذ سك ... ن المطبق [6] رأس اللذات واللّه، حرّ
__________
[1] هذه الترجمة مما سقط من التراجم من طبعة بولاق، وموضعها هنا بحسب المخطوطات المعتمدة.
[2] في ما، ف: و «لقب الخاسر». وكان القياس سلما الخاسر على أن الخاسر صفة، ولكن لشيوعها نزلت منزلة اللقب فصار يضاف إليها الاسم.
[3] الدرك: الإدراك واللحاق.
[4] كذا في ف، ما، وفي باقي النسخ: «حج معه عتبة».
[5] كذا في ف، وفي غيرها: «طفت» مكان «طافت». وهو تحريف.
[6] المطبق، كمشفق: السجن تحت الأرض. وفي ما، ف: المطبق «بفتح الباء».
ترك الموصليّ من خلق اللّ ... ه جميعا وعيشهم مقشعرّ
يرد مصحفا من ميراث أبيه ويأخذ مكانه دفاتر شعر
أخبرني الحسن بن عليّ، قال: حدّثني محمد بن القاسم بن مهرويه، قال: حدّثني عليّ بن الحسن الواسطيّ، قال: حدّثني أبو عمرو سعيد بن الحسن الباهليّ الشاعر، قال:
لما مات عمرو أبو سلم الخاسر اقتسموا ميراثه، فوقع في قسط سلم مصحف، فردّه وأخذ مكانه دفاتر شعر كانت عند أبيه، فلقّب الخاسر بذلك.
أجازه المهدي أو الرشيد بمائة ألف درهم ليكذب تلقبيه بالخاسر
أخبرني الحسن، قال: حدّثني محمد بن القاسم بن مهرويه، قال: حدّثني محمد بن عمر الجرجاني، قال:
ورث سلم الخاسر أباه مائة [1] ألف درهم، فأنفقها على الأدب، وبقي لا شيء عنده، فلقبه الجيران ومن يعرفه بسلم الخاسر، وقالوا: أنفق ماله على ما لا ينفعه. ثم مدح المهديّ، أو الرشيد - وقد كان بلغه اللقب الّذي لقّب به - فأمر له بمائة ألف درهم، وقال له: كذّب بهذا المال جيرانك، فجاءهم بها، وقال لهم: هذه المائة الألف الّتي أنفقتها وربحت الأدب، فأنا سلم الرّابح، لا سلم الخاسر.
ورث مصحفا فباعه واشترى بثمنه طنبورا فلقب الخاسر
أخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن عمار، قال: حدّثني عليّ بن محمد النوفليّ، عن أبيه، قال:
إنما لقّب الخاسر لأنه ورث عن أبيه مصحفا فباعه، واشترى بثمنه طنبورا.
أخبرني محمد بن العباس اليزيديّ، قال: حدّثني عمر [2] الفضل، قال:
قال لي الجمّاز: سلم الخاسر خالي لحّا [3]، فسألته: لم لقب الخاسر؟ فضحك، ثم قال: إنه قد كان نسك مدة يسيرة، ثم رجع إلى أقبح ما كان عليه، وباع مصحفا له ورثه عن أبيه - وكان لجدّه قبله - واشترى بثمنه طنبورا.
فشاع خبره وافتضح، فكان يقال له: ويلك! هل فعل أحد ما فعلت؟ فقال: لم أجد شيئا أتوسّل به إلى إبليس هو أقرّ لعينه من هذا.
أخبرني عمّي، قال: أنبأنا عبد اللّه بن أبي سعد، قال: حدّثني أحمد بن صالح المؤدب، وأخبرنا يحيى بن عليّ بن يحيى إجازة، قال: حدّثني أبي، عن أحمد بن صالح، قال: قال بشار بن برد:
صوت
لا خير في العيش إن دمنا كذا أبدا ... لا نلتقي وسبيل الملتقى نهج [4]
__________
[1] كذا في س، والفعل (ورث) ينصب مفعولا واحدا فيما رجعنا إليه من معاجم، فكأن «مائة ألف» بدل اشتمال حذف معه ضمير المبدل منه.
[2] ف، ما: «عمي بدل عمر».
[3] لحا: لاصق النسب.
[4] نهج، بسكون الهاء: واضح، وحركها للوزن.
قالوا حرام تلاقينا فقلت لهم ... ما في التّلاقي ولا في غيره حرج
من راقب الناس لم يظفر بحاجته ... وفاز بالطيّبات الفاتك اللهج [1]
قال: فقال سلم الخاسر أبياتا، ثم أخذ معنى هذا البيت، فسلخه، وجعله في قوله:
من راقب الناس مات غمّا ... وفاز باللذة الجسور
سبب غضب بشار عليه ثم رضاه عنه
فبلغ بيته بشارا، فغضب واستشاط، وحلف ألا يدخل إليه، ولا يفيده ولا ينفعه ما دام حيّا. فاستشفع إليه بكلّ صديق له، وكلّ من يثقل عليه ردّه، فكلّموه فيه، فقال: أدخلوه إليّ، فأدخلوه إليه فاستدناه، ثم قال: إيه يا سلم، من الّذي يقول:
من راقب الناس لم يظفر بحاجته ... وفاز بالطيّبات الفاتك اللهج
قال: أنت يا أبا معاذ، قد جعلني اللّه فداءك! قال: فمن الّذي يقول:
من راقب الناس مات غمّا ... وفاز باللذة الجسور؟
قال: تلميذك، وخرّيجك، وعبدك يا أبا معاذ، فاجتذبه إليه، وقنّعه [2] بمخصرة [3] كانت في يده ثلاثا، وهو يقول: لا أعود يا أبا معاذ إلى ما تنكره، ولا آتي شيئا تذمّه، إنما أنا عبدك، وتلميذك، وصنيعتك، وهو يقول له:
يا فاسق! أتجيء إلى معنى قد سهرت له عيني، وتعب فيه فكري وسبقت الناس إليه، فتسرقه، ثم تختصره لفظا تقرّبه به، لتزري عليّ، وتذهب بيتي؟ وهو يحلف له ألا يعود، والجماعة يسألونه. فبعد لأي وجهد ما [4] شفّعهم فيه، وكفّ عن ضربه، ثم رجع له، ورضي عنه.
أخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن عمار [5]، قال: أخبرني يعقوب بن إسرائيل مولى المنصور، قال: حدّثني عبد الوهاب بن مرّار، قال: حدّثني أبو معاذ النّميريّ راوية بشار، قال:
قد كان بشار قال قصيدة فيها هذا البيت:
من راقب الناس لم يظفر بحاجته ... وفاز بالطيّبات الفاتك اللهج
/ قال: فقلت له يا أبا معاذ! قد قال سلم الخاسر بيتا، هو أحسن وأخفّ على الألسن من بيتك هذا، قال:
وما هو؟ فقلت:
من راقب الناس مات غمّا ... وفاز باللذة الجسور
فقال بشار: ذهب واللّه بيتنا، أما واللّه لوددت أنه ينتمي في غير ولاء أبي بكر - رضي اللّه عنه - وأني مغرم [6]
__________
[1] اللهج بالشي ء: المولع به.
[2] قنعه بالعصا ونحوها: غشاه بها.
[3] المخصرة: أداة كالسوط.
[4] ما شفعهم: «ما» زائدة.
[5] ف: «محمد بن عبد اللّه بن عمار».
[6] مغرم: ملزم.
ألف دينار محبة منّي لهتك عرضه وأعراض مواليه! قال: فقلت له: ما أخرج هذا القول منك إلا غمّ. قال: أجل، فو اللّه لا طعمت اليوم طعاما، ولا صمت.
أخبرني الحسن بن عليّ، قال: حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه، قال: حدّثني محمد بن إسحاق بن محمد النّخعيّ [1]، قال: قال أبو معاذ النميريّ: قال بشار قصيدة، وقال فيها:
من راقب الناس لم يظفر بحاجته ... وفاز بالطيّبات الفاتك اللهج
فعرّفته أن سلما قد قال:
من راقب الناس مات غمّا ... وفاز باللذة الجسور
فلما سمع بشار هذا البيت قال: سار واللّه بيت سلم، وخمل بيتنا! قال: وكان كذلك، لهج الناس ببيت سلم، ولم ينشد بيت بشار أحد.
شعره في قصر صالح بن المنصور
أخبرني محمد بن عمران الصيرفيّ، قال: حدّثني الحسن بن عليل العنزيّ، قال: حدّثني أبو مالك محمد بن موسى اليمانيّ، قال:
لما بنى صالح بن المنصور قصره بدجلة قال فيه سلم الخاسر:
/يا صالح الجود الّذي مجده ... أفسد مجد الناس بالجود
بنيت قصرا مشرفا عاليا ... بطائري سعد ومسعود
كأنما يرفع بنيانه ... جنّ سليمان بن داود
لا زلت مسرورا به سالما ... على اختلاف البيض والسود
- يعني الأيام والليالي - ، فأمر له صالح بألف درهم.
ينشد عمر بن العلاء قصيدة لبشار فيه، ثم ينشده لنفسه
أخبرني الحسن بن عليّ، قال: حدّثني محمد بن القاسم بن مهرويه، قال: حدّثني بعض آل ولد [2] حمدون بن إسماعيل - وكان ينادم المتوكل - عن أبيه، قال:
كان سلم الخاسر من غلمان بشار، فلما قال بشار قصيدته الميمية في عمر بن العلاء - وهي الّتي يقول فيها:
إذا نبّهتك صعاب الأمور [3] ... فنبّه لها عمرا ثم نم
فتى لا يبيت على دمنة [4] ... ولا يشرب الماء إلا بدم
بعث بها مع سلم الخاسر إلى عمر بن العلاء، فوافاه فأنشده إياها، فأمر لبشار بمائة ألف درهم. فقال له
__________
[1] ف: «إسحاق بن محمد النخعي».
[2] مم، ف: بعض ولد «حمدون».
[3] مم: «الخطوب».
[4] الدمنة: الحقد القديم الثابت.
سلم: إنّ خادمك - يعني نفسه - قد قال في طريقه فيك قصيدة، قال: فإنك لهناك [1]؟ قال: تسمع، ثم تحكم، ثم قال: هات، فأنشده:
صوت
قد عزّني الداء فما لي دواء ... ممّا ألاقي من حسان النساء
قلب صحيح كنت أسطو به ... أصبح من سلمى بداء عياء [2]
/أنفاسها مسك وفي طرفها ... سحر ومالي غيرها من دواء
وعدتني وعدا فأوفي به ... هل تصلح الخمرة إلا بماء؟
ويقول فيها:
كم كربة قد مسّني ضرّها ... ناديت فيها عمر بن العلاء
قال: فأمر له بعشرة آلاف درهم، فكانت أول عطية سنية وصلت إليه.
صداقته لعاصم بن عتبة ومدحه إياه
أخبرني الحسن بن عليّ، قال: حدّثني ابن مهرويه، قال: وجدت في كتاب بخط الفضل بن مروان:
وكان عاصم بن عتبة الغساني جدّ أبي السمراء الّذي كان مع عبد اللّه بن طاهر صديقا لسلم الخاسر، كثير البرّ به، والملاطفة له، وفيه يقول سلم:
الجود في قحطان ... ما بقيت غسان
اسلم ولا أبالي [3] ... ما فعل الإخوان
ما ضرّ مرتجيه ... ما فعل الزمان
من غاله مخوف ... فعاصم أمان
وكانت سبعين بيتا، فأعطاه عاصم سبعين ألف درهم، وكان مبلغ ما وصل إلى سلم من عاصم خمسمائة ألف درهم، فلما حضرته الوفاة دعا عاصما فقال له: إني ميّت،/ ولا ورثة لي، وإن مالي مأخوذ، فأنت أحقّ به، فدفع إليه خمسمائة ألف درهم، ولم يكن لسلم وارث. قال: وكان عاصم هذا جوادا.
يزيد بن مزيد يحسد عاصم بن عتبة على شعره فيه
أخبرني محمد بن خلف وكيع، قال: حدثنا عبد اللّه بن أبي سعد، قال: حدّثني محمد بن طهمان، قال:
أخبرني القاسم بن موسى بن مزيد.
أن يزيد بن مزيد قال: ما حسدت أحدا قطّ على شعر مدح به إلا عاصم بن عتبة الغسّانيّ، فإني حسدته على قول سلم الخاسر فيه:
__________
[1] فإنك لهناك؟: أفأنت تطيق ذلك؟.
[2] مم:
«للّه قلب كنت أسطو به»
[3] في المختار: أسلم لا أبالي.
لعاصم سماء ... عارضها تهتان
أمطارها اللجين ... والدر [1] والعقيان [2]
وناره تنادي ... إذ خبت النّيران
الجود في قحطان ... ما بقيت غسان
اسلم ولا أبالي ... ما فعل الإخوان
صلت له المعالي ... والسيف والسنان
كان يقدم أبا العتاهية على بشار ثم فسد ما بينهما
أخبرني أحمد بن عبيد اللّه [3] بن عمار، قال: حدثنا يعقوب بن نعيم، عن [4] محمد بن القاسم بن مهرويه، وأخبرني به الحسن بن علي، عن ابن مهرويه، عن الغريبي، عن محمد بن عمر الجرجاني، قال:
كان سلم تلميذ بشار، إلا أنه كان تباعد ما بينهما، فكان سلم يقدّم أبا العتاهية، ويقول: هو أشعر الجن والإنس، إلى أن قال أبو العتاهية يخاطب سلما:
/تعالى اللّه يا سلم بن عمرو ... أذلّ الحرص أعناق الرجال
هب الدّنيا تصير إليك عفوا ... أليس مصير ذاك إلى زوال!
قال: وبلغ الرشيد هذا الشعر فاستحسنه، وقال: لعمري إن الحرص لمفسدة لأمر الدين والدنيا، وما فتّشت عن حريص قطّ مغيّبه [5] إلا انكشف لي عمّا أذمّه. وبلغ ذلك سلما، فغضب على أبي العتاهية، وقال: ويلي على الجرّار ابن الفاعلة الزّنديق! زعم أني حريص، وقد كنز البدور [6] وهو يطلب وأنا في ثوبيّ هذين، لا أملك غيرهما.
وانحرف عن أبي العتاهية بعد ذلك.
يرد على أبي العتاهية حين اتهمه بالحرص في شعر له
أخبرني محمد بن يحيى الصوليّ، قال: حدثنا محمد بن موسى، قال: أخبرني محمد بن إسماعيل السّدوسي، قال: حدّثني جعفر العاصمي، وأخبرني عمي، عن أحمد بن أبي طاهر، عن القاسم بن الحسن، عن زكريا بن يحيى المدائني، عن علي بن المبارك القضاعيّ، عن سلم الخاسر.
أن أبا العتاهية لما قال هذا الشعر فيه كتب إليه:
ما أقبح التزهيد من واعظ ... يزهّد الناس ولا يزهد
لو كان في تزهيده صادقا ... أضحى وأمسى بيته المسجد
ورفض الدنيا ولم يلقها ... ولم يكن يسعى ويسترفد
__________
[1] في المختار: الإبريز مكان (الدر)، والإبريز من الذهب: خالصه.
[2] العقيان: الذهب الخالص.
[3] ف: «أخبرني عبيد اللّه بن عمار».
[4] مم: «و محمد بن القاسم».
[5] كذا في ف، ومغيبه بدل من حريص، وفي س: «معيبه»، وهو تحريف. وفي المختار: ما فتشت عن حريص قط إلا انكشف.
[6] البدور، جمع البدرة، بفتح فسكون، وهي: قدر كبير من المال.
يخاف [1] أن تنفذ أرزاقه ... والرزق عند اللّه لا ينفد
الرّزق مقسوم على من ترى ... يناله الأبيض والأسود
كلّ يوفّى رزقه كاملا ... من كفّ عن جهد ومن يجهد
ابن أخته ينتصر له من أبي العتاهية
أخبرني الحسن بن عليّ، قال: حدثنا ابن مهرويه، قال: حدّثني أبو العسكر المسمعيّ، وهو محمد بن سليمان، قال: حدّثني العبّاس بن عبد اللّه بن سنان بن عبد الملك بن مسمع، قال:
كنا عند قثم بن جعفر بن سليمان، وهو يومئذ أمير البصرة، وعنده أبو العتاهية ينشده شعره في الزهد، فقال لي: قثم: يا عباس! اطلب لي الجمّاز الساعة حيث كان فجئني به، ولك سبق [2]، فطلبته؛ فوجدته جالسا ناحية عند ركن دار جعفر بن سليمان، فقلت: له أجب الأمير، فقام معي حتى أتى قثم فجلس في ناحية مجلسه وأبو العتاهية ينشده، ثم قام إليه الجمّاز فواجهه، وأنشد قول سلم الخاسر فيه:
ما أقبح التزهيد [3] من واعظ ... يزهّد الناس ولا يزهد
لو كان في تزهيده صادقا ... أضحى وأمسى بيته المسجد
وذكر الأبيات كلها، فقال أبو العتاهية: من هذا أعز اللّه الأمير؟ قال: هذا الجماز، وهو ابن أخت سلم الخاسر، انتصر لخاله منك حيث قلت له:
تعالى اللّه يا سلم بن عمرو ... أذلّ الحرص أعناق الرجال
قال: فقال أبو العتاهية للجماز: يا بن أخي، إني لم أذهب في شعري الأول حيث ذهب خالك؛ ولا أردت أن أهتف به، ولا ذهبت أيضا في حضوري وإنشادي حيث ذهبت من الحرص على الرزق، واللّه يغفر لكما! ثم قام فانصرف.
مبلغ ما وصل إليه من الرشيد والبرامكة
أخبرني عمّي، عن أحمد بن أبي طاهر، عن أبي هفّان، قال:
وصل إلى سلم الخاسر من آل برمك خاصة سوى ما وصل إليه من غيرهم عشرون ألف دينار، ووصل إليه من الرشيد مثلها.
يطلب إلى أبي محمد اليزيدي أن يهجوه فيفعل فيندم
أخبرني محمد بن العباس اليزيدي، قال: حدّثني عمّاي عبيد اللّه والفضل؛ عن أبيهما، عن أبي محمد اليزيديّ:
أنه حضر مجلس عيسى بن عمر، وحضر سلم الخاسر، فقال له: يا أبا محمد، اهجني على رويّ قصيدة امرىء القيس:
__________
[1] كذا في المختار، وفي س: «فخاف»، وهو تحريف.
[2] والسبق، بالتحريك: ما يتراهن عليه المتسابقون.
[3] في س: «الزهيد»، وهو تحريف.
ربّ رام من بني ثعل ... مخرج كفيه في ستره [1]
قال: فقلت له: ما دعاك إلى هذا؟ قال: كذا أريد. فقلت له: يا هذا أنا وأنت أغنى الناس عما تستدعيه من الشر فلتسعك العافية، فقال: إنك لتحتجز منّي نهاية الاحتجاز، وأراد أن يوهم عيسى أني مفحم عييّ لا أقدر على ذلك، فقال لي عيسى: أسألك يا أبا محمد بحقّي عليك إلا فعلت. فقلت:
ربّ مغموم بعاقبة ... غمط النعمة من أشره
وامرىء طالت سلامته ... فرماه الدهر من غيره
بسهام غير مشوية ... نقضت منه قوى مرره [2]
وكذاك الدهر منقلب ... بالفتى حالين من عصره
يخلط العسر بميسرة ... ويسار المرء في عسره
عقّ سلم أمّه صغرا ... وأبا سلم على كبره
/ كلّ يوم خلفه رجل ... رامح يسعى على أثره
يولج الغرمول [3] سبّته [4] ... كولوج الضّبّ في جحره
قال: فاغتم سلم وندم، وقال: هكذا تكون عاقبة البغي والتعرض للشر، فضحك عيسى، وقال له: قد جهد الرجل أن تدعه، وصيانته ودينه فأبيت إلا أن يدخلك في حر أمك.
ترفهه وتخشن مروان بن أبي حفصة
أخبرني الحسن بن عليّ، قال: حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه، قال: حدّثني عليّ بن محمد النّوفليّ، قال: سمعت أبي يقول:
كان المهدي يعطي مروان وسلما الخاسر عطية واحدة، فكان سلم يأتي باب المهدي على البرذون الفاره، قيمته عشرة آلاف درهم، بسرج ولجام مفضّضين، ولباسه الخزّ والوشي، وما أشبه ذلك من الثياب الغالية الأثمان ورائحة المسك والطّيب والغالية تفوح منه، ويجيء مروان بن أبي حفصة عليه فرو [5] كبل وقميص كرابيس [6] وعمامة كرابيس وخفا كبل [7] وكساء غليظ، وهو منتن الرائحة. وكان لا يأكل اللحم حتى يقرم إليه بخلا، فإذا قرم أرسل غلامه، فاشترى له رأسا فأكله. فقال له قائل: أراك لا تأكل إلا الرأس! قال: نعم، أعرف سعره، فآمن خيانة
__________
[1] روى: «متلج» مكان «مخرج»، و «قتره» مكان «ستره». ومتلج: أصله مولج، قلبت الواو تاء شذوذا. والستر: جمع سترة، وهو الموضع الّذي يستتر الصائد فيه، وقيل: هو الكم. والقتر: جمع قترة، بضم فسكون. وهي حفيرة يكمن فيه الصائد. وثعل: أبو قبيلة من طي كانت أرمى العرب.
وأراد بالرامي هنا: عمرو بن المسح بن كعب بن طريف. ديوان الشاعر: 164، وشرح شواهد الشافية: 467.
[2] أشوى السهم: لم يصب مقتلا. المرر، جمع مرة، بالكسر ومن معانيها طاقة الحبل. وفي س: «غير مبرية».
[3] الغرمول: الذكر.
[4] السبة: الاست.
[5] فرو كبل، بالتحريك: قصير.
[6] قميص كرابيس: الكرابيس، جمع كرباس. وهو ثوب من القطن الأبيض، وصف بجمعه.
[7] الكبل: جلد شفة الدلو، والكثير الصوف من الفراء.
الغلام، ولا اشترى لحما فيطبخه فيأكل منه. والرأس آكل منه ألوانا: آكل منه عينيه لونا، ومن غلصمته [1] لونا، ومن دماغه لونا.
ابتلاؤه بالكيمياء ثم انصرافه عنها
أخبرني الحسن بن عليّ، قال: حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه، قال: حدثنا يحيى بن الحسن الربيعيّ، قال: أخبرني أبي، قال:
كان سلم الخاسر قد بلي بالكيمياء فكان يذهب بكلّ شيء له باطلا، فلما أراد اللّه - عز وجل - أن يصنع [2] له عرّف أنّ بباب الشام صاحب كيمياء عجيبا، وأنه لا يصل إليه أحد إلا ليلا، فسأل عنه فدلوه عليه.
قال: فدخلت إليه إلى موضع معور [3]، فدققت الباب فخرج إليّ، فقال: من أنت عافاك اللّه؟ فقلت: رجل معجب بهذا العلم. قال: فلا تشهرني، فإني رجل مستور، إنما أعمل للقوت. قال: قلت: لأني لا أشهرك، إنما أقتبس منك، قال: فاكتم ذلك. قال: وبين يديه كوز شبه [4] صغير. فقال لي: اقلع عروته، فقلعتها. فقال: اسبكها في البوطقة، فسبكتها، فأخرج شيئا من تحت مصلّاه، فقال: ذرّه عليه، ففعلت. فقال: أفرغه، فأفرغته. فقال:
دعه معك، فإذا أصبحت فأخرج، فبعه وعد إليّ، فأخرجته إلى باب الشام، فبعت المثقال بأحد وعشرين درهما، ورجعت إليه فأخبرته. فقال: اطلب الآن ما شئت. قلت: تفيدني. قال: بخمسمائة درهم على أن لا تعلّمه أحدا، فأعطيته، وكتب لي صفة، فامتحنتها، فإذا هي باطلة. فعدت إليه، فقيل لي: قد تحوّل، وإذا عروة الكوز المشبّه [5] من ذهب مركبة عليه، والكوز شبه. ولذلك كان يدخل إليه من يطلبه ليلا، ليخفى عليه، فانصرفت، وعلمت أن اللّه - عز وجل - أراد بي خيرا، وأن هذا كله باطل.
يرثي البانوكة بنت المهدي
أخبرني محمد بن عمران الصيرفيّ، قال: حدثنا العنزيّ، قال: حدّثني أبو مالك اليماني، قال: حدّثني أبو كعب، قال:
لما ماتت البانوكة بنت المهدي رثاها سلم الخاسر بقوله:
أودى ببانوكة ريب الزمان ... مؤنسة المهديّ والخيزران
لم تنطو الأرض على مثلها ... مولودة حنّ لها الوالدان
بانوك يا بنت إمام الهدى ... أصبحت من زينة أهل الجنان
بكت لك الأرض وسكّانها ... في كل أفق بين إنس وجان
__________
[1] الغلصمة: اللحم بين العنق والرأس، وتطلق على غير ذلك.
[2] يصنع له: يريد الخير له.
[3] معور: لا يؤمن الشر فيه، من أعور الفارس: إذا بدا فيه موضع خلل للضرب.
[4] الشبه: النحاس الأصفر.
[5] المشبه: الملبس الّذي لا تعرف حقيقته.
كان يهاجي والبة بن الحباب
أخبرني الحسن بن عليّ، قال: حدّثني ابن مهرويه، قال: حدّثني عليّ بن الحسن الشيبانيّ، قال: حدّثني أبو المستهلّ الأسديّ، وهو عبد اللّه بن تميم بن حمزة، قال:
كان سلم الخاسر يهاجي والبة بن الحباب، فأرسلني إليه وقال: قل له:
يا والب بن الحباب يا حلقي [1] ... لست من أهل الزناء فانطلق
دخل فيه الغرمول تولجه ... مثل ولوج المفتاح في الغلق
قال: فأتيت والبة فقلت له ذلك، فقال لي: قل له: يا بن الزانية، سل عنك ريعان التميمي - يعني أنه ناكه - قال: وكان ريعان لوطيا آفة من الآفات، وكان علّامة ظريفا.
قال: فحدّثني جعفر بن قدامة عن محمد العجلي، عن أحمد بن معاوية الباهليّ، قال: سمعت ريعان يقول:
نكت الهيثم بن عديّ، فمن ترونه يفلت مني بعده؟.
يعتذر إلى المهدي من مدحه لبعض العلويين
وأخبرني أحمد بن العباس العسكري، قال: حدثنا العنزيّ، قال: حدّثني أبو مالك/ محمد بن موسى اليمانيّ، قال:
كان سلم الخاسر مدح بعض العلويين، فبلغ ذلك المهديّ، فتوعّده وهمّ به، فقال سلم فيه:
إني أتتني على المهديّ معتبة ... تكاد من خوفها الأحشاء تضطرب
اسمع فداك بنو حواء كلّهم ... وقد يجور برأس الكاذب الكذب
فقد حلفت يمينا غير كاذبة ... يوم المغيبة لم يقطع لها سبب
ألّا يحالف مدحي غيركم أبدا ... ولو تلاقى عليّ الغرض [2] والحقب [3]
ولو ملكت عنان الريح أصرفها ... في كلّ ناحية ما فاتها الطلب
مولاك مولاك لا تشمت أعاديه ... فما وراءك لي ذكر ولا نسب
فعفا عنه.
كان لا يحسن المدح ويحسن الرثاء
وأخبرني أحمد بن العباس [4]، وأحمد بن عبيد اللّه بن عمار، قالا: حدثنا العنزيّ، قال: حدّثني العباس بن عبد الواحد بن جعفر بن سليمان، قال: حدّثني موسى بن عبد اللّه بن شهاب المسمعيّ، قال:
سمعت أبا عبيدة معمر بن المثنى يقول: كان سلم الخاسر لا يحسن أن يمدح، ولكنه كان يحسن أن يرثي ويسأل.
__________
[1] الحلقي، من قولهم: أتان حلقية؛ بالتحريك: إذا تداولها الحمر حتى أصابها داء في رحمها.
[2] الغرض؛ هو للرحل كالحزام للسرج.
[3] الحقب؛ محركة: الحزام يلي حقو البعير، والحقو بفتح فسكون: الكشح. ابن منظور لسان العرب 4/ 189 مادة (حفا).
[4] ف: «أحمد بن عبد العزيز».
بعد الرثاء في حياة من يعنيه رثاؤهم
أخبرني الحسن بن عليّ، قال: حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه، قال: حدّثني عليّ بن الحسن الشّيبانيّ، قال: حدّثني أبو المستهلّ، قال:
/ دخلت يوما على سلم الخاسر، وإذا بين يديه قراطيس فيها أشعار يرثي ببعضها أمّ جعفر، وببعضها جارية غير مسمّاة، وببعضها أقواما لم يموتوا، وأمّ جعفر يومئذ باقية. فقلت له: ويحك! ما هذا؟ فقال: تحدث الحوادث فيطالبوننا [1] بأن نقول فيها، ويستعجلوننا [1]، ولا يجمل بنا أن نقول غير الجيّد، فنعدّ لهم هذا قبل كونه، فمتى حدث حادث أظهرنا ما قلناه فيه قديما، على أنه قيل في الوقت.
إعجاب المأمون ببيت: تعالى اللّه يا سلم
أخبرني محمد بن مزيد وعيسى بن الحسين، قالا: حدثنا الزبير بن بكّار، قال: قال عبد اللّه بن الحسن الكاتب:
أنشد المأمون قول أبي العتاهية:
تعالى اللّه يا سلم بن عمرو ... أذلّ الحرص أعناق الرجال
فقال المأمون: صدق لعمر اللّه، إنّ الحرص لمفسدة للدّين والمروءة، واللّه ما رأيت من رجل قط حرصا ولا شرها، فرأيت فيه مصطنعا. فبلغ ذلك سلما الخاسر، فقال: ويلي على ابن الفاعلة بياع الخزف، كنز البدور بمثل ذلك الشعر المفكّك الغثّ، ثم تزهّد بعد أن استغني، وهو دائبا يهتف بي، وينسبني إلى الحرص، وأنا لا أملك إلا ثوبيّ هذين.
يسكت أبا الشمقمق عن هجائه بخمسة دنانير
أخبرني عمّي والحسن بن عليّ، قالا: حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه، قال: حدثنا زكريا بن مهران، قال:
طالب أبو الشمقمق سلما الخاسر بأن يهب له شيئا، وقد خرجت لسلم جائزة، فلم يفعل، فقال أبو الشمقمق يهجوه:
يا أمّ سلم هداك اللّه زورينا ... كيما ننيك فردا أو تنيكينا
/ ما إن ذكرتك إلّا هاج [2] لي شبق ... ومثل ذكراك أمّ السلم يشجينا
قال: فجاءه سلم فأعطاه خمسة دنانير، وقال: أحبّ أن تعفيني من استزارتك أمّي وتأخذ هذه الدنانير فتنفقها.
من شعره حين ولى يعقوب بن داود بعد أبي عبيد اللّه
أخبرني الحسن بن عليّ، قال: حدثنا ابن مهرويه، قال: حدّثني يحيى بن الحسن بن عبد الخالق، قال:
حدّثني محمد بن القاسم بن الربيع عن أبيه، قال:
__________
[1] كذا في المختار، وفي س: «يطالبونا ويستعجلونا»، وما أثبتناه أكثر استعمالا.
[2] في المختار:
«هجت لي شبقا»
دخل الرّبيع على المهديّ وأبو عبيد اللّه جالس يعرض كتبا، فقال له أبو عبيد اللّه: مر هذا أن يتنحّى - يعني الربيع - فقال له المهدي: تنحّ، فقال: لا أفعل. فقال: كأنك تراني بالعين الأولى! فقال: لا، بل أراك بالعين الّتي أنت بها. قال: فلم لا تتنحّى إذ أمرتك؟ فقال له: أنت ركن الإسلام، وقد قتلت ابن هذا، فلا آمن أن يكون معه حديدة يغتالك بها، فقام المهديّ مذعورا، وأمر بتفتيشه، فوجدوا بين جوربه وخفّه سكّينا، فردّت الأمور كلّها إلى الربيع، وعزل أبو عبيد اللّه، وولّي يعقوب بن داود، فقال سلم الخاسر فيه:
يعقوب ينظر في الأمو ... ر وأنت تنظر ناحيه
أدخلته فعلا عل ... يك كذاك شؤم الناصيه
قال: وكان بلغ المهديّ من جهة الربيع أن ابن أبي عبيد اللّه زنديق، فقال له المهديّ: هذا حسد منك. فقال:
افحص عن هذا، فإن كنت مبطلا بلغت منّي الّذي يلزم من كذبك. فأتى بابن عبيد اللّه، فقرّره تقريرا خفيّا، فأقرّ بذلك، فاستتابه، فأبى أن يتوب، فقال لأبيه: اقتله، فقال: لا تطيب نفسي بذلك. فقتله وصلبه على باب أبي عبيد اللّه.
/ قال: وكان ابن أبي عبيد اللّه هذا من أحمق الناس: وهب له المهديّ وصيفة، ثم سأله بعد ذلك عنها، فقال: ما وضعت بيني وبين الأرض حشيّة قطّ أوطأ منها حاشا سامع [1]، فقال المهديّ لأبيه: أتراه يعنيني، أو يعنيك؟ قال: بل يعني أمّه الزانية، لا يكنى.
شعره في الفضل بن الربيع حين أخذ البيعة للمهدي
أخبرني الحسن بن عليّ، قال: حدثنا ابن مهرويه، قال: حدّثني يحيى بن الحسن، قال: حدّثني أبي، قال:
كنت أنا والربيع نسير قريبا من محمل المنصور حين [2] قال للربيع: رأيت كأن الكعبة تصدّعت، وكأن رجلا جاء بحبل أسود فشدّدها، فقال له الربيع: من الرجل؟ فلم يجبه، حتى إذا اعتلّ قال للربيع: أنت الرجل الّذي رأيته في نومي شدّد الكعبة! فأيّ شيء تعمل بعدي؟ قال: ما كنت أعمل في حياتك، فكان من أمره في أخذ البيعة للمهديّ ما كان، فقال سلم الخاسر في الفضل بن الربيع:
يا بن [3]
الّذي جبر الإسلام يوم وهي ... واستنقذ الناس من عمياء صيخود [4]
قالت قريش غداة أنهاض ملكهم: ... أين [5] الربيع وأعطوا بالمقاليد
فقام بالأمر مئناس بوحدته ... ماضي العزيمة ضرّاب القماحيد [6]
إن الأمور إذا ضاقت مسالكها ... حلّت يد الفضل منها كلّ معقود
__________
[1] كذا في الأصول: وقد تكون: سامع هذا.
[2] في س: «حتى»، وهو تحريف.
[3] كذا في المختار، وفي س: «و ابن»، وما أثبتناه هو ما يقتضيه بدء الكلام.
[4] الصيخود، هي في الأصل: الصخرة الشديدة، ويوم صيخود: شديد الحر. وصف بها الفتنة الشديدة العمياء الّتي كان يمكن أن يتعرض لها الناس لو لا صنيع الفضل.
[5] كذا في س، ف. وفي مم: «يا بن الربيع».
[6] القماحيد، جمع القمحدوة، كالقلنسوة. وهي: الهنة الناشزة فوق القفا وأعلى القذال. والقذال: ما بين الأذنين من مؤخر الرأس.
وجمع القحمدوة قماحد، فأشبع كسرة الحاء.
/
إنّ الربيع وإن الفضل قد بنيا ... رواق مجد على العبّاس ممدود
قال: فوهب له الفضل خمسة آلاف دينار.
شعره حين عقدت البيعة للأمين
أخبرني عمّي، قال: حدثنا أبو هفّان، قال: حدّثني سعيد أبو هريم [1] وأبو دعامة، قالا: لما قال سلم الخاسر في الرشيد حين عقد البيعة لابنه محمد الأمين:
قد بايع الثّقلان في مهد الهدى ... لمحمد بن زبيدة ابنة جفر
ولّيته عهد الأنام وأمرهم ... فدمغت بالمعروف رأس المنكر
أعطته زبيدة مائة ألف درهم.
المهدي يأمر له بخمسمائة ألف درهم لقصيدته فيه
أخبرني الحسن بن عليّ، قال: حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه، قال: حدثنا عبد اللّه بن عمرو، قال:
حدّثني أحمد بن محمد بن عليّ الخراسانيّ [2]، عن يحيى بن الحسن بن عبد الخالق، عن أبيه، قال:
قال سلم الخاسر في المهديّ قصيدته الّتي يقول فيها:
له شيمة عند بذل العطا ... ء لا يعرف الناس مقدارها
ومهديّ أمّتنا والّذي ... حماها وأدرك أوتارها
فأمر له المهديّ بخمسمائة ألف درهم.
طلب إلى الرشيد أن يفضله في الجائزة على مروان بن أبي حفصة فأجابه
أخبرنا وكيع، قال: حدثنا عبد اللّه بن سليمان، قال: حدثنا منصور بن أبي مزاحم، قال:
شهدت المهديّ وقد أمر لمروان بن أبي حفصة بأربعين ألف درهم، وفرض له على أهل بيته وجلسائه ثلاثين ألف درهم. وأمر الرشيد بعد ذلك لمّا ولى الخلافة لسلم الخاسر - / وقد مدحه - بسبعين ألف درهم، فقال له:
يا أمير المؤمنين، إنّ أكثر ما أعطى المهديّ مروان سبعون ألف درهم، فزدني وفضّلني عليه، ففعل ذلك، وأعطاه تتمة ثمانين ألف درهم، فقال سلم
فخره على مروان بجائزته ورد مروان عليه
ألا قل لمروان أتتك رسالة ... لها نبأ لا ينثني عن لقائكا
حباني أمير المؤمنين بنفحة ... مشهّرة قد طأطأت من حبائكا
ثمانين ألفا حزت من صلب ماله ... ولم يك قسما من أولى وأولائكا
فأجابه مروان فقال:
__________
[1] ف: «ابن مريم».
[2] أحمد بن محمد بن عيسى».
أسلم بن عمرو قد تعاطيت غاية ... تقصّر عنها بعد طول عنائكا
فأقسم لو لا ابن الربيع ورفده ... لما ابتلّت الدّلو الّتي في رشائكا
وما نلت مذ صوّرت إلا عطيّة ... تقوم بها مصرورة في ردائكا
مات عن غير وارث فوهب الرشيد تركته
حدّثني وسواسة بن الموصليّ، وهو محمد بن أحمد بن إسماعيل بن إبراهيم، قال: حدّثني حماد، عن أبيه.
قال:
استوهب أبي من الرشيد تركة سلم الخاسر، وكان قد مات عن غير وارث، فوهبها له قبل أن يتسلّمها صاحب المواريث، فحصّل منها خمسين ألف دينار.
أخبرني عمي، قال: حدّثني أبو هفّان، عن سعيد بن هريم وأبي دعامة أنه رفع إلى الرشيد أن سلما الخاسر قد توفي، وخلّف ممّا أخذه منه خاصة ومن زبيدة ألف ألف وخمسمائة ألف درهم سوى ما خلّفه من عقار وغيره مما اعتقده [1] قديما، فقبضه الرشيد. وتظلم إليه مواليه من آل أبي بكر الصديق، رضوان اللّه عليه، فقال: هذا/ خادمي ونديمي، والّذي خلّفه من مالي، فأنا أحقّ به، فلم يعطهم إلا شيئا يسيرا من قديم أملاكه.
رثاؤه معن بن زائدة ومالكا وشهابا ابني عبد الملك بن مسمع
أخبرني هاشم بن محمد الخزاعيّ، قال: حدثنا عيسى بن إسماعيل، عن القحذميّ، قال: كان مالك وشهاب ابنا عبد الملك بن مسمع ومعن بن زائدة متواخين، لا يكادون يفترقون. وكان سلم الخاسر ينادمهم ويمدحهم، ويفضلون عليه ولا يحوجونه إلى غيرهم، فتوفّي مالك ثم أخوه ثم معن في مدة متقاربة، فقال سلم يرثيهم:
عين جودي بعبرة تهتان [2] ... وانذبي من أصاب ريب الزمان
وإذا ما بكيت قوما كراما ... فعلى مالك أبي غسّان
أين معن أبو الوليد ومن كا [3] ... ن غياثا للهالك الحيران
طرقتك المنون لا واهي الحب ... ل ولا عاقدا بحلف يمان
وشهاب وأين مثل شهاب ... عند بذل النّدى وحرّ الطّعان
ربّ خرق [4] رزئته من بني قي ... س وخرق رزئت من شيبان
درّ [5] درّ الأيام ماذا أجنّت [6] ... منهم في لفائف الكتان [7]!
ذاك معن ثوى ببست [8] رهينا ... وشهاب ثوى بأرض عمان
__________
[1] اعتقده: جمعه.
[2] عبرة تهتان: منصبة، وصف بالمصدر.
[3] ف: «و قد كان».
[4] الخرق: السخي، أو الظريف في سخاوة.
[5] در: كثر، والدر: اللبن. ودردره: دعاء له بكثرة الخير؛ والمراد هنا التعجب.
[6] أجنت: وارت.
[7] مم: «الأكفان».
[8] س: «يئست»، تحريف.
/
وهما ما هما لبذل العطايا ... وللفّ الأقران بالأقران
يسبقان المنون طعنا وضربا ... ويفكّان كلّ كبل [1] وعان [2]
أمر له الرشيد بمائة ألف درهم في قصيدة أنشده إياها
أخبرني وكيع، قال: حدّثني يزيد بن محمد المهلّبيّ، قال: حدّثني عبد الصمد بن المعذّل، قال:
لما أنشد سلم الخاسر الرشيد قصيدته فيه:
حضر الرّحيل وشدّت الأحداج
أمر له بمائة ألف درهم.
من شعره في الفضل بن يحيى وجائزته عليه
حدّثني جحظة قال: حدّثني ميمون بن هارون قال:
دخل سلم الخاسر على الفضل بن يحيى في يوم نيروز والهدايا بين يديه، فأنشده:
أمن ربع تسائله ... وقد أقوت منازله
بقلبي من هوى الأطلا ... ل حبّ ما يزايله
رويدكم عن المشغو ... ف إنّ الحبّ قاتله
بلابل صدره تسري ... وقد نامت عواذله
أحقّ الناس بالتفض ... يل من ترجى فواضله
رأيت مكارم الأخلا ... ق ما ضمّت حمائله
فلست أرى فتى في النا ... س إلا الفضل فاضله
يقول لسانه خيرا ... فتفعله أنامله
/ ومهما يرج [3] من خير ... فإن الفضل فاعله
وكان إبراهيم الموصليّ وابنه إسحاق حاضرين، فقال لإبراهيم: كيف [4] ترى وتسمع؟ قال: أحسن مرئيّ ومسموع، وفضل الأمير أكثر منه. فقال: خذوا جميع ما أهدي إليّ اليوم فاقتسموه بينكم أثلاثا [5] إلا ذلك التمثال، فإني أريد أن أهديه اليوم إلى دنانير، ثم قال: لا، واللّه، ما هكذا تفعل الأحرار، يقوّم وندفع إليهم ثمنه، ثم نهديه.
فقوّم بألفي دينار، فحملها إلى القوم من بيت ماله، واقتسموا جميع الهدايا بينهم.
__________
[1] الكبل: القيد؛ أو أعظم ما يكون من القيود.
[2] العاني: الأسير.
[3] في التجريد: «ترج».
[4] في التجريد: «كيف ما ترى». وسقط فيه: كلمة «تسمع».
[5] كذا في المختار وفي س: «ثلاثا»، وهو تحريف.
شعر له يعده معن بن زائدة أحسن ما مدح به
أخبرني هاشم بن محمد الخزاعيّ، قال: حدّثني عيسى بن إسماعيل تينة، قال: حدّثني القحذميّ، قال:
قيل لمعن بن زائدة: ما أحسن ما مدحت به من الشعر عندك؟ قال: قول سلم الخاسر:
أبلغ الفتيان مألكة [1] ... أنّ خير الودّ ما نفعا
أنّ قرما [2] من بني مطر ... أتلفت كفّاه ما جمعا
كلّما عدنا لنائله ... عاد في معروفه جذعا [3]
شعر له في الفضل بن يحيى وقد أشار برأي أخذ به
أخبرني عمي، قال: حدّثني عبد اللّه بن أبي سعد، قال: حدّثني أبو توبة، وأخبرني الحسن بن عليّ، قال:
حدّثني محمد بن القاسم بن مهرويه، عن أبي توبة، قال:
حدث في أيام الرشيد أمر فاحتاج فيه [4] إلى الرأي، فأشكل، وكان الفضل بن/ يحيى غائبا، فورد في ذلك الوقت، فأخبروه بالقصة، فأشار بالرأي في وقته، وأنفذ الأمر على مشورته، فحمد ما جرى فيه، فدخل عليه سلم الخاسر فأنشده:
بديهته وفكرته سواء ... إذا ما نابه الخطب الكبير
وأحزم ما يكون الدّهر رأيا ... إذا عيّ [5] المشاور والمشير [6]
فأمر له بعشرة آلاف درهم.
اشترى سكوت أبي الشمقمق عن هجائه
أخبرني جعفر بن قدامة، قال: حدّثني أبو العيناء، قال: حدّثني الجمّاز أنّ أبا الشمقمق جاء إلى سلم الخاسر يستميحه فمنعه، فقال له: اسمع إذا ما قلته، وأنشده:
حدّثوني أنّ سلما ... يشتكي جارة أيره
فهو لا يحسد شيئا ... غير أير في است غيره
وإذا سرّك يوما ... يا خليلي نيل خيره
قم فمر راهبك الأص ... لع يقرع باب ديره
فضحك سلم، وأعطاه خمسة دنانير، وقال له: أحب - جعلت فداءك - أن تصرف راهبك الأصلع عن باب ديرنا.
__________
[1] المألكة: الرسالة.
[2] القرم: السيد.
[3] الجذع: الشاب الحدث، والمراد: عاد أكثر ارتياحا للندى.
[4] كذا في المختار، وفي س: «إليه»، وهو تحريف. وفي التجريد، ف، مم: «فاحتيج».
[5] في التجريد: «أعيا».
[6] زاد في المختار بعد هذا البيت:
وصدر فيه للهم اتساغ ... إذا ضاقت عن الهمّ الصدور
أنشد الرشيد فتطير وأمر بإخراجه
أخبرنا الحسن بن عليّ، قال: حدثنا ابن مهرويه، قال: حدّثني أحمد بن أبي كامل، قال: حدّثني أبو دعامة، قال:
دخل سلم الخاسر على الرشيد، فأنشده:
/حيّ الأحبّة بالسلام
فقال الرشيد:
حياهم اللّه بالسلام
فقال:
على وداع أم مقام
فقال الرشيد: حيّاهم اللّه على أيّ ذلك كان، فأنشده:
لم يبق منك ومنهم ... غير الجلود على العظام
فقال له الرشيد: بل منك، وأمر بإخراجه، وتطيّر منه، ومن قوله، فلم يسمع منه باقي الشعر ولا أثابه بشيء.
شعره في الهادي حين بويع له
أخبرني محمد بن مزيد، قال: حدثنا حمّاد بن إسحاق، عن أبيه، قال:
أتت وفاة المهديّ إلى موسى الهادي، وهو بجرجان، فبويع له هناك، فدخل عليه سلم الخاسر مع المهنئين، فنأه بخلافة اللّه، ثم أنشده:
لمّا أتت خير بني هاشم ... خلافة اللّه بجرجان
شمّر للحزم [1] سرابيله ... برأي لا غمر ولا وان
لم يدخل الشّورى على رأيه ... والحزم لا يمضيه رأيان
يقر بأستاذية بشار له
أخبرني الحسن بن عليّ وعمي، قالا: حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه، قال: حدّثني صالح بن عبد الرحمن، عن أبيه، قال:
دخل سلم الخاسر على الرشيد، وعنده العباس بن محمد وجعفر بن يحيى، فأنشده قوله فيه:
/حضر الرّحيل وشدّت الأحداج [2]
__________
[1] في التجريد: «للحرب».
[2] عجزه كما في التجريد:
وغدا بهن مشمر مزعاج
والأحداج، جمع الحدج، بكسر فسكون، وهو مركب للنساء.
فلما انتهى إلى قوله:
إن المنايا في السيوف كوامن ... حتى يهيّجا فتى هيّاج
فقال الرشيد: كان ذلك معن بن زائدة، فقال: صدق أمير المؤمنين، ثم أنشد حتى انتهى إلى قوله:
ومدجّج يغشى المضيق بسيفه ... حتى يكون بسيفه الإفراج
فقال الرشيد: ذلك يزيد بن مزيد، فقال: صدق أمير المؤمنين، فاغتاظ جعفر بن يحيى، وكان يزيد بن مزيد عدوّا للبرامكة، مصافيا للفضل بن الربيع، فلما انتهى إلى قوله:
نزلت نجوم الليل فوق رؤوسهم ... ولكلّ قوم كوكب وهّاج
قال له جعفر بن يحيى: من قلّة الشعر حتى [1] تمدح أمير المؤمنين بشعر قيل في غيره! هذا لبشّار في فلان التميميّ، فقال الرشيد: ما تقول يا سلم؟ قال: صدق يا سيدي، وهل أنا إلا جزء من محاسن بشار، وهل أنطلق إلا بفضل منطقه! وحياتك يا سيدي إني لأروي له تسعة آلاف بيت ما يعرف أحد غيري منها شيئا، فضحك الرشيد، وقال: ما أحسن الصدق! امض في شعرك، وأمر له بمائة ألف درهم، ثم قال للفضل بن الربيع: هل قال أحد غير سلم في طيّنا المنازل شيئا؟ - وكان الرشيد قد انصرف من الحج،/ وطوى المنازل.
وصفه هو والنمري على الرشيد للمنازل
فوصف ذلك سلم - فقال الفضل: نعم يا أمير المؤمنين، النّمريّ، فأمر سلما أن يثبت قائما حتى يفرغ النمريّ من إنشاده، فأنشده النّميريّ قوله:
تخرّق سربال الشباب مع البرد ... وحالت لنا أمّ الوليد عن العهد
فقال الرشيد للعباس بن محمد: أيّهما أشعر عندك يا عم؟ قال: كلاهما شاعر، ولو كان كلام يستفحل [2] لجودته حتى يؤخذ منه نسل لاستفحلت كلام النّمريّ، فأمر له بمائة ألف درهم أخرى.
رثاه أشجع السلمي
أخبرني عمي، قال: أنشدني أحمد بن أبي طاهر لأشجع السّلميّ يرثي سلما الخاسر ومات سلم قبله:
يا سلم إن أصبحت في حفرة ... موسّدا تربا وأحجارا
فربّ بيت حسن قلته ... خلّفته في الناس تيّارا
قلّدته ربّا وسيّرته ... فكان فخرا منك أو عارا
لو نطق الشعر بكى بعده ... عليه إعلانا وإسرارا
صوت
يا ويح من لعب الهوى بحياته ... فأماته من قبل حين مماته
من ذا كذا كان الشقي بشادن ... هاروت بين لسانه ولهاته
__________
[1] في التجريد: «من قلة شعر يمدح».
[2] في التجريد: «و لو كان الشعر يستفحل».
وحياة من أهوى فإنّي لم أكن ... يوما لأحلف كاذبا بحياته
لأخالفنّ عواذلي في لذّتي ... ولأسعدنّ أخي على لذّاته
الشعر لبعض شعراء الحجازيين ولم يقع إلينا اسمه، والغناء لأبي صدقة رمل بالبنصر [1].
__________
[1] كذا في ف، مم، ما، مج. وجاء في ب، س مكان هذه الأبيات بعد كلمة صوت:
أجدك ما تعفو كلوم مصيبة ... على صاحب إلا فجعت بصاحب
تقطع أحشائي إذا ما ذكرتكم ... وتنهل عيني بالدموع السواكب
عروضه من الطويل. الشعر لسلمة بن عياش، والغناء لحكم، وله فيه لحنان بالبنصر وهزج بالوسطى. وما أثبتناه أنسب للترجمة التالية.
14 - أخبار أبي صدقة*
اسمه وولاؤه
اسمه مسكين بن صدقة من أهل المدينة، مولى لقريش. وكان مليح الغناء، طيّب الصوت، كثير الرواية، صالح الصنعة؛ من أكثر الناس نادرة، وأخفّهم روحا، وأشدّهم طمعا، وألحّهم في مسألة. وكان له ابن يقال له:
صدقة يغنّي، وليس من المعدودين، وابن ابنه أحمد بن صدقة الطّنبوريّ - أحد المحسنين من الطّنبوريين، وله صنعة جيدة، وكان أشبه الناس بجدّه في المزح والنوادر. وأخباره تذكر بعد أخبار جدّه. وأبو صدقة من المغنين الذين أقدمهم هارون الرشيد من الحجاز في أيامه.
يذكر أسباب كثرة سؤاله
أخبرني عليّ بن عبد العزيز، عن عبيد اللّه بن عبد اللّه، قال:
قيل لأبي صدقة ما أكثر سؤالك، وأشدّ إلحاحك! فقال: وما يمنعني من ذلك، واسمي مسكين، وكنيتي أبو صدقة، وامرأتي فاقة، وابني صدقة!.
يتغنى مع مغني الرشيد فيشتد طرب الرشيد لغنائه
أخبرني رضوان بن أحمد الصيدلانيّ، قال: حدثنا يوسف بن إبراهيم، قال:
حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن المهدي أن الرشيد قال للحارث بن بسخنّر: قد اشتهيت أن أرى ندمائي ومن يحضر مجلسي من المغنين جميعا في مجلس واحد، يأكلون ويشربون، ويتبذّلون منبسطين على غير هيبة ولا احتشام، بل يفعلون ما يفعلون في منازلهم وعند نظرائهم، وهذا لا يتمّ إلا بأن أكون بحيث لا يرونني، عن غير علم منهم برؤيتي إياهم. فأعدّ لي مكانا أجلس فيه أنا وعمّي سليمان وإخوتي: إبراهيم بن المهديّ،/ وعيسى بن جعفر [1]، وجعفر بن يحيى. فإنا مغلّسون [2] عليك غداة غد، واستزر أنت محمد بن خالد بن برمك، وخالدا أخا مهرويه، والخضر بن جبريل، وجميع المغنين، وأجلسهم بحيث نراهم ولا يروننا، وابسط الجميع، وأظهر برّهم، واخلع عليهم، ولا تدع من الإكرام شيئا إلا فعلته بهم. ففعل ذلك الحارث، وقدّم إليهم الطعام فأكلوا، والرشيد ينظر إليهم، ثم دعا لهم بالنبيذ. فشربوا، وأحضرت الخلع، وكان ذلك اليوم يوما شديد البرد، فخلع على ابن جامع جبة خزّ طارونيّ [3] مبطنة بسمّور صينيّ، وخلع على إبراهيم الموصلي جبّة وشي كوفي مرتفع مبطنة بفنك [4]، وخلع
__________
(*) هذه الترجمة مما سقط من طبعة بولاق.
[1] ف: «إسماعيل بن جعفر».
[2] مغلسون: قادمون بغلس، وهو ظلمة آخر الليل.
[3] الطاروني: نوع من الخز.
[4] الفنك، بالتحريك: دابة فروتها أطيب الفراء، والمراد بجلد فنك.
على أبي صدقة درّاعة [1] ملحم [2] خراسانيّ محشوّة بقز، ثم تغنى ابن جامع، وتغنى بهذه إبراهيم، وتلاهما أبو صدقة فغنّى لابن سريج:
ومن أجل ذات الخال أعملت ناقتي ... أكلّفها سير الكلال مع الظّلع [3]
فأجاده، واستعاده الحارث ثلاثا وهو يعيده. فقال له الحارث: أحسنت واللّه يا أبا صدقة! قال له: هذا غنائي وقد قرصني البرد، فكيف تراه [4] - فديتك - كان يكون [4] لو كان تحت درّاعتي هذه شعيرات؟ يعني الوبر، والرشيد يسمع ذلك/ فضحك، فأمر بأن يخلع عليه دراعة ملحم مبطنة بفنك، ففعلوا، ثم تغنى الجماعة، وغنى أبو صدقة لمعبد:
بأن الخليط على بزل [5] مخيّسة [6] ... هدل المشافر أدنى سيرها الرّمل
ثم تغنى بعده لمعبد أيضا:
بأن الخليط ولو طووعت ما بانا ... وقطّعوا من حبال الوصل أقرانا [7]
فأقام فيهما جميعا القيامة، فطرب الرشيد حتى كاد أن يخرج إلى المجلس طربا فقال له الحارث: أحسنت واللّه يا أبا صدقة - فديتك - وأجملت، فقال أبو صدقة: فكيف ترى - فديتك - الحال تكون لو كانت على هذه الدراعة نقيطات؟ يعني الوشي، فضحك الرشيد حتى ظهر ضحكه، وعلموا بموضعه، وعرف علمهم بذلك، فأمر بإدخالهم إليه، وأمر بأن يخلع على أبي صدقة دراعة أخرى مبطنة، فخلعت عليه.
صادره الحسن بن سليمان على جعل يأخذه ويكف عن السؤال فلم يف له
أخبرني محمد بن مزيد بن أبي الأزهر، قال: حدثنا حماد بن إسحاق، عن أبيه، قال:
سأل الحسن [8] بن سليمان أخو عبيد اللّه بن سليمان الطفيليّ [9] الفضل وجعفرا ابني يحيى أن يقيما عنده يوما، فأجاباه [10]، فواعد عدة من المغنين، فيهم أبو صدقة المدني، فقال لأبي صدقة: إنك تبرم بكثرة السؤال:
فصادرني [11] على شيء أدفعه إليك/ ولا تسأل شيئا غيره، فصادره على شيء أعطاه إياه. فلما جلسوا وغنّوا أعجبوا بغناء أبي صدقة، واقترحوا عليه أصواتا من غناء ابن سريج ومعبد وابن محرز وغيرهم، فغنّاهم، ثم غنى - والصنعة له رمل:
__________
[1] الدراعة: جبة مشقوقة المقدم.
[2] الملحم: نوع من الثياب.
[3] البيت لعمر بن أبي ربيعة، في ديوانه - 330، والظلع: مصدر ظلع، كمنع: إذا غمز في مشيه.
[4] في س: «فتكون»، وهو تحريف.
[5] البزل: جمع البازل، وهو الجمل أو الناقة بزل نابها: أي انشق، ويكون ذلك في تاسع سنيه.
[6] مخيسة: مروضة مذللة.
[7] الأقران: جمع قرن، كسهل، وهو الحبل المفتول من لحاء الشجر، والخصلة المفتولة من الصوف.
[8] ف: «الحسين بن سليمان».
[9] ف: «اللطفي».
[10] في س: «فأجابه»، وهو تحريف.
[11] صادرني على شي ء: طالبني به.
يا ويح من لعب الهوى بحياته ... فأماته من قبل حين مماته
من ذا كذا كان الشقيّ بشهادن [1] ... هاروت بين لسانه ولهاته [2]
وذكر الأبيات الأربعة المتقدّم ذكرها، قال: فأجاد وأحسن ما شاء، وطرب جعفر، فقال له: أحسنت وحياتي، وكان عليه دوّاج [3] خزّ مبطن بسمّور جيد، فلما قال له ذلك شرهت نفسه وعاد إلى طبعه، فقال:
لو أحسنت ما كان هذا الدّوّاج عليك، ولتخلعنّه عليّ، فألقاه عليه، ثم غنّى أصواتا من القديم والحديث، وغنّى بعدها من صناعته في الرمل:
لم يطل العهد فتنساني ... ولم أغب عنك فتنعاني
بدّلت بي غيري وباهتّني [4] ... ولم تكن صاحب بهتان
لا وثقت نفسي بإنسان ... بعدك في سرّ وإعلان
أعطيتني ما شئت من موثق ... منك ومن عهد وأيمان
فقال له الفضل: أحسنت وحياتي! فقال: لو أحسنت لخلعت عليّ جبّة تكون شكلا لهذا الدّوّاج، فنزع جبته وخلعها عليه، وسكروا وانصرفوا. فوثب الحسن بن سليمان، فقال له: قد وافقتك على ما أرضاك، ودفعته إليك على ألا تسأل أحدا شيئا، فلم تف،/ وقد أخذت مالك! واللّه لا تركت عليك شيئا مما أخذته، ثم انتزعه منه كرها وصرفه، فشكاه أبو صدقة إلى الفضل وجعفر، فضحكا منه، وأخلفا عليه ما ارتجعه الطفيلي [5] منه من خلعهما.
نسبة ما مضى في هذه الأخبار من الغناء
صوت
بان الخليط على بزل مخيّسة ... هدل المشافر أدنى سيرها الرمل
من كل أعيس [6] نضّاح القفا قطم [7] ... ينفي الزمام إذا ما حنّت الإبل
الغناء لابن عائشة، خفيف ثقيل أول بالوسطى عن عمرو الهشامي، وقال الهشامي خاصة: فيه لابن محرز هزج، ولإسحاق ثقيل أول، ووافقه ابن المكّيّ. وما وجدت لمعبد فيه صنعة في شيء من الروايات، إلا في المذكور.
وأما:
بان الخليط ولو طووعت ما بانا
فقد مضى في المائة المختارة، ونسب هناك وذكرت أخباره.
__________
[1] الشادن: ولد الظبية.
[2] اللهاة: اللحمة المشرفة على الحلق.
[3] الدواج: اللباس فوق سائر اللباس من دثار البرد ونحوه.
[4] باهتني: حيرتني وأدهشتني بما تفتري عليّ من الكذب.
[5] ف: «اللّطفى».
[6] الأعيس: البعير الأبيض يخالط بياضه شقره.
[7] القطم: الفحل يشتهي الضراب، والفعل قطم، كفرح.
يذكر للرشيد أسباب إلحاحه في المسألة
أخبرني رضوان بن أحمد، قال: حدثنا يوسف بن إبراهيم، قال: حدّثني أبو إسحاق إبراهيم بن المهديّ، قال:
كان أبو صدقة أسأل خلق اللّه وألحّهم، فقال له الرشيد: ويلك ما أكثر سؤالك! / فقال: وما يمنعني من ذلك، واسمي مسكين، وكنيتي أبو صدقة، واسم ابني صدقة، وكانت أمي تلقّب فاقة، واسم أبي صدقة، فمن أحق مني بهذا؟.
كثرة عبث الرشيد به
وكان الرشيد يعبث به غبثا شديدا، فقال ذات يوم لمسرور: قل لابن جامع وإبراهيم الموصلي وزبير بن دحمان وزلزل وبرصوصا وابن أبي مريم المديني: إذا رأيتموني قد طابت نفسي، فليسألني كل واحد منهم حاجة، مقدارها مقدار صلته. وذكر لكل واحد منهم مقدار [1] ذلك، وأمرهم أن يكتموا أمرهم عن أبي صدقة، فقال لهم مسرور ما أمره به، ثم أذن لأبي صدقة قبل إذنه لهم، فلما جلس قال له: يا أبا صدقة، قد أضجرتني بكثرة مسألتك، وأنا في هذا اليوم ضجر، وقد أحببت أن أتفرّج وأفرح، ولست آمن أن تنغّص عليّ مجلسي بمسألتك، فإمّا أن أعفيتني من أن تسألني اليوم حاجة وإلا فانصرف. فقال له: يا سيدي لست أسألك في هذا اليوم، ولا إلى شهر حاجة، فقال له الرشيد: أما إذا شرطت لي هذا على نفسك، فقد اشتريت منك حوائجك بخمسمائة دينار، وها هي ذه فخذها هنيئة معجلة، فإن سألتني شيئا بعدها في هذا اليوم، فلا لوم عليّ إن لم أصلك سنة بشيء. فقال له: نعم، وسنتين. فقال له الرشيد: زدني في الوثيقة، فقال: قد جعلت أمر أمّ صدقة في يدك، فطلّقها متى شئت، إن شئت واحدة، وإن شئت ألفا إن سألتك في يومي هذا حاجة. وأشهد [2] اللّه ومن حضر على ذلك، فدفع إليه المال، ثم أذن للجلساء والمغنين فحضروا، وشرب القوم.
فلما طابت نفس الرشيد قال له ابن جامع: يا أمير المؤمنين، قد نلت منك ما لم تبلغه أمنيّتي، وكثر إحسانك إليّ حتى كبتّ أعدائي وقتلتهم. وليست لي بمكة دار تشبه/ حالي، فإن رأى أمير المؤمنين أن يأمر لي بمال أبني به دارا، وأفرشها بباقيه لأفقأ عيون أعدائي وأزهق نفوسهم - فعل، فقال: وكم قدّرت لذلك؟ قال: أربعة آلاف دينار، فأمر له بها. ثم قام إبراهيم الموصليّ فقال له: قد ظهرت نعمتك عليّ وعلى أكابر ولدي، وفي أصاغرهم من قد بلغ، وأريد تزويجه، ومن أصاغرهم من أحتاج إلى أن أطهره، ومنهم صغار أحتاج إلى أن أتخذ لهم خدما، فإن رأى أمير المؤمنين أن يحسن معونتي على ذلك فعل، فأمر له بمثل ما أمر لابن جامع، وجعل كلّ [3] واحد منهم يقوم فيقول من الثناء ما يحضره، ويسأل حاجة على قدر جائزته، وأبو صدقة ينظر إليهم وإلى الأموال تفرّق يمينا وشمالا، فوثب على رجليه قائما، وقال للرشيد: يا سيدي، أقلني، أقال اللّه عثرتك! فقال له الرشيد: لا أفعل، فجعل يستحلفه ويضطرب [4] ويلحّ، والرشيد يضحك ويقول: ما إلى ذلك سبيل، الشرط أملك.
__________
[1] في التجريد: «مبلغ».
[2] ف: «و أشهدت اللّه».
[3] كذا في التجريد، وفي س: «لكل»، وهو تحريف.
[4] كذا في التجريد، وفي س: «يضرب»، وهو تحريف.
فلما عيل صبره أخذ الدنانير فرمى بها بين يدي الرشيد، وقال له: هاكها قد رددتها عليك وزدتك فرج أمّ صدقة فطلّقها إن شئت واحدة، وإن شئت ألفا. وإن لم تلحقني بجوائز القوم فألحقني بجائزة هذا البارد ابن الباردة عمرو الغزّال [1]، وكانت صلته ألف دينار. فضحك الرشيد حتى استلقى، ثم ردّ عليه الخمسمائة الدينار، وأمر له بألف دينار معها. وكان ذلك أكثر ما أخذه منه مذ يوم خدمه إلى أن مات، فانصرف يومئذ بألف وخمسمائة دينار.
عبث جعفر بن يحيى والرشيد به
أخبرني رضوان بن أحمد، قال: حدّثني يوسف بن إبراهيم، قال: حدّثني أبو إسحاق، قال:
/ مطرنا ونحن مع الرشيد بالرّقة مطرا مع الفجر، واتصل إلى غد ذلك اليوم، وعرفنا خبر الرشيد، وأنه مقيم عند أمّ ولده المسماة بسحر، فتشاغلنا في منازلنا. فلما كان من غد جاءنا رسول الرشيد، فحضرنا جميعا، وأقبل يسأل واحدا واحدا عن يومه الماضي: ما صنع فيه فيخبره، إلى أن انتهى إلى جعفر بن يحيى، فسأله عن خبره، فقال: كان عندي أبو زكّار الأعمى وأبو صدقة، فكان أبو زكار كلما غنّى صوتا لم يفرغ منه حتى يأخذه أبو صدقة، فإذا انتهى الدور إليه أعاده، وحكى أبا زكار فيه وفي شمائله وحركاته، ويفطن أبو زكار لذلك فيجن ويموت غيظا، ويشتم أبا صدقة كلّ شتم حتى يضجر، وهو لا يجيبه ولا يدع العبث به، وأنا أضحك من ذلك إلى أن توسطنا الشراب وسئمنا من العبث به، فقلت له: دع هذا وغنّ غناءك، فغنّى رملا ذكر أنه من صنعته، طربت له - واللّه يا أمير المؤمنين - طربا ما أذكر أني طربت مثله منذ حين، وهو:
صوت
فتنتني بفاحم اللون جعد ... وبثغر كأنه نظم درّ
وبوجه كأنه طلعة البد ... ر وعين في طرفها نفث سحر
فقلت له: أحسنت واللّه يا أبا صدقة، فلم أسكت عن هذه الكلمة حتى قال لي: إني قد بنيت دارا حتى أنفقت [2] عليها حريبتي [3]، وما أعددت لها فرشا، فافرشها لي، نجّد [4] اللّه لك في الجنة ألف قصر. فتغافلت عنه، وعاود الغناء، فتعمدت أن قلت له: أحسنت، ليعاود مسألتي وأتغافل عنه، فسألني وتغافلت، فقال لي: يا سيدي هذا التغافل متى حدث لك؟ / سألتك باللّه، وبحق أبيك عليك إلا أجبتني عن كلامي ولو بشتم! فأقبلت عليه وقلت له: أنت واللّه بغيض، اسكت يا بغيض، واكفف عن هذه المسألة الملحّة، فوثب من بين يديّ، وظننت أنه خرج لحاجة، وإذا هو قد نزع ثيابه وتجرد منها خوفا من أن تبتلّ، ووقف تحت السماء، لا يواريه منها شيء والمطر يأخذه، ورفع رأسه وقال: يا ربّ أنت تعلم أني مله، ولست نائحا، وعبدك هذا الّذي رفعته وأحوجتني إلى خدمته يقول لي: أحسنت، لا يقول لي: أسأت، وأنا منذ جلست أقول له: بنيت، لم أقل: هدمت، فيحلف بك جرأة عليك أني بغيض، فاحكم بيني وبينه يا سيدي، فأنت خير الحاكمين.
__________
[1] ف: «عمرو بن الغزال».
[2] ف: «دارا أنفقت».
[3] حريبة الرجل: ماله الّذي سلبه.
[4] نجّد: زين.
فغلبني الضحك، وأمرت به فتنحّى، وجهدت به أن يغني، فامتنع حتى حلفت له بحياتك يا أمير المؤمنين أنى أفرش له داره، وخدعته فلم أسمّ له ما أفرشها به، فقال الرشيد: طيّب واللّه! الآن تمّ لنا به اللهو، وهو ذا أدعو به، فإذا رآك فسوف يقتضيك الفرش، لأنك حلفت له بحياتي، فهو يتنجّز ذلك بحضرتي ليكون أوثق له، فقل له: أنا أفرشها لك بالبواري [1]، وحاكمه إليّ. ثم دعا به فأحضر، فما استقرّ في مجلسه حتى قال لجعفر بن يحيى: الفرش الّذي حلفت لي بحياة أمير المؤمنين أنك تفرش به داري، تقدّم فيه، فقال له جعفر: اختر، إن شئت فرشتها لك بالبواري، وإن شئت بالبرديّ من الحصر، فضج واضطرب.
فقال له الرشيد: وكيف كانت القصة؟ فأخبره، فقال له: أخطأت يا أبا صدقة، إذ لم تسمّ النوع ولا حدّدت القيمة، فإذا فرشها لك بالبواري أو بالبرديّ أو بما دون ذلك فقد وفي يمينه، وإنما خدعك، ولم تفطن له أنت، ولا توثقت، وضيّعت حقك. فسكت،/ وقال: نوفّر البرديّ والبواريّ عليه أيضا، أعزه اللّه. وغنى المغنون حتى انتهى إليه الدور، فأخذ يغني غناء الملّاحين والبنائين والسقائين وما جرى مجراه من الغناء، فقال له الرشيد: أيش هذا الغناء ويلك! قال: من فرشت داره بالبواري والبردي فهذا الغناء كثير منه، وكثير أيضا لمن هذه صلته، فضحك الرشيد واللّه وطرب وصفّق، ثم أمر له بألف دينار من ماله وقال له: افرش دارك من هذه، فقال: وحياتك لا آخذها يا سيدي أو تحكم لي على جعفر بما وعدني، وإلّا متّ واللّه أسفا لفوات ما حصل في طمعي ووعدت به، فحكم له على جعفر بخمسمائة دينار، فقبلها جعفر، وأمر له بها.
قصة وصوله إلى السلطان
أخبرني محمد بن مزيد، قال: حدثنا حماد بن إسحاق، عن أبيه، قال: كان سبب وصول أبي صدقة إلى السلطان أنّ أبي لما حجّ مرّ بالمدينة، فاحتاج إلى قطع ثياب، فالتمس خياطا حاذقا، فدلّ على أبي صدقة، ووصف به بالحذق في الخياطة والحذق في الغناء وخفة الروح، فأحضره فقطع له ما أراد وخاطه، وسمع غناءه فأعجبه؛ وسأله عن حاله، فشكا إليه الفقر، فخلّف لعياله نفقة سابغة لسنة، ثم أخذه معه وخلطه بالسلطان.
قال [2] حماد: فقال أبو صدقة يوما لأبي: قد اقتصرت بي [3] على صنعة أبي إسحاق أبيك، رحمه اللّه عندي، وأنت لا، ربّ [4] ذلك بشيء، فقال له: هذه الصينيّة الفضة الّتي بين يديّ لك إذا انصرفت، فشكره وسرّ بذلك، ولم يزل يغنيه بقية يومه، فلما أخذ النبيذ فيه قام قومة ليبول، فدعا أبي بصينية رصاص فحول قنّينته وقدحه فيها، ورفع الصينية الفضة، فلما أراد أبو صدقة الانصراف شد أبي الصينية في منديل، ودفعها إلى غلامه، وقال له: بت الليلة عندي واصطبح غدا، واردد دابتك. فقال: إني إذا/ لأحمق، أدفع إلى غلامي صينية فضة، فيأخذها ويطمع فيها أو يبيعها، ويركب الدابة ويهرب، ولكني أبيت عندك، فإذا انصرفت غدا أخذتها معي، وبات وأصبح عندنا مصطبحا، فلما كان وقت انصرافه أخذها ومضى، فلم يلبث من غد أن جاءنا والصينية معه، فإذا هو قد وجّه بها لتباع، فعرّفوه أنها رصاص، فلما رآه أبي من بعيد ضحك، وعرف القصة، وتماسك، فقال له أبو صدقة: نعم الخلافة خلفت
__________
[1] البواري: جمع البارية، وهي الحصير المنسوج.
[2] الفقرة الّتي أولها: قال حماد إلى آخر الترجمة زيادة في س على ما في ف.
[3] في س: «به»، وهو تحريف.
[4] رب ذلك: زدت.
أباك، وما أحسن ما فعلت بي! قال: وأيّ شيء فعلت بك؟ قال: أعطيتني صينية رصاص، فقال له أبي: سخنت عينك! سخرت امرّتك بك، وأنا من أين لي صينية رصاص؟ فتشكك ساعة، ثم قال: أظن واللّه أن ذلك كذلك، فقام. فقال له أبي: إلى أين؟ قال: أضع واللّه عليها السوط فأضربها به حتى تردّ الصينية، فلما رأى أبي الجدّ منه قال له: اجلس يا أبا صدقة، فإنما مزحت معك، وأمر له بوزنها دراهم.
صوت
إنّ من يملك رقّي ... مالك دقّ الرّقاب
لم يكن يا أحسن العا ... لم هذا في حسابي
الشعر لفضل الشاعرة، والغناء لعريب خفيف ثقيل بالوسطى، عن ابن المعتز [1].
__________
[1] كذا في ف، ما: حم، حج، وجاء في س مكان هذين البيتين بعد كلمة «صوت»:
لقد علمت وما الإسراف من خلقي ... أن الّذي هو رزقي سوف يأتيني
أسعى له فيغنيني تطلبه ... ولو جلست أتاني لا يعنيني
الشعر لعروة بن أذينة، والغناء لمخارق، ثقيل أول بالبنصر، عن عمرو. وما أثبناه أنسب للترجمة التالية.
15 - أخبار فضل الشاعرة [1]
نشأتها وصفاتها
كانت فضل جارية مولّدة من مولّدات البصرة، وكانت أمها من مولّدات اليمامة. بها ولدت، ونشأت في دار رجل من عبد القيس، وباعها بعد أن أدّبها وخرّجها، فاشتريت وأهديت إلى المتوكل. وكانت هي تزعم أن الّذي باعها أخوها، وأن أباها وطىء أمها فولدتها منه، فأدّبها وخرّجها معترفا بها، وأنّ بنيه من غير أمها تواطئوا على بيعها وجحدها، ولم تكن تعرف بعد أن أعتقت إلا بفضل العبدية. وكانت حسنة الوجه والجسم والقوام، أديبة فصيحة سريعة البديهة، مطبوعة في قول الشعر. ولم يكن في نساء زمانها أشعر منها.
كانت تجلس للرجال ويجيبها الشعراء
أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان، قال: حدّثني أحمد بن أبي طاهر، قال: كانت فضل الشاعرة لرجل من النخّاسين بالكرخ يقال له: حسنويه، فاشتراها محمد بن الفرج أخو عمر بن الفرج الرّخّجيّ، وأهداها إلى المتوكل، فكانت تجلس للرجال، ويأتيها الشعراء، فألقى عليها أبو دلف القاسم بن عيسى:
قالوا عشقت صغيرة فأجبتهم ... أشهى المطيّ إليّ ما لم يركب
كم بين حبّة لؤلؤ مثقوبة ... نظمت وحبة لؤلؤ لم تثقب
فقالت فضل مجيبة له:
إن المطية لا يلذّ ركوبها ... ما لم تذلّل بالزّمام وتركب
والدّرّ ليس بنافع أصحابه ... حتى يؤلّف للنّظام بمثقب [2]
شعرها في المتوكل حين دخلت عليه
حدّثني عمّي ومحمد بن خلف، قالا: حدثنا أبو العيناء، قال: لما دخلت فضل الشاعرة على المتوكل يوم أهديت إليه قال لها: أشاعرة أنت؟ قالت: كذا زعم من باعني واشتراني، فضحك وقال: أنشدينا شيئا من شعرك فأنشدته:
استقبل الملك إمام الهدى ... عام ثلاث وثلاثينا
- تعني سنة ثلاث وثلاثين ومائتين من سني الهجرة - :
__________
[1] وهذه الترجمة أيضا مما سقط من طبعة بولاق.
[2] في المختار:
والحبّ ليس بنافع أربابه ما لم يؤلف في النظام ويثقب.
خلافة أفضت إلى جعفر ... وهو ابن سبع بعد عشرينا
إنّا لنرجو يا إمام الهدى ... أن تملك الناس [1] ثمانينا
لا قدّس اللّه امرأ لم يقل ... عند دعائي لك: آمينا
فاستحسن الأبيات، وأمر لها بخمسة آلاف درهم، وأمر عريب [2] فغنّت فيها.
شعرها على لسان المعتمد في جارية
حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبو عبد اللّه أحمد بن حمدون، قال: عرضت على المعتمد جارية تباع في خلافة المتوكل، وهو يومئذ حديث السنّ، فاشتطّ مولاها في السّوم، فلم يشترها، وخرج بها إلى ابن الأغلب، فبيعت هناك. فلما ولي المعتمد الخلافة سأل عن خبرها، وقد ذكرها فأعلم أنها بيعت وأولدها مولاها، فقال لفضل الشاعرة: قولي فيها شيئا، فقالت:
علم الجمال تركتني ... في الحبّ أشهر من علم
ونصبتني يا منيتي ... غرض المظنّة والتّهم
فارقتني بعد الدّنوّ ... فصرت عندي كالحلم
فلو أنّ نفسي [3] فارقت ... جسمي لفقدك لم تلم
/ ما كان ضرّك لو وص ... لت فخف عن قلبي الألم
برسالة تهدينها ... أو زورة تحت الظّلم
أو لا فطيفي [4] في المنا ... م فلا أقلّ من اللّمم
صلة المحبّ حبيبه ... اللّه يعلمه كرم
شعر لها تجيب به عن شعر في الشوق إليها
حدّثني محمد بن العباس اليزيديّ، قال: كتب بعض أهلنا إلى فضل الشاعرة:
أصبحت فردا [5] هائم العقل ... إلى غزال حسن الشكل
أضنى فؤادي طول عهدي به ... وبعده منّي ومن وصلي
منية نفسي في هوى فضل ... أن يجمع اللّه بها شملي
أهواك يا فضل هوى خالصا ... فما لقلبي عنك من شغل
قال: فأجابته:
__________
[1] ف: «الأرض»، وفي ما: «الأمر».
[2] في المختار، ف: «ما عربها»، وهو تحريف.
[3] ف، ما: «روحي».
[4] طيفي: أمر من طاف الخيال يطيف: إذا جاء في النوم، وفي ف، مم: «أولا فطيف».
[5] ف، ما: «صبا».
صوت
الصبر ينقص والسّقام [1] يزيد ... والدار دانية وأنت بعيد
أشكوك أم أشكو إليك فإنه ... لا يستطيع سواهما المجهود
إني أعوذ بحرمتي بك في الهوى ... من أن يطاع لديك فيّ حسود [2]
في هذه الأبيات رمل طنبوري. وأظنه لجحظة.
شعر آخر تبادل فيه شوقا بشوق
أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان، قال: حدّثني الحسن بن عيسى الكوفيّ، قال: حدثنا أبو دهمان، وأخبرني أيضا به عبد اللّه بن نصر المروزيّ، قالا:
/ كانت فضل الشاعرة من أحسن الناس وجها وخلقا وخلقا وأرقّهم شعرا، فكتب إليها بعض من كان يجمعه وإياها مجلس الخليفة، ولا تطلعه على حبها [3] له:
ألا ليت شعري فيك [4] هل تذكرينني ... فذكراك في الدنيا إليّ حبيب
وهل لي نصيب في فؤادك ثابت ... كما لك عندي في الفؤاد نصيب
ولست بموصول فأحيا بزورة ... ولا النفس عند اليأس عنك تطيب
قال: فكتبت إليه:
نعم [5] وإلهي إنني بك صبّة ... فهل أنت يا من لا عدمت مثيب؟ [6]
لمن أنت منه في الفؤاد مصوّر ... وفي العين نصب العين حين تغيب
فثق بوداد أنت مظهر مثله ... على أنّ بي سقما وأنت طبيب
تجيز بيتا أنشده المتوكل
أخبرني جعفر بن قدامة، قال: حدّثني يحيى بن عليّ بن يحيى المنجّم، قال: حدّثني الفضل بن العباس الهاشميّ، قال: حدّثتني بنان الشاعرة، قالت [7]:
اتكأ المتوكل على يدي ويد فضل الشاعرة، وجعل يمشي بيننا، ثم قال: أجيزا لي قول الشاعر:
تعلمت أسباب الرضا خوف عتبها [8] ... وعلّمها حبّي لها كيف تغضب
__________
[1] في المختار: «الغرام».
[2] في ما: «يا منيتي من أن يطاع حسود».
[3] في المختار: «يطلعها على حبه لها».
[4] في المختار: «فضل»، وهي أوضح وأشبه.
[5] في المختار: «لعمر إلهي».
[6] في المختار: «نصيب».
[7] في س: «قال»، وهو تحريف.
[8] في المختار: «سخطها».
فقال له فضل:
تصدّ وأدنو بالمودة جاهدا ... وتبعد عني بالوصال وأقرب
/ فقلت أنا:
وعندي لها العتبي على كلّ حالة ... فما منه لي بدّ ولا عنه مذهب
تجيب ببيت عن بيت ألقي عليها
أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان، قال: حدّثني أحمد بن أبي طاهر، قال: ألقى بعض أصحابنا على فضل الشاعرة:
ومستفتح باب البلاء بنظرة ... تزوّد منها قلبه حسرة الدهر
فقالت:
فو اللّه ما يدري أتدري بما جنت ... على قلبه أو أهلكته وما تدري؟
ارتجالها شعرا تجيز به بيتا
أخبرني محمد بن خلف [1]، قال: حدّثني أحمد بن أبي طاهر، قال:
ألقيت أنا على فضل الشاعرة:
علم الجمال تركتني ... بهواك [2] أشهر من علم
فقالت على البديهية:
وأبحتني يا سيّدي ... سقما يجلّ عن السقم
وتركتني غرضا - فدي ... تك - للعواذل والتّهم
صلة المحبّ حبيبه ... اللّه يعلمه كرم
أخبرني محمد بن خلف، قال: حدّثني محمد بن الوليد، قال:
سمعت عليّ بن الجهم يقول: كنت يوما عند فضل الشاعرة، فلحظتها لحظة استرابت بها، فقالت:
يا ربّ رام حسن تعرّضه ... يرمي ولا يشعر أني غرضه
/ فقلت:
أيّ فتى لحظك ليس يمرضه ... وأيّ عقد محكم لا ينقضه!
فضحكت، وقالت: خذ في غير هذا الحديث.
تتشوق إلى حبيب
حدّثني عمّي، قال: حدّثنا محمد بن القاسم بن مهرويه، قال: حدّثني إبراهيم بن المدبّر، قال:
__________
[1] ف: «أخبرني على بن صالح».
[2] ف، ما: في «الحب».
كتبت فضل الشاعرة إلى سعيد بن حميد أيام كانت بينهما محبة وتواصل:
وعيشك لو صرّحت باسمك في الهوى ... لأقصرت عن أشياء في الهزل والجدّ
ولكنني أبدي لهذا مودّتي ... وذاك، وأخلو فيك بالبثّ والوجد
مخافة أن يغري بنا قول كاشح ... عدوّا [1] فيسعى بالوصال إلى الصدّ
فكتب إليها سعيد:
تنامين عن ليلى وأسهره وحدي ... وأنهى جفوني أن تبثّك ما عندي
فإن كنت لا تدرين ما قد فعلته ... بنا فانظري ما ذا على قاتل العمد؟
قال عمي: هكذا ذكر ابن مهرويه.
وحدّثني به عليّ بن الحسين بن عبد الأعلى، فذكر أن بيتي سعيد كانا الابتداء، وأن أبيات فضل كانت الجواب. وذكر لهما خبرا في عتاب عاتبها به، ولم أحفظه، وإنما سمعته يذكره، ثم أخرج إليّ كتابا بعد ذلك فيه أخبار عن عليّ بن الحسين، فوجدت هذا الخبر فيه، فقرأته عليه.
قال عليّ بن الحسين بن عبد الأعلى:
/ حضر سعيد بن حميد مجلسا حضرته فضل الشاعرة وبنان، وكان سعيد يهواها، وتظهر له هوى، ويتهمها مع ذلك ببنان، فرأى فيها إقبالا شديدا على بنان، فغضب وانصرف، فكتبت إليه فضل بالأبيات الأوّل، وأجابها بالبيتين الآخرين، فاتفقت رواية ابن مهرويه وعليّ بن الحسين في هذا الخبر.
تعتذر من حجب زائرين عنها دون علمها
أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان، قال: حدّثني أبو يوسف بن الدقاق الضرير، قال:
صرت أنا وأبو منصور الباخرزيّ إلى منزل فضل الشاعرة فحجبنا عنها وانصرفنا، وما علمت بنا، ثم بلغها مجيئنا وانصرافنا فكرهت ذلك وغمّها، فكتبت إلينا تعتذر:
وما كنت أخشى أن تروا لي زلّة ... ولكنّ أمر اللّه ما عنه مذهب
أعوذ بحسن الصفح منكم وقبلنا ... بصفح وعفو ما تعوّذ مذنب
فكتب إليها أبو منصور الباخرزيّ:
لئن أهديت عتباك لي ولإخوتي ... فمثلك يا فضل الفضائل [2] يعتب
إذا اعتذر الجاني محا العذر ذنبه ... وكلّ امرىء لا يقبل العذر مذنب
شعرها للمتوكل وقد يئست من إيقاظه لموعد بينهما
حدّثني عليّ بن هارون بن عليّ بن يحيى المنجّم، قال: حدّثني عمّي عن جدّي، قال:
قال لي المتوكل يوما - وفضل واقفة بين يديه: يا عليّ، كان بيني وبين فضل موعد، فشربت شربا فيه فضل،
__________
[1] في س: «عدو»، بالرفع.
[2] في مم: «الفواضل».
فسكرت ونمت، وجاءتني للموعد، فحركتني بكل ما ينتبه به النائم من قرص وتحريك وغمز وكلام، فلم أنتبه. فلما علمت أنه لا حيلة لها فيّ كتبت رقعة ووضعتها على مخدّتي، فانتبهت فقرأتها، فإذا فيها:
/قد بدا شبهك يا مو ... لاي يحدو بالظلام
قم بنا نقض لبانا ... ت التزام والتثام
قبل أن تفضحنا عو ... دة أرواح النّيام
تهاجي جارية هشام المكفوف
أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان، قال: حدّثني أحمد بن أبي طاهر، قال:
كانت فضل الشاعرة تهاجي خنساء جارية هشام المكفوف، وكانت شاعرة، وكان أبو شبل عاصم [1] بن وهب يعاون فضلا عليها، ويهجوها مع فضل. وكان القصيديّ والحفصي [2] يعينان خنساء على فضل وأبي شبل، فقال أبو شبل على لسان فضل:
خنساء طيري بجناحين ... أصبحت معشوقة نذلين
من كان يهوى عاشقا واحدا ... فأنت تهوين عشيقين
هذا القصيديّ وهذا الفتى الح ... فصيّ قد زاراك فردين
نعمت من هذا وهذا كما ... ينعم خنزير بحشّين [3]
فقالت خنساء تجيبها:
ماذا مقال لك يا فضل بل ... مقال خنزيرين فردين
يكنى أبا الشبل ولو أبصرت ... عيناه شبلا راث [4] كرّين [5]
وقالت فضل في خنساء:
/إنّ خنساء لا جعلت فداها ... اشتراها الكسّار من مولاها
ولها نكهة يقول محاذي ... ها أهذا حديثها أم فساها!
وقالت خنساء في فضل وأبي شبل:
تقول له فضل إذا ما تخوّفت ... ركوب قبيح الذّلّ في طلب الوصل
حر امّ فتى لم يلق في الحب ذلة ... فقلت لها لا بل حر امّ أبي الشبل
وقالت خنساء تهجو أبا شبل:
ما ينقضي فكري وطول تعجّبي ... من نعجة تكنى أبا الشبل
__________
[1] ف، مم: «عصم بن وهب».
[2] ف، ما: «الصلحي».
[3] الحشان: مثنى حشن، وهو البستان، ثم نقل إلى موضع قضاء الحاجة؛ لأنهم كانوا يقضون حوائجهم في البساتين.
[4] يقال: راث الفرس، كما يقال: تغوط الإنسان.
[5] الكران: مثنى كر، بالضم. وهو مكيال، قيل: إنه أربعون إردبا.
لعب الفحول بسفلها وعجانها [1] ... فتمرّدت كتمرّد الفحل
لما اكتنيت بما اكتنيت به ... وتسمّت [2] النقصان بالفضل
كادت بنا الدنيا تميد ضحى ... ونرى السماء تذوب كالمهل [3]
قال: فغضب أبو شبل لذلك، ولم يجبها، وقال يهجو مولاها هشاما:
نعم مأوى العزّاب بيت هشام ... حين يرمي اللّثام باغي اللثام
من أراد السرور عند حبيب ... لينال السرور تحت الظلام
فهشام نهاره ودجى الل ... يل سواء نفسي فداء هشام
ذاك حرّ دواته ليس تخلو ... أبدا من تخرّق الأقلام
زارت سعيد بن حميد فأعجلها طلب الخليفة
حدّثني عمي، قال: حدّثني ميمون بن هارون، قال:
زارت فضل الشاعرة سعيد بن حميد ليلة على موعد سبق بينهما، فلما حصلت عنده/ جاءتها جاريتها مبادرة تعلمها أن رسول الخليفة قد جاء يطلبها، فقامت مبادرة فمضت، فلما كان من غد كتب إليها سعيد:
ضنّ الزمان بها فلما نلتها ... ورد الفراق فكان أقبح وارد
والدّمع ينطق للضمير مصدّقا ... قول المقرّ مكذّبا للجاحد
ترثي المنتصر وتبكيه
حدّثني الحسن بن عليّ، قال: حدثنا ابن أبي الدنيا، قال: حدّثني ميسرة بن محمد، قال: حدّثني عبيد بن محمد، قال:
قلت لفضل الشاعرة: ماذا نزل بكم البارحة؟ - قال: وذلك في صبيحة قتل المنتصر المتوكل [4] - فقالت وهي تبكي:
إنّ الزمان بذحل [5] كان يطلبنا ... ما كان أغفلنا عنه وأسهانا!
مالي وللدهر قد أصبحت همته ... مالي وللدّهر لاكانا!
شعرها في حضرة المتوكل يوم نيروز
أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان، قال: حدّثني محمد بن الفضل، قال: حدّثني أبو هفّان، قال: حدّثني أحمد بن أبي فنن، قال:
__________
[1] العجان: الاست.
[2] تسمت، كأنه من السمت، وهو هيئة أهل الخير، والمراد تشبه أو تزين.
[3] المهل، من معانيه: القطران الرقيق، والغائب من الصفر والحديد.
[4] كذا في ف، وفي ما: «في صبيحة قتل المنتصر المعتز»، وفي س: «قتل المنتصر أو المعتز».
[5] الذحل: الثأر.
خرجت قبيحة [1] إلى المتوكل يوم نيروز وبيدها كأس بلّور بشراب صاف، فقال لها: ما هذا فديتك؟ قالت:
هديّتي لك في هذا اليوم، عرّفك اللّه بركته! فأخذه من يدها، وإذا على خدّها: جعفر، مكتوبا [2] بالمسك، فشرب الكأس وقبّل خدها، وكانت فضل الشاعرة واقفة على رأسه فقالت:
صوت
وكاتبة بالمسك في الخدّ جعفرا ... بنفسي سواد المسك من حيث أثّرا
لئن أثّرت بالمسك سطرا [3] بخدّها ... لقد أودعت قلبي من الحزن [4] أسطرا
فيا من مناها في السريرة جعفر ... سقى اللّه من سقيا ثناياك جعفرا
الغناء لعريب، خفيف رمل. قال: وأمر عريب فغنّت فيه. وقالت فضل في ذلك أيضا:
سلافة كالقمر الباهر ... في قدح كالكوكب الزاهر
يديرها خشف [5] كبدر الدجى ... فوق قضيب أهيف ناضر
على فتى أروع من هاشم ... مثل الحسام المرهف الباتر
وقد رويت الأبيات الأول لمحبوبة شاعرة المتوكل، ولها أخبار وأشعار كثيرة قد ذكرت بعضها في موضع آخر من هذا الكتاب.
تتشوق إلى سعيد بن حميد
أخبرني محمد بن خلف، قال: أخبرني أبو الفضل [6] المروروذيّ، قال: كتبت فضل الشاعرة إلى سعيد بن حميد:
بثثت هواك في بدني وروحي ... فألّف فيهما طمعا بياس
فأجابها سعيد في رقعتها:
كفانا اللّه شرّ اليأس إني ... لبغض اليأس أبغض كل آسى
تميل إلى بنان ويفتر ما بينها وبين سعيد بن حميد
حدّثني عمّي، قال: حدّثني ابن أبي المدور الوراق، قال:
كنت عند سعيد بن حميد، وكان قد ابتدأ ما بينه وبين فضل الشاعرة يتشعّب، وقد بلغه ميلها إلى بنان وهو بين المصدق والمكذب بذلك، فأقبل على صديق له فقال: أصبحت واللّه من أمر فضل في غرور، أخادع نفسي بتكذيب
__________
[1] قبيحة: اسم جارية.
[2] ف: «و كان على خدها مكتوب جعفرا بنفسك».
[3] كذا في المختار، وفي س: «سكرا»، وهو تحريف.
[4] ف، ما: «من الحب».
[5] الخشف، مثلثة: ولد الظبي أول ما يولد، أو أول ما يمشي.
[6] ف، ما: «الفضل».
العيان، وأمنّيها ما قد حيل دونه. واللّه إنّ إرسالي إليها بعد ما قد لاح من تغيرها لذلّ، وإنّ عدولي عنها وفي أمرها شبهه لعجز، وإنّ تصبري عنها لمن دواعي التلف، وللّه درّ محمد بن أمية [1] حيث يقول:
يا ليت شعري ما يكون جوابي ... أمّا الرسول فقد مضى بكتابي
وتعجّلت نفسي الظنون وأشعرت ... طمع الحريص وخيفة المرتاب
وتروعني حركات كلّ محرّك ... والباب يقرعه وليس ببابي
كم نحو باب الدار لي من وثبة ... أرجو الرسول بمطمع كذّاب
والويل لي من بعد هذا كلّه ... إن كان ما أخشاه ردّ جوابي
تعتذر إلى بنان وقد غضب عليها فلا يقبل عذرها
حدّثني جحظة، قال: حدّثني عليّ بن يحيى المنجّم، قال:
غضب بنان على فضل الشاعرة في أمر أنكره عليها، فاعتذرت إليه، فلم يقبل معذرتها، فأنشدتني لنفسها في ذلك:
يا فضل صبرا إنها ميتة ... يجرعها الكاذب والصادق
ظنّ بنان أنني خنته ... روحي إذا من بدني طالق
تجيز بيتا لعلي بن الجهم طلب إليها إجازته
أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان، قال: حدّثني أبو العباس المروزيّ، قال:
قال المتوكل لعليّ بن الجهم: قل بيتا، وطالب فضل الشاعرة بأن تجيزه، فقال عليّ: أجيزي يا فضل:
/لاذ بها يشتكي إليها ... فلم يجد عندها ملاذا
قال: فأطرقت هنيهة ثم قالت:
فلم يزل ضارعا إليها ... تهطل أجفانه رذاذا
فعاتبوه فزاد عشقا ... فمات وجدا فكان ماذا؟
فطرب المتوكل، وقال: أحسنت وحياتي يا فضل، وأمر لها بمائتي دينار، وأمر عريب فغنّت في الأبيات.
قال مؤلف هذا الكتاب [2]: أعرف في هذه الأبيات هزجا لا أدري أهو هذا اللحن، أم غيره؟ ولم أره في أغاني عريب، ولعله شذّ عنها.
صوت
أمامة لا أراك اللّ ... ه ذل معيشة أبدا
ألا تستصلحين فتى ... وقاك السوء قد فسدا
غلام كان أهلك مرّ ... ة يدعونه ولدا
__________
[1] ف: «محمد بن أبي أمية».
[2] ف: «قال الأصفهاني».
الشعر لعبد اللّه بن محمد بن سالم الخياط، والغناء للرّطّاب الجدي، ثاني ثقيل، بالوسطى عن عمرو، وفيه ليحيى المكي ثاني ثقيل بالخنصر في مجرى البنصر عن إسحاق وأحمد بن المكي.
وذكر عبد اللّه بن موسى بن محمد بن إبراهيم الإمام عن قلم الصالحية أنها أخذت اللحن المنسوب إلى الرّطّاب عن تينة، وسألته عن صانعه فأخبرها أنه له.
تم الجزء التاسع عشر من كتاب الأغاني ويليه إن شاء اللّه تعالى الجزء العشرون وأوّله: نسب ابن الخياط وأخباره
فهرس موضوعات الجزء التاسع عشر
الموضوع الصفحة
ذكر أبي محجن ونسبه 5
أخبار زهير بن جناب ونسبه 14
نسب مسلم بن الوليد وأخباره 24
أخبار محمد بن وهيب 52
أخبار مزاحم ونسبه 68
أخبار بكر بن النطاح ونسبه 73
مقتل مصعب بن الزبير 84
ذكر أشعب وأخباره 93
أخبار عويف ونسبه 123
أخبار عبد اللّه بن جحش 141
بعض أخبار للعرجي 144
أخبار عبد اللّه بن العباس الربيعي 146
أخبار سلم الخاسر ونسبه 173
أخبار أبي صدقة 192
أخبار فضل الشاعرة 199
الجزء العشرون
[تتمة التراجم]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ*
1 - نسب ابن الخياط وأخباره
نسبه وولاؤه:
هو عبد اللّه بن محمد بن سالم بن يونس بن سالم. ذكر الزبير بن بكار أنه مولى لقريش، وذكر غيره أنه مولى لهذيل.
أوصافه:
وهو شاعر ظريف، ماجن خليع، هجّاء خبيث، مخضرم من شعراء الدولة الأموية والعباسية. وكان منقطعا إلى آل الزبير بن العوام مدّاحا لهم، وقدم على المهديّ مع عبد اللّه بن مصعب فأوصله إليه، وتوصل له إلى أن سمع شعره وأحسن صلته.
يمدح المهدي فيجيزه، ثم يمدحه فيضعف جائزته:
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال: حدثنا الزبير بن بكّار قال: حدّثني يونس بن عبد اللّه بن سالم الخياط قال:
دخل أبي على المهدي فمدحه، فأمر له بخمسين ألف درهم، فقال يمدحه:
أخذت بكفّي كفّه أبتغي الغنى ... ولم أدر أن الجود من كفه يعدى
فلا أنا [1] منه ما أفاد ذوو الغنى ... أفدت وأعداني فأتلفت ما عندي
/ قال: فبلغ المهديّ خبره، فأضعف جائزته، وأمر بحملها إليه إلى منزله.
قال الزبير بن بكّار: سرق ابن الخياط هذا المعنى من ابن هرمة.
كان من الهجائين:
أخبرني الحسن بن عليّ الخفّاف قال: حدّثنا أحمد بن أبي خيثمة، قال: حدّثني مصعب بن عبد اللّه قال:
سمعت أبي يقول:
لم يبرح هذه الثنيّة قطّ أحد يقذف أعراض الناس ويهجوهم، قلت: مثل من؟ قال:/ الحزين الكنانيّ، والحكم بن عكرمة الدّؤليّ، وعبد اللّه بن يونس الخياط، وابنه يونس، وأبو الشدائد.
عقوق ابنه يونس له:
أخبرني محمد بن مزيد قال: حدّثنا الزبير بن بكّار قال:
كان يونس بن الخياط عاقّا لأبيه، فقال أبوه فيه:
__________
[1] كذا في جميع النسخ، ونرجح أنها «فما أنا منه» بدل «فلا أنا» لأن «لا» في مثل هذا الموطن يجب أن تتكرر.
يونس قلبي عليك يلتهف ... والعين عبرى دموعها تكف
تلحفني كسوة العقوق فلا ... برحت منها ما عشت تلتحف
أمرت بالخفض للجناح وبالر ... فق فأمسى يعوقك الأنف
وتلك واللّه من زبانية ... إن سلّطوا في عذابهم عنفوا
فأجابه ابنه يونس، فقال:
أصبح شيخي يزري به الخرف ... ما إن له حرمة ولا نصف
صفاتنا في العقوق واحدة ... ما خلتنا في العقوق نختلف
لحفته سالفا [1] أباك فقد ... أصبحت مني كذاك تلتحف
يهجو رجلا شيد دارا وكان يعرفه بالضعة:
أخبرني محمد بن خلف وكيع قال: حدّثني طلحة بن عبد اللّه قال: حدّثني أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن داود قال:
مرّ ابن الخياط بدار رجل كان يعرفه قبل ذلك بالضّعة وخساسة الحال، وقد شيّد بابها وطرمح [2] بناءها، فقال:
أطله فما طول البناء بنافع ... إذا كان فرع الوالدين قصيرا
يهجو موسى بن طلحة فلا يكترث لهجائه فيناشده أن يكتم عليه:
أخبرني وكيع قال: أخبرني إبراهيم بن إسحاق بن إبراهيم بن صالح قال: أخبرني العامريّ قال:
/ هجا ابن الخياط موسى بن طلحة بن بلال التيميّ، فقال:
عجب الناس للعجيب المحال ... حاض موسى بن طلحة بن بلال
زعموه يحيض في كلّ شهر ... ويرى صفرة لكل هلال
قال: فلقيه موسى، فقال: يا هذا، وأيّ شيء عليك؟ نعم حضت، وحملت، وولدت وأرضعت. فقال له ابن الخياط: أنشدك اللّه ألا يسمع هذا منك أحد فيجترىء على شعري الناس، فلا يكون شيئا، ولن يبلغك عني ما تكره بعد هذا، فتكافّا.
شعره وقد رأى أبو عمران القاضي رأيا قوبل بالاستحسان:
أخبرني الحرميّ قال: حدّثني الزبير قال: حدّثني مصعب بن عثمان قال:
ما رأيت بريق صلع الأشراف في سوق الرقيق أكثر منها يوم رحب القتيلة [3] جارية إبراهيم بن أبي قتيلة، وكان يعشقها، وبيعت في دين عليه، فبلغت خمسمائة دينار فقال المغيرة بن عبد اللّه لابن أبي قتيلة: ويحك! اعتقها فتقوّم
__________
[1] ف: «سالما».
[2] طرمح: طول.
[3] ف: «يوم أخرجت القتيلية».
عليك، فتتزوّجها، ففعل. فرفع ذلك إلى أبي عمران - وهو القاضي يومئذ - فقال: أخطأ الّذي أشار عليه في الحكومة. أما نحن في الحكومة فقد عرفنا أن قد بلغت خمسمائة دينار،/ فاذهبوا فقوّموها، فإن بلغت القيمة أكثر من هذا ألزمناه، وإلّا فخذوا منه خمسمائة دينار، فاستحسن هذا الرأي، وليس عليه الناس قبلنا، فقال ابن الخياط يذكر ذلك من أمر ابن قتيلة وما كان من أمر جاريته:
يا معشر العشّاق من لم يكن ... مثل القتيليّ فلا يعشق
لما رأى السّوّام قد أحدقوا ... وصيح في المغرب والمشرق
واجتمع الناس على درّة ... نظيرها في الخلق لم يخلق
وأبدت الأموال أعناقها ... وطاحت العسرة للمملق
/ قلّب فيه الرأي في نفسه ... يدير ما يأتي وما يتّقي
أعتقها والنفس في شدقها ... للمعتق المنّ على المعتق
وقال للحاكم في أمرها ... إن افترقنا فمتى نلتقي؟
وأخبرني بهذا الخبر وكيع قال: قال الزبير بن بكّار، وذكر مثل ما ذكره الحرميّ، وزاد فيه:
فكان فيهم - يعني فيمن حضر - لابتياعها موسى بن جعفر بن محمد بن زيد بن عليّ، والقاسم بن إسحاق بن عبد اللّه بن جعفر، وغيرهم. قال: فرأيتهم قياما في الشمس يتزايدون فيها. وقال في خبره: ابن أبي قتيلة بالتاء.
يسأل سائل عنه ابنه يونس فيمضى به إليه فيستنشده شعره في العصبية:
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال: حدثنا الزبير بن بكّار قال: حدّثني يونس بن عبد اللّه بن سالم الخياط قال:
كنت ذات عشية في مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وقت العصر في [1] أيام الحاج، فإذا أنا برجل جميل عليه مقطّعات خزّ، وإذا معه جماعة. فوقف إلى جنبي فصلّى ركعتين، ثم أقبل عليّ - وكان ذلك من أسباب الرزق - فقال: يا فتى، أتعرف عبد اللّه ابن سالم الخياط؟ فقلت: نعم. فلما صلينا قال: امض بنا إليه، فمضيت به [2]، فاستخرجت له أبي من منزله، فقال [3] الرجل: بلغني أنّك قلت شعرا في أمر العصبية، فقال له أبي: ومن أنت بأبي أنت وأمي؟
فقال: أنا خزيم بن أبي الهيذام، فقال له أبي: نعم قد قلته، وأنشده:
اسقياني من صرف هذي المدام [4] ... ودعاني وأقصرا من [5] ملامي
واشربا حيث شئتما إن قيسا ... قد علا عزّها فروع الأنام
/ ليس واللّه بالشآم يمان ... فيه روح ولا بغير الشآم
يطعم النوم حين تكتحل الأعين بالنوم عند وقت المنام
__________
[1] كذا في ب، ج. وفي س: «لي»، تحريف.
[2] كذا في ب، س. وفي ج: «معه».
[3] كذا في ب، س. وفي ج: «فقال له».
[4] في س: «المداما»، تحريف.
[5] في ج: «عن».
حذرا من سيوف ضرغامة عا ... د على الهول باسل مقدام
من بني مرة الأطايب يكنى ... عند دسر [1] الرماح [2] بالهيذام
ابنه يونس ينافسه ليحرمه جائزة:
قال: فأشرع الفتى يده إليه بشيء وجزّاه خيرا. قال يونس: فبادرت فأخذت بيد المرّي وقلت له: لا تعجل فإني قد قلت شعرا أجود من شعره. قال أبي: ويلك يا يونس يا عاضّ بظر أمه! تحرمني؟ فقلت: دع هذا عنك، فو اللّه لا تجوع امرأتي وتشبع امرأتك، فقلت ليونس: ومن كانت امرأة أبيك يومئذ؟ فقال: أمي، وجمعت واللّه عقوقهما [3]. فقال لي المرّي/ أنشد فأنشدته:
اسقياني يا صاحبيّ اسقياني ... ودعاني من الملام دعاني
اسقياني هديتما من كميت ... بننت عشر مشمولة أسقياني
فضّ عنها ختامها إذ سباها ... واضح الخد من بني عدنان
نتحايا [4] بالكأس أربعة في الدّ ... ور هذان ناعمان وذان
ذا لهذا ريحانة مثل هذا ... ك لهذا من طيّب الريحان
فنهضنا لموعد كان منا ... إذ سمعنا تجاوب البكمان
فنعمنا حولين بهرا وعشنا ... بين دفّ ومسمع ودنان
ثم هجنا للحرب إذ شبّت الحر ... ب ففزنا فيها بسبق الرّهان
/ إنّ قيسا في كلّ شرق وغرب ... خارج سهمها على السّهمان
منع اللّه ضيمنا بأبي الهي ... ذام حلّف السماح والإحسان
واليمانون يفخرون أما يد ... رون أن النبيّ غير يمان
قال: فقال الفتى لأبي: قد وجب علينا من حقه مثل ما وجب علينا من حقك يا شيخ؛ واستظرف ما جرى بيني وبين أبي، وقسم الدنانير بيننا، وكانت خمسين دينارا.
ابنه يعصر حلقه فيعترف لمنقذه بأن عق أباه من قبله:
أخبرني الحسن بن عليّ قال: حدثنا محمد بن موسى بن حماد قال: حدّثني الزبير قال:
مرّ رجل بيونس بن عبد اللّه بن الخياط - وهو يعصر حلق أبيه وكان عاقّا به - فقال له: ويلك أتفعل هذا بأبيك؟
وخلّصه من يده، ثم أقبل على الأب يعزّيه ويسكّن منه، فقال له الأب: يا أخي لا تلمه، واعلم أنه ابني حقّا. واللّه لقد خنقت أبي في هذا الموضع الّذي خنقني فيه. فانصرف عنه الرجل وهو يضحك.
__________
[1] دسر: طعن.
[2] كذا في ج: وفي ب، س: «الرياح»، تحريف.
[3] كذا في ب، س. وفي ج: «عقوقهما معا».
[4] في س، ب: «نتخايا»، تحريف.
يشكو حاله إلى محمد بن سعيد فيأمر له بمعونة فيمدحه:
أخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن عمار قال: حدّثني عليّ بن محمد بن سليمان النّوفليّ عن عمه عيسى قال:
شكا عبد اللّه بن يونس الخياط إلى محمد بن سعيد بن المغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب حاله وضيقا قد ناله، فأمر له بدنانير وكسوة وتمر، فقال يمدحه:
يا بن سعيد يا عقيد الندى ... يا بارع الفضل على المفضل
حللت في الذّروة من هاشم ... وفي يفاع من بني نوفل
فطاب في الفرعين هذا وذا ... ما اعتمّ من منصبك الأطول
قد قلت للدهر وقد نالني ... بالناب والمخلب والكلكل
/ قد عذت من ضرّك مستعصما ... بهاشميّ ماجد نوفلي
فقال لي أهلا وسهلا معا ... فزت ولم يمنع ولم يبخل
الدهر شقّان فشقّ له ... لين وشقّ خشن المنزل
وأخشن الشقّين عنّي نفي ... وشقّه الألين ما عاش لي
فقل لهذا الدهر ما عاش لا ... تبق ولا ترع ولا تأتلي
يأخذه والى الحجاز بالصلاة فيحاول أن يعفيه منها:
أخبرني محمد بن مزيد قال: حدثنا الزبير بن بكار قال:
أخذ أبي - لما ولي الحجاز/ عبد اللّه بن يونس الخيّاط - بأن يصلي الصلوات الخمس مع الجماعة في مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فجاءني هو ومحمد بن الضحاك وجعفر بن الحسين اللّهبيّ، فوقف بين يديّ، ثم أنشدني:
قل للأمير يا كريم الجنس ... يا خير من بالغور أو بالجلس [1]
وعدّتي لولدي ونفسي ... شغلتني بالصلوات الخمس
فقلت له: ويلك! أتريد أن أستعفيه لك من الصلاة؟ واللّه ما يعفيك، وإن ذلك ليبعثه على اللّجاج في أمرك، ثم يضرك عنده. فمضى وقال: نصبر إذن حتى يفرج اللّه تعالى.
شعره في صديق كان يدعوه ليشرب معه:
أخبرني محمد قال حدثنا الزبير بن بكّار قال حدثنا يونس بن الخياط قال:
كان لأبي صديق، وكان يدعوه ليشرب معه، فإذا سكر خلع عليه قميصه، فإذا [2] صحا من غد بعث إليه فأخذه منه فقال أبي فيه:
__________
[1] الجلس: بلاد نجد، أو الغليظ من الأرض.
[2] في ج: «و إذا».
/
كاني قميصا مرتين إذا انتشى [1] ... وينزعه مني إذا كان صاحيا
فلي فرحة في سكره بقميصه ... وروعاته [2] في الصحو حصّت [3] شواتيا [4]
فياليت حظي من سروري وروعتي ... تكون كفافا لا عليّ ولا ليّا
ابنه يعقه، وابن ابنه يعق أباه:
أخبرنا وكيع قال حدثنا محمد بن الحسن بن مسعود الزّرفيّ قال:
قال يونس بن عبد اللّه الخيّاط لأبيه، وكان عاقا به:
ما زال بي ما زال بي ... طعن أبي في النسب
حتى تريّبت وحت ... ى ساء ظني بأبي
قال: ونشأ ليونس ابن يقال له: دحيم، فكان أعق الناس به، فقال يونس فيه:
جلا دحيم عماية الرّيب ... والشكّ مني والطعن في النسب [5]
ما زال بي الظّنّ والتشكّك حت ... ى عقّني مثل ما عققت أبي
ابنه ينشد سعيد ابن عمرو نسيبا فيقر يعجزه عن مثله:
أخبرني الحرّمي بن أبي العلاء قال: حدثنا الزبير بن بكّار قال: حدّثني يونس بن الخيّاط قال:
أنشدت سعيد بن عمرو الزبيريّ:
لو فاح ريح حبيبة من حبّها ... فاحت رياح حبيبتي من ريحي
قال: فقال لي سعيد بن عمرو: واللّه إني لأقول النسيب، فلا أقدر على مثل هذا/ فقلت له: ومن أين تقدر على مثل هذا يا أبا عثمان؟ لا تقدر [6] واللّه على مثله حتى يسوء الثناء عليك.
يؤثر ابنه بالفريضة:
أخبرني الحرميّ قال: حدثنا الزّبير قال حدّثني يونس بن الخيّاط قال:
لما أعطى المهديّ المغيرة بن حبيب ألف فريضة يضعها حيث شاء جاءه أبي عبد اللّه ابن سالم، وقال له:
ألف تدور على يد لممدّح ... ما سوق مادحه لديه بكاسد [7]
الظنّ مني لو فرضت لواحد ... في الأعجمين خصصتني بالواحد [8]
__________
[1] في س: «انتسى»، تحريف.
[2] كذا في أ، ب، س. وفي ج: «روعته».
[3] الحص: حلق الشعر.
[4] الشواة: جلدة الرأس.
[5] ب، س: «نسبي».
[6] كذا في ب، س. وفي ج: «و لا واللّه ما تقدر».
[7] ف: «بكاسده».
[8] ف: «بواحده».
قال: فقال له المغيرة: أيهما أحب إليك: أأفرض لك أم لابنك يونس؟ فقال له: أنا شيخ كبير، هامة اليوم أو غد، افرض لابني يونس، ففرض لي في خمسين دينارا، فلما خرجت الأعطية الثلاثة في زمن الرشيد على يدي بكار بن عبد اللّه قال لي خليفته وخليفة أيوب بن أبي سمير - وهما يعرضان أهل ديوان العطاء - : أنت من هذيل ونراك قد صرت من آل الزبير/ فنردّك إلى فرائض هذيل خمسة دينارا. فقال لهما بكّار: إنما جعلتما لتتّبعا ولا تبتدعا، أمضياه، فأعطياني مائة وخمسين دينارا.
ابنه يهجو هشام بن عبد اللّه حين ولي القضاء ليغض منه:
أخبرني محمد بن خلف وكيع قال: حدّثني محمد بن الحسن بن مسعود الزّرقيّ قال: حدثنا ابن أبي قباحة الزهريّ قال:
لما عزل ابن عمران - وهو عبد اللّه بن محمد بن عمران التيميّ - عن القضاء، واستعمل هشام بن عبد اللّه بن عكرمة المخزوميّ، جزع ابن عمران من ذلك، فقال بعض أصحابه ليونس بن عبد اللّه الخياط: اهج هشاما بما يغضّ منه، فقال:
/كم تغنّى لي هشام ... ذلك الجلف الطويل
بعد وهن وهو في المج ... لس سكران يميل
هل إلى نار بسلع [1] ... آخر الدهر [2] سبيل
قلت للنّدمان لما ... دارت الراح الشمول
بأبي مال هشام ... فكما مال فميلوا
قال: وشهرها في الناس، وبلغ ذلك هشاما: لعنه اللّه؛ إن كان لكاذبا فقال ابن أبي قباحة: فقلت لابن الخياط:
كذبت، أما واللّه إنه لأمرّ من ذلك.
ابنه يطعن في نسبه بحضرة أبيه وأصحاب له:
أخبرنا وكيع قال: حدثنا محمد بن الحسن بن مسعود قال: قال يونس بن عبد اللّه بن الخياط:
جئت يوما إلى أبي وهو جالس وعنده أصحاب له؛ فوقفت عليهم لأغيظه، وقلت: ألا أنشدكم شعرا قلته بالأمس؟ قالوا: بلى، فأنشدتهم:
يا سائلي من أنا أو من يناسبني [3] ... أنا الّذي ماله أصل ولا نسب
الكلب يختال فخرا حين يبصرني ... والكلب أكرم مني حين ينتسب
لو قال لي الناس طرّا أنت الأمنا ... ما وهم الناس في ذاكم ولا كذبوا
قال: فوثب إليّ [4] ليضربني، وعدوت من بين يديه، فجعل يشتمني وأصحابه يضحكون.
__________
[1] سلع: اسم جبل بالمدينة، وآخر بهذيل.
[2] س. وفي ج: «الليل».
[3] في ج: «أناسيه».
[4] في ج: «أبي».
شعر ابنه وقد جلد في الشراب:
أخبرني وكيع قال: حدثنا محمد بن الحسن بن مسعود:
أن مالك بن أنس جلد يونس بن عبد اللّه بن سالم الخيّاط حدّا في الشراب. قال: وولي ابن سعيد القضاء بالمدينة، فقال يونس فيه:
بكتني النّاس لأن ... جلدت وسط الرحبه
وأنني أزني وقد ... غنّيت في المجتسبه
أعزف فيهم بعصا [1] ... مالك المقتضبه
فقلت لما أكثروا ... عليّ فيم الجلبه؟
ذا ابن سعيد قد قضى ... وحالنا مقتربه
لا بل له التفضيل فيما لم أنل والغلبه
بحسن صوت مطرب ... وزوجة مغتصبه
ابن الخياط يستزير الزبير ابن بكار في مرض موته ليجدد له عهدا:
أخبرني الحرميّ ابن أبي العلاء ووكيع، قال الحرميّ قال الزبير، وقال وكيع قال الزبير بن بكار:
أرسل إليّ ابن الخيّاط يقول: إني عليل [2] منذ كذا وكذا، ومنزلي على طريقك إذا/ صدرت إلى الثّنية [3]، وأنا أحب أن أجدّد بك عهدا، قال: فجعلته على طريقي، فوجدته على فرش مضرّبة [4]، وحوله وسائد، وهو مسجّى، فكشف ابنه الثوب عن وجهه، وقال له: فديتك، هذا أبو عبد اللّه. فقال له: أجلسني، فأجلسه وأسنده إلى صدره، فجعل يقول بنفس منقطع: بأبي أنت وأمي! أموت منذ بضع عشرة ليلة ما دخل/ على قرشيّ غيرك وغير الزبير بن هشام وإبراهيم بن المنذر ومحمد بن عبد اللّه البكريّ، ولا واللّه ما أعلم أحدا أحبّ قريشا كحبيّ. قال زبير: وذكر رجلا كان بيني وبينه خلاف فقال: لو كنت شابّا لفعلت بأمّه كذا وكذا، لا يكنى. ثم قال:
واللّه لو عادت بني مصعب ... حليلتي قلت لها: بيني
أو ولدي عن حبّهم قصّروا ... ضغطتهم بالرّغم والهون
أو نظرت عيني خلافا لهم ... فقأتها عمدا بسكين
ثم أقبل على ابنه، فقال: يا بنيّ أقول لك في أبي عبد اللّه ما قال ابن هرمة لابنه في الحسن بن زيد:
اللّه جار عتيّ دعوة شفقا ... من الزمان وشرّ الأقرب الوالي
من كل أحيد عنه لا يقرّبه ... وسط النجيّ [5] ولا في المجلس الخالي
__________
[1] في ب، س: «بعصا ابن مالك»، وفي ف: «أعرف»، بالراء.
[2] في ج: «إني أموت من كذا وكذا».
[3] في ج: «البنية»، وهي الكعبة.
[4] مضربة: ذات طاقين بينهما قطن.
[5] النجي: المتناجون.
يموت في غد اليوم الّذي زاره فيه الزبير:
قال الزبير: حدّثني محمد بن عبد اللّه البكريّ:
أنه دخل إليه بعدي في اليوم الّذي مات فيه، قال: فقال لي: يا أبا عبد اللّه، أنا أجود بنفسي منذ كذا وكذا ولا تخرج، ما هكذا كانت نفس عبيد ولا لبيد ولا الحطيئة، ما هي إلّا نفس كلب؛ قال: فخرجت فما أبعدت حتى سمعت الواعية [1] عليه.
صوت
بأبي مالك عنّي ... مائل الطرف كليلا!
وأرى برّك نزرا ... وتحفّيك قليلا
وتسمّيني عدوا ... وأسميك خليلا
أتعلّمت سلوّا ... أم تبدلت بديلا؟
أحمد اللّه فما أغ ... نى الرّجا فيك فتيلا
الشعر لعلّي بن جبلة، والغناء لزرزور غلام المارقي، خفيف رمل بالبنصر من روايتي الهشامي وعبد اللّه بن موسى. وفيه لعريب هزج، وفيه ثقيل أول من جيّد الغناء. ينسب إليها وإلى علّويه، وهو بغنائها أشبه منه بغناء علّويه.
__________
[1] الواعية: الصراخ والصوت. وفي ب، س: «الناعية».
2 - أخبار عليّ بن جبلة
نسبه ولقبه:
هو عليّ بن جبلة بن عبد اللّه الأبناويّ [1]، ويكنى أبا الحسن، ويلقب بالعكوّك، من أبناء الشيعة الخراسانية من أهل بغداد، وبها نشأ، وولد بالحربيّة [2] من الجانب الغربيّ. وكان ضريرا، فذكر عطاء الملط أنه كان أكمه، وهو الّذي يولد ضريرا، وزعم أهله أنه عمي بعد أن نشأ.
استنفد شعره في مدح أبي دلف وحميد الطوسي:
وهو شاعر مطبوع، عذب اللفظ جزله، لطيف العاني، مدّاح حسن التصرف. واستنفد شعره في مدح أبي دلف القاسم بن عيسى العجلي، وأبي غانم حميد بن عبد الحميد الطّوسيّ، وزاد في تفضيلهما وتفضيل أبي دلف خاصة حتى فضّل من أجله ربيعة على مضر، وجاوز/ الحد في ذلك. فيقال: إن المأمون طلبه حتى ظفر به، فسلّ لسانه من قفاه، ويقال: بل هرب، ولم يزل متواريا منه حتى مات ولم يقدر عليه؛ وهذا هو الصحيح من القولين، والآخر شاذ.
نشأته وتربيته:
أخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن عمار الثقفيّ قال: حدّثني الحسين بن عبد اللّه بن جبلة بن عليّ بن جبلة قال:
كان لجدّي أولاد، وكان عليّ أصغرهم، وكان الشيخ يرقّ عليه، فجدر، فذهبت إحدى عينه في الجدريّ، ثم نشأ فأسلم في الكتّاب، فحذق بعض ما يحذقه الصبيان، فحمل على دابّة ونثر عليه اللّوز، فوقعت على عينيه الصحيحة لوزة فذهبت، فقال الشيخ لولده: أنتم لكم أرزاق من السلطان، فإن أعنتموني على هذا الصبيّ،/ وإلّا صرفت بعض أرزاقكم إليه. فقلنا: وما تريد؟ قال: تختلفون به إلى مجالس الأدب
يقصد أبا دلف: ويمدحه فيتهم بانتحال القصيدة فيطلب أن يمتحن:
قال: فكنا نأتي به مجالس العلم ونتشاغل نحن بما يلعب به الصبيان، فما أتى عليه الحول حتى برع، وحتى كان العالم إذا رآه قال لمن حوله: أوسعوا للبغويّ [3] وكان ذكيا مطبوعا، فقال الشعر، وبلغه أنّ الناس يقصدون أبا دلف لجوده وما كان يعطي الشعراء، فقصده - وكان يسمّى العكوّك - فامتدحه بقصيدته الّتي أولها:
ذاد ورد الغيّ عن صدره ... وارعوى واللهو من وطره
يقول فيها في مدحه:
يا دواء الأرض أن فسدت ... ومديل اليسر من عسره
__________
[1] كذا في ف، وفي ب، س: «الأنباريّ».
[2] الحربية: محلة كبيرة ببغداد، تنسب إلى حرب بن عبد اللّه البلخي، أحد قواد المنصور.
[3] لعلّ المراد به المنسوب إلى بغشور: بفتح فسكون فضم، بلدة بين هراة ومرو الروز، والنسبة إليها بغوي. ويقال لها أيضا: بغ.
كلّ من في الأرض من عرب ... بين باديه إلى حضره
مستعير منك مكرمة ... يكتسيها يوم مفتخره
إنما الدنيا أبو دلف ... بين مبداه ومحتضره
فإذا ولّى أبو دلف ... ولّت الدنيا على أثره
فلما وصل إلى أبي دلف - وعنده من الشعراء وهم لا يعرفونه - استرابوه بها، فقال له قائدة: إنهم قد اتهموك، وظنوا أن الشعر لغيرك، فقال: أيها الأمير، إنّ المحنة تزيل هذا، قال: صدقت فامتحنوه.
القصيدة الّتي امتحن بها في وصف فرس أبي دلف:
فقالوا له: صف فرس الأمير، وقد أجّلناك ثلاثا، قال: فاجعلوا معي رجلا تثقون به يكتب ما أقول، فجعلوا معه رجلا، فقال هذه القصيدة في ليلته، وهي:
ريعت لمنشور على مفرقه ... ذمّ لها عهد الصّبا حين انتسب
أهداب [1] شيب جدد في رأسه ... مكروهة الجدّة أنضاء العقب [2]
أشرقن في أسود أزرين به ... كان دجاه لهوى البيض سبب
واعتقن أيام الغواني والصّبا ... عن ميّت مطلبه حيّ [3] الأدب
لم يزدجر مرعويا حين ارعوى ... لكن يد لم تتصل بمطّلب
لم أر كالشيب وقارا يجتوى ... وكالشّباب الغضّ ظلّا يستلب
فنازل لم يبتهج بقربه ... وذاهب أبقى جوى حين ذهب
كان الشباب لمّة أزهى بها ... وصاحبا حرّا عزيز المطحب
/ إذ أنا أجري سادرا في غيه ... لا أعتب الدهر إذا الدهر عتب
أبعد شأو اللهو في إجرائه ... وأقصد الخود وراء المحتجب
وأذعر الرّبرب عن أطفاله ... بأعوجيّ [4] دلفيّ المنتسب
تحسبه من مرح العزّ به ... مستنفرا بروعة أو ملتهب
مرتهج [5] يرتجّ من أقطاره ... كالماء جالت فيه ريح فاضطرب
تحسبه أقعد في استقباله ... حتى إذا استدبرته قلت أكبّ
__________
[1] كذا في أ. وفي ب، ج، س، مد: «أهدام»، جمع هدم بكسر فسكون، وهو الثوب البالي، أو المرقع.
[2] العقب: جمع عقبة، وهي النوبة.
[3] ب، س: «حب»، تحريف.
[4] أعوجي: منسوب إلى أعوج، فرس لبني هلال.
[5] مرتهج: يثير الغبار.
/
وهو على إرهاقه وطيّه ... يقصر [1] عنه المحزمان [2] واللّبب [3]
تقول فيه حنب [4] إذا انثنى ... وهو كمتن القدح ما فيه حنب
يخطو على عوج تناهبن [5] الثرى ... لم يتواكل عن شظى [6] ولا عصب
تحسبها ناتئة إذا خطت ... كأنها واطئة على الرّكب
شتا وقاظ برهتيه عندنا ... لم يؤت من برّ [7] به ولا حدب
يصان عصري حرّه وقرّه ... وتقصر الخور [8] عليه بالحلب [9]
حتى إذا تمّت له أعضاؤه ... لم تنحبس واحدة على عتب [10]
رمنا به الصيد فرادينا [11] به ... أوابد الوحش فأجدى واكتسب
مجذّم [12] الجرى يبارى ظلّه ... ويعرق الأحقب [13] في شوط الخبب [14]
إذا تظنينا [15] به صدقنا ... وإن تظني فوته العير كذب
/ لا يبلغ الجهد به راكبه ... ويبلغ الريح به حيث طلب
ثم انقضى ذاك كأن لم يعنه ... وكلّ بقيا فإلى يوم عطب
وخلف الدهر على أبنائه ... بالقدح [16] فيهم وارتجاع ما وهب
فحمّل الدهر ابن عيسى قاسما ... ينهض به أبلج فرّاج الكرب
كرونق السيف انبلاجا بالندى ... وكغراريه على أهل الرّيب
ما وسنت عين رأت طلعته ... فاستيقظت بنوبة من النّوب
لو لا ابن عيسى القرم كنّا هملا ... لم يؤتثل مجد ولم يرع حسب
__________
[1] كذا في ب، س. وفي أ، ج: «يقصر».
[2] المحزم: الحزام.
[3] اللبب: ما يشد في صدر الدابة ليمنع استئخار الرحل.
[4] كذا في أ، ج، مد. والحنب: أحد يداب في صلب الفرس. وفي ب، س: «خبب»، تحريف.
[5] في معظم النسخ: «تناهين»، تحريف.
[6] الشظى: انشقاق العصب.
[7] كذا بالأصول، ولعلها تحريف: تر، بفتح فتشديد، بمعنى سرعة الركض، أو امتلاء الجسم، أو اعتدال الأعضاء.
[8] الخور: جمع خيرة، وهي الخيرة من الإبل.
[9] الحلب: اللبن.
[10] العتب: الظلع، والمشي على ثلاث قوائم من العقر.
[11] رادينا: طلبنا مسابقين، وأصل الرديان أن يرجم الفرس الأرض بحوافره.
[12] كذا في ب، س. ومعناه مسرع. وفي أ: «محتدم».
[13] الأحقب: الحمار الوحش الّذي في بطنه أو خصره بياض.
[14] الخبب: نوع من العدو، والسرعة.
[15] تظنينا: أعملنا الظن.
[16] بالقدح: بالإصابة ملجم. وأصل القدح: الصدع في العود، والأكال في الشجر والأسنان.
ولم يقم في يوم بأس وندى ... ولا تلاقى سبب إلى سبب
تكاد تبدى الأرض ما تضمره ... إذا تداعت خيله هلا وهب [1]
ويستهلّ أملا وخيفة ... جانبها إذا استهلّ أو قطب
وهو وإن كان ابن فرعي وائل ... فبمساعيه يوافي [2] في الحسب
وبعلاه وعلا آبائه ... تحوى غداة السبق أخطار القصب
يا زهرة الدنيا ويا باب الندى ... ويا مجير الرّعب من يوم الرّهب
لولاك ما كان سدى [3] ولا ندى ... ولا قريش عرفت ولا العرب
خذها إليك من ملىء بالثنا ... لكنه غير ملىء بالنّشب
/ فاثو في الأرض أو استفزز بها ... أنت عليها الرأس والناس الذنب
شهادة الشعراء بأنه صاحب مدح أبي دلف:
قال: فلما غدا عليه بالقصيدة وأنشده إياها استحسنها من حضر، وقالوا: نشهد أن قائل/ هذه قائل تلك، فأعطاه ثلاثين ألف درهم. وقد قيل: إن أبا دلف أعطاه مائة ألف درهم، ولكن أراها في دفعات؛ لأنه قصده مرارا كثيرة، ومدحه بعدة قصائد.
المأمون يستنشد بعض جلسائه قصيدته في أبي دلف:
أخبرني الحسن بن عليّ الخفّاف قال: حدّثني محمد بن موسى بن حماد قال: حدّثني أحمد بن أبي فنن قال:
قال عبد اللّه بن مالك:
قال المأمون يوما لبعض جلسائه: أقسم على من حضر ممن يحفظ قصيدة عليّ بن جبلة الأعمى في القاسم بن عيسى إلّا أنشدنيها، فقال له بعض الجلساء: قد أقسم أمير المؤمنين، ولا بد من إبرار قسمه، وما أحفظها، ولكنها مكتوبة عندي. قال: قم فجئني بها، فمضى وأتاه بها، فأنشده إياها وهي:
ذاد ورد الغيّ عن صدره ... وارعوى واللّهو من وطره
وأبت إلّا البكاء له ... ضحكات الشيب في شعره
ندمي [4] أن الشباب مضى ... لم أبلّغه مدى أشره
وانقضت أيامه سلما ... لم أجد حولا على غيره
حسرت عني بشاشته ... وذوي المحمود من ثمره
ودم أهدرت من رشإ ... لم يرد عقلا على هدره
__________
[1] هلا وهب: اسمان لزجر الخيل.
[2] كذا في ج. وفي ب، س: «تراقي»، تحريف.
[3] س: «سرى».
[4] في ج: «ندما».
فأتت [1] دون الصبّا هنة ... فليت فوقي [2] على وتره
جارتا ليس الشباب لمن ... راح محنيّا على كبره
/ ذهبت أشياء كنت لها ... صارها [3] حلمي إلى صوره [4]
دع جدا قحطان أو مضر ... في يمانيه وفي مضره
وامتدح من وائل رجلا ... عصر [5] الآفاق في عصره
المنايا في مناقبه ... والعطايا في ذرا حجره
ملك تندى أنامله ... كانبلاج النّوء من مطره
مستهلّ عن مواهبه ... كابتسام الروض عن زهره
جبل عزّت مناكبه ... أمنت عدنان في ثغره
إنما الدنيا أبو دلف ... بين مبداه [6] ومحتضره
فإذا ولّى أبو دلف ... ولّت الدنيا على أثره
لست أدري ما أقول له ... غير أن الأرض في خفره
يا دواء الأرض إن فسدت ... ومديل اليسر من عسره
كلّ من في الأرض من عرب ... بين باديه إلى حضره
مستعير منك مكرمة ... يكتسيها يوم مفتخره
يقول فيها:
وزحوف في صواهله ... كصياح [7] الحشر في أثره
/ قدته والموت مكتمن ... في مذاكيه ومشتجره [8]
/فرمت جيلويه [9] منه يد ... طوت المنشور من نظره
زرته والخيل عابسة ... تحمل البؤس على عقره [10]
خارجات تحت رايتها ... كخروج الطير من وكره
__________
[1] في أ: «فأتى». وفي ب، س، م: «فأنت»، تحريف.
[2] الفوق: موضع الوتر من السهم.
[3] صار الشيء صورا: أماله.
[4] الصور: الميل، وفعله كفرح.
[5] العصر: المنجاة.
[6] كذا في ب، س، ج. في أ، م: «باديه».
[7] في أ، م:
«كضياء الفجر في أمره»
، الأمر هنا: السطوع والانتشار، من أمر، بكسر الميم: أي كثر ونما.
[8] في س، ب، ج:
«مستجره كأنه بمعنى مشتعله»
[9] جيلويه، رجل من ذوي الشوكة كان بين وبين آل أبي دلف وقائع.
[10] العقر: جمع عقرة: كهمزة، وهو الراكب يعقر ركوبته من كثرة إتعابه لها.
وعلى النعمان عجت به ... عوجة ذادته عن صدره
غمط النعمان صفوتها ... فرددت الصفو في كدره
ولقرقور أدرت رحا ... لم تكن [1] ترتد في فكره
قد تأنيت البقاء له ... فأبى المحتوم من قدره
وطغى حتى رفعت له ... خطة شنعاء من ذكره
قال: فغضب المأمون واغتاظ، وقال: لست لأبي إن لم أقطع لسانه أو أسفك دمه.
أنشد أبا دلف مدحته بعد أن قتل قرقورا:
قال ابن أبي فنن: وهذه القصيدة قالها عليّ بن جبلة وقصد بها أبا دلف بعد قتله الصّعلوك المعروف بقرقور، وكان من أشد الناس بأسا وأعظمهم. فكان يقطع هو وغلمانه على القوافل وعلى القرى، وأبو دلف يجتهد في أمره فلا يقدر عليه. فبينا أبو دلف خرج ذات يوم يتصيد وقد أمعن في طلب الصيد وحده إذا بقرقور قد طلع عليه وهو راكب فرسا يشق الأرض بجريه، فأيقن أبو دلف بالهلاك، وخاف أن يولّي عنه فيهلك، فحمل عليه وصاح: يا فتيان! يمنة يمنة - يوهمه أن معه خيلا قد كمنها له - فخافه قرقور وعطف على يساره هاربا، ولحقه أبو دلف فوضع رمحه بين كتفيه فأخرجه من صدره، ونزل فاحتزّ رأسه، وحمله على رمحه حتى أدخله الكرج.
/ قال: فحدّثني من رأى رمح قرقور وقد أدخل بين يديه يحمله أربعة نفر. فلما أنشده عليّ بن جبله هذه القصيدة استحسنها وسرّ بها وأمر له بمائة ألف درهم.
اتساع شهرة قصيدته فيه:
أخبرني عليّ بن سليمان الأخفش قال: حدثنا محمد بن يزيد الأزديّ قال: أخبرني إبراهيم بن خلف قال:
بينا أبو دلف يسير مع أخيه معقل - وهما إذا ذاك بالعراق - إذ مرّا بامرأتين تتماشيان، فقالت إحداهما لصاحبتها: هذا أبو دلف، قالت: ومن أبو دلف؟ قالت: الّذي يقول فيه الشاعر:
إنما الدنيا أبو دلف ... بين باديه ومحتضره
فإذا ولّى أبو دلف ... ولّت الدنيا على أثره
قال: فاستعبر أبو دلف حتى جرى دمعه. قال له معقل: مالك يا أخي تبكي؟ قال: لأني لم أقض حقّ عليّ بن جبلة.
قال: أو لم تعطه مائة ألف درهم لهذه القصيدة؟ قال: واللّه يا أخي ما في قلبي حسرة تقارب حسرتي على أني لم أكن أعطيته مائة ألف دينار. واللّه لو فعلت ذلك لما كنت قاضيا حقه.
شدة إعجاب أبي تمام ببيت من بائيته:
حدّثني الحسن بن عليّ قال: حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال: حدّثني عبد اللّه ابن محمد بن جرير قال:
أنشدت أبا تمام قصيدة عليّ بن جبلة البائية، فلما بلغت إلى قوله:
__________
[1] كذا في ب، س. في ج: «تكد».
وردّ البيض والبيض ... إلى الأغماد والحجب [1]
اهتز أبو تمام من فرقه [2] إلى قدمه، ثم قال: أحسن، واللّه لوددت أن لي هذا/ البيت بثلاث/ قصائد من شعري يتخيرها [3] وينتخبها [4] مكانه.
طلب أن ينشد المأمون مدحا فيه ثم يختار الإقالة فرارا من شروط للمأمون:
أخبرني عمي قال: حدّثني أحمد بن أبي طاهر قال: حدّثني أبو نزار الضبيّ الشاعر قال:
قال لي عليّ بن جبلة قلت لحميد بن عبد الحميد الطّوسي: يا أبا غانم، إني قد مدحت أمير المؤمنين بمدح لا يحسن مثله أحد من أهل الأرض، فاذكرني له. قال: فأنشدني، فأنشدته. قال: أشهد أنك صادق، ما يحسن أحد أن يقول هكذا. وأخذ المديح فأدخله إلى المأمون، فقال له: يا حميد، الجواب في هذا واضح، إن شاء عفونا عنه وجعلنا ذلك ثوابا لمديحه، وإن شاء جمعنا بين شعره فيك وفي أبي دلف وبين شعره فينا، فإن كان الّذي قاله فيكما أجود ضربنا ظهره، وأطلنا حبسه، وإن كان الّذي قاله أجود أعطيناه لكل بيت ألف درهم، وإن شاء أقلناه فقلت له: يا سيدي ومن أنا ومن أبو دلف حتى يمدحنا بأجود من مديحك! فقال: ليس هذا الكلام من الجواب في شيء، فاعرض ما قلت لك على الرجل. فقال: أفعل. قال عليّ بن جبلة: فقال لي حميد: ما ترى؟ فقلت: الإقالة أحبّ إلي، فأخبر المأمون بذلك. فقال: هو أعلم، ثم قال لي حميد: يا أبا الحسن أيّ شيء يعني من مدائحك لي ولأبي دلف؟ فقلت: قولي فيك:
لو لا حميد لم يكن ... حسب يعد ولا نسب
يا واحد العرب الّذي ... عزّت بعزّته العرب
وقولي في أبي دلف:
/إنما الدنيا أبو دلف ... بين باديه ومحتضره
فإذا ولّى أبو دلف ... ولت الدنيا على أثره
قال: فأطرق حميد ثم قال: لقد انتقد عليك أمير المؤمنين فأجاد، وأمر لي بعشرة آلاف درهم وخلعة وفرس وخادم. وبلغ ذلك أبا دلف فأضعف لي العطية، وكان ذلك في ستر منهما، ما علم به أحد خوفا من المأمون حتى حدثتك به يا أبا نزار.
يمسك عن زيارة أبي دلف حياء لكثرة بره به:
أخبرني عليّ بن سليمان قال: حدّثني محمد بن يزيد، قال: حدّثني عليّ بن القاسم قال: قال لي عليّ بن جبلة:
__________
[1] يكنى عن انتصاره الحاسم برد السيوف إلى أغمادها، والسبايا إلى حجبها.
[2] في أ، ج، م: «قرنه».
[3] في س: «يتخيلها»، تحريف.
[4] في أ، ج: «ينتحلها».
زرت أبا دلف، فكنت لا أدخل إليه إلّا تلقاني ببرّه وأفرط، فلما أكثر قعدت عنه حياء منه، فبعث إليّ بمعقل أخيه، فأتاني فقال لي: يقول لك الأمير: لم هجرتنا؟ لعلك استبطأت بعض ما كان منّي، فإن كان الأمر كذلك فإني زائد فيما كنت أفعله حتى ترضى، فدعوت من كتب لي، وأمللت عليه هذه الأبيات، ثم دفعتها إلى معقل، وسألته أن يوصلها، وهي:
هجرتك لم أهجرك من كفر نعمة ... وهل يرتجى نيل الزيادة بالكفر
ولكنني لما أتيتك زائرا ... فأفرطت في بري عجزت عن الشكر
فهأنا لا آتيك إلا مسلّما ... أزورك في الشهرين يوما وفي الشهر
فإن زدتني برّا تزايدت [1] جفوة ... ولم تلقني طول الحياة إلى الحشر
قال: فلما سمعها معقل استحسنها جدا، وقال: جوّدت واللّه، أما أن الأمير ليعجب/ بمثل هذه الأبيات، فلما أوصلها إلى أبي دلف قال: للّه درّه! ما أشعره، وما [2] أرقّ معانيه! ثم دعا بدواة، فكتب إليّ:
/ألا ربّ ضيف طارق قد بسطته ... وآنستة قبل الضيافة بالبشر
أتاني يرجّيني فما حال دونه ... ودون القرى من نائلي عنده ستري
وجدت له فضلا عليّ بقصده ... إليّ وبرّا يستحق به شكري
فلم أعد أن أدنيته وابتدأته ... ببشر وإكرام وبرّ على برّ
وزوّدته مالا قليل [3] بقاؤه ... وزوّدني مدحا يدوم على الدهر
ثم وجّه بهذه الأبيات مع وصيف يحمل كيسا فيه ألف دينار، فذلك حيث قلت له:
إنما الدنيا أبو دلف ... بين باديه ومحتضره
يقصد عبد اللّه بن طاهر ليمدحه، فيرده لغلوه في مدح أبي دلف:
أخبرني عمي قال: حدّثني أحمد بن أبي طاهر قال: حدّثني أحمد بن القاسم قال: حدّثني نادر مولانا:
أن عليّ بن جبلة خرج إلى عبد اللّه بن طاهر وإلى خراسان، وقد امتدحه، فلما وصل إليه قال له: ألست القائل:
إنما الدنيا أبو دلف ... بين باديه ومحتضره
فإذا ولّى أبو دلف ... ولّت الدنيا على أثره
قال: بلى، قال: فما الّذي جاء بك إلينا، وعدل بك عن الدنيا الّتي زعمت؟ / ارجع من حيث جئت، فارتحل، ومرّ بأبي دلف وأعلمه الخبر، فأعطاه حتى أرضاه. قال نادر: فرأيته عند مولاي القاسم بن يوسف، وقد سأله عن خبره فقال:
أبو دلف إن تلقه ماجدا ... جوادا كريما راجح الحلم سيدا
__________
[1] كذا في س. في أ، ب، ج: «تزيدت».
[2] في ب، س ب: «ما أشعره وأرق». وفي أ، ج: «ما أشعره وأدق».
[3] ف، مم، مو: «قليلا» بالنصب، وكلاهما صحيح.
أبو دلف الخيرات أنداهم يدا ... وأبسط معروفا وأكرم محتدا
تراث أبيه عن أبيه وجدّه ... وكلّ امرىء يجري على ما تعودا
ولست بشاك غيره لنقيصة ... ولكنما الممدوح من كان أمجدا
يصف قصر حميد الطوسي ويمدحه:
قال مؤلف هذا الكتاب [1]: والأبيات الّتي فيها الغناء المذكورة بذكرها أخبار أبي الحسن عليّ بن جبلة من قصيدة له مدح بها حميدا الطوسيّ، ووصف قصره على دجلة وقال فيها بعد الأبيات الّتي فيها الغناء:
ليس لي ذنب سوى أنّ ... ي أسميك خليلا [2]
وأناديك عزيزا ... وتناديني ذليلا
أنا أهواك وحالي ... ك صروما ووصولا
ثق بودّ ليس يفنى ... وبعهد لن يحولا
جعل اللّه حميدا ... لبني الدنيا كفيلا
ملك لم يجعل اللّه ... له فيهم عديلا
فأقاموا في ذراه ... مطمئنين حلولا
لا ترى فيهم مقلّا ... يسأل المثرى فضولا
جاد بالأموال حتى ... علّم الجود البخيلا
/ وبني الفخر على الفخ ... ر بناء مستطيلا
صار للخائف أمنا ... وعلى الجود دليلا
يرثي حميدا الطوسي:
ولما مات حميد الطوسيّ رثاه بقصيدته العينية المشهورة، وهي من نادر الشعر وبديعه، وفي أولها غناء من الثقيل الأول، يقال: إنه لأبي العبيس، ويقال: إنه للقاسم ابن زرزور:
أللدهر تبكي أم على الدهر تجزع؟ ... وما صاحب الأيام إلا مفجّع
ولو سهّلت عنك الأسا كان في الأسا ... عزاء معزّ للبيب ومقنع
تعزّ بما عزّيت غيرك إنها ... سهام المنايا حائمات ووقّع
أصبنا بيوم في حميد لو أنه ... أصاب عروش الدهر ظلت تضعضع
وأدّبنا ما أدب الناس قبلنا ... ولكنه لم يبق للصبر موضع
__________
[1] ف: «قال الأصبهاني».
[2] كذا في ب، ح، س. في أ، م، ف: «جليلا».
ألم تر للأيام كيف تصرّمت [1] ... به وبه كانت تذاد وتدفع
وكيف التقى مثوى من الأرض ضيق ... على جبل كانت به الأرض تمنع
ولما انقضت أيامه انقضت العلا ... وأضحى به أنف الندى وهو أجدع
وراح عدوّ الدّين جذلان ينتحي ... أمانيّ كانت في حشاه تقطع [2]
وكان حميد معقلا ركعت به ... قواعد ما كانت على الضيم تركع
/ وكنت أراه كالرزايا رزئثها ... ولم أدر أن الخلق يبكيه أجمع
حمام رماه من مواضع أمنه ... حمام كذاك الخطب بالخطب يقدع [3]
وليس بغرو أن تصيب منية ... حمى أختها أو أن يذلّ الممنّع
لقد أدركت فينا المنايا بثارها ... وحلّت بخطب وهيه ليس يرقع
نعاء [4] حميد للسرايا إذا غدت ... تذاد بأطراف الرماح وتوزع
وللمرهق المكروب ضاقت بأمره ... فلم يدر في حوماتها كيف يصنع؟
وللبيض خلّتها البعول ولم يدع ... لها غيره داعى الصباح المفزّع
كأن حميدا لم يقد جيش عسكر ... إلى عسكر أشياعه لا تروّع
ولم يبعث الخيل المغيرة بالضحا ... مراحا ولم يرجع بها وهي ظلّع
رواجع يحملن النّهاب ولم تكن ... كتائبه إلّا على النهب ترجع
هوى جبل الدنيا المنيع وغيثها ... المريع وحاميها الكميّ المشيع [5]
وسيف أمير المؤمنين ورمحه ... ومفتاح باب الخطب والخطب أفظع
فأقنعه من ملكه ورباعه ... ونائله قفر من الأرض بلقع
على أيّ شجو تشتكي النفس بعده ... إلى شجوه أو يذخر الدمع مدمع
ألم تر أن الشمس [6] حال ضياؤها ... عليه وأضحى لونها وهو أسفع
وأوحشت الدنيا وأودى بهاؤها ... وأجدب مرعاها الّذي كان يمرع
وقد كانت الدنيا به مطمئنة ... فقد جعلت أوتادها تتقلع
/ بكى فقده روح الحياة كما بكى ... نداه الندى وابن السبيل المدفّع
__________
[1] ف، مو: «تصرفت».
[2] ينتهي هنا ما روت نسخة! من هذه القصيدة. وفيها بعد هذا البيت: وهي قصيدة طويلة. قد اعتمد عليها الطائيان في مراثيهما، فسلخاها. ولو لا كراهة الإطالة لذكرت ذلك.
[3] يقدع: يدفع.
[4] نعاء حميدا: انعه، وأظهر خبر وفاته.
[5] المشيع: الشجاع، كأنه يشيعه، أي يشجعه غيره، أو يشيعه قلبه
[6] كذا في ب، ج، مد. وفي س: «النفس»، تحريف.
/
وفارقت البيض الخدور وأبرزت ... عواطل حسرى بعده لا تقنّع
وأيقظ أجفانا وكان لها الكرى ... ونامت عيون لم تكن قبل تهجع
ولكنه مقدار يوم ثوى به ... لكل امرىء منه نهال ومشرع
وقد رأب اللّه الملا [1] بمحمد ... وبالأصل ينمي فرعه المتفرع
أغرّ على أسيافه ورماحه ... تقسّم أنفال الخميس وتجمع
حوى عن أبيه بذل راحته الندى ... وطعن الكلى والزاعبية [2] شرّع
وإنما ذكرت هذه القصيدة على طولها لجودتها وكثرة نادرتها، وقد أخذ البحتريّ أكثر معانيها فسلخه، وجعله في قصيدته اللتين رثى بهما أبا سعيد الثغري:
انظر إلى العلياء كيف تضام [3]
و:
بأي أسى تثنى الدموع الهوامل [4]
وقد أخذ الطائي أيضا بعض معانيها، ولو لا كراهة الإطالة لشرحت المواضع المأخوذة. وإذا تأمل ذلك منتقد بصير عرفه.
بلغ في مدح حميد الطوسي ما لم يبلغه في مدح غيره:
أخبرني عمي قال: حدثنا أحمد بن أبي طاهر قال: حدّثني أبو وائلة قال: قال رجل لعليّ بن جبلة:
ما بلغت في مديح أحد ما بلغته في مديحك حميدا الطوسيّ. فقال: وكيف لا أفعل وأدنى ما وصل إليّ منه أني أهديت له قصيدة في يوم نيروز فسرّ بها، وأمر أن يحمل إليّ كلّ ما أهدى له، فحمل إليّ ما قيمته مائتا ألف درهم، وأهديت له/ قصيدة في يوم عيد فبعث إليّ بمثل ذلك.
يصف جيشا ركب فيه حميد الطوسي ويمدحه:
قال أبو وائلة. وقد كان حميد ركب يوم عيد في جيش عظيم لم ير مثله، فقال عليّ بن جبلة يصف ذلك:
غدا بأمير المؤمنين ويمنه ... أبو غانم غدو الندى [5] والسحائب
وضاقت فجاج الأرض عن كل موكب ... أحاط به مستعليا للمواكب
كأن سموّ النّقع والبيض [6] فوقهم ... سماوة ليل فرّنت [7] بالكواكب
__________
[1] مم، مو: «الثأي»، ورأب الثأي: أصلح الفساد، وأصله من ثئي الخرز: إذا انخرم.
[2] الزاعبية: هي الرماح الّتي إذا هزت كانت كأن كعوبها يجري بعضها في بعض، أو المنسوبة إلى زاعب: بلد، أو رجل.
[3] ديوان البحتري 257، وعجزه
ومآتم الأحساب كيف تقام
[4] ديوانه 194، وعجزه
وترجى زيال من جوى لا يزايل
[5] كذا في ب، س وفي أ، ج: «الردى».
[6] في ف: «و البيض» بالنصب، وكلاهما صحيح.
[7] مو: «حليت بالكواكب».
فكان لأهل العيد عيد بنسكهم ... وكان حميد عيدهم بالمواهب
ولو لا حميد لم تبلّج عن الندى ... يمين ولم يدرك غنى كسب كاسب
ولو ملك الدنيا لما كان سائل ... ولا اعتام [1] فيها صاحب فضل صاحب
له ضحكة تستغرق المال بالندى ... على عبسة تشجى [2] القنا بالترائب
ذهبت بأيام العلا فاردا بها ... وصرّمت عن مسعاك شأو المطالب
وعدّلت ميل الأرض حتى تعدلت ... فلم ينأ منها جانب فوق جانب
بلغت بأدنى الحزم أبعد قطرها ... كأنك منها شاهد كلّ غائب
قصيدة أهداها إليه يوم نيروز:
قال: والّتي أهداها له يوم النيروز قصيدته الّتي فيها:
حميد يا قاسم الدنيا بنائله ... وسيفه بين أهل النّكث والدّين
أنت الزمان الّذي يجري تصرّفه ... على الأنام بتشديد وتليين
/ لو لم تكن كانت الأيّام قد فنيت ... والمكرمات ومات المجد مذحين
/ صوّرك اللّه من مجد ومن كرم ... وصوّر النّاس من ماء ومن طين
نسخت من كتاب بخط محمد بن العباس اليزيديّ:
يدخل على أبي دلف فيستنشده:
قال أحمد بن إسماعيل الخصيب الكاتب: دخل عليّ بن جبلة يوما إلى أبي دلف فقال له: هات يا عليّ ما معك. فقال: إنه قليل. فقال هاته، فكم من قليل أجود من كثير فأنشده:
اللّه أجرى من الأرزاق أكثرها ... على يديك فشكرا يا أبا دلف
أعطى أبو دلف والريح عاصفة ... حتى إذا وقفت أعطى ولم يقف
يستنشده أبو دلف فيتطير مما أنشده:
قال: فأمر له بعشرة آلاف درهم، فلما كان بعد مدة دخل إليه، فقال له: هات ما معك فأنشده:
من ملك الموت إلى قاسم ... رسالة في بطن قرطاس
يا فارس الفرسان يوم الوغى ... مرني بمن شئت من الناس
قال: فأمر له بألفي درهم، وكان قد تطير من ابتدائه في هذا الشعر، فقال: ليست هذه من عطاياك أيها الأمير، فقال: بلغ بها هذا المقدار ارتياعنا من تحمّلك رسالة ملك الموت إلينا.
يهجو الهيثم بن عدي إجابة لطلب الخزيمي:
أخبرني محمد بن عمران الصيرفي قال: حدثنا الحسن عليل العنزيّ قال: حدّثني محمد بن عبد اللّه قال:
__________
[1] اعتام: أخذ العيمة بالكسر. وهي في الأصل: خيار المال.
[2] أشجاه: أغصه.
حدّثني عليّ بن جبلة العكوّك المروزيّ قال:
جاءني أبو يعقوب الخزيميّ فقال لي: إن لي إليك حاجة. قلت: وما هي؟ قال: تهجو لي الهيثم بن عديّ.
فقلت: ومالك أنت لا تهجوه وأنت شاعر؟ فقال: قد/ فعلت، فما جاءني شيء كما أريد. فقلت له: فقلت له:
كيف أهجو رجلا لم يتقدم إليّ منه إساءة، ولا له إليّ جرم يحفظني؟ فقال: تقرضني، فإني مليّ بالقضاء، قلت:
نعم، فأمهلني اليوم فمضى، وغدوت عليه فأنشدته:
للهيثم بن عديّ نسبة جمعت ... آباءه فأراحتنا من العدد
أعدد عديّا فلو مدّ البقاء له ... ما عمّر الناس لم ينقص ولم يزد
نفسي نداء بني عبد المدان وقد ... تلّوه [1] للوجه واستعلوه بالعمد
حتى أزالوه كرها عن كريمتهم ... وعرّفوه بدلّ أين أصل عدي؟
يا بن الخبيثة من أهجو فأفضحه ... إذا هجوت وما تنمى إلى أحد؟
هجاؤه الهيثم بن عدي مزق بينه وبين زوجه:
قال: وكان الهيثم قد تزوج إلى بني الحارث بن كعب، فركب محمد بن زياد بن عبيد اللّه بن عبد المدان الحارثيّ، أخو يحيى بن زياد، ومعه جماعة من أصحابه الحارثيّين إلى الرشيد، فسألوه أن يفرّق بينهما. فقال الرشيد: أليس هو الّذي يقول فيه الشاعر:
إذا نسبت عديا في بني ثعل ... فقدّم الدال قبل العين في النسب
قالوا: بلى يا أمير المؤمنين. قال فهذا الشعر من قاله؟ قالوا: هو لرجل من أهل الكوفة من بني شيبان يقال له:
ذهل بن ثعلبة فأمر الرشيد داود بن يزيد أن يفرّق بينهما، فأخذوه فأدخلوه دارا وضربوه بالعصيّ حتى طلقها.
يشخص إلى عبد اللّه بن طاهر ويمدحه:
أخبرني هاشم بن محمد الخزاعيّ قال: حدثنا عبد اللّه بن أبي سعد قال: حدّثني محمد بن الحسن بن الخصيب قال:
شخص عليّ بن جبلة إلى عبد اللّه بن طاهر والي خراسان - وقد مدحه فأجزل/ صلته - واستأذنه في الرجوع، فسأله أن يقيم عنده، وكان برّه يتصل عنده، فلما طال مقامه اشتاق إلى أهله، فدخل إليه فأنشده:
ينشد عبد اللّه بن طاهر شعرا يطلب به أن يأذن له في الرحيل:
راعه الشيب إذ نزل ... وكفاه من العذل
وانقضت مدة الصبا ... فانقضى اللهو والغزل
قد لعمري دملته ... بخضاب فما أندمل
__________
[1] تله للوجه: كبه له.
فابك للشيب إذ بدا ... لا على الرّبع والطلل
وصل اللّه للأمير ... عرا الملك فاتصل
ملك عزمه الزما ... ن وأفعاله الدول
كسرويّ بمجده ... يضرب الضارب المثل
وإلى ظلّ عزّه [1] ... يلجأ الخائف الوجل
كلّ خلق سوى الإما ... م لإنعامه خول
ليته حين جاد لي ... بالغنى جاد بالقفل
قال: فضحك وقال: أبيت إلّا أن توحشنا. وأجزل صلته، وأذن له.
ينشد حميدا الطوسي شعرا في أول رمضان:
أخبرني الحسن بن عليّ قال: حدّثني أحمد بن أبي طاهر قال: حدّثني أبو وائلة السدوسيّ قال:
دخل عليّ بن جبلة العكوّك على حميد الطوسيّ في أول يوم من شهر رمضان، فأنشده:
/جعل اللّه مدخل الصوم فوزا ... لحميد ومتّعه في البقاء
فهو شهر الربيع للقرّاء ... وفراق النّدمان والصهباء
وأنا الضامن المليّ [2] لمن عا ... قرها مفطرا بطول الظّماء
وكأني أرى النّدامى على الخسف ... يرجّون صبحهم بالمساء
قد طوى بعضهم زيارة بعض ... واستعاضوا مصاحفا بالغناء
يقول فيها:
بحميد وأين مثل حميد ... فخرت طيّ ء على الأحياء
جوده أظهر السماحة في الأر ... ض وأغنى المقوي عن الإقواء [3]
ملك يأمل العباد نداه ... مثل ما يأملون قطر السماء
صاغه اللّه مطعم الناس في الأر ... ض وصاغ السحاب للإسقاء
ينشد حميدا الطوسي شعرا ثاني شوال:
قال: فأمر له بخمسة آلاف درهم، وقال: استعن بهذه على نفقة صومك. ثم دخل إليه ثاني شوال، فأنشده:
علّلاني بصفو ما في الدّنن ... واتركا ما بقوله العاذلان
واسبقا فاجع المنيّه بالعيش فكلّ على الجديدين فإني
__________
[1] ف: «إلى عز ظله».
[2] مو، مم: «الكفيل».
[3] المقوي: الفقير.
علّلاني بشربة تذهب ... الهمّ وتنفي طوارق الأحزان
وانفثا [1] في مسامع سدّها الصو ... م رقى الموصليّ أو دحمان
قد أتانا شوال فاقتبل العي ... ش وأعدى [2] قسرا على رمضان
نعم عون الفتى على نوب الدهر ... سماع القيان والعيدان
/ وكئوس تجري بماء كروم ... ومطيّ الكئوس أيدي القيان
من عقار تميت كلّ احتشام ... وتسرّ النّدمان بالنّدمان
وكأنّ المزاج يقدح منها ... شررا في سبائك العقيان
فاشرب ألراح واعص من لام فيها ... إنها نعم عدة الفتيان
واصحب الدهر بارتحال وحلّ ... لا تخف ما يجرّه الحادثان
حسب مستظهر على الدهر ركنا ... بحميد ردءا من الحدثان
ملك يقتني المكارم كنزا ... وتراه من أكرم الفتيان
خلقت راحتاه للجود وألبا ... س وأمواله لشكر اللسان
ملّكته على العباد معدّ ... وأقرّت له بنو قحطان
أريحيّ الندى جميل المحيّا ... يده والسماح [3] معتقدان [4]
وجهه مشرق إلى معتفيه ... ويداه بالغيث تنفجران
جعل الدهر بين يوميه قسم ... ين بعرف جزل وحرّ طعان
فإذا سار بالخميس لحرب ... كلّ عن نصّ جريه الخافقان
وإذا ما هززته لنوال ... ضاق عن رحب صدر الأفقان
غيث جدب إذا أقام ربيع ... يتغشى بالسّيب كلّ مكان
يا أبا غانم بقيت على الدهر ... وخلّدت ما جرى العصران
ما نبالي إذا عدت المنايا ... من أصابت بكلكل وجران
قد جعلنا إليك بعث المطايا ... هربا من زماننا الخوّان
/ وحملنا الحاجات فوق عتاق ... ضامنات حوائج الرّكبان
ليس جود وراء جودك ينتا ... ب ولا يعتفي لغيرك عاني
فأمر له بعشرة آلاف درهم، وقال: تلك كانت للصوم، فخفّفت وخففنا، وهذه للفطر، فقد زدتنا وزدناك.
__________
[1] كذا في أ، ج. وفي ب، س: «ألقيا»، تحريف.
[2] أعدي: نصر وأعان.
[3] كذا في أ، ج، مد. وفي س: «السماء».
[4] معتقدان: معقودان.
«احب» جارية وأحبته على قبح وجهه:
أخبرني عمي قال: حدثنا أحمد بن الطيب السّرخسيّ قال: حدثنا ابن أخي عليّ بن جبلة العكوّك - قال أحمد:
وكان عليّ جارنا بالربض [1] هو وأهله، وكان أعمى وبه وضح. وكان يهوى جارية أديبة ظريفة شاعرة وكانت تحبّه هي أيضا على قبح وجهه وما به من الوضح، حدّثني بذلك عمرو بن بحر الجاحظ.
قال عمرو: وحدّثني العكوّك أن هذه الجارية زارته يوما وأمكنته من نفسها حتى افتضّها. قال، وذلك عنيت في قولي:
ودم أهدرت من رشإ ... لم يرد عقلا على هدره
وهي القصيدة الّتي مدح بها أبا دلف، يعني بالدم: دم البضع [2].
يستأذن على حميد الطوسي فيمتنع، ثم يأذن له فيمدحه:
قال: ثم قصدت حميدا بقصيدتي الّتي مدحته بها، فلما استؤذن لي عليه أبي أن يأذن لي، وقال: قولوا له: أيّ شيء أبقيت لي بعد قولك في أبي دلف:
إنما الدنيا أبو دلف ... بين مبداه ومحتضره
/ فإذا ولّى أبو دلف ... ولت الدنيا على أثره
فقلت للحاجب: قل للّه: الّذي قلت فيك أحسن من هذا، فإن وصّلتني سمعته، فأمر بإيصالي، فأنشدت قولي فيه:
/إنما الدنيا حميد ... وأياديه الجسام
فإذا ولّى حميد ... فعلى الدنيا السّلام
فأمر بمائتي دينار، فنثرتها في حجر عشيقتي، ثم جئته بقصيدتي الّتي أقول فيها:
دجلة تسقي وأبو غانم ... يطعم من تسقي من الناس
فأمر لي بمائتي دينار.
شعره حين غضبت عليه الجارية الّتي أحبها:
حدّثني عمي قال: حدّثني أحمد بن الطيب قال: حدّثني ابن أخي عليّ بن جبلة أيضا: أن عمه عليّا كان يهوى جارية، وهي هذه القينة، وكانت له مساعدة، ثم غضبت عليه، وأعرضت عنه، فقال فيها:
تسيء ولا تستنكر السوء إنها ... تدلّ بما تتلوه عندي وتعرف
فمن أين ما استعطفتها لم ترقّ لي ... ومن أين ما جربت صبري يضعف
ينشد لنفسه أقبح ما قيل في ترك الضيافة:
أخبرني حبيب بن نصر قال: حدثنا عمر بن شبة قال:
تذاكرنا يوما أقبح ما هجي به الناس في ترك الضيافة وإضاعة الضيف، فأنشدنا عليّ بن جبلة لنفسه:
__________
[1] هو ربض حرب. ويعرف بالحربية، محلة ببغداد.
[2] البضع: الفرج.
أقاموا الدّيدبان على يقاع ... وقالوا لا تنم للدّيدبان
فإن آنست شخصا من بعيد ... فصفّق بالبنان على البنان
تراهم خشية الأضياف خرسا ... ويأتون الصلاة بلا أذان
يمدح حميدا الطوسي فيعطيه ألف دينار كان أمر بالتصدّق بها:
أخبرني الحسن بن عليّ قال: حدّثني محمد بن القاسم بن مهرويه قال: حدّثني أبي قال: حدّثني وهب بن سعيد المروزيّ، كاتب حميد الطوسيّ، قال:
جئت حميدا في أول يوم من شهر رمضان، فدفع إليّ كيسا فيه ألف دينار،/ وقال: تصدّقوا بهذه. وجاءه ابنه أصرم فسلّم عليه ودعا له، ثم قال له: خادمك عليّ بن جبلة بالباب، فقال: وما أصنع به؟ جئتني به يا بني تقابلني بوجهه في أول يوم من هذا الشهر. فقال: إنه يجيد فيك القول. قال: فأنشدني بيتا مما تستجيد له: فأنشده قوله:
حيدي حياد [1] فإنّ غزوة جيشه ... ضمنت لجائلة السباع عيالها
فقال: أحسن. ائذنوا له، فدخل فسلّم، ثم أنشده قوله:
إن أبا غانم حميدا ... غيث على المعتفين هامي
صوّره اللّه سيف حتف ... وباب رزق على الأنام
يا مانع الأرض بالعوالي ... والنّعم الجمة العظام
ليس من السّوء في معاذ ... من لم يكن منك في ذمام
وما تعمّدت فيك وصفا ... إلا تقدّمته أمامي
فقد تناهت بك المعالي ... وانقطعت مدة الكلام
أجدّ شهرا وأبل شهرا ... واسلم على الدهر ألف عام
/ قال: فالتفت إليّ حميد، وقال: أعطه ذلك الألف الدينار حتى يخرج للصدقة غيره.
يستشفع بحميد الطوسي إلى أبي دلف وكان غضب عليه:
حدّثني عمي قال: حدّثني يعقوب بن إسرائيل قال: حدّثني أبو سهيل عن سالم مولى حميد الطّوسيّ قال:
جاء عليّ بن جبلة إلى حميد الطوسيّ مستشفعا به إلى أبي دلف - وقد كان غضب عليه وجفاه - فركب معه إلى أبي دلف شافعا، وسأله في أمره، فأجابه واتصل الحديث/ بينهما وعليّ بن جبلة محجوب، فأقبل على رجل إلى جانبه وقال: اكتب ما أقول لك، فكتب:
لا تتركّى بباب الدار مطّرحا ... فالحر ليس عن الأحرار يحتجب
هبنا بلا شافع جئنا ولا سبب ... ألست أنت إلى معروفك السبب؟
__________
[1] حيدي حياد: أمر بالحيدودة والروغان، يقولونه في الحرب خطابا للخيل المغيرة، ألا تلزم جانبا واحدا، حتى لا يجد هارب مهربا، ولا متحصن ملجأ. ونظيره: فيحي فياح، أي انتشري وتفرّقي هنا وهناك.
قال: فأمر بإيصاله إليه، ورضي عنه ووصله.
يخشاه المخزومي أن ينشد شعرا في حضرته:
أخبرني الحسن بن عليّ قال: حدثنا ابن مهروية قال: حدّثني أحمد بن مروان قال: حدّثني أبو سعيد المخزوميّ قال:
دخلت على حميد الطوسيّ، فأنشدته قصيدة مدحته بها وبين يديه رجل ضرير، فجعل لا يمرّ ببيت إلا قال:
أحسن قاتله اللّه! أحسن ويحه! أحسن للّه أبوه! أحسن أيها الأمير. فأمر لي حميد ببدرة، فلما خرجت قام إليّ البوابون، فقلت: كم أنتم؟ عرّفوني أولا من هذا المكفوف الّذي رأيته بين يدي الأمير؟ فقالوا: عليّ بن جبلة العكوّك فارفضضت عرقا. ولو علمت أنه عليّ بن جبلة لما جسرت على الإنشاد بين يديه.
لا يأذن له المأمون في مدحه إلّا بشرط، فيختار الإقالة:
أخبرني الحسن بن عليّ قال: حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال: حدثنا أحمد بن عبيد بن ناصح قال:
كلّم حميد الطوسيّ المأمون في أن يدخل عليه عليّ بن جبلة، فيسمع منه مديحا مدحه به، فقال: وأيّ شيء يقوله فيّ بعد قوله في أبي دلف:
إنما الدنيا أبو دلف ... بين مغزاه ومحتضره
فإذا ولّى أبو دلف ... ولّت الدنيا على أثره
/ وبعد قوله فيك:
يا واحد العرب الّذي ... عزّت بعزته العرب
أحسن أحواله أن يقول فيّ مثل ما قاله في أبي دلف، فيجعلني نظيرا له. هذا إن قدر على ذلك ولم يقصر عنه، فخيّروه بين أن أسمع منه، فإن كان مدحه إياي أفضل من مدحه أبا دلف وصلته، وإلا ضربت عنقه أو قطعت لسانه، وبين أن أقيله وأعفيه من هذا وذا. فخيّروه بذلك، فاختار الإقالة.
يمدح حميد الطوسي بخير من مدحه أبا دلف:
ثم مدح حميدا الطوسيّ، فقال له:
وما عساك أن تقول فيّ بعد ما قلته في أبي دلف، فقال: قد قلت فيك خيرا من ذلك. قال: هات، فأنشده:
دجلة تسقي وأبو غانم ... يطعم من تسقي من النّاس
النّاس جسم وإمام الهدى ... رأس وأنت العين في الراس
فقال له حميد: قد أجدت، ولكن ليس هذا مثل ذلك، ووصله.
يرثي حميدا الطوسي:
قال أحمد بن عبيد، ثم مات حميد الطوسي، فرثاه عليّ بن جبلة، فلقيته، فقلت له: أنشدني مرثيتك حميدا، فأنشدني:
نعاء [1] حميدا للسرايا إذا غدت ... تذاد بأطراف الرماح وتوزع
حتى أتى على آخرها.
لا يبلغ شأو الخريمي في رثاه أبي الهيذام:
فقلت له: ما ذهب على النحو الّذي نحوته يا أبا الحسن، وقد قاربته وما بلغته. فقال: وما هو؟ فقلت: أردت قول الخريمي [2] في مرثيته أبا الهيذام:
/و أعددته ذخرا لكل ملمة ... وسهم المنايا بالذخائر مولع
/ فقال: صدقت واللّه، أما واللّه لقد نحوته وأنا لا أطمع في اللّحاق به، لا واللّه ولا امرؤ القيس لو طلبه وأراده ما كان يطمع أن يقاربه في هذه القصيدة.
هربه من المأمون وقد طلبه لتفضيله أبا دلف عليه وعلى آله:
أخبرني عمي قال: حدثنا أحمد بن أبي طاهر قال: حدّثني ابن أبي حرب الزعفرانيّ، قال:
لما بلغ المأمون قول عليّ بن جبلة لأبي دلف:
كلّ من في الأرض من عرب ... بين باديه إلى حضره
مستعير منك مكرمة ... يكتسيها يوم مفتخره
غضب من ذلك، وقال: اطلبوه حيث كان، فطلب فلم يقدر عليه، وذلك أنه كان بالجبل، فلما اتصل به الخبر هرب إلى الجزيرة، وقد كانوا كتبوا إلى الآفاق في طلبه، فهرب من الجزيرة أيضا، وتوسط الشام فظفروا به، فأخذوه، وحملوه إلى المأمون، فلما صار إليه قال له: يا بن اللّخناء [3]، أنت القائل للقاسم بن عيسى:
كلّ من في الأرض من عرب ... بين باديه إلى حضره
مستعير منك مكرمة ... يكتسيها يوم مفتخره
جعلتنا ممن يستعير المكارم منه! فقال له: يا أمير المؤمنين، أنتم أهل بيت لا يقاس بكم أحد، لأن اللّه جل وعزّ فضلكم على خلقه، واختاركم لنفسه. وإنما عنيت بقولي في القاسم أشكال القاسم وأقرانه، فقال: واللّه ما استثنيت أحدا عن الكلّ، سلّوا لسانه من قفاه.
أمر المأمون أن يسل لسانه لكفره في شعره:
أخبرني الحسن بن عليّ قال: حدثنا محمد بن موسى قال: وحدّثني أحمد بن أبي فنن: أن المأمون لما أدخل عليه عليّ بن جبلة قال له: إني لست أستحلّ دمك لتفضيلك/ أبا دلف على العرب كلّها وإدخالك في ذلك قريشا - وهم آل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وعترته - ولكني أستحلّه بقولك في شعرك وكفرك حيث تقول القول الّذي أشركت فيه:
أنت الّذي تنزل الأيام منزلها ... وتنقل الدهر من حال إلى حال
وما مددت مدى طرف إلى أحد ... إلا قضيت بأرزاق وآجال
__________
[1] نعاء حميدا: انعه: وأظهر خبر موته.
[2] في ب، س: «الخزيمي»، تحريف.
[3] اللخناء: الّتي لم تختن.
كذبت يا ماصّ بظر أمه، ما يقدر على ذلك أحد إلا اللّه - عز وجل - الملك الواحد القهار. سلّوا لسانه من قفاه.
صوت
لا بد من سكرة على طرب ... لعل روحا يدال من كرب
- ويروى:
لعل روحا يديل من كرب
- وهو أصوب:
فعاطنيها صهباء صافية ... تضحك من لؤلؤ على ذهب
خليفة اللّه أنت منتخب ... لخير أمّ من هاشم وأب
أكرم بأصلين أنت فرعهما ... من الإمام المنصور في النسب
الشعر للتيميّ، والغناء لسليم بن سلّام، خفيف ثقيل أول بالبنصر عن عمرو، وفيها لنظم العمياء خفيف رمل بالبنصر عن الهشاميّ.
3 - أخبار التيميّ ونسبه
اسمه وولاؤه وصفته:
هو عبد اللّه بن أيوب، ويكنى أبا محمد مولى بني تميم ثم مولى بني سليم. ذكر ذلك ابن النطاح، وكان له أخ يقال له أبو التّيحّان، وكلاهما كان شاعرا، وهما من أهل الكوفة، وهما من شعراء الدولة العباسية. أحد الخلعاء المجّان الوصّافين للخمر، وكان صديقا لإبراهيم الموصليّ وابنه إسحاق، ونديما لهما، ثم اتصل بالبرامكة ومدحهم، واتصل بيزيد بن مزيد فلم يزل منقطعا إليه حتى مات يزيد.
أكثر شعره في وصف الخمر:
واستنفد شعره أو أكثره في وصفه الخمر، وهو الّذي يقول:
شربت من الخمر يوم الخميس ... بالكاس والطاس والقنقل [1]
فما زالت الكأس تغتالنا ... وتذهب بالأول الأول
إلى أن توافت صلاة العشا [2] ... ونحن من السكر لم نعقل
فمن كان يعرف حق الخميس ... وحقّ المدام فلا يجهل
وما إن جرت بيننا مزحة ... تهيج مراء على السلسل
وهو القائل:
ولن أنتهي عن طيّب الراح أو يرى ... بوادي عظامي في ضريحي لاحد
أضعت شبابي في الشراب تلذّذا ... وكنت امرأ غرّ الشباب أكابد [3]
رواية أخرى في ولائه:
أخبرني محمد بن يحيى الصوليّ قال: حدّثني أبو العيناء عن محمد بن عمر، قال:
/ أبو محمد التيميّ اسمه عبد اللّه بن أيوب مولى بني تميم.
يرثي ابنا له يقال له: حبان:
أخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن عمار عن محمد بن داود بن الجراح قال: قال دعبل:
كان للتيميّ أبي محمد ابن يقال له حبّان، ومات هو حديث السن، فجزع عليه، وقال يرثيه:
__________
[1] القنقل: المكيال الضخم.
[2] ف، مو: «العشاء» بإثبات الهمزة، وكلاهما صحيح.
[3] ف: «عند الشراب»، وفي أ، م: «عمري الشراب».
صوت
أودى بجبّان ما لم يترك الناسا ... فامنح فؤداك من أحبابك [1] الياسا
لما رمته المنايا إذ قصدن له ... أصبن مني سواد القلب والراسا
وإذ يقول لي العوّاد إذ حضروا ... لا تأس أبشر أبا حبان لا تاسى [2]
فبت أرعى نجوم الليل مكتئبا ... إخال سنّته [3] في الليل قرطاسا
غنى في الأول والرابع من هذه الأبيات حكم الوادي، ولحنه رمل مطلق في مجرى البنصر عن إسحاق. وأول هذه القصيدة:
يا دير هند لقد أصبحت لي أنسا ... وما عهدتك لي يا دير مئناسا
وهي مشهورة من شعره.
يجيز بيتا لإسحاق عجز عن إتمامه:
أخبرني حبيب بن نصر المهلّبي قال: حدّثني هارون بن محمد بن عبد الملك الزيات قال: حدّثني حماد بن إسحاق عن أبيه قال: قلت:
وصف الصدّ لمن أهوى فصدّ
/ ثم أجبلت [4]، فمكثت عدة ليال لا يستوى لي تمامه. فدخل عليّ التيميّ فرآني مفكرا، فقال لي: ما قصتك؟ فأخبرته، فقال:
وبدا يمزح بالهجر فجدّ
ثم أتممتها. فقلت:
ما له يعدل عني وجهه ... وهو لا يعدله عندي أحد؟
وخرجت إلى مدح الفضل بن الربيع، فقلت:
/قد أرادوا غرّة الفضل وهل ... تطلب الغرّة في خيس الأسد
ملك ندفع ما نخشى به ... وبه يصلح منّا ما فسد
يفعل الناس إذا ما وعدوا ... وإذا ما فعل الفضل وعد
- لإسحاق في هذا الشعر صنعة، ونسبتها:
صوت
وصف الصدّ لمن نهوى فصد ... وبدا يمزح بالهجر فجد
__________
[1] ف: في «أحبابك».
[2] ف:
«لا بأس أبشر أبا حيان لا باسا»
[3] سنته: وجهه، أو جبهته.
[4] كذا في ج، أي صعب على القول وفي ب، س: «أحلت».
ما له يعدل عني وجهه ... وهو لا يعدله عندي أحد؟
الشعر والغناء لإسحاق، خفيف رمل بالبنصر، وله فيه أيضا ثقيل أول، وفيه لزكريا بن يحيى بن معاذ هزج بالبنصر عن الهشامي وغيره. قال الهشاميّ: وقيل إن الهزج لإسحاق، وخفيف الرمل لزكريا.
إشترك هو وإسحاق في البيتين السابقين:
أخبرني جحظة عن علي بن يحيى المنجم عن إسحاق قال:
اشتركت أنا وأبو محمد التيميّ في هذا الشعر:
/وصف الصد لمن نهوى فصد
وذكر البيتين.
يطلب الرشيد إنشاء مرثيته في يزيد بن مزيد:
أخبرني عمي قال: حدثنا عبد اللّه بن أبي سعد قال: حدّثني محمد بن عبد اللّه بن طهمان قال: حدّثني محمد الراوية الّذي يقال له البيذق وكان يقرأ شعر المحدثين على الرشيد - قال:
قال لي الرشيد يوما: أنشدني مرثية مروان بن أبي حفصة في معن بن زائدة التي يقول فيها:
كأن الشمس يوم أصيب معن ... من الإظلام ملبسة جلالا
هو الجبل الّذي كانت معدّ ... تهدّ من العدوّ به الجبالا
أقمنا باليمامة بعد معن ... مقاما لا نريد به زيالا
وقلنا أين نذهب بعد معن ... وقد ذهب النوال فلا نوالا
قال: فأنشدته إياها، ثم قال لي، أنشدني قصيدة أبي موسى التيميّ في مرثية يزيد ابن مزيد، فهي واللّه أحب إليّ من هذه، فأنشدته:
أحقّ أنه أودى يزيد ... تبيّن أيها الناعي المشيد
أتدري من نعيت وكيف فاهت ... به شفتاك، كان بك الصعيد
أحامي المجد والإسلام أودى ... فما للأرض ويحك لا تميد!
تأمل هل ترى الإسلام مالت ... دعائمه وهل شاب الوليد!
وهل شيمت سيوف بني نزار ... وهل وضعت عن الخيل اللّبود!
وهل تسقي البلاد عشار [1] مزن ... بدرّتها وهل يخضرّ عود!
/ أما هدت لمصرعه نزار ... بلى وتقوّض المجد المشيد
وحلّ ضريحه إذ حلّ فيه ... طريف المجد والحسب التليد
أما واللّه ما تنفك عيني ... عليك بدمعها أبدا تجود
__________
[1] العشار في الأصل: النوق الحديثات النتاج، جمع عشراء.
فإن تجمد دموع لئيم قوم ... فليس لدمع ذي حسب جمود
أبعد يزيد تختزن البواكي ... دموعا أو تصان لها خدود؟
/ لتبكك قبة الإسلام لما ... وهت أطنابها ووهي العمود
ويبكك شاعر لم يبق دهر ... له نشبا وقد كسد القصيد
فمن يدعو الإمام لكل خطب ... ينوب وكلّ معضلة تئود؟
ومن يحمي الخميس إذا تعايا ... بحيلة نفسه البطل النجيد؟
فإن يهلك يزيد فكلّ حيّ ... فريس للمنية أو طريد
ألم تعجب له أن المنايا ... فتكن به وهنّ له جنود؟
قصدن له وهنّ يحدن عنه ... إذا ما الحرب شبّ لها وقود
لقد عزّى ربيعة أن يوما ... عليها مثل يومك لا يعود
قال: فبكى هارون الرشيد بكاء اتسع فيه حتى لو كانت بين يديه سكرّجة [1] لملأها من دموعه.
يجيز شعرا للأمين:
أخبرني محمد بن يحيى قال حدثنا أبو العيناء قال حدثنا محمد بن عمر قال:
خرج كوثر خادم محمد الأمين ليرى الحرب، فأصابته رجمة في وجهه، فجلس يبكي، فوجّه محمد من جاءه به، وجعل يمسح الدم عن وجهه، وقال:
ضربوا قرة عيني ... ومن أجلي ضربوه
أخذ اللّه لقلبي ... من أناس أحرقوه
/ قال: وأراد زيادة في الأبيات فلم يواته، فقال للفضل بن الربيع: من ها هنا من الشعراء، فقال:
الساعة رأيت عبد اللّه بن أيوب التيميّ، فقال: عليّ به. فلما أدخل أنشده محمد هذين البيتين، وقال: أجزهما، فقال:
ما لمن أهوى شبيه ... فبه الدنيا تتيه
وصله حلو ولكن ... هجره مرّ كريه
من رأى الناس له الفض ... ل عليهم حسدوه
مثل ما قد حسد القا ... ئم بالملك أخوه
فقال محمد: أحسنت، هذا واللّه خير مما أردنا، بحياتي عليك يا عباسي [2] إلّا نظرت، فإن جاء على الظّهر ملأت أحمال ظهره دراهم، وإن كان جاء في زورق ملأته. فأوقرت له ثلاثة أبغل دراهم.
__________
[1] السكرجة: الصحفة يوضع فيها الأكل.
[2] ب، س: «يا عباس»، والمراد بالعباسيّ هنا الفضل بن الربيع
يلجأ إلى الفضل بن سهل ليوصله إلى المأمون، فيمدحه، ويعفو المأمون عنه:
قال محمد بن يحيى: فحدّثني الحسن بن عليل العنزيّ قال: حدّثني محمد بن إدريس قال:
لما قتل محمد الأمين خرج إلى أبو محمد التيميّ إلى المأمون وامتدحه، فلم يأذن له، فصار إلى الفضل بن سهل ولجأ إليه وامتدحه، فأوصله إلى المأمون. فلما سلّم عليه قال له المأمون: إيه يا تيميّ.
مثل ما قد حسد القا ... ئم بالملك أخوه
فقال التيميّ: بل أنا الّذي أقول يا أمير المؤمنين:
نصر المأمون عبد الل ... ه لما ظلموه
نقضوا العهد الّذي كا ... نوا قديما أكّدوه
لم يعامله أخوه ... بالذي أوصى أبوه
ثم أنشده قصيدة له امتدحه بها أولها:
//
جزعت ابن تيم أن أتاك مشيب ... وبان الشباب [1] والشباب حبيب
قال: فلما أنشده إياها وفرغ منها قال: قد وهبتك للّه - عز وجل - ولأخي العباسيّ - يعني الفضل بن سهل - وأمرت لك بعشرة آلاف درهم.
ينشد الأمين أبياتا فيأمر له بمائتي ألف درهم:
أخبرني محمد بن يحيى قال: حدّثني عون بن محمد الكنديّ قال: حدّثني عبّاد [2] ابن محمد الكاتب عن أبي محمد التيميّ الشاعر قال:
أنشدت الأمين محمدا أول ما ولى الخلافة قولي:
لا بدّ من سكرة على طرب ... لعل روحا يديل من كرب
الأبيات المذكورة في الغناء. قال، فأمر لي بمائتي ألف درهم، صالحوني منها على مائة ألف درهم.
يدخل على الأمين فيتمنى أن يكون له مثل مدح أنشده إياه، فيمدحه بقصيدة:
وأخبرني جعفر بن قدامة قال: حدّثني محمد [3] بن يحيى المنجّم قال: وحدّثني حسين ابن الضحاك قال: قال لي أبو محمد التّيميّ:
دخلت على محمد الأمين أوّل ما ولي الخلافة، فقال: يا تيميّ، وددت أنه قيل فيّ مثل قول طريح بن إسماعيل في الوليد بن يزيد:
طوبى لفرعيك من هنا وهنا ... طوبي لأعراقك الّتي تشج [4]
__________
[1] ف، مو، مم: «وبان شباب».
[2] ف مم،: «غسان بن محمد».
[3] ف، مو: «على بن يحيى».
[4] تشج: تمتد وتشتبك.
فإني واللّه أحق بذلك منه، فقلت: أنا أقول ذلك يا أمير المؤمنين، ثم دخلت إليه من غد فأنشدته قصيدتي:
/لا بد من سكرة على طرب ... لعل روحا يديل من كرب
حتى أنتهيت إلى قولي:
أكرم بفرعين يجريان به ... إلى الإمام المنصور في النسب
فتبسّم، ثم قال لي: يا تيمي قد أحسنت، ولكنه كما قيل: مرعى ولا كالسّعدان، ثم التفت إلى الفضل بن الربيع فقال: بحياتي أو قر له زورقه مالا. فقال: نعم يا سيدي. فلما خرجت طالبت الفضل بذلك، فقال: أنت مجنون؟ من أين لنا ما يملأ زورقك؟ ثم صالحني على مائة ألف درهم.
يمدح الفضل بن يحيى فيأمر له بخمسة آلاف درهم:
أخبرني وكيع قال: حدّثني ابن إسحاق قال: حدّثني أبي قال:
كنت على باب الفضل بن يحيى، فأتاني التيميّ الشاعر بقصيدة في قرطاس، وسألني أن أوصلها إلى الفضل، فنظرت فيها ثم خرقت القرطاس، فغضب أبو محمد وقال لي: أما كفاك أن استخففت بحاجتي؟ منعتني أن أدفعها إلى غيرك. فقلت له: أنا خير لك من القرطاس، ثم دخلت إلى الفضل، فلما تحدثنا قلت له: معي هدية وصاحبها بالباب؛ وأنشدته، فقال: كيف حفظتها؟ قلت: الساعة دفعها إليّ على الباب، فحفظتها. فقال: دع ذا الآن. فقلت له: فأدخله، فأدخل، فسأله عن القصة فأخبره. فقال: أنشدني شيئا من شعرك ففعل، وجعلت أردد أبياته، وجعلت أشيّعها بالاستحسان، ثم خرج التيميّ فقلت: خذ في حاجة الرجل، فقال: أمّا إذا عنيت به فقد أمرت له بخمسة آلاف درهم. فقلت له: أمّا إذ أقللتها فعجّلها، فأمر بها فأحضرت. فقلت له: أليس لإعناتك إياي ثمن؟ قال: نعم.
قلت فهاته. قال: لا أبلغ بك في الإعنات ما بلغت بالشاعر في المديح. فقلت: فهات ما شئت، فأمر بثلاثة آلاف درهم، فضممتها إلى الخمسة الآلاف،/ ووجّهت بها إليه.
يسكر هو وأخوه وابن عم له، وينظم في ذلك شعرا بعد انصرافهم:
وذكر أحمد بن طاهر عن أبي هفّان عن إسحاق قال: كان التيمي وأخوه أبو التّيّحان وابن عم له يقال له:
قبيصة يشرون في حانة حتى سكروا وانصرفوا من غد، فقال التيميّ يذكر ذلك ويتشوق مثله:
صوت
هل إلى سكرة بناحية الح ... يرة شنعاء يا قبيص سبيل
وأبو التّيحان في كفّه القر ... عة والرأس فوقه إكليل
وعرار كأنه بيذق الشّطر ... نج يفتن فيه قال وقيل [1]
الشعر للتيمي والغناء لمحمد بن الأشعث، رمل بالوسطى.
يشتري ضيعة بجائزة له من الأمين:
أخبرني الحسن بن عليّ قال: حدثنا أبو العيناء عن أبي العالية، قال:
__________
[1] ستأتي هذه الأبيات مخالفة في روايتها هنا بعض الخلاف.
أمر محمد الأمين لعبد اللّه بن أيوب بجائزة عشرة آلاف دينار ثوابا عن بعض مدائحه، فاشترى بها ضيعة بالبصرة، وقال بعد ابتياعه إياها:
إني اشتريت بما وهبت ليه ... أرضا أمون بها قرابتيه
فبحسن وجهك حين أسأل قل ... يا بن الربيع احمل إليه ميه
فغنّى بها الأمين، فقال للفضل: بحياتي يا عباسي، احمل إليه مائة ألف، فدعا به فأعطاه خمسين ألفا، وقال له: الخمسون الأخر لك عليّ إذا اتسعت أيدينا.
يعشق جارية، ويسأل ثمنها فيعطيه المأمون إياه فيشتريها:
أخبرني الحسن، قال: حدّثني أبو العيناء، عن أبي العالية قال:
عشق التيميّ جارية لبعض النخاسين، فشكا وجده بها إلى أبي عيسى بن الرشيد، فقال أبو عيسى للمأمون: يا أمير المؤمنين، إن التيميّ يجد بجارية لبعض النخاسين، وقد كتب إليّ بيتين يسألني فيهما ثمنها، فقال: وما هما؟
فقال:
/يا أبا عيسى إليك المشتكى ... وأخو الصبر إذا عيل شكا
ليس لي صبر على فقدانها ... وأعاف المشرب المشتركا
قال: فأمر له بثلاثين ألف درهم فاشتراها بها [1].
يمدح الفضل بن الربيع يوم عيد فيعطيه عشرة آلاف درهم:
أخبرني الحسن قال: حدّثني أبو العيناء عن أبي العالية قال: دخل التيميّ إلى الفضل بن الربيع في يوم عيد فأنشده:
ألا إنما آل الربيع ربيع ... وغيث حيا للمرملين مريع
إذا ما بدا آل الربيع رأيتهم ... لهم درج فوق العباد رفيع
فأمر له بعشرة آلاف درهم.
يمدح الفضل بن يحيى بثلاثة أبيات فيعطيه ثلاثة آلاف درهم:
أخبرني عيسى بن الحسن قال: حدثنا أحمد بن أبي خيثمة قال: حدثنا الزبير بن بكار قال:
مدح أبو محمد التيميّ بن يحيى بثلاثة أبيات ودفعها إلى إسحاق الموصليّ، فعرضها على الفضل بن يحيى، فأمر له بثلاثة آلاف درهم، والأبيات:
لعمرك ما الأشراف في كل بلدة ... وإن عظموا للفضل إلّا صنائع
ترى عظماء الناس للفضل خشّعا ... إذا ما بدا والفضل للّه خاشع
تواضع لمّا زاده اللّه رفعة ... وكلّ جليل عنده متواضع
__________
[1] هذا الخبر ساقط من ب، س وقد أثبتناه عن ف، مم، مو.
يسمع كتابا للحجاج إلى قتيبة بن مسلم فينظم شعرا يضمنه معناه:
أخبرني جحظة قال: حدّثني عليّ بن يحيى المنجم قال: حدّثني إسحق الموصليّ عن محمد بن سلام قال:
كتب الحجاج إلى قتيبة بن مسلم: إني قد نظرت في سنّي، فإذا أنا ابن ثلاث وخمسين سنة، وأنا وأنت لدة عام. وإن امرأ قد سار إلى منهل خمسين سنة لقريب أن يرده، والسّلام.
/ فسمع هذا أبو محمد التيمي منّي فقال:
إذا ذهب القرن الّذي أنت فيهم ... وخلّفت في قرن فأنت غريب
وإن إمرأ قد سار خمسين حجة ... إلى منهل من ورده لقريب
يجيزه المأمون على مدح له في الأمين يذكر فيه الخمر:
حدّثني عمي قال: حدّثني أحمد بن أبي طاهر، قال: حدّثني أبو دعامة عليّ بن يزيد قال: حدّثني التيميّ أبو محمد قال:
دخلت على الحسن بن سهل، فأنشدته مديحا في المأمون ومديحا فيه، وعنده طاهر بن الحسين، فقال له طاهر: هذا واللّه أيها الأمير الّذي يقول في محمد المخلوع:
لا بدّ من سكرة على طرب ... لعل روحا يديل [1] من كرب
/ خليفة اللّه خير منتخب ... لخير أم من هاشم وأب
خلافة اللّه قد توارثها ... آباؤه في سوالف الكتب
فهي له دونكم مورّنة ... عن خاتم الأنبياء في الحقب
يا بن الذّرا من ذوائب الشرف ال ... أقدم أنتم دعائم العرب
فقال الحسن: عرّض واللّه ابن اللخناء بأمير المؤمنين، واللّه لأعلمنّه. وقام إلى المأمون فأخبره، فقال المأمون: وما عليه في ذلك، رجل أمّل رجلا فمدحه، واللّه لقد أحسن بنا، وأساء إليه إذ لم يتقرب إليه إلّا بشرب الخمر، ثم دعاني فخلع عليّ وحملني، وأمر لي بخمسة آلاف درهم.
ينشد أول شعر عرف به ووصل به إلى الخليفة:
أخبرني الحسن بن عليّ قال: حدّثني محمد بن القاسم بن مهرويه قال: حدّثني أبو الشّبل البرجمّي عن أبيه قال: قال لي أبو محمد التيميّ:
/ أول شعر عرفت به فشاع فيه ذكرى ووصلت به إلى الخليفة قولي:
صوت
طاف طيف في المنام ... بمحبّ مستهام
زورة أبقت سقاما ... وشفت بعض السّقام
__________
[1] ف، مم، مو: «يدال».
لم يكن ما كان فيها ... من حرام بحرام
لم تكن إلا فواقا ... وهي في ليل التّمام
الغناء لإسحاق فقال: فصنع فيها إسحاق لحنا وغنى به الرشيد، فسأله عن قائل الشعر، فقال له: صديق لي شاعر ظريف، يعرف بالتيميّ، فطلبت وأمرت بالحضور، فسألت عن السبب الّذي دعيت له فعرفته، فأتممت الشعر وجعلته قصيدة مدحت بها هارون. ودخلت إليه فأنشدته إياها، فأمر له بثلاثين ألف درهم، وصرت في جملة من يدخل إليه بنوبة وأمر أن يدوّن شعري.
يجتاز بإسحاق الموصلي فيدعوه إلى طعام وشراب:
أخبرني محمد بن مزيد بن أبي الأزهر قال: حدثنا حماد بن إسحاق قال: حدّثني عمي طيّاب بن إبراهيم الموصليّ قال: حدّثني أبو محمد التّيميّ الشاعر قال:
اجتزت يوما بأخيك إسحاق فقال: ادخل حتى أطعمك طعاما صرفا، وأسقيك شرابا صرفا وأغنيك غناء صرفا، فدخلت إليه، فأطعمني لحما مكبّبا، وشواء حارّا وباردا مبرّزا، وأسقاني شرابا عتيقا صرفا، وغنّاني وحده مرتجلا:
ولو أن أنفاسي أصابت بحرّها ... حديدا إذا كاد الحديد يذوب
ولو أن عيني أطلقت من وكائها [1] ... لما كان في عام الجدوب جدوب
/ ولو أن سلمى تطلع الشمس دونها ... وأمسي وراء الشمس حين تغيب
لحدثت نفسي أن تريع [2] بها النوى ... وقلت لقلبي إنها لقريب
فلم تزل تلك حالي حتى حملت من بيته سكران [3].
يستأذن عمرو بن مسعدة في الإنشاد فيجعل الإذن لإسحاق الموصلي فيأذن:
أخبرني جحظة قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه قال:
دخلت يوما على عمرو بن مسعدة، فإذا أبو محمد التّيميّ واقف بين يديه يستأذنه في الإنشاد، فقال: ذاك إلى أبي محمد - يعنيني - وكان على التّيمي عاتبا، فكره أن يمنعه لعلمه بما بيننا من المودة، فقلت له: أنشد إذ جعل الأمر إليّ، فأرجو أن يجعل أمر الجائزة أيضا إليّ./ فتبسم عمرو، وأنشده التيميّ:
يا أبا الفضل كيف تغفل [4] عني ... أم تخلّى عند الشدائد منّي؟
أنسيت الإخاء والعهد والودّ ... حديثا ما كان ذلك ظني
أنا من قد بلوت في سالف ال ... دهر مضت شرّتي ولم تفن سني
__________
[1] الوكاء في الأصل: رباط القربة وغيرها.
[2] تريع: ترجع.
[3] في أ، ب، ج: «سكرا».
[4] في ب، س: «تعقل»، تحريف.
فاصطنعني لما ينوب به الد ... هر فإني أجوز في كل فن
أنا ليث على عدوّك سلم لك ... في الحرب فابتذلني وصلني [1]
أنا سيف يوم الوغى وسنان ... ومجنّ إن لم تثق بمجن
أنا طبّ في الرأي في موضع الرأ ... ى معين على الخصيم المعنّ [2]
وأمين على الودائع والسرّ ... إذا ما هويت أن تأتمني
/ قال: فأقبل عليّ عمرو وهو يضحك، وقال: أتعلّم هذا الغناء منك أم كان يعلمه [3] قديما؟ فقلت له: لم يكذب، أعزك اللّه. فقال: أفي هذا وحده أو في الجميع؟ فقلت: أما في هذا فأنا أحقّ كذبة، واللّه أعلم بالباقي. ثم أنشده:
وإذا ما أردت حجّا فرحّا ... ل دليل إن نام كلّ ضفن [4]
فقال له: إذا عزمنا على الحج امتحناك في هذا، فإني أراك تصلح له، ثم أنشده:
ولبيب على مقال أبي العب ... اس إني أرى به مسّ جنّ
فقال: ما أراه أبعد، فقال:
وهو الناصح الشفيق ولكن ... خاف هيج الزمان [5] فازورّعني
وظريف عند المزاح خفيف ... في الملاهي وفي الصبا متثن
كيف باعدت أو جفوت صديقا ... لا ملولا، لالا [6] ولا متجن
صرت بعد الإكرام والأنس أرضى ... منك بالترّهات ما لم تهنّي
لم تخنّي ولم أخنك ولا والل ... ه ربي لا خنت من لم يخنى
إن أكن تبت أو هجرت الملاهي ... وسلافا يجنها بطن دنّ
فحديثي كالدر فصّل باليا ... قوت يجري في جيد ظبي أغنّ
فأمر له بخمسة آلاف درهم، فقال له: هذا شيء تطوعت به، فأين موضع حكمي؟ فقال: مثلها، فانصرف بعشرة آلاف درهم.
يمر بخمار بالحيرة وقد أسن، فينشد شعرا في شربه عنده:
أخبرني عمي قال: حدّثني محمد بن الحسن بن مسعود قال: حدّثني عليّ بن عمرو قال:/ مرّ التيمي بالحيرة على خمّار كان يألفه، وقد أسن التيمي وأرعش، وترك النبيذ. فقال له الخمار: ويحك! أبلغ بك الأمر إلى ما أرى؟
__________
[1] كذا في ب، س، ج. وفي أ، مم، ف، مم: «وصني».
[2] في هامش ف تعليق على هذا البيت نصه «يرمز لرجل يتدخل فيما لا يعنيه ويعرض نفسه في كل شي ء».
[3] كذا في ب، س. وفي أ، ج: «تعلمه».
[4] الضفن: الأحمق في عظم خلق.
[5] ف، مم، مو: «المرار».
[6] ف: «كلا» بدل «لالا».
فقال: نعم واللّه، لو لا ذلك لأكثرت عندك. ثم أنشأ يقول:
صوت
هل إلى سكرة بناحية الح ... يرة يوما قبل الممات سبيل؟
وأبو التّيّحان في كفه القر ... عة والرأس فوقه الإكليل
/ وعرار كأنه يبذق الشّط ... رنج يفتنّ فيه قال وقيل [1]
في هذه الأبيات لمحمد بن الأشعث رمل بالوسطى عن الهشامي:
يهوى غلاما ويشغل الغلام عنه بهوى جارية فينظم في هذا شعرا:
أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال: حدثنا عيسى بن إسماعيل قال:
كان أبو محمد التيميّ يهوى غلاما، وكان الغلام يهوى جارية من جواري القيان، فكان بها مشغولا عنه، وكانت القينة تهوى الغلام أيضا فلا تفارقه، فقال التيميّ:
ويلي على أغيد ممكور [2] ... وساحر ليس بمسحور
تؤثره الحور علينا كما ... نؤثره نحن على الحور
علّق من علّق فيه هوى [3] ... منتظم الألفة مغمور
وكل من تهواه في أمره ... مقلّب صفقة مقمور
يمدح الأمين فيأمر بملء زورقه دراهم:
أخبرني الحسن بن عليّ قال: حدثنا ابن أبي سعد قال: حدّثني أحمد بن محمد الفارسيّ قال: حدثنا غسان بن عبد اللّه عن أبي محمد التيميّ قال:
/ لما أنشدت الأمين قولي فيه:
خليفة اللّه خير منتخب ... لخير أم من هاشم وأب
أكرم بعرقين يجريان به ... إلى الامام المنصور في النسب
طرب، ثم قال للفضل بن الربيع: بحياتي أوقر له زورقه دراهم، فقال: نعم يا سيدي: فلما خرجنا طالبته بذلك، فقال: أمجنون أنت؟ من أين لنا ما يملأ زورقك؟ ثم صالحني على مائة ألف درهم، فقبضتها.
يقول شعرا ينهي فيه عن الخضوع لغير اللّه:
أخبرني حبيب بن نصر المهلبيّ، قال: حدّثني محمد بن عبد اللّه المدنيّ قال: حدّثني عبد اللّه بن أحمد التيميّ ابن أخت [4] أبي محمد التيميّ الشاعر، قال: أنشدني خالي [4] لنفسه قوله:
__________
[1] المثبت هنا رواية البيت كما وردت في الصفحة: 52 من هذا الجزء. وكانت روايته هنا.
وعذار كأنه بيرق الشط ... مرنح يفتن فيه قال وقيل
[2] الممكور: الحسن امتلاء الساقين.
[3] ف، مو، مم:
«علق من علقه في هوى»
[4] ف، مم: «ابن أخي بدل «ابن أخت».،. وعمي بدل «خالي».
لا تخضعنّ [1]
لمخلوق على طمع ... فإن ذاك مضرّ منك بالدّين
وارغب إلى اللّه مما في خزائنه ... فإنما هو بين الكاف والنون
أما ترى كلّ من ترجو وتأمله [2] ... من الخلائق مسكين ابن مسكين [3]
صوت
ألم تر أنني أفنيت عمري ... بمطلبها ومطلبها عسير؟
فلما لم أجد سببا إليها ... يقرّبني وأعيتني الأمور
حججت وقلت قد حجّت جنان ... فيجمعني وإياها المسير
الشعر لأبي نواس، والغناء للزّبير بن دحمان، رمل بالوسطى من رواية أحمد بن المكي وبذل، وغنّاني محمد بن إبراهيم قريض الجرحى - رحمه اللّه - فيه لحنا من خفيف الثقيل، فسألته عن صانعه فلم يعرف.
__________
[1] ف، مم، مو: «لا تضرعن».
[2] ف: «تسأله».
[3] ورد في ب، مو، بضع صفحات من أخبار رؤبة بن العجاج وهي مقحمة وتعتبر تكرارا لما ورد في الترجمة المستقلة لرؤبة.
4 - أخبار أبي نواس وجنان خاصة إذ كانت أخباره قد أفردت خاصة
صفات جنان وصدق أبي نواس في حبها:
كانت جنان هذه جارية آل عبد الوهاب بن عبد المجيد الثّقفيّ المحدّث الّذي كان ابن مناذر يصحب ابنه عبد المجيد، ورثاه بعد وفاته، وقد مضت أخبارهما.
وكانت حلوة جميلة المنظر أديبة، ويقال: إن أبا نواس لم يصدق في حبّه امرأة غيرها.
حجت جنان فحج معها أبو نواس:
أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال: حدّثني إسحاق بن محمد عن أبي هفّان عن أصحاب أبي نوّاس قالوا:
كانت جنان جارية حسناء أديبة عاقلة ظريفة، تعرف الأخبار، وتروي الأشعار قال اليؤيؤ: خاصة، وكانت لبعض الثقفيّين بالبصرة، فرآها أبو نواس فاستحلاها، وقال فيها أشعارا كثيرة، فقلت له يوما: إنّ جنان قد عزمت على الحج، فكان هذا سبب حجّة، وقال: أما واللّه - لا يفوتني المسير معها والحجّ عامي هذا إن أقامت على عزيمتها، فظننته عابثا مازحا، فسبقها واللّه إلى الخروج بعد أن علم أنها خارجة، وما كان نوى الحجّ، ولا أحدث عزمه له إلّا خروجها، وقال وقد حج وعاد:
ألم تر أنني أفنيت عمري ... بمطلبها ومطلبها عسير؟
فلما لم أجد سببا إليها ... يقرّبني وأعيتني الأمور
حججت وقلت قد حجّت جنان ... فيجمعني وإياها المسير
قال اليؤيؤ: فحدّثني من شهده لما حجّ مع جنان وقد أحرم، فلما جنه الليل جعل يلبي بشعر ويحدو ويطرّب، فغنّى به كل من سمعه، وهو قوله:
/إلهنا ما أعدلك! ... مليك كلّ من ملك
لبّيك قد لبّيت لك ... لبّيك إنّ الحمد لك
والملك لا شريك لك ... والليل لما أن حلك
والسابحات في الفلك ... على مجاري المنسلك
ما خاب عبد أمّلك ... أنت له حيث سلك
لولاك يا ربّ هلك ... كلّ نبيّ وملك
وكلّ من أهلّ لك ... سبّح أو لبّى فلك
يا مخطئا ما أغفلك! ... عجّل وبادر أجلك
واختم بخير عملك ... لبيك إن الملك لك
والحمد والنعمة لك ... والعزّ لا شريك لك
«من شعرة فيها»
أخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن عمار وأحمد بن عبد العزيز الجوهريّ قالا: حدّثنا عمر بن شبّة قال:
كانت جنان الّتي يذكرها أبو نواس جارية لآل عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفيّ، وفيها يقول:
جفن عيني قد كاد ي ... سقط من طول ما اختلج
وفؤادي من حرّ حب ... ك والهجر قد نضج
خبّريني فدتك نف ... سي وأهلي: متى الفرج؟
كان ميعادنا خرو ... ج زياد [1] فقد خرج
أنت من قتل عائذ ... بك في أضيق الحرج
تشهد عرسا فيراها فيرتجل فيها شعرا:
أخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن عمار قال: حدّثني إسحاق بن محمد النخعيّ قال: حدّثني الجمّاز قال ابن عمّار:
وحدثّني به قليب بن عيسى قال:
كانت جنان قد شهدت عرسا في جوار أبي نواس، فانصرفت منه وهو جالس معنا، فرآها فأنشدنا بديها قوله:
شهدت جلوة العروس جنان ... فاستمالت بحسنها النظارة
حسبوها العروس حين رأوها ... فإليها دون العروس الإشارة
قال أهل العروس حين رأوها ... ما دهانا بها سواك عمارة
قال: وعمارة زوج عبد الرحمن الثقفيّ، وهي مولاة جنان.
تغضب من كلام له فيرسل معتذرا فلا تحسن الرد فينظم شعرا:
أخبرني محمد بن يحيى بن الصّوليّ ومحمد بن خلف قالا: حدثنا يزيد بن محمد المهلبيّ عن محمد بن عمر قال:
غضبت جنان من كلام كلمها به أبو نواس، فأرسل يعتذر إليها، فقالت للرسول: قل له: لا برح الهجران ربعك، ولا بلغت أملك من أحبّتك، فرجع إليه، فسأله عن جوابها، فلم يخبره فقال:
فديتك فيم عتبك من كلام ... نطقت به على وجه جميل؟
وقولك للرسول عليك غيري ... فليس إلى التواصل من سبيل
__________
[1] هو زياد بن عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي (أخبار أبي نواس: 184).
فقد جاء الرسول له انكسار ... وحال ما عليها من قبول
ولو ردّت جنان مردّ خير ... تبّين ذاك في وجه الرسول
يعاتبها حتى يستميلها:
/ قال أبو خالد يزيد بن محمد: وكان أبو نواس صادقا في محبّة جنان من بين من كان ينسب به من النساء ويداعبه، ورأيت أصحابنا جميعا يصحّحون ذاك عنه، وكان/ لها محبّا، ولم تكن تحبّه، فمما عاتبها به حتى استمالها بصحّة حبه لها فصارت تحبه بعد نبوّها عنه قوله:
جنان إن جدت يا مناي بما ... آمل لم تقطر السماء دما
وإن تمادي - ولا تماديت في ... منعك - أصبح بقفرة رمما [1]
علقت من لو أتى على أنفس الماضين والغابرين ما ندما
لو نظرت عينه إلى حجر ... ولّد فيه فتورها سقما
يسأل امرأة عنها فتخبره أنها رحمته فيقول في ذلك شعرا:
أخبرني محمد بن جعفر النحويّ صهر المبرّد قال: حدّثني محمد بن القاسم عن أبي هفّان عن الجمّاز، وأخبرني محمد بن يحيى الصوليّ قال: حدّثني عون بن محمد قال: حدّثني الجمّاز قال:
كنت عند أبي نواس جالسا إذ مرّت بنا امرأة ممن يداخل الثقفيين، فسألها عن جنان وألحف [2] في المسألة واستقصى، فأخبرته خبرها وقالت [3]: قد سمعتها تقول لصاحبة لها من غير أن تعلم أني أسمع: ويحك! قد آذاني هذا الفتى، وأبرمني، وأحرج صدري، وضيّق عليّ الطرق بحدة نظره وتهتّكه؛ فقد لهج قلبي بذكره والفكر فيه من كثرة فعله لذلك حتى رحمته، ثم إلتفت فأمسكت عن الكلام؛ فسرّ أبو نواس بذلك، فلما قامت المرأة أنشأ يقول:
يا ذا الّذي عن جنان ظلّ يخبرنا ... باللّه قل وأعد يا طيّب الخبر
قال اشتكتك وقالت ما ابتليت به ... أراه من حيثما أقبلت في أثري
/ ويعمل الطرف نحوي إن مررت به ... حتى ليخجلني من حدّة النظر
وإن وقفت له كيما يكلّمني ... في الموضع الخلو لم ينطق من الحصر
ما زال يفعل بي هذا ويدمنه ... حتى لقد صار من همّي ومن وطري
يمر به القاضي وهو يكلم امرأة فينصحه فيقول في ذلك شعرا:
أخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن عمّار قال: حدّثني عليّ بن محمد النّوفليّ وأحمد بن سليمان بن أبي شيخ قالا:
قال ابن عائشة: وأخبرني الحسن بن عليّ وابن عمّار عن الغلابيّ عن ابن عائشة: قال ابن عمّار: وحدّثت به عن الجمّاز، وذكره لي محمد بن داود الجرّاح عن إسحاق النخعيّ عن أحمد بن عمير:
__________
[1] الرمم: جمع رمة، وهي العظام البالية.
[2] كذا في مد. وفي س: «ألحقها»، تحريف.
[3] في بعض النسخ: «قال»، وهو تحريف.
أنّ محمد بن حفص بن عمر التميميّ - وهو أبو ابن عائشة - انصرف من المسجد وهو يتولّى القضاء، فرأى أبا نواس قد خلا بامرأة يكلّمها. وقال أحمد بن عمير في خبره: وكانت المرأة قد جاءته برسالة جنان جارية عمارة امرأة عبد الوهاب بن عبد المجيد، فمرّ به عمر بن عثمان التيميّ وهو قاضي البصرة - هكذا ذكر أحمد بن عمير وحده - وذكر الباقون جميعا أنه محمد بن حفص.
قال الجمّاز: وكانت عليه ثياب بياض، وعلى رأسه قلنسوة مضرّبة [1] فقال له: اتّق اللّه، قال: إنها حرمتي، قال: فصنها عن هذا الموضع. وانصرف عنه، فكتب إليه أبو نواس:
صوت
إنّ الّتي أبصرتها ... بكرا [2] أكلّمها رسول
/ أدّت إليّ رسالة ... كادت لها نفسي تسيل
/ من ساحر العينين ... يجذب خصره ردف ثقيل
متقلّد قوس [3] الصّبا ... يرمي وليس له رسيل [4]
فلو أن أذنك بيننا ... حتى تسمّع [5] ما تقول
لرأيت ما استقبحت من ... أمري هو الأمر الجميل
في هذه الأبيات لجنان من الرمل وخفيفه، كلاهما لأبي العبيس بن حمدون.
قال بن عمير: ثم وجّه بها فألقيت في الرّقاع بين يدي القاضي فلما رآها ضحك وقال إن كانت رسولا فلا بأس.
قال ابن عائشة في خبره: فجاءني برقعة فيها هذه الأبيات، وقال لي: ادفعها إلى أبيك، فأوصلتها إليه، ووضعتها بين يديه، فلما قرأها ضحك، وقال: قل له: إني لا أتعرّض للشعراء.
من شعره يسأل عنها وهي في حكمان:
حدّثني عليّ بن سليمان الأخفش قال: حدّثنا محمد بن يزيد قال:
كان أبو عثمان أخا مولى جنان، وكان مولاها أبو ميّة زوج عمارة وهي مولاتها، وكانت له بحكمان [6] ضيعة كان ينزلها هو وابن عمّ له يقال له: أبو ميّة، فقال أبو نواس فيه قوله:
__________
[1] مضربة، من ضرب النجاد المضربة: أي خاطها.
[2] بكرا، أي لأول مرة.
[3] في م، أ: «سيف».
[4] الرسيل: الموافق لك في النضال.
[5] مد: «لتسمع» تحريف.
[6] حكمان: ضيعة بالبصرة لبني عبد الوهاب الثقفيين موالى جنان، سميت بالحكم بن العاص الثقفي. وهذا اصطلاح لأهل البصرة، إذا سموا ضيعة باسم زادوا عليه ألفا ونونا، حتى سموا عبد اللان في قرية سميت بعبد اللّه. وحكمان بالتحريك فيما يقول ياقوت، وكسلمان فيما يقول صاحب «القاموس».
أسأل القادمين من حكمان ... كيف خلّفتما [1] أبا عثمان
/ وأبا ميّة المهذّب والما ... جد والمرتجى لريب الزمان؟
فيقولان لي: جنان كما سرّك ... في حالها فسل عن جنان
ما لهم لا يبارك اللّه فيهم ... كيف لم يغن عندهم كتماني؟
لم يكن يعشق ولا كانت جنان موضع عشق ولكنه العبث:
فأخبرني ابن عمار قال: حدّثني محمد بن القاسم بن مهرويه، قال: حدّثني محمد بن عبد الملك بن مروان الكاتب قالا:
كنت جالسا بسرّ من رأى في شارع أبي أحمد، فأنشدني قول أبي نواس:
أسأل المقبلين من حكمان ... كيف خلّفتما أبا عثمان؟
وإلى جانبي شيخ جالس فضحك، فقلت له: لقد ضحكت من أمر، فقال: أجل، أنا أبو عثمان الّذي قال أبو نواس فيه هذا الشعر، وأبو ميّة ابن عمي، وجنان جارية أخي، ولم تكن في موضع عشق، ولا كان مذهب أبي نواس النساء، ولكنه عبث خرج منه.
سبقه النابغة الجعدي إلى التكنية في شعره بغير اسم صاحبته:
أخبرني عليّ بن سليمان قال: قال لي أبو العباس محمد بن يزيد:
قال النابغة الجعديّ:
أكني بغير اسمها وقد ... علم اللّه خفيّات كلّ مكتتم
وهو سبق الناس إلى هذا المعنى، وأخذوه جميعا منه، وأحسن من أخذه أبو نواس حيث يقول:
أسأل المقبلين من حكمان ... كيف خلّفتما أبا عثمان؟
فيقولان لي جنان كما سرّ ... ك في حالها فسل عن جنان
ما لهم لا يبارك اللّه فيهم ... كيف لم يغن عندهم كتماني [2]!
شعره وقد حضرت مأتما في البصرة:
أخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن عمّار، قال: أنشدني أحمد بن محمد بن صدقة الأنباريّ لأبي نواس يذكر مأتما بالبصرة، وحضرته جنان:
/يا منسي المأتم أشجانه ... لمّا أتاهم في المعزّينا
سرت [3] قناع الوشي عن صورة ... ألبسها اللّه التّحاسينا
__________
[1] في ب، س: «خفتما»، تحريف.
[2] في ب، س: «كتمان»، تحريف.
[3] سرت: ألقت، من سرى المتاع: ألقاه على ظهر دابته.
فاستفتنتهنّ بتمثالها ... فهنّ للتكليف يبكينا
حقّ لذاك الوجه أن يزدهي ... عن حزنه من كان محزونا
شعره وقد أشرف عليها فرآها تلطم في مأتم:
أخبرني عمّي قال: حدّثني إسحاق بن محمد النخعيّ، قال: حدّثنا عبد الملك بن عمر ابن أبان النخعيّ، وكان صديقا لأبي نواس:
أنّ أبا نواس أشرف من دار على منزل عبد الوهاب الثقفيّ، وقد مات بعض أهله وعندهم مأتم، وجنان واقفة مع النساء تلطم وجهها وفي يدها خضاب، فقال:
يا قمرا أبرزه مأتم ... يندب شجوا بين أتراب
يبكي فيذري [1] الدّرّ من عينه ... ويلطم الورد بعناب
لا تبك ميتا حلّ في حفرة ... وابك قتيلا لك بالباب
أبرزه المأتم لي كارها ... برغم دايات وحجّاب
لا زال موتا دأب أحبابه ... ولا تزل رؤيته دابي
استحسان ابن عيينة لشعره ذاك:
فحدّثني أحمد بن عبيد اللّه بن عمّار، قال: حدّثني محمد بن القاسم، حدّثني محمد ابن عائشة قال:
قال لي سفيان بن عيينة: لقد أحسن بصريّكم هذا أبو نواس حيث يقول - وشدّد الواو وفتح النون:
/يا قمرا أبصرت في مأتم ... يندب شجوا بين أتراب
يبكي فيذري الدّرّ من عينه ... ويلطم الورد بعنّاب
قال: وجعل يعجب من قوله:
ويلطم الورد بعنّاب
ابن أبي عيينة ينشد بيتا من شعره ذاك ويكرر إعجابه ببراعته:
وأخبرني الحسن بن عليّ قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد قال: حدّثني محمد بن محمد قال: حدّثني حسين ابن الضّحّاك قال:
أنشد ابن عيينة قول أبي نواس:
يبكي فيذري الدّرّ من طرفه ... ويلطم الورد بعنّاب
فعجبت منه، وقال: آمنت بالذي خلقه.
روي أن شعره ذاك كان في غير جنان:
وقد قيل: إنّ أبا نواس قال هذا الشعر في غير جنان.
__________
[1] فيذري: فينثر.
أخبرني بذلك الحسن بن عليّ قال: حدّثنا محمد بن القاسم بن مهرويه، قال: حدّثني بعض الصيارف بالكرخ، وسماه، قال:
كان حارس درب عون [1] يقال له: المبارك، وكان يلبس ثيابا نظيفة سريّة، ويركب حمارا، فيطوف عليه السوق بالليل ويكريه بالنهار، فإذا رآه من لا يعرفه ظنّ أنه من بعض التجار، وكان يصل إليه في كل شهر من السّوق ما يسعه ويفضل عنه، وكانت له بنت من أجمل النساء، فمات مبارك وحضره الناس، فلما أخرجت جنازته خرجت بنته هذه حاسرة بين يديه، فقال أبو نواس فيها:
يا قمرا أبرزه مأتم ... يندب شجوا بين أتراب
وذكر الأبيات كلّها.
طلبت قطع صلته بها أياما ففعل:
أخبرني محمد بن جعفر قال: حدّثني أحمد بن القاسم عن أبي هفّان عن الجمّاز واليؤيؤ/ وأصحاب أبي نواس أنّ جنان وجّهت إليه: قد شهرتني، فاقطع زيارتك عنّي أياما لينقطع بعض القالة، ففعل، وكتب إليها:
/إنّا اهتجرنا [2] للناس إذ فطنوا ... وبيننا حين نلتقي حسن
ندافع الأمر وهو مقتبل [3] ... فشبّ حتى عليه قد مرنوا
فليس يقذي عينا معاينة ... له وما إن تمجّه أذن
ويح ثقيف ماذا يضرّهم ... أن كان لي في ديارهم سكن [4]
أريب ما بيننا الحديث فإن ... زدنا فزيدوا وما لذا ثمن
يكتب إليها من بغداد شعرا:
أخبرني الحسن بن عليّ قال: حدثنا ابن مهرويه، قال: حدّثني ابن أبي سعد قال: بلغني أنّ أبا نواس كتب إلى جنان من بغداد:
كفى حزنا ألّا أرى وجه حيلة ... أزور بها الأحباب في حكمان
وأقسم لو لا أن تنال معاشر ... جنانا بما لا أشتهي لجنان
لأصبحت منها داني الدار لاصقا ... ولكنّ ما أخشى - فديت - عداني
فواحزنا حزنا يؤدّي إلى الردى ... فأصبح مأثورا بكلّ لسان
أراني انقضت أيام وصلي منكم ... وآذن فيكم بالوداع زماني
__________
[1] ب، س: «عول».
[2] اهتجرنا: تقاطعنا.
[3] مقتبل: في مبتدئه.
[4] السكن: كل ما يسكن إليه.
شعره وقد شتمته وتنقصته حين ذكر عشقه لها:
أخبرني الحسن قال: حدّثنا ابن مهرويه عن يحيى بن محمد عن الخريميّ قال:
بلغ أبا نواس أنّ امرأة ذكرت لجنان عشقه لها، فشتمته جنان وتنقصته وذكرته أقبح الذّكر، فقال:
/وا بأبي من إذا ذكرت له ... وطول وجدي به تنقّصني
لو سألوه عن وجه حجّته ... في سبّه لي لقال: يعشقني
نعم إلى الحشر والتّناد نعم ... أعشقه أو ألفّ في كفني
أصيح [1] جهرا لا أستسرّ به ... عنّفني فيه من يعنفني:
يا معشر الناس فاسمعوه وعوا: ... أنّ جنانا صديقة الحسن
شعره إليها وقد رآها في المنام بعد أن هجرته:
فبلغها ذلك، فهجرته، وأطالت هجره، فرآها ليلة في منامه وأنها قد صالحته، فكتب إليها:
إذا التقى في النوم طيفانا ... عاد لنا الوصل كما كانا
يا قرّة العين فما بالنا ... نشقى ويلتذّ خيالانا
لو شئت إذ أحسنت لي في الكرى ... أتممت إحسانك يقظانا
يا عاشقين اصطلحا في الكرى ... وأصبحا: غضبى وغضبانا
كذلك الأحلام غدّارة ... وربّما تصدق أحيانا
الغناء في هذه الأبيات لابن جامع، ثقيل أول بالوسطى عن عمرو.
يهجرها حين جبهته بما يكره، ويراها في المنام تصالحه، فينظم شعرا:
وقال الخريمي: ورآها يوما في ديار ثقيف فجبهته بما كره، فغضب وهجرها مدة، فأرسلت إليه رسولا تصالحه فرده، ولم يصالحها، ورآها في النوم تطلب صلحه، فقال:
دسّت له طيفها كيما تصالحه ... في النوم حين تابّى الصلح يقظانا
فلم يجد عند طيفي طيفها فرجا ... ولا رثى لتشكّيه ولا لانا
حسبت أنّ خيالي لا يكون لما ... أكون من أجله غضبان غضبانا
/ جنان لا تسأليني الصلح سرعة ذا ... فلم يكن هيّنا منك الّذي كانا
من شعره فيها:
وأنشدني عليّ بن سليمان الأخفش لأبي نواس في جنان:
أما يفنى حديثك عن جنان ... ولا تبقي على هذا اللسان!
__________
[1] في س: «أصبح»، تحريف.
أكلّ الدهر قلت لها وقالت ... فكم هذا أما هذا بفان!
جعلت الناس كلّهم سواء ... إذا حدّثت عنها في البيان
عدوّك كالصديق وذا كهذا ... سواء، والأباعد كالأداني
إذا حدّثت عن شأن توالت ... عجائبه أتيتهم بشان
فلو موّهت عنها باسم أخرى ... علمنا إذ كنيت من أنت عان؟
شعره وقد بيعت وسافر بها مولاها:
أخبرني الحسن بن عليّ قال: حدّثني يحيى بن محمد السّلميّ قال: حدّثني أبو عكرمة الضبيّ:
أنّ رجلا قدم البصرة فاشترى جنان من مواليها، ورحل بها، فقال أبو نواس في ذلك:
أمّا الديار فقلّما لبثوا بها ... بين استياق [1] العيس والرّكبان
وضعوا سياط السّوق [2] في أعناقها ... حتى اطّلعن [3] بهم على الأوطان
أخبرني عيسى بن الحسين الورّاق قال: حدّثني محمد بن سعد الكرانيّ قال: حدّثني أبو عثمان الأشنانداني قال: كتب أبو نواس إلى جنان:
أكثري [4] المحو في كتابك و... امحيه إذا ما محوته باللسان
/ وأمرى [5] بالمحاء بين ثنايا ... ك العذاب المفلّجات الحسان
إنني كلما مررت بسطر ... فيه محو لطعته [6] بلساني
تلك تقبيلة لكم من بعيد ... أهديت لي وما برحت مكاني
صوت
تجنّي علينا آل مكتوبة الذّنبا ... وكانوا لنا سلما فأضحوا لنا حربا
يقولون عزّ القلب بعد ذهابه ... فقلت ألا طوباي لو أن لي قلبا
عروضه من الطويل. الشعر لابن أبي عيينة، والغناء لسليمان أخي جحظة، رمل بالوسطى عن عمرو بن بانة.
__________
[1] في م، أ: «استباق».
[2] في س، ب: «الشوق»، تحريف.
[3] اطلعن: طلعن.
[4] في س، ب: «أكثر»، تحريف.
[5] وفي ب، س: «و امررى»، وهو خطأ صرفي.
[6] لطعته: لحسته.
5 - نسب ابن أبي عيينة وأخباره [1]
اسمه وكنيته ونسبه:
أبو عيينة - فيما أخبرنا به عليّ بن سليمان الأخفش عن محمد بن يزيد - اسمه وكنيته أبو المنهال، قال: وكل من يدعى أبا عيينة من آل المهلّب فأبو عيينة اسمه وكنيته أبو المنهال، وكلّ من يدعى أبا رهم من بني سدوس فكنيته أبو محمد.
وابن أبي عيينة [2] هو محمد بن أبي عيينة بن المهلّب بن أبي صفرة. وقال أبو خالد الأسلميّ: هو أبو عيينة المنجاب بن أبي عيينة، وهو الّذي كان يهجو ابن عمه خالدا.
واسم [3] أبي صفرة ظالم بن سرّاق، وقيل: غالب بن إسراق بن صبح بن كنديّ بن عمرو بن عديّ بن وائل بن الحارث بن العتيك بن الأسد بن عمران بن الوضّاح بن عمرو بن مزيقياء بن حارثة الغطريف بن امرىء القيس البطريق بن ثعلبة/ البهلول بن مازن الرّاكب بن الأزد.
[4] هذا النسب الّذي عليه آل المهلب، وذكر غيرهم أن أصلهم من عجم عمان وأنّهم تولوا الإزد، فلما سار المهلّب وشرف وعلا ذكره استلحقوه. وممن ذكر ذلك الهيثم بن عديّ وأبو عبيدة وابن مزروع وابن الكلبيّ وسائر من جمع كتابا في المثالب وهجتهم به الشّعراء فأكثرت.
أبو صفرة ليس عربيا:
أخبرني محمد بن عمران الصيرفيّ قال: أخبرني الحسن بن عليل العنزيّ قال: حدّثني أبو عبد اللّه أحمد بن محمد بن حميد بن سليمان العدويّ قال:
/ أخبرني الهيثم بن عديّ، عن عبد اللّه بن عيّاش الهمدانيّ قال:
وفد ابن الجلندي في الأزد، أزد عمان ومواليهم وأحلافهم، فكان فيمن وفد منهم أبو صفرة، وكان يلقّب بذلك، لأنه كان يصفّر لحيته، فدخل على عمر مع ابن الجلندي ولحيته مخضوبة مصفرّة، فقال عمر لابن الجلندي:
أ كلّ من معك عربيّ؟ قال: لا، فينا العربيّ وفينا غير ذلك، فالتفت عمر - رحمه اللّه - إلى أبي صفرة، فقال له:
أعربيّ أنت؟ قال: لا، أنا ممّن منّ اللّه عليه بالإسلام.
__________
[1] مو: نسب ابن عيينة وأخباره.
[2] مد، مو: وأبو عيينة.
[3] كذا في م، أ. وفي س، ب: «أو اسم»، تحريف.
[4] هذه التكملة من نسخة مي؛ وآخرها في ص 78.
أبو صفرة يختن وهو شيخ أشمط:
قال: وقدم الحكم بن أبي العاصي الثّقفيّ أخو عثمان بأعلاج من شهرك [1] في خلافة عمر قد أسلموا، فأمر عمر عثمان بن أبي العاصي أن يختنهم، وقد كان أبو صفرة حاضرا فقال: ما لهؤلاء يطهّرون ليصلوا! قال: إنّهم يختنون.
قال: إنا واللّه هكذا مثلهم، قال: فسمع ذلك عثمان بن أبي العاصي، فأمر بأبي صفرة فأجلس على جفنة فختن وإنّه لشيخ أشمط فكان بها من قال: لسنا نشك في أنّ زوجته كذلك، فأخضرت وهي عجوز أدماء، فأمر بها القابلة فنظرت إليها وكشفتها، وإذا هي غير مختونة، وذلك منها قد أحشف [2]، فأمر بها فخفضت.
وقال في ذلك زياد الأعجم، وقد غضب على المهلّب:
نحن قطعنا من أبي صفرة ... قلفته كي يدخل البصره
/ لما رأى عثمان غرموله ... أتنّ [3] على قلفته الشّفره
من عمل كتاب المثالب:
وليس هذا من الأقوال المعوّل [4] عليها، لأن أصل المثالب زياد لعنه اللّه، فإنه لمّا ادّعي إلى أبي سفيان، وعلم أن العرب لا تقرّ له بذلك مع علمها بنسبه ومع سوء آثاره [5] فيهم، عمل كتاب المثالب، فألصق بالعرب كلّها كلّ عيب وعار، وحقّ وباطل، ثم بني على الهيثم بن عديّ - وكان دعيّا - فأراد أن يعرّ [6] أهل البيوتات تشفّيا منهم، وفعل ذلك أبو عبيدة معمر بن المثنّى، وكان أصله يهوديا، أسلم جدّه على يدي بعض آل أبي بكر الصديق رضي اللّه عنه، فانتمى إلى ولاء بني تيم فجدّد كتاب زياد وزاد فيه، ثم نشأ غيلان الشّعوبيّ لعنه اللّه، وكان زنديقا ثنويّا لا يشكّ فيه، عرف في حياته بعض مذهبه، وكان يورّي عنه في عوراته للإسلام بالتّشعّب والعصبية، ثم انكشف أمره بعد وفاته، فأبدع كتابا عمله لطاهر بن الحسين، وكان شديد التّشعّب والعصبيّة، خارجا عن الإسلام بأفاعيله، فبدأ فيه بمثالب بني هاشم وذكر مناكحهم [7] وأمهاتهم وصنائعهم، وبدأ منهم بالطّيّب الطاهر، رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فغمصه [8] وذكره، ثم والي بين أهل بيته الأذكياء النجباء عليهم السّلام، ثم ببطون قريش على الولاء، ثم بسائر العرب، فألصق بهم كلّ كذب وزور، ووضع عليهم كل خبر باطل، وأعطاه على ذلك مائتي ألف درهم فيما بلغني.
/ وإنما جرّ هذا القول، ذكر المهلب وما قيل فيه، وأنّي ذكرته فلم أجد بدّا من ذكر ما روي فيه؛ وفيما مرّ عن أهل النسب، ثم قلت ما عندي.
__________
[1] لعلها شهر كند الّتي أوردها ياقوت في «معجمه»، وهي مدينة في طرف تركستان قريبة من الجند بينها وبين مدينة خوارزم نحو عشرة أيام أو أقل.
[2] أحشف: تقبض وصار كالشّنّ.
[3] كذا في النسخ، ولا يستقيم معها الوزن، ولعلها تحريف آتي.
[4] ف: «المعمول».
[5] مي: «و مع سوء آثارها فيهم».
[6] عرّ فلانا: ساءه.
[7] مي: «و ذكر مناكحتهم».
[8] غمصه: تهاون بحقه.
يقرأ كتاب المثالب على عبد الملك، فيأمر بإحراقه:
أخبرني حبيب بن نصر قال: أخبرني عمر بن شبّة قال: حدّثني محمد بن يحيى أبو عثمان عن أبيه قال:
دخل بعض النّاس على عبد الملك بن مروان فقال له: هل عندك كتاب زياد في المثالب؟ فتلكّأ، فقال له:
لا بأس عليك، وبحقّي إلّا جئتني به. فمضى فجاء به، فقال له: اقرأ عليّ، فقرأه وجعل عبد الملك يتغيّظ ويعجب ممّا فيه من الأباطيل، ثم تمثّل قول الشاعر:
وأجرأ من رأيت يظهر غيب ... على عيّب الرّجال أولو العيوب
ثم أمر بالكتاب فأحرق [1].
رجع الخبر إلى سياقه أخبار ابن أبي عيينة
أنفد أكثر شعره في هجاء ابن عمه «خالد»:
وهو شاعر مطبوع ظريف غزل هجّاء. وأنفد أكثر أشعاره في هجاء ابن عمّه خالد. وأخبارهما تذكر على أثر هذا الكلام وما يصلح [2] تصدير أخباره به. وكان من شعراء الدولة العباسية من ساكني البصرة.
حدّثني عمّي والصوليّ قالا: حدثنا أحمد بن يزيد المهلبيّ قال: حدّثني أبي قال: أبو عيينة اسمه كنيته، وهو ابن محمد بن أبي عيينة بن المهلّب بن أبي صفرة.
كان أبوه يتولى الري للمنصور:
وأخبرني محمد بن عمران الصّيرفيّ قال: حدّثني العنزي قال: حدّثني أبو خالد الأسلميّ قال:
أبو عيينة الشاعر هو أبو عيينة بن المنجاب بن أبي عيينة بن المهلّب، وكان محمد بن أبي عيينة أبو أبى عيينة الشاعر يتولى الرّيّ لأبي جعفر المنصور، ثم قبض عليه وحبسه وغرّمه.
حبس المنصور أباه:
وأخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال: حدّثني يزيد بن محمد المهلّبيّ قال:
قال وهب بن جرير: رأيت في منامي كأن قائلا يقول لي:
ما يلقى [3] أبو حرب ... تعالى اللّه من كرب
فلم ألبث أن أخذ المنصور أما حرب محمّد بن أبي عيينة المهلبيّ فحبسه، وكان ولاه الرّي فأقام بها سنين.
كان يحب امرأة نبيلة ويكنى عنها خوف أهلها:
أخبرني عيسى بن الحسين الورّاق ومحمد بن يحيى الصوليّ وعمّي قالوا: حدثنا الحزنبل الأصبهانيّ قال:
حدّثني الفيض بن مخلّد مولى أبي عيينة بن المهلّب قال:
__________
[1] هنا تنّهي التكملة الّتي بدأت في ص 75.
[2] في م، أ: «يصلح منه».
[3] كذا في النسخ.
كان أبو عيينة بن محمد بن أبي عيينة يهوى فاطمة بنت عمر بن حفص الملقّب هزار مرد، وكانت امرأة نبيلة شريفة، وكان يخاف أهلها أن يذكرها تصريحا، ويرهب زوجها عيسى بن سليمان، فكان يقول الشعر في جارية لها يقال لها: دنيا، وكانت قيّمة دارها، ووالية أمورها كلّها. وأنشدنا لابن أبي عيينة فيها، ويكنى باسم دنيا هذه:
ما لقلبي أرقّ من كلّ قلب ... ولحبيّ أشدّ من كل حبّ!
/ ولدنيا على جنوني بدنيا ... أشتهي قربها وتكره قربي
نزلت بي بلّية من هواها ... والبلايا تكون من كلّ ضرب
قل لدنيا إن لم تجبك لما بي ... رطبة من دموع عينى كتبي
فعلام انتهرت باللّه رسلي ... وتهددتهم بحبس وضرب [1]
أيّ ذنب أذنبته ليت شعري ... كان هذا جزاءه أيّ ذنب؟
أخبرني عليّ بن سليمان قال حدّثني محمد بن يزيد قال:
كان أبو عيينة [2] من أطبع الناس وأقربهم مأخذا، من غير أدب موصوف ولا رواية كثيرة، وكان يقرّب البعيد، ويحذف الفضول، ويقلّ التكلف. وكان أصغر من أخيه عبد اللّه ومات قبله.
وقيل لعبد اللّه: أنت أشعر أم أخوك؟ فقال: لو كان له علمي لكان أشعر منّي، وكان يتعشق فاطمة بنت عمر بن حفص هزار مرد الّتي تزوّجها عليّ بن سليمان، ويسرّ عشقها، ويلقّبها دنيا كتمانا لأمرها [3]. وكانت امرأة جليله [4] نبيلة سريه من النساء، وكان أبوها من أشدّ الفرسان وشجعانهم، فذكر عيسى بن جعفر أن عيسى بن موسى قال للمهلّب بن المغيرة بن المهلّب: أكان يزيد بن خالد أشجع أم عمر بن حفص هزار مرد؟ فقال المهلّب: لم أشهد من يزيد/ ما شهدته من عمر بن حفص، وذلك أني رأيته يركض في طلب حمار وحشيّ حتى إذا حازاه جمع جراميزه [5] وقفز،/ فصار على ظهره، فقمص الحمار، وجعل عمر بن حفص يحزّ [6] معرفته إما بسيف وإما بسكين معه حتى قتله.
كان جنديا، ولم يكن يهوى فاطمة بل جارية لها:
قال محمد بن يزيد: وحدّثت عن محمد بن المهلّب أنه أنكر أن يكون أبو عيينة يهوى فاطمة، وقال: إنما كان جنديّا في عداد الشّطّار [7]، وكانت فاطمة من أنبل النساء وأسراهنّ، وإنما كان يتعشق جارية لها، وهذه الأبيات الّتي فيها الغناء من قصيدة له جيدة مشهورة من شعره، يقولها في فاطمة هذه أو جاريتها، ويكنى عنها بدنيا، فمما إختير منها قوله:
__________
[1] من م، مد، مو.
[2] في م، أ، مو، مد: «ابن أبي عيينة».
[3] في م، أ: «لأهلها».
[4] في م، أ: «جميلة».
[5] جراميزه: «أطرافه. وفي س. ب: «جراميزة» تحريف.
[6] في م، أ: «يجز».
[7] الشطار: جمع شاطر، وهو من أعيا أهله خبثا.
وقالوا تجنّبنا فقلت أبعد ما ... غلبتم على قلبي بسلطانكم غصبا!
غضاب وقد ملّوا وقوفي ببابهم ... ولكنّ دنيا لا ملولا ولا غضبي
وقد أرسلت في السرّ أني بريّة ... ولم تر لي فيما ترى منهم ذنبا
وقالت لك العتبى وعندي لك الرضا ... وما إن لهم عندي رضاء ولا عتبى [1]
ونبئتها تلهو إذا اشتد شوقها ... بشعري كما تلهي [2] المغنّية الشّربا
فأجبتها حبّا يقرّ بعينها ... وحبّي إذا أحببت لا يشبه الحبا
فيا حسرتا نغصت قرب ديارها ... فلا زلفة منها أرجّى ولا قربا
لقد شمت الأعداء أن حيل بينها ... وبيني ألا للشامتين بنا العقبى [3]
ومما قاله فيها وغنّي فيه:
صوت
ضيّعت عهد فتى لعهدك حافظ ... في حفظه عجب وفي تضييعك
ونأيت عنه فما له من حيلة ... إلّا الوقوف إلى أوان رجوعك
متخشّعا يذري عليك دموعه ... أسفا ويعجب من جمود دموعك
إن تقتليه وتذهب بفؤاده ... فبحسن وجهك لا بحسن صنيعك
عروضه من الكامل، الغناء في هذه الأبيات من الثقيل الأول بالوسطى. ذكر عمرو بن بانة أنه له، وذكر الهشاميّ أنه لمحمد بن الحارث بن بسخنّر، وذكر عبد اللّه بن موسى بن محمد بن إبراهيم الإمام أنه لإبراهيم الموصليّ.
فذكر العتّابيّ ومحمد بن الحسن جميعا، أنّ محمد بن أحمد بن يحيى المكيّ حدثهما قال: حدّثني عمرو بن بانة قال:
ركبت يوما إلى دار صالح بن الرشيد، فاجتزت بمحمد بن جعفر بن موسى الهادي - وكان معاقرا للصّبوح - فألفيته في ذلك اليوم خاليا منه، فسألته عن السبب في تعطيله إياه، فقال: نيران عليّ غضبي - يعني جارية لبعض النّخاسين ببغداد - وكانت إحدى المحسنات، وكانت بارعة الجمال ظريفة اللسان، وكان قد أفرط في حبّها حتى عرف به، فقلت له: فما تحبّ؟ قال: تجعل طريقك على مولاها فإنه يستخرجها إليك، فإذا فعل دفعت رقعتي هذه إليها - ودفع إليّ رقعة فيها:
ضيعت عهد فتى لعهدك حافظ ... في حفظه عجب وفي تضييعك
/ إن سمته أن تذهبي بفؤاده ... فبحسن وجهك لا بحسن صنيعك
__________
[1] ف: «عندي رضا لا ولا عتبي».
[2] في س، ب: «تلهو». تحريف.
[3] في س، ب: «العبى»، تحريف والعقبى: جزاء الأمر.
فقلت له: نعم، أنا أتحمّل هذه الرسالة وكرامة، على ما فيها، حفظا لروحك عليك،/ فإني لا آمن أن يتمادى بك هذا الأمر. فأخذت الرقعة وجعلت طريقي على منزل النخاس، فبعثت إلى الجارية: اخرجي، فخرجت، فدفعت إليها الرقعة، وأخبرتها بخبري فضحكت، ورجعت إلى الموضع الّذي أقبلت منه فجلست جلسة خفيفة، ثم إذا بها قد وافتني ومعها رقعة، فيها:
صوت
وما زلت تعصيني [1] وتغري بي الردى ... وتهجرني حتى مرنت على الهجر
وتقطع أسبابي وتنسى مودتي ... فكيف ترى يا مالكي في الهوى صبري!
فأصبحت لا أدري أيأسا تصبّري ... على الهجر أم جدّ البصيرة لا أدري
غنّى في هذه الأبيات عمرو بن بانة، ولحنه ثقيل أول بالبنصر، ولمقّاسة بن ناصح فيها ثقيل آخر بالوسطى.
لحن عمرو في الأول والثالث بغير نشيد.
قال: فأخذت الرّقعة منها وأوصلتها إليه، وصرت إلى منزلي، فصنعت في بيتي محمد بن جعفر لحنا وفي أبياتها لحنا، ثم صرت إلى الأمير صالح بن الرشيد، فعرّفته ما كان من خبري، وغنّيته الصوتين، فأمر بإسراج دوابه فأسرجت، وركب فركبت معه إلى النخّاس مولى نيران، فما برحنا حتى اشتراها منه بثلاثة آلاف دينار، وحملها إلى دار محمد بن جعفر فوهبها له، فأقمنا يومنا عنده.
أخبرنا محمد بن يحيى الصوليّ قال: حدّثني يزيد بن محمد المهلبيّ قال:
دخلت على الواثق يوما وهو خليفة ورباب في حجره جالسة، وهي صبية، وهو يلقي عليها قوله:
/ضيّعت عهد فتى لعهدك حافظ ... في حفظه عجب وفي تضييعك
وهي تغنّيه ويردده عليها، فما سمعت غناء قطّ أحسن من غنائهما جميعا، وما زال يردّده عليها حتى حفظته.
__________
[1] في م، أ: «تقصيني».
رجع الخبر إلى حديث أبي عيينة
شعر لأخيه في فاطمة محبوبته:
أخبرني عليّ بن سليمان قال: حدثنا محمد بن يزيد قال: قال عبد اللّه بن محمد بن أبي عيينة أخو أبي عيينة في فاطمة - الّتي كان يشبّب بها أخوه - بنت عمر بن حفص لمّا تزوجها عيسى بن سليمان بن عليّ، وكان عيسى مبخّلا [1]، وكانت له محابس يحبس فيها البياح [2] ويبيعه، وكانت له ضيعة تعرف بدالية عيسى يبيع منها [3] البقول والرياحين، وكان أول من جمع السّماد بالبصرة وباعه، فقال فيه أبو الشمقمق:
إذا رزق العباد فإنّ عيسى ... له رزق من استاه العباد
فلما تزوّج عيسى فاطمة بنت عمر بن حفص قال عبد اللّه بن محمد بن أبي عيينة في ذلك:
أفاطم قد زوّجت عيسى فأبشري ... لديه بذلّ عاجل غير آجل
فإنك قد زوّجت عن غير خبرة ... فتى من بني العباس ليس بعاقل
فإن قلت من رهط النبيّ فإنّه ... وإن كان حرّ الأصل عبد الشمائل
/ وقد قال فيه جعفر ومحمد ... أقاويل حتى قالها كلّ قائل
وما قلت ما قالا لأنك أختنا [4] ... وفي البيت منّا والذّرا والكواهل
/ لعمري لقد أثبّته في نصابه ... بأن صرت منه في محلّ الحلائل
إذا ما بنو العباس يوما تنازعوا ... عرا المجد واختاروا كرام الخصائل
رأيت أبا العباس يسمو بنفسه ... إلى بيع بيّاحاته والمباقل
قال مؤلف هذا الكتاب: وكان عبد اللّه، أخو أبي عيينة شاعرا، وكان يقدّم على أخيه، فأخبرني جحظة قال:
حدّثني عليّ بن يحيى المنجّم قال: قال إسحاق الموصليّ:
شعر عبد اللّه بن أبي عيينة أحبّ إليّ من شعر أبيه وأخيه. قال: وكان عبد اللّه صديقا لإسحاق.
يصرح أخوه بذكر فاطمة وأنه يعنيها:
قال محمد بن يزيد: ومما قاله في فاطمة وصرّح بذكر القرابة بينهما، وحقق على نفسه أنه يعنيها قوله:
دعوتك بالقرابة والجوار ... دعاء مصرّح بادى السّرار
__________
[1] مبخّلا، أي يرمى بالبخل.
[2] البياح، ككتاب، وكتان: ضرب من السمك.
[3] في م، أ: «فيها».
[4] في س: «أختا»، تحريف.
لأني عنك مشغول بنفسي ... ومحترق عليك بغير نار
وأنت توقّرين وليس عندي ... على نار الصّبابة من وقار
فأنت لأن ما بك دون ما بي ... تدارين العدوّ ولا أداري
ولو واللّه تشتاقين شوقي ... جمحت إلى مخالعة العذار
ألا يا وهب فيم فضحت دنيا ... وبحت بسرّها بين الجواري
أما والراقصات بكلّ واد ... غواد نحو مكة أو سواري
لقد فضلتك [1] دنيا في فؤادي ... كفضل يدي اليمين على اليسار
فقولي ما بدا لك أن تقولي ... فإني لا ألومك أن تضاري
من ظريق شعره فيها:
قال وقال فيها، وهو من ظريف أشعاره:
رقّ قلبي لك يا نور عيني ... وأبي قلبك لي أن يرقّا
فأراك اللّه موتى فإنّي ... لست أرضى أن تموتي وأبقى
أنا من وجد بدنياي منها ... ومن العذّال فيها ملقّى
صوت
زعموا أني صديق لدنيا ... ليت ذا الباطل قد صار حقّا
في هذا البيت ثمّ الّذي قبله، ثم الأول لإبراهيم لحن ماخوري بالوسطى عن الهشاميّ.
قال: وقال فيها أيضا في هذا الوزن، وفيه غناء محدث رمل طنبوريّ:
عيشها حلو وعيشك مرّ ... ليس مسرور كمن لا يسرّ
كمد [2] في الحبّ تسخن فيه ... عينه أكثر مما تقرّ
قلت [3] للّائم فيها اله عنها ... لا يقع بيني وبينك شرّ
أتراني مقصرا عن هواها ... كلّ مملوك إذا لي حرّ
وقال فيها أيضا، وأنشدناه الأخفش عن المبرّد، وأنشدناه محمد بن العباس اليزيديّ قال:
/ أنشدني عمي عبيد اللّه لأبي عيينة:
حين [4] قالت دنيا علام نهارا ... زرت؟ هلا انتظرت وقت المساء!
__________
[1] وفي س، ب: «فضلت»، تحريف.
[2] في س، ب: «كمديم الحب»، تحريف.
[3] في س: «قلت لذا اللائم»، تحريف.
[4] في ب، س: «جئت».
/
إن تكن معجبا [1] برأيك لا تف ... رق فاستحي يا قليل الحياء
ذاك إذ روحها وروحي مزاجا ... ن كأصفى خمر بأعذب ماء
معنى له يأخذه البحتري:
قال محمد بن يزيد: وقد أخذ هذا المعنى غيره منه ولم يسمّه، وهو البحتريّ، فقال:
صوت
جعلت حبّك من قلبي بمنزلة ... هي المصافاة بين الماء والراح
تهتزّ مثل اهتزاز الغصن حرّكه ... مرور غيث من الوسميّ سحّاح [2]
الغناء في هذين البيتين لرذاذ ثقيل أول مطلق في مجرى البنصر.
من شعره الّذي يكنى فيه عن فاطمة:
ومما قاله أبو عيينة في فاطمة هذه، وكنى فيه بدنيا قوله:
صوت
ألم تنه قلبك أن يعشقا ... ومالك والعشق لو لا الشّقا
أمن بعد شربك كأس النّهى ... وشمّك ريحان أهل التّقى
عشقت فأصبحت في العالم ... ين أشهر من فرس أبلقا
أدنياي من غمر بحر الهوى ... خذي بيدي قبل أن أغرقا
أنا ابن المهلّب ما مثله ... لو أنّ إلى الخلد لي مرتقى
/ غنى فيه أبو العبيس بن حمدون، ولحنه ثاني ثقيل مطلق، وفيه لعريب ثقيل أول، رواه أبو العبيس عنها.
قصيدة يذكر فيها دنيا ويفخر بمآثر المهلب:
وهذه قصيدة طويلة يذكر فيها دنيا ويفخر بعقب النسيب بأبيه، ويذكر مآثر المهلّب بالعراق، ولكن مما قاله في دنيا منها قوله:
أدنياي من غمر بحر الهوى ... خذي بيدي قبل أن أغرقا
أنا لك عبد فكوني كمن ... إذا سرّه عبده أعتقا
أ لم أخدع الناس عن وصلها ... وقد يخدع العاقل الأحمقا
__________
[1] في م، مد: «إن كنت معجبا»، وفي ب، س: «كنت ذا معجبا» وكلاهما تحريف، والمثبت من مو.
[2] الوسمي: مطر الربيع الأول، لأنه يسم الأرض بالنبات، نسب إلى الوسم، والبيتان من قصيدة في مدح الفتح بن خاقان، وروايتهما في «الديوان» 1: 113:
تهتز مثل اهتزاز الغصن أتعبه ... مرور غيث من الوسمي سحاح
ويرجع الليل مبيضا إذا ابتسمت ... عن أبيض خصر السمطين لماح
وجدت نفسك من نفسي بمنزلة، البيت.
بلى فسبقتهم إنني ... أحبّ إلى الخير أن أسبقا
ويوم الجنازة إذ أرسلت ... على رقعة [1] أن جز الخندقا
وعج ثمّ فانظر لنا مجلسا ... برفق وإياك أن تخرقا
فجئنا كغصنين من بانة ... قرينين خدنين قد أورقا
فقالت لأخت لها استنشد ... يه من شعره المحكم المنتقى
فقلت أمرت بكتمانه ... وحذّرت إن شاع أن يسرقا
فقالت بعيشك قولي له ... تمنّع لعلك أن تنفقا
من شعره في دنيا وقد أفحش فيه:
ومن مشهور قوله في دنيا وهو مما تهتك فيه وصرّح وأفحش وهي من جيد قوله قصيدته الّتي يقول فيها:
أنا الفارغ المشغول والشوق آفتي ... فلا تسألوني عن فارغي وعن شغلي
/ عجبت لترك الحبّ دنيا خلية ... وإعراضه عنها وإقباله قبلي [2]
/و ما بالها لما كتبت تهاونت ... بكتبي وقد أرسلت فانتهرت رسلي
وقد جلفت ألّا تخطّ بكفّها ... إلى قابل خطا إليّ ولا تملي
أبخلا علينا كلّ ذا وقطيعة ... قضيت لدينا بالقطيعة والبخل
سلوا قلب دنيا كيف أطلقه الهوى ... فقد كان في غلّ وثيق وفي كبل [3]
فإن جحدت فاذكر لها قصر معبد ... بمنصف [4] ما بين الأبلّة [5] والحبل [6]
وملعبنا في النهر والماء زاخر ... قرينين كالغصنين فرعين في أصل
ومن حولنا الرّيحان غضّا وفوقنا ... ظلال من الكرم المعرّش والنخل
إذا شئت مالت بي إليها كأنّني ... إلى غصن بان دعصين من رمل
ليالي ألقاني الهوى فاستضفتها ... فكانت ثناياها بلا حشمة نزلي
وكم لذّة لي في هواها وشهوة ... وركضي إليها راكبا وعلى رجل
وفي مأتم المهديّ زاحمت ركنها ... بركني وقد وطّنت نفسي على القتل
وبتنا على خوف أسكّن قلبها ... بيسراي واليمنى على قائم النّصل
__________
[1] في م، أ: «رقبه»، أي رقابة.
[2] إقباله قبلي: قصده نحوي.
[3] الكبل: القيد.
[4] منصف: منتصف.
[5] الأبلة: بلدة على شاطىء دجلة في زاوية الخليج الّذي يدخل إلى مدينة البصرة. وهي أيضا نهر يضرب إلى البصرة حفره زياد.
[6] الحبل: موضع بالبصرة على شاطىء نهر الفيض وضبطه في «معجم البلدان» كزفر، و «القاموس» كسهل.
فيا طيب طعم العيش إذ هي جارة ... وإذ نفسها وإذ أهلها أهلي
وإذ هي لا تعتلّ عني برقبة ... ولا خوف عين من وشاة ولا بعل
فقد عفت الآثار بيني وبينها ... وقد أوحشت مني إلى دارها سبلي
ولما بلوت الحبّ بعد فراقها ... قضيت على أم المحبين بالثّكل
/ وأصبحت معزولا وقد كنت واليا ... وشتان ما بين الولاية والعزل
من شعره فيها، وقد وصف فيه قصرا:
صوت
ومما قاله فيها وفيه غناء:
ألا في سبيل اللّه ما حلّ بي منك ... وصبرك عني حين لا صبر لي عنك
وتركك جسمي بعد أخذك مهجتي ... ضئيلا كان من قبل ذا تركي
فهل حاكم في الحب يحكم بيننا ... فيأخذ لي حقي وينصفني منك
لسليم في هذه الأبيات هزج مطلق في مجرى الوسطى، وفي هذه القصيدة يقول يصف قصرا كانوا فيه، وهي من عجيب شعره:
لقد كنت يوم القصر مما ظننت بي ... بريئا [1] كما أني بريء من الشّرك
يذكّرني الفردوس طورا فأرعوي ... وطورا يواتيني إلى القصف والفتك
بغرس كأبكار الجواري وتربة ... كأن ثراها ماء ورد على مسك
وسرب من الغزلان يرتعن حوله ... كما استلّ منظوم من الدّر من سلك
وورقاء تحكى الموصليّ إذا غدت ... بتغريدها أحبب بها وبمن تحكي
فيا طيب ذاك القصر قصرا ومنزلا ... بأفيح سهل غير وعر ولا ضنك
كأن قصور القوم ينظرن حوله ... إلى ملك موف على منبر الملك
/ يدلّ عليها مستطيلا [2] بظله ... فيضحك منها وهي مطرقة تبكي
يعده الفضل بن الربيع أشعر زمانه:
أخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن عمار قال: حدّثني عليّ بن عمرو الأنصاريّ، قال: سمعت الأصمعي يذكر أن الفضل بن الربيع قال لجلسائه:
/ من أشعر أهل عصرنا؟ فقالوا فأكثروا، فقال الفضل بن الربيع: أشعر أهل زماننا الّذي يقول في قصر
__________
[1] في مد: «بريا».
[2] كذا في م، أ. وفي س، ب: «مستظلا بظلها».
عيسى بن جعفر بالخريبة [1] - يعني أبا عيينة:
زر وادي القصر نعم القصر والوادي ... وحبّذا أهله من حاضر بادي
ترفا [2] قراقيره [3] والعيس واقفة ... والضبّ والنون [4] والملّاح والحادي
يحذر سعيد بن عباد عاقبة زواج له:
أخبرني الحسن بن عليّ قال: حدثنا محمد بن مجمع قال: تزوّج سعيد بن عباد بن حبيب بن المهلّب بنت سفيان بن معاوية بن المهلّب - وقد كان تزوجها قبله رجلان فدفنتهما، فكتب إليه أبو عيينة:
رأيت أثاثها فرغبت فيه ... وكم نصبت لغيرك بالأثاث
إلى دار المنون فجهّزتهم ... تحثّهم بأربعة حثاث
فصيّر أمرها بيدي أبيها ... وعيشك من حبالك بالثلاث
وإلّا فالسلام عليك منّي ... سأبدأ من غد لك بالمراثي
يعاتب إسحاق لتأخره عن دعوة إلى مجلس:
أخبرني محمد بن مزيد الصوليّ قال: حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه، قال:
كان عليّ بن هشام قد دعاني ودعا أبا عيينة وتأخرت عنه حتى اصطبحنا شديدا، وتشاغلت برجل كان عندي من الأعراب، وكان فصيحا لأكتب عنه، وكان عنده/ بعض من يعاديني - قال حماد: كأنه يومىء بهذا القول إلى إبراهيم بن المهديّ - فسأل أبا عيينة أن يعاتبني بشعر ينسبني فيه إلى الخلف فكتب إليّ:
يا مليئا بالوعد والخلف والمط ... ل بطيئا عن دعوة الأصحاب
لهجا بالأعراب إنّ لدينا ... بعض من تشتهي من الأعراب
قد عرفنا الّذي شغلت به عنّا ... وإن كان غير ما في الكتاب
قال: فكتبت إلى الّذي حمل أبا عيينة على هذا - يعني إبراهيم بن المهدي:
قد فهمت الكتاب أصل ... حك اللّه وعندي إليك ردّ الجواب
ولعمري ما تنصفون ولا كا ... ن الّذي جاء منكم في حسابي
لست آتيك فاعلمنّ ولالي ... فيك حظ من بعد هذا الكتاب
__________
[1] «الخريبة»: موضع بالبصرة، ويقال: إنه سمي بذلك لأن المرزبان كان ابتنى به مقرا وخرب بعد، فلما نزل المسلمون البصرة ابتنوا عنده وفيه أبنية، وسموها الخريبة. وفي س: «الحزينة»، وفي ب، الخريبة وفي م، أ: «الحزبية». وكله تحريف.
[2] رفأ السفينة كمنع: أدناها من الشط.
[3] القراقير، جمع قرقور كعصفور: السفينة أو الطويلة، أو العظيمة ورواية «معجم البلدان»:
يا وادي القصر نعم القصر والوادي ... من منزل حاضر إن شئت أوبادي
ترى قراقيره والعيس واقفة ... والضب والنون والملاح والحادي
[4] النون: الحوت.
ينسب إليه شعر وجد منقوشا على حجر:
أخبرني عيسى بن الحسين الورّاقيّ [1] قال حدّثني عبد اللّه بن أبي سعد قال: حدّثني إبراهيم بن إسحاق العمريّ قال: حدثنا أبو هاشم الإسكندراني، عن ابن أبي لهيعة قال:
حفر حفر في بعض أفنية مكة، فوجد فيه حجر عليه منقوش:
ما لا يكون فلا يكون بحيلة ... أبدا وما هو كائن فيكون
سيكون هو كائن في وقته ... وأخو الجهالة متعب محزون
/ يسعى القويّ فلا ينال بسعيه ... حظّا ويحظى عاجز ومهين
قال ابن أبي سعد: هكذا في الحديث، وقد أنشدني هذه الأبيات جماعة لأبي عيينة.
هو عند الفضل بن الربيع أشعر من أبي نواس:
حدّثني عمّي قال، حدّثني عمر بن محمد بن عبد الملك، قال: حدّثني عليّ بن عمروس الأنصاريّ عن الأصمعيّ قال:
قال لي الفضل بن الرّبيع: يأصمعيّ، من أشعر أهل زمانك؟ فقلت: أبو نواس قال: حيث يقول ماذا؟ قلت:
حيث يقول:
أما ترى الشمس حلّت الحملا ... وقام وزن الزمان فاعتدلا
فقال: واللّه إنه لذهن [2] فطن، وأشعر عندي منه أبو عيينة [3].
شعره في دنيا حين زوجت:
حدّثني عمي، قال: حدّثني فضل اليزيديّ: عن إسحاق أنه أنشده لأبي عيينة في دنيا الّتي كان يشبّب بها، وقد زوّجت وبلغه أنها تهدي إلى زوجها، وكان إسحاق يستحسن هذا الشعر ويستجيده:
أرى عهدها كالورد ليس بدائم ... ولا خير فيمن لا يدوم له عهد
وعهدي لها كالآس حسنا وبهجة ... له نضرة تبقى إذا ما انقضى الورد
فما وجد العذريّ [4] إذ [5] طال وجده ... بعفراء [6] حتى سلّ مهجته الوجد
كوجدي غداة البين عند التفاتها ... وقد شفّ عنها دون أترابها البرد
فقلت لأصحابي هي الشمس ضوءها ... قريب ولكن في تناولها بعد
__________
[1] م، مو: «الوراق».
[2] كذا في ا، مد. وفي س، ب: «لدهن»، تحريف.
[3] م، أ: «ابن أبي عيينة».
[4] العذري: المنسوب إلى عذرة، حي من قضاعة، ينسب إليهم العشق. والمراد به عروة بن حزام، أحد العشاق المضروب بهم المثل في شدة الوجد.
[5] كذا في مد، في س: «إذا»، تحريف.
[6] هي عفراء بنت مهاصر بن مالك، عم عروة.
وإنّي لمن تهدي إليه لحاسد ... جرى طائري نحسا وطائره سعد
أخوه يهجو عيسى بن سليمان وقد تزوج فاطمة محبوبته:
أخبرني عمي قال حدّثني أحمد بن يزيد المهلبيّ قال:
سألت أبي عن دنيا الّتي ذكرها أبو عيينة بن محمد بن أبي عيينة في شعره، وقلت: إن قوما يقولون: إنها كانت أمة لبعض مغنّي البصرة، فقال: لا، يا بنيّ، هي فاطمة بنت عمر بن حفص هزار مرد بن عثمان بن قبيصة أخي المهلّب، وكان عيسى بن سليمان بن عليّ أخو جعفر ومحمد ابني سليمان تزوّجها، وهجاه عبد اللّه بن محمد بن أبي عيينة، أخو أبي عيينة فقال:
أفاطم قد زوّجت عيسى فأبشري ... لديه بذلّ عاجل غير آجل
فإنك قد زوّجت عن غير خبرة ... فتى من بني العباس ليس بعاقل
وذكر باقي الأبيات، وقد مضت متقدما.
يصرح بنسبه الجامع له ولفاطمة:
قال أحمد بن يزيد: ثم أنشدني أبي لأبي عيينة يصرّح بنسبه الجامع له ولفاطمة من أبيات له:
ولأنت إن متّ المصابة بي ... فتجنّبي قتلي بلا وتر
فلئن هلكت لتلطمن جزعا ... خدّيك قائمة على قبري
من شعره الّذي يكنى فيه بدنيا:
قال أحمد: وأنشدني أبي أيضا في تصديق ذلك، وأنه كان يكنى بدنيا عن غيرها:
ما لدنيا تجفوك والذنب منها ... إنّ هذا منها لخبّ ومكر
عرفت ذنبها إليّ فقالت ... ابدءوا القوم بالصياح يفرّوا
قد أمرت الفؤاد بالصبر عنها ... غير أن ليس لي مع الحبّ أمر
/ وكتمت اسمها حذارا من النا ... س ومن شرهم وفي الناس شرّ
/ ويقولون بح لنا باسم دنيا ... واسم دنيا سرّ على الناس ذخر
ثم قالوا ليعلموا ذات نفسي ... أعوان دنياك أم [1] هي بكر
فتنفست ثم قلت أبكر ... شبّ يا أخوتي عن الطّوق عمرو [2]
شعر له ينصح فيه بترك الإلحاح:
أخبرني جعفر بن قدامة قال: حدّثني هارون بن محمد بن عبد الملك الزيات قال: حدّثني أبو خالد الأسلميّ قال: كان ابن أبي عيينة المهلّبي صديقي، وهو أبو عيينة بن المنجاب بن أبي عيينة، فجاءه رجل من جيرانه كان
__________
[1] كذا في م، مد. وفي س، ب: «أو».
[2] هو عمرو بن عدي، وخاله جذيمة. وكبر عمرو عن الطوق: مثل يضرب لمن يلابس ما هو دون قدره.
يستثقله، فسأله حاجة فقضاها، ثم سأله أخرى فوعده بها، ثم سأله ثالثة فقال:
خفّف على إخوانك المؤنا ... إن شئت أن تبقى لهم سكنا
لا تلحفنّ إذا سألت ففي ال ... إلحاف إجحاف بهم وعنا
فقام الرجل وانصرف.
يطلب عزل أمير البصرة فلا يجاب ويمنح صلة عوضا:
أخبرني أبو دلف هاشم بن محمد، قال: حدّثني المبرّد قال:
وفد ابن أبي عيينة إلى طاهر بن الحسين يسأله أن يعزل أمير البصرة، وكان من قبله فدافعه، وعرض عليه عوضا خطيرا من حاجته، ووعده أن يستصلح له ذلك الأمير ويزيله عما كرهه، فأبى عزله وأجزل صلته، فقال ابن أبي عيينة فيه:
يا ذا اليمينين [1] قد أوقرتني مننا ... تترى هي الغاية القصوى من المنن
ولست أستطيع من شكر أجيء به ... إلّا استطاعة ذي روح وذي بدن
/ لو كنت أعرف فوق الكشر منزلة ... أوفى من الشكر عند اللّه في الثمن
أخلصتها لك من قلبي مهذّبة ... حذوا على مثل ما أوليت من حسن
أساء والي البصرة جواره فطلب عزله فأجيب إلى طلبه:
أخبرني محمد بن القاسم الأنباريّ قال: حدّثني أبي عن أبي عكرمة عامر بن عمران، وأخبرني به عمي عن أحمد بن يزيد المهلّبيّ عن أبيه قال:
كان إسماعيل بن سليمان واليا على البصرة خليفة لطاهر بن الحسين، فأساء مجاورة ابن أبي عيينة حتى تباعد بينهما وقبح، وأظهر إسماعيل تنقصّه وعيبه، فخرج إلى طاهر ليشكو إسماعيل، ويسعى في عزله عن البصرة، فبعد ذلك عليه بعض البعد، وسافر طاهر بن الحسين إلى وجه أمر بالخروج إليه، فصحبه ابن أبي عيينة في سفره، فتذمّم من ذلك، وأمر بإيصاله إليه، فلما دخل ابن أبي عيينة إليه سأله عن حوائجه وأدناه، وأمره برفعها فأنشده:
من أوحشته البلاد لم يقم ... فيها ومن آنسته لم يرم
ومن يبت والهموم قادحة ... في صدره بالزّناد لم ينم
ومن ير النقص من مواطئه ... يزل عن النقص موطىء القدم
والقرب ممن ينأى بجانبه ... صدع على الشعب غير ملتئم [2]
وربّ أمر يعيا اللبيب به ... يظلّ منه في حيرة الظّلم
صبر عليه كظم على مضض ... وتركه من مواقع الندم
__________
[1] لقب بذلك لأنه ضرب شخصا بيساره فقده نصفين، فلقبه به المأمون.
[2] زيادة من م، مو، مد.
/
يا ذا اليمينين لم أزرك ولم ... آتك من خلّة ومن عدم
إني من اللّه في مراح غنى ... ومغتدى [1] واسع وفي نعم
/ زارتك بي همة منازعة ... إلى العلا من كرائم الهمم
وإنني للجميل محتمل ... في القدر من منصبي ومن شيمي
وقد تعلّقت منك بالذمم الك ... برى الّتي لا تخيب في الذمم
فإن أنل بغيتي فأنت لها ... في الحق حقّ الرجاء والرّحم
وإن يعق عائق فلست على ... جميل رأي عندي بمتّهم
في قدر اللّه ما أحمّله ... تعويق أمرىء في اللّوح والقلم
لم يضق الصبر والفجاج على ... حرّ كريم بالصبر معتصم
ماض كحدّ السنان في طرف الع ... امل [2] أو حدّ مصلت خذم [3]
إذا ابتلاه الزمان كشّفه ... عن ثوب حرّية وعن كرم
ما ساء ظني إلا بواحدة ... في الصدر محصورة عن الكلم
ليهن قوم جزت المدى بهم ... ولم تقصّر فيهم ولم تلم [4]
وليس كلّ الدّلاء راجعة ... بالنّصف من ملئها [5] إلى الوذم [6]
ترجع بالحمأة [7] القليلة أحي ... انا ورنق الصّبابة [8] الأمم [9]
ما تنبت الأرض كلّ زهرتها ... ولا تعمّ السماء بالدّيم
/ ما فيّ نقص عن كلّ منزلة ... شريفة والأمور بالقسم
فأجابه طاهر:
من تستضفه الهموم لم ينم ... إلّا كنوم المريض ذي السّقم
ولا يزل قلبه يكابد ما ... تولد فيه الهموم من ألم
وقد سمعت الّذي هتفت به ... وما يأذني عنك من صمم
__________
[1] كذا في م، أ. وفي س، ب: «منتدى»، تحريف.
[2] العامل: طرف الرمح مما يلي السنان.
[3] خذم: قاطع.
[4] زيادة من م، مو، مد.
[5] في س، ب: «مائها».
[6] الوذم: السيور بين آذان الدلو إلى العراقي، جمع عرقوة كثرقوة، وهي من الدلو خشبتان تعرضان عليها كالصليب.
[7] الحمأة: الطين الأسود.
[8] الصبابة: البقية من الماء.
[9] الأمم: اليسير.
وقد علمنا أن لست تصحبنا ... لفاقة فيك لا ولا عدم
إلا لحقّ وحرمة وعلى ... مثلك رعي الحقوق والحرم
أنت امرء لا تزول عن كرم ... إلا إلى مثله من الكرم
وأنت من أسرة جحاجحة ... فازوا بحسن الفعال والشّيم
فما ترم من جسيم منزلة ... فالحكم فيه إليك فاحتكم
إن كنت مستقيا سماحتنا ... منّا تجدك اليدان بالدّيم
أو ترم في بحرنا بدلوك لا ... نعدمك ملئا لها إلى الوذم
إنا أناس لنا صنائعنا ... في العرب معروفة وفي العجم
مغتنمو كسب كلّ محمدة ... والكسب للحمد غير مغتنم
فاحتكم عليه أبو عيينة في عزل إسماعيل بن جعفر عن البصرة، فعزله عنها وأمر له بمائة ألف/ درهم.
شعره في والي البصرة بعد عزله:
فقال أبو عيينة في عزله [1] إسماعيل بن جعفر عن إمارة البصرة:
لا تعدم العزل يا أبا الحسن ... ولا هزالا في دولة السّمن
ولا انتقالا من دار عافية ... إلى ديار البلاء والمحن
/ أنا الّذي إن كفرت نعمته ... أذاب ما في جنبيك من عكن [2]
يهجو نزارا، فيرد عليه ابن زعبل:
حدّثني عيسى بن الحسين قال: حدّثني محمد بن عبد اللّه الحزنبل الأصبهانيّ قال:
كان ابن أبي عيينة قد هجا نزارا بقصيدة له مشهورة، وفضّل عليها قحطان، فقال ابن زعبل يهجوه ويرد عليه، واسمه عمرو بن زعبل:
بنيّ أبي عيينة ما ... نطقت به من اللّغط؟
على ما أنت ملتحف ... من الأوجاع في الوسط
لما في الدّبر من نغل ... وما في العرض من سقط
أتتنا الخمس والمائتا ... ن بالنّعماء والغبط
أمير من هلال مس ... تطيل الباع منبسط
شريف ليس بالمدخو ... ل في عرض ولا رهط
أظنك من يديه وا ... قعا لا شك في ورط
__________
[1] م، أ: «أبو عيينة يذكر عزله».
[2] العكن: جمع عكنة، وهي ما انطوى وتشنى من لحم البطن سمنا.
ووالى الخرج فياض ال ... يدين بنائل سبط [1]
له نعم حباك بها ... فلم تحفظ ولم تحط
وقاض من أمير المؤ ... منين يقوم بالقسط
يسرّك أن من آ ... ل قحطان على شحط
وأنك إن ذكرت يقا ... ل شيخ فاسق الشمط [2]
/أعبد من عبيد عما ... ن عاب مناقب السّبط
وتهجو الغرّ من مضر ... كفى هذا من الشّطط
تيمّم في مقيّرة [3] ... مسيرا غير مغتبط [4]
مجوّفة مزيّنة ... بودع [5] لاح كالرّقط
بنوك تجرها بالقل ... س مؤتزرين بالفوط
متى غمسوا [6] مراديهم [7] ... لجدّ السير تحتلط [8]
وأنت بموضع السّكا ... ن يمسكه بلا غلط
عليك عباءة مشكو ... كة بالشّوك لم تخط
فطيّب ريح بلدتنا ... فرارك خيفة الشّرط
وأنك قد عرفت بكث ... رة التخليط والغلط
ترى الخسران إن لم تز ... ن في يوم ولم تلط
طلبه المأمون لهجائه نزارا ففر إلى عمان:
قال: وكان ابن أبي عيينة لما هجا نزارا بلغ شعره المأمون، فنذر دمه، فهرب من البصرة/ وركب البحر إلى عمان، فلم يزل بها متواريا في نواحي الأزد حتى مات المأمون.
/ أخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن عمّار قال: حدّثني ابن مهرويه عن أبيه بقصة ابن أبي عيينة مع ابن زعبل، فذكر نحو الخبر المتقدم.
__________
[1] سبط: ممتد.
[2] الشمط: بياض الرأس يخالطه سواد.
[3] مقيرة، المراد سفينة مطلية بالقار.
[4] مغتبط: مغبوط.
[5] الودع: خرز بيض تخرج من البحر تتفاوت في الصغر.
[6] كذا في مد. س: «غمزوا»، تحريف.
[7] كذا في م، أ. وفي س، ب: «مداريهم» تحريف. والمرادي جمع مرادة، وهي خشبة تدفع بها السفينة.
[8] كذا في م، أ، أي تسرع. وفي س، ب: «تختلط».
يشبب بوهبة ثم يعدل إلى دنيا:
حدّثني عمي قال: حدّثني أحمد بن يزيد المهلبيّ؛ قال: حدّثني أبي قال:
كان ابن أبي عيينة يشبّب بوهبة جارية القروي، وهي الّتي يقول فيها فروج [1] الزنى قوله:
يا وهب لم يبق لي شيء أسر به ... إلا الجلوس فتسقيني وأسقيك
ثم عدل عن التشبيب بها إلى دنيا، وذكرهما جميعا في شعره فقال:
أرسلت وهبة لما رأتني ... بعد سقم من هواها مفيقا:
أتغيّرت كأن لم تكن لي ... قبل أن تعرف دنيا صديقا
قد لعمري كان ذاك ولكن ... قطعت دنيا عليك الطريقا
شعر له يدل على أنه كان يكنى بدنيا عن فاطمة:
أخبرني عمي قال: حدّثني أحمد بن يزيد عن أبيه قال:
لما ولي عمر بن حفص هزار [2] مرد البصرة - قال ابن أبي عيينة في ذلك وفي دنيا يكنى بها عن فاطمة بنت عمر بن حفص صاحبته:
هنيئا لدنيا هنيئا لها ... قدوم أبيها على البصره
على أنها أظهرت نخوة ... وقالت لي الملك والقدره
فيا نور عيني كذا عاجلا ... عليّ تطاولت بالإمره
قال: وهذا دليل على أنه كان يكنى عن فاطمة بدنيا، لا أنه كان يهوى جاريتها دنيا.
/ قال أحمد بن يزيد: وفيها يقول أيضا:
يا حسنها يوم قالت لي مودّعة ... لا تنس ما قلت، من فيها إلى أذني
كأنني لم أصل دنيا علانية ... ولم أزر أهل دنيا زورة الختن
جسمي معي غير أن الرّوح عندكم ... فالرّوح في وطن والجسم في وطن
فليعجب الناس مني أنّ لي جسدا ... لا روح فيه ولي [3] روح بلا بدن
وفي هذه الأبيات هزج طنبوريّ محدث.
يرثي أخاه داود وقد مات في طريقه إليه:
أخبرني عمي قال: حدّثني أحمد بن يزيد عن أبيه قال:
__________
[1] ذكر في «الأغاني» (13: 126) باسم فروخ الطالحي. وفي «معجم الشعراء»: 504 باسم فروخ الطلحي المدني. قال: ويقال فرخ الزني.
[2] هزار مرد: كلمة فارسية معناها ألف رجل.
[3] كذا في ب، م، أ، مد. وفي س: «و لا روح» تحريف.
ورد على ابن أبي عيينة كتاب من بعض أهله بأن أخاه داود خرج إليه ببريد [1]، فمات بهمذان، فقال ابن أبي عيينة عند ذلك يرثيه:
أنائحة الحمام قفي فنوحي ... على داود رهنا في ضريح
لدى الأجيال [2] من همذان راحت ... به الأيام للموت المريح
ولم يشهد جنازته البواكي ... فتبكيه بمنهلّ سفوح
وكوني مثله إذ كان حيا ... جوادا بالغبوق وبالصّبوح
أنائحة الحمام فلا تشحّى ... عليه فليس بالرجل الشحيح
ولا بمثمّر مالا لدنيا ... ولا فيها بمغمار طموح
يبيع كثير ما فيها بباق ... ثمين من عواقبه ربيح
ومن آل المهلّب في لباب ... لباب الخالص المحض الصريح
/ همو أبناء آخرة ودنيا ... وأهداف المراثي والمديح
يقدم إلى الكوفة فيحب قينة فيها:
أخبرني عمي، قال: حدثنا أحمد بن يزيد عن أبيه قال:
قدم أبو عيينة إلى الكوفة في بعض حوائجه، فعاشره جماعة من وجوه أهلها، وأقام بها مدة، وألف فيها قينة كان يعاشرها وأحبها حبّا شديدا، فقال فيها:
لعمري لقد أعطيت بالكوفة المنى ... وفوق المنى بالغانيات النّواعم
ونادمت أخت الشمس حسنا فوافقت ... هواي ومثلي مثلها فلينادم
وأنشدتها شعري بدنيا فعربدت ... وقالت: ملول عهده غير دائم
فقلت لها يا ظبية الكوفة اغفري ... فقد تبت مما قلت توبة نادم
فقالت قد استوجبت منا عقوبة ... ولكن سنرعى فيك روح ابن حاتم
شعره في بستان له وضيعة:
قال أحمد بن يزيد، قال لي أبي:
كان لابن أبي عيينة بستان وضيعة في بعض قطائع المهلّب بالبصرة، فأوطنها [3] وصيّرها منزله، وأقام بها، وفيها يقول:
__________
[1] كذا في س، ب. م، أ: «يريده».
[2] كذا في م، أ. س، ب: «الأجباب»، جمع جب وهو البئر الّتي لم تطو، أو مما وجد لا مما حفره الناس.
[3] أوطنها: اتخذها وطنا.
يا جنة فاقت الجنان فما ... تبلغها قيمة ولا ثمن
ألفتها فاتخذتها وطنا ... إنّ فؤادي لأهلها وطن
زوّج حيتانها الضّباب بها ... فهذه كنّة [1] وذا ختن [2]
فانظر وفكّر فيما نطقت به ... إنّ الأريب المفكّر الفطن
من سفن كالنّعام مقبلة ... ومن نعام كأنها سفن
ينشد الموصلي من شعره:
أخبرني عيسى بن الحسين قال: حدّثنا الزبير بن بكّار وقال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم الموصليّ، أن أبا عيينة أنشده لنفسه:
صوت
لا يكن منك ما بدا لي بعيني ... ك من اللحظ حيلة واختداعا
إن يكن في الفؤاد شيء وإلّا ... فدعيني لا تقتليني ضياعا
فلعلّي إذا قربت تباعد ... ت وأظهرت جفوة وامتناعا
حين نفسي لا تستطيع لما قد ... وقعت فيه من هواها ارتجاعا
في هذه الأبيات رمل مطلق محدث.
كان أخوه عبد اللّه شاعرا وله شعر في عتاب خالد البرمكي:
أخبرني عمي قال: حدّثني أحمد بن يزيد قال: حدّثني أبي قال:
كان عبد اللّه بن محمد بن أبي عيينة أخو أبي عيينة شاعرا، وهو القائل يعاتب محمد بن يحيى بن خالد البرمكيّ بأبيات رائية أولها:
اسلم وإن كان فيك عنّي ... قبض لكفّيك وازورار
تلحظني عابسا قطوبا ... كأنما بي إليك ثار
لو كان أمر عتبت فيه ... يجوز منه لي [3] اعتذار
أو كنت سآلة حريصا ... لحان منّي لك الفرار
أو كنت نذلا عديم عقل ... لا منصب لي ولا نجار
أو لم أكن حاملا بنفسي ... ما تحمل الأنفس الكبار
/ وأنني من خيار قومي ... وكلّ أهلي فتى خيار
__________
[1] الكنة: امرأة الابن.
[2] الختن: زوج الابنة.
[3] س: «يجوز لي منه»، تحريف.
/
عذرت إن نالني جفاء ... منك وإن نالني ضرار
لكنّ ذنبي إليك أني ... قحطان لي الجدّ لا نزار
عليك مني السّلام، هذا ... أوان ينأى بي المزار
ما كنت إلّا كلحم ميت ... دعا إلى أكله اضطرار
راحت على الناس لابن يحيى ... محمد ديمة غزار [1]
ولم يكن ما أنلت [2] منه ... بقدر ما ينجلي الغبار
قد أصبح الناس في زمان ... أعلامه السّفلة الشّرار
يستأخر السابق المذكّى ... فيه ويستقدم الحمار
وليس للمرء ما تمنى ... يوما وما إن له اختيار
ما قدّر اللّه فهو آت ... وفي مقاديره الخيار
يهجو قبيصة بن روح المهلبي، ويمدح داود بن عمه:
أخبرني عمي قال: حدثنا أبو هفّان، قال:
كان ابن أبي عيينة قد قصد ربيعة بن قبيصة بن روح بن حاتم المعلّبيّ واستماحه، فلم يجد عنده ما قدّر فيه، فانصرف مغاضبا، فوجه إليه داود بن مزيد بن حاتم بن قبيصة، فترضّاه، وبلغ ما أحبه ورضيه من برّه، ومعونته، فقال يمدحه ويهجو قبيصة:
أقبيص لست وإن جهدت بمدرك ... سعي ابن عمك ذي العلا داود
شتان بينك يا قبيص وبينه ... إن المذمّم ليس كالمحمود
/ اختار داود بناء محامد ... واخترت أكل شبارق [3] وثريد
قد كان مجد أبيك لو أحببته ... روح أبي [4] خلف كمجد يزيد
لكن جرى داود جري مبرّز ... فحوى المدى وجريت جري بليد
داود محمود وأنت مذمّم ... عجبا لذاك وأنتما من عود
ولربّ عود قد يشقّ لمسجد ... نصفا وسائره لحشّ [5] يهود
فالحشّ أنت له وذاك لمسجد ... كم بين موضع مسلح وسجود
هذا جزاؤك يا قبيص لأنه ... جادت يداه وأنت قفل حديد
__________
[1] كذا بالنسخ. كأنها على حد قولهم: أرض قفار، بكسر القاف، جمعوها على توهم أن كل موضع منها قفر.
[2] كذا في م، أو في س، ب: «نلت»، تحريف.
[3] الشبارق: جمع شبرق كزبرج، ومن معانيه: النبات المنتن يرمى به البحر وفي ف: «شرائح».
[4] س، ب: «أبا» تحريف.
[5] الحش: بيت الخلاء.
يدعوه حذيفة مولى جعفر بن سليمان إلى مجلس فيقول في ذلك شعرا:
حدّثني جعفر بن قدامة قال: حدّثنا حماد بن إسحاق قال: حدّثني أبي قال:
كانت لأبي حذيفة مولى جعفر بن سليمان جارية مغنّية يقال لها: بستان، فبلغه أن أبا عيينة بن محمد بن عيينة ذكر لبعض إخوانه محبته لها ولاستماع غنائها فدعاه، وسأله أن يطرح الحشمة بينه وبينه، فأجابه إلى ذلك، وقال لما سكر وانصرف من عنده في ذلك:
ألم ترني على كسلي وفتري ... أجبت أبا حذيفة إذ دعاني
وكنت إذا دعيت إلى سماع ... أجبت ولم يكن منّي تواني
كأنّا من بشاشتنا ظللنا ... بيوم ليس من هذا الزمان
يهجو عيسى بن موسى لأنه لم يعطه سمادا لضيعته:
/ أخبرني الحسن بن عليّ قال: حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال: حدّثني محمد بن عثمان قال:
/ كانت لعيسى بن موسى ضيعة إلى جانب ضيعة ابن أبي عيينة بالبصرة، وكان له إلى جانب ضيعته سماد كثير، فسأله أن يعطيه بعضه ليعمر ابن أبي عيينة به ضيعته، فلم يفعل فقال فيه:
رأيت الناس همّهم المعالي ... وعيسى همّه جمع السّماد
ورزق العالمين بكف ربّي ... وعيسى رزقه في است العباد
هكذا ذكره ابن مهرويه، وهذا بيت فاسد، وإنما هو:
إذا رزق العباد فإنّ عيسى ... له رزق من استاه العباد
أخباره مع ابن عمه خالد وسبب هجائه إياه:
ولابن أبي عيينة مع ابن عمه خالد أخبار جمة أذكرها هاهنا والسبب الّذي حمله على هجائه:
أخبرني عليّ بن سليمان الأخفش ببعضها، عن محمد بن يزيد المبرّد، وببعضها عن أحمد بن يزيد المهلّبيّ عن أبيه، وقد جمعت روايتهما [1] فيما اتفقا عليه، ونسبت كلّ ما انفرد به أحدهما أو خالف فيه إليه، وذكرت في فصول ذلك وخلاله ما لم يأتيا به مما كتبته عن الرواة، قالا جميعا:
ولي خالد بن زيد بن حاتم بن قبيصة بن المهلّب جرحان، فسأل يزيد بن حاتم أبا عيينة أن يصحبه ويخرج معه، ووعده الإحسان والولاية، وأوسع له المواعيد. وكان أبو عيينة جنديّا، فجرد اسمه في جريدته، وأخرج رزقه معه، فلما حصل لجرجان أعطاه رزقه لشهر واحد، واقتصر على ذلك، وتشاغل عنه وجفاه، فبلغه أنه قد هجاه وطعن عليه، وبسط لسانه فيه، وذكره بكل قبيح عند أهل عمله ووجوه رعيّته،/ فلم يقدر على معاقبته، لموضع أبيه وسنّه ومحلّه في أهله، فدعا به، وقال له: إنه قد بلغني أنك تريد أن تهرب فإما أن أقمت لي كفيلا برزقك أو رددته، فأتاه بكفيل فأعنته، ولم يقبله، ولم يزل يردّده حتى ضجر، فجاءه بما قبض من الرزق فأخذه.
من هجائه لابن عمّه:
ولجّ أبو عيينة في هجائه وأكثر فيه حتى فضحه، فقال في هذا عن أحمد بن يزيد المهلّبيّ:
__________
[1] كذا في ب: م. وفي أ: «روايتهما».
دنيا دعوتك مسرعا فأجيبي ... وبما اصطفيتك في الهوى فأثيبي
دومي أدم لك بالصفاء على النوى ... إني بعهدك واثق فثقي بي
ومن الدليل على اشتياقي عبرتي ... ومشيب رأسي قبل حين مشيبي
أبكي إليك إذا الحمامة طرّبت ... يا حسن ذاك إليّ من تطريب
تبكي على فنن الغصون حزينة ... حزن الحبيبة من فراق حبيب
وأنا الغريب فلا ألام على البكا ... إن البكا حسن بكلّ غريب
أفلا ينادي للقفول برحلة ... تشفى جوى من أنفس وقلوب
ما لي اصطفيت على التعسف خالدا ... واللّه ما أنا بعدها بأريب
تبّا لصحبة خالد من صحبة ... ولخالد بن يزيد من مصحوب
يا خالد بن قبيصة هيّجت بي ... حربا فدونك فاصطبر لحروبي
لما رأيت ضمير غشك قد بدا ... وأبيت غير تجهّم [1] وقطوب
/ وعرفت منك خلائقا جرّبتها ... ظهرت فضائحها على التجريب
خلّيت عنك مفارقا لك عن قلى ... ووهبت للشيطان منك نصيبي
فلئن نظرت إلى الرّصافة مرة ... نظرا يفرج كربة المكروب
/ لأمزّقنّك قائما [2] أو قاعدا ... ولأروينّ عليك [3] كلّ عجيب
ولتأتينّ أباك فيك قصائد ... حبّرتها بتشكّر مقلوب
ولينشدنّ بها الإمام قصيدة ... ولتشتمنّ وأنت غير مهيب
ولأوذينّك مثلما آذيتني ... ولأشلين [4] على نعاجك ذيبي
يهجو ابن عمه وقد كتب إليه أخوه بسلامته وسلامة أهل بيته:
قال أحمد بن يزيد في خبره: حدّثني أبي قال:
أعرس داود بن محمد بن أبي عيينة أخو أبي عيينة بالبصرة، وأخوه غائب يومئذ مع ابن عمه خالد بجرجان، فكتب داود إلى أخيه يخبره بسلامته وسلامة أهل بيته، وبخبر نقله أهله إليه، فقال أبو عيينة [5] في ذلك:
ألا ما لعينك معتلّه ... ومنا لدموعك منهلّه
__________
[1] في ب: «تهجم»، تحريف.
[2] في م، أ: «بك» تحريف.
[3] يريد لأنشرن أعاجيب من عيوبك، فالعرب تستعمل على في مثل هذا المقام للشر. ومثله قول الفرزدق في عنبسة الفيل:
لقد كان في معدان والفيل زاجر ... لعنبسة الراوي عليّ القصائدا
[4] المراد: لأغرين، من أشلى الدابة: أراها المخلاة لتأتيه والناقة، دعاها للحلب.
[5] في م، أ: «عرف ذلك».
وكيف بجرجان صبر امرىء ... وحيد بها غير ذي خلّه
وأطول بليلك أطول به ... إذا عسكر القوم بالأثله [1]
وراعك من خيله حاشر ... من القوم ليست له قبله
يسوقك نحوهم مكرها ... وداود بالمصر في غفله
عروس ينعّم من تحته ... سرير ومن فوقه كلّه
وما مدنف بين عوّاده ... ينادي وفي سمعه ثقله
/ بأوجع منّي إذا قيل لي: ... تأهب إلى الريّ بالرّحله
وما لي وللرّيّ لو لا الشقا ... ء إن كنت عنها لفي عزله
أكلفّ أجبالها شاتيا ... على فرس أو على بغله
وأهون من ذاك لو سهّلوه ... ركوب القراقير [2] في دجله
تروح إلينا بها طربة [3] ... رواح الندامي إلى دلّه
أخالد خذ من يدي لطمة ... تغيظ ومن قدمي ركله
جمعت خصال الردى جملة ... وبعت خصال الندى جمله
فمالك في الخير من خلة ... وكم لك في الشر من خله
ولما تناضل أهل العلا ... نضلت فأذعنت للنّضله
فما لك في المجد يا خالد ... مقرطسة [4] لا ولا خصله
وأسرعت في هدم ما قد بنى ... أبوك وأشياخه قبله
وكانت من النّبع عيدانهم ... نضارا وعودك من أثله
فيا عجبا نبعة أنبتت ... خلافا [5] وريحانة بقله
ثيابك للعبد مطوية ... وعرضك للشمّ والبذله
/ أجعت بنيك وأعريتهم ... ولم تؤت في ذاك من قلّة
إذا ما دعينا لقبض العطاء ... وهيأت كيسك للغلّه
/ وجلّة [6] تمر تغادي بها ... فتأتي على آخر الجلّه
__________
[1] الأثلة: قرية بالجانب الغربي لبغداد.
[2] القراقير: جمع قرقور كعصفور، وهو السفينة.
[3] لعلها مخفف طربة بمعنى فرحة أو مشتاقة.
[4] كذا في م، أ. والمقرطسة: الرمية تصيب الغرض. س: «مقرطسة»، تحريف.
[5] الخلاف: شجر كالصفصاف وليس به.
[6] الجلة: القفة الكبيرة للتمر.
وتقصي بنيك وهم بالعرا ... ء نزلهم الملح والملّه [1]
ولو كان خبز وتمر لديك ... لما طمعوا منك في فضله
وتصبح تقلس [2] عن تخمة ... كأنّ جشاءك عن فجله
إذا الحيّ راعهم رائع ... فأوهن [3] من غادة طفله
وليث يصول على قرنه ... إذا ما دعيت إلى أكله
فلله درّك عند الخوا ... ن من فارس صادق الحمله
وإن جاءك الناس في حاجة ... تفكرت يومين في العله
وتلقاهم أبدا كالحا ... كأن قد عضضت على بصله
فهذا نصيبي من خالد ... لكم هنة بتّة بتله [4]
وإني لصحبته مبغض ... ولا خير في صحبة السّفله
ينشد مسلم بن الوليد من هجائه في ابن عمه:
حدّثني أحمد بن عبيد اللّه بن عمار الثقفيّ قال: حدّثني أبو الحسن بن المنجّم قال:
رأيت مسلم بن الوليد الأنصاريّ يوما عند أبي، ثم خرج من عنده، فلقيه ابن أبي عيينة، فسلّم عليه وتحفّى به، ثم قال له: ما خبرك مع خالد؟ قال: الخبر الّذي تعرفه، ثم أنشده قوله فيه:
/يا حفص عاط أخاك عاطه ... كأسا تهيّج من نشاطه
قال: ومسلم يتبسم من هجائه إياه حتى مر فيها كلّها، ثم ختمها بقوله:
وإذا تطاولت الرؤ ... وس فغطّ رأسك ثم طاطه
فقال مسلم: مه، إنا للّه! هتكته واللّه وأخزيته، وإنما كنت أظن أنك تمزح وتهزل إلى آخر قولك حتى ختمته بالجدّ القبيح، وأفرطت فيما خرجت به إليه، ثم مضى وهو يقول: فضحته واللّه، هتكته واللّه!
يستنشده دعبل من هجائه لابن عمه فينشده:
أخبرني عمي قال: حدّثني أحمد بن يزيد قال: حدّثني أبي قال:
لقي دعبل أبا عيينة فقال له:
أنشدني قولك في ابن عمك فأنشده:
يا حفص عاط أخاك عاطه ... كأسا تهيّج من نشاطه
__________
[1] الملة: الرماد الحار، ولعل المراد خبز الملة.
[2] قلس، كضرب: خرج من بطنه طعام أو شراب إلى الفم، سواء ألقاه أم أعاده إلى بطنه إذا كان ملء الفم أو دونه. وفي س، ب:
«تفلس»، تحريف.
[3] كذا في م، أ. مد. وفي س، ب: «فأهن»، تحريف.
[4] بتلة: بائنة مقتطعة.
صرفا يعود لوقعها ... كالظبي أطلق من رباطه
صبّا طوت عنه الهمو ... م نعيمه بعد انبساطه
فبكى وحق له البكا ... لشقائه بعد اغتباطه
جزع المخنّث خالد ... لمّا وقعت على قماطه
فانظر إلى نزواته ... من منطقي وإلى اختلاطه
دعني وإيّا خالد ... فلأقطعنّ عرى نياطه [1]
إني وجدت كلامه ... فيه مشابه من ضراطه
/ رجل يعدّ لك الوعي ... د إذا وطئت على بساطه
/ وإذا انتظرت غداءه ... فخف البوادر من سياطه
يا خال صدّ المجد عن ... ك فلن تجوز على صراطه
وعريت من حلل الندى ... عري اليتيم ومن رياطه [2]
فإذا تطاولت الرؤو ... س فغطّ رأسك ثم طاطه
فقال له دعبل: أغرقت واللّه في النّزع وأسرفت، وهتكت ابن عمّك وقتلته وغضضت منه، وإنما استنشدتك وأنا أظن أنك قلت كما يقول الناس قولا متوسطا، ولو علمت أنك بلغت به هذا كله لما استنشدتك [3].
أخبرني بهذا الخبر الحسن بن عليّ وعمي قالا: حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال: حدّثني الحسين بن السريّ قال:
لقي دعبل أبا عيينة فقال له: أنشدني بعض ما قلت في ابن عمك، ثم ذكر الخبر مثل ما ذكره أحمد بن يزيد، وقال فيه: إنما ظننت أنك قلت فيه قولا أبقيت معه عليه بعض الإبقاء، ولو علمت أنك بلغت به هذا كلّه وأغرقت هذا الإغراق ما [4] استنشدتك، وجعل يعيد «فغطّ رأسك ثم طاطه»، ويقول: قتله واللّه!
من مختار هجائه في خالد:
أخبرني عليّ بن سليمان الأخفش قال: حدّثني محمد بن يزيد قال:
ومن مختار ما قاله في خالد قوله:
قل لدنيا باللّه لا تقطعينا ... واذكرينا في بعض ما تذكرينا
لا تخوني بالغيب عهد صديق ... لم تخافيه ساعة أن يخونا
__________
[1] النياط: عرق غليظ نيط به القلب إلى الوتين، فإذا قطع مات صاحبه، والجمع أنوطة. وإضافة إيّا إلى خالد من الشذوذ في البيت.
[2] في س: «رباطه»، تحريف.
[3] في أ، م: «لم أستنشدك».
[4] في س، ب: «لما».
/
واذكري عيشنا وإذ نفض [1] الرّ ... يح علينا الخيريّ [2] والياسمينا
إذ جعلنا الشاهسفرام [3] فراشا ... من أذى الأرض والظلال غصونا
حفظ اللّه إخوتي حيث كانوا ... من بلاد سارين أم مدلجينا
فتية نازحون عن كلّ عيب ... وهم في المكارم الأولونا
وهم الأكثرون يعلم ذاك الن ... اس، والأطيبون للأطيبينا
أزعجتني الأقدار عنهم وقد كن ... ت بقربي منهم شحيحا ضنينا
وتبدلت خالدا لعنة اللّ ... ه عليه ولعنة اللاعنينا
رجل يقهر اليتيم ولا يؤ ... تى زكاة وينهر المسكينا
ويصون الثياب والعرض بال ... ويرائي ويمنع الماعونا
نزع اللّه منه صالح ما ... أعطاه آمين عاجلا آمنا
فلعمر المبادرين إلى مك ... ة وفدا غادين أو رائحينا
إن أضياف خالد وبنيه ... ليجوعون فوق ما يشبعونا
وتراهم من غير نسك يصومو ... ن ومن غير علّة يحتمونا
يا بني خالد دعوه وفرّوا ... كم على الجوع ويحكم تصبرونا
من مشهور هجائه في خالد:
قال محمد بن يزيد: ومن مشهور شعره فيه قصيدته الّتي أولها:
/ألا خبّروا إن كان عندكم خبر ... أنقفل أن نثوي على الهمّ والضّجر؟
نفى النوم عن عيني تعرّض رحلة ... بها الهمّ واستولى بها بعده السهر
/ فإن أشك من ليلي يجرجان طوله ... لقد [4] كنت أشكو فيه بالبصرة القصر
فيا حبّذا بطن الخرير [5] وظهره ... ويا حسن واديه إذا ماؤه زخر
ويا حبذا نهر الأبلّة منظرا ... إذا مدّ في إبانه النهر أو جزر
وفتيان صدق همّهم طلب العلا ... وسيماهم التحجيل في المجد والغرر [6]
لعمري لقد فارقتهم غير طائع ... ولا طيّب نفسا بذاك ولا مقر
__________
[1] في أ، م: «تنفض».
[2] الخيري: نبات ذو زهر أصفر ذكي الرائحة.
[3] الشاهسفرام: الريحان.
[4] كذا في النسخ ولعلها «فقد».
[5] الخرير: المكان المطمئن بين الربوتين.
[6] الغرر: البياض في الوجه.
وقائلة ماذا نأى بك عنهم ... فقلت لها لا علم لي فسلي القدر
فيا سفرا أودي بلهوى ولذتي ... ونغّصني عيشي عدمتك من سفر
دعوني وإيّا خالد بعد ساعة ... سيحمله شعري على الأبلق الأغرّ
كأني بصدق القول لما لقيته ... وأعلمته ما فيه ألقمته الحجر
دنيء به عن كل خير بلادة ... لكلّ قبيح عن ذراعيه قد حسر
له منظر يعمي العيون سماجة ... وإن يختبر يوما فيا سوء مختبر
أبوك لنا غيث يعاش بوبله ... وأنت جراد ليس يبقي ولا يذر
له أثر في المكرمات يسرّنا ... وأنت تعفّي دائما ذلك الأثر
لقد قنّعت قحطان خزيا بخالد ... فهل لك فيه يخزك اللّه يا مضر [1]
قول الرشيد وقد أنشد بيتا في هجاء خالد:
أخبرني عيسى بن الحسين قال: حدّثني الزبير بن بكّار قال: حدّثني عمي قال: أنشد الرشيد قول ابن أبي عيينة:
لقد قنّعت قحطان خزيا بخالد ... فهل لك فيه يخزك اللّه يا مضر
/ فقال الرشيد: بل يوقّرون ويشكرون.
يجمع هجاء رجل ومدح أبيه في بيت:
أخبرني محمد بن يحيى الصوليّ قال: قال لنا أبو العباس محمد بن يزيد: لم يجتمع لأحد من المحدثين في بيت واحد هجاء رجل ومديح أبيه كما اجتمع لابن أبي عيينة في قوله:
أبوك لنا غيث نعيش بوبله ... وأنت جراد ليس يبقى ولا يذر
من جيد هجائه في خالد أيضا:
وقال محمد بن يزيد: ومن جيّد قوله أيضا يهجو خالدا هذا:
على إخوتي مني السّلام تحية ... تحيّة مثن بالأخوة حامد
وقل لهم بعد التحية أنتم ... بنفسي ومالي من طريف وتالد
وعزّ عليهم أن أقيم ببلدة ... أخا سقم فيها قليل العوائد
لئن ساءهم ما كان من فعل خالد ... لقد سرهم ما قد فعلت بخالد
وقد علموا أن ليس مني بمفلت ... ولا يومه المسكين مني بواحد
أخالد لا زالت من اللّه لعنة ... عليك وإن كنت ابن عمي وقائدي
__________
[1] م، أ: «فهل لك فيه بعدها يا مضر».
أخالد كانت صحبتيك ضلالة ... عصيت بها ربي وخالفت والدي
/ وأرسل يبغي الصلح لما تكنّفت ... عوارض جنبيه سياط القصائد
فأرسلت بعد الشرّ أني مسالم ... إلى غير ما لا تشتهي غير عائد
هو أهجى المحدثين في عصره:
أخبرني عمي قال: حدثنا الكرانيّ قال: زعم القحذميّ أن الرشيد قال للفضل بن الربيع: من أهجى المحدثين عندك يا فضل في عصرنا هذا؟ قال: الّذي يقول في ابن عمه:
لو كان ينقص يزدا ... د إذا نال السماء
خالد لو لا أبوه ... كان والكلب سواء
/ أنا ما عشت عليه ... أسوأ الناس ثناء
إنّ من كان مسيئا ... لحقيق أن يساء
فقال الرشيد: هذا ابن أبي عيينة، ولعمري لقد صدقت.
يقرأ الهادي قصيدة أرسلها إليه فيرده من جيش خالد:
أخبرني الحسن بن عليّ قال: حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال: حدّثني أبي قال:
كان ابن أبي عيينة مع ابن عمه خالد بجرجان، فأساء به وجفاه، وكان لابن أبي عيينة صديقان من جند خالد من أهل البصرة، أحدهما مهلّبي والآخر مولي للأزد، وكلهم شاعر ظريف، فكانوا يمدحون السّراة من أهل جرجان فيصيبون منهم ما يقوتهم. وولى موسى الهادي الخلافة فكتب ابن عيينة إلى من كان في خدمة الخلفاء من أهله بهذه القصيدة:
كيف صبري ومنزلي جرجان ... والعراق البلاد والأوطان؟
نحن فيها ثلاثة حلفاء ... وندامي على الهوى إخوان
نتساقى الهوى ونطرب للذّ ... كر كما تطرب النشاوي القيان
وإذا ما بكى الحمام بكينا ... لبكاه كأننا صبيان
يا زماني الماضي ببغداد عدلي ... طالما قد سررتني يا زمان
يا زماني المسيء أحسن فقد ما ... كان عندي من فعلك الإحسان
ما يريد العذّال مني أما ... يترك أيضا بغمه الإنسان؟ [1]
ويقولون أملك هواك وأقصر ... قلت مالي على الهوى سلطان
أيها الكاتم الحديث وقد طا ... ل به الأمر وانتهى الكتمان
/ قد لعمري عرّضت حينا فبيّن ... ليس بعد التعريض إلّا البيان
واتخذ خالدا عدوا مبينا ... ما تعادى الإنسان والشيطان
__________
[1] في أ، م: «إنسان».
واله عنه فما يضرّك منه ... عضّ كلب ليست له أسنان
ولعمري لو لا أبوه لنا ... لته بسوء منّي يد ولسان
قل لفتياننا المقيمين بالبا ... ب ثقوا النجاح يا فتيان
لا تخافوا الزمان قد قام موسى ... فلكم من ردى الزمان أمان
أو لم تأته الخلافة طوعا ... طاعة ليس بعدها عصيان؟
فهي منقادة لموسى وفيها ... عن سواه تقاعس وحران
/ قل لموسى يا مالك الملك طوعا ... بقياد وفي يديك العنان
أنت بحر لنا ورأيك فينا ... خير رأي لنا سلطان
فاكفنا خالدا فقد سامنا الخسف ... رماه لحتفه [1] الرحمن
كم إلى كم يغضى على الذّل منه ... وإلى كم يكون هذا الهوان؟
قال: فلما قرأ هذه القصيدة موسى الهادي أمر له بصلة، وأعطاه ما فات من رزقه، وأقفله من جيش خالد إليه.
صوت
أين محلّ الحيّ يا وادي؟ ... خبّر سقاك الرائح الغادي
مستصحب للحرب خيفانة [2] ... مثل عقاب السّرحة [3] العادي
بين خدور الظّعن محجوبة ... حدا بقلبي معها الحادي
وأسمرا [4] في رأسه أزرق [5] ... مثل لسان الحية الصادي
الشعر لدعبل بن عليّ الخزاعيّ، والغناء لأحمد بن يحيى المكّي، خفيف ثقيل مطلق في مجرى الوسطى عن أبي عبد اللّه الهشامي.
__________
[1] كذا في ب، س: وفي أ، م: «بحتفه».
[2] خيفانة: يريد فرسا أو ناقة خفيفة وثابة.
[3] السرحة: الشجرة العظيمة.
[4] كذا في م، ما. وفي س، ب: «و أسمر».
[5] المراد نصل أزرق، أي شديد الصفاء.
6 - أخبار دعبل بن عليّ ونسبه
نسبه وكنيته:
هو دعبل بن عليّ بن رزين بن سليمان بن تميم بن نهشل بن خداش بن خالد بن عبد بن دعبل بن أنس بن خزيمة بن سلامان بن أسلم بن أفصى بن حارثة بن عمرو بن عامر بن مزيقيا [1]، ويكنى أبا علي.
شاعريته:
شاعر متقدّم مطبوع هجاء خبيث اللسان، لم يسلم عليه أحد من الخلفاء ولا من وزرائهم ولا أولادهم ولا ذو نباهة، أحسن إليه أو لم يحسن، ولا أفلت منه كبير أحد.
يناقض «الكميت» في مذهبته فيناقضه المخزومي:
وكان شديد التعصب على النّزارية للقحطانيّة، وقال قصيدة يردّ فيها على الكميت بن زيد، ويناقضه في قصيدته المذهبة الّتي هجا بها قبائل اليمن.
ألا حيّيت عنا يا مرينا [2]
فرأى النبي صلّى اللّه عليه وسلّم في النوم، فنهاه عن ذكر الكميت بسوء.
وناقضه أبو سعد المخزوميّ في قصيدته وهجاه، وتطاول الشرّ بينهما، فخافت بنو مخزوم لسان دعبل وأن يعمّهم بالهجاء، فنفوا أبا سعد عن نسبهم، وأشهدوا بذلك على أنفسهم.
تشيعه ومكافأة علي بن موسى الرضا له:
وكان دعبل من الشيعة المشهورين بالميل إلى علي صلوات اللّه عليه، وقصيدته.
مدارس آيات خلت من تلاوة
من أحسن الشعر وفاخر المدائح المقولة في أهل البيت، عليهم السّلام، وقصد بها أبا الحسن [3] عليّ بن موسى الرّضا، عليه السّلام، بخراسان، فأعطاه عشرة آلاف درهم/ من الدراهم المضروبة باسمه، وخلع عليه خلعة من ثيابه، فأعطاه بها أهل قمّ [4] ثلاثين ألف درهم، لم يبعها، فقطعوا عليه الطريق فأخذوها، فقال لهم: إنها إنما تراد للّه عزّ وجل، وهي محرّمة عليكم، فدفعوا إليه ثلاثين ألف درهم، فحلف ألّا يبيعها أو يعطوه بعضها ليكون في كفنه، فأعطوه فردكمّ، فكان في أكفانه.
__________
[1] في س، ب: «هو يكنى».
[2] م، أ: «مدينا».
[3] كذا في م، أ، مد. س، ب: «أبا علي».
[4] قم: مدينة إسلامية مصرها طلحة بن الأحوص بينها وبين قاشان اثنا عشر فرسخا.
وكتب قصيدته: «مدارس آيات» فيما يقال على ثوب، وأحرم فيه، وأمر بأن يكون في أكفانه. ولم يزل مرهوب اللسان وخائفا من هجائه للخلفاء، فهو دهره كلّه هارب متوار.
حدّثني إبراهيم بن أيوب قال: حدثنا عبد اللّه بن/ مسلم بن قتيبة قال:
رأيت دعبل بن عليّ وسمعته يقول: أنا أحمل خشبتي على كتفي منذ خمسين سنة، لست أجد أحدا يصلبني عليها.
إبراهيم بن المهدي يحرض المأمون عليه:
حدّثني عمي قال: حدثنا ميمون بن هرون قال: قال إبراهيم بن المهدي للمأمون قولا في دعبل يحرضه عليه، فضحك المأمون، وقال: إنما تحرضني عليه لقوله فيك:
يا معشر الأجناد لا تقنطوا ... وارضوا بما كان ولا تسخطوا
فسوف تعطون حنينيّة [1] ... يلتذها الأمرد والأشمط
والمعبديّات [2] لقوّادكم ... لا تدخل الكيس ولا تربط
وهكذا يرزق قوّاده ... خليفة مصحفه البربط [3]
فقال له إبراهيم: فقد واللّه هجاك أنت يا أمير المؤمنين، فقال: دع هذا عنك فقد/ عفوت عنه في هجائه إياي لقوله هذا، وضحك. ثم دخل أبو عبّاد، فلما رآه المأمون من بعد قال لإبراهيم: دعبل يجسر على أبي عبّاد بالهجاء ويحجم عن أحد؟ فقال له: وكأنّ أبا عبّاد أبسط يدا منك يا أمير المؤمنين؟ قال لا، ولكنه حديد جاهل لا يؤمن، وأنا أحلم وأصفح. واللّه ما رأيت أبا عبّاد مقبلا إلّا أضحكني قول دعبل فيه:
أولى الأمور بضيعة وفساد ... أمر يدبّره أبو عبّاد
وكأنه من دير هزقل مفلت [4] ... حرد [5] يجرّ سلاسل الأقياد
ما قاله أبوه من الشعر:
أخبرني الحسن بن علي الخفّاف قال: حدّثني محمد بن القاسم بن مهرويه قال: حدّثني أبي قال: أخبرني دعبل بن عليّ قال: قال لي أبي عليّ بن رزين: ما قلت شيئا من الشعر قطّ إلّا هذه الأبيات:
خليليّ ماذا أرتجي من غد امرىء ... طوى الكشح عنّي اليوم وهو مكين
وإن امرأ قد ضنّ منه بمنطق ... يسدّ به فقر امرىء لضنين
وبيتين آخرين وهما:
__________
[1] حنينية: يريد أغاني منسوبة إلى حنين المغني.
[2] المعبديات: يريد الأغاني المنسوبة إلى معبد.
[3] البريط، كجعفر: العود.
[4] دير هزقل: دير بداوردان، وهزقل هو حزقل كزبرج، أو حزقيل النبي، وفي س، ب: «هرقل»، تحريف وداوردان: قرية شرقي واسط بينهما فرسخ. وقع فيها الطاعون فخرج أهلها هاربين فأماتهم اللّه ثم أحياهم ليعتبروا. وقيل مر عليهم حزقيل بعد زمان طويل وقد عريت عظامهم وتفرقت أوصالهم فلوى شدقه وأصابعه تعجبا مما رأى فأوحي إليه ناد فيهم أن قوموا بإذن اللّه فنادى فنظر إليهم قياما.
[5] حرد: غضبان.
أقول لمّا رأيت الموت يطلبني ... يا ليتني درهم في كيس ميّاح
فياله درها طالت صيانته ... لا هالك ضيعة يوما ولا ضاح
اسمه واشتقاق دعبل:
أخبرني عليّ بن صالح بن الهيثم الكاتب قال: حدّثني أبو هفّان قال: قال لي دعبل قال لي أبو زيد الأنصاريّ:
ممّ اشتق دعبل؟ قلت: لا أدري، قال: الدّعبل: الناقة الّتي معها ولدها.
أخبرني محمد بن عمران الصّيرفيّ قال: حدّثني العنزي قال: حدّثني محمد بن أيوب قال:
دعبل اسمه محمد وكنيته أو جعفر، ودعبل: لقب لقّب به.
وحدّثني بعض شيوخنا عن أبي عمرو الشيبانيّ قال: الدّعبل: البعير المسنّ.
أحد اثنين ختم بهما الشعر:
أخبرني الحسن بن عليّ قال: حدّثني محمد بن القاسم بن مهرويه، قال: سمعت حذيفة بن الطائيّ يقول:
الدّعبل: الشيء القديم. قال ابن مهرويه: سمعت أبي يقول: ختم الشعر بدعبل، قال: وقال أبي: كان أبو محلّم يقول: ختم الشعر بعمارة بن عقيل.
رده على الكميت وضع قدره:
أخبرني الحسن بن عليّ قال: حدّثنا ابن مهرويه قال: سمعت أبي يقول:/ لم يزل دعبل عند الناس جليل القدر حتى ردّ على الكميت بن زيد:
ألا حيّيت عنا يا مرينا
فكان ذلك مما وضعه. قال: وقال: فيه أبو سعد المخزوميّ:
وأعجب ما سمعنا أو رأينا ... هجاء قاله حيّ لميت
وهذا دعبل كلف معنّى ... بتسطير الأهاجي في الكميت
وما يهجو الكميت وقد طواه الر ... دى إلّا ابن زانية بزيت [1]
من ظن أن كلمة دعبل شتم:
أخبرني عليّ بن سليمان الأخفش قال: حدّثني محمد بن زيد قال: حدّثني دعبل قال:
/ كنت جالسا مع بعض أصحابنا ذات يوم، فلما قمت سأل رجل لم يعرفني - أصحابنا عنّي، فقالوا: هذا دعبل، فقال: قولوا في جليسكم خيرا، كأنه ظن اللقب شتما.
يصيح في أذن مصرع: دعبل، فيفق:
أخبرني عليّ بن سليمان قال: حدّثني محمد بن يزيد قال: حدّثني دعبل قال:
صرع مجنون مرة فصحت في أذنه: دعبل، ثلاث مرات، فأفاق.
__________
[1] زيادة من م، في، مد.
وأخبرني بهذين الخبرين الحسن بن علي عن ابن مهرويه عن محمد بن يزيد عن دعبل - وزاد فيه: قال دعبل:
وصرع مرة مجنون بحضرتي فصحت به: دعبل، ثلاث مرات فأفاق من جنونه.
سبب خروجه من الكوفة:
أخبرني محمد بن عمران الصّيرفيّ أبو [1] أحمد قال: حدّثنا الحسن بن عليل العنزي قال: حدّثني عليّ بن عمرو بن شيبان قال: حدّثني أبو خالد الخزاعيّ الأسلميّ، قال العنزيّ: وقد كتبت عن أبي خالد أشياء كثيرة ولم أكتب عنه هذا الخبر، قال:
كان سبب خروج دعبل بن عليّ من الكوفة أنه كان يتشطّر ويصحب الشّطار، فخرج هو ورجل من أشجع فيما بين العشاء والعتمة، فجلسا على طريق رجل من الصيارفة، وكان يروح كلّ ليلة بكيسه [2] إلى منزله، فلما طلع مقبلا إليهما وثبا إليه فجرحاه، وأخذا ما في كمّه، فإذا هي ثلاث رمانات في خرقة، ولم يكن كيسه ليلتئذ معه، ومات الرجل مكانه، واستتر دعبل وصاحبه، وجدّ أولياء الرجل في طلبهما، وجدّ السلطان في ذلك، فطال على دعبل الاستتار، فاضطر إلى أن هرب من الكوفة. قال أبو خالد: فما دخلها حتى كتبت إليه [3] أعلمه أنه لم يبق من أولياء الرجل أحد.
يشرح أسباب هجائه الناس:
أخبرني محمد بن عمران قال: حدّثني أبو خالد الخزاعيّ الأسلميّ قال:
قلت لدعبل: ويحك! قد هجوت الخلفاء والوزراء والقوّاد ووترت الناس جميعا، فأنت دهرك كلّه شريد طريد هارب خائف، فلو كففت عن هذا وصرفت هذا الشرّ عن نفسك! فقال: ويحك؟ إني تأملت ما تقول، فوجدت أكثر الناس لا ينتفع بهم إلّا على الرهبة، ولا يبالي بالشاعر وإن كان مجيدا إذا لم يخف شرّه، ولمن يتقيك على عرضه أكثر ممن يرغب إليك في تشريفه. وعيوب الناس أكثر من محاسنهم، وليس كلّ من شرّفته شرف، ولا كلّ من وصفته بالجود والمجد والشجاعة ولم يكن ذلك فيه انتفع بقولك، فإذا رآك قد أوجعت عرض غيره وفضحته - اتقاك على نفسه وخاف من مثل ما جرى على الآخر. ويحك، يا أبا خالد إن الهجاء المقذع [4] آخذ بضبع الشاعر من المديح المضرع. فضحكت من قوله، وقلت: هذا واللّه مقال من لا يموت حتف أنفه.
البيت الّذي عرف به:
أخبرني الحسن بن عليّ قال: حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه/ قال: حدّثني الحمدويّ الشاعر قال:
سمعت دعبل بن عليّ يقول: أنا ابن قولي:
لا تعجبي يا سلم من رجل ... ضحك المشيب برأسه فبكى
وسمعت أبا تمام يقول: أنا ابن قولي:
__________
[1] زيادة في س، ب، مد.
[2] كذا في م، أ. س، ب: «يكسبه»، تحريف.
[3] في م، أ: «كتبت إليه وكتب إليه أهله».
[4] كذا في م، أ، س، ب: «المفرع»، تحريف.
نقّل فؤادك حيث شئت من الهوى ... ما الحبّ إلّا للحبيب الأول
/ قال الحمدوي: وأنا ابن قولي في الطيلسان:
طال ترداده إلى الرّقو حتى ... لو بعثناه وحده لتهدّي
قال الحمدويّ: معنى قولنا: أنا ابن قولي، أي أني به عرفت.
يسرق بيتا ويتفوق فيه على صاحبه:
أخبرني عليّ بن صالح قال: حدّثني أبو هفّان قال: قال مسلم بن الوليد:
مستعير يبكي على دمنة ... ورأسه يضحك فيه المشيب
فسرقه دعبل، فقال:
لا تعجبي يا سلم من رجل ... ضحك المشيب برأسه فبكى
فجاء به أجود من قول مسلم، فصار أحقّ به منه.
قال أبو هفّان: فأنشدت يوما بعض البصريين الحمقى قول دعبل.
ضحك المشيب برأسه فبكى
فجاءني بعد أيام، فقال: قد قلت أحسن من البيت الّذي قاله دعبل، فقلت له: وأيّ شيء قلت؟ فتمنّع ساعة، ثم قال: قلت:
قهقه في رأسك القتير [1]
أخبرني بهذه الحكاية الحسن بن علي عن ابن مهرويه عن أبي هفّان، قال: ذكر نحوه، وزاد فيه ابن مهرويه وحدّثني الحمدوي قال: سمع رجل قول المأمون:
قبّلته من بعيد ... فاعتلّ من شفتيه
فقال:
رقّ حتى تورّمت شفتاه ... إذ توهمت أن أقبّل فاه
يرتاح الشعر له غنت جارية به:
أخبرني عليّ بن الحسن [2] قال: حدّثني ابن مهرويه قال: حدّثني أبو ناجية - وزعم أنه من ولد زهير بن أبي سلمى - قال:
كنت مع دعبل في شهرزور [3]، فدعاه رجل إلى منزله وعنده قينة محسنة فغنّت الجارية بشعر دعبل:
أين الشباب وأية سلكا؟ ... لا، أين يطلب؟ ضلّ، بل هلكا
قال: فارتاح دعبل لهذا الشعر قال: قد قلت هذا الشعر منذ سبعين سنة.
__________
[1] القتير: الشيب.
[2] م، مي: «أخبرني الحسن بن علي».
[3] شهرزور: كورة بين إربل وهمذان، أحدثها زور بن الضحاك. ومعنى شهر بالفارسية: المدينة.
نسبة هذا الصوت
صوت
أين الشباب وأية سلكا؟ ... لا، أين يطلب؟ ضل، بل هلكا
لا تعجبي يا سلم من رجل ... ضحك المشيب برأسه فبكى
يا ليت شعري كيف نومكما ... يا صاحبي إذا دمي سقكا [1]
لا تأخذوا بظلامتي أحدا ... قلبي وطرفي في دمي اشتركا
قال: والغناء لأحمد بن المكيّ، ثقيل أول بالوسطى مطلق.
يسرق من شعر الحسين بن مطير:
أخبرني الحسن بن عليّ قال: حدّثنا ابن مهرويه قال: حدّثني أبو المثنّى أحمد بن يعقوب بن أخت أبي بكر الأصمّ قال:
/ كنا في مجلس الأصمعيّ، فأنشده رجل لدعبل قوله:
لا تعجبي يا سلم من رجل ... ضحك المشيب برأسه فبكى
/ فاستحسناه، فقال الأصمعي: إنما سرقه من قول الحسين بن مطير الأسديّ:
أين أهل القباب بالدهناء؟ ... أين جيراننا على الأحساء [2]
فارقونا والأرض ملبسة نو ... ر الأقاحي تجاد بالأنواء
كلّ يوم بأقحوان جديد ... تضحك الأرض من بكاء السماء
يهجو جماعة أكلوا ديكا له وقع لهم:
أخبرني أحمد بن العباس العسكريّ قال: حدّثني الحسن بن عليل العنزيّ قال: حدّثني أحمد بن خالد قال:
كنا يوما بدار صالح بن عليّ من عبد القيس ببغداد، ومعنا جماعة من أصحابنا، فسقط على كنينة [3] في سطحه - ديك طار من دار دعبل، فلما رأيناه قلنا هذا صيدنا، فأخذناه. فقال صالح: ما نصنع به؟ قلنا: نذبحه، فذبحناه، وشويناه. وخرج دعبل فسأل عن الديك فعرف أنه سقط في دار صالح، فطلبه منا، فجحدناه، وشربنا يومنا. فلما كان من الغد خرج دعبل فصلّى الغداة، ثم جلس على المسجد، وكان ذلك المسجد مجمع الناس، يجتمع فيه جماعة من العلماء، وينتابهم الناس، فجلس دعبل على المسجد وقال:
__________
[1] زيادة من م، مي، مد.
[2] الأحساء: جمع حسي كظبي، وهو سهل من الأرض يستنقع فيه الماء وقيل غلظ فوقه رمل يجمع ماء المطر.
[3] الكنينة: تصغير الكنة، بالضم. ومن معانيها: الظلة.
أسر المؤذّن صالح وضيوفه ... أسر الكميّ هفا خلال الماقط [1]
بعثوا عليه بنيهم وبناتهم ... من بين ناتفة وآخر سامط
يتنازعون كأنهم قد أوثقوا ... خاقان [2] أو هزموا كتائب ناعط
نهشوه فانتزعت له أسنانهم ... وتهشمت أقفاؤهم بالحائط
/ قال: فكتبها الناس عنه ومضوا، فقال لي أبي وقد رجع إلى البيت: ويحكم، ضاقت عليكم المآكل، فلم تجدوا شيئا تأكلونه سوى ديك دعبل؟ ثم أنشدنا الشعر، وقال لي: لا تدع ديكا ولا دجاجة تقدر عليه إلّا اشتريته، وبعثت به إلى دعبل، وإلّا وقعنا في لسانه، ففعلت ذلك. قال وناعط قبيلة من همدان [3] ومجالد بن سعيد ناعطيّ قال: وأصله جبل نزلوا به، فنسبوا إليه.
يهجو غير معين، ثم يذكر فيه اسم من يغضب عليه:
أخبرني الحسن بن عليّ قال: حدّثني ابن مهرويه قال: حدّثني أحمد بن أبي كامل قال:
كان دعبل ينشدني كثيرا هجاء قاله، فأقول له: فيمن هذا؟ فيقول ما استحقه أحد بعينه بعد، وليس له صاحب، فإذا وجد على رجل جعل ذلك الشعر فيه، وذكر اسمه في الشعر.
وقد أخبرني الحسن بن عليّ عن ابن مهرويه عن أحمد بن أبي كامل بهذا الخبر بعينه، وزاد فيه - فيما ذكر ابن أبي كامل - أنه كان عند صالح هذا في يوم أخذه ديك دعبل، قال: وهو صالح بن بشر بن صالح بن الجارود العبديّ.
يهجو أبا نضير الطوسي لأنه لم يرضه في مدحه:
أخبرني محمد بن عمران قال حدّثني العنزيّ قال حدّثني أحمد بن محمد بن أبي أيوب قال:
مدح دعبل أبا نضير [4] بن حميد الطّوسيّ، فقصّر في أمره ولم يرضه من نفسه، فقال عند ذلك دعبل فيه يهجوه:
أبا نضير تحلحل عن مجالسنا ... فإنّ فيك لمن جاراك منتقصا
أنت الحمار حرونا إن وقعت به ... وإن قصدت إلى معروفه قمصا
/ إني هززتك لا آلوك مجتهدا ... لو كنت سيفا ولكني هززت عصا
أبو تمام يهجوه ويتوعده:
قال: فشكاه أبو نضير إلى أبي تمام الطائيّ، واستعان به عليه، فقال أبو تمام يجيب دعبلا عن قوله، ويهجوه ويتوعده:
__________
[1] الماقط: المضيق في الحرب.
[2] الخاقان: اسم لكل ملك خقنه الترك، أي ملكوه عليهم.
[3] كذا في م، أ. وفي س، ب «همذان»، تحريف.
[4] م، مي. «أبا نصر بن حميد» تحريف.
أدعبل إن تطاولت الليالي ... عليك فإن شعري سمّ ساعه
وما وفد الشيب عليك إلّا ... بأخلاق الدناءة والضّراعه [1]
ووجهك إن رضيت به نديما ... فأنت نسيج وحدك في الرّقاعه
ولو بدّلته وجها بوجه ... لما صلّيت يوما في جماعه
ولكن قد رزقت به [2] سلاحا ... لو استعصيت ما أعطيت [3] طاعه
مناسب طيّىء قسمت فدعها ... فليست مثل نسبتك المشاعه
وروّح منكبيك فقد أعيدا ... حطاما من زحامك في خزاعه
قال العنزيّ: يقول إنك تزاحم خزاعة، تدّعي أنك منهم ولا يقبلونك.
يهجو الخاركي لأنه هجاه:
أخبرني محمد بن عمران قال حدّثني العنزيّ قال: حدّثني محمد بن أحمد بن أيوب قال: تعرّض الخاركيّ [4] النصري - وهو رجل من الأزد - لدعبل بن عليّ فهجاه، وسبّه، فقال فيه دعبل:
وشاعر عرّض لي نفسه ... لخارك آباؤه تنمي
يشتم عرضي عند ذكري وما ... أمسى ولا أصبح من همي
/ فقلت لا بل حبذا أمّه ... خيّرة طاهرة علمي
أكذب واللّه على أمه ... ككذبه كان [5] على أمي
يعده ابن المدبر أجسر الناس لهجائه المأمون:
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا ابن مهرويه قال حدّثني إبراهيم بن المدبّر قال:
لقيت دعبل بن عليّ، فقلت له: أنت أجسر الناس عندي وأقدمهم حيث تقول:
إني من القوم الذين سيوفهم ... قتلت أخاك وشرّفتك بمقعد [6]
رفعوا محلك بعد طول خموله ... واستنقذوك من الحضيض الأوهد
فقال: يا أبا إسحاق، أنا أحمل خشبتي منذ أربعين سنة، فلا أجد من يصلبني عليها.
يرثي ابن عم له:
أخبرني عليّ بن سليمان الأخفش قال: حدّثنا محمد بن يزيد قال:
__________
[1] وفي س، ب: «الرضاعة»، تحريف.
[2] في س، ب: «له».
[3] في «الديوان»: «ما أديت».
[4] نسبة إلى خارك: جزيرة بالخليج الفارسي. ضبطها الباب بكسر الراء، و «القاموس» و «معجم البلدان» بفتحها.
[5] في س، ب، مد: «أيضا».
[6] يشير إلى ما فعله ظاهر بن الحسين من قتل الأمين، وعقد البيعة المأمون وتوطيد الخلافة له. وكان طاهر خزاعيا بالولاء.
قال دعبل بن عليّ يرثي ابن عم له من خزاعة نعي إليه، قال محمد بن يزيد: ولقد أحسن فيها ما شاء:
كانت خزاعة ملء الأرض ما اتسعت ... فقصّ مرّ الليالي من حواشيها
هذا أبو القاسم الثاوي ببلقعة ... تسقي الرياح عليه من سواقيها
هبّت وقد علمت أن لا هيوب به ... وقد تكون حسيرا إذ يباريها
أضحى قرّى للمنايا إذ نزلن به ... وكان في سالف الأيام يقربها
حدّثني الحسن بن مهرويه عن أبيه، فذكر أن المنعيّ إلى دعبل أبو القاسم/ المطّلب بن عبد اللّه بن مالك، وأنه نعي إلى دعبل، وكان هو بالجبل، فرثاه بهذه الأبيات.
يتوعده إسماعيل بن جعفر، فيعيره بالهرب من زيد بن موسى:
أخبرني الأخفش قال: حدّثنا محمد بن يزيد، قال:
بلغ إسماعيل بن جعفر بن سليمان أن/ دعبلا هجاه، فتوعده بالمكروه وشتمه، وكان إسماعيل بن جعفر على الأهواز، فهرب من زيد بن موسى بن جعفر بن محمد لما ظهر وبيّض في أيام أبي السرايا، فقال دعبل بن علي يعيّر إسماعيل بذلك:
لقد خلّف الأهواز من خلف ظهره ... يريد [1] وراء الزاب [2] من أرض كسكر [3]
يهوّل إسماعيل بالبيض والقنا ... وقد فرّ من زيد بن موسى بن جعفر
وعاينته في يوم خلّى حريمه ... فيا قبحها منه ويا حسن منظر
كان يتشطر بالكوفة وهرب منها بعد ما قتل صيرفيا:
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا ابن مهرويه قال حدّثني ابن الأعرابيّ عن أبي خالد الأسلميّ قال:
كان دعبل بن عليّ الخزاعيّ بالكوفة يتشطر وهو شابّ، وكانت له شعرة [4] جعدة، وكان يدهنها ويرجّلها حتى تكاد تقطر دهنا، وكان يصلت [5] على الناس بالليل، فقتل رجلا صيرفيا، وظن أن كيسه معه، فوجد في كمه رمّانا، فهرب من الكوفة، وكنت إذا رأيت دعبلا يمشي رأيت الشطارة في مشيته وتبختره.
يتطير من عمير الكاتب فيهجوه:
أخبرني الحسن قال: حدّثنا ابن مهرويه قال: حدّثني الحسن بن أبي السّريّ قال:
كان عمير الكاتب أقبح الناس وجها، فلقي دعبلا يوما بكرة وقد خرج لحاجة له، فلما رآه دعبل تطيّر من لقائه، فقال فيه:
خرجت مبكرا من سرّ من را ... أبادر حاجة فإذا عمير
__________
[1] س، ب: «يزيد»، تحريف.
[2] الزاب: اسم لعدة أنهر، منها نهر بين سوراء وواسط، وآخر بقربه.
[3] كسكر: كورة تشمل البصرة ونواحيها.
[4] الشعرة: واحدة الشعر، وقد يكنى بها عنه.
[5] أصلت السيف: جرّده.
فلم أثن العنان وقلت أمضي ... فوجهك [1] يا عمير خزا وخير
يهدد عبد الرحمن بن خاقان لأنه بعث إليه برذونا يظلع:
أخبرني الحسن قال حدثنا ابن مهرويه قال: حدّثني الحسن بن أبي السّرميّ قال حدّثني دعبل قال:
مدحت عبد الرحمن بن خاقان، وطلبت منه برذونا، فبعث إلى [2] ببرذون غامز، فكتبت إليه:
حملت على قارح [3] غامز [4] ... فلا للركوب ولا للثمن
حملت على زمن ظالع ... فسوف تكافا بشكر [5] زمن
فبعث إليّ ببرذون غيره فاره بسرجه ولجامه، وألفي درهم.
قال ابن مهرويه وحدّثني إسحاق بن إبراهيم العكبريّ عن دعبل أنه مدح يحيى بن خاقان، فبعث إليه بهذا البرذون.
يهجو خريجه الفضل بن العباس لأنه عابه:
أخبرني الحسن قال: حدثنا ابن مهرويه قال: قال الحسين بن دعبل: كان أبي يختلف إلى الفضل بن العباس بن جعفر بن محمد بن الأشعث، وهو خرّجه وفهمّه وأدّبه، فظهر له منه جفاء، وبلغه أنه يعيبه ويذكره، وينال منه، فقال يهجوه:
/يا بؤس للفضل لو لم يأت ما عابه ... يستفرغ [6] السم من صماء [7] قرضابه [8]
ما إن يزال وفيه العيب يجمعه ... جهلا لأعراض أهل المجد [9] عيّابه
إن عابني لم يعب إلّا مؤدّبه ... ونفسه عاب لما عاب أدّابه
فكان كالكلب ضرّاه مكلّبه ... لصيده فعدا فاصطاد كلّابه
يهجو ابن أبي دواد لأنه كان يطعن عليه:
أخبرني الحسن قال: حدثنا ابن مهرويه قال: حدّثني أبو جعفر العجليّ قال:
كان أحمد بن دواد يطعن على دعبل بحضرة المأمون والمعتصم، ويسبه تقربا إليهما لهجاء دعبل إياهما، وتزوج أبي ابن دواد امرأتين من بني عجل في سنة واحدة، فلما بلغ ذلك دعبلا قال/ يهجوه:
__________
[1] ب. م، أ: «لأنك يا عمير».
[2] م، أ: «فحمله إلى غامزا». س، ب: «غامزا»، تحريف.
[3] القارح: الّذي شق نابه وطلع من ذي الحافر.
[4] غامز: يغمز في مشيه. م، أ: «شاعرا».
[5] في م، أ: «بشعر».
[6] في م، أ: «يستغزر»، يعطي شيئا ليرد عليه أكثر مما أعطى.
[7] الصماء: الداهية.
[8] القرضابه: الّذي لا يدع شيئا إلّا أكله.
[9] في م، أ: «الأرض».
غصبت عجلا على فرجين في سنة ... أفسدتهم ثم ما أصلحت من نسبك
ولو خطبت إلى طوق وأسرته ... فزوجوك لما زادوك في حسبك
نك من هويت ونل ما شئت من نشب [1] ... أنت ابن زرياب [2] منسوبا إلى نشبك
إن كان قوم أراد اللّه خزيهم ... فزوجوك ارتغابا منك في ذهبك
فذاك يوجب أن النبع [3] تجمعه ... إلى خلافك [4] في العيدان أو غربك [5]
/و لو سكتّ ولم تخطب إلى عرب ... لما نبشت [6] الّذي تطويه من سببك
عدّ البيوت الّتي ترضى بخطبتها ... تجد فزارة العكليّ من عربك
قال: فلقيه فزارة العكليّ، فقال له: يا أبا عليّ، ما حملك على ذكرى حتى فضحتني، وأنا صديقك؟ قال: يا أخي واللّه ما اعتمدتك بمكروه، ولكن كذا جاءني الشعر لبلاء صبه اللّه عزّ وجل عليك لم أعتمدك به.
يهجو جارية عبثت به في مجلس:
أخبرني جعفر بن قدامة قال: حدّثني هارون بن محمد بن عبد الملك الزيات قال: حدّثني أبو خالد الأسلميّ الكوفيّ قال:
اجتمعت مع دعبل في منزل بعض أصحابنا، وكانت عنده جارية مغنّية صفراء مليحة حسنة الغناء، فوقع لها العبث بدعبل والعنت والأذى له، ونهيناها عنه، فما انتهت، فأقبل علينا فقال: اسمعوا ما قلت في هذه الفاجرة، فقلنا: هات، فقد نهيناها عنك، فلم تنته، فقال:
تخضب كفّا قطعت من زندها ... فتخضب الحّناء من مسودّها
كأنها والكحل في مرودها ... تكحل عينيها ببعض جلدها
أشبه شيء أستها بخدّها
قال: فجلست الجارية تبكي، وصارت فضيحة، واشتهرت بالأبيات، فما انتفعت بنفسها بعد ذلك.
يحبسه العلاء بن منظور ويضربه في جناية بالكوفة فيخرج منها:
أخبرني جعفر بن قدامة قال: حدّثني هارون قال: حدّثني أبي وخالد قالا:
كان دعبل قد جنى جناية بالكوفة وهو غلام، فأخذه العلاء بن منظور الأسديّ، وكان على شرطة الكوفة من قبل موسى بن عيسى، فحبسه، فكلمه في عمّه سليمان بن/ رزين، فقال: أضربه أنا خير من أن يأخذه غريب فيقطع يده، فلعله أن يتأدب بضربي إياه، ثم ضربه ثلاثمائة سوط، فخرج من الكوفة، فلم يدخلها بعد ذلك إلّا عزيزا.
__________
[1] كذا في م، أ. س، ب: «نسب، نسبك»، وكل تحريف.
[2] لعله علي بن نافع المغني مولى المهدي. وكان أسود اللون فصيح اللسان.
[3] النبع: شجر للقسي والسهام، ينبت في قلة الجبل.
[4] الخلاف: شجر يشبه الصفصاف.
[5] الغرب: نوع من الشجر.
[6] س، ب: «نشبت»، تحريف.
كان يضرب في الأرض فلا يؤذيه الشراة ولا الصعاليك:
أخبرني الحسن بن عليّ قال: حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال: حدّثني أحمد ابن أبي كامل قال:
كان دعبل يخرج فيغيب سنين، يدور الدنيا كلّها، ويرجع وقد أفاد وأثري. وكانت الشّراة والصعاليك يلقونه فلا يؤذونه، ويؤاكلونه ويشاربونه ويبرونه، وكان إذ لقيهم وضع طعامه وشرابه، ودعاهم إليه، ودعا بغلاميه ثقيف وشعف، وكانا مغنيين، فأقعدهما يغنيان، وسقاهم وشرب معهم، وأنشدهم، فكانوا قد عرفوه، وألفوه لكثرة أسفاره، وكانوا يواصلونه ويصلونه. وأنشدني دعبل بن علي لنفسه في بعذ أسفاره:
حللت محلا يقصر البرق دونه ... ويعجز عنه الطيف أن يتجشما
يعده البحتري أشعر من مسلم بن الوليد:
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال:
قال لي البحتريّ:/ دعبل بن عليّ أشعر عندي من مسلم بن الوليد، فقلت له: وكيف ذلك؟ قال: لأن كلام دعبل أدخل [1] في كلام العرب من كلام مسلم، ومذهبه أشبه بمذاهبهم. وكان يتعصب له.
يهجو صاحب بيت دب إلى رجل بات عنده:
أخبرني الحسن قال: حدثنا ابن مهرويه قال: حدثنا الفضل بن الحسن بن موسى البصريّ قال:
بات دعبل ليلة عند صديق له من أهل الشأم، وبات عندهم رجل من أهل بيت/ لهياني [2] يقال له حويّ بن عمرو السّككيّ جميل الوجه، فدبّ إليه صاحب البيت، وكان شيخا كبيرا فانيا قد أتى عليه حين، فقال فيه دعبل:
لو لا حوى لبيت لهياني ... ما قام أير العزب [3] الفاني
له دواة في سراويله ... يليقها [4] النازح والداني
قال: وشاع هذان البيتان، فهرب حويّ من ذلك البلد، وكان الشيخ إذا رأى دعبلا سبّه، وقال: فضحتني أخزاك اللّه.
يتمنى موت من تكون له منة عنده:
أخبرني الحسن بن عليّ قال: حدّثني ابن مهرويه قال: حدّثني محمد بن الأشعث قال: سمعت دعبلا يقول:
ما كانت لأحد قطّ عندي منّة إلّا تمنيت موته.
يهجوه شاعر بالري وهو هناك فيرتحل:
أخبرني الحسن قال حدثنا ابن مهرويه قال حدثنا محمد بن عمر الجرجانيّ قال: دخل دعبل بن عليّ الرّيّ في
__________
[1] في م، أ: «آخذ».
[2] س، ب: «لهيان» وفي «معجم البلدان»: بيت لهيان، كذا يتلفظ به. والصحيح الإلاهة، وهي قرية مشهورة بغوطة دمشق، والنسبة إليها بتلهى».
[3] في أ. س: «الغراب». ب: «الغرب». وكل تحريف.
[4] لاق الدواة: أصلح مدادها، أو جعل لها ليقة.
أيام الربيع، فجاءهم ثلج لم يروا مثله في الشتاء، فجاء شاعر من شعرائهم فقال شعرا، وكتبه في رقعة هو:
جاءنا دعبل بثلج من الشع ... ر فجادت سماؤنا بالثلوج
نزل الرّيّ بعد ما سكن البر ... د وقد أينعت رياض المروج
فكسانا ببرده لا كساه اللّه ثو ... با من كرسف [1] محلوج
قال: فألقي الرقعة في دهليز دعبل، فلما قرأها ارتحل عن الرّيّ.
هجاؤه لصالح الأضجم لأنه قصّر عن حاجته:
أخبرني محمد بن عمران قال: حدثنا العنزيّ قال: حدّثنا أبو خالد الأسلميّ قال:
عرضت لدعبل حاجة إلى صالح بن عطية الأضجم، فقصّر عنها، ولم يبلغ ما أحبّه دعبل فيها، فقال يهجوه:
أحسن ما في صالح وجهه ... فقس على الغائب بالشاهد
تأملت عيني له خلقة ... تدعو إلى تزنية الوالد
فتحمل عليه صالح بي وبجماعة من إخوانه حتى كف عنه، وعرض عليه قضاء الحاجة، فأباها.
يهجو بني مكلم الذئب من خزاعة لأنهم فخروا عليه:
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثني محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدّثني أبي قال:
فخر قوم من خزاعة على دعبل بن عليّ يقال لهم: بنو مكلّم الذئب، وكان جدّهم جاء إلى النبي - صلّى اللّه عليه وسلّم - فحدّثه أن الذئب أخذ من غنمه شاة فتبعه، فلما غشيه بالسيف قال له: ما لي ولك تمنعني رزق اللّه؟ قال فقلت: يا عجبا لذئب يتكلم! فقال: أعجب منه أن محمدا نبي قد بعث بين أظهركم وأنتم لا تتبعونه، فبنوه يفخرون بتكليم الذئب جدّهم، فقال دعبل بن عليّ يهجوهم:
تهتم علينا بأنّ الذئب كلمكم ... فقد لعمري أبوكم كلّم الذيبا
فكيف لو كلّم الليث الهصور إذا ... أفنيتم [2] الناس مأكولا ومشروبا
/ هذا السّنيدي لا أصل ولا طرف [3] ... يكلّم الفيل تصعيدا وتصويبا
يهجو محمد بن عبد الملك الزيات لأنه مدحه فلم يرضه:
حدّثني الحسن بن عليّ قال حدّثني ابن مهرويه قال حدّثني أبي قال:
/ كان دعبل قد مدح محمد بن عبد الملك الزيات، فأنشده ما قاله فيه، وفي يده طومار [4] قد جعله على فمه كالمتكىء عليه وهو جالس، فلما فرغ أمر له بشيء لم يرضه، فقال: يهجوه:
يا من يقلّب طومارا ويلثمه ... ماذا بقلبك من حبّ الطوامير
__________
[1] كرسف: قطن.
[2] كذا في أ، م. مد. وفي س، ب: «أفتيتم»، تحريف.
[3] الطرف: جمع طرفة، ويراد بها المستحدث من الكرم. أو هي طرف بالتحريك بمعنى الرجل الكريم.
[4] طومار: صحيفة.
فيه مشابه من شيء تسرّ به ... طولا بطول وتدويرا بتدوير
لو كنت تجمع أموالا كجمعكها ... إذا جمعت بيوتا من دنانير
ينزل بحمص فلم يبره رجلان من أهلها فيهجوهما:
أخبرني الحسن بن عليّ قال: حدثنا ابن مهرويه قال: حدّثني أبي قال:
نزل دعبل بحمص على قوم من أهلها، فبرّوه ووصلوه سوى رجلين منهم يقال لأحدهما: أشعث وللآخر أبو الصّناع [1]، فارتحل من وقته من حمص وقال فيهما يهجوهما:
إذا نزل الغريب بأرض حمص ... رأيت عليه عزّ الإمتناع
سموّ [2] المكرمات بآل عيسى ... أحلّهم على شرف التّلاع [3]
هناك الخزّ يلبسه المغالي ... وعيسى منهم سقط المتاع
فسدّد لاست أشعث أير بغل ... وآخر في حر أمّ أبي الصناع
فليس بصانع مجدا ولكن ... أضاع المجد فهو أبو الضياع
شعره في الفضل بن مروان:
أخبرني الحسن قال: حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه عن الحسين بن دعبل قال:
/ قال أبي في الفضل بن مروان:
نصحت فأخلصت النصيحة للفضل ... وقلت فسيّرت المقالة في الفضل
ألا إنّ في الفضل بن سهل لعبرة ... إن اعتبر الفضل بن مروان بالفضل
وللفضل في الفضل بن يحيى مواعظ ... إذا فكّر الفضل بن مروان في الفضل
فأبق جميلا من حديث تفز به ... ولا تدع الإحسان والأخذ بالفضل
فإنك قد أصبحت للملك قيّما ... وصرت مكان الفضل والفضل والفضل
ولم أر أبياتا من الشّعر قبلها ... جميع قوافيها على الفضل والفضل
وليس لها عيب إذا هي أنشدت ... سوى أن نصحي الفضل كان من الفضل
فبعث إليه الفضل بن مروان بدنانير، وقال له: قد قبلت نصحك، فاكفني خيرك وشرّك.
ينقد شعر شاعر احتكم إليه في شعره:
حدّثني عمي قال: حدّثني ميمون بن هارون قال: حدّثني أبو الطيّب الحرّانيّ قال:
أنشد رجل دعبل بن عليّ شعرا له، فجعل يعيبه وينبّهه على خطئه فيه بيتا بيتا، ويقول: أيّ شيء صنعت بنفسك! ولم تقول الشعر إذا لم تقدر إلّا على مثل هذا منه؟ إلى أن مرّ له بيت جيد، فقال دعبل: أحسنت، أحسنت
__________
[1] كذا في مي: وفي ب، س: «الصناع» سقط.
[2] في ب: «سموا للمكرمات»، تحريف.
[3] التلاع: المرتفعات من الأرض، جمع تلعة كجمرة.
ما شئت. فقال له يا أبا عليّ: أتقول لي هذا بعد ما مضى؟ فقال له: يا حبيبي لو أنّ رجلا ضرط سبعين ضرطة ما كان بمنكر أن يكون فيها دستنبوية [1] واحدة.
لا يرى المأمون عجبا أن يهجوه:
أخبرني الحسن بن عليّ قال: حدثنا ابن مهرويه قال حدّثني محمد بن حاتم المؤدّب/ قال:
قيل للمأمون: إن دعبل بن عليّ قد هجاك، فقال: وأيّ عجب في ذاك؟ هو يهجو/ أبا عبّاد ولا يهجوني أنا! ومن أقدم على جنون أبي [2] عباد أقدم على حلمي، ثم قال للجلساء: من كان منكم يحفظ شعره في أبي عبّاد فلينشدنيه، فأنشده بعضهم:
أولى الأمور بضيعة وفساد ... أمر يدبّره أبو عبّاد
خرق على جلسائه فكأنهم ... حضروا لملحمة ويوم جلاد
يسطو [3] على كتابه بدواته ... فمضمّخ [4] بدم ونضح مداد
وكأنه من دير هزقل مفلت ... حرد يجر سلاسل الأقياد [5]
فاشدد أمير المؤمنين وثاقه ... فأصحّ منه بقيّة الحداد
قال: وكان بقية هذا مجنونا في المارستان، فضحك المأمون. وكان إذا نظر إلى أبي عبّاد يضحك، ويقول لمن يقرب منه: واللّه ما كذب دعبل في قوله.
حدّثني جحظة عن ميمون بن هارون فذكر مثله أو قريبا منه.
يزعم أن رجلا من الجن استنشده قصيدة مدارس آيات خلت:
أخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن عمار ومحمد بن أحمد الحكيم قالا: حدثنا أنس ابن عبد اللّه النبهانيّ قال: حدّثني عليّ بن المنذر قال: حدّثني عبد اللّه بن سعيد الأشقريّ قال: حدّثني دعبل بن عليّ قال:
لما هربت من الخليفة بتّ ليلة بنيسابور وحدي، وعزمت على أن أعمل قصيدة في عبد اللّه بن طاهر في تلك الليلة، فإني لفي ذلك إذ سمعت والباب مردود عليّ: السّلام عليكم ورحمة اللّه، انج يرحمك اللّه، فاقشعرّ بدني من ذلك، ونالني أمر عظيم،/ فقال لي: لا ترع عافاك اللّه؛ فإني رجل من إخوانك من الجن من ساكني اليمن طرأ إلينا طارىء من أهل العراق فأنشدنا قصيدتك:
مدارس آيات خلت من تلاوة ... ومنزل وحي مقفر العرصات
فأحببت أن أسمعها منك، قال فأنشدته إياها، فبكى حتى خرّ، ثم قال: رحمك اللّه! ألا أحدثك حديثا يزيد في نيّتك ويعينك على التمسك بمذهبك؟ قلت: بلى قال: مكثت حينا أسمع بذكر جعفر بن محمد عليه السّلام،
__________
[1] دستنبوية: نوع من البطيخ الأصفر.
[2] في س: «أبا»، تحريف.
[3] س: «بسطوا»، تحريف.
[4] س: «فمضخ». تحريف.
[5] راجع حواشي الصفحة 122 من طبعة دار الكتب.
فصرت إلى المدينة فسمعته يقول: حدّثني أبي عن أبيه عن جده أن رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - قال: عليّ وشيعته هم الفائزون، ثم ودّعني لينصرف، فقلت له: يرحمك اللّه، إن رأيت أن تخبرني باسمك فافعل، قال: أنا ظبيان بن عامر.
يدعو إليه أعرابيا من كلاب فينشده في كلابي هجاه له:
أخبرني الحسين بن القاسم الكوكبيّ قال: حدّثني إسحاق بن محمد النخعيّ وأخبرني به الحليمي عن يعقوب بن إسرائيل عن إسحاق النخعيّ قال:
كنت جالسا مع دعبل بالبصرة وعلى رأسه غلامه ثقيف، فمرّ به أعرابي يرفل في ثياب خزّ، فقال لغلامه: ادع لي هذا الأعرابيّ، فأومأ الغلام إليه، فجاء، فقال له دعبل: ممن الرجل؟ قال: من بني كلاب. قال: من أيّ ولد كلاب أنت؟ قال: من ولد أبي بكر، فقال دعبل: أتعرف القائل:
ونبئت كلبا من كلاب يسبني ... ومحض كلاب يقطع الصلوات
فإن أنا لم أعلم كلابا بأنها ... كلاب وأني باسل النّقمات
فكان إذا من قيس عيلان والدي ... وكانت إذا أمي من الحبطات [1]
/قال: وهذا الشعر لدعبل يقوله في عمرو بن عاصم الكلابيّ، فقال الأعرابي: ممن أنت؟ فكره أن يقول له من خزاعة فيهجوهم، فقال: أنا أنتمي إلى القوم الذين يقول فيهم الشاعر:
أناس عليّ الخير منهم وجعفر ... وحمزة والسّجّاد ذو الثّفنات [2]
إذا فخروا يوما أتوا بمحمد ... وجبريل والفرقان والسّورات
فوثب الأعرابي وهو يقول: مالي إلى محمد وجبريل والفرقان والسورات مرتقى.
يهجو بني بسام لأن رجلا منهم لم يقض حاجة له:
أخبرني الكوكبي قال حدّثني ابن عبدوس [3] قال:
سأل دعبل نصر بن منصور بسّام حاجة، فلم يقضها لشغل عرض له دونها، فقال يهجو بني بسام:
حواجب كالحبال سود ... إلى عشانين [4] كالمخالي
وأوجه جهمة غلاظ ... عطل من الحسن والجمال
يهجو أحمد بن خالد حين ولّى الوزارة للمأمون:
أخبرني الكوكبيّ قال حدّثني ميمون بن هارون قال:
__________
[1] الحبطات: أولاد الحارث بن مالك بن عمرو بن تميم، وسمي بالحبط «كسبب» لأنه في بعض ما يروى أكل شيئا فورم بطنه، وأصابه منه مثل الحبط، وهو وجع ببطن البعير من كلأ يستوبله أو يكثر منه فينتفخ بطنه ولا يخرج منه شيء.
[2] هو علي زين العابدين، ولقب بذي الثفنات لأن مساجده كانت كثفنة البعير، وهي ركبته وسائر ما يمس الأرض من أعضائه إذا استناخ.
[3] م، مي: «عروس».
[4] العثانين: جمع عثنون، وهي ما فضل من اللحية بعد العارضين أو ما نبت على الذقن وتحته سفلا.
لما ولّى أحمد بن أبي خالد الوزارة في أيام المأمون قال دعبل بن علي يهجوه:
وكان أبو خالد مرّة ... إذا بات متّخما عاقدا [1]
يضيق بأولاده بطنه ... فيخراهم واحدا واحدا
فقد ملأ الأرض من سلحه ... خنافس لا تشبه الوالدا
يهرب من المعتصم ويهجوه:
أخبرني الحسن بن عليّ قال: حدّثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدثنا أبو ناجية قال:
كان المعتصم يبغض دعبلا لطول لسانه، وبلغ دعبلا أنه يريد اغتياله وقتله، فهرب إلى الجبل، وقال يهجوه:
بكى لشتات الدّين مكتئب صبّ ... وفاض بفرط الدمع من عينه غرب [2]
وقام إمام لم يكن ذا هداية ... فليس له دين وليس له لبّ
وما كانت الآباء [3] تأتي بمثله ... بملّك يوما أو تدين له العرب
ولكن كما قال الذين تتابعوا ... من السلف الماضين إذ عظم الخطب:
ملوك بني العباس في الكتب سبعة ... ولم تأتنا عن [4] ثامن لهم كتب
كذلك أهل الكهف في الكهف سبعة ... خيار إذا عدّوا وثامنهم كلب
وإني لأعلي كلبهم عنك رفعة ... لأنك ذو ذنب وليس له ذنب
لقد ضاع ملك الناس إذ ساس ملكهم ... وصيف [5] وأشناس وقد عظم الكرب
وفضل بن مروان يثلّم [6] ثلمة ... يظل لها الإسلام ليس له شعب [7]
يعارض محمد بن عبد الملك الزيات في رثائه للمعتصم:
أخبرني عمي قال حدّثني ميمون بن هارون قال:
لما مات المعتصم قال محمد بن عبد الملك الزيات يرثيه:
قد قلت إذ غيّبوه وانصرفوا ... في خير قبر لخير مدفون
/ لن يجبر اللّه أمة فقدت ... مثلك إلّا بمثل هارون
فقال دعبل يعارضه:
__________
[1] والعاقد: الناقة الّتي أقرت باللقاح. وكان ابن أبي خالد معروفا بالشره. وفي س: «قاعدا»، تحريف.
[2] غرب: دلو عظيمة، والمراد هنا ماء كثير.
[3] كذا في م، أ. س، ب: «الأنباء».
[4] كذا في س، ب. م، أ: «في».
[5] وصيف وأشناس من الموالي الأتراك الذين اختارهم المعتصم قوادا في جيشه وحكاما في ملكه، فأفسدوا أمور الدولة وكانوا من عوامل القضاء عليها.
[6] كذا في أ، مد. وفي س «يسلم»، وهو تحريف.
[7] شعب: إصلاح.
/
قد قلت إذ غيّبوه وانصرفوا ... في شرّ قبر لشر مدفون
اذهب إلى النار والعذاب فما ... خلتك إلّا من الشياطين
ما زلت حتى عقدت بيعة من ... أضرّ بالمسلمين والدين
يكتم نسبة رثاء محمد بن عبد الملك الزيات للمعتصم:
قال عمي حدثنا ابن مهرويه قال حدّثني محمد بن عمر الجرجانيّ قال: أنشد دعبل بن عليّ يوما قول بعض الشعراء:
قد قلت إذ غيّبوه وانصرفوا
وذكر البيتين والجواب ولم يسمّ قائل المرثيّة ولا نسبة إلى محمد بن عبد الملك الزيات ولا غيره.
ينكر نسبة شعر إليه فيه هجاء بني العباس:
أخبرني عليّ بن سليمان الأخفش قال حدّثنا محمد بن يزيد قال:
سألت دعبلا عن هذه الأبيات:
ملوك بني العباس في الكتب سبعة
فأنكر أن تكون له، فقلت له: فمن قالها؟ قال: من حشا اللّه قبره نارا، إبراهيم بن المهديّ، أراد أن يغري بي المعتصم فيقتلني لهجائي إياه.
يستعيد ابن المدبر أبياتا له في هجاء ابن أبي داود:
أخبرني عمي والحسن بن عليّ جميعا قالا: حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال: حدّثني أبي قال: كنت عند أحمد بن المدبّر ليلة من الليالي، فأنشدته لدعبل في أحمد بن أبي داود قوله:
إنّ هذا الّذي دواد أبوه ... وإياد قد أكثر الأنباء
ساحقت أمّه ولاط أبوه ... ليت شعري عنه فمن أين جاء!
/ جاء من بين صخرتين صل ... ودين عقامين [1] ينبتان الهباء
لا سفاح ولا نكاح ولا ما ... يوجب الأمهات والآباء
قال: فاستعادها أربع مرات، فظننت أنه يريد أن يحفظها، ثم قال لي: جئني بدعبل حتى أوصله إلى المتوكل، فقلت له: دعبل موسوم بهجاء الخلفاء والتشيع، وإنما غايته أن يخمل ذكره، فأمسك عني، ثم لقيت دعبلا فحدثته بالحديث، فقال: لو حضرت أنا أحمد بن المدبّر لما قدرت أن أقول أكثر مما قلت.
يروي له بيت في هجاء المتوكل:
أخبرني الحسن قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدّثني محمد بن جرير قال:
أنشدني عبيد اللّه بن يعقوب هذا البيت وحده لدعبل يهجو به المتوكل، وما سمعت له غيره فيه:
__________
[1] العقام: من لا يولد له. والمراد: مجدبة.
ولست بقائل قذعا ولكن ... لأمر ما تعبّدك العبيد
قال: يرميه في هذا البيت بالأبنة
يهجو المعتصم والواثق حين علم نعي المعتصم:
أخبرني الحسن قال: حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال:
كنت مع دعبل بالصّيمرة [1] وقد جاء نعي المعتصم وقيام الواثق، فقال لي دعبل: أمعك شيء تكتب فيه؟
فقلت: نعم، وأخرجت قرطاسا، فأملي عليّ بديها:
الحمد للّه لا صبر ولا جلد ... ولا عزاء إذا أهل البلا رقدوا
خليفة مات لم يحزن له أحد ... وآخر قام لم يفرح به أحد
يمزق قصيدة أعدها في مدح الحسن بن وهب:
حدّثني عمي قال: حدّثنا أحمد بن عبيد اللّه بن ناصح قال:
/ قلت لدعبل، وقد عرض عليّ قصيدة له يمدح بها الحسن بن وهب، أولها:
أعاذلتي ليس الهوى من هوائيا
فقلت له [2]: ويحك، أتقول فيه هذا بعد قولك:
أين محلّ الحيّ يا حادي ... خبّر سقاك الرائح الغادي
/ وبعد قولك:
قالت سلامة أين المال قلت لها ... المال ويحك لاقي الحمد فاصطحبا [3]
وبعد قولك:
فعلى أيماننا يجري النّدى ... وعلى أسيافنا تجري المهج
واللّه إني أراك لو أنشدته إياها لأمر لك بصفع قفاك، فقال: صدقت واللّه، ولقد نبّهتني وحذّرتني، ثم مزقها.
يغضب على خريج له فيهجو أباه:
أخبرني عمّي قال: حدّثني العنزيّ قال حدّثني الحسين بن أبي السّريّ قال:
غضب دعبل على أبي نصر بن جعفر بن محمد بن الأشعث - وكان دعبل مؤدبه قديما - لشيء بلغه عنه، فقال يهجو أباه:
ما جعفر بن محمد بن الأشعث ... عندي بخير أبوّة من عثعث
__________
[1] الصيمرة: بلد بين ديار الجبل وديار خوزستان.
[2] م، أ: «فقلت: يا أبا علي، أتقول».
[3] س، ب: «فاصطحبا»، تحريف.
عبثا تمارس [1] بي تمارس حية ... سوارة إن هجتها لم تلبث
لم يعلم المغرور ماذا حاز من ... خزي لوالده إذا لم يعبث
قال: فلقيه عثعث، فقال له: عليك لعنة اللّه، أيّ شيء كان بيني وبينك حتى/ ضربت بي المثل في خسة الآباء، فضحك، وقال: لا شيء واللّه، اتفاق اسمك واسم ابن الأشعث في القافية. أو لا ترضى أن أجعل - أباك وهو أسود - خيرا من آباء الأشعث بن قيس!.
يصف العيش الّذي يرتضيه:
أخبرني الحسن بن عليّ قال: حدّثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال: حدّثني إبراهيم بن سهل القاري، وكان يلقب أرزة [2] قال: حدّثني دعبل بن عليّ الخزاعيّ قال:
كتبت إلى أبي تهشل بن حميد الطوسيّ قوله:
إنما العيش في منادمة الإخ ... وان لا في الجلوس عند الكعاب
وبصرف كأنها ألسن البر ... ق إذا استعرضت رقيق السحاب
إن تكونوا تركتم لذة الع ... يش حذار العقاب يوم العقاب
فدعوني وما ألذّ وأهوى ... وادفعوا بي في صدر يوم الحساب
ينشد علي بن موسى الرضا: مدارس آيات خلت:
أخبرني الحسن بن عليّ قال: حدّثنا ابن مهرويه قال: حدّثني موسى بن عيسى المروزيّ - وكان منزله بالكوفة في رحبة طيّ ء - قال:
سمعت دعبل بن عليّ وأنا صبي يتحدث في مسجد المروزية قال: دخلت على عليّ بن موسى الرضا - عليهما السّلام - فقال لي: أنشدنى شيئا مما أحدثت، فأنشدته:
مدارس آيات خلت من تلاوة ... ومنزل وحى مقفر العرصات
حتى انتهيت إلى قولي:
إذا وتروا مدّوا إلى واتريهم ... أكفّا عن الأوتار منقبضات
قال: فبكى حتى أغمى عليه، وأومأ إليّ خادم كان على رأسه: أن أسكت، فسكتّ/ ساعة، ثم قال لي:
أعد، فأعدت حتى انتهيت إلى هذا البيت أيضا، فأصابه مثل الّذي أصابه في المرة الأولى، وأومأ الخادم إليّ: أن اسكت، فسكت، فمكث ساعة أخرى ثم قال لي: أعد، فأعدت حتى انتهيت إلى آخرها، فقال لي: أحسنت، ثلاث مرات، ثم أمر لي بعشرة آلاف درهم مما ضرب باسمه، ولم تكن دفعت [3] إلى أحد بعد، وأمر لي من في منزله بحلي كثير أخرجه إليّ الخادم، فقدمت العراق، فبعت كل درهم منها بعشرة دراهم، اشتراها مني الشيعة، فحصل
__________
[1] م، أ: «تمرس بي فمارس حية».
[2] ضبطه بالقلم في أ: بفتح الهمزة وضم الراء.
[3] س، ب: «وقعت».
لي/ مائة ألف درهم، فكان أول مال اعتقدته [1].
يستوهب الرضا ثوبا لبسه ليجعله في أكفانه:
قال ابن مهرويه وحدّثني حذيفة بن محمد:
أن دعبلا قال له: إنه استوهب من الرّضا عليه السّلام ثوبا قد لبسه ليجعله في أكفانه فخلع جبّة كانت عليه، فأعطاه إياها وبلغ أهل قمّ [2] خبرها فسألوه أن يبيعهم إياها بثلاثين ألف درهم، فلم يفعل، فخرجوا عليه في طريقه، فأخذوها منه غصبّا، وقالوا له: إن شئت أن تأخذ المال فافعل، وإلّا فأنت أعلم. فقال لهم: إني واللّه لا أعطيكم إياها طوعا، ولا تنفعكم غصبا، وأشكوكم إلى الرّضا عليه السّلام. فصالحوه على أن أعطوه الثلاثين الألف الدرهم وفردكمّ من بطانتها فرضي بذلك.
يهجو إبراهيم بن المهدي حين خرج ببغداد:
أخبرني محمد بن مزيد قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه قال:
بويع إبراهيم بن المهدي ببغداد، وقد قلّ المال عنده، وكان قد لجأ إليه أعراب من أعراب السواد وغيرهم من أوغاد الناس، فاحتبس عنهم العطاء، فجعل إبراهيم يسوّفهم ولا يرون له حقيقة إلى أن خرج إليهم رسوله يوما وقد اجتمعوا وضجّوا فصرّح/ لهم بأنه لا مال عنده، فقال قوم من غوغاء أهل بغداد: أخرجوا إلينا خليفتنا ليغنّى لأهل هذا الجانب ثلاثة أصوات، ولأهل هذا الجانب ثلاثة أصوات، فتكون عطاء لهم، فأنشدني دعبل بعد ذلك بأيام قوله:
يا معشر الأجناد لا تقنطوا ... وارضوا بما كان ولا تسخطوا
فسوف تعطون حنينية ... يلتذها الأمرد والأشمط
والمعبديّات لقوّادكم ... لا تدخل الكيس ولا تربط
وهكذا يرزق قوّاده ... خليفة مصحفه البربط
وزادني فيها جعفر بن قدامة:
قد ختم الصك بأرزاقكم ... وصحّح العزم [3] فلا تسخطوا
بيعة إبراهيم مشئومة ... يقتل فيها الخلق أو يقحط
يقص قصة صديق له متخلف يقول شعرا:
أخبرني الحسن بن عليّ قال: حدثنا ابن مهرويه قال: حدّثني أبو عليّ يحيى بن محمد بن ثوابة الكاتب قال:
حدّثني دعبل قال:
كان لي صديق متخلّف يقيول شعرا فاسدا مرذولا وأنا [4] أنهاه عنه إذا أنشدني، فأنشدني يوما:
__________
[1] اعتقدته: جمعته.
[2] راجع الحاشية 4 في الصفحة 121 من طبعة دار الكتب.
[3] م: «العرض».
[4] في م، أ: «مرذولا وأنهاه».
إنّ ذا الحبّ شديد ... ليس ينجيه الفرار
ونجا من كان لا يعشق ... من ذلّ المخازي
فقلت له: هذا لا يجوز، البيت الأول على الراء، والبيت الثاني على الزاي. فقال: لا تنقطه، فقلت له:
فالأول مرفوع، والثاني مخفوض. فقال: أنا أقول له لا تنقطه وهو يشكله.
يستشهد لكلمة أنكرت عليه:
أخبرني الحسن قال: حدثنا ابن مهرويه قال: حدثنا محمد بن زكريا بن ميمون الفرغانيّ قال:
سمعت دعبل بن عليّ يقول في كلام جرى: ليسك، فأنكرته عليه. فقال: دخل زيد الخيل على النبي - صلّى اللّه عليه وسلّم - فقال له: يا زيد ما وصف لي رجل إلّا رأيته دون وصفه ليسك - يريد غيرك.
يحسد شاعرا على معنى أعجبه:
أخبرني الحسن قال: حدثنا ابن مهرويه قال: حدثنا عليّ بن عبد اللّه بن سعد قال: قال لي دعبل، وقد أنشدته قصيدة بكر بن خارجة في عيسى بن البراء النصرانيّ الحربيّ:
/زنّاره في خصره معقود ... كأنه من كبدي مقدود
فقال: واللّه ما أعلمني حسدت أحدا على شعر كما حسدت بكرا على قوله: كأنه من كبدي مقدود.
يقول شعرا كل يوم خلال ستين سنة:
أخبرني هاشم بن محمد الخزاعيّ قال: سمعت الجاحظ يقول: سمعت دعبل بن عليّ يقول: مكثت نحو ستين سنة ليس من يوم ذرّ شارقه إلّا وأنا أقول فيه شعرا.
يعود مفلوجا ويعجب لخفة روحه وهو على تلك الحال:
أخبرني الحسن بن عليّ قال: حدّثني محمد بن القاسم بن مهرويه قال: حدّثني أبي قال: سمعت دعبل بن عليّ يقول:
دخلت على أبي الحارث جمّيز [1] - وقد فلج - لأعوده، وكان صديقي، فقلت: ما هذا يا أبا الحرث؟ فقال:
أخذت من شعري ودخلت الحمام، فغلط بي الفالج، وظن أني قد احتجمت. فقلت له: لو تركت خفة الرّوح والمجون [2] في موضع لتركتهما في هذا الموضع وعلى هذه الحال.
يسأل المأمون جلساءه أن ينشدوا من شعره:
أخبرني الحسين بن القاسم الكوكبيّ قال: حدثنا أحمد بن صدقة قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمرو بن مسعدة قال:
حضرت أبا دلف عند المأمون، وقد قال له المأمون: أيّ شيء تروي لأخي خزاعة يا قاسم؟ فقال وأيّ أخي
__________
[1] س، ب: «جمين»، تحريف.
[2] ف م، أ: «النوادر».
خزاعة يا أمير المؤمنين؟ قال: ومن تعرف فيهم شاعرا؟ فقال: أما من أنفسهم فأبوا الشّيص ودعبل وابن أبي الشّيص وأما من مواليهم فطاهر وابنه عبد اللّه. فقال: ومن عسى في هؤلاء أن يسأل عن شعره سوى دعبل! هات أيّ شيء عندك فيه. فقال وأيّ شيء أقول في رجل لم يسلم عليه أهل بيته حتى هجاهم، فقرن إحسانهم بالإساءة، وبذلهم بالمنع، وجودهم بالبخل، حتى جعل كل حسنة منهم بإزاء سيئة! قال: حين يقول ما ذا؟ قال حين يقول في المطّلب بن عبد اللّه بن مالك، وهو أصدق الناس له، وأقربهم منه، وقد وفد إليه إلى مصر فأعطاه [1] العطايا الجزيلة، وولاه ولم يمنعه ذلك من أن قال فيه:
اضرب ندى طلحة الطّلحات متئدا ... بلوم مطّلب [2] فينا وكن حكما
تخرج خزاعة من لؤم ومن كرم ... فلا تحسّ لها لؤما ولا كرما
قال: فقال المأمون: قاتله اللّه! ما أغوصه وألطفه وأدهاه! وجعل يضحك، ثم دخل عبد اللّه بن طاهر، فقال له: أيّ شيء تحفظ يا عبد اللّه لدعبل؟ فقال: أحفظ أبياتا له في أهل بيت أمير المؤمنين، قال: هاتها ويحك، فأنشده عبد اللّه قول دعبل:
سقيا ورعيا لأيام الصبابات ... أيام أرفل في أثواب لذاتي
أيام غصني رطيب من ليانته ... أصبو إلى غير جارات وكنّات
/ دع عنك ذكر زمان فات مطلبه ... واقذف برجلك عن متن الجهالات
واقصد بكل مديح أنت قائله ... نحو الهداة بني بيت الكرامات
وصفه لسفر طويل يعجب المأمون:
فقال المأمون: إنه قد وجد مقالا فقال، ونال ببعيد ذكرهم مالا يناله في وصف غيرهم، ثم قال المأمون: لقد أحسن في وصف سفر سافره، فطال ذلك السفر عليه، فقال فيه:
ألم يأن للسّفر الذين تحملوا ... إلى وطن قبل الممات رجوع!
فقلت ولم أملك سوابق عبرة ... نطقن بما ضمت عليه ضلوع
/ تبيّن فكم دار تفرّق شملها ... وشمل شتيت عاد وهو جميع
كذاك الليالي صرفهنّ كما ترى ... لكل أناس جدبة وربيع
ثم قال: ما سافرت قطّ إلا كانت هذه الأبيات نصب عيني في سفري، وهجّيري [3] ومسلّيتي حتى أعود.
يقص قصة مكار أساء جوابه:
أخبرني عليّ بن سليمان الأخفش قال: حدّثني المبرّد ومحمد بن الحسن بن الحرون [4] قالا: قال دعبل:
__________
[1] زائدة في م، أ.
[2] ب، س: «حطلب»، تحريف.
[3] هجيري: دأبي، وعادتي. م. أ: «في سفري ومسليتي».
[4] ساقطة في م، أ.
خرجت إلى الجبل هاربا من المعتصم، فكنت أسير في بعض طريقي والمكاري يسوق بي بغلا تحتي، وقد أتعبني تعبا شديدا، فتغنّى المكاري في قولي:
لا تعجبي يا سلم من رجل ... ضحك المشيب برأسه فبكى
فقلت له، وأنا أريد أن أتقرّب إليه وأكفّ ما يستعمله من الحثّ للبغل لئلّا يتعبني: تعرف لمن هذا الشعر يا فتى؟ فقال: لمن ناك أمّه وغرم درهمين، فما أدري أيّ أموره أعجب: من هذا الجواب أم من قلة العرم على عظم الجناية!
تغنت بشعره جارية:
/ حدّثني عمي قال: حدّثني أحمد بن الطيب السرخسيّ قال:
حضرت مجلس محمد بن عليّ بن طاهر وحضرته مغنّية يقال لها: شنين مشهورة، فغنّت:
لا تعجبي يا سلم من رجل ... ضحك المشيب برأسه فبكى
ثم غنّت بعده:
لقد عجبت سلمى وذاك عجيب
فقلت لها: ما أكثر تعجب سلمى هذه! فعلمت أني أعبث بها لأسمع جوابها، فقالت متمثلة غير متوقفة ولا متفكرة:
فهلك الفتى ألا يراح [1] إلى ندى ... وألا يرى شيئا عجيبا فيعجبا
فعجبت واللّه من جوابها وحدّته وسرعته، وقلت لمن حضر: واللّه لو أجاب الجاحظ هذا الجواب لكان كثيرا منه مستظرفا.
نسبة هذا الصوت
صوت
لقد عجبت سلمى وذاك عجيب ... رأت بي شيبا عجّلته خطوب
وما شيّبتني كبرة غير أنني ... بدهر به رأس الفطيم يشيب
الغناء ليحيى المكيّ، ثقيل أول بالوسطى من كتاب أبيه أحمد.
صديق له يصنع كل غناء بشعره:
حدّثني جعفر بن قدامة قال: حدّثني محمد المرتجل بن أحمد بن يحيى المكيّ قال:
كان أبي صديقا لدعبل، كثير العشرة له، حافظا لغيبه، وكلّ شعر يغنّى فيه لدعبل/ فهو من صنعة أبي، وغناني من صنعة أبيه في شعر دعبل، والطريقة فيه خفيف ثقيل في مجرى البنصر:
__________
[1] يرا: يرتاح.
صوت
سرى طيف ليلى حين آن هبوب ... وقضّيت شوقا حين كاد يذوب
فلم أر مطروقا يحلّ برحله ... ولا طارقا يقرى المنى ويثيب [1]
وأنشدني عمي هذين البيتين عن أحمد بن يحيى بن أبي طاهر وابن مهرويه جميعا لدعبل.
ينفي أنه صاحب أبيات في هجاء بني العباس:
حدّثني حبيب بن نصر المهلّبيّ قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد قال:
سألت دعبلا من الّذي يقول:
ملوك بني العباس في الكتب سبعة
فقال: من أضرم اللّه قبره نارا، إبراهيم بن المهديّ. قال ابن أبي سعد: وحدّثني عبد العزيز بن سهل أنه سأله عنها فاعترف بها.
يهجو طاهر بن الحسين:
/ حدّثني عمي قال: أنشدني ابن أخي دعبل لعمه في طاهر بن الحسين، وكان قد نقم عليه أمرا أنكره منه:
وذي يمينين وعين واحده ... نقصان عين ويمين زائده
نزر العطيات قليل الفائده ... أعضّه اللّه ببظر الوالده
يهجو أخوين لم يرض ما فعلا:
حدّثني جحظة قال: حدّثني ميمون بن هارون قال: كان دعبل قد [2] مدح دينار بن عبد اللّه وأخاه يحيى، فلم يرض ما فعلاه، فقال يهجوهما:
/ما زال عصياننا للّه يرذلنا ... حتى دفعنا إلى يحيى ودينار
وغدين علجين لم تقطع ثمارهما ... قد طال ما سجدا للشمس والنار
يهجو الأخوين والحسن بن سهل معهما:
قال: وفيهما وفي الحسن بن سهل يقول أيضا دعبل يهجوهم، والحسن بن رجاء وأبيه أيضا:
ألا فاشتروا مني ملوك المخزم [3] ... أبع حسنا وابنى رجاء بدرهم
وأعط رجاء فوق ذاك زيادة [4] ... وأسمح بدينار بغير تندّم
فإن ردّ من عيب عليّ جميعهم ... فليس يردّ العيب يحيى بن أكثم
__________
[1] س، ب: «يئيب»، تحريف.
[2] م، أ: «كان دعبل مدح».
[3] في م، أ: «المخرم» مد «المحرم».
[4] س، ب: «فوف»، تحريف.
انحرافه عن الطاهرية وهجاؤه فيهم:
أخبرني الحسن بن عليّ قال: حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال: حدّثني أبو الطيب الحرانيّ قال:
كان دعبل منحرفا عن الطاهرية [1] مع ميلهم إليه وأياديهم عنده، فأنشدني لنفسه فيهم:
وأبقى طاهر فينا ثلاثا ... عجائب تستخفّ لها الحلوم
ثلاثة أعبد لأب وأم ... تميّز عن ثلاثتهم أروم
فبعض في قريش منتماه ... ولا غير ومجهول قديم
وبعضهم يهشّ لآل كسرى ... ويزعم أنه علج لئيم
فقد كثرت [2] مناسبهم علينا ... وكلّهم على حال زنيم [3]
يهجو رجلا لقبح وجهه:
أخبرني الحسن بن عليّ قال: حدثنا ابن مهرويه قال: حدّثني أبي قال:
كان صالح بن عطية الأضجم من أبناء الدعوة، وكان من أقبح الناس وجها، وكان ينزل واسطا، فقال فيه دعبل:
أحسن ما في صالح وجهه ... فقس على الغائب بالشاهد
تأملت عيني له خلقة ... تدعو إلى تزنية الوالد
قال وقال فيه أيضا، وخاطب فيها المعتصم:
قل للإمام إمام آل محمد ... قول امرىء حدب عليك محام
أنكرت أن تفتّر عنك صنيعة ... في صالح بن عطية الحجّام
ليس الصنائع عنده بصنائع ... لكنهن طوائل الإسلام
اضرب به جيش العدوّ فوجهه ... جيش من الطاعون والبرسام [4]
يعرض شعره على مسلم بن الوليد أو يكتمه حتى أذن له في إظهاره.
أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال: أخبرني إبراهيم بن محمد الوراق قال: حدّثني الحسين بن أبي السّريّ قال:
قال لي دعبل:
ما زلت أقول شعر وأعرضه على مسلم، فيقول لي: أكتم هذا حتى قلت:
/أين الشباب وأية سلكا ... لا، أين يطلب ضلّ؟ بل هلكا
فلما أنشدته هذه القصيدة قال: اذهب الآن فأظهر شعرك كيف شئت لمن شئت [5].
__________
[1] س، ب: «آل طاهرية»، تحريف.
[2] س، ب: «كسرت» تحريف.
[3] زنيم: مستحلق فيمن ينتمي إليهم وليس منهم ولا حاجة بهم إليه.
[4] البرسام: التهاب يعرض للحجاب الّذي بين الكبد والقلب، وعلة يهذي فيها.
[5] م، أ: «كيف شئت، قال».
ينسبه أبو تمام إلى قصيدة من شعره:
قال إبراهيم: وحدّثني الفتح غلام أبي تمام الطّائيّ، وكان أبو سعيد الثّغريّ اشتراه له بثلاثمائة دينار لينشد شعره، وكان غلاما أديبا فصيحا، وكان إنشاد أبي تمام/ قبيحا، فكان ينشد شعره عنه، فقال: سألت مولاي أبا تمام عن نسب دعبل فقال: هو دعبل بن عليّ [1] الّذي يقول:
ضحك المشيب برأسه فبكى
يهجر مسلم بن الوليد حين وفد عليه فجفاه:
قال الفتح: وحدّثني مولاي أبو تمام قال: ما زال دعبل مائلا إلى مسلم بن الوليد مقرّا بأستاذيته حتى ورد عليه جرجان فجفاه مسلم، وكان فيه بخل، فهجره دعبل وكتب إليه:
أبا مخلد كنا عقيدي [2] مودة ... هوانا وقلبانا جميعا معا معا
أحوطك بالغيب الّذي أنت حائطي ... وأيجع [3] إشفاقا لأن تتوجعا
فصيّرتني بعد انتكاسك [4] متهما ... لنفسي، عليها أرهب الخلق أجمعا
غششت الهوى حتى تداعت أصوله ... بنا وابتذلت الوصل حتى تقطعا
وأنزلت من بين الجوانح والحشا ... ذخيرة ود طالما تمنعا
فلا تعذلنّي ليس لي فيك مطمع ... تخرقت حتى لم أجد لك مرقعا
فهبك يميني استأكلت فقطعتها ... وجشّمت قلبي صبره متشجعا
ويروى: وحملت قلبي فقدها. قال ثم تهاجرا، فما التقيا بعد ذلك.
استمساك خزاعة بانتمائه إليهم:
أخبرني محمد بن خلف قال: حدّثني إبراهيم بن محمد قال: حدثنا الحسين بن عليّ قال: قلت لابن الكلبي:
إنّ دعبلا قطعيّ [5]، فلو أخبرت الناس أنه ليس من خزاعة، فقال لي: يا فاعل،/ مثل دعبل تنفيه خزاعة! واللّه لو كان من غيرها لرغبت فيه حتى تدّعيه. دعبل واللّه يا أخي خزاعة كلها.
يقص خبر رحلته إلى مصر يقصد المطلب في ولايته:
أخبرني محمد بن المرزبان قال: حدّثني إبراهيم بن محمد الوراق عن الحسين بن أبي السريّ عن عبد اللّه بن أبي الشّيص قال: حدّثني دعبل قال:
حججت أنا وأخي رزين وأخذنا كتبا إلى المطّلب بن عبد اللّه بن مالك وهو بمصر يتولاها، فصرنا من مكة إلى
__________
[1] في م، أ: «دعبل ابن ضحك المشيب» إلخ.
[2] العقيد: المعاقد والمعاهد.
[3] كذا في م، أ. أي آلم وأشكو الوجع. س، ب: «أنجع»، تحريف.
[4] س، ب: «انتحائك».
[5] قطعي: منسوب إلى قطيعة، بطن من زبيد ومن قيس عيلان: س، ب: «قد قطعنا»، تحريف.
مصر، فصحبنا رجل يعرف بأحمد بن فلان السراج، نسي عبد اللّه بن أبي الشّيص اسم أبيه، فما زال يحدثنا ويؤانسنا طول طريقنا، ويتولى خدمتنا كما يتولاها الرفقاء والأتباع. ورأيناه حسن الأدب، وكان شاعرا، ولم نعلم، وكتمنا نفسه، وقد علم ما قصدنا له فعرضنا عليه أن يقول في المطّلب قصيدة، ننحله إياها. فقال: إن شئتم، وأرانا بذلك سرورا وتقبّلا له، فعملنا قصيدة، وقلنا له: تنشدها المطلب فإنك [1] تنتفع بها. فقال: نعم. ووردنا مصربه، فدخلنا إلى المطّلب، وأوصلنا إليه كتبا كانت معنا، وأنشدناه. فسرّ بموضعنا، ووصفنا له أحمد السراج هذا، وذكرنا له أمره، فأذن له، فدخل عليه ونحن نظن أنه سينشد القصيدة الّتي نحلناه إياها، فلما مثل بين يديه عدل عنها [2] وأنشده:
لم آت مطّلبا إلّا بمطّلب ... وهمة بلغت بي غاية الرّتب
/ أفردته برجاء أن تشاركه ... فيّ الوسائل أو ألقاه في الكتب
قال: وأشار إلى كتبي الّتي أوصلتها إليه وهي بين يديه، فكان ذلك أشدّ من كلّ شيء مر بي منه [3] عليّ، ثم أنشده:
/رحلت عنسى [4] إلى البيت الحرام على ... ما كان من وصب فيها ومن نصب
ألقى بها وبوجهي كلّ هاجرة ... تكاد تقدح بين الجلد والعصب [5]
حتى إذا ما قضت نسكي ثنيت لها ... عطف الزّمام فأمّت سيد العرب
فيمّمتك وقد ذابت مفاصلها ... من طول ما تعب لاقت ومن نقب [6]
إني استجرت بإستارين [7] مستلما ... ركنين: مطّلبا والبيت ذا الحجب
فذاك للآجل المأمول ألمسه ... وأنت للعاجل المرجوّ والطلب
هذا ثنائي وهذي مصر سانحة ... وأنت أنت وقد ناديت من كثب
قال: فصاح مطّلب: لبيك لبيك: ثم قام إليه فأخذ بيده، وأجلسه معه، وقال: يا غلمان، البدر، فأحضرت، ثم قال: الخلع، فنشرت، ثم قال: الدواب، فقيدت، فأمر له من ذلك بما ملأ عينه وأعيننا وصدورنا وحسدناه عليه، وكان حسدنا له بما اتفق له من القبول وجودة الشعر، وغيظنا بكتمه إيانا نفسعه واحتياله علينا أكثر وأعظم، فخرج بما أمر له به، وخرجنا صفرا.
يوليه المطلب أسوان:
فمكثنا أياما، ثم ولّي دعبل بن عليّ أسوان، وكان دعبل قد هجا المطلب غيظا منه، فقال:
__________
[1] س، ب: «و إنك».
[2] كذا في مد. م، أ: «فلما مثل بين يديه أنشده». س، ب: «عدل عنه»، تحريف.
[3] في م، أ: «فكان ذلك أشد شيء علي مر بي منه».
[4] كذا في م، أ. والعنس: الناقة الصلبة. وفي س، ب: «عيسى».
[5] هذا البيت ساقط في م، أ.
[6] نقب: حفا.
[7] إستارين: مثنى إستار، وهو من العدد: أربعة.
تعلّق [1] مصر بك المخزيات ... وتبصق في وجهك الموصل
وعاديت قوما فما ضرّهم ... وشرّفت قوما فلم ينبلوا
شعارك عند الحروب النجاء [2] ... وصاحبك الأخور الأفشل
/ فأنت إذا منا التقوا آخر ... وأنت إذا انهزموا أول
وقال فيه:
اضرب ندى طلحة الطلحات متّئدا ... بلؤم مطّلب فينا وكن حكما
تخرج خزاعة من لؤم ومن كرم ... فلا تعدّ لها لؤما ولا كرما
من قصيدته في مدح المطلب:
قال: وكانت القصيدة الّتي مدح بها دعبل المطّلب قصيدته المشهورة الّتي يقول فيها:
أبعد مصر وبعد مطّلب ... ترجو الغنى إن ذا من العجب
إن كاثرونا جئنا بأسرته ... أو واحدونا جئنا بمطّلب
يعزله المطلب عن أسوان حين بلغه هجاؤه له:
قال وبلغ المطلب هجاؤه إياه بعد أن ولاه، فعزله عن أسوان، فأنفذ إليه كتاب العزل مع مولى له، وقال:
انتظره حتى يصعد المنبر يوم الجمعة، فإذا علاه فأوصل الكتاب إليه، وامنعه من الخطبة، وأنزله عن المنبر، واصعد مكانه. فلما أن علا المنبر وتنحنح ليخطب ناوله الكتاب، فقال له دعبل: دعني أخطب، فإذا نزلت قرأته. قال: لا، قد أمرني أن أمنعك الخطبة حتى تقرأه، فقرأه وأنزله عن المنبر معزولا.
قال: فحدّثني عبد اللّه بن أبي الشّيص قال: قال لي دعبل قال لي المطلب: ما تفكرت في قولك قط:
إن كاثرونا جئنا بأسرته ... أو واحدونا جئنا بمطلب
/ إلّا كنت أحبّ الناس إليّ، ولا تفكرت واللّه في قولك لي:
وعاديت قوما فما ضرهم ... وقدّمت قوما فلم ينبلوا
إلّا كنت أبغض الناس إليّ.
معنى إستارين في شعره:
قال ابن المرزبان حدّثني من سأل الرّياشي عن قوله: إستارين، قال: يجوز على معنى إستار كذا، وإستار كذا. وأنشدنا الرياشي:
/ سعى [3]
عقالا [4] فلم يترك لنا سبدا ... فكيف لو قد سعى عمرو عقالين
__________
[1] س: «تلعق»، تحريف.
[2] س، ب: «النجا».
[3] سعى: باشر عمل الصدقات.
[4] العقال: زكاة عام من الإبل والغنم، ونصب على الظرفية.
لأصبح القوم أوفاضا [1] فلم يجدوا ... يوم الترحل والهيجا حمالين
هجاؤه المطلب:
أخبرني حبيب بن نصر المهلّبي قال حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد قال: حدّثني عبد العزيز بن سهل قال:
لما قصد دعبل عبد المطلب بن عبد اللّه بن مالك إلى مصر ولم يرض ما كان منه إليه قال فيه:
أمطلّب أنت مستعذب ... حميّا الأفاعي ومستقبل
فإن أشف منك تكن سبّة ... وإن أعف عنك فما تعقل
ستأتيك إما وردت العراق ... صحائف يأثرها دعبل
منّمقة بين أثنائها ... مخاز تحطّ فلا ترحل
وضعت رجالا فما ضرّهم ... وشرّفت قوما فلم ينبلوا
فأيّهم الزّين وسط الملا ... عطية أم صالح الأحول؟
أم الباذجانيّ أم عامر ... أمين الحمام الّتي تزجل
تنوّط مصر بك المخزيات ... وتبصق في وجهك الموصل
ويوم السّراة تحسّيتها ... يطيب لدى مثلها الحنظل
توليت ركضا وفتياننا ... صدور القنا فيهم تعمل [2]
/إذا الحرب كنت أميرا لها ... فحظهم منك أن يقتلوا
فمنك الرؤوس غداة اللقاء ... وممّن يحاربك المنصل
شعارك في الحرب يوم الوغى ... إذا انهزموا: عجّلوا عجّلوا
هزائمك الغرّ مشهورة ... يقرطس [3] فيهن من ينضل [4]
فأنت لأوّلهم آخر ... وأنت لآخرهم أول
ومن هجائه المطلب:
أخبرني عمّي قال أنشدنا المبرّد لدعبل يهجو المطّلب بن عبد اللّه ويعيّره بغلامين: عليّ وعمرو، وكان يتهم بهما:
فأير عليّ له آلة ... وفقحة [5] عمرو له ربه [6]
__________
[1] الأوفاض: الفقراء، مفردها وفض كسهل، أو وفض كجمل. وفي س، ب: «أوقاص»، تحريف.
[2] ب، مد: «تعسل»
[3] يقرطس: يصيب الغرض.
[4] ينضل: يسبق في الرمي، والمراد هنا: يرمي.
[5] الفقحة: حلقة الدبر الواسعة.
[6] له ربة: له صاحبة، وتطلب الربة على كل صنم على صورة الأنثى.
فطورا تصادفه جعبة ... وطورا تصادفه حربه
ومن مدحه إياه:
وأنشدني ابن عمار عن أحمد بن سليمان بن أبي شيخ لدعبل [1] يمدح المطّلب بن عبد اللّه بن مالك، وفيه غناء.
صوت
زمني بمطّلب سقيت زمانا ... ما كنت إلا روضة وجنانا
/ كلّ الندى إلّا نداك تكلّف ... لم أرض بعدك كائنا من كانا
أصلحتني بالبرّ بل أفسدتني ... فتركتني أتسخّط الإحسانا
سبب سخطه على المطلب:
وقد أخبرني بخبره الأول الطويل مع المطلب الحسن بن عليّ عن أحمد بن [2] محمد حدّان عن أحمد بن يحيى العدوي أن سبب سخطه على المطلب أن رجلا من العلويّين كان قد تحرك بطنجة [3]، فكان يبث دعاته إلى مصر، وخافه المطلب، فوكّل بالأبواب من يمنع الغرباء دخولها.
فلما جاء دعبل منع فأغلظ للذي منعه، فقنّعه بالسوط وحبسه، فمضى رزين فأخبر المطلب، فأمر بإطلاقه، ودعا به فخلع عليه. فقال له: لا أرضى أو تقتل الموكّل بالباب فقال له: هذا لا يمكن لأنه قائد من قوّاد السلطان، فغضب ثم أنشده الرجل [4] الأبيات المذكورة، فأجازه، وحكى أن اسمه محمد بن الحجاج، لا أحمد بن السراج.
وسائر الخبر مثله.
سبب مناقضته أبا سعد المخزومي:
وكان سبب مناقضته أبا سعد المخزوميّ وما خرج إليه الأمر بينهما قول دعبل قصيدته الّتي هجا فيها قبائل نزار، فحمي لذلك أبو سعد، فهجاهم، فأجابه أبو سعد، ولجّ الهجاء بينهما.
وروي أنه نزل بقوم من بني مخزوم، فلم يضيّفوه، فهجاهم، فأجابه أبو سعد ولجّ الهجاء بينهما.
أخبرني عمي والحسن بن علي الخفّاف قالا: حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال: حدّثني محمد بن الأشعث قال: حدّثني دعبل أنه ورزينا العروضيّ نزلا بقوم من بني مخزوم، فلم يقروهما، ولا أحسنوا ضيافتهما فقال دعبل: فقلت فيهم:
/عصابة من بني مخزوم بتّ بهم ... بحيث لا تطمع المسحاة [5] في الطين
ثم قلت لرزين: أجز فقال:
__________
[1] زيادة في م، أ. مد.
[2] م، أ: «أحمد بن حدان».
[3] كذا في م، أ، مد. وهي بلد على ساحل بحر المغرب مقابل الجزيرة الخضراء وفي س، ب: «ظجة»، تحريف.
[4] يريد رفيق دعبل وأخيه في الرحلة (راجع الصفحة 159 من طبعة دار الكتب).
[5] المسحاة: أداة من حديد كالمجرفة يسحى بها الطين أي يقشر.
في مضغ أعراضهم من خبزهم عوض ... بني [1] النفاق وأبناء الملاعين
قال ابن الأشعث: فكان هذا أول الأسباب في مهاجاته لأبي سعد.
أخبرني محمد بن عمران الصّيرفيّ قال: حدّثني العنزيّ قال: حدّثني عليّ بن عمرو الشيبانيّ أن الّذي هاج الهجاء بين أبي سعد ودعبل قصيدته القحطانية الّتي هجا فيها نزارا، فأجابه عنها أبو سعد، ولجّ الهجاء بينهما.
أخبرني الحسن بن عليّ قال: حدثنا محمد بن القاسم قال: حدّثني أحمد بن أبي كامل قال: كان سبب وقوع الهجاء بين دعبل وأبي سعد قول دعبل في قصيدة يفخر فيها بخزاعة، ويهجو نزارا، وهي الّتي يقول فيها:
أتانا طالبا وعرا ... فأعقبناه بالوعر
وترناه فلم يرض ... فأعقبناه بالوتر
فغضب أبو سعد، وقال قصيدته الّتي يقول فيها لدعبل، وهي مشهورة:
وبالكرخ هوى أبقى ... على الدهر من الدهر
هوى والحمد للّه ... كفاني كلفة [2] العذر
قال: ثم التحم الهجاء بينهما بعد ذلك.
من هجاء أبي سعد المخزومي له:
أخبرني الحسن بن علي قال: حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال: حدّثني أحمد بن/ هارون قال: دخلت على أبي سعد المخزوميّ يوما وهو يقول:/ وأي شيء ينفعني؟ أجوّد الشعر فلا يروى، ويرذل فيروى، ويفضحني برديئه، ولا أفضحه بجيّدي، فقلت: من تعني يا أبا سعد؟ فقال: من تراني أعني إلّا من عليه لعنة اللّه دعبلا! فقلت فيه:
ليس لبس الطيالس ... من لباس الفوارس
لا ولا حومة الوغى ... كصدور المجالس
ضرب أوتار نفنف [3] ... غير ضرب القوانس [4]
وظهور الجياد غي ... ر ظهور الطنافس
ليس من ضارس [5] الحرو ... ب كمن لم يضارس
بأبي غرس فتية ... من كرام المغارس
فتية من بني المغ ... يرة شمّ المعاطس
__________
[1] م، أ: «بنو».
[2] في م، أ: «طلب».
[3] نفنف: اسم غلام لدعبل، وكان مغنيا له.
[4] القوانس: جمع قونس، وهي أعلى بيضة الحديد (الخوذة).
[5] ضارس: جرب.
يطعمون السديف [1] في ... كل شهباء [2] دامس
في جفان كأنها ... من جفان العرائس
ثم يمشون في السّنو [3] ... ر مشي العنابس [4]
ويخوضون باللوا ... ء دماء الأبالس
نحن خير الأنام ع ... ند قياس المقايس
/ فو اللّه ما التفت إليها في مصرنا هذا إلّا علماء الشعر: وقال هو فيّ:
يا أبا سعد قوصره [5] ... زانى الأخت والمره
لو تراه محنّبا [6] ... خلته عقد قنطره
أو ترى الأير في استه ... قلت ساق بمقطره [7]
قال: فو اللّه لقد رواه صبيان الكتاب ومارة الطريق والسّفل، فما أجتاز بموضع إلّا سمعته من سفلة يهذرون به [8]، فمنهم من يعرفني فيعيبني به، ومنهم من لا يعرفني، فأسمعه منه لسهولته على لسانه.
يذكر أن المخزومي دس في شعره ما لم يقله:
أخبرني محمد بن عمران الصيرفيّ ومحمد بن يحيى الصوليّ وعمي قالوا: حدثنا الحسن بن عليل العنزيّ قال: حدّثني عليّ بن أبي عمرو الشيبانيّ قال:
جاءني إسماعيل بن إبراهيم بن ضمرة الخزاعيّ، فقال لي: إني سألت دعبلا أن أقرأ عليه قصيدته الّتي يناقض بها الكميت:
أفيقي من ملامك يا ظعينا ... كفاك اللوم مرّ الأربعينا
فقال لي إسماعيل: قال لي دعبل: يا أبا الحسن فيها أخبار وغريب، فليكن معك رجل يقرؤها عليّ وأنت معه، فيكون أهون عليّ منك، فقلت له: لقد اخترت صديقا لي يقال له: علي، فقال: أمن العرب هو؟ قلت: نعم.
قال: من أيّ العرب؟ قلت: من بني شيبان. قال: شيبان كندة؟ فقلت: بل شيبان ربيعة. فقال لي: ويحك! أتأتيني برجل أسمعه ما يكره في قومه؟ فقلت: له: إنه رجل يحتمل، ويحب أن يسمع ماله/ وعليه. فقال: في مثل هذا رغبة [9]، فأتني به، فصرنا إليه، فلما لقيه قال: قد أخبرني عنك أبو الحسن بما سررت به؛ أن كنت رجلا من العرب
__________
[1] السديف: شحم السنام.
[2] شهباء: سنة مجدبة لا خضرة فيها ولا مطر.
[3] السنور: لبوس من قد كالدرع، وجملة السلاح.
[4] العنابس: جمع عنبس كجعفر، وهو الأسد.
[5] القوصرة: كناية عن المرأة، وتطلق على المنبوذ في لغة أهل البصرة.
[6] محنبا: محنيا، وفي بعض النسخ: «مجيبا»، ولا معنى لها هنا.
[7] المقطرة: خشبة فيها خروق، سعة كل خرق على قدر الساق، يدخل فيها أرجل المحبوسين.
[8] في م، أ: «يهذونه» أي يسرعون في قراءته.
[9] كذا في أ، م. س، ب: «أريحية».
تحب أن تسمع ما لك وعليك لكيلا تغبن، فقرأنا عليه الشعر حتى انتهينا في القصيدة إلى قوله:
/من أي ثنيّة طلعت قريش ... وكانوا معشرا متنبّطينا
فقال دعبل: معاذ اللّه أن يكون هذا البيت لي، ثم قال: لعنه اللّه وانتقم منه - يعني أبا سعد المخزوميّ - دسّه واللّه في هذا الشعر وضرب بيده إلى سكين كانت معه [1] فجرد البيت بحدها ثم قال لنا: أحدثكم [2] عنه بحديث طريف:
يزوره المخزومي ويجالسه، ويرسل إليه حين انصرف هجاء فيه:
جاءني يوما ببغداد أشدّ ما كان بيني وبينه من الهجاء، وبين يديّ صحيفة ودواة، وأنا أهجوه فيها، إذ دخل عليّ غلام لي فقال: أبو سعد المخزومي بالباب. فقلت له: كذبت. فقال، وهو عارف بأبي سعد: بلى واللّه يا مولاي، فأمرته برفع الدواة والجلد الّذي كان بين يدي، وأذنت له في الدخول، وجعلت أحمد اللّه في نفسي، فأقول: الحمد للّه الّذي أصلح بيني وبينه من هتك الأعراض وذكر القبيح، وكان الابتداء منه. فقمت إليه وسلمت عليه وهو ضاحك مسرور، فأبديت له مثل ذلك من السرور به، ثم قلت: أصبحت واللّه حاسدا لك. قال: على ماذا يا أبا علي؟ فقلت: بسبقك إياي إلى الفضل.
فقال لي: أنا اليوم في دعوى عندك، فقلت: قل ما أحببت. فقال: إن كان عندك ما نأكله، وإلا ففي منزلي شيء معدّ. فسألت الغلمان فقالوا عندنا: قدر أمسيّة [3]. فقال: غاية واتفاق جيّد. فهل عندك شيء نشربه، وإلّا وجهت إلى منزلي/ ففيه شراب معد؟ فقلت له: عندنا ما نشرب، فطرح ثيابه وردّ دابته وقال: أحب ألا يكون معنا غيرنا، فتغدينا وشربنا، فلما أن أخذ الشراب منا قال: مر غلاميك يغنياني، فأمرت الغلامين فغنياه، فطرب وفرح، واستحسن الغناء حتى سرّني وأطربني معه، ثم قال: حاجتي إليك يا أبا علي أن تأمرهما بأن يغنياني في هجائك لي - وكان الغلامان لكثرة ما يسمعانه مني في هجائي قد حفظا منه أشياء ولحّناها - فقلت له: سبحان اللّه يا أبا سعد قد طفئت النائرة [4]، وذهبت العداوة بيننا، وانقطع الشر. فما حاجتك إلى هذا؟ فقال لي: سألتك باللّه إلّا فعلت، فليس يشق ذلك عليّ. ولو كرهته لما سألته. فقلت في نفسي: أترى أبا سعد يتماجن عليّ؟ يا غلمان، غنّوه بما يريد، فقال غنوه:
يا أبا سعد قوصره ... زاني الأخت [5] والمره
فغنّوه، وهو يحرك رأسه وكتفيه، ويطرب ويصفق، فما زلنا يومنا مسرورين. فلما ثمل ودّعني وقام فانصرف، وأمرت غلماني فخرجوا معه إلى الباب، فإذا غلام منهم قد انصرف إليّ بقطعة قرطاس، وقال: دفعها إليّ أبو سعد المخزوميّ، وأمرني أن أدفعها إليك. قال: فقرأتها، فإذا فيها:
لدعبل منّة يمنّ بها ... فلست حتى الممات أنساها
__________
[1] كذا في ب. وفي أ، م: «معنا».
[2] في أ، م: «أحدثكم بحديث طريف».
[3] أمسية: مساء.
[4] النائرة هي الشحناء: وفي س، ب، مد: «الثائرة».
[5] م، أ: «الأم».
أدخلنا بيته فأكرمنا [1] ... ودسّ بامراته [2] فنكناها
فقال: ويلي على ابن الفاعلة، هاتوا جلدا ودواة، قال فردّوهما عليّ، فعدت إلى هجائه، ولقيته بعد يومين أو ثلاثة، فما سلّم عليّ، ولا سلمت عليه.
/ أخبرني الحسن بن عليّ قال: حدثنا ابن مهرويه قال: حدّثنا عليّ بن عبد اللّه بن سعد، أنه سمع دعبلا يحدث بخبره هذا مع أبي سعد، فذكر نحو ما ذكره العنّزيّ.
يشد على المخزومي فيقنعه بسيفه:
أخبرني الحسن بن عليّ قال: حدّثنا محمد بن القاسم/ قال: حدّثني أحمد بن أبي كامل قال: رأيت دعبلا قد لقي أبا سعد في الرّصافة، وعليهما السّواد وسيفاهما على أكتافهما، فشدّ دعبل على أبي سعد فقّنعه، فركض أبو سعد بين يديه هاربا، وركض دعبل في أثره وهو يهرب منه حتى غاب.
يهجو المخزومي حين انتفى منه بنو مخزوم:
قال: وكنت أرى أبا سعد يجلس مع بني مخزوم في دار المأمون، فتظلموا منه إلى المأمون، وذكروا أنهم لا يعرفون له فيهم نسبا، فأمرهم المأمون بنفيه، فانتفوا منه، وكتبوا بذلك كتابا. فقال دعبل فيه يذكر ذلك من قصيدة طويلة:
غير أن الصيدّ منهم ... قنّعوه [3] بخزايه
كتبوا الصّك عليه ... فهو بين الناس آيه
فإذا أقبل يوما ... قيل قد جاء النّفايه
وقال فيه أيضا:
هم كتبوا الصّك الّذي قد علمته ... عليك وشنّوا فوق هامتك القفدا [4]
قال: وكان إذا قيل له بعد ذلك شيء في نسبه قال: أنا عبد ابن عبد. قال: ونظر دعبل فرأى على أبي سعد قباء مرويّا [5] مصبوغا بسواد، فقال: هذا دعيّ على دعيّ.
يرى دفتر شعر المخزومي فيملي هجاء له على حامله:
أخبرني الحسن بن عليّ قال: حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال: حدّثني أحمد بن مروان مولى الهادي قال:
/ لقيني أبو سعد المخزوميّ على ظهر الطريق فقال لي: يا أحمد أنا أدرس شكايتك إلى أبيك، قال فقلت:
ولم أبقاك اللّه؟ قال: فما فعل دفتر البزاريات [6]؟ قلت: هو ذا أجيئك به، فلما صلّيت الظهر جئت بالدفتر أريده، فمررت بدعبل فدققت بابه، فسمعته يقول لجارية له: يا دراهم، انظري من بالباب. فقالت له: أحمد بن مروان.
__________
[1] م، أ: «فأطعمنا».
[2] في س، ب: «امرأته»، تحريف.
[3] س، ب: «فنفوه»، تحريف.
[4] كذا في م، أ. ومعناها الصفع. وفي س، ب «القفرا»، تحريف.
[5] مروي: منسوب إلى مرو، قاعدة خراسان.
[6] كذا في النسخ، ولعلها المنسوبة إلى بزار، بلدة على فرسخين من نيسابور.
فقال: افتحي له، فلما دخلت قلت له: أيش هو دراهم من الأسماء؟ قال: سميتم جواريكم دنانير، فسمينا جوارينا بدراهم. ثم قال: ما هذا معك؟ قلت: دفتر فيه شعر أبي سعد في البزاريات، فأخذه فنظر فيه وابنه عليّ بن دعبل بن عليّ معه، فلما بلغ من نظرة إلى شعره الّذي يقول فيه:
مالت إلى قلبك أحزانه ... فهو مجمّ اللهم خزّانه [1]
قال له ابنه علي: فما كان عليه يا أبت لو قال في شعره:
عادت إلى قلبك أحزانه؟
فقال دعبل: صدقت واللّه يا بنيّ، أنت واللّه أشعر منه، قال: ثم إنه أمليّ [2] عليّ دعبل إملاء:
ما كنت أحسب أنّ الدهر يمهلني ... حتى أرى أحدا يهجوه لا أحد
إني لأعجب ممن في حقيبته ... من المنيّ بحور كيف لا يلد؟
فإن سمعت به [3] بعت القنا عبثا ... فقد أراد قنا ليست له عقد
ثم صرت إلى أبي سعد، فلما رآني من بعيد قال: يا أحمد، من أين أقبلت؟ / قلت: من عند دعبل. قال:
ما دعبلت عنده؟ فأنشدته شعر دعبل فيه، وأخبرته بما قال ابنه في شعره، فقال: صدق واللّه، في أي سن هو؟
قلت: قد بلغ. فدعا بدواة وقرطاس وقال: اكتب فكتبت:
لا والّذي خلق الصهباء من ذهب ... والماء من فضة لا ساد من بخلا
يقول لي دعبل في بطنه حبل ... ولو أصابت ثيابي دعبل حبلا
ودعبل رجل ما شئت من رجل ... لو كان أسفله من خلفه رجلا
/ قال: ثم هجاني أبو سعد، فقال:
عدوّ راح في ثوبي صديق ... شريك في الصبوح وفي الغبوق
له وجهان ظاهره ابن عمّ ... وباطنه ابن زانية عتيق
يسرّك معلنا ويسوء [4] سرّا ... كذاك يكون أبناء الطريق
يخاف بنو مخزوم هجاءه فينفون المخزومي عنهم:
أخبرني عمي والحسن بن عليّ قالا: حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال: حدثنا أبو ناجية - شيخ من ولد زهير بن أبي سلمى - قال:
حضرت بني مخزوم وهم [5] ببغداد، وقد اجتمعوا على أبي سعد لمّا لجّ الهجاء بينه وبين دعبل، وقد خافوا لسان دعبل، وأن يقطعهم ويهجوهم هجاء يعمّهم جميعا، فكتبوا عليه كتابا، وأشهدوا أنه ليس منهم. فحدّثني غير
__________
[1] الشطر الثاني زيادة من مي.
[2] م، أ: «أمل»، وهي بمعنى أملي.
[3] مي: «سمعت له».
[4] ب، س، م: «و يسوك» بالتخفيف.
[5] أ، م: «مخزوم ببغداد».
واحد أنه أتى حينئذ بخاتمة النقاش، فنقش عليه: أبو سعد العبد ابن العبد بريء من بني مخزوم تهاونا بما فعلوه.
المخزومي يحرض المأمون عليه فلا يستجيب له:
أخبرني علي بن سليمان الأخفش قال: حدّثني محمد بن يزيد قال:
كان أبو سعد المخزوميّ قد كان يستعلي على دعبل في أول أمره، وكان يدخل إلى/ المأمون فينشده هجاء دعبل له [1] وللخلفاء، ويحرّضه عليه وينشده جوابه [2]، فلم يجد عند المأمون ما أراده فيه.
يعترض ابن أبي الشيص بينهما، ويهجو المخزومي:
وكان يقول: الحقّ في يدك والباطل في يد غيرك، والقول لك ممكن، فقل ما يكذبه [3]، فأما القتل فإني لست أستعمله فيمن عظم ذنبه، أفأستعمله في شاعر [4]! فاعترض بينهما ابن أبي الشيص، فقال يهجو أبا سعد:
أنا بشّرت أبا سع ... د فأعطاني البشاره
بأب صيد له بال ... أمس في دار الإماره
فهو يوما من تميم ... وهو يوما من فزاره
كلّ يوم لأبي سع ... د على الأنساب غاره
خزمت مخزوم فاه ... فادعاها بالإشارة
قال: وقال فيه ابن أبي الشيص أيضا:
أبا سعد بحق الخم ... س والمفروض من صومك
أقلت الحق في النسبة ... أم تحلم في نومك؟
ابن لي أيّها المعرو [5] ... ر ممّن أنت في قومك؟
فولّى قائلا لو ش ... ئت قد أقصرت من لومك
ودعني أك من شئت ... إذا لم أك من قومك
من هجائه في المخزومي:
وقال فيه دعبل:
إن أبا سعد فتى شاعر ... يعرف بالكنية لا الوالد
ينشد في حيّ معدّ أبا ... ضلّ عن المنشود والناشد
فرحمة اللّه على مسلم ... أرشد مفقودا إلى فاقد
__________
[1] أ، م: «لنزار».
[2] زيادة من مي.
[3] أ، م: «ما تكذبه».
[4] في س، ب: «فاستعمله ساعة»، تحريف.
[5] المعرور: الأجرب، والملطخ بالشر. س، ب، مد: «المغرور».
يغري الصبيان أن يصيحوا بهجائه في المخزومي:
أخبرني الحسن بن عليّ قال: حدّثنا ابن مهرويه قال: حدّثني أحمد بن عثمان الطبريّ قال:
سمعت دعبل بن عليّ يقول: لما هاجيت أبا سعد أخذت معي جوزا ودعوت الصبيان فأعطيتهم منه، وقلت لهم: صيحوا به قائلين:
/يا أبا سعد قوصره ... زاني الأخت والمره
فصاحوا به، فغلبته.
تحريض آخر للمأمون عليه:
أخبرني الحسن بن عليّ، قال حدّثني ابن مهرويه، قال: حدّثني أحمد بن مروان قال: حدّثني أبو سعد المخزوميّ واسمه عيسى بن خالد [1] بن الوليد قال:
أنشدت المأمون قصيدتي الدالية الّتي رددت فيها على دعبل قوله:
ويسومني المأمون خطة عاجز ... أو ما رأى بالأمس رأس محمد!
وأول قصيدتي:
أخذ المشيب من الشباب الأغيد ... والنائبات من الأنام [2] بمرصد
ثم قلت له: يا أمير المؤمنين، ائذن لي أن أجيئك برأسه. قال: لا، هذا رجل فخر علينا فافخر عليه كما فخر علينا، فأمّا قتله بلا [3] حجة فلا.
يذكر هجاء للمخزومي فيه وقد رأى وجهه في المرآة:
أخبرني عمّي والحسن بن عليّ عن أحمد بن أبي طاهر قال: حدّثني أبو السّريّ عمرو الشيبانيّ قال:
نظر دعبل يوما في المرآة، فجعل يضحك، وكانت في عنفقته [4] سلعة [5]، فقلت له: من أيّ شيء تضحك؟
قال: نظرت إلى وجهي في المرآة، ورأيت هذه السّلعة الّتي في عنفقتي، فذكرت قول الفاجر أبي سعد:
وسلعة سوء به سلعة ... ظلمت أباه فلم ينتصر
ينشده منشد قصيدة للمخزومي فيه:
أخبرني محمد بن عمران الصيرفيّ قال: حدّثنا الحسن بن عليل العنزيّ قال: قال عبد اللّه بن الحسن بن أحمد مولى عمر بن عبد العزيز قال: حدّثنا محمد بن عليّ الطالبيّ قال:
لقيت دعبل بن عليّ، فحدّثني أن أبا عمرو الشيبانيّ سأله: ما هو دعبل؟ فقلت له: لا أدري، فقال: إنها الناقة
__________
[1] كذا في غير س. س: «عيسى بن الوليد»، وفي «معجم الشعراء»: «عيسى بن خالد بن الوليد».
[2] م، أ: «الرجال».
[3] م، أ: «فلا حجة فيه».
[4] العنفقة: شعيرات بين الشفة السفلى والذقن.
[5] السلعة: زيادة في البدن كالغدة تتحرك إذا حركت، وتكون من حمصة إلى بطيخة.
المسنّة. قال محمد بن عليّ الطالبيّ: ثم تحدّثنا ساعة، فقلت: أما ترى لأبي سعد يا أبا عليّ وانهماكه في هجائك؟
فقال دعبل: لكني لم أقل فيه إلا أبياتا سخيفة يلعب بها الصبيان والإماء، وأنشدني قوله فيه:
يا أبا سعد قوصره ... زاني الأخت والمره
لو تراه محنّبا ... خلته عقد قنطره
أو ترى الأير في استه ... قلت ساق بمقطره
قال محمد، فقلت لدعبل: دع عنك ذا، فقد واللّه أوجعك الرجل، فإن أجبته/ بجواب مثله انتصفت، وإلا فإن هذا اللغو الّذي فخرت به يسقط وتفضح آخر الدهر، قال: ثم أنشدته قول أبي سعد فيه [1]:
لم يبق لي لذّة [2] من طيّة [3] بدد [4] ... ولا المنازل من خيف [5] ولا سند [6]
أبعد خمسين عادت جاهليته ... يا ليت ما عاد منها اليوم لم يعد
وما تريد عيون العين من رجل ... كرّ الجديدان في أيامه الجدد
أبدى سرائره وجدا [7] بغانية ... ولو أطاع مشيب الرأس لم يجد
واستمطرت عبرات العين منزلة ... لم يبق منها سوى الآريّ [8] والوتد
وما بكاؤك دارا لا أنيس بها ... إلّا الخواضب [9] من خيطانها [10] الرّبد [11]
/لدعبل وطر في كل فاحشة ... لو باد لؤم بني قحطان لم يبد
ولي قواف إذا أنزلتها بلدا ... طارت بهن شياطيني إلى بلد
/ لم ينج من خيرها أو شرّها أحد ... فاحذر شآبيبها [12] إن كنت من أحد
إنّ الطّرمّاح نالته صواعقها ... في ظلمة القبر بين الهام [13] والصّرد [14]
وأنت أولى بها إذ كنت وارثه ... فابعد وجهدك أن تنجو على البعد
__________
[1] م، أ: «قول أبي سعد، وفيه غناء». «صوت».
[2] م، أ: «جلد».
[3] كذا في م، أ. والطية: الحاجة والوطر. س، ب: «طرية»، تحريف.
[4] بدد: متباعدة.
[5] الخيف: ما انحدر من غلظ الجبل وارتفع عن مسيل الماء، ويضاف إلى أماكن متفرقة.
[6] السند: ما قابلك من الجبل، وعلا من السفح، واسم ماء لبني سعد.
[7] م، أ: «وجد».
[8] الآري: عود في حائط، أو في حبل يدفن طرفاه في الأرض ويبرز طرف كالحلقة تشد فيها الدابة.
[9] الخواضب: جمع خاضب، وهو الظليم، أي ذكر النعام أكل الربيع فاحمرّ ساقاه. م، أ: «ظلمانها».
[10] الخيطان: جمع خيط كسيف، وهو الجماعة من النعام.
[11] الربد: الغبر.
[12] الشآبيب: جمع شؤبوب، وهو حد كل شيء وشدة دفعه.
[13] الهام: من طيور الليل، جمع هامة.
[14] الصرد: طائر ضخم الرأس يصطاد العصافير.
تهجو نزارا وترعى في أرومتها [1] ... وتنتمي في أناس حاكة البرد
إني إذا رجل دبّت عقاربه ... سقيته سم حيّاتي فلم يعد
زدني أزدك هوانا أنت موضعه ... ومن يزيد إذا ما نحن لم نزد؟
لو كنت متئدا فيما تلفقه ... لكان حظك منه حظ متئد
أو كنت معتمدا منه على ثقة ... من المكارم قلنا: طول [2] معتمد
لقد تقلدت أمرا لست نائله ... بلا وليّ ولا مولى ولا عضد
وقد رميت بياض الشمس تحسبه ... بياض بطنك من لؤم ومن نكد
لا توعدنّي بقوم أنت ناصرهم ... واقعد فإنك نومان [3] من القعد [4]
للّه معتصم باللّه، طاعته ... قضية من قضايا الواحد الصمد
قال، فلما أنشدتها دعبلا، قال: أنا أشتمه وهو يشتمني، فما إدخال المعتصم بيننا؟ وشق ذلك عليه وخافه، ثم قال نقيض هذه القصيدة:
/منازل الحيّ من غمدان [5] فالنّضد
وهي طويلة مشهورة في شعره، هكذا قال العنزيّ في الخبر، ولم يأت بها.
يمر بأبي سعيد على جسر بغداد فيشتمه:
حدّثنا محمد قال: حدّثنا العنزيّ قال: حدّثني عبد اللّه بن الحسين عن محمد بن عليّ الطالبيّ قال:
عبر دعبل الجسر ببغداد، وأبو سعد واقف على دابته عند الجسر، وعليه ثوب صوف مشبّه بالخز مصبوغ، فضرب دعبل بيده على فخذه، وقال: دعيّ على دعيّ.
حديث بين عبد اللّه بن طاهر والضبي عن نسبه:
أخبرني محمد بن جعفر الصيدلانيّ صهر المبرّد قال: حدّثني محمد بن موسى الضبيّ راوية العتّابيّ، وكان نديما لعبد اللّه بن طاهر قال:
بينما هو ذات ليلة يذاكرنا بالأدب وأهله وشعراء الجاهلية والإسلام إذ بلغ إلى ذكر المحدثين حتى انتهى إلى ذكر دعبل، فقال: ويحك يا ضبّيّ!، إني أريد أن أحدثك بشيء على أن تستره طول حياتي، فقلت له: أصلحك اللّه أنا عندك في موضع ظنة؟ قال: لا، ولكن أطيب لنفسي أن توثّق لي بالأيمان لأركن إليها، ويسكن قلبي عندها، فأحدّثك حينئذ.
__________
[1] م، أ: «إمارتها».
[2] الطول: القدرة والسعة.
[3] النومان: كثير النوم، ولا يستعمل إلّا منادى.
[4] القعد: هم الذين قعدوا عن نصرة علي ومقاتلته، جمع قاعد.
[5] كذا في م، أ. وهو اسم قصر مشهور باليمن هدم في زمن عثمان. وفي س، ب: «عمران» وهو تحريف. وبقية البيت كما في «معجم البلدان»: فمأرب فظفار الملك فالجند.
قال: قلت: إن كنت عند الأمير في هذه الحال فلا حاجة به إلى إفشاء سرّه إليّ، واستعفيته مرارا فلم يعفني، فاستحييت من مراجعته، وقلت: فلير الأمير رأيه. فقال لي: يا ضبّيّ، قل: واللّه. قلت: واللّه، فأمّرها عليّ غموسا مؤكّدة بالبيعة والطلاق وكلّ ما يحلف به مسلم. ثم قال: أشعرت أنّ دعبلا مدخول النسب؟ وأمسك، فقلت: أعزّ اللّه الأمير، أفي هذا أخذت العهود والمواثيق ومغلّظ الأيمان؟ قال: إي واللّه، فقلت:/ ولم؟ قال: لأني رجل لي في نفسي حاجة، ودعبل رجل قد حمل نفسه على المهالك، وحمل جذعه على عنقه، فليس يجد من يصلبه عليه، وأخاف إن بلغه أن يقول فيّ/ ما يبقى عليّ عاره على الدهر، وقصاراي إن ظفرت به وأسلمته اليمن - وما أراها تفعل؛ لأنه اليوم لسانها وشاعرها والذابّ عنها والمحامي لها والمرامي دونها - فأضربه [1] مائة سوط، وأثقله حديدا، وأصيّره في مطبق [2] باب الشام.
وليس في ذلك عوض مما سار فيّ من الهجاء وفي عقبي من بعدي. فقلت: ما أراه يفعل ويقدم عليك. فقال لي: يا عاجز، أهون عليه مما لم يكن. أتراه أقدم على الرشيد والأمين والمأمون وعلى أبي ولا يقدم عليّ؟ فقلت:
فإذا كان الأمر كذا فقد وفق الأمير فيما أخذه عليّ.
قال: وكان دعبل صديقا لي، فقلت: هذا شيء قد عرفته، فمن أين؟ قال الأمير: إنّه مدخول النسب وهو في البيت الرفيع من خزاعة، لا يتقدمهم غير بني أهبان مكلّم الذئب. فقال: أسمع أنه كان أيام ترعرع خاملا لا يؤبه له، وكان ينام هو ومسلم بن الوليد في إزار واحد، لا يملكان غيره. ومسلم أستاذه وهو غلام أمرد يخدمه، ودعبل حينئذ لا يقول شعرا يفكر فيه حتى قال:
لا تعجبي يا سلم من رجل ... ضحك المشيب برأسه فبكى
بداية اشتهاره وطلب الرشيد أن يلازمه:
وغنّى فيه بعض المغنين وشاع، فغنّي به بين يدي الرشيد، إما ابن جامع أو ابن المكي، فطرب الرشيد، وسأل عن قائل الشعر، فقيل له: دعبل بن عليّ، وهو غلام نشأ من خزاعة. فأمر بإحضار عشرة آلاف درهم وخلعة من ثيابه، فأحضر ذلك، فدفعه مع مركب من مراكبه إلى خادم من خاصته، وقال له: اذهب بهذا إلى خزاعة فاسأل عن دعبل بن عليّ، فإذا دللت عليه فأعطه هذا، وقل له: ليحضر إن شاء، وإن لم يجب/ ذلك فدعه. وأمر للمغني بجائزة، فسار الغلام إلى دعبل، وأعطاه الجائزة، وأشار عليه بالمسير إليه.
فلما دخل عليه وسلّم أمره بالجلوس فجلس، واستنشده الشعر فأنشده إياه، فاستحسنه وأمره بملازمته وأجرى عليه رزقا سنيّا، فكان أول من حرضه على قول الشعر.
يبلغه موت الرشيد فيهجوه:
فو اللّه ما بلغه أن الرشيد مات حتى كافأه على ما فعله: من العطاء السنيّ، والغنى بعد الفقر، والرفعة بعد الخمول بأقبح مكافأة. وقال فيه من قصيدة مدح بها أهل البيت عليهم السّلام، وهجا الرشيد:
وليس حيّ من الأحياء نعلمه ... من ذي يمان ومن بكر ومن مضر
__________
[1] كذا في النسخ ويبدو أنها: أن أضربه؛ لتستقيم العبارة.
[2] المطبق: السجن تحت الأرض.
إلّا وهم شركاء في دمائهم ... كما تشارك أيسار [1] على جزر
قتل وأسر وتحريق ومنهبة ... فعل الغزاة بأرض الروم والخزر
أرى أمية معذورين إن قتلوا ... ولا أرى لبني العباس من عذر
اربع بطوس [2] على القبر الزكي إذا ... ما كنت تربع من دين [3] على [4] وطر
قبران في طوس خير الناس كلّهم ... وقبر شرّهم هذا من العبر
ما ينفع الرّجس من قرب الزكيّ ولا ... على الزكيّ بقرب الرجس من ضرر
هيهات كلّ امرىء رهن بما كسبت ... له يداه فخذ ما شئت أو فذر
- يعني قبر الرشيد وقبر الرضا عليه السّلام، فهذه واحدة.
يدس إلى المأمون شعر له فيصفح عنه ويستقدمه:
وأما الثانية فإن المأمون لم يزل يطلبه وهو طائر على وجهه حتى دسّ إليه قوله:
/علم وتحكيم وشيب مفارق ... طمّسن ريعان الشباب الرائق
وإمارة في دولة ميمونة ... كانت على اللذات أشغب عائق
أنّى يكون وليس ذاك بكائن [5] ... يرث الخلافة فاسق عنن فاسق
إن كان إبراهيم مضطلعا بها ... فلتصلحن من بعده لمخارق [6]
فلما قرأها المأمون ضحك، وقال: قد صفحت عن كلّ ما هجانا به إذ قرن إبراهيم بمخارق في الخلافة، وولاه عهده.
وكتب إلى أبي أن يكاتبه بالأمان، ويحمل إليه مالا. وإن شاء أن يقيم عنده أو يصير إلى حيث شاء فليفعل.
فكتب إليه أبي بذلك، وكان واثقا به، فصار إليه، فحمله وخلع عليه، وأجازه وأعطاه المال، وأشار عليه بقصد المأمون ففعل. فلما دخل وسلّم عليه تبسم في وجهه، ثم قال أنشدني:
مدارس آيات خلت من تلاوة ... ومنزل وحي مقفر العرصات
فجزع، فقال له: لك الأمان فلا تخف، وقد رويتها ولكني أحبّ سماعها من فيك، فأنشده إياها إلى آخرها والمأمون يبكي حتى أخضل لحيته بدمعه، فو اللّه ما شعرنا به إلا وقد شاعت له أبيات يهجو بها المأمون بعد إحسانه إليه وأنسه به حتى كان أول داخل، وآخر خارج من عنده.
يستدعيه بعض بني هاشم ثم لا يرضيه فيهجوه:
أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال: حدّثني أبو بكر العامريّ، قال:
__________
[1] أيسار: جمع يسر، بالتحريك، وهم المجتمعون على الميسر.
[2] طوس: مدينة بخراسان بينها وبين نيسابور عشرة فراسخ.
[3] وفي س، ب: «دير» تحريف.
[4] س، ب: «إلى».
[5] مي، مد:
«إني يكون ولا يكون ولم يكن»
[6] مخارق: هو أبو المهنأ المخارق بن يحيى من موالي الرشيد، وكان مغنيا.
استدعى بعض بني هاشم دعبل وهو يتولى للمعتصم ناحية من نواحي الشام، فقصده إليها، فلم يقع منه بحيث [1] ظن وجفاه، فكتب إليه دعبل:
دلّيتني بغرور وعدك في ... متلاطم من حومة الغرق
/ حتى إذا شمت العدوّ وقد ... شهر انتقاصك شهرة البلق
أنشأت تحلف أنّ ودّك لي ... صاف وحبلك غير منحذق [2]
وحسبتني فقعا [3] بقرقرة [4] ... فوطئتني وطئا على حنق
ونصبتني علما على غرض ... ترميني الأعداء بالحدق
وظننت أرض اللّه ضيّقة ... عني وأرض اللّه لم تضق
من غير ما جرم سوى ثقة ... منّي بوعدك حين قلت: ثق
ومودة تحنو عليك بها ... نفسي بلا منّ ولا ملق
فمتى سألتك حاجة أبدا ... فاشدد بها قفلا على غلق [5]
وقف الإخاء على شفى جرف ... هار [6] فبعه بيعة الخلق
وأعدّ لي قفلا وجامعة [7] ... فاشدد يديّ بها إلى عنقي
أعفيك مما لا تحبّ بها ... واسدد [8] عليّ مذاهب الأفق
ما أطول الدنيا وأعرضها ... وأدلّني بمسالك الطرق
يتهم بشتم صفية بنت عبد المطلب فيهرب وينكر التهمة:
أخبرني الحسن بن عليّ قال: حدّثنا ابن مهرويه قال: حدّثني أبي قال:
قدم دعبل الدّينور [9]، فجرى بينه وبين رجل من ولد الزّبير بن العوام كلام/ وعربدة على النبيذ، فاستعدى عليه/ عمرو بن حميد القاضي، وقال: شتم صفية بنت عبد المطلب، واجتمع عليه الغوغاء، فهرب دعبل، وبعث القاضي إلى دار دعبل فوكّل بها وختم بابه، فوجّه إليه برقعة فيها: ما رأيت قطّ أجهل منك إلّا من ولّاك، فأنه أجهل، يقضي في العربدة على النبيذ، ويحكم على خصم غائب، ويقبل عقلك أني رافضيّ شتم صفية بنت
__________
[1] س، ب: «بحسن».
[2] منحذق: منقطع.
[3] الفقع: البيضاء الرخوة من الكمأة وجمعها فقعة كعنبة.
[4] قرقرة: أرض مطمئنة لينة. وفي المثل أذل من فقع بقرقرة، لأن الفقع لا يمتنع على من اجتناه، أو لأنه يوطأ بالأرجل.
[5] الغلق: المغلاق، وهو ما يغلق به.
[6] هار: منهار.
[7] الجامعة: الغل.
[8] س، ب: «اشدد».
[9] الدينور: مدينة من أعمال الجبل قرب قرميسين.
عبد المطلب. سخنت عينك، أفمن دين الرافضة شتم صفية! قال أبي: فسألني الزبيريّ القاضي عن هذا الحديث فحدثته، فقال: صدق واللّه دعبل في قوله، لو كنت مكانه لوصلته وبرزته.
يغري متنسكا فيعود إلى الندماء يسمع الغناء ولا يشرب النبيذ:
أخبرني الحسن بن عليّ قال: حدثنا ابن مهرويه قال: حدّثني إبراهيم بن سهل القارىء قال حدّثني دعبل قال:
كتبت إلى أبي نهشل بن حميد، وقد كان نسك وترك شرب النبيذ، ولزم دار الحرم:
إنما العيش في منادمة الإخ ... وان لا في الجلوس عند الكعاب
وبصرف كأنها ألسن البر ... ق إذا استعرضت رقيق السحاب
إن تكونوا تركتم لذة العي ... ش حذار العقاب يوم العقاب
فدعوني وما ألذّ وأهوى ... وادفعوا بي في نحر يوم الحساب
قال: فكان بعد ذلك يدعوني وسائر ندمائي، فنشرب بين يديه، ويستمع الغناء، ويقتصر على الأنس والحديث.
يشترك في نظم قصيدة نصفها له ونصفها الآخر لإبراهيم بن العباس:
أخبرني الحسن قال: حدثنا ابن مهرويه قال: حدثنا إبراهيم بن المدبّر قال:
كنت أنا وإبراهيم بن العباس رفيقين نتكسّب بالشعر قال: وأنشدني قصيدة دعبل في المطّلب بن عبد اللّه:
/أمطّلب أنت مستعذب ... سمام الأفاعي ومستقبل
قال، وقال لي دعبل: نصفها لإبراهيم بن العباس، كنت أقول مصراعا فيجيزه، ويقول هو مصراعا فأجيزه.
يهجو مالك بن طوق لأنه لم يرض ثوابه:
قال ابن مهرويه: وحدّثني إبراهيم بن المدبر أن دعبلا قصد مالك بن طوق ومدحه، فلم يرض ثوابه، فخرج عنه وقال فيه:
إنّ ابن طوق وبني تغلب ... لو قتلوا أو جرحوا قصره [1]
لم يأخذوا من دية درهما ... يوما ولا من أرشهم [2] بعره
دماؤهم ليس لها طالب ... مطلولة مثل دم العذره
وجوههم بيض وأحسابهم ... سود وفي آذانهم صفرة
يمدح عبد اللّه بن طاهر فيجيزه:
حدثنا محمد بن عمران الصيرفيّ قال: حدّثني العنزيّ قال: حدثنا عبد اللّه بن الحسن قال: حدّثني عمر بن عبد اللّه أبو حفص النحويّ مؤدب آل طاهر قال:
__________
[1] قصرة: أراد أنهم يقصرون عن إدراك الثأر.
[2] الأرش: دية الجراحات.
دخل دعبل بن عليّ على عبد اللّه بن طاهر، فأنشده وهو ببغداد:
جئت بلا حرمة ولا سبب ... إليك إلّا بحرمة الأدب
فاقض ذمامي فإنني رجل ... غير ملحّ عليك في الطلب
قال فانتعل [1] عبد اللّه، ودخل إلى الحرم، ووجّه إليه بصرّة فيها ألف درهم، وكتب إليه:
أعجلتنا فأتاك عاجل برّنا ... ولو انتظرت كثيرة لم يقلل
فخذ القليل وكن كأنك لم تسلّ ... ونكون نحن كأننا لم نفعل
يهجو مالك بن طوق فيطلبه فيهرب إلى البصرة:
أخبرني أحمد بن عاصم الحلوانيّ قال: حدثنا أبو بكر المدائنيّ قال: حدثنا أبو طالب الجعفريّ ومحمد بن أمية الشاعر جميعا قالا:
هجا دعبل بن عليّ مالك بن طوق قال:
سألت عنكم يا بني مالك ... في نازح الأرضين والدّانيه [2]
طرّا فلم تعرف لكن نسبة ... حتى إذا قلت بني الزانية
قالوا فدع دارا على يمنة ... وتلك ها دار هم ثانيه
لا حدّ أخشاه على ... من قال أمّك زانية
وقال أيضا فيه:
يا زاني ابن الزان اب ... ن الزان ابن الزانية
أنت المردّد في الزنا ... ء على السنين الخالية
ومردّد فيه على ... كرّ السنين الباقية
وبلغت الأبيات مالكا، فطلبه، فهرب فأتى البصرة وعليها إسحاق بن العباس بن عليّ بن عبد اللّه بن العباس بن عبد المطلب، وكان بلغه هجاء دعبل وابن أبي عيينة نزارا.
فأما ابن أبي عيينة فإنه هرب منه فلم يظهر بالبصرة طول أيامه.
يقبض عليه والي البصرة فيعفيه من القتل ويشهره:
وأما دعبل فإنه حين دخل البصرة بعث فقبض عليه، ودعا بالنّطع والسيف ليضرب عنقه، فجحد القصيدة وحلف بالطلاق على جحدها وبكلّ يمين تبرّىء من الدم أنه لم يقلها وأن عدوا له قالها، إما أبو سعد المخزومي أو غيره ونسبها إليه ليغري بدمه، وجعل يتضرع إليه ويقبّل الأرض ويبكي بين يديه، فرقّ له، فقال: أما إذا أعفيتك من القتل فلا بد من/ أن أشهرك، ثم دعا بالعصا فضربه حتى سلح، وأمر به فألقي على قفاه، وفتح فمه فردّ سلحه فيه
__________
[1] كذا في م، أ. س، ب: «فانتقل».
[2] في: «نازح الأرض وفي الدانية».
والمقارع تأخذ رجليه، وهو يحلف ألا يكفّ عنه حتى يستوفيه ويبلعه أو يقتله. فما رفعت عنه حتى بلغ سلحه كله، ثم خلّاه، فهرب إلى الأهواز.
بعث مالك بن طوق رجلا فاغتاله بأرض السوس:
وبعث مالك بن طوق رجلا حصيفا مقداما، وأعطاه سمّا وأمره أن يغتاله كيف شاء، وأعطاه على ذلك عشرة آلاف درهم، لم يزل يطلبه حتى وجده في قرية من نواحي السّوس، فاغتاله في وقت من الأوقات بعد صلاة العتمة، فضرب ظهر قدمه بعكاز لها زجّ مسموم فمات من غد، ودفن بتلك القرية.
وقيل بل حمل إلى السوس، فدفن فيها.
طلب والي البصرة أن ينقض شاعر هجاءه هو وابن أبي عيينة لنزار:
وأمر إسحاق بن العباس شاعرا يقال له: الحسن بن زيد ويكنى أبا الذّلفاء، فنقض قصيدتي دعبل وابن أبي عيينة بقصيدة أولها:
أما تنفك متبولا [1] حزينا ... تحبّ البيض تعصي العاذلينا
يهجو بها قبائل اليمن، ويذكر مثالبهم، وأمره بتفسير ما نظمه، وذكر الأيام والأحوال، ففعل ذلك وسماها الدامغة، وهي إلى اليوم موجودة.
صوت
أتهجر من تحب بغير جرم ... أسأت إذا وأنت له ظلوم
تؤرقني الهموم وأنت خلو ... لعمرك ما تؤرقك الهموم
الشعر لجعيفران الموسوس، أنشدنيه عمي عن عبد اللّه عثمان الكاتب عن أبيه عن جده [2]، وأنشد [3] فيه جحظة عن خالد الكاتب له، وأنشدنيه ابن الوشّاء عن بعض شيوخه عن/ سلمة النحويّ له. ووجدته في بعض الكتب منسوبا إلى أم الضحاك المحاربية، والقول الأول أصح. والغناء لابن أبي قباحة، ثاني ثقيل بالوسطى في مجرى البنصر. وفي أبيات أخر من شعر جعيفران غناء، فإن لم يصح هذا له فالغناء له في أشعاره الأخر صحيح، منها:
ما يفعل المرء فهو أهله ... كلّ امرىء يشبهه فعله
ولا ترى أعجز من عاجز ... سكّتنا عن ذمّه بذله
الشعر لجعيفران، والغناء لمتيمّ، وممّا وجدته من الشعر المنسوب إليه في جامعة وفيه له غناء:
قلبي بصاحبة الشّنوف معلّق ... وتفرّ صاحبة الشنوف وألحق
__________
[1] متبولا: سقيما.
[2] ف: «عن أبيه له».
[3] في طبعة بولاق: «و أنشدنيه».
7 - أخبار جعيفران ونسبه
نسبه ونشأته:
هو جعيفران بن عليّ بن أصفر بن السريّ بن عبد الرحمن الأبناويّ، من ساكني سرّ من رأى، ومولده ومنشؤه ببغداد. وكان أبوه من أبناء الجند الخراسانية، وكان يتشيّع، ويكثر لقاء أبي الحسن عليّ بن موسى بن جعفر.
كان شاعرا مطبوعا ثم اختلط:
أخبرني بذلك أبو الحسن عليّ بن العباس بن أبي طلحة الكاتب عن أبيه وأهله.
وكان جعيفران أديبا شاعرا مطبوعا، وغلبت عليه المرّة السوداء، فاختلط وبطل في أكثر أوقاته ومعظم أحواله، ثم كان إذا أفاق ثاب إليه عقله وطبعه، فقال الشعر الجيد. وكان أهله يزعمون أنه من العجم ولد أذين.
خالف أباه إلى جارية له فطرده:
فأخبرني الحسن بن عليّ الخفّاف قال: حدّثني محمد بن مهريه قال: حدّثني عليّ بن سليمان النّوفليّ قال:
حدّثني صالح بن عطية قال:
كان لجعيفران الموسوس قبل أن يختلط عقله أب يقال له: عليّ بن أصفر، وكان دهقان الكرخ ببغداد، وكان يتشيّع، فظهر على ابنه جعيفران أنه خالفه إلى جارية له سرّية، فطرده عن داره.
يشكوه أبوه إلى موسى بن جعفر فيأمره بإخراجه من ميراثه:
وحجّ فشكا ذلك إلى موسى بن جعفر، فقال له موسى: إن كنت صادقا عليه فليس يموت حتى يفقد عقله، وإن كنت قد تحققت ذلك عليه فلا تساكنه في منزلك، ولا تطعمه شيئا من مالك في حياتك، وأخرجه عن ميراثك بعد وفاتك.
فقدم فطرده، وأخرجه من منزله، وسأل الفقهاء عن حيلة يشهد بها في ماله حتى يخرجه عن ميراثه، فدلّوه على السبيل إلى ذلك، فأشهد به، وأوصى إلى رجل. فلما مات الرجل حاز ميراثه ومنع منه جعيفران، فاستعدى عليه أبا يوسف القاضي، فأحضر الوصيّ،/ وسأل جعيفران البينة على نسبه وتركة أبيه، فأقام على ذلك بينة عدة، وأحضر الوصيّ بيّنة عدولا على الوصية يشهدون على أبيه ما كان احتال به عليه.
فلم ير أبو يوسف ذلك شيئا، وعزم على أن يورّثه، فدفعه الوصيّ عن ذلك مرات بعلل. ثم عزم أبو يوسف على أن يسجّل لجعيفران بالمال، فقال له الوصيّ: أيها القاضي، أنا أدفع هذا بحجة واحدة بقيت عندي، فأبى أبو يوسف أن يقبل منه، وجعل جعيفران يحرّج عليه، ويقول له: قد ثبت عندك أمري، فبأي شيء تدافعني؟ وجعل الوصيّ يسأله أن يسمع منه منفردا، فيأبي، ويقول: لا أسمع منك إلّا بحضرة خصمك. فقال له أجّلني إلى غد،
فأجّله إلى منزله وكتب رقعة خبّره فيها بحقيقة [1] ما أفتى به موسى بن جعفر، ودفعها إلى صديق لأبي/ يوسف، فدفعها إليه، فلما قرأها دعا الوصيّ واستحلفه أنه قد صدق في ذلك. فحلف باليمين الغموس. فقال له: اغد عليّ غدا مع صاحبك، فحضر وحضر جعيفران معه، فحكم عليه أبو يوسف للوصي. فلما أمضى الحكم عليه وسوس جعيفران واختلط منذ يومئذ.
وأخبرني بجمل أخباره المذكورة في هذا الكتاب عليّ بن العباس بن أبي طلحة الكاتب، عن شيوخ له أخذها عنهم وإجازات وجدتها في الكتب، ولم أر أخباره عند أحد أكثر مما وجدتها عنده إلّا ما أذكره عن غيره فأنسبه إليه.
يقف بالرصافة على رجل وينشده شعرا:
قال عليّ بن العباس: وذكر عبد اللّه بن عثمان الكاتب أن أباه عثمان بن محمد حدّثه قال:
كنت يوما برصافة مدينة السّلام جالسا إذ جاءني جعيفران وهو مغضب، فوقف عليّ وقال:
استوجب العالم مني القتلا
/ فقلت: ولم يا أبا الفضل؟ فنظر إليّ نظرة منكرة خفت منها، وقال:
لمّا شعرت فرأوني فحلا
ثم سكت هنيهة، وقال:
قالوا علىّ كذبا وبطلا ... إني مجنون فقدت العقلا
قالوا المحال كذبا وجهلا ... أقبح بهذا الفعل منهم فعلا
ثم ذهب لينصرف، فخفت أن يؤذيه الصبيان، فقلت: اصبر فديتك حتى أقوم معك؛ فإنك مغضب، وأكره أن تخرج على هذه الحال. فرجع إليّ، وقال: سبحان اللّه، أتراني أنسبهم إلى الكذب والجهل، وأستقبح فعلهم، وتتخوّف مني مكافأتهم! ثم إنه ولّى وهو يقول:
لست براض من جهول جهلا ... ولا مجازيه بفعل فعلا
لكن أرى الصفح لنفسي فضلا ... من يرد الخير يجده سهلا
ثم مضى.
رثي وحده يدور في دار طول ليلته وهو ينشده رجزا:
وقال عليّ بن العباس، وقال عثمان بن محمد [2]: قال أبي:
كنت أشرف مرة من سطح لي على جعيفران وهو في دار وحده وقد اعتلّ، وتحركت عليه السوداء، فهو يدور في الدار طول ليلته، ويقول:
طاف به طيف من الوسواس ... نفّر عنه لذّة النّعاس
فما يرى يأنس بالأناس ... ولا يلذّ عشرة الجلّاس
__________
[1] كذا في أ، م، س، ب: «تحقيق»، تحريف.
[2] م: «عبد اللّه بن عثمان بن محمد».
فهو غريب بين هذا [1] الناس
حتى أصبح وهو يرددها، ثم سقط كأنه بقلة ذابلة.
يستجيب لنظم بيت بنصف درهم:
قال علي: وحدّثني عليّ بن رستم النحوي، قال: حدّثني سلمة بن محارب قال:
/ مررت ببغداد، فرأيت قوما مجتمعين على رجل، فقلت: ما هذا؟ فقالوا: جعيفران المجنون، فقلت: قل بيتا بنصف درهم. قال: هاته، فأعطيته، فقال:
لجّ ذا الهمّ واعتلج [2] ... كلّ همّ إلى فرج
ثم قال: زد إن شئت حتى أزيدك.
يصيح الصبيان خلفه وهو عريان، وينشد شعرا في جناية الفقر عليه:
قال عليّ: وحدّثني عبد اللّه بن عثمان، عن أبيه قال:
غاب عنا جعيفران أياما ثم جاءنا والصبيان يشدون خلفه وهو عريان وهم يصيحون به: يا جعيفران يا خرا في الدار. فلما بلغ إليّ وقف، وتفرّقوا عنه فقال: يا أبا عبد اللّه:
رأيت الناس يدعونني ... بمجنون على حالي
/ وما بي اليوم من جنّ ... ولا وسواس بلبال
ولكن قولهم هذا ... لإفلاسي وإقلالي
ولو كنت أخا وفر ... رخيّا ناعم البال
رأوني حسن العقل ... أحلّ المنزل العالي
وما ذاك على خبر ... ولكن هيبة المال
يدخله سيد داره فيطعمه ويسقيه:
قال: فأدخلته منزلي، فأكل، وسقيته أقداحا، ثم قلت له: تقدر على أن تغيّر تلك القافية؟ فقال: نعم، ثم قال بديهة غير مفكر ولا متوقف:
رأيت الناس يرمون ... ي أحيانا بوسواس
ومن يضبط يا صاح ... مقال الناس في الناس؟
فدع ما قاله الناس ... ونازع صفوة الكاس
فتى حرّا صحيح ال ... ودّ ذا برّ وإيناس
__________
[1] س، ب: «هذي».
[2] اعتلج: كثر والتطم.
/
فإن الخلق مغرور [1] ... بأمثالي وأجناسي
ولو كنت أخا مال ... أتوني بين جلّاسي
يحبوني ويحبوني ... على العينين والراس
ويدعوني عزيزا غي ... ر أنّ الذل إفلاسي
يضيق به بعض مجالسيه ويفطن لذلك فيقول شعرا:
ثم قام يبول، فقال بعض من حضر: أيّ شيء معنى عشرتنا هذا المجنون العريان؟ واللّه ما نأمنه وهو صاح، فكيف إذا سكر؟ وفطن جعيفران للمعنى، فخرج إلينا وهو يقول:
وندامي أكلوني ... إذ تغيّبت قليلا
زعموا أني مجنو ... ن أرى العرى جميلا
كيف لا أعرى وما أب ... صر في الناس مثيلا؟
إن يكن قد ساءكم قر ... بي فخلّوا لي سبيلا
وأتمّوا يومكم س ... رّكم اللّه طويلا
قال: فرققنا له، واعتذرنا إليه، وقلنا له: واللّه ما نلتذّ إلّا بقربك، وأتيناه بثوب، فلبسه، وأتممنا يومنا ذلك معه.
يحتكم إلى القاضي فيدفعه عن دعواه فيدعو عليه:
أخبرني جحظة قال: حدّثني ميمون بن هارون قال:
تقدّم جعيفران إلى أبي يوسف الأعور القاضي بسرّ من رأى في حكومة في شيء كان في يده من وقف له، فدفعه عنه، وقضى عليه. فقال له: أراني اللّه أيها القاضي عينيك سواء، فأمسك عنه، وأمر بردّه إلى داره.
/ فلما رجع أطعمه ووهب له دراهم، ثم دعا به فقال له: ما ذا أردت بدعائك؟ أردت أن يرد اللّه على بصري ما ذهب؟ فقال له: واللّه لئن كنت وهبت لي هذه الدراهم لأسخر منك؛ لأنت المجنون لا أنا. أخبرني كم من أعور رأيته عمي؟ قال: كثيرا، قال: فهل رأيت أعور صحّ قطّ؟ قال: لا. قال: فكيف توهمت عليّ الغلط! فضحك وصرفه.
يمدح أبا دلف فيجزل له العطاء:
أخبرني محمد بن جعفر النحويّ صهر المبرّد قال: حدّثني أحمد بن القاسم البرتيّ قال: حدّثني علي بن يوسف قال:
/ كنت عند أبي دلف القاسم بن عيسى العجليّ فاستأذن عليه حاجبه لجعيفران الموسوس، فقال له: أيّ شيء أصنع بموسوس! قد قضينا حقوق العقلاء، وبقي علينا حقوق المجانين! فقلت له: جعلت فداء الأمير موسوس أفضل من كثير من العقلاء، وإن له لسانا يتّقى وقولا مأثورا يبقى، فاللّه اللّه أن تحجبه، فليس عليك منه أذى ولا
__________
[1] كذا في النسخ، ولا معنى لها هنا، ولعلها مغرى، بمعنى مولع، وفعله غرى، كرضى.
ثقل، فأذن له، فلما مثل بين يديه قال:
يا أكرم العالم موجودا ... ويا أعزّ الناس [1] مفقودا
لما سألت الناس عن واحد ... أصبح في الأمة محمودا
قالوا جميعا إنه قاسم ... أشبه آباء له صيدا
لو عبدوا شيئا سوى ربهم ... أصبحت في الأمة معبودا [2]
لا زلت في نعمى وفي غبطة ... مكرّما في الناس معدودا
قال، فأمر له بكسوة وبألف درهم، فلما جاء بالدراهم أخذ عنها عشرة، وقال: تأمر القهرمان أن يعطيني الباقي مفرّقا كلما جئت؛ لئلا يضيع مني، فقال للقهرمان: أعطه/ المال، وكلما جاءك فأعطه ما شاء حتى يفرّق الموت بيننا، فبكى عند ذلك جعيفران، وتنفّس الصعداء، وقال:
يموت هذا الّذي أراه ... وكلّ شيء له نفاد
لو غير ذي العرش دام شيء ... لدام ذا المفضل الجواد
ثم خرج، فقال أبو دلف: أنت كنت أعلم به مني.
يسأل عن أبي دلف ويرتجل في مدحه شعرا:
قال: وغبر عني مدة، ثم لقيني وقال: يا أبا الحسن، ما فعل أميرنا وسيّدنا وكيف حاله؟ فقلت: بخير وعلى غاية الشّوق إليك. فقال: أنا واللّه يا أخي أشوق، ولكني أعرف أهل العسكر وشرههم وإلحاحهم [3] واللّه ما أراهم يتركونه من المسألة ولا يتركهم، ولا يتركه كرمه أن يخليهم من العطيّة حتى يخرج فقيرا. فقلت: دع هذا عنك [4] وزره، فإن كثرة السؤال لا تضرّ بماله، فقال: وكيف؟ أهو أيسر من الخليفة؟ قلت: لا. قال: واللّه لو تبذّل لهم الخليفة كما يبذل أبو دلف وأطمعهم في ماله كما يطعمهم لأفقروه في يومين، ولكن اسمع ما قلته في وقتي هذا، فقلت: هاته يا أبا الفضل فأنشأ يقول:
أبا حسن بلّغن قاسما ... بأنّي لم أجفه عن قلى
ولا عن ملال لإتيانه ... ولا عن صدود ولا عن غنى
ولكن تعفّفت عن ماله ... وأصفيته مدحتي والثنا
أبو دلف سيّد ماجد ... سنيّ العطية رحب الفنا
كريم إذا انتابه المعتفو ... ن عمّهم بجزيل الحبا
/ يلقى أبا دلف فينشده ما حاله:
قال: فأبلغتها أبا دلف، وحدّثته بالحديث الّذي جرى، فقال لي: قد لقيته منذ أيام؛ فلما رأيته وقفت له،
__________
[1] م، أ: «الخلق».
[2] زيادة من مي، م.
[3] ف: «و الحافهم».
[4] س، ب: «عنا».
وسلّمت عليه، وتحفّيت به، فقال لي: سر أيها الأمير على بركة اللّه، ثم قال لي:
يا معدي الجود على الأموال ... ويا كريم النّفس في الفعال
قد صنتني عن ذلة السؤال ... بجودك الموفي على الآمال
صانك ذو العزة والجلال ... من غير الأيام والليالي
/ قال: ولم يزل يختلف إلى أبي دلف ويبره حتى افترقا.
يرى وجهه في حب فيهجو نفسه:
سمعت عبد اللّه بن أحمد، عمّ أبي رحمه اللّه يحدّث فحفظت الخبر، ولا أدري أذكر له إسنادا فلم أحفظه أم ذكره بغير إسناد، قال:
كان جعيفران خبيث اللسان هجّاء، لا يسلم عليه أحد، فاطّلع يوما في الحب [1]، فرأى وجهه قد تغيّر، وعفا [2] شعره فقال:
ما جعفر لأبيه ... ولا له بشبيه
أضحى لقوم كثير ... فكلّهم يدعيه
هذا يقول بنيّ ... وذا يخاصم فيه
والأمّ تضحك منهم ... لعلمها بأبيه
يسأل طعاما فيجاب له:
حدّثني محمد بن الحسن الكنديّ خطيب القادسية قال: حدّثني رجل من كتّاب الكوفة قال:
اجتاز بي جعيفران مرة فقال: أنا جائع، فأيّ شيء عندك تطعمني؟ فقلت سلق/ بخردل
يهجو جارية مضيفة لتأخرها في شراء بطيخ له:
فقال: إشتر لي معه بطّيخا، فقلت: أفعل، فادخل، وبعثت بالجارية تجيئه به، وقدّمت إليه الخبز والخردل والسّلق، فأكل منه حتى ضجر، وأبطأت الجارية، فأقبل عليّ وقد غضب فقال:
سلقتنا وخردلت [3] ... ثم ولّت فأدبرت
وأراها بواحد ... وافر الأير قد خلت
قال فخرجت - يشهد اللّه - أطلبها، فوجدتها خالية في الدّهليز بسائس لي على ما وصف.
__________
[1] الحب: الجرة أو الضخمة منها وفي س: «الجب»، تحريف.
[2] عفا: كثر وطال.
[3] خردلت: يريد اشتدت في الإيذاء بالقول.
صوت
ولها مربع ببرقة [1] خاخ ... ومصيف بالقصر قصر قباء [2]
كفّنوني إن مت في درع أروى ... واجعلوا لي من بئر عروة مائي [3]
سخنة في الشتاء باردة الصي ... ف سراج في الليلة الظلماء
الشعر للسّريّ بن عبد الرحمن، والغناء لمعبد، ثقيل أول بالوسطى عن الهشامي: قال: وفيهما - يعني الثالث والأول - رمل مطلق في مجرى الوسطى.
__________
[1] برقة خاخ: موضع بين الحرمين، ويقال له: روضة خاخ.
[2] مواضع قرب المدينة.
[3] بئر عروة: بئر بعقيق المدينة، تنسب إلى عروة بن الزبير بن العوام. وفي مي: «و استقوا لي» بدل «و اجعلوا لي».
8 - أخبار السري ونسبه
نسبه:
السريّ بن عبد الرحمن بن عتبة بن عويم بن ساعدة الأنصاريّ، ولجده عويم بن ساعدة صحبة بالنبي، صلّى اللّه عليه وسلّم.
شعره وشخصه:
والسريّ شاعر من شعراء أهل المدينة، وليس بمكثر ولا فحل، إلّا أنه كان أحد الغزلين والفتيان والمنادمين على الشراب. كان هو وعتير بن سهل [1] بن عبد الرحمن بن عوف، وجبير بن أيمن، وخالد بن أبي أيوب الأنصاري يتنادمون. قال: وفيهم يقول:
إذا أنت نادمت العتير وذا الندى ... جبيرا ونازعت [2] الزّجاجة خالدا
أمنت بإذن اللّه أن تقرع العصا ... وأن ينبهوا من نومة السّكر راقدا
غناه الغريض ثقيلا.
وكان السريّ هذا هجا الأحوص، وهجا نصيبا؛ فلم يجيباه.
يهجو النصيب فيهبه لقومه، وللّه ورسوله:
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال: حدّثني الزبير بن بكّار قال: حدّثني عمي، وأخبرني الحسين بن يحيى المرداسي قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه عن ابن الكلبيّ قالا:
حبس النّصيب في/ مسجد النبي - صلّى اللّه عليه وسلّم فأنشد، وكان إذا أنشد لوى حاجبيه، وأشار بيده، فرآه السريّ بن عبد الرحمن الأنصاريّ، فجاءه حتى وقف بإزائه ثم قال:
فقدت الشعر حين أتى نصيبا ... ألم تستحي من مقت الكرام
إذا رفع ابن ثوبة حاجبيه ... حسبت الكلب يضرب في الكعام [3]
/قال: فقال نصيب: من هذا! فقالوا: هذا ابن عويم الأنصاريّ، قال: قد وهبته للّه عز وجل ولرسوله - صلّى اللّه عليه وسلّم - ولعويم بن ساعدة. قال: وكان لعويم صحبة ونصرة.
يحب امرأة يقال لها زينب ويشبب بها:
أخبرني الحرميّ قال: حدثنا الزبير قال: حدّثني عمي عن عبد الرحمن بن عبد اللّه العمريّ قال: كان السريّ قصيرا دميما أزرق، وكان يهوى امرأة يقال لها زينب ويشبّب بها، فخرج إلى البادية، فرآها في نسوة، فصار إلى راع
__________
[1] ف: «سهيل».
[2] مي، مج: «و عاطيت».
[3] الكعام: الكمامة.
هناك وأعطاه ثيابه، وأخذ منه جبّته وعصاه، وأقبل يسوق الغنم حتى صار إلى النّسوة فلم يحفلن به، وظنن أنه أعرابيّ، فأقبل يقلّب بعصاه الأرض وينظر إليهم فقلن له: أذهب منك يا راعي الغنم شيء فأنت تطلبه؟ فقال: نعم.
قال: فضربت زينب بكمها على وجهها وقالت: السريّ واللّه، أخزاه اللّه! فأنشأ يقل:
صوت
ما زال فينا سقيم يستطبّ له ... من ريح زينب فينا ليلة الأحد
حزت الجمال ونشرا طيّبا أرجا ... فما تسمّين إلّا مسكة البلد
أمّا فؤادي فشيء قد ذهبت به ... فما يضرّك ألا تحربي [1] جسدي!
يستحسن المهدي شعرا له في الغزل:
أخبرني الحسين بن عليّ قال: حدثنا أحمد بن أبي خيثمة قال: حدثنا مصعب الزّبيريّ قال، قال أبي: قال لي المهديّ:
أنشدني شعرا غزلا، فأنشدته قول السريّ بن عبد الرحمن:
ما زال فينا سقيم يستطبّ له ... من ريح زينب فينا ليلة الأحد
فأعجبته، وما زال يستعيدها مرارا حتى حفظها.
كان وندماءه تقبل شهادتهم مع شربهم النبيذ:
أخبرني الحسن قال: حدّثني أحمد قال: حدّثني محمد بن سلّام الجمحيّ قال:
كان السريّ بن عبد الرحمن ينادم عتير بن سهل بن عبد الرحمن بن عوف وجبير بن أيمن بن أمّ أيمن مولى النبيّ - صلّى اللّه عليه وسلّم - وخالد بن أبي أيوب الأنصاريّ، وكانوا يشربون النبيذ، وكلّهم كان على ذلك مقبول الشهادة، جليل القدر مستورا، فقال السريّ:
إذا أنت نادمت العتير وذا الندى ... جبيرا ونازعت الزجاجة خالدا
أمنت بإذن اللّه أن تقرع العصا ... وأن ينبهوا من نومة السّكر راقدا
فقالوا: قبحك اللّه! ما ذا أردت إلى التنبيه علينا والإذاعة لسرنا؟ إنك لحقيق ألّا ننادمك. قال: واللّه ما أردت بكم سوءا، ولكنه شعر طفح فنفثته [2] عن صدري، قال: وخالد بن أبي أيوب الأنصاريّ الّذي يقول:
صوت
ألا سقّني كأسي ودع قول من لحى ... وروّ عظاما قصرهن [3] إلى بلى
فإن بطوء [4] الكأس موت وحبسها ... وإنّ دراك الكأس عندي هو الحيا
__________
[1] تحربي: تسلبي.
[2] ب، س: «فقئته».
[3] قصرهن: غايتهن.
[4] في محيط المحيط: البطاء والبطوء: ضد السرعة.
/ الغناء في هذين البيتين هو لعبد اللّه بن العباس الرّبيعي، خفيف رمل بالبنصر عن عمرو بن بانة.
التمثل بشعره في طلب الشراب:
أخبرني أبو الحسن الأسديّ قال: حدّثني سليمان بن أبي شيخ قال: حدّثني مصعب بن عبد اللّه الزبيريّ قال:
حدّثني مصعب بن عثمان قال: حدّثني عبيد اللّه بن عروة بن الزّبير قال:
/ خرجت وأنا غلام أدور في السكك بالمدينة فانتهيت إلى فناء مرشوش وشابّ جميل الوجه جالس، فلما رآني دعائي، ثم قال لي: من أنت يا غلام؟ فقلت عبيد اللّه بن عروة بن الزبير. فقال: اجلس، فجلست، فدعا بالغداء فتغدّينا جميعا، ثم قال: يا جارية؛ فأقبلت جارية تتهادى كأنها مهاة، وفي يدها قنينيّة فيها شراب صاف وقلة ماء وكأس، فقال لها: اسقيني؛ فصبّت في الكأس وسكبت عليه ماء وناولته، فشرب ثم قال: اسقيه، فصبّت في الكأس وسكبت عليه ماء وناولته، فشرب ثم قال: اسقيه، فصبّت في الكأس وسكبت عليه ماء وناولتني. فلما وجدت رائحته بكيت، فقال: ما يبكيك يا بن أخي؟ فقلت: إنّ أهلي إن وجدوا رائحة هذا مني ضربوني، فأقبل على الجارية بوجهه، وقال لها يخاطبها:
ألا سقّني كأسي ودع عنك من أبي ... وروّ عظاما قصرهن إلى بلى
فأخذته من يدي وأعطته؛ فشربه، وقمت فلما جاوزته سألت عنه فقيل لي: هذا خالد بن أبي أيوب الأنصاري الّذي يقول فيه الشاعر:
إذا أنت نادمت العتير وذا النّدى ... جبيرا ونازعت الزجاجة خالدا
أمنت بإذن اللّه أن تقرع العصا ... وأن يوقظوا من سكرة النوم راقدا
وصرت بحمد اللّه في خير عصبة ... حسان النّدامى لا تخاف العرابدا [1]
يأبي ابن الماجشون دخول مجلس حتى يخرجه أصحابه فيخرجوه:
أخبرنا وكيع قال: حدثنا محمد بن عليّ بن حمزة قال: حدّثني أبو غسان عن محمد بن يحيى بن عبد الحميد قال:
كان السريّ بن عبد الرحمن يختلف إلى فتية، فجاء ابن الماجشون فقال: لا أدخل حتى يخرج السريّ؛ فأخرجته فقال السري:
/قبّح اللّه أهل بيت بسلع [2] ... أخرجوني وأدخلوا الماجشونا
أدخلوا هرة تلاعب قردا ... ما نراهم يرون ما يصنعونا
شعر له في أمة وبنتها:
أخبرني الحسن قال: حدثنا أحمد بن زهير قال حدّثني مصعب قال:
أنشدني أبي للسّريّ بن عبد الرحمن في أمة الحميد بنت عبد اللّه بن عباس وفي ابنتها أمة الواحد:
__________
[1] العرابد: جمع عربد كزبرج، وهو من يؤذي نديمه في سكر.
[2] سلع: موضع قرب المدينة، أو جبل بها.
أمة الحميد وبنتها ... ظبيان في ظلّ الأراك
يتتبّعان بريره [1] ... وظلاله فهما كذاك
حذي الجمال عليهما ... حذو الشّراك على الشراك
يتمنى أن يكون مؤذنا ليرى من في السطوح:
أخبرني محمد بن العباس اليزيديّ قال: حدّثني محمد بن الحسن بن مسعود الزّرقي قال: حدّثني يحيى بن عثمان بن أبي قباحة الزّهريّ قال: أنشدني أبو غسان صالح بن العباس بن محمد - وهو إذ ذاك على المدينة - للسريّ بن عبد الرحمن:
ليتني في المؤذّنين نهارا ... إنهم يبصرون من في السطوح
فيشيرون أو يشار إليهم ... حبّذا كل ذات جيد مليح
/ قال: فأمر صالح بسدّ المنار، فلم يقدر أحد على أن يطلع رأسه حتى عزل صالح.
يعمره عمر بن عمرو بن عثمان أرضا بقباء:
أخبرني حبيب بن نصر المهلبيّ، قال: حدثنا عبد اللّه بن شبيب قال: حدّثني زبير بن بكار عن عمّه:
أن السريّ بن عبد الرحمن وقف على عمر بن عمرو بن عثمان، وهو جالس على بابه والناس حوله، فأنشأ يقول:
/يا بن عثمان يا بن خير قريش ... أبغني ما يكفّني بقباء [2]
ربما بلّني نداك وجلّى ... عن جبيني [3] عجاجة الغرماء
فأعمره أرضا بقباء، وجعلها طعمة له أيام حياته، فلم تزل في يده حتى مات.
مثل من الولوع بالتغني بشعره:
[أخبرني وسواسة بن الموصليّ، قال: حدّثني حماد بن إسحاق عن أبيه، عن عزيز بن طلحة، قال: قال معبد: خرجت من مكة أريد المدينة، فلما كنت قريبا من المنزل أريت بيتا فعدلت إليه، فإذا فيه أسود عنده حبّان من ماء وقد جهدني العطش، فسلّمت عليه واستسقيت، فقال: تأخر عافاك اللّه، فقلت: يا هذا، اسقني بسرعة من الماء فقد كدت أموت عطشا، فقال: واللّه لا تذوق منه جرعة ولومت، فرجعت القهقري، وأنخت راحلتي واستظللت بظلها من الشمس، ثم اندفعت أغني ليبتلّ لساني:
كفّنوني إن مت في درع أروى ... واستقوا لي من بئر عروة مائي
فإذا أنا بالأسود قد خرج إليّ ومعه قدح خيشاني [4] فيه سويق ملت [5] بماء بارد، فقال: هل لك في هذا أرب؟
__________
[1] بريره: ثمره.
[2] قباء: موضع قرب المدينة.
[3] كذا في أ. س، ب: «حبيبي»، تحريف.
[4] خيشاني: لعله منسوب إلى خيشان، بلدة بخراسان.
[5] كذا بالنسختين، والمعروف: ملتوت.
قلت: قد منعتني ما هو أقل منه: الماء. فقال: اشرب - عافاك اللّه - ودع عنك ما مضى، فشربت ثم قال: أعد - فديتك - الصوت، فأعدته، فقال: هل لك - بأبي وأمي - أن أحمل لك قربة من ماء، وأمشي بها معك إلى المنزل وتعيد على هذا الصوت حتى أتزود منه، وكلما عطشت سقيتك؟ قلت: افعل، ففعل وسار معي، فما زلت أغنيه إياه، وكلما عطشت استقيته حتى بلغت المنزل عشاء] [1].
صوت
سلب الشباب رداءه ... عنّي ويتبعه إزاره
ولقد تحل عليّ حل ... ته ويعجبني افتخاره
سائل شبابي هل مسك ... ت بسوءة أو ذل جاره [2]
ما إن ملكت المال إلّا ... كان لي وله خياره
ويروي: هل أسأت مساكه.
الشعر لمسكن الدارميّ، والغناء لمقّاسة بن ناصح، خفيف رمل بالبنصر عن عمرو.
__________
[1] ما بين المعكوفتين من مي، مج.
[2] قافية الأبيات بغير هاء في س، ب، وما أثبتناه رواية مي، مد، م.
9 - أخبار مسكين ونسبه
اسمه ونسبه:
مسكين لقب غلب عليه، واسمه ربيعة بن عامر بن أنيف بن شريح بن عمرو بن زيد بن عبد اللّه بن عدس [1] بن دارم بن مالك بن زيد مناة بن تميم. وقال أبو عمرو الشيبانيّ: مسكين بن أنيف بن شريح بن عمرو بن عدس بن زيد بن عبد اللّه بن دارم بن مالك بن حنظلة بن زيد مناة بن تميم.
لماذا لقب مسكينا؟:
قال أبو عمرو: وإنما لقب مسكينا لقوله:
أنا مسكين لمن أنكرني ... ولمن يعرفني جدّ نطق [2]
لا أبيع الناس عرضي إنني ... لو أبيع الناس عرضي لنفق
وقال أيضا:
سمّيت مسكينا وكانت لجاجة ... وإني لمسكين إلى اللّه راغب
وقال أيضا:
إن أدع مسكينا فلست بمنكر ... وهل ينكرنّ الشمس ذرّ [3] شعاعها
لعمرك ما الأسماء إلّا علامة ... منار ومن خير المنار ارتفاعها
شاعر شريف من سادات قومه، هاجي الفرزدق ثم كافّه، فكان الفرزدق بعد ذلك في الشدائد الّتي أفلت منها.
مهاجاته الفرزدق لأنه نقض رثاءه لزياد:
حدّثني حبيب بن أوس بن نصر المهلبيّ قال: حدثنا عمر بن شبّة عن أبي عبيدة قال:
/ كان زياد قد أرعى مسكينا الدارميّ حمى له بناحية العذيب [4] في عام قحط حتى أخصب الناس وأحيوا، ثم كتب له ببرّ وتمر وكساه، قال: فلما مات زياد رثاه مسكين، فقال:
رأيت زيادة الإسلام ولّت ... جهارا حين ودّعنا زياد
فعارضه الفرزدق، وكان منحرفا عن زياد لطلبه إياه وإخافته له، فقال:
أمسكين أبكى اللّه عينك إنما ... جرى في ضلال دمعها فتحدّرا
__________
[1] جعله في «الاشتقاق» كزفر، وفي «القاموس» و «جمهرة الأنساب» كعنق.
[2] كذا بالنسخ، وصف بالمصدر على معنى ناطق وحرك الطاء إتباعا.
[3] ذر: ظهر.
[4] العذيب: ماء على أربعة أميال من القادسية.
بكيت على علج بميسان [1] كافر ... ككسرى على عدّانه [2] أو كقصيرا
أقول له لما أتاني نعيّه: به [3] ... لا بظبي بالصريمة [4] أعفرا [5]
/فقال مسكين يجيبه:
ألا أيها المرء الّذي لست قاعدا ... ولا قائما في القوم إلّا انبرى ليا
فجئني بعمّ مثل عمي أو أب ... كمثل أبي أو خال صدق كخاليا
كعمرو بن عمرو أو زرارة ذي الندى ... أو البشر من كلّ فرعت الروابيا
قال: فأمسك الفرزدق عنه، فلم يجبه، وتكافأ.
أخبرني ببعض هذا الخبر أبو خليفة عن محمد بن سلّام، فذكر نحوا مما ذكره/ أبو عبيدة وزاد فيه، قال:
والبشر خال لمسكين من النّمر بن قاسط، وقد فخر به، فقال:
شريح فارس النعمان عمّي ... وخالي البشر بشر بني هلال
وقاتل خاله بأبيه منا ... سماعة لم يبع حسبا بمال
اتقى الفرزدق هجاءه واتقى هو هجاء الفرزدق:
وأخبرني عمي قال: حدثنا الحزنبل عن عمرو بن أبي عمرو، عن أبيه بمثل هذه الحكاية، وزاد فيها، قال:
فتكافّا واتّقاه الفرزدق أن يعين عليه جريرا، واتّقاه مسكين أن يعين عليه عبد الرحمن بن حسان بن ثابت.
ودخل شيوخ بني عبد اللّه وبني مجاشع، فتكافا.
مهاجاته الفرزدق من المحن الّتي أفلت منها الفرزدق:
وأخبرني هاشم بن محمد الخزاعيّ قال: حدثنا أبو غسان دماذ عن أبي عبيدة عن أبي عمرو قال: قال الفرزدق.
نجوت من ثلاثة أشياء لا أخاف بعدها شيئا: نجوت من زياد حين طلبني، ونجوت من ابني رميلة وقد نذرا دمي وما فلتهما أحد طلباه قطّ، ونجوت من مهاجاة مسكين الدارميّ؛ لأنه لو هجاني اضطرني أن أهدم شطر حسبي وفخري، لأنه من بحبوحة نسبي وأشراف عشيرتي، فكان جرير حينئذ ينتصف مني بيدي ولساني.
شعره في الغيرة أشعر ما قيل فيها:
أخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن عمّار قال: حدّثني محمود بن داود عن أبي عكرمة عامر بن عمران عن مسعود بن بشر عن أبي عبيدة أنه سمعه يقول:
__________
[1] ميسان: كورة بين البصرة وواسط. ورواية «اللسان» و «معجم البلدان»: «أتتبكى امرأ من آل ميسان كافرا».
[2] عدانه: زمانه وعهده.
[3] به: الهلاك به لا بما يهمني، أو هو مثل يضرب عند الشماتة، معناه: جعل اللّه ما أصابه لا زماله مؤثرا فيه، ولا كان مثل الظبي في سلامته.
[4] الصريمة: موضع.
[5] أعقر: أبيض ليس بالشديد البياض، أو الّذي يعلو بياضه حمرة.
أشعر ما قيل في الغيرة قول مسكين الدارمي:
ألا أيها الغائر المستش ... يط فيم تغار إذا لم تغر؟
فما خير عرس إذا خفتها ... وما خير عرس إذا لم تزر؟
/ تغار على الناس أن ينظروا ... وهل يفتن الصالحات النظر؟
وإني سأخلي لها بيتها ... فتحفظ لي نفسها أو تذر
إذا اللّه لم يعطني حبّها ... فلن يعطي الحبّ سوط ممرّ [1]
يأبي معاوية أن يفرض له: ثم يعود فيجيبه إلى طلبه:
أخبرني هاشم بن محمد الخزاعيّ قال: حدّثني عبد اللّه بن عمرو بن أبي سعد قال: حدّثني عبد اللّه بن مالك الخزاعي قال: حدّثني عبد اللّه بن بشير قال: أخبرني أيوب بن أبي أيوب السعديّ قال:
لما قدم مسكين الدارميّ على معاوية فسأله أن يفرض له فأبى عليه، وكان لا يفرض إلّا لليمن، فخرج من عنده مسكين وهو يقول:
أخاك أخاك إن من لا أخاله ... كساع إلى الهيجا بغير سلاح
وإن ابن عم المرء فأعلم جناحه ... وهل ينهض البازي بغير جناح؟
وما طالب الحاجات إلّا مغرّر [2] ... وما نال شيئا طالب كنجاح [3]
/قال السعديّ: فلم يزل معاوية كذلك حتى غزت اليمن وكثرت، وضعضعت عدنان، فبلغ معاوية أن رجلا من أهل اليمن قال يوما: لهممت [4] ألا أدع بالشأم أحدا من مضر، بل هممت ألّا أحل حبوتي حتى أخرج كل نزاريّ بالشأم، فبلغت معاوية، ففرض من وقته لأربعة آلاف رجل من قيس سوى خندف، وقدم على تفئية [5] ذلك عطارد بن حاجب على معاوية، فقال له: ما فعل الفتى الدارميّ الصبيح الوجه الفصيح/ اللسان؟ يعني مسكينا، فقال:
صالح: يا أمير المؤمنين، فقال: أعلمه أني قد فرضت له في شرف العطاء وهو في بلاده؛ فإن شاء أن يقيم بها أو عندنا فليفعل، فإنّ عطاءه سيأتيه، وبشّره أني قد فرضت لأربعة آلاف من قومه من خندف؛ قال: وكان معاوية بعد ذلك يغزي اليمن في البحر، ويغزي قيسا في البرّ، فقال شاعر اليمن:
ألا أيها القوم الذين تجمعوا ... بعكّا أناس أنتم أم أباعر؟
أتترك قيس آمنين بدارهم ... ونركب ظهر البحر والبحر زاخر؟
فو اللّه ما أدري وإني لسائل ... أهمدان يحمى ضيمها أم يحابر؟
__________
[1] ممر: مفتول فتلا شديدا.
[2] في «خزانة الأدب» 3: 60: «معذب».
[3] كذا في المصدر السابق. وفي س، ب: «كجناح».
[4] وفي س: «لممت»، تحريف.
[5] على تفيئة: على أثر.
أم الشرف الأعلى من أولاد حمير ... بنو مالك إذ تستمر [1] المرائر [2]
أأوصى أبوهم بينهم أن تواصلوا ... وأوصى أبوكم بينكم أن تدابروا
قال، ويقال: إن النجاشي قال هذه الأبيات.
أخبرني بذلك عبد اللّه بن أحمد بن الحارث العدويّ عن محمد بن عائد عن الوليد بن مسلم عن إسماعيل بن عياش وغيره، قالوا:
فلما بلغت هذه الأبيات معاوية بعث إلى اليمن فاعتذر إليهم، وقال: ما أغزيتكم البحر إلّا لأني أتيمن بكم، وأن في قيس نكدا وأخلاقا لا يحتملها الثغر، وأنا عارف بطاعتكم. ونصحكم. فأما إذ قد ظننتم غير ذلك فأنا أجمع فيه بينكم وبين قيس فتكونون جميعا فيه وأجعل الغزو فيه عقبا [3] بينكم، فرضوا فعل ذلك فيما بعد.
بشر بن مروان يتمثل بشعر له:
حدّثني الحسن بن عليّ قال: حدثنا أحمد بن زهير بن حرب قال: حدّثني مصعب بن عبد اللّه قال: وحدثنيه زبير عن عمه قال:
كان أصاغر ولد مروان في حجر ابنه عبد العزيز بن مروان، فكتب عبد العزيز إلى بشر كتابا، وهو يومئذ على العراق، فورد عليه وهو ثمل، وكان فيه كلام أحفظه، فأمر بشر كاتبه فأجاب عبد العزيز جوابا قبيحا، فلما ورد عليه علم أنه كتبه وهو سكران، فجفاه وقطع مكاتبته زمانا. وبلغ بشرا عتبه عليه، فكتب إليه: لو لا الهفوة لم أحتج إلى العذر، ولم يكن لك في قبوله مني الفضل. ولو احتمل الكتاب أكثر مما ضمّنته [4] لزدت فيه، وبقيّة [5] الأكابر على الأصاغر من شيم الأكارم. ولقد أحسن مسكين الدارميّ حين يقول:
أخاك أخاك إنّ من لا أخا له ... كساع إلى الهيجا بغير سلاح
وإن ابن عمّ [6] المرء فأعلم جناحه ... وهل ينهض البازي بغير جناح!
قال: فلما وصل كتابه إلى عبد العزيز دمعت عينه، وقال: إن أخي كان منتشيا ولو لا ذلك لما جرى منه ما جرى، فسلوا عمن شهد ذلك المجلس؛ فسئل عنهم، فأخبر بهم، فقبل عذره، وأقسم/ عليه ألا يعاشر أحدا من ندمائه الذين حضروا ذلك المجلس، وأن يعزل كاتبه عن كتابته، ففعل.
مهاجاته الفرزدق من المحن الّتي نجا الفرزدق منها:
أخبرني محمد بن الحسين الكنديّ خطيب القادسية قال: حدثنا عمر بن شبّة عن أبي عبيدة عن أبي عمرو قال:
/ كان الفرزدق يقول: نجوت من ثلاث أرجو ألّا يصيبني بعدهن شر: نجوت من زياد حين طلبني وما فاته
__________
[1] تستمر: تستحكم.
[2] المرائر: العزائم، جمع مريرة.
[3] عقب: جمع عقبة كغرقة، وهي النوبة والبدل.
[4] م. س، ب: «ضممته»، تحريف.
[5] بقية: إبقاء.
[6] م، أ: «ابن أم».
مطلوب قطّ، ونجوت من ضربة رئاب بن رميلة أبي البذال فلم يقع [1] في رأسي، ونجوت من مهاجاة مسكين الدارمي. ولو هاجيته لحال بيني وبين بيت بني عمّي، وقطع لساني عن الشعراء.
يخطب فتاة فتأباه، ويمر بها وهي مع زوجها، فيقول في ذلك شعرا:
أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال: حدّثنا أبو العيناء عن الأصمعيّ قال:
خطب مسكين الدراميّ فتاة من قومه فكرهته لسواد لونه وقلة ماله، وتزوجت بعده رجلا من قومه ذا يسار ليس له مثل نسب مسكين، فمرّ بهما مسكين ذات يوم، وتلك المرأة جالسة مع زوجها، فقال:
أنا مسكين لمن يعرفني ... لوني السّمرة ألوان العرب
من رأى ظبيا عليه لؤلؤ ... واضح الخدين مقرونا بضب [2]
أكسبته الورق البيض أبا ... ولقد كان وما يدعى لأب
ربّ مهزول سمين بيته ... وسمين البيت مهزول النسب
أصبحت ترزق من شحم الذّرا [3] ... وتخال اللؤم درّا ينتهب
لا تلمها إنها من نسوة ... صخبات ملحها فوق الرّكب [4]
كشموس الخيل يبدو شغبها ... كلما قيل لها هال وهب [5]
يأمره يزيد أن يرشحه للخلافة في أبيات وينشدها في مجلس أبيه:
أخبرني محمد بن مزيد قال: حدّثني حماد بن إسحاق الموصليّ قال: حدّثني أبي عن الهيثم بن عديّ عن عبد اللّه بن عياش قال:
كان يزيد بن معاوية يؤثر مسكينا الدارميّ، ويصله ويقوم بحوائجه عند أبيه، فلما أراد معاوية البيعة ليزيد تهيّب ذلك وخاف ألا يمالئه عليه الناس، لحسن البقيّة فيهم، وكثرة من يرشّح للخلافة، وبلغه في ذلك ذرء [6] وكلام كرهه من سعيد بن العاص ومروان بن الحكم وعبد اللّه بن عامر، فأمر يزيد مسكينا أن يقول أبياتا وينشدها معاوية في مجلسه إذا كان حافلا وحضره وجوه بني أمية، فلما اتفق ذلك دخل مسكين إليه، وهو جالس وابنه يزيد عن يمينه وبنو أمية حواليه وأشراف الناس في مجلسه، فمثل بين يديه وأنشأ يقول:
إن أدع مسكينا فإني ابن معشر ... من الناس أحمي عنهم وأذود
إليك أمير المؤمنين رحلتها ... تثير القطا ليلا وهنّ هجود
وهاجرة ظلت كأن ظباءها ... إذا ما اتّقتها بالقرون سجود
__________
[1] في م، أ: «تقع».
[2] م، أ: «واضح الخدين مقرون».
[3] الذرا: أعلى السنام.
[4] ملحها فوق الركب: كثيرة الخصام، كأن طول مجاثاتها ومصاكتها الركب قرح ركبتها، فهي تضع الملح عليهما تداويهما.
[5] هال وهب: اسما زجر للخيل.
[6] ذرء: شيء.
صوت
ألا ليت شعري ما يقول ابن عامر ... ومروان أم ماذا يقول سعيد؟
بني خلفاء اللّه مهلا فإنما ... يبوّئها الرحمن حيث يريد
إذا المنبر الغربيّ خلّاه ربه ... فإن أمير المؤمنين يزيد
/ - الغناء لمعبد ثقيل أول بالبنصر، عن عمرو بن بانة:
على الطائر الميون والجدّ صاعد ... لكلّ أناس طائر وجدود
/ فلا زلت أعلى الناس كعبا [1] ولا تزل ... وفود تساميها إليك وفود
ولا زال بيت الملك فوقك عاليا ... تشيّد أطناب له وعمود
قدور ابن حرب كالجوابي [2] وتحتها ... أثاف كأمثال الرئال [3] ركود
فقال له معاوية: ننظر فيماقلت يا مسكين، ونستخير اللّه. قال: ولم يتكلم أحد من بني أمية في ذلك إلّا بالإقرار والموافقة، وذلك الّذي أراده يزيد ليعلم ما عندهم، ثم وصله يزيد ووصله معاوية فأجز لا صلته.
يغير مغن للرشيد شطر بيت له، فيعجب الرشيد تغييره:
أخبرني محمد بن خلف قال: حدثنا العنزيّ قال: حدثنا أبو معاوية بن سعيد بن سالم قال: قال لي عقيد:
غنيت الرشيد:
إذا المنبر الغربي خلّاه ربه
ثم فطنت لخطابي، ورأيت وجه الرشيد قد تغير، قال: فتداركتها وقلت:
فإن أمير المحسنين عقيد
فطرب، وقال: أحسنت واللّه، بحياتي قل:
فإن أمير المؤمنين عقيد
فو اللّه لأنت أحق بها من يزيد بن معاوية، فتعاظمت ذلك، فحلف لا أغنيه إلّا كما أمر، ففعلت، وشرب عليه ثلاثة أرطال، ووصلني صلة سنية.
تمر به امرأة له وهو ينشد من شعره، فتعقب عليه، فيضربها:
أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال: حدثنا عبد الرحمن بن أخي الأصمعي قال: حدّثني عمي قال:
/ كانت لمسكين الدراميّ امرأة من منقر، وكانت فاركا [4] كثيرة الخصومة والمماظّة [5]، فجازت به يوما وهو
__________
[1] يريد كعب الرمح، كناية عن الشرف.
[2] الجوابي: جمع جابية، وهي الحوض يجبي فيه الماء للإبل.
[3] الرئال: جمع رأل، وهو ولد النعام.
[4] فاركا: مبغضة لزوجها.
[5] المماظة: المنازعة والمشادة.
ينشد قوله في نادي قومه:
إن أدع [1] مسكينا فما قصرت [2] ... قدري بيوت الحي والجدر
فوقفت عليه تسمع حتى إذا بلغ قوله:
ناري ونار الجار واحدة ... وإليه قبلي تنزل القدر
فقالت له: صدقت واللّه، يجلس جارك فيطبخ قدره، فتصطلى بناره، ثم ينزلها فيجلس يأكل وأنت بحذائه كالكلب، فإذا شبع أطعمك، أجل وللّه، إن القدر لتنزل إليه قبلك، فأعرض عنها، ومرّ في قصيدته حتى بلغ قوله:
ما ضرّ جارا لي أجاوره ... ألا يكون لبيته ستر
فقلت له: أجل، إن كان له ستر هتكته، فوثب إليها يضربها، وجعل قومه يضحكون منهما [3] وهذه القصيدة من جيد شعره [3].
صوت
يا فرحتا إذ صرفنا أوجه الإبل ... نحو الأحبة بالإزعاج والعجل
نحثّهن وما يؤتين من دأب ... لكنّ للشوق حثا ليس للإبل
الشعر لأبي محمد اليزيديّ، والغناء لسليمان، ثقيل أول بالبنصر عن عمرو، والهشامي.
__________
[1] كذا في «خزانة الأدب»: 3: 63 و«أمالي المرتضى»: 3: 120 وفيما سبق له في ص 212 من طبعة دار الكتب. وفي النسخ: أك.
[2] قصره، كضرب: جعله قصيرا، يريد أن قدري بارزة لا تحجبها السواتر والحيطان.
(3 - 3) زيادة من: مي، مج.
10 - أخبار أبي محمد ونسبه
نسبه:
أبو محمد يحيى بن المبارك، أحد بني عديّ بن عبد شمس بن زيد مناة بن تميم.
سمعت أبا عبد اللّه محمد بن العباس بن محمد بن أبي محمد اليزيديّ يذكر ذلك، ويقول: نحن من رهط ذي الرمة.
لم يقال له اليزيدي؟:
وقيل: إنهم موالي بني عدي، وقيل لأبي محمد: اليزيديّ لأنه كان فيمن خرج مع إبراهيم بن/ عبد اللّه بن الحسن بالبصرة، ثم توارى زمانا حتى استتر أمره، ثم اتصل بعد ذلك بيزيد بن منصور خال المهدي، فوصله بالرشيد، فلم يزل معه. وأدّب المأمون خاصة من ولده، ولم يزل أبو محمد وأولاده منقطعين إليه وإلى ولده، ولهم فيهم مدائح كثيرة جياد.
مكانته العلمية والأدبية وشيوخه:
وكان أبو محمد عالما باللغة والنحو، راوية للشعر، متصرفا في علوم العرب. أخذ عن أبي عمرو بن العلاء ويونس بن حبيب النحويّ وأكابر البصريين، وقرأ القرآن على أبي عمرو بن العلاء، وجوّد قراءته ورواها عن.، وهي المعوّل عليها في هذا الوقت. وكان بنوه جميعا في مثل منزلته من العلم والمعرفة باللغة، وحسن التصرف في علوم العرب. ولسائرهم علم جيد [1].
من له شعر يتغنى به من أولاده:
ونحن نذكر بعد انقضاء أخباره أخبار من كان له شعر وفيه غناء من ولده، إذ كنا قد شرطنا ذكر ما فيه صنعة دون غيره.
فمنهم محمد بن أبي محمد، وإبراهيم بن أبي محمد، وإسماعيل بن أبي محمد. كلّ هؤلاء ولده لصلبه، ولكلّهم شعر جيد.
ومن ولد ولده أحمد بن محمد بن أبي محمد، وهو أكبرهم، وكان شاعرا راوية عالما.
/ ومنهم عبيد اللّه والفضل ابنا محمد بن محمد، وقد رويا عن أكابر أهل اللغة، وحمل عنهما علم كثير. وآخر من كان بقي من علماء أهل هذا البيت أبو عبد اللّه محمد بن العباس بن محمد بن أبي محمد، وكان فاضلا عالما ثقة فيما يرويه، منقطع القرين في الصدق وشدة التوقيّ فيما ينقله.
وقد حملنا نحن عنه وكثير من طلبة العلم ورواته علما كثيرا، فسمعنا منه سماعا جمّا. فأما ما أذكر ها هنا من
__________
[1] مي: «شعر جيد».
أخبارهم فإني أخذته عن أبي عبد اللّه عن عمّيه عبيد اللّه والفضل، وأضفت إليه أشياء أخر يسيرة أخذتها عن غيره، فذكرت ذلك في مواضعه، ورويته عن أهله.
يقول في المأمون شعرا وقد ضرب عنق أسيرين فأبان رأسيهما:
أخبرني محمد بن العباس اليزيديّ قال: حدّثني عمي عبيد اللّه عن عمه إسماعيل بن أبي محمد قال: حدّثني أبي قال:
كان الرشيد جالسا في مجلسه فأتي بأسير من الروم، فقال لدفافة العبسيّ: قم فاضرب عنقه، فضربه فنبا سيفه، فقال لابن فليح لندنيّ: قم فاضرب عنقه، فضربه فنبا سيفه أيضا، فقال: أصلح اللّه أمير المؤمنين! تقدمتني ضربة عبسية، فقال الرشيد للمأمون، وهو يومئذ غلام: قم - فداك أبوك - فاضرب عنقه، فقام فضرب العلج، فأبان رأسه، ثم دعا بآخر فأمره بضرب عنقه، فضربه فأبان رأسه، ونظر إليّ المأمون نظر مستنطق، فقلت:
أبقي دفافة عارا بعد ضربته ... عند الإمام لعبس آخر الأبد
كذاك أسرته تنبو سيوفهم ... كسيف ورقاء [1] لم يقطع ولم يكد
ما بال سيفك قد خانتك ضربته ... وقد ضربت بسيف غير ذي أود
هلا كضربة عبد اللّه إذ وقعت ... ففرّقت [2] بين رأس العلج والجسد
يحتكم في فضله اثنان فيفضله الحكم على الكسائي فيقول في ذلك شعرا:
قال إسماعيل بن أبي محمد في أخباره:
كان حمّويه ابن أخت الحسن الحاجب وسعيد والجوهريّ واقفين، فذكرا أبا محمد - يعني أباه والكسائي - ففضّل حمّويه الكسائي على أبي محمد، وفضل سعيد الجوهري أبا محمد على الكسائي.
وطال الكلام بينهما إلى أن تراضيا برجل يحكم بينهما، فتراهنا على أنّ من غلب أخذ برذون صاحبه، فجعلا الحكم بينهما/ أبا صفوان الأحوزيّ، فلما دخل سألاه فقال لهما: لو ناصح الكسائيّ نفسه لصار إلى أبي محمد، وتعلم منه كلام العرب، فما رأيت أحدا أعلم منه به، فأخذ الجوهريّ دابة حمّويه. وبلغ أبا محمد اليزيديّ هذا الخبر فقال:
يا حمّويه اسمع ثنا [3] صادقا ... فيك وما الصادق كالكاذب
يا جالب الخزي على نفسه ... بعدا وسحقا لك من جالب
إنّ فخر الناس بآبائهم ... آتيتهم بالعجب العاجب
قلت وأدغمت [4] أبا خاملا ... أنا ابن أخت الحسن الحاجب
__________
[1] هو ورقاء بن زهير بن جذيمة العبسي، وكان ضرب خالد بن جعفر بن كلاب بسيفه فلم يصنع شيئا، لأنه قد ظاهر بين درعين (ابن الأثير: 1: 413).
[2] كذا في غير س. وفي س «فرقت»، تحريف.
[3] س، ب: «ثناء»، تحريف».
[4] مي: «و ألغيت».
يهجو سلم الخاسر:
قال إسماعيل: وحدّثني أبي قال:
كنت ذات يوم جالسا أكتب كتابا، فنظر فيه سلم الخاسر طويلا، ثم قال:
أير يحيى أخط من كفّ يحيى ... إنّ يحيى بأيره لخطوط
فقال أبو محمد يحيى:
أمّ سلم بذاك أعلم شيء ... إنها تحت أيره لضروط
/ ولها تارة إذا ما علاها ... أزمل [1] من وداقها [2] وأطيط [3]
أمّ سلم تعلّم الشّعر سلما ... حبّذا شعر أمك المنقوط
ليت شعري ما بال سلم بن عمرو ... كاسف البال حين يذكر لوط
لا يصلّي عليه فيمن يصلّي ... بل له عند ذكره تثبيط
فقال له سلم: ويحك ما لك خبثت؟ أي شيء دعاك إلى هذا كله؟ فقال أبو محمد: بدأت، فانتصرت، والبادي أظلم.
يطلب سلم الخاسر أن يهجوه على روي سماه، فيفعل، فيغضب سلم:
قال أبو عبد اللّه محمد بن العباس اليزيديّ حدّثني عبيد اللّه وعمي أبو القاسم عن أبي عليّ إسماعيل قال: قال لي أبي: قال سلم الخاسر يوما:
يا أبا محمد، قل أبياتا على قول امرىء القيس:
ربّ رام من بني ثعل
ولا أبالي أن تهجوني فيها، فقلت:
ربّ مغموم بعافية ... غمط النّعماء من أشره
مورد أمرا يسرّ به ... فرأى المكروه في صدره
وامرىء طالت سلامته ... فرماه الدهر من غيره
بسهام غير مشوية [4] ... نقضت منه عرا مرره
وكذاك الدهر مختلف ... بالفتى حالين من عصره
يخلط العسرى بميسرة ... ويسار المرء في عسره
/ عقّ سلم أمّة سفها ... وأبا سلم على كبره
__________
[1] أزمل: صوت.
[2] وداق ككتاب: شبق. وهو في الأصل: ميل ذات الحافر إلى الفحل.
[3] أطيط: أنين.
[4] غير مشوية: غير مخطئة.
كلّ يوم خلفه رجل ... رامح [1] يسعى على أثره
يولج الغرمول [2] سبتّه [3] ... كولوج الضّبّ في حجره
فانصرف سلم وهو يشتمه ويقول: ما يحلّ لأحد أن يكلمك.
يطلب شاعر أن ينظم على قافية معينة فيهجوه فيما نظم:
قال: وقال لي يوما أبو حنش الشاعر:
يا أبا محمد، قل أبياتا قافيتها على هاءين، فقلت له: على أن أهجوك فيها، فقال نعم، فقلت:
قلت ونفسي جمّ تأوّهها ... تصبو إلى إلفها وأندهها [4]
/سقيا لصنعاء لا أرى بلدا ... أوطنه [5] الموطنون يشبهها
حصنا ولا كبهجتها ... أعذى [6] بلاد عذّا وأنزهها
يعرف صنعاء من أقام بها ... أرغد أرض عيشا وأرفهها
أبلغ حضيرا عنّي أبا حنش ... عائرة [7] نجوه أوجّهها
تأتيه مثل السهام عامدة ... عليه مشهورة أدهدهها [8]
كنيته طرح نون كنيته ... إذا تهجيّتها ستفقهها
/ يريد إسقاط النون من أب حنش حتى يكون أبا حش [9]
يقول شعرا في يونس بن الربيع وكان وسيما:
قال أبو عبد اللّه: وحدّثني عمي قال: حدّثني الطّلحيّ - وكان له علم وأدب - قال:
اجتمعت مع أبي محمد عند يونس بن الربيع، وكان قد دعانا، فأقمنا عنده، فاتفق مجلسي إلى جنب مجلس أبي محمد، فقام يونس لحاجته، وكان جميلا وسيما، فالتفتّ إلى اليزيديّ فقال:
وفتى كالقناة في الطّرف منه ... إن تأملت طرفه استرخاء
فإذا الرامح المشيح [10] تلاه ... وضع الرمح منه حيث يشاء
يهجو قتيبة الخراساني لأنه كان يسأله كالمتعنت:
قال: وحدّثني عمي عن عمه إسماعيل عن أبي محمد قال:
__________
[1] الرامح في الأصل: ذو الرمح.
[2] الغرمول: الذكر.
[3] سبته: استه.
[4] اندهها: أزجرها.
[5] أوطنه: استوطنه.
[6] أعذى: أطيب هواء. والفعل عذا يعذو.
[7] عائرة: سهاما لا يدري راميها. والمراد قصيدة.
[8] أدهدهها: أرسلها، من دهده الحجر: دحرجه.
[9] الحش: موضع قضاء الحاجة مثلثة.
[10] المشيح: المقبل.
كان قتيبة الخراسانيّ عيسى بن عمر يأتيني، فيسألني عن مسائل كالمتعنّت، فإذا أجبته عنها انصرف منكسرا، وكان أفطس، فقلت له يوما:
أمخبري أنت يا قتيبة عن ... أنفك أم أنت كاتم خبره؟
بأي جرم وأيّ ذنب ترى ... سوّت بخدّيك أنفك البقره
فصيّرته كفيشة [1] نبتت ... في وجه قرد مفضوضة [2] الكمره
قد كان في ذاك شاغل لك عن ... تفتيش باب العرفان والنكره
وقلت فيه أيضا:
إذا عافى مليك الناس عبدا ... فلا عافاك ربّك يا قتيبة
/ طلبت النحو مذ أن كنت طفلا ... إلى أن جلّلتك قبحت شيبه
فما تزداد إلّا النقص فيه ... وأنت لدى الإياب بشرّ أو به
وكنت كغائب قد غاب حينا ... فطال مقامه وأتى بخيبه
يلقن قتيبة غريبا فيه فحش، فيعابي به عيسى بن عمر:
قال أبو محمد:
كان عيسى بن عمر أعلم الناس بالغريب، فأتاني قتيبة الخراسانيّ هذا، فقال لي: أفدني شيئا من الغريب أعايي [3] به عيسى بن عمر، فقلت له: أجود المساويك عند العرب الأراك، وأجود الأراك عندهم ما كان متمئرّا [4] عجارما [5] جيدا، وقد قال الشاعر:
إذا استكت يوما بالأراك فلا يكن ... سواكك إلّا المتمئرّ العجارما
يعني الأير. قال: فكتب قتيبة ما قلت له، وكتب البيت، ثم أتى عيسى بن عمر في مجلسه، قال: يا أبا عمر، ما أجود المساويك عند العرب؟ فقال: الأراك، يرحمك اللّه. فقال له قتيبة: أفلا أهدي إليك منه شيئا متمئرا عجارما؟ فقال:
أهده إلى نفسك. وغضب، وضحك كل من كان في مجلسه،/ وبقي قتيبة متحيرا، فعلم عيسى أنه قد وقع عليه بلاء، فقال له: ويلك! من فضحك وسخر منك بهذه المسألة؟ ومن أهلكك ودمّر عليك؟ قال: أبو محمد اليزيديّ، فضحك عيسى حتى فحص برجله، وقال: هذه واللّه من مزحاته وبلاياه. أراه عنك منحرفا، فقد فضحك. فقال قتيبة: لا أعاود مسألته عن شيء.
__________
[1] الفيشة: رأس الذكر.
[2] مي: «مقطوعة».
[3] كذا في م، أ. ومعناه: أعجزه عن فهمه. س، ب: «أعاني» بمعنى أشاجر.
[4] المتمئر: الذكر الصلب.
[5] العجارم: الرجل الشديد، ويكنى به عن الذكر.
الخليل يحبه ويجله:
حدّثني عمي قال: حدّثني عبيد اللّه بن محمد اليزيديّ قال: حدّثني أخي أبو جعفر/ قال: سمعت جدّي أبا محمد يقول: صرت يوما إلى الخليل بن أحمد، والمجلس غاص بأهله، فقال لي: ها هنا عندي، فقلت أضيّق عليك، فقال: إنّ الدنيا بحذافيرها تضيق عن متباغضين، وإنّ شبرا في شبر لا يضيق عن متحابّين. قال: وكان الخليل لأبي محمد صافي الودّ.
يجمع بين الخليل وابن المقفع:
حدثنا اليزيديّ قال: حدّثني عمي عبيد اللّه قال: حدّثني أخي أحمد قال: سمعت جدي أبا محمد يقول:
كنت ألقي الخليل بن أحمد، فيقول لي: أحبّ أن يجمع بيني وبين عبد اللّه بن المقفّع، وألقى ابن المقفّع فيقول: أحب أن يجمع بيني وبين الخليل بن أحمد. فجمعت بينهما، فمرّ لنا أحسن مجلس وأكثره علما، ثم افترقنا، فلقيت الخليل فقلت له: يا أبا عبد الرحمن، كيف رأيت صاحبك؟ قال: ما شئت من علم وأدب، إلّا أني رأيت كلامه أكثر من علمه، ثم لقيت ابن المقفّع فقلت: كيف رأيت صاحبك؟ فقال: ما شئت من علم وأدب، إلّا أنّ عقله أكثر من علمه [1].
يناظر الكسائي في مجلس المهدي فيغلبه:
حدثنا اليزيديّ قال حدّثني عمي عبيد اللّه قال: حدّثني أخي أحمد بن محمد قال: حدّثني أبي محمد بن أبي محمد قال: قال لي أبو محمد:
كنا مع المهدي ببلد في شهر رمضان قبل أن يستخلف بأربعة أشهر، وكان الكسائيّ معنا، فذكر المهديّ العربية وعنده شيبة بن الوليد العبسيّ عمّ دفافة، فقال المهديّ: نبعث إلى اليزيديّ والكسائيّ، وأنا يومئذ مع يزيد بن المنصور خال المهديّ، والكسائي مع الحسن الحاجب، فجاءنا الرسول، فجئت أنا، فإذا الكسائيّ على الباب قد سبقني. فقال: يا أبا محمد، أعوذ باللّه من شرّك، فقلت: واللّه لا تؤتى من قبلي حتى أوتى من قبلك.
/ فلما دخلنا عليه أقبل عليّ، وقال: كيف نسبوا إلى البحرين فقالوا: بحرانيّ، ونسبوا إلى الحصنين [2] فقالوا:
حصنّي ولم يقولوا حصنانيّ. كما قالوا بحراني؟ فقلت: أصلح اللّه الأمير! لو أنهم نسبوا إلى البحرين فقالوا: بحريّ لم يعرف أإلى البحرين نسبوا أم إلى البحر؟ فلما جاءوا إلى الحصنين لم يكن موضع آخر يقال له: الحصن ينسب إليه غيرهما [3] فقالوا: حصني.
قال أبو محمد، سمعت الكسائي يقول لعمر بن بزيع - وكان حاضرا - لو سألني الأمير لأخبرته فيها بعلّة هي أحسن من هذه. قال أبو محمد: قلت: أصلح اللّه الأمير، إن هذا يزعم أنك لو سألته لأجاب بأحسن مما أجبت به.
قال: فقد سألته: فقال الكسائيّ: لما نسبوا إلى الحصنين كانت فيه نونان، فقالوا: حصني اجتزاء بإحدى النونين عن الأخرى، ولم يكن في البحرين إلّا نون واحدة، فقالوا: بحراني. فقلت: أصلح اللّه الأمير! فكيف تنسب رجلا من
__________
[1] هد: «إلّا أن عقله وعلمه أكثر من كلامه».
[2] الحصنين موضع، وقلعة بوادي له من نواحي الطائف.
[3] ذكر ياقوت أن هناك مواضع كثيرة تسمى بهذا الاسم، ومما ذكر منها: ثنية بمكة في موضع يقال له: المفجر.
بني جنّان فإنه يلزمه على قياسه أن يقول: جنّي إن في جنّان نونين، فإن قال ذلك فقد سوّى بينه وبين المنسوب إلى الجنّ.
قال: فقال لي المهدي وله: تناظرا في غير هذا حتى نسمع، فتناظرنا في مسائل حفظ فيها قولي/ وقوله إلى أن قلت له: كيف تقول: إن من خير القوم أو خيرهم نية زيد؟ قال: فأطال الفكر لا يجيب. فقلت: لأن تجيب فتخطىء فتتعلم أحسن من هذه الإطالة. فقال: إن من خير القوم أو خيرهم نية زيدا. قال: فقلت: أصلح اللّه الأمير، ما رضي أن يلحن حتى لحن وأحال. قال: وكيف؟ قلت: لرفعه قبل أن يأتي باسم إنّ، ونصبه بعد رفعه.
فقال شيبة بن الوليد: أراد بأو - بل، فرفع هذا معنى. فقال الكسائيّ: ما أردت/ غير ذلك فقلت: فقد أخطأ جميعا أيها الأمير. لو أراد بأو - بل رفع زيدا؛ لأنه لا يكون بل خيرهم زيدا، فقال المهديّ: يا كسائيّ، لقد دخلت عليّ مع مسلمة النحويّ وغيره، فما رأيت كما أصابك اليوم. قال: ثم قال: هذان عالمان، ولا يقضي بينهما إلّا أعرابيّ فصيح يلقى عليه المسائل الّتي اختلفا فيها فيجيب. قال: فبعث إلى فصيح من فصحاء الأعراب. قال أبو محمد، وأطرقت إلى أن يأتي الأعرابيّ، وكان المهديّ محبّا لأخواله، ومنصور بن يزيد بن منصور حاضر، فقلت:
أصلح اللّه الأمير! كيف ينشد هذا البيت الّذي جاء في هذه الأبيات:
يأيها السائلي لأخبره ... عمن بصنعاء من ذوي الحسب
حمير ساداتها تقر لها ... بالفضل طرّا جحاجح [1] العرب
وإنّ من خيرهم وأكرمهم ... أو خيرهم نية أبو كرب
قال: فقال لي المهديّ: كيف تنشده أنت؟ فقلت: أو خيرهم نية أبو كرب على إعادة إنّ، كأنه قال: أو إنّ خيرهم نية أبو كرب. فقال الكسائيّ: هو واللّه قالها الساعة. قال، فتبسم المهديّ، وقال: إنك لتشهد له وما تدري. قال:
ثم طلع الأعرابيّ الّذي بعث إليه فألقيت عليه المسائل، فأجاب فيها كلّها بقولي، فاستفزّني السرور حتى ضربت بقلنسيتي الأرض، وقلت: أنا أبو محمد. قال لي شيبة: أتتكنّي باسم الأمير؟ فقال المهديّ: واللّه ما أراد بذلك مكروها، ولكنه فعل ما فعل للظّفر، وقد - لعمري - ظفر. فقلت: إن اللّه - عزّ وجل - أنطقك أيها الأمير بما أنت أهله، وأنطق غيرك بما هو أهله.
يتهدده شيبة بن الوليد فيهجوه في رقاع دسها في الدواوين:
قال: فلما خرجنا قال لي شيبة: أتخطّئني بين يدي الأمير؟ أما لتعلمنّ! قلت: قد سمعت ما قلت، وأرجو أن تجد غبّها، ثم لم أصبح حتى كتبت/ رقاعا عدة، فلم أدع ديوانا إلّا دسست إليه رقعة فيها أبيات قلتها فيه، فأصبح الناس يتناشدونها، وهي:
عش بجدّ ولا يضرّك نوك ... إنما عيش من ترى بالجدود
عش بجدّ وكن هبّنقه [2] القي ... سيّ نوكا أو شيبة بن الوليد
شيب يا شيب يا جديّ بني القع ... قاع ما أنت بالحليم الرشيد [3]
لا ولا فيك خلّة من خلال ... الخير أحرزتها لحزم وجود
__________
[1] جحاجح: سادة، جمع جحجح.
[2] هو يزيد بن ثروان، ويكنى ذا الودعات، لأنه جعل في عنقه قلادة من ودع وعظام وخزف مع طول لحيته، فسئل فقال: لئلا أضل، فسرقها أخوه في ليلة وتقلدها، فأصبح هبنقة ورآها في عنقه، فقال: أخي، أنت أنا، فمن أنا؟ فضرب بحمقه المثل.
[3] زيادة من مي، مل، هد، م.
غير ما أنك المجيد لتقطيع غناء وضرب دفّ وعود
فعلى ذا وذاك يحتمل الدهر ... مجيدا له وغير مجيد
يهجو خلفا الأحمر:
قال: وقال أبو محمد اليزيديّ يهجو خلفا الأحمر أستاذ [1] الكسائيّ، أنشدنيه عمي الفضل:
زعم الأحمر المقيت عليّ ... والّذي أمّه تقرّ بمقته
/ أنه علّم الكسائيّ نحوا ... فلئن كان ذا كذاك فباسته
يأمر له الرشيد بمال، ويستعين الغساني على تعجيله فلا يعينه:
وبهذا الإسناد عن أبي محمد قال:
أمر لي الرشيد بمال وحضر شخوصه إلى السّن [2]، فأتيت عاصما الغسانيّ - وكان/ أثيرا عند يحي بن خالد - فقلت له: إن أمير المؤمنين قد أمر لي بمال، وقد حضر من شخوصه ما قد علمت، فأحبّ أن تذكّر أبا علي يحيى بن خالد أمره ليعجّله إليّ. فقال: نعم، ثم عدت بعد ذلك بيومين، فقال لي يتفخّم في لفظه: ما أصبت بحاجتك موضعا. قال: قلت فاجعلها منك - أكرمك اللّه - ببال.
فلما خرجت لحقني بعض من كان في المجلس، فقال لي: يا أبا محمد، إني لأربأ بك أن تأتي هذا الكلب أو تسأله حاجة، قلت: وكيف؟ قال: سمعته يقول - وقد ولّيت - لو أن بيدي دجلة والفرات ما سقيت هذا منهما شربة، فقيل له: ولم ذاك - أصلحك اللّه - فإن له قدرا وعلما؟ قال: لأنه من مضر، ما رأيت مضربا قطّ يحب اليمانيّة.
قال: فأحببت ألا أعجل، فعدت إليه من غد فقلت: هل كان منك - أكرمك اللّه - في الحاجة شي ء؟ فقال: واللّه لكأنك تطلبنا بدين فتحقّق عندي ما بلغني عنه، فقلت له: لا قضى اللّه هذه الحاجة على يدك، ولا قضى لي حاجة أبدا إن سألتكها، واللّه لا سلّمت عليك مبتدئا أبدا، ولا رددت عليك السّلام إن بدأتني به. ونفضت ثوبي وخرجت.
يستعين بجعفر بن يحيى على تعجيل المال فيعينه
فإني لأسير وأفكر في الحيلة لحاجتي إذا براكب يركض حتى لحقني، فقال: بعثني إليك أبو علي يحيى بن خالد لتقف حتى يلحقك، فرجعت مع رسوله إليه فلقيته، وكان قريبا، فسلّمت عليه ثم سايرته، فقال لي: إن أمير المؤمنين أمرني أن آمرك بطلب مؤدّب لابنه صالح، فإني أحدّثك حديثا حدّثني به أبي خالد بن برمك: أنّ الحجاج بن يوسف أراد مؤدّبا لولده، فقيل له: ها هنا رجل نصرانيّ عالم، وها هنا مسلم ليس علمه كعلم النصرانيّ، قال: ادعوا لي المسلم.
/ فلما أتاه قال: ألا ترى يا هذا أنّا قد دللنا على نصرانيّ قد ذكروا أنه أعلم منك، غير أني كرهت أن أضمّ إلى ولدي من لا ينبّههم للصلاة عند وقتها، ولا يدلّهم على شرائع الإسلام ومعالمه؟ وأنت - إن كان لك عقل - قادر على أن تتعلم في اليوم ما يعلمه أولادي في جمعه، وفي الجمعة ما يعلّمهم في الشهر، وفي الشهر ما يعلمهم في سنة.
__________
[1] كذا بالنسخ، ولم نعثر في المراجع الّتي رجعنا إليها على خبر يدل على أن الكسائي أخذ عن خلف الأحمر. فلعل المراد على بن الحسن، ويقال: ابن المبارك المعروف بالأحمر، وكان تلميذ الكسائي. وقد ذكر اليزيدي في البيت الأول أن اسمه علي. (بغية الوعاة، نزهة الألباء، مراتب النحويين).
[2] السن: مدينة على دجلة فوق تكريت، يقال لها: سن بارما.
ثم قال لي يحيى: فينبغي يا أبا محمد أن نؤثر الدّين على ما سواه، فقلت له: قد أصبت من أرضاه، وذكرت له الحسن بن المسوّر، فضمه إليه ثم سألني: من أين أقبلت؟ فأخبرته بخبر عاصم وما كان منه، فقلت له: قد حضر هذا المسير، ولست أدري من أي وجه أتقاضاه؟ فضحك وقال: ولم لا تدري؟ الق صديقك جعفرا، يعني ابنه، حتى يكلم أمير المؤمنين أو يذكرني حاجتك، فقد تركته على المضي الساعة، فاثنيت إلى جعفر وقلت له في طريقي:
يا سائلي عما أخبّره ... عن جعفر كرما وعن شيمه
إن ابن يحيى جعفرا رجل ... سيط [1] السماح بلحمه ودمه
فعليه «لا» أبدا محرمة ... وكلامه وقف على نعمه
وترى مسابقه ليدركه ... بمكان حذو النعل من قدمه
/ فلما دخلت إليه أخبرته الخبر، وأنشدته الأبيات، وأعلمته ما أمرني به أبوه، فقال لي: قل بيتين تذكره فيهما إلى أن أجدّد طهرا واكتبهما حتى يكونا معي، فأذكر بهما حاجتك، فقلت: نعم يا سيدي، وأخذت الدواة وكتبت:
أحقّ من أنجز موعوده ... خليفة اللّه على خلقه
ومن له إرث نبيّ الهدى ... بالحق لا يدفع عن حقه
/ ينسب في الهدي إلى هديه ... برّا وفي الصدق إلى صدقه
ومن له الطاعة مفروضة ... لائحة بالوحي في رقّه
والراتق الفتق العظيم الّذي ... لا يقدر الناس على رتقه
يهجو الغساني لأنه لم يعنه على تعجيل المال:
قال: فأخذ الشعر، ومضى إلى الرشيد في حاجتي وأقرأه إياه، فصكّ إليّ بالمال عليه، وقبضته بعد ذلك بيوم، وأنشأت أقول في الغسّانيّ:
ألا طرقت أسماء أم أنت حالم؟ ... فأهلا بطيف زار والليل عاتم
إذا قيل أيّ الناس أعظم جفوة ... وألأم قيل الجرمقانيّ [2] عاصم
دعيّ أجاءته إلى اللؤم دعوة ... ومغرس سوء لؤمه متقادم
شهيدي على أن ليس حرّا صليبة ... صفيحة وجه ابن استها [3] واللهازم
صفيحة دقّاق أبوه شبيهه ... وجدّاه سمّاك لئيم وحاجم
أعاصم خلّ المكرمات لأهلها ... وأغض على لؤم ووجهك سالم
فكيف تنال الدهر مجدا وسوددا ... وفي كل يوم كوكب لك ناجم؟
__________
[1] سيط: خلط، وبابه قال:
[2] الجرمقاني: واحد الجرامقة، وهم من قوم من العجم صاروا بالموصل في أوائل الإسلام.
[3] تركيب يقال لمن يسب ويصغر من جهة أمة.
وأصلك مدخول وفسقك ظاهر ... وعجبك مهموز وعردك [1] عارم
تصانع غسانا لتلحق فيهم ... وربّ دعيّ ألحقته الدراهم
فإن راب ريب أو أصابتك شدة ... رجعت إلى شلتي وأنفك راغم
- قال: وكان اسم ابنه شلثي، فصيره صلتا [2] -
إذا عاصما يوما أتيت لحاجة ... فلا تلقه إلّا وأيرك قائم
/ وعرّض له من قبل ذاك بأمرد ... وضيء وسيم أثقلته المآكم
وإلّا فلا تسأله ما عشت حاجة ... ولا تبكه إن أعولته المآتم
يستعينه الغساني على رد ضيعة له قبضت فيعينه:
قال: فلما حدث ببني برمك ما حدث قبضت ضيعته في المقبوض من ضياع أسبابهم، فصار إليّ وكلّمني في «أمرها، وسألني كلام الجوهريّ في ذلك، فقمت له حتى ردت الضيعة عليه، فجاءني يشكرني، ويعتذر ممّا جرى من فعله المتقدم، فقلت له: تناس ما مضى، فلست ممن يكافىء على سوء أحدا.
يتهمه أبو عبيدة بذكر مساوىء الناس في المسجد فيهجوه:
قال أبو محمد: كان أبو عبيدة يجلس في مسجد البصرة إلى سارية، وكنت أنا وخلف الأحمر نجلس جميعا إلى أخرى، وكان أبو عبيدة من أعضه [3] الناس للناس وأذكرهم لمثالبهم، فقال لأصحابه: أترون الأحمر واليزيديّ إنما يجتمعان على الوقيعة للناس وذكر مساويهم؟ وبلغني ذلك وأنه قد رمانا بمذهبه، فقلت لخلف: دعه، فأنا أكفيكه./ فلما كان من الأذان جئت أنا وخلف إلى المسجد، فكتبت على الجصّ في الموضع الّذي كان يجلس فيه أبو عبيدة:
صلّى الإله على لوط وشيعته ... أبا عبيدة قل باللّه آمينا
قال: وأصبح الناس، وجاء أبو عبيدة، فجلس وهو لا يعلم ما فوق رأسه مكتوبا وأقبل الناس ينظرون إلى البيت ويضحكون، ورفع أبو عبيدة رأسه ونظر إليه، فخجل، ولم يزل منكّسا رأسه حتى انصرف الناس وأنا وخلف ناحية ننظر إلى ما به، ثم قمنا حتى وقفنا عليه، فقلنا له: ما قال صاحب هذا البيت إلّا حقا، نعم فصلى اللّه على لوط، فأقبل عليّ وقال: قد علمت من أين أتيت، ولن أعاود التعرّض لتلك الجهة، ولم يعد لذكرنا بعد ذلك.
يجفوه يزيد بن منصور فيعاتبه فيعتبه:
وقال أبو محمد: اعتللت علّة من حمى ربع [4] طالت عليّ أشهرا، فجفاني يزيد بن منصور، ولم يمر بي في علتي، ولم يتفقدني كما ينبغي؛ فكتبت رقعة إليه ضمنتها هذه الأبيات:
__________
[1] العرد: الذكر الصلب.
[2] الصلت: اللص.
[3] أعضه: وصف من عضه: جاء بالإفك والبهتان.
[4] حمى الربع: هي الحمى الّتي تأتي في اليوم الرابع، بأن يحم يوما، ويترك يومين لا يحم، ويحم في اليوم الرابع.
قل للأمير الّذي يرجو نوافله ... من جاء طالبا للخير منتابا [1]
إني صحبتك دهرا كلّ ذاك أرى ... من دون خيرك حجّابا وأبوابا
وكم ضريك [2] أجاءته شقاوته ... إليك إذا أنشبت ضراؤها نابا
فما فتحت له بابا لميسرة ... ولا سددت له من فاقة بابا
كغائب شاهد يخفى عليك كما ... من غاب عنك فوافى حظّه غابا
فلما قرأها قال: جفونا أبا محمد؛ وأحوجناه إلى استبطائنا. واللّه المستعان، وبعث إليه بصلة.
يعبث به خلف الأحمر في قصيدة نسبه فيها إلى اللواط:
أخبرني هاشم بن محمد الخزاعيّ أبو دلف قال: حدّثني محمد بن عبد الرحمن بن الفهم، وكان من أصحاب الأصمعيّ، قال:
كان خلف الأحمر يعبث بأبي محمد اليزيديّ عبثا شديدا، وربما جدّ فيه وأخرجه مخرج المزح، فقال فيه ينسبه إلى اللّواط:
إني ومن وسج [3] المطيّ له ... حدب الذرى أذقانها رجف [4]
/يطرحن بالبيد السّحال [5] إذا ... حثّ النجاء الركب وازدهفوا [6]
والمحرمين لصوتهم زجل ... بفناء كعبته إذا هتفوا
وإذا قطعن مساف مهمهة ... قذف [7] تعرّض دونها شرف
وافت بهم خوص [8] محزّمة ... مثل القسيّ ضوامر شسف [9]
منّي إليه غير ذي كذب ... ما إن رأى قوم ولا عرفوا
في غابر الناس الذين بقوا ... والفرّط [10] الماضين إذ سلفوا
أحدا كيحيى في الطعان إذا اف ... ترش [11] القنا وتضعضع الحجف [12]
__________
[1] منتابا: وصف من انتاب الرجل القوم انتيابا، إذا قصدهم وأتاهم مرة بعد مرة.
[2] الضريك: الفقير السيء الحال.
[3] وسج: الوسج والوسيج ضرب من سير الإبل سريع.
[4] رجف: مضطربة.
[5] السحال، ككتاب: اللجام.
[6] ازدهف: خف وعجل، وازدهفه: استعجله.
[7] قذف: بعيدة.
[8] خوص: غائرات العيون في الرؤوس، واحده أخوص وخوصاء.
[9] شسف: يابسة من الضمر والهزال. شسف، كنصر وكرم.
[10] الفرط: السابقون.
[11] افترش القنا: وقع بعضها على بعض عند الطعان.
[12] الجحف: التروس، وقيل من الجلود خاصة. وفي مي، هد، مل: «و تقعقع الجحف».
في معرك يلقى الكميّ به ... للوجه منبطحا وينحرف
وإذا أكبّ القرن ينبعه ... طعنا دوين صلاه [1] ينخسف
للّه درّك أيّ ذي نزل [2] ... في الحرب إذ همّوا وإذ وقفوا
لا تخطىء الوجعاء [3] ألّته [4] ... ولا تصدّ إذا هم زحفوا [5]
/و له جياد لا يفرّطها [6] ال ... إحلال والمضمار والعلف
جرد [7] يهان لها السّويق وأل ... بان اللّقاح [8] كأنها نزف [9]
مرد وأطفال تخالهم ... درّا تطابق فوقه الصّدف
فهم لديه يعكفون به ... والمرء منه اللّين واللطف
ومتى يشا يجنب [10] له جذع [11] ... نهد أسيل الخد مشترف [12]
يمشي العرضنة [13] تحت فارسه ... عبل [14] الشوى [15] في متنه قطف [16]
ربذ [17] إذا عرقت مغابنه [18] ... ذهب السكون وأقبل العنف
فأعدّ ذاك لسرجه وله ... في كل غادية لها عرف
في حقوه [19] عرد تقدّمه ... صلعاء في خرطومها قلف
__________
[1]. الصلا: وسط الظهر.
[2] النزل: ما هيىء للضيف أن ينزل عليه. والمراد ما أعد لمن يقع عليهم.
[3] الوجعاء: الدبر.
[4] الألة: الحربة العظيمة النصل.
[5] كذا في جميع النسخ، وفي التفعيلة الأولى من الشطر الثاني الوقص (حذف الثاني المتحرك)، وهو صالح في «الكامل».
[6] لا يفرطها: لا يثيرها للسبق.
[7] جرد: جمع أجرد، وهو الّذي لا شعر عليه.
[8] اللقاح: الإبل الّتي نتجت، جمع لقوح.
[9] نزف: جمع نزيف، للذي يخرج منه دم كثير.
[10] جنب الدابة: قادها إلى جنبه.
[11] الجذع: هو في الأصل ولد الشاة في الثانية، وولد البقر في الثالثة.
[12] مشترف: مشرف.
[13] العرضنة: مشية فيما بغى من النشاط.
[14] عبل: ضخم.
[15] الشوى: اليدان، والرجلان، والرأس من الإنسان.
[16] قطف: أثر.
[17] ربذ: سريع. وفي النسخ: «ربد»، تحريف.
[18] المغابن: جمع مغبن، كمنزل، وهو الإبط، وأصل الفخذ.
[19] حقوه: خصره.
/
جرداء تشحذ بالبزاق [1] إذا ... دعيت نزال وهبّ مرتدف [2]
أوفى على قيد [3] الذراع شدي ... د الجلز [4] في يافوخه جوف [5]
خاظ [6] ممرّ متنه ضرم ... لا خانه خور ولا قضف [7]
عرد المجس بمتنه عجر [8] ... في جذره عن فخذه جنف
فلو أن فياضا تأمله ... نادى بجهد الويل يلتهف
وإذا تمسّحه لعادته ... ودنا الطعان فمدعس [9] ثقف
وإذا رأى نفقا ربا ونزا ... حتى يكاد لعابه يكف
لا ناشئا [10] يبقي ولا رجلا ... فندا [11] وهذا قلبه كلف
يا ليتني أدري أمنجيتي ... وجناء ناجية بها شدف [12]
من أن تعلقني حبائله ... أو أن يواري هامتي لجف [13]
ولقد أقول حذار سطوته ... إيها إليك توقّ يا خلف
/ ولو ان بيتك في ذرا علم ... من دون قلة رأسه شعف [14]
زلق أعاليه وأسفله ... وعر التنائف [15] بيتها قذف [16]
لخشيت عردك [17] أن يبيّتني ... أن لم يكن لي عنه منصرف
أعرابي يعلق على بيت من هذه الفائية:
قال الأصمعيّ: فحدّثني شيخ من آل أبي سفيان بن العلاء أخي أبي عمرو بن العلاء قال:
__________
[1] البزاق: البصاق. وفي النسخ: «بالبراق»، تحريف.
[2] المرتدف: الّذي يركب خلف الراكب.
[3] قيد: مقدار.
[4] الجلز: الطي واللي والمد والنزع.
[5] جوف: اتساع.
[6] خاظ: مكتنز.
[7] قضف: نحافة.
[8] عجر: جمع عجرة بضم فسكون، وهي العقدة.
[9] مدعس: شديد الطعن.
[10] كذا في أ. س، ب: «ماشيا»، تحريف.
[11] فند: خرف.
[12] الشدف: سرعة الوثب.
[13] لجف جمع لجاف ككتاب، وهو ما أشرف على الغار من صخرة وغيرها، ناتىء في الجبل.
[14] الشعف: جمع شعفة، وهي رأس الجبل.
[15] التنائف: جمع تنوفة، وهي الأرض الواسعة البعيدة الأطراف.
[16] القذف بضمتين وبفتحتين: الفلاة البعيدة.
[17] كذا في غير س، وفي س: «عرضك»، تحريف.
أنشدت قصيدة خلف الفائية هذه وأعرابي جالس يسمع، فلما سمع قوله:
فإذا أكب القرن أتبعه ... طعنا دوين صلاه ينخسف
قال الأعرابيّ: وأبيك لقد أحب أن يضعه في حاق [1] مقيل [2] ضرطته.
يشغب في مجلس ضم خلفا الأحمر، ليهجوه خلف فيغضب:
أخبرني هاشم بن محمد قال: حدّثني ابن الفهم قال: حدّثني الأصمعيّ قال:
كنت مع خلف جالسا، فجرى كلام في شيء من اللغة، وتكلم فيه أبو محمد اليزيدي وجعل يشغب، فقال لي خلف: دعني من هذا يا أبا محمد، وأخبرني من الّذي يقول:
/فإذا انتشأت [3] فإنني ... رب الحريبة والرّميح
وإذا صحوت فإنني ... رب الدّويّة واللويح
يعرّض به أنه معلم، وأنه يلوط، فغضب اليزيدي، وقام فانصرف.
يهجو مواليه بني عدي لقعودهم عنه وقد استنهضهم:
أخبرني الحسن بن عليّ قال: حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال: حدّثني طلحة الخزاعيّ قال: حدّثني أبو سعيد عثمان بن يوسف الحنفيّ قال:
غاضب أبو محمد اليزيديّ مواليه بني عدي رهط ذي الرمة من بني تميم لأمر استنهضهم فيه، فقعدوا عنه، فقال يهجوهم:
يأيها السائل عن قومنا ... لمّا رأى بزّة أحبارهم [4]
وحسن سمت منهم ظاهرا ... إعلانهم ليس كإسرارهم
سائل بهم أحمر أو غيره ... ينبيك عن قومي وأخبارهم
[قوم كرام ما عدا أنهم ... صولتهم منهم على جيرانهم
أسد على الجيران أعداؤهم ... آمنة تخطر في دارهم
لو جاءهم مقتبسا جارهم ... ما قبسوه الدهر من نارهم
وقد وترناهم فلم نخش من ... ينهض في سيره أو ثارهم
أحسن قوم لمواليهم ... إن أيسروا يوما لأيسارهم
شهادة الزور لهم عادة ... حقا بها قيمة أخبارهم
وما لهم مجد سوى مسجد ... به تعدّوا فوق أطوارهم
__________
[1] حاق: وسط.
[2] مقيل: موضع.
[3] كذا بالنسخ. ولعلها محرفة عن انتشيت، بدليل البيت الثاني.
[4] الأحبار: جمع حبر، وهو العالم أو الصالح.
لو هدم المسجد لم يعرفوا ... يوما ولم يسمع بأخبارهم] [1]
يهنىء الرشيد ويمدح المأمون لتوقفه في أول خطبة له:
أخبرني محمد بن العباس اليزيديّ قال: أخبرني عمي عبيد اللّه قال: حدّثني عمي إسماعيل وأخي أحمد قالا:
لما بلغ المأمون وصار في حدّ الرجال أمرنا الرشيد أن نعمل له خطبة يقوم بها يوم/ الجمعة، فعملنا له خطبته المشهورة. وكان جهير الصوت حسن اللهجة، فلما خطب بها رقّت قلوب الناس، وأبكى من سمعه، فقال أبو محمد اليزيديّ:
لتهن أمير المؤمنين كرامة ... عليه بها شكر الإله وجوب
بأن وليّ العهد مأمون هاشم ... بدا فضله إذ قام وهو خطيب
ولما رماه الناس من كل جانب ... بأبصارهم والعود منه صليب
رماهم بقول أنصتوا عجبا له ... وفي دونه للسامعين عجيب
ولما وعت آذانهم ما أتى به ... أنابت ورقّت عند ذاك قلوب
فأبكى عيون الناس أبلغ واعظ ... أغرّ بطاحيّ [2] النّجار نجيب
مهيب عليه للوقار سكينة ... جريء جنان لا أكعّ [3] هيوب
ولا واجب فوق المنابر قلبه ... إذا ما اعترى قلب النجيب وجيب
إذا ما علا المأمون أعواد منبر ... فليس له في العالمين ضريب
تصدّع عنه الناس وهو حديثهم ... تحدّث عنه نازح وقريب
شبيه أمير المؤمنين حزامة ... إذا وردت يوما عليه خطوب
إذا طاب أصل في عروق مشاجه [4] ... فأغصانه من طيبه ستطيب
فقل لأمير المؤمنين الّذي به ... يقدّم عبد اللّه فهو أديب
كأن لم تغب عن بلدة كان واليا ... عليها ولا التدبير منك يغيب
تتبع ما يرضيك في كل أمره ... فسيرته شخص إليك حبيب
/ ورثتم بني العباس إرث محمد ... فليس لحيّ في التراث نصيب
وإني لأرجو يا بن عم محمد ... عطاياك والراجيك ليس يخيب
أثبني على المأمون وابني محمدا ... نوالا فإياه بذاك تثيب
/ جناب أمير المؤمنين مبارك ... لنا ولكل المؤمنين خصيب
__________
[1] زيادة من مي، مل.
[2] بطاحي: من قريش البطاح، وهم الذين ينزلون بين أخشبي مكة، وهما جبلاها: أبو قبيس والأحمر.
[3] أكع: جبان.
[4] مشاجه: تكونه وحيث يلتقي آباؤه وأمهاته، جمع مشج كسبب. وفي هد: «في مشاج عروقه».
لقد عمّهم جود الإمام فكلهم ... له في الّذي حازت يداه نصيب
صوت
فلما وصلت هذه الأبيات إلى الرشيد أمر لأبي محمد بخمسين ألف درهم، ولابنه محمد بن أبي محمد بمثله.
أخبرني عمي قال: حدثنا الفضل بن محمد اليزيديّ قال: حدّثني أخي أحمد عن أبيه قال:
أستأذن أبو محمد الرشيد وهو بالرّقّة في الحجّ، فأذن له، فلما عاد أنشدنا لنفسه:
يا فرحتا إذ صرفنا أوجه الإبل ... إلى الأحبة بالإزعاج والعجل
نحثهن ولا يؤتين [1] من دأب ... لكنّ للشوق حثا ليس للإبل
يا نائيا قربت منه وساوسه ... أمسى قرين الهوى والشوق والوجل
إن طال عهدك بالأحباب مغتربا ... فإن عهدك بالتسهيد لم يطل
أما اشتفى الدهر من حرّان مختبل ... صبّ الفؤاد إلى حران مختبل
عش بالرجاء وأمّل قرب دارهم ... لعل نفسك أن تبقى مع الأمل
__________
[1] كذا في م، أ. س، ب: «يولين»، من أرناه بمعنى أتعبه وفتره.
11 - أخبار من له شعر فيه صنعة من ولد أبي محمد اليزيدي وولد ولده
شعر له غنى فيه:
فمنهم محمد بن أبي محمد، ومما يغنّى فيه من شعره قوله:
صوت
أتيتك عائذا بك من ... ك لما ضاقت الحيل
وصيّرني هواك وبي ... لحيني يضرب المثل
فإن سلمت لكم نفسي ... فما لاقيته جلل
وإن قتل الهوى رجلا ... فإني ذلك الرجل
الشعر لمحمد بن أبي محمد اليزيديّ، يكنى أبا عبد اللّه، والغناء لسليم بن سلام، ثقيل أول بالبنصر، وله أيضا فيه ماخوريّ.
يمدح سليم بن سلام المغني:
وكان سليم صديق محمد بن أبي محمد اليزيديّ، كثير العشرة له، وليس في شيء من شعره صنعة إلّا له. وله يقول محمد بن أبي محمد اليزيديّ:
صوت
بأبي أنت يا سليم وأمي ... ضقت ذرعا بهجر من لا أسمّي
صدّ عنّي أقرّ من خلق ال ... لّه لعيني فاشتد غمي وهمي
ما احتيالي إن كان في القدر السا ... بق للحين أن أموت بسقمي؟
الغناء لسليم، خفيف رمل بالوسطى عن عمرو.
/ ينظر إليه أبو ظبية العكلي فيعجب به:
أخبرني محمد بن العباس اليزيديّ قال: حدّثني عمي عبيد اللّه عن أخيه أبي جعفر عن أبيه محمد بن أبي محمد قال:
قال لي أبي: نظر إليك أبو ظبية العكلي - وقد جاءني - فقال لي، وقد أقبلت:
يلد الرجال بنيهم أولادهم ... وولدت أنت أبا من الأولاد
يجيب أبا ظبية شعرا وقد كتب إليه شعرا:
/ قال أبو محمد: وكتب أبو ظبية يوما:
أيحيى لقد زرناك نلتمس الجدا ... وأنت امرؤ يرجى جداه ونائله
وما صنع المعروف في الناس صانع ... فيحمد إلّا أنت بالخير فاضله
تخيرك الناس الخليفة لابنه ... وأحكمت منه كل أمر يحاوله
فما ظنّ ذو ظنّ من الناس علمه ... كعلمك إلّا مخطيء الظن فائله [1]
إليك تناهت غاية الناس كلّهم ... إذا اشتبهت عند البصير مسائله
قال أبو محمد: فكتب إليه:
أبا ظبية اسمع ما أقول فخير ما ... يقال إذا ما قيل صدّق قائله
إذا شئت فانهد [2] بي إلى من أردته ... وأمّلت جدواه فإني منازله
فإن يك تقصير ولا يك عارفا ... بحقك فاعذ له فتكثر [3] عواذله
يتمنى العباس بن الأحنف أن يكون سبقه إلى بيتين له:
حدّثني أبو عبد اللّه محمد بن العباس اليزيديّ قال: حدّثني عمي عبيد اللّه قال: حدّثني أخي أحمد عن أبي قال:
صرت إلى العباس بن الأحنف، فقال لي ما حاجتك؟ قلت: أمرني أخوك وأبي/ أن أصير إليك وأستفيد منك، فقال لي: أتصير إليّ؟ وددت أني سبقتك إلى بيتين قلتهما وأني لم أقل من الشعر شيئا غيرهما، فدخلني من السرور ما اللّه به عليم، فقلت وما هما؟ فقال: قولك:
يا بعيد الدار موصو ... لا بقلبي ولساني
ربما باعدك الده ... ر وأدنتك الأماني
لم يسرق من الشعر إلّا معنيين لمسلم بن الوليد:
حدّثني أحمد بن عبيد اللّه بن عمار قال: حدّثني محمد بن داود الجراح قال: حدّثني أبو القاسم عبيد اللّه بن محمد اليزيديّ قال: حدّثني أحمد بن محمد قال:
سمعت أبي يقول: ما سرقت من الشعر شيئا إلّا معنيين: قال مسلم بن الوليد:
ذاك ظبي تحيّر الحسن في الأر ... كان منه وحلّ كل مكان
عرضت دونه الحجال فما يل ... قاك إلّا في النوم أو في الأماني
فقلت:
يا بعيد الدار موصو ... لا بقلبي ولساني
__________
[1] م. س، ب: «قاتله»، تحريف.
[2] نهد: نهض ومضى على كل حال.
[3] لعل راء فتكثر سكنت تخفيفا، لتتابع الحركات.
ربما باعدك الده ... ر وأدنتك الأماني
وقال مسلم أيضا:
متى ما تسمعي بقتيل حبّ ... أصيب فإنني ذاك القتيل
فقلت أنا:
أتيتك عائذا بك من ... ك لما ضاقت الحيل
وصيّرني هواك وبي ... لحيني يضرب المثل
فإن سلمت لكم نفسي ... فما لاقيته جلل
/ وإن قتل الهوى رجلا ... فإني ذلك الرجل
يعتب على صديق له فيجيبه:
أخبرني محمد بن العباس قال: حدّثني عمي عبيد اللّه عن أخيه أبي جعفر قال:
عتب أبي - / يعني محمد بن أبي محمد - على يونس بن الربيع. وكان صديقه فكتب إليه:
سأبكيك حيّا لابكيتك ميّتا ... بأربعة تجري عليك همولا
وأعفيك من طول اللقاء وإنني ... أرى اليوم لا ألقاك فيه طويلا
فكيف بصبري عنك لا كيف بعد ما ... حللت محلا في الفؤاد جليلا!
قال، وكتب إليه يونس:
إلى كم قد بليت وليس يبلى ... عتاب منك لي أبدا طويل؟
إذا كثر التجنّي من خليل ... ولم تذنب فقد ظلم [1] الخليل
يقول في قنفذ شعرا اقترح عليه:
أخبرني عمي قال: حدّثني الحسن بن الفهم قال: قال لي أبو سمير عبد اللّه بن أيوب مولى بني أمية:
بات عندي ليلة محمد بن أبي محمد اليزيديّ، فظهر لنا قنفذ، فقلت له: قل فيه شيئا، فأنشأ يقول:
وطارق ليل زارنا بعد هجعة ... من الليل إلّا ما تحدث سامر
فقلت لعبد اللّه ما طارق أتى؟ ... فقال امرؤ سبقت إليه المقادر
قريناه صفو الزاد حين رأيته ... وقد جاء خفّاق الحشا وهو سادر
جميل المحيا والرضا فإذا أبي ... حمته من الضيم الرماح الشّواجر
ولست تراه واضعا لسلاحه ... مدى الدهر موتورا ولا هو واتر
__________
[1] ف: «مل».
/ يحجب عن المأمون، فيرسل إليه شعرا، فيأذن له ويجيزه:
حدّثنا اليزيديّ قال: حدّثني عمي الفضل قال: حدّثني أبو صالح بن يزداد قال: حدّثني أبي قال:
جاء محمد بن أبي محمد اليزيديّ إلى باب المأمون وأنا حاضر، فاستأذن، فقال الحاجب: قد أخذ دواء وأمرني ألا آذن لأحد. قال: فأمرك ألا توصل إليه رقعة؟ قال: لا، فدفع إليه رقعة فيها [1]:
هديّتي التحية للإمام ... إمام العدل والملك الهمام
لأني لو بذلت له حياتي ... وما أهوى [2] لقلّا للإمام
أراك من الدواء اللّه نفعا ... وعافية تكون إلى تمام
وأعقبك السلامة منه ربّ ... يريك سلامة في كل عام
أ تأذن في السّلام [3] بلا كلام ... سوى تقبيل كفكّ والسّلام
قال: فأوصلها، وخرج فأذن له، فدخل وسلّم وحملت معه ألفا دينار.
يستحسن المعتصم شعرا اقترحه عليه:
حدّثني عمي قال: حدّثني الفضل اليزيديّ قال: حدّثني أخي أحمد عن أبي:
قال: دخلت إلى المعتصم وهو ولي عهد وقد طلع القمر، فتنفس ثم قال: يا محمد، قل أبياتا في معنى طلوع القمر، فإنه غاب مدة كما غاب محبوب عن حبيبه ثم طلع، فإن كان كما أحب فلك بكل بيت مائة دينار، فقلت:
صوت
هذا شبيه الحبيب قد طلعا ... غاب كما غاب ثم قد لمعا [4]
وما أرى غيره يشاكله ... فأسأله باللّه عنه ما صنعا؟
فرّق بيني وبينه قدر ... وهو الّذي كان بيننا جمعا
/ فهل له عودة فأرقبها ... كما رأينا شبهه [5] رجعا
/ فقال: أحسنت وحياتي، ثم قال لعلويه: عن هذه الأبيات - وكان حاضرا - فغنّى فيها، وشرب عليها ليلته، وأمر لي بأربعمائة دينار ولعلّويه بمثلها.
لحن علّويه في هذه الأبيات رمل.
المأمون يحكم له بثلاثة آلاف دينار من مال عبد اللّه بن طاهر:
حدّثني عمي قال: حدثنا الفضل بن محمد قال: حدّثني أخي عن أبي قال:
__________
[1] ف: «فدعا بدواة وقرطاس فكتب».
[2] ف: «و ما أحومي».
[3] هد، مي، مل: «في الدخول».
[4] ف: «رجعا».
[5] ف: «شبيها له».
شكوت إلى المأمون دينا عليّ، فقال: إن عبد اللّه بن طاهر اليوم عندي، وأريد الخلوة معه، فإذا علمت فاستدع أن يكون دخولك أو إخراجه إليك، فإني سأحكم لك عليه بمال، فلما علمت أنهم قد جلسوا للشرب صرت إلى الدار، وكتبت بهذين البيتين:
يا خير سادات وأصحاب ... هذا الطفيليّ على الباب
فصيّروا لي معكم مجلسا ... أو أخرجوا لي بعض أصحابي
وبعثت بهما إليه، فلما قرأهما قال: صدق اكتبوا إليه وسلوه أن يختار، فكتب إليّ: أمّا وصولك فلا سبيل إليه، ولكن من تختار لنخرجه إليك فتمضي معه. فكتبت: ما كنت لأختار على أبي العباس [1] أحدا. فقل له المأمون: قم إلى صديقك. فقال: يا أمير المؤمنين إن رأيت أن تعفيني من ذلك. أتخرجني عما شرفتني به من منادمتك وتبدلني بها منادمة ابن اليزيدي! قال: لا بدّ من ذلك أو ترضيه. قال: فليحتكم. قال: أخاف أن يشتط أو تقصّر أنت، ولكني أحكم فأعدل. قال: قد رضيت. قال: تحمل إليه ثلاثة آلاف دينار معجّلة. قال: قد فعلت، فأمر صاحب بيت المال أن يحملها معي، وأمر عبد اللّه بردها إلى بيت المال.
يعشق جارية ويحرمها فيعوضه المأمون:
حدّثني الصوليّ قال: حدّثني عون بن محمد قال:
كان محمد بن أبي أحمد اليزيديّ يعشق جارية لسحاب يقال لها عليا [2]، وكانت/ من أظرف النساء لسانا وأحسنهن وجها وغناء، فأعطي بها ثلاثة آلاف دينار فلم تبع، واشتراها المعتصم بخمسة آلاف دينار، وذلك في خلافة المأمون، وكان عليّ بن الهيثم جونقا [3] صديقا لمحمد بن أبي أحمد اليزيديّ، فبلغ المأمون الخبر، فدعا محمدا، وقال: ما قصتك مع عليا؟ قال: قد قلت في ذلك أبياتا، فإن أذن أمير المؤمنين أنشدتها قال: هاتها فأنشده.
أشكو إلى اللّه حبي للعلّيينا ... وأنني فيهم ألقي الأمرينا [4]
حسبي عليّا أمير المؤمنين فقد ... أصبحت حقّا أرى حبيّ له دينا
وحبّ خلّي وخلصاني [5] أبي حسن ... أعني عليّا قريع التغلبيينا
ورقتي [6] لبنيّ لي أصبت به ... وجدي به فوق وجد الآدميينا
ورابع قد رمى قلبي بأسهمه ... فجزت في حبه حدّ المحبينا
وبعض من لا أسمّي قد تملّكه ... فرحت عنه بما أعيا المداوينا
أتاه بالدين [7] والدنيا تمكّنه ... فلم يدع لي لا دنيا ولا دنيا
__________
[1] أبو العباس كنية عبد اللّه بن طاهر.
[2] في م، أ، هد: «علا».
[3] كذا في س، ب. وفي أ، م: «حونقا».
[4] لأمرينا: لعلها تثنية أمر، وكسرت الراء للضرورة.
[5] خلصاني: صفيي للواحد والجمع.
[6] مل: «و رحمتي».
[7] في س، ب: «أتاه والدين بالدنيا».
قال: فقال المأمون: لو لا أنه أبو إسحاق لانتزعتها منه، ولكن هذا ألف دينار فخذه عوضا، ولقيني المعتصم في الدار فقال لي: يا محمد، قد علمت ما آل إليه أمر فلانة، فلا تذكرنّها. فقلت:/ السمع والطاعة لأمرك.
ينظم شعرا اقترحه المأمون عليه:
أخبرني عليّ بن سليمان الأخفش قال: حدثنا أبو العباس محمد بن الحسن بن دينار مولى بني هاشم قال:
حدّثني جعفر بن محمد اليزيديّ عن أبيه محمد بن أبي محمد قال:
/ كنت عند المأمون فقال لي: يا محمد، قل شعرا في نحو هذين البيتين:
صحيح يودّ السّقم كيما تعوده ... وإن لم تعده عاد عنها رسولها
ليعلم هل ترتاع عند شكاته ... كما قد يروع المشفقات خليلها؟
قال فقلت:
صحيح ودّ لو أمسى عليلا ... لتكتب أو يرى منكم رسولا
رآك تسومه الهجران حتى ... إذا ما اعتلّ كنت له وصولا
فودّضنا الحياة بوصل يوم ... يكون على هواك له دليلا
هما موتان موت هوى وهجر ... وموت الهجر شرّهما سبيلا
قال: فأمر لي بعشرة آلاف درهم.
أخبرني إسماعيل بن يونس الشيعيّ قال: حدّثني أبو جعفر أحمد بن محمد بن أبي محمد اليزيديّ. عن أبيه قال: دخلت على المأمون وهو يشرب، وعنده عريب ومحمد بن الحارث بن بسخنّر يغنّيانه، فقال: أطعموا محمدا شيئا، فقلت: قد بدأت بذلك في دار أمير المؤمنين، فقال: أما ترى كيف عتق هذا الشراب حتى لم يبق إلّا أقلّه، ما أحسن ما قيل في قديم الشراب؟ فقلت: قول الحكميّ:
عتقت حتى لو اتّصلت ... بلسان ناطق وفم
لاحتبت في القوم ماثلة ... ثم قصّت قصّة الأمم
فقال: هذا كان في نفسي، ثم قال: اسقوا محمدا رطلين، وأعطوه عشرين ألف درهم، ثم نكت في الأرض ورفع رأسه ثم قال: يا محمّد:
إنّي وأنت رضيعا قهوة لطفت ... عنى العيان ودقّت عن مدى الفهم
لم نرتضع غير كأس درّها ذهب ... والكأس حرمتها أولى من الرّحم
/ قال: والشّعر له قاله في ذلك الوقت.
وممّا فيه غناء من شعر محمد بن أبي محمد، أنشدناه محمّد بن العباس عن عمّه عبيد اللّه عن أخيه أحمد:
صوت
أنت امرؤ متجنّ ... ولست بالغضبان
أنت امرؤ لك شأن ... فيما أرى غير شاني
صرّح بما عنه أكني ... أكفّ عنك لساني
حسبي [1] أسأت فهلا ... مننت بالغفران
ومنها:
صوت
يا أحسن الأمّة في ... عيني أمّا ترحمني!
أما تراني كامدا ... موكلا بالحزن
أما ترى فيك مدا ... راتي لأهل الظنن
أصرف طرفي عنك خو ... فا منه أن يفضحني
يراني اللّه وما ... ألغى وإن لم ترني
وممن له شعر فيه صنعة من ولد أبي محمد اليزيدي لصلبه إبراهيم:
صوت
لا تلحني إن منحت عشقا ... من كان للعشق مستحقا
ولم يقدّم عليّ خلقا ... ولم أقدّم عليه خلقا
يملك رقّي ولست أبغي ... من ملكه ما حييت عتقا
لم أر فيمن هويت خلقا ... أعطف منه ولا أرقّا
الشعر لإبراهيم بن محمد اليزيديّ، والغناء لأبي العبيس بن حمدون، خفيف ثقيل مطلق. وفيه لعريب رمل مزموم.
__________
[1] كذا في الأصول، ولعلها: «هبني أسأت».
12 - أخبار إبراهيم
خبر له مع عريب وقد نظم شعرا اقترحته عليه:
أخبرني عمي قال: حدّثني الفضل بن محمد اليزيديّ قال: حدثنا أحمد عن عمه إبراهيم قال:
كنت مع المأمون في بلد الروم، فبينا أنا في ليلة مظلمة شاتية ذات غيم وريح وإلى جانبي قبة، فبرقت برقة وإذا في القبّة عريب. قالت: إبراهيم بن اليزيديّ؟ فقلت: لبيك! فقالت: قل في هذا البرق أبياتا ملاحا لأغنّي فيها، فقلت:
ما ذا بقلبي من أليم الخفق ... إذا رأيت لمعان البرق
من قبل الأردنّ أو دمشق ... لأنّ من أهوى بذاك الأفق
فارقته وهو أعز الخلق ... عليّ والزّور خلاف الحق
ذاك الّذي يملك مني رقي ... ولست أبغي ما حييت عتقي
قال: فتنفست نفسا ظننته قد قطع حيازيمها، فقلت: ويحك على من هذا؟ فضحكت ثم قالت: على الوطن.
فقلت: هيهات! ليس هذا كلّه للوطن، فقالت: ويلك! أفتراك ظننت أنك/ تستفزني؟ واللّه لقد نظرت نظرة مريبة في مجلس، فادعاها أكثر من ثلاثين رئيسا، واللّه ما علم أحد منهم لمن كانت إلى هذا اليوم [1].
يقيم أياما بسيحان مع صديق، ويقول هناك شعرا:
أخبرني الحسن بن عليّ قال: حدّثني الفضل بن محمد اليزيديّ قال: حدّثني أخي عن عمي إبراهيم بن أبي محمد:
أنه كان مع المعتصم لما خرج إلى الغزو، قال فكتب في رفقه [2] فيها فتى من أهل البصرة، ظريف أديب شاعر راوية، فكان لي فيه أنس، وكنا لا تفترق حتى غزونا/ وعدنا، فعاد إلى البصرة، وكان له بستان حسن بسيحان، فكان أكثر مقامه به، وعزم لي على الشخوص إلى البصرة لحاجة عرضت لي، فكان أكثر نشاطي لها من أجله، فوردتها، ونظرت فيما وردت له، ثم سألت عنه، ومضيت إليه، فكاد أن يستطار بي فرحا، وأقمت بسيحان معه أياما، وقلت في بعضها وقد اصطبحنا في بستانه:
يا مسعديّ بسيحان فديتكما ... حثّا المدامة في أكناف سيحانا
نهر كريم من الفردوس مخرجه ... بذاك خبّرنا من كان أنبانا
__________
[1] ف: «الوقت».
[2] س، ب: «رقعة»، تحريف.
لا تحسداني رواحا أو مباكرة ... طيب المسير على سيحان أحيانا
بشطّ سيحان إنسان كلفت به ... نفسي تقي ذلك الإنسان إنسانا
ريّاه ريحاننا والكأس معملة [1] ... لا شيء أطيب من ريّاه ريحانا
حثا شرابكما حتى أرى بكما ... سكرا فإني قد أمسيت سكرانا
ريّا الحبيب وكأس من معتّقه ... يهيّجان لنفس الصّبّ أشجانا
سقيا لسيحان من نهر ومن وطن ... وساكنيه من السكان من كانا
هم الذين عقدنا الودّ بينهم ... وبيننا وهم في دير مرّانا [2]
يدعو ابن أخيه محمدا شعرا إلى مجلس شراب:
أخبرني محمد بن العباس قال: حدّثني عمي عبيد اللّه عن جماعة من أهلنا:
أن إبراهيم بن أبي محمد اليزيديّ كان يعاشر أبا غسان، مولى منيرة؛ وكانت له جارية مغنية؛ يقال لها جاني؛ فدعاه يوما أبو غسان وجلسنا للشرب، فقال له: لو دعوت ابن أخيك - يعني محمد بن أبي محمد - لنأنس به فكتب إليه إبراهيم.
/يا أكرم الناس طرّا ... وأكرم [3] الفتيان
بادر إلينا لكيما ... تسقى [4] سلاف الدّنان
على غناء غزال ... مهفهف فتّان
اشرب على وجه جان ... شرابك الخسرواني [5]
فما لجان نظير ... وما لها من مدان
إلّا الّذي هو فرد ... وماله من ثان
أعني الهلال لستّ ... في شهره وثمان
للناس بدر منير ... يرى بكل مكان
وما لنا غير بدر ... لدى أبي غسان
ذكراه في كل وقت ... موصولة بلساني
/ سبيته وسباني ... فحبّه قد براني
من ثم لست تراني ... أصبو إلى إنسان
__________
[1] هد: «معلمة».
[2] كفر مشرف على كفر طاب قرب المعرة، ودير قرب دمشق على تلّ مشرف على مزارع ورياض حسنة.
[3] هد، مي: «و أظرف».
[4] وفي أ، م: نسقى.
[5] الخسرواني: نوع من الشراب.
يستصلحه بعض إخوانه بعد جفوة فيقول في ذلك شعرا:
أنشدنا أبو عبيد اللّه [1] اليزيديّ عن عمه الفضل لإبراهيم بن أبي محمد اليزيديّ في بعض إخوانه، وقد رأى منه جفوة، ثم عاد واستصلحع، فكتب إليه:
من تاه واحدة فته عشرا ... كي لا يجوز بنفسه القدرا
وإذا زها أحد عليك فكن ... أزهى عليه ولا تكن غمرا [2]
أ رأيت من لم ترج منفعة ... منه ولم تحذر له ضرا
/ لم يستذلّ [3] وتستذلّ له ... بل كن أشد إذا زها كبرا
يعربد في مجلس شراب مع المأمون، ثم يعتذر إليه:
حدّثني عمي والحسن بن عليّ قالا: حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال: حدّثني أبي عن جعفر بن المأمون قال:
دخل إبراهيم بن أبي محمد اليزيديّ على أبي وهو يشرب، فأمره بالجلوس فجلس، وأمر له بشراب فشرب.
وزاد في الشراب فسكر وعربد، فأخذ عليّ بن صالح صاحب المصلّى بيده، فأخرجه، فلما أصبح كتب إلى أبي:
أنا المذنب الخطّاء والعفو واسع ... ولو لم يكن ذنب لمّا عرف العفو
ثملت فأبدت منّي الكأس بعض ما ... كرهت وما إن يستوي السكر والصحو
ولو لا حميا الكأس كان احتمال ما ... بدهت به لا شك فيه هو السّرو [4]
ولا سيما إذ كنت عند خليفة ... وفي مجلس ما إن يجرز به اللغو
تنصلت من ذنبي تنصّل ضارع ... إلى من لديه يغفر العمد والسهو
فإن تعف عني تليف خطوي واسعا ... وإلّا يكن عفو فقد قصر الخطو
يحجب عن هارون بن المأمون، فينظم في ذلك شعرا:
حدّثني عمي قال: حدثنا الفضل بن محمد اليزيديّ قال: جاء إبراهيم إلى هارون بن المأمون، فصادفه قد خلا هو وجماعة من المعتزلة. فلم يصل إليه وحجب عنه، فكتب إليه:
غلبت عليكم هذه القدريّه [5] ... فعليكم مني السّلام تحيه
آتيكم شوقا فلا ألقاكم ... وهم لديكم بكرة وعشيه
هرون قائدهم وقد حفّت به ... أشياعه وكفى بتلك بليه
__________
[1] كذا في ب، س. وفي سائر النسخ: «عبد اللّه».
[2] الغمر: الجاهل الّذي لم يجرب الأمور.
[3] كذا في ب، س. أ، م: «يسترك» بمعنى يستضعف، استركه: استضعفه.
[4] السرو: المروءة في شرف.
[5] القدرية: جاحدة القدر.
لكنّ قائدنا الإمام ورأينا ... ما قد رآه فنحن مأمونيه
يكتب شعرا إلى ابن له أحب غلاما وأحب الغلام غيره:
أخبرني عمي قال: حدّثني الفضل قال:
كان لعمي إبراهيم ابن يقال له: إسحاق، وكان يألف غلاما من أولاد الموالي. فلما خرج المعتصم إلى الشام خرج إبراهيم معه، وخرج الغلام الّذي يألفه في العسكر، وعرف إبراهيم أنه قد صحب فتى من فتيان العسكر غير ابنه، فكتب عمي إبراهيم إلى ابنه:
قل لأبي يعقوب إن الّذي ... يعرفه قد فعل الحوبا [1]
كان محبا لك فيما مضى ... فالآن قد صادف محبوبا
يركب هذا ذا وذا ذا فما ... ينفك تصعيدا وتصويبا
فرأس إسحاق فديناه قد ... أظهر شيئا كان محجوبا
/ أرى قرونا قد تجلّلنه ... منصوبة شعّبن تشعيبا
أظنه يعجز عن حملها ... إذ ركّبت في الرأس تركيبا
يا رحمتا لابني على ضعفه ... يحمل منهن أعاجيبا!
يسأله ابن أخ له مزيدا من العناية به فيجيبه شعرا:
حدّثني عمي قال: حدّثني فضل اليزيديّ قال:
كتبت إلى عمي إبراهيم أستعين به في حاجة لي، وأستزيده من عنايته بأموري، وأطالبه أن يتوفر نصيبي لديه وفيما أبتغيه منه، فكتب إليّ:
فديتك لو لم تكن لي قريبا ... وكنت امرأ أجنبيّا غريبا
مع البر منك وما يستجر [2] ... به مستخفا إليك اللبيبا
لما إن جعلت لخلق سوا ... ك مثل نصيبك مني نصيبا
/ وكنت المقدّم ممن أودّ ... وازداد حقك عندي وجوبا
تلطّف لما قد تكلمت فيه ... فما زلت في الحاج شهما نجيبا
وراوض أبا حسن إن رأي ... ت واحتل برفقك حتى يجيبا
فإن هو صار إلى ما تريد ... وإلّا استعنت عليه الحبيبا
وما لا يخالف ما تشتهيه [3] ... لتلفيه غير شك مجيبا
__________
[1] الحوب: الإثم.
[2] يستجر: من استجر له بمعنى انقاد، وفي ف: «تستجد».
[3] ف: «و من لا يخالف ما أشتهيه».
يودك خاقان ودّا عجيبا ... كذاك الأديب يحب [1] الأديبا
وأنت تكافيه بل قد تزيد [2] ... عليه وتجمع فيه ضروبا
تثيب أخاك على الود منه ... وذو اللب يأنف ألا يثيبا
ولا سيما إذ براه الإله ... كالبدر يدعو إليه القلوبا
يرى المتمنّي له ردفه ... كثيبا وأعلاه يحكي القضيبا
وقد فاق في العلم والفهم منه ... كما تم ملحا [3] وحسنا وطيبا
ويبلغ فيما يقولون ليس ... يعاف إذا ناولوه القضيبا
ولكنه وافق الزاهدين ... فخاب وقد ظن أن لن يخيبا
وإن ركب المرء فيه هوا ... ه عاث فتطهيره أن يثوبا
إذا زارت الشاة ذئبا طبيبا ... فلا تأمننّ على الشاة ذيبا
وعند الطبيب شفاء السقيم ... إذا اعتلّ يوما وجاء الطبيبا
ولست ترى فارسا في الأنا ... م إلّا وثوبا بجيد الركوبا
شعره وقد زامل المأمون في سفر يحيى بن أكثم ومخنثا:
أخبرني محمد بن العباس اليزيديّ قال: حدّثني عمي عبيد اللّه قال: وحدّثني أخي أحمد قال:
زامل المأمون في بعض أسفاره بين يحيى بن أكثم وعبّادة المخنّث، فقال عمي إبراهيم في ذلك:
وحاكم زامل عبّاده ... ولم يزل تلك له عاده
لو جاز لي حكم لما جاز أن ... يحكم في قيمة لبّاده [4]
كم من غلام عزّ في أهله ... وافت قفاه منه سجاده
يرمي يحيى بن أكثم باللواط:
وقال في يحيى أيضا:
/و كنا نرجّي أن نرى العدل ظاهرا ... فأعقبنا بعد الرجاء قنوط
متى تصلح الدنيا ويصلح أهلها ... وقاضي قضاة المسلمين يلوط!
يتمثل المأمون ببيت من هجائه ليحيى بن أكثم:
وأخبرني عمي حدثنا أبو العيناء قال:
__________
[1] ف: «يود».
[2] ف: «بل لا يزيد».
[3] ملحا: ملاحة وحسنا.
[4] لبادة كرمانة: ما يلبس من اللبود للمطر.
نظر المأمون إلى يحيى بن أكثم يلحظ خادما له، فقال للخادم: تعرض له إذا قمت؛ فإني سأقوم للوضوء - وأمره ألا يبرح - وعد إليّ بما يقول لك، وقام المأمون، وأمر يحيى بالجلوس. فلما غمزه الخادم بعينه، قال يحيى:
لَوْ لا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ
[1] فمضى الخادم إلى المأمون فأخبره، فقال له: عد إليه فقل له: أَنَحْنُ صَدَدْناكُمْ عَنِ الْهُدى بَعْدَ إِذْ جاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ
[1] فخرج الخادم إليه، فقال له ما أمره به المأمون، فأطرق يحيى وكاد يموت جزعا، وخرج المأمون وهو يقول:
متى تصلح الدنيا ويصلح أهلها ... وقاضي قضاة المسلمين يلوط!
/ قم وانصرف، واتق اللّه وأصلح نيتك [2].
يرتجل في مجلس المأمون بيت ويزيد المأمون بيتا عليه:
حدثنا اليزيديّ قال: حدّثني ابن عمي إسحاق بن إبراهيم بن أبي محمد اليزيديّ عن أبيه إبراهيم قال:
كنت عند المأمون يوما وبحضرته عريب، فقالت لي على سبيل الولع بي: يا سلعوس، وكان جواري المأمون يلقبنني بذلك عبثا، فقلت لها:
قل لعريب لا تكوني مسلعسه ... وكوني كتزيف وكوني كمونسه
فقال المأمون:
فإن كثرت منك الأقاويل لم يكن ... هنا لك شك أنّ ذا منك وسوسة
قال: فقلت: كذا واللّه يا أمير المؤمنين أردت أن أقول، وعجبت من ذهن المأمون.
وممن غنّي في شعره من ولد أبي محمد اليزيدي أبو جعفر أحمد بن محمد بن أبي محمد
فمن ذلك:
صوت
شوقي إليك على الأيام يزداد ... والقلب مذ غبت للأحزان معتاد
يا لهف نفسي على دهر فجعت به ... كأنّ أيامه في الحسن أعياد
الشعر لأحمد بن محمد بن أبي محمد، والغناء لبحر هزج، وفيه ثاني ثقيل مطلق. ذكر الهشامي أنه لإسحاق، وما أراه أصاب، ولا هو في جامع إسحاق، ولا يشبه صنعته.
طرف من أخباره:
وكان أحمد راوية لعلم أهله، فاضلا أديبا، وكان أسنّ ولد محمد بن أبي محمد، وكان أخوته جميعا يأثرون [3]
__________
(1 - 1) سورة سبأ: 31، 32.
[2] ف: «سريرتك».
[3] يأثرون: يروون.
علوم جدهم وعمومتهم عنه، وقد أدرك أبا محمد، وأظن أنه قد روى عنه أيضا، إلّا أني لم أذكر شيئا من ذلك وقت ذكرى إياه فأحكيه عنه.
يبيت عند ابن المأمون فيكتب إليه عمه شعرا:
أخبرني الحسن بن علي قال: حدثنا الفضل بن محمد اليزيديّ قال: حدّثني أخي أبو جعفر قال:
كنت عند جعفر بن المأمون مقيما، فلما أردت الانصراف منعني، فبتّ عنده، وزارته لما أصبحنا عريب في جواريها؛ وبتّ فاحتبسها من غد؛ فاستطبت المقام أيضا فأقمت، فكتب إليّ عمي إبراهيم بن محمد اليزيديّ:
شردت يا هذا شرود البعير ... وطالت الغيبة عند الأمير
أقمت يومين وليليهما ... وثالثا تحبى ببرّ كثير
/ يوم عريب مع إحسانها ... إن طالت الأيام يوم قصير
لها أغان غير مملولة ... منها ولا تخلق عند الكرور
غير ملوم يا أبا جعفر ... أن تؤثر اللهو ويوم السرور
فاجعل لنا منك نصيبا فما ... إن كنت عن مجلسنا بالنّفور
وصر إلينا غير ما صاغر ... أصارك الرحمن خير المصير
إن لم يكن عندي غناء ولا ... عود فعندي القمر [1] بالنردشير [2]
والذّكر بالعلم الّذي قد مضى ... بأهله حادث صرف الدهور
وهو جديد عندنا نهجه ... أعلامه تحويه منا الصدور
فالحمد للّه على كل ما ... أولى وأبلى ولربّي الشّكور
يقترح عليه المعتصم شعرا في غلام وسيم:
حدثنا محمد بن العباس اليزيديّ قال: حدّثني عمي الفضل قال: سمعت أخي أبا جعفر أحمد بن محمد يقول:
دخلت إلى المعتصم يوما وبين يديه خادم وضيء جميل وسيم، فطلعت عليه الشمس، فما رأيت أحسن منها على وجهه، فقال لي: يا أحمد، قل في هذا الخادم شيئا، وصف طلوع الشمس عليه وحسنها، فقلت:
قد طلعت شمس على شمس ... وطاب لي الهوى مع الأنس
وكنت أقلي الشمس فيما مضى ... فصرت أشتاق إلى الشمس
من شعره في الرد على اعتذار:
حدّثني اليزيديّ قال: حدّثني عمي الفضل قال:
__________
[1] قمره: كنصره، غلبه في القمار.
[2] هو النرد: ويقال له، النردشير باسم واضعه أردشير بن بابك.
كتب إلى أخي بعض إخوانه ممن كان يألفه ويديم زيارته، ثم انقطع عنه - يعتذر إليه من تأخره عنه، فكتب إليه:
/إني امرؤ أعذر إخواني ... في تركهم برّي وإتياني
لأنه لا لهو عندي ولا ... لي اليوم جاه عند سلطان
وأكثر الإخوان في دهرنا ... أصحاب تمييز ورجحان
فمن أتاني منعما مفضلا ... فشكره عندي شكران
ومن جفاني لم يكن لومه ... عندي ولا تعنيفه شاني
أعفو عن السيّ ء من فعلهم ... وأتبع الحسنى بإحسان
حسب صديقي أنه واثق ... مني بإسراري وإعلاني
ينشد المأمون شعرا وهو لا يزال غلاما:
حدّثني اليزيديّ قال: حدّثني أبي عن عمي من أبي جعفر أحمد بن محمد قال:
دخلت على المأمون وهو في مجلس غاصّ بأهله - وأنا يومئذ غلام - فاستأذنت في الإنشاد، فأذن، فأنشدته مديحا لي مدحته به، وكان يستمع للشاعر ما دام في تشبيب أو وصف ضرب من الضروب، حتى إذا بلغ إلى مديحه لم يسمع منه إلّا بيتين أو ثلاثة، ثم يقول للمنشد: حسبك ترفعا، فأنشدته:
يا من شكوت إليه ما ألقاه ... وبذلت من وجدي له أقصاه
فأجابني بخلاف ما أمّلته ... ولربما منع الحريص مناه
أ ترى جميلا أن شكا ذو صبوة ... فهجرته وغضبت من شكواه
/ يكفيك صمت أو جواب مؤيس ... إن كنت تكره وصله وهواه
موت المحب سعادة إن كان من ... يهواه يزعم أن ذاك رضاه
فلما صرت إلى المديح قلت:
أبقى لنا اللّه الإمام وزاده ... عزّا إلى العز الّذي أعطاه
فاللّه مكرمنا بأنا معشر ... عتقاء من نعم العباد سواه
/ فسرّ بذلك وضحك، وقال: جعلنا اللّه وإياكم ممن يشكر النعمة، ويحسن العمل.
ينشد المأمون شعرا وهو يريد الغزو:
أخبرنا محمد بن العباس قال: حدّثني أبي عن أخيه أبي جعفر قال:
دخلت يوما على المأمون بقارا [1]، وهو يريد الغزو فأنشدته شعرا مدحته فيه؛ أوله:
__________
[1] كذا بالنسخ، ولم أعثر على موضع بهذا الاسم.
يا قصر ذا النّخلات من بارا [1] ... إني حللت إليك من قارا
أبصرت أشجارا على نهر ... فذكرت أشجارا وأنهارا
للّه أيام نعمت بها ... بالقفص [2] أحيانا وفي بارا
إذ لا أزال أزور غانية ... ألهو بها وأزور خمّارا
لا أستجيب لمن دعا لهدى ... وأجيب شطّارا ودعّارا
أعصي النصيح وكلّ عاذلة ... وأطيع أوتارا ومزمارا
قال: فغضب المأمون، وقال: أنا في وجه عدو، وأحض الناس على الغزو، وأنت تذكّرهم نزهة بغداد؟
فقلت: الشيء بتمامه، ثم قلت:
فصحوت بالمأمون عن سكري ... ورأيت خير الأمر ما اختارا
ورأيت طاعته مؤدية ... للفرض إعلانا وإسرارا
فخلعت ثوب الهزل عن عنقي ... ورضيت دار الجدّ لي دارا
وظللت معتصما بطاعته ... وجواره وكفى به جارا
إن حلّ أرضا فهي لي وطن ... وأسير عنها حيثما سارا
/ فقال له يحيى بن أكثم: ما أحسن ما قال يا أمير المؤمنين! أخبر أنه كان في سكر وخسار، فترك ذلك وارعوى، وآثر طاعة خليفته، وعلم أن الرشد فيها؛ فسكن وأمسك.
يجيز بيتا للمأمون في غلام المعتصم:
حدّثني الصوليّ قال: حدّثني محمد بن يحيى بن أبي عباد قال: حدّثني هارون بن محمد بن عبد الملك الزيات عن أبيه قال:
دعا المعتصم ذات يوم المأمون فجاءه، فأجلسه في بيت على سقفه جامات، فوقع ضوء الشمس من وراء تلك الجامات على وجه سيما التركي غلام المعتصم، وكان المعتصم أوجد الناس به، ولم يكن في عصره مثله، فصاح المأمون يا أحمد بن محمد اليزيديّ - وكان حاضرا - فقال: انظر إلى ضوء الشمس على وجه سيما التركي، أرأيت أحسن من هذا قط؟ وقد قلت:
قد طلعت شمس على شمس ... وزالت الوحشة بالأنس
أجز يا أحمد، فقلت:
قد كنت أشنا الشمس فيما مضى ... فصرت أشتاق إلى الشمس
__________
[1] في «معجم البلدان»: باري بكسر الراء: قرية من أعمال كلواذ من نواحي بغداد، وكان بها بساتين ومتنزهات، يتصدها أهل البطالة.
[2] القفص، بالضم ثم بالسكون: قرية مشهورة بين بغداد وعكبرا، قريب من بغداد. وكانت من مواطن اللهو ومعاهد النزه ومجالس الفرح، ينسب إليها الخمور الجيدة والحانات الكثيرة.
/ قال: وفطن المعتصم، فعضّ على شفته لأحمد [1]، فقال أحمد للمأمون: واللّه لئن لم يعلم الحقيقة من أمير المؤمنين لأقعنّ معه فيما أكره، فدعاه المأمون فأخبره الخبر، فضحك المعتصم. فقال له المأمون: كثر اللّه في غلمانك [2] مثله، إنما استحسنت شيئا فجرى ما سمعت لا غيره.
يعدد المأمون الحقوق الّتي توجب عليه مراعاته له:
حدّثني الصوليّ قال: حدّثني عون بن محمد قال: حدّثني أحمد بن محمد اليزيديّ قال:
كنا بين يدي المأمون، فأنشدته مدحا، فقال: لئن كانت حقوق أصحابي تجب عليّ لطاعتهم بأنفسهم فإن أحمد ممن تجب له المراعاة لنفسه وصحبته، ولأبيه وخدمته، ولجدّه/ وقديم خدمته وحرمته، وإنه للعريق في خدمتنا، فقلت: قد علّمتني يا أمير المؤمنين كيف أقول، ثم تنحيت ورجعت إليه، فأنشدته:
لي بالخليفة أعظم السبب ... فبه أمنت بوائق العطب
ملك غذتني كفّه وأبي ... قبلي وجدّي كان قبل أبي
قد خصّني الرحمن منه بما ... أسمو به في العجم والعرب
فضحك، وقال: قد نظمت يا أحمد ما نثرناه.
هذا آخر أخبار اليزيديين وأشعارهم الّتي فيها صنعة.
صوت [3]
أفي كلّ يوم أنت من غبر الهوى ... إلى الشّمّ من أعلام ميلاء ناظر
بعمشاء من طول البكاء كأنما ... بها خزر أو طرفها متخازر
عروضه من الطويل، والغبر: البقية من الشيء، يقال: فلان في غبر من علته. وأكثر ما يستعمل في هذا ونحوه، والشمّ: الطوال، والأعلام جمع علم وهو الجبل، قالت الخنساء:
وإن صخرا لتأثّم الهداة به ... كأنه علم في رأسه نار
والخزر: ضيق العين وصغرها، ومنه سمي الخزر بذلك لصغر أعينهم، قال الراجز:
إذا تخازرت وما بي من خزر ... ثم كسرت الطرف من غير عور
والشعر [4] لرجل من قيس يقال: كعب، ويلقب بالمخبل. والغناء لإبراهيم، ثقيل أول بالوسطى. ومن الناس من يروي الشعر لغير هذا الرجل وينسبه إلى ذي الرمة، ويجعل فيه مية مكان ميلاء، ويقال: إن اللحن لابن المكيّ، وقد نسب إلى غيرهما، والصحيح ما ذكرناه أولا.
__________
[1] ف: «على أحمد».
[2] ف: «في غلمان غلمانك».
[3] الصوت وما وليه من نسختي هد، مل، وقد ورد جزء منه في م.
[4] المراد بالشعر البيتان الواردان في الصوت.
13 - أخبار المخبل القيسي ونسبه [1]
حبة بنتي عم له:
قال عبد اللّه بن أبي سعد الوراق - فيما أخبرني به حبيب بن نصر المهلّبيّ، إجازة عنه - : حدّثني عليّ بن الصباح بن الفرات، قال: أخبرني عليّ بن الحسن بن أيوب النبيل، عن رباح بن قطيب بن زيد الأسديّ، قال:
كانت عند رجل من قيس يقال له: كعب - بنت عمّ له، وكانت أحبّ الناس إليه فخلا بها ذات يوم فنظر إليها وهي واضعة ثيابها، فقال: يا أم عمرو، هل ترين أن اللّه خلق أحسن منك؟ قالت: نعم، أختى ميلاء، هي أحسن مني.
ينكشف حبه فيرحل ولا يدري مكانه:
قال: فإني أحب أن أنظر إليها، فقالت: إن علمت بك لم تخرج إليك، ولكن كن من وراء السّتر، ففعل، وأرسلت إليها فجاءتها، فلما نظر إليها عشقها وانتظرها حتى راحت إلى أهلها، فاعترضها فشكا إليها حبّها، فقالت:
واللّه يا بن عمّ، ما وجدت من شيء إلّا وقد وقع لك في قلبي أكثر منه. وواعدته مرة أخرى، فأتتهما أم عمرو وهما لا يعلمان، فرأتهما جالسين، فمضت إلى إخوتها - وكانوا سبعة - فقالت: إما أن تزوجوا ميلاء كعبا، وإما أن تكفوني أمرها. وبلغهما الخبر، ووقف إخوتها على ذلك، فرمى بنفسه نحو الشام حياء منهم، وكان منزله ومنزل أهله الحجاز، فلم يدر أهله ولا بنو عمه أين ذهب، فقال كعب:
شعره في أرض الغربة:
أفي كلّ يوم أنت من لاعج الهوى ... إلى الشّمّ من أعلام ميلاء ناظر
بعمشاء من طول البكاء كأنما ... بها خزر أو طرفها متخازر
تمنّى المنى حتى إذا ملّت المنى ... جرى واكف من دمعها متبادر
كما ارفضّ عنها بعد ما ضمّ ضمة ... بخيط الفتيل اللؤلؤ التناثر
تدل رواية شعره على مكانه:
قال: فرواه عنه رجل من أهل الشام، ثم خرج بعد ذلك الشاميّ يريد مكة، فاجتاز بأم عمرو وأختها ميلاء، وقد ضل الطريق، فسلم عليهما ثم سألهما عن الطريق، فقالت أم عمرو: يا ميلاء [2]، صفي له الطريق، فذكر - لما نادت: يا ميلاء - شعر كعب هذا، فتمثل به، فعرفت أم عمرو الشعر، فقالت: يا عبد اللّه، من أين أنت؟ قال: رجل من أهل الشام. قالت: من أين رويت هذا الشعر؟ قال: رويته عن أعرابي بالشام، قالت: أو تدري ما اسمه؟
فقال: سمعت أنه كعب، فأقسمت عليه: لا تبرح حتى تعرّف إخوتنا بذلك فنحسن إليك نحن وهم، وقد أنعمت
__________
[1] هذه الترجمة لم ترد في طبعة بولاق، ووردت في ملحق برنو، وموضعها هنا حسب المخطوطات المعتمدة.
[2] في س، ب: «ملاء»، وهو تحريف.
علينا. قال: أفعل، وإني لأروي له شعرا آخر، فما أدري أتعرفانه أم لا؟ فقالت: نسألك باللّه أسمعتنا، قال: سمعته يقول:
شعر آخر له في أرض الغربة:
خليليّ قد قست الأمور ورمتها ... بنفسي وبالفتيان كلّ زمان
فلم أخف سوءا للصديق ولم أجد ... خليّا ولا ذا البث يستويان
من الناس إنسانان ديني عليهما ... مليئان [1] لو شاءا لقد قضياني
خليليّ أمّا أمّ عمرو فمنهما ... وأما عن الأخرى فلا تسلاني
بلينا بهجران ولم أر مثلنا ... من الناس إنسانين يهتجران
أشدّ مصافاة وأبعد من قلى ... وأعصى لواش حين يكتفيان
تحدّث طرفانا بما في صدورنا ... إذا استعجمت بالمنطق الشفتان
فو اللّه ما أدري أكلّ ذوي الهوى ... على ما بنا أو نحن مبتليان؟
فلا تعجبا مما بي اليوم من هوى ... فبي كلّ يوم مثل ما تريان
خليليّ عن أيّ الّذي كان بيننا ... من الوصل أم ماضي الهوى تسلان؟
وكنا كريمي معشر حمّ بيننا ... هوى فحفظناه بحسن صيان
/ سلاه بأم العمرو من هي إذ بدا ... به سقم جمّ وطول ضمان [2]
فما زادنا بعد المدى نقض مرّة [3] ... ولا رجعا من علمنا ببيان
خليليّ لا واللّه ما لي بالذي ... تريدان من هجر الحبيب يدان
ولا لي بالبين اعتلاء إذا نأت ... كما أنتما بالبين معتليان
يعود به ابن عمه من الشام ويموت غما:
قال: ونزل الرجل ووضع رحلة حتى جاء إخوتهما، فأخبراهم الخبر، وكانوا مهتمين بكعب، وكان كعب أظرفهم وأشعرهم، فأكرموا الرجل وحملوه على راحلة ودلّوه على الطريق، وطلبوا كعبا فوجدوه بالشام، فأقبلوا به، حتى إذا كانوا في ناحية ماء أهلهم إذا الناس قد اجتمعوا عند البيوت، وكان كعب ترك بنيّا له صغيرا، فزحمه غلام منهم في ناحية الماء، فقال له كعب: ويحك يا غلام! من أبوك؟ فقال: رجل يقال له: كعب، قال: وعلى أيّ شيء قد اجتمع الناس؟ وأحسّ قلبه بالشرّ. قال: اجتمعوا على خالتي ميلاء. قال: وما قصتها؟ قال: ماتت. فزفر زفرة مات منها مكانه، فدفن حذاء قبرها.
من شعره في الشام:
قال: وقال كعب وهو بالشام:
أحقّا عباد اللّه أن لست ماشيا ... بمرحاب حتى يحشر الثقلان
__________
[1] المليئان: مثنى المليء، وهو الغني المقتدر، والفعل: ملؤ.
[2] ضمان: مرض ملازم، يشتد وقتا بعد وقت، ضمن، بفتح فكسر، فهو ضمن كفرح.
[3] المرة، بكسر الميم وتشديد الراء: القتل، وهي أيضا القوة. أمر الحبل: شد فتله.
ولا لاهيا يوما إلى الليل كلّه ... ببيض لطيفات الخصور رواني [1]؟
يمنّيننا حتى تريع [2] قلوبنا ... ويخلطن مطلا ظاهرا بليان
فعينيّ يا عينيّ حتّام أنتما ... بهجران أمّ العمرو وتختلجان؟
أما أنتما إلّا عليّ طليعة ... على قرب أعدائي كما تريان
/ فلو أنّ أم العمرو أضحت مقيمة ... بمصر وجثماني بشحر [3] عمان
إذا لرجوت اللّه يجمع شملنا ... فإنّا على ما كان ملتقيان [4]
نسبة ما في هذا الخبر من الغناء
صوت
اختلاف الرواة في نسبة صوت من شعره:
من الناس إنسانان ديني عليهما ... مليئان لو شاءا لقد قضياني
خليليّ أما أمّ عمرو فمنهما ... وأما عن الأخرى فلا تسلاني
عروضه من الطويل، الشعر - على ما في هذا الخبر - لكعب المذكورة قصته، وروى المفضل بن سلمة وأبو طالب بن أبي طاهر هذين البيتين مع غيرهما لابن الدّمينة الخثعميّ. والغناء لإبراهيم الموصلي، خفيف رمل بالوسطى، ذكره أبو العبيس عنه، وذكر ابن المكي أنه لعلّويه. والأبيات الّتي ذكرنا أن المفضل بن سلمة وابن أبي طاهر روياها لابن الدّمينة مع البيتين اللذين فيهما الغناء هي:
من الناس إنسانان ديني عليهما ... مليئان لو شاءا لقد قضياني
خليليّ أمّا أمّ عمرو فمنهما ... وأما عن الأخرى فلا تسلاني
منوعان ظلّامان ما ينصفانني ... بدليهما والحسن قد خلباني
من البيض نجلاء العيون غذاهما ... نعيم وعيش ضارب بجران [5]
أفي كلّ يوم أنت رام بلادها ... بعينين إنسانا هما غرقان؟
/ إذا غرورقت عيناي قال صحابتي ... لقد أولعت عيناك بالهملان
وقد روي أيضا أن هذا البيت:
أفي كلّ يوم أنت رام بلادها
__________
[1] الرواني، جمع الرانية: الطروب اللاهية مع شغل قلب وغلبه هوى.
[2] تريع: تفزع.
[3] الشحر، بفتح أو كسر فسكون: صقع على ساحل بحر الهند من ناحية اليمن. قال الأصمعي: هو بين عدن وعمان. (معجم ياقوت، والقاموس).
[4] كذا في هد، وفي ب، س: «ملتفتان».
[5] الجران من البعير، بوزن كتاب: مقدم عنقه، وعيش ضارب بجران: مستقر ثابت.
لعروة بن حزام:
ألا فاحملاني بارك اللّه فيكما ... إلى حاضر الرّوحاء [1] ثم ذراني
أخبرني محمد بن خلف وكيع، قال: حدّثني أبو سعيد القيسي، قال: حدّثني سليمان بن عبد العزيز، قال:
حدّثني خارجة المالي قال: حدّثني من رأى عروة بن حزام يطاف به حول البيت، قال: فقلت له: من أنت؟ قال: أنا الّذي أقول:
أفي كلّ يوم أنت رام بلادها ... بعينين إنسانا هما غرقان؟
ألا فاحملاني بارك اللّه فيكما ... إلى حاضر الرّوحاء ثم ذراني
فقلت: زدني، قال: لا، ولا حرف.
التغني بالصوت المنسوب إليه يهيج الواثق للإيقاع بشخصين:
ويقال: إن الّذي هاج الواثق على القبض على أحمد بن الخصيب وسليمان بن وهب أنه غنّى - هذا الصوت - أعني:
من الناس إنسانان ديني عليهما
فدعا خادما كان للمعتصم، ثم قال له: أصدقني وإلّا ضربت عنقك. قال: سل يا أمير المؤمنين عما شئت، قال: سمعت أبي وقد نظر إليك يتمثّل بهذين البيتين، ويومىء إليك إيماء تعرفه، فمن اللذان عني؟ قال، قال لي:
إنه وقف على إقطاع أحمد بن الخصيب وسليمان بن وهب ألفي دينار، وأنه يريد الإيقاع بهما. فكان كلما رآني/ يتمثل بهذين البيتين. قال: صدقني واللّه، واللّه لا سبقاني بهما [2] كما سبقاه، ثم أوقع بهما.
وأخبرني محمد بن يحيى الصّوليّ، قال: حدّثني ميمون بن هارون، قال: نظر الواثق إلى أحمد بن الخصيب يمشي، فتمثّل:
من الناس إنسانان ديني عليهما
وذكر البيتين، وأشار بقوله:
خليليّ أمّا أم عمرو فمنهما
إلى أحمد بن الخصيب. فلما بلغ هذا سليمان بن وهب، قال: إنا للّه! أحمد بن الخصيب واللّه أمّ عمرو، وأنا الأخرى. قال: ونكبهما بعد أيام. وقد قيل: إن محمد بن عبد الملك الزيات كان السبب في نكبتهما.
رواية أخرى لسبب إيقاع الواثق بصاحبيه:
أخبرنا محمد بن يحيى، قال: حدثنا عون بن محمد الكنديّ، قال: كانت الخلافة أيام الواثق تدور على إيتاخ، وعلى كاتبه سليمان بن وهب، وعلى أشناس وكاتبه أحمد بن الخصيب، فعمل الوزير محمد بن عبد الملك الزيات قصيدة، وأوصلها إلى الواثق على أنها لبعض أهل العسكر، وهي:
__________
[1] الروحاء: موضع بين الحرمين، على ثلاثين أو أربعين ميلا من المدينة.
[2] في س: «بها»، وهو تحريف.
يا بن الخلائف والأملاك إن نسبوا ... حزت الخلافة عن آبائك الأول
أجرت أم رقدت عيناك عن عجب ... فيه البريّة من خوف ومن وهل
ولّيت أربعة أمر العباد معا ... وكلّهم خاطب في حبل محتبل [1]
هذا سليمان قد ملّكت راحته ... مشارق الأرض من سهل ومن جبل
/ ملّكته السند فالشّحرين من عدن ... إلى الجزيرة فالأطراف من ملل [2]
خلافة قد حواها وحده فمضت ... أحكامه في دماء القوم والنّفل [3]
وابن الخصيب الّذي ملّكت راحته ... خلافة الشأم والغازين [4] والقفل [5]
فنيل مصر فبحر الشأم قد جريا ... بما أراد من الأموال والحلل
كأنهم في الّذي قسّمت بينهم ... بنو الرشيد زمان القسم للدّول
حوى سليمان ما كان الأمين حوى ... من الخلافة والتبليغ للأمل
وأحمد بن خصيب في إمارته ... كالقاسم بن الرشيد الجامع السبل
أصبحت لا ناصح يأتيك مستترا ... ولا علانية خوفا من الحيل
سل بيت مالك أين المال تعرفه ... وسل خراجك عن أموالك الجمل [6]
كم في حبوسك ممّن لآذنوب لهم ... أسرى التكذّب في الأقياد [7] والكبل [8]
سمّيت باسم الرشيد المرتضى فبه ... قس الأمور الّتي تنجي من الزلل
عث فيهم ما عاثت يداه معا ... على البرامك بالتهديم للقلل
فلما قرأ الواثق الشعر غاظه وبلغ منه، ونكب سليمان بن وهب وأحمد بن/ الخصيب، وأخذ منهما ومن أسبابهما ألف ألف دينار، فجعلها في بيت المال، فقال أحمد بن أبي فنن:
نزلت بالخائنين سنه [9] ... سنة للناس ممتحنه
سوّغت ذا النصح بغيته ... وأزالت دولة الخونه [10]
فترى أهل العفاف بها ... وهم في دولة حسنه
__________
[1] المحتبل: آخذ الصيد بالحبالة.
[2] ملل: موضع في طريق مكة بين الحرمين.
[3] النفل، بالتحريك: الغنيمة.
[4] الغازين: لعل المراد بهما غاز الكنز، وهو موضع بجبل أبي قبيس، وغاز المعرة بأرض اليمامة، لبني جشم بن الحارث.
[5] القفل: ثنية تطلع على قرن المنازل حيال الطائف.
[6] الجمل: جمع جملة، وهي جماعة الشيء.
[7] الأقياد: جمع القيد، لما يجعل في رجل الدابة وغيرها، فيمسكها.
[8] الكبل، كسهل: القيد أعظم ما يكون، وحرك الباء إتباعا، وجمعه كبول وأكبل.
[9] السنة: الجدب. والمراد هنا المحنة.
[10] هذا البيت زيادة من هد.
وترى من جار همّته ... أن يؤدّي كل ما احتجنه [1]
وقال إبراهيم بن العباس لابن الزيات:
إيها [2] أبا جعفر وللدهر كرّ ... رات وعما يريب متّسع
أرسلت ليثا على فرائسه ... وأنت منها فانظر متى تقع
لكنّه قوته وفيك له ... وقد تقضّت أقواته شبع
وهي أبيات، وقد كان أحمد بن أبي دواد [3] حمل الواثق على الإيقاع بابن الزيات وأمر علي بن الجهم فقال فيه:
لعائن [4] اللّه موفّرات ... مصبّحات ومهجّرات
على ابن عبد الملك الزّيات ... عرّض شمل الملك للشتات
يرمي الدواوين بتوقيعات ... معقّدات غير مفتوحات
أشبه شيء برقي الحيات ... كأنّها بالزيت مدهونات
/ بعد ركوب الطوف [5] في الفرات ... وبعد بيع الزيت بالحبات
سبحان من جلّ عن الصفات ... هارون يا بن سيّد السادات
أما ترى الأمور مهملات [6] ... تشكو إليك عدم الكفاة [7]
وهي أبيات، فهمّ الواثق بالقبض على ابن الزيات، وقال: لقد صدق، قائل هذا الشعر، ما بقي لنا كاتب.
فطرح نفسه على إسحاق بن إبراهيم، وكانا مجتمعين على عداوة بن أبي دواد، فقال للواثق: أمثل ابن الزيات - مع خدمته وكفايته - يفعل به هذا، وما جنى عليك وما خانك، وإنما دلّك على خونة أخذت ما اختانوه، فهذا ذنبه!.
وبعد، فلا ينبغي لك أن تعزل أحدا أو تعد مكانه جماعة يقومون مقامه، فمن لك بمن يقوم مقامه؟ فمحا ما كان في نفسه عليه ورجع له.
وكان إيتاخ صديقا لابن أبي دواد، فكان يغشاه كثيرا، فقال له بعض كتابه: إن هذا بينه وبين الوزير ما تعلم، وهو يجيئك دائما، ولا تأمن أن يظن الوزير بك ممالأة عليه؛ فعرّفه ذلك، فلما دخل ابن أبي دواد إليه خاطبه في هذا المعنى، فقال: إني واللّه ما أجيئك متعززا بك من ذلة، ولا متكثّرا من قلّة، ولكن أمير المؤمنين رتّبك رتبة أوجبت لقاءك، فإن لقيناك فله، وإن تأخرنا عنه فلنفسك، ثم خرج من عنده فلم يعد إليه.
__________
[1] احتجنه: احتواه وضمه إلى نفسه.
[2] إيها: كلمة استترادة واستنطاق.
[3] في ب س: «داود»، وهو تحريف.
[4] اللعائن: جمع اللعينة، وهي الشدة يلعنها كل أحد.
[5] الطوف: قرب ينفخ فيها، ويشد بعضها إلى بعض كهيئة السطح، يركب عليها في الماء ويحمل عليها.
[6] في س، ب: «مهمولات»، وهو تحريف.
[7] الكفاة: جمع الكافي، وهو الّذي يكفي ويغني عن غيره.
وفي هذه القصة أخبار كثيرة يطول ذكرها، ليس هذا موضعها، وإنما ذكرنا ها هنا هذا القدر منها كما يذكر الشيء بقرائنه.
صوت
عش فحبّيك سريعا قاتلي ... والضّنى إن لم تصلني واصلي
ظفر الشوق بقلب دنف ... فيك والسّقم بجسم ناحل
فهما بين اكتئاب وضنى ... تركاني كالقضيب الذابل
الشعر لخالد الكاتب، والغناء للمسدود، رمل مطلق في مجرى الوسطى، وذكر جحظة أن هذا الرمل أخذ عنه، وأنه أول صوت سمعه فكتبه.
14 - أخبار خالد الكاتب [1]
وطنه وأصله وسبب إصابته بالوسواس:
هو خالد بن يزيد، ويكنى أبا الهيثم، من أهل بغداد، وأصله من خراسان، وكان أحد كتاب الجيش.
ووسوس في آخر عمره، قيل إن السّوداء غلبت عليه، وقال قوم: كان يهوى جارية لبعض الوجوه ببغداد فلم يقدر عليها، وولّاه محمد بن عبد الملك الإعطاء في الثغور، فخرج فسمع في طريقه منشدا ينشد، ومغنّية تغنّي:
من كان ذا شجن بالشام يطلبه ... ففي سوى الشام أمسى الأهل والشجن
فبكى حتى سقط على وجهه مغشيا عليه، ثم أفاق مختلطا. واتصل ذلك حتى وسوس وبطل.
كيف اتصل بعلي بن هشام وإبراهيم بن المهدي؟:
وكان اتصل بعليّ بن هشام [2] وإبراهيم بن المهدي وكان سبب اتصاله بعليّ بن هشام [2] أنه صحبه في وقت خروجه إلى قمّ، في جملة كتّاب الإعطاء، فبلغه وهو في طريقه أن خالدا يقول الشعر، فأنس به وسرّ به، وأحضره [3] فأنشده قوله:
يا تارك الجسم بلا قلب ... إن كنت أهواك فما ذنبي؟
يا مفردا بالحسن أفردتني ... منك بطول الهجر والعتب
إن تك عيني أبصرت فتنة ... فهل على قلبي من عتب [4]
حسيبك اللّه لما بي كما ... أنك في فعلك بي حسبي
/ للمسدود في هذه الأبيات رمل طنبوري مطلق من رواية الهشامي، قال: فجعله علي بن هشام في ندمائه إلى أن قتل.
كيف اتصل بالمعتصم؟:
ثم صحب الفضل بن مروان، فذكره للمعتصم وهو بالماحوزة [5] قبل أن يبني سرّ من رأى، فقال خالد:
عزم السرور على المقا ... م بسرّ من را للإمام
بلد المسرّة والفتو ... ح المستنيرات العظام
وتراه أشبه منزل ... في الأرض بالبلد الحرام
فاللّه يعمره بمن ... أضحى به عزّ الأنام
__________
[1] هذه الترجمة لم ترد في بولاق، وتوجد في ملحق برنو، وموضعها هنا على حسب المخطوطات المعتمدة.
[2] - (2) زيادة من م: هد، يستقيم بها المعنى، وفي «المختار» مكانها: «و ذلك».
[3] في «المختار»: «فأحضره فاستنشده».
[4] في «المختار»: «ذنب».
[5] الماحوزة: موضع قرب سامرا.
فاستحسنها الفضل بن مروان وأوصلها إلى المعتصم قبل أن يقال في بناء سرّ من رأى شيء، فكانت أول ما أنشد في هذا المعنى من الشعر، فتبرّك بها وأمر لخالد بخمسة آلاف درهم.
وذكر ذلك كلّه إسماعيل بن يحيى الكاتب، وذكر اليوسفيّ صاحب الرسائل أن خالدا قال أيضا في ذلك:
بيّن صفو الزمان عن كدره ... في ضحكات الربيع عن زهره
يا سرّ من رابوركت من بلد ... بورك في نبته وفي شجره
غرس جدود الإمام ينبته [1] ... بابك والمازيار من ثمره
فالفتح والنصر ينزلان به ... والخصب في تربه وفي شجره
فغنى مخارق في هذه الأبيات، فسأله المعتصم: لمن هذا الشعر؟ فقال: لخالد يا أمير المؤمنين، قال: الّذي يقول:
/كيف ترجى لذاذة الإغتماض ... لمريض من العيون المراض!
فقال محمد بن عبد الملك: نعم يا أمير المؤمنين، هو له، ولكن بضاعته لا تزيد على أربعة أبيات، فأمر له المعتصم بأربعة آلاف درهم، وبلغ خالدا الخبر، فقال لأحمد بن عبد الوهاب صاحب محمد بن عبد الملك - وقيل لأبي جعفر - أعزه اللّه: إذا بلغت المراد في أربعة أبيات فالزيادة فضل.
يداخل الشعراء في القصائد. وكان أول صاحب مقطعات:
قال اليوسفيّ: ولمّا قال خالد في صفة سرّ من رأى قصيدته الّتي يقول فيها:
اسقني في جرائر [2] وزقاق ... لتلاقي [3] السرور يوم التلاق
من سلاف كأنّ في الكأس منه ... عبرات من مقلتي مشتاق
في رياض بسرّ من را إلى الكر ... خ ودعني من سائر الآفاق
بادّ كارات كل فتح عظيم ... لإمام الهدى أبي إسحاق
وهي قصيدة [4]، لقيه دعبل فقال: يا أبا الهيثم، كنت صاحب مقطعات فداخلت الشعراء في القصائد الطوال وأنت لا تدوم على ذلك، وبوشك أن تتعب بما ما تقول وتغلب عليه. فقال له خالد: لو عرفت النّصح منك لغيري لأطعتك في نفسي.
خلافة مع الحلبي الشاعر وهجاؤه إياه:
قال اليوسفيّ: وحدّثني أبو الحسن الشهرزانيّ: أن خالدا وقع بينه وبين الحلبي الشاعر الّذي يقول فيه البحتريّ:
سل الحلبيّ [5] عن حلب
__________
[1] كذا في ف، وفي س، ب: نكبتها، وهو تحريف.
[2] جرائر: جمع جرار، وجرار: جمع جرة.
[3] كذا في ف، وفي س: «لتلافي»، وهو تحريف.
[4] ت، س: «قصيرة» تحريف.
[5] كذا في «الديوان»، وفي س، ب: «الحي»، وهو تحريف، وعجز البيت:
وعن تركانه حلبا
/ خلاف في معنى شعر، فقال له الحلبيّ: لا تعد طورك فأخرسك! فقال له خالد: لست هناك، ولا فيك موضع للهجاء، ولكن ستعلم أني أجعلك ضحكة سرّ من رأى. وكان الحلبيّ من أوسخ الناس، فجعل يهجو جبّته وثيابه وطيلسانه، فمن ذلك قوله:
وشاعر ذي منطق رائق ... في جبّة كالعارض البارق
قطعاء شلّاء [1] رقاعيّة [2] ... دهريّة مرقوعة [3] العاتق
قدّمها العري على نفسه ... لفضلها في القدر السابق [4]
وقوله:
وشاعر مقدم له قوم ... ليس عليهم في نصره لوم
قد ساعدوه في الجوع كلّهم ... فقرى فكلّ غداؤه الصوم
يأتيك في جبّة مرقعة ... أطول أعمار مثلها يوم
وطيلسان كالآل يلبسه ... على قميص كأنه غيم
من حلب في صميم سفلتها ... غناه فقر وعزّه ضيم
قال: وقال فيه:
تاه على ربّه فأفقره ... حتى رآه الغنى فأنكره
فصار من طول حرفة [5] علما ... يقذفه الرزق حيث أبصره
يا حلبيّا قضى الإله له ... بالتّيه والفقر حين صوّره
/ لو خلطوه بالمسك [6] وسّخه ... أو طرحوه في البحر كدّره
يستنشده إبراهيم بن المهدي شعرا فيجيزه:
حدّثني جحظة، قال: حدّثني خالد الكاتب، قال: دخلت على إبراهيم بن المهديّ فاستنشدني، فقلت: أيها الأمير، أنا غلام أقول في شجون نفسي، لا أكاد أمدح ولا أهجو، فقال: ذلك أشدّ لدواعي البلاء، فأنشدته:
صوت
عاتبت نفسي في هوا ... ك فلم أجدها تقبل
وأطعت داعيا إليك ... ولم أطع من يعذل
__________
[1] شلاء: وصف من الشلل، وهو أن يصيب الثوب سواد، ولا يذهب بغسله.
[2] رقاعية: كثيرة الرقاع.
[3] كذا في ف، هد. وفي ب، س: «مفرقة».
[4] ورد هذا البيت زيادة من هد.
[5] الحرفة، بضم الحاء وكسرها: الحرمان، وسوء الحظ.
[6] ب، س: «الملك» تحريف.
لا والّذي جعل الوجو ... ه لحسن وجهك تمثل
لا قلت إن الصبر عن ... ك من التصابي أجمل
لجحظة في هذه الأبيات رمل مطلق بالوسطى.
قال: فبكى إبراهيم وصاح: واي [1] عليك بإبراهيم، ثم أنشدته أبياتي الّتي أقول فيها:
وبكى العاذل من رحمتي ... فبكائي لبكا العاذل
وقال إبراهيم: يا رشيق، كم معك من العين؟ قال: ستمائة وخمسون دينارا. قال: اقسمها بيني وبين الفتى، واجعل الكسر له صحيحا، فأعطاني ثلاثمائة وخمسين دينارا، فاشتريت بها منزلي بساباط [2] الحسن والحسين، فواراني إلى يومي هذا.
يستوهبه علي بن الجهم بيتا من شعره:
حدّثني جحظة، قال: حدّثني خالد الكاتب قال: قال لي عليّ بن الجهم: هب لي [3] بيتك الّذي تقول فيه:
ليت ما أصبح من رقّ ... ة خدّيك بقلبك
فقلت: يا جاهل، هل رأيت أحدا يهب ولده.
يتعاطي الهجاء:
وقال أحمد بن إسماعيل الكاتب: لقيت خالدا الكاتب ذات يوم فسألته عن صديق له، وكان قد باعده ولم أعلم، فأنشأ يقول:
ظعن الغريب لغيبة الأبد ... حتى المخافة نأتي البلد
حيران يؤنسه ويكلؤه ... يوم توعّده بشرّ غد
سنح الغراب له بأنكر ما ... تغدو النحوس به على أحد
وابتاع أشأمه بأيمنه [4] ... الجدّ العثور له يدا بيد
حتى ينيخ بأرض مهلكة ... في حيث لم يولد ولم يلد
جزعت حليلته عليه فما ... تخلو من الزفرات والكمد
نزل الزمان بها فأهلكها ... منه وأهدى اليتم للولد
ظفرت به الأيام فانحسرت ... عنه بناقرة [5] ولم تكد
__________
[1] كذا في ف: زاد ألفا بعد الواو، ورسم عليها سكونا، كأنه يصور مد الصوت بالكلمة حسين صاح بها إبراهيم. وفي «المختار»: «وي»، ومعناها في الموضعين: أعجب، وفي س: «واثي»، وهو تحريف.
[2] في «المختار»: «بساباط». وفي «معجم البلدان»: ساباط كسرى بالمدائن: موضع معروف.
[3] في «المختار»: «باللّه هب لي».
[4] كذا في ف، وفي ب، س: «أيمنه بأشأمه»، وهو تخليط.
[5] الناقرة: الداهية.
فتركن منه بعد طيّته ... مثل الّذي أبقين من لبد [1]
قال، فقلت له: يا أبا الهيثم مذ كم دخلت في قول الهجاء؟ قال: مذ سالمت فحوربت، وصافيت فتوقفت.
شعره في غلام نافس أبا تمام في حبه:
وقال الرياشي: كان خالد مغرما بالغلمان المرد، ينفق عليهم كلّ ما يفيد، فهوي غلاما يقال له: عبد اللّه، وكان وتمام الطائي يهواه، فقال فيه خالد:
قضيب بان جناه ورد ... تحمله وجنة وخدّ
لم أثن طرفي إليه إلّا ... مات عراء وعاش وجد
ملّك طوع النفوس حتّى [2] ... علّمه الزهو حين يبدو
واجتمع الصدّ فيه حتّى ... ليس لخلق سواه صدّ
فبلغ أبا تمام ذلك فقال فيه أبياتا منها:
شعرك هذا كلّه مفرط [3] ... في برده يا خالد البارد
فعلمها [4] الصبيان، فلم يزالوا يصيحون به: يا خالد يا بارد حتى وسوس، قال: ومن الناس من يزعم أن هذا السبب كان بينه وبين رجل غير أبي تمام، وليس الأمر كذلك.
هجاؤه أبا تمام:
[و كان خالد] [5] قد هجا أبا تمام في هذه القصّة فقال فيه:
يا معشر المرد إني ناصح لكم ... والمرء في القول بين الصدق والكذب
لا ينكحنّ حبيبا منكم أحد ... فإنّ وجعاءه [6] أعدى من الجرب
لا تأمنوا أن تحولوا بعد ثالثة ... فتركبوا عمدا ليست من الخشب
يستنشده إبراهيم بن المهدي حين بويع ويستمع شعره:
حدّثني محمد بن يحيى الصولي، قال: حدّثني الحسن بن إسحاق قال: حدّثني خالد الكاتب، قال: لما بويع إبراهيم بن المهدي بالخلافة طلبني - وقد كان يعرفني - وكنت/ متّصلا ببعض أسبابه، فأدخلت إليه فقال: أنشدني يا خالد شيئا من شعرك، فقلت: يا أمير المؤمنين، ليس شعري من الشعر الّذي قال فيه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «إنّ من الشّعر لحكما»، وإنما أمزح وأهزل، فقال: لا تقل هذا، فإنّ جدّ الأدب وهزله جدّ، هات أنشدني، فأنشدته:
عش فحبّيك سريعا قاتلي ... والضّنى إن لم تصلني واصلي
__________
[1] لبد: آخر نسور لقمان. وكانت سبعة، كلما هلك نسر خلفه نسر حتى هلكت كلها.
[2] في «المختار»: «كيف» تحريف.
[3] في «المختار»: «مفرط كله».
[4] في «المختار»، هد: «فعلقها».
[5] ما بين العلامتين زيادة من المختار تصلح بها العبارة.
[6] الوجعاء: الدبر.
ظفر الشوق بقلب دنف [1] ... فيك والسّقم بجسم ناحل
فهما بين اكتئاب وضنى ... تركاني كالقضيب الذابل
قال: فاستملح ذلك ووصلني.
رثي راكبا قصبة والصبيان يصيحون به:
حدّثني حمزة بن أبي سلالة الشاعر الكوفيّ، قال دخلت بغداد في بعض السنين فبينا أنا [2] مارّ بجنينة إذا أنا برجل عليه مبطنة نظيفة، وعلى رأسه قلنسيه [3] سوداء، وهو راكب قصبة، والصبيان خلفه يصيحون به: يا خالد يا بارد، فإذا آذوه حمل عليهم بالقصبة، فلم أزل أطردهم عنه حتى تفرقوا، وأدخلته بستانا هناك، فجلس واستراح، واشتريت له رطبا فأكل، واستنشدته فأنشدني:
قد حاز قلبي فصار يملكه ... فكيف أسلو وكيف أتركه!
رطيب جسم كالماء تحسبه ... يخطر في القلب منه مسلكه
يكاد يجري من القميص من الن ... عمة لو لا القميص يمسكه
فاستزدته، فقال: لا، ولا حرف [4].
يخلع ثيابا أعطيها على غلام يحبه، ويقول فيه شعرا:
وذكر عليّ بن الحسين بن أبي طلحة عن أبي الفضل الكاتب - أنه دعا خالدا ذات يوم فأقام عنده. وخلع عليه، فما استقر به المجلس حتى خرج، قال: فأتبعته رسولا ليعرف خبره، فإذا هو قد جاء إلى غلام [5] كان يحبه، فسأل [6] عنه فوجده في دار القمار، فمضى إليه حتى خلع عليه تلك الثياب وقبّله وعانقه وعاد إلينا، فلما جاء خالد أعطيت [7] الغلام الّذي وجّهنا [8] به دنانير ودعاه [9] فجاء به إلينا، وأخفيناه وسألنا خالدا عن خبره فكتمه وجمجم [10]، فغمزنا الرسول فأخرجه علينا، فلما رآه خالد بكى ودهش، فقلنا له: لا ترع، فإن من القصة كيت وكيت، وإنما أردنا أن نعرف خبرك لا أن نسوءك، فطابت نفسه وأجلسه إلى جنبه، وقال: قد بليت بحبّه وبالخوف عليه مما قد بلي به من القمار، ثم أنشد لنفسه فيه:
محبّ شفّه ألمه ... وخامر جسمه سقمه
وباح بما يجمجمه ... من الأسرار مكتتمه
__________
[1] الدنف: الّذي يلازمه المرض.
[2] في «المختار»: «أنا مار إذا».
[3] في «المختار»: قلنسوة، وهي بضم السين إذا فتحت القاف، وبكسر السين إذا ضمت القاف.
[4] في «المختار»: «و لا حرفا».
[5] في «المختار»: «غلام أمرد».
[6] كذا في «المختار». وفي ب، س: «فسئل عنه فوجده في دار القمار».
[7] كذا في «المختار»، وفي س: «فلما جاز خالد أعطاه الغلام»، وهو تحريف.
[8] في «المختار»: «عرفنا خبره».
[9] في «المختار»: «ليجيء بالغلام».
[10] جمجم الكلام: لم يبينه.
أما ترثي لمكتئب ... يحبّك لحمه ودمه
يغار على قميصك ... حين تلبسه ويتّهمه
من شعره في الشوق:
وذكر عليّ بن الحسين أيضا أن محمد بن السريّ حدّثه أنه أطال الغيبة عن بغداد وقد وسوس خالد، فمرّ به في الرّصافة والصبيان يصيحون به: يا غلام الشريطيّ يا خالد البارد، ويرجع إليهم فيضربهم ويزيد ويرميهم، قال: فقلت له: كيف أنت يا أبا الهيثم؟ / قال: كما ترى! فقلت له: فمن تعاشر اليوم؟ قال: من أحذره، فعجبت من جوابه مع اختلاله، فقلت له: ما قلت بعدي من الشعر؟ قال: ما حفظه الناس وأنسيته، وعلى ذلك قولي:
كبد شفها غليل التصابي ... بين عتب وسخطة وعذاب [1]
كلّ يوم تدمي بجرح من الشو ... ق ونوع مجدّد من عذاب
يا سقيم الجفون أسقمت جسمي ... فاشفني كيف شئت، لا بك ما بي
إن أكن مذنبا فكن حسن العف ... وأو اجعل سوى الصّدود عقابي
ثم قال: يا أبا جعفر، جننت بعدك، فقلت: ما جعلك اللّه مجنونا؛ وهذا كلامك لي ونظمك.
حدّثني محمد بن الطلاس أبو الطيب، قال: حضرت جنازة بعض جيراني، فلقيت خالدا في المقبرة فقبضت عليه، وقلت: أنشدني، فذهب ليهرب مني، فغمزت على يده غمزة أوجعته، فقال: خلّ عني أنشدك، فأرخيت يدي عن يده، فأنشدني:
لم تر عين نظرت ... أحسن من منظره
النور والنّعمة والنّ ... عمة [2] في مخبره
لا تصل الألسن بال ... وصف إلى أكثره
كيف بمن تنتسب الش ... مس إلى جوهره!
ينشد شعرا لأبي تمام، ثم ينشد شعرا عارضه به:
حدّثني عمّي - رحمه اللّه - قال: مرّ بنا خالد الكاتب ها هنا والصبيان خلفه يصيحون به، فجلس إليّ فقال:
فرّق هؤلاء عني، فقلت، وألحّت عليه جارية تصيح: يا خالد يا بارد، فقال لها:
/ مرّي يا منتنة الكسّ، ويا من كسها دس [3]. فقلت له: يا أبا الهيثم، أيّ شيء معنى «دس» ها هنا؟ قال:
تشتهي الأير الصغير والكبير والوسط، ولا تكره منها شيئا وأقبل الصبيان يصيحون بتلك الجارية بمثل ما قال لها خالد، وهي ترميهم وتهرب منهم حتى غابوا معها عنا، فأقبل عليّ خالد متمثلا فقال:
__________
[1] في «المختار»، هد: «و عتاب».
[2] النعمة بفتح النون: اسم من التنعم، وهو: الترفه.
[3] في «المختار»: «رس»، ولم أعثر على التفسير الّذي ذكره خالد اللفظين فيما رجعت إليه من «المعاجم»، والعبارة مثبتة في النسخ على نظام الشعر، وليست منه، ولا لها وزن من أوزانه المعروفة، وهي في «المختار» على هيئة النثر.
وما أنا في أمري [1] ولا في خصومتي ... بمهتضم حقّي ولا قارع سنّي [2]
فاحتبسته عندي [3] يومي ذلك. فلما شرب وطابت نفسه، أنشده لأبي تمام:
أحبابه لم تفعلون بقلبه ... ما ليس يفعله به أعداؤه؟
مطر من العبرات خدّي أرضه ... حتى الصباح ومقلتاي سماؤه
نفسي فداء محمد ووقاؤه ... وكذبت، ما في العالمين فداؤه
أزعمت أنّ البدر يحكي وجهه ... والغصن حين يميد فيه ماؤه؟
أسكت [4] فأين بهاؤه [5] وكماله ... وجماله [6] وحياؤه وضياؤه؟
لا تقر أسماء الملاحة باطلا ... فيمن سواه فإنها أسماؤه
/ ثم قال: وقد عارضه أبو الهيثم - يعني خالدا نفسه - فقال:
فديت محمدا من كل سوء [7] ... يحاذر في رواح أو غدوّ
أيا قمر السماء سفلت حتى ... كأنك قد ضجرت من العلوّ
رأيتك من حبيبك [8] ذا بعاد ... وممّن لا يحبك ذا دنوّ
وحسبك حسرة لك من حبيب ... رأيت زمامه بيدي [9] عدوّ
هكذا أخبرني عمي عن خالد، وهذه الأبيات أيضا تروي لأبي تمام.
يبعث بشعر إلى صديق له عليل:
وقال ابن أبي طلحة: حدّثني الهلاليّ، قال: مررت بخالد وحوله جماعة ينشدهم فقلت له: يا أبا الهيثم، سلوت عن صديقك [10]، قال: لا واللّه. قلت: فإنه عليل وما عدته، فسكت ساعة ثم رفع رأسه إليّ، وقال:
زعموا أنني صحوت [11] وكلّا ... أشهد اللّه أنني لن أملّا
كيف صبري يا من إذا ازدادتيها ... أبدا زدته خضوعا وذلا؟
ثم قال: احفظه وأبلغه عني:
__________
[1] في «المختار»: «حقي».
[2] هد، مل: «بمهتضم حقي ولا سالم خصمي».
[3] في «المختار»: «يومه عندي».
[4] في «المختار»: «أقصر».
[5] في «المختار»: «جماله».
[6] في «المختار»: «بهاؤه».
[7] كذا في «المختار»، وفي س: «سو»، وهو تحريف.
[8] في «المختار»: «محبك».
[9] في «المختار»: «بيد العدو».
[10] في «المختار»، هد: «صديقك فلان».
[11] في «المختار»: «مللت».
بجسمي لا بجسمك يا عليل ... ويكفيني من الألم القليل
تعدّاك السّقام إليّ إني ... على ما بي لعاديه [1] حمول
إذا ما كنت يا أملي صحيحا ... فحالفني [2] وسالمك النحول
/ ألست شقيق ما ضمّت ضلوعي ... على أني لعلّتك العليل
من شعره في غلام يحبه:
قال: وحدّثني العباس بن يحيى أنهم كانوا عند عليّ بن المعتصم، فغني في شعر لخالد، فأمر بإحضاره وطلب فلم يوجد، فوجّه إلى غلام كان يتعشقه فأحضر، وسأله عنه فدلّ عليه، وقال: كنّا نشرب إلى السحر، وقد مضى إلى حمام فلان، وهو يخرج ويجلس عند فلان الفقاعي، ودكانه مألف للغلمان المرد والمغنين، فبعث إليه فأحضر، فلما جلس أخرج عليّ بن المعتصم الغلام؛ وقال: هذا دلّنا عليك؛ وهو يزعم أنك تعشقه، فقال له الغلام:
نعم أيها الأمير، لو لم يكن من فضيحته [3] إياي إلّا أنه إذا لم يوجد أحضرت وسئلت [4] عنه، فأقبل عليه خالد وقال:
يا تارك الجسم بلا قلب ... إن كنت أهواك فما ذنبي؟
يا مفردا بالحسن أفردتني ... منك بطول الشوق والحبّ
إن تك عيني أبصرت فتنة ... فهل على قلبي من عتب؟
حسيبك اللّه لما بي كما ... أنك في فعلك بي حسبي
لجحظة فيه رمل، فاستحسن عليّ الشعر، وأمر له بخمسين دينارا.
يعتذر إلى غلام أعرض عنه:
قال: حدّثني ابن أبي المدوّر أنه شهد خالدا عند عبد الرحيم بن الأزهر الكاتب، وأنه دخل عليهم غلام من أولاد الكتاب، فلما رأى خالدا أعرض عنه، فقلت له: لم أعرضت عن أبي الهيثم؟ فقال: واللّه لو علمت أنّه ها هنا ما دخلت إليكم، ما يبالي إذا شرب هذين القدحين ما قال ولا من هتك، فقال لي خالد: ألا تعينني على ظالمي؟
فقلت: بلى واللّه أعينك، فأقبل على الفتى وقال:
صوت
هبني أسأت فكان ذن ... بي مثل ذنب أبي لهب
فأنا أتوب وكم أسأ ... ت وكم أسأت ولم تتب
فما زلنا مع ذلك الفتى نداريه ونستعطفه له حتى أقبل عليه وكلّمه وحادثه، فطابت نفسه، وسرّ بقية يومه.
__________
[1] كذا في «المختار»، ومن معاني العادي: المعتدي. وفي س: «لعادته»، وهو تحريف.
[2] في س: «فخالفني»، وهو تحريف.
[3] في س: في نصيحة، وهي بادية التحريف.
[4] في س: «سألت»، وهو تحريف أيضا.
في هذين البيتين لأبي العبيس خفيف رمل بالسبابة في مجرى الوسطى، ولرذاذ خفيف رمل مطلق.
شعره في تفاحة معضوضة:
وحدّثني عبد اللّه بن صالح الطوسيّ أن عليّ بن المعتصم دعا خالدا يوما وهو يشرب، وقد أخرجت إليه وصيفة من وصفاء حظيّته تفّاحة معضوضة مغلّفة بعثت بها إليه ستّها، فقال:
تفاحة خرجت بالدّر من فيها ... أشهى إليّ من الدنيا وما فيها
بيضاء في حمرة علّت بغالية ... كأنما قطفت من خدّ مهديها
جاءت بها قينة من عند غانية ... روحي من السوء والمكروه تفديها
لو كنت ميتا ونادتني بنغمتها ... إذا لأسرعت من لحدي ألبّيها
فاستحسن عليّ بن المعتصم الأبيات، وغنّي فيها، وأمر بتخت [1] ثياب وخمسين دينارا.
__________
[1] التخت: وعاء تصان فيه الثياب.
15 - أخبار المسدود [1]
اسمه وكنيته وموطنه:
المسدود من أهل بغداد، وكان منزله في ناحية درب المفضّل، في الموضع المعروف بخراب المسدود، منسوب إليه.
وأخبرني جحظة أن اسمه الحسن، وكنيته أبو عليّ، وأن أباه كان قصّابا، وأنه كان مسدود فرد منخر ومفتوح الآخر، وكان يقول: لو كان منخري الآخر مفتوحا لأذهلت بغنائي أهل [2] الحلوم وذوي الألباب، وشغلت من سمعه [3] عن أمر دينه ودنياه ومعاشه ومعاده.
أشجى الناس صوتا وأحضرهم بديهة:
قال جحظة: وكان أشجى الناس صوتا وأحضرهم [4] نادرة، ولم يكتسب أحد من المعنّين بطنبور ما كسبه، وكان مع يساره وقلة نفقته يقرض بالعينة [5] وكانت له صنعة عجيبة، أكثرها الأهزاج. قال جحظة: قال لي مخارق غلامه: قال لي، وقد صنع هذين البيتين وهما جميعا هزج:
صوت
من رأى العيس عليها الرّحال ... إضم [6] قصد لها أم أثال [7]؟
لست أدري حيث حلّوا ولكن ... حيثما حلّوا فثمّ الجمال
والآخر:
عج بنا نجن بطرف ... العين تفّاح الخدود
ونسلّ القلب عمّن ... حظّنا منه الكدود [8]
__________
[1] هذه الترجمة لم ترد في بولاق، وهي في ملحق برنو، وموضعها هنا على حسب المخطوطات المعتمدة.
[2] في «المختار»: «ذوي الحلوم والآداب»: وفي هد: «لأذهلت بغنائي أهل الأرض ودوي الحلوم».
[3] هد: «و شغلت من يسمعني».
[4] ب: «و أحذره نادرة».
[5] كذا في «المختار». وفي س، ف: «بالعنيه»، وهو تحريف. وفي هامش س: «قوله: بالعنيه، لعل الأصل: بالعينة، وهي ضرب من الربا. قال ابن الأثير: وسميت عينة لحصول النقد لصاحب العينة، لأن العين هو المال الحاضر من النقد، والمشتري إنما يشتريها ليبيعها بعين حاضرة تصل إليه معجلة. وقال في «لسان العرب»: والعين والعينة: الربا غير الناجز، أخذ بالعينة وأعطى بها. والعينة:
السلف».
[6] إضم، كعنب: أسفل الوادي الّذي به مدينة الرسول، صلّى اللّه عليه وسلّم.
[7] أثال، كغراب: اسم لبلدة، ولغيرهما من المسميات.
[8] هد: «الصدود».
ثم قال: واللّه لا تركت بعدي من يهزج. قال جحظة: واللّه ما كذب!.
ينفيه الواثق إلى عمان:
أخبرني جحظة، قال: كان الواثق قد أذن لجلسائه ألا يردّ أحد نادرة عن أحد يلاعبه [1]، فغنى الواثق يوما:
نظرت كأنّي من وراء زجاجة ... إلى الدار من ماء الصبابة انظر
وقد كان النبيذ عمل فيه وفي الجلساء فانبعث [2] إليه المسدود فقال: أنت تنظر أبدا من وراء زجاجة، إن كان في عينيك [3] ماء صبابة أو لم يكن، فغضب الواثق من ذلك وكان في عينيه بياض، ثم قال: خذوا برجل العاضّ بظر [4] أمه، فسحب من بين يديه. ثم قال: ينفى إلى عمان الساعة، فنفي من وقته وحدر/ ومعه الموكّلون [5]. فلما سلّموه إلى صاحب البصرة، سأله أن يقيم عنده يوما ويغنّيه، ففعل.
يأبي الغناء لأمير البصرة فيرسله إلى عمان:
فلما جلسوا للشراب ابتدأ فقال: احذروني يا أهل البصرة على حرمكم، فقد دخلت إلى بلدكم وأنا أزنى خلق اللّه. قال: فقال له الجمّاز: أما يعني [6] أنه أزنى خلق اللّه أمّا، فغضب المسدود، وضرب بطنبوره الأرض وحلف ألا يغنّي، فسأله الأمير أن يقيم عنده وأمر بإخراج الجماز وكلّ من حضر، فأبى ولجّ فأحدره إلى عمان.
يشتاقه الواثق فيكتب في إحضاره:
ومكث الواثق [7] لا يسأل عنه سنة، ثم اشتاقه فكتب في إحضاره، فلما جاءه الرسول ووصل إلى الواثق قبّل الأرض بين يديه، فاعتذر من هفوته وشكر التفضل عليه. فأمره بالجلوس ثم قال له: حدّثني بما رأيت بعدي.
فقال: لي حديث ليس في الأرض أظرف [8] منه، وأعاد عليه حديثه بالبصرة. فقال له الواثق: قبحك اللّه ما أجهلك! ويلك! فأنت سوقة وأنا ملك، وكنت صاحيا وكنت منتشيا وبدأت القوم فأجابوك، فبلغ بك الغضب ما ذكرته وما بدأتك فتجيبني، وبدأتني - من المزح - بما لا يحتمله النظير لنظيره، ويلك! لا تعاود ممازحة خليفة وإن أذن لك في ذلك، فليس كل أحد يحضره حلمه كما حضرني فيك.
يهجو الواثق في رقعة ويقدمها إليه خطأ:
أخبرني محمد بن يحيى الصولي، قال: حدّثني عون بن محمد، قال: سمعت حمدون بن إسماعيل يقول:
لم يكن في الخلفاء أحد أحلم من الواثق، ولا أصبر على أذى وخلاف. وكان/ يعجبه غناء أبي حشيشة
__________
[1] في «المختار» و «التجريد»: «و لا عنه».
[2] في «المختار» و «التجريد»: «فالتفت».
[3] كذا في «المختار»، وفي س: «عينك»، وهو تحريف.
[4] البظر: ما بين شفري الفرج.
[5] كذا في «المختار»، وفي ب: «المؤكلون»، وهو تحريف.
[6] في «المختار»: «إنه يعني أنه ... » وفي «التجريد»: «إنما يعني».
[7] زيادة من «المختار» يتضح بها الكلام.
[8] في «المختار»: «أطرف».
الطّنبوريّ، فوجد المسدود من ذلك، فكان يبلغه عنه ما يكره ويتجاوز عنه [1]. وكان المسدود قد هجاه ببيتين، فكانا معه في رقعة، وفي رقعة أخرى حاجة له [2] يريد أن يرفعها إليه، فغلط بين الرقعتين، فناوله رقعة الشّعر وهو يرى أنها رقعة الحاجة، فقرأها وفيها:
من المسدود في الأنف ... إلى المسدود في العين
أنا طبل له شقّ ... فيا طبلا بشقّين
فلما قرأ الرقعة علم أنها فيه، فقال للمسدود: خلطت [3] في الرقعتين، فهات الأخرى وخذ هذه واحترز [4] من مثل هذا، واللّه ما زاده على هذا القول.
من أجوبته الموجعة:
أخبرني جحظة، قال: تحدث المسدود في مجلس المنتصر بحديث، فقال له المنتصر: متى كان ذلك؟ قال:
ليلة لا ناه ولا زاجر، يعرّض له بليلة قتل فيها المتوكل [5]، فأغضى [6] المنتصر واحتمله.
قال: وقالت الذكورية يوما بين يدي المعتمد: غنّ يا مسدود، قال: نعم يا مفتوحة! وقالت له امرأة: كيف آخذ إلى شجرة بابك؟ قال: قدّامك، أطعمك [7] اللّه من ثمرها.
قال: وغنى بين يدي المتوكل، فسكّته وقال لبكران الشيري [8]: تغنّ أنت، فقال المسدود: أنا [9] أحتاج إلى مستمع، فلم يفهم المتوكل ما قال.
/ وقدّم إليه طبّاخ المتوكل طبقا وعليه رغيفان، ثم قال له: أيّ شيء تشتهي حتى أجيئك به؟ قال: خبزا، فبلغ ذلك المتوكل، فأمر بالطباخ فضرب مائتي مقرعة.
قال جحظة: وحدّثني بعض الجلساء أنه لما وضع الطباخ الرغيفين بين يديه قال له المسدود: هذا حرز فأين [10] النير؟ قال ودعاه بعض الرؤساء [11] فأهدى له برذونا أشهب [12]، فارتبطه ليلته، فلما كان من غد نفق، وبعث إليه يدعوه بعد ذلك، فكتب: أنا لا أمضي إلى من يعرف آجال الدواب، فيهب ما قرب أجله منها.
قال: واستوهب من بعض الرؤساء وبرا، فأعطاه سمّورا قد قرع بعضه، فردّه وقال: ليس هذا سمورا، هذا أشكر [13].
__________
[1] كذا في «المختار». وسقطت (عنه) في س. وفي ف: «فيتجاوز».
[2] في «المختار» و«التجريد» وف: «لامرأة تريد أن ترفعها».
[3] في «المختار» و«التجريد»: «غلطت».
[4] في «المختار» و«التجريد» وف وهد: «و احترس».
[5] في «التجريد»: «المتوكل وأن ذلك كان بأمره».
[6] هد: «فأحفظ».
[7] في ف: «أطعمك من ثمرها».
[8] في ف: «الشيزي». وفي هد: «لشكران الشاري».
[9] كذا في ف. وفي ب: «لغناء أحتاج»، وهو تحريف.
[10] الحرز: العوذة. والنير: هدب الثوب، والخيوط إذا اجتمعت، وفي ف: «هذا جور، فأين التين»، ولا معنى له.
[11] كذا في ف. وفي ب، س: «و دعاه بجار حداه أو غيره»، وهو تحريف.
[12] الأشهب: الأبيض يتخلل بياضه سواد.
[13] أشكر: لعله وصف من شكر النخل: إذا نبت الشكير حول أصوله، وهو فراخه، والشكير أيضا: الصغير الشعر.
صوت
أجدّك ما تعفو كلوم مصيبة ... على صاحب إلّا فجعت بصاحب
تقطّع أحشائي إذا ما ذكرتهم ... وتنهلّ عيني بالدموع السواكب
عروضه من الطويل، الشعر لسلمة بن عياش، والغناء لحكم، وله فيه لحنان: رمل بالبنصر، وهزج بالوسطى [1].
__________
[1] كذا في هد، مل. وهو الموافق للترجمة التالية، وورد في ب، س مكانه صوت في ثلاثة أبيات، هي:
كلانا يرى الجوزاء يا جمل إذ بدت ... ونجم الثريا والمزار بعيد
فكيف بكم يا جمل أهلا ودونكم ... بحور يقمصن السفين وبيد؟
إذا قلت قد حان القفول يصدنا ... سليمان عن أهوائنا وسعيد
الشعر لمسعود بن خرشة المزني، والغناء لبحر. خفيف، ثقيل بالوسطى، عن الهشامي.
16 - أخبار سلمة بن عياش
ولاؤه وعصره ومن انقطع لمدحه:
سلمة بن عياش مولى بني حسل بن عامر بن لؤي. شاعر بصريّ من مخضرمي الدولتين، وكان يتديّن ويتصون [1]، وانقطع إلى جعفر ومحمد ابني سليمان بن علي بن عبد اللّه بن عباس، ومدحهما فأكثر وأجاد.
من مدحه:
وممّا مدحهما به وفيه غناء قوله:
صوت
أرقت وطالت ليلتي بأبان [2] ... لبرق سرى بعد الهدوء يمان
يضيء بأعلام المدينة همّدا ... إلى أمج [3] فالطلح [4] طلح قنان
غنى في هذين البيتين دحمان، ولحنه ثقيل أول بالوسطى عن عمرو، قال: وفيه لحن لعطرّد يقول فيها:
وردت خليجي جعفر ومحمد ... وكلّ بديء [5] من نداه سقاني
وإني لأرجو جعفرا ومحمدا ... لأفضل ما يرجى له ملكان
هما ابنا رسول اللّه وابنا ابن عمّه ... فقد كرم الجدّان والأبوان
شعر يعزى إليه:
ومنها ما ذكره محمد بن داود بن الجراح قوله:
صوت
أنار بدت وهنا [6] لعينك ترمض [7] ... ببغداد أم سار من البرق مومض؟
يضيء سناه مكفهرّا كأنه ... حناتم [8] سود أو عشار [9] تمخّض
__________
[1] في «المختار»: «يتصوف، وكان منقطعا إلى جعفر».
[2] أبان: جبل عنده نخل وماء.
[3] أمج: موضع بعينه.
[4] الطلح: موضع بين المدينة وبدر، وآخر بين اليمامة ومكة.
[5] البدي ء: العجيب.
[6] الوهن من الليل: نحو منتصفه.
[7] ترمض: تشتعل، من أرمض الشي ء: أي أحرقه.
[8] الحناتم: جمع حنتم، وهي الجرة الخضراء.
[9] العشار: جمع عشراء، بضم ففتح، وهي: الناقة الّتي مضى لحملها عشرة أشهر، أو ثمانية.
غنى فيهما عطرّد ثقيلا أول؛ بإطلاق الوتر في مجرى الوسطى عن إسحاق يقول فيها:
ولو لا انتظاري جعفرا ونواله ... لما كان في بغداد ما أتبرّض [1]
وقد وجدت هذا الشعر لابن المولى في جامع شعره من قصيدة له، وأظن ذلك الصحيح، لا ما ذكر محمد بن داود من أنها لسلمة بن عياش.
يرفد الفرزدق ببيت من الشعر حين أجبل في قصيدة:
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ، قال: حدثنا عمر بن شبة وغيره، قال: قال سلمة بن عياش - وذكر محمد بن داود، عن عسل بن ذكوان، عن أبي حاتم، عن الأصمعيّ، عن سلمة بن عياش مولى بني عامر بن لؤيّ - قال: دخلت على الفرزدق السجن، وهو محبوس، وقد قال قصيدته:
إنّ الّذي سمك السماء بنى لنا ... بيتا دعائمه أعزّ وأطول
/ وقد أفحم وأجبل [2]، فقلت له: ألا أرفدك [3]؟ فقلت: وهل ذاك عندك؟ فقلت: نعم، ثم قلت:
بيت زرارة محتب بفنائه ... ومجاشع وأب الفوارس نهشل
فاستجاد البيت وغاظه قولي له، فقال لي: ممن أنت؟ فقلت: من قريش، فقال: كل أير حمار من قريش! فمن أيّها أنت؟ قلت: من بني عامر بن لؤي، قال: لئام واللّه رضعة [4]، جاورتهم بالمدينة فما أحمدتهم [5]، فقلت: ألأم واللّه منهم قومك وأرضع. جاء رسول مالك بن المنذر وأنت سيدهم وشاعرهم، فأخذ بأذنك يقودك حتى احتبسك فما اعترضه أحد، ولا نصرك، فقال: قاتلك اللّه ما أكرمك [6]! وأخذ البيت، فأدخله في قصيدته.
يتغزل في بربر المغنية، فتوهب له:
أخبرنا وكيع، قال: أخبرني محمد بن سعد الكرّانيّ، قال: حدثنا سهل بن محمد، قال: حدّثني العتبيّ، قال كان سلمة بن عياش وأبو سفيان بن العلاء عند محمد بن سليمان، وجارية تغنّيهم وتسقيهم يقال لها: بربر، فقال سلمة:
إلى اللّه أشكو ما ألاقي من القلى ... لأهلي وما لاقيت من حبّ بربر
على حين ودّعت الصبابة والصبا ... وفارقت أخداني وشمّرت مئزري
نأى جعفر عنّا وكان لمثلها ... وأنت لنا في النائبات كجعفر
قال: فقال محمد بن سليمان لسلمة: خذها، هي لك، فاستحيا وارتدع، وقال:/ لا أريدها فألحّ عليه في أخذها، فقال: أعتق ما أملك إن أخذتها، فقال له أبو سفيان: يا سخين العين، أعتق ما تملك وخذها، فهي خير من كلّ ما تملك، فلما مات أبو سفيان رثاه سلمة فقال:
__________
[1] أتبرص: أتبلغ بالقليل، والتبرض أيضا: أخذ الشيء قليلا قليلا.
[2] أجبل الشاعر: صعب القول عليه.
[3] أرفدك، رفده: أعطاه. والمراد: ألا أعينك وأمدك؟.
[4] رضعة: لئام، جمع راضع. وفي «المختار»، «هد»: وضعة، بالواو.
[5] ما أحمدتهم: ما صادفت منهم ما يحمدون به.
[6] هد: «ما أمكرك».
يرثي صديقه أبا سفيان:
لعمرك لا [1] تعفو كلوم مصيبة ... على صاحب إلّا فجعت بصاحب
تقطع أحشائي إذا ما ذكرتكم [2] ... وتنهلّ عيني بالدموع السواكب
وكنت امرأ جلدا على ما ينوبني ... ومعترفا بالصبر عند المصائب [3]
فهدّ أبو سفيان ركني ولم أكن ... جزوعا ولا مستنكرا للنوائب [4]
غنينا معا بضعا وستين حجّة ... خليلي صفاء ودّنا غير كاذب
فأصبحت لمّا حالت الأرض دونه ... على قربه منّي كمن لم أصاحب
وذكر محمد بن داود عن عسل بن ذكوان أن محمد بن سليمان قال له: اختر ما شئت غيرها، لأن أبا أيوب قد وطئها.
يهزأ بأبي حية النميري فيخرسه:
أخبرني عليّ بن سليمان الأخفش قال: حدّثني محمد بن يزيد النحويّ، قال: حدّثت من غير وجه عن سلمة بن عياش أنه قال: قلت لأبي حيّة النميري أهزأ به: ويحك يا أبا حية! أتدري ما يقول الناس؟ قال: لا، قلت:
يزعمون أني أشعر منك، قال: إنا للّه! هلك واللّه الناس.
من شعره في بربر:
وفي بربر هذه يقول سلمة بن عياش، وفيه غناء، وذكر عمر بن شبة أنه لمطيع ابن إياس:
صوت
أظنّ الحبّ من وجدى ... سيقتلني على بربر
وبربر درّة الغوا ... ص من يملكها يحبر
فخافي اللّه يا بربر ... فقد أفتنت [5] ذا العسكر
بحسن الدّلّ والشكل ... وريح المسك والعنبر
ووجه يثبه البدر ... وعيني جؤذر [6] أحور
فيه لحكم ثلاثة ألحان: رمل مطلق في مجرى الوسطى عن إسحاق، وخفيف رمل عن هارون بن الزيات، وهزج عن أبي أيوب المدني.
__________
[1] في «المختار»: «ما تعفو».
[2] في «المختار»: «ذكرتهم».
[3] في «المختار»: «النوائب».
[4] في «المختار»: «المصائب».
[5] أفتنت: ولهت.
[6] الجؤذر: ولد البقرة الوحشية.
شعر مطيع بن إياس في جارية لبربر بعد ما أعتقت:
أخبرني إسماعيل بن يونس، قال: حدثنا عمر بن شبة، قال بربر جارية آل سليمان أعتقت، وكان لها جوار مغنيات، فيهن جارية اسمها جوهر، وكان في البصرة فتى يعرف بالصحّاف، حسن الوجه، فبلغ مطيع بن إياس أنه بات مع جوهر جارية بربر، فغاظه ذلك، فقال:
ناك واللّه جوهر الصحّاف ... وعليها قميصها الأفواف [1]
شام [2] فيها أيرا له ذا صلاع [3] ... لم يخنه نقص ولا إخطاف [4]
زعموها قالت وقد غاب فيها ... قائما في قيامه استحصاف [5]
/و هو في جارة استها يتلظّى ... وبها شهوة له والتهاف [6]
بعض هذا مهلا ترفق قليلا ... ما كذا يا فتى تناك الظّراف
قال: وقال فيها، وقد وجّهت بجواريها إلى عسكر المهدي:
خافي [7] اللّه يا بربر ... فقد أفسدت ذا العسكر
أفضت الفسق في الناس ... فصار الفسق لا ينكر
ومن ذا يملك الناس ... إذا ما أقبلت بربر؟
وأعطاف جواريها ... كريح المسك والعنبر
وجوهر درّة الغوا ... ص من يملكها يحبر
ألا يا جوهر القلب ... لقد زدت على الجوهر
وقد أكملك اللّه ... بحسن الدلّ والمنظر
إذا غنّيت يا أحسن ... خلق اللّه بالمزهر [8]
فهذا حزنا يبكي ... وهذا طربا يكفر
وهذا يشرب الكأس ... وذا من فرح ينعر
ولا واللّه ما المهديّ ... أولى منك بالمنبر
فما عشت ففي كفيك ... خلع ابن أبي جعفر
__________
[1] ثوب أفواف: رقيق.
[2] شام السيف: أغمده.
[3] كذا في ف. وفي ب: «أيرا له أضلاع»، وهو تحريف.
[4] الأطاف: مصدر أخطفه: أي أخطأه.
[5] استحصاف: شدة وانتصاب، من استحصف الحبل: أي شد فتله.
[6] زيادة من هد.
[7] كذا في جميع النسخ، وفيه خرم، وهو قبيح في الهزج.
[8] المزهر: العود الّذي يضرب عليه.
قال: فبلغ ذلك المهدي، فضحك وأمر لمطيع بصلة، وقال: أنفق هذا عليها، وسلها ألا تخلعنا ما عاشت.
/ قال: وفي جوهر يقول مطيع:
جارية أحسن من حليها ... وفيه فضل الدّر والجوهر
وجرمها أطيب من طيبها ... والطّيب فيه المسك والعنبر
جاءت بها بربر ممكورة [1] ... يا حبذا ما جلبت بربر
قال: وقال فيها:
أنت يا جوهر عندي جوهره ... في بياض الدّرة المشتهره
وإذا غنّت فنار أضرمت ... قدحت في كلّ قلب شرره
صوت
يا عمود الإسلام خير عمود ... والّذي صيغ من حياء وجود
إن يوما أراك فيه ليوم ... طلعت شمسه بسعد السعود [2]
الشعر لأبي العتاهية يمدح محمد الأمين، والغناء لإسحاق، ثقيل أول بالبنصر عن عمرو بن بانة وإسحاق.
__________
[1] ممكورة: حسنة امتلاء الساقين.
[2] كذا في هد، ومل. وهو الموافق للترجمة التالية لأم جعفر أم محمد الأمين، الّذي قيل الصوت في مدحه. وورد في (ب) مكان هذا الصوت:
فأما الشنفري فأنه رجل من الأزد، ثم من بني الأوس بن الحجر بن الهنو بن الأزد، ومما يغني فيه من شعره:
أرى أم عمرو أزمعت فاستقلت ... وما ودعت جيرانها إذ تولت
فواندما بانت أمامة بعد ما ... طمعت فهجا نعمة قد تولت
وقد أعجبني لا سقوطا خمارها ... إذا ما مشت، ولا بذات تلفت
غنى في هذه الأبيات إبراهيم ثاني ثقيل بالبنصر عن عمرو بن بانة.
وفي (ب): «ألا»، مكان «أرى»، «و نعمة العيش زلت» مكان «نعمة قد تولت». وما أثبتناه من رواية القصيدة في ترجمة الشاعر في «الأغاني»: 21؛ 90.
17 - أخبار لأم جعفر [1]
تستنشد أبا العتاهية مدحه للأمين:
أخبرني محمد بن يحيى الصوليّ، قال: حدثنا العلائيّ، قال: حدّثني محمد بن أبي العتاهية، قال: لما جلس الأمين في الخلافة أنشده أبو العتاهية:
يا بن عمّ النبيّ خير البريّة ... إنّما أنت رحمة للرّعيّه
يا إمام الهدى الأمين المصفّى ... بلباب الخلافة الهاشميه
لك نفس أمّارة لك بالخي ... ر وكفّ بالمكرمات نديّه
إنّ نفسا تحملت منك ما حمّ ... لت للمسلمين نفس قوية
قال: ثم خرج إلى دار أم جعفر، فقالت له: أنشدني ما أنشدت أمير المؤمنين، فأنشدها.
فقالت: أين هذا من مدائحك في المهديّ والرشيد؟ فغضب وقال: إنما أنشدت أمير المؤمنين ما يستملح، وأنا القائل فيه:
يا عمود الإسلام خير عمود ... والّذي صيغ من حياء وجود
والّذي فيه ما يسلّي ذوي الأح ... زان عن كلّ هالك مفقود
إنّ يوما أراك فيه ليوم ... طلعت شمسه بسعد السعود
فقالت له: الآن وفيت المديح حقه، وأمرت له بعشرة آلاف درهم.
يستنجز أبو العتاهية ما كانت تجريه عليه:
أخبرني محمد بن يحيى، قال: حدّثني محمد بن موسى اليزيديّ، قال: حدّثني محمد بن الفضل، قال:
كان المأمون يوجّه إلى أمّ جعفر زبيدة في كل سنة بمائة ألف دينار جدد وألف ألف درهم، فكانت تعطي أبا العتاهية منها مائة دينار وألف درهم، فأغفلته سنة، فدفع إليّ رقعة وقال: ضعها بين يديها فوضعتها، وكان فيها:
/خبّروني أنّ في ضرب السّنه ... جددا بيضا وصفرا حسنه
سككا [2] قد أحدثت لم أرها ... مثل ما كنت أرى كلّ سنه
فقالت: إنا [3] للّه! أغفلناه. فوجّهت إليه بوظيفة على يدي.
__________
[1] هذه الترجمة، لم ترد في بولاق، ووردت في ملحق برنو، وموضعها هذا في المخطوطات المعتمدة.
[2] السكك: جمع سكة، وهي حديدة منقوشة يضرب عليها الدراهم.
[3] في س: «إنّ» وهو تحريف.
تطلب أن ينظم أبو العتاهية أبياتا تعطف عليها المأمون:
حدّثني محمد بن موسى، قال، حدثنا جعفر بن الفضل الكاتب، قال: أحسّت زبيدة من المأمون بجفاء، فوجهت إلى أبي العتاهية تعلمه بذلك، وتأمره أن يعمل فيه أبياتا تعطفه عليها، فقال:
صوت
ألا إنّ ريب الدهر يدني ويبعد ... ويؤنس بالآلاف طورا ويفقد
أصابت لريب الدهر مني يدي يدي ... فسلّمت للأقدار واللّه أحمد
وقلت لريب الدهر إن ذهبت يد ... فقد بقيت والحمد للّه لي يد
إذا بقي المأمون فالرشيد لي ... ولي جعفر لم يفقدا ومحمد
الغناء لعلّويه.
قال: فحسن موقع الأبيات منه، وعاد لها المأمون إلى أكثر مما كان لها عليه.
وجدت في كتاب محمد بن الحسن الكاتب.
حدّثني هارون بن مخارق، قال: حدّثني أبي، قال: ظهرت لأم جعفر جفوة من المأمون، فبعثت إليّ بأبيات وأمرتني أن أغني فيها المأمون إذا رأيته نشيطا وأسنت لي الجائزة، وكان كاتبها قال الأبيات، ففعلت، فسألني المأمون عن الخبر فعرّفته، فبكى ورقّ لها، وقام من وقته فدخل إليها فأكبّ عليها، وقبلت يديه، وقال لها:/ يا أمّه، ما جفوتك تعمّدا، ولكن شغلت عنك بما لا يمكن إغفاله، فقالت: يا أمير المؤمنين، إذا حسن رأيك لم يوحشني شغلك، وأتمّ يومه عندها، والأبيات:
ألا إن ريب الدهر يدني ويبعد ... ويؤنس بالآلاف طورا ويفقد
وذكر باقي الأبيات مثل ما في الخبر الأول:
ينظم أبو العتاهية شعرا على لسانها للمأمون:
أخبرني محمد بن يحيى، قال: حدّثني الحسن بن على الرازي، قال:
حدّثني أبو سهل الرازقي عن أبيه، قال: عمل أبو العتاهية شعرا على لسان زبيدة بأمرها لمّا قدم المأمون بغداد، أوله:
لخير إمام قام من خير عنصر ... وأفضل راق فوق أعواد منبر
فذكر محمد بن أحمد بن المرزبان عن بعض كتاب السلطان: أن المأمون لمّا قدم مدينة السّلام واستقرّت به الدار، وانتظمت له الأمور، أمرت أم جعفر كاتبا لها فقال هذه الأبيات، وبعثت بها إلى علّويه، وسألته أن يصنع فيها لحنا، ويغني فيه المأمون ففعل، وكان ذلك مما عطفه عليها، وأمرت لعلويه بعشرين ألف درهم. وقد روي أن الأبيات الّتي أولها:
يا عمود الإسلام خير عمود
لعيسى بن زينب المراكبي.
أخبرني محمد بن يحيى، قال: حدّثني الحسين بن يحيى الكاتب، قال: حدثنا عليّ بن نجيح، قال: حدّثني صالح بن الرشيد، قال:
كنا عند المأمون يوما وعقيد المغني وعمرو بن بانة يغنيان، وعيسى بن زينب المراكبي حاضر، وكان مشهورا بالإبنة، فتغنّى عقيد بشعر عيسى:
يا عمود الإسلام خير عمود ... والّذي صيغ من حياء وجود
لك عندي في كل يوم جديد ... طرفة تستفاد يا بن الرشيد
/ فقال المأمون لعقيد: أنشد باقي هذا الشعر، فقال: أصون سمع أمير المؤمنين عنه، فقال: هاته ويحك! فقال:
كنت في مجلس أنيق وريحا ... ن وراح ومسمعات وعود
فتغنّى عمرو بن بانة إذا ذا ... ك وهو [1] ممسك بأير عقيد
يا عمود الإسلام خير عمود ... والّذي صيغ من حياء وجود
فتنفست ثم قلت كذا كلّ ... محبّ صبّ الفؤاد عميد
فقال المأمون لعيسى بن زينب: واللّه لا فارقتك حتى تخبرني عن تنفّسك عند قبض عمرو على أير عقيد: لأيّ شيء هو؟ لا بدّ من أن يكون ذلك إشفاقا عليه، أو على أن تكون مثله، لعن اللّه تنفسك هذا يا مريب! قال: وإنما سمّي المراكبيّ لتوليه [2] مراكب المنصور، وأمه زينب بنت بشر صاحب طاقات بشر بباب الشام.
صوت
لقيت من الغانيات العجابا ... لو ادرك مني العذارى الشبابا
غلام يكحّلن حور العيون ... ويحدثن بعد الخضاب الخضابا
ويبرقن [3] إلّا لما تعلمون ... فلا تمنعنّ النساء الضرابا
الشعر لأيمن بن خزيم بن فاتك الأسدي، والغناء لإبراهيم الموصليّ، ولحنه من الثقيل الأول بالسبابة في مجرى الوسطى من رواية الهشامي.
__________
[1] تسكين واو «هو» لغة قيس وأسد، وعليها يستقيم وزن البيت. انظر الهمع: 1. 61.
[2] ف: «لأنه ابن عبد اللّه بن إسماعيل صاحب مراكب المنصور.
[3] أبرقت المرأة، وبرقت: تزينت.
18 - أخبار أيمن بن خريم [1]
نسبه وتشيعه:
وأيمن بن خريم بن فاتك الأسدي لأبيه صحبة برسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - ورواية عنه، وينسب إلى فاتك، وهو جد أبيه. وهو أيمن بن خريم بن الأخرم بن عمرو بن فاتك بن القليب بن عمرو بن أسد بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار. وكان أيمن يتشيع، وكان أبوه أحد من اعتزل حرب الجمل وصفّين وما بعدهما من الأحداث، فلم يحضرها.
يصف قوته لعبد الملك بن مروان، فيحسده ويتغير عليه:
أخبرني الحسن بن عليّ، قال: حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه، قال: حدّثني النوشجانيّ عن العمريّ عن الهيثم بن عديّ، عن عبد اللّه بن عياش، عن مجالد، قال كان عبد الملك شديد الشغف بالنساء، فلما أسنّ ضعف عن الجماع وازداد غرامه بهنّ، فدخل إليه يوما أيمن بن خريم قال له: كيف أنت؟ فقال: بخير يا أمير المؤمنين. قال:
فكيف قوّتك؟ قال: كما أحب، وللّه الحمد، إنّي لآكل الجذعة [2] من الضأن بالصاع من البرّ، وأشرب العسّ [3] المملوء [4]، وأرتحل البعير الصعب وأنصبه [5]، وأركب المهر الأرن [6] فأذلّله، وأفترع العذراء، ولا يقعدني [7] عنها الكبر، ولا يمنعني منها الحصر [8]، ولا يرويني منها الغمر [9] ولا ينقضي [10] مني الوطر. فغاظ/ عبد الملك قوله وحسده، فمنعه العطاء وحجبه، وقصده بما كره حتى أثّر ذلك في حاله، فقالت له امرأته: ويحك! أصدقني عن حالك؟ هل لك جرم؟ قال: لا واللّه، قالت: فأيّ شيء دار بينك وبين أمير المؤمنين آخر ما لقيته؟ فأخبرها، فقالت:
إنا للّه! من ها هنا أتيت.
تحتال له امرأته فيعود عبد الملك إلى بره:
أنا أحتال لك في ذلك حتى أزيل ما جرى عليك، فقد حسدك الرجل على ما وصفت به نفسك، فتهيأت ولبست ثيابها ودخلت على عاتكة زوجته، فقالت: أسألك أن تستعدي لي أمير المؤمنين على زوجي، قالت:
__________
[1] هذه الترجمة لم ترد في بولاق، وذكرها برنو في الملحق، وموضعها هنا حسب نسخة فيض اللّه.
[2] الجذعة من الضأن: الصغيرة منه.
[3] العس: القدح العظيم.
[4] في «المختار» و «التجريد»: «المملوء أعبه عبا».
[5] في «المختار» و «التجريد»: «فأنصبه».
[6] الأرن: النشيط، والفعل أرن، كفرح.
[7] في «المختار» و «التجريد»: «لا يقعدني».
[8] الحصر: عدم اشتهاء النساء، حصر كفرح. وفي «المختار» و «التجريد»: «إلّا السحر».
[9] الغمر، بضم ففتح: القدح الصغير.
[10] في ب، س: «ينقص»، وهو تحريف.
وماله؟ [1] قالت: واللّه ما أدري أنا مع رجل أو حائط؟ وإنّ له لسنين [2] ما يعرف فراشي، فسليه أن يفرّق بيني وبينه، فخرجت عاتكة إلى عبد الملك فذكرت [3] ذلك له، وسألته في أمرها، فوجّه إلى أيمن بن خريم فحضر، فسأله عما شكت منه فاعترف به، فقال: أو لم أسألك عاما أوّل [4] عن حالك فوصفت كيت وكيت؟ فقال: يا أمير المؤمنين، إن الرجل ليتجمّل عند سلطانه، ويتجلد عند [5] أعدائه بأكثر مما وصفت نفسي به، وأنا القائل:
لقيت من الغانيات العجابا ... لو أدرك مني الغواني الشبابا
ولكنّ جمع النساء الحسان ... عناء شديد إذا المرء شابا [6]
ولو كلت بالمدّ للغانيات ... وضاعفت فوق الثياب الثيابا
/ إذا لم تنلهنّ من ذاك ذاك ... جحدنك [7] عند الأمير الكتابا
يذدن بكل عصا ذائد ... ويصبحن كلّ غداة صعابا
إذا لم يخالطن كل الخلا ... ط أصبحن مخرنطمات غضابا [8]
علام يكحّلن حور العيون ... ويحدثن بعد الخضاب الخضابا
ويعركن بالمسك أجيادهنّ ... ويدنين عند الحجال العيابا [9]
ويبرقن إلّا لما تعلمون ... فلا تحرموا الغانيات الضرابا
قال: فجعل عبد الملك يضحك من قوله، ثم قال: أولى [10] لك يا بن خريم! لقد لقيت منهن ترحا [11]، فما ترى أن نصنع فيما بينك وبين زوجتك؟ قال: تستأجلها إلى أجل العنّين، وأداريها لعلي أستطيع إمساكها، قال: أفعل ذلك، وردّها إليه، وأمر له بما فات من عطائه، وعاد إلى برّه وتقريبه.
يعتزل عمرو بن سعيد وعبد العزيز بن مروان في منازعة بينهم ويقول في ذلك شعرا:
أخبرني هاشم بن محمد الخزاعيّ أبو دلف، قال: حدثنا الرياشيّ، قال: ذكر العتبيّ أن منازعة وقعت بين عمرو بن سعيد وعبد العزيز بن مروان، فتعصّب لكل واحد منهما أخواله، وتداعوا بالسلاح واقتتلوا، وكان أيمن بن
__________
[1] في «المختار»: «و ما شأنه؟».
[2] في «المختار»: «سنتين».
[3] في «المختار»: «فأخبرته».
[4] في «المختار» و «التجريد»: «عام أول».
[5] كذا في «المختار» و «التجريد»، وفي ب، س: «على»، وهو تحريف.
[6] رواية ف، و «المختار»:
ترى الشيب جمع النساء الحسا ... ن عيبا شديدا إذا المرء شابا
وفي «التجريد»: «عتبا» مكان «عيبا»، وأراها تحريف «عتبا»، وبقية البيت كما في ف و «المختار».
[7] في «المختار» و «التجريد»: «بغينك» وسيأتي البيت، وفيه «الكذابا» مكان «الكتابا»، وهي أشبه.
[8] مخرنطمات: وصف من أخر نطم: إذا رفع أنفه واستكبر وغضب.
[9] وفي ف: «الحجاب».
[10] أولى لك: دعاء عليه أن يناله مكروه، أولى: أفعل من الولي، بفتح فسكون، وهو القرب. والمراد بالعبارة التعجب.
[11] الترح: الحزن، وفي «المختار»: «برحا»، أي شدة وأذى.
خريم حاضرا للمنازعة فاعتزلهم هو ورجل من قومه، يقال له: ابن كوز، فعاتبه عبد العزيز وعمرو جميعا على ذلك، فقال:
/أأقتل بين حجّاج بن عمرو ... وبين خصيمه عبد العزيز
أ نقتل [1] ضلّة في غير شيء ... ويبقى بعدنا أهل الكنوز
لعمر أبيك ما أتيت رشدي ... ولا وفّقت للحرز الحريز
فإني تارك لهما جميعا ... ومعتزل كما اعتزل ابن كوز
يهجو يحيى بن الحكم:
أخبرني عمّي قال: حدّثني الكرانيّ، عن العمريّ عن الهيثم بن عديّ، قال: أصاب يحيى بن الحكم جارية في غزاة الصائفة [2]، بها وضح [3]، فقال: أعطوها أيمن بن خريم، وكان موضحا، فنصب وأنشأ يقول:
تركت بني مروان تندى أكفّهم ... وصاحبت يحيى ضلّة من ضلاليا
فإنك لو أشبهت مروان لم تقل ... لقومي هجرا أن أتوك ولاليا
وانصرف عنه، فأتى عبد العزيز بن مروان، وكان يحيى محمقا.
يرى عبد الملك مدحه لبني هاشم مثلا يحتذى:
حدّثني محمد بن العباس اليزيديّ، قال: حدّثني عمي الفضل، قال: حدّثني مصعب الزبيريّ عن أشياخه أن عبد الملك بن مروان قال: يا معشر الشعراء تشبّهوننا مرة بالأسد الأبخر، ومرة بالجبل الأوعر، ومرة بالبحر الأجاج، ألا قلتم فينا كما قال أيمن بن خريم في بني هاشم:
نهاركم مكابدة وصوم ... وليلكم صلاة واقتراء [4]
وليتم بالقران وبالتزكّي ... فأسرع فيكم ذاك البلاء
بكى نجد غداة غد عليكم ... ومكة والمدينة والجواء [5]
/و حقّ لكل أرض فارقوها ... عليكم لا أبالكم البكاء
أأجعلكم وأقواما سواء ... وبينكم وبينهم الهواء
وهم أرض لأرجلكم وأنتم ... لأرؤسهم وأعينهم سماء
شعره وقد أدى عبد الملك عنه دية قتل خطأ:
أخبرني الحسن بن عليّ، عن أحمد بن زهير، عن أبي همام الوليد بن شجاع، قال: حدثنا عبد اللّه بن إدريس،
__________
[1] أنقتل ضلة. أنقتل عن ضلال وبغي.
[2] غزاة الصائفة: غزاة الصيف.
[3] الوضح: البرص، والفعل: وضح، بكسر الضاد.
[4] اقتراء: قراءة.
[5] الجواء: اليمامة، واسم لمواضع أخرى.
قال: أصاب أيمن بن خريم امرأة له خطأ - يعني قتلها - فوادها عبد الملك بن مروان: أعطى ورثتها ديتها، وكفّر عنه كفارة القتل، وأعطاه عدّة جوار، ووهب له مالا، فقال أيمن:
رأيت الغواني شيئا عجابا ... لو انس منّي الغواني الشبابا
ولكنّ جمع العذاري الحسان ... عناء شديد إذا المرء شابا
ولو كلت بالمدّ للغانيات ... وضاعفت فوق الثياب ثيابا
إذا لم تنلهن من ذاك ذاك ... بغينك عند الأمير الكذابا
يذدن بكل عصا ذائد ... ويصبحن كل غداة صعابا
إذا لم يخالطن كلّ الخلاط ... تراهنّ مخرنطمات عضابا
علام يكحّلن حور العيون ... ويحدثن بعد الخضاب الخضابا
ويعركن بالمسك أجيادهنّ ... ويدنين عند الحجال العيابا
ويغمزن إلّا لما تعلمون ... فلا تحرموا الغانيات الضّرابا
قال: فبلغني أن عبد الملك أنشد هذا الشعر، فقال: نعم الشفيع أيمن لهنّ.
يستجيد عبد الملك وصفه للنساء:
وأخبرني أحمد بن عبد العزيز عن عمر بن شبة وإبراهيم بن أيوب عن ابن قتيبة، قال: قال له عبد الملك لما أنشده هذا الشعر: ما وصف النساء أحد مثل صفتك،/ ولا عرّفهنّ أحد معرفتك. قال: فقال له: لئن كنت صدقت في ذلك لقد صدق الّذي يقول:
صوت
فإن تسألوني بالنساء فإنني ... خير بأدواء النساء طبيب
إذا شاب رأس المرء أو قلّ ماله ... فليس له في ودّهنّ نصيب
يردن ثراء المال حيث علمنه ... وشرخ الشباب عندهن عجيب
فقال له عبد الملك: قد لعمري صدقتما وأحسنتما، الشعر لعلقمة بن عبدة، والغناء لبسباسة، ولحنه خفيف ثقيل أول بالوسطى عن حبش. وهذه الأبيات يقولها علقمة بن عبدة يمدح بها الحارث ويسأله إطلاق ابنه شأس [1].
وخبره يذكر وخبر الحارث بعد انقضاء أخبار أيمن بن خريم.
رجع الحديث إلى أخبار أيمن
يفضل عبد العزيز بن مروان شعر نصيب على شعره، فيلحق ببشر بن مروان:
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ، قال: حدثنا عمر بن شبّة، قال: حدّثني المدائنيّ عن أبي بكر الهذليّ،
__________
[1] في هامش س: «قوله: ويسأله إطلاق ابنه شأس، قال في «القاموس»: إنه أخوه، وتابعه على ذلك شارحه. وقال في «لسان العرب»: إنه أخوه، وقال ذلك أيضا العيني في «شرح الشواهد». وقال ابن الأنباري في المفضليات: إنه أخوه، وقيل: «ابن أخيه».
قال: دخل نصيب يوما إلى [1] عبد العزيز بن مروان، فأنشده قصيدة له امتدحه بها فأعجبته، وأقبل على أيمن بن خريم فقال: كيف ترى شعر مولاي هذا؟ قال: هو أشعر أهل جلدته [2]. فقال: هو أشعر واللّه منك. قال أمنّي أيها الأمير؟.
/ فقال: إي واللّه، قال: لا واللّه، ولكنك طرف [3] ملول، فقال له: لو كنت كذلك ما صبرت على مؤاكلتك منذ سنة وبك من البرص ما بك [4]، فقال: ائذن لي أيها الأمير في الانصراف، قال: ذلك إليك، فمضى لوجهه حتى لحق ببشر بن مروان، وقال فيه:
ركبت من المقطّم في جمادى ... إلى بشر بن مروان البريدا
ولو أعطاك بشر ألف ألف ... رأى حقا عليه أن يزيدا
أمير المؤمنين أقم ببشر ... عمود الدين إنّ له عمودا
ودع بشرا يقوّمهم ويحدث ... لأهل الزيغ إسلاما جديدا
وإنّا قد وجدنا أمّ بشر ... كأمّ الأسد مذكارا ولودا
كأنّ التاج تاج أبي هرقل ... جلوه لأعظم الأيام عيدا
يحالف لونه ديباج بشر ... إذا الألوان حالفت الخدودا
- يعرض بنمش كان بوجه عبد العزيز - فقبّله بشر بن مروان ووصله، ولم يزل أثيرا عنده.
من مدحه في بشر بن مروان:
أخبرني عمّي، قال: حدّثني الكرانيّ، وأبو العيناء عن العتبي، قال: لما أتى أيمن بن خريم بشر بن مروان نظر الناس [5] يدخلون عليه أفواجا، فقال من يؤذن [6] لنا الأمير أو يستأذن [7] لنا عليه؟ قيل له: ليس على الأمير حجاب ولا ستر، فدخل وهو يقول:
يرى بارزا للناس بشر كأنه ... إذا لاح في أثوابه قمر بدر
/ ولو شاء بشر أغلق الباب دونه ... طماطم [8] سود أو صقالبة شقر
أبى ذا ولكن سهّل الإذن للتي ... يكون له في غبّها الحمد والشكر
فضحك إليه بشر، وقال: إنا [9] قوم نحجب الحرم، وأما الأموال والطعام فلا، وأمر له بعشرة آلاف درهم.
__________
[1] في «المختار»: «على».
[2] في «المختار»: «جلدته فقط، بل هو واللّه أشعر منك».
[3] الطرف: الّذي لا يثبت على صحبة أحد لملله.
[4] في «المختار» بعد كلمة «بك»: «و كان به وضح».
[5] ف: «نظر إلى الناس».
[6] في «المختار»: «يؤذن بنا».
[7] في «المختار»: «و يستأذن».
[8] الطماطم: جمع طمطم، والرجل المطمطم: الّذي في لسانه عجمة.
[9] في «المختار»: فضحك بشر إليه، وقال: يا قوم.
يعير أهل العراق بقلة غنائهم في حرب غزالة:
أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي أبو دلف، قال: حدّثني الرياشي، قال: حدثنا الأصمعي عن المعتمد بن سليمان، قال:
لما طالت الحرب بين غزالة وبين أهل العراق وهم لا يغنون شيئا - قال أيمن بن خريم:
أتينا بهم مائتي فارس ... من السافكين الحرام العبيطا [1]
وخمسون من مارقات النسا ... ء يسحبن للمنديات [2] المروطا [3]
وهم مائتا ألف ذي قونس [4] ... يئط [5] العراقان منهم أطيطا
رأيت غزالة إن طرّحت [6] ... بمكة هودجها والغبيطا
سمت للعراقين في جمعها ... فلاقى العراقان منها بطيطا [7]
ألا يستحي اللّه أهل العرا ... ق إن قلدّوا الغانيات السّموطا؟
وخيل غزالة تسبي النّساء ... وتحوي النّهاب [8] وتحوي النبيطا [9]
ولو أنّ لوطا أمير لكم ... لأسلمتم في الملّمات لوطا
صوت
تصابيت أم هاجت لك الشوق زينب ... وكيف تصابي المرء والرأس أشيب!
إذا قربت زادتك شوقا بقربها ... وإن جانبت لم يسل عنها التجنّب
فلا اليأس إن ألممت يبدو فترعوي ... ولا أنت مردود بما جئت تطلب
وفي اليأس لو يبدو لك اليأس راحة ... وفي الأرض عمّن لا يؤاتيك مذهب
الشعر لححيّة بن المضرب الكنديّ، فيما ذكره إسحاق والكوفيون. وذكر الزبير بن بكّار أنه لإسماعيل بن يسار، وذكر غيره أنه لأخيه أحمد بن يسار. والغناء ليونس الكاتب، ولحنه من الثقيل الثاني بإطلاق الوتر في مجرى البنصر، وفيه ثقيل أول بالبنصر. ذكر حبش أنه لمالك، وذكر غيره أنه لمعبد.
__________
[1] العبيط: الدم الخالص الطري وفي س: «أتيتا بهم مائتي فارس».
[2] المنديات: المخزيات يندى لها الجبين.
[3] المروط: جمع مرط، بكسر فسكون، وهو كساء من صوف ونحوه يؤتزر به.
[4] القونس في الأصل: أعلى بيضة الحديد، والمراد البيضة.
[5] يئط: يصوت.
[6] ف: «قد طرحت».
[7] البطيط: شق الجرح.
[8] النهاب: جمع نهب، وهو الغنيمة.
[9] النبيط: النبط، وهم جيل ينزلون بالبطائح بين العراقين.
19 - أخبار حجية بن المضرب [1]
تجعله عائشة مثلا في بر صبية لأخيه مات عنهم:
حدّثني ابن عمار، قال: حدثنا سعيد بن يحيى الأمويّ، وأخبرنا به وكيع عن إسماعيل بن إسحاق، عن سعيد بن يحيى الأمويّ، قال: حدّثني المحبر بن قحذم، عن هشام بن عروة، عن أبيه، قال:
لما قدم القاسم بن محمد بن أبي بكر وأخته من مصر - وأخبرني بهذا الخبر محمد بن أبي الأزهر، قال:
حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه، عن الهيثم بن عديّ، عن عوانة، قال: كان القاسم بن محمد بن أبي بكر يحدث، قال:
لما قتل معاوية بن حديج الكنديّ وعمرو بن العاص أبي - يعني محمد بن أبي بكر بمصر - جاء عمي عبد الرحمن بن أبي بكر فاحتملني وأختا لي من مصر. وقد جمعت الروايتين واللفظ لابن أبي الأزهر، وخبره أتمّ قال.
فقدم بنا المدينة، فبعثت إلينا عائشة، فاحتملتنا من منزل عبد الرحمن إليها، فما رأيت والدة قط، ولا والدا أبرّ منها، فلم نزل في حجرها [2] حتى إذا كان ذات يوم وقد ترعرعنا ألبستنا ثيابا بيضاء، ثم أجلست كل واحد منا [2] على فخذها، ثم بعثت إلى عمّي عبد الرحمن، فلما دخل عليها تكلّمت فحمدت اللّه - عز وجلّ - وأثنت عليه. فما رأيت متكلّما ولا متكلمة قبلها ولا بعدها أبلغ منها، ثم قالت:
يا أخي إني لم أزل أراك معرضا عني منذ قبضت هذين الصبيّين منك، وو اللّه ما قبضتهما تطاولا عليك، ولا تهمة لك فيهما، ولا لشيء تكرهه، ولكنك كنت رجلا ذا نساء، وكانا صبيين لا يكفيان من أنفسهما شيئا، فخشيت أن يرى نساؤك منهما ما يتقذرن [3] به من قبيح أمر الصبيان فكنت ألطف لذلك وأحقّ بولايته، فقد قويا/ على أنفسهما وشبا، وعرفا ما يأتيان، فها هما هذان فضمّهما إليك، وكن لهما كحجيّة بن المضرب أخي كندة، فإنه كان له أخ يقال له: معدان، فمات وترك أصيبية [4] صغارا في حجر أخيه، فكان أبرّ الناس بهم وأعطفهم عليهم، وكان يؤثرهم على صبيانه، فمكث بذلك ما شاء اللّه. ثم إنه عرض له سفر لم يجد بدّا من الخروج فيه، فخرج وأوصى بهم امرأته، وكانت إحدى بنات عمه، وكان يقال لها: زينب، فقال: اصنعي ببني أخي ما كنت أصنع بهم، ثم مضى لوجهه أشهرا، ثم رجع وقد ساءت حال الصبيان وتغيّرت، فقال لامرأته: ويلك! مالي أرى بني معدان مهازيل، وأرى بنيّ سمانا؟ قالت: قد كنت أواسي بينهم، ولكنّهم كانوا يعبثون ويلعبون، فخلا بالصبيان فقال: كيف كانت
__________
[1] لم ترد هذه الترجمة في طبعة بولاق، وجاءت في ملحق برنو وموضعها هنا في المخطوطات المعتمدة.
[2] - (2) زيادة من «التجريد» يتم بها الكلام.
[3] في ف: «يتقذرنه»، وفي س: «يتقدرن»، وهو تحريف.
[4] أصيبية: تصغير أصبية، جمع صبي. وفي «التجريد»: «صبية».
زينب لكم؟ قالوا: سيّئة، ما كانت تعطينا من القوت إلّا ملء هذا القدح من لبن - وأروه قدحا صغيرا - فغضب على امرأته غضبا شديدا وتركها، حتى إذا أراح [1] عليه راعيا إبله قال لهما: اذهبا، فأنتما وإبلكما لبني معدان. فغضبت من ذلك زينب وهجرته، وضربت بينه وبينها حجابا، فقال: واللّه لا تذوقين منها صبوحا ولا غبوقا أبدا، وقال في ذلك [2]:
شعره في امرأته حين عرف سوء معاملتها لصغار أخيه:
لججنا ولجّت هذه في التغضّب ... ولطّ [3] الحجاب بيننا التجنّب
وخطت بفردي إثمد جفن عينها ... لتقتلني وشدّ ما حبّ زينب
تلوم على مال شفاني مكانه ... فلومي حياتي ما بدا لك واغضبي
/ رحمت بني معدان أن [4] قلّ مالهم ... وحق لهم مني وربّ المحصّب [5]
وكان [6] اليتامى لا يسدّ اختلالهم [7] ... هدايا لهم في كل قعب مشعّب [8]
فقلت لعبدينا: أريحا عليهم ... سأجعل بيتي بيت آخر معزب [9]
وقلت خذوها واعلموا أن عمّكم ... هو اليوم أولى منكم بالتكسب
عيالي [10] أحقّ أن ينالوا خصاصة ... وأن يشربوا رنقا إلى حين [11] مكسبي
أحابي بها من لو قصدت لماله ... حريبا [12] لآساني على كل موكب
أخي والّذي إن أدعه لعظيمة ... يجبني وإن أغضب إلى السيف يغضب
إلى ها هنا رواية ابن عمار.
تركته زوجته إلى المدينة وأسلمت فراح يطلبها:
وفي خبر إسحاق قال: فلما بلغ زينب هذا الشعر وما وهب زوجها خرجت حتى أتت المدينة فأسلمت، وذلك في ولاية عمر بن الخطاب، فقدم حجية المدينة فطلب زينب أن تردّ عليه، وكان نصرانيا، فنزل بالزبير بن العوام فأخبره بقصته، فقال له: إياك وأن يبلغ هذا عنك عمر فتلقى منه أذى.
__________
[1] أراح عليه إبله: ردها عليه رواحا.
[2] الشعر في شرح «ديوان الحماسة» بشرح ص 1176.
[3] اللط: الستر.
[4] في «التجريد»: «إذ».
[5] المحصب: موضع رمي الجمار.
[6] في «الحماسة»: «رأيت».
[7] في «الحماسة»: «فقورهم».
[8] المشعب: المجبور في مواضع منه.
[9] المعزب: الخالي من الإبل، من أعزبت الإبل: إذا بعدت عن أهلها في المرعى.
[10] في «الحماسة»: «بنيّ».
[11] في «الحماسة»: «لدى كل مشرب».
[12] الحريب: المسلوب المال، حرب، بفتح الراء يحرب، بضمها.
يمدح الزبير بن العوام ويرحل كئيبا يائسا:
وانتشر خبر حجية وفشا بالمدينة وعلم فيم كان مقدمه، فبلغ ذلك عمر، فقال للزبير: قد بلغني قصة ضيفك، ولقد هممت به لو لا/ تحرّمه [1] بالنزول عليك، فرجع الزبير إلى حجيّة فأعلمه قول عمر، قال حجية في ذلك.
إن الزبير بن عوّام تداركني ... منه بسيب كريم سيبه عصم [2]
نفسي فداؤك مأخوذا بحجزتها [3] ... إذ شاط [4] لحمي وإذ زلّت بي القدم
إذ لا يقوم بها إلّا فتى أنف ... عاري الأشاجع [5] في عرنينه [6] شمم
ثم انصرف من عنده متوجها إلى بلده، آيسا من زينب كئيبا حزينا، فقال في ذلك:
تصابيت أم هاجت لك الشوق زينب
الأبيات المذكورة فيها الغناء.
صوت
خليلي هبّا نصطبح بسواد ... ونرو قلوبا هامهنّ صواد
وقولا لساقينا زياد يرقّها ... فقد هزّ بعض القوم سقي زياد
الشعر والغناء لإسحاق، ولحنه من الثقيل الأول بالبنصر.
__________
[1] تحرمه: احتماؤه.
[2] عصم: جمع عصمة، وهي المنع والصيانة. وفي ش، ب و «التجريد»: «عمم»، وهو الكثير المجتمع.
[3] الحجزة: معقد الإزار، وموضع التكة من السراويل.
[4] شاط لحمي: استبيح قتلى، من شاط دمه: إذا بطل وأهدر.
[5] الأشاجع: أصول الأصابع الّتي تتصل بعصب ظاهر الكف. أو هي عروق ظاهر الكف.
[6] العرنين: الأنف كله، أو ما صلب من عظمه.
20 - خبر إسحاق مع غلامه زياد
وصف زياد غلام إسحاق:
هذا الشعر [1] يقوله إسحاق في غلام له مملوك خلاسيّ [2]، يقال له: زياد. كان مولّدا من مولّدي المدينة، فصيحا ظريفا، فجعله ساقيه، وذكره هو وغيره في شعره. فممّن ذكره من الشعراء دعبل، وله يقول:
أخبرني بذلك عليّ بن سليمان الأخفش، عن أبي سعيد السّكريّ قال: كان زياد الّذي يذكره إسحاق في عدة مواضع، منها قوله:
وقولا لساقينا زياد يرقّها
- وكان نظيف السّقي لبقا، فقال فيه دعبل:
يقول زياد قف بصحبك مرة ... على الرّبع، مالي والوقوف على الربع!
صوت
أدرها على فقد الحبيب فربّما ... شربت على نأى الأحبة والفجع
فما بلغتني الكأس إلّا شربتها ... وإلّا سقيت الأرض كأسا من الدمع
غنى في البيت الثاني والثالث من هذه الأبيات محمد بن العباس بن عبد اللّه بن طاهر لحنا من خفيف الثقيل الأول بالبنصر.
نسبة الصوت إلى غير إسحاق:
قال أبو الحسن: وقد قيل: إن هذين البيتين - يعني:
خليليّ هبّا نصطبح بسواد
/ - للأخطل.
زياد يراجع إسحاق وهو يغني:
أخبرني عليّ بن سليمان، قال: حدّثني أبي، قال:
قال لي جعفر بن معروف الكاتب - وكان قد جاوز مائة سنة: لقد شهدت إسحاق يوما في مجلس أنس وهو يتغنّى هذا الصوت:
خليليّ هبّا نصطبح بسواد
__________
[1] هذا الخبر مما لم يرد في بولاق، وأوردها برنو في الملحق وموضعه هنا في المخطوطات المعتمدة.
[2] الخلاسي: الولد من أبوين: أبيض وأسود.
وغلامه زياد جالس على مسورة [1] يسقي، وهو يومئذ غلام أمرد أصفر، رقيق البدن حلو الوجه. ثم أخذ يراجعه ولا [2] أحد يستطيع يقول له: زدني ولا انقصني.
يعتقه إسحاق ويزوجه:
أخبرني عليّ بن صالح بن الهيثم الأنباريّ، قال: حدّثني أحمد بن الهيثم، يعني جدّ أبي - رحمه اللّه - قال:
كنت ذات يوم جالسا في منزلي بسرّ من رأى وعندي إخوان لي، وكان طريق إسحاق في مضيّه إلى دار الخليفة ورجوعه منها على منزلي، فجاءني الغلام يوما وعندي أصدقاء لي فقال لي: إسحاق بن إبراهيم الموصلي بالباب، فقلت له: ويلك! يدخل، أوفى الخلق أحد يستأذن عليه لإسحاق!.
فذهب الغلام وبادرت أسعى في أثره حتى تلقيته، فدخل وجلس منبسطا آنسا، فعرضنا عليه ما عندنا، فأجاب إلى الشّرب، فأحضرناه نبيذا مشمّسا فشرب منه، ثم قال: أتحبون أن أغنّيكم؟ قلنا: إي واللّه أطال اللّه بقاءك، إنا نحب ذلك. قال: فلم لم تسألوني؟ قلنا: هبناك واللّه، قال: فلا تفعلوا، ثم دعا بعود فأحضرناه، فاندفع فغنانا، فشربنا وطربنا. فلما فرغ قال: أحسنت أم لا؟ فقلنا: بلى واللّه، جعلنا اللّه فداءك لقد أحسنت. قال: فما منعكم أن تقولوا لي: أحسنت!.
/ قلنا: الهيبة واللّه لك، قال: فلا تفعلوا هذا فيما تستأنفون، فإنّ المغنّي يحب أن يقال له: غنّ، ويحبّ أن يقال له إذا غنّى: أحسنت، ثم غنانا صوته:
خليليّ هبّا نصطبح بسواد
فقلنا له: يا أبا محمد، من هو زياد الّذي عنيته؟ قال: هو غلامي الواقف بالباب، ادعوه يا غلمان، فأدخل إلينا، فإذا غلام خلاسيّ، قيمته عشرون دينارا أو نحوها. فأمسكنا عنه، فقال: أتسألوني عنه فأعرّفكم إياه ويخرج كما دخل، وقد سمعتم شعري فيه وغنائي؟ أشهدكم أنه حرّ لوجه اللّه، وأنّي زوّجته أمتي فلانة، فأعينوه على أمره.
قال: فلم يخرج حتى أوصلنا إليه عشرين ألف درهم، أخرجناها له من أموالنا.
إسحاق يرثيه:
أخبرني يحيى بن عليّ بن يحيى قال: حدّثني أبي، قال: توفي زياد غلام إسحاق الّذي يقول فيه:
وقولا لساقينا زياد يرقها
فقال إسحاق يرثيه:
فقدنا زيادا بعد طول صحابة ... فلا زال يسقي الغيث قبر زياد
ستبكيك كأس لم تجد من يديرها ... وظمآن يستبطي الزجاجة صاد
يطلب الأمين إسحاق فيغنيه:
أخبرني عمي، قال: حدّثني ابن المكي عن أبيه، قال:
__________
[1] المسورة: المتكأمن الجلد، ومثلها: المسور.
[2] كذا في نسخة بيروت، وفي ب، س: «و ما أحد»، وهو تحريف.
اصطبح محمد الأمين ذات يوم، وأمر بالتوجيه إلى إسحاق، فوجّه إليه عدّة رسل، كلهم لا يصادفه، حتى جاء أحدهم به، فدخل منتشيا ومحمد مغضب. فقال له: أين كنت ويلك! قال: أصبحت يا أمير المؤمنين نشيطا، فركبت إلى بعض المتنزهات، فاستطبت الموضع وأقمت فيه وسقاني زياد، فذكرت أبياتا للأخطل وهو يسقيني، فدار لي فيها لحن حسن فصنعته فيها، وقد جئتك به. فتبسّم، ثم قال: هات، فما تزال تأتي بما يرضي عنك عند السخط، فغناه:
صوت
إذا ما زياد علني ثم علّني ... ثلاث زجاجات لهنّ هدير
خرجت أجرّ الذيل زهوا كأنني ... عليك أمير المؤمنين أمير
قال: بل على أبيك، قبح اللّه فعلك، فما يزال إحسانك في غنائك يمحو إساءتك في فعلك، وأمر له بألف دينار.
الشعر في هذين البيتين للأخطل، والغناء لإسحاق، رمل بالبنصر. ورواية شعر الأخطل:
إذا ما نديمي علّني ثم علّني
وإنما غيّره إسحاق فقال: «إذا ما زياد».
أخبرني عليّ بن سليمان عن محمد بن يزيد النحويّ:
أن عبد الملك بن مروان قال للأخطل: ما يدعوك إلى الخمر؟ فو اللّه إن أولها لمرّ، وإنّ آخرها لسكر! قال:
أجل، ولكن بينهما حالة، ما ملكك عندها بشيء، وقد قلت في ذلك:
إذا ما نديمي علّني ثم علّني ... ثلاث زجاجات لهنّ هدير
خرجت أجرّ الذيل زهوا كأنني ... عليك أمير المؤمنين أمير
قال: فجعل عبد الملك يضحك.
صوت
أشارت بطرف العين خيفة أهلها ... إشارة مخزون ولم تتكلم
فأيقنت أن الطرف قد قال مرحبا ... وأهلا وسهلا بالحبيب المسلّم
هنيئا لكم حبّي وصفو مودّتي ... فقد سيط من لحمي هواك ومن دمي [1]
الشعر لعمر بن أبي ربيعة، والغناء لابن عائشة ثاني ثقيل بالبنصر، وفيه لدحمان ثقيل أول بالبنصر. ويقال: إنه لابن سريج، وقيل: إن الثقيل الأول لابن عائشة، والثقيل الثاني لابن سريج، وفيه خفيف ثقيل أول، ينسب إلى ابن سريج وإلى علي بن الجواريّ.
__________
[1] سيط: خلط.
21 - خبر لحبابة مع ابن عائشة [1]
تشتاق حبابة إلى ابن عائشة فتحتال لتسمع غناءه:
أخبرني الحسن بن يحيى وابن أبي الأزهر، عن حماد بن إسحاق، عن أبيه، عن المدائنيّ، قال:
كانت حبابة جارية يزيد بن عبد الملك معجبة بغناء ابن عائشة، وكان ابن عائشة حديث السن، فلما طال عهدها به اشتاقت إلى أن تسمع غناءه، فلم تدر كيف تصنع، فاختلفت هي وسلّامة في صوت لمعبد، فأمر يزيد بإحضاره ووجّه في ذلك رسولا، فبعثت حبابة إلى الرسول سرّا فأمرته أن يأتي ابن عائشة وأمير المدينة في خفاء، ويبلغهما رسالتها بالخروج مع معبد سرّا، وقالت: قل لهما يستران ذلك عن أمير المؤمنين.
فلما قدم الرسول إلى عامل المدينة أبلغه ما قالت حبابة، فأمر ابن عائشة بالرحلة مع معبد، وقال لمعبد: انظر ما تأمرك به حبابة فانتبه إليه، فقال: نعم، فخرجا حتى قدما على يزيد، وبلغ الخبر حبابة فلم تدر كيف تصنع في أمر ابن عائشة. فلما حضر معبد حاكمت سلّامة إليه، فحكم لها، فاندفعت فغنت صوتا لابن عائشة، وفيه لابن سريج لحن، ولحن ابن عائشة أشهرهما، وهو:
أشارت بطرف العين خيفة أهلها
فقال يزيد: يا حبيبتي؛ أنّي لك هذا ولم أسمعه منك، وهو على غاية الحسن؟ إنّ لهذا لشأنا، فقالت: يا أمير المؤمنين، هذا لحن كنت أخذته عن ابن عائشة، قال: ذلك الصبي! قالت: نعم، وهذا أستاذه - وأشارت بيدها إلى معبد - فقال لمعبد: أهذا لحن ابن عائشة أو انتحله؟ فقال معبد: هذا - أصلح اللّه الأمير - له، فقال يزيد: لو كان حاضرا ما كرهنا أن نسمع منه، فقال معبد: هو واللّه معي لا يفارقني، فقال يزيد:/ ويلك يا معبد! احتملنا الساعة أمرك، فزدتنا ما كرهنا، ثم قال لحبابة: هذا واللّه عملك، قالت: أجل يا سيدي، قال لها: هذه الشام، ولا تحتمل لنا ما تحتمله المدينة. قالت: يا سيدي أنا واللّه أحب أن أسمع من ابن عائشة، فأحضر، فلما دخل قال له: هات صوتا غنته حبابة:
أشارت بطرف العين خيفة أهلها
فغنّاه، فقال: هو واللّه يا حبابة منه أحسن منك، قالت: أجل يا سيدي، ثم قال يزيد: هات يا محمد ما عندك، فغنى:
صوت
قف بالمنازل قبل أن نتفرقا ... واستنطق الربع المحيل المخلقا
__________
[1] هذا الخبر ممّا لم يرد في بولاق، وورد في ملحق برنو، وموضعه هنا.
عن علم ما فعل الخليط لعله ... بجواب رجع حديثهم أن ينطقا
فيبين من أخبارهم لمتيمّ ... أمسى وأصبح بالرسول معلّقا
كلفا بها أبدا تسحّ دموعه ... وسط الديار مسائلا مستنطقا
ذرفت له عين يرى إنسانها ... في لجّة من مائها مغرورقا
تقري محاجرها الدموع كأنّها ... درّ وهي من سلكه مستوسقا [1]
الغناء لابن عائشة، ولحنه من الثقيل الأول بالوسطى، وفيه لشاربة خفيف رمل مطلق في مجرى الوسطى، ويقال:
إن فيه لابن جندب وحنين لحنين، قال: فقال له يزيد: أهلا وسهلا بك يا بن عائشة، فأنت واللّه الحسن الوجه، الحسن الغناء. وأحسن إليه ووصله.
ثم لم يره يزيد بعد هذا المجلس، وبعثت إليه حبابة ببرّ وألطاف واتّبعتها سلامة في ذلك.
صوت [2]
لما سمعت الديك صاح بسحرة ... وتوسط النسران بطن العقرب
وبدا سهيل في السماء كأنه ... نور وعارضه هجان الرّبرب
نبّهت ندماني وقلت له اصطبح ... يا بن الكرام من الشراب الطيب
صفراء تبرق في الزجاج كأنها ... حدق الجرادة أو لعاب الجندب
الشعر لأبي الهنديّ، والغناء لإبراهيم الموصليّ، ثاني ثقيل بالبنصر عن عمرو.
__________
[1] مستوسقا: مجتمعا.
[2] الصوت من مج، مل.
22 - أخبار أبي الهندي ونسبه [1]
اسمه ونسبه وشعره:
اسمه غالب بن عبد القدّوس، بن شبث بن ربعيّ. وكان شاعرا مطبوعا، وقد أدرك الدولتين: دولة بني أمية، وأول دولة ولد العباس. وكان جزل الشعر، حسن الألفاظ، لطيف المعاني. وإنما أخمله وأمات ذكره بعده من بلاد العرب، ومقامه بسجستان وبخراسان، وشغفه بالشراب ومعاقرته إياه، وفسقه وما كان يتهم به من فساد الدين.
هو أول من وصف الخمر من شعراء الإسلام:
واستفرغ شعره بصفة الخمر، وهو أول من وصفها من شعراء الإسلام، فجعل وصفها وكده وقصده، ومن مشهور قوله فيها ومختاره:
سقيت أبا المطرّح [2] إذ أتاني ... وذو الرّعثات [3] منتصب يصيح
شرابا يهرب الذّبّان منه ... ويلثغ حين يشربه الفصيح
أبو نواس يأخذ من معانيه في الخمر:
أخبرني عليّ بن سليمان الأخفش، قال حدّثني فضل اليزيدي أنه سمع إسحاق الموصلي يوما يقول، وأنشد شعرا لأبي الهنديّ في صفة الخمر، فاستحسنه وقرّظه، فذكر عنده أبو نواس، فقال: ومن أين أخذ أبو نواس معانيه إلّا من هذه الطبقة؟ وأنا أوجدكم سلخه هذه المعاني كلّها في شعره، فجعل ينشد بيتا من شعر أبي الهنديّ، ثم يستخرج المعنى والموضع الّذي سرقه الحسن فيه حين أتى على الأبيات كلها واستخرجها من شعره.
شعر مأخوذ من شعره:
أخبرني الحسن بن عليّ؛ قال: حدّثني محمد بن القاسم بن مهرويه قال:
/ حدّثني عبد اللّه بن أبي سعد. قال: حدّثني شيخ من أهل البصرة، قال:
كنا عند أبي عبيدة، فأنشد منشد شعرا في صفة الخمر - أنسيه الشيخ - فضحك ثم قال: هذا أخذه من قول أبي الهنديّ:
سيغني أبا الهندي عن وطب [4] سالم ... أباريق لم يعلق بها وضر [5] الزّبد
__________
[1] هذه الترجمة لم ترد في بولاق، ووردت في ملحق برنو، وموضعها هنا حسب المخطوطات المعتمدة.
[2] في ف و «التجريد»: «المطوح»، وفي «المختار»: «المطوع».
[3] ذو الرعثاث: الديك، والرعثاث: جمع رعثة، وهي عثنون الديك، والعثنون في الأصل؛ اللحية. ويراد بها هنا اللحمة الّتي تحت رأس الديك.
[4] الوطب: سقاء اللبن.
[5] الوضر: وسخ الدسم.
مفدّمة [1] قزّ [2] كأن رقابها ... رقاب بنات الماء تفزع للرعد
جلتها الجوالي حين طاب مزاجها ... وطيّبتها بالمسك والعنبر والورد
تمجّ سلافا في الأباريق خالصا ... وفي كلّ كأس من مها حسن القدّ
تضمّنها زق أزبّ [3] كأنه ... صريع من السودان ذو شعر جعد
نسخت من كتاب ابن النّطاح.
ثلاثة أيام يسكر فيها كلما أفاق:
حدّثني بعض أصحابنا:
أن أبا الهنديّ اشتهى الصّبوح في الحانة ذات يوم، فأتى خمارا بسجستان في محلّة يقال لها: كوه زيان - وتفسيره: جبل الخسران - يباع فيها الخمر والفاحشة، ويأوي إليها كل خارب [4] وزان ومغنّية [5]، فدخل إلى الخمار فقال له: اسقني، وأعطاه دينارا، فكال له، وجعل يشرب حتى سكر، وجاء قوم يسألون عنه فصادفوه على تلك الحال. فقالوا للخمّار: ألحقنا به؛ فسقاهم حتى سكروا، فانتبه فسأل عنهم، فعرّفه الخمّار خبرهم،/ فقال له: هذا الآن وقت السكر، الآن طاب، ألحقني بهم، فجعل يشرب حتى سكر، وانتبهوا فقالوا للخمار: ويحك! هذا نائم بعد! فقال: لا، ولقد انتبه، فلما عرف خبركم شرب حتى سكر، فقالوا: ألحقنا به فسقاهم حتى سكروا، وانتبه فسأل عن خبرهم، فعرفه فقال: واللّه لألحقنّ بهم، فشرب حتى سكر، ولم يزل ذلك دأبه ودأبهم ثلاثة أيام لم يلتقوا وهم في موضع واحد، ثم تركوا هم الشرب عمدا حتى أفاق، فلقوه.
وهذا الخبر بعينه يحكي لواليه بن الحباب مع أبي نواس، وقد ذكر في أخبار والبة، والصحيح أنه لأبي الهنديّ، وفي ذلك يقول:
ندامى بعد ثالثة تلاقوا ... يضمّهم بكوه زيان راح
وقد باكرتها فتركت منها ... قتيلا ما أصابتني جراح
وقالوا أيّها الخمار من ذا؟ ... فقال أخ تخوّنه اصطباح
فقالوا هات راحك ألحقنا ... به وتعلّلوا ثم استراحوا
فما إن لبّثتهم أن رمتهم ... بحدّ سلاحها ولها سلاح
وحان تنبّهي فسألت عنهم ... فقال أتاحهم قدر متاح
رأوك مجدّلا فاستخبروني ... فحرّكهم إلى الشرب ارتياح
فقلت بهم فألحقني فهبّوا ... فقالوا هل تنبّه حين راحوا؟
فقال نعم فقالوا ألحقنّا ... به قد لاح للرائي صباح
__________
[1] مفدمة: وصف من فدم الإناء: إذا جعل عليه الفدام، وهو مصفاة صغيرة، أو خرقة تجعل على فم الإبريق ليصفى بها ما فيه
[2] القز، بالضم: التباعد من الدنس، وكل ما يستقذر، يريد أنها فدمت صيانة لها، ومحافظة على ما فيها.
[3] أزب، هو في الأصل: كثير شعر الوجه والأذنين، والمراد أنه ذو شعر.
[4] الخارب: اللص.
[5] كذا في ف، وفي س، ب: «بغيّة»، ولا وجه لإلحاق التاء يبغي.
فما إن زال ذاك الدأب منّا ... ثلاثا يستغبّ [1] ويستباح
نبيت معا وليس لنا لقاء ... ببيت ما لنا فيه براح [2]
يموت مختنقا:
أخبرني عمي الحسن بن أحمد، قال: حدّثني الحسن بن عليل العنزيّ، قال: قال صدقة بن إبراهيم البكريّ:
كان أبو الهنديّ يشرب معنا بمرو، وكان إذا سكر يتقلب تقلّبا قبيحا في نومه، فكنا كثيرا ما نشدّ رجله لئلا يسقط من السطح، فسكر ليلة وشددنا رجله بحبل، وطولنا فيه ليقدر على القيام إلى البول وغير ذلك من حوائجه، فتقلّب وسقط من السطح، وأمسكه الحبل فبقي منكّسا وتخنّق بما في جوفه من الشراب، فأصبحنا فوجدناه ميتا.
قال صدقة: فمررت بقبره بعد ذلك فوجدت عليه مكتوبا:
اجعلوا إن متّ يوما كفني ... ورق الكرم وقبري [3] معصره
إنّني أرجو من اللّه غدا ... بعد شرب الراح حسن المغفره
قال: فكان الفتيان بعد ذلك يجيئون إلى قبره، ويشربون ويصبّون القدح إذا انتهى إليه على قبره.
قال حماد بن إسحاق عن أبيه في وفاة أبي الهنديّ: إنه خرج وهو سكران في ليلة باردة من حانة خمّار وهو ريان، فأصابه [4] ثلج فقتله، فوجد من غد ميتا على الطريق.
شعره وقد كف عن الشراب مدة:
وروى حماد بن إسحاق عن أبيه، قال: حج نصر بن سيار وأخرج معه أبا الهنديّ، فلما حضرت أيام الموسم قال له: يا أبا الهنديّ، إنّا بحيث ترى، وفد اللّه وزوّار بيته، فهب لي النبيذ في هذه الأيام واحتكم عليّ، فلو لا ما ترى، ما منعتك، فضمن له ذلك وغلّظ عليه الاحتكام، ووكّل به نصر بن سيار، فلما انقضى الأجل مضى في السحر قبل أن يلقي نصرا، فجلس في أكمة يشرف منها على فضاء واسع، فجلس عليها ووضع بين يديه إداوة، وأقبل يشرب ويبكي، ويقول:
/أديرا عليّ الكأس إنّي فقدتها ... كما فقد المفطوم درّ المراضع
حليف مدام فارق الراح روحه ... فظل عليها مستهلّ المدامع
قال: وعاتب قوم أبا الهنديّ على فسقه ومعاقرته الشراب، فقال:
إذا صلّيت خمسا كلّ يوم ... فإنّ اللّه يغفر لي فسوقي
ولم أشرك بربّ الناس شيئا ... فقد أمسكت بالدّين [5] الوثيق
وجاهدت العدوّ ونلت مالا ... يبلّغني إلى البيت العتيق
__________
[1] كذا في الأصل، كأنه استفعال من الغب، والمراد التناوب. وفي «المختار»: «يستهب»، وفي «التجريد»: «يستحل».
[2] هذا البيت زيادة من «المختار» و «التجريد».
[3] في «المختار»:
«و قشر المعصرة»
[4] في «المختار»: «فأصابه الثلج».
[5] في «المختار»: «الحبل».
فهذا الدين ليس به خفاء ... دعوني من بنيّات الطريق [1]
شعره وقد امتنع من أجر فسقه:
قال إسحاق: وشرب يوما أبو الهندي بكوه زيان عند خمارة هناك، وكان عندها نسوة عواهر، ففجر بهنّ ولم يعطهنّ شيئا، فجعلن يطالبنه بجعل فلم ينفعهن، فقال في ذلك:
آلي يمينا أبو الهنديّ كاذبة ... ليعطينّ زواني لست ماشينا [2]
وغرّهنّ فلّما أن قضى وطرا ... قال ارتحلن فأخزى اللّه ذادينا
يخطب أمرأة فيرد أهلها خطبته:
أخبرني عمي عن عبيد اللّه بن عبد اللّه بن طاهر، عن أبي محلم، قال:
خطب أبو الهنديّ غالب بن عبد القدوس بن شبث بن ربعيّ إلى رجل من بني تميم، فقال: لو كنت مثل أبيك لزوّجتك، فقال له غالب: لكنك لو كنت مثل أبيك ما خطبت إليك.
أمثلة من سرعة جوابه:
قال أبو محلم: ومرّ نصر بن سيّار بأبي الهنديّ، وهو سكران يتمايل، فوقف عليه فعذله وسبّه، وقال: ضيّعت شرفك، وفضحت أسلافك. فلما طال عتابه التفت/ إليه فقال: لو لا أني ضيّعت شرفي لم تكن أنت على خراسان، فانصرف نصر خجلا.
قال أبو محلم: وكان بسجستان رجل يقال له: برزين ناسكا، وكان أبوه صلب في خرابة [3] فجلس إليه أبو الهنديّ - فطفق ويعرّض له بالشراب. فقال له أبو الهنديّ: أحدكم يرى القذاة [4] في عين أخيه، ولا يرى الخشبة في أست أبيه! فأخجله.
قال أبو محلم: وكان أسرع الناس جوابا.
صوت
لقد قلت حين قرّ ... بت العيس يا نوار
قفوا فاربعوا قليلا ... فلم يربعوا وساروا
فنفسي لها حنين ... وقلبي له انكسار
وصدري به غليل ... ودمعي له انحدار [5]
الشعر لسعيد بن وهب، والغناء لسليم رمل بالوسطى عن الهشاميّ، ومن جامع سليم ونسخة عمرو الثانية.
__________
[1] بنيات الطريق: الطرق الصغيرة المتشعبة من الجادة.
[2] لست: موضع بعينه.
[3] الخرابة: سرقة الإبل.
[4] القذاة: ما يقع في العين أو الشراب من تبتة ونحوها.
[5] هذا الصوت والترجمة بعده من مج، هد، مل، ولم يرد في بولاق.
23 - أخبار سعيد بن وهب
نسبه ومنشؤه:
سعيد بن وهب أبو عثمان مولى بني سلمة بن لؤيّ بن نصر، مولده ومنشؤه [1] بالبصرة، ثم سار إلى بغداد فأقام بها، وكانت الكتابة صناعته، فتصرّف مع البرامكة فاصطنعوه، وتقدم عندهم.
أكثر شعره في الغزل:
وكان شاعرا مطبوعا، ومات في أيام المأمون، وأكثر شعره في الغزل والتشبيب [2] بالمذكّر، وكان مشغوفا بالغلمان والشراب.
ثم تنسك [3] وتاب، وحج راجلا على قدميه، ومات على توبة وإقلاع ومذهب [4] جميل.
أبو العتاهية يرثيه:
ومات وأبو العتاهية حيّ، وكان صديقه فرثاه.
فأخبرني عليّ بن سليمان الأخفش. عن محمد بن مزيد. قال:
حدّثت عن بعض أصحاب أبي العتاهية. قال: جاء رجل إلى أبي العتاهية - ونحن عنده - فسارّه في شيء فبكى أبو العتاهية، فقلنا له: ما قال لك هذا الرجل يا أبا إسحاق فأبكاك؟ فقال، وهو يحدثنا لا يريد أن يقول شعرا:
قال لي مات سعيد بن وهب ... رحم اللّه سعيد بن وهب
يا أبا عثمان أبكيت عيني ... يا أبا عثمان أوجعت قلبي
قال: فعجبنا من طبعه وأنّه تحدّث، فكان حديثه شعرا موزونا.
يتوب ويتزهد:
وأخبرني الحسن بن عليّ الخفاف. قال: حدثنا عبد اللّه بن أبي سعد قال: حدّثني سيبويه أبو محمد، قال:
كان سعيد بن وهب الشاعر البصريّ مولى بني سامة قد تاب وتزهّد، وترك قول الشعر. وكان له عشرة من البنين وعشر من البنات، فكان إذا وجد شيئا من شعره خرقه وأحرقه.
وكان امرأ صدق، كثير الصلاة، يزكّي في كل سنة عن جميع ما عنده حتى إنه ليزكّي عن فضة كانت على امرأته.
__________
[1] هذه الترجمة ممّا لم يرد في طبعة بولاق، وهو في ملحق برنو وموضعها هنا حسب المخطوطات المعتمدة.
[2] في «المختار»: و «كان أكثر شعره في الغزل والشراب والتشبيب ... »، وفي «التجريد»: «و كان أكثر شعره في الغزل والشراب».
[3] في «المختار» و «التجريد»: «نسك».
[4] في «المختار»: «و مذهبه».
شعره وقد توعده غلام كان يعشقه:
أخبرني عمي، قال: حدّثني عليّ بن الحسين بن عبد الأعلى، قال: حدّثني أبو عثمان الليثي، قال:
كان سعيد بن وهب يتعشق غلاما يتشطر [1]، يقال له: سعيد، فبلغه أنه توعده أن يجرحه، فقال فيه:
من عذيري من سميّي [2] ... من عذيري من سعيد؟
أنا باللحم أجاه ... ويجائي بالحديد [3]
شعره حين رأى كتابا في أحوال جميلة:
حدّثني جحظة، قال: حدّثني ميمون بن هارون، قال:
نظر سعيد بن وهب إلى قوم من كتّاب السلطان في أحوال جميلة، فأنشأ يقول:
من كان في الدنيا له شارة ... فنحن من نظّارة الدّنيا
نرمقها من كثب حسرة ... كأنّنا لفظ بلا معنى
يعلوا بها الناس وأيامنا ... تذهب في الأرذل وتالأدنى
شعره في غلام وسيم حين رآه:
أخبرني عمي، قال: حدّثني عبد اللّه بن أبي سعد، قال: حدّثني محمد بن عبد اللّه/ بن يعقوب بن داود، قال:
حدّثني عبد اللّه بن أبي العلاء المغني، قال:
نظر إليّ سعيد بن وهب، وأنا على باب ميمون بن إسماعيل، حين اخضرّ شاربي، ومعه إسحاق بن إبراهيم الموصليّ، فسلّمت على إسحاق فأقبل عليه سعيد، وقال: من هذا الغلام؟ فتبسّم، وقال: هذا ابن صديق لي، فأقبل عليّ وقال:
لا تخرجنّ مع الغزيّ لمغنم [4] ... إن الغزيّ يراك أفضل مغنم
في مثل وجهك يستحلّ ذوو التقى ... والدين والعلماء كل محرّم
ما أنت إلّا غادة ممكورة ... لو لا شواربك المطلّة [5] بالفم
يستميل غلاما بالشعر:
أخبرني محمد بن خلف المرزبان، قال: حدّثني أحمد بن أبي طاهر، عن أبي دعامة، قال: مرّ سعيد بن وهب والكسائيّ، فلقيا غلاما جميل الوجه، فاستحسنه الكسائيّ وأراد أن يستميله [6]، فأخذ يذاكره بالنحو ويتكلم به، فلم
__________
[1] يتشطر: يتعاطى أعمال الشطار، جمع شاطر، وهو الّذي أعيا أهله خبثا.
[2] ف «سمي»، وهو تحريف.
[3] أجاه أجؤه: أضربه بالسكين.
[4] الغزي: الغزاة.
[5] هد: «المطيفة بالفم» والممكورة: ذات الساق الغليظة.
[6] في «المختار»: يستميله بالنحو».
يمل إليه، وأخذ سعيد بن وهب في العشر ينشده، فمال إليه الغلام، فبعث به إلى منزله، وبعث معه بالكسائيّ، وقال له: حدّثه وآنسه إلى أن أجيء وتشاغل بحاجة له، فمضى به الكسائيّ، فما زال يداريه حتى قضى حاجته وأربه، ثم قال له: انصرف، وجاء سعيد فلم يره، فقال:
شعره وقد نال الكسائي من الغلام الّذي استماله:
أبو حسن لا يفي ... فمن ذا يفي بعده؟
أثرت له شادنا ... فصايده وجده
وأظهر لي غدرة ... وأخلفني وعده
سأطلب ما ساءه ... كما ساءني جهده
يرثي ابنا له:
أخبرني جعفر بن قدامة، قال: حدّثني حماد بن إسحاق، عن أبيه قال: كان سعيد بن وهب لي صديقا، وكان له ابن يكنى أبا الخطاب، من أكيس الصبيان وأحسنهم وجها وأدبا، فكان لا يكاد يفارقه في كل حال، لشدة شغفه به، ورقته عليه. فمات وله عشر سنين، فجزع عليه جزعا شديدا، وانقطع عن لذاته. فدخلت إليه يوما لأعاتبه على ذلك، وأستعطفه، فحين رأى ذلك في وجهي فاضت دموعه، ثم انتحب حتى رحمته، وأنشدني:
عين جودي على أبي الخطّاب ... إذ تولّى غضّا بماء الشباب
لم يقارف ذنبا ولم يبلغ الحن ... ث مرجّى [1] مطهّر الأثواب
فقدته عيني إذا ما سعى أت ... رابه من جماعة الأتراب
إن غدا موحشا لداري فقد أص ... بح أنس الثّرى وزين التّراب
أحمد اللّه يا حبيبي فأني ... بك راج منه عظيم الثواب
ثم ناشدني ألّا أذكّره بشيء مما جئت إليه، فقمت ولم أخاطبه بحرف.
وقد رأيت هذه الأبيات بعينها بخط إسحاق في بعض دفاتره، يقول فيه: أنشدني سعيد بن وهب لنفسه يرثي ابنا له صغيرا، وهي على ما ذكره جعفر بن قدامة عن حماد سواء.
كان مألفة للغلمان والظرفاء والقيان:
أخبرني عيسى بن الحسين الورّاق، قال: حدّثني أبو هفّان، قال:
حدّثني أبو دعامة، قال: كان سعيد بن وهب مألفة لكل غلام أمرد، وفتى ظريف، وقينة محسنة، فحدّثني رجل كان يعاشره، قال: دخل إليه يوما وأنا عنده غلامان أمردان، فقالا له: قد تحاكمنا إليك: أيّنا أجمل وجها، وأحسن جسما؟ وجعلنا لك/ أجر حكمك أن تختار أيّنا حكمت له، فتقضي حاجتك منه. فحكم لأحدهما، وقام فقضى حاجته واحتبسهما [2] فشربا عنده نبيذا، ثم مال عل الآخر أيضا، وقمت معه. فداخلتهما حتى فعلت كفعله،
__________
[1] في س: «مزجى»، وهو تحريف.
[2] في «المختار»: «فحبيسهما عنده وشربا».
فقال لي سعيد: هذا يوم الغارات في الحارات [1]، ثم قال:
شعره في غلامين احتكما إليه أيهما أجمل:
رئمان جاءا فحكّماني ... لا حكم قاض ولا أمير
هذا كشمس الضحى جمالا ... وذا كبدر الدّجى المنير
وفضل هذا كذا على ذا ... فضل خميس على عشير
قالا أشر بيننا برأي ... ونجعل الفضل للمشير
تباذلا ثم قمت حتى ... أخذت فضلي من الكبير
وكان عيبا بأن أراني ... أحرم حظّي من الصغير
فكان منّي ومن قريني ... إليهما وثبة المغير
فمن رأى حاكما كحكمي ... أعظم جورا بلا نكير!
وقال: وشاعت الأبيات حتى بلغت الرشيد، فدعا به فاستنشده إياها، فتلكأ، فقال له: أنشد ولا بأس عليك، فأنشد، فقال له: ويلك! اخترت الكبير سنا أو قدرا؟ قال: بل الكبير قدرا. قال: لو قلت غير هذا سقطت عندي واستخففت بك. ووصله.
يمدح الفضل بن يحيى ببيتين فيطرب لهما:
أخبرني جعفر بن قدامة، قال: حدّثني أبو العيناء، قال:
دخل سعيد بن وهب على الفضل بن يحيى في يوم قد جلس فيه للشعراء، فجعلوا ينشدونه ويأمر لهم بالجوائز حتى لم يبق منهم أحد، فالتفت إلى سعيد بن وهب كالمستنطق، فقال له:
/ أيها الوزير، إني ما كنت استعددت لهذه الحال، ولا تقدّمت لها، عندي مقدّمة فأعرفها، ولكن قد حضرني بيتان أرجو أن ينوبا عن قصيدة، فقال: هاتهما فربّ قليل أبلغ من الكثير، فقال سعيد:
مدح الفضل نفسه بالفعال [2] ... فعلا عن مديحنا بالمقال
أمروني بمدحه قلت كلا ... كبر الفضل عن مديح الرجال
قال: فطرب الفضل، وقال له: أحسنت واللّه وأجدت! ولئن قلّ القول ونزر لقد اتسع المعنى وكثر.
ثم أمر له بمثل ما أعطاه [3] كلّ من أنشده مديحا يومئذ، وقال: لا خير فيما يجيء بعد بيتيك [4]؛ وقام من المجلس وخرج الناس يومئذ بالبيتين لا يتناشدون سواهما.
__________
[1] في النسخ: «الخسارات»، وأحسبها محرفة.
[2] مل، مج: «بالمعالي».
[3] في «المختار»: «أعطى».
[4] في س: «بيتك»، وهو تحريف.
كان نديم الفضل بن يحيى وأنيسه:
حدّثني عمّي قال: حدّثني ميمون بن هارون، قال: حدّثت عن الخريمي، قال:
كان الفضل بن يحيى ينافس أخاه جعفرا، وينافسه جعفر، وكان أنس بن أبي شيخ خاصا بجعفر، ينادمه ويأنس به في خلواته، وكان سعيد بن وهب بهذه المنزلة للفضل.
فدخلت يوما إلى جعفر، ودخل إليه سعيد بن وهب، فحدّثه وأنشده وتنادر له، وحكي عن المتنادرين، وأتى بكل ما يسرّ ويطرب ويضحك، وجعفر ساكت ينظر إليه لا يزيد على ذلك.
فلما خرج سعيد من عنده تجاهلت عليه، وقلت له: من هذا الرجل الكثير الهذيان؟ قال: أو ما تعرفه؟ قلت:
لا؛ قال: هذا سعيد بن وهب صديق أخي/ أبي العباس وخلصانه وعشيقه، قلت: وأيّ شيء رأى فيه؟ قال: لا شيء واللّه إلّا القذر والبرد والغثاثة.
ثم دخلت بعد ذلك إلى الفضل، ودخل أنس بن أبي شيخ فحدّث وندّر وحكى عن المضحكين وأتى بكل طريفة، فكانت قصة الفضل معه قصة جعفر مع سعيد، فقلت له بعد أن خرج من حضرته: من هذا المبرّد؟ قال:
أو لا تعرفه؟ قلت: لا. قال: هذا أنس بن أبي شيخ صديق أخي أبي الفضل وعشيقه وخاصته. قلت: وأيّ شيء أعجبه فيه؟ قال: لا أدري واللّه، إلّا القذر والبرد وسوء الاختيار.
قال: وأنا واللّه أعرف بسعيد وأنس من الناس جميعا، ولكني تجاهلت عليهما وساعدتهما على هواهما.
يفي للفضل بن الربيع في نكبته فيعظم قدره:
حدّثني عمّي، قال: حدّثني ميمون بن هارون، قال: قال إبراهيم بن العباس:
قال لي الفضل بن الربيع ذات يوم: عرّفتنا أيام النكبة [1] من كنا نجهله من الناس، وذلك أنا احتجنا إلى أن نودع أموالنا، وكان [2] أمرها كثيرا مفرطا، فكنا نلقيها على الناس إلقاء، ونودعها الثقة وغير الثقة، فكان ممن أودعته سعيد بن وهب، وكان رجلا صعلوكا لا مال له، إنما صحبنا على البطالة [3]: فظننت أن ما أودعته ذاهب، ثم طلبته منه بعد حين، فجاءني واللّه بخواتيمه.
وأودعت عليّ بن الهيثم كاتبنا جملة عظيمة، وكان عندي أوثق من أودعته،/ فلما أمنت طالبته بالوديعة، فجحدنيها وبهتني [4] وحلف على ذلك، فصار سعيد عندي في السماء، وبلغت به كل مبلغ، وسقط عليّ بن الهيثم، فما يصل إليّ ولا يلقاني.
يحاجي جارية رجل من البرامكة:
أخبرني جعفر بن قدامة، قال: حدّثني حماد بن إسحاق عن أبيه، حدّثني عمرو بن بانة. قال:
كان في جواري رجل من البرامكة، وكانت له جارية شاعرة ظريفة، يقال لها حسناء، يدخل إليها الشعراء
__________
[1] في «المختار»: «البلية».
[2] في «المختار»: «و كانت كثيرة مفرطة».
[3] في «المختار»: «البطالة والضحك».
[4] بهتني: افترى عليّ الكذب.
ويسألونها عن المعاني، فتأتي بكل مستحسن من الجواب، فدخل إليها سعيد بن وهب يوما، وجلس إليها فحادثها طويلا، ثم قال لها بعد ذلك:
حاجيتك [1] يا حسنا [2] ... ء في جنس من الشّعر
وفيما طوله شبر ... وقد يوفي على الشّبر
له في رأسه شق ... نطوف [3] بالنّدى يجري
إذا ما جفّ لم يجر ... لدى برّ ولا بحر
وإن بلّ أتى بالع ... جب العاجب والسّحر
أجيبي لم أرد فحشا ... وربّ الشفع والوتر
ولكن صغت أبياتا ... لها حظ من الزجر [4]
قال: فغضب مولاها وتغيّر لونه، وقال أتفحش على جاريتي وتخاطبها بالخنا! فقالت له: خفّض [5] عليك، فما ذهب إلى ما ظننت، وإنما يعني القلم، فسرّي عنه، وضحك سعيد وقال: هي أعلم منك بما سمعت.
صوت
داينت أروى والديون تقضى ... فمطلت بعضا وأدّت بعضا
يا ليت أروى إذ لوتك القرضا ... جادت بقرض فشكرت القرضا
الشعر لرؤبة بن العجاج، والغناء لعمرو بن بانة، رمل بالوسطى.
__________
[1] حاجيتك: ألقيت عليك أحجية وفي البيت خرم.
[2] سقطت الهمزة من أول عجز البيت في ش.
[3] نطوف: سيال.
[4] في «المختار» بعد الأبيات: «يريد القلم»، فقالت له: عند أمك من خبر هذا المسؤول عنه عجائب، فاسألها عنه تخبرك».
[5] خفض عليك: هون عليك.
24 - أخبار رؤبة ونسبه [1]
نسبه واسم أبيه:
هو رؤبة بن العجّاج، واسم العجاج عبد اللّه بن رؤبة بن حنيفة، وهو أبو جذيم بن مالك بن قدامة بن أسامة بن الحارث بن عوف بن مالك بن سعد بن زيد مناة بن تميم.
عصره والاحتجاج بشعره:
من رجّاز الإسلام وفصحائهم، والمذكورين المقدّمين منهم، [بدويّ] [2] نزل البصرة، وهو من مخضرمي الدولتين.
مدح بني أمية وبني العباس، ومات في أيام المنصور، وقد أخذ عنه وجوه أهل اللغة، وكانوا يقتدون به، ويحتجون بشعره، ويجعلونه إماما؛ ويكنى أبا الجحّاف وأبا العجّاج.
يراه يونس بن حبيب أفصح من معد بن عدنان:
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ وأحمد بن عمار - واللفظ له - قال: حدثنا عمر بن شبّة، قال: حدثنا خلاد بن يزيد، قال: حدّثني يونس بن حبيب، قال:
كنت جالسا مع أبي عمرو بن العلاء إذ مرّ بنا شبيل بن عزرة الضّبعيّ - قال أبو يزيد: وكان علّامة - فقال: يا أبا عمرو، أشعرت أنّي سألت رأبة عن اسمه فلم يدر ما هو وما معناه؟ قال يونس: فقلت له: واللّه لرؤبة أفصح من معدّ بن عدنان، وأنا غلام رؤبة، أفتعرف أنت روبة وروبة وروبة وروبة ورؤبة؟ قال: فضرب بغلته وذهب، فما تكلم بشي ء: قال يونس: فقال لي أبو عمرو: ما يسرني أنك نقصتني [3] منها.
قال ابن عمار في خبره: والروبة: اللبن الخاثر، والروبة: ماء الفحل، والروبة:/ الساعة تمضي من الليل، والروبة: الحاجة، والرؤبة: شعب القدح، قال: وأنشدني بعد ذلك.
فأما تميم تميم بن مرّ ... فألفاهم القوم روبى [4] نياما
حدّثني ابن عمّار، قال: حدّثني عبد اللّه بن أبي سعد، قال: حدّثني يحيى بن محمد بن أعين المروزيّ، قال:
حدّثني أبو عبيدة؛ قال:
شهدت شبيلا الضّبعيّ وأبا عمرو، فذكر نحوه.
__________
[1] هذه الترجمة وردت في ملحق برنو: وموضعها هنا على حسب المخطوطات المعتمدة، ووردت بعض أخبار رؤبة في التراجم السابقة.
[2] زيادة من «المختار» و «التجريد».
[3] في «المختار»: «أنك تنضب منها».
[4] الروبى: الذين أثخنهم السير، فاستثقلوا نعاسا، جمع رائب أو روبان.
أخبرني أبو خليفة في كتابه إليّ عن محمد بن سلّام، قال: قلت ليونس: هل رأيت عربيا قط أفصح من رؤبة؟
قال: لا، ما كان معدّ بن عدنان أفصح منه.
قال يونس: قال لي رؤبة: حتى متى أزخرف لك كلام الشيطان؟ أما ترى الشيب قد بلغ في لحيتك!
يروي هو وأبوه الحديث:
وقد روى رؤبة بن العجاج الحديث المسند عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، ورواه أبوه أيضا.
ينشد أبا هريرة فيشهد له بالإيمان:
أخبرني عبد اللّه بن أبي داود السجستانيّ، قال: حدثنا عبد اللّه بن محمد بن خلّاد، قال: حدثنا يعقوب بن محمد الزّهري، قال: حدثنا محمد بن إبراهيم، عن يونس بن حبيب، عن رؤبة بن العجاج، عن أبيه قال: أنشدت أبا هريرة:
الحمد للّه الّذي تعلّت [1] ... بأمره السماء واستقلّت
بإذنه الأرض وما تغيّت [2] ... أرسى عليها بالجبال الثبّت
الباعث الناس ليوم الموقت
/ قال أبو هريرة: أشهد أنك تؤمن بيوم الحساب.
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ، عن ابن شبّة، عن أبي حرب البابيّ - من آل الحجاج بن باب - قال:
حدثنا يونس بن حبيب، عن رؤبة بن العجاج، عن أبي الشعثاء، عن أبي هريرة، قال:
كنا مع النبي صلّى اللّه عليه وسلّم في سفر وحاد يحدو:
طاف الخيالان فهاجا سقما ... خيال لبنى وخيال تكتما
قامت تريك خشية أن تصرما ... ساقا بخنداة [3] وكعبا أدرما [4]
والنبي صلّى اللّه عليه وسلّم يسمع ولا ينكر.
أخبرني محمد بن خلف وكيع، قال: حدثنا عبد اللّه بن عمرو، عن محمد بن إسحاق السهميّ، عن أبي عبيدة الحداد، قال: حدثنا رؤبة بن العجاج عن أبيه، قال:
سمعت أبا عبيدة يقول: السّواك يذهب وضر [5] الطعام.
ينشد أبا مسلم الخراساني فيجيزه:
أخبرني عمّي، قال: حدثنا محمد بن سعد الكرّانيّ، قال: حدثنا أبو حاتم والأشناندانيّ أبو عثمان، عن أبي عبيدة، عن رؤبة بن العجاج، قال:
__________
[1] تعلت: علت شيئا فشيئا.
[2] في «الديوان» و «اللسان» «عنا تغنّت أي وما عصت. ويقال غيّا الراية أي نصبها».
[3] الساق البخنداة: الممتلئة، والبخنداة في الأصل: المرأة التامة القصب.
[4] الأدرم: المستوى.
[5] الوضر: وسخ الدسم.
بعث إليّ أبو مسلم لما أفضت الخلافة إلى بني هاشم، فلما دخلت عليه رأى منّي جزعا، فقال: اسكن فلا بأس عليك، ما هذا الجزع الّذي ظهر منك؟ قلت أخافك، قال: ولم؟ قلت: لأنه بلغني أنك تقتل الناس، قال: إنما أقتل من يقاتلني ويريد قتلي، أفأنت منهم؟ قتل: لا، قال: فهل ترى بأسا؟ لا، فأقبل على جلسائه ضاحكا، ثم قال: أما ابن العجّاج فقد رخّص لنا، ثم قال: أنشدني قولك:
/و قاتم الأعماق [1] خاوي المخترق [2]
فقلت: أو أنشدك - أصلحك اللّه أحسن منه؟ قال: هات، فأنشدته:
قلت وقولي [3] مستجدّ حوكا ... لبّيك إذ دعوتني لبّيكا
أحمد ربّا ساقني إليكا
قال: هات كلمتك الأولى، قلت: أو أنشدك أحسن منها؟ قال: هات، فأنشدته:
ما زال بيني خندقا ويهدمّه ... ويستجيش عسكرا ويهزمه
ومغنما يجمعه ويقسمه ... مروان لما أن تهاوت أنجمه
وخانه في حكمه منجّمه
قال: دع هذا وأنشدني: وقاتم الأعماق، قلت: أو أحسن منه؟ قال: هات، فأنشدته:
رفعت بيتا وخفضت بيتا ... وشدت ركن الدين إذ بنيتا
في الأكرمين من قريش بيتا
قال: هات ما سألتك عنه، فأنشدته:
ما زال يأتي الأمر من أقطاره ... على اليمين وعلى يساره
مشمّرا لا يصطلى بناره ... حتى أقرّ الملك في قراره
وفرّ مروان على حماره
قال: ويحك! هات ما دعوتك له وأمرت بإنشاده، ولا تنشد شيئا غيره، فأنشدته:
/و قاتم الأعماق خاوي المخترق
فلما صرت إلى قولي:
يرمي الجلاميد بجلمود مدق
قال: قاتلك اللّه! لشدّ ما استصلبت الحافر! ثم قال: حسبك، أنا ذلك الجلمود المدقّ.
قال: وجيء بمنديل فيه مال فوضع بين يديّ، فقال أبو مسلم: يا رؤبة، إنك أتيتنا والأموال مشفوهة [4]، وإن
__________
[1] الأعماق: جمع عمق، ويراد به هنا البعيد من أطراف المفاوز، مستعار من عمق البئر.
[2] المخترق: موضع الاختراق، ويراد هنا، موضع قطع المفاوز.
[3] ف «و نسجي».
[4] مشفوهة: اشتد طلبها حتى نفذت.
لك لعودة إلينا وعلينا معوّلا، والدهر أطرق [1] مستتبّ، فلا تجعل بجنبيك الأسدة [2].
قال رؤبة: فأخذت المنديل منه، وتاللّه ما رأيت أعجميّا أفصح منه، وما ظننت أحدا يعرف هذا الكلام غيري، وغير أبي.
قال الكرّاني: قال أبو عثمان الأشناندانيّ خاصة: يقال: اشتفّ ما في الإناء، وشفهه: إذا أتى عليه، وأنشد:
وكاد المال يشفهه عيالي ... وماذو عيلتي من لا أعول [3]
يأكل الفأر ويفضله على الدواجن:
أخبرني عليّ بن سليمان الأخفش، قال: حدّثني: محمد بن يزيد، وأخبرني إبراهيم/ بن أيوب، قال:
حدّثني ابن قتيبة، قال:
كان رؤبة يأكل الفأر، فقيل له في ذلك وعوتب، فقال: هو واللّه أنظف من دواجنكم ودجاجكم اللواتي يأكلن القذر [4]، وهل يأكل الفأر إلا نقيّ البرّ ولباب الطعام؟
يرحل هو وأبوه ليلقيا الوليد بن عبد الملك:
أخبرني محمد بن الحسن بن دريد، قال: حدثنا أبو حاتم، عن أبي عبيدة، عن رؤبة، قال: لما ولّي الوليد بن عبد الملك الخلافة بعث بي الحجاج مع أبي لنلقاه، فاستقبلنا الشّمال حتى صرنا بباب الفراديس [5].
قال: وكان خروجنا في عام مخصب، وكنت أصلّي الغداة، وأجتني من الكمأة [6] ما شئت، ثم لا أجاوز إلّا قليلا حتى أرى خيرا منها، فأرمي بها وآخذ الأخر، حتى نزلنا بعض المياه، فأهدي لنا حمل مخرفج [7] ووطب [8] لبن غليظ وزبدة كأنها رأس نعجة حوشية [9]، فقطّعنا الحمل آرابا [10]، وكررنا عليه اللبن والزبدة، حتى إذا بلغ إناه [11] انتشلنا اللحم بغير خبز.
__________
[1] في ف: «أطرق مستلت»، كأن (أطرق) وصف من طرق، بكسر الراء: إذا اعوج. وكأن مستتب تحريف مستلت، ومستلت وصف من استلت. يقال: استلت القصعة: إذا مسحها بإصبعه. فيكون المعنى أن الدهر لا يستقيم على حال، يعطي ويستلب. وفي «المختار»:
«الطريق مستتب»، ومستتب: واضح. ولا يبدو لها هنا وجه.
[2] لا تجعل بجنبيك الأساءة: لا يضيقن صدرك، كأنما يوصيه بالاحتمال وحسن المحاولة. وفي «المختار»، مج، مل: «فلا تجعل بيننا وبينك الأسدة» وفي ف: «فلا تجعل بيننا وبينك الأسرة»، والأسرة تحريف.
[3] ف:
«و صادف عيلي من لا أعول»
[4] في «المختار»: «يأكلن العذرة».
[5] باب الفراديس: أحد أبواب دمشق، أضيف إلى موضع قريب منها.
[6] الكمأة: ضرب من النبات، واحده كم ء.
[7] حمل مخرفج: سمين.
[8] الوطب: سقاء اللبن.
[9] حوشية: منسوبة إلى الحوش: بلاد الجن في زعمهم، تنسب إليها الإبل وغيرها.
[10] الآراب: جمع إرب، بكسر فسكون، وهو العضو.
[11] إناه: الإني: مصدر أني الطعام، كرمى، أدرك. وبلغ إناه: حان أدراكه.
ثم شربت من مرقه شربة لم تزل لها ذفرياي [1] ترشحان؛ حتى رجعنا إلى حجر [2].
فكان أول من لقينا من الشعراء جريرا، فاستعهدنا ألا نعين عليه. فكان أول/ من أذن له من الشعراء أبي ثم أنا، فأقبل الوليد على جرير فقال له: ويلك! ألا تكون مثل هذين؟ عقدا الشّفاه عن أعراض الناس، فقال: إني أظلم فلا أصبر [3].
ثم لقينا بعد ذلك جرير فقال: يا بني أمّ العجّاج، واللّه لئن وضعت كلكلي عليكما ما أغنت عنكما مقطّعاتكما، فقلنا: لا واللّه ما بلغه عنا شيء، ولكنه حسدنا لما أذن لنا قبله، واستنشدنا قبله.
يتوعد جرير أباه فيعتذر إليه:
وقد أخبرني ببعض هذا الخبر الحسن بن عليّ، قال: حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال: حدّثني أحمد ابن الحارث الخرّاز عن المدائنيّ، قال: قال روح بن فلان الكلبيّ:
كنت عند عبد الملك بن بشر بن مروان فدخل جرير، فلما رأى العجاج أقبل عليه ثم قال له: واللّه لئن سهرت لك ليلة ليقلّن عنك نفع مقطعاتك هذه، فقال العجاج: يا أبا حزرة، واللّه ما فعلت ما بلغك، وجعل يعتذر ويحلف ويخضع؛ فلما خرج قال له رجل: لشدّ ما اعتذرت إلى جرير، قال: واللّه لو علمت أنه لا ينفعني إلّا السّلاح لسلحت.
ليس في شعره ولا شعر أبيه حرف مدغم:
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ، قال: حدثنا عمر بن شبّة، عن أحمد بن معاوية عن الأصمعيّ، عن سليمان بن أخضر، عن ابن عون، قال: ما شبّهت لهجة الحسن البصريّ إلّا بلهجة رؤبة، ولم يوجد له ولا لأبيه في شعرهما حرف مدغم قطّ.
هو وأبوه أشعر الناس عند يونس بن حبيب:
أخبرني محمد بن الحسن بن دريد، قال: أخبرني عبد الرحمن بن أخي الأصمعيّ عن عمه، قال: قيل ليونس:
من أشعر الناس، قال: العجاج ورؤبة، فقيل له لم [4] /و لم نعن الرّجاز؟ فقال: هما [5] أشعر من أهل القصيد [6]، إنما الشعر كلام: فأجوده أشعره، قد قال العجاج:
قد جبر الدّين الإله فجبر
وهي نحو من مائتي بيت موقوفة القوافي ولو أطلقت قوافيها كانت كلها منصوبة، وكذلك عامة أراجيزهما.
يقعد اللغويون إليه يوم الجمعة:
أخبرني أبو خليفة في كتابه إليّ عن محمد بن سلّام: عن أبي زيد الأنصاريّ والحكم بن قنبر: قالا:
__________
[1] ذفرياي: مثنى ذفري، بكسر فسكون ففتح، وهو العظم الشاخص خلف الأذن.
[2] حجر: اسم لغير بلدة وموضع.
[3] ف: «إني أظلم فأنتصر ولا أصبر».
[4] في «المختار»: فقيل له: «لم نعن الرجاز».
[5] كذا في «المختار»، وفي الأصل: «هم»، وهو تحريف.
[6] في «المختار»: «القصيدة».
كنا نقعد إلى رؤبة يوم الجمعة في رحبة بني تميم: فاجتمعنا يوما فقطعنا الطريق، ومرّت بنا عجوز فلم تقدر على أن تجوز في طريقها، فقال رؤبة بن العجاج:
تنحّ للعجوز عن طريقها ... إذ أقبلت رائحة من سوقها
دعها فما النحويّ من صديقها
يعبث به الصبيان فيستعين الوالي عليهم:
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ وأحمد بن عبيد اللّه بن عمار، قالا: حدثنا عمر بن شبّة، قال: حدثنا أبو زيد سعيد بن أوس الأنصاري النحويّ، قال:
دخل رؤبة بن العجاج السوق وعليه برنكان [1] أخضر، فجعل الصبيان يعبثون به، ويغرزون شوك النخل في برنكانه ويصيحون به، يا مرذوم يا مرذوم! فجاء إلى الوالي فقال: أرسل معي الوزعة [2]، فإن الصبيان قد حالوا بيني وبين دخول السوق، فأرسل معه أعوانا فشدّ على الصبيان، وهو يقول:
/أنحى على أمّك بالمرذوم ... أعور جعد من بني تميم
شرّاب ألبان خلايا [3] الكوم [4]
ففروا من بين يديه فدخلوا دارا في الصيارفة، فقال له الشّرط: أين هم؟ قال: دخلوا دار الظالمين، فسمّيت دار الظالمين إلى الآن لقول رؤبة، وهي في صيارفة سوق البصرة.
بينه وبين راجز من أهل المدينة:
وذكر أحمد بن الحارث الخرّاز عن المدائنيّ، قال: قدم البصرة راجز من أهل المدينة، فجلس إلى حلقة فيها الشعراء، فقال: أنا أرجز العرب، أنا الّذي أقول:
مروان يعطي وسعيد يمنع ... مروان نبع [5] وسعيد خروع
وددت أني راميت من أحبّ في الرجز يدا بيد، واللّه لأنا أرجز من العجاج، فليت البصرة جمعت بيني وبينه، قال: والعجاج حاضر وابنه رؤبة معه، فأقبل رؤبة على أبيه فقال: قد أنصفك الرجل، فأقبل عليه العجاج وقال:
هأنذا العجاج، فهلم! وزحف إليه، فقال: وأيّ العجّاجين أنت؟ قال: ما خلتك تعني غيري، أنا عبد اللّه الطويل - وكان يكني بذلك - فقال له المدنيّ: ما عنيتك ولا أردتك، فقال: وكيف وقد هتفت بي؟ قال: وما في الدنيا عجاج سواك؟ قال: ما علمت، قال: لكني أعلم، وإياه عنيت. قال: فهذا ابني رؤبة، فقال: اللهم غفرا، ما بيني وبينكما عمل: وإنما مرادي غيركما، فضحك أهل الحلقة منه، وكفّا عنه.
__________
[1] البرنكان، كزعفران: الكساء.
[2] الوزعة: جمع الوازع، وصف من وزع: أي كف ومنع.
[3] الخلايا: جمع خلية، وهي من الإبل: المخلاة للحلب.
[4] الكوم: جمع كوماء، وهي: الناقة العظيمة السنام، والفعل كوم، كفرح.
[5] النبع: شجر تتخذ منه القسي والسهام لصلابته، ينبت في قنة الجبل.
بينه وبين زائرين:
أخبرني أبو خليفة في كتابه، عن محمد بن سلّام: عن يونس، قال:/ غدوت يوما أنا وإبراهيم بن محمد العطارديّ على رؤبة: فخرج إلينا كأنه نسر، فقال له ابن نوح: أصبحت واللّه كقولك:
كالكرّز [1] المشدود بين الأوتاد ... ساقط عنه الريش كرّ الإبراد [2]
فقال له رؤبة: واللّه يا بن نوح ما زلت لك ماقتا، فقلت: بل أصبحت يا أبا الجحّاف كما قال الآخر:
فأبقين منه وأبقى الطرا ... د بطنا خميصا وصلبا سمينا
فضحك: وقال: هات حاجتك.
من رجزه وقد استأذن فلم يؤذن له:
قال ابن سلّام: ووقف رؤبة على باب سليمان بن عليّ يستأذن: فقيل له: قد أخذ الإذريطوس [3] فقال رؤبة:
يا منزل الوحي على إدريس ... ومنزل اللعن على إبليس
وخالق الإثنين والخميس ... بارك له في شرب إذريطوس
يخطئه سلم بن قتيبة:
أخبرني الحسن بن يحيى قال: قال حماد: أخبرني أبي عن الأصمعي قال: أنشد رؤبة سلم بن قتيبة في صفة خيل:
يهوين شتّى ويقعن وقّفا
فقال له: أخطأت يا أبا الجحّاف: جعلته مقيدا فقال: أدنني أيها الأمير ذنب البعير أصفه لك كما يجب.
من رجزه وقد قدم الطعام وهو يلعب بالنرد:
أخبرني أبو خليفة في كتابه إليّ، عن محمد بن سلّام، عن عبد الرحمن بن محمد.
أخبرني أبو خليفة في كتابه إليّ، عن محمد بن سلّام، عن عبد الرحمن بن محمد،/ عن علقمة الضّبي، قال:
خرج شاهين بن عبد اللّه الثقفي برؤبة إلى أرضه، فقعدوا يلعبون بالنّرد فلما أتوا بالخوان قال رؤبة:
يا إخوتي جاء الخوان فارفعوا ... حنّانة كعابها تقعقع
لم أدر ما ثلاثها والأربع
قال: فضحكنا ورفعناها، وقدّم الطعام.
يشيد الخليل بفضله وقد عاد من جنازته:
أخبرني الحسن بن عليّ، قال: حدّثني محمد بن القاسم بن مهرويه، قال: حدثنا عبد اللّه بن أبي سعد، عن
__________
[1] الكرز، الصقر، والبازي أيضا.
[2] أبرده: فتره.
[3] الإذريطوس: دواء، والكلمة رومية معربة، وفي ف: «قد أخذ الأذريطوس»، وهو اسم دواء.
محمد بن عبد اللّه بن مالك عن أبيه عن يعقوب بن داود، قال:
لقيت الخليل بن أحمد يوما بالبصرة فقال لي: يا أبا عبد اللّه دفنّا الشعر واللغة والفصاحة اليوم، فقلت: وكيف ذاك؟ قال: هذا حين انصرفت من جنازة رؤبة.
صوت
لعمري لقد صاح الغراب ببينهم ... فأوجع قلبي بالحديث الّذي يبدي
فقلت له أفصحت لا طرت بعدها ... بريش فهل للبين ويحك من ردّ؟
الشعر لقيس بن ذريح، وقد تقدمت أخباره والغناء لعمرو بن أبي الكنّات، ثقيل أول بإطلاق الوتر في مجرى الوسطى.
25 - أخبار عمرو بن أبي الكنات
اسمه وولاؤه وكنيته:
/ هو عمرو بن عثمان بن أبي الكنّات، مولى بني جمح، مكي مغن [1]، محسن موصوف بطيب الصوت من طبقة ابن جامع وأصحابه، وفيه يقول الشاعر:
أحسن الناس فاعلموه غناء ... رجل من بني أبي الكنّات
وله في هذا الشعر غناء مع أبيات قبله لحن ابتداؤه:
صوت
عفت الدار بالهضاب اللواتي ... بسوار [2]؛ فملتقى عرفات
فالحريان [3] أوحشا بعد أنس ... فديار بالرّبع ذي السّلمات [4]
إنّ بالبين [5] مربعا من سليمى ... فإلى محضرين [6]؛ فالنخلات
وبعده البيت الأول المذكور.
الغناء في هذا الشعر لعمرو بن أبي الكنات، وطريقته من الرمل بالوسطى.
وقيل: إنه لابن سريج، وقيل: بل لحن ابن سريج غير هذا اللحن، وليس فيه البيت الرابع الّذي فيه ابن أبي الكنّات.
/ ويكنى عمرو بن أبي الكنّات أبا عثمان، وذكر بن خرداذبه أنه كان يكنى أبا معاذ؛ وكان له ابن يغني أيضا يقال له: درّاج؛ ليس بمشهور ولا كثير الغناء.
يؤثره الرشيد على جمع من المغنين:
فذكر هارون بن محمد بن عبد الملك الزيات في الخبر الّذي حكاه [7] عنه من أخباره أن محمد بن عبد اللّه المخزوميّ حدثه قال: حدّثني محمد بن عبد اللّه بن فزوة قال:
__________
[1] كذا ف. وفي س، ب: «يكنى بمعن»، تحريف.
[2] سوار: من قرى البحرين لبني عبد القيس العامريين. ورواية «نهاية الأرب»، هد:
عفت الدار فالهضاب اللواتي ... بين ثور فملتقى عرفات
وثور: جبل بمكة، به الغار الّذي اختفى الرسول فيه.
[3] في ف: «الجريان».
[4] السلمات: الحجارة، جمع سلمة بفتح فكسر.
[5] البيت: اسم لعدة مواضع، منها موضع قرب نجران، وآخر قرب الحيرة.
[6] في «معجم ياقوت»: محضر: قرية بأجأ لطيى ء.
[7] في ف: «رواه».
قلت لابن جامع [1] يوما: هل غلبك أحد من المغنين قط؛ قال: نعم؛ كنت ليلة ببغداد إذ جاءني رسول الرشيد [2]؛ يأمرني بالركوب؛ فركبت حتى إذا صرت إلى الدار، فإذا أنا بفضل بن الربيع معه زلزل العواد وبرصوما: فسلمت وجلست قليلا، ثم طلع خادم فقال للفضل: هل جاء؟ فقال: لا، قال: فابعث إليه؛ ولم يزل المغنون يدخلون واحدا بعد واحد حتى كنا ستة أو سبعة.
ثم طلع الخادم فقال: هل جاء؟ فقال: لا، قال: قم [3]؛ فابعث في طلبه؛ فقام فغاب غير طويل؛ فإذا هو قد جاء بعمرو بن أبي الكنّات؛ فسلم؛ وجلس إلى جنبي فقال لي: من هؤلاء؟ قلت مغنون؛ وهذا زلزل، وهذا برصوما. فقال: واللّه لأغنينك غناء يخرق هذا السقف وتجيبه الحيطان ولا يفهمون منه شيئا. قال: ثم طلع الخصيّ فدعا بكراسيّ؛ وخرجت الجواري. فلما جلسن قام الخادم للمغنين: شدوا، فشدّوا عيدانهم [4]، ثم قال: نعم يا بن جامع؛ فغنيت سبعة أو ثمانية أصوات. ثم قال: اسكت وليغنّ إبراهيم الموصلي؛ فغنى مثل ذلك أو دونه. ثم سكت؛ فلم يزل يمرّ القوم واحدا واحدا حتى فرغوا.
/ ثم قال: لابن أبي الكنّات: غنّ، فقال لزلزل: شد طبقتك [5]، فشد ثم أخذ العود من يده فحبّسه حتى وقف على الموضع الّذي يريده، ثم قال: على هذا وابتدأ بصوت أوله: ألالا: فو اللّه لقد خيّل لي أن الحيطان تجاوبه. ثم رجع النغم فيه. فطلع الخصيّ فقال له: اسكت. لا تتم الصوت، فسكت.
ثم قال: يحبس عمرو بن أبي الكنّات، وينصرف باقي المغنين، فقمنا بأكسف حال وأسوإ بال، لا واللّه ما زال كل واحد منا يسأل صاحبه عن كل شعر يرويه من الغناء الّذي أوله: ألالا، طمعا في أن يعرفه أو يوافق غناءه. فما عرفه منا أحد وبات عمرو ليلته عند الرشيد، وانصرف/ من عنده بجوائز وصلات وطرف سنيه.
يغني وقد دفع من عرفة فيزحم الناس الطريق:
قال هارون: وأخبرني محمد بن عبد اللّه عن موسى بن أبي المهاجر قال:
خرج ابن جامع وابن أبي الكنّات حين [6] دفعا من عرفة حتى إذا كان بين المأزمين [7] جلس عمرو على طرف الجبل، ثم اندفع يغني، فوقف القطارات، وركب الناس بعضهم بعضا حتى صاحوا واستغاثوا: يا هذا، اللّه اللّه.
اسكت عنا يجز الناس، فضبط إسماعيل بن جامع بيده على فيه حتى مضى الناس إلى مزدلفة.
يغني على جسر بغداد فتمتلىء الجسور بالناس:
قال هارون: وحدّثني عبد الرحمن بن سليمان عن عليّ بن أبي الجهم قال: حدّثني من أثق به قال.
وافقت ابن أبي الكنّات المديني [8] على جسر بغداد أيام الرشيد. فحدثته بحديث اتصل بي عن ابن عائشة أنه
__________
[1] ف: «إسماعيل بن جامع».
[2] في ف: «أمير المؤمنين».
[3] كذا في ف. وفي س، ب: «نعم»، تحريف.
[4] هد، ف: «قال الخادم للمغنين: سووا، فسووا عيدانهم».
[5] في ف: «طبقك».
[6] في «نهاية الأرب»: «حين دفع الإمام من عرفة».
[7] المأزمان: اسم لعدة مواضع، منها موضع بمكة بين المشعر الحرام وعرفه.
[8] في ف، و«نهاية الأرب»: واقفت ابن أبي الكنات على جسر.
فعله أيام هشام، وهو أن بعض أصحابنا حدّثني قال: وقف/ ابن عائشة في الموسم فمرّ به بعض أصحابه، فقال له:
ما تعمل؟ فقال: إني لأعرف رجلا لو تكلم لحبس الناس، فلم يذهب أحد ولم يجيء. فقلت له: ومن هذا الرجل؟
قال: أنا، ثم اندفع يغني:
صوت
جرت سنحا فقلت [1] لها أجيزي ... نوى مشمولة فمتى اللقاء
بنفسي من تذكّره سقام ... أعالجه ومطلبه عناء
قال: فحبس الناس، واضطربت المحامل [2]، ومدّت الإبل أعناقها، وكادت الفتنة تقع، فأتي به هشام فقال:
يا عدو اللّه أردت أن تفتن الناس؟ فأمسك عنه وكان تياها، فقال له هشام: أرفق بتيهك [3]. فقال ابن عائشة: حقّ لمن كانت هذه قدرته على القلوب أن يكون تيّاها، فضحك وأطلقه قال فبرق [4] ابن أبي الكنات، وكان معجبا بنفسه، وقال: أنا أفعل كما فعل، وقدرتي على القلوب أكثر من قدرته كانت، ثم اندفع فغنى في هذا الصوت ونحن على جسر بغداد.
وكان إذ ذاك على دجلة ثلاثة جسور معقودة، فانقطعت الطرق، وامتلأت الجسور بالناس، وازدحموا عليها، واضطربت حتى خيف عليها أن تتقطع لثقل من عليها من الناس. فأخذ فأتي به الرشيد، فقال: يا عدو اللّه أردت أن تفتن الناس؟ فقال: لا واللّه يا أمير المؤمنين، ولكنه بلغني أن ابن عائشة فعل مثل هذا في أيام هشام، فأحببت أن يكون في أيامك مثله فأعجب [5] من قوله ذلك، وأمر له بمال، وأمره/ أن يغني، فسمع شيئا لم يسمع مثله فاحتبسه عنده شهرا [6] يستزيده في كل يوم استأذنه فيع في الانصراف - يوما آخر حتى تم له شهر [6] فقال هذا المخبر عنه:
وكان ابن أبي الكنّات كثير الغشيان لي: فلما أبطأ توهمته قد قتل فصار إليّ بعد شهر بأموال جسيمة، وحدّثني بما جرى بينه وبين الرشيد.
يسمع غناؤه على ثلاثة أميال:
قال هارون: وأخبرني محمد بن عبد اللّه المخزوميّ عن عثمان بن موسى مولانا قال:
كنا يوما باللاحجة ومعنا عمرو بن أبي الكنّات، ونحن على شرابنا إذ قال لنا قبل طلوع الشمس: من تحبون أن يجيئكم؟ قلنا: منصور الحجبيّ. فقال: أمهلوا حتى يكون الوقت الّذي ينحدر فيه إلى سوق البقر، فمكثنا ساعة ثم اندفع يغني:
أحسن الناس فاعلموه غناء ... رجل من بني أبي الكنّات
عفت الدار بالهضاب اللواتي ... بسوار فملتقى عرفات
__________
[1] سقطت هذه الكلمة من س.
[2] المحامل: جمل محمل كمجلس، وهو شقان على البعير، يجمل فيهما العديلان.
[3] في س: «بتهيك»، تحريف.
[4] في هد، مل. نزق وفي ب، س مرق، كفرح.
[5] في ف، و «نهاية الأرب»: «فأعجبه ذلك».
[6] - (6) زيادة من هد، ف.
/ فلم نلبث أن رأينا منصورا من بعد قد أقبل يركض دابته نحونا، فلما جلس إلينا قلنا له: من أين علمت بنا؟
قال: سمعت صوت عمرو يغني كذا وكذا وأنا في سوق البقر، فخرجت أركض دابتي حتى صرت إليكم، قال:
وبيننا وبين ذلك الموضع ثلاثة أميال.
قال هارون، وأخبرني محمد بن عبد اللّه، قال: أخبرني يحيى بن يعلى بن سعيد قال:
بينا أنا ليلة في منزلي في الرمضة أسفل مكة إذ سمعت صوت عمرو بن أبي الكنّات كأنه معي، فأمرت الغلام فأسرج لي دابتي، وخرجت أريده، فلم أزل أتبع الصوت حتى وجدته جالسا على الكثيب العارض ببطن عرنة [1] يغني:
صوت
خذي العفو مني تستديمي مودّتي ... ولا تنطقي في سورتي حين أغضب
ولا تنقريني نقرة الدّفّ مرة ... فإنك لا تدرين كيف المغيّب
فإني وجدت الحب في الصدر والأذى ... إذا اجتمعا لم يلبث الحبّ يذهب
عروضه من الطويل، ولحنه من الثقيل الثاني بالوسطى من رواية إسحاق. والشعر لأسماء بن خارجة الفزاريّ، وقد قيل: إنه لأبي الأسود الدّؤلي، وليس ذلك بصحيح. والغناء لإبراهيم الموصلي، وفيه لحن قديم للغريض من رواية حماد عن أبيه.
__________
[1] بطن عرنة: واد بحذاء عرفات.
26 - أسماء بن خارجة وابنته هند
وصيته لبنته ليلة زفافها:
أخبرني اليزيديّ عن أحمد بن زهير عن الزّبير بن بكار قال:
زوّج أسماء بن خارجة الفزاريّ بنته هندا من الحجاج بن يوسف، فلما كانت ليلة أراد البناء بها قال لها أسماء بن خارجة: يا بنيّة، إنّ الأمهات يؤدبن البنات، وإنّ أمّك هلكت وأنت صغيرة، فعليك بأطيب الطيب الماء، وأحسن الحسن الكحل. وإياك وكثرة المعاتبة، فإنها قطيعة للودّ، وإياك والغيرة فإنها مفتاح الطلاق. وكوني لزوجك أمة يكن لك عبدا، واعلمي أني القائل لأمّك:
خذي العفو مني تستديمي مودّتي
شعر لبعض الشعراء فيها:
قال: وكانت هند امرأة مجرّبة قد تزوجها جماعة من أمراء العراق، فقبلت من أبيها وصيته. وكان الحجاج يصفها في مجلسه بكلّ خير، وفيها يقول بعض الشعراء يخاطب أباها:
جزاك اللّه يا أسماء خيرا ... كما أرضيت فيشلة الأمير
بصدغ قد يفوح المسك منه ... عليه مثل كركرة [1] البعير
إذا أخذ الأمير بمشعبيها ... سمعت لها أزيزا كالصرير
إذا لقحت بأرواح تراها ... تجيد الرّهز من فوق السرير [2]
قال مؤلف هذا الكتاب: الشعر لعقيبة الأسديّ.
يعير معير بتزويج الحجاج فيحتال حتى يزوجه المعير أيضا:
أخبرني الجوهريّ وحبيب المهلبيّ عن ابن شبة قال:
/ لما قدم الحجاج الكوفة أشار عليه محمد بن عمير بن عطارد أن يخطب إلى أسماء ابنته هند، فخطبها فزوجه أسماء ابنته، فأقبل عليه محمد متمثّلا يقول:
أمن حذر الهزال نكحت عبدا ... فصهر العبد أدنى للهزال!
فاحتملها عليه أسماء وسكت عن جوابه، ثم أقبل على الحجاج يوما وهند جالسة، فقال: ما يمنعك من الخطبة إلى محمد بن عمير ابنته فإنّ من [3] شأنها كيت وكيت. فقال: أتقول/ هذا وهند تسمع؟ فقال: موافقتك
__________
[1] الكركرة: جزء من زور البعير، ناتىء عن جسمه كالقرص، إذا برك أصاب الأرض.
[2] الرهز: التحرك عند المباشرة، وفي ف:
«إذا لقحت بأزواج»
، وفي هد:
«إذا لهجت بأرواح»
[3] في ف: «فإن من أمرها وشأنها».
أحبّ إليّ من رضا هند، فخطبها إلى محمد بن عمير، فزوجه إيّاها، فقال أسماء لمحمد بن عمير، وضرب بيده على منكبه:
دونك ما أسديته يا بن حاجب ... سواء كعين [1] الديك أو قذّة [2] النسر
بقولك للحجاج إن كنت ناكحا ... فلا تعد هندا من نساء بني بدر
فإن أباها لا يرى أنّ خاطبا ... كفاء له إلا المتوج من فهر
فزوجتها الحجاج لا متكارها ... ولا راغبا [3] عنه ونعم أخو الصهر
أردت ضراري فاعتمدت مسرتي ... وقد يحسن الإنسان من حيث لا يدري
فإن ترها عارا فقد جئت مثلها ... وإن ترها فخرا فهل لك من شكر؟
أحبت هند عبيد اللّه بن زياد حبّا شديدا:
قال المدائنيّ حدّثني الحرمازي عن الوليد بن هشام القحذمي وكان كاتب خالدا القسريّ ويوسف بن عمر [4] أن هندا بنت أسماء كانت تحت [5] عبيد اللّه بن زياد، وكان أبا عذرها، فلما قتل - وكانت معه - لبست قباء، وتقلّدت سيفا، وركبت فرسا/ لعبيد اللّه كان يقال لها: الكامل، وخرجت حتى دخلت الكوفة ليس معها دليل، ثم كانت بعد ذلك أشدّ خلق اللّه جزعا عليه، ولقد قالت يوما: إني لأشتاق إلى القيامة لأرى وجه عبيد اللّه بن زياد.
بشر بن مروان يتزوجها:
فلما قدم بشر بن مروان الكوفة دلّ عليها، فخطبها، فزوّجها، فولدت له عبد الملك بن بشر، وكان ينال من الشراب ويكتم ذلك، وكان إذا صلّى العصر خلا في ناحية من داره ليس معه أحد إلا أعين مولاه صاحب حمّام أعين بالكوفة، وأخذ في شأنه. فلم تزل هند تتجسّس خبره حتى عرفته، فبعثت مولى لها، فأحضرها أطيب شراب وأحدّه وأشده وأرقه وأصفاه، وأحضرت [6] له طعاما علمت أنه يشتهيه، وأرسلت إلى أخويها: مالك وعيينة، فأتياها وبعثت إلى بشر واعتلّت عليه بعلة، فجاءها فوضعت بين يديه ما أعدّته، فأكل وشرب، وجعل مالك يسقيه، وعيينه يحدّثه، وهند تريه وجهها. فلم يزل في ذلك حتى أمسى، فقال: هل عندكم من هذا شيء نعود عليه غدا؟ فقالت: هذا دائم لك ما أردته، فلزمها وبقي أعين يتبع الديار بوجهه ولا يرى بشرا، إلا أن يبحث عن أمره فعرفه، وعلم أنه ليس فيه حظ بعدها. قال ومات عنها بشر فلم تجزع عليه، فقال الفرزدق في ذلك:
فإن تك [7] لا هند بكته فقد بكت ... عليه الثريا في كواكبها الزّهر
__________
[1] يضرب المثل بعين الديك في الصفاء.
[2] قذة النسر: ريشه، كأنها في مقابلة عين الديك كناية عن المشارة والمعاداة.
[3] كذا في ف. وفي س، ب: «باغيا»، تحريف.
[4] كذا في ب، ف. س: «ابن عمران»، تحريف.
[5] كذا في ف، وفي س، ب: «ثحب».
[6] في ف: «أصلحت».
[7] في ف: «فإلا تكن».
الحجاج يخلف بشرا في تزوجها:
ثم خلف عليها الحجاج، وكان السبب في ذلك فيما ذكره المدائنيّ عن الحرمازيّ عن القحذميّ، وأخبرني به من ها هنا أحمد بن عبد العزيز عن ابن شبة عن عثمان بن عبد الوهاب عن عبد الحميد الثقفيّ قالا:
كان السبب في ذلك أنه بعث أبا بردة بن أبي موسى الأشعري - وهو قاضيه - / إلى أسماء يقول له: إن قبيحا بي مع بلاء أمير المؤمنين عندي أن أقيم بموضع فيه ابنا أخيه بشر لا أضمهما إليّ، وأتولّى منهما مثل ما أتولى من ولدى. فاسأل هندا أن تطيب نفسا عنهما.
وقال عمر بن شبة في خبره: وأعلمها أنه لا بد من التفرقة بينها وبينهما حتى أؤدبهما، قال أبو بردة: فاستأذنت فأذن لي وهو يأكل وهند معه، فما رأيت وجها [1] /و لا كفا ولا ذراعا أحسن من وجهها وكفها وذراعها، وجعلت تتحفني وتضع بين يديّ.
قال أبو زيد في خبره: فدعاني إلى الطعام، فلم أفعل، وجعلت تعبث بي وتضحك، فقلت: أما واللّه لو علمت ما جئت له لبكيت، فأمسكت يدها عن الطعام فقال: أسماء: قد منعتها الأكل: فقل: ما جئت له. فلما بلّغت أسماء ما أرسلت به بكت، فلم أر واللّه دموعا قطّ سائلة من محاجر أحسن من دموعها على [2] محاجرها. ثم قالت:
نعم أرسل بهما إليه، فلا أحد أحقّ بتأديبهما منه.
وقال أسماء: إنما عبد الملك ثمرة قلوبنا - يعني عبد الملك بن بشر - وقد أنسنا به، ولكن أمر الأمير طاعة، فأتيت الحجاج، فأعلمته جوابها وهيئتها. فقال: ارجع فاخطبها عليّ فرجعت وهما على حالهما. فلما دخلت قلت:
إني جئتك بغير الرسالة الأولى قال: اذكر ما أحببت. قلت: قد جئت خاطبا. قال: أعلى نفسك فما بنا عنك رغبة؟
قلت: لا، على من هو خير لها مني، وأعلمته ما أمرني به الحجاج، فقال: ها هي تسمع ما أدّيت، فسكتت، فقال أسماء: قد رضيت، وقد زوجتها إياه.
فقال أبو زيد في حديثه: فلما زوجها أبوها قامت مبادرة وعليها مطرف [3]، ولم تستقل قائمة من ثقل عجيزتها حتى انثنت ومالت لأحد شقيها من شحمها، فانصرفت بذلك إلى الحجاج، فبعث إليها بمائة ألف درهم وعشرين تختا من ثياب وقال: يا أبا بردة،/ إني أحب أن تسلمها إليها، ففعلت ذلك، وأرسلت إليّ من المال بعشرين ألفا، ومن الثياب تختين. فقلت: ما أقبل شيئا حتى أستطلع رأي الأمير. ثم انصرفت إليه فأعلمته، فأمرني بقبضة ووصلني بمثله [4].
وقال: أبو زيد في حديثه: فأرسل إليها بثلاثين غلاما مع كل غلام عشرة آلاف درهم، وثلاثين جارية مع كل جارية تخت من ثياب، وأمر لي بثلاثين ألفا وثيابا لم يذكر عددها. فلما وصل ذلك إلى هند أمرت بمثل ما أمر لي به الحجاج، فأبيت قبوله، وقلت: ليس الحجاج ممن يتعرّض له بمثل هذا. وأتيت الحجاج فأخبرته. فقال: قد أحسنت وأضعف اللّه لك ذلك، وأمر له بستين ألفا، وبضعف تلك الثياب، وكان أول ما أصبته مع الحجاج. وأرسل
__________
[1] ف: «فما وجدت وجها قط».
[2] في ف: «من».
[3] في ف: «مطرف خز أسود».
[4] زيادة في ف.
إليها: إني أكره أن أبيت خلوا [1]، ولي زوجة. فقالت: وما احتباس امرأة عن زوجها وقد ملكها وآتاها [2] كرامته وصداقها، فأصلحت من شأنها، وأتته ليلا.
قال: المدائني: فسمعت أن ابن كناسة ذكر أن رجلا من أهل العلم حدثه عن امرأة من أهله قالت: كنت فيمن زفّها. فدخلنا عليه وهو في بيت عظيم في أقصاره ستارة، وهو دون الستارة على فرشه، فلما أن دخلت سلّمت، فأومأ إليها بقضيب كان في يده. فجلست عند رجليه، ومكثت ساعة وهو لا يتكلم ونحن وقوف، فضربت بيدها على فخذه، ثم قالت: ألم تبعد من سوء الخلق؟ قال: فتبسم، وأقبل عليها، واستوى جالسا. فدعونا له وخرجنا وأرخيت الستور.
سبب تطليق الحجاج لها:
قال: ثم قدم الحجاج البصرة، فحملها معه. فلما بني قصره الّذي دون المحدثة [3] الّذي يقال له: قصر الحجاج اليوم قال لها: هل رأيت قط أحسن من هذا القصر؟ قالت [4]: ما أحسنه! قال: أصدقيني، قالت: أمّا إذ أبيت فو اللّه ما رأيت أحسن من القصر الأحمر. وكان فيه عبيد اللّه بن زياد، وكان دار الإمارة بالبصرة، وكان ابن زياد بناه بطين أحمر. فطلق هندا غضبا بما قالته، وبعث إلى القصر فهدمه، وبناه بلبن. ثم تعهده صالح بن عبد الرحمن في/ خلافة سليمان بن عبد الملك، فبناه بالآجرّ، ثم هدم بعد ذلك فأدخل في المسجد الجامع.
حنين الحجاج إلى مراجعتها:
قال: القحذميّ عن محمد بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي:
فخرجنا يوما نعود عبد الملك بن بشر، فسلّمنا عليه وعدناه معه. ثم خرجنا وتخلف الحجاج، فوقفنا ننتظره، فلما خرج التفتّ فرآني، فقال: يا محمد ويحك! رأيت هندا الساعة فما رأيتها [5]، قط أجمل ولا أشبّ منها حين رأيتها، وما أنا بممس حتى أراجعها: فقلت: أصلح اللّه الأمير، امرأة طلقتها على عتب [6] يرى الناس أن نفسك تتبعها، وتكون لها الحجة عليك. قال: صدقت، الصبر أحجى.
قال: محمد: واللّه ما كان منى ما كان نظرا ولا نصيحة، ولكني أنفت لرجل من قريش أن [7] تداس أمّه في كل وقت.
خبر طريف يروى عن أسماء:
أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه عن المدائني عن جويرية بن أسماء عن عمه قال:
حججت فإني لفي رفقة من قومي إذ نزلنا منزلا ومعنا امرأة، فنامت وانتهبت [8] وحية مطوية عليها، قد جمعت
__________
[1] خلوا: لا زوجة معي.
[2] كذا في ف. وفي ب، س: «انتهى»، تحريف.
[3] المحدثة: قرية بواسط.
[4] س، ب: «قال لها: هل رأيت قط أحسن من هذا القصر؟ فقالت: هذا القصر».
[5] ب، س: «فما رأيت»، والمثبت من ف.
[6] كذا في ف وفي ب، س: «على عنت».
[7] كذا في ف؛ وفي ب، س: «أنفت لرجل أن تراس أمه»، وفيها سقط وتحريف.
[8] كذا في ف. ب، س: «و انتبهت ومعها حية».
رأسها وذنبها بين ثدييها. فهالنا ذلك وارتحلنا [1].
فلم تزل منطوية عليها لا تضيرها حتى دخلنا الحرم فانسابت، فدخلنا مكة وقضينا نسكنا، فرآها الغريض فقال: أيّ شقيّة، ما فعلت حيتك؟ فقالت: في النار، قال: ستعلمين من أهل النار؟ ولم أفهم ما أراد، وظننت أنه مازحها، واشتقت إلى غنائه، ولم يكن بيني وبينه ما يوجب ذلك، فأتيت بعض أهله، فسألته ذلك، فقال نعم، فوجّه إليه أن اخرج بنا إلى موضع كذا، وقال لي: اركب بنا، فركبنا حتى سرنا قدر ميل، فإذا الغريض هناك، فنزلنا، فإهذا طعام معدّ، وموضع حسن. فأكلنا وشربنا، ثم قال: يا أبا يزيد، هات بعض طرائفك فاندفع يغني، ويوقع بقضيب:
مرضت فلم تحفل عليّ جنوب ... وأدنفت والممشى إليّ قريب
فلا يبعد اللّه الشباب وقولنا ... إذا ما صبونا صبوة سنتوب
فلقد سمعنا شيئا ظننت أن الجبال الّتي حولي تنطق معه: شجا صوت، وحسن غناء. وقال لي: أتحب أن يزيدك [2]؟ فقلت: إي واللّه. فقال: هذا ضيفك وضيفنا، وقد رغب إليك وإلينا، فأسعفه بما يريد. فاندفع يغني بشعر مجنون بني عامر:
عفا اللّه عن ليلى الغداة فإنها ... إذا وليت حكما عليّ تجور
أ أترك ليلى ليس بيني وبينها ... سوى ليلة؟ إني إذا لصبور!
/ فما عقلت لما غنى من حسنه إلا بقول صاحبي: نجور عليك يا أبا يزيد. فقلت:
وما معناك في ذلك؟ فقال: إن أبا يزيد عرّض بأني لما وليت الحكم عليه جرت في سؤالي إياه أكثر من صوت واحد. فقلت له - بعد ساعة - سرّا: جعلت فداءك، إني أريد المضي وأصحابي يريدون الرحلة، وقد أبطأت عليهم، فإن رأيت أن تسأله - حاطه اللّه من السوء والمكروه - أن يزوّدني لحنا واحدا. فقال لي: يا أبا يزيد، أتعلم ما أنهى إلينا ضيفنا؟ قال: نعم، أرادك أن تكلمني في أن أغنيه قلت: هو واللّه ذلك، فاندفع يغني:
خذي العفو مني تستديمي مودتي ... ولا تنطقي في سورتي حين أغضب
فإني رأيت الحب في الصدر والأذى ... إذا اجتمعا لم يلبث الحبّ يذهب
/ فقال: قد أخذنا العفو منك، واستدمنا مودتك، ثم أقبل علينا فقال: ألا أحدثكم بحديث حسن؟ فقلنا:
بلى. قال: قال شيخ العلم وفقيه الناس وصاحب عليّ - صلوات اللّه عليه - وخليفة عبد اللّه بن العباس على البصرة أبو الأسود الدؤلي لابنته ليلة البناء [3]: أي بنيّة، النساء [4] كنّ بوصيتك وتأديبك أحقّ مني، ولكن لا بد مما لا بد منه. يا بنيّة، إن أطيب الطيب الماء، وأحسن الحسن الدهن، وأحلى الحلاوة الكحل. يا بنية، لا تكثري مباشرة زوجك فيملّك، ولا تباعدي عنه فيجفوك ويعتلّ عليك، وكوني كما قلت لأمّك:
__________
[1] كذا في ب، س: «ارتحلنا»، تحريف.
[2] في ف: «نزيدك».
[3] ف: «ليلة بها».
[4] ف: «إن النساء».
خذي العفو مني تستديمي مودتي ... ولا تنطقي في سورتي حين أغضب
/ فقلت: له فدتك نفسي، ما أدري أيّهما أحسن: أحديثك أم غناؤك؟ والسّلام عليكم. ونهضت فركبت وتخلّف الغريض وصاحبه في موضعهما، وأتيت أصحابي وقد أبطأت، فرحلنا منصرفين حتى إذا كنا في المكان الّذي رأيت فيه الحية منطوية على صدر المرأة ونحن ذاهبون - رأيت المرأة والحية منطوية عليها، فلم ألبث أن صفرت الحية، فإذا الوادي يسيل علينا حيات فنهشنها حتى بقيت عظاما. فطال تعجبنا من ذلك، ورأينا ما لم نر مثله قط. فقلت لجارية كانت معها: ويحك أخبرينا عن هذه المرأة، قالت: نعم أثكلت [1] ثلاث مرات، كلّ مرّة تلد ولدا: فإذا وضعته سجرت التنور ثم ألقته: فذكرت قول الغريض حين سألها عن الحية، فقالت: في النار. [2] فقال:
ستعلمين من في النار [2].
نسبة ما في هذه الأصوات من الغناء
فمنها:
صوت
مرضت فلم تحفل على جنوب ... وأدنفت والممشى إليّ قريب
فلا يبعد اللّه الشباب وقولنا ... إذا ما صبونا صبوة سنتوب
عروضه من الطويل. الشعر لحميد بن ثور الهلاليّ، والغناء للغريض من رواية حماد عن أبيه، وفيه لعلّويه ثقيل أول بالوسطى على مذهب إسحاق من رواية عمرو بن بانة ومنها:
صوت
عفا اللّه عن ليلى الغداة فإنها ... إذا وليت حكما عليّ تجور
أ أترك ليلى ليس بيني وبينها ... سوى ليلة إني إذا لصبور!
عروضه من الطويل، والشعر - يقال - لأبي دهبل الجمحيّ، ويقال: إنه لمجنون بني عامر، ويقال: إنه لعمر بن أبي ربيعة. والغناء لابن سريج، خفيف رمل بالوسطى، عن عمرو بن بانة، وفيه للغريض ثاني ثقيل بالوسطى، وفي الثاني والأول خفيف ثقيل أول بالبنصر مجهول.
أخبرني الحرميّ عن الزبير عن محمد بن الضحاك عن أبيه قال: قال أبو دهبل:
أأترك ليلى ليس بيني وبينها ... سوى ليلة إني إذا لصبور
هبوني امرأ منكم أضلّ [3] بعيره ... له ذمة إن الذمام كبير
/ وللصاحب المتروك أعظم حرمة ... على صاحب من أن يضلّ بعير
__________
[1] ف، هد: «بغت ثلاث مرات».
(2 - 2) زيادة من ف، هد.
[3] أضل بعيره: ذهب البعير عنه.
قال الزبير وقال عمي: هذه الأبيات لمجنون بني عامر.
قال أحمد بن الحارث الخزار عن المدائنيّ عن أبي محمد الشيباني قال: قال عبد الملك بن مروان لعمر بن أبي ربيعة: أنت القائل:
أأترك ليلى ليس بيني وبينها ... سوى ليلة إني إذا لصبور!
قال: نعم. قال فبئس المحبّ أنت: تركتها وبينها وبينك غدوة. قال: يا أمير المؤمنين، إنها من غدوات سليمان، غدوّها شهر، ورواحها شهر.
أخبرني اليزيديّ عن أحمد بن يحيى وابن زهير قال حدّثني عمر بن القاسم بن المعتمر الزهريّ قال: قلت لأبي السائب المخزوميّ: أما أحسن الّذي يقول:
/أأترك ليلى ليس بيني وبينها ... سوى ليلة إني إذا لصبور!
هبوني أمرأ منكم أضل بعيره ... له ذمة إن الزمام كبير
وللصاحب المتروك أعظم حرمة ... على صاحب من أن يضلّ بعير؟
فقال: بأبي أنت، كنت واللّه أجنّبك [1] وتثقل عليّ، فأنا الآن أحبك [2] وتخفّ عليّ، حيث تعرف هذا.
صوت
من الخفرات لم تفضح أخاها ... ولم ترفع لوالدها شنارا
كأنّ مجامع الأرداف منها ... نقا درجت [3] عليه الريح هارا
يعاف وصال ذات البذل قلبي ... ويتّبع الممنّعة النّوارا
[4] الخفرة: الحييه، والخفر: الحياء. والشنّار: العار. والنقا: الكثيب من الرمل. درجت عليه الريح: مرت.
هار: تهافت وتداعى. قال اللّه تبارك وتعالى: عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ
[5] ويعاف: يكره. والنوار: الصعبة الممتنعة الشديدة الإباء [4].
عروضه من الوافر. الشعر للسّليك بن السّلكة، والغناء لابن سريج، رمل بالسبابة في مجرى البنصر عن إسحاق. وفيه لابن الهربذ لحن من رواية بذل، ولم يذكر طريقته وفيه لابن طنبورة لحن ذكره إبراهيم في كتابه ولم يجنّسه.
__________
[1] س، ب: «أحبك».
[2] زيادة في ف.
[3] كذا في ف. ب، س: «نقادر»، تحريف.
(4 - 4) زيادة في ب.
[5] سورة التوبة: 109.
27 - أخبار السليك بن السلكة ونسبه
نسبه:
هو السّليك بن عمرو، وقيل: بن عمير بن يثربيّ. أحد بني مقاعس، وهو الحارث بن عمرو بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم. والسّلكة: أمّة، وهي أمة سوداء.
من صعاليك العرب العدائين:
وهو أحد صعاليك العرب العدّائين الذين كانوا لا يلحقون، ولا تعلق بهم الخيل إذا عدوا. وهم: السّليك بن السّلكة، والشّنفري، وتأبط شرا، وعمرو بن برّاق، ونفيل بن براقة. وأخبارهم تذكر على تواليها ها هنا إن شاء اللّه تعالى في أشعار لهم يغنّى فيها؛ لتتصل أحاديثهم.
فأمّا السّليك [1] فأخبرني بخبره الأخفش عن السكري عن ابن حبيب عن ابن الأعرابي، قال: وفرىء لي خبره وشعره على محمد بن الحسن الأحول عن الأثرم عن أبي عبيدة. أخبرني ببعضه اليزيديّ عن عمه عن ابن حبيب عن ابن الأعرابي عن المفضّل، وقد جمعت رواياتهم، فإذا اختلفت نسبت كل مرويّ إلى راويه.
يستودع بيض النعام ماء في الشتاء ليشربه في الصيف:
قال أبو عبيدة: حدّثني المنتجع بن نبهان قال:
كان السّليك بن عمير السعديّ إذا كان الشتاء استودع ببيض النعام ماء السماء ثم دفنه، فإذا كان الصيف/ وانقطعت إغارة الخيل وأغار. وكان أدلّ من قطاة - يجيء حتى يقف على البيضة. وكان لا يغير على مضر، وإنما بغير على اليمن، فإذا لم يمكنه ذلك أغار على ربيعة.
صفاته:
وقال المفضل في روايته:
وكان السليك من أشد رجال العرب وأنكرهم وأشعرهم. وكانت العرب تدعوه/ سليك المقانب [2] وكان أدلّ الناس بالأرض، وأعلمهم بمسالكها، وأشدّهم عدوا على رجليه لا تعلق به الخيل. وكان يقول: اللهم إنك تهيىء ما شئت لما شئت إذا شئت. اللهم إني لو كنت ضعيفا كنت عبدا، ولو كنت امرأة كنت أمة. اللهم إني أعوذ بك من الخيبة، فأما الهيبة فلا هيبة.
من إنهاء غاراته:
فذكروا أنه أملق حتى لم يبق له شيء فخرج على رجليه رجاء أن يصيب غرّة من بعض من يمرّ به فيذهب
__________
[1] ب، س: «أخبرني».
[2] المقانب، جمع مقنب وهو من الخيل من الثلاثين إلى الأربعين.
بإبله، حتى أمسى في ليلة من ليالي الشتاء باردة مقمرة فاشتمل الصماء ثم نام - واشتمال الصماء: أن يرد فضلة ثوبه على عضده اليمنى، ثم ينام عليها - فبينا هو نائم إذ جئم رجل [1] فقعد على جنبه فقال: استأسر. فرفع السليك إليه رأسه، وقال: الليل طويل وأنت مقمر. فأرسلها مثلا، فجعل الرجل يلهزه [2] ويقول: يا خبيث استأسر. فلما آذاه بذلك أخرج السليك بعده، فضم الرجل إليه ضمة ضرط منها وهو فوقه، فقال السليك: أضرطا وأنت الأعلى؟
فأرسلها مثلا، ثم قال: من أنت؟ فقال. أنا رجل افتقرت، فقلت: لأخرجنّ فلا أرجع إلى أهلي حتى أستغني فآتيهم وأنا غنّي قال. انطلق معي. فانطلقا، فوجدا رجلا قصته مثل قصتهما. فاصطحبوا جميعا حتى أتوا الجوف: جوف مراد.
فلما أشرفوا عليه إذا فيه نعم قد ملأ كل شيء من كثرته. فهابوا أن يغيروا فيطردوا بعضها، فيلحقهم الطلب.
فقال لهما سليك. كونا قريبا مني حتى آتي الرّعاء فأعلم لكما علم الحي، أقريب أم بعيد. فإن كانوا قريبا رجعت إليكما، وإن كانوا بعيدا قلت لكما قولا أومىء [3] إليكما به فأغيرا. فأنطلق حتى أتى الرّعاء، فلم يزن/ يستنطقهم حتى أخبروه بمكان الحي، فإذا هم بعيد. إن طلبوا لم يدركوا. فقال السّليك للرّعاء: ألا أغنيكم؟ فقالوا: بلى غنّنا، فرفع صوته وغنّى:
يا صاحبيّ ألا لاحي بالوادي ... سوى عبيد وآم [4] بين أذواد
أتنظران قريبا ريث غفلتهم ... أم تغدوان فإن الريح [5] للغادي؟
فلما سمعا ذلك أتيا السليك، فأطردوا الإبل فذهبوا بها ولم يبلغ الصّريخ الحي حتى فاتوهم بالإبل.
نبأ آخر من أنباء المراتع:
قال المفضل: وزعموا أن سليكا خرج ومعه رجلان من بني الحارث بن امرىء القيس بن زيد مناة بن تميم يقال لهما: عمرو وعاصم وهو يريد الغارة، فمر على حي بني شيبان في ربيع والناس مخصبون في عشية فيها ضباب ومطر، فإذا هو ببيت قد انفرد من البيوت وقد أمسى. فقال لأصحابه: كونوا بمكان كذا حتى آتي أهل هذا البيت، فلعلي [6] أن أصيب لكم خيرا، أو آتيكم بطعام قالوا: افعل، فانطلق وقد أمسى وجن عليه الليل، فإذا البيت بيت رويم، وهو جد حوشب بن يزيد بن رويم، وإذا الشيخ وامرأته بفناء البيت.
فأتى السليك البيت من مؤخره فدخله، فلم يلبث أن راح ابنه بإبله. فلما أراحها غضب الشيخ، وفقال لابنه:
هلّا عشيّتها ساعة من الليل. فقال له ابنه: إنها أبت العشاء فقال:/ العاشية [7] تهيج الآبية، فأرسلها مثلا. ثم غضب الشيخ، ونفض ثوبه في وجهها، فرجعت إلى مراتعها ومعها الشيخ حتى مالت بأدنى روضة. فرتعت. وحبس الشيخ عندها لتتعشى، وغطى وجهه بثوبه من البرد، وتبعه سليك.
__________
[1] ف، هد: م: «جثم عليه رجل».
[2] يلهزه: يضربه بجمع يده في صدره أو رقبته.
[3] أومى ء. أوحي إليكما به.
[4] الام: جمع أمة.
[5] الريح: الغلبة والظفر.
[6] ب، س: «فعلي».
[7] العاشية: الراعية ليلا من الإبل.
/ فلما وجد الشيخ مغترا [1] ختله [2] من ورائه، فضربه فأطار رأسه، وصاح بالإبل فطردها، فلم يشعر صاحباه - وقد ساء ظنهما وتخوفا عليه - حتى إذا هما بالسليك يطردها فطرداها معه، وقال سليك في ذلك:
وعاشية راحت بطانا ذعرتها ... بسوط [3] قتيل وسطها يتسيف [4]
كأنّ عليه لون برد محبّر [5] ... إذا ما أتاه صارخ [6] يتلهف
فبات لها [7] أهل خلاء فناؤهم ... ومرّت بهم طير فلم يتعيفوا [8]
وباتوا يظنون الظنون وصحبتي ... إذا ما علوا نشزا [9] أهلوّا وأوجفوا [10]
وما نلتها حتى تصعلكت حقبة ... وكدت لأسباب المنية أعرف [11]
وحتى رأيت الجوع بالصيف ضرّني ... إذا قمت تغشاني ظلال فأسدف [12]
من حيله للغارة:
وقال الأثرم في روايته عن أبي عبيدة:
خرج سليك في الشهر الحرام حتى أتى عكاظ، فلما اجتمع الناس ألقى ثيابه،/ ثم خرج متفضّلا مترجلا، فجعل يطوف الناس ويقول: من يصف لي منازل قومه، وأصف له منازل قومي؟ فلقيه قيس بن مكشوح المراديّ، فقال: أنا أصف لم منازل قومي، وصف لي منازل قومك، فتواقفا، وتعاهدا ألا يتكاذبا.
فقال قيس بن المكشوح: خذ بين مهبّ الجنوب والصّبا، ثم سر حتى لا تدري أين ظل الشجرة؟ فإذا انقطعت المياه فسر أربعا حتى تبدو لك رملة وقفّ بينها [13] الطريق، فإنك ترد على قومي مراد وخثعم.
فقال السّليك: خذ بين مطلع سهيل ويد الجوزاء اليسرى العاقد لها من أفق السماء، فثمّ منازل قومي بني سعد بن زيد مناة.
فانطلق قيس إلى قومه فأخبرهم الخبر، فقال أبوه المكشوح: ثكلتك أمك. هل تدري من لقيت؟ قال: لقيت رجلا فضلا [14] كأنما خرج من أهله، فقال: هو واللّه سليك بن سعد.
__________
[1] كذا في ف، أي غافلا. وفي ب، س: «مفترا»، أي ساكنا مستقرا، من فتر الشيء تفتيرا سكنه.
[2] كذا في ف، وفي ب، س: «استله من ردائه».
[3] في «مجمع الأمثال» للميداني: «بصوت».
[4] كذا في أ، ب، ج، أي يضرب بالسيف. وفي ف: «يتشرف» مبينا للمعلوم، من تشرف عليه بمعنى أشرف. وفي س: «و يتسيف»، تحريف.
[5] محبر: موشى، يريد أن الدم بدت له عليه طرائق.
[6] كذا في أ، ف، أي باك متحزن. وفي ب، س: «صارم» تحريف.
[7] كذا في ف. وفي ب، س: «له».
[8] لم يتعيفوا: لم يزجروها.
[9] نشزا: مرتفعا من الأرض.
[10] أوجفوا: حملوها على الوجيف، وهو ضرب من السير.
[11] أعرف: أصبر.
[12] أسدف: أظلمت عيناه من الجوع. وخص الصيف بالذكر، لكثرة اللبن فيه.
[13] في ف: «رملة وقف بينهما الطريق». والقف: ما ارتفع من الأرض.
[14] فضل: في ثواب واحد.
فاستعلق واستعوى [1] السليك قومه فخرج أحماس [2] من بني سعد وبني عبد شمس - وكان في الربيع يعمد إلى بيض النعام فيملؤه من الماء ويدفنه في طريق اليمن في المفاوز. قال: فإذا غزا في الصيف مرّ به فاستثاره [3] - فمرّ بأصحابه حتى إذا انقطعت عنهم المياه قالوا: يا سليك أهلكتنا ويحك! قال: قد بلغتم الماء، ما أقربكم منه! حتى إذا انتهى إلى قريب من المكان الّذي خبأ الماء فيه طلبه فلم يجده، وجعل يتردد في طلبه. فقال بعض أصحابه لبعض:
أين يقودكم هذا العبد؟ قد واللّه هلكتم، وسمع ذلك. ثم أصاب الماء [4] بعد ما ساء ظنهم، فهمّ السليك بقتل بعضهم، ثمّ أمسك.
/ فانصرفت عنه بنو عبد شمس في طوائف من بني سعد. قال: ومضى السليك في بني مقاعس ومعه رجل من بني حرام يقال له: صرد. فلمّا رأى أصحابه قد انصرفوا بكى ومضى به السّليك، حتى إذا دنوا من بلاد خثعم ضلّت ناقة صرد في جوف الليل، فخرج في طلبها، فأصابه أناس حين أصبح، فإذا هم مراد وخثعم، فأسروه، ولحقه [5] السليك فاقتتلوا قتالا شديدا.
وكان أول من/ لقيه قيس بن مكشوح، فأسره السليك بعد أن ضربه ضربة أشرفت على نفسه، وأصاب من نعمهم ما عجز عنه هو وأصحابه، وأصاب أمّ الحارث [6] بنت عوف بن يربوع الخثعمية يومئذ، واستنقذ صرد من أيدي خثعم، ثم انصرف مسرعا، فلحق بأصحابه الذين انصرفوا عنه قبل أن يصلوا إلى الحي، وهم أكثر من الذين شهدوا معه، فقسمها بينهم على سهام الذين شهدوا. وقال السليك في ذلك:
بكى صرد لما رأى الحيّ أعرضت ... مهامه رمل دونهم وسهوب
وخوّفه ريب الزمان وفقره ... بلاد عدوّ حاضر وجدوب
ونأي بعيد عن بلاد مقاعس ... وأن مخاريق الأمور تريب
فقلت له لا تبك عينك إنها ... قضية ما يقضى لها فتثوب [7]
سيكفيك فقد [8] الحي لحم مغرّض [9] ... وماء قدور في الجفان مشوب
ألم تر أن الدهر لونان لونه ... وطوران [10] بشر مرة وكذوب
/ فما خير [11] من لا يرتجى خير أوبة ... ويخشى عليه مرية [12] وحروب
__________
[1] ساقطة من ب، س.
[2] أحماس: شجعان وفي هد، م: «فخرج في أخماس من بني سعد وبني عبد شمس».
[3] ب، س: «استأثره»، تحريف.
[4] زيادة في ف.
[5] كذا في ف. وفي ب، س: «لحقوا».
[6] في س: «حرف».
[7] في أ: «يقضي لنا فنئوب».
[8] الفقد: شراب من زبيب، أو عسل، أو كشوث بضمتين أو فتح وضم، وهو نبت يعلق بالأغصان ولا عرق له في الأرض. وفي م: «بسر».
[9] مغرض: أخذ طريا.
[10] في ب، س: «طوان»، تحريف وفي ف: «و قاران بشر تارة». والتار: التارة.
[11] في ب، س: «فيا خير»، تحريف.
[12] في ف: «سرية». وهي كغرفة: جماعة الخيل ما بين العشرين إلى الثلاثين.
رددت عليه نفسه فكأنما ... تلاقى عليه منسر [1] وسروب
فما ذرّ قرن الشمس حتى أريته [2] ... قصار [3] المنايا والغبار يثوب [4]
وضاربت عنه القوم حتى كأنما ... يصعّد في آثارهم ويصوب [5]
وقلت له خذ هجمة [6] حميريّة [7] ... وأهلا ولا يبعد عليك شروب [8]
وليلة جابان [9] كررت عليهم ... على ساعة [10] فيها الإياب حبيب
عشية كرّت [11] بالحراميّ ناقة ... بحيّ هلا تدعى به فتجيب
فضاربت أولي الخيل حتى كأنما ... أميل عليها أيدع وصبيب
الأيدع: دم الأخوين، والصبيب: الحناء.
من أنباء قدرته على الاحتمال:
قال أبو عبيدة: وبلغني أن السّليك بن السّلكة رأته طلائع جيش لبكر بن وائل، وكانوا جازوا منحدرين ليغيروا على بني تميم ولا يعلم بهم أحد، فقالوا:/ إن علم السّليك بنا أنذر قومه، فبعثوا إليه فارسين على جوادين، فلمّا هايجاه خرج يمحص [12] كأنه ظبي، وطارداه سحابة يومه، ثم قالا: إذا كان الليل أعيا، ثم سقط أو قصر عن العدو، فنأخذه.
فلما أصبحا وجدا [13] أثره قد عثر بأصل شجرة فنزعها [14]، فندرت قوسه فانحطمت، فوجدا [13] قصدة [15] منها قد ارتزّت [16] بالأرض، فقالا: ما له، أخزاه اللّه؟ ما أشدّه! وهمّا بالرجوع، ثم قالا: لعل هذا كان من أول الليل ثم فتر، فتبعاه، فإذا أثره متفاج [17] قد بال [18] فرغا في الأرض وخدّها [18] فقالا: ما له قاتله اللّه؟ ما أشدّ متنه!
__________
[1] المنسر: قطعة من الجيش تمر قدام الجيش الكبير والسروب: جماعات الخيل.
[2] كذا في ف. وفي ب، س: «رأيته».
[3] كذا في ف. والقصار: الغاية. وفي ب، س: «مضاد»، وقد يكون محرفا عن مصاد كسحاب. ويراد به الغاية أيضا، وهو في الأصل: أعلى الجبل.
[4] في ف: «و الفؤاد يذوب».
[5] يصوب: ينحدر.
[6] الهجمة: جماعة من الإبل أولها أربعون.
[7] كذا في أ، ف، م. وفي ب، س: «جبرية»، تحريف.
[8] شروب: شراب.
[9] جابان: مخلاف باليمن.
[10] كذا في أ، ف، م. وفي ب، س: «ساحة».
[11] كذا في أ، م. وفي ب، س: «كدت».
[12] يمحص: يعدو.
(13 - 13) زيادة في ف على ما في س، ب.
[14] وردت هذه الكلمة محرفة في جميع النسخ.
[15] القصدة: القطعة مما يكسر.
[16] كذا في ج، ف. ومعناها: ثبتت. وفي ب، س: «ارتزنت»، تحريف.
[17] متفاج: متباعد ما بين رجليه وفي ج، «مفج»، من أفج بمعنى تفاج، الّذي منه متفاج.
(18 - 18) زيادة في ج، ف. وفي ب، س: «قد بال في الأرض وجد، فقالا»، سقط وتحريف.
واللّه لا نتبعه أبدا، فانصرفا. ونمى [1] إلى قومه وأنذرهم، فكذبوه لبعد الغاية، فأنشأ يقول:
يكذّبني العمران عمرو بن جندب ... وعمرو بن سعد والمكذّب أكذب
لعمرك ما ساعيت من سعى عاجز ... ولا أنا بالواني ففيم أكذّب [2]؟
ثكلتكما [3] إن لم أكن قد رأيتها ... كراديس [4] يهديها إلى الحي موكب
/ كراديس فيها الحوفزان وقومه ... فوارس همّام متى يدع يركبوا [5]
- يعني الحوفزان بن شريك الشيباني - .
[6] تفاقدتم هل أنكرنّ مغيرة ... مع الصبح يهديهن أشقر مغرب [7]؟
تفاقدتم: يدعو عليهم بالتفاقد [6].
قال، وجاء الجيش فأغاروا على جمعهم.
كان يقال له: سليك المقانب:
قال: وكان يقال/ للسّليك سليك المقانب، وقد قال في ذلك فرار الأسديّ - وكان قد وجد قوما يتحدثون إلى امرأته من بني عمها فعقرها بالسيف، فطلبه بنو عمها فهرب ولم يقدروا عليه - فقال في ذلك:
لزوار ليلى منكم آل برثن ... على الهول أمضي من سليك المقانب
يزورونها ولا أزور نساءهم ... ألهفى لأولاد الإماء الحواطب
يلجأ إلى امرأة فتنقذه فيقول فيها شعرا:
وقال أبو عبيدة: أغار السليك على بني عوار [8] بطن من بني مالك بن ضبيعة، فلم يظفر منهم بفائدة، وأرادوا مساورته.
فقال شيخ منهم: إنه إذا عدا لم يتعلق به، فدعوه حتى يرد الماء، فإذا شرب وثقل لم يستطع العدو، وظفرتم به. فأمهلوه حتى ورد الماء وشرب، ثم بادروه، فلما علم أنه مأخوذ خاتلهم [9] وقصد لأدنى بيوتهم حتى ولج على امرأة منهم يقال لها: فكيهة، فاستجار بها، فمنعته، وجعلته تحت درعها، واخترطت السيف، وقامت دونه، فكاثروها فكشفت خمارها عن شعرها، وصاحت بإخوتها فجاءوها، ودفعوا عنه حتى نجا من القتل، فقال السّليك في ذلك:
__________
[1] كذا في ف، أي حدث قومه بما كان. وفي ب، س: «تم»، تحريف.
[2] هذا البيت زيادة من ف، هد.
[3] كذا في أ، ب. وفي ف: «ثكلتهما». وفي س: «ثكتمان»، تحريف.
[4] كراديس: جمع كردوسة، وهي القطعة العظيمة من الخيل.
[5] كذا في أ، ف، م. وفي ب، ج، س: «يركب» تحريف.
[6] - 6) زيادة في أ.
[7] المغرب: الّذي يأتي الغرب، والّذي يجري فرسه إلى أن يموت.
[8] ف: «عوارة».
[9] كذا في أ، ف. وفي ب، س: «جاملهم».
/
لعمر أبيك والأنباء تنمى ... لنعم الجار أخت بني عوارا [1]
من الخفرات لم تفضح أباها [2] ... ولم ترفع لإخوتها شنارا
كأن مجامع الأرادف منها ... نقا درجت عليه الريح هارا
يعاف وصال ذات البذل قلبي ... ويتّبع الممنّعة النّوارا
وما عجزت فكيهة يوم قامت ... بنصل السيف واستلبوا الخمارا
يأخذ رجلا من كنانة ثم يطلقه فيجزلون له العطاء:
أخبرني الأخفش عن السكّريّ عن أبي حاتم عن الأصمعيّ أن السليك أخذ رجلا من بني كنانة بن تيم بن أسامة بن مالك بن بكر بن حبيب بن غنم بن تغلب يقال له: النعمان بن عقفان، ثم أطلقه وقال:
سمعت بجمعهم فرضخت [3] فيهم ... بنعمان بن عقفان بن عمرو
فإن تكفر فإني لا أبالي ... وإن تشكر فإني لست أدري
قال: ثم قدم بعد ذلك على بني كنانة وهو شيخ كبير، وهم بماء لهم يقال له: قباقب، خلف البشر، فأتاه نعمان بابنيه الحكم وعثمان - وهما سيدا بني كنانة - ونائلة ابنته، فقال: هذان وهذه لك، وما أملك غيرهم، فقالوا:
صدق، فقال: قد شكرت لك وقد رددتهم عليك.
يسبق في العدو جمعا من الشباب وهو شيخ:
فجمعت له بنو كنانة إبلا عظيمة فدفعوها إليه، ثم قالوا له: إن رأيت أن ترينا بعض ما بقي من إحضارك [4].
قال: نعم، وأبغوني أربعين شابا، وأبغوني درعا ثقيلة، فأتوه بذلك، فلبس الدرع، وقال للشبان: الحقوا بي إن شئتم. وعد، فلاث العدو/ لوثا، وعدوا جنبته [5] فلم يلحقوه إلا قليلا، ثم غاب عنهم وكرّ حتى عاد إلى الحي هو وحده يحضر والدرع في عنقه تضرب [6] كأنها خرقة من شدة إحضاره.
أخبر [7] به هاشم بن محمد الخزاعي عن عبد الرحمن بن أخي الأصمعي، عن عمه فذكر فيه نحو ما تقدم [7].
خبر مقتله:
وقال السكريّ في خبر مقتله: إنه لقي رجلا من خثعم في أرض يقال لها: فخة، بين أرض عقيل وسعد تميم، وكان يقال للرجل: مالك بن عمير بن أبي ذراع بن جشم بن عوف، فأخذه ومعه امرأة له من خفاجة يقال لها:
__________
[1] كذا بالنسخ، والبيت في «الاشتقاق» (357) وفيه: «العوار».
[2] في ف: أخاها.
[3] كذا في ب، ج، س. وأصل الرضخ: إعطاء ما ليس بكثير. والمراد أنه أطلقه لهم، ومن به عليهم. وفي أ، م: «فصرخت».
[4] الإحضار: العدو.
[5] وفي ف، م: «في جنبتيه».
[6] م، هد: «تضطرب».
(7 - 7) زيادة من هد، ف.
النّوار، فقال له الخثعمي: أنا أفدي نفسي منك، فقال له: السليك: ذلك لك، على ألا تخيس بي، ولا تطلع عليّ أحدا من خثعم، فحالفه على ذلك، ورجع إلى قومه، وخلّف امرأته رهينة معه، فنكحها السليك، وجعلت تقول:
احذر خثعم؛ فإنّي أخافهم عليك، فأنشأ يقول:
تحذّرني كي أحذر العام خثعما ... وقد علمت أني امرؤ غير مسلم
وما خثعم إلّا لئام أذلّة ... إلى الذّل والإسحاق [1] تنمي وتنتمي
قال: وبلغ ذلك شبل بن قلادة بن عمر بن سعد، وأنس بن مدرك الخثعميّين، فخالفا إلى السليك، فلم يشعر إلّا وقد طرقاه في الخيل، فأنشأ يقول:
من مبلغ جذمي بأبني مقتول؟ ... يا رب نهب قد حويت عثكول [2]
وربّ قرن قد تركت مجدول ... / وربّ زوج قد نكحت عطبول [3]
وربّ عان قد فككت مكبول ... ورب واد قد قطعت مسبول
قال أنس للشبل: إن شئت كفيتك القوم واكفني الرجل، وإن شئت أكفني القوم أكفك الرجل. قال: بل أكفيك القوم، فشد أنس على السليك فقتله، وقتل شبل وأصحابه من كان معه.
وكاد الشرّ يتفاقم بين أنس وبين عبد الملك [4]، لأنه كان أجاره حتى وداه أنس لمّا خاف أن يخرج الأمر من يده، وقال:
كم من أخ لي كريم قد فجعت به ... ثم بقيت كأني بعده حجر
لا أستكين على ريب الزمان ولا ... أغضي على الأمر يأتي دونه القدر
مردى حروب أدير الأمر حابله ... إذ بعضهم لأمور تعتري جزر
قد أطعن الطعنة النجلاء أتّبعها ... طرفا شديدا إذا ما يشخص البصر
ويوم حمضة مطلوب دلفت له ... بذات ودقين لما يعفها المطر
وذكر باقي الأبيات الّتي تتلو هذه:
إني وقتلى سليكا ثم أعقله
كما ذكره من روينا عنه ذلك.
أخبرني هاشم بن محمد عن عبد الرحمن بن أخي الأصمعيّ عن عمه فذكر ما تقدم.
__________
[1] الإسحاق: الإبعاد، وأسحقهم اللّه سحقا: باعدهم من رحمته.
[2] أصل العثكول: العذق. والمراد نهب متنوع ذو شعب.
[3] عطبول: فتية جميلة ممتلئة طويلة العنق.
[4] هو عبد الملك بن مويلك الخثعمي، وسيأتي في الخبر التالي.
يجعل لعبد الملك بن مويلك إتاوة ليجيره:
قال أبو عبيدة وحدّثني المنتجع بن نبهان قال: كان السّليك يعطي عبد الملك بن مويلك الخثعميّ إتاوة من غنائمه على أن يجيره فيتجاوز بلاد خثعم إلى من وراءهم من أهل/ اليمن، فيغير عليهم. فمرّ قافلا من غزوة فإذا بيت من خثعم أهله خلوف [1] وفيه امرأة شابة بضّة، فسألها عن الحي فأخبرته، فتسنمها، أي علاها، ثم جلس حجرة [2]، ثم التقم المحجّة، [3] فبادرت إلى الماء فأخبرت القوم، فركب أنس [4] بن مدرك الخثعمي في طلبه فلحقه، فقتله. فقال عبد الملك: واللّه لأقتلنّ قاتله أو ليدينّه، فقال أنس: واللّه لا أدبه ولا كرامة، ولو طلب في ديته عقالا لما أعطيته. وقال في ذلك:
إني وقتلي سليكا ثم أعقله ... كالثور يخضرب لما عافت البقر
عضبت للمرء إذ نيكت حليلته ... وإذ يشد على وجعائها [5] الثّفر [6]
إني لتارك هامات بمجزرة ... لا يزدهيني [7] سواد الليل والقمر
أغشى الحروب وسربالي مضاعفة ... نغشى البنان وسيفي صارم ذكر
الغناء بشعره أفسد مجلس لهو:
أخبرني ابن أبي الأزهر عن حماد بن إسحاق عن أبيه عن فليح بن أبي العوراء قال:
كان لي صديق بمكة، وكنا لا نفترق ولا يكتم أحد صاحبه سرّا، فقال لي ذات يوم: يا فليح، إني أهوى ابنة عم لي ولم أقدر عليها قط، وقد زارتني اليوم فأحبّ أن تسرّني بنفسك، فإني لا أحتشمك. فقلت: أفعل، وصرت إليهما، وأحضر/ الطعام فأكلنا، ووضع النبيذ فشربنا أقداحنا، فسألني أن أغنيهما، فكأن اللّه - عزّ وجل - أنساني الغناء كلّه إلّا هذا الصوت:
من الخفرات لم تفصح أباها ... ولم تلحق [8] بإخوتها شنارا
فلما سمعته الجارية قالت أحسنت يا أخي، أعد، فأعدته. فوثبت وقالت: أنا إلى اللّه تائبة، واللّه ما كنت لأفضح أبي ولا لأرفع لإخوتي شنارا. فجهد الفتى في رجوعها فأبت وخرجت، فقال لي: ويحك ما حملك على ما صنعت؟ فقلت: واللّه ما هو شيء اعتمدته، ولكنه ألقي على لساني لأمر أريد بك وبها. هكذا في الخبر المذكور.
وقد رواه غير من ذكرته عن فليح بن أبي العوراء، فأخبرني اليزيديّ عن عمه عبيد اللّه قال: كان إبراهيم بن سعدان يؤدب ولد عليّ بن هشام، وكان يغنّي بالعود تأدبا ولعبا، قال: فوجّه إليّ يوما عليّ بن هشام يدعوني،
__________
[1] خلوف: ذهبوا من الحي.
[2] زيادة في ف: ومعناها: جلس ناحية.
[3] إلتقم المحجّة: استقبلها، وراح يطويها كأنه يلتقمها.
[4] كذا في ا، ف. م. وفي ب، س: «أسد».
[5] الوجعاء: الدبر.
[6] الثفر: السير في مؤخر السراج، وكني بذلك عن اعتلائه إياها.
[7] لا يزدهيني: لا يستخفني.
[8] ف، هد: «و لم ترقع».
فدخلت فإذا بين يديه امرأة مكشوفة الرأس تلاعبه بالنّرد، فرجعت عجلا، فصاح بي: ادخل، فدخلت، فإذا بين أيديهما نبيذ يشربان منه، فقال: خذ عودا وغنّ لنا، ففعلت، ثم غنيت في وسط غنائي:
من الخفرات لم تفضح أباها ... ولم ترفع لإخوتها شنارا
فوثبت من بين يديه، وغطّت رأسها، وقالت: إني أشهد اللّه أني تائبة إليه، ولا أفضح أبي ولا أرفع لإخوتي شنارا.
ففتر عليّ بن هشام ولم ينطق وخرجت من حضرته، فقال لي: ويلك، من أين صبّك اللّه عليّ؟ هذه مغنية بغداد، وأنا في طلبها منذ سنة لم أقدر عليها إلّا اليوم، فجئتني بهذا الصوت حتى هربت. فقلت: واللّه ما اعتمدت مساءتك، ولكنه شيء خطر على غير تعمد.
صوت
أمسلم إني يا بن كلّ خليفة ... ويا جبل الدنيا ويا ملك الأرض
/ شكرتك إن الشكر حظ من التقى ... وما كلّ من أوليته نعمة يقضي
الشعر لأبي نخيلة الحماني، والغناء لابن سريج، ثقيل بالوسطى عن يحيى المكي.
28 - أخبار أبي نخيلة ونسبه
اسمه وكنيته ونسبه:
أبو نخيلة اسمه لا كنيته، ويكنى أبا الجنيد، ذكر الأصمعي ذلك وأبو عمرو الشيباني وابن حبيب، لا يعرف له اسم [1] غيره، وله كنيتان: أبو الجنيد وأبو العرماس، وهو ابن حزن [2] بن زائدة بن لقيط بن هرم بن يثربيّ، وقيل: بن أثربي بن ظالم بن مجاسر بن حمّاد بن عبد العزى بن كعب بن لؤي بن سعد بن زيد مناة بن تميم.
نفاه أبوه عن نفسه لعقوقه:
وكان عاقا بأبيه، فنفاه أبوه عن نفسه، فخرج إلى الشام وأقام هناك إلى أن مات أبوه، ثم عاد ويبقي مشكوكا في نسبه، مطعونا عليه. وكان الأغلب عليه الرجز، وله قصيد ليس بالكبير [3].
مسلمة بن عبد الملك يصطنعه:
ولما خرج إلى الشأم اتصل بمسلمة بن عبد الملك، فاصطنعه وأحسن إليه وأوصله إلى الخلفاء واحدا بعد واحد، واستماحهم له فأغنوه، وكان بعد ذلك قليل الوفاء لهم. انقطع إلى بني هاشم، ولقّب نفسه شاعر بني هاشم، فمدح الخلفاء من بني العباس، وهجا بني أمية فأكثر.
يغري المنصور بعيسى بن موسى فيبعث من يقتله:
وكان طمعه [4]، فحمله ذلك على أن قال في المنصور أرجوزة يغريه فيها بخلع عيسى بن موسى وبعقد العهد لابنه محمد المهدي، فوصله المنصور بألفي درهم، وأمره أن ينشدها بحضرة عيسى بن موسى ففعل. فطلبه عيسى فهرب منه؛ وبعث في طلبه مولى له، فأدركه في طريق خراسان، فذبحه وسلخ جلده [5].
سأل فمطل فهجا ثم أجيب فمدح:
أخبرني هاشم الخزاعي عن عبد الرحمن ابن أخي الأصمعيّ عن عمه قال:
رأي أبو نخيلة على شبيب حلة [6] فأعجبته، فسأله إياها، فوعده ومطله، فقال فيه:
يا قوم لا تسوّدوا شبيبا ... الخائن [7] ابن الخائن الكذوبا
هل تلد الذّيبة إلا الذيبا؟
__________
[1] في الشعراء: اسمه يعمر.
[2] ب، س: «عدن».
[3] في أ، م: «بالكثير».
[4] في أ، ج، ف، م: «طامعا نطفا»، أي مريبا ملطخا بعيب.
[5] في هد، ف: «و سلخ وجهه».
[6] كذا في ب، س. وفي أ، ف، م: «جبة».
[7] في أ، ج، ف، م: «الملذان الخائن الكذوبا». والملذان، بالتحريك: المتصنع الّذي لا تصح مودته.
قال: فبلغه ذلك، فبعث إليه بها فقال:
إذا غدت سعد على شبيبها ... على فتاها وعلى خطيبها
من مطلع الشمس إلى مغيبها ... عجبت من كثرتها وطيبها
لا يهجو خالد بن صفوان خشية لسانه:
حدّثني حبيب بن نصر المهلّبيّ عن عمر بن شبّة، قال: حدّثني الرّعل بن الخطاب قال:
بني أبو نخيلة داره، فمرّ به خالد بن صفوان [1] وكان بينهما مداعبة قديمة، ومودة وكيدة، فوقف عليه [1].
فقال أبو نخيلة: يا بن صفوان، كيف ترى داري؟ قال: رأيتك سألت فيها إلحافا، وأنفقت ما جمعت إسرافا.
جعلت إحدى يديك سطحا، وملأت الأخرى سلحا، فقلت: من وضع في سطحي وإلا ملأته بسلحي، ثم ولّى وتركه.
فقيل له: ألا تهجوه؟ فقال: إذن واللّه يركب بغلته، ويطوف في مجالس البصرة، ويصف أبنيتي [2] بما يعيبها.
وما عسى أن يضرّ الإنسان صفة أبنيته بما يعيبها سنة ثم لا يعيد فيها كلمة.
تأديب في البادية حتى شعر:
أخبرني الحسن بن علي الخفّاف عن ابن مهرويه عن أبي مسلم المستملي عن الحرمازي عن يحيى بن نجيم قال:
لما انتفى أبو نخيلة من أبيه خرج يطلب الرزق لنفسه، فتأدب/ بالبادية حتى شعر [3] وقال رجزا كثيرا وقصيدا صالحا وشهر بهما، وسار شعره في البدو والحضر، ورواه الناس.
مدح مسلمة بن عبد الملك:
ثم وفد إلى مسلمة بن عبد الملك [4] فرفع منه، وأعطاه، وشفع له، وأوصله إلى الوليد بن عبد الملك [4]، فمدحه، ولم يزل به حتى أغناه، قال يحيى بن نجيم: فحدّثني أبو نخيلة قال: وردت على مسلمة بن عبد الملك فمدحته، وقلت له:
أمسلم إني يا بن كلّ خليفة ... ويا فارس الهيجا ويا جبل الأرض
شكرتك إنّ الشكر حبل من التقى ... وما كل من أوليته [5] نعمة يقضي
وألقيت لما أن أتيتك زائرا ... عليّ لحافا سابغ الطول والعرض [6]
وأحييت لي ذكرى وما كان خاملا ... ولكنّ بعض الذكر أنبه من بعض
يستنشده مسلمة فينتحل أرجوزة لرؤبة:
قال: فقال لي مسلمة: ممن أنت؟ فقلت: من بني سعد. فقال: ما لكم يا بني سعد والقصيد وإنما حظكم في
__________
[1] - 1) زيادة في ف.
[2] هد، م: «أرنبتي».
[3] في أ، م: «استوى».
(4 - 4) زيادة في أ، ف، م.
[5] في أ: أقرضته.
[6] زيادة من ف، هد.
الرجز؟ قال: فقلت له: أنا واللّه أرجز العرب، قال: فأنشدني من رجزك، فكأني واللّه لما قال ذلك لم أقل رجزا قط، أنسانيه اللّه كلّه، فما ذكرت منه ولا من غيره شيئا إلا أرجوزة لرؤبة كان قالها في تلك السنة، فظننت أنها لم تبلغ مسلمة، فأنشده إياها، فنكس رأسه وتتعتعت، فرفع رأسه إليّ وقال: لا تتعب نفسك، فأنا أروى لها منك، قال: فانصرفت وأنا أكذب الناس عنده وأخزاهم عند/ نفسي حتى تلطفت [1] بعد ذلك ومدحته برجز كثير، فعرفني وقرّبني. وما رأيت ذلك أثر فيه، يرحمه اللّه ولا قرّ عني به حتى افترقنا.
من مدحه لمسلمة:
وحدّثني أبو نخيلة قال: لما انصرف مسلمة من حرب يزيد بن المهلب تلقيته، فلما عاينته صحت به:
مسلم يا مسلمة الحروب ... أنت المصفّى من أذى العيوب
مصاصة من كرم وطيب ... لو لا ثقاف [2] ليس بالتدبيب [3]
تفري به عن حجب القلوب ... لأمست الأمّة شاء الذيب
فضحك وضمّني إليه، وأجزل صلتي.
يسأل رجلا من عشيرته أن يوصله إلى الخليفة هشام فيفعل:
حدّثني هاشم بن محمد الخزاعيّ قال: حدثنا عبد الرحمن بن أخي الأصمعي عن عمه، وأخبرني بهذا الخبر أحمد بن عبيد اللّه بن عمّار قال: حدّثني عليّ بن محمد النّوفلي عن أبيه - وقد جمعت روايتهما وأكثر اللفظ للأصمعي، قال: قال أبو نخيلة:
وفدت على هشام بن عبد الملك فصادفت مسلمة قد مات، وكنت بأخلاق هشام غرّا وأنا غريب، فسألت عن أخص الناس به، فذكر لي رجلان: أحدهما من قيس، والآخر من اليمن، فعدلت إلى القيسي بالتؤدة [4] فقلت: هو أقربهما إليّ، وأجدرهما بما أحب، فجلست إليه، ثم وضعت يدي على ذراعه وقلت له: إني مسستك [5] لتمسّني رحمك [6].
/أنا رجل غريب شاعر من عشيرتك، وأنا غير عارف بأخلاق هذا الخليفة، وأحببت أن ترشدني إلى ما أعمل فينفعني عنده، وعلى أن تشفع لي وتوصلني إليه، فقال: ذلك كلّه لك عليّ. وفي الرجل شدة، ليس كمن عهدت من أهله، وإذا سئل وخلط مدحه بطلب حرم الطالب، فأخلص له المدح، فإنه [7] أجدر أن ينفعك، واغد إليه غدا فإني منتظرك بالباب حتى أوصلك، واللّه يعينك. فصرت من غد إلى باب هشام، فإذا بالرجل منتظر لي، فأدخلني معه،/ وإذا بأبي النجم قد سبقني فبدأ فأنشده قوله:
__________
[1] في ب، س: «استضلعت».
[2] الثقاف: ما تسوى به الرماح.
[3] أ، التذنيب.
[4] في ج: «بالنوارية». وفي أ، م: «بالمزارية»، ولم أعثر على موضع بهذه الألفاظ في المظان الّتي رجعت إليها.
[5] كذا في أ، م. وفي ب، س: «مستثنيك»، تحريف.
[6] في ف: «لتمسني رحمك، رحمك اللّه».
[7] كذا في أ، ف، م. وفي ب، س: «فإذا» تحريف.
إلى هشام وإلى مروان ... بيتان ما مثلهما بيتان
كفّاك بالجود تباريان ... كما تبارى فرسا رهان
مال عليّ حدث [1] الزمان ... وبيع ما يغلو من الغلمان
بالثمن الوكس من الأثمان ... والمهر بعد المهر والحصان
يمدح هشاما فيجيزه:
قال: فأطال فيها وأكثر المسألة حتى ضجر هشام، وتبينت الكراهة في وجهه، ثم استأذنت فأذن لي، فأنشدته:
لما أتتني بغية كالشّهد ... والعسل الممزوج بعد الرقد [2]
يا بردها لمشتف بالبرد ... رفعت [3] من أطمار مستعدّ
وقلت للعيس إعتلي وجدي ... فهي تخدّي [4] أبرح [5] التخدي
/ كم قد تعسّفت [6] بها من نجد ... ومجرهدّ [7] بعد مجرهدّ
قد ادّرعن في مسير سمد [8] ... ليلا كلون الطيلسان الجرد [9]
إلى أمير المؤمنين المجدي ... ربّ معدّ وسوى معدّ
ممن دعا من أصيد وعبد [10] ... ذي المجد والتشريف بعد المجد
في وجهه بدر بدا بالسّعد ... أنت الهمام القرم [11] عند [12] الجد
طوّقتها مجتمع الأشد ... فانهلّ لما قمت صوب الرعد
قال: حتى أتيت عليها وهممت أن اسأله، ثم عزفت نفسي وقلت: قد استنصحت رجلا، وأخشى أن أخالفه فأخطى ء، وحانت مني التفاتة فرأيت وجه هشام منطلقا. فلما فرغت أقبل على جلسائه فقال: الغلام السّعديّ أشعر من الشيخ العجلي، وخرجت. فلما كان بعد أيام أتتنى جائزته، ثم دخلت عليه بعد ذلك، وقد مدحته بقصيدة فأنشدته إياها فألقى عليّ جبّة خز من جبابه مبطنة بسمّور، ثم دخلت عليه يوما آخر، فكساني
__________
[1] كذا في أ، م. وفي ب، س: «حدب»، تحريف.
[2] الرقد: الرقاد.
[3] في ب، س: «رعت من الجمال مسمغد» تحريف، والمسمغد: الممتلىء غضبا.
[4] تخدى: تسرع، وتزج بقوائمها.
[5] كذا في ب، س، وفي ف و «خزانة الأدب»: «أحسن».
[6] في ف: «تعسفن بنا».
[7] مجرهد: مكان لا نبات فيه.
[8] سمد: مستمر في السير.
[9] الجرد: الخلق.
[10] كذا في أ، ف، م. وفي ب، س: «نجد»، والنجد: صاحب النجدة.
[11] القرم: السيد، وأصله الفحل المكرم لا يركب ولا يرحل.
[12] في ب، س: «عقد» تحريف.
دوّاجا [1] كان عليه من خز أحمر مبطن بسمّور، ثم دخلت عليه يوما ثالثا فلم يأمر لي بشيء، فحملتني نفسي على أن قلت له:
/كسوتنيها فهي كالتّجفاف [2] ... من خزك المصونة الكثاف
كأنني فيها وفي اللّحاف ... من عبد شمس أو بني مناف
والخزّ مشتاق إلى الأفواف [3]
قال، فضحك - وكانت عليه جبة أفواف - وأدخل يده فيها ونزعها ورمى بها إليّ، وقال: خذها، فلا بارك اللّه لك فيها.
يغير داليته ويجعلها في السفاح:
قال محمد بن هشام في خبره خاصة: فلما أفضت الخلافة إلى السفاح نقلها إليه وغيّرها وجعلها فيه - يعني الأرجوزة الدالية - فهي الآن تنسب في شعره إلى السفاح.
يشفع للفرزدق عند ابن هبيرة:
أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال: حدّثني أحمد بن الهيثم بن فراس قال: حدّثني أبو عمر الخصاف عن العتبي قال:
لما حبس عمر بن هبيرة الفرزدق وهو أمير العراق أبي أن يشفّع فيه أحدا، فدخل عليه أبو نخيلة في يوم فطر، فوقف بين يديه وأنشأ يقول:
/أطلقت بالأمس أسير بكر ... فهل، فداك نفري ووفري
من سبب أو حجة أو عذر ... ينجي التميميّ القليل الشكر
من حلق القيد الثّقال السّمر ... ما زال مجنونا على است [4] الدهر
/ ذا حسب ينمو [5] وعقل يحري [6] ... هبه لأخوالك يوم الفطر
يعود الفرزدق إلى السجن حين علم أن شفيعه أبو نخيلة:
قال: فأمر بإطلاقه، وكان قد أطلق قبله رجلا من عجل جيء به من عين التمر [7] قد أفسد، فشفعت فيه بكر بن وائل فأطلقه. وإياه عني أبو نخيلة. فلما أخرج الفرزدق سأل عمن شفع له فأخبر، فرجع إلى الحبس وقال: لا أريمه ولو مت. انطلق [8] قبلي بكري وأخرجت [9] بشفاعة دعيّ، واللّه لا أخرج هكذا ولو من النار. فأخبر ابن هبيرة
__________
[1] الدواج: ويخفف: الثوب الواسع الّذي يغطي الجسد كله، وهو في س، ب: «دراج»، تحريف.
[2] التجفاف: آلة تلبس في الحرب للوقاية.
[3] الأفواف: البرود اليمنية والثياب الرقيقة، جمع فوف.
[4] في أ، ج:
«مجنوبا ممر الدهر»
والمجنوب: المقود إلى جنب غيره.
[5] وفي أ، ف، م: «يعلي».
[6] كذا في س. ويحري: ينقص. وفي سائر النسخ: «يزري».
[7] عين التمر: بلدة قريبة من الأنبار غربي الكوفة.
[8] كذا في ب، س. ف. وفي أ، م: «أيطلق قبلي».
[9] وفي ف: «و أطلق».
بذلك فضحك ودعا به فأطلقه، وقال: وهبتك لنفسك. وكان هجاه فحبسه لذلك، فلما عزل ابن هبيرة وحبس مدحه الفرزدق، فقال: ما رأيت أكرم منه، هجاني أميرا ومدحني أسيرا.
رواية أخرى لخبر هذه الشفاعة:
وجدت هذا الخبر بخط القاسم بن يوسف، فذكر أن أبا القاسم الحضرميّ حدّثه أن هذه القصة كانت لأبي نخيلة مع يزيد بن عمر بن هبيرة، وأنه أتي بأسيرين من الشّراه أخذا بعين التمر: أحدهما أبو القاسم بن بسطام بن ضرار بن القعقاع بن معبد بن زرارة، والآخر رجل من بكر بن وائل. فتكلم في البكري قومه فأطلقه، ولم يتكلم في التميميّ أحد، فدخل عليه أبو نخيلة فقال:
الحمد للّه وليّ الأمر ... هو الّذي أخرج كلّ غمر [1]
وكلّ عوّار [2] وكلّ وغر [3] ... من كلّ ذي قلب نقيّ الصدر
/ لما أتت من نحو عين التمر ... ستّ أثاف، لا أثافي القدر
فظلّت القضبان فيهم تجري ... هبرا [4] هو الهبر وفوق الهبر
إني لمهد للإمام الغمر [5] ... شعري ونصح الحب [6] بعد الشعر
ثم ذكر باقي الأبيات كما ذكرت في الخبر المتقدم.
عندما نزل به ضيف هجاه:
أخبرني أبو الحسن الأسديّ أحمد بن محمد قال: حدّثني محمد بن صالح بن النّطاح قال:
ذكر عن العتبي أن أبا نخيلة حج ومعه جريب من سويق قد حلّاه بقند [7]، فنزل منزلا في طريقه، فأتاه أعرابي من بني تميم وهو يقلب ذلك السويق، واستحيا منه فعرض عليه، فتناول ما أعطاه فأتى عليه، ثم قال: زدني يا بن أخ، فقال أبو نخيلة:
لما نزلنا منزلا ممقوتا ... نريد أن نرحل أو نبيتا
جئت ولم ندر من أين جيتا ... إذا سقيت المزبد السّحتيتا [8]
قلت ألا زدني وقد رويتا
فقام الأعرابيّ وهو يسّبه.
وحدّثني بهذا الخبر هاشم بن محمد أبو دلف الخزاعيّ قال: حدثنا أبو غسان دماذ عن أبي عبيدة قال:
__________
[1] غمر: حقد.
[2] العوار في الأصل: اللحم ينزع من العين. والمراد الفساد والشر.
[3] وغر: ضغينة.
[4] الضرب الهبر: الّذي يقطع من اللحم.
[5] الغمر: الكريم الخلق.
[6] في أ، ف، م: «الجيب».
[7] القند: على قصب السكر إذا جمد، معرب.
[8] السحيت: السويق القليل الدسم.
/ كان أبو نخيلة إذا نزل به ضيف هجاه، فنزل به يوما رجل من عشيرته، فسقاه سويقا قد حلّاه، فقال له:
زدني، فزاده. فلما رحل هجاه وذكر/ الأبيات بعينها، وقال في الخبر قال أبو عبيدة: السّحتيت: السويق الدّقاق.
يعتذر إلى السفاح من مدحه بني مروان:
أخبرني محمد بن يحيى الصوليّ قال: حدثنا محمد بن زكريا الغلابيّ قال: حدّثني ابن عائشة قال:
دخل أبو نخيلة على أبي العباس السفاح فسلّم، واستأذن في الإنشاد، فقال له أبو العباس: لا حاجة لنا في شعرك، إنما تنشدنا فضلات بني مروان، فقال: يا أمير المؤمنين:
كنا أناسا نرهب الأملاكا ... إذ ركبوا الأعناق والأوراكا
قد ارتجينا زمنا أباكا ... ثم ارتجينا بعده أخاكا
ثم ارتجينا بعده إياكا [1] ... وكان ما قلت لمن سواكا
زورا فقد كفّر هذا ذاكا
فضحك أبو العباس، وأجازه جائزة سنية، وقال: أجل، إن التوبة لتكفر ما قبلها، وقد كفّر هذا ذاك.
وأخبرنا أبو الفياض سوّار بن أبي شراعة قال: حدّثني أبي عن عبد الصمد بن المعذّل عن أبيه قال:
دخل أبو نخيلة على أبي العباس، قال وكان لا يجترىء [2] عليه مع ما يعرفه به من اصطناع مسلمة إياه، وكثرة مديحه لبني مروان حتى علم أنه قد عفا عمّن هو أكبر [3] محلّا/ من القوم وأعظم جرما منه، فلما وقف بين يديه سلّم عليه، ودعا له وأثنى، ثم استأذنه في الإنشاد، فقال له: ومن أنت؟ قال: عبدك يا أمير المؤمنين أبو نخيلة الحمّاني. فقال: لا حيّاك اللّه، ولا قرّب دارك يا نضو السوء. ألست القائل في مسلمة بن عبد الملك بالأمس:
أ مسلم يا من ساد كلّ خليفة [4] ... ويا فارس الهيجا ويا قمر الأرض؟
واللّه لو لا أني قد أمّنت نظراءك لما ارتدّ إليك طرفك حتى أخضبك بدمك. فقال أبو نخيلة:
كنّا أناسا نرهب الأملاكا
يعفو السفاح عنه ويخوله اختيار جارية فلا يحمدها:
وذكر الأبيات المتقدمة كلّها مثل ما مضى من ذكرها، فتبسم أبو العباس، ثم قال له: أنت شاعر وطالب خير [5]. وما زال الناس يمدحون الملوك في دولهم، والتوبة تكفر [6] الخطيئة، والظّفر يزيل الحقد. وقد عفونا عنك، واستأنفنا الصنيعة لك. وأنت الآن شاعرنا فاتّسم بذلك فيزول عنك ميسم بني مروان، فقد كفّر هذا ذاك. كما قلت. ثم التفت إلى أبي الخصيب فقال: يا مرزوق، أدخله دار الرقيق فخيّره جارية يأخذها لنفسه، ففعل واختار
__________
[1] في هد، ف: «ثم ارتجيناك لها أياكا».
[2] ف: «و كاد لا يجترى ء».
[3] كذا في ب، وفي سائر النسخ: «أكثر».
[4] ف، هد مم: «أمسلم إني يا بن كل خليفة».
[5] في ف: «خبز».
[6] في ف: «تمحو».
جارية وطفاء [1] كثيرة اللحم فلم يحمدها، فلما كان من غد دخل على أبي العباس وعلى رأسه وصيفة حسناء [2] تذبّ عنه، فقال له: قد عرفت خبر الجارية الّتي أخذتها بالأمس وهي كذنا كونه فاحتفظ بها، فأنشأ يقول:
/إني وجدت الكذنا ذنوّكا [3] ... غير منيك فابغني منيّكا
حتى إذا حركته تحرّكا [4]
فضحك أبو العباس، وقال: خذ هذه الوصيفة، فإنك إذا خلوت بها تحرّك من غير أن تحركه.
رجزه وقد هرب من دين طولب به:
أخبرني هاشم بن محمد الخزاعيّ قال: حدثنا أبو غسان دماذ عن أبي عبيدة قال:
أدّان أبو نخيلة من بقّال له يقال له: ماعز الكلابيّ باليمامة، وكان يأخذ منه أولا أولا [5] حتى كثر ما عليه وثقل، فطالبه ماعز فمطله، ثم بلغه أنه قد استعدى عليه عامل اليمامة، فارتحل يريد الموصل،/ وخرج عن اليمامة ليلا، فلم يعلم به ماعز إلّا بعد ثلاث. وقد نجا أبو نخيلة وقال في ذلك:
يا ماعز الكرّاث قد خزيتا [6] ... لقد خدعت [7] ولقد هجيتا
كدت [8] تخصينا فقد خصيتا ... وكنت ذا حظ فقد محيتا
ويحك لم تعلم بمن صليتا ... ولا بأيّ حجر رميتا
إذا رأيت المزبد الهبوتا [9] ... يركب شدقا شدقما [10] هريتا [11]
/طر بجناحيك فقد أتيتا ... حرّان [12] حرّان فهيتا [13] هيتا
والموصل الموصل أو تكريتا [14] ... حيث تبيع النبط البيوتا
ويأكلون العدس المريتا [15]
وقال أيضا لماعز هذا:
__________
[1] كذا في ف. والوطفاء: الكثيرة شعر الحاجبين والعينين. وفي سائر النسخ: «و طباء»، تحريف.
[2] زيادة في أ، ف، م.
[3] كذا في ف: «الكذنا ذنوكا» وفي ب. س: «الأنذبان الكوذكا»، اسم الجارية.
[4] في أ، م. «تحريكا» تحريف.
[5] زيادة في أ، ف، م.
[6] كذا في ف. وفي سائر الأصول: «خريتا».
[7] كذا في أ، ف، م. وفي ب، س: «خربت».
[8] كذا في الأصول، وفي وزنه شذوذ عروضي.
[9] كذا في ف، م. والهبوت: القاهر من هبته بمعنى ضربه، وطأطأه وحطه. وفي ب، س، أ؛ «المبهوتا»، تحريف.
[10] كذا في أ، ف، م. ومعناه الواسع العظيم وفي ب، س: «شدقا» بفتح فكسر.
[11] هريتا: واسعا.
[12] حران: قصبة ديار مضربين الرها والرقة، واسم لمواضع أخرى.
[13] هيت: بلد بالعراق على الفرات.
[14] تكريت: من بلاد الجزيرة على دجلة.
[15] المريت: المجروش.
يا ماعز القمل وبيت الذّلّ ... بتناوبات البغل في الإصطبل
وبات شيطان القوافي يملي ... على امرىء فحل وغير فحل
لا خير في علمي ولا في جهلي ... لو كان أودى ماعز بنخلي [1]
ما زال يقليني وعيمي [2] يغلي ... حتى إذا العيم رمى بالجفل [3]
طبّقت تطبيق الجراز النصل
نسخت من كتاب اليوسفيّ.
يقرن مدح الممدوح بمدح سائسه:
حدّثني المنمق بن جمّاع عن أبيه قال:
كان أبو نخيلة نذلا يرضيه القليل، ويسخطه، وكان الربيع ينزله عنده، ويأمر سائسا يتفقد فرسه، فمدح الربيع بأرجوزة، ومدح فيها معه سائسه فقال:
لو لا أبو الفضل ولو لا فضله ... ما اسطيع باب لا يسنّي [4] قفله
/ ومن صلاح راشد إصطبله ... نعم الفتى وخير فعل فعله
يسمن منه طرفه وبغله [5]
فضحك الربيع، وقال: يا أبا نخيلة أترضى أن تقرن بي [6] السائس في مديح! كأنك لو لم تمدحه معي كان يضيع فرسك.
يمدح خبار مضيفه:
قال: ونزل أبو نخيلة بسليمان بن صعصعة، فأمر غلامه بتعهده، وكان يغاديه ويراوحه في كل يوم بالخبز واللحم، فقال أبو نخيلة يمدح خبّاز سليمان بن صعصعة:
بارك ربّي فيك من خباز ... ما زلت إذ كنت على أوفاز [7]
تنصبّ باللحم انصباب الباز
شعره وقد رأى اجتهاد العمال في أرض له:
أخبرني هاشم بن محمّد الخزاعيّ قال: حدثنا عيسى بن إسماعيل تينة قال: حدثنا أحمد بن المعذّل عن عليّ بن أبي نخيلة الحمانيّ قال:
__________
[1] كذا في غير ف. وفي ف:
«لو كان يدري ماعز محلي»
[2] كذا بالأصول. ومعناه العطش، وشهوة اللبن. ولعله محرف عن الغيم، وهو الغليظ.
[3] أصل الجفل: الجرف والقشر. وجفل الفيل: راث، وروثه الجفل أيضا. ورمى بالجفل، يريد أن الغضب جعله ويقذف بالمخزيات من المقابح.
[4] يسني: يفتح.
[5] الطرف: الكريم من الخيل.
[6] كذا في ب، س، ف. وفي أ، م: وتقرن بيني وبين السائس».
[7] على أوفاز: معجل، جمع وفز بفتح فكسر. والوفز أيضا: المكان المرتفع.
دخلت مع أبي إلى أرض له وقد قدم من مكة، فرآها وقد أضرّ بها جفاء القيّم عليها وتهاونه بها، وكلما رآه الذين يسقونها زادوا في العمل والعمارة حتى سمعت نقيض الليف، فقلت: الساعة يقول في هذا شعرا، فلم ألبث أن التفت إليّ وقال:
شاهد مالا ربّ مال فساسه ... سياسة شهم حازم وابن حازم
/ أقام بها العصرين حينا [1] ولم يكن ... كمن ضنّ عن عمرانها بالدراهم
كأنّ نقيض الليف عن سعفاته ... نقيض رحال الميس [2] فوق العياهم [3]
/و أضحت تغالي [4] بالنبات كأنها ... على متن شيخ من شيوخ الأعاجم
وما الأصل ما رويت مضرب [5] عرقه ... من الماء عن إصلاح فرع بنائم
أخبرني بهذا الخبر محمد بن مزيد عن أبي الأزهر البوشنجيّ قال: حدثنا حماد بن إسحاق الموصليّ عن النضر بن حديد عن أبي محضة عن الأزرق بن الخميس بن أرطاة - وهو ابن أخت أبي نخيلة - فذكر قريبا مما ذكر في الخبر الّذي قبله.
يسأل فلا يعطى فيهجو ثم يعطى فيمدح:
وأخبرني عيسى بن الحسن الورّاق المروزيّ قال: حدثنا عليّ بن محمد النّوفليّ قال: حدّثني أبي قال:
ابتاع أبو نخيلة دارا في بني حمّان ليصحح بها نسبه، وسأل في بنائها، فأعطاه الناس اتقاء للسانه وشرّه، فسأل شبيب بن شيبة [6] فلم يعطه شيئا واعتذر إليه، فقال:
يا قوم لا تسوّدوا شبيبا ... الملذان [7] الخائن الكذوبا
هل تلد الذّيبة إلا الذيبا
فقال شبيب: ما كنت لأعطيه على هذا القول شيئا، فإنه قد جعل إحدى يديه سطحا، وملأ الأخرى سلحا، وقال: من وضع شيئا في سطحي وإلا ملأته بسلحي، من أجل دار يريد أن يصحح نسبه بها، فسفر بينهما مشايخ الحيّ يعطيه، فأبى شبيب أن يعطيه شيئا، وحلف أبو نخيلة ألا يكفّ عن عرضه أو يأخذ منه شيئا يستعين به. فلما رأى شبيب ذلك خافه، فبعث إليه بما سأل، وغدا أبو نخيلة عليه وهو جالس في مجلسه مع قومه، فوقف عليهم، ثم أنشأ يقول:
/إذا غدت سعد على شبيبها ... على فتاها وعلى خطيبها
من مطلع الشمس إلى مغيبها ... عجبت من كثرتها وطيبها
__________
[1] كذا في ف، وفي باقي الأصول:
«أقام به العمران جير»
[2] نقيض الرحال: صوتها، والميس: التبختر.
[3] العياهم: جمع عيهم، وهو الشديد، والناقة السريعة.
[4] وهو من غالي بالسهم إذا رفع به يديه لأقصى الغاية. وفي ف: تعالي.
[5] كذا في أ، م. وفي ب، س: «مضروب». وفي ف: «ضرب عروقه».
[6] في معظم الأصول «شبة»، تحريف.
[7] الملذان: المتصنع الّذي لا تصح مودته.
ينتحل أرجوزة لرؤبة وينشدها فيفجؤه رؤبة من مرقده فيعتذر:
أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال: حدثنا أبو حاتم عن أبي عبيدة قال:
دخل أبو نخيلة على عمر بن هبيرة، وعنده رؤبة قد قام من مجلسه فاضطجع خلف ستر، فأنشد أبو نخيلة مديحه له، ثم قال ابن هبيرة: يا أبا نخيلة، أيّ شيء أحدثت بعدنا؟ فاندفع ينشده أرجوزة لرؤبة، فلما توسطها كشف رؤبة الستر، وأخرج رأسه من تحته، فقال له: كيف أنت يا أبا نخيلة؟ فقطع إنشاده وقال: بخير أبا العجاج، فمعذرة إليك ما علمت بمكانك، فقال له رؤبة: ألم ننهك أن تعرض لشعري إذا كنت حاضرا، فإذا ما غبت فشأنك به! فضحك أبو نخيلة، وقال: هل أنا إلا حسنة من حسناتك، وتابع لك، وحامل عنك؟ فعاد رؤبة إلى موضعه فاضطجع، ولم يراجعه حرفا. واللّه أعلم.
يمدح ثم لا يرضى الجائزة فيهجو، ثم يزاد فيمدح:
أخبرني هاشم بن محمد قال: حدثنا دماذ عن أبي عبيدة:
أن أبا نخيلة قدم على المهاجر بن عبد اللّه الكلابي - وكان أبو نخيلة أشبه خلق اللّه به وجها وجسما وقامة، لا يكاد الناظر إلى أحدهما أن يفرق بينه وبين الآخر - فدخل عليه فأنشده قوله فيه:
يا دار أمّ مالك ألا اسلمي ... على التنائي من مقام وانعمي
/ كيف أنا إن أنت لم تكلّمي ... بالوحي أو كيف بأن تجمجمي [1]
تقول لي بنتي ملام اللّوّم ... يا أبتا إنك يوما مؤتمي [2]
فقلت كلّا فاعلمي ثم اعلمي ... أني لميقات كتاب محكم
لو كنت في ظلمة شعب مظلم ... أو في السماء أرتقي بسلّم
/ لا نصبّ مقداري إلى مجرنثمي [3] ... إني وربّ الراقصات [4] الرسّم
وربّ حوض زمزم وزمزم ... لأستبين [5] الخير عند مقدمي
وعند ترحالي عن [6] مخيّمي ... على ابن عبد اللّه قرم الأقرم
فإنني بالعلم ذو ترسّم ... لم أدر ما مهاجر التكرم
حتى تبينت [7] قضايا الغشّم [8] ... مهاجر يا ذا النوال الخضرم [9]
__________
[1] الجمجمة: ألا يبين الكلام. وفي ب، س: «بأن تحمحمي»، تحريف.
[2] مؤتمي: جاعلي بتيمة.
[3] كذا في ف، ومعناه: مستقري، من اجرنثم، أي سقط من علو إلى أسفل. وفي سائر الأصول: «مجرثمي»، تحريف.
[4] الراقصات هنا: الإبل.
[5] كذا في ف، م. وفي سائر الأصول: «لأوثنين»، تحريف.
[6] في أ، م: «من».
[7] في ب، س: «تبثثت».
[8] في أ، م: «القسم».
[9] الخضرم: الكثير.
أنت إذا انتجعت خير مغنم ... مشترك النائل جمّ الأنعم
ولتميم منك خير [1] مقسم ... إذا التقوا شتى [2] معا كالهيّم
قد علم الشأم وكلّ موسم ... أنك تحلو لي كحلو [3] المعجم
طورا وطورا أنت مثل العلقم
قال: فأمر له المهاجر بناقة، فتركها ومضى مغضبا، وقال يهجوه:
إن الكلابيّ اللئيم الأثر ما ... أعطى على المدحة نابا عرزما [4]
ما جبر العظم ولكن تمّما
/ فبلغ ذلك المهاجر، فبعث فترضّاه، وقام في أمره بما يحب، ووصله، فقال له أبو نخيلة: هذه صلة المديح، فأين صلة الشّبه؟ فإن التشابه في الناس نسب، فوصله حتى أرضاه، فلم يزل يمدحه بعد ذلك حتى مات، ورثاه بعد وفاته فقال:
خليليّ مالي باليمامة مقعد ... ولا قرّة للعين بعد المهاجر
مضى ما مضى من صالح العيش فاربعا ... على ابن سبيل مزمع البين عابر
فإن تك في ملحودة يا بن وائل ... فقد كنت زين الوفد زين المنابر
وقد كنت لو لا سلّك السيف لم ينم ... مقيم ولم تأمن سبيل المسافر
لعزّ [5] على الحيّين قيس وخندف ... تبكّي [6] عليّ والوليد [7] وجابر
هوى قمر من بينهم فكأنما ... هوى البدر من بين النجوم الزواهر
يهجو أخته لأنها خاصمته في مال لها:
أخبرني هاشم بن محمد الخزاعيّ قال: حدثنا دماذ عن أبي عبيدة قال:
تزوّجت أخت أبي نخيلة برجل يقال له ميار [8]، وكان أبو نخيلة يقوم بمالها مع ماله، ويرعى سوامها مع سوامه، ويستبدّ عليها بأكثر منافعها، فخاصمته يوما من وراء خدرها في ذلك، فأنشأ يقول:
أظلّ أرعى وترا هزينا [9] ... ململما [10] ترى له غضونا
__________
[1] كذا في أ، ف. وفي سائر الأصول: «غير».
[2] كذا في ف. وفي سائر الأصول: «ستا» تحريف.
[3] في ب، س: «لحلو».
[4] ناب عرزم: هزلها الكبر، وأصل العرزم: الحية القديمة.
[5] في أ، ف. م: «يعز».
[6] ب، س: «بمبكى»، تحريف.
[7] في ف: «و الحسين».
[8] في ف: «سيار».
[9] كذا في ب، س. وفي أ، ف، م: «هرينا»، ولم أعثر لها في الروايتين ولا فيما يقاربها من الكلمات على معنى مناسب.
[10] ململما: مجتمعا مدورا مضمونا.
/
ذا أبن [1] مقوما [2] عثنونا ... يطعن طعنا يقضب [3] الوتينا [4]
ويهتك الأعفاج [5] والرّبينا [6] ... يذهب ميّار وتقعدينا
/ وتفسدين أو تبذّرينا ... وتمنحين استك آخرينا
أير الحمار في است هذا دينا
يطلق امرأته لأنها ولدت بنتا، ثم يراجعها ويرق للبنت:
أخبرني هاشم بن محمد الخزاعيّ قال: حدثنا دماذ عن أبي عبيدة قال:
تزوّج أبو نخيلة امرأة من عشيرته، فولدت له بنتا، فغمه ذلك، فطلقها تطليقة ثم ندم، وعاتبه قومه [7] فراجعها. فبينما هو في بيته يوما إذ سمع صوت ابنته وأمّها تلاعبها، فحرّكه ذلك ورق لها، فقام إليها فأخذها، وجعل ينزيها ويقول:
يا بنت من لم يك يهوى بنتا ... ما كنت إلا خمسة أو ستا
حتى حللت [8] في الحشي وحتى ... فتتّ [9] قلبي من جوى فانفتّا
لأنت خير من غلام أنتا [10] ... يصبح مخمورا ويمسي سبتا [11]
يسأل المهدي زائرا أي النساء أحب إليه فيفضل الّتي وصفها أبو نخيلة:
أخبرني جعفر بن قدامة قال: حدّثني هارون بن محمد بن عبد الملك الزيات قال: حدثنا أبو هفان قال:
حدّثني أصحابنا الأهتميون قالوا:
دخل عقال بن شبة المجاشعيّ على المهديّ فقال له: أيا أبا الشّيظم، ما بقي من حبك بنات آدم؟ وما يعجبك منهن [12]؟ الّتي عصبت [13] عصب الجانّ [14]، وجدلت جدل العنان، واهتزت اهتزاز البان، أم الّتي بدنت فعظمت وكملت [15] فتمت؟ فقال: يا أمير المؤمنين أحبّهما إليّ الّتي وصفها أبو نخيلة، فإنه كانت له جارية صغيرة وهبها له
__________
[1] الأبن: العقد في العود، جمع أبنة كغرقة.
[2] في ف: «مفدما»، من فدم الإبريق: جعل عليه مصفاة.
[3] في ف: «يقصف».
[4] الوتين: عرق في القلب إذا انقطع مات صاحبه.
[5] الأعفاج: جمع عفج بالتحريك، وهو ما ينتقل الطعام إليه بعد المعدة.
[6] الربين: جمع ربة، وهي الجوف.
[7] وعاتبه قومه: زيادة في أ، ف، م.
[8] في ب، س: «هلكت»، تحريف.
[9] كذا في م. وفي سائر الأصول:
«فتت في القلب جوى»
[10] لعله مخفف أنتأ بمعنى منتفخ كبرا وتعاليا.
[11] السبت: الكثير النوم، والغلام العارم الجريء.
[12] كذا في ف. وفي سائر الأصول: «ما بقي من حبك؟ قال: بنات آدم. قال: وما يعجبك» إلخ.
[13] المراد: اكتنزت، وأصل العصب: الشد وضم المتفرق.
[14] الجان: ضرب من الحيات لا يؤذي.
[15] في ف: و «عبلت».
عمّك أبو العباس السفاح، فكان إذا غشيها صغرت عنه، وقلت تحته، فقال:
إني وجدت الكذنا ذنوكا [1] ... غير منيك فابغني منيّكا
شيئا إذا حرّكته تحركا
قال، فوهب له المهديّ جارية كاملة فائقة متأدبلة ربعة [2]، فلما أصبح عقال غدا على المهديّ متشكرا، فخرج المهديّ وفي يده مشط يسرّح به لحيته وهو يضحك، فدعا له عقال وقال له: يا أمير المؤمنين ممّ تضحك؟ أدام اللّه سرورك. قال: يا أبا الشيظم، إني اغتسلت آنفا من شيء إذا حركته تحرك، وذكرت قولك الآن لما رأيتك، فضحكت.
يرثي ممدوحا له كان يكثر بره:
أخبرني محمد بن جعفر النحويّ صهر المبرّد قال: حدّثني أحمد بن القاسم/ العجلي البرتيّ قال: حدّثني أبو هفان قال: حدّثتني رقية بنت حمل عن أبيها قال:
كان أبو نخيلة مدّاحا للجنيد بن عبد الرحمن المريّ، وكان الجنيد له محبّا، يكثر رفده ويقرّب مجلسه، ويحسن [3]، إليه فلما مات الجنيد قال أبو نخيلة يرثيه:
لعمري لئن ركب الجنيد تحملوا [4] ... إلى الشأم من مرّ وراحت [5] ركائبه [6]
لقد غادر الركب الشآمون خلفهم ... فتى غطفانيا يعلل جانبه [7]
فتى كان يسرى للعدو كأنما ... سروب [8] القطا في كلّ يوم كتائبه
وكان كأن البدر تحت لوائه ... إذا راح في جيش وراحت عصائبه
تلومه امرأة له على شدة حبه لابنه فيمدحها فتسكت عنه:
أخبرنا محمد بن جعفر قال: حدّثني أحمد بن القاسم قال: حدّثني أبو هفان عن عبد اللّه بن داود عن عليّ بن أبي نخيلة [9]، قال:
كان أبي شديد الرقة عليّ معجبا بي، فكان إذا أكل [10] /خصني بأطيب الطعام، وإذا نام أضجعني إلى جنبه، فغاظ ذلك امرأته أمّ حماد الحنفية، فجعلت تعذله وتؤنبه، وتقول: قد أقمت في منزلك، وعكفت على هذا الصبيّ، وتركت الطلب لولدك وعيالك. فقال أبي في ذلك:
__________
[1] راجع الصفحة 401 من هذا الجزء: الحاشية الأولى.
[2] في ف: «بارعة». وفي ب، س: «بديعة».
[3] كذا في ف. وفي سائر الأصول: «بحن»، تحريف.
[4] في ب، س: «تحملت».
[5] في ف: «و سارت».
[6] في غير ب، س. «كتائبه».
[7] كذا في أ، م. وفي باقي الأصول: «تعلل جادبه».
[8] في ب، س: «عجاج».
[9] في ب، س: «عن علي عن أبي نخيلة».
[10] كذا في غير أ، م. وفيهما: «إذا أكل شيئا».
/
ولو لا شهوتي شفتي عليّ ... ربعت على الصحابة والركاب [1]
ولكنّ الوسائل من عليّ [2] ... خلصن إلى الفؤاد من الحجاب
قال، فازدادت غضبا، فقال لها:
وليس كأمّ حمّاد خليل ... إذا ما الأمر جلّ عن الخطاب
منعمة أرى فتقرّ عيني ... وتكفيني خلائقها [3] عتابي
فرضيت وأمسكت عنا.
يمدح ببيت على مثال بيت تمناه الممدوح:
حدّثني عمي قال: حدّثني هارون بن محمد بن عبد الملك قال حدّثني سهل بن زكريا قال: حدّثني عبد اللّه بن أحمد الباهليّ قال:
قال أبان بن عبد اللّه النميريّ يوما لجلسائه - وفيهم أبو نخيلة - : واللّه لوددت أنه قيل فيّ ما قيل في جرير بن عبد اللّه:
لو لا جرير هلكت بجيله ... نعم [4] الفتى وبئست القبيله
وأنني أثبت على ذلك مالي كله، فقال له أبو نخيلة: هلم الثواب، فقد حضرني من ذلك ما تريد، فأمر له بدراهم، فقال: اسمع يا طالب ما يجزيه:
لو لا أبان هلكت نمير ... نعم الفتى وليس فيهم خير
يستأذن على أبي جعفر فلا يصل، ويقول في ذلك شعرا:
أخبرني محمد بن عمران الصيرفيّ قال: حدّثنا الحسن بن عليل العنزيّ قال: حدثنا سلمة بن خالد المازنيّ عن أبي عبيدة قال:
/ وقف أبو نخيلة على باب أبي جعفر واستأذن، فلم يصل، وجعلت الخراسانية تدخل وتخرج، فتهزأ به، فيرون شيخا أعرابيّا جلفا فيعبثون به، فقال له رجل عرفه: كيف أنت أبا نخيلة؟ فأنشأ يقول:
أصبحت لا يملك بعضي بعضا ... أشكو العروق الآبضات [5] أبضا
كما تشكي الأرحبيّ [6] الغرضا [7] ... كأنما كان شبابي قرضا
فقال له الرجل: وكيف ترى ما أنت فيه في هذه الدولة؟ فقال:
__________
[1] في أ، م:
«و ما أمتاح منها من رضاب»
[2] في أ، م:
«و أخلاق ملاح معجبات»
[3] كذا في أ، ف، م. وفي ب، س: «خلابتها».
[4] هذا الشطر زيادة في أ، م.
[5] الآبضات: المتقبضة.
[6] كذا في أ، ف، م. ومعناه: النجيب، نسبة إلى أرحب: قبيلة، أو فحل. وفي ب، س: «الأزجي»، تحريف.
[7] كذا في أ، ف، م. وهو حزام الرحل. وفي ب، س: «الفرض»، تحريف.
أكثر خلق اللّه من لا يدرى ... من أيّ خلق اللّه حين يلقى [1]
وحلة تنشر ثم تطوى ... وطيلسان يشترى فيغلى
لعبد عبد أو لمولى مولى [2] ... يا ويح بيت المال ماذا يلقى!
يسأل عن ممدوح له فيعدد هباته له:
وبهذا الإسناد عن أبي عبيدة أن أبا نخيلة قدم على أبان بن الوليد فامتدحه، فكساه ووهب له جارية جميلة، فخرج يوما من عنده، فلقى رجل من قومه، فقيل له: كيف وجدت أبان بن الوليد يا أبا نخيلة؟ فقال:
أكثر واللّه أبان ميري ... ومن أبان الخير كلّ خيري
ثوب لجلدي وحر لأيري
نسخت من كتاب اليوسفيّ.
يصاب بتخمة:
حدّثني خالد بن حميد عن أبي عمرو الشيبانيّ قال:
/ أقحمت السنة أبا نخيلة فأتى القعقاع بن ضرار - وهو يومئذ على شرطة الكوفة - فمدحه، وأنزله/ القعقاع بن ضرار وابنيه وعبديه وركابهم في دار، وأقام لهم الأنزال، ولركابهم العلوفة.
وكان طباخ القعقاع يجيئهم في كلّ يوم بأربع قصاع، فيها ألوان مطبوخة من لحوم الغنم، ويأتيهم بتمر وزبد، فقال له يوما القعقاع: كيف منزلك أبا نخيلة؟ فقال:
ما زال عنّا قصعات أربع ... شهرين دأبا ذوّد ورجع [3]
عبداي وابناي وشيخ يرفع [4] ... كما يقوم الجمل المطبّع [5]
قال: وكان أبو نخيلة يكثر الأكل فأصابته تخمة، فدخل على القعقاع فسأله: كيف أصبحت أبا نخيلة؟ فقال:
أصبحت واللّه بشما أمرت خبازك فأتاني بهذا الرّقاق الّذي كأنه الثياب المبلولة، قد غمسه في الشحم غمسا، وأتبعه بزبد [6]، كرأس النعجة الخرسية [7]، وتمر كأنه عنز رابضة. إذا أخذت التمرة من موضعها تبعها من الرّبّ كالسلوك الممدودة، فأمعنت في ذلك، وأعجبني حتى بشمت، فهل من أقداح جياد؟ وبين يدي القعقاع حجّام واقف وسفرة [8] موضوعة فيها المواسي، فإذا أتي بشرّاب النبيذ حلق رؤوسهم ولحاهم. فقال له القعقاع: أتطلب مني النّبيذ وأنت ترى ما أصنع بشرّابه؟ عليك بالعسل والماء البارد، فوثب ثم قال:
قد علم المظلّ والمبيت ... أني من القعقاع فيما شيت
__________
[1] كذا في ب، س: وفي أ، م: «يكفى». وفي ف: «يلغى».
[2] كذا في غير ف. وفي ف: «لعبد عبد اللّه أو لمولى».
[3] في أ، م: «شهرين داما فبواد رجع». وفي ف: «شهرين دأبا فبواد رجع».
[4] كذا في أ، م. وفي غيرهما: «يركع».
[5] المطبع: المثقل بالحمل.
[6] في أ، م: «ثريدة».
[7] كذا في ب، س. ومعناه: المنسوبة إلى خراسان. وفي أ، م: «الخراسانية» وفي ف «العدسية» بضم العين: ضرب من الغنم.
[8] في ب،: «صفرة»، تحريف.
/
إذا أتت مائدة أتيت ... ببدع لست بها غذيت
ولّيت فاستشفعت واستعديت ... كأنني كنت الّذي ولّيت
ولو تمنّيت الّذي أعطيت ... ما ازددت شيئا فوق ما لقيت
أيا بن بيت دونه البيوت ... أقصر فقد فوق القرى قريت
ما بين [1] شرابي عسل منعوت ... ولا فرات صرد [2] بيّوت [3]
لكنّي في النوم [4] قد أريت ... رطل نبيذ مخفس [5] سقيت
صلبا [6] إذا جاذبته رويت
فغمزه على إسماعيل ابن أخيه، وأومأ إلى إسماعيل، فأخذ بيده ومضى به إلى منزله، فسقاه حتى صلح.
يمدح السفاح ويغضب في مدحه بعض أهل المجلس فيحرض عليه السفاح:
أخبرني هاشم بن محمد الخزاعيّ قال: حدثنا قعنب بن المحرز وأبو عمرو الباهليّ قالا: حدثنا الأصمعي قال:
دخل أبو نخيلة على أبي العباس السفاح، وعنده أبو صفوان إسحاب بن مسلم العقيليّ، فأنشده قوله:
صادتك يوم الرملتين شعفر [7] ... وقد يصيد القانص المزعفر
يا صورة حسّنها المصوّر ... للرّيم منها جيدها والمحجر
/ يقول فيها في مدح أبي العباس:
حتى إذا ما الأوصياء عسكروا ... وقام من تبر [8] النببيّ الجوهر
ومن بني العباس نبع أصفر [9] ... ينميه فرع طيّب وعنصر
أقبل بالناس الهوى المستبهر [10] ... وصاح في الليل نهار أنور
أنا الّذي لو قيل إني أشعر ... جلّي الضباب الرجز المخبّر [11]
لمّا مضت لي أشهر وأشهر ... قلت لنفس تزدهى فتصبر
__________
[1] في ب، س: «عن»، تحريف.
[2] صرد: خالص.
[3] بيوت: بارد.
[4] في ب، س: «القوم»، تحريف.
[5] مخفس: سريع الإسكار.
[6] في أ، م: «صلب».
[7] شعفر: اسم امرأة.
[8] في أ، م: «آل».
[9] في ب، س: «أصغر».
[10] في ب، س: «المشهير» تحريف.
[11] في أ، م: «المحبر».
/
لا يستخفنّك ركب يصدر ... لا منجد يمضي ولا مغوّر
وخالفي الأنباء فهي المحشر ... أو يسمع الخليفة المطهرّ
منّي فإني كلّ جنح أحضر ... وإن بالأنبار غيثا يهمر
والغيث يرجى والديار تنضر ... ما كان إلّا أن أتاها العسكر
حتى زهاما مسجد ومنبر ... لم يبق من مروان عين تنظر
لا غائب ولا أناس حضر ... هيهات أودى المنعم [1] المعقّر
وأمست الأنبار دارا تعمر ... وخربت من الشآم أدور
حمص وباب التّبن [2] والموقّر [3] ... ودمرّت بعد امتناع [4] تدمر
/ وواسط لم يبق إلّا القرقر [5] ... منها وإلّا الدير بان [6] الأخضر
(و منها) أين [7] أبو الورد وأين الكوثر أبو الورد بن هذيل بن زفر، وكوثر بن الأسود صاحب شرطة مروان [7].
وأين مروان وأين الأشقر ... وأين فلّ لم يفت [8] محيّر [9]
وأين عاديّكم المجمهر [10] ... وعامر وعامر وأعصر؟
- قال: يعني عامر بن صعصعة، وعامر بن ربيعة، وأعصر باهلة وغنىّ - قال: فغضب إسحاق بن مسلم، وقال:
هؤلاء كلهم في حر أمك أبا نخيلة، فأنكر الخليفة عليه ذلك، فقال: إني واللّه يا أمير المؤمنين قد سمعت منه فيكم شرّا من هذا في مجالس بني مروان. وما له عهد، وما هو بوفيّ ولا كريم. فبان ذلك في وجه أبي العباس، وقال له قولا ضعيفا: إن التوبة تغسل الحوبة، والحسنات يذهبن السيئات، وهذا شاعر بني هاشم. وقام فدخل، وانصرف الناس، ولم يعط أبا نخيلة شيئا.
__________
[1] في ف: «النعم المعفر».
[2] باب التبن: كبيرة كانت ببغداد، وفي الأصول: «التين»، تحريف.
[3] الموقر: موضع بنواحي البلقاء من نواحي دمشق، كان يزيد بن عبد الملك ينزله.
[4] كذا في ب، س، ف. وفي أ، م: «اتساع».
[5] القرقر، في «معجم البلدان»: جانب من القرية، وأظن القرية بين الفلج ونجران والقرية، مشددة الراء والياء.
[6] الديربان: لعله دير أبان، من قرى غوطه دمشق، منسوب إلى أبان بن عثمان بن حرب بن عبد الرحمن بن الحكم بن أبي العاصي بن أمية.
(7 - 7) ما بين الرقمين زيادة في أ، ف، م. إلّا أن تورد الكلام عن البيت بعد جملة الأبيات.
[8] كذا في ب، س وفي أ، ف، م: «لم يقف».
[9] كذا في ف وفي أ، ب، س، م: «محبر».
[10] المجمهر: المجموع.
يدعو في رجز له إلى تولية المهدي العهد فيجيزه المنصور:
وأخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن عمار الثقفيّ حدثنا عليّ بن محمد بن سليمان النوفليّ قال: حدّثني أبي عن عبد اللّه بن أبي سليم مولى عبد اللّه بن الحارث قال:
بينا أنا أسير مع أبي الفضل يعني - سليمان بن عبد اللّه - وحدي بين الحيرة والكوفة - / وهو يريد المنصور، وقدهمّ بتولية المهدي العهد وخلع عيسى بن موسى، وهو يروض ذلك - إذا هو يأبي نخيلة الشاعر، ومعه ابنان له وعبد، وهم يحملون متاعه. فقال له: يا أبا نخيلة، ما هذا الّذي أرى؟ قال: كنت نازلا على القعقاع بن معبد أحد ولد معبد بن زرارة، فقلت شعرا فيما عزم عليه أمير المؤمنين من تولية المهديّ العهد ونزع عيسى بن موسى، فسألني التحول عنه، لئلا يناله مكروه من عيسى إذ كان صنيعته، فقال سليمان: يا عبد اللّه، اذهب بأب نخيلة فأنزله منزلا [1] وأحسن نزله وبرّه [2]، ففعلت. ودخل سليمان إلى المنصور فأخبره الخبر، فلما كان يوم البيعة جاء بأبي نخيلة فأدخله على المنصور، فقام فأنشد الشعر على رؤوس الناس، وهي قصيدته الّتي يقول فيها:
بل يا أمين الواحد الموحّد ... إنّ الّذي ولاك ربّ المسجد [3]
ليس وليّ عهدنا [4] بالأسعد ... عيسى فزحلفها [5] إلى محمد
من عند [6] عيسى معهدا عن [7] معهد ... حتى تؤدّى من يد إلى يد
قال: فأعطاه المنصور عشرة آلاف درهم، قال: وبايع لمحمد بالعهد، فانصرف عيسى بن موسى/ إلى منزله، قال: فحدّثني داود بن عيسى بن موسى قال: جمعنا أبي فقال: يا بنيّ، قد رأيتم ما جرى، فأيّما أحبّ إليكم: أن يقال لكم: ابني المخلوع، أو يقال لكم: يا بني المفقود؟ فقلنا: لا، بل با بني المخلوع. فقال: وفّقتم بنيّ. وأول هذه الأرجوزة الّتي هذه الأبيات منها:
/لم ينسني يا بنة آل معبد ... ذكراك تكرار الليالي العوّد
ولا ذوات العصب [8] المورّد ... ولو طلبن الودّ بالتودّد
ورحن في الدّر وفي الزبرجد ... هيهات منهن وإن لم تعهدي
نجدية ذات معان [9] منجد ... كأنّ ريّاها بعيد المرقد
ريّا الخزامى في ثرى جعد [10] ندى ... كيف التصابي فعل من لم يهتد
__________
[1] في أ، م: «منزلنا».
[2] في ب، س، ف: «ورده».
[3] هذا البيت، زيادة في أ، م.
[4] كذا في ب، س، ف. وفي أ، م: «عهدها».
[5] كذا في ب، س ومعناه: قدمها، أو ادفعها. وفي ف: «زحلقها». وفي أ، م: «فرحلها».
[6] في ف: «من عهد».
[7] في أ، م: «من».
[8] العصب: نوع من البرود.
[9] معان: منزل ومباءة.
[10] الجعد: الندى. وفي ب، س: ثرى «جعندد».
وقد علتني درة [1] بادي [2] بدي ... ورثية [3] تنهض في تشددي [4]
بعد انتهاضي [5] في الشباب الأملد
يقول فيها:
إلى أمير المؤمنين فاعمد ... إلى الّذي يندى [6] ولا يندى ندي
سيري إلى بحر البحار المزبد ... إلى الّذي إن نفدت لم ينفد
أو ثمّدت [7] أشراعها [8] لم يثمد
/ ويقول في ذكر البيعة لمحمد بعد الأبيات الّتي مضت في صدر الخبر:
فقد رضينا بالغلام الأمرد ... وقد فرغنا غير أن لم نشهد
وغير أنّ العقد [9] لم يؤكد ... فلو سمعنا قولك امدد امدد
كانت لنا كزعقة [10] الورد [11] الصدى ... فناد للبيعة جمعا نحشد
في يومنا الحاضر هذا أوغد ... واصنع كما شئت وردّ يردد [12]
وردّه منك رداء يرتد ... فهو رداء الساق المقلّد
وكان يروي أنها كأن قد ... عادت ولو قد نقلت [13] لم تردد
أقول في كرى [14] أحاديث الغد ... للّه دري من أخ ومنشد
لو نلت حظّ الحبشيّ الأسود [15]
__________
[1] كذا في أ، ف، م. والمراد بالدرة هنا: الشيب. وهي في الأصل: سيلان اللبن. وفي ب، س: «ذرأة»، تحريف ويرويه الشنتمري:
«و قد علتني ذرأة بادي بدي»: ورثية إلخ. (سيبوية: 2: حاشية الصفحة: 54) والذرأة: الشيب أول ابتدائه. والرثية: وجع المفاصل واليدين والرجلين، والضعف.
[2] بادي بدي: أولا.
[3] في ب، س: «رثينة»، تحريف.
[4] في أ، ف، م: «تجلدي».
[5] ف: انتهاض.
[6] أندى: كثر عطاؤه.
[7] كذا في أ، ف، م. ومعناه: نزفت. وفي ب، س: «إذ أثمدت»، تحريف.
[8] أشراعها: مواردها.
[9] في ف: «العهد».
[10] في ف: «ككرعة». وفي ب، س: «كدعكة»، تحريف.
[11] الورد: القوم يردون الماء.
[12] في ف: «و زده يزدد».
[13] في ف: «فعلت».
[14] في ف: «ذكري».
[15] الأبيات التالية لبيت: كانت لنا كزعقة الورد الصدى - تروي في أ، م: هكذا: وفيها يذكر مقتل أبي مسلم:
لما استثار اللّه العبد الردى ... خر على الخدين لم يوسد
/ - يعني أبا دلامة.
خبر آخر من أرجوزة العهد للمهدي:
فأخبرني عبد اللّه بن محمد الرازيّ قال: حدثنا أحمد بن الحارث قال:
حدثنا المدائنيّ - أن أبا نخيلة أظهر هذه القصيدة التسي رواها الخدم والخاصة، وتناشدتها العامة، فبلغت المنصور فدعا به، وعيسى بن موسى عنده جالس عن يمينه، فأنشده إياها، وأنصت له حتى سمعها إلى آخرها. قال أبو نخيلة: فجعلت أرى فيه السرور، ثم قال لعيسى بن موسى: ولئن كان هذا عن رأيك لقد سررت عمك [1]، وبلغت من مرضاته أقصى ما يبلغه الولد البار السارّ. فقال عيسى: لقد ضللت إذا وما أنا من المهتدين. قال: أبو نخيلة: فلما خرجت لحقني عقال بن شبة فقال: أمّا أنت فقد سررت أمير المؤمنين، ولئن تم الأمر فلعمري لتصبينّ خيرا، ولئن لم يتم فابتغ نفقا في الأرض، أو سلّما في السماء. فقلت له:
علقت معالقها وصرّ الجندب [2]
خبر ثالث عن هذه الأرجوزة:
قال المدائني: وحدّثني بعض موالي المنصور قال:
لما/ أراد المنصور أن يعقد للمهديّ أحبّ أن تقول الشعراء في ذلك، فحدّثني عبد الجبار بن عبيد اللّه الحمانيّ قال:
حدّثني أبو نخيلة قال: قدمت على أبي جعفر، فأقمت ببابه شهرا لا أصل إليه، فقال لي عبد اللّه بن الربيع الحارثي: يا أبا نخيلة، إن أمير المؤمنين يريد أن يقدّم المهديّ بين يديّ عيسى بن موسى، فلو قلت شيئا على ما يريد. فقلت:
/ماذا على شحط النوى عناكا [3] ... أم ما مرى [4] دمعك من ذكراكا؟
وقد تبكّيت فما أبكاكا
وذكر أرجوزة طويلة يقول فيها:
__________
فاصنع كما شئت وزده تزدد ... أقول في ردى أحاديث الغد
للّه دري من أخ ومنشد ... لو نلت حظ الحبشي الأسود
فبادر البيعة جمعا وأنشد ... في يومنا الحاضر هذا أو غد
ورده منك رداء يرتد
[1] كذا في ف. وفي ب، س: «لئن كان هذا عن رأيك فلقد».
[2] مثل معناه: قد وجب الأمر ونشب، فجزع الضعيف من القوم. وأصله أن رجلا انتهى إلى بئر وعلق رشاء برشائها، ثم صار إلى صاحب البئر فادعى جواره. فقال له: وما سبب ذلك؟ فقال: علقت رشائي برشائك، فأبى صاحب البئر وأمره بالرحيل. فقال:
علقت معالقها إلخ. والضمير في علقت للدلو أو الأرشية والمعالق جمع معلق، وهو موضع العلوق. صر: صوت. والجندب:
ضرب من الجراد.
[3] كذا في ف، وفي ب، س: «غشاكا»، تحريف.
[4] كذا في ف، ومعناه أسال وفي ب، س: «جرى»، تحريف.
خليفة اللّه وأنا ذاكا ... أسند إلى محمد عصاكا
فأحفظ الناس لها أدناكا ... وابنك ما استكفيته كفاكا
وكلّنا منتظر لذاكا ... لو قلت هاتوا قلت هاك هاكا
المنصور يحذره عيسى بن موسى وعيسى يوكل به من يقتله:
قال: فأنشدته إياها، فوصلني بألفي درهم، وقال لي: احذر عيسى بن موسى، فإني أخافه عليك أن يغتالك.
قال المدائنيّ: وخلع أبو جعفر عيسى بن موسى، فبعث عيسى في طلب أبي نخيلة، فهرب منه، وخرج يريد خراسان، فبلغ عيسى خبره، فجرّد خلفه مولى له يقال له: قطريّ، معه عدّة من مواليه، وقال له: نفسك نفسك أن يفوتك أبو نخيلة، فخرج في طلبه مغذّا للسير، فلحقه في طريقه إلى خراسان، فقتله وسلخ وجهه.
ونسخت من كتاب القاسم بن يوسف عن خالد بن حمل أنّ عليّ بن أبي نخيلة حدّثه أنّ المنصور أمر أبا نخيلة أن يهرب إلى خراسان، فأخذه قطريّ وكتفه فأضجعه، فلما وضع السكين على أوداجه قال: إيه يا بن اللخناء، ألست القائل:
علقت معالقها وصر الجندب
الآن صرّ جندبك. فقال: لعن اللّه ذاك جندبا، ما كان أشأم ذكره! ثم ذبحه،/ قطري، وسلخ وجهه، وألقى جسمه إلى النّسور، وأقسم لا يريم مكانه حتى تمزّق السباع والطيور لحمه، فأقام حتى لم يبق منه إلا عظامه، ثم انصرف.
أبو الأبرش يشمت به لمهاجات كانت بينهما:
أخبرنا جعفر بن قدامة قال: حدثنا أبو حاتم السجستانيّ قال: حدّثني الأصمعي عن سعيد بن سلم عن أبيه قال:
قلت لأبي الأبرش: مات أبو نخيلة، قال: حتف أنفه؟ قلت: لا، بل لا، اغتيل فقتل. فقال: الحمد للّه الّذي قطع قلبه، وقبض روحه، وسفك دمه، وأراخى منه، وأحياني بعده.
وكان أبو نخيلة يهاجي الأبرش، فغلبه أبو نخيلة.
صوت
ولقد دخلت على الفتا ... ة الخدر في اليوم المطير
فدفعنها فتدافعت ... مشي القطاة على الغدير
فلثمتها فتنفست ... كتنفس الظبي البهير [1]
الشعر للمنخّل اليشكري، والغناء لإبراهيم، ثاني ثقيل بالوسطى عن عمرو وأحمد المكيّ.
تم الجزء العشرون من كتاب الأغاني ويليه إن شاء اللّه تعالى الجزء الحادي والعشرون وأوله: أخبار المنخّل ونسبه
__________
[1] البهير: المنقطع النفس.
فهرس موضوعات الجزء العشرون من الأغاني
الموضوع الصفحة
نسب ابن الخياط وأخباره 213
أخبار علي بن جبلة 222
أخبار التيميّ ونسبه 242
أخبار أبي نواس وجنان خاصة 254
نسب ابن أبي عيينة وأخباره 263
أخبار دعبل بن علي ونسبه 294
أخبار جعيفران ونسبه 340
أخبار السري ونسبه 347
أخبار مسكين ونسبه 352
أخبار أبي محمد ونسبه 359
أخبار من له شعر فيه صنعة من ولد أبي محمد اليزيدي وولد ولده، فمنهم محمد بن أبي محمد 375
أخبار إبراهيم 382
وممن غني في شعرة من ولد أبي محمد اليزيدي أبو جعفر أحمد بن محمد بن أبي محمد 387
أخبار المخبل القيسي ونسبه 392
أخبار خالد الكاتب 399
أخبار المسدود 409
أخبار سلمة بن عياش 413
أخبار لأم جعفر 418
أخبار أيمن بن خريم 421
أخبار حجية بن المضرب 427
أخبار إسحاق مع غلامه زياد 430
خبر لحبابة مع ابن عائشة 433
أخبار أبي الهندي ونسبه 435
أخبار سعيد بن وهب 439
الموضوع الصفحة
أخبار رؤبة ونسبه 445
أخبار عمرو بن أبي الكنات 453
أسماء بن خارجة وابنته هند 457
أخبار السليك بن السلكة ونسبه 464
أخبار أبي نخيلة ونسبه 474
فهرس الموضوعات 497
الجزء الحادي والعشرون
[تتمة التراجم]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ*
1 - أخبار المنخل ونسبه
هو المنخّل بن عمرو - ويقال: المنخّل بن مسعود - بن أفلت بن عمرو بن كعب بن سواءة بن غنم بن حبيب بن يشكر بن بكر بن وائل. وذكر أبو محلّم النسابة: أنه المدخّل بن مسعود بن أفلت بن قطن بن سوءة بن مالك بن ثعلبة بن حبيب بن غنم بن حبيب بن كعب بن يشكر. وقال ابن الأعرابيّ: هو المنخّل بن الحارث بن قيس ابن عمرو بن ثعلبة بن عديّ بن جشم بن حبيب بن كعب بن يشكر.
يتهمه النعمان بالمتجردة فيقتله:
شاعر مقلّ من شعراء الجاهلية، وكان النعمان بن المنذر قد اتهمه بامرأته المتجرّدة - وقيل: بل وجده معها، وقيل: بل سعي به إليه في أمرها فقتله، وقيل: بل حبسه، ثم غمض خبره، فلم تعلم له حقيقة إلى اليوم. فيقال: إنه دفنه حيّا، ويقال: إنه غرقه. والعرب تضرب به المثل كما تضربه بالقارظ العنزيّ [1] وأشباهه ممن هلك ولم يعلم له خبر. وقال ذو الرّمة:
تقارب حتى تطمع التابع الصّبا ... وليست بأدنى من إياب المنخّل
وقال النّمر بن تولب:
وقولي إذا ما أطلقوا عن بعيرهم ... تلاقونه حتى يئوب المنخّل
تفصيل سبب قتله:
أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان، قال: أخبرني أحمد بن زهير قال: أخبرني عبد اللّه بن كريم قال:
أخبرني أبو عمرو الشيبانيّ قال:
كان سبب قتل المنخّل أنّ المتجرّدة - واسمها ماويّة وقيل: هند بنت المنذر بن الأسود الكلبيّة - كانت عند ابن عم لها يقال له: حلم، وهو الأسود بن المنذر/ بن حارثة الكلبيّ، وكانت أجمل أهل زمانها، فرآها المنذر بن المنذر الملك اللّخميّ فعشقها، فجلس ذات يوم على شرابه ومعه حلم وامرأته المتجرّدة، فقال المنذر لحلم: إنه لقبيح بالرجل أن يقيم على المرأة زمانا طويلا حتى لا يبقى في رأسه ولا لحيته شعرة بيضاء إلا عرفتها، فهل لك أن تطلّق امرأتك المتجرّدة وأطلّق امرأتي سلمى؟ قال: نعم، فأخذ كلّ واحد منهما على صاحبه عهدا. قال: فطلّق المنذر امرأته سلمى، وطلّق حلم امرأته المتجرّدة، فتزوّجها المنذر ولم يطلق لسلمى أن تتزوج حلما، وحجبها - وهي أمّ ابنه النعمان بن المنذر - فقال النابغة الذبياني يذكر ذلك:
قد خادعوا حلما عن حرّة خرد ... حتى تبطّنها الخدّاع ذو الحلم
__________
[1] هو يذكر بن عنزة، أو عامر بن رهم، وكلاهما من عنزة، خرجا في طلب القرظ فلم يرجعا.
قال: ثم مات المنذر بن المنذر، فتزوّجها بعده النعمان بن المنذر ابنه، وكان قصيرا دميما أبرش، وكان ممن يجالسه ويشرب معه النابغة الذبيانيّ - وكان جميلا عفيفا - والمنخّل اليشكريّ - وكان يتّهم - بالمتجردة.
فأما النابغة فإن النعمان أمره بوصفها فقال قصيدته التي أولها:
من آل ميّة رائح أو مغتدى ... عجلان ذا زاد وغير مزوّد
ووصفها فأفحش فقال:
وإذا طعنت طنعت في مستهدف ... رابي المجسّة بالعبير مقرمد [1]
وإذا نزعت نزعت عن مستحصف [2] ... نزع الحزوّر [3] بالرشاء المحصد [4]
فغار المنخّل من ذلك، وقال: هذه صفة معاين، فهمّ النعمان بقتل النابغة حتى هرب منه،/ وخلا المنخّل بمجالسته، وكان يهوى المتجردة وتهواه، وقد ولدت للنعمان غلامين جميلين يشبهان المنخل، وكانت العرب تقول: إنهما منه. فخرج/ النعمان لبعض غزواته - قال ابن الأعرابيّ: بل خرج متصيّدا - فبعثت المتجردة إلى المنخّل فأدخلته قبّتها، وجعلا يشربان، فأخذت خلخالها وجعلته في رجله، وأسدلت شعرها فشدّت خلخالها إلى خلخاله الذي في رجله من شدة إعجابها به. ودخل النعمان بعقب ذلك فرآها على تلك الحال، فأخذه فدفعه إلى رجل من حرسه من تغلب يقال له: عكبّ، وأمره بقتله، فعذّبه حتى قتله.
يحرض على عكب قاتله:
فقال المنخّل يحرّض قومه عليه:
ألا من مبلغ الحيّين عنّي ... بأن القوم قد قتلوا أبيّا
فإن لم تثأروا لي من عكبّ ... فلا روّيتم أبدا صديا
وقال أيضا:
ظلّ وسط النديّ قتلى بلا جر ... م وقومي ينتّجون السّخالا [5]
من شعره في المتجردة:
وقال في المتجرّدة:
ديار للّتي قتلتك غصبا ... بلا سيف يعدّ ولا نبال
بطرف ميّت في عين حيّ ... له خبل يزيد على الخبال
وقال أيضا:
ولقد دخلت على الفتا ... ة الخدر في اليوم المطير
__________
[1] مقرمد: مطلى.
[2] مستحصف: قليل البلولة ضيق.
[3] الحزور: الرجل القوي.
[4] المحصد: الحبل الشديد الفتل.
[5] السخال: أولاد الغنم من الضأن والمعز ساعة: يولد.
الكاعب الخنساء [1] تر ... فل في الدّمقس وفي الحرير
دافعتها فتدافعت ... مشى القطاة إلى الغدير
ولثمتها فتنفّست ... كتنفّس الظبي البهير [2]
ورنت وقالت يا منخّ ... ل هل بجسمك من فتور؟ [3]
/ما مس جسمي غير حبّ ... ك فاهدئي عنّي وسيري
يا هند هل من نائل ... يا هند للعاني الأسير؟
وأحبّها وتحبّني ... ويحبّ ناقتها بعيري
ولقد شربت من المدا ... مة بالكبير وبالصغير
فإذا سكرت [4] فإنني ... ربّ الخورنق [5] والسرير
وإذا صحوت فإنني ... ربّ الشّويهة والبعير
يا ربّ يوم - للمنخّ ... ل قد لها فيه - قصير
رواية أخرى لخبر المنخل مع المتجردة:
وأخبرني بخبر المنخّل مع المتجرّدة أيضا عليّ بن سليمان الأخفش قال: أخبرني أبو سعيد السكريّ عن محمد بن حبيب عن ابن الأعرابيّ قال:
كانت المتجردة امرأة النعمان فاجرة، وكانت تتّهم بالمنخّل، وقد ولدت للنعمان غلامين جميلين يشبهان المنخّل، فكان يقال: إنهما منه، وكان جميلا وسيما، وكان النعمان أحمر أبرش قصيرا دميما. وكان للنعمان يوم يركب فيه فيطيل المكث، وكان المنخّل من ندمائه لا يفارقه، وكان يأتي المتجرّدة في ذلك اليوم الذي يركب فيه النعمان فيطيل عندها، حتى إذا جاء النعمان آذنتها بمجيئة وليدة لها موكّلة بذلك فتخرجه.
فركب النعمان ذات يوم وأتاها المنخّل كما كان يأتيها فلا عبته،/ وأخذت قيدا، فجعلت إحدى حلقتيه في رجله والأخرى في رجلها، وغفلت الوليدة عن ترقّب النعمان؛ لأن الوقت الذي يجيء فيه لم يكن قرب بعد، وأقبل النعمان حينئذ ولم يطل في [6] مكثه كما كان يفعل، فدخل إلى المتجرّدة، فوجدها مع المنخّل قد قيّدت رجلها، ورجله بالقيد، فأخذه النعمان فدفعه إلى عكبّ صاحب سجنه ليعذّبه - وعكبّ/ رجل من لخم - فعذّبه حتى قتله.
وقال المنخّل قبل أن يموت هذه الأبيات، وبعث بها إلى ابنيه:
ألا من مبلغ الحرّين عنّي ... بأن القوم قد قتلوا أبيا
__________
[1] الخنس بالتحريك: تأخر الأنف عن الوجه مع ارتفاع قليل في الأرنبة، وفي ج: «الحسناء».
[2] البهير: المتتابع الأنفاس.
[3] رواية «الحماسة»:
فدنت وقالت يا منخ ... ل ما بجسمك من حرور
[4] في ج: «شربت».
[5] الخورنق: قصر للنعمان الأكبر. وفي «الحماسة»: «السدير»، وهو نهر بناحية الحيرة.
[6] في ج. ف: «و لم يطل في وجهه».
وإن لم تثأروا لي من عكبّ ... فلا أرويتما أبدا صديّا
يطوّف بي عكبّ في معدّ ... ويطعن بالصّملّة [1] في قفيّا
الأصح أن قاتله هو النعمان لا عمرو بن هند:
قال ابن حبيب: وزعم ابن الجصّاص أن عمرو بن هند هو قاتل المنخّل، والقول الأول أصحّ.
قصيدته في المتجردة:
وهذه القصيدة التي منها الغناء يقولها في المتجرّدة، وأولها قوله:
إن كنت عاذلتي فسيري ... نحو العراق ولا تحوري
لا تسألي عن جلّ ما ... لي واذكري كرمي وخيري
وإذا الرياح تناوحت ... بجوانب البيت الكسير [2]
ألفيتني هشّ النديّ ... بمرّ قدحي أو شجيري [3]
- الشجير: القدح الذي لم يصلح حسنا، ويقال: بل هو القدح العاريّة - .
ونهى أبو أفعى فقلّ ... دني أبو أفعى جريري [4]
وجلالة [5] خطّارة [6] ... هو جاء جائلة الضّفور [7]
/تعدو بأشعث قد وهى ... سر باله باقي المسير [8]
فضلا [9] على ظهر الطر ... يق إليك علقمة بن صير
الواهب الكوم [10] الصّفا [11] ... يا والأؤانس في الخدور
يصفيك حين تجيئه ... بالعصب [12] والحلي الكثير
__________
[1] ب، س: «الصميلة»، تحريف، وزاد في ف بعد الأبيات: «الصملة: الحربة».
[2] البيت الكسير: الذي له كسور، وهي ما مس الأرض من هدابة، وفي ف: «الكبير».
[3] في «حماسة» أبي تمام «و اللسان»: ألفيتني هش اليدين بمرى قدحي أو شجيري.
ويقول التبريزي في «شرحه»: الشجير: القريب، وإنما يعني قدحا يتبرك به فيستعار. يقول: تجدني خفيف اليد بمسح القداح وعند حضور الأيسار، سواء القدح الذي جربته والذي لم أجربه حبا للندى.
[4] الجرير: الزمام، وحبل يجعل للبعير بمنزلة العذار للدابة. والمراد منعه أن يعمل ما يريد.
[5] جلالة: ناقة مسنة.
[6] خطارة: تضرب بذنبها يمينا وشمالا.
[7] الضفور: جمع ضفر كحبل، وهو ما يشد البعير به من مضفور.
[8] باقي المسير: لم يستنفد القدرة على المسير.
[9] فضلا: متفضلا في ثوب واحد. وفي ف:
«قصدا على: وضح الطريق»
[10] الكوم: جمع كوماء، وهي الناقة العظيمة السنام.
[11] الصفايا: النوق الغزيرة اللبن.
[12] العصب: هو ضرب من البرود. وفي ب، س: «بالغض».
وفوارس كأوار [1] حرّ ... النار أحلاس [2] الذّكور
شدّوا دوابر بيضهم ... في كلّ محكمة القتير [3]
فاستلأموا [4] وتلبّبوا ... إن التلبّب للمغير
وعلى الجياد المضمرا ... ت فوارس مثل الصقور
يخرجن من خلل الغبا ... ر يجفن بالنّعم الكثير
فشفيت نفسي من أول ... ئك والفوائح بالعبير
يرفلن في المسك الذكيّ ... وصائك [5] كدم النّحير
يعكفن [6] مثل أساود التّ [7] ... نّوم لم تعكف لزور
/ ولقد دخلت على الفتا ... ة الخدر في اليوم المطير
الكاعب الخنساء [8] تر ... فل في الدمقس وفي الحرير
/ فدفعتها فتدافعت ... مشى القطاة إلى الغدير
ولثمتها فتنفّست ... كتنفّس الظبي البهير
فدنت وقالت يا منخّ ... ل ما بجسمك من حرور؟
ما شفّ جسمي غير حبّك ... فاهدئي عنّي وسيري
ولقد شربت من المدا ... مة بالصغير وبالكبير
ولقد شربت الخمر بال ... خيل الإناث وبالذّكور
ولقد شربت الخمر بال ... عبد الصحيح وبالأسير
فإذا سكرت فإنني ... ربّ الخورنق والسدير
وإذا صحوت فإنني ... ربّ الشّويهة والبعير
يا ربّ يوم للمنخّ ... ل قد لها فيه قصير
يا هند هل من نائل ... يا هند للعاني الأسير [9]
__________
[1] الأوار: اللهب والوهج.
[2] أحلاس: ملازمون، جمع حلس بكسر فسكون، من حلس البيت، وهو الكساء يبسط تحت حر الثياب.
[3] القتير: رؤوس مسامير الدروع.
[4] استلأموا: لبسوا اللأمات، وهي الدروع، وتلببوا: تحزموا، وفي ب، س:
«فاستلبثوا وتلبثوا ... .. إن التلبث» ..
[5] صائك: وصف من صاك به الطيب يصيك: لزق.
[6] يعكفن: يمشطن أو يضفرن شعورهن.
[7] التنوم: شجر يسود كله، شبه ضفائرهن بفروعه.
[8] ف «الحسناء».
[9] جاء هذا البيت في من مو، هد، مد، ولم يرد في سائر النسخ.
ومن الناس من يزيد في هذه القصيدة:
وأحبّها وتحبّني ... ويحبّ ناقتها بعيري
ولم أجده في رواية صحيحة.
صوت
لمن شيخان قد نشدا كلابا ... كتاب اللّه لو قبل الكتابا
أنا شده فيعرض في إباء ... فلا وأبي كلاب ما أصابا
الشعر لأميّة بن الأسكر الليثيّ، والغناء لعبد اللّه بن طاهر، رمل بالوسطى. صنعه ونسبه إلى لميس جاريته، وذكر الهشاميّ أن اللحن لها، وذكره عبيد اللّه بن عبد اللّه بن طاهر في جامع أغانيهم ووقع إليّ، فقال: الغناء فيه للدّار الكبيرة، وكذلك كان يكنّى عن أبيه، وعن إسحاق بن إبراهيم بن مصعب وجواريهم، ويكنّى عن نفسه وجاريته شاجي وما يصنع في دور إخوته بالدار الصغيرة.
2 - أخبار أمية بن الأسكر ونسبه
نسبه:
هو أمية بن حرثان بن الأسكر بن عبد اللّه بن سرابيل الموت بن زهرة بن زبينة [1] بن جندع بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار.
شاعر فارس مخضرم أدرك الجاهلية والإسلام، وكان من سادات قومه وفرسانهم، وله أيام مأثورة مذكورة.
عمر يستعمل ابنه كلابا على الأبلة:
وكان له أخ يقال له: أبو لاعق الدم، وكان من فرسان قومه وشعرائهم، وابنه كلاب بن أمية أيضا أدرك النبي صلى اللّه عليه وسلّم فأسلم مع أبيه، ثم هاجر إلى النبي صلى اللّه عليه وسلّم فقال أبوه فيه شعرا، ذكر أبو عمرو الشيباني أنه هذا الشعر، وهو خطأ، إنما خاطبه بهذا الشعر لما غزا [2] مع أهل العراق لقتال الفرس، وخبره في ذلك يذكر بعد هذا.
قال أبو عمرو في خبره: فأمره صلى اللّه عليه وسلّم بصلة أبيه وملازمته طاعته.
وكان عمر بن الخطاب استعمل كلابا على الأبلّة [3]، فكان أبواه ينتابانه، يأتيه أحدهما في كل سنة، ثم أبطأ عليه وكبرا فضعفا عن لقائه، فقال أبياتا وأنشدها عمر، فرقّ له ورده/ إليهما، فلم يلبث معهما إلا مدة حتى نهشته أفعى؛ فمات وهذا أيضا وهم من أبي عمرو، وقد عاش كلاب حتى ولي لزياد الأبلّة، ثم استعفى، أعفاه. وسأذكر خبره في ذلك وغيره ها هنا إن شاء اللّه تعالى.
شعره لابنه كلاب لما أغزاه عمر وطالت غيبته عنه:
فأما خبره مع عمر فإنّ الحسن بن عليّ أخبرني به، قال: حدثني الحارث بن محمد قال: حدثني المدائنيّ عن أبي بكر الهذليّ عن الزّبيريّ عن عروة بن الزبير قال:
/ هاجر كلاب بن أمية بن الأسكر إلى المدينة في خلافة عمر بن الخطاب، فأقام بها مدّة، ثم لقي ذات يوم طلحة بن عبيد اللّه والزبير بن العوّام، فسألهما: أيّ الأعمال أفضل في الإسلام؟ فقالا: الجهاد، فسأل عمر فأغزاه في جيش، وكان أبوه قد كبر وضعف، فلما طالت غيبة كلاب عنه قال:
لمن شيخان قد نشدا كلابا ... كتاب اللّه إن [4] قبل الكتابا
أناديه فيعرض في إباء ... فلا وأبي كلاب ما أصابا
__________
[1] في ب، س: «زينبة».
[2] ف: «بهذا الشعر لما غزا».
[3] الأبلة: بلدة غربي البصرة، ونهرها معدود من أجمل متنزهات الدنيا.
[4] في ف: «لو قبل»، والأبيات في «أمالي القالي» 3: 108 بترتيب مخالف.
إذا سجعت [1] حمامة بطن واد ... إلى [2] بيضاتها دعرا كلابا
أتاه مهاجران تكنفّاه ... ففارق [3] شيخه خطئا [4] وخابا
تركت أباك مرعشة يداه ... وأمّك ما تسيغ لها شرابا
تمسّح مهره شفقا عليه ... وتجنبه أباعرها الصعابا
- قال: تجنبه وتجنّبه واحد، من قول اللّه عز وجل: وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ
[5]. قال: -
فإنك قد تركت أباك شيخا ... يطارق [6] أينقا شزبا [7] طرابا
/ فإنك والتماس الأجر بعدي ... كباغي الماء يتّبع السرابا [8]
ينشد عمر شعرا ليرد له كلابا فيبكي عمر رحمة له ويرده عليه:
فبلغت أبياته عمر، فلم يردد كلابا وطال مقامه [9] فأهتر أمية وخلط جزعا عليه، ثم أتاه يوما وهو في مسجد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلّم وحوله المهاجرون والأنصار، فوقف عليه ثم أنشأ يقول:
أعاذل قد عذلت بغير قدر ... ولا تدرين عاذل ما ألاقي
فإمّا كنت عاذلتي فردّي ... كلابا إذ توجّه للعراق
ولم أقض اللّبانة من كلاب ... غداة غد وأذّن بالفراق
فتى الفتيان في عسر ويسر ... شديد الرّكن في يوم التلاقي
فلا واللّه ما باليت وجدي ... ولا شفقي عليك ولا اشتياقي
وإبقائي عليك إذا شتونا ... وضمّك تحت نحري واعتناقي
فلو فلق الفؤاد شديد وجد ... لهمّ سواد قلبي بانفلاق
سأستعدى على الفاروق ربّا ... له دفع الحجيج إلى بساق [10]
وأدعو اللّه مجتهدا عليه ... ببطن الأخشبين إلى دفاق
إن الفاروق لم يردد كلابا ... إلى شيخين هامهما زواق
__________
[1] في «الأمالي»: «هتفت».
[2] في «الأمالي»: «على».
[3] في «الأمالي»: «ليترك».
[4] كذا في «الأمالي» والسمط. وفي ب، س، ف: «خطا وطابا» تحريف.
[5] سورة إبراهيم، آية: 35.
[6] يطارق: يطابق.
[7] شزبا: ضامرة. وفي «الأمالي».
وإن أياك حيث علمتماه ... يطارد أينقا شسبا طرابا
[8] هذا البيت ساقط من «الأمالي».
[9] في ب، س: «أمية»، تحريف.
[10] بساق: موضع بعينه.
عمر يسأل كلابا عن مبلغ بره بأبيه فيصفه له:
قال: فبكى عمر بكاء شديدا، وكتب بردّ كلاب إلى المدينة، فلما قدم دخل إليه، فقال: ما بلغ من برّك/ بأبيك؟ قال: كنت أوثره [1] وأكفيه أمره، وكنت أعتمد إذا أردت أن أحلب له لبنا أغزر ناقة في إبله وأسمنها فأريحها [2] وأتركها حتى تستقرّ، ثم أغسل أخلافها حتى تبرد ثم أحتلب له [2] فأسقيه.
عمر يرد كلابا عليه ويأمره أن يلزم أبويه:
فبعث/ عمر إلى أميّة من جاء به إليه، فأدخله يتهادى وقد ضعف بصره وانحنى. فقال له: كيف أنت يا أبا كلاب؟ قال: كما تراني يا أمير المؤمنين. قال: فهل لك من حاجة؟ قال: نعم، أشتهي أن أرى كلابا فأشمّه شمة، وأضمّه ضمّة قبل أن أموت. فبكى عمر، ثم قال: ستبلغ من هذا ما تحبّ إن شاء اللّه تعالى. ثم أمر كلابا أن يحتلب لأبيه ناقة كما كان يفعل، ويبعث إليه. بلبنها، ففعل فناوله عمر الإناء، وقال: دونك هذا يا أبا كلاب [3].
فلما أخذه وأدناه إلى فمه قال: لعمر: واللّه يا أمير المؤمنين، إني لأشمّ رائحة يدي كلاب من هذا الإناء، فبكى عمر، وقال: هذا كلاب عندك حاضرا قد جئناك به، فوثب إلى ابنه وضمّه إليه وقبّله، وجعل عمر يبكي ومن حضره، وقال لكلاب: الزم أبويك فجاهد فيهما ما بقيا، ثم شأنك بنفسك بعدهما، وأمر له بعطائه، وصرفه مع أبيه، فلم يزل معه مقيما حتى مات أبوه.
يخرجه قومه لأن إبله أصيبت بالهيام:
ونسخت من كتاب أبي سعيد السكريّ أن أمية كانت له إبل هائمة - أي أصابها الهيام وهو داء يصيب الإبل من العطش - فأخرجته بنو بكر مخافة أن يصيب إبلهم، فقال لهم: يا بني بكر، إنما هي ثلاث ليال: ليلة بالبقعاء [4] وليلة بالفرع [5]، وليلة بلقف [6] في سامر من بني بكر، فلم ينفعه ذلك وأخرجوه، فأتى مزينة فأجاروه، وأقام عندهم إلى أن صحّت أبله، وسكنت، فقال يمدح مزينة:
تكنّفها الهيام وأخرجوها ... فما تأوى إلى إبل صحاح
/ فكان إلى مزينة منتهاها ... على ما كان فيها من جناح
وما يكن الجناح فإنّ فيها ... خلائق ينتمين إلى صلاح
ويوما في بني ليث بن بكر ... تراعى تحت قعقعة الرماح
فإمّا أصبحن شيخا كبيرا ... وراء الدار يثقلني سلاحي
فقد آتى الصريخ إذا دعاني ... على ذي منعة [7] عتد [8] وقاح
__________
[1] في ب، س: «أدثره». وفي «المختار»: «كنت أبره».
(2 - 2) زيادة: من هد، ف.
[3] في ب، س: «يا كلاب».
[4] البقعاء: ماء لعبس، وقيل: مياه لبني السليط، تلقاء نجد على 24 ميلا من المدينة.
[5] الفرع: قرية من ناحية المدينة.
[6] «لقف» موضع أيضا، وفي ب، س: «تلقف»، تحريف.
[7] وفي ج. ف: «ميعة» وهي جري الفرس ونشاطه.
[8] عتد أي شديد نام الخلق. والوقاح: ذو الصلابة وفي ب، س: «عند»، تحريف.
وشرّ أخي مؤامرة خذول ... على ما كان مؤتكل [1] ولاح
شعره حين ضحك راع منه وقد عمر حتى خرف:
أخبرني عمي قال: حدثنا محمد بن عبد اللّه الحزنبل عن عمرو بن أبي عمرو الشيبانيّ عن أبيه، وأخبرني به محمد بن خلف بن المرزبان قال: حدثنا أبو توبة عن أبي عمرو قال:
عمّر أمية بن الأسكر عمرا طويلا حتى خرف، فكان ذات يوم جالسا في نادي قومه وهو يحدّث نفسه، إذ نظر إلى راعي ضأن لبعض قومه يتعجب منه، فقام لينهض فسقط على وجهه، فضحك الراعي منه، وأقبل ابناه إليه، فلما رآهما أنشأ يقول:
يا بني [2] أمية إني عنكما غان ... وما الغنى غير أني مرعش فان
يا بني أمية إلّا تحفظا كبرى ... فإنما أنتما والثّكل سيّان [3]
هل لكما في تراث تذهبان به ... إن التراث لهيّان بن بيّان
- يقال: هيان بن بيان، وهي ترى للقريب والبعيد - .
/أصبحت هزءا [4] لراعي الضأن يسخر بي [5] ... ماذا يريبك منّي راعي الضأن
/ أعجب لغيري إني تابع سلفي ... أعمام مجد وأجدادي وإخواني
وانعق بضأنك في أرض تطيف بها ... بين الأساف [6] وأنتجها بجلذان [7]
- جلذان [8]: موضع بالطائف -
ببلدة لا ينام الكالئان بها ... ولا يقرّبها أصحاب ألوان
الإمام علي يتمثل بشعر له:
وهذه الأبيات تمثّل بها أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب صلوات اللّه عليه في خطبة له على المنبر بالكوفة.
حدثنا بها أحمد بن عبيد اللّه بن عمار وأحمد بن عبد العزيز الجوهريّ، قالا: حدثنا عمر بن شبّة قال: حدثنا محمد بن أبي رجاء، قال: حدثنا إبراهيم بن سعد، قال: قال عبد اللّه بن عديّ بن الخيار:
شهدت الحكمين، ثم أتيت الكوفة وكانت لي إلى عليّ عليه السلام حاجة، فدخلت عليه، فلما رآني قال:
مرحبا بك يابن أمّ قتّال، أزائرا جئتنا أم لحاجة؟ فقلت: كلّ جاء بي، جئت لحاجة، وأحببت أن أجدّد بك عهدا،
__________
[1] مؤتكل: غاضب هائج.
[2] في ب، س: «بني أمية».
[3] في ف: «مثلان».
[4] في ب، س: «قردا».
[5] ف: «يلعب بي».
[6] الأساف: البقاع التي لا تنبت، جمع أسافة، كسحابة وكناسة.
[7] في «الأمالي»: «جمدان» كعثمان، وهو اسم واد، واسم جبل. في ب، س: «بخلدان».
[8] في ب، س: «خلدان».
وسألته عن حديث فحدثني على ألا أحدّث به واحدا [1]، فبينا أنا يوما بالمسجد في الكوفة إذا عليّ صلوات اللّه عليه متنكّب قرنا [2] له. فجعل يقول: الصلاة جامعة. وجلس على المنبر، فاجتمع الناس، وجاء الأشعث بن قيس فجلس إلى جانب المنبر. فلما اجتمع الناس، ورضي منهم قام فحمد اللّه وأثنى عليه، ثم قال:
/ أيها الناس، إنكم تزعمون أن عندي من رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلّم - ما ليس عند الناس، ألا وإنه ليس [3] عندي إلا ما في قرني هذا، ثم نكت [4] كنانته، فأخرج منها صحيفة فيها: المسلمون تتكافأ دماؤهم، وهم يد على من سواهم.
من أحدث حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة اللّه والملائكة والناس أجمعين». فقال له الأشعث بن قيس: هذه واللّه عليك لا لك، دعها تترحّل، فخفض عليّ - صلوات اللّه عليه - إليه بصره، وقال: ما يدريك ما عليّ مما لي! عليك لعنة اللّه ولعنة اللاعنين، حائك ابن حائك، منافق ابن منافق، كافر ابن كافر. واللّه لقد أسرك الإسلام مرة والكفر مرة، فما فداك من واحد منهما حسبك ولا مالك، ثم رفع إليّ بصره فقال: يا عبيد اللّه:
أصبحت قنّا لراعي الضأن يلعب بي ... ما ذا يريبك منّي راعي الضان
فقلت: بأبي أنت وأمي، قد كنت واللّه أحبّ أن أسمع هذا منك. قال: هو واللّه ذلك، قال:
فما قيل من بعدها من مقالة ... ولا علقت مني جديدا ولا درسا
يعود كلاب إلى البصرة بعد موت أبيه ويولي الأبلة ثم يستعفى منها:
أخبرني الحسن بن عليّ قال: حدثنا الحارث، عن المدائنيّ قال:
لما مات أمية بن الأسكر عاد ابنه كلاب إلى البصرة، فكان يغزو مع المسلمين، منها مغازيهم، وشهد فتوحات كثيرة، وبقي إلى أيام زياد، فوّلاه الأبلّة، فسمع كلاب يوما عثمان بن أبي العاص يحدّث أن داود نبيّ اللّه - عليه السلام - كان يجمع أهله في السّحر فيقول: ادعوا ربكم فإن في السّحر ساعة لا يدعو فيها عبد مؤمن إلا غفر له، إلا أن يكون عشّارا [5] أو عريفا [6].
/فلما سمع ذلك كلاب كتب إلى زياد، فاستعفاه من عمله فأعفاه.
قال المدائنيّ: ولم يزل كلاب بالبصرة [7] حتى مات، والمربعة المعروفة بمربعة كلاب بالبصرة [7] منسوبة/ إليه.
شعر أمية وقد ظفر بنو ليث بقومه:
وقال أبو عمرو الشيبانيّ: كان بين بني غفار قومه و [7] وبني ليث حرب، فظفرت بنو ليث بغفار، فحالف رحضة بن خزيمة بن خلاف بن حارثة بن غفار وقومه [7] جميعا بني أسلم بن أفصى بن خزاعة، فقال أمية بن الأسكر
__________
[1] في ب، س: «حديثا»، تحريف.
[2] قرنا: جعبة.
[3] في ف: «و إنه واللّه».
[4] في ب، س: «نكب»، تحريف.
[5] العشار: جابى عشر الأموال.
[6] العريف: الرئيس، أو النقيب، وهو دون الرئيس.
(7 - 7) تكملة من ف.
في ذلك، وكان سيد بني جندع بن ليث وفارسهم:
لقد طبت نفسا عن مواليك يا رحضا ... آثرت أذناب الشوائل والحمضا [1]
تعلّلنا بالنّصر في كل شتوة ... وكلّ ربيع أنت رافضنا رفضا
فلو لا تأسّينا وحدّ رماحنا ... لقد جرّ قوم لحمنا تربا قضّا
- القضّ والقضيض: الحصا الصغار -
عبد اللّه بن الزبير يتمثل بشعره:
أخبرني الحسن بن عليّ قال: حدثني أحمد بن زهير قال: حدثنا مصعب بن عبد اللّه عن أبيه قال:
افتعل عمرو بن الزبير كتابا عن معاوية إلى مروان بن الحكم بأن يدفع إليه مالا، فدفعه إليه، فلما عرف معاوية خبره كتب إلى مروان بأن يحبس عمرا حتى يؤدّي المال، فحبسه مروان، وبلغ الخبر عبد اللّه بن الزبير، فجاء إلى مروان وسأله عن الخبر، فحدّثه به، فقال: ما لكم في ذمتي، فأطلق عمرا، وأدّى عبد اللّه المال عنه، وقال: واللّه إني لأؤديه عنه وإني لأعلم أنه غير شاكر، ثم تمثّل قول أمية بن الأسكر الليثيّ:
/فلو لا تأسّينا وحدّ رماحنا ... لقد جرّ قوم لحمنا تربا قضّا
سيدان يخطبان بنتا له ويتفاخران في الظفر بها:
وقال ابن الكلبيّ: حدثنا بعض بني الحارث بن كعب قال:
اجتمع يزيد بن عبد المدان وعامر بن الطّفيل بموسم عكاظ، فقدم أمية بن الأسكر، ومعه بنت له من أجمل أهل زمانها، فخطبها يزيد وعامر، فقالت أمّ كلاب امرأة أمية: من هذان الرجلان؟ قال: هذا ابن الديّان، وهذا عامر بن الطفيل. قالت: أعرف ابن الديّان، ولا أعرف عامرا. قال: هل سمعت بملاعب [2] الأسنة؟ قالت: نع واللّه. قال: فهذا ابن أخيه.
وأقبل يزيد فقال: يا أميّة أنا ابن الديان، صاحب الكثيب، ورئيس مذحج، ومكلّم العقاب، ومن كان يصوب أصابعه فتنطف دما، ويدلك راحتيه فتخرجان [3] ذهبا. قال أمية: بخ بخ.
فقال عامر: جدّي الأحزم، وعمّي أبو الأصبع، وعمّي ملاعب الأسنة، وجدّي الرّحّال، وأبي فارس قرزل.
قال أمية: بخ بخ، مرعى ولا كالسّعدان [4]، فأرسلها. مثلا.
فقال يزيد: يا عامر، هل تعلم شاعرا من قومي رحل بمدحه إلى رجل من قومك؟ قال: لا، قال: فهل تعلم أن شعراء قومك يرحلون بمدحهم إلى قومي؟ قال: نعم. قال: فهل لك نجم يمان أو برد يمان أو سيف يمان أو ركن يمان؟ فقال: لا، قال: فهل ملكناكم ولم تملكونا؟ قال: نعم، فنهض يزيد وقام، ثم قال:
__________
[1] الشوائل: جمع شائلة، وهي التي أتى على حملها سبعة أشهر، والحمض: نبت ترعاه الإبل. وفي ب، س، السوالك والمحضا».
[2] في ب، س: «ملاعب».
[3] في ب، س: «فتخرج»، تحريف.
[4] السعدان: نبت من أفضل مراعي الإبل. مثل يضرب للشيء يفضل على أقرانه: وفي «مجمع الأمثال» للميداني: أنه للخنساء.
/
أميّ يابن الأسكر بن مدلج ... لا تجعلن [1] هوازنا كمذحج
إنك إن تلهج بأمر تلجج [2] ... ما النّبع في مغرسه كالعوسج
ولا الصّريح المحض كالممزّج
وقال مرّة بن دودان العقيلي، وكان عدوّا لعامر بن الطفيل:
يا ليت شعري عنك يا يزيد ... ما ذا الذي من عامر تريد؟
لكلّ قوم فخرهم عتيد ... أمطلقون نحن أم عبيد؟
/ لا بل عبيد زادنا الهبيد [3]
فزوّج أمية يزيد [4] فقال يزيد في ذلك:
يا للرجال لطارق الأحزان ... ولعامر بن طفيل الوسنان
كانت إتاوة قومه لمحرّق [5] ... زمنا وصارت بعد للنعمان
عدّ [6] الفوارس من هوازن كلّها ... كثفا [7] عليّ وجئت بالديان
فإذا لي الفضل المبين بوالد ... ضخم الدّسيعة [8] أزأنيّ [9] ويمان
يا عام إنك فارس متهوّر ... غضّ الشباب أخوندى وقيان
/ واعلم بأنك يابن فارس قرزل ... دون الذي تسمو له وتدانى
ليست فوارس عامر بمقرّة ... لك بالفضيلة في بني عيلان
فإذا لقيت بني الخميس ومالكا ... وبني الضّباب وحيّ آل قنان
فاسأل من المرء المنوّه باسمه ... والدافع الأعداء عن نجران؟
يعطى المقادة في فوارس قومه ... كرما لعمرك والكريم يمان [10]
فقال عامر بن الطفيل مجيبا له:
يا للرجال لطارق الأحزان ... ولما يجيء به بنو الدّيان
فخروا عليّ بحبوة لمحرّق ... وإتاوة سلفت من النعمان
__________
[1] في ب، س: «لا تخلن» تحريف.
[2] في ف: «تلهج».
[3] الهبيد: الحنظل.
[4] في ف: «يزيد بن عبد المدان ابنته».
[5] ممن يلقبون بالمحرق: عمرو بن هند، والحارث بن عمرو.
[6] في ب، س: «غدت».
[7] الكثف: الكثرة والالتفاف.
[8] الدسيعة: الجفنة والمائدة الكريمة.
[9] أزأنيّ: لغة في يزني، نسبة إلى يزن، بطن من حمير، ووادلهم: حماه أحد ملوكهم، فسمي بذي يزن. وفي ف: «زانني ونماني».
[10] في ب، س: «معان».
ما أنت وابن محرق وقبيله ... وإتاوة اللخميّ في عيلان؟
فاقصد بذرعك قصد أمرك [1] قصده ... ودع القبائل من بني قحطان
إذ كان سالفنا الإتاوة فيهم ... أولى ففخرك فخر كل يمان
وافخر [2] برهط بني الحماس [3] ومالك ... وابن الضّباب وزعبل وقيان
وأنا المنخل وابن فارس فرزل ... وأبو نزار زانني ونماني [2]
وإذا تعاظمت الأمور موازنا ... كنت المنوّه باسمه والثاني
فلما رجع القوم إلى بني عامر وثبوا على مرّة بن دودان، وقالوا: أنت شاعر بني عامر ولم تهج بني الديان، فقال:
/تكلّفني هوازن فخر قوم ... يقولون الأنام لنا عبيد
أبوهم مذحج وأبو أبيهم ... إذا ما عدّت الآباء - هود
وهل لي إن فخرت بغير فخر ... مقال والأنام له شهود؟
فإنّا لم نزل لهم قطينا [4] ... تجىء إليهم منا الوفود
فإنّا [5] نضرب الأحلام صفحا ... عن العلياء أو [6] من ذا بكيد؟
فقولوا يا بني عيلان كنا ... لكم قنّا وما عنكم محيد [7]
وهذا الخبر مصنوع من مصنوعات ابن الكلبيّ، والتوليد فيه بيّن، وشعره شعر ركيك غثّ، لا يشبه أشعار القوم، وإنما ذكرته لئلا يخلو الكتاب من شيء قد روي.
شعره حين أصيب رهط من قومه يوم المريسيع:
وقال محمد بن حبيب فيما روى عنه أبو سعيد السكّريّ، ونسخته من كتابه، قال أبو عمرو الشيبانيّ:
أصيب قوم من بني جندع بن ليث بن بكر بن هوازن رهط أمية بن الأسكر يقال لهم/: بنو زبينة، أصابهم أصحاب النبي - صلى اللّه عليه وسلّم - يوم المريسيع [8] في غزوته بني المصطلق، وكانوا جيرانه يومئذ - ومعهم ناس من بني لحيان من هذيل، ومع بني جندع رجل من خزاعة يقال له: طارق، فاتهمه بنو ليث بهم، وأنه/ دلّ عليهم. وكانت خزاعة مسلمها [9] ومشركها يميلون إلى النبي - صلى اللّه عليه وسلّم - على قريش. فقال أمية بن الأسكر لطارق الخزاعيّ:
__________
[1] في ف: «قصد قومك قصره».
(2 - 2) زيادة من ف.
[3] ذكروا في شعر يزيد باسم «بني الخميس».
[4] قطينا: أتباعا.
[5] في ب، س: «و إني».
[6] في ف: «أم».
[7] في ف: «لهم قنا وما عنها».
[8] المريسيع: بئر أو ماء الواحة.
[9] في ف: «مسلموها ومشركوها.
لعمرك إني والخزاعيّ طارقا ... كنعجة عاد حتفها تتحفّر
أثارت عليها شفرة بكراعها ... فظلّت بها من آخر الليل تجزر [1]
شمتّ بقوم هم صديقك أهلكوا ... أصابهم يوم من الدهر أعسر
كأنك لم تنبأ بيوم ذؤالة ... ويوم الرّجيع إذ تنحّر حبتر [2]
فهلّا أباكم في هذيل وعمّكم ... ثأرتم وهم أعدى قلوبا وأوتر
ويوم الأراك يوم أردف سبيكم [3] ... صميم سراة الدّيل عبد ويعمر
وسعد بن ليث إذ تسلّ نساؤكم ... وكلب بن عوف نحّروكم وعقّروا [4]
عجبت لشيخ من ربيعة مهتر [5] ... أمرّ له يوم من الدهر منكر
شعر طارق الخزاعي يجيبه فيه:
فأجابه طارق الخزاعيّ فقال:
لعمرك ما أدري وإني لقائل ... إلى أيّ من يظّنّني [6] أتعذّر؟
أعنّف أن كانت زبينة أهلكت ... ونال بني لحيان شرّ ونفّروا
ابن عباس ومعاوية يتمثلان بشعره وشعر صاحبه:
وهذه الأبيات: الابتداء، والجواب تمثّل بابتدائها ابن عباس في رسالة إلى معاوية، وتمثل بجوابها معاوية في رسالة أجابه بها.
حدّثني بذلك أحمد بن عيسى بن أبي موسى العجليّ العطار بالكوفة، قال: حدثنا الحسين بن نصر بن مزاحم المنقريّ قال: حدثنا زيد بن المعذّل النّمريّ، قال: حدثنا يحيى بن شعيب الخراز، قال: حدثنا أبو مخنف، قال:
لما بلغ معاوية مصاب أمير المؤمنين عليّ - عليه السلام - دسّ رجلا من بني القين إلى البصرة يتجسس الأخبار ويكتب بها إليه، فدلّ على القينيّ بالبصرة في بني سليم، فأخذ وقتل.
وكتب ابن عباس من البصرة إلى معاوية:
أما بعد، فإنك ودسّك أخا بني القين إلى البصرة تلتمس من غفلات قريش مثل الذي ظفرت به من يمانيتك لكما قال الشاعر:
لعمرك إني والخزاعيّ طارقا ... كنعجة عاد حتفها تتحفّر
أثارت عليها شفرة بكراعها ... فظلّت بها من آخر الليل تجزر
__________
[1] في ف: «تنحر».
[2] في ف: «خيبر».
[3] في ب، س: «سيبكم».
[4] في ب، س: «عقر»، تحريف.
[5] المهتر: الرجل يفقد عقله من الكبر أو المرض أو الحزن.
[6] يظنّني: يتهمني.
شمتّ بقوم هم صديقك أهلكوا ... أصابهم يوم من الذهر أمعر [1]
فأجابة معاوية: أما بعد، فإن الحسن قد كتب إليّ بنحو مما كتبت به وأنّبني/ بما لم أجن [2] ظنا وسوء رأي، وإنك لم تصب مثلنا، ولكن مثلنا ومثلكم كما قال طارق الخزاعيّ:
فو اللّه ما أدري وإني لصادق ... إلى أيّ من يظنّني أتعذر؟
أعنّف أن كانت زبينة أهلكت ... ونال بني لحيان شرّ ونفّرّوا
صوت
أبنيّ إني قد كبرت ورابني ... بصري وفيّ لمصلح مستمتع
فلئن كبرت نقد دنوت من [3] البلى ... وحلت لكم منّي خلائق أربع
عروضه من الكامل، والشعر لعبدة بن الطبيب، والغناء لابن محرز، ولحنه من القدر الأوسط من الثقيل الأول بالبنصر في مجراها عن إسحاق، وفيه لمعبد خفيف ثقيل أول بالبنصر في مجراها عنه أيضا.
__________
[1] الأمعر: القليل الخير، وفي ب، س: «أصعر».
[2] في ب، س: «أجز»، تحريف.
[3] في ف: «إلى» ورواية «المفضليات»: (146):
فلئن هلكت لقد بنيت مساعيا ... تبقى لكم منها مآثر أربع
3 - نسب عبدة بن الطبيب وأخباره
نسبه واسم الطبيب أبيه:
هو فيما ذكر ابن حبيب عن ابن الأعرابيّ، وأبو نصر أحمد بن حاتم عن الأصمعيّ وأبي عمرو الشيبانيّ وأبي فروة العكليّ: عبدة بن الطبيب، والطبيب اسمه يزيد بن عمرو بن وعلة بن أنس بن عبد اللّه بن عبد تيم بن جشم بن عبد شمس. ويقال: عبشمس بن سعد بن زيد مناة بن تميم.
وقال ابن حبيب خاصة: وقد أخبرني أبو عبيدة قال:
تميم كلها كانت في الجاهلية يقال لها: عبد تيم، وتيم: صنم كان لهم يعبدونه.
كان شاعرا مجيدا ليس بالمكثر:
وعبدة شاعر مجيد ليس بالمكثر، وهو مخضرم، أدرك الإسلام فأسلم، وكان في جيش النعمان بن المقرّن الذين حاربوا معه الفرس بالمدائن. وقد ذكر ذلك في قصيدته التي أولها:
هل حبل خولة بعد الهجر موصول ... أم أنت عنها بعيد الدار مشغول؟
حلّت خويلة في دار مجاورة ... أهل المدينة [1] فيها الديك والفيل
يقارعون رؤوس العجم ضاحية ... منهم فوارس لا عزل ولا ميل [2]
أرثى بيت قالته العرب من شعره:
أخبرني محمد بن العباس اليزيديّ قال: حدّثني عبد الرحمن ابن أخي الأصمعي عن عمه قال:
أرثى بيت قالته العرب قول عبدة بن الطبيب:
فما كان قيس هلكه هلك واحد ... ولكنه بنيان قوم تهدّما
/ وتمام هذه الأبيات: أنشدناه عليّ بن سليمان الأخفش عن السكري والمبرّد والأحول [3] لعبدة يرثي قيسا:
عليك سلام اللّه قيس بن عاصم ... ورحمته ما شاء أن يترحّما
تحية من أوليته منك نعمة ... إذا زار عن شحط بلادك سلّما
وما كان قيس هلكه هلك واحد ... ولكنه بنيان قوم تهدّما
__________
[1] في «المفضليات»: «المدائن».
[2] ميل: جمع أميل، وهو الجبان والسيء الركوب. أو من لا ثرمل معه ولا سيف ولا رمح.
[3] في ب، س: «الأقول»، تحريف.
يترفع عن الهجاء:
أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال: حدثنا أبو عثمان الأشناندانيّ عن التوّزيّ عن أبي عبيدة عن يونس قال:
قال رجل لخالد بن صفوان: كان عبدة بن الطبيب لا يحسن أن يهجو، فقال: لا تقل ذاك، فو اللّه ما أبى من عيّ، ولكنه كان يترفع عن الهجاء ويراه ضعة، كما يرى تركه مروءة وشرفا، قال:
وأجرأ من رأيت بظهر غيب ... على عيب الرجال أولو [1] العيوب
عبد الملك بن مروان يروي أفضل ما ذكره في شعر له
:/ أخبرني محمد بن القاسم الأنباريّ قال: حدثنا أحمد بن يحيى ثعلب، عن ابن الأعرابيّ: أن عبد الملك بن مروان قال يوما لجلسائه:
أيّ المناديل أشرف؟ فقال قائل منهم: مناديل مصر، كأنها غرقىء [2] البيض. وقال آخرون: مناديل اليمن، كأنها نور الربيع. فقال عبد الملك: مناديل أخي بني سعد عبدة بن الطبيب، قال:
لمّا نزلنا نصبنا ظلّ أخبية [3] ... وفار للقوم باللحم المراجيل
/ ورد وأشقر [4] ما يؤنيه [5] طابخه ... ما غيّر الغلي منه فهو مأكول
ثمّت قمنا إلى جرد مسوّمة ... أعرافهنّ لأيدينا مناديل
يعني بالمراجيل: المراجل، فزاد فيها الياء ضرورة.
صوت
إن الليالي أسرعت في نقضي ... أخذن بعضي وتركن بعضي
حنين طولي وطوين عرضي ... أقعدنني من بعد طول نهض
عروضه من الرّجز، الشعر للأغلب العجليّ، والغناء لعمرو بن بانة، هزج بالبنصر.
__________
[1] في ف: «أخو».
[2] الغرقى ء: القشرة الملتزقة ببياض البيض.
[3] في «المفضليات»: 141: «لما وردنا رفعنا ظل أردية».
[4] في «المفضليات»: «وردا». شبه ما أخذ فيه النضج من اللحم بالورد، وما لم ينضج بالأشقر.
[5] يؤنيه، أي يمهله. وفي «المفضليات»: «لم ينهئه» أي ينضجه وفي ب، س «ما ينهئه»، تحريف.
4 - أخبار الأغلب ونسبه
نسبه:
هو - فيما ذكر ابن قتيبة - الأغلب بن جشم بن سعد بن عجل بن لجيم بن صعب بن عليّ بن بكر بن وائل.
إسلامه واستشهاده:
وهو أحد المعمّرين، عمّر في الجاهلية عمرا طويلا، وأدرك الإسلام فأسلم، وحسن إسلامه وهاجر، ثم كان فيمن توجّه إلى الكوفة مع سعد بن أبي وقّاص، فنزلها، واستشهد في وقعة بنهاوند [1]، فقبره هناك في قبور الشهداء.
هو أول من رجز الأراجيز الطوال:
ويقال: إنه أوّل من رجّز الأرايجز الطّوال من العرب، وإياه عنى الحجاج بقوله مفتخرا:
إني أنا الأغلب أمسى قد نشد [2]
قال ابن حبيب: كانت العرب تقول الرجز في الحرب والحداء والمفاخرة وما جرى هذا المجرى، فتأتي منه بأبيات يسيرة، فكان الأغلب أول من قصّد الرجز، ثم سلك الناس بعده طريقته.
كانت له سرحة يصعد عليها ويرتجز:
أخبرنا الفضل بن الحباب الجمحيّ أبو خليفة في كتابه إلينا، قال: أخبرنا محمد بن سلّام، قال: حدثنا الأصمعيّ.
وأخبرنا أحمد بن محمد أبو الحسن الأسديّ قال حدثنا الرياشيّ، قال حدثنا معمر بن عبد الوارث عن أبي عمرو بن العلاء، قال:
كانت للأغلب سرحة [3] يصعد عليها، ثم يرتجز:
قد عرفتني سرحتي فأطّت [4] ... وقد شمطت بعدها واشمطّت
فاعترضه رجل من بني سعد، ثم أحد بني الحارث بن عمرو بن كعب بن سعد، فقال له:
/قبحت من سالفة [5] ومن قفا ... عبد إذا ما رسب القوم طفا
__________
[1] نهاوند: من بلاد الجبل. جنوبي همذان.
[2] في ف: «نثر».
[3] السرحية: كل شجرة لا شوك فيها.
[4] أطت: صوتت.
[5] أصل السالفة: مقدم عنق الفرس. والمراد ذمه بقبح وجهه وقفاه.
كما شرار الرّعي [1] أطراف السّفى
ينقص عمر عطاءه لقبوله الإنشاد من شعر في الجاهلية:
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ، قال: حدثنا عمر بن شبّة، قال: حدثني محمد بن عباد بن حبيب المهلّبيّ، قال: حدثني نصر بن ناب عن داود بن أبي هند عن الشعبيّ، قال:
كتب/ عمر بن الخطاب إلى المغيرة بن شعبة وهو على الكوفة: أن أستنشد من قبلك من شعراء قومك [2] ما قالوا في الإسلام، فأرسل إلى الأغلب العجليّ فاستنشده فقال:
لقد سألت هيّنا موجودا ... أرجزا تريد أم قصيدا؟
ثم أرسل إلى لبيد فقال له: إن شئت مما عفا اللّه عنه - يعني الجاهلية - فعلت. قال: لا، أنشدني ما قلت في الإسلام. فانطلق لبيد فكتب سورة البقرة في صحيفة، وقال: أبدلني اللّه عزّ وجلّ بهذه في الإسلام مكان الشعر.
فكتب المغيرة بذلك إلى عمر، فنقص عمر من عطاء الأغلب خمسمائة، وجعلها في عطاء لبيد؛ فكتب إلى عمر: يا أمير المؤمنين، أتنقص عطائي أن أطعتك [3]! فرد عليه خمسمائة وأقرّ عطاء لبيد على ألفين وخمسمائة.
أخبرني محمد بن عبد العزيز [4]، قال: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثنا محمد بن حاتم، قال: حدثنا عليّ بن القاسم، عن الشعبيّ قال:
/ دخل الأغلب على عمر، فلما رآه قال: هيه، أنت القائل:
أرجزا تريد أم قصيدا؟ ... لقد سألت هيّنا موجودا
فقال: يا أمير المؤمنين إنما أطعتك، فكتب عمر إلى المغيرة: أن أردد عليه الخمس المائة [5] وأقرّ الخمس المائة للبيد.
شعر في سجاح حين تزوجت مسيلمة:
أخبرنا أبو خليفة عن محمد بن سلّام قال: قال الأغلب العجليّ في سجاج لما تزوجت مسيلمة الكذّاب:
لقد لقيت سجاح من بعد العمى ... ملوّحا [6] في العين مجلود القرا [7]
مثل العتيق [8] في شباب قد أتى ... من اللّجيميّين أصحاب القرى
__________
[1] الرعي: ما يرعى.
[2] في ف: «مصرك».
[3] ف: «إنما أطعتك».
[4] ف: «أحمد بن عبد العزيز».
[5] في ب، س: «الخمسمائة».
[6] ملوحا: وصف من لوحة السفر ونحوه، أي غيره وأضمره، أو من لوحت الشيء بالنار بمعنى أحميته.
[7] القرا: الظهر.
[8] العتيق: الجواد الرائع، والفحل من النخل. وقد تكون محرفة عن الفنيق، وهو الفحل المكرم لا يؤذي لكرامته على أهله ولا يركب.
ليس بذى واهنة [1] ولا نسا [2] ... نشأ بلحم وبخبز ما اشترى [3]
حتى شتا [4] ينتح [5] ذفراه [6] الندى ... خاظى [7] البضيع [8] لحمه خظابظا [9]
/كأنما جمّع من لحم الخصى ... إذا تمطّى بين برديه صأى [10]
كأنّ عرق أيره إذا ودى [11] ... حبل عجوز ضفّرت سبع قوى
يمشي على قوائم خمس زكا [12] ... يرفع وسطاهنّ من برد النّدى
قالت: متى كنت أبا الخير متى؟ ... قال حديثا لم يغيّرني البلى
ولم أفارق خلّة لي عن قلى ... فانتسفت [13] فيشته ذات الشّوى [14]
كأن في أجلادها [15] سبع كلى [16] ... ما زال عنها بالحديث والمنى
والخلق السّفساف يردى في الردى ... قال: ألا ترينه قالت: أرى
قال: ألا أدخله؟ قالت: بلى ... فشام فيها مثل محراث [17] الغضى [18]
يقول لما غاب فيها واستوى ... لمثلها كنت أحسّيك الحسا
من أخبار سجاح:
وكان من خبر سجاح وادعائها النبوة وتزويج مسيلمة الكذاب إياها ما أخبرنا به إبراهيم بن النسوي يحيى، عن أبيه عن شعيب عن سيف:
إنّ سجاح التميميّة ادعت النبوّة بعد وفاة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلّم، واجتمعت/ عليها بنو تميم، فكان فيما ادّعت أنه أنزل/ عليها: يأيها المؤمنون المتقون، لنا نصف الأرض، ولقريش نصفها، ولكنّ قريشا قوم يبغون.
__________
[1] الواهنة: ريح تأخذ في المنكبين، أو في العضد، أو في الأخدعين عند الكبر.
[2] النسا: عرق من الورك إلى الكعبين، كأنه يريد أن نساه صحيح.
[3] في ف، مد: «ما اشتهى».
[4] في ف: «نشا».
[5] ينتح: يخرج.
[6] الذفري: العظم الشاخص خلف الأذن.
[7] خاظى: مكتنز.
[8] البضيع: ما انماز من لحم الفخذ، جمع بضيعة.
[9] وخظا: اكتنز وركب لحمه بعضه بعضا، وبظا: وتوكيد لما قبله.
[10] صأى: صوت.
[11] ودى: المراد نعظ، أي قام.
[12] أصل الزكا: الشفع من العدد. وقيل في الشفع والوتر: الأعداد كلها شفع ووتر. فيكون خمس زكا، خمس عددا.
[13] انتسف اللون بالبناء للمجهول: التمع، وانتسف الطائر الشي ء: نقره. وفي «المختار»: «فانتفشت».
[14] الشوى: في الأصل: قحف الرأس.
[15] أجلادها: أصل الأجلاد من الإنسان جسمه أو حملة شخصه.
[16] من معاني الكلية: مقعد حمالة القوس.
[17] المحراث: ما تحرك به النار.
[18] في ب، س «الفضا»، وفي ف: «القضا». وكل تحريف.
واجتمعت بنو تميم كلها إليها لتنصرها. وكان فيهم الأحنف بن قيس، وحارثة بن بدر، ووجوه تميم كلها.
وكان مؤذّنها شبيب بن ربعيّ الرياحيّ، فعمدت في جيشها إلى مسيلمة الكذاب وهو باليمامة، وقالت: يا معشر تميم، اقصدوا اليمامة، فاضربوا فيها كل هامة، وأضرموا فيها نارا ملهامة، حتى تتركوها سوداء كالحمامة [1].
وقالت لبني تميم: إن اللّه لم يجعل هذا الأمر في ربيعة، وإنما جعله في مضر، فاقصدوا هذا الجمع، فإذا فضضتموه كررتم على قريش. فسارت في قومها وهم الدّهم [2] الداهم. وبلغ مسيلمة خبرها، فضاق بها ذرعا، وتحصّن في حجر حصن اليمامة. وجاءت في جيوشها فأحاطت به، فأرسل إلى وجوه قومه وقال: ما ترون؟ قالوا:
نرى أن نسلّم هذا الأمر إليها وتدعنا، فإن لم نفعل فهو البوار.
وكان مسيلمة ذا دهاء، فقال: سأنظر في هذا الأمر. ثم بعث إليها: إن اللّه - تبارك وتعالى - أنزل عليك وحيا، وأنزل عليّ. فهلمّي نجتمع، فنتدارس ما أنزل اللّه علينا، فمن عرف الحق تبعه، واجتمعنا فأكلنا العرب أكلا بقومي وقومك.
فبعثت إليه: أفعل، فأمر بقيّة أدم فضربت، وأمر بالعود المندليّ [3] فسجر فيها، وقال: أكثروا من الطيب والمجمر [4]، فإنّ المرأة إذا شمت رائحة الطيب ذكرت الباه، ففعلوا ذلك.
/ وجاءها رسوله يخبرها بأمر القبّة المضروبة للاجتماع، فأتته فقالت: هات ما أنزل عليك. فقال: ألم تر كيف فعل ربك بالحبلى، أخرج منها نطفة تسعى، بين صفاق [5] وحشا، من بين ذكر وأنثى، وأموات وأحيا، ثم إلى ربهم يكون المنتهى. قالت: وماذا؟ قال: ألم تر أن اللّه خلقنا أفواجا، وجعل النساء لنا أزواجا، فنولج فيهن الغراميل إيلاجا، ونخرجها منهن إذا شئن إخراجا. قالت: فبأي شيء أمرك؟ قال:
ألا قومي إلى النّيك ... فقد هبّي لك المضجع
فإن شئتي [6] ففي البيت ... وإن شئتي ففي المخدع
وإن شئتي سلقناك [7] ... وإن شئتي على أربع
وإن شئتي بثلثيه ... وإن شئتي به أجمع
قال: فقالت: لا، إلّا به أجمع. قال: فقال: كذا أوحى اللّه إليّ، فواقعها. فلما قام عنها قالت: إن مثلي لا يجري أمرها هكذا، فيكون وصمة على قومي وعليّ، وليكن مسلّمة النبوّة إليك، فاخطبني إلى أوليائي يزوّجوك، ثم أقود تميما معك.
فخرج وخرجت معه، فاجتمع الحيّان من حنيفة وتميم، فقالت لهم سجاح: إنه قرأ عليّ ما أنزل عليه،
__________
[1] عبارة الطبري (2: 239): ... ودفوا دفيف الحمامة.
[2] الدهم: العدد الكثير.
[3] العود المندلي: هو المطري بالمسك والعنبر. واللبان. منسوب إلى مندل: قرية بالهند.
[4] المجمر: ما يوضع فيه الجمر.
[5] الصفاق: الجلد الأسفل الذي تحث الجلد الذي عليه الشعر.
[6] وصلت تاء الفاعل المكسورة بالياء لهجة لربيعة.
[7] سلقها: بسطها فجامعها.
فوجدته حقّا، فاتبعته، ثم خطبها، فزوّجوه إياها، وسألوه عن المهر، فقال: قد وضعت عنكم صلاة العصر، فبنو تميم إلى الآن بالرّمل لا يصلّونها، ويقولون: هذا حق لنا، ومهر كريمة منا لا نردّه. قال: وقال شاعر من بني تميم يذكر أمر سجاح في كلمة له:
أضحت نبيّتنا أنثى نطيف بها ... وأصبحت أنبياء اللّه ذكرانا
قال: وسمع الزبرقان بن بدر لأحنف يومئذ، وقد ذكر مسيلمة وما تلاه عليهم، فقال/ الأحنف: واللّه ما رأيت أحمق من هذا النبي قطّ. فقال الزبرقان: واللّه لأخبرن بذلك مسيلمة. قال:/ إذا واللّه أحلف أنك كذبت فيصدّقني ويكذبك. قال: فأمسك الزبرقان، وعلم أنه قد صدق.
قال: وحدّث الحسن البصريّ بهذا الحديث، فقال: أمن واللّه أبو بحر من نزول الوحي. قال: فأسلمت سجاح بعد ذلك وبعد قتل مسيلمة، وحسن إسلامها.
صوت
كم ليلة فيك بتّ أسهرها ... ولوعة من هواك أضمرها
وحرقة والدموع تطفئها ... ثم يعود الجوى فيسعرها
بيضاء رود [1] الشباب قد غمست ... في خجل دائب يعصفرها
اللّه جار لها فما امتلأت ... عيناي إلا من حيث أبصرها
الشعر للبحتريّ، والغناء لعريب، رمل مطلق من مجموع أغانيها، وهو لحن مشهور في أيدي الناس، واللّه أعلم.
__________
[1] الرود: مخفف الرؤد، وهي الشابة الحسنة السريعة الشباب مع حسن غذاء.
5 - أخبار البحتري ونسبه
نسبه وكنيته:
هو الوليد بن عبيد اللّه [1] بن يحيى بن عبيد بن شملال بن جابر بن سلمة بن مسهر بن الحارث بن خيثم [2] ابن أبي حارثة بن جدي بن تدول بن بحتر بن عتود بن عثمة [3] بن سلامان بن ثعل بن عمرو بن الغوث بن جلهمة وهو طيّىء بن أدد بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان.
شاعريته وندرة هجائه:
ويكنى أبا عبادة، شاعر فاضل فصيح حسن المذهب، نقيّ الكلام، مطبوع، كان مشايخنا رحمة اللّه عليهم يختمون به الشعراء، وله تصرّف حسن فاضل نقيّ في ضروف الشعر، سوى الهجاء، فإن بضاعته فيه نزرة، وجيّده منه قليل. وكان ابنه أبو الغوث يزعم أن السبب في قلة بضاعته في هذا الفن أنه لمّا حضره الموت دعابه، وقال له:
اجمع كلّ شيء قلته في الهجاء. ففعل، فأمره بإحراقه، ثم قال له: يا بني، هذا شيء قلته في وقت، فشفيت به غيظي، وكافأت به قبيحا فعل بي، وقد انقضى أربي في ذلك، وإن بقي روي، وللناس أعقاب يورثونهم العداء والمودة، وأخشى أن يعود عليك من هذا شيء [4] في نفسك أو معاشك لا فائدة لك ولي فيه، قال: فعلمت أنه قد نصحني وأشفق عليّ، فأحرقته.
أخبرني بذلك عليّ بن سليمان الأخفش عن أبي الغوث.
وهذا - كما قال أبو الغوث - لا فائدة لك ولا لي فيه، لأن الذي وجدناه وبقي في أيدي الناس من هجائه أكثره ساقط، مثل قوله في ابن شير زاد:
/نفقت نفوق الحمار الذّكر ... وبان ضراطك عنا فمر
ومثل قوله في عليّ بن الجهم [5]:
ولو أعطاك ربّك ما تمنّى [6] ... لزادك منه في غلظ الأيور
علام طفقت تهجوني مليّا ... بما لفّقت من كذب وزور
__________
[1] مم، ف: «عبيد».
[2] ف: «جشم».
[3] ف: عمير».
[4] ف: «شر».
[5] ف: «مروان بن أبي الجنوب» بدل «علي بن الجهنم» والمثبت في «الديوان» هو ما ذكرناه.
[6] تمنى هنا ليس فعلا ماضيا، ولكنه مضارع محذوف أحد التائين.
وأشباه لهذه الأبيات، ومثلها [1] لا يشاكل طبعه، ولا تليق بمذهبه، وتنبىء بركاكتها وغثاثة/ ألفاظها عن قلّة حظّه في الهجاء، وما يعرف له هجاء جيّد إلا قصيدتان إحداهما قوله في ابن أبي قماش:
مرّت على عزمها ولم تقف ... مبدية للشّنان والشّنف
يقول فيها لابن أبي قماش:
قد كان في الواجب المحقّق أن ... تعرف ما في ضميرها النّطف
بما تعاطيت في العيوب وما ... أوتيت من حكمة ومن لطف
أما رأيت المرّيخ قد مازج الزّ ... هرة في الجدّ منه والشّرف
وأخبرتك النّحوس أنكما ... في حالتي ثابت ومنصرف
من أين أعملت ذا وأنت على ... التّقويم والزّيج جدّ منعكف [2]
أما زجرت الطيّر العلا أو تعيّ ... فت المها [3] أو نظرت في الكتف
رذلت في هذه الصناعة أو ... أكديت أو رمتها على الخرف
لم تخط باب الدّهليز منصرفا ... إلا وخلخالها مع الشّنف [4]
/و هي طويلة، ولم يكن مذهبي ذكرها إلا للإخبار عن مذهبه في هذا الجنس، وقصيدته في يعقوب بن الفرج النّصرانيّ، فإنها - وإن لم تكن في أسلوب هذه وطريقتها - تجري مجرى التّهكّم باللفظ الطيّب الخبيث المعاني، وهي:
تظنّ شجوني لم تعتلج ... وقد خلج البين من قد خلج
وكان البحتريّ يتشبّه بأبي تمّام من شعره، ويحذو مذهبه، وينحو نحوه في البديع الذي كان أبو تمام يستعمله، ويراه صاحبا وإماما، ويقدّمه على نفسه، ويقول في الفرق بينه وبينه قول منصف: إنّ جيّد أبي تمّام خير من جيّده، ووسطه ورديئه خير من وسط أبي تمّام ورديئه [5]، وكذا حكم هو على نفسه.
هو وأبو تمام:
أخبرني محمد بن يحيى الصولي: قال: حدثني الحسين بن علي الياقظانيّ: قال:
قلت للبحتريّ: أيّما أشعر أنت أو أبو تمام؟ فقال: جيّده خير من جيّدي، ورديئي خير من رديئه.
حدثني محمد بن يحيى قال: حدثني أبو الغوث يحيى بن البحتري: قال:
كان أبي يكنّى أبا الحسن، وأبا عبادة، فأشير عليّ [6] في أيام المتوكل بأن أقتصر [7] على أبي عبادة، فإنها أشهر، فاقتصرت [8] عليها.
__________
[1] ف، مم: «من جنسها».
[2] البيت ساقط من ب، س.
[3] لعلها: «تعيفت لها» بدل «تعيفت المها».
[4] الشّنف: ما علّق بالأذن، وفي ف: «الكتف».
[5] كذا في ف: وفي باقي النسخ: «و وسطه خير من وسط أبي تمام ورديئه» وهذا أسلم للعبارة.
[6] ف، مم: «فأشير عليه ... بأن يقتصر ... فاقتصر».
حدثني محمد قال:
سمعت عبد اللّه بن الحسين بن سعد يقول للبحتريّ - وقد اجتعمنا في دار عبد اللّه بالخلد، وعنده المبرّد في سنة ست وسبعين ومائتين، وقد أنشد البحتريّ شعرا لنفسه قد كان أبو تمام قال في مثله - : أنت واللّه أشعر من أبي تمّام في هذا الشعر،/ قال: كلّا واللّه، إن أبا تمام للرّئيس والأستاذ، واللّه ما أكلت الخبر إلّا به، فقال له المبرّد: للّه درّك يا أبا الحسن، فإنك تأبى إلا شرفا من جميع جوانبك.
حدثني محمد: قال: حدثني الحسين بن إسحاق: قال:
قلت للبحتريّ: إن الناس يزعمون أنك أشعر من أبي تمام، فقال: واللّه ما ينفعني هذا القول، ولا يضرّ أبا تمّام، واللّه ما أكلت الخبز إلا به، ولوددت أنّ الأمر كان كما قالوا، ولكني واللّه تابع له آخذ منه لائذ به، نسيمي يركد عند هوائه، وأرضي تنخفض عند سمائه.
حدثني محمد بن يحيى: قال: حدثني سوّار بن أبي شراعة، عن البحتري: قال: وحدثني أبو عبد اللّه الألوسيّ، عن علي بن يوسف [1]،/عن البحتري: قال:
كان أوّل أمري في الشعر ونباهتي أنّي صرت إلى أبي تمّام، وهو بحمص، فعرضت عليه شعري، وكان الشّعراء يعرضون عليه أشعارهم، فأقبل عليّ، وترك سائر من حضر، فلما تفرّقوا قال لي: أنت أشعر من أنشدني، فكيف باللّه حالك؟ فشكوت خلّة [2] فكتب إلى أهل معرّة النّعمان، وشهد لي بالحذق بالشعر، وشفع لي إليهم وقال: امتدحهم، فصرت إليهم، فأكرموني بكتابه، ووظّفوا لي أربعة آلاف درهم، فكانت أول مال أصبته. وقال عليّ بن يوسف في خبره: فكانت نسخة كتابه: «يصل كتابي هذا على يد الوليد أبي عبادة الطائيّ، وهو - على بذاذته [3] - شاعر، فأكرموه».
يعشق غلاما. فيلتحى:
حدثني جحظة: قال: سمعت البحتريّ يقول: كنت أتعشق غلاما من أهل/ منبج يقال له شقران، واتّفق لي سفر، فخرجت فيه، فأطلت الغيبة، ثم عدت، وقد التحى، فقلت فيه، وكان أول شعر قلته:
نبتت لحية شقرا ... ن شقيق النّفس بعدي
حلقت [4]، كيف أتته ... قبل أن ينجز وعدي!
وقد روى في غير هذه الحكاية أن اسم الغلام شندان.
بدء التعارف بينه وبين أبي تمام:
حدثني عليّ بن سليمان: قال: حدثني أبو الغوث بن البحتريّ عن أبيه، وحدثني عمي: قال: حدثني علي بن العباس النّوبختيّ، عن البحتريّ، وقد جمعت الحكايتين، وهما قريبتان: قال:
__________
[1] ف، مم: «علي بن سيف».
[2] الخلة: الحاجة.
[3] بذ بذاذة وبذوذة: ساءت حاله ورثت هيئته.
[4] حلقت بالبناء للمجهول: جملة دعائية، وفي بعض النسخ: خلقت، وهو تصحيف.
أول ما رأيت أبا تمّام أنّي دخلت على أبي سعيد محمد بن يوسف، وقد مدحته بقصيدتي:
أ أفاق صبّ من هوى فأفيقا ... أو خان عهدا أو أطاع شفيقا؟
فسر بها أبو سعيد، وقال: أحسنت واللّه يا فتى وأجدت، قال: وكان في مجلسه رجل نبيل رفيع المجلس منه، فوق كل من حضر عنده، تكاد تمسّ ركبته ركبته، فأقبل عليّ ثم قال: يا فتى، أما تستحي منّي! هذا شعر لي تنتحله، وتنشده بحضرتي! فقال له أبو سعيد: أحقّا تقول! قال: نعم، وإنما علقه مني، فسبقني به إليك، وزاد فيه، ثم اندفع فأنشد أكثر هذه القصيدة، حتى شكّكني - علم اللّه - في نفسي، وبقيت متحيّرا، فأقبل عليّ أبو سعيد، فقال: يا فتى، قد كان في قرابتك منّا وودّك لنا ما يغنيك عن هذا، فجعلت أحلف له بكل محرجة من الأيمان أنّ الشّعر لي ما سبقني إليه أحد، ولا سمعته منه، ولا انتحلته، فلم ينفع ذلك شيئا، وأطرق أبو سعيد، وقطع بي، حتى تمنّيت أني سخت في الأرض، فقمت منكسر البال أجرّ رجليّ، فخرجت، فما هو إلا أن بلغت باب الدّار حتى خرج الغلمان فردّوني، فأقبل عليّ الرّجل، فقال: الشعر لك يا بني، واللّه/ ما قلته قطّ، ولا سمعته إلا منك، ولكنني ظننت أنّك تهاونت بموضعي، فأقدمت على الإنشاد بحضرتي من غير معرفة كانت بيننا، تريد بذلك مضاهاتي ومكاثرتي، حتى عرّفني الأمير نسبك وموضعك، ولوددت ألّا تلد أبدا طائيّة إلا مثلك، وجعل أبو سعيد يضحك، ودعاني أبو تمام، وضمّني إليه، وعانقني، وأقبل يقرّظني، ولزمته بعد ذلك، وأخذت عنه، واقتديت به، هذه رواية من ذكرت.
إشاد له بأبي سعيد محمد بن يوسف الثغري:
وقد حدثني عليّ بن سليمان الأخفش أيضا قال: حدثني عبد اللّه بن الحسين بن سند القطربليّ:
أن البحتريّ حدثه أنّه دخل على/ أبي سعيد محمد بن يوسف الثّغريّ، وقد مدحه بقصيدة، وقصده بها، فألقى عنده أبا تمام وقد أنشده قصيدة له فيه، فاستأذنه البحتريّ في الإنشاد وهو يومئذ حديث السّنّ، فقال له: يا غلام أتنشدني بحضرة أبي تمّام؟ فقال: تأذن ويستمع [1]، فقام، فأنشده إياها، وأبو تمام يسمع ويهتزّ من قرنه إلى قدمه استحسانا فلما فرغ منها قال: أحسنت واللّه يا غلام، فممّن أنت؟ قال: من طيّى ء، فطرب أبو تمّام وقال: من طيّ ء، الحمد للّه على ذلك، لوددت أن كل طائية تلد مثلك، وقبّل بين عينيه، وضمّه إليه وقال لمحمد بن يوسف:
قد جعلت له جائزتي، فأمر محمد بها، فضمّت إلى مثلها، ودفعت [2] إلى البحتريّ، وأعطى أبا تمّام مثلها، وخصّ به، وكان مدّاحا له طول أيامه ولابنه بعده، ورثاهما بعد مقتليهما، فأجاد، ومراثيه فيهما أجود من مدائحه، وروى أنه قيل له في ذلك فقال: من تمام الوفاء أن تفضل المراثي المدائح [3] لا كما قال الآخر - وقد سئل عن ضعف مراثيه فقال - : كنا نعمل للرّجاء، نحن نعمل اليوم للوفاء. وبينهما بعد.
كان بخيلا زري الهيئة:
حدثني حكم بن يحيى الكنتحي قال:
/ كان البحتريّ من أوسخ خلق اللّه ثوبا وآلة وأبخلهم على كل شيء [4]، وكان له أخ وغلام معه في داره،
__________
[1] ف، مم: «تأذن وتستمع».
[2] ف: «و دفعتا».
[3] زيادة «لا» عن مم، ف، وهي زيادة ضرورية، لأن مذهب الشاعرين على طرفي نقيض.
[4] مم: «و أبخلهم على الطعام».
فكان يقتلهما جوعا، فإذا بلغ منهما الجوع أتياه يبكيان، فيرمي إليهما بثمن أقواتهما مضيّقا مقتّرا، ويقول: كلا، أجاع اللّه أكبادكما [1] وأعرى أجلادكما [1] وأطال إجهادكما.
قال حكم بن يحيى: وأنشدته يوما من شعر أبي سهل بن نوبخت، فجعل يحرّك رأسه، فقلت له: ما تقول فيه؟ فقال: هو يشبه مضغ الماء ليس له طعم ولا معنى.
وحدثني أبو مسلم محمد بن بحر الأصبهانيّ الكاتب، قال:
دخلت على البحتريّ يوما فاحتبسني عنده، ودعا بطعام له، ودعاني إليه، فامتنعت من أكله، وعنده شيخ شاميّ لا أعرفه، فدعاه إلى الطعّام، فتقدّم، وأكل معه أكلا عنيفا، فغاظه ذلك، والتفت إليّ، فقال لي: أتعرف هذا الشيخ؟ فقلت: لا، قال: هذا شيخ من بني الهجيم الذين يقول فيهم الشاعر:
وبنو [2] الهجيم قبيلة ملعونة ... حصّ اللّحى [3] متشابهو الألوان
لو يسمعون بأكلة أو شربة ... بعمان أصبح جمعهم بعمان [4]
قال: فجعل الشيخ يشتمه، ونحن نضحك.
ماء من يد حسناء:
وحدثني جحظة: قال: حدثني عليّ [5] بن يحيى المنجّم: قال:
اجتازت جارية بالمتوكّل معها كوز ماء، وهي أحسن من القمر، فقال لها: ما اسمك؟
/ قالت: برهان، قال: ولمن هذا الماء؟ قالت: لستيّ قبيحة، قال: صبيّه في حلقي، فشربه عن آخره، ثم قال للبحتريّ: قل في هذا شيئا، فقال البحتريّ:
ما شربة [6] من رحيق كأسها ذهب ... جاءت بها الحور من جنّات رضوان
يوما بأطيب من ماء بلا عطش ... شربته عبثا من كف برهان
أخبرني عليّ بن سليمان الأخفش، وأحمد بن جعفر جحظة: قالا: حدثنا أبو الغوث بن البحتري: قال:
كتبت إلى أبي يوما أطلب منه نبيذا، فبعث إليّ بنصف قنّينة درديّ [7]، وكتب إليّ: دونكها يا بنيّ، فإنها تكشف القحط، وتضبط الرّهط. قال الأخفش، وتقيت الرّهط.
قصته مع أحمد بن علي الإسكافي:
حدثني أبو الفضل عباس بن أحمد بن ثوابة قال:
__________
(1 - 1) التكملة من: ف، مم.
[2] ب، س: «و بني الهجيم».
[3] حص اللحى: قليلو شعر اللحية.
[4] عمان الأولى ممنوعة من الصرف، وعمان الثانية مصروفة، وليس في هذا ضرورة شعرية. لأنه يجوز فيها الأمران، كقريش وتميم ونحوهما، على معنى حي أو قبيلة.
[5] كذا في النسخ، وفي نسخة بيروت: «يحيى بن علي المنجم».
[6] ف: «قهوة».
[7] الدردي: ما رسب أسفل العسل والزيت ونحوهما من كل شيء مائع كالأشربة والأدهان.
قدم البحتريّ النّيل [1] على أحمد/ بن عليّ الإسكافيّ مادحا له، فلم يثبه ثوابا يرضاه بعد أن طالت مدّته عنده، فهجاه بقصيدته التي يقول فيها:
ما كسبنا من أحمد بن عليّ ... ومن النّيل غير حمّى النّيل
وهجاه بقصيدة أخرى أولها:
قصّة النّيل فاسمعوها عجابه
فجمع إلى هجائه إياه هجاء أبي ثوابة، وبلغ ذلك أبي، فبعث إليه بألف درهم وثياب ودابّة بسرجها ولجامها، فردّه إليه، وقال: قد أسلفتكم إساءة لا يجوز معها قبول رفدكم [2]، فكتب إليه أبي: أمّا الإساءة فمغفورة وأما المعذرة فمشكورة، والحسنات/ يذهبن السيئات، وما يأسو جراحك مثل يدك. وقد رددت إليك ما رددته عليّ، وأضعفته، فإن تلافيت ما فرط منك أثبنا وشكرنا، وإن لم تفعل احتملنا وصبرنا. فقبل ما بعث به، وكتب إليه: كلامك واللّه أحسن من شعري، وقد أسلفتني ما أخجلني، وحمّلتني ما أثقلني، وسيأتيك ثنائي. ثم غدا إليه بقصيدة أولها:
ضلال لها ماذا أرادت إلى الصّد
وقال فيه بعد ذلك:
برق أضاء العقيق من ضرمه
وقال فيه أيضا:
دان دعا داعي الصّبا فأجابه
قال: ولم يزل أبي يصله بعد ذلك، ويتابع برّه لديه حتى افترقا.
شعره في نسيم غلامه:
أخبرني جحظة قال:
كان نسيم غلام البحتريّ الذي يقول فيه:
دعا عبرتي تجري على الجور والقصد ... أظنّ نسيما قارف الهمّ من بعدي
خلا ناظري من طيفه بعد شخصه ... فيا عجبا للدّهر فقد [3] على فقد
غلاما روميّا ليس بحسن الوجه، وكان قد جعله بابا من أبواب الحيل على النّاس، فكان يبيعه ويعتمد أن يصيّره إلى ملك بعض أهل المروءات ومن ينفق عنده الأدب، فإذا حصل في ملكه شبّب به، وتشوّقه، ومدح مولاه، حتى يهبه له، فلم يزل ذلك دأبه حتى مات نسيم، فكفي النّاس أمره.
خبره مع محمد بن علي القمي وغلامه:
أخبرني عليّ بن سليمان الأخفش قال:
__________
[1] النيل: بليدة في سواد الكوفة، ونهر من أنهار الرقة، عن «معجم ياقوت».
[2] ف: «صلتكم».
[3] فقد بالرفع على أنها خبر لمبتدأ محذوف، وفي ف: فقدا بالنصب على الحالية.
كتب البحتريّ إلى أبي محمد بن عليّ القمّيّ [1] يستهديه نبيذا، فبعث إليه نبيذا مع/ غلام له أمرد، فجمّشه [2] البحتريّ، فغضب الغلام غضبا شديدا، دلّ البحتريّ على أنه سيخبر مولاه بما جرى، فكتب إليه:
أبا جعفر كان تجميشنا ... غلامك إحدى الهنات الدّنيّه
بعثت إلينا بشمس المدام ... تضيء لنا مع شمس البريّه
فليت الهديّة كان الرّسول ... وليت الرسول إلينا الهديّة
فبعث إليه محمد بن عليّ الغلام هديّة، فانقطع البحتريّ عنه بعد ذلك مدة، خجلا مما جرى، فكتب إليه محمد بن عليّ:
هجرت كأنّ البرّ أعقب حشمة ... ولم أر وصلا قبل ذا أعقب الهجرا
فقال فيه قصيدته التي أولها:
فتى مذحج عفوا فتى مذحج غفرا [3]
وهي طويلة. وقال فيه أيضا:
أمواهب [4] هاتيك أم أنواء ... هطل وأخذ ذاك أم إعطاء
إن دام ذا أو بعض ذا من فعل ذا ... ذهب [5] السخاء فلا يعدّ [6] سخاء
/ ليس الذي حلّت تميم وسطه ... الدّهناء، لكن صدرك الدهناء [7]
ملك أغر لآل طلحة مجده ... كفّاه بحر سماحة وسماء [8]
/و شريف أشراف إذا احتكّت بهم ... جرب القبائل أحسنوا وأساءوا [9]
أمحمد بن عليّ أسمع عذرة ... فيها شفاء للمسيء وداء
مالي إذ ذكر الكرام رأيتني ... مالي مع النّفر الكرام وفاء؟
يضفو عليّ العذل وهو مقارب ... ويضيق عني العذر وهو فضاء
إنّي هجرتك إذ هجرتك حشمة ... لا العود يذهبها ولا الإبداء
__________
[1] نسبة إلى بلدة «قم» قال ياقوت: وهي مدينة إسلامية لا أثر للأعاجم فيها بين أصبهان وساوة.
[2] التجميش: المغازلة والملاعبة.
[3] مذحج كمجلس: أكمة، ولدت مالكا وطيئا أمهما عندها، فسموا مذحجا، وفي ب: «فتى مذحج غفرا فتى مذحج غفرا»، والمثبت من ف، وهو الوجه.
[4] مواهب بالتنوين للضرورة.
[5] في «المختار»: فني السخاء.
[6] في «الديوان»:
«فلا يحس سخاء»
[7] الدهناء: الصحراء.
[8] ف: «و عطاء».
[9] ب، مم: «إذا احتلت» بدل «إذا احتكت». و «حرب» بدل «جرب» والمثبت من ف.
أخجلتني بندى يديك فسّودت ... ما بيننا تلك اليد البيضاء [1]
وقطعتني بالبرّ حتى إنني ... متوهّم أن لا يكون لقاء
صلة غدت في الناس وهي قطيعة ... عجبا وبرّ راح وهو جفاء
ليواصلنّك ركب شعري سائرا ... تهدى به في مدحك الأعداء [2]
حتى يتمّ لك الثّناء مخلّدا ... أبدا كما دامت لك النّعماء
فتظلّ تحسدك الملوك الصيد بي ... وأظلّ يحسدني بك الشّعراء
كان موته بالسكتة:
أخبرني عليّ بن سليمان الأخفش: قال: سألني القاسم بن عبيد اللّه عن خبر البحتريّ، وقد كان أسكت، ومات من تلك العلّة، فأخبرته بوفاته، وأنه مات في تلك السّكتة، فقال: ويحه رمي في أحسنه [3].
أبو تمام يلقن البحتري درسا في الاستطراد:
أخبرني محمد بن يحيى: قال: حدثني محمد بن عليّ الأنباريّ: قال:
سمعت البحتريّ يقول: أنشدني أبو تمام يوما لنفسه:
وسابح هطل التّعداء هتّان ... على الجراء أمين غير خوّان [4]
أظمي الفصوص ولم تظمأ قوائمه ... فخلّ عينيك في ظمآن ريّان [5]
فلو تراه مشيحا والحصى زيم [6] ... بين السّنابك من مثنّى ووحدان
أيقنت إن لم تثبّت أنّ حافره ... من صخر تدمر أو من وجه عثمان [7]
ثم قال لي: ما هذا الشعر؟ قلت: لا أدري، قال: هذا هو المستطرد، أو قال الاستطراد. قلت: وما معنى ذلك؟ قال: يريك أنه يريد وصف الفرس وهو يريد هجاء عثمان، وقد فعل البحتري ذلك، فقال في صفة الفرس:
ما إن يعاف قذى ولو أوردته ... يوما خلائق حمدويه الأحول
وكان حمدويه الأحول عدوّا لمحمد بن علي القمّي الممتدح بهذه القصيدة فهجاه في عرض مدحه محمدا.
واللّه أعلم.
__________
[1] لعله يريد بتسويد النعمة البيضاء، ما فرط منه من تجميشه للغلام، أو يريد أن هذه النعمة جعلته له رقيقا على حد قول الشاعر:
كلما قلت أعتق اللّه رقي ... صيرتني له المكارم عبدا
[2] في ب: «لأوصلنك». وفي مم: «تهذي» بدل «تهدي» وفي «المختار»: «يرويه فيك لحسنه الأعداء».
[3] لعله يريد بأحسن ما فيه، لسانه.
[4] ب: «الشعراء» بدل «التعداء» وهو تحريف، والجراء: جمع جرو، وهو ولد الكلب وكل سبع.
[5] الفصوص: المفاصل، وظمؤها: ضمورها، وجر «ريان» وكذا عثمان في البيت الأخير لضرورة الشعر، وفي «المختار: «فجل بعينيك في ظمآن ريان».
[6] زيم: جمع زيمة، وهو القطعة من الشيء.
[7] تثبت: فعل مضارع حذفت منه إحدى التائين. وتدمر: قال ياقوت: تدمر: مدينة قديمة مشهورة في برية الشام، والمقصود وصف وجه عثمان بالصفافة، حتى كأنه قطعة قدت من صخر، وعثمان هو عثمان بن إدريس.
أبو تمام يشيد به:
حدثني عليّ بن سليمان الأخفش: قال: حدّثني أبو الغوث بن البحتريّ: قال:
حدثني أبي: قال: قال لي أبو تمام: بلغني أنّ بني حميد أعطوك مالا جليلا فيما مدحتهم به، فأنشدني شيئا منه، فأنشدته بعض ما قلته فيهم، فقال لي: كم أعطوك؟ فقلت: كذا وكذا، فقال: ظلموك، واللّه ما وفوك حقّك، فلم استكثرت ما دفعوه إليك؟ / واللّه لبيت منها خير مما أخذت، ثم أطرق قليلا، ثم قال: لعمري لقد استكثرت ذلك، واستكثر لك لمّا مات الناس وذهب/ الكرام، وغاضت المكارم، فكسدت سوق الأدب، أنت واللّه يا بنيّ أمير الشعراء غدا بعدي، فقمت فقبّلت رأسه ويديه ورجليه، وقلت له: واللّه لهذا القول أسرّ إلى قلبي وأقوى لنفسي مما وصل إليّ من القوم.
أبو تمام ينعي نفسه:
حدثني محمد بن يحيى عن الحسن بن علي الكاتب: قال: قال لي البحتريّ: أنشدت أبا تمام يوما شيئا من شعري، فتمثّل ببيت أوس بن حجر:
إذا مقرم منا ذرا حدّ نابه ... تخمّط فينا ناب آخر مقرم [1]
ثم قال لي: نعيت واللّه إليّ نفسي، فقلت: أعيدك باللّه من هذا القول، فقال: إنّ عمري لن يطول، وقد نشأ في طيء مثلك، أما علمت أنّ خالد بن صفوان رأى شبيب بن شيبة، وهو من رهطة يتكلم، فقال: يا بنيّ، لقد نعى إليّ نفسي إحسانك في كلامك،، لأنّا أهل بيت ما نشأ فينا خطيب قطّ إلّا مات من قبله، فقلت له: بل يبقيك اللّه، ويجعنلي فداءك. قال: ومات أبو تمام بعد سنة.
يشمخ بأنفه فيغري به المتوكل الصيمري:
حدثني أحمد بن جعفر جحظة: قال: حدثني أبو العنبس الصّميريّ قال:
كنت عند المتوكل والبحتريّ ينشده:
عن أيّ ثغر تبتسم ... وبأيّ طرف تحتكم؟
حتى بلغ إلى قوله:
قل للخليفة جعفر ال ... متوكّل بن المعتصم
/ المبتدي للمجتدي [2] ... والمنعم بن المنتقم
أسلم لدين محمد ... فإذا سلمت فقد سلم
قال: وكان البحتريّ من أبغض الناس إنشادا، يتشادق ويتزاور [3] في مشيه مرة جانبا، ومرّة القهقري، ويهزّ
__________
[1] المقرم: السيد المقدم، تشبيها بالمقرم من الإبل، وهو المكرم الذي لا يحمل عليه ولا يذلل، وذرا حد نابه: انكسر، والتخمط:
الأخذ والقهر بغلبة، والبيت في معنى قول الآخر:
إذا مات منا سيد قام صاحبه
[2] ب، مم: «المجتدي للمتجدي»، وما أثبتناه من ف. وهو أبلغ في المدح، لأن المراد أن يعطي قبل السؤال.
[3] يتزاور: ينحرف.
رأسه مرّة، ومنكبيه أخرى، ويشير بكمّه، ويقف عند كل بيت، ويقول: أحسنت واللّه، ثم يقبل على المستمعين، فيقول: ما لكم لا تقولون أحسنت؟ هذا واللّه ما لا يحسن أحد أن يقول مثله: فضجر المتوكل من ذلك وأقبل عليّ، وقال: أما تسمع يا صيمريّ ما يقول؟ فقلت: بلى يا سيّدي، فمرني فيه بما أحببت، فقال: بحياتي أهجه على هذا الرّويّ الذي أنشدنيه، فقلت: تأمر ابن حمدون أن يكتب ما أقول، فدعا بداوة وقرطاس، وحضرني على البديهة أن قلت:
أدخلت رأسك في الرّحم ... وعلمت أنّك تنهزم
يا بحتريّ حذار ويحك ... من قضاقضة ضغم [1]
فلقد أسلت بواديي ... ك [2] من الهجا سيل العرم
فبأيّ عرض تعتصم ... وبهتكه جفّ القلم؟
واللّه حلفة صادق ... وبقبر أحمد والحرم
وبحقّ جعفر الإما ... م ابن الإمام المعتصم
لأصيّرنّك شهرة ... بين المسيل إلى العلم
/ حيّ الطّلول [3] بذي سلم ... حيث الأراكة والخيم
يا بن الثّقيلة والثق ... يل على قلوب ذوي النّعم
/ وعلى الصغير مع الكب ... ير من الموالي والحشم
في أي سلح ترتطم ... وبأيّ كفّ تلتقم؟
يا بن المباحة للورى ... أمن العفاف أم التّهم [4]
إذ رحل أختك للعجم ... وفراش أمّك في الظّلم
وبباب دارك حانة ... في بيته يؤتى الحكم
قال: فغضب، وخرج يعدو، وجعلت أصيح به:
أدخلت رأسك في الرّحم ... وعلمت أنّك تنهزم
والمتوكل يضحك، ويصفّق حتى غاب عن عينه.
هكذا حدثني جحظة عن أبي العنبس.
ووجدت هذه الحكاية بعينها بخط الشاهيني حكاية عن أبي العنبس، فرأيتها قريبة اللفظ، موافقة المعنى لما ذكره جحظة، والذي يتعارفه الناس أن أبا العنبس قال هذه الأبيات ارتجالا، وكان واقفا خلف البحتريّ، فلما ابتدأ وأنشد قصيدته:
__________
[1] القضاقض: الأسد، وجمعه قضاقضة، وضغمه: عضه بملء فيه، فهو ضاغم، وجمعه ضغم.
[2] ب، مم: «بوالديك» والمثبت من ف.
[3] ب، س: «حيث الطلول».
[4] ب: «أمن العقاب أم الفهم» والمثبت من مم، ف، والمستفهم عنه ما ورد في البيتين التاليين.
عن أيّ ثغر تبتسم ... وبأيّ طرف تحتكم
صاح به أبو العنبس من خلفه:
في أيّ سلح ترتطم ... وبأيّ كفّ تلتقم
أدخلت رأسك في الرّحم ... وعلمت أنك تنهزم
/ فغضب البحتريّ، وخرج، فضحك المتوكّل حتى أكثر، وأمر لأبي العنبس بعشرة آلاف درهم واللّه أعلم.
وأخبرني بهذا الخبر محمد بن يحيى الصّوليّ، وحدثني عبد اللّه بن أحمد بن حمدون عن أبيه: قال: وحدثني يحيى بن علي عن أبيه:
إن البحتريّ أنشد المتوكّل - وأبو العنبس الصّيمريّ حاضر - قصيدته:
عن أيّ ثغر تبتسم ... وبأيّ طرف تحتكم؟
[1] إلى آخرها، وكان إذا أنشد يختال، ويعجب بما يأتي به، فإذا فرغ من القصيدة ردّ البيت الأول، فلما رده بعد فراغه منها. وقال:
عن أيّ ثغر تبتسم ... وبأيّ طرف تحتكم [1]
قال أبو العنبس وقد غمزه المتوكل أن يولع به:
في أي سلح ترتطم ... وبأي كفّ تلتقم
أدخلت رأسك في الرّحم ... وعلمت أنّك تنهزم
فقال نصف البيت الثاني، فلما سمع البحتريّ قوله ولّى مغضبا، فجعل أبو العنبس يصيح به:
وعلمت أنك تنهزم
فضحك المتوكل من ذلك حتى غلب، وأمر لأبي العنبس بالصّلة التي أعدّت للبحتري.
قال أحمد بن زياد [2]: فحدّثني أبيّ قال:
/ جاءني البحتريّ، فقال لي: يا أبا خالد أنت عشيرتي وابن عمّي وصديقي، وقد رأيت ما جرى عليّ، أفتأذن لي [3] أن أخرج إلى منبج بغير إذن، فقد ضاع العلم، وهلك الأدب؟ فقلت: لا تفعل من هذا شيئا، فإن الملوك تمزح بأعظم مما جرى، ومضيت معه إلى الفتح، فشكا إليه ذلك، فقال له نحوا من قولي، ووصله،/ وخلع عليه، فسكن إلى ذلك.
الصيمري يسترسل في سخريته به بعد موت المتوكل:
حدثني جحظة عن عليّ بن يحيى المنجّم: قال:
لمّا قتل المتوكّل قال أبو العنبس الصيّمريّ:
__________
(1 - 1) التكملة من هد، هج.
[2] مم، ف: «أحمد بن يزيد».
[3] ف: «أفترى لي». ومنبج: بلدة الشاعر شمالي سوريا.
يا وحشة الدنيا على جعفر ... على الهمام الملك الأزهر [1]
على قتيل من بني هاشم ... بين سرير الملك والمنبر
واللّه ربّ البيت والمشعر ... واللّه أن لو قتل البحتري
لثار بالشّام له ثائر ... في ألف نغل [2] من بني عض خرى
يقدمهم كلّ أخي ذلّة ... على حمار دابر أعور
فشاعت الأبيات حتى بلغت البحتريّ، فضحك، ثم قال: هذا الأحمق يرى أنّي أجيبه على مثل هذا، فلو عاش امرؤ القيس. فقال، من كان يجيبه [3]؟.
__________
[1] البيت من مم، ف، وهو ساقط من ب، س.
[2] ب: «نفل» بدل «نغل» والنغل ابن الزنا، أما عض خرى فلعله اسم قبيلة اخترعها للصيمري اختراعا لمجرد السخرية.
[3] في «المختار»: «و لو عاش امرؤ القيس. فقال مثل قوله لم أجبه».
6 - ذكر نتف من أخبار عريب مستحسنة
منزلتها في الغناء والأدب:
كانت عريب مغنّية محسنة، وشاعرة صالحة الشعر، وكانت مليحة الخط والمذهب في الكلام، ونهاية في الحسن والجمال والظّرف، وحسن الصورة وجودة الضّرب، وإتقان الصنعة والمعرفة بالنّغم والأوتار، والرواية للشعر والأدب، لم يتعلق بها أحد من نظرائها، ولا روئي في النساء بعد القيان الحجازيّات القديمات، مثل جميلة وعزّة الميلاء وسلّامة الزرقاء ومن جرى مجراهن - على قلة عددهن - نظير لها، وكانت فيها من الفضائل التي وصفناها ما ليس لهنّ مما يكون لمثلها من جواري الخلفاء، ومن نشأ في قصور الخلافة وغذّي برقيق العيش، الذي لا يدانيه عيش الحجاز، والنش بين العامة والعرب الجفاة، ومن غلظ طبعه، وقد شهد لها بذلك من لا يحتاج مع شهادته إلى غيره.
أخبرني محمد بن خلف وكيع، عن حماد بن إسحاق: قال: قال لي أبي:
ما رأيت امرأة أضرب من عريب، ولا أحسن صنعة ولا أحسن وجها، ولا أخفّ روحا، ولا أحسن خطابا، ولا أسرع جوابا، ولا ألعب بالشّطرنج والنّرد، ولا أجمع لخصلة حسنة لم أر مثلها في امرأة غيرها. قال حمّاد:
فذكرت ذلك ليحيى بن أكثم في حياة أبي، فقال: صدق أبو محمد، هي كذلك، قلت: أفسمعتها؟ قال: نعم هناك، يعني في دار المأمون، قلت: أفكانت كما ذكر أبو محمد في الحذق؟ فقال يحيى: هذه مسألة الجواب فيها على أبيك، فهو أعلم مني بها، فأخبرت بذلك أبي، فضحك، ثم قال: ما استحييت من قاضي القضاة أن تسأله عن مثل هذا.
هي وإسحاق والخليفة المعتصم:
أخبرنا يحيى بن علي بن يحيى: قال: حدثني أبي، قال:
قال لي إسحاق: كانت عندي صنّاجة [1] كنت بها معجبا، واشتهاها أبو إسحاق المعتصم في خلافة المأمون، فبينا أنا ذات يوم في منزلي، إذ أتاني إنسان يدقّ الباب دقّا/ شديدا، فقلت: انظروا من هذا؟ فقالوا: رسول أمير المؤمنين، فقلت: ذهبت صنّاجتي، تجده ذكرها له ذاكر، فبعث إليّ فيها. فلمّا مضى بي الرسول انتهيت إلى الباب، وأنا مثخن، فدخلت، فسلّمت، فردّ عليّ السلام، ونظر إلى تغيّر وجهي، فقال لي: أسكن، فسكنت، فقال لي:
غنّ صوتا [2] وقال لي: أتدري لمن هو؟ فقلت: أسمعه، ثم أخبر أمير المؤمنين إن شاء اللّه ذلك، فأمر جارية من وراء الستارة، فغنّته وضربت، فإذا هي قد شبّهته بالغناء القديم، فقلت: زدني معها عودا آخر، فإنه أثبت لي، فزادني عودا آخر،/ فقلت: هذا الصوت محدث لامرأة ضاربة، قال: من أين قلت ذاك؟ قلت: لمّا سمعت لينه
__________
[1] الصناجة: آلة موسيقية ذات أوتار.
[2] ف، مم: «فسألني عن صوت».
عرفت أنه محدث من غناء النساء، ولما رأيت جودة مقاطعه علمت أنّ صاحبته ضاربة، وقد حفظت مقاطعه وأجزاءه، ثم طلبت عودا آخر، فلم أشكّ، فقال: صدقت، الغناء لعريب.
قال ابن المعتز: وقال يحيى بن عليّ [1]:
أمرني المعتمد على اللّه أن أجمع غناءها الذي صنعته، فأخذت منها دفاترها وصحفها التي كانت قد جمعت فيها غناءها فكتبته فكان ألف صوت.
أصواتها كمّا وكيفا:
وأخبرني علي بن عبد العزيز، عن ابن خرداذبه:
أنه سأل عريب عن صنعتها، فقالت: قد بلغت إلى هذا الوقت ألف صوت.
وحدثني محمد بن إبراهيم قريض [2] أنه جمع غناءها من ديواني ابن المعتز، وأبي العبيس بن حمدون، وما أخذه عن بدعة جاريتها التي أعطاها إياها بنو هاشم، فقابل بعضه ببعض، فكان ألفا ومائة وخمسة وعشرين صوتا.
وذكر العتّابيّ أنّ أحمد بن يحيى حدثه: قال:
سمعت أبا عبد اللّه الهشاميّ يقول - وقد ذكرت صنعة عريب - : صنعتها مثل قول أبي دلف في خالد بن يزيد حيث يقول:
/يا عين بكّي خالدا ... ألفا ويدعى واحدا
يريد أنّ غناءها ألف صوت في معنى واحد، فهي بمنزلة صوت واحد وحكى عنه أيضا هذه الحكاية ابن المعتز.
وهذا تحامل لا يحلّ [3]، ولعمري إن في صنعتها لأشياء مرذولة ليّنة، وليس ذلك مما يضعها، ولا عري كبير أحد من المغنّين القدماء والمتأخرين من أن يكون صنعته النادر والمتوسّط سوى قوم معدودين مثل ابن محرز ومعبد في القدماء، ومثل إسحاق وحده في المتأخرين، وقد عيب بمثل هذا ابن سريج في محله، فبلغه أن المغنين يقولون: إنما يغنى ابن سريج الأرمال والخفاف، وغناؤه يصلح للأعراس والولائم، فبلغه ذلك فتغنى بقوله:
لقد حبّبت نعم إلينا بوجهها ... مساكن [4] ما بين الوتائر فالنّقع
ثم توفّي بعدها، وغناؤه يجري مجرى المعيب [5] عليه، وهذا إسحاق يقول في أبيه: - على عظيم محلّه في هذه الصناعة وما كان إسحاق يشيد به من ذكره وتفضيله على ابن جامع وغيره - ولأبي ستّمائة صوت، منها مائتان تشبّه فيها بالقديم، وأتى بها في نهاية من الجودة، ومائتان غناء وسط مثل أغاني سائر الناس، ومائتان فلسية [6] وددت أنه
__________
[1] ف: «علي بن يحيى» والمثبت من ب، مم.
[2] ب: «محمد بن القاسم قريض».
[3] ف، مم: «لا يجمل».
[4] ف: «منازل»، والوتار: موقع بين مكة والطائف، والبيت لعمر بن أبي ربيعة.
[5] ف: «ثم توفي بعدها فجرى مجرى المعتب عليه».
[6] ف، مم: «فلسية» ولعله يقصد أنها تافهة، فينسبها إلى الفلس المقابل للدرهم والدينار.
لم يظهرها وينسبها لنفسه، فأسترها عليه، فإذا كان هذا قول إسحاق في أبيه فمن يعتذر بعده من أن يكون له جيّد ورديء، وما عري أحد في صناعة من الصناعة من حال ينقصه عن الغاية، لأن الكمال شيء تفرّد اللّه العظيم به، والنقصان جبلّة طبع بني آدم [1] عليها، وليس ذلك إذا وجد في بعض أغاني عريب مما يدعو إلى إسقاط سائرها، ويلزمه اسم الضّعف واللّين، وحسب المحتجّ لها شهادة إسحاق بتفضيلها، وقلّما شهد/ لأحد، أو سلم خلق - وإن تقدّم وأجمع على فضله - من شينه [2] إيّاه وطعنه عليه، لنفاسته في هذه الصناعة، واستصغاره أهلها، فقد تقدّم في أخباره مع علّوية، ومخارق، وعمرو بن بانة، وسليم بن سلام، وحسين بن محرز، ومن قبلهم/ ومن فوقهم مثل ابن جامع وإبراهيم بن المهديّ وتهجينه إياهم، وموافقته لهم على خطئهم فيما غنّوه وصنعوه مما يستغنى به عن الإعادة في هذا الموضع، فإذا انضاف فعله هذا بهم، وتفضيله إياها، كان ذلك أدلّ على التحامل ممّن طعن عليها، وإبطاله فيما ذكرها به، ولقائل ذلك - وهو أبو عبد اللّه الهشامي - سبب كان يصطنعه عليها، فدعاه إلى ما قال، نذكره بعد هذا إن شاء اللّه تعالى.
ومما يدلّ على إبطاله أنّ المأمون أراد أن يمتحن إسحاق في المعرفة بالغناء القديم والحديث، فامتحنه بصوت من غنائها من صنعتها، فكاد يجوز عليه، لو لا أنه أطال الفكر والتلوّم واستثبت، مع علمه بالمذاهب في الصنعة، وتقدّمه في معرفة النّغم وعللها، والإيقاعات ومجاريها.
وأخبرنا بذلك يحيى بن عليّ بن يحيى: قال: حدثني أبي عن إسحاق:
فأمّا السبب الذي كان من أجله يعاديها الهشامي، فأخبرني به يحيى بن محمد بن عبد اللّه بن طاهر قال: ذكر لأبي أحمد عبيد اللّه بن عبد اللّه بن طاهر عميّ أنّ الهشاميّ زعم أن أحسن صوت صنعته عريب:
صاح قد لمت ظالما
وإن غناءها بمنزلة قول أبي دلف في خالد:
يا عين بكّي خالدا ... ألفا ويدعى واحدا
فقال: ليس الأمر كما ذكر، ولعريب صنعة فاضلة متقدّمة، وإنما قال هذا فيها/ ظلما وحسدا، وغمطها ما تستحقّه من التّفضيل، بخبر لها معه طريف، فسألناه عنه، فقال: أخرجت الهشاميّ معي إلى سرّ من رأى، بعد وفاة أخي، يعني أبا محمد بن عبد اللّه بن طاهر، فأدخلته على المعتزّ، وهو يشرب، وعريب تغنّي، فقال له: يا بن هشام، غنّ، فقال: تبت من الغناء قتل سيّدي المتوكل، فقالت له عريب: قد واللّه أحسنت حيث تبت، فإن غناءك كان قليل المعنى، لا متقن [3] ولا صحيح ولا مطرب، فأضحكت أهل المجلس جميعا منه، فخجل؛ فكان بعد ذلك يبسط لسانه فيها، ويعيب صنعتها، ويقول: هي ألف صوت في العدد، وصوت واحد في المعنى.
وليس الأمر كما قاله، إن لها لصنعة تشبّهت فيها بصنعة الأوائل، وجوّدت، وبرزت فيها، منها:
أئن سكنت نفسي وقلّ عويلها
ومنها:
__________
[1] كذا في ب على أن فاعل طبع ضمير ذى الجلال، وفي ف، مم: «طبع بالبناء للمجهول».
[2] مم: «تليه».
[3] كان القياس لا متقنا، ولا صحيحا، ولا مطربا بالنصب، فلعل هنا مبتدأ مقدرا «لا هو متقن ... » إلخ.
تقول همّي يوم ودّعتها
ومنها:
إذا أردت انتصافا كان ناصركم
ومنها:
بأبي من هو دائي [1]
ومنها:
أسلموها في دمشق كما
ومنها:
فلا تتعنّتي ظلما وزورا [2]
/و منها:
لقد لام ذا الشوق الخليّ من الهوى [3]
ونسخت ما أذكره من أخبارها، فأنسبه إلى ابن المعتزّ من كتاب دفعه إليّ محمد بن إبراهيم الجراحيّ المعروف بقريض، وأخبرني أن عبد اللّه بن المعتز دفعه إليه، من جمعه وتأليفه، فذكرت منها ما استحسنته من أحاديثها، إذا كان فيها حشو كثير، وأضفت إليه ما سمعته ووقع إليّ غير مسموع مجموعا ومتفرقا، ونسبت كل رواية إلى راويها.
برمكية النسب:
قال ابن المعتز: حدّثني الهشاميّ أبو عبد اللّه وأخبرني علي بن عبد العزيز، عن ابن خرداذبة قالا:
كانت عريب لعبد اللّه بن إسماعيل صاحب مراكب الرّشيد، وهو الذي ربّاها، وأدّبها، وعلّمها الغناء.
قال ابن المعتزّ: وحدثني غير الهشاميّ، عن إسماعيل بن الحسين خال المعتصم: أنها بنت جعفر بن يحيى، وأنّ البرامكة لما انتهبوا سرقت وهي صغيرة.
قال: فحدثني عبد الواحد بن إبراهيم بن محمد بن الخصيب: قال:
حدّثني/ من أثق به، عن أحمد بن عبد اللّه بن إسماعيل المراكبي: أنّ أمّ عريب كانت تسمّى فاطمة، وكانت قيّمة لأم عبد اللّه بن يحيى بن خالد، وكانت صبيّة نظيفة، فرآها جعفر بن يحيى، فهويها، وسأل أمّ عبد اللّه أن تزوّجه إيّاها، ففعلت، وبلغ الخبر يحيى بن خالد، فأنكره؛ وقال له: أتتزوّج من لا تعرف لها أمّ ولا أب؟ اشتر مكانها مائة [4] جارية وأخرجها، فأخرجها، وأسكنها دارا في ناحية باب الأنبار سرّا من أبيه. ووكّل بها من يحفظها، وكان يتردّد إليها، فولدت عريب في سنة/ إحدى وثمانين ومائة، فكانت سنوها إلى أن ماتت ستا وتسعين سنة، قال:
وماتت أمّ عريب في حياة جعفر، فدفعها إلى امرأة نصرانية، وجعلها داية لها، فلما حدثت الحادثة بالبرامكة باعتها
__________
[1] ب: «دان» بدل: «دائي».
[2] ساقطة من ب، وهي في مم، ف.
[3] ب، س، مم:
«لقد نام ذو الشوق القديم من الهوى»
[4] ف: «ألف جارية».
من سنبس النخّاس، فباعها من المراكبي.
قال ابن المعتز: وأخبرني يوسف بن يعقوب:
إنه سمع الفضل بن مروان يقول: كنت إذا نظرت إلى قدمي عريب شبّهتهما بقدمي جعفر بن يحيى، قال:
وسمعت من يحكي أن بلاغتها في كتبها ذكرت لبعض الكتّاب فقال: فما يمنعها من ذلك وهي بنت جعفر بن يحيى؟.
وأخبرني جحظة قال: دخلت إلى عريب مع شروين المغني وأبي العبيس بن حمدون، وأنا يومئذ غلام عليّ قباء ومنطقة، فأنكرتني وسألت عنّي، فأخبرها شروين، وقال: هذا فتى من أهلك، هذا ابن جعفر بن موسى بن يحيى بن خالد، وهو يغنّي بالطّنبور، فأدنتني، وقرّبت مجلسي، ودعت بطنبور، وأمرتني بأن أغنّي فغنّيت أصواتا، فقالت: قد أحسنت يا بنيّ ولتكوننّ مغنّيا، ولكن إذا حضرت بين هذين الأسدين ضعت أنت وطنبورك بين عوديهما، وأمرت لي بخمسين دينارا.
قال ابن المعتزّ: وحدّثني ميمون بن هارون: قال:
حدّثتني عريب قالت: بعث الرشيد إلى أهلها [1] - تعني البرامكة - رسولا يسألهم عن حالهم، وأمره ألّا يعلمهم أنه من قبله، قالت: فصار إلى عمي الفضل، فسأله، فأنشأ عمّي يقول:
صوت
سألونا عن حالنا كيف أنتم ... من هوى نجمه فكيف يكون؟
نحن قوم أصابنا عنت الدّهر ... فظلنا لريبه نستكين
/ ذكرت عريب أنّ هذا الشعر للفضل بن يحيى، ولها فيه لحنان: ثاني ثقيل وخفيف ثقيل، كلاهما بالوسطى، وهذا غلط من عريب، ولعله بلغها أنّ الفضل تمثل بشعر غير هذا، فأنسيته وجعلت هذا مكانه.
فأمّا هذا الشّعر فللحسين بن الضحّاك، لا يشكّ فيه، يرثي به محمدا الأمين بعد قوله:
نحن قوم أصابنا حادث ... الدّهر فظلنا لريبه نستكين
نتمنّى من الأمين إيابا ... كلّ يوم وأين منّا الأمين؟
وهي قصيدة.
تعشق، وتهرب إلى معشوقها:
قال ابن المعتزّ: وحدّثني الهشاميّ:
إنّ مولاها خرج إلى البصرة، وأدّبها وخرّجها وعلّمها الخطّ والنّحو والشّعر والغناء، فبرعت في ذلك كله، وتزايدت حتى قالت الشعر، وكان لمولاها صديق يقال له حاتم بن عديّ من قوّاد خراسان، وقيل: إنه كان يكتب/ لعجيف على ديوان الفرض، فكان مولاها يدعوه كثيرا، ويخالطه، ثم ركبه دين فاستتر عنده، فمدّ عينه إلى عريب، فكاتبها، فأجابته، وكانت المواصلة بينهما، وعشقته عريب، فلم تزل تحتال حتى اتخذت سلّما من
__________
[1] ف، مم: «أهلنا».
عقب [1]، وقيل: من خيوط غلاظ، وسترته، حتى إذا همّت بالهرب إليه بعد انتقاله عن منزل مولاها بمدّة - وقد أعدّ لها موضعا - لفّت ثيابها وجعلتها في فراشها بالليل، ودثرتها بدثارها، ثم تسوّرت من الحائط، حتى هربت، فمضت إليه، فمكثت عنده زمانا، قال: وبلغني أنها لمّا صارت عنده بعث إلى مولاها يستعير منه عودا تغنّيه به، فأعاره عودها، وهو لا يعلم أنها عنده، ولا يتهمه بشيء من أمرها، فقال عيسى بن عبد اللّه بن إسماعيل المراكبيّ، وهو عيسى ابن زينب يهجو أباه ويعيّره بها، وكان كثيرا ما يهجوه:
/قاتل اللّه عريبا ... فعلت فعلا عجيبا
ركبت والليل داج ... مركبا صعبا مهوبا [2]
فارتقت متّصلا بالنّجم ... أو منه قريبا
صبرت حتى إذا ما ... أقصد النّوم الرّقيبا [3]
مثّلت بين حشايا ... هالكيلا تستريبا [4]
خلفا منها إذا نو ... دي لم يلف مجيبا
ومضت يحملها الخو ... ف قضيبا وكثيبا
محّة [5] لو حرّكت خفت ... عليها أن تذوبا
فتدلّت لمحبّ ... فتلقّاها حبيبا
جذلا قد نال في الدّنيا ... من الدّنيا نصيبا
أيّها الظّبي الذي تسحر ... عيناه القلوبا
والذي يأكل بعضا ... بعضه حسنا وطيبا
كنت نهبا لذئاب ... فلقد أطعمت ذيبا
وكذا الشاة إذا لم ... يك راعيها لبيبا
لا يبالي وبأ المر ... عى إذا كان خصيبا [6]
فلقد أصبح عبد اللّه م ... كشخان حريبا [6]
/قد لعمري لطم الوجه ... وقد شقّ الجيوبا
وجرت منه دموع ... بكت الشّعر الخضيبا
وقال ابن المعتزّ: حدّثنا محمد بن موسى بن يونس:
__________
[1] العقب: العصب الذي تعمل منه الأوتار.
[2] ف، مم: «المختار» «مهيبا» بدل «مهوبا» وكلاهما صحيح.
[3] أقصد النوم الرقيبا أي أصاب الرقيب سهم النوم.
[4] المراد: أنها مثلت في مخدع نومها شبحا يوهم أنه هي حتى لا تبعث الريبة.
[5] المحّة: صفرة البيض، يشبهها بمح البيضة في اللين.
[6] الكشخان: الديوث، والحريب: المسلوب المال، وفي مم: «كشخان مريبا»، وفي «المختار» «كشخانا حريبا».
أنّها ملّته بعد ذلك، فهربت منه، فكانت تغنّي عند أقوام عرفتهم ببغداد، وهي متستّرة متخفيّة، فلمّا كان يوم من الأيّام اجتاز ابن أخ للمراكبي ببستان كانت فيه مع قوم تغنّي، فسمع غناءها، فعرفه، فبعث إلى عمه من وقته، وأقام هو بمكانه، فلم يبرح حتى جاء عمّه، فلبّبها [1] وأخذها، فضربها مائة مقرعة، وهي تصيح: يا هذا لم تقتلني! أنا لست أصبر عليك، أنا أمرأة حرّة إن كنت مملوكة فبعني، لست أصبر على الضّيقة،/ فلما كان من غد ندم على فعله، وصار إليها فقبّل رأسها ورجلها، ووهب لها عشرة آلاف درهم، ثم بلغ محمّدا الأمين خبرها، فأخذها منه، قال: وكان خبرها سقط إلى محمد في حياة أبيه، فطلبها منه، فلم يجبه إلى ما سأل، وقبل ذلك ما كان طلب منه خادما عنده، فاضطغن لذلك عليه، فلما ولي الخلافة جاء المراكبيّ، ومحمد راكب، ليقبّل يده، فأمر بمنعه ودفعه، ففعل ذلك الشّاكريّ، فضربه المراكبيّ وقال له: أتمنعني من يد سيّدي أن أقبّلها؟ فجاء الشّاكريّ لمّا نزل محمد فشكاه، فدعا محمد بالمراكبيّ، وأمر بضرب عنقه، فسئل في أمره، فأعفاه، وحبسه، وطالبه بخمسمائة ألف درهم مما اقتطعه من نفقات الكراع، وبعث، فأخذ عريب من منزله مع خدم كانوا له، فلما قتل محمّد هربت إلى المراكبيّ، فكانت عنده، قال: وأنشدني بعض أصحابنا لحاتم بن عديّ الذي كانت عنده لمّا هربت إليه، ثم ملّته فهربت منه، وهي أبيات عدّة، هذان منها:
ورشّوا على وجهي من الماء واندبوا ... قتيل عريب لا قتيل حروب
فليتك إن عجّلتني فقتلتني ... تكونين من بعد الممات نصيبي
/ قال ابن المعتزّ: وأمّا رواية إسماعيل بن الحسين، خال المعتصم فإنها تخالف هذا، وذكر أنّها إنما هربت من دار مولاها المراكبيّ إلى محمد بن حامد الخاقانيّ المعروف بالخشن، أحد قوّاد خراسان قال: وكان أشقر أصهب الشعر أزرق، وفيه تقول عريب - ولها فيه هزج ورمل من روايتي الهشامي وأبي العباس - :
بأبي كلّ أزرق ... أصهب اللون أشقر [2]
جنّ قلبي به ول ... يس جنوني بمنكر
تذكر ناسيا:
قال ابن المعتزّ: وحدثني ابن المدبّر قال:
خرجت مع المأمون إلى أرض الروم، أطلب ما يطلبه الأحداث من الرزق، فكنا نسير مع العسكر، فلما خرجنا من الرّقّة رأينا جماعة من الحرم في العماريّات على الجمّازات [3] وكنّا رفقة، وكنّا أترابا، فقال لي أحدهم:
على بعض هذه الجمّازات عريب، فقلت: من يراهنني أمرّ في جنبات هذه العماريّات، وأنشد أبيات عيسى ابن زينب؟.
قاتل اللّه عريبا ... فعلت فعلا عجيبا
فراهتني بعضهم وعدّل الرّهنان [4] وسرت إلى جانبها فأنشدت الأبيات رافعا صوتي بها، حتى أتممتها، فإذا أنا
__________
[1] لبّبها: أخذ بتلابيبها، وهي مجتمع ثيابها عند العنق، وفي مم: «فكببها» بدل «لببّها».
[2] ف:
«بأبي كل أصهب ... أزرق العين أشقر»
[3] ف: «رأينا جماعة من الخدم معهم جماعة الحرام». والعماريات: الهوادج، والجمازات جمع جماز وتوصف بها النياق السريعة.
[4] عدّل الرهنان: سوّى بين المبلغين اللذين تراهن عليهما المتراهنان.
بامرأة قد أخرجت رأسها فقالت: يا فتى أنسيت [1] أجود الشّعر وأطيبه؟ أنسيت قوله:
وعريب رطبة الشّف ... رين قد نيكت ضروبا [2]
/اذهب فخذ ما بايعت فيه، ثم ألقت السّجف، فعلمت أنها عريب، وبادرت إلى أصحابي خوفا من مكروه يلحقني من الخدم.
رقيب يحتاج إلى رقيب:
أخبرني إسماعيل بن يونس قال: قال لنا عمر بن شبّة:
كانت للمراكبيّ جارية يقال لها مظلومة، جميلة الوجه، بارعة الحسن، فكان يبعث بها مع عريب إلى الحمّام، أو إلى من تزوره من أهله ومعارفه، فكانت ربما دخلت معها إلى ابن حامد الذي كانت تميل إليه، فقال فيها بعض الشعراء وقد رآها عنده:
لقد ظلموك يا مظلوم لمّا ... أقاموك الرّقيب على عريب
/ ولو أولوك إنصافا وعدلا ... لما أخلوك أنت من الرّقيب
أتنهين المريب عن المعاصي ... فكيف وأنت من شأن المريب
وكيف يجانب الجاني ذنوبا ... لديك وأنت داعية الذّنوب
فإن يسترقبوك على عريب ... فما رقبوك من غيب القلوب [3]
وفي هذا المعنى، وإن لم يكن من جنس ما ذكرته ما أنشدينه عليّ بن سليمان الأخفش في رقيبة مغنّية استحسنت وأظنه للنّاشى ء:
فديتك لو أنهم أنصفوا ... لقد منعوا العين عن ناظريك [4]
ألم يقرءوا ويحهم ما يرو ... ن من وحي طرفك في مقلتيك
وقد بعثوك رقيبا لنا ... فمن ذا يكون رقيبا عليك
تصدّين أعيننا عن سواك ... وهل تنظر العين إلا إليك
من بلاط الأمين إلى بلاط المأمون:
قال ابن المعتز: وحدثني عبد الواحد بن إبراهيم، عن حماد بن إسحاق، عن أبيه، وعن محمد بن إسحاق البغويّ، عن إسحاق بن إبراهيم:
أنّ خبر عريب لمّا نمي إلى محمد الأمين بعث في إحضارها وإحضار مولاها، فأحضرا، وغنّت بحضرة إبراهيم بن المهديّ تقول:
__________
[1] ولو قرئت (أأنسيت) بالبناء للمجهول على أن الجملة خبرية لا إنشائية لكان ذلك حسنا.
[2] المعروف: إن رطوبة الشفرين ليست من الصفات المستحسنة في المرأة، فلعل الشاعر يكنى بذلك عن استدامة غشيان الرجال لها بدليل تتمة البيت.
[3] ف: «من ريب القلوب».
[4] ف، «و المختار»:
«فديتك لو أنهم أنصفوك ... لما منعوا العين عن ناظريك»
لكلّ أناس جوهر متنافس ... وأنت طراز الآنسات الملائح
فطرب محمد، واستعاد الصوت مرارا، وقال لإبراهيم: يا عمّ كيف سمعت؟ قال: يا سيدي، سمعت حسنا، وإن تطاولت بها الأيام، وسكن روعها ازداد غناؤها حسنا، فقال للفضل بن الربيع: خذها إليك، وساوم بها، ففعل، فاشتطّ مولاها في السّوم، ثم أوجبها له بمائة ألف دينار، وانتقض أمر محمّد، وشغل عنها، وشغلت عنه، فلم يأمر لمولاها بثمنها حتى قتل بعد أن أفتضّها، فرجعت إلى مولاها، ثم هربت منه إلى حاتم بن عديّ، وذكر باقي الخبر كما ذكره من تقدم.
وقال في خبره: إنها هربت من مولاها إلى ابن حامد [1]، فلم تزل عنده حتى قدم المأمون بغداد، فتظلّم إليه المراكبيّ من محمد بن حامد [2]، فأمر بإحضاره فأحضر، فسأله عنها فأنكر، فقال له المأمون: كذبت قد سقط إليّ خبرها. وأمر صاحب الشرطة أن يجرده في مجلس الشرطة، ويضع عليه السّياط حتى يردّها، فأخذه، وبلغها الخبر فركبت حمار مكار، وجاءت وقد جرّد ليضرب، وهي مكشوفة الوجه، وهي تصيح: أنا عريب، إن كنت مملوكة فليبعني، وإن كنت حرّة فلا سبيل له عليّ، فرفع خبرها إلى المأمون، فأمر بتعديلها [3] عند قتيبة بن زياد القاضي، فعدّلت عنده، وتقدّم إليه المراكبيّ مطالبا بها، فسأله البيّنة على ملكه إياها، فعاد متظلّما إلى المأمون، وقال: قد طولبت بما لم يطالب به أحد في رقيق، ولا يوجد مثله في يد من ابتاع عبدا أو أمة.
/ وتظلمت إليه زبيدة، وقالت: من أغلظ ما جرى عليّ بعد قتل محمد ابني هجوم المراكبيّ على داري وأخذه عريبا منها. فقال المراكبيّ: إنما أخذت ملكي، لأنّه لم ينقدني الثّمن، فأمر المأمون بدفعها إلى محمد بن عمر الواقديّ - وكان قد ولّاه القضاء بالجانب/ الشرقي - فأخذها من قتيبة بن زياد، فأمر ببيعها ساذجة، فاشتراها المأمون بخمسين ألف درهم، فذهبت به كلّ مذهب ميلا إليها ومحبّة لها.
قال ابن المعتز: ولقد حدثني علي بن يحيى المنجم أن المأمون قبّل في بعض الأيام رجلها، قال: فلما مات المأمون بيعت في ميراثه، ولم يبع له عبد ولا أمة غيرها، فاشتراها المعتصم بمائة ألف درهم، وأعتقها، فهي مولاته.
وذكر حمّاد بن إسحاق عن أبيه أنها لمّا هربت من دار محمد حين قتل تدلّت من قصر الخلد بحبل إلى الطريق، وهربت إلى حاتم بن عديّ.
وأخبرني جحظة، عن ميمون بن هارون:
أنّ المأمون اشتراها بخمسة آلاف دينار، ودعا بعبد اللّه بن إسماعيل، فدفعها إليه وقال: لو لا أنّي حلفت ألّا أشتري مملوكا بأكثر من هذا لزدتك، ولكني سأولّيك عملا تكسب فيه أضعافا لهذا الثمن مضاعفة، ورمى إليه بخاتمين من ياقوت أحمر، قيمتها ألف دينار، وخلع خلعا سنيّة، فقال: يا سيدي، إنما ينتفع الأحياء بمثل هذا، وأما أنا فإني ميّت لا محالة، لأن هذه الجارية كانت حياتي، وخرج عن حضرته، فاختلط وتغيّر عقله، ومات بعد أربعين يوما.
__________
[1] ف: «حاتم».
[2] ف: «حاتم بن عدي».
[3] عدل الشيء أو الحكم: أقامه وسواه. وتعديلها عند قتيبة بن زياد إقامة العدل في أمرها عنده.
قال ابن المعتز: فحدثني عليّ بن يحيى قال: حدثني كاتب الفضل بن مروان: قال:
حدثني إبراهيم بن رباح قال:
كنت أتولّى نفقات المأمون، فوصف له إسحاق بن إبراهيم الموصليّ عريب، فأمره أن يشتريها، فاشتراها بمائة ألف درهم، فأمرني المأمون بحملها، وأن أحمل إلى إسحاق مائة ألف درهم أخرى. ففعلت ذلك، ولم أدر كيف/ أثبتها، فحكيت في الدّيوان أن المائة الألف خرجت في ثمن جوهرة، والمائة الألف الأخرى خرجت لصائغها ودلّالها، فجاء الفضل بن مروان إلى المأمون، وقد رأى ذلك، فأنكره، وسألني عنه، فقلت: نعم هو ما رأيت، فسأل المأمون عن ذلك، وقال: أوجب وهب لدلّال وصائغ مائة ألف درهم، وغلّظ القصة، فأنكرها المأمون، فدعاني، ودنوت إليه، وأخبرته أنه المال الذي خرج في ثمن عريب وصلة إسحاق، وقلت: أيّما أصوب يا أمير المؤمنين: ما فعلت أو أثبت في الدّيوان أنها خرجت في صلة مغنّ وثمن مغنّية؟ فضحك المأمون وقال: الذي فعلت أصوب، ثم قال للفضل بن مروان: يا نبطىّ، لا تعترض على كاتبي هذا في شيء.
وقال ابن المكي: حدثني أبي عن تحرير الخادم: قال:
دخلت يوما قصر الحرم، فلمحت عريب جالسة [1] على كرسي ناشرة شعرها تغتسل، فسألت عنها، فقيل:
هذه عريب [1] دعا بها سيدها اليوم، فافتضّها.
قال ابن المعتزّ: فأخبرني ابن عبد الملك البصريّ:
أنّها لما صارت في دار المأمون احتالت حتى وصلت إلى محمد بن حامد، وكانت قد عشقته وكاتبته بصوت قالته، ثم احتالت في الخروج إليه، وكانت تلقاه في الوقت بعد الوقت، حتى حبلت منه وولدت بنتا، وبلغ ذلك المأمون فزوّجه إياها.
وأخبرنا إبراهيم بن القاسم بن زرزور، عن أبيه، وحدّثني به المظفّر بن كيغلغ عن القاسم بن زرزور، قال:
لما وقف المأمون على خبرها مع محمد بن حامد أمر بإلباسها جبّة صوف وختم زيقها [2] وحبسها في كنيف مظلم شهرا لا ترى الضوء، يدخل إليها خبز وملح وماء من تحت الباب/ في كل يوم، ثم ذكرها، فرقّ لها، وأمر بإخراجها، فلما فتح الباب عنها، وأخرجت لم تتكلم بكلمة حتى اندفعت تغني:
/حجبوه عن بصري فمثّل شخصه ... في القلب فهو محجّب لا يحجب
فبلغ ذلك المأمون، فعجب منها، وقال: لن تصلح هذه أبدا، فزوّجها إيّاه.
نسبة هذا الصوت
صوت
لو كان يقدر أن يبثّك ما به ... لرأيت أحسن عاتب يتعتّب
حجبوه عن بصري فمثّل شخصه ... في القلب فهو محّجب لا يحجب
__________
(1 - 1) التكملة من: مم، ف.
[2] زيق القميص ونحوه: ما أحاط بالعنق منه.
الغناء لعريب ثقيل أول بالوسطى.
رقعة منها في تركه:
قال ابن المعتزّ: وحدثني لؤلؤ صديق عليّ بن يحيى المنجّم: قال: حدثني أحمد بن جعفر بن حامد: قال:
لما توفّي عمّي محمد بن حامد صار جدّي إلى منزله، فنظر إلى تركته، وجعل يقلّب ما خلّف، ويخرج إليه منها الشيء بعد الشيء إلى أن أخرج إليه سفط مختوم، ففضّ الخاتم، وجعل يفتحه، فإذا فيه رقاع عريب إليه، فجعل يتصفّحها ويبتسم، فوقعت في يده رقعة، فقرأها، ووضعها من يده وقام لحاجة، فقرأتها فإذا فيها قوله:
صوت
ويلي عليك ومنكا ... أوقعت في الحق شكّا
زعمت أنّي خئون ... جورا عليّ وإفكا
إن كان ما قلت حقا ... أو كنت أزمعت تركا
فأبدل اللّه ما بي ... من ذلّة الحبّ نسكا
/ لعريب في هذه الأبيات رمل وهزج، عن الهشاميّ والشّعر لها.
تجيب على قبلة بطعنة:
قال ابن المعتز: وحدثني عبد الوهاب بن عيسى الخراسانيّ، عن يعقوب الرّخاميّ: قال:
كنّا مع العباس بن المأمون بالرّقة وعلى شرطته هاشم - رجل من أهل خراسان - فخرج إليّ، وقال: يا أبا يوسف، ألقي إليك سرّا لثقتي بك، وهو عندك أمانة، قلت: هاته، قال: كنت واقفا على رأس الأمين [1] وبي حرّ شديد، فخرجت عريب، فوقفت معي، وهي تنظر في كتاب [2] فما ملكت نفسي أن أو مأت بقبلة، فقالت: كحاشية البرد. فو اللّه ما أدري ما أرادت، فقلت: قالت لك: طعنة.
قال: وكيف ذاك؟ قلت: أرادت قول الشاعر:
رمى ضرع ناب فاستمرّ بطعنة ... كحاشية البرد اليماني المسهّم [3]
وحكى هذه القصة أحمد بن أبي طاهر، عن بشر بن زيد، عن عبد اللّه بن أيوب بن أبي شمر، أنهم كانوا عند المأمون ومعهم محمد بن حامد، وعريب تغنّيهم، فغنّت تقول:
رمى ضرع ناب فاستمر بطعنة ... كحاشية البرد اليماني المسهّم:
فقال لها المأمون: من أشار إليك بقبلة، فقلت له طعنة؟ فقالت له: يا سيدي، من يشير إليّ بقبلة من
__________
[1] ف: «الأمير».
[2] ف: «و هو ينظر في كتاب».
[3] الناب: الناقة المسنة، والمراد أن الطعنة كانت نافذة فأحدثت بالضرع ما يشبه النقش المسهم في البرود اليمنية، ويعتبر قولها:
كحاشية البرد، من الكنايات الخفية، كأنها تقول لمن أومأ إليها بالقبلة: رميت بمثل هذه الطعنة.
يفهم من هذا أن قصة القبلة الأولى وما لابسها من الطعنة المشار إليها في هذا البيت كانت قد شاعت وتدوولت حتى أوحى تكرار البيت أمام المأمون أن ثمة قبلة أخرى أومأ بها مومىء إلى عريب، فوقف الغناء وجعل يتحرى مصدر هذه القبلة.
مجلسك؟ فقال: بحياتي عليك! قالت: محمد بن حامد، فسكت.
تحب أميرا وتتزوج خادما:
قال ابن المعتز: وحدثني محمد بن موسى: قال:
اصطبح المأمون يوما ومعه ندماؤه، وفيهم محمد بن حامد وجماعة من المغنين، وعريب معه على مصلّاه، فأومأ محمد بن حامد إليها بقبلة، فاندفعت تغني ابتداء.
/رمى ضرع ناب فاستمرّ بطعنة ... كحاشية البرد اليمانيّ المسهّم
تريد بغنائها جواب محمد بن حامد بأن تقول له: طعنة، فقال لها المأمون: أمسكي، فأمسكت، ثم أقبل على النّدماء فقال: من فيكم أومأ إلى عريب بقبله؟ واللّه لئن لم يصدقني لأضربنّ عنقه، فقام محمد، فقال: أنا يا أمير المؤمنين أو مأت إليها، والعفو أقرب للتقوى، فقال: قد عفوت.
فقال: كيف استدلّ أمير المؤمنين على ذلك؟ قال: ابتدأت صوتا، وهي لا تغني ابتداء إلا لمعنى، فعلمت أنها لم تبتدىء بهذا الصوت إلا لشيء أومىء به إليها، ولم يكن من شرط هذا الموضع إلّا إيماء بقبلة، فعلمت أنها أجابت بطعنة.
قال ابن المعتز: وحدثني عليّ بن الحسين:
أنّ عريب كانت تتعشق أبا عيسى بن الرشيد وروى غيره أنها كانت لا تضرب المثل إلا بحسن وجه أبي عيسى وحسن غنائه، وكانت تزعم أنها ما عشقت أحدا من بني هاشم وأصفته المحبّة من الخلفاء وأولادهم سواه.
قال ابن المعتز: وحدثني بعض جوارينا:
إنّ عريب كانت تتعشّق صالحا المنذريّ الخادم، وتزوّجته سرّا، فوجّه به المتوكل إلى مكان بعيد في حاجة له، فقالت فيه شعرا، وصاغت لحنه في خفيف الثقيل وهو:
صوت
أمّا الحبيب فقد مضى ... بالرغم منّي لا الرّضا
أخطأت في تركي لمن ... لم ألق منه معوّضا [1]
قال: فغنّته يوما بين يدي المتوكل، فاستعاده، وجعل جواريه يتغامزن ويضحكن، فأصغت إليهنّ سرّا من المتوكل، فقالت: يا سحّاقات، هذا خير من عملكنّ.
قبلي سالفتي تجدي ريح الجنة:
قال: وحدّثت عن بعض جواري المتوكل، أنها دخلت يوما على عريب، فقالت لها: تعالي ويحك إليّ، فجاءت. قال: فقالت: قبّلي هذا الموضع منّي فإنك تجدين ريح الجنّة فأومأت إلى سالفتها [2]، ففعلت، ثم قالت لها: ما السبب في هذا؟ قالت: قبّلني صالح المنذريّ في ذلك الموضع.
__________
[1] ب، مم: «عوضا» والمثبت من ف، وهو أرجح؛ لأن البيتين من مجزوء الكامل لا مجزوء الرجز. وفي «المختار»: «لم ألف».
[2] السالفة: ناحية مقدم العنق من لدن معلق القرط إلى نقرة الترقوة.
وقت انسجام لا وقت ملام:
قال ابن المعتز: وأخبرني أبو عبد اللّه الهشاميّ قال: حدثني حمدون بن إسماعيل، قال: حدثني محمد بن يحيى الواثقيّ، قال:
قال لي محمد بن حامد ليلة: أحبّ أن تفرغ لي مضربك، فإني أريد أن أجيئك، فأقيم عندك، ففعلت، ووافاني، فلما جلس جاءت عريب، فدخلت.
وقد حدّثني به جحظة: قال: حدثني أبو عبد اللّه بن حمدون:
أنّ عريب زارت محمد بن حامد، وجلسا جميعا، فجعل يعاتبها، ويقول: فعلت كذا، وفعلت كذا، فقالت لي: يا محمد، هذا عندك رأي [1]؟ ثم أقبلت عليه، فقالت: يا عاجز خذ بنا فيما نحن فيه وفيما جئنا إليه.
/ وقال جحظة في خبره:
اجعل سراويلي مخنقتي، وألصق خلخالي بقرطي، فإذا كان غد فاكتب إليّ بعتابك في طومار حتى أكتب إليك بعذري في ثلاثة، ودع هذا الفضول، فقد قال الشّاعر:
صوت
دعي عدّ الذّنوب إذا التقينا ... تعالي لا أعدّ ولا تعدّي [2]
وتمام هذا قوله:
فأقسم لو هممت بمدّ شعري ... إلى نار الجحيم لقلت مدّي
الشعر للمؤمّل: والغناء لعريب، خفيف رمل، وفيه لعلوية رمل بالبنصر من رواية عمرو بن بانة:
مع ثمانية من الخلفاء:
أخبرني أبو يعقوب إسحاق بن الضحّاك بن الخصيب: قال:
حدثني أبو الحسن/ عليّ بن محمد بن الفرات قال: كنت يوما عند أخي أبي العباس، وعنده عريب جالسة على دست مفرد لها، وجواريها يغنّين بين يدينا وخلف ستارتنا، فقلت لأخي - وقد جرى ذكر الخلفاء - : قالت لي عريب: ناكني منهم ثمانية ما اشتهيت منهم أحدا إلا المعتزّ، فإنه كان يشبه أبا عيسى بن الرشيد. قال ابن الفرات:
فأصغيت إلى بعض بني أخي، فقلت له: فكيف ترى شهوتها الساعة، فضحك ولمحته، فقالت: أيّ شيء قلتم؟
فجحدتها. فقالت لجواريها: أمسكن، ففعلن، فقالت: هنّ حرائر لئن لم تخبراني بما قلتما لينصرفن جميعا، وهنّ حرائر [3]. إن حردت من شيء جرى، ولو أنها تسفيل، فصدقتها. فقالت: وأي شيء في هذا؟ أما الشهوة فبحالها، ولكن الآلة قد بطلت [4] أو قالت: قد كلّت، عودوا إلى ما كنتم فيه.
__________
[1] الجملة استفهامية حذفت منها أداة الاستفهام، كأنها تقول له: أتوافق على أن هذا وقت عتاب.
[2] لا في «لا أعد» نافية؛ لأن المرء لا ينهى نفسه؛ ولا الثانية ناهية بدليل حذف النون.
[3] استئناف لكلام جديد، تبين فيه أنها لن تغضب مما يتسارون به في شأنها مهما يكن.
[4] ولكن الآلة قد بطلت: تريد أن شبابها ولى.
شرطان فاحشان:
وحدثني الحسن بن علي بن مودّة: قال: حدثني إبراهيم بن أبي العبيس: قال: حدثنا أبي: قال:
دخلنا على عريب يوما مسلّمين، فقالت: أقيموا اليوم عندي حتى أطعمكم لوزنيجة صنعتها بدعة بيدها من لوز رطب، وما حضر من الوظيفة، وأغنيكم أنا وهي، قال: فقلت لها على شريطة، قالت: وما هي؟ قلت: شيء أريد أن أسألك عنه منذ سنين، وأنا أهابك؟ قالت: ذاك لك، وأنا أقدم الجواب قبل أن تسأل، فقد علمت ما هو، فعجبت لها، وقلت: فقولي، فقالت: تريد أن تسألني عن شرطي أي شرط هو؟ فقلت: إي واللّه ذاك الذي أردت.
قالت: شرطي أير صلب، ونكهة طيبة، فإن انضاف إلى ذلك حسن يوصف، وجمال يحمد فقد زاد قدره عندي، وإلا فهذان ما لا بدّ لي منهما.
تلقن حبيبها درسا في كيف تكون الهدية:
وحدّثني الحسن بن علي، عن محمد بن ذى السّيفين إسحاق بن كنداجيق [1]. عن أبيه: قال:
كانت عريب تولع بي وأنا حديث السن، فقالت لي يوما: يا إسحاق قد بلغني أنّ عندك دعوة فابعث إليّ نصيبي منها، قال: فاستأنفت طعاما كثيرا. وبعثت إليها منه شيئا كثيرا؛ فأقبل رسولي من عندها مسرعا. فقال لي:
لما بلغت إلى بابها، وعرفت خبري أمرت بالطعام فأنهب وقد وجّهت إليك برسول. وهو معي، فتحيّرت وظننت أنها قد استقصرت فعلي، فدخل الخادم ومعه شيء مشدود في منديل ورقعة، فقرأتها، فإذا فيها: بسم اللّه الرحمن الرحيم، يا عجميّ يا غبيّ، ظننت أنّي من الأتراك ووخش [2] الجند، فبعثت إليّ بخبز ولحم وحلواء، اللّه المستعان عليك، يا فدتك نفسي، قد وجهت إليك زلّة [3] من حضرتي، فتعلم ذلك من الأخلاق ونحوه من الأفعال، ولا تستعمل أخلاق العامة،/ في ردّ الظرف. فيزداد العيب والعتب عليك إن شاء اللّه، فكشفت المنديل، فإذا طبق ومكبّه من ذهب منسوج على عمل الخلاف، وفيه زبدية فيها لقمتان من رقاق، وقد عصبت طرفيهما وفيها قطعتان من صدر درّاج مشوي ونقل وطلع [4] وملح. وانصرف رسولها [5].
أيهما أغلى: الخلافة أم الخل الوفي؟
قال ابن المعتز: حدثني الهشاميّ أبو عبد اللّه. عن رجل ذكره، عن علّوية قال:
أمرين المأمون وسائر المغنين في ليلة من اللّيالي أن نصير إليه بكرة ليصطبح، فغدونا ولقيني المراكبيّ مولى عريب، وهي يومئذ عنده، فقال لي: يأيها الرجل الظالم المعتدي، أما ترقّ ولا ترحم ولا تستحي؟ عريب هائمة تحلم بك في النوم ثلاث مرات في كلّ ليلة، قال علّوية: فقلت: أمّ الخلافة زانية [6]. ومضيت معه، فحين/ دخلت قلت: استوثق من الباب، فإني أعرف خلق اللّه بفضول البوّابين والحجاب، وإذا عريب جالسة على كرسيّ تطبخ،
__________
[1] ب: «كنداجين».
[2] الوخش: الردىء من كل شيء.
[3] الزلة: ما يحمل إلى الصديق من مائدة صديقه.
[4] الطلع: ثمر النخل أول ظهوره. وفي ف: «و طلح» والطلح: الموز.
[5] تشير هذه القصة والرسالة التي بعثت بها عريب إلى أن هذا الطعام إنما يقدم للطغام، أما ما يقدم لمثلها فشيء فوق ذلك يعتمد على الكيف لا على الكم، وقد شفعت رأيها هذا بالنموذج الذي بعثت به إليه.
[6] أم الخلافة زانية، يريد بهذه العبارة تنبيه عريب، والاستخفاف بموعد الخليفة كائنة ما تكون النتيجة.
وبين يديها ثلاث قدور من دجاج، فلما رأتني قامت تعانقني وتقبّلني، ثم قالت: أيما أحب إليك أن تأكل من هذه القدور، أو تشتهي شيئا يطبخ لك، فقلت: بل قدر من هذه تكفينا، فغرفت قدرا منها، وجعلتها بيني وبينها، فأكلنا ودعونا [1] بالنبيذ، فجلسنا نشرب حتى سكرنا، ثم قالت: يا أبا الحسن، صنعت البارحة صوتا في شعر لأبي العتاهية، فقلت: وما هو؟ فقالت هو:
عذيري من الإنسان لا إن جفوته ... صفا لي ولا إن كنت طوع يديه [2]
وقالت لي: قد بقي فيه شيء، فلم نزل نردده أنا وهي حتى استوى، ثم جاء الحجّاب/ فكسروا باب المراكبيّ واستخرجوني، فدخلت على المأمون، فلما رأيته أقبلت أمشي إليه برقص وتصفيق، وأنا أغنّي الصوت، فسمع وسمع من عنده ما لم يعرفوه واستظرفوه، وسألني المأمون عن خبره، فشرحته له. فقال لي: ادن وردّده، فردّدته عليه سبع مرات. فقال في آخر مرة: يا علّوية. خذ الخلافة واعطني هذا الصاحب.
نسبة هذا الصوت
صوت
عذيري من الإنسان لا إن جفوته ... صفا لي ولا إن كنت طوع يديه
وإنّي لمشتاق إلى قرب صاحب ... يروق ويصفو إن كدرت عليه [3]
الشعر من الطويل وهو لأبي العتاهية، والغناء لعريب، خفيف ثقيل أول بالوسطى، ونسبه عمرو بن بانة في هذه الطريقة والأصبغ إلى علّوية.
لماذا غضب الواثق والمعتصم عليها:
قال ابن المعتز: وحدثني القاسم بن زرزور: قال: حدثتني عريب قالت: كنت في أيام محمد [4] ابنة أربع عشرة سنة، وأنا حينئذ أصوغ الغناء.
قال القاسم: وكانت عريب تكايد الواثق فيما يصوغه من الألحان وتصوغ في ذلك الشعر بعينه لحنا أجود من لحنه، فمن ذلك:
لم آت عامدة ذنبا إليك بلى ... أقرّ بالذنب فاعف اليوم عن زللي
لحنها فيه حفيف ثقيل، ولحن الواثق رمل، ولحنها أجود من لحنه، ومنها:
أشكو إلى اللّه ما ألقى من الكمد ... حسبي بربّي ولا أشكو إلى أحد
لحنها ولحن الواثق جميعا من الثقيل الأول، ولحنها أجود من لحنه.
__________
[1] مم: «و دعت».
[2] ف:
«و لا إن صرت»
بدل:
«و لا إن كنت»
[3] ف:
«و إني لمشتاق إلى ظل صاحب ... يرق ويصفو أن كدرت عليه
[4] تقصد محمدا الأمين.
نسبة هذين الصوتين
صوت
لم آت عامدة ذنبا إليك بلى ... أقرّ بالذّنب فاعف اليوم عن زللي
فالصّفح من سيند أولى لمعتذر ... وقاك ربّك يوم الخوف والوجل
الغناء للواثق رمل، ولعريب خفيف ثقيل وذكر ذكاء وجه الرزة أن لطالب بن يزداد فيه هزجا/ مطلقا.
صوت
أشكو إلى اللّه ما ألقى من الكمد ... حسبي بربي ولا أشكو إلى أحد
أين الزمان الذي قد كنت ناعمة ... في ظلّه بدنوّي منك يا سندي
وأسأل اللّه يوما منك يفرحني ... فقد كحلت جفون العين بالسّهد
شوقا إليك وما تدري بما لقيت ... نفسي عليك وما بالقلب من كمد [1]
الغناء لعريب ثقيل أول بالوسطى، وللواثق ثقيل أول بالبنصر.
قال ابن المعتز: وكان سبب انحراف الواثق عنها. وكيادها آياه، وانحراف [2] المعتصم عنها أنه وجد لها كتابا إلى العبّاس بن المأمون ببلد الرّوم: اقتل أنت العلج ثمّ، حتى أقتل أنا الأعور الليلي هاهنا. تعنى الواثق، وكان يسهر بالليل، وكان المعتصم استخلفه ببغداد.
تغضب على جارية مبتذلة:
قال: وحدثني أبو العبيس بن حمدون قال:
غضبت عريب على بعض جواريها المذكورات - وسمّاها لي - فجئت إليها يوما. وسألتها أن تعفو عنها.
فقالت في بعض ما تقوله، مما تعتد به عليها من ذنوبها: يا أبا العبيس/ إن كنت تشتهي أن ترى زناي وصفاقة وجهي وجراءتي على كل عظيمة [3] أيام شبابي [3] فانظر إليها واعرف أخبارها.
كانت تجيد ركوب الخيل:
قال ابن المعتز: وحدثني القاسم بن زرزور قال: حدثني المعتمد، قال:
حدثتني عريب أنها كانت في شبابها يقدّم إليها برذون. فتطفر عليه بلا ركاب.
تندمج في الصوت فلا تحس لدغ العقرب:
قال: وحدثني الأسديّ: قال: حدثني صالح بن علي بن الرشيد المعروف بزعفرانة: قال:
تمارى خالي أبو عليّ مع المأمون في صوت، فقال المأمون: أين عريب؟ فجاءت وهي محمومة، فسألها عن
__________
[1] البيت ساقط من ب. والتكملة من ف. مم.
[2] انحراف. بالكسر عطفا على انحراف الأولى، أي وكان سبب انحراف المعتصم أنه ... إلخ.
(3 - 3) التكملة من ف، مم.
الصوت فقالت فيه بعلمها، فقال لها: غنيّة، فولّت لتجيء بعود، فقال لها: غنية بغير عود، فاعتمدت على الحائط للحمّي وغنّت، فأقبلت عقرب، فرأيتها قد لسعت يدها مرتين أو ثلاثا، فما نحّت يدها، ولا سكتت. حتى فرغت من الصوت، ثم سقطت وقد غشي عليها.
غسالة رأسها تتقسمها جواريها:
قال ابن المعتزّ: وحدثني أبو العباس بن الفرات: قال:
قالت لي تحفة جارية عريب: كانت عريب تجد في رأسها بردا، فكانت تغلّف شعرها مكان العلّة [1] بستّين مثقالا مسكا وعنبرا، وتغسله من جمعة إلى جمعة، فإذا غسلته أعادته، وتتقسم الجواري غسالة رأسها بالقوارير وما تسرّحه منه بالميزان.
ترتجل معارضة لصوت:
حدثني أحمد بن جعفر جحظة، عن عليّ بن يحيى المنجّم: قال:
دخلت يوما على عريب مسلّما عليها، فلما اطمأننت جالسا هطلت السماء بمطر عظيم، فقالت: أقم عندي اليوم حتى أغنّيك أنا وجواريّ، وابعث إلى من أحببت من إخوانك، فأمرت بدوابيّ فردّت، وجلسنا نتحدّث، فسألتني عن خبرنا بالأمس في مجلس الخليفة، ومن كان يغنينا، وأيّ شيء استحسنا من الغناء، فأخبرتها أنّ صوت الخليفة كان لحنا صنعه بنان من الماخوري، فقالت: وما هو؟ فأخبرتها أنه:
صوت
تجافي ثم تنطبق ... جفون حشوها الأرق
وذى كلف بكى جزعا ... وسفر القوم منطلق
/ به قلق يململه ... وكان وما به قلق
جوانحه على خطر ... بنار الشّوق تحترق
فوجّهت رسولا إلى بنان، فحضر من وقته، وقد بلّته السماء، فأمرت بخلع فاخرة، فخلعت عليه، وقدّم له طعام فاخر، فأكل وجلس يشرب معنا، وسألته عن الصوت، فغناها إيّاه فأخذت دواة ورقعة وكتبت فيها:
أجاب الوابل الغدق ... وصاح النّرجس الغرق
وقد غنّى بنان لنا: ... جفون حشوها الأرق
فهات الكأس مترعة ... كأنّ حبابها حدق
قال عليّ بن يحيى: فما شربنا بقيّة يومنا إلا على هذه الأبيات.
رموز برموز:
حدّثني محمد بن خلف بن المرزبان، عن عبد اللّه بن محمد المروزيّ: قال:
__________
[1] مم، ب: «الغسلة».
قال لي الفضل بن العباس بن المأمون: زارتني عريب يوما ومعها عدّة من جواريها، فوافتنا ونحن على شرابنا، فتحادثنا ساعة. وسألتها أن تقيم عندي، فأبت وقالت: دعاني جماعة من إخواني من أهل الأدب والظّرف، وهم مجتمعون في جزيرة المؤيّد، فيهم إبراهيم بن المدبّر وسعيد بن حميد ويحيى بن عيسى بن منارة، وقد عزمت على المسير إليهم، فحلفت عليها. فأقامت عندنا، ودعت بدواة وقرطاس فكتبت:
بسم اللّه الرحمن الرحيم وكتبت بعد ذلك في سطر واحد ثلاثة أحرف متفرقة لم تزد عليها، وهي:
أردت، ولو لا، ولعلي [1].
/و وجهت به إليهم، فلما وصلت الرقعة عيّوا بجوابها، فأخذ إبراهيم بن المدبّر الرقعة، فكتب تحت أردت:
ليت، وتحت لو لا: ماذا، وتحت لعلي: أرجو. ووجهوا بالرقعة فصفّقت ونعرت [2] وشربت رطلا وقالت لنا:
أ أترك هؤلاء وأقعد عندكم؟ إذا تركني اللّه من يديه، ولكنّي أخلّف عندكم من جواريّ من يكفيكم، وأقوم إليهم، ففعلت ذلك وخلّفت عندنا بعض جواريها، وأخذت معها بعضهن، وانصرفت.
لها حكم النظام:
أخبرنا محمد بن خلف، عن سعيد بن عثمان بن أبي العلاء، عن أبيه قال:
عتب المأمون على عريب، فهجرها أياما، ثم اعتلّت فعادها، فقال لها: كيف وجدت طعم الهجر؟ فقالت: يا أمير المؤمنين، لو لا مرارة الهجر ما عرفت حلاوة الوصل، ومن ذمّ بدء الغضب أحمد عاقبة الرضا، قال: فخرج المأمون إلى جلسائه، فحدثهم بالقصة، ثم قال: أترى هذا لو كان من كلام النظام ألم يكن كبيرا [3]؟.
لا تريد دخيلا بينها، وبين المأمون:
حدثني محمد بن خلف، عن أبي العيناء، عن أحمد بن أبي داود: قال:
جرى بين عريب وبين المأمون كلام، فكلمها المأمون بشيء غضبت منه، فهجرته. أياما، قال أحمد بن أبي دواد: فدخلت على المأمون. فقال لي: يا أحمد، اقض بيننا، فقالت عريب: لا حاجة لي في قضائه ودخوله فيما بيننا، وأنشأت تقول:
وتخلط الهجر بالوصال لا ... يدخل في الصّلح بيننا أحد
ماذا كانت تفعل في خلوتها مع محمد بن حامد:
حدّثني محمد بن خلف قال: حدثني محمد بن عبد الرحمن، عن أحمد بن حمدون، عن أبيه، قال:
كنت حاضرا مجلس المأمون ببلاد الروم بعد صلاة العشاء الآخرة في ليلة ظلماء ذات رعود وبروق، فقال لي المأمون: اركب الساعة فرس النّوبة وسر إلى عسكر أبي/ إسحاق - يعني المعتصم - فأدّ إليه رسالتي في كيت وكيت، قال: فركبت/ ولم تثبت مع شمعة، وسمعت وقع حافر دابة، فرهبت ذلك، وجعلت أتوقّاه، حتى صكّ ركابي
__________
[1] لعل المراد برموزها: أردت الحضور إليكم، ولو لا أنهم منعوني ما تخلفت، ولعلي أستطيع الإفلات، ولعل المراد بروموز بن المدبر: ليت ما أردته نفذ، وماذا عساهم يفعلون لو تركتهم، وأرجو تنفيذ ما رجوته.
[2] نعرت نعيرا ونعارا: صاحت: وصوتت بخيشومها.
[3] ف: «كثيرا». ويريد بالنظام الفيلسوف المعروف عند علماء الكلام.
ركاب تلك الدّابة، وبرقت بارقة فأضاءت وجه الراكب، فإذا عريب، فقلت: عريب؟ قالت: نعم، حمدون، قلت:
نعم. ثم قتل: من أين أقبلت [1] في هذا الوقت؟ قالت: من عند محمد بن حامد، قلت: وما صنعت عنده؟ قالت عريب: [2] يا تكش، عريب [2] تجيء من عند محمد بن حامد في هذا الوقت خارجة من مضرب الخليفة وراجعة إليه، تقول لها: أيّ شيء عملت عنده؟ صلّيت معه التراويح؟! أو قرأت عليه أجزاء من القرآن، أو دارسته شيئا من الفقه، يا أحمق تعاتبنا، وتحادثنا، واصطلحنا، ولعبنا، وشربنا، وغنينا، وتنايكنا، وانصرفنا، فأخجلتني وغاظتني، وافترقنا، ومضيت فأدّيت الرّسالة، ثم عدت إلى المأمون وأخذنا في الحديث وتناشد الأشعار، وهممت واللّه أن أحدّثه حديثها، ثم هبته فقلت: أقدّم قبل ذلك تعريضا بشيء من الشعر، فأنشدته:
ألا حيّ أطلالا لواسعة الحبل [3] ... ألوف تسوّى صالح القوم بالرّذل
فلو أن من أمسى بجانب تلعة ... إلى جبلي طيّ فساقطة الحبل
جلوس إلى أن يقصر الظّلّ عندها ... لراحوا وكلّ القوم منها على وصل
فقال لي المأمون: اخفض صوتك لا تسمعك عريب فتغضب، وتظنّ أنّا في حديثها، فأمسكت عما أردت أن أخبره، وخار اللّه لي في ذلك.
تعشق ولا تعشق:
حدثني محمد بن أحمد الحكيمي: قال: أخبرني ميمون بن هارون، قال: قال لي/ ابن اليزيدي:
حدثني أبي قال: خرجنا مع المأمون في خروجه إلى بلد الرّوم، فرأيت عريب في هودج، فلما رأتني قالت لي: يا يزيديّ، أنشدني شعرا قلته حتى أصنع فيه لحنا [4] فأنشدتها:
ماذا بقلبي من دوام الخفق [5] ... إذا رأيت لمعان البرق
من قبل الأردنّ أو دمشق ... لأنّ من أهوى بذاك الأفق
فإن فيه وهو أعزّ الخلق ... عليّ والزّور خلاف الحق [6]
ذاك الذي يملك منّي رقّي ... ولست أبغي ما حييت عتقي
قال: فتنفّست تنفّسا ظننت أن ضلوعها قد تقصّفت منه، فقلت: هذا واللّه تنفس عاشق، فقالت: اسكت يا عاجز [7] أنا أعشق، واللّه لقد نظرت نظرة مريبة في مجلس، فادّعاها من أهل المجلس عشرون رئيسا طريقا.
__________
[1] لفظ «أقبلت» من ف.
(2 - 2) تكملة من ف، ولم نجد لتكش أصلا في العربية.
[3] واسعة الحبل: كناية عن أنها لا ترد يد لامس، والأبيات الثلاثة في وصف امرأة متهتكة غاية التهتك. وفي «المختار»:
« ... لقاطعة الحبل ... ... تساوي صالح القوم بالنذل»
[4] ب: «أنشدني شعرا قلت حتى أسمع فيه لحنا».
[5] في «المختار»: «من أليم الخفق».
[6] هذا البيت من «المختار».
[7] ف: «يا عاض» والمعضوض محذوف لمعرفته.
بيتا عباس بن الأحنف يصلحان بينها وبين حبيبها:
حدثني محمد بن خلف: قال: حدثني أحمد بن أبي طاهر: قال: حدثني أحمد بن حمدون: قال:
وقع بين عريب وبين محمد بن حامد شرّ، وكان يجد بها الوجد كلّه، فكادا يخرجان من شرّهما إلى القطيعة، وكان في قلبها منه أكثر مما في قلبه منها، فلقيته يوما، فقالت له: كيف قلبك يا محمد؟ قال: أشقى واللّه ما كان [1] وأقرحه،/ فقالت له: استبدل تسل [2]، فقال لها: لو كانت البلوى باختيار لفعلت: فقالت: لقد طال إذا تعبك، فقال: وما يكون؟ أصبر مكرها، أما سمعت قول العباس بن الأحنف.
تعب يطول [3] مع الرجاء بذى الهوى ... خير له من راحة في اليأس
لو لا كرامتكم لما عاتبتكم ... ولكنتم عندي كبعض النّاس
/ قال: فذرفت عيناها، واعتذرت إليه وأعتبته، واصطلحا، وعادا إلى أفضل ما كانا عليه.
اختلاف في فن عريب:
حدثني أحمد بن جعفر جحظة: قال: قال لي أبو العباس بن حمدون - وقد تجاذبنا [4] غناء عريب - ليس غناؤها مما يعتدّ بكثرته، لأن سقطه كثير، وصنعتها ساذجة، فقلت له: ومن يعرف في الناس كلّهم من مغني الدولة العباسية سلمت صنعته كلّها حتى تكون مثله! ثم جعلت أعدّ ما أعرفه من جيّد صنعتها ومتقدّمها وهو يعترف بذلك، حتى عددت نحوا من مائة صوت مثل لحنها في:
يا عزّ هل لك في شيخ فتى أبدا
و
سيسليك عما فات دولة مفضل
و
صاح قد لمت ظالما
و
ضحك الزمان وأشرقت
ونحو هذا، ثم قال لي: ما خلّفت عريب بعدها امرأة مثلها في الغناء والرّواية والصّنعة، فقلت له: لا، ولا كثيرا من الرجال أيضا.
قصة لحن في بيت يتيم:
ولعريب في صنعتها:
يا عزّ هل لك في شيخ فتى أبدا
/ خبر أخبرني ببعضه أحمد بن عبيد اللّه بن عمار، عن ميمون بن هارون.
وذكر ابن المعتز أن عبد الواحد بن إبراهيم بن الخصيب حدّثه عمّن يثق به، عن أحمد بن عبد اللّه بن إسماعيل المراكبيّ: قال:
__________
[1] أشقى: مضافة إلى «ما»، والقسم فاصل بين المتضايفين، يريد أن يقول: قلبي أشقى ما كان وأقرحه واللّه.
[2] ب: «استبدل بديلا».
[3] ب: «يكون». وفي «المختار»: «لذي الهوى».
[4] ب: «تجارينا».
قالت لي عريب: حج بي أبوك وكان مضعوفا، فكان عديلي، وكنت في طريقي أطلب الأعراب فأستنشدهم الأشعار، وأكتب عنهم النوادر وسائر ما أسمعه منهم، فوقف شيخ من الأعراب علينا يسأل، فاستنشدته، فأنشدني:
يا عزّ هل لك في شيخ فتى أبدا ... وقد يكون شباب غير فتيان
فاستحسنته، ولم أكن سمعته قبل ذلك، قلت: فأنشدني باقي الشعر، فقال لي: هو يتيم، فاستحسنت قوله وبرّرته، وحفظت البيت وغنّيت فيه صوتا من الثقيل الأول، ومولاي لا يعلم بذلك لضعفه، فلمّا كان في ذلك اليوم عشيّا قال لي: ما كان أحسن ذلك البيت الذي أنشدك إياه الأعرابيّ، وقال لك: إنه يتيم. أنشدينيه إن كنت حفظته، فأنشدته، إياه، وأعلمته أني قد غنيّت فيه، ثم غنيته له، فوهب لي ألف درهم بهذا السبب، وفرح بالصوت فرحا شديدا.
قال ابن المعتز: قال ابن الخصيب:
فحدثني هذا المحدّث أنه قد حضر بعد ذلك بمجلس أبي عيسى بن المتوكل - ومن ها هنا تتصل رواية ابن عمّار، عن ميمون، وقد جمعت الرّوايتين إلا أن ميمون بن هارون ذكر أنهم كانوا عند جعفر بن المأمون، وعندهم أبو عيسى، وكان عندهم عليّ بن يحيى، وبدعة جارية عريب تغنيهم - فذكر عليّ بن يحيى أن الصّنعة فيه لغير عريب، وذكر أنها لا تدّعى هذا وكابر فيه، فقام جعفر بن المأمون، فكتب رقعة إلى عريب - ونحن لا نعلم - يسألها عن أمر الصوت وأن تكتب إليه بالقصة، ففعلت، فكتبت إليه بخطها:
/ بسم اللّه الرحمن الرحيم.
هنيّا لأرباب البيوت بيوتهم ... وللعزب المسكين ما يتلمّس
أنا المسكينة، وحيدة فريدة بغير مؤنس، وأنتم فيما أنتم فيه، وقد أخذتم أنسى ومن كان يلهيني، تعني جاريتها: بدعة وتحفة - فأنتم في القصف والعزف، وأنا في خلاف ذلك، هناكم اللّه وأبقاكم [1]، وسألت - مدّ اللّه في عمرك - عما اعترض فيه فلان، والقصّة في هذا الصوت/ كذا وكذا، وقصّت قصّتها مع الأعرابيّ كما حدّثت به، ولم تخرم حرفا منها، فجاء الجواب إلى جعفر بن المأمون فقرأه وضحك. ثم رمى به إلى أبي عيسى، ورمى به أبو عيسى إليّ، وقال: اقرأه، وكان عليّ بن يحيى جالسا إلى جنبي، فأراد أن يستلب الرقعة، فمنعته، وقمت ناحية، فقرأتها: فأنكر ذلك، وقال: ما هذا؟ فورّينا الأمر عنه لئلا تقع عربدة، وكان - عفا اللّه عنا وعنه - مبغضا لها.
تروي قصة غرامية عن أبي محلم:
قال ابن المعتز: وحدثني أبو الخطّاب العبّاس بن أحمد بن الفرات، قال: حدّثني أبي، قال:
كنا يوما عند جعفر بن المأمون نشرب وعريب حاضرة إذا غنّى بعض من كان هناك:
يا بدر إنّك قد كسيت مشابها ... من وجه ذاك المستنير الّلائح
وأراك تمصح [2] بالمحاق، وحسنها ... باق على الأيام ليس ببارح
فضحكت عريب وصفّقت وقالت: ما على وجه الأرض أحد يعرف خبر هذا الصّوت غيري، فلم يقدم أحد منا
__________
[1] ف: «و أمراكم».
[2] مصح يمصح مصوحا: ذهب وانقطع، والمراد هنا ذهاب الضوء، وفي ف: «تمسح»، وفي «المختار»: «تسمج بالمحاق».
على مسألتها عنه غيري، فسألتها، فقالت: أنا أخبركم بقصته، ولو لا أن صاحب القصّة قد مات لما أخبرتكم، إن أبا محلّم قدم بغداد، فنزل بقرب دار صالح المسكين في خان هناك، فاطّلعت أمّ محمد [1] ابنة صالح يوما، فرأته/ يبول، فأعجبها متاعه [2]. وأحبّت مواصلته، فجعلت لذلك علّة بأن وجّهت إليه تقترض منه مالا، وتعلمه أنّها في ضيقة وأنّها تردّه إليه بعد جمعة، فبعث إليها عشرة آلاف درهم، وحلف أنّه لو ملك غيرها لبعث به، فاستحسنت ذلك وواصلته، وجعلت القرض سببا للوصلة، فكانت تدخله إليها ليلا، وكنت أنا أغنّي لهم، فشربنا ليلة في القمر، وجعل أبو محلّم ينظر إليه، ثم دعا بدواة ورقعة، وكتب فيها قوله:
يا بدر إنك قد كسيت مشابها ... من وجه أمّ محمد ابنة صالح
والبيت الآخر، وقال لي: غنّي فيه، ففعلت واستحسنّاه وشربنا عليه، فقالت لي أم محمد في آخر المجلس:
يا أختي، قد تنبّلت [3] في هذا الشعر إلا أنّه سيبقى عليّ فضيحة آخر الدهر، فقال أبو محلّم: وأنا أغيّره، فجعل مكان أمّ محمد ابنة صالح، «ذاك المستنير اللائح». وغنّيته كما غيّره، وأخذه الناس عني، ولو كانت أمّ محمد حيّة لما أخبرتكم بالخبر.
فأما نسبة هذا الصوت
فإنّ الشعر لأبي محلّم النّسّابة، والغناء لعريب ثقيل أوّل مطلق في مجرى الوسطى من رواية الهشاميّ وغيره، وأبو محلّم اسمه عوف بن محلّم.
تستزير حبيبها فيخشى على نفسه:
أخبرني هاشم بن محمد الخزاعيّ، عن ميمون بن هارون: قال:
كتبت عريب إلى محمد بن حامد - الذي كانت تهواه - تستزيره، فكتب إليها: إني أخاف على نفسي، فكتبت إليه.
صوت
إذا كنت تحذر ما تحذر ... وتزعم أنك لا تجسر
فمالي أقيم على صبوتي ... ويوم لقائك لا يقدر
/ فصار إليها من وقته.
لعريب في هذين البيتين وبيتين آخرين بعدهما لم يذكرا في الخبر رمل،/ ولشاريه خفيف رمل، جمعا من رواية ابن المعتز، والبيتان الآخران:
تبيّنت عذري وما تعذر ... وأبليت جسمي وما تشعر
__________
[1] ف: «أم صاخ» وهو تحريف بدليل ما جاء في النص الوارد في البيت الثاني.
[2] متاعة: قبله.
[3] ف: «يا بنتي إنك قد غنيت». وتنبلت: أظهرت مهارة وحذقا.
ألفت السّرور وخلّيتني [1] ... ودمعي من العين ما يفتر
وذكر ميمون في هذا الخبر أن محمد بن حامد كتب إليها يعاتبها في شيء كرهه، فكتبت إليه تعتذر، فلم يقبل، فكتبت إليه بهذين البيتين الآخرين اللذين ذكرتهما بعد نسبة هذا الصوت.
صوت
أحببت من شعر بشّار لحبكم ... بيتا، كلفت به من شعر بشّار
يا رحمة اللّه حلّي في منازلنا [2] ... وجاورينا فدتك النّفس من جار
إذا ابتهلت سألت اللّه رحمته ... كنيت عنك وما يعدوك إضماري
الشعر لأبي نواس منه البيت الأول، والثاني لبشار ضمنّه أبو نواس، والغناء لعريب ثقيل أول بالبنصر، ولعمرو بن بانة في الثاني والثالث رمل.
وهذا الشعر يقوله أبو نواس في رحمة بن نجاح عمّ نجاح بن سلمة الكاتب.
رحمة حبيبة بشار ورحمة حبيب أبي نواس:
أخبرني بخبره عليّ بن سليمان الأخفش، عن محمد بن يزيد النحويّ: قال:
كان بشار يشببّ بامرأة يقال لها رحمة، وكان أبو نواس يتعشق غلاما اسمه رحمة بن نجاح، عم نجاح بن سلمة الكاتب، وكانت متقدما في جماله، وكان أبوه/ قد ألزمه وأخاه [3] رجلا مدنيا، وكان معهم كأحدهم، وأكثر أبو نواس التّشبيب برحمة في إقامته ببغداد وشخوصه عنها، وكان بشار قد قال في رحمة المرأة التي يهواها.
يا رحمة اللّه حلّي في منازلنا ... حسبي برائحة الفردوس من فيك
يا أطيب الناس ريقا غير مختبر ... إلا شهادة أطراف المساويك
فقال أبو نواس، وضمّن بيت بشّار.
أحببت من شعر بشار لحبّكم ... بيتا كلفت به من شعر بشّار
الأبيات الثلاثة ...
وقال فيه:
يا من تأهّب مزمعا لرواح ... متيمّما بغداد غير ملاح
في بطن جارية كفتك بسيرها ... رملا وكلّ سباحة السّبّاح [4]
بنيت على قدر ولاءم بينها ... صنفان من قار ومن ألواح
__________
[1] ف، مم: «و خلفتني».
[2] يريد بشار رحمة محبوبته كما يشير إلى ذلك البيت الثالث، وكما ورد في القصة، والمضمن - كما يدل سياق القصة أيضا - هو المصراع الأول من البيت الثاني، لا البيت كله.
[3] أخاه معطوف على الهاء في ألزمه.
[4] جارية: يقصد سفينة جارية، والرّمل: ضرب من السّير، وهو الهرولة، ويريد أن السفينة كفتة مؤونة السير على القدم واجتياز النهر سباحة.
وكأنها - والماء ينضح صدرها ... والخيزرانة [1] في يد الملّاح -
جون [2] من الغربان يبتدر الدّجى ... يهوي بصوت واصطفاق جناح
سلّم على شاطى الصّراة [3] وأهلها ... واخصص هناك مدينة الوضّاح
/ واقصد - هديت [4] - ولا تكن متحيّرا ... في مقصد عن ظبي آل نجاح
عن رحمة الرحمن واسأل من ترى ... سيماه سيما شارب للرّاح
فإذا دفعت إلى أغنّ وألثغ ... ومنعّم ومكحّل ورداح [5]
وكشمسنا وكبدرنا حاشى التي ... سمّيتها منه بنور أقاحي
/ فاقصد لوقت لقائه في خلوة ... لتبوح عني ثمّ كلّ مباح
واخبر [6] بما أحببت عن حالي التي ... ممساي فيها واحد وصباحي
قال: فافتدى أبو رحمة من أبي نواس ذكر ابنه بأن عقد بينه وبينه حرمة، ودعاه إلى منزله، فجاءه أبو نواس والمدينيّ لا يعرفه، فمازحه مزاحا أسرف عليه فيه، فقام إليه رحمة، فعرفه أنه أبو نواس، فأشفق المدينيّ من ذلك، وخاف أن يهجوه ويشهّر اسمه، فسأل رحمة أن يكلمه في الصفح له والإغضاء عن الانتقام، فأجابه أبو نواس وقال:
اذهب سلمت من الهجاء ولذعه ... وأما ولثغة رحمة بن نجاح
لو لا فتور في كلامك يشتهى ... وترفّقي لك بعد واستملاحي
وتكسّر في مقلتيك هو الذي ... عطف الفؤاد عليك بعد جماح
لعلمت أنك لا تمازح شاعرا ... في ساعة ليست بحين مزاح
مدخل إلى ترجمة معقل بن عيسى:
صوت
أ أبكاك بالعرف المنزل ... وما أنت والطّلل المحول؟
وما أنت ويك ورسم الدّيار ... وسنّك قد قاربت تكمل؟
/ عروضه من المتقارب، والشعر للكميت بن زيد الأسديّ، والغناء لمعقل بن عيسى أخي أبي دلف العجليّ، ولحنه من الثقيل الأول بالبنصر، وهذان البيتان من قصيدة مدح الكميت بهما عبد الرحمن بن عنبسة بن سعيد بن العاصي بن أمية.
__________
[1] الخيزرانة: مجداف السفينة.
[2] جون: خبر كأن، والجون: الأبيض والأسود، والمراد به هنا الأسود.
[3] الصّراة: نهر بالعراق، وفي ب، مم: «السّراة».
[4] ف:
«و اقصد هناك»
[5] الرداح: الثقيل الأوراك.
[6] وصلت همزة (أخبر) لضرورة الشعر.
أخبرني الحسن بن عليّ قال: حدثني الحسن بن عليل العنزيّ، عن عليّ بن هشام [1]، عن محمد بن عبد الأعلى بن كناسة: قال:
كان بين بني أسد وبين طيء بالحصّ - وهي قريبة من قادسيّة الكوفة - حرب، فاصطلحوا وبقي لطيء دماء رجلين، فاحتمل ذلك رجل من بني أسد، فمات قبل أن يؤدّيه، فاحتمله الكميت بن زيد، فأعانه فيه عبد الرحمن بن عنبسة، فمدحه بقوله:
أ أبكاك بالعرف المنزل ... وما أنت والطّلل المحول
فأعانه الحكم بن الصلت الثقفيّ، فمدحه بقصيدته التي أولها:
رأيت الغواني وحشا نفورا
وأعانه زياد بن المغفّل الأسديّ، فمدحه بقصيدته التي أولها:
هل للشباب الذي قد فات من طلب؟
ثم جلس الكميت وقد خرج العطاء، فأقبل الرجل يعطي الكميت المائتين، والثلاث المائة، وأكثر وأقل، قال: وكانت دية الأعرابي حينئذ ألف بعير ودية الحضريّ عشرة آلاف درهم، وكانت قيمة الجمل عشرة دراهم، فأدّى الكميت عشرين ألفا عن قيمة ألفي بعير.
نسبة ما في أشعار الكميت هذه من الأغاني
صوت
منها:
هل للشباب الذي قد فات من طلب ... أم ليس غابره الماضي بمنقلب
/ دع البكاء على ما فات من طلب ... فالدهر يأتي بألوان من العجب
غنّاه إبراهيم الموصليّ خفيف رمل بالسبابة في مجرى الوسطى من رواية إسحاق.
__________
[1] ف: «حدثنا أبو مسلم علي بن مسلم» بدل «عن علي بن هشام».
7 - ذكر معقل بن عيسى
شاعر مغن:
كان معقل بن عيسى فارسا شاعرا جوادا، مغنّيا فهما بالنّغم والوتر، وذكره الحاحظ مع ذكر أخيه أبي دلف وتقريظه في المعرفة بالنغم، وقال: إنه من أحسن أهل زمانه وأجود طبقته صنعة؛ إذ سلّم ذلك له أخوه معقل، وإنما أخمل ذكره ارتفاع شأن أخيه، وهو القائل لأبي دلف في عتب عتبه عليه:
أخيّ مالك ترميني فتقصدني ... وإن رميتك سهما لم يجز كبدي
أخيّ مالك مجبولا على ترتي ... كأن أجسادنا لم تغذ [1] من جسد
وهو القائل لمخارق، وقد كان زار أبا دلف إلى الجبل، ثم رجع إلى العراق، أخبرني بذلك عليّ بن سليمان الأخفش عن أبي سعيد السكريّ:
صوت
لعمري لئن قرّت بقربك أعين ... لقد سخنت بالبين منك عيون
فسر أو أقم وقف عليك محبّتي [2] ... مكانك من قلبي عليك مصون
فما أوحش [3] الدنيا إذا كنت نازحا ... وما أحسن الدنيا بحيث تكون
عروضه من الطويل، والشعر لمعقل بن عيسى، والغناء لمخارق، ولحنه من الثّقيل الأول بالوسطى، وفيه لحن لمعقل بن عيسى خفيف رمل، وفيه ثاني ثقيل يقال: إنه لمخارق، ويقال: إنه لمعقل.
/ ومن شعر معقل قوله يمتدح المعتصم، وفيه غناء للزّبير بن دحمان من الثقيل الأول بالبنصر:
صوت
الدار هاجك رسمها وطلولها ... أم بين سعدى يوم جدّ رحيلها
كلّ شجاك فقل لعينك أعولي ... إن كان يغني في الديار عويلها
ومحمد زين الخلائف والذي ... سنّ المكارم فاستبان سبيلها
__________
[1] ف: «لم تغد».
[2] ف: «مودتي».
[3] ف: «فما أقبح».
صوت
أليس إلى أجبال شمخ إلى اللّوى ... لوى الرّمل يوما للنّفوس معاد؟
بلاد بها كنّا، وكنا من اهلها ... إذ النّاس ناس والبلاد بلاد
الشعر لرجل من عاد فيما ذكروا، والغناء لابن محرز، ولحنه من الثّقيل الأول بالبنصر عن ابن المكي، وقيل:
إنه من منحوله إليه:
خبر رجل من عاد:
أخبرني ابن عمار [1] عن أبي سعد، عن محمد بن الصّبّاح: قال: حدثنا يحيى بن سلمة بن أبي الأشهب التيميّ [2] عن الهيثم بن عديّ: قال: أخبرني حمّاد الرّواية: قال:
حدثني ابن أخت لنا من مراد: قال: وليت صدقات قوم من العرب، فبينا أنا أقسمها في أهلها إذ قال لي رجل منهم: ألا أريك عجبا؟ قلت: بلى، فأدخلني في/ شعب من جبل، فإذا أنا بسهم من سهام عاد، فتى قد نشب في ذروة الشّعب وإذا على الجبل تجاهي مكتوب:
/ألا هل إلى أبيات شمخ إلى اللّوى ... لوى الرّمل يوما للنفوس معاد؟
بلاد بها كنّا وكنا من أهلها ... إذ النّاس ناس والبلاد بلاد
ثم أخرجني إلى ساحل البحر، وإذا أنا بحجر يعلوه الماء طورا، ويظهر تارة، وإذا عليه مكتوب: يابن آدم يابن عبد ربه، اتّق اللّه، ولا تعجل في أمرك، فإنك لن تسبق رزقك، ولن ترزق ما ليس لك، ومن البصرة إلى الديل ستمائة فرسخ، فمن لم يصدق بذلك فليمش الطريق على الساحل حتى يتحقّقه، فإن لم يقدر على ذلك فلينطح برأسه هذا الحجر.
صوت
يا بيت عاتكة الذي أتعزّل ... جذر العدا وبه الفؤاد موكّل
إني لأمنحك الصّدود وإنني ... قسما إليك مع الصّدود لأميل
أتعزله: أتجنبه وأكون بمعزل عنه. العدا: جمع عدوّ، ويقال عدا بالضم وعدا بالكسر، وأمنحك: أعطيك.
والمنيحة: العطية. وفي الحديث أن رجلا منح بعض ولده شيئا من ماله، فقال له النبي صلّى اللّه عليه وسلّم: أكلّ ولدك منحت مثل هذا؟ قال: لا، قال: فارجعه.
الشعر للأحوص بن محمد الأنصاري، من قصيدة يمدح بها عمر بن عبد العزيز الغناء لمعبد ثاني ثقيل بالخنصر في مجرى البنصر، عن إسحاق ويونس وغيرهما، وفيه لابن سريج خفيف ثقيل الأول بالبنصر عن الهشامي وابن المكي وعلي بن يحيى.
__________
[1] ف: «أحمد بن عبيد اللّه بن عمّار».
[2] ف: «التميمي».
8 - الأحوص وبعض أخباره
الأحوص يعارض ابن أبي دباكل أو يسرقه:
أخبرني بخبر الأحوص في هذا الشعر الحرميّ عن الزبير [1] قال: حدثني عمر بن أبي بكر المؤمّلي، وأخبرنا به الحسين بن يحيى، عن حماد، عن أبيه، عن مصعب الزبيريّ، عن المؤمّلي، عن عمر بن أبي بكر الموصلي، عن عبد اللّه بن أبي عبيدة بن عمار بن ياسر: قال:
خرجت أنا والأحوص بن محمد مع عبد اللّه بن الحسن بن الحسن إلى الحج، فلما كنا بقديد قلنا لعبد اللّه بن الحسن: لو أرسلت إلى سليمان بن أبي دباكل، فأنشدنا شيئا من شعره، فأرسل إليه فأتانا، فاستنشدناه، فأنشدنا قصيدته التي يقول فيها:
يا بيت خنساء الذي أتجنّب ... ذهب الشباب وحبّها لا يذهب
أصبحت أمنحك الصدود [2] وإنّني ... قسما إليك مع الصّدود لأجنب
ما لي أحنّ إلى جمالك قرّبت ... وأصدّ عنك وأنت منّي أقرب
للّه درّك هل لديك معوّل ... لمتيّم أم هل لودّك مطلب؟
فلقد رأيتك قبل ذاك وإنني ... لموكّل بهواك أو متقرّب
إذ نحن في الزمن الرخيّ وأنتم ... متجاورون كلامكم لا يرقب
تبكي الحمامة شجوها فتهيجني ... ويروح عازب همّي المتأوّب
وتهبّ جارية الرياح من ارضكم [3] ... فأرى البلاد لها تطلّ وتخصب
/ وأرى السّمية باسمكم فيزيدني ... شوقا إليك رجاؤك المتنسّب [4]
/و أرى العدوّ يودّكم فأودّه ... إن كان ينسب منك أو لا ينسب
وأخالف الواشين فيك تجمّلا ... وهم عليّ ذو وضغائن دؤّب
ثم اتخذتهم عليّ وليجة [5] ... حتى غضبت ومثل ذلك يغضب
__________
[1] ف: «الحرمي بن أبي العلاء، قال: حدثنا الزبير بن بكار».
[2] ف: «إني لأمنحك الصدود»، وكاف الخطاب مكسورة على اعتبار أن المخاطب محبوبته الخنساء، أو مفتوحة على أن المخاطب بيتها والأول أنسب.
[3] وصل همزة أرض لضرورة الشعر.
[4] هذا البيت تكملة من ف، وهو ساقط من باقي النسخ.
[5] وليجة: أصدقاء وأعوان.
قال: فلما كان من قابل حجّ أبو بكر بن عبد العزيز بن مروان، فقدم المدينة، فدخل عليه الأحوص، واستصحبه، فأصحبه، فلما خرج الأحوص قال له بعض من عنده: ماذا تريد بنفسك؟ تقدم بالأحوص الشام، وبها من ينافسك من بني أبيك، وهو من الأفن والسّفه على ما قد علمت فيعيبونك به. فلما رجع أبو بكر من الحج دخل عليه الأحوص متنجّزا لما وعده من الصحابة [1] فدعا له بمائة ديناء وأثواب وقال: يا خال، إني نظرت فيما سألتني من الصحابة فكرهت [1] أن أهجم بك على أمير المؤمنين من غير إذنه، فيجبهك فيشمت بك عدوّي من أهل بيتي، ولكن خذ هذه الثياب والدنانير، وأنا مستأذن لك أمير المؤمنين، فإذا أذن لك كتبت إليك، فقدمت عليّ، فقال له الأحوص: لا ولكن قد سبعت [2] عندك، ولا حاجة لي بعطيّتك، ثم خرج من عنده، فبلغ ذلك عمر بن عبد العزيز، فأرسل إلى الأحوص وهو يومئذ أمير المدينة، فلما دخل عليه أعطاه مائة دينار، وكساه ثيابا فأخذ ذلك، ثم قال له:
يا أخي هب لي عرض أبي بكر، قال: هو لك، ثم خرج الأحوص، فقال في عروض قصيدة سليمان بن أبي دباكل قصيدة مدح بها عمر بن عبد العزيز.
/ وقال حماد: قال أبي: سرق أبيات سلميان بأعيانها، فأدخلها في شعره، وغيّر قوافيها فقط، فقال:
يا بيت عاتكة الذي أتعزّل ... حذر العدا وبه الفؤاد موكّل
أصبحت أمنحك الصّدود وإنّني ... قسما إليك مع الصّدود لأميل
فصددت عنك وما صددت لبغضة ... أخشى مقالة كاشح لا يعقل
هل عيشنا بك في زمانك راجع ... فلقد تفاحش [3] بعدك المتعلّل؟
إني إذا قلت استقام يحطّه ... حلف كما نظر الخلاف الأقبل [4]
لو بالّذي عالجت لين فؤاده ... فأبى يلان به للان الجندل [5]
وتجنّبي بيت الحبيب أودّه ... أرضي البغيض به، حديث معضل
ولئن صددت لأنت لو لا رقبتي ... أهوى من اللائي أزور وأدخل
إنّ الشّباب وعيشنا اللذّ [6] الذي ... كنّا به زمنا نسرّ ونجذل
ذهبت بشاشته وأصبح ذكره ... حزنا يعلّ به الفؤاد وينهل
إلّا تذكّر ما مضى وصبابة ... منيت لقلب متيّم لا يذهل
أودى الشباب وأخلقت لذّاته ... وأنا الحزين على الشباب المعول
/ يبكي لما قلب الزمان جديده ... خلقا وليس على الزّمان معوّل [7]
__________
(1 - 1) التكملة من ف، مم. وجاء مكانها: «فقال له كرهت ... إلخ» في النسخ الأخرى.
[2] سبع فلان فلانا: شتمه ووقع فيه، يريد: أنك تغيرت علي بسبب الوشاية.
[3] ف: «تقاعس».
[4] ب، س، مم:
«بأبي إذا قلت ... الأحول»
القبل: الحول، أو إقبال نظر كل من العينين على الأخرى.
[5] معنى البيت: لو أنني عالجت الجندل بما عالجت به فؤاده فلم يلن للآن الجندل، فهنا محذوف يفهم من سياق الكلام.
[6] اللذّ: اللّذيذ، وفي ف:
«كنا به زمنا نعل وننهل»
وهي رواية مرجوحة لما جاء في البيت التالي.
[7] قلب: بمعنى صيّر، وخلقا مفعول ثان له.
والرأس شامله البياض كأنه ... بعد السّواد به الثّغام المحجل [1]
وسفيهة هبّت عليّ بسحرة ... جهلا تلوم على الثّواء وتعذل [2]
فأجبتها أن قلت لست مطاعة ... فذري تنصّحك الذي لا يقبل
/ إنّي كفاني أن أعالج رحلة ... عمر ونبوة من يضنّ ويبخل
بنوال ذي فجر تكون سجاله ... عمما إذا نزل الزّمان الممحل
ماض على حدث الأمور كأنه ... ذو رونق [3] عضب جلاه الصّيقل
تبدي الرجال إذا بدا إعظامه ... حذر البغاث هوى لهنّ الأجدل [4]
فيرون أنّ له عليهم سورة ... وفضيلة سبقت له لا تجهل
متحمّل ثقل الأمور حوى له ... سبق المكارم سابق متمهّل
وله إذا نسبت قريش منهم ... مجد الأرومة والفعال الأفضل
وله بمكة إذ أميّة أهلها ... إرث إذا عدّ القديم مؤثّل
/ أعيت قرابته وكان لزومه ... أمرا أبان رشاده من يعقل [5]
وسّموت عن أخلاقهم فتركتهم ... لنداك إنّ الحازم المتحوّل
ولقد بدأت أريد ودّ معاشر ... وعدوا مواعد أخلفت إن حصّلوا
حتى إذا رجع اليقين مطامعي ... بأسا وأخلفني الذين أؤمّل
زايلت ما صنعوا إليك برحلة ... عجلي وعندك عنهم متحوّل
ووعدتني في حاجة فصدقتني ... ووفيت إذ كذبوا الحديث وبدّلوا
وشكوت غرما فادحا فحملته ... عنّي وأنت لمثله متحمّل
فلأشكرنّ لك الذي أوليتني ... شكرا تحلّ به المطيّ وترحل
مدحا تكون لكم غرائب شعرها ... مبذولة ولغيركم لا تبذل
فإذا تنحّلت القريض فإنّه ... لكم يكون خيار ما أتنحّل
ولعمر من حجّ الحجيج لبيته ... تهوي به قلص المطيّ الذّمّل
__________
[1] الثغام: نبت أبيض، ويقال: أثغم الرأس: صار كالثغام بياضا، والمحجل من الحجل، وهو البياض في رجل الفرس ونحوه، فهو صفة مؤكدة: وفي ب، مم: «المحول» بدل «المحجل» أي الثغام الذي مضى عليه الحول، والرواية الأولى أرجح، وفي ب «شاملة البياض» وقد رجحنا رواية ف، مم؛ لأن الرأس مذكر.
[2] بسحرة إنها تعذلني وقت السحر، وفي ب «الثراء» بدل «الثواء» والمثبت من ف وهو أوفق لما في الأبيات التالية.
[3] ذو رونق: صفة لموصوف محذوف، والتقدير: كأنه سيف ذو رونق.
[4] ف «الحمام» بدل «البغاث» والأجدل: الصقر. يريد أن الرجال يهابون عمر كما يهاب البغاث أو الحمام الصقر.
[5] مو، ب، مم:
«أعيت قرائنه وكان لزومه ... أثرا أبان وشاده من يعقل»
والصواب ما أثبتناه، والمعنى عليه: أن الالتجاء إلى الممدوح أمر أشار به ذو والتجربة والخبرة.
إنّ امرأ قد نال منك قرابة ... يبغي منافع غيرها لمضلّل
تعفوا إذا جهلوا بحلمك عنهم ... وتنيل إن طلبوا النّوال فتجزل
وتكون معقلهم إذا لم ينجهم ... من شرّ ما يخشون إلّا المعقل [1]
حتى كأنك يتّقى بك دونهم ... من أسد بيشة خادر متبسّل [2]
/و أراك تفعل ما تقول وبعضهم ... مذق [3] الحديث يقول ما لا يفعل
وأرى المدينة حين صرت أميرها ... أمن البريء بها ونام الأعزل
فقال عمر: ما أراك أعفيتني مما استعفيت منه، قال: لأنه مدح عمر وعرّض بأخيه أبي بكر.
نسبة ما مضى في هذه الأخبار من الأغاني
صوت
مالي [4] أحنّ إذا جمالك قرّبت ... وأصدّ عنك وأنت منّي أقرب؟
وأرى البلاد إذا حللت بغيرها ... وحشا وإن كانت تظلّ وتخصب
/ يا بيت خنساء الذي أتجنّب ... ذهب الشباب وحبّها لا يذهب
تبكي الحمامة شجوها فتهيجني ... ويروح عازب همّي المتأوّب
الشعر لسليمان بن أبي دباكل، والغناء لمعبد خفيف ثقيل أول بالبنصر، عن عمرو.
وقال ابن المكّي: فيه خفيف ثقيل آخر لابن محرز، وأوله:
تبكي الحمامة شجوها فتهيجني
من هي عاتكة؟
أخبرني الحسين بن يحيى قال: قال حماد: قرأت على أبي، وقال محمد بن كناسة: حدثني أبو دكين بن زكريا بن محمد بن عمار بن ياسر: قال: رأيت عاتكة التي يقول فيها الأحوص:
يا بيت عاتكة الذي أتعزل
وهي عجوز كبيرة وقد جعلت بين عينيها هلالا من نيلج [5] تتملّح به.
أخبرني الحرميّ عن الزبير، عن محمد بن محمد العمريّ: قال:
عاتكة التي يشبّب بها الأحوص عاتكة بنت عبد اللّه بن يزيد بن معاوية.
__________
[1] مو:
«من شر ما يخشى ونعم المعقل»
[2] بيشة: مكان اشتهر بأسده، الخادر: الذي لزم عرينه، متبسل: عابس غضبا، أو شجاعة.
[3] مذق الحديث: مخلوطة غير خالصة، وأصله من مذق اللّبن: خلطه بالماء.
[4] ف: «إني أحنّ».
[5] النيلج: «دخان الشحم يعالج به الوشم ليخضر.
أخبرني الحرميّ، عن الزبير، عن إسحاق بن عبد الملك:
/ إن الأحوص كان ليّنا، وأن عاتكة التي ينسب بها ليست عاتكة بنت عبد اللّه بن يزيد بن معاوية، وإنما هو رجل كان ينزل قرى كانت بين الأشراف كنى عنه بعاتكة.
أخبرني الحرميّ عن الزبيريّ عن يعقوب بن حكيم: قال:
كان الأحوص ليّنا، وكان يلزم نازلا بالأشراف، فنهاه أخوه عن ذلك، فتركه فرقا من أخيه، وكان يمرّ قريبا من خيمة النازل بالأشراف ويقول:
يا بيت عاتكة الذي أتعزّل ... حذر العدا وبه الفؤاد موكل
يكنى عنه بعاتكة ولا يقدر أن يدخل عليه.
الفرزدق وكثير يزوران الأحوص:
أخبرني الحرميّ، عن الزبيري، عن محمد بن إسماعيل بن جعفر بن إبراهيم: قال: حدثني عبد العزيز بن عمران: قال:
قدم الفرزدق المدينة، فقال لكثيّر؟ هل لك بنا في الأحوص نأتيه ونتحدث عنده؟ فقال له: وما نصنع به؟ إذا واللّه نجد عنده عبدا حالكا أسود حلوكا يؤثره علينا، ويبيت مضاجعه ليلته حتى يصبح، قال الفرزدق: فقلت: إن هذا من عداوة الشعراء بعضهم لبعض، قال: فانهض بنا إليه إذا - لا أب لغيرك - قال الفرزدق: فأردفت كثيّرا ورائي على بغلتي، وقلت: تلفّف [1] يا أبا صخر، فمثلك لا يكون رديفا، فخمّر رأسه وألصق فيّ وجهه، فجعلت لا أجتاز بمجلس قوم إلا قالوا: من هذا وراءك يا أبا فراس؟ فأقول: جارية وهبها لي الأمير، فلما أكثرت عليه من ذلك، واجتاز على بني زريق، وكان يبغضهم، فقلت لهم ما كنت أقول قبل ذلك، كشف عن رأسه وأومض [2] وقال:
كذب، ولكني كرهت أن أكون له رديفا [3] وكان حديثه لي معجبا [3]، فركبت وراءه، ولم تكن لي دابة أركبها إلا دابّته، فقالوا: لا تعجل يا أبا صخر، ههنا دوابّ كثيرة تركب/ منها ما أردت، فقال: دوابّكم واللّه أبغض إلى من ردفه، فسكتوا عنه. وجعل يتغشّم [4] عليهم، حتى جاوز أبصارهم، فقلت: واللّه ما قالوا لك بأسا، فما الذي أغضبك عليهم؟ فقال: واللّه ما أعلم نفرا أشدّ تعصبا للقرشيين من نفر اجتزت بهم، قال: فقلت له: وما أنت - لا أمّ [5] لك ولقريش - قال: أنا واللّه أحدهم، قلت: إن كنت أحدهم فأنت واللّه دعيّهم، قال: دعيّهم خير من صحيح نسب العرب، وإلا فأنا واللّه من أكرم بيوتهم، أنا أحد بني الصّلت بن النضر، قلت: إنما قريش ولد فهر بن مالك، فقال: كذبت. فقال: ما علمك يا بن الجعراء بقريش؟ هم بنو النّضر بن كنانة، ألم تر إلى النبي صلّى اللّه عليه وسلّم انتسب إلى النّضر بن/ كنانة، ولم يكن ليجاوز أكرم نسبه، قال: فخرجنا حتى أتينا الأحوص، فوجدناه في مشربة له، فقلنا له:
أنرقى إليك أم تنزل إلينا؟ قال: لا أقدر على ذلك، عندي أمّ جعفر، ولم أرها منذ أيام، ولي فيها شغل، فقال كثيّر:
__________
[1] يريد بتلففه أن يتنكر، حتى لا يعرفه الناس.
[2] أومض: أشار إشارة خفيفة رمزا أو غمزا.
(3 - 3) التكملة من مو، ف.
[4] يتغثم: يتجنّى.
[5] ب، مو: مم: «لا أرض لك».
أم جعفر واللّه بعض عبيد الزّرانيق [1] فقلنا له: فأنشدنا بعض ما أحدثت به، فأنشدنا قوله:
يا بيت عاتكة الذي أتعزّل ... حذر العدا وبه الفؤاد موكّل
حتى أتى على آخرها، فقلت لكثير: قاتله اللّه، ما أشعره، لو لا ما أفسد به نفسه، قال: ليس هذا إفسادا، هذا خسف إلى التّخوم، فقلت: صدقت، وانصرفنا من عنده، فقال: أين تريد؟ فقلت: إن شئت فمنزلي، وأحملك على البغلة، وأهب لك المطرف، وإن شئت فمنزلك ولا أرزؤك شيئا، فقال: بل منزلي، وأبذل لك ما قدرت عليه، وانصرفنا إلى منزله، فجعل يحدثني وينشدني حتى جاءت الظّهر، فدعا لي بعشرين/ دينارا وقال: استعن بهذه يا أبا فرس على مقدمك، قلت: هذا أشد من حملان بني زريق، قال: واللّه إنك ما تأنف من أخذ هذا من أحد، غير الخليفة، قال الفرزدق: فجعلت أقول في نفسي: تاللّه إنه لمن قريش، وهممت ألا أقبل منه. فدعتني نفسي - وهي طمعة - إلى أخذها منه، فأخذتها.
من هي الجعراء؟
معنى قول كثيّر للفرزدق: يا بن الجعراء: يعيّره بدغة، وهي أم عمرو بن تميم، وبها يضرب المثل في الحماقة، فيقال: هي أحمق من دغة، وكانت حاملا، فدخلت الخلاء، فولدت، وهي لا تعلم ما الولد، وخرجت وسلاها [2] بين رجليها، وقد استهل ولدها، فقالت: يا جارتا، أيفتح الجعرفاه [3] فقالت جارتها: نعم يا حمقاء، ويدعو أباه، فبنو تميم يعيّرون بذلك، ويقال للمنسوب منهم: يا بن الجعراء.
ملاحاة بينه وبين السريّ:
أخبرني الحرميّ، عن الزبير قال: حدّثني سليمان بن داود المجمعيّ: قال:
اجتاز السّريّ بن عبد الرّحمن بن عتبة بن عويمر بن ساعدة الأنصاريّ بالأحوص وهو ينشد قوله:
يا بيت عاتكة الذي أتعزّل
فقال السّريّ:
يا بيت عاتكة المنوّة باسمه ... اقعد على من تحت سقفك واعجل
فواثبه الأحوص، وقال في ذلك:
فأنت وشتمي في أكاريس [4] مالك ... وسبّي به كالكلب إذ ينبح النّجما
/ تداعى [5] إلى زيد وما أنت منهم ... تحقّ أبا إلّا الولاء ولا أمّا
وإنّك لو عدّدت أحساب مالك ... وأيامها فيها ولم تنطق الرّجما
أعادتك عبدا أو تنقّلت كاذبا [6] ... تلمّس في حيّ سوى مالك جذما
__________
[1] الزرنوق: النهر الصغير، وتزرنق: استقى على الزرنوق بالأجرة، فالمراد بعبيد الزرانيق الذين يكرون للسقي.
[2] السلا: جلدة يكون فيها الولد من الناس والمواشي.
[3] الجعر: ما يبس من العذرة.
[4] الأكاريس: جمع أكراس، وأكراس جمع كرس بمعنى الجماعة، وفي مو: «و سبّي له».
[5] تداعى: مضارع حذفت منه إحدى التاءين، وفي ف: «تدعى»، والمعنى على كليهما: تنسب إلى زيد ولست منهم.
[6] ب: «أعادتك عبدا وانتقلت مكذبا».
وما أنا بالمحسوس في جذم مالك ... ولا بالمسمّى ثم يلتزم إلاسما
ولكن أبي لو قد سألت وجدته ... توسّط منها العزّ والحسب الضّخما
فأجابه السّريّ فقال:
سألت جميع هذا الخلق طرّا ... متى كان الأحيوص من رجالي
وهي أبيات ليست بجيدة ولا مختارة، فألغيت ذكرها.
شعره يسعف دليل المنصور:
أخبرني محمد بن أحمد بن الطّلاس/ أبو الطّيب، عن أحمد بن الحارث الخرّاز، عن المدائني، وأخبرني به الحرميّ، عن الزبير: قال: حدثني عمي - وقد جمعت روايتيهما - .
أنّ المنصور أمر الرّبيع لما حجّ أن يسايره برجل [1] يعرف المدينة وأهلها وطرقها ودورها وحيطانها، فكان رجل من أهلها قد انقطع إلى الربيع زمانا، وهو رجل من الأنصار، فقال له: تهيأ فإني أظن جدّك قد تحرّك، إن أمير المؤمنين قد أمرني أن أسايره برجل يعرف المدينة وأهلها وطرقها وحيطانها ودورها فتحسّس [2] موافقته ولا تبتدئه بشيء حتى يسألك، ولا تكتمه شيئا، ولا تسأله حاجة، فغدا عليه بالرجل، وصلّى المنصور، فقال: يا ربيع، الرجل، فقال: ها هو ذا، فسار معه يخبره عما سأل حتى ندر [3] من أبيات المدينة، فأقبل عليه المنصور، فقال:
من أنت أولا؟ فقال: من لا تبلغه/ معرفتك - هكذا ذكر الخرّاز وليس في رواية الزبير - فقال: ما لك من الأهل والولد؟ فقال: واللّه ما تزوجت، ولا لي خادم، قال: فأين منزلك؟ قال: ليس لي منزل، قال: فإن أمير المؤمنين قد أمر لك بأربعة آلاف درهم، فرمى بنفسه فقبّل رجله، فقال له: اركب، فركب، فلما أراد الانصراف قال للربيع: يا أبا الفضل، قد أمر لي أمير المؤمنين بصلة، قال: إيه، قال: إن رأيت أن تنجّزها لي، قال: هيهات، قال: فأصنع ماذا؟ قال: لا أدري واللّه - وفي رواية الخراز أنه قال: ما أمر لك بشيء، ولو أمر به لدعاني، فقال: أعطه أو وقّع إليّ - فقال الفتى: هذا همّ لم يكن في الحساب، فلبثت أياما، ثم قال المنصور للربيع: ما فعل الرجل؟ قال:
حاضر، قال: سايرنا به الغداة، ففعل، وقال له الربيع: إنه خارج بعد غد، فاحتل لنفسك، فإنه واللّه إن فاتك فإنه آخر العهد به، فسار معه، فجعل لا يمكنه شيء حتى انتهى إلى مسيره، ثم رجع وهو كالمعرض عنه، فلما خاف فوته أقبل عليه فقال: يا أمير المؤمنين، هذا بيت عاتكة، قال: وما بيت عاتكة؟ قال: الذي يقول فيه الأحوص.
يا بيت عاتكة الذي أتعزل
قال: فمه، قال: إنه يقول فيها:
إنّ امرأ قد نال منك وسيلة ... يرجو منافع غيرها لمضلّل
وأراك تفعل ما تقول وبعضهم ... مذق الحديث يقول ما لا يفعل
فقال الزّبير في خبره: فقال له: لقد رأيتك أذكرت بنفسك، يا سليمان بن مخلد، أعطه أربعة آلاف درهم، فأعطاه إياها، وقال الخرّاز في خبره: فضحك المنصور، وقال: قاتلك اللّه، ما أظرفك، يا ربيع أعطه ألف درهم،
__________
[1] مم، مو، ف: «أن يبغيه رجلا».
[2] ف، مم: «فتحر» بدل «فتحسس»، وفي ب: «فتحسن».
[3] ندر: خرج.
فقال: يا أمير المؤمنين إنها كانت أربعة آلاف درهم، فقال: ألف يحصّل خير من أربعة آلاف لا تحصّل.
ابن المقفع يتمثل بمطلع لاميته:
وقال الخراز في خبره: حدّثني المدائني: قال:
أخذ قوم من الزنادقة، وفيهم ابن لابن المقفع، فمرّ بهم على أصحاب المدائن، فلما رآهم ابن المقفع خشي أن يسلّم عليهم فيؤخذ، فتمثّل:
/يا بيت عاتكة الذي أتعزّل ... حذر العدا وبه الفؤاد موكّل
الأبيات، ففطنوا لما أراد، فلم يسلّموا عليه، ومضى.
هو ومعبد يردان اعتبار جارية:
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ عن ابن شبّة: قال:
بلغني أنّ يزيد بن عبد الملك كتب إلى عامله أن يجهّز إليه الأحوص الشاعر ومعبدا المغنيّ.
فأخبرنا محمد بن خلف وكيع: قال: حدثنا عبد اللّه بن شبيب: قال:/ حدثني إسماعيل بن أبي أويس: قال:
حدثني أبي: قال: حدثنا سلمة بن صفوان الزّرقي، عن الأحوص الشاعر - وذكر إسماعيل بن سعيد [1] الدمشقي - :
أنّ الزّبير بن بكّار حدثه عن ابن أبي أويس، عن أبيه، عن مسلمة بن صفوان، عن الأحوص، وأخبرني به الحرمي، عن الزبير، عن عمه، عن جرير المدينيّ المغني، وأبو مسكين: قالوا جميعا:
كتب يزيد بن عبد الملك في خلافته إلى أمير المدينة - وهو عبد الواحد بن عبد اللّه النّصريّ - أن يحمل إليه الأحوص الشاعر ومعبدا المغني مولى ابن قطن قال: فجهّزنا وحملنا إليه، فلما نزلنا عمان أبصرنا غديرا وقصورا، فقعدنا على الغدير وتحدثنا وذكرنا المدينة، فخرجت جارية من بعض تلك القصور، ومعها جرة تريد أن تستقي فيها ماء، قال الأحوص: فتغنّت بمدحي في عمر بن عبد العزيز:
يا بيت عاتكة الذي أتعزّل
فتغنت بأحسن صوت ما سمعته قط، ثم طرّبت، فألقت الجرة فكسرتها، فقال معبد: غنائي واللّه، وقلت:
شعري واللّه، فوثبنا إليها، وقلنا لها: لمن أنت يا جارية؟ قالت: لآل سعيد بن العاص - وفي خبر جرير المغني: لآل الوليد بن عقبة - ثم اشتراني/ رجل من آل الوحيد بخمسين ألف درهم، وشغف بي، فغلبته بنت عم له طرأت عليه، فتزوّجها على أمري، فعاقبت منزلتها منزلتي، ثم علا مكانها مكاني، فلم تزدها الأيّام إلا ارتفاعا، ولم تزدني إلا اتضاعا، فلم ترض منه إلا بأن أخدمها، فوكلتني باستقاء الماء، فأنا على ما تريان، أخرج أستقي الماء، فإذا رأيت هذه القصور والغدران ذكرت المدينة، فطربت إليها، فكسرت جرتي، فيعذلني أهلي، ويلومونني، قال:
فقلت لها: أنا الأحوص، والشعر لي، وهذا معبد، والغناء له، ونحن ماضيان إلى أمير المؤمنين، وسنذكرك له أحسن ذكر. وقال جرير في خبره ووافقه وكيع، ورواية عمر بن شبة: قالوا: فأنشأت الجارية تقول:
إن تروني الغداة أسعى بجّر ... أستقي الماء [2] نحو هذا الغدير
__________
[1] ف: «أحمد بن سعيد».
[2] ف: أستقي فيه ماء».
فلقد كنت في رخاء من ال ... عيش وفي كل نعمة وسرور
ثم قد تبصران ما فيه أمس ... يت وماذا إليه صار مصيري
فإلى اللّه أشتكي ما ألاقي ... من هوان وما يجنّ ضميري
أبلغا عنّي الإمام وما يع ... رف صدق الحديث غير الخبير [1]
أنني أضرب الخلائق بالعو ... د وأحكاهم ببمّ وزير [2]
فلعلّ الإله ينقذ مما ... أنا فيه فإنّني كالأسير
ليتني متّ يوم فارقت أهلي ... وبلادي فزرت أهل القبور
فاسمعا ما أقول لقّاكما ... اللّه نجاحا في أحسن التيسير
فقال الأحوص من وقته:
صوت
إنّ زين الغدير من كسر الجر ... روغنّى غناء فحل مجيد
/ قلت: من أنت يا ظعين فقالت: ... كنت فيما مضى لآل الوليد
وفي رواية الدّمشقي:
قلت: من أين يا خلوب فقالت: ... كنت فيما مضى لآل سعيد
ثم أصبحت بعد حيّ قريش ... في بني خالد لآل الوحيد
فغنائي لمعبد ونشيدي ... لفتى الناس الأحوص الصّنديد
فتباكيت ثم قلت: أنا الأح ... وص والشيخ معبد فأعيدي
فأعادت لنا بصوت شجيّ ... يترك الشيخ في الصّبا كالوليد
وفي رواية أبي زيد:
فأعادت فأحسنت ثم ولّت ... تتهادى فقلت قول عميد
يعجز المال عن شراك ولكن ... أنت في ذمّة الهمام يزيد [3]
ولك اليوم ذمّتي بوفاء ... وعلى ذاك من عظام العهود
أن سيجري لك الحديث بصوت ... معبديّ يردّ حبل الوريد [4]
يفعل اللّه ما يشاء فظنّي ... كلّ خير بنا هناك وزيدي
__________
[1] ف: «مثل الخبير».
[2] مو: «بالعود وقد كنت في سرير الوزير» والبم والزير من آلات للطرب.
[3] ف: «الإمام».
[4] ب، مو: «يدر» بدل «يرد».
قالت القينة الكعاب:
إلى اللّه أموري ... وأرتجي تسديدي
غنّاه معبد ثاني ثقيل بالبنصر من رواية حبش والهشامي وغيرهما، وهي طريقة هذا الصوت، وأهل العلم بالغناء لا يصححونه لمعبد.
/ قال الأحوص: وضع فيه معبد لحنا فأجاده، فلما قدمنا على يزيد قال: يا معبد أسمعني أحدث غناء غنّيت وأطراه، فغناه معبد:
إنّ زين الغدير من كسر الجرّ ... وغنى غناء فحل مجيد
فقال يزيد: إن لهذا لقصّة فأخبراني بها، فأخبراه، فكتب لعامله بتلك الناحية: إنّ لآل فلان جارية، من حالها «ذيت وذيت»، فاشترها بما بلغت، فاشتراها بمائة ألف درهم، وبعث بها هديّة، وبعث معها بألطاف كثيرة، فلما قدمت على يزيد رأى فضلا بارعا فأعجب بها، وأجازها، وأخدمها، وأقطعها، وأفرد لها قصرا، قال: فو اللّه ما برحنا حتى جاءتنا منها جوائز وكسا وطرف.
يزيد بن عمر بن هبيرة يتمثل بشعره عند النكسة:
وقال الزبير في خبره عن عمّه: قال:
أظن القصة كلّها مصنوعة، وليس يشبه الشّعر الأحوص، ولا هو من طرازه، وكذلك ذكر عمر بن شبّة في خبره.
أخبرني الحرميّ، عن الزّبير قال:
سمعت هشام بن عبد اللّه بن عكرمة يحدّث [1] عن عتبة بن عمر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام: قال:
كنت مع يزيد بن عمر بن [1] هبيرة ليلة الفرات، فلما انهزم الناس التفت إليّ فقال: يا أبا الحارث، أمسينا واللّه وهم كما قال الأحوص:
أبكي لما قلب الزمان جديده ... خلقا وليس على الزمان معوّل
بيتان من شعره يؤذنان بزوال الدولة الأموية:
أخبرني الحرميّ عن الزبير عن محمد بن محمد العمري:
أنّ عاتكة بنت عبد اللّه بن يزيد بن معاوية رئيت في النّوم قبل ظهور دولة بني العباس على بني أمية كأنّها عريانة ناشرة شعرها تقول:
/أين الشّباب وعيشنا الّلذّ الذي ... كنّا به زمنا نسرّ ونجذل
ذهبت بشاشته وأصبح ذكره ... حزنا يعلّ به الفؤاد وينهل
فتأول الناس ذلك بزوال دنيا بني أمية، فكان كما قالوا:
أخبرني بهذا الخبر الحسن بن يحيى، عن حماد، عن أبيه، عن الجمحي، عن شيخ من قريش:
__________
(1 - 1) التكملة من ف، مم، مو.
أنه رأى في النوم امرأة من ولد عثمان بن عفان على منايم على دار عثمان المقبلة على المسجد، وهي حاسرة في يديها عود وهي تضرب به وتغني:
أين الشباب وعيشنا الّلذ الذي ... كنا به يوما نسرّ ونجذل
ذهبت بشاشته وأصبح ذكره ... حزنا يعلّ به الفؤاد وينهل] [1]
قال: فما لبثنا إلا يسيرا حتى خرج الأمر عن أيديهم، وقتل مروان.
[2] قال إسحاق: المنامة: الدكان وجمعها منايم [2].
صوت
/يا هند إنّك لو عل ... مت بعاذلين تتابعا
قالا فلم أسمع لما [3] ... قالا وقلت بل اسمعا
هند أحبّ إليّ من ... مالي وروحي فارجعا
ولقد عصيت عواذلي ... وأطعت قلبا موجعا
الشعر لعبد اللّه بن الحسن بن الحسن عليهم السلام، والغناء لابن سريح، ولحنه فيه لحنان أحدهما من القدر الأوسط من الثقيل، الأوّل بالسبّابة في مجرى الوسطى عن إسحاق والآخر رمل بالوسطى عن عمرو، وفيه خفيف ثقيل، ذكر أبو العبيس أنه لابن سريح وذكر الهشامي وابن المكيّ أنه للغريض، وذكر حبش أن لإبراهيم فيه رملا آخر بالبنصر، وقال أحمد بن عبيد: الذي صح فيه ثقيل الأول وخفيفه ورمله، وذكر إبراهيم أن فيه لحنا لابن عبّاد.
__________
[1] التكملة من هد، هج.
(2 - 2) التكملة من ف.
[3] في «المختار»: «قالا فلم يسمع لما ... ».
9 - ذكر عبد اللّه بن الحسن بن الحسن عليهم السلام ونسبه وأخباره وخبر هذا الشعر
نسبه:
عبد اللّه بن الحسن بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب - عليهم السلام - وقد مضى نسبه في أخباره عمّه الحسين صلوات اللّه عليه في شعره الذي يقول فيه:
لعمرك إنني لأحبّ دارا ... تحلّ بها سكينة والرّباب
ويكنى عبد اللّه بن الحسن أبا محمد، وأمّ عبد اللّه بن الحسن فاطمة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، وأمّها أم إسحاق بنت طلحة بن عبيد اللّه، وأمّها الجرباء بنت قسامة بن رومان عن طيّ ء.
سميت جدته الجرباء لحسنها:
أخبرني أحمد بن سعيد: قال: حدثنا يحيى بن الحسن: قال:
إنما سمّيت الجرباء لحسنها، كانت لا تقف إلى جنبها امرأة، وإن كانت جميلة إلا استقبح منظرها لجمالها، وكان النساء يتحامين أن يقفن إلى جنبها، فشبّهت بالنّاقة الجرباء التي تتوقّاها الإبل مخافة أن تعديها.
وكانت أم إسحاق من أجمل نساء قريش وأسوئهن خلقا، ويقال: إن نساء بني تيم كانت لهنّ حظوة عند أزواجهنّ على سوء أخلاقهنّ، ويروى أن أمّ إسحاق كانت ربّما حملت وولدت وهي لا تكلّم زوجها.
أخبرني الحرمّي بن أبي العلاء عن الزبير بن بكار عن عمّه بذلك: قال:
وقد كانت أم إسحاق عند الحسن بن عليّ بن أبي طالب صلوات اللّه عليه قبل أخيه الحسين عليه السلام، فلما حضرته الوفاة دعا بالحسين صلوات اللّه عليه فقال له: يا أخي إني أرضى هذه المرأة لك، فلا تخرجنّ من بيوتكم، فإذا انقضت عدّتها فتزوّجها. فلما توفّي الحسن عنها تزوجها الحسين عليه السلام، وقد كانت ولدت من الحسن عليه/ السلام [1] ابنه طلحة بن الحسن، فهو أخو فاطمة لأمها [1] وابن عمها، وقد درج طلحة ولا عقب له.
جمال وسوء خلق:
ومن طرائف أخبار التّيميّات من نساء قريش في حظوتهن وسوء أخلاقهن ما أخبرنا به الحرميّ بن أبي العلاء عن الزبير بن بكار عن محمد بن عبد اللّه. قال:
كانت أمّ سلمة بنت محمد بن طلحة عند عبد اللّه بن الحسن [2] وكانت تقسو عليه قسوة عظيمة وتغلظ، له، ويفرق منها ولا يخالفها، فرأى يوما منها طيب نفس، فأراد أن يشكو إليها قسوتها، فقال لها: يا بنت محمد، قد أحرق واللّه قلبي ... فحدّدت/ له النّظر، وجمعت وجهها وقالت له: أحرق قلبك ما ذا؟ فخافها فلم يقدر على أن
__________
(1 - 1) التكملة من ف.
[2] ف: «موسى بن عبد اللّه بن الحسن».
يقول لها: سوء خلقك، فقال لها: حبّ أبي بكر الصّدّيق، فأمسكت عنه.
وتزوّج الحسن بن الحسن فاطمة بنت الحسين في حياة عمّه، وهو - عليه السلام - زوّجه إيّاها.
زواجه فاطمة بنت الحسين:
أخبرني الطّوسيّ والحرميّ، عن الزبير، عن عمه بذلك، وحدثني أحمد بن محمد بن سعيد عن يحيى بن الحسن عن إسماعيل بن يعقوب قال: حدثني جدّي عبد اللّه بن موسى بن عبد اللّه بن الحسن، قال:
خطب الحسن بن الحسن إلى عمه الحسين - صلوات اللّه عليه - وسأله أن يزوّجه إحدى ابنتيه، فقال له الحسين عليه السلام: اختر يا بنيّ أحبّهما إليك، فاستحيا الحسن، ولم يحر جوابا، فقال له الحسين عليه السلام:
فإني اخترت منهما لك ابنتي فاطمة، فهي أكثر شبها بأمّي فاطمة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
أخبرني الطوسيّ والحرميّ عن الزبير عن عمه مصعب:
/ إنّ الحسن لمّا خيّره عمّه اختار فاطمة، وكانوا يقولون: إنّ امرأة، سكينة مردودتها، لمنقطعة القرين في الجمال.
أخبرني الطوسيّ والحرميّ بن أبي العلاء، عن الزبير بن بكار، وأخبرني محمد بن العباس اليزيديّ، عن أحمد بن يحيى وأحمد بن زهير، عن الزبير، وأخبرني أحمد بن سعيد، عن يحيى بن الحسن، عن الزبير بن بكار واللفظ للحسن بن علي، وخبره أتمّ: قال: قال الزبير: حدثني عمي مصعب ولم يذكر أحدا.
ليس لمخضوب البنان يمين:
وأخبرني محمد بن يحيى عن أيوب، عن عمر بن أبي الموالي قال الزبير: وحدثني عبد الملك بن عبد العزيز بن يوسف بن الماجشون، وقد دخل حديث بعضهم في بعض حديث الآخرين:
أنّ الحسن بن الحسن لما حضرته الوفاة جزع، وجعل يقول: إني لأجد كربا ليس إلا هو كرب الموت، وأعاد ذلك دفعات، فقال له بعض أهله: ما هذا الجزع، تقدم على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وهو جدّك وعلى عليّ والحسن والحسين - صلوات اللّه عليهم - وهم آباؤك؟ فقال: لعمري إنّ الأمر لكذلك، ولكن كأني بعبد اللّه بن عمرو بن عثمان حين أموت وقد جاء في مضرّجتين [1] أو ممصّرتين وهو يرجّل جمّته يقول: أنا من بني عبد مناف جئت لأشهد ابن عمّي، وما به إلا أن يخطب فاطمة بنت الحسين، فإذا جاء فلا يدخل عليّ، فصاحت فاطمة: أتسمع؟ قال: نعم، قالت:
أعتقت كل مملوك لي، وتصدقت بكل ملك لي إن أنا تزوجت بعدك أحدا أبدا، قال: فسكن الحسن وما تنفّس ولا تحرّك حتى قضى، فلما ارتفع الصّياح أقبل عبد اللّه على الصّفة التي ذكرها الحسن، فقال بعض القوم: ندخله. وقال بعضهم: لا يدخل، وقال قوم: لا يضرّ دخوله، فدخل وفاطمة تصكّ وجهها، فأرسل إليها وصيفا كان معه، فجاء يتخطى النّاس حتى دنا منها فقال لها: يقول لك مولاي أبقى على وجهك فإن لنا فيه أربا، قال:/ فأرسلت يدها في كمّها واختمرت وعرف ذلك منها، فما لطمت وجهها حتى دفن صلوات اللّه عليه. فلما انقضت عدّتها خطبها فقالت: فكيف لي بنذري ويميني؟ فقال: نخلف عليك بكل عبد عبدين، وبكل شيء شيئين، ففعل وتزوجته، وقد قيل في تزويجه إياها غير هذا.
__________
[1] ضرج الثوب: صبغه باللون الأحمر.
أخبرني به أحمد بن محمد بن إسماعيل الهمدانيّ، عن يحيى بن الحسن العلويّ، عن أخيه أبي جعفر، عن إسماعيل بن يعقوب، عن محمد بن عبد اللّه البكريّ:
أنّ/ فاطمة لما خطبها عبد اللّه أبت أن تتزوّجه، فحلفت عليها أمّها لتتزوجنّه، وقامت في الشّمس، وآلت لا تبرح حتى تتزوجه، فكرهت فاطمة أن تحرج، فتزوجته.
وكان عبد اللّه بن الحسن بن الحسن شيخ أهله وسيّدا من ساداتهم ومقدّما فيهم فضلا وعلما وكرما، وحبسه أبو جعفر المنصور في الهاشمية بالكوفة لمّا خرج عليه ابناه محمد وإبراهيم فمات في الحبس، وقيل: إنّه سقط عليه، وقيل غير ذلك.
كان من أجمل الناس وأفضلهم:
أخبرني أحمد بن محمد بن سعيد، عن يحيى بن الحسن عن عليّ بن أحمد الباهليّ: قال: سمعت مصعبا الزبيريّ يقول:
انتهى كلّ حسن إلى عبد اللّه بن حسن، وكان يقال: من أحسن الناس؟ فيقال: عبد اللّه بن الحسن، ويقال: من أفضل الناس؟ فيقال: عبد اللّه بن الحسن.
حدثني محمد بن الحسن الخثعميّ الأشاني [1] والحسن بن عليّ السلوليّ قالا: حدثنا عبّاد بن يعقوب قال:
حدثنا تلميذ بن سليمان، قال: رأيت عبد اللّه بن الحسن، وسمعته يقول: أنا أقرب الناس إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، ولدتني بنت [2] رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم مرتين.
/ حدثني أحمد بن محمد بن سعيد عن يحيى بن الحسن، عن إسماعيل بن يعقوب، عن عبد اللّه بن موسى، قال:
أوّل من اجتمعت له ولادة الحسن عليه السلام والحسين - صلوات اللّه عليهما - عبد اللّه بن الحسن عليه السلام:
حدثني محمد بن الحسن الأشنانيّ، عن عبد اللّه بن يعقوب، عن بندقة بن محمد بن حجازة الدّهان قال:
رأيت عبد اللّه بن الحسن، فقلت: هذا واللّه سيّد الناس، كان مكسوّا نورا من قرنه إلى قدمه.
قال عليّ بن الحسين: وقد روي ذلك في أخبار أبي جعفر محمد بن عليّ عليه السلام، وأمّه أمّ عبد اللّه بنت الحسن بن علي عليه السلام.
حدثني أحمد بن محمد بن سعيد، عن يحيى بن الحسن، عن القاسم بن عبد الرزّاق: قال:
جاء منظور بن زيّان الفزاريّ إلى حسن بن حسن - وهو جدّه أبو أمّه - فقال له: لعلك أحدثت بعدي أهلا، قال: نعم، تزوجت بنت عمّي الحسين بن عليّ - عليهما السلام - قال: بئسما صنعت، أما علمت أن الأرحام إذا التقت أضوت [3]، كان ينبغي أن تتزوج في الغرب، قال: فإن اللّه جلّ وعزّ قد رزقني منها ولدا، قال: أرنيه، فأخرج
__________
[1] ب: «الأشنانداني».
[2] ف، مو، مم: «ولدني رسول اللّه»، أي أنه ينتسب إلى الرسول من جهتين.
[3] مو: «إذا تشابكت أضوت». وأضوت: دقت وضعفت.
إليه عبد اللّه بن الحسن فسرّ به، وقال: أنجبت، هذا واللّه ليث غاب ومعدوّ عليه، قال: فإن اللّه تعالى قد رزقني منها ولدا ثانيا، قال: فأرنيه [1]، فأخرج إليه حسن بن حسن بن حسن، فسرّ به، وقال: أنجبت، وهذا دون الأول، قال: فإن اللّه قد رزقني منها ولدا ثالثا، قال: فأرنيه [1]. فأراه إبراهيم بن الحسن.
غمزة ترحى بها شفاعة:
حدثني أبو عبيد محمد بن أحمد الصيرفيّ: قال: حدثنا محمد بن علي بن خلف قال:
حدثنا عمر بن عبد الغفار قال: حدثنا سعيد بن أبان القرشيّ قال:
كنت عند عمر بن عبد العزيز، فدخل عبد اللّه بن الحسن عليه، وهو يومئذ شاب في إزار ورداء، فرحّب به وأدناه وحيّاه، وأجلسه إلى جنبه وضاحكه، ثم غمز عكنة من بطنه، وليس في البيت حينئذ إلا أمويّ، فقيل له: ما حملك على غمز بطن هذا الفتى؟ قال: إني لأرجو بها [2] شفاعة محمد صلّى اللّه عليه وسلّم.
يعطي جائزة:
حدثني عمر بن عبد اللّه بن جميل العتكيّ، عن عمر بن شبّة، عن إسماعيل بن جعفر الجعفريّ: قال:
حدثني سعيد بن عقبة الجهنيّ: قال: إني لعند عبد اللّه بن الحسن إذ أتانى آت، فقال: هذا رجل يدعوك، فخرجت، فإذا أنا بأبي عديّ/ الشاعر الأمويّ، فقال: أعلم أبا محمد، فخرج إليه عبد اللّه، وهم خائفون، فأمر له بأربعمائة دينار، وهند [3] بمائتي دينار، فخرج بستمائة دينار. وقد روى مالك بن أنس عن عبد اللّه بن الحسن الحديث.
كان يسدل شعره:
حدثني أحمد بن محمد بن سعيد عن يحيى بن الحسن قال:
حدثنا عليّ بن أحمد الباهليّ عن مصعب بن عبد اللّه قال: سئل مالك عن السّدل [4] قال: رأيت من يرضى بفعله؛ عبد اللّه بن الحسن يفعله، والسبب في حبس عبد اللّه بن الحسن وخروج ابنيه وقتلهما يطول ذكره. وقد أتى عمر بن شبّة منه بما لا يزيد عليه أحد إلا اليسير، ولكن من أخباره ما يحسن ذكره ها هنا فنذكره.
السبب في حبسه وقتل ابنيه:
أخبرني عمر بن عبد اللّه العتكي عن عمر بن شبّة، قال: حدثني موسى بن سعيد/ بن عبد الرحمن وأيوب بن عمر عن إسماعيل بن أبي عمرو قالوا:
لمّا بنى أبو العبّاس بناءه بالأنبار الذي يدعى الرّصافة: رصافة أبي العباس قال لعبد اللّه بن الحسن: ادخل فانظر ودخل معه، فلما رآه تمثل:
ألم تر حوشبا أمسى يبنّي ... بناء نفعه لبني نفيلة [5]
__________
(1 - 1) التكملة من مم، ف.
[2] «إني لأرجو بها» أي بالغمزة المفهومة من المقام، لا بالبطن.
[3] الهند: المائة من الإبل، وفي ف: «بمد بمائتي دينار وآنية بأربعمائة دينار».
[4] سدل الشعر سدلا: أرخاه.
[5] مو: «قصورا نفعها» بدل «بناء نفعه». وحوشب: اسم رجل. وفي «المختار»:
ألم تر حوشبا يبني قصورا ... ليبقى نفعها لبني نفيلة
يؤمّل أن يعمّر عمر نوح ... وأمر اللّه يحدث كلّ ليلة [1]
فاحتمله أبو العبّاس [2] ولم يبكّته بها.
أخبرني عمّي عن ابن شبّة عن يعقوب بن القاسم عن عمرو بن شهاب، وحدّثني أحمد بن محمدّ بن سعيد عن يحيى بن الحسن عن الزّبير عن محمد بن الضّحّاك عن أبيه قالوا:
إن أبا العبّاس كتب إلى عبد اللّه بن الحسن في تغيّب ابنيه:
أريد حياته ويريد قتلي ... عذيرك من خليلك من مراد [3]
قال عمر بن شبّة: وإنما كتب بها إلى محمد، قال عمر بن شبّة: فبعثوا إلى عبد الرحمن بن مسعود مولى أبي حنين [4]، فأجابه [5]:
وكيف يريد ذاك وأنت منه ... بمنزلة النّياط من الفؤاد
/ وكيف يريد ذاك وأنت منه ... وزندك حين تقدح من زناد [6]
وكيف يريد ذاك وأنت منه ... وأنت لهاشم رأس وهاد
أخبرني عمر بن عبد اللّه بن شبّة عن عيسى بن عبد اللّه بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب عليهم السلام عن الحسن بن زيد عن عبد اللّه بن الحسن قال:
بينا أنا في سمر أبي العباس، وكان إذا تثاءب أو ألقى المروحة من يده قمنا، فألقاها ليلة فقمنا، فأمسكني فلم يبق غيري، فأدخل يده تحت فراشه، وأخرج إضبارة كتب وقال: اقرأ يا أبا محمد، فقرأت فإذا كتاب من محمدّ بن هشام بن عمرو التّغلبيّ يدعوه [7] إلى نفسه، فلما قرأته قلت له: يا أمير المؤمنين، لك عهد اللّه وميثاقه ألّا ترى منهما شيئا تكرهه ما كانا في الدنيا.
أخبرنا العتكيّ عن ابن شبّة عن محمد بن إسماعيل عن عبد العزيز بن عمر، عن عبد اللّه بن عبدة بن محمد بن عمار بن ياسر قال:
لما استخلف أبو جعفر ألحّ في طلب محمّد والمسألة عنه، وعمّن يؤويه، فدعا بني هاشم رجلا رجلا، فسألهم عنه، فكلهم يقول: قد علم أمير المؤمنين أنك قد عرفته بطلب هذا الشأن قبل اليوم، فهو يخافك على نفسه، ولا يريد لك خلافا، ولا يحب لك معصية، إلّا الحسن/ بن زيد فإنه أخبره خبره [8]، فقال: واللّه ما آمن
__________
[1] ف:
«و أمر اللّه يطرق كل ليلة»
[2] يريد بقوله: «فاحتمله أبو العباس» أي لم يؤاخذه بالتمثل بهذين البيتين اللذين يتطير منهما.
[3] يشير أبو العباس بهذا البيت إلى أن ابني عبد اللّه بن الحسن يضمران له السوء مع إحسانه إليه وإليهما.
[4] كذا في ف، وفي مو: «مولى أبي منصور».
[5] ف: «فأجاب عنها. وقال الزبير: أجابه عبد اللّه بن الحسن فقال».
[6] في «المختار»:
« ... حين يقدح في زناد»
[7] أي يدعو عبد اللّه بن الحسن ليخرج معه على الخليفة.
[8] فإنه أخبره خبره، أي أخبر الحسن بن زيد الخليفة خبر محمد.
وثوبه عليك، وأنه لا ينام فيه فر [1] رأيك فيه قال ابن أبي عبيدة: فأيقظ من [2] لا ينام.
/ أخبرني عمر بن عبد اللّه بن شبّة عن عيسى بن عبد اللّه بن محمّد بن عمر بن علي بن أبي طالب عليه السلام عن محمد بن عمران عن عقبة بن سلم:
إنّ أبا جعفر دعاه، فسأله عن اسمه ونسبه، فقال: أنا عقبة بن سلم بن نافع بن الأزدهانيّ، قال: إني أرى لك هيئة وموضعا، وإني لأريدك لأمر أنا به معنيّ، قال: أرجو أن أصدّق ظنّ أمير المؤمنين، قال: فأخف شخصك، وائتني في يوم كذا وكذا، فأتيته، فقال: إن بني عمّنا هؤلاء قد أبوا إلا كيدا بملكنا، ولهم شيعة بخراسان بقرية كذا وكذا، يكاتبونهم، ويرسلون إليهم بصدقات وألطاف، فاذهب [3] حتى تأتيهم متنكّرا بكتاب تكتبه عن أهل تلك القرية، ثم تسير ناحيتهم، فإن كانوا نزعوا عن رأيهم علمت ذلك، وكنت على حذر منهم حتى تلقى عبد اللّه بن الحسن متخشعا، وإن جبهك - وهو فاعل - فاصبر وعاوده أبدا حتى يأنس بك، فإذا ظهر لك ما في قلبه فاعجل إليّ، ففعل ذلك، وفعل به حتى أنس عبد اللّه بناحيته، فقال له عقبة: الجواب، فقال له: أمّا الكتاب فإني لا أكتب إلى أحد، ولكن أنت كتابي إليهم، فأقرئهم السلام، وأخبرهم أنّ ابني خارج لوقت كذا وكذا، فشخص عقبة حتى قدم على أبي جعفر، فأخبره الخبر.
أخبرني العتكيّ عن عمر بن محمد بن يحيى بن الحارث بن إسحاق، قال:
سأل أبو جعفر عبد اللّه بن الحسن عن ابنيه لما حجّ، فقال: لا أعلم بهما حتى تغالظا، فأمضّه [4]، أبو جعفر، فقال له: يا أبا جعفر، بأيّ أمهاتي تمضّني؟ أبخديجة بنت خويلد أم بفاطمة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، أم بفاطمة بنت الحسين - عليهم السلام - أم بأم إسحاق بنت طلحة؟ قال: لا ولا بواحدة منهنّ، ولكن بالجرباء بنت قسامة/ فوثب المسيّب بن زهير، فقال: يا أمير المؤمنين، دعني أضرب عنق ابن الفاعلة، فقام زياد بن عبد اللّه، فألقى عليه رداءه، وقال: يا أمير المؤمنين، هبه لي، فأنا المستخرج لك ابنيه، فتخلّصه منه.
قال ابن شبّة: وحدثني بكر بن عبد اللّه مولى أبي بكر، عن علي بن رباح أخى إبراهيم بن رباح، عن صاحب المصلّى: قال:
إني لواقف على رأس أبي جعفر وهو يتغذّى بأوطاس [5]، وهو متوجّه إلى مكة، ومعه على مائدته عبد اللّه بن الحسن وأبو الكرام الجعفريّ وجماعة من بني العباس، فأقبل على عبد اللّه بن الحسن، فقال: يا أبا محمد؛ محمد وإبراهيم أراهما قد استوحشا من ناحيتي، وإني لأحب أن يأنسا بي ويأتياني فأصلهما وأزوّجهما، وأخلطهما بنفسي، قال: وعبد اللّه يطرق طويلا، ثم يرفع رأسه ويقول: وحقّك يا أمير المؤمنين مالي بهما ولا بموضعهما من البلاد علم، ولقد خرجا عن يدى، فيقول: لا تعفل يا أبا محمد، اكتب إليهما وإلى من يوصّل كتابك إليهما، قال: وامتنع أبو جعفر عن عامة غدائه ذلك اليوم إقبالا على عبد اللّه، وعبد اللّه يحلف أنه لا يعرف موضعهما، وأبو جعفر يكرر عليه: لا تفعل يا أبا محمد.
__________
[1] أمر من الفعل «رأى»، وفي ب: «فما رأيك فيه».
[2] فأيقظ من لا ينام، أي سلط عليه الخليفة العيون والأرصاد.
[3] ف: «فأخرج بكسا وألطاف».
[4] أمضه: أحزنه وأحفظه.
[5] أوطاس: اسم واد.
قال ابن شّبة: فحدّثني محمد بن عباد عن السّندي بن شاهك:
أن أبا جعفر قال لعقبة بن سلم: إذا فرغنا من الطّعام فلحظتك فامثل بين يدي عبد اللّه، فإنه سيصرف بصره عنك، فدر حتى تغمز/ ظهره بإبهام رجلك، حتى يملأ عينيه منك، ثم حسبك وإياك أن يراك ما دام يأكل، ففعل ذلك عقبة، فلما رآه عبد اللّه وثب حتى جثا بين يدي أبي جعفر، وقال: يا أمير المؤمنين أقلني أقالك اللّه، قال: لا أقالني اللّه إن أقلتك، ثم أمر بحبسه.
قال ابن شبة، فحدّثني أيوب بن عمر، عن محمّد بن خلف المخزوميّ قال: أخبرني العباس بن محمد بن علي بن عبد اللّه بن عباس قال:
/ لمّا حجّ أبو جعفر في سنة أربعين ومائة أتاه عبد اللّه وحسن ابنا حسن، فإنهما وإياي لعنده، وهو مشغول بكتاب ينظر فيه إذ تكلّم المهديّ فلحن، فقال عبد اللّه: يا أمير المؤمنين، ألا تأمر بهذا من يعدّل لسانه، فإنه يفعل فعل الأمة، فلم يفهم، وغمزّت عبد اللّه فلم ينتبه، وعاد لأبي جعفر فأحفظ من ذلك، وقال له: أين ابنك؟ قال: لا أدري، قال: لتأتيني به، قال: لو كان تحت قدميّ ما رفعتهما عنه، قال: يا ربيع فمر به إلى الحبس.
زوجته هند بنت أبي عبيدة:
أخبرني أحمد بن محمد بن سعيد، عن يحيى بن الحسن قال:
توفي عبد اللّه في محبسه بالهاشمية وهو ابن خمس وسبعين سنة في سنة خمس وأربعين ومائة وهند التي عناها عبد اللّه في شعره الذي فيه الغناء زوجته هند بنت أبي عبيدة بن عبد اللّه بن زمعة بن الأسود بن المطّلب بن أسد بن عبد العزّى بن قصيّ، وأمها قرينة بنت يزيد بن عبد اللّه بن وهب بن زمعة بن الأسود بن المطّلب.
وكان أبو عبيدة جوادا وممدّحا، وكانت هند قبل عبد اللّه بن الحسن تحت عبد اللّه بن عبد الملك بن مروان، فمات عنها.
فأخبرني الحرميّ عن الزبير عن سليمان بن عيّاش السعديّ قال:
لما توفي أبو عبيدة وجدت ابنته هند وجدا شديدا، فكلّم عبد اللّه بن الحسن محمد بن بشير الخارجي أن يدخل على هند بنت أبي عبيدة، فيعزّيها ويؤسّيها عن أبيها، فدخل معه عليها، فلما نظر إليها صاح بأبعد صوته.
قومي اضربي عينيك يا هند لن ترىّ ... أبا مثله تسمو إليه المفاخر [1]
وكنت إذا أسبلت فوقك والدا ... تزيني [2] كما زان اليدين الأساور
/ فصكّت وجهها، وصاحت بحربها وجهدها، فقال له عبد اللّه بن الحسن: ألهذا دخلت؟ فقال الخارجيّ:
وكيف أعزّي عن أبي عبيدة وأنا أعزّى به!.
أخبرني العتكيّ، عن شبّة: قال: حدثني عبد الرحمن بن جعفر بن سليمان، عن عليّ بن صالح، قال:
زوّج عبد الملك بن مروان ابنه عبد اللّه هند بنت أبي عبيدة وريطة بنت عبد اللّه بن عبد المدان لما كان يقال إنه
__________
[1] البيت من الطويل، ودخله الخرم.
[2] كان الأوفق أن يقال: تزانى بدل تزيني، فلعل الشاعر أراد تزيني نفسك: وحذف المفعول.
كائن في أولادهما، فمات عنهما عبد اللّه أو طلقهما، فتزوج هندا عبد اللّه بن الحسن، وتزوج ريطة محمد بن عليّ، فجاءت بأبي العباس السفاح.
أخبرني العتكيّ عن عمر بن شبة عن ابن داجة [1] عن أبيه قال:
لما مات عبد اللّه بن عبد الملك رجعت هند بميراثها منه، فقال عبد اللّه بن حسن لأمه فاطمة: اخطبي عليّ هندا، فقالت: إذا تردّك، أتطمع في هند وقد ورثت ما ورثته، وأنت ترب لا مال لك؟ فتركها ومضى إلى أبي عبيدة أبي هند، فخطبها إليه، فقال: في الرّحب والسّعة، أمّا منّي فقد زوّجتك، مكانك لا تبرح، ودخل على هند، فقال:
يا بنية، هذا عبد اللّه بن حسن، أتاك خاطبا، قالت: فما قلت له؟ قال:/ زوجته. قالت: أحسنت. قد أجزت ما صنعت، وأرسلت إلى عبد اللّه: لا تبرح حتى تدخل على أهلك. قال: فتزّينت له فبات بها معرّسا من ليلته، ولا تشعر أمّه، فأقام سبعا، ثم أصبح يوم سابعه غاديا على أمّه وعليه ردع [2] الطيب، وفي غير ثيابه التي تعرف، فقالت له: يا بنيّ، من أين لك هذا؟ قال: من عند التي زعمت أنها لا تريدني.
أخبرني حبيب بن نصر المهلّبيّ وعمّي عبد العزيز بن أحمد بن بكّار: قالا: حدثنا الزبير: قال: حدثتني ظبية مولاة فاطمة: قالت:
كان جدّك عبد اللّه بن مصعب يستنشدني كثيرا أبيات عبد اللّه بن حسن ويعجب بها:
إنّ عيني تعودّت كحل هند ... جمعت كفّها مع الرّفق لينا
صوت
يا عيد مالك من شوق وإيراق ... ومرّ طيف على الأهوال طرّاق [3]
يسرى على الأين والحيّات محتفيا ... نفسي فداؤك من سار على ساق
عروضه من البسيط: العيد: ما اعتاد الإنسان من همّ أو شوق أو مرض أو ذكر. والأين والأيم: ضرب من الحيات. والأين: الإعياء أيضا، وروى أبو عمرو:
يا عيد قلبك من شوق وإيراق
الشعر لتأبط شرّا، والغناء لابن محرز ثقيل أوّل بالوسطى من رواية يحيى المكي وحبش وذكر الهشامي أنه من منحول يحيى إلى ابن محرز.
__________
[1] ف: عن أبي داحة.
[2] الردع: أثر الطيب في الجسد.
[3] هد: «براق» بدل «طراق».
10 - أخبار تأبط شرا ونسبه
نسبه ولقبه:
هو ثابت بن جابر بن سفيان بن عميثل [1] بن عدي بن كعب بن حزن. وقيل: حرب بن تميم [2] بن سعد بن فهم بن عمرو بن قيس عيلان بن مضر بن نزار.
وأمّه امرأة يقال لها: أميمة، يقال: إنها من بني القين بطن من، فهم ولدت خمسة نفر: تأبط شرا، وريش بلغب [3]، وريش نسر، وكعب جدر، ولا بواكي له [4]، وقيل: إنها ولدت سادسا اسمه عمرو.
وتأبط شرا لقب لقّب به، ذكر الرواة أنه كان رأى كبشا في الصحراء، فاحتمله تحت إبطه، فجعل يبول عليه طول طريقه، فلما قرب من الحيّ ثقل عليه الكبش، فلم يقلّه فرمى به فإذا هو الغول، فقال له قومه: ما تأبطت يا ثابت؟ قال: الغول، قالوا: لقد تأبطت شرّا فسمّي بذلك.
وقيل: بل قالت له أمه: كل إخوتك يأتيني بشيء إذا راح غيرك، فقال لها: سآتيك الليلة بشيء، ومضى فصاد أفاعي كثيرة من أكبر ما قدر عليه، فلما راح أتى بهن في جراب متأبّطا له، فألقاه بين يديها، ففتحته، فتساعين في بيتها، فوثبت، وخرجت، فقال لها نساء الحي: ماذا أتاك به ثابت؟ فقالت: أتاني بأفاع في جراب، قلن: وكيف حملها؟ قالت: تأبّطها، قلن: لقد تأبط شرا، فلزمه تأبط شرا.
/ حدثني عمّي قال حدثني علي بن الحسن بن عبد الأعلى عن أبي محلّم بمثل هذه الحكاية وزاد فيها:
أنّ أمّه قالت له في زمن الكمأة: ألا ترى غلمان الحي يجتنون لأهليهم الكمأة، فيروحون بها؟ فقال أعطيني جرابك، حتى أجتني لك فيه، فأعطته، فملأه لها أفاعي، وذكر باقي الخبر مثل ما تقدم.
ومن ذكر أنه إنما جاءها بالغول يحتج بكثرة أشعاره في هذا المعنى،/ فإنه يصف لقاءه إيّاها في شعره كثيرا، فمن ذلك قوله:
فأصبحت الغول لي جارة ... فيا جارتا لك ما أهولا [5]
فطالبتها بضعها فالتوت ... عليّ وحاولت أن أفعلا [6]
فمن كان يسأل عن جارتي ... فإنّ لها بالّلوى منزلا
__________
[1] ف، هد: «عسل».
[2] ف، هد: «تيم».
[3] ب: «ريش لقب» تحريف. والمثبت من ف، مو. وقد ورد في «القاموس»: ريش بلغب، لقب كتأبط شرا وحرك عينه الكميت، ووهم الجوهري في قوله: «ريش لقب» وقد وردت رواية الجوهري في هامش مو، وأردفها بقوله: وهو الفاسد أخو تأبط شرا.
[4] ولا بواكي له، هو الاسم الخامس لأولاد أم تأبط شرا، وهو من قبيل التسمية بالمركب الإسنادي، كتأبط شرا، وبرق نحره.
[5] مو: «ما أغولا». ولعل لك متعلق بجار ومجرور متعلق بمحذوف تقديره، يقال لك.
[6] ف، مو: «و حاولت أن تفعلا». والمثبت من ب: هد، والبضع: الفرج.
كان أحد العدائين المعدودين:
أخبرني عمّي عن الحزنبل عن عمرو بن أبي عمرو الشيباني قال: نزلت على حي من فهم إخوة بني عدوان من قيس، فسألتهم عن خبر تأبط شرا، فقال لي بعضهم: وما سؤالك عنه، أتريد أن تكون لصا؟ قلت: لا، ولكن أريد أن أعرف أخبار هؤلاء العدّائين، فأتحدّث بها، فقالوا: نحدثك بخبره: إن تأبط شرا كان أعدى ذي رجلين [1] وذي ساقين وذى عينين، وكان إذا جاع لم تقم له قائمة، فكان ينظر إلى الظّباء فينتقي على نظره أسمنها، ثم يجري خلفه فلا يفوته، حتى يأخذه، فيذبحه بسيفه، ثم يشويه فيأكله.
يصف غولا افترسها:
وإنما سمّي تأبط شرا لأنه - فيما حكي لنا - لقي الغول في ليلة ظلماء في موضع يقال له رحى بطسان [2] في بلاد هذيل، فأخذت عليه الطّريق فلم يزل بها، حتى/ قتلها، وبات عليها فلمّا أصبح حملها تحت إبطه وجاء بها إلى أصحابه، فقالوا له: لقد تأبّطت شرّا، فقال في ذلك:
تأبّط شرّا ثم راح أو اغتدى ... يوائم غنما أو يشيف على ذحل
- يوائم: يوافق، ويشيف: يقتدر. وقال أيضا في ذلك:
ألا من مبلغ فتيان فهم ... بما لا قيت عند رحى بطان [3]
وأنّي قد لقيت الغول تهوي ... بسهب كالصحيفة صحصحان [4]
فقلت لها: كلانا نضو أين [5] ... أخو سفر فخلّي لي مكاني
فشدّت شدّة نحوي فأهوى ... لها كفّي بمصقول يماني
فأضربها بلا دهش فخرّت ... صريعا لليدين وللجران [6]
فقالت: عد، فقلت لها: رويدا ... مكانك إنني ثبت الجنان
فلم أنفكّ متّكئا عليها ... لأنظر مصبحا ماذا أتاني [7]
إذا عينان في رأس قبيح ... كرأس الهرّ مشقوق اللّسان
وساقا مخدج وشواة كلب ... وثوب من عباء أو شنان [8]
لم لا تنهشه الحيات؟
أخبرنا الحسين بن يحيى: قال: قرأت على حمّاد: وحدثك أبوك عن حمزة بن عتبة اللّهبي: قال:
/ قيل لتأبط شرّا: هذه الرجال غلبتها، فكيف لا تنهشك الحيّات في سراك؟ فقال: إني لأسرى البردين. يعني أول اللّيل، لأنها تمور خارجة من حجرتها، وآخر الليل تمور مقبلة إليها.
__________
[1] ف، هد: «ذى كعبين».
[2] ف، هد: «رحى بطان».
[3] فهم: قبيلة الشاعر، وحي بطان: اسم موضع. وفي «المختار»: « ... فتيان قومي».
[4] السهب: الفلاة. والصحصحان: ما استوى من الأرض.
[5] «المختار»: «نضورهن».
[6] ف: «بلا جزع». والدهش: التحير. والجران: مقدم العنق.
[7] مو: «ما ذا دهاني».
[8] أخدجت الناقة: ألقت ولدها لغير تمام، والشواء: قحف الرأس، والشنان. جمع شن، وهو القربة البالية.
يبيع ثقفيا أحمق اسمه بطيلسانة:
قال حمزة: ولقي تأبّط شرّا ذات يوم رجلا من ثقيف يقال له أبو وهب، كان جبانا [1] أهوج، وعليه حلّة جيّدة، فقال أبو وهب لتأبّط شرّا: بم تغلب الرجال يا ثابت، وأنت كما أرى دميم ضئيل؟ قال: باسمي، إنما أقول ساعة ما ألقى الرّجل: أنا تأبّط شرّا، فينخلع قلبه حتى أنال منه ما أردت، فقال له الثقفي: أقط [2] قال: قطّ، قال:
فهل لك أن تبيعني اسمك؟ قال: نعم، فبم تبتاعه؟ قال: بهذه/ الحلّة وبكنيتك قال له: أفعل، ففعل، وقال له تأبّط شرّا: لك اسمي ولي كنيتك [3]؟، وأخذ حلّته وأعطاه طمرية، ثم انصرف، وقال في ذلك يخاطب زوجة الثّقفيّ:
ألا هل أتى الحسناء أنّ حليلها ... تأبّط شرّا واكتنيت أبا وهب
فهبه تسّمى اسمي وسمّيت باسمه [4] ... فأين له صبري على معظم الخطب؟
وأين له بأس كبأسي وسورتي ... وأين له في كل فادحة قلبي؟
يخونه نشاطه أمام الحسان:
قال حمزة: وأحبّ تأبّط شرّا جارية من قومه، فطلبها زمانا لا يقدر عليها، ثم لقيته ذات ليلة فأجابته وأرادها، فعجز عنها، فلما رأت جزعه من ذلك تناومت عليه فآنسته وهدأ، ثم جعل يقول:
/ما لك من أير سلبت الخلّه ... عجزت عن جارية رفلّه [5]
تمشي إليك مشية خوزلّه [6] ... كمشية الأرخ تريد العلّه
الأرخ: الأنثى من البقر التي لم تنتج. العلة تريد أن تعل بعد النهل، أي أنها قد رويت فمشيتها ثقيلة. والعل:
الشّرب الثاني.
لو أنها راعية في ثلّه ... تحمل قلعين لها قبلّه
لصرت كالهراوة العتلّه [7]
قصته مع بجيلة:
أخبرني الحسن بن علي عن عبد اللّه بن أبي سعد عن أحمد بن عمر عن أبي بركة الأشجعي قال:
أغار تأبط شرّا - وهو ثابت بن العميثل الفهمي، ومعه ابن براق الفهميّ على بجيلة - فأطردا لهم نعما، ونذرت بهما بجيلة، فخرجت في آثارهما ومضيا هاربين في جبال السّراة، وركبا الحزن، وعارضتهما بجيلة في السهل فسبقوهما إلى الوهط - وهو ماء لعمرو بن العاص بالطائف - فدخلوا لهما في قصبة العين، وجاءا، وقد بلغ العطش
__________
[1] ف، هد: «كان حسّانا أهوج» وهو تحريف.
[2] أقط: أتغلب بهذا فقط، وقط هنا بمعنى فحسب.
[3] ف، هد، مو: «لك اسمي ولي اسمك».
[4] ف، هد، مو:
«و سماني اسمه»
بدل
«و سميت باسمه»
وكذا في «المختار» أيضا.
[5] جارية رفلة: سمينة، وفي «المختار»:
« ... سلبت الحلّة»
[6] ف، هد، مو: «و المختار»: «هرولة». والخيزلي والهرولة: نوعان من المشي.
[7] الثلة: جماعة الغنم، وقبله، كذا في الأصول، وهي مأخوذة من القبل بمعنى الحول، وفي «القاموس»: اقبالّت المرأة، أي أصيبت بالقبل، والعتل: الجافي الغليظ، والرمح الغليظ، وفي ب، ف: «العبلة» ولعلها مأخوذة من العبل، بمعنى السّمن وامتلاء الجسم.
منهما، إلى العين، فلما وقفا عليها قال تأبط شرّا لابن برّاق: أقلّ من الشّراب فإنها ليلة طرد، قال: وما يدريك؟
قال: والذي أعدو بطيره، إنّي لأسمع وجيب قلوب الرجال تحت قدميّ. وكان من أسمع العرب وأكيدهم. فقال له ابن برّاق: ذلك وجيب قلبك. فقال له تأبّط شرّا: واللّه ما وجب قطّ، ولا كان وجّابا، وضرب بيده عليه، وأصاخ نحو الأرض يستمع/ فقال: والذي أعدو بطيره، إني لأسمع وجيب قلوب الرّجال، فقال له ابن برّاق: فأنا أنزل قبلك، فنزل فبرك وشرب وكان أكلّ القوم عند بجيلة شوكة [1]، فتركوه وهم في الظّلمة، ونزل ثابت، فلما توسط الماء وثبوا عليه، فأخذوه وأخرجوه من العين مكتوفا، وابن برّاق قريب منهم لا يطمعون فيه لما يعلمون من عدوه، فقال لهم ثابت: إنه من أصلف الناس وأشدّهم عجبا بعدوه، وسأقول له: استأسر معي، فسيدعوه عجبه بعدوه إلى أن يعدو من بين أيديكم، وله ثلاثة أطلاق: أولها كالرّيح الهابّة، والثاني كالفراس الجواد، والثالث يكبو فيه ويعثر، فإذا رأيتم منه ذلك فخذوه فإني أحب أن يصير في أيديكم كما صرت إذ خالفني ولم يقبل رأيي ونصحي له، قالوا:
فافعل، فصاح به تأبط شرّا: أنت أخي في الشدّة والرّخاء، وقد وعدني القوم أن يمنّوا عليك وعليّ، فاستأسر، وواسني بنفسك في الشدة، كما كنت أخي في الرخاء، فضحك ابن برّاق، وعلم أنه قد كادهم، وقال: مهلا يا ثابت، أيستأسر من عنده/ هذا العدو؟ ثم عدا فعدا أول طلق مثل الريح الهابة كما وصف لهم، والثاني كالفرس الجواد، والثالث جعل يكبو ويعثر ويقع على وجهه. فقال ثابت: خذوه، فعدوا بأجمعهم، فلما أن نفّسهم عنه شيئا عدا تأبط شرّا في كتافه، وعارضه ابن برّاق، فقطع كتافه، وأفلتا جميعا [2]، فقال تأبط شرّا قصيدته القافية في ذلك [2]:
يا عيد مالك من شوق وإبراق ... ومرّ طيف على الأهوال طرّاق
يسري على الأين والحيّات محتفيا ... نفسي فداؤك من سار على ساق [3]
طيف ابنة الحرّ إذ كنّا نواصلها ... ثم اجتنبت بها من بعد تفراق [4]
/لتقرعنّ عليّ السّنّ من ندم ... إذا تذكّرت يوما بعض أخلاقي [5]
تاللّه آمن أنثى بعد ما حلفت ... أسماء باللّه من عهد وميثاق [6]
ممزوجة الودّ بينا واصلت صرمت ... الأوّل اللّذ مضى والآخر الباقي
فالأوّل اللّذ مضى قال مودّتها ... واللّذّ منها هذاء غير إحقاق [7]
تعطيك وعد أمانيّ تغرّ به ... كالقطر مرّ على صخبآن برّاق [8]
إنّي إذا خلّة ضنّت بنائلها ... وأمسكت بضعيف الحبل أحذاق [9]
__________
[1] أكل القوم عند بجيلة شوكة، يريد صغر شأنه عند بجيلة، لذلك تركته واتجهت إلى تأبط شرا وفي «المختار»: «و كان ألد القوم» ...
(2 - 2) تكملة من «المختار».
[3] الأين: الحية أو الذكر من الحيات، والأين أيضا: التعب والإعياء. ومحتفيا: حافيا.
[4] هذا البيت ليس في «الأغاني» وهو في «المختار».
[5] جاء هذا البيت في «المفضليات» آخر القصيدة.
[6] لم يرد هذا البيت في «الأغاني» أو «المفضليات» وجاء في «المختار».
[7] اللذ: بمعنى الذي، والهذاء: الهذيان، ولم يرد هذا البيت أيضا في «المفضليات» أو «الأغاني» ولكنه في «مختار الأغاني».
[8] الصخبان: الشديد الصخب، ولم يرد البيت في «الأغاني» أو «المفضليات» ولكنه في «مختار الأغاني».
[9] حبل أحذاق: قطع، وجاء البيت في قصيدة «المفضليات» الثالث في الترتيب.
نجوت منها نجائي في بجيلة إذ ... ألقيت للقوم يوم الرّوع أرواقي [1]
وذكرها ابن أبي سعيد في الخبر إلى آخرها.
وأما المفضّل الضّبيّ فذكر أن تأبط شرّا وعمرو بن برّاق والشّنفري - وغيره يجعل مكان الشنفري السّليك بن السّلكة - غزوا بجيلة فلم يظفروا منهم بغرّة، وثاروا إليهم فأسروا عمرا، وكتّفوه، وأفلتهم الآخران عدوا، فلم يقدروا عليهما، فلما علما أن ابن برّاق قد أسر قال تأبط شرا لصاحبه: امض فكن قريبا من عمرو، فإني سأتراءى لهم وأطمعهم في نفسي حتى يتباعدوا عنه، فإذا فعلوا ذلك فحلّ كتافه، وانجوا، ففعل ما أمره به، وأقبل تأبط شرّا، حتى تراءى لبجيلة، فلما رأوه طمعوا فيه، فطلبوه، وجعل يطمعهم في نفسه، ويعدو عدوا خفيفا يقرّب فيه، ويسألهم تخفيف الفدية وإعطاءه الأمان، حتى يستأسر لهم، وهم يجيبونه إلى ذلك، ويطلبونه وهو يحضر إحضارا خفيفا، ولا يتباعد، حتى علا تلعة/ أشرف منها على صاحبيه، فإذا هما قد نجوا، ففطنت لهما بجيلة، فألحقتهما طلبا ففاتاهم، فقال: يا معشر بجيلة أأعجبكم عدو ابن برّاق اليوم، واللّه لأعدونّ لكم عدوا أنسيكم به عدوه، ثم عدا عدوا شديدا، ومضى وذلك قوله:
يا عيد ما لك من شوق وإبراق
وأمّا الأصمعيّ فإنه ذكر فيما أخبرني به ابن أبي الأزهر عن حمّاد بن إسحاق عن أبيه عن عمه:
أنّ بجيلة أمهلتهم حتى وردوا الماء وشربوا وناموا، ثم شدّوا عليهم، فأخذوا تأبّط شرّا، فقال لهم: إن ابن برّاق دلّاني في هذا، وإنه لا يقدر على العدو لعقر في رجليه، فإن تبعتموه أخذتموه، فكتّفوا تأبّط شرّا، ومضوا في أثر ابن براق، فلما بعدوا عنه عدا في كتافه ففاتهم، ورجعوا.
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء، قال: حدثنا أبو سعيد السكريّ قال: حدثنا ابن الأثرم، عن أبيه. وحدثنا محمد بن حبيب، عن أبي عمرو، قالا:
كان تأبّط شرّا يعدو على رجليه، وكان فاتكا شديدا، فبات ليلة ذات ظلمة وبرق ورعد في قاع يقال له رحى بطان، فلقيته الغول فما زال يقاتلها ليلته إلى أن أصبح وهي تطلبه، قال: والغول: سبع من سباع الجنّ، وجعل يراوغها، وهي تطلبه، وتلتمس غرّة منه، فلا تقدر عليه، إلى أن أصبح، فقال تأبط شرّا:
ألا من مبلغ فتيان فهم ... بما لاقيت عند رحى بطان
بأنّي قد لقيت الغول تهوي ... بسهب كالصحيفة صحصحان
فقلت لها: كلانا نضو أين ... أخوه سفر فخلّي لي مكاني
فشدّت شدّة نحوي فأهوى ... لها كفّي بمصقول يماني
فأضربها بلا دهش فخرّت ... صريعا لليدين وللجران
/ فقالت عد، فقلت لها: رويدا ... مكانك إنني ثبت الجنان
فلم أنفكّ متّكئا عليها ... لأنظر مصبحا ماذا أتاني
__________
[1] ألقى أرواقه: أسرع في عدوه، وجاء البيت في قصيدة «المفضليات» الرابع في الترتيب.
/
إذا عينان في رأس قبيح ... كرأس الهرّ مشقوق اللّسان
وساقا مخدج وشواة كلب ... وثوب من عباء أو شنان [1]
يفر ويدع من معه:
قالوا: وكان من حديثه أنه خرج غازيا يريد بجيلة هو ورجل معه، وهو يريد أن يغترّهم، فيصيب حاجته، فأتى ناحية منهم، فقتل رجلا، ثم استاق غنما كثيرة، فنذروا به، فتبعه بعضهم على خيل، وبعضهم رجّالة، وهم كثير، فلما رآهم، وكان من أبصر الناس عرف وجوههم، فقال لصاحبه: هؤلاء قوم قد عرفتهم، ولن يفارقونا اليوم حتى يقاتلونا أو يظفروا بحاجتهم، فجعل صاحبه ينظر، فيقول: ما أتبيّن أحدا، حتى إذا دهموهما قال لصاحبه: اشتدّ فإني سأمنعك ما دام في يدي سهم، فاشتد الرجل، ولقيهم تأبّط شرّا، وجعل يرميهم حتى نفدت نبله، ثم إنه اشتدّ فمرّ بصاحبه فلم يطق شدّه، فقتل صاحبه، وهو ابن عمّ لزوجته، فلما رجع تأبّط شرّا وليس صاحبه معه عرفوا أنه قد قتل، فقالت له امرأته: تركت صاحبك وجئت متباطئا، فقال تأبط شرا في ذلك:
ألا تلكما عرسي منيعة ضمّنت ... من اللّه إثما مستسرّا وعالنا [2]
تقول: تركت صاحبا لك ضائعا ... وجئت إلينا فارقا متباطنا [3]
إذا ما تركت صاحبي لثلاثة ... أو اثنين مثلينا فلا أبت آمنا [4]
/و ما كنت أبّاه على الخلّ إذ دعا ... ولا المرء يدعوني ممرّا مداهنا [5]
وكرّي إذا أكرهت رهطا وأهله ... وأرضا يكون العوص فيها عجاهنا [6]
ولمّا سمعت العوص تدعو تنفّرت ... عصافير رأسي من غواة فراتنا [7]
ولم أنتظر أن يدهموني كأنهم ... ورائي نحل في الخليّة واكنا [8]
__________
[1] آثرنا إثبات هذه الأبيات مع سبق إيرادها تمشيا مع النسخ: ب، ف، مو، أما هد فقد اجتزأت بذكر المصراع الأول من البيت الأول، وأردفته بقولها: «و قد تقدمت».
[2] عرسه: زوجته، يريد أنه ألحق بها إثما أسرّه في نفسه فظهر، وذلك بقتل ابن عمها.
[3] في هد، ف تقول:
«تركت صاحبي بمضيعة»
وفارقا متباطئا: فارقته وجئت متخفيا، وقد يكونان من الفرقة والبطنة بمعنى جئتنا خائفا ممتلىء البطن.
[4] يدعو على نفسه إن كان ترك صاحبه لعدد قليل، وإنما هو جمع لا قبل لهما به، وفي بعض النسخ:
«إذا ما تركت صاحبي خوف واحد أو اثنين»
إلخ.
[5] الممر من إمرار الحبل بمعنى إحكام فتله، أو من المرارة، والمداهن: من دهنه بمعنى ضربه، يريد أنه لا يتخلى عن خله إذا كان ذا بأس وقوة، وفي مو
«و ما كنت أباء على الخيل ... ... ... ضيرا مداهنا»
ولعل المعنى عليه أنني ما كنت أضن بالنجدة حتى على من لا يخلص لي، متى كان فيه غناء.
[6] كري معطوف على الخل في البيت السابق أي ما كنت أبّاه على الكر، ورهط: اسم موضع؛ وهو مفعول كر، والعوص: اسم قبيلة، والعجاهن: من معانيه القنفذ، والمعنى - فيما يبدو لنا - ما كنت أمتنع عندما أكره عن غزو رهط وأهله وأرض العوص، وهم فيها مسلحون شائكون كالقنافذ والعوص بفتح فسكون كما في ف، وفي هد، مو: بضم فسكون.
[7] تدعو أي إلى الحرب، تنفرت عصافير رأسي: كناية عن الغضب والثورة، والعصافير: جمع عصفور، والمراد به هنا قطعة من الدماغ تفصلها عنه جليدة رقيقة، والفراتن: جمع فرتنى، وهي المرأة الزانية، أو الأمة.
[8] واكنا: حال من نحل، وسوغ مجيء الحال من النكرة هنا وصفها يشبه الجملة بعدها، ويقال: وكن الطائر: دخل عشه. ومعنى البيت وما قبله: لما همت بي رجال العوص لم أتقاعس، بل حملت عليهم، ولم أنتظر أن يحيطوا بي إحاطة النحل بالخلية.
ولا أن تصيب النّافذات مقاتلي ... ولم أك بالشدّ الذليق مداينا [1]
فأرسلت مثنيّا عن الشدّ واهنا ... وقلت تزحزح لا تكوننّ حائنا [2]
وحثحثت مشعوف النّجاء كأنه ... هجفّ رأى قصرا سمالا وداجنا [3]
/من الحصّ هزروف يطير عفاؤه ... إذا استدرج الفيفا ومدّ المغابنا [4]
أزج زلوج هزرفيّ زفازف ... هزفّ يبذّ الناجيات الصّوافنا [5]
فزحزحت عنهم أو تجئني منيّتي ... بغبراء أو عرفاء تفري الدّفائنا [6]
كأنّي أراها الموت لا درّ درّها ... إذا أمكنت أنيابها والبرائنا [7]
وقالت لأخرى خلفها وبناتها ... حتوف تنقّي مخّ من كان واهنا [8]
أخاليج ورّاد على ذي محافل ... إذا نزعوا مدّوا الدّلا والشّواطنا [9]
وقال غيره: بل خرج تأبّط شرا هو وصاحبان له، حتى أغاروا على العوص من بجيلة، فأخذوا نعما لهم، واتبعتهم العوص، فأدركوهم، وقد كانوا استأجروا لهم رجالا كثيرة، فلما رأى تأبّط شرّا ألّا طاقة لهم بهم شمّر وتركهما، فقتل صاحباه، وأخذت النعم، وأفلت، حتى أتى بني القين من فهم، فبات عند امرأة منهم يتحدث إليها، فلما أراد أن/ يأتي قومه دهنته ورجّلته،/ فجاء إليهم وهم يبكون، فقالت له امرأته: لعنك اللّه تركت صاحبيك وجئت مدّهنا، وإنه إنما قال هذه القصيدة في هذا الشأن، وقال تأبّط شرّا يرثيهما وكان اسم أحدهما عمرا:
أبعد قتيل العوص آسى على فتى ... وصاحبه أو يأمل الزّاد طارق؟
أ أطرد فهما آخر الليل أبتغي ... علالة يوم أن تعوق العوائق [10]
__________
[1] الشد الذليق: الحديد الماضي أي لم أكن مسوقا للهجوم.
[2] حائن: هالك، وفي بعض الأصول «منبت» بمعنى متقطع بدل «مثنى» يريد أنه نحى صاحبه حين أنس منه الضعف وعدم القدرة على الشد.
[3] حثحث: حث وحض، والمشعوف: المجنون أو المذعور، والنجاء: السير السريع، والهجف: الظليم، وقصرا هنا: وقت اختلاط النهار بالظلمة، والسمال: الماء في الحوض، وداجنا: غيثا ممطرا. يريد: أنني انبريت وحثثت جوادي على الحرب فحمل وهو مجنون السرعة كأنه ذكر نعام ظمآن رأى عند الغروب حوض ماء أو ماء مطر فعدا إليه ليشرب.
[4] الحص: جمع أحص، وطائر أحص: قليل الريش. هزروف: سريع. العفاء: الشعر والوبر. المغابن: بواطن الأفخاذ: يشبه جواده بطائر قليل الريش، ويقول: إنه سريع العدو يطير شعره إذا استدرج الفلوات ومد أفخاذه في عدوه.
[5] أزج: بعيد الخطو. زلوج: سريع العدو. هزرفي: كثير الحركة. زفازف: جمع زفزف بمعنى الريح. الهزف: السريع أو النافر.
الناجيات: الجياد السريعة. الصوافن: جمع صافن وهو الحصان يقف على ثلاث قوائم. يصف فرسه بما تقدم من الأوصاف، ويردفها بأنه يفوق غيره من الخيول الصافنات.
[6] فزحزحت: تزحزحت: تجئني: مضارع مجزوم للضرورة، ولعله محرف عن «تجي ء». غبراء: اسم أنثى الذئب، وعرفاء: اسم الضبع. يقول: فأفلت منهم، ولو لم أفعل للاقيت منيتي بناب ذئبة أو ضبع تنبش القبور.
[7] لا در درها: يدعو على الضبع. والبرائن: المخالب.
[8] مقول القول محذوف تقديره هلم ونحوه. يريد أنه إن مات تمكنت الضبع منه، وأنشبت مخالبها في جسمه، ولم تكتف بنفسها، بل دعت صواحبها وبناتها، وهن مسعورات ينقين المخ من عظام الجسم الواهن الذي لا حراك به.
[9] أخاليج: جمع أخلج وهو الحبل. ويراد بذي المحافل البئر، والشواطن: الحبال. يقول: إن الضباع تتوافد عليه إذا مات كما تتوافد الحبال على البئر مرة بعد أخرى. وقد اختلفت الأصول في رواية هذا البيت اختلافا بينا، وأغلب الروايات لا يستقيم معه المعنى.
[10] طرد القوم: أتاهم، يريد: أأتعجل العودة إلى فهم آخر الليل خشية أن تعوقني العوائق، وقد خلفت صاحبي صريعين؟ وقد اختلفت
لعمر فتى نلتم كأنّ رداءه ... على سرحة من سرح دومة سامق [1]
لأطرد نهبا أو نرود بفتّية ... بأيمانهم سمر القنا والعقائق [2]
مساعرة شعث كأنّ عيونهم ... حريق الغضا تلفى عليها الشّقائق [3]
فعدّوا شهور الحرم ثم تعرّفوا ... قتيل أناس أو فتاة تعانق [4]
محاولة قتله هو وأصحابه بالسم:
قال الأثرم: قال أبو عمرو في هذه الرواية: وخرج تأبط شرّا يريد أن يغزو هذيلا في رهط، فنزل على الأحلّ بن قنصل - رجل من بجيلة - وكان بينهما حلف، فأنزلهم ورحّب بهم، ثم إنه ابتغى لهم الذّراريح [5] ليسقيهم فيستريح منهم، ففطن له تأبط شرا،/ فقام إلى أصحابه، فقال: إني أحب ألا يعلم أنا قد فطنّا له، ولكن سابّوه حتى نحلف ألا نأكل من طعامه، ثم أغترّه فأقتله لأنه إن علم حذرني - وقد كان مالأ ابن قنصل رجل منهم يقال له لكيز قتلت فهم أخاه - فاعتلّ [6] عليه وعلى أصحابه فسبّوه وحلفوا ألّا يذوقوا من طعامه ولا من شرابه، ثم خرج في وجهه، وأخذ في بطن واد فيه النّمور، وهي لا يكاد يسلم منها أحد، والعرب تسمي النمر ذا اللونين، وبعضهم يسميه السّبنتى، فنزل في بطنه وقال لأصحابه: انطلقوا جميعا فتصيّدوا، فهذا الوادي كثير الأروى، فخرجوا وصادوا، وتركوه في بطن الوادي فجاءوا فوجدوه قد قتل نمرا وحده، وغزا هذيلا فغنم وأصاب، فقال تأبّط شرّا في ذلك:
أقسمت لا أنسى وإن طال عيشنا ... صنيع لكيز والأحلّ بن قنصل [7]
نزلنا به يوما فساء صباحنا ... فإنك عمري قد ترى أيّ منزل [8]
بكى إذ رآنا نازلين ببابه ... وكيف بكاء ذى القليل المعيّل [9]
فلا وأبيك ما نزلنا بعامر ... ولا عامر ولا الرئيس ابن قوقل [10]
__________
- الأصول في رواية البيت، وكلها مما لا يستقيم معه المعنى، والمثبت من ف.
[1] السرحة: الشجرة، دومة: مكان، سامق: طويل: صفة لفتى.
[2] العقائق: جمع عقيقه بمعنى السيف الشبيه بالبرق، يقسم بصاحبه الذي قتلوه بعد أن وصفه بالطول حتى كأن ثيابه على شجرة عالية يغزو قاتليه بفتية يحملون القنا والسيوف الماضية. وفي رواية «شانق» بدل «سامق» بمعنى عظيم الرأس. وفي رواية: «الفتائق» بدل العقائق بمعنى السيوف الحديدة الشفرتين.
[3] مساعرة: جمع مسعر بمعنى موقد لنار الحرب، وشعث: جمع أشعث بمعنى أغبر، والغضا: شجر يتخذ منه الوقود، والشقائق:
نبات أحمر. يصف هؤلاء الفتية بالمران على الحرب، وبأن حدق عيونهم تحمر احمرار الجمر في ميادين القتال.
[4] يتهددهم بالحرب بعد انقضاء الأشهر الحرم، فيقول: إذا انقضت هذه الأشهر فعدوا قتلاكم، وعدوا فتياتكم السبايا.
[5] الذراريح: جمع ذراح كزنار وسكين وقدوس: دويبة حمراء منقطة بسواد تطير، وهي من السموم.
[6] فاعل اعتل ضمير تأبط شرا، عليه أي على ابن قنصل، وما بين الشرطتين اعتراض.
[7] البيت من الطويل دخله الخرم.
[8] في هد: فشاب صبوحنا، والصبوح: شراب الصباح. والمصراع الثاني تعجب من هذا المنزل.
[9] المعيل: ذو العيال، والمراد أن من نزلوا به كان فقيرا معيلا، فكان بكاؤه حارا.
[10] في مو: «ما نزلنا بحاتم»، والمثبت من ب، ف، هد. وقوقل: أبو بطن من الأنصار، كان إذ أتاه مستجيرا قال له: قوقل في هذا الجبل - أي اصعد - فقد أمنت.
- عامر بن مالك أبو براء ملاعب الأسنّة، وعامر بن الطّفيل، وابن قوقل: مالك بن ثعلبة أحد بني عوف بن الخزرج - .
ولا بالشّليل [1] ربّ مروان قاعدا ... بأحسن عيش والنّفاثيّ نوفل
/ - ربّ مروان: جرير بن عبد اللّه البجلي. ونوفل بن معاوية بن عروة بن صخر بن يعمر أحد بني الدّيل بن بكر - .
ولا ابن وهيب كاسب الحمد والعلا ... ولا ابن ضبيع وسط آل المخبّل
ولا ابن حليس قاعدا في لقاحه [2] ... ولا ابن جريّ وسط آل المغفّل
ولا ابن رياح بالزّليفات داره ... رياح بن سعد لا رياح بن معقل
أولئك أعطى للولائد خلفة ... وأدعى إلى شحم السّديف المرعبل [3]
يتخذ من العسل مزلقا على الجبل فينجو من موت محقق
:/ وقال أيضا في هذه الرواية: كان تأبّط شرّا يشتار عسلا في غار من بلاد هذيل، يأتيه كل عام، وأنّ هذيلا ذكرته، فرصدوه لإبّان ذلك، حتى إذا جاء هو وأصحابه تدلىّ، فدخل الغار، وقد أغاروا عليهم فأنفروهم، فسبقوهم ووقفوا على الغار، فحركوا الحبل، فأطلع تأبّط شرا رأسه، فقالوا: أصعد، فقال: ألا أراكم، قالوا: بلى قد رأيتنا.
فقال: فعلام أصعد، أعلى الطّلاقة أم الفداء؟ قالوا: لا شرط لك، قال: فأراكم قاتليّ وآكلي جناي، لا واللّه لا أفعل، قال: وكان قبل ذلك نقب في الغار نقبا أعدّه للهرب، فجعل يسيل العسل من الغار ويهريقه، ثم عمد إلى الزّق فشده على صدره ثم لصق بالعسل فلم يبرح ينزلق عليه حتى خرج سليما وفاتهم، وبين موضعه الذي وقع فيه وبين القوم مسيرة ثلاث، فقال تأبط شرّا في ذلك:
أقول للحيان وقد صفرت لهم ... وطابي ويومي ضيّق الحجر معور [4]
هما خطّتا إما إسار ومنّة ... وإما دم والقتل بالحرّ أجدر [5]
/و أخرى أصادي النّفس عنها وإنها ... لمورد حزم إن ظفرت ومصدر [6]
فرشت لها صدري فزلّ عن الصّفا ... به جؤجؤ صلب ومتن مخصّر [7]
__________
[1] ف، هد: ولا «بالسليك». وفي مو: «بالسليل».
[2] اللقاح: النوق الحوامل، يكنى بذلك عن غناه وميسرتة.
[3] أعطى، أدعى: أفعلا تفضيل. والسديف: لحم السنام. والمرعبل: المقطع.
[4] صفرت: خلت. والوطاب جمع وطب؛ وهو سقاء يتخذ من الجلد. ومعور أي بين العور والمراد أنه يوم عصيب. والحجر:
الناحية، ولعلها تصحيف الجحر.
[5] خطتا مضاف والجملة بعده مضاف إليه، وقد اختلفت الأصول في رواية هذا البيت وأنسبها ما أثبتناه نقلا عن هد، مو. وفي «المختار» «إما إسار وفدية».
[6]
«أصادي النفس عنها»
أي أحدثها بها، والمراد بالخطة الأخرى، خطة الانزلاق التي نجا بها، وفي «المختار»: «إن فعلت» بدل «إن ظفرت».
[7] ف، هد: «عبل» بدل «صلب»، وزل: انزلق، والصفا: الصخر، والجؤجؤ: عظام الصدر. ومتن مخصر: ظهر نحيل الخصر. وفي «المختار»:
«به جؤجؤ عبل»
فخالط سهل الأرض لم يكدح الصّفا ... به كدحة والموت خزيان ينظر
فأبت إلى فهم وما كنت آئبا ... وكم مثلها فارقتها وهي تصفر [1]
إذا المرء لم يحتل وقد جدّ جدّه ... أضاع وقاسى أمره وهو مدبر
ولكن أخو الحزم الذي ليس نازلا ... به الأمر إلا وهو للحزم مبصر [2]
فذاك قريع الدّهر ما كان حوّلا ... إذا سدّ منه منخر جاش منخر
فإنّك لو قايست بالّلصب حيلتي ... بلقمان لم يقصر بي الدهر مقصر [3]
غارة ينتصر فيها على العوص:
وقال أيضا في حديث تأبّط شرا: إنه خرج من عدّة من فهم، فيهم عامر بن الأخنس، والشّنفري، والمسيّب، وعمرو بن برّاق، ومرّة بن خليف، حتى بيتوا العوص وهم حيّ من بجيلة، فقتلوا منهم نفرا، وأخذوا لهم إبلا، فساقوها حتى كانوا من بلادهم على يوم وليلة، فاعترضت لهم خثعم وفيهم ابن حاجز، وهو رئيس القوم، وهم يومئذ نحو من أربعين رجلا، فلما نظرت إليهم صعاليك فهم قالوا لعامر بن الأخنس: ما ذا ترى؟ قال: لا أرى لكم إلّا صدق الضّراب، فإن ظفرتم فذاك، وإن قتلتم كنتم/ قد أخذتم ثأركم، قال تأبط شرّا: بأبي أنت وأميّ، فنعم رئيس القوم أنت إذا جدّ الجدّ، وإذا كان قد أجمع رأيكم على هذا فإني أرى لكم أن تحملوا على القوم حملة واحدة فإنكم قليل والقوم كثير، ومتى افترقتم كثركم القوم، فحملوا عليهم فقتلوا منهم في حملتهم، فحملوا ثانية فانهزمت خثعم وتفرقت، وأقبل ابن حاجز فأسند في الجبل فأعجز، فقال تأبط شرّا في ذلك:
جزى اللّه فتيانا على العوص أمطرت ... سماؤهم تحت العجاجة بالدّم
وقد لاح ضوء الفجر عرضا كأنه ... بلمحته إقراب أبلق أدهم [4]
فإنّ شفاء الداء إدراك ذحلة ... صباحا على آثار حوم عرمرم [5]
/و ضاربتهم بالسفح إذ عارضتهم ... قبائل من أبناء قسر وخثعم [6]
ضرابا عدا منه ابن حاجز هاربا ... ذرا الصّخر في جوف الوجين المديّم [7]
وقال الشّنفري في ذلك:
دعيني وقولي بعد ما شئت إنّني ... سيغدى بنعشي مرة فأغيّب
__________
[1] الضمير في مثلها يعود إلى الورطة المفهومة من المقام، وقوله: وهي تصفر كناية عن الندم.
[2] ف: «به الخطب إلا وهو للقصد مبصر».
[3] اللصب: الشعب في الجبل، ولقمان: صاحب قصة النسور المشهورة في إطالة العمر. يريد أن هذه الحيلة لو قيست بحيلة لقمان، ما قصر عمره مقصر. وفي ب «قاسيت» بدل «قاسيت»، «لحيان» بدل «لقمان».
[4] أقرب المهر: دنا، والأبلق: ما فيه بياض وسواد، والأدهم: الأسود، يريد أن ضوء الفجر دنا في الليل دنو فرس اختلط سواده ببياضه.
[5] الحوم: الجماعة، والعرمرم: الكثير، والذحلة: الثأر.
[6] قسر أو نسر - كما في بعض الأصول - وخثعم: قبيلتان.
[7] الوجين: شط الوادي، المديم: الممطور، وابن حاجز: اسم رجل، ومنعه من الصرف للضرورة.
خرجنا فلم نعهد وقلّت وصاتنا ... ثمانية ما بعدها متعتّب [1]
سراحين فتيان كأن وجوههم ... مصابيح أو لون من الماء مذهب [2]
/نمرّ برهو الماء صفحا وقد طوت ... ثمائلنا والزّاد ظنّ مغيّب [3]
ثلاثا على الأقدام حتى سما بنا ... على العوص شعشاع من القوم محرب [4]
فثاروا إلينا في السواد فهجهجوا ... وصوّت فينا بالصبّاح المثوّب [5]
فشنّ عليهم هزّة السيف ثابت ... وصمّم فيهم بالحسام المسيّب
وظلت بفتيان معي أتّقيهم ... بهنّ قليلا ساعة ثم جنّبوا [6]
وقد خرّ منهم راجلان وفارس ... كميّ صرعناه وحوم مسلّب [7]
يشقّ إليه كلّ ربع وقلعة ... ثمانية والقوم رجل ومقنب [8]
فلما رآنا قومنا قيل أفلحوا ... فقلنا: اسألوا عن قائل لا يكذّب
وقال تأبط شرّا في ذلك:
أرى قدميّ وقعهما خفيف ... كتحليل الظّليم حدا رئاله [9]
أرى بهما عذابا كلّ يوم ... بخثعم أو بجيلة أو ثماله [10]
/ [11] ففرّق تأبّط شرّا أصحابه، ولم يزالوا يقاتلونهم حتى انهزمت خثعم، وساق تأبط شرّا وأصحابه الإبل حتى قدم بها عليا مكة [11].
عود إلى سبب تسميته:
وقال غيره: إنما سمي تأبط شرّا ببيت قاله: وهو:
تأبط شرّا ثم راح أو اغتدى ... يوائم غنما أو يشيف على ذحل [12]
__________
[1] يريد لم نعهد إلى أحد بمن يخلفنا من قومنا، وقلت وصايانا، وكنا قلة، لا يعتب عاتب علينا إذا ظفر بنا، وكل هذا كناية عن الاستماتة.
[2] السراحين: جمع سرحان: وهو الذئب، ومذهب: في لون الذهب.
[3] رهوا: يسير سيرا هينا، والتماثل: جمع ثميلة، وهي الحب أو السويق أو التمر، يريد أننا خرجنا ولم نهتم بإدخار الماء، وقد نفذ زادنا، ولا أمل لنا في زاد جديد، وهذا كله كناية عن المغامرة.
[4] الشعشاع: الطويل، والمحرب: المدرب على الحرب. يصف قائد الركب الذي هو فيه.
[5] الهجهجة: صياح الجيش عند القتال، وثوب - بالتشديد - : رجع. أي ثاروا عليهم في الليل، وأعادوا الكرة عليهم في الصباح.
[6] بهن أي بالسيوف المفهومة من سياق البيت السابق، وجنبوا: انكشفوا ومالوا: يريد الأعداء.
[7] الكمي: الشجاع، وحوم: جمع، وفي رواية «و قرم» بمعنى بطل، ومسلب: عليه سلب كثير أي مدجج بالسلاح.
[8] رجل: جمع راجل، والمقنب: الخيل يبلغ عددها أربعين. وضمير إليه يعود إلى الحوم المسلب في البيت السابق، وثمانية فاعل يشق، ويريد بالقوم الأعداء.
[9] التحليل: ضرب من المشي، ومن المحلّل: ثالث الجياد في السباق، والظليم: ذكر النعام، والرأل: ولد النعامة، وجمعه رئال.
[10] خثعم: وبجيلة، وثمالة: قبائل.
(11 - 11) تكملة من هج، هد.
[12] يريد بالشر الذي تأبطه سلاحه ونحوه. الذحل: الثأر.
غارته على مراد:
قال: وخرج تأبط شرّا يوما يريد الغارة، فلقي لمراد فأطرده، ونذرت به مراد، فخرجوا في طلبه، فسبقهم إلى قومه، وقال في ذلك:
إذا لا قيت يوم الصّدق فاربع ... عليه ولا يهمّك يوم سوّ
على أنّي بسرح بني مراد ... شجوتهم سباقا أيّ شجو
وآخر مثله لا عيب فيه ... بصرت به ليوم غير زوّ [1]
خفضت بساحة تجري علينا ... أباريق الكرامة يوم لهو [2]
مع غلام من خثعم:
أغار تأبط شرّا وحده على خثعم، فبينا هو يطوف إذ مرّ بغلام يتصيّد الأرانب، معه قوسه ونبله، فلما رآه تأبط شرّا أهوى ليأخذه، فرماه الغلام فأصاب يده اليسرى، وضربه تأبط شرّا فقتله، وقال [3] في ذلك:
وكادت وبيت اللّه أطناب ثابت ... تقوّض عن ليلى وتبكي النّوائح
تمنّى فتى منّا يلاقى ولم يكد ... غلام نمته المحصنات الصّرائح [4]
/غلام نمى فوق الخماسيّ قدره ... ودون الذي قد ترتجيه النّوّاكح [5]
فإن تك نالته خطاطيف كفّه ... بأبيض قصّال نمى وهو فادح [6]
فقد شد في إحدى يديه كنانه ... يداوى لها في أسود القلب قادح [7]
- هذه الأبيات أن تكون لقوم المقتول أشبه منها بتأبط شرّا - .
قالوا لها لا تنكحية
:/ قال: وخطب تأبط شرّا امرأة من هذيل من بني سهم فقال لها قائل: لا تنكحيه، فإنه لأول نصل غدا يفقد [8] فقال تأبط شرّا:
وقالوا لها: لا تنكحية فإنّه ... لأول نصل أن يلاقي مجمعا [9]
__________
[1] الزو: القرينان: يريد أنه يوم لا مثيل له.
[2] ف، هد:
«خفضت بجأشه»
وخفض: من الخفض بمعنى الدعة، وضمير ساحة يعود على السرح الآخر في البيت قبله. والكرامة:
غطاء رأس الحب، وكأنه استعار الحب لدنّ الخمر ونحوه.
[3] عقب في بعض الأصول على هذه الأبيات بأنها لشاعر من قوم الغلام، وهو الصواب.
[4] ف:
«تمنى فتى منا فلاقى ومل يكد ... غلاما ...
إلخ». والصرائح: الخالصات النسب.
[5] الخماسي: الغلام طوله خمسة أشبار، ودون الذي قد ترتجيه النواكح: لم يبلغ مبلغ الزواج.
[6] الخطاطيف: جمع خطاف، وهو الحديدة الحجناء، وضمير كفه يعود على تأبط شرا، والقصال، السيف القاطع، وهذا البيت من هد، وهج.
[7] ف، هد:
«فقد شد في إحدى يديه حرابه»
بدل «كنانة» وفي هد: «يداوى لها» بدل «تداوى». والكنانة: جعبة السهام، وقادح: صفة جرح محذوف، يريد أن أسهم الغلام تحدث جراحا عميقة في سويداء القلوب.
[8] لأول نصل غدا يفقد: معرض للموت في كل لحظة.
[9] لأول نصل، أي يموت لأول ضربة سيف، والمصدر المؤول بدل من نصل أي يموت لأول لقائه جمعا من المغبرين.
فلم تر من رأي فتيلا وحاذرت ... تأيّمها من لابس الليل أروعا [1]
قليل غرار النّوم أكبر همّه ... دم الثّأر أو يلقى كميا مقنّعا [2]
قليل ادّخار الزّاد إلّا تعلّة ... وقد نشز الشّر سوف والتصق المعي [3]
/تناضله كلّ يشجّع نفسه ... وما طبّه في طرقه أن يشجّعا [4]
يبيت بمغنى الوحش حتى ألفنه ... ويصبح لا يحمي لها الدهر مرتعا [5]
رأين فتى لا صيد وحش يهمّه ... فلو صافحت إنسا لصافحنه معا [6]
ولكنّ أرباب المخاض يشقّهم ... إذا افتقدوه أو رأوه مشيّعا [7]
وإني - ولا علم - لأعلم أنني ... سألقى سنان الموت يرشق أضلعا [8]
على غرّة أو جهرة من مكاثر ... أطال نزال الموت حتى تسعسعا [9]
- تسعسع: فني وذهب. يقال: قد تسعسع الشّهر، ومنه حديث عمر رضي اللّه عنه حين ذكر شهر رمضان فقال: «إن هذا الشهر قد تسعسع» -
وكنت أظن الموت في الحي أو أرى ... ألذّ وأكرى أو أموت مقنّعا [10]
ولست أبيت الدّهر إلا على فتى ... أسلّبه أو أذعر السرب أجمعا [11]
ومن يضرب الأبطال لا بدّ أنه ... سيلقى بهم من مصرع الموت مصرعا [12]
__________
[1] الفتيل: الخيط في شق النواة، ولابس الليل: كثير الغارات ليلا، وأروع: ذكي الفؤاد، أو يعجب بشجاعته، يريد أنها لم تعر عرض الزواج منها التفاتا خشية أن تصبح أيما منه.
[2] غرار النوم: النوم الخفيف، وكميا مقنعا: شجاعا ملثما.
[3] الشرسوف: الطرف اللين من الضلع مما يلي البطن، والمعي: واحد الأمعاء، يريد أنه دائم الطوى، حتى لتبرز أضلاعه، وتلتصق أمعاؤه بعضها ببعض، لخلوها من الطعام.
[4] ف: «تنازله» بدل «تناضله»، ولعل المراد: تناضله نفسه، وطرق: جمع طريق أي أنه لا يحتاج إلى مشجع حين يسلك الطرق المخوفة، بخلاف الناس.
[5] المغنى: المقام: يريد أنه ألف الوحوش وألفته، فهو يبيت معها آمنا، فإذا أصبح أغار عليها.
[6] ضمير «رأين» للوحوش، أي أنها تحبسه لا يهمه صيد الوحوش، فتكاد تصافحه.
[7] ف: «مسمعا» بدل «مشيعا». ويشقهم: يؤرقهم، يريد أن الوحوش تأنس به، ولكن أرباب الإبل يخشونه على إبلهم، فهم يفزعون حين يفتقدونه فلا يجدونه، أو حين يرونه مشيعا إلى رحلة.
[8] ولا علم أي لي، والجملة اعتراضية، يرشق أضلعا يرى أضلعه، كناية عن الموت. وفي هد «يبرق أضلعا» وفي ف: «و إني إن عمرت».
[9] غرة: غفلة، مكاثر: كثير الغارات: يعني نفسه.
[10] كنت أظن الموت في الحي: كنت أعدني ميتا ما لبثت في الحي. أكرى: أزيد. المقنع: من يلبس البيضة على رأسه. يقول: إنني في عداد الأموات ما أقمت في موطن، حتى أخرج للغزو. فأتلذذ به، وأزيد متعة، أو أموت وعلى رأسي بيضة.
[11] يقول: لا يقر قراري إلا إذا أصبت فردا أفوز بسلبه، أو أغرت على سرب من الحيوان لأصيده فيذعر عند رؤيتي، أي أنني أقضي حياتي بين صيد وقنص.
[12] من في البيت: موصولة لا شرطية.
عود إلى فراره وترك صاحبيه:
قال: وخرج تأبط شرّا ومعه صاحبان له: عمرو بن كلاب أخو المسيّب، وسعد بن الأشرس وهم يريدون العارة على بجيلة فنذروا بهم، وهم في جبل ليس لهم طريق عليهم فأحاطوا بهم وأخذوا عليهم الطّريق، فقاتلوهم فقتل صاحبا تأبّط شرا ونجا، ولم يكد حتى أتى قومه. فقالت له امرأته وهي أخت عمرو بن كلاب إحدى نساء كعب بن علي بن إبراهيم بن رياح: هربت عن أخي وتركته وغررته، أما واللّه لو كنت كريما لما أسلمته، فقال تأبط شرّا في ذلك:
ألا تلكما عرسي منيعة ضمّنت ... من اللّه خزيا مستسرّا وعاهنا [1]
وذكر باقي الأبيات.
وإنما دعا امرأته إلى أن عيّرته أنه لمّا رجع بعد مقتل صاحبيه انطلق إلى امرأة كان يتحدث عندها، وهي من بني القين بن فهم، فبات عندها، فلما أصبح غدا إلى امرأته وهو مدّهن مترجّل، فلما رأته في تلك الحال علمت أين بات، فغارت عليه فعيّرته.
يغير على خثعم:
وذكروا أن تأبط شرّا أغار على خثعم، فقال كاهن لهم: أروني أثره حتى آخذه لكم فلا يبرح حتى تأخذوه، فكفئوا على أثره جفنة، ثم أرسلوا إلى الكاهن فلما رأى أثره قال: هذا ما لا يجوز في صاحبه الأخذ، فقال تأبط شرا:
ألا أبلغ بني فهم بن عمرو ... على طول التّنائي والمقالة [2]
مقال الكاهن الجاميّ لمّا ... رأى أثري وقد أنهبت ماله [3]
/رأى قدميّ وقعهما حثيث ... كتحليل الظليم دعا رئاله [4]
أرى بهما عذابا كلّ عام ... لخثعم أو بجيلة أو ثماله [5]
/و شرّ كان صبّ على هذيل ... إذا علقت حبالهم حباله [6]
ويوم الأزد منهم شرّ يوم ... إذا بعدوا فقد صدّقت قاله [7]
فزعموا أن ناسا من الأزد ربئوا لتأبط شرا ربيئة [8] وقالوا: هذا مضيق ليس له سبيل إليكم من غيره، فأقيموا فيه حتى يأتيكم، فلما دنا من القوم توجس، ثم انصرف، ثم عاد فنهضوا في أثره حين رأوه لا يجوز، ومر قريبا فطمعوا فيه، وفيهم رجل يقال له حاجز؛ ليث من ليوثهم سريع، فأغروه به فلم يلحقه، فقال تأبط شرّا في ذلك:
__________
[1] تقدم شرح هذا البيت.
[2] يريد على طول التنائي وطول طريق الرسالة التي يريد إبلاغها إليهم.
[3] أنهبت «بالبناء للمجهول»، وما له مفعول ثان.
(4 - 5) تقدم هذان البيتان وشرحهما.
[6] ضمير حباله يعود على الكاهن، يريد أن هذيلا لو استعانت بالكاهن أيضا ما أجداها ذلك.
[7] القال هنا بمعنى القول، والضمير في قاله يعود على الكاهن.
[8] ربئوا له ربيئة: أقاموا عليه جاسوسا.
تتعتعت حضني حاجز وصحابه ... وقد نبذوا خلقانهم وتشنّعوا [1]
أظن وأن صادفت وعثا وأن جرى ... بي السّهل أو متن من الأرض مهيع [2]
أجاري ظلال الطير لو فات واحد ... ولو صدقوا قالوا له هو أسرع [3]
فلو كان من فتيان قيس وخندف ... أطاف به القنّاص من حيث أفزعوا [4]
وجاب بلادا نصف يوم وليلة ... لآب إليهم وهو أشوس أروع [5]
فلو كان منكم واحد لكفيته ... وما ارتجعوا لو كان في القوم مطمع [6]
/فأجابه حاجز:
فإن تك جاريت الظلال فربما ... سبقت ويوم القرن عريان أسنع [7]
وخلّيت إخوان الصفاء كأنهم ... ذبائح عنز أو فحيل مصرّع [8]
تبكيّهم شجو الحمامة بعد ما ... أرحت ولم ترفع لهم منك إصبع [9]
فهذي ثلاث قد حويت نجاتها ... وإن تنج أخرى فهي عندك أربع
خير أيامه:
أخبرني [10] عمّي قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد قال ذكر عليّ بن محمد المدائنيّ، عن ابن دأب قال:
سئل تأبط شرّا: أيّ يوم مرّ بك خير؟ قال: خرجت حتى كنت في بلاد بجيلة، أضاءت لي النار رجلا جالسا إلى امرأة. فعمدت إلى سيفي فدفنته قريبا، ثم أقبلت حتى استأنست، فنبحني الكلب، فقال: ما هذا؟ فقلت:
بائس. فقال: ادنه، فدنوت، فإذا رجل جلحاب آدم [11]، وإذا أضوى [12] الناس إلى جانبه، فشكوت إليه الجوع
__________
[1] الحضن: ما دون الإبط إلى الكشح، يريد أنه كد أحضان حاجز ورفاقه من الجري خلفه، والخلقان: ما بلي من الثياب، وشنع الخرقة: شعثها، أي أنهم تخففوا من بعض ثيابهم، وشعثوا ما بقي لها من طول الجري.
[2] الوعثاء: الطريق يصعب سلوكه، والمهيع عكسه، يصف نفسه بسرعة العدو، فيقول: إنه حين يعدو يظن أن الأرض تجري به، وإن كانت طرقها ملتوية على السالك.
[3] في ف «و لو صدقوا قالوا بلى أنت أسرع» يريد أنه يسبق الطير.
(4 - 5) ضمير كان يعود على حاجز، وأفزعوا «بالبناء للمجهول»، وجملة أطاف ... إلخ حال من اسم كان، لآب جواب لو، أشوس هنا بمعنى ينظر بمؤخر عينه غيظا، وأروع هنا من الروع بمعنى الفزع أي لو كان حاجز من بجيلة، وخندف، ومعه لفيف من القناصة الفزعين، وجروا وراءه مدة طويلة لآب إلى قبيلته بالفشل.
[6] يريد لو كان من يطلبني واحدا لظفرت به، ولو كان لمن تبعوه مطمع فيه ما رجعوا بالخيبة.
[7] القرن: القرين المنافس، عريان: صحو لا غيم فيه، أسنع: أفضل، يقول: إن تك عداء تسبق الظلال فربما سبقك القرن في يوم جميل موات.
[8] الفحيل: فحل الإبل إذا كان كريما.
[9] شجو مفعول مطلق لفعل محذوف، أي وأنت تشججو شجو الحمامة، أرحت: عدت إلى حيك، ولم ترفع لهم منك إصبع: لم تحاول الدفاع عنهم.
[10] من أول هذا الخبر إلى آخر الترجمة ساقط من نسخة ب ولكنه مثبت في ف وبعض الأصول.
[11] جلحاب: ضخم، آدم: أسمر.
[12] أضوى: من الضوى، بمعنى دقة العظم وقلة اللحم، كأنه يصفها بالرشاقة وعدم الترهل. وربما كانت محرفة عن أضوا من الضوء.
والحاجة، فقال: اكشف تلك القصعة، فأتيت قصعة إلى جنب إبله، فإذا فيها تمر ولبن، فأكلت منه حتى شبعت، ثم خررت متناوما، فو اللّه ما شئت أن أضطجع حتى اضطجع هو ورفع رجله على رجله، ثم اندفع يغنّي وهو يقول:
/خير اللّيالي إن سألت بليلة ... ليل بخيمة بين بيش وعثّر [1]
لضجيع آنسة كأنّ حديثها ... شهد يشاب بمزجة من عنبر
وضجيع لاهية ألاعب مثلها ... بيضاء واضحة كظيظ المئزر [2]
ولأنت مثلهما وخير منهما ... بعد الرّقاد وقبل أن لم تسحري [3]
قال: ثم انحرف فنام، ومالت فنامت: فقلت: ما رأيت كاللّيلة في الغرّة، فإذا عشر عشراوات [4] بين أثلاث [5] فيها عبد واحد وأمة، فوثبت فانتضيت سيفي، وانتحيت للعبد فقتلته وهو نائم، ثم انحرفت إلى الرجل فوضعت سيفي على كبده حتى أخرجته من صلبه، ثم ضربت فخذ المرأة فجلست، فلما رأته مقتولا جزعت، فقلت: لا تخافي، أنا خير لك منه. قال: وقمت إلى جلّ متاعها فرحلته على بعض الإبل أنا والأمة فما حللت عقده حتى نزلت بصعدة بني عوف بن فهر. وأعرست بالمرأة هناك وحين اضطجعت فتحت عقيرتي وغنّيت:
بحليلة البجليّ بت من ليلها ... بين الإزار وكشحها ثم الصق [6]
بأنيسة طويت على مطويّها ... طيّ الحمالة أو كطّي المنطق [7]
/فإذا تقوم فصعدة في رملة ... لبدت بريّق ديمة لم تغدق [8]
وإذا تجيء تجىء شحب خلفها ... كالأيم أصعد في كثيب يرتقي [9]
كذب الكواهن والسّواحر والهنا ... أن لا وفاء لعاجز لا يتّقي [10]
قال: فهذا خير يوم لقيته.
__________
[1] خيمة، بيش، عثر: أماكن، وفي «المختار»:
« ... أن أبيت بليلة»
بدل
«أن سألت بليلة»
[2] كظيظ: من الكظة، وهي امتلاء البطن، يصفها بضخامة العجز، وهي غير صاحبته الضاوية.
[3] الإسحار: الدخول في السحر، يفضل صاحبته الضاوية على من ذكرهما في البيتين السابقين. عند المضاجعة بعد الرقاد، وقبل السحر.
[4] عشراوات: جمع عشراء، وهي من مضى على حملها عشرة أشهر من النوق.
[5] الأثلاث: جمع أثلة: شجر معروف.
[6] في «المختار»:
« ... بت بليلة»
بدل
«بت من ليلها»
[7] الحمالة: حمالة السيف التي تتصل بجرابه، والمنطق: ما يتمنطق به، يريد أنها مجدولة جدل هاتين. وفي «المختار»: «طويت على أقرابها» بدل «على مطويها».
[8] الصعدة: القناة المستوية، كناية عن حسن القوام. لبدت: تلبدت.
الديمة: السحابة لم تغدق: لم يكن مطرها غزيرا، يصفها بالترنح في مشيتها، كأنها تمشي على أرض تلبدت بمطر خفيف.
[9] الشحب: العمود، كأنه يريد خيالها. وفي هج: «و إذا تجيء أتت بنجد خلفها» كأنه يصفها بضخامة العجز، والأيم: الحية الأبيض اللطيف النظر، وفي «المختار»:
« ... تجي بجيد خلفها»
[10] كذا في معظم الأصول. وفي هج: «أن لا وقاء» بدل «أن لا وفاء». ونرجح أن «الهنا» محرف «النهي» والمعنى على ذلك أن العاجز الذي لا يحتاط قد تكتب له السلامة ... والمقصود بالبيت تحبيذ المغامرات التي يخوضها. وفي «المختار»
«زعم الكواهن والسواحر والرقا»
شر أيامه:
وشرّ يوم لقيت أنّي خرجت، حتى إذا كنت في بلاد ثمالة أطوف، حتى إذا كنت من القفير [1] عشيّا إذا أنا بسبع خلفات [2] فيهن عبد، فأقبلت نحوه، وكأنّي لا أريده وحذرني فجعل يلوذ بناقة فيها حمراء، فقلت في نفسي: واللّه إنه ليثق بها. فأفوّق له، ووضع رجله في أرجلها وجعل يدور معها، فإذا هو على عجزها. وأرميه حين أشرف فوضعت سهمي في قلبه فخرّ، وندّت الناقة شيئا وأتبعتها فرجعت فسقتهنّ شيئا ثم قلت: واللّه لو ركبت الناقة وطردتهنّ، وأخذت بعثنون [3] الحمراء فوثبت، فساعة استويت عليها كرّت نحو الحيّ تريع وتبعتها الخلفات، وجعلت أسكّنها وذهبت، فلمّا خشيت أن تطرحني في أيدي القوم رميت بنفسي عنها، فانكسرت رجلي، وانطلقت والذّود [4] معها. فخرجت أعرّج، حتى انخنست [5] في طرف كثيب وجازني الطّلب،/ فمكثت مكاني حتى أظلمت، وشبّت لي ثلاثة أنوار فإذا نار عظيمة ظننت أن لها أهلا كثيرا، ونار دونها، ونويرة صغيرة، فهويت للصّغرى، وأنا أجمر [6]، فلما نبحني الكلب نادى رجل فقال: من هذا؟ فقلت: بائس، فقال: ادنه، فدنوت وجلست وجعل يسائلني، إلى أن قال: واللّه إني لأجد منك ريح دم. فقلت: لا واللّه، ما بي دم. فوثب إليّ فنفضني، ثم نظر في جعبتي فإذا السهم، فقلت: رميت العشيّة أرنبا فقال كذبت، هذا ريح دم إنسان، ثم وثب إليّ ولا أدفع الشّرّ عن نفسي فأوثقني كتافا، ثم علّق جعبتي وقوسي، وطرحني في كسر البيت ونام، فلما أسحرت حرّكت رجلي، فإذا هي صالحة وانفتل الرّباط فحللته، ثم وثبت إلى قوسي وجعبتي فأخذتهما ثم هممت بقتله فقلت: أنا [7] ضمن الرّجل، وأنا أخشى أن أطلب فأدرك ولم أقتل أحدا أحب إلي، فولّيت ومضيت. فو اللّه إني لفي الصّحراء أحدّث نفسي إذا أنا به على ناقة يتبعني، فلمّا رأيته قد دنا مني جلست على قوسي وجعبتي وأمنته، وأقبل فأناخ راحلته ثم عقلها، ثم أقبل إليّ، وعهده بي عهده، فقلت له: ويلك، ما تريد منّي؟ فأقبل يشتمني، حتى إذا أمكنني، وثبت عليه فما ألبثته أن ضربت به الأرض، وبركت عليه أربطه، فجعل يصيح: يا لثمالة، لم أر كاليوم. فجنبته إلى ناقته وركبتها، فما نزعت حتّى أحللته في الحيّ، وقلت:
أغرّك منّي يا بن فعلة علّتي ... عشيّة أن رابت عليّ روائبي [8]
وموقد نيران ثلاث فشرّها ... وألأمها إذ قدتها غير عازب [9]
سلبت سلاحي بائسا وشتمتني ... فيا خير مسلوب ويا شرّ سالب [10]
__________
[1] القفير: علم على الماء.
[2] الخلفات: جمع خلفة، وهي الناقة الحامل.
[3] العثنون: شعيرات طوال تحت حنك الناقة أو البعير.
[4] الذود: جماعة الإبل.
[5] انخنس: تأخر، أي التجأ إلى طرف الكثيب.
[6] يجمر: يشب كالجواد في القيد لأنه كان مصابا في رجله.
[7] ضمن الرجل، يقال: جواد ضمن: متلكىء لا يسير إلا بالضرب.
[8] فعلة: كناية عن اسم أم من يسبه. الروائب: جمع رائبة أي الحادثة المؤذية.
[9] غير عازب: غير منصرف عنها، وفي «المختار»: «و ألأمها أو قدتها غير عازب». بدل «إذ قدتها ... ».
[10] في «المختار»:
«سللت سلاحي ... »
بدل
«سلبت ... »
/
فإن أك لم أخضبك فيها فإنّها ... نيوب أساويد وشول عقارب [1]
ويا ركبة الحمراء شرّة ركبة ... وكادت تكون شرّ ركبة راكب [2]
مخاتلة يظفر فيها:
قال: وخرج تأبّط غازيا يريد الغارة على الأزد في بعض ما كان يغير عليهم وحده، فنذرت به الأزد، فأهملوا له إبلا، وأمروا ثلاثة من ذوي بأسهم: حاجز بن أبيّ، وسواد بن عمرو بن مالك، وعوف بن عبد اللّه، أن يتبعوه حتّى ينام فيأخذوه أخذا، فكمنوا له مكمنا، وأقبل تأبّط شرّا فبصر بالإبل، فطردها بعض يومه. ثم تركها ونهض في شعب لينظر: هل يطلبه أحد؟ فكمن القوم حين رأوه ولم يرهم، فلمّا لم ير أحدا في أثره عاود الإبل فشلّها [3] يومه وليلته والغد حتى أمسى، ثم عقلها، وصنع طعاما فأكله، والقوم ينظرون إليه في ظله، ثم هيّأ مضطجعا على النّار، ثم أخمدها وزحف على بطنه ومعه قوسه، حتى دخل بين الإبل، وخشي أن يكون رآه أحد وهو لا يعلم، ويأبى إلا الحذر والأخذ بالحزم، فمكث ساعة وقد هيّأ سهما على كبد قوسه، فلما أحسّوا نومه أقبلوا ثلاثتهم يؤمّون المهاد الذي رأوه هيّأه، فإذا هو يرمي أحدهم فيقتله، وجال الآخران، ورمى آخر فقتله، وأفلت حاجز هاربا، وأخذ سلب الرّجلين، وأطلق عقل الإبل وشلّها حتى جاء بها قومه، وقال تأبّط في ذلك:
ترجّي نساء الأزد طلعة ثابت ... أسيرا ولم يدرين كيف حويلي [4]
/فإنّ الألى أوصيتم بين هارب ... طريد ومسفوح الدّماء قتيل [5]
وخدت بهم حتى إذا طال وخدهم ... وراب عليهم مضجعي ومقيلي [6]
مهدت لهم حتى إذا طاب روعهم ... إلى المهد خاتلت الضّيا بختيل [7]
فلما أحسّوا النّوم جاءوا كأنّهم ... سباع أصابت هجمة بسليل [8]
فقلّدت سوّار بن عمرو بن مالك ... بأسمر جسر القذّتين طميل [9]
فخرّ كأنّ الفيل ألقى جرانه ... عليه بريّان القواء أسيل [10]
__________
[1] فيها: الضمير يعود على السلاح، وهو يذكر ويؤنث. والأساويد: الجيات. وشول العقارب: العقارب رافعة أذنابها.
[2] يريد بالحمراء، الناقة التي كانت سببا في إصابة رجله. وفي «المختار»:
«لقد كدت ألقي بعدها غير راكب»
[3] شل الإبل: طردها.
[4] الحويل: الاحتيال والمهارة.
[5] في «المختار»:
«فإن الألى أوصيتهم بين هارب»
[6] الوخد: ضرب من السير، وراب عليهم: التبس عليهم. ومقيلي: موضع راحتي عند القيلولة. وفي «المختار»:
«و طال عليهم مضجعي ومقيلي»
بدل
«و راب عليهم»
[7] في بعض النسخ:
«طال روعهم»
ونرجح أنها «طاب» لا «طال». والروع: القلب، كناية عن الاطمئنان، وخاتلت: خادعت، وفي بعض بعض النسخ أيضا: «الصبا» بدل «الضيا» ولعل المراد: أنه خدعهم نهارا، والمعنى الإجمالي للبيت غير خاف.
[8] السليل: وسط الوادي، أو جرى الماء فيه.
[9] الأسمر: يريد السهم، والجسر: الضخم، والقذة: ريش السهم، والطميل: العريض النصل، يريد أنه أضحى سوارا بسهم هذه صفته، وفي «المختار»:
« ... جسر القذتين طويل»
[10] الجران: مقدم العنق، والقواء: الأرض القفر، والأسيل: المستوى الأملس أي خر لا حراك به كأن الفيل أنحى عليه بعنقه فوق أرض قفراء ملساء مخضلة بالماء، وكل هذه الصفات مما يزيد التصاقه بالأرض، بل غوصه فيها، وفي «المختار»:
«عليه بثرثار القواء ...
إلخ»
وظل رعاع المتن من وقع حاجز ... يخرّ ولو نهنهت غير قليل [1]
لأبت كما آبا ولو كنت قارنا ... لجئت وما مالكت طول ذميلي [2]
/فسرّك ندماناك لمّا تتابعا ... وأنّك لم ترجع بعوص قتيل [3]
ستأتي إلى فهم غنيمة خلسة ... وفي الأزد نوح ويلة بعويل
فقال حاجز بن أبيّ الأزدي يجيبه:
سألت فلم تكلّمني الرّسوم
وهي في أشعار الأزد.
فأجابه تأبّط شرّا:
لقد قال الخليّ وقال خلسا ... بظهر الليل شدّ به العكوم [4]
لطيف من سعاد عناك منها ... مراعاة النّجوم ومن يهيم [5]
وتلك لئن عنيت بها رداح ... من النّسوان منطقها رخيم [6]
نياق القرط غرّاء الثّنايا ... وريداء الشّباب ونعم خيم [7]
ولكن فات صاحب بطن رهو ... وصاحبه فأنت به زعيم [8]
أؤاخذ خطّة فيها سواء ... أبيت وليل واترها نؤوم [9]
/ثأرت به وما اقترفت يداه ... فظلّ لها بنا يوم غشوم [10]
نحزّ رقابهم حتى نزعنا ... وأنف الموت منخره رميم [11]
__________
وفي هد، هج:
«عليه بريان الفؤاد أسيل»
(1 - 2) الرعاع: من لا فؤاد له، وحاجز اسم رجل: نهنهت: زجرت نفسك عن الفرار.
القارن: حامل النيل أو السيف، والذميل: نوع من السير: يقول: وظل الجبان بعد أن خر حاجز يقع من الخوف، ولو أنك نهنهت نفسك عن الفرار للحقت بزميليك، ولو كنت ذا سيف أو نبل لثبت، ولم تلجأ إلى الجري. وفي «المختار»:
«و لو نهنهت سوق قليل»
وكذا في هج.
[3] العوص: الشدة أو الداهية ونحوها. يقول: سرك صاحباك حينما صرعا، ولم تصرع مثلهما. وفي «المختار»:
«و أنك لم ترجع بعرض قتيل»
(4 - 5) خلسا: خلسة وخفية، العكوم: ما تشد به الرحال، أي قال الخلي خفية لطيف سعاد في ليل شدت به الرحال: قال عنك: إنك من هواها تراقب النجوم سهرا وتتفكر في العشق والعاشقين.
[6] الرداح: الممتلئة الجسم، المنطق الرخيم: اللين.
[7] النياق: جمع ناقة، والمراد هنا بها كواكب مصطفة على هيئة الناقة؛ يشبه قرطها بالكواكب، غراء الثنايا: بيضاء الأسنان، وريداء الشباب: كذا في الأصول، وهو مصغر ورداء، ولم نجد ورداء في اللغة، فلعلها رويداء من قولهم: رويداء، بمعنى ترفق، أي رقيقة الشباب، الخيم: الصفات، أي نعمت صفاتها، وفاعل نعم هنا غير جار على الأصول النحوية المعروفة.
[8] انتقال من الغزل إلى الملاحاة، ولعله يريد بصاحبي بطن رهط من صرعهما، ويقول لمن يلاحيه: أنت بهما زعيم أي كفيل.
[9] يريد أنه يأخذ بخطة مستوية في الأخذ بالثأر، يبيت من أجلها يقظان، ويبيت الواتر عنها نائما.
[10] ضمير به يعود على قتيل يقصده، وما اقترفت يداه أي لم يدفع عن نفسه، وضمير لها يعود على الخطة، واليوم الغشوم: الظلوم لكثرة من مات فيه.
[11] رميم: بال، وهو كناية عن أن الموت كان طوع أيديهم، لا يستعصى عليهم.
وإن تقع النّسور عليّ يوما ... فلحم المعتفي لحم كريم [1]
وذي رحم أحال الدّهر عنه ... فليس له لذي رحم حريم [2]
أصاب الدّهر آمن مروتيه ... فألقاه المصاحب والحميم [3]
مددت له يمينا من جناحي ... لها وفر وكافية رحوم [4]
أواسيه على الأيّام إني ... إذا قعدت به اللّؤما ألوم [5]
موت أخيه عمرو:
ذكروا أنه لما انصرف الناس عن المستغلّ [6]؛ وهي سوق كانت العرب تجتمع بها، قال عمرو بن جابر بن سفيان أخو تأبط شرّا لمن حضر من قومه: لا واللات والعزّى لا أرجع حتى أغير على بني عتير من هذيل، ومعه رجلان من قومه هو ثالثهما، فأطردوا إبلا لبني عتير فأتبعهم أرباب الإبل، فقال عمرو: أنا كارّ على القوم ومنهنهم [7] عنكما، فامضيا بالإبل. فكرّ عليهم فنهنهم طويلا، فجرح في القوم رئيسا، ورماه رجل من بني عتير بسهم فقتله، فقالت بنو عتير: هذا عمرو بن جابر، ما تصنعون/ أن [8] تلحقوا بأصحابه؟ أبعدها اللّه من إبل، فإنا نخشى أن نلحقهم فيقتل القوم منا، فيكونوا قد أخذوا الثّأر، فرجعوا ولم يجاوزوه. وكانوا يظنّون أن معه أناسا كثيرا، فقال تأبّط لمّا بلغه قتل أخيه:
وحرّمت النساء وإن أحلّت ... بشور أو بمزج أو لصاب [9]
حياتي أو أزور بني عتير ... وكاهلها بجمع ذي ضباب [10]
إذا وقعت لكعب أو خثيم ... وسيار يسوغ لها شرابي [11]
أظنّي ميّتا كمدا ولمّا ... أطالع طلعة أهل الكراب [12]
ودمت مسيّرا أهدي رعيلا ... أؤم سواد طود ذي نقاب [13]
__________
[1] المعتفي: الرائد، أو طالب الفضل.
[2] أحال الدهر عنه: تحول عنه، أي أحنى عليه، فليس له لذي رحم حريم، أي لم تعد له حرمة عند أقاربه.
[3] المروة: جبل بمكة. يريد بآمن مرونين آمن حصنية.
[4] رحوم: كثير الرحمة، مثل رحيم، يريد أنه لم يقصر في مواساته.
[5] يريد: إذا تنكر له اللؤما - مقصور اللؤماء - وفي هج «اللؤمي».
[6] هج: «المسقل» بدل «المستغل».
[7] نهنهم: زجرهم وردهم.
[8] ما تصنعون أن تلحقوا: بأن تلحقوا، يريد، لا فائدة باللحاق بهم.
[9] الشور: العسل، والمزج: نوع منه أيضا. والصاب: شجر مر، ولعل المعنى: حرمت على نفسي النساء الحلال، سواء كانت عسلا أو صابا.
[10] الكاهل: مقدم الظهر مما يلي العنق، يريد: أبذل حياتي، أو أغزو عتيرا التي قتلت أخاه، ويتوغل في غزوها حتى يقف على كاهلها بجمع كثيف كأنه الغبار الذي يكتنفه ضباب.
[11] فاعل وقعت محذوف، تقديره المنية، أي إذا أوقعت بهؤلاء يحل لها شرابي، وضمير لها يعود على حياتي.
[12] الكراب: مجاري الماء في الوادي.
[13] رعيلا، أي جماعة من الفرسان، يقول: أظنني ميتا إن لم أغزهم، وأظل أسوق إليهم الفرسان تخترق كل جبل تغطيه السحب.
فأجابه أنس بن حذيفة الهذليّ:
لعلّك أن تجيء بك المنايا ... تساق لفتية منا غضاب
فتنزل في مكرّهم صريعا ... وتنزل طرقة الضّبع السّغاب [1]
تأبّط سوأة وحملت شرّا ... لعلك أن تكون من المصاب [2]
أخوه السمع يثأر لأخيه عمرو:
ثم أن السّمع بن جابر أخا تأبّط شرّا خرج في صعاليك من قومه يريد الغارة على بني عتير ليثأر بأخيه عمرو بن جابر، حتى إذا كان ببلاد هذيل لقي راعيا لهم، فسأله عنهم، فأخبره بأهل بيت من عتير كثير مالهم، فبيّتهم، فلم يفلت منهم مخبر، واستاقوا أموالهم، فقال في ذلك السّمع بن جابر:
بأعلى ذى جماجم أهل دار ... إذا ظعنت عشيرتهم أقاموا [3]
طرقتهم بفتيان كرام ... مساعير إذا حمي المقام
متى ما أدع من فهم تجبني ... وعدوان الحماة لهم نظام [4]
إصابته في غارة على الأزد:
ذكروا أن تأبّط شرّا خرج ومعه مرّة بن خليف يريدان الغارة على الأزد، وقد جعلا الهداية بينهما، فلما كانت هداية مرّة نعس، فجار عن الطريق، ومضيا حتى وقعا بين جبال ليس فيها جبل متقارب، وإذا فيها مياه يصيح الطير عليها؛ وإذا البيض والفراخ بظهور الأكم، فقال تأبّط شرا: هلكنا واللّات يا مرّة، ما وطىء هذا المكان إنس قبلنا، ولو وطئته إنس ما باضت الطّير بالأرض، فاختر أية هاتين القنّتين شئت، وهما أطول شيء يريان من الجبال، فأصعد إحداهما وتصعد أنت الأخرى، فإن رأيت الحياة فألح بالثوب، وإن رأيت والموت فألح بالسيف، فإني فاعل مثل ذلك، فأقاما يومين. ثم إن تأبط شرّا ألاح بالثّوب، وانحدرا حتى التقيا في سفح الجبل، فقال مرّة: ما رأيت يا ثابت؟ قال: دخانا أو جرادا. قال مرّة: إنك إن جزعت منه هلكنا، فقال تأبّط شرّا: أما أنا فإنّي سأخرم بك من حيث تهتدي الريح، فمكثا بذلك يومين وليلتين، ثم تبعا الصّوت، فقال تأبط شرّا: النّعم والنّاس. أما واللّه لئن عرفنا لنقتلنّ، ولئن أغرنا/ لندركنّ، فأت الحيّ من طرف وأنا من الآخر، ثم كن ضيفا ثلاثا، فإن لم يرجع إليك قلبك فلا رجع، ثم أغر على ما قبلك إذا تدلّت الشمس فكانت قدر قامة، وموعدك الطريق. ففعلا، حتى إذا كان اليوم الثالث [5] أغار كل واحد منهما على ما يليه، فاستاقا النعم والغنم، وطردا يوما وليلة طردا عنيفا حتى أمسيا الليلة الثانية [5] دخلا شعبا، فنحرا قلوصا، فبينا هما يشويان إذا سمعا حسّا على باب الشّعب، فقال تأبط: الطّلب يا مرّة،
__________
[1] مكرهم: موضع الكر، أي الميدان. السغاب: الجياع.
[2] السوأة: العورة، وفي البيت التفاف من الغيبة إلى الخطاب، وقوله من المصاب أي من النفر المصاب، وقد وردت كذلك في الأصول، ولعلها مع المصاب، ويعني بالمصاب أخاه، أي لعلك تلحق به.
[3] بأعلى ذى جماجم: يريد الجبل الذي ينزلون به.
[4] متى ما أدع: متى ما أدعهم، وعدوان الحماة لهم نظام: جملة حالية، أي عداوة الأبطال نظامهم، ونرجح أن الحماة تحريف الحياة، أي يجيبونني وهم يكرهون الحياة ويحبون الموت. وفي «المختار»: متى ما أدع في فهم بدل «من فهم» وفيه: «و عدوان الكرام لهم نظام» بدل «و عدوان الحماة».
(5 - 5) ساقط من نسخ «الأغاني» والزيادة عن «المختار».
إن ثبت فلم يدخل فهم مجيزون، وإن دخل فهو الطلب، فلم يلبث أن سمع الحسّ يدخل، فقال مرّة: هلكنا، ووضع تأبط شرّا يده على عضد مرّة، فإذا هي ترعد، فقال: ما أرعدت عضدك إلا من قبل أمك الوابشية [1] من هذيل، خذ بظهري، فإن نجوت نجوت، وإن قتلت وقيتك. فلما دنا القوم أخذ مرّة بظهر تأبط، وحمل تأبط فقتل رجلا، ورموه بسهم فأعلقوه فيه؛ وأفلتا جميعا بأنفسهما، فلما أمنا وكان من آخر الليل، قال مرّة: ما رأيت كاليوم غنيمة أخذت على حين أشرفنا على أهلنا، وعض [2] مرّة عضده، وكان الحي الذين أغاروا عليهم بجيلة، وأتى تأبّط امرأته، فلما رأيت جراحته ولولت، فقال تأبّط في ذلك:
وبالشّعب إذ سدّت بجيلة فجّه ... ومن خلفه هضب صغار وجامل [3]
شددت لنفس المرء مرّة حزمه ... وقد نصبت دون النّجاء الحبائل [4]
وقلت له: كن خلف ظهري فإنني ... سأفديك وانظر بعد ما أنت فاعل [5]
/فعاذ بحدّ السيف صاحب أمرهم ... وخلّوا عن الشيء الذي لم يحاولوا [6]
وأخطأهم قتلي ورفّعت صاحبي ... على الليل لم تؤخذ عليه المخاتل [7]
واخطأ غنم الحيّ مرّة بعد ما ... حوته إليه كفّه والأنامل
يعض على أطرافه كيف زوله ... ودون الملا سهل من الأرض ماثل [8]
فقلت له: هذي بتلك وقد يرى ... لها ثمنا من نفسه ما يزاول [9]
تولول سعدى أن أتيت مجرّحا ... إليها وقد منّت عليّ المقاتل [10]
وكائن أتاها هاربا قبل هذه ... ومن غانم فأين منك الولاول [11]
يثبت مع قلة من أصحابه فيظفرون:
فلما انقضت الأشهر الحرم خرج تأبط والمسيّت بن كلاب في ستة نفر يريدون الغارة على بجيلة، والأخذ بثأر صاحبيهم عمرو بن كلاب وسعد بن الأشرس. فخرج تأبط والمسيّب بن كلاب وعامر بن الأخنس وعمرو بن برّاق
__________
[1] في هج: «الوالبية» بدل «الوابشية»، وفي هد «الوانسية». وفي «المختار»: «الوائلية».
[2] في هد: «و عصر عضده».
[3] الجامل: الجمال، وفي «المختار»
«هضب طوال وجامل»
[4] في «المختار»:
«شددت لأنجي المرء مرة عزمة»
[5] في «المختار»:
«ما أنا فاعل»
[6] يريد أنهم استنقذوا السلب، وجرحوه، واكتفوا بذلك، ولم يطلبوا ما لا سبيل إليه.
[7] المخاتل: المخادعات، يعني لم يحيطوا بصاحبه، ولم يؤذوه، وفي بعض الأصول: على بدل عليه. وفي «المختار»: « ...
ونجيت صاحبي» بدل «و رفعت صاحبي».
[8] الزول: مصدر زال بمعنى ذهب، والملا: السير الشديد، أي كيف يذهب الغنم منه، وقد كان هناك مجال للفرار؟ والضمير في زوله يعود على الغنم. وفي «المختار»: «كيف فاته».
[9] هذي بتلك: نجاتك بخسران الغنيمة، فاعل يرى ضمير صاحبه، والضمير في لها يعود على الغنيمة أي وقد يرى صاحبي للغنيمة من نفسه غنا، لا يزاول بمعنى لا يحاول، ولا يقدر.
[10] منت على المقاتل: أخطأتني المقاتل، ومنت على بالحياة.
[11] يريد: كم عاد إليها قبل اليوم هاربا من الموت، أو ظافرا فأبعدي عنك الولولة والنواح.
ومرّة بن خليف والشّنفري بن مالك، والسّمع وكعب حدا رابنا جابر أخوا تأبّط. فمضوا حتى أغاروا على العوص، فقتلوا منهم ثلاثة نفر: فارسين وراجلا، وأطردوا لهم إبلا، وأخذوا منهم [1] امرأتين، فمضوا بما غنموا، حتى إذا كانوا على يوم وليلة من قومهم عرضت لهم خثعم في نحو من أربعين رجلا، فيهم أبيّ بن جابر الخثعميّ، وهو رئيس/ القوم، فقال تأبّط: يا قوم، لا تسلموا لهم ما في أيديكم حتى تبلوا عذرا، وقال عمر بن الأخنس: عليكم بصدق الضّراب وقد أدركتم بثأركم، وقال المسيّب: اصدقوا القوم الحملة، وإيّاكم والفشل، وقال عمرو بن برّاق:
ابذلوا مهجكم ساعة، فإن النّصر عند الصّبر. وقال الشّنفري:
نحن الصّعاليك الحماة البزّل ... إذا لقينا لا نرى نهلّل [2]
وقال مرّة بن خليف:
يا ثابت الخير ويا بن الأخنس ... ويا بن برّاق الكريم الأشوس [3]
والشّنفري عند حيود الأنفس ... أنا ابن حامي السّرب في المغمّس [4]
نحن مساعير الحروب الضّرّس [5]
وقال كعب حدار أخو تأبّط:
يا قوم أمّا إذ لقيتم فاصبروا ... ولا تخيموا جزعا فتدبروا [6]
وقال السمع أخو تأبّط:
يا قوم كونوا عندها أحرارا ... لا تسلموا العون ولا البكارا [7]
ولا القناعيس ولا العشارا ... لخثعم وقد دعوا غرارا [8]
ساقوهم الموت معا أحرارا ... وافتخروا الدّهر بها افتخارا
/ فلما سمع تأبط مقالتهم قال: بأبي أنتم وأمي، نعم الحماة إذا جدّ الجدّ، أما إذا أجمع رأيكم على قتال القوم فاحملوا ولا تتفرّقوا، فإن القوم أكثر منكم، فحملوا عليهم فقتلوا منهم، ثم كرّوا الثانية فقتلوا، ثم كرّوا الثالثة فقتلوا فانهزمت خثعم وتفرقت في رؤوس الجبال، ومضى تأبّط وأصحابه بما غنموا وأسلاب من قتلوا، فقال تأبّط من ذلك:
جزى اللّه فتيانا على العوص أشرقت ... سيوفهم تحت العجاجة بالدّم
__________
[1] في س: «و أخذوا منهم أفراسا».
[2] البزل: جمع بازل، وهو البعير طلع نابه، وذلك بعد ثمان سنين أو تسع. وفي هج، هد، ف «البسل».
[3] منع براق من الصرف للضرورة، والأشوس: من ينظر بمؤخر عينه تكبرا.
[4] المغمس: الأمر الشديد البالغ الشدة، ولعلها تحريف المخمس بمعنى الجيش الخميس.
[5] الحروب الضرس: التي تطحن الأبطال بضرسها، وفي هد، ف: «نحن مساعير الزبون المضرس».
[6] خام يخيم: نكص وجبن.
[7] العون: جمع عوان، وهي من البقر والخيل التي نتجت بعد بطنها البكر.
[8] القنعاس من الإبل: العظيم وجمعه قناعيس، والعشار جمع عشراء وهي الناقة الحامل في نحو ثمانية أو عشرة أشهر، وقد دعوا غرارا أي دعوا شفار سيوفهم.
الأبيات ...
وقال الشّنفري في ذلك:
دعيني وقولي بعد ما شئت إنني ... سيفدي بنفسي مرّة فأغيّب
الأبيات ...
وقال الشّنفري أيضا:
ألا هل أتى عنّا سعاد ودونها ... مهامه بيد تعتلي بالصّعالك [1]
بأنّا صبحنا القوم في حرّ دارهم ... حمام المنايا بالسّيوف البواتك [2]
قتلنا بعمرو منهم خير فارس ... يزيد وسعدا، وابن عوف بمالك [3]
ظللنا نفرّي بالسّيوف رؤوسهم ... ونرشقهم بالنّبل بين الدّكادك [4]
ينهزم أمام النساء:
قال: وخرج تأبط في سريّة من قومه، فيهم عمرو بن برّاق، ومرّة بن خليف، والمسيّب بن كلاب، وعامر بن الأخنس، وهو رأس القوم، وكعب حدار، وريش كعب، والسّمع وشريس بنو جابر إخوة تأبط شرّا، وسعد ومالك ابنا الأقرع، حتى مروا ببني نفاثة بن الدّيل وهم يريدون الغارة عليهم، فباتوا في جبل مطلّ عليهم، فلما كان في وجه السحر أخذ عامر بن الأخنس قوسه، فوجد وترها مسترخيا، فجعل يوترها ويقول له تأبط: بعض حطيط وترك [5] يا عامر، وسمعه شيخ من بني نفاثة، فقال لبنات له: أنصتن فهذه واللّه غارة لبني ليث - وكان الذي بينهم يومئذ متفاقما في قتل حميصة بن قيس أخي بلعاء، وكانوا أصابوه خطأ - وكانت بنو نفاثة في غزوة والحيّ خلوف وليس عندهم غير أشياخ وغلمان لا طباخ [6] بهم، فقالت امرأة منهم: اجهروا الكلام، والبسوا السّلاح، فإن لنا عدّة، فو اللات ما هم إلا تأبّط وأصحابه. فبرزن مع نوفل وأصحابه، فلما بصر بهم قال: انصرفوا فإن القوم قد نذروا بكم، فأبوا عليه إلا الغارة فسلّ تأبّط سيفه وقال: لئن أغرتم عليهم لأتّكئن على سيفي حتى أنفذه من ظهري، فانصرفوا ولا يحسبون إلا أن النساء رجال، حتى مروا بإبل البلعاء بن قيس بقرب المنازل فأطردوها، فلحقهم غلام من بني جندع بن ليث؟
فقال: يا عامر بن الأخنس، أتهاب نساء بني نفاثة وتغير على رجال بني ليث؟ هذه واللّه إبل لبلعاء بن قيس. فقال له عامر: أو كان رجالهم خلوفا؟ قال: نعم، قال: أقرىء بلعاء منّي السّلام، وأخبره بردّي إبله، وأعلمه أني قد حبست منها بكرا لأصحابي، فإنا قد أرملنا [7]، فقال الغلام: لئن حبست منها هلبة [8] لأعلمنّه، ولا أطرد منها بعيرا أبدا. فحمل عليه تأبّط فقتله، ومضوا بالإبل إلى قومهم؛ فقال في ذلك تأبط:
__________
[1] مهامه: جمع مهمة، وهو المفازة البعيدة، أو البلد القفر.
[2] في هد:
«في وسط دارهم»
، وفي ف:
«في عقر دارهم»
، والبواتك: القواطع.
[3] أي قتلوا يزيد بعمرو وسعدا وابن عوف بمالك.
[4] الدكادك: جمع دكدك، وهو ما غلظ من الأرض.
[5] بعض حطيط وترك: خفض من صوت إيتار القوس خشية أن يسمعوه.
[6] الطباخ: الإحكام والقوة.
[7] أرمل القوم: نفذ زادهم.
[8] الهلبة: شعرة من شعر الذئب.
/
ألا عجب الفتيان من أمّ مالك ... تقول: أراك اليوم أشعث أغبرا
تبوعا لآثار السّريّة بعد ما ... رأيتك برّاق المفارق أيسرا [1]
فقلت لها: يومان يوم إقامة ... أهزّ به غصنا من البان أخضرا
ويوم أهزّ السّيف في جيد أغيد ... له نسوة لم تلق مثلي أنكرا [2]
يخفن عليه وهو ينزع نفسه ... لقد كنت أبّاء الظلامة قسورا [3]
وقد صحت في آثار حوم كأنها ... عذارى عقيل أو بكارة حميرا [4]
أبعد النّفاثيّين آمل طرقة ... وآسى على شيء إذا هو أدبرا [5]
أكفكف عنهم صحبتي وإخالهم ... من الذلّ يعرا بالتّلاعة أعفرا [6]
فلو نالت الكفّان أصحاب نوفل ... بمهمهة من بطن ظرء فعرعرا [7]
ولمّا أبى الليثيّ إلا تهكّما ... بعرضي وكان العرض عرضي أو فرا [8]
فقلت له: حقّ الثناء فإنني ... سأذهب حتى لم أجد متأخّرا [9]
ولما رأيت الجهل زاد لجاجة ... يقول فلا يألوك أن تنشوّرا [10]
/دنوت له حتى كأنّ قميصه ... تشرّب من نضح الأخادع عصفرا [11]
فمن مبلغ ليث بن بكر بأننّا ... تركنا أخاهم يوم قرن معفّرا [12]
قال: غزا تأبط بني نفاثة بن الدّيل بن بكر بن عبد مناة بن كنانة وهم خلوف، ليس في دارهم رجل، وكان الخبر قد أتى تأبط، فأشرف فوق جبل ينظر إلى الحيّ وهم أسفل منه، فرأته امرأة فطرح نفسه، فعلمت المرأة أنه تأبّط، وكانت عاقلة، فأمرت النّساء فلبسن لبسة الرجال، ثم خرجن كأنهن يطلبن الضّالّة، وكان أصحابه يتفلتون ويقولون: أغز، وإنما كان في سرية من بين السّتّة إلى السبعة، فأبى أن يدعهم، وخرج يريد هذيلا، وانصرف عن النّفاثيّين، فبينا هو يتردد في تلك الجبال إذ لقي حليفا له من هذيل، فقال له: العجب لك يا تأبط، قال: وما هو؟
__________
[1] الأيسر: اللين السهل.
[2] في ف: «في جيد شادن».
[3] القسور: الليث.
[4] الحوم: القطيع من الإبل، يشبهه بالعذارى والأبكار لجمال إبله.
[5] آمل طرقة: اتجه إلى طريق، يقرع نفسه على خوفه من نساء النفاثيين.
[6] اليعر: الجدي، والتلاعة: ماء لبني كنانة، والأعفر: ما خالط بياضه حمرة، يقول: خفتهم، ولا أخالهم بعد معرفة خديعتهم إلا في ذلة الجدي الأعفر.
[7] لو للتمني. وظرء، وعرعر: مكانان.
[8] الليثي، يريد به الغلام الليثي الذي منعه شعرة من الإبل.
[9] حق الثناء: لعل ذلك من باب التهكم بالغلام، أو المراد بالثناء الذم، لأن الثناء يطلق على الذم كما يطلق على المدح.
[10] تشور الرجل: فعل فعلا قبيحا أي أن الغلام لم يقصر في فعل القبيح.
[11] الأخدع: عرق متصل بالوريد، والعصفر: نبت أحمر، كناية عن سيلان دمه على قميصه.
[12] قرن: مكان.
قال: إن رجال بني نفاثة كانوا خلوفا فمكرت بك امرأة، وأنهم قد رجعوا.
ففي ذلك يقول:
ألا عجب الفتيان من أمّ مالك ... تقول: لقد أصبحت أشعث أغبرا
وذكر باقي الأبيات المتقدّمة.
وقال غيره: لا بل قال هذه القصيدة في عامر بن الأخنس الفهميّ، وكان من حديث عامر بن الأخنس أنه غزا في نفر، بضعة وعشرين رجلا، فيهم عامر بن الأخنس، وكان سيّدا فيهم، وكان إذا خرج في غزو رأسهم، وكان يقال له سيّد الصعاليك، فخرج بهم حتى باتوا على بني نفاثة بن عدي بن الدّيل ممسين، ينتظرون أن ينام الحيّ، حتى إذا كان في سواد الليل مر بهم راع من الحي قد أغدر، فمعه غديرته [1] يسوقها/ فبصر بهم وبمكانهم، فخلى الغديرة وتبع الضّراء ضراء [2] الوادي، حتى جاء الحي فأخبرهم بمكان القوم وحيث رآهم، فقاموا فاختاروا: فتيان الحي فسلحوهم، وأقبلوا نحوهم، حتى إذا دنوا منهم قال رجل من النّفاثيّين: واللّه ما قوسي بموترة [3]. فقالوا:
فأوتر قوسك، فوضع قوسه فأوترها، فقال تأبط لأصحابه:
اسكتوا، واستمع فقال: أتيتم واللّه، قالوا: وما ذلك؟ قال: أنا واللّه أسمع حطيط وترقوس. قالوا: واللّه ما نسمع شيئا، قال: بلى واللّه إني لأسمعه، يا قوم النّجاء، قالوا: لا واللّه ما سمعت شيئا، فوثب فانطلق وتركهم، ووثب معه نفر، وبيّتهم [4] بنو نفاثة فلم يفلت منهم إنسان، وخرج هو وأصحابه الذين انطلقوا معه، وقتل تلك الليلة عامر بن الأخنس.
قال ابن عمير: وسألت أهل الحجاز عن عامر بن الأخنس، فزعموا أنه مات على فراشه.
فلما رجع تأبّط قالت له امرأته: تركت أصحابك، فقال حينئذ:
ألا عجب الفتيان من أمّ مالك ... تقول: لقد أصبحت أشعث أغبرا
مصرعه على يد غلام دون المحتلم:
فلما رجع تأبّط وبلغه ما لقي أصحابه قال: واللّه ما يمسّ رأسي غسل ولا دهن حتى أثأر بهم. فخرج في نفر من قومه، حتى عرض لهم بيت من هذيل بين صوى [5] جبل، فقال: اغنموا هذا البيت أولا، قالوا: لا واللّه، ما لنا فيه أرب، ولئن كانت/ فيه غنيمة ما نستطيع أن نسوقها. فقال: إني أتفاءل أن أنزل، ووقف، وأتت به ضبع من يساره، فكرهها، وعاف [6] على غير الذي رأى، فقال: أبشري أشبعك من القوم غدا. فقال له أصحابه: ويحك، انطلق، فو اللّه ما نرى أن نقيم عليها. قال: لا واللّه لا أريم حتى أصبح. وأتت به ضبع عن يساره فقال: أشبعك من القوم غدا. فقال أحد القوم: واللّه إني أرى هاتين [7] غدا بك، فقال: لا واللّه
__________
[1] الغديرة: الناقة يتركها الراعي.
[2] الضراء: الشجر الملتف في الوادي، أو أرض مستوية تأويها السباع، وبها نبذ من الشجر.
[3] أي يسمع صوت وضع الوتر في القوس.
[4] بيتوهم: دهموهم ليلا.
[5] الصوى: جمع صوة، وهي علامة يهتدى بها في الطريق، أو ما غلظ وارتفع من الأرض.
[6] يقال: عاف الطير: زجرها بمعنى اعتبر بأسمائها ومساقطها وأنوائها فسعد أو تشاءم، والمراد أنه تطير من مرور الضبع عن يساره.
[7] لعل المراد: إني أرى هاتين ذاهبتين غدا بك، أو تكون كلمة «غدا» تحريف «غدرتا».
لا أريم [1] حتى أصبح. فبات، حتى إذا كان في وجه الصبح، وقد رأى أهل البيت وعدّهم على النار، وأبصر سواد غلام من القوم دون المحتلم، وغدوا على القوم، فقتلوا شيخا وعجوزا، وحازوا جاريتين وإبلا. ثم قال تأبّط: إني قد رأيت معهم غلاما؛ فأين الغلام الذي كان معهم؟ فأبصر أثره فاتّبعه، فقال له أصحابه: ويلك دعه فإنك لا تريد منه شيئا، فاتّبعه، واستتر الغلام بقتادة [2] إلى جنب صخرة، وأقبل تأبّط يقصّه [3] وفوّق الغلام سهما حين رأى أنه لا ينجيه شيء، وأمهله حتى إذا دنا منه قفز قفزة، فوثب على الصّخرة، وأرسل السهم، فلم يسمع تأبّط إلا الحبضة [4] فرفع رأسه، فانتظم السهم قلبه، وأقبل نحوه وهو يقول: لا بأس، فقال الغلام: لا بأس، واللّه لقد وضعته حيث تكره، وغشية تأبّط بالسيف وجعل الغلام يلوذ بالقتادة، ويضربها تأبط بحشاشته [5]، فيأخذ ما أصابت الضّربة منها، حتى خلص إليه، فقتله، ثم نزل إلى/ أصحابه يجر رجله، فلما رأوه وثبوا، ولم يدروا ما أصابه، فقالوا: مالك؟ فلم ينطق، ومات في أيديهم، فانطلقوا وتركوه، فجعل لا يأكل منه سبع ولا طائر إلا مات، فاحتملته هذيل، فألقته في غار يقال له غار رخمان، فقالت ريطة أخته وهي يومئذ متزوجة في بني الدّيل:
نعم الفتى غادرتم برخمان ... ثابت بن جابر بن سفيان [6]
وقال مرّة بن خليف يرثيه:
إن العزيمة والعزّاء قد ثويا ... أكفان ميت غدا في غار رخمان [7]
إلّا يكن كرسف كفّنت جيّده ... ولا يكن كفن من ثوب كتّان [8]
فإن حرّا من الأنساب ألبسه ... ريش الندى، والنّدى من خير أكفان [9]
وليلة رأس أفعاها إلى حجر ... ويوم أور من الجوزاء رنّان [10]
أمضيت أول رهط عند آخره ... في إثر عادية أو إثر فتيان [11]
وقالت أم تأبط ترثيه:
وابناه وابن اللّيل [12]
__________
[1] لا أريم: لا أنتقل.
[2] القتاد: شجر معروف.
[3] يقصه: يقتفي أثره.
[4] الحبضة: نبضة السهم عند انطلاقه.
[5] الحشاشة: بقية الروح في الجريح أو المريض.
[6] رخمان، بضم الراء كما في «القاموس»، فقد ذكرها، وأشار إلى أن تأبط شرا قتل فيها، وفي ف: «رجمان». والبيت من السريع، وثابت بدل من الفتى، ونوّن للضرورة.
[7] العزاء: السنة الشديدة، ولا مكان لها هنا، فلعله يعني الغراء مؤنث الأغر، أي إن العزيمة والنفس الغراء قد ثويا ... إلخ.
(8 - 9) الكرسف: القطن: يقول: إن لم تكفن في قطن أو كتان فقد كفنت في ثياب المجد والكرم.
[10] رأس أفعاها إلى حجر: لعله كناية عن عدم انزوائها في حجرها، فهي متهيئة للدغ، وأور: جمع أوار بمعنى الحر الشديد، والجوزاء: برج في السماء، ولعلها كانت رمزا لاشتداد الحرارة عند العرب.
[11] الرهط: يراد به هنا اللقم أي تناول الطعام: يقول: رب ليلة لا تنام أفاعيها، ويوم شديد الحرارة قضيته قانصا في إثر وحوش عادية أو غازيا في إثر فتيان، وأنت طاوي البطن.
[12] انظر تعليقنا على هذا الكلام عندما يكرره المؤلف بعد قليل ص 171.
مقته:
قال أبو عمر الشّيباني: لا بل كان من شأن تأبط وهو ثابت بن جابر بن سفيان، وكان جريئا شاعرا فاتكا أنه خرج من أهله بغارة من قومه، يريدون بني صاهلة بن كاهل بن الحارث بن سعيد بن هذيل، وذلك في عقب شهر حرام ممّا كان يحرّم أهل الجاهلية، حتى هبط صدر أدم [1]، وخفض عن جماعة بني صاهلة، فاستقبل التّلاعة، فوجد بها دارا من بني نفاثة بن عدي، ليس فيها إلا النساء، غير رحل واحد، فبصر الرجل بتأبط وخشية، وذلك في الضّحى، فقام الرجل إلى النساء، فأمرهنّ فجعلن رؤوسهن جمما وجعلن دروعهن أردية، وأخذن من بيوتهن عمدا كهيئة السيوف فجعلن لها حمائل، ثم تأبطنها ثم نهض ونهضن معه يغريهن كما يغري القوم، وأمرهن أن لا يبرزن خدّا، وجعل هو يبرز للقوم ليروه، وطفق يغري ويصيح على القوم، حتى أفزع تأبّط شرّا وأصحابه وهو على ذلك يغري [2]. في بقية ليلة أو ليلتين من الشّهر الحرام، فنهضوا في شعب يقال له شعب وشل [3]، وتأبط ينهض في الشعب مع أصحابه، ثم يقف في آخرهم، ثم يقول: يا قوم لكأنما يطردكم النساء، فيصيح عليه أصحابه فيقولون: انج أدركك القوم، وتأبى نفسه، فلم يزل به أصحابه حتى مضى معهم فقال تأبّط في ذلك:
أبعد النّفاثيين أزجر طائرا ... وآسى على شيء إذا هو أدبرا [4]
أنهنه رجلي عنهم وإخالهم ... من الذّلّ يعرا بالتّلاعة أعفرا
ولو نالت الكفّان أصحاب نوفل ... بهمهمة من بين ظرء وعرعرا
/ قال: ثم طلعوا الصدر حين أصبحوا فوجدوا أهل بيت شاذّ من بني قريم ذنب نمار [5] فظل يراقبهم حتى أمسوا، وذلك البيت لساعدة بن سفيان أحد بني حارثة بن قريم، فحصرهم تأبط وأصحابه حتى أمسوا. قال: وقد كانت قالت وليدة لساعدة: إني قد رأيت اليوم القوم أو النفر بهذا الجبل، فبات الشيخ حذرا قائما بسيفه بساحة أهله. وانتظر تأبط وأصحابه أن يغفل الشيخ، وذلك آخر ليلة من الشهر الحرام فلما خشوا أن يفضحهم الصبح، ولم يقدروا على غرّة مشوا إليه وغرّوه ببقية الشهر الحرام، وأعطوه من مواثيقهم ما أقنعه، وشكوا إليه الجوع، فلما اطمأن إليهم وثبوا عليه فقتلوه وابنا له صغيرا حين مشى. قال: ومضى تأبط شرا إلى ابن له ذي ذؤابة، كان أبوه قد أمره فارتبأ [6] من وراء ماله، يقال له: سفيان بن ساعدة. فأقبل إليه تأبط شرّا مستترا بمجنّة، فلما خشي الغلام أن يناله تأبّط بسيفه وليس مع الغلام سيف، وهو مفوّق سهما، رمى مجنّ تأبط بحجر، فظن تأبط أنه قد أرسل سهمه، فرمى مجنّة عن يده، ومشى إليه فأرسل الغلام سهمه فلم يخط لبّته حتى خرج منه السهم، ووقع في البطحاء حذو القوم، وأبوه ممسك، فقال أبو الغلام [7] حين وقع السهم: أخاطئه سفيان؟
__________
[1] أدم: اسم موضع.
[2] أي وهو مع توجسه يغري أصحابه بالاقتحام.
[3] وشل: اسم جبل، واسم أيضا لموضعين.
[4] تقدمت أيضا هذه الأبيات في الترجمة نفسها.
[5] نمار ككتاب: اسم جبل، وكغراب: اسم واد، وذنب ظرف مكان بمعنى أسفل، أو لعلها محرفة عن جنب.
[6] ارتبأ: اختبأ وراء ربيئة؛ هضبة مرتفعة.
[7] تقدم أن أبا الغلام قد قتل، فلعل المراد أنه قال وهو يحتضر، أخاطئة سفيان؟: استفهام عن الرمية.
فحرد [1] القوم، فذلك حين قتلوا الشيخ وابنه الصغير، ومات تأبط.
فقالت أمّه - وكانت امرأة من بني القين بن جسر بن قضاعة - ترثيه:
/قتيل ما قتيل بني قريم ... إذا ضنّت جمادى بالقطار [2]
فتى فهم جميعا غادروه ... مقيما بالحريضة من نمار [3]
وقالت أمّه ترثيه [أيضا]:
ويل أمّ طرف غادروا برخمان ... بثابت بن جابر بن سفيان [4]
يجدّل القرن ويروي النّدمان ... ذو مأقط يحمي وراء الإخوان [5]
وقالت ترثيه أيضا:
وابناه وابن اللّيل، ليس بزمّيل، شروب للقيل، رقود باللّيل، وواد [6] ذي هول، أجزت باللّيل، تضرب بالذّيل، برجل [7] كالثّول.
قال: وكان تأبط شرا يقول قبل ذلك:
ولقد علمت لتعدونّ ... م عليّ شتم كالحساكل [8]
/يأكلن أوصالا ولح ... ما كالشّكاعي غير جاذل [9]
يا طير كلن فإنني ... سمّ لكنّ وذو دغاول [10]
وقال قبل موته:
لعلي ميّت كمدا ولمّا ... أطالع أهل ضيم فالكراب [11]
وإن لم آت جمع بني خثيم ... وكاهلها برجل كالضّباب
__________
[1] حرد القوم: اعتزلوا.
[2] قتيل ما: هذا قتيل عظيم، كريم حين تضنّ جمادى بالمطر، ويبدو أن شهر جمادى في ذلك الوقت كان شهر محل.
[3] الحريضة: موضع في بلاد هذيل، نمار ككتاب: اسم جبل، وكغراب: اسم واد.
[4] تقدم هذا البيت برواية أخرى، وويل أم فلان: عبارة يقصد بها التعجب أو الترحم.
[5] المأقط: مكان الحرب، تريد أنه فارس ميدان، ومفعول يحمي محذوف، أي يحمي الظهور، وهذه رواية هد، وهج، وفي بعض الأصول «الأضوان».
[6] اختلفت الأصول في رواية هذه الفقرات كل الاختلاف، وقد حاولنا إخضاعها لبعض ضروب الرجز فلم يمكن، فلنعتبرها مجرد كلام مسجوع، الزميل: الجبان، القيل: شراب اللبن في القيلولة، تريد أنه لا يهدأ نهارا أو ليلا.
[7] الرجل: جمع راجل، والثول: جماعة النّحل: تقول له: كم واد مخوف، جزته ليلا، تضرب بذيلك، كما يضرب الجواد، ومعك أصحابك في عدد النحل.
[8] تضاربت الأصول كل تضارب في اللفظين الأخيرين من هذا البيت، والذي نختاره «شتم كالحساكل». الشتم: جمع شتيم، وهو الأسد الكريه المنظر، والحساكل: جمع حسكل كزبرج؛ وهو ما تطاير من شرر الحديد المحمى.
[9] الشكاعي: جمع شكاعة كثمامة: شوكة تملأ فم البعير، غير الجاذل، من الجذل، وهو ما عظم من أصول الشجر، كناية عن عدم السمن.
[10] الدغاول: الدواهي، وهذا البيت وما قبله كناية عن أن لحمه مر.
[11] تقدم هذا البيت وما بعده في الترجمة نفسها.
إذا وقعت بكعب أو قريم ... وسيّار فياسوغ الشّراب [1]
فأجابه شاعر من بني قريم:
تأبّط سوأة وحملت شرّا ... لعلك أن تكون من المصاب [2]
لعلك أن تجيء بك المنايا ... تساق لفتية منا غضاب
فتصبح في مكرّهم صريعا ... وتصبح طرفة الضّبع السّغاب
فزلتم تهربون لو كرهتم ... تسوقون الحرائم بالنقاب [3]
/و زال بأرضكم منّا غلام ... طليعة فتية غلب الرقاب [4]
ونذكرها هنا بعد أخبار تأبط شرّا أخبار صاحبيه عمرو بن برّاق والشّنفري ونبدأ بما يغنّى فيه من شعريهما، ونتبعه بالأخبار.
فأما عمرو بن برّاق فممّا يغنّى فيه من شعره قوله:
صوت
متى تجمع القلب الذكيّ وصارما ... وأنفا حميّا تجتنبك المظالم [5]
وكنت إذا قوم غزوني غزوتهم ... فهل أنا في ذا يا لهمدان ظالم!
كذبتم وبيت اللّه لا تأخذونها ... مراغمة ما دام للسيف قائم [6]
ولا صلح حتى تعثر الخيل بالقنا ... وتضرب بالبيض الرّقاق الجماجم
عروضه من الطويل، الشعر لابن برّاق وقيل ابن برّاقة. والغناء لمحمد بن إسحاق بن عمرو بن بزيع ثقيل أول مطلق في مجرى الوسطى عن الهشامي.
__________
[1] فاعل وقعت محذوف تقديره الواقعة ونحوها، أي إذا ثأر من هذين الحيين ساغ له الشراب الذي حرمه على نفسه.
[2] تقدمت الأبيات الثلاثة الأولى في الترجمة نفسها.
[3] وزلتم: من زال التامة بمعنى ذهبتم، وفي س «الجرائم»، وهو تصحيف والمثبت من ف وهج، أي ذهبتم مجدين في الهرب تسوقون حريمكم متنقبا.
[4] زال: نهض، من زالت الخيل بركبانها بمعنى نهضت، وغلب الرقاب: غلاظ الأعناق جمع أغلب.
[5] القلب الذكي: المتوقد حماسة، والأنف الحمي: كناية عن الأنفة وإباء الضيم.
[6] ضمير تأخذونها يعود على الإبل ونحوها.
11 - عمرو بن براق
[1]
يسلبه حريم ماله فيسترده منه:
أخبرني عليّ بن سليمان الأخفش قال: حدّثنا السّكريّ عن ابن حبيب قال: وأخبرنا الهمدانيّ ثعلب، عن ابن الأعرابي، عن المفضّل، قالا:
أغار رجل من همدان [2] يقال له حريم على إبل لعمرو بن برّاق وخيل، فذهب بها، فأتى عمرو امرأة [3] كان يتحدّث إليها ويزورها فأخبرها أن حريما أغار على إبله وخيله فذهب بها، وأنه يريد الغارة عليه، فقالت له المرأة:
ويحك لا تعرض لتلفات حريم فإني أخافه عليك، قال: فخالفها، وأغار عليه، فاستاق كلّ شيء كان له، فأتاه حريم بعد ذلك يطلب إليه أن يردّ عليه ما أخذه منه، فقال: لا أفعل، وأبى عليه، فانصرف، فقال عمرو في ذلك:
تقول سليمى لا تعرّض لتلفة ... وليلك عن ليل الصعاليك نائم [4]
وكيف ينام الليل من جلّ ماله ... حسام كلون الملح أبيض صارم
صموت إذا عضّ الكريهة لم يدع ... لها طمعا طوع اليمين ملازم [5]
/نقدت به ألفا وسامحت دونه ... على النقد إذ لا تستطاع الدارهم [6]
ألم تعلمي أنّ الصعاليك نومهم ... قليل إذا نام الدّثور المسالم [7]
إذا الليل أدجى واكفهرّت نجومه ... وصاح من الإفراط هام جواثم [8]
ومال بأصحاب الكرى غالباته ... فإني على أمر الغواية حازم [9]
كذبتم وبيت اللّه لا تأخذونها ... مراغمة ما دام للسيف قائم
__________
[1] هذه الترجمة مما سقط من التراجم من طبعة بولاق، وموضعها هنا بحسب المخطوطات المعتمدة.
[2] في «الأمالي» 2/ 121: من مراد.
[3] عبارة «الأمالي»: «فأتى عمرو امرأة، اسمها سلمى، وكانت بنت سيدهم، وعن رأيها كانوا يصدرون.
[4] جملة:
«و ليلك ... إلخ»
حالية، أي واقض ليلك نائما، وخلّ الصعاليك ساهرين. وإسناد النوم إلى الليل مجاز.
[5] صموت - كما في ف، هج - صفة للسيف المتقدم في البيت السابق، أي كثير الصمت، وفي س «و صوت» بدل صموت، وهو تحريف، وقوله:
«إذا عض الكريهة ...
إلخ» يعني أنه إذا خاض الحرب لم يدع لها طمعا في صاحبه، وهو طيع، لا يفارق يمينه، وفي س «مكارم» بدل «ملازم» والمثبت من «الأمالي».
[6] ألفا: ألف درهم، يريد أنه دفع فيه ألف درهم عن سماحة نفس في وقت قلت فيه الدراهم.
[7] الدثور: الرجل البطن الخامل النئوم، وفي ف: «الخلي» بدل «الدثور».
(8 - 9) أدجت نجومه: غابت، أو غطاها السحاب، والإفراط: من معانيه تباشير الصباح، وقد يكون المراد الإفراط في الطعام، وصاحت هام جواثم: غطت - من الغطيط - رؤوس نائمة، وجواب الشرط «فإني على أمر الغواية حازم» أي حازم أمري، وفي هج: «غالبا لهم» بدل «غالباته»، وعليه يكون فاعل «مال» ضمير الليل.
تحالف أقوام عليّ ليسمنوا ... وجروا عليّ الحرب إذا أنا سالم [1]
أفالآن أدعى للهوادة بعد ما ... أجيل على الحيّ المذاكي الصّلادم [2]
كأنّ حريما إذ رجا أن يضمّها ... ويذهب مالي يا بنة القوم حالم [3]
متى تجمع القلب الذّكيّ وصارما ... وأنفا حميّا تجتنبك المظالم
ومن يطلب المال الممنّع بالقنا ... يعش ذا غنىّ أو تخترمه المخارم [4]
/و كنت إذا قوم غزوني غزوتهم ... فهل أنا في ذا يا لهمدان ظالم
فلا صلح حتى تعثر الخيل بالقنا ... وتضرب بالبيض الرّقاق الجماجم
وأما الشنفري فإنه رجل من الأزد ثم من الأواس بن الحجر بن الهنو بن الأزد [5]. ومما يغنّى فيه من شعره قوله:
صوت
ألا أمّ عمرو أزمعت فاستقلّت ... وما ودّعت جيرانها إذ تولّت [6]
فواند ما بانت أمامة بعد ما ... طمعت فهبها نعمة قد تولّت [7]
وقد أعجبتني لا سقوطا خمارها ... إذا ما مشت ولا بذات تلفّت [8]
غنّى في هذه الأبيات إبراهيم ثاني ثقيل بالبنصر عن عمرو بن بانة.
__________
[1] في ف: «ليسلموا» بدل «ليسمنوا» وسالم: بمعنى مسالم.
[2] الفاء عاطفة على معطوف محذوف، أي أأسالم فأدعى، ونحو ذلك، والهوادة: الملاينة والمسالمة، المذاكي الصلادم: الجياد الشديدة الصلبة، وذلك كناية عن الحرب التي انتصر فيها، يريد أنهم جاءوه مسالمين طالبين مهادنته بعد أن رجحت كفته في حربهم.
[3] الضمير في يضمها عائد على الإبل ونحوها.
[4] تخترمه المخارم: تهلكه المهالك، وفي ف «طلب» بدل «يطلب» و «ماجدا» بدل «ذا غنىّ» والمعنى: لا يتغير.
[5] في هد، هج: «الأوس بن حجر بن الهن».
[6] أزمعت: عزمت على الرحيل.
[7] يلاحظ تكرار كلمة «تولت» في بيتين متتالين، وهو من عيوب القافية.
[8] لا سقوطا خمارها: يصفها بالتصون والتحشم، أي لا تتعمد إسقاط خمارها، كي يرى الناس جمالها، ويبدو أن هذه العادة كانت مألوفة في النساء، ولذلك ينفي النابغة عن المتجردة تعمد إسقاط النصيف في قوله:
سقط النصيف ولم ترد إسقاطه ... فتناولته واتئّقتنا باليد
12 - أخبار الشنفري ونسبه [1]
نسبه ونشأته في غير قومه:
وأخبرني بخبره الحرميّ بن أبي العلاء قال: حدثنا أبو يحيى المؤدب وأحمد بن أبي المنهال المهلبي، عن مؤرّج عن أبي هشام محمد بن هشام النّميريّ:
أن الشنفري كان من الأواس بن الحجر بن الهنو بن الأزد [2] بن الغوث، أسرته بنو شبابة بن فهم بن عمرو بن قيس بن عيلان، فلم يزل فيهم حتى أسرت بنو سلامان بن مفرّج بن عوف بن ميدعان بن مالك بن الأزد رجلا من فهم، أحد بني شبابة ففدته بنو شبابة بالشّنفري قال: فكان الشنفري في بني سلامان بن مفرّج لا تحسبه إلا أحدهم حتى نازعته بنت الرجل الذي كان في حجره، وكان السّلامي اتخذه ولدا وأحسن إليه وأعطاه، فقال لها الشنفري:
اغسلي رأسي يا أخيّة وهو لا يشك في أنها أخته، فأنكرت أن يكون أخاها ولطمته، فذهب مغاضبا حتى أتى الذي اشتراه من فهم، فقال له الشنفري: اصدقني ممن أنا؟ قال: أنت من الأواس بن الحجر، فقال: أما إنّي لن أدعكم حتى أقتل منكم مائة بما استعبدتموني، ثم إنه ما زال يقتلهم حتى قتل تسعة وتسعين رجلا، وقال الشنفري للجارية السّلامية التي لطمته وقالت: لست بأخي:
ألا ليت شعري والتّلهّف ضلّة ... بما ضربت كفّ الفتاة هجينها؟ [3]
/و لو علمت قعسوس أنساب والدي ... ووالدها ظلّت تقاصر دونها [4]
أنا ابن خيار الحجر بيتا ومنصبا ... وأمي ابنة الأحرار لو تعرفينها
غارته على من نشأ فم:
قال: ثم لزم الشّنفري دار فهم فكان يغير على الأزد على رجليه فيمن تبعه من فهم، وكان يغير وحده أكثر من ذلك، وقال الشنفري لبني سلامان:
وإني لأهوى أن ألفّ عجاجتي ... على ذي كساء من سلامان أو برد [5]
وأصبح بالعضداء أبغي سراتهم ... وأسلك خلّا بين أرباع والسّرد [6]
فكان يقتل بني سلامان بن مفرّج حتى قعد له رهط من الغامديين من بني الرّمداء فأعجزهم
__________
[1] هذه الترجمة مما سقط من التراجم من طبعة بولاق، وموضعها هنا بحسب المخطوطات المعتمدة.
[2] في ف «الأسد» بدل «الأزد».
[3] «و التلهف ضلة»: جملة معترضة، أي والتلهف على الشيء ضلال، وما من بما ضربت استفهامية، وإنما مدت لضرورة الشعر، والهجين: اللئيم، أو العربي الذي أمه أمة، يقول: ليتني أعلم لم تضرب هذه الفتاة الفتى الحقير في نظرها؟.
[4] قعسوس: اسم الفتاة، كما يبدو من السياق، أي لو علمت حسبي وحسب أبيها لتقاصر عنقها أمامي.
[5] يعني على كل لابس كساء أو برد، وذلك كناية عن الشمول، ولف العجاجة: كناية عن الغارة، والعجاجة: والعجاجة: غبار الحرب ونحوها.
[6] سراتهم: أشرافهم، والخل: الطريق ينفذ في الرمل، والعضداء وأرباع والسرد: أسماء أماكن، وفي ف، هج، هد: «أمسى» بدل «أصبح».
فأشلوا [1] عليه كلبا لهم يقال له حبيش ولم يضعوا له شيئا، ومرّ وهو هارب بقرية يقال لها دحيس برجلين من بني سلامان بن مفرج فأرادهما ثم خشي الطلب فقال:
قتيلى فجار أنتما إن قتلتما ... بجوف دحيس أو تبالة يا اسمعا [2]
يريد: يا هذان اسمعا، وقال فيما كان يطالب به بني سلامان:
فإلّا تزرني حتفتي أو تلاقني ... أمشّ بدهر أو عذاف فنوّرا [3]
/أمشي بأطراف الحماط وتارة ... تنفّض رجلي بسبطا فعصنصرا [4]
وأبغى بني صعب بن مرّ بلادهم ... وسوف ألاقيهم إن اللّه يسّرا [5]
ويوما بذات الرّأس أو بطن منجل ... هنالك تلقى القاصي المتغوّرا [6]
يقتلونه بعد أن يسملوا عينه:
قال: ثم قعد له بعد ذلك أسيد بن جابر السلاماني وخازم الفهميّ بالناصف من أبيدة ومع أسيد ابن أخيه، فمر عليهم الشنفري، فأبصر السواد بالليل فرماه، وكان لا يرى سوادا إلا رماه كائنا ما كان، فشك [7] ذراع ابن أخي أسيد إلى عضده، فلم يتكلم، فقال الشنفري: إن كنت شيئا فقد أصبتك وإن لم تكن شيئا فقد أمنتك، وكان خازم باطحا: يعني منبطحا بالطريق يرصده، فنادى أسيد: يا خازم أصلت، يعني اسلل سيفك. فقال الشنفري: لكلّ أصلت [8]، فأصلت الشنفري. فقطع إصبعين من أصابع خازم الخنصر والبنصر، وضبطه [9] خازم حتى لحقه أسيد وابن أخيه نجدة، فأخذ أسيد سلاح الشنفري وقد صرع الشنفري خازما وابن أخي أسيد، فضبطاه وهما تحته، وأخذ أسيد برجل ابن أخيه، فقال أسيد: رجل من هذه؟ فقال الشنفري: رجلي، فقال ابن أخي أسيد: بل هي رجلي يا عم فأسروا الشّنفري، وأدّوه إلى أهلهم، وقالوا له: أنشدنا،/ فقال: إنما النشيد على المسرّة، فذهبت مثلا، ثم ضربوا يده فتعرضت، أي اضطربت فقال الشّنفري في ذلك:
لا تبعدي إما ذهبت شامه ... فربّ واد نفرت حمامه [10]
__________
[1] أشلوا عليه كلبا: أغروه به، من أشلى الدابة: أراها المخلاة لتأتيه، وقوله: ولم يضعوا له شيئا، لعله يريد أنهم لم يضعوا للكلب طعاما مبالغة في الإغراء.
[2] دحيس، وتبالة: مكانان، وخبر أنتما ناقص، فلعله في أبيات تالية.
[3] حتفتي: موتتي، تلاقني: معطوف على تزرني، أمش: جواب الشرط، من مشى المضعف، ودهر، وعذاف ونور: أماكن، يريد أنه إن مد في أجله فسيزور هذه الأماكن ليغزو بني صعب.
[4] الحباط: جمع حبطة، وهي بقية الماء في الحوض. وبسبط، وعصنصر: مكانان.
[5] بلادهم: بدل من بني صعب، أي أطلب بلاد بني صعب ويحتمل أن تكون بلادهم مفعولا ثانيا لأبغى، فهو متعد لاثنين، ومنه قوله تعالى: يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ
والمعنى لا يتغير.
[6] ذات الرأس ومنجل: مكانان، القاصي: البعيد، المتغور: الموغل في الأرض، أو الموغل في الغارة، ويعني بالقاصي المتغور نفسه.
[7] في ف: «فشل» بدل «فشك».
[8] قوله: «لكل أصلت» أي، إنك لا تقول كلمة «أصلت» لصاحبك فقط، بل تقولها لكل منّا، يريد أنك نبهتني إلى الاستعداد.
[9] ضبطه: سيطر عليه ومنعه الحركة.
[10] يريد بالشامة شامة سوداء كانت في يده، كما سيأتي بعد، يخاطب يده، ويحدث عنها قائلا: كم نفرت من حمام الأودية، كناية عن الصيد.
وربّ قرن فصلت عظامه
ثم قال له السّلامي: أأطرفك [1]؟ ثم رماه في عينه فقال الشنفري له: كأنّ كنّا نفعل أي كذلك كنّا نفعل، وكان الشنفري إذا رمى رجلا منهم قال له: أأطرفك؟ ثم يرمي عينه. ثم قالوا له حين أرادوا قتله: أين نقبرك؟ فقال:
لا تقبروني إنّ قبري محرّم ... عليكم ولكن أبشري أمّ عامر [2]
إذا احتملت رأسي وفي الرأس أكثري ... وغودر عند الملتقى ثمّ سائري [3]
هنالك لا أرجو حياة تسرّني ... سمير الليالي مبسلا بالجرائر [4]
تأبط شرا يرثيه:
وقال تأبّط شرّا يرثي الشّنفري:
على الشّنفري سارى الغمام ورائح ... غزير الكلى، وصيّب الماء باكر [5]
/عليك جزاء مثل يومك بالجبا ... وقد أرعفت منك السّيوف البواتر [5]
ويومك يوم العيكتين وعطفة ... عطفت وقد مسّ القلوب الحناجر [6]
تجول ببزّ الموت فيهم كأنهم ... بشوكتك الحدّى ضئين نوافر [7]
فإنك لو لاقيتني بعد ما ترى - ... وهل يلقين من غيّبته المقابر - [8]
لألفيتني في غارة أنتمي بها ... إليك وإمّا راجعا أنا ثائر [9]
وإن تك مأسورا وظلت مخيّما ... وأبليت حتى ما يكيدك واتر [10]
وحتى رماك الشّيب في الرأس عانسا ... وخيرك مبسوط وزادك حاضر [11]
__________
[1] طرف عينه: أدخل فيها ما جعلها تدمع.
[2] البيت من الطويل دخله الخرم، أم عامر: كنية الضبع، يريد ألا يقبروه، بل يتركوه للضبع تأكل لحمه.
(3 - 4) سائري: ما بقي مني، سمير الليالي: طول الليالي، مبسلا بالجرائر: مرهونا بآثامي وجرائمي، يقول: إذا قتلت، فقطع رأسي، وغودر جسمي فما حاجتي إلى قبر أحيا فيه حياة أخرى مثقلا بجرائمي إلى الأبد؟ وقوله: وفي الرأس أكثري، يريد به أن الرأس وحده يرجح باقي جسمه لكبره، أو لما يحتويه من الحواس، وفاعل احتملت ضمير أم عامر، أو القبيلة التي قتلته، وقد ضبط هذا الفعل مبنيا للمجهول في بعض الأصول، ويلزم عليه تأنيث الرأس، مع أنه مذكر.
[4] الكلى: جمع كلوة، وتطلق على أسفل السحاب، يدعو له بأن يسقي قبره ساري الغمام والسحاب الغزير الماء.
[5] الجبا: مكان كانت فيه - على ما يبدو - موقعة للشنفري، أرعفت منك السيوف البواتر: قطرت دما منك السيوف القواطع، يقول:
عليك جزاء من الغيث بمقدار ما أسالته سيوفك من الدم في هذا اليوم.
[6] العيكتين: جبلين، ويومك: معطوف على يومك في البيت قبله، وعطفة: معطوف أيضا، بعدد أيامه التي أبلى فيها، وقوله:
«و قد مس القلوب الحناجر»
، يريد به أن الأصوات في الحرب كانت تمس شغاف القلوب من وقع تأثيرها.
[7] البز - بفتح الباء وكسرها - : السلاح، والحدى: مؤنث الأحد بمعنى المرهف الحد، والضئين: جمع ضائن، وهو ما عدا الماعز من الغنم، يقول: كأن الأعداء ينفرون من سلاحك نفور النعاج والخراف.
(8 - 9) جملة:
«و هل يلقين من غيبته المقابر؟»
اعتراض بين الشرط وجوابه، أنتمي: أنتسب، ثائر: آخذ بالثأر، يقول: إنني بعد موتك إما مقدم على غارة، أو راجع من ثأر، كما كنت تفعل في حياتك.
(10 - 11) هذان البيتان متعلقان بما قبلهما، أي أنا أفعل كذا وكذا وإن كنت أنت أسير قبرك، مخيما فيه، بعد أن أبليت في الحروب، حتى لم يكن ينال منك واتر، وحتى رماك الشيب، وأنت عانس - والعانس: الجمل السمين - وكان خيرك فياضا، وزادك مبذولا للضيفان، وقد يكون المراد بقوله: «عانسا» لم تتزوج، فإن هذا الوصف يطلق على الذكر والأنثى على السواء.
وأجمل موت المرء إذ كان ميتا ... - ولا بد يوما - موته وهو صابر
فلا يبعدن الشّنفري وسلاحه ال ... حديد وشدّ خطوه متواتر [1]
إذا راع روع الموت راع وإن حمى ... حمى معه حرّ كريم مصابر [2]
رواية أخرى في مقتله:
قال: وقال غيره: لا بل كان من أمر الشنفري وسبب أسره ومقتله أنّ الأزد قتلت الحارث بن السّائب الفهميّ، فأبوا أن يبوءوا [3] بقتله، فباء بقتله رجل منهم يقال له حزام بن جابر قبل ذلك، فمات أخو الشنفري، فأنشأت أمه تبكيه، فقال الشنفري، وكان أوّل ما قاله من الشعر:
ليس لوالدة هوءها ... ولا قولها لابنها دعدع [4]
تطيف وتحدث أحواله ... وغيرك أملك بالمصرع [5]
قال: فلما ترعرع الشنفري جعل يغير على الأزد مع فهم: فيقتل من أدرك منهم، ثم قدم منّى وبها حزام بن جابر، فقيل له: هذا قاتل أبيك [6]، فشدّ عليه فقتله، ثم سبق الناس على رجليه فقال:
قتلت حزاما مهديا بملبّد ... ببطن منّى وسط الحجيج المصوّت [7]
قال: ثم إن رجلا من الأزد أتى أسيد بن جابر، وهو أخو حزام المقتول فقال: تركت الشنفري بسوق [8] حباشة، فقال أسيد بن جابر: واللّه لئن كنت صادقا لا نرجع/ حتى نأكل من جنى أليف أبيدة [9]، فقعد له على الطريق هو وابنا حزام، فأحسّوه في جوف الليل وقد نزع نعلا ولبس نعلا ليخفى وطأه، فلما سمع الغلامان وطأه قالا: هذه الضّبع، فقال أسيد: ليست الضّبع، ولكنه الشنفري، ليضع كل واحد منكما نعله على مقتله، حتى إذا رأى سوادهم نكص مليّا لينظر هل يتبعه أحد، ثم رجع حتى دنا منهم، فقال الغلامان: أبصرنا، فقال عمهما: لا واللّه ما أبصركما، ولكنه أطرد؛ لكيما تتبعاه، فليضع كلّ واحد منكما نعله على مقتله. فرماهم الشنفري فخسق [10] في النعل ولم يتحرك المرميّ، ثم رمى فانتظم ساقي أسيد، فلما رأى ذلك أقبل حتى كان بينهم، فوثبوا عليه، فأخذوه
__________
[1] وشد معطوف على سلاحه، والمراد بالشد الحملة على الأعداء، متواتر: يتلو بعضه بعضا.
[2] فاعل «راع» الثانية يعود على الشد أو السلاح، والمعنى إذا أفزع فزع الموت الناس أفزعهم سلاحك أو شدك، وإن حمى هذا أو ذاك حريما حمى معه كريم صابر، يعني الشنفري نفسه.
[3] يقال: باء بقتله: أقربه.
[4] البيت من المتقارب دخله الخرم، والهوء: الهمة والرأي، دعدع: أمر من دعدع بمعنى جرى، أي، ليس للأم أن تفكر في ثأر ابنها، أو أن تأمر أخاه بالسعي في ذلك.
[5] «تطيف وتحدث أحواله»: لعل المراد أنها لا تفتأ تطيف بابنها، وتجدد أحوال إثارته على قتل أخيه، وقوله: «و غيرك أملك بالمصرع» التفات، أي، كفي عن هذا، فغيرك أدرى بمصارع الرجال.
[6] تقدم أن الميت أخوه لا أبوه، وقد يكون المراد بهذا الأب الحارث بن السائب الفهمي، وعلى كل فالعبارة لا تخلو من التواء.
[7] مهديا: مقدما الهدي في الحج، الملبد: مكان التلبيد، وكان من عاداتهم في الحج أن يدهنوا شعورهم بشيء من الصمغ لتتلبد، المصوت: الذي يجهر بالدعاء ونحوه، وفي ف، هد: «المحصب»، والمحصب: الذي يرمي الجمار، وبالفتح: مكان رميها.
[8] سوق حباشة: سوق كانت معروفة عند العرب.
[9] أبيدة: اسم مكان كان قريبا - على ما يبدو - من سوق حباشة، وفي هامش هد: «من صعارير أبيدة». والصعارير: حمل شجرة يكون مثل الأبهل والفلفل وغيره مما فيه صلابة.
[10] خسق في النعل: أصاب السهم النعل، وأخطأ الهدف.
فشدّوه وثاقا، ثم إنهم انطلقوا به إلى قومهم، فطرحوه وسطهم، فتماروا بينهم في قتله، فبعضهم يقول: أخوكم وابنكم، فلما رأى ذلك أحد بني حزام ضربة ضربة فقطع يده من الكوع، وكانت بها شامة سوداء، فقال الشنفري حين قطعت يده:
لا تبعدي إمّا هلكت شامه ... فربّ خرق قطعت قتامه [1]
وربّ قرن فصلت عظامه
وقال تأبط شرّا يرثيه:
لا يبعدنّ الشّنفري وسلاحه ال ... حديد وشدّ خطوه متواتر
إذا راع روع الموت راع وإن حمى ... حمى معه حرّ كريم مصابر [2]
قال: وذرع [3] خطو الشنفري ليلة قتل فوجد أول نزوة نزاها إحدى وعشرين/ خطوة، ثم الثانية سبع عشرة خطوة.
قال: وقال ظالم العامريّ في الشّنفري وغاراته على الأزد وعجزهم عنه، ويحمد أسيد بن جابر في قتله الشنفري:
فما لكم لم تدركوا رجل شنفري ... وأنتم خفاف مثل أجنحة الغرب [4]
تعاديتم حتى إذا ما لحقتم ... تباطأ عنكم طالب وأبو سقب [5]
لعمرك للسّاعي أسيد بن جابر ... أحقّ بها منكم بني عقب الكلب [6]
قال: ولما قتل الشّنفري وطرح رأسه مرّ به رجل منهم فضرب جمجمة الشنفري بقدمه، فعقرت قدمه فمات منها، فتمّت به المائة.
من شعر الشنفري:
وكان مما قاله الشنفري فيهم من الشعر وفي لطمه المرأة التي أنكرته الذي [7] ذكرته واستغنى عن إعادته مما تقدم ذكره من شعر الشنفري، وقال الشنفري في قتله حزاما قاتل أبيه:
أرى أمّ عمرو أجمعت فاستقلّت ... وما ودّعت جيرانها إذ تولّت [8]
فقد سبقتنا أمّ عمرو بأمرها ... وقد كان أعناق المطيّ أظلّت [9]
__________
[1] سبقت هذه الأبيات برواية أخرى.
[2] تقدم هذان البيتان.
[3] ذرع: قيس بالذراع.
[4] الغرب: جمع غراب.
[5] طالب وأبو سقب: رجلان - كما يبدو - كانا يعارضان في قتل الشنفري.
[6] اللام من للساعي لام الابتداء، بني عقب الكلب: منادى.
[7] الذي اسم كان من قوله: «و كان مما قاله الشنفري».
[8] تقدم هذا البيت، وفي هد: «أزمعت» بدل «أجمعت» والمعنى لا يتغير.
[9] أظلت: إظلال أعناق المطي كناية عن الرحيل.
فواند ما على أميمة بعد ما ... طمعت فهبها نعمة العيش ولّت [1]
أميمة لا يخزي نشاها حليلها ... إذا ذكر النسوان عفّت وجلّت [2]
/يحلّ بمنجاة من الّلوم بيتها ... إذا ما بيوت بالملامة حلّت
فقد أعجبتني، لا سقوط قناعها ... إذا ما مشت ولا بذات تلفّت [3]
كأنّ لها في الأرض نسيا تقصّه ... إذا ما مشت وإن تحدّثك تبلت [4]
- النّسي: الذي يسقط من الإنسان وهو لا يدري أين هو؛ يصفها بالحياء، وأنها لا تلتفت يمينا ولا شمالا ولا تبرج. ويروى:
تقصه على أمها وإن تكلّمك
فدقّت وجلّت واسبكرّت وأكملت ... فلو جنّ إنسان من الحسن جنّت [5]
تبيت بعيد النوم تهدي غبوبها ... لجاراتها إذا الهديّة قلّت
- الغبوب: ما غبّ عندها من الطعام أي بات ويروى: غبوقها -
فبتنا كأنّ البيت حجّر حولنا ... بريحانة راحت عشاء وطلّت [6]
بريحانة من بطن حلية أمرعت ... لها أرج من حولها غير مسنت [7]
غدوت من الوادي الذي بين مشعل ... وبين الجبا هيهات أنسأت سربتي [8]
أمشّي على الأرض التي لن تضيرني ... لأكسب مالا أو ألاقي حمّتي [9]
إذا ما أتتني حتفتي لم أبالها ... ولم تذر خالاتي الدموع وعمّتي
/ وهنّىء بي قوم وما إن هنأتهم ... وأصبحت في قوم وليسوا بمنبتي [10]
وأمّ عيال قد شهدت تقوتهم ... إذا أطعمتهم أو تحت وأقلّت [11]
تخاف علينا الجوع إن هي أكثرت ... ونحن جياع، أيّ ألي تألّت [12]
__________
[1] تقدم هذا البيت برواية أخرى، وهما متقاربتا المعنى.
[2] النثا: الحديث، يريد أن حديثها عن زوجها دائما ذكر بالخير، وفي س «ثناها» بدل «ثناها».
[3] تقدم ذكر هذا البيت في الترجمة نفسها.
[4] أي تبلت الكلام وتقطعه بما يعتريها من البهر، وانظر «اللسان» (بلت).
[5] اسبكرت الجارية: اعتدلت واستقامت.
[6] حجر البيت ونحوه: وضع حوله حجارة وسوره. طلت: أصابها الطل، فهي مخضلة.
[7] حلية: مكان، أمرعت: خصبت، أرج: عبير، غير مسنت: غير مجدب.
[8] مشعل والجبا: مكانان، أنشأت سربتي: أبعدت سربتي أي ما أبعد الموضع الذي منه ابتدأت مسيري وانظر «اللسان» (سرب).
[9] الحمة: المنية.
[10] وفي ف: «و ليسوا قبيلتي» والمعنى لا يتغير.
[11] الواو من «و أم عيال» واو رب، أو تحت: «قللت طعامهم، يصفها بالتدبير.
[12] الألتة: المجاعة، فلعله يعني أية مجاعة أجاعتنا: أجاعتنا مجاعة عظيمة.
عفاهية لا يقصر السّتر دونها ... ولا ترتجى للبيت إن لم تبيّت [1]
لها وفضة فيها ثلاثون سلجما ... إذا ما رأت أولى العديّ اقشعرّت [2]
وتأتي العديّ بارزا نصف ساقها ... كعدو حمار العانة المتفلّت [3]
إذا فزّعت طارت بأبيض صارم ... وراحت بما في جفرها ثم سلّت [4]
حسام كلون الملح صاف حديده ... جراز من أقطار الحديد المنعّت [5]
تراها كأذناب المطيّ صوادرا ... وقد نهلت من الدّماء وعلّت [6]
/سنجزي سلامان بن مفرج قرضهم ... بما قدّمت أيديهم وأزلّت [7]
شفيّنا بعبد اللّه بعض غليلنا ... وعوف لدى المعدى أوان استهلّت [8]
قتلنا حزاما مهديا بملبّد ... محلّهما بين الحجيج المصوّت [9]
فإن تقبلوا تقبل بمن نيل منهم ... وإن تدبروا فأمّ من نيل قتّت [10]
ألا لا تزرني إن تشكيت خلّتي ... كفاني بأعلى ذى الحميرة عدوتي [11]
وإني لحلو إن أريدت حلاوتي ... ومرّ إذا النفس الصّدوف استمرّت [12]
أبيّ لما آبى وشيك مفيئتي ... إلى كلّ نفس تنتحي بمودّتي [13]
__________
[1] عفاهية: ضخمة. لا يقصر الستر دونها: كناية عن أنها مقصورة بمعنى محجبة، البيت من معانيه: فرش البيت، والمراد أنها مخدومة لا تقوم بإعداد فرش البيت، بل يقوم به خدمها.
[2] الوفضة: الجعبة توضع فيها السهام ونحوها، السلجم: النصل، اقشعرت: اضطربت وارتعدت، والمراد بأولى العدي أولى سرايا العادين عليها، أو أولى خطواتهم أو نحو ذلك، يصفها بأنها مستعدة متنبهة لمن يسطو عليها
[3] العدي: جماعة العادين، والمراد بالحمار الحمار الوحشي، والعانة: القطيع منه، يويد أنها تسرع إلى «العدو» شبه منكشفة كالحمار الوحشي الذي أفلت من القطيع، وفي ف: «العدو» بدل «العدى».
[4] الجفر: تخفيف جفر - بضم الفاء - : جمع جفير بمعنى جعبة السهام والبيت كله كناية عن خوضها المعركة وفي س:
«و راقت بما في جوفها»
وهو تحريف، والمثبت عن هد، هج.
[5] الجراز: القاطع، أقطار: جمع قطر - بكسر القاف - وهو ذوب الحديد، المنعت: الموصوف، يصف السيف بأنه من ذوب الحديد الصلب، وفي ف «حزاز» بدل «جراز».
[6] لعله يعني أن شعرها بعد المعركة تخضب بالدم، فأشبه أذناب المطي حين تصدر عن الحروب، وقد نهلت وعلت من الدماء، أي شربت مرة بعد أخرى منهما.
[7] سلامان بن مفرج: قبيلة تقدم ذكرها، أزلت: من الزلل وهو الخطأ يهدد هذه القبيلة بقوله: سنرد إليهم دينهم، أي العدوان الذي اعتدوه علينا، وخفف «مفرج» للضرورة.
[8] عبد اللّه وعوف: قبيلتان، المعدي: مكان، استهلت: برزت للقتال.
[9] تقدم هذا البيت في الترجمة نفسها.
[10] بمن نيل منهم: بدماء من نيل منهم، وأم من نيل، يعني أم رأسهم، يقول: إن تحاربوا نحاربكم ونحن حاملون دماء من قتلناه منكم، وإن نكصتم فقد فتتنا رؤوس من أصبنا منكم بلا قود.
[11] الخلة: الحاجة والفقر، ذو الحميرة: مكان، العدوة - بضم العين وكسرها: المكان المرتفع، يقول لصاحبه: لا تزرني إذا احتجت، فإني عند الحاجة أكتفي بالاعتكاف في عدوتي، وكني بالزيارة عن المساعدة.
[12] الصدوف: من صدف بمعنى مال وانصرف، يعني أنه نافع لمن يبغي نفعه، ضار لمن ينحرف عنه.
[13] مفيئتي: من فاء يفيء بمعنى رجع.
وقال الشّنفري أيضا:
ومرقبة عنقاء يقصر دونها ... أخو الضّروة الرّجل الخفيّ المخفّف [1]
نميت إلى أعلى ذراها وقد دنا ... من الليل ملتفّ الحديقة أسدف [2]
/فبتّ على حدّ الذّراعين أحدبا ... كما يتطوّى الأرقم المتعطّف [3]
قليل جهازي غير نعلين أسحقت ... صدورهما مخصورة لا تخصّف [4]
وملحفة درس وجرد ملاءة ... إذا أنهجت من جانب لا تكفّف [5]
وأبيض من ماء الحديد مهنّد ... مجذّ لأطراف السّواعد مقطف [6]
وصفراء من نبع أبيّ ظهيرة ... ترنّ كإرنان الشّجيّ وتهتف [7]
إذا طال فيها النزع تأتي بعجسها ... وترمي بذرويها بهنّ فتقذف [8]
كأنّ حفيف النّبل من فوق عجسها ... عوازب نحل أخطأ الغار مطنف [9]
نأت أمّ قيس المربعين كليهما ... وتحذر أن ينأى بها المتصيّف [10]
/و إنك لو تدرين أن ربّ مشرب ... مخوف كداء البطن أو هو أخوف [11]
وردت بمأثور ونبل وضالة ... تخيّرتها مما أريش وأرصف [12]
__________
(1 - 2) مرقبة: مرتفع من الهضاب ونحوها، عنقاء: طويلة العنق، الضرورة: من ضرا يضرو بمعنى استخفى، الرجل: الساعي على رحليه، الحديقة: الشجر الكثيف، يقول: رب هضبة مرتفعة محدودبة لا يستطيع أن يتسلقها برجليه الخفيف الحركة الذي يريد الاختفاء عن العيون - رب هضبة شأنها هذا تسلقت أنا أعلى ذراها، وقد أقبل الليل بظلمته كأنه أشجار ملتفة كثيفة لا تنفذ أشعة الشمس من خلالها، وقد يكون مراده بأخي الضروة ... إلخ الكلب ونحوه.
[3] يتطوى: ينطوى، الأرقم: الثعبان، المتعطف: الملتف بعضه حول بعض، يقول: فبت على حد ذراعي هذه الهضبة محدودب الظهر منطويا بعضي على بعض انطواء الثعبان.
[4] أسحقت: بليت، مخصورة: دقيقة الوسط، لا تخصف: لا تقبل الخرز، يقول: إنه خفيف الحمل عند السفر لا يلبس إلا نعلين باليتين، لا تقبلان الإصلاح.
[5] درس: دراسة بالية، الجرد: البالي. أنهجت: بليت، البيت متعلق بما قبله، يقول: لا ألبس سوى ملحفة بالية، فوقها ملاءة بالية أيضا، تستعصي على الإصلاح حين تتفتق، وفي س:
«و صبية جرد وأخلاق ريطة»
، والمثبت من هد، والمعنى لا يتغير.
[6] وأبيض من ماء الحديد، يعني سيفه، ورفعه على تقدير «و معي أبيض» مجذ: قطاع، مقطف: قطاع أيضا، يصف سيفه بأنه قطاع للأطراف.
[7] صفراء: قوس صفراء، النبع: شجر صلب تتخذ منه القسي، ظهيرة: معينة، ترن: تصوت عند إطلاقها صوتا كأنين العاشق المهجور.
[8] العجس - بتثليث العين - مقبض القوس، ذروا القوس: طرفاها، والضمير من بهن يعود على السهام المفهومة من المقام.
[9] عوازب نحل: ذواهب نحل، مطنف: من الطنف، وهو رأس الجبل، يشبه حفيف النبل بسرب النحل، وفي مطنف إقواء إن جعلناها صفة لنحل، وقد تكون خبرا ثانيا لكأن، فيسلم البيت من الإقواء.
[10] يعني بالمربعين الشتاء والربيع من باب التغليب، المتصيف: اسم زمان من تصيف، ومنع قيس الصرف للضرورة.
(11 - 12) جواب لو محذوف تقديره «لرأيت شيئا عجبا» ونحو ذلك، المأثور: السيف المؤثر، الضالة: السلاح عامة، أو السهام خاصة، راش السهم: وضع عليه ريشا، رصف السهم: شد على مدخل سنخ نصله العقبة، يقول لأم قيس: آه لو تعرفين كم مشرب مخوف الورد وردته أنا ومعي سيفي وقوسي ... إلخ.
أركّبها في كل أحمر عاتر ... وأقذف منهن الذي هو مقرف [1]
وتابعت فيه البري حتى تركته ... يزفّ إذا أنفذته ويزفزف [2]
بكفّي منها للبغيض عراضة ... إذا بعت خلّا ما له متخوّف [3]
وواد بعيد العمق ضنك جماعه ... بواطنه للجن والأسد مألف [4]
تعسّفت منه بعد ما سقط الندى ... غماليل يخشى غيلها المتعسّف [5]
وإني إذا خام الجبان عن الرّدى ... فلي حيث يخشى أن يجاوز مخسف [6]
وإن امرأ أجار سعد بن مالك ... عليّ وأثواب الأقيصر يعنف [7]
/و قال الشنفري أيضا:
ومستبسل ضافى القميص ضغتّه ... بأزرق لا نكس ولا متعوّج [8]
عليه نساريّ على خوط نبعة ... وفوق كعرقوب القطاة محدرج [9]
وقاربت من كفّيّ ثم فرجتها ... بنزع إذا ما استكره النزع مخلج [10]
فصاحت بكفي صيحة ثم رجّعت ... أنين الأميم ذي الجراح المشجّج [11]
وقد روى: فناحت بكفي نوحة.
رواية ثالثة في مقتله:
وقال غيره: لا بل كان من أمر الشنفري أنه سبت بنو سلامان بن مفرّج بن مالك بن هوازن [12] بن كعب بن عبد اللّه بن مالك بن نصر بن الأزد الشنفري [13] - وهو أحد بني ربيعة بن الحجر بن عمران بن عمرو بن حارثة بن
__________
[1] العاتر: الشديد، المقرف: غير الحسن، يريد أنه لا يستعمل في قوسه إلا السهام الصلبة، ولو قال:
«أركب فيها كل أحمر عاتر»
لكان أوضح.
[2] يزف: يفعل فعل الطائر إذا رمى بنفسه، وبسط جناحيه، والزفزفة: شدة الجري، أو تحريك الريح للحشيش وصوتها فيه.
[3] العراضة: الهدية، والمراد هنا التهكم، والمراد بقوله:
«ما له متخوف»
تفاهة الخل وحقارة شأنه.
(4 - 5) جماع الشي ء: مجتمع أصله، تعسف: مشى على غير هدى، الغماليل: الدوابي، الغيل: الأشجار الكثيفة. يقول: رب واد ضيق الأصل تألفه الآساد والجن صعدت عند سقوط الندى روابيه التي لا يجرؤ على صعودها إنسان.
[6] خام: جبن وضعف، مخسف: من خسف الطريق بمعنى ذلله وقطعه.
[7] سعد بن مالك - على ما يبدو - من أعداء الشاعر، الواو من وأثواب للقسم، الأقيصر: صنم مقدس عندهم، وفي هد، وهج، ف:
«و أبواب» بدل «و أثواب».
[8] الواو واو رب، ضافى القميص: كناية عن طوله، ضغت الشي ء: لاكه بالأنياب والنّواجذ، ويريد بالأزرق ... إلخ السهم، يقول:
رب شجاع باسل فارع الجسم أصميته بسهم نافذ جرىء معتدل.
[9] ضمير عليه يعود على «أزرق» في البيت السابق، نساري: ريش نسر الخوط، النبعة: شجرة صلبة تتخذ منها السهام، الفوق من السهم: حيث يثبت الوتر منه، والمحدرج: الأملس.
[10] مخلج: من أخلج الشيء بمعنى انتزعه.
[11] الأميم: المضروب على أم رأسه، المشجج: من شج رأسه.
الأبيات الثلاثة في وصف السهم وكيف يرميه، وكيف يئن عند الرمي أنين من ضرب على أم رأسه.
[12] في ف، هج، هد: «زهران» بدل «هوازن».
[13] مفعول سبت في السطر السابق.
ثعلبة بن امرىء القيس بن مازن بن الأزد - وهو غلام، فجعله الذي سباه في بهمة يرعاها مع ابنة له، فلما خلا بها الشنفري أهوى ليقبّلها، فصكّت وجهه، ثم سعت إلى أبيها فأخبرته، فخرج إليه ليقتله، فوجده وهو يقول:
/ألا هل أتى فيتان قومي جماعة ... بما لطمت كفّ الفتاة هجينها؟ [1]
ولو علمت تلك الفتاة مناسبي ... ونسبتها ظلّت تقاصر دونها
أليس أبي خير الأواس وغيرها ... وأميّ ابنة الخيرين لو تعلمينها [2]
إذا ما أروم الودّ بيني وبينها ... يؤمّ بياض الوجه منّي يمينها [3]
قال: فلما سمع قوله سأله: ممّن هو، فقال: أنا الشنفري، أخو بني الحارث بن ربيعة، وكان من أقبح الناس وجها، فقال له: لو لا أني أخاف أن يقتلني بنو سلامان لأنكحتك ابنتي. فقال: عليّ إن قتلوك أن أقتل بك مائة رجل منهم، فأنكحه ابنته، وخلّى سبيله، فسار بها إلى قومه، فشدت بنو سلامان خلافه [4] على الرجل فقتلوه، فلما بلغه ذلك سكت ولم يظهر جزعا عليه، وطفق يصنع النبل، ويجعل أفواقها من القرون والعظام، ثم إن امرأته بنت السلامانيّ قالت له ذات يوم: لقد خست [5] بميثاق أبي عليك، فقال:
كأن قد - فلا يغررك مني تمكّثي - ... سلكت طريقا بين يربغ فالسّرد [6]
وإنّي زعيم أن تثور عجاجتي ... على ذي كساء من سلامان أو برد
هم عرفوني ناشئا ذا مخيلة ... أمشّي خلال الدار كالفرس الورد [7]
كأني إذا لم يمس في الحي مالك ... بتيهاء لا أهدى السّبيل ولا أهدي [8]
/قال: ثم غزاهم فجعل يقتلهم، ويعرفون نبله بأفواقها في قتلاهم، حتى قتل منهم تسعة وتسعين رجلا، ثم غزاهم غزوة، فنذروا به، فخرج هاربا، وخرجوا في إثره، فمر بامرأة منهم يلتمس الماء فعرفته، فأطعمته أقطا ليزيد عطشا، ثم استسقى فسقته رائبا، ثم غيّبت عنه الماء، ثم خرج من عندها، وجاءها القوم فأخبرتهم خبره، ووصفت صفته وصفة نبله، فعرفوه، فرصدوه على ركيّ لهم، وهو ركيّ ليس لهم ماء غيره، فلما جنّ عليه الليل أقبل إلى الماء، فلما دنا منه قال: إني أراكم، وليس يرى أحدا إنما يريد بذلك أن يخرج رصدا إن كان ثمّ، فأصاخ القوم وسكتوا. ورأى سوادا، وقد كانوا أجمعوا قبل إن قتل منهم قتيل أن يمسكه الذي إلى جنبه لئلا تكون حركة، قال:
فرمى لمّا أبصر السواد، فأصاب رجلا فقلته، فلم يتحرك أحد، فلما رأى ذلك أمن في نفسه وأقبل إلى الرّكيّ،
__________
[1] تقدم هذا البيت وما بعده في الترجمة نفسها برواية تختلف قليلا عن هذه والمعنى لا يتغير.
[2] الخيرين: جمع خير بعد تخفيف الياء.
[3] يريد أنه حين يريد تقبيلها لا يضع وجهه إلا على يدها التي تتلقى بها القبلة، ثم تصفعه بها، وقد ضبطت بعض الأصول يمينها بالرفع على أنه إقواء.
[4] خلافه: بعده، أي بعد رحيل الشنفري.
[5] خست بالميثاق: لم تف به.
[6] جملة
«فلا يغررك مني تمكثي»
معترضة أي، كأنني قد سلكت ... إلخ، ويربغ والسرد: مكانان يمر بهما عندما يؤم بني سلامان.
[7] مخيلة: خيلاء، الفرس الورد: الأحمر.
[8] لعل مالكا هذا صهره الذي يثأر له، التيهاء: الصحراء يضل فيها السالك ويروى: «بتيماء».
فوضع سلاحه، ثم انحدر فيه، فلم يرعه [1] إلا بهم على رأسه قد أخذوا سلاحه فنزا ليخرج. فضرب بعضهم شماله فسقطت، فأخذها فرمى بها كبد الرجل، فخر عنده في القليب [2]، فوطىء على رقبته فدقها. وقال في قطع شماله:
لا تبعدي إمّا ذهبت شامه ... فربّ واد نفرت حمامه [3]
وربّ قرن فصلت عظامه ... وربّ حيّ فرّقت سوامه
قال: ثم خرج إليهم، فقتلوه وصلبوه، فلبث علما أو عامين مصلوبا وعليه من نذره رجل، قال: فجاء رجل منهم كان غائبا، فمر به وقد سقط فركض رأسه برجله، فدخل فيها عظم من رأسه فعّلت عليه فمات منها، فكان ذلك الرجل هو تمام المائة [4].
صوت
ألا طرقت في الدّجى زينب ... وأحبب بزينب إذ تطرق
عجبت لزينب أنّى سرت ... وزينب من ظلّها تفرق [5]
عروضه من المتقارب، الشعر لابن رهيمة، والغناء لخليل المعلم رمل بالبنصر، عن الهشامي وأبي أيوب المدنيّ.
__________
[1] المراد: فلم يرعه إلا بصره بهم.
[2] القليب: البئر.
[3] تقدمت هذه الأبيات.
[4] لا شك أن حكاية المائة من - وكيف تمت - بادية الافتعال.
[5] تفرق: تخاف، يعجب كيف زارته ليلا، ولم تعبأ بظلام الليل، أو تخف أهلها، مع أنها تخاف خيالها.
13 - أخبار الخليل ونسبه [1]
نسبه:
هو الخليل بن عمرو، مكيّ، مولى بني عامر بن لؤيّ، مقلّ لا تعرف له صنعة غير هذا الصوت.
يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل اللّه:
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال: حدثنا عبد اللّه بن أبي سعد قال: حدثني القطرانيّ المغني، عن محمد بن حسين [2]، قال:
كان خليل المعلم يلقب خليلان، وكان يؤدب الصّبيان ويلقنهم القرآن والخط، ويعلّم الجواري الغناء في موضع واحد، فحدثني من حضره قال: كنت يوما عنده وهو يردّد على صبي يقرأ بين يديه وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ
[3] ثم يلتفت إلى صبية بين يديه فيردّد عليها:
اعتاد هذا القلب بلباله ... أن قرّبت للبين أجماله [4]
فضحكت ضحكا مفرطا لما فعله، فالتفت إليّ فقال: ويلك مالك؟ فقلت: أتنكر ضحكي مما تفعل؟ واللّه ما سبقك إلى هذا أحد! ثم قلت: انظر أيّ شيء أخذت على الصبيّ من القرآن، وأيّ شيء هو ذا تلقي على الصبية، واللّه إني لأظنك ممّن يشتري لهو الحديث ليضلّ عن سبيل اللّه، فقال: أرجو ألا أكون كذلك إن شاء اللّه.
يسيء الآزدي فهم غنائه:
أخبرني عليّ بن سليمان الأخفش قال: حدثنا محمد بن يزيد المبرّد قال: حدثني عبد الصمد بن المعذّل قال:
كان خليلان المعلم أحسن الناس غناء، وأفتاهم وأفصحهم، فدخل يوما على عقبة/ بن سلم الأزديّ الهنائيّ فاحتبسه عنده، فأكل معه ثم شرب، وحانت منه التفاتة، فرأى عودا معلّقا، فعلم أنه عرّض له به، فدعا به وأخذه فغناهم:
بابنة الأزديّ قلبي كئيب ... مستهام عندها ما ينيب [5]
وحانت منه التفاتة فرأى وجه عقبة بن سلم متغيرا [6]، وقد ظن أنه عرّض به، ففطن لما أراد فغنّى:
ألا هزئت بنا قرش ... يّة يهتزّ موكبها [7]
__________
[1] هذه الترجمة مما سقط من التراجم من طبعة بولاق، وموضعها هنا حسب المخطوطات المعتمدة.
[2] في هد، هج «حبر» بدل «حسين».
[3] سورة لقمان، آية: 6.
[4] البيت من السريع.
[5] ما ينيب: ما يرجع.
[6] يبدو أن تغير وجه عقبة سببه أنه ظن خليلان يشبب بابنته.
[7] في ف: «منكبها» بدل «موكبها».
فسرّي عن عقبة وشرب، فلما فرغ وضع العود من حجره، وحلف بالطلاق ثلاثا أنه لا يغني بعد يومه ذلك إلا لمن يجوز حكمه عليه.
نسبة هذين الصوتين
يا بنة الأزديّ قلبي كئيب ... مستهام عندها ما ينيب
ولقد لاموا فقلت: دعوني ... إنّ من تنهون عنه حبيب
إنما أبلى عظامي وجسمي ... حبّها والحبّ شيء عجيب
أيها العائب عندي هواها ... أنت تفدي من أراك تعيب [1]
عروضه من المديد [2]، والشعر لعبد الرحمن بن أبي بكر الصديق - رضي اللّه عنه - والغناء لمعبد تقيل أول بالسبابة في مجرى البنصر عن إسحاق، وفيه لمالك خفيف ثقيل أول بالخنصر في مجرى البنصر عنه، وفيه خفيف رمل بالسبابة في مجرى الوسطى/ لم ينسبه إسحاق إلى أحد، ووجدته في روايات لا أثق بها منسوبا إلى حنين، وقد ذكر يونس أن فيه لحنين ولمالك كلاهما، ولعل هذا أحدهما، وذكر حبش أن خفيف الرمل لابن سريج، وذكر الهشاميّ وعليّ بن يحيى أن لحن مالك الآخر ثاني ثقيل، وذكر الهشامي أن فيه لطويس هزجا مطلقا في مجرى البنصر، وذكر عمرو بن بانة أنّ لمالك فيه ثقيلا أول وخفيفه، ولمعبد خفيف ثقيل آخر:
صوت
ألا هزئت بنا قرشيّة ... م يهتزّ موكبها
رأت بي شيبة في الرأ ... س منّي ما أغيّبها
فقالت لي: ابن قيس ذا؟ ... وبعض الشيب يعجبها
لها بعل خبيث النّفس ... يحصرها ويحجبها
يراني هكذا أمشي ... فيوعدها ويضربها
عروضه من الوافر [3]، الشعر لابن قيس الرقيات، والغناء لمعبد خفيف ثقيل بالخنصر في مجرى الوسطى، وفيه ليونس ثقيل أول عن إسحاق بن إبراهيم والهشاميّ.
صوت
هل ما علمت وما استودعت مكتوم ... أم حبلها إذ نأتك اليوم مصروم
أم هل كئيب بكى لم يقض عبرته ... إثر الأحبّة يوم البين مشكوم [4]
__________
[1] يريد: «جعلت فداها» فجملة «أنت تفدي من أراك تعيب» دعائية.
[2] في ف، هد: عروضه من الرمل، وهو خطأ، والصواب ما أثبتناه.
[3] صوابه مجزوء الوافر.
[4] مشكوم: من شكم الفرس بمعنى وضع الشكيمة في فمه، كناية عن أنه لا يستطيع اللحاق بالأحبة.
يحملن أترجّة، نضخ العبير بها ... كأنّ تطيابها في الأنف مشموم [1]
كأنّ فأرة مسك في مفارقها ... للباسط المتعاطي وهو مزكوم [2]
كأنّ إبريقهم ظبي على شرف ... مفدّم بسبا الكتّان ملثوم [3]
قد أشهد الشّرب فيهم مزهر صدح ... والقوم تصرعهم صهباء خرطوم [4]
الشعر لعلقمة بن عبدة، والغناء لابن سريج، وله فيه لحنان أحدهما في الأول والثاني خفيف ثقيل أول بالخنصر في مجرى البنصر عن إسحاق، والآخر رمل بالخنصر في مجرى البنصر في الخامس والسادس من الأبيات، وذكر عمرو بن بانة أن في الأربعة الأبيات الأول المتوالية لمالك خفيف ثقيل بالوسطى، وفيها ثقيل أول نسبه الهشاميّ إلى الغريض، وذكر حبش أن لحن الغريض ثاني ثقيل بالبنصر، وذكر حبش أن في الخامس والسادس خفيف رمل بالبنصر لابن سريج.
__________
[1] الأترجة: يكنى بها عن محبوبته، نضخ: بلل: يريد أن رحالها تنفح ريحا طيبة.
[2] فأرة المسك: وعاؤه، للباسط المتعاطي: لمن يبسط يده بطلب العطاء، ولعلها للناشق.
[3] يعني إبريق الخمر، يشبهه بالظبي الواقف على مكان مرتفع، مفدم: مسدود بالفدام، وهو الخرق ونحوها، وسبا الكتان: خرقه، ملثوم: لابس اللثام: وذلك كله كناية عن أن خمرهم مهيأة للشراب، ويبدو أن بين هذا البيت وما قبله أبيات لم تذكر.
[4] الشرب: جماعة الشاربين، المزهر: آلة من آلات الغناء، صدح: صيغة مبالغة من صدح الصهباء: الخمر، الخرطوم: السريعة الإسكار.
14 - أخبار علقمة ونسبه [1]
هو علقمة بن عبدة بن النّعمان بن ناشرة بن قيس بن عبيد بن ربيعة بن مالك بن زيد مناة بن تميم بن مرّ بن أدّ بن طابخة بن إلياس بن مضر بن نزار.
واش يلقى جزاءه:
وكان زيد مناة بن تميم وفد هو وبكر بن وائل - وكانا لدة عصر واحد - على بعض الملوك، وكان زيد مناة حسودا شرها طعّانا [2]، وكان بكر بن وائل خبيثا منكرا داهيا فخاف زيد مناة أن يحظى [3] من الملك بفائدة، ويقلّ معها حظّه، فقال له: يا بكر لا تلق الملك بثياب سفرك، ولكن تأهّب للقائه وادخل عليه في أحسن زينة، ففعل بكر ذلك، وسبقه زيد مناة إلى الملك، فسأله عن بكر، فقال: ذلك مشغول بمغازلة النساء والتصدّي لهن، وقد حدّث نفسه بالتعرض لبنت الملك، فغاظه ذلك، وأمسك عنه، ونمى الخبر إلى بكر بن وائل، فدخل إلى الملك فأخبره بما دار بينه وبين زيد مناة، وصدقه عن، واعتذر إليه مما قاله فيه عذرا قبله، فلما كان من غد اجتمعا عند الملك، فقال الملك لزيد مناة: ما تحب أن أفعل بك، فقال: لا تفعل ببكر شيئا إلا فعلت بي مثليه، وكان بكر أعور العين اليمنى، قد أصابها ماء فذهب بها، فكان لا يعلم من رآه أنه أعور، فأقبل الملك على بكر بن وائل فقال له: ما تحب أن أفعل بك يا بكر، قال: تفقأ عيني اليمنى، وتضعف لزيد مناة، فأمر بعينه العوراء ففقئت، وأمر بعيني زيد مناة ففقئتا، فخرج بكر وهو أعور بحاله، وخرج زيد مناة وهو أعمى.
سبب تسميته بعلقمة الفحل:
وأخبرني بذلك محمد بن الحسن بن دريد، عن أبي حاتم، عن أبي عبيدة.
ويقال لعلقمة بن عبدة علقمة الفحل، سمّي بذلك لأنه خلف على امرأة امرى ء/ القيس لما حكمت له على امرىء القيس بأنه أشعر منه في صفة فرسة، فطلّقها، فخالفه عليها، وما زالت العرب تسمية بذلك، وقال الفرزدق:
والفحل علقمة الذي كانت له ... حلل الملوك كلامه يتنحّل [4]
قصيدتاه سمطا الدهر:
أخبرني عمّي قال: حدّثني النّضر بن عمرو قال: حدثني أبو السّوّار، عن أبي عبيد اللّه مولى إسحاق بن عيسى، عن حمّاد الرواية قال:
كانت العرب تعرض أشعارها على قريش، فما قبلوه منها كان مقبولا، وما ردوه منها كان مردودا، فقدم
__________
[1] هذه الترجمة مما سقط من التراجم من طبعة بولاق، وموضعها هنا حسب المخطوطات المعتمدة.
[2] في ف، هج، هد: «طعاما» بدل «طعانا».
[3] فاعل يحظى ضمير بكر.
[4] يتنحل: يدعيه الشعراء لأنفسهم من بلاغته.
عليهم علقمة بن عبدة، فأنشدهم قصيدته التي يقول فيها:
هل ما علمت وما استودعت مكتوم ... أم حبلها أن نأتك اليوم مصروم
فقالوا: هذه سمط [1] الدهر، ثم عاد إليهم العام المقبل فأنشدهم:
طحابك قلب في الحسان طروب ... بعيد الشّباب عصر حان مشيب
فقالوا: هاتان سمطا الدهر.
يسرقون شعره:
أخبرني الحسن بن عليّ قال: حدثني هارون بن محمد بن عبد الملك، عن حماد بن إسحاق قال: سمعت أبي يقول:
سرق ذو الرّمة قوله:
يطفو إذا ما تلقّته الجراثيم [2]
من قول العجّاج:
إذا تلقّته العقاقيل طفا [3]
/و سرقه العجّاج من علقمة بن عبده في قوله:
يطفو إذا ما تلقته العقاقيل
أيهما أوصف للفرس هو أم امرىء القيس:
أخبرني عمّي قال: حدثنا الكرانيّ قال: حدثنا العمريّ عن لقيط، وأخبرني أحمد بن عبد العزيز قال: حدثنا عمر بن شبّة قال: حدثني أبو عبيدة قال:
كانت تحت امرىء القيس امرأة من طيء تزوجها حين جاور فيهم، فنزل به علقمة الفحل بن عبدة التّميميّ، فقال كل واحد منهما لصاحبه: أنا أشعر منك، فتحاكما إليها، فأنشد امرؤ القيس قوله:
خليليّ مرّا بي على أمّ جندب
حتى مرّ بقوله:
فللسّوط ألهوب وللسّاق درّة ... وللزّجر منه وقع أخرج مهذب [4]
- ويروى: «أهوج منعب [5] -
__________
[1] السمط: القلادة.
[2] الجراثيم: جمع جرثومة، وهي التراب المتجمع في أصول الشجر تسفيه الريح، ويبدو أن هذا شطر بيت في وصف غزال أو فرس، يريد أنه يشتد عدوه عندما تسفي الريح عليه التراب.
[3] العقاقيل: جمع عقال، وهو داء يصيب رجل الدابة، يريد أن الداء لا يعطل عدوه، بل يسرع به.
[4] الألهوب: اجتهاد الفرس في عدوه حتى يثير الغبار، الدرة: حث الفرس على العدو، الأخرج من الخيل: ما خالط بياضه سواد، مهذب: مسرع. يريد أن يستحث جواده تارة بسوط، وأخرى بساقة، ومرة ثالثة بالزّجر. وفي «المختار»:
«و للسوط منه وقع ... »
بدل
«و للزجر ... »
[5] المنعب كمنبر: الجواد يمد عنقه عند عدوه كالغراب.
فأنشدها علقمة قوله:
ذهبت من الهجران في غير مذهب
حتى انتهى إلى قوله:
فأدركه حتى ثنى من عنانه ... يمرّ كغيث رائح متحلّب [1]
فقالت له: علقمة أشعر منك، قال: وكيف؟ قالت: لأنك زجرت فرسك،/ وحرّكته بساقك، وضربته بسوطك. وأنه جاء هذا الصيد، ثم أدركه ثانيا من عنانه، فغضب امرؤ القيس وقال: ليس كما قلت، ولكنك هويته، فطلّقها، فتزوجها علقمة بعد ذلك، وبهذا لقّب علقمة الفحل.
ربيعة بن حذار يحكم له:
أخبرني عمي قال: حدثنا الكرانيّ قال: حدثنا العمري، عن لقيط قال:
تحاكم علقمة بن عبدة التميمي. والزبرقان بن بدر السعدي، والمخبّل، وعمرو بن الأهتم، إلى ربيعة بن حذار الأسدي، فقال: أما أنت يا زبرقان فإن شعرك كلحم لا أنضج فيؤكل، ولا ترك نيّئا فينتفع به، وأما أنت يا عمرو فإن شعرك كبرد حبرة يتلألأ في البصر، فكلما أعدّته [2] فيه نقص، وأما أنت يا عمرو فإن شعرك كبرد حبرة يتلألأ في البصر، فكلما أعدّته [2] فيه نقص، وأما أنت يا مخبّل فإنك قصّرت عن الجاهلية ولم تدرك الإسلام، وأما أنت يا علقمة فإن شعرك كمزادة [3] قد أحكم خرزها فليس يقطر منها شيء.
بيت من أبياته يضرب المتمثل به عشرين سوطا:
أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال: حدثني عمي، عن العباس بن هشام، عن أبيه قال:
مرّ رجل من مزينة على باب رجل من الأنصار، وكان يتّهم بامرأته، فلما حاذى بابه تنفّس ثم تمثّل:
هل ما علمت وما استودعت مكتوم ... أم حبلها إذ نأتك اليوم مصروم؟
قال: فتعلّق به الرجل: فرفعه إلى عمر رضوان اللّه عليه، فاستعداه عليه، فقال له المتمثّل: وما عليّ في أن أنشدت بيت شعر، فقال له عمر رضي اللّه عنه: مالك لم تنشده قبل أن تبلغ بابه؟ ولكنّك عرّضت به مع ما تعلم من القالة فيه، ثم أمر به فضرب عشرين سوطا.
صوت
فو اللّه لا أنسى قتيلا رزيته ... بجانب قوسى ما حييت على الأرض [4]
__________
[1] الهاء من أدركه تعود على غزال أو نحوه، وفي «المختار»:
فأدرك منه ثانيا من عنانه ... بمر كمرّ الرائح المتحلب
[2] الهاء من أعدته تعود على البصر.
[3] المزادة: إناء صغير من الجلد يحمل فيه الماء.
[4] قوسى - كسكري - بلدة بالسراة وبها قتل عروة أخو أبي خراش.
بلى إنها تعفو الكلوم وإنما ... نوكّل بالأدنى وإن جلّ ما يمضي [1]
ولم أدر من ألقى عليه رداءه ... ولكنه قد بزّ عن ماجد محض [2]
الشعر لأبي خراش الهذلي، والغناء لابن محرز خفيف ثقيل أول بالوسطى من رواية عمرو بن بانة وذكر يحيى بن المكي أنه لابن مسجح وذكر الهشامي أنه ليحيى المكي، نحله بن مسجح، وفي أخبار معبد أن له فيه لحنا.
__________
[1] تعفو الكلوم: تندمل الجراح، يريد أن المصائب ينسي بعضها بعضا، وأن الأثر الشديد يكون للمصيبة القريبة، وإن كانت القديمة فادحة.
[2] الهاء من عليه تعود على ابنه خراش، وألقى عليه رداءه: كناية عن إجارته وإنقاذه من الموت، المحض: الخالص من كل شيء، يقول: لا أدري من الذي أجار ابني بإلقاء ردائه عليه، على أن هذا الرداء ما خلعه إلا ذو مجد صميم، وعبارة «الحماسة» و «الديوان»: «قد سل» بدل «قد بز».
15 - ذكر أبي خراش الهذلي وأخباره [1]
أبو خراش اسمه خويلد بن مرّة، أحد بني قرد، واسم قرد عمرو بن معاوية بن سعد بن هذيل بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار.
شاعر فحل من شعراء المذكورين الفصحاء، مخضرم، أدرك الجاهلية والإسلام فأسلم وعاش بعد النبي صلّى اللّه عليه وسلّم مدة، ومات في خلافة عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه، نهشته أفعى فمات، وكان ممن يعدو فيسبق الخيل في غارات قومه وحروبهم.
يتربصون به فيفلت منهم:
أخبرني حبيب بن نصر المهلبي وعمّي والحسن بن عليّ قالوا:
حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد قال: حدثنا أحمد بن عمير بن إسماعيل بن عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف قال: حدثني أبو بركة الأشجعيّ من أنفسهم قال:
خرج أبو خراش الهذليّ من أرض هذيل يريد مكّة، فقال لزوجته أمّ خراش: ويحك إني أريد مكّة لبعض الحاجة، وإنك من أفك [2] النساء، وإنّ بني الدّيل يطلبونني بتراث فإيّاك وأن تذكريني لأحد من أهل مكة حتى نصدر منها! قالت: معاذ اللّه أن أذكرك لأهل مكة وأنا أعرف السبب.
قال: فخرج بأم خراش وكمن لحاجته وخرجت إلى السوق لتشتري عطرا أو بعض ما تشتريه النساء من حوائجهن، فجلست إلى عطّار فمر بها فتيان من بني الدّيل، فقال أحدهما لصاحبه: أمّ خراش وربّ الكعبة وإنّها لمن أفكّ النساء وإن كان أبو خراش معها فستدلّنا عليه، قال: فوقفا عليها فسلما وأحفيا [3] المسألة والسلام، فقالت: من أنتما/ بأبي أنتما؟ فقالا: رجلان من أهلك من هذيل، قالت: بأبي أنتما. فإن أبا خراش معي ولا تذكراه لأحد، ونحن رائحون العشيّة، فخرج الرجلان فجمعا جماعة من فتيانهم وأخذوا مولى لهم يقال له مخلد وكان من أجود الرجال عدوا، فكمنوا في عقبة على طريقه، فلما رآهم قد لاقوه في عين الشمس قال لها: قتلتني وربّ الكعبة لمن ذكرتني؟ فقالت: واللّه ما ذكرتك لأحد إلا لفتيين من هذيل، فقال لها: واللّه ما هما من هذيل ولكنهما من بني الدّيل وقد جلسا لي وجمعا عليّ جماعة من قومهم فاذهبي أنت فإذا جزت عليهم فإنهم لن يعرضوا لك لئلا أستوحش فأفوتهم، فاركضي بعيرك، وضعي عليه العصا، والنجاء النجاء.
قال: [فانطلقت] [4] وهي على قعود عقيلي يسابق الريح، فلما دنا منهم وقد تلثّموا ووضعوا تمرا على طريقه
__________
[1] هذه الترجمة مما سقط من التراجم من طبعة بولاق وموضعها هنا حسب المخطوطات المعتمدة.
[2] أفك النسا: أكذبهن.
[3] أحفيا: أبديا الحفاوة والتلطف.
[4] زيادة يقتضيها المقام.
على كساء، فوقف قليلا كأنه يصلح شيئا، وجازت بهم أم خراش فلم يعرضوا لها لئلا ينفر منهم، ووضعت العصاء على قعودها، وتواثبوا إليه ووثب يعدو.
قال: فزاحمه على المحجّة [1] التي يسلك فيها على العقبة ظبي، فسبقه أبو خراش، وتصايح القوم: يا مخلد أخذا أخذا.
قال: ففات الأخذ. فقالوا: ضربا ضربا، فسبق الضرب، فصاحوا: رميا رميا فسبق الرمي، وسبقت أمّ خراش إلى الحيّ فنادت: ألا إنّ أبا خراش قد قتل، فقام أهل الحيّ إليها، وقام أبوه وقال: ويحك ما كانت قصّته، فقالت:
إن بني الدّيل عرضوا له الساعة في العقبة، قال: فما رأيت، أو ما سمعت،؟ قالت: سمعتهم يقولون: يا مخلد أخذا أخذا، قال: ثم سمعت ما ذا؟ قالت: ثم سمعتهم يقولون: ضربا ضربا، قال: ثم سمعت ما ذا؟ قالت: سمعتهم يقولون: رميا رميا، قال: فإن كنت سمعت رميا رميا/ فقد أفلت، وهو منا قريب، ثم صاح: يا أبا خراش، فقال أبو خراش: يا لبّيك، وإذا هو قد وافاهم على أثرها. وقال أبو خراش في ذلك:
رفوني وقالوا يا خويلد لم ترع ... فقلت وأنكرت الوجوه هم هم
رفوني بالفاء: سكّنوني وقالوا: لا بأس عليك.
فغاررت شيئا والدّريس كأنما ... يزعزعه وعك من الموم مردم [2]
غاررت: تلبثت. والدّريس: الخلق من الثياب، ومثله الجرد والسّحق والحشيف. ومردم: لازم.
تذكرت ما أين المفرّ وإنني ... بحبل الذي ينجي من الموت معصم [3]
فو اللّه ما ربداء أو علج عانة ... أقبّ وما إن تيس رمل مصمّم [4]
بأسرع منّي إذ عرفت عديّهم ... كأني لأولاهم من القرب توأم [5]
وأجود منّي حين وافيت ساعيا ... وأخطأني خلف الثّنيّة أسهم [6]
أوائل بالشّدّ الذّليق وحثّني ... لدى المتن مشبوح الذراعين خلجم [7]
/تذكّر ذحلا عندنا وهو فاتك ... من القوم يعروه اجتراء ومأثم [8]
__________
[1] المحجة: الطريق.
[2] غاررت شيئا: تلبثت قليلا - والوعك: أذى الحمى، والموم: الحمى الشديدة، كأنه يقول: تلبثت قليلا وجسمي ينتفض، فتنتفض معه ثيابي الخلقة، كأن بجسمي حمى ملازمة.
[3] «ما» زائدة، معصم: من أعصم به، أي استمسك، يريد أنه معتمد على اللّه.
(4 - 5) ربداء: صفة موصوف محذوف، أي غزالة ربداء، والربداء: المغبرة اللون، والعلج: حمار الوحش، العانة: القطيع من حمر الوحش، أقب: دقيق الخصر ضامر البطن، مصمم: جاد في سيره، العدى: جماعة القوم يعدون، لأولاهم: لأولى سراياهم.
يقول: أقسم أنني حين أبصرتهم يعدون خلفي كنت أسرع من الغزالة وحمار الوحش الضامر والتيس المصمم، وقد كادوا يدركونني، فقد كنت لأولى سراياهم من القرب كأنني توءم لها.
[6] الثنية: الطريق في الجبل، وقوله: «أجود» معطوف على «أسرع» أي ما كانت هذه الحيوانات أسرع مني، ولا أجود جريا حين وصلت سالما، وأخطأني أسهمهم.
[7] وائل: طلب النجاة، الشد الذليق: الجري السريع. وفي س
«السيف الذليق»
ولا معنى له، والمثبت من هد: هج. حثني لدى المتن: أسرع بي على الجري، والمتن، الذهاب في الأرض، ومشبوح الذراعين: عظيمهما، الخلجم - كجعفر: الجسم العظيم، أو الطويل المنجذب الخلق. يقول: طلبت النجاة بسرعة الجري، وساعدني على ذلك جسمي القوي البنيان.
[8] تذكر ذحلا ... إلخ: يتحدث عن خصمه، ويصفه بالفتك والجرأة وارتكاب المآثم.
تقول ابنتي لما رأتني عشيّة: ... سلمت وما إن كدت بالأمس تسلم
فقلت وقد جاوزت صارى عشية: ... أجاوزت أولى القوم أم أنا أحلم [1]
فلو لا دراك الشدّ آضت حليلتي ... تخيّر في خطّابها وهي أيّم [2]
فتسخط أو ترضى مكاني خليفة ... وكاد خراش عند ذلك ييتم [3]
يسابق الخيل فيسبقها:
أخبرني هاشم بن محمد الخراعيّ ومحمد بن الحسين الكنديّ خطيب المسجد الجامع بالقادسية قالا: حدثنا الرياشيّ قال: حدثنا الأصمعيّ قال: حدثني رجل من هذيل قال:
دخل أبو خراش الهذليّ مكّة وللوليد بن المغيرة المخزوميّ فرسان يريد أن يرسلهما في الحلبة، فقال للوليد:
ما تجعل لي إن سبقتهما؟ قال: إن فعلت، فهما لك، فأرسلا، وعدا بينهما فسبقهما فأخذهما.
قال الأصمعيّ: إذا فاتك الهذليّ أن يكون شاعرا أو ساعيا أو راميا فلا خير فيه.
وأخبرني بما أذكره من مجموع أخبار أبي خراش عليّ بن سليمان الأخفش، عن أبي سعيد السكريّ، وأخبرني بما أذكره من مجموع أشعارهم وأخبارهم فذكره أبو سعيد، عن محمد بن حبيب، عن ابن الأعرابي، عن أبي حاتم، عن أبي عبيدة، وعن ابن حبيب عن أبي عمرو.
يمدح دبية حيا ويرثيه ميتا:
وأخبرني ببعضه محمد بن العباس اليزيديّ قال: حدّثنا الرياشيّ، عن الأصمعيّ،/ وقد ذكرت ما رواه في أشعار هذيل وأخبارها كل واحد منهم عن أصحابه في مواضعه، قال السكريّ: فيما رواه عن ابن حبيب عن أبي عمرو قال:
نزل أبو خراش الهذلي على دبيّة السّلميّ - وكان صاحب العزّى التي في غطفان وكان يسدنها، وهي التي هدمها خالد بن الوليد لما بعثه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إليها فهدمها وكسرها وقتل دبيّة السّلميّ - قال: فلما نزل عليه أبو خراش أحسن ضيافته. ورأى في رجله نعلين قد أخلقتا، فأعطاه نعلين من حذاء السّبت [4] فقال أبو خراش يمدحه:
حذاني بعد ما خذمت نعالي ... دبيّة إنّه نعم الخليل [5]
مقابلتين من صلوي مشبّ ... من الثيران وصلهما جميل [6]
بمثلهما يروح المرء لهوا ... ويقضي الهمّ ذو الأرب الرّجيل [7]
__________
[1] صارى: جبل قبلي المدينة: وأولى القوم: أولى سراياه، يعني أنه نجا، ولم يصدق بالنجاة.
[2] آضت: رجعت، يعني لو لا سرعة جريه لرجعت حليلته - وهي أيم - تتخير خطيبا لها لها بعد موته، وفي بعض الأصول «آظت»، وفي بعضها «قاظت»، وفي «المختار»: «أمست».
[3] خليفة مفعول لتسخط وترضى، وخراش هو ابنه، والبيت كله: كناية عن هلاكه.
[4] السبت: الجلد المدبوغ.
[5] خذم الحذاء - كسمع - : انقطع.
[6] صلوى: تثنية صلا، والصلا: الظهر، يريد أنه أعطاه نعلا من جلد ظهر فتيّ من الثيران، وقوله: مقابلتين، يعني نعلين إحداهما تقابل الأخرى، ما أجمل وصلهما.
[7] الرجيل: الراجل، أو المشاء، أي يمثل هاتين النعلين بلهو المرء، ويقضي ما هم به من المآرب إذا كان راجلا أو كثير المشي.
فنعم معرّس الأضياف تذحي ... رحالهم شآمية بليل [1]
يقاتل جوعهم بمكلّلات ... من الفرنيّ يرعبها الجميل [2]
قال أبو عمرو: الجميل: إلا هالة، ولا يقال لها جميل حتى تذاب إهالة كانت أو شحما،/ وقال أبو عمرو:
ولما بعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم خالد بن الوليد فهدم عزّى غطفان، وكانت ببطن نخلة، نصبها ظالم بن أسعد بن عامر بن مرة وقتل دبيّة فقال أبو خراش الهذلي يرثيه:
ما لدبيّة منذ اليوم لم أره ... وسط الشّروب ولم يلمم ولم يطف [3]
لو كان حيّا لغاداهم بمترعة ... فيها الرّواويق من شيزى بني الهطف [4]
بنو الهطف: قوم من بني أسد يعملون الجفان.
كابي الرماد عظيم القدر جفنته ... حين الشتاء كحوض المنهل اللّقف [5]
- المنهل: الذي إبله عطاش. واللقف: الذي يضرب الماء أسفله فيتساقط وهو ملآن -
أمسى سقام خلاء لا أنيس به ... إلا السّباع ومرّ الريح بالغرف [6]
يرثي زهير بن العجوة:
وقال الأصمعيّ وأبو عمرو في روايتهما جميعا:
أخذ أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في يوم حنين أسارى، وكان فيهم زهير بن العجوة أخو بني عمرو بن الحارث، فمرّ به جميل بن معمر بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح، وهو مربوط في الأسرى، وكانت بينهما إحنة في الجاهلية، فضرب عنقه، فقال أبو خراش يرثيه:
فجّع أصحابى جميل بن معمر ... بذي فجر تأوي إليه الأرامل [7]
/طويل نجاد السيف ليس بحيدر ... إذا قام واستنّت عليه الحمائل [8]
إلى بيته يأوي الغريب إذا شتا ... ومهتلك بالي الدّريسين عائل [9]
تروّح مقرورا وراحت عشيّة ... لها حدب تحتثّه فيوائل [10]
__________
[1] المعرس: اسم مكان من عرس بالتشديد بمعنى نزل، والشآمية البليل: الريح التي تهب من جهة الشام رطبة لينة. ويريد بالمعرس منزل دبية وتذحي: تسوق وتطرد، وانظر «اللسان» (ذحا).
[2] بمكللات: بجفان مملوءات، الفرني: نوع مخصوص من الخبز، يرعبها: يملؤها، الجميل: الإهالة، وهي الشحم، أو كل ما يؤتدم به، يقول: إن مضيفه كريم يقابل الجوع بجفان مكللة بالخبز المأدوم بالشحم أو اللحم وغيره من أنواع الإدام.
[3] الشروب: القوم يشربون.
[4] مترعة: مملوءة، الرواويق: جمع راووق: الخمر، وإناؤها، وما تروق به، والشيزي: الجفنة.
[5] كابي الرماد: عظيمة، كناية عن الكرم.
[6] سقام - بفتح السين - اسم واد بالحجاز يبدو أن المرثي كان ينزل به.
[7] فجع ... إلخ: بيت من الطويل دخله الخرم، والفجر - بفتح الفاء والجيم - : العطاء والكرم.
[8] طويل نجاد السيف: كناية عن طول قامته، الحيدر: الغليظ السمين، استنت: اضطربت، يعني أنه طويل القامة، حين تهتز حمائل سيفه على جانبه لا تجد غلظا ولا سمنا. وفي ف: «تسترخي» بدل: و «إستنت».
[9] المهتلك: الذي لا هم له إلا أن يتضيفه الناس، الدريسين: مثنى دريس، وهو الثوب الخلق.
[10] الحدب: شدة البرد، تحتثه: تسرع به، يوائل: يطلب النجاة، البيت وصف لمهتلك في البيت السابق، يريد أنه راح يشكو القر،
تكاد يداه تسلمان رداءه ... من القرّ لمّا استقبلته الشمائل [1]
فما بال أهل الدّار لم يتصدّعوا ... وقد خفّ منها المّوذعيّ الحلاحل [2]
فأقسم لو لاقيته غير موثق ... لآبك بالجزع الضّباع النّواهل [3]
لظلّ جميل أسوأ القوم تلّة ... ولكنّ ظهر القرن للمرء شاغل [4]
فليس كعهد الدار يا أمّ مالك ... ولكن أحاطت بالرقاب السلاسل [5]
/و عاد الفتى كالكهل ليس بقائل ... سوى الحقّ شيئا فاستراح العواذل [6]
ولم أنس أياما لنا ولياليا ... بحلية إذ نلقى بها ما نحاول [7]
وقال أيضا يرثيه:
أفي كلّ ممسى ليلة أنا قائل ... من الدهر لا يبعد قتيل جميل [8]
فما كنت أخشى أن تصيب دماءنا ... قريش ولما يقتلوا بقتيل [9]
فأبرح ما أمّرتم وعمرتم ... مدى الدهر حتى تقتلوا بغليل
يستنقذ أسرى بني ليث:
وقال أبو عمرو في خبره خاصة: أقبل أبو خراش وأخوه عروة وصهيب القرديّ في بضعة عشر رجلا من بني قرد يطلبون الصيد فبينا هم بالمجمعة من نخلة لم يرعهم إلا قوم قريب من عدتهم فظنهم القرديّون قوما من بني ذؤيبة أحد بني سعد بن بكر بن هوازن أو من بني حبيب أحد بني نصر، فعدا الهذليّون إليهم يطلبونهم وطمعوا فيهم حتى خالطوهم وأسروهم جميعا، وإذا هم قوم من بني ليث بن بكر، فيهم ابنا شعوب أسرهما صهيب القردي، فهمّ بقتلهما، وعرفهم أبو خراش فاستنقذهم جميعا من أصحابه وأطلقهم، فقال أبو خراش في ذلك يمنّ على ابني شعوب أحد بني شجع بن عامر بن ليث فعله بهما:
__________
وراحت عليه عشية باردة تجعله يغذ السير طلبا للنجاة.
[1] هذا البيت كسابقة في وصف مهتلك، أي تكاد الرياح الباردة تمزق ثوبه، فتنبذه يداه لما خلق منه، وفي «ديوان الهذليين» «من الجود» بدل من «القر» كأنه جعل البيت وصفا للمرثي، والسياق يؤيد ما أثبتناه.
[2] اللوذعي: الخفيف الذكي، أو الحديد الفؤاد والنفس، أو اللسن الفصيح، الحلاحل: السيد في قومه، أو الكريم الجواد، يعجب من أهل داره كيف لم تتصدع أكبادهم بعد فراقهم إياه.
[3]
«لآبك بالجزع الضباع النواهل»
:
لوردت دمك الضباع العطاش، كناية عن قتل زهير لجميل لو لم يكن موثقا، والجزع - بفتح الجيم وكسرها - : منعطف الوادي ووسطه.
[4] تلة: صرعة، الظهر: إصابة الظهر، القرن: القرين في الشجاعة وما إليها، والمعنى أن جميلا أسوأ الناس إصابة، لأنه أهلك سيدا شجاعا موثقا لا يستطيع الدفاع عن نفسه، ولكن القرن ينشغل دائما بإصابة ظهر قرنه، ليتخلص منه، وفي س
«و لكن قرن المرء للظهر شاغل»
ولم نجد لها معنى، والمثبت من ف.
[5] اسم ليس ضمير الشأن، ولعله يعني بإحاطة السلاسل بالرقاب، فتح خالد لتلك النواحي.
[6] لعله يعني بهذا البيت دخول القوم في الإسلام، وأن الجميع دانوا بالحق، وانثنوا عن اللهو والباطل، فلم يبق مكان للعواذل.
[7] حلية: اسم مكان.
[8] لا يبعد: لا يهلك، وهو دعاء يقال في مقام الرثاء كثيرا، ويجوز أن يكون من البعد ضد القرب.
[9] «و لما يقتلوا» جملة معترضة، أي ما كنت أخاف أن تقتل قريش منا قتيلا دون أن ننال منهم.
/
عدونا عدوة لا شكّ فيها ... وخلناهم ذؤيبة أو حبيبا [1]
فنغري الثائرين بهم وقلنا ... شفاء النفس أن بعثوا الحروبا [2]
منعنا من عديّ بني حنيف ... صحاب مضرّس وابنى شعوبا [3]
فأثنوا يا بني شجع علينا ... وحقّ ابنى شعوب أن يثيبا
وسائل سبرة الشّجعيّ عنا ... غداة نخالهم نجوا جنيبا [4]
بأنّ السّابق القرديّ ألقى ... عليه الثوب إذ ولّى دبيبا [5]
ولو لا ذاك أرهقه صهيب ... حسام الحدّ مطرورا خشيبا [6]
يزهد زهد الهنود:
أخبرني هاشم بن محمد الخزاعيّ قال: حدثنا الرياشي: قال: حدثنا الأصمعيّ قال: أقفر أبو خراش الهذليّ من الزّاد أياما، ثم مرّ بامرأة من هذيل جزلة شريفة، فأمرت له بشاة فذبحت وشويت، فلما وجد بطنه ريح الطعام قرقر [7]، فضرب بيده على بطنه وقال: إنك لتقرقر لرائحة الطعام، واللّه لأطعمت منه شيئا ثم قال: يا ربّة البيت، هل عندك شيء من صبر أو مرّ؟ قالت: تصنع به ما ذا؟ قال: أريده، فأتته منه بشيء فاقتمحه، ثم أهوى إلى بعيره فركبه، فناشدته المرأة فأبى، فقالت له: يا هذا، هل رأيت بأسا أو أنكرت شيئا؟ قال: لا واللّه، ثم مضى وأنشأ يقول:
/و إني لأثوي الجوع حتى يملّني ... فأحيا ولم تدنس ثيابي ولا جرمي [8]
وأصطبح الماء القراح فأكتفي ... إذا الزاد أضحى للمزلّج ذا طعم [9]
أردّ شجاع البطن قد تعلمينه ... وأوثر غيري من عيالك بالطّعم [10]
مخافة أن أحيا برغم وذلّة ... فللموت خير من حياة على رغم
يفتدي أخاه عروة فيلطمه:
وأخبرني عمّي عن هارون بن محمد الزيات، عن أحمد بن الحارث، عن المدائني بنحو مما رواه الأصمعيّ.
__________
[1] خلناهم: خلنا من أغرنا عليهم، ذؤيبة وحبيب: قبيلتان.
[2] نغري الثائرين بهم: نسلطهم عليهم ونمكنهم منهم.
[3] عدي بني حنيف: جماعة العادين منهم، ومضرس: اسم رجل من بني ليث المعدو عليهم، وشعوب: اسم رجل، ولكنه منع الصرف، لأنه في الأصل علم على المنية.
[4] ضمير نخالهم يعود على المأسورين، النجو: ما أهمل من قطع الخشب، أو ما خرج من البطن، والخبيث: المبعد المنحى: يقول.
سائل الشجعي عنا غداة أسرنا قومه، وظنناهم ممن لا وزن لهم.
[5] لعل المراد بإلقاء الثوب عليه التعرف عليه، وأنه من ليث بن بكر، لا من ذؤيبة أو حبيب.
[6] حسام الحد: سيفا قاطع الحد، مطرورا: مسنونا، خشيبا: مسلولا، أي لو لا التعرف عليه لفتك به صهيب.
[7] قرقر بطنه: أحدث من الجوع صوتا يشبه القرقرة.
[8] أثوي الجوع - من أثوى - : أسكنه بطني، والجرم: الجسد.
[9] الماء القراح: الخالص، واصطبحه: شربه صباحا، المزلج: الرجل الذي لا قوة له على احتمال المكروه. يقول: أكتفي بالماء القراح إذا حمل الجشع الرجل الدنيء على الزاد اللذيذ الطعم.
[10] الشجاع: الثعبان: شبه أمعاءه بالثعابين لما ترمى إليه من المهالك، والطعم: الطعام، والخطاب المرأة التي استضافته.
وقال أبو عمرو:
أسرت فهم عروة بن مرة أخا أبيّ خراش - وقال غيره: بل بنو كنانة أسرته - فلما دخلت الأشهر الحرم، مضى أبو خراش إليهم ومعه ابنه خراش، فنزل بسيّد من ساداتهم ولم يعرّفه نفسه ولكنه استضافه فأنزله وأحسن قراه، فلما تحرّم به انتسب له، وأخبره خبر أخيه، وسأله معاونته حتى يشتريه منهم، فوعده بذلك، وغدا على القوم مع ذلك الرجل، فسألهم في الأسير أن يهبوه له، فما فعلوا، فقال لهم: فبيعونيه، فقالوا: أما هذا فنعم، فلم يزل يساومهم حتى رضوا بما بذله لهم، فدفع أبو خراش إليهم ابنه خراشا رهينة، وأطلق أخاه عروة ومضيا، حتى أخذ أبو خراش فكاك أخيه، وعاد به إلى القوم حتى أعطاهم إيّاه وأخذ ابنه. فبينما أبو خراش ذات يوم في بيته إذ جاءه عبد له فقال:
إن أخاك عروة جاءني وأخذ شاة من غنمك، فذبحها، ولطمني لمّا منعته منها، فقال له: دعه، فلما كان بعد أيام عاد، فقال له: قد أخذ أخرى، فذبحها، فقال: دعه، فلما أمسى قال له: إن أخاك اجتمع مع شرب من قومه، فلما انتشى جاء إلينا وأخذ ناقة من إبلك، لينحرها لهم فعاجله، فوثب أبو خراش إليه، فوجده قد أخذ الناقة، لينحرها، فطردها أبو خراش، فوثب أخوه عروة إليه/ فلطم وجهه، وأخذ الناقة، فعقرها، وانصرف أبو خراش، فلما كان من غد لامه قومه، وقالوا له: بئست لعمر اللّه المكافأة، كانت منك لأخيك؛ رهن ابنه فيك، وفداك بماله، ففعلت به ما فعلت، فجاء عروة يعتذر إليه، فقال أبو خراش:
لعلّك نافعي يا عرو يوما ... إذا جاورت من تحت القبور
أخذت خفارتي ولطمت عيني ... وكيف تثيب بالمنّ الكبير [1]
ويوم قد صبرت عليك نفسي ... لدى الأشهاد مرتدي الحرور [2]
إذا ما كان كسّ القوم روقا ... وجالت مقلتا الرجل البصير [3]
بما يممته وتركت بكري ... وما أطعمت من لحم الجزور [4]
قال معنى قوله بكري أي بكر ولدي أي أولهم.
خبر أخويه الأسود وأبي جندب:
وقال الأصمعيّ وأبو عبيدة وأبو عمرو وابن الأعرابي:
كان بنو مرة عشرة: أبو خراش [5]، وأبو جندب، وعروة، والأبحّ، والأسود، وأبو الأسود، وعمرو، وزهير، وجنّاد، وسفيان، وكانوا جميعا شعراء دهاة سراعا لا يدركون عدوا، فأما الأسود بن مرة فإنه كان على ماء من داءة [6] وهو غلام شاب، فوردت عليه إبل/ رئاب بن ناضرة بن المؤمّل من بني لحيان، ورئاب شيخ كبير، فرمى
__________
[1] خفارتي: يعني مالي الذي أحرسه، المن: العطاء.
[2] ويوم - بالكسر - معطوف على المن في البيت قبله، أي كيف تثيب على هذا وذاك؟ الأشهاد: جمع شهد، وشهد: جمع شاهد، ومرتدي الحرور: لابسا الحر.
[3] الكس: الدق الشديد، روقا: زائدا، لعله يريد أن يقول: إنني صبرت نفسي عليك إذ كان دق القوم بمعنى ضربهم شديدا زائدا، وجالت العيون في الملقى، وذلك كناية عن أنه خاض الحرب من أجله.
[4] بما يممته: بما قصدته من إحساني إليك، ويتعلق الجار والمجرور «كيف نثيب» في البيت الثاني أي كيف ثيبني بإحساني إليك ورهن ولدي من أجلك، وما أكلته من لحم جزوري بلطمك وجهي؟.
[5] كان القياس أن يقول: أبا خراش بالنصب على البدلية من عشرة، ولكن هكذا ورد في الأصول على قدير «هم فلان وفلان».
[6] داءة - كما في «القاموس» - موضع لهذيل وفي «المختار»: «فإنه كان - على ما مرّ - داهية».
تله، وكان أشدّهم أبو جندب، فعرف خبر أخيه، فغضب غضبا شديدا، وأسف، فاجتمعت رجال هذيل إليه يكلمونه وقالوا: خذ عقل [1] أخيك، واستبق ابن عمك، فلم يزالوا به حتى قال: نعم، اجمعوا العقل، فجاءوه به في مرّة واحدة، فلما أراحوه عليه صمت فطال صمته فقالوا له: أرحنا: اقبضه منا، فقال: إني أريد أن أعتمر فاحبسوه حتى أرجع، فإن هلكت [2] فلأمّ ما أنتم - هذه لغة هذيل يقولون: إمّ بالكسر، ولا يستعلمون الضم - وإن عشت فسوف ترون أمري، وولّى ذاهبا نحو الحرم، فدعا عليه رجال من هذيل، وقالوا: اللهم لا تردّه، فخرج فقدم مكة فواعد كلّ خليع وفاتك في الحرم أن يأتوه يوم كذا وكذا، فيصيب بهم قومه، فخرج صادرا، حتى أخذته الذّبحة في جانب الحرم، فمات قبل أن يرجع، فكان ذلك خبره.
خبر أخيه زهير:
قالوا: وأما زهير بن مرة فخرج معتمرا قد جعل على جسده من لحاء [3] الحرم، حتى ورد ذات الأقير [4] من نعمان، فبينا هو يسقي إبلا له إذ ورد عليه قوم من ثمالة، فقتلوه، فله يقول أبو خراش، وقد انبعث يغزو ثمالة ويغير عليهم، حتى قتل منهم بأخيه أهل دارين، أي حلّتين من ثمالة.
خذوا ذلكم بالصّلح إني رأيتكم ... قتلتم زهيرا وهو مهد ومهمل
/ مهد أي أهدى هديا للكعبة. ومهمل: قد أهمل إبله في مراعيها.
قتلتم فتى لا يفجر اللّه عامدا ... ولا يجتويه جاره عام يمحل [5]
ولهم يقول أبو خراش:
إنّي امرؤ أسأل كيما أعلما ... من شرّ رهط يشهدون الموسما؟
وجدتهم ثمالة بن أسلما
وكان أبو خراش إذا لقيهم في حروبه أوقع بهم ويقول:
إليك أمّ ذبّان ... ما ذاك من حلب الضّان [6]
لكن مصاع الفتيان ... بكل لين حرّان [7]
__________
[1] عقل أخيه: ديته.
[2] فلأم ما أنتم: فأنتم تنتمون إلى أصل عظيم، وأم كل شي ء: أصله وعماده، والمراد بالعبارة: إن هلكنا فافعلوا ما ترون، فأنتم لا تجتمعون على ضلال.
[3] اللحاء: قشر الشجر.
[4] ذات الأقير: جبل بنعمان «معجم ياقوت».
[5] لا يفجر اللّه: لا يفجر باللّه، على حذف الخافض، لا يجتويه، لا يكرهه. عام يمحل: سنة القحط، يصف أخاه بالاستقامة والعطف على الجار.
[6] الأبيات من منهوك المنسرح «مستفعلن مفعولات»، أم ذبان: من الذبنة - بضم الذال - بمعنى ذبول الشفتين من العطش، كأنه يكنى بأم ذبان عن شفتيه العطشيين، يقول لشفته: إليك عن الري، لا تطلبيه في الحرب، فليس لبن الضأن يسقى فيها.
[7] مصاع: من صاع الأقران: أتاهم من نواحيهم، بكل لين «بتخفيف الياء» حران: لعله يقصد بكل سنان لدن عطشان إلى الدماء، والمعنى - على ما يبدو لنا - ليس في الحرب ري بماء أو لبن، ولكنها مصارع الفتيان بكل سنان ظامىء إلى الدماء.
خبر أخيه عروة وابنه خراش:
قال: وأما عروة بن مرة وخراش بن أبي خراش فأخذهما بطنان من ثمالة يقال لهما بنو رزام وبنو بلال، وكانوا متجاورين، فخرج عروة بن مرة وابن أبي خراش أخيه مغيرين عليهم طمعا في أن يظفروا من أموالهم بشيء، فظفر بهما الثماليون، فأما بنو رزام فنهوا عن قتلهما وأبت بنو بلال إلا قتلهما، حتى كاد يكون بينهم شر، فألقى رجل من القوم ثوبه على خراش حين شغل القوم بقتل عروة، ثم قال له: انج، وانحرف القوم بعد قتلهم عروة إلى الرجل، وكانوا أسلموه إليه، فقالوا: أين خراش؟ فقال: أفلت مني، فذهب، فسعى القوم في أثره، فأعجزهم، فقال أبو خراش في ذلك يرثي أخاه عروة، ويذكر خلاص ابنه:
/حمدت إلهي بعد عروة إذ نجا ... خراش وبعض الشر أهون من بعض
فو اللّه لا أنسى قتيلا رزيته ... بجانب قوسى ما حييت على الأرض [1]
بلى إنها تعفو الكلوم وإنما ... نوكّل بالأدنى وإن جلّ ما يمضي
ولم أدر من ألقى عليه رداءه ... سوى أنه قد سلّ عن ماجد محض
ولم يك مثلوج الفؤاد مهبّلا ... أضاع الشباب في الرّبيلة والخفض [2]
ولكنه قد نازعته مجاوع ... على أنه ذو مرة صادق النهض [3]
قال: ثم إن أبا خراش وأخاه عروة [4] استنفرا حيّا من هذيل يقال لهم بنو زليفة بن صبيح ليغزوا ثمالة بهم طالبين بثأر أخيهما، فلما دنوا من ثمالة أصاب عروة ورد حمّى، وكانت به حمّى [5] الرّبع فجعل عروة يقول:
أصبحت مورودا فقرّبوني ... إلى سواد الحيّ يدفنوني
إنّ زهيرا وسطهم يدعوني ... ربّ المخاض والّلقاح الجون [6]
/فلبثوا إلى أن سكنت الحمّى، ثم بيّتوا ثمالة، فوجدوهم خلوفا ليس فيهم رجال، فقتلوا من وجدوا من الرجال، وساقوا النساء والذراريّ والأموال، وجاء الصائح إلى ثمالة عشاء، فلحقوهم، وانهزم أبو خراش وأصحابه، وانقطعت بنو زليفة، فنظر الأكنع الثّماليّ - وكان مقطوع الأصبع - إلى عروة فقال: يا قوم، ذلك واللّه عروة، وأنا واللّه رام بنفسي عليه، حتى يموت أحدنا، وخرج يمعج [7] نحو عروة، فصاح عروة بأبي خراش أخيه:
أي أبا خراش، هذا واللّه الأكنع وهو قاتلي، فقال أبو خراش: أمضه [8]، وقعد له على طريقه، ومر به الأكنع
__________
[1] تقدم هذا البيت والبيتان اللذان بعده في الترجمة نفسها.
[2] مثلوج الفؤاد: كناية عن الدعة والخور، والمهبل: من يقال له: هبلتك أمك، بمعنى ثكلتك، يعني أنه لم يكن يجرؤ أحد على سبه الربيلة والخفض. معناهما واحد، هو الدعة والنعمة يصف المرثي بأنه كمن يركب الأهوال.
[3] ف: مخامص، ذو مرة، ذو قوة، صادق النهض: شجاع إذا نهض إلى الحرب ولي.
[4] هنا اضطراب بين في سياق الحديث، ففيما سبق أن عروة قد قتل، وهنا ما يفيد أنه ما زال حيا، فلعل هذا الكلام رواية أخرى تتعلق به، أو لعل ثمة تحريفا بوضع عروة موضع عمرو، والعجيب أن تتفق الأصول التي بين أيدينا على هذه الرواية.
[5] حمى الربع: هي التي تصيب المريض دوما وتدعه يومين، ثم تعود إليه في اليوم الرابع.
[6] الجون: يريد رب الإبل التي في لونها دهمة أي سواد.
[7] يمعج: يسرع.
[8] أمضه: اجعله يمضي خلفك.
مصمّما على عروة، وهو لا يعلم بموضع أبي خراش، فوثب عليه أبو خراش، فضربه على حبل عاتقه حتى بلغت الضّربة سحره [1]، وانهزمت ثمالة، ونجا أبو خراش وعروة. وقال أبو خراش يرثي أخاه ومن قتلته ثمالة وكنانة من أهله، وكان الأصمعيّ يفضّلها:
فقدت بني لبنى فلما فقدتهم ... صبرت فلم أقطع عليهم أباجلي [2]
الأبجل: عرق في الرّجل.
رماح من الخطّيّ زرق نصالها ... حداد أعاليها شداد الأسافل
فلهفي على عمرو بن مرّة لهفة ... ولهفي على ميت بقوسى المعاقل [3]
حسان الوجوه طيّب حجزاتهم ... كريم نثاهم غير لفّ معازل [4]
/قتلت قتيلا لا يحالف غدرة ... ولا سبّة لا زلت أسفل سافل [5]
وقد أمنوني واطمأنّت نفوسهم ... ولم يعلموا كلّ الذي هو داخلي
فمن كان يرجو الصلح منيّ فإنه ... كأحمر عاد أو كليب بن وائل [6]
أصيبت هذيل بابن لبنى وجدّعت ... أنوفهم باللّوذعيّ الحلاحل [7]
رأيت بني العلّات لما تضافروا ... يحوزون سهمي دونهم بالشّمائل [8]
أخبار أخوته:
قالوا: وأما أبو الأسود فقتلته فهم بياتا تحت الليل، وأما الأبحّ فكان شاعرا، فأمسى بدار بعرعر من ضيم، فذكر لسارية بن زنيم العبديّ أحد بني عبد بن عديّ بن الدّيل، فخرج بقوم من عشيرته يريده ومن معه، فوجدوهم قد ظعنوا. وكان بين بني عبد بن عدي بن الدّيل وبينهم حرب، فقال الأبحّ في ذلك:
لعمرك ساري بن أبي زنيم ... لأنت بعرعر الثأر المنيم [9]
تركت بني معاوية بن صخر ... وأنت بمربع وهم بضيم [10]
__________
[1] السحر: ما اتصل بالحلقوم من رئة وغيرها.
[2] بني لبنى، يريد إخوته لأن اسم أمهم جميعا لبنى ما عدا سفيان.
[3] يعني بقتيل قوسى أخاه عروة، كما مر.
[4] حجزا جمع حجزة - بضم الحاء - وهي موضع التكة من السراويل، وذلك كناية عن العفاف، والنثا: الحديث، لف: جمع ألف، وهو الثقيل البطيء، أو ألفه العيي، المعازل: المجردون من السلاح.
[5] قتلت قتيلا: الخطاب لقاتل أحد إخوته، وقوله:
«لا زلت أسفل سافل»
دعاء عليه.
[6] يكنى بقوله:
«كأحمر عاد أو كليب بن وائل»
عن استبعاد الصلح واستحالة السلام.
[7] اللوذعي: الخفيف الذكي، الحلاحل: السيد الشجاع، وجدعت أنوفهم كناية عن ذلهم واستكانتهم بعد موته.
[8] بنو العلات: من أبوهم واحد وأمهاتهم مختلفة، ولعله يقصد بهم القبائل التي تضافرت عليه، وقتلت إخوته، يقول: إنهم حين تألبوا عليه لم تؤثر سهامه فيهم، بل تلقوها بأيديهم. الشمائل: كناية عن عدم الإصابة.
[9] ساري: ترخيم سارية، عرعر: مكان، وقوله: «الثأر المنيم» يريد الثأر الذي إذا أدركه أهله ناموا واستراحوا، وفي ف
«لأنت بعرعر الثاوي المقيم»
ويبدو من السياق أن بني معاوية المشار إليهم في البيت التالي كانوا وتروا سارية، فخشيهم، ونام عن طلب الثأر.
[10] في هد «معاوية بن بكر» بدل «معاوية بن صخر»، ومربع، وضيم: مكانان متقاربان، يقول: تركتهم دون أن تثأر منهم، وهم عن كثب منك.
تساقيهم على رصف وظرّ ... كدابغة وقد حلم الأديم [1]
/رصف وظرّ: ماءان، ومربع وضيم: موضعان.
فلم نتركهم قصدا ولكن ... فرقت من المصالت كالنّجوم [2]
رأيتهم فوارس غير عزل ... إذا شرق المقاتل بالكلوم [3]
فأجابه سارية، فقال:
لعلك يا أبحّ حسبت أنّي ... قتلت الأسود الحسن الكريما
أخذتم عقله وتركتموه ... يسوق الظّمي وسط بني تميما [4]
عيّرهم بأخذ دية الأسود بن مرة أخيهم، وأنهم لم يدركوا بثأره، وبنو تميم من هذيل.
قالوا: وأما جنادة وسفيان فماتا، وقتل عمرو، ولم يسمّ قاتله. قالوا: وأمهم جميعا لبنى إلا سفيان بن مرة، فإن أمه أم عمرو القرديّة، وكان أيسر القوم وأكثرهم مالا.
وقال أبو عمرو: وغزا أبو خراش فهما [5]، فأصاب منهم عجوزا، وأتى بها منزل قومه، فدفعها إلى شيخ منهم، وقال: احتفظ بها حتى آتيك، وانطلق لحاجته، فأدخلته بيتا صغيرا، وأغلقت عليه، وانطلقت، فجاء أبو خراش، وقد ذهبت، فقال:
سدّت عليه دولجا يمّمت ... بني فالج بالليث أهل الخزائم [6]
/الدولج: بيت صغير يكون للبهم، والليث: ماء لهم، والخزائم البقر واحدتها خزومة.
وقالت له: دنّخ مكانك إنني ... سألقاك إن وافيت أهل المواسم
يقال: دنّخ الرجل ودمّخ إذا أكبّ على وجهه ويديه.
وقال أبو عمرو: دخلت أميمة امرأة عروة بن مرة على أبي خراش وهو يلاعب ابنه فقالت له: يا أبا خراش تناسيت عروة، وتركت الطلب بثأرة، ولهوت مع ابنك، أما واللّه لو كنت المقتول ما غفل عنك، ولطلب قاتلك حتى يقتله، فبكى أبو خراش، وأنشأ يقول:
لعمري لقد راعت أميمة طلعتي ... وإنّ ثوائي عندها لقليل [7]
__________
[1] المراد بالمساقاة، المسالمة والمصافاة، الأديم: الجلد، وحلم: أصابته الحلمة، وهي دودة تأكله، فإذا دبغ وهى موضع الأكل، والمراد أنك تصافيهم وتساقيهم على غش خشية بأسهم والبيت في «اللسان» (رصف).
[2] فرقت: خفت، المصالت: الشجعان.
[3] عزل: جمع أعزل، الكلوم: الجراح، يريد أنك خشيت بأسهم، لأنهم يجيدون استعمال السلاح في الحروب التي يشرق فيها المحارب بالدم.
[4] عقله: ديته، الظمي: جمع ظمياء، وهي الناقة القليلة لحم الفخذين، كناية عن الهزال، يقول له على سبيل التهكم: لست أنا قاتل أخيك الأسود ذي الحسب والنسب، ولكن ابحث عن قاتله في بني تميم الذين تركتم لهم دمه، واكتفيتم منهم بديته من الإبل العجاف.
[5] في ف «تميما» بدل «فهما».
[6] ضمير عليه يعود على الرجل الذي استودع العجوز، وفاعل سدت ضمير العجوز.
[7] طلعتى فاعل راعت، وأميمة مفعول، وجملة المصراع الثاني حالية، يقول: ظنت أنني نائم عن ثأر أخي، ولم تعلم أنني أضمر ذلك، ولن يطول مقامي معها.
وقالت: أراه بعد عروة لاهيا ... وذلك رزء لو علمت جليل
فلا تحسبي أني تناسيت فقده ... ولكنّ صبري يا أميم جميل [1]
ألم تعلمي أن قد تفرّق قبلنا ... نديما صفاء مالك وعقيل [2]
أبى الصبر أنّي لا يزال يهيجني ... مبيت لنا فيما خلا ومقيل [3]
وأني إذا ما الصّبح آنست ضوءه ... يعادوني قطع عليّ ثقيل [4]
/قال أبو عمرو: فأما أبو جندب أخو أبي خراش فإنه كان جاور بني نفاثة بن عديّ بن الدّيل حينا من الدهر، ثم إنهم هموا بأن يغدروا به، وكانت له إبل كثيرة فيها أخوه جنادة، فراح عليه أخوه جنادة ذات ليلة، وإذا به كلوم، فقال له أبو جندب: مالك؟ فقال: ضربني رجل من جيرانك، فأقبل أبو جندب، حتى أتى جيرانه من بني نفاثة، فقال لهم: يا قوم، ما هذا الجوار؟ لقد كنت أرجو من جواركم خيرا من هذا، أيتجاور أهل الأعراض بمثل هذا؟.
فقالوا: أو لم يكن بنو لحيان [5]، يقتلوننا، فو اللّه ما قرّت دماؤنا، وما زالت تغلي، واللّه إنك للثّار المنيم [6]، فقال: أما إنه لم يصب أخي إلّا خير، ولكنما هذه معاتبة لكم، وفطن للذي يريد القوم من الغدر به، وكان بأسفل دفاق [7]، فأصبحوا ظاعنين، وتواعدوا ماء [8] ظرّ، فنفذ الرجال إلى الماء، وأخّروا النساء لأن يتبعنهم إذا نزلوا، واتخذوا الحياض للإبل، فأمر أبو جندب أخاه جنادة وقال له: اسرح مع نعم القوم.
ثم توقّف، وتأخّر، حتى تمرّ عليك النّعم كلّها، وأنت في آخرها سارح بإبلك، واتركها متفرقة في المرعى، فإذا غابوا عنك فاجمع إبلك، واطردها نحو أرضنا، وموعدك نجد ألوذثنيّة [9]، في طريق بلاده، وقال لامرأته أمّ زنباع وهي من بني كلب بن عوف: اظعني وتمكّثي، حتى تخرج آخر ظعينة من النساء.
ثم توجّهي، فموعدك ثنيّة يدعان من جانب النخلة، وأخذ أبو جندب دلوه،/ وورد مع الرجال، فاتّخذ القوم الحياض، واتخذ أبو جندب حوضا، فملأه ماء، ثم قعد عنده، فمرّت به إبل ثمّ إبل، فكلّما وردت إبل سأل عن إبله فيقولون: قد بلغت، تركناها بالضّجن [10].
ثم قدمت النساء كلما قدمت ظعينة سألها عن أهله، فيقولون: بلغتك، تركناها تظعن، حتى إذا ورد آخر النّعم
__________
[1] في «المختار»:
«تحسبي أنى تناسيت عهده»
[2] مالك وعقيل هما نديما جذيمة الأبرش، وبهما يضرب المثل في التلازم وطول الألفة، وإليهما يشير متمم بن نويرة بقوله بعد أن قتل خالد بن الوليد أخاه مالك بن نويرة.
وكنا كندماني جذيمة حقبة ... من الدهر حتى قيل لن يتصدعا
فلما تفرقنا كأني ومالكا ... لطول اجتماع لم نبت ليلة معا
[3] الصبر مفعول، والمصدر المؤول فاعل، المبيت: موضع البيت، المقيل: موضع القيلولة، يقول: نفى الصبر عني تذكر عشرته القديمة وطول مدتها، وفي «المختار»:
«أبى الصير أني لا أزال بمهجتي»
[4] القطع: انقطاع النفس وضيقه.
[5] يشيرون إلى حادثة سيأتي ذكرها.
[6] الثأر المنيم: الذي إذا أدرك استراح صاحبه، ونام.
[7] دفاق: مكان.
[8] ظر: في «القاموس»: ماء، وفي «معجم البلدان»: ماء ظراء «بالفتح والمد».
[9] في هد «الودنية» وفي هج «الوثنية»، والمثبت من ف.
[10] ف «الصحن» تحريف. والضجن: واد في بلاد هذيل بتهامة.
وآخر الظّعن قال: واللّه لقد حبس أهلي حابس، أبصر يا فلان، حتى أستأنس أهلي وإبلي، وطرح دلوه على الحوض.
ثم ولّى، حتى أدرك القوم بحيث وعدهم، فقال أبو جندب في ذلك:
أقول لأمّ زنباع أقيمي ... صدور العيس شطر بني تميم [1]
وغرّبت الدّعاء وأين منّي ... أناس بين مرّ وذي يدوم [2]
غربت الدّعاء: دعوت من بعيد.
وحيّ بالمناقب قد حموها ... لدى قرّان حتى بطن ضيم [3]
وأحياء لدى سعد بن بكر ... بأملاح فظاهرة الأديم [4]
أولئك معشري وهم أرومي ... وبعض القوم ليس بذي أروم [5]
هنالك لو دعوت أتاك منهم ... رجال مثل أرمية الحميم
الأرمية: السحاب الشديد الوقع، واحدها رميّ، والحميم: مطر القيظ.
أقلّ اللّه خيرهم ألمّا ... يدعهم بعض شرّهم القديم [6]
/ألمّا يسلم الجيران منهم ... وقد سال الفجاج من الغميم [7]
غداة كأنّ جنّاد بن لبنى ... به نضخ العبير من الكلوم [8]
دعا حولي نفاثة ثم قالوا: ... لعلك لست بالثّأر المنيم
المنيم: الذي إذا أدرك استراح أهله وناموا.
نعوا من قتّلت لحيان منهم ... ومن يغترّ بالحرب القروم [9]
قالوا جميعا: وكان أبو جندب ذا شرّ وبأس، وكان قومه يسمونه المشئوم، فاشتكى شكوى شديدة، وكان له جار من خزاعة يقال له حاطم، فوقعت به بنو لحيان، فقتلوه قبل أن يستبلّ [10] أبو جندب من مرضه، واستاقوا أمواله، وقتلوا امرأته، وقد كان أبو جندب كلّم قومه، فجمعوا لجاره غنما، فلما أفاق أبو جندب من مرضه خرج من أهله، حتى قدم مكة، ثم جاء يمشي، حتى استلم الركن، وقد شق ثوبه عن استه، فعرف الناس أنه يريد شرا، فجعل يصيح ويقول:
__________
[1] العيس: الإبل، يريد التوجه إلى بني تميم.
[2] «مر» وذو يدوم: مكانان بهما آله وأنصاره.
(3 - 4) المناقب، قران، بطن ضيم، وأملاح، وظاهرة الأديم: أمكنة أيضا بها آله وأنصاره.
[5] الأروم: أصل الشجرة، واستعير لأصل الإنسان وحسبه.
[6] أقل اللّه ... الخ: دعاء عليهم.
[7] الغميم: نوع مخصوص من اللبن، أو من النبات، ولعل المراد أإلى الآن يسيؤون جيرانهم وقد كثر خيرهم، وامتلأت فجاجهم بالنبات، أو باللبن.
[8] العبير: الكثير، يقول: يسلم الجيران منهم غداة اعتدوا على أخيه جنادة، فجاء والدم يسيل من جراحه الكثيرة.
[9] نعوا ... الخ. يشير الى حادثة ستأتي، القروم: من القرم، وهو شدة شهوة أكل اللحم، يصف الحرب بالسعار، ويحذرهم من ويلاتها وفي ف: «العدوم» بدل «القروم».
[10] يستبل: يتم شفاؤه.
إني امرؤ أبكي على جاريّة ... أبكي على الكعبيّ والكعبيّه [1]
ولو هلكت بكيا عليه ... كانا مكان الثوب من حقويّه [2]
/فلما فرغ من طوافه، وقضى حاجته من مكة خرج في الخلعاء من بكر وخزاعة، فاستجاشهم على بني لحيان، فقتل منهم قتلى، وسبى من نسائهم وذراريهم سبايا، وقال في ذلك:
لقد أمسى بنو لحيان منّي ... بحمد اللّه في خزى مبين
تركتهم على الرّكبات صعرا ... يشيبون الذّوائب بالأنين [3]
يشكو إلى عمر فراق ابنه:
أخبرني هاشم بن محمد الخزاعيّ، قال: حدثني عبد الرحمن ابن أخي الأصمعيّ قال: حدثني عمي قال:
هاجر خراش بن أبي خراش الهذليّ في أيام عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه، وغزا مع المسلمين، فأوغل في أرض العدو، فقدم أبو خراش المدينة، فجلس بين يدي عمر، وشكا إليه شوقه إلى ابنه، وأنه رجل قد انقرض أهله، وقتل إخوته، ولم يبق له ناصر ولا معين غير ابنه خراش، وقد غزا وتركه، وأنشأ يقول:
ألا من مبلغ عني خراشا ... وقد يأتيك بالنّبأ البعيد
وقد يأتيك بالأخبار من لا ... تجهّز بالحذاء ولا تزيد
- تزيد وتزوّد واحد، من الزاد -
يناديه ليغبقه كليب ... ولا يأتي، لقد سفه الوليد [4]
/فردّ إناءه لا شيء فيه ... كأنّ دموع عينيه الفريد [5]
وأصبح دون عابقه وأمسى ... جبال من حرار الشام سود [6]
ألا فاعلم خراش بأنّ خبر الم ... هاجر بعد هجرته زهيد [7]
رأيتك وابتغاء البرّدوني ... كمحصور اللّبان ولا يصيد [8]
قال: فكتب عمر رضي اللّه عنه بأن يقبل خراش إلى أبيه، وألا يغزو من كان له أب شيخ إلا بعد أن يأذن له.
__________
[1] الهاء من جارية. هاء السكت، ولعله يعني بالكعبي والكعبية جاره حاطما وامرأته. وتلك هي الحادثة التي أشار إليها في شعره سابقا.
[2] الحقو: الخصر، والهاء من «عليه» و «حقويه» هاء السكت.
[3] صعرا: جمع أصعر، والصعر: داء يصيب الإبل تلوي أعناقها منه استعاره للإنسان، أو هو ميل في أحد شقي الجسم، والمراد أنني أوقعت بهم على الركبات - اسم مكان - فأنوا أنينا يشيب الذوائب.
[4] الكليب: من الكلب بمعنى الظمأ، يغبقه: يسقيه مساء، فاعل يناديه كليب، والهاء من يناديه ضمير خراش، أي ينادي أبو خراش الظامىء خراشا ليسقيه اللبن مساء، فلا مجيب، وهذا سفه وعقوق منه.
[5] فاعل «رد» ضمير كليب، والفريد: اللؤلؤ، شبه الدمع باللؤلؤ في الصفاء.
[6] الهاء من «غابقة» تعود على كليب: أبي خراش. حرار: جمع حرة، الأرض فيها حجارة سوداء، أي أصبح بين أبي خراش وساقيه - يعني خراشا - جبال ...
[7] يقول له: إن جهادك في سبيل اللّه مع تركي زهيد الأجر.
[8] اللبان: موضع اللبب من الصدر، والمحصور: المشدود، يقول: إنك حين تبتغي الأجر بجهادك تاركا أباك كمن يريد الصيد، وهو مكتوف. ويروى: «كمخضوب اللبان».
مصرعه:
أخبرني حبيب بن نصر المهلبيّ، قال: حدثنا عمر بن شبة: قال: حدثنا الأصمعيّ. وأخبرني حبيب بن نصر، قال: حدثنا عبد اللّه بن أبي سعد قال: حدثنا عليّ بن الصبّاح، عن ابن الكلبيّ، عن أبيه.
وأخبرني هاشم بن محمد الخزاعيّ قال: حدثنا أبو غسّان دماذ: قال أبو عبيدة:
وأخبرني أيضا هاشم، قال: حدثنا عبد الرحمن ابن أخي الأصمعيّ، عن عمه، وذكره أبو سعيد السكري في رواية الأخفش عنه عن أصحابه، قالوا جميعا:
أسلم أبو خراش فحسن إسلامه، ثم أتاه نفر من أهل اليمن قدموا حجّاجا، فنزلوا بأبي خراش والماء منهم غير بعيد، فقال: يا بني عمي، ما أمسى عندنا ماء، ولكن هذه شاة وبرمة وقربة، فردوا الماء، وكلوا شاتكم، ثم دعوا برمتنا وقربتنا على الماء، حتى نأخذها، قالوا: واللّه ما نحن بسائرين في ليلتنا هذه، وما نحن ببارحين حيث أمسينا، فلما رأى ذلك أبو خراش أخذ قربته، وسعى نحو الماء تحت الليل حتى استقى، ثم أقبل/ صادرا، فنهشته حية قبل أن يصل إليهم، فأقبل مسرعا حتى أعطاهم الماء، وقال: اطبخوا شاتكم وكلوا ولم يعلمهم بما أصابه، فباتوا على شاتهم يأكلون حتى أصبحوا، وأصبح أبو خراش في الموت، فلم يبرحوا حتى دفنوه، وقال وهو يعالج الموت:
لعمرك والمنايا غالبات ... على الإنسان تطلع كلّ نجد
لقد أهلكت حيّة بطن أنف ... على الأصحاب ساقا ذات فقد [1]
وقال أيضا:
لقد أهلكت حية بطن أنف ... على الأصحاب ساقا ذات فضل
فما تركت عدوّا بين بصرى ... إلى صنعاء يطلبه بذحل [2]
قال: فبلغ عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه خبره، فغضب غضبا شديدا، وقال: لو لا أن تكون سبّة لأمرت ألّا يضاف يمان أبدا، ولكتبت بذلك إلى الآفاق. إن الرجل ليضيف أحدهم، فيبذل مجهوده فيسخطه [3] ولا يقبله منه، ويطالبه بما لا يقدر عليه، كأنه يطالبه بدين، أو يتعنّته ليفضحه، فهو يكلفه التكاليف، حتى أهلك ذلك من فعلهم رجلا مسلما، وقتله، ثم كتب إلى عامله باليمن بأن يأخذ النفر الذين نزلوا بأبي خراش فيغرّمهم ديته، ويؤدبهم بعد ذلك بعقوبة تمسهم جزاء لأعمالهم.
صوت
تهيم بها لا الدهر فان ولا المنى ... سواها ولا ينسيك نأي ولا شغل [4]
كبيضة أدحيّ بميث خميلة ... يحفّفها جون بجؤجؤة صعل [5]
الشعر لعبد الرحمن بن مسافع بن دارة، والغناء لابن محرز ثقيل أول بالوسطى، عن ابن المكي.
__________
[1] أنف: مكان، وحية منادى محذوف منه حرف النداء، ويريد بقوله: «ذات فقد» أن ساقه عداءة يترك فقدها فراغا لا يسد.
[2] الذحل: الثأر، وليس المراد أنه لم يتر أحدا بين بصرى وصنعاء، فيطالبه بالترة، بل المراد أنه قضى على الموتور والواتر معا، حتى لم يعد هناك من يطالبه بثأر، أو المراد أنه أخذ كل ثأر، فلم يبق من يطالبه أبو خراش بثأر.
[3] بسخطه من سخط الثلاثي: سخط عليه.
[4] ولا المنى سواها: لا متمنى لك إلّا هي.
[5] الأدحي: مبيض النعام. وميث خميلة: خميلة ممطورة، والجون: الأسود أو الأبيض (ضد). والجؤجؤ: عظم الصدر، والصعل:
الطويل: يشبه حبيبته ببيضة نعامة تحضنها أمها في خميلة مخضلة.
16 - أخبار ابن دارة ونسبه [1]
نسبه:
هو عبد الرحمن بن مسافع بن دارة، وقيل: بل هو عبد الرحمن بن ربعيّ بن مسافع بن دارة، وأخوه مسافع بن دارة، وكلاهما شاعر، وفي شعريهما جيعا غناء يذكر هاهنا وأخوهما سالم بن مسافع بن دارة شاعر أيضا وفي بعض شعره غناء يذكر بعد أخبار هذين. فأما سالم فمخضرم قد أدرك الجاهلية والإسلام. وأما هذان فمن شعراء الإسلام، ودارة لقب غلب على جدّهم، ومسافع أبوهم، وهو ابن شريح بن يربوع الملقب بدارة بن كعب بن عديّ بن جشم بن عوف بن بهثة بن عبد اللّه بن غطفان بن سعد بن قيس عيلان بن مضر. وهذا الشعر يقوله عبد الرحمن في حبس السّمهريّ العكليّ اللص وقتله وكان نديما له وأخا.
يستعدي قومه عكلا على بني أسد:
أخبرني بخبره هاشم بن محمد الخزاعيّ، قال: حدثنا أبو غسان دماذ، عن أبي عبيدة قال:
[2] لما أخذ السمهريّ العكليّ وحبس وقتل، - وكانت بنو أسد أخذته وبعثت به إلى السلطان وكان نديما لعبد الرحمن بن مسافع بن دارة، فقتل بعد طول حبس - فقال [2] عبد الرحمن بن مسافع يهجو بني أسد ويحرّض عليهم عكلا.
صوت
إن يمس بالعينين سقم فقد أتى ... لعينيك من طول البكاء على جمل [3]
تهيم بها لا الدهر فان ولا المنى ... سواها ولا تسلى بنأي ولا شغل [4]
/كبيضة أدحيّ بميث خميلة ... يحفّفها جون بجؤجؤة الصّعل [5]
وما الشمس تبدو يوم غيم فأشرقت ... على الشّامة العنقاء فالنّير فالذبل [6]
بدا حاجب منها وضنّت بحاجب ... بأحسن منها يوم زالت على الحمل [7]
__________
[1] هذه الترجمة مما سقط من التراجم من طبعة بولاق، وموضعها هنا حسب المخطوطات المعتمدة.
(2 - 2) كذا بالأصول، ولعل من الخير حذف لما، أو حذف الفاء من قوله: فقال عبد الرحمن.
[3] البيت من الطويل دخله الخرم، وفاعل أتى ضمير سقم.
[4] تقدم هذا البيت في «صوت» والعجيب أنه ورد هو وما بعده مرفوعين، ووردا هنا مجرورين كسائر أبيات القصيدة.
[5] انظر شرحه في «صوت».
(6 - 7) الشامة: أرض بها علامة سوداء، عنقاء: طويلة العنق، أي مرتفعة، النير والذّبل: من جبال ضريّة، وخبر ما قوله: بأحسن منها، زالت: رحلت، يقول: ما الشمس تطلع يوم غيم بحاجب، وتختفي بحاجب، بأجمل من محبوبته جمل، وقد حملت على محمل ناقتها.
يقولون: إزل حبّ جمل وقربها ... وقد كذبوا ما في المودة من إزل [1]
إذا شطحت عنّي وجدت حرارة ... على كبدي كادت بها كمدا تغلي [2]
ولم أر محزونين أجمل لوعة ... على نائبات الدهر منّي ومن جمل
كلانا يذود النفس وهي حزينة ... ويضمر وجدا كالنوافذ بالنبل [3]
وإني لمبلي اليأس من حبّ غيرها ... فأمّا على جمل فإني لا أبلي [4]
وإنّ شفاء النفس لو تسعف المنى ... ذوات الثنايا الغرّ والحدق النّجل
أولئك إن يمنعن فالمنع شيمة ... لهنّ وإن يعطين يحمدن بالبذل
سأمسك بالوصل الذي كان بيننا ... وهل ترك الواشون والنأي من وصل [5]
ألا سقّياني قهوة فارسية ... من الأوّل المختوم ليست من الفضل [6]
/تنسّي ذوي الأحكام واللبّ حلمهم ... إذا أزبدت في دنّها زبد الفحل [7]
ويا راكبا إمّا عرضت فبلّغن ... على نأيهم مني القبائل من عكل
بأنّ الذي أمست تجمجم فقعس ... إسار بلا أسر وقتل بلا قتل [8]
وكيف تنام الليل عكل ولم تنل ... رضى قود بالسمهريّ ولا عقل؟ [9]
فلا صلح حتى تنحط الخيل في القنا ... وتوقد نار الحرب بالحطب الجزل [10]
وجرد تعادي بالكماة كأنها ... تلاحظ من غيظ بأعينها القبل [11]
عليها رجال جالدوا يوم منعج ... ذوي التاج ضرّبوا الملوك على الوهل [12]
بضرب يزيل الهام عن مستقرّه ... وطعن كأفواه المفرّجة الهدل [13]
__________
[1] ف:
«يقولون إزل حب جمل وتربها»
[2] ف، هد:
«كادت بها كبدي تغلي»
[3] كالنوافذ: كالسهام النوافذ.
[4] إبلاء اليأس من الحب معناه الرجاء، فكأنه يقول: لا أمل في وصل جمل، أما وصل غيرها فمدرك سهل المنال.
[5] سأمسك بالوصل: سأذكر أيام الوصل، وأعيش على ذكراها، وإن كان الواشون والنأي عفيا على هذه الأيام.
[6] من الأول المختوم: يعني الدن الأول المعتق.
[7] زبد الفحل: يريد ما يخرج من فم الفحل من الإبل من اللغام.
[8] الجمجمة: إخفاء ما في النفس، أو الإهلاك، يريد أن فعل قبيلة فقعس بالسمهري حليفه إسار بلا موجب للإسار، وقتل بلا موجب للقتل، أي اعتداء صارخ.
[9] عكل: قبيلته التي يستصرخها، والعقل: الدية.
[10] نحطت الخيل: زفرت وصاتت من الإعياء.
[11] وجرد: وخيل جرد بالعطف على حطب، والحصان الأجرد: القصير الشعر، تعادى: أصله تتعادى بمعنى تعدو، بأعينها القبل:
التي فيها قبل، والقبل - بفتح القاف والباء - هو الحول.
[12] يوم منعج: يوم من أيامهم، وفي ف: «يوم شفج». الوهل. الفزع، يريد أن ركاب هذه الخيل مجربون خاضوا حرب منعج ضد الملوك فأفزعوهم.
[13] المفرجة الهدل: القرب المخرقة التي تهدلت شفاهها، أي استرخت، وذلك كناية عن سعة مواضع الطعن.
علام تمشّى فقعس بدمائكم ... وما هي بالفرع المنيف ولا الأصل؟ [1]
وكنّا حسبنا فقعسا قبل هذه ... أذلّ على وقع الهوان من النّعل
فقد نظرت نحو السماء وسلّمت ... على الناس واعتاضت بخصب من المحل
/ رمى اللّه في أكبادكم أن نجت بها ... شعاب القنان من ضعيف ومع وغل [2]
وإن أنتم لم تثأروا بأخيكم ... فكونوا نساء للخلوق وللكحل [3]
وبيعوا الرّدينيات بالحلي واقعدوا ... على الذلّ وابتاعوا المغازل بالنّبل [4]
ألا حبّذا من عنده القلب في كبل ... ومن حبّة داء وخبل من الخبل [5]
ومن هو لا ينسى ومن كلّ قوله ... لدينا كطعم الراح أو كجنى النّحل
ومن إن نأى لم يحدث النأي بغضه ... ومن إن دنا في الدار أرصد بالبذل [6]
خبر السمهري مع نديمه ومصرعه:
وأمّا خبر السمهريّ ومقتله فإن عليّ بن سليمان الأخفش أخبرني به قال: حدثنا أبو سعيد السّكّريّ قال: حدثنا محمد بن حبيب، عن أبي عمرو الشيبانيّ قال:
لقي السّمهريّ بن بشر بن أقيش [7] بن مالك بن الحارث بن أقيش العكلي ويكنى أبا الديل هو وبهدل ومروان بن قرفة الطائيان عون بن جعدة بن هبيرة بن أبي وهب بن عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤى بن غالب ومعه خاله: أحد بني حارثة بن لأم من طيء بالثعلبية، وهو يريد الحج من الكوفة، أو يريد المدينة، وزعم آخرون أنهم لقوه بين نخل والمدينة، فقالوا له: العراضة، أي مر لنا بشيء فقال: يا غلام [8]، جفّن لهم، فقالوا: لا واللّه ما الطعام/ نريد، فقال: عرّضهم [9]، فقالوا: ولا ذلك نريد، فارتاب بهم، فأخذ السيف فشدّ عليهم، وهو صائم، وكان بهدل لا يسقط له سهم، فرمى عونا فأقصده، فلما قتلوه ندموا، فهربوا، ولم يأخذوا إبله، فتفرقت إبله، ونجا خاله الطائي، إما عرفوه فكفوا عن قتله، وإما هرب ولم يعرف القتلة، فوجد بعض إبله في يدي شافع بن واتر الأسديّ.
وبلغ عبد الملك بن مروان الخبر فكتب إلى الحجاج بن يوسف، وهو عامله على العراق، وإلى هشام بن
__________
[1] تمشى بدمائكم: تذهب بها بلا قود، المنيف: العالي المرتفع.
[2] القنان: جمع قنة، وهي ما ارتفع من الجبل ونحوه، والوغل: النذل الساقط، يدعو على قومه بأن يصابوا في أكبادهم إن تركوا هؤلاء القوم الضعاف الساقطين يتحصنون منهم في شعاب الجبال.
[3] الخلوق: نوع من الطيب.
[4] الردينات: الرماح المنسوبة إلى ردينة، وهي امرأة كانت صناعا في إعدادها.
[5] البيت مصرع، ولذلك جاء بعروضة غير مقبوضة، والكبل: الأسر، وهنا يعود الشاعر إلى الغزل بحبيبته، فيختم به قصيدته، كما بدأها به.
[6] أرصد بالبذل: كوفىء يبذل الود ونحوه.
[7] في ف، هد: بشر بن أويس».
[8] جفن لهم: املأ الجفنة لهم طعاما.
[9] عرضهم: من العراضة بمعنى الهدية.
إسماعيل، وهو عامله على المدينة، وإلى عامل اليمامة أن يطلبوا قتلة عون، ويبالغوا في ذلك؛ وأن يأخذوا السّعاة به أشد أخذ، ويجعلوا لمن دلّ عليهم جعله [1]، وانشام [2] السمهريّ في بلاد غطفان في بلاد ما شاء اللّه.
ثم مرّ بنخل، فقالت عجوز من بني فزارة: أظن واللّه هذا العكليّ الذي قتل عونا، فوثبوا عليه، فأخذوه، ومر أيوب بن سلمة المخزوميّ بهم، فقالت له بنو فزارة: هذا العكليّ قاتل عون ابن عمك، فأخذه منهم، فأتى به هشام بن إسماعيل المخزومي عامل عبد الملك على المدينة، فجحد وأبى أن يقرّ، فرفعه إلى السجن فحبسه.
وزعم آخرون أن بني عذرة أخذوه فلما عرفت إبل عون في يدي شافع بن واتر اتهموه بقتله، فأخذوه، وقالوا:
أنت قرفتنا [3]، قتلت عونا، وحبسوه بصلّ: ماء لبني أسد، وجحد، وقد كان عرف من قتله، إما أن يكون كان معهم، فورّي عنهم، وبرأ نفسه، وإما أن يكون أودعوها إياه، أو باعوها منه، فقال شافع:
/فإن سرّكم أن تعلموا أين ثأركم ... فسلمى معان وابن قرفة ظالم [4]
وفي السجن عكليّ شريك لبهدل ... فولّوا ذباب السّيف من هو حازم [5]
فو اللّه ما كنا جناة ولا بنا ... تأوّب عونا حتفه وهو صائم [6]
فعرفوا من قتله، فألحّوا على بهدل في الطلب، وضيقوا على السمهريّ في القيود والسجن، وجحد، فلما كان ذلك من إلحاحهم على السمهريّ أيقنت نفسه أنه غير ناج، فجعل يلتمس الخروج من السجن، فلما كان يوم الجمعة والإمام يخطب، وقد شغل الناس بالصلاة فكّ إحدى حلقتي قيده، ورمى بنفسه من فوق السجن، والناس في صلاتهم، فقصد نحو الحرة، فولج غارا من الحرة، وانصرف الإمام من الصلاة فخاف أهل المدينة عامتهم أتباعه، وغلقوا أبوابهم، وقال لهم الأمير: اتّبعوه فقالوا: وكيف نتبعه وحدنا، فقال لهم: أنتم ألفا رجل، فكيف تكونون وحدكم؟ فقالوا: أرسل معنا الأبلّيّين؛ وهم حرس وأعوان من أهل الأبلّة، فأعجزهم الطلب، فلما أمسى كسر الحلقة الأخرى، ثم همس [7] ليلته طلقا، فأصبح وقد قطع أرضا بعيدة، فبينا هو يمضي إذ نعب غراب عن شماله، فتطيّر، فإذا الغراب على شجرة بان ينشنش [8] ريشه، ويلقيه، فاعتاف [9] شيئا في نفسه، فمضى، وفيها ما فيها، فإذا هو قد لقي راعيا في وجهه ذلك، فسأله: من أنت؟ قال: رجل من لهب من أزد شنوءة أنتجع أهلي، فقال له:
هل عندك شيء من زجر قومك؟ فقال: إني لآنس من ذلك شيئا أي/ لأبصر، فقص عليه حاله غير أنه ورّى [10] الذّنب على غيره والعيافة، وخبّره عن الغراب والشجرة، فقال الّلهبيّ: هذا الذي فعل ما فعل، ورأى الغراب على
__________
[1] الجعل: المكافأة ونحوها.
[2] انشام في بلاع غطفان: دخل فيها.
[3] القرفة: من تتّهمه بشيء.
[4] في ف، هد:
«فسامى معاد»
[5] «حازم» كذا في س، وفي ف «حارم» والذي نرجحه أن هذا وذاك من قبيل التصحيف، والصواب «جارم» بمعنى مذنب.
[6] تأويه حتفه: أصابته منيته.
[7] همس: سار بالليل بلا فتور.
[8] نشنش الطائر ريشه: نتفه نتفا خفيفا بمنقاره، وطيره في الهواء.
[9] اعتاف: من الاعتياف، وهو زجر الطير للتفاؤل أو التطير، والمراد هنا التطير.
[10] ورّى: يعني أنه كان ينسب أفعاله إلى غيره بقصد التعمية عن المخاطب.
البانة يطرح ريشه سيصلب، فقال السمهريّ: بفيك [1] الحجر، فقال اللهبي: بل بفيك الحجر، استخبرتني فأخبرتك ثم تغضب. ثم مضى حتى اغترز في بلاد قضاعة، وترك بلاد غطفان [2] وذكر بعض الرواة أنه توقف يومه وليلته فيما يعمله؛ وهل يعود من حيث جاء ثم سار [2]. حتى أتى أرض عذرة بن سعد يستجير القوم فجاء إلى القوم متنكرا، ويستحلب الرعيان اللبن، فيحلبون له، ولقيه عبد اللّه الأحدب السعديّ: أحد بني مخزوم من بني عبد شمس، وكان أشدّ منه وألصّ، فجنى جناية، فطلب، فترك بلاد تميم، ولحق ببلاد قضاعة، وهو على نجيبة لا تساير، فبينا السمهري يماشي راعيا لبني عذرة، ويحدثه عن خيار إبلهم، ويسأله السمهريّ عن ذلك - وإنما يسأله عن أنجاهنّ ليركبها. فيهرب بها، لئلا يفارق الأحدب - أشار له إلى ناقة، فقال السمهري: هذه [3] خير من التي تفضلها، هذه لا تجاري، فتحيّن الغفلة، فلما غفل وثب عليها، ثم صاح بها فخرجت تطير به، وذلك في آخر الليل، فلما أصبحوا فقدوها، وفقدوه، فطلبوه في الأثر. وخرجا [4] حتى إذا كان حجر عن يسارهما، وهو واد في جبل، أو شبه الثقب فيه استقبلتهما سعة هي أوسع من الطريق، فظنا أن الطريق فيها، فسارا مليا فيها، ولا نجم يأتمان به، فلما عرفا أنهما حائدان، والتفت عليهما الجبال أمامهما، وجدّ الطلب إثر بعيريهما، ورواه وقد سلك الثقب في غير طريق عرفوا أنه سيرجع، فقعدوا له [5] بفم الثقب ثم كرا راجعين،/ وجاءت الناقة، وعلى رأسها مثل الكوكب من لغامها، فلما أبصر القوم همّ أن يعقر ناقتهم، فقال له الأحدب: ما هذا جزاؤها. فنزل، نزل الأحدب، فقاتلهما القوم، حتى كادوا [6] يغشون السّمهريّ فهتف بالأحدب، فطرد عنه القوم، حتى توقلا في الجبل، وفي ذلك يقول السّمهريّ يعتذر من ضلاله:
وما كنت - محيارا ولا فزع السّرى ... ولكن حذا حجر بغير دليل [7]
وقال الأحدب في ذلك:
لمّا دعاني السمهريّ أجبته ... بأبيض من ماء الحديد صقيل
وما كنت ما اشتدّت على السيف قبضتي ... لأسلم من حبّ الحياة زميلي
وقال السّمهريّ أيضا:
نجوت ونفسي عند ليلى رهينة ... وقد غمّني داج من الليل دامس [8]
وغامست عن نفسي بأخلق مقصل ... ولا خير في نفس امرىء لا تغامس [9]
ولو أن ليلى أبصرتني غدوة ... ومطواي والصفّ الذين أمارس [10]
__________
[1] بفيك الحجر: جملة دعائية يسب بها مخاطبه.
(2 - 2) تكملة من هد، هج.
[3] هذه: إشارة إلى ناقة أخرى غير التي اختارها الراعي.
[4] ضمير «خرجا» يعود على السمهري والأحدب.
[5] له: للسمهري، وإنما أفرد الضمير هنا مع أن الحديث عن اثنين - السمهري والأحدب - لأن الأول هو المطلوب للقوم.
[6] يغشونه: يريد يغشونه بسيوفهم، أي يضربونه بها.
[7] ولكن حذا حجر: ولكن حذوت حذا حجر بغير دليل، أي مشيت بحذائه، فأضلني، وحجر: الوادي الذي لم يستطيعا النفاذ منه، وإسناد الفزع إلى السري مجاز.
[8] غمني: غطى علي، دامس: مظلم.
[9] غامست: خضت الحرب، بأخلق مقصل: بسيف قاطع.
[10] مطواي: اسم مكان من طوي، يعني المكان الذي أقطعه، والصف: الجمع، الذين أمارس: الذين أعاني حربهم.
إذا لبكت ليلى عليّ وأعولت ... وما نالت الثوب الذي أنا لابس [1]
فرجع إلى صحراء منعج، وهي إلى جنب أضاخ، والحلّة قريب منها، وفيها منازل عكل، فكان يتردد ولا يقرب الحلة، وقد كان أكثر الجعل فيه، فمرّ بابني فائد/ ابن حبيب من بني أسد، ثم من بني فقعس فقال: أجيرا متنكرا، فحلبا له، فشرب ومضى لا يعرفانه، وذهبا، ثم لبث السمهري ساعة، وكرّ راجعا فتحدث إلى أخت ابني فائد، فوجداه منبطحا على بطنه يحدثها، فنظر أحدهما إلى ساقه مكدّحة [2]، إذا كدوح طريّة، فأخبر أخاه بذلك، فنظر، فرأى ما أخبره أخوه، فارتابا به، فقال أحدهما: هذا واللّه السمهريّ الذي جعل فيه ما جعل، فاتفقا على مضابرته [3]، فوثبا عليه، فقعد أحدهما على ظهره، وأخذ الآخر برجليه فوثب السمهري، فألقى الذي على ظهره، وقال: أتلعبان؟ وقد ضبط رأس الذي كان على ظهره تحت إبطه، وعالجه الآخر، فجعل [4] رأسه تحت إبطه أيضا، وجعلا يعالجانه، فناديا أختهما أن تعينهما، فقالت: ألي الشّرك في جعلكما؟ قالا: نعم، فجاءت بجرير [5] فجعلته في عنقه بأنشوطه ثم جذبته، وهو مشغول بالرّجلين يمنعهما، فلما استحكمت العقدة، وراحت من علابيّه [6] خلى عنهما، وشد أحدهما، فجاء بصرار [7]، فألقاه في رجله، وهو يداور الآخر، والأخرى تخنقه؛ فخرّ لوجهه، فربطاه، ثم انطلقا به إلى عثمان بن حيان المرّيّ، وهو في إمارته على المدينة فأخذا ما جعل لأخذه، فكتب فيه إلى الخليفة، فكتب أن أدفعه إلى ابن أخي عون: عدي، فدفع إليه، فقال السمهريّ: أتقتلني وأنت لا تدري أقاتل عمك أنا أم لا؟ ادن أخبرك، فأراد الدّنوّ منه، فنودي: إياك والكلب، وإنما أراد أن يقطع أنفه، فقتله بعمه. ولما حبسه ابن حيّان في السجن تذكر زجر الّلهبيّ وصدقه، فقال:
ألا أيّها البيت الذي أنا هاجره ... فلا البيت منسىّ ولا أنا زائره
/ ألا طرقت ليلى وساقي رهينة ... بأشهب مشدود عليّ مسامره [8]
فإن أنج يا ليلى فربّ فتى نجا ... وإن تكن الأخرى فشيء أحاذره
وما أصدق الطير التي برحت لنا ... وما أعيف الّلهبيّ لا عزّ ناصره [9]
رأيت غرابا ساقطا فوق بانة ... ينشنش أعلى ريشه ويطايره [10]
فقال غراب باغتراب من النوى ... وبان ببين من حبيب تحاذره [11]
__________
[1] هذا البيت جواب «لو» في البيت السابق.
[2] مكدحة: ذات خدوش وسحجات.
[3] مضابرته: من ضبر الشيء ضبرا بمعنى جمعه وشده، أي اتفقا على شد وثاقه.
[4] فاعل جعل ضمير السمهري، والهاء من رأسه تعود على ابن فائد الثاني.
[5] بجرير: بحبل.
[6] العلابي: أعصاب العنق.
[7] الصرار: ما يشد به خلف الناقة.
[8] بأشهب ... إلخ: يعني القيد، ومسامره نائب فاعل مشدود، والمراد بليلى هنا طيفها.
[9] برحت: مرت شمالا، ما أعيف اللهبي: ما أمهره في زجر الطير، لا عز ناصره: جملة دعائية.
[10] ينشنش أعلى ريشه: ينتفه بمنقاره نتفا خفيفا.
[11] يريد أن الغراب الذي رآه نذير الغربة، وأن البان نذير البين.
فكان اغتراب بالغراب ونية ... وبالبان بين بيّن لك طائره [1]
وقال السّمهري في الحبس يحرض أخاه مالكا على ابني فائد:
فمن مبلغ عنّي خليلي مالكا ... رسالة مشدود الوثاق غريب
ومن مبلغ حزما وتيما ومالكا ... وأرباب حامي الحفر رهط شبيب
ليبكوا التي قالت بصحراء منعج ... لي الشّرك يا بني فائد بن حبيب [2]
أتضرب في لحمي بسهم ولم يكن ... لها في سهام المسلمين نصيب [3]
/و قال السمهريّ يرقّق بني أسد:
تمنّت سليمى أن أقيل بأرضها ... وأنّي لسلمى ويبها ما تمنّت [4]
ألا ليت شعري هل أزورنّ ساجرا ... وقد رويت ماء الغوادي وعلّت [5]
بني أسد هل فيكم من هوادة ... فتغفر إن كانت بي النعل زلّت [6]
وبنو تميم تزعم أن البيت لمرة بن محكان السعديّ.
وقال السمهريّ في الحبس يذم قومه:
لقد جمع الحدّاد بين عصابة ... تسائل في الأقياد ما ذا ذنوبها [7]
بمنزلة أمّا اللئيم فشامت ... بها وكرام القوم باد شحوبها [8]
إذا حرسيّ قعقع الباب أرعدت ... فرائص أقوام وطارت قلوبها [9]
ألا ليتني من غير عكل قبيلتي ... ولم أدر ما شبّان عكل وشيبها؟
قبيلة «من» لا يقرع الباب وفدها ... لخير ولا يهدي الصواب خطيبها [10]
/نرى الباب لا نستطيع شيئا وراءه ... كأنّا قنيّ أسلمتها كعوبها [11]
__________
[1] نية: من نوى بمعنى بعد وانتقل.
[2] ليبكوا: من أبكى الرباعي، يريد من أشياعه أن يثكلوا هذه المرأة التي شدت وثاقه، وشاركت أخويها في جعله.
[3] يقصد التعجب من أن تسهم هذه المرأة في جعله، مع أن المرأة ليست بذات نصيب في الجهاد وغيره من الحروب.
[4] ويبها: ويحها.
[5] ساجر: مكان باليمامة يحن إليه.
[6] فاعل تغفر ضمير الهوادة، أو ضمير القبيلة - بني أسد - على أن في الكلام التفاتا.
[7] جمع الحداد ... إلخ: يعني القيود التي صنعها لهؤلاء المساجين.
[8] كنى بالشحوب البادي عن الشفقة والرثاء لهؤلاء المساجين.
[9] الحرسي: من يطلق عليه الآن رجل الشرطة، الفرائص: جمع فريصة، وهي عضلة بين الكتف والصدر ترتعد عند الفزع، والبيت في وصف حال السجين.
[10]
«قبيلة لا يقرع لها الباب ...
إلخ» كذا بالأصول، وقد زدنا كلمة من بعد قبيلة، وهي زيادة لازمة لإقامة الوزن والمعنى معا، وربما كانت «قبيلتنا» وعلى تصويبنا يكون المعنى: قبيلة رجال لا يأتي وفدها بخير، ولا يهدي خطيبها إلى صواب.
[11] نرى الباب ... إلخ: نحن سجناء لا نستطيع تجاوز باب السجن، وفي هد:
«كأنا قنا قد أسلمتها كعوبها»
، والوزن والمعنى على كلا الروايتين سليمان، وقنى: جمع قناة، وقناة الرمح: أعلاه، وكعبه: أسفله.
وإن تك عكل سرّها ما أصابني ... فقد كنت مصبوبا على ما يريبها [1]
وقال السمهريّ أيضا في الحبس:
ألا حيّ ليلى إذ ألمّ لمامها ... وكان مع القوم الأعادي كلامها [2]
تعلّل بليلى إنما أنت هامة ... من الغد يدنو كلّ يوم حمامها [3]
وبادر بليلى أوجه الركب إنهم ... متى يرجعوا يحرم عليك كلامها [4]
وكيف ترجّيها وقد حيل دونها ... وأقسم أقوام مخوف قسامها [5]
لأجتنبنها أو ليبتدرنّني ... ببيض عليها الأثر فعم كلامها [6]
لقد طرقت ليلى ورجلي رهينه ... فما راعني في السجن إلا لمامها [7]
فلّما انتبهت للخيال الذي سرى ... إذا الأرض قفر قد علاها قتامها
/ فإلّا تكن ليلى طوتك فإنه ... شبية بليلى حسنها وقوامها [8]
ألا ليتنا نحيا جميعا بغبطة ... وتبلى عظامي حين تبلى عظامها
وقال أيضا:
ألا طرقت ليلى وساقي رهينة ... بأسمر مشدود عليّ ثقيل [9]
فما البين يا سلمى بأن تشحط النّوى ... ولكنّ بينا ما يريد عقيل [10]
فإن أنج منها أنج من ذى عظيمة ... وإن تكن الأخرى فتلك سبيل [11]
وقال أيضا وهو طريد:
فلا تيأسا من رحمة اللّه وانظرا ... بوادي جبونا أن تهبّ شمال [12]
__________
[1] يريبها: يؤذيها، يريد أنها جزته على حمايته لها جزاء سنمّار.
[2] لعله يريد أن طيف محبوبته حين ألم شفع له عند آسريه.
[3] يقال: فلان هامة الغد بمعنى قصير العمر.
[4] يقول: استقبلها الاستقبال الأخير، وودعها الوداع الأخير، واستقبالها ووداعها كلاهما في عالم الخيال بدليل البيت التالي.
[5] قسامها: مصدر قاسمه قساما، والمراد أن هؤلاء الأقوام قاسم بعضهم بعضا على هلاكه.
[6] لأجتنبنها: جواب القسم في البيت السابق، ليبتدرنني: مضارع ابتدر اتصل بواو الجماعة، وأكد بنون التوكيد الثقيلة، البيض:
السيوف، الأثر: بريق السيف ورونقه، فعم: ممتلى ء، يقال: فعم الأناء، فهو فعم: امتلأ، الكلام - بكسر الكاف - الجراح، يقول:
وكيف أرجي قرب ليلى، ودونها أقوام حلفوا أن يبادروني بسيوف تفيض جراحها دما غزيرا؟.
[7] ف، هد: «سلائها» بدل «لمامها».
[8] طوتك: يريد طوت الأرض إليك، وضمير إنه يعود على طيف ليلى، حسنها مبتدأ محذوف الخبر، أي له حسنها وقوامها، أو هو بدل من شبيه، لا فاعل له، يقول: إن لم تكن ليلى زارتك بشخصها فإن خيالها شبيه بها في الحسن والقوام وهذا التخريج خير من أن نجعل حسنها بدلا من ليلى، فيجر، ويدخل القافية الإقواء.
[9] يريد بالأسمر، القيد.
[10] تشحط: تبعد، عقيل: لعله أحد آسرية، يقول: ليس البين ما بيني وبينك من بعد، ولكن البين هو هلاكي الذي يريده عقيل.
[11] من ذي عظيمة: من حادثة ذي مغبة عظيمة، وإن تكن الأخرى: يريد الموت، فتلك سبيل: مسلوكة يسلكها الجميع.
[12] بوادي جبونا: مكان، تهب شمال: تهب ريح شمالية مؤذنة بالفرج.
ولا تيأسا أن ترزقا أريحيّة ... كعين المها أعناقهنّ طوال [1]
من الحارثيّين الذين دماؤهم ... حرام وأما مالهم فحلال
وقال أيضا:
ألم تر أنّي وابن أبيض قد جفت ... بنا الأرض إلا أن نؤمّ الفيافيا [2]
/طريدين من حيّين شتى أشدّنا ... مخافتنا حتى نخلنا التّصافيا [3]
وما لمته في أمر حزم ونجدة ... ولا لامني في مرّتي واحتياليا
وقلت له إذ حلّ يسقي ويستقي ... وقد كان ضوء الصبح للّيل حاديا:
لعمري لقد لاقت ركابك مشربا ... لئن هي لم تضّبح عليهنّ عاليا [4]
بعض أخباره:
وأخذت طيّىء ببهدل ومروان أخيه أشدّ الأخذ، وحبسوا، فقالوا: إن حبسنا لم نقدر عليهما ونحن محبوسون، ولكن خلّوا عنا، حتى نتجسّس عنهما، فنأتيكم بهما، وكانا تأبدا مع الوحش يرميان الصّيد فهو رزقهما.
ولما طال ذلك على مروان هبط إلى راع، فتحدث إليه فسقاه، وبسطه، حتى اطمأن إليه، ولم يشعره أنه يعرفه، فجعل يأتيه بين الأيام، فلا ينكره، فانطلق الراعي، فأخبره باختلافه إليه، فجاء معه الطلب، وأكمنهم، حتى إذا جاء مروان إلى الراعي كما كان يفعل سقاه، وحدثه فلم يشعر حتى أطافوا به، فأخذوه، وأتوا به عثمان بن حيان أيضا عامل الوليد بن عبد الملك على المدينة، فأعطى الذي دلّ عليه جعله، وقتله.
نهاية بهدل:
وأما بهدل فكان يأوي إلى هضبة سلمى، فبلغ ذلك سيّدا من سلمى [5]، من طيء، فقال: قد أخيفت طيّ ء، وشرّدت من السهل من أجل هذا الفاسق الهارب، فجاء حتى حلّ بأهله أسفل تلك الهضبة ومعه أهلات [6] من قومه، فقال لهم: إنكم بعيني الخبيث، فإذا كان النهار فليخرج الرجال من البيوت،/ وليخلوا النساء، فإنه إذا رأى ذلك انحدر إلى القباب، وطلب الحاجة والعلّ [7] فكانوا يخلون الرجال نهارا فإذا أظلموا ثابوا إلى رحالهم أياما، فظنّ بهدل أنهم يفعلون ذلك لشغل يأتيهم، فانحدر إلى قبة السّيّد، وقد أمر النساء: إن انحدر إليكن رجل فإنه ابن عمكن، فأطعمنه وادهنّ رأسه.
وفي قبة السيد ابنتان له فسألهما: من أنتما؟ فأخبرتاه، وأطعمتاه، ثم انصرف فلما راح أبوهما أخبرتاه، فقال:
__________
[1] أريحية: خيلا أريحية، أي كريمة الخلق، كعين المها: كبقر الوحش ذوات الأعين النجلاء، يريد أن هذه الخيل ربما جاءت لنجدته.
[2] ابن أبيض: كناية عن زميل له في التشرد.
[3] شتى: جمع شتيت بمعنى متفرقة، وأراد بالجمع ما فوق الواحد، نخلنا التصافيا: من نخل الشيء بمعنى خلصه من كل ما يشوبه، أي: أخلص كلانا لأخيه، والمعنى أنني أنا وابن أبيض من حيين مختلفين شتتنا الخوف، وألف بيننا ألفة وثيقة.
[4] البيت مقول القول في البيت السابق، عليهن: على الآبار المفهومة من المقام، والمعنى: لاقت ركابك مشربا سائغا، إذا لم تضبح، أي تصهل، فيسمع الأعداء صهيلها عاليا.
[5] في ف: «فبلغ ذلك سند بن سلمى».
[6] أهلات: جمع أهل، وفي بعض المخطوطات: أهلاب - بالباء - وهو تصحيف.
[7] العل: الشراب، وفي بعض النسخ «النقل» بدل «العل»، وربما كان ذلك تحريف «الحل» بكسر الحاء.
أحسنتما إلى ابن عمكما، فجعل ينحدر إليهما، حتى اطمأنّ، وغسلتا رأسه، وفلّتاه ودهنتاه، فقال الشيخ لابنتيه:
أفلياه، ولا تدهناه إذا أتاكما هذه المرة، واعقدا خصل لمّته إذا نعس رويدا بخمل القطيفة.
ثم إذا شددنا عليه فأقلبا القطيفة على وجهه، وخذا أنتما بشعره من ورائه فمدّا به إليكما، ففعلتا، واجتمع له أصحابه، فكروا إلى رحالهم قبل الوقت الذي كانوا يأتونها، وشدّوا عليه، فربطوه، فدفعوه إلى عثمان بن حيّان، فقتله، فقالت بنت بهدل ترثيه:
فيا ضيعة الفتيان إذ يعتلونه ... ببطن الشّرى مثل الفنيق المسدم [1]
دعا دعوة لما أتى أرض مالك ... ومن لا يجب عند الحفيظة يسلم [2]
/أما كان في قيس من ابن حفيظة ... من القوم طلّاب التّرات غشمشم [3]
فيقتل جبرا بامرىء لم يكن به ... بواء ولكن لا تكايل بالدم [4]
وكان دعا: يا لمالك لينتزعوه، فلم يجبه أحد.
مساجلة بينه وبين الكميت:
قال: ولما قال عبد الرحمن بن دارة ابن عم سالم بن دارة هذه القصيدة [5] يحضّ عكلا على بني فقعس اعترض الكميت بن معروف الفقعسيّ، فعيره بقتل سالم حين قتله زميل الفزاريّ، فقال قوله:
فلا تكثروا فيه الضّجاج فإنه ... محا السيف ما قال ابن دارة أجمعا
فقال عبد الرحمن بن دارة:
فيا راكبا إمّا عرضت فبلّغن ... مغلغلة عنّي القبائل من عكل
جلت حمما عنها القصاف وما جلت ... قشير وفي الشّدّات والحرب ما يجلي [6]
فإن بك باع الفقعسيّ دماءهم ... بوكس فقد كانت دماؤكم تغلي [7]
/و كيف تنام الليل عكل ولم يكن ... لها قود بالسّمهريّ ولا عقل [8]
__________
[1] يعتلونه: من عتله يعتله - بمعنى قاده بعنف وغلظة، الفنيق: فحل الإبل، المسدم: الهائج الممتنع ركوبه.
[2] الحفيظة: الحرب، ويسلم - بالبناء المجهول - بمعنى يسلم نفسه لأعدائه.
[3] الغشمشم: المقدام الذي يقتحم الحروب غير هياب، وفي ف «كريمة» بدل «حفيظة».
[4] جبر المشار إليه في البيت هو جبر بن عبيد الذي دفع بهدلا إلى السلطان فقتله، بواء: كف ء، لا تكايل في الدم: لا تقدر الدماء بالكيل، والمعنى: أما كان في قيس رجل شجاع يقتل جبرا قاتل أبي، وإن لم يكن كفئا له، ولو كانت الدماء تكال ما أجزأت دماء جبر في دماء أبي، والمراد بتقدير الدم الكيف لا الكم.
[5] يعني القصيدة اللامية التي تقدم ذكرها في أول الترجمة، ويلاحظ أنه هنا يقول: «يحض بها عكلا على بني فقعس، وهناك قال:
«يحض بها عكلا على بني أسد».
[6] في البيت اضطراب وخلاف كبير في رواية ألفاظه، والذي نرجحه في معناه هو ما يلي: القصاف: فرس مشهورة لبني قشير، الحمم: ما خمد من النيران، يقول: إن القصاف أو قدت النيران بأرضكم، وما جلا قومها قشير عنكم، ولو أنكم شددتم في الحرب عليهم لأجليتموهم، والكلام على سبيل التمثيل، فهو لا يريد «قشيرا» ولكن يريد «فقعسا» أو «أسدا» على الخلاف الذي تقدم ذكره.
[7] يقول: إن يكن الفقعسي الذي أسلم ندمائي باع دماءهم رخيصة فقد كانت دماؤكم تغلي حمية لأخذ الثأر، فما بالكم لا تفعلون!.
[8] ورد هذا البيت هنا وفيه إقواء، مع أنه تقدم سالما من هذا الإقواء، فارجع إليه وإلى بقية الأبيات في القصيدة اللامية التي تقدمت في مبدأ الترجمة.
رمى اللّه في أكبادهم إن نجت بها ... حروف القنان من ذليل ومن وغل
وكنا حسبنا فقعسا قبل هذه ... أذلّ على طول الهوان من النّعل
فإن أنتم لم تثأروا بأخيكم ... فكونوا بغايا للخلوق وللكحل
وبيعوا الردينيّات بالحلي واقعدوا ... على الوتر وابتاعوا المغازل بالنّبل
فإنّ الذي كانت تجمجم فقعس ... قتيل بلا قتلى وتبل بلا تبل
فلا سلم حتى تنحط الخيل بالقنا ... وتوقد نار الحرب بالحطب الجزل
يقتلون ابن سعدة وأمه:
فلما بلغ قوله مالكا أخا السمهريّ بخراسان، انحطّ من خراسان، حتى قدم بلاد عكل فاستجاش نفرا من قومه، فعلقوا [1] في أرض بني أسد يطلبون الغرّة فوجدوا بثادق [2] رجلا معه امرأة من فقعس، فقتلوه، وحزّوا رأسه، وذهبوا بالرأس، وتركوا جسده، كما قتلوها أيضا، وذكر لي: أن الرجل ابن سعدة والمرأة التي كانت معه هي سعدة أمّه، فقال عبد الرحمن في ذلك:
ما لقتيل فقعس لا رأس له ... هلّا سألت فقعسا من جدّله [3]
لا يتبعنّ فقعسيّ جمله ... فردا إذا ما الفقعسيّ أعمله [4]
لا يلقينّ قاتلا فيقتله ... بسيفه قد سمّه وصقله [5]
/و قال عبد الرحمن أيضا:
لمّا تمالى القوم في رأد الضّحى ... نظرا وقد لمع السّراب فجالا [6]
نظر ابن سعدة نظرة ويلا لها ... كانت لصحبك والمطيّ خبالا [7]
لمحا رأى من فوق طود يافع ... بعض العداة وجنّة وظلالا [8]
عيّرتني طلب الحمول وقد أرى ... لم آتهنّ مكفّفا بطّالا [9]
فانظر لنفسك يا بن سعدة هل ترى ... ضبعا تجرّ بثادق أوصالا
__________
[1] علقوا: طفقوا، أي أخذوا يطلبون الغرة.
[2] ثادق: اسم واد في ديار عقيل.
[3] يقصد بقتيل فقعس ابن سعدة، جدّله: صرعه، وفي ف، هج، هد:
«هلا سألت بارقا من جدله»
[4] أعمل جمله: جعله يعمل، أي سرح به، يريد أن يقول: لا يأمن فقعسى على نفسه منا.
[5] في ف، هج: «بصارم» بدل «بسيفه».
[6] تمالى القوم، من ملا يملو بمعنى سار سيرا حثيثا. نظرا: مفعول مطلق لفعل محذوف، أي وهم ينظرون نظرا.
[7] البيت جواب لما في البيت السابق، وابن سعدة هو القتيل الذي قتلوه، وفي ف، هد «و تلابها» وفي ب «ويلابها» ونرجح أن كليهما تحريف «ويلا لها» أي كانت هذه النظرة ويلا على صاحبها، والخطاب - فيما نرجح - للكميت الذي كانت بينه وبينه ملاحاة.
[8] فاعل رأى ابن سعدة، الجنة: السلاح ونحوه.
[9] الخطاب للكميت، الحمول: الديات، مكففا: من كف بمعنى ترك، بطالا: من بطل الدم بمعنى ذهب هدرا، والمعنى: عيرتني بطلب ديات سالم وعدم الأخذ بثأره، مع أنني لم أطلب هذه الديات متناسيا دمه مبطلا له كافا عن الأخذ بثأره، وقد كثر اضطراب الأصول في رواية ألفاظ هذا البيت، والمثبت بعضه من ف وهج.
أوصال سعدة والكميت وإنما ... كان الكميت على الكميت عيالا [1]
وقال عبد الرحمن في ذلك:
أصبحتم ثكلى لئاما وأصبحت ... شياطين عكل قد عراهنّ فقعس [2]
/قضى مالك ما قد قضى ثم قلّصت ... به في سواد الليل وجناء عرمس [3]
فأضحت بأعلى ثادق وكأنها ... محالة غرب تستمرّ وتمرس [4]
مصرعه:
وحدثني علي بن سليمان الأخفش أنّ بني أسد ظفرت بعبد الرحمن بن دارة بالجزيرة بعد ما أكثر من سبّهم وهجائهم وتآمروا في قتله، فقال بعضهم: لا تقتلوه، ولتأخذوا عليه أن يمدحنا ونحسن إليه فيمحو بمدحه ما سلف من هجائه، فعزموا على ذلك، ثم إن رجلا منهم كان قد عضّه بهجائه، اغتفله فضربه بسيفه، فقتله وقال في ذلك:
قتل ابن دارة بالجزيرة سبّنا ... وزعمت أن سبابنا لا يقتل
قال علي بن سليمان: وقد روي أن البيت المتقدم:
فلا تكثروا فيه الضّجاج فإنه ... محا السيف ما قال ابن دارة أجمعا
لهذا الشاعر الذي قتل ابن دارة، وهو من بني أسد، وهكذا ذكر السكّريّ.
صوت
[5] كلانا يرى الجوزاء يا جمل إذا بدت ... ونجم الثريا والمزار بعيد
فكيف بكم يا جمل أهلا ودونكم ... بحور يقمّصن السّفين وبيد
إذ قلت: قد حان القفول يصدّنا ... سليمان عن أهوائنا وسعيد
الشعر لمسعود بن خرشة المازنيّ، والغناء لبحر، خفيف ثقيل بالوسطى عن الهشامي [5].
__________
[1] سعدة هي أم الكميت التي قتلوها مع ابنها، الكميت: يعني من عيره - كما سبق - ولم يرد ذكر لموته، حتى تجر الضبع أوصاله، كما يشير البيت، فلعله يريد الإنذار بذلك، يعني أنه سيحصل غدا، وقوله:
«كان الكميت على الكميت عيالا»
، يقصد أن الكميت جبان لا شأن له بالحرب، فهو عالة على الكميت الذي يركبه، والكميت لقب من ألقاب الفرس.
[2] الخطاب لغرمائه من فقعس، عراهن: بدت لهن، أي هؤلاء شياطين فنكلوا بهم.
[3] مالك: فقعسى هرب - على ما يبدو - من المعركة، الوجناء: الناقة البارزة الوجنتين، العرمس: الصلبة، وقلصت به: نجت به.
[4] المحالة: البكرة تعلق على البئر يتصل بها الدلو، والغرب: الكبيرة من الدلاء، وتمرس: من أمرس الحبل: أعاده إلى مكانه، والمراد أن ناقة مالك حين هرب كانت تروح وتجيء على غير هدى في أعلى ثادق، كأنها دلو معلقة في حبل تصعد وتهبط.
(5 - 5) هذا الصوت مما سقط من مطبعة بولاق وموضعه هنا بحسب المخطوطات المعتمدة.
17 - أخبار مسعود بن خرشة [1]
يهوى جارية من قومه:
مسعود بن خرشة [2] أحد بني حرقوص بن مازن بن مالك بن عمرو بن تميم، شاعر إسلامي بدويّ من لصوص بني تميم، قال أبو عمرو: وكان مسعود بن خرشة يهوى امرأة من قومه من بني مازن يقال لها: جمل بنت شراحيل، أخت تمّام بن شراحيل المازنيّ الشاعر، فانتجع قومها ونأوا عن بلادهم، فقال مسعود:
كلانا يرى الجوزاء يا جمل إذ بدت ... ونجم الثّريّا والمزار بعيد [3]
فكيف بكم يا جمل أهلا ودونكم ... بحور يقمّصن السّفين وبيد [4]
إذا قلت: قد حان القفول يصدّنا ... سليمان عن أهوائنا وسعيد [5]
قال أبو عمرو: ثم خطبها رجل من قومها، وبلغ ذلك مسعودا فقال:
أيا جمل لا تشقي بأقعس حنكل ... قليل النّدى يسعى بكير ومحلب [6]
له أعنز حوّ ثمان كأنما ... يراهنّ غرّ الخيل أو هنّ أنجب [7]
يسرق إبلا:
وقال أبو عمرو: وسرق مسعود بن خرشة إبلا من مالك بن سفيان بن عمرو الفقعسيّ، هو ورفقاء له، وكان معه رجلان من قومه، فأتوا بها اليمامة ليبيعوها،/ فاعترض عليهم أمير كان بها من بني أسد، ثم عزل وولّي مكانه رجل من بني عقيل فقال مسعود في ذلك:
يقول المرجفون: أجاء عهد ... كفى عهدا بتنفيذ القلاص [8]
أتى عهد الأمارة من عقيل ... أغرّ الوجه ركّب في النواصي [9]
__________
[1] هذه الترجمة مما سقط من التراجم من طبعة بولاق، وموضعها هنا بحسب المخطوطات المعتمدة.
[2] خرشة: ورد هذا الاسم في «المعاجم» بفتح الخاء والراء والشين.
[3] يريد أن يقول: كيف تقع عيني وعينك على مرئيات واحدة، وكلانا بعيد عن صاحبه.
[4] قمص البحر السفينة: جعلها تضطرب في أمواجه، بيد: جمع بيداء.
[5] القفول: الرجوع، سليمان وسعيد: وآليان.
[6] الأقعس: من برز صدره ودخل ظهره في جسمه، الحنكل: القصير القامة، أو اللئيم النذل.
[7] حو: جمع حواء، وهي ما اختلطت خضرة لونها بسواد، أو حمرته بسواد. غر الخيل: مبتدأ بعد استفهام محذوف الأداة، يقول:
إنه مغرور بأعنزة يعدها في نجابة الخيول الفارهة.
[8] يستبشر بالعهد الجديد لأنه سينقذ نوقة التي سرقها، وفي ف، هد «بتقييد» بدل تنفيذ.
[9] أغر، حال من عقيل لا نعت، ويريد بقوله:
«ركب في النواصي»
أنه من علية القوم.
حصون بني عقيل كلّ عضب ... إذا فزعوا وسابغة دلاص [1]
وما الجارات عند المحل فيهم ... ولو كثر الروازح بالخماص [2]
قال: وقال مسعود «و قد» [3] طلبه والي اليمامة، فلجأ إلى موضع فيه ماء وقصب:
ألا ليت شعري هل أبيتنّ ليلة ... بوعثاء فيها للظباء مكانس [4]
وهل أنجون من ذي لبيد بن جابر ... كأنّ بنات الماء فيه المجالس [5]
وهل أسمعن صوت القطا تندب القطا ... إلى الماء منه رابع وخوامس [6]
__________
[1] العضب: السيف القاطع. والسابغة الدلاص: الدرع الصافية اللينة، يريد أنهم لا يتحصنون بحصون من أحجار، بل تحميهم سيوفهم ودروعهم.
[2] الروازح: جمع رازحة، وهي الناقة الهزيلة ونحوها. الخماص: الجياع يريد أن خيرهم يفيض على جاراتهم أيام المحل.
[3] زيادة يقتضيها المقام.
[4] الوعثاء: الأرض ذات الصخور. المكانس: مآوى الظباء.
[5] لعله يعني بذي لبيد ماء لبيد الذي تجالسه فيه بنات الماء، أي الضفادع ونحوها.
[6] منه رابع وخوامس، لعله يقصد مجرد التعدد.
18 - أخبار بحر ونسبه [1]
هو بحر بن العلاء، مولى بني أميّة، حجازيّ، أدرك دولة بني هاشم [2]، وعمّر إلى أيام الرشيد، وقد هرم، وكان له أخ يقال له عباس، وأخوه بحر أصغر منه، مات في أيام المعتصم، وكان يلقّب حامض الرأس، وله صنعة، وأقدمه الرشيد عليه، ثم كرهه، فصرفه.
حدثني جحظة قال: حدثني ميمون بن هارون قال: حدثني أحمد بن أبي خالد الأحول، عن علي بن صالح صاحب المصلّى:
أن الرشيد سمع من علّوية ومخارق وهما يومئذ من صغار المغنّين في الطبقة الثالثة [3] أصواتا استحسنها، ولم يكن سمعها، فقال لهما: ممنّ أخذتما هذه الأصوات، فقالا: من بحر، فاستعادها، وشرب عليها، ثم غناه مخارق بعد أيام صوتا لبحر، فأمر بإحضاره، وأمره أن يغني ذلك الصوت، فغناه، فسمع الرشيد صوتا حائلا مرتعشا فلم يعجبه، واستثقله لولائه لبني أمية، فوصله، وصرفه، ولم يصل إليه بعد ذلك.
صوت [4]
ألا يا لقومي للنوائب والدّهر ... وللمرء يردي نفسه وهو لا يدري
وللأرض كم من صالح قد تودّأت ... عليه فوارته بلمّاعة قفر
عروضه من الطويل، قال الأصمعي: يقال للرجل أو للقوم إذا دعوتهم: يال كذا «بفتح اللام» وإذا دعوت للشيء. قلت بالكسرة، تقول: يا للرجال ويا للقوم. وتقول: يا للغنيمة ويا للحادثة، أي اعجلوا للغنيمة وللحادثة، فكأنه قال: يا قوم اعجلوا للغنيمة. وروى الأصمعي وغيره مكان قد تودّأت: قد تلمّأت عليه، وتلاءمت، أي وارته، ويروى: تأكمت أي صارت أكمة.
الشعر لهدبة بن خشرم، والغناء لمعبد ثقيل أول بإطلاق الوتر في مجرى البنصر عن إسحاق.
__________
[1] هذه الترجمة مما سقط من التراجم من طبعة بولاق، وموضعها هنا بحسب المخطوطات المعتمدة.
[2] في هد: «أدرك دولة بني أمية» بدل «أدرك دولة بني هاشم».
[3] ف: «الثانية».
[4] هذا الصوت مما سقط من طبعة بولاق، وموضعه هنا.
19 - أخبار هدبة بن خشرم ونسبه [1] وقصته في قوله هذا الشعر وخبر مقتله
نسبه وأدبه:
هو هدبة بن خشرم [2] بن كرز بن أبي حيّة بن الكاهن - وهو سلمة - بن أسحم [3] بن عامر بن ثعلبة بن عبد اللّه بن ذبيان بن الحارث بن سعد بن هذيم؛ وسعد بن هذيم شاعر من أسلم بن الحاف بن قضاعة؛ ويقال: بل هو سعد بن أسلم، وهذيم عبد لأبيه رباه، فقيل: سعد بن هذيم، يعني سعدا هذا.
وهدبة شاعر فصيح متقدم من بادية الحجاز، وكان شاعرا راوية، كان يروي للحطيئة، والحطيئة يروي لكعب بن زهير، وكعب بن زهير يروي لأبيه زهير، وكان جميل رواية هدبة، وكثّير رواية جميل، فلذلك قيل: إن آخر فحل اجتمعت له الرواية إلى الشعر كثير.
وكان لهدبة ثلاثة إخوة كلهم شاعر: حوط وسيحان والواسع، أمهم حيّة بنت أبي بكر بن أبي حيّة من رهطهم الأدنين، وكانت شاعرة أيضا.
وهذا الشعر يقوله هدبة في قتله زيادة بن زيد بن مالك بن عامر بن قرّة بن حنش بن عمرو بن عبد اللّه بن ثعلبة بن ذبيان بن الحارث بن سعد بن هذيم.
أخبرني بالخبر في ذلك جماعة من شيوخنا، فجمعت بعض روايتهم إلى بعض، واقتصرت على ما لا بدّ منه من الأشعار، وأتيت بخبرهما على شرح، وألحقت ما نقص من رواية بعضهم عن رواية صاحبه في موضع النقصان.
الحرب بين رهطه ورهط زيادة بن زيد:
فممّن حدثني به محمد بن العباس اليزيديّ قال: حدثنا عيسى بن إسماعيل العتكيّ: تينة قال: حدثنا خلف بن المثنى الحدانيّ [4]، عن أبي عمر والمدينيّ.
وأخبرني الحسن بن يحيى، ومحمد بن مزيد بن أبي الأزهر البوشنجيّ، عن حماد بن إسحاق الموصلي عن أبيه.
وأخبرني إبراهيم بن أيوب الصائغ، عن ابن قتيبة.
وأخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن عمار، عن علي بن محمد بن سليمان النوفليّ، عن أبيه عن عمه. وقد نسبت
__________
[1] هذه الترجمة مما سقط من التراجم من طبعة بولاق وموضعها هنا بحسب المخطوطات المعتمدة.
[2] خشرم - بفتح الخاء والراء وسكون الشين - في الأصل: جماعة النحل والزنابير.
[3] في ف، هد: «ابن إسحاق» بدل «ابن أسحم».
[4] في هج «الحذاني»، وفي ف «الجداني».
إلى كل واحد منهم ما انفرد به من الرواية، وجمعت ما اتفقوا عليه، قال عيسى بن إسماعيل في خبره خاصة:
كان أول ما هاج الحرب بين بني عامر بن عبد اللّه بن ذبيان وبين بني رقاش، وهم بنو قرّة بن حفش [1] بن عمرو بن عبد اللّه بن ثعلبة بن ذبيان، وهم رهط زيادة بن زيد، وبنو عامر رهط هدبة، أن حوط بن خشرم أخا هدبة راهن زيادة بن زيد على جملين من إبلهما، وكان مطلقهما [2] من الغاية على يوم وليلة، وذلك في القيظ، فتزودوا الماء في الروايا والقرب، وكانت أخت حوط سلمى بنت خشرم تحت زيادة بن زيد، فمالت مع أخيها على زوجها، فوهّنت أوعية زيادة، ففنى ماؤه قبل ماء صاحبه، فقال زيادة:
قد جعلت نفسي في أديم ... محرّم الدّباغ ذي هزوم
ثمّ رمت بي عرض الدّيموم ... في بارح من وهج السّموم [3]
عند اطّلاع وعرة النجوم [4]
- /قال اليزيديّ في خبره: المحرّم: الذي لم يدبغ، والهزوم: الشقوق.
- قال: - وقال زيادة أيضا:
قد علمت سلمة بالعميس ... ليلة مرمار ومرمريس [5]
أنّ أبا المسور ذو شريس ... يشفي صداع الأبلج الدّلعيس [6]
العميس: موضع، والمرمار والمرمريس: الشّدة والاختلاط، وأبا المسور يعني زيادة نفسه، وكانت كنيته أبا المسور.
هدبة وزيادة كل منهما يشبب بأخت الآخر:
قال: فكان ذلك أول ما أثبت الضغائن بينهما، ثم إن هدبة بن خشرم وزيادة بن زيد اصطحبا، وهما مقبلان من الشام، في ركب من قومهما، فكانا يتعاقبان السّوق بالإبل، وكان مع هدبة أخته فاطمة، فنزل زيادة فارتجز فقال:
عوجي علينا واربعي يا فاطما ... ما دون أن يرى البعير قائما
- أي ما بين مناخ البعير إلى قيامه - .
ألا ترين الدمع منّي ساجما ... حذار دار منك لن تلائما [7]
فعرّجت مطّردا عراهما ... فعما يبذّ القطف الرّواسما [8]
__________
[1] في ف «ابن حوم» بدل «ابن حفش».
[2] مطلقهما: موضع إطلاقهما.
[3] العرض: الجانب، الديموم: الصحراء المترامية الأطراف، البارح: الريح الحارة صيفا، السموم: الحر الشديد.
[4] النجوم: جمع نجم، وهو ما لا ساق له من النبات، فلعله يريد عند طلوع الأرض الوعرة ذات النبات الذي لا ساق له.
[5] في رواية: بالحميس.
[6] الشريس: الشراسة، وهي سوء الخلق، الدلعيس: الضخمة المترهلة من الإبل، فلعله يريد أنه في زمان الشّدة والاختلاط عندما تظلم الليالي يشفي صداع الأبيض الضخم من النوق بنحره، وذلك كناية عن كرمه.
[7] يريد: حذار أن تنزلي دارا بعيدة غير ملائمة.
[8] في «المختار»:
«فأطردت مطردا»
- مطّرد: متتابع السير، وعراهم: شديد، وفعم: ضخم، والرسيم: سير فوق العنق، والرّواسم: الإبل التي تسير هذا السير الذي ذكرناه - .
/كأنّ في المثناة منه عائما ... إنّك واللّه لأن تباغما [1]
- المثناة: الزمام، وعائم: سائح، تباغم: تكلّم - .
خودا كأنّ البوص والمآكما ... منها نقا مخالط صرائما [2]
- البوص: العجز، والمأكمتان: ما عن يمين العجز وشماله، والنقا: ما عظم من الرمل. والصرائم: دونه - .
خير من استقبالك السّمائما ... ومن مناد يبتغي معاكما [3]
ويروى: ومن نداء، أي رجل [4] تناديه تبتغي أن يعينك على عكمك حتى تشده.
فغضب هدبة حين سمع زيادة يرتجز بأخته، فنزل فرجز بأخت زيادة، وكانت تدعى - فيما روى اليزيديّ - أمّ حازم، وقال الآخرون: أمّ القاسم، فقال هدبة:
لقد أراني والغلام الحازما ... نزجي المطيّ ضمّرا سواهما [5]
متى تظنّ القلص الرّواسما ... والجلّة النّاجية العياهما [6]
العياهم: الشّداد.
/يبلغن أمّ حازم وحازما ... إذا هبطن مستحيرا قاتما [7]
ورجّع الحادي لها الهماهما ... ألا ترين الحزن مني دائما [8]
حذار دار منك لن تلائما ... واللّه لا يشفي الفؤاد الهائما [9]
تمساحك اللّبّات والمآكما ... ولا اللّمام دون أن تلازما [10]
ولا اللّئام دون أن تفاقما ... ولا الفقام دون أن تفاغما [10]
__________
[1] تباغم: من بغمت الغزالة إذا نادت ولدها بصوت لين.
[2] البوص بفتح الباء وسكون الواو، أو بضم الباء.
[3] السمائم: جمع سموم، الحر الشديد، وقوله: «خير» في صدر البيت خبر المصدر المؤول «أن تباغم» في البيت الأول، يقول: إن مناجاتك للحسناء الثقيلة الردفين خير من الشد والترحال في الهواجر، ومن مناد يستعينك على شد رحاله.
[4] في ب «رجلا تنادينه» بدل «رجل تناديه»، وهو تحريف، فلا وجه لنصب «رجلا» كما أن الخطاب لمذكر.
[5] لضمر السواهم: النياق الصلبة لا ترهل في أجسامها.
[6] القلص: جمع قلوص: الفتية من الإبل، الرواسم: التي تمشي الرسيم، وهو نوع خفيف من السير، الجلة: جمع جليل وهي الناجية: السريعة، العياهم: جمع عيهم، وهي الناقة السريعة أيضا.
[7] يبلغن ... إلخ مفعول تظن الثاني، ضمير هبطن للنياق، المستحير: الطريق في المفازة لا يعرف أين ينتهي.
[8] في «المختار»:
«و رفع الهادي»
والهمهمة: الصوت تنوم المرأة به طفلها استعاره هنا لحداء الإبل، والخطاب في «ألا ترين» لأم خازم.
[9] يريد بعدم ملاءمة الدار أن تصد عنه.
(10 - 11) تمساحك فاعل يشفي، والمآكم: رؤوس الأفخاذ، وهي معطوفة على اللبات الواقعة مفعولا للمصدر، اللثام: اللثم، الفقام:
المباضعة، الفغام: التقبيل، يقول: ليس يشفي فؤادي أن أمسح باللبات والمآكم، أو أن تلمي دون أن تلازمي، وليس يشفيه التقبيل دون الجماع، ولا الجماع دون التقبيل، وأن تقع السيقان على السيقان.
وتعلو القوائم القوائما
قال: فشتمه زيادة، وشتمه هدبة، وتسابّا طويلا، فصاح بهما القوم: اركبا، لا حملكما اللّه. فإنا قوم حجّاج، وخشوا أن يقع بينهما شر فوعظوهما، حتى أمسك كل واحد منهما على ما في نفسه، وهدبة أشدهما حنقا، لأنه رأى أن زيادة قد ضامه، إذ رجز بأخته وهي تسمع قوله، ورجز هو بأخته، وهي غائبة لا تسمع قوله، فمضيا ولم يتحاورا بكلمة، حتى قضيا حجّهما، ورجعا إلى عشيرتيهما.
يرتجزون بعمه زفر:
قال اليزيديّ خاصة في خبره:
ثم التقى نفر من بني عامر، من رهط هدبة، فيهم أبو جبر، وهو رئيسهم الذي لا يعصونه، وخشرم أبو هدبة، وزفر عم هدبة، وهو الذي بعث الشّر، وحجّاج بن/ سلامة، وهو أبو ناشب، ونفر من بني رفاش رهط زيادة، وفيهم زيادة بن زيد، وإخوته: عبد الرحمن ونفّاع وأدرع بواد من أودية حرّتهم، فكان بينهم كلام، فغضب ابن الغسّانية، وهو أدرع، وكان زفر عم هدبة يعزى إلى رجل من بني رقاش، فقام له أدرع فرجز به فقال:
أدّوا إلينا زفرا ... نعرف منه النّظرا
وعينه والأثرا [1]
قال: فغضب رهط هدبة، وادّعوا حدّا على بني رقاش، فتداعوا إلى السلطان، ثم اصطلحوا على أن يدفع إليهم أدرع، فيخلو به نفر منهم، فما رأوه عليه أمضوه، فلما خلوا به ضربوه الحدّ ضربا مبرّحا، فراح بنو رقاش وقد أضمروا الحرب وغضبوا، فقال عبد الرحمن بن زيد:
ألا أبلغ أبا جبر رسولا ... فما بيني وبينكم عتاب
ألم تعلم بأن القوم راحوا ... عشية فارقوك وهم غضاب
فأجابه الحجاج بن سلامة فقال:
إن كان ما لاقى ابن كنعاء مرغما ... رقاش فزاد اللّه رغما سبالها [2]
منعنا أخانا إذا ضربنا أخاكم ... وتلك من الأعداء لا مثل مالها [3]
هو وزيادة يتهاديان الأشعار:
قال اليزيدي في خبره: وجعل هدبة وزيادة يتهاديان الأشعار، ويتفاخران، ويطلب/ كلّ واحد منهما العلوّ على صاحبه في شعره، وذكر أشعارا كثيرة، فذكرت بعضها، وأتيت بمختار ما فيه، فمن ذلك قول زيادة في قصيدة أولها:
أراك خليلا قد عزمت التّجنبا ... وقطّعت حاجات الفؤاد فأصحبا [4]
__________
[1] الشعر من مجزوء الرجز، وهو من قبيل التعريض.
[2] البيت من الطويل دخله الخرم، وابن كنعاء هو أدرع، السبال: طرف الشارب، أو مقدم اللحية، يقول: إذا كان ما لاقاه أدرع أذل رقاش فزادها اللّه ذلا.
[3] لا مثل مالها: لا مثل الذل الذي تنطوي عليه.
[4] أصحب الفؤاد: أصابه خبل.
اخترت منها قوله:
... وأنك للناس الخليل إذا دنت ... به الدار، والباكي إذا ما تغيّبا [1]
وقد أعذرت صرف الليالي بأهلها ... وشحط النّوى بيني وبينك مطلبا [2]
فلا هي تألو ما نأت وتباعدت ... ولا هو يألو ما دنا وتقرّبا [3]
أطعت بها قول الوشاة فلا أرى ال ... وشاة انتهوا عنه ولا الدهر أعتبا [4]
فهلّا صرمت والحبال متينة ... أميمة إن واش وشى وتكذّبا [5]
إذا خفت شكّ الأمر فارم بعزمه ... غيابته يركب بك الدهر مركبا
وإن وجهة سدّت عليك فروجها ... فإنّك لاق لا محالة مذهبا
يلام رجال قبل تجريب غيبهم ... وكيف يلام المرء حتى يجرّبا
وإنّي لمعراض قليل تعرّضي ... لوجه امرىء يوما إذا ما تجنّبا [6]
قليل عثارى حين أذعر، ساكن ... جناني إذا ما الحرب هرّت لتكلبا [7]
/بحسبك ما يأتيك فاجمع لنازل ... قراه ونوّبه إذا ما تنوّبا [8]
ولا تنتجع شرّا إذا حيل دونه ... بستر وهب أسبابه ما تهيّبا
أنا ابن رقاش وابن ثعلبة الذي ... بني هاديا يعلو الهوادي أغلبا [9]
بنى العزّ بنيانا لقومي فما صعوا ... بأسيافهم عنه فأصبح مصعبا [10]
فما إن ترى في الناس أما كأمّنا ... ولا كأبينا حين ننسبه أبا
أتمّ وأنمي بالبنين إلى العلا ... وأكرم منا في المناصب منصبا [11]
ملكنا ولم نملك وقدنا ولم نقد ... كأنّ لنا حقا على الناس ترتبا
- قال اليزيديّ: ترتب: ثابت لازم - .
__________
[1] في ب كالناس، وهو تحريف، يريد أنه لا ينسى الخليل إذا نسبه، يذكره قريبا، ويبكيه بعيدا.
[2] أنث صرف الليالي لاكتسابه التأنيث من المضاف إليه، يقول: إن صروف الليالي توجب التماس العذر للناس، وإن بعد الشقة بيني وبينك عذرني في طلابك.
[3] يريد أنها لا تقصرني حفظ عهد إن بعدت، كما أنه يزيد حبا لها إن قربت.
[4] يريد أنه تظاهر بطاعة الوشاة ليكفوا عنهما فلم يكفوا، ولا الدهر أعتبه، أي قبل عتابه.
[5] يقول: هلا تظاهرت يا أميمة أنت أيضا بصرم حبال الود، وإن كانت في الباطن متينة وثيقة العرى لتقطع ألسنة الوشاة.
[6] معراض: كثير الإعراض عن الشيء الذي لا يهمني.
[7] هرت: كشرت عن أنيابها، لتكلب: لتشتد.
[8] نوبة: احفظ حقه في النوبة عند الركوب ونحوه، وربما كانت محرفة عن «ثوبه» بمعنى كافئه، وأحسن إليه.
[9] الهادي: العنق، الأغلب: الغليظ العنق.
[10] ماصع: جالد. وفي «المختار»: «فأصبعوا» بدل «فما صعوا».
[11] في «المختار»:
« ... باليمين إلى العلا»
بآية أنّا لا نرى متتوّجا ... من الناس يعلونا إذا ما تعصّبا [1]
ولا ملكا إلا اتّقانا بملكه ... ولا سوقة إلا على الخرج أتعبا [2]
ملكنا ملوكا واستبحنا حماهم ... وكنّا لهم في الجاهلية موكبا [3]
ندامى وأردافا فلم تر سوقة ... توازننا فاسأل إيادا وتغلبا [4]
/فأجابه هدبة، وهذا مختار ما فيها فقال:
تذكر شجوا من أميمة منصبا ... تليدا ومنتابا من الشوق مجلبا [5]
تذكّر حبّا كان في ميعة الصّبا ... ووجدا بها بعد المشيب معتّبا [6]
إذا كاد ينساها الفؤاد ذكرتها ... فيا لك ما عنّى الفؤاد وعذّبا [7]
غدا في هواها مستكينا كأنه ... خليع قداح لم يجد متنشّبا [8]
وقد طال ما علّقت ليلى مغمّرا ... وليدا إلى أن صار رأسك أشيبا
- المغمّر: للغمر أي غير حدث - .
رأيتك في ليلى كذى الدّاء لم يجد ... طبيبا يداوي ما به فتطبّبا
فلما اشتفى مما به كرّطبّه ... على نفسه من طول ما كان جرّبا [9]
يقتل زيادة فيسجن:
فلم يزل هدبة يطلب غرّة زيادة حتى أصابها فبيّته فقتله، وتنحى مخافة السلطان، وعلى المدينة يومئذ سعيد بن العاص، فأرسل إلى عم هدبة وأهله فحبسهم بالمدينة، فلما بلغ هدبة ذلك أقبل حتى أمكن من نفسه وتخلّص عمّه وأهله، فلم يزل محبوسا حتى شخص عبد الرحمن بن زيد أخو زيادة إلى معاوية، فأورد كتابه إلى سعيد بأن يقيد منه إذا قامت البينة، فأقامها، فمشت عذرة إلى عبد الرحمن، فسألوه قبول الدية فامتنع، وقال:
صوت
أنختم علينا كلكل الحرب مرّة ... فنحن منيخوها عليكم بكلكل
فلا يدعني قومي لزيد بن مالك ... لئن لم أعجّل ضربة أو أعجّل [10]
__________
[1] الآية: الدليل، تعصب: لبس العصابة: عصابة الملك.
[2] السوقة: من عدا الملك، الخرج: الضريبة ونحوها، يعني أن الناس كانوا يتعبون في تأدية الخراج، وهو معفون.
[3] موكبا: يريد كنا جنودهم عند الحرب.
[4] أرداف: جمع ردف، وهو خليفة الملك في الجاهلية، يجلس عن يمينه، ويشرب بعده، وينوب عنه في الحكم إذا غزا.
[5] منصب: متعب، مجلب: من أجلب الجرح: علته القشرة.
[6] معتب: مستوجب للعتاب واللوم.
[7] مفعول عني وعذب محذوف، أي ما عناني الفؤاد وعذبني.
[8] الخليع: من غلب في القمار، المتنشب: من النشب، وهو النبل.
[9] يريد أنه كما شفي من داء الحب عاوده الحنين إلى الداء والدواء من جديد.
[10] لا يدعني قومي ... إلخ: لا ينسبني قومي إلى أبي إن لم أعجل بثأر أخي أو يعاجلني الموت.
أبعد الذي بالنّعف نعف كويكب ... رهينة رمس ذي تراب وجندل [1]
كريم أصابته ديات كثيرة ... فلم يدر حتى حين من كل مدخل [2]
أذكّر بالبقيا على من أصابني ... وبقياي أني جاهد غير مؤتلي [3]
غناه ابن سريج رملا بالسبابة في مجرى البنصر عن إسحاق، وقيل: إنه لمالك بن أبي المسح وله فيه لحن آخر.
رجع الخبر إلى سياقته
وأما علي بن محمد النوفليّ، فذكر عن أبيه: أنّ سعيد بن العاص كره الحكم بينهما، فحملهما إلى معاوية، فنظر في القصة، ثم ردها إلى سعيد. وأما غيره فذكر أن سعيدا هو الذي حكم بينهما من غير أن يحملهما إلى معاوية.
قال علي بن محمد عن أبيه:
فلما صاروا بين يدي معاوية قال عبد الرحمن أخو زيادة له: يا أمير المؤمنين أشكو/ إليك مظلمتي [4] وما دفعت إليه، وجرى عليّ وعلى أهلي وقرباي [4] وقتل أخي زيادة، وترويع نسوتي، فقال له [5] معاوية: يا هدبة قل.
فقال: إن هذا رجل سجّاعة [6]، فإن شئت أن أقص عليك قصتنا كلاما أو شعرا فعلت، قال: لا بل شعرا، فقال هدبة هذه القصيدة ارتجالا:
ألا يا لقومي للنّوائب والدّهر ... وللمرء يردي نفسه وهو لا يدري [7]
وللأرض كم من صالح قد تأكّمت ... عليه فوارته بلمّاعة قفر
فلا تتّقي ذا هيبة لجلاله ... ولا ذا ضياع هنّ يتركن للفقر [8]
حتى قال:
رمينا فرامينا فصادف رمينا ... منايا رجال في كتاب وفي قدر
وأنت أمير المؤمنين فما لنا ... وراءك من معدّى ولا عنك من قصر
فإن تك في أموالنا لم نضق بها ... ذراعا، وإن صبر فنصبر للصّبر
__________
[1] النعف: المكان المرتفع فيه صعود وهبوط وكويكب: موضع في دبار سعد بن هذيم.
[2] أصابته ديات كثيرة، يريد أنه كان يدفع الديات نيابة عن القاتلين كرما منه، أو أنه كان مطالبا بكثير من الديات لكثرة من قتل، وقوله: «حتى حين» لم نجد لها تخريجا، فلعلها «خين» بالخاء المعجمة من الخيانة، أو لعلها «خان» بمعنى هلك والبيت ساقط من س.
[3] أذكر: متعلق الجار والمجرور بالبيت الثالث، يعني أأذكر بالبقيا على من أصابني بفقد أخي بعد الذي بالنعف، غير مؤتلي: غير مقصر في طلب الوتر، وفي هج، هد:
«على ما أصابني»
بدل
«من أصابني»
(4 - 4) تكملة من ف.
[5] كلمة «له» هنا نرجح أنها زائدة فإن ضميرها يجب أن يعود على هدبة، ولم يتقدم له مرجع في الكلام.
[6] سجاعة: صيغة مبالغة من سجع في كلامه.
[7] أرجع إلى هذا البيت وما بعده في أول الترجمة.
[8] فاعل تتقي ضمير الأيام، وذا مفعول مقدم ليتركن.
فقال له معاوية: أراك قد أقررت [1] بقتل صاحبهم، ثم قال لعبد الرحمن: هل لزيادة ولد؟ قال: نعم، المسور، وهو غلام صغير لم يبلغ، وأنا عمه ووليّ دم أبيه، فقال: إنك لا تؤمن على أخذ الدية أو قتل الرجل بغير حق، والمسور أحق بدم أبيه فردّه إلى المدينة فحبس ثلاث سنين حتى بلغ المسور.
بينه وبين جميل بن معمر:
أخبرني الحرميّ بن العلاء قال: حدثنا الزبير بن بكار قال: نسخت من كتاب عامر بن صالح قال:
دخل جميل بن معمر العذريّ على هدبة بن خشرم السّجن وهو محبوس بدم زيادة بن زيد، وأهدى له بردين من ثياب كساه إياها سعيد بن العاص، وجاءه بنفقة، فلما دخل إليه عرض ذلك عليه، وسأله أن يقبله منه، فقال له هدبة: أأنت يا بن معمر الذي تقول:
بني عامر أنّى انتجعتم وكنتم ... إذا عدّد الأقوام كالخصية الفرد؟
أما واللّه لئن خلّص اللّه لي ساقي لأمدنّ لك مضمارك [2]، خذ برديك ونفقتك، فخرج جميل، فلما بلغ باب السجن خارجا قال: اللهم أغن [3] عنّي أجدع بني عامر، قال: وكانت بنو عامر قد قلّت، فحالفت لإياد.
من شعر أمه فيه:
قال أحمد بن الحارث الخرّاز عن المدائني:
فقالت أم هدبة فيه لما شخص إلى المدينة فحبس بها:
أيا إخوتي أهل المدينة أكرموا ... أسيركم إن الأسير كريم
فربّ كريم قد قراه وضافه ... وربّ أمور كلّهن عظيم
عصى جلّها يوما عليه فراضه ... من القوم عيّاف أشمّ حليم [4]
يتوسطون له فترفض وساطتهم:
فأرسل هدبة العشيرة [5] إلى عبد الرحمن في أول سنة فكلموه، فاستمع منهم ثم قال:
/أبعد الذي بالنّعف نعف كويكب ... رهينة رمس ذي تراب وجندل [6]
أذكّر بالبقيا على من أصابني ... وبقياي أني جاهد غير مؤتلي
فرجعوا إلى هدبة بالأبيات فقال: لم يوئسني بعد، فلما كانت السنة الثالثة بلغ المسور، فأرسل هدبة إلى عبد الرحمن من كلّمه فأنصت حتى فرغوا، ثم قام عنه مغضبا وأنشأ يقول:
__________
[1] الإقرار يتضمنه البيت: رمينا فرمينا ... إلخ.
[2] لأمدن لك مضمارك: «لأوسعن الميدان الذي ألاقيك فيه، وربما كانت لأعدن لك مضمارك» وعلى كل فهي تهديد.
[3] أغنه عني: اكفني شره، ويعني بأجدع بني عامر هدبة نفسه.
[4] عصى جلها ... إلخ، خبر أمور في البيت السابق، والهاء من راضه يعود على جل، والمراد «بعياف أشم حليم» هدبة نفسه.
[5] يريد عشيرته من بني عامر.
[6] تقدم هذا البيت وما قبله، وهما رفض لطلب العشيرة وإباء لعرض الدية.
سأكذب أقواما يقولون: إنّني ... سآخذ مالا من دم أنا ثائره [1]
فباست امرىء واست التي زحرت به ... يسوق سواما من أخ هو واتره [2]
ونهض، فرجعوا إلى هدبة فأخبروه الخبر فقال: الآن أيست منه، وذهب عبد الرحمن بالمسور، وقد بلغ إلى والي المدينة، وهو سعيد بن العاص، وقيل مروان بن الحكم، فأخرج هدبة.
لقاؤه الأخير بزوجته:
قالوا: فلما كان في الليلة التي قتل في صاحبها أرسل إلى امرأته، وكان يحبها: إيتيني الليل أستمتع بك وأودّعك، فأتته في الّلباس والطيّب، فصارت إلى رجل [3]، قد طال حبسه، وأنتنت في الحديد رائحته، فحادثها، وبكى، وبكت، ثم راودها عن نفسها، وطاوعته، فلما علاها سمعت قعقعة الحديد فاضطربت تحته، فتنحّى عنها وأنشأ يقول:
/و أدنيتني حتى إذا ما جعلتني ... لدى الخصر أو أدنى استقلّك راجف [4]
فإن شئت واللّه انتهيت وإنّني ... لئلا تريني آخر الدهر خائف
رأت ساعدي غول وتحت ثيابه ... جآجىء يدمى حدّها والحراقف [5]
ثم قال الشعر حتى أتى عليه وهو طويل جدا وفيه يقول:
صوت
فلم ترعيني مثل سرب رأيته ... خرجن علينا من زقاق ابن واقف [6]
تضمّخن في الجاديّ حتى كأنّما الأ ... نوف إذا استعرضتهنّ رواعف [7]
خرجن بأعناق الظباء وأعين ال ... جآذر وارتجّت لهن السّوالف [8]
فلو أنّ شيئا صاد شيئا بطرفه ... لصدن ظباء فوقهنّ المطارف [9]
غنى فيه الغريض رملا بالبنصر من رواية حبش، وفيه لحن خفيف ثقيل، وذكر إسحاق أن فيه لحنا ليونس، ولم يذكر طريقته في مجرده.
__________
[1] أنا ثائرة: أنا طالب ثأره.
[2] يريد بقول:
«واست الذي زحرت به»
:
ولدته.
[3] الرجل المقصود هنا هو هدبة نفسه.
[4] استقلك راجف: أصابك ما أفزعك.
[5] جآجى ء: جمع جؤجؤ، وهو عظم الصدر، الحراقف: جمع حرقفة، وهي أعلى الورك.
[6] في البيت إقواء، وفي بعض النسخ:
«خرجن علينا حين إذ أنا واقف»
وعليه فلا إقواء، ويرجح الرواية الأولى حديث السمكات الذي سيأتي بعد، ويرجح الرواية الثانية قول المؤلف فيما يلي: ليس هناك زقاق يحمل هذا الاسم.
[7] الجادي: الزعفران.
[8] السوالف: جمع سالفة، وهي جانب العتق.
[9] ظباء: فاعل صدن - على لغة أكلوني البراغث - المطارف: جمع مطرف، وهو رداء من خز مربع ذو أعلام، والمعنى: لو أن اللحظ يصيد لصادت هذه الظباء التي تلبس المطارف - يقصد الغواني - بألحاظها الرجال، وفي رواية:
«لصدن بألحاظ ذوات المطارف»
وعليه ففي البيت إقواء، والمعنى لا يتغير.
أيهما أحسن: سربه أم السمكات الثلاث؟:
أخبرنا الحرميّ قال: حدثنا الزبير عن عمه قال:
مرّ أبو الحارث جمّين يوما بسوق المدينة، فخرج عليه رجل من زقاق ابن واقف بيده ثلاث سمكات قد شقّ أجوافها: وقد خرج شحمها، فبكى أبو الحارث، ثم قال: تعس الذي يقول:
فلم ترعيني مثل سرب رأيته ... خرجن علينا من زقاق بن واقف
وانتكس ولا انجبر، واللّه لهذه السمكات الثلاث أحسن من السرب الذي وصف.
وأحسب أن هذا الخبر مصنوع لأنه ليس بالمدينة بزقاق ابن واقف، ولا بها سمك، ولكن رويت ما روي.
حبىّ ترثى لحاله:
وقال حماد بن إسحاق عن أبيه أنّ ابن كناسة قال:
مرّ بهدبة على حبيّ [1]؛ فقالت: في سبيل اللّه شبابك وجلدك وشعرك وكرمك؛ فقال هدبة:
تعجّب حبيّ من أسير مكبّل ... صليب العصا باق على الرّسفان [2]
فلا تعجبي منّي حليلة مالك ... كذلك يأتي الدهر بالحدثان
يبين لزوجته أوصاف من يخلفه عليها:
وقال النّوفليّ عن أبيه:
فلما مضي به من السجن للقتل، التفت فرأى امرأته؛ وكانت من أجمل النساء فقال:
/أقلّي عليّ الّلوم يا أمّ بوزعا ... ولا تجزعي ممّا أصاب فأوجعا
ولا تنكحي إن فرّق الدهر بيننا ... أغمّ القفا والوجه ليس بأنزعا [3]
كليلا سوى ما كان من حدّ ضرسه ... أكيبد مبطان العشيّات أروعا [4]
ضروبا بلحييه على عظم زوره ... إذا الناس هشّوا للفعال تقنّعا [5]
وحلّي بذي أكرومة وحميّة ... وصبر إذا ما الدهر عضّ فأسرعا
زوجته تشوه جمالها بسكين:
وقال حمّاد عن أبيه عن مصعب بن عبد اللّه قال:
__________
[1] حبى: اسم امرأة كانت تحت رجل اسمه مالك.
[2] الرسفان: المشي الوئيد يمشيه المقيد في قيده.
[3] الأنزع: من انحسر شعره عن جبينه وقفاه.
[4] يريد بالمصراع الأول أنه كليل العزم والسيف غير كليل الناب والضرس. الأكيبد: تصغير أكبد بمعنى مصاب في كبده، مبطان العشيات: كثير الأكل ليلا، أروع: من الروع، وهو الخوف، أي جبان.
[5] اللحيان: العظمان اللذان ركبت فيهما الأسنان العلوية والسفلية، والمصراع الأول كناية أيضا عن البطنة، هشوا: سروا وانشرحت صدورهم، الفعال - بفتح الفاء - الكرم والفعل الحميد، تقنع: أخفى وجهه وغطاه بغشاء.
لما أخرج هدبة من السجن ليقتل، جعل الناس يتعرّضون له ويخبرون صبره، ويستنشدونه، فأدركه عبد الرحمن بن حسّان [1]، فقال له: يا هدبة، أتأمرني أن أتزوج هذه بعدك، يعني زوجته، وهي تمشي خلفه فقال: نعم، إن كنت من شرطها، قال: وما شرطها؟ قال: قد قلت في ذلك:
فلا تنكحي إن فرّق الدهر بيننا ... أغمّ القفا والوجه ليس بأنزعا [2]
وكوني حبيسا أو لأروع ماجد ... إذا ضنّ أعشاش الرّجال تبرّعا [3]
فمالت زوجته إلى جزّار وأخذت شفرته، فجدعت بها أنفها، وجاءته تدمى/ مجدوعة فقالت: أتخاف أن يكون بعد هذا نكاح؟ قال: فرسف في قيوده وقال: الآن طاب الموت.
وقال النوفليّ عن أبيه:
إنها فعلت ذلك بحضرة مروان وقالت له: إن لهدبة عندي وديعة، فأمهله حتى آتية بها، قال: أسرعي، فإن الناس قد كثروا، وكان جلس لهم بارزا عن داره [4]، فمضت إلى السّوق، فانتهت إلى قصّاب وقالت: أعطني شفرتك، وخذ هذين الدرهمين وأنا أردّها عليك، ففعل، فقربت من حائط، وأرسلت ملحفتها على وجهها، ثم جدعت أنفها من أصله، وقطعت شفتيها، ثم ردّت الشفرة، وأقبلت حتى دخلت بين الناس وقالت: يا هدبة، أتراني متزوجة بعد ما ترى؟ قال: لا، الآن طابت نفسي بعد بالموت، ثم خرج يرسف في قيوده، فإذا هو بأبويه يتوقعان الثّكل، فهما بسوء حال، فأقبل عليهما وقال:
أبلياني اليوم صبرا منكما ... إنّ حزنا إن بدا بادىء شرّ
لا أراني اليوم إلا ميّتا ... إنّ بعد الموت دار المستقرّ [5]
اصبرا اليوم فإني صابر ... كلّ حيّ لقضاء وقدر
زوجته تنكث بعهدها:
قال النوفليّ: فحدثني أبي قال:
حدثني رجل من عذرة عن أبيه قال: إني لببلادنا يوما في بعض المياه، فإذا أنا بامرأة تمشي أمامي وهي مدبرة، ولها خلق عجيب من عجز وهيئة، وتمام جسم، وكمال قامه، فإذا صبيّان قد اكتنفاها يمشيان، قد ترعرعا، فتقدّمتها، والتفتّ إليها، فإذا هي أقبح منظر، وإذا هي مجدوعة الأنف، مقطوعة الشفتين، فسألت عنها فقيل لي:
هذه امرأة هدبة، تزوّجت [6] بعده رجلا، فأولدها هذين الصّبيّين.
أخو زيادة يرفض كل شفاعة ودية
:__________
[1] ضبطنا حسان بالفتح على أنه مأخوذ من الحس، فهو ممنوع من الصرف.
[2] في هد
«أغم القفا والرأس»
[3] أعشاش الرجال: من عش معروفة بمعنى قلله، يقول لها: كوني حبيس خدرك أو تزوجي ماجدا.
[4] ب: «بإزاء داره».
[5] في «المختار»:
«لا أرى ذا اليوم إلا هينا»
[6] وهكذا صدق الشاعر حين يقول:
وإن حلفت لا تنقض الدهر عهدها ... فليس لمخضوب البنان يمين
قال ابن قتيبة في حديثه:
فسأل سعيد بن العاص أخا زيادة أن يقبل الدّية عنه، قال: أعطيك ما لم يعطه أحد من العرب أعطيك مائة ناقة حمراء ليس فيها جدّاء [1] ولا ذات داء، فقال له: واللّه لو نقبت لي قبّتك هذه، ثم ملأتها لي ذهبا، ما رضيت بها من دم هذا الأجدع، فلم يزل سعيد يسأله، ويعرض عليه فيأبى، ثم قال له: واللّه لو أردت قبول الدية لمنعني قوله:
لنجدعنّ بأيدينا أنوفكم ... ويذهب القتل فيما بيننا هدرا
فدفعه حينئذ ليقتله بأخيه.
يعرض بحبّى وهو في طريقه إلى الموت:
قال حمّاد: وقرأت على أبي عن مصعب بن عبد اللّه الزبيريّ قال:
ومرّ هدبة بحبّى، فقالت له: كنت أعدّك في الفتيان، وقد زهدت فيك اليوم، لأني لا أنكر أن يصبر الرّجال على الموت، لكن كيف تصبر عن هذه [2]؟ فقال: أما واللّه إنّ حبّي لها لشديد، وإن شئت لأصفنّ لك ذلك، ووقف الناس معه، فقال:
وجدت بها ما لم تجد أمّ واحد ... ولا وجد حبّى بابن أمّ كلاب [3]
رأته طويل السّاعدين شمر دلا ... كما تشتهي من قوة وشباب [4]
فانقمعت [5] داخلة إلى بيتها فأغلقت الباب دونه. قالوا: فدفع إلى أخي زيادة ليقتله، قال: فاستأذن في أن يصلّي ركعتين، فأذن له، فصلاهما وخفّف، ثم التفت إلى من حضر فقال: لو لا أن يظنّ بي الجزع لأطلتهما، فقد كنت محتاجا إلى إطالتهما، ثم قال/ لأهله: إنه بلغني أنّ القتيل يعقل ساعة بعد سقوط رأسه، فإن عقلت فإني قابض رجلي وباسطها ثلاثا، ففعل ذلك حين قتل، وقال قبل أن يقتل:
إن تقتلوني في الحديد فإني ... قتلت أخاكم مطلقا لم يقيّد [6]
فقال عبد الرحمن أخو زيادة: واللّه لا قتلته إلا مطلقا من وثاقه، فأطلق له، فقام إليه وهز السيف ثم قال:
قد علمت نفسي وأنت تعلمه ... لأقتلنّ اليوم من لا أرحمه
ثم قتله.
فقال حمّاد في روايته:
ويقال: إن الذي تولّى قتله ابنه المسور، دفع إليه عمّه السيف وقال له: قم فاقتل قاتل أبيك، فقام، فضربه ضربتين قتله فيهما.
__________
[1] الجداء: القليلة اللبن من مرض أصابها.
[2] هذه: إشارة إلى زوجته.
[3] يعرض بحبى وبحبها لرجل افتتنت به.
[4] الشمردل: الجميل الخلق، وفي ف، هج:
«كما اشترطت»
بدل
«كما تشتهي»
[5] فانقمعت: ولت هاربة.
[6] البيت من الطويل دخله الخرم.
كاهنة تتنبأ بقتله صبرا:
أخبرني الحسين بن يحيى قال: قال حمّاد: قرأت على أبي قال:
بلغني أنّ هدبة أول من أقيد منه في الإسلام.
قال أحمد بن الحارث الخرّاز [1]: قال المدائني:
مرّت كاهنة بأمّ هدبة وهو وأخوته نيام بين يديها، فقالت: يا هذه، إن الذي معي [2] يخبرني عن بنيك هؤلاء بأمر. قالت: وما هو؟ قالت: أمّا هدبة وحوط فيقتلان صبرا [3]، وأما الواسع وسيحان فيموتان كمدا، فكان كذلك.
/ أخبرني الحسين بن يحيى قال: قال حمّاد: قرأت على أبي: أخبرك مروان بن أبي حفصة قال:
كان هدبة أشعر الناس منذ يوم دخل السجن إلى أن أقيد منه، قال الخرّاز عن المدائنيّ: قال واسع بن خشرم يرثي هدبة لمّا قتل:
يا هدب يا خير فتيان العشيرة من ... يفجع بمثلك في الدّنيا فقد فجعا
اللّه يعلم أنّي لو خشيتهم ... أو أوجس القلب من خوف لهم فزعا [4]
لم يقتلوه ولم أسلم أخي لهم ... حتى نعيش جميعا أو نموت معا [5]
وهذه الأبيات تمثّل بها إبراهيم بن عبد اللّه بن حسن بن حسن بن عليّ بن أبي طالب رضي عنهم، لما بلغه قتل أخيه محمد.
أخباره هو وزياد حديث العلية:
أخبرني محمد بن العباس اليزيديّ قال: حدّثنا أحمد بن أبي خيثمة قال:
حدثني مصعب الزبيريّ قال:
كنّا بالمدينة أهل البيوتات إذا لم يكن عند أحدنا خبر هدبة وزيادة وأشعارهما ازدريناه، وكنّا نرفع من قدر أخبارها وأشعارهما ونعجب بها.
صاحب بثينة راوية له:
أخبرني محمد بن العبّاس اليزيديّ قال: أخبرني محمد بن الحسن الأحول، عن رواية من الكوفيين قالوا:
كان جميل بن معمر العذريّ راوية هدبة، وكان هدبة راوية الحطيئة، وكان الحطيئة راوية كعب بن زهير وأبيه.
حدثني حبيب بن نصر المهلّبيّ قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد قال:
__________
[1] وفي بعض النسخ الخزاز، وفي آخر الحراز.
[2] تقصد الذي معها من علم التنجيم، أو الجن الذي تزعم مؤاخاته.
[3] يقتل صبرا: يحبس حتى يموت.
[4] في ف، هد، «المختار»: «جزعا» بدل «فزعا».
[5] يريد أنهم لو خافوهم ما وتروهم في زيادة، وحينئذ يسلم أخوه.
عائشة أم المؤمنين تدعو له بعد موته:
حدثني أبو المغيرة محمد بن إسحاق قال: حدثني أبو مصعب الزّبيريّ قال: حدّثني المنكدر بن محمد بن المنكدر، عن أبيه قال:
بعث هدبة بن خشرم إلى عائشة زوج النبي صلّى اللّه عليه وسلّم يقول لها: استغفري لي، فقالت: إن قتلت استغفرت لك.
صوت
ألم تر أنّي يوم جوّ سويقة ... بكيت فنادتني هنيدة ماليا؟
فقلت لها: إنّ البكاء لراحة ... به يشتفي من ظنّ أن لا تلاقيا
قفي ودّعينا يا هنيد فإنّني ... أرى القوم قد شاموا العقيق اليمانيا [1]
- ويروى: أرى الركب قد شاموا - .
إذا اغرورقت عيناي أسبل منهما ... إلى أن تغيب الشّعريان بكائيا [2]
الشعر للفرزدق من قصيدة يهجو بها جريرا، وهي فيما قيل أول قصيدة هجاه بها، والغناء لابن سريج خفيف ثقيل عن الهشامي، قال الهشامي: وفيه لمالك ثقيل أول، وابتداء اللحنين جميعا.
ألم تر أني يوم جوّ سويقة
ولعلوية فيه لحن من الرمل المطلق ابتداؤه:
قفي ودعينا يا هنيد فإنني:
__________
[1] شام السحاب والبرق ونحوهما: نظر إليه ليتحقق أفيه مطر أم لا، والمراد هنا النجعة والرحيل.
[2] الشعريان: نجمان معروفان، فلعله يريد أن يقول: إنه يبكي طول الليل، أو طول الصيف، لأن الشعريين كانا رمز الصيف عند العرب، واسم إحداهما العبور، واسم الأخرى الغميصاء.
20 - نسب الفرزدق وأخباره وذكر مناقضاته
نسبه:
الفرزدق لقب غلب عليه، وتفسيره الرغيف الضخم الذي يجفّفه النساء للفتوت، وقيل: بل هو القطعة من العجين التي تبسط، فيخبز منها الرغيف، شبّه وجهه بذلك؛ لأنه كان غليظا جهما. واسمه همّام بن غالب بن صعصعة بن ناجية بن عقال بن محمد بن سفيان بن مجاشع بن دارم بن مالك بن حنظلة بن زيد مناة بن تميم.
قال أبو عبيدة: اسم دارم بحر، واسم أبيه مالك عوف ويقال عرف. وسمّى دارم دارما لأن قوما أتوا أباه مالكا في حمالة [1] فقال له: قم يا بحر فأتني بالخريطة - يعني خريطة كان له فيها مال - فحملها يدرم عنها ثقلا، والدّرمان: تقارب الخطو، فقال لهم: جاءكم يدرم بها، فسمى دارما، وسمي أبوه مالك عرفا لجوده.
وأم غالب ليلى بنت حابس بن عقال بن محمد بن سفيان بن مجاشع.
وكان للفرزدق أخ يقال له هميم، ويلقب الأخطل، ليست له نباهة، فأعقب ابنا يقال له محمد، فمات والفرزدق حيّ فرثاه، وخبره يأتي بعد. وكان للفرزدق من الولد خبطة ولبطة وسبطة، هؤلاء المعروفون، وكان له غيرهم فماتوا، ولم يعرفوا. وكان له بنات خمس أو ست.
وأم الفرزدق - فيما ذكر أبو عبيدة - لينة بنت قرظة الضبية.
جده محيي الموءودات:
وكان يقال لصعصعة محي الموءودات؛ وذلك أنه كان مر برجل من قومه، وهو يحفر بئرا، وامرأته تبكي، فقال لها صعصعة: ما يبكليك؟ قالت: يريد أن يئد ابنتي هذه، فقال له: ما حملك على هذا؟ قال: الفقر. قال:
فإني اشتريها منك بناقتين يتبعهما أولادهما، تعيشون بألبانهما، ولا تئد الصبية، قال: قد فعلت، فأعطاه الناقتين وجملا كان تحته فحلا، وقال/ في نفسه: إن هذه لمكرمة ما سبقني إليها أحد من العرب، فجعل على/ نفسه ألّا يسمع مموءودة إلا فداها، فجاء الإسلام وقد فدى ثلاثمائة موءودة، وقيل: أربعمائة.
أخبرني بذلك هاشم بن محمد الخزاعي، عن دماذ، عن أبي عبيدة.
وأخبرني بهذا الخبر محمد بن العباس اليزيديّ وعليّ بن سليمان الأخفش قالا: حدثنا أبو سعيد السكريّ، عن محمد بن حبيب، عن أبي عبيدة عن عقال بن شبة قال: قال صعصعة:
خرجت باغيا ناقتين لي فارقتين - والفارق: التي تفرق إذا ضربها المخاض فتندّ على وجهها، حتى تنتج - فرفعت لي نار فسرت نحوها، وهممت بالنزول، فجعلت النار تضىء مرة، وتخبو أخرى، فلم تزل تفعل ذلك حتى قلت: اللهمّ لك عليّ إن بلّغتني هذه النار ألّا أجد أهلها يوقدون لكربة يقدر أحد من الناس أن يفرّجها إلا
__________
[1] الحمالة: الغرامة يحملها قوم عن قوم أو الدية.
فرّجتها عنهم، قال: فلم أسر إلا قليلا حتى أتيتها، فإذا حيّ من بني أنمار بن الهجيم بن عمرو بن تميم، وإذا أنا بشيخ حادر أشعر [1] يوقدها في مقدم بيته، والنساء قد اجتمعن إلى امرأة ماخض [2]، قد حبستهنّ ثلاث ليال.
فسلّمت فقال الشيخ: من أنت؟ فقلت: أنا صعصعة بن ناجية بن عقال، قال: مرحبا بسيدنا، ففيم أنت يا بن أخي؟
فقلت: في بغاء ناقتين لي فارقتين عمّي عليّ أثرهما، فقال: قد وجدتهما بعد أن أحيا اللّه بهما أهل بيت من قومك، وقد نتجناهما، وعطفت إحداهما على الأخرى، وهما تانك في أدنى الإبل. قال: قلت: ففيم توقد نارك منذ الليلة؟ قال: أوقدها لامرأة ماخض قد حبستنا منذ ثلاث ليال، وتكلّمت النساء فقلن: قد جاء الولد، فقال الشيخ: إن كان غلاما فو اللّه ما أدري ما أصنع به، وإن كانت جارية فلا أسمعنّ صوتها - أي اقتلها - فقلت: يا هذا ذرها فإنها ابنتك، ورزقها على اللّه، فقال: اقتلنها، فقلت: أنشدك اللّه، فقال: إني أراك بها حفيّا، فاشترها مني، فقلت: إني أشتريها منك، فقال: ما تعطيني؟ قلت: أعطيك إحدى ناقتيّ قال: لا، قلت: فأزيدك الأخرى، فنظر إلى جملي الذي تحتي، فقال: لا، إلا أن تزيدني/ جملك هذا، فإني أراه حسن اللون شابّ السّن، فقلت: هو لك والناقتان على أن تبلغني أهلي عليه، قال: قد فعلت، فابتعتها منه بلقوحين [3] وجمل، وأخذت عليه عهد اللّه وميثاقه ليحسننّ برّها وصلتها ما عاشت، حتى تبين منه، أو يدركها الموت، فلما برزت من عنده حدثتني نفسي وقلت: إن هذه لمكرمة ما سبقني إليها أحد من العرب، فآليت ألّا يئد أحد بنتا له إلا اشتريتها منه بلقوحين وجمل، فبعث اللّه عزّ وجل محمدا عليه السلام، وقد أحييت مائة موءودة إلا أربعا، ولم يشاركني في ذلك أحد، حتى أنزل اللّه تحريمه في القرآن، وقد فخر بذلك الفرزدق في عدّة قصائد من شعره، ومنها قصيدته التي أوّلها:
أبي أحد الغيثين صعصعة الذي ... متى تخلف الجوزاء والدّلو يمطر [4]
أجار بنات الوائدين ومن يجر ... على الفقر يعلم أنه غير مخفر [5]
على حين لا تحيا البنات وإذ هم ... عكوف على الأصنام حو المدوّر [6]
- [7] المدوّر: يعني الدّوّار الذي حول الصنم، وهو طوافهم [7] - .
أنا ابن الذي ردّ المنية فضله ... فما حسب دافعت عنه بمعور [8]
/و فارق ليل من نساء أتت أبي ... تمارس ريحا ليلها غير مقمر [9]
__________
[1] حادر: سمين الجسم غليظ.
[2] ماخض: أدركها المخاض.
[3] بلقوحين: بناقتين حاملتين.
[4] يقصد أن هناك غيثا في السماء وغيثا في الأرض، فغيث السماء المطر، وغيث الأرض أبوه، وأن أباه خير الغيثين، فإنه لا يخلف إذا أخلفت بروج السماء.
[5] غير مخفر: غير ناقض للعهد.
[6] حين بفتح النون وكسرها، وهم: القوم لا البنات.
(7 - 7) التكملة من هد، هج.
[8] معور: معيب.
[9] وفارق: «الواو واو رب»، والفارق: الناقة أخذها المخاض فندت في الأرض، والمراد هنا المرأة لا الناقة، تمارس ريحا ... إلخ:
تعاني ليلة مظلمة عاصفة الرياح.
فقالت: أجرلي ما ولدت فإنني ... أتيتك من هزلى الحمولة مقتر [1]
/هجفّ من العثو الرؤوس إذا بدت ... له ابنة عام يحطم العظم منكر [2]
رأس الأرض منها راحة فرمى بها ... إلى خدد منها إلى شرّ مخفر [3]
فقال لها: فيئي فإني بذمتي ... لبنتك جار من أبيها القنوّر [4]
إسلام أبيه على يد الرسول:
ووفد غالب بن صعصعة إلى النبي صلّى اللّه عليه وسلّم [5] فأسلم وقد كان وفده أبوه صعصعة إلى النبي صلّى اللّه عليه وسلّم [5] فأخبره بفعله في الموءودات، فاستحسنه وسأله: هل له في ذلك من أجر؟ قال: نعم فأسلم وعمّر غالب، حتى لحق أمير المؤمنين عليّا صلوات اللّه عليه بالبصرة، وأدخل إليه الفرزدق، وأظنه مات في إمارة زياد وملك معاوية.
أخبرني محمد بن الحسين الكنديّ وهاشم بن محمد الخزاعيّ، وعبد العزيز بن أحمد عم أبي قالوا: حدثنا الرّياشيّ قال: حدثنا العلاء بن الفضل بن عبد الملك بن أبي سوية، قال: حدثني عقال بن كسيب أبو الخنساء العنبريّ، قال: حدثني الطفيل بن عمرو الربعيّ، عن ربيعة بن مالك بن حنظلة، عن صعصعة بن ناجية المجاشعيّ جدّ الفرزدق قال:
قدمت على النبي صلّى اللّه عليه وسلّم، فعرض عليّ الإسلام، فأسلمت، وعلّمني آيات من القرآن، فقلت: يا رسول اللّه إني عملت أعمالا في الجاهلية هل لي فيها من أجر؟ فقال: وما عملت؟ فقلت: إني أضللت ناقتين لي عشراوين، فخرجت أبغيهما على جمل، فرفع لي بيتان في فضاء من الأرض، فقصدت قصدهما، فوجدت في أحدهما شيخا كبيرا، فقلت له: هل أحسست من ناقتين عشراوين؟ قال: وما نارهما؟ - يعني السّمة - فقلت: ميسم بني دارم، فقال: قد أصبت ناقتيك ونتجناهما، وظأرتا [6] على أولادهما/ ونعش اللّه بهما أهل بيت من قومك من العرب من مضر، فبينا هو يخاطبني إذ نادته امرأة من البيت الآخر: قد ولدت، فقال: وما ولدت؟ إن كان غلاما فقد شركنا في قوتنا، وإن كانت جارية فادفنوها، فقالت: هي جارية: أفأئدها؟ فقلت: وما هذا المولود؟ قالت: بنت لي، فقلت:
إني أشتريها منك، فقال: يا أخا بني تميم، أتقول لي: أتبيعني ابنتك وقد أخبرتك أني من العرب من مضر؟ فقلت:
إني لا أشتري منك رقبتها، إنما أشتري دمها لئلا تقتلها، فقال: وبم تشتريها؟ فقلت: بناقتيّ هاتين وولديهما. قال:
لا حتى تزيدني هذا البعير الذي تركبه: قلت: نعم، على أن ترسل معي رسولا فإذا بلغت أهلي رددت إليك البعير [7] ففعل، فلما بلغت أهلي رددت إليه البعير [7]، فلما كان في بعض الليل فكرت في نفسي فقلت: إن هذه مكرمة ما سبقني إليها أحد من العرب، فظهر الإسلام وقد أحييت ثلاثمائة وستين موءودة، أشتري كلّ واحدة منهن
__________
[1] هزلي الحمولة: من هزل الرجل إذا ماتت ماشيته، مقتر: فقير مقل.
[2] هذا البيت من هج، هد، ساقط من ب، الهجف: الجافي الغليظ، العثو: جمع أعثى، وهو الأشعر، منكر: صفة لهجف.
[3] منها: من الطفلة، خدد: شقوق.
[4] فيئي: ارجعي واطمئني: القنور: الشرس الخلق، وفي هج:
فقال لها فيئي إليك فإنني ... لبنتك جار من أبيها القنور
(5 - 5) التكملة من هد.
[6] ظأرتا: عطفتا.
(7 - 7) التكملة من هد، هج.
بناقتين عشراوين وجمل، فهل لي في ذلك من أجر يا رسول اللّه؟ فقال عليه السلام: هذا باب من البر، ولك أجره إذ منّ اللّه عليك بالإسلام، قال عباد: ومصداق ذلك قول الفرزدق:
وجدّي الذي منع الوائدات ... وأحيا الوئيد فلم يوأد [1]
أخبرني محمد بن يحيى، عن الغلّابيّ، عن العباس بن بكار، عن أبي بكر الهذليّ قال:
وفد صعصعة بن ناجية جدّ الفرزدق على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في وفد من تميم، وكان صعصعة قد منع الوئيد في الجاهلية، فلم يدع تميما تئد، وهو يقدر على ذلك، فجاء الإسلام وقد/ فدى أربعمائة جارية، فقال للنبي صلّى اللّه عليه وسلّم:
أوصني، فقال: أوصيك بأمك وأبيك وأخيك وأختك وإمائك، قال: زدني، قال: احفظ ما بين لحييك [2]، وما بين رجليك.
/ ثم قال له عليه السلام: ما شيء بلغني عنك فعلته؟ قال: يا رسول اللّه رأيت الناس يموجون على غير وجه، ولم أدر أين الوجه، غير أني علمت أنهم ليسوا عليه، ورأيتهم يئدون بناتهم، فعلمت أنّ ربّهم لم يأمرهم بذلك، فلم أتركهم يئدون، وفديت من قدرت عليه.
وروى أبو عبيدة أنه قال للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: إني حملت حمالات في الجاهلية والإسلام، وعليّ منها ألف بعير، فأديت من ذلك سبعمائة، فقال له: إن الإسلام أمر بالوفاء، ونهى عن الغدر، فقال: حسبي حسبي، ووفّى بها.
وروي أنه إنما قال هذا القول لعمر بن الخطاب، وقد وفد إليه في خلافته.
وكان صعصعة شاعرا وهو الذي يقول: أنشدنيه محمد بن يحيى له:
إذا المرء عادى من يودّك صدره ... وكان لمن عاداك خدنا مصافيا
فلا تسألن عما لديه فإنّه ... هو الداء لا يخفي بذلك خافيا [3]
أبوه يعطي دون أن يسأل:
أخبرني محمد بن يحيى، عن محمد بن زكريا؛ عن عبد اللّه بن الضحاك، عن الهيثم بن عديّ، عن عوانة قال:
تراهن نفر من كلب ثلاثة على أن يختاروا من تميم وبكر نفرا ليسائلوهم، فأيّهم أعطى، ولم يسألهم عن نسبهم من هم؟ فهو أفضلهم، فاختار كل رجل منهم رجلا؛ والذين اختيروا عمير بن السليك [4]، بن قيس بن مسعود الشيبانيّ، وطلبة بن قيس بن عاصم المنقريّ، وغالب بن صعصعة المجاشعيّ أبو الفرزدق، فأتوا ابن السّليك فسألوه مائة ناقة، فقال: من أنتم؟ فانصرفوا عنه.
ثم أتوا طلبة بن قيس، فقال لهم مثل قول الشيبانيّ، فأتوا غالبا، فسألوه،/ فأعطاهم مائة ناقة وراعيها، ولم يمألهم من هم فساروا بها ليلة، ثم ردّوها، وأخذ صاحب غالب الرّهن، وفي ذلك يقول الفرزدق:
__________
[1] في هج «و المختار»: «الوائدين» بدل الوائدات والمعنى والوزن لا يتغير.
[2] يعني لسانك.
[3] يريد أن يقول: إن صديق عدوك وعدو صديقك عدو لك.
[4] في هج: «عمر بن السلوك» وفي هد: عمر بن السليل».
وإذا ناحبت [1] كلب على الناس أيّهم ... أحقّ بتاج الماجد المتكرّم [1]
على نفر هم من نزار ذوي العلا ... وأهل الجراثيم التي لم تهدّم [2]
فلم يجز عن أحسابهم غير غالب ... جرى بعنان كّل أبيض خضرم [3]
سحيم يعجز عن مباراة أبيه في كرمه:
أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال: حدثنا أبو حاتم، عن أبي عبيدة، عن جهم السليطيّ، عن إياس بن شبة، عن عقال بن صعصعة، قال:
أجدبت بلاد تميم، وأصابت بني حنظلة سنة [4] في خلافة عثمان، فبلغهم خصب عن بلاد كلب بن وبرة، فانتجعتها بنو حنظلة، فنزلوا أقصى الوادي، وتسرّع غالب بن صعصعة فيهم وحده دون بني مالك [5] بن حنظلة، ولم يكن مع بني يربوع من بني مالك غير غالب [5]، فنحر ناقته فأطعمهم إيّاها، فلما وردت إبل سحيم بن وثيل الرّياحيّ حبس منها ناقة، فنحرها من غد، فقيل لغالب: إنما نحر سحيم مواءمة لك - أي مساواة لك - فضحك غالب، وقال: كلا، ولكنه امرؤ كريم، وسوف أنظر في ذلك، فلما وردت إبل غالب حبس منها ناقتين، فنحرهما، فأطعمهما بني يربوع، فعقر سحيم ناقتين، فقال غالب: الآن علمت أنه يوائمني، فقعر غالب عشرا، فأطعمها بني يربوع فعقر سحيم عشرا، فلما بلغ غالبا فعله ضحك، وكانت إبله ترد لخمس، فلما وردت عقرها كلها عن آخرها،/ فالمكثر يقول: كانت أربعمائة، والمقلّ يقول: كانت مائة، فأمسك سحيم حينئذ؛ ثم إنه عقر في خلافة عليّ بن أبي طالب صلوات اللّه عليه بكناسة الكوفة مائتي ناقة وبعير، فخرج الناس بالزنابيل/ والأطباق والحبال لأخذ اللحم، ورآهم عليّ عليه السلام، فقال: أيّها الناس لا يحل لكم، إنّما أهلّ [6] بها لغير اللّه عزّ وجلّ. قال: فحدثني من حضر ذلك قال: كان الفرزدق يومئذ مع أبيه وهو غلام، فجعل غالب يقول: يا بنيّ، اردد عليّ، والفرزدق يردّها عليه، ويقول له: يا أبت اعقر، قال جهم: فلم يغن عن سحيم فعله، ولم يجعل كغالب إذا لم يطق فعله.
يقيد نفسه حتى يحفظ القرآن:
حدثني محمد بن يحيى عن محمد بن القاسم - يعني أبا العيناء - عن أبي زيد النحويّ، عن أبي عمرو قال:
جاء غالب أبو الفرزدق إلى عليّ بن إبي طالب صلوات اللّه عليه بالفرزدق بعد الجمل بالبصرة، فقال: إن ابني هذا من شعراء مضر [7] فاسمع منه، قال: علمه القرآن، فكان ذلك في نفس الفرزدق، فقيّد نفسه في وقت، وآلى:
لا يحلّ قيده حتى يحفظ القرآن.
__________
[1] في ب «ناديت» بدل «ناحبت» وناحبت: راهنت.
[2] الجراثيم: جمع جرثومة، وهي الأصل.
[3] الخضرم: الكريم المعطاء.
[4] سنة: جدب.
(5 - 5) التكملة من هد، هج.
[6] يقال: أهل الذابح: رفع صوته عند ذبح الضحية باسم من قدمها قربانا له.
[7] في هج، هد: «أن ابني هذا من أشعر مضر، أو شاعر مضر».
عريق في قرض الشعر:
قال محمد بن يحيى: فقد صح لنا أن الفرزدق كان شاعرا موصوفا أربعا وسبعين سنة، وندع ما قبل ذلك، لأن مجيئة به بعد الجمل - على الاستظهار - كان في سنة ست وثلاثين، وتوفي الفرزدق في سنة عشر ومائة في أول خلافة هشام هو وجرير والحسن البصريّ وابن سيرين في ستة أشهر، وحكي ذلك عن جماعة، منهم الغلابيّ عن ابن عائشة عن أبيه.
أخبرني محمد بن يحيى الصوليّ عن الغلابي، عن ابن عائشة أيضا، عن أبيه قال: قال الفرزدق أيضا:
كنت أجيد الهجاء في أيام عثمان، قال: ومات غالب أبو الفرزدق في أول أيام معاوية ودفن بكاظمة فقال الفرزدق يرثيه:
لقد ضمّت الأكفان من آل دارم ... فتى فائض الكفّين محض الضّرائب [1]
أيهما أشعر، هو أو جرير؟:
أخبرني حبيب المهلبيّ قال: حدثنا عبد اللّه بن أبي سعد قال: حدثني محمد بن عمران الضبيّ، قال: حدثني جعفر بن محمد العنبريّ، عن خالد بن أم كلثوم، قال:
قيل للمفضل الضبي: الفرزدق أشعر أم جرير؟ قال الفرزدق: قال: قلت: ولم؟ قال: لأنه قال بيتا هجا فيه قبيلتين ومدح فيه قبيلتين [2] وأحسن في ذلك [2] فقال:
عجبت لعجل إذ تهاجي عبيدها ... كما آل يربوع هجوا آل دارم [3]
فقيل له: قد قال جرير:
إنّ الفرزدق والبعيث وأمّه ... وأبا البعيث لشرّ ما إستار [4]
فقال: وأيّ شيء أهون من أن يقول إنسان: فلان وفلان وفلان والناس كلهم بنو الفاعلة!.
أخبرني عبد اللّه بن مالك، قال: حدثنا محمد بن حبيب، قال: حدثني موسى بن طلحة، قال: قال أبو عبيدة معمر بن المثنّى:
كان الشعراء في الجاهلية من قيس، وليس في الإسلام مثل حظّ تميم في الشعر، وأشعر تميم جرير والفرزدق [5]، ومن بني تغلب الأخطل [5].
قال يونس بن حبيب: ما ذكر جرير والفرزدق في مجلس شهدته قط فاتّفق المجلس على أحدهما، قال: وكان يونس فرزدقيّا.
__________
[1] محض: خالص، الضرائب: جمع ضريبة بمعنى الطبيعة والسجية، يقول: إن سجايا أبيه وطبائعه خالصة مما يشينها.
(2 - 2) التكملة من هد، هج.
[3] القبيلتان الممدوحتان: عجل ودارم، والقبيلتان المهجوتان: يربوع والقبيلة التي عبر عنها بقوله: عبيدها.
[4] إستار: لفظ معرب بمعنى أربعة.
(5 - 5) التكملة من هد.
يغتصب بيتين لابن ميادة:
أخبرني عمي، عن محمد بن رستم الطبريّ، عن أبي عثمان المازنيّ قال:
مر الفرزدق/ بابن ميّادة [1] الرمّاح والناس حوله [1] وهو ينشد:
/لو أنّ جميع الناس كانوا بربوة ... وجئت بجدّي ظالم وابن ظالم
لظلّت رقاب الناس خاضعة لنا ... سجودا على أقدامنا بالجماجم
فسمعه الفرزدق، فقال: أما واللّه يا بن الفارسية لتدعنّه لي أو لأنبشنّ أمّك من قبرها، فقال له ابن ميادة: خذه لا بارك اللّه لك فيه، فقال الفرزدق:
لو أنّ جميع النّاس كانوا بربوة ... وجئت بجدّي دارم وابن دارم
لظلّت رقاب الناس خاضعة لنا ... سجودا على أقدامنا بالجماجم
عود إليه هو وجرير:
أخبرني عمي، عن الكرانيّ، عن أبي فراس الهيثم بن فراس، قال: حدثني ورقة بن معروف، عن حماد الرواية قال:
دخل جرير والفرزدق على يزيد بن عبد الملك وعنده بنيّة له يشمّها فقال جرير: ما هذه يا أمير المؤمنين عندك؟ قال: بنيّة لي، قال: بارك اللّه لأمير المؤمنين فيها. فقال الفرزدق: إن يكن دارم يضرب [2] فيها فهي أكرم العرب، ثم أقبل يزيد على جرير فقال: مالك والفرزدق؟ قال: إنه يظلمني ويبغي عليّ، فقال الفرزدق: وجدت آبائي يظلمون آباءه فسرت فيه بسيرتهم، قال جرير: وأما واللّه [3] لتردّنّ الكبائر على أسافلها سائر اليوم، فقال الفرزدق: أمّا بك يا حمار بني كليب فلا، ولكن إن شاء صاحب السرير، فلا واللّه ما لي كف ء غيره، فجعل يزيد يضحك.
أخبرنا عبد اللّه بن مالك، عن محمد بن حبيب، عن ابن الأعرابيّ، عن حماد الرواية قال:
أنشدني الفرزدق يوما شعرا له ثم قال لي: أتيت الكلب - يعني جريرا - قلت: نعم، قال: أفأنا أشعر أم هو؟
قلت: أنت في بعض وهو في بعض، قال: لم تناصحني،/ قال: قلت: هو أشعر منك إذا أرخي من خناقة [4]، وأنت أشعر منه إذا خفت أو رجوت، قال [5]: قضيت لي واللّه عليه [5] وهل الشعر إلا في الخبر والشّر.
قال: وروى عن أبي الزناد عن أبيه قال:
قال لي جرير: يا أبا عبد الرحمن: أنا شعر أم هذا الخبيث - يعني الفرزدق - وناشدني لأخبرنّه، فقلت: لا واللّه ما يشاركك ولا يتعلق بك في النسيب قال: أوه [6] قضيت واللّه له عليّ، أنا واللّه أخبرك: ما دهاني، إلّا أنّي
__________
(1 - 1) التكملة من هد، هج.
[2] يريد أنها أكرم العرب إن كان ثمة نسب يصلها بدارم.
[3] في هج: «أما واللّه لئن شئت لترون. إلخ». ولعل المعنى: لو أردت رددت كبائر أسلافك على أسافلها، أي عليك. وفي العبارة غموض.
[4] لعله يريد بقوله: «إذا أرخى من خناقه» أنه أشعر إذا أمن، أو انطلق، والعبارة أيضا يكتنفها غموض.
(5 - 5) التكملة من هد، هج.
[6] أوه - بفتح الهمزة وسكون الواو وكسر الهاء - : كلمة توجع.
هاجيت كذا وكذا شاعرا، فسمّى عددا كثيرا، وأنه تفرّد لي وحدي [1].
خبره مع النوار:
أخبرني عبد اللّه قال: قال المازنيّ: قال أبو علي الحرمازيّ:
كان من خبر الفرزدق والنّوار ابنة أعين بن صعصعة بن ناجية بن عقال المجاشعيّ - وكانت ابنة عمه - أنه خطبها رجل من بني عبد اللّه بن دارم فرضيته، وكان الفرزدق وليّها، فأرسلت إليه أن زوّجني من هذا الرجل، فقال:
لا أفعل أو تشهديني أنك قد رضيت بمن زوّجتك، ففعلت، فلما توثّق منها، قال: أرسلي إلى القوم فليأتوا، فجاءت بنو عبد اللّه بن دارم فشحنوا مسجد بني مجاشع وجاء الفرزدق، فحمد اللّه، وأثنى عليه ثم قال: قد علمتم أن النوار قد ولّتني أمرها، وأشهدكم أني قد زوجتها نفسي على مائة ناقة حمراء سوداء الحدقة. فنفرت من ذلك وأرادت الشخوص إلى ابن الزبير حين أعياها أهل البصرة [2] ألّا يطلقوها من الفرزدق حتى يشهد لها الشهود، وأعياها الشهود أن يشهدوا لها اتّقاء الفرزدق، وابن الزبير يومئذ أمير [3] الحجاز والعراق يدعي له بالخلافة/ - فلم تجد من يحملها،/ وأتت فتية من بني عديّ بن عبد مناة بن أدّ، يقال لهم بنو أمّ النّسير، فسألتهم برحم تجمعهم وإياها - وكانت بينها وبينهم قرابة - فأقسمت عليهم أمها: ليحملنها، فحملوها، فبلغ ذلك الفرزدق، فاستنهض عدّة من أهل البصرة فأنهضوه، وأوقروا له عدة من الإبل، وأعين بنفقة، فتبع النّوار، وقال:
أطاعت بني أم النّسير فأصبحت ... على شارف ورقاء صعب ذلولها [4]
وإنّ الذي أمسى يخبّب زوجتي ... كماش إلى أسد الشّرى يستبيلها [5]
فأدركها وقد قدمت مكة، فاستجارت بخولة بنت منظور بن زبّان بن سيار الفزاري، وكانت عند عبد اللّه بن الزبير، فلما قدم الفرزدق مكة اشرأب الناس إليه، ونزل على بني عبد اللّه بن الزبير، فاستنشدوه، واستحدثوه ثم شفعوا له إلى أبيهم، فجعل يشفعهم في الظاهر، حتى إذا صار إلى خولة قلبته عن رأيه، فمال إلى النّوار، فقال الفرزدق في ذلك:
صوت
أمّا بنوه فلم تقبل شفاعتهم ... وشفّعت بنت منظور بن زبّانا [6]
ليس الشّفيع الذي يأتيك مؤتزرا ... مثل الشفيع الذي يأتيك عريانا
لعريب في هذا البيت خفيف رمل.
قال: وسفر بينهما رجال من بني تميم كانوا بمكة، فاصطلحا على أن يرجعا إلى البصرة، ولا يجمعهما ظل ولاكنّ حتى يجمعا في أمرهما ذلك بني تميم، ويصيرا على حكمهم. ففعلا، فلما صارا إلى البصرة رجعت إليه النوار بحكم عشيرتها.
__________
[1] في ب: «وحده» والصواب «وحدي» كما في هج.
[2] في هج وهد: «حين أعياها أمراء البصرة».
[3] في هج: «و ابن الزبير يومئذ أمير المؤمنين بالحجاز والعراق».
[4] الشارف: الناقة المسنة، والورقاء: ما في لونها بياض إلى سواد.
[5] يخبب زوجتي: يخدعها ويفسدها، يستبيلها: يطلب بولها، وفي هد:
«يستنيلها»
أن يطلب نوالها.
[6] ضمير «بنوه» يعود على عبد اللّه بن الزبير.
/ قال: وقال غير الحرمازيّ: إن ابن الزبير قال للفرزدق: جئني بصداقها وإلا فرّقت بينكما، فقال الفرزدق:
أنا في بلاد غربة فكيف أصنع؟ قالوا له: عليك بسلم بن زياد، فإنه محبوس في السجن يطالبه ابن الزبير بمال، فأتاه فقصّ عليه قصته قال: كم صداقها؟ قال: أربعة آلاف درهم، فأمر له بها وبألفين للنفقة، فقال الفرزدق:
دعي مغلقي الأبواب دون فعالهم ... ولكن تمشّي بي - هبلت - إلى سلم [1]
إلى من يرى المعروف سهلا سبيله ... ويفعل أفعال الرجال التي تنمي [2]
قال: فدفعها إليه ابن الزبير، فقال الفرزدق:
هلمّي لابن عمك لا تكوني ... كمختار على الفرس الحمارا
قال: فجاء بها إلى البصرة - وقد أحبلها - فقال جرير في ذلك:
ألا تلكم عرس الفرزدق جامحا ... ولو رضيت رمح استه لاستقرّت [3]
فأجابه الفرزدق، وقال:
وأمّك لو لاقيتها بطمرّة ... وجاءت بها جوف استها لاستقرّت [4]
وقال الفرزدق وهو يخاصم النوار:
/تخاصمني وقد أولجت فيها ... كرأس الضّبّ يلتمس الجراد [5]
/قال الحرمازيّ: ومكثت النّوار عنده زمانا، ترضى عنه أحيانا، وتخاصمه أحيانا، وكانت النّوار إمرأة صالحة، فلم تزل تشمئزّ منه، وتقول له: ويحك! أنت تعلم أنك إنما تزوجت بي ضغطة [6] وعلى خدعة، ثم لا تزال في كلّ ذلك، حتى حلفت بيمين موثّقة، ثم حنثت. وتجنّبت فراشه، فتزوج عليها امرأة يقال لها جهيمة [7] من بني النمر بن قاسط حلفاء لبني الحارث بن عباد بن ضبيعة [8] وأمّها الخميصة من بني الحارث بن عباد، فنافرته الخميصة، واستعدت عليه فأنكرها الفرزدق، وقال: إنها مني بريء طالق وطلق ابنتها، وقال:
إن الخميصة كانت لي ولا بنتها ... مثل الهراسة بين النّعل والقدم [9]
إذا أتت أهلها مني مطلّقة ... فلن أردّ عليها زفرة النّدم [10]
__________
[1] الخطاب لناقته ونحوها، مغلقي الأبواب: يجوز فيها فتح لام مغلق وكسرها، وعلى الأول، تكون من قبيل إضافة اسم المفعول إلى نائب فاعله، وعلى الثاني تكون من إضافة اسم الفاعل إلى مفعوله والفعال: الكرم وحسن الصنيع، هبلت: جملة معترضة بمعنى ثكلتك أمك أن لم تطعني.
[2] تنمي: من نما الشيء الشيء بمعنى رفع قدره، والمفعول محذوف، أي تنمي أحسابها بمعنى تزيدها شرفا.
[3] إضافة الرمح إلى الأست من باب التهكم والسخرية، ومن أسماء الذكر «رميح» كزبير.
[4] الطمرة: الفرس السريعة العدو. يقول: لو ألقينا بالفرس في جوف است أمك لا تسع لها.
[5] رأس الضب، يضرب بها المثل في الصلابة، يقال: حر يذيب دماغ الضب، لأن الضب لا يعيش إلا في الصحاري، ومن أمثالهم:
«حتى يؤلف بين الضب والنوق».
[6] ضغطة: اضطرار.
[7] في هج: «رهيمة».
(8 - 8) تكملة من «المختار».
[9] الهراسة: نوع من الشوك، يقول النابغة:
فبت كأن العائدات فرشن لي ... هراسا به يعلى فراشي ويقشب
[10] في «النقائض»: أورد البيت على هذا النحو وهو أنسب:
جعل يأتي النوار وبه ردع الخلوق [1] وعليه الأثر فقالت له النّوار: هل تزوجتها إلا هداديّة - تعني حيّا من أزد عمان - فقال الفرزدق في ذلك:
تريك نجوم الليل والشّمس حيّة ... كرام بنات الحارث بن عباد [2]
أبوها الذي قاد النّعامة بعد ما ... أبت وائل في الحرب غير تماد [3]
/نساء أبوهنّ الأعزّ ولم تكن ... من الأزد في جاراتها وهداد
ولم يك في الحيّ الغموض محلّها ... ولا في العمانيّين رهط زياد [4]
عدلت بها ميل النّوار فأصبحت ... وقد رضيت بالنّصف بعد بعاد [5]
قال: فلم تزل النوار ترققه، وتستعطفه، حتى أجابها إلى طلاقها، وأخذ عليها ألّا تفارقه ولا تبرح من منزله، ولا تتزوج رجلا بعده، ولا تمنعه من مالها ما كانت تبذله له، وأخذت عليه أن يشهد الحسن البصريّ على طلاقها، ففعل ذلك.
قال المازنيّ: وحدثني محمد بن روح العدوي عن أبي شفقل راوية الفرزدق قال:
ما استصحب الفرزدق أحدا غيري وغير راوية آخر، وقد صحب النّوار رجال كثيرة، إلا أنهم كانوا يلوذون بالسّواري خوفا من أن يراهم الفرزدق، فأتيا الحسن فقال له الفرزدق: يا أبا سعيد، قال له الحسن: ما تشاء؟
قال: أشهد أن النّوار طالق ثلاثا، فقال الحسن: قد شهدنا، فلما انصرفنا قال: يا أبا شفقل، قد ندمت، فقلت له: واللّه إني لأظن أن دمك يترقرق، أتدري من أشهدت؟ واللّه لئن رجعت لترجمن بأحجارك، فمضى وهو يقول:
ندمت ندامة الكسعيّ لمّا ... غدت منّي مطلّقة نوار [6]
ولو أنّي ملكت يدي وقلبي ... لكان عليّ للقدر الخيار
وكانت جنّتي فخرجت منها ... كآدم حين أخرجه الضّرار [7]
وكنت كفاقىء عينيه عمدا ... فأصبح ما يضيء له النهار
يخاصم كل من يمد يده لمساعدة النوار:
وأخبرني بخبره مع النّوار أحمد بن عبد العزيز، قال: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثني محمد بن يحيى، عن
__________
إن تأت بنتك من بيتي مطلقة ... فلن تردي عليها زفرة الندم
[1] ردع الخلوق: ريح الطيب.
[2] كرام: فاعل تريك. يقول: إنهن كالنجوم يبدون مع الشمس مع أن النجوم لا تظهر معها.
[3] الحارث بن عباد: فارس النعامة «فرسه» من بني بكر. ارجع إلى خبره في «الأغاني» عند الكلام عن حرب تغلب وبكر ابني وائل.
[4] الحي الغموض: القبيلة التي تخفي مكانتها.
[5] يريد أنه أدب نوار بزواجه هذا. فرضيت بالنصف (بفتح النون) أي الإنصاف، أو رضيت بالنصف (بكسر النون)، أي بالقسمة بينها وبين الزوجة الجديدة.
[6] الكسعي: رجل يضرب به المثل في الندامة على كسره قوسه، وكان جربها في عدة ظباء، فظن أنها لم تصبهن، ثم اتضح أنها أقصدتهن جميعا.
[7] الضرار، من ضاره، يريد أن مخالفة آدم لأمر ربه أخرجته من الجنة.
أبيه يحيى بن علي بن حميد:
أنّ النّوار لمّا كرهت الفرزدق حين زوّجها نفسه لجأت إلى بني قيس بن عاصم [1] المنقري ليمنعوها [1] فقال الفرزدق فيهم:
بني عاصم لا تجنبوها فإنكم ... ملاجىء للسوآت دسم العمائم [2]
بني عاصم لو كان حيّا أبوكم ... للام بنيه اليوم قيس بن عاصم [3]
فبلغهم ذلك الشعر، فقالوا: واللّه لئن زدت على هذين البيتين لنقتلنك غيلة، [4] وخلّوه والنوار [4] وأرادت منافرته [5] إلى ابن الزبير، فلم يقدر أحد على أن يكريها [6] [7] خوفا منه [7]. ثم إن قوما من بني عديّ يقال لهم بنو أم النّسير أكروها، فقال الفرزدق:
ولو لا أن يقول بنو عديّ ... ألم تك أمّ حنظلة النّوار
أتتكم يا بني ملكان عنّي ... قواف لا تقسّمها التّجار
وقال فيهم أيضا:
لعمري لقد أردى النّوار وساقها ... إلى البور أحلام خفاف عقولها [8]
/أطاعت بني أمّ النّسير فأصبحت ... على قتب يعلو الفلاة دليلها [9]
وقد سخطت منّي النّوار الذي ارتضى ... به قبلها الأزواج خاب رحيلها [10]
وإن امرأ أمسى يخبّب زوجتي ... كساع إلى أسد الشرى يستبيلها [11]
ومن دون أبواب الأسود بسالة ... وبسطة أيد يمنع الضّيم طولها [12]
وإنّ أمير المؤمنين لعالم ... بتأويل ما وصّى العباد رسولها [13]
__________
(1 - 1) التكملة من هد، هج.
[2] في هد، هج: لا تلجئوها، دسم العمائم: من الدسم بمعنى الدنس، أو من دسم البعير: طلاه بالقار، جمع أدسم.
[3] قيس بن عاصم المشار إليه كان مضرب المثل في الحلم، ومنه تعلم الحلم أحنف بن قيس، وفي قيس بن عاصم يقول الشاعر:
عليك سلام اللّه قيس بن عاصم ... ورحمته ما شاء أن يترحما
فما كان قيس هلكه هلك واحد ... ولكنه بنيان قوم تهدما
(4 - 4) الزيادة من هد.
[5] منافرته: مخاصمته.
[6] يكريها: يعطيها دابة بالكراء.
(7 - 7) التكملة من هد.
[8] في هد «إلى الغور» بدل «إلى البور».
[9] القتب: الرحل الصغير على قدر سنام البعير.
[10] في ب «شحطت» وهو تصحيف.
[11] مضى هذا البيت.
[12] في «المختار»:
«و من دون أبوال الأسود»
[13] يشير بذلك إلى وجوب طاعة الزوجة لبعلها كما ورد في الشريعة الإسلامية.
فدونكها يا بن الزبير فإنها ... مولّعة يوهي الحجارة قيلها [1]
وما جادل الأقوام من ذي خصومة ... كورهاء مشنوء إليها حليلها [2]
فلما قدمت مكة نزلت على تماضر بنت منظور بن زبّان زوجة عبد اللّه بن الزبير، ونزل الفرزدق بحمزة بن عبد اللّه بن الزبير، ومدحه بقوله:
أمسيت قد نزلت بحمزة حاجتي ... إن المنوّه باسمه الموثوق
بأبي عمارة خير من وطىء الحصا ... وجرت له في الصالحين عروق
بين الحواريّ الأعزّ وهاشم ... ثم الخليفة بعد والصّدّيق [3]
/غنّى في هذه الأبيات ابن سريج رملا بالبنصر.
قال: فجعل أمر النّوار يقوى، وأمر الفرزدق يضعف، فقال:
أمّا بنوه فلم تقبل شفاعتهم ... وشفّعت بنت منظور بن زبّانا
ملاحاة بينه وبين ابن الزبير:
وقال ابن الزبير للنّوار: إن شئت فرّقت بينكما، وقتلته، فلا يهجونا أبدا، وإن شئت سيّرته إلى بلاد العدو، فقالت: ما أريد واحدة منهما، فقال لها: فإنه ابن عمك وهو فيك راغب، فأزوّجك إياه، قالت: نعم، فزوجها منه، فكان الفرزدق يقول: خرجنا ونحن متباغضان، فعدنا متحابين.
قال: وكان الفرزدق قال لعبد اللّه بن الزبير - وقد توجه الحكم عليه - إنما تريد أن أفارقها فتثب عليها، وكان ابن الزبير حديدا [4]، فقال له: هل أنت وقومك إلا جالية [5] العرب؟.
ثم أمر به فأقيم، وأقبل على من حضر، فقال: إن بني تميم كانوا وثبوا على البيت قبل الإسلام بمائة وخمسين سنة، فاستلبوه، فاجتمعت العرب عليها لما انتهكت منه ما لم ينتهكه أحد قط، فأجلتها من أرض تهامة، قال: فلقي الفرزدق بعض الناس، فقال: إيه يعيرنا ابن الزبير بالجلاء! اسمع، ثم قال:
فإن تغضب قريش أو تغضّب ... فإنّ الأرض توعبها تميم [6]
/هم عدد النجوم وكلّ حيّ ... سواهم لا تعدّ له نجوم
ولو لا بيت مكة ما ثويتم ... بها صحّ المنابت والأروم [7]
__________
[1] فدونكها: فخذها، والضمير يعود إلى الأبيات، قيلها: قولها.
[2] الورهاء: الحمقاء، مشنوء: مبغض، يقول: إنها تخاصمني إليك، وماذا عسى أن تسمع من حمقاء تكره بعلها؟.
[3] يقصد أن حمزة سبط الزبير بن العوام حواري الرسول، وأنه حفيد هاشم بن عبد مناف، لأن جدته أم الزبير بنت عبد المطلب بن هاشم، وأن جدته زوجة الزبير ذات النطاقين أسماء بنت أبي بكر الصديق، وأن أباه الخليفة وفي البيت إقواء.
[4] حديد: سريع الغضب.
[5] الجالية: الذين أجلوا، أي أبعدوا عن أوطانهم.
[6] تغضب الثانية مضارع محذوف إحدى التائين، معناه تتظاهر بالغضب، توعبها: تأخذها أجمع، ولا تترك منها شيئا.
[7] ثويتم: أقمتم. الأروم: جمع أرومة وهي الأصل.
/
بها كثر العديد وطاب منكم ... وغيركم أخيذ الريش هيم [1]
فمهلا عن تعلّل من غدرتم ... بخونته وعذّبه الحميم [2]
أعبد اللّه مهلا عن أذاتي ... فإني لا الضعيف ولا الشوم
ولكنّي صفاة لم تدنّس ... تزلّ الطير عنها والعصوم [3]
أنا ابن العاقر الخور الصّفايا ... بضوّي حين فتّحت العكوم [4]
قال: فبلغ هذا الشّعر ابن الزبير، وخرج للصلاة فرأى الفرزدق في طريقه، فغمز عنقه، فكاد يدقها، ثم قال:
لقد أصبحت عرس الفرزدق ناشزا ... ولو رضيت رمح استه لاستقرّت
وقال: هذا الشعر لجعفر بن الزبير.
[5] وقيل: إن الذي كان تقرّر عليه عشرة آلاف درهم، وإنّ سلم بن زياد أمر له بعشرين ألف درهم مهرا ونفقة، فقبضها، فقالت له زوجته أمّ عثمان بنت عبد اللّه/ بن عمرو بن أبي العاص الثقفيّة: أتعطي عشرين ألف درهم وأنت محبوس [6]؟ فقال:
ألا بكرت عرسي تلوم سفاهة ... على ما مضى مني وتأمر بالبخل
فقلت لها - والجود منّي سجيّة - : ... وعل يمنع المعروف سوّاله مثلي؟ [7]
ذريني فإنّي غير تارك شيمتي ... ولا مقصر طول الحياة عن البذل
ولا طارد ضيفي إذا جاء طارقا ... وقد طرق الأضياف شيخي من قبلي [8]
أأبخل؟ إن البخل ليس بمخلدي ... ولا الجود يدنيني إلى الموت والقتل
أبيع بني حرب بآل خويلد! ... وما ذاك عند اللّه في البيع بالعدل؟ [9]
__________
[1] أخيذ الريش: مهيض الجناح، الهيم: النوق العطاش.
[2] تعلل: من تعلل، بمعنى: أبدى الحجة وتمسك بها، كأنه يقول: كفوا يا بني قريش عن ادعائكم الشرف على بني تميم الذين غدرتموهم بخيانتكم إياهم، وكان عذابهم على أيدي محالفيهم وأصدقائهم وفي بعض النسخ:
فمهلا عن تذلل من عزرتم ... بجولته وعزّبه الحميم
والمعنى: كفوا عن إذلال من كان سببا في عزتكم، ولعل هذه الرواية أنسب.
[3] الصفاة: الصخرة، والعصوم: الأوساخ، يقول: أنا صفاة عالية نقية لا يعف عليها طير، ولا تعلق بها الأوساخ.
[4] الخور: النوق الغزر، جمع خوارة، الصفايا: المتنقاة، جمع صفية، العكوم: مجمع عكم - بكسر العين - وهو ما يحمله الرجل على ظهره من طعام، كأنه يقول: أنا ابن من عقر النوق بضوي حين حطت الرحال وحان وقت الطعام ولعله يشير إلى ما نحره أبوه من إبل في خلافة عثمان لبني حنظلة على نحو ما سبق.
[5] (من هنا إلى رقم 6 في الصفحة التالية) تكملة من «المختار».
[6] يبدو أنه كان في حبس ابن الزبير كما هو واضح من الأبيات التالية.
[7] المعروف: مفعول ثان مقدم ليمنع، وسواله: مفعول أول مؤخر.
[8] لعله يعني بشيخه أباه، أو أحد أجداده.
[9] خويلد: أبو العوام جد عبد اللّه بن الزبير.
وليس ابن مروان الخليفة مشبها ... لفحل بني العوّام، قبّح من فحل
فإن تظهروا لي البخل آل خويلد ... فما دأبكم دأبي ولا شكلكم شكلي
وإن تقهروني حين غابت عشيرتي ... فمن عجب الأيام أن تقهروا مثلي
فلما اصطلحا، ورضيت به [1]، ساق إليها مهرها، ودخل بها، وأحبلها قبل أن يخرج من مكة.
ثم خرجا وهما عديلان في محمل.
يستصرخ حمزة بن عبد اللّه بن الزبير:
وأخبرني أبو خليفة، عن محمد بن سّلام، عن إبراهيم بن حبيب بن الشّهيد بنحو من هذه القصة.
/ قال عمر بن شبّة: قال الفرزدق في خبره:
يا حمز هل لك في ذي حاجة عرضت ... أنضاؤه بمكان غير ممطور [2]
فأنت أحرى قريش أن تكون لها ... وأنت بين أبي بكر ومنظور [3]
بين الحواريّ والصدّيق في شعب ... ثبتن في طنب الإسلام والخير [4]
يتقون لسانه:
أخبرنا أبو خليفة قال: حدثنا محمد بن سلّام قال: حدثنا عبد القاهر بن السّريّ السلمي، قال:
كان فتى من بني حرام [5] شويعر هجا الفرزدق، قال: فأخذناه، فأتينا به الفرزدق وقلنا: هذا بين يديك فإن شئت فاضرب، وان شئت فاحلق، فلا عدوى عليك ولا قصاص، قد برئنا إليك منه، فخلّى سبيله وقال:
فمن يك خائفا لأذاة شعري ... فقد أمن الهجاء بنو حرام
هم قادوا سفيههم وخافوا ... قلائد مثل أطواق الحمام
ليس طريقه إلى جهنم:
قال ابن سلّام: وحدثني عبد القاهر قال:
مرّ الفرزدق بمجلسنا مجلس بني حرام ومعنا عنبسة مولى عثمان بن عفان، فقال: يا أبا فراس، متى تذهب إلى الآخرة؟ قال: وما حاجتك إلى ذاك يا أخي؟ قال: أكتب معك إلى أبي، قال: أنا لا أذهب إلى حيث أبوك، أبوك في النار، أكتب إليه مع ريالويه واصطقانوس.
يغضب على ابن الكلبي لعدم روايته شعره:
أخبرني الحسن بن يحيى، عن حماد، عن أبيه قال: أخبرني مخبر، عن خالد بن كلثوم الكلبيّ، قال:
__________
[1] ضمير رضيت: يعود على النوار.
[2] أنضاء: جمع نضو، وهو المهزول من الإبل، وذلك كناية عن الجدب والحاجة، وفي بعض النسخ: «أنضاره» بدل «أنضاؤه».
[3] يعني منظور بن زبّان جده لأمه.
[4] الخير - بكسر الخاء - : الكرم والشرف، وفي «المختار»:
«نبتن في طيب الإسلام»
[5] في هد: «حزام» بدل «حرام».
مررت بالفرزدق، وقد كنت دوّنت شيئا من شعره وشعر جرير، وبلغه ذلك، فاستجلسني، فجلست إليه، وعذت باللّه من شره، وجعلت أحدثه/ حديث أبيه وأذكر له ما يعجبه، ثم قلت له: إني لأذكر يوم لقّبك بالفرزدق، قال: وأي يوم؟ قلت: مررت به وأنت صبيّ، فقال له بعض من كان يجالسه: كأنّ ابنك هذا الفرزدق دهقان الحيرة في تيهه وأبّهته، فسمّاك بذلك، فأعجبه هذا القول، وجعل يستعيد، ثم قال: أنشدني بعض أشعار ابن المراغة فيّ، فجعلت أنشده، حتى انتهيت، ثم قال: فأنشد نقائضها التي أجبته بها، فقلت:/ ما أحفظها، فقال: يا خالد، أتحفظ ما قاله فيّ ولا تحفظ نقائضه؟ واللّه لأهجونّ كلبا هجاء يتصل عاره بأعقابها إلى يوم القيامة، إن لم تقم حتى تكتب نقائضها أو تحفظها وتنشدينها، فقلت: أفعل فلزمته شهرا، حتى حفظت نقائضها، وأنشدته إياها خوفا من شره.
يكايد النوار بحدراء فتستعدي عليه جريرا:
أخبرني عبد اللّه بن مالك قال: حدثنا محمد بن حبيب، قال: حدثني الأصمعي قال:
تزوج الفرزدق حدراء بنت زيق بن بسطام بن قيس الشيباني، وخاصمته النّوار وأخذت بلحيته، فجاذبها وخرج عنها مغضبا وهو يقول:
قامت نوار إليّ تنتف لحيتي ... تنتاف جعدة لحية الخشخاش
كلتاهما أسد إذا ما أغضبت ... وإذا رضين فهنّ خير معاش
قال: والخشخاش رجل من عنزة، وجعدة امرأته، فجاءت جعدة إلى النّوار، فقالت: ما يريد مني الفرزدق؟
أما وجد لامرأته أسوة غيري.
وقال الفرزدق للنوار يفضّل عليها حدراء.
لعمري لأعرابيّة في مظلّة ... تظلّ بروقي بيتها الريح تخفق [1]
أحبّ إلينا من ضناك ضفنّة ... إذا وضعت عنها المراويح تعرق [2]
كريم غزال أو كدرّة غائص ... تكاد - إذا مرت - لها الأرض تشرق
/ فلما سمعت النوار ذلك أرسلت إلى جرير، وقالت للفرزدق: واللّه لأخزينّك يا فاسق فجاء جرير، فقالت له: أما ترى ما قال الفاسق، وشكته إليه، وأنشدته شعره، فقال جرير: أنا أكفيك، وأنشأ يقول:
ولست بمطي الحكم عن شفّ منصب ... ولا عن بنات الحنظليّين راغب [3]
وهنّ كماء المزن يشفى به الصّدى ... وكانت ملاحا غيرهنّ المشارب [4]
__________
[1] روقي: تثنية روق، ومن معانيه رواق البيت.
[2] الضناك: الموثق الخلق الشديد (يستوي فيه المذكر والمؤنث). الضفنة: الحمقاء الكثيرة اللحم، يقول: إن أعرابية - يقصد حدراء - تخفق في بيتها الريح أحب من النوار الشديدة الخلق الحمقاء المترهلة التي يتفصد جسمها عرقا إذا لم تسعفها المراوح.
[3] الشف: الفضل، يقول: إنك لم تعط الحكم على النساء والمفاضلة بينهن، فليس لك منصب فاضل يؤهلك لذلك، وليس ثمة من يرغب عن بنات الحنظليين اللاتي منهن نوار.
[4] ملاحا: من الملوحة لا الملاحة، يقول: إن بنات الحنظليين يروين غلة الظمآن كما ترويه مياه المطر، وغيرهن يروون الظمآن ظمأ لملوحة مائهن.
لقد كنت أهلا أن يسوق دياتكم ... إلى آل زيق أن بعيبك عائب [1]
وما عدلت ذات الصليب ظعينة ... عتيبة والرّدفان منها وحاجب [2]
أأهديت يا زيق بن بسطام طبية ... إلى شرّ من تهدى إليه القرائب [3]
ألا ربّما لم نعط زيقا بحكمه ... وأدّى إلينا الحكم والغلّ لازب [4]
/حوينا أبا زيق وزيقا وعمّه ... وجدّه زيق قد حوتها المقانب [5]
فأجابه الفرزدق فقال:
تقول كليب حين مثّت سبالها ... وأعشب من مروتها كلّ جانب [6]
لسوّاق أغنام رعتهنّ أمّه ... إلى أن علاها الشيب فوق الذوائب [7]
أ لست إذا القعساء مرت براكب ... إلى آل بسطام بن قيس بخاطب [8]
وقالوا: سمعنا أنّ حدراء زوّجت ... على مائة شمّ الذّرى والغوارب [9]
فلو كنت من أكفاء حدراء لم تلم ... على دارميّ بين ليلى وغالب
فنل مثلها من مثلهم ثم أمّهم ... بملكك من مال مراح وعازب [10]
وإني لأخشى إن خطبت إليهم ... عليك الذي لاقى يسار الكواعب [11]
__________
[1] عائب فاعل يسوق ويعيب (تنازع) يقول: قد كنت حريا أن يسوق ديتك إلى آل زيق عائب على زواجك منهم بدل أن تسوق إليهم أنت المهر، أن يعيبك، خشية أن يعييك، وفي الأصل «لئن» بدل «لقد» وهو تحريف فليس في الكلام جواب لشرط أو قسم.
[2] ذات الصليب: حدراء، فإنها كانت نصرانية، الظعينة: الزوجة، وجملة المصراع الثاني صفة ظعينة، عتيبة: هو ابن الحارث بن شهاب، الردفان هما عتاب بن هرمي، وعوف بن عتاب بن هرمي: وحاجب: هو ابن زرارة، والردف هو خليفة الملك يشرب بعده وينوب عنه إذا غاب، وإنما أراد بتعداد هؤلاء بيان فضل النوار.
[3] الاستفهام في البيت إنكاري، يريد أنه لا يؤمن على القرائب من النساء، فما بالك بغيرهن، ومنع بسطاما من الصرف للضرورة، وفي بعض النسخ:
أ أهديت يا زيق بن زيق غريبة ... إلى شر من تهدى إليه الغرائب؟
[4] زيق: أبو حدراء، ضرة النوار، والغلّ: القيد، ولازب: لازم، يريد أن زيقا - وقد كان نصرانيا - شرب كأس المهانة والذل من أيدينا والبيت من «المختار» وساقط من نسخ «الأغاني».
[5] المقانب: جمع مقنب، وهو جماعة الخيل والبيت من «المختار» ساقط من «الأغاني».
[6] مثت: أخصبت، سبالها: سنابل زرعها، مروت: جمع مرت، وهو القفز لا نبات به، وقد تضاربت الأصول في ألفاظ هذا البيت كل تضارب، وهذا ما اخترناه منها.
[7] هذا البيت من هد ويقصد بسائق الأغنام جريرا نفسه.
[8] القعساء: من قعس الفرس إذا اطمأنت صهوته، وارتفعت قطاته، والأبيات الثلاثة مسوقة سياق التهكم، يقول: تقول كليب قبيلة جرير الراعي ابن الراعية إذا رأته سائقا فرسه: هل تريد أن تخطب من آل بسطام؟.
[9] شم الذرى والغوارب: عالية الأسنمة والظهور.
[10] تكملة من «المختار»، هد.
[11] يشير بقوله: يسار الكواعب إلى قصة رجل يحمل هذا الاسم، كان عبدا لسيدة من بني غدانة، فطمع فيها، وطلب يدها، فردته مرارا، فجعل يلح عليها، فتظاهرت بالقبول، وقالت: حتى أجمرك، ثم استحضرت مجمرة وأخفت في ثيابها مدية حادة، وجعلت تجمره، ثم مدت يدها إلى قضيبه، فظن أنها تداعبه، ولكنها أخرجت المدية من ثيابها، واستأصلته فجعل يصيح: «مرحبا بمجامر الكرام» فذهبت مثلا.
ولو تنكح الشّمس النجوم بناتها ... نكحنا بنات الشمس قبل الكواكب
/ [1] وفي المناقضات التي دارت بين الفرزدق وجرير حول زواج بنت زيق، قال جرير أبياته التي أولها:
يا زيق أنكحت قينا في استه حمم ... يا زيق ويحك من أنكحت يا زيق [2]
أين الألى أنزلوا النعمان ضاحية ... أم أين أبناء شيبان الغرانيق؟ [3]
يا ربّ قائلة بعد البناء بها: ... لا الصهر راض ولا ابن القين معشوق
غاب المثنّى فلم يشهد نجيّكما ... والحوفزان ولم يشهدك مفروق [4]
والفرزدق يقول لجرير:
إن كان أنفك قد أعياك محمله ... فاركب أتانك ثم اخطب إلى زيق [1]
خبران عن ولديه:
أخبرني الحسن بن يحيى، عن حماد، عن أبيه، عن الهيثم بن عدي، عن زكريا بن ثباة الثقفي [5] قال:
أنشدني الفرزدق قصيدته التي رثى فيها ابنه، فلما انتهى إلى قوله:
بفي الشّامتين الصّخر إن كان مسّني ... رزيّة شبل مخدر في الضّراغم [6]
[/فلما فرغ] [7] /قال: يا أبا يحيى، أرأيت ابني؟ قلت: لا، قال: واللّه ما كان يساوي عباءته.
بنو تغلب أعطوا ابنه مائة ناقة:
قال إسحاق: حدثني أبو محمد العبديّ، عن اليربوعيّ، عن أبي نصر قال: قدم لبطة بن الفرزدق الحيرة، فمر بقوم من بني تغلب فاستقراهم فقروه، ثم قالوا له: من أنت؟ قال: ابن شاعركم ومادحكم، وأنا واللّه ابن الذي يقول فيكم:
أضحى لتغلب من تميم شاعر ... يرمي الأعادي بالقريض الأثقل
__________
(1 - 1) ساقط من «الأغاني» وأثبتناه من «المختار».
[2] القين: الحداد، ويطلق على كل صانع، وكانت العرب تعتبر ذلك مهانة، والحمم: الفحم وكل ما بقي من آثار الاحتراق، كأنه يرمي الفرزدق بسواد استه، ورواية ابن سلام تفيد أن البيت ملفق من بيتين هما:
يا زيق قد كنت من شيبان في حسب ... يا زيق ويحك من أنكحت يا زيق!
أنكحت ويحك قينا باسته حمم ... يا زيق ويحك هل بارت بك السوق!
[3] يريد أن قومه من شيبان قهروا النعمان بن المنذر، والغرانيق جمع غرنوق: الشاب الممتلىء الناعم وفي رواية:
«استنزلوا النعمان مقتسرا»
بدل
«أنزلوا النعمان ضاحية»
، ويلاحظ أن الفرزدق هنا يشيد بزيق وقومه، بعد ما هبط بهم إلى الحضيض في قوله:
«حوينا أبا زيق وزيقا وأمه ...
إلخ ما تقدم».
[4] يعدد في هذا البيت أقطاب شيبان - والمثنى: هو المثنى بن حارثة بطل الحروب الفارسية في عهد أبي بكر، والحوفزان، هو الحارث بن شريك بن الصلب، ومفروق: هو النعمان بن عمرو الأصم.
[5] في هد: «زكريا بن هشام الثقفي».
[6] بفي: بفم، وهو خبر مقدم عن الصخر، والجملة دعائية، مخدر: ملازم خدره، والخدر من معانيه مقر الأسد، يعني أنه لم يتأثر بموت ابنه هذا، ففيم يشمت الشامتون، ملأت الصخور أفواههم.
[7] زيادة من الطبعة البولاقية.
إن غاب كعب بني جعيل عنهم ... وتنمّر الشعراء بعد الأخطل [1]
يتباشرون بموته ووراءهم ... منّي لهم قطع العذاب المرسل
فقالوا له: فأنت ابن الفرزدق إذا، قال: أنا هو، فتنادوا: يا آل تغلب، اقضوا حق شاعركم والذائد عنكم في ابنه، فجعلوا له مائة ناقة، وساقوها إليه، فانصرف بها.
عمرو بن عفراء يتحداه:
أخبرنا أبو خليفة، عن محمد بن سلّام قال: أتى الفرزدق عبد اللّه بن مسلم الباهليّ فسأله فثقل عليه الكثير، وخشية في القليل، وعنده عمرو بن عفراء الضّبيّ رواية الفرزدق وقد كان هجاه جرير لروايته للفرزدق في قوله:
ونبّئت جوّابا وسلما يسبّني ... وعمرو بن عفري. لا سلام على عمرو [2]
فقال ابن عفراء للباهليّ: لا يهولنّك أمره، أنا أرضيه عنك فأرضاه بدون ما كان همّ له به، فأعطاه ثلاثمائة درهم، فقبلها الفرزدق ورضي عنه، فبلغه بعد ذلك صنيع عمرو فقال:
/ستعلم يا عمرو بن عفري من الذي ... يلام إذا ما الأمر غبّت عواقبه [3]
نهيت ابن عفرى أن يعفّر أمّه ... كعفر السّلا إذ جرّرته ثعالبه [4]
فلو كنت ضبّيا صفحت ولو سرت ... على قدمي حيّاته وعقاربه [5]
ولكن ديافيّ أبوه وأمّه ... بحوران يعصرن السليط أقاربه [6]
ولما رأى الدّهنا رمته جبالها ... وقالت ديافيّ مع الشام جانبه [7]
فإن تغضب الدهنا عليك فما بها ... طريق لمرتاد تقاد ركائبه [8]
تضنّ بمال الباهليّ كأنما ... تضنّ على المال الذي أنت كاسبه
وإنّ امرأ يغتابني لم أطأله ... حريما ولا ينهاه عنّي أقاربه [9]
كمحتطب يوما أساود هضبة ... أتاه بها في ظلمة الليل حاطبه [10]
أحين التقى ناباي وابيضّ مسحلي ... وأطرق إطراق الكرى من يجانبه [11]
__________
[1] كعب بني جميل والأخطل: شاعران تغلبيان، يقصد أنه المنافح عنهم بعد موت هذين الشاعرين.
[2] في «الديوان»:
«و سكنا يسبني»
وفي «المختار»
«و شيكا يسبني»
[3] غبت عواقبه: بلغ مداه.
[4] تكملة من هد، والسلا: غشاء يحيط بالجنين عند ولادته.
[5] يريد أنه لو كان ضبيّا لاغتفر له الإساءة مهما تعظم.
[6] دياف: بلد بالشام، السليط: ما يستخرج من الحبوب من الزيوت، وقد جرى في قوله «يعصرن» على لغة أكلوني البراغيث.
[7] الدهنا: مقصور الدهناء: موضع لبني تميم.
[8] في هد، هج «لزيات» بدل «لمرتاد».
[9] في «المختار» «يعتابني» أي يعيبني. وفي ف: «تجاربه» بدل: «أقاربه».
[10] الأساود: جمع أسود، وهو الحية العظيمة.
[11] المسحل: جانب اللحية، يقول: أيسيئني حين التقى ناباي، وشابت لحيتي، ونام عدوي بعد أن كان يجفوه النوم، وفي هد، هج:
«من أحاربه» بدل من «يجانبه».
فقال ابن عفراء، وأتاه في نادي قومه: أجهد جهدك، هل هو إلا أن تسبني، واللّه لا أدع لك مساءة إلا أتيتها، ولا تأمرني بشيء إلا اجتنبته ولا تنهاني عن شيء إلا ركبته، قال: فاشهدوا أني أنهاه أن ينيك أمه، فضحك القوم وخجل ابن عفري.
يتطفل فيجاز:
أخبرنا أبو خليفة، عن محمد بن سلام، قال: حدثنا شعيب بن صخر قال:
/ تزوج ذبيان بن أبي ذبيان العدوي من بلعدوية، فدعا الناس في وليمته، فدعا ابن أبي شيخ الفقيميّ، فألقى الفرزدق عنده، فقال له: يا أبا فراس، انهض، قال: إنه لم يدعني، قال: إن ابن ذبيان يؤتى وإن لم يدع، ثم لا تخرج من عنده إلا بجائزة فأتياه، فقال الفرزدق حين دخل:
كم قال لي ابن أبي شيخ وقلت له: ... كيف السّبيل إلى معروف ذبيان
/ إنّ القلوص إذا ألقت جآجئها ... قدامّ بابك لم نرحل بحرمان [1]
قال: أجل يا أبا فراس فدخل فتغدى عنده، وأعطاه ثلاثمائة درهم.
يريد أن يتحدى الناس الموت:
أخبرني أبو خليفة عن محمد بن سلّام قال: حدثني أبو بكر المدنيّ قال:
دخل الفرزدق المدينة فوافق فيها موت طلحة بن عبد الرحمن بن عوف الزّهريّ - وكان سيدا سخيّا شريفا - فقال: يا أهل المدينة، أنتم أذل قوم للّه، قالوا: وما ذاك يا أبا فراس؟ قال: غلبكم الموت على طلحة حتى أخذه [2] منكم.
يعطي عروضا بدل النقد:
وأتى مكة، فأتى عمرو بن عبد اللّه بن صفوان بن أمية بن خلف الجمحيّ - وهو سيد أهل مكة يومئذ - وليس عنده نقد حاضر، وهو يتوقع أعطيته وأعطية ولده وأهله، فقال: واللّه يا أبا فراس، ما وافقت عندنا نقدا، ولكن عروضا [3] إن شئت، فعندنا رقيق فرهة [4]، فإن شئت أخذتهم، قال: نعم، فأرسل له بوصفاء من بنيه وبني أخيه، فقال: هم لك عندنا حتى تشخص، وجاءه العطاء، فأخبره الخبر وفداهم، فقال الفرزدق ونظر إلى عبد العزيز بن عبد اللّه بن خالد بن أسيد وكان يطوف بالبيت الحرام يتبختر:
/تمشي تبختر حول البيت منتخبا ... لو كنت عمرو بن عبد اللّه لم تزد [5]
يحتج بشعره:
أخبرنا أبو خليفة، عن محمد بن سلام، قال: حدثنا عامر بن أبي عامر - وهو صالح بن رستم الخراز - قال:
أخبرني أبو بكر الهذلي قال:
__________
[1] الجاجى ء: جمع جؤجؤ، وهو عظام الصدر، وإلقاء جآجىء الناقة كناية عن بروكها.
[2] كأنه كان يريد من أهل المدينة أن يقاوموا الموت، وهذا من أبلغ الرثاء لطلحة بن عبد الرحمن.
[3] العروض: جمع عرض - بفتح وسكون - وهو ما سوى النقد من المتاع.
[4] يريد عبيدا وجواري حسانا.
[5] تبختر: مضارع محذوف أحد التائين، والمقصود بالبيت أن عمرا هذا هو وحده الجدير بالتيه والخيلاء.
إنا لجلوس عند الحسن إذ جاء الفرزدق يتخطى حتى جلس إلى جنبه، فجاء رجل، فقال: يا أبا سعيد: الرجل يقول: لا واللّه، بلى واللّه في كلامه، قال: لا يريد اليمين، فقال الفرزدق: أو ما سمعت ما قلت في ذلك؟ قال الحسن: ما كلّ ما قلت سمعوا فما قلت؟ قال: قلت:
ولست بمأخوذ بلغو تقوله ... إذا لم تعمّد عاقدات العزائم [1]
قال: فلم ينشب أن جاء رجل آخر، فقال: يا أبا سعيد. نكون في هذه المغازي فنصب المرأة لها زوج، أفيحلّ غشيانها وإن لم يطلّقها زوجها؟ فقال الفرزدق: أو ما سمعت ما قلت في ذلك؟ قال الحسن: ما كلّ ما قلت سمعوا فما قلت؟ قال: قلت:
وذات حليل أنكحتنا رماحنا ... حلالا لمن يبني بها لم تطلّق [2]
يهجو إبليس:
قال أبو خليفة: أخبرني محمد بن سلام، وأخبرني محمد بن جعفر قالا:
أتى الفرزدق الحسن [3]، فقال: إني هجوت إبليس فاسمع؟ قال لا حاجة لنا بما تقول، قال: لتسمعنّ أو لأخرجنّ، فأقول للناس: إن الحسن ينهى عن هجاء إبليس، قال: اسكت فإنك بلسانه تنطق.
الحسن يتمثل بالشعر:
قال محمد بن سلام: أخبرني سلام أبو المنذر، عن علي بن زيد قال: ما سمعت الحسن متمثلا شعرا قط إلا بيتا واحدا وهو قوله:
الموت باب وكلّ الناس داخله ... فليت شعري بعد الباب ما الدّار؟
قال: وقال لي يوما: ما تقول في قول الشاعر:
لو لا جرير هلكت بجيلة ... نعم الفتى وبئست القبيلة
أهجاه أم مدحه؟ قلت: مدحه وهجا قومه، قال: ما مدح من هجي قومه.
وقال جرير بن حازم:/ ولم أسمعه ذكر شعرا قط إلا:
ليس من مات فاستراح بميت ... إنما الميت ميّت الأحياء
هل ينقض الشعر الوضوء:
وقال رجل لابن سيرين وهو قائم يستقبل القبلة يريد أن يكبّر: أيتوضّأ [4] من الشعر؟ فانصرف بوجهه إليه فقال:
ألا أصبحت عرس الفرزدق ناشزا ... ولو رضيت رمح استه لاستقرّت
__________
[1] يريد أن بيته يتطابق مع قوله تعالى: لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ*
[2] ذات: مفعول مقدم لأنكحتنا، ويريد أن سبايا الحرب إماء يحل الاستمتاع بهن.
[3] يريد الحسن البصري.
[4] يقصد: هل يعتبر الشعر من نواقض الوضوء؟ وقد أجابه ابن سيرين عملا لا قولا، إذ نطق ببيت الفرزدق الفاحش، ثم كبر.
ثم كبر.
من أبياته السيارة:
قال ابن سلّام: وكان الفرزدق أكثرهم بيتا مقلّدا - والمقلّد: المغني [1] المشهور الذي يضرب به المثل - من ذلك قوله:
فيا عجبا حتى كليب تسبني ... كأنّ أباها نهشل أو مجاشع [2]
__________
[3] وقوله:
ليس الكرام بناحليك أباهم ... حتى يردّ إلى عطية نهشل [3]
/و قوله:
وكنّا إذا الجبّار صعّر خدّه ... ضربناه حتى تستقيم الأخادع [4]
وقوله:
وكنت كذئب السوء لما رأى دما ... بصاحبه يوما أحال على الدّم [5]
وقوله:
ترجّي ربيع أن تجيء صغارها ... بخير وقد أعيا ربيعا كبارها
وقوله:
أكلت دوابرها الإكام فمشيها ... مما وجئن كمشية الإعياء [6]
وقوله:
قوارص تأتيني وتحتقرونها ... وقد يملأ القطر الإناء فيفعم
وقوله:
أحلامنا تزن الجبال رزانة ... وتخالنا جنا إذا ما نجهل [7]
وقوله [8]
وإنك إذ تسعى لتدرك دارما ... لأنت المعنّى يا جرير المكلّف [8]
وقوله:
فإن تنج مني تنج من ذي عظيمة ... وإلا فإنّي لا إخالك ناجيا
وقوله:
ترى كل مظلوم ألينا فراره ... ويهرب منا جهده كلّ ظالم
وقوله:
ترى الناس ما سرنا يسيرون حولنا ... وإن نحن أومأنا إلى النّاس وقّفوا
وقوله:
فسيف بني عبس وقد ضربوا به ... نبا بيدي ورقاء عن رأس خالد [9]
كذاك سيوف الهند تنبو ظباتها ... ويقطعن أحيانا مناط القلائد
[1] في هد، هج؛ والمقلد: «البيت المستغني» بدل «المغني».
[2] كليب: قبيلة جرير، نهشل ومجاشع: من أجداد الفرزدق.
(3 - 3) تكملة من هد، هج. وعطية: أبو جرير، يقول: لن تعد من الكرام إلا إذا ثبت أن جدي نهشلا من صلب عطية أبيك، وفي بعض النسخ «تعتل» بمعنى تجر جرا عنيفا بدل «نهشل» وهو تحريف.
[4] صعر خده: أماله تكبرا، الأخادع: جمع أخدع: وهو أحد عرقين في جانب العنق.
[5] أحال على الدم: أقبل عليه، ويضرب هذا البيت مثلا لمن إن نزلت بصاحبه مصيبة استغلها لمصلحته بدل أن يفرجها عنه.
[6] دوابر: جمع دابرة، وهي العرقوب، والآكام: جمع أكمة، وجئن، من الوجا، وهو رقة الحافر أو الخف من كثرة المشي، والبيت وصف للناقة يضمرها السير وفي هد، هج،
«كمشية الأطفال»
[7] في هج «و المختار» بدل المصراع الثاني:
«و يزيد جاهلنا على الجهال»
والمثبت في «الديوان» 717 وما جاء في هج «و المختار» من قصيدة أخرى في «الديوان»: 730.
(8 - 8) التكملة من هج، هد. ف.
[9] يشير إلى مقتل زهير بن جذيمة حين أمسك به خالد غريمه فحاول ورقة بن زهير إنقاذ أبيه، فضرب خالدا، فنبا سيفه، وضرب أحد أنصار خالد زهيرا ففلق رأسه.
/ وكان يداخل الكلام، وكان ذلك يعجب [1] أصحاب النحو، من ذلك قوله يمدح هشام بن إسماعيل المخزوميّ خال هشام بن عبد الملك:
وأصبح ما في الناس إلا مملّكا ... أبو أمه حيّ أبوه يقاربه [2]
وقوله:
تاللّه قد سفهت أميّة رأيها ... فاستجهلت سفهاؤها حلماءها [3]
وقوله:
ألستم عائجين بنا لعنّا ... نرى العرصات أو أثر الخيام [4]
فقالوا: إن فعلت فأغن عنا ... دموعا غير راقئة السّجام [5]
وقوله:
فهل أنت إن ماتت أتانك راحل ... إلى آل بسطام بن قيس فخاطب [6]
وقوله:
فنل مثلها من مثلهم ثم دلّهم ... على دارميّ بين ليلى وغالب [7]
وقوله:
تعال فإن عاهدتني لا تخونني ... نكن مثل من - يا ذئب - يصطحبان [8]
/و قوله:
إنا وإياك إن بلّغن أرحلنا ... كمن بواديه بعد المحل ممطور [9]
وقوله:
بنى الفارق أمّك وابن أروى ... به عثمان مروان المصابا [10]
/و قوله:
إلى ملك ما أمّه من محارب ... أبوه ولا كانت كليب تصاهره [11]
وقوله:
إليك أمير المؤمنين رمت بنا ... هموم المنا والهوجل المتعسّف [12]
وعضّ زمان يا بن مروان لم يدع ... من المال إلا مسحتا أو مجلّف [13]
__________
[1] لا نعتقد أن هذا التداخل كان يعجب النحاة وإنما كانوا يستشهدون به، أما علماء البلاغة فيستشهدون بهذا التداخل على التعقيد اللفظي الذي ينافي الفصاحة.
[2] أصل تركيب البيت «و أصبح ما في الناس حي يقاربه إلا مملكا أبو أمه أبوه» هاء يقاربه تعود على خال هشام بن عبد الملك وهاء أمه تعود على هشام بن عبد الملك، وهاء «أبوه» تعود على خال هشام، أي لا حي يشابه خال الملك إلا الملك الذي جده أبو خاله.
وفي رواية: «و ما مثله» بدل «و أصبح» والبيت على تعقيده تافه المعنى، ولو قال:
وأصبح ما في الناس إلا مملكا ... أبو أمه أبوه حي يقاربه
لكان أقل تعقيدا مع استقامة الوزن.
[3] سفه رأيه: حمله على السفه.
[4] لعنا، أصلها «لعلنا» وهذا هو موضع الشاهد.
[5] غير راقتة السجام: «دائمة الهملان».
[6] وفي رواية «فاتت» بدل «ماتت» والبيت متعلق بالمساجلة التي دارت بينه وبين جرير بشأن حدراء، وقد تقدم ذكرها، وإن لم يرد فيها هذا البيت.
[7] تقدم هذا البيت في المساجلة المشار إليها برواية أخرى، والأولى أصح.
[8] الخطاب للذئب، والمداخلة هنا هي فصله بين الموصول «من» وصلته «يصطحبان» بالنداء.
[9] ضمير «إياك» للمدوح، «و نون بلغن» للرواحل، ممطور: خبر مبتدأ محذوف، تقديره هو، يعني إذا بلغناك كنا كمن أمطر واديه بعد الجدب.
[10] في بعض النسخ «نما» بدل «بنى» وفي بعضها «فما» والذي نختاره على ما فيه من معاظلة هو رواية «الديوان»:
هو السيف الذي نصر ابن أروى ... به عثمان مروان المصابا
على أن يكون «مروان» بدلا من ابن أروى، و «عثمان» مفعولا به، و «المصابا» صفته.
[11] لعل تركيب البيت السليم إلى ملك أبوه محارب، ما أمه من كليب ولا كانت تصاهره، وليس بعد ذلك تعسف.
(12 - 13) الهوجل المتعسف: الدليل المتعسف، المسحت: الكسب الخبيث، المجلف: الموقع صاحبه في الجدب، وفي البيتين إقواء.
وقوله:
ولقد دنت لك بالتخلّف إذ دنت ... منها بلا بخل ولا مبذول [1]
وكأنّ لون رضاب فيها إذ بدا ... برد بفرع بشامة مصقول [2]
وقوله فيها لمالك بن المنذر:
إنّ ابن ضبّاري ربيعة مالكا ... للّه سيف صنيعة مسلول [3]
ما نال من آل المعلّى قبله ... سيف لكل خليفة ورسول [4]
/ما من يدي رجل أحقّ بما أتى ... من مكرمات عطاية الأخطار [5]
من راحتين يزيد يقدح زنده ... كفّاهما ويشدّ عقد جوار [6]
وقوله:
إذا جئته أعطاك عفوا ولم يكن ... على ماله حال الندى منك سائله [7]
لدى ملك لا تنصف النعل ساقه ... أجل لا، وإن كانت طوالا حمائله [8]
وقوله:
والشيب ينهض في الشباب كأنه ... ليل يسير بجانبيه نهار
لا يكذب في مدحه:
قال أبو خليفة: أخبرنا محمد بن سلام قال: حدثني شعيب بن صخر، عن محمد بن زياد، وأخبرني به الجوهري وجحظة عن ابن شبّة، عن محمد بن سلام، وكان محمد في زمام الحجاج زمانا قال:
انتهيت إلى الفرزدق بعد موت الحجاج بالّردم [9] وهو قائم والناس حوله [9] ينشد مديح سليمان بن عبد الملك:
وكم أطلقت كفاك من غلّ بائس ... ومن عقدة ما كان يرجى انحلالها
كثيرا من الأيدي التي قد تكتّفت ... فككت وأعناقا عليها غلالها [10]
قال: قلت: أنا واللّه أحدهم، فأخذ بيدي وقال: أيها الناس سلوه عما أقول واللّه ما كذبت قط.
يأبى حين يريد:
أخبرني جحظة قال: حدثني ابن شبة، عن محمد بن سلّام فذكر مثله وقال فيه: واللّه ما كذبت قط ولا أكذب أبدا.
__________
(1 - 2) دنت، أي حبيبتة، البشام: نوع من الشجر، والبيتان شاهد أيضا على الإقواء.
(3 - 4) في هج «جباري» وفي أخرى «حباري»، وفي هد، هج، «ما زال» بدل «ما نال» «مالكا» بدل من ابن، رسول في البيت الثاني عطف على سيف، فإن عطف على خليفة كان في البيت إقواء.
(5 - 6) يمدح رجلا فيقول: لا يدين أحق بالمكرمات من يده اللتين يستعين بهما يزيد ويشد بهما عقد جواره.
[7] ف: «الردى» تحريف لكلمة «الندى» والمعنى إذا جئته أعطاك عفوا، ولم يكن منك سائل له عند العطاء.
[8] لا تنصف النعل ساقه: لا تبلغ نصفها، كناية عن قصر النعل، وإن كانت طوالا حمائله: كناية عن طول القامة، يريد أنه قصير النعل، لكيلا تعوقه عن الحركة، وإن كان طويل القامة، وقوله «أجل» تأكيد لمضمون الجملة، وقوله: «لا» تأكيد «للا» في المصراع الأول، وهذان البيتان وما قبلهما تكملة من هج، هد.
(9 - 9) التكملة من هد.
[10] كثيرا مفعول مقدم لفككت، والغلال: جمع غل، وهو الطوق وجاء في «اللسان»: جمع الغل أغلال لا يكسر على غير ذلك.
قال أبو خليفة: قال ابن سلام: وسمعت الحارث بن محمد بن زياد يقول:
كتب يزيد بن المهلب لما فتح جرجان إلى أخيه مدركة أو مروان: أحمل إليّ الفرزدق، فإذا شخص فأعط أهله كذا وكذا؛ ذكر عشرة آلاف درهم، فقال له الفرزدق: ادفعها إليّ، قال: اشخص وأدفعها إلى أهلك، فأبى، وخرج وهو يقول:
دعاني إلى جرجان والرّيّ دونه ... لآتيه إنّي إذا لزءور [1]
لآتي من آل المهّلب ثائرا ... بأعراضهم والدّائرات تدور [2]
سآبى وتأبى لي تميم وربما ... أبيت فلم يقدر عليّ أمير
لم يستطع أهله منعه:
قال أبو خليفة: قال ابن سلّام:
وسمعت سلمة بن عيّاش قال: حبست في السجن، فإذا فيه الفرزدق قد حبسه مالك بن المنذر بن الجارود، فكان يريد أن يقول البيت فيقول صدره وأسبقه إلى القافية، ويجيء إلى القافية فأسبقه إلى الصدر، فقال لي: ممّن أنت؟
قلت: من قريش قال: كلّ أير حمار من قريش، من أيّهم أنت؟ قلت: من بني عامر بن لؤي، قال: لئام واللّه أذلة، جاورتهم فكانوا شرّ جيران، قلت: ألا أخبرك بأذلّ منهم وألأم؟ قال: من؟ قلت: بنو مجاشع، قال: ولم ويلك! قلت: أنت سيدهم وشاعرهم وابن سيدهم، جاءك شرطي مالك، حتى أدخلك السجن، لم يمنعوك. قال: قاتلك اللّه.
قال أبو خليفة: قال ابن سلّام:
يهجو عمر بن هبيرة:
وكان مسلمة بن/ عبد الملك على العراق بعد قتل يزيد بن المهلب فلبث بها غير كثير، ثم عزله يزيد بن عبد الملك، واستعمل عمر بن هبيرة على العراق فأساء عزل مسلمة، فقال الفرزدق وأنشدنيه يونس:
/ولت بمسلمة الركاب مودّعا ... فارعي فزارة لا هناك المرتع [3]
فسد الزمان وبدّلت أعلامه ... حتى أميّة عن فزارة تنزع [4]
ولقد علمت إذا فزارة أمّرت ... أن سوف تطمع في الإمارة أشجع [5]
وبحقّ ربك ما لهم ولمثلهم ... في مثل ما نالت فزارة مطمع [6]
عزل ابن بشر وابن عمرو قبله ... وأخو هراة لمثلها يتوقّع
ابن بشر: عبد الملك بن بشر بن مروان، كان على البصرة، أمّره عليها مسلمة. وابن عمرو: سعيد بن
__________
[1] فاعل دعاني ضمير يزيد بن المهلب، الري: بلد معروف، ويكنى بذلك عن بعد الشقة، زءور: مبالغة من الزيارة.
[2] في بعض النسخ «زائرا»، والمعنى دعوني لأمدحهم وأثأر لأعراضهم، وقد يعرضني ذلك للخطر مستقبلا.
[3] يشير إلى أن عمر بن هبيرة، من بني فزراة.
[4] تنزع: تكف أذاها عنها وتجاملها.
[5] أشجع: قبيلة خاملة لا شأن لها يقول: ما دامت فزارة وليت الإمارة فسوف تليها أحقر القبائل.
[6] يعني أنه ما كان لأشجع ومثلها مطمع في الإمارة فأصبحوا الآن يطمعون فيها، وفي بعض النسخ
«و لخلق مثلك»
حذيفة بن عمرو بن الوليد بن عقبة بن أبي معيط، وأخو هراة: عبد العزيز بن الحكم بن أبي العاص.
ويروى للفرزدق في ابن هبيرة:
أمير المؤمنين وأنت عفّ ... كريم لست بالطّبع الحريص [1]
أولّيت العراق ورافديه ... فزاريّا أحذّ يد القميص [2]
ولم يك قبلها راعي مخاض ... لتأمنه على وركي قلوص [3]
تفنّن بالعراق أبو المثنّى ... وعلّم أهله أكل الخبيص [4]
/و أنشدني له يونس:
جهّز فإنك ممتار ومبتعث ... إلى فزارة عيرا تحمل الكمرا [5]
إنّ الفزاريّ لو يعمى فأطعمه ... أير الحمار طبيب أبرأ البصرا
إن الفزاريّ لا يشفيه من قرم ... أطايب العير حتى ينهش الذّكرا
يقول لمّا رأى ما في إنائهم: ... للّه ضيف الفزاريين ما انتظرا [6]
فلما قدم خالد بن عبد اللّه القسريّ واليا على ابن هبيرة حبسه في السجن، فنقب له سرب، فخرج منه، فهرب إلى الشام، فقال فيه الفرزدق يذكر خروجه:
ولما رأيت الأرض قد سدّ ظهرها ... ولم تر إلا بطنها لك مخرجا
دعوت الذي ناداه يونس بعد ما ... ثوى في ثلاث مظلمات ففرّجا [7]
فأصبحت تحت الأرض قد سرت ليلة ... وما سار سار مثلها حين أدلجا
خرجت ولم تمنن عليك شفاعة ... سوى ربذ التقريب من آل أعوجا [8]
أغرّ من الحوّ اللهاميم إذ جرى ... جرى بك محبوك القرى غير أفحجا [9]
جرى بك عريان الحماتين ليله ... به عنك أرخى اللّه ما كان أشرجا [10]
__________
[1] الطبع كحذر: «الدنيء اللئيم».
[2] أحذ: مقطوع، يد القميص: كمه، يكنى بقطع الكم عن قطع اليد أو قصرها.
[3] يريد أنه لم يكن يملك إبلا، فكيف يؤتمن الآن على ورك ناقة.
[4] أبو المثنى هو عمر بن هبيرة وفي رواية «تعتق» بدل «تفنن»، والمعنى ترفه وتنعم بعد جوع وشظف.
[5] ممتار: طالب ميرة، عيرا: مفعول جهز، الكمر: جمع كمرة، وهي رأس القضيب.
[6] فاعل يقول ضمير الطبيب، وقد يكون ضمير العير.
[7] يشير إلى دعاء يونس ربه وهو في بطن الجوت.
[8] ربذ التقريب: خفيف الجري، أعوج: حصان عتيق تنسب العرب إليه جياد الخيل، يقول له خرجت بلا شفاعة، ولم ينجدك إلا جواد كريم.
[9] من الحو: من الجياد السمر الألوان، اللهاميم: جمع لهموم، وهو السريع العدو، القرى: الظهر، أفحج، من الفحج، وهو تداني صدور قدمي الفرس وتباعد عقبيه.
[10] الحماتان: لحمتان في ساقي الفرس، أشرج، من أشرج العيبة: أحكم شدها.
وما احتال محتال كحيلته التي ... بها نفسه تحت الصّريمة أو لجا [1]
/و ظلماء تحت الأرض قد خضت هولها ... وليل كلون الطيلسانيّ أدعجا [2]
هما ظلمتا ليل وأرض تلاقتا ... على جامع من همّه ما تعوّجا [3]
يهجو خالد بن عبد اللّه القسري أيضا
:/ فحدثني جابر بن جندل قال: فقيل لابن هبيرة: من سيد العراق؟ قال: الفرزدق هجاني أميرا ومدحني سوقة وقال الفرزدق لخالد القسري حين قدم العراق أميرا لهشام:
ألا قطع الرحمن ظهر مطيّة ... أتتنا تمطّى من دمشق بخالد [4]
وكيف يؤمّ المسلمين وأمّه ... تدين بأنّ اللّه ليس بواحد
بنى بيعة فيها الصّليب لأمّة ... وهدم من كفر منار المساجد
وقال أيضا:
نزلت بجيلة واسطا فتمكّنت ... ونفت فزارة عن قرار المنزل [5]
وقال أيضا:
لعمري لئن كانت بجيلة زانها ... جرير لقد أخزى بجيلة خالد
فلما قدم العراق خالد أميرا أمّر على شرطة البصرة مالك بن المنذر بن الجارود، وكان عبد الأعلى بن عبد اللّه بن عامر يدّعي على مالك قرية [6]، فأبطلها خالد، وحفر النهر الذي سماه المبارك، فاعترض عليه الفرزدق، فقال:
أهلكت مال اللّه في غير حقّه ... على النّهر المشؤوم غير المبارك
وتضرب أقواما صحاحا ظهورهم ... وتترك حقّ اللّه في ظهر مالك [7]
/أإنفاق مال اللّه في غير كنهه ... ومنعا لحقّ المرملات الضرائك؟ [8]
مهر حدراء ومصرعها:
أخبرني عبد اللّه بن مالك قال: حدثنا محمد بن حبيب، عن الأصمعيّ قال: قال أعين بن لبطة:
دخل الفرزدق على الحجاج لما تزوج حدراء يستميحه مهرها، فقال له: تزوّجت أعرابية على مائة بعير، فقال
__________
[1] الصريمة: القطعة من الليل أو القطعة من الرمل، يريد أنه أدخل نفسه في الليل، أو في منفذ رملي نقب له.
[2] الطيلساني: فيه طلسة، وهي السواد، أدعج: شديد الظلمة.
[3] يقول: إنه برغم ظلمتي السجن والليل عرف طريق الهرب، ولم يتعوج أو يضل. وفي ب: «تعرّجا» بالراء.
[4] تمطى أصله تتمطى. وفي «المختار»:
«أتتنا تخطى»
[5] بجيلة: قبيلة خالد، وفي الأصل «فزار» وهو تصحيف «قرار».
[6] قرية: اسم يطلق على عدة أماكن في العراق، والمراد أحدها.
[7] يريد أنك تحدّ قوما برآء، وتترك مالكا الذي وليته أميرا للشرطة، وهو أحق بأن يحدّ.
[8] الاستفهام في البيت إنكاري. المرملات: من أرملت المرأة إذا فقدت زوجها، الضرائك: جمع ضريكة، وهي الفقيرة.
له عنبسة بن سعيد: إنما هي فرائض قيمتها ألفا درهم، - الفريضة عشرون درهما - فقال له الحجاج: ليس غيرها، يا كعب، أعط الفرزدق ألفي درهم.
قال: وقدم الفضيل العنزيّ بصدقات بكر بن وائل، [1] فاشترى الفرزدق مائة بعير بألفين وخمسمائة درهم على أن يثبتها له في الديوان، قال الفرزدق: فصليت مع الحجاج الظهر حتى إذا سلّم، خرجت فوقفت في الدار فرآني، فقال مهيم [2]، فقلت: إن الفضيل العنزي قدم بصدقات بكر بن وائل [1]، وقد اشتريت منه مائة بعير بألفين وخمسمائة درهم على أن تحتسب له في الديوان، فإن رأى الأمير أن يأمر لي بإثباتها له فعل، فأمر أبا كعب أن يثبت للفضيل ألفين وخمسمائة درهم، ونسي ما كان أمر له به [3]، قال: فلما جاء الفرزدق بالإبل قالت له النوار:
خسرت صفقتك، أتتزوج أعرابية نصرانية سوداء مهزولة خمشاء [4] الساقين على مائة من الإبل؟ فقال يعرّض بالنّوار وكانت أمها وليدة:
لجارية بين السّليل عروقها ... وبين أبي الصّهباء من آل خالد [5]
أحقّ بإغلاء المهور من التي ... ربت تتردّى في حجور الولائد
/ فأبت النوار عليه أن يسوقها كلها، فحبس بعضها، وامتار [6] عليه ما يحتاج إليه أهل البادية، ومضى ومعه دليل يقال له أوفى بن خنزير، قال أعين: فلما كان في أدنى الحي رأوا كبشا مذبوحا، فقال الفرزدق: يا أوفى، هلكت واللّه حدراء، قال: وما علمك بذلك؟ قال: ويقال: إن أوفى قال للفرزدق: يا أبا فراس لن ترى حدراء، فمضوا حتى وقفوا على نادي زيق، وهو جالس، فرحب به، وقال له: انزل فإن حدراء قد ماتت، وكان زيق نصرانيا فقال: قد عرفنا أن نصيبك/ من ميراثها في دينكم النصف، وهو لك عندنا، فقال له الفرزدق: واللّه لا أرزؤك منه قطميرا، فقال زيق: يا بني دارم، ما صاهرنا أكرم منكم في الحياة ولا أكرم منكم شركة في الممات، فقال الفرزدق:
عجبت لحادينا المقحّم سيره ... بنا موجعات من كلال وظلّعا [7]
ليدنينا ممن إلينا لقاؤه ... حبيب ومن دار أردنا لتجمعا
ولو نعلم الغيب الذي من أمامنا ... لكرّبنا الحادي المطيّ فأسرعا [8]
يقولون: زر حدراء والتّرب دونها ... وكيف بشيء وصله قد تقطّعا
__________
(1 - 1) التكملة من هج.
[2] مهيم: كلمة استفهام بمعنى ما شأنك؟.
[3] يعني الدراهم الألفين التي أمر عنبسة بإعطائه إياها.
[4] خمشاء الساقين: مجرحتهما مشوهتما.
[5] السليل وأبو الصهباء: من أجداد حدراء.
[6] أمتار: طلب الميرة، وهي الطعام يجمع للسفر ونحوه.
[7] المقحم من قحم - بالتشديد - الفرس الراكب، دخل به في أرض مخوفة، موجعات: مفعول مقحم، ظلعا: معطوف على موجعات، جمع ظالع بمعنى أعرج، والمعنى عجبت لحادينا الذي يسوق إبلنا الكليلة في أرض مخوفة وفي بعض النسخ
«المقسم سيره»
بدل
«المقحم سيره»
وفي بعضها «و المختار»: «مزحفات» بدل «موجعات» من أزحف البعير: أعيا وكل.
[8] يريد لو نعلم بوفاة حدراء لعدنا أدراجنا مسرعين.
[1]
يقول ابن خنزير: بكيت ولم تكن ... على امرأة عيني إخال لتدمعا
وأهون رزء لامرىء غير جازع ... رزيئة مرتج الروادف أفرعا [1]
ولست - وإن عزّت - عليّ بزائر ... ترابا على مرموسة قد تضعضعا [2]
/ [3] وقيل إن النّوار كانت استعانت بأم هاشم لا بتماضر، وأم هاشم أخت تماضر؛ لأن تماضر ماتت عند عبد اللّه بعد أن ولدت له خبيبا وثابتا ابنى عبد اللّه بن الزبير، وتزوّج بعدها أختها أم هاشم، فولدت له هاشما وحمزة وعبّادا، وفي أم هاشم يقول الفرزدق:
تروّحت الرّكبان يا أمّ هاشم ... وهنّ مناخات لهن حنين
وحبّسن حتّى ليس فيهن نافق ... لبيع ولا مركوبهن سمين [3]
زوجة أخرى تنشز منه:
أخبرنا عبد اللّه قال: حدثنا محمد بن حبيب قال: حدثني الأصمعيّ قال:
نشزت رهيمة بنت غنيّ بن درهم النّمريّة بالفرزدق فطلّقها، وقال يهجوها بقوله:
لا ينكحن بعدي فتى نمرية ... مرمّلة من بعلها لبعاد [4]
وبيضاء زعراء المفارق شختة ... مولّعة في خضرة وسواد [5]
لها بشر شئن كأن مضمّه ... إذا عانقت بعلا مضمّ قتاد [6]
قرنت بنفسي الشؤم في ورد حوضها ... فجرّعته ملحا بماء رماد
وما زلت - حتى فرّق اللّه بيننا ... له الحمد - منها في أذىّ وجهاد
تجدّد لي ذكرى عذاب جهنّم ... ثلاثا تمسّيني بها وتغادي [7]
يبكي ولدا له من سفاح:
أخبرني الحسن بن علي قال: حدثني الحسين [8] بن موسى قال: قال المدائني: لقي الفرزدق جارية لبني نهشل، فجعل ينظر إليها نظرا شديدا، فقالت له: مالك تنظر؟ فو اللّه لو كان لي ألف حر ما طمعت في واحد منها، قال: ولم يا لخناء [9]؟ قالت: لأنك قبيح المنظر سيء المخبر فيما أرى، فقال: أما واللّه لو جربتني لعفّى خبري
__________
(1 - 1) تكملة من «المختار».
[2] مرموسة: ساكنة الرمس تضعضع: قل، يريد أن الريح سفت ما فوق قبرها من التراب فقل.
(3 - 3) تكملة من «المختار». وضمير «هن» في البيت الأول يعود على الإبل المفهوم من المقام. والبيتان في شكوى الزمان وسوء الحال.
[4] فتى: فاعل ينكحن، مرملة لبعاد: لم يمت عنها زوجها، ولكنه فارقها.
[5] بيضاء: يريد بياض البرص لا بياض الجمال، زعراء المفارق: قليلة الشعر، شختة، نحيفة، وفي الأصل «شجنه» وهو تصحيف، مولعة في خضرة وسواد: تعالج برصها بمختلف الألوان.
[6] لها بشر ششن: لها جلد خشن غليظ.
[7] ثلاثا: لعله يعني ثلاث سنوات.
[8] في هد، ف: «محمد بن موسى» بدل الحسين بن موسى.
[9] اللخناء: القبيحة الكلام.
على منظري، قال: ثم كشف لها عن مثل ذراع البكر، فتضبّعت [1] له عن مثل سنام البكر [2] فعالجها، فقالت:
أنكاح بنسيئة؟ هذا شر القضية، قال: ويحك، ما معي إلا جبتي، أفتسلبينني إياها ثم تسنّمها، فقال:
أولجت فيها كذراع البكر ... مد ملك الرأس شديد الأسر [3]
زاد على شبر ونصف شبر ... كأنني أولجته في جمر
يطير عنه نفيان الشّعر ... نفى شعور الناس يوم النحر [4]
قال: فحملت منه، ثم ماتت، فبكاها وبكى ولده منها.
وغمد سلاح قد رزئت فلم أنح ... عليه ولم أبعث عليه البواكيا
وفي جوفه من دارم ذو حفيظة ... لو أنّ المنايا أنسأته لياليا
ولكنّ ريب الدهر يعثر بالفتى ... فلم يستطع ردّا لما كان جائيا [5]
وكم مثله في مثلها قد وضعته ... وما زلت وثّابا أجرّ المخازيا [6]
/فقال جرير يعيره:
و/ كم لك يا بن القين إنّ جاء سائل ... من ابن قصير الباع مثلك حامله [7]
وآخر لم تشعر به قد أضعته ... وأوردته رحما كثيرا غوائله [8]
يتزوج ظبية فيعجز عن إتيانها:
أخبرني الحسن بن علي الخفاف قال: حدثنا محمد بن موسى، قال: حدثني محمد بن سليمان الكوفي [9] عن أبيه قال:
تزوج الفرزدق ظبية ابنة حالم من بني مجاشع بعد أن أسنّ، فضعف، وتركها عند أمها بالبادية سنة، ولم يكن صداقها عنده، فكتب إلى أبان بن الوليد البجليّ - وهو على فارس عامل لخالد بن عبد اللّه القسريّ - فأعطاه ما سأل وأرضاه، فقال يمدحه:
فلو جمعوا من الخلّان ألفا ... فقالوا: أعطنا بهم أبانا
لقلت لهم: إذا لغبنتموني ... وكيف أبيع من شرط الزمانا [10]
__________
[1] تضبعت: تكشفت.
[2] في هد: عن مثل سنام «الناب» بدل «البكر».
[3] مدملك الرأس: رأسه كالئدي الناهد، شديد الأسر: قوي محكم.
[4] نفيان الشعر: ما طار منه: يريد أنه يطير شعر العانة كما يطير الشعر من رؤوس الحجاج، أو من جلود الأضاحي.
[5] في هد «و المختار»
«و لا يستطيع رد ما كان جائيا»
[6] ضمير مثله يعود على ولده، وضمير مثلها يعود على جارية بني نهشل.
[7] إن جاء سائل: إن جاء من يسأل عن ذريتك، حاملة: كذا بالأصل، ونرجح أنها خاملة: من الخمول، أي خامل الباع وعليه يكون لفظ خامله صفة لابن تبعا، للأصل لا لحركة حرف الجر الزائد.
[8] في الأصل «جما» والصواب «رحما» وهو موضع تكون الجنين.
[9] في هد: «علي بن سليمان المكيّ».
[10] في بعض النسخ:
«ما تغبنوني»
بدل
«لغبنتموني»
وفي بعضها «الضمانا» بدل «الزمانا»، وشرط الضمان: التزم به، والمراد المهر.
خليل لا يرى المائة الصّفايا ... ولا الخيل الجياد ولا القيانا
عطاء دون أضعاف عليها ... ويطعم ضيفه العبط السّمانا
العبط: الإبل التي لا وجع بها.
فما أرجو لظبية غير ربّي ... وغير أبي الوليد بما أعانا [1]
/أعان بهجمة أرضت أباها ... وكانت عنده غلقا رهانا [2]
وقال أيضا في ذلك:
لقد طال ما استودعت ظبية أمّها ... وهذا زمان ردّ فيه الودائع
وقال حين أراد أن يبني بها:
أبادر سؤّالا بظبية أنني ... أتتني بها الأهوال من كل جانب [3]
بمالئة الحجلين لو أنّ ميّتا ... ولو كان في الأموات تحت النصائب [4]
دعته لألقى التّرب عند انتفاضه ... - ولو كان تحت الراسيات الرواسب - [5]
فلما ابتنى منها عجز عنها فقال:
يا لهف نفسي على نعظ فجعت به ... حين التقى الرّكب المحلوق والرّكب [6]
وقال جرير:
وتقول ظبية إذ رأتك محوقلا ... - حوق الحمار - من الخبال الخابل [7]
إنّ البليّة وهي كلّ بلية ... شيخ يعلّل عرسه بالباطل
لو قد علقت من المهاجر سلّما ... لنجوت منه بالقضاء الفاصل [8]
/قال: فنشزت فيه، ونافرته إلى المهاجر، وبلغه قول جرير فقال المهاجر: لو أتتني بالملائكة معها لقضيت للفرزدق عليها.
يشيد بابنته مكية وأمها الزنجية:
قال: وكان للفرزدق ابنة يقال لها مكية، وكانت زنجية، وكان إذا حمي الوطيس، وبلغ منه الهجاء يكتنى بها، ويقول:
__________
[1] أبو الوليد كنية أبان وفي «المختار»:
«و غير ابن الوليد»
[2] الهجمة: عدد كبير من الإبل، يقال: غلق الرهن: استحق لمن هو عنده بعد مضي ميعاده، وهذا هو المراد بقوله:
«و كانت عنده غلقا رهانا»
يعني أنها كادت تكون من حق أبيها لا من حقه لعجزه عن مهرها.
[3] لعله يريد بالأهوال ما كان فيه من العسر والعجز عن سداد المهر.
[4] الحجل: الخلخال، ومالئة الحجلين: كناية عن امتلاء الساقين، النصائب: الأحجار تنصب حول الحوض.
[5] المراد بالراسيات الرواسب الجبال.
[6] الركب: العانة أو منبتها، أو أصل الفرج.
[7] محوقلا: من حوقل بمعنى ضعف وأعيا، حوق الحمار: منادى، وهو لقب للفرزدق.
[8] المهاجر كان إذ ذاك - على ما يبدو - قاضيا أو واليا.
ذاكم إذا ما كنت ذا محميّه ... بدارميّ أمّه ضبّيه [1]
صمحمح يكنى أبا مكّية
وقال في أمها:
/يا ربّ خود من بنات الزّنج ... تحمل تنّورا شديد الوهج [2]
أقعب مثل القدح الخلنج ... يزداد طيبا عند طول الهرج [3]
مخجتها بالأير أيّ مخج [4]
فقالت له النوار: ريحها مثل ريحك.
وقال في أم مكية يخاطب النّوار:
فإن يك خالها من آل كسرى ... فكسرى كان خيرا من عقال
وأكثر جزية تهدى إليه ... وأصبر عند مختلف العوالي
/ قال: وكانت أم النّوار [5] خراسانية، فقال لها في أم مكية:
أغزك منها أدمة عربيّة ... علت لونها إن البجاديّ أحمر [6]
يمدح سعيدا فيغضب مروان:
حدثني محمد بن الحسن بن دريد قال: حدثنا السكن بن سعيد، عن محمد بن عباد، عن ابن الكلبي قال:
دخل الفرزدق على سعيد بن العاص وهو والي المدينة لمعاوية فأنشده:
نرى الغرّ الجحاجح من قريش ... إذا ما الخطب في الحدثان غالا [7]
وقوفا ينظرون إلى سعيد ... كأنهم يرون به هلالا
وعنده كعب بن جعيل، فلما فرغ من إنشاده قال كعب: هذه واللّه رؤياي البارحة، رأيت كأنّ ابن مرّة في نواحي المدينة وأنا أضم ذلاذلي [8] خوفا منه، فلما خرج الفرزدق خرج مروان في أثره فقال: لم ترض أن تكون قعودا حتى جعلتنا قياما في قولك:
__________
[1] الأبيات من مشطور الرجز، وربما كان في البيت الأول منها لحن أو تحريف، والذي نراه فيها على وضعها هذا هو ما يلي، ذاكم:
أذاك يحدث لي، إذا ما كنت ذا أعراض محمية بدارمي ... إلخ، والصمحمح: القوي الشديد المجتمع الألواح، ويعني بالدرامي الذي أمه ضبيه نفسه.
[2] الخود: الشابة الناعمة الحسنة الخلق، تنورا شديد الوهج، كناية عن حرها.
[3] أقعب: شبيه بالقعب، وهو القدح الكبير، الخلنج: نوع من الشجر، الهرج: كثرة النكاح.
[4] مخجتها: أتيتها.
[5] لعل الصواب أن يقول: وكانت أم مكية خراسانية، حتى يستقيم الكلام مع البيتين السابقين، إلا إذا كان يعني أن كلتيهما من أم فارسية، أو أن أم النوار عربية من خراسان.
[6] الأدمة: من الأديم، وهو الجلد الأحمر، البجادي: نوع مخطط من الأكسية العربية.
[7] الجحاجح: جمع جحجاح، وهو السيد الكريم.
[8] الذلاذل: أسافل القميص الطويل. وفي ب، ف: كأن ابن قترة.
قياما ينظرون إلى سعيد ... كأنهم يرون به هلالا
فقال له: يا أبا عبد الملك إنك من بينهم صافن [1]، فحقد عليه مروان ذلك، ولم تطل الأيام حتى عزل سعيد، وولّي مروان فلم يجد على الفرزدق متقدّما [2] حتى قال قصيدته التي قال فيها:
/هما دلّتاني من ثمانين قامة ... كما انقضّ باز أقتم الريش كاسره
فلما استوت رجلاي في الأرض قالتا ... أحيّ يرجّى أم قتيل نحاذره
فقلت: ارفعا الأمراس لا يشعروا بنا ... وأقبلت في أعقاب ليل أبادره [3]
أبادر بوّابين لم يشعروا بنا ... وأحمر من ساج تلوح مسامره [4]
فقال له مروان: أتقول هذا بين أزواج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، أخرج عن المدينة فذلك قول جرير:
تدلّيت تزني من ثمانين قامة ... وقصّرت عن باع الندى والمكارم [5]
أخبرنا [6] ابن دريد، قال: أخبرنا الرياشي، عن محمد بن سلّام، قال:
رواية أخرى للخبر السابق:
دخل الفرزدق المدينة هاربا من زياد، وعليها سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس أميرا من قبل معاوية، فدخل على سعيد، ومثل بين يديه، وهو معتم [7]، وفي مجلس سعيد الحطيئة وكعب بن جعيل التغلبي، وصاح الفرزدق: أصلح اللّه الأمير، أنا عائذ باللّه وبك، أنا رجل من تميم، ثم أحد بني دارم، أنا الفرزدق بن غالب، قال:
فأطرق سعيد مليّا، فلم يجبه، فقال الفرزدق: رجل لم يصب دما حراما، ولا مالا حراما، فقال سعيد: إن كنت كذلك فقد أمنت، فأنشده:
/إليك فررت منك ومن زياد ... ولم أحسب دمي لكما حلالا [8]
ولكنّي هجوت وقد هجاني ... معاشر قد رضخت لهم سجالا [9]
فإن يكن الهجاء أحلّ قتلي ... فقد قلنا لشاعرهم وقالا
__________
[1] صفن الرجل: صف قدميه، كأنه يريد أن يقول له: إنك من بينهم لست واقفا فحسب، بل حسن الوقوف منتصب القامة، بدليل غضبه عليه.
[2] لم يجد على الفرزدق متقدما، أي سببا يستقدم من أجله ليحاكم، وفي بعض الأصول «مقدما» بدل «متقدما».
[3] الأمراس: الحبال، وقد جاء في ب بدل هذا البيت وما بعده.
فقلت ارفعوا الأسباب لا يشعروا بنا ... وأحمر من ساج تلوح مسامره
والتصويب من هد «و المختار».
[4] وأحمر من ساج: يريد الباب.
[5] في هد:
«و قصرت عن باع العلا والمكارم»
[6] هذا الخبر - على طوله - ساقط من الأصول، ولكنه مثبت عند ابن سلام، «و المختار» ح 8 ص 115 وما بعدها.
[7] كذا في «المختار»، وعند ابن سلام: «و هو معهم».
[8] كذا في «المختار»، وفي الأصول: ضلالا.
[9] رضخت لهم، من قولهم: رضخت التيوس إذا أخذت في النطاح، أي أخذت أساجلهم النطاح.
أرقت فلم أنم ليلا طويلا ... أراقب هل أرى النّسرين زالا [1]
عليك بني أمية فاستجرهم ... وخذ منهم لما تخشى حبالا
فإنّ بني أمية في قريش ... بنوا لبيوتهم عمدا طوالا
ترى الغرّ الجحاجح من قريش ... إذا ما الأمر في الحدثان غالا
قياما ينظرون إلى سعيد ... كأنّهم يرون به هلالا
قال: فلما قال هذا البيت، قال الحطيئة لسعيد: هذا واللّه الشعر، لا ما كنت تعلّل به منذ اليوم، فقال كعب بن جعيل: فضلته على نفسك [2]، فلا تفضله على غيرك، قال: بلى واللّه إنه ليفضلني وغيري، يا غلام، أدركت من قبلك، وسبقت من بعدك، ولئن طال عمرك لتبرزنّ.
ثم عبث الحطيئة بالفرزدق، فقال: يا غلام، أنجدت أمّك؟ قال: لا بل أبي، أراد الحطيئة: إن كانت أمك أنجدت فقد أصبتها فولدتك إذ شابهتني في الشعر، فقال الفرزدق: لا بل أبي [3]، فوجده لقنا.
بينه وبين مخنث:
أخبرني ابن دريد قال: قال لنا أبو حاتم: قال الأصمعي:
/ ومن عبثات الفرزدق أنه لقي مخنّثا فقال له: من أين راحت عمتنا؟ فقال له المخنث: نفاها الأغر بن عبد العزيز يريد قول جرير:
نفاك الأغرّ ابن عبد العزيز ... وحقّك تنفى من المسجد
جرير يعترف له بالغلبة:
أخبرنا ابن دريد عن الرياشيّ، عن النضر بن شميل قال: قال جرير:
ما قال لي ابن القين بيتا إلا وقد اكتفأته، أي قلبته إلا قوله:
ليس الكرام بناحليك أباهم ... حتى يرد إلى عطية تعتل [4]
/فإني لا أدري كيف أقول فيها.
جرير يلقبه بالعزيز:
وأخبرني ابن دريد قال: حدثنا السكن بن سعيد، عن محمد بن عباد، عن ابن الكلبيّ، عن عوانة بن الحكم، قال:
بينما جرير واقف في المربد وقد ركبه الناس وعمر بن لجأ مواقفه [5] فأنشده عمر جواب قوله:
__________
[1] النسرين: كوكبان.
[2] إنما فضله الحطيئة على نفسه لقوله لسعيد: هذا هو الشعر، لا ما كنت تعلل به منذ اليوم، أي لا ما كنت تتساقاه في هذا اليوم، وكان بين ما روى في هذا اليوم من الشعر شعر الحطيئة نفسه، ومن هنا جاء التفضيل.
[3] يريد الفرزدق أن أباه هو الذي أنجد، فوقع على أم الحطيئة فجاء به شبيها له في الشعر.
[4] وهذا البيت في خبر سابق في الترجمة نفسها.
[5] ب: «مواقفه».
يا تيم تيم عديّ لا أبالكم ... لا يقذفنّكم في سوأة عمر
أحين صرت سماما يا بني لجأ ... وخاطرت بي عن أحسابها مضر [1]
فقال عمر جواب هذا:
لقد كذبت وشرّ القول أكذبه ... ما خاطرت بك عن أحسابها مضر
أ لست نزوة خوّار على أمة؟ ... لا يسبق الحلبات اللؤم والخور [2]
/و قد كان الفرزدق رفده بهذين البيتين في هذه القصيدة، فقال جرير لما سمعها: قبحا لك يا بن لجأ، أهذا شعرك، كذبت واللّه ولو متّ [3]، هذا شعر حنظلى، هذا شعر العزيز [4] يعني الفرزدق فأبلس عمر فما ردّ جوابا.
يلقب جريرا بالقرم:
وخرج غنيم بن أبي الرّقراق حتى أتى الفرزدق، فضحك، وقال: إيه يا بن أبي الرقراق، وإن عندك لخبرا، قلت: خزي أخوك ابن قتب، فحدثته، فضحك، حتى فحص برجليه، ثم قال في ساعته:
وما أنت إن قرما تميم تساميا ... أخا التّيم إلا كالوشيظة في العظم [5]
فلو كنت مولى الظلم أو في ثيابه ... ظلمت ولكن لا يدي لك بالظّلم [6]
فلما بلغ هذان البيتان جريرا قال: ما أنصفني في شعر قط قبل هذا يعني قوله:
إن قرما تميم تساميا
يغتصب شعر الشعراء:
أخبرنا ابن دريد قال: أخبرنا الرياشيّ قال:
كان الفرزدق مهيبا تخافه الشعراء، فمر يوما بالشمردل، وهو ينشد قصيدته حتى بلغ إلى قوله:
وما بين من لم يعط سمعا وطاعة ... وبين تميم غير حزّ الغلاصم [7]
/قال: واللّه لتتركنّ هذا البيت أو لتتركنّ عرضك، قال: خذه على كره مني، فهو في قصيدة الفرزدق التي أولها قوله:
تحنّ بزوراء المدينة ناقتي
__________
[1] خاطرت: رافعت، ولعل متعلق الظرف «حين» في أبيات تالية لم تذكر.
[2] الحلبات جمع حلبة بمعنى الميدان، وفي هج:
أ لست نزوة خوار على أمة ... لا تسبق الخلتان اللؤم والخور؟
وكأنه يعني بالخوار أباه وبالأمة أمه.
[3] «و لومت» كذا بالأصل، ونرجح أنها تحريف «و لؤمت» من اللؤم.
[4] في رواية أخرى «هذا شعر الفريد» بالفاء، وفي رواية ثالثة: «هذا شعر القريد» بالقاف، وكأنه تصغير قرد.
[5] في الأصل «العزم» بدل «العظم» ولا معنى له، والتصويب من هد، هج، الوشيظة: شظية زائدة في أصل العظم.
[6] لا يدي لك بالظلم: لا قدرة لك عليه، وإنما حذف النون من يدين لتقدير إضافتها إلى كاف لك، كما قالوا في
«لا أبالك»
وفي
«يا أخا من لا أخا له»
[7] الغلاصم: جمع غلصمة، وهي رأس الحلقوم، أو اللحم بين الرأس والعنق.
قال: وكان الفرزدق يقول: خير السرقة ما لا يجب فيه القطع يعني سرقة الشعر.
أخبرنا ابن دريد عن أبي حاتم، عن أبي عبيدة، عن الضحاك بن بهلول الفقيميّ قال:
بينما أنا بكاظمة وذو الرّمة ينشد قصيدته التي يقول فيها:
أحين أعاذت بي تميم نساءها ... وجرّدت تجريد اليماني من الغمد
إذا راكبان قد تدلّيا من نعف كاظمة متقنعان، فوقفا، فلما وفرغ ذو الرمة حسر الفرزدق عن وجهه، وقال: يا عبيد، اضممها إليك - يعني راويته - وهو عبيد أخو بني ربيعة ابن حنظلة، فقال ذو الرمة: نشدتك اللّه يا أبا فراس إن فعلت، قال: دع ذا عنك، فانتحلها في قصيدته وهي أربعة أبيات:
أحين أعاذت بي تميم نساءها ... وجرّدت تجريد اليماني من الغمد
ومدت بضبعيّ الرّباب ومالك ... وعمرو، وشالت من ورائي بنو سعد [1]
/و من آل يربوع زهاء كأنه ... دجى الليل محمود النّكاية والورد [2]
وكنّا إذا الجبّار صعّر خدّه ... ضربناه فوق الأنثيين على الكرد [3]
يحوز السبق في الفخر:
أخبرنا ابن دريد قال: أخبرنا أبو حاتم، عن أبي عبيدة قال:
/ اجتمع الفرزدق، وجرير وكثير وابن الرّقاع عند سليمان بن عبد الملك، فقال: أنشدونا من فخركم شيئا حسنا، فبدرهم الفرزدق، فقال:
وما قوم إذا العلماء عدّت ... عروق الأكرمين إلى التراب [4]
بمختلفين إن فضّلتمونا ... عليهم في القديم ولا غضاب
ولو رفع السحاب إليه قوما ... علونا في السماء إلى السحاب
فقال سليمان: لا تنطقوا، فو اللّه ما ترك لكم مقالا.
يتعصب لابنته مكية:
أخبرنا عبد اللّه بن مالك قال: حدثنا محمد بن عمران الضبي، عن سليمان بن أبي سليمان الجوزجاني قال:
غاب الفرزدق فكتبت النوار تشكو إليه مكية [5] وكتب إليه أهله يشكون سوء خلقها وتبذّيها عليهم فكتب إليهم:
__________
[1] بضبعي: تثنية ضبع، وهو ما بين الإبط إلى منتصف العضد من أعلاها، ومدت بضبعي: أعانتني، والرباب ومالك وعمرو وبنو سعد: قبائل.
[2] الزهاء: العدد الكثير، والمراد بالورد ورد دم الحروب.
[3] الأنثيان: الأذنان، الكرد: العنق، أو أصل العنق، صعر خده: أماله صلفا وتكبرا. وفي «المختار»:
«ضربناه حتى يستقيم على الكرد»
[4] يريد بقوله: إلى التراب الكرام السالفين الذين أصبحوا عظما رميما.
[5] مكية: هي ابنة الفرزدق، كما تقدم.
كتبتم عليها أنها ظلمتكم ... كذبتم وبيت اللّه بل تظلمونها
فإلّا تعدّوا أنها من نسائكم ... فإنّ ابن ليلى والد لا يشينها [1]
وإنّ لها أعمام صدق وأخوة ... وشيخا إذا شاءت تنمّر دونها [2]
يعقه ابنه:
قال: وكان للفرزدق ثلاثة أولاد يقال لواحد منه لبطة، والآخر حبطة، والثالث، سبطة، وكان لبطة من العققة فقال له الفرزدق:
أإن أرعشت كفّا أبيك وأصبحت ... يداك يدي ليث فإنك جادبه
إذا غالب ابن بالشباب أبا له ... كبيرا فإن اللّه لا بدّ غالبه
/ رأيت تباشير العقوق هي التي ... من ابن امرىء ما إن يزال يعاتبه [3]
ولما رآني قد كبرت وأنني ... أخو الحي واستغنى عن المسح شاربه [4]
أصاخ لغربان النّجيّ وإنه ... لأزور عن بعض المقالة جانبه [5]
قال [6] أبو عبيدة في «كتاب النقائض»: قال رؤبة بن العجاج: حج سليمان بن عبد الملك، وحجت معه الشعراء، فمر بالمدينة منصرفا، فأتي بأسرى من الروم نحو أربعمائة، فقعد سليمان، وعنده عبد اللّه بن حسن بن حسن - عليهم السلام - وعليه ثوبان ممصّران [7]، وهو أقربهم منه مجلسا، فأدنوا إليه بطريقهم، وهو في جامعة [8]، فقال لعبد اللّه بن حسن: قم، فاضرب عنقه فقام، فما أعطاه أحد سيفا، حتى دفع إليه حرسيّ سيفا كليلا، فضربه، فأبان عنقه وذراعه، وأطنّ [9] ساعده وبعض الغلّ، فقال له سليمان: واللّه ما ضربته بسيفك ولكن بحسبك، وجعل يدفع الأسرى إلى الوجوه، فيقتلونهم، حتى دفع إلى جرير رجلا منهم، فدست إليه بنو عبس سيفا قاطعا في قراب أبيض، فضربه، فأبان رأسه، ودفع إلى الفرزدق أسير، فدست إليه القيسيّة سيفا كليلا، فضرب به الأسير ضربات، فلم يصنع شيئا، فضحك سليمان وضحك الناس معه. وقيل: إن سليمان لما دفع إليه الأسير دفع إليه سيفا، وقال:
اقتله به، فقال: لا، بل أقتله/ بسيف مجاشع [10]، واخترط سيفه، فضربه، فلم يغن شيئا، فقال سليمان: أما واللّه لقد بقى عليك عارها وشنارها، فقال جرير قصيدته التي يهجوه فيها، وأولها:
__________
[1] في البيت أقواء.
[2] يريد بالشيخ نفسه.
[3] يقول: إن تباشير العقوق بدأت من ابنه له بكثرة العتاب أولا.
[4] أخو الحي: لعله يقصد أنه هرم فأصبح ملازما للحي، ويريد بقوله: استغنى عن المسح شاربه أنه استوى وبلغ أشده، كأن الطفل يحتاج إلى من يمسح له شاربه من أثر الطعام وشرب اللبن ونحو ذلك.
[5] غربان النجي: قرناء السوء، وفي بعض النسخ: «عريان» بالياء المثناة، وقد آثرنا ما أثبتناه على تشبيه قرناء السوء بالغربان، أزور:
معرض، يريد أنه يصغي لقرناء السوء، ولا يعير نصائحه هو التفاتا.
[6] ورد في «المختار» من أول هذا الخبر إلى صفحة 330 ولم تشر إليه الأصول التي بأيدينا.
[7] ممصران: مصبوغان بصبغ أصفر.
[8] جامعة: قيد يجمع اليدين إلى الرجلين.
[9] أطن: قطع.
[10] مجاشع: أحد أجداد الفرزدق.
ألا حيّ ربع المنزل المتقادم ... وما حلّ مذ حلّت به أمّ سالم
منها:
ألم تشهد الجونين والشّعب ذا الغضى ... وكرّات قيس يوم دير الجماجم؟ [1]
تحرّض يا بن القين قيسا ليجعلوا ... لقومك يوما مثل يوم الأراقم [2]
بسيف أبي رغوان سيف مجاشع ... ضربت ولم تضرب بسيف ابن ظالم [3]
ضربت به عند الإمام فأرعشت ... يداك وقالوا: محدث غير صارم
فقال الفرزدق يجيب جريرا عن قوله:
وهل ضربة الرّوميّ جاعلة لكم ... أبا عن كليب أو أبا مثل دارم [4]
كذاك سيوف الهند تنبو ظباتها ... وتقطع أحيانا مناط التمائم [5]
ولا تقتل الأسرى ولكن نفكّهم ... إذا أثقل الأعناق حمل المغارم
وقال يعرّض بسليمان، ويعيّره نبوّ سيف ورقاء بن زهير العبسي عن خالد بن جعفر، وبنو عبس هم أخوال سليمان:
/فإن يك سيف خان أو قدر أبى ... بتعجيل نفس حتفها غير شاهد [6]
فسيف بني عبس وقد ضربوا به ... نبا بيدي ورقاء عن رأس خالد [7]
كذاك سيوف الهند تنبو ظباتها ... وتقطع أحيانا مناط القلائد
وأولها:
تباشر يربوع بنبوة ضربة ... ضربت بها بين الطّلا والمحارد [8]
ولو شئت قدّ السيف ما بين عنقه ... إلى علق بين الحجابين جامد [9]
وقيل: إن الفرزدق قال لسليمان: يا أمير المؤمنين، هب لي هذا الأسير، فوهبه له، فأعتقه، وقال الأبيات التي منها:
__________
[1] الجونان: عمرو ومعاوية ابنا الجون، ويوم دير الجماجم يوم مشهور كان بين محمد بن الأسقف الخارج على بني أمية وجيوش بني أمية.
[2] يوم الأراقم كان بين قيس وبني تغلب.
[3] أبو رغوان: كنية مجاشع جد الفرزدق، وابن ظالم: الحارث بن ظالم من فتاك العرب المشهورين، وكان له سيف ماض يسمى ذا الحيات.
[4] كليب: جد جرير، ودارم: جد الفرزدق.
[5] ظباتها: جمع ظبة: حد السيف، مناط التمائم: كناية عن الأعناق.
[6] حتفها غير شاهد: لم يحن ميعاد أجلها بعد.
[7] يشير إلى مقتل زهير بن جذيمة حينما اعتنقه خالد بن جعفر، فحاول ورقاء قتل خالد، فنبا سيفه.
[8] تباشر: أصله تتباشر، ويربوع: قبيلة جرير، الطلا: الأعناق، والمحارد: مفاصل الأعناق.
[9] العلق: ما تجمد من الدم.
ولا نقتل الأسرى ولكن نفكّهم ... إذا أثقل الأعناق حمل المغارم
ثم أقبل على راويته، فقال: كأني بابن المراغة، وقد بلغه خبري، فقال:
بسيف أبي رغوان سيف مجاشع ... ضربت ولم تضرب بسيف ابن ظالم
ضربت به عند الإمام فأرعشت ... يداك وقالوا محدث غير صارم
فما لبثنا إلا أياما يسيرة، حتى جاءتنا القصيدة، وفيها البيتان، فعجبنا من فطنة الفرزدق:
وقال أيضا في ذلك:
أيعجب النّاس أن أضحكت خيرهم ... خليفة اللّه يستسقى به المطر
/ فما نبا السيف عن جبن وعن دهش ... عند الإمام ولكن أخّر القدر
ولو ضربت به عمدا مقلّده ... لخرّ جثمانه ما فوقه شعر [1]
وما يقدّم نفسا قبل ميتتها ... جمع اليدين ولا الصّمصامة الذكر [2]
من شعره في سجنه:
وأخبرني عبد اللّه بن مالك قال: حدثنا محمد بن حبيب، عن أبي عبيدة، قال:
هجا الفرزدق خالدا القسريّ وذكر المبارك: النهر الذي حفره بواسط، فبلغه ذلك، وكتب خالد إلى مالك بن المنذر أن احبس الفرزدق فإنه هجا نهر أمير المؤمنين بقوله:
وأهلكت مال اللّه في غير حقّه ... على نهرك المشؤوم غير المبارك
الأبيات، فأرسل مالك إلى أيوب بن عيسى الضّبيّ، فقال: ائتني بالفرزدق، فلم يزل يعمل فيه حتى أخذه، فطلب إليهم أن يمروا به على بني حنيفة، فقال الفرزدق: ما زلت أرجو أن أنجو حتى جاوزت بني حنيفة، فلما قيل لمالك: هذا الفرزدق انتفخ وريد مالك غضبا، فلما أدخل عليه قال:
أقول لنفسي حين غصّت بريقها ... ألا ليت شعري مالها عند مالك؟
لها عنده أن يرجع اللّه روحها ... إليها وتنجو من جميع المهالك [3]
وأنت ابن حبّاري ربيعة أدركت ... بك الشمس والخضراء ذات الحبائك [4]
/فسكن مالك، وأمر به إلى السجن، فقال يهجو أيوب بن عيسى الضّبّي:
فلو كنت قيسيّا إذا ما حبستني ... ولكنّ زنجيّا غليظا مشافره [5]
__________
[1] ما فوقه شعر: كناية عن انفصال الرأس الذي هو موضع الشعر عن الجسد.
[2] الصمصمامة: السيف الذي لا يثنيه الضراب، وهو أيضا اسم سيف عمرو بن معد يكرب الزبيدي البطل المعروف، وإلى هنا ينتهي ما في «المختار».
[3] في هد، هج:
«عظيم المهالك»
بدل
«جميع المهالك»
وسكن واو «تنجو» للضرورة.
[4] الذي نرجحه أن «حباري» تصحيف «جباري» بالجيم لا بالحاء، وأنه يشير إلى جدين بارزين من أجداده، وفي هد، هج «أدركا» بدل «أدركت» والخضراء: السماء، والحبائك: جمع حبيكة، وهي مسير النجم، ومنه قوله تعالى: وَالسَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ
[5] في هد وهج: «ضبيا» بدل «قيسيا» وخبر لكن محذوف تقديره أنت، أو الأصل: ولكنك كنت زنجيا ... إلخ.
متتّ له بالرّحم بيني وبينه ... فألفيته مني بعيدا أواصره [1]
وقلت: امرؤ من آل ضبة فاعتزى ... لغيرهم لون استه ومحاجره [2]
فسوف يرى النوبيّ ما اجترحت له ... يداه إذا ما الشّعر عيّت نوافره [3]
ستلقي عليك الخنفساء إذا فست ... عليك من الشعر الذي أنت حاذره [4]
وتأتي ابن زبّ الخنفساء قصيدة ... تكون له مني عذابا يباشره
تعذرت يا بن الخنفساء ولم تكن ... لتقبل لابن الخنفساء معاذره
فإنكما يا بني يسار نزوتما ... على ثفرها ما حنّ للزيت عاصره [5]
لزنجّية بظراء شققّ بظرها ... زحير بأيوب شديد زوافره [6]
ثم مدح خالد بن عبد اللّه ومالك بن المنذر وهو محبوس مديحا كثيرا، فأنشدني يونس في كلمة له طويلة.
/يا مال هل هو مهلكي ما لم أقل ... وليعلمنّ من القصائد قيلي [7]
يا مال هل لك في كبير قد أتت ... تسعون فوق يديه غير قليل
فتجير ناصيتي وتفرج كربتي ... عني وتطلق لي يداك كبولي
ولقد بنى لكم المعلّى ذروة ... رفعت بناءك في أشمّ طويل
والخيل تعلم في جذيمة أنها ... تردى بكل سميدع بهلول [8]
فاسقوا فقد ملأ المعلّى حوضكم ... بذنوب ملتهم الرّباب سجيل [9]
[10] وقال يمدح مالكا وكانت أم مالك هذا بنت مالك بن مسمع:
وقرم بين أولاد المعلّى ... وأولاد المسامعة الكرام
تخمّط في ربيعة بين بكر ... وعبد القيس في الحسب اللّهام [10]
فلما لم تنفعه مديحة مالك، قال يمدح هشام بن عبد الملك، ويعتذر إليه:
ألكني إلى راعي البريّة والذي ... له العدل في الأرض العريضة نوّرا [11]
__________
[1] مت إليه: انتسب، الرحم: الصلة والقرابة، يجوز فيه إسكان الحاء مع تشديد الراء وكسرها أو فتحها.
[2] يقول: ظننته ضبيا فإذا عيناه ولون بشرته تنم على أنه نوبي لا ضبي.
[3] إذا ما الشعر عيت نوافره: إذا استعصى على غيري فإنه لا يستعصي علي.
[4] في هد، هج: «التي فست» بدل «إذا فست» ويريد بالخنفساء أمه.
[5] الثفر: مسلك القضيب في المرأة، يقول: من ثفرها خرجتما وعليه نزوتما، كما يشرب الزيت من يعصره.
[6] الزنجية خبر ثان لأنكما في البيت السابق، بظراء: طويلة البظر، الزحير: أنين المرأة عند المخاض، وأيوب هو ابن عيسى الذي يهجوه.
[7] مال: مرخم مالك، وهو ضمير الشأن، أو عائد على «ما» الموصولة بعده، قيلي: بمعنى قولي نائب فاعل «يعلمن».
[8] تردى: تضرب الأرض بحوافرها، السميدع: السيد الكريم، البهلول: السيد الجامع لكل خير.
[9] الذنوب: الدلو، والرباب: السحاب الأبيض، السجيل: العظيم من الدلاء، بذنوب: متعلق بقوله: فاسقوا، لا بقوله: ملأ.
(10 - 10) من «المختار» وتخمط، أصله تتخمط بمعنى تتكبر وتتعالى، الحسب اللهام: الذي يلتهم كل حسب غيره، ويغطى عليه.
[11] ألكني: أحمل عني ألوكة؛ رسالة.
فإن تنكروا شعري إذا خرجت له ... بوادر لو يرمى بها لتفقّرا [1]
ثبير ولو مست حراء لحرّكت ... به الراسيات الصّمّ حتى تكوّرا [2]
/إذا قال غاو من معدّ قصيدة ... بها حرب كانت وبالا مدمّرا [3]
أينطقها غيري وأرمى بجرمها ... فكيف ألوم الدّهر أن يتغيّرا
لئن صبرت نفسي لقد أمرت به ... وخير عباد اللّه من كان أصبرا
وكنت ابن أحذار ولو كنت خائفا ... لكنت من العصماء في الطود أحذرا [4]
ولكن أتوني آمنا لا أخافهم ... نهارا وكان اللّه ما شاء قدّرا
أخبرني أبو خليفة، عن محمد بن سلام قال: حدثني أبو يحيى قال:
قال الفرزدق لابنه لبطة وهو محبوس اشخص إلى هشام، وأمدحه بقصيدة، وقال: استعن بالقيسية، ولا يمنعك قولي فيهم فإنهم سيغضبون لك وقال:
بكت عين محزون ففاض سجامها ... وطالت ليالي ساهر لا ينامها
فإن تبك لا تبك المصيبات إذ أتى ... بها الدهر والأيام جمّ خصامها [5]
ولكنما تبكي تهتّك خالد ... محارم منّا لا يحل حرامها
فقل لبني مروان: ما بال ذمّة ... وحرمة حقّ ليس يرعى ذمامها
أنقتل فيكم أن قتلنا عدوّكم ... على دينكم والحرب باق قتامها [6]
أتاك بقتل ابن المهلّب خالد ... وفينا بقيّات الهدى وإمامها [7]
فغيّر - أمير المؤمنين - فإنها ... يمانية حمقاء وأنت هشامها [8]
أرى مضر المضرين قد ذلّ نصرها ... ولكن عسى أن لا يذلّ شآمها [9]
/فمن مبلغ بالشام قيسا وخندفا ... أحاديث ما يشفى ببرء سقامها
أحاديث منا نشتكيها إليهم ... ومظلمة يغشى الوجوه قتامها
فإن من بها لم ينكر الضّيم منهم ... فيغضب منها كهلها وغلافها [10]
__________
[1] جواب الشرط إذا خرجت له، نائب فاعل يرمي «ثبير» في البيت التالي، تفقر، تقسم فقرا.
[2] تكور: تهدم، وصار كالكرة، ثبير وحراء: جبلان معروفان.
[3] الحرب: الويل والهلاك، ويريد بقوله: كانت وبالا أنها وبال عليه هو بدليل البيت التالي.
[4] وكنت ابن أحذار: ابن حزم وتحرز، العصماء: التي في جسمها بياض، يقصد الطيور العصماء، يريد أنه خدع، وأخذ على غرة.
[5] جواب الشرط «لا تبك» وتتمة معنى البيت فيما يليه، ومحارم في البيت التالي مفعول لتتهك.
[6] على دينكم متعلق بقتلنا، والمعنى أنقتل إن قتلنا عدوكم سائرين على مذهبكم؟.
[7] أتاك. في س: «أثار» وكأنه تخفيف «أثار» بمعنى اطلب الثأر.
[8] يحض الخليفة على عزل خالد القسري، ويشير إلى أنها حركة يمانية ضد المضربة.
[9] لعله يريد بالمضرين الحجاز والعراق، ويستعدي المضريين في الشآم. وفيهم الخلافة - على اليمانيين.
[10] «من» فاعل لفعل محذوف تقديره «فإن لم ينكر من بها الضيم، وضمير بها يعود على الشام».
نمت مثلها من مثلهم وتنكلّوا ... فيعلم أهل الجور كيف انتقامها [1]
بغلباء من جمهورنا مضريّة ... يزايل فيها أذرع القوم هامها [2]
وبيض على هام الرجال كأنّها ... كواكب يحولها لسار ظلامها
غضبنا لكم يا آل مروان فاغضبوا ... عسى أنّ أرواحا يسوغ طعامها
ولا تقطعوا الأرحام منا فإنها ... ذنوب من الأعمال يخشى أثامها [3]
ألم تك في الأرحام منّا ومنكم ... حواجز أيام عزيز مرامها
فترعى قريش من تميم قرابة ... ونجزي بأيام عزيز مرامها
لقد علمت أبناء خندف أننا ... ذراها وأنا عزّها وسنامها
وقد علم الأحياء من كل موطن ... إذا عدّت الأحياء أنا كرامها
وأنّا إذا الحرب العوان تضرّمت ... نليها إذا ما الحرب شبّ ضرامها
قوام قوى الإسلام والأمر كلّه ... وهل طاعة إلا تميم قوامها
/ تميم التي تخشى معدّ وغيرها ... إذا ما أبي أن يستقيم همامها [4]
إلى اللّه تشكو عزّنا الأرض فوقها ... وتعلم أنا ثقلها وغرامها
شكتنا إلى اللّه العزيز فأسمعت ... قريبا، وأعيا من سواه كلامها
نصول بحول اللّه في الأمر كلّه ... إذا خيف من مصدوعة ما التآمها [5]
فأعانته القيسية وقالوا: كلما كان ناب من مضر أو شاعر أو سيد وثب عليه خالد.
وقال الفرزدق أبياتا كتب بها إلى سيد بن الوليد الأبرش وكلم له هشاما:
إلى الأبرش الكلبيّ أسندت حاجة ... تواكلها حيّا تميم ووائل [6]
على حين أن زلت بي النعل زلّة ... فأخلف ظنّي كلّ حاف وناعل
فدونكها يا بن الوليد فإنها ... مفضّلة أصحابها في المحافل [7]
__________
[1]
«نمت مثلها من مثلهم»
:
تفاقمت ثورة أخرى منهم، وفي رواية
«تعد مثلها من مثلهم»
وعلى كل فالفعل جواب الشرط في البيت المتقدم، وتنكلوا: عطف على الشرط في البيت السابق
«لم ينكر الضيم»
والمعنى: إن لم تنكروا الضيم، وتنكلوا بهم شبت لهم ثورة أخرى، والضمير في انتقامها يعود على المضرية المفهومة من المقام، والمراد بأهل الجود: اليمانية، وفي البيتين التواء ظاهر.
[2] بغلباء: بكتيبة غلباء، أو بحرب غلباء: كثيرة العدد، متعلق بقوله: «تنكلوا» في البيت السابق، أي إن لم تؤدبوهم بكتيبة غلباء ... إلخ.
[3] الأثام: جزاء الإثم، وضمير إنها يعود على القطيعة المفهومة من قوله:
«و لا تقطعوا الأرحام»
[4] في ألفاظ هذا البيت خلط واضطراب بين مختلف النسخ وقد آثرنا ما أثبتناه منها، وهو الذي يستقيم معه المعنى، وعائد الموصول «التي» محذوف تقديره «تميم التي تخشاها معد وغيرها».
[5] ما صفة مصدوعة، التئام: نائب فاعل «خيف» وفي الكلام قلب، وكان القياس
«إذا خيف من ملتئمة تصدعها»
فينبغي أن يكون في العبارة مضاف محذوف والتقدير: إذا خيف من مصدوعة ما عدم التئامها حتى يستقيم المعنى.
[6] حيا: تثنية حي محذوف النون للإضافة.
[7] هذه رواية هج «فدونكها» وهي أصح أي فخذها وقم بها، والضمير للحاجة ويريد بقوله:
«مفضلة أصحابها في المحافل»
أن
ودونكها يا بن الوليد فقم بها ... فقام امرىء في قومه غير خامل
فكلم هشاما وأمر بتخليته فقال يمدح الأبرش:
/لقد وثب الكلبيّ وثبة حازم ... إلى خير خلق اللّه نفسا وعنصرا
إلى خير أبناء الخليفة لم يجد ... لحاجته من دونها متأخّرا
أبى حلف كلب في تميم وعقدها ... كما سنّت الآباء أن يتغيّرا
/ وكان هذا الحلف حلفا قديما بين تميم وكلب في الجاهلية، وذلك قول جرير بن الخطفى في الحلف:
تميم إلى كلب وكلب إليهم ... أحقّ وأدنى من صداء وحميرا
وقال الفرزدق:
أشدّ حبال بين حيّين مرّة ... حبال أمرّت من تميم ومن كلب [1]
وليس قضاعيّ لدينا بخائف ... ولو أصبحت تغلي القدور من الحرب
وقال أيضا:
ألم تر قيسا قيس عيلان شمّرت ... لنصري وحاطتني هناك قرومها
فقد حالفت قيس على النأي كلّهم ... تميما فهم منها ومنها تميمها [2]
وعادت عدوّي إن قيسا لأسرتي ... وقومي إذا ما الناس عدّ صميمها
شرطيان يعبثان به:
أخبرني ابن دريد: قال حدثني أبو حاتم، عن أبي عبيدة، قال:
بينما الفرزدق جالس بالبصرة أيام زياد في سكّة ليس لها منفذ إذ مرّ به رجلان من قومه كانا في الشرطة وهما راكبان، فقال أحدهما لصاحبه: هل لك أن أفزّعه - وكان جبانا - فحرّكا دابّتيهما نحوه فأدبر مولّيا فعثر من طرف برده فشقه، وانقطع شسع نعله، وانصرفا عنه، وعرف أنهما هزئا منه فقال:
لقد خار إذ يجري عليّ حماره ... ضرار الخنا والعنبريّ بن أخوقا [3]
وما كنت لو خوّفتماني كلاكما ... بأمّيكما عريانتين لأفرقا
/ ولكنما خوّفتماني بخادر ... شتيم إذا ما صادف القرن مزّقا [4]
حديثه مع توبة وليلى الأخيلية:
أخبرني عبد اللّه بن مالك، قال: حدثنا محمد بن موسى، قال: حدثنا القحذمي عن بعض ولد قتيبة بن مسلم
__________
أصحاب هذه الحاجة قوم كرام، يعني نفسه.
[1] المرة: إحكام الفتل.
[2] المصراع الثاني منقول عن هد، وفي ب
«لأسرى لقومي قيسها وتميمها»
ولا معنى له.
[3] لا موضع للخور هنا، ونرجح أن «خار» تحريف «خاب» وضرار وابن أخوق: الشرطيان اللذان سخرا به.
[4] الخادر الشتيم: الأسد، وأراد به حمارهما على سبيل التهكم، وفي بعض النسخ بدل «مزقا» «فرقا» وفي بعضها: «مرقا».
عن ابن زالان المازنيّ، قال: حدثني الفرزدق، قال:
لما طردني زياد أتيت المدينة وعليها مروان بن الحكم، فبلغه أني خرجت من دار ابن صياد، وهو رجل يزعم أهل المدينة أنه الدّجال، فليس يكلمه أحد، ولا يجالسه أحد، ولم أكن عرفت خبره، فأرسل إليّ مروان فقال:
أتدري ما مثلك؟ حديث تحدث به العرب: أن ضبعا مرت بحي قوم، وقد رحلوا، فوجدت مرآة، فنظرت وجهها فيها، فلما نظرت قبح وجهها ألقتها، وقالت: من شرّ ما اطّرحك أهلك، ولكن من شر ما اطّرحك أميرك [1]، فلا تقيمنّ بالمدينة بعد ثلاثة أيام، قال: فخرجت أريد اليمن، حتى إذا صرت بأعلى ذي قسيّ - وهو طريق اليمن من البصرة - فإذا رجل مقبل، فقلت: من أين أوضع الراكب [2]؟ قال: من البصرة، قلت: فما الخبر وراءك؟ قال: أتانا أن زيادا مات بالكوفة، قال: فنزلت عن راحلتي، فسجدت، وقلت: لو رجعت، فمدحت عبيد اللّه بن زياد، وهجوت مروان بن الحكم، فقلت:
وقفت بأعلى ذى قسيّ مطيّتى ... أمثّل في مروان وابن زياد
/ فقلت: عبيد اللّه خيرهما لنا ... وأدناهما من رأفة وسداد [3]
ومضيت لوجهي، حتى وطئت بلاد بني عقيل فوردت ما بين مياههم [4] فإذا بيت عظيم وإذا فيه امرأة سافرة لم أركحسنها وهيئتها قط، فدنوت، فقلت: أتأذنين/ في الظل؟ قالت: أنزل فلك الظّل والقرى، فأنخت، وجلست إليها، قال: فدعت جارية لها سوداء كالراعية، فقالت: ألطفيه [5] شيئا واسعى إلى الرّاعي، فردّي عليّ شاة، فاذبيحها له، وأخرجت إليّ تمرا وزبدا، قال: وحادثتها فو اللّه ما رأيت مثلها قطّ، ما أنشدتها شعرا إلا أنشدتني أحسن منه، قال: فأعجبني المجلس والحديث إذ أقبل رجل بين بردين، فلما رأته رمت ببرقعها على وجهها، وجلس [6] وأقبلت عليه بوجهها وحديثها، فدخلني من ذلك غيظ، فقلت للحين: هل لك في الصراع؟ فقال: سوأة لك [7]، إنّ الرجل لا يصارع ضيفه، قال: فألححت عليه، فقالت له: ما عليك لو لا عبت ابن عمك؟ فقام، وقمت، فلما رمى ببرده، إذا خلق عجيب، فقلت: هكلت وربّ الكعبة، فقبض على يدي، ثم اختلجني [8] إليه، فصرت في صدره، ثم حملني، قال: فو اللّه ما اتّقيت الأرض إلا بظهر كبدي وجلس على صدري، فما ملكت نفسي أن ضرطت ضرطة منكرة، قال: وثرت إلى جملي فقال: أنشدك اللّه [9]، فقالت المرأة: عافاك اللّه الظلّ [10] والقرى، فقلت: أخزى اللّه ظلّكم وقراكم، ومضيت، فبينا أسير إذ لحقني الفتى على نجيب يجنب بختيّا [11] برحله
__________
[1] «و لكن من شر ما اطرحك أميرك»: كلام جديد ليس من تتمة المثل، ولعل مروان يعني أن الفرزدق كالمرآة التي ترى القبيح قبحه، وذلك لكثرة أحاجيه وذكره معايب الناس.
[2] يقال: أوضع الراكب الدابة: حملها على المسير.
[3] في هد:
«خيرهمو أبا وأدناهمو»
بدل
«خيرهما لنا وأدناهما»
[4] في هد، هج: «فوردت ماء من مياههم».
[5] ألطف فلان فلانا: أتحفه وبره.
[6] في بعض النسخ: «و جلست».
[7] سوأة لك: أتيت عملا شائنا.
[8] اختلجه: جذبه، وانتزعه.
[9] يقسم عليه ألا يرحل.
[10] تريد انتظر ما طلبته لك من الظل والقرى.
[11] في هج: يجنب نجيبا. البختي: واحد البخت، وهي الإبل الخراسانية، والمعنى على كلا الحالين أنه لحقه بجمل فاره إلى جانبه.
وزمامه، وكان رحله من أحسن الرحال، فقال: يا هذا، واللّه ما سرني ما كان، وقد أراك أبدعت أي كلّت ركابك، فخذ هذا النجيب، وإيّاك أن تخدع عنه، فقد واللّه أعطيت به مائتي دينار قلت: نعم آخذه، ولكن أخبرني من أنت؟
ومن هذه المرأة؟ قال: أنا توبة بن الحميّر، وتلك ليلى الأخيليّة،/ وقد أخبرني بهذا الخبر عمي.
رواية أخرى في الخبر السابق:
قال: حدثني القاسم بن محمد الأنباريّ، قال: حدثني أحمد بن عبيد، عن الأصمعيّ، قال:
كانت امرأة من عقيل يقال لها ليلى، يتحدث إليها الشباب، فدخل الفرزدق إليها، فجعل يحادثها، وأقبل فتى من قومها، كانت تألفه، ودخل إليها فأقبلت عليه بحديثها، وتركت الفرزدق، فغاظه ذلك، فقال للرّجل:
أتصارعني؟ قال: ذلك إليك، فقام إليه الرجل فلم يلبث أن أخذ الفرزدق مثل الكرة فصرعه، وجلس على صدره، فضرط الفرزدق، فوثب عنه الرجل خجلا، وقال له الرجل: يا أبا فراس، هذا مقام العائذ بك، واللّه ما أردت بك ما جرى، فقال: ويحك، ما بي أن صرعتني، ولكن كأني بابن الأتان جرير، وقد بلغه خبري هذا، فقال يهجوني:
جلست إلى ليلى لتحظى بقربها ... فخانك دبر لا يزال يخون
فلو كنت ذا حزم شددت وكاءها ... كما شدّ خرتا للدّلاص قيون [1]
قالوا: فو اللّه ما مضت أيام حتى بلغ جريرا الخبر، فقال فيه هذين البيتين.
يقضي يوما كيوم دارة جلجل:
أخبرنا عبد اللّه بن مالك، قال: حدثني محمد بن موسى، قال: حدثني القحذميّ، قال: حدثني بعض أصحابنا، عن عبد اللّه بن زالان التميميّ راوية الفرزدق، أن الفرزدق قال: أصابنا بالبصرة مطر [2] جود ليلا، فإذا أنا بأثر دوابّ قد خرجت ناحية البرّية، فظننت قوما قد خرجوا لنزهة، فقلت: خليق أن تكون معهم سفرة وشراب.
فقصصت أثرهم، حتى وقفت إلى بغال عليها رحائل/ موقوفة على غدير، فأغذذت [3] السير نحو الغدير، فإذا نسوة مستنقعات في الماء، فقلت: لم أر كاليوم قط،/ ولا يوم دارة جلجل [4]، وانصرفت مستحييا منهن، فنادينني:
باللّه يا صاحب البغلة، ارجع نسألك عن شيء، فانصرفت إليهن، وهن في الماء إلى حلوقهن، فقلن: باللّه إلا ما خبرتنا بحديث دارة جلجل، فقلت: إن امرأ القيس كان عاشقا لابنة عم له يقال لها عنيزة، فطلبها زمانا، فلم يصل إليها، وكان في طلب غرّة من أهلها؛ ليزورها، فلم يقض له، حتى كان يوم الغدير، وهو يوم دارة جلجل، وذلك أن الحي احتملوا [5]، فتقدم الرجال، وتخلف النساء والخدم والثّقل [6]، فلما رأى ذلك امرؤ القيس تخلف بعد ما سار مع قومه غلوة، فكمن في غيابة من الأرض، حتى مر به النساء فإذا فتيات، وفيهن عنيزة، فلما وردن الغدير قلن: لو نزلنا فذهب عنا بعض الكلال، فنزلن إليه، ونحيّن العبيد عنهن، ثم تجردن فاغتمسن في الغدير، كهيئتكن
__________
[1] الوكاء: الخيط الذي تربط به الصرة أو الكيس ونحوهما، الخرت: الثقب. الدلاص: الدرع اللينة، قيون: جمع قين، وهو الحداد.
[2] المطر الجود: المطر الغزير.
[3] أغذ السير: أسرع.
[4] دارة جلجل: مكان، وهو المشار إليه في معلقة امرىء القيس بقوله:
ألا ربّ يوم لك منهن صالح ... ولا سيما يوم بدارة جلجل
[5] احتملوا: رحلوا.
[6] الثقل - بفتح القاف - : المتاع.
الساعة، فأتاهن امرؤ القيس محتالا كنحو ما أتيتكن، وهن غوافل، فأخذ ثيابهن، فجمعها - ورمى الفرزدق بنفسه عن بغلته فأخذ بعض أثوابهن، فجمعها، ووضعها على صدره - وقال [1] لهن كما أقول لكن: واللّه لا أعطي جارية منكن ثوبها، ولو أقامت في الغدير يومها، حتى تخرج مجردة، قال الفرزدق: فقالت إحداهن، وكانت أمجنهن:
ذلك كان عاشقا لابنة عمه، أفعاشق أنت لبعضنا؟ قال: لا واللّه، ما أعشق منكن واحدة، ولكن أشتهيكن، قال:
فنعرن [2]، وصفّقن بأيديهن، وقلن: خذ في حديثك، فلست منصرفا إلا بما تحب، قال الفرزدق في حديث امرىء القيس: فتأبين ذلك عليه حتى تعالى النهار، ثم خشين أن يقصّرن دون المنزل الذي أردنه، فخرجت إحداهن، فوضع لها ثوبها ناحيه! فأخذته فلبسته، ثم تتابعن/ على ذلك حتى بقيت عنيزة، فناشدته اللّه أن يطرح إليها ثوبها، فقال: دعينا منك؛ فأنا حرام [3] إن أخذت ثوبك إلا بيدك، فخرجت فنظر إليها مقبلة ومدبرة، فوضع لها ثوبها، فأخذته، وأقبلن عليه يلمنه، ويعذلنه، ويقلن: عرّيتنا، وحبستنا، وجوّعتنا، قال: فإن نحرت لكنّ مطيتي أتأكلن منها؟ قلن: نعم، فاخترط [4] سيفه، فعقرها، ونحرها، وكشطها، وصاح بالخدم، فجمعوا له حطبا، فأجّج نارا عظيمة، ثم جعل يقطّع لهنّ من سنامها وأطايبها وكبدها، فيلقيها على الجمر، فيأكلن، ويأكل معهن، ويشرب من ركوة [5] كانت معه ويغنيهن، وينبذ إلى العبيد والخدم من الكباب، حتى شبعن، وطربن، فلما أراد الرّحيل قالت إحداهن: أنا أحمل طنفسته [6]، وقالت الأخرى: أنا أحمل رحله، وقالت الأخرى: أنا أحمل حشيّته وأنساعه [7]، فتقسّمن متاع راحلته بينهن، وبقيت عنيزة لم يحمّلها شيئا، فقال لها امرؤ القيس: يا بنة الكرام، لا بد لك أن تحمليني معك؛ فإني لا أطيق المشي، وليس من عادتي، فحملته على غارب بعيرها، فكان يدخل رأسه في خدرها، فيقبّلها، فإذا امتنعت مال حدجها [8]، فتقول: يا مرأ القيس، عقرت بعيري، فانزل، فذلك قوله:
تقول وقد مال الغبيط بنا معا: ... عقرت بعيري يا مرأ القيس فانزل
فلما فرغ الفرزدق من الحديث قالت تلك الماجنة: قاتلك اللّه، ما أحسن حديثك يا فتى/ وأظرفك، فمن أنت؟
قال: قلت: من مضر، قالت: ومن أيها؟ فقلت: من/ تميم، قالت: ومن أيها؟ قلت: إلى ههنا انتهى الكلام، قالت: إخالك واللّه الفرزدق قلت: الفرزدق شاعر وأنا راوية، قالت: دعنا من توريتك على نسبك [9]، أسألك باللّه، أنت هو؟ قال: أنا هو واللّه، قالت: فإن كنت أنت هو [10] فلا أحسبك مفارقا ثيابنا إلا عن رضا، قلت: أجل، قالت: فاصرف وجهك عنا ساعة وهمست إلى صويحباتها بشيء لم أفهمه، فغططن في الماء، فتوارين، وأبدين رؤوسهن، وخرجن، ومع كل واحدة منهن ملء كفيها طينا، وجعلن يتعادين نحوي، فضربن بذلك الطين
__________
[1] فاعل «قال» ضمير امرىء القيس.
[2] نعرن: صوتن بخياشيمهن أصواتا فيها غنة.
[3] العبارة في معنى القسم، أو المراد: أنا مرتكب حرام.
[4] اخترط سيفه: سله من غمده.
[5] الركوة: إناء صغير من جلد يشرب فيه الماء، أو الدلو الصغيرة.
[6] الطنفسة - بضم الطاء والفاء، أو فتح الطاء مع كسر الفاء وفتحها، أو كسر الطاء مع فتح الفاء وكسرها - الوسادة الصغيرة تجعل تحت الرحل.
[7] الأنساع: سيور طويلة عريضة تشد بها الحقائب والرحال.
[8] الحدج: مركب من مراكب النساء، كالهودج والمحفة.
[9] في هج: «عن نفسك» بدل «على نسبك».
[10] أنت هنا ليست تأكيدا للتاء، وإلا لوجب أن يقول: فإن كنت إياه. وإنما جملة «أنت هو» خبر كان.
والحمأة [1] وجهي، وملأن عيني وثيابي، فوقعت على وجهي، فصرت مشغولا بعيني وما فيها، وشددن على ثيابهن، فأخذنها، وركبت الماجنة بغلتي، وتركتني منبطحا بأسوأ حال وأخزاها وهي تقول: زعم الفتى أنه لا بد أن ينيكنا، فما زلت [2] من ذلك المكان حتى غسلت وجهي وثيابي، وجففتها، وانصرفت عند مجيء الظلام إلى منزلي على قدمي، وبغلتي قد وجهن بها إلى منزلي مع رسول لهن، وقلن: قل له تقول لك أخواتك: طلبت منّا ما لم يمكننا، وقد وجهنا إليك بزوجتك، فنكها سائر ليلتك وهذا كسر [3] درهم لحمّامك إذا أصبحت، فكان إذا حدث بهذا الحديث يقول: ما منيت بمثلهن.
يهجو من يرثي زيادا:
أخبرني عبد اللّه بن مالك، قال: حدثنا أبو مسلم الحرّانيّ، قال: حدثني الأصمعيّ، قال: حدثنا العلاء بن أسلم، قال:
/ لما مات زياد رثاه مسكين الدّراميّ، فقال الفرزدق:
أمسكين أبكى اللّه عينيك إنما ... جرى في ضلال دمعها إذ تحدّرا
بكيت امرأ من آل ميسان كافرا ... ككسرى على عدّانه أو كقيصرا [4]
أقول له لمّا أتاني نعيّه ... به لا بطبي بالصّريمة أعفرا [5]
يهجو ويمدح آل المهلب:
أخبرنا عبد اللّه بن مالك، عن أبي مسلم الحرّاني، قال: حدثنا الأصمعي، قال: حدثنا العلاء بن أسلم، قال:
لما أراد المهلب الخروج إلى الأزارقة [6] لقي الفرزدق جريرا، فقال له: يا أبا فراس، هل لك أن تكلم المهلب، حتى يضع عني البحث، وأعطيك ألف درهم، فكلم المهلب، فأجابه فلامه جذيع، رجل من عشيرته، وشكا ذلك إلى خيرة امرأة المهلب وقال لها: لا يزال الآن الرجل يجيء فيسأل في عشيرته وصديقه، فلامته خيرة بنت ضمرة القشيرية، فقال المهلب. إنما اشتريت عرضي منه، فبلغ ذلك الفرزدق، فقال يهجو جذيعا.
إن تبن دارك يا جذيع فما بنى ... لك يا جذيع أبوك من بنيان
وأبوك ملتزم السفينة عاقد ... خصييه فوق بنائق التّبّان [7]
ويظلّ يدفع باسته متقاعسا ... في البحر معتمدا على السّكان [8]
__________
[1] الحمأة: الطين الأسود الكريه الرائحة.
[2] ما زلت هنا تامة لا خبر لها بمعنى ما انتقلت.
[3] الكسر: القليل.
[4] ميسان: كورة بين البصرة وواسط، العدان: العهد والزمان، وانظر «اللسان» (عدد).
[5] الصريمة: القطعة المنعزلة من الرمل، الأعفر من الظباء: ما يعلو بياضه حمرة، والمعنى: به الهلاك لا بظبي أعفر، كأن الظبي خير منه.
[6] الأزارقة: أتباع نافع بن الأزرق من الخوارج.
[7] بنائق: جمع بنيقة، وهي الزيق يخاط في جيب القميص تثبت فيه الأزرار، التبان: سراويل يلبسها الملاحون والفلاحون ونحوهم، يعيره بأن أباه ملاح في سفينة.
[8] التقاعس: بروز الصدر ودخول الظهر في الجسم.
لا تحسبنّ دارهما جمّعتها ... تمحو مخازيك التي بعمان
/ وقال يهجو خيرة.
ألا قشر الإله بني قشير ... كقشر عصا المنقّح من معال [1]
أرى رهطا لخيرة لم يؤوبوا ... بسهم في اليمين ولا الشمال [2]
/إذا رهزت رأيت بني قشير ... من الخيلاء منتفشي السّبال
فغضب بنو المهلب لما هجا جذيعا وخيرة، فنالوا منه، فهجاهم، فقال:
وكائن للمهلّب من نسيب ... يرى بلبانة أثر الزّيار [3]
بخارك لم يقد فرسا ولكن ... يقود السّاج بالمسد المغار [4]
عميّ بالتّنائف حين يضحي ... دليل الّليل في اللجج الغمار [5]
وما للّه يسجد إذ يصلّي ... ولكن يسجدون لكل نار
فلما وليّ يزيد بن المهلب خراسان والعراق بعد أبيه - ولّاه سليمان بن عبد الملك - خاف الفرزدق من بني المهلّب، فقال يمدحهم:
فلأمدحنّ بني المهلّب مدحة ... غرّاء قاهرة على الأشعار
/ مثل النجوم أمامها قمراؤها ... تجلو العمى وتضيء ليل السّاري [6]
ورثوا الطّعان عن المهلّب والقرى ... وخلائقا كتدفّق الأنهار
كان المهلّب للعراق وقاية ... وحيا الرّبيع ومعقل الفرّار
وإذا الرجال رأوا يزيد رأيتهم ... خضع الرّقاب نواكس الأبصار
ما زال مذ شدّ الإزار بكفه ... ودنا فأدرك خمسة الأشبار [7]
أيزيد إنك للمهلب أدركت ... كفّاك خير خلائق الأخيار
__________
[1] يقال: نفح العود: قشره، معال: أعلى، يقول: قشر اللّه بني قشير كقشر عصا العود المقشور من أعلاه.
[2] في هد، هج:
«فلو لا رهز خيرة لم يتوبوا»
ونرجح أن رهز تحريف «رعز» والرعز: الجماع، يقول: إن بني قشير يستمدون مجدهم من مصاهرتهم للمهلب ومواقعته خيرة ابنتهم.
[3] نسيب: قريب ينتسب إليه، اللبان: الصدر، الزيار: ما يشد به الرحل إلى صدر البعير، يعيره بأن أهله فلاحون. يرى أثر جر حبال المراكب في صدورهم.
[4] في الأصل «نجارك» وهو تصحيف بخارك، وخارك: جزيرة فارسية كان أبو المهلب منها، الساج: شجر تتخذ منه المراكب، المغار: المحكم القتل يقول: إن للمهلب في خارك أقارب لا يقودون خيلا، بل يجرون السفن بالحبال، وفي بعض النسخ «تخاذل» بدل «بخارك» وهو تصحيف أيضا.
[5] التنائف: جمع تنوفة، وهي الفلاة: يقول: إن أهله لا عهد لهم بالصحارى فلا يعرفونها في النهار، ويعرفون شواطىء المياه ليلا، وفي الأصول «ذليل» وهي تصحيف «دليل».
[6] القمراء: ضوء القمر.
[7] خبر «ما زال» مفهوم من المقام، أي ما زال كريما مهيبا ونحو ذلك.
يخشى بأس يزيد بن المهلب:
أخبرنا عبد اللّه بن مالك، قال: حدثنا محمد بن حبيب، قال: حدثني الأصمعي، قال:
لما قدم يزيد بن المهلب واسطا قال لأمية بن الجعد - وكان صديق الفرزدق - : إنّي لأحب أن تأتيني بالفرزدق، فقال للفرزدق: ماذا فاتك من يزيد أعظم الناس عفوا، وأسخى الناس كفّا، قال: صدقت، ولكن أخشى أن آتيه فأجد العمانيّة ببابه فيقوم إليّ رجل منهم فيقول: هذا الفرزدق الذي هجانا، فيضرب عنقي، فيبعث إليه يزيد، فيضرب عنقه، ويبعث إلى أهلي ديتي، فإذا يزيد قد صار أوفى العرب، وإذا الفرزدق فيما بين ذلك قد ذهب، قال [1]: لا واللّه لا أفعل، فأخبر يزيد بما قال، فقال: أمّا إذ قد وقع هذا بنفسه فدعه لعنه اللّه.
ماجن يريد أن ينزو عليه:
قال ابن حبيب: وحدثنا يعقوب بن محمد الزهريّ عن أبيه عن جده قال:
دخل الفرزدق مع فتيان من آل المهلب في بركة يتبرّدون فيها، ومعهم ابن أبي علقمة الماجن، فجعل يتفلّت إلى الفرزدق، فيقول: دعوني أنكحه، حتى لا يهجونا/ أبدا، وكان الفرزدق من أجبن الناس، فجعل يستغيث، ويقول: ويلكم! لا يمسّ جلده جلدي، فيبلغ ذلك جريرا، فيوجب عليّ أنه قد كان منه الذي يقول، فلم يزل يناشدهم حتى كفوه عنه.
يفخر بالمضربة أمام حاكم يماني:
أخبرني عبيد اللّه قال: حدثني محمد بن حبيب قال: حدثني موسى بن طلحة قال: لمّا ولي خالد بن عبد اللّه العراق، فقدمها وكان من أشد خلق اللّه عصبيّة على نزار فقال [2] لبطة بن الفرزدق: فلبس أبي من صالح ثيابه؛ وخرج يريد السلام عليه، فقلت له: يا أبت، إن هذا الرجل يمانيّ، وفيه من العصبية ما قد علمت، فلو [3] دخلت إليه فأنشدته مدائحك أهل اليمن لعل اللّه أن يأتيك منه بخير، فإنك قد كبرت على الرحلة، فجعل/ لا يردّ عليّ شيئا؛ حتى دفعنا إلى البواب؛ فأذن له؛ فدخل؛ وسلم؛ فاستجلسه [4]؛ ثم قال: إيه يا أبا فراس، أنشدنا مما أحدثت، فأنشدته:
يختلف الناس ما لم نجتمع لهم ... ولا خلاف إذا ما أجمعت مضر
فينا الكواهل والأعناق تقدمها ... فيها الرؤوس وفيها السّمع والبصر [5]
ولا نحالف غير اللّه من أحد ... إلا السيوف إذا ما اغرورق النظر [6]
ومن يمل يمل المأثور قلّته ... بحيث يلقى حفافي رأسه الشعر [7]
__________
[1] فاعل «قال» ضمير الفرزدق، وفي بعض النسخ «ثم قال».
[2] كذا في الأصول، ونرى حذف الفاء من «فقال» أو حذف لما من أول الجملة.
[3] «لو» هنا ليست شرطية، بل هي للترجي.
[4] فاعل «فاستجلسه» ضمير خالد بن عبد اللّه.
[5] ضمير فيها يعود على الأعناق، والكلام على تشبيه علية القوم بالكواهل والأعناق.
[6] في الأصول ولا «يخالف» وهو تصحيف، والصواب «نحالف» من المحالفة لا من المخالفة، اغرورق النظر: امتلأت العين بالدموع، يكنى بذلك عن احتدام الحرب في لفحة الحر.
[7] المأثور: السيف، قلته: رأسه، حفافا الشي ء: جانباه، والمصراع الثاني، كناية عن الموت، كأنه شعر الحي تتجه أعاليه للهواء، فإذا صرع التف بجانبي الرأس.
أما الملوك فإنا لا نلين لهم ... حتى يلين لضرس الماضغ الحجر
/ ثم قام، فخرجنا، قلت: أهكذا أوصيتك [1]؟ قال: اسكت، لا أمّ لك فما كنت قطّ أملأ لقلبه مني الساعة.
يفحم المنذر بن الجارود:
أخبرني عبد اللّه: قال حدثني محمد بن حبيب، عن موسى بن طلحة قال:
كان الفرزدق في حلقة في المسجد الجامع، وفيها المنذر بن الجارود العبديّ، فقال المنذر: من الذي يقول:
وجدنا في كتاب بني تميم ... أحقّ الخيل بالركض المعار [2]
فقال الفرزدق: يا أبا الحكم هو الذي يقول:
أشارب قهوة وخدين زير ... وعبديّ لفسوته بخار [3]
وجدنا الخيل في أبناء بكر ... وأفضل خيلهم خشب وقار [4]
قال: فخجل المنذر، حتى ما قدر على الكلام.
خليفة أموي بفضله ويصله:
أخبرني عبد اللّه بن مالك: قال: حدثني محمد بن موسى قال: حدثنا الأصمعيّ قال:
دخل الفرزدق على بعض خلفاء بني مروان ففاخره قوم من الشعراء فأنشأ يقول:
ما حملت ناقة من معشر رجلا ... مثلى إذا الريح لفّتني على الكور [5]
أعزّ قوما وأوفى عند مكرمة ... لمعظم من دماء القوم مهجور [6]
/فقال له: إيه، فقال:
إلّا قريشا فإنّ اللّه فضّلها ... على البريّة بالإسلام والخير [7]
تلقى وجوه بني مروان تحسبها ... عند اللقاء مشوفات الدّنانير [8]
ففضّله عليهم، ووصله.
عيسى بن حصيلة يعينه على الفرار من زياد:
قال ابن حبيب: وكان الفرزدق يهاجي الأشهب بن رميلة النهشليّ وبني فقيم، فأرفث [9] بهم، فاستعدوا عليه
__________
[1] ينكر لبطة على أبيه فخره بالمضرية، مع أنه أوصاه بمدح اليمانية.
[2] يريد أن التميميين يحافظون على خيولهم، ولا يبقون على خيول غيرهم إذا استعاروها.
[3] الزير: أحد أوتار العود، ويريد بالمصراع الأول أنه رجل خمر ولهو وطرب، أما المصراع الثاني فقد اختلفت الأصول فيه اختلافا كبيرا، والذي أثبتناه هو ما رجحناه. ففي بعض الأصول
«لنسوته يخار»
بدل
«لفسوته بخار»
وفي بعضها «و صراء» بدل «و عبدي».
[4] يكنى بالخشب والقار عن السفن، كأنه يعيرهم بالملاحة.
[5] الكور: الرحل.
[6] يريد بقوله:
«من دماء القوم مهجور»
أنه لا يطالب بترة، كما يقول المتنبي: «و كل دم أراقته جبار»، وفي هد: «مبهور» وفي هج: «مشهور».
[7] الخير - بكسر الخاء - الكرم والشرف.
[8] مشوفات الدنانير: الدنانير المجلوة اللامعة.
[9] أرفث: أفحش.
زيادا، فحدثني جابر بن جندل: قال: فأتى عيسى بن حصيلة بن مغيث بن نصر بن خالد السّلمي ثم من بني بهز، فقال: يا أبا حصيلة، إن هذا الرجل قد أخافني؛ وقد لفظني جميع من كنت أرجو، قال: فمرحبا بك يا أبا فراس، فكان عنده ليالي، ثم قال: إني أريد أن ألحق بالشام، قال: إن أقمت ففي الرّحب والسّعة، وإن شخصت فهذه ناقة أرحبيّة [1] أمتّعك بها، وألف درهم، فركب الناقة، وخرج من عنده ليلا، فأرسل عيسى معه من أجازه من البيوت؛ فأصبح وقد جاوز مسيرة ثلاث، فقال يمدحه:
كفاني بها البهزيّ حملان من أبى ... من الناس، والجاني تخاف جرائمه [2]
فتى الجود عيسى والمكارم والعلا ... إذا المال لم ينفع بخيلا كرائمه
/ ومن كان يا عيسى يؤنّب ضيفه ... فضيفك يا عيسى هنيء مطاعمه [3]
/و قال: تعلّم أنها أرحبيّة ... وأنّ لك الليل الذي أنت جاشمه [4]
فأصبحت والملقى ورائي وحنبل ... وما صدرت حتى علا النجم عاتمه [5]
تزاور في آل الحقيق كأنها ... ظليم تبارى جنح ليل نعائمه [6]
رأت دون عينيها ثويّة فانجلى ... لها الصبح عن صعل أسيل مخاطمه [7]
وقال:
تداركني أسباب عيسى من الرّدى ... ومن يك مولاه فليس بواحد
نمته النواصي من سليم إلى العلا ... وأعراق صدق بين نصر وخالد
سأثني بما أوليتني وأربّه ... إذا القوم عدّوا فضلهم في المشاهد
فلما بلغ زيادا شخوصه أتبعه عليّ بن زهدم الفقيميّ: أحد بني مؤلة [8] فلم يلحقه فقال الفرزدق:
فإنك لو لا قيتني يا بن زهدم ... لأبت شعاعيّا على غير تمثال [9]
يلجأ إلى بكر بن وائل:
فأتى بكر بن وائل، فجاورهم، فأمن، فقال:
__________
[1] أرحبية: نسبة إلى أرحب، وهو فحل أو مكان أو قبيلة تنسب إليها الإبل الممتازة.
[2] ضمير بها يعود على الناقة المهداة إليه، البهزي: لقب عيسى بن حصيلة، الحملان - بضم الحاء - الدواب تحمل عليها الهدايا، يقول: كفاني بهذه الناقة أن أستهدي من يأبى إهدائي ناقة تحملني، ومن كان جانبا مثله تحاشاه الناس.
[3] هنيئا: مفعول مطلق لفعل محذوف، وفي هد، هج:
«فضيفك محبور هنيء مطاعمه»
[4] أرحبية: انظر هامش 4 ص 349، جاشمة: متكلف السير فيه، يريد أن هذه الناقة تعينه على السير ليلا.
[5] الملقى وحنبل: مكانان، عاتمه: مظلمه، وفي بعض النسخ: «تلا الليل» بدل «علا النجم».
[6] تزاور: أصله تتزاور بمعنى تميل، والحقيق: مكان، وفي بعض النسخ: «الحفير» وهو مكان أيضا. الظليم: ذكر النعام، تبارى:
أصله تتبارى، ولا مانع من اعتباره فعلا ماضيا، والمراد التباري في العدو.
[7] ثوبة: مكان، وفي بعض النسخ «روية»، الصعل: ما دق رأسه من النعام، أسيل: ناعم، مخاطم: جمع مخطم، وهو مقدم الأنف.
وفي ف: «تخاطمه».
[8] في بعض النسخ: «أحد بني سوأة» وفي بعضها «موألة» وفي بعضها: «سواءة».
[9] شعاعيا: نسبة إلى الشعاع بمعنى التفرق، يريد: لتطايرت جوارحك أو نفسك، فلم يكن لك تمثال، وفي بعض النسخ
«على شر تمثال»
وفي بعضها:
«على قبر تمثال»
/
وقد مثلت أين المسير فلم تجد ... لعوذتها كالحيّ بكر بن وائل [1]
وسارت إلى الأجفان خمسا فأصبحت ... مكان الثريا من يد المتناول [2]
وما ضرها إذ جاورت في بلادها ... بني الحصن ما كان اختلاف القبائل
الحصن بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل.
يأمن زيادا في حمى سعيد بن العاص:
وهرب الفرزدق من زياد، فأتى سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص بن أمية، وهو على المدينة لمعاوية بن أبي سفيان، فأمنه سعيد، فبلغ الفرزدق أن زيادا قال: لو أتاني أمّنته، وأعطيته، فقال في كلمة له:
دعاني زياد للعطاء ولم أكن ... لآتيه ما ساق ذو حسب وقرا [3]
وعند زياد لو أراد عطاءهم ... رجال كثير قد يرى بهم فقرا [4]
قعود لدى الأبواب طلّاب حاجة ... عوان من الحاجات أو حاجة بكرا [5]
فلما خشيت أن يكون عطاؤه ... أداهم سودا أو محدرجة سمرا [6]
نميت إلى حرف أضرّ بنيّها ... سرى الليل واستعراضها البلد القفرا [7]
/فلما اطمأن عند سعيد بن العاصي بالمدينة قال:
ألا من مبلغ عنّي زيادا ... مغلغلة يخبّ بها البريد [8]
بأنّ قد فررت إلى سعيد ... ولا يسطاع ما يحمي سعيد
فررت إليه من ليث هزبر ... تفادى عن فريسته الأسود [9]
فإن شئت انتميت إلى النصارى ... وناسبني وناسبت اليهود
وإن شئت انتسبت إلى فقيم ... وناسبني وناسبت القرود
وأبغضهم إليّ بنو فقيم ... ولكن سوف آتي ما تريد [10]
__________
[1] مثلت: زالت عن موضعها، وفاعل مثلت ضمير الناقة، أين المسير: استفهام، وهو مقول قول محذوف، أي، تنقلت الناقة قائلة:
أين المسير؟ فلم تجد من يعيذها كهذا الحي.
[2] الأجفان: جمع جفن، ومن معانيه أصل الكرم، أو قضبانه، أو نوع من العنب، أو شجر طيب الرائحة، وكل هذه المعاني محتملة.
[3] الوقر: الحمل، والمراد أنه لن يذهب إليه البتة.
[4] ضمير «عطاءهم» يعود على رجال، وهو متأخر لفظا لا رتبة، وذلك جائز.
[5] العوان: من سبق لها الزواج من النساء، وأراد هنا الحاجة المتكررة، وكان القياس «عوانا» بالنصب على التبعية لحاجة باعتبار المعنى، حتى لا يكون في البيت إقواء.
[6] أداهم: جمع أدهم، يريد القيد، المحدوجة: السياط.
[7] نميت إلى حرف: من نمى الصيد إذا غاب وتباعد، والحرف: الناقة، والني: الشحم، يقول: لما خفت قيود زياد وسياطه لجأت إلى ناقة أكل السير والسري شحمها.
[8] مغلغلة، أي رسالة مغلغلة: محمولة من بلد إلى بلد.
[9] من هنا بيانية، فالمشبه بالأسد سعيد لا زياد الذي فر منه.
[10] في هج:
«و لكن سوف آتي ما يكيد»
ولعل هذه الرواية أنسب.
فأقام الفرزدق بالمدينة؛ فكان يدخل بها على القيان. فقال:
إذا شئت غنّاني من العاج قاصف ... على معصم ريّان لم يتخدّد [1]
/لبيضاء من أهل المدينة لم تعش ... ببؤس ولم تتبع حمولة مجحد [2]
وقامت تخشّيني زيادا وأجفلت ... حواليّ في بردي يمان ومجسد [3]
فقلت: دعيني من زياد فإنّني ... أرى الموت وقّاعا على كل مرصد
بينه وبين مسكين الدارامي:
فلما هلك زياد رثاه مسكين بن عامر بن شريح بن عمرو بن عدي بن عدس بن عبد اللّه بن دارم، فقال:
/رأيت زيادة الإسلام ولّت ... جهارا حين فارقها زياد
فبلغ ذلك الفرزدق، فقال:
أمسكين أبكى اللّه عينيك إنّما ... جرى في ضلال دمعها فتحدّرا [4]
أتبكي امرأ من آل ميسان كافرا ... ككسرى على عدّاته أو كقيصرا
أقول له لما أتاني نعيّه: ... به لا بظبي بالصّريمة أعفرا
فقال مسكين:
ألا أيها المرء الذي لست قائما ... ولا قاعدا في القوم إلّا انبرى ليا
فجئني بعمّ مثل عمّي أو أب ... كمثل أبي أو خال صدق كخاليا
بعمرو بن عمرو أوزارة ذي الندى ... سموت به حتى فرعت الرّوابيا
فأمسك الفرزدق عنه، وكان يقول: نجوت من أن يهجوني مسكين، فإن أجبته ذهبت بشطر فخري، وإن أمسكت عنه كانت وصمة على مدى الدهر.
عائذة بقبر أبيه:
أخبرني [5] أبو خليفة، فقال: أخبرنا ابن سلام، قال: حدثني الحكم بن محمد المازني، قال: كان تميم بن زيد القضاعي، ثمّ أحد بني القين بن جسر غزا الهند في جيش، فجمّرهم [6]؛ وفي جيشه رجل يقال له حبيش، فلما طالت غيبته على أمه اشتاقته، فسألت عمن يكلم لها تميم بن زيد أن يقفل ابنها، فقيل لها: عليك بالفرزدق، فاستجيري بقبر أبيه، فأتت قبر غالب بكاظمة، حتى علم الفرزدق مكانها.
__________
[1] قاصف من العاج: مزهر أو نحوه من آلات الغناء متخذ من العاج، وهو من القصف بمعنى اللهو، على معصم ريان لم يتخدد: على معصم ممتلىء أملس لا تشقق فيه.
[2] المجحد: القليل الخير، يريد أنها جارية ناشئة في نعمة.
[3] مجسد: مطلي بالجساد، وهو الزعفران أو العصفر ونحوهما مما كانوا يطلون به الثياب، تخشيني زيادا: تخوفني إياه.
[4] تقدمت هذه الأبيات في الترجمة نفسها، فارجع إليها.
[5] هذا الخبر والخبران اللذان بعده ساقطة من الأصل، وقد نقلناها من هد، هج.
[6] جمرهم: أطال مدة غزوهم.
/ ثمّ أتته، وطلبت إليه حاجتها، فكتب إلى تميم بن زيد هذه الأبيات:
هب لي حبيشا واتخذ فيه منّة ... لغصّة أمّ ما يسوغ شرابها
أتتني فعادت يا تميم بغالب ... وبالحفرة السافي عليها ترابها
تميم بن زيد لا تكوننّ حاجتي ... بظهر فلا يخفى عليّ جوابها
فلما أتاه كتابه لم يدر ما اسمه حبيش أو حنيش، فأخرج «ديوانه»، وأقفل كل حبيش وحنيش في جيشه، وهم عدّة، وأنفذهم إلى الفرزدق.
عائذ بقبر أبيه:
قال أبو خليفة: قال ابن سلّام، وحدّثني أبو يحيى الضبي، قال:
ضرب مكاتب لبنى منقر بساطا على قبر غالب أبي الفرزدق؛ فقدم الناس على الفرزدق، فأخبروه بمكانه عند قبر أبيه.
ثم قدم عليه فقال:
بقبر ابن ليلى غالب عذت بعد ما ... خشيت الرّدى أو أن أردّ على قسر
فأخبرني قبر ابن ليلى فقال لي: ... فكاكك أن تأتي الفرزدق بالمصر [1]
فقال الفرزدق: صدق أبي؛ أنخ؛ ثمّ طاف له في النّاس؛ حتى جمع له مكاتبته وفضلا.
عائذة أخرى بقبر أبيه:
وكان نفيع ذو الأهدام: أحد بني جعفر بن كلاب يتعصب لجرير بمدحه قيسا؛ فهجاه الفرزدق، فاستجارت أمه بقبر غالب؛ وعاذت من هجاء الفرزدق؛ فقال:
/و نبّئت ذا الأهدام يعوى ودونه ... من الشّام زرّاعاتها وقصورها
على حين لم أترك على الأرض حيّة ... ولا نابحا إلا استقرّ عقورها
كلاب نبحن الحيّ من كل جانب ... فعاد عواء بعد نبح هريرها [2]
عجوز تصلي الخمس عاذت بغالب ... فلا والذي عاذت به لا أضيرها
لئن نافع لم يرع أرحام أمّه ... وكانت كدلو لا يزال يعيرها [3]
لبئس دم المولود بلّ ثيابها ... عشيّة نادى بالغلام بشيرها
وإنّي على إشفاقها من مخافتي ... وإن عقّها بي نافع لمجيرها
ولو أنّ أمّ الناس حوّاء جاورت ... تميم بن مرّ لم تجد من يجيرها [4]
__________
[1] سكن ياء تأتي للضرورة.
[2] يريد بقوله
«عاد عواء بعد نبح»
أنها عادت تئن بعد أن كانت تصول.
[3] عار يعير: عاب أو أتلف، يريد أنه يسبب لأمه المتاعب.
[4] يريد أن حواء لو استجارت ببني تميم منه لم تجد من يجيرها.
وهذا البيت يروى لغيره في غير هذه القصيدة [1].
جرير يبز:
أخبرني عبد اللّه بن مالك، قال: حدثنا محمد بن حبيب، قال: حدثنا أحمد بن حاتم المعروف بابن نصر، عن الأصمعيّ، قال:
كان عبد اللّه بن عطية راوية الفرزدق وجرير، قال: فدعاني الفرزدق يوما، فقال: إني قلت بيت شعر والنّوار طالق إن نقضه ابن المراغة [2]، قلت: ما هو؟ قال: قلت:
فإني أنا الموت الذي هو نازل ... بنفسك فانظر كيف أنت تحاوله [3]
ارحل إليه بالبيت، قال: فرحلت إلى اليمامة، قال: ولقيت جريرا بفناء بيته يعبث بالرمل، فقلت: إن الفرزدق قال بيتا، وحلف بطلاق النوار أنك لا تنقضه، قال: هيه،/ أظنّ واللّه ذلك؟ ما هو؟ ويلك، فأنشدته إياه، فجعل يتمرغ في الرمل، ويحثوه على رأسه وصدره، حتى كادت الشمس تغرب، ثم قال: أنا أبو حزرة، طلقت امرأة الفاسق، وقال:
أنا الدهر يفني الموت والدهر خالد ... فجئني بمثل الدهر شيئا يطاوله
ارحل إلى الفاسق، قال: فقدمت على الفرزدق، فأنشدته إياه، وأعلمته بما قال، فقال: أقسمت عليك لما سترت هذا الحديث.
هناك من هو أجفى منه:
أخبرني عبد اللّه، قال: أخبرني محمد بن حبيب، قال: حدثنا الأصمعي وأبو عبيدة، قال:
دخل الفرزدق على بلال بن أبي بردة وعنده ناس من اليمامة، فضحكوا فقال: يا أبا فراس أتدري ممّ ضحكوا؟ قال: لا، قال: من جفائك، قال: أصلح اللّه الأمير، حججت، فإذا أنا برجل منهم على عاتقه الأيمن صبي، وعلى عاتقه الأيسر صبي؛ وإذا امرأة آخذه بمئزره؛ وهو يقول:
أنت وهبت زائدا ومزيدا ... وكهلة أولج فيها الأجردا [4]
/و المرأة تقول من خلفه: إذا شئت، فسألت: ممن هو؟ فقيل: من الأشعريين، أفأنا أجفى أم ذلك؟ فقال بلال: لا حيّاك اللّه، قد علمت أنهم لن يفلتوا منك.
تهزمه امرأة:
أخبرني عبد اللّه بن مالك، قال: حدثني محمد بن حبيب، قال: حدثنا موسى بن طلحة، عن أبي زيد الأنصاريّ، قال:
__________
[1] آخر التكملة من هد وهج.
[2] المراغة: الأتان.
[3] في بعض النسخ يروى هذا البيت هكذا:
وإني أنا الموت الذي هو لاحق ... بنفسك فانظر كيف أنت محاوله
[4] الخطاب في قوله: «أنت» للّه جل جلاله، وزائد ومزيد: ولداه ويريد بالكهلة أمهما.
ركب الفرزدق بغلته، فمر بنسوة؛ فلما حاذاهنّ لم تتمالك البغلة أن ضرطت، فضحكن منه، فالتفت إليهنّ، فقال: لا تضحكن، فما حملتني أنثى إلا ضرطت، فقالت له/ إحداهن: ما حملتك أنثى أكثر من أمك، فأراها قاست منك ضراطا كثيرا، فحرك بغلته، وهرب منهن، وبهذا الإسناد قال:
يهجو إبليس:
أتى الفرزدق الحسن البصري؛ فقال: إني قد هجوت إبليس، فقال: كيف تهجوه وعن لسانه تنطق؟.
يسأل الفرزدق فيفحمه:
وبهذا الإسناد قال حمزة بن بيض للفرزدق: يا أبا فراس، أسألك عن مسألة، قال: سل عما أحببت، قال:
أيما أحبّ إليك؟ أتسبق الخير أم يسبقك؟ قال: إن سبقني فاتني، وإن سبقته فتّه، ولكن نكون معا، لا يسبقني، ولا أسبقه، ولكن أسألك عن مسألة. قال ابن بيض: سل، قال: أيما أحبّ إليك؟ أن تنصرف إلى منزلك، فتجد امرأتك قابضة على أير رجل، أم تراه قابضا على هنها، قال: فتحير، وكان قد نهي عنه، فلم يقبل.
لا صلح بينه وبين جرير:
أخبرني عبد اللّه قال: حدثني محمد بن عمران الضبي، قال: حدثني الأصمعي، قال: اجتمع الفرزدق وجرير عند بشر بن مروان فرجا أن يصلح بينهما حتى يتكافّا، فقال لهما: ويحكما! قد بلغتما من السن ما قد بلغتما، وقربت آجالكما؛ فلو اصطلحتما ووهب كلّ واحد منكما لصاحبه ذنبه، فقال جرير: [1] أصلح اللّه الأمير، إنه يظلمني، ويتعدى عليّ، فقال الفرزدق: [1] أصلح اللّه الأمير إني وجدت آبائي يظلمون آباءه. فسلكت طريقهم في ظلمه، فقال بشر: عليكما لعنة اللّه، لا تصطلحان واللّه أبدا.
يهزأ به وبهجائه:
وأخبرني عبد اللّه بن مالك، قال: حدثنا محمد بن عمران الضبيّ، قال: حدثنا الأصمعيّ: قال الفرزدق:
ما أعياني جواب أحد ما أعياني جواب دهقان مرة قال لي: أنت الفرزدق الشاعر؟ قلت: نعم؛ قال: أفأموت إن هجوتني؟ قلت: لا، قال:/ أفتموت عيشونة ابنتي؟ قلت: لا، قال: فرجلي إلى عنقي في حر أمّك، قال [2]:
قلت: ويلك! لم تركت رأسك؟ قال: حتى أنظر أي شيء تصنع؟.
يأمره مجنون فيطيع:
أخبرني عبد اللّه، قال: حدثنا محمد بن حبيب عن الأصمعي، قال:
مرّ الفرزدق بمأجل [3] فيه ماء، فأشرع بغلته فيه، فقال له مجنون بالبصرة: يقال له حربيش: نحّ بغلتك، جذ اللّه رجليك، قال: ولم؟ ويلك، قال: لأنك كذوب الحنجرة، زاني الكمرة، فقال الفرزدق لبغلته: عدس ومضى، وكره أن يسمع قوله الناس.
هو وغيره يؤثرون القصار
:__________
(1 - 1) تكملة من هد، هج.
[2] فاعل «قال» ضمير الأصمعي.
[3] المأجل: كل ماء في أصل جبل أو واد.
أخبرنا عبد اللّه بن مالك، عن ابن حبيب، عن سعدان بن المبارك، قال: قيل للفرزدق: ما اختيارك في شعرك للقصار؟ قال: لأني رأيتها أثبت في الصدور، وفي المحافل أجول؛ قال: وقيل للحطيئة: ما بال قصارك أكثر من طوالك؟ قال: لأنها في الآذان أولج، وفي أفواه الناس أعلق.
أخبرني عبد اللّه بن حبيب، عن سعدان بن المبارك، قال: قيل لعقيل بن علّفة: مالك تقصّر في هجائك؟ قال:
حسبك من القلادة ما أحاط بالرقبة.
يتندر باسمه فيلقمه حجرا:
أخبرني عبد اللّه، عن محمد بن علي بن سعيد الترمذي، عن أحمد بن حاتم: أبي نصر، قال:
قال الجهم بن سويد بن المنذر الجرمي للفرزدق: أما وجدت أمّك اسما لك إلا الفرزدق الذي تكسره النساء في سويقها [1]؟ قال: والعرب تسمى خبز الفتوت الفرزدق فأقبل/ الفرزدق على قوم معه في المجلس. فقال: ما اسمه؟ فلم يخبروه باسمه، فقال: واللّه لئن لم تخبروني لأهجونكم كلكم، قال: الجهم بن سويد بن المنذر، فقال الفرزدق:/ أحقّ الناس ألا يتكلّم في هذا أنت؛ لأن اسمك اسم متاع المرأة، واسم أبيك اسم الحمار واسم جدك اسم الكلب [2].
بيتان يثيرانه:
أخبرنا عبد اللّه بن مالك، عن الزبير عن عمه عن بعض القرويين، قال:
قدم علينا الفرزدق، فقلنا له: قدم علينا جرير، فأنشدنا قصيدة يمدح بها هؤلاء القوم، ومضى يريدهم، فقال:
أنشدونيها، فأنشدناه قصيدة كثيّر التي يقول فيها [3].
وما زالت رقاك تسلّ ضغني ... وتخرج من مكامنها ضبابي [4]
ويرقيني لك الحاوون حتى ... أجابك حية تحت الحجاب [5]
قال: فجعل وجهه يتغير، وعندنا كانون، ونحن في الشتاء، فلما رأينا ما به قلنا: هوّن عليك يا أبا فراس، فإنما هي لابن أبي جمعة [6]، فانثنى سريعا ليسجد، فأصاب ناحية الكانون وجهه فأدماه.
هو والحسين بن علي:
أخبرني عبد اللّه بن مالك، عن محمد بن موسى، قال: أخبرني القحذميّ، قال:
__________
[1] السويق: طعام يتخذ من مدقوق الحنطة والشعير.
[2] ليس فيما بين أيدينا من المعجمات ما ورد فيه إطلاق هذه الأسماء على تلك المسميات فإن صح ذلك فما أحراها أن تضاف إليها، لأن اللغة من أمثال هؤلاء استمدت.
[3] يبدو أنهم أرادوا أن يثيروا الفرزدق بنسبة هذين البيتين إلى جرير وقد أثاروه فعلا ولم يفرخ روعه إلا حينما علم أنهما ليسا لجرير ولا مقولين فيه أما سر ثورة الفرزدق فهو ما تضمناه من فحش في أسلوب بارع، وانظر التعليق عليهما.
[4] رقاك: جمع رقية وهي ما يرقى به المريض ونحوه. الضباب: جمع ضب وهو الحقد الكامن في الصدر.
[5] يريد بالحية تحت الحجاب ذكره، والمعنى: كنت غاضبا عليك لا آتيك فما زلت تتودد إلي، ويسعى الساعون في سل بغضي لك من صدري، حتى نشطت إليك، وعاودت إتيانك.
[6] يبدو أن ابن أبي جمعة هو كثير نفسه.
لقي الفرزدق الحسين بن علي عليهما السلام متوجها إلى الكوفة خارجا من مكة في اليوم السادس من ذي الحجة فقال له الحسين - صلوات اللّه عليه وآله - : ما وراءك؟ قال: يا بن رسول اللّه، أنفس الناس معك،/ وأيديهم عليك؛ قال: ويحك، معي وقر بعير من كتبهم يدعونني، ويناشدونني اللّه، قال: فلما قتل الحسين - صلوات اللّه عليه - قال الفرزدق: انظروا فإن غضبت العرب لابن سيّدها وخيرها فاعلموا أنه سيدوم عزّها، وتبقى هيبتها، وإن صبرت عليه، ولم تتغير لم يزدها اللّه إلا ذلّا إلى آخر الدهر، وأنشد في ذلك:
فإن أنتم لم تثأروا لابن خيركم ... فألقوا السلاح واغزلوا بالمغازل
حافظة الفرزدق:
أخبرنا عبد اللّه بن مالك: قال: أخبرني أبو مسلم؛ قال: حدثني الأصمعي، قال: أنشد الراعي الفرزدق أربع قصائد، فقال له الفرزدق: أعيدها عليك، لقد أتى علي زمان، ولو سمعت ببيت شعر وأنا أهوي في بئر ما ذهب عني [1].
يشرب الخمر ممزوجة باللبن:
أخبرني عبد اللّه بن مالك قال حدثني أبو مسلم الحرانيّ عن الأصمعيّ، قال:
تغدّى الفرزدق عند صديق له. ثم انصرف فمر ببني أسد، فحدثهم ساعة ثم استسقى ماء، فقال فتى منهم: أو لبنا، فقال: لبنا، فقام إلى عسّ [2]، فصب فيه رطلا من خمر، ثم حلب، وناوله إياه، فلما كرع فيه انتفخت أوداجه [3]، واحمر وجهه ثم رد العسّ، وقال: جزاك اللّه خيرا، فإني ما علمتك تحب أن تحفي [4] صديقك، وتخفي معروفك ثم مضى.
يزني بامرأته:
وأخبرنا عبد اللّه بن مالك، عن محمد بن موسى، عن القحذميّ، قال:
كان الفرزدق أراد امرأة شريفة على نفسها، فامتنعت عليه، وتهددها بالهجاء والفضيحة، فاستغاثت بالنّوار امرأته، وقصّت عليها القصة، فقالت لها: واعديه ليلة، ثم أعلميني، ففعلت،/ وجاءت النوار، فدخلت الحجلة مع المرأة، فلما دخل الفرزدق البيت أمرت الجارية، فأطفأت السراج، وغادرت [5] المرأة الحجلة، واتبعها [6] الفرزدق، فصار إلى الحجلة، وقد انسلّت المرأة خلف الحجلة، وبقيت النوار فيها، فوقع بالنّوار وهو لا يشك أنها صاحبته، فلما فرغ قالت له: يا عدو اللّه، يا فاسق، فعرف نغمتها، وأنه خدع، فقال/ لها: وأنت هي يا سبحان اللّه! ما أطيبك حراما، وأردأك [7] حلالا.
__________
[1] في هد، هج: «و أنا أهوي في بئر لحفظنه وذلك أن الإنسان إذا هوي في بئر ذهب عقله».
[2] العس: القدح الكبير.
[3] الأوداج: جمع ودج، وهو عرق في العنق يقطعه الذابح، فيذهب بالحياة.
[4] في الأصول «تخفي» وهو تصحيف «تحفي» يريد أنه يحتفى بضيفه، ويذهب بلبه، فلا يعرف قيمة ما أسدى إليه من معروف.
[5] في النسخ «بادرت» ونرجح أنها تحريف «غادرت».
[6] واتبعها: اتبع الحجلة، لا المرأة.
[7] في هد: «و أر ذلك» بدل «و أردأك».
يضن عليه ابن سيرة بجارية فيهجوه:
أخبرني عبد اللّه بن مالك. قال: حدثني محمد بن موسى، قال: حدثني القحذمي قال:
استعمل الحجاج الخيار بن سبرة المجاشعي على عمان، فكتب إليه الفرزدق يستهديه جارية فكتب إليه الخيار:
كتبت إليّ تستهدي الجواري ... لقد أنعظت من بلد بعيد
فأجابه الفرزدق:
ألا قال الخيار وكان جهلا ... قد استهدى الفرزدق من بعيد [1]
فلو لا أن أمك كان عمّي ... أباها كنت أخرس بالنشيد [2]
وأنّ أبي لعمّ أبيك لحّا ... وأنك حين أغضب من أسودي [3]
إذا لشددت شدّة أعوجيّ ... يدقّ شكيم مجدول الحديد [4]
لا يستسيغ خطأ في القرآن:
أخبرنا عبد اللّه بن مالك عن الأصمعي قال:
سمع الفرزدق رجلا يقرأ: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما جَزاءً بِما كَسَبا نَكالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ
غفور رحيم فقال [5]: لا ينبغي أن يكون هذا هكذا، قال: فقيل له: إنما هو عَزِيزٌ حَكِيمٌ
قال: هكذا ينبغي أن يكون.
يمدح أسماء بن خارجة:
أخبرنا عبد اللّه بن مالك، قال: حدثنا أبو مسلم، قال: حدثنا الأصمعي: قال:
مرّ أسماء بن خارجة الفزاريّ على الفرزدق، وهو يهنأ [6] بعيرا له بنفسه، فقال له أسماء: يا فرزدق كسد شعرك، واطرحتك الملوك، فصرت إلى مهنة إبلك، فقد أمرت لك بمائة بعير، فقال الفرزدق فيه يمدحه:
إنّ السّماح الذي في الناس كلهم ... قد حازه اللّه للمفضال أسماء
يعطي الجزيل بلا منّ يكدّره ... عفوا ويتبع آلاء بنعماء [7]
ما ضرّ قوما إذا أمسى يجاورهم ... ألّا يكونوا ذوي إبل ولا شاء
هل شاخ شعره بشيخوخته:
أخبرني عبد اللّه بن مالك [8] عن محمد بن موسى بن طلحة، قال: قال أبو عبيدة:
__________
[1] اسم كان ضمير القول المفهوم من المقام.
[2] يريد: لو لا أن أمك ابنة عمي لأخرستك عن قول الشعر بهجائي لك، أو كنت أنت أخرس بالنشيد، أي لأخرستك عن قول الشعر.
[3] لحا: من لحت القرابة إذا دنت، والتصقت، ولعله يريد بقوله: «من أسودي» أنه من أنصاره الشجعان حين يغضب.
[4] الأعوجي: الجواد المنسوب إلى أعوج، وهو جواد أصيل ينسب إليه الخيول الجيدة، ولعله يريد بتلك الشاة أنه يهجوه.
[5] في هج: هد: فقال الفرزدق: فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما
واللّه غفور رحيم ولا ينبغي ... إلخ والعبارة ساقطة من ب.
[6] يهنأ بعيرا: يطليه بالهناءة، وهي القار.
[7] جر نعماء بالكسرة للضرورة، ولو قال: «آلاء بآلاء» لسلم منها.
[8] في هد، هج: «أخبرني عبد اللّه بن مالك، قال: حدثنا أبو مسلم عن محمد ... إلخ، وفي رواية أخرى نسبة هذا الخبر إلى الأصمعي.
دخل الفرزدق على بلال بن أبي بردة، فأنشده قصيدته المشهورة فيهم التي يقول فيها:
فإن أبا موسى خليل محمد ... وكفّاه يمنى للهدى وشمالها
فقال ابن أبي بردة: هلكت واللّه يا أبا فراس، فارتاع الشيخ، وقال: كيف/ ذاك؟ قال ذهب شعرك، أين مثل شعرك في سعيد، وفي العباس بن الوليد، وسمّى قوما فقال: جئني بحسب مثل أحسابهم، حتى أقول فيك كقولي فيهم، فغضب بلال حتى [1] درّت أوداجه [1] ودعي له بطست [2] فيه ماء بارد، فوضع يده فيها، حتى سكن، فكلمه فيه جلساؤه وقالوا: قد كفاك الشيخ نفسه وقلّ ما يبقى حتى يموت، فلم يحل عليه الحول حتى مات.
قواد له من أصحابه:
أخبرنا عبد اللّه بن مالك، عن محمد بن موسى، عن سعيد بن همام اليماميّ، قال:
شرب الفرزدق شرابا باليمامة وهو يريد العراق، فقال لصاحب له: إنّ الغلمة قد آذتني [3] فأكسبني بغيّا، قال:
من أين أصيب لك ها هنا بغيا؟ قال: فلا بد لك من أن تحتال، قال: فمضى الرجل إلى القرية، وترك الفرزدق ناحية؛ فقال: هل من امرأة تقبّل [4]، فإن معي امرأتي وقد أخذها الطّلق فبعثوا معه امرأة، فأدخلها الفرزدق، وقد غطّاه، فلما دنت منه واثبها. ثمّ ارتحل مبادرا، وقال: كأني بابن الخبيثة [5] يعني جريرا لو قد بلغه الخبر قد قال:
/و كنت إذا حللت بدار قوم ... رحلت بخزية وتركت عارا
قال: فبلغ جريرا الخبر، فهجاه بهذا الشعر.
يغتصب بيتا:
وأخبرنا عبد اللّه بن مالك، عن محمد بن موسى، قال: قال أبو نهشل: حدثنا بعض أصحابنا: قال:
وقف الفرزدق على الشمردل، وهو ينشد قصيدة له، فمر هذا البيت في بعض قوله:
وما بين من لم يعط سمعا وطاعة ... وبين جرير غير حزّ الحلاقم [6]
فقال الفرزدق: يا شمردل، لتتركن هذا البيت لي أو لتتركن عرضك؛ قال: خذه، لا بارك اللّه لك فيه فهو في قصيدته التي ذكر فيها قتيبة بن مسلم، وهي التي أولها قوله:
تحنّ إلى زورا اليمامة ناقتي ... حنين عجول تبتغي البوّرائم [7]
__________
(1 - 1) التكملة من هد، هج، در العرق: امتلأ دما، الأوداج: جمع ودج، وهو عرق يقطعه الذابح في العنق، فيذهب بالحياة.
[2] في الأصل: «بطشت» بالشين، وهي لغة والشائع «طست» بالسين، معرب عن «تشت» يؤنث ويذكر.
[3] في هد: «قتلتني» بدل «آذتني».
[4] تقبل: تشتغل قابلة، أي مولدة.
[5] في هد: «كأني بالخبيث».
[6] مر هذا الخبر برواية «الغلاصم» بدل «الحلاقم».
[7] في هد، هج
«تحن بزوراء اليمامة ...
إلخ» البو: جلد يحشى تبنا على هيئة الحوار يتخذ لتدر الناقة اللبن حين تراه، رائم: عطوف.
تستعيذ بقبر أبيه:
أخبرنا عبد اللّه بن مالك قال: حدثنا محمد بن حبيب، عن الأصمعيّ، قال:
جاءت امرأة إلى قبر غالب أبي الفرزدق؛ فضربت عليه فسطاطا. فأتاها فسألها عن أمرها. فقالت: إني عائذة بقبر غالب من أمر نزل بي، قال لها: وما هو، قد ضمنت خلاصك منه، قالت: إن ابنا لي أغزى إلى السّند مع تميم بن زيد [1]؛ وهو واحدي قال: انصرفي، فعليّ انصرافه إليك إن شاء اللّه، قال: وكتب من وقته إلى تميم [2] بقوله:
تميم بن زيد لا تكوننّ حاجتي ... بظهر فلا يخفى عليّ جوابها
/ وهب لي حبيشا واتّخذ قيه منّة ... لحرمة أمّ ما يسوغ شرابها
أتتني فعاذت يا تميم بغالب ... وبالحفرة السّافي عليها ترابها
قال: فعرض تميم جميع من معه من الجند، فلم يدع أحدا اسمه حبيش، ولا حنيش إلا وصله، وأذن له في الانصراف إلى أهله.
ماذا يشتهي:
أخبرنا عبد اللّه بن مالك، قال: أخبرنا محمد بن حبيب، عن الأصمعي، قال:
مرّ الفرزدق بصديق له، فقال له: ما تشتهي يا أبا فراس؟ قال: أشتهي شواء رشراشا، ونبيذا سعيرا، وغناء يفتق السمع.
الرشراش: الرّطب، والسّعير: الكثير.
يتبرم بعشاق شعره:
أخبرنا عبد اللّه بن مالك. قال: حدثنا محمد بن حبيب: قال: حدثني السعديّ، عن أبي مالك الزيدي [3].
قال:
أتينا الفرزدق لنسمع منه شيئا، فجلسنا ببابه ننتظر، إذ خرج علينا في ملحفة. فقال لنا: يا أعداء اللّه، ما اجتماعكم ببابي؟ واللّه لو أردت أن أزني ما قدرت.
يعاني في قرص الشعر:
أخبرني عبد اللّه بن مالك، قال: حدثنا أبو مسلم، قال حدثنا الأصمعي عن هشام بن القاسم، قال:
قال الفرزدق: قد علم الناس أني فحل الشعراء، وربما أتت عليّ الساعة لقلع ضرس من أضراسي أهون عليّ من قول بيت شعر.
يهجو راويته فلا ينقض كلامه:
حدثنا عبد اللّه بن مالك عن أبي مسلم، عن الأصمعي، قال:
__________
[1] مر هذا الخبر، وآثرنا أن نثبته، كما في الأصول لقصره.
[2] في هد: تميم بن زائدة.
[3] في هد، هج: «عن أبي مالك النهري».
كان الفرزدق وأبو شقفل راويته في المسجد؛ فدخلت امرأة، فسألت عن مسألة، وتوسّمت؛ فرأت هيئة أبي شقفل، فسألته عن مسألتها، فقال الفرزدق:
أبو شقفل شيخ عن الحق جائر ... بباب الهدى والرّشد غير بصير
/ فقالت المرأة: سبحان اللّه؟ أتقول هذا لمثل هذا الشيخ؟ فقال أبو شقفل: دعيه فهو أعلم بي.
سكينة بنت الحسين تجرحه وتأسوه:
أخبرنا عبد اللّه بن مالك، قال: حدثنا محمد بن موسى، قال: حدثنا المدائنيّ، قال:
خرج الفرزدق حاجا، فمر بالمدينة، فأتى سكينة بنت الحسين صلوات اللّه عليه وآله، فقالت: يا فرزدق./ من أشعر الناس؟ قال: أنا، قالت: كذبت؛ أشعر منك الذي يقول:
بنفسي من تجنبه عزيز ... عليّ ومن زيارته لمام
ومن أمسي وأصبح لا أراه ... ويطرقني إذا هجع النيام [1]
فقال: واللّه لو أذنت لي لأسمعتك أحسن منه. فقالت: أقيموه: فأخرج. ثم عاد إليها في اليوم الثاني. فقالت له: يا فرزدق. من أشعر الناس؟ قال: أنا. قالت: كذبت: أشعر منك الذي يقول:
لو لا الحياء لها جني استعبار ... ولزرت قبرك والحبيب يزار
لا يلبث القرفاء أن يتفرّقوا ... ليل يكرّ عليهم ونهار
كانت إذا هجر الضجيع فراشها ... كتم الحديث وعفّت الأسرار [2]
قال: أفأسمعك [3] أحسن منه؟ قالت: اخرج.
ثم عاد إليها في اليوم الثالث وعلى رأسها جارية كأنها ظبية، فاشتد عجبه بها. فقالت: يا فرزدق، من أشعر الناس؟ قال: أنا. قالت: كذبت. أشعر منك الذي يقول:
/إنّ العيون التي في طرفها مرض ... قتلننا ثم لم يحيين قتلانا [4]
يصرعن ذا اللّبّ حتى لا حراك له ... وهنّ أضعف خلق اللّه أركانا [5]
ثم قالت: قم فاخرج. فقال لها: يا بنت رسول اللّه، إن لي عليك لحقّا. إذ كنت إنما جئت مسلّما عليك، فكان من تكذيبك إيّاي وصنيعك [6] بي حين أردت أن أسمعك شيئا من شعري ما ضاق به صدري. والمنايا تغدو وتروح، ولا أدري، لعلي لا أفارق المدينة حتى أموت. فإن متّ فمري من يدفنني في حر هذه الجارية التي على رأسك، فضحكت سكينة، حتى كادت تخرج من ثيابها، وأمرت له بالجارية، وقالت: أحسن صحبتها؛ فقد آثرتك
__________
[1] هذان البيتان لجرير.
[2] وهذه الأبيات لجرير أيضا، من قصيدة يرثي فيها زوجته.
[3] أفأسمعك: الفاء هنا عاطفة على معطوف محذوف، أي أنشدك، فأسمعك أو نحو ذلك.
[4] وهذان البيتان لجرير أيضا، ويعدهما مؤرخو الأدب أبرع ما قيل في الغزل، وكثير من الروايات «حور» بدل «مرض».
[5] في كثير من الروايات «إنسانا» بدل «أركانا» ..
[6] في هد «و منعك أن أسمعك شيئا من شعري».
بها على نفسي، قال: فخرج وهو آخذ بريطتها [1].
يطالب معاوية بتراث عمه:
أخبرنا عبد اللّه بن مالك، قال: حدثنا محمد بن موسى، قال: حدثنا المدائني قال:
وقد الحتات عمّ الفرزدق على معاوية، فخرجت جوائزهم، فانصرفوا، ومرض الحتات، فأقام عند معاوية حتى مات، فأمر معاوية بماله، فأدخل بيت المال، فخرج الفرزدق إلى معاوية، وهو غلام، فلما أذن للناس دخل بين السماطين [2]، ومثل بين يدي معاوية، فقال:
أبوك وعمّي يا معاوي ورّثا ... تراثا فيحتاز التّراث أقاربه [3]
/فما بال ميراث الحتات أكلته ... وميراث حرب جامد لي ذائبه؟ [4]
فلو كان هذا الأمر في جاهليّة ... علمت من المولى القليل حلائبه [5]
ولو كان هذا الأمر في ملك غيركم ... لأدّاه لي أو غصّ بالماء شاربه [6]
فقال له معاوية: من أنت؟ قال: أنا الفرزدق قال: ادفعوا إليه ميراث عمه الحتات، وكان ألف دينار، فدفع إليه.
امرأة تهجوه فتوجعه:
أخبرنا عبد اللّه بن مالك، عن أبي حمزة الأنصاري، قال: أخبرنا أبو زيد، قال: قال أبو عبيدة.
انصرف الفرزدق من عند بعض الأمراء في غداة باردة، وأمر بجزور، فنحرت ثمّ قسّمت، فأغفل امرأة من بني فقيم، نسيها، فرجزت به، فقالت:
/فيشلة هدلاء ذات شقشق ... مشرفة اليافوخ والمحوّق [7]
مدمجة ذات حفاف أخلق ... نيطت بحقوي قطم عشنّق [8]
أولجتها في سبّة الفرزدق [9]
__________
[1] الريطة: الملاءة كلها نسيج واحد وقطعة واحدة، أو كل ثوب لين رقيق.
[2] السماطين: الصفين.
[3] يحتاز: يحوز، أقاربه: أقارب التراث، أو أقارب الميت المفهوم من المقام.
[4] كأنه يريد أن يقول له: ما دمت أكلت عمي فدعني آكل تراث أبيك حرب بن أمية.
[5] المولى: القريب، حلائب: جمع حلوبة، يريد أن عمه لو مات في الجاهلية لآل ميراثه إليه، ولا سيما أنه محتاج إلى قليل من النوق.
[6] يريد بقوله:
«أو غص بالماء شاربه»
تهديد من يأكل ميراثه.
[7] هدلاء: طويلة، من قولهم: هدل الجمل: طالت مشافره، الشقشق: شيء كالرئة يخرجه الجمل من فيه إذا هدر. مشرفة اليافوخ:
طويل أعلاها، المحوق: من الحوق، وهو ما أحاط بالكمرة من حوافيها ..
[8] الحفاف: ما أحاط بالشيء، أخلق: صلب مصمت لا يؤثر فيه شيء، الحقو: الخصر، قطم: مجيد للنكاح مشته له، عشنق:
طويل.
[9] السبة: الاست وجملة أولجتها في سبة الفرزدق «خبر فيشله» في صدر الأبيات، ... وما بينهما صفات لها.
قال أبو عبيدة: فبلغني أنه هرب منها، فدخل في بيت حمّاد بن الهيثم [1]، ثمّ إن الفرزدق قال فيها بعد ذلك:
/قتلت قتيلا لم ير الناس مثله ... أقلّبه ذا تؤمتين مسوّرا [2]
حملت عليه حملتين بطعنة ... فغادرته فوق الحشايا مكوّرا [3]
ترى جرحه من بعد ما قد طعنته ... يفوح كمثل المسك خالط عنبرا [4]
وما هو يوم الزحف بارز قرنه ... ولا هو ولّى يوم لاقى فأدبرا
بني دارم ما تأمرون بشاعر ... برود الثّنايا ما يزال مزعفرا [5]
إذا ما هو استلقى رأيت جهازه ... كمقطع عنق الناب أسود أحمرا [6]
وكيف أهاجي شاعرا رمحه استه ... أعدّ ليوم الروع درعا ومجمرا [7]
فقالت المرأة: ألا لا أرى الرجال يذكرون منّي هذا، وعاهدت اللّه ألا تقول شعرا.
كأنه يريد أن يؤتى:
أخبرنا عبد اللّه بن مالك بن مسلم، عن الأصمعيّ قال:
مرّ الفرزدق يوما في الأزد، فوثب عليه ابن أبي علقمة لينكحه، وأعانه على ذلك سفهاؤهم،/ فجاءت مشايخ الأزد وأولو النّهى منهم، فصاحوا بابن أبي علقمة وبأولئك السفهاء، فقال لهم ابن أبي علقمة: ويلكم! أطيعوني اليوم، واعصوني الدهر؛ هذا شاعر مضر ولسانها، قد شتم أعراضكم، وهجا ساداتكم، واللّه لا تنالون من مضر مثلها أبدا، فحالوا بينه وبينه، فكان الفرزدق يقول بعد ذلك: قاتله اللّه. إي واللّه، لقد كان أشار عليهم بالرأي.
أنصاري يتحداه بشعر حسان بن ثابت:
أخبرني عبد اللّه بن مالك، قال: حدثنا محمد بن حبيب، قال: قال الكلبي: قال إبراهيم بن محمد بن سعد بن أبي وقاص. وأخبرنا بهذا الخبر محمد بن العباس اليزيديّ والأخفش جميعا، عن السكريّ، عن ابن حبيب، عن أبي عبيدة والكلبيّ: قال: وأخبرنا به إبراهيم بن سعدان، عن أبيه، عن أبي عبيدة، قالوا جميعا:
قدم الفرزدق المدينة في إمارة أبان بن عثمان، فأتى الفرزدق وكثّير عزة، فبينا هما يتناشدان الأشعار إذ طلع
__________
[1] في هد: «حماد بن القسم».
[2] التومة: لؤلؤة تتحلى بها المرأة، مسورا: لابسا أساور، يريد أنه صرع بهجائه محاربا من النساء.
[3] في هد:
حملت عليه حملة فطعنته ... فغادرته فوق الفراش مكورا
وفي هج:
حملت إليه طعنتي فطعنته ... فغادرته بين الحشايا مكورا
والمعاني متقاربة.
[4] يريد أن المطعون جميل، يتضوع دمه مسكا وعنبرا.
[5] في الأصول «يرود» بالياء المثناة، وهو تصحيف «برود» بالباء الموحدة، يصف غريمه بأنه عذب الرضاب بارده ..
[6] يريد بالجهاز بضع المرأة، والناب: الناقة المسنة.
[7] اختلفت الأصول في رواية هذا البيت اختلافا كثيرا، وقد اخترنا رواية هد، هج، غير أننا نرى أن «درعا» تحريف «ردعا» بمعنى زعفران، والمعنى: كيف أهاجي امرأة سلاحها ما بين أفخاذها، تعد للحرب طيبا وبخورا؟.
عليهما غلام شخت [1] رقيق الأدمة، في ثوبين ممصرين، فقصد نحونا، فلم يسلم، وقال: أيكم الفرزدق؟
فقلت [2] مخافة أن يكون من قريش: أهكذا تقول لسيد العرب وشاعرها؟ فقال: لو كان كذلك لم أقل هذا، فقال له الفرزدق: من أنت لا أمّ لك، قال: رجل من الأنصار، ثم من بني النجار، ثم أنا ابن أبي بكر بن حزم، بلغني أنك تزعم أنك أشعر العرب، وتزعمه مضر، وقد قال شاعرنا حسان بن ثابت شعرا، فأردت أن أعرضه عليك، وأؤجلك سنة، فإن قلت مثله فأنت أشعر العرب، كما قيل، وإلا فأنت منتحل كذّاب، ثم أنشده:
ألم تسأل الرّبع الجديد التكلّما
حتى بلغ إلى قوله:
وأبقى لنا مرّ الحروب ورزؤها ... سيوفا وأدراعا وجمّا عرمرما [3]
/متى ما تردنا من معدّ عصابة ... وغسان نمنع حوضنا أن يهدّما
/ لنا حاضر فعم وباد كأنه ... شماريخ رضوى عزة وتكرّما [4]
أبى فعلنا المعروف أن ننطق الخنا ... وقائلنا بالعرف إلا تكلّما [5]
بكل فتى عاري الأشاجع لاحه ... قراع الكماة يرشح المسك والدّما [6]
ولدنا بني العنقاء وابني محرّق ... فأكرم بذا خالا وأكرم بذا ابنما [7]
يسوّد ذا المال القليل إذا بدت ... مروءته فينا وإن كان معدما [8]
وإنا لنقري الضيف إن جاء طارقا ... من الشحم ما أمسى صحيحا مسلّما [9]
لنا الجفنات الغرّ يلمعن بالضّحى ... وأسيافنا يقطرن من نجدة دما [10]
فأنشده القصيدة، وهي نيّف وثلاثون بيتا، وقال له: قد أجّلتك في جوابها حولا، فانصرف الفرزدق مغضبا، يسحب رداءه، وما يدري أيّة طرقه [11] حتى خرج من المسجد، فأقبل على كثير، فقال له: قاتل اللّه الأنصار [12] ما أفصح لهجتهم، وأوضح حجّتهم، وأجود شعرهم، فلم نزل في حديث الأنصار والفرزدق بقية يومنا، حتى إذا كان/ من الغد خرجت من منزلي إلى المسجد الذي كنت فيه بالأمس، فأتى كثيّر، فجلس معي، وإنّا لنتذاكر الفرزدق،
__________
[1] الشخت: الضامر النحيف خلقة، وفي بعض النسخ: «شخت اللون» وكان الأنسب أن يقال: «شخت الجسم».
[2] التاء من قلت: ضمير راوي الخبر، وفي هذا الخبر بعض الالتواء، ولكنه هكذا في الأصول.
[3] جما عرمرما: جيشا كثير العدد. وفي ف:
«جمعا عرمرما»
[4] فعم: ممتلى ء، والمراد مفاخر.
[5] هذا البيت تكملة من «المختار».
[6] الأشاجع: أصول الأصابع، أو عروق ظاهر الكف، ويكنى بعريها عن كثرة قبضها على السلاح، لاحه: أهزله وأضمره، ويكنى بقوله:
«يرشح المسك والدم»
عن أنه مترف وقت السلم، شجاع وقت الحرب.
[7] ولدنا: ولدت أوائلنا، أبنما - بفتح النون - تمييز، وهو أحد أسمين يتبع ما قبل آخره في الأعراب آخره، وهما «امرؤ وأبنم».
[8] في ب: «منا» بدل: «فينا».
[9] يريد أنه إذا قرى لا يعمد إلى الهزيل أو السقيم من نوقه فيذبحه.
[10] البيت مشهور، وله قصة طويلة بين الخنساء وحسان والنابغة، ارجع إليها في كتب الأدب.
[11] كذا في النسخ والمقام يستدعي زيادة كلمة «يسلك» بعد «أية طرقه» وفي «المختار»: «يذهب».
[12] في بعض النسخ: «قاتل اللّه الأنصاري، ما أفصح لهجته ... إلخ، بضمير الواحد».
ونقول: ليت شعري ما صنع؟ إذ طلع علينا في حلّة أفواف [1]، قد أرخى غديرته، حتى جلس في مجلسه بالأمس، ثم قال: ما فعل الأنصاري؟ فنلنا منه، وشتمناه، فقال: قاتله اللّه: ما منيت بمثله، ولا سمعت بمثل شعره، فارقته، وأتيت منزلي، فأقبلت أصعّد وأصوّب في كل فن من الشعر، فكأني مفحم لم أقل شعرا قط، حتى إذا نادى المنادى بالفجر رحلت ناقتي، وأخذت بزمامها حتى أتيت ريّانا [2]، وهو جبل بالمدينة، ثم ناديت بأعلى صوتي: أخاكم أخاكم، يعني شيطانه، فجاش صدري كما يجيش المرجل، فعقلت ناقتي وتوسدت ذراعها، فما عتمت [3] حتى قلت مائة بيت من الشعر وثلاثة عشر بيتا، فبينا هو ينشد إذ طلع الأنصاري، حتى إذا انتهى إلينا سلم علينا، ثم قال:
إني لم آتك لأعجلك عن الأجل الذي وقّتّه لك، ولكني أحببت ألا أراك إلا سألتك: إيش [4] صنعت؟ فقال:
اجلس، وأنشده قوله:
عزفت بأعشاش وما كنت تعزف ... وأنكرت من حدراء ما كنت تعرف
ولجّ بك الهجران حتى كأنما ... ترى الموت في البيت الذي كنت تألف
في رواية ابن حبيب: تيلف [5] حتى بلغ إلى قوله:
ترى الناس ما سرنا يسيرون خلفنا ... وإن نحن أو مأنا إلى النّاس وقّفوا
/ وأنشدها الفرزدق، حتى بلغ إلى آخرها، فقام الأنصاري كئيبا، فلما توارى طلع أبوه أبو بكر بن خزم في مشيخة من الأنصار، فسلموا عليه، وقالوا: يا أبا فراس، قد عرفت حالنا ومكاننا من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وقد بلغنا أن سفيها من سفهائنا ربما تعرض لك، فنسألك بحق اللّه وحق رسوله لما حفظت فينا وصية رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، ووهبتنا له، ولم تفضحنا.
قال محمد بن إبراهيم: فأقبلت عليه أكلمه، فلما أكثرنا عليه، قال: اذهبوا، فقد وهبتكم لهذا القرشي.
[قال سليمان بن عبد الملك للفرزدق: أنشدني أجود شعر عملته، فأنشده:
عزفت بأعشاش وما كدت تعزف [6]
فقال: زدني: فأنشده:
ثلاث واثنتان فتلك خمس ... وواحدة تميل إلى الشّمام [7]
فبتن بجانبيّ مصرّعات ... وبتّ أفضّ أغلاق الختام [8]
__________
[1] أفواف: ثياب رقاق موشاة مخططة.
[2] هكذا في ب «ريانا» والصواب «ريان» بالمنع من الصرف، لأنه من الري وربما كان من الرين، فتكون نونه أصلية، وحينئذ فلا مانع من صرفه، وفي «المختار»: «ذبابا» بدل «ريانا».
[3] ما عتمت: ما أبطأت.
[4] إيش: لفظ منحوت من «أي شي ء» وهو عربي فصيح.
[5] وكذا في «الديوان»: 551 و «النقائض» وهي لهجة تميمية في تألف.
[6] تقدمت الأبيات التي تبتدىء بهذا المصراع.
[7] يريد بهذا العدد: من عبث بهن من النساء، والشمام: القبل والترشف وما إليهما.
[8] كنى بفض أغلاق الختام عن المضاجعة والمواقعة ...
فقال له سليمان: ما أراك إلا قد أحللت نفسك للعقوبة، أقررت بالزنى عندي، وأنا إمام، ولا تريد مني إقامة الحد عليك، فقال: إن أخذت فيّ بقول اللّه عزّ وجلّ لم تفعل. قال: وما قال؟. قال: قال اللّه تبارك وتعالى:
وَ الشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ، أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ، وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ
، فضحك سليمان وقال:
تلافيتها ودرأت عنك الحدّ وخلع عليه وأجازه] [1].
يجتمع هو وجرير بالشام:
أخبرنا عبد اللّه بن مالك، قال: حدثنا محمد بن حبيب، عن الأصمعي، قال:
قدم الفرزدق الشام وبها جرير بن الخطفي، فقال له جرير: ما ظننتك تقدم بلدا أنا فيه، فقال له/ الفرزدق: إني طالما أخلفت ظن العاجز.
أخبرنا عبد اللّه بن مالك قال: حدثنا محمد بن موسى بن طلحة: قال: قال أبو مخنف:
الفرزدق لعنة وجرير شهاب:
كان الفرزدق [2] لعنة، أي يتلعّن به كأنه لعنة على قوم، وكان جرير شهابا من شهب النار.
يتندر بمحمد بن وكيع:
أخبرنا عبد اللّه بن مالك، قال: حدثنا الأزديّ: قال: حدثنا عمرو بن أبي عمرو عن أبيه، قال: قال أبو عمرو ابن العلاء [2]:
مر الفرزدق بمحمد بن وكيع بن أبي سود، وهو على ناقة فقال له: غدّني، قال: ما يحضرني غداء، قال:
فاسقني سويقا، قال: ما هو عندي، قال: فاسقني نبيذا، قال: أو صاحب نبيذ عهدتني، قال: فما يحضرني غداء، قال:
فاسقني سويقا، قال: ما هو عندي، قال: فاسقني نبيذا، قال: أو صاحب نبيذ عهدتني، قال: فما يقعدك في الظل؟
قال: فما أصنع؟ قال أطل وجهك بدبس [3]، ثم تحوّل إلى الشمس، واقعد فيها، حتى يشبه لونك لون أبيك الذي تزعمه، قال أبو عمرو: فما زال ولد محمد يسبّون بذلك من قول الفرزدق انتهى.
هاشم بن القاسم يتجاهله:
أخبرنا عبد اللّه بن مالك، عن ابن حبيب، عن موسى بن طلحة، عن أبي عبيدة، عن أبي العلاء: قال: أخبرني هاشم بن القاسم العنزي أنه قال:
جمعني والفرزدق مجلس، فتجاهلت عليه، فقلت له: من أنت؟ قال: أما تعرفني؟ قلت: لا، قال: فأنا أبو فراس، قلت: ومن أبو فراس، قال: أنا الفرزدق، قلت: ومن الفرزدق؟ قال: أو ما تعرف الفرزدق؟ قلت: أعرف الفرزدق/ أنه شيء يتّخذه النساء عندنا، يتّسمّنّ به وهو الفتوت، فضحك وقال: الحمد للّه الذي جعلني في بطون نسائكم.
الكلبيون يعبثون به:
أخبرني عبد اللّه بن مالك، عن محمد بن حبيب، عن النضر بن حديد، قال:
__________
[1] تكملة من «المختار».
(2 - 2) تكملة من هج ولعل المراد أن الأول لعنة على من يهجوه، والثاني يرجم من يهجوه كما يرجم الشهاب.
[3] الدبس: الأسود من كل شيء.
مر الفرزدق بماء لبني كليب مجتازا، فأخذوه، وكان جبانا، فقالوا: واللّه لتلقينّ منا ما تكره، أو لتنكحنّ هذه الأتان، وأتوه بأتان، فقال: ويلكم! اتقوا اللّه، فإنه شيء ما فعلته قط، فقالوا: إنه لا ينجيك واللّه إلا الفعل قال: أمّا إذا أبيتم فأتوني بالصخرة التي يقوم عليها [1] عطية، فضحكوا، وقالوا: اذهب لأصحبك اللّه.
أسود يستخف به:
أخبرنا عبد اللّه بن مالك، عن محمد بن موسى، عن العتبي قال:
دخل الفرزدق على قوم يشربون عند رجل بالبصرة، وفي صدر مجلسهم فتى أسود، وعلى رأسه إكليل؛ فلم يحفل بالفرزدق، ولم يحف به تهاونا، فغضب الفرزدق من ذلك وقال:
جلوسك في صدر الفراش مذلّة ... ورأسك في الإكليل إحدى الكبائر
وما نطفت كأس ولا لذّ طعمها ... ضربت على حافاتها بالمشافر [2]
يرثي وكيعا، فينسى مشيعيه الاستغفار له:
أخبرني عبد اللّه بن مالك عن محمد بن موسى، عن العتبي قال:
لما مات وكيع بن أبي سود أقبل الفرزدق حين أخرج، وعليه قميص أسود، وقد شقه إلى سرته وهو يقول:
فمات ولم يوتر وما من قبيلة ... من الناس إلا قد أباءت على وتر [3]
وإنّ الذي لاقى وكيعا وناله ... تناول صدّيق النبيّ أبا بكر [4]
/قال: فعلق الناس الشعر، فجعلوا ينشدونه، حتى دفن، وتركوا الاستغفار له.
ميميته المأثورة في علي بن الحسين:
أخبرنا عبد اللّه بن علي بن الحسن الهاشمي، عن حيان بن علي العنزي، عن مجالد، عن الشعبي قال:
حج الفرزدق بعد ما كبر، وقد أتت له سبعون سنة، وكان هشام بن عبد الملك قد حج في ذلك العام فرأى عليّ بن الحسين في غمار الناس في الطواف، فقال: من هذا الشاب الذي تبرق أسرة وجهه كأنه مرآة صينية تتراءى فيها عذارى الحي وجوهها؟ فقالوا: هذا عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب صلوات اللّه عليهم، فقال الفرزدق:
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته ... والبيت يعرفه والحلّ والحرم
/ هذا ابن خير عباد اللّه كلّهم ... هذا التقيّ النقيّ الطاهر العلم
هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله ... بجدّه أنبياء اللّه قد ختموا [5]
وليس قولك: من هذا بضائره ... العرب تعرف من أنكرت والعجم
إذا رأته قريش قال قائلها: ... إلى مكارم هذا ينتهي الكرم
__________
[1] يريد عطية أبا جرير، ومعروف أنه كان يلقب جريرا بابن المراغة.
[2] نطفت الكأس: قطرت، والمصراع الثاني صفة لكأس مع الفصل بين الصفة والموصوف.
[3] في ب: «أباءت» وفي نسخة أخرى «أثابت» وكلاهما بمعنى «رجع» المتعدي كأنه يريد رجعت نفسها إلى الأخذ بالثأر.
[4] ظاهر البيتين يفيد أن وكيعا مات قتيلا، وأنه كان ذا صلة بالخليفة أبي بكر.
[5] نون «فاطمة» للضرورة.
يغضي حياء ويغضي من مهابته ... فما يكلّم إلا حين يبتسم
بكفّه خيزران ريحها عبق ... من كفّ أروع في عرنينه شمم [1]
يكاد يمسكه عرفان راحته ... ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم [2]
اللّه شرّفه قدما وعظمّه ... جرى بذاك له في لوحه القلم
/ أيّ الخلائق ليست في رقابهم ... لأوّليّة هذا أوله نعم؟ [3]
من يشكر اللّه يشكر أوّليّة ذا ... فالدّين من بيت هذا ناله الأمم
ينمي إلى ذروة الدين التي قصرت ... عنها الأكفّ وعن إدراكها القدم
من جدّه دان فضل الأنبياء له ... وفضل أمّته دانت له الأمم
مشتقّة من رسول اللّه نبعته ... طابت مغارسه والخيم والشّيم [4]
ينشقّ ثوب الدجى عن نور غرّته ... كالشمس تنجاب عن إشراقها الظلم
من معشر حبّهم دين، وبغضهم ... كفر وقربهم منجى ومعتصم
مقدّم بعد ذكر اللّه ذكرهم ... في كلّ بدء ومختوم به الكلم
إن عدّ أهل التّقى كانوا أئمتهم ... أو قيل من خير أهل الأرض قيل: هم
لا يستطيع جواد كنه جودهم ... ولا يدانيهم قوم وإن كرموا
يستدفع الشّرّ والبلوى بحبّهم ... ويستربّ به الإحسان والنّعم [5]
__________
[6] وقد حدثني بهذا الخبر أحمد بن الجعد، قال: حدثنا أحمد بن القاسم البرتيّ، قال: حدثنا إسحاق بن محمد النخعيّ، فذكر أن هشاما حجّ في حياة أبيه، فرأى عليّ بن الحسين رضي اللّه تعالى عنهم يطوف بالبيت والناس يفرجون له. فقال: من هذا؟ فقال الأبرش الكلبي: ما أعرفه، فقال الفرزدق: ولكني أعرفه، فقال: من هو؟ فقال:
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته
وذكر الأبيات ... إلخ [6].
/قال: فغضب هشام فحبسه بين مكة والمدينة فقال:
أتحبسني بين المدينة والتي ... إليها قلوب الناس يهوى منيبها [7]
[1] العرنين: الألف.
[2] عرفان: مفعول لأجله، أي يكاد ركن الحطيم يقبض على راحته عند استلامها إياه، لأن الركن يعرف هذه الكف.
[3] نعم اسم ليس، أي، ما في الخلائق مخلوق لا يدين بالنعمة له أو لأوليته: جدوده السابقين، وفي نسخة أخرى: أي الخلائق إلا في رقابهم، وعليه تكون «نعم» مبتدأ مؤخرا لقوله: «في رقابهم».
[4] النبعة: شجرة صلبة الألياف تتخذ منها القسي، وكنى بها عن الأصل والأرومة، والخيم: الأصل والشرف.
[5] يسترب: يستزاد وينمى.
(6 - 6) تكملة من هد، هج.
[7] كنى بقوله:
«و التي ...
إلخ» عن مكة.
يقلّب رأسا لم يكن رأس سيّد ... وعينا له حولاء باد عيوبها [1]
فبلغ شعره هشاما، فوجّه، فأطلقه.
بينه وبين مالك بن المنذر:
أخبرنا عبد اللّه بن مالك، عن محمد بن موسى، عن الهيثم بن عديّ، قال: أخبرنا أبو روح الراسبيّ، قال:
لما ولي خالد بن عبد اللّه العراق ولّى مالك بن المنذر شرطة البصرة، فقال الفرزدق:
يبغّض فينا شرطة المصر أنني ... رأيت عليها مالكا عقب الكلب
قال، فقال مالك: عليّ به، فمضوا به إليه، فقال:
أقول لنفسي إذ تغصّ بريقها ... ألا ليت شعري ما لها عند مالك؟
قال: فسمع قوله حائك يطلع من [2] طرازه، فقال:
لها عنده أن يرجع اللّه ريقها ... إليها وتنجو من عظيم المهالك [3]
فقال الفرزدق هذا أشعر الناس، وليعودنّ مجنونا، يصيح الصبيان في أثره [4] فقال: فرأوه بعد ذلك مجنونا يصيح الصبيان في أثره [4].
/أخبرنا/ عبد اللّه بن مالك قال: حدثنا محمد بن علي بن سعيد، قال حدثنا القحذميّ: قال:
فلما أتوا مالك بن المنذر بالفرزدق قال: هيه عقب الكلب، قال: ليس هذا هكذا قلت، وإنما قلت:
ألم ترني ناديت بالصوت مالكا ... ليسمع لما غصّ من ريقه الفم
أعوذ بقبر فيه أكفان منذر ... فهن لأيدي المستجيرين محرم [5]
قال: قد عذت بمعاذ [6]، وخلّى سبيله.
أخبرنا عبد اللّه قال: حدثني محمد بن موسى، قال:
كتب خالد القسريّ إلى مالك بن المنذر يأمره بطلب الفرزدق، ويذكر أنه بلغه أنه هجاه، وهجا نهره المبارك [7]، وهو النهر الذي بواسط الذي كان خالد حفره، [8] فاشتد مالك في طلبه حتى ظفر به في البراجم [8] فأخذه وحبسه ومرّوا به على بني مجاشع، فقال: يا قوم، اشهدوا أنه لا خاتم بيدي، وذلك أنه [9] أخذ عمر بن
__________
[1] فاعل يقلب، ضمير هشام، وكانت عينه حولاء وكان القياس «باديا عيوبها»، ولا يصح أن يكون «باد» خبرا مقدما عن «عيوب» لأنه مفرد.
[2] هد: «يطلع من طراز له»: دكان الحائك.
[3] سكن واو «تنجو» للضرورة.
(4 - 4) تكملة من هد، هج.
[5] منذر: أبو مالك، وضمير هن يعود على الأكفان.
[6] بمعاذ: بذي حرمة، يعوذ من استعاذ به.
[7] تقدم هذا الخبر برواية أخرى.
(8 - 8) تكملة من هد، هج.
[9] فاعل أخذ: ضمير المنذر.
يزيد بن أسيد، ثم أمر به فلويت عنقه، ثم أخرجوه ليلا إلى السجن، فجعل رأسه يتقلب، والأعوان يقولون له: قوّم رأسك، فلما أتوا به السّجّان قال: لا أتسلمه منكم ميتا، فأخذوا المفاتيح منه، وأدخلوه الحبس، وأصبح ميتا، فسمّعوا أنه مصّ خاتمه وكان فيه سم، فمات، وتكلم الناس في أمره، فدخل لبطة بن الفرزدق على أبيه، فقال: يا بني، هل كان من خبر؟ قال: نعم، عمر بن يزيد مصّ خاتمه في الحبس، وكان فيه سم، فمات، فقال الفرزدق:
واللّه يا بني لئن لم تلحق بواسط ليمص [1] أبوك خاتمه، وقال في ذلك:
/ألم يك قتل عبد اللّه ظلما ... أبا حفص من الحرم العظام [2]
قتيل عداوة لم يجن ذنبا ... يقطّع وهو يهتف للإمام
قال: وكان عمر عارض خالدا وهو يصف لهشام طاعة أهل اليمن وحسن موالاتهم ونصيحتهم، فصفّق عمرو بن يزيد إحدى يديه على الأخرى، حتى سمع له في الإيوان دويّ، ثم قال: كذب واللّه يا أمير المؤمنين، ما أطاعت اليمانية، ولا نصحت، أليس [3] هم أعداؤك وأصحاب يزيد بن المهلب وابن الأشعث؟ واللّه ما ينعق ناعق إلا أسرعوا الوثبة إليه، فاحذرهم يا أمير المؤمنين [4] قال: فتبين ذلك في وجه هشام [4] ووثب رجل من بني أمية، فقال لعمرو بن يزيد: وصل اللّه رحمك وأحسن جزاءك، فلقد شددت من أنفس قومك، وانتهزت الفرصة في وقتها، ولكن أحسب هذا الرجل سيلي العراق، وهو منكر حسود، وليس [5] يخار لك إن ولى، فلم يرتدع عمر بقوله، وظن أنه لا يقدم عليه، فلما ولى لم تكن له همة غيره، حتى قتله، قال:
جرير يشفع له:
ثم إن مالكا وجّه الفرزدق إلى خالد، فلما قدم به عليه وجده قد حج، واستخلف أخاه أسد بن عبد اللّه على العراق، فحبسه أسد، ووافق عنده جريرا، فوثب يشفع له، وقال: إن رأى الأمير أن يهبه لي، فقال أسد: أتشفع له يا جرير؟ فقال: إن ذلك أذلّ له - أصلحك اللّه - وكلم أسدا ابنه المنذر، فخلّى سبيله، فقال الفرزدق في ذلك:
لا فضل إلا فضل أمّ على ابنها ... كفضل أبي الأشبال عند الفرزدق [6]
تداركني من هوّة دون قعرها ... ثمانون باعا للطّوال العشنّق [7]
/و قال جرير يذكر شفاعته له:
وهل لك في عان وليس بشاكر ... فتطلق عنه عضّ مسّ الحدائد [8]
__________
[1] «ليمص» كذا في النسخ، والقياس «ليمصن» بنون التوكيد، ومراد الفرزدق أنه سيقتل، ويدعي عليه أنه مص خاتمه، لا أنه يمص مصا حقيقيا.
[2] أبا حفص: مفعول «قتل».
[3] اسم ليس هنا ضمير الشان، وجملة «هم أعداؤك» خبر ليس.
(4 - 4) فتبين ذلك، أي أثر ذلك الكلام، والتكملة من هد.
[5] وليس يخار لك: ليس يختار لك ما يرضيك، والجملة يراد بها التحذير.
[6] البيت من الطويل دخله الخرم، أبو الأشبال: يراد به أسد بن المنذر، الجار والمجرور «كفضل» خبر لا، وأصل التركيب: لا فضل كفضل أبي الأشبال إلا فضل أم على ابنها.
[7] الطوال - بضم الطاء - الطويل، والعشق: الطويل أيضا، فهو من باب التكرار للتأكيد.
[8] يريد بالحدائد القيود، ويلاحظ أن جريرا لم ينس النيل من الفرزدق في بيتيه حتى في مقام الشفاعة له.
يعود وكان الخبث منه سجية ... وإن قال: إني منته غير عائد
يهجو بني فقيم
:/ أخبرني عبيد اللّه، عن محمد بن موسى، عن القحذمي، قال:
كان سبب هرب الفرزدق من زياد، وهو على العراق، أنه كان هجا بني فقيم، فقال فيهم أبياتا منها:
وآب الوفد وفد بني فقيم ... بأخبث ما تئوب به الوفود
أتونا بالقرود معادليها ... فصار الجدّ للجدّ السعيد [1]
وقال يهجو زيد بن مسعود الفقيمي والأشهب بن رميلة بأبيات، منها قوله:
تمنّى ابن مسعود لقائي سفاهة ... لقد قال مينا يوم ذاك ومنكرا [2]
غناء قليل عن فقيم ونهشل ... مقام هجين ساعة ثم أدبرا [3]
يعني الأشهب بن رميلة، وكان الأشهب خطب إلى بني فقيم، فردوه، وقالوا له: اهج الفرزدق حتى نزوّجك، فرجز به الأشهب، فقال:
/يا عجبا هل يركب القين الفرس ... وعرق القين على الخيل نجس؟ [4]
وإنما سلاحه إذا جلس ... الكلبتان والعلاة والقبس [5]
يهرب من زياد:
فلما بلغ الفرزدق قوله هجاه، فأرفث [6] له، وألح الفرزدق على النهشليين بالهجاء، فشكوه إلى زياد، وكان يزيد بن مسعود ذا منزلة عند زياد، فطلبه زياد، فهرب، فأتى بكر بن وائل، فأجاروه، فقال الفرزدق يمدحهم بأبيات:
إني وإن كانت تميم عمارتي ... وكنت إلى القرموس منها القماقم [7]
لمثن على أبناء بكر بن وائل ... ثناء يوافي ركبهم في المواسم [8]
همو يوم ذي قار أناخوا فجالدوا ... برأس به تدمى رؤوس الصّلادم [9]
__________
[1] معادليها: حال من الواو، أي أتونا بالقرود وهم مشابهون لها، وفي الأصل:
«قصار المجد للجد السعيد»
ولا معنى له، فضلا عما فيه من الإقواء، وقد اخترنا رواية ف
«فصار الجد للجد السعيد»
على أن الجد الأولى بمعنى الحظ، والجد الثانية - يفتح الجيم أو ضمها - بمعنى الرجل المجدود، والسعيد صفة الجد الأولى، والمعنى: رجعوا هم بالقرود، ورجع المحظوظ بالحظ السعيد.
[2] في هج: «حينا» بدل «ميتا» وفي غيرها «ميتا» وهو تصحيف.
[3] الهجين: غير صريح النسب، وفي البيت عطف الفعل على الاسم، والمعنى: أقام ساعة ثم أدبرا.
[4] القين: الحداد.
[5] الكلبتان: آلة من آلات الحداد، والعلاة: السندان، والقيس: ما يستعمله الحداد من النيران في إلانة الحديد.
[6] أرفث: أفحش.
[7] البيت من الطويل دخله الخرم، العمارة: الحي دون القبيلة، القرموس، السيد الرئيس، القماقم: الجواد ذو الفضل الغزير.
[8] لمثن: خبر «إني» في البيت السابق.
[9] يوم ذي قار: يوم مشهور، كان للعرب على الفرس، ولعل يعني بالرأس هانىء بن مسعود بطل ذلك اليوم، الصلادم: جمع صلدم بمعنى الأسد أو الحجر الصلب، والمعنى يستقيم على كلا المعنيين.
وهرب، حتى أتى سعيد بن العاص، فأقام بالمدينة يشرب، ويدخل إلى القيان، وقال:
إذا شئت غنّاني من العاج قاصف ... على معصم ريّان لم يتخدّد [1]
لبيضاء من أهل المدينة لم تعش ... ببؤس ولم تتبع حمولة مجحد
وقامت تخشّيني زيادا وأجفلت ... حواليّ في برد يمان ومجسد
فقلت: دعيني من زياد فإنني ... أرى الموت وقّافا على كلّ مرصد
مروان ينفيه ثم يجيزه:
قبلغ شعره مروان، فدعاه، وتوعده، وأجّله ثلاثا، وقال: اخرج عني، فأنشأ يقول الفرزدق:
دعانا ثم أجلنا ثلاثا ... كما وعدت لمهلكها ثمود [2]
قال مروان [3]: قولوا له عني: إني أجبته، فقلت:
قل للفرزدق والسّفاهة كاسمها ... إن كنت تارك ما أمرتك فاجلس [4]
ودع المدينة إنها محظورة ... والحق بمكة أو ببيت المقدس
قال: وعزم على الشخوص إلى مكة، فكتب له مروان إلى بعض عماله، ما بين مكة والمدينة بمائتي دينار، فارتاب بكتاب مروان، فجاء به إليه وقال:
مروان إنّ مطيتي معقولة ... ترجو الحباء وربّها لم ييأس
آتيتني بصحيفة مختومة ... يخشى عليّ بها حباء النّقرس [5]
/ألق الصحيفة يا فرزدق لا تكن ... نكراء مثل صحيفة المتلمّس [6]
قال: ورمى بها إلى مروان، فضحك، وقال: ويحك! إنك أميّ، لا تقرأ، فاذهب بها إلى من يقرؤها، ثم ردّها، حتى أختمها، فذهب بها، فلما قرئت إذا فيها جائزة، قال: فردّها إلى مروان، فختمها، وأمر له الحسين بن عليّ عليهما السلام بمائتي دينار، قال: ولما بلغ جريرا أنه أخرج عن المدينة قال:
/إذا حلّ المدينة فارجموه ... ولا تدنوه من جدث الرسول [7]
فما يحمى عليه شراب حدّ ... ولا ورهاء غائبة الحليل [8]
فأجابه الفرزدق، فقال:
__________
[1] تقدمت هذه الأبيات في الترجمة نفسها. فارجع إليها.
[2] في هج
«دعاني ثم أجلني»
[3] ليس فيما قاله الفرزدق ما يستدعي عدول مروان عن عقوبته، فلعل هنا خرما، أو لعل بعد البيت السابق أبيات استعطاف لم تذكر.
[4] الشعر لمروان: ولم نستطع التوفيق بين قوله: «اجلس» في البيت الأول وقوله:
«و دع المدينة»
في البيت الثاني، ربما كانت «اجلس» تصحيف «احلس» - بالحاء - بمعنى ضع الحلس على دابتك وارحل، والحلس: القتب أو السرج ونحوهما.
[5] النقرس: الهلاك، أو الداهية، أو وجع في مفاصل الكعبين.
[6] صحيفة المتلمس: صحيفة حملها تتضمن هلاكه، وقصتها مشهورة، والمتلمس الشاعر المعروف.
[7] في هج
«إذا حل الفرزدق»
[8] في هد «يخفى» بدل «يحمى» والورهاء: الحمقاء، والمراد أنه مدمن زير نساء.
نعتّ لنا من الورهاء نعتا ... قعدت به لأمّك بالسبيل
فلا تبغي إذا ما غاب عنها ... عطية غير نعتك من حليل [1]
يموت بذات الجنب:
أخبرنا عبد اللّه بن مالك، قال: حدثني محمد بن موسى، قال: حدثنا أبو عكرمة الضبّيّ عن أبي حاتم السجستاني، عن محمد بن عبد اللّه الأنصاري، قال أبو عكرمة: وحكي لنا عن لبطة بن الفرزدق أن أباه أصابته ذات الجنب، فكانت سبب وفاته.
قال: ووصف له أن يشرب النّفط الأبيض، فجعلناه له في قدح، وسقينان إياه، فقال: يا بني عجّلت لأبيك شراب أهل النار، فقلت له: يا أبت، قل: لا إله إلا اللّه، فجعلت أكررها عليه مرارا، فنظر إليّ وجعل يقول:
فظلّت تعالى باليفاع كأنها ... رماح نحاها وجهه الرّيح راكز [2]
فكان ذا هجّيراه حتى مات.
أخبرني أبو خليفة، عن محمد بن سلّام، قال: حدثني شعيب بن صخر، قال:
دخل بلال بن أبي بردة على الفرزدق في مرضه الذي مات فيه، وهو يقول:
أروني من يقوم لكم مقامي ... إذا ما الأمر جلّ عن الخطاب
/ البيتين [3]، فقال بلال: إلى اللّه، إلى اللّه.
يتمرد في مرض موته:
أخبرني الحسين بن يحيى، عن حماد، عن أبيه، عن الأصمعيّ، قال:
كان الفرزدق قد دبّر عبيدا له، وأوصى بعتقهم بعد موته، ويدفع شيء من ماله إليهم، فلما احتضر جمع سائر أهل بيته، وأنشأ يقول:
أروني من يقوم لكم مقامي ... إذا ما الأمر جلّ عن الخطاب
إلى من تفزعون إذا حثوتم ... بأيديكم عليّ من التّراب
فقال له بعض عبيده - الذين أمر بعتقهم - : إلى اللّه، فأمر بيعه قبل وفاته، وأبطل وصيته فيه، واللّه أعلم.
أخبرني الحسن بن عليّ، عن بشر بن مروان، عن الحميديّ، عن سفيان، عن لبطة بن الفرزدق قال:
لمّا احتضر أبو فراس قال - أي لبطة: أبغني كتابا أكتب فيه وصيتي، فأتيته بكتاب فكتب وصيّته:
أروني من يقوم لكم مقامي
البيتين، فقالت مولاة له - قد كان أوصى لها بوصية - : إلى اللّه عزّ وجلّ، فقال: يا لبطة، امحها من الوصية.
__________
[1] يريد بالبيتين أن أم جرير هي الورهاء التي لا يخفى مكانها عليه حين يغيب حليلها عطية.
[2] تعالى: أصله تتعالى، ولعل ضمير «ظلت» يعود على خيل، أو إبل، أو نحو ذلك، وكأن الفرزدق صرف هذا الضمير إلى روحه التي تصاعدت حتى بلغت حلقومه.
[3] لم يتقدم ذكر البيتين، بل ذكر بيتا واحدا، على أنه سيعيدهما بعد أسطر.
قال سفيان: نعم ما قالت وبئس ما قال أبو فراس.
ينظم وصيته شعرا:
وقال عوانة: قيل للفرزدق في مرضه الذي مات فيه أوص، فقال:
أوصّي تميما إن قضاعة ساقها ... ندى الغيث عن دار بدومة أو جدب [1]
/فإنكم الأكفاء والغيث دولة ... يكون بشرق من بلاد ومن غرب [2]
إذا انتجعت كلب عليكم فوسّعوا ... لها الدار في سهل المقامة والرّحب
فأعظم من أحلام عاد حلومهم ... وأكثرهم عند العديد من التّرب
أشدّ حبال بعد حيّين مرّة ... حبال أمرّت من تميم ومن كلب [3]
يسبقه إلى الآخرة غلام له:
قال: وتوفي للفرزدق ابن صغير قبل وفاته بأيام، وصلّى عليه، ثم التفت إلى الناس، فقال:
وما نحن إلا مثلهم غير أنّنا ... أقمنا قليلا بعدهم وتقدّموا
قال: فلم يلبث إلا أياما حتى مات.
أنشد عند موته:
وقال المدائنيّ: قال لبطة: أغمي على أبي، فبكينا، ففتح عينيه، وقال: أعليّ تبكون؟ قلنا: نعم، أفعلى ابن المراغة نبكي؟ فقال: ويحكم! أهذا موضع ذكره؟ وقال:
إذا ما دبّت الأنقاء فوقي ... وصاح صدّى عليّ مع الظلام [4]
فقد شمتت أعاديكم وقالت: ... أدانيكم من أين لنا المحامي؟
وقع نعيه على جرير:
أخبرني أبو خليفة الفضل بن الحباب إجازة، قال: حدثنا محمد بن سلام، قال: حدثنا أبو العرّاف، قال:
نعي الفرزدق لجرير، وهو عند المهاجر بن عبد اللّه باليمامة، فقال:
/مات الفرزدق بعد ما جرّعته ... ليت الفرزدق كان عاش قليلا [5]
فقال له المهاجر: بئس ما قلت، أتهجو ابن عمك بعد ما مات! ولو رثيته كان أحسن بك. فقال: واللّه إني لأعلم أنّ بقائي بعده لقليل، وأنّ نجمي لموافق لنجمه، أفلا أرثيه؟ قال: أبعد ما قيل لك: الو كنت بكيته ما نسيتك العرب.
__________
[1] قضاعة: مفعول به لفعل محذوف تقديره: «إن ساق ندى الغيث قضاعة»، دومة: اسم مكان بعينه.
[2] دولة: متداولة، لا تستقر على حال.
[3] المرة: إحكام الفتل.
[4] في ب: «الأفياء».، والنقا: الكثيب من الرمل، والصدى: رجع الصوت من الجبل ونحوه، أو هو طائر يخرج من رأس القتيل، ويقول: اسقوني حتى يؤخذ بثأره، وليس المراد أنه مات قتيلا بل المراد أنه مجاور لهذا الطائر وأمثاله.
[5] جرعته: سقيته المر ونحوه، وفي، هج: «جدعته» بالدال المشددة بمعنى قطعت أنفه.
قال أبو خليفة: قال ابن سلام: فأنشدني معاوية بن عمرو، قال: أنشدني عمارة بن عقيل لجرير يرثي الفرزدق بأبيات منها:
فلا ولدت بعد الفرزدق حامل ... ولا ذات بعل من نفاس تعلّت [1]
هو الوافد المأمون والرّاتق الثّأى ... إذا النعل يوما بالعشيرة زلّت [2]
أخبرني أحمد بن عبد العزيز، عن ابن شبة بخبر جرير لمّا بلغه وفاة الفرزدق، وهو عند المهاجر، فذكر نحوا مما ذكره ابن سلام، وزاد فيه، قال:
ثم قال، وبكى، وندم، وقال: ما تقارب رجلان في أمر قط، فمات أحدهما إلا أوشك صاحبه أن يتبعه.
في أي سنة مات:
قال أبو زيد: مات الحسن وابن سيرين والفرزدق وجرير في سنة عشر ومائة، فقبر الفرزدق بالبصرة، وقبر جرير وأيوب السّختياني ومالك بن دينار باليمامة في موضع واحد.
وهذا غلط من أبي زيد عمر بن شبة، لأن الفرزدق مات بعد يوم كاظمة، وكان ذلك في سنة اثنتي عشرة ومائة، وقد قال فيه الفرزدق شعرا، وذكره في مواضع من قصائده، ويقوّي ذلك ما أخبرنا به وكيع، قال:
/ حدثنا عمر بن محمد بن عبد الملك الزيات، قال: حدثني ابن النّطّاح، عن المدائنيّ، عن أبي اليقظان وأبي همّام المجاشعيّ:
أن الفرزدق مات سنة أربع عشرة ومائة.
جرير ينعي نفسه ويرثيه:
قال أبو عبيدة:
حدثني أبو أيوب بن كسيب من آل الخطفي، وأمه ابنة جرير بن عطية، قال:
بينا جرير في مجلس بفناء داره بحجر إذ راكب قد أقبل، فقال له جرير: من أين وضح الراكب [3]؟ قال: من البصرة، فسأل عن الخبر، فأخبره بموت الفرزدق، فقال:
/مات الفرزدق بعد ما جرّعته ... ليت الفرزدق كان عاش قليلا
ثم سكت ساعة، فظننّاه يقول شعرا، فدمعت عيناه، فقال القوم: سبحان اللّه، أتبكي على الفرزدق! فقال:
واللّه ما أبكي إلا على نفسي، أما واللّه إن بقائي؛ خلافه [4] لقليل، إنه قل ما كان مثلنا رجلان يجتمعان على خير أو شر إلا كان أمد ما بينهما قريبا، ثم أنشأ يقول:
فجعنا بحمّال الدّيات ابن غالب ... وحامي تميم كلّها والبراجم
__________
[1] تعلت المرأة من نفاسها: انقضت عنها مدته.
[2] الثأى: الفتق.
[3] من أين وضح الراكب؟: من أين طلع؟ وفي بعض النسخ «أوضح» بدل «وضح» وهما بمعنى واحد.
[4] خلافه: بعده، ومنه قوله تعالى: لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلَّا قَلِيلًا
بكيناك حدثان الفراق وإنما ... بكيناك شجوا للأمور العظائم [1]
فلا حملت بعد ابن ليلى مهيرة ... ولا شدّ أنساع المطيّ الرّواسم [2]
يموت بالدبيلة
:/ وقال البلاذريّ: حدثنا أبو عدنان [3]، عن أبي اليقظان، قال:
أسنّ الفرزدق حتى قارب المائة فأصابته الدّبيلة [4]، وهو بالبادية فقدم إلى البصرة؛ فأتي برجل من بني قيس متطبب؛ فأشار بأن يكوى، ويشرب النّفط الأبيض، فقال: أتعجّلون لي طعام أهل النار في الدنيا؟ وجعل يقول:
أروني من يقوم لكم مقامي ... إذا ما الأمر جلّ عن الخطاب
أبو ليلى المجاشعي يرثيه:
وقال أبو ليلى المجاشعيّ يرثى الفرزدق:
لعمري لقد أشجعى تميما وهدّها ... على نكبات الدهر موت الفرزدق
عشيّة قدنا للفرزدق نعشه ... إلى جدث في هوّة الأرض معمق
لقد غيّبوا في اللّحد من كان ينتمي ... إلى كل بدر في السماء محلّق
ثوى حامل الأثقال عن كل مثقل ... ودفّاع سلطان الغشوم السّملّق [5]
لسان تميم كلّها وعمادها ... وناطقها المعروف عند المخنّق [6]
فمن لتميم بعد موت ابن غالب ... إذا حل يوم مظلم غير مشرق
لتبك النّساء المعولات ابن غالب ... لجان وعان في السلاسل موثق
أعلام ماتوا سنة موته:
وقال ابن زكريا الغلابيّ، عن ابن عائشة، قال:
مات الفرزدق وجرير في سنة عشرة ومائة، ومات جرير بعده بستة أشهر، ومات في هذه السنة الحسن البصريّ وابن سيرين، قال:
/ فقالت امرأة من أهل البصرة: كيف يفلح بلد مات فقيهاه وشاعراه في سنة؟ ونسبت جريرا إلى البصرة لكثرة قدومه إليها من اليمامة، وقبر جرير باليمامة، وبها مات، وقبر الأعشى أيضا باليمامة: أعشى بني قيس بن ثعلبة، وقبر الفرزدق بالبصرة في مقابر بني تميم:
__________
[1] حدثان الفراق: أول الفراق وابتداءه.
[2] المهيرة: من غولي في مهرها، إنساع: جمع نسع، وهو سير عريض تشد به الحقائب والعيب ونحوها، الرواسم: الإبل التي تؤثر في الأرض.
[3] في هج: «أبو هفان» بدل «أبو عدنان».
[4] الدبيلة: داء من الأدواء التي تصيب الجوف.
[5] في هج: «و حمال» بدل «و دفاع». السملق: الشرس السيء الخلق.
[6] عند المخنّق: عندما يعيا المتكلم عن الكلام كأنه مختنق.
وقال جرير لما بلغه موت الفرزدق: قلّما تصاول فحلان، فمات أحدهما إلا أسرع لحاق الآخر به.
ورثاهما جماعة، فمنهم أبو ليلى الأبيض [1]، من بني الأبيض بن مجاشع فقال فيهما:
لعمري لئن قرما تميم تتابعا ... مجيبين للدّاعي الذي قد دعاهما
لربّ عدوّ فرّق الدهر بينه ... وبينهما لم تشوه ضغمتاهما [2]
يتراءى في المنام:
أخبرني ابن عمار، عن يعقوب بن إسرائيل، عن قعنب بن المحرز الباهلي، عن الأصمعي، عن جرير يعني أبا حازم [3] قال:
رئي الفرزدق وجرير في النوم، فرئي الفرزدق بخير، وجرير معلّق [4].
قال قعنب: وأخبرني الأصمعيّ، عن روح الطائيّ [5]، قال:
رئيّ الفرزدق في النوم، فذكر/ أنه غفر له بتكبيرة كبّرها في المقبرة عند قبر غالب.
/ قال قعنب: وأخبرني أبو عبيدة النحويّ وكيسان بن المعروف النحوي، عن لبطة بن الفرزدق، قال:
رأيت أبي فيما يرى النائم، فقلت له: ما فعل اللّه بك؟ قال. نفعتني الكلمة التي نازعنيها [6] الحسن على القبر.
هو والحسن في جنازة النوار:
أخبرني وكيع، عن محمد بن إسماعيل الحسانيّ، عن عليّ بن عاصم، عن سفيان بن الحسن، وأخبرني أبو خليفة عن محمد بن سلام - والرواية قريب بعضها من بعض - : أنّ النّوار لما حضرها الموت أوصت الفرزدق - وهو ابن عمها - أن يصلّي عليها الحسن البصريّ، فأخبره الفرزدق، فقال: إذا فرغتم منها فأعلمني، وأخرجت، وجاءها الحسن، وسبقهما الناس، فانتظروهما، فأقبلا، والناس ينتظرون، فقال الحسن: ما للناس؟ فقال: ينتظرون خير الناس وشرّ الناس، فقال: إنّي لست بخيرهم، ولست بشرهم، وقال له الحسن على قبرها: ما أعددت لهذا المضجع، فقال: شهادة أن لا إله إلا اللّه منذ سبعين سنة.
هذا لفظ محمد بن سلّام. وقال وكيع في خبره: فتشاغل الفرزدق بدفنها، وجلس الحسن يعظ الناس، فلما فرغ الفرزدق وقف على حلقة [7] الحسن، وقال:
__________
[1] في هج: «الأبيضي» بدل «الأبيض».
[2] في الأصل
«لم يثوه ضيفاهما»
ولا معنى له، فضلا عن اختلال وزن البيت.
وفي هد:
«لم تشوه صحفتاهما»
وليس بشيء، وفي هج:
«لم تشوه صنعتاهما»
وليس بشيء أيضا، والذي نرجحه
«لم تشوه ضغمتاهما»
من أشوى الصائد الصيد: أخطأه، والضغمة: العض العنيف، والمعنى: أن يموتا فرب عدو عضنّاه، فلم يخطئا مقتله، وربما كانت
«لم تشوه صعدتاهما»
والصعدة: الرمح.
[3] في هد، هج: «ابن حازم» بدل «أبا حازم».
[4] في هد، هج: «محتبس» بدل «معلق».
[5] في هد: «الكلبي» بدل «الطائي».
[6] يعنى بهذه الكلمة «شهادة أن لا إله إلا اللّه منذ سبعين عاما» على نحو ما سيأتي تفصيله فيما بعد.
[7] ب: «على حلقة الناس».
لقد خاب من أولاد آدم من مشى ... إلى الناس مغلول القلادة أزرقا [1]
أخاف وراء القبر إن لم يعافني ... أشدّ من القبر التهابا وأضيقا
/ إذا جاءنى يوم القيامة قائد ... عنيف وسوّاق يقود الفرزدقا [2]
رواية أخرى له مع الحسن:
أخبرنا أحمد: قال: حدثنا عمر بن شبة قال: حدثنا حيان [3] بن هلال: قال: حدثنا خالد بن الحر: قال:
رأيت الحسن في جنازة أبي رجاء العطارديّ، فقال للفرزدق: ما أعددت لهذا اليوم؟ فقال: شهادة أن لا إله إلا اللّه منذ بضع وتسعين [4] سنة، قال إذا تنجو إن صدقت. قال: وقال الفرزدق: في هذه الجنازة خير الناس وشر الناس، فقال الحسن: لست بخير الناس ولست بشرهم.
يذكر ذنوبه فينشج:
أخبرنا ابن عمار، عن أحمد بن إسرائيل، عن عبيد اللّه بن محمد القرشيّ بطوس، قال:
حدثني يزيد بن هاشم العبديّ: قال: حدثنا أبي: قال: حدثنا فضيل الرّقاشيّ قال:
خرجت في ليلة باردة، فدخلت المسجد، فسمعت نشيجا وبكاء كثيرا، فلم أعلم من صاحب ذلك، إلى أن أسفر الصبح، فإذا الفرزدق، فقلت: يا أبا فراس، تركت [5] النّوار، وهي لينة الدّثار دفئة الشّعار، قال: إني واللّه ذكرت ذنوبي، فأقلقتني، ففزعت إلى اللّه عز وجلّ.
تنجيه شيبته من النار:
أخبرني وكيع، عن أبي العباس مسعود بن عمرو بن مسعود الجحدريّ قال: حدثني هلال بن يحيى [6] الرازيّ: قال: حدثني شيخ كان ينزل سكة قريش: قال:
/ رأيت الفرزدق في النوم فقلت: يا أبا فراس، ما فعل اللّه بك؟ قال: غفر لي بإخلاصي يوم الحسن، وقال:
لو لا شيبتك لعذّبنك بالنار.
رواية أخرى في لقائه مع الحسين:
أخبرني هاشم الخزاعيّ عن دماذ، عن أبي عبيدة، عن لبطة بن الفرزدق، عن أبيه: قال:
لقيت الحسين بن عليّ - صلوات اللّه عليهما - وأصحابه بالصّفاح، وقد ركبوا الإبل، وجنّبوا الخيل، متقلّدين السيوف، متنكبين القسيّ، عليهم يلامق [7] من الديباج، فسلمت عليه، وقلت: أين تريد؟ قال: العراق، فكيف تركت الناس؟ قال: تركت الناس قلوبهم معك، وسيوفهم عليك، والدنيا مطلوبة، وهي في أيدي/ بني أمية، والأمر
__________
[1] يراد بالقلادة الطوق، وبغلها إطباقها، ويراد بقوله: «أزرقا» ما ورد في التنزيل من أن المجرمين يحشرون إلى جهنم زرقا.
[2] في هج: «يسوق» بدل «يقود».
[3] في هج: «حسان» بدل «حيان».
[4] في هج: «و ثمانين» بدل «و تسعين».
[5] يريد أنه يبكي لفراق النوار.
[6] في هج: «هلال بن عيسى» بدل «هلا بن يحيى».
[7] في هج: «يلانق» وهو تحريف «يلامق» وواحدة «يلمق» وهو القباء: فارسي معرب.
إلى اللّه عز وجل، والقضاء ينزل من السماء بما شاء.
أبو هريرة يعظه:
أخبرني حبيب بن نصر المهلبيّ، وأحمد بن عبد العزيز، عن ابن شبّة قال: حدثني هارون بن عمر، عن ضمرة بن شوذب قال:
قيل لأبي هريرة: هذا الفرزدق، قال: هذا الذي يقذف المحصنات، ثم قال له: إني أرى عظمك رقيقا وعرقك [1] دقيقا، ولا طاقة لك بالنار، فتب، فإن التّوبة مقبولة من ابن آدم حتى يطير غرابه [2].
أخبرني هاشم بن محمد، عن الرياشيّ، عن المنهال بن بحر بن أبي سلمة، عن صالح المريّ، عن حبيب بن أبي محمد، قال:
رأيت الفرزدق بالشام، فقال: قال لي أبو هريرة: إنه سيأتيك قوم يوئسونك من رحمة اللّه، فلا تيأس.
موازنة بينه وبين جرير والأخطل:
قال أبو الفرج: والفرزدق مقدّم على الشعراء الإسلاميين هو وجرير والأخطل،/ ومحلّه في الشعر أكبر من أن ينبّه عليه بقول، أو يدلّ على مكانه بوصف؛ لأن الخاص والعام يعرفانه بالاسم، ويعلمان تقدّمه بالخبر الشائع علما يستغنى به عن الإطالة في الوصف، وقد تكلّم الناس في هذا قديما وحديثا، وتعصبوا، واحتجوا بما لا مزيد فيه، واختلفوا بعد اجتماعهم على تقديم هذه الطبقة في أيّهم أحقّ بالتقدم على سائرها، فأمّا قدماء أهل العلم والرواة فلم يسوّوا بينهما وبين الأخطل؛ لأنه لم يلحق شأوهما في الشعر، ولا له مثل ما لهما من فنونه، ولا تصرّف كتصرّفهما في سائره، وزعموا أن ربيعة أفرطت فيه، حتى ألحقته بهما، وهم في ذلك طبقتان، أما من كان يميل إلى جزالة الشعر، وفخامته، وشدّة أسره، فيقدّم الفرزدق، وأما من كان يميل إلى أشعار المطبوعين، وإلى الكلام السّمح السهل الغزل فيقدّم جريرا.
أخبرنا أبو خليفة: قال حدثنا محمد بن سلّام، قال: سمعت يونس بن حبيب يقول:
ما شهدت مشهدا [3] قط ذكر فيه الفرزدق وجرير، فاجتمع أهل ذلك المجلس على أحدهما. قال ابن سلام:
وكان يونس يقدم الفرزدق تقدمة بغير إفراط، وكان المفضل يقدمه تقدمة شديدة.
قال ابن سلام: وقال ابن دأب، وسئل عنهما، فقال: الفرزدق أشعر خاصّة وجرير أشعر عامّة.
أخبرني الجوهريّ وحبيب المهلبيّ عن ابن شبة، عن العلاء بن الفضل: قال: قال لي أبو البيداء: يا أبا الهذيل، أيّهما أشعر؟ أجرير أم الفرزدق؟ قال: قلت: ذاك إليك، ثم قال: ألم تسمعه يقول:
/ما حمّلت ناقة من معشر رجلا ... مثلي إذا الريح لفّتني على الكور [4]
إلا قريشا فإن اللّه فضّلها ... مع النبوّة بالإسلام والخير
__________
[1] في هج: «و جلدك» بدل «و عرقك».
[2] طيران الغراب: كناية عن الشيب، وهي كناية قائمة على تشبيه سواد الشعر بسواد الغراب.
[3] في هج: «ما شهدت مجلسا».
[4] تقدم هذان البيتان.
ويقول جرير:
لا تحسبنّ مراس الحرب إذ لقحت ... شرب الكسيس وأكل الخبز بالصّير؟ [1]
سلح واللّه أبو حزرة.
ثلث اللغة من شعره:
أخبرني هاشم الخزاعيّ، عن أبي حاتم السجستانيّ، عن أبي عبيدة، قال:
سمعت يونس يقول: لو لا شعر الفرزدق لذهب ثلث لغة العرب
يقرض الشعر في خلافة عثمان وعلي:
أخبرني هاشم الخزاعيّ، عن أبي غسان، عن أبي عبيدة قال: قال يونس أبو البيداء: قال الفرزدق:
كنت أهاجي شعراء قومي، وأنا غلام في خلافة عثمان بن عفان، فكان قومي يخشون معرّة لساني منذ يومئذ، ووفد بي أبي إلى عليّ بن أبي طالب صلوات اللّه عليه عام الجمل، فقال له: إن ابني هذا يقول الشعر، فقال: علّمه القرآن، فهو [2] خير له.
يسلخ خمسا وسبعين سنة من عمره في الهجاء:
قال أبو عبيدة: ومات الفرزدق في سنة عشر ومائة، وقد/ نيّف على التسعين سنة، كان منها خمسة [3] وسبعين سنة يباري الشعراء، ويهجو الأشراف فيغضّهم، ما ثبت له أحد منهم قط، إلا جريرا.
يرث الشعر عن خاله:
أخبرني محمد بن عمران الصّيرفيّ: قال: حدثنا الحسن بن عليل العنزيّ، قال: حدثني محمد بن معاوية الأسديّ، قال: حدثنا ابن الرازي، عن خالد بن كلثوم قال:
قيل للفرزدق: مالك وللشعر؟ فو اللّه ما كان أبوك غالب شاعرا، ولا كان صعصعة شاعرا، فمن أين لك هذا؟
قال: من قبل خالي، قيل: أيّ أخوالك؟ قال: خالي العلاء بن قرظة [4] الذي يقول:
إذا ما الدهر جرّ على أناس ... بكلكلة أناخ بآخرينا [5]
فقل للشامتين بنا أفيقوا ... سيلقى الشامتون كما لقينا
يؤنبه أخواله فيمن عليهم:
أخبرني عمّي قال: حدثنا الكرانيّ. عن العمريّ، عن الهيثم بن عديّ، عن حمّاد الراوية، وأخبرني هاشم الخزاعي: قال: حدثنا دماذ، عن أبي عبيدة قال:
__________
[1] الكسيس: شراب يتخذ من الشعير والذرة، الصير: السمكات المملوحة، وفي هد: «الكشيش» بالشين، وهو تصحيف، وفي ب:
«بالصبر» بالباء الموحدة بدل بالصير «بالياء المثناة» وهو تصحيف أيضا.
[2] تقدم هذا الخبر في أول الترجمة.
[3] اسم كان ضمير الفرزدق، وخمسة منصوب على الظرفية.
[4] في هد، هج: «قرطة» بالطاء المهملة.
[5] في هج: «كلاكلة» بدل «بكلكلة»، والكلاكل: عظام الصدر.
دخل قوم من بني ضبّة على الفرزدق فقالوا له: قبّحك اللّه من أبن أخت! قد عرّضتنا لهذا الكلب السفيه - يعنون جريرا - حتى يشتم أعراضنا، ويذكر نساءنا، فغضب الفرزدق، وقال: بل قبّحكم اللّه من أخوال! فو اللّه لقد [1] شرّفكم من فخري أكثر مما غضّكم من هجاء جرير، أفأنا ويلكم عرّضتكم لسويد بن أبي كاهل حيث يقول:
لقد زرقت عيناك يا بن مكعبر ... كما كلّ ضبّيّ من اللؤم أزرق
ترى اللؤم فيهم لائحا في وجوههم ... كما لاح في خيل الحلائب أبلق [2]
أو أنا عرّضتكم للأغلب العجليّ حيث يقول:
لن تجد الضّبّيّ إلّا فلّا ... عبدا إذانا ولقوم ذلّا [3]
/مثل قفا المدية أو أكلّا ... حتى يكون الألأم الأقلّا
أو أنا عرّضتكم له حيث يقول:
إذا رأيت رجلا من ضبّه ... فنكه عمدا في سواء السّبّه [4]
إن اليمانيّ عقاص الزّبّه [5]
أو أنا عرضتكم لمالك بن نويرة حيث يقول:
ولو يذبح الضّبيّ بالسيف لم تجد ... من اللؤم للضّبيّ لحما ولا دما!
واللّه لما ذكرت من شرفكم، وأظهرت من أيامكم أكثر، ألست القاتل:
وأنا ابن حنظلة الأغرّ وإنني ... في آل ضبّة للمعمّ المخول
فرعان قد بلغ السّماء ذراهما ... وإليهما من كل خوف يعقل [6]
بنو حرام يخشون لسانه:
أخبرنا أبو خليفة، عن ابن سلام، عن أبي بكر محمد بن واسع وعبد القاهر قالا:
كان [7] فتى في بني حرام بن سماك شويعر، قد هجا الفرزدق، فأخذناه، فأتينا به الفرزدق، وقلنا: هو بين يديك، فإن شئت فاضرب، وإن شئت فاحلق، لا عدوى عليك ولا قصاص، فخلّى عنه وقال:
فمن يك خائفا لأذاة قولي ... فقد أمن الهجاء بنو حرام
هم قادوا سفيههم وخافوا ... قلائد مثل أطواق الحمام
__________
[1] في هج: «لما شرفكم» بدل «لقد شرفكم».
[2] الحلائب: خيول السباق، والأبلق من الخيل ونحوها: ما اجتمع فيه سواد وبياض.
[3] الفل: المنهزم، للواحد والجمع، إذانا: مصدر مفعول لفعل محذوف من آذنه إذا أخذ بأذنه، لأن العبد كان يأخذه النخاس بأذنه، وفي الأصل
«و أقواما ذلا»
وقد رجحنا أنها محرفة عن
«و لقوم ذلا»
[4] السواء: الوسط، السبّة: الدبر.
[5] العقاص: خيط تريط به الضفيرة، الزّبّة: نرجح أنها إدغام زببه - بالتحريك - جمع زب، وعلى ذلك يكون المعنى إن دبر اليماني تجمع الأيور كما يجمع الخيط الشعر.
[6] يعقل: يلجأ ويفزع «بالبناء للمجهول».
[7] تقدم هذا الخبر في الترجمة نفسها.
لائذة بقبر أبيه
:/ أخبرنا أبو خليفة، عن محمد بن سلام، قال: حدثني الحكم بن محمد، قال:/ كان رجل من قضاعة ثم من بني القين على السّند، وفي حبسه رجل يقال له حبيش - أو خنيش - وطالت غيبته عن أهله، فأتت أمّه قبر غالب بكاظمة، فأقامت عليه، حتى علم الفرزدق بمكانها، ثم إنها أتت فطلبت إليه في [1] أمر ابنها، فكتب إلى تميم القضاعيّ.
هب لي خنيسا واتّخذ فيه منّة ... لغصّة أمّ ما يسوغ شرابها
أتتني فعاذت يا تميم بغالب ... وبالحفرة السّافي عليه ترابها
تميم بن زيد لا تكوننّ حاجتي ... بظهر فلا يخفى عليّ جوابها [2]
فلما أتاه الكتاب لم يدر: أخنيس أم حبيش! فأطلقهما جميعا.
لائذ آخر بقبر أبيه:
أخبرني أبو خليفة: قال: حدثنا محمد بن سلام: قال: حدثني أبو يحيى الضّبيّ قال: ضرب مكاتب لبني منقر خيمة على قبر غالب، فقدم الناس على الفرزدق فأخبروه أنهم رأوا بناء على قبر غالب أبيه، ثم قدم عليه، وهو بالمربد فقال:
بقبر ابن ليلى غالب عذت بعد ما ... خشيت الرّدى أو أن أردّ على قسر [3]
فخاطبني قبر ابن ليلى وقال لي: ... فكاكك أن تلقى الفرزدق بالمصر
فقال له الفرزدق: صدق أبي، أنخ أنخ، ثم طاف في الناس، حتى جمع له كتابته وفضلا.
يعتذر عن مناقضته نفسه:
أخبرني ابن خلف وكيع، عن هارون بن الزيات، عن أحمد بن حماد بن الجميل، قال: حدثنا القحذميّ، عن ابن عياش: قال:
/ لقيت الفرزدق فقلت له: يا أبا فراس، أنت الذي تقول:
فليت الأكفّ الدافنات ابن يوسف ... يقطّعن إذ غيّبن تحت السقائف [4]
فقال: نعم، أنا، فقلت له: ثم قلت بعد ذلك له:
لئن نفر الحجّاج آل معتّب ... لقوا دولة كان العدوّ يدالها [5]
__________
[1] بعض الأصول تحذف «في».
[2] تقدمت هذه الأبيات، كما تقدمت القصة نفسها، وإنما أثبتناها تمشيا مع الأصول - على ما في ذلك من تكرار - لما قد يكون في المكرر من اختلاف في الأسلوب أو السند أو نحو ذلك.
[3] شأن هذه الأبيات مع قصتها شأن سابقتها من التكرار.
[4] ابن يوسف هو الحجاج، وابن مفعول الدافنات، السقائف: جمع سقيفة، والمراد بها هنا ما يسقف به القبر من حجر ونحوه، يدعو على الأيدي التي دفنت الحجاج بالقطع في معرض رثائه، وفي هج، هد «يحثين» بدل «غيبّن» من حثى التراب يحثيه، وهي لغة في حثاه يحثوه.
[5] نفر: فاعل فعل محذوف، تقديرة لئن لقي نفر الحجاج، آل معتب بدل من نفر الحجاج، الدولة: الغلبة، كان العدو يدالها: كانت
لقد أصبح الأحياء منهم أذلة ... وفي الناس موتاهم كلوحا سبالها [1]
قال: فقال الفرزدق: نعم، نكون مع الواحد منهم ما كان اللّه معه، فإذا تخلى منه انقلبنا عليه.
هل أجاز إياس شهادته؟
أخبرنا هاشم بن محمد، عن عبد الرحمن بن أخي الأصمعيّ، عن عمه، عن بعض أشياخه قال:
شهد الفرزدق عند إياس بن معاوية، فقال: أجزنا شهادة الفرزدق أبي فراس، وزيدونا شهودا، فقام الفرزدق فرحا، فقيل له: أما [2] واللّه ما أجاز شهادتك قال: بلى، قد سمعته يقول: قد قبلنا شهادة أبي فراس، قالوا: أفما سمعته يستزيد شاهدا آخر؟ فقال: وما يمنعه [3] ألا يقبل شهادتي، وقد قذفت ألف محصنة!.
يسترد هبته:
أخبرنا ابن دريد، عن أبي حاتم، عن أبي عبيدة، عن يونس: قال:
كان عطية بن جعال الغدانيّ [4] صديقا ونديما للفرزدق، فبلغ الفرزدق أنّ رجلا/ من بني غدانة هجاه وعاون جريرا عليه، وأنه أراد أن يهجو بني غدانة، فأتاه عطية بن جعال فسأله أن يصفح له عن قومه، ويهب له أعراضهم، ففعل، ثم قال:
أبني غدانة إنني حرّرتكم ... فوهبتكم لعطية بن جعال
لو لا عطية لاجتدعت أنوفكم ... من بين ألأم أعين وسبال [5]
فبلغ ذلك عطية، فقال: ما أسرع ما ارتجع أخي [6] هبته، قبحها اللّه من هبة ممنونة مرتجعة.
مجنون يريد أن ينزو عليه
:/ أخبرني وكيع، عن هارون بن محمد: قال: حدثني قبيصة بن معاوية المهلّبيّ، عن المدائني، عن محمد بن النضر:
أن الفرزدق [7] مرّ بباب المفضّل بن المهلّب، فأرسل إليه غلمة، فاحتملوه، حتى أدخل إليه بواسط، وقد خرج من تيّار ماء كان فيه، فأمر به، فألقى فيه، بثيابه، وعنده ابن أبي علقمة اليحمديّ المجنون، فسعى إلى الفرزدق، فقال له المفضل: ما تريد؟ قال: أريد أن أنيكه وأفضحه، فو اللّه لا يهجو بعدها أحدا من الأزد، فصاح
__________
تتاح للعدو، وفي هج:
«كان الزمان أزالها»
وهو تحريف يغير المعنى فضلا عما فيه من الأقواء.
[1] هذا البيت جواب القسم في البيت الأول، وضمير منهم يعود على نفر الحجاج، كلوحا: جمع كالح، بمعنى عابس، السبال: جمع سبلة، وهي طرف الشارب، أو طرف اللحية، والبيتان من قصيدة يمدح بها الخليفة، ويهجو الحجاج، وفي بعض النسخ: وفي النار مثواهم بدل «موتاهم».
[2] في الأصل: (أنا) بدل (أما) وهو تحريف.
[3] كأنه عدل رأيه في إجازة إياس شهادته، وعلل عدم قبولها.
[4] في الأصل: «العدواني» بدل «الغداني» وهو تحريف.
[5] ب، «الديوان»، «النقائض»: «الأم آنف» وهذه الرواية مرجوحة؛ لأنه لا معنى لأن يكون الأنف بين الأنف والسبال، وما أثبتناه من «هج» «و المختار».
[6] يريد أنه هجاهم هجاء مقذعا في معرض العفو عنهم وذكر هبتهم لصديقه.
[7] هذا من باب تكرار أخبار أبي الفرج مع تغيير في الأسلوب أو في السند، فقد تقدمت هذه القصة.
الفرزدق: اللّه [1] اللّه أيها الأمير فيّ، أنا في جوارك وذمتك؛ فمنع عنه ابن أبي علقمة، فلما خرج قال: قاتل اللّه مجنونهم؛ واللّه لو مسّ ثوبه ثوبي لقام بها جرير وقعد؛ وفضحني في العرب فلم يبق لي فيهم باقية.
وأخبرني بنحو هذا الخبر حبيب المهلبيّ، عن ابن شبة، عن محمد بن يحيى، عن عبد الحميد، عن أبيه، عن جده: قال أبو زيد: وأخبرني أبو عاصم عن الحسن بن دينار، قال: قال لي الفرزدق:
/ ما مر بي يوم قط أشدّ عليّ من يوم دخلت فيه على أبي عيينة بن المهلب - وكان يوما شديد الحر - فما منّا أحد إلا جلس في أبزن [2]. فقلنا له: إن أردت أن تنفعنا فابعث إلى ابن أبي علقمة، فقال: لا تريدوه؛ فإنه يكدّر علينا مجلسنا، فقلنا: لا بد منه، فأرسل إليه، فلما دخل فرآني؛ قال الفرزدق واللّه. ووثب إليّ، وقد أنعظ أيره، وجعل يصيح: واللّه لأنيكنّه؛ فقلت لأبي عيينة: اللّه اللّه فيّ، أنا في جوارك، فو اللّه لئن دنا إليّ لا تبقى له باقية مع جرير؛ فلم يتكلم أبو عيينة؛ ولم تكن لي همة إلا أن عدوت حتى صعدت إلى السطح، فاقتحمت الحائط، فقيل له:
ولا يوم زياد [3] كان مثل يومئذ، فقال: ولا مثل يوم زياد [3].
عمر بن عبد العزيز يجيره، ثم ينفيه:
أخبرني عمي، عن ابن أبي سعد، عن أحمد بن عمر، عن إسحاق بن مروان مولى جهينة وكان يقال له: كوزا الرواية؛ قال أحمد بن عمر: وأخبرني عثمان بن خالد العثماني [4]:
أن الفرزدق قدم المدينة في سنة مجدبة حصّاء [5] فمشى أهل المدينة إلى عمر بن عبد العزيز، فقالوا له: أيها الأمير، إن الفرزدق قدم مدينتنا هذه في هذه السنة الجدبة التي أهلكت عامة الأموال التي لأهل المدينة، وليس عند أحد منهم ما يعطيه شاعرا، فلو أن الأمير بعث إليه، فأرضاه، وتقدم إليه [6] ألا يعرض لأحد بمدح ولا هجاء؛ فبعث إليه عمر: إنك يا فرزدق قدمت مدينتنا هذه في هذه السنة الجدبة، وليس عند أحد ما يعطيه شاعرا، وقد أمرت لك بأربعة آلاف درهم؛ فخذها، ولا تعرض لأحد/ بمدح ولا هجاء، فأخذها الفرزدق، ومرّ بعبد اللّه بن عمرو بن عثمان، وهو جالس في سقيفة داره، وعليه مطرف [7] خزّ أحمر وجبّة خزّ أحمر، فوقف عليه، وقال:
أعبد اللّه أنت أحقّ ماش ... وساع بالجماهير الكبار
نما الفاروق أمّك وابن أروى ... أبوك فأنت منصدع النّهار [8]
هما قمرا السماء وأنت نجم ... به في الليل يدلج كلّ سار
__________
[1] اللّه: مفعول فعل محذوف تقديره «ارع» أو «اتق» ونحو ذلك.
[2] الأبزن: حوض يشبه «البانيو» عندنا، كان يتخذ من المعدن ونحوه للاستحمام، وهو لفظ معرب.
(3 - 3) التكملة من هد، هج، وقد تقدم أن زيادا طرده، وأنه هجا مسكينا الدارمي لرثائه آياه في الأبيات التي يقول فيها:
«به لا بظبي في الصريمة أعفرا»
[4] في هد، هج: «عمر بن خالد العماني».
[5] الحصاء: السنة الجرداء لا خير فيها.
[6] تقدم إليه: أمره، أو طلب منه.
[7] المطرف - بكسر الميم وضمها مع سكون الطاء وفتح الراء - رداء من خز مربع ذو أعلام.
[8] يريد أنه ينسب إلى الخليفتين عمر وعثمان، منصدع: مصدر ميمي، أو اسم مكان من الصدع، بمعنى انشق وتبلج، وأروى: أم عثمان بن عفان.
فخلع عليه الجبة والعمامة والمطرف، وأمر له بعشرة آلاف درهم، فخرج رجل كان حضر عبد اللّه والفرزدق عنده، ورأى ما أعطاه آياه، وسمع ما أمره عمر به من ألا يعرض لأحد، فدخل إلى عمر بن عبد العزيز؛ فأخبره، فبعث إليه عمر: ألم أتقدم إليك يا فرزدق ألا تعرض لأحد بمدح ولا هجاء؟ أخرج، فقد أجلتك ثلاثا، فإن وجدتك بعد ثلاث نكّلت بك؛/ فخرج وهو يقول:
فأجّلني وواعدني ثلاثا ... كاوعدت لمهلكها ثمود [1]
قال: وقال جرير فيه:
نفاك الأغرّ ابن عبد العزيز ... ومثلك ينفى من المسجد
وشبهت نفسك أشقى ثمود ... فقالوا: ضللت ولم تهتد [2]
يهجو من يستكثر عليه الجائزة:
أخبرني [3] حبيب المهلّبي، عن ابن أبي سعد، عن صباح، عن النوفليّ بن خاقان، عن يونس النحويّ قال:
/ مدح الفرزدق عمر بن مسلم الباهلي، فأمر له بثلاثمائة درهم، وكان عمرو بن عفراء الضّبيّ صديقا لعمر، فلامه، وقال: أتعطي الفرزدق ثلاثمائة درهم، وإنّما كان يكفيه عشرون درهما، فبلغه ذلك فقال:
نهيت ابن عفرى أن يعفّر أمّه ... كعفر السّلا إذا جرّرته ثعالبه
وإنّ امرأ يغتابنى لم أطأ له ... حريما فلا ينهاه عنّي أقاربه
كمحتطب يوما أساود هضبة ... أتاه بها في ظلمة الليل حاطبه
ألمّا استوى ناباي وابيضّ مسحلي ... وأطرق إطراق الكرى من أحاربه؟
فلو كان ضبّيّا صفحت ولو سرت ... على قدمي حيّاته وعقاربه
ولكن ديافيّ أبوه وأمه ... بحوران يعصرن السّليط قرائبه
صوت
ومقالها بالنّعف نعف محسّر ... لفتاتها: هل تعرفين المعرضا؟ [4]
ذاك الذي أعطى مواثق عهده ... ألا يخون وخلت أن لن ينقضا
فلئن ظفرت بمثلها من مثله ... يوما ليعترفنّ ما قد أقرضا [5]
الشعر لخالد القسريّ، والناس ينسبونه إلى عمر بن أبي ربيعة، والغناء للغريض، ثقيل أول بالوسطى، عن
__________
[1] مر هذا البيت في غير هذا الموضع.
[2] سبق هذان البيتان أيضا في غير هذا الموضع.
[3] مرت هذه القصة أيضا وسبق معالجة الأبيات الواردة فيها.
[4] مقالها: معطوف على كلام سابق، أو مبتدأ محذوف الخبر، تقديره: وعجيب مقالها ونحو ذلك، والنعف: مكان مرتفع يكون فيه صعود وهبوط، محسر: مكان.
[5] أقرض: أسلف، وفي البيت توعد، أي ليعرفن نتيجة إعراضه ونقضه لعهوده.
الهشامي وابن المكي وحبش. وقبل أن أذكر أخباره ونسبه فإني أذكر الرواية في أنّ هذا الشعر له.
قصة تتعلق بأبيات هذا الصوت:
أخبرنا محمد بن خلف وكيع: قال: أخبرني عبد الواحد بن سعيد، قال: حدثني أبو بشر [1]، محمد بن خالد البجليّ: قال: حدثني أبو الخطّاب بن يزيد بن عبد الرحمن: قال: سمعت أبي يحدث: قال: حدثني مسمع بن مالك بن جحوش البجليّ، قال:
ركب خالد بن عبد اللّه، وهو أمير العراق، وهو يومئذ بالكوفة إلى ضيعته التي يقال لها المكرخة، وهي من الكوفة على أربعة فراسخ، وركبت معه في زورق، فقال لي: نشدتك اللّه يا بن جحوش، هل سمعت غريض مكة يتغنى:
ومقالها بالنّعف نعف محسّر ... لفتاتها: هل تعرفين المعرضا
قل: قلت: نعم، قال: الشعر واللّه لي، والغناء لغريض مكة، وما وجدت هذا الشعر في شيء من دواوين عمر بن أبي ربيعة التي رواها المدنيّون والمكيّون؛ وإنما يوجد في الكتب المحدثة والإسنادات المنقطعة، ثم نرجع الآن إلى ذكره.
فهرس موضوعات الجزء الحادي والعشرون
الموضوع الصفحة
أخبار المنخل ونسبه 5
أخبار أمية بن الأسكر ونسبه 11
نسب عبدة بن الطبيب وأخباره 21
أخبار الأغلب ونسبه 23
أخبار البحتري ونسبه 28
ذكر نتف من أخبار عريب مستحسنة 40
ذكر معقل بن عيسى 65
الأحوص وبعض أخباره 67
ذكر عبد اللّه بن الحسن بن الحسن عليهم السلام ونسبه وأخباره وخبر هذا الشعر 78
أخبار تأبط شرا ونسبه 86
عمرو بن براق 116
أخبار الشنفري ونسبه 118
أخبار الخليل ونسبه 129
أخبار علقمة ونسبه 132
ذكر أبي خراش الهذلي وأخباره 136
أخبار ابن دارة ونسبه 151
أخبار مسعود بن خرشة 163
أخبار بحر ونسبه 165
أخبار هدبة بن خشرم ونسبه 166
نسب الفرزدق وأخباره وذكر مناقضاته 180
الجزء الثاني وعشرون
[تتمة التراجم]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ*
1 - أخبار خالد بن عبد اللّه
نسبه
/ هو خالد بن عبد اللّه بن يزيد بن أسد بن كرز بن عامر بن عبد اللّه بن عبد شمس بن غمغمة بن جرير بن شقّ بن صعب - وشقّ بن صعب هذا هو الكاهن المشهور - بن يشكر بن رهم بن أقزل [1] - وهو سعد الصبح - بن زيد بن قسر ابن عبقر بن أنمار بن إراش بن عمرو بن لحيان بن الغوث بن القرز، ويقال: الفرز بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان ابن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان.
فأما غلبة بجيلة على هذا النسب في شهرته بها فإن بجيلة ليست برجل، إنما هي امرأة قد اختلف في نسبها، فقال ابن الكلبي: يقال لها بجيلة بنت صعب بن سعد العشيرة، تزوجها أنمار بن إراش فولدت له الغوث ووداعة وصهيبة وجذيمة وأشهل وشهلاء وطريفا والحارث ومالكا وفهما وشيبة. قال ابن الكلبي: ويقال: إن بجيلة إمرأة حبشيّة كانت قد حضنت بني أنمار جميعا غير خثعم، فإنه انفرد، فصار قبيلة على حدته، ولم تحضنه بجيلة، واحتج من قال هذا القول بقول شاعرهم [2]:
وما قربت بجيلة منك دوني ... بشيء غير ما دعيت بجيلة [3]
وما للغوث عندك أن نسبنا ... علينا في القرابة من فضيله [4]
ولكنّا وإيّاكم كثرنا ... فصرنا في المحلّ على جديله
جديلة ها هنا موضع لا قبيلة، وهم أهل بيت شرف في بجيلة، لو لا ما يقال في عبد اللّه/ بن أسد؛ فإن أصحاب المثالب ينفونه عن أبيه [5]، ويقولون فيه أقوالا أنا ذاكرها في موضعها من أخبار خالد المذمومة في هذا الموضع من كتابنا - إن شاء اللّه - وعلى ما قيل فيه أيضا؛ فقد كان له [6] ولابنه خالد سؤدد وشرف وجود.
__________
[1] في بعض النسخ: «أفرك» وفي آخر اختلاف في نسبة أفرك هذا عما هو وارد في هذا الأصل.
[2] شاعرهم: شاعر خثعم على ما يبدو.
[3] «ما» من قوله
«غير ما دعيت بجيلة»
مصدرية، أي أنت لا تمت إلى بجيلة بقربى غير مجرد الدعوى، فإنها ليست أمي ولا أمك
[4] الغوث: من أجداد خالد، راجع سلسلة النسب.
[5] في هج: «عن أمه».
[6] ضمير له يعود على عبد اللّه من قوله: «لو لا ما يقال في عبد اللّه».
جده كرز
وكان يقال لكرز كرز الأعنّة، وإياه عنى قيس بن الخطيم بقوله - لما خرج يطلب النصر على الخزرج - :
فإن تنزل بذي النّجدات كرز ... تلاق لديه شربا غير نزر [1]
له سجلان سجل من صريح ... وسجل رثيئة بعتيق خمر [2]
ويمنع من أراد ولا يعايا ... مقاما في المحلة وسط قسر [3]
جده أسد بن كرز
وكان أسد بن كرز يدعى في الجاهلية ربّ بجيلة، وكان ممن حرّم الخمر في جاهليته تنزّها عنها، وله يقول القتّال السّحميّ:
فأبلغ ربّنا أسد بن كرز ... بأنّ النأي لم يك عن تقالي
وله يقول القتّال يعتذر:
فأبلغ ربّنا أسد بن كرز ... بأنّي قد ضللت وما اهتديت
/ وله يقول تأبّط شرّا:
وجدت ابن كرز تستهلّ يمينه ... ويطلق أغلال الأسير المكبّل [4]
جده أسد وبنو سحمة
وكان قوم من سحمة عرضوا لجار لأسد بن كرز، فأطردوا إبلا له، فأوقع بهم أسد وقعة عظيمة في الجاهلية، وتتبعهم حتى عاذوا به، فقال القتّال فيه عدة قصائد يعتذر إليه لقومه، ويستقيله فعلهم [5] بجاره، ولم أذكرها ههنا لطولها، وأنّ ذلك ليس من الغرض المطلوب في هذا الكتاب، وإنما نذكر ها هنا لمعا [6] وسائره مذكور في جمهرة أنساب العرب الذي جمعت فيه أنسابها وأخبارها، وسمّيته كتاب التعديل والانتصاف. ولبني سحمة يقول أسد بن كرز/ في هذه القصة، وكان شاعرا فاتكا مغوارا:
ألا أبلغا أبناء سحمة كلّها ... بني خثعم عني وذلّ لخثعم [7]
__________
[1] شربا: جمع شارب، كسفر وركب.
[2] سجلان: تثنية سجل، وهو الدلو العظيمة، صريح: لبن صريح، الرثيئة: اللبن المحلوب على حامض، فلعله يريد أنه كان يقدم هذا المشروب ممزوجا بالخمر، أو يريد أنه يقدم دلو الرثيئة مملوءا بالخمر لا بالرثيئة، وفي هج. هد «وثيلة» بدل «رثيئة» ولا وجه له، وفي بعض النسخ «ربيلة» والربيلة: الخفض والنعمة، والتخريج على هذا المعنى مقبول.
[3] لا يعايا: من المعاياة بمعنى لا يضار، قسر: بطن من بجيلة، نائب فاعل «معايا» ضمير من أراد، مقاما: تمييز، وفي هج «مقيم» بدل «مقاما» وعليه تكون كلمة «مقيم» نائب فاعل معايا، وفي هد «مقيما» على الحالية من «أراد» نحوى البيت أن كرزا يمنع النزيل، فلا تلحقه مضارة ما دام نازلا وسط قسر.
[4] تستهل يمينه: تجود، مأخوذ من استهل المطر: بمعنى تدفق.
[5] يستقيله فعلهم: يطلب إليه إقالتهم من عقوبة ذنبهم.
[6] لمعا: جمع لمعة: بمعنى بلغة من العيش، شبه بها النتف من الأخبار.
[7] بني خثعم: بدل من أبناء سحمة، وفي الأصل «فتى خثعم» بدل «بني خثعم».
فما أنتم منّي ولا أنا منكم ... فراش حريق العرفج المتضرّم [1]
فلست كمن تزري المقالة عرضه ... دنيئا كعود الدوحة المترنّم [2]
وما جار بيتي بالذليل فترتجى ... ظلامته يوما ولا المتهضّم
وأقزل آبائي وقسر عمارتي ... هما ردّياني عزّتي وتكرّمي
وأحمس يوما إن دعوت أجابني ... عرانين منهم أهل أيد وأنعم [3]
/فمن جار مولى يدفع الضيم جاره ... إذا ضاع جاري يا أميمة أو دمي [4]
وكيف يخاف الضيم من كان جاره ... مع الشمس ما إن يستطاع بسلم
وهي قصيدة طويلة.
ولأسد أشعار كثيرة ذكرت هذه منها هاهنا لأن تعلم إعراقهم في العلم والشعر، وسائرها يذكر في كتاب النسب مع أخبار شعراء القبائل، إن شاء اللّه تعالى.
إسلام جده أسد وابنه يزيد
وأدرك أسد بن كرز الإسلام هو وابنه يزيد بن أسد، فأسلما، فأما أسد فلا أعلمه روى عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وآله رواية كثيرة، بل ما روى شيئا.
وأما يزيد ابنه فروى عنه رواية يسيرة، وذكر جرير بن عبد اللّه خبر إسلامه، حدّث بذلك عنه خالد بن يزيد عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن جرير بن عبد اللّه، قال:
أسلم أسد بن كرز، ومعه رجل من ثقيف، فأهدى إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم قوسا، فقال له: يا أسد، من أين لك هذه النّبعة؟ فقال: يا رسول اللّه تنبت بجبلنا بالسراة، فقال الثّقفيّ: يا رسول اللّه، الجبل لنا أم لهم؟ فقال:
بل الجبل جبل قسر، به سمى أبوهم [5] قسر عبقر. فقال أسد: يا رسول اللّه، ادع لي. فقال: اللهم اجعل نصرك ونصر دينك في عقب أسد بن كرز. وما أدري ما أقول في هذا الحديث، وأكره أن أكذّب [6] بما روي عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، [7] ولكن ظاهر الأمر يوجب أنه [7] لو كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم دعا له بهذا الدعاء لم يكن ابنه مع معاوية بصفّين على عليّ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب صلوات اللّه عليه. ولا كان ابن ابنه خالد يلعنه، على/ المنبر. ويتجاوز ذلك إلى ما ساء ذكره من شنيع أخباره - قبحه اللّه ولعنه - إلا أني أذكر الشيء كما
__________
[1] العرفج: شجر يتخذ منه الوقود، كأنه يقول: بيني وبينكم فراش حريق العرفج المتضرم.
[2] المترنم: من الرنمة، وهي نبات دقيق، يقول: لست ممن تدنس أعراضهم قالة السوء، وليس عرضي حقيرا كعود الشجرة الواهي الدقيق.
[3] عرانين: جمع عرنين: السيد الشريف، الأيد: القوة والبطش.
[4] دمي: الدم الذي أطلبه في ثأر ونحوه، وفي الأصل كان المصراع الثاني من هذا البيت مع المصراع الأول من البيت التالي، وكان المصراع الثاني من البيت التالي مكانه، وهو خطأ.
[5] في الأصل بدل «أبوهم» «ابراهيم» وهو تحريف.
[6] في هج: «و أكره أن أكذب من روى عن ... الخ».
(7 - 7) تكملة من «هج».
روي، ومن قال على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وآله ما لم يقل فقد تبوّأ مقعده من النار. كما وعده عليه السلام.
منافرة بين جده جريد وقضاعة
وكان جرير بن عبد اللّه نافر [1] قضاعة، فبلغ ذلك أسد بن عبد اللّه، وكان بينه وبينه - أعني جريرا - تباعد، فأقبل في فوارس من قومه ناصرا لجرير ومعاونا له ومنجدا، فزعموا أن أسدا لما أقبل في أصحابه، فرآه جرير، ورأى أصحابه في السلاح ارتاع، وخافه، فقيل له: هذا أسد جاءك ناصرا لك، فقال جرير: ليت لي بكل بلد ابن عم عاقّا مثل أسد، فقال جعدة بن عبد اللّه الخزاعي يذكر ذلك من فعل أسد:
تدارك ركض المرء من آل عبقر ... جريرا وقد رانت عليه حلائبه [2]
فنفّس واسترخى به العقد بعد ما ... تغشّاه يوم لا توارى كواكبه [3]
/وقاك ابن كرز ذو الفعال بنفسه ... وما كنت وصّالا له إذ تحاربه
إلى أسد يأوي الذليل ببيته ... ويلجأ إذ أعيت عليه مذاهبه
فتى لا يزال الدهر يحمل معظما ... إذا المجتدى المسؤول ضنّت رواجبه [4]
جده يزيد يروي حديثا
وأما يزيد بن أسد فقد ذكرت إسلامه وقدومه مع أبيه على النبي صلى اللّه عليه وسلم، وقد روي عنه أيضا حديثا ذكره هشيم بن بشر الواسطيّ عن سنان بن أبي الحكم قال:
سمعت خالد بن عبد اللّه القسريّ، وهو على المنبر يقول:
/ حدثني أبي عن جدّي يزيد بن أسد، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: يا يزيد، أحبب للناس ما تحبّه لنفسك. وخرج يزيد بن أسد في أيام عمر بن الخطاب في بعوث المسلمين إلى الشام، فكان بها، وكان مطاعا في اليمن عظيم الشأن.
جده يزيد يخف لنصرة عثمان وخطبة جده يزيد في صفين
ولما كتب عثمان إلى معاوية حين حصر يستنجده بعث معاوية إليه بيزيد بن أسد في أربعة آلاف من أهل الشام، فوجد عثمان قد قتل. فانصرف إلى معاوية، ولم يحدث شيئا، ولما كان يوم صفّين قام في الناس فخطب
__________
[1] نافره: خاصمه وفاخره.
[2] الركض: العدو السريع، رانت عليه: غلبت عليه، والضمير يعود على المرء لا على جرير، والمراد أنه غلب عليه لبن الرضاع، فتدارك ذا رحمه، على ما بينهما من شقاق.
[3] نفس: تنفس، والفاعل ضمير جرير، توارى: أصله تتوارى، وكنى بقوله: لا توارى كواكبه عن طول الليل، وكنى بطويل الليل عن الهم والأرق.
[4] الرواجب: أصول الأصابع، معظما: عظيما من الأعطية والديّات ونحوها، ضنت رواجبه: بخلت يده: وفي الأصل المجدول بدل المسؤول، والمثبت من هد، هج.
خطبة مذكورة، حرضهم فيها. فذكر من روى عنه خبره في ذلك الموضع أنه قام وعليه عمامة خزّ سوداء، وهو متكى ءّ على قائم سيفه، فقال بعد حمد اللّه تعالى والصلاة على نبيه صلى اللّه عليه وسلم: وقد كان من قضاء اللّه جل وعز أن جمعنا وأهل ديننا في هذه الرقعة من الأرض، واللّه يعلم أني كنت لذلك كارها، ولكنهم لم يبلعونا ريقنا، ولم يدعونا نرتاد لديننا وننظر لمعادنا، حتى نزلوا في حريمنا وبيضتنا [1]. وقد علمنا أنّ بالقوم حلماء وطغاما. فلسنا نأمن طغامهم على ذرارينا ونسائنا، وقد كنا لا نحب أن نقاتل أهل ديننا، فأحرجونا حتى صارت الأمور إلى أن يصير غدا قتالنا حميّة، فإنا للّه وإنا إليه راجعون، والحمد للّه رب العالمين، والذي بعث محمدا بالحق لوددت أنّي متّ قبل هذا، ولكن اللّه تبارك وتعالى إذا أراد أمرا لم يستطع العباد ردّه، فنستعين باللّه العظيم، ثم انكفأ.
خمول أبيه عبد اللّه وخنوثته منذ نشأته
ولم تكن لعبد اللّه بن يزيد نباهة من ذكرت من آبائه، وأهل المثالب يقولون: إنه دعيّ، وكان مع عمرو بن سعيد الأشدق على شرطته أيام خلافة عبد الملك بن مروان، فلما قتل عمرو هرب حتى سألت اليمانية عبد الملك فيه لما أمّن الناس عام الجماعة، فأمّنه، ونشأ خالد بن عبد اللّه بالمدينة، وكان في حداثته يتخنّث، ويتتبع المغنين والمخنثين ويمشي بين عمر بن أبي ربيعة وبين النساء في رسائلهن إليه وفي رسائله إليهن، وكان يقال له خالد الخرّيت [2] /فقال مصعب الزبيري: كل ما ذكره عمر بن أبي ربيعة في شعره، فقال: أرسلت الخرّيت أو قال:
أرسلت الجريّ [3] فإنما يعني خالدا القسريّ، وكان يترسل بينه وبين النساء.
يظلل بن أبي ربيعة وعشيقته
أخبرني بذلك الحرميّ ومحمد بن مزيد وغيرهما، عن الزبير، عن عمه، وأخبرني عمي: قال: حدثني الكراني، عن العمريّ، عن الهيثم بن عديّ، قال:
بينما عمر بن أبي ربيعة ذات يوم يمشي ومعه خالد بن عبد اللّه القسري، وهو خالد الخزاعي الذي يذكره في شعره إذا هما بأسماء وهند اللتين كان عمر يشبّب بهما، وهما يتماشيان فقصداهما، وجلسا معهما مليّا، فأخذتهم السماء، ومطروا، فقام خالد وجاريتان المرأتين، فظلّلوا عليهم بمطرفة [4] وبردين له، حتى كفّ المطر، وتفرقوا، وفي ذلك يقول عمر بن أبي ربيعة:
/أفي رسم دار معك المترقرق ... سفاها وما استنطاق ما ليس ينطق؟
بحيث التقى جمع ومفضى محسّر ... معالم قد كادت على الدهر تخلق [5]
ذكرت بها ما قد مضى من زماننا ... وذكرك رسم الدّار مما يشوّق
__________
[1] البيضة: الحوزة والحمى.
[2] الخريت: الدليل الماهر في أمر الدلالة.
[3] الجري: الرسول، أو الوكيل.
[4] المطرفة: رداء من خز مربع فيه أعلام.
[5] محسر: اسم مكان، وفي هد «فنان» «بدل» «معالم» وبها يختل الوزن، نخلق: تبلى.
مقاما لنا عند العشاء ومجلسا ... لنا لم يكدّره علينا معوّق
وممشى فتاة بالكساء يكنّها ... به تحت عين برقها يتألّق [1]
يبلّ أعالي الثوب قطر وتحته ... شعاع بدا يعشي العيون ويشرق [2]
فأحسن شيء بدء أول ليلة ... وآخرها حزن إذا نتفرق
/ الغناء في هذه الأبيات لمعبد خفيف ثقيل أول بالسبابة والوسطى عن يحيى المكي؛ وذكر الهشامي أنه منحول.
هو وابن أبي عتيق يستنجزان ابن أبي ربيعة وعده
أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال: حدثني أبو العباس المروزيّ، قال: حدثنا ابن عائشة قال:
حضر ابن أبي عتيق عمر بن أبي ربيعة يوما وهو ينشد قوله:
ومن كان محروبا لإهراق دمعة ... وهي غربها فليأتنا نبكه غدا [3]
نعنه على الإثكال إن كان ثاكلا ... وإن كان محزونا وإن كان مقصدا [4]
قال: فلما أصبح ابن أبي عتيق أخذ معه خالدا الخرّيت، وقال: قم بنا إلى عمر، فمضيا إليه، فقال له ابن أبي عتيق: قد جئنا لموعدك، وأي موعد بيننا؟ قال: قولك.
فليأتنا نبكه غدا.
قد جئناك لموعدك، واللّه لا نبرح أو تبكي إن كنت صادقا في قولك، أو ننصرف على أنّك غير صادق، ثم مضى وتركه [5].
قال ابن عائشة: خالد الخريت هو خالد القسري.
يجمع بين ابن أبي ربيعة ومعشوقاته
أخبرنا علي بن صالح بن الهيثم: قال: حدثنا أبو هفّان عن إسحاق، وأخبرنا محمد بن مزيد، عن حماد، عن أبيه، عن الحزاميّ والمثّنى ومحمد بن سلام، قالوا:
خرجت هند والرّباب إلى متنزّه لهما بالعقيق في نسوة فجلستا هناك تتحدثنا مليّا، ثم أقبل إليهما خالد القسريّ، وهو يومئذ غلام مؤنث، يصحب المغنّين والمخنّثين، ويترسّل بين عمر بن أبي ربيعة وبين النساء. فجلس إليهما. فذكرتا عمر بن أبي ربيعة،/ وتشوقتاه، فقالتا لخالد: يا خرّيت - وكان يعرف بذلك - لك عندنا حكمك إن
__________
[1] ممشى: معطوف على «مقاما ومجلسا» يكنها: يسترها، يريد أن الكساء يستر جسمها لا عينها الشبيهة بالبرق المتألق.
[2] سكن ياء (أعالي) لضرورة الشعر، يعشي العيون: يجعلها لا تبصر، وفي هد:
«يغشي العيون»
[3] الغرب: مسيل الدمع من العيون، وفي هد:
«و من كان محزونا لإهراق دمعة»
نبكه - بفتح النون أو ضمها - بمعنى تبكي بدله أو نجعله يبكي، كلا الوجهين مقبول.
[4] المقصد: من أقصد فلان فلانا. طعنه فلم يخطىء مقاتله.
[5] كان السياق يقتضي «ثم مضيا وتركاه».
جئتنا بعمر بن أبي ربيعة من غير أن يعلم أنا بعثنا بك إليه، فقال: أفعل فكيف تريان أن أقول له؟ قالتا: تؤذنه [1] بنا، وتعلمه أنا خرجنا في سرّ منه، ومره أن يتنكر، ويلبس لبسة الأعراب، ليرانا في أحسن صورة، ونراه في أسوإ حال، فنمزح بذلك معه، فجاء خالد إلى عمر، فقال له: هل لك في هند والرباب وصواحبات لهما قد خرجن إلى العقيق على حال حذر منك وكتمان لك أمرهما [2]؟ قال: واللّه إني إلى لقائهن لمشتاق، قال: فتنكر، والبس لبسة الأعراب، وهلمّ نمض إليهن، ففعل ذلك عمر، ولبس ثيابا جافية، وتعمّم عمّة الأعراب، وركب قعودا له على رحل غير جيد، وصار إليهن، فوقف منهن قريبا، وسلّم، فعرفنه، فقلن: هلمّ إلينا يا أعرابيّ، فجاءهن، وأناخ قعوده، وجعل يحدثهن، وينشدهن، فقلن له: يا أعرابي: ما أظرفك، وأحسن إنشادك! فما جاء بك إلى هذه الناحية؟ قال:
جئت أنشد ضالّة لي، فقالت له هند: انزل إلينا، واحسر عمامتك عن وجهك، فقد عرفنا ضالّتك، وأنت الآن تقدّر أنّك قد احتلت علينا، ونحن واللّه احتلنا عليك وبعثنا إليك بخالد/ الخرّيت، حتى قال لك ما قال، فجئتنا على أسوإ حالاتك، وأقبح ملابسك، فضحك عمر، ونزل إليهن، فتحدّث معهن، حتى أمسوا، ثم إنهم تفرقوا، ففي ذلك يقول عمر بن أبي ربيعة:
صوت
ألم تعرف الأطلال والمتربّعا ... ببطن حليّات دوارس بلقعا [3]
إلى السّرح من وادي المغمّس بدّلت ... معالمه وبلا ونكباء زعزعا [4]
/فيبخلن أو يخبرن بالعلم بعد ما ... نكأن فؤادا كان قدما مفجّعا [5]
لهند وأتراب لهند إذ الهوى ... جميع وإذ لم نخش أن يتصدّعا
في هذه الأبيات ثقيل أول لمعبد:
تبالهن بالعرفان لمّا رأينني ... وقلن امرؤ باغ أكلّ وأوضعا [6]
وقرّبن أسباب الهوى لمتيّم ... يقيس ذراعا كلمّا قسن إصبعا
كان جده عبدا آبقا
أخبرني الحسن بن علي، قال: حدثنا أحمد بن الحارث، عن المدائني، وذكر مثل ذلك أبو عبيدة معمر بن المثنى:
__________
[1] تؤذنه: تعلمه.
[2] أمرهما: مفعول للمصدر «كتمان».
[3] حليات: جمع حلية، وهي ما ابيض من يبس النصي، وهو نبت سبط من أجود المراعي، وفي هج؛ «حليات» - بالحاء المعجمة - «دوارس بلقعا» حالان من الأطلال لا صفتان لحليات، وفي هج: «ألم تسأل» بدل «ألم تعرف».
[4] في هج: «السفح» بدل «السرح»، المغمس: مكان. النكباء. الزعزع: الريح العاتية.
[5] نكأن فؤادا: من نكأ الجرح، قشرة قبل أن يبرأ، فدمي.
[6] تبالهن: تظاهرن بالبله، أكل: أرهق دابته، أوضع: أسرع بدابته حتى أنهكها، والمراد أنهن تظاهرن بعدم معرفته، وقلن؛ أعرابي أجهده السير، وأجهد راحلته.
أنّ كرز بن عامر جدّ خالد بن عبد اللّه عبد كان آبقا عن مواليه عبد القيس من هجر، ويقال: إن أصله من يهود تيماء، وكان أبق [1]، فظفرت به عبد شمس فكان فيهم عند غمغمة بن شقّ الكاهن، ثم وهبوه لقوم من بني طهيّة، فكان عندهم حتى أدرك، وهرب، فأخذته بنو أسد بن خزيمة، فكان فيهم، وتزوج مولاة لهم يقال لها زرنب، ويقال: إنها كانت بغيّا، فأصابها، فولدت له أسد بن كرز، سماه باسم أسد بن خزيمة لرقّة [2] كانت فيهم، ثم أعتقوه، ثم إن نفرا من أهل هجر مرّوا به، فعرفوه، فلما رجعوا إلى هجر أخذوا فداءه، وصاروا إلى مواليه فاشتروه وابنه فلم يزل فيهم، حتى خرج معهم في تجارة إلى الطائف، فلما رأى دار بجيلة أعجبته، فاشترى نفسه وابنه، فجاء، فنزل فيهم، فأقام مدة، ثم ادّعى [3] إليهم وعاونه على ذلك حيّ من أحمس يقال لهم:/ بنو منبّة [4]، فنفاهم أبو عامر ذو الرقعة - سمّي بذلك لأن عينه أصيبت. فكان يغطيها بخرقة - وهو ابن عبد شمس بن جوين بن شقّ، فنزل كرز في بني سحمة هاربا من ذي الرّقعة، ثم وثب على ابن عم للقتّال بن مالك السّحميّ فقتله، وهرب إلى البحرين مع التجار، فأقام مدة، ثم مات، ونشأ ابنه يزيد بن أسد يدّعي في بجيلة، ولا تلحقه إلى أن مات، ونشأ ابنه عبد اللّه بن يزيد، ثم مضى إلى حبيب بن مسلمة الفهري، وكتب له، وكان كاتبا مفوّها، وذلك في إمارة عثمان بن عفان.
ابوه خطيب الشيطان
فنال حظا وشرفا، وكان يقال له: خطيب الشيطان، ووسم [5] خيله: القسريّ، ثم تدسّس ليملك خيلا [6] في بلاد قسر، فمنعته بجيلة ذلك أشدّ المنع، فلم يقدر [7] عليه، حتى عظم أمره، ونشأ ابنه خالد، ومات هو، فكان خالد في مرتبته، ثم ولي العراق، وقال قيس بن القتال له في هذا المعنى:
ومن سمّاك باسمك يا بن كرز؟ ... وأين المولد المعروف تدري؟ [8]
وقال بجير بن ربيعة السّحميّ:
نفته من الشّعبين قسر بعزّها ... إلى دار عبد القيس نفى المزنّم [9]
__________
[1] أبق يأبق - من باب ضرب وعلم - هرب يهرب.
[2] كذا في النسخ، ولعل الصواب «لرفه كان فيهم» بدل «لرقة كانت فيهم».
[3] ادعى: انتسب.
[4] في بعض النسخ «منبه» بدل «منية» وفي بعضها «أمية».
[5] وسم خيله القسرى: وضع عليها علامة قبيلة قسر، ويبدو أن القبائل كانت تسم الخيل بما يميز خيل كل قبيلة عن خيل سواها.
[6] في هد. هج: ليملك أرضا.
[7] لعلها «تقدر» أو «يقدروا» «بدل» «يقدر» ولا مانع أن تكون «يقدر» بالبناء للمجهول، والمراد - كما يبدو - أنه استطاع أن يمتلك الخيل أو الأرض على رغم منع بجيلة له من ذلك.
[8] في رواية:
«و أين المولد المعرف أنى؟»
[9] المزنم: الدعي في قوم ليس منهم.
بين أبيه وأبي موسى بن نصير
/ قال أبو عبيدة: وكان بين عبد اللّه بن يزيد بن أسد بن كرز وبين أبي موسى بن نصير كلام عند عبد الملك بن مروان. فقال له عبد اللّه: إنما أنت عبد لعبد القيس، فقال: اسكت،/ فقد عرفناك إن لم تعرف نفسك، فقال له عبد اللّه: أنا ابن أسد بن كرز، نحن الذين نضمن الشّهر [1]، ونطعم الدهر، فقال له: تلك قسر، ولست منهم، وإنّما أنت عبد آبق، قد كنت أراك تروم مثل ذلك، فلا تقدر عليه، ثم [2] نفاه جرير بن عبد اللّه إلى الشام، فأقام بها مدة، ثم مضى إلى حبيب، فقال له: دع ذكر البحرين لفرارك، أتراك منهم وأنت عبد، وأهلك من يهود تيماء فأسكتهما عبد الملك، ولم يسرّه ما قال عبد اللّه لأبي موسى بن نصير، لأنه كان على شرطة عمرو بن سعيد يوم قتله، فقال في ذلك أبو موسى بن نصير:
جاريت غير سئوم في مطاولة ... يا بن الوشائط من أبناء ذي هجر [3]
لا من نزار ولا قحطان تعرفكم ... سوى عبيد لعبد القيس أو مضر
تتوارث أسرته الكذب كابرا عن كابر
وقال أبو عبيدة: فأخبرني عبد اللّه بن عمر بن زيد الحكمي قال:
كان يزيد بن أسد يلقب خطيب الشيطان، وكان أكذب الناس في كل شيء معروفا بذلك، ثم نشأ ابنه عبد اللّه فسلك منهاجه في الكذب، ثم نشأ خالد ففاق الجماعة إلا أن رياسة وسخاء كانا فيه سترا ذلك من أمره.
قال عمر بن زيد: فإني لجالس على باب هشام بن عبد الملك إذ قدم إسماعيل بن عبد اللّه أخو خالد بخبر المغيرة بن سعد وخروجه بالكوفة، فجعل يأتي بأحاديث أنكرها، فقلت له: من أنت يا بن أخي؟ قال إسماعيل بن عبد اللّه/ بن يزيد القسريّ. فقلت: يا بن أخي. لقد أنكرت ما جرى حتى عرفت نسبك [4]. فجعل يضحك.
يطلب على المنبر أن يطعموه ماء
أخبرني اليزيديّ، عن سليمان بن أبي شيخ، عن محمد بن الحكم، وذكره أبو عبيدة - واللفظ له - قالا:
كان خالد بن عبد اللّه من أجبن الناس، فلما خرج عليه المغيرة عرف ذلك وهو على المنبر، فدهش وتحيّر، فقال: أطعموني ماء، فقال الكميت في ذلك، ومدح يوسف بن عمر:
__________
[1] لعله يريد نضمن شهر السيوف عند الحرب، أو نضمن شهر اسم من نريد رفعته.
[2] كان سياق الكلام يقتضى أن يقول: ثم نفاك ... الخ بكاف الخطاب، ولكن على الرواية التي بين أيدينا ينبغي أن نعيد ضمير نفاه إلى كلمة عبد من قوله: «أنت عبد آبق» وقد يكون في العبارة خرم.
[3] الوشائط: الدخلاء ينتمون إلى قوم ليسوا منهم.
[4] يريد أنه إذا عرف السبب بطل العجب، فهو من أسرة يجري الكذب في دمائها.
خرجت لهم تمشي البراح ولم تكن ... كمن حصنه فيه الرّتاج المضبّب [1]
وما خالد يستطعم الماء فاغرا ... بعدلك والداعي إلى الموت ينعب [2]
أولى كذبات ابن الكلبي
وقال ابن الكلبي: أول كذبة كذبتها في النسب أن خالد بن عبد اللّه سألني عن جدته أم كرز، وكانت أمة بغيّا لبني أسد يقال لها: زرنب. فقلت له: هي زينب بنت عرعرة بن جذيمة بن نصر بن قعين، فسرّ بذلك، ووصلني.
بنو أسد ينكرونه:
قال: قال خالد ذات يوم لمحمد بن منظور الأسدي: يا أبا الصباح، قد ولدتمونا، فقال: ما أعرف فينا ولادة لكم، وإن هذا لكذب. فقيل له: لو أقررت للأمير بولادة ما ضرّك، قال: أأفسد وأستنبط [3] ما ليس مني، وأقرّ بالكذب/ على قومي؟ فأمر خالد خداشا الكنديّ - وكان عامله - بضرب مولى لعبّاد بن إياس الأسدّي، فقتله، فرفع إلى خالد، فلم يقده، فوثب عبّاد على خداش فقتله، وقال:
لعمري لئن جارت قضية خالد ... عن القصد ما جارت سيوف بني نصر
يتطاول على السماء
فأخبرني الحسن بن عليّ قال: حدثنا أحمد بن الحارث، قال: حدثنا المدائني، عن سحيم بن حصين قال:
قتل خداش الكنديّ رجلا من بني أسد، وكان الكنديّ عاملا لخالد القسري، فطولب بالقود، وهو على دهلك/ [4]، فقال: واللّه لئن أقدت من عاملي لأقيدنّ من نفسي، ولئن أقدت من نفسي ليقيدن أمير المؤمنين من نفسه، ولئن أقاد أمير المؤمنين من نفسه، ليقيدنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من نفسه ولئن أقاد رسول اللّه من نفسه هاه هاه! [5] يعرّض باللّه عز وجل، لعنة اللّه على خالد.
أمه نصرانية بظراء
أخبرني الحسن: قال: حدثنا الخراز، عن المدائني، عن عيسى بن يزيد وابن جعدبة وأبي اليقظان، قالوا:
كانت أم خالد رومية نصرانية، فبنى لها كنيسة في ظهر قبلة المسجد الجامع بالكوفة، فكان إذا أراد المؤذن في المسجد أن يؤذن ضرب لها بالناقوس، وإذا قام الخطيب على المنبر رفع النصارى أصواتهم بقراءتهم.
أعشى همدان يفحش في هجائه
فقال أعشى همدان يهجوه، ويعيّره بأمه - وكان الناس بالكوفة إذا ذكروه في ذلك الوقت قالوا: ابن البظراء،
__________
[1] البراح: البين الواضح، فهو مفعول مطلق، أي تمشي المشي البراح. والرتاج المضبب: غلق الباب المصنوع من الحديد، يريد أنه خرج لأعدائه سافرا، ولم يتحصن بحصن مغلق.
[2] العدل - بكسر العين - المعادل، يقول له؛ لم تكن كخالد حين استطعم الماء عند ما سمع بنبأ الإغارة عليه.
[3] في هد، هج «و أستليط من ليس مني» بدل «و أستنبط» وهي رواية أدق، واستلاطه: ادعى بنوته زورا.
[4] الدهلك: جزيرة بين اليمن وأرض الحبشة، أو واحد الدهالك: آكام سوداء معروفة بجزيرة العرب، وليس كلا المعنيين مناسبا هنا، ورواية هد، هج، وهو على «المنبر» بدل «الدهلك».
[5] هاه هاه: حكاية لضحك الضاحك.
فأنف من ذلك، فيقال: إنه ختن أمه وهي كارهة، فعيّره الأعشى بذلك حين يقوله - :
/لعمرك ما أدري وإني لسائل ... أبظراء أم مختونة أمّ خالد
فإن كانت الموسى جرت فوق بظرها ... فما ختنت إلا ومصّان قاعد [1]
يرى سوأة من حيث أطلع رأسه ... تمرّ عليها مرهفات الحدائد
وقال أيضا فيه، يرميه بالّلواط:
ألم تر خالدا يختار ميما ... ويترك في النّكاح مشقّ صاد [2]
ويبغض كلّ آنسة لعوب ... وينكح كلّ عبد مستقاد [3]
ألا لعن الإله بني كريز ... فكرز من خنازير السواد [4]
يكره مضر، ويسب علي بن أبي طالب
قال المدائني في خبره: وأخبرني ابن شهاب بن عبد اللّه قال: قال لي خالد بن عبد اللّه القسري:
اكتب لي النسب فبدأت بنسب مضر فمكثت فيه أياما، ثم أتيته. فقال: ما صنعت؟ فقلت: بدأت بنسب مضر وما أتممته. فقال: اقطعه - قطعه اللّه مع أصولهم - واكتب لي السيرة، فقلت له: فإنه يمّر بي الشيء من سير علي بن أبي طالب - صلوات اللّه عليه - فأذكره، فقال: لا، إلا أن تراه في قعر الجحيم [5]. لعن اللّه خالدا ومن ولاه، وقبحهم، وصلوات اللّه على أمير المؤمنين [6]:
من مظاهر زندقته وانحرافه
وقال أبو عبيدة: حدثني أبو الهذيل العلّاف، قال:
صعد خالد القسري المنبر، فقال: إلى كم يغلب باطلنا حقّكم، أما آن لربكم أن يغضب لكم؟ وكان زنديقا، أمه نصرانية، فكان يولّي النصارى والمجوس على المسلمين، ويأمرهم بامتهانهم وضربهم، وكان أهل الذمة يشترون الجواري المسلمات ويطئونهن، فيطلق لهم ذلك، ولا يغيّر [7] عليهم.
__________
[1] مصان: يقال للرجل: يا مصان، وللمرأة يا مصانة، مرادا بكل منهما أنه يمص بظر أمه، وعلى هذه الرواية يكون ثمة إقواء في البيت الثاني، ورواية هد:
«فما ختنت الا بمصان قاعد»
وهي رواية سليمة تضع عن البيت وزر الإقواء، وعلى كل فالمراد بالمصان هنا خالد نفسه بدليل قوله في البيت التالي
«يرى سوأة من حيث أطلع رأسه»
يريد الأعشى أن الحجام حين استأصل بظر أم خالد كان خالد يراقب عملية استئصال ذلك البظر الذي كان يمصه، ويرى السوأة التي أطلعت رأسه يوم ولادته.
[2] يكنى بالميم عن الاست، لأن حلقتها مستديرة، وبالصاد عن فرج المرأة لأن حلقته مستطيلة وفي هج: «و يكره» بدل «و يترك».
[3] مستقاد: تابع مقود، وفي الأصل «مستفاد» وهو تصحيف، والمثبت من هج.
[4] كريز: تصغير كرز جد خالد، والسواد، اسم يطلق على العراق.
[5] يريد ألا يذكر شيئا عنه إلا أن يراه في قعر الجحيم، فيذكر ذلك.
[6] لعن اللّه ... الخ من كلام أبي الفرج، ويبدو فيه تشيعه، ولعل لهذا التشيع أثرا في تلك الحملة الشعواء التي شنها على خالد بن عبد اللّه القسري.
[7] كذا بالأصل، ولعل أصل العبارة «و لا يغيره عليهم» أو «و لا يغار عليهن».
وقال المدائني: كان خالد يقول: لو أمرني أمير المؤمنين نقضت الكعبة حجرا حجرا، ونقلتها إلى الشام.
قال: ودخل عليه فراس بن جعدة بن هبيرة وبين يديه نبق، فقال له، العن عليّ بن أبي طالب ولك بكل نبقة دينار ففعل فأعطاه بكل نبقة دينارا.
قال المدائني: وكان له عامل يقال له: خالد بن أميّ [1]. وكان يقول: واللّه لخالد بن أميّ أفضل أمانة من علي ابن أبي طالب صلوات اللّه عليه.
وقال له [2] يوما: ايّما أعظم ركيتنا [3] أم زمزم؟ فقال له: أيها الأمير: من يجعل الماء العذب النّقاخ [4] مثل الملح الأجاج؟ وكان يسمي زمزم أم الجعلان [5].
بينه وبين الفرزدق
أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي، قال: حدثنا أبو غسّان دماذ، عن أبي عبيدة، قال:
أتى الفرزدق خالد بن عبد اللّه القسري، يستحمله في ديات حملها، فقال له: إيه/ يا فرزدق، كأني بك قد قلت: آتي الحائك بن الحائك، فأخدعه عن ماله إن أعطاني، أو أذمّه إن منعني. فأنا حائك ابن حائك. ولست أعطيك شيئا. فأذممني كيف شئت، فهجاه الفرزدق بأشعار كثيرة منها:
ليتني من بجيلة اللؤم حتى ... يعزل العامل الذي بالعراق
فإذا عامل العراقين ولّي ... عدت في أسرة الكرام العتاق [6]
قال: وإنما أراد خالد بقوله: الحائك بن الحائك تصحيح نسبه في اليمن، والانتفاء من العبودية لأهل هجر.
يتطاول على الخليفة وابنه فيعزله
وكان خالد شديد العصبية على مضر. وبلغ هشاما أنه قال: ما ابني يزيد بن خالد بدون مسلمة بن هشام، فكان ذلك سبب عزله إياه عن العراق.
يتطاول على مقام النبوة
قال: وخطب بمكة وقد أخذ بعض التابعين، فحبسه في دور آل الحضرمي، فأعظم الناس ذلك وأنكروه، فقال: قد بلغني ما أنكرتم من أخذي عدوّ أمير المؤمنين ومن حاربه، واللّه لو أمرني أمير المؤمنين أن أنقض هذه الكعبة حجرا حجرا لنقضتها، واللّه لأمير المؤمنين أكرم على اللّه من أنبيائه عليهم السلام، ولعن اللّه تعالى خالدا وأخزاه.
__________
[1] في بعض النسخ «خالد بن العي» وفي بعضها «خالد بن آهي».
[2] قال له: قال خالد الوالي لخالد عامله.
[3] الركية: البئر غير مطوية.
[4] النقاخ: الماء العذب الصافي البارد.
[5] الجعلان: جمع جعل - كزفر - وهو حيوان كالخنفساء يكثر في الأماكن الندية.
[6] رواية هد:
«عدت في أسرتي»
وهي أجود.
أخبرني أبو عبيدة الصيّرفيّ، قال: حدّثنا الفضل بن الحسن المصريّ، قال: حدّثني عمر بن شبّة، قال:
حدّثني عبيد اللّه بن حباب، قال: حدثني عطاء بن مسلم قال: قال خالد بن عبد اللّه، وذكر النبي صلى اللّه عليه وسلم، فقال:
/ أيّما أكرم [1] عندكم على الرجل: رسوله في حاجته أو خليفته في أهله؟ يعرّض بأنّ هشاما خير من النبي صلى اللّه عليه وسلم.
يوازن بين إبراهيم الخليل والخليفة
قال أبو عبيدة: خطب خالد يوما، فقال: إن إبراهيم خليل اللّه استسقى ماء، فسقاه اللّه ملحا أجاجا، وإن أمير المؤمنين استسقى اللّه ماء، فسقاه اللّه عذبا نقاخا [2]، وكان الوليد حفر بئرا بين ثنيّة ذي طوى وثنيّة الحجون، فكان خالد ينقل ماءها، فيوضع في حوض إلى جنب زمزم. ليرى الناس فضلها. قال: فغارت تلك البئر، فلا يدرى أين هي إلى اليوم؟
ينال من علي بن أبي طالب
أخبرني أبو الحسن الأسديّ: قال: حدثنا العباس بن ميمون طايع، عن ابن عائشة، قال:
كان خالد بن عبد اللّه زنديقا، وكانت أمه رومية نصرانية وهبها عبد الملك لأبيه. فرأى يوما عكرمة، مولى ابن عباس، وعلى رأسه عمامة سوداء، فقال: إنه بلغني أنّ هذا العبد يشبه عليّ بن أبي طالب صلوات اللّه عليه وسلامه، وإني لأرجو أن يسوّد اللّه وجهه كما سوّد وجه ذاك.
قال: حدثني من سمعه، وقد لعن عليّا - صلوات اللّه عليه وسلامه - فقال في ذكره: عليّ بن أبي طالب بن عم محمد بن عبد اللّه بن عبد المطلب، وزوج ابنته فاطمة، وأبو الحسن والحسين، هل كنّيت [3]. اللهم العن خالدا واخزه، وجدّد على روحه العذاب.
اسماعيل بن خالد يسب بني أميّة في مجلس السفاح
وقال أبو عبيدة: ذكر إسماعيل بن خالد بن عبد اللّه القسريّ بني أمية عند أبي العباس/ السفاح في دولة بني هاشم، فذمهم وسبهم، وقال له حمّاس [4] الشاعر مولى عثمان بن عفان: يا أمير المؤمنين: أيسبّ بني عمك وعمّالهم وعماتك رجل اجتمع هو والخرّيت في نسب؟ إن بني أمية لحمك ودمك، فكلهم ولا تؤكّلهم [5]. فقال له:
صدقت. وأمسك إسماعيل فلم يحر جوابا.
__________
[1] كأنه يعتقد أن الخليفة خليفة اللّه، ونسي أن الخليفة خليفة رسول اللّه، وعليه فلا مجال للمقارنة.
[2] النقاخ: الماء العذب الصافي البارد.
[3] استفهام انكاري: يريد به أنه عرف عليا بجميع أدوات التعريف، حتى لا تخطئه اللعنة.
[4] كذا بالأصل، وفي بعض الأصول جماس - بالجيم المعجمة وتشديد الميم - ولعل هذا وذاك محرفان عن الجماز الشاعر المعروف.
[5] يريد أن يقول له: تول أنت بيدك عقوبتهم، ولا تلك ذلك إلى غيرك، على حد قول الشاعر:
فإن كنت مأكولا فكن أنت اكلي ... وإلا فأدركني ولما أمزق
وقد تمثل بهذا البيت الخليفة عثمان بن عفان في خطاب بعث به إلى علي بن أبي طالب، يستعديه فيه على الثائرين عليه.
سليمان يضربه مائة سوط
وقال ابن الكلبي: كان خالد بن عبد اللّه أميرا على مكة فأمر رأس الحجبة أن يفتح له الباب [1] وهو ينظر، فأبى فضربه مائة سوط. فخرج الشّيبيّ [2] إلى سليمان بن عبد/ الملك يشكوه فصادف الفرزدق بالباب، فاسترفده [3].
فلما أذن للناس، ودخلا شكا الشيبيّ ما لحقه من خالد، ووثب الفرزدق، فأنشأ يقول:
سلوا خالدا لا أكرم اللّه خالدا ... متى وليت قسر قريشا تدينها [4]
أقبل رسول اللّه أم ذاك بعده! ... فتلك قريش قد أغثّ سمينها [5]
رجونا هداه لا هدى اللّه خالدا ... فما أمّه بالأم يهدى جنينها
فحمي سليمان وأمر بقطع يد خالد، وكان يزيد بن المهلّب عنده، فما زال/ يفدّيه [6]، ويقّبل يده، حتى أمر بضربه مائة سوط، ويعفى عن يمينه، فقال الفرزدق في ذلك:
لعمري لقد صبّت على ظهر خالد ... شآبيب ما استهللن من سبل القطر [7]
أيضرب في العصيان من كان طائعا ... ويعصي أمير المؤمنين أخو قسر؟ [8]
فنفسك لم فيما أتيت فإنما ... جزيت جزاء بالمحدرجة السّمر [9]
وأنت ابن نصرانيّة طال بظرها ... غذتك بأولاد الخنازير والخمر
فلو لا يزيد بن المهلّب حلّقت ... بكفك فتخاء إلى الفرخ في الوكر [10]
لعمري لقد صال ابن شيبة صولة ... أرتك نجوم الليل ظاهرة تسري [11]
يحبس الفرزدق
فحقدها خالد على الفرزدق فلما ولّي، وحفر نهر العراق [12] بواسط قال فيه الفرزدق أبياتا يهجوه منها:
وأهلكت مال اللّه في غير حقّه ... على النّهر المشؤوم غير المبارك
__________
[1] يريد برأس الحجبة رأس حجبة الكعبة، وبالباب باب الكعبة.
[2] الشيبي: نسبة إلى بني شيبة الذين كانوا يقومون بسدانة الكعبة.
[3] استرفده: استعان به.
[4] تدينها: تخضعها، وتذلها، وفي هج: «تهينها» بدل «تدينها».
[5] أغث سمينها: هزل ما كان سمينا من إبلها وشاتها.
[6] يفديه: يقول له: جعلني اللّه فداءك.
[7] الشآبيب: جميع شؤبوب، وهو الدفعة من المطر. السبل: المطر.
[8] يريد أن خالدا يضرب الطائعين، ويعصي هو. وفي «المختار»:
«أيضرب في الإسلام»
[9] المحدرجة السمر: السياط.
[10] الفتخاء: العقاب اللينة الجناحين، يريد: لو لا يزيد لقطعت يدك، فالتقطتها عقاب لينة الجناحين، وجعلت منها غذاء لفرخها في وكره.
[11] يريد أن هذه الصولة أرقتك، فجعلت تراقب النجوم في مساريها.
[12] في هد، هج: «و حفر نهار المبارك بالعراق».
وتضرب أقواما صحاحا ظهورهم ... وتترك حقّ اللّه في ظهر مالك [1]
/و قال، ويقال: إنها للمفرج بن المرقع [2].
كأنك بالمبارك بعد شهر ... يخوض غماره نقع الكلاب [3]
كذبت خليفة الرحمن عنه ... وكيف يرى الكذوب جزا الكذاب [4]
فأخذ خالد الفرزدق، فحبسه، واعتل عليه بهجائه إياه في حفر المبارك، فقال الفرزدق في السجن:
أبلغ أمير المؤمنين رسالة ... فعجّل هداك اللّه نزعك خالدا [5]
بنى بيعة فيها الصّليب لأمّه ... وهدّم من بغض الإله المساجدا
فبعث هشام إلى خالد بن سويد [6] يأمره بإطلاق الفرزدق، فأطلقه، فقال الفرزدق يهجو خالدا القسريّ:
ألا لعن الرحمن ظهر مطية ... أتتنا تخطّى من بعيد بخالد [7]
وكيف يؤمّ المسلمين وأمّه ... تدين بأنّ اللّه ليس بواحد؟
ابن عيّاش يشتمه
أخبرنا الحسن، قال: حدثنا أحمد بن الحارث، قال: حدثنا المدائني، قال:
شتم عبد اللّه بن عيّاش الهمذانيّ خالد بن عبد اللّه في أيام منصور بن جمهور، فسمعه رجل من لخم، فقدّمه إلى منصور واستعداه عليه، فقال له منصور: ما تريد؟
/ فقال ابن عيّاش: أمرنا أيها الأمير برقية العقرب. وفيه [8] عجب، لخميّ يستنصر كلبيّا على همذانيّ لبجليّ دعيّ.
يدل على هشام
وقال المدائني/ في خبره: كان خالد بن عبد اللّه قريبا من هشام بن عبد الملك مكينا عنده فأدلّ، وتمرّغ [9] عليه، حتى إنه التفت يوما إلى ابنه يزيد بن خالد عند هشام، فقال له: كيف بك يا بنيّ إذا احتاج إليك بنو أمير
__________
[1] تقدم هذان البيتان في «ترجمة الفرزدق».
[2] في بعض النسخ: «المريع».
[3] نقع الكلاب: جيف الكلاب المنقوعة في الماء، وفي هج، هد: «بقع الكلاب».
[4] في هد، هج «و سوف» «بدل» «و كيف» جزا: مقصور جزاء، الكذاب: الكذب.
[5] تقدم هذان البيتان أيضا في ترجمة الفرزدق.
[6] ابن سويد مفعول «بعث» وفي «نسخة»: فبعث هشام إلى خالد رسولا».
[7] تقدم البيتان أيضا في «ترجمة الفرزدق»، وفي هد، هج «من دمشق» بدل «من بعيد». وفي الكامل: «تهادي» بدل «تخطي».
[8] في العبارة التواء، ونرجح أن قوله: «و فيه عجب» تحريف «و الرقية عجب» ويقصد بالعقرب خالدا، وبالرقية الأسجاع التالية، اللخمي هو الواشي، والكلي هو منصور بن جمهور، والهمذاني هو المتكلم، أي الذي شتم خالدا، والبجلي الدعي هو خالد، والكلام مسوق مساق التهكم.
[9] تمرغ عليه: تلبث عنده، وأطال الترداد عليه.
المؤمنين؟ قال: أواسيهم ولو في قميصي. فتبين الغضب في وجه هشام [1]، واحتملها.
يلقب هشاما بابن الحمقاء
قال المدائني: حدثني بذلك عبد الكريم مولى هشام: إنه كان واقفا على رأس هشام، فسمع هذا من [2] خالد، قال: وكان [3] إذا ذكر هشام قال له: ابن الحمقاء فسمعها رجل من أهل الشام، فقال لهشام: إن هذا البطر الأشر الكافر لنعمتك ونعمة أبيك وإخوتك يذكرك بأسوأ الذكر، فقال: ما ذا يقول؟ لعله يقول: الأحول قال: لا واللّه، ولكن ما لا تنشق به الشفتان قال: فلعله قال: ابن الحمقاء، فأمسك الشامي، فقال: قد بلغني كل ذلك عنه.
يستغل نفوذه فيتضاعف دخله
واتخذ خالد ضياعا كثيرة حتى بلغت غلّته عشرة آلاف ألف درهم، فدخل عليه دهقان كان يأنس به فقال له:
إن الناس يحبون جسمك، وأنا أحبّ جسمك/ وروحك، قد بلغت غلّة ابنك أكثر من عشرة آلاف ألف سوى غلّتك [4]، وإن الخلفاء لا يصبرون على هذا، فاحذر، فقال له خالد: إن أخي أسد بن عبد اللّه قد كلمني بمثل هذا، أفأنت أمرته؟ قال: نعم، قال: ويحك! دعه، فربّ يوم كان يطلب فيه الدرهم، فلا يجده.
كان بخيلا بطعامه
وقال المدائني في خبره: كان خالد بن عبد اللّه بخيلا على الطعام، فوفد إليه رجل له به حرمة، فأمر أن يكتب له بعشرة آلاف درهم [5]، وحضر الطعام، فأتي به، فأكل أكلا منكرا، فأغضبه، وقال للخازن: لا تعرض عليّ صكّه، فعرّفه الخازن ذلك، فقال له: ويحك! فما الحيلة؟ قال: تشتري غدا كل ما يحتاج إليه في مطبخه، وتهب الطبّاخ دراهم، حتى لا يشتري شيئا، وتسأله إذا أكل خالد أن يقول له: إنك اليوم في ضيافة فلان، فاشترى كل ما أراد، حتى الحطب، فبلغ خمسمائة درهم، فأكل خال؛ فأستطاب ما صنع له. فقال له الطبّاخ: إنك كنت اليوم في ضيافة فلان، قال له: وكيف ذاك؟ فأخبره، فاستحيا خالد ودعا بصكّه، فصيّره ثلاثين ألفا، ووقع فيه، وأمر الخازن بتسليمها إليه.
حيلة يحتالها تاجر عليه
قال: وكان لبعض التجار على رجل دين، فأراد استعداء خالد عليه، فلاذ الرجل ببواب خالد، وبره، فقال له: سأحتال لك في أمر هذا بحيلة، لا يدخله عليه أبدا، قال: فافعل، فلما جلس خالد للأكل أذن البواب للتاجر فدخل، وخالد يأكل سمكا، فجعل يأكل أكلا شنيعا كثيرا، فغاظ ذلك خالدا، فلمّا خرج قال/ لبوابه: فيم أتاني هذا؟ قال: يستعدي على فلان في دين يدعيه عليه. قال: واللّه إني لأعلم أنه كاذب، فلا يدخلنّ عليّ. وتقدّم إلى صاحب الشرطة بقبض يده عن صاحبه [6].
__________
[1] سبب الغضب أن السؤال يؤذن بحاجة بني أمية وزوال ملكهم.
[2] هذا: هذا الخبر، ونرجح أن «من» هنا تحريف عن، أي سمع رواية الشامي لهذه القصة.
[3] عبارة هج: «و كان إذا ذكر هشام قال: ما قال لكم ابن الحمقاء؟».
[4] في هج: «قد بلغت غلتك أكثر من عشرة آلاف ألف سوى غلة ابنك».
[5] في هج: «بعشرين ألف درهم».
[6] في هد، هج «بأن يقبض يده عن خصمه» ولعل المراد أنه خلى بين التاجر والمدين، ومنع الشرطة أن تحمي الثاني من الأول.
وقال المدائين في خبره:
خبير بلغة الحمير
كان خالد يوما يخطب على المنبر. وكان لحنة، وكان له مؤدب يقال له: الحسين بن رهمة [1] الكلبيّ، وكان يجلس بإزائه، فإذا شك في شيء أومأ إليه، وكان لخالد صديق من تغلب زنديق يقال له زمزم، فلما قام يخطب على المنبر قام إليه التغلبي في وسط خطبته، وقال: قد حضرتني مسألة، قال: ويحك! أما ترى الشيطان عينه في عيني، يعني حسينا، قال: لا بد واللّه منها، قال: هاتها، قال: أخبرني، قلمسان [2] إذا ساف [3]، ثم رفع رأسه وكرف [4] أيّ شيء يقول؟ قال: أراه يقول: ما أطيبه يا رباه، قال: صدقت ما كان ليستشهد على هذا سوى ربه.
رأيه في حفظة القرآن
قال المدائني: وقال خالد يوما على المنبر: هذا كما قال اللّه عز وجل: أعوذ باللّه من/ الشيطان الرجيم ثم أرتج عليه، فقال للتغلبي: قم فافتح عليّ يا أبا زمزم سورة كذا وكذا، فقال: خفّض عليك أيها الأمير، لا يهولنّك ذلك، فما رأيت قط عاقلا حفظ القرآن، وإنما يحفظه الحمقى من الرجال، قال: صدقت، يرحمك اللّه.
يهب المغنية للقصاص
وقال المدائنيّ: حدّثني أبو يعقوب الثقفيّ، قال:
قال خالد بن عبد اللّه للعريان: يا عريان، أعجزت عن الشّرط، حتى أولّي/ غيرك! فإن الغناء قد فشا وظهر قال: لم أعجز، وإن شئت فاعزلني، فقال له: خذلى المغّنيات، فأحضره خمسا منهن أو ستّا، فأدخلهنّ إليه، فنظر إلى واحدة منهن بيضاء دعجاء؛ كأنّها أشربت ماء الذهب، فدعا لها بكرسيّ، فجلست. ثم قال لها: اين البربط [5] الذي كانت تضرب به؟ فأحضر، ثم سوّته، فغنت:
إلى خالد حتّى أنخن بخالد ... فنعم الفتى يرجى ونعم المؤمّل
فقال: اعدلي عن هذا إلى غيره، فغنّت:
أروح إلى القصّاص كل عشيّة ... أرجّى ثواب اللّه في عدد الخطا
قال: وأقبل قاصّ المصر. فقال له خالد: أكانت هذه تروح إليك؟ قال: لا، وما مثلها يروح إليّ، قال: خذ بيدها فهي لك، ومولاها بالباب، فسأل عنها فقيل: وهبها للقاصّ، فتحمّل [6] عليه بأشراف الكوفة، فلم يرددها، حتى اشتراها منه بمائتي دينار.
__________
[1] في بعض النسخ: دهمة.
[2] كذا بالأصل، والذي في هج وهد: أخبرني عن الحمار إذا ساف وكرف، ثم رفع رأسه، وكرف، أي شي يقول؟» وليس بين أيدينا من المعاجم ما يفيد أن كلمة «قلمسان» تطلق على الحمار أو غيره.
[3] ساف: شم.
[4] كرف الحمار وغيره: شم بول الأتان، ثم رفع رأسه، وقلب جحفلته.
[5] البربط - كجعفر - العود، وهو لفظ معرب عن «بر»، «بط» بمعنى صدر الإوز، لأن شكل العود يشبه شكل صدر الأوز.
[6] تحمل: توسل.
هشام يضيق به ذرعا فيقرعه:
وقال المدائنيّ؛ قال خالد في خطبته: واللّه ما إمارة العراق ممّا يشرفني، فبلغ ذلك هشاما، فغاظه جدّا، وكتب إليه:
بلغني يا بن النّصرانية أنك تقول: إن إمارة العراق ليست مما يشرفك، صدقت واللّه، ما شيء يشرفك، وكيف تشرف وأنت دعيّ إلى بجيلة القبيلة القليلة الذليلة، أما واللّه إني لأظنّ أن أول ما يأتيك ضغن من قيس [1]، فيشد يديك إلى عنقك.
هشام ينكل به تنكيلا
وقال المدائني: حدثني شبيب بن شيبة عن خالد بن صفوان بن الأهتم/ قال: لم تزل أفعال خالد به [2]، حتى عزله هشام، وعذّبه، وقتل ابنه يزيد بن خالد، فرأيت في رجله شريطا قد شدّ به، والصبيان يجرونه، فدخلت إلى هشام يوما، فحدثته، وأطلت، فتنفس. ثم قال: يا خالد، ربّ خالد كان أحبّ إليّ قربا، وألذّ عندي حديثا منك، قال: يعني خالدا القسري، فانتهزتها، ورجوت أن أشفع له فتكون لي عند خالد يد، فقلت: يا أمير المؤمنين، فما يمنعك من استئناف الصنيعة عنده؟ فقد أدّبته بما فرط منه، فقال: هيهات، إن خالدا أوجف [3] فأعجف، وأدلّ [4] فأملّ، وأفرط في الإساءة فأفرطنا في المكافأة، فحلم الأديم [5]، ونغل الجرح [6]، وبلغ السيل الزّبى [7] والحزام الطّبيين [8]، فلم يبق فيه مستصلح، ولا للصنيعة عنده موضع، عد إلى حديثك.
عود إلى تخنثه ودورانه في فلك عمر بن أبي ربيعة
فأمّا أخباره في تخنثه وإرسال عمر بن أبي ربيعة إياه إلى النساء، فأخبرني به عليّ بن صالح بن الهيثم عن أبي هفّان، عن إسحاق بن إبراهيم الموصلي، عن عثمان بن إبراهيم الحاطبي، وأخبرني الحرميّ بن أبي العلاء، قال:
حدثني الزبير بن بكر، قال:/ حدثني محمد بن الحارث بن سعد السعيدي، عن إبراهيم بن قدامة الحاطبيّ، عن أبيه، واللفظ لعلي بن صالح في خبره، قالا [9]: قال الحاطبي:
أتيت عمر بن أبي ربيعة بعد أن نسك بسنين، فانتظرته في مجلس قومه، حتى إذا تفرق القوم دنوت منه، ومعى صاحب لي، فقال لي صاحبي: هل لك في أن/ تريغه [10] عن الغزل، فنظر هل بقي منه شيء عنده؟ فقلت
__________
[1] ضغن: حاقد عليك من قيس الذين لا تفتأ تنال منهم.
[2] متعلق الجار والمجرور محذوف، تقديره «عالقة» أو مزرية به، أو نحو ذلك.
[3] لعله يريد بقوله: «أوجف فأعجف» أسرع في الإساءة، وتمادى فيها، فأصاب منزلته عندنا بالهزال والعجف.
[4] أدل فأمل، أكثر من الإدلال، فسبب لنا السامة والإملال.
[5] الأديم: الجلد، حلم: كثر دوده، حتى تثقب وفسد.
[6] نغل الجرح: تعفن، وفسد.
[7] الزبى: جمع زبية، وهي الربوة لا يصل اليها الماء، فإذا وصل إليها كان ذلك نذيرا بخطر السيل، وجملة «بلغ السيل الزبى» مثل يضرب عند تفاقم الخطر، وبلوغه مداه.
[8] الطبي - بضم الطاء وكسرها - حلمة ثدي الناقة ونحوها، وجملة «جاوز الحزام الطبيين: كسابقتها تضرب مثلا في تفاقم الأمر، وبها تمثل عثمان بن عفان في خطابه إلى علي بن أبي طالب، حينما استعداه على الثائرين عليه».
[9] ضمير «قالا» لعلي بن صالح والحرمي بن أبي العلاء.
[10] تريغه: من أراغه عن الأمر وعليه: طلبه منه.
له: دونك. فقال: يا أبا الخطاب أحسن واللّه ريسان العذرى - قاتله اللّه - قال: وفيم أحسن؟ قلت: حيث يقول:
لو جزّ بالسيف رأسي في مودّتها ... لمال لا شك يهوي نحوها رأسي
فقال: نعم أحسن، فقلت: يا أبا الخطاب، وأحسن واللّه تحيّة بن جنادة العذريّ، قال: في ماذا؟ قلت: حيث يقول:
سرت لعينيك سلمى بعد مغفاها ... فبتّ مستوهنا من بعد مسراها
فقلت: أهلا وسهلا من هداك لنا ... إن كنت تمثالها أو كنت إيّاها
وفي رواية الزبير خاصة:
تأتي الرياح من نحو أرضكم ... حتى أقول: دنت منّا بريّاها
وقد تراخت بها عنّا نوّى قذف ... هيهات مصبحها من بعد ممساها [1]
من حبّها أتمنّى أن يلاقيني ... من نحو بلدتها ناع فينعاها
كيما أقول: فراق لا لقاء له ... وتضمر اليأس نفسي ثم تسلاها
/ ولو تموت لراعتني وقلت لها: ... يا بؤس للدهر ليت الدهر أبقاها
ويروى.
لراعتني منيّتها ... وقلت يا بؤس ليت الدهر أبقاها
فضحك عمر ثم قال: يا ويحه أحسن واللّه، لقد هيجتما عليّ ما كان ساكنا مني فلأ حدّثنكما حديثا حلوا: بينا أنا أوّل أعوامي جالس إذا بخالد الخريت قال: مررت بأربع نسوة قبيل [2]، يردن ناحية كذا وكذا من مكة، لم أر مثلهن قط، فيهن هند، فهل لك أن تأتيهن متنكرا فتسمع من حديثهن، ولا يعلمن؟ فقلت: وكيف لي بأن يخفى ذلك؟ قال: تلبس لبسة الأعراب، ثم تقعد على قعود، كأنك تنشد ضالة، فلا يشعرن حتى تهجم عليهن، قال:
فجلست على قعود. ثم أتيتهنّ فسّلمت عليهن، فآنسنني، وسألنني أن أنشدهن، فأنشدتهن لكثيّر وجميل وغيرهما، وقلن: يا أعرابي، ما أملحك، لو نزلت، فتحدثت معنا يومنا هذا، فإذا أمسيت انصرفت، فأنخت قعودي، وجلست معهن، فحدثتهن، وأنشدتهن، فدنت هند، فمدّت يدها، فجذبت عمامتي، فألقتها عن رأسي، ثم قالت: تاللّه لظننت أنك خدعتنا، نحن واللّه خدعناك، أرسلنا إليك خالدا الخرّيت في إتياننا بك على أقبح هيئتك، ونحن على أحسن هيئتنا. ثم أخذن بنا في الحديث، فقالت إحداهن: يا سيدي لو رأيتني [3] منذ أيام، وأصبحت عند أهلي، فأدخلت رأسي/ في جيبي، فنظرت إلى حرى، فرأيته ملء العسّ والقسّ [4] فصحت: يا عمراه! فصحت [5]: لبيك
__________
[1] قذف: بعيدة تتقاذف بمن تصيبه، مصبح وممسى: مصدران ميميان، أو اسما مكان أو زمان من أصبح وأمسى، وفي هد، هج
«هيهات مصبحها عنا وممساها»
[2] قبيل: متشابهات.
[3] في هد «لقد رأيتني» بضم التاء.
[4] العس: القدح الكبير، أما القس فلا مكان له هنا، ونرجح أنهما تحريف «العين والنفس».
[5] تاء «صحت» الأولى ضمير المرأة المتحدثة، وتاء «صحت» الثانية ضمير ابن أبي ربيعة.
لبيك، ولم أزل معهن في أحسن وقت إلى أن أمسينا، فتفرقنا، عن أنعم عيش، فذلك حين أقول:
ألم تعرف الأطلال والمتربّعا ... ببطن حليّات دوارس بلقعا [1]
وذكر الأبيات.
انقضت أخبار خالد لعنة اللّه عليه أبدا.
صوت
أنائل ما رؤيا زعمت رأيتها ... لنا عجب لو أنّ رؤياك تصدق
أنائل ما للعيش بعدك لذة ... ولا مشرب نلقاه إلا مرنّق [2]
/أنائل إنّي والذي أنا عبده ... لقد جعلت نفسي من البين تشفق
لعمرك إن البين منك يشوقني ... وبعض بعاد البين والنأي أشوق
الشعر لصخر بن الجعد الخضريّ.
أخبرنا بذلك محمد بن مزيد، عن الزبير بن بكار أن عمه أنشده هذه القصيدة لصخر بن الجعد الخضري، وأنا أذكرها بعقب أخبار صخر. ومن الناس من يروي هذه الأبيات لجميل، ولم يأت ذلك من وجه يصحّ، والزبير أعلم بأشعار الحجازيين.
والغناء لعريب خفيف ثقيل عن الهشامي، وفيه لابن المكي ثقيل أول بالوسطى عن عمرو.
__________
[1] مضى هذا البيت وما بعده في حديث سابق، كما مضى الحديث كله في هذه الترجمة نفسها مع اختلاف في الرواية.
[2] مشرب مرنق: مشوب غير صاف.
2 - أخبار صخر بن الجعد ونسبه
نسبه
صخر بن الجعد الخضريّ، والخضر ولد مالك بن طريف بن محارب بن خصفة بن قيس بن عيلان بن مضر، وصخر أحد بني جحاش بن سلمة بن ثعلبة بن مالك بن طريف، قال: وسمّي ولد مالك بن طريف الخضر لسوادهم، وكان مالك شديد الأدمة [1]. وخرج ولده إليه فقيل لهم الخضر، والعرب تسمي الأسود الأخضر.
ابن ميادة يترفع عن مهاجاته
وهو شاعر فصيح من مخضرمي الدولتين الأموية والعباسية، وقد كان يعرض لابن ميادة لمّا انقضى ما بينه وبين حكم [2] الخضريّ من المهاجاة، ورام أن يهاجيه، فترفّع ابن ميّادة عنه.
أخبرني بخبره عليّ بن سليمان الأخفش، عن هارون بن محمد بن عبد الملك الزيات، عن الزبير بن بكار مجموعا، وأخبرني بأخبار له متفرقة الحرميّ بن أبي العلاء، عن الزبير بن بكار.
وحدثني بها غيرهما من غير رواية الزبير، فذكرت كلّ شيء من ذلك مفردا، ونسبته إلى راويه.
قصته مع محبوبته كأس
قال الزبير فيما رواه هارون عنه:
حدثني من أثق به عن عبد الرحمن بن الأحول بن الجون قال:
كان صخر بن الجعد مغرما بكأس بنت بجير بن جندب، وكان يشبب بها، فلقيه أخوها وقّاص، وكان شجاعا، فقال له: يا صخر، إنك تشبب [3] بابنة عمك، وشهرتها، ولعمري ما بها عنك مذهب؛ ولا لنا عنك مرغب، فإن كانت لك فيها حاجة فهلم أزوّجكها، وإن لم تكن لك فيها حاجة فلا أعلمن ما عرضت لها/ بذكر، ولا أسمعنّه منك. فأقسم باللّه لئن فعلت ذلك ليخالطنّك سيفي، فقال له: بل واللّه إن لي لأشدّ الحاجة إليها، فوعده موعدا وخرج صخر لموعده، حتى نزل بأبيات القوم، فنزل منزل الضيف، فقام وقّاص فذبح، وجمع أصحابه.
وأبطأ صخر عنهم، فلما رأى ذلك وقّاص بعث إليه: أن هلمّ لحاجتك، فأبطأ [4]، ورجع الرسول فقال مثل قوله [5]،
__________
[1] الأدمة: السواد.
[2] في هج «الحكم» بدل «حكم».
[3] في بعض النسخ: إنك نسبت «بدل» إنك تشبب، وهذه الرواية أنسب.
[4] ضمير «أبطأ» يصح أن يكون عائدا على صخر، وعلى الرسول.
[5] في العبارة التواء فلم يتقدم مرجع لضمير «قوله».
فغضب. وعمد إلى رجل من الحيّ ليس يعدل بصخر، يقال له حصن، وهو مغضب لما صنع، فحمد اللّه وأثنى عليه، وزوّجه كأس، وافترق القوم، ومروا بصخر، فأعلموه تزويج كأس بحصن، فرحل عنهم من تحت الليل، واندفع يهجوها بالأبيات التي قذفها فيها فيما قذفها، وذلك قوله حين يقول:
وأنكحها حصنا ليطمس حملها ... وقد حملت من قبل حصن وجرّت
أي زادت على تسعة أشهر، قال: وترافع القوم إلى المدينة، وأميرها يومئذ طارق مولى عثمان، قال: فتنازعوا إليه.
ومعهم يومئذ رجل يقال له حزم، وكان من أشد الناس على صخر شرّا. قال: وفيه يقول صخر:
/كفى حزنا لو يعلم النّاس أنّني ... أدافع كأسا عند أبواب طارق [1]
أتنسين أياما لنا بسويقة ... وأيامنا بالجزع جزع الخلائق
ليالي لا نخشى انصداعا من الهوى ... وأيام حزم عندنا غير لائق [2]
/إذا قلت لا تفشي حديثي تعجرفت ... زيادا لودّ ها هنا غير صادق [3]
قال: فأقاموا عليه البيّنة بقذف كأس، فضرب الحدّ، وعاد إلى قومه، وأسف على ما فاته من تزويج كأس، فطفق يقول فيها الشعر.
مطولته في كأس
قال الزبير: فأنشدني عمّي وغيره لصخر قوله:
لقد عاود النفس الشقيّة عيدها ... نعم إنّه قد عاد نحسا سعودها [4]
وعاوده من حبّ كأس ضمانة ... على النأي كانت هيضة تستقيدها [5]
وأنى ترجّيها وأصبح وصلها ... ضعيفا وأمست همّه لا يكيدها [6]
وقد مرّ عصر وهي لا تستزيدني ... لما استودعت عندي ولا أستزيدها
فما زلت حتى زلّت النعل زلّة ... برجلك في زوراء وعث صعودها [7]
ألا قل لكأس إن عرضت لبيتها ... فأين بكا عيني وأين قصيدها؟
__________
[1] يريد بالمدافعة المقاضاة، وتنوين «كأسا» ليس ضرورة، فهو مؤنث ثلاثي ساكن الوسط يجوز تنوينه ومنعه من الصرف.
[2] يريد حزما عدوه الذي تقدمت الإشارة اليه، و «حزم» مرفوع على الابتداء، وأيام مضافة إلى الجملة بعدها.
[3] تعجرفت: تكبرت، زيادا: مفعول لأجله، أي تكبرت لتزيد ودا بيننا غير صادق، وفي هد، هج: «ديارا» بدل «زيادا» ولا معنى له.
[4] العيد هنا: ما يعتاد الأنسان.
[5] الضمانة: العلة، الهيضة: المرض بعض المرض، فاعل «تستقيدها» ضمير كأس، يريد أن كأسا تأخذ القود منه، وتثأر لنفسها بما أصابته به من علة بعد علة.
[6] أمست همه لا يكيدها، أي أمست كأس وليس من همه أن يضمر لها كيدا.
[7] زوراء: أرض بعيدة، وعث صعودها: من وعث الطريق وعثا: تعسر سلوكه، يريد أنه كان مع كأس على وفاق، حتى زلت به النعل زلة لا إقالة منها.
لعل البكا يا كأس إن نفع البكا ... يقرّب دنيانا لنا فيعيدها
وكانت تناهت لوعة الودّ بيننا ... فقد أصبحت يبسا وأذبل عودها [1]
/و يروى: وقد ذاء عودها يقال: ذبل وذأى وذوى بمعنى واحد.
ليالي ذات الرمس لا زال هيجها ... جنوبا ولا زالت سحاب تجودها [2]
وعيش لنا في الدهر إذ كان قلبه ... يطيب لديه بخل كأس وجودها [3]
تذكّرت كأسا إذ سمعت حمامة ... بكت في ذرا نخل طوال جريدها
دعت ساق حرّ فاستجبت لصوتها ... مولّهة لم يبق إلا شريدها [4]
فيا نفس صبرا كلّ أسباب واصل ... ستنمي لها أسباب هجر تبيدها
قال أبو الحسن الأخفش:
ستنمي لها أسباب صرم تبيدها أجود.
وليل بدت للعين نار كأنها ... سنا كوكب للمستبين خمودها [5]
فقلت: عساها نار كأس وعلّها ... تشكّى فأمضي نحوها وأعودها [6]
فتسمع قولي قبل حتف يصيدني ... تسرّ به أو قبل حتف يصيدها
كأن لم نكن يا كأس إلفى مودة ... إذ الناس والأيام ترعى عهودها
من شعره في تجواله
أخبرني عبد اللّه بن مالك النحوي، قال: حدثنا محمد بن حبيب، قال:
لما ضرب صخر بن الجعد الحدّ لكأس، وصارت إلى زوجها ندم على ما فرط منه،/ واستحيا من الناس للحدّ الذي ضربه، فلحق بالشام، فطالت غيبته بها، ثم عاد فمرّ بنخل كان لأهله ولأهل كأس، فباعوه، وانتقلوا إلى الشام، فمر بها صخر ورأى المبتاعين لها يصرمونها [7]، فبكى عند ذلك بكاء شديدا، وأنشأ يقول:
__________
[1] في هد، هج «زرعة» بدل «لوعة» والمعنى يستقيم على روايتها.
[2] ليالي مضاف إلى الجملة بعدها، ذات الرمس: مكان. الهيج: الريح، يقول: إن زرعة الود كانت تناهت بينهما ليالي كانت تهب الريح فيها جنوبا، وكانت السحاب تمطر فيها، والسحاب يذكر ويؤنث.
[3] عيش: معطوف على «ذات الرمس».
[4] ساق حر: ذكر القماري، وفي رواية «فاستحثت» وفي الأصل «فاستحث» وفي هد: «فاستجبت» وهذا هو الذي نرجحه، يريد أن الحمامة دعت القمري فاستجبت أنا لندائها حال كونها مولهة ... الخ.
[5] وليل واورب، ورابط جملة الخبر محذوف، تقديره بدت العين نار فيه. وفي هج «لا تستبين» بدل «للمستبين» أي أنها نار لا ترى العين لها خمودا، بل هي متقدة دائما.
[6] رفع «أمضى وأعود» لضرورة الشعر، فالقياس النصب.
[7] صرم النخلة: جذها.
مررت على خيمات كأس فأسبلت ... مدامع عيني والرياح تميلها
/ وفي دارهم قوم سواهم فأسبلت ... دموع من الأجفان فاض مسيلها
كذاك الليالي ليس فيها بسالم ... صديق ولا يبقى عليها خليلها
وقال وهو بالشام:
ألا ليت شعري هل تغيّر بعدنا ... عن العهد أم أمسى على حاله نجد؟
وعهدي بنجد منذ عشرين حجّة ... ونحن بدنيا ثمّ لم نلقها بعد
به الخوصة الدهماء تحت ظلالها ... رياض بها الحوذان والنّفل الجعد [1]
قال: ومرّ على غدير كانت كأس تشرب منه ويحضره أهلها ويجتمعون عليه، فوقف طويلا عليه يبكي وكان يقال لذلك الغدير جنان فقال صخر:
بليت كما يبلى الرّداء ولا أرى ... جنانا ولا أكناف ذروة تخلق [2]
ألوّى حيازيمي بهنّ صبابة ... كما تتلوّى الحيّة المتشرّق [3]
تموت كأس فيرثيها
أخبرني عبد اللّه بن مالك، عن محمد بن حبيب، قال: قال السّعيديّ [4]: حدثني سبرة مولى يزيد بن العوّام، قال:
/ كان صخر بن الجعد المحاربي خدنا لعوّام بن عقبة، وكان عوّام يهوى امرأة من قومه، يقال لها: سوداء، فماتت، فرثاها، فلما سمع صخر بن الجعد المرثية، قال: وددت أن أعيش حتى تموت كأس، فأرثيها، فماتت كأس، فقال:
على أمّ داود السلام ورحمة ... من اللّه يجري كلّ يوم بشيرها
غداة غدا الغادون عنها وغودرت ... بلمّاعة القيعان يستنّ مورها [5]
وغيّبت عنها يوم ذاك وليتني ... شهدت فيحوى منكبيّ سريرها [6]
ويروى: فيعلو منكبي.
__________
[1] الخوص: ورق النخل والمقل والنار جبل وما شاكلها، الحوذان: نبات عشبي، النفل: نبت طيب الرائحة أصفر الزهر، وفي الأصل «بقل» وهو تصحيف.
[2] جنان، وذروة: مكانان.
[3] الحيزوم: الصدر أو وسطه، الحية المتشرق: التي تحاول الدف ء عند شروق الشمس.
[4] في هج: «السعدي» بدل «السعيدي».
[5] لمّاعة القيعان: فلاة يلمع السراب أو البرق في زمانها، يستن: يسرع، المور: الغبار تطير به الرياح كل مطار.
[6] يكنى بقوله: يحوي منكبي سريرها» عن احتضانها أو حملها إلى القبر، ويؤيد المعنى الثاني رواية «فيعلو» التي أشار اليها المؤلف، وهي أجود.
نزت كبدي لما أتاني نعيّها ... فقلت: أدان صدعها فمطيرها؟ [1]
أمير المؤمنين يسأل عن قائل شعره
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء، قال: حدثني الزبير، قال: حدثني خالد بن الوضاح قال:
قال عبد الأعلى بن عبيد بن محمد بن صفوان الجمحيّ لعبد اللّه بن مصعب: سألني أمير المؤمنين اليوم في موكبه: من الذي يقول:
ألا يا كأس قد أفنيت شعري ... فلست بقائل إلا رجيعا؟ [2]
ولم أدر لمن الشعر؟ فقال عبد اللّه بن مصعب: هو لصخر الخضريّ، وأنشد باقي الأبيات، وهي:
/ترجّى أن تلاقي آل كاس ... كما يرجو أخو السّنة الربيعا [3]
فلست بنائم إلا بحزن ... ولا مستيقظا إلا مروعا
فإنّك لو نظرت إذا التقينا ... إلى كبدي رأيت بها صدوعا
من شعره حينما ندم على عدم زواجها
قال ابن حبيب في رواية عبد اللّه بن مالك: لما زوّجت كأس جزع صخر بن الجعد لما فرط منه وندم وأسف، وقال في ذلك:
هنيئا لكأس قطعها الحبل بعد ما ... عقدنا لكأس موثقا لا نخونها
وإشماتها الأعداء لمّا تألّبوا ... حواليّ واشتدّت عليّ ضغونها
/ فإن حراما أن أخونك ما دعا ... بيليل قمريّ الحمام وجونها [4]
وقد أيقنت نفسي لقد حيل دونها ... ودونك لو يأتي بيأس يقينها [5]
ولكن أبت لا تستفيق ولا ترى ... عزاء ولا مجلود صبر يعينها [6]
لو انّا إذ الدّنيا لنا مطمئّنة ... دحا ظلّها ثم ارجحنّت غصونها [7]
__________
[1] في رواية «برت» بدل «نزت» وفي أخرى «أدام» بدل «أدان» وهي أجود، مطيرها: اسم فاعل من أطار، والنعي - بالتشديد - كالنعي - بالتخفيف.
[2] في الأصل
«فلست بنائل بالا رجيعا»
وهو تحريف
«فلست بقائل الا رجيعا»
ويعني ذلك قوله أفنيت شعري.
[3] السنة هنا: الجدب والمحل.
[4] يليل - بياءين مثناتين - اسم موضع، الجون: جمع جوناء، وهي الناقة السوداء، والمعنى: لن أخونك ما ناح الحمام، أو أرزمت الإبل بهذا المكان، وفي النسخ اضطراب كثير في هذا البيت.
[5] لو هنا للتمني لا شرطية: يتمنى لو أن يقينه بالحيلولة بينه وبينها أراح قلبه باليأس منها وسلوة حبها.
[6] مجلود: من جلده على الأمر: أكرهه عليه، وإضافة «مجلود» إلى «صبر» من إضافة الموصوف إلى الصفة، أي الصبر الذي أكره نفسي عليه.
[7] دحا الظل: استرخى وامتد، ارجحنت: تمايلت.
لهونا ولكنا بغرّة عيشنا ... عجبنا لدنيانا فكدنا نعينها [1]
/و كنا إذا نحن التقينا وما نرى ... لعينين إلا من حجاب يصونها [2]
أخذنا بأطراف الأحاديث بيننا ... وأوساطها حتى تملّ فنونها [3]
تراه كأس في النوم
قال ابن حبيب: أرسلت كأس بعد أن زوّجت إلى صخر بن الجعد تخبره أنها رأته فيما يرى النائم: كأنه يلبسها خمارا، وأنّ ذلك جدّد لها شوقا إليه وصبابة، فقال صخر:
أنائل ما رؤيا زعمت رأيتها ... لنا عجب لو أنّ رؤياك تصدق
أنائل لو لا الودّ ما كان بيننا ... نضا مثل ما ينضو الخضاب فيخلق [4]
يشتري نسيئة ثم يهرب من البائع
أخبرنا حبيب بن نصر، قال: حدثنا عبد اللّه بن شبيب، قال: حدثني محمد بن عبد اللّه البكري، قال:
قدم صخر بن الجعد الخضريّ المدينة، فأتى تاجرا من تجارها، يقال له سيّار فابتاع منه برّا وعطرا، وقال:
تأتينا غدوة فأقضيك، وركب من تحت ليلته، فخرج إلى البادية، فلما أصبح سيّار سأل عنه؛ فعرف خبره، فركب في جماعة من أصحابه في طلبه، حتى أتوا بئر مطّلب، وهي على سبعة أميال من المدينة، وقد جهدوا من الحرّ، فنزلوا عليها، فأكلوا تمرا كان معهم، وأراحوا دوابّهم وسقوها، حتى إذا برد النهار انصرفوا راجعين، وبلغ الخبر صخر بن الجعد، فقال:
أهون عليّ بسيّار وصفوته ... إذا جعلت صرارا دون سيّار [5]
/إنّ القضاء سيأتي دونه زمن ... فاطو الصّحيفة واحفظها من العار [6]
يسائل الناس هل أحسستم جلبا ... محاربيّا أتى من نحو أظفار [7]
وما جلبت إليهم غير راحلة ... وغير رحل وسيف جفنة عار
__________
[1] لهونا: خبر لوانا في البيت السابق، عجبنا لدنيانا: أنكرناها: يقول: ليتنا نعمنا بالحياة، وهي مواتية، ولكننا تنكرنا لها، فكدنا نعينها على إساءتها لنا.
[2] جواب إذا في البيت التالي، ويريد بقوله:
«و ما نرى ...
الخ» أنهما كانا مستترين عن العيون، فلا تقع عليهما إلا من وراء حجاب.
[3] في هد، هج:
«حتى ترق فنونها»
[4] بيننا: فراقنا، نضا: نصل، يخلق: يبلى، يقول: إن الفراق يؤثر في الود، ولكن ودنا متين، ولو لا متانته ما وهي أثر الفراق، كما يبلى الخضاب وينصل.
[5] صرار: موضع قرب المدينة، يقول: ماذا عساه يفعل هو وعترته إذا تجاوزت المدينة، وكان بيني وبينه هذا الموضع.
[6] يريد بالقضاء قضاء الدين، وبالعار فشل سيار في إدراكه.
[7] فاعل يسائل ضمير سيار، الجلب: ما جلب من متاع وشاء وإبل ونحو ذلك، محاربيا: منسوبا إلى محارب: يعني نفسه، أظفار:
طائفة من الكواكب، وقوله:
«أتى من نحو أظفار»
كلام مسوق مساق التهكم، وفي الأصل «احثثتم» بدل «أحسستمو» وهو تحريف، والمثبت من هد، هج.
وما أريت لهم إلا لأدفعهم ... عني ويخرجني نقضي وإمراري [1]
حتى استغاثوا بأروى بئر مطّلب ... وقد تحرّق منهم كلّ تمّار [2]
وقال أوّلهم نصحا لآخرهم: ... ألا ارجعوا واتركوا الأعراب في النار
جاريته تخدعه
أخبرني عبد اللّه بن مالك، عن محمد بن حبيب، قال: حدثنا ابن الأعرابي، قال:
كان الجعد المحاربيّ أبو صخر بن الجعد قد عمّر حتى خرف، وكان يكنى أبا الصّموت؛ وكانت له وليدة [3] يقال لها سمحاء، فقالت له يوما: يا أبا الصّموت، زعم بنوك أنك إن متّ قتلوني، قال: ولم؟ قالت: مالي إليهم ذنب غير حبّي لك، فأعتقها على أن تكون معه، فمكثت يسيرا، ثم قالت له: يا أبا الصّموت، هذا عرابة من أهل المعدن يخطبني، قال: أين هذا مما قلت لي؟ قالت: إنّه ذو مال، وإنما أردت ماله لك،/ قال: فأتني [4] به، فأتته فزوّجه إياها، فولدت له أولادا، وقوّته بما كانت تصيبه من الجعد، وكانت/ تأتي الجعد في أيّام، فتخضب رأسه، ثم قطعته، فأنشأ الجعد يقول:
أمسى عرابة ذا مال وذا ولد ... من مال جعد وجعد غير محمود
تظل تنشقه الكافور متكئا ... على السرير وتعطيني على العود
من قوله لامرأته
قال والجعد هو القائل لامرأته:
تعالجني أمّ الصّموت كأنما ... تداوي حصانا أوهن العظم كاسره [5]
فلا تعجبي أمّ الصّموت فإنّه ... لكل جواد معثر هو عاثره
وقد كنت أصطاد الظباء موطّئا ... وأضرب رأس القرن والرمح شاجره [6]
فأصبحت مثل العشّ طارت فراخه ... وغودر في رأس الهشيمة سائره [7]
اولاده يرثونه حيّا
فلما كبر حمله بنوه، فأتوا به مكة، وقالوا له: تعبّد ها هنا، ثم اقتسموا المال، وتركوا له منه ما يصلحه، فقال:
__________
[1] ضمير «لهم» يعود على الناس، الإمرار: فتل الحبل ونحوه، النقض: ضد الفتل، ويريد بالنقض والإمرار: المراوغة والخداع، يريد أنني كنت أظهر نفسي للناس، ثم أغير الطرق، لأضلل المقتفين أثرى، وفي هد:
«و ما أريتهمو»
بدل
«و ما أريت لهم»
[2] الأروى: إناث الوعول، وبئر مطلب: المكان الذي نزل فيه سيار ورفقته، والكلام مسوق مساق التهكم، أي أنهم نزلوا بئر مطلب، وأكلوا فيه التمر، وجعلوا يسألون الوعول عنه، وقد تحرق من الغيظ كل آكل تمر منهم.
[3] وليدة: جارية.
[4] «فأتتني» كذا بالأصل، والقياس «فأتيني» بإثبات ياء المؤنثة.
[5] الهاء من كاسره تعود على الحصان لا على العظم.
[6] موطئا: منحدرا، شاجره: داخل فيه مشتبك به.
[7] الهشيمة: الشجرة البالية، سائرة: باقية.
ألا أبلغ بني جعد رسولا ... وإن حالت جبال الغور دوني
فلم أر معشرا تركوا أباهم ... من الآفاق حيث تركتموني
فإني والرّوافض حول جمع ... ومحطمهنّ من حصبا الحجون [1]
/لو أني ذو مدافعة وحولي ... كما قد كنت أحيانا كموني [2]
إذا لمنعتكم مالي ونفسي ... بنصل السّيف أو لقتلتموني
يعيا وعبده حاضر البديهة
وأخبرني الحرمي بن أبي العلاء، قال: حدثنا الزبير بن بكار، قال: حدثنا محمد بن عبد اللّه بن عثمان البكريّ، عن عروة بن زيد [3] الخضري، عن أبيه، قال:
كنت في ركب فيهم صخر بن الجعد، ودرن مولى الخضريين معنا، ونحن نريد خيبر، فنزلنا منزلا تعشّينا فيه، فهيّجنا إبل صخر، فلما ركبنا ساق بنا واندفع يرجز [4]، ويقول:
لقد بعثت حاديا قراصفا [5]
فردّده قطعا من الليل لا ينفده [6]، ولا يقول غيره، ثم قال لنا: إني نسيت عقالا، فرجع يطلبه في المتعشّى، ونزل درن يسوق بالقوم، فارتجز درن ببيت صخر، وقال:
لقد بعثت حاديا قراصفا ... من منزل رحلت عنه آنفا
يسوق خوصا رجّفا حواجفا ... مثل القسيّ تقذف المقاذفا [7]
/حتى ترى الربّاعي العتارفا ... من شدة السير يزجّى واجفا [8]
__________
[1] في هد، هج «الرواقص» بدل «الروافض» ويريد بها الإبل التي تحمل الحجيج، والواو: واو القسم، جمع: علم على المزدلفة، محطمهن: من الحطم بمعنى الازدحام، الحجون: جبل بمعلاة مكة، يقسم بجموع الحجيج المزدحمة في المزدلفة وفي حصباء الحجون، وتتمة الكلام في البيتين التاليين.
[2] الحول: القوة، كموني: بدل من التاء في «كنت» والمراد كمونه لعدوه، كي يأخذه على غرة: يقسم أنه لو بقيت له قوته وحيله في مداورة أعدائه ما استطاع أبناؤه أن يؤذوه في نفسه وماله، ولو هلك في سبيل الدفاع عنهما.
[3] في هج: «عن محمد بن يزيد» بدل «عن عروة بن زيد».
[4] يرجز: ينشد شعرا من الرجز.
[5] قراصفا: مسرعا.
[6] في بعض النسخ: «شطرا من الليل» بدل «قطعا من الليل». ضمير ينفده يعود على البيت
«لقد بعثت حاديا قراصفا»
وهو من مشطور الرجز، ويريد بقوله «لا ينفده»: لا يجعله ينفذ: وينتهي لكثرة ترداده.
[7] خوصا: جمع خوصاء، وهي الناقة ونحوها غارت عينها، رجفا: مهتزة، وفي هد، هج «حراجفا» بدل «حواجفا» وليس لكليهما من المعنى ما يناسب المقام، فلعلها محرفة عن «خرانف» بمعنى الإبل الغزيرة، أو «خذارف» بمعنى القطيع من الإبل.
[8] الرباعي: من ربعت الإبل: سرحت في المرعى، العتارف: لعله من العترفة، وهي في الجمل بمعنى الشدة والقوة، والذي في المعاجم «عتريف» و «عتروف» يزجى: يساق، واجفا: مسرعا، يقول: وهذا الرجز من التفاهة بحيث لا يستحق أن يغضب من أجله صخر على غلامه.
قال: فأدركه صخر، وهو في ذلك، فقال له: يا بن الخبيثة أتجترىء على أن تنفذ بيتا أعياني؟ فقاتله، فضربه، حتى نزلنا، ففرقنا بينهما.
صوت
إذا سرّها أمر وفيه مساءتي ... قضيت لها فيما تحبّ على نفسي [1]
وما مرّ يوم أرتجي منه راحة ... فأذكره إلا بكيت على أمسي
الشعر لأبي حفص الشّطرنجيّ، والغناء لإبراهيم ثقيل أول بالوسطى عن عمرو.
__________
[1] في هد، هج «تريد» بدل «تحب».
3 - أخبار أبي حفص الشطرنجي ونسبه
نشأته
أبو حفص: عمر بن عبد العزيز، مولى بني العباس، وكان أبوه من موالي المنصور فيما يقال، وكان اسمه اسما أعجميّا، فلما نشأ أبو حفص وتأدب، غيّره وسمّاه عبد العزيز.
أخبرني/ بذلك عمّي، عن أحمد بن الطّيب، عن جاعة من موالي المهدي.
ونشأ أبو حفص في دار المهديّ ومع أولاد مواليه، وكان كأحدهم، وتأدّب، وكان لاعبا بالشّطرنج مشغوفا به، فلقّب به لغلبته عليه.
إنقطاعه إلى علية بنت المهدي
فلما مات المهدي انقطع إلى علية، وخرج معها لما زوجت، وعاد معها لما عادت إلى القصر، وكان يقول لها الأشعار فيما تريده من الأمور بينها وبين إخوتها وبني أخيها من الخلفاء، فتنتحل [1] بعض ذلك، وتترك بعضه، ومما ينسب إليها من شعره ولها فيه غناء، وقد ذكرنا ذلك في أغانيها وأخبارها:
تحبّب فإن الحبّ داعية الحب
وهو صوت مشهور لها.
يخلعون عليه أحب الأوصاف
حدثني الحسن بن علي الخفاف، قال: حدثني أحمد بن الطيب السّرخسي قال: حدثني الكنديّ، عن محمد ابن الجهم البرمكيّ، قال:
رأيت أبا حفص الشّطرنجيّ الشاعر، فرأيت منه إنسانا يلهيك حضوره عن كل غائب وتسليك مجالسته عن هموم المصائب، قربه عرس، وحديثه أنس، جدّه لعب، ولعبه/ جد، ديّن ماجد [2]، إن لبسته على ظاهره لبست موموقا لا تملّه، وإن تتبّعته لتستبطن خبرته وقفت على مروّة [3] لا تطير الفواحش بجنباتها، وكان فيما علمته أقل ما فيه الشعر، وهو الذي يقول:
__________
[1] تنتحله: تنسبه إلى نفسها.
[2] في هد، هج «دين ماجن».
[3] في هد، هج «مروة» كما أثبتناها، وفي الأصل كتبت هكذا «مرواة» مضبوطة بكسر الميم وسكون الراء، ولم نجد لها معنى، و «مروة»: تخفيف «مروءة».
صوت
تحبّب فإن الحبّ داعية الحبّ ... وكم من بعيد الدار مستوجب القرب [1]
إذا لم يكن في الحب عتب ولا رضا ... فأين حلاوات الرسائل والكتب؟
تفكّر فإن حدّثت أنّ أخا هوى ... نجا سالما فارج النّجاة من الكرب [2]
وأطيب أيام الهوى يومك الذي ... تروّع بالتّحريش فيه وبالعتب [3]
قال: وفي هذه الأبيات غناء لعليّة بنت المهديّ، وكانت تأمره أن يقول الشعر في المعاني التي تريدها، فيقولها، وتغني فيها.
قال: وأنشدني لأبي حفص أيضا.
صوت
عرّضن للذي تحبّ بحبّ ... ثم دعه يروضه إبليس
فلعلّ الزّمان يدنيك منه ... إن هذا الهوى جليل نفيس
/ صابر الحبّ لا يصرّفك فيه ... من حبيب تجهّم وعبوس [4]
وأقلّ الّلجاج واصبر على الجه ... د فإن الهوى نعيم وبوس
في هذه الأبيات للمسدود هزج ذكره لي جحظة وغيره عنه.
وأما قوله:
تحبّب فإن الحبّ داعية الحبّ
فقد مضت نسبته في أخبار عليّة.
مساجلة بينه وبين الرشيد على لسان ماردة
أخبرني الحسن بن علي، قال: حدثنا عبد اللّه بن أبي سعد، قال: حدثني محمد بن عبد اللّه بن مالك، وأخبرني به محمد بن خلف بن المرزبان، قال: حدثني أبو العباس الكاتب قال:
كان الرشيد يحبّ ماردة جاريته، وكان خلّفها بالرّقّة، فلما قدم إلى المدينة السلام اشتاقها، فكتب إليها:
__________
[1] في هج:
«فإن القرب داعية الحب»
[2] هكذا ورد في هد، وفي الأصل: فارج النجاة من الحب.
[3] التحريش: الحك والدلك يمشط ونحوه، وقد استعير هنا لما يحدث بين المحبين من تجن ودلال وملاحاة.
[4] في هج: «لا يغرنك» بدل «لا يصرفك»، وفي المختار: «تجشم» بدل «تجهم» ويريد الشاعر بهذا البيت ما أراده بشار بقوله:
لا يونسنك من مخدرة ... قول تغلظه وإن جرحا
عسر النساء إلى مياسرة ... والصعب يمكن بعد ما جمحا
صوت
سلام على النازح المغترب ... تحية صبّ به مكتئب
غزال مراتعه بالبليخ ... إلى دير زكّي فقصر الخشب
/ أيا من أعان على نفسه ... بتخليفه طائعا من أحب [1]
سأستر والسّتر من شيمتي ... هوى من أحبّ بمن لا أحب [2]
/فلما ورد كتابه عليها أمرت أبا حفص الشّطرنجيّ صاحب عليّة، فأجاب الرشيد عنها بهذه الأبيات، فقال:
أتاني كتابك يا سيدي ... وفيه العجائب كلّ العجب
أتزعم أنّك لي عاشق ... وأنك بي مستهام وصبّ
فلو كان هذا كذا لم تكن ... لتتركني نهزة للكرب
وأنت ببغداد ترعى بها ... نبات اللّذاذة مع من تحبّ
فيا من جفاني ولم أجفه ... ويا من شجاني بما في الكتب
كتابك قد زادني صبوة ... وأسعر قلبي بحرّ اللّهب
فهبني نعم قد كتمت الهوى ... فكيف بكتمان دمع سرب
ولو لا اتقاؤك يا سيدي ... لو افتك بي النّاجيات النّجب [3]
فلما قرأ الرشيد كتابها أنفذ من وقته خادما على البريد، حتى حدرها [4] إلى بغداد في الفرات، وأمر المغنين جميعا، فغنّوا في شعره.
قال الأصبهاني: فممّن غنّى فيه إبراهيم الموصلّي؛ غنى فيه لحنين، أحدهما ما خوريّ، والآخر ثاني ثقيل عن الهشامي. وغنى يحيى بن سعد [5] بن بكر بن صغير العين فيه رملا. ولابن جامع فيه رمل بالبنصر، ولفليح بن العوراء ثاني ثقيل بالوسطى، وللمعّلي خفيف رمل بالوسطى، ولحسين بن محرز هزج بالوسطى، ولأبي زكار الأعمى هزج بالبنصر، هذه الحكايات كلها عن الهشامي، وقال: كان المختار من هذه الألحان كلها عند الرشيد الذي اشتهاه منها وارتضاه لحن سليم.
يصلح بين الرشيد وعليّة بأبياته
أخبرني جعفر بن قدامة بن زياد الكاتب، قال:
حدثني محمد بن يزيد النحوي، قال: حدثني جماعة من كتّاب السلطان:
__________
[1] من في المصراع الثاني مفعول تخليف، ويريد بإعانتها على نفسها أنها تسببت في هجر الخليفة إياها.
[2] يريد أنه سيتظاهر بحب من لا يحب ليستر حبها هي في نفسه على حد قول الشاعر:
أصافح من لاقيت في البيت غيرها ... وكل هوى نفسي لمن لا أصافح
[3] الناجيات النجب: الإبل الأصيلة السريعة.
[4] حدر الشي ء: دحرجه من علو إلى أسفل، والمراد هنا أنه استقدمها من الرقة.
[5] في هد، هج: «يحيى بن صفر».
أن الرشيد غضب على عليّة بنت المهدي، فأمرت أبا حفص الشّطرنجيّ شاعرها أن يقول شعرا يعتذر فيه عنها إلى الرشيد، ويسأله الرضا عنها، فيستعطفه لها فقال:
صوت
لو كان يمنع حسن العقل صاحبه ... من أن يكون له ذنب إلى أحد
كانت عليّة أبرا الناس كلّهم ... من أن تكافا بسوء آخر الابد [1]
مالي إذا غبت لم أذكر بواحدة ... وإن سقمت فطال السّقم لم أعد [2]
ما أعجب الشيء ترجوه فتحرمه ... قد كنت أحسب أنّي قد ملأت يدي [3]
فأتاها بالأبيات، فساتحسنتها، وغنت فيها، وألقت الغناء على جماعة من جواري الرشيد، فغنّينه إيّاه في أول مجلس جلس فيه معهن، فطرب طربا شديدا، وسألهن عن القصة، فأخبرنه بها، فبعث إليها، فحضرت، فقبّل رأسها، واعتذرت، فقبل عذرها، وسألها إعادة الصوت، فأعادته عليه، فبكى، وقال: لا جرم أني لا أغضب أبدا عليك ما عشت.
بيتان في دنانير بمائتي دينار
حدثني محمد بن يحيى الصولي، قال: حدثنا الحسين بن يحيى، عن عمرو بن بانة، قال:
دخل أبو حفص الشّطرنجيّ على يحيى بن خالد، وعنده ابن جامع، وهو يلقي على/ دنانير صوتا أمره يحيى بإلقائه عليها، وقال لأبي حفص: قل في دنانير بيتين يغنيّ فيهما ابن جامع، ولك بكل بيت مائة دينار [4] إن جاءت كما أريد، فقال أبو حفص:
صوت
أشبهك المسك وأشبهته ... قائمة في لونه قاعده
لا شكّ إذ لونكما واحد ... أنكما من طينة واحدة
قال: فأمر له يحيى بمائة دينار، وغنى فيهما ابن جامع.
قال الأصبهاني: لحن ابن جامع في هذين البيتين هزج.
صديق حميم لأسرة الخليفة
أخبرني جعفر بن قدامة، قال: حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه قال:
كان أبو حفص الشّطرنجيّ ينادم أبا عيسى بن الرشيد، ويقول له الشعر، فينتحله، ويفعل مثل ذلك بأخيه
__________
[1] أبرا: كذا في هد، وهج والمختار من البراءة، وفي النسخ: أربي. تكافا: من المكافأة وبالتخفيف أيضا.
[2] هذا البيت منقول من هد والمختار وساقط من الأصل، وقولها: «بواحدة» تعني بواحدة من الذكريات.
[3] تريد بملء اليد الثقة بمودة الرشيد.
[4] في هج: «و لك بكل بيت ديناران».
صالح وأخته، وكذلك بعليّة عمتهم، وكان بنو الرشيد جميعا يزورونه ويأنسون به، فمرض، فعادوه جميعا سوى أبي عيسى فكتب إليه:
يعاتب ابن الرشيد لأنه لم يعده في مرضه
إخاء أبي عيسى إخاء ابن ضرّة ... وودّي ودّ لابن أمّ ووالد [1]
ألم يأته أنّ التأدّب نسبة ... تلاصق أهواء الرجال الأباعد
فما باله مستعذبا من جفائنا ... موارد لم تعذب لنا من موارد
أقمت ثلاثا حلف حمّى مضرّة ... فلم أره في أهل ودّي وعائدي
سلام هي الدنيا قروض وإنما ... أخوك مديم الوصل عند الشدائد
بيتان ليسا له
حدثني جعفر بن الحسين، قال: حدثني ميمون بن هارون، قال: حدثنا أبي عن أبي حفص الشّطرنجيّ: قال:
قال لي الرشيد يوما: يا حبيبي، لقد أحسنت ما شئت في بيتين قلتهما، قلت: ما هما يا سيدي؟ فمن شرفهما استحسانك لهما، فقال: قولك:
صوت
لم ألق ذا شجن يبوح بحبّه ... إلا حسبتك ذلك المحبوبا
حذرا عليك وإنني بك واثق ... ألّا ينال سواي منك نصيبا
فقلت: يا أمير المؤمنين، ليسا لي، هما للعباس بن الأحنف، فقال: صدقك واللّه أعجب إليّ، وأحسن منهما بيتاك حيث تقول:
إذا سرّها أمر وفيه مساءتي ... قضيت لها فيما تريد على نفسي
وما مرّ يوم أرتجي فيه راحة ... فأذكره إلا بكيت على أمسي
في البيتين الأولين اللذين للعباس بن الأحنف ثقيل لإبراهيم الموصلي، وفيهما لابن جامع رمل عن الهشامي، الروايتان جميعا لعبد الرحمن، وفي أبيات أبي حفص الأخيرة لحن من كتاب إبراهيم غير مجنّس.
ينعي نفسه قبل أن يموت
أخبرني محمد بن يحيى الصولي، قال: حدثني الحسين بن يحيى، قال: حدثني عبد اللّه بن الفضل، قال:
دخلت على أبي حفص الشّطرنجي شاعر عليّة بنت المهديّ أعوده في علّته التي مات فيها، قال: فجلست عنده فأنشدني لنفسه:
__________
[1] في هج:
«و ودي له ود ابن أم ووالد»
، وكلتا الروايتين سليمتان.
صوت
نعى لك ظلّ الشّباب المشيب ... ونادتك باسم سواك الخطوب [1]
فكن مستعدّا لداعي الفناء ... فإن الذي هو آت قريب
/ ألسنا نرى شهوات النفو ... س تفنى وتبقى عليها الذنوب
وقبلك داوى المريض الطبيب ... فعاش المريض ومات الطبيب
يخاف على نفسه من يتوب ... فكيف ترى حال من لا يتوب؟
غنى في الأول والثاني إبراهيم هزجا.
انقضت أخباره.
صوت
أبى ليلي أن يذهب ... ونيط الطرف بالكوكب
ونجم دونه النّسرا ... ن بين الدّلو والعقرب [2]
وهذا الصّبح لا يأتي ... ولا يدنو ولا يقرب
الشعر لأميمة بنت عبد شمس بن عبد مناف، والغناء لإسحاق هزج بالوسطى.
تسرق لحن إسحاق وهو سكران
أخبرنا محمد بن يحيى ومحمد بن جعفر النحوي، قالا: حدثنا محمد بن حماد، قال:
التقيت مع دمن جارية إسحاق بن إبراهيم الموصلي يوما، فقلت لها: أسمعيني شيئا أخذته من إسحاق، فقالت: واللّه ما أحد من جواريه أخذ منه صوتا قط [3] ولا ألقى علينا شيئا قط [3] وإنما كان يأمر من أخذ منه من الرجال مثل مخارق وعلّويه ووجه القرعة الخزاعيّ وجواري الحارث بن بسخنّر أن يلقوا علينا ما يختارون [4] من أغانيهم، وأما عنه فما أخذت شيئا قط إلا ليلة، فإنه انصرف من عند المعتصم، وهو سكران، فقال للخادم القيّم على حرمه: جئني بدمن، فجاءني الخادم، فدعاني، فخرجت معه، فإذا هو في البيت الذي ينام فيه، وهو يصنع في هذا الشعر:
أبى ليلي أن يذهب ... ونيط الطّرف بالكوكب
وهو يتزايد فيه، ويقومه، حتى استوى له، ثم قام إلى عود مصلح معلّق كان يكون في بيت منامه، فأخذه، فغنى الصوت، حتى صحّ له، واستقام عليه، وأخذته عنه، فلما/ فرغ منه قال: أين دمن؟ فقلت: هو ذا [5] أنا
__________
[1] يريد بمناداة الخطوب إياه باسم سواه أن موت لداته نذير موته.
[2] النسران: مجموعتان من النجوم تقعان في النصف الشمالي من القبة السماوية، والدلو والعقرب: برجان من بروج السماء.
(3 - 3) ما بين القوسين تكملة من هد.
[4] في هد، هج «ما يختاره».
[5] كذا في النسخ، والقياس «هي ذي أنا» بدل «هو ذا أنا» وربما صح أن يكون: هو ضمير الشان.
ها هنا، فارتاع، وقال: مذكم أنت ها هنا؟ قلت: مذ بدأت بالصوت وقد أخذته بغير حمدك، فقال: خذي العود، فغنيه، فأخذته، فغنيته، حتى فرغت منه، وهو يكاد أن يتميّز غيظا، ثم قال: قد بقي عليك فيه شيء كثير، وأنا أصلحه لك، فقلت: أنا مستغنية عن إصلاحك، فأصلحه لنفسك، فاضطجع في فراشه ونام، وانصرفت، فمكث أياما إذا رآني قطّب [1] وجهه.
وهذا الشعر تقوله أميمة بنت عبد شمس بن عبد مناف ترثي به من قتل في حروب الفجار [2] من قريش.
__________
[1] في هد، هج: «قطب في وجهي» بدل «قطب وجهه» وظاهر أن سبب هذا التقطيب أخذها اللحن عنه دون أن يشعر.
[2] الفجار - بكسر الفاء - جمع فجوة، وإنما سميت بذلك لأنها كانت في الأشهر الحرم، ولأن قيسا لما انهزمت فيها قالت: «قد فجرنا».
4 - ذكر الخبر في حروب الفجار وحروب عكاظ ونسب أميمة بنت عبد شمس
نسب أميمة
أميمة بنت عبد شمس بن عبد مناف، وأمها تفخر [1] بنت عبيد بن رواس بن كلاب، وكانت عند حارثة بن الأوقص [2] بن مرة بن هلال بن فالح بن ذكوان السلمى، فولدت له أمية بن حارثة.
وكانت هذه الحرب بين قريش وقيس عيلان في أربعة أعوام متواليات، ولم يكن لقريش في أولها مدخل، ثم التحقت بها.
فأما الفجار الأول فكانت الحرب فيه ثلاثة أيام، ولم تسمّ باسم لشهرتها [3].
وأما الفجار الثاني فإنه كان أعظمهما؛ لأنهم استحلوا/ فيه الحرم، وكانت أيامه يوم نخلة، وهو الذي لم يشهده رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم منها، وشهد سائرها، وكان الرؤساء فيه حرب بن أمية في القلب، وعبد اللّه بن جدعان، وهشام بن المغيرة في المجنبتين ثم يوم شمطة [4]، ثم يوم العبلاء، ثم يوم عكاظ، ثم يوم الحرة.
الشرارة الأولى في حرب الفجار
قال أبو عبيدة: كان أول أمر الفجار أنّ بدر بن معشر الغفاري أحد بني غفار بن مالك بن ضمرة بن بكر بن عبد مناه بن كنانة كان رجلا منيعا مستطيلا بمنعته على من ورد عكاظ، فاتخذ مجلسا بسوق عكاظ، وقعد فيه وجعل يبذخ [5] على الناس ويقول:
نحن بنو مدركة بن خندف ... من يطعنوا في عينه لا يطرف [6]
/و من يكونوا قومه يغطرف ... كأنهم لجّة بحر مسدف [7]
وبدر بن معشر باسط رجليه يقول: أنا أعزّ العرب، فمن زعم أنه أعزّ مني فليضرب هذه [8] بالسيف، فهو أعز مني،
__________
[1] في هد، هج: «هجر» بدل «تفخر».
[2] في هج: «الأرقم» بدل «الأرقص».
[3] في الأصل «تشهر بها» وهو تحريف «لشهرتها» والمثبت من هج.
[4] في هد: «سبطة»، وفي هج «سخطة» بدل «شمطة».
[5] يبذخ: يفخر، ويغالي في فخره، وفي ب «يبرح» وفي هد «يبزخ» وكلاهما تحريف.
[6] لا يطرف: من طرف البصر: تحرك جفناه.
[7] يغطرف: من الغطرفة بمعنى التيه والخيلاء، مسدف: من الإسداف بمعنى الظلام، وذلك كناية عن كثرة الامواج.
[8] هذه: إشارة إلى رجليه، والعرب كثيرا ما تعيد الضمير على المثنى مفردا في مثل يدين وعينين ورجلين.
فوثب رجل من بني نصر بن معاوية، يقال له الأحمر [1] بن مازن بن أوس بن النابغة، فضربه بالسيف على ركبته، فأندرها [2]، ثم قال: خذها إليك أيها المخندف، وهو ماسك [3] سيفه، وقام أيضا رجل من هوازن، فقال:
أنا ابن همدان ذوي التّغطرف ... بحر بحور زاخر لم ينزف [4]
نحن ضربنا ركبة المخندف ... إذ مدّها في أشهر المعرّف [5]
وفي هذه الضربة أشعار لقيس كثيرة لا معنى لذكرها.
اليوم الثاني من أيام الفجار الأول
ثم كان اليوم الثاني من أيام الفجار الأول، وكان السبب في ذلك أن شبابا من قريش وبني كنانة كانوا ذوي غرام، فرأوا امرأة من بني عامر جميلة وسيمة، وهي جالسة بسوق عكاظ في درع وهي فضل [6] عليها برقع لها، وقد اكتنفها شباب من العرب، وهي تحدثهم، فجاء الشباب من بني كنانة وقريش، فأطافوا بها، وسألوها أن تسفر، فأبت، فقام أحدهم، فجلس خلفها، وحل طرف ردائها [7]، وشدّه إلى فوق/ حجزتها [8] بشوكة، وهي لا تعلم، فلما قامت انكشف درعها عن دبرها، فضحكوا، وقالوا: منعتنا النظر إلى وجهك، وجدت لنا بالنظر إلى دبرك، فنادت: يا آل عامر! فثاروا، وحملوا السلاح، وحملته كنانة، واقتتلوا قتالا شديدا، ووقعت بينهم دماء، فتوسط حرب بن أمية، واحتمل دماء القوم، وأرضى بني عامر من مثلة [9] صاحبتهم.
اليوم الثالث من أيام الفجار الأول
ثم كان اليوم الثالث من الفجار الأول، وكان سببه أنّه كان لرجل من بني جشم بن بكر بن هوازن دين على رجل من بني كنانة فلواه [10] به، وطال اقتضاؤه إياه، فلم يعطه شيئا، فلما أعياه، وافاه الجشمي في سوق عكاظ بقرد، ثم جعل ينادي: من يبيعني مثل هذا الرّبّاح [11] بما لي على فلان بن فلان الكناني؟ من يعطيني مثل هذا بما لي على فلان بن فلان الكناني؟ رافعا صوته بذلك، فلما طال نداؤه بذلك وتعبيره به كنانة مرّ به رجل منهم، فضرب القرد بسيفه، فقتله، فهتف به الجشميّ: يا آل هوازن، وهتف الكنانيّ: يا آل كنانة، فتجمع الحيان فاقتتلوا، حتى تحاجزوا، ولم يكن بينهم قتلى، ثم كفوا، وقالوا: أفي ربّاح تريقون دماءكم، وتقتلون أنفسكم؟ وحمل ابن جدعان ذلك في ماله بين الفريقين.
__________
[1] في بعض النسخ: «الأحيمر» بالتصغير بدل الأحمر.
[2] أندرها: أسقطها، وفصلها.
[3] كذا في النسخ، والمسموع ممسك سيفه، أو ماسك بسيفه.
[4] الشعر من الرجز - وفي هد، هج
«أنا أبو الدهقان ذو التغطرف»
ولا يستقيم الوزن، والتغطرف: التيه والخيلاء، لم ينزف: لم ينضب ماؤه.
[5] في أشهر المعرف: في أشهر الوقوف بعرفات.
[6] فضل: يقال: امرأة فضل - بضمتين - أي مختالة تسبل من فضل ردائها.
[7] في هد، هج: «طرف درعها».
[8] الحجزة: معقد تكة السراويل، وفي هج: «فوق عجزها» بدل «فوق حجزتها».
[9] من مثلة صاحبتهم: من تنكيلهم وتمثيلهم بها.
[10] لواه: ماطله.
[11] الرباح: الذكر من القرود.
اليوم الأول من أيام الفجار الثاني
قال: ثم كان يوم الفجار الثاني، وأول يوم حروبه يوم نخلة، وبينه وبين مبعث النبي صلّى اللّه عليه وسلّم ست/ وعشرون سنة، وشهد النبي صلّى اللّه عليه وسلّم ذلك اليوم مع قومه، وله أربع عشرة سنة، وكان يناول عمومته النّبل، هذا قول أبي عبيدة. وقال غيره: بل شهدها، وهو ابن ثمان وعشرين سنة.
قال أبو عبيدة: كان الذي هاج هذه الحرب يوم الفجار الآخر، أن البراض بن قيس بن رافع، أحد بني ضمرة ابن بكر بن عبد مناة بن كنانة كان سكّيرا فاسقا، خلعه/ قومه، وتبرءوا منه فشرب في بني الدّيل، فخلعوه، فأتى مكة، وأتى قريشا، فنزل على حرب بن أمية، فحالفه فأحسن حرب جواره، وشرب بمكة، حتى همّ حرب أن يخلعه، فقال لحرب: إنه لم يبق أحد، ممن يعرفني إلّا خلعني سواك، وإنك إن خلعتني لم ينظر إليّ أحد بعدك، فدعني على حلفك، وأنا خارج عنك، فتركه. وخرج، فلحق بالنعمان بن المنذر بالحيرة.
من يجيز لطيمة النعمان
وكان النعمان يبعث إلى سوق عكاظ في وقتها بلطيمة [1] يجيزها له سيّد مضر، فتباع، ويشترى له بثمنها الأدم والحرير والوكاء والحذاء والبرود من العصب [2] والوشي والمسيّر [3] والعدني [4]، وكانت سوق عكاظ في أول ذي القعدة، فلا تزال قائمة يباع فيها ويشترى إلى حضور الحج، وكان قيامها فيما بين النخلة [5] والطائف عشرة أميال، وبها نخل وأموال لثقيف، فجهز النعمان لطيمة له، وقال: من يجيزها فقال البرّاض: أنا أجيزها على بني كنانة، فقال النعمان: إنما أريد رجلا يجيزها على أهل نجد، فقال عروة الرحال [6] بن عتبة بن جعفر بن كلاب، وهو يومئذ رجل من هوازن: أنا أجيزها - أبيت اللعن - فقال له البراض: من [7] بني كنانة تجيزها يا عرورة؟ قال: نعم، وعلى الناس جميعا أفكلب خليع يجيزها [8]!.
قال: ثم شخص بها، وشخص البرّاض، وعروة يرى مكانه، لا يخشاه على ما صنع، حتى إذا كان بين ظهري غطفان إلى جانب فدك، بأرض يقال لها أوارة قريب من/ الوادي الذي يقال له تيمن نام عروة في ظلّ شجرة، ووجد البرّاض غفلته، فقتله وهرب في عضاريط [9] الركاب، فاستاق الركاب، وقال البراض في ذلك:
وداهية يهال الناس منها ... شددت لها بني بكر ضلوعي [10]
__________
[1] اللطيمة: عير تحمل المسك والبز وغيرهما للتجارة.
[2] كذا في النسخ، ولعل «العصب» تحريف «القصب» بالقاف لا بالعين، وهو ثياب رقيقة منسوجة من الكتان.
[3] المسير: ثوب به خطوط من القز والحرير ونحو ذلك.
[4] العدني، لعله نوع من عروض التجارة ينسب إلى عدن.
[5] في هد، هج: «نخلة» بدون أداة التعريف.
[6] في هج: «عروة الرجال» بالجيم لا بالحاء.
[7] في هد، هج: «و على بني كنانة تجيزها يا عروة؟».
[8] يقصد بالكلب البراض نفسه.
[9] العضاريط: جمع عضروط، وهو الخادم أو الأجير.
[10] بني بكر: منادى، ضلوعي: مفعول «شددت»، وقد يصح اعتبار بني بكر مفعول «شددت» وعليه تكون «ضلوعي» بدلا من بني بكر، بمعنى أنصاري وأعواني.
هتكت بها بيوت بني كلاب ... وأرضعت الموالي بالضروع [1]
جمعت لها يديّ بنصل سيف ... أفّل فخرّ كالجذع الصّريع [2]
وقال أيضا في ذلك:
نقمت على المرء الكلابيّ فخره ... وكنت قديما لا أقرّ فخارا
علوت بحدّ السيف مفرق رأسه ... فأسمع أهل الواديين خوارا
قال: وأمّ عروة الرحّال نفيرة بنت أبي ربيعة بن نهيك بن هلال بن عامر بن صعصعة، فقال لبيد بن ربيعة يحض على الطلب بدمه:
فأبلغ إن عرضت بني نمير ... وأخوال القتيل بني هلال
بأنّ الوافد الرحّال أضحى ... مقيما عند تيمن ذي الظّلال [3]
قال أبو عبيدة: فحدثني أبو عمرو بن العلاء، قال: لقي البرّاض بشر بن أبي خازم، فقال له: هذه القلائص لك على أن تأتي حرب بن أمية وعبد اللّه بن جدعان وهشاما والوليد ابني المغيرة، فتخبرهم أن البرّاض قتل عروة، فإني أخاف أن يسبق الخبر إلى/ قيس أن يكتموه. حتى يقتلوا به رجلا من قومك عظيما. فقال/ له: وما يؤمنك أن تكون أنت ذلك القتيل؟ قال: إنّ هوازن لا ترضى أن تقتل بسيدها رجلا خليعا طريدا من بني ضمرة، قال: ومرّ بهما الحليس بن يزيد أحد بني الحارث بن عبد مناة بن كنانة، وهو يومئذ سيد الأحابيش من بني كنانة.
والأحابيش [4] من بني الحارث بن عبد مناة بن كنانة، وهو نفاثة بن الدّيل، وبنو لحيان من خزاعة، والقارة، وهو أثيع ابن الهون بن خزيمة، وعضل [5] بن دمس بن محلّم بن عائذ [6] بن أثيع بن الهون كانوا تحالفوا على سائر بني بكر بن عبد مناة، فقال لهم [7] الحليس: مالي أراكم نجيّا [8]؟ فأخبروه الخبر، ثم ارتحلوا، وكتموا الخبر على اتفاق منهم.
وفاء ابن جدعان
قال: وكانت العرب إذا قدمت عكاظ دفعت أسلحتها إلى ابن جدعان، حتى يفرغوا من أسواقهم وحجهم ثم يردّها عليهم إذا ظعنوا، وكان سيدا حكيما مثريا من المال. فجاءه القوم، فأخبروه خبر البرّاض وقتله عروة، وأخبروا حرب بن أمية وهشاما والوليد ابني المغيرة، فجاء حرب إلى عبد اللّه بن جدعان، فقال له: احتبس [9] قبلك
__________
[1] في ب: الرضوع، تحريف «الضروع»، كما في هج، له، والمراد أنني بهذه الداهية أوهنت بني كلاب، وأرضعت قومي لبان المجد والفخار من ضروعها.
[2] لها: للداهية، وفي نسخة «له» أي لعروة القتيل، أفل: به فلول من كثرة الصراع.
[3] يريد بقوله: «مقيما» أنه دفين هناك.
[4] ليس قوله والأحابيش عطفا على ما قبله، بل هو كلام مستأنف، وسموا بذلك لأنهم تحالفوا على أن يكونوا يدا على من سواهم ما أقام حبيش، وهو جبل معروف.
[5] في هد، هج: «و عقيل بن دلس» بدل «و عضل بن دمس».
[6] في هد: «محلم بن عائدة» بدل «محلم بن عائذ».
[7] كان السياق يقتضي أن يقول «لهما» بدل «لهم» لأن الحليس إنما يخاطب البراض وبشر بن أبي خازم فلعله أنزل الاثنين منزلة الجمع.
[8] نجيا: فعيلا من النجوى: بمعنى متناجين، أي مختلين في حديث سري.
[9] إنما طلب ذلك إليه حتى لا تطالب هوازن بدم عروة.
سلاح هوازن، فقال له ابن جدعان: أبا الغدر تأمرني يا حرب؟ واللّه لو أعلم أنه لا يبقى منها سيف إلا ضربت به، ولا رمح إلا طعنت به ما أمسكت منها شيئا [1]، ولكن لكم/ مائة درع، ومائة رمح، ومائة سيف في مالي تستعينون بها، ثم صاح ابن جدعان في الناس: من كان له قبلي سلاح فليأت، وليأخذه، فأخذ الناس أسلحتهم.
يخدعون هوازن فلا تجدي الخديعة
وبعث ابن جدعان وحرب بن أميّة وهشام والوليد إلى أبي براء [2]: إنه قد كان بعد خروجنا حرب، وقد خفنا تفاقم الأمر، فلا تنكروا خروجنا، وساروا راجعين إلى مكة، فلما كان آخر النهار بلغ أبا براء قتل البراض عروة، فقال: خدعني حرب وابن جدعان، وركب فيمن حضر عكاظ من هوازن في أثر القوم، فأدركوهم بنخلة، فاقتتلوا حتى دخلت قريش الحرم، وجنّ عليهم الليل، فكفّوا، ونادى الأدرم بن شعيب، أحد بني عامر بن ربيعة بن صعصعة: يا معشر قريش، ميعاد ما بيننا هذه الليلة [3] من العام المقبل بعكاظ، وكان يومئذ رؤساء قريش حرب بن أميّة في القلب، وابن جدعان في إحدى المجنبتين، وهشام بن المغيرة في الأخرى، وكان سؤساء قيس عامر بن مالك، ملاعب الأسنّة على بني عامر، وكدّام بن عمير على فهم وعدوان، ومسعود بن سهم على ثقيف، وسبيع بن ربيعة النصري [4] على بني نصر بن معاوية، والصّمّة بن الحارث، وهو أبو دريد بن الصمة على بني جشم، وكانت الراية مع حرب بن أميّة، وهي راية قصيّ التي يقال لها العقاب.
شعر خداش بن زهير في هذه الحرب
فقال في ذلك خداش بن زهير:
يا شدّة ما شددنا غير كاذبة ... على سخينة لو لا الليل والحرم [5]
/إذ يتّقينا هشام بالوليد ولو ... أنّا ثقفنا هشاما شالت الخدم [6]
بين الأراك وبين المرج تبطحهم ... زرق الأسنّة في أطرافها السّهم [7]
فإن سمعتم بجيش سالك سرفا ... وبطن مرّ فأخفوا الجرس واكتتموا [8]
__________
[1] نقول: وهذا مثل من أمثلة الوفاء العربي، يغطي على ما ينسب إلى السموءل بن عادياء اليهودي.
[2] يبدو من سياق الحديث أن أبا براء هذا كان صاحب رأي في هوازن.
[3] في هد، هج: «هذه الليالي».
[4] في هد: «النضري» بالضاد المعجمة.
[5] الشدة: يريد بها الهجوم، ما شددنا: ما شددناها: سخينة: لقب يطلق على قريش، وهو في الأصل طعام كانت تتخذه، فأطلق عليها، يريد أننا هجمنا على قريش هجمة صادقة، فلم ينقذها من أيدينا إلا هجوم الليل واعتصامها بالحرم.
[6] هشام: هو هشام بن المغيرة، والوليد: هو أخوه، ويريد بذلك أن الدائرة كانت على قريش، حتى كان أحدهم يتقي الموت بأخيه ليقتل بدله، ثقفه: أدركه، شالت: ارتفعت، الخدم: جمع خدمة، وهي الحلقة المحكمة، وجملة
«شالت الخدم»
كناية عن الهزيمة، يقال: فض اللّه خدمتهم: فرق جمعهم.
[7] السهم - بضم السين والهاء - الحرارة الغالبة، يريد أننا كنا نبطحهم بطعن الأسنة الزرقاء الحامية الاطراف بين هذين المكانين.
[8] سرف، وبطن مر: مكانان، يريد أنهم ينبغي عليهم حينما يسمعون بجيشهم أن يختفوا عن العيون، ويكفوا عن الهمس، حتى لا يعرف مكانهم.
عبد الملك يستنشد شعر خداش
وزعموا أن عبد الملك بن مروان استنشد رجلا من قيس هذه الكلمة، فجعل يحيد [1] عن قوله: «سخينة»، فقال عبد الملك: إنا قوم لم يزل يعجبنا السّخن، فهات، فلما فرغ قال: يا أخا قيس، ما أرى صاحبك زاد على التمني والاستنشاء [2].
البراض يقدم باللطيمة
قال: وقدم البرّاض باللطيمة مكّة، وكان يأكلها،/ وكان عامر بن يزيد بن الملوّح بن يعمر الكنانيّ نازلا في أخواله من بني نمير بن عامر، وكان ناكحا فيهم، فهمت بنو كلاب بقتله، فمنعته بنو نمير، ثم شخصوا به حتى نزل في قومه، واستغوت [3] كنانة بني أسد وبني نمير [4] واستغاثوا بهم، فلم تغثهم، ولم يشهد الفجار أحد من هذين الحيّين.
اليوم الثاني من الفجار الثاني
ثم كان اليوم الثاني من الفجار الثاني؛ وهو يوم شمطة، فتجمعت كنانة وقريش بأسرها وبنو عبد مناة، والأحابيش، وأعطت قريش رؤوس القبائل أسلحة تامة [5] وأعطى عبد اللّه بن جدعان خاصة من ماله مائة رجل من كنانة أسلحة تامة [5] وأداة، وجمعت هوازن، وخرجت، فلم تخرج معهم كلاب ولا كعب، ولا شهد هذان البطنان من أيام الفجار إلا يوم نخلة مع أبي براء عامر بن مالك، وكان القوم جميعا متساندين، على كل قبيلة سيّدهم.
قوّاد قريش ومن معهم
فكان على بني هاشم وبني المطلب ولفّهم [6] الزبير بن عبد المطلب، ومعهم النبي صلّى اللّه عليه وسلم، إلا أن بني المطلب - وإن كانوا مع بني هاشم - كان يرأسهم الزبير بن عبد المطلب بن هاشم ورجل منهم، وهو عبد يزيد ابن هاشم بن المطلب بن عبد مناف، وأم الزّبير الشّفّاء بنت هاشم بن عبد مناف، وكان على بني عبد شمس ولفّها حرب بن أمية ومعه أخواه أبو سفين [7] وسفيان، ومعهم بنو نوفل بن عبد مناف، يرأسهم بعد حرب مطعم بن عديّ ابن نوفل، وكان على بني عبد الدار ولفّها خويلد بن أسد وعثمان بن الحويرث، وكان على بني زهرة ولفّها مخرمة ابن نوفل بن وهيب بن عبد مناف بن زهرة وأخوه صفوان، وكان على بني تيم بن مرة ولفّها عبد اللّه بن جدعان، وعلى بني مخزوم هشام بن المغيرة، وعلى بني سهم العاصي بن وائل، وعلى بني جمح ولفّها أميّة بن خلف، وعلى بني عديّ زيد بن عمرو بن نفيل، والخطاب بن نفيل عمّه، وعلى بني عامر بن لؤي عمرو بن عبد شمس بن عبد ودّ أبو
__________
[1] ظاهر أن القيسي كان يحيد عن قوله «سخينة» لأنها لقب على قريش، والخليفة من قريش.
[2] استنشاء: طلب إنشاء الشيء، وعبارة عبد الملك لا تخلو من غموض، فالشعر صريح في هزيمة قريش، وانتصار أعدائهم عليهم، فما معنى قوله: ما أرى صاحبك زاد على التمني والاستنشاء، لعله أراد بذلك التمني قول خداش:
«و لو أنا ثقفنا هشاما شالت النعم»
ومعروف أن «لو» حرف امتناع لامتناع.
[3] استغوت كنانة بني أسد: جروهم إلى الحرب، وفي ب «استغوث» بالثاء المثلثة، وهو تصحيف.
[4] في هد: «و بني تميم».
(5 - 5) تكملة من هد.
[6] اللف: الجماعة والأخلاط من الناس.
[7] في بعض النسخ: «أبو سفيان».
سهل ابن عمرو، وعلى بني الحارث بن فهر عبد اللّه بن الجرّاح أبو أبي عبيدة عامر/ بن عبيد اللّه بن الجراح، وعلى بني بكر بلعاء بن قيس، ومات في تلك الأيام، وكان جثّامة بن قيس أخوه مكانه، وعلى الأحابيش الحليس بن يزيد.
قواد هوازن ومن معهم
وكانت هوازن متساندين كذلك، وكان عطية بن عفيف النّصريّ على بني نصر بن معاوية، وقيل: بل كان عليهم أبو أسماء بن الضّريبة، وكان الخنيسق الجشمي على بني جشم وسعد ابني بكر، وكان وهب بن معتب على ثقيف، ومعه أخوه مسعود، وكان على بني عامر بن ربيعة وحلفائهم من بني جسر بن محارب سلمة ابن إسماعيل [1]: أحد بني البكّاء، ومعه خالد بن هوذة: أحد بني الحارث بن ربيعة، وعلى بني هلال بن عامر بن صعصعة ربيعة بن أبي ظبيان بن ربيعة بن أبي ربيعة بن نهيك بن هلال بن عامر.
هوازن تسبق قريشا وترجح كفتها
قال: فسبقت هوازن قريشا، فنزلت شمطة من عكاظ، وظنوا أن كنانة لم توافهم [2]، وأقبلت قريش، فنزلت من دون المسيل، وجعل حرب بني كنانة في بطن الوادي، وقال لهم: لا تبرحوا مكانكم، ولو أبيحت [3] قريش، فكانت هوازن من وراء المسيل.
قال أبو عبيدة: فحدثني أبو عمرو بن العلاء: قال:
كان ابن جدعان في إحدى المجنبتين، وفي الأخرى هشام بن المغيرة، وحرب في القلب، وكانت الدائرة في أول النهار لكنانة، فلما كان آخر النّهار تداعت [4] هوازن، وصبروا واستحرّ [5] القتل في قريش، فلما رأى ذلك بنو الحارث بن كنانة/ - وهم في بطن الوادي - / مالوا إلى قريش، وتركوا مكانهم، فلما استحرّ القتل بهم قال أبو مساحق بلعاء بن قيس لقومه: ألحقوا برخم - وهو جبل - ففعلوا، وانهزم الناس.
الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم يحضر هذه الحرب
وكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لا يصير في فئة إلا انهزم من يحاذيها [6]، فقال حرب بن أمية وعبد اللّه بن جدعان: ألا ترون إلى هذا الغلام ما يحمل على فئة إلا انهزمت؟
خداش يسجل المعركة بشعره
وفي ذلك يقول خداش بن زهير في كلمة له:
فأبلغ أن عرضت بنا هشاما ... وعبد اللّه أبلغ والوليدا
أولئك إن يكن في الناس خير ... فإن لديهم حسبا وجودا
__________
[1] في هد، هج: «سلمة بن يعلي».
[2] في هد، هج: «لن توافيهم» بدل «لم توافهم»، وفي نسخة أخرى: «ظنوا أن كنانة توافيهم وكلها معان محتملة.
[3] ولو أبيحت: ولو دارت الدائرة عليها.
[4] تداعت: دعا بعضها بعضا.
[5] استحر: صار حارا شديدا.
[6] في هج: «من يحاربها» بالراء لا بالذال، وكلاهما سديد.
هم خير المعاشر من قريش ... وأوراها إذا قدحت زنودا
بأنّا يوم شمطة قد أقمنا ... عمود المجد إنّ له عمودا
جلبنا الخيل ساهمة إليهم ... عوابس يدّرعن النقع قودا [1]
فبتنا نعقد السّيما وباتوا ... وقلنا: صبّحوا الأنس الحديدا [2]
فجاءوا عارضا بردا وجئنا ... كما أضرمت في الغاب الوقودا [3]
ونادوا: يا لعمرو لا تفرّوا ... فقلنا: لا فرار ولا صدودا
/ قوله: نعقد السيّما أي العلامات:
فعاركنا الكماة وعاركونا ... عراك النّمر عاركت الأسودا [4]
فولّوا نضرب الهامات منهم ... بما انتهكوا المحارم والحدودا
تركنا بطن شمطة من علاء ... كأنّ خلالها معزا [5] شريدا
ولم أر مثلهم هزموا وفلّوا ... ولا كذيادنا عنقا مذودا [6]
قوله: يا لعمرو، يعني عمرو بن عامر بن ربيعة بن عامر بن صعصعة.
اليوم الثالث يوم العبلاء
ثم كان اليوم الثالث من أيام الفجار، وهو يوم العبلاء، فجمع القوم بعضهم لبعض، والتقوا على قرن الحول بالعبلاء - وهو موضع قريب من عكاظ - ورؤساؤهم يومئذ على ما كانوا عليه يوم شمطة، وكذلك من كان على المجنبتين، فاقتتلوا قتالا شديدا، فانهزمت كنانة، فقال خداش بن زهير في ذلك:
خداش يستمر في التسجيل بشعره
ألم يبلغك بالعبلاء أنّا ... ضربنا خندقا حتى استقادوا [7]
نبنّي بالمنازل عزّ قيس ... وودّوا لو تسيخ بنا البلاد [8]
وقال أيضا:
ألم يبلغك ما لاقت قريش ... وحيّ بني كنانة إذ أثيروا
__________
[1] ساهمة: ضامرة، يدر عن النقع: يلبسن الغبار درعا، قودا: جمع أقود، وهو السلس القياد، أو الطويل العنق والظهر.
[2] صبحوا القوم الحديد: اسقوهم في الصباح الحديد بدل اللبن أو الخمر.
[3] العارض: السحاب، البرد: ذو البرد - بفتح الراء - وهو ما يسقط متجمدا من السماء على شكل حبيبات صغيرة.
[4] النمر: ككتف: ضرب من السباع، والجمع أنمر وأنمار ونمر ونمر ونمار، وأكثر كلام العرب نمر كقفل جمع نمر.
[5] معز - بفتح العين أو سكونها، أو معزى - بكسر الميم وسكون العين - كما في بعض النسخ، كل هذا بمعنى واحد.
[6] فلوا: ضعفوا وانهزموا، وفي رواية: «قلوا» بالقاف المثناة، والمعنى متقارب، ذياد: مصدر ذاد: دفع وصد، العنف: الجماعة من الناس، يقول: لم أر مثلهم في الشجاعة انهزموا، ولم أر مثل صدنا لجموعهم وتغلبنا عليهم.
[7] استقادوا: انقادوا، وخضعوا.
[8] نبني: مضعف «بني» بالتخفيف، تسيخ بنا البلاد: تنخسف.
/
دهمناهم بأرعن مكفهرّ ... فظلّ لنا بعقوتهم زئير [1]
نقوم مارن الخطّيّ فيهم ... يجيء على أسنّتنا الجزير [2]
اليوم الرابع يوم عكاظ
ثم كان اليوم الرابع من أيامهم، يوم عكاظ، فالتقوا في هذه المواضع على رأس الحول، وقد جمع بعضهم لبعض، واحتشدوا، والرؤساء بحالهم، وحمل عبد اللّه بن جدعان يومئذ ألف رجل من بني كنانة على ألف بعير. وخشيت قريش أن يجري عليها مثل ما جرى يوم العبلاء، فقيدّ حرب وسفيان [3] وأبو سفيان بنو أمية [4] بن عبد شمس أنفسهم، وقالوا: لا نبرح حتى نموت مكاننا، وعلى أبي سفيان يومئذ درعان قد ظاهر بينهما [5]، وزعم أبو عمرو بن العلاء أنّ أبا سفيان/ بن أمية خاصة قيّد نفسه، فسمّي هؤلاء الثلاثة يومئذ: العنابس - وهي الأسود واحدها عنبسة - فاقتتل الناس قتالا شديدا، وثبت الفريقان، حتى همّت بنو بكر بن عبد مناة وسائر بطون كنانة بالهرب، وكانت بنو مخزوم تلي كنانة، فحافظت حفاظا شديدا، وكان أشدّهم يومئذ بنوا المغيرة، فإنهم صبروا، وأبلوا بلاء حسنا، فلما رأت ذلك بنو عبد مناة من كنانة تذامروا [6] فرجعوا وحمل بلعاء بن قيس وهو يقول:
/إنّ عكاظ مأوانا فخلّوه ... وذا المجاز بعد أن تحلوه [7]
مبارزة يهزم فيها رئيس الأحابيش
وخرج الحليس بن يزيد [8]: أحد بني الحارث بن عبد مناة بن كنانة - وهو رئيس الأحابيش يومئذ - فدعا إلى المبارزة فبرز إليه الحدثان بن سعد النصري، فطعنه الحدثان، فدق عضده وتحاجزا.
الدائرة تدور على قيس
واقتتل القوم قتالا شديدا، وحملت قريش وكنانة على قيس من كل وجه [9]، فانهزمت قيس كلها إلا بني نصر فإنهم صبروا، ثم هربت بنو نصر وثبت بنو دهمان، فلم يغنوا شيئا، فانهزموا، وكان عليهم سبيع بن أبي ربيعة - أحد بني دهمان، فعقل نفسه ونادى: يا آل هوازن، يا آل هوازن، يا آل نصر! فلم يعرج عليه أحد، وأجفلوا منهزمين، فكرّ بنو أمية خاصة في بني دهمان ومعهم الخنيسق وقشعة الجشميّان، فقاتلوا فلم يغنوا شيئا، فانهزموا.
__________
[1] أرعن. يقال: جيش أرعن: عظيم جرار، العقوة: المكان المنفسح أمام المحلة.
[2] مارن الخطى: الرماح اللدنة، الجزير: فعيل بمعنى مفعول من الجزر، وفي رواية «الخرير» بالخاء: يعني خرير الدم المنبثق من أثر الطعنة.
[3] ضبطنا سفيان بضمة واحدة على اعتبار أنه مأخوذ من السفي، فتكون نونه زائدة، ويصح اعتباره مأخوذا عن «السفون» فتكون نونه أصلية، وحينئذ لا يمتنع صرفه.
[4] بنو أمية: نعت للأعلام الثلاثة السابقة.
[5] ظاهر بينهما: جعل كلا منهما مقوية للأخرى.
[6] تذامروا: حض بعضهم بعضا على القتال.
[7] البيت من المنسرح، وهاء القافية في المصراعين ساكنة، وعكاظ وذو المجاز: مكانان مشهوران في الجاهلية، وبكل منهما كانت تقام سوق للشعر وللتجارة.
[8] في هد: «الحليس بن زيد».
[9] ف: «من كل جانب».
من المستجير بخباء سبيعة
وكان مسعود بن معتّب الثقفيّ قد ضرب على امرأته سبيعة بنت عبد شمس بن عبد مناف خباء، وقال لها: من دخله من قريش فهو آمن، فجعلت توصل في خبائها؛ ليتسع [1]، فقال لها: لا يتجاوزني [2] خباؤك فإني لا أمضي لك إلا من أحاط به الخباء، فأحفظها [3] فقالت: أما واللّه إني لأظن أنك ستودّ أن لو زدت في توسعته [4]، فلما انهزمت قيس دخلوا خباءها مستجيرين بها فأجار لها حرب بن أمية جيرانها،/ وقال لها: يا عمة، من تمسّك بأطناب خبائك، أودار حوله فهو آمن، فنادت بذلك، فاستدارت قيس بخبائها، حتى كثروا جدا، فلم يبق أحد لا نجاة [5] عنده إلا دار بخبائها فقيل لذلك الموضع: مدار قيس، وكان يضرب به المثل، فتغضب قيس منه، وكان زوجها مسعود بن معتب بن مالك بن كعب بن عمرو بن سعد بن عوف بن قيس - وهو من ثقيف - قد أخرج معه يومئذ بنيه من سبيعة، وهم عروة ولوحة [6]، ونويرة، والأسود، فكانوا يدورون - وهم غلمان - في قيس يأخذون بأيديهم إلى خباء أمهم، ليجيروهم، فيسودوا، بذلك أمرتهم أمهم أن يفعلوا.
رواية أخرى لخبر خباء سبيعة
فأخبرني الحرمي والطوسي: قالا: حدثنا الزبير بن بكار، قال: حدثني محمد بن الحسن، عن المحرز بن جعفر وغيره:
أنّ كنانة وقيسا لما توافوا من العام المقبل من مقتل عروة بن عتبة بن جعفر بن كلاب ضرب مسعود الثقفيّ على امرأته سبيعة بنت عبد شمس أمّ بنيه خباء، فرآها تبكي حين تدانى الناس، فقال لها: ما يبكيك؟ فقالت: لما [7] يصاب غدا من قومي، فقال لها: من دخل خباءك فهو آمن، فجعلت توصل فيه القطعة بعد القطعة والخرقة والشيء ليتسع، فخرج وهب بن معتب حتى وقف عليها، وقال لها: لا يبقى طنب من أطناب هذا البيت إلا ربطت به رجلا من بني كنانة، [8] فلما صفّ القوم بعضهم لبعض خرجت سبيعة [8] فنادت بأعلى صوتها: إن وهبا يأتلي ويحلف ألّا يبقى طنب من أطناب هذا البيت إلا ربط به رجلا من كنانة، فالجدّ الجدّ، فلما/ هزمت قيس لجأ نفر منهم إلى خباء سبيعة بنت عبد شمس، فأجارهم حرب بن أميّة.
قيس تلجأ إلى خباء سبيعة فيجيرهم حرب بن أميّة
أخبرني هاشم بن محمد قال: حدثنا أبو غسّان دماذ، عن أبي عبيدة، قال:
لما هزمت قيس لجأت إلى خباء سبيعة، حتى أخرجوها منه، فخرجت، فنادت: من تعلّق بطنب من أطناب
__________
[1] إنما فعلت ذلك على اعتبار أن الدائرة تدور على قومها من قريش، فيتسع الخباء لأكبر عدد ممكن.
[2] في هد، هج: «لا تتجاوزي خباءك».
[3] أحفظها: أغضبها، وأوغر صدرها.
[4] تريد بعبارتها هذه أن الدائرة ستدور على قومه هو، لا على قومها هي. فيلوذ بهذا الخباء المنهزمون من رجاله، وحينئذ يود لو اتسع لأكبر عدد ممكن، وهذا هو ما حدث في نهاية الموقعة.
[5] في هد، هج: «فلم يبق أحد أراد نجاة عنده إلا دار بخبائها».
[6] في هد، هج: «الأوحد».
[7] كان القياس أن يقول: «لمن يصاب غدا من قومي» ولكن هكذا في جميع النسخ التي بأيدينا، فلعلها اعتبرت أن الاصابة تقع على المحاربين والخيول والإبل ونحوها، ومعلوم أن «ما» تقع على العاقل مع غيره.
(8 - 8) التكملة من هد، ويبدو أن نداءها كان موجها إلى قومها من قريش، لا إلى قوم بعلها من قيس.
بيتي فهو آمن في ذمتي، فداروا بخبائها، حتى صاروا حلقة، فأمضى ذلك كلّه حرب بن أمية لعمّته، فكان يضرب في الجاهلية بمدار قيس المثل، ويعيّرون بمدارهم يومئذ بخباء سبيعة بنت عبد شمس، قال:
شاعران يسجلان الموقعة
وقال ضرار بن الخطاب الفهري قوله:
ألم تسأل الناس عن شأننا ... ولم يثبت الأمر كالخابر
غداة عكاظ إذ استكملت ... هوازن في كفّها الحاضر [1]
وجاءت سليم تهزّ القنا ... على كل سلهبة ضامر [2]
وجئنا إليهم على المضمرات ... بأرعن ذي لجب زاخر [3]
فلما التقينا أذقناهم ... طعانا بسمر القنا العائر [4]
ففرّت سليم ولم يصبروا ... وطارت شعاعا بنو عامر [5]
وفرت ثقيف إلى لاتها ... بمنقلب الخائب الخاسر [6]
وقاتلت العنس شطر النها ... رثم تولّت مع الصادر [7]
/على أن دهمانها حافظت ... أخيرا لدى دارة الدائر
وقال خداش بن زهير:
أتتنا قريش حافلين بجمعهم ... عليهم من الرحمن واق وناصر
فلما دنونا للقباب وأهلها ... أتيح لنا ريب مع الليل ناجر [8]
أتيحت لنا بكر وحول لوائها ... كتائب يخشاها العزيز المكاثر
جثت دونهم بكر فلم تستطعهم ... كأنهم بالمشرفيّة سامر
وما برحت خيل تثور وتدّعى ... ويلحق منهم أولون وآخر
لدن غدوة حتى أتى وانجلى لنا ... عماية يوم شرّه متظاهر [9]
وما زال ذاك الدأب حتى تخاذلت ... هوازن وارفضّت سليم وعامر
__________
[1] كفها: لعله من الكف بمعنى ضم الشيء بعضه إلى بعض، والمراد ضم جيوشها، وفي بعض النسخ «لفظها» ولا معنى له.
[2] السلهبة من الخيل: العظيم الطويل العظام.
[3] بأرعن: بجيش أرعن: عظيم جرار.
[4] في هد، هج: «بصم القنا»: بالقنا المصمت، العائر: الذي يصيب العين بالعور.
[5] الشعاع: المتفرق المنتشر.
[6] إلى لاتها: إلى صنمها «اللات» الذي تعبده.
[7] العنس: إحدى القبائل المحاربة، وفي هد، هج: «العير».
[8] ناجر: شديد الحرارة، وفي هد:
«أتيح لنا ريب من الدهر ناجر»
وفي هج:
«أتيح له عتب مع الليل فاخر»
[9] شره متظاهر: هجومه قوي، وفي هد، هج بدل المصراع الأول
«لدن غدوه حتى أتى الليل وانجلت»
وكانت قريش يفلق الصخر حدّها ... إذا أوهن الناس الجدود العواثر
اليوم الخامس يوم حريرة
ثم كان اليوم الخامس، وهو يوم الحريرة [1]، وهي حرّة إلى جانب عكاظ، والرؤساء بحالهم إلا بلعاء بن قيس؛ فإنه قد مات فصار أخوه مكانه على عشيرته، فاقتتلوا، فانهزمت كنانة وقتل يومئذ أبو سفيان [2] بن أميّة وثمانية رهط من بني كنانة، قتلهم عثمان بن أسد من بني عمرو بن عامر [3] بن ربيعة، وقتل ورقاء بن الحارث: أحد بني عمرو بن عامر من بني كنانة [3] وخمسة نفر.
خداش يسجل هذه الموقعة
وقال خداش بن زهير، في ذلك:
لقد بلوكم فأبلوكم بلاءهم ... يوم الحريرة ضربا غير تكذيب
إن توعدوني فإني لابن عمّكم ... وقد أصابوكم منه بشؤبوب [4]
وإن ورقاء قد أردى أبا كنف ... وابني إياس وعمرا وابن أيّوب
/ وإن عثمان قد أردى ثمانية ... منكم وأنتم على خبر وتجريب
خداش يفقد أباه فيسجل ذلك الشويعر الليثي
ثم كان الرجل منهم بعد ذلك يلقى الرجل، والرجلان يلقيان الرجلين، فيقتل بعضهم بعضا. فلقي ابن محمية ابن عبد اللّه الدّبليّ زهير بن ربيعة أبا خداش، فقال زهير: إني حرام جئت معتمرا، فقال له: ما تلقى [5] طوال الدهر إلا قلت: أنا معتمر، ثم قتله، فقال الشويعر الليثي، واسمه ربيعة بن علس [6]:
تركنا ثاويا يزقو صداه ... زهيرا بالعوالي والصّفاح [7]
أتيح له ابن محمية بن عبد ... فأعجله التسؤم بالبطاح [8]
صلح لا يتم
ثم تداعوا إلى الصلح على أن يدي [9] من عليه فضل في القتلى، الفضل إلى أهله، فأبى ذلك وهب بن معتّب،
__________
[1] الحريرة: تصغير حرة - بفتح الحاء وتشديد الراء مع فتحها - وهي الأرض ذات حجارة سود كأنها أحرقت.
[2] هو غير أبي سفيان أبي معاوية، فالقتيل عمه.
(3 - 3) التكملة من هد.
[4] الشؤبوب: الدفعة من المطر، والمراد هنا شؤبوب من الدماء.
[5] هذه رواية هد، هج، والذي في ب: «ما تبقى».
[6] في ب «عبس».
[7] يزقو: يصوت، الصدى: طائر تزعم العرب أنه يخرج من رأس القتيل، فما يزال يقول: «اسقوني» حتى يؤخذ بثأره، الصفاح:
السيوف.
[8] التسوم: الإغارة، أو سوق الخيل المسومة.
[9] في رواية «يؤدي» بدل «يدي»، وعلى الرواية الأولى يكون المراد بالفضل المال المتبقي، وعلى الرواية الثانية يكون المراد بالفضل القتلى الزائدين.
وخالف قومه، واندسّ إلى هوازن، حتى أغارت/ على بني كنانة، فكان منهم بنو عمرو بن عامر بن ربيعة، عليهم سلمة بن سعدى [1] البكائي، وبنو هلال عليهم ربيعة بن أبي ظبيان الهلالي، وبنو نصر بن معاوية، عليهم مالك بن عوف، وهو يومئذ أمرد، فأغاروا على بني ليث [2] بن بكر بصحراء الغميم، فكانت [3] لبني ليث أول النهار، فقتلوا عبيد بن عوف البكائي، قتله بنو مدلج وسبيع بن المؤمل الجسري حليف بني عامر، ثم كانت على بني ليث آخر النهار، فانهزموا، واستحّر [4] القتل في بني الملوّح بن يعمر بن ليث، وأصابوا نعما ونساء حينئذ، فكان [5] ممن قتل في حروب الفجار من قريش العوّام بن خويلد، قتله مرّة بن معتّب، وقتل حزام بن خويلد، وأحيحة بن أبي أحيحة، ومعمر ابن حبيب الجمحي، وجرح حرب بن أمية، وقتل من قيس الصّمّة أبو دريد بن الصمّة، قتله جعفر بن الأحنف [6].
صلح يتم برهائن
ثم تراضوا بأن يعدّوا القتلى، فيدوا من فضل، فكان الفضل لقيس على قريش وكنانة، فاجتمعت القبائل على الصلح، وتعاقدوا ألا يعرض [7] بعضهم لبعض، فرهن حرب بن أميّة ابنه أبا سفيان بن حرب، ورهن الحارث بن كلدة العبديّ [8] ابنه النضر، ورهن سفيان بن عوف أحد بني الحارث بن عبد مناة ابنه الحارث،/ حتى وديت [9] الفضول، ويقال: إن عتبة بن ربيعة تقدم يومئذ، فقال: يا معشر قريش، هلمّوا إلى صلة الأرحام والصلح، قالوا:
وما صلحكم هنا، فإنّا موتورون [10]؟ فقال: على أن ندي قتلاكم، ونتصدق عليكم بقتلانا فرضوا بذلك، وساد [11] عتبة مذ يومئذ، قال: فلما رأت هوازن رهائن قريش بأيديهم رغبوا في العفو، فأطلقوهم.
النبي يشهد الفجار
قال أبو عبيدة: ولم يشهد الفجار من بني هاشم غير الزبير بن عبد المطلب، وشهد النبي صلّى اللّه عليه وسلم وآله سائر الأيام إلا يوم نخلة، وكان يناول عمّه وأهله النّبل، قال: وشهدها صلى اللّه عليه وسلم وهو ابن عشرين سنة، وطعن النبي صلّى اللّه عليه وسلم وآله أبا براء ملاعب الأسنة، وسئل صلّى اللّه عليه وآله عن مشهده يومئذ، فقال: ما سرني أني لم أشهده، إنهم تعدّوا على قومي، عرضوا عليهم أن يدفعوا إليهم البرّاض صاحبهم، فأبوا.
__________
[1] في هد، هج: «بني سعلي».
[2] في هد، هج: «ليث بن كعب بن بكر».
[3] فكانت، أي الغلبة،
[4] استحر القتل: أشتد.
[5] في الأصل: فكان من قتل، وقد صوبناها بزيادة حرف الجر «من» ولعلها: فكان من قتلى حروب الفجار ... الخ.
[6] في هد، هج: «حفص بن الأحنف».
[7] في بعض النسخ: «فتعاقدوا على أن يرهن بعضهم لبعض» وهي أنسب لما يرد بعد.
[8] في هج: «العبدري» - نسبة إلى عبد الدار - بدل «العبدي» والنضر المشار اليه هنا هو أخو قتيلة الذي قتله صلى اللّه عليه وسلم في بدر، فرثته أخته بالأبيات القافية المعروفة.
[9] في هد، هج: «حتى أديت» وقد سبق نظير هذا.
[10] في هج أورد العبارة كما يلي: «و ما صلحكم؟ هؤلاء أصحابنا موتورون».
[11] في الأصل «و سار عتبة يومئذ على أن أقبل» ولا معنى له، والمثبت من «ف».
كشف حساب القتلى
قال: وكان الفضل عشرين قتيلا من هوازن، فوادهم حرب بن أمية فيما تروي قريش، وبنو كنانة تزعم أن القتلى الفاضلين قتلاهم، وأنهم هم ودوهم.
هل شهد أعمام النبي هذه الموقعة
وزعم قوم من قريش أن أبا طالب وحمزة والعباس بني عبد/ المطلب - عليهما [1] السلام - شهدوا هذه الحروب، ولم يردّ ذلك [2] أهل العلم بأخبار العرب.
سبيعة تجير بعلها
قال أبو عبيدة: ولما انهزمت قيس خرج مسعود بن معتّب لا يعرّج على شيء حتى أتى سبيعة بنت عبد شمس زوجته، فجعل أنفه بين ثدييها، وقال: أنا باللّه [3] /و بك، فقالت: كلا، زعمت أنك ستملأ بيتي من أسرى قومي، اجلس فأنت آمن.
عود إلى الصوت وبقيته
وقالت أميمة بنت عبد شمس ترثي ابن أخيها أبا سفيان بن أمية ومن قتل من قومها، والأبيات التي فيها الغناء منها:
أبي ليلك لا يذهب ... ونيط الطّرف بالكوكب [4]
ونجم دونه الأهوا ... ل بين الدّلو والعقرب
وهذا الصبح لا يأتي ... ولا يدنو ولا يقرب
بعقر عشيرة منّا ... كرام الخيم والمنصب [5]
أحال عليهم دهر ... حديد النّاب والمخلب
فحلّ بهم وقد أمنوا ... ولم يقصر ولم يشطب [6]
وما عنه إذا ما حلّ ... من منجّى ولا مهرب
ألا يا عين فابكيهم ... بدمع منك مستغرب [7]
فإن أبك فهم عزّي ... وهم ركني وهم منكب
__________
[1] ضمير عليهما يعود على حمزة والعباس، أما أبو طالب فقد استثناه المؤلف فيما يبدو.
[2] في هد، هج: «و لم يرو ذلك أهل العلم» بدل «و لم يرد».
[3] متعلق الجار والمجرور محذوف، تقديره لائذ أو معتصم، أو مستجير ونحو ذلك.
[4] تقدم هذا البيت والبيتان التاليان له.
[5] في هد، هج:
«كرام الخيم والمذهب»
الخيم: الخصال والطباع.
[6] يشطب: من شطب عن الشيء بمعنى عدل عنه.
[7] مستغرب: غزير.
وهم أصلي وهم فرعي ... وهم نسبي إذا أنسب
وهم مجدي وهم شرفي ... وهم حصني إذا أرهب
وهم رمحي وهم ترسي ... وهم سيفي إذا أغضب
فكم من قائل منهم ... إذا ما قال لم يكذب
/ وكم من ناطق فيهم ... خطيب مصقع معرب
وكم من فارس فيهم ... كميّ معلم محرب [1]
وكم من مدرة [2] فيهم ... أريب حوّل قلّب [3]
وكم من جحفل فيهم ... عظيم النّار والموكب
وكم من خضرم فيهم ... نجيب ماجد منجب [4]
صوت
أحبّ هبوط الواديين وإنني ... لمشتهر بالواديين غريب
أحقّا عباد اللّه أن لست خارجا ... ولا والجا إلا عليّ رقيب
ولا زائرا فردا ولا في جماعة ... من الناس إلا قيل: أنت مريب
وهل ريبة في أن تحنّ نجيبة ... إلى إلفها أو أن يحنّ نجيب
الشعر فيما ذكره أبو عمرو الشيباني في أشعار بني جعدة، وذكره أبو الحسن المدائني في أخبار رواها لمالك ابن الصّمصامة [5] الجعدي، ومن الناس من يرويه لابن الدّمينة ويدخله في قصيدته التي على هذه القافية، والروي والغناء لإسحاق هزج بالبنصر عن عمرو.
__________
[1] المعلم من الفرسان: من يتخذ لنفسه في الحرب علامة تميزه، المحرب: الخبير المضطلع بأمور الحرب.
[2] المدره: خطيب القوم، أو سيدهم.
[3] الحول القلب: المحتال الحازم الذي يلبس لكل حال لبوسها، وفي الأصل «حوله مغلب» بدل «حول قلب» وهو تحريف، والمثبت من هد، هج.
[4] الخضرم: السيد الجواد، المنجب: من ينجب أولاده.
[5] الصمصامة، والصمصام في الأصل: السيف لا ينثى، واستعمل هنا علما.
5 - أخبار مالك ونسبه
نسبه
هو مالك بن الصّمصامة بن سعد بن مالك: أحد بن جعدة بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، شاعر بدوي مقلّ.
يهوى جنوب ويحول بينهما أخوها
أخبرني بخبره هاشم بن محمد الخزاعيّ ومحمد بن خلف بن المرزبان، قالا:
أخبرنا أحمد بن الحارث الخراز، عن المدائني، ونسخت خبره أيضا من كتاب أبي عمرو الشيباني، قالوا:
كان مالك بن الصّمصامة الجعديّ فارسا شجاعا جوادا جميل الوجه، وكان يهوى جنوب بنت محصن الجعديّة، وكان أخوها الأصبغ بن محصن من فرسان العرب وشجعانهم وأهل النجدة والبأس منهم، فنمى إليه نبذ من خبر مالك، فآلى يمينا جزما: لئن بلغه أنه عرض لها أوزارها ليقتلنه، ولئن بلغه أنه ذكرها في شعر أو عرّض بها ليأسرنه، ولا يطلقه إلا أن يجزّ ناصيته في نادي قومه، فبلغ ذلك مالك بن الصّمصامة، فقال:
إذا شئت فاقرنّي إلى جنب عيهب ... أجبّ ونضوي للقلوص جنيب [1]
فما الحلق بعد الاسر شرّ بقية ... من الصّدّ والهجران وهي قريب
ألا أيها الساقي الذي بلّ دلوه ... بقريان يسقي هل عليك رقيب [2]
/إذا أنت لم تشرب بقريان شربة ... وحانية الجدران ظلت تلوب [3]
أحبّ هبوط الواديين وإنني ... لمشتهر بالواديين غريب
أحقّا عباد اللّه أن لست خارجا ... ولا والجا إلا عليّ رقيب!
ولا زائرا وحدي ولا في جماعة ... من الناس إلا قيل: أنت مريب
__________
[1] الخطاب لمالك بن الصمصامة أخي جنوب، أقرني: شدني، العيهب: الكساء من الصوف، أجب: مقطوع، النضو: الثوب الخلق، القلوص: في الأصل الناقة الفتية، والعرب تكنى بالقلوص عن الفتاة، يقول: إذا شئت أسرى فشدني إلى رداء من الصوف بال في بيتك بجوار جنوب أختك وفي ب «نجيب» بدل «جنيب»، وهو تحريف.
[2] قريان: موضع.
[3] يخاطب بهذا البيت نفسه، وحانية الجدران: لعله قسم بجدران الكعبة الحانية، أو عطف على «قريان» وفي الأصل: «و جانية» بالجيم، ولم نجد لها معنى، تلوب: من لاب بلوب: عطس، أو دار حول الماء وهو لا يستطيع الوصول إليه، يقول: إذا أنا لم أشرب من هذا الوادي فسأظل ظامئا وحق الكعبة.
وهل ريبة في أن تحنّ نجيبة ... إلى إلفها أو أن يحنّ نجيب
يراها فلا يستطيع مخاطبتها
وقال أبو عمرو خاصة: حدثنا فتيان من بني جعدة أنها أقبلت ذات يوم، وهو جالس في مجلس فيه أخوها، فلما رآها عرفها، ولم يقدر على الكلام بسبب أخيها، فأغمي عليه، وفطن أخوها لما به، فتغافل عنه، وأسنده بعض فتيان العشيرة إلى صدره، فما تحرك، ولا أحار جوابا ساعة من نهاره، وانصرف أخوها كالخجل، فلما أفاق قال:
ألمّت فما حيّت وعاجت فأسرعت ... إلى جرعة بين المخارم فالنّجر [1]
خليليّ قد حانت وفاتي فاحفرا ... برابية بين المخافر والبتر [2]
لكيما تقول العبدليّة كلما ... رأت جدثي: سقّيت يا قبر من قبر [3]
جنوب ترعى عهده
وقال المدائني في خبره: انتجع أهل بيت جنوب ناحية حسى والحمى، وقد أصابها الغيث، فأمرعت، فلما أرادوا الرحيل وقف لهم مالك بن الصّمصامة، حتى إذا بلغته جنوب أخذ بخطام بعيرها، ثم أنشأ يقول:
/أريتك إن أزمعتم اليوم نيّة ... وغالك مصطاف الحمى ومرابعه [4]
أترعين ما استودعت أم أنت كالذي ... إذا ما نأى هانت عليه ودائعه
فبكت، وقالت: بل أرعى واللّه ما استودعت، ولا أكون كمن هانت عليه ودائعه، فأرسل بعيرها، وبكى، حتى سقط مغشيّا عليه، وهي واقفة، ثم أفاق، وقام، فانصرف وهو يقول:
/ألا إنّ حسيا دونه قلّة الحمى ... منى النفس لو كانت تنال شرائعه [5]
وكيف ومن دون الورود عوائق ... وأصبغ حامي ما أحبّ ومانعه [6]
فلا أنا فيما صدّني عنه طامع ... ولا أرتجي وصل الذي هو قاطعه
صوت
يا دار هند عفاها كلّ هطّال ... بالخبت مثل سحيق اليمنة البالي [7]
__________
[1] عاجت: رجعت، الجرعة: الأرض ذات الحزونة، المخارم والنحر: مكانان.
[2] في هد، هج:
«إن حانت»
بدل
«قد حانت»
، وفي هج:
«بين المحاضر والبئر»
بدل
«لي بالمخافر والبتر»
وفي هد:
«برابية لي بالمحاضر والبئر»
وكلها أسماء أماكن.
[3] العبدلية يعني بها حبيبته، وفي هد: «حييت» بدل «سقيت».
[4] نية: رحلة وبعدا، غالك: أخفاك عني.
[5] قلة كل شي ء: أعلاه، يريد أن علية الحمى حلوا بحسى، منى النفس: بدل من «قلة الحمى»، شرائع: جمع شريعة، وهي مورد الماء كالغدير ونحوه.
[6] يريد الأصبغ أخا جنوب.
[7] عفاها: محاها، وغير معالمها، الخبت: مكان، اليمنة: برد مخصوص يرد من اليمن.
أربّ فيها وليّ ما يغيّرها ... والريح مما تعفّيها بأذيال [1]
دار وقفت بها صحبي أسائلها ... والدمع قد بلّ مني جيب سربالي
شوقا إلى الحيّ أيام الجميع بها ... وكيف يطرب أو يشتاق أمثالي؟ [2]
قوله. أربّ فيها أي أقام فيها وثبت، والولّي: الثاني من أمطار السنة، أولها الوسميّ، والثاني الوليّ، ويروى.
جرت عليها رياح الصيف فاطّرقت
واطّرقت: تلبدت.
الشعر لعبيد بن الأبرص، والغناء لإبراهيم هزج بإطلاق الوتر في مجرى الوسطى عن إسحاق، وفيه لابن جامع رمل بالوسطى، وقد نسب لحنه هذا إلى إبراهيم ولحن إبراهيم إليه.
__________
[1] تولى المؤلف شرح بعض ألفاظ البيت. الريح: معطوف على ولى، وإثبات الأذيال للريح استعارة.
[2] الاستفهام هنا للاستبعاد، ولعل سبب هذا الاستبعاد يأسه من اللقاء.
6 - أخبار عبيد بن الأبرص ونسبه [1]
اسمه ونسبه
قال أبو عمرو الشيباني: هو عبيد بن الأبرص بن حنتم بن عامر بن مالك بن زهير بن مالك بن الحارث بن سعد بن ثعلبة بن دودان بن أسد بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر. شاعر فحل فصيح من شعراء الجاهلية، وجعله ابن سلام في الطبقة الرابعة من فحول الجاهلية، وقرن به طرفة وعلقمة بن عبدة وعديّ بن زيد.
شاعر ضائع الشعر
أخبرنا أبو خليفة، عن محمد بن سلّام، قال:
عبيد بن الأبرص قديم الذكر، عظيم الشهرة، وشعره مضطرب ذاهب لا أعرف له إلا قوله في كلمته:
أقفر من أهله ملحوب
ولا أدري ما بعد ذلك.
يتهم بأخته
أخبرنا عبد اللّه بن مالك النحوي الضرير، قال: حدثنا محمد بن حبيب، عن ابن الأعرابي وأبي عمرو الشيباني، قالا:
كان من حديث عبيد بن الأبرص أنّه كان رجلا محتاجا، ولم يكن له مال، فأقبل ذات يوم ومعه غنيمة له، ومعه أخته ماويّة، ليوردا غنمهما الماء، فمنعه رجل من بني مالك بن ثعلبة وجبهة [2]، فانطلق حزينا مهموما للذي صنع به المالكي، حتى أتى شجرات فاستظل تحتهن، فنام هو وأخته، فزعموا أن المالكي نظرا إليه وأخته إلى جنبه، فقال:
ذاك عبيد قد أصاب ميّا ... يا ليته ألقحها صبيّا
فحملت فوضعت ضاويا [3]
/فسمعه عبيد، فرفع يديه، ثم ابتهل، فقال: اللهم إن كان فلان ظلمني، ورماني بالبهتان فأدلني منه - أي اجعل لي منه دولة، وانصرني عليه - ووضع رأسه فنام، ولم يكن قبل ذلك يقول الشعر.
__________
[1] جاءت ترجمته في هذا المكان في النسخ المخطوطة: هد، مد، مه، و «التجريد»، وطبعة بولاق وجاءت في آخر «الأغاني» بين ترجمتي: أبي العيال، وعمارة بن عقيل في مخطوطة فيض اللّه، وطبعة بيروت.
[2] جبهة: صك جبهته، أو قابله بما لا يحب.
[3] ضاويا: مهزولا نحيفا.
يهبط عليه الشعر من السماء في النوم
فذكر أنه أتاه آت في المنام بكبّة [1] من شعر، حتى ألقاها في فيه، ثم قال: قم، فقام وهو يرتجز: يعني بني مالك؛ وكان يقال لهم بنو الزّنية يقول:
أيا بني الزّنية ما غرّكم ... فلكم الويل بسربال حجر [2]
ثم استمرّ بعد ذلك في الشعر، وكان شاعر بني أسد غير مدافع.
بينه وبين امرىء القيس
أخبرني هاشم بن محمد/ الخزاعيّ، قال: حدّثنا أبو غسان دماذ، عن أبي عبيدة، قال:
اجتمعت بنو أسد بعد قتلهم حجر بن عمرو والد امرىء القيس إلى امرىء القيس ابنه على أن يعطوه ألف بعير دية أبيه؛ أو يقيدوه من أيّ رجل شاء من بني أسد، أو يمهلهم حولا؛ فقال: أما الدية فما ظننت أنكم تعرضونها على مثلي، وأما القود فلو قيد إليّ ألف من بني أسد ما رضيتهم؛ ولا رأيتهم كفؤا لحجر، وأما النّظرة [3] فلكم، ثم ستعرفونني في فرسان قحطان، أحكّم فيكم ظبا السيوف وشبا الأسنّة، حتى أشفي نفسي، وأنال ثأري، فقال عبيد ابن الأبرص في ذلك:
صوت
يا ذا المخوّفنا بقتل ... أبيه إذلالا وحينا [4]
أزعمت أنك قد قتلت ... سراتنا كذبا ومينا [5]؟
هلّا على حجر ابن أم ... م قطام تبكي لا علينا [6]
إنّا إذا عضّ الثّقا ... ف برأس صعدتنا لوينا [7]
نحمي حقيقتنا وبعض ... الناس يسقط بين بينا [8]
هلّا سألت جموع كندة ... يوم ولّوا أين أينا؟
- الغناء لحنين رمل في مجرى الوسطى مطلق عن الهشامي، وفيه ليحيى المكيّ خفيف ثقيل: -
__________
[1] الكبة: مجموعة من الخيوط ونحوها على شكل كرة.
[2] لعله يعني بالسربال الدرع، نقول: وهل كان الوحي يأتيه في المنام بمثل هذا البيت التافه؟
[3] النظرة - بكسر الظاء - المهلة، ومنه قوله تعالى: «فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ»
[4] إذلالا: مفعول «المخوفنا» الحين: الهلاك.
[5] سراتنا: أشرافنا.
[6] حجر ابن أم قطام: هو أبو امرىء القيس، وإنما نسبه إلى أمه سخرية به.
[7] الثقاف: آلة تعدل بها الرماح المعوجة، الصعدة: الرمح، يريد أن قناتهم لا يعدلها الثقاف، بل تلتوي عليه، كما يقول عمرو بن كلثوم:
وان قناتنا يا عمرو أعيت ... على الأعداء قبلك أن تلينا
إذا عض الثقاف بها اشمأزت ... وولتهم عشوزنة حرونا
[8] الحقيقة: ما ينبغي حمايته من حريم ووطن ومال وغير ذلك.
قال: وتمام هذا الأبيات:
أيام نضرب هامهم ... ببواتر حتى انحنينا [1]
وجموع غسّان الملو ... ك أتينهم وقد انطوينا [2]
لحقا أيا طلهنّ قد ... عالجن أسفارا وأينا [3]
/ [4] والأياطل: الخواصر أي هن ضوامرها؟ [4]:
نحن الألى فاجمع جمو ... عك ثم وجّههم إلينا [5]
واعلم بأنّ جيادنا ... آلين لا يقضين دينا [6]
ولقد أبحنا ما حمي ... ت ولا مبيح لما حمينا
هذا ولو قدرت علي ... ك رماح قومي ما انتهينا
حتى تنوشك نوشة ... عاداتهنّ إذا انتوينا [7]
نغلي السّباء بكل عا ... تقة شمول ما صحونا [8]
ونهين في لذّاتنا ... عظم التّلاد إذا انتشينا
لا يبلغ الباني ولو ... رفع الدّعائم ما بنينا
كم من رئيس قد قتل ... ناه وضيم قد أبينا
ولربّ سيّد معشر ... ضخم الدّسيعة قد رمينا [9]
عقبانه بظلال عق ... بان تتمّم ما نوينا [10]
حتى تركنا شلوه ... جزر السّباع وقد مضينا [11]
/إنّا لعمرك ما يضا ... م حليفنا أبدا لدينا
/ وأوانس مثل الدّمى ... حور العيون قد استبينا [12]
__________
[1] نون الروى: ضمير البواتر، والألف ألف الإشباع، وليست «نا» من «انحنينا» للمتكلم.
[2] ضمير «انطوين» يعود على الجياد المفهومة من المقام بدليل البيت التالي، وانطوين: من الطوى بمعنى الجوع، يعني بذلك أنها ضامرة بدليل البيت التالي أيضا.
[3] الأين: التعب والمشقة.
(4 - 4) التكملة من هد.
[5] صلة الألى محذوفة، تقديرها «تعرفهم، أو تدري بأسهم، ونحو ذلك».
[6] يريد أن كل دم أراقاته جبار لا دية له ولا قود.
[7] تنوشك: تتناولك، يريد نوشة قاسية، انتوين: نوين، وصممن.
[8] العاتقة الشمول: الخمر المعتقة، ما صحونا: مدة صحونا.
[9] الدسيعة: الجفنة الكبيرة، أو المائدة الكريمة، أو العطية الجزيلة، أو القوة العارمة، وكل هذا يتسق مع معنى البيت.
[10] يريد أن العقبان تتعاور جسده سربا بعد سرب تتمم فناءه الذي بدءوه، وفي هد، هج، «تيمم» وفي «المختار»:
«تيمم من نوينا»
[11] الشلو: بقية اللحم ونحوه، جزر السباع: ما تأكله السباع من اللحم.
[12] في هج: «شبه» بدل «مثل» وربما كان الأنسب «و أوانسا» بالنصب على أنها مفعول مقدم «لا ستبينا» والتنوين هنا للضرورة.
الشعر على السنة الأفاعي
وقرأت في بعض الكتب، عن ابن الكلبي، عن أبيه، وهو خبر مصنوع، يتبين التوليد فيه:
أنّ عبيد بن الأبرص سافر في ركب من بني أسد، فبيناهم يسيرون إذا هم بشجاع يتمعّك [1] على الرمضاء فاتحا فاه من العطش، وكانت مع عبيد فضلة من ماء ليس معه ماء غيرها، فنزل فسقاه الشجاع عن آخره حتى روي وانتعش، فانساب في الرمل، فلما كان من الليل، ونام القوم ندّت رواحلهم، فلم ير لشيء منها أثر، فقام كل واحد يطلب راحلته، فتفرقوا، فبينا عبيد كذلك؛ وقد أيقن بالهلكة والموت إذا هو بهاتف يهتف به:
يا أيّها الساري المضلّ مذهبه ... دونك هذا البكر منّا فاركبه [2]
وبكرك الشارد أيضا فاجنبه ... حتى إذا الليل تجلّى غيهبه [3]
فحط عنه رحله وسيّبه
فقال له عبيد: يا هذا المخاطب، نشدتك اللّه إلّا أخبرتني: من أنت؟ فأنشأ يقول:
أنا الشّجاع الذي ألفيته رمضا ... في قفرة بين أحجار وأعقاد [4]
/فجدت بالماء لما ضنّ حامله ... وزدت فيه ولم تبخل بإنكاد
الخير يبقى وإن طال الزمان به ... والشرّ أخبث ما أوعيت من زاد [5]
فركب البكر وجنب بكره، وسار فبلغ أهله مع الصبح، فنزل عنه، وحل رحله، وخلّاه، فغاب عن عينه، وجاء من سلم من القوم بعد ثلاث.
يومان للمنذر بن ماء السماء
أخبرني محمد بن عمران المؤدب وعمّي، قالا: حدثنا محمد بن عبيد: قال: حدثني محمد بن يزيد بن زياد الكلبي، عن الشرقي بن القطامي: قال:
كان المنذر بن ماء السماء قد نادمه رجلان من بني أسد، أحدهما خالد بن المضلّل، والآخر عمرو بن مسعود ابن كلدة، فأغضباه في بعض المنطق، فأمر بأن يحفر لكل واحد حفيرة بظهر الحيرة، ثم يجعلا في تابوتين، ويدفنا في الحفرتين، ففعل ذلك بهما، حتى إذا أصبح سأل عنهما، فأخبر بهلاكهما، فندم على ذلك، وغمّه، وفي عمرو ابن مسعود وخالد بن المضلل الأسديين يقول شاعر بني أسد:
__________
[1] في ب: «تجنى» بدل «تجلى».
[2] يتمعك: يتمرغ في التراب، ويتقلب فيه.
[3] كان القياس إسكان باء «فاركبه» لا ضمها.
[4] الشجاع: الثعبان، رمضا: حار الجوف من شدة العطش، أعقاد: لعل المراد بها الأرض الكثيرة الشجر، ومنه العقدة بهذا المعنى.
[5] أوعيت: حملت في وعائك. نقول: وقد نسبوا الشعر إلى آدم أبي البشر، وإلى الملائكة، وإلى الشياطين، وها هم أولاء ينسبونه إلى الثعابين.
يا قبر بين بيوت آل محرّق ... جادت عليك رواعد وبروق
أمّا البكاء فقلّ عنك كثيرة ... ولئن بكيت فللبكاء خليق [1]
ثم ركب المنذر، حتى نظر إليهما، فأمر ببناء الغريّين [2] عليهما، فبنيا عليهما، وجعل لنفسه يومين في السنة يجلس فيهما عند الغريين، يسمّي أحدهما يوم نعيم،/ والآخر يوم بؤس، فأول من يطلع عليه يوم نعيمه يعطيه مائة من الأبل شوما [3] أي: سودا، وأول من يطلع عليه يوم بؤسه يعطيه رأس ظربان [4] أسود، ثم يأمر به، فيذبح ويغرّى بدمه الغريّان، فلبث بذلك برهة من دهره.
يقتل في يوم بؤس المنذر
ثم إن عبيد بن الأبرص كان أول من أشرف عليه في يوم بؤسه، فقال: هلا كان الذبح لغيرك يا عبيد؟ فقال:
أتتك بحائن [5] رجلاه، فأرسلها مثلا، فقال له المنذر: أو أجل بلغ إناه [6]، فقال له [7] المنذر: أنشدني، فقد كان شعرك يعجبني، فقال عبيد: حال الجريض [8] دون القريض،/ وبلغ الحزام الطّبيين [9]. فأرسلها مثلا، فقال له النعمان: أسمعني، فقال: المنايا على الحوايا [10]، فأرسلها مثلا، فقال له آخر: ما أشدّ جزعك من الموت، فقال:
لا يرحل رحلك من ليس معك [11] فأرسلها مثلا، فقال له المنذر: قد أمللتني، فأرحني قبل أن آمر بك، فقال عبيد:
من عزّ بزّ [12] فأرسلها مثلا، فقال المنذر: أنشدني قولك:
أقفر من أهله ملحوب
فقال عبيد:
صوت
أقفر من أهله عبيد ... فليس يبدي ولا يعيد [13]
__________
[1] فللبكاء خليق: جدير بك، وفي هد، هج و «المختار»: «فبالبكاء» أي فأنت بالبكاء خليق.
[2] الغريان: بناءان أقامهما المنذر على نديميه اللذين قتلهما، ونرجح أن هذه التسمية إنما جاءت من طلائهما بدماء من يقتل في يوم بؤس المنذر، والتغرية في اللغة بمعنى التطلية.
[3] شوما: لعله جمع أشيم أو شيماء بمعنى في جسمها شامة، وليس معنى ذلك السواد، كما شرحه المؤلف، وفي هد: هج «سهما» بدل «شوما» وليس من معانيها السواد أيضا.
[4] الظربان: حيوان دون السنور، أصلم الأذنين، طويل الخطم، قصير القوائم كثير الفسو، منتن الرائحة.
[5] الحائن: الهالك.
[6] إناه: وقته.
[7] يقتضي السياق أن يقول: «ثم قال له المنذر» بدل «فقال له المنذر» التي تكررت مرتين متتاليتين.
[8] الجريض: الغصة، أو اختلاف الفكين عند الموت.
[9] الطبيان: تثنية طبي، وهو حلمة الضرع، أو الضرع كله، وهو مثل يضرب للأمر تجاوز حده.
[10] الحوايا: ما احتوى عليه بطن الإنسان أو الحيوان، والجملة مثل يضرب لمن يسعى إلى هلاكه بنفسه.
[11] معنى الجملة أنه لا يقاسي مشقة رحلتك من لم يعانها معك.
[12] بز: غلب، ومعنى الجملة: من غلب أخذ السلب.
[13] في هد، هج بدل المصراع الثاني:
«فاليوم لا يبدي ولا يعيد»
والرواية التي معنا أصوب، لأن الأبيات من مخلع البسيط، أما المصراع الوارد في هد، هج، فمن الرجز.
عنت له عنّة نكود ... وحان منها له ورود
فقال له المنذر: يا عبيد، ويحك، أنشدني قبل أن أذبحك، فقال عبيد:
واللّه إن متّ لما ضرّني ... وإن أعش ما عشت في واحده [1]
فقال المنذر: إنه لا بد من الموت، ولو أن النعمان عرض لي في يوم بؤس لذبحته، فاختر إن شئت الأكحل [2]، وإن شئت الأبجل [3]، وإن شئت الوريد [4]، فقال عبيد: ثلاث خصال كسحابات عاد واردها شرّ ورّاد، وحاديها شرّ حاد، ومعادها شرّ معاد، ولا خير فيه لمرتاد، وإن كنت لا محالة قاتلي فاسقني الخمر، حتى إذا ماتت مفاصلي، وذهلت لها ذواهلي فشأنك وما تريد، فأمر المنذر بحاجته من الخمر، حتى إذا أخذت منه، وطابت نفسه، دعا به المنذر، ليقتله، فلما مثل بين يديه أنشأ يقول:
وخيّرني ذو البؤس في يوم بؤسه ... خصالا أرى في كلها الموت قد برق
كما خيّرت عاد من الدهر مرّة ... سحائب ما فيها لذى خيرة أنق [5]
سحائب ريح لم توكّل ببلدة ... فتتركها إلا كما ليلة الطّلق [6]
/فأمر به المنذر، ففصد، فلما مات غرّي بدمه الغريّان.
طائي يفد على المنذر في يوم بؤسه
فلم يزل كذلك حتى مرّ به [7] رجل من طيء، يقال له: حنظلة بن أبي عفراء، أو ابن أبي عفر، فقال له: أبيت اللعن، واللّه ما أتيتك زائرا، ولأهلي من خيرك مائرا [8] فلا تكن ميرتهم قتلي، فقال: لا بد من ذلك فاسأل حاجة أقضينّها لك، فقال: تؤجّلني سنة أرجع فيها إلى أهلي، وأحكم من أمرهم ما أريد، ثم أصير إليك، فأنفذ فيّ حكمك، فقال: ومن يكفل بك حتى تعود؟ فنظر في وجوه جلسائه، فعرف منهم شريك بن عمرو: أبا الحوفزان بن شريك، فأنشد يقول:
يا شريك يا بن عمرو ... ما من الموت محاله [9]
يا شريك يا بن عمرو ... يا أخا من لا أخاله [10]
__________
[1] ليس لكلمة «واحدة» هنا معنى، ونرجح أنها «واجدة» - بالجيم - من الجدة واليسار، أي إن عشت فلن أعيش في رغد من العيش.
[2] الأكحل: وريد في وسط الذراع.
[3] الأبجل: عرق في الرجل، أو في اليد بإزاء الأكحل.
[4] الوريد: عرق في العنق.
[5] الأنق: الحسن الرائع.
[6] الطلق: البعد، من طلق - بكسر اللام - بمعنى بعد.
[7] ضمير «به» يعود على المنذر، لا على عبيد.
[8] مائرا: طالبا الميرة: القوت.
[9] تنوين «شريك» للضرورة كقول الشاعر:
«سلام اللّه يا مطر عليها»
[10] كان القياس: «لا أخ لك» بدون ألف، ولكنهم قالوا في مثل هذا وفي مثل قولهم: «لا أبا لك» أنهم افترضوا حذف اللام.
يا أخا شيبان فكّ الي ... وم رهنا قد أناله [1]
يا أخا كلّ مضاف ... وحيا من لا حيا له [2]
إنّ شيبان قبيل ... أكرم اللّه رجاله
وأبوك الخير عمرو ... وشراحيل الحماله [3]
رقيّاك اليوم في المج ... د وفي حسن المقاله
شريك بن عمرو يضمن الطائي
/ فوثب شريك، وقال: أبيت اللعن، يدي بيده، ودمي بدمه إن لم يعد إلى أجله [4]، فأطلقه المنذر، فلما كان من القابل جلس في مجلسه، ينتظر حنظلة أن يأتيه، فأبطأ عليه، فأمر بشريك، فقرّب، ليقتله.
الطائي يفي بعهده
فلم يشعر إلا براكب قد طلع عليهم، فتأملوه، فإذا هو حنظلة قد أقبل متكفّنا متحنّطا معه نادبته تندبه، وقد قامت نادبة شريك تندبه، فلما رآه المنذر عجب من وفائهما وكرمهما، فأطلقهما، وأبطل تلك السّنّة.
رواية أخرى لقصة مصرع عبيد
أخبرني الحسن بن علي قال: حدثني عبد اللّه بن أبي سعد قال: حدثنا عليّ بن الصباح، عن هشام بن الكلبي، قال:
كان من حديث عبيد بن الأبرص وقتله أنّ المنذر بن ماء السماء بنى الغرّيين، فقيل له: ما تريد إليهما؟ وكان بناهما على قبري رجلين من بني أسد كانا نديميه، أحدهما خالد بن المضلل الفقعسيّ، والآخر عمرو بن مسعود، فقال: ما أنا بملك إن خالف الناس أمري، لا يمرّنّ أحد من وفود العرب إلا بينهما، وكان له يومان في السنة يوم يسميه يوم النعيم، ويوم يسميه يوم البؤس، فإذا كان في يوم نعيمه أتي بأول من يطلع عليه، فحياه، وكساه، ونادمه يومه، وحمله، فإذا كان يوم بؤسه أتي بأول من يطلع عليه، فأعطاه رأس ظربان أسود، ثم أمر به فذبح وغرّي بدمه الغريّان، فبينا هو جالس في يوم بؤسه إذ أشرف عليه عبيد، فقال لرجل كان معه: من هذا الشقيّ؟ فقال له: هذا عبيد بن الأبرص الأسدّي الشاعر، فأتي به فقال له الرجل الذي كان معه:/ اتركه - أبيت اللعن - فإني أظن أنّ عنده من حسن القريض أفضل مما تدرك [5] في قتله فاسمع منه، فإن سمعت حسنا استزدته، وإن لم يعجبك فما أقدرك على قتله. فإذا نزلت فادع به، قال: فنزل، وطعم وشرب، وبينه وبين الناس حجاب ستر يراهم منه ولا يرونه،
__________
[1] هكذا بالنسخ، ونرجح أن عبارة
«قد أناله»
محرفة عن
«قد أتى له»
وضمير أتى يعود على «رهن» والمراد بشيبان الطائي نفسه بدليل البيت التالي.
[2] الحيا: الغيث والمطر.
[3] شراحيل: لعله من أباء شريك، والمراد بالحمالة حمالة الديات والديون وما إليها.
[4] في ب «إلى أهله» وقد رجحنا ما أثبتناه نقلا عن هد، هج.
[5] كذا في ب، وفي هد: «أظن أن عنده من حسن القريض أفضل مما يترك من قتله» وفي هج تضع كلمة «تريد» بدل كلمة «يترك» والمعنى لا يختلف.
فدعا بعبيد من وراء الستر، فقال له رديفه [1]: هلا كان الذبح لغيرك يا عبيد! فقال: أتتك بحائن رجلاه، فأرسلها مثلا، فقال: ما ترى يا عبيد؟ قال: أرى الحوايا عليها المنايا. فقال: فهل قلت شيئا؟ فقال: حال الجريض دون القريض، فقال: أنشدني.
أقفر من أهله ملحوب
فقال:
أقفر من أهله عبيد ... فليس يبدي ولا يعيد
عنّت له خطّة نكود ... وحان منها له ورود
فقال أنشدنا:
هي الخمر تكنى بأمّ الطّلى ... كما الذئب يكنى أبا جعده [2]
وأبى أن ينشدهم شيئا ممّا أرادوا، فأمر به، فقتل.
خبر نديمي المنذر
فأما خبر عمرو بن مسعود وخالد بن المضلل ومقتلهما فإنهما كانا نديمين للمنذر بن ماء السماء، فيما ذكره خالد بن كلثوم - فراجعاه بعض القول على سكره،/ فغضب، فأمر بقتلهما، وقيل: بل دفنهما حيين، فلما أصبح سأل عنهما، فأخبر خبرهما فندم على فعله، فأمر بإبل، فنحرت على قبريهما، وغرّي بدمائها قبراهما إعظاما لهما وحزن عليهما، وبنى الغريّين فوق قبريهما، وأمر فيهما بما قدّمت ذكره من أخبارهما، فقالت نادبة الأسديين:
ألا بكر الناعي بخير بني أسد ... بعمرو بن مسعود وبالسيّد الصّمد
/ وقال بعض شعراء بني أسد يرثي خالد بن المضلّل وعمرو بن مسعود، وفيه غناء:
صوت
يا قبر بين بيوت آل محرّق ... جادت عليك رواعد وبروق
أمّا البكاء فقلّ عنك كثيره ... ولئن بكيت فبالبكاء خليق [3]
الغناء لابن سريج ثقيل أول مطلق في مجرى الوسطى من جامع أغانيه.
ومما يغني به أيضا من شعر عبيد:
صوت
طاف الخيال علينا ليلة الوادي ... من أمّ عمرو ولم يلمم لميعاد
__________
[1] رديفه: رديف المنذر، والرديف: نديم السلطان الذي يشاربه، ويجلس بجواره، وينوب عنه إذا غاب.
[2] الطلى: اسم من أسماء الخمر، ويطلق هذا اللفظ على اللذة، وهذا المعنى هو المراد هنا، لأنه لا معنى لأن يكنى الخمر بأم الخمر، وإنما المعقول أن تكنى بأم اللذة. وأبو جعدة، وأبو جعادة: كنية الذئب، ولعله كنى بذلك لتجعد شعر ذنبه.
[3] تقدم هذان البيتان، ورواية هد:
«و لئن بكيت فبالبكاء حقيق»
أنّي اهتديت لركب طال سيرهم ... في سبسب بين دكداك وأعقاد [1]
اذهب إليك فإني من بني أسد ... أهل القباب وأهل الجود والنّادي [2]
الغناء للغريض ثاني ثقيل بالسبابة في مجرى الوسطى عن إسحاق، وفيه ثقيل أول/ بالوسطى، ذكر الهشامي أنه لأبي زكار الأعمى، وذكر حبش أنه لابن سريج.
وفي هذه القصيدة يقول: يخاطب حجر بن الحارث أبا امرىء القيس، وكان حجر يتوعده في شيء بلغه عنه،
ثم استصلحه فقال يخاطبه:
... أبلغ أبا كرب عنّي وإخوته ... قولا سيذهب غورا بعد إنجاد [3]
لا أعرفنّك بعد الموت تندبني ... وفي حياتي ما زودّتني زادي
إنّ أمامك يوما أنت مدركه ... لا حاضر مفلت منه ولا بادي
فانظر إلى ظلّ ملك أنت تاركه ... هل ترسينّ أواخيه بأوتاد [4]
الخير يبقى وإن طال الزمان به ... والشّرّ أخبث ما أوعيت من زاد [5]
عمر يبكي خالد بن الوليد بعد موته:
أخبرنا عيسى بن الحسين، قال: حدثنا أحمد بن الحارث الخزاعيّ، عن المدائنيّ، عن أبي بكر الهذليّ قال:
سمع عمر بن الخطّاب نساء بني مخزوم يبكين على خالد بن الوليد، فبكى، وقال: ليقل نساء بني مخزوم في أبي سليمان ما شئن، فإنهن لا يكذبن، وعلى مثل أبي سليمان تبكي البواكي، فقال له طلحة بن عبيد اللّه: إنك وإياه لكما قال عبيد بن الأبرص [6]:
لا ألفينّك بعد الموت تندبني ... وفي حياتي ما زوّدتني زادي
كلب في ضيافة كلب:
أخبرني عمّي، قال: حدثني عبد اللّه بن أبي سعد: قال: حدثني محمد بن عبد اللّه العبديّ، قال: حدثني سيف الكاتب، قال:
/ وليت ولاية، فمررت بصديق لي في بعض المنازل، فنزلت به، قال: فنلنا من الطعام والشراب، ثم غلب علينا النبيذ، فنمنا، فانتبهت من نومي، فإذا أنا بكلب قد دخل على كلب الرجل فجعل يبشّ به ويسلّم عليه لا أنكر
__________
[1] رواية هد، هج:
«أني اهتديت لركب طال حبسهم»
السبسب: المفازة، الدكداك: الأرض فيها غلظ، أو فيها رمل متلبد، أعقاد:
أرض شجراء.
[2] رجحنا رواية هد، هج، وفي ب: «الجرد» بالراء بدل «الجود» بالواو.
[3] الغور: ما انخفض من الأرض، والإنجاد: سلوك النجود المرتفعة، يريد أن هذا القول سيعم البقاع.
[4] الأواخي جمع الآخية وهي عروة تربط إلى وتد مدقوق ويشد فيها الشيء، وفي ب: «أراجيه» والأواخي هنا: الأواصر والعرا.
[5] تقدم هذا البيت على لسان الثعبان الذي عرض لعبيد، فلعل عبيدا سرقه منه.
[6] يشير طلحة إلى ما فرط من عمر في حق خالد بن الوليد، يوم عزله عن قيادة الجيش عقب توليه الخلافة بعد موت أبي بكر، كأنه يقول له: أتعزله حيا، وتبكيه ميتا؟
من كلامهما شيئا، ثم جعل الكلب الداخل عليه يخبره عن طريقه بطول سفره، وقال له: هل عندك شيء تطعمنيه؟
قال: نعم، قد بقي لهم في موضع كذا وكذا طعام، وليس عليه شيء [1]، فذهبا إليه، فكأني أسمع ولوغهما في الإناء حتى أكلا ما كان هناك فيه، ثم سأله نبيذا، فقال: نعم، لهم نبيذ في إناء آخر ليس له غطاء، فذهبا إليه فشربا.
الكلاب تتغنى بشعره:
ثم قال له: هل تطربني بشي ء؟ قال: إي وعيشك، صوت كان أبو يزيد يغنيه، فيجيده، ثم غناه في شعر عبيد بن الأبرص.
صوت
طاف الخيال علينا ليلة الوادي ... لآل أسماء لم يلمم لميعاد
أنّى اهتديت لركب طال سيرهم ... في سبسب بين دكداك وأعقاد [2]
قال: فلم يزل يغنيه هذا الصوت، ويشربان مليّا، حتى فني ذلك النبيذ، ثم خرج الكلب الداخل، فخفت واللّه على نفسي أن أذكر ذلك لصاحب المنزل، فأمسكت، وما أذكر أني سمعت أحسن من ذلك الغناء.
ومما يغنى فيه من شعره قوله:
صوت
لمن جمال قبيل الصّبح مزمومه ... ميمّمات بلادا غير معلومه
فيهنّ هند وقد هام الفؤاد بها ... بيضاء آنسة بالحسن موسومه
/ الغناء لابن سريج رمل عن يونس والهشاميّ وحبش.
ومنها [3] قوله:
صوت
درّ درّ الشباب والشعر الأس ... ود والضّامرات تحت الرّحال
فالخناذيذ كالقداح من الشّو ... حط يحملن شكّة الأبطال [4]
ليس رسم على الدّفين ببال ... فلوي ذروة فجنبني أثال [5]
__________
[1] يريد أن هذا الطعام ليس في حرز.
[2] تقدم هذان البيتان، نقول: ويبدو أن عبيد بن الأبرص كان رجل الخوارق، فقد رأينا فمه يحشى بالشعر، فيلهم الشعر وهو نائم، ورأينا الأفاعي تنشده الأشعار ثم ها هو ذا تتغنى بشعره الكلاب.
[3] ومنها: من الأغاني التي غنى بها من شعره، وليس المراد أن ما يأتي تتمة الأبيات السابقة.
[4] الخناذيذ: جمع خنذيذ: الشجاع البهمة من الفرسان، الشوخط: شجر صلب الألياف تتخذ منه القسى والقداح، أو هو ضرب من النبع، الشكة: ما يلبس أو يحمل من السلاح.
[5] أثال: اسم جبل، والبيت لا يخلو من التواء، والذي نراه أنه يريد أن يقول: إن منازل الأحياء تبلى، ولكن رسوم الموتى باقية، فلدى ذروة من الذرا، أو في جانب جبل أثال يكون دفني ودفن سواي، وهذه الأماكن لا يعفى عليها الزمن.
تلك عرسي قد عيّرتني خلالي ... ألبين تريد أم لدلال؟ [1]
الغناء لطويس خفيف رمل لا شك فيه، وفيه ثقيل أول، ذكر علي بن يحيى أنه لطويس أيضا، ووجدته في صنعة عبد العزيز بن عبد اللّه بن طاهر، وفي الثالث والرابع من الأبيات لدلال خفيف رمل بالبنصر، عن عبد اللّه بن موسى والهشامي.
صوت
لمن الدّيار كأنها لم تحلل ... بجنوب أسنمة فقفّ العنصل
درست معالمها فباقي رسمها ... خلق كعنوان الكتاب المحول [2]
دار لسعدى إذ سعاد كأنها ... رشأ غضيض الطّرف رخص المفصل [3]
عروضه من الكامل، جنوب أسنمة: أودية معروفة. والقفّ: الكثيب من الرمل ليس بالمشرف ولا الممتد.
والعنصل: بصل معروف.
الشعر لربيعة بن مقروم الضّبيّ، والغناء فيه لسياط هزج بالبنصر عن الهشامي.
__________
[1] خلالي؛ خصالي، وهو مفعول ثان «لعيرتني».
[2] محول: أتت عليه أحوال: سنون.
[3] رخص المفصل: لينة المفاصل.
7 - أخبار ربيعة بن مقروم ونسبه
اسمه ونسبه:
هو ربيعة بن مقروم الضّبيّ بن قيس بن جابر بن خالد بن عمرو بن عبد اللّه بن السيّد بن مالك بن بكر بن سعد بن ضبّة بن أدّ بن طابخة بن إلياس بن مضر بن نزار.
شاعر إسلامي مخضرم، أدرك الجاهلية والإسلام، وكان ممن أصفق [1] عليه كسرى، ثم عاش في الإسلام زمانا.
يهجو ضابىء بن الحارث:
قال أبو عمرو الشيباني:
كان ربيعة بن مقروم باع عجرد بن عبد عمرو بن ضمرة بن جابر بن قطن بن نهشل بن دارم - لقحة [2] إلى أجل، فلما بايعه وجد ابن مقروم ضابىء بن الحارث عند عجرد، وقد نهاه عن إنظاره بالثمن، فقال ابن مقروم يعرّض بضابىء إنه أعان عليه وكان ضلعه [3] معه:
/أعجر ابن المليحة إنّ همّي ... إذا ما لجّ عذّالي لعان [4]
قوله: لعان أي عان من العناء، عناني الشيء يعنيني، وهو لي عان.
يرى ما لا أرى ويقول قولا ... وليس على الأمور بمستعان
ويحلف عند صاحبه لشاة ... أحبّ إليّ من تلك الثّمان [5]
/و حامل ضبّ ضغن لم يضرني ... بعيد قلبه حلو اللسان [6]
ولو أني أشاء نقمت منه ... بشغب من لسان تيّحان [7]
ولكني وصلت الحبل منه ... مواصلة بحبل أبي بيان
__________
[1] أصفق عليه: أطبق عليه وحبسه في المشقر.
[2] اللقحة: الناقة ذات لبن.
[3] أي: وكان ضلع ضابىء مع عجرد.
[4] في هد، هج
«لعمر أبي المليحة»
بدل
«أعجر بن المليحة»
، وفي هج
«إذا ما بح»
بدل
«إذا ما لج»
[5] المراد أنه حلاف للأيمان الباطلة.
[6] الضب: الضغن، وفي ب: «عب ء ضغن» ولعل هذه الرواية أنسب، حتى لا يضاف الشيء إلى نفسه.
[7] الشغب: الشر والخصام، التيحان: من يتعرض للشدائد والمكرمات.
ترفّع في بني قطن وحلّت ... بيوت المجد يبنيهنّ باني [1]
يعني حلّت بنو قطن بيوت المجد.
وضمرة إن ضمرة خير جار ... إلى قطن بأسباب متان [2]
هجان الحيّ كالذهب المصفىّ ... صبيحة ديمة يجنيه جان [3]
قال أبو عمرو: الذهب في معدنه إذا جاءه المطر ليلا لاح من غد عند طلوع الشمس فيتتبّع ويؤخد.
يمدح مخلصه من الأسر
قال أبو عمرو: وأسر ربيعة بن مقروم واستيق ماله، فتخلّصه مسعود بن سالم بن أبي سلمى [4] بن ذبيان بن عامر بن ثعلبة بن ذؤيب بن السّيد، فقال ربيعة بن مقروم فيه قوله:
كفاني أبو الأشوس المنكرات ... كفاه الإله الذي يحذر
أعزّ من السّيد في منصب ... إليه العزازة والمفخر [5]
/و قال يمدحه أيضا:
بان الخليط فأمسى القلب معمودا ... وأخلفتك ابنة الحرّ المواعيدا [6]
كأنها ظبية بكر أطاع لها ... من حومل تلعات الحيّ أو أودا [7]
قامت تريك غداة البين منسدلا ... تجللت فوق متنيها العناقيدا [8]
وباردا طيّبا عذبا مذاقته ... شربته مزجا بالظلم مشهودا [9]
وجسرة أجد تدمي مناسمها ... أعملتها بي حتى تقطع البيدا [10]
كلفتها، فأت حتما تكلّفها ... ظهيرة كأجيج النار صيخودا [11]
في مهمة قذف يخشى الهلاك به ... أصداؤه لا تني بالليل تغريدا [12]
__________
[1] فاعل ترفع ضمير «أبي بيان» في البيت السابق، يعني نفسه.
[2] ضمرة: معطوف على بني قطن في البيت السابق، وفي هج:
«علقت له بأسباب متان»
بدل
«إلى قطن بأسباب متان»
[3] الهجان: الكريم الحسب، الديمة: السحابة الممطرة.
[4] في هج: «سلم بن أبي ليلى».
[5] السيد: يطلق على الذئب والأسد، والمراد هنا الثاني.
[6] الخليط: المخالط من زوج وجار وصديق ونحو ذلك، معمودا: مضني مريضا.
[7] أطاع لها: اتسعت ودانت لها. تلعات الحي: روابيه العالية، حومل، أود: مكانان. وإنما جر «أود» بالفتحة على معنى بقعة.
[8] منسدلا: شعرا منسدلا، فاعل تجللت هي يعود على المحبوبة، والمتنان: جانباها، والمراد بالعناقيد عناقيد الشعر.
[9] الظلم: ماء الأسنان وبريقها، ويريد بالبارد الطيب ريق المحبوبة.
[10] جسرة: ضخمة، أي وناقة جسرة، أجد: الناقة الأجد: القوية المتينة الأضلاع. المناسم: جمع منسم: طرف خف البعير أو الناقة.
[11] صيخودا: شديدة الحرارة، وهي صفة لظهيرة.
[12] قذف: مترامي الأطراف، يتقاذف بمن يسلكه، أصداؤه: جمع صدى، وهو طائر يخرج من رأس القتيل - فيما يزعم العرب - لا يفتأ يصيح قائلا: «اسقوني» حتى يؤخذ بثأره.
لمّا تشكّت إليّ الأين قلت لها: ... لا تستريحنّ ما لم ألق مسعودا [1]
ما لم ألاق أمرأ جزلا مواهبه ... رحب الفناء كريم الفعل محمودا
وقد سمعت بقوم يحمدون فلم ... أسمع بمثلك لا حلما ولا جودا [2]
/و لا عفافا ولا صبرا لنائبة ... ولا أخبّر عنك الباطل السّيدا [3]
السّيد: قبيل الممدوح من آل ضبة.
لا حلمك الحلم موجود عليه، ولا ... يلفى عطاؤك في الأقوام منكودا [4]
وقد سبقت لغايات الجواد وقد ... أشبهت آباءك الشّمّ الصناديدا
/ هذا ثنائي بما أوليت من حسن ... لا زلت برّا قرير العين محسودا [5]
يتقاضى دينه بشعر فيقضى
قال أبو عمرو: كان لضابىء بن الحارث البرجميّ، على عجرد بن عبد عمرو دين بايعه به نعما، واستخار اللّه في ذلك، وبايعه ربيعة بن مقروم، ولم يستخر اللّه تعالى، ثم خافه ضابىء فاستجار بربيعة بن مقروم في مطالبته إياه، فضمن له جواره، فوفّى عجرد لضابى ء، ولم يف لربيعة، فقال ربيعة:
أعجرد إني من أمانيّ باطل ... وقول غدا شيخ لذاك سؤوم [6]
وإنّ اختلافي نصف حول محرّم ... إليكم بني هند عليّ عظيم [7]
فلا أعرفنّي بعد حول محرّم ... وقول خلا يشكونني فألوم [8]
ويلتمسوا ودّي وعطفي بعد ما ... تناشد قولي وائل وتميم [9]
/و إن لم يكن إلا اختلافي إليكم ... فإني امرؤ عرضى عليّ كريم
فلا تفسدوا ما كان بيني وبينكم ... بني قطن إنّ المليم مليم [10]
فاجتمعت عشيرة عجرد عليه، وأخذوه بإعطاء ربيعة ماله، فأعطاه إياه.
__________
[1] الأين: التعب والنصب، وفي «المختار»: «لا تستريحين» بلا النافية بدل لا الناهية مع التوكيد كما في ب.
[2] في ب: «بحلمك» بدل «بمثلك» والمثبت من هد، هج، وهو الصواب.
[3] الباطل: مفعول ثان لأخبر، والسيد: مفعول أول متأخر.
[4] موجود عليه: من الوجد بمعنى الغيظ والاضطغان.
[5] «المختار»، هد، هج: «لا زلت عوض» بدل «لا زلت برا» وعوض: ظرف زمان بمعنى أبدا.
[6] شيخ: خبر إني: يريد أنه يسأم التسويف والأماني الباطلة.
[7] أضافة السنة إلى أول شهورها فقال: «نصف حول محرم» يقول: لقد ترددت عليكم نصف عام في طلب ديني، وهذا كثير.
[8] يشكونني: مضارع أشكاه: أزال أسباب شكواه، يقول: لا يكن منهم أنهم ينصفونني، ويردون إلى ديني بعد مرور عام، وبعد أن سار شعري فيهم، فألوم نفسي على ما قلت.
[9] هذا البيت تتمة ما قبله، أي وحينئذ يلتمسون ودي بعد أن ذهب شعري فيهم مذهب الأمثال، وحذفت نون «و يلتمسوا» بعد واو المعية الواقعة بعد النهي في البيت السابق «لا أعرفني».
[10] المليم: من أتى عملا يستحق عليه اللوم، يريد أن يقول: إن المذنب هو المذنب، فلا يلق المذنب التبعة على سواه.
حماد الراوية يثرى على حسابه:
أخبرني جعفر بن قدامة، قال: حدّثني حمّاد بن إسحاق، عن أبيه، عن الهيثم بن عديّ، عن حمّاد الرّاوية، قال:
دخلت على الوليد بن يزيد، وهو مصطبح، وبين يديه معبد، ومالك، وابن عائشة وأبو كامل، وحكم الوادي، وعمر الوادي يغنّونه، وعلى رأسه وصيفة تسقيه، لم أر مثلها تماما وكمالا وجمالا. فقال لي: يا حماد، أمرت هؤلاء أن يغنّوا صوتا يوافق صفة هذه الوصيفة، وجعلتها لمن وافق صفتها نحلة [1]. فما أتى أحد منهم بشيء، فأنشدني أنت ما يوافق صفتها، وهي لك؛ فأنشدته قول ربيعة بن مقروم الضّبّيّ:
دار لسعدى إذ سعاد كأنّها ... رشأ غرير الطّرف رخص المفصل [2]
شمّاء واضحة العوارض طفلة ... كالبدر من خلل السحاب المنجلي [3]
وكأنما ريح القرنفل نشرها ... أو حنوة خلطت خزامى حومل [4]
وكأنّ فاها بعد ما طرق الكرى ... كأس تصفّق بالرحيق السّلسل
/ لو أنها عرضت لأشمط راهب ... في رأس مشرفة الذّرا متبتّل [5]
جار ساعات النّيام لربّه ... حتى تخدّد لحمه مستعمل [6]
لصبا لبهجتها وحسن حديثها ... ولهمّ من ناموسه بتنزّل [7]
فقال الوليد: أصبت وصفها، فاخترها أو ألف دينار، اخترت الألف الدينار، فأمرها، فدخلت إلى حرمه وأخذت المال.
وهذه القصيدة من فاخر الشعر وجيّده وحسنه، فمن مختارها ونادرها قوله:
صوت
بل إن ترى شمطا تفرّع لمّتي ... وحنا قناتي وارتقى في مسحلي [8]
__________
[1] نحلة: عطاء.
[2] هذا البيت تكملة من المختار.
[3] العوارض: جمع عارضة: الثنية من الأسنان، أو صفحة الخد، طفلة: ناعمة رخصة.
[4] الحنوة: الريحانة، الخزامى: نبات عطري الرائحة، حومل: اسم مكان يقول: كأن ريحها ريح القرنفل، أو ريح الريحان المخلوط بخزامى حومل.
[5] الأشمط: المختلط سواد شعره ببياض، في رأس مشرفة الذرا: في رأس قمة عالية، متبتل: متعبد، وجواب الشرط فيما يأتي.
[6] جآر: مبالغة من جأر: رفع صوته والمراد رفع الصوت بالتسبيح ونحوه، وهو صفة لأشمط في البيت السابق، تخدد لحمه: تشقق من كثرة قيام الليل، مستعمل: مستعمل أعضاءه في أعمال التعبد، وربما كانت «بتعمل» بمعنى متكلف العمل، مرغم نفسه عليه.
[7] لصبا: جواب «لو» في البيت الرابع، الناموس: بيت الراهب. وخلاصة المعنى أن هذه الفاتنة لو عرضت لراهب هذه صفته لمال إليها، وكاد يولي وجهه شطرها لا شطر القبلة.
[8] الخطاب في البيت لمحبوبته أو زوجته، الشمط: ابيضاض يخالط سواد الشعر، تفرع لمتى: انتشر، وتفشى فيها، حنا قناتي: قوس ظهري، المسحل: جانب اللحية.
ودلفت من كبر كأنّي خاتل ... قنصا ومن يدبب لصيد يختل [1]
فلقد أرى حسن القناة قويمها ... كالنّصل أخلصه جلاء الصّيقل [2]
أزمان إذ أنا والجديد إلى بلى ... تصبي الغواني ميعتي وتنقّلي [3]
/غنى بذلك معبد ثقيلا أول:
/و لقد شهدت الخيل يوم طرادها ... بسليم أوظفة القوائم هيكل [4]
متقاذف شنج النّساعبل الشّوى ... سبّاق أندية الجياد عميثل [5]
لو لا أكفكفه لكان إذا جرى ... منه العزيم يدقّ فأس المسحل [6]
وإذا جرى منه الحميم رأيته ... يهوى بفارسه هوىّ الأجدل [7]
وإذا تعلّل بالسيّاط جيادها ... أعطاك نائيه ولم يتعلّل [8]
ودعوا: نزال فكنت أول نازل ... وعلام أركبه إذا لم أنزل؟
ولقد جمعت المال من جمع امرىء ... ورفعت نفسي عن لئيم المأكل [9]
ودخلت أبنية الملوك عليهم ... ولشرّ قول المرء ما لم يفعل
ولربّ ذي حنق عليّ كأنما ... تغلي عداوة صدره كالمرجل [10]
/أزجيته عنّي فأبصر قصده ... وكويته فوق النّواظر من عل [11]
وأخي محافظة عصى عذّاله ... وأطاع لذّته معمّ مخول
__________
[1] الختل: الخداع، شبه مشية الشيخ الوئيدة بمشية من يريد مباغتة الطير ليصيده، فهو يتئد في سيره، حتى لا يحدث حركة.
[2] البيت جواب
«إن ترى شمطا»
حسن القناة: مفعول ثان «لأرى» بالبناء للمجهول، يقول: إن شوه الشيب منظري اليوم فقد كنت بالأمس حسن القوام .. الخ.
[3] جملة
«و الجديد إلى بلى»
معترضة بين المبتدأ وخبره، الميعة من كل شي ء: أوله، والمراد هنا عهد الشباب.
[4] سليم: صفة موصوف محذوف أي: بفرس سليم .. الخ. أوظفة: جمع وظيف: مستدق الذراع والساق من الفرس ونحوه، هيكل:
ضخم.
[5] متقاذف: سريع، شنج: منقبض، النسا: عصب الورك يمتد منه إلى الكعب، عبل الشوى: مندمج الأطراف، عميثل: ضخم قوي، «أندية الجياد» نرجح أنها تحريف آبدة الجياد أي: سباق الجياد الشاردة.
[6] العزيم: الجري، المسحل: اللجام، فأس المسحل: حديدته التي في حنك الفرس، يقول: لو لا أنني أزجره، وأخفف من وطأة سيره لقضم فأس اللجام، وفي هد، هج، و «المختار»: «الشكيم» بدل «العزيم».
[7] الحميم: العرق، الأجدل: الصقر، وسيلان العرق: كناية عن الحمو والإيغال في العدو.
[8] جيادها: جياد الخيل، أي إذا احتاج جياد الخيل إلى السياط أعطاك هو المكان النائي دون حاجة إليها، وفي هج:
«أعطاك ثانية»
بدل
«أعطاك نائية»
[9] تنكير امرىء هنا للتعظيم، أي: من جمع امرىء عظيم كريم وفي هج
«لئيم المنزل»
[10] في «المختار»، هد، هج:
«و ألد ذي حنق»
[11] أزجيته: دفعته، وفي بعض النسخ: «أوجيته» والمعنى واحد.
هشّ يراح إلى النّدى نبّهته ... والصبح ساطع لونه لم ينجل [1]
فأتيت حانوتا به فصبحته ... من عاتق بمزاجها لم تقتل [2]
صهباء إلياسيّة أغلى بها ... يسر كريم الخيم غير مبخّل [3]
ومعرّس عرض الرداء عرسته ... من بعد آخر مثله في المنزل [4]
ولقد أتت مائة عليّ أعدّها ... حولا فحولا لا بلاها مبتل
فإذا وذاك كأنه ما لم يكن ... إلا تذكّره لمن لم يجهل [5]
ولقد أتت مائة عليّ أعدّها ... حولا فحولا لا بلاها مبتل
فإذا الشّباب كمبذل أنضيته ... والدهر يبلي كلّ جدّة مبذل [6]
هلّا سألت وخبر قوم عندهم ... وشفاء غيّك خابرا أن تسألي [7]
هل نكرم الأضياف إن نزلوا بنا ... ونسود بالمعروف غير تنحّل؟ [8]
/و نحلّ بالثغر المخوف عدوّه ... ونردّ حال العارض المتهلّل [9]
ونعين غارمنا ونمنع جارنا ... ونزين مولى ذكرنا في المحفل [10]
وإذا امرؤ منا حبا فكأنّه ... مما يخاف على مناكب يذبل [11]
ومتى تقم عند اجتماع عشيرة ... خطباؤنا بين العشيرة يفصل [12]
ويرى العدوّ لنا دروءا صعبة ... عند النجوم منيعة المتأوّل [13]
__________
[1] يراح إلى الندى: يرتاح إليه، وفي «المختار»: «ساطع ضوئه».
[2] العاتق: الخمر المعتقة.
[3] إلياسية: نسبة الى إلياس، ولعله اسم الخمار، وفي هد، هج: «صافية القذى» بدل «إلياسية» يسر: سهل سمح، أو يلعب الميسر، وفي «المختار»: «إبليسية».
[4] المعرس: مكان التعريس: الإقامة ليلا، وفي هج:
«عرض الندى»
بدل
«عرض الرداء»
[5] لعل الأحسن «فإذا هذا وذاك» فحذف المعطوف عليه، وقد تكون «فإذا» تحريف «هذا» فلا نحتاج إلى تقدير.
[6] المبذل: الثوب يلبس في المهنة.
[7] جملتا
«و خبر قوم ..
إلخ البيت» اعتراض بين السؤال والمسؤول عنه، خابرا: مفعول مقدم لقوله: «أن تسألي».
[8] غير تنحل: غير ادعاء وكذب. ويروى: غير تبخل.
[9] العارض المتهلل: السحاب المعترض في الأفق، ولعله يقصد به الجيش العرمرم.
[10] المولى: من معانيه الصديق، يريد أن الصديق إذا ذكرهم في محفل وجد ما يقوله.
[11] يذبل: اسم جبل.
[12] يفصل: جواب «متى»، يريد أن خطباءهم أرباب القول الفصل في الخصومات التي تقع بين العشائر. وفي «المختار»: تفصل.
[13] الدروء: جمع درء، وهو النتوء في الجبل، المتأول: من تأول الأمر: توسمه وتحراه، يريد أن لهم مراكب وعرة، لا يتوسعها أو يتحرى سلوكها إنسان.
وإذا الحمالة أثقلت حمّالها ... فعلى سوائمنا ثقيل المحمل [1]
ونحقّ في أموالنا لحليفنا ... حقّا يبوء به وإن لم يسأل
وهذه جملة جمعت فيها أغاني من أشعار اليهود، إذ كانت نسبتهم وأخبارهم مختلطة، فمن ذلك:
صوت
أنّى تذكّر زينب القلب ... وطلاب وصل عزيزة صعب
/ ما روضة جاد الربيع لها ... موشيّة ما حولها جدب
بألذّ منها إذ تقول لنا ... سيرا قليلا يلحق الركب [2]
الشعر لأوس بن ذبّي القرظي، والغناء لابن سريج ثقيل أول بالسبابة في مجرى البنصر عن إسحاق، وزعم عمرو أن فيه لحنا من الثقيل الأول بالوسطى لمالك، وأن فيه صنعة لابن محرز، ولم يجنسها.
__________
[1] الحمالة: ما يحمل في الديات ونحوها، السائمة: الماشية، يريد أن إبلهم تتكفل بأداء الحمالات المطلوبة، وإن ثقل محملها.
[2] سيرا: مفعول مطلق لفعل محذوف، أي: سيروا على مهل حتى نلحق بكم: رفقا بالقوارير.
8 - أخبار أوس ونسب اليهود النازلين بيثرب وأخبارهم
أوس بن ذّبي اليهوديّ رجل من بني قريظة، وبنو قريظة وبنو النضير يقال لهم: الكاهنان، وهم من ولد الكاهن ابن هارون بن عمران أخي موسى بن عمران صلى اللّه على محمد وآله وعليهما، وكانوا نزولا بنواحي يثرب بعد وفاة موسى ابن عمران عليه السلام، وقبل تفرق الأزد عند انفجار سيل العرم ونزول الأوس والخزرج بيثرب.
العمالقة في المدينة
أخبرني بذلك عليّ بن سليمان الأخفش، عن جعفر بن محمد العاصي [1] عن أبي المنهال عيينة بن المنهال المهلبي، عن أبي سليمان: جعفر بن سعد، عن العماري، قال:
كان ساكنو المدينة في أول الدهر قبل بني إسرائيل قوما من الأمم الماضية، يقال لهم: العماليق، وكانوا قد تفرقوا في البلاد، وكانوا أهل عز وبغي شديد، فكان ساكني المدينة منهم بنو هفّ [2] وبنو سعد وبنو الأزرق وبنو مطروق، وكان ملك الحجاز منهم رجل يقال له: الأرقم، ينزل ما بين تيماء إلى فدك، وكانوا قد ملئوا المدينة، ولهم بها نخل كثير وزروع، وكان موسى بن عمران عليه السلام قد بعث الجنود إلى الجبابرة من أهل القرى يغزونهم، فبعث موسى عليه السلام إلى العماليق جيشا من بني إسرائيل، وأمرهم أن يقتلوهم جميعا إذا ظهروا عليهم، ولا يستبقوا منهم أحدا، فقدم الجيش الحجاز، فأظهرهم اللّه عز وجل على العماليق، فقتلوهم أجمعين إلا ابنا للأرقم؛ فإنه كان وضيئا جميلا، فضنّوا به على القتل، وقالوا: نذهب به إلى موسى بن عمران، فيرى فيه رأيه، فرجعوا إلى الشام،/ فوجدوا موسى - عليه السلام - قد توفي، فقالت لهم بنو اسرائيل: ما صنعتم؟ فقالوا: أظهرنا اللّه جل وعز عليهم، فقتلناهم، ولم يبق منهم أحد غير غلام كان شابا جميلا، فنفسنا به عن القتل، وقلنا: نأتي به موسى عليه السلام، فيرى فيه رأيه، فقالوا لهم: هذه معصية: قد أمرتم ألّا تستبقوا منهم أحدا، واللّه لا تدخلون علينا الشام أبدا.
أول استيطان اليهود المدينة
فلما منعوا ذلك قالوا: ما كان خيرا لنا من منازل القوم الذين قتلناهم بالحجاز؛ نرجع إليهم [3]، فنقيم بها، فرجعوا على حاميتهم، حتى قدموا المدينة، فنزلوها، وكان ذلك الجيش أول سكنى اليهود المدينة، فانتشروا في نواحي المدينة كلها إلى العالية، فاتّخذوا بها الآطام [4] والأموال والمزارع، ولبثوا بالمدينة زمانا طويلا.
__________
[1] في هج: «محمد بن عاصم» وفي هد: «محمد العاصمي».
[2] في هج: «بنو نعف».
[3] في بعض ب: «يرجع اليها».
[4] الآطام: جمع أطم بضمتين، أو أطم بضم فسكون: الحصون، أو كل بناء مرتفع.
بنو قريظة النضير يلحقون بإخوانهم
ثم ظهرت الروم على بني إسرائيل جميعا بالشام، فوطئوهم، وقتلوهم، ونكحوا نساءهم فخرج بنو النّضير وبنو قريظة وبنو بهدل [1] هاربين منهم إلى من بالحجاز من بني إسرائيل لمّا غلبتهم الروم على الشام، فلما فصلوا عنها بأهليهم بعث ملك الروم في طلبهم؛ ليردهم، فأعجزوه، وكان ما بين الشام والحجاز مفاوز، فلم بلغ/ طلب الروم التمر [2] انقطعت أعناقهم عطشا، فماتوا، وسمي الموضع تمر الروم، فهو اسمه إلى اليوم، فلما قدم بنو النضير وبنو قريظة وبهدل المدينة نزلوا الغابة، فوجدوها وبيّة [3] فكرهوها، وبعثوا رائدا أمروه أن يلتمس منزلا سواها، فخرج حتى أتى العالية، وهي بطحان ومهزور: واديان من حرّة على تلاع أرض عذبة، بها مياه عذبة تنبت حرّ الشجر، فرجع إليهم، فقال:/ قد وجدت لكم بلدا طيبا نزها على حرّة يصب فيها واديان على تلاع عذبة ومدرة [4] طيبة في متأخّر الحرة ومدافع الشّرج، قال: فتحوّل القوم إليها من منزلهم ذلك، فنزل بنو النضير ومن معهم على بطحان، وكانت لهم إبل نواعم، فاتخذوها أموالا، ونزلت بنو النضير ومن معهم على بطحان، وكانت لهم إبل نواعم، فاتخذوها أموالا، ونزلت بنو قريظة وبهدل ومن معهم على مهزور، فكانت لهم تلاعه وما سقي [5] من بعاث وسموات [6]، فكان ممن يسكن المدينة - حين نزلها الأوس والخزرج - من قبائل بني إسرائيل بنو عكرمة [7]، وبنو ثعلبة، وبنو محمر [8]، وبنو زغورا [9]، وبنو فينقاع، وبنو زيد، وبنو النضير، وبنو قريظة، وبنو بهدل، وبنو عوف، وبنو الفصيص [10]، فكان يسكن يثرب جماعة من [11] أبناء اليهود، فيهم الشرف والثروة والعز على سائر اليهود، وكان بنو مرانة في موضع بني حارثة، ولهم كان الأطم الذي يقال له: الخال.
بطون من العرب بالمدينة
وكان معهم من غير بني إسرائيل بطون من العرب منهم: بنو الحرمان [12]: حي من اليمن، وبنو مرثد حي من بليّ، وبنو أنيف من بليّ أيضا، وبنو معاوية حي من بني سليم ثم من بني الحارث بن بهثة، وبنو الشظية: حي من غسّان، وكان يقال لبني قريظة وبني النضير خاصة من اليهود: الكاهنان، نسبوا بذلك إلى جدهم الذي/ يقال له الكاهن، كما يقال: العمران والحسنان والقمران [13]، قال كعب بن سعد القرظيّ:
__________
[1] في بعض النسخ: «هدل».
[2] في هد، هج: «الثمد».
[3] وبية: تخفيف وبيئة - بالهمز - بمعنى كثر فيها الوباء.
[4] مدرة: تربة.
[5] لعلها «و ما بقي» بدل «و ما سقي».
[6] في ب: «سمرات» وفي آخر: «سمران».
[7] في هد، هج؛ «بنو عكوة».
[8] في ب: «محمم».
[9] في ب: «بنو زعورا» بالعين المهملة بدل «بنو زغورا» وفي أخرى: «بنو زرعوا».
[10] في هد، هج: «بنو القصص».
[11] في هد. هج: «جماع من أمناء اليود».
[12] في هد: «بنو الحرماء».
[13] العمران: أبو بكر وعمر، والحسنان: الحسن والحسين، والقمران: الشمس والقمر، ويسمى هذا في اللغة التغليب.
بالكاهنين قررتم في دياركم ... جمّا ثواكم ومن أجلاكم جدبا [1]
وقال العبّاس بن مرداس السّلمي يردّ على خوّات بن جبير لمّا هجاهم:
هجوت صريح الكاهنين وفيكم ... لهم نعم كانت مدى الدهر ترتبا [2]
عرب آخرون يلحقون بإخوانهم
فلما أرسل اللّه سيل العرم على أهل مأرب، وهم الأزد، قام رائدهم فقال: من كان ذا جمل مفنّ ووطب مدنّ وقربة وشنّ، فلينقلب عن بقرات النعم، فهذا اليوم يوم همّ [3] وليلحق بالثّنى من شنّ - قال وهو بالسراة - فكان الذين نزلوه أزد شنوءة، ثم قال لهم: ومن كان ذا فاقة وفقر، وصبر على أزمات الدهر فليلحق ببطن مرّ، فكان الذين سكنوه خزاعة، ثم قال لهم: من كان منكم يريد الخمر والخمير، والأمر والتأمير، والديباج والحرير، فليلحق ببصري والحفير، وهي من أرض الشام، فكان الذين سكنوه غسّان ثم قال لهم: ومن كان منكم ذا همّ بعيد وجمل شديد، ومزاد جديد، فليلحق بقصر عمان الجديد، فكان الذين نزلوه أزد عمان، ثم قال: ومن كان يريد الرّاسخات في الوحل، المطمعات في المحل، فليلحق بيثرب ذات النخل. فكان الذين نزلوها الأوس والخزرج، فلما توجهوا إلى المدينة ووردوها نزلوا/ في صرار [4] ثم تفرقوا، وكان منهم من لجأ إلى عفاء [5] من أرض لا ساكن فيه، فنزلوا به، ومنهم من لجأ إلى قرية من قراها، فكانوا مع أهلها، فأقامت الأوس والخزرج في منازلهم التي/ نزلوها بالمدينة في جهد وضيق في المعاش، ليسوا بأصحاب إبل ولا شاة؛ لأن المدينة ليست بلاد نعم، وليسوا بأصحاب نخل ولا زرع، وليس للرجل منهم إلا الأعذاق [6] اليسيرة، والمزرعة يستخرجها من أرض موات، والأموال لليهود، فلبثت الأوس والخزرج بذلك حينا.
أبو جبيلة يفتك باليهود
ثم إن مالك بن العجلان وفد إلى أبي جبيلة الغسّاني وهو يومئذ ملك غسان، فسأله عن قومه وعن منزلهم فأخبره بحالهم؛ وضيق معاشهم، فقال له أبو جبيلة: واللّه ما نزل قوم منا بلدا قط إلا غلبوا أهله عليه، فما بالكم؟
ثم أمره بالمضي إلى قومه، وقال له: أعلمهم أني سائر إليهم، فرجع مالك بن العجلان، فأخبرهم بأمر أبي جبيلة؛ ثم قال لليهود:
إن الملك يريد زيارتكم فأعدّوا نزلا فأعدّوه، وأقبل أبو جبيلة سائرا من الشام في جمع كثيف، حتى قدم المدينة، فنزل بذي حرض، ثم أرسل إلى الأوس والخزرج، فذكر لهم الذي قدم له، وأجمع أن يمكر باليهود حتى يقتل رؤوسهم وأشرافهم، وخشي إن لم يمكر بهم أن يتحصّنوا في آطامهم، فيمنعوا منه حتى يطول حصاره إياهم،
__________
[1] جما ثواكم: كثيرة إقامتكم، وفي هد، هج بدل المصراع الثاني:
«إذ فرقوا هام من أجلاكمو حدبا»
[2] ترتبا: أمرا ثابتا.
[3] المفن: ذو الفن، فلعله يعني تفنن الجمل في ضروب السير. الوطب: الإناء يسقى فيه اللبن وغيره، ولعلها «و وطب ودن»، يوم هم: يوم همة وعزيمة.
[4] صرار: موضع على قرب من المدينة.
[5] عفاء: يباب.
[6] الأعذاق: جمع عذق - بفتح العين - وهو النخلة بحملها.
فأمر ببنيان حائر [1] واسع، فبني، ثم أرسل إلى اليهود: أن أبا جبيلة الملك قد أحب أن تأتوه، فلم يبق وجه من وجوه القوم إلا أتاه، وجعل الرجل يأتي معه بخاصّته وحشمه رجاء أن يحبوهم، فلما اجتمعوا ببابه أمر رجالا من جنده أن يدخلوا الحائر، ويدخلوهم/ رجلا رجلا، فلم يزل الحجّاب يأذنون لهم كذلك، ويقتلهم الجند الذين في الحائر، حتى أتوا على آخرهم
سارة القريظية ترثي قومها
فقالت سارة القريظية ترثي من قتل، منهم أبو جبيلة، تقول:
بنفسي أمّة لم تغن شيئا ... بذي حرض تعفّيها الرياح
كهول من قريظة أتلفتها ... سيوف الخزرجيّة والرّماح
رزئنا والرزيّة ذات ثقل ... يمرّ لأهلها الماء القراح
ولو أربو بأمرهم لجالت ... هنالك دونهم جأوا رداح [2]
الرمق يمدح أبا جبيلة
وقال الرّمق [3]، وهو عبيد بن سالم بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج يمدح أبا جبيلة الغساني:
لم يقض دينك في الحسا ... ن وقد غنيت وقد غنينا [4]
الرّاشقات المرشقا ... ت الجازيات بما جزينا [5]
أمثال غزلان الصرا ... ثم يأتزرن ويرتدينا [6]
/الرّيط والدّيباج ... والزّرد المضاعف والبرينا [7]
وأبو جبيلة خير من ... يمشي وأوفاهم يمينا
وأبرّه برّا وأعل ... مه بعلم الصالحينا [8]
أبقت لنا الأيام ... والحرب المهمّة تعترينا
كبشا لنا ذكرا يفلّ ... حسامه الذكر السّنينا [9]
__________
[1] الحائر: المكان المطمئن الوسط المرتفع الحروف يجتمع فيه الماء، فيتحير، ولا يخرج.
[2] أربو: كانوا من ذوي الأرب - بفتح الهمزة وكسرها مع سكون الراء - بمعنى الفطنة والحذق، الجأرا: مقصور الجأواء: من أوصاف الكتبية، رداح: كثيرة العدد، وفي بعض المراجع ورد البيت على هذا النحو:
ولو أذنوا بحربهمو لجالت ... هنالك دونهم حرب رداح
[3] في بعض النسخ: «الوسق» وفي آخر: «الربيق».
[4] غنيت، غنين: أقمت وأقمن: من غنى بالمكان أقام به، أي: لم تنل مرادك من الحسان من غير نأي ولا بعد، فأنت وهن في مكان واحد.
[5] الراشقات: الراميات بسهام العيون، المرشقات: من أرشق الظبى: مد عنقه.
[6] الصرائم: جمع صريمة: القطعة من الرمل.
[7] الريط: مفعول يرتدين في البيت السابق، وهي الثياب اللينة الرقيقة، وفي هد، هج: «الخمل» بدل «الزرد» وهو أنسب، والخمل:
القطيفة ونحوها. والبرين، جمع برة: الحلقة من سوار أو خلخال أو حلق ونحو ذلك.
[8] في هد، هج:
«بفعل الصالحينا»
[9] الكبش: سيد القوم المدافع عنهم، الذكر السنين: السيف المسنون، وفي ب: «الثمين» بدل «السنين» وهو تحريف.
ومعاقلا شمّا وأسي ... افا يقمن وينحنينا
/ ومحلّة زوراء تر ... جف بالرجال المصلتينا [1]
بقية خبر أبي جبيلة
فلما أنشدوا أبا جبيلة ما قال الرمق، أرسل إليه، فجيء به، وكان رجلا ضئيلا غير وضى ء، فلما رآه قال:
«عسل طيب ووعاء سوء»، فذهبت مثلا، وقال للأوس والخزرج: إن لم تغلبوا على هذه البلاد بعد من قتلت من أشراف أهلها فلا خير فيكم، ثم رحل إلى الشام.
وقال الصامت بن أصرم النّوفليّ يذكر قتل أبي جبيلة اليهود:
سائل قريظة من يقسّم سبيها ... يوم العريض ومن أفاء المغنما؟
جاءتهم الملحاء يخفق ظلّها ... وكتيبة خشناء تدعو أسلما [2]
عمّي الذي جلب الهمام لقومه ... حتى أحلّ على اليهود الصّيلما [3]
/يعني بقوله: «من يقسّم سبيها» نسوة سباهنّ أبو جبيلة من بني قريظة، وكان رآهن فأعجبنه، وأعطى مالك بن العجلان منهن امرأة.
مالك بن العجلان يقتفي أثر أبي جبيلة
قال أبو المنهال أحد بني المعلّى: إنهم أقاموا زمنا بعد ما صنع، ويهود تعترض عليهم، وتناوئهم، فقال مالك ابن العجلان لقومه: واللّه ما أثخنّا يهود غلبة كما نريد، فهل لكم أن أصنع لكم طعاما، ثم أرسل في مائة من أشراف من بقي من اليهود، فإذا جاءوني فاقتلوهم جميعا، فقالوا: نفعل، فلما جاءهم رسول مالك قالوا: واللّه لا نأتيهم أبدا، وقد قتل أبو جبيلة منا من قتل، فقال لهم مالك: إن ذلك كان على غير هوى منا، وإنما أردنا أن نمحوه، وتعلموا حالكم عندنا، فأجابوه، فجعل كلما دخل عليه رجل منهم أمر به مالك فقتل، حتى قتل منهم بضعة وثمانين رجلا، ثم إن رجلا منهم أقبل حتى قام على باب مالك، فتسمّع فلم يسمع صوتا فقال: أرى أسرع ورد وأبعد صدر [4]، فرجع وحذّر أصحابه الذين بقوا، فلم يأت منهم أحد، فقال رجل من اليهود لمالك بن العجلان:
فسفّهت قيلة أحلامها ... ففيمن بقيت وفيمن تسود؟ [5]
فقال مالك:
فإنّي امرؤ من بني سالم ... بن عوف وأنت امرو من يهود
قال: وصوّرت اليهود مالكا في بيعهم وكنائسهم، فكانوا يلعنونه كلما دخلوها، فقال مالك بن العجلان في ذلك قوله:
__________
[1] زوراء: بعيدة، يريد بعيدة المنال، المصلتين: المجردين سيوفهم.
[2] الملحاء: الكتيبة العظيمة، الخشناء: كثيرة السلاح.
[3] الصيلم: الداهية الشديدة، أو اسم من أسماء السيف، وفي ب: «عي» بدل «عمي» وهو تحريف.
[4] يريد إن دخل لا يرجع.
[5] قيلة: أم الأوس والخزرج، أحلامها: بدل من قيلة. وفي ب بدل المصراع الأول
«تسقيت قبلة أخلافها»
وهو تحريف.
تحامى اليهود بتلعانها ... تحامي الحمير بأبوالها [1]
/فماذا عليّ بأن يلعنوا ... وتأتي المنايا بأذلالها [2]
اليهود يذلون للعرب
قال: فلما قتل مالك من يهود من قتل ذلّوا؛ وقلّ امتناعهم؛ وخافوا خوفا شديدا؛ وجعلوا كلما هاجهم أحد من الأوس والخزرج بشيء يكرهونه لم يمش بعضهم إلى بعض، كما كانوا يفعلون قبل ذلك، ولكن يذهب اليهوديّ إلى جيرانه الذين هو بين أظهرهم فيقول: إنما نحن جيرانكم ومواليكم، فكان كل قوم من يهود قد لجئوا إلى بطن من الأوس والخزرج، يتعززون بهم.
يهودية تعتنق الإسلام
وذكر أبو عمرو الشيباني أن أوس بن ذبّى القرظي كانت له امرأة من بني قريظة أسلمت وفارقته، ثم نازعتها نفسها إليه، فأتته، وجعلت ترغبه في الإسلام، فقال فيها:
دعتني إلى الإسلام يوم لقيتها ... فقلت لها: لا بل تعالي تهوّدي
فنحن على توراة موسى ودينه ... ونعم لعمري الدين دين محمد
/ كلانا يرى أن الرّسالة دينه ... ومن يهد أبواب المراشد يرشد [3]
ومن الأغاني في أشعار اليهود:
صوت
أعاذلتي ألا لا تعذليني ... فكم من أمر عاذلة عصيت
دعيني وارشدي إن كنت أغوى ... ولا تغوى زعمت كما غويت
أعاذل قد أطلت الّلوم حتّى ... لو أنّي منته لقد انتهيت
وحتى لو يكون فتى أناس ... بكى من عذل عاذلة بكيت
وصفراء المعاصم قد دعتني ... إلى وصل فقلت لها: أبيت
وزقّ قد جررت إلى النّدامى ... وزقّ قد شربت وقد سقيت
الشعر للسموءل بن عاديا - فيما رواه السكري عن الطوسيّ - ورواه أبو خليفة عن محمد بن سلام، والغناء
__________
[1] تحامى: مصدر تحامي، يريد أنهم يطلبون الحماية بلعنه في الكنائس كما تحمي الحمير نفسها ببولها، وفي ب «تخاني» - بالنون - وهو تحريف.
[2] أذلال: جمع ذل - بفتح الذال - بمعنى الطريق الممهد. أي وماذا يضيرني من لعنهم والمنايا تسير في طرقها إليهم؟ (أو سعتهم سبّا وراحوا بالإبل).
[3] في هد. هج: «الرشادة» بدل «الرسالة».
لابن محرز خفيف ثقيل بالسبّابة في مجرى الوسطى عن إسحاق في الأول والثاني والرابع والخامس من الأبيات؛ وزعم ابن المكي أنه لمعبد، وزعم عمرو ابن بانة أنه لمالك، ولد حمان أيضا في الأول والثاني والخامس والسادس رمل بالوسطى وزعم ابن المكي أن هذا الرمل لابن سريج، وفي الأول والثاني والسادس رمل بالوسطى، لأبي عبيد مولى فائد ثاني ثقيل عن يحيى المكي، وزعم الهشامي أن الرمل لعبد العزيز الدفاف.
9 - أخبار السموءل ونسبه
نسبه
هو السموءل بن عريض بن عاديا، بن حباء [1]، ذكر ذلك أبو خليفة عن محمد بن سلام والسكري عن الطوسي وابن حبيب، وذكر أن الناس يدرجون عريضا في النسب، وينسبونه إلى عاديا جده، وقال عمر بن شبة: هو السموءل بن عاديا، ولم يذكر عريضا.
وحكى عبد اللّه بن أبي سعد عن دارم بن عقال - وهو من ولد السموءل - أن عاديا بن رفاعة بن ثعلبة بن كعب ابن عمرو مزبقيا بن عامر ماء السماء، وهذا عندي محال؛ لأن الأعشى أدرك شريح بن السموءل وأدرك الإسلام، وعمرو مزيقيا قديم، لا يجوز أن يكون بينه وبين السموءل ثلاثة آباء ولا عشرة بل أكثر، واللّه أعلم.
من مفاخر السموءل
وقد قيل: إن أمه كانت من غسان، وكلهم قالوا: إنه كان صاحب الحصن المعروف بالأبلق بتيماء المشهور بالوفاء، وقيل: بل هو من ولد الكاهن بن هارون بن عمران، وكان هذا الحصن لجده عاديا، واحتفر فيه بئرا رويّة عذبة، وقد ذكرته الشعراء في أشعارها، قال السموءل:
فبالأبلق الفرد بيتي به ... وبيت النضير سوى الأبلق
وقال السموءل يذكر بناء جدّه الحصن:
بنى لي عاديا حصنا حصينا ... وماء كلما شئت استقيت
وكانت العرب تنزل به، فيضيفها، وتمتار من حصنه، وتقيم هناك سوقا.
/ وبه يضرب المثل في الوفاء لإسلامه ابنه حتى قتل، ولم يخن أمانته في أدراع أودعها.
امرؤ القيس يفد عليه
وكان السبب في ذلك - فيما ذكر لنا محمد بن السائب الكلبي - أن امرأ القيس بن حجر لمّا سار إلى الشام يريد/ قيصر نزل على السموءل بن عاديا يحصنه الأبلق بعد إيقاعه ببني كنانة على أنهم بنو أسد وكراهة أصحابه لفعله، وتفرقهم عنه، حتى بقي وحده، واحتاج إلى الهرب، فطلبه المنذر بن ماء السماء، ووجه في طلبه جيوشا من إياد وبهراء وتنوخ وجيشا من الأساورة أمده بهم أنو شروان، وخذلته حمير، وتفرقوا عنه: فلجأ [2] إلى السموءل ومعه أدراع كانت لأبيه خمسة: الفضفاضة، والضافية، والمحصنة والخريق، وأم الذيول، وكانت الملوك من بني آكل
__________
[1] في هد: «عاديا بن حيا»، وفي هج: «عاديا بن حبيا».
[2] فلجأ ... الخ: تكرار لجملة «نزل على السموءل» التي تقدمت، وذلك لطول الفصل.
المرار يتوارثونها ملك عن ملك [1]، ومعه بنته هند، وابن عمه يزيد بن الحارث بن معاوية بن الحارث، وسلاح ومال كان بقي معه، ورجل من بني فزارة يقال له: الربيع بن ضبع شاعر، فقال له الفزاريّ: قل في السموءل شعرا تمدحه به، فإن الشعر يعجبه وأنشده الربيع شعرا مدحه به وهو قوله:
ولقد أتيت بني المصاص مفاخرا ... وإلى السموءل زرته بالأبلق [2]
فأتيت أفضل من تحمّل حاجة ... إن جئته في غارم أو مرهق [3]
عرفت له الأقوام كلّ فضيلة ... وحوى المكارم سابقا لم يسبق
/ قال: فقال امرؤ القيس فيه قصيدته:
طرقتك هند بعد طول تجنّب ... وهنا ولم تك قبل ذلك تطرق
قال: وقال الفزاري: إن السموءل يمنع منك حتى يرى ذات عينك، وهو في حصن حصين ومال كثير، فقدم به على السموءل، وعرفه إياه، وأنشداه الشعر، فعرف لهما حقّهما، وضرب على هند قبّة من أدم، وأنزل القوم في مجلس له براح، فكانت عنده ما شاء اللّه [4].
امرؤ القيس يستودعه ودائعه ويرحل
ثم إن امرأ القيس سأله أن يكتب له إلى الحارث بن أبي شمر الغسّاني أن يوصله إلى قيصر، ففعل، واستصحب معه رجلا يدله على الطريق، وأودع بنيه [5] وماله وأدراعه السموءل، ورحل إلى الشام، وخلّف ابن عمه يزيد بن الحارث مع ابنته هند، قال: ونزل الحارث بن ظالم في بعض غاراته بالأبلق؛ ويقال: بل الحارث بن أبي شمر الغساني؛ ويقال: بل كان المنذر وجه بالحارث بن ظالم في خيل، وأمره بأخذ مال امرىء القيس من السموءل.
يضحي بابنه في سبيل الوفاء
فلما نزل به تحصن منه، وكان له ابن قد يفع وخرج إلى قنص له، فلما رجع أخذه الحارث بن ظالم، ثم قال للسموءل: أتعرف هذا؟ قال: نعم، هذا ابني، قال: أفتسلّم ما قبلك أم أقتله؟ قال: شأنك به، فلست أخفر ذّمتي، ولا أسلم مال جاري، فضرب الحارث وسط الغلام، فقطعه قطعتين، وانصرف عنه؛ فقال السموءل في ذلك:
وفيت بأدرع الكنديّ إني ... إذا ما ذمّ أقوام وفيت
وأوصى عاديا يوما بألّا ... تهدّم يا سموءل ما بنيت
بنى لي عاديا حصنا حصينا ... وماء كلّما شئت استقيت
__________
[1] في بعض النسخ: «يتوارثونها ملكا عن ملك» بالنصب على الحالية، لا بالرفع على البدلية، كما في ب، وكلاهما صحيح.
[2] «المختار»، هد، هج «بني المضاض» بالضاد المعجمة، لا بالصاد المهملة، كما في ب، وفي بعض النسخ: «جئته» بدل «زرته».
[3] في «المختار»:
«في موثق أو مرهق»
[4] في هد: «فأقاما عنده ما شاء اللّه».
[5] في هد: «و أودع أمته»، وفي هج: «و أودع ابنته».
الأعشى يستجير بابنه فيجيره
وقال الأعشى يمدح السموءل ويستجير بابنه شريح [1] بن السموءل من رجل كلبي كان الأعشى هجاه، ثم ظفر به، فأسره، وهو لا يعرفه، فنزل بشريح بن المسوءل، وأحسن ضيافته، ومرّ بالأسرى، فناداه الأعشى:
شريح لا تسلمنّي اليوم إذا علقت ... حبالك اليوم بعد القيد أظفاري [2]
/قد سرت ما بين بلقاء إلى عدن ... وطال في العجم تكراري وتسياري [3]
فكان أكرمهم عهدا وأوثقهم ... عقدا أبوك بعرف غير إنكار
كالغيث ما استمطروه جاد وابله ... وفي الشدائد كالمستأسد الضاري
كن كالسّموءل إذ طاف الهمام به ... في جحفل كسواد الليل جرّار [4]
إذ سامه خطّتي خسف فقال له: ... قل ما تشاء فإني سامع حار [5]
فقال: غدر وثكل أنت بينهما ... فاختر، وما فيهما حظّ لمختار
فشكّ غير طويل ثم قال له: ... اقتل أسيرك إنّي مانع جاري
وسوف يعقبنيه إن ظفرت به ... ربّ كريم وبيض ذات أطهار [6]
لا سرّهنّ لدينا ذاهب هدرا ... وحافظات إذا استودعن أسراري [7]
فاختار أدراعه كيلا يسبّ بها ... ولم يكن وعده فيها بختّار [8]
/فجاء شريح إلى الكلبي فقال له: هب لي هذا الأسير المضرور فقال: هو لك، فأطلقه، وقال له: أقم عندي، حتى أكرمك، وأحبوك، فقال له الأعشى: إن تمام إحسانك إليّ أن تعطيني ناقة ناجية [9]، وتخلّيني الساعة، فأعطاه ناقة ناجية، فركبها ومضى من ساعته. وبلغ الكبيّ أن الذي وهب لشريح هو الأعشى، فأرسل إلى شريح، ابعث إليّ الأسير الذي وهبت لك حتى أحبوه، وأعطيه، فقال: قد مضى، فأرسل الكلبيّ في أثره، فلم يلحقه.
__________
[1] في هد، هج: «شويح» بدل «شريح».
[2] في هد، هج، «المختار»: «بعد القد» بدل «بعد القيد» والمعنى واحد.
[3] «المختار»، هد، هج «بانقيا» بدل «بلقاء».
[4] يقصد بالهمام الحارث بن ظالم الذي تقدم ذكره، أو المنذر الذي أرسله، وفي هد: «في عسكر» بدل «في جحفل» وفي هج والمختار «كهزيع الليل» بدل «كسواد الليل».
[5] حار: ترخيم حارث.
[6] يعني
«ببيض ذات أطهار»
زوجاته.
[7] كان القياس أن تتكرر «لا».
[8] ختار: غدار.
[9] ناجية: سريعة، وإنما بادر الأعشى بالهرب خشية أن يعرف الكلبي هويته فيسترده.
10 - سعية بن عريض
سعية [1] بن عريض بن عاديا أخو السموءل شاعر، فمن شعره الذي يغنّى فيه قوله:
صوت
يا دار سعدى بمقصى تلعة النّعم ... حيّيت دارا على الإقواء والقدم [2]
عجنا فما كلّمتنا الدار إذ سئلت ... وما بها عن جواب خلت من صمم
وما بجزعك إلا الوحش ساكنة ... وهامد من رماد القد والحمم [3]
الشعر لسعية بن عريض، والغناء لابن محرز ثقيل أول بالسبابة في مجرى البنصر عن إسحاق، وفيه خفيف ثقيل عن الهشامي، وله فيه خفيف ثقيل عن الهشامي، ويقال: إنه لمالك، وفيه لابن جؤذرة رمل عن الهشامي.
وسعية بن عريض القائل، وفيه غناء:
صوت
لباب هل عندك من نائل ... لعاشق ذي حاجة سائل
علّلته منك بما لم ينل ... يا ربّما علّلت بالباطل
الغناء لابن سريج رمل بالسبابة في مجرى الوسطى، عن إسحاق، وفيه لابن الهربذ/ خفيف رمل بالوسطى عن عمرو، وفيه لمتيّم رمل آخر من جامعها، وفيه لحن ليونس غير مجنس، وأول هذه القصيدة:
لباب يا أخت بني مالك ... لا تشتري العاجل بالآجل
لباب داويني ولا تقتلي ... قد فضّل الشافي على القاتل [4]
إن تسألي بي فاسألي خابرا ... والعلم قد يكفي لدى السائل
/ ينبيك من كان بنا عالما ... عنّا وما العالم كالجاهل
أنّا إذا حارت دواعي الهوى ... وأنصت السامع للقائل
__________
[1] في هد، هج: «سعيد» بدل «سعيه» وفي ب: سعية بن غريض وله ترجمة في الجزء 3/ 129 ط الدار.
[2] مقصى: اسم مكان من قصا: بمعنى بعد، وهذه هي رواية هد، وفي ب: بمنضى «و هو تحريف».
[3] الجزع: منعطف الوادي، أو وسطه، ورواية «بجزعك» رواية هد، هج، وب والحمم: الفحم والرماد، وكل ما تخلف مما أحرقته النار.
[4] في «المختار»:
«قد فضل الساقي ... »
واعتلج القوم بألبابهم ... في المنطق الفاصل والنائل [1]
لا نجعل الباطل حقّا ولا ... نلظّ دون الحق بالباطل [2]
نخاف أن تسفه أحلامنا ... فنخمل الدهر مع الخامل
معاوية يتمثل بشعره
أخبرني محمد بن خلف وكيع [3]، قال: حدثني أحمد بن الهيثم الفراسي: قال: حدثني العمري، عن العتبي، قال:
كان معاوية يتمثل كثيرا إذا اجتمع الناس في مجلسه بهذا الشعر:
إنا إذا مالت دواعي الهوى ... وأنصت السامع للقائل
لا نجعل الباطل حقّا ولا ... نلظّ دون الحق بالباطل
نخاف أن تسفه أحلامنا ... فنخمل الدهر مع الخامل
عبد الملك بن مروان يسمع شعره قبل القضاء
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء: قال: حدثنا الزبير بن بكار: قال: أخبرني عبد الملك بن عبد العزيز قال:
أخبرني خالي يوسف بن الماجشون، قال:
كان عبد الملك بن مروان إذا جلس للقضاء بين الناس أقام وصيفا على رأسه ينشده:
إنا إذا مالت دواعي الهوى ... وأنصت السّامع للقائل
واصطرع القوم بألبابهم ... نقضي بحكم عادل فاصل
لا نجعل الباطل حقّا ولا ... نلظّ دون الحق بالباطل
نخاف أن تسفه أحلامنا ... فنخمل الدّهر مع الخامل
ثم يجتهد عبد الملك في الحق بين الخصمين.
أصحابه يميلون مع الريح
أخبرني وكيع والحسن بن علي قالا: حدثنا أبو قلابة: قال: حدثنا الأصمعي، عن أبي الزناد، عن أبيه، عن رجال من الأنصار:
أنّ سعية بن عريض أخا السموءل بن عاديا كان ينادم قوما من الأوس والخزرج، ويأتونه، فيقيمون عنده، ويزورونه في أوقات قد ألف زيارتهم فيها، فأغار عليه بعض ملوك اليمن، فانتسف [4] من ماله حتى افتقر، ولم يبق له مال، فانقطع عنه إخوانه، وجفوه، فلما أخصب، وعادت حاله، وتراجعت راجعوه، فقال في ذلك:
__________
[1] في «المختار»:
«نقضي بحكم عادل فاصل»
بدل:
«في المنطق الفاصل والنائل»
، وفي هد، هج:
«في المنطق القائل والفاصل»
[2] لظ بالشيء وألظ به: تمسك به، ولزمه. وفي «المختار»: «نلط».
[3] في هد: محمد بن خلف بن المرزبان.
[4] انتسف ماله: من نسف الشي ء: اقتلعه من أصله.
أرى الخلّان لما قلّ مالي ... وأجحفت النوائب ودّعوني
فلما أن غنيت وعاد مالي ... أراهم لا أبالك راجعوني
/ وكان القوم خلّانا لمالي ... وإخوانا لما خوّلت دوني
فلما مرّ مالي باعدوني ... ولما عاد مالي عاودوني [1]
__________
[2] ومن أشعار اليهود ويغنّى به [2]:
صوت
هل تعرف الدار خفّ ساكنها ... بالحجر فالمستوى إلى ثمد [3]
دار لبهنانة خدلّجة ... تضحك عن مثل جامد البرد [4]
نعم ضجيع الفتى إذا برد ... الليل وغارت كواكب الأسد
/ يا من لقلب متيمّ سدم ... عان رهين أحيط بالعقد [5]
أزجره وهو غير مزدجر ... عنها وطرفي مقارن السّهد
تمشي الهوينا إذا مشت فضلا ... مشى النزيف المبهور في صعد [6]
تظل من زور بيت جارتها ... واضعة كفها على الكبد [7]
/الشعر لأبي الزنّاد [8] اليهودي العديمي [9]، والغناء لابن مسجح ثقيل أول بالوسطى في الثلاثة الأبيات الأول، عن الهشامي ويحيى المكي، وفيها لمعبد خفيف ثقيل أول عن الهشامي، وقال: أظنه من منحول يحيى بن المكي، وقد نسب قوم هذا اللحن المنسوب إلى معبد إلى ابن مسجح، ولابن محرز في
«يا من لقلب»
وما بعده خفيف ثقيل مطلق في مجرى الوسطى عن إسحاق، وذكر عمرو أن فيها لحنا لمعبد لم يذكر طريقته، وذكر ذلك في كتاب عمله الواثق قديما غير مجنس، وهذا الشعر يقوله أبو الزناد في أهل تيماء يرثيهم، وذكر ذلك عمر بن شبة:
[10] ومن الغناء في أشعار اليهود من قريظة والنّضير [10]:
[1] في هد، هج: «فلما شذ» بدل «فلما مر».
(2 - 2) التكملة من هج.
[3] في هد، هج: «إلى السند».
[4] الهنانة: الطيبة النفس والريح، والضحوك الخفيفة الروح، الخدلجة: الممتلئة الساقين والعضدين.
[5] سدم: يقال: عاشق سدم: شديد العشق.
[6] فضل: مختالة في مشيتها، تفضل من ذيل ردائها، النزيف: المنتشى من السكر ونحوه، المبهور: من انقطع نفسه من الإعياء، في صعد: في علو وارتفاع، لأن مشية الصاعد أشق من مشية المنحدر، إذ الأول ضد جاذبية الأرض بخلاف الثاني.
[7] كنى بوضع اليد على الكبد عن الخوف من الرقباء ونحوهم.
[8] في هج: «لأبي الذيان».
[9] في هد: «القرظي».
(10 - 10) التكملة من هد.
صوت
دور عفت بقرى الخابور غيّرها ... بعد الأنيس سوافي الرّيح والمطر
إن تمس دارك ممّن كان ساكنها ... وحشا فذلك صرف الدهر والغير [1]
وقد تحل بها بيض ترائبها ... كأنها بين كثبان النّقا البقر [2]
الشعر للربيع بن أبي الحقيق، روى ذلك السكري، عن الطوسي، وعن محمد بن حبيب، والغناء لابن محرز خفيف ثقيل أول بالوسطى عن عمرو، وهو صوت مشهور ابتداؤه نشيد.
__________
[1] في هد، هج
«ممن كان يسكنها»
[2] في بعض النسخ بدل المصراع الأول
«حلت بها كل مبيض تراتبا»
والتراتب: عظام الصدر مما يلي الترقوتين، أو موضع القلادة، مفردها تربية.
11 - أخبار الربيع بن أبي الحقيق [1]
الربيع رئيس لبني قريظة
كان الربيع من شعراء اليهود من بني قريظة، وهم وبنو النضير جميعا من ولد هارون بن عمران، يقال لهما:
الكاهنان، وكان الربيع أحد الرؤساء في يوم حرب بعاث، وكان حليفا للخزرج هو وقومه، فكانت رياسة بني قريظة للربيع، ورياسة الخزرج لعمرو بن النّعمان البياضيّ، وكان رئيس بني النضير يومئذ سلام بن مشكم.
يلتقي بالنابغة الذبياني
أخبرني عمي ومحمد بن حبيب بن نصر المهّلبيّ، قال: حدثنا عبد اللّه بن أبي سعد، قال: حدثني محمد بن الحسن الأنصاريّ، قال: حدثني الحسن بن موسى؛ مولى بني مازن بن النجار عن أبي عبيدة قال:
أقبل النابغة الذبياني يريد سوق بني قينقاع، فلحقه الربيع بن أبي الحقيق نازلا من أطمه، فلما أشرفا على السوق سمعا الضّجّة، وكانت سوقا عظيمة، فحاصت [2] بالنابغة ناقته، فأنشأ يقول:
كادت تهال [3] من الأصوات راحلتي
ثم قال للربيع بن أبي الحقيق: أجز يا ربيع، فقال:
والنّفر منها إذا ما أوجست خلق
فقال النابغة: ما رأيت كاليوم شعرا، ثم قال:
لو لا أنهنهها [4] بالسّوط لاجتذبت
/ أجز يا ربيع، فقال:
منّي الزمام وإنّي راكب لبق
فقال النابغة:
قد ملّت الحبس في الآطام واستعفت [5]
__________
[1] خلت طبعة بولاق من هذه الترجمة، ولكنها جاءت هنا في النسخ: هج، هد، مج، مه وكذا في الجزء الواحد والعشرين من طبعة ليدن.
[2] حاصت ناقته: نفرت، وحادت.
[3] تهال: يعتريها الهول.
[4] أنهنها: أزجرها.
[5] استعفت: لعل المراد بهذا الفعل أنها طلبت من يسعفها بمنازلها، وفي نسخة: واشتعفت بالشين.
أجز يا ربيع، فقال:
إلى مناهلها لو أنّها طلق
فقال النابغة: أنت يا ربيع أشعر الناس.
أبان بني عثمان يتمثل بأبياته
حدثنا أحمد بن عبد العزيز الجوهري، ومحمد بن العباس اليزيدي، قال: حدثنا عمر بن شبّة قال: حدثني الحزاميّ قال: حدثني سعيد بن محمد الزّبيريّ، قال: حدثنا ابن أبي الزناد، عن أبيه قال:
قلّ ما جلست إلى أبان بن عثمان إلا سمعته يتمثل بأبيات ابن أبي الحقيق.
سئمت وأمسيت رهن الفرا ... ش من جرم قومي ومن مغرم [1]
ومن سفه الرّأي بعد النّهى ... وغيب الرشاد، ولم يفهم
فلو أنّ قومي أطاعوا الحل ... يم لم يتعدّوا ولم نظلم
ولكنّ قومي أطاعوا الغوا ... ة حتى تعكّص أهل الدم [2]
/فأودى السّفيه برأي الحل ... يم وانتشر الأمر لم يبرم
يعاتب قوما من الأنصار
أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي، قال: حدثنا معاذ [3]، عن أبي عبيدة قال: قال الربيع بن أبي الحقيق يعاتب قوما من الأنصار في شيء بينهم وبينه:
رأيت بني العنقاء زالوا وملكهم ... وآبوا بأنف في العشيرة مرغم [4]
فإن يقتلوا نندم لذاك وإن بقوا ... فلا بدّ يوما من عقوق ومأتم [5]
وإنّا فويق الرأس شؤبوب مزنة ... لها برد ما يغش م الأرض يحطم [6]
__________
[1] في بعض النسخ: «مغرمي» بالاضافة إلى ياء المتكلم.
[2] تعكص أهل الدم: ضنوا.
وروى البيتان في «المختار» هكذا:
ولكن قومي أطاعوا الغوا ... ة وانتشر الأمر لم يبرم
فأودى السفيه برأي الحليم ... حتى تحكم أهل الدم
[3] في هد. هج: «دماذ».
[4] في هج: «بني النجار» بدل «بني العنقاء» وفي هد، هج:
«زالوا ومالهم»
بدل
«زالوا وملكهم»
وقد جرى البيت على غير الأفصح حيث عطف على ضمير الرفع المتصل بدون فاصل، يقول ابن مالك:
وإن على ضمير رفع متصل ... عطفت فافصل بالضمير المنفصل
أو فاصل ما وبلا فصل يرد ... في النثر والنظم وضعفه اعتقد
[5] يريد أنهم حلفاء، إن أصابهم أذى عز علينا. وإن سلموا بغوا علينا.
[6] الشؤبوب: الدفعة من المطر، يقول: نحن لهم كماء المزن المصحوب بالبرد الذي يحطم الأرض، يعني أننا نفاعون ضرارون، وفي هد، هج:
«ما يغش في الأرض»
«ما يفش م الأرض»
، «و أصلها من الأرض».
صوت
ولنا بئر رواء جمّة ... من يردها بإناء يغترف [1]
/تدلج الجون على أكنافها ... بدلاء ذات أمراس صدف [2]
كلّ حاجاتي قد قضّيتها ... غير حاجاتي من بطن الجرف [3]
الشّعر لكعب بن الأشرف اليهوديّ، والغناء لمالك ثقيل أول عن يحيى المكي، قال: وفيه لابن عائشة خفيف ثقيل، ولمعبد ثاني ثقيل قال يحيى [4] في كتابه: وقد خلط الرواة في ألحانهم، ونسبوا لحن كلّ واحد منهم إلى صاحبه، وذكر الهشامي أن فيه لابن جامع خفيف رمل بالبنصر، وفيه لجعدب لحن من كتاب إبراهيم غير مجنس.
__________
[1] الرواء: الماء العذب، أو الكثير الذي يرتوى منه.
[2] تدلج: تسير ليلا، الجون: الإبل السوداء. أكنافها: جوانبها ونواحيها، أمراس: حبال، صدف: جمع صدوف. وهي المرأة تعرض لك وجهها ثم تصدف عنك: شبه بها حبال البئر، لأنها لا تزال تظهر وتختفي عند ملء الدلاء.
[3] بطن الجرف: موضع قرب المدينة. ولعل الشاعر كانت له حبيبة في هذا الموضع.
[4] في هج: «قال معبد».
12 - أخبار كعب ونسبه ومقتله
اسمه ونسبه
كعب بن الأشرف مختلف في نسبه، فزعم ابن حبيب أنه من طّيء، وأمه من بني النّضير، وأن أباه توفي وهو صغير، فحملته أمه إلى أخواله، فنشأ فيهم، وساد، وكبر أمره، وقيل: بل هو من بني النّضير.
وكان شاعرا فارسا، وله مناقضات مع حسان بن ثابت وغيره في الحروب التي كانت بين الأوس والخزرج، تذكر في مواضعها إن شاء اللّه تعالى - وهو شاعر من شعراء اليهود فحل فصيح، وكان عدوا للنبي صلى اللّه عليه وسلم يهجوه، ويهجو أصحابه، ويخذّل منه العرب، فبعث النبي صلّى اللّه عليه وسلم نفرا من أصحابه، فقتلوه في داره.
ذكر خبره في ذلك
كان كعب بن الأشرف يهجو النبيّ صلّى اللّه عليه وسلم، ويحرّض عليه كفّار قريش في شعره، وكان النبي صلى اللّه عليه وسلم قدم المدينة، وهي أخلاط، منهم المسلمون الذين تجمعهم دعوة النبي صلّى اللّه عليه وسلم، ومنهم المشركون الذين يعبدون الأوثان، ومنهم اليهود، وهم أهل الحلقة [1] والحصون، وهم حلفاء الحيين الأوس والخزرج، فأراد النبي صلّى اللّه عليه وسلم - إذ قدم - استصلاحهم كلّهم، وكان الرجل يكون مسلما وأبوه مشرك، ويكون مسلما وأخوه مشرك، وكان المشركون واليهود حين قدم النبي صلّى اللّه عليه وسلم يؤذونه وأصحابه أشدّ الأذى، فأمر اللّه نبيه والمسلمين بالصّبر على ذلك والعفو عنهم، وأنزل في شأنهم: وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ [2]
الآية. وأنزل فيهم: وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ [3]
/إلى قوله:
وَ اصْفَحُوا
فلما أبى كعب بن الأشرف أن ينزع عن أذى النبي صلّى اللّه عليه وسلم وأصحابه أمر النبي صلى اللّه عليه وسلم سعد بن معاذ أن يبعث إليه رهطا، فيقتلوه، فبعث إليه محمد بن مسلمة وأبا عبس بن جبير، والحارث ابن أخي سعد، في خمسة رهط، فأتوه عشيّة، وهو في مجلس قومه بالعوالي، فلما رآهم كعب أنكر شأنهم، وكان يذعر منهم، فقال لهم: ما جاء بكم؟ فقالوا: جئنا لنبيعك أدراعا نستنفق أثمانها، فقال: واللّه لئن فعلتم ذلك لقد جهدتم [4] مذ نزل بكم هذا الرجل، ثم واعدهم أن يأتوه عشاء حين تهدأ أعين الناس، فجاءوا، فناداه رجل منهم،
__________
[1] الحلقة: يراد بها حلقة القوم، أو حلقة البئر.
[2] سورة آل عمران الآية 186.
[3] سورة البقرة الآية 109.
[4] جهدتم: افتقرتم، وساءت حالكم، ويقصد بالرجل محمدا صلى اللّه عليه وسلم.
فقام ليخرج، فقالت امرأته: ما طرقوك ساعتهم هذه بشيء مما تحبّ، فقال: بلى إنهم قد حدّثوني حديثهم، وخرج إليهم، فاعتنقه أبو عبس، وضربه محمد بن مسلمة بالسيف في خاصرته، وانحنوا عليه، حتى قتلوه، فرعبت اليهود/ ومن كان معهم من المشركين، وغدوا على النبي صلّى اللّه عليه وسلم فقالوا: قد طرق [1] صاحبنا الليلة، وهو سيّد من سادتنا، فقتل، فذكر لهم صلّى اللّه عليه وسلّم ما كان يؤذى به في أشعاره، ودعاهم إلى أن يكتب بينهم وبين المسلمين كتابا، فكتبت الصحيفة بذلك في دار الحارث، وكانت بعد النبي صلّى اللّه عليه وسلم عند علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه. [2]
صوت
هل بالديار التي بالقاع من أحد ... باق فيسمع صوت المدلج الساري
تلك المنازل من صفراء ليس بها ... نار تضيء ولا أصوات سمّار
ويروى:
«ليس بها حيّ يجيب»
الشعر لبيهس الجرمي، والغناء لأحمد بن المكّيّ ثقيل أول بالوسطى عن الهشامي، وقال عمرو بن بانة: فيه ثاني ثقيل بالبنصر، يقال: إنه لابن محرز، وقال الهشامي: فيه لحباب بن إبراهيم خفيف ثقيل، وهو مأخوذ من لحن ابن صاحب الوضوء.
ارفع ضعيفك لا يحر بك ضعفه
[3]
__________
[1] طرق؛ أتى ليلا.
[2] الخبر المتقدم ساقط من جميع النسخ التي بأيدينا، وهو منقول من ب.
[3] لا يحربك ضعفه: لا يرجع بك ضعفه عن نصرته: من حار يحور: رجع يرجع.
13 - أخبار بيهس ونسبه
اسمه ونسبه
بيهس بن صهيب بن عامر بن عبد اللّه بن نائل بن مالك بن عبيد بن علقمة بن سعيد بن كثير بن غالب بن عديّ ابن بيهس بن طرود بن قدامة بن جرم بن ربّان بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة.
ويكنى أبا المقدام: شاعر فارس شجاع، من شعراء الدولة الأموية، وكان يبدو [1] بنواحي الشام مع قبائل جرم وكلب وعذرة، ويحضر إذا حضروا، فيكون بأجناد الشام، وكان مع المهلب بن أبي صفرة في حروبه للأزارقة، وكانت له مواقف مشهورة وبلاء حسن، وبعض أخباره في ذلك يذكر بعقب أخباره في هذا الشعر.
من هي صفراء
وقد اختلف الرواة في أمر صفراء التي ذكرها في شعره هذا، فذكر القحذميّ أنها كانت زوجته وولدت له ابنا، ثم طلقها، فتزوجت رجلا من بني أسد، وماتت عنده، فرثاها. وذكر أبو عمرو الشيباني أنها كانت بنت عمّه دنية [2]، وأنه كان يهواها، فلم يزوّجها، وخطبها الأسديّ، وكان موسرا، فزوّجها.
قال أبو عمرو: وكان بيهس بن صهيب الجرميّ يهوى امرأة من قومه، يقال لها، صفراء بنت عبد اللّه بن عامر بن عبد اللّه بن نائل، وهي بنت عمه دنية، وكان يتحدث إليها، ويجلس في بيتها، ويكتم وجده بها، ولا يظهره لأحد، ولا يخطبها لأبيها؛ لأنه كان صعلوكا لا مال له، فكان ينتظر أن يثرى، وكان من أحسن الشباب وجها وشارة وحديثا وشعرا، فكان نساء الحيّ يتعرّضن له، ويجلسن إليه ويتحدثن معه، فمرت به صفراء، فرأته جالسا مع فتاة منهن، فهجرته زمانا لا تجيبه إذا دعاها، ولا تخرج إليه إذا زارها،/ وعرض له سفر، فخرج إليه، ثم عاد، وقد زوّجها أبوها رجلا من بني أسد، فأخرجها، وانتقل عن دارهم بها، فقال بيهس بن صهيب:
سقى دمنة صفراء كانت تحّلها ... بنوء الثّريّا طلّها وذهابها [3]
وصاب عليها كلّ أسحم هاطل ... ولا زال مخضرّا مريعا جنابها [4]
أحبّ ثرى أرض إليّ وإن نأت ... محلّك منها نبتها وترابها [5]
__________
[1] يبدو: يسكن البادية.
[2] دنيه: يقال: هو ابن عمي دنية أو دنيا: قريب لاصق.
[3] الدمنة: ما بقي من آثار الدور ونحوها، جملة
«صفراء كانت تحلها»
صفة «دمنة» طلها: فاعل سقي، الذهاب: جمع ذهبة، وهي المرة من المطر، نوء الثريا: مطرها، وفي هد، هج: «نجاء الثريا» ولم نجد له معنى، وفي ف: «لحا الثريا» ويختل به وزن البيت.
[4] صاب المطر ونحوه: أنصب، أسحم: أسود، يريد الغمام الأسود، لأنه أغزر مطرا.
[5] أحب: خبر مبتدأ محذوف تقديره «هي» يعود على الدمنة،
«محلك منها ...
الخ» كلام مستأنف يعلل به سبب الحب، وفي ف:
محلك أرضا» بدل «محلك منها».
/
على أنها غضبى عليّ وحبّذا ... رضاها إذا ما أرضيت وعتابها [1]
وقد هاج لي حينا فراقك غدوة ... وسعيك في فيفاء تعوي ذئابها [2]
نظرت وقد زال الحمول ووازنوا ... بركوة والوادي وخفّت ركابها
فقلت لأصحابي: أبالقرب منهم ... جرى الطير أم نادى ببين غرابها؟
يرثي صفراء
قال أبو عمرو: ثم ماتت صفراء قبل أن يدخل بها زوجها، فقال بيهس يرثيها:
هل بالديار التي بالقاع من أحد ... باق فيسمع صوت المدلج الساري
تلك المنازل من صفراء ليس بها ... نار تضيء ولا أصوات سمّار
عفّت معارفها هوج مغبّرة ... تسفي عليها تراب الأبطح الهاري [3]
/حتى تنكّرت منها كلّ معرفة ... إلا الرّماد نخيلا بين أحجار [4]
طال الوقوف بها والعين تسبقني ... فوق الرّداء بوادي دمعها الجاري [5]
إن أصبح اليوم لا أهل ذوو لطف ... ألهوا لديهم ولا صفراء في الدار [6]
أرعى بعيني نجوم الليل مرتقبا ... يا طول ذلك من همّ وإسهار [7]
فقد يكون لي الأهل الكرام وقد ... ألهو بصفراء ذات المنظر الواري [8]
من المواجد أعراقا إذا نسبت ... لا تحرم المال عن ضيف وعن جار [9]
لم تلق بؤسا ولم يضرر بها عوز ... ولم تزخّف مع الصّالي إلى النار [10]
كذلك الدّهر إنّ الدّهر ذو غير ... على الأنام وذو نقض وإمرار [11]
__________
[1] في هد: «و غضابها» بمعنى مغاضبتها، بدل: «و عتابها».
[2] الفيفاء: القفراء، وفي هد، هج، ف: «هاج لي حزنا» بدل «هاج لي حينا» وفي النسخ الثلاث أيضا: «خشناء» بدل «فيفاء» والمعنى لا يتغير.
[3] هوج: جمع هوجاء، يريد: «رياح هوج»، الهاري: تخفيف الهارى ء: من هرأه بمعنى أذابه وأبلاه وفي ف: «هوجاء مغبرة».
[4] نخيلا: حال من الرماد بمعنى ناعم دقيق.
[5] بوادي دمعها: ظواهره.
[6] اللطف: اليسير من الطعام ونحوه، وفي هد
«أصبو اليهم»
بدل
«ألهو لديهم»
وجواب إن الشرطية في البيت الثالث:
«فقد يكون لي الأهل ...
الخ».
[7] في هد، هج: «ليل» بدل «هم».
[8] الواري: السمين، أو يريد به المضى ء. وفي «المختار»: «المنطق الواري».
[9] المواجد: جمع ماجدة، لا تحرم المال: لا تمسكه: من أحرم الراعي، يقال: أحرم كذا عن كذا: أمسكه عنه.
[10] لم تزخّف: من زخفت المرأة العجين إذا أكثرت ماءه، والمراد أنها لم تصل النار لإنضاج الخبز، وفي ب «لم ترجف» - بالجيم لا بالخاء - وقد رجحنا أن ثمة تصحيفا.
[11] النقض والإمرار: ضدان: الأول فك الحبل، والثاني قتله.
قد كاد يعتادني من ذكرها جزع ... لو لا الحياء ولو لا رهبة العار [1]
/سقي الإله قبورا في بني أسد ... حول الربيعة غيثا صوب مدرار [2]
من الذي بعدكم أرضى به بدلا ... أو من أحدّث حاجاتي وأسراري؟ [3]
يقف وصحبه على قبرها وينشد
قال أبو عمرو: واجتاز بيهس في بلاد بني أسد، فمر بقبر صفراء، وهو في موضع يقال له الأحضّ [4]، ومعه ركب من قومه، وكانوا قد انتجعوا بلاد بني أسد، فأوسعوا لهم، وكان بينهم صهر وحلف، فنزل بيهس على القبر، فقال له أصحابه: ألا ترحل، فقال: أما واللّه [5]، حتى أظل نهاري كلّه عنده، وأقضي وطرا فنزلوا معه عند قبرها، فأنشأ يقول، وهو يبكي:
ألمّا على قبر لصفراء فاقرآ ... السّلام وقولا حيّنا أيّها القبر
وما كان شيئا غير أن لست صابرا ... دعاءك قبرا دونه حجج عشر [6]
برابية فيها كرام أحبّة ... على أنّها إلا مضاجعهم قفر [7]
عشّية قال الرّكب من غرض بنا ... تروّح أبا المقدام قد جنح العصر [8]
فقلت لهم: يوم قليل وليلة ... لصفراء قد طال التجنّب والهجر
/ وبتّ وبات الناس حولي هجّدا ... كأنّ عليّ الّليل من طوله شهر [9]
إذا قلت هذا حين أهجع ساعة ... تطاول بي ليل كواكبه زهر
أقول إذا ما الجنب ملّ مكانه ... أشوك يجافي الجنب أم تحته جمر؟
/ فلو أنّ صخرا من عماية راسيا ... يقاسي الذي ألقى لقد ملّه الصخر [10]
قال: وأما القحذميّ فإنه ذكر فيما أخبرني به هاشم بن محمد الخزاعيّ، عن عيسى بن إسماعيل رتينة عنه، أنّه كان تزوّجها، ثم طلّقها بعد أن ولدت منه ابنا؛ فتزوجها رجل من بني أسد، فماتت عنده، وذكر من شعره فيها
__________
[1] يريد بالعار الذي يخشاه دمعه وضعفه وانهياره أمام المصيبة، كما يقول جرير في رثاء زوجته:
لو لا الحياء لهاجني استعبار ... ولزرت قبرك والحبيب يزار
[2] الربيعة: مكان قبر صفراء. صوب مدرار: مطر سحابة هطالة.
[3] في هد:
«من ذا الذي»
بدل
«من الذي»
، وفي هد، هج، ف: «أم من» بدل «أو من».
[4] في هد، هج: «الأحص».
[5] في هد: «لا واللّه».
[6] اسم كان ضمير الشأن - ، ولو كانت «كان» قامة «و «شيئا» مرفوعة لكان أحسن، دعاءك: مفعول «صابرا» وقبرا: مفعول «دعاءك» يقول: لا شيء إلا أنني لم أستطع الصبر على أن أدعو قبرك بعد مرور سنين عشر على وفاتك.
[7] في هج:
«كرام أعزة»
بدل
«كرام أحبة»
،
«لو لا مضاجعهم»
بدل
«إلا مضاجعهم»
[8] الغرض: الضجر والملال.
[9] في ب «هجرا» بدل «هجدا» والمثبت من هد، هج، ف.
[10] عماية: اسم جبل.
ومراثيه لها قريبا مما تقدم ذكره. وذكر أن بيهس بن صهيب كان من فرسان العرب، وكان مع المهلّب بن أبي صفرة في حروبه للأزارقة. [1] وكان يبدو بنواحي الشام مع قبائل جرم وكلب ويحضر إذا حضروا فيكون من أجناد الشام [1].
يتهم في قتيل
قال: أبو عمرو: ولما هدأت الفتنة بعد مرج راهط، وسكن الناس مرّ غلام من قيس بطوائف من جرم وعذرة وكلب، وكانوا متجاورين على ماء لهم؛ فيقال: إن بعض أحداثهم نخس «بيهس [2]» به ناقته فألقته، فاندقّت [3] عنقه، فمات؛ فاستعدى قومه عليهم عبد الملك، فبعث إلى تلك البطون من جاءه بوجوههم وذوي الأخطار منهم، فحبسهم، وهرب بيهس بن صهيب الجرمي، وكان قد اتّهم أنه هو الذي نخس به، فنزل على محمد بن مروان/ فعاذبه، واستجاره، فأجاره إلا من حدّ توجبه عليه شهادة، فرضي بذلك، وقال وهو متوار عند محمد:
لقد كانت حوادث معضلات ... وأيام أغصّت بالشّراب
وما ذنب المعاشر في غلام ... تقطّر بين أحواض الجباب [4]
على قوداء أفرطها جلال ... وغضّ فهي باقية الهباب [5]
ترامت باليدين فأرهقته ... كما زلّ النّطيح من القباب [6]
فإني والعقاب وما أرجّى ... لكالسّاعي إلى وضح السّراب
فلمّا أن دنا فرج بربّي ... يكشّف عن مخفّقة يباب [7]
من البلدان ليس بها غريب ... تخبّ بأرضها زلّ الذئاب [8]
فظنّي بالخليفة أنّ فيه ... أمانا للبريء وللمصاب
وأنّ محمدا سيعود يوما ... ويرجع عن مراجعة العتاب
/ فيجبر صبيتي ويحوط جاري ... ويؤمن بعدها أبدا صحابي
هو الفرع الذي بنيت عليه ... بيوت الأطيبين ذوي الحجاب
قال: فلم يزل محمد بن مروان قائما وقاعدا في أمرهم مع أخيه، حتى أمّن بيهس بن صهيب وعشيرته، واحتمل دية المقتول لقيس [9] وأرضاهم.
__________
(1 - 1) التكملة من هد، هج.
[2] زدنا كلمة «بيهس» ليتسق الكلام على نحو ما سيجى ء.
[3] العنق يذكر ويؤنث.
[4] تقطر: وقع على قطره من علو، وفي هد، ف: «الخباب» وفي هج: «الحباب» بدل «الجباب»، وهي أسماء أماكن.
[5] القوداء: الطويلة العنق والظهر، يريد ناقة قوداء، أفرطها جلال: ضخمة، وغض: لها المراد غض البصر بمعنى أنها لا تسير على هدى، الهباب: الصياح، وفي هج: «عصى» بدل «غض».
[6] النطيح: المنطوح، وفي هد، ف: «زال» بدل «زل»، وفي ب «الحقاب» ورجحنا رواية هج «القباب»، وفي ف، هد، هج: «البطيح» بالباء.
[7] المخفقة: الخالية، لعله يريد المكان الذي هرب إليه.
[8] زل: جمع أزل: السريع العدو الخفيف الوركين، وفي ف، هد، هج: «الذباب» بدل «الذئاب».
[9] في ب «بعسر» بدل «لقيس» وهو تحريف والتصويب، من هد، ج، ف.
صوت
نزل المشيب فما له تحويل [1] ... ومضى الشّباب فما إليه سبيل
ولقد أراني والشّباب يقودني ... ورداؤه حسن عليّ جميل
الشعر للكميت بن معروف الأسديّ، والغناء لمعبد خفيف، ولحنه من القدر الأوسط، من الثقيل الأول بإطلاق الوتر في مجرى الوسطى عن إسحاق.
__________
[1] في هج «ترحيل».
14 - أخبار الكميت بن معروف ونسبه
اسمه ونسبه
هو الكميت بن معروف بن الكميت بن ثعلبة بن رباب بن الأشتر بن جحوان بن فقعس بن طريف بن عمرو بن قعين بن الحارث بن ثعلبة بن دودان بن أسد بن خزيمة بن مدركة/ بن إلياس بن مضر.
شاعر من شعراء الإسلام بدويّ، أمه سعدة بنت فريد بن خيثمة بن نوفل بن نضلة.
أسرته ما بين شعراء وشواعر
والكميت أحد المعرقين في الشعر، أبوه معروف شاعر، وأمه سعدة شاعرة، وأخوه خيثمة أعشى بني أسد شاعر، وابنه معروف الكميت شاعر.
فأما أبوه فهو القائل لعبد اللّه بن المساور بن هند:
إنّ مناخي أمس يا بن مساور ... إليك لمن شرب النّقاخ المصرّد [1]
تباعدت فوق الحق من آل فقعس ... ولم ترج فيهم ردّة اليوم أو غد [2]
وقلت غنى لا فقر في العيش بعده ... وكلّ فتى للنائبات بمرصد
كأنك لم تعلم محلّ بيوتكم ... مع الحيّ بين الغور والمتنجّد
فلو لا رجال من جذيمة قصرة ... عددت بلائي ثم قلت له اعدد [3]
أمه تؤنبه وترثيه
وأمّه سعدة القائلة له، وقد تزوّج بنت أبي مهوش على مراغمة لها، وكراهة لذلك، فغضبت سعدة وقالت فيه:
عليك بأنقاض العراق فقد علت ... عليك بتخدين النّساء الكرائم [4]
لعمري لقد راش ابن سعدة نفسه ... بريش الذّنابي لا بريش القوادم [5]
__________
[1] الأبيات - كما يبدو - في العتاب. والبيت الأول من الطويل دخله الخرم، النقاخ: الماء العذب البارد، المصرد: من صرد العطاء:
قلله، وضرد الإناء: وضع فيه ماء لا يكفي للشرب، كأنه لا يحمد مقامه عنده.
[2] آل فقعس: قبيلة الشاعر، ولم ترج فيهم ردة اليوم والغد: طرحتهم جانبا، ولم تحتفظ بخط رجعتهم إليك، أو رجعتك إليهم.
[3] قصرة: داني النسب، وفي هد، ف:
«عددت بلادي»
بدل
«عددت بلائي»
[4] بتخدين النساء: باتخاذهن أخدانا، وفي بعض النسخ: «غلت» بدل «علت» تقول له: عليك بمهازيل العراق، فقد ضنت عليك بكرائمها.
[5] القوادم: ريشات عشر أو أربع في مقدمة جناح الطائر.
بنى لك معروف بناء هدمته ... وللشّرف العاديّ بان وهادم [1]
وهي القائلة ترثي ابنها الكميت:
لأمّ البلاد الويل ماذا تضمّنت ... بأكناف طوري من عفاف ونائل [2]
ومن وقعات بالرجال كأنها ... إذا عنّت الأحداث وقع المناصل
يعزّي المعزّى عن كميت فتنتهي ... مقالته والصّدر جمّ البلابل
أخوه يرثيه
وأعشى بني أسد أخو الكميت، واسمه خيثمة، الذي يقول يرثي الكميت وغيره من أهل بيته:
هوّن عليك فإنّ الدهر منجدب ... كلّ امرىء عن أخيه سوف ينشعب [3]
فلا يغرّنك من دهر تقلّبه ... إنّ الّليالي بالفتيان تنقلب
/ نام الخليّ وبتّ الليل مرتفقا ... كما تزاور يخشى دفّه النّكب [4]
إذا رجعت إلى نفسي أحدّثها ... عمّن تضمّن من أصحابي القلب [5]
من إخوة وبني عمّ رزئتهم ... والدّهر فيه على مستعتب عتب
عاودت وجدا على وجد أكابده ... حتى تكاد بنات الصّدر تلتهب [6]
هل بعد صخر وهل بعد الكميت أخ ... أم هل يعود لنا دهر فنصطحب؟ [7]
لقد علمت ولو ملّيت بعدهم ... أني سأنهل بالشّرب الذي شربوا [8]
ابنه معروف يتغزل
ومعروف بن الكميت القائل:
لقد كنت أحسبني جلدا فهيّجني ... بالشيب منزلة من أمّ عمّار
كانت منازل لا ورهاء جافية ... على الحدوج ولا عطلا بمقفار [9]
__________
[1] معروف: أبو الكميت، العادي: العتيق، يقال: مجد عادي، وشرف عادي، وفي البيت إقواء.
[2] في هج، ف وردت «طورا» بالألف لا بالياء، وهي اسم مكان.
[3] منجدب: مطاوع جدبه: ذمه، وعابه.
[4] مرتفقا: متكئا على مرفق، تزاور: مال وانحرف، دفه: جنبه، النكب: المصاب في منكبه، وهو فاعل يتنازعه الفعلان «تزاور ويخشى».
[5] القلب جمع قليب بمعنى البئر، ويعني الحفرة التي يدفن فيها الموتى.
[6] البيت جواب الشرط «إذا رجعت»، بنات الصدر: كناية عن الضلوع، وفي ف، هج «بنات الدهر» والرواية الأولى أصح.
[7] «نصطحب» معطوف على «يعود»، لا منصوب بأن مضمرة بعد فاء السببية الواقعة بعد الاستفهام، وإلا كان في البيت إقواء.
[8] ولو مليت: ولو أمهلت، الشرب - بكسر الشين - الماء الذي يشرب.
[9] «منازل» مضاف، وورهاء مضاف إليه، «و لا» فاصلة بينهما، الورهاء: المرأة الكثيرة الشحم، الحدوج: جمع حدج - بكسر الحاء - وهو مركب من مراكب النساء كالهودج، العطل: المرأة لا حلى لها، المقفار: الأرض المقفرة، وفي هد، هج، ف: «و لا عطلاء
وما تجاورنا إذ نحن نسكنها ... ولا تفرّقنا إلا بمقدار
صوت
أرقت لبرق دونه شذاون ... يمان وأهوى البرق كلّ يماني [1]
فليت القلاص الادم قد وخدت بنا ... بواد يمان ذي ربا ومجاني [2]
الشعر ليعلى الأحول الأزديّ، وجدت ذلك بخط أبي العباس محمد بن يزيد المبرد في شعر الأزد، وقال عمرو بن أبي عمرو الشيباني عن أبيه: هي ليعلى الأحول، كما روى غيره، قال: ويقال: إنها لعمرو بن أبي عمارة الأزدي من بني خنيس [3]، ويقال: إنها لجوّاس بن حيان من إزد عمان.
وأول هذه القصيدة، في رواية أبي عمرو، أبيات فيها غناء أيضا وهي:
صوت
أو يحكما يا واشي أمّ معمر ... بمن وإلى من جئتما تشيان؟ [4]
بمن لو أراه عانيا لفديته ... ومن لو رآني عانيا لفداني
لعريب في هذين البيتين ثقيل أول، ولعمرو بن بانة فيهما هزج بالوسطى من كتابه وجامع صنعته، وقال ابن المكي: لمحمد بن الحسن بن مصعب فيه هزج بالأصابع كلّها.
__________
مقفار» وعلى الرواية الأولى كان القياس «عطل» بالجر لا بالنصب، وربما صح اعتبار ورهاء وجافية وعطلا» صفات لكلمة «منازل» وعلى هذا يكون المراد من قوله «لا ورهاء» أنها ليست ورهاء الرياح: ليست عاصفتها، والتوجيه الأول أصح، وهو الذي يتمشى مع رواية هد، هج، ف، وإلا كان في البيت إقواء؛ إذ يلزم عليه نصب كلمة «مقفار».
[1] شذوان: تثنية شذا: شجر تتخذ منه المساويك، كل: بدل من البرق.
[2] القلاص الأدم: النوق السمراء، وفي هد، هج: «محانى» - بالحاء المهملة - بدل «مجاني» - بالجيم المعجمة -
[3] في هج: «حبيش» بدل «خنيس».
[4] في هج: «أم مالك» بدل «أم معمر».
15 - أخبار يعلى ونسبه
اسمه ونسبه
يعلى الأحول بن مسلم بن أبي قيس، أحد بني يشكر بن عمرو بن رالان [1] - ورالان هو يشكر - ويشكر لقب لقب به - بن عمران بن عمرو بن عدي بن حارثة بن لوذان بن كهف الظلام - هكذا وجدته بخطّ المبرد - بن ثعلبة بن عمرو بن عامر.
شاعر فاتك خليع:
شاعر إسلامي لص من شعراء الدولة الأموية، وقال هذه القصيدة وهو محبوس بمكة عند نافع بن علقمة الكناني [2] في خلافة عبد الملك بن مروان [3].
قال أبو عمرو: وكان يعلى الأحول الأزديّ لصّا فاتكا خاربا، وكان خليعا، يجمع صعاليك الأزد وخلعاءهم، فيغير بهم على أحياء العرب، ويقطع الطريق على السّابلة، فشكي إلى نافع بن علقمة بن الحارث بن محرث الكنانيّ ثم الفقيمي، وهو خال مروان بن الحكم، وكان والي مكة، فأخذ به عشيرته الأزديّين [4]، فلم ينفعه ذلك، واجتمع إليه شيوخ الحيّ فعرّفوه أنه خليع قد تبرؤوا منه ومن جرائره إلى العرب، وأنه لو أخذ به سائر الأزد ما وضع يده في أيديهم [5]، فلم يقبل ذلك منهم، وألزمهم إحضاره، وضمّ إليهم شرطا يطلبونه إذا طرق الحيّ حتى يجيئوه به.
يسلمه قومه إلى الحاكم
فلما اشتدّ عليهم في أمره طلبوه، حتى وجدوه، فأتوا به، فقيّده وأودعه الحبس، فقال في محبسه:
قصيدته في سجنه
أرقت لبرق دونه شذوان ... يمان وأهوى البرق كلّ يمان [6]
فبتّ لدى البيت الحرام أشيمه ... ومطواي من شوق له أرقان [7]
__________
[1] في ف، هج: «ابن فلان وفلان» بدل «ابن رالان» وأغلب الظن أنه تحريف.
[2] في هج: «الكندي».
[3] في بعض النسخ: «في خلافة مروان».
[4] في رواية «الأدنين».
[5] لعل المراد: ما وضع يعلى يده في أيدي قومه: ما أسلم نفسه إليهم.
[6] تقدم هذا البيت.
[7] أشيم: مضارع شام البرق ونحوه: تطلع إليه ليرى أين يقع مطره؟ وفي ب «أخيله» بدل «أشيمه» والمثبت من هد، هج وهو الصواب.
المطو: الصاحب.
إذا قلت: شيماه يقولان والهوى ... يصادف منّا بعض ما تريان [1]
جرى منه أطراف الشري فمشيّع ... فأبيان فالحيّان من دمران [2]
فمرّان فالأقباض أقباض أملج ... فماوان من واديهما شطنان [3]
هنالك لو طوّفتما لوجدتما ... صديقا من أخوان بها وغوان [4]
/و عزف الحمام الورق في ظلّ أيكة ... وبالحي ذي الرّودين عزف قيان [5]
ألا ليت حاجاتي اللواتي حبسنني ... لدي نافع قضّين منذ زمان
وما بي بغض للبلاد ولا قلى ... ولكنّ شوقا في سواه دعاني [6]
/فليت القلاص الأدم قد وخدت بنا ... بواد يمان ذي ربا ومجاني [7]
بواد يمان ينبت السّدر صدره ... وأسفله بالمرخ والشّبهان [8]
يدافعنا من جانبيه كليهما ... عزيفان من طرفائه هدبان [9]
وليت لنا بالجوز واللوز غيلة ... جناها لنا من بطن حلية جاني
الغيلة: شجر الأراك إذا كانت رطبة، ويروى في موضع: من بطن حلية: من حب جيحة.
وليت لنا بالدّيك مكّاء روضة ... على فنن من بطن حلية داني [10]
وليت لنا من ماء حزنة شربة ... مبردة باتت على طهمان [11]
ويروى: من ماء حمياء.
__________
[1] شيماه: أمر من «شام» وألف الاثنين لصديقيه: والهاء للبرق المتقدم ذكره، وجملة «و الهوى ... الخ البيت» اعتراضية، ومقول القول في البيت التالي وما بعده.
[2] مشيع، وأبيان، ومران: أماكن، وضمير «منه» يعود على البرق، أي يقول صاحباه: جرى ماء البرق في هذه الأماكن.
[3] مران، أملج: مكانان، أقباص: جمع قبص - بفتح القاف وكسرها - وهو مجتمع الرمل الكثير، ماوان: تثنية ماء، شطنان: بعيدان.
[4] وصل همزة «إخوان» لإقامة الوزن، وفي هد «عمران» - بالعين - بدل «غوان» وما في ب أصوب.
[5] الورق: جمع ورقاء: ما كان لونها لون التراب، الرودين: تثنية رود: الريح اللينة، وفي ب «ذو» بدل «ذي» ولم نجد لها وجها.
[6] في ب «قلا» - بالألف - وكان القياس أن يقول: «في سواها» بدل «في سواه» لأن الضمير ضمير البلاد، ولعله أعاد الضمير على «نافع» في البيت السابق.
[7] تقدم هذا البيت.
[8] المرخ والشبهان: مكانان.
[9] عزيفان: تثنية عزيف: صوت الرياح حين تسفى الرمال، الطرفاء: أنواع من الشجر، منها الأثل، هدبان: تثنية هدب: من قولهم:
عثنون هدب: مسترسل، وهذه هي رواية هد، وفي ب «هذبان» تثنية «هذب» من قولهم: فرس هذب: شديد السرعة، وفي ف:
«هدبان» وفي هج: «هربان»، وفي هد، هج: «كلاهما» بدل «كليهما»، والذي أخترناه هو ما أثبتناه.
[10] المكاء: طائر.
[11] في هج، ف: «طهيان» بدل «طهمان» وفي هد: «طيهان» وكلها أمكنة.
صوت
إن السلام وحسن كلّ تحيّة ... تغدو على ابن مجزّز وتروح [1]
هلا فدى ابن مجزّز متفحشّ ... شنج اليدين على العطاء شحيح [2]
الشعر لجوّاس العذريّ، والغناء لسائب بن خاثر خفيف ثقيل بالوسطى بن يحيى المكي والهشامي من رواية حماد عن أبيه، في أخبار سائب خاثر وأغانيه.
__________
[1] في هد، هج، ف: «محرر» - برائين مهملتين - بدل «مجزز» بزايين معجمتين.
[2] شنج اليدين: مقبوضهما، كناية عن البخل.
16 - نسب جواس وخبره في هذا الشعر
اسمه ونسبه
هو جوّاس بن قطبة [1] العذريّ، أحد بن الأحبّ رهط بثينة، وجوّاس وأخوه عبد اللّه الذي كان يهاجي جميلا ابنا عمّها دنية، وهما ابنا قطبة بن ثعلبة بن الهون ابن عمرو بن الأحبّ بن حنّ بن ربيعة بن حرام بن عتبة [2] بن عبيد ابن كثير بن عجرة [3].
ينافر جميل بن معمر فترجح كفته
وكان جوّاس شريفا في قومه شاعرا، فذكر أبو عمرو الشيباني:
أنّ جميل بن عبد اللّه بن معمر لمّا هاجى جوّاسا تنافرا إلى يهود تيماء، فقالوا لجميل: يا جميل، قل في نفسك ما شئت، فأنت واللّه الشاعر الجميل الوجه الشريف، وقل أنت يا جواس في نفسك وفي أبيك ما شئت، ولا تذكرنّ أنت يا جميل أباك في فخر؛ فإنه كان يسوق معنا الغنم بتيماء، عليه شملة لا توارى استه، ونفّروا [4] عليه جوّاسا، قال: ونشب الشرّ بين جميل وجوّاس، وكانت تحته أم الجسير أخت بثينة التي يذكرها جميل في شعره، إذ يقول:
يا خليلّي إن أمّ جسير ... حين يدنو الضّجيع من علله [5]
روضة ذات حنوة وخزامى ... جاد فيها الربيع من سبله [6]
/قوم جميل يثأرون منه فغضب لجميل نفر من قومه يقال لهم بنو سفيان، فجاءوا إلى جوّاس ليلا وهو في بيته، فضربوه وعرّوا امرأته أمّ الجسير في تلك الليلة، فقال جميل:
ما عرّ جوّاس استها إذ يسبّهم ... بصقري بني سفيان قيس وعاصم [7]
هما جرّدا أمّ الجسير وأوقعا ... أمرّ وأدهى من وقيعة سالم
__________
[1] في بعض النسخ: «قطنة»، بالنون لا بالباء.
[2] في هد، هج، ف: «ضبة» بدل «عتبة».
[3] في ف، هج: «عجوة».
[4] نفروا بالتشديد - نصروا، وفضلوا.
[5] العلل: الشرب مرة بعد مرة، والمراد العلل من رضاب أم جسير.
[6] الحنوة: نبات سهلي، أو هي الريحان، أو نوع من الآذريون، الخزامي: نبت طيب الرائحة، السبل: المطر.
[7] البيت من الطويل دخله الخزم، عر: ساء وضر، ومنع صرف جواس للضرورة ولم يتقدم مرجع لضمير «يسبهم» ولعل الأصل «يسبها» والمعنى عليه: ما ساء جواسا تعرية است امرأته حين سبّها بهذين البطلين.
يعني سالم بن دارة.
فقال جوّاس:
/ما ضرب الجوّاس إلا فجاءة ... على غفلة من عينه وهو نائم [1]
فإلا تعجّلني المنيّة يصطبح ... بكأسك حصناكم حصين وعاصم [2]
ويعطى بنو سفيان ما شئت عنوة ... كما كنت تعطيني وأنفك راغم
جميل يحدو ركاب مروان بن الحكم
وقال أبو عمرو الشّيباني:
حجّ مروان بن الحكم، فسار بين يديه جميل بن عبد اللّه بن معمر، وجوّاس بن قطبة، وجوّاس بن القعطل الكلبيّ، فقال لجميل: انزل فسق بنا، فنزل جميل فقال:
يا بثن حيّي ودّعينا أوصلي ... وهونّي الأمر فزوري واعجلي [3]
/ثمّت أيّا ما أردت فافعلي ... إني لآتي ما أتيت مؤتلى [4]
فقال له مروان: عدّ عن هذا، فقال:
أنا جميل والحجاز وطني ... فيه هوى نفسي وفيه شجني
هذا إذا كان السّياق ددني [5]
جواس بن قطبة يحدو ركاب مروان
فقال لجوّاس بن قطبة: انزل أنت يا جوّاس فسق بنا، فنزل فقال - وقد كان بلغه عن مروان أنه توعّده إن هاجى جميلا:
لست بعبد للمطايا أسوقها ... ولكنني أرمي بهنّ الفيافيا [6]
أتاني عن مروان بالغيب أنه ... مبيح دمي أو قاطع من لسانيا
وفي الأرض منجاة وفسحة مذهب ... إذا نحن رققنا لهن المثانيا [7]
فقال له مروان: أما إن ذلك لا ينفعك إذا وجب عليك حق، فاركب لا ركبت.
__________
[1] البيت من الطويل دخله الخزم أيضا.
[2] يصطبح بكأسك ... الخ: يشرب بالكأس التي كنت أسقيك بها حصين وعاصم، والبيت هو وما بعده إيعاد وتهديد.
[3] في هد، هج: «يا بنة حنا» بدل «يا بثن حيي».
[4] مؤتلى: من ألا الشيء ألو: استطاعه.
[5] الددن: اللهو، كالدد، وفي هج: «بدني» بدل «ددني» ولا معنى له.
[6] البيت من الطويل دخله الخرم.
[7] المثاني: ما يكرر ويثنى من الآيات القرآنية وغيرها، ويريد بها هنا أناشيد الحداء، وضمير «لهن» يعود على الإبل المفهومة من المقام، أو على المطايا المذكورة في البيت الأول، وفي هد، هج: «و للمرء مذهب» بدل «و فسحة مذهب».
جواس بن القعطل يحدو ركاب مروان
ثم قال لجوّاس بن القعطل - ويقال بل القصة كلها مع جواس بن قطبة - : انزل فارجز بنا، فنزل فقال هذه الأبيات:
يقول أميري: هل تسوق ركابنا ... فقلت: اتّخذ حاد لهن سوائيا [1]
تكرمت عن سوق المطيّ ولم يكن ... سياق المطايا همّتي ورجائيا
/ جعلت أبي رهنا وعرضي سادرا ... إلى أهل بيت لم يكونوا كفائيا [2]
إلى شرّ بيت من قضاعة منصبا ... وفي شرّ قوم منهم قد بداليا
فقال له: اركب لا ركبت.
عود إلى الصوت وخبر ابن مجزز
والأبيات التي فيها الغناء يرثي بها جوّاس بن قطبة العذريّ علقمة بن مجزّز قال أبو عمرو الشيبانيّ: وكان عمر ابن الخطاب رضي اللّه عنه بعث علقمة بن مجزز الكنانيّ ثم المدلجيّ في جيش إلى الحبشة، وكانوا لا يشربون قطرة من ماء إلا بإذن الملك، وإلا قوتلوا عليه، فنزل الجيش على ماء قد ألقت لهم فيه الحبشة سمّا، فوردوه مغترين [3]، فشربوا منه، فماتوا عن آخرهم، وكانوا قد أكلوا هناك تمرا، فنبت ذلك النوّى الذي ألقوه نخلا في بلاد الحبشة، وكان يقال له نخل ابن مجزز، فأراد عمر أن يجهزّ إليهم جيشا عظيما فشهد عنده أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم قال: اتركوا الحبشة ما تركوكم، وقال: وددت لو أن بيني وبينهم بحرا [4] من نار، فقال جوّاس العذري يرثي علقمة ابن مجزز:
إنّ السّلام وحسن كلّ تحية ... تغدو على ابن مجزّز وتروح
فإذا تجرّد حافراك وأصبحت ... في الفجر نائحة عليك تنوح [5]
وتخيّروا لك من جياد ثيابهم ... كفنا عليك من البياض يلوح
/ فهناك لا تغني مودّة ناصح ... حذرا عليك إذا يسدّ ضريح
/ هلا فدى ابن مجزز متفحّش ... شنج اليدين على العطاء شحيح
متمرّع ورع وليس بماجد ... متملّح وحديثه مقبوح [6]
وفيمن هلك مع ابن مجزز يقول جوّاس:
__________
[1] كان القياس «اتخذ حاديا» ولكنه أجراها مجرى «و لو أن واش باليمامة داره» للضرورة.
[2] الرهن - بكسر الراء - من قولهم: هو رهن مال ونحوه، أي سائس.
[3] لعلها «معترين» بالعين المهملة، لا مغترين بالغين المعجمة، من اعترار الفقر والحاجة، أو التعرض للمعروف دون سؤال.
[4] في هد: «جبلا».
[5] لعل المراد: تجرد حافرا قبرك: تخففا من ثيابهما استعدادا للحفر.
[6] متمرع ... الخ: صفات «لمتفحش» في البيت السابق، والمتمرع: طالب المرع: الخصب، يريد أنه جشع، ورع: جبان، متملح:
يتكلف الملاحة، وفي هج: «و حديثه مملوح» بدل «مقبوح» كأنه يريد أن حديثه ملح لا عذب.
ألهفي لفيتان كأنّ وجوههم ... دنانير وافت مهلك ابن مجزّز
صوت
أحبّتنا بأبي أنتم ... وسقيا لكم حيثما كنتم
أطلتم عذابي بميعادكم ... وقلتم نزور فما زرتم
فأمسك قلبي على لوعتي ... ونمّت دموعي بما أكتم
ففيم أسأتم وأخلفتم ... وقدما وفيتم وأحسنتم
الشعر لإبراهيم بن المدبر، والغناء لعريب خفيف ثقيل.
17 - أخبار إبراهيم بن المدّبر
نشأته
أبو إسحاق بن المدبّر شاعر كاتب متقدم من وجوه كتاب أهل العراق ومتقدميهم وذوي الجاه والمتصرّفين في كبار الأعمال ومذكور الولايات، وكان المتوكل يقدّمه ويؤثره، ويفضله، وكانت بينه وبين عريب حال مشهورة، كان يهواها، وتهواه، ولهما في ذلك أخبار كثيرة، قد ذكرت بعضها في أخبار عريب، وأذكر باقيها هاهنا.
بين يدي المتوكل
أخبرني أحمد بن جعفر جحظة قال: حدثني إبراهيم بن المدبر قال:
مرض المتوكل مرضة خيف عليه منها ثم عوفي، وأذن للناس في الوصول إليه، فدخلوا على طبقاتهم كافة ودخلت معهم، فلما رآني استدناني، حتى قمت وراء الفتح، ونظر إليّ مستنطقا فأنشدته:
يوم أتانا بالسرور ... فالحمد للّه الكبير
أخلصت فيه شكره ... ووفيت فيه بالنّذور
لما اعتللت تصدّعت ... شعب القلوب من الصدور [1]
من بين ملتهب الفؤا ... دو بين مكتئب الضمير [2]
يا عدّتي للدّين والدّني ... ا وللخطب الخطير
كانت جفوني ثرّة ال ... آماق بالدّمع الغزير
لو لم أمت جزعا لعم ... رك إنني عين الصبور
/ يومي هنالك كالسّني ... ن وساعتي مثل الشّهور
يا جعفر المتوكل ال ... عالي على البدر المنير
اليوم عاد الدين [3] غضّ ... العود ذا ورق نضير
واليوم أصبحت الخلا ... فة وهي أرسى من ثبير [4]
قد حالفتك وعاقدت ... ك على مطاولة الدّهور
__________
[1] هج: «من الصدور».
[2] هج: «من بين مكتئب الفؤاد وبين ملتهب».
[3] هج: «عاد الملك».
[4] ثبير: جبل.
/
يا رحمة للعالمي ... ن ويا ضياء المستنير
يا حجة اللّه الّتي ... ظهرت له بهدى ونور
للّه أنت فما نشا ... هد منك من كرم وخير
حتى نقول ومن [1] بقر ... بك من وليّ أو نصير
البدر ينطق بيننا ... أم جعفر فوق السرير!
فإذا تواترت العظا ... ثم كنت منقطع النّظير
وإذا تعذّرت [2] العطا ... يا كنت فيّاض البحور
تمضي الصواب بلا وزي ... ر أو ظهير [3] أو مشير
فقال المتوكل للفتح: إن إبراهيم لينطق عن نية خالصة، وودّ محض، وما قضينا حقّه، فتقدم بأن يحمل إليه الساعة خمسون ألف درهم، وتقدم إلى عبيد اللّه بن يحيى بأن يولّييه عملا سريّا [4] ينتفع به.
المتوكل ينتقض عليه ويودعه السجن
حدثني عمّي قال: حدثني محمد بن داود بن الجرّاح قال:
كان أحمد بن المدبّر ولي لعبيد اللّه بن يحيى بن خاقان عملا، فلم يحمد أثره فيه، وعمل على أن ينكبه. وبلغ أحمد ذلك فهرب، وكان عبيد اللّه منحرفا عن إبراهيم، شديد النّفاسة [5] عليه برأي المتوكل فيه، فأغراه به، وعرّفه خبر أخيه، وأدّعى عليه مالا جليلا، وذكر أنه عند إبراهيم أخيه، وأوغر صدره عليه حتى أذن له في حبسه، فقال وهو محبوس:
تسلي ليس طول الحبس عارا [6] ... وفيه لنا من اللّه اختيار
فلو لا الحبس ما بلي اصطبار ... ولو لا الليل ما عرف النهار
وما الأيام إلا معقبات [7] ... ولا السلطان إلا مستعار
وعن قدر حبست فلا نقيض ... وفيما قدّر اللّه الخيار [8]
سيفرج ما ترين إلى قليل ... مقدره وإن طال الإسار
ولإبراهيم في حبسه أشعار كثيرة حسان مختارة، منها قوله في قصيدة أولها:
__________
[1] من معطوفة على ضمير «نقول» بلا فاصل، وذلك رأي مرجوح.
[2] في ج: «تغورت».
[3] ظهير: معين.
[4] في ج، هج: «سنيا»، يعني شريفا.
[5] النفاسة: مصدر نفست عليه الشيء إذا ضننت به، ولم تحب أن يصل إليه.
[6] في هج:
«تسل فليس طول الحبس عار»
على التصريح وجعل عار اسم ليس مؤخرا.
[7] معقبات: يعقب بعضها بعضا بالخير والشر أو بالنور والظلام.
[8] البيت زيادة في ج، وفي هد: «حبست فلا تراعى».
أدموعها أم لؤلؤ متناثر ... يندى به ورد جنيّ ناضر
يقول فيها:
لا تؤيسنّك من كريم نبوة ... فالسيف ينبو وهو عضب باتر [1]
هذا الزمان تسومني أيامه ... خسفا [2] وهأنذا عليه صابر
/ إن طال ليلى في الأسار فطالما ... أفنيت دهرا ليله متقاصر
والحبس يحجبني وفي أكنافه ... منّي على الضرّاء ليث خادر [3]
عجبا له كيف التقت أبوابه ... والجود فيه والغمام الباكر؟ [4]
هلا تقطّع أو تصدّع أو وهى ... فعذرته؛ لكنّه بي فاخر
ومنها قوله في قصيدة أولها:
ألا طرقت سلمى لدى وقعة السّاري ... فريدا وحيدا موثقا نازح الدار [5]
هو الحبس ما فيه عليّ غضاضة ... وهل كان في حبس الخليفة من عار!
يقول فيها:
أ لست ترين الخمر يظهر حسنها ... وبهجتها بالحبس في الطين والقار! [6]
/و ما أنا إلا كالجواد يصونه ... مقوّمه للسّبق في طيّ مضمار
أو الدّرة الزهراء في قعر لجّة ... فلا تجتلى إلا بهول وأخطار
وهل هو إلا منزل مثل منزلي ... وبيت ودار مثل بيتي أو داري؟
فلا تنكري طول المدى وأذى العدى ... فانّ نهايات الأمور لإقصار [7]
لعلّ وراء الغيب أمرا يسرّنا ... يقدّره في علمه الخالق الباري
وإني لأرجو أن أصول بجعفر ... فأهضم أعدائي وأدرك بالثّار
يثني على من خلّصه من سجنه
فأخبرني عمي عن محمد بن داود:
__________
[1] ينبو: يبعد في ضربه.
[2] في هج: حتفا.
[3] أكنافه: نواحيه جمع كنف، الضراء: الشدة والضيق، خادر: ملازم لأجمته. وفي ف: «و السجن يحجبني».
[4] في ج: «و الربيع الباكر» بدل الغمام ولفظها أليق.
[5] الطرق: الضرب على الباب ليلا. وقعة الساري: نومته آخر الليل، نازح: بعيد عنه.
[6] القار والقير: ما يدهن به سداد الدنان.
[7] هذا البيت في هد، وهج، ساقط في غيرهما ومعنى «إقصار» انتهاء وترك وكف.
أن حبسه طال، فلم يكن لأحد في خلاصه منه حيلة مع عضل [1] عبيد اللّه وقصده إياه، حتى تخلّصه محمد بن عبد اللّه بن طاهر، وجوّد المسألة في أمره [2]، ولم يلتفت إلى عبيد اللّه، وبذل أن يحتمل في ماله كلّ ما يطالب به، فأعفاه المتوكل من ذلك، ووهبه له، وكان إبراهيم استغاث به ومدحه، فقال:
دعوتك من كرب [3] فلبّيت دعوتي ... ولم تعترضّني إذ دعوت المعاذر
إليك وقد حلّئت [4] أوردت همّتي ... وقد أعجزتني عن همومي المصادر
نمي بك عبد اللّه في العزّ والعلا ... وحاز لك المجد المؤثّل طاهر
فأنتم بنو الدنيا وأملاك جوّها [5] ... وساستها والأعظمون الأكابر
مآثر كانت للحسين ومصعب ... وطلحة لا تحوي مداها المفاخر [6]
إذا بذلوا قيل الغيوث البواكر ... وإن غضبوا قيل الليوث الهواصر [7]
تطيعكم يوم اللقاء البواتر ... وتزهو [8] بكم يوم المقام المنابر
وما لكم غير الأسرّة مجلس ... ولا لكم غير السيوف مخاصر [9]
ولي حاجة إن شئت أحرزت مجدها ... وسرّك منها أول ثم آخر
/ كلام أمير المؤمنين وعطفه ... فمالي بعد اللّه غيرك ناصر
وإن ساعد المقدور [10] فالنّجح واقع ... وإلا فإني مخلص الودّ شاكر
عريب تكاتبه وتشفع له
حدثني جعفر بن قدامة قال:
كتبت عريب من سرّ من رأى إلى إبراهيم بن المدبر كتابا تتشوّقه فيه، وتخبره باستيحاشها له، واهتمامها بأمره، وأنها قد سألت الخليفة في أمره، فوعدها بما تحبّ، فأجابها عن كتابها، وكتب في آخر الكتاب:
لعمرك ما صوت بديع لمعبد ... بأحسن عندي من كتاب عريب
__________
[1] عضل: منع.
[2] جود المسألة في أمره: أحسن الشفاعة فيه.
[3] في ج: «عن كرب».
[4] في ب، س: جليت وهي تحريف، ومعنى حلئت: منعت الماء.
[5] في هج: «شرقها» بدل «جوها».
[6] المفاخر: جمع مفخرة: ما يتباهى به.
[7] الهواصر: الكواسر المحطمة.
[8] في م، هج، هد: ونزهى، والمعنى ونفتخر.
[9] المخصرة: ما يأخذه الملك بيده يشير به إذا خاطب والخطيب إذا خطب.
[10] في م، هد، هج: «المقدار»، والمعنى واحد.
تأمّلت في أثنائه خطّ كاتب ... ورقّة مشتاق ولفظ خطيب
وراجعني من وصلها ما استرقّني ... وزهّدني في وصل كلّ حبيب
فصرت لها عبدا مقرّا بملكها ... ومستمسكا من ودها بنصيب
يحب نبتا وتحب هي مظفرا
أخبرني جعفر بن قدامة قال:
كان عليّ بن يحيى المنجّم وإبراهيم بن المدبر مجتمعين في منزل بعض الوجوه بسرّ من رأى على حال أنس، وكانت تغنّيهم جارية يقال لها نبت جارية البكرية [1] المغنية من جواري القيان، فأقبل عليها إبراهيم بن المدبّر بنظره ومزحه/ وتجميشه [2]، وهي مقبلة على فتى كان أمرد من أولاد الموالي يقال له مظفّر، كانت تهواه، وكان أحسن الناس وجها، ولم يزل ذلك دأبهم إلى أن افترقوا، فكتب إليه عليّ بن يحيى يقول:
لقد فتنت نبت فتى الظّرف والنّدى ... بمقلة ريم فاتر الطّرف أحور
/ وشدو يروق السامعين ويملأ ال ... قلوب سرورا مونق متخيّر
فأصبح في فخّ الهوى متقنّصا ... عزيز على إخوانه ابن المدبّر [3]
ولم تدر ما يلقى بها ولو أنّها ... درت روّحت من حرّه المتسعّر
وذاك بها صبّ ونبت خليّة ... ومشغولة عنه بوجه مظفّر
ولو أنصفت نبت لما عدلت به ... سواه وحازت حسن مرأى ومخبر
فكتب إليه إبراهيم بن المدبر:
طربت إلى قطربّل [4] وبلشكر [5] ... وراجعت غيّا ليس عني بمقصر
وذكّرني شعر أتاني مونق ... حبائب قلبي في أوائل أعصري
فنهنهت [6] نفسي عن تذكّر ما مضى ... وقلت: أفيقي لات حين تذكّر
أبا حسن ما كنت تعرف بالخنا ... ولا بعلوّ في المكان المؤخّر [7]
وما زلت محمود الشمائل مرتضى الخ ... لائق معروفا [8] بعرف ومنكر
__________
[1] في ف «بنت حارثة البكرية» بدل «جارية البكرية».
[2] في ب، س «تخميشة» وهو تحريف، والتجميش: المغازلة بالقرص واللعب.
[3] في ج، هج: «لجّ الهوى».
[4] قطربل: قرية بين بغداد وعكبرا ينسب إليها الخمر.
[5] بلشكر من قرى بغداد. وفي هج:
«و راجعت عما لست عنه بمقصر»
[6] نهنهت: كفت وزجرت.
[7] الخنا: الفحش في القبول، في ج:
«بغلو في المقال»
وفي م:
«في المقام»
[8] في هج: «مقرونا».
أترمي بنبت من جفاها تخيّرا ... وباعدها عنه برأي موقّر؟ [1]
ودافعها عن سرّها وهي تشتكي ... إليه تباريح الهوى المتسعّر [2]
ولو كان تبّاعا دواعي نفسه ... إذا لقضى أو طاره ابن المدبّر
/ على أنه لو حصحص الحقّ باعها ... ولو كان مشغوفا بها بمظفّر
بلؤلؤة زهراء يشرق ضوءها ... وغرّة وجه كالصباح المشهّر
إلى اللّه أشكو أنّ هذا وهذه ... غزالا كثيب ذي أقاح منوّر
وأنت فقد طالبتها فوجدتها ... لها خلق لا يرغوي ذو توعّر
وحاولت منها سلوة عن [3] مظفّر ... فما لان منها العطف عند التّخيّر [4]
نصحتك عن ودّ ولم أك جاهدا ... فإن شئت فاقبل قول ذي النصح أوذر
فكتب إليه عليّ بن يحيى المنجم:
لعمري لقد أحسنت يا بن المدبّر ... وما زلت في الإحسان عين المشهّر
ظرفت ومن يجمع من العلم مثل ما ... جمعت أبا إسحاق يظرف ويشهر [5]
ولإبراهيم في نبت هذه أشعار كثيرة منها قوله:
نبت إذا سكتت كان السكوت لها ... زينا وإن نطقت فالدرّ ينتشر
وإنما أقصدت [6] قلبي بمقلتها ... ما كان سهم ولا قوس ولا وتر
وقوله:
يا نبت يا نبت قد هام الفؤاد بكم ... وأنت واللّه أحلى الخلق أنسانا
ألا صليني فإنّي قد شغفت بكم ... إن شئت سرّا وإن أحببت إعلانا
خاتما عريب
/ أخبرني جعفر بن قدامة قال:
كان في إصبع إبراهيم بن المدبر خاتمان وهبتهما له عريب، وكانا مشهورين لها،/ فاجتمع مع أبي العبيس بن حمدون في اليوم التاسع والعشرين من شعبان على شرب، فلما سكرا اتفقا على أن يصير إبراهيم إلى أبى العبيس، ويقيم عنده من غد إن لم ير الهلال، وأخذ الخاتمين منه رهنا. ورئي الهلال في تلك الليلة، وأصبح الناس صياما،
__________
[1] ف: «برأي موفر» بالفاء.
[2] المستعر: المتقد، وفي ج، وهد، وهج: «دافعها عن وصله».
[3] في ج، هد، هج: «سلوة من».
[4] في ج: «التجير».
[5] في ج: «و يشعر».
[6] أقصدت: أصابت فلم تخطى ء.
فكتب إبراهيم إلى أبي العبيس يطالبه بالخاتمين، فدافعه، وعبث به، فكتب إليه من غد:
كيف أصبحت يا جعلت فداكا ... إنني أشتكي إليك جفاكا
قد تمادى بك الجفاء وما كن ... ت حقيقا ولا حريّا بذاكا
كن شبيها بمن مضى جعل الل ... ه لك العمر دائما ورعاكا
إنّ شهر الصيام شهر فكاك ... أنت فيه ونحن نرجو الفكاكا
فاردد الخاتمين ردّا جميلا ... قد تنعّمت [1] فيهما ما كفاكا
يا أبا عبد اللّه دعوة داع ... يرتجي نجح أمره إذ دعاكا
[2] - يعني أبا عبد اللّه بن حمدون والد أبي العبيس المخاطب بهذا الشعر - [2]
خاتماي اللذان عند أبي العب ... اس قد شارفا لديه الهلاكا
وهو حرّ وقد حكاك كما ... أنك قد المكرمات تحكي أباكا
فبعث بالخاتمين إليه.
عريب تزوره؛ وتستزير أبا العبيس
وأخبرني جعفر قال:
زارت عريب إبراهيم بن المدبر وهو في داره على الشاطىء في المطيرة [3] واقترحت عليه حضور أبي العبيس فكتب إليه إبراهيم:
/قل لابن حمدون ذاك الأريب ... وذاك الظريف وذاك الحسيب [4]
كتابي إليك بشكوى عريب ... لوجد شديد وشوق عجيب
وشوقي إليك كشوق الغريب ... إلى أرضه بعد طول المغيب
ويومي إن أنت تمّمته ... بقربك ذو كلّ حسن وطيب
حباني الزمان كما أشتهي ... بقرب الحبيب وبعد الرقيب
فما زلت أشرب من كفّه ... وأسقيه سقي اللطيف الأديب [5]
ويشكو إليّ وأشكو إليه ... بقول [6] عفيف وقول مريب
__________
[1] تنعمت: تمتعت: وفي ب، س، ج، هد، هج: «تولعت».
(2 - 2) التكملة من هد وهج.
[3] المطيرة: قرية من متنزهات بغداد وسامراء.
[4] البيت من المتقارب دخله الخرم.
[5] في ج: «الأريب».
[6] هج، هد: «بفعل عفيف».
إلى أن بدا لي وجه الصباح ... كوجهك ذاك العجيب الغريب [1]
فلا تخلنا [2] يا نظام السرو ... ر منك فأنت شفاء الكئيب
وغنّ لنا هزجا ممسكا ... تخفّ له حركات اللبيب [3]
فإنك قد حزت حسن الغناء ... وقد فزت منه بأوفى نصيب
وكن بأبي أنت رجع الجواب ... فداؤك أنفسنا من مجيب [4]
يعجبه اللحن فيكمله
أخبرني جعفر قال:
غنّى أبو العبيس بن حمدون يوما عند إبراهيم:
صوت
إني سألتك بالذي ... أدنى إليك من الوريد
إلّا وصلت حبالنا ... وكفيتنا شرّ الوعيد
/ فزاد فيه إبراهيم [5] قوله:
الهجر لا مستحسن ... بعد المواثق والعهود
وأراك مغراة به ... أفما غرضت من الصدود؟ [6]
إني أجدّد لذّتي ... ما لاح لي يوم جديد [7]
شربى معتّقة الكرو ... م ونزهتي ورد الخدود
فغنى هذه الأبيات أبو العبيس متصلة باللحن الأول في البيتين وصار الجميع صوتا واحدا إلى الآن، والأبيات الأخيرة لإبراهيم بن المدبر والأوّلان ليسا له.
__________
[1] في ح، هد، هج: «الحبيب القريب».
[2] في: ج: «فلا تخلها».
[3] في م: «يحن إليه فؤاد».
[4] في ح، وهج: «من حبيب».
[5] في هج: «إبراهيم بن المدبر».
[6] مغراة: مولعة من أغرى بالشيء أولع به، غرضت: ضجرت ومللت.
[7] في البيت إقواء وفي هج، هد: «ما دمت في يوم جديد».
نسبة هذا الصوت
الغناء في البيتين الأولين خفيف ثقيل مزموم [1] لأبي العبيس، وفيهما لبنان خفيف ثقيل آخر مطلق وفيهما لعريب [2] ثاني ثقيل بالوسطى.
يكمل لحنا آخر
قال جعفر: وغنته [3] يوما كراعة بسرّ من رأى ونحن حضور عنده.
/يا معشر الناس أما مسلم ... يشفع عند المذنب العاتب؟
ذاك الذي يهرب من وصلنا ... تعلّقوا باللّه بالهارب
فزاد فيهما قوله:
ملّكته حبلى ولكنّه ... ألقاه من زهد على غاربي
وقال إني في الهوى كاذب ... فانتقم اللّه من الكاذب [4]
عود إلى حبس المتوكل له
حدثني عمي، قال: حدثني محمد بن داود قال:
كتب إبراهيم بن المدبر إلى أبي عبد اللّه بن حمدون [5] في أيام نكبته يسأله إذكار المتوكّل والفتح بأمره:
كم ترى يبقى على ذا بدني ... قد بلي من طول همّ وضني! [6]
أنا في أسر وأسباب ردّى ... وحديد فادح يكلمني [7]
يا بن حمدون فتى الجود الذي ... أنا منه في جنى ورد جنى
ما الذي ترقبه أم ما ترى ... في أخ مضطهد مرتهن!
وأبو عمران موسى [8] حنق ... حاقد [9] يطلبني بالإحن [10]
وعبيد اللّه أيضا مثله ... ونجاح بي مجدّ مايني
__________
[1] مزعوم من الزم وهو شد الأوتار.
[2] في ب، س: لريق، وهو تحريف.
[3] في ب، س: «و غنيته» وهو تحريف.
[4] في هد، هج: «انتقم اللّه» بدون فاء.
[5] حمدون: أحد ندماء المتوكل.
[6] ضنى: تعب.
[7] يكلمني: يجرحني.
[8] أبو عمران موسى بن بغا الكبير أحد قواد المتوكل.
[9] كذا في م وفي ب، س: حاقن، ولا معنى لها.
[10] جمع إحنة وهي الحقد والغضب.
/
ليس يشفيه سوى سفك دمي ... أو يراني مدرجا في كفني
والأمير الفتح إن أذكرته ... حرمتي قام بأمري وعني
فأل [1] صدق حين أدعو باسمه ... وسرور حين يعرو حزني
قل له: يا حسن ما أوليتني ... مالما أوليتني من ثمن
زاد إحسانك عندي عظما ... أنّه باد لمن يعرفني
لست أدري كيف أجزيك به ... غير أني مثقل بالمنن
ما رأى القوم كذنبي عندهم ... عظم ذنبي أنّني لم أخن
ذاك فعلي وتراثي عن أبي ... واقتدائي بأخي في السّنن
سنّة صالحة معروفة ... هي منّا في قديم الزمن
/ ظفر الأعداء بي عن حيلة ... ولعل اللّه أن يظفرني
ليت أني وهم في مجلس ... يظهر الحقّ به للفطن
فترى لي ولهم ملحمة ... يهلك الخائن فيها والدّني
والذي أسأل أن ينصفني ... حاكم يقضي بما يلزمني
قل لحمدون خليلي وابنه ... ولعيسى [2] حرّكوه يا بنى
- يعني يا بني الزانية، فلم يزالوا في أمره حتى خلّصوه -
هل جرب الخمر من فهما؟
حدثني محمد بن يحيى الصولي: قال:
كان إبراهيم بن المدبر يحب جارية للمغنية المعروفة بالبكرية بسرّ من رأى فقال فيها:
/غادرت قلبي في إسار لديك ... فويلتا [3] منك وويلي عليك
قد يعلم اللّه على عرشه [4] ... أني أعاني الموت شوقا إليك
منّي بفكّ الأسر أو فاقتلي ... أيهما أحببت من حسنييك
قد كنت لا أعدى [5] على ظالم ... فصرت لا أعدي على مقلتيك
__________
[1] في س: «قال» وهو تحريف. يعني التفاؤل باسم الفتح بن خاقان.
[2] يقصد عيسى بن إبراهيم النصراني كاتب سعيد بن صالح، وكان يسعى على ابن المدبر.
[3] كذا في ف، وفي ج: «فالويل لي منك» وفي هد: «غودر قلبي».
[4] كذا في ب، وفي ح، هج: «فليعلم اللّه تعالى اسمه».
[5] لا أعين: وفي ب: «أعدو» ولا معنى له.
الخمر من فيك لمن ذاقه ... والورد للناظر من وجنتيك
يا حسرتا إن متّ طوع الهوى ... ولم أنل ما أرتجيه لديك
وأنشدها أبو عبد اللّه بن حمدون هذه الأبيات، وغنّت بها، وجعل يكرّر قوله:
الخمر من فيك لمن ذاقه
ويقول: هذا واللّه قول خبير مجرّب، فاستحيت من ذلك، وسبّت إبراهيم، فبلغه ذلك، فكتب إلى أبي عبد اللّه يقول:
ألم يشقك التماع البرق في السحر؟ ... بلى وهيّج من وجد ومن ذكر
ما زال دمعي غزير القطر منسجما ... سحّا بأربعة تجري [1] من الدّرر
وقلت للغيث لما جاد وابله ... وما شجاني من الأحزان والسّهر
يا عارضا ماطرا أمطر على كبدي ... فإنّها كبد حرّي من الفكر
لشدّ ما نال منّي الدهر واعتلقت ... يد الزمان وأوهت من قوى مرري [2]
/يا واحدي من عباد اللّه كلّهم ... ويا غناي [3] ويا كهفي ويا وزري
أحين أنشدت شعري في معذّبتي ... أما رثيت لها من شدة الحصر؟
وما شفعت بها شعري وقلت به ... في ريقها البارد السلسال ذي الخصر [4]
لبئس مستنصحا في مثل ذلك يا ... نفسي فداؤك من مستنصح غدر
واليوم يوم كريم ليس يكرمه ... إلّا كريم من الفتيان ذو خطر
نشدتك اللّه فاصبحه [5] بصحبته ... مباكرا فألدّ الشّرب في البكر
وأجمع نداماك فيه واقترح رملا ... صوتا تغنّيه ذات الدّل والخفر
يرتاح للدّجن [6] قلبي وهو مقتسم ... بين الهموم ارتياح الأرض للمطر
يا غادرا يا أحبّ الناس كلّهم ... إليّ واللّه من أنثى ومن ذكر
__________
[1] في هد: «تهمي» بدل «تجري».
[2] مرري: قواي، جمع مرة.
[3] في ح: «غياثي».
[4] الخصر: البرد، والفعل خصير.
[5] كذا في ف؛ وفي ب، س: «فاصحبه».
[6] ج، هج: «للذكر»، بدل «الدجن».
ويا رجائي ويا سؤلي ويا أملي ... ويا حياتي ويا سمعي ويا بصري
/ ويا مناي ويا نوري ويا فرحي ... ويا سروري ويا شمسي ويا قمري
لا تقبلي قول حسّادي عليّ ولا [1] ... واللّه ما صدقوا في القول والخبر
أدالني [2] اللّه من دهر يضعضعني [3] ... فقد حجبت عن التسليم والنظر
إن يحجبوا عنك في تقديرهم بصري ... فكيف لم يحجبوا ذكري ولا فكري؟
/ يا قوم قلبي ضعيف من تذكّرها ... وقلبها فارغ أقسى من الحجر
اللّه يعلم أنّي هائم دنف ... بغادة ليتها حظّي من البشر
مجلس من مجالسه
أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال: حدثني عبد اللّه بن محمد المروزي، قال: حدثني الفضل بن العباس ابن المأمون، قال:
زارتني عريب يوما ومعها عدّة من جواريها، فوافتنا ونحن على شرابنا، فتحدثت معنا ساعة، وسألتها أن تقيم عندنا، فأبت، وقالت: قد وعدت جماعة من أهل الأدب والظّرف أن أصير إليهم، وهم في جزيرة المربد [4]، منهم إبراهيم بن المدبر، وسعيد بن حميد، ويحيى بن عيسى بن منارة، فخلفت عليها، فأقامت. ودعت بدواة وقرطاس وكتبت إليهم سطرا واحدا؛ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ*
أردت، ولو لا، ولعلي.
ووجهّت الرقعة إليهم، فلما وصلت قرءوها، وعيوا بجوابها، فأخذها إبراهيم بن المدبّر، فكتب تحت أردت «ليت» وتحت لو لا «ماذا»؟ وتحت لعلي «أرجو» ووجّه بالرقعة إليها، فلما قرأتها طربت ونعرت [5]، وقالت: أنا أترك هؤلاء وأقعد عندكم؟ تركني اللّه إذا من يديه، وقامت فمضت وقالت لكم فيمن أتخلّفه عندكم من جواريّ كفاية [6].
عريب تتدله في حبه عند مكاتبتها له
أخبرني محمد بن خلف: قال: حدثني عبد اللّه بن المعتز، قال:
قرأت في مكاتبات لعريب فصلا من جواب أجابت به إبراهيم بن المدبّر/ مكاتبة بديعة بعيادة: قد استبطأت عيادتك - قدّمت قبلك - [7] وعذرتك، فما ذكرت عذرا ضعيفا لا ينبغي أن يفرح به [7]. فأستديم اللّه نعمه عندك.
__________
[1] في ح، هد: «فلا».
[2] أدالني؛ نصرني.
[3] في ج: «يضعفني» بمعنى يهدمني.
[4] كذا في ف؛ باقي النسخ «المؤيد»؛ تصحيف.
[5] نعرت: صوتت بخيشومها.
[6] تخلف فلان فلانا: جعله خليفته، وفي هد، هج: «لكم في جواري الكفاية».
(7 - 7) التكملة من هد.
قال وكتبت إليه أيضا:
أستوهب اللّه حياتك، قرأت رقعتك المسكينة التي كلّفتها مسألتك [1] عن أحوالنا، ونحن نرجو من اللّه أحسن عوائده عندنا وندعوه ببقائك، ونسأله الإجابة فلا تعوّد نفسك - جعلني اللّه فداءها - هذا الجفاء، والثقة مني بالاحتمال وسرعة الرجوع.
وكتبت إليه وقد بلغها صومه يوم عاشوراء:
قبل اللّه صومك وتلقّاه بتبليغك ما التمست، كيف ترى نفسك؟ - نفسي فداؤك - ولم كدّرت جسمك في آب [2]، أخرجه اللّه عنك في عافية، فإنه فظ غليظ وأنت محرور [3]، وإطعام [4] عشرة مساكين أعظم لأجرك، ولو علمت لصمت لصومك مساعدة لك وكان الثواب في حسناتك دوني، لأن نيتي في الصوم كاذبة.
أخبرني جعفر بن قدامة قال:
اتصلت لعريب أشغال دائمة في أيام تركوا رسي [5]، وخدمتها فيما هنالك. فلم يرها إبراهيم بن المدبّر مدة، فكتب إليها:
صوت
إلى اللّه أشكو وحشتي وتفجّعي ... وبعد المدى بيني وبين عريب
مضى دونها شهران لم أحل فيهما ... بعيش ولا من قربها بنصيب
فكنت غريبا بين أهلي وجيرتي ... ولست إذا أبصرتها بغريب
وإنّ حبيبا لم ير النّاس مثله ... حقيق بأن يفدى بكلّ حبيب
/ لعريب في هذه الأبيات خفيف ثقيل من رواية ابن المعتز، وهو من مشهور غنائها.
عود إلى مكاتبات عريب
وقال ابن المعتز في ذكره مكاتبات عريب إلى إبراهيم بن المدبر، وقد كتب إليها يشكو علته:
كيف أصبحت أنعم اللّه صباحك ومبيتك؟ وأرجو أن يكون صالحا، وإنما أردت إزعاج قلبي فقط.
وكتبت إليه تدعو له في شهر رمضان:
أفديك بسمعي وبصري وأهلّ اللّه هذا الشهر عليك باليمن والمغفرة، وأعانك على المفترض فيه والمتنفّل، وبلّغك مثله أعواما، وفرّج عنك وعنّي فيه.
قال وكتبت إليه:
__________
[1] كلف، يتعدى إلى المفعول الثاني بنفسه.
[2] آب: شهر أغسطس. وفي هد: «و لم كدرت نفسك بالصوم في آب».
[3] محرور: يجد بصدره حرارة.
[4] في هد. والطعام عشرة ...
[5] كذا في النسخ ولم نقف له على معنى.
فداؤك السمع والبصر والأمّ والأب ومن عرفني وعرفته. كيف ترى نفسك وقّيتها الأذى؟ وأعمى اللّه شائنك، ومقّه؟ [1] اللّه عند هذه الدعوة، وأرجو أن تكون قد أجيبت إن شاء اللّه، وكيف ترى الصوم؟ عرّفك اللّه بركته، وأعانك على طاعته، وأرجو أن تكون سالما من كل مكروه بحول اللّه وقوّته، وواشوقي إليك وواحشتي لك، ردّك اللّه إلى أحسن ما عوّدك، ولا أشمت بي فيك عدوّا ولا حاسدا. وقد وافاني كتابك لا عدمته إلّا بالغنى عنه بك، وذكرت حامله، فوجهت رسولي إليه/ ليدخله، فأسأله عن خبرك، فوجدته منصرفا، ولو رأيته لفرشت خدّي له، وكان لذلك أهلا.
وكتبت إليه وقد عتبت عليه في شيء بلغها عنه:
وهب اللّه لنا بقاءك ممتّعا بالنعم، ما زلت أمسّ [2] في ذكرك، فمرة بمدحك، ومرة بشكرك، ومرة بأكلك وذكرك بما فيك لونا لونا. اجحد ذنبك الآن وهات حجج الكتّاب ونفاقهم، فأما خبرنا أمس فإما شربنا من فضلة نبيذك على تذكارك رطلا رطلا، وقد رفعنا حسباننا إليك، فارفع حسبانك إلينا، وخبّرنا من زارك أمس وألهاك، وأي شيء كانت القصة على جهتها؟ ولا تخطرف [3]، فتحوجنا إلى كشفك والبحث عنك [4]، وعن حالك، وقل الحقّ، فمن صدق نجا، وما أحوجك إلى تأديب، فإنك لا تحسن أن تؤدّبه، والحقّ أقول إنه يعتريك كزاز [5] شديد يجوز حدّ البرد. وكفاك بهذا من قولي عقوبة، وإن عدت سمعت أكثر من هذا، والسلام.
يشمت في الشامت به
حدثني عمي قال: حدثني محمد بن داود قال:
كان عيسى بن إبراهيم النّصراني المكنى أبا الخير كاتب سعيد بن صالح يسعى على إبراهيم بن المدبّر في أيام نكبته، فلما زالت، ومات سعيد نكب عيسى بن إبراهيم وحبس ونهبت داره فقال فيه إبراهيم بن المدبر:
قل لأبي الشرّ إن مررت به ... مقالة عريّت من اللّبس [6]
ألبسك اللّه من قوارعه ... آخذة بالخناق والنّفس
/ لا زلت يا بن البظراء مرتهنا ... في شرّ حال وضيق محتبس
أقول لما رأيت منزله ... منتهبا خاليا من الأنس [7]
يا منزلا قد عفا من الطّفس [8] ... وساحة أخليت من الدّنس
__________
[1] المراد أهلكه، من متى الطلعة: شقها للأبار. وفي ب، س: «أمقه»، وفي هد: «و عطست واللّه عند هذه الدعوة».
[2] كذا في ج وفي هد، هج: «أدس» تصحيف.
[3] لا تخطرف: لا تجاوز الحقيقة.
[4] كذا في ج وفي س وب: «عليك» وهو تحريف.
[5] «إنه يعتريك كزاز» المراد الانقباض والانزواء، والكزاز أصله داء من شدة البرد، وفعله كز.
[6] هد: عربت من الدنس».
[7] الأنس: المؤانسين جمع أنيس.
[8] الطفس: الدنس.
من لاقتراف الفحشاء بعد أبي الشرّ ومن للقبيح والنجس؟
تحية إلى أحبابه من الدير
أخبرني جعفر بن قدامة قال:
ولي إبراهيم بن المدبر بعقب نكبته وزوالها عنه الثغور الجزرية [1]، فكان أكثر مقامه بمنبج [2]، فخرج في بعض أيام ولايته إلى نواحي دلوك [3] ورعبان [4]، وخلّف بمنبج جارية كان يتحظّاها مغنية يقال لها غادر، فحدثني بعض كتابه أنه كان معه بدلوك، وهو على جبل من جبالها، فيه دير يعرف بدير سليمان من أحسن بلاد اللّه وأنزهها،/ فنزل عليه ودعا بطعام خفيف فأكل وشرب، ثم دعا بدواة وقرطاس فكتب:
أيا ساقيينا [5] وسط دير [6] سليمان ... أديرا الكئوس فانهلاني وعلّاني
وخصّا بصافيها أبا جعفر أخي ... وذا ثقتي بين [7] الأنام وخلصاني [8]
وميلا بها نحو ابن سلّام الذي ... أودّ وعودا بعد ذاك لنعمان
/ وعمّا بها الندمان والصحب إنني ... تنكّرت عيشي [9] بعد صحبي وإخواني
ولا تتركا نفسي تمت بسقامها ... لذكرى حبيب قد شجاني وعنّاني [10]
ترحّلت عنه عن صدود وهجرة ... وأقبل نحوي وهو باك فأبكاني
وفارقته واللّه يجمع شملنا ... بلوعة [11] محزون وغلّة حرّان
وليلة عين المرج [12] زار خياله ... فهيّج لي شوقا وجدّد أشجاني
فأشرفت أعلى الدّير أنظر طامحا ... بألمح آماق وأنظر إنسان
لعلّي أرى أبيات منبج رؤية ... تسكّن من وجدي وتكشف أحزاني
فقصّر طرفي واستهلّ بعبرة ... وفدّيت من لو كان يدري لفدّاني
__________
[1] تشمل أنطاكية ومرعش، وف: «الخزرية» وفي س، ب: الخزوية» وهو تحريف.
[2] منبج: من أعمال حلب شمالي الشام.
[3] دلوك، بفتح الدال كما في «القاموس» و «معجم ما استعجم»، وفي ياقوت بالضم: بليدة من نواحي حلب.
[4] في س، ب رعيان، بالياء وهو تحريف: مدينة بين حلب وسميساط.
[5] في س وب: «يا ساقييا» وهو تحريف.
[6] دير سليمان: قرب دلوك مطل على مرج العين، وهو في غاية النزاهة.
[7] في م، ب «دون».
[8] الخالص من الإخوان يستوى فيه الواحد والجمع.
[9] في ب، س: «عيش».
[10] في ياقوت: «قد سقاني وغناني».
[11] في ب، س: «بكرعة» وهو تحريف.
[12] عين المرج: قرية من نواحي سامراء وكانت من منتزهات بغداد.
ومثّله شوقي إليه مقابلي ... وناجاه قلبي بالضمير وناجاني [1]
يهدي شعره إلى أخيه
قرأت على ظهر دفتر فيه شعر إبراهيم بن المدبر أهداه مجموعا إلى أخيه أحمد، فلما وصل إليه قرأه وكتب عليه بخطه:
أبا إسحاق إن تكن الليالي ... عطفن عليك بالخطب الجسيم
فلم أر صرف هذا الدهر يجري ... بمكروه على غير الكريم
وفاء عريب له
أخبرني جعفر بن قدامة قال: حدثني ميمون بن هارون قال:
اجتمعت مع عريب في مجلس أنس بسرّ من رأى عند أبي عيسى بن المتوكل، وإبراهيم بن المدبر يومئذ ببغداد، فمرّ لنا أحسن يوم، وذكرته عريب فتشوّقته/ وأحسنت الثناء عليه والذكر له، فكتبت إليه بذلك من غد، وشرحته له، فأجابني عن كتابي وكتب في آخره:
أتعلم يا ميمون ماذا تهيجه ... بذكرك أحبابي وحفظهم العهدا
ووصف عريب في كريم وفائها ... وإجمالها ذكرى وإخلاصها الودّا؟
عليها سلامي إن تكن دارها نأت ... فقد قرّب اللّه الذي بيننا جدّا
سقى اللّه دارا بعدنا جمعتكم ... وسكّن ربّ العرش ساكنها الخلدا [2]
وخصّ أبا عيسى الأمير بنعمة ... وأسعد فيما أرتجيه له الجدّا
فما ثمّ من مجد وطول وسودد ... ورأى أصيل يصدع الحجر الصّلدا
يصلحون بينه وبين عريب
حدثني جحظة قال: حدثني عبد اللّه بن حمدون قال:
اجتمعت أنا وإبراهيم بن المدبر وابن منارة والقاسم وابن زرزور في بستان بالمطيرة وفي يوم غيم يهريق رذاذه ويقطر أحسن قطر، ونحن في أطيب عيش وأحسن يوم، فلم نشعر إلا بعريب قد أقبلت من بعيد، فوثب إبراهيم بن المدبر من بيننا، فخرج حافيا، حتى تلقّاها وأخذ بركابها [3]، حتى نزلت وقبّل الأرض بين يديها، وكانت قد هجرته مدّة لشيء أنكرته عليه، فجاءت وجلست وأقبلت عليه مبتسمة،/ وقالت: إنما جئت إلى من هاهنا لا إليك.
فاعتذر وشيّعنا [4] قوله، وشفعنا له. فرضيت وأقامت عندنا يومئذ وباتت، واصطبحنا من غد، وأقامت عندنا فقال إبراهيم:
__________
[1] في ياقوت: «و وناجاه عني بالضمير».
[2] في ف، هج، هد: رب الخلد.
[3] الركاب: حديدة معلقة في السرج يستعان بها على الركوب، والجمع ركب كعنق.
[4] شيعنا: قوينا.
صوت
بأبي من حقّق الظن به ... فأتانا زائرا مبتديا
كان كالغيث تراخى مدّة ... وأتى بعد قنوط مرويا
طاب يومان لنا في قربه ... بعد شهرين لهجر مضيا
فأقرّ اللّه عيني وشفى ... سقما كان لجسمي مبليا
لعريب في هذا الشعر لحنان: رمل وهزج بالوسطى.
من شعره في عريب
أنشدني الصوليّ رحمه اللّه لإبراهيم بن المدبر في عريب:
زعموا أني أحبّ عريبا ... صدقوا واللّه حبّا عجيبا
حلّ من قلبي هواها محلّا ... لم تدع فيه لخلق نصيبا
ليقل من قد رأى الناس قدما: ... هل رأى مثل عريب عريبا؟
هي شمس والنساء نجوم ... فإذا لاحت أفلن غيوبا
وأنشدني الصوليّ أيضا له [1] فيها:
ألا يا عريب وقيت الرّدى ... وجنّبك اللّه صرف الزمن
فإنك أصبحت زين النساء ... وواحدة الناس في كل فنّ
فقربك يدنى لذيذ الحياة ... وبعدك ينفي لذيذ الوسن
فنعم الجليس ونعم الأنيس ... ونعم السّمير ونعم السّكن [2]
/و أنشدني أيضا له:
إن عريبا حلقت وحدها ... في كلّ ما يحسن من امرها
ونعمة للّه في خلقه ... يقصّر العالم عن شكرها [3]
أشهد في جاريتيها على ... أنهما محسنتا دهرها
فبدعة تبدع في شدوها ... وتحفة تتحف في زمرها
يا ربّ أمتعها بما خوّلت ... وامدد لنا يا ربّ في عمرها
أبو شراعة يودعه
أخبرنا أبو الفياض سوار بن أبي شراعة القيسي البصريّ قال:
__________
[1] هذا الخبر زيادة من ف.
[2] السكن: ما يسكن إليه ويستأنس به.
[3] كذا في ف.
كان إبراهيم بن المدبر يتولّى البصرة، وكان محسنا إلى أهل البلد إحسانا يعمهم، ويشتمل على جماعتهم [1] نفعه، ويخصّنا من ذلك بأوفر حظ وأجزل نصيب، فلما صرف عن البصرة شيّعه أهلها، وتفجّعوا لفراقه، وساءهم صرفه، فجعل يرد الناس من تشييعهم على قدر مراتبهم [2] في الأنس به، حتى لم يبق معه إلّا أبي، فقال له: يا أبا شراعة، إن المشيّع مودّع لا محالة، وقد بلغت أقصى الغايات، فبحقي عليك إلا انصرفت، ثم قال: يا غلام احمل إلى أبي شراعة ما أمرتك له به، فأحضر ثيابا وطيبا ومالا، فودّعه أبي، ثم قال:
يا أبا إسحاق سر في دعة ... وامض مصحوبا فما منك خلف
/ ليت شعري أيّ أرض أجدبت ... فأغيثت بك من جهد العجف [3]؟
/نزل الرّحم [4] من اللّه بهم ... وحرمناك لذنب قد سلف
إنما أنت ربيع باكر ... حيثما صرّفه اللّه انصرف
قلبه عند عريب
أخبرني عليّ بن العباس بن طلحة الكاتب قال:
قرأت جوابا بخط أبراهيم بن المدبر في أضعاف رقعة كتبتها إليه عريب، فوجدته قد كتب تحت فصل من الكتاب تسأله فيه عن خبره.
وساءلتموه بعدكم كيف حاله ... وذلك أمر بيّن ليس يشكل
فلا تسألوا عن قلبه فهو عندكم ... ولكن عن الجسم المخلّف فاسألوا
لا يسر وعريب نازحة
أخبرني عليّ بن العباس [5] قال: حدثني أبي قال:
كنت عند إبراهيم بن المدبّر، فزارته بدعة وتحفة وأخرجتا إليه رقعة من عريب فقرأناها فإذا فيها:
بنفسي أنت وسمعي وبصري، وقلّ ذاك لك، أصبح يومنا هذا طيّبا، طيّب اللّه عيشك، قد احتجبت سماؤه ورقّ هواؤه، وتكامل صفاؤه، فكأنه أنت في رقة شمائلك وطيب محضرك ومخبرك، لا فقدت ذلك أبدا منك، ولم يصادف حسنه وطيبه مني نشاطا ولا طربا لأمور صدّتني عن ذلك، أكره تنغيص ما أشتهيه لك من السرور بنشرها.
وقد بعثت إليك ببدعة وتحفة ليؤنساك وتسرّ بهما. سرّك اللّه وسرّني بك! فكتب إليها يقول:
__________
[1] في هج: ويشمل جماعتهم.
[2] هج: «على قدر منازلهم».
[3] العجف: الهزال الشديد.
[4] الرحم هنا: الرحمة.
[5] في هج: على بن العباس بن أبي طلحة الكاتب.
كيف السرور وأنت نازحة ... عنّي وكيف يسوغ لي الطرب!
إن غبت غاب العيش وانقطعت ... أسبابه وألحّت الكرب
وأنفذ الجواب إليها، فلم يلبث أن جاءت، فبادر إليها، وتلقاها حافيا حتى جاء بها على/ حمار مصري كان تحتها إلى صدر مجلسه، يطأ الحمار على [1] بساطه وما عليه، حتى أخذ بركابها، وأنزلها في صدر مجلسه وجلس بين يديها، ثم قال:
ألا رب يوم قصّر اللّه طوله ... بقرب عريب حبّذا هو من قرب
بها تحسن الدنيا وينعم عيشها ... وتجتمع السرّاء للعين والقلب
من شعره في جاريتي عريب
حدثني عليّ بن سليمان قال: أنشدني أبي قال:
أنشدني [2] إبراهيم بن المدبر، وقد كتب إلى بدعة وتحفة يستدعيهما، فتأخرّتا عنه فكتب إليهما:
قل يا رسول لهذه ... ولهذه بأبي هما
قد كان وصلكما لنا ... حسنا ففيم قطعتما؟
أعريب سيّدة النسا ... ء بهجرنا أمرتكما؟
كلّا وبيت اللّه بل ... هذا جفاء منكما
صوت له غنته عريب
وأنشدني عليّ بن العباس لإبراهيم بن المدبر، وفيه لعريب هزج، وقال:
ألا يا بأبي أنتم ... نأت دار بنا عنكم
فإن كنتم تبدلتم ... فما من بدل منكم
وإن كنتم على العهد ... فأحسنتم وأجملتم
/ ويا ليت المنى حقّت ... فنبديها ولا تكتم
فكنتم حيثما كنا ... وكنّا حيثما كنتم
من شعره في سجنه
وحدثني عليّ قال: حدثني أبي قال:
/ دخلت ليلة على إبراهيم بن المدبر في أيام نكبته ببغداد في ليلة غيم، فلاح برق من قطب الشمال ونحن نتحدث، فقطع الحديث، وأمسك ساعة مفكرا، ثم أقبل عليّ فقال:
__________
[1] الفعل متعد بنفسه، واستعمله «اللسان» كما جاء هنا فقال في مادة وطأ: لأن من يطأ على الشيء برجله فقد استقصى في هلاكه وأهانته.
[2] في س وب زيادة «أبي».
بارق شرّد الكرى ... لاح من نحو ما ترى
هاج للقلب شجوه ... فاعترى منه ما اعترى
أيها الشادن [1] الذي ... صاد قلبي وما درى
كن عليما بشقوتي ... فيك من بين ذا [2] الورى
عود إلى جاريتي عريب
وحدثني عن أبيه قال:
كنت عند إبراهيم بن المدبر فزارته بدعة وتحفة وأقامتا عنده، فأنشدنا يومئذ:
أيها [3] الزائران حياكما الل ... ه ومن أنتما له بالسّلام
ما رأينا في الدهر بدرا وشمسا ... طرقا ثم رجّعا [4] بالكلام
كيف خلّفتما عريبا سقاها اللّه ... ربّ العباد صوب الغمام
هي كالشمس والحسان نجوم ... ليس ضوء النهار مثل الظلام
جمعت كلّ ما تفرّق في النا ... س وصارت فريدة في الأنام
شعره في سجنه
وأنشدني عن أبيه لإبراهيم بن المدبر وهو محبوس:
/و اني لأستنشي [5] الشّمال إذا جرت ... حنينا إلى ألّاف قلبي وأحبابي
وأهدي مع الريح الجنوب إليهم ... سلامي وشكوى طول حزني وأوصابي
فيا ليت شعري هل عريب عليمة ... بذلك أو [6] نام الأحبة عما بي؟
يعاتب صديقه أبا الصقر
حدثني عمي، عن محمد بن داود قال:
كان إبراهيم بن المدبر صديق أبي الصقر اسمعيل بن بلبل فلم يرض فعله لمّا نكب ولا نيابته عنه فقال فيه:
__________
[1] الشادن: ولد الظبي.
[2] في س وب: «ذي»: وهو تحريف.
[3] في س وب: «أيهما» وهو تحريف وفي هد: أيها الراكبان.
[4] الترجيع في الأصل؛ ترديد الصوت على نحو ما يفعل الملحنون، والمراد هنا تكرار لاستئذان، وفي هج: ثم رجعنا في الكلام.
[5] أستنشي: أشم، وفي س، ب: «لأستثنى» وفي هد هج: «إني لأستشني» بلا واو، فيكون في البيت خرم.
[6] في ب، س: «أم».
لا تطل عذلي عناء [1] ... إن في العذل بلاء [2]
لست أبكي بطن مرّ [3] ... فكديّا [4] فكداء [5]
إنّما أبكي خليلا ... خان في الود الصفاء
يا أبا الصقر سقاك الل ... ه تهتانا [6] رواء [7]
وأدام اللّه نعما ... ك وملّاك [8] البقاء
لم تجاهلت ودادي ... وتناسيت الإخاء؟
/ كنت برّا فعلى رأ ... سي تعلّمت الجفاء
لا تميلنّ مع الري ... ح إذا هبّت رخاء
ربّما هبّت عقيما [9] ... تترك الدنيا هباء
حلم يتحقق
أخبرني علي بن العباس قال: حدثني أبي قال:
كنت عند إبراهيم بن المدبر وزارته عريب./ فقال لها: رأيت البارحة في النوم أبا العبيس وقد غنى في هذا الشعر وأنت تراسلينه فيه:
يا خليليّ أرقنا حزنا ... لسنا برق تبدّى موهنا [10]
وكأني أجزته بهذا البيت وسألتكما أن تضيفاه إلى الأول:
وجلا عن وجه دعد موهنا ... عجبا منه سنا أبدى سنا
فقالت: ما أملح واللّه الابتداء والإجازة! فاجعل ذلك في اليقظة، واكتب إلى أبي العبيس وسله عني وعنك الحضور، فكتب إليه إبراهيم:
يا أبا العباس يا أفتى الورى ... زارنا طيفك في سكر الكرى
وتغنّى لي صوتا حسنا ... في سنا برق على الأفق سرى
__________
[1] في س وب: «عيّما».
[2] في س، ب: «عياء».
[3] بطن مر: من نواحي مكة يجتمع عنده وادي النخلتين.
[4] بأسفل مكة عند ذي طوى بقرب شعب الشافعيين.
[5] بأعلى مكة عند المحصب.
[6] تهتانا: مطرا متتابعا.
[7] رواء: كثيرا مرويا.
[8] ملاك: أمتعك.
[9] عقيما: لا خير فيها.
[10] موهن، نحو نصف الليل.
وعريب عندنا حاصلة [1] ... زين من يمشي على وجه الثّرى
نحن أضيافك في منزلنا ... نتمنّاك فكن أنت القرى
قال: فسار إليهما أبو العبيس، وحدثه إبراهيم برؤياه، فحفظا الشعر، وغنيّا فيه بقية يومهما:
صوت
ألا حيّ قبل البين من أنت عاشقه ... ومن أنت مشتاق إليه وشائقه
ومن لا تواتى داره غير فينة [2] ... ومن أنت تبكي كلّ يوم تفارقه
الشعر لقيس بن جروة الطائي الأجئيّ، قاله في غارة أغارها عمرو بن هند على إبل لطيّىء فحرّض زرارة بن عدس عمرو بن هند على طيىء وقال له: إنهم يتوعّدونك، فغزاهم واتّصلت الأحوال إلى أن أوقع عمرو ببني [3] تميم في يوم أوارة [4] وخبر ذلك يذكرها هنا؛ لتعلّق بعض أخباره ببعض.
والغناء لإبراهيم الموصلي ثقيل أول بالوسطى عن الهشامي ومن مجموع غناء إبراهيم.
__________
[1] في هد: «حاضرة».
[2] الفينة: الحين.
[3] كذا في ج، وفي س، ب، ف: «ابن».
[4] أوارة: اسم ماء أو جبل لبني تميم بناحية البحرين؛ وقد أوقع فيه عمرو بن هند ببني تميم.
18 - ذكر الخبر في هذه الغارات والحروب
يوم أوارة
نسخت ذلك من كتاب عمر بن محمد بن عبد الملك الزيات بخطه، وذكر أن أحمد بن الهيثم بن فراس [1] أخبره به عن العمريّ عن هشام بن الكلبيّ عن أبيه وغيره من أشياخ طيّى ء. قال: وحدثني محمد بن أبي السريّ عن هشام بن الكلبي قالوا:
كان من حديث يوم أوارة أن عمرو بن المنذر بن ماء السماء - وهو عمرو بن هند يعرف باسم أمه هند بنت الحارث الملك المنصور بن حجر آكل المرار [2] الكنديّ وهو الذي يقال له مضرّط الحجارة - أنه كان عاقد هذا الحي من طيّىء على ألا ينازعوا ولا يفاخروا ولا يغزوا، وأن عمرو بن هند غزا اليمامة، فرجع منفضا [3] فمر بطيّى ء، فقال له زرارة بن عدس بن زيد بن عبد اللّه بن دارم الحنظلي: أبيت اللعن! أصب من هذا الحيّ شيئا، قال له: ويلك! إنّ لهم عقدا، قال: وإن كان، فلم يزل به حتى أصاب نسوة وأذوادا [4].
قيس بن جروة يتهدد عمرو بن هند
فقال في ذلك الطائيّ، وهو قيس بن جروة أحد الأجئين [5] قال:
ألا حيّ قبل البين من أنت عاشقه ... ومن أنت مشتاق إليه وشائقه
ومن لا تواتى داره غير فينة ... ومن أنت تبكي كلّ يوم تفارقه
وتعدو بصحراء الثويّة [6] ناقتي ... كعدو النّحوص [7] قد أمخّت [8] نواهقه [9]
/إلى الملك الخير ابن هند تزوره ... وليس من الفوت الذي هو سابقه [10]
__________
[1] وفي س، ب: «الفراس».
[2] المرار: شجر من أفضل العشب وأضخمه إذا أكلته الإبل قلصت مشافرها.
[3] منفصا: نافد الزاد.
[4] الذود: جماعة الإبل من ثلاث إلى عشر ولا يكون إلا من الإناث.
[5] في س، ب: الأحيين، وهو تحريف، والنسبة إلى أجأ.
[6] الثوية: موضع قرب الكوفة.
[7] النحوص: الأتان لا ولد لها ولا لبن فيها، وفي هج: «كعد ورباع».
[8] أمخت: صار لها مخ.
[9] النواهق: عظام شاخصة من ذي الحافر في مجرى الدمع، والمراد أنها سمينة.
[10] في ب، س: «سائقه».
وإنّ نساء هنّ ما قال قائل ... غنيمة سوء بينهنّ مهارقه [1]
ولو نيل في عهد لنا لحم أرنب ... رددنا وهذا العهد أنت معالقه [2]
فهبك ابن هند لم تعقك أمانة ... وما المرء إلا عقده ومواثقه
وكنا إناسا خافضين بنعمة ... يسيل بنا تلع [3] الملا [4] وأبارقه [5]
فأقسمت لا أحتلّ [6] إلّا بصهوة [7] ... حرام عليّ رمله وشقائقه [8]
وأقسم جهدا بالمنازل من منّى ... وما خبّ [9] في بطائهن درادقه [10]
لئن لم تغيّر ما قد فعلتم ... لأنتحينّ [11] العظم ذو أنا [12] عارقه [13]
/فسمى عارقا بهذا البيت. فبلغ هذا الشعر عمرو بن هند، فقال له زرارة بن عدس: أبيت اللعن، إنه يتوعّدك. فقال عمرو بن هند لترملة [14] بن شعاث الطائي - وهو ابن عمّ عارق [15]: أيهجوني ابن عمك ويتوعّدني! قال: واللّه ما هجاك، ولكنه قد قال:
واللّه لو كان ابن جفنة جاركم ... لكسا الوجوه غضاضة [16] وهوانا
وسلاسلا يبرقن في أعناقكم ... وإذا لقطّع تلكم [17] الأقرانا [18]
ولكان عادته على جيرانه ... ذهبا وريطا رادعا وجفانا
__________
[1] المهرق: ثوب أبيض أو ورق يكتب عليه العهود وما أريد بقاؤه على الدهر، والمعنى: أن النساء اللاتي سباهن الملك وحسّن له بعض الناس الإيقاع بهن غنيمة شر لا ينتفع بها إذ قد سبق عهد الملك لهن بالأمان.
[2] معالقه: متعلق بذمتك، والمعنى لو صاد أحد أرنبا في حمانا لاقتصصنا منه وفاء بعهدنا فكيف بك لا تحمى نساء تعهدت لهن!
[3] تلع: جمع تلعة وهي ما علا من الأرض أو ما سفل منها والمراد الثاني.
[4] الملا: الصحراء.
[5] أبارق: جمع أبرق: أرض غليظة فيها حجارة ورمل وطين.
[6] أحتل: أنزل.
[7] صهوة: برج يتخذ في أعلى الرابية.
[8] شقائق: جمع شقيقة، وهي أرض صلبة بين رياض تنبت الشجر والعشب.
[9] الخبب: سير يراوح الفرس فيه بين يديه ورجليه.
[10] درادق: جمع دردق كعسكر: صغار الإبل.
[11] لأنتحين: لأقصدن، يريد لأصيبن هذا العظم.
[12] كذا في ف و «اللسان» وفي س، ب: أنت.
[13] عرق العظم: أخذ اللحم الذي عليه كله؛ وفي س، ب، ج: «غارقة»، وهو تحريف.
[14] في س، ب: «ثرملة» تحريف.
[15] في س، ب: «غارق» تحريف.
[16] في س، ب، هد: «ما إن كساكم غصة».
[17] في ج: «منكم» وفي هج: «عنكم».
[18] الأقران: جمع قرن كجبل؛ حبل.
قالوا: الرداع: المصبوغ بالزعفران، وإنما أراد ترملة أن يذهب سخيمته، فقال: واللّه لأقتلنّه. فبلغ ذلك عارقا، فأنشأ يقول:
من مبلغ عمرو بن هند رسالة ... إذا استحقبتها [1] العيس [2] تنضى [3] على البعد
أيوعدني والرمل بيني وبينه؟ ... تبين رويدا ما أمامة من هند
ومن أجأ [4] دوني رعان [5] كأنّها ... قنابل خيل [6] من كميت [7] ومن ورد [8]
/غدرت بأمر أنت كنت اجتذبتنا ... عليه وشرّ الشيمة الغدر بالعهد
فقد يترك الغدر الفتى وطعامه ... إذا هو أمسى حلبة من دم الفصد [9]
عمرو يغزو طيئا ويشفع غانما فيهم
فبلغ عمرو بن هند شعره هذا، فغزا طيئا، فأسر أسرى من طيء من بني عدي بن أخزم - وهم رهط حاتم بن عبد اللّه - فيهم رجل من الأجئيّين يقال له قيس بن جحدر - وهو جد الطرماح بن حكيم، وهو ابن خالة حاتم - فوفد حاتم فيهم إلى عمرو بن هند، وكذلك كان يصنع، فسأله [10] إياهم، فوهبهم له إلا قيس بن جحدر، لأنه كان من الاجئيّين من رهط عارق، فقال حاتم:
فككت عديّا كلّها من إسارها ... فأنعم وشفّعني بقيس بن جحدر
أبوه أبي والأمهات أمّهاتنا ... فأنعم فدتك اليوم نفسي ومعشري [11]
فأطلقه.
مالك بن المنذر
قال: وبلغنا أن المنذر بن ماء السماء وضع ابنا له صغيرا - ويقال: بل كان أخاله صغيرا - يقال له؛ مالك عند زرارة، وإنه خرج ذات يوم يتصيّد، فأخفق، ولم يصب شيئا، فرجع، فمرّ بإبل لرجل من بني عبد اللّه بن دارم، يقال له سويد بن ربيعة بن زيد بن عبد اللّه بن دارم، وكان عند سويد ابنة زرارة بن عدس، فولدت له سبعة غلمة، فأمر مالك بن المنذر بناقة/ سمينة منها فنحرها، ثم اشتوى وسويد نائم، فلما انتبه شدّ على مالك بعصا فضربه بها،
__________
[1] حملتها على حقبية الرحل.
[2] الإبل البيض جمع أعيص أو عيساء.
[3] تنضى: تهزل.
[4] في س، ب: «و مما أجا».
[5] رعان: جمع رعن وهو أنف يتقدم الجبل.
[6] قنابل: جمع قنبل، جماعة من الخيل.
[7] كميت: فصغير كمت، وهو من الخيل ما خالط حمرته سواد غير خالص.
[8] ورد: أحمر ضارب إلى الصفرة.
[9] مرة من الحلب وكانوا يأخذون دم العروق يفصدونه ويجففونه ثم يأكلونه.
[10] ب، س: «فسألهم» تحريف.
[11] ف: «أهل ومعشري».
فأمّه [1]. ومات الغلام، وخرج سويد هاربا حتى لحق بمكة وعلم أنه لا يأمن، فحالف بني نوفل بن عبد مناة واختطّ [2] بمكة، فمن ولده أبو أهاب/ بن عزيز [3] بن قيس بن سويد، وكانت طيّىء تطلب عثرات زرارة وبني أبيه حتى بلغهم ما صنعوا بأخي الملك، فانشأ عمرو بن ثعلبة بن ملقط الطائي يقول:
من مبلغ عمرا بأنّ المر ... ء لم يخلق صباره [4]
وحوادث الأيام لا ... تبقى لها إلا الحجاره
أن ابن عجزة أمه ... بالسّفح أسفل من أواره
- قال هشام: أول [5] ولد المرأة يقال له: زكمة، والآخر: عجزة - تسفي الرياح خلاله سحيا وقد سلبوا إزاره [6]
فاقتل زرارة لا أرى ... في القوم أفضل من زراره
هرب زرارة وعودته
فلما بلغ هذا الشعر عمرو بن هند بكى، حتى فاضت عيناه، وبلغ الخبر زرارة، فهرب، وركب عمرو بن هند في طلبه فلم يقدر عليه، فأخذ امرأته وهي حبلى فقال: أذكر في بطنك أم أنثى؟ قالت: لا علم لي بذلك، قال: ما فعل زرارة الغادر الفاجر؟ فقالت: إن [7] كان ما علمت لطيّب العرق سمين المرق ويأكل ما وجد، ولا يسأل عما فقد، لا ينام ليلة يخاف، ولا يشبع ليلة يضاف. فبقر بطنها.
فقال قوم زرارة لزرارة: وللّه ما قتلت أخاه، فأت الملك، فاصدقه الخبر، فأتاه زرارة، فأخبره الخبر فقال:
جئني بسويد، فقال: قد لحق بمكة، قال: فعليّ ببنيه السبعة، فأتى ببنيه/ وبأمهم بنت زرارة [8] وهم غلمة بعضهم فوق بعض، فأمر بقتلهم، فتناولوا أحدهم فضربوا عنقه، وتعلّق بزرارة الآخرون فتناولوهم، فقال زرارة: يا بعضي دع بعضا [9]، فذهبت مثلا. وقتلوا.
عمرو ينكل ببني تميم
وآلى عمرو بن هند بأليّة ليحرقنّ من بني حنظلة مائة رجل، فخرج يربدهم وبعث على مقدّمته الطائيّ عمرو بن ثعلبة [10] بن عتّاب بن ملقط، فوجدوا القوم قد نذروا، فأخذوا منهم ثمانية وتسعين رجلا بأسفل أوارة من ناحية
__________
[1] أمه: شج رأسه.
[2] اختط: نزل خطة بمكة، وفي هد، هج: «مناب» بدل «مناة».
[3] في س، ب: «أهاب من عزيز».
[4] صبارة مثلثة الصاد: الحجارة الملمس.
[5] في «القاموس» و «الصحاح»: آخر ولد الأبوين، وعليه فهو مرادف للعجزة.
[6] سحيا: قشرا.
[7] إن هنا مخففة من الثقيلة.
[8] في س، ب: «زرارة غلمة» وهو تحريف.
[9] مثل يضرب في تعاطف ذوي الأرحام، وأراد بقوله: يا بعضي أولاد بنته لأنهم جزء منه، وبقوله: بعضا نفسه.
[10] في س، ب: «غياث».
البحرين، فحبسهم، ولحقه عمرو بن هند، حتى انتهى إلى أوارة، فضربت فيه قبّته، فأمر لهم بأخدود فحفر لهم، ثم أضرمه نارا، فلما احتدمت وتلظّت، قذف بهم فيها، فاحترقوا.
إن الشقي وافد البراجم
وأقبل راكب من البراجم - وهم بطن من بني حنظلة - عند المساء، ولا يدري بشيء مما كان يوضع له [1] بعيره فأناخ، فقال له عمرو بن هند: ما جاء بك؟ قال: حبّ الطعام، قد أقويت [2] ثلاثا لم أذق طعاما، فلما سطع الدخان ظننته دخان طعام، فقال له عمرو بن هند: ممن أنت؟ قال: من البراجم، قال عمرو: إن الشقيّ وافد البراجم [3] فذهب مثلا، ورمى به في النار، فهجت العرب تميما بذلك، فقال ابن الصّعق العامري:
ألا أبلغ لديك بني تميم ... بآية ما يحبّون الطعاما
مثل من شجاعة المرأة
وأقام عمرو بن هند لا يرى أحدا، فقيل له: أبيت اللعن! لو تحلّلت بامرأة منهم،/ فقد أحرقت تسعة وتسعين رجلا. فدعا بامرأة من بني حنظلة، فقال لها: من أنت؟ قالت: أنا الحمراء بنت ضمّرة بن جابر بن قطن بن نهشل بن دارم، فقال: إني لأظنّك أعجمية، فقالت: ما أنا/ بأعجمية ولا ولدتني العجم.
إنّي لبنت ضمرة بن جابر ... ساد معدّا كابرا عن كابر [4]
إني لأخت ضمرة بن ضمرة ... إذا البلاد لفّعت بجمره
قال عمرو: أما واللّه لو لا مخافة أن تلدي مثلك لصرفتك عن النار، قالت: أما والذي أسأله أن يضع وسادك، ويخفض عمادك، ويسلبك ملكك [5]، ما قتلت إلا نساء أعاليها ثديّ وأسفلها دميّ [6] قال: اقذفوها في النار، فالتفتت، فقالت: ألا فتى يكون مكان عجوز! فلما أبطؤوا عليها قالت: صار الفتيان حمما [7]، فذهبت مثلا فأحرقت، وكان زوجها يقال له هوذة [8] بن جرول بن نهشل بن دارم.
لقيط يعير بني مالك
فقال لقيط بن زرارة يعير بني مالك بن حنظلة بأخذ من أخذ منهم الملك وقتله إياهم ونزولهم معه:
لمن دمنة أقفرت بالجناب ... إلى السفح بين الملا فالهضاب [9]
بكيت لعرفان آياتها ... وهاج لك الشوق نعب الغراب
__________
[1] الإيضاع: حمل الدواب على العدو السريع.
[2] أقويت: نفد زادي.
[3] مثل يضرب لمن يوقع نفسه في هلكة.
[4] في س، ب: «كابر».
[5] في بعض النسخ ويقرب هلكك».
[6] ج: دم، كناية عن الضعف وفي هد: «حلى».
[7] في ب، س: «كان الفتيان».
[8] في س وب: «حوذة» وهو تحريف.
[9] الجناب والسفح والملا والهضاب: مواضع.
فأبلغ لديك بني مالك ... مغلغلة [1] وسراة الرّباب
/ فإن امرأ أنتم حوله ... تحفّون قبّته بالقباب
يهين سراتكم عامدا ... ويقتلكم مثل قتل الكلاب
فلو كنتم إبلا أملحت [2] ... لقد نزعت للمياه العذاب
ولكنّكم غنم تصطفى ... ويترك سائرها للذئاب
لعمر أبيك أبي لخير [3] ما ... أردت بقتلهم من صواب
ولا نغمة إن خير الملو ... ك أفضلهم نعمة في الرقاب
شعر الطرماح في أوارة
وفيها يقول الطرماح بن حكيم ويذكر هذا.
واسأل زرارة والمأمور [4] ما فعلت ... قتلى أوارة من رعلان واللّدد [5]
ودارما قد قذفنا [6] منهم مائة ... في جاحم [7] النار إذ يلقون بالخدد [8]
ينزون بالمشتوي منها ويوقدها ... عمرو ولو لا شحوم القوم لم تقد
زرارة يريد الثأر من ابن ملقط
قال: فحدثني الكلبي عن المفضل الضبي قال:
لما حضر زرارة الموت جمع بنيه وأهل بيته ثم قال: إنه لم يبق لي عند أحد من العرب وتر، إلا قد أدركته؛ غير تحضيض الطائيّ ابن ملقط الملك [9] علينا، حتى صنع ما صنع، فأيّكم يضمن لي طلب ذلك من طيى ء؟ قال عمرو بن عمرو بن عدس بن زيد أنا لك/ بذلك يا عم. ومات زرارة، فغزا عمرو بن عمرو جديلة، ففاتوهم، وأصاب ناسا من بني طريف بن مالك وطريف بن عمرو بن تمامة وقال في ذلك شعرا.
لقيظ بن زرارة يخطب بنت ذي الجدين
وكان زرارة بن عدس بن زيد رجلا شريفا، فنظر ذات يوم إلى ابنه لقيط، ورأى منه خيلاء ونشاطا، وجعل يضرب غلمانه وهو يومئذ شاب. فقال له زرارة: لقد أصبحت تصنع صنيعا كأنما جئتني بمائة من هجان المنذر بن
__________
[1] أي رسالة محمولة من بلد إلى بلد.
[2] أملحت: وردت ماء ملحا.
[3] س، ب: «إلى الخير» ولا معنى له.
[4] ب، س: «المأمون».
[5] رعلان حصن، واللدد: موضع، وفي هد: باللدد.
[6] كذا في ف، وفي س، ب: «قتلتا».
[7] جاحم: شديد الاشتعال.
[8] الخدد: جمع خدة أي حفرة.
[9] في س، ب: «ملقطا الملك».
ماء السماء، أو نكحت بنت ذي الجدّين بن قيس بن خالد. قال لقيط: للّه عليّ ألا يمس رأسي غسل، ولا آكل لحما، ولا أشرب/ خمرا، حتى أجمعهما جميعا أو أموت. فخرج لقيط ومعه ابن خال له، يقال له: القراد بن إهاب، وكلاهما كان شاعرا شريفا، فسارا حتى أتيا بني شبيان، فسلّما على ناديهم ثم قال لقيط: أفيكم قيس بن خالد ذو الجدّين؟ وكان سيد ربيعة يومئذ، قالوا: نعم، قال: فأيّكم هو؟ قال قيس: أنا قيس، فما حاجتك؟ قال:
جئتك خاطبا ابنتك - وكانت على قيس يمين ألا يخطب إليه أحد ابنته علانية إلا أصابه بشرّ وسمّع به - فقال له قيس:
ومن أنت؟ قال: أنا لقيط بن زرارة بن عدس بن زيد، قال قيس: عجبا منك يا ذا القصّة! هلا كان هذا بيني وبينك؟
قال: ولم يا عمّ؟ فو اللّه إنك لرغبة [1] وما بي من نضاة [2] - أي ما بي عار - ولئن ناجيتك لا أخدعك - ولئن عالنتك لا أفضحك، فأعجب قيسا كلامه، وقال: كف ء كريم؛ إني زوّجتك ومهرتك مائة ناقة ليس فيها مظائر [3] ولا ناب [4] ولا كزوم [5]، ولا تبيت عندنا عزبا ولا محروما. ثم أرسل إلى أم الجارية:/ أني قد زوجت لقيط بن زرارة ابنتي القدور، فاصنعيها واضربي لها ذلك البلق [6]، فإن لقيط ابن زرارة لا يبيت فينا عزبا. وجلس لقيط يتحدث معهم، فذكروا الغزو، فقال لقيط: أما الغزو فأردّها للقاح وأهزلها للجمال، وأما المقام فأسمنها للجمال، وأحبّها للنساء.
فأعجب ذلك قيسا، وأمر لقيطا، فذهب إلى البلق فجلس فيه، وبعثت إليه أمّ الجارية بمجمرة وبخور، وقالت للجارية: اذهبي بها إليه، فو اللّه لئن ردّها ما فيه خير، ولئن وضعها تحته ما فيه خير، فلما جاءته الجارية بالمجمرة بخّر شعره ولحيته ثم ردّها عليها، فلما رجعت الجارية إليها، خبّرتها بما صنع، فقالت: إنه لخليق للخير، فلما أمسى لقيط أهديت الجارية إليه. فمازحها بكلام اشمأزّت منه، فنام وطرح عليه طرف خميصة [7]، وباتت إلى جنبه، فلما استثقل انسلّت فرجعت إلى أمها، فانتبه لقيط، فلم يرها، فخرج حتى أتى ابن خاله قرادا وهو في أسفل الوادي، فقال: ارحل بعيرك وإياك أن يسمع رغاؤها [8].
لقيط يحظى بجوائز المنذر وكسرى
فتوجها إلى المنذر بن ماء السماء، وأصبح قيس ففقد لقيطا فسكت، ولم يدر ما الذي ذهب به. ومضى لقيط، حتى أتى المنذر فأخبره ما كان من قول أبيه وقوله، فأعطاه مائة من هجائنه، فبعث بها مع قراد إلى أبيه زرارة، ثم مضى إلى كسرى فكساه وأعطاه جواهر، ثم أنصرف لقيط من عند كسرى، فأتى أباه، فأخبره خبره.
لقيط يعود إلى زوجته ثم تئيم منه
وأقام يسيرا، ثم خرج هو وقراد حتى جاءا محلة بني شيبان فوجداهم قد انتجعوا فخرجا في طلبهم حتى وقعا في الرمل، فقال لقيط:
__________
[1] رغبه: يرغب فيك الناس.
[2] ف: «قصاه».
[3] كذا في ف ومعناها ليست مشرومة الأنف حين تغمى للظئار، وفي س، ب «مصابرة».
[4] الناب: الناقة المسنة.
[5] الكزوم: الناقة ذهبت أسنانها هرما.
[6] البلق الفسطاط.
[7] الخميصة: كساء أسود مربع له علمان.
[8] البعير يطلق على الناقة ايضا، والملك أنث الضمير.
انظر قراد وهاتا نظرة جزعا ... عرض الشقائق هل بيّنت أظعانا
/ فيهن أترجّة [1] نضخ [2] العبير بها ... تكسى ترائبها شذرا [3] ومرجانا
فخرجا حتى أتيا قيس بن خالد. فجهزها أبوها، فلما أرادت الرحيل قال لها: يا بنّية كوني لزوجك أمة يكن لك عبدا، وليكن اكثر طيبك الماء، فإنك إنما يذهب بك إلى الأعداء، وأراك إن ولدت فستلدين لنا غيظا طويلا، واعلمي أن زوجك فارس مضر، وأنه يوشك ان يقتل أو يموت، فلا تخمشي عليه وجها ولا تحلقي شعرا، قالت له: أما واللّه لقد ربيتني صغيرة، وأقصيتني كبيرة، وزودتني عند الفراق شرّ زاد. وارتحل بها لقيط، فجعلت لا تمر/ بحيّ من العرب إلا قالت: يا لقيط، أهؤلاء قومك؟ فيقول: لا، حتى طلعت على محلة بني عبد اللّه بن دارم، فرأت القباب، والخيل العراب [4]، قالت: يا لقيط أهؤلاء قومك؟ قال: نعم، فأقام أياما يطعم وينحر، ثم بنى بها، فأقامت عنده حتى قتل يوم جبلة [5]، فبعث إليها أبوها أخا لها فحملت، فلما ركبت بعيرها أقبلت حتى وقفت على نادي بني عبد اللّه بن دارم، فقالت: يا بني دارم، أوصيكم بالغرائب خيرا، فو اللّه ما رأيت مثل لقيط، لم تخمش عليه امرأة وجها ولم تحلق عليه شعرا، فلو لا أني غريبة لخمشت وحلقت، فحبب اللّه بين نسائكم، وعادى بين رعائكم، فأثنوا عليها خيرا.
زوجة لقيط في عصمة غيره
ثم مضت حتى قدمت على أبيها، فزوجها من قومه، فجعل زوجها يسمعها تذكر لقيطا وتحزن عليه، فقال لها: أيّ شيء رأيت من لقيط أحسن في عينك؟ قالت: خرج يوم دجن وقد تطيّب وشرب، فطرد البقر فصرع منها، ثم أتاني وبه نضح دماء، فضمني ضمة، وشمني شمة، فليتني متّ ثمّة، فلم أر منظرا كان أحسن من لقيط. فمكث عنها/ حتى إذا كان يوم دجن شرب، وتطيّب، ثم ركب، فطرد البقر، ثم أتاها وبه نضح دم والطيب وريح الشراب، فضمها إليه وقبّلها، ثم قال لها: كيف ترين؟ أأنا أم لقيط فقالت: ماء ولا كصدّاء، ومرعى ولا كالسّعدان [6] فذهبت مثلا، وصدّاء: ركية ليس في الأرض ركية أطيب منها، وقد ذكرها التميمي في شعره:
إنّي وتهيامي بزينب كالذي ... يخالس من أحواض صدّاء مشربا
يرى دون برد [7] الماء هولا وذادة ... إذا اشتد [8] صاحو أقبل أن يتحببا
يقول: قبل أن يروى يقال: تحبّبت من الشراب أي رويت، وبضعت منه أيضا أي رويت منه، والتحبّب:
الرّيّ.
__________
[1] الأترجة ثمر شجر بستاني من فصيلة الليمون.
[2] نضح، أي أثر طيب يبقى في الثوب وغيره.
[3] شدرا: قطعا من الذهب.
[4] العراب: خلاف البراذين واحدها عربي.
[5] يوم بين بني عبس وذبيان ابني بغيض.
[6] السعدان: اطيب المراعي للإبل.
[7] في ب: «ورد».
[8] في ف: «شد».
صوت
وكاتبة في الخد بالمسك جعفرا ... بنفسي مخطّ [1] المسك من حيث أثّرا
لئن كتبت في الخد سطرا بكفّها ... لقد أودعت قلبي من الحبّ أسطرا
فيا من لمملوك لملك يمينه ... مطيع لها فيما أسرّ وأظهرا
ويا من هواها في السريرة جعفر ... سقى اللّه من سقيا ثناياك جعفرا
الشعر لمحبوبة شاعرة المتوكل، والغناء لعريب خفيف رمل مطلق.
__________
[1] القلم يخط به المسك.
19 - أخبار محبوبة
كانت محبوبة أجمل من فضل
كانت محبوبة موّلدة من مولدات البصرة، شاعرة شريفة مطبوعة لا تكاد فضل الشاعرة اليمامية أن تتقدمها، وكانت محبوبة أجمل من فضل وأعفّ، وملكها المتوكل وهي بكر، أهداها له عبد اللّه بن طاهر، وبقيت بعده [1] مدة، فما طمع فيها أحد، وكانت أيضا تغني غناء ليس بالفاخر [2] البارع.
أخبرني بذلك جحظة عن أحمد بن حمدون. أخبرني جعفر بن قدامة قال:
حدثني عليّ بن يحيى المنجم: كان عليّ بن الجهم يقّرب من أنس المتوكل جدّا، ولا يكتمه شيئا من سره مع حرمه وأحاديث خلواته، فقال له يوما: إني دخلت على قبيحة، فوجدتها قد كتبت اسمي على خدّها بغالية [3]؛ فلا واللّه ما رأيت شيئا أحسن من سواد تلك الغالية على بياض ذلك الخدّ، فقل في هذا شيئا. قال: وكانت محبوبة حاضرة للكلام من/ وراء السّتر، وكان عبد اللّه بن طاهر أهداها في جملة أربعمائة وصيفة [4] إلى المتوكل، قال:
فدعا عليّ بن الجهم بدواة، فإلى أن أتوه بها وابتدأ يفكر، قالت محبوبة على البديهة من غير فكر ولا رويّة:
وكاتبة بالمسك في الخدّ جعفرا ... بنفسي مخطّ المسك من حيث أثّرا
لئن كتبت في الخد سطرا بكفّها ... لقد أودعت قلبي من الحبّ أسطرا
/ فيا من لمملوك لملك يمينه ... مطيع له فيما أسرّ وأظهرا
ويا من مناها [5] في السريرة جعفر ... سقى اللّه من سقيا ثناياك جعفرا
قال: وبقي عليّ بن الجهم واجما لا ينطق بحرف. وأمر المتوكل بالأبيات، فبعث بها إلى عريب وأمر أن تغنّي فيها، قال علي بن يحيى: قال علي بن الجهم بعد ذلك: تحيّرت واللّه، وتقلّبت خواطري، فو اللّه ما قدرت على حرف واحد أقوله.
شعرها في تفاحة
أخبرني جعفر بن قدامة قال: حدثني ابن خرداذبة قال حدثني عليّ بن الجهم: قال كنت يوما عند المتوكل وهو يشرب ونحن بين يديه، فدفع إلى محبوبة تفاحة مغلّفة فقبّلتها، وانصرفت عن
__________
[1] في هج: «عنده».
[2] في ف: «غير بارع فاخر».
[3] الغالية: أخلاط من الطيب.
[4] ف: «جارية».
[5] ف: «هواها» بدل «مناها».
حضرته إلى الموضع الذي كانت تجلس فيه إذا شرب، ثم خرجت جارية لها ومعها رقعة، فدفعتها إلى المتوكل فقرأها، وضحك ضحكا شديدا، ثم رمى بها إلينا، فقرأناها وإذا فيها:
يا طيب تفاحة خلوت بها ... تشعل نار الهوى على كبدي
أبكي أليها وأشتكي دنفي ... وما ألاقي من شدّة الكمد
لو أن تفاحة بكت لبكت ... من رحمتي هذه التي بيدي
إن كنت لا ترحمين ما لقيت ... نفسي من الجهد فارحمي جسدي
قال: فو اللّه ما بقي أحد إلا استظرفها، واستملحها، وأمر المتوكل فغنىّ في هذا الشعر صوت شرب عليه بقية يومه.
وفاؤها للمتوكل بعد موته
حدثني جعفر بن قدامة قال حدثني علي بن يحيى المنجم.
أن جواري المتوكل تفرّقن بعد قتله، فصار إلى وصيف عدّة منهن، وأخذ محبوبة فيمن أخذ، فاصطبح يوما وأمر بإحضار جواري المتوكل، فأحضرن، عليهنّ الثياب الملونة،/ والمذهبة والحلىّ، وقد تزّيّن وتعطرّن إلا محبوبة فإنها جاءت مرهاء [1] متسلّبة [2]، عليها ثياب بياض غير فاخرة، حزنا على المتوكل. فغنى الجواري جميعا، وشربن وطرب وصيف وشرب، ثم قال لها: يا محبوبة غنّي فأخذت العود، وغنّت وهي تبكي، وتقول:
أيّ عيش يطيب لي ... لا أرى فيه جعفرا
ملكا قد رأته عي ... ني قتيلا معفّرا [3]
كلّ من كان ذا هيا ... م وحزن فقد برا [4]
غير محبوبة التي ... لو ترى الموت يشترى
لاشترته بملكها ... كلّ هذا لتقبرا
إن موت الكئيب أص ... لح من أن يعمّرا
/ فاشتدّ ذلك على وصيف، وهمّ بقتلها. وكان بغا حاضرا، فاستوهبها منه، فوهبها له، فأعتقها، وأمر بإخراجها، وأن تكون بحيث تختار من البلاد، فخرجت من سرّ من رأى إلى بغداد، وأخملت ذكرها طول عمرها.
خصام وصلح في المنام؛ ثم في اليقظة
أخبرني جعفر بن قدامة، قال: حدثني ملاوّي الهيثمي قال: قال لي عليّ بن الجهم:
كانت محبوبة أهديت إلى المتوكل أهداها إليه عبد اللّه بن طاهر في جملة أربعمائة جارية، وكانت بارعة
__________
[1] مرهاء: غير مكتحلة.
[2] متسلية: لابسة ثياب الحداد.
[3] معفرا: ممرغا في التراب أو مضروبا به الأرض.
[4] تخفيف برأ من مرضه، بمعنى شفي منه.
الحسن والظّرف والأدب مغنّية محسنة، فحظيت عند المتوكل، حتى إنه كان يجلسها خلف ستارة وراء ظهره إذا جلس للشرب، فيدخل رأسه إليها، ويحدّثها، ويراها في كل ساعة. فغاضبها يوما، وهجرها ومنع جواريه جميعا من/ كلامها ثم نازعته نفسه إليها، وأراد ذلك، ثم منعته العزة، وامتنعت من ابتدائه إدلالا عليه بمحلّها منه. قال عليّ بن الجهم: فبكّرت إليه يوما فقال لي: إني رأيت البارحة محبوبة في نومي كأني قد صالحتها، فقلت: أقرّ اللّه عينك يا أمير المؤمنين، وأنامك على خير، وأيقظك على سرور، وأرجو أن يكون هذا الصلح في اليقظة، فبينا هو يحدّثني وأجيبه [1] إذا بوصيفة قد جاءته، فأسرّت إليه شيئا، فقال لي: أتدري ما أسرّت هذه إليّ؟ قلت: لا، قال:
حدثتني أنها اجتازت بمحبوبة الساعة وهي في حجرتها تغنّي، أفلا تعجب من هذا؟ إني مغاضبها، وهي متهاونة بذلك، لا تبدؤني بصلح، ثم لا ترضى حتى تغني في حجرتها، قم بنا يا عليّ حتى نسمع ما تغنّي. ثم قام، وتبعته، حتى انتهى إلى حجرتها فإذا هي تغني وتقول:
أدور في القصر لا أرى أحدا ... أشكو إليه ولا يكلّمني
حتى كأني ركبت معصية ... ليست لها توبة تخلّصني
فهل لنا شافع إلى ملك ... قد زارني في الكرى فصالحني
حتى إذا ما الصباح لاح لنا ... عاد إلى هجره فصارمني
فطرب المتوكّل، وأحست بمكانه. فأمرت خدمها، فخرجوه إليه، وتنحّينا وخرجت إليه، فحدّثته أنها رأته في منامها، وقد صالحها، فانتبهت، وقالت هذه الأبيات، وغنّت فيها. فحدّثها هو أيضا برؤياه، واصطلحا، وبعث إلى كلّ واحد منا بجائزة وخلعة.
ولما قتل تسلّى عنه جميع جواريه غيرها، فإنها لم تزل حزينة مستلّبة هاجرة لكل لذة حتى ماتت. ولها فيه مراث كثيرة.
صوت
يا ذا الّذي بعذابي ظلّ مفتخرا ... هل أنت إلا مليك جار إذ [2] قدرا
لو لا الهوى لتجازينا [3] على قدر ... وإن أفق منه يوما ما فسوف ترى
الشعر يقال إنه للواثق، قاله في خادم له غضب عليه، ويقال: إن أبا حفص الشّطرنجي قاله له.
والغناء لعبيدة الطنبورية رمل مطلق، وفيه لحن للواثق آخر، قد ذكر في غنائه.
__________
[1] في س، ب: «فاحدثه».
[2] س، ب: «أن».
[3] وفي س، ب: «لتجارينا».
20 - أخبار عبيدة الطنبورية
نشأتها
كانت عبيدة من المحسنات المتقدّمات في الصنعة والآداب يشهد لها بذلك إسحاق وحسبها بشهادته. وكان أبو حشيشة [1]، يعظّمها، ويعترف لها بالرياسة والأستاذية، وكانت/ من أحسن الناس وجها، وأطيبهم صوتا.
ذكرها جحظة في كتاب الطّنبوريين والطّنبوريات، وقرأت عليه خبرها فيه فقال: كانت من المحسنات، وكانت لا تخلو من عشق، ولم يعرف في الدنيا امرأة أعظم [2] منها في الطنبور، وكانت لها صنعة عجيبة، فمنها في الرمل:
كن لي شفيعا إليكا ... إن خفّ ذاك عليكا
وأعفني من سؤالى ... سواك [3] ما في يديكا
يا من أعزّ وأهوى ... مالي أهون عليكا؟
تغنى بحضرة إسحاق وهي لا تعرفه
أخبرني محمد بن مزيد بن أبي الأزهر قال: حدثنا حماد بن إسحاق قال: قال، لي عليّ بن الهيثم اليزيديّ:
كان أبو محمد - يعني أبي رحمه اللّه إسحاق بن إبراهيم الموصليّ - يألفني ويدعوني، ويعاشرني، فجاء يوما إلى أبي الحسن إسحاق بن إبراهيم فلم يصادفه، فرجع ومرّ بي، وأنا مشرف من جناح لي، فوقف وسلّم عليّ.
وأخبرني بقصته، وقال؛ هل تنشط اليوم للمسير إليّ؟ فقلت له: ما على الأرض [4] /شيء أحبّ إليّ من ذلك، ولكني أخبرك بقصتي، ولا أكتمك. فقال: هاتها، فقلت: عندي اليوم محمد بن عمرو بن مسعدة وهارون بن أحمد ابن هشام، وقد دعونا عبيدة الطّنبورية، وهي حاضرة، والساعة يجيء الرجلان، فامض في حفظ اللّه، فإني أجلس معهم حتى تنتظم أمورهم، وأروح إليك، فقال لي: فهلّا عرضت عليّ المقام عندك؟ فقلت له: لو علمت أن ذلك مما تنشط له واللّه لرغبت إليك فيه، فإن تفضلّت بذلك كان أعظم لمنّتك، فقال: أفعل، فإني قد كنت أشتهي أن أسمع عبيدة، ولكن لي عليك شريطة، قلت: هاتها، قال: إنها إن عرفتني وسألتموني أن أغنّي بحضرتها لم يخف عليها أمري وانقطعت فلم تصنع شيئا، فدعوها على جبلّتها [5]، فقلت: أفعل ما أمرت به، فنزل وردّ دابته وعرّفت صاحبيّ ما جرى، فكتماها أمره وأكلنا ما حضر، وقدّم النبيذ، فغنت لحنا لها تقول:
__________
[1] هو محمد بن علي بن أبي أمية كان نديم الخلفاء وله كتاب في الطنبوريين أجاد فيه.
[2] كذا في ف وهج وفي النسخ الاخرى: «أعطره».
[3] ف «سؤال».
[4] في هد: «ما في الأرض».
[5] في هد، هج، ف: «على جملتها».
قريب غير مقترب ... ومؤتلف كمجتنب
له ودّي ولي منه ... دواعي الهم والكرب
أواصله على سبب ... ويهجرني بلا سبب
ويظلمني على ثقة ... بأنّ إليه منقلبي
فطرب إسحاق، وشرب نصفا، ثم غنّت وشرب نصفا، ولم يزل كذلك حتى والى بين عشرة أنصاف، وشربناها معه؛ وقام ليصلّي، فقال لها هارون بن أحمد بن هشام: ويحك يا عبيدة! ما تبالين واللّه متى مت، قالت [1]: ولم؟ قال: أتدرين من المستحسن غناءك والشارب عليه ما شرب؟ قالت: لا واللّه، قال: إسحاق بن إبراهيم الموصليّ، فلا تعرّفيه أنك قد عرفته. فلما جاء إسحاق ابتدأت/ تغنّي، فلحقتها هيبة له، واختلاط، فنقصت نقصانا بيّنا، فقال لنا: أعرّفتموها من أنا؟ فقلنا له: نعم. عرّفها إيّاك هارون بن أحمد، فقال إسحاق: نقوم إذا، فننصرف، فإنه لا خير في عشرتكم الليلة ولا فائدة لي ولا لكم، فقام فانصرف.
حدثني بهذا الخبر جحظة عن جماعة منهم العباس بن أبي العبيس، فذكر مثله وقال فيه: إن الصوت الذي غنّته.
/ يا ذا الذي بعذابي ظلّ مفتخرا
المسدود يأبى أن يغني قبلها
حدثني جحظة قال: حدثني محمد بن سعيد الحاجب قال: حدثني ملاحظ غلام أبي العباس بن الرشيد. وكان في خدمة سعيد الحاجب، قال:
اجتمع الطّنبوريّون عند أبي العباس بن الرشيد يوما، وفيهم المسدود وعبيدة، فقالوا للمسدود: غنّ، فقال: لا واللّه، لا تقدّمت [2]، عبيدة، وهي الأستاذة، فما غنّى حتى غنّت.
لم تدخل عليه بعد أن تزوج
وحدثني جحظة، قال: حدثني شرائح الخزاعيّ صاحب ساباط شرائح بسويقة نصر وساباط شرائح مشهور قال:
كانت عبيدة تعشقني فتزوّجت فمرت بي يوما فسألتها الدّخول إليّ فقالت يا كشخان [3]، كيف أدخل إليك وقد أقعدت في بيتك صاحب مصلحة [4]! ولم تدخل.
ما كتب على طنبورها
وحدثني جحظة قال:
__________
[1] كذا في ف، وفي س، ب: «قال».
[2] في ف: «ما» بدل «لا» وهي أوضح إلا اذا أريد الدعاء فتصبح «لا».
[3] الكشخان: من لا يغار على حريمه.
[4] كذا في ف وفي س، ب: «مسلحة».
وهب لي جعفر بن المأمون طنبورها فإذا عليه مكتوب بأبنوس:
كل شيء سوى الخيا ... نة في الحبّ يحتمل
تاريخ غير مشرف
وحدثني جحظة وجعفر بن قدامة، وخبر جعفر أتم، إلا أني قرأته على جحظة، فعرفه، وذكر لي أنه سمعه، قالا جميعا: حدثنا أحمد بن الطيب السرخسيّ قال:
كان عليّ بن أحمد بن بسطام المروزيّ - وهو ابن بنت شبيب بن واج، وشبيب أحد النفر الذي سترهم المنصور خلف قبّته يوم قتل أبا مسلم؛ وقال لهم: إذا صفّقت فاخرجوا فاضربوه بسيوفكم. ففعل وفعلوا - فكان عليّ بن أحمد هذا يتعشق عبيدة الطنبورية وهو شاب وأنفق عليها مالا جليلا، فكتبت إليه أسأله عن خبرها ومن هي؟
ومن أين خرجت؟ فكتب إليّ: كانت عبيدة بنت رجل يقال له صباح مولى أبي السمراء الغسّانيّ، نديم عبد اللّه بن طاهر - وأبو السمراء أحد العدّة الذين وصلهم عبد اللّه بن طاهر في يوم واحد لكل رجل منهم مائة ألف دينار - وكان الزّبيديّ الطّنبوريّ أخو نظم [1] العمياء، يختلف إلى أبي السمراء، وكان صباح صاحب أبي السمراء، فكان الزبيدي إذا سار إلى أبي السمراء فلم يصادفه أقام عند صباح والد عبيدة وبات، وشرب، وغنى وأنس، وكان لعبيدة صوت حسن وطبع جيّد، فسمعت غناء الزّبيدي، فوقع في قلبها واشتهته، وسمع الزّبيدي صوتها، وعرف طبعها فعلّمها، وواظب عليها، ومات أبوها، ورقّت حالها، وقد حذفت الغناء على الطّنبور، فخرجت تغنّي، وتقنع باليسير، وكانت مليحة مقبولة خفيفة الروح، فلم يزل أمرها يزيد، حتى تقدّمت وكبر حظها، واشتهاها الناس. وحلّت تكّتها، وسمحت، ورغب فيها الفتيان، فكان أول من تعشقّها على بن الفرج الرّخجيّ [2] /أخو عمر، وكان حسن الوجه كثير المال، فكنت أراها عنده، وكنّا نتعاشر على الفروسيّة، ثم ولدت من عليّ بن الفرج بنتا، فحجبها لأجل ذلك، فكانت تحتال في الأوقات بعلة الحمّام وغيره، فتلمّ بمن كانت تودّه ويودّها، فكنت ممن تلمّ به، وأنا حينئذ شاب قد ورثت عن أبي مالا عظيما وضياعا جليلة، ثم ماتت بنتها من عليّ بن الفرج، وصادف ذلك نكبتهم واختلال [3] حال عليّ بن الفرج، فطلّقها فخرجت، فكانت تخرج بدينارين للنهار ودينارين لليل، واعترت [4] بأبي السمراء، ونزلت في بعض دوره.
وتزوجت أمها بوكيل له، فتعشّقت غلاما من آل حمزة بن مالك يقال له شرائح وهو صاحب ساباط شرائح ببغداد، وكان يغنّي بالمعزفة غناء مليحا، وكان حسن/ الوجه، لا عيب في جماله إلا أنه كان متغيّر النّكهة، وكانت شديدة الغلمة لا تحرم أحدا ولا تكرهه، من حدّ الكهول إلى الطفل، حتى تعلّقت شابّا يعرف بأبي كرب بن أبي الخطاب، مشرط [5] الوجه أفطس قبيحا شديد الأدمة، فقيل لها: أيّ شيء رأيت في أبي كرب؟ فقالت: قد تمتعت
__________
[1] ف: «قطر».
[2] كذا في ف وهج وفي س، ب: «الزحجي».
[3] في س، ب: «اختلاط».
[4] اعترت بفلان: اعترضت للمعروف.
[5] كذا في م وفي ا، ف: «مترك» لعلها تحريف مشرط، فإن العبيد الزنوج يشرطون وجوههم.
بكل جنس من الرجال إلا السودان، فإن نفسي تبشعهم [1]، وهذا بين الاسود والأبيض، وبينه فارغ لما أريد، وهو صفعاني [2] إذا أردت ووكيلي إذا أردت. قال: وكان لها غلام يضرب عليها يقال له عليّ ويلقب ظئر عبيدة، فكانت إذا خلت في البيت وشبقت اعتمدت عليه، وقالت: هو بمنزلة بغل الطحّان يصلح للحمل والطّحن والركوب.
وكان عمرو بن بانة إذا حصل عنده إخوان له يدعوها لهم تغنّيهم مع جواريه، وإنما/ عرفها من داري، لأنه بعث يدعوني، فدخل غلامه، فرآها عندي، فوصفها له فكتب إليّ يسألني أن أجيئه بها معي. ففعلت، وكان عنده محمد بن عمرو بن مسعدة والحارث بن جمعة والحسن بن سليمان البرقي [3] وهارون بن أحمد بن هشام، فعدلوا كلّهم إلى استماع غنائها والاقتراح له والإقبال عليه، ومال إليها جواريه، وما خرجت إلا وقد عقدت بين الجماعة مودة، وكان جواري عمرو بن بانة يشتقن إليها، فيسألنه أن يدعوها، فيقول لهنّ: ابعثن إلى عليّ حتى يبعث بها إليكنّ، فإنه يميل إليها، وهو صديقي وأخشى أن يظن أني قد أفسدتها عليه - ولم يكن به هذا إنما كان به الدّيناران اللذان يريد أن يحدرها بهما - وكان عمرو من أبخل الناس، وكان صوت إسحاق بن إبراهيم عليها:
يا ذا الذي بعذابي ظل مفتخرا
وكانت صوت علّوية ومخارق عليها:
قريب غير مقترب
وهذان الصوتان جميعا من صنعتها.
إسحاق يحبها حية ويرثيها ميتة
وكان إسحاق بن إبراهيم بن مصعب يشتهي أن يسمعها، ويمنع نفسه ذلك لتيهه ولبر مكته وتوفّيه أن يبلغ المعتصم عنه شيء يعيبه، وماتت عبيدة من نزف أصابها، فأفرط حتى أتلفها.
وفي عبيدة يقول بعض الشعراء، ومن الناس من ينسبه إلى إسحاق [4]:
أمست عبيدة في الإحسان واحدة ... فاللّه جار لها من كل محذور
من أحسن الناس وجها حين تبصرها ... وأحذق الناس إن غنّت بطنبور
أخبرني جعفر بن قدامة قال حدثني محمد بن عبد اللّه بن مالك الخزاعي قال: سمعت إسحاق يقول: الطنبور إذا تجاوز عبيدة هذيان.
صوت
سقمت حتى ملّني العائد ... وذبت حتى شمت الحاسد [5]
__________
[1] كذا في ف وفي س، ب: «تبشعتهم».
[2] صفعاني: يصفع.
[3] ف: «البرتي».
[4] في هج: «إسحاق إبراهيم الموصلي».
[5] هج: «حتى شفني الحاسد».
وكنت خلوا من رسيس الهوى ... حتى رماني طرفك الصائد
الشعر فيما أخبرني به جحظة لخالد الكاتب ووجدته في شعر محمد بن أميّة له، والغناء لأحمد بن صدقة الطنبوريّ، رمل مطلق.
وقد مضت أخبار خالد الكاتب ومحمد بن أمية ونذكرها هنا أخبار أحمد بن صدقه.
21 - أخبار أحمد بن صدقة
اسمه ونسبه ونشأته
/ هو أحمد بن صدقة بن أبي صدقة، وكان أبوه حجازيّا مغنيّا، قدم على الرشيد، وغنى له، وقد ذكرت أخباره في صدر هذا الكتاب.
وكان أحمد بن صدقة طنبوريّا محسنا مقدّما حاذقا حسن الغناء محكم الصنعة، وله غناء كثير من الأرمال والأهزاج وما جرى مجراها من غناء الطّنبوريّين، وكان ينزل الشام، فوصف للمتوكل، فأمر بإحضاره، فقدم عليه وغناه، فاستحسن غناءه، وأجزل صلته، واشتهاه الناس وكثر من يدعوه، فكسب بذلك أكثر مما كسبه مع المتوكل أضعافا.
جحظة يشيد به
أخبرني بذلك جحظة وقال:
كانت له صنعة ظريفة كثيرة ذكر منها الصوت المتقدّم ذكره ووصفه وقرّظه، وذكر بعده هذا الصوت:
وشادن ينطق بالظّرف ... حسن حبيبي منتهى الوصف
هام فؤادي وجرت عبرتي [1] ... لا بعد الإلف من الإلف
قال: وهو رمل مطلق، ولو حلفت أنهما ليسا عند أحد من مغنّي زماننا إلّا عند واحد ما حنثت - يعني نفسه.
خبره مع خالد بن يزيد
حدثني محمد بن مزيد قال: حدثنا حماد بن إسحاق قال: حدثني أحمد بن صدقة قال:
اجتزت بخالد بن يزيد الكاتب، فقلت له: أنشدني بيتين من شعرك حتى أغنّي فيهما. قال: وأيّ حظ لي في ذلك؟ تأخذ أنت الجائزة وأحصّل أنا الإثم! / فحلفت له أني إن أفدت بشعرك [2] فائدة جعلت لك [3] فيها حظا، أو أذكرت به الخليفة، وسألته فيك، فقال: أما الحظ من جهتك فأنت أنزل [4] من ذلك، ولكن عسى أن تفلح في مسألة الخليفة، ثم أنشدني:
تقول سلا فمن المدنف ... ومن عينه أبدا تذرف؟
__________
[1] هج: «و جرت أدمعي».
[2] في ب، س: «بشعره».
[3] في س، ب: «له».
[4] في ف: «أنذل».
ومن قلبه قلق خافق ... عليك وأحشاؤه ترجف؟
فلما جلس المأمون للشرب دعاني، وقد كان غضب على حظيّة له، فحضرت مع المغنّين، فلما طابت نفسه وجّهت إليه بتفاحة من عنبر، عليها مكتوب بالذهب: يا سيدي، سلوت. وعلم اللّه أني ما عرفت شيئا من الخبر.
يتغنى ينكره المأمون
وانتهى الدور إليّ، فغنّيت البيتين، فاحمرّ وجه المأمون، وانقلبت عيناه وقال لي: يا بن الفاعلة، ألك عليّ وعلى حرمي صاحب خبر! فوثبت، وقلت: يا سيدي ما السبب؟. فقال لي: من أين عرفت قصتي مع جاريتي؟
فغنيت في معنى ما بيننا، فحلفت له أني لا أعرف شيئا من ذلك، وحدّثته حديثي مع خالد، فلما انتهيت إلى قوله، «أنت أنزل من ذلك» ضحك، وقال: صدق، وإن هذا الاتّفاق ظريف، ثم أمر لي بخمسة آلاف درهم ولخالد بمثلها.
دخوله على المأمون في يوم السعانين
أخبرني محمد قال: حدثنا حماد قال: حدثني أحمد بن صدقة قال:
دخلت على المأمون في يوم السعانين [1]، وبين يديه عشرون وصيفة، جلبا [2] روميات مزنّرات [3]، قد تزيّن بالديباج الرومي، وعلّقن في أعناقهنّ صلبان الذهب،/ وفي أيديهنّ الخوص والزيتون، فقال لي المأمون: ويلك يا أحمد! قد قلت في هؤلاء أبياتا فغنّني فيها.
ثم أنشدني قوله [4]:
ظباء كالدنانير ... ملاح في المقاصير
جلاهنّ السعانين ... علينا في الزنانير
وقد زرّفن أصداغا ... كأذناب الزرارير
/ وأقبلن بأوساط ... كأوساط الزنابير
فحفظتها، وغنّيته فيها، فلم يزل يشرب، وترقص الوصائف بين يديه أنواع الرقص من الدستبند [5]، إلى الإبلا [6] حتى سكر، فأمر لي بألف دينار، وأمر بأن ينثر على الجواري ثلاثة آلاف دينار، فقبضت الألف، ونثرت الثلاثة الآلاف عليهنّ، فانتهبتها معهنّ.
يغضب فيسترضيه الفضل
حدثني جحظة قال حدثني جعفر بن المأمون قال:
__________
[1] يوم السعانين: عيد النصارى يخرجون فيه بصلبانهم قبل الفصح بأسبوع.
[2] في هد، ف: «جلب» بالرفع على الوصفية ل «عشرون».
[3] مزنرات: لا بسات الزنار وهو منطقة للنصارى والمجوس كانوا يتميزون بها في زيهم.
[4] الأبيات زيادة في م وا.
[5] الدستبند: الرقص مع التماسك بالأيدي زرفن أصداغا، أي جعلن حلفات معرب.
[6] كذا في س، ب، وفي ف، هد، هج «الإبل»، ولعل المراد منه الرقص العربي، والعرب يقسمون بالراقصان من الإبل.
اجتمعنا عند الفضل بن العباس بن المأمون، ومعنا المسدود، وأحمد بن صدقة، وكان أحمد قد حلق في ذلك اليوم رأسه، فاستعجلوا بلافة كانت لهم، فأخذ المسدود سكرّجة [1] خردل، فصبتها على رأس أحمد بن صدقة وقال: كلوا هذه حتى تجيء تلك. فحلف أحمد بالطلاق ألا يقيم، فانصرف. ولما كان من غد جمعهما الفضل بن/ العباس، فتقدم المسدود، ودخل أحمد وطنبور المسدود موضوع، فجسّه، ثم قال: من كان يسبح في هذا الماء؟
فما انتفعنا بالمسدود سائر يومه، على أن الفضل قد خلع عليهما، وحماهما.
يقتله الأعراب وينهبون ماله
ولم يزل أحمد مقيما، حتى بلغه موت بنيّة له بالشأم، فشخص نحو منزله، وخرج عليه الأعراب فأخذوا ما معه وقتلوه.
هل كان أبخر؟
قال جحظة:
وقال بعض الشعراء يهجو أحمد بن صدقة وكانت له صديقة فقطعته فعيّره بذلك ونسبها إلى أنها هربت منه لأنه أبخر:
هربت صديقة أحمد ... هربت من الرّيق الرّدي
هربت فإن عادت إلى ... طنبوره فاقطع يدي
صوت
ألم تعلموا أنى تخاف عرامتي ... وأن قناتي لا تلين على القسر
وإني وإياكم كمن نبّه القطا ... ولو لم تنبّه باتت الطير لا تسري
أناة وحلما وانتظارا بكم غدا ... فما أنا بالواني ولا الضّرع الغمر [2]
أظنّ صروف الدهر والجهل منكم ... ستحملكم منّي على مركب وعر
الشعر للحارث بن وعلة الجرمي، والغناء لابن جامع ثقيل بالبنصر عن عمرو، وفيه لسياط لحن ذكره إبراهيم ولم يجنّسه، وقيل إن الشعر لو علة نفسه.
__________
[1] سكرجة: صحفة للطعام.
[2] الضرع: الجبان. والغمر: الغبي، والذي لم يجرب الأمور.
22 - أخبار الحارث بن وعلة
اسمه ونسبه
الحارث بن وعلة بن عبد اللّه بن الحارث بن بلع بن سبيلة [1] بن الهون بن أعجب بن قدامة بن حرم بن زبان [2] - وهو علاف، وإليه تنسب الرّحال العلافيّة، وهو أول من اتخذها - بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة. وقد ذكرت متقدما الاختلاف في قضاعة، ومن نسبه معدّيا، ومن نسبه حميريّا.
والرّحال العلافيّة مشهورة عند الناس، قد ذكرتها الشعراء في أشعارها، قال ذو الرّمة:
وليل كجلباب العروس ادّرعته ... بأربعة والشّخص في العين واحد
أحمّ علافيّ وأبيض صارم ... وأعيس مهريّ وأروع ماجد
وكان وعلة الجرميّ وابنه الحارث من فرسان قضاعة وأنجادها وأعلامها وشعرائها، وشهد/ وعلة الكلاب الثاني [3]، فأفلت بعد أن أدركه قيس بن عاصم المنقريّ، وطلبه، ففاته ركضا وعدوا، وخبره يذكر بعد هذا في موضعه إن شاء اللّه تعالى.
ابن الأشعث وعبد الملك يتمثلان بشعره وشعر أبيه
فأخبرني عمي قال: حدثني الكرانيّ، قال: حدثنا العمريّ عن العتبيّ قال:
كتب عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث إلى الحجّاج مبتدئا: أما بعد فإن مثلي ومثلك كما قال القائل:
/سائل مجاور جرم هل جنيت لها ... حربا تفرّق بين الجيرة الخلط؟
أم هل دلفت بجرّار له لجب ... يغشى الأماعيز بين السّهل والفرط؟ [4]
- والشعر لوعلة الجرميّ - هذا مثلي ومثلك، فسأحملك على أصعبه، وأريحك من مركبه.
فكتب الحجاج بذلك إلى عبد الملك، فكتب إليه جوابه: أما بعد؛ فإني قد أجبت عدّو الرحمن بلا حول ولا قوة إلا باللّه، ولعمر اللّه لقد صدق، وخلع سلطان اللّه بيمينه، وطاعته بشماله، وخرج من الدّين [5] عريانا، كما ولدته أمّه.
__________
[1] في هد، هج، ف: «سنبلة».
[2] كذا في ف بالباء الموحدة، وفي س، ب، هد: الريان»، وفي «اللسان»: (علف): وعلاف رجل من الأزد وهو زيان أبو جرم من قضاعة.
[3] الكلاب: ماء بين جبلة وشمام وللعرب يومان فيه: الكلاب الأول والكلاب الثاني وثانيهما: لتميم على مذحج.
[4] الفرط: واحد الأفراط وهي آكام شبيهات بالجبال، وفي هج: «بين الحي» بدل «بين السهل».
[5] في هد: «خرج من الدين والدنيا عريانا».
ثم لم يصبر عبد الملك على أن يدع جوابه بشعر فقال: وعلى أن مثلي ومثله ما قال الآخر:
أناة وحلما وانتظارا بكم غدا ... فما أنا بالواني ولا الضرع الغمر
أظنّ صروف الدهر والجهل منهم ... ستحملهم [1] منّي على مركب وعر
فليت شعري أسما عدوّ الرحمن لدعائم دين اللّه يهدّمها؟ أم رام الخلافة أن ينالها؟ وأوشك أن يوهن اللّه شوكته، فاستعن باللّه، واعلم أن اللّه مع الذين اتّقوا والذين هم محسنون.
قال مؤلف هذا الكتاب: الشعر الذي تمثل به عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث لوعلة الجرمي، والشعر الذي نمثل به عبد الملك لابنه الحارث بن وعلة.
يخذله قومه وينصره آخرون
أخبرني محمد بن جعفر النحوي قال: حدثني طلحة بن عبد اللّه الطّلحيّ، عن أحمد بن إبراهيم، عن أبي عبيدة قال:
/ قتلت نهد أخا وعلة الجرميّ، فاستعان بقومه، فلم يعينوه، فاستعان بحلفاء [من] [2] بني نمير، وكانوا له حلفاء وإخوانا، فأعانوه حتى أدرك بثأره فقال في ذلك:
سائل مجاور جرم هل جنيت لها ... حربا تزّيل بين الجيرة الخلط [3]
أم هل علوت بجرّار له لجب ... يغشى المخارم [4] بين السهل والفرط [5]
حتى تركت نساء الحي ضاحية [6] ... في ساحة الدار يستوقدن بالغبط [7]
يفر من قيس ابن عاصم عند غزوه لليمن
أخبرني هاشم بن محمد الخزاعيّ، قال: حدثنا الرياشيّ قال:
خرج رجل من بني تميم - يقال إنه قيس بن عاصم قال الرياشي: وحقق أبو عبيدة أنه قيس - يوم الكلاب يلتمس أن يصيب رجلا من ملوك اليمن له فداء، فبينا هو في ذلك إذ أدرك وعلة الجرميّ، وعليه مقطعات له فقال له: على يمينك، قال: على يساري أقصد لي، قال: هيهات منك اليمن، قال: العراق مني أبعد، قال: إنك لن ترى أهلك العام، قال: ولا أهلك تراهم [8]، وجعل وعلة يركض فرسه، فإذا ظن أنها قد أعيت وثب عنها، فعدا معها،
__________
[1] في هد: «ستحملكم».
[2] زيادة يقتضيها المقام.
[3] الخلط: خليط، هم القوم الذين أمرهم واحد، وفي هج: «تفرق» بدل «تزيل».
[4] المحارم: جمع مخرم وهو أفواه الفجاج.
[5] الفرط: الجبال الصغيرة، وتجمع على أفراط.
[6] ضاحية: بارزة.
[7] يريد قتلت رجالهن فبقيت الرجال وليس لها ما يرحل عليها، أو أنه ذهب بأبلهم فغنوا عن أقنابها فالنساء يستوقدن بها، أو أن الخوف يمنعهن من الاحتطاب فهن يستوقدن بالأقتاب وما جانسها ويشابهها.
[8] كذا في ف، وفي س، ب: «أراهم».
وصاح بها، فتجري وهو يجاريها، فإذا أعيا وثب فركبها، حتى نجا. فسأل عنه قيس، فعرف أنه وعلة الجرمي، فانصرف وتركه، فقال وعلة في ذلك:
/فدى لكما رحليّ أمّي وخالتي ... غداة الكلاب إذ تحزّ [1] الدّوابر
/ نجوت نجاء لم ير الناس مثله ... كأنّي عقاب عند تيمن [2] كاسر
ولما رأيت الخيل تدعو مقاعسا ... تنازعني من ثغرة النحر جائر
فإن استطع لا تلتبس بي مقاعس ... ولا يرني ميدنهم والمحاضر [3]
ولا تك لي جرّارة مضريّة ... إذا ما غدت قوت العيال تبادر [4]
أما قوله: «تحز الدوابر» فإن أهل اليمن لما انهزموا قال قيس بن عاصم لقومه: لا تشتغلوا بأسرهم فيفوتكم أكثرهم، ولكن اتّبعوا المنهزمين، فجزّوا أعصابهم من أعقابهم ودعوهم في مواضعهم، فإذا لم يبق أحد رجعتم إليهم، فأخذتموهم. ففعلوا ذلك، وأهل اليمن يومئذ ثمانية آلاف عليهم أربعة أملاك يقال لهم: اليزيدون [5]، وهم يزيد بن عبد المدان، ويزيد بن هوبر، ويزيد بن المامور [6] ويزيد بن مخزّم [7]. هؤلاء الأربعة اليزيدون، والخامس عبد يغوث بن وقّاص، فقتل اليزيدون أربعتهم في الوقعة، وأسر عبد يغوث بن وقاص، فقتلته [8] الرّباب برجل منها، وقد ذكر خبر مقتله متقدما في صوت يغني فيه وهو:
ألا لا تلوماني كفى اللوم ما بيا
/ وأما قوله:
ولما رأيت الخيل تدعو مقاعسا
فإن بني تميم لما التقت مع بني الحارث بن كعب في هذا اليوم تداعت تميم في المعمعة يا آل كعب! فتنادى أهل اليمن: يا آل كعب! فتنادوا: يا آل الحارث! فتنادى أهل اليمن! يا آل الحارث! فتنادوا: يا آل مقاعس! وتميزوا بها من أهل اليمن.
صوت
واللّه لا نظرت عيني إليك ولو ... سالت مساربها شوقا إليك دما
إن كنت خنت ولم أضمر خيانتكم ... فاللّه يأخذ ممن خان أو ظلما
__________
[1] في س، ب: «تحف».
[2] تيمن: أرض بين بلاد تميم ونجران.
[3] كذا في ف، وفي س، ب: ونبتئس وميدانهم والمبدى والمحضر، مكان أريد منه الحالون أي البادون والحاضرون.
[4] كذا في العقد، وفي س، ف: «جرادة» وفي ف: «حدادة» والمراد ولا تك في كتيبة يثقل عليه لكثرتها.
[5] وفي هج وهد: «اليزيديون» بياء النسب.
[6] كذا في ف وفي س، ب: «المأمون».
[7] كذا في ف وكتب الأنساب وفي س، ب: «المخرم».
[8] كذا في ف وفي ب، س: «فقتله».
سماجة لمحبّ خان صاحبه ... ما خان قطّ محبّ يعرف الكرما
الشعر لعليّ بن عبد اللّه الجعفريّ، والغناء للقاسم بن زرزور، ولحنه ثقيل أول مطلق ابتداؤه نشيد، وكان إبراهيم بن أبي العبيس يذكر أنه لأبيه.
/ فلما ولّي مصعب بن الزبير دعاه، فأنشده الأبيات، فقال: أما واللّه لأقطعنّ السيف في رأسك قبل أن تقطعه في رأسي، وأمر به فحبس، ثم دسّ إليه من قتله.
أخبرني الحسين بن يحيى، عن حماد عن أبيه، عن ابن جامع، عن يونس قال:
جاء رجل من قريش إلى الغريض فقال له: بأبي أنت وأمي إني جئتك قاصدا من الطائف أسألك عن صوت تغنّيني إياه، قال: وما هو؟ قال: لحنك في هذا الشعر:
تشرّب لون الرازقيّ بياضه ... أو الزعفران خالط المسك رادعه [1]
فقال: لا سبيل إلى ذلك، هذا الصوت قد نهتني الجنّ عنه، ولكنّي أغنيك في شعر لمرّة بن محكان، وقد طرقه ضيف في ليلة شاتية، فأنزلهم، ونحر لهم ناقته، ثم غنّاه قوله:
يا ربّة البيت قومي غير صاغرة ... ضمّي إليك رحال القوم والقربا
فأطربه، ثم قال له الغريض: هذا لحن أخذته من عبيد بن سريج، وسأغنيك لحنا عملته في شعر على وزن هذا الشعر ورويّه للحطيئة، ثم غنّاه:
ما نقموا من بغيض لا أبالهم ... في بائس جاء يحدو أينقا شزبا [2]
جاءت به من بلاد الطّور تحمله ... حصّاء [3] لم تترك دون العصعا شذبا [4]
لا يخفض جبينه إلا للّه
/ حدثني اليزيديّ قال: حدثنا محمد بن الحسن بن مسعود قال: أخبرني العباس بن عيسى العقيليّ أن عليّ بن عبد اللّه الجعفري أنشده:
واللّه واللّه ربّي ... وتلك أقصى يميني
لو شئت ألا أصلّي ... لما وضعت جبيني
أيهما يدع؟
حدثنا اليزيديّ قال: حدثنا محمد بن الحسن بن مسعود قال: أخبرني العباس بن عيسى قال: حدثني عليّ بن عبد اللّه الجعفريّ قال:
__________
[1] في س، ب: «رادغه»، تحريف، والرازقي: الخمر.
[2] شزب: جمع شازب بمعنى المهزول، وفي «اللسان»: قال الأصمعي: وسمعت أعرابيا يقول ما قال الحطيئة أينقا شزبا وإنما قال أعنزا شسبا.
[3] سنة مجدبة: لا نبت فيها كالرأس الأحص الذي لا شعر فيه.
[4] شذبا: قشرا وجمعه أشذاب.
مرتّ بي امرأة في الطواف، وأنا جالس أنشد صديقا لي هذا البيت:
أهوى هوى الدين واللذات تعجبني ... فكيف لي بهوى اللذات والدين؟
فالتفتت المرأة إليّ وقالت: دع أيّهما شئت وخذ الآخر.
عود إلى الصوت
حدثنا اليزيديّ قال: حدثنا محمد بن الحسن الزّرقي قال: حدثنا عبد اللّه بن شبيب قال: أنشدني عليّ بن عبد اللّه بن جعفر الجعفريّ لنفسه:
واللّه لا نظرت عيني إليك ولو ... سالت مساربها شوقا إليك دما
إلا مفاجأة عند اللقاء ولا ... نازعتك [1] الدهر إلا ناسيا كلما
إن كنت خنت ولم أضمر خيانتكم ... فاللّه يأخذ ممن خان أو ظلما
سماجة لمحبّ خان صاحبه ... ما خان قطّ محبّ يعرف الكرما
قال عبد اللّه بن شبيب وأنشدني عليّ بن عبد اللّه لنفسه:
صوت
وقف الهوى بي حيث أنت فليس لي ... متأخّر عنه ولا متقدّم
أجد الملامة في هواك لذيذة ... حبّا لذكرك فليلمني اللّوّم
وأهنتني فأهنت نفسي جاهدا [2] ... ما من يهون عليك ممن يكرم
أشبهت أعدائي فصرت أحبّهم ... إذا صار حظي منك حظي منهم [3]
صوت
أتعرف رسم الدار من أمّ معبد ... نعم فرماك الشوق قبل التجلّد
فيالك من شوق ويا لك عبرة ... سوابقها مثل الجمان المبدّد
الشعر لعتبية [4] بن مرداس المعروف بابن فسوة، والغناء لجميلة، خفيف ثقيل بالبنصر عن/ ابن المكي.
وذكر الهشامي أن فيه لمعبد لحنا من الثقيل الأول، وأنه يظنّه من منحول يحيى إليه.
__________
[1] في ف، هج: «راجعتها» بدل «نازعتك» وفي هد: «راجعتك» والأبيات صالحة لكاف المخاطب وكاف المخاطبة.
[2] في هد: «صاغرا».
[3] يروي «الأغاني» في ترجمة أبي الشيص الأزدي أنها له، وهنا يرويها لعلي، وأبو عبيد البكري يحقق أنها لعلي لا لأبي الشيص كتاب «التنبيه» صفحة 67.
[4] كذا في ف، وفي س، ب: عيينة، وهو تحريف.
23 - أخبار عتيبة ونسبه
اسمه ونسبه
عتيبة [1] بن مرداس أحد بني كعب بن عمرو بن تميم [2]، لم يقع إليّ من نسبه غير هذا، وهو شاعر مقلّ غير معدود في الفحول، مخضرم ممّن أدرك الجاهلية والإسلام هجّاء خبيث اللسان بذيّ.
لماذا لقب بابن فسوة؟
وابن فسوة لقب لزمه في نفسه، ولم يكن أبوه يلقّب بفسوة، إنما لقب هو بهذا، وقد اختلف في سبب تلقيبه بذلك، فذكر إسحاق الموصليّ عن أبي عمرو الشّيباني: نسخت ذلك من كتاب إسحاق بخطه.
أن عتيبة بن مرداس كان فاحشا كثير الشرّ قد أدرك الجاهليّة، فأقبل ابن عمّ له من الحجّ، وكان من أهل بيت منهم يقال لهم: بن فسوة، فقال لهم عتيبة: كيف كنت يا بن فسوة؟ فوثب مغضبا، فركب راحلته وقال: بئس لعمر اللّه ما حيّيت به ابن عمّك، قدم عليك من سفر، ونزل دارك! فقام إليه عتيبة مستحييا، وقال له؛ لا تغضب يا بن عمّ، فإنما مازحتك! فأبى أن ينزل، فقال له: انزل وأنا أشتري منك هذا الاسم فأتسمّى به، وظن أن ذلك لا يضرّه، قال: لا أفعل أو تشتريه مني بمحضر من العشيرة. قال: نعم فجمعهم وأعطاه بردا وجملا وكبشين، وقال لهم عتيبة:
اشهدوا أني قد قبلت هذا النّبز [3]
__________
[4] وأخذت الثمن [4]، وأني ابن فسوة، فزالت عن ابن عمه يومئذ، وغلبت عليه وهجي بذلك، فقال فيه بعض الشعراء:
أودى ابن فسوة إلا نعته الإبلا
/ وعمر عمرا طويلا، وإنما قال:
أودى ابن فسوة إلا نعته الإبلا
لأنه كان أوصف الناس لها، وأغراهم بوصفها، ليس له كبير شعر إلا وهو مضمّن وصفها.
تخريج آخر لهذا اللقب
وأخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال: أخبرنا أبو حاتم عن أبي عبيدة قال:
إنّما سمّي عتيبة بن مرداس بن فسوة، لأنه كان له جار من عبد القيس، فكان يتحدث إلى ابنته، وكان لها حظ
[1] كذا في ف و «الإصابة» و «الشعراء»، وفي س، ب: عيينة، وهو تحريف.
[2] كذا في ف وفي س، ب: «أحد بني عمرو بن كعب بن عمرو بن تميم».
[3] كذا في ف ومعناه التلقيب بالسوء، وفي س، ب: النبذ. وهو تخريف.
(4 - 4) التكملة من هج، هد، ف.
من جمال، وكانت تعجبه ويهيم بها، فكان أحداث بني تميم، إذا ذكروا العبديّ [1]، قالوا: قال ابن فسوة، وفعل ابن فسوة، فأكثروا عليه من ذلك حتى ملّ فعمل على التحوّل عنهم، وبلغ ذلك عتيبة، فأتاه فطلب إليه أن يقيم، وأن يحتمل اسمه، ويشريه منه ببعير، فلم يفعل، قال: العبديّ: فتحولت عنهم وشاع في الناس أنه قد ابتاع مني وغلب عليه، فأنشأ عتيبة يقول من كلمة له:
وحوّل مولانا علينا اسم أمه ... ألا ربّ مولى ناقص غير زائد
ابن عباس ينهره
أخبرني جعفر بن قدامة قال: حدثنا أحمد بن الحارث قال: حدثنا المدائنيّ عن أبي بكر الهذلي وابن دأب وابن جعدبة [2]، قالوا:
أتى عتيبة بن مرداس - وهو ابن فسوة - عبد اللّه بن العباس عليهما السلام وهو عامل لعليّ بن أبي طالب صلوات اللّه عليه على البصرة، وتحته يومئذ شميلة بنت جنادة بن بنت أبي أزهر الزهرانية، وكانت قبله تحت مجاشع ابن مسعود السّلميّ،/ فأستأذن عليه، فأذن له، وكان لا يزال يأتي أمراء البصرة فيمدحهم، فيعطونه، ويخافون لسانه، فلما دخل على ابن عباس قال له: ما جاء بك إليّ يا بن فسوة؟ فقال له: وهل عنك مقصر أو وراءك معديّ؟
جئتك لتعينني على مروءتي، وتصل قرابتي، فقال له/ ابن عباس: وما مروءة من يعصي الرحمن ويقول البهتان ويقطع ما أمر اللّه به أن يوصل؟ واللّه لئن أعطيتك لأعيننّك على الكفر والعصيان، انطلق فأنا أقسهم باللّه لئن بلغني أنك هجوت أحدا من العرب لأقطعنّ لسانك. فأراد الكلام، فمنعه من حضر، وحبسه يومه ذلك، ثم أخرجه عن البصرة.
الحسن وابن جعفر يصلانه خشية لسانه
فوفد إلى المدينة بعد مقتل عليّ عليه السلام، فلقي الحسن بن عليّ عليهما السلام، وعبد اللّه بن جعفر عليهما السلام، فسألاه عن خبره مع ابن عباس عليه السلام فأخبرهما، فاشتريا عرضه بما أرضاه، فقال عتيبة يمدح الحسن وابن جعفر عليهما السلام ويلوم ابن عباس رضي اللّه عنهما؛
أتيت ابن عباس فلم يقض حاجتي ... ولم يرج معروفي ولم يخشى منكري
حبست فلم أنطق بعذر لحاجة ... وسدّ [3] خصاص [4] البيت من كل منظر
وجئت وأصوات الخصوم وراءه ... كصوت الحمام في القليب المغوّر [5]
وما أنا إذا زاحمت مصراع بابه ... بذي صولة ضار [6]، ولا بحزوّر [7]
__________
[1] كذا في ب، وهو النسب الفصيح إذ المركب الإضافي ينصب إلى صدره إلا إن ألبس ولا ينسب إلى الجزأين معا للثقل. وفي ف:
«للعبقي».
[2] كذا في ف، وفي س، ب: «جعدية» تحريف.
[3] كذا في ف، وفي س، ب: شد، وهو تحريف.
[4] خصاص الباب: ثقبه.
[5] القليب: البئر البعيدة الغور.
[6] كذا في ف، وفي س، ب: «باق»، ولا معنى لها، وفي هد: «فان».
[7] حزور: رجل قوي.
فلو كنت من زهران لم ينس حاجتي ... ولكنني مولى جميل بن معمر
/ - وكان حليفا لجميل بن معمر القرشيّ - :
وباتت لعبد اللّه من دون حاجتي ... شميلة تلهو بالحديث المفتّر [1]
ولم يقترب من ضوء نار تحثّها ... شميلة إلا أن تصلّى بمجمر
تطالع أهل السوق والباب دونها ... بمستفلك [2] الذّفري [3] أسيل المدثّر
إذا هي همّت بالخروج يردّها ... عن الباب مصراعا منيف مجيّر
- وجدت بخط إسحق الموصلي مجيّر: محير. والمحير: المصهرج [4]. والحيار: الصهروج -
فليت قلوصي عرّيت أو رحلتها ... إلى حسن في داره وابن جعفر
إلى ابن رسول اللّه يأمر بالتقى ... وللدين يدعو والكتاب المطهّر
إلى معشر لا يخصفون [5] نعالهم ... ولا يلبسون السّبت [6]، ما لم يخصّر [7]
فلما عرفت البأس منه وقد بدت ... أيادي سبا الحاجات للمتذكّر
تسنّمت حرجوجا [8] كأن بغامها ... أحيح [9] ابن ماء [10] في يراع مفجّر
فما زلت في التّسيار حتى أنحتها ... إلى ابن رسول الأمّة المتخيّر
فلا تدعنّي إذ رحلت إليكم ... بني هاشم أن تصدروني بمصدر [11]
/و هي قصيدة طويلة، هذا ذكر في الخبر منها.
وأخبرني بهذا الخبر أحمد بن عبد العزيز الجوهري وأحمد بن عبيد اللّه بن عمار، عن عمر بن شبّة، عن المدائنيّ مثل ما مضى أو قريبا منه، ولم يتجاوز عمر بن شبة المدائني في إسناده.
عامر بن الكريز ينهره أيضا
أخبرني عليّ بن سليمان الأخفش قال: حدثني محمد بن الحسن بن الحرون قال: قال ابن الأعرابي:
كان عتيبة بن مرداس السّلميّ شاعرا خبيث اللسان مخوف المعرّة في جاهليته وإسلامه، وكان يقدم على أمراء
__________
[1] كذا في ف، وفي س وب: «المقتر» تحريف.
[2] بمستفلك بمعنى مستدير، وفعله في الأساس: فلك ثدي الجارية وتفلك واستفلك.
[3] الذفري: العظم الشاخص خلف الأذن.
[4] مصهرج، أي معمول بالصاروج وهو النورة وأخلاطها تصرج بها الحياض والبيوت ونحوها.
[5] يخصفون: يخرزون.
[6] السبت: الجلد المدبوغ.
[7] يخصر: يدقق وسطه.
[8] الحرجوج الناقة السمينة الطويلة وتجمع على حراجيج.
[9] المراد الصوت.
[10] طائر يكثر وجوده حول المياه.
[11] كذا في ف، وفي س، ب: «لمصدر». وفي هد: «فلا تدعوني» بلا توكيد.
العراق وأشراف الناس، فيصيب منهم بشعره، فقدم على ابن عامر بن كريز [1] - وكان جوادا - فلما/ استؤذن له عليه أرسل إليه: إنك واللّه ما تسأل بحسب ولا دين ولا منزلة، وما أرى لرجل من قريش أن يعطيك شيئا، وأمر به فلكز وأهين فقال ابن فسوة:
وكائن تخطّت ناقتي وزميلها ... إلى ابن كريز من نحوس وأسعد
وأغبر مسحول [2] التراب ترى له ... حيا [3] طردته الريح من كل مطرد
لعمرك إني عند باب ابن عامر ... لكالظبّي عند [4] الرّمية المتردّد
فلم أر يوما مثله إذ [5] تكشّفت ... ضبابته عنّي ولمّا أقيّد
ثم يطيب خاطر
فبلغ قوله ابن عامر، فخاف لسانه وما يأتي به بعد هذا ورجع له، وأحسن/ القوم رفده، وقالوا: هذا شاعر فارس وشيخ من شيوخ قومه واليسير يرضيه، فقال: ردّوه فردّ، فقال له: إيه يا عتيبة، أردد عليّ ما قلت، فقال: ما قلت إلا خيرا قال: هاته فقال: قلت:
أتعرف رسم الدار من أم معبد ... نعم فرماك الشوق قبل التجلّد [6]
فيا لك من شوق ويا لك عبرة ... سوابقها مثل الجمان المبدّد
وكائن تخطت ناقتي وزميلها ... إلى ابن كريز من نحوس وأسعد
فتى يشتري حسن الثنّاء بماله ... ويعلم أنّ المرء غير مخلّد
إذا ما ملمّات الأمور اعترينه [7] ... تجلّى الدّجى عن كوكب متوقّد
فتبسم ابن عامر وقال: لعمري ما هكذا قلت، ولكنه قول مستأنف، وأعطاه حتى رضي وانصرف.
ابن الأعرابي يستحسن أبياتا له
قال: وأنشدنا ابن الأعرابيّ له بعقب هذا الخبر، وكان يستحسن هذه الأبيات ويستجيدها:
منعّمة لم يغذها أهل بلدة [8] ... ولا أهل مصر فهي هيفاء ناهد
فريعت فلم تخبا [9] ولكن تأوّدت ... كما انتصّ [10] مكحول المدامع فارد
__________
[1] في هد: «عامر بن الكريز» بدل «ابن عامر بن كريز».
[2] مسحول: ناعم.
[3] كذا في ف بمعنى مطر، وفي س، ب: «خبا».
[4] كذا في ف وفي س، ب: «بعد».
[5] كذا في ف وفي س وب: «أن».
[6] ورد هذا المطلع في دالية عدي بن زيد المعدودة في المجمهرات بنصه.
[7] في س، ب: «اعتلينه».
[8] في س، ب: «ثلة».
[9] في س، ب: تحيي.
[10] كذا في ف، وفي س، ب: أبنص وهو تحريف. انتص: سار.
وأهوت لتنتاش الرّواق [1] فلم تقم ... إليه ولكن طأطأته الولائد
/ قليلة لحم الناظرين يزينها ... شباب ومخفوض من العيش بارد
تناهى إلى لهو الحديث كأنها ... أخو سقم قد أسلمته العوائد
ترى القرط منها في قناة [2] كأنها ... بمهلكة لو لا البرا [3] والمعاقد [4]
يرثى صريعا في بئر
وقال أبو عمرو والشيباني:
أغار رجل [5] من بني تغلب يقال له الهذيل بعقب مقتل عثمان على بني تميم، فأصاب نعما كثيرا، فورد بها ماء لبني مازن بن مالك بن عمرو بن تميم يقال له سفار [6]، فإذا عليه الأسود وخالد ابنا نعيم بن قعنب بن الحارث ابن عمرو بن همام بن رياح في إبل لهما قد أورداها، فأراد الهذيل أخذها، فتفرّقت، فتفرق أصحابه في طلبها، وهو قائم على رأس ركيّة من سفار، فرماه أحدهما فقتله فوقع في الرّكيّة فكانت قبره. ويقال: بل رماه عبد أسود لمالك ابن [7] عروة المازنيّ، فقال عتيبة بن [8] مرداس الذي يقال له ابن فسوة في ذلك:
من مبلغ فتيان تغلب أنه ... خلال للهذيل من سفار قليب؟
إذا صوّت الأصداء وسطها ... فتى تغلبيّ في القليب غريب
/ فأعددت يربوعا لتغلب إنهم ... أناس غذتهم [9] فتنة وحروب
حويت لقاح ابني نعيم بن قعنب ... وإنك إن أحرزتها لكسوب
بشر بن كهف ينهره
وقال أبو عمرو أيضا:
كان عبد اللّه بن عامر بن كريز قد تزوّج أخت بشر بن كهف أحد بني خزاعة بن مازن، فكان أثيرا عنده، واستعمله على الحمى، فسأله ابن فسوة أن يرعيه فأبى، ومنعه، وطرد إبله، فقال في ذلك:
من [10] يك أرعاه الحمى أخواته ... فما لي من أخت عوان ولا بكر
وما ضرّها أن لم تكن رعت الحمى ... ولم تطلب الخير الممنّع من بشر
__________
[1] الرواق: مقدم البيت أو الفسطاط، وتنتاش، والمراد، تتناول لتنعمها وترفهها بكثرة الخدم.
[2] كذا في ف؛ وفي س، ب: «فتاة»، والمراد استقامة قدها وطول عنقها.
[3] البرا: جمع برة، وأصلها بروة: الخلخال.
[4] المعاقد: جمع معقاد؛ وهو خيط فيه خرزات تعلق في عنق الصبي.
[5] ف: «فتى».
[6] سفار: منهل بين البصرة والمدينة قبل ذي قار لبني مازن بن مالك.
[7] كذا في ف، ب وفي س: «أبي».
[8] كذا في ف؛ وفي س، ب: «في»؛ وهو تحريف.
[9] كذا في ب، وفي س، ب: «عرتهم».
[10] البيت من الطويل دخله الخرم.
متى يجيء [1] يوما إلى المال وارثي ... يجد قبض كفّ غير ملأى ولا صفر
يجد مهرة مثل القناة طمرّة [2] ... وعضب إذا ما هزّ لم يرض بالهبر [3]
فإن تمنعوا منها حماكم فإنه ... مباح لها ما بين إنبط [4] فالكدر [5]
إذا ما أمرؤ أثنى بفضل ابن عمه ... فلعنة ربّ العالمين على بشر
يسرقون ثيابه؛ فيستعدي قومه عليهم
وقال أبو عمرو الشيباني، ونسخته أيضا من خط إسحاق الموصلي، وجمعت الروايتين:
إن ابن فسوة نزل ببني سعد بن مالك من بني قيس بن ثعلبة، وبات بهم، ومعه جارية له يقال لها جوزاء، فسرقوا عيبة له فيها ثيابه وثياب جاريته، فرحل عنهم، فلما عاد إلى قومه أعلمهم ما فعله به بنو سعد بن مالك.
فركب معه فرسان منهم حتى أغاروا على إبل لبني سعد فأخذوا منها صرمة [6]، واستاقوها فدفعوها إليه، فقال يمدح قومه ويهجو بني سعد بقوله:
/جزى اللّه قومي من شفيع وشاهد ... جزاء سليمان النّبيّ المكرّم
هم القوم لا قوم ابن دارة سالم ... ولا ضابىء إذ [7] أسلما شرّ مسلم
وما عيبة الجوزاء إذ غدرت بها ... سراة بني قيس بسرّ مكتّم
إذا ما لقيت الحيّ سعد بن مالك ... على زمّ [8] فانزل خائفا أو تقدّم
أناس أجارونا فكان جوارهم ... شعاعا كلحم الجازر المتقسّم
لقد دنست أعراض سعد بن مالك ... كما دنست رجل البغيّ [9] من الدّم
لهم نسوة طلس [10] الثياب مواجن ... ينادين من يبتاع عودا [11] بدرهم
إذا أيّم قيسيّة مات بعلها ... وكان لها جار فليست بأيّم
يمشّي ابن بشر بينهنّ مقابلا ... بأير كإير الأرجحيّ المخرّم [12]
__________
[1] كذا في ف؛ وفي س، ب: «مانحا» وعلى رواية «نحا» يجب زيادة «ما» قبلها وإلا اختل الوزن.
[2] الطمرة: الفرس الجواد.
[3] الهبر: قطع اللحم، المفرد هبرة.
[4] إنبط كاثمد: موضع ببلاد كلب بن وبرة.
[5] الكدر: موضع على ثمانية برد من المدينة أو ماء لبني سليم.
[6] الصرمه: القطعة من الإبل ما بين العشرين إلى الثلاثين.
[7] س، ب: «إن».
[8] زم: بئر لبني سعد بن مالك ومنع «زم» الصرف على اعتباره علما مؤنثا.
[9] كذا في ف و «معجم ياقوت»، وفي س، ب: «التقى»، ولا معنى له.
[10] طلس: جمع أطلس: ثوب خلق.
[11] ف «فردا بدرهم».
[12] ف: «الأرحجي».
إذا راح من أبياتهنّ كأنّما ... طليت بتنّوّم [1] قفاه وخمخم [2]
وفيه رواية إسحاق:
تسوق الجواري [3] منخراه كأنّما ... دلكن بتنّوم قفاه وخمخم
صوت
قال طال شوقي وعادني طربي ... من ذكر خود كريمة النسب [4]
غرّاء مثل الهلال صورتها ... أو مثل تمثال صورة الذهب
ويروى: «بيعة الرّهب» الشعر لعبد اللّه بن العجلان النّهدي، والغناء لمالك ولحنه من القدر الأوسط من الثقيل الأول بالسبابة في مجرى الوسطى عن إسحاق، وله فيه أيضا خفيف ثقيل بالوسطى عن عمرو، وذكر الهشامي أنه لابن مسحج.
__________
[1] التنوم: شجر مثمر ورقه مع الخل يقلع التآليل.
[2] نبت له شوك دقيق لصاق بكل ما يتعلق به وهو من خيار العشب وله زغب خشن.
[3] كذا في ف، وفي س، ب: «يسوق الجوار مفخراة كأنما» وهو تحريف.
[4] في هج: «الحسب».
24 - أخبار عبد اللّه بن العجلان
اسمه ونسبه
هو عبد اللّه بن العجلان بن عبد الأحبّ بن عامر بن كعب بن صباح بن نهد بن زيد بن ليث بن أسود [1] بن أسلم ابن الحاف بن قضاعة. شاعر جاهلي أحد المتيمين من الشعراء ومن قتله الحب [2] منهم.
وكانت له زوجة يقال لها هند، فطلقها، ثم ندم على ذلك، فتزوجت زوجا غيره، فمات أسفا عليها.
قصته تشبه قصة قيس ولبنى
أخبرني محمد بن مزبد قال: حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه عن الهيثم بن عديّ قال:
كان عبد اللّه بن العجلان النهديّ سيدا في قومه وابن سيد من ساداتهم، وكان أبوه أكثر بني نهد مالا، وكانت هند امرأة عبد اللّه بن العجلان التي يذكرها في شعره امرأة من قومه من بني نهد، وكانت أحبّ الناس إليه، وأحظاهم عنده، فمكثت معه سنين سبعا أو ثمانيا لم تلد، فقال له أبوه: إنه لا ولد لي غيرك، ولا ولد لك، وهذه المرأة عاقر، فطلّقها، وتزوج غيرها، فأبى ذلك عليه، فآلى ألّا يكلمه أبدا حتى يطلّقها. فأقام على أمره، ثمّ عمد إليه يوما، وقد شرب الخمر حتى سكر، وهو جالس مع هند، فأرسل إليه أن صر إليّ، فقالت له هند: لا تمض إليه، فو اللّه ما يريدك لخير، وإنما يريدك لأنه بلغه أنك سكران، فطمع فيك أن يقسم عليك، فتطلّقني، فنم مكانك، ولا تمض إليه. فأبى، وعصاها، فتعلّقت بثوبه، فضربها بمسواك، فأرسلته، وكان في يدها زعفران، فأثّر في ثوبه مكان يدها، ومضى إلى أبيه، فعاوده في أمرها، وأنّبه، وضعّفه،/ وجمع عليه مشيخة الحيّ وفتيانهم، فتناولوه بألسنتهم، وعيّروه/ بشغفه بها وضعف حزمه، ولم يزالوا به حتى طلّقها. فلما أصبح خبّر بذلك، وقد علمت به هند، فاحتجبت عنه، وعادت إلى أبيها، فأسف عليها أسفا شديدا، فلما رجعت إلى أبيها خطبها رجل من بني نمير، فزوّجها أبوها منه، فبنى بها عندهم، وأخرجها إلى بلده. فلم يزل عبد اللّه بن العجلان دنفا سقيما، يقول فيها الشعر، ويبكيها حتى مات أسفا عليها، وعرضوا عليه فتيات الحي جميعا فلم يقبل واحدة منهنّ، وقال في طلاقه إياها:
فارقت هندا طائعا ... فندمت عند فراقها
فالعين تذري دمعة ... كالدّر من آماقها
متحلّيا فوق الردا ... ء يجول من رقراقها
خود رداح طفلة ... ما الفحش من أخلاقها
__________
[1] في هج: «سود».
[2] في هج: «العشق».
ولقد ألدّ حديثهما ... وأسرّ عند عناقها
وفي هذه القصيدة يقول:
إن كنت ساقية ببز ... ل الادم أو بحقاقها
فاسقي بني نهد إذا ... شربوا خيار زقاقها
فالخيل تعلم كيف نل ... حقها غداة لحاقها
بأسنّة زرق صبح ... نا القوم حدّ رقاقها
حتى ترى قصد القنا ... والبيض في أعناقها
شعره في غارة شنها قومه
قال أبو عمرو الشيباني:
لما طلق عبد اللّه بن العجلان هندا أنكحت في بني عامر، وكانت بينهم وبين نهد مغاورات، فجمعت نهد لبني عامر جمعا، فأغاروا على طوائف منهم، فيهم بنو العجلان/ وبنو الوحيد وبنو الحريش وبنو قشير، ونذروا بهم، فاقتتلوا قتالا شديدا، ثم انهزمت بنو عامر، وغنمت نهد أموالهم، وقتل في المعركة ابن لمعاوية بن قشير بن كعب وسبعة بنين له، وقرط وجدعان ابنا سلمة بن قشير ومرداس بن جزعة [1] بن كعب وحسين [2] بن عمرو بن معاوية ومسحقة بن المجمّع الجعفي، فقال عبد اللّه بن العجلان في ذلك:
ألا أبلغ بني العجلان عني ... فلا ينبيك بالحدثان غيري
بأنا قد قتلنا الخير قرطا ... وجرنا [3] في سراة بني قشير [4]
وأفلتنا بنو شكل رجالا ... حفاة يربئون على سمير
قيسية ترثى قتل قيس
وقالت امرأة من بني قيس ترثي قتلاهم:
أصبتم يا بني نهد بن زيد ... قروما عند قعقعة السلاح
إذا اشتد الزمان وكان محلا ... وحاذر فيه أخوان السماح
أهانوا المال في الّلزبات صبرا ... وجادوا بالمتالي واللقاح [5]
وابكي مالكا وابكى بجيرا ... وشدّادا لمشتجر الرماح
وكعبا فاندبيه معا وقرطا ... أولئك معشري هدّوا جناحي
__________
[1] هج: «جعدة».
[2] في ب: س: «و حسين» تحريف بدليل ما يلي.
[3] هج: «و جلنا».
[4] هج: «نمير».
[5] بعده في هج:
«ناقة متلية: يتلوها ولدها»
وبكيّ إن بكيت على حسيل ... ومرداس قتيل بني صباح
حسيل يغدر به أسيره
/ قال: وأسر عبد اللّه بن العجلان رجلا من بني الوحيد، فمنّ عليه، وأطلقه، ووعده الوحيديّ الثواب فلم يف فقال عبد اللّه:
/و قالوا لن تنال الدهر فقرا ... إذا شكرتك نعمتك الوحيد
فيا ندما ندمت على رزام ... ومخلفه كما خلع العتود
نعم النذير هند
قال أبو عمرو: ثم إن بني عامر جمعوا لبني نهد، فقالت هند امرأة عبد اللّه بن العجلان التي كانت ناكحا فيهم لغلام منهم يتيم فقير من بني عامر: لك [1] خمس عشرة ناقة على أن تأتي قومي فتنذرهم قبل أن يأتيهم بنو عامر، فقال: أفعل، فحملته على ناقة لزوجها ناجية، وزودته تمرا ووطبا من لبن، فركب فجدّ في السير؛ وفني اللبن، فأتاهم والحي خلوف في غزو وميرة، فنزل بهم، وقد يبس لسانه، فلما كلموه لم يقدر على أن يجيبهم، وأومأ لهم إلى لسانه، فأمر خراش بن عبد اللّه بلبن وسمن، فأسخن، وسقاه إياه، فابتلّ لسانه، وتكلّم، وقال لهم: أتيتم، أنا رسول هند إليكم تنذركم، فاجتمعت بنو نهد واستعدّت ووافتهم بنو عامر فلحقوهم على الخيل، فاقتتلوا قتالا شديدا فانهزمت بنو عامر، فقال عبد اللّه بن العجلان في ذلك:
عاود عيني نصبها وغرورها ... أهمّ عناها [2] أم قذاها يعورها؟
أم الدار أمست قد تعفّت كأنها ... زبور يمان رقشته [3] سطورها؟
ذكرت بها هندا وأترابها الألى ... بها يكذب الواشي ويعصي أميرها
فما معول تبكي لفقد أليفها ... إذا ذكرته لا يكفّ زفيرها
بأغزر [4] مني عبرة إذ رأيتها ... بحث [5] بها قبل الصباح بعيرها
ألم يأت هندا كيفما صنع قومها ... بني عامر إذ جاء يسعى نذيرها
/ فقالوا لنا إنّا نحبّ لقاءكم ... وإنا نحيّى أرضكم ونزورها
فقلنا: إذا لا ننكل الدهر عنكم ... بصمّ القنا اللائي الدماء تميرها
فلا غرو أنّ الخيل تنحط في القنا ... تمطّر من تحت العوالي ذكورها [6]
__________
[1] في هج: «هل لك في».
[2] هج: «عراها».
[3] هج: «نقشته».
[4] هج: «بأسرع».
[5] هج: «يخب».
[6] تنحط: تزفر. تمطر: تسرع.
تأوّه مما مسّها من كريهة ... وتصفى الخدود والرماح تصورها [1]
وأربابها صرعى ببرقة أخرب ... تجرّرهم صبعانها ونسورها
فأبلغ أبا الحجاج عني رسالة ... مغلغلة لا يغلبنك بسورها
فأنت منعت السلم يوم لقيتنا ... بكفيّك تسدي غيّة وتنيرها
فذوقوا على ما كان من فرط إحنة ... حلائبنا إذ غاب عنا نصيرها
نهاية حبه
قال أبو عمرو: فلما اشتدّ ما بعبد اللّه بن العجلان من السقم خرج سرّا من أبيه مخاطرا بنفسه حتى أتى أرض بني عامر لا يرهب ما بينهم من الشرّ والتّرات، حتى نزل ببني نمير، وقصد خباء هند، فلما قارب دارها رآها وهي جالسة على الحوض، وزوجها يسقي، ويذود الإبل عن مائه، فلما نظر إليها ونظرت إليه رمى بنفسه عن بعيره، وأقبل يشتدّ إليها، وأقبلت تشتد إليه، فاعتنق كل واحد منهما صاحبه، وجعلا يبكيان وينشجان ويشهقان، حتى سقطا على/ وجوههما، وأقبل زوج هند ينظر ما حالهما، فوجدهما ميتين.
قال أبو عمرو: وأخبرني بعض بني نهد أنّ عبد اللّه بن العجلان أراد المضيّ إلى بلادهم، فمنعه أبوه وخوّفه الثارات وقال: نجتمع معهم في الشهر الحرام بعكاظ أو بمكة، ولم يزل يدافعه بذلك حتى جاء الوقت، فحج، وحج أبوه معه، فنظر الى زوج هند وهو يطوف بالبيت وأثر كفّها في ثوبه بخلوق، فرجع إلى أبيه في منزله، وأخبره بما رأى ثم سقط على وجهه فمات. هذه رواية أبي عمرو.
/ وقد أخبرني محمد بن خلف وكيع، قال حدثني عبد اللّه بن عليّ بن الحسن قال: حدثنا نصر بن عليّ عن الأصمعيّ عن عبد العزيز بن أبي سلمة عن أيوب عن ابن سيرين قال:
خرج عبد اللّه بن العجلان في الجاهلية فقال:
ألا إنّ هندا أصبحت منك محرما ... وأصبحت من أدنى حموّتها حما
وأصبحت كالمقمور جفن سلاحه ... يقلّب بالكفين قوسا وأسهما
ثم مد بها صوته فمات.
الشعر له أم لمسافر
قال ابن سيرين: فما سمعت أن أحدا مات عشقا غير هذا. وهذا الخبر عندي خطأ لأن أكثر الرواة يروي هذين البيتين لمسافر بن أبي عمرو بن أمية، قالهما لما خرج إلى النعمان بن المنذر يستعينه في مهر هند بنت عتبة بن ربيعة، فقدم أبو سفيان بن حرب، فسأله عن أخبار مكة، وهل حدث بعده شيء، فقال: لا، إلّا أنّي تزوجت هندا بنت عتبة، فمات مسافر أسفا عليها، ويدل على صحّة ذلك قوله:
وأصبحت من أدنى حموّتها حما
__________
[1] تصورها: تميلها.
لأنه ابن عم أبي سفيان بن حرب لحّا وليس النميري المتزوج هندا النهدية ابن عم [1] عبد اللّه بن العجلان فيكون من أحمائها، والقول الأول على هذا أصحّ.
من شعره في هند
ومن مختار ما قاله ابن العجلان في هند:
ألا أبلغا هندا سلامي فإن نأت ... فقلبي مذ شطّت بها الدار مدنف [2]
ولم أر هندا بعد موقف ساعة ... بأنعم في أهل الديار تطوّف
أتت بين أتراب تمايس إذ مشت ... دبيب القطا أوهنّ منهنّ أقطف
/ يباكرن مرآة جليّا وتارة ... ذكيّا وبالأيدي مداك ومسوف
أشارت إلينا في خفاة [3] وراعها ... ومراة الضّحى مني على الحيّ موقف
وقالت: تباعد يا بن عمي فإنّني ... منيت بذي صول يغار ويعنف
أخبرني الحسن بن عليّ قال: أنشدنا فضل اليزيديّ عن إسحاق لعبد اللّه بن العجلان النهديّ قال إسحاق وفيه غناء:
خليليّ زورا قبل شحط النوى هندا ... ولا تأمنا من دار ذي لطف بعدا
ولا تعجلا، لم يدر صاحب حاجة ... أغيّا يلاقي في التعجّل أم رشّدا
ومرّا عليها بارك اللّه فيكما ... وإن لم تكن هند لوجهيكما قصدا
وقولا لها ليس الضلال أجازنا ... ولكنّنا جزنا لنلقاكم عمدا
صوت
ألا يا ظبية البلد ... براني طول ذا الكمد
فردّي يا معذّبتي ... فؤادي أو خذي جسدي
/ بليت لشقوتي بكم ... غلاما ظاهر الجلد
فشيّب حبّكم رأسي ... وبيّض هجركم كبدي
الشعر للمؤمّل بن أميل، والغناء لإبراهيم ثقيل أول بإطلاق الوتر في مجرى البنصر عن إسحاق.
__________
[1] هج: «من بني عم».
[2] هج:
«فقلبي بها مذ شطت الدار مدنف»
[3] ف: «في حياء».
25 - أخبار المؤمل ونسبه
اسمه ونسبه
المؤمل بن أميل بن أسيد المحاربيّ. من محارب بن خصفة بن قيس بن عيلان بن مضر، شاعر كوفيّ من مخضرمي شعراء الدولتين الأموية والعباسية، وكانت شهرته في العباسية أكثر، لأنه كان من الجند المرتزقة معهم ومن يخصّهم [1]، ويخدمهم من أوليائهم، وانقطع إلى المهديّ في حياة أبيه وبعده. وهو صالح المذهب في شعره ليس من المبرّزين الفحول ولا المرذولين، وفي شعره لين [2]، وله طبع صالح.
يتمنى العمى فيستجاب له
وكان يهوى امرأة من أهل الحيرة يقال لها هند، وفيها يقول قصيدته المشهورة:
شف المؤمّل يوم الحيرة النظر ... ليت المؤمل لم يخلق له بصر
يقال: إنه رأى في منامه رجلا أدخل أصبعيه في عينيه، وقال: هذا ما تمنيت، فأصبح أعمى.
المهدي يغدق والمنصور ينتقص
أخبرني حبيب بن نصر المهلبيّ، قال: حدثنا عبد اللّه بن أبي سعد قال: حدثنا عبد اللّه بن الحسن الحرّانيّ، قال: حدثني أبو قدامة، قال: حدثني المؤمّل قال:
قدمت على المهديّ وهو بالرّي، وهو إذ ذاك وليّ عهد، فامتدحته بأبيات، فأمر لي بعشرين ألف درهم، فكتب بذلك صاحب البريد إلى أبي جعفر المنصور، وهو بمدينة السلام يخبره أن الأمير المهديّ أمر لشاعر بعشرين ألف درهم، فكتب إليه يعذله ويلومه، ويقول له: إنما ينبغي أن تعطى لشاعر بعد أن يقيم ببابك سنة أربعة آلاف درهم،/ وكتب إلى كاتب المهدي أن يوجّه إليه بالشاعر، فطلب، ولم يقدر عليه، وكتب إلى أبي جعفر أنه قد توجّه إلى [3] مدينة السلام، فأجلس قائدا من قواده على جسر النهروان، وأمره أن يتصفّح الناس رجلا رجلا، فجعل لا يمرّ به قافلة، إلا تصفّح من فيها، حتى مرت به القافلة التي فيها المؤمّل، فتصفحهم، فلما سأله من أنت؟ قال:
أنا المؤمّل بن أميل المحاربي الشاعر، أحد زوار الأمير المهديّ، فقال: إياك طلبت، قال المؤمل: فكاد قلبي ينصدع [4] خوفا من أبي جعفر.
__________
[1] في هد: «يخضرهم» بدل «يخصهم».
[2] في هد: «و في شعره لغة ودين».
[3] كذا في ف، هد، هج، وفي س، ب: «توجه مدينة».
[4] كذا في ف، بدون أن وهو أفصح.
فقبض عليّ، وأسلمني إلى الربيع، فأدخلني إلى أبي جعفر، وقال: هذا الشاعر الذي أخذ من المهدي عشرين ألفا، قد ظفرنا به، فقال: أدخلوه إليّ، فأدخلت إليه، فسلمت تسليم فزع [1]، مروّع، فردّ السلام، وقال: ليس لك ها هنا إلّا خير، أنت المؤمل بن أميل؟ قلت: نعم، أصلح اللّه أمير المؤمنين أنا المؤمل بن أميل، قال: أتيت غلاما غرّا، فخدعته فانخدع؟ قلت: نعم، أصلح اللّه الأمير، أتيت غلاما غرّا كريما، فخدعته فانخدع قال: فكأن ذلك أعجبه، فقال: أنشدني ما قلت فيه فأنشدته:
هو المهديّ إلا أن فيه ... مشابهة [2] من القمر المنير
تشابه ذا وذا فهما إذا ما ... أنارا مشكلان على البصير
فهذا في الظلام سراج ليل ... وهذا في النهار ضياء نور
/ ولكن فضّل الرحمن هذا ... على ذا بالمنابر والسّرير
/ وبالملك العزيز فذا أمير ... وماذا بالأمير ولا الوزير
وبعض الشهر ينقص ذا وهذا ... منير عند نقصان الشهور [3]
فيابن خليفة اللّه المصفّى ... به تعلو مفاخرة الفخور
لئن فتّ الملوك وقد توافوا ... إليك من السهولة والوعور
لقد سبق الملوك أبوك حتّى ... بقوا من بين كاب [4] أو حسير
وجئت مصليا [5] تجري حثيثا ... وما بك حين تجري من فتور
فقال الناس ما هذان إلا ... كما بين الخليق إلى الجدير
لئن سبق الكبير لأهل سبق [6] ... له فضل الكبير على الصّغير
وإن بلغ الصغير مدى كبير ... فقد خلق الصغير من الكبير
فقال: واللّه لقد أحسنت، ولكن هذا لا يساوي عشرين ألف درهم، فأين المال؟ قلت: هو هذا، قال: يا ربيع، امض معه، فأعطه أربعة آلاف درهم، وخذ الباقي. قال المؤمّل: فخرج معي الربيع، وحطّ ثقلي، ووزن لي من المال أربعة آلاف درهم، وأخذ الباقي.
فلما ولي المهديّ الخلافة ولّى ابن ثوبان المظالم، فكان يجلس للناس بالرّصافة، فإذا ملأ كساءه رقاعا رفعها إلى المهديّ، فرفعت إليه رقعة، فلما دخل بها ابن ثوبان جعل المهديّ ينظر في الرقاع، حتى إذا وصل إلى رقعتي
__________
[1] هج: «مذعور».
[2] كذا في ف وفي س، ب: «مشابه صورة القمر المنير».
[3] كذا في ف وفي س، ب
ونقص الشهر ينقص ذا وهذا ... أمير عند نقصان الشهور
[4] كاب: عائر من كبا يكبو.
[5] مصليا: تاليا للسابق، وسمي بذلك لأنه يضع أنفه عند صلوى سابقه.
[6] كذا في ف وفي س، ب: «لقد».
ضحك، فقال له ابن ثوبان: أصلح اللّه أمير المؤمنين! ما رأيتك ضحكت من شيء من هذه الرقاع إلا من هذه/ الرّقعة، فقال: هذه رقعة أعرف سببها، ردّوا إليه عشرين ألف درهم، فردّوها إليّ وانصرفت.
يبايع موسى وهارون فيأخذ بدرة ونصفا
أخبرني حبيب بن نصر المهلبي، قال: حدثنا عبد اللّه بن سعد بن أبي سعد قال: حدثني الحكم بن موسى السلوليّ، قال: حدثني سعد بن أخي العوفيّ قال:
قدم على المهديّ في بيعة ابن ابنيه موسى وهارون المؤمّل بن أميل المحاربيّ والحسين بن يزيد بن أبي الحكم السّلولي وقد أوفدهما هاشم بن سعد الحميري من الكوفة، فقدما على المهديّ في عسكره، فأنشده المؤمّل:
هاك بياعنا يا خير وال ... فقد جدنا به لك طائعينا [1]
فإن تفعل فأنت لذاك أهل ... ففصلك يا بن خير الناس فينا
وعد لك يا بن وارث خير خلق ... نبيّ اللّه خير المرسلينا
فإن أبا أبيك وأنت منه ... هو العبّاس وارثه يقينا
أبان به الكتاب وذاك حق ... ولسنا للكتاب مكذّبينا
بكم فتحت وأنتم غير شك ... لها بالعدل أكرم خاتمينا
فدونكها فأنت لها محلّ ... حباك بها إله العالمينا
ولو قيدت لغيركم اشمأزّت ... وأعيت أن تطيع القائدينا
فأمر لهما بثلاثين ألف درهم، فجيء بالمال، فألقي بينهما، فأخذ كل واحد منهما بدرة [2]، وصدع [3] /الأخرى بينهما، فأخذ هذا نصفا وهذا نصفا.
يتلف في ضحكه كل مال
أخبرني جعفر بن قدامة قال: حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه، عن عبد اللّه بن أمين عن أبي محمد اليزيديّ، عن المؤمّل بن أميل قال:
صرت إلى المهديّ بجرجان فمدحته بقولي:
تعزّ ودع عنك سلمى وسر ... حثيثا على سائرات البغال
وكل جواد له ميعة [4] ... يخبّ بسرحك بعد الكلال
إلى الشمس شمس بني هاشم ... وما الشمس كالبدر أو كالهلال
__________
[1] في هد «فقد جدنا بذلك طائعينا».
[2] البدرة: كيس فيه عشرة آلاف درهم، وجمعه بدر كعنب.
[3] كذا في ف وفي س، ب «صدع».
[4] ميعة الفرس: أول جريه.
ويضحكه أن يدوم [1] السؤال ... ويتلف في ضحكه كلّ مال
فاستحسنها المهديّ، وأمر لي بعشرة آلاف درهم، وشاع الشعر وكان في عسكره رجل يعرف بأبي الهوسات [2]، يغنّي، فغنّى في الشعر لرفقائه، وبلغ ذلك المهديّ فبعث إليه سرّا، فدخل عليه، فغناه، فأمر له بخمسة آلاف درهم، وأمر لي بعشرة آلاف درهم أخرى، وكتب بذلك صاحب البريد إلى المنصور.
ثم ذكر باقي الخبر على ما تقدم قبله، وزاد فيه:
أن المنصور قال له: جئت إلى غلام حدث، فخدعته، حتى أعطاك من مال اللّه عشرين ألف درهم لشعر قلته فيه، غير جيّد وأعطاك من رقيق المسلمين مالا يملكه، وأعطاك من الكراع والأثاث ما أسرف فيه، يا ربيع خذ منه ثمانية عشر ألف درهم، وأعطه ألفين، ولا تعرض لشيء من الأثاث والدواب والرقيق، ففي ذلك غناؤه. فأخذت واللّه مني بخواتمها، ووضعت في الخزائن، فلما ولي المهديّ دخلت إليه في المتظلمين. فلمّا رآني ضحك وقال:
مظلمة أعرفها، ولا أحتاج إلى بيّنة عليها، وجعل يضحك، وأمر بالمال فردّ إليّ بعينه، وزاد فيه عشرة آلاف.
لا لحم فيه ولا دم
أخبرني الحسن بن علي الخفّاف قال: حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال: حدثني حذيفة بن محمد الطائيّ قال: حدثني أبي قال:
رأيت المؤمّل شيخا مصفرّا نحيفا أعمى، فقلت له: لقد صدقت في قولك:
وقد زعموا لي أنها نذرت دمي ... ومالي بحمد اللّه لحم ولا دم
فقال: نعم - فديتك - وما كنت أقول إلا حقا.
قال محمد بن القاسم: وحدّثني عبد اللّه بن طاهر أن أول هذا الشعر:
حلمت بكم في نومتي فغضبتم ... ولا ذنب لي إن كنت في النوم أحلم
سأطرد عني النوم كيلا أراكم ... إذا ما أتاني النّوم والناس نوّم
تصارمني واللّه يعلم أنّني ... أبرّ بها من والديها وأرحم
صوت
وقد زعلموا لي أنها نذرت دمي ... ومالي بحمد اللّه لحم ولا دم
برى حبّها لحمي ولم يبق لي دما ... وإن زعموا أني صحيح مسلّم
فلم أر مثل الحب صحّ سقيمه ... ولا مثل من لا [3] يعرف الحبّ يسقم
ستقتل جلدا باليا فوق أعظم ... وليس يبالي القتل جلد وأعظم
__________
[1] في س، ب «يديم».
[2] ف: «المهوسات».
[3] في س، ب: «لم».
/ في هذه الأبيات التي أولها:
وقد زعموا لي أنها نذرت دمي
لنبيه لحن من خفيف الثقيل المطلق في مجرى الوسطى عن ابن المكي.
أخبرني الحسن بن عليّ قال: حدثنا ابن مهرويه، قال: حدثني محمد بن أحمد بن عليّ، قال: لما قال المؤمّل:
شفّ المؤمّل يوم الحيرة النظر ... ليت المؤمّل لم يخلق له بصر
/ عمي، وأري في منامه: هذا ما تمنيت.
أخبرني حبيب بن نصر قال: حدثنا عبد اللّه بن أبي سعد، قال حدثني عليّ بن الحسن [1] الشيباني: قال:
رأى المؤمل في منامه قائلا يقول: أنت [2] المتألّي على اللّه ألا يعذّب المحبّين حيث تقول:
يكفي المحبّين في الدنيا عذابهم ... واللّه لا عذّبتهم بعدها سقر
فقال له: نعم، فقال: كذبت يا عدوّ اللّه، ثم أدخل إصبعيه [3] في عينيه وقال له: أنت القائل:
شف المؤمّل يوم الحيرة النظر ... ليت المؤمّل لم يخلق له بصر
هذا ما تمنيت، فانتبه فزعا، فإذا هو قد عمي.
لا ترضى مضر بقتله
أخبرني الحسن بن عليّ، قال: حدثنا أحمد بن زهير قال: حدثنا مصعب الزبيريّ قال:
أنشد المهديّ قول المؤمّل:
قتلت شاعر هذا الحيّ من مضر ... واللّه يعلم ما ترضى بذا مضر
فضحك، وقال: لو علمنا أنها فعلت ما رضينا، ولغضبنا له وأنكرنا.
صوت
بكيت حذار البين علما بما الذي ... إليه فؤادي عند ذلك صائر
__________
[1] س، ب: «الحسين» تحريف.
[2] المتألي: الحالف.
[3] في س، ب: «إصبعه».
وقال أناس لو صبرت وإنني ... على كل مكروه سوى البين صابر
الشعر لأبي مالك الأعرج؛ والغناء لإبراهيم الموصليّ خفيف ثقيل بالوسطى من جامع صنعته ورواية الهشاميّ.
قال الهشاميّ: وفيه ليزيد حوراء ثاني ثقيل، ولسليم ثقيل أول.
26 - أخبار أبي مالك ونسبه
اسمه ونشأته
أبو مالك النّضر بن أبي النّضر التميميّ، هذا أكثر ما وجدته من نسبه، وكان مولده ومنشؤه بالبادية.
ثم وفد إلى الرشيد، ومدحه، وخدمه فأحمد مذهبه، ولحظته عناية من الفضل بن يحيى، فبلغ ما أحبّ، وهو صالح الشعر، متوسّط المذهب، ليس من طبقة شعراء عصره المجيدين، ولا من المرذولين.
يرثي أباه
أخبرني أبو دلف هاشم بن محمد الخزاعيّ قال: حدثنا أحمد بن الهيثم بن فراس قال:
كان أبو مالك النضر بن أبي النضر التميميّ مع الرشيد، وكان أبوه مقيما بالبادية، فأصاب قوم من عشيرته الطريق، وقطعوه عن بعض القوافل، فخرج عامل ديار مضر - وكان يقال له جيّال - إلى ناحية كانت فيها طوائف من بني تميم، فقصدهم وهم غارّون [1]، فأخذ منهم جماعة فيهم أبو النضر أبو أبي مالك الأعرج، وكان ذا مال، فطلبه فيمن طلب من الجناة، وطمع في ماله، فضربه ضربا أتى فيه على نفسه، وبلغ ذلك أبا مالك فقال يرثيه:
فيم يلحى على بكائي العذول ... والذي نابني فظيع جليل
/ عدّ هذا الملام [2] عني إلى غي ... ري فقلبي ببثّه مشغول
راعني والدي جنت كفّ جيّا ... ل عليه فراح وهو قتيل
أيها الفاجعي بركني وعزّي ... هبلتني إن لم أرعك الهبول [3]
/سمتني خطّة الصّغار وأظلم ... ت نهاري عليّ غالتك غول
ما عداني الجفاء عنك ولكن ... لم يدلني [4] من الزمان مديل
زال عنا السرور إذ زلت عنا ... وازدهانا [5] بكاؤنا والعويل
ورأينا القريب منا بعيدا ... وجفانا صديقنا والخليل
ورمانا العدوّ من كلّ وجه ... وتجنّى على العزيز الذليل
__________
[1] غارون: غافلون.
[2] س، ب: «الكلام».
[3] هبلتني الهبول: ثكلتني أمي.
[4] لم يدلني: لم ينصرني.
[5] ازدهانا: استخفنا وأذهب وقارنا.
يا أبا النضر سوف أبكيك ما عش ... ت سويّا وذاك مني قليل
حملت نعشك الملائكة الأب ... رار إذ مالنا إليك [1] سبيل
غير أني كذبتك الودّ لم تق ... طر جفوني دما وأنت [2] قتيل
رضيت مقلتي بإرسال دمعي ... وعلى مثلك النفوس تسيل
أسواك الذي أجود عليه ... بدمي إنني إذا لبخيل
عثر الدهر فيك عثرة سوء ... لم يقل مثلها المعين المقيل
قل إن ضنّ بالحياة فإني ... بعده للحياة قال ملول
إنّ بالسفح من ضباعة قومي [3] ... ليس منهم - وهم أدان [4] - وصول
لا يزورون جارهم من قريب ... وهم في التراب صرعى حلول
/ حفرة حشوها وفاء وحلم ... وندى فاضل وللبّ أصيل
وعفاف عما يشين وحلم ... راجح الوزن بالرواسي يميل
ويمين [5] بنانها غير جعد [6] ... وجبين صلت [7] وخدّ أسيل
وامرؤ أشرقت صفيحة خدّيه ... عليه بشاشة وقبول
صوت
لئن مصر فاتتني بما كنت أرتجي ... وأخلفني فيها الذي كنت آمل
فما كل ما يخشى الفتى بمصيبه ... ولا كلّ ما يرجو الفتى هو نائل
[8] الشعر لأبي دهمان، والغناء لابن جامع ثقيل أول بالوسطى عن الهشاميّ. انتهت أخبار مالك ونسبه [8]
__________
[1] في هد: «إليها» بدل «إليك» وفي ف: «إليه».
[2] في م: وذاك قليل، والأول أصوب لتقدم هذه القافية.
[3] كذا في م، وضباعة اسم جبل من جبال طيى ء، وفي ف:
«إن بالسفح من منازل قومي»
:
[4] في س، ب: «أذان» وهو تحريف.
[5] في س، ب:
«و بنان يمينها»
، ولا معنى له.
[6] جعد: قصير، والمراد بسط يده بالعطاء.
[7] صلت: واضح.
(8 - 8) تكملة من هج، وهد.
27 - أخبار أبي دهمان
لا يبيح باسم محبوبته
أبو دهمان الغلابيّ شاعر من شعراء البصرة ممن أدرك دولتي بني أمية وبني العباس [1]. ومدح المهديّ، وكان طيّبا ظريفا مليح النادرة.
وهو القائل لما ضرب المهديّ أبا العتاهية بسبب عشقه عتبة:
لو لا الذي أحدث الخليفة في ال ... عشاق من ضربهم إذا عشقوا
لبحت باسم الذي أحبّ ول ... كنّي امرؤ قد ثناني الفرق
يجيد التقليد
/ حدثني بذلك الصوليّ عن محمد بن موسى عن محمد بن أبي العتاهية. وأخبرني جحظة عن حماد بن إسحاق عن أبيه قال:
قال رجل لأبي دهمان: ألا أحدثك بظريفة؟ قال: بلى، قال: كنا عند فلان، فمدّ رجله هكذا، فضرط، ومدّ المحدث رجله يحكيه فضرط، فقال له أبو دهمان. يا هذا أنت أحذق خلق اللّه بحكاية.
حق له أن يتيه عليه
نسخت من كتاب بخط ميمون بن هارون:
بلغني أن أبا دهمان مرّ وهو أمير بنيسابور على رجل جالس ومعه صديق له يسايره، فقام الناس إليه ودعوا له إلا ذلك الرجل، فقال أبو دهمان لصديقه وهو يسايره: أما ترى ذلك الرجل في النّظارة وترى تيهه عليّ؟ فقال له:
وكيف يتيه [2] عليك وأنت الأمير! قال: لأنه قد ناكني وأنا غلام.
غلامه يتعجل موته
وأخبرني الحسن بن عليّ، قال: حدثنا أحمد بن الحارث عن المدائنيّ، قال:
/ مرض أبو دهمان مرضا أشفى منه على الموت، فأوصى وأملى وصيته على كاتبه، وأوصى فيها بعتق غلام كان له واقفا، فلما فرغ غدا الغلام بالرقعة، فأتربها، ونظر إليه أبو دهمان، فقال له: نعم أتربها يا بن الزانية، عسى أن يكون أنجح للحاجة، لا شفاني اللّه إن أنجحت، وأمر به، فأخرج لوقته، فبيع.
__________
[1] في س، ب: «بني هاشم».
[2] في س، ب: «تيهه».
صوت
يكرّ كما كرّ الكليبيّ مهره ... وما كرّ إلا خيفة أن يعيّرا
فلا صلح حتى تزحف الخيل والقنا ... بنا وبكم أو [1] يصدر الأمر مصدرا
الشعر لأبي حزابة التميميّ، والغناء لابن جامع ثاني ثقيل بالبنصر.
وهذا الشعر يرثي به أبو حزابة رجلا من بني كليب بن يربوع يقال له ناشرة اليربوعيّ، قتل بسجستان في فتنة ابن الزبير، وكان سيّدا شجاعا.
يرثي ناشرة اليربوعي
أنشدنيه جعفر بن قدامة قال: أنشدني أبو هفّان وأحمد بن أبي طاهر قالا: أنشدنا عبد اللّه بن أحمد العدويّ لأبي حزابة يرثي ناشرة اليربوعيّ قتل بسجستان في فتنة ابن الزبير قال:
لعمري لقد هدّت قريش عروشنا ... بأبيض نفّاح العشيّات أزهرا
وكان حصادا للمنايا زرعنه ... فهلّا تركن النّبت ما كان أخضرا
لحا اللّه قوما أسلموك وجرّدوا [2] ... عناجيج [3] أعطتها [4] يمينك ضمّرا
أما كان فيهم ماجد ذو حفيظة ... يرى الموت في بعض المواطن أفخرا
يكرّ كما كرّ الكليبيّ مهره ... وما كرّ إلا خشية أن يعيّرا
يريد ما كان في هؤلاء القوم من يكرّ كما كرّ ناشرة الكليبي مهره؟
__________
[1] في س، ب: أن بدل أو.
[2] في ف، هج، هد: «ضيعوك وأسلموا» بدل «أسلموك وجردوا».
[3] العناجيج: جياد الخيل واحدها عنجوج كعصفور.
[4] في ف: «أعطتك» بدل «أعطتها»؛ وهو تحريف.
28 - أخبار أبي حزابة ونسبه
اسمه ونشأته
أبو حزابة اسمه الوليد بن حنيفة، أحد بني ربيعة بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم. شاعر من شعراء الدولة الأموية بدويّ حضر [1] وسكن البصرة، ثم اكتتب في الديوان، وضرب عليه البعث إلى سجستان، فكان بها مدة، وعاد إلى البصرة، وخرج مع ابن الأشعث لما خرج على عبد الملك، وأظنّه قتل معه، وكان شاعرا راجزا فصيحا خبيث اللسان هجّاء.
أبطأ الدلاء أملؤها
فأخبرنا الحسن بن عليّ قال: حدثنا هارون بن محمد بن عبد الملك الزيات قال: حدثنا محمد/ بن الهيثم الشاميّ قال: حدثني عمّي أبو فراس عن العذريّ قال:
دخل أبو حزابة على طلحة الطلحات الخزاعي، وقد استعمله يزيد بن معاوية على سجستان، وكان أبو حزابة قد مدحه، فأبطأت عليه الجائزة من جهته، ورأى ما يعطى غيره من الجوائز، فأنشده:
وأدليت دلوي في دلاء كثيرة ... فجئن ملاء غير دلوي كما هيا
وأهلكني ألّا تزال رغيبة ... تقصّر دوني أو تحلّ ورائيا
أراني إذا استمطرت منك سحابة ... لتمطرني عادت عجاجا [2] وسافيا [3]
قال: فرماه طلحة بحقّ فيه درّة فأصاب صدره، ووقعت في حجره، ويقال:/ بل أعطاه أربعة أحجار، وقال له: لا تخدع عنها، فباعها بأربعين ألفا. ومات طلحة بسجستان.
خلف شحيح لسلف كريم
ثم ولى من بعده رجل من بني عبد شمس يقال له عبد اللّه بن عليّ بن عديّ وكان شحيحا فقال له أبو حزابة:
يا بن عليّ برح الخفاء ... قد علم الجيران والأكفاء
أنك أنت النذل [4] واللّفاء [5] ... أنت لعين طلحة الفداء [6]
__________
[1] حضر وحضري بمعنى واحد.
[2] عجاجا: غبارا.
[3] سافيا: ريحا تذرو التراب وتسفيه.
[4] ب، س: «البذل» تحريف.
[5] اللفاء: الخسيس.
[6] س، ب: القذاء.
بنو عديّ كلهم سواء ... كأنهم زينيّة [1] جراء [2]
رثاء وهجاء
قال ثم وليها بعد عبد اللّه بن علي عبد العزيز بن عبد اللّه بن عامر بن كريز أيام الفتنة، فاستأذنه أبو حزابة أن يأتي البصرة، فأذن له، فقدمها، وكان الناس يحضرون المربد، ويتناشدون الأشعار، ويتحادثون ساعة من النهار، فشهدهم أبو حزابة، وأنشدهم مرثية له في طلحة الطلحت يضمنها ذمّا لعبد اللّه بن عليّ وهي قوله:
هيهات هيهات الجناب الأخضر ... والنائل الغمر الذي لا ينزر
واراه عنا الجدث المغوّر [3] ... قد علم القوم غداة استعبروا
/ والقبر بين الطلحات يحفر ... أن لن يروا مثلك حتى ينشروا [4]
أنا أتانا جرز محمّر [5] ... أنكره سريرنا والمنبر
والمسجد المحتضر المطهّر ... وخلف يا طلح منك أعور [6]
بليّة يا ربّنا لا نسخر ... أقلّ من شبرين حين يشبر
مثل أبي القعواء لا بل أقصر [7]
قال: وأبو القعواء حاجب لطلحة كان قصيرا.
بئس العقاب
فقال عون بن عبد الرحمن بن سلامة - وسلامة أمّه - وهو رجل من بني تميم بن مرة قيس: بئسما قلت! أتشاهر الناس بشتم قريش؟ فقال له، إني لم أعمّ، إنما سمّيت رجلا واحدا، فأغلظ له عون حتى انصرف عن ذلك الموضع، ثم أمر عون ابن أخ له، فدعا أبا حزابة فأطعمه، وسقاه، وخلط في شرابه شبر ما [8] فسلّحه، فخرج أبو حزابة وقد أخذه بطنه، فسلح على بابهم وفي طريقه، حتى بلغ أهله، ومرض أشهرا، ثم عوفي، فركب فرسا له، ثم أتى المربد فإذا عون بن سلامة واقف، فصاح به، فوقف، ولو لم يقف كان أخف لهجائه، فقال أبو حزابة:
يا عون قف واستمع الملامة ... لا سلّم اللّه على سلامة
/ زنجية تحسبها نعلمه ... شكّاء [9] شان جسمها دمامه
__________
[1] زينيّة: كلاب.
[2] الأبيات في «الحيوان» 1: 255.
[3] المغور: البعيد الغرو.
[4] البيت ساقط من م.
[5] كذا في ف وفي س، ب: «جزر» تحريف والأصوب - كما في بعض النسخ - جرز محمر: فأرهجين.
[6] في س، ب: بعد شطرين.
[7] س، ب: «أصفر».
[8] الشبرم: شراب مسهل.
[9] كذا في ف ومعناها صماء، وفي س، ب: «سكاء».
/
ذات حر كريشتي حمامه ... بينهما بظر كرأس الهامه
أعلمتها وعالم العلامه ... لو أن تحت بظرها صمامه
لدفعت قدما [1] بها أمامه
فكان الناس يصيحون به:
أعلمتها وعالم العلامة
أبو حزابة ينشد طلحة
أخبرني عمّي قال: حدثنا أحمد بن الهيثم بن فراس قال حدثني عمي أبو فراس، عن الهيثم بن عديّ قال:
كان عبد اللّه بن خلف أبو طلحة الطلحات مع عائشة يوم الجمل وقتل معها يومئذ، وعلى بني خلف نزلت عائشة بالبصرة في القصر المعروف بقصر بني خلف، وكان هوى طلحة الطلحات أمويّا، وكانت بنو أميّة مكرمين له.
فأنشد أبو حزابة يوما طلحة:
يا طلح يأبى مجدك الإخلافا ... والبخل لا يعترف اعترافا [2]
إن لنا أحمرة عجافا ... يأكلن كلّ ليلة إكافا [3]
فأمر له طلحة بإبل ودراهم، وقال له: هذه مكان أحمرتك.
يأبى الوقوف بباب يزيد
أخبرني عمي قال حدثنا الكرانيّ [4] قال: حدثني العمريّ، عن لقيط قال:
قيل لأبي حزابة: لو أتيت يزيد بن معاوية لفرض لك، وشرّفك، وألحقك بعلية/ أصحابه، فلست دونهم، وكان أبو حزابة يومئذ غلاما حدثا، وكان معاوية حيّا، ويزيد أميرا يومئذ، فلما أكثر قومه عليه في ذلك وفي قولهم:
إنك ستشرف بمصيرك إليه قال:
يشرّفني سيفي [5] وقلب مجانب ... لكل لئيم باخل ومعلهج [6]
وكرّي على الأبطال طرفا كأنه ... ظليم وضربي فوق رأس المدجّج
وقولي إذا ما النفس جاشت وأجهشت ... مخافة يوم شرّه متأجّج
عليك غمار الموت يا نفس إنني ... جريء على درء الشجاع المهجهج [7]
__________
[1] غير مثنية ولا ملتوية.
[2] اعترفه: استخبره عن حاله، أي مجدك واضح لا يسأل عنه سائل.
[3] الإكاف: برذعة ويقال له وكاف.
[4] كذا في ف وفي س، ب: «الكجاني» تحريف.
[5] كذا في س، ب، وفي ف: «سيف».
[6] معلهج: أحمق لئيم.
[7] المهجهج: الداهية.
ثم يقف؛ فلا يصل إليه
فلما أكثر عليه قومه، وعنّفوه في تأخره أتى يزيد بن معاوية، فأقام ببابه شهرا لا يصل إليه فرجع، وقال: واللّه لا يراني ما حملت عيناي [1] الماء إلا أسيرا أو قتيلا، وأنشأ يقول:
فو اللّه لا آتي يزيد ولو حوت ... أنامله ما بين شرق إلى غرب
لأنّ يزيدا غيّر اللّه ما به ... جنوح إلى السّوءى مصرّ على الذنب
فقل لبني حرب تقوا اللّه وحده ... ولا تسعدوه [2] في البطالة واللعب
ولا تأمنوا التغيير إن دام فعله ... ولم ينهه عن ذاك شيخ بني حرب
/ أيشربها صرفا إذا الليل جنّه ... معتّقة كالمسك تختال في العلب [3]
ويلحى عليها شاربيها وقلبه ... يهيم بها إن غاب يوما عن الشّرب [4]
يرهن سرجه ليبيت
أخبرني حبيب بن نصر المهلبيّ قال: حدثنا عمر بن شبّة، عن المدائني قال:
لما خرج عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث على الحجّاج، وكان [5] معه أبو حزابة فمروا بدستبى [6] وبها مستراد [7] الصّنّاجة [8]، وكانت لا يبيت بها أحد إلا بمائة درهم، فبات بها أبو حزابة ورهن عندها سرجه، فلما أصبح وقف لعبد الرحمن، فلما أقبل صاح به وقال:
/أمر عضال نابني في العجّ [9] ... كأنني مطالب بخرج
ومستراد ذهبت [10] بالسّرج ... في فتنة الناس وهذا الهرج
فعرف ابن الأشعث القصّة، وضحك، وأمر بأن يفتكّ له سرجه، ويعطى معه ألف درهم، وبلغت القصة الحجاج فقال: أيجاهر في عسكره بالفجور فيضحك، ولا ينكر [11]! ظفرت به إن شاء اللّه.
لا يثيبه على المدح فيهجوه
أخبرني عمّي، قال حدثنا الكرانيّ عن العمريّ، عن العتبي قال:
__________
[1] كذا في ف وفي س، ب: «عيني»، العبارة كناية عن الإبصار.
[2] في ب: ولا تستعدوه، وهو تحريف.
[3] ب، س: «القلب».
[4] الشرب: جماعة الشاربين، اسم جمع شارب كصاحب.
[5] لعل من الصواب حذف الواو لتكون «كان» جواب لما.
[6] دستبي: كورة كبيرة تشمل قرى كانت مقسومة بين الري وهمذان.
[7] مستراد: موضع كمراد، الأول من استراد والثاني من أراد، ويبدو؛ أنه كان مثابة للهو والعبث كما يبدو من كلام الحجاج.
[8] الصناجة: اللاعبون بالأوتار أو المغنون.
[9] العج: الصياح والضوضاء.
[10] في هد؛ ف: «رهنت» بدل «ذهبت».
[11] في هد: «و لا يبكي» بدل «و لا ينكر».
مدح أبو حزابة عبد اللّه بن علي العيشميّ وهو على سجستان فلم يثبه فقال يهجوه:
هبّت تعاتبني أما ... مة في السماحة والفضال
وأبيت عند عتابها ... إلا خلائق ذي النّوال
أعطي أخي وأحوطه ... جهدي وأبذل جلّ مالي
وأقيه عند تشاجر الأبطا ... ل بالأسل [1] النّهال [2]
حفظا له ورعاية ... للخاليات من الليالي
إذ نحن نشرب قهوة ... درياقة [3] كدم الغزال
حمراء يذهب ريحها ... ما في الرؤوس [4] من الخبال
وإذا تشعشع [5] في الإنا ... ء رمت أخاها باغتيال
وعلا الحباب فخلته ... عقدا ينظّم من لآلي
تشفي السقيم بريحها ... وتميته قبل الإجال [6]
تلك التي تركت فؤا ... د أبي حزابة في ضلال
لا يستفيق ولا يفي ... ق نزيفها في كلّ حال
وإذا الكماة [7] تنازلوا ... ومشى الرجال إلى الرجال
/ وبدت كتائب تمتري [8] ... مهج الكتائب بالعوالي
فأبو حزابة عند ذا ... ك أخو الكريهة والنّزال
يمشي الهويني معلما [9] ... بالسيف مشيا غير آل
كالليث يترك قرنه ... متجدّلا بين الرّمال [10]
إني نذير بني تمي ... م من أخي قيل وقال
من لا يجود ولا يسو ... د ولا يجير من الهزال
__________
[1] الأسل: الرماح.
[2] النهال: العطاش جمع ناهل.
[3] درياقة: شفاء.
[4] في ف، هد: «النفوس».
[5] تشعشع: تمزج وتخلط.
[6] الإجال: جمع أجل حذفت منه الهمزة المسهلة للوزن.
[7] جمع كي على غير قياس، وهو المدجج بالسلاح.
[8] تمتري: تستخرج.
[9] جاعلا لنفسه علامة ليتحدى الأبطال في النزال؛ وفي هد، ف: العرضنة، بدل الهوينى.
[10] كذا في ف وفي س، ب: «المجال».
وتراه حين يجيئه السؤّا ... ل يولع بالسّعال
متشاغلا متنحنحا ... كالكلب جمجم [1] للعظال [2]
فارفض قريشا كلّها ... من أجل ذي الداء العضال
- يعني عبد اللّه بن علي العبشميّ.
يشيد بشجاعة التميميين:
أخبرني الحسن بن عليّ قال: حدثنا هارون بن محمد بن عبد الملك قال: حدثني محمد بن الهيثم الشاميّ قال: حدثني عمي أبو فراس، عن العذريّ قال:
دخل أبو حزابة على عمارة بن تميم ومحمد بن الحجاج، وقد قدما سجستان لحرب عبد/ الرحمن بن محمد ابن الأشعث، وكان عبد الرحمن لما قدماها هرب، ولم يبق بسجستان/ من [3] أصحابه إلا سبعمائة رجل من بني تميم كانوا مقيمين بها، فقال لهما أبو حزابة: إنّ الرجل قد هرب منكما، ولم يبق من أصحابه أحد، وإنما بسجستان من [3] كان بها من بني تميم قبل قدومه فقالا له: ما لهم عندنا أمان، لأنهم قد كانوا مع ابن الأشعث، وخلعوا الطاعة، فقال: ما خلعوها، ولكنه ورد عليهم في جمع عظيم لم يكن لهم بدفعه طاقة. فلم يجيباه إلى ما أراد، وعاد إلى قومه، وحاصرهم أهل الشام، فاستقتلت [4] بنو تميم، فكانوا يخرجوا في كل يوم إليهم، فيواقعونهم، ويكبسهونهم [5] بالليل، وينهبون أطرافهم، حتى ضجروا بذلك، فلما رأى عمارة فعلهم صالحهم، وخرجوا إليه، فلما رأى قلّتهم قال: أما كنتم إلا ما أرى! قالوا: نعم [6]، فإن شئت أن نقيلك الصلح أقلناك، وعدنا للحرب، فقال: أنا غنيّ عن ذلك، وآمنهم، فقال أبو حزابة في ذلك:
للّه عينا من رأى من فوارس ... أكرّ على المكروه منهم وأصبرا
وأكرم لو لاقوا سوادا مقاربا ... ولكن لقوا طمّا [7] من البحر أخضرا
فما برحوا حتى أعضّوا سيوفهم ... ذرى الهام منهم والحديد المسمّرا
وحتى حسبناهم فوارس كهمس [8] ... حيوا بعد ما ماتوا من الدّهر أعصرا
صوت
إذا اللّه لم يسق إلا الكرام ... فسقّى وجوه بني حنبل
__________
[1] في س، ب: جمع، ومعنى جمجم أخفى صوته.
[2] العظال: الملازمة في السفاد للكلاب ونحوها.
(3 - 3) تكملة من ف، هد، هج.
[4] في س، ب: فاستقلت، وهو تحريف.
[5] في س، ب: «يبيتونهم».
[6] في س، ب: «لا».
[7] طما: غمرا.
[8] كهمس أبو حي من ربيعة، أو لعل المقصود به كهمس الصريمي، وهو خارجي حارب في أربعين رجلا أسلم بن زرعة الكلابي في ألفي رجل، فثبت لهم.
وسقّى ديارهم باكرا ... من الغيث في الزمن الممحل
تكفكفه بالعشيّ الجنوب ... وتفرغه هزة الشّمأل
كأنّ الرّباب [1] دوين السحاب ... نعام تعلّق بالأرجل
الشعر لزهير السكب التميمي المازني، والغناء لإبراهيم خفيف رمل بالبنصر عن الهشامي وحبش.
__________
[1] الرباب: السحاب الأبيض.
29 - نسب زهير السكب وأخباره
اسمه ونسبه
هو زهير بن عروة بن جلهمة بن حجر بن خزاعيّ [1]. شاعر جاهليّ. وإنما لقب السّكب ببيت قاله وقال فيه:
يرق يضيء خلال البيت أسكوب [2]
يتشوق إلى أبناء عمومته
أخبرني يحيى بن عليّ بن يحيى إجازة قال: حدثنا أبو هفّان عن سعيد بن هريم [3] عن أبيه قال:
كان زهير بن عروة المازنيّ الملقب بالسّكب جاهليّا، وكان من أشراف بني مازن وأشدّائهم وفرسانهم وشعرائهم، فغاضب قومه في شيء ذمه منهم، وفارقهم إلى غيرهم من بني تميم، فلحقه فيهم ضيم، وأراد الرجوع إلى عشيرته، فأبت نفسه ذلك عليه، فقال يتشوق ناسا منهم كانوا بني عمه دنية [9] يقال لهم بنو حنبل:
إذا للّه لم يسق إلا الكرام ... فسقّى وجوه بني حنبل
ملثّا [4] أحمّ دوابي [5] السّحاب ... هزيم الصلاصل والأزمل [6]
/تكركره [7] خضخضات [8] الجنوب ... وتفرغه [9] هزة الشّمأل
كأن الرباب دوين السحاب ... نعام تعلّق بالأرجل
فنعم بنو العم والأقربون ... لدى حطمة [10] الزمن الممحل
ونعم المواسون في النائبا ... ت للجار والمعتفى [11] المرمل [12]
__________
[1] كذا في م وفي س، ب: «خزاعة».
[2] أسكوب المطر ويصبه.
[3] في س، ب: «هزيم».
[4] دنيه أقربيه ويقال فيهم: دنية ودنيا ودنيا.
[5] ملثا: دائم المطر لا ينقطع.
[6] أحم: أسود ويجمع على حم، وفي «الكامل» دوالي جمع دالية: ما تدلى من السحاب.
[7] تكركره: تجمعه بعد تفرقه.
[8] جمع خضخضة: هي تحريك الماء والسويق ونحوهما. وريح الجنوب عند العرب ممطرة مخصبة بخلاف ريح الشمال.
[9] كذا في ف وفي س وب: «تقرعه» ولا معنى لها.
[10] حطمة: بضم الحاء وفتحها معناها الشدة.
[11] المعتفى: السائل.
[12] المرمل: الذي نفذ زاده.
ونعم الحماة الكفاة العظيم ... إذا غائظ [1] الأمر لم يحلل
ميامين صبر لدى المعضلات ... على موجع الحدث المعضل
مباذيل عفوا [2] جزيل العطاء ... إذا فضلة الزاد لم تبذل
هم سبقوا يوم جرى الكرام ... ذوي السبق في الزمن الأوّل
وساموا إلى المجد أهل الفعال ... فطالوا بفعلم الأطول
أبو عمرو بن العلاء يستشهد بشعره
أخبرنا هاشم بن محمد الخزاعيّ: قال: حدثنا عبد الرحمن ابن أخي الأصمعي، عن عمه قال:
سأل رجل أبا عمرو بن العلاء عن الرّباب فقال: أما تراه معلقا بالسحاب كالذيل له، أما سمعت قول صاحبنا السّكب:
/كأن الرّباب دوين السحاب ... نعام تعلّق بالأرجل
صوت
سلا عن تذكّره تكتما ... وكان رهينا بها مغرما
وأقصر عنها وآثارها [3] ... تذكّره داءها الأقدما
الشعر للنّمر بن تولب، والغناء لخزرج خفيف ثقيل أول بالوسطى عن الهشاميّ.
__________
[1] غائظ الأمر: الأمر المجهد الشاق، وفي «رغبة الأمل»: «عاقد»، وفي س، ب: «غائط»، وهو تحريف.
[2] عفوا: فضلا وزائدا.
[3] في «منتهى الطلب»: «و آياتها».
30 - أخبار النمر بن تولب ونسبه
اسمه ونسبه
هو النّمر بن تولب بن أقيش [1] بن عبد كعب بن عوف بن الحارث بن عوف بن وائل بن قيس بن عكل - واسم عكل عوف بن عبد مناف [2] - بن أدّ بن طابخة بن إلياس بن مضر بن نزار.
شاعر مقلّ مخضرم أدرك الجاهلية، وأسلم، فحسن إسلامه، ووفد إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم، وكتب له كتابا، فكان في أيدي أهله، وروى عنه صلى اللّه عليه وسلم حديثا سأذكره في موضعه، وكان النمر [3] أحد أجواد العرب المذكورين وفرسانهم.
أبو عمرو بن العلاء يسميه الكيس
حدثنا محمد بن العباس اليزيديّ قال: أخبرنا محمد بن حبيب قال: قال الأصمعيّ:
كان أبو عمرو بن العلاء يسمّي النمر بن تولب الكيّس لجودة شعره وحسنه.
أخبرنا محمد بن خلف بن المرزبان قال: حدثنا عبد اللّه بن محمد قال: أخبرنا محمد بن سلام الجمحيّ، وأخبرنا أبو خليفة في كتابه إليّ، عن محمد بن سلّام قال:
كان النمر بن تولب جوادا لا يليق [4] شيئا، وكان شاعرا فصيحا جريئا على المنطق، وكان أبو عمرو بن العلاء يسميه الكيّس لحسن شعره.
أخبرني هاشم بن محمد أبو دلف الخزاعيّ قال: أخبرنا الرياشيّ قال: حدثنا/ الأصمعي: قال حدثنا قرّة بن خالد، عن يزيد بن عبد اللّه بن الشّخّير أخي مطرّف، وأخبرني أبو خليفة في كتابه إليّ قال: حدثنا محمد بن سلّام قال:
وفد النّمر بن تولب على النبي صلّى اللّه عليه وسلم وكتب له كتابا، أخبرناه قرة بن خالد السّدوسي وسعيد بن إياس الجريريّ، عن أبي العلاء يزيد/ بن عبد اللّه بن الشّخّير أخي مطرّف.
يحظى بكتاب نبوي
وأخبرني عمي عن القاسم عن محمد الأنباري عن أحمد بن عبيد، عن الأصمعي، عن قرة بن خالد، عن يزيد ابن عبد اللّه أخي مطرف - واللفظ قريب بعضه من بعض - قال:
__________
[1] في م: «أقيشر».
[2] في هد، هج: «عبد مناة» بدل «عبد مناف».
[3] في س، ب: «النمير» وهو تحريف.
[4] لا يليق: لا يبقي شيئا لجوده وسخائه، فهو شبيه بحاتم في جوده وشعره.
بينما نحن بهذا المربد جلوس - يعني مربد البصرة - إذ أتى علينا أعرابيّ أشعث الرأس، فوقف علينا، فقلنا:
واللّه لكأنّ هذا الرجل ليس من أهل هذا البلد، قال: أجل، وإذا معه قطعة من جراب أو أديم، فقال: هذا كتاب كتبه لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم، فقرأناه فإذا فيه مكتوب: بسم اللّه الرحمن الرحيم، هذا كتاب من محمد رسول اللّه لبني زهير - هكذا قال أحمد بن عبيد، وقال الباقون: لبني زهير بن أقيش - حيّ من عكل - إنكم إن شهدتم أن لا إله إلا اللّه وأنّي رسول اللّه، وأقمتم الصلاة، وآتيتم الزكاة، وفارقتم المشركين، وأعطيتم الخمس من الغنائم وسهم النبي والصّفيّ [1] فأنتم آمنون بأمان اللّه وأمان رسوله.
يشكون في روايته، فيغضب
وقال أحمد بن عبيد اللّه في خبره خاصة: «لكم ما للمسلمين وعليكم ما عليهم». وقالوا جميعا في الخبر:
فقال له القوم: حدّثنا رحمك اللّه، ما سمعت من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم، فقال: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: «صوم شهر الصّبر، وصوم/ ثلاثة أيام من كل شهر يذهبن كثيرا من وحر [2] الصدر». فقال له القوم: أأنت سمعت هذا من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم؟ فقال: أراكم تخافون أن أكذب على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، لا حدثتكم حديثا، ثم أهوى إلى الصحيفة، وانصاع [3] مدبرا. قال يزيد بن عبد اللّه: فقيل لي بعد ما مضى: هذا النمر بن تولب العكليّ الشاعر.
مثل من كرمه
أخبرني محمد بن خلف قال: أخبرنا محمد بن سلام، قال:
خرج النمر بن تولب بعد ما كبر في إبله، فسأله سائل، فأعطاه فحل إبله، فلما رجعت الإبل إذا فحلها ليس فيها، فهتفت به امرأته، وعذلته، وقالت: فهلّا غير فحل إبلك؟ فقال لها:
دعيني وأمري سأكفيكه ... وكوني قعيدة بيت ضباعا [4]
فإنك لن ترشدي غاويا ... ولن تدركي لك حظّا مضاعا
وقال أيضا في عزلها إياه:
بكرت باللّوم تلحانا ... في بعير ضلّ أو حانا
علقت لوّا تكرّرها ... إنّ لوّا ذاك أعيانا
قال: وأدرك الإسلام فأسلم.
تخدعه زوجه
أخبرني الحسن بن عليّ؛ قال: حدثنا أحمد بن زهير، قال: حدثنا محمد بن/ سلام قال:
كان للنّمر بن تولب أخ يقال له الحارث بن تولب، وكان سيدا معظما، فأغار الحارث على بني أسد فسبى
__________
[1] الصفى: ما اختاره الرئيس لنفسه من الغنيمة قبل القسمة وجمعه صفايا.
[2] وحر: حقد وغيظ.
[3] انصاع: أنفتل راجعا.
[4] ونرجح أنها مرخم «ضباعة»، وهو اسم زوجته.
امرأة منهم، يقال لها جمرة بنت نوفل، فوهبها لأخيه النمر بن تولب ففركته [1]، فحبسها، حتى استقرّت، وولدت له أولادا، ثم قالت له في بعض أيّامها: أزرني أهلي فإني قد اشتقت إليهم، فقال لها: إني أخاف إن صرت إلى أهلك أن تغلبيني على نفسك، فواثقته لترجعنّ إليه. فخرج بها في الشهر الحرام، حتى أقدمها بلاد بني أسد، فلما أطلّ على الحيّ تركته واقفا، وانصرفت إلى منزل بعلها الأول، فمكثت طويلا، فلم ترجع إليه،/ فعرف ما صنعت وأنها اختدعته فانصرف وقال:
جزى اللّه عنا جمرة ابنة نوفل ... جزاء مغلّ [2] بالأمانة كاذب
لهان عليها أمس موقف راكب ... إلى جانب السّرحات أخيب خائب
وقد سألت عني الوشاة ليكذبوا ... عليّ وقد أبليتها [3] في النوائب
وصدّت كأنّ الشمس تحت قناعها ... بدا حاجب منها وضنّت بحاجب
وقال فيها أيضا:
كل خليل عليها الرعا ... ث [4] والحبلات كذوب ملق
- الحبلات: واحدتها حبلة، وهي جنس من الحلى قدر ثمر الطّلح - .
وقامت إليّ فأحلفتها ... بهدي قلائده تختفق [5]
بأن لا أخونك فيما علمت ... فإن الخيانة شرّ الخلق [6]
/و قال فيها أشعارا كثيرة يطول ذكرها.
يشبه حاتما في شعره
أخبرني اليزيديّ، عن محمد بن حبيب قال:
كان أبو عمرو يشبّه شعر النمر بشعر حاتم الطائيّ.
أفتى الشعراء
أخبرني الحسين بن عليّ قال: حدثنا أحمد بن زهير، قال: حدثنا مصعب بن عبد اللّه الزبيري قال:
بلغني أن صالح بن حسان قال يوما لجلسائه: أيّ الشعراء أفتى؟ قالوا: عمر بن أبي ربيعة، وقالوا: جميل، وأكثروا القول، فقال: أفتاهم النمر بن تولب حين يقول:
أهيم بدعد ما حييت وإن أمت ... فوا حزنا من ذا يهيم بها بعدي [7]!
__________
[1] فركته: أبغضته وهو خاص بالزوجين وهي فارك وفروك.
[2] مغل: خائن، وقيل: الغلول خاص بالخيانة في الفيء والغنيمة.
[3] أبليتها: أحسنت إليها.
[4] الرعثات: مفردها رعثة، والبيت من المتقارب دخله الحزم.
[5] تختفق: تتحرك وتضطرب، وفي س، ب: «يحتنق» ولا معنى له.
[6] كذا في هج، وفي ب: «شر خلق».
[7] من العجب أن يعد هذا البيت دليل الفتوة، وتذكر كتب الأدب أن سكينة بنت الحسين انتقدته؛ لأنه يجافي الغيرة، واقترحت إصلاحه على النحو التالي:
جمرة توصيه بولد منها
أخبرني الحسن قال: حدثنا أحمد بن زهير، عن محمد بن سلام قال:
حج النمر بن تولب بعد هرب جمرة منه فنزل بمنى، ونزلت جمرة مع زوجها قريبا منه، فعرفته، فبعثت إليه بالسلام، وسألته عن خبره، ووصّته خيرا بولده منها فقال:
فحيّيت عن شحط بخير حدّيثنا ... ولا يأمن الأيام إلا المضلّل
يودّ الفتى طول السلامة والغنى [1] ... فكيف يرى طول السّلامة يفعل!
شعره بين يدي الرسول
أخبرني ابن المرزبان قال: حدثنا أبو محمد اليزيديّ، عن الاصمعيّ. وأخبرنا اليزيديّ عن ابن حبيب عن الأصمعيّ قال:
لما وفد النمر بن تولب على النبي صلّى اللّه عليه وسلم أنشده:
/يا قوم إني رجل عندي خبر ... للّه من آياته هذا القمر
والشمس والشعرى [2] وآيات أخر ... من يتسام بالهدى فالخبث شرّ
إنا أتيناك وقد طال السفر ... نقود خيلا رجعا [3] فيها ضرر
نطعمها اللحم إذا عزّ الشّجر
قال اليزيديّ، عن ابن حبيب خاصة، قال الأصمعيّ: أطعمها اللحم: أسقيها اللبن، والعرب تقول: اللبن أحد اللحمين. وقال ابن حبيب: قال ابن الأعرابي: كانت العرب إذا لم تجد العلف دقت اللحم اليابس، فأطعمته الخيل:
يسلو بدعد عن جمرة
أخبرني عمي قال: حدثنا الكرانيّ قال: حدثنا العمريّ، عن الهيثم بن عديّ، عن ابن عياش. وأخبرنا ابن المرزبان قال: أخبرني عيسى بن يونس قال: حدثني محمد بن الفضل قال: حدثنا الهيثم بن عديّ، عن ابن عبّاس/ قال:
لما فارق النمر بن تولب امرأته الأسدية جزع عليها، حتى خيف على عقله ومكث أياما لا يطعم، ولا ينام، فلما رأت عشيرته منه ذلك، أقبلوا عليه يلومونه، ويعيّرونه، وقالوا: إن في نساء العرب مندوحة ومتّسعا، وذكروا له امرأة من فخذه الأدنين يقال لها دعد، ووصفوها له بالجمال والصّلاح، فتزوّجها ووقعت من قلبه، وشغلته عن ذكر جمرة وفيها يقول:
__________
أهيم بدعد ما حييت فإن أمت ... فلا صلحت دعد لدى خلة بعدي
[1] رواها الكامل: «البقا» مقصورة، وفي رغبة الأمل:
«يود الفتى طول السلامة جاهدا»
[2] الشعري: نجم في السماء وهما شعريان: الكبير والغميصاء، ويعدونهما أختي سهيل.
[3] كليلة: مهزولة جمع رجيع.
أهيم بدعد ما حييت فإن أمت ... أوكّل بدعد من يهيم بها بعدي
والناس يرون هذا البيت لنصيب وهو خطأ.
أخبرني اليزيديّ عن عبد الرحمن ابن أخي الأصمعي، عن عمه. وأخبرني/ إبراهيم بن محمد الصائغ، عن ابن قتيبة، عن عبد الرحمن، عن عمه، عن حماد بن ربيعة أنه قال:
أظرف الناس النّمر بن تولب حيث يقول:
أهيم بدعد ما حييت فإن أمت ... أوكّل بدعد من يهيم بها بعدي
يرثي جمرة
أخبرني ابن المرزبان قال: أخبرني عبد اللّه بن محمد قال: أخبرني محمد بن سلّام قال:
لما بلغ النّمر بن تولب أن امرأته جمرة توفّيت، نعاها له رجل من قومه يقال له حزام أو حرام، فقال:
ألم تر أنّ جمرة جاء منها ... بيان الحقّ آن صدق الكلام
نعاها بالنديّ [1] لنا حزام ... حديث ما تحدث يا حرام
فلا تبعد وقد بعدت وأجرى [2] ... على جدث تضمّنها الغمام
- قال الأصمعي: يقال بعد وأبعد -
يهذي في كبره
أخبرني أبو الحسن الأسديّ قال: حدثنا الرياشيّ، عن الأصمعيّ. عن أبي عمرو وأخبرني به هاشم بن محمد أبو دلف الخزاعيّ قال: حدثنا أبو غسّان دماذ، عن أبي عبيدة، عن أبي عمرو قال:
أدرك النّمر بن تولب النبي صلّى اللّه عليه وسلّم، فأسلم وحسن إسلامه، وعمّر، فطال عمره، وكان جوادا واسع القرى كثير الأضياف وهّابا لماله، فلما كبر/ خرف وأهتر [3]، فكان هجّبراه [4]: اصبحوا الرّاكب، اغبقوا [5] الرّاكب اقروا، انحر واللضيف، أعطو السائل، تحملوا لهذا في حمالته كذا وكذا - لعادته بذلك - فلم يزل يهذي بهذا وشبهه مدة خرفه حتى مات.
موازنة بين خرف وخرف
قال: وخرفت إمرأة من حيّ كرام عظيم خطرهم وخطرها فيهم، فكان هجّيراها: زوّجوني، قولوا لزوجي يدخل، مهّدوا لي إلى جانب زوجي، فقال عمر بن الخطاب، وقد بلغه خبرها: ما لهج به أخو عكل النمر بن تولب في خرفه أفخر وأسرى، وأجمل مما لهجت به صاحبتكم. ثم ترحّم عليه.
__________
[1] كذا في م، أ، وفي س، ب: «النداء».
[2] كذا بالنسخ، ولعلها محرفة عن أمري من مريت الناقة فأمرت أي: در لبنها.
[3] أهتر: فقد عقله من الكبر.
[4] هجيراء: ديدنه وعادته.
[5] كذا في م، وفي س، ب: «أعقبوا الركب» تحريف، والصبوح: الشرب صباحا، والغبوق: الشرب مساء.
يرثى أخاه
أخبرني ابن المرزبان قال: حدثني أبو بكر العامريّ، قال: حدثني علي بن المغيرة الأثرم، عن أبي عبيدة قال:
مات الحارث بن تولب، فرثان النمر فقال:
لا زال صوب من ربيع وصيّف [1] ... يجود على حسن [2] الغميم [3] فيشرب
فو اللّه ما أسقى البلاد لحبّها ... ولكنما أسقيك حار بن تولب
تضمنت أدواء العشيرة بينها ... وأنت على أعواد نعش مقلّب
كأن أمرأ في الناس كنت ابن أمه ... على فلج [4] من بطن دجلة مطنب [5]
يتمثل بأبياته
قال حمّاد الراوية: كان النمر بن تولب كثير البيت السائر والبيت المتمثّل به، فمن ذلك قوله:
لا تغضبنّ على امرىء في ماله ... وعلى كرائم صلب مالك فاغضب
/ وإذا [6] تصبك خصاصة فارج الغنى ... وإلى الذي يعطي الرغائب فارغب
وقوله:
تلبّس لدهرك أثوابه ... فلن يبتني النّاس ما هدّما
وأحبب حبيبك حبّا رويدا ... فليس يعولك أن تصرما [7]
وأبغض بغيضك بغضا رويدا ... إذا أنت حاولت أن تحكما
وقوله:
أعاذل أن يصبح صداي بقفرة ... بعيد فأنّى ناصري وقريبي
تري أن ما أبقيت لم أك ربّه ... وأن الذي أفنيت كان نصيبي
يعفي صديقه من الدية ويتحملها
نسخت من كتاب بخط السكري أبي سعيد قال: محمد بن حبيب:
كان للنّمر بن تولب صديق فأتاه النمر في ناس من قومه يسألونه في دية احتملوها، فلمّا رآهم، وسألوه تبسّم، فقال النمر:
__________
[1] صيف: مطر يجيء في الصيف أو بعد الربيع.
[2] كذا في ف ومعناه محبس الماء، وفي س، ب: «حبس».
[3] الغميم: موضع قرب المدينة بين رابع والجحفة.
[4] فلج: نهر صغير.
[5] بعد في ذهابه: يريد من كنت أخاء، فإنما هو على بحر من البحور من الخصب والسعة (مادة طنب في «اللسان»).
[6] رواية «الشعر والشعراء»: «و متى». وإذا صحت رواية إذا فهي شاهد للجزم بإذا.
[7] كذا في «منتهى الطلب» ومعناه يشق عليك، وفي س، ب: «يهولك»، وفي «شواهد المغني» للسيوطي: فقد لا يعولك.
تبسم ضاحكا لما رآني ... وأصحابي لديّ عن التمام [1]
فقال له الرجل: إن لي نفسا تأمرني أن أعطيكم، ونفسا تأمرني ألا أفعل، فقال النمر:
/أما خليلي فإني غير معجله ... حتى يؤامر نفسيه كما زعما
نفس له من نفوس الناس صالحة ... تعطى الجزيل ونفس ترضع الغنما
ثم قال النّمر لأصحابه: لا تسألوا أحدا، فالدية كلّها عليّ.
قصة سيف كالذي وصف النمر
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ، قال: حدثنا عليّ بن محمد النوفليّ قال: حدثنا أبي قال: حدثنا الحسن بن محمد بن عبد اللّه بن حسن بن عليّ قال:
جاء أعرابي إلى أبي، وهو مستتر بسويقة [2] قبل مخرجه، ومعه سيف قد علاه الصّدأ، فقال: يا بن رسول اللّه، إني كنت ببطن قديد [3]، أرعى إبلي وفيها فحل قطم [4]، قد كنت ضربته، فحقد عليّ وأنا لا أدري، فخلا بي فشدّ عليّ يريدني، وأنا أحضر، ودنا مني حتى أن لعابه ليسقط على رأسي لقربه مني. فأنا أشتدّ، وأنا أنظر إلى الأرض لعلي أرى شيئا أذبّه عنّي به، إذ وقعت عيني على هذا السيف قد فحص عنه السيل، فظننته عودا باليا، فضربت بيدي إليه، فأخذته فإذا سيف، فذببت به البعير عني ذبّا، واللّه ما أردت به الذي بلغت منه، فأصبت خيشومه فرميت بفقمه [5]، فعلمت أنه سيف جيد، وظننته من سيوف القوم الذين كانوا قتلوا في وقعة قديد [6]، وها هوذا قد أهديته لك يا بن رسول اللّه قال: فأخذه منه أبي، وسرّ به. وجلس الأعرابيّ يحادثه، فبينا هو كذلك/ إذ أقبلت غنم لأبي ثلاثمائة شاة فيها رعاؤها، فقال له: أبى: يا أعرابيّ هذه الغنم والرّعاة لك مكافأة لك عن هذا السيف، قال: ثم أرسل به إلى المدينة، أو أرسل إلى قين [7] فأتي به من المدينة، فأمر به فحلّي، فخرج أكرم سيوف الناس، فأمر فاتّخذ له جفن، ودفعه إلى أختي فاطمة بنت محمد. فلمّا كان اليوم الذي قتل فيه، قاتل بغير ذلك السيف، قال:
وبقي ذلك السيف عند أختي محمد بنت محمد. فزرتها يوما وهي بينبع في جماعة من أهل بيتي، وكانت عند ابن عمها الحسن بن إبراهيم بن عبد اللّه بن الحسن عليهم أجمعين السلام، فخرجت إلينا، وكانت برزة [8] تجلس لأهلها كما يجلس الرجال، وتحدّثهم، فجلست تحدثنا، وأمرت مولىّ لها، فنحر لنا جزورا [9] ليهيىء لنا طعاما.
فنظرت إليها، والجزور في النخل باركة، وقد بردت وهي تسلخ، فقالت: إني لا أرى في هذه الجزور،/ مضربا حسنا. ثم دعت بالسيف، وقالت: يا حسن - فدتك أختك - هذا سيف أبيك، فخذه واجمع يديك في قائمه،
__________
[1] تكملة من هد. هج.
[2] سويقة: موضع قرب المدينة يسكنه آل علي بن أبي طالب.
[3] قديد: موضع قرب مكة.
[4] القطم: الصئول.
[5] الفقم: اللحى وطرف الخطم.
[6] وقعة لأبي حمزة الخارجي على أهل المدينة.
[7] القين: الحداد والصيقل.
[8] برزة: متجاهرة جليلة تجلس للقوم يتحدثون إليها وهي عفيفة.
[9] جزور: بعير أو ناقة تجزر، والجمع جزر والجزائر.
ثم اضرب به أثناءها [1] من خلفها - تريد عراقبيها - وقد أثبتّها للبروك، وهي أربعة أعظم، قال: فأخذت السيف ثم مضيت نحوها، فضربت عراقيبها فقطعتها - واللّه - أربعتها، وسبقني السيف، فدخل في الأرض، فأشفقت عليه أن ينكسر إن اجتذبته فحفرت عنه، حتى استخرجته، قال: فذكرت حينئذ قول النمر بن تولب:
/أبقى الحوادث والأيام من نمر ... أسباد [2] سيف كريم أثره بادي
تظلّ تحفر عنه الأرض مندفعا ... بعد الذراعين والقيدين والهادي [3]
ويروى:
تظلّ تحفر عنه إن ظفرت به
يشكو المشيب
أخبرني عليّ بن صالح بن الهيثم قال حدثنا عمر بن شبّة قال: أخبرني أحمد بن معاوية الباهليّ، عن أبي عبيدة قال:
قيل للنمر بن تولب كيف أصبحت يا أبا ربيعة؟ فأنشأ يقول:
أصبحت لا يحمل بعضي بعضا ... أشكو العروق الآبضات [4] أبضا
كما تشكّى الأرحبيّ [5] الغرضا ... كأنما كان شبابي قرضا
من توسلاته
أخبرني هاشم بن محمد أبو دلف الخزاعيّ قال: حدثنا الرياشيّ عن الأصمعيّ قال: أنشدني حماد بن الأخطل ابن النمر بن تولب لجدّه:
أعذني ربّ من حصر وعيّ ... ومن نفس أعالجها علاجا
ومن حاجات نفس فاعصمنّي ... فإن لمضمرات النفس حاجا
فأنت وليّها وبرئت منها ... إليك فما قضيت فلا خلاجا [6]
عود إلى فتوته
ثم قال: كان النمر أفتى خلق اللّه، فقلت: وما كانت فتوّته؟ قال: أو ليس فتى من يقول:
أهيم بدعد ما حييت فإن أمت ... فواحزنا من ذا يهيم بها بعدي؟
__________
[1] أثناءها: جمع ثنى بمعنى مثنى (ثنيات).
[2] أسباد: مفرده ككتف، ومعناها بقية.
[3] الهادي: العنق وجمعه هواد.
[4] الآبضات: الشادات.
[5] الأرحبي: كريم الفحول المنسوبة إلى قبيلة أرحب، وأرحب أيضا مخلاف باليمن منسوب إلى أرحب، وهو مرة بن دعام بن مالك، والغرض: حزام الرحل جمعه غروض وأغراض، وفي س، ب: «الأرجي القرضا» تخريف.
[6] خلاجا: نزاعا وشكا.
صوت
أيا صاحبي رحلي دنا الموت فانزلا ... برابية إني مقيم لياليا
وخطّا الأسنّة مضجعي ... وردّا على عينيّ فضل ردائيا
ولا تحسداني بارك اللّه فيكما ... من الأرض ذات العرض أن توسعاليا
لعمري لئن غالت خراسان هامتي [1] ... لقد كنت عن بابي خراسان نائيا
فيا ليت شعري هل أبيتنّ ليلة ... بجنب الغضا أزجي القلاص النواجيا [2]
الشعر لمالك بن الريب، والغناء لمعبد مما لا يشكّ فيه من غنائه، خفيف ثقيل أول بالوسطى في مجراها عن إسحاق ويونس وعمرو ودنانير، وفيه خفيف ثقيل آخر لابن عائشة من رواية عليّ بن يحيى، وفيه لابن سريج هزج بالخنصر في مجرى البنصر عن ابن المكيّ، وفيه لإبراهيم رمل بالوسطى عن عبد اللّه بن موسى في الأول والثالث من الأبيات، ولإبراهيم ثقيل أول في الخامس ثم الرابع عن الهشاميّ، وقيل: إن الرّمل المنسوب إليه لنبيه.
__________
[1] هامتي: رأسي، جمعه هام.
[2] النواجي: جمع ناجية بمعنى سريعة، ويقال أيضا: ناقة نجيبة.
31 - أخبار مالك بن الريب ونسبه
اسمه ونسبه
هو مالك بن الريب بن حوط بن قرط [1] بن حسل بن ربيعة بن كابية بن حرقوص بن مازن بن مالك بن عمرو ابن تميم.
لص قاطع طريق
وكان شاعرا فاتكا لصّا، ومنشؤه في بادية بني تميم بالبصرة من شعراء الإسلام في أول أيام بني أمية.
الوالي يريد استصلاحه
أخبرني بخبره عليّ بن سليمان الأخفش قال: أخبرنا أبو سعيد السكّريّ عن محمد بن حبيب عن ابن الأعرابي وعن هشام بن الكلبي وعن الفضل بن محمد وإسحاق بن الجصّاص وحمّاد الراوية وكلّهم قد حكى من خبره نحوا مما حكاه الآخرون قالوا:
استعمل معاوية بن أبي سفيان سعيد بن عثمان بن عفان على خراسان، فمضى [2] سعيد بجنده في طريق فارس، فلقيه بها مالك بن الريب المازني، وكان من أجمل الناس وجها، وأحسنهم ثيابا فلما رآه سعيد أعجبه، وقال له: مالك، ويحك تفسد نفسك بقطع الطريق! وما يدعوك إلى ما يبلغني عنك من العبث والفساد، وفيك هذا الفضل! قال: يدعوني إليه العجز عن المعالي، ومساواة ذوي المروءات ومكافأة الإخوان، قال: فإن أنا أغنيتك، واستصحبتك، أتكفّ عما كنت تفعل؟ قال: إي واللّه أيها الأمير، أكفّ كفّا لم يكفّ أحد أحسن منه، قال:
فاستصحبه، وأجرى له خمسمائة درهم في كل شهر.
داود بن الحكم يتعقبه هو وأصحابه
قالوا:
وكان السبب الذي من أجله وقع مالك بن الريب إلى ناحية فارس أنه كان/ يقطع الطريق هو وأصحاب له، منهم شظاظ - وهو مولى لبني تميم، وكان أخبثهم - وأبو حردبة، أحد بني أثالة بن مازن، وغويث، أحد بني كعب ابن مالك بن حنظلة، وفيهم يقول الراجز:
اللّه نجاك من القصيم [3] ... وبطن فلج وبني تميم
__________
[1] في س، ب: «فرط» بالفاء تحريف.
[2] في هد، هج: «فمر» بدل «فمضى».
[3] القصيم: موضع يشقه طريق بطن فلج.
ومن بني حردبة الأثيم ... ومالك وسيفه المسموم
ومن شظاظ الأحمر الزّنيم [1] ... ومن غويث فاتح العكوم [2]
فساموا [3] الناس شرّا، وطلبهم مروان بن الحكم، وهو عامل على المدينة، فهربوا فكتب إلى الحارث بن حاطب الجمحيّ، وهو عامله على بني عمرو بن حنظلة يطلبهم، فهربوا منه.
يتوعد من يتوعده
وبلغ مالك بن الريب أن الحارث بن حاطب يتوعده فقال:
تألّى حلفة في غير جرم ... أميري حارث شبه الصّرار [4]
عليّ لأجلدن في غير جرم ... ولا أدني فينفعني اعتذاري
وقلت وقد ضممت إليّ جأشي ... تحلّل لا تألّ عليّ جاري
فإني سوف يكفينيك عزمي ... ونصّ [5] العيس بالبلد القفار
/ وعنس [6] ذات معجمة [7] أمون [8] ... علنداة [9] موثّقة الفقار
تزيف [10] إذا تواهقت [11] المطا ... يا كما زاف المشرّف للخطار [12]
وإن ضربت بلحييها وعامت ... تفصّم [13] عنهما حلق السّفار [14]
مراحا غير ما ضغن ولكن ... لجاجا حين تشتبه الصحاري
إذا ما استقبلت جونا بهيما ... تفرّج عن مخيّسة [15] حضار [16]
__________
[1] الزنيم: الملحق بقوم ليس منهم ولا يحتاجون إليه.
[2] العكوم: جمع عكم وهو الحمل (الربطة).
[3] في هد، هج: «فأشعروا الناس» بدل «فساموا الناس».
[4] الصرار: ما يشد فوق خلف الناقة من خيط.
[5] نص العيس: إجهادي النوق على السير الشديد.
[6] عنس: ناقة صلبة قوية.
[7] ذات معجمة: ذات قوة وسمن وبقاء على السير.
[8] أمون: موثقة الخلق مأمونة الكلال.
[9] علنداة: ضخمة شديدة طويلة.
[10] تزيف: تسرع في تمايل.
[11] تواهقت: تبارت وتنافست.
[12] المعين للسباق؛ وفي هد هج: «المسدد» بدل «المشرف».
[13] تفصم: تكسر من غير انفصال.
[14] السفار: حديدة أو جلدة توضع على أنف البعير كالحكمة للفرس.
[15] مخيسة: مذللة منقادة.
[16] حضار: جمعت قوة وجودة سير.
/
إذا ما حال روض رباب [1] دوني ... وتثليت [2] فشأنك بالبكاري
وأنياب سيخلفهنّ سيفي ... وشدّات الكميّ على التّجار [3]
فإن أسطع أرح منه أناسي ... بضربة فانك غير اعتذار
وإن يفلت فإني سوف أبغي ... بنيه بالمدينة أو صرار [4]
/إلا من مبلغ مروان عني ... فإني ليس دهري بالفرار
ولا جزع من الحدثان يوما ... ولكني أرود لكم وبار
- وبار: أرض لم يطأ أحد ثراها -
بهزمار [5] تراد العيس فيها ... إذا أشفقن من قلق الصّفار [6]
وهنّ يحشن [7] بالأعناق حوشا ... كأن عظامهنّ قداح بار
كأنّ الرحل أسأر من قراها [8] ... هلال عشية بعد السّرار [9]
رأيت وقد أتى بحران دوني [10] ... لليلى بالغميم ضوء نار [11]
إذا ما قلت: قد خمدت زهاها ... عصيّ الرند [12] والعصف السواري [13]
يشبّ وقودها ويلوح وهيا ... كما لاح الشّبوب [14] من الصّوار [15]
كأن النّار إذ شبت لليلى ... أضاءت جيد مغزلة [16] نوار [17]
__________
[1] رباب: أرض بين ديار بني عامر وبلحارث بن كعب.
[2] تثليث: موضع بالحجاز قرب مكة.
[3] كذا في م، ا، ب، وأنياب: جمع ناب، وهي الناقة المسنة، وتجمع أيضا على نيب وفي «الشعر والشعراء»: و «كرات الكميت» بدل و «شدات الكمى».
[4] صرار: ماء قرب المدينة على سمت العراق.
[5] ليس فيما بين أيدينا من «المعاجم» اسم بلفظ هزمار أو ولعلها محرفة عن هرماس وهو موضع بالمعرة أو نهر نصيبين.
[6] في جميع النسخ بالفاء، وهي حبة تلتصق بالضلوع فتعضها عند الجوع في زعم العرب ولعلها الصغار.
[7] يحشن: يرمين.
[8] أسأر: أبقى. والفرا: الظهر.
[9] السرار: آخر الشهر وفي الكلام كناية عن التقوس والنحافة.
[10] في س وب: «نجدا ودوني»، وهو تحريف.
[11] كذا في «معجم البلدان» بالغين والتصغير وهو ماء لبني سعد وفي س، ب: العميم.
[12] الرند: شجر طيب الرائحة يستعمل في البخور.
[13] العصف: جمع عصوف وهي الريح الشديدة وفي ب: «للعطف» وهو تحريف.
[14] الشبوب: الشاب من البقر.
[15] الصوار، كغراب وكلب: القطيع من البقر.
[16] مغزلة: ذات غزال.
[17] نوار: نفور.
/
وتصطاد القلوب على مطاها [1] ... بلا جعد القرون ولا قصار [2]
وتبسم عن [3] نقيّ اللون عذب ... كما شيف [4] الأقاحي بالقطار
أتجزع أن عرفت ببطن قوّ [5] ... وصحراء الأديهم رسم دار
وإن حلّ الخليط ولست فيهم ... مرابع [6] بين دحل إلى سرار [7]
إذا حّلوا بعائجة خلاء ... يقطّف نور حنوتها العذاري [8]
يقتل حارسه ويخلص صديقه
فبعث إليه الحارث رجلا من الأنصار فأخذه، وأخذ أبا حردبة، فبعث بأبي حردبة وتخلّف الأنصاري مع القوم الذين كان مالك فيهم، وأمر غلاما له، فجعل يسوق مالكا. فتغفّل مالك غلام الأنصاري، وعليه السيف، فانتزعه منه، وقتله به، وشدّ على الأنصاريّ، فضربه بالسيف حتّى قتله، وجعل يقتل من كان معه يمينا وشمالا.
ثم لحق بأبي حردبة، فتخلّصه [9]، وركبا إبل الأنصاري، وخرجا فرارا من ذلك هاربين، حتى أتيا البحرين، واجتمع إليهما أصحابهما، ثم قطعوا إلى فارس فرارا من ذلك الحدث الذي أحدثه مالك، فلم يزل بفارس، حتى قدم عليه سعيد بن عثمان، فاستصحبه.
شعره في مهربه
فقال مالك في مهربه [10] ذلك:
أحقّا على السلطان أمّا الذي له ... فيعطى وأما ما يراد فيمنع
إذا ما جعلت الرمل بيني وبينه ... وأعرض سهب بين يبرين بلقع [11]
من الأدمى [12] لا يستجمّ بها القطا ... تكلّ الرياح دونه فتقطّع
فشأنكم يا آل مروان فاطلبوا ... سقاطي [13] فما فيه لباغيه مطمع
__________
[1] كذا في النسخ ولعلها محرفة عن صفاها بمعنى قسوتها.
[2] القرون الجعدة: القصيرة، والقرون: الضفائر، قصار: اسم من قصر، يريد بشعر: لا متجعد ولا مكفوف.
[3] في ب، س: على، وهو تحريف ينكسر به الوزن.
[4] شيف؛ جلى، ومنه درهم مشوف مجلو.
[5] بطن قو: واد بين البصرة والمدنية وفي س، ب: قر.
[6] مرابع: موضع قريب من حزن بني يربوع.
[7] سرار: واد.
[8] الحنوة: نبت طيب الريح.
[9] في س: فخلصه.
[10] س: «مالك بن مهروبه». تحريف.
[11] يبرين: قرية كثيرة النخل والعيون بحذاء الأحساء.
[12] الأدمى: موضع ببلاد سعد.
[13] سقاطي: عثاري وسقوطي.
وما أنا كالغير المقيم لأهله ... على القيد في بحبوحة الضيّم يرتع
/ ولو لا رسول اللّه أن كان منكم ... تبيّن من بالنّصف يرضى ويقنع
وقال أيضا:
لو كنتم تنكرون العذر [1] قلت لكم ... يا آل مروان جاري منكم الحكم
وأتّقكم يمين اللّه ضاحية ... عند الشهود وقد توفي به الذمم
لا كنت أحدث سوءا في إمارتكم ... ولا الذي فات مني قبل ينتقم
نحن الذين إذا خفتم مجلّلة [2] ... قلتم لنا: إنّنا منكم لتعتصموا
حتى إذا انفرجت عنكم دجنّتها ... صرتم كجرم فلا إلّ [3] ولا رحم
/ وقال مالك حين قتل غلام الأنصاريّ الذي كان يقوده:
غلام يقول السيف يثقل عاتقي ... إذا قادني وسط الرجال المجحدل [4]
فلو لا ذباب السيف ظلّ يقودني ... بنسعته [5] ششن [6] البنان حزنبل [7]
أراد اغتيال مالك فاغتاله مالك وقال في ذلك شعرا
قالوا: وبينا مالك بن الريب ذات ليلة في بعض هناته وهو نائم - وكان لا ينام إلا متوشّحا بالسيف - إذ هو بشيء قد جثم عليه لا يدري ما هو، فانتفض به مالك، فسقط عنه، ثم انتحى له بالسيف فقدّه نصفين، ثم نظر إليه فإذا هو رجل أسود كان يقطع الطريق في تلك الناحية، فقال مالك في ذلك:
أدلجت في مهمة ما إن أرى أحدا ... حتى إذا حان تعريس لمن نزلا
وضعت جنبي وقلت: اللّه يكلؤني ... مهماتنم عنك من عين [8] فما غفلا
والسيف بيني وبين الثوب مشعره [9] ... أخشى الحوادث إني لم أكن وكلا
ما نمت إلا قليلا نمته شئزا [10] ... حتى وجدت على جثماني الثّقلا
داهية من دواهي الليل بيّتني ... مجاهدا [11] يبتغي نفسي وما ختلا
__________
[1] في س، ب: «الغدر».
[2] مجللة: نازلة عامة.
[3] إل: ذمة وعهد.
[4] حجدل فلان فلانا: صرعه.
[5] النسعة: قطعة من سير أو حبل من أدم تشد به الرحال.
[6] ششن: غليظ.
[7] حزنبل: قصير وثيق الخلق.
[8] في هد، هج: «من ليل».
[9] جاعله شعاري أو متصلا بي، وفي هج: «الأرض» بدل «الثوب».
[10] شئزا: قلقا.
[11] في هد، هج: «مجاهر» 1، وفي هج «قفلا» بدل «ختلا».
أهويت نفحا [1] له والليل ساتره ... إلا توخيته والجرس فانخزلا [2]
/لما ثنى اللّه عني شرّ عدوته ... رقدت لا مثبتا ذعرا ولا بعلا [3]
أما ترى الدار قفرا لا أنيس بها ... إلا الوحوش وأمسى أهلها احتملا
بين المنيفة [4] حيث استنّ [5] مدفعها [6] ... وبين فردة [7] من وحشيّها قبلا [8]
وقد تقول وما تخفي لجارتها ... إني أرى مالك بن الريب قد نحلا
من يشهد الحرب يصلاها ويسعرها ... تراه مما كسته شاحبا وجلا
خذها فإني لضرّاب إذا اختلفت ... أيدي الرجال بضرب يختل البطلا [9]
وقال مالك في ذلك أيضا:
يا عاملا [10] تحت الظلام مطيّة ... متخايلا لابل وغير مخاتل [11]
أنيّ أنخت لشابك [12] أنيابه ... مستأنس بدجى الظلام منازل
لا يستريع عظيمة يرمى بها ... حصبا [13] يحفز [14] عن عظام الكاهل
حربا [15] تنصّبه [16] بنبت هواجر ... عاري الأشاجع [17] كالحسام الناصل
/ لم يدر ما غرف القصور وفيؤها ... طاو بنخل سوداها المتمايل
يقظ [18] الفؤاد إذا القلوب تآنست ... جزعا [19] ونبّه كلّ أروع باسل
__________
[1] نفحا: ضربا.
[2] انخزل: انقطع.
[3] بعلا: دهشا فرقا، وفي هج «وجلا».
[4] المنيفة: ماء لتميم على فلج بين نجد واليمامة.
[5] استن: وضح.
[6] مدفعها: مسيلها ومجراها.
[7] فردة: جبل في ديار طيى ء.
[8] قبلا: عيانا.
[9] أي ينزع أعلى البيضة.
[10] في س، ب: «غاسلا».
[11] صريح لا يخادع ولا يراني.
[12] الأسد المشتبك الأنياب، وهذا كناية عن القوة، ويعني مالكا نفسه.
[13] حصبا: رميا.
[14] يحفز: يدفع من خلف.
[15] حربا: شديد الغضب.
[16] كذا في النسخ، ولعل تنصبه محرفة عن تنضيه بمعنى تستله من أقاصي الأمور العظيمة، أي يطلب منها.
[17] الأشاجع: رؤوس الأصابع، جمع أشجع.
[18] في س، ب: «يعظ».
[19] في س، ب: «جزعا ووثبة» تحريف.
حيث الدّجى متطلّعا لغفوله ... كالذئب في غلس الظلام الخاتل
فوجدته ثبت الجنان مشيّعا [1] ... ركّاب منسج كلّ أمر هائل
فقراك أبيض كالعقيقة [2] صارما ... ذا رونق يعني [3] الضريبة فاصل
فركبت ردعك [4] بين ثني فائز [5] ... يعلو به أثر الدماء وشائل
رجل حرب لا سائس إبل
قال: وانطلق مالك بن الريب مع سعيد بن عثمان إلى خراسان، حتى إذا كانوا في بعض مسيرهم احتاجو إلى لبن، فطلبوا صاحب إبلهم، فلم يجدوه، فقال مالك لغلام من غلمان سعيد: أدن مني فلانة - لناقة كانت لسعيد عزيزة - فأدناها منه، فمسحها وأبسّ [6] بها حتى درّت، ثم حلبها، فإذا أحسن حلب حلبه الناس وأغزره درّة، فانطلق الغلام إلى سعيد، فأخبره، فقال سعيد لمالك: هل لك أن تقوم بأمر إبلي، فتكون فيها، وأجزل لك الرزق إلى ما أرزقك، وأضع عنك الغزو؟ فقال مالك في ذلك:
أني لأستحيي الفوارس أن أرى ... بأرض العدا بوّ المخاض الروائم [7]
/و إني لأستحيي إذا الحرب شمّرت ... أن ارخي [8] دون الحرب ثوب المسالم
وما أنا بالنائي الحفيظة في الوغى ... ولا المتقى [9] في السلم جرّ الجرائم
ولا المتأني في العواقب للذي ... أهمّ به من فاتكات العزائم
ولكنني مستوحد العزم مقدم ... على غمرات الحادث المتفاقم [10]
قليل اختلاف الرأي في الحرب باسل ... جميع الفؤاد عند حلّ العظائم
فلما سمع ذلك منه سعيد بن عثمان، علم أنه ليس بصاحب إبل، وأنه صاحب حرب، فانطلق به معه.
مالك والذئب
قالوا: وبينما مالك بن الريب ليلة نائم في بعض مفازاته إذ بيّته ذئب، فزجره فلم يزدجر، فأعاد، فلم يبرح، فوثب إليه بالسيف، فضربه، فقتله، وقال مالك في ذلك:
__________
[1] مشيعا: شجاعا.
[2] العقيقة: البرقة المستطيلة في عرض السحاب يكثر استعارتها للسيف.
[3] يعني: يقصد ويصيب وفي «مهذب الأغاني»: «يغشي».
[4] الردع في الأصل: الزعفران، ويقال للقتيل: ركب ردعه إذا خر لوجهه على دمه.
[5] المراد به السيف وثنيه انثناءه وربما كان المراد بين دم «فائر» وآخر سائل، ويكون قوله «فائز» تصحيف فائر بدليل قوله يعلو به أثر الدماء، فهذا لا يكون إلا في الفوارن.
[6] أبس: مسح ضرعها.
[7] الروائم: جمع رائم أو رائمة: عطوف على ولدها.
[8] في س، ب «أرفض» وهو تحريف.
[9] في س، ب: «الملقى».
[10] في هج: «على الحادث المستعظم المتفاهم».
أذئب الغضا قد صرت للناس ضحكة ... تغادى بك الركبان شرقا إلى غرب
فأنت وإن كنت الجرىء جنانه ... منيت بضرغام من الأسد الغلب
بمن لا ينام الليل إلا وسيفه ... رهينة أقوام سراع إلى الشّغب
ألم ترني يا ذئب إذا جئت طارقا ... تخاتلني أني أمرؤ وافر الّلبّ
زجرتك مرات فلما غلبتني ... ولم تنزجر نهنهت [1] غربك بالضرب
فصرت لقى لمّا علاك ابن حرّة ... بأبيض قطّاع ينجّي من الكرب
ألا ربّ يوم ريب لو كنت شاهدا ... لهالك ذكرى عند معمعمة [2] الحرب
/ ولست ترى إلا كميّا مجدلا ... يداه جميعا تثبتان من التّرب [3]
وآخر يهوى طائر القلب هاربا ... وكنت امرأ في الهيج مجتمع القلب
أصول بذي الزرّين [4] أمشي عرضنة [5] ... إلى الموت والأقران كالإبل الجرب
/ أرى الموت لا أنحاش عنه تكرّما ... ولو شئت لم أركب على المركب الصعب
ولكن أبت نفسي وكانت أبيّة ... تقاعس أو ينصاع قوم من الرعب
تتعلق به ابنته عند الفراق فقال في ذلك شعرا
قال أبو عبيدة: لما خرج مالك بن الريب مع سعيد بن عثمان تعلّقت ابنته بثوبه، وبكت، وقالت له: أخشى أن يطول سفرك أو يحول الموت بيننا فلا نلتقي، فبكى وأنشأ يقول:
ولقد قلت لا بنتي وهي تبكي ... بدخيل الهموم قلبا كئيبا
وهي تذري من الدموع على الخدّي ... ن من لوعة الفراق غروبا
عبرات يكدن يجرحن ماجز ... ن به أو يدعن فيه ندوبا
حذر الحتف أن يصيب أباها ... ويلاقي في غير أهل شعوبا [6]
اسكتي قد حززت بالدمع قلبي ... طالما حزّ دمعكنّ القلوبا
فعسى اللّه ان يدفع عنّي ... ريب ما تحذرين حتى أءوبا
ليس شيء [7] يشاؤه ذو المعالي ... بعزيز عليه فادعي المجيبا
__________
[1] نهنهت: كففت.
[2] ب، س: «معمة» وهو تحريف.
[3] في هج: «تضنيان» بدل «تثبتان».
[4] الزرين: الحدين.
[5] عرضنة، أي أمشي بقوة.
[6] شعوب: علم على المنية وقد يعرف بأل.
[7] في س، ب: «شيئا».
ودعي أن تقطّعي الآن قلبي ... أو تريني في رحلتي تعذيبا
/ أنا في قبضة الإله إذا كن ... ت بعيدا أو كنت منك قريبا
كم رأينا امرأ أتى من بعيد ... ومقيما على الفراش أصيبا
فدعيني من انتحابك إني ... لا أبالي إذا اعتزمت النّحيبا
حسبي اللّه ثم قرّبت للسّ ... ير علاة [1] أنجب بها مركوبا
يتشرد من أجل ضرطة
أخبرني هاشم بن محمد الخزاعيّ قال: حدثنا دماذ عن أبي عبيدة قال:
كان سبب خروج مالك بن الريب إلى خراسان واكتتابه مع سعيد بن عثمان، هربا من ضرطة، فسألته كيف كان ذلك؟ قال: مرّ مالك بليلى الأخيليلة، فجلس إليها يحادثها طويلا، وأنشدها. فأقبلت عليه، وأعجبت به حتى طمع في وصلها، ثم إذا هو بفتى قد جاء إليها، كأنه نصل سيف، فجلس إليها، فأعرضت عن مالك وتهاونت به، حتى كأنه عندها عصفور، وأقبلت على صاحبها مليّا من نهارها، فغاظه ذلك من فعلها، وأقبل على الرجل، فقال: من أنت؟ فقال: توبة بن الحميّر، فقال: هل لك في المصارعة؟ قال: وما دعاك إلى ذلك وأنت ضيفنا وجارنا؟ قال: لا بدّ منه، فظنّ أن ذلك لخوفه منه، فازداد لجاجا، فقام توبة فصارعه، فلما سقط مالك إلى الأرض ضرط ضرطة هائلة، فضحكت ليلى منه. واستحيا مالك، فاكتتب بخراسان وقال: لا أقيم في بلد العرب أبدا، وقد تحدّثت عني بهذا الحديث، فلم يزل بخراسان حتى مات، فقبره هناك معروف.
يتحدث مع أصحابه ويتذاكرون ماضيهم في السرقة
وقال المدائنيّ، وحدثني أبو الهيثم: قال:
اجتمع مالك بن الريب وأبو حردبة وشظاظ يوما، فقالوا: تعالوا نتحدّث بأعجب ما عملناه في سرقتنا، فقال أبو حردبة: أعجب ما صنعت، وأعجب ما سرقت أني صحبت/ رفقة فيها رجل على رحل، فأعجبني، فقلت لصاحبي، واللّه لأسرقنّ رحله، ثم لا رضيت أو آخذ عليه جعالة، فرمقته، حتى رأيته قد خفق برأسه، فأخذت بخطام جمله، فقدته، وعدلت به عن الطريق، حتى إذا صيّرته في مكان لا يغاث فيه/ إن استغاث، أنخت البعير وصرعته، فأوثقت يده ورجله، وقدت الجمل، فغيّبته ثم رجعت إلى الرّفقة، وقد فقدوا صاحبهم، فهم يسترجعون، فقلت: مالكم؟ فقالوا: صاحب لنا فقدناه، فقلت: أنا أعلم الناس بأثره، فجعلوا لي جعالة، فخرجت بهم أتبع الأثر، حتى وقفوا عليه، فقالوا: مالك؟ قال: لا أدري، نعست، فانتبهت لخمسين فارسا قد أخذوني، فقاتلتهم، فغلبوني.
قال أبو حردبة؛ فجعلت أضحك من كذبه، وأعطوني جعالتي، وذهبوا بصاحبهم.
وأعجب ما سرقت أنه مرّ بي رجل معه ناقة وجمل، وهو على الناقة، فقلت: لآخذنّهما جميعا، فجعلت أعارضه وقد رأيته قد خفق برأسه، فدرت، فأخذت الجمل، فحللته، وسقته، فغيبته في القصيم - وهو الموضع
__________
[1] علاة: ناقة مشرفة.
الذي كانوا يسرقون فيه - ثم انتبه، فالتفت، فلم ير جمله، فنزل وعقل راحلته، ومضى في طلب الجمل، ودرت فحللت عقال ناقته، وسقتها.
فقالوا لأبي حردبة: ويحك! فحتّام تكون هكذا! قال: اسكتوا، فكأنكم بي وقد تبت، واشتريت فرسا، وخرجت مجاهدا، فبينا أنا واقف إذ جاءني سهم كأنه قطعة رشاء، فوقع في نحري، فمتّ شهيدا. قال: فكان كذلك: تاب، وقدم البصرة، فاشترى فرسا، وغزا الروم، فأصابه سهم في نحره فاستشهد.
ثم قالوا لشظاظ: أخبرنا أنت بأعجب ما أخذت في لصوصيتك، ورأيت فيها، فقال: نعم كان فلان (رجل من أهل البصرة) له ينت عم ذات مال كثير، وهو وليّها، وكانت له نسوة، فأبت أن تتزوّجه، فحلف ألا يزوّجها من أحد ضرارا لها، وكان/ يخطبها رجل غني من أهل البصرة، فحرصت [1] عليه، وأبى الآخر أن يزوّجها منه، ثم إنّ وليّ الأمر حجّ، حتى إذا كان بالدوّ [2] - على مرحلة من البصرة حذاءها، قريب منه جبل يقال له سنام، وهو منزل الرفاق إذا صدرت أو وردت - مات الوليّ، فدفن برابية، وشيّد على قبره، فتزوجت الرجل الذي كان يخطبها. قال شظاظ:
وخرجت رفقة من البصرة معهم بزّ ومتاع، فتبصرتهم وما معهم وأتبعتهم حتى نزلوا، فلما ناموا بيّتهم، وأخذت من متاعهم. ثم إن القوم أخذوني، وضربوني ضربا شديدا، وجرّدوني - قال: وذلك في ليلة قرّة - وسلبوني كلّ قليل وكثير، فتركوني عريانا، وتماوتّ لهم، وارتحل القوم، فقلت: كيف أصنع؟ ثم ذكرت قبر الرجل، فأتيته، فنزعت لوحه، ثم احتفرت فيه سربا، فدخلت فيه، ثم سددت عليّ باللوح، وقلت: لعلي الآن أدفأ [3] فأتبعهم.
قال: ومرّ الرجل الذي تزوج بالمرأة في الرّفقة، فمرّ بالقبر الذي أنا فيه، فوقف عليه، وقال لرفيقه: واللّه لأنزلنّ إلى قبر فلان، حتى أنظر هل يحمى الآن بضع فلانة؟ قال شظاظ: فعرفت صوته فقعلت اللوح، ثم خرجت عليه بالسيف من القبر، وقلت: بلى ورب الكعبة لأحمينّها، فوقع واللّه على وجهه مغشيّا عليه، لا يتحرّك ولا يعقل [4]. فسقط من يده خطام الراحلة، فأخذت وعهد اللّه بخطامها [4] فجلست عليها، وعليها كلّ أداة وثياب ونقد كان معه، ثم وجّهتها قصد مطلع الشمس هاربا من الناس، فنجوت بها، فكنت بعد ذلك أسمعه يحدّث الناس بالبصرة، ويحلف لهم أن الميّت الذي كان منعه من تزويج المرأة خرج عليه من قبره بسلبه وكفنه. فبقي يومه، ثم هرب منه، والناس يعجبون منه فعاقلهم يكذّبه، والأحمق منهم يصدقه، وأنا أعرف القصة، فأضحك منهم كالمتعجب.
مغامرة أخرى لشظاظ
قالوا: فزدنا، قال:/ فأنا أزيدكم أعجب من هذا وأحمق من هذا؛ إني لأمشي في الطريق أبتغي شيئا أسرقه، قال: فلا واللّه ما وجدت شيئا، قال: وكان هناك شجرة ينام من تحتها الركبان بمكان ليس فيه ظلّ غيرها، وإذا أنا برجل يسير على حمار له، فقلت له: أتسمع؟ قال: نعم، قلت: إن المقيل الذي تريد أن تقيله يخسف بالدوابّ فيه، فاحذره، فلم يلتفت إلى قولي. قال: ورمقته، حتى إذا نام أقبلت على حماره، فاستقته، حتى إذا برزت به، قطعت طرف ذنبه وأذنيه، وأخذت الحمار، فخبأته وأبصرته حين استيقظ من نومه، فقام يطلب الحمار، ويقفوا أثره، فبينا
__________
[1] في س: فخرجت.
[2] أرض ملساء بين مكة والبصرة.
[3] في هج: «لعلي الآن قد أفيق فألحقهم».
(4 - 4) تكملة من هد، هج.
هو كذلك إذ نظر إلى طرف ذنبه وأذنيه، فقال: لعمري لقد حذّرت لو نفعني الحذر، واستمرّ هاربا خوف أن يخسف به، فأخذت جميع ما بقي من رحله فحملته على الحمار، واستمرّ فألحق بأهلي.
الحجاج يصلب شظاظ
قال أبو الهيثم: ثم صلب الحجاج رجلا من الشّراة بالبصرة، وراح عشيّا، لينظر إليه، فإذا برجل بإزائه مقبل بوجهه عليه، فدنا منه، فسمعه يقول للمصلوب: طال ما ركبت فأعقب [1]، فقال الحجاج: من هذا؟ قالوا: هذا شظاظ الّلص قال: لا جرم! واللّه ليعقبنّك، ثم وقف، وأمر بالمصلوب، فأنزل وصلب شظاظ مكانه.
مات مالك حتف أنفه
قال ابن الأعرابي:
مرض مالك بن الريب عند قفول سعيد بن عثمان من خراسان في طريقه؛ فلما أشرف على الموت تخلّف معه مرّة الكاتب [2] ورجل آخر من قومه من بني تميم وهما اللذان يقول فيهما:
/أيا صاحبي رحلي دنا الموت فانزلا ... برابية إني مقيم لياليا
ومات في منزله ذلك، فدفناه، وقبره هناك معروف إلى الآن، وقال قبل موته قصيدته هذه يرثي بها نفسه.
قال أبو عبيدة: الذي قاله ثلاثة عشر بيتا، والباقي منحول، ولّده الناس عليه.
صوت
فما بيضة بات الظليم يحفّها ... ويرفع عنها جؤجؤا متجافيا
بأحسن منها يوم قالت: أظاعن [3] ... مع الرّكب أم ثاو لدينا لياليا؟
وهبّت شمال آخر الليل قرّة [4] ... ولا ثوب إلّا بردها وردائيا
وما زال بردى طيّبا من ثيابها ... إلى الحول حتى أنهج [5] الثوب [6] باليا
الشعر لعبد بني الحسحاس، والغناء لابن سريج في الأول والثاني من الأبيات ثاني ثقيل بالسبابة في مجرى الوسطى عن إسحاق، وفي الثالث والرابع لمخارق خفيف ثقيل عمله على صنعة إسحاق في:
أماويّ إن المال غاد ورائح
وكاده بذلك ليقال إن لحنه أخذه منه، وألقاه على عجوز عمير، فألقته على الناس، حتى بلغ الرشيد خبره، ثم كشفه فعلم حقيقته، ومن لا يعلم بنسبه إلى غيره، وقد ذكر حبش إنه لإبراهيم، وذكر غيره أنه لابن المكي.
وقد شرحت هذا الخبر في أخبار إسحاق.
__________
[1] أي اتراك عقبك ومن يخلفك.
[2] في هد: «الكناني» بدل «الكاتب».
[3] في رواية الديوان: «أراحل».
[4] «رواية الديوان»:
«و هبت لنا ريج الشمال بقرة»
وروى أيضا:
«و هبت شمالا آخر الليل قرة»
[5] أنهج: خلق وبلي.
[6] في «الديوان»: «البرد» بدل «الثوب».
32 - أخبار عبد بني الحسحاس
اسمه سحيم، وكان عبدا أسود نوبيّا أعجميّا مطبوعا في الشعر، فاشتراه بنو الحسحاس، وهم بطن من بني أسد، قال أبو عبيدة: الحسحاس بن نفاثة بن سعيد بن عمرو بن مالك بن ثعلبة بن دودان بن أسد بن خزيمة.
قال أبو عبيدة - فيما أخبرنا هاشم بن محمد الخزاعيّ عن أبي حاتم عنه: كان عبد بني الحسحاس عبدا أسود أعجميا، فكان إذا أنشد الشعر - استحسنه أم استحسنه غيره منه - يقول: أهشنت واللّه - يريد أحسنت واللّه - وأدرك النبيّ صلّى اللّه عليه وسلم، ويقال: إنه تمثّل بكلمات من شعره غير موزونة.
يستشهد الرسول ببيت له
أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدثنا أحمد بن منصور قال حدثنا الحسن بن موسى قال حدثنا حمّاد ابن سلمة، عن عليّ بن زيد، عن الحسن أن النبي صلّى اللّه عليه وسلم تمثّل:
كفى بالإسلام والشيب ناهيا
فقال أبو بكر: يا رسول اللّه:
كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيا
فجعل لا يطيقه، فقال أبو بكر: أشهد أنك رسول اللّه وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ
قال محمد بن خلف وحدثني أحمد بن شداد عن أبي سلمة التّبوذ كي عن حماد بن سلمة، عن رجل، عن الحسن مثله، وروي عن أبي بكر الهذليّ أن اسم عبد بني الحسحاس حيّة.
كان أسود الوجه
وأخبرنا أبو خليفة عن محمد بن سلّام قال: كان عبد بني الحسحاس حلو الشعر رقيق الحواشي، وفي سواده يقول:
وما ضرّ أثوابي سوادي وإنّني ... لكالمسك لا يسلو عن المسك ذائقه
كيست قميصا ذا سواد وتحته ... قميص من القوهيّ [1] بيض بنائقه [2]
/ - ويروى: وتحته قميص من الإحسان -
__________
[1] منسوب إلى قوهستان (كورة بين نيسابور وهراة) ويطلق القوهى على الثوب الأبيض، وإن لم يكن من نسيج قوهستان، ويريد سحيم هنا بياض سريرته وطهارة قلبه.
[2] البنائق: جمع بنيقة أي ما يحيط بالعنق من الثوب.
أخبرني الحسن بن عليّ قال: حدثنا أحمد بن أبي خيثمة قال: أنشدني مصعب بن عبد اللّه الزبيريّ لعبد بني الحسحاس - وكان يستحسن هذا الشعر ويعجب به - قال:
أشعار عبد بني الحسحاس قمن له ... عند الفخار مقام الأصل والورق
إن كنت عبدا فنفسي حرّة كرما ... أو أسود اللون إني أبيض الخلق
وقال الأثرم: حدثني السّريّ بن صالح بن أبي مسهر قال: أخبرني بعض الأعراب، أن أول ما تكلم به عبد بني الحسحاس من الشعر أنهم أرسلوه رائدا فجاء وهو يقول:
أنعت غيثا حسنا نباته ... كالحبشيّ حوله بناته
فقالوا: شاعر واللّه، ثم انطلق بالشعر بعد ذلك.
بيت له يستحسنه عمر
أخبرنا أبو خليفة عن محمد بن سلّام قال: أنشد سحيم عمر بن الخطاب قوله:
عميرة ودّع إن تجهّزت غاديا ... كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيا
/ فقال عمر: لو قلت شعرك كلّه مثل هذا لأعطيتك عليه.
لا حاجة لعثمان به
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال: حدثنا الزبير بن بكار قال: حدثني عبد الملك بن عبد العزيز قال: حدثني خالي يوسف بن الماجشون قال:
كان عبد اللّه بن أبي ربيعة عاملا لعثمان بن عفان على الجند، فكتب إلى عثمان: إني قد اشتريت غلاما حبشيّا يقول الشعر، فكتب إليه عثمان: «لا حاجة لي إليه، فاردده، فإنما حظّ أهل العبد الشاعر منه، إن شبع أن يتشبّب بنسائهم، وإن جاع أن يهجوهم»، فردّه فاشتراه أحد بني الحسحاس.
وروى إبراهيم بن المنذر الحزاميّ هذا الخبر عن ابن الماجشون قال:
كان عبد اللّه بن أبي ربيعة - مثل ما رواه الزبير - إلا أنه قال فيه: إن جاع هرّ، وإن شبع فرّ.
أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال: حدثني أبو بكر العامري عن الأثرم عن أبي عبيدة. وأخبرنا به أبو خليفة عن محمد بن سلّام قال: أنشد عبد بني الحسحاس عمر قوله:
توسّدني كفّا وتثني بمعصم ... عليّ وتحوي رجلها من ورائيا
فقال عمر: ويلك إنّك مقتول.
أخبرني محمد بن جعفر الصيلانيّ قال: حدثني أحمد بن القاسم قال: حدثني إسحاق بن محمد النّخعيّ، عن ابن أبي عائشة قال:
أنشد عبد بني الحسحاس عمر قوله:
كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيا
الإسلام أولا
فقال له عمر: لو قدّمت الإسلام على الشيب لأجزتك.
أخبرني أحمد بن عبد العزيز وحبيب بن نصر قالا: حدثنا عمر بن شبّة قال: حدثنا معاذ بن معاذ وأبو عاصم عن ابن عون عن محمد بن سيف، أن عبد بني الحسحاس أنشد عمر هذا وذكر الحديث مثل الذي قبله.
كان قبيح الوجه
أخبرني محمد بن خلف قال: حدثنا إسحاق بن محمد قال: حدثنا عبد الرحمن، ابن أخي الأصمعي عن عمه قال:
كان عبد بني الحسحاس قبيح الوجه، وفي قبحه يقول:
أتيت نساء الحارثييّن غدوة ... بوجه براه اللّه غير جميل
فشبّهنني كلبا ولست بفوقه ... ولا دونه إن كان غير قليل
كان يشبب بنساء مواليه
/ أخبرني أبو خليفة، عن محمد بن سلّام، قال:
أتي عثمان بن عفان بعبد بني الحسحاس ليشتريه فأعجب به فقالوا: إنه شاعر: وأرادوا أن يرغّبوه فيه: فقال:
لا حاجة لي به؛ إذا الشاعر لا حريم له، إن شبع تشبّب بنساء أهله، وإن جاع هجاهم، فاشتراه غيره، فلما رحل قال في طريقه:
أشوقا ولمّا تمض لي غير ليلة ... فكيف إذا سار المطيّ بنا شهرا؟ [1]
وما كنت أخشى مالكا أن يبيعني ... بشيء ولو أمست أنامله صفرا
أخوكم ومولى مالكم وحليفكم ... ومن قد ثوى فيكم وعاشركم دهرا [2]
فلما بلغهم شعره هذا رثوا له، فاستردّوه.
فكان يشبب بنسائهم، حتى قال:
/و لقد تحدّر من كريمة بعضكم [3] ... عرق على متن [4] الفراش وطيب
قال: فقتلوه.
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال: حدّثنا الزبير بن بكار قال: حدثني عبد الملك بن عبد العزيز عن خاله يوسف بن الماجشون بمثل هذه الرواية وزاد فيها:
__________
[1] في هج، هد: «عشرا» بدل «شهرا».
[2] في هج:
«أخوكم ومولاكم وكاتم سركم»
[3] في «الديوان»:
«فلقد تحدر من جبين فتاتكم»
[4] في «الديوان»: «على ظهر».
فلما استردّوه نشب يقول الشعر في نسائهم، فأخبرني من رآه واضعا إحدى رجليه على الأخرى يقرض الشعر ويشبّب بأخت مولاه وكانت عليلة، ويقول:
ماذا يريد السقام من قمر ... كلّ جمال لوجهه تبع!
ما يرتجى خاب من محاسنها ... آماله في القباح متّسع!
غيّر من لونها وصفرها ... فزيد [1] فيه الجمال والبدع
لو كان يبغي الفداء قلت له: ... ها أنا دون الحبيب يا وجع
أخبرني محمد بن خلف قال: حدثنا أبو بكر العامريّ، عن عليّ بن المغيرة الأثرم قال: قال أبو عبيدة:
الذي تناهى إلينا من حديث سحيم عبد بني الحسحاس أنه جالس نسوة من بني صبير بن يربوع، وكان من شأنهم إذا جلسوا للتغزّل أن يتعابثوا بشقّ الثياب وشدّة المغالبة على إبداء المحاسن، فقال سحيم:
كأن الصّبيريّات يوم لقيننا ... ظباء حنت أعناقها [2] في المكانس
فكم قد شققنا من رداء منيّر [3] ... ومن برقع عن طفلة غير ناعس
/ إذا شقّ برد شقّ بالبرد برقع [4] ... على ذاك [5] حتى كلّنا غير لابس
فيقال: إنه لما قال هذا الشعر أتّهمه مولاه، فجلس له في مكان كان إذا رعى نام فيه، فلما اضطجع تنفّس الصّعداء، ثم قال:
يا ذكرة مالك في الحاضر ... تذكرها وأنت في الصادر
من كل بيضاء لها كفل [6] ... مثل سنام البكرة المائر
قال: فظهر سيّده من الموضع الذي كان فيه كامنا، وقال له: مالك؟ فلجلج في منطقه، فاستراب به، فأجمع على قتله، فلما ورد الماء خرجت إليه صاحبته، فحادثته، وأخبرته بما يراد به، فقام ينفض ثوبه ويعفى أثره، ويلقط رضّا من [7] مسكها [8] كان كسرها في لعبه معها، وأنشأ يقول:
صوت
/أتكتم حييتم على النأي تكتما ... تحية من أمسى بحبّك مغرما
__________
[1] في س، ب: «فارتد».
[2] كذا في «الديوان» وفي س، ب:
«حنت أعناقهم المكانس»
وفيه الأقواء حينئذ.
[3] كذا في «الديوان» وفي س، ب: «مزنر»، ومعنى منير: له نير، أي علم الثوب.
[4] في س، ب:
«نيط بالبرد برقع»
[5] في «الديوان»: «دواليك» وبهذه الرواية يستشهد النحويون في باب المصدر الموضوع موضع الحال المثنى المضاف إلى ضمير المخاطب.
[6] في «الديوان»: «كعشب» وما هنا أعلى.
[7] رضا: كسرا.
[8] مسكها: من سوارها أو خلخالها.
وما تكتمين إن أتيت دنيّة ... ولا إن ركبنا يا بنة القوم محرما
ومثلك قد أبرزت من خدر أمها ... إلى مجلس تجرّ بردا مسّهما [1]
الغناء للغريض ثقيل أول بالوسطى وفيه ليحيى المكي ثاني ثقيل، قال:
وماشية مشى القطاة اتّبعتها ... من الستر تخشى أهلها أن تكلّما
/ فقالت: صه يا ويح غيرك إنني ... سمعت حديثا بينهم يقطر الدّما
فنفضت ثوبيها ونظّرت حولها ... ولم أخش هذا الليل أن يتصرّما
أعفّى بآثار الثياب مبيتها ... وألقط رضّا من وقوف [2] تحطّما
قال: وغدوا به ليقتلوه، فلما رأته امرأة كانت بينها وبينه مودّة ثم فسدت، ضحكت به شماتة فنظر إليها وقال:
فإن تضحكي مني فيا ربّ ليلة ... تركتك فيها كالقباء المفرّج
فلما قدّم ليقتل قال:
شدّوا وثاق العبد لا يفلتكم ... إن الحياة من الممات قريب
فلقد تحدّر من جبين فتاتكم ... عرق على متن الفراش وطيب
يحرق في أخدود
قال: وقدّم فقتل. وذكر ابن دأب أنه حفر له أخدود، وألقي فيه، وألقي عليه الحطب فأحرق.
أصابهن كلهن إلا واحدة
أخبرني محمد بن مزيد بن أبي الأزهر قال: حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه، عن المدائني عن أبي بكر الهذليّ قال:
كان عبد بني الحسحاس يسمّى حيّة، وكان لسيّده بنت بكر، فأعجبها، فأمرته أن يتمارض، ففعل وعصب رأسه. فقالت للشيخ: أسرح أيها الرجل إبلك، ولا تكلها إلى العبد، فكان فيها أياما، ثم قال له: كيف تجدك؟
قال: صالحا، قال: فرح في إبلك العشيّة، فراح فيها، فقالت الجارية لأبيها: ما أحسبك إلا قد ضيّعت إبلك العشية، أن وكلتها إلى حيّة، فخرج في آثار إبله فوجده مستلقيا في ظل شجرة، وهو يقول:
/يا ربّ شجو لك في الحاضر ... تذكرها وأنت في الصادر
من كل حمراء جماليّة [3] ... طيّبة القادم والآخر
فقال الشيخ: إن لهذا لشأنا، وانصرف، ولم يره وجهه. وأتى أهل الماء، وقال لهم: تعلّموا واللّه أن هذا العبد قد فضحنا، وأخبرهم الخبر، وأنشدهم ما قال، فقالوا: اقتله، فنحن طوعك، فلما جاءهم وثبوا عليه، فقالوا له:
__________
[1] مسهما: فيه صورة السهم.
[2] وقوف: جمع وقف أي، سوار من ذبل أو عاج.
[3] جمالية: جميلة.
قلت وفعلت، فقال: دعوني إلى غد حتى أعذرها [1] عند أهل الماء، فقالوا: إن هذا صواب فتركوه، فلما كان الغد اجتمعوا فنادى: يا أهل الماء، ما فيكم امرأة إلا قد أصبتها إلا فلانة فإني على موعد منها فأخذوه فقتلوه.
ومما يغنّى فيه من قصيدة سحيم عبد بني الحسحاس، وقال: إن من الناس من يرويها لغيره:
تجمّعن من شتّى ثلاثا وأربعا ... وواحدة حتى كملن ثمانيا
وأقبلن من أقصى الخيام يعدنني ... بقيّة ما أبقين نصلا يمانيا
/ يعدن مريضا هنّ قد هجن داءه ... ألا إنما بعض العوائد دائيا
فيه لحنان كلاهما من الثقيل الأول، والذي ابتداؤه «تجمعن من شتى ثلاث» لبنان.
والذي أوله «و أقبلن من أقصى الخيام». ذكر الهشامي أنه لإسحاق وليس يشبه صنعته ولا أدري لمن هو؟
مخارق يكبد لإسحاق
أخبرني جحظة عن ابن حمدون أن مخارقا عمل لحنا في هذا الشعر:
وهبّت شمالا آخر الليل قرّة ... ولا ثوب إلا بردها وردائيا
على عمل صنعة إسحاق في:
/أماويّ إن المال غاد ورائح
ليكيد به إسحاق، وألقاه على عجوز عمير الباذ عيسى، وقال لها: إذا سئلت عنه فقولي: أخذته من عجوز مدنية، ودار الصوت حتى غنّي به الخليفة، فقال لإسحاق: ويلك أخذت لحن هذا الصوت تغنّيه [2] كلّه، فحلف له بكل يمين يرضاه أنه لم يفعل وتضمّن له كشف القصة، ثم أقبل على من غنّاهم الصوت فقال: عمّن أخذته؟ فقال:
عن فلان، فلقيه، فسأله عمن أخذه فعرفه، ولم يزل يكشف عن القصة، حتى انتهت من كل وجه إلى عجوز عمير، فسئلت عن ذلك، فقالت: أخذته عن عجوز مدنية، فدخل إسحاق على عمير، فحلف له بالطلاق والعتاق وكلّ محرج من الأيمان ألّا يكلمه أبدا ولا يدخل داره ولا يترك كيده وعداوته أو يصدقه عن حال هذا الصوت وقصته، فصدقه عمير عن القصة، فحدّث بها الواثق بحضرة عمير ومخارق، فلم يكن مخارقا دفع ذلك، وخجل خجلا بان فيه، وبطل ما أراده بإسحاق.
صوت
ثلاثة أبيات فبيت أحبّه ... وبيتان ليسا من هواي ولا شكلي
ألا أيها البيت الذي حيل دونه ... بنا أنت من بيت وأهلك من أهل
الشعر لجميل، والغناء لإسحاق ماخوري بالبنصر من جامع أغانيه، وفيه رمل مجهول ذكره حبش لعلّوية ولم أجد طريقته.
__________
[1] أعذرها: أثبت لها عذرا.
[2] س، ب «بعينه» بدل «تغنيه».
33 - متمم العبدي والجويرية
أخبرني الحسين بن يحيى المراديّ عن حماد بن إسحاق عن أبيه قال: حدثني متمم العبديّ قال:
خرجت من مكة زائرا لقبر النبي صلّى اللّه عليه وسلم، فإنى لبسوق الجحفة [1] إذا جويرية تسوق بعيرا، وتترنّم بصوت مليح طيّب حلو في هذا الشعر:
ألا أيها البيت الذي حيل دونه ... بنا أنت من بيت وأهلك من أهل
بنا أنت من بيت وحولك لذّة ... وظلّك لو يسطاع بالبارد السهل
ثلاثة أبيات فبيت أحبّه ... وبيتان ليسا من هواي ولا شكلي
فقلت: لمن هذا الشعر يا جويرية؟ قالت: أما ترى تلك الكوّة الموقّاة بالكلّة الحمراء؟ قلت: أراها، قالت:
من هناك نهض هذا الشعر، قلت: أو قائله في الأحياء؟ قالت: هيهات، لو أنّ لميّت أن يرجع لطول غيبته لكان ذلك، فأعجبني فصاحة لسانها ورقة ألفاظها، فقلت لها: ألك أبوان؟ فقالت: فقدت خيرهما وأجلّهما، ولي أم، قلت: وأين أمّك؟ قالت: منك بمرأى ومسمع، قال: فإذا امرأة تبيع الخرز على ظهر الطريق بالجحفة، فأتيتها، فقلت: يا أمّتاه، استمعي مني،/ فقالت لها: يا أمّه، فاستمعي من عمّي ما يلقيه إليك، فقالت: حيّاك اللّه، هيه، هل من جائية خبر [2]؟ قلت: أهذه ابنتك؟ قالت: كذا كان يقول أبوها، قلت: أفتزوّجينها؟ قالت: ألعلّة رغبت فيها؟
فما هي واللّه من عندها جمال، ولا لها مال، قلت: لحلاوة لسانها وحسن عقلها، فقالت: أيّنا أملك بها؟ أنا أم هي بنفسها؟ قلت: بل هي بنفسها، قالت: فإياها فخاطب، فقلت: لعلها أن تستحي من الجواب في مثل هذا، فقالت: ما ذاك عندها، أنا أخبر/ بها، فقلت: يا جارية، أما تستمعين ما تقول أمّك؟ قالت: قد سمعت، قلت: فما عندك؟ قالت: أوليس حسبك أن قلت: يا جارية، أما تستمعين ما تقول أمّك؟ قالت: قد سمعت، قلت: فما عندك؟ قالت: أوليس حسبك أن قتلت: إني أستحي من الجواب في مثل هذا، فإن كنت أستحي في شيء فلم أفعله؟ أتريد أن تكون الأعلى وأكون بساطك، لا واللّه لا يشدّ عليّ رجل حواءه وأنا أجد مذقة [3] لبن أو بقلة ألين بها معاي، قال: فورد واللّه عليّ أعجب كلام على وجه الأرض، فقلت: أو أتزوجك والإذن فيه إليك، وأعطى اللّه عهدا أني لا أقربك أبدا إلا عن إرادتك؟ قالت: إذا واللّه لا تكون لي في هذا إرادة أبدا، ولا بعد الأبد إن كان بعده بعد، فقلت: فقد رضيت بذلك، فتزوّجتها، وحملتها وأمّها معي إلى العراق، وأقامت معي نحوا من ثلاثين سنة ما ضممت عليها حواى قطّ، وكانت قد علقت من أغاني المدينة أصواتا كثيرة، فكانت ربما ترنّمت بها، فأشتهيها،
__________
[1] الجحفة: قرية كانت على طريق المدينة من مكة على أربع مراحل وهي ميقات أهل مصر والشام.
[2] تريد خبرا يجوب البلاد متنقلا.
[3] مذقة: لبن مخلوط بالماء.
فقلت: دعيني من أغانيك هذه فإنها تبعثني على الدنوّ منك. قال: فما سمعتها رافعة صوتها بغناء بعد ذلك، حتى فارقت الدنيا، وإن أمها عندي حتى الساعة، فقلت: ما أدري متى دار في سمعي حديث امرأة أعجب من حديث هذه.
صوت
أيها الناس إن رأيي يريني ... - وهو الرأي - طوفة في البلاد
بالعوالي وبالقنابل تردى [1] ... بالبطاريق [2] مشية العوّاد
وبجيش عرمرم عربيّ ... جحفل يستجيب صوت المنادي
من تميم وخندف وإياد ... والبهاليل حمير ومراد
فإذا سرت سارت الناس خلفي ... ومعي كالجبال في كلّ واد
سقّني ثم سقّ حمير قومي ... كأس خمر أولى النّهي والعماد
الشعر لحسّان بن تبّع، والغناء لأحمد النصيبي خفيف ثقيل أول بالسبابة في مجرى الوسطى عن إسحاق وفيه ليونس لحن من كتابه.
__________
[1] تردى: تسرع، والمصدر الرديان والردى.
[2] البطاريق: جمع بطريق: قائد الروم، تحت إمرته عشرة آلاف رجل.
34 - أخبار حسان بن تبع
هو طوافة في البلاد
أخبرني بخبر حسّان الذي من أجله قال هذا الشعر عليّ بن سليمان الأخفش عن السكريّ، عن ابن حبيب، عن ابن الأعرابيّ. وعن أبي عبيدة وأبي عمرو، وابن الكلبي وغيرهم، قال:
كان حسّان بن تبّع أحول أعسر [1]، بعيد الهمّة شديد البطش، فدخل إليه يوما وجوه قومه - وهم الأقيال من حمير - فلما أخذوا مواضعهم ابتدأهم فأنشدهم:
أيها الناس إن رأيي يريني ... وهو الرأي طوفة في البلاد
بالعوالي وبالقنابل تردى ... بالبطاريق مشية العوّاد
/ وذكر الأبيات التي مضت آنفا، ثم قال لهم: استعدّوا لذلك، فلم يراجعه أحد لهيبته، فلما كان بعد ثلاثة خرج، وتبعه الناس، حتى وطىء أرض العجم، وقال: لأبلغنّ من البلاد حيث لم يبلغ أحد من التبابعة، فجال بهم في أرض خراسان، ثم مضى إلى المغرب، حتى بلغ رومية [2]، وخلف عليها ابن عم له، وأقبل إلى أرض العراق، حتى إذا صار على شاطىء الفرات، قالت وجوه حمير: ما لنا نفني أعمارنا مع هذا! نطوف في الأرض كلّها، ونفرّق بيننا وبين بلدنا وأولادنا وعيالنا وأموالنا! فلا ندري من نخلف عليهم بعدنا! فكلّموا أخاه عمرا، وقالوا له: كلّم أخاك في الرجوع إلى بلده، وملكه. قال: هو أعسر من ذلك وأنكر [3]، فقالوا: فاقتله، ونملّكك علينا، فأنت أحقّ/ بالملك من أخيك، وأنت أعقبل وأحسن نظرا لقومك، فقال: أخاف ألّا تفعلوا، وأكون قد قتلت أخي، وخرج الملك عن يدي، فواثقوه، حتى ثلج [4] إلى قولهم، وأجمع الرؤساء على قتل أخيه كلّهم إلا ذا رعين، فإنه خالفهم، وقال: ليس هذا برأي، يذهب الملك من حمير. فشجّعه الباقون على قتل أخيه، فقال ذو رعين: إن قتلته باد ملكك.
فلما رأى ذو رعين ما أجمع عليه القوم أتاه بصحيفة مختومة، فقال: يا عمرو: إني مستودعك هذا الكتاب، فضعه عندك في مكان حريز، وكتب فيه:
ألا من يشتري سهرا بنوم ... سعيد من يبيت قرير عين
__________
[1] أعسر: يعمل بيده اليسرى.
[2] روميه: مدينة بالمدائن بنيت وسميت باسم أحد الملوك.
[3] في هج: «و أنكد» بدل «و أنكر».
[4] ثلج إلى قولهم: استراح.
فإن تك حمير غدرت وخانت ... فمعذرة الإله لذي رعين
قتله أخوه فامتنع منه النوم
ثم إن عمرا أتى حسّان أخاه وهو نائم على فراشه، فقتله، واستولى على ملكه. فلم يبارك فيه، وسلّط اللّه عليه السهر، وامتنع منه النوم، فسأل الأطباء والكهّان والعيّاف، فقال له كاهن منهم: إنه ما قتل أخاه رجل قطّ إلا منع نومه، فقال عمرو: هؤلاء رؤساء حمير حملوني على قتله ليرجعوا إلى بلادهم، ولم ينظروا إليّ ولا لأخي.
فجعل يقتل من أشار عليه منهم بقتله، فقتلهم رجلا رجلا، حتى خلص إلى ذي رعين وأيقن بالشرّ، فقال له ذو رعين: ألم تعلم أني أعلمتك ما في قتله، ونهيتك وبيّنت هذا؟ قال: وفيم هو؟ قال: في الكتاب الذي استودعتك.
فدعا بالكتاب، فلم يجده، فقال ذو رعين: ذهب دمي على أخذي بالحزم، فصرت كمن أشار بالخطأ، ثم سأل الملك أن ينعم في طلبه، ففعل، فأتى به فقرأه، فإذا فيه البيتان، فلما قرأهما قال: لقد أخذت بالحزم، قال:
إني خشيت ما رأيتك صنعت بأصحابي.
ذو شناتر وذو نواس
قال: وتشتّت أمر حمير حين قتل أشرافها، واختلفت عليه، حتى وثب على عمرو لخيعة ينوف [1]، ولم يكن من أهل بيت المملكة، فقتله، واستولى على ملكه، وكان يقال له ذو شناتر [2] الحميريّ، وكان فاسقا يعمل عمل قوم لوط، وكان يبعث إلى أولاد الملوك فيلوط بهم، وكانت حمير إذا ليط بالغلام لم تملّكه، ولم ترتفع به، وكانت له مشربة [3]، يكون فيها يشرف على حرسه، فإذا أتي بالغلام أخرج رأسه إليهم وفي فيه السواك، فيقطعون مشافر ناقة المنكوح وذنبها، فإذا خرج صيح به: أرطب أم يباس [4]؟ فمكث بذلك زمانا.
حتى نشأ زرعة ذو نواس، وكانت له ذؤابة، وبها سمى ذا نواس - وهو الذي تهوّد، وتسمى يوسف، وهو صاحب الأخدود بنجران، وكانوا نصارى، فخوّفهم، وحرق الإنجيل، وهدّم/ الكنائس، ومن أجله غزت الحبشة اليمن، لأنهم نصارى، فلما غلبوا على اليمن اعترض البحر، واقتحمه على فرس فغرق - فلما نشأ ذو نواس قيل له: كأنك وقد فعل بك كذا وكذا، فأخذ سكّينا لطيفا خفيفا وسمّه، وجعل له غلافا، فلما دعا به لخيعة جعله بين أخمصه ونعله، وأتاه على ناقة له يقال لها: سراب، فأناخها، وصعد إليه، فلما قام يجامعه كما كان يفعل انحنى زرعة، فأخذ السكين فوجأ بها بطنه، فقتله، وأحتزّ رأسه، فجعل السواك في فيه، وأطلعه من الكوّة، فرفع الحرس رؤوسهم، فرأوه،/ ونزل زرعة، فصاحوا: زرعة يا ذا نواس، أرطب أم يباس؟
فقال: ستعلم الأحراس، است ذي نواس، رطب أم يباس؟ وجاء إلى ناقته، فركبها، فلما رأى الحرس اطّلاع الرأس صعدوا إليه، فإذا هو قد قتل. فأتوا زرعة، فقالوا: ما ينبغي أن يملكنا غيرك بعد أن أرحتنا من هذا الفاسق، واجتمعت حمير إليه، ثم كان من قصّته ما ذكرناه آنفا.
__________
[1] كذا في اللسان والجمهرة وهو مأخوذ من اللخع، وهو استرخاه اللحم وينوف من نلف الشيء إذا طال وارتفع.
[2] شناتر: أصابع بلغة حمير.
[3] مشربة: غرفة مرتفعة.
[4] يباس: يابس أو يبيس.
صوت
يا ربة البيت قومي غير صاغرة ... ضميّ إليك رحال القوم والقربا [1]
في ليلة من جمادي ذات أندية ... لا يبصر الكلب من ظلمائها الطّنبا [2]
لا ينبح الكلب فيها غير واحدة ... حتى يلفّ على خيشومه الذّنبا
الشعر لمرّة بن محكان السّعديّ، والغناء لابن سريج، رمل بالوسطى، وله فيه أيضا خفيف ثقيل بالوسطى كلاهما عن عمرو، وذكر حبش أن فيه لمعبد ثاني ثقيل بالوسطى، واللّه أعلم.
__________
[1] القرب: جمع قراب ككتاب وهو غمد السيف.
[2] الطنب: الحبل الطويل يشد به السرادق وجمعه أطناب.
35 - أخبار مرة بن محكان
اسمه ونسبه
هو مرّة بن محكان ولم يقع إلينا باقي نسبه، أحد بني سعد بن زيد مناة بن تميم. شاعر مقلّ إسلاميّ من شعراء الدّولة الأموية، وكان في عصر جرير والفرزدق، فأخملا ذكره، لنباهتهما في الشعر.
وكان مرّة شريفا جودا وهو أحد من حبس في المناحرة والإطعام.
ينحر مائة بعير
أخبرني الحسن بن عليّ قال: حدثنا أحمد بن الحارث الخرّاز، عن المدائني، قال:
كان مرّة بن محكان سخيّا، وكان أبو البكراء يوائمه في الشرف، وهما جميعا من بني الرّبيع، فأنهب مرّة بن محكان ماله الناس، فحبسه عبيد اللّه [1] بن زياد، فقال في ذلك الأبيرد الرّياحي:
حبست كريما أن يجود بماله ... سعى في ثأى [2] من قومه متفاقم
كأنّ دماء القوم إذ علقوا به ... على مكفهرّ من ثنايا المخارم [3]
فإن أنت عاقبت ابن محكان في الندى ... فعاقب هداك اللّه أعظم حاتم
قال: فأطلقه عبيد اللّه بن زياد، فذبح أبو البكراء مائة شاة، فنحر مرّة بن محكان مائة بعير، فقال بعض شعراء بني تميم يمدح مرّة:
/شرى مائة فأنهبها جوادا ... وأنت تناهب الحدف القهادا
- الحدف: صغار الغنم. القهاد: البيض - أخبرني أحمد بن محمد الأسديّ أبو الحسن، قال: حدثنا الرياشيّ قال: سئل أبو عبيدة عن معنى قول مرّة بن محكان:
ضمّي إليك رحال القوم والقربا
__________
[1] كذا «بالأغاني» في ترجمة الأبيرد الرياجي جزء 12 ص 14، ومثله في «الأمالي» جزء 3 ص 177، وفي النسخ «زياد»، والصواب عبيد اللّه لقول الأبيرد:
فأبلغ عبيد اللّه عني رسالة ... رسالة قاض بالحكومة عالم
[2] كذا في ف، و «الأمالي» جزء 3 ص 177. والثأي: الفساد.
[3] المخارم: جمع مخرم، وهو أنف الجبل.
ما الفائدة/ في هذا؟ فقال: كان الضيف إذا نزل بالعرب في الجاهلية ضموا إليهم رحله، وبقي سلاحه معه لا يؤخذ خوفا من البيات، فقال مرّة بن محكان يخاطب امرأته: ضمّي إليك رحال هؤلاء الضّيفان وسلاحهم، فإنهم عندي في عزّ وأمن من الغارات والبيات، فليسوا ممّن يحتاج أن يبيت لابسا سلاحه.
مصعب بن الزبير يقتله
أخبرني محمد بن الحسن بن دريد، قال: حدثنا أبو حاتم، عن أبي عبيدة، عن يونس، قال: كان الحارث بن أبي ربيعة على البصرة أيام ابن الزبير، فخاصم إليه رجل من بني تميم - يقال له مرّة بن محكان - رجلا، فلمّا أراد إمضاء الحكم عليه أنشأ مرّة بن محكان يقول:
أحار تثبّت في القضاء فإنه ... إذا ما إمام جار في الحكم أقصدا [1]
وإنك موقوف على الحكم فاحتفظ ... ومهما تصبه اليوم تدرك به غدا
فإني ممّا أدرك الأمر بالأنى [2] ... وأقطع في رأس الأمير المهنّدا
__________
[1] أقصد: أصلب في المقتل أو قتله مكانه.
[2] في هد، هج: «نانيا»، وقد تكون محرفة عن «آنيا». والأني: الحلم.
36 - أخبار عليّ بن عبد اللّه بن جعفر ونسبه
اسمه ونسبه
هو عليّ بن عبد اللّه بن جعفر بن إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب عليهم السلام، وأمه ولّادة بنت الحجل بن عنبسة بن سعيد بن العاصي بن أمية:
شاعر ظريف حجازي، كان عمر بن الفرج الرّخّجي حمله من الحجاز إلى سرّ من رأى مع من حمل من الطالبيّين فحسه المتوكل معهم.
يحبسه المتوكل
حدثنا محمد بن العباس اليزيديّ قال: حدثنا محمد بن الحسن بن مسعود الزّرقي قال: حدثنا عمر بن عثمان الزّهري المعروف بابن أبي قباجة قال:
رفع عمر بن الفرج عليّ بن عبد اللّه بن جعفر الجعفريّ إلى المتوكل أيام حجّ المنتصر، فحبسه المتوكل لأنه كان شيخ القوم وكبيرهم، وكان أغلظ لعمر بن الفرج.
يتديث فى شعره
قال [1] عليّ بن عبد اللّه: مكثت في الحبس مدة، فدخل عليّ رجل من الكتّاب يوما فقال: أريد هذا الجعفري الذي تديّث في شعره فقلت له: إليّ فأنا هو، فعدل إليّ وقال: جعلت فداك! أحبّ/ أن تنشدني بيتيك اللذين تديّثت فيهما، فأنشدته:
ولما بدا لي أنها لا تودّني ... وأن هواها ليس عني بمنجل
تمنّيت أن تهوى سواي لعلّها ... تذوق حرارات الهوى فترقّ لي
قال: فكتبهما، ثم قال لي: اسمع - جعلت فداك - بيتين قلتهما في الغيرة، فقلت: هاتهما فأنشدني:
ربما سرّني صدودك عنّي ... في طلابيك وامتناعك منّي
حذرا أن أكون مفتاح غيري ... فإذا ما خلوت كنت التّمنّي
/ فقام القرشي، فقبّل رأسه، فقال له: فدتك نفسي وأهلي، لو لم أقدم مكة لعمرة ولا لبرّ وتقوى، ثم قدمت إليها لأراك وأسمع منك لكان ذلك قليلا. ثم انصرف.
وحدثني بعض مشايخ الكتّاب أنه دخل على أبي العبيس بن حمدون يوما، فسأله أن يقيم عنده فأقام، وأتاهم
__________
[1] وردت رواية هذا الخبر في بعض النسخ هكذا «قال: وكان علي بن عبد اللّه مكث في الحبس مدة فدخل عليه رجل من الكتاب يوما، فقال: أريد هذا الجعفري الذي تديث في شعره، فقلت .. الخ».
أبو العبيس بالطعام، فأكلوا، ثم قدّم الشراب فشربوا، وغنّاهم أبو العبيس يومئذ هذا الصوت:
ألا متّ لا أعطيت صبرا وعزمة ... غداة رأيت الحيّ للبين غاديا
ولم تعتصر عينيك فكهة مازح ... كأنك قد أبدعت إذ ظلت باكيا
فأحسن ما شاء، ثم ضرب ستارته وقال:
يا ربة البيت غني غير صاغرة
فاندفعت عرفان، فغنت:
يا ربة البيت قومي غير صاغرة ... ضمّي إليك رحال القوم والقربا
قال: فما سمعت غناء قط أحسن مما سمعته من غنائهما يومئذ.
نسبة هذا الصوت
صوت
ألا متّ لا أعطيت صبرا وعزمة ... غداة رأيت الحيّ للبين غاديا
ولم تعتصر عينيك فكهة مازح ... كأنك قد أبدعت إذ ظلت باكيا
فصيّرت دمعا أن بكيت تلدّدا ... به لفراق الألف كفؤا موازيا
لقد جّل قدر الدمع عندك أن ترى ... بكاءك للبين المشتّ مساويا
/ الشعر لأعرابيّ أنشدناه الحرميّ بن أبي العلاء، عن الحسين بن محمد بن أبي طالب الديناريّ عن إسحاق الموصليّ الأعرابيّ.
قال الديناريّ: وكان إسحاق كثيرا ما ينشد الشعر للأعراب [1]، وهو قائله وأظن هذا الشعر له، والغناء لعمرو ابن بانة ثقيل أول بالبنصر من كتابه.
صوت
فإن تك من شيبان أمّى فإنني ... لأبيض من عجل عريض المفارق
وكيف بذكرى أمّ هارون بعد ما ... خبطن بأيديهنّ رمل الشقائق
كأنّ نقا من عالج [2] أزرت به ... إذا الزّل ألهاهنّ شدّ المناطق
وإنا لتغلي في الشّتاء قدرونا ... ونصبر [3] تحت اللامعات الخوافق
عروضه من الطويل الشعر للعديل بن الفرخ العجليّ، والغناء لمعبد خفيف ثقيل من أصوات قليلة الأشباه، عن يونس وإسحاق، وفيه لهشام بن المرّيّة لحن من كتاب إبراهيم، وفيه لسنان الكاتب ثقيل أول عن الهشامي وحبش، وقال حبش خاصة: فيه للهذلي أيضا ثاني ثقيل بالوسطى.
__________
[1] كذا في ف وفي س، ب: للاعرابي.
[2] عالج: رمال بين فيد والقريات ينزلها بنو بحتر من طيى ء.
[3] في ف: «و نضرب».
37 - أخبار العديل ونسبه
اسمه ونسبه
العديل بن الفرخ بن معن بن الأسود بن عمرو بن عوف بن ربيعة بن جابر بن ثعلبة بن سمى [1] بن الحارث - وهو العكابة [2] - بن ربيعة بن عجل بن لجيم بن صعب بن عليّ بن بكر بن وائل بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعميّ بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار.
وقال أبو عبيدة: كان العكابة اسم كلب للحارث بن ربيعة بن عجل، فلقب باسم كلبه، وغلب عليه. قال:
وكان عجل من محمّقي العرب، قيل له: إن لكل فرس جواد اسما وإن فرسك هذا سابق جواد، فسمّه، ففقأ إحدى عينيه وقال: قد سمّيته الأعور، وفيه يقول الشاعر:
رمتني بنو عجل بداء أبيهم ... وهل أحد في الناس أحمق من عجل؟
أليس أبوهم عار عين جواده ... فصارت به الأمثال تضرب بالجهل [3]
هو ودابغ
والعديل شاعر مقلّ من شعراء الدولة الأموية، وكان له ثمانية إخوة، وأمهم جميعا امرأة من بني شيبان، ومنهم من كان شاعرا فارسا: أسود وسوادة وشملة - وقيل سلمة - والحارث، وكان/ يقال لأمهم درماء.
وكان للعديل وإخوته ابن عم يسمى عمرا، فتزوج بنت عم لهم بغير أمرهم، فغضبوا ورصدوه ليضربوه، وخرج عمرو ومعه عبد له يسمى دابغا، فوثب العديل وإخوته،/ فأخذوا سيوفهم، فقالت أمهم: إني أعوذ باللّه من شرّكم، فقال لها ابنها الأسود: وأيّ شيء تخافين علينا؟ فو اللّه لو حملنا بأسيافنا على هذا الحنو حنو قراقر [4] لما قاموا لنا [5] فانطلقوا حتى لقوا عمرا، فلما رآهم ذعر منهم وناشدهم، فأبوا، فحمل عليه سوادة فضرب عمرا ضربة بالسيف، وضربه عمرو فقطع رجله فقال سوادة:
ألا من يشتري رجلا برجل ... تأبّى للقيام فلا تقوم
وقال عمرو لدابغ: اضرب وأنت حرّ، فحمل دابغ، فقتل منهم رجلا، وحمل عمرو، فقتل آخر، وتداولاهم،
__________
[1] كذا في «جمهرة أنساب العرب»، وفي س، ب «شتى» وفي هج: «ابن سيار».
[2] كذا في «جمهرة الأنساب»، وفي هد، س، ب: «العباب».
[3] في هد، هج: «فسارت به الأمثال في الناس بالجهل».
[4] قراقر: موضع حول ذي قار.
[5] ف: «لما قام لنا».
فقتلا منهم أربعة، وضرب العديل على رأسه، ثم تفرّقوا، وهرب دابغ، حتى أتى الشأم، فداوى ربضة بن النعمان الشيبانيّ للعديل ضربته، ومكث مدة.
ثم خرج العديل بعد ذلك حاجّا، فقيل له إن دابغا قد جاء حاجّا، وهو يرتحل، فيأخذ طريق الشأم، وقد اكترى. فجعل العديل عليه الرصد، حتى إذا خرج دابغ ركب العديل راحلته وهو متلثّم، وانطلق يتبعه، حتى لقيه خلف الركاب يحدو بشعر العديل ويقول:
يا دار سلمى أقفرت من ذي قار ... وهل بإقفار الديار من عار
وقد كسين عرقا مثل القار ... يخرجن من تحت خلال الأوبار [1]
فلحقه العديل، فحبس عليه بعيره، وهو لا يعرفه، ويسير رويدا، ودابغ يمشي رويدا، وتقدمت إبله فذهبت، وإنما يريد أن يباعده عنها بوادي حنين، ثم قال له العديل: واللّه لقد استرخى حقب [2] رحلي، أنزل فأغيّر الرحل، وتعينني. فنزل فغيّر/ الرّحل، وجعل دابغ يعينه، حتى إذا شدّ الرّحل أخرج العديل السيف، فضربه حتى برد، ثم ركب راحلته فنجا، وأنشأ يقول:
ألم ترني جللّت بالسيف دابغا ... وإن كان ثأرا لم يصبه غليلي
بوادي حنين ليلة البدر رعته ... بأبيض من ماء الحديد صقيل
وقلت لهم: هذا الطريق أمامكم ... ولم أك [3] إذ صاروا لهم بدليل
جرثومة العنزي يعير العديل
وقال أبو اليقظان: كان العديل هجا جرثومة العنزيّ الجلّانيّ فقال [4] فيه:
أهاجي بني جلّان إذ لم يكن لها ... حديث ولا في الأولين قديم
فأجابه جرثومة فقال:
وإنّ امرأ يهجو الكرام ولم ينل ... من الثأر إلا دابغا للئيم
أتطلب في جلّان وترا ترومه ... وفاتك بالأوتار شرّ غريم [5]
العديل يهرب من الحجاج
قالوا: واستعدى مولى دابغ على العديل الحجاج بن يوسف، وطالبه بالقود فيه، فهرب العديل من الحجاج إلى بلد الروم، فلما صار إلى بلد الروم لجأ إلى قيصر، فأمّنه، فقال في الحجاج:
أخوّف بالحجاج حتّى كأنما ... يحرّك عظم في الفؤاد مهيض
__________
[1] في هج: «ظلال» بدل «خلال»، والشعر من السريع، ساكن الروى.
[2] الحقب كسبب: الحزام يلي حقو البعير.
[3] في س، ب: «و لم آل»، وفي بعض النسخ «ساروا» بدل «صاروا».
[4] في س، م: «الجلان» وهو تحريف.
[5] في البيت أقواء.
ودون يد الحجاج من أن تنالني ... بساط [1] لأيدي الناعجات عريض [2]
مهامه أشباه كأن سرابها ... ملاء بأيدي الراحضات رحيض [3]
/فبلغ شعره الحجاج، فكتب إلى قيصر: لتبعثنّ به أو لأغزينّك جيشا يكون أوله عندك وآخره عندي، فبعث به قيصر إلى الحجاج، فقال له الحجّاج لما أدخل عليه: أأنت القائل:
ودون يد الحجاج من أن تنالي ... فكيف رأيت اللّه أمكن منك؟ قال: بل أنا القائل أيها الأمير:
فلو كنت في سلمى أجا وشعابها ... لكان لحجّاج عليّ سبيل
خليل أمير المؤمنين وسيفه ... لكلّ إمام مصطفّى وخليل
بنى قبّة الإسلام حتى كأنّما ... هدى الناس من بعد الضلال رسول
فخّلى سبيله، وتحمل دية دابغ في ماله.
الحجاج يعفو عن العديل
أخبرني عمي وحبيب بن نصر المهلبيّ، قال: حدثنا عبد اللّه بن أبي سعد قال: حدثني محمد بن منصور بن عطية الغنويّ قال: أخبرني جعفر بن عبيد اللّه بن جعفر عن أبي عثمان البقطريّ [4] قال:
خرج العديل بن الفرخ يريد الحجاج، فلما صار ببابه حجبه الحاجب، فوثب عليه العديل، وقال: إنه لن يدخل على الأمير بعد رجالات قريش أكبر مني ولا أولى بهذا الباب، فنازعه الحاجب الكلام، فأحفظه، وانصرف العديل عن باب الحجاج إلى يزيد بن المهلب، فلما دخل إليه أنشأ يقول:
لئن أرتج الحجاج بالبخل بابه ... فباب الفتى الأزديّ [5] بالعرف يفتح
فتى لا يبالي الدهر ما قلّ ماله ... إذا جعلت أيدي المكارم تسنح
يداه يد بالعرف تنهب ما حوت ... وأخرى على الأعداء تسطو وتجرح
/ اذا ما أتاه المرملون [6] تيقّنوا ... بأن الغنى فيهم وشيكا سيسرح
أقام على العافين حرّاس بابه ... ينادونهم والحرّ بالحرّ يفرح
هلموا إلى سيب الأمير وعرفه ... فإنّ عطاياه على الناس تنفح
وليس كعلج من ثمود بكفّه ... من الجود والمعروف حزم مطوّح [7]
__________
[1] بساط: أرض منبسطة مستوية.
[2] الناعجات: السريعات.
[3] الراحضات: الغاسلات، والرحيض: المغسول وفي هج: الغاسلات.
[4] نسبة إلى بقطر: موضع بصعيد مصر على شاطىء مدينة قفط شرقي النيل.
[5] يقصد بالفتى الأزدي يزيد بن المهلب.
[6] المرملون: من نفد زادهم.
[7] في س، ب «مطرح».
فقال له يزيد: عرّضت بنا وخاطرت بدمك، وباللّه لا يصل إليك وأنت في حيّزي، فأمر له بخمسين ألف درهم، وحمله [1] على أفراس، وقال له: الحق بعلياء نجد، واحذر أن تعلقك حبائل الحجاج أو تحتجنك محاجنه [2]، وابعث إليّ في كل عام، فلك عليّ مثل هذا، فارتحل. وبلغ الحجاج خبره، فأحفظه ذلك على يزيد، وطلب العديل، ففاته، وقال لما نجا:
ودون يد الحجاج من أن تنالني ... بساط لأيدي الناعجات عريض
قال: ثم ظفر به الحجاج بعد ذلك، فقال: إيه، أنشدني قولك:
ودون يد الحجاج من أن تنالني
فقال: لم أقل هذا أيها الأمير، ولكني قلت:
إذا ذكر الحجاج أضمرت خيفة ... لها بين أحناء الضلوع نفيض
فتبسم الحجاج، وقال: أولى لك! وعفا عنه، وفرض له.
سادات بكر يشفعون له عند الحجاج
وقال أبو عمرو الشيباني: لما لجّ الحجاج في طلب العديل لفظته الأرض، ونبا به كلّ مكان هرب إليه، فأتى بكر بن وائل، وهم يومئذ بادون جميع، منهم بنو شيبان/ وبنو عجل وبنو يشكر، فشكا إليهم أمره، وقال لهم: أنا مقتول،/ أفتسلمونني، هكذا وأنتم أعزّ العرب؟ قالوا: لا واللّه، ولكنّ الحجاج لا يراغ، ونحن نستوهبك منه، فإن أجابنا فقد كفيت، وأن حادّنا في أمرك منعناك، وسألنا أمير المؤمنين أن يهبك لنا. فأقام فيهم، واجتمعت وجوه بكر ابن وائل إلى الحجّاج، فقالوا له: أيها الأمير، إنا قد جنينا جميعا عليك جناية لا يغفر مثلها، وها نحن قد استسلمنا، وألقينا بأيدينا إليك، فإمّا وهبت فأهل ذلك أنت، وإمّا عاقبت، فكنت المسلّط الملك العادل. فتبسّم، وقال: قد عفوت عن كل جرم إلا جرم الفاسق العديل، فقاموا على أرجلهم، فقالوا: مثلك أيها الأمير لا يستثني على أهل طاعته وأوليائه في شيء فإن رأيت ألّا تكدّ رمننك باستثناء، وأن تهب لنا العديل في أول من تهب! قال: قد فعلت فهاتوه قبّحه اللّه، فأتوه به، فلما مثل بين يديه أنشأ يقول:
فلو كنت في سلمى أجا وشعابها ... لكان لحجّاج عليّ دليل
بني قبة الإسلام حتى كأنّما ... هدى الناس من بعد الضلال رسول
إذا جار حكم النّاس ألجأ حكمه ... إلى اللّه قاض بالكتاب عقول
خليل أمير المؤمنين وسيفه ... لكل إمام صاحب وخليل
به نصر اللّه الخليفة منهم ... وثبّت ملكا كاد عنه يزول
- ويروي: به نصر اللّه الإمام عليهم -
فأنت كسيف اللّه في الأرض خالد ... تصول بعون اللّه حين تصول
__________
[1] في س، ب «و أمر له».
[2] محاجنه: عصيه المعوجة التي يختجن الناس بها كالخطاطيف.
وجازيت أصحاب البلاء بلاءهم ... فما منهم عمّا تحبّ نكول
وصلت بمرّان [1] العراق فأصحبت ... مناكبها للوطء وهي ذلول
/ - [2] أقام الواحد مقام الجمع ... في قوله: ذلول [2] -
أذقت الحمام ابني عباد فأصبحوا ... بمنزل موهون الجناح ثكول [3]
ومن قطريّ نلت ذاك وحوله ... كتائب من رجّالة وخيول
إذا ما أتت باب ابن يوسف ناقتي ... أتت خير منزول به ونزيل [4]
وما خفت شيئا غير ربّي وحده ... إذا ما انتحيت النفس كيف أقول؟
ترى الثقلين الجنّ والأنس أصبحا ... على طاعة الحجّاج حين يقول [5]
فقال له الحجّاج: أولى لك فقد نجوت! وفرض له، وأعطاه عطاءه، فقال يمدح سائر قبائل وائل، ويذكر دفعها عنه، ويفتخر بها:
صرم الغواني واستراح عواذلي ... وصحوت بعد صبابة وتمايل
وذكرت يوم لوى عتيق نسوة ... يخطرن بين أكلّة [6] ومراحل [7]
لعب النعيم بهنّ في أظلاله ... حتى لبسن زمان عيش غافل
صوت
يأخذن زينتهنّ أحسن ما ترى ... وإذا عطلن فهنّ غير عواطل
وإذا خبأن خدودهنّ أريننا ... حدق المها وأجدن سهم القاتل
/ ورمينني لا يستترن بجنة ... إلا الصّبا وعلمن أين مقاتلي
/ يلبسن أردية الشباب لأهلها ... ويجرّ باطلهنّ حبل الباطل
الغناء في هذه الأبيات الأربعة لابن سريج ثاني ثقيل بالوسطى من رواية يحيى المكي، وذكر الهشامي أنه من منحول يحيى المكي إلى ابن سريج.
بيض الأنوق [8] كأنّهنّ [9]، ومن يرد ... بيض الأنوق فوكرها بمعاقل
__________
[1] مران العراق: قرية كثيرة العيون والآبار والنخيل والمزارع لبني هلال وهي على طريق البصرة.
(2 - 2) تكلمة من هد، هج.
[3] في البيت إقواء.
[4] في البيت إقواء أيضا.
[5] في س، ب: «يصول».
[6] أكلة: جمع إكليل بعد حذف همزته، كدليل وأدلة.
[7] مراحل: ثياب فيها صور الرحال.
[8] الأنوق: العقاب، ويقال: أعز من بيض الأنوق لأنها تحرزه في أوكارها في القلل الصعبة فلا يكاد أحد يظفر به.
[9] في س، ب: «يكسرهن» وهو تحريف.
زعم الغواني أن جهلك قد صحا ... وسواد رأسك فضل شيب شامل [1]
ورآك أهلك منهم ورأيتهم ... ولقد تكون مع الشباب الخاذل
وإذا تطاولت الجبال رأيتنا ... بفروع أرعن ... فوقها متطاول
وإذا سألت ابنى نزار بيّنا ... مجدي ومنزلتي من ابني وائل
حدبت بنو بكر عليّ وفيهم ... كلّ المكارم والعديد الكامل
خطروا ورائي بالقنا وتجمّعت ... منهم قبائل أردفوا [2] بقبائل
إن الفوارس من لجيم [3] لم تزل ... فيهم مهابة كلّ أبيض ناعل
متعمّم بالتاج يسجد حوله ... من آل هوذة [4] للمكارم حامل
أو رهط [5] حنظلة الذين رماحهم ... سمّ الفوارس حتف موت عاجل
/ قوم إذا شهروا السيوف رأوا لها ... حقّا ولم يك سلّها للباطل
ولئن فخرت بهم لمثل قديمهم ... بسط المفاخر للسّان القائل
أولاد ثعلبة [6] الذين لمثلهم ... حلم الحليم وردّ جهل الجاهل
ولمجد يشكر [7] سورة عاديّة ... وأب إذا ذكروه ليس بخامل
وبنو القدار اذا عددت صنيعهم ... وضح القديم لهم بكل محافل
وإذا فخرت بتغلب ابنة وائل ... فاذكر مكارم من ندى وشمائل [8]
ولتغلب الغلباء عزّ بيّن ... عادّية [9] ويزيد فوق الكاهل
تسطو على النّعمان وابن محرّق [10] ... وابني قطام بعزّة وتناول
بالمقربات [11] يبتن حول رحالهم ... كالقدّ بعد أجلّة وصواهل
أولاد أعوج [12] والصريح [13] كأنّها ... عقبان يوم دجنّة ومخايل [14]
__________
[1] في هج «و قشا برأسك» بدل «و سواد رأسك».
[2] في ت «أردفت».
[3] لجيم بن صعب بن وائل.
[4] هو هوذة بن علي وفد على كسرى وقاتل المنذر بن ماء السماء يوم عين أباغ.
[5] من بني عجل بن لجم.
[6] هو ثعلبة بن حنظلة.
[7] يشكر بن بكر بن وائل.
[8] في س، ب: «أوائل».
[9] في هج: «أحلام ثوت» بدل «عز بين».
[10] هو عمرو بن هند.
[11] المقربات: جمع مقربة، وهي الفرس تدنى وتكرم.
[12] فحل من الخيل لبني هلال تنسب إليه الخيل الأعوجيات.
[13] اسم فرس كريم لعبد يغرث بن حرب وآخر لبني نهشل وثالث للخم.
[14] كذا في ف وهي جمع المخيلة: السحابة التي تحسبها ماطرة وفي بعض النسخ: تخايل، وفي س، ب: تحايل.
يلقطن بعد أزومهنّ [1] على الشّبا [2] ... علق [3] الشكيم بألسن [4] وجحافل
/ قوم هم قتلوا ابن هند عنوة ... وقنا الرماح تذود ورد الناهل
منهم أبو حنش [5] وكان بكفّه ... ريّ السّنان وريّ صدر العامل
ومهلهل الشعراء إن فخروا به ... وندى كليب عند فضل النائل
حجب المنيّة دون واحد أمّه ... من أن تبيت وصدرها ببلابل
كفى مجالسة السّباب [6] فلم يكن ... يستبّ [7] مجلسه وحقّ النازل
حتى أجار على الملوك فلم يدع ... حربا [8] ولا صعرا لرأس مائل
في كل حيّ للهذيل ورهطه ... نعم وأخذ كريمة بتناول
/ بيض كرائم ردّهن لعنوة ... أسل القنا وأخذن غير أرامل
أبناؤهنّ من الهذيل ورهطه ... مثل الملوك وعشن غير عوامل
وقال أبو عمرو أيضا: قال: العديل لرجل من موالي الحجّاج كان وجهّه في جيش إلى بني عجل يطلب العديل حين هرب منه، فلم يقدر عليه، فاستاق إبله، وأحرق بيته، وسلب امرأته وبناته وأخذ حليّهن، فدخل العديل يوما على الحجّاج ومولاه هذا بين يديه واقف فتعلّق بثوبه وأقبل عليه وأنشأ يقول:
صوت
سلبت بناني حليهنّ فلم تدع ... سوارا ولا طوقا على النّحر مذهبا
- هكذا في الشعر: سلبت بناتي، والغناء فيه: سلبت الجواري حليهن -
وما عزّ في الآذان حتى كأنما ... تعطّل بالبيض الأوانس ربربا
/ عواطل إلا أن ترى بخدودها ... قسامة [9] عتق أو بنانا مخضّبا
فككت البرين [10] عن خدال [11] ... كأنها براديّ [12] غيل [13] ماؤه قد تنضّبا [14]
__________
[1] أزومهنّ: عضهن.
[2] الشبا: اسم جمع شباة وهي حد كل شيء.
[3] علق: كل ما يعلق بغيره.
[4] الشكيم: الحديدة المعترضة في فم الفرس من اللجام.
[5] هو عوف بن عمرو بن عوف بن مالك، من الأوس.
[6] في س، ب «و أبى مجالسة الشباب».
[7] يستب: يتشاتم.
[8] في س، ب: «حدبا».
[9] قسامة: حسن.
[10] البرين: جمع برة وهي هنا الخلخال.
[11] خدال السوق الغليظة المستديرة جمع خدلة.
[12] برادي: جمع بردى بفتح الباء، وهو نبات مائي يكتب على أوراقه إذا جفت.
[13] غيل: أجمة وكل واد فيه ماء.
[14] تنضب: غار وذهب ماؤه، ولعله مطاوع نضب، ولم نجده في المعاجم التي بأيدينا.
من الدّر والياقوت عن كل حرّة ... ترى سمطها بين الجمان مثقّبا
دعون أمير المؤمنين فلم يجب ... دعاء ولم يسمعن أمّا ولا أبا
غنّى في الأول والرابع من هذه الأبيات أحمد النصيبي الهمذانيّ ثان ثقيل بالسبابة في مجرى الوسطى عن إسحاق، وفيهما ثقيل أول بالسّبابة والوسطى، نسبه ابن المكي إلى عبد الرحيم الدّفّاف، ونسبه الهشاميّ إلى عبد اللّه ابن العباس.
أصاب رجل من رهط العديل أنف رجل من عجل فقال العديل في ذلك شعرا
وقال أبو عمرو الشيباني: أصاب رجل من رهط العديل من بني العكابة أنف رجل من بني عجل يقال له جبّار، فقال العديل في ذلك - وكان عدوّا له:
ألم تر جبّارا ومارن أنفه ... له ثلم يهوين أن يتنخّعا [1]
ونحن جدعنا أنفه فكأنما ... يرى الناس أعداء إذا هو أطلعا
كلوا أنف جبّار بكارا [2] فإنما ... تركناه عن فرط من الشّرّ أجدعا
معاقد من أيديهم وأنوفهم ... بكارا ونيبا [3] تركب الحزن ظلّعا [4]
/قال: وكان رجل [5] من رهط العديل أيضا ضرب يد وكيع أحد بني الطاغية، وهما يشربان، فقطعها وافترقا، ثم هرب العديل وأبوه إلى بني قيس بن سعد لما قال الشعر الأول يفخر بقطع أنف جبّار ويد وكيع؛ لأنهم حلفوا أن يقطعوا أنفه ويده دون من فعل ذلك بهم، فلجأ إلى عفير بن جبير بن هلال بن مرة بن عبد اللّه بن معاوية بن عبد بن سعد بن جشم بن قيس بن عجل، فقال العديل في ذلك:
تركت وكيعا بعد ما شاب رأسه ... أشلّ اليمين مستقيم الأخادع [6]
فشرّب [7] بها ورق [8] الإفال [9] وكل بها ... طعام الذليل وانجحر [10] في المخادع
فقالت بنو قيس بن سعد للفرخ أبي العديل: يا فرخ؛ أنصف قومك، وأعطهم حقّهم،/ فركب إليهم الفرخ، ومعه حسّان بن وقّاف ودينار (رجلان من بني الحارث) فأسرته بنو الطاغية، وانتزعوه من الرجلين، وتوجّهوا به نحو البصرة، فرجع حسان ودينار إلى قومهما مستنفرين لهم، فركب النفير في طلب بني الطاغية، فأدركوا منهم رجلا
__________
[1] يتنخع: يلقي أو يرمي نخاعته.
[2] بكارا: مسرعين مبادرين.
[3] في س، ب: «و شيئا».
[4] ظلعا: غامزة في مشيتها من الإعياء، جمع ظالع.
[5] في س، ب: كان رهط العديل.
[6] الأخادع: جمع أخدع وهو شعبة من الوريد.
[7] كذا في ف ومعناه أطعم بها، وفي س، ب: «تشرب».
[8] ورق: جمع أورق وهو ما في لونه بياض إلى سواد.
[9] الإفال: جمع أفيل وهو الصغير من الإبل وقد يجمع على أفائل على غير قياس.
[10] في س، ب: «انحجر».
فأسروه [1] بدل الفرخ. ثم إن عفيرا لحق بهم [1]، فاشترى منهم الجراحة بسبعين بعيرا، وأخذ الفرخ منهم فأطلقه، فقال العديل في ذلك:
ما زال في قيس بن سعد لجارهم ... على عهد ذي القرنين معط ومانع
هم استنقذوا حسّان قسرا وأنتم ... لئام المقام والرماح شوارع
غدرتم بدينار وحسّان غدرة ... وبالفرخ لما جاءكم وهو طائع
/ فلو لا بنو قيس بن سعد لأصبحت ... عليّ شدادا [2] قبضهنّ الأصابع
ألّا تسألون ابن المشتّم عنهم ... جعامة والجيران واف وظالع [3]
أخبرني جعفر بن قدامة قال: حدثنا الرّياشي عن الأصمعيّ قال: قال أبو النجم للعديل بن الفرخ: أرأيت قولك:
فإن تك من شيبان أمّي فإنّني ... لأبيض عجليّ عريض المفارق؟
أكنت شاكّا في نسبك حين قلت هذا؟ فقال له العديل: أفشككت في نفسك أو شعرك حين قلت:
أنا أبو النجم وشعري شعري ... للّه درّي ما يجنّ صدري
فأمسك أبو النّجم واستحيا.
العديل ومالك بن مسمع
أخبرني أبو دلف هاشم بن محمد الخزاعيّ قال: حدثنا الرياشيّ عن العتبيّ قال:
حمل زياد إلى معاوية مالا من البصرة، ففزعت تميم والأزد وربيعة إلى مالك بن مسمع، وكانت ربيعة مجتمعة عليه كاجتماعها على كليب في حياته، واستغاثوا به، وقالوا: يحمل المال، ونبقى بلا عطاء فركب مالك بن ربيعة، واجتمع الناس إليه، فلحق بالمال فرده، وضرب فسطاطا بالمربد، وأنفق المال في الناس حتى وفّاهم عطاءهم، ثم قال: إن شئتم الآن أن تحملوا فاحملوا، فما راجعه زياد في ذلك بحرف، فلما ولي حمزة بن عبد اللّه ابن الزبير البصرة جمع مالا؛ ليحمله إلى أبيه، فاجتمع الناس إلى مالك، واستغاثوا به، ففعل مثل فعله بزياد، فقال العديل بن الفرخ في ذلك:
إذا ما خشينا من أمير ظلامة ... دعونا أبا غسّان يوما فعسكرا
ترى الناس أفواجا إلى باب داره ... إذا شاء جاءوا دار عين وحسّرا [4]
/و أول هذه القصيدة:
__________
(1 - 1) تكملة عن ف.
[2] في ف: «شديدا».
[3] ظالع: غامز في مشيه.
[4] حسر: جمع حاسر: من لا سلاح معه.
أمن منزل من أم سكن عشيّة ... ظللت به [1] أبكى حزينا مفكرّا
معى كلّ مسترخي الإزار كأنه ... إذا ما مشى من جنّ غيل وعبقرا [2]
يزجّي [3] المطايا لا يبالي كلينهما [4] ... مقلّصة [5] خوصا [6] من الأين [7] ضمّرا
العديل شاعر بكر بن وائل
أخبرني حبيب بن نصر المهّلبيّ قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد قال: حدثني عليّ بن الحسن الشيبانيّ قال:
حدثني عبدة بن عصمة بن معبد القيسيّ قال: حدثني جدي أبو أمي/ فراس بن خندف، عن أبيه، عن جده عليّ بن شفيع قال:
لقيت الفرزدق منصرفه عن بكر بن وائل؛ فقلت له: يا أبا فراس: من شاعر بكر بن وائل ممّن خلفته خلفك؟
قال: أميم بني عجل - يعني العديل بن الفرخ - على أنه ضائع الشعر، سروق للبيوت.
مدح أو تحريض
أخبرني جعفر بن قدامة قال: حدثني محمد بن عبد اللّه بن مالك الخزاعيّ عن إسحاق عن الهيثم بن عديّ، عن حماد الراوية قال:
لما قدم الحجّاج العراق قال العديل بن الفرخ:
دعوا الجبن يا أهل العراق فإنّما ... يهان ويسبى كلّ من لا يقاتل
لقد جرّد الحجاج للحقّ سيفه ... ألا فاستقيموا لا يميلنّ مائل
/ وخافوه حتى القوم بين ضلوعهم ... كنزو القطا ضمّت عليه الحبائل
وأصبح كالبازي يقلّب طرفه ... على مرقب والطير منه دواحل [8]
قال: فقال الحجاج - وقد بلغته - لأصحابه: ما تقولون؟ قالوا: نقول: إنه مدحك، فقال: كلّا ولكنه حرّض عليّ أهل العراق، وأمر بطلبه فهرب وقال:
أخوّف بالحجاج حتى كأنما ... يحرّك عظم في الفؤاد مهيض
ودون يدي الحجّاج من أن تنالني ... بساط لأيدي الناعجات عريض
مهامه أشباه كأنّ سرابها ... ملاء بأيدي الغاسلات رحيض
__________
[1] في س، ب: «بها».
[2] غيل وعبقر: مكانان تزعم العرب أنهما من مساكن الجن.
[3] في س، ب: «منيخي».
[4] في س، ب: «كلاهما».
[5] في س، ب: «ملفصة»، ومعناها مسرعة.
[6] خوص: جمع خوصاء أي غائرة العين.
[7] من الأين: من التعب.
[8] دواحل، معناها فارة ومستترة وفي س، ب: «رواحل».
فجدّ الحجاج في طلبه حتى ضاقت عليه الأرض، فأتى واسطا، وتنكّر، وأخذ رقعة بيده، ودخل ءلى الحجّاج في أصحاب المظالم، فلما وقف بين يديه أنشأ يقول:
هأنذا ضاقت بي الأرض كلّها ... إليك وقد جوّلت كلّ مكان
فلو كنت في ثهلان [1] أو شعبتي أجا ... لخلتك إلا أن تصدّ تراني
فقال له الحجاج: العديل أنت؟ قال: نعم، أيها الأمير، فلوى قضيب خيزران كان في يده في عنقه، وجعل يقول: إيه
بساط لأيدي الناعجات عريض
فقال: لا بساط إلّا عفوك، قال: اذهب حيث شئت:
حوشب بن يزيد وعكرمة بن ربعي يتنازعان الشرف
أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال: حدثنا أحمد بن الهيثم بن فراس قال: حدثنا العمريّ، عن الهيثم بن عديّ، عن ابن عياش قال:
كان حوشب [2] بن يزيد بن الحويرث بن رويم الشيبانيّ وعكرمة بن ربعيّ البكريّ، يتنازعان الشرف، ويتباريان في إطعام الطعام ونحر الجزر في عسكر مصعب،/ وكاد حوشب يغلب عكرمة لسعة يده. قال: وقدم عبد العزيز بن يسار مولى بجير - قال؛ وهو زوج أم شعبة الفقيه - بسفائن دقيق، فأتاه عكرمة فقال له؛ اللّه اللّه فيّ، قد كاد حوشب أن يستعليني، ويغلبني بماله، فبعني هذا الدقيق بتأخير، ولك فيه مثل ثمنه ربحا، فقال: خذه، وأعطاه إياه فدفعه إلى قومه، وفرّقه بينهم، وأمرهم بعجنه كلّه، فعجنوه كلّه، ثم جاء بالعجين كلّه، فجمعه في هوّة عظيمة، وأمر به، فغطّي بالحشيش، وجار برمكة [3]، فقرّبوها إلى فرس حوشب، حتى طلبها، وأفلت، ثم ركضوها بين يديه وهو يتبعها، حتى ألقوها في ذلك العجين وتبعها الفرس، حتى تورّطا في العجين وبقيا فيه جميعا، وخرج قوم عكرمة؛ يصيحون في العسكر: يا معشر المسلمين ادركوا فرس حوشب،/ فقد غرق في خميرة عكرمة فخرج الناس تعجّبا من ذلك أن تكون خميرة يغرق فيها فرس، فلم يبق في العسكر أحد إلا ركب ينظر، وجاءوا إلى الفرس - وهو غريق في العجين ما يبين منه إلا رأسه وعنقه - فما أخرج إلا بالعمد والحبال، وغلب عليه عكرمة، وافتضح حوشب، فقال العديل بن الفرخ يمدحهما، ويفخر بهما:
وعكرمة الفيّاض فينا وحوشب ... هما فتيا الناس اللّذا لم يغمّرا
هما فتيا الناس اللذا لم ينلهما ... رئيس ولا الأقيال من آل حميرا
قال: وفي حوشب يقول الشاعر:
وأجود بالمال من حاتم ... وأنحر للجزر [4] من حوشب
__________
[1] ثهلان: جبل لنمير.
[2] في جمهرة الأنساب: «هو حوشب بن ريط بن الحارث بن يزيد بن رويم».
[3] الرمكه: الفرس والبرذونة تتخذ للنسل.
[4] في ف: البزل جمع بازل: البعير القوى في تاسع سنيه.
شعر العديل بين السهل والفحل
أخبرني محمد بن يونس الكاتب قال: حدثنا أحمد بن عبيد، عن الأصمعيّ قال:
دخلت على الرشيد يوما وهو محموم فقال: أنشدني يا أصمعي شعرا مليحا، فقلت: أرصينا/ فحلا تريده يا أمير المؤمنين أم شجيّا سهلا؟ فقال: بل غزلا بين الفحل والسّهل، فأنشدته للعديل بن الفرخ العجليّ:
صحا عن طلاب البيض قبل مشيبه ... وراجع غضّ الطرف فهو خفيض
كأنّي لم أرع الصّبا ويروقني ... من الحيّ أحوى المقلتين غضيض
دعاني له يوما هوى فأجابه ... فؤاد إذا يلقى المراض مريض
لمستأنسات بالحديث كأنّه ... تهلّل غرّ برقهنّ وميض
فقال لي: أعدها، فما زلت أكررها عليه، حتى حفظها.
أخبرني أبو الحسن الأسديّ قال: حدثني الرياشيّ، عن محمد بن سلّام، قال:
موته ورثاء الفرزدق له
قدم العديل بن الفرخ البصرة، ومدح مالك بن مسمع الجحدريّ، فوصله، فأقام بالبصرة، واستطابها، وكان مقيما عند مالك، فلم يزل بها إلى أن مات، وكان ينادم الفرزدق، ويصطحبان فقال الفرزدق يرثيه:
وما ولدت مثل العديل حليلة ... قديما ولا مستحدثات الحلائل
وما زال مذ شدّت يداه إزاره ... به تفتح الأبواب بكر بن وائل
صوت
إني بدهماء عزّ ما أجد ... عاودني من حبابها زود
عاودني حبّها وقد شحطت ... صرف نواها فإنني كمد
قوله: «عزّ ما أجد» أي. شدّ ما أجد. وحبابها: حبّها، وهو واحد ليس بجمع؛ والزّؤد: الفزع والذعر.
وصرف نواها: الوجه الذي تصرف إليه قصدها إذا نأت. والكمد: شدّة الحزن.
الشعر لصخر الغيّ الهذليّ، هكذا ذكر الأصمعيّ وأبو عمرو الشيبانيّ، وذكر إسحاق عن أبي عبيدة أنه رأى جماعة من شعراء هذيل يختلفون في هذه القصيدة فيرويها بعضهم لصخر الغيّ، ويرويها بعضهم لعمرو ذي الكلب، وأن الهيثم بن عدي حدّثه عن حمّاد الراوية أنها لعمرو ذي الكلب.
38 - أخبار صخر الغي ونسبه
اسمه ونسبه
هو صخر بن عبد اللّه الخيشمي، أحد بني خيثم بن عمرو بن الحارث بن تميم بن سعد بن هذيل. هذا أكثر ما وجدته من نسبه، ولقب بصخر الغيّ لخلاعته، وشدة بأسه، وكثرة شرّه.
فمن روى هذه القصيدة له، ذكر أن السبب فيها أن جارا لبني خناعة بن سعد بن هذيل من بني الرمداء كان جاورهم رجل من بني مزينة، وقيل: إنه كان جارا لأبي المثلّم الشاعر، وهو أخوهم، فقتله [1] صخر الغيّ فمشى أبو المثلم إلى قومه، وبعثهم على مطالبته بدم جارهم المزني والإدراك بثأره، فبلغ ذلك صخرا فقال هذه القصيدة يذكر أبا المثلّم وما فعله، فأولها البيتان اللذان فيهما الغناء وفيها يقول:
ولست عبدا للموعدين ولا ... أقبل ضيما أتى به أحد
جاءت كبير كيما [2] أخفّرها ... والقوم سيد كأنهم رمدوا
في المزنيّ الذي حششت [3] به ... مال ضريك [4] تلاده نكد
إن أمتسكه فبالفداء وإن ... أقتل بسيفي فإنه قود
ولصخر وأبي المثلم في هذا مناقضات وقصائد قالاها، وأجاب كلّ واحد منهما صاحبه، يطول ذكرها وليس من جنس هذا الكتاب.
الأعلم العداء
وحكى الأثرم عن أبي عبيدة أنه حدّث عن عبد اللّه بن إبراهيم الجمحيّ قال:
كان الأعلم أخو صخر الغيّ أحد صعاليك هذيل، وكان يعدو على رجليه عدوا لا يلحق، واسمه حبيب بن عبد اللّه، فخرج هو وأخواه صخر وصخير، حتى أصبحوا تحت جبل يقال له السّطاع [5]، في يوم من أيام الصيف شديد الحرّ، وهو متأبّط قربة لهم فيها ماء، فأيبستها السّموم، وعطشوا حتى لم يكادوا أن يبصروا من العطش، فقال الأعلم لصاحبيه: أشرب من القرية لعلي أن أرد الماء فأروى منه وانتظراني مكانكما، وكانت بنو عديّ بن الدّيل على
__________
[1] في س، ب: «فرآه» ولا معنى له.
[2] في س، ب: «كثيرا كيما أحقرها».
[3] حششت: قويت.
[4] كذا في ف و «الديوان» وهو الفقير السيىء الحال وفي س، ب: «طريف».
[5] سطاع، بكسر أوله: جبل بينه وبين مكة مرحلة ونصف من جهة اليمين.
ذلك الماء وهو ماء الأطواء [1]، يتفيئون بنخل متأخّر عن الماء قدر رمية سهم. فأقبل يمشي متلثّما، وقد وضع سيفه وقوسه ونبله فيما بينه وبين صاحبه، فلما برز للقوم مشى رويدا مشتملا، فقال بعض القوم: من ترون الرجل؟
فقالوا: نراه بعض بني مدلج بن مرة.
ثم قالوا لبعضهم: الق الفتى، فاعرفه، فقال لهم: ما تريدون بذلك الرجل؟ هو آتيكم إذا شرب، فدعوه فليس بمفيتنا، فأقبل يمشي حتى رمى برأسه في الحوض مدبرا عنهم بوجهه، فلما روي أفرغ على رأسه من الماء، ثم أعاد نقابه، ورجع في طريقه رويدا، فصاح القوم بعبد لهم كان على الماء: هل عرفت الرجل الذي صدر؟ قال: لا، فقالوا: فهل رأيت وجهه؟ قال: نعم، هو مشقوق الشّفة، فقالوا: هذا الأعلم، وقد صار بينه وبين الماء مقدار رمية سهم آخر، فعدوا في أثره، وفيهم رجل يقال له: جذيمة ليس في القوم مثله عدوا، فأغروه به، وطردوه فأعجزهم، ومرّ على سيفه وقوسه ونبله، فأخذه، ثم مرّ بصاحبيه فصاح بهما فضبرا [2] معه، فأعجزوهم، فقال الأعلم في ذلك:
/لما رأيت القوم بال ... علياء دون قدي [3] المناصب [4]
وفريت [5] من فزع فلا ... أرمي ولا ودّعت صاحب
/ يغرون صاحبهم بنا ... جهدا وأغري غير كاذب [6]
أغري أخي [7] صخرا ليع ... جزهم ومدّوا بالحلائب [8]
وخشيت وقع ضريبة [9] ... قد جرّبت كلّ التجارب
فأكون صيدهم بها ... وأصير [10] للضّبع السّواغب
جزرا وللطير المربّ ... ة [11] والذئاب وللثّعالب
/ وهي قصيدة طويلة.
__________
[1] كذا في «شرح السكري لديوان الهذليين»، ولعل المراد بالأطواء قرية باليمامة أو مياه لبني عامر، وفي س، ب: «أطوافهم»، ولم نعثر له على معنى.
[2] ضبرا معه: عدوا معه.
[3] كذا في ف و «الديوان» ومعناه قدر، وفي س، ب: قرى، وهو تحريف. والمناصب: الأغراض والمرامي.
[4] المناصب: المباري المنافس.
[5] فريت: تحيرت ودهشت.
[6] في هج، هد: وأغرى كل كاذب.
[7] في «الديوان»: «أبا وهب».
[8] الحلائب: الجماعات جمع حلبة غير قياس.
[9] ضريبة: سيف.
[10] كذا في «الديوان» وفي النسخ: الذئب بدل وأصير.
[11] المربة: المقيمة الملازمة.
صوت
صخر يرثي أخاه أبا عمرو
وقالوا جميعا: خرج صخر الغيّ وأخوه أبو عمرو في غزاة لهما، فباتا في أرض رملة، فنهشت أخاه أبا عمرو حيّة، فمات، فقال يرثيه:
لعمر أبي عمرو لقد ساقه المنا ... إلى جدث يوزي له بالأهاضب
لحيّة جحر في وجار [1] مقيمة ... تنمّى [2] بها سوق المنا والجوالب
أخي لا أخا لي بعده سبقت به ... منيّته جمع الرّقي والطبائب
وذلك مما يحدث الدهر إنه ... له كل مطلوب جثيث وطالب
- يوزي له: يمني له. والإزاء: مهراق الدلو. والأهضب: الجبال - وقال الأثرم عن أبي عبيدة: خرج صخر الغيّ في طائفة من قومه يقدمها خوفا من أبي المثلّم، فأغار على بني المصطلق من خزاعة، فانتظر بقية أصحابه، ونذرت به بنو المصطلق، فأحاطوا به فقال:
لو أن أصحابي بنو معاوية ... أهل جنوب [3] النخلة الشّامية
ورهط دهمان ورهط عادية ... ما تركوني للذئب العاوية
وجعل يرميهم ويرتجز ويقول:
لو أن أصحابي بنو خناعة ... أهل النّدى والمجد والبراعة
/ تحت جلود البقر القرّاعة [4] ... لمنعوا من هذه اليراعه [5]
وقال أيضا وهو يقاتلهم:
لو أن حولي من قريم [6] رجلا ... بيض الوجوه يحملون النّبلا
لمنعوني نجدة ورسلا ... سفع الوجوه لم يكونوا عزلا
مقتل صخر ورثاؤه
- يقول: منعنوني بنجدة وشدّة وعلى رسلهم بأهون سعي. قال: فلم يزل يقاتلهم حتى قتلوه - وبلغ ذلك أبا المثلّم، فقال يرثيه:
__________
[1] الوجار: كل حجر يسكن فيه حنش من أحناش الأرض.
[2] تنمى: ارتفع.
[3] جنوب: جمع جنب بمعنى ناحية.
[4] القراعة: الصلبة.
[5] اليراعة: الضعيف، وفي «الديوان»: «المراعة».
[6] قريم: حي من هذيل.
رثاء أبي المثلم له
لو كان للدهر مال عند متلده ... لكان للدّهر صخر مال قنيان [1]
آبي الهضيمة آت [2] بالعظيمة مت ... لاف الكريمة لا سقط ولا واني
حامي الحقيقة نسال [3] الوديقة [4] مع ... تاق الوسيقة [5] جلد غير ثنيان [6]
رقاء [7] مرقبة، منّاع مغلبة ... ركّاب سلهبة [8]، قطاع أقران [9]
/هباط أودية شهّاد أندية ... حمّال ألوية سرحان فتيان
- السرحان: الأسد في لغة هذيل وفي كلام غيرهم الذئب -
يحمي الصحاب إذا جدّ الضّراب ويك ... في القائلين إذا ما كبّل العاني [10]
فيترك القرن مصفرّا أنامله ... كأنّ في ريطتيه نضخ إرقان
/ - الإرقان: اليرقان، يعني صفرته -
يعطيك ما لا تكاد النفس تسلمه ... من التلاد وهوب غير منّان [11]
__________
[1] في س، ب: «قينان» تحريف.
[2] في «الديوان» وفي ف «نائب».
[3] سال: مسرع.
[4] الوديقة: شدة الحر.
[5] الوسيقة: الطريدة، يريد أنه إذا طرد عليه طريدة أنجاها وسبق بها والعرب تقول: فلان يحمي الحقيقة، وينسل الوديعة، الرجل الشمر القوي.
[6] في س، ب: «شيبان» وهو تحريف.
[7] في «الديوان»: «رباء» بمعنى علا وارتفع.
[8] سلهبة: جسيمة طويلة.
[9] أقران: جمع قرن، وهو الحبل، يريد أنه وصول للأخوان قطوع لمن سواهم.
[10] كذا في «الديوان»، وفي س، ب: «كيل الهاني».
[11] في «الديوان» «ترسله» بدل «تسلمه».
39 - نسب عمرو ذي الكلب وأخباره
اسمه ونسبه
هو عمرو بن العجلان بن عامر بن برد بن منبّه، أحد بني كاهل بن لحيان بن هذيل.
قال السكريّ عن محمد بن حبيب عن ابن الأعرابي: إنّما [1] سمي ذا الكلب لأنه كان له كلب لا يفارقه.
وعن الأثرم عن أبي عبيدة أنه قال: لم يكن له كلب لا يفارقه، إنما خرج غازيا ومعه كلب يصطاد به، فقال له أصحابه: يا ذا الكلب، فثبتت عليه.
قال: ومن الناس من يقول له عمرو الكلب، ولا يقول فيه: «ذو».
قال: وكان يغزو بني فهم غزوا متّصلا، فنام ليلة في بعض غزواته، فوثب عليه نمران فأكلاه فادّعت فهم قتله، هكذا في هذه الرواية.
عمرو ذو الكلب وأم جليحة
وقد أخبرني عليّ بن سليمان الأخفش، قال: حدثنا أبو سعيد السكريّ، عن محمد بن حبيب عن ابن الأعرابي وأبي عبيدة عن ابن الأعرابي عن المفضّل وغيرهم من الرواة قالوا:
كان من حديث عمرو ذي الكلب الهذليّ - وكان من رجالهم - أنه كان قد علق امرأة من فهم يقال لها: أم جليحة، فأحبّها وأحبته، وكان أهلها قد وجدوا عليها وعليه، وطلبوا دمه، إلى أن جاءها عاما من ذلك، فنذروا به، فخرجوا في أثره، وخرج هاربا منهم فتبعوه يومهم ذلك، وهم على أثره، حتى أمسى، وهاجت عليه ريح شديدة في ليلة ظلماء، فبينا هو يسير على ظهر الطريق إذ رأى نارا عن يمينه، فقال: أخطأت واللّه الطريق وإن النار [2] لعلى الطّريق، فحار وشكّ، وقصد للنّار، حتى أتاها، وقد كان يصيح، فإذا رجل قد أوقد نارا ليس معه أحد، فقال له عمرو ذو الكلب: من أنت؟ قال: أنا رجل من عدوان،/ قال، فما اسم هذا المكان؟ قال السّدّ، فعلم أنه قد هلك وأخطأ - والسدّ شيء لا يجاوز - قال: ويلك! فلم أوقدت، فو اللّه ما تشتوي [3]، ولا تصطلي، وما أوقدت إلا لمنية عمرو الشّقي، هل عندك شيء تطعمني؟ قال: نعم، فأخرج له ثمرات قد نقّاها في يده، فلما رآها قال: ثمرات، تتبعها عبرات من نساء خفرات، ثم قال: اسقني، قال: ماذا؟ ألبنا؟ قال: لا، ولكن اسقني ماء قراحا، فإني مقتول صباحا، ثم انطلق، فأسند في السّد، ورأى القوم الذين جاءوا في طلبه أثره، حيث أخطأ، فاتبعوه، حتى وجدو
__________
[1] في س، ب: «إنه».
[2] في س، ب: «الناس».
[3] في س، ب: «تشرب».
فدخل غارا في السّد، فلما ظهروا للسّدّ علموا أنه في الغار فنادوه، فقالوا: يا عمرو، قال: ما تشاءون؟ قالوا: اخرج، قال: فلم دخلت إذن؟ قالوا: بلى، فاخرج، قال: لا أخرج، قالوا: فأنشدنا قولك:
ومقعد كربة قد كنت منها [1] ... مكان الإصبعين من القبال [2]
قال: ها هي ذه أنا فيها. قال: وعنّ له رجل من القوم، فرماه عمرو فقتله، فقالوا: أقتلته يا عدوّ اللّه؟ أجل، ولقد بقيت معي أربعة أسهم كأنها أنياب أمّ جليحة لا تصلون إليّ أو أقتل بكل سهم منها رجلا منكم، فقالوا لعبدهم: يا أبا نجاد، أدخل عليه، وأنت حرّ، فتهيأ للدخول أبو نجاد عليه، فقال له عمرو: ويلك! يا أبا نجاد، ما ينفعك أن تكون حرّا إذا قتلتك؟ فنكص [3] عنه، فلما رأوا ذلك صعدوا، فنقبوا عليه، ثم رموه حتى قتلوه، وأخذوا سلبه، فرجعوا به إلى/ أم جليحة وهي تتشوّف، فلما رأوها قال لها: يا أمّ جليحة، ما رأيك في عمرو، قالت:
رأيي واللّه أنكم طلبتموه سريعا، ووجدتموه منيعا [4]، ووضعتموه صريعا؟ فقالوا: واللّه لقد قتلناه، فقالت: واللّه/ ما أراكم فعلتم، ولئن كنتم فعلتم، لربّ ثدي منكم قد افترشه، وضبّ قد احترشه [5]، فطرحوا إليها ثيابه، فأخذتها، فشمّتها، فقالت: ريح عطر وثوب عمرو، أما واللّه ما وجدتموه ذا حجزة [6] جافية، ولا عانة وافية، ولا ضالة [7] كافية.
أخته ترثيه
وقالت ريطة أخت عمر وذي الكلب ترثيه:
كلّ امرىء لمحال [8] الدهر مكروب ... وكلّ من غالب الأيام مغلوب
وكلّ حيّ وإن غزوا وإن سلموا ... يوما طريقهم في الشّرّد عبوب [9]
أبلغ هذيلا وأبلغ من يبلّغها ... عنّي رسولا وبعض القول تكذيب
بأنّ ذا الكلب عمرا خيرهم نسبا ... ببطن شريان يعوي حوله الذيب [10]
الطاعن الطعنة النجلاء يتبعها ... مثعنجر [11] من نجيع الجوف أسكوب [12]
__________
[1] في س، ب: «فيها».
[2] القبال، ككتاب: الزمام في النعل بين الإصبع الوسطى والتي تليها.
[3] في س، ب: «نكصوا».
[4] في س، ب: «تبيعا».
[5] احترشه: صاده، وذلك بأن يحرك يده على باب جحره ليظنها حية، فيخرج ذنبه ليضربها فيأخذه.
[6] الحجزة: موضع التكة من الإزار وهذا كناية عن عفته.
[7] المراد بها السلاح كله على سبيل الاتساع.
[8] محال: قوة، ويروى بطوال الدهر بمعنى طويل، ويروى بخوال الدهر أي بغيره وصروفه.
[9] ف «مكذوب» مأخوذ من كذبته نفسه إذا منته الأماني، والدعبوب: الطريق الموطوء.
[10] موضع أو واد باليمن يقال إن به قبر عمرو.
[11] مثعنجر: سائل.
[12] أسكوب: منسكب أو مسكوب.
والتارك القرن مصفرا أنامله ... كأنة من نقيع الورس [1] مخضوب
تمشي النسور إليه وهي لاهية ... مشى العذارى عليهنّ الجلابيب
والمخرج العاتق العذراء مذعنة ... في السّبي ينفح من أردانها الطيب
صوت
يا دار عمرة من محتهلّها [2] الجرعا [3] ... هاجت لي الهمّ والأحزان والوجعا
أرى بعيني إذا مالت حمولتهم ... بطن السلوطح [4] لا ينظرون من تبعا [5]
طورا أراهم وطورا لا أبينهم ... إذا ترفّع حدج ساعة لمعا
الشعر للقيط الأيادي ينذر قومه قصد كسرى لهم، والغناء لكردم بن معبد هزج بالبنصر من روايتي حبش والهشامي.
__________
[1] في س، «ب من رجيع الجوف مخضوب».
[2] في س، ب من «يحتلها».
[3] الجرع: الرملة لا تنبت شيئا. وهي هنا موضع.
[4] السلوطح: موضع بالجزيرة قريب من البشر.
[5] ف: «مرتبعا».
40 - خبر لقيط ونسبه والسبب في قوله الشعر
اسمه ونسبه
هو لقيط بن يعمر. شاعر جاهليّ قديم مقلّ، ليس يعرف له شعر غير هذه القصيدة وقطع من الشعر لطاف متفرقة.
غزو كسرى لإياد
أخبرني بخبر هذا الشعر عمي قال: حدثني القاسم بن محمد الأنباريّ قال: حدثني أحمد بن عبيد قال:
حدثني الكليبيّ عن الشّرق بن القطامي قال:
كان سبب غزو كسرى إيادا أن بلادهم أجدبت، فارتحلوا حتى نزلوا بسنداد [1] ونواحيها، فأقاموا بها دهرا حتى أخصبوا وكثروا، وكانوا يعبدون صنما يقال له: ذو الكعبين [2]، وعبدته بكر بن وائل من بعدهم، فانتشروا ما بين سنداد إلى كاظمة وإلى بارق [3] والخورنق، واستطالوا على الفرات، حتى خالطوا أرض الجزيرة، ولم يزالوا يغيرون على ما يليهم [4]. من أرض السواد، ويغزون ملوك آل صر، حتى أصابوا امرأة من أشراف العجم كانت عروسا قد هديت [5] إلى زوجها، فولي ذلك منها سفهاؤهم وأحداثهم، فسار إليهم من كان يليهم من الأعاجم، فانحازت إياد إلى العراق وجعلوا يعبرون إبلهم في القراقير [6] ويقطعون بها الفرات وجعل راجزهم يقول:
/بئس مناخ الحلقات [7] الدّهم ... في ساحة القرقور وسط اليمّ
وعبروا الفرات، وتبعهم الأعاجم، فقالت كاهنة من إياد تسجع لهم:
/إن يقتلوا منكم غلاما سلما ... أو يأخذوا ذاك [8] شيخا همّا
تخضّبوا نحورهم دمّا ... وترووا منهم سيوفا ظمّا [9]
__________
[1] سنداد: منازل لأياد أسفل الكوفة.
[2] في هد، هج: «ذو الكعبات».
[3] بارق: ماء بالعراق، وهو الحد بين القادسية والبصرة.
[4] في س، ب: «أهاليهم».
[5] هديت: زفت إلى بعلها.
[6] القراقير: جمع قرقور كعصفور: السفينة الطويلة أو العظيمة.
[7] الحلقات: جمع حلقة: الإبل الموسومة بالحلقات.
[8] في هج س، ب؛ هد: «منكم».
[9] في س وب: «منها» وهذا القول من قبيل السجع لا من أوزان الشعر.
فخرج غلام منهم يقال له ثواب بن محجن بإبل لأبيه فلقيته الأعاجم، فقتلوه، وأخذوا الإبل ولقيتهم إياد في آخر النهار، فهزمت الأعاجم.
قال: وحدثني بعض أهل العلم أن إيادا بيّنت ذلك الجمع حين عبروا شطّ الفرات الغربيّ، فلم يفلت منهم إلا القليل، وجمعوا به جماجمهم وأجسادهم، فكانت كالتل العظيم، وكان إلى جانبهم دير، فسمّي دير الجماجم، وبلغ كسرى الخبر، فبعث مالك بن حارثة: أحد بني كعب بن زهير بن جشم في آثارهم، ووجّه معه أربعة آلاف [1] من الأساورة. فكتب إليهم لقيط.
يا دار عمرة من محتلّها الجرعا ... هاجت لي الهمّ والأحزان والوجعا [2]
وفيها يقول - قال الشّرقي بن القطامي أنشدنيها أبو حمزة الثماليّ - :
يا قوم لا تأمنوا إن كنتم غيرا ... على نسائكم كسرى وما جمعا
هو الجلاء الذي تبقى مذلّته ... إن طار طائركم [3] يوما وإن وقعا
/ هو الفناء الذي يجتثّ أصلكم ... فمن رأى مثل ذا رأيا [4] ومن سمعا
فقلّدوا أمركم للّه درّكم ... رحب الذراع بأمر الحرب مضطلعا
لا مترفا إن رخاء [5] العيش ساعده ... ولا إذا حلّ مكروه به خشعا
لا يطعم النوم إلا ريث [6] يبعثه ... همّ يكاد حشاه يقطع الضّلعا
مسهّد [7] النوم تعنيه ثغوركم [8] ... يروم منها إلى الأعداء مطّلعا
ما انفكّ يحلب هذا الدهر أشطره ... يكون متّبعا طورا ومتّبعا
فليس يشغله مال يثمّره ... عنكم ولا ولد يبغى له الرّفعا
حتى استمرّت [9] على شزر [10] مريرته [11] ... مستحكم السنّ لاقحما [12] ولا ضرعا [13]
__________
[1] في هد: «أربعين ألفا».
[2] في هد، هج: «الجزعا» بدل «الوجعا».
[3] في س، ب: «طائرهم».
[4] في س، ب: «يوما».
[5] في س، ب: «رخى».
[6] في س، ب: «حيث».
[7] في س، ب: «مسهر».
[8] كذا في منتهى الطلب وفي هج س، ب، هد: «أموركم».
[9] استمرت: استحكمت وقويت.
[10] شزر: ما يفتل على غير وجهه، أي يفتل من اليسار.
[11] المريرة: طاقة الحبل والمراد أنه قوي متين.
[12] قحما: شيخا فانيا عجوزا.
[13] ضرعا: ضعيفا ذليلا مستكينا.
كمالك بن قنان [1] أو كصاحبه ... زيد القناحين لاقى الحارثين [2] معا
إذ عابه عائب يوما فقال له: ... دمّث لجنبك قبل الليل مضطجعا
/ فساوره [3] فألفوه أخا علل ... في الحرب يختتل الرئبال والسّبعا
عبل الذراع أبيّا ذا مزابنة ... في الحرب لا عاجزا نكسا ولا ورعا [4]
مستنجدا يتحدّى الناس كلّهم ... لو صارعوه جميعا في الورى صرعا
هذا كتابي إليكم والنذير لكم ... لمن رأى الرأي بالإبرام قد نصعا
وقد بذلت لكم نصحي بلا دخل ... فاستيقظوا إنّ خير العلم ما نفعا
وجعل عنوان الكتاب:
سلام في الصّحيفة من لقيط ... إلى من بالجزيرة من إياد
بأن الليث كسرى قد أتاكم ... فلا يحبسكم سوق النّقاد [5]
موقعه مرج الأكم
/ قال: وسار مالك بن حارثة التغلبيّ بالأعاجم حتى لقي إيادا، وهم غارّون لم يلتفتوا إلى قول لقيط وتحذيره إياهم ثقة بأن كسرى لا يقدم عليهم. فلقيهم بالجزيرة في موضع يقال له مرج الأكم، فاقتتلوا قتالا شديدا، فظفر بهم، وهزمهم، وأنقذ ما كانوا أصابوا من الأعاجم يوم الفرات، ولحقت إياد بأطراف الشأم ولم تتوسّطها خوفا من غسّان يوم الحارثين، ولاجتماع قضاعة وغسّان في بلد خوفا من أن يصيروا يدا واحدة عليهم، فأقاموا، حتى أمنوا.
ثم إنهم تطرّفوهم إلى أن لحقوا بقومهم ببلد الروم بناحية أنقرة، ففي ذلك يقول الشاعر:
حلّوا بأنقرة يسيل عليهم ... ماء الفرات يجيء من أطواد
صوت
اللبين يا ليلى جمالك ترحل ... ليقطع منا البين ما كان يوصل؟
تعلّلنا بالوعد ثمّت تلتوي ... بموعودها حتى يموت المعلّل
ألم تر أنّ الحبل أصبح واهنا ... وأخلف من ليلى الذي كنت آمل
فلا الحبل من ليلى يؤاتيك وصله ... ولا أنت تنهى القلب عنها فيذهل
عروضه من الطويل، الشعر لنصيب الأصغر مولى المهدي، والغناء ليحيى المكيّ خفيف رمل بالبنصر، وكذا نسبته تدلّ عليه.
__________
[1] في س، ب: «سنان».
[2] يقصد بهما الحارث بن ظالم والحارث بن عوف المريين.
[3] في س، ب «فثاوروه»، ومعناه واثبوه.
[4] الورع: الجبان الضعيف.
[5] النقاد: جنس من الغنم قبيح الشكل مفرده نقد بالتحريك وفي س، ب: «النفاد» وهو تحريف.
وذكر عمرو بن بانة في نسخته أن خفيف الرّمل لمالك وأنه بالوسطى، والصحيح أنه لابن المكي.
انتهى الجزء الثاني والعشرون ويليه الجزء الثالث والعشرون وأوله أخبار نصيب الاصغر
فهرس موضوعات الجزء الثاني والعشرين
الموضوع الصفحة
أخبار خالد بن عبد اللّه 271
أخبار صخر بن الجعد ونسبه 291
أخبار أبي حفص الشطرنجي ونسبه 300
ذكر الخبر في حروب الفجار وحروب عكاظ 307
أخبار مالك ونسبه 322
أخبار عبيد بن الأبرص ونسبه 325
أخبار ربيعة بن مقروم ونسبه 336
أخبار أوس ونسب اليهود النازلين بيثرب وأخبارهم 343
أخبار السموءل ونسبه 351
أخبار سعية بن عريض 353
أخبار الربيع بن أبي الحقيق 357
أخبار كعب ونسبه ومقتله 360
أخبار بيهس ونسبه 362
أخبار الكميت بن معروف ونسبه 367
أخبار يعلى ونسبه 370
نسب جواس وخبره في هذا الشعر 373
أخبار إبراهيم بن المدّبر 377
ذكر الخبر في هذه الغارات والحروب 399
أخبار محبوبة 408
أخبار عبيدة الطنبورية 411
أخبار أحمد بن صدقة 416
أخبار الحارث بن وعلة 419
أخبار مرة بن محكان/ أخبار علي بن عبد اللّه بن جعفر 422
أخبار عتيبة ونسبه 424
الموضوع الصفحة
أخبار عبد اللّه بن العجلان 431
أخبار المؤمل ونسبه 436
أخبار أبي مالك ونسبه 442
أخبار أبي دهمان 444
أخبار أبي حزابة ونسبه 446
نسب زهير السكب وأخباره 453
أخبار النمر بن تولب ونسبه 455
أخبار مالك بن الريب ونسبه 464
أخبار عبد بني الحسحاس 475
متمم العبدي والجويرية 481
أخبار حسان بن تبع 483
أخبار مرة بن محكان 486
أخبار علي بن عبد اللّه بن جعفر ونسبه 488
أخبار العديل ونسبه 490
أخبار صخر الغي ونسبه 502
نسب عمرو ذي الكلب وأخباره 506
أخبار خبر لقيط ونسبه والسبب في قوله الشعر 409
فهرس الموضوعات 513
الجزء الثالث والعشرون
[تتمة التراجم]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ*
1 - أخبار نصيب الأصغر
نشأته:
نصيب مولى المهديّ؛ عبد نشأ باليمامة، واشترى للمهديّ في حياة المنصور، فلما سمع شعره قال: واللّه ما هو بدون نصيب مولى بني مروان، فأعتقه، وزوّجه أمة له يقال لها: جعفرة. وكناه أبا الحجناء، وأقطعه ضيعة بالسواد، وعمّر بعده.
يمدح الرشيد:
وهذه القصيدة يمدح بها هارون الرشيد، وهي من جيّد شعره وفيها يقول:
خليليّ إني ما يزال يشوقني ... قطين الحمى والظاعن المتحمّل
فأقسمت لا أنسى ليالي منعح ... ولا مأسل إذ منزل الحي مأسل [1]
أمن أجل آيات ورسم كأنه ... بقية وحي أو رداء مسلسل [2]
جرى الدمع من عينيك حتى كأنه ... تحدّر درّ أو جمان مفصّل
فيأيّها الزنجيّ مالك والصّبا ... أفق عن طلاب البيض إن كنت تعقل
فمثلك من أحبوشة الزّنج قطّعت ... وسائل أسباب بها يتوسّل [3]
قصدنا أمير المؤمنين ودونه ... مهامه موماة من الأرض مجهل
على أرحبيّات طوى السير فانطوت ... شمائلها مما تحلّ وترحل [4]
إلى ملك صلت الجبين كأنه ... صفيحة مسنون جلا عنه صيقل [5]
/إذا انبلج البابان والستر دونه ... بدا مثل ما يبدو الأغرّ المحجّل
شريكان فينا منه عين بصيرة ... كلوء وقلب حافظ ليس يغفل
/ فما فات عينيه وعاه بقلبه ... فآخر ما يرعى سواء وأوّل
__________
[1] منعج: واد يدفع في بطن فلج، حدثت به واقعة من أيام العرب. مأسل: دارة من دارات العرب وذكرت في شعر لبيد.
[2] مسلسل: رديء النسج كمهلهل. وفي هج: كتاب مسلسل.
[3] أحبوشة: جماعة الناس ليسوا من قبيلة كالحباشة.
[4] أرحبيات: نجائب منسوبة إلى أرحب، فحل من فحولهم.
[5] صلت: واضح.
وما نازعت فينا أمورك هفوة ... ولا خطلة في الرأي والرأي يخطل
إذا اشتبهت أعناقه بيّنت له ... معارف في أعجازه وهو مقبل
لئن نال عبد اللّه قبل خلافة ... لأنت من العهد الذي نلت أفضل
وما زادك العهد الذي نلت بسطة ... ولكن بتقوى اللّه أنت مسربل [1]
ورثت رسول اللّه عضوا ومفصلا ... وذا من رسول اللّه عضو ومفصل
إذا ما دهتنا من زمان ملمّة ... فليس لنا إلا عليك المعوّل
على ثقة منا تحنّ قلوبنا ... إليك كما كنّا أباك نؤمّل
وهي قصيدة طويلة، هذا مختار من جميعها.
يبذر في مال المهدي فيوثقه بالحديد:
أخبرني الحسن بن عليّ، قال: حدّثنا محمد بن القاسم بن مهرويه، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد. قال:
حدّثني محمد بن عبد اللّه بن مالك، قال: حدّثني أبي، قال:
وجّه المهديّ نصيبا الشاعر مولاه إلى اليمن في شراء إبل مهريّة، ووجّه معه رجلا من الشيعة، وكتب معه إلى عامله على اليمن بعشرين ألف دينار، قال: فمدّ أبو الحجناء يده في الدنانير ينفقها في الأكل والشرب، وشراء الجواري والتزويج، فكتب الشيعيّ بخبره إلى المهديّ، فكتب المهديّ في حمله موثقا في الحديد.
يستشفع بشعره إلى المهدي:
فلمّا دخل على المهديّ أنشده شعره، وقال:
تأوّبني ثقل من الهمّ موجع ... فأرّق عيني والخليّون هجّع
هموم توالت لو أطاف يسيرها ... بسلمى لظلّت شمّها تتصدّع
ولكنّها نيطت فناء بحملها ... جهير المنايا حائن النفس مجزع [2]
وعادت بلاد اللّه ظلماء حندسا ... فخلت دجى ظلمائها لا تقشّع
وهي قصيدة طويلة يقول فيها:
إليك أمير المؤمنين ولم أجد ... سواك مجيرا منك يدنى ويمنع
تلمّست هل من شافع لي فلم أجد ... سوى رحمة أعطاكها اللّه تشفع
لئن جلّت الأجرام مني وأفظعت ... لعفوك عن جرمي أجلّ وأوسع
لئن لم تسعني يابن عمّ محمد ... لما عجزت عني وسائل أربع
__________
[1] في جميع النسخ: «عهد اللّه» والصواب «عبد اللّه».
[2] تراءى له الموت عيانا.
طبعت عليها صبغة ثم لم تزل ... على صالح الأخلاق والدين تطبع [1]
تغابيك عن ذي الذنب ترجو صلاحه ... وأنت ترى ما كان يأتي ويصنع [2]
وعفوك عمّن لو تكون جريمة ... لطارت به في الجوّ نكباء زعزع [3]
وأنّك لا تنفكّ تنعش عاثرا ... ولم تعترضه حين يكبو ويخمع [4]
وحلمك عن ذي الجهل من بعدما جرى ... به عنق من طائش الجهل أشنع [5]
ففيهنّ لي إمّا شفعن منافع ... وفي الأربع الأولى إليهنّ أفزع
/ مناصحتي بالفعل إن كنت نائيا ... إذا كان دان منك بالقول يخدع
/ وثانية ظنّي بك الخير غائبا ... وإن قلت عبد ظاهر الغشّ مسبع [6]
وثالثة أني على ما هويته ... وإن كثّر الأعداء فيّ وشنّعوا
ورابعة أنّي إليك يسوقني ... ولائي فمولاك الذي لا يضيّع
وإني لمولاك الذي إن جفوته ... أتى مستكينا راهبا يتضرّع
وإني لمولاك الضعيف فأعفني ... فإني لعفو منك أهل وموضع
المهدي يقبل الشفاعة ويجيزه ويزوجه:
فقطع المهديّ عليه الإنشاد، ثم قال له: ومن أعتقك يابن السوداء! فأومأ بيده إلى الهادي، وقال: الأمير موسى يا أمير المؤمنين، فقال المهديّ لموسى: أعتقته يا بنيّ؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين. فأمضى المهديّ ذلك وأمر بحديده، ففكّ عنه، وخلع عليه عدّة من الخلع الوشي والخزّ والسواد والبياض، ووصله بألفي دينار، وأمر له بجارية يقال لها: جعفرة جميلة فائقة من روقة [7] الرقيق.
فقال له سالم قيّم الرقيق: لا أدفعها إليك أو تعطيني ألف درهم، فقال قصيدته:
أ أذن الحيّ فانصاعوا بترحال ... فهاج بينهم شوقي وبلبالي [8]
وقام بها بين يدي المهديّ فلما قال:
ما زلت تبذل لي الأموال مجتهدا ... حتى لأصبحت ذا أهل وذا مال
زوّجتني يابن خير الناس جارية ... ما كان أمثالها يهدى لأمثالي
__________
[1] في م: «خلقة» بدل «صبغة».
[2] في ف: «ذي اللب» بدل «الذنب».
[3] في س، ب، «جزيته»: بدل «جريمة».
[4] يخمع: يعرج في المشي، وهو كناية عن التعثر.
[5] العنق نوع من السير.
[6] مسبع: خبيث.
[7] روقه الرقيق: جمع رائقة، أي حسان الرقيق.
[8] في هج: قد آذن الحي. بدل «أ آذن الحي».
زوّجتني بضّة بيضاء ناعمة ... كأنّها درّة في كفّ لآل
/ حتى توهّمت أن اللّه عجّلها ... يابن الخلائف لي من خير أعمالي
فسألني سالم ألفا فقلت له ... أنّى لي الألف يا قبّحت من سال!
(1 أراد: من سائل، كما قالوا: شاكي السلاح وشائك: [1]
هيهات ألفك إلا أن أجيء بها ... من فضل مولى لطيف المنّ مفضال
فأمر له المهديّ بألف دينار ولسالم بألف درهم.
قال ابن أبي سعد وحدّثني غير محمد بن عبد اللّه: أنه حبس باليمن مدة طويلة، ثم أشخص إلى المهديّ، فقال وهو في الحبس، ودخلت إليه ابنته حجناء، فلما رأت قيوده بكت، فقال:
بكاؤه حين رأى بنته:
لقد أصبحت حجناء تبكي لوالد ... بدرّة عين قلّ عنه غناؤها
أحجناء صبرا، كلّ نفس رهينة ... بموت ومكتوب عليها بلاؤها
أحجناء أسباب المنايا بمرصد ... فإلّا يعاجل غدوها فمساؤها
أحجناء إن أفلت من السجن تلقني ... حتوف منايا لا يردّ قضاؤها
أحجناء إن أضحى أبوك ودلوه ... تعرّت عرا منها ورثّ رشاؤها [2]
لقد كان يدلى في رجال كثيرة ... فيمتح ملأى وهي صفر دلاؤها
أحجناء إن يصبح أبوك ونفسه ... قليل تمنّيها قصير عزاؤها [3]
لقد كان في دنيا تفيّا ظلّها ... عليه ومجلوب إليه بهاؤها
قال ابن أبي سعد: ولما دخل نصيب على المهديّ مقيّدا رفده ثمامة بن الوليد العبسيّ/ عنده واستعطفه له، وسوّغ عذره عنده، ولم يزل يرقق به، حتى أمر بإطلاقه، وكان نصيب في متقدّم الأيام منقطعا إلى أخيه شيبة فقال فيه:
يمدح ثمامة العبسي:
أثمام إنك قد فككت ثماما ... حلقا برين من النّصيب عظاما
حلقا توسّطها العمود فلزّها ... لو لا ثمامة والإله لداما [4]
اللّه أنقذني به من هوّة ... تيهاء مهلكة تكون رجاما
__________
[1] تكملة من هج.
[2] في م، أ، ف: «يصبح» بدل «أضحى».
[3] في ف: «الضمير تمنيها طويل عناؤها».
[4] لزها: ألصقها، وليس من الأدب الجمع بين اللّه وثمامة وتقديم ثمامة على اللّه.
فلأشكرنّك يا ثمامة ما جرت ... فرق السحاب كنهورا وركاما [1]
ولأشكرنّك يا ثمامة ما دعت ... ورق الحمام على الغصون حماما
وخلفت شيبة في المقام ولا أرى ... كمقام شيبة في الرجال مقاما
أغنى إذا التمس الرجال غناءه ... في كلّ نازلة تكون غراما
وأعمّ منفعة وأكرم حائطا ... تهدي إليه تحيّة وسلاما [2]
لا يبعدنّ ابن الوليد فإنه ... قد نال من كل الأمور جساما
لو من سوى رهط النبيّ خليفة ... يدعى لكان خليفة وإماما
يبكي شيبة أخا ثمامة:
قال ابن أبي سعد: ودخل نصيب على ثمامة بعد وفاة أخيه شيبة، وهو يفرّق خيله على الناس، فأمر له بفرس منها؛ فأبى أن يقبله؛ وبكى، ثم قال:
/يا شيبة الخير إمّا كنت لي شجنا ... آليت بعدك لا أبكى على شجن
أضحت جياد أبي القعقاع مقسمة ... في الأقربين بلا منّ ولا ثمن [3]
ورّثتهم فتعزّوا عنك إذ ورثوا ... وما ورثتك غير الهم والحزن
فجعل ثمامة ومن عنده حاضر من أهله وإخوانه يبكون.
وشيبة بن الوليد هذا وأخوه من وجوه قواد المهديّ.
اليزيدي يهجو شيبة:
وفي شيبة يقول أبو محمد اليزيديّ يهجوه، وكان عارضه في شيء من النحو بحضرة المهديّ:
عش بجدّ فلن يضرّك نوك ... إنما عيش من ترى بالجدود
عش بجدّ وكن هبنّقة القي ... سيّ جهلا أو شيبة بن الوليد
أخبرنا بذلك محمد بن العباس اليزيديّ عن عمه عن أبيه.
يهجو من لا يجيزه:
أخبرني عمي قال: حدّثنا القاسم بن محمد الأنباريّ، قال: حدّثنا عبد اللّه بن بشر البجليّ عن النضر بن طاهر قال:
أتى نصيب مولى المهديّ عبد اللّه بن محمد بن الأشعث، وهو يتقلّد صنعاء للمهديّ، فمدحه، فلم يثبه، واستكساه بردا فلم يكسه، فقال يهجوه:
__________
[1] كذا في ف، وفي س، ب «فوق» بدل «فرق». كنهورا: قطعا من السحاب، وفي س، ب: «جهاما» بدل «ركاما» وهو سحاب لا يمطر، وليس هذا مناسبا للمدح. والركام: المتراكم المجتمع.
[2] في هج: «أكثر» بدل «أكرم».
[3] كذا في ف. في س، ب: ابن قعقاع. بدل «أبي القعقاع» كذا في ف وفي س، ب: «بلا حمد». بدل «بلا من».
سأكسوك من صنعاء ما قد كسوتني ... مقطّعة تبقى على قدم الدهر [1]
إذا طويت كانت فضوحك طيّها ... وإن نشرت زادتك خزيا على النّشر [2]
/أغرّك أن بيّضت بيت حمامة ... وقلت: أنا شبعان منتفج الخصر [3]
لقد كنت في سلح سلحت مخافة ال ... حروريّة الشّارين داع إلى الضرّ [4]
ولكنه يأبى بك البهر كلّما ... جريت مع الجاري وضيق من الصدر [5]
مساجلة حول فرس:
/ قال النضر: وكان النّصيب ملعونا، هجّاء، فأهدى للربيع بن عبد اللّه بن الربيع الحارثي فرسا فقبله، ثم ندم خوفا من ثقل الثواب، فجعل يعيب الفرس، ويذكر بطأه وعجزه، فبلغ ذلك النّصيب، فقال:
أعبت جوادنا ورغبت عنه ... وما فيه لعمرك من معاب
وما بجوادنا عجز ولكن ... أظنّك قد عجزت عن الثواب
فأجابه الربيع فقال:
رويدك لا تكن عجلا إلينا ... أتاك بما يسوءك من جواب
وجدت جوادكم فدما بطيئا ... فما لكم لدينا من ثواب [6]
فلما كان بعد أيام رأى النّصيب الفرس تحت الربيع فقال له:
أخذت مشهّرا في كل أرض ... فعجّل يا ربيع مشهرّات [7]
يمانية تخيّرها يمان ... منمنمة البيوت مقطّعات
/ وجارية أضلّت والديها ... مولّدة وبيضا وافيات
فعجّلها وأنفذها إلينا ... ودعنا من بنات التّرّهات [8]
فأجابه الربيع فقال:
بعثت بمقرف حطم إلينا ... بطيء الحضر ثم تقول: هات [9]
__________
[1] ب، س: «حرمتني»، والمثبت من ف.
[2] كذا، في ف ومعناها «الفضيحة» وفي س، ب: «رضوحك».
[3] منتفج: مرتفع، والبيت كله عن دعته وسمعته واغتراره بحالته.
[4] الحرورية: طائفة من الخوارج في اليمن، كانت تتبع نجدة بن عويمر، وكان في البيت تامة، وداع حبر مبتدأ مقدر.
[5] البهر: تتابع النفس من شدة الجري وانقطاعه من الإعياء.
[6] كذا في ف وفي س، ب:
«خريت مع الخاري»
بدل
«جريت مع الجاري»
[6] الفدم: الغليظ الجافي الأحمق، وفي س، ب: «قدما»، الصحيف.
[7] كذا في ف وفي س، ب: «أجدت» بدل «أخذت».
[8] الترهات: الأباطيل ومفردها ترهة.
[9] كذا في ف والمقرف ما أمه عربية لا أبوه، وفي س، ب: «بمقرب» بدل «بمقرب». حطم: متكسر، والحطم داء في قوائم الدابة.
والحضر: شدة عدو الفرس.
فقال النّصيب:
في سبيل اللّه أودى فرسي ... ثم علّلت بأبيات هزج
كنت أرجو من ربيع فرجا ... فإذا ما عنده لي من فرج
بيض الدراهم بدل بيض الغواني:
قال: ثم خرج الرّبيع إلى مكة، وقد كان وعد النّصيب جارية، فلم يعطه، وأمر ابنه أن يدفع إليه ألفي درهم ففعل، فقال النّصيب:
ألا أبلغا عنّي الربيع رسالة ... ربيع بني عبد المدان الأكارم
أعزّت عليك البيض لما أرغتها ... فرغت إلى إعداد بيض الدراهم [1]
ألم تر أني غير مستطرف الغنى ... حديث وأنّي من ذؤابة هاشم؟ [2]
وأنك لم تهبط من الأرض تلعة ... ولا نجوة إلا بعهدي وخاتمي
قال: ثم قدم الربيع فأهدى إلى دفافة بن عبد العزيز العبسيّ طبق تمر، فقال فيه دفافة:
شعر حول طبق تمر:
بعثت بتمر في طبيق كأنما ... بعثت بياقوت توقّد كالجمر
فلو أن ما تهدي سنيّا قبلته ... ولكنما أهديت مثلك في القدر
كأنّ الذي أهديت من بعد شقّة ... إلينا من الملقى على ضفّة الجسر
فأجابه الربيع فقال:
سل الناس إما كنت لا بدّ طالبا ... إليهم بألا يحملوك على القدر
فإنك إن تحمل على القدر لا تنل ... يد الدهر من برّ فتيلا ولا بحر
/ لقد كنت منّي في غدير وروضة ... وفي عسل جمّ وما شئت من خمر [3]
وما كنت منّانا ولكن كفرتني ... وأظهرت لي ذمّا فأظهرت من عذري [4]
لعمري لقد أعطيت ما لست أهله ... ولا أهل ما يلقى على ضفّة الجسر
فبلغت أبياتهما نصيبا، فشمت بالربيع، وقال فيه هذه القصيدة:
رضيتكما حرصا ومنعا ولم يكن ... يهيجكما إلا الحقير من الأمر
متى يجتمع يوما حريص ومانع ... فليس إلى حمد سبيل ولا أجر
__________
[1] أرغتها: طلبتها، رغت: ملت وحدت.
[2] كذا في ف، م، أ، وفي س: ب: «مستطرق» بدل «مستطرف».
[3] كذا في ف وفي س، ب: «تمر» بدل «حمر».
[4] كذا في ف، وفي س، ب: «زمنا» بدل «ذما».
أ حار بن كعب إنّ عبسا تغلغلت ... إلى السير من نجران في طلب التّمر
فكيف ترى عبسا وعبس حريصة ... إذا طمعت في التّمر من ذلك العبر [1]
لقد كنتما في التّمر للّه أنتما ... شبيهين بالملقى على ضفّة الجسر
يرتجل مطولة في مدح الفضل بن الربيع:
أخبرني عليّ بن سليمان الأخفش، قال: حدّثنا محمد بن يزيد النحويّ، قال:
حدّثت من غير وجه:
/ أنّ النّصيب دخل على الفصل بن يحيى بن خالد مسلّما، فوجد عنده جماعة من الشعراء قد امتدحوه، فهم ينشدونه، ويأمر لهم بالجوائز، ولم يكن امتدحه، ولا أعدّ له شيئا. فلما فرغوا - وكان يروى [2] قولا في نفسه - استأذن في الإنشاد، ثم أنشد قصيدته التي أولها قوله:
يمدح الفضل بن يحيى:
طرقتك ميّة والمزار شطيب ... وتثيبك الهجران وهي قريب [3]
للّه مية خلّة لو أنّها ... تجزي الوداد بؤدّها وتثيب
وكأنّ ميّة حين أتلع جيدها ... رشا أغنّ من الظباء ربيب
نصفان ما تحت المؤزّر عاتك ... دعص أغرّ وفوق ذاك قضيب [4]
ما للمنازل لا تكاد تجيب ... أني يجيبك جندل وجبوب [5]
جادتك من سبل الثريا ديمة ... ريّا ومن نوء السّماك ذنوب [6]
فلقد عهدت بك الحلال بغبطة ... والدهر غضّ والجناب خصيب
إذ للشباب عليّ من ورق الصّبا ... ظلّ وإذ غصن الشباب رطيب
طرب الفؤاد ولات حين تطرّب ... إن الموكّل بالصّبا لطروب
وتقول ميّة ما لمثلك والصّبا ... واللون أسود حالك غربيب؟
شاب الغراب وما أراك تشيب ... وطلابك البيض الحسان عجيب
أعلاقة أسبابهنّ وإنّما ... أفنان رأسك فلفل وزبيب [7]
__________
[1] العبر من الشي ء: الكثير.
[2] كذا في النسخ ولعلها: يزور قولا في نفسه، أي يعده ويهيئه.
[3] كذا في ف، وفي س، ب، هج: «و تنئك بالهجران» وفي «المهذب»: «و نأنك بالهجران».
[4] العاتك: الخالص من الألوان المحمر من الطيب.
[5] جبوب: وجه الأرض الصلب.
[6] كذا في ف وفي س، ب: «ريان من» بدل «ريامن». وفي س، ب: «السماء» بدل: «السماك».
[7] الأسباب: جمع سبب، والمراد: كيف تهيم بذرات الشعور المرسلة وأنت جعد الشعر!.
/
لا تهزئي مني فربّت عائب ... ما لا يعيب الناس وهو معيب
ولقد يصاحبني الكرام وطالما ... يسمو إليّ السيّد المحجوب
وأجرّ من حلل الملوك طرائفا ... منها عليّ عصائب وسبيب [1]
وأسالب الحسناء فضل إزارها ... فأصورها وإزارها مسلوب [2]
وأقول منقوح البديّ كأنّه ... برد تنافسه التّجار قشيب [3]
/يقول فيها في مدح الفضل:
والبرمكيّ إذا تقارب سنّه ... أو باعدته السنّ فهو نجيب [4]
خرق العطاء إذا استهلّ عطاؤه ... لا متبع منّا ولا محسوب
يا آل برمك ما رأينا مثلكم ... ما منكم إلا أغرّ وهوب
وإذا بدا الفضل بن يحيى هبته ... لجلاله إنّ الجليل مهيب [5]
قاد الجياد إلى العدا وكأنها ... رجل الجراد تسوقهنّ جنوب
قبّا تبارى في الأعنّة شزّبا ... تدع الحزون كأنهنّ سهوب [6]
من كل مضطرب العنان كأنه ... ذئب يبادره الفريسة ذيب
تهوي بكلّ مغاور عاداته ... صدق اللقاء فما له تكذيب
/ حتى صبحن الطالبيّ بعارض ... فيه المنايا تغتدي وتئوب
خاف ابن عبد اللّه ما خوّفته ... فجفاك ثم أتاك وهو منيب
ولقد رآك الموت إلا أنّه ... بالظنّ يخطىء مرة ويصيب
فرمى إليك بنفسه فنجا بها ... أجل إليه ينتهى مكتوب
فكسوته ثوب الأمان وإنّه ... لا حبله واه ولا مقضوب [7]
شمنا إليك مخيلة لا خلّبا ... في الشّيم إذ بعض البروق خلوب
إنّا على ثقة وظنّ صادق ... ممّا نؤمّله فليس نخيب
يجيزه الفضل فيشكره شعرا:
قال: فاستحسنها الفضل، وأمر له بثلاثين ألف درهم، فقبضها، ووثب قائما، وهو يقول:
__________
[1] سبيب: جمع سببية وهي شقة رقيقة من الثياب من أي نوع كان، وقيل من الكتان خاصة.
[2] أصورها: أميلها.
[3] البدي: البديهة. ومنقوح الكلام، أي مهذبة ومحرره. وفي هج: مقترح الكلام.
[4] كذا في ف وفي س، ب: «و إن» بدل «إذا».
[5] كذا في ف وفي س، ب: «هيبة». بدل «هبته» وفي ب، س، «الجلال» بدل «الجليل».
[6] قبا: ضوامر، مفرده أقب أو قباء، شزبا: خشنة يابسة، جمع شازب.
[7] في ف وهج: فكسوته ثوب الأمان بذمة: لا حبلها واه ...
إني سأمتدح الفضل الذي حنيت ... منّا عليه قلوب البرّ والضّلع
جاد الربيع الذي كنا نؤمّله ... فكلنا بربيع الفضل مرتبع
كانت تطول بنا في الأرض نجعتنا ... فاليوم عند أبي العباس ننتجع
إن ضاق مذهبنا أو حلّ ساحتنا ... ضنك وأزم فعند الفضل متّسع [1]
ما سلّم اللّه نفس الفضل من تلف ... فما أبالي أقام الناس أم رجعوا
إن يمنعوا ما حوت منا أكفّهم ... فلن يضرّ أبا الحجناء ما منعوا
أو حلّئونا وذادوا عن حياضهم ... يوم الشروع ففي غدرانك الشّرع [2]
يا ممسكا بعرا الدنيا إذا خشيت ... منها الزلازل والأمر الذي يقع
/ قد ضرّستك الليالي وهي خالية ... وأحكمتك النهى والأزلم الجذع [3]
فغادرا منك حزنا عن معاسرة ... سهل الجناب يسيرا حين يتّبع [4]
لم يفتلتك نقيرا عن مخادعة ... دهي الرجال وللسؤّال تنخدع [5]
فأنت مصطلح بالملك تحمله ... كما أبوك بثقل الملك مضطلع [6]
يمدح زبيده في موسم الحج:
قال ابن أبي سعد: لما حجّت أم جعفر زبيدة لقيها النّصيب، فترجّل عن فرسه وأنشأ يقول:
سيستبشر البيت الحرام وزمزم ... بأمّ وليّ العهد زين المواسم
/ ويعلم من وافى المحصّب أنها ... ستحمل ثقل الغرم عن كل غارم [7]
بنو هاشم زين البرية كلّها ... وأمّ وليّ العهد زين لهاشم
سليلة أملاك تفرّعت الذّرى ... كرام لأبناء الملوك الأكارم
فو اللّه ما ندري: أفضل حديثها ... عليهم به تسمو أم المتقادم
يظنّ الذي أعطته منها رغيبة ... يقصّ عليه الناس أحلام نائم
فأمرت له بعشرة آلاف درهم وفرس، فأعطيه بلا سرج؛ فتلقّاها لما رحلت وقال:
__________
[1] أزم: شدة: من أزم العام يأزم: اشتد قحطه.
[2] حلئونا: منعونا الشرب.
[3] الأزلم الجذع: معناهما الدهر الكثير البلايا الذي لا يهرم.
[4] في ب، س: «عن معشرة».
[5] دهى الرجال: مصدر دهى كالدهاء، وهو جودة الرأي والبصر بالأمر.
[6] كذا في ف وفي ب، س: «المسك» بدل «الملك».
[7] المحصب: موضع رمي الجمار بمنى.
لا بد للفرس من سرج ولجام:
لقد سادت زبيدة كلّ حيّ ... وميت ما خلا الملك الهماما
تقى وسماحة وخلوص مجد ... إذا الأنساب أخلصت الكراما
/ إذا نزلت منازلها قريش ... نزلت الأنف منها والسّناما
بلغت من المفاخر كلّ فخر ... وجاوزت الكلام فلا كلاما
وأعطيت اللّهى لكنّ طرفي ... يريد السّرج منكم واللّجاما
فأمرت له بسرج ولجام.
الحجناء ابنته تنشد المهدي:
قال ابن أبي سعد: خرج المهدي يتنزه بعيسى باذ [1]، وقدم النّصيب، ومعه ابنته حجناء، فدخل على المهديّ، وهي معه، فأنشدته قولها فيه:
ربّ عيش ولذة ونعيم ... وبهاء بمشرق الميدان
بسط اللّه فيه أبهى بساط ... من بهار وزاهر الحوذان [2]
ثم من ناضر من العشب الأخ ... ضر يزهو شقائق النّعمان [3]
مدّه اللّه بالتّحاسين حتى ... قصرت دون طوله العينان [4]
حقّقت حافتاه حيث تناهى ... بخيام في العين كالظّلمان
زيّنوا وسطها بطارمة مث ... ل الثريّا يحفّها النّسران [5]
ثم حشو الخيام بيض كأمثا ... ل المها في صرائم الكثبان [6]
/يتجاوبن في غناء شجيّ ... أسعداني يا نخلتي حلوان [7]
فبقصر السلام من سلّم اللّ ... ه وأبقى خليفة الرحمن
__________
[1] عيسى باذ: محلة كانت بشرق بغداد ومعنى باذ عمارة: فكأن معناها عمارة عيسى هو عيسى بن المهدي.
[2] بهار: نبت طيب الرائحة. الحوذان: بقلة من بقول الرياض لها نور أصفر طيب الرائحة أيضا.
[3] كذا في ف، وفي س، ب: «يزهى».
[4] التحاسين: جمع تحسين: هو ما وضع للزبنة.
[5] الطارمة: بيت من خشب كالقبة، معرب.
[6] صرائم الكثبان: جمع صريمة، وهي قطعة من الرمل.
[7] كذا في ف، وفي س، ب: «بتجارين» بدل «يتجاوبن»، ونخلتا حلوان: يطلق هذا الاسم على جملة، قرى والمراد هنا حلوان العراق، وهي في آخر السواد مما يلي بغداد شرقا. وهذا الشطر أول قصيدة لمطيع بن إياس الليثي من أهل فلسطين قال:
أسعداني يا نخلتي حلوان ... وأبكياني من ريب هذا الزمان
واعلما أن ريبة لم يزل يفر ... ق بين الآلاف والجيران
ولديه الغزلان بل هنّ أبهى ... عنده من شوادن الغزلان [1]
يا له منظرا ويوم سرور ... شهدت لذّتيه كلّ حصان
فأمر لها المهديّ بعشرة آلاف درهم، وله بمثلها؛
الحجناء تمدح العباسة بنت المهدي:
قال: ثم دخلت الحجناء على العبّاسة بنت المهدي، فأنشدتها تقول:
أتيناك يا عباسة الخير والحيا ... وقد عجفت أدم المهاري وكلّت [2]
وما تركت منا السّنون بقية ... سوى رمّة منا من الجهد رمّت
فقال لنا من ينصح الرأي نفسه ... وقد ولّت الأموال عنا فقلّت
عليك ابنة المهديّ عوذي ببابها ... فإن محلّ الخير في حيث حلّت
فأمرت لها بثلاثة آلاف درهم وكسوة وطيب، فقالت:
/أغنيتني يا بنة المهديّ أيّ غنى ... بأعجرين كثير فيهما الورق
- أي: اغنيتني على عقب ما أغناني أخوك. بأعجرين: بكيسين - :
من ضرب تسع وتسعين محكّكة ... مثل المصابيح في الظّلماء تأتلق
/ أما الحسود فقد أمسى تغيّظه ... غمّا وكاد برجع الرّيق يختنق
وذو الصداقة مسرور بنا فرح ... بادي البشارة ضاح وجهه شرق [3]
يمدح إسحاق بن الصباح:
وقال ابن أبي سعد:
كان إسحاق بن الصباح الأشعثي صديقا للنصيب، وقدم قدمة من الحجاز، فدخل على إسحاق؛ وهو يهب لجماعة وردوا عليه برّا وتمرا، فيحملونه على إبلهم ويمضون، فوهب لنصيب جارية حسناء يقال لها: مسرورة، فأردفها خلفه، ومضى وهو يقول:
إذا احتقبوا برّا فأنت حقيبتي ... من البشريّات الثقال الحقائب [4]
ظفرت بها من أشعثيّ مهذّب ... أغرّ طويل الباع جمّ المواهب
فدى لك يا إسحاق كلّ مبخّل ... ضجور إذا عضّت شداد النوائب
إذا ما بخيل القوم غيّب ماله ... فمالك عدّ حاضر غير غائب [5]
__________
[1] كذا في ف، وفي س، ب: «شوارد» بدل «شوادن».
[2] أدم: جمع أدماء، أي لونها مشرب بياضا أو سوادا.
[3] كذا في ف وفي س، ب: «لنا» بدل «بنا».
[4] كذا في ف، وفي س، ب: «الشرفيات» بدل «البشريات».
[5] كذا في ف، وفي س، ب: «المال» بدل «النوم» فمالك عد: أي كثير.
إذا اكتسب القوم الثّراء فإنّما ... ترى الحمد غنما من كريم المكاسب
وقال فيه أيضا:
فتى من بني الصّبّاح يهتزّ للنّدى ... كما اهتزّ مسنون الغرار عتيق
فتى لا يذمّ الضيف والجار رفده ... ولا يجتويه صاحب ورفيق [1]
أغر لأبناء السبيل موارد ... إلى بيته تهديهم وطريق
/ وإن عدّ أنساب الملوك وجدته ... إلى نسب يعلوهم ويفوق
فما في بني الصّبّاح إن بعد المدى ... على الناس إلا سابق وعريق
وإني لمن شاحنتم لمشاحن ... وإني لمن صادقتم لصديق
قال: وكان النّصيب إذا قدم على المهديّ استهداه القوّاد منه، وسألوه أن يأمره بزيارتهم، فكان فيمن استزاره خزيمة بن خازم، فوصله وحمله، وقال فيه:
يمدح خزيمة بن خازم:
وجدتك يا خزيمة أريحيّا ... بما تحوي وذا حسب صميم
تميم كان خير بني معدّ ... وأنت اليوم خير بني تميم
سوى رهط النبيّ وهم أديم ... وأنت قددت من ذاك الأديم
وقال فيه أيضا:
يا أفضل الناس عودا عند معجمه ... إذا تفاضل يوما معجم العود
إني لواحد شعر قد عرفت به ... وذا خزيمة أضحى واحد الجود
إن يعطك اليوم معروفا يعدك غدا ... فأنت في نائل منه وموعود [2]
وقد رأينا تميما غير مكرهة ... ألقت إليك جميعا بالمقاليد
فأنت أكرمها نفسا وأفضلها ... إنّ الصناديد أبناء الصناديد
شعره في جعد:
/ قال: وكان في غزاة سمالو [3] مع المهديّ. فوقف به فرسه، ومرّ به جعد مولى عبد اللّه بن هشام بن عمرو، وبين يديه فرس يجنب [4] فقال له: قد ترى قيام فرسي تحتي، فاردد إليّ جنيبك حتى يتروّح فرسي ساعة، فسكت، ولم يجبه فقال فيه:
__________
[1] يجتويه: يكرهه.
[2] كذا في ف وفي س، ب: «على ثمة» بدل «يعدك غدا».
[3] سمالو: من ثغور الشأم قرب المصيصة وطرسوس، وأصلها بالصاد. ولما أنزل أهلها ببغداد سموا موضعهم بالسين.
[4] فرس يجنب: يقاد إلى آخر.
/
أنادي بأعلى الصوت جعدا وقد يرى ... مكاني ولكن لا يجيب ويسمع
ولم يرني أهلا لحسن إجابة ... ولا سوئها إني إلى اللّه أرجع
فلو أنّني جازيت جعدا بفعله ... لقد لاح لي فيه من الشعر موضع
ولكنّني جافيت عنه لغيره ... بحسن الذي يأتي إليّ ويصنع
رأيتك لم تحفظ قرابة بيننا ... وما زالت القربى لدى الناس تنفع
لا يريد شريكا:
قال: وسأل عبيد اللّه بن يحيى بن سليمان مركبا، فأعطاه إياه، وجعل معه شريكا له فيه، فقال:
لقد مدحت عبيدا إذ طمعت به ... وقد تملّقته لو ينفع الملق
فعاد يسأل ما أصبحت سائله ... فكلّنا سائل في الحرص متّفق
أحين سار مديحي فيكم طرقا ... وحيث غنّت به الركبان والرّفق
قطعت حبل رجاء كنت آمله ... فيما لديك فأضحى وهو منحذق [1]
قد كان أورق عودي من أبيك فقد ... لحيت عودي فجفّ العود والورق
من نازع الكلب عرقا يرتجى شبعا ... كمصطل بحريق وهو يحترق [2]
الفضل بن يحيى يستقل ما أعطاه إياه:
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال: حدّثنا الزبير بن بكّار قال: كتب إليّ أبو محمد إسحاق بن أبي إبراهيم يقول:
أنشدت الفضل بن يحيى قول أبي الحجناء نصيب:
عند الملوك مضرّة ومنافع ... وأرى البرامك لا تضرّ وتنفع
/ إن العروق إذا استسرّ بها الثّرى ... أشر النبات بها وطاب المزرع [3]
فإذا نكرت من امرىء أعراقه ... وقديمه فانظر إلى ما يصنع
قال: فأعجبه الشعر، فقال: يا أبا محمد، كأني واللّه لم أسمع هذا القول إلا الساعة، وما له عندي عيب إلا أنّي لم أكافئه عليه. قال: قلت: وكيف ذلك أصلحك اللّه، وقد وهبت له ثلاثين ألف درهم! فقال: لا واللّه ما ثلاثون ألف دينار بمكافئة له، فكيف ثلاثون ألف درهم!
__________
[1] منحذق: منقطع.
[2] عرقا: عظما وفي س، ب: «عرفا» وما أثبتناه من ف.
[3] أشر النبات: ازدهر.
جود الفضل جعل الناس كلهم شعراء:
أخبرني أحمد بن عبد اللّه بن عمار قال: أخبرني أحمد بن سليمان بن أبي شيخ قال:
كان أبي يستملح قول نصيب وقد رأى كثرة الشعراء على باب الفضل بن يحيى. فلما دخل الناس إليه قال له:
ما لقينا من جود فضل بن يحيى ... ترك الناس كلهم شعراء
ويقول: ما في الدنيا أحسن من هذا المعنى، وعلى أنه قد أخذ منهم مالا جليلا ولكن قلما سمعت بطبقته مثله.
صوت
طاف الخيال ولات حين تطرّب ... أن زار طيف موهنا من زينب [1]
طرقت فنفّرت الكرى عن نائم ... كانت وسادته ذراع الأرحبي [2]
/فبكى الشباب وعهده وزمانه ... بعد المشيب وما بكاء الأشيب!
عروضه من الكامل، الشعر لأبي شراعة القيسي، والغناء لدعامة البصريّ خفيف رمل بالبنصر من كتاب الهشاميّ.
__________
[1] في س، ب: «المطرب» بدل «تطرب».
[2] الأرحبي: الجمل المنسوب إلى أرحب، وهي قبيلة من همدان.
2 - أخبار أبي شراعة ونسبه
اسمه ونسبه:
هو - فيما كتب به إلينا ابنه أبو الفيّاض سوّار بن أبي شراعة من أخباره ونسبه - أحمد بن محمد بن شراعة بن ثعلبة بن محمد بن عمير بن أبي نعيم بن خالد بن عبدة بن مالك بن مرة بن عبّاد بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن عليّ بن بكر بن وائل:
شاعر بصريّ من شعراء الدولة العباسية جيّد الشعر جزله، ليس برقيق الطبع، ولا سهل اللّفظ، وهو كالبدويّ الشعر في مذهبه، وكان فصيحا يتعاطى الرسائل والخطب مع شعره، وكانت به لوثة وهوج.
أمه وأبوه:
وأمه من بني تميم من بني العنبر، وابنه أبو الفيّاض سوّار بن أبي شراعة أحد الشعراء الرواة، قدم علينا بمدينة السّلام بعد سنة ثلاثمائة، فكتب عنه أصحابنا قطعا [1] من الأخبار واللّغة، وفاتني فلم ألقه، وكتب إليّ وإلى أبي - رحمه اللّه - بإجازة أخباره على يدي بعض إخواننا، فكانت أخبار أبيه من ذلك.
يهب نعله فتدمى أصبعه:
فمنها ما حكاه عنه أنه كان جوادا لا يليق [2] شيئا، ولا يسأل ما يقدر عليه إلا سمح به، وأنه وقف عليه سائل يوما فرمى إليه بنعله وانصرف حافيا، فعثر فدميت إصبعه فقال في ذلك:
ألا لا أبالى في العلا ما أصابني ... وإن نقبت نعلاي أو حفيت رجلي [3]
فلم تر عيني قطّ أحسن منظرا ... من النكب يدمى في المواساة والبذل [4]
ولست أبالي من تأوّب منزلي ... إذا بقيت عندي السراويل أو نعلي [5]
أخوه يقول إنه مجنون فينشد شعرا:
قال: وبلغه أن أخاه يقول: إن أخي مجنون، قد أفقرنا ونفسه، فقال:
أأنبز مجنونا إذا جدت بالذي ... ملكت وإن دافعت عنه فعاقل
__________
[1] كذا في ف وفي س، ب: «قطعات الأخبار».
[2] لا يليق: لا يمسك.
[3] في هج: «ما لقيته» لإبدل «ما أصابني». ونقبت نعلاي: رقت أو ثقبت.
[4] من النكب يدمى: وهو صدم الحجارة الرّجل، وفي هج: «من الرجل تدمى».
[5] تأوب منزلي: زارني ليلا.
فداموا على الزّور الذي قرفوا به ... ودمت على الإعطاء ما جاء سائل [1]
أبيت وتأبى لي رجال أشحّة ... على المجد تنميهم تميم ووائل [2]
قال: وقال أيضا في ذلك:
أئن كنت في الفتيان آلوت سيدا ... كثير شحوب اللون مختلف العصب [3]
فما لك من مولاك إلا حفاظه ... وما المرء إلا باللسان وبالقلب
هما الأصغران الذائدان عن الفتى ... مكارهه والصاحبان على الخطب
فإلّا أطق سعي الكرام فأنني ... أفكّ عن العاني وأصبر في الحرب
قصة لحن:
أخبرني عمي قال: أخبرني ميمون بن هارون قال: حدّثني إبراهيم بن المدبّر قال:
كان عندي أبو شراعة بالبصرة، وأنا أتولّاها، وكان عندي عمير المغني المدني، وكان عمير بن مرة غطفانيا، وكان يغنّي صوتا يجيده، واختاره عليه وهو:
أتحسب ذات الخال راجية ربّا ... وقد صدعت قلبا يجنّ بها حبّا
/ فاقترحه أبو شراعة على عمير، فقال: أعطني دراهم، حتى أقبل اقتراحك، فقال له أبو شراعة: أخذ المغني من الشاعر يدلّ على ضعف الشاعر، ولكني أعرضك لأبي إسحاق، فغنّاه إياه ثلاث مرات وقد شرب عليه ثلاثة أرطال، وقال:
عدوت إلى المريّ عدوة فاتك ... معنّ خليع للعواذل والعذر [4]
/فقال لشيء ما أرى قلت: حاجة ... مغلغلة بين المخنّق والنّحر [5]
فلما لواني يستثيب زجرته ... وقلت: اغترف إنّا كلانا على بحر [6]
أليس أبو إسحاق فيه غنى لنا ... فيجدي على قيس وأجدي على بكر
فغنّى بذات الخال حتى استخفّني ... وكاد أديم الأرض من تحتنا يجري
ابن المدبر يعطيه عشرة آلاف درهم:
حدّثني عليّ بن سليمان الأخفش قال: حدّثني محمد بن يزيد المبرد قال:
كان أبو شراعة صديقا لابن المدبّر أيام تقلّده البصرة، وكان لا يفارقه في سائر أحواله، ولا يمنعه حاجة يسأله
__________
[1] قرفوا به: وصموا.
[2] رجال أشحة. جمع شحيح، أي بخيل، وفي ف: «أعزة».
[3] كذا في ف، وفي س، ب: «لئن» وهو تحريف.
[4] كذا في ف وفي س، ب: «غدوت غدوة». بدل «عدوت» وفي س، ب: مغن، بدل «معن» ومعنى معن: مبالغ في العناء والتجشم.
[5] مغلغلة: داخلة ممعنة، المخنق: موضع الخناق.
[6] في ف: «يستثيب» أي يسألني أن أثيبه.
إياها، ولا يشفع لأحد إلا شفّعه، فلما عزل إبراهيم بن المدبر شيّعه الناس، وشيّعه أبو شراعة، فجعل يردّ الناس، حتى لم يبق غيره، فقال له: يا أبا شراعة غاية كل مودّع الفراق، فانصرف راشدا مكلوءا من غير قلى واللّه ولا ملل، وأمر له بعشرة آلاف درهم، فعانقه أبو شراعة، وبكى؛ فأطال، ثم أنشأ يقول:
يا أبا إسحاق سر في دعة ... وامض مصحوبا فما منك خلف
ليت شعري أيّ أرض أجدبت ... فأغيثت بك من جهد العجف!
نزل الرّحم من اللّه بهم ... وحرمناك لذنب قد سلف
إنما أنت ربيع باكر ... حيثما صرّفه اللّه انصرف
خلاف حول هلال رمضان:
قال أبو الفياض سوّار بن أبي شراعة:
دخل أبي على إبراهيم بن المدبر وعنده منجّم، فماراه [1] إبراهيم بن المدبّر في رؤية/ الهلال لشهر رمضان؛ فحكم المنجّم بأنه يرى، وحلف إبراهيم بعتق غلمانه أنّه لا يرى، فرئي في تلك الليلة. فأعتق غلمانه، فلما أصبح دخل الناس يهنئونه بالشهر، فأنشده أبو شراعة يقول:
أيها المكثر التّجنّي على الما ... ل إذا ما خلا من السّؤّال
أفتنا في الذين أعتقت بالأم ... س مواليك أم موالي الهلال؟
لم يكن وكدك الهلال ولكن ... تنألّى لصالح الأعمال
إنما لذتاك في المال شتّى ... صونك العرض وابتذال المال [2]
ما نبالي إذا بقيت سليما ... من تولّت به صروف اللّيالي
لا يدعي فيغضب:
قال أبو الفيّاض: وكان أبو شراعة صديق السّدري، فدعا يوما إخوانه، وأغفل أبا شراعة. فمرّ به الرياشيّ.
فقال: يا أبا شراعة، ألست عند السّدري معنا؟ فقال: لم يدعنا. ومرّ به جماعة من إخوانه، فسألوه عن مثل ذلك، ومرّ به عيسى بن أبي حرب الصّفار - وكان ممن دعي - فجلس وحلف ألا يبرح حتى يأتيه السّدري، فيعتذر إليه، ويدعوه، فقال أبو شراعة:
/أير حمار في حرام شعري ... وخصيناه في حرامّ قدري
إن أنا لم أشفعهما بوفر ... لو كنت ذا وفر دعاني السّدري
أو كان من همّ هشام أمري ... أو راح إبراهيم يطري ذكري
__________
[1] س، ب: «فما رآه» تحريف، ماراه: بمعنى عارضه.
[2] في هج: «في الدد» بدل «في المآل».
وابن الرياشي الضعيف الأسر ... يخاف إن أردف ألّا يجري [1]
/و أنت يا عيسى سقاك المسرى [2] ... نعم صديق عسرة ويسر
لا يستعين بإخوته في بناء داره:
قال أبو الفيّاض: سقطت دارنا بالبصرة، فعوتب أبي على بنائها، وقيل له: استعن بإخوانك إن عجزت عنه فقال:
تلوم ابنة البكريّ حين أءوبها ... هزيلا وبعض الآئبين سمين
وقالت: لحاك اللّه تستحسن العرا ... عن الدار إنّ النائبات فنون
وحولك إخوان كرام لهم غنى ... فقلت لإخواني: الكرام عيون
ذريني أمت قبل احتلال محلّة ... لها في وجوه السائلين غضون
سأفدي بمالي ماء وجهي إنني ... بما فيه من ماء الحياء ضنين [3]
في ليالي شهر رمضان:
قال سوّار بن أبي شراعة: كان إخوان أبي يجتمعون عند الحسين بن أيوب بن جعفر بن سليمان في ليالي شهر رمضان، فيهم الرياشي والجمّاز، فقال أبي في ذلك:
لو كنت من شيعة الجمّاز أقعدني ... مقاعدا قربهنّ الريف والشرّف
لكنّني كنت للعباس متّبعا ... وليس في مركب العباس مرتدف [4]
قد بقيت من ليالي الشهر واحدة ... فعاودوا مالح البقّال وانصرفوا [5]
طلاقه ليلة عرس:
قال: وتزوّج نديم لأبي شراعة يقال له بيّان [6] امرأة، فاتفق عرسه في ليلة طلّق فيها أبو شراعة امرأته، فعوتب في ذلك، وقيل: بات بيّان عروسا، وبتّ عزبا، فقال في ذلك:
/رأت عرس بيّان فهبّت تلومني ... رويدك لوما فالمطلّق أحوط
رويدك حتى يرجع البرّ أهله ... ويرحم ربّ العرس من حيث يغبط
إذا قال للطحّان عند حسابه ... أعد نظرا إني أظنك تغلط
__________
[1] في نسخة: «أو أردف» بدل «إن أردف».
[2] كذا في ف: ومعناه الذي يجري السحاب ليلا وهو اللّه، وفي س، ب: «المثري. وقد يكون المراد بالمسري. السحاب نفسه، فمن أسمائه سارية، ويلاحظ في قوله: «نعم صديق» أنه لم يجر على المقياس في فاعل نعم وبئس.
[3] كذا في ف وفي س، ب: «ماء الحياة» بدل «ماء الحياء».
[4] كذا في ف وفي س، ب: «موكب» بدل «مركب». وفي ه، هج: «تبعة» بتشديد الباء.
[5] كذا في ف وهج وربما كان اسمه «المنهال».
[6] في ف: «تبان» بدل «بيان».
فما راعه إلا دعاء وليدة ... هلمّ إلى السّواق إن كنت تنشط
هنالك يدعو أمّه فيسبّها ... ويلتبس الأجر العقوق فيحبط [1]
فياذا العلا إني لفضلك شاكر ... أبيت وحيدا كلما شئت أضرط
يشمت في بيان:
قال: ثم بلغه عن بيّان هذا أنه عجز عن امرأته، ولم يصل إليها، ولقي منها شرّا، فقال في ذلك:
رمى الدهر في صحبي وفرّق جلّاسي ... وباعدهم عني بظعن وإعراس
فكلّهم يبغي غلافا لأيره ... وأقعدني عن ذاك فقري وإفلاسي
فشكرا لربّي خان بيّان أيره ... وأسعى بأيري في الظّلام على الناس
[2] يمسحه بالكف حتى يقيمه ... وهل ينفع الكفّان من ثقل الراس
أولادنا أكبادنا:
وقال أبو الفياض سوّار:
نظر إليّ أبي يوما وقد سألت عمّي حاجة فردّني، فبكى، ثم قال:
حبّي لإغناء سوّار يجشّمني ... خوض الدّجى واعتساف المهمة البيد
/ كي لا تهون على الأعمام حاجته ... ولا يعلّل عنها بالمواعيد
ولا يوليهم إن جاء يسألها ... أكتاف معرضة في العيس مردود [3]
/إذا بكى قال منهم ذو الحفاظ له ... لقد بليت بخلق غير محمود
يحبذ النبيذ:
قال: وتمارى أبو شراعة ورجل من أهل بغداد في النبيذ، فجعل البغداديّ يذمّ نبيذ التمر والدّبس [4]، فقال أبو شراعة:
إذا انتخبت حبّه ودبه ... ثم أجدت ضربه ومرسه [5]
ثم أطلت في الإناء حبسه ... شربت منه البابليّ نفسه
دارهمه تغني عن سؤال بخيلين:
قال: وأعوز أبا شراعة يومئذ النبيذ، فطلب من نديمين كانا له، فاعتلّ أحدهما بحلاوة نبيذه، والآخر
__________
[1] ويلتبس الأجر: لعله ويلتمس الأجر.
[2] تكملة من هد، وهج.
[3] كذا في ف والمراد جعل يكثر أن يولي عرضه، في هج: «أكتاف مغرورق العينين مردود». كذا في ب وفي س، ب: «العيش». بدل «العيس».
[4] الدبس: عسل التمر.
[5] انتخبت حبّة ودبة: وزيره. ضربه ومرسه: خروجه من الماء ودعكه باليد.
بحموضته، فاشترى من نباذ يقال له: أبو مظلومة دستيجة [1] بدرهمين، وكتب إليهما:
سيغني عن حلاوة دبس يحيى ... ويغني عن حموض أبي أميّه
أبو مظلومة الشيخ المولّي ... إذا اتّزنت يداه درهميّه
أخبرني عليّ بن سليمان قال: حدّثنا محمد بن يزيد قال:
كان أبو شراعة قبيح الوجه جدّا، فنظر يوما في المرآة، فأطال، ثم قال: الحمد للّه الذي لا يحمد على الشرّ غيره.
يؤثر النبيذ على امرأته:
قال سوّار بن أبي شراعة: حلف أبي ألا يشرب نبيذا بطلاق امرأة كانت عنده، فهجره حولين، ثم حنث، فشرب، وطلّق امرأته وأنشأ يقول:
فمن كان لم يسمع عجيبا فإنني ... عجيب الحديث يا أميم وصادقه
وقد كان لي أنسان يا أمّ مالك ... وكلّ إذا فتّشتني أنا عاشقه
/ عزيزة والكأس التي من يحلّها ... تخادعه عن عقله فتصادقه [2]
تحاربتا عندي فعطّلت دنّها ... وأكوابها والدهر جمّ بوائقه [3]
ومرّمتها حولين ثم أزلّني ... حديث النّدامى والنشيد أوافقه
فلمّا شربت الكأس بانت بأختها ... فبان الغزال المستحبّ خلائقه
فما أطيب الكأس التي اعتضت منكم ... ولكنّها ليست بريم أعانقه
في مجلس الحسن بن رجاء:
قال أبو الفيّاض: قال أبي: قصدت الحسن بن رجاء بالأهواز، فصادفت ببابه دعبل بن عليّ الخزاعيّ وجماعة من الشعراء، وقد اعتلّ عليهم بدين لزمه ومصادرة [4] فكتب إليه:
المال والعقل شيء يستعان به ... على المقام بأبواب السلاطين
وأنت تعلم أني منهما عطل ... إذا تأملتني يا بن الدّهاقين
هل تعلم اليوم بالأهواز من رجل ... سواك يصلح للدّنيا وللدّين
قال: فوعدنا وعدا قرّبه، ثم تدافع، فكتب إليه:
آذنت جبّتي بأمر قبيح ... من فراق للطيلسان الفسيح [5]
__________
[1] دستيجة: إناء من زجاج.
[2] في هد، هج «و تسارقه» بدل «فتصادقه».
[3] بوائقه: جمع بائقة بمعنى مصيبة.
[4] مصادرة: مطالبة.
[5] في م، أ: «اللبيح»، وفي هد. هج: «المليح».
فكأني بمن يزيد على الجبّة في ظلّ دار سهل بن نوح/
أنت روح الأهواز يا بن رجاء ... أيّ شيء يعيش إلّا بروح
فأذن لي وللجماعة، وقضى حوائجنا.
يخدع أبناء سعيد بناقة عجفاء:
قال أبو الفيّاض وحدّثني أبي قال:
حججت، فأتيت دار سعيد بن سلم، فنحرت فيها ناقة، وقلت:
/وردت دار سعيد وهي خالية ... وكان أبيض مطعاما ذرى الإبل
فارتحت فيها أصيلا عند ذكرته ... وصحبتي بمنى لا هون في شغل
فابتعت من إبل الجمّال دهشرة ... موسومة لم تكن بالحقّة العطل [1]
نحرتها عن سعيد ثم قلت لهم: ... زوروا الحطيم فإني غير مرتحل
قال: وبلغت الأبيات وفعلي ولده، فأحسنوا المكافأة، وأجزلوا الصّلة؛ قال: فقال له صديق له: وأنت أيضا قد استجدت لهم النّحيرة! فضحك، ثم قال: أغرّك وصفي لها؟ أشهد اللّه أني ما بلغت بها دار سعيد إلا بين عمودين.
هو خير ممن تعوله أمه:
وقال أبو الفياض:
كان أبو أمامة محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن سعيد بن سلم [2] - وأمه سعدى بنت عمرو بن سعيد بن سلم - صديقا لأبي شراعة، وكانت أمّه سعدى تعوله، فكان أبو شراعة لا يزال يعبث به، وبلغه أن أبا أمامة يقول:
إنّما معاش أبي شراعة من السلطان ورفده، ولو لا ذاك لكان فقيرا؛ فقال فيه:
عيّرتني نائل السلطان أطلبه ... يا ضلّ رأيك بين الخرق والنّزق [3]
لو لا امتنان من السلطان تجهله ... أصبحت بالسّود في مقعوعس خلق [4]
- السّود: موضع تنزله باهلة بالبادية [5] - :
رثّ الرّدا بين أهدام مرقّعة ... يبيت فيها بليل الجائع الفرق
__________
[1] دهشرة: ناقة كبيرة، وفي ب، أ، م: «دوسرة» وهي بمعناها. الحقة: الساقة التي دخلت في السنة الرابعة. والعطل: هي التي لا سمة هنا ولا قلائد.
[2] في «معجم ياقوت»: «سالم». بدل «سلم».
[3] كذا في ف وياقوت، وفي س، ب: «الحذق» بدل «الخرق».
[4] مقعوعس خلق: بال قديم.
[5] في «معجم ياقوت»: السود: قرية باليمامة، ولا يناسب ذلك ما هنا.
/
لا شيء أثبت بالإنسان معرفة ... من التي حزمت جنبيه بالخرق [1]
فأين دارك منها وهي مؤمنة ... باللّه معروفة الإسلام والشّفق!
وأين رزقك إلا من يدي مرة ... ما بتّ من مالها إلا على سرق!
تبيت والهرّ ممدودا عيونكما ... إلى تطعّمها مخضرّة الحدق
ما بين رزقيكما إن قاس ذو فطن ... فرق سوى أنه يأتيك في طبق
شاركه في صيده للفأر تأكله ... كما تشاركه في الوجه والخلق
أبو أمامة يفجعه في برمة طفشيل:
قال أبو الفيّاض: وزارة أبو أمامة يوما فوجد عنده طفشيلا فأكله كلّه، فقال أبو شراعة يمازحه:
عين جودي لبرمة الطفشيل ... واستهلّي فالصبر غير جميل [2]
فجعتني بها يد لم تدع للذّ ... رّ في صحن قدرها من مقيل
كان واللّه لحمها من فصيل ... راتع يرتعي كريم البقول [3]
فخلطنا بلحمه عدس الشّا ... م إلى حمّص لنا مبلول
فأتتنا كأنها روضة بالحز ... ن تدعو الجيران للتّطفيل
ثم أكفأت فوقها جفنة الحيّ ... وعلّقت صحفتي في زبيل [4]
فمنى اللّه لي بفظّ غليظ ... ما أراه يقرّ بالتّنزيل
/ فانتحى دائبا يدبّل منها ... قلت: إن الثريد للتّدبيل [5]
فتغنّى صوتا ليوضح عندي ... حيّ أمّ العلاء قبل الرّحيل
نبيذ شبب بالماء:
أخبرني عليّ بن سليمان الأخفش قال: حدّثني سوّار بن أبي شراعة قال:
كتب أبي إلى سعيد بن موسى بن سعيد بن مسلم بن قتيبة يستهديه نبيذا، فكتب إليه سعيد: إذا سألتني - جعلني اللّه فداءك - حاجة فاشطط، واحتكم فيها حكم الصّبيّ على أهله، فإن ذلك يسرني، وأسارع إلى إجابتك فيه. وأمر له بما التمس من النبيذ، فمزجه صاحب شرابه، وبعث به إليه. فكتب إليه أبو شراعة: أستنسىء [6] اللّه
__________
[1] كذا في ف وفي بعض النسخ:
«خرمت جنبيه بالحرق»
[2] الطفشيل: نوع من المرق. وفي المعابهم أنه كسميدع.
[3] كذا في ف وفي س، ب: «رائع».
[4] زبيل: قفة أو جراب.
[5] كذا في ف، ومعناه يكبر اللقمة للفم. وفي س، ب: يذبل للتذييل.
[6] أستنسى ء: أسأل اللّه أن يطيل أجلك.
أجلك، وأستعيذه من الآفات لك، وأستعينه على شكر ما وهب من النّعمة فيك، إنه لذلك وليّ، وبه مليّ. أتلقى غلامك المليح قدّه، السعيد بملكك جدّه بكتاب قرأته غير مستكره اللفظ، ولا مزورّ عن القصد، ينطق بحكمتك، ويبين عن فضلك، فو اللّه ما أوضح لي خفيّا، ولا رادني بك علما، وإذا أنت تسأل فيه أن تهب، وتحبّ أن تحمد، ولا غرو [1] أن تفعل ذلك، ومن كثب أخذته، لا عن كلالة وغير كلالة ورثته، موسى أبوك، وسعيد جدّك، وعمرو عمك، ولك دار الصّلة، ودار الضيافة، وصاحب البغلة الشّهباء [2] وحصين بن الحمام وعروة بن الورد، ففي أيّ غلوات [3] المجد يطمع قرينك أن يستولى على المدى، والأمد دونك. وكتابك إليّ أن أتحكّم عليك تحكّم الصبي على أهله، فلشدّ ما جررت إليّ معروفك، ودللت على الأنس بك، وحاشى للمحكوم له والمحكوم عليه في ذات الحسب العتيق، والمنظر الأنيق الذي يسرّ القلب، ويلائم الرّوح، ويطرد الهمّ:
تدبّ خلال شؤون الفتى ... دبيب دبى النّملة المنتعش [4]
إذا فتحت فقمت ريحها ... وإن سيل خمّارها قال: خش
/ - خش: كلمة فارسية تفسيرها: طيّب - .
فإن كنت رعيت لها عهدا، وحفظت لها عندك يدا، فانظر ربّ الحانوت فامطله دينه، واقطع السبب بينك وبينه، فقد أساء صحبتها، وأفسد بالماء حسّها، وسلّط عليها عدوّها، واعلم بأن أباك المتمثّل بقوله:
يرى درجات المجد لا يستطيعها ... فيقعد وسط القوم لا يتكلم
وقد بسطت قدرتك لسانك، وأكثرت لك الحمد، فدونك نهزة البديهة منه:
وبادر بمعروف إذا كنت قادرا ... زوال افتقار أو غنى عنك يعقب [5]
وقد بعثت إليك بقرابة [6] مع الرسول، وأنشأت في أثرها أقول:
إليك ابن موسى الجود أعملت ناقتي ... مجلّلة يضفو عليها جلالها [7]
كتوم الوحي لا تشتكي ألم السّرى ... سواء عليها موتها واعتلالها
إذا شربت أبصرت ما جوف بطنها ... وإن ظمئت لم يبد منها هزالها
وإن حملت حملا تكلّفت حملها ... وإن حطّ عنها لم أقل كيف حالها؟ [8]
بعثنا بها تسمو العيون وراءها ... إليك وما يخشى عليها كلالها
/ وغنّى مغنّينا بصوت فشافني ... متى راجع من أم عمرو خيالها
__________
[1] لا غرر: لا عجب.
[2] الشهبة: بياض يخالطه سواد.
[3] غارات: جمع غارة: أي قدر رمية سهم أبعد ما يندر عليه.
[4] دبى النملة: أصغر النمل والجراد.
[5] في ف: «منك» بدل «عنك».
[6] ما يقرب من قدرك، وفي بعض النسخ «بقرافة»، أي رجاحة.
[7] مجللة: لابسة جلها وهو ما تلبسه الدابة لتصان به.
[8] كذا في ف وفي س، ب: «لم أبل» بدل «لم أقل».
أحبّ لكم قيس بن عيلان كلّها ... ويعجبني فرسانها ورجالها
ومالي لا أهوى بقاء قبيلة ... أبوك لها بدر وأنت هلالها
/ قال: فبعث إليه برسوله الذي حمل إليه النبيذ، واستملحه في شعره، وبصاحب شرابه، وكل ما كان في خزانته من الشرّاب وبثلاثمائة دينار.
مساجلة حول جارية:
أخبرني الأخفش عن المبرّد وسوّار بن أبي شراعة جميعا:
أن أبا الفيّاض سوار بن أبي شراعة كان يهوى قينة بالبصرة يقال لها: مليحة، فدعيت ذات يوم إلى مجلس لم يكن حاضره، وحضر أبو عليّ البصير ذلك المجلس، فجمّشها بعض من حضر، فلم تلتفت إليه، وعرف أبو عليّ ذلك فكتب إلى أبي الفيّاض:
لك عندي بشارة فاستمعها ... وأجبني عنها أبا الفيّاض
كنت في مجلس مليحة فيه ... وهي سقم الصّحاح برء المراض
وقديما عهدتني لست في حقّ ... ك والذبّ عنك ذا إغماض
فتغفّلتها تغفّل خصم ... وتأملتها تأمّل قاض
ورمتها العيون من كلّ أفق ... وتشاكوا بالوحي والإيماض
من كهول وسادة سمحاء ... باللّها باخلين بالأعراض [1]
وصفات القيان أولها الغد ... ر عليه في وصلهنّ التّراضي
فتشوّفت ذاك منها وأعدد ... ت نكيري وسورتي وامتعاضي
فحمت جانب المزاح وعمّت ... هم جميعا بالصّدّ والإعراض
وكفاني وفاؤها لك حتّى ... آذن الليل جمعهم بار فضاض
فأجابه أبو الفيّاض:
ليت شعري ماذا دعاك إلى أن ... هجت شوقي وزدت في إمراضي؟
ذكرّتني بشراك داء قديما ... من سقام عليّ لا شك قاضي
/ إن تكن أحسنت مليحة في وص ... لي وعاصت رياضة الرّوّاض
وأقامت على الوفاء ولم تر ... ع لوحي منهم ولا إيماض
فعلى صحّة الوفاء تعاقد ... نا وصون النّفوس والأعراض
وعلينا من العفاف ثياب ... هنّ أبهى من حاليات الرياض
__________
[1] اللها: العطايا.
ليس حظّي منها سوى النظر الخت ... ل وإني به لجذلان راض [1]
لحظات يقعن في ساحة القل ... ب وقوع السهام في الأغراض
وابتسام كالبرق أو هو أخفى ... بين ستري تحرّز وانقباض
لا أخاف انتقاضها آخر الده ... ر بغدر ولا تخاف انتقاضي
فأبن لي ألست تحمد ذا ال ... ودّ وقاك الردى أبو الفياض؟
يهجو بني سدس:
قال أبو الفيّاض: اتصل بأبي شراعة أن أبا ناظرة السّدوسي يغتابه، وكان مع آل أبي/ سفيان بن ثور فقال يهجوهم:
لعن الإله بني سدوس كلّهم ... ورمى بمنجوف وريّة قاف [2]
قد سبّني عضروطهم فسببتهم ... ذنب الدّنيء يناط بالأشراف [3]
لا يخرج من شتيمة إلى وليمة:
قال أبو الفيّاض: وكان بين بعض بني عمنا وبين أبي شراعة وحشة، ثم صالحوه، ودعوه إلى طعامهم، فأبى، وقال: أمثلي يخرج من صوم إلى طعم، ومن شتيمة إلى وليمة: ومالي ولكم مثل إلا قول المتلمّس:
/فإن تقبلوا بالودّ نقبل بمثله ... وإلا فإنا نحن آبى وأشمس [4]
وقال فيهم:
بني سوّار إن رثّت ثيابي ... وكلّ عن العشيرة فضل مالي [5]
فمطّرح ومتروك كلامي ... وتجفوني الأقارب والموالي
ألم أك من سراة بني نعيم ... أحلّ البيت ذا العمد الطّوال
وحولي كلّ أصيد تغلبيّ ... أبيّ الضيم مشترك النوال
إذا حضر الغداء فغير مغن ... ويغني حين تشتجر العوالي [6]
وأبقوني فلست بمستكين ... لصاحب ثروة أخرى الليالي
ولا بممسّح المثرين كيما ... أمسّح من طعامهم سبالي [7]
__________
[1] كذا في ف وفي س، ب: «ليست».
[2] منجوف: منهم عريض قاف. اسم جبل محيط بالدنيا فيما يزعمون؛ والمراد داهية نكراء.
[3] عضروطهم: لئيمهم.
[4] كذا في ف وفي م، أ: «أشوس»؛ وفي س، ب: «أشرس» بدل «أشمس».
[5] في ف: «بني سران» بدل «بني سوار».
[6] في ف «عند مشتجر» وفي سائر الأصول: حين تستجري، وفي «مهذب الأغاني»: حين تشتجر.
[7] السبل: جمع سبلة، وهي الدائرة وسط الشفة العليا. أو طرف الشارب.
أنا ابن العنبرية أزّرتني ... إزار المكرمات إزار خالي [1]
فإن يكن الغنى مجدا فإني ... سأدعو اللّه بالرزق الحلال
صوت
إذا أبصرتك العين من بعد غاية ... وأوقعت شكّا فيك أثبتك القلب
ولو أن ركبا يمّموك لقادهم ... نسيمك حتى يستدلّ بك الركب
الشعر لعبد اللّه بن محمد بن البوّاب، والغناء لأحمد بن صدقة الطّنبوري، رمل مطلق في مجرى البنصر رواية الهشامي.
__________
[1] في م، أ: «ورثتني» بدل «أزرتني».
3 - أخبار ابن البواب
اسمه ونشأته:
هو عبد اللّه بن محمد بن عتاب بن إسحاق، من أهل بخارى وجّه [1] بجدّه وجماعة معه رهينة إلى الحجاج بن يوسف، فنزلوا عنده بواسط، فأقطعهم سكّة بها، فاختطّوها ونزلوها طول أيام بني أمية، ثم انقطعوا من الدولة العباسية إلى الربيع، فخدموه.
وكان عبد اللّه بن محمد هذا يخلف الفضل بن الربيع على حجبة الخلفاء، وكان أبوه محمد بن عتاب يخلف الربيع في أيام أبي جعفر، وكان معه فرآه أبو جعفر مع أبيه، فسأله عنه فأخبره، فكساه قباء خزّ، وكساه تحته قباء كتّان مرقوع القبّ، وقال له: هذا يخفى تحت ذاك.
ذكر لي ذلك أحمد بن القاسم بن يوسف عن محمد بن عبد اللّه بن محمد البواب عن أبيه.
وكان عبد اللّه صالح الشعر قليله، ورواية لأخبار الخلفاء عالما بأمورهم، روى عنه أبو زيد عمر بن شبّة ونظراؤه، وقد مضت/ في هذا الكتاب وتأتي أخبار من روايته.
يمدح المأمون بعد أن نال منه:
قال أحمد بن القاسم اليوسفيّ: حدّثني محمد [2] بن عبد اللّه البواب قال: حدّثني أبي قال:
حجبت موسى وهارون خليفة للفضل بن الربيع.
وخدم [3] محمدا الأمين فأغناه وأعطاه، ومدحه، ونال من المأمون وعرّض به، فأخبرني إسماعيل بن يوسف قال: حدّثني عبد اللّه بن أحمد الباهليّ قال: حدّثني الحسين بن الضحّاك قال:
لما أتي المأمون بشعر ابن البواب الذي يقول فيه:
صوت
أيبخل فرد الحسن فرد صفاته ... عليّ وقد أفردته بهوى فرد!
رأى اللّه عبد اللّه خير عباده ... فملّكه واللّه أعليم بالعبد
ألا إنما المأمون للناس عصمة ... مميّزة بين الضّلالة والرّشد
- لعلويه في هذه الأبيات رمل بالوسطى - :
__________
[1] في س، ب: «واجه».
[2] في س، ب: «عبد اللّه بن محمد».
[3] في س، ب: «خلف موسى الأمين».
قال: فقال المأمون: أليس هو القائل:
أعينيّ جودا وابكيا لي محمّدا ... ولا تدخرا دمعا عليه وأسعدا [1]
فلا فرح المأمون بالملك بعده ... ولا زال في الدّنيا طريدا مشرّدا!
هيهات، وواحدة بواحدة! ولم يصله بشيء.
نزاع بينه وبين إسحاق:
هكذا روى عن الحسين [2] بن الضحاك. وقد روى أن هذين الشعرين جميعا للحسين، وأن قول المأمون هذا بعينه فيه.
وقال أحمد بن القاسم حدّثني جزء بن قطن. وأخبرني بهذا الخبر الحسين بن يحيى عن حماد بن إسحاق، قالا جميعا: وقع بين إسحاق وبين ابن البواب شرّ فقال ابن البواب شعرا ذميما رديئا، ونسبه إلى إسحاق وأشاعه ليعيّره به وهو:
إنما أنت يا عنان سراج ... زيته الظّرف والفتيلة عقل
قاده للشقاء مني فؤادي ... رجل حبّ لكم وللحبّ رجل [3]
هضم اليوم حبّكم كلّ حبّ ... في فؤادي فصار حبّك فجل
أنت ريحانة وراح ولكن ... كلّ أنثى سواك خلّ وبقل [4]
/و قال حماد في خبره وبلغ ذلك أبي فقال له:
الشعر قد أعيا عليك فخلّه ... وحذ العصا واقعد على الأبواب
فجاء ابن البواب إلى إبراهيم جدّي فشكا أبي إليه فقال له: ما لك وله يا بنيّ؟ فقال له أبي: تعرّض لي فأجبته، وإن كفّ لم أرجع إلى مساءته. فتتاركا.
يهوى جارية اسمها عبادة:
قال أحمد بن القاسم: أخبرني محمد بن الحسن بن الفضل قال: أخبرني: إبراهيم بن أحمد بن عبد الرحيم قال:
كان بالكرخ نخّاس يكنى أبا عمير، وكان له جوار قيان لهنّ ظرف وأدب، وكان عبد اللّه بن محمد البواب يألف جارية منهنّ يقال لها: عبّادة، ويكثر غشيان منزل أبي عمير من أجلها، فضاق ضيقة شديدة، فانقطع عن ذلك، وكره أن يقصّر عما كان يستعمله من برّهم فتعلم بضيقته، ثم نازعته نفسه إلى لقائها وزيارتها، وصعب عليه الصبر عنها، فأتاه فأصاب في منزله جماعة ممن كان يألف جواريه، فرحّب به أبو عمير والجارية والقوم جميعا، واستبطئوا
__________
[1] في هج: «و لا تحزنا» بدل «و لا تدخرا».
[2] كذا في ف وفي س، ب: الحسن بدل «الحسين».
[3] في س، ب: «رجل فتى».
[4] في: هج «و روح» بدل «وراح».
زيارته، وعاتبوه على تأخره عنهم، فجعل يجمجم في عذره، ولا يصرّح، فأقام عندهم، فلما أخذ فيه النبيذ أنشأ يقول:
/لو تشكّى أبو عمير قليلا ... لأتيناه من طريق العياده
فقضينا من العيادة حقّا ... ونظرنا في مقلتي عبّاده
فقال له أبو عمير: مالي ولك يا أخي؟ انظر في مقلتي عبّادة متى شئت غير ممنوع، ودعني أنا في عافية، لا تتمنّ لي المرض لتعودني.
شعره في صديق مدمن:
وقال أحمد بن القاسم:
كان عبد اللّه بن إسماعيل بن عليّ بن ريطة يألف ابن البواب ويعاشره، فشرب عنده يوما حتى سكر ونام، فلما أفاق في السّحر أراد الانصراف، فحلف عليه واحتبسه، وكان عبد اللّه يهوى جارية له من جواري عمرو بن بانة، فبعث إلى عمرو بن بانة فدعاه/ وسأله إحضار الجارية، فأحضرها، وانتبه عبد اللّه بن إسماعيل من نومه، وهو يتململ خمارا. فلما رآها نشط، وجلس فشرب، وتمّموا يومهم، فقال عبد اللّه بن محمد بن البواب في ذلك:
وكريم المجد محض أبوه ... فهو الصفو اللّباب النّضار
هاشميّ لقروم إذا ما ... أظلمت أوجه قوم أناروا
رمت القهوة بالنوم وهنا ... عينه فالجفن فيه انكسار
فهو من طرف يفدّيك طورا ... ويعاطيك اللواتي أداروا
ساعة ثم انثنى حين دبّت ... ومشت فيه السّلاف العقار
وأبت عيني اغتماضا فلمّا ... حان من أخرى النجوم انحدار
قلت: عبد اللّه حاذرت أمرا ... ليس يغني خائفيه الحذار
فاستوى كالهندوائيّ لمّا ... أن رأى أن ليس يغني الفرار
قلت: خذها مثل مصباح ليل ... طيّرت في حافيته الشّرار
أقبلت قطرا نطافا ولما ... يتعب العاصر منها اعتصار [1]
هي كالياقوت حمراء شيبت ... وعلا الحمرة منها اصفرار [2]
كالدنانير جرى في ذراها ... فضة فالحسن منها قصار [3]
تنطق الخرس وبالصمت ترمي ... معشرا نطقا إذا ما أحاروا
__________
[1] كذا في ف وفي س، ب: «فيها» بدل «منها».
[2] كذا في ف وفي س، ب: «شبت» بدل «شيبت».
[3] قصار: غاية ونهاية.
يمدح المأمون:
قال أحمد: وحدّثني يعقوب بن العباس الهاشميّ أبو إسماعيل النقيب قال:
لما طال سخط المأمون على ابن البواب قال قصيدة يمدحه بها، ودسّ من غنّاه [1] /في بعضها، لما وجد منه نشاطا. فسأل من قائلها؟ فأخبر به فرضي عنه، وردّه إلى رسمه من الخدمة، وأنشدني أبو إسماعيل القصيدة، وهي قوله:
هل للمحبّ معين ... إذ شطّ عنه القرين!
فليس يبكي لشجو ال ... حزين إلّا الحزين
يا ظاعنا غاب عنّا ... غداة بان القطين
أبكى العيون وكانت ... به تقرّ العيون
يأيها المأمون ال ... مبارك الميمون [2]
/لقد صفت بك دنيا ... للمسلمين ودين
عليك نور جلال ... ونور ملك مبين
القول منك فعال ... والظنّ منك يقين
ما من يديك شمال ... كلتا يديك يمين
كأنما أنت في الجو ... د والتّقى هارون
من نال من كل فضل ... ما ناله المأمون!
تألّف الناس منه ... فضل وجود ولين
كالبدر يبدو عليه ... سكينة وسكون
فالرزق من راحتيه ... مقسّم مضمون
وكل خصلة فضل ... كانت، فمنه تكون
/ والأبيات التي فيها الغناء المذكور آنفا أربعة أبيات، أنشدنيها الأخفش وهي قوله:
أفق أيها القلب المعذّب كم تصبو ... فلا النأي عن سلماك يسلي ولا القرب
أقول غداة استخبرت ممّ علتي ... من الحبّ كرب ليس يشبهه كرب
إذا أبصرتك العين من بعد غاية ... فأدخلت شكا فيك أثبتك القلب
ولو أن ركبا يمموك لقادهم ... نسيمك حتى يستدلّ بك الركب
__________
[1] في س، ب: «من غنائه».
[2] كذا بالأصول والتشعيث هنا يقتضي أن يكون البيت هكذا:
يأيها المأمون ... مبارك ميمون
فقال الأخفش مثل هذا البيت الأخير قول الشاعر:
واستودعت نشرها الديار [1] فما ... تزداد طيبا إلا على القدم
يخشى العين على ساقيه:
أخبرني الحسن بن يحيى عن حماد بن إسحاق: قال:
رأيت محمد بن عبد اللّه البواب وقد جاء إلى أبي مسلّما فاحتبسه، ورأيته وهو شيخ كبير، وكان ضخما طويلا عظيم الساقين كأنهما دنّان، وكان يشدّ في ساقيه خرزا أسود لئلا تصيبهما العين.
يملق فيغنيه أبو دلف:
وقال محمد بن القاسم: أملق عبد اللّه بن محمد البواب حين جفاه الخليفة، وعلت سنّه عن [2] الخدمة، فرحل إلى أبي دلف القاسم بن عيسى، ومدحه بقصيدة، فوهب له ثلاثين ألف درهم، وعاد بها إلى بغداد، فما نفدت حتى مات وهي قوله:
طرقتك صائدة القلوب رباب ... ونأت فليس لها إليك مآب
وتصرّمت منها العهود وغلّقت ... من دون نيل طلابها الأبواب
/ فلأصدفنّ عن الهوى وطلابه ... فالحبّ فيه بليّة وعذاب
وأخصّ بالمدح المهذّب سيّدا ... نفحاته للمجتدين رغاب [3]
وإلى أبي دلف رحلت مطيّتي ... قد شفّها الإرقال والإتعاب [4]
تعلو بنا قلل الجبال ودونها ... مما هوت أهويّة وشعاب [5]
فإذا حللت لدى الأمير بأرضه ... نلت المنى وتقضّت الآراب
ملك تأثّل عن أبيه وجدّه ... مجدا يقصّر دونه الطّلاب
/ وإذا وزنت قديم ذي حسب به ... خضعت لفضل قديمه الأحساب
قوم علوا أملاك كلّ قبيلة ... فالناس كلّهم لهم أذناب [6]
ضربت عليه المكرمات قبابها ... فعلا العمود وطالت الأطناب
عقم النساء بمثله وتعطّلت ... من أن تضمّن مثله الأصلاب
__________
[1] في ف: «الرياض» بدل «الديار».
[2] في س، ب: «من»، بدل «عن».
[3] رغاب: جمع رغيبة، بمعنى واسعة.
[4] الإرقال: الإسراع.
[5] أهوية: هوة.
[6] كذا في ف، وفي س، ب: له بدل «لهم».
صوت
صغير هواك عذّبني ... فكيف به إذا احتنكا
وأنت جمعت من قلبي ... هوى قد كان مشتركا
وحبس هواك يقتلني ... وقتلي لا يحلّ لكا [1]
أما ترثي لمكتئب ... إذا ضحك الخليّ بكى
الشعر لمحمّد بن عبد الملك الزيات والغناء لأبي حشيشة رمل بالوسطى عن الهشاميّ.
__________
[1] في س، ب: «و حسن رضاك».
4 - أخبار محمد بن عبد الملك الزيات ونسبه
اسمه ونسبه:
هو محمد بن عبد الملك الزيات بن أبان بن أبي حمزة الزيات، وأصله من جبّل [1] ويكنى أبا جعفر. وكان أبوه تاجرا من تجار الكرخ المياسير، فكان يحثّه على التجارة وملازمتها، فيأبى إلا الكتابة وطلبها، وقصد المعالي، حتى بلغ منها أن وزر ثلاث دفعات، وهو أوّل من تولى ذلك وتمّ له.
أخبرني الأخفش عليّ بن سليمان قال: حدّثني عمر بن محمد بن عبد الملك قال:
كان جدّي موسرا من تجار الكرخ، وكان يريد من أبي أن يتعلّق بالتجارة، ويتشاغل بها، فيمتنع من ذلك ويلزم الأدب وطلبه، ويخالط [2] الكتاب، ويلازم الدّواوين، فقال له ذات يوم: واللّه ما أرى ما أنت ملازمه ينفعك؛ وليضرّنّك؛ لأنك تدع عاجل المنفعة، وما أنت فيه مكفيّ، ولك ولأبيك فيه مال وجاه، وتطلب الآجل الذي لا تدري كيف تكون فيه. فقال: واللّه لتعلمنّ أيّنا ينتفع بما هو فيه؛ أأنا أم أنت؟ ثم شخص إلى الحسن بن سهل بفم الصّلح [3]، فامتدحه بقصيدته التي أولها:
كأنها حين تناءى خطوها ... أخنس موشيّ الشّوى يرعى القلل [4]
فأعطاه عشرة آلاف درهم، فعاد بها إلى أبيه، فقال له أبوه: لا ألومك بعدها. على ما أنت فيه.
دخوله على الحسن بن سهل:
أخبرني جحظة والصّوليّ، قالا: حدّثنا ميمون بن هارون: قال:
لما مدح محمد بن عبد الملك الحسن بن سهل، ووصله بعشرة آلاف درهم مثل بين يديه وقال له:
لم أمتدحك رجاء المال أطلبه ... لكن لتلبسني التّحجيل والغررا
وليس ذلك إلا أنّني رجل ... لا أطلب الورد حتى أعرف الصّدرا
وكان محمد بن عبد الملك شاعرا مجيدا، لا يقاس به أحد من الكتاب، وإن كان إبراهيم بن العباس مثله في ذلك، فإن إبراهيم مقلّ وصاحب قصار ومقطّعات، وكان محمد شاعرا يطيل فيجيد، ويأتي بالقصار فيجيد، وكان بليغا حسن اللفظ إذا تكلّم وإذا كتب.
__________
[1] جبل: قرية مقابلة لقرية دسكرة غربي بغداد.
[2] في س، ب: «يخاطب». بدل «يخالط».
[3] فم الصلح: موضع على نهر الصلح وهو نهر كبير فوق واسط، بينها وبين جبل عليه عدة قرى. والصلح كانت دار الحسن بن سهل.
[4] أخنس: ثور وحشي، وموشي الشوي: ملون الأطراف.
ينصف خصمه من نفسه:
فحدّثني/ عمي رحمه اللّه قال: حدّثني هارون بن محمد بن عبد الملك قال:
جلس أبي يوما للمظالم، فلما انقضى المجلس رأى رجلا جالسا، فقال له: ألك حاجة؟ قال: نعم تدنيني إليك؛ فإني مظلوم. فأدناه، فقال: إني مظلوم، وقد أعوزني الإنصاف، قال: ومن ظلمك؟ قال: أنت، ولست أصل إليك؛ فأذكر حاجتي؟ قال: ومن يحجبك عني وقد ترى مجلسي مبذولا؟ قال: يحجبني عنك هيبتي لك وطول لسانك؛ وفصاحتك، واطراد حجتك، قال: ففيم ظلمتك؟ قال: ضيعتي الفلانية أخذها وكيلك غصبا بغير ثمن، فإذا وجب عليها خراج أدّيته باسمي لئلا يثبت لك اسم [1] بملكها، فيبطل ملكي، فوكيلك يأخذ غلّتها، وأنا أؤدي خراجها، وهذا مما لم يسمع في الظلم مثله، فقال محمد: هذا قول تحتاج عليه إلى بيّنة وشهود وأشياء، فقال له الرجل: أيؤمنني الوزير من غضبه، حتى أجيب؟ قال: قد أمّنتك،/ قال: البينة هم الشهود، وإذا شهدوا فليس يحتاج معهم إلى شيء، فما معنى قولك: بيّنة وشهود وأشياء، أيش هذه الأشياء إلّا العيّ والحصر والتغطرس؟ [2] فضحك، وقال: صدقت، والبلاء موكّل بالمنطق، وإني لأرى فيك مصطنعا، ثم وقّع له بردّ ضيعته وبأن يطلق له كرّ حنطة [3] وكر شعير ومائة دينار يستعين بها على عمارة ضيعته، وصيّره من أصحابه، واصطنعه.
يهدد إبراهيم بن المهدي:
أخبرني الصّوليّ: قال: حدّثني أحمد بن محمد الطالقانيّ [4] قال: حدّثني عبيد اللّه بن محمد بن عبد الملك قال:
لمّا وثب إبراهيم بن المهديّ على الخلافة، اقترض من مياسير التّجّار مالا، فأخذ من جدّي عبد الملك عشرة آلاف درهم [5]، وقال له: أنا أردّها إذا جاءني مال، ولم يتم أمره فاستخفى، ثم ظهر ورضي عنه المأمون، فطالبه الناس بأموالهم، فقال: إنما أخذتها للمسلمين، وأردت قضاءها من فيئهم، والأمر الآن إلى غيري، فعمل أبي محمد بن عبد الملك قصيدة يخاطب فيها المأمون، ومضى بها إلى إبراهيم بن المهديّ، فأقرأه [6] إياها وقال: واللّه لئن لم تعطني المال الذي اقترضته من أبي لأوصلنّ هذه القصيدة إلى المأمون، فخاف أن يقرأها المأمون، فيتدبّر ما قاله، فيوقع به، فقال له: خذ مني بعض المال، ونجّم عليّ بضعه، ففعل أبي ذلك بعد أن حلّفه إبراهيم بأوكد الأيمان ألّا يظهر القصيدة في حياة المأمون، فوفّى له أبي بذلك، ووفّى إبراهيم بأداء المال كله.
والقصيدة قوله:
/ألم تر أن الشيء للشيء علّة ... تكون له كالنار تقدح بالزّند
__________
[1] كذا في ف و «الديوان» وفي س، ب: «اسم في ملكها».
[2] التغطرس: التعامي عن الشيء.
[3] كر حنطة: أربعون أردبا.
[4] الطالقاني نسبة إلى طالقان، وهي بلدتان إحداهما بخراسان بين مرو الروز وبلخ، والأخرى بين قزوين وأبهر، وضبطها ياقوت بفتح اللام.
[5] في ف: «دينار».
[6] في س، ب: «فأقرأها» إياه.
كذلك جرّبت الأمور وإنما ... يدلّك ما قد كان قبل على البعد
وظنّي بإبراهيم أنّ مكانه ... سيبعث يوما مثل أيامه النّكد [1]
رأيت حسينا حين صار محمد ... بغير أمان في يديه ولا عقد [2]
فلو كان أمضى السيف فيه بضربة ... فصيّره بالقاع منعفر الخدّ
إذا لم تكن للجند فيه بقية ... فقد كان ما خبّرت من خبر الجند
هم قتلوه بعد أن قتلوا له ... ثلاثين ألفا من كهول ومن مرد
وما نصروه عن يد سلفت له ... ولا قتلوه يوم ذلك عن حقد
/ ولكنه الغدر الصّراح وخفة ال ... حلوم وبعد الرأي عن سنن القصد
فذلك يوم كان للناس عبرة ... سيبقى بقاء الوحي في الحجر الصّلد [3]
وما يوم إبراهيم إن طال عمره ... بأبعد في المكروه من يومه عندي
تذكّر أمير المؤمنين مقامه ... وأيمانه في الهزل منه وفي الجدّ
أما والذي أمسيت عبدا خليفة ... له شرّ أيمان الخليفة والعبد
إذا هزّ أعواد المنابر باسته ... تغنّى بليلى أو بميّة أو هند
فو اللّه ما من توبة نزعت به ... إليك ولا ميل إليك ولا ودّ
/ ولكنّ إخلاص الضمير مقرّب ... إلى اللّه زلفى لا تخيب ولا تكدي
أتاك بها طوعا إليك بأنفه ... على رغمه واستأثر اللّه بالحمد
فلا تتركن للناس موضع شبهة ... فإنك مجزيّ بحسب الذي تسدي
فقد غلطوا للناس في نصب مثله ... ومن ليس للمنصور بابن ولا المهدي [4]
فكيف بمن قد بايع الناس والتقت ... ببيعته الركبان غورا إلى نجد
ومن سكّ تسليم الخلافة سمعه ... ينادى به بين السّماطين من بعد
وأي امرىء سمّى بها قطّ نفسه ... ففارقها حتى يغيّب في اللّحد
وتزعم هذي النابتيّة أنّه ... إمام لها فيما تسرّ وما تبدي [5]
يقولون سنّيّ وأيّة سنّة ... تقوم بجون اللون صعل القفا جعد [6]
__________
[1] النكد: المشؤومة، جمع أنكد.
[2] لعله يقصد بالحسين: والد طاهر بن الحسين الذي قتل الأمين.
[3] الوحي: الكتابة.
[4] في س، ب: «بالمنصور».
[5] النابتية: أو النوابت - طائفة من الحشوية أحدثوا بدعا غريبة في الإسلام.
[6] كذا في ف و «الديوان». وصعل القفا: كناية عن لؤم الحسب. وجعد: بخيل.
وقد جعلوا رخص الطعام بعهده ... زعيما له باليمن والكوكب السّعد
إذا ما رأوا يوما غلاء رأيتهم ... يحنّون تحنانا إلى ذلك العهد
وإقباله في العيد يوجف حوله ... وجيف الجياد واصطفاق القنا الجرد [1]
ورجّالة يمشون بالبيض قبله ... وقد تبعوه بالقضيب وبالبرد
/ فإن قلت قد رام الخلافة غيره ... فلم يؤت فيما كان حاول من جدّ
فلم أجزه إذ خيّب اللّه سعيه ... على خطإ إذ كان منه ولا عمد [2]
ولم أرض بعد العفو حتّى رفعته ... وللعمّ أولى بالتّعهّد والرّفد [3]
فليس سواء خارجيّ رمى به ... إليك سفاه الرأي والرأي قد يردى
تعاوت له من كل أوب عصابة ... متى يوردوا لا يصدروه عن الورد [4]
ومن هو في بيت الخلافة تلتقي ... به وبك الآباء في ذروة المجد
فمولاك مولاه وجندك جنده ... وهل يجمع القين الحسامين في غمد؟
وقد رابني من أهل بيتك أنّني ... رأيت لهم وجدا به أيّما وجد
يقولون لا تبعد من ابن ملمّة ... صبور عليها النفس ذي مرّة جلد
فدانا وهانت نفسه دون ملكنا ... عليه لذي الحال التي قلّ من يفدي [5]
على حين أعطى الناس صفق [6] أكفّهم ... عليّ بن موسى بالولاية والعهد
/ فما كان فينا من أبى الضّيم غيره ... كريم كفى ما في القبول وفي الرّدّ
وجرّد إبراهيم للموت نفسه ... وأبدى سلاحا فوق ذي ميعة نهد [7]
وأبلى ومن يبلغ من الأمر جهده ... فليس بمذموم وإن كان لم يجد
فهذي أمور قد يخاف ذوو النهى ... مغبّتها واللّه يهديك للرشد
يزري بيحيى بن خاقان:
أخبرني الصوليّ، قال: حدّثني عبد اللّه بن الحسين القطربّليّ، عن جعفر بن محمد بن خلف قال:
قال لي المعلّى بن أيوب: كيف كان محلّ يحيى بن خاقان عند محمد بن عبد الملك ومقداره؟ فقلت له:
__________
[1] يوجف حوله: يسرع، وفي ف و «الديوان» «اصطكاك»: بدل «اصطفاق» وهما بمعنى واحد، وهو اهتزاز وتحرك.
[2] كذا في ف وفي س، ب و «الديوان»: «على عمد».
[3] في هج، هد «و لم أر» بدل «و لم أرض» وفي «الديوان» هج: «رفدته» بدل «رفعته».
[4] كذا في ف و «الديوان» ومعناه اجتمعوا وفي س، ب «تعادت» بدل «تعاوت».
[5] في «الديوان»: «عليه على الحين الذي قل من يفدي».
[6] ف: «صفو».
[7] ذو ميعة: أول جري الفرس ونشاطه. نهد: جسيم مشرف.
سمعت محمدا يذكره، فقال: هو مهزول الألفاظ، عليل المعاني سخيف العقل، ضعيف العقدة [1]، واهي العزم مأفون الرأي.
لا يلبس القباء:
قال عبد اللّه:
ولما تولى محمد بن عبد الملك الوزارة، اشترط ألّا يلبس القباء، وأن يلبس الدّرّاعة [2] ويتقلّد عليها سيفا بحمائل، فأجيب إلى ذلك.
من لا يرحم لا يرحم:
أخبرني الصوليّ، قال: حدّثني أبو ذكوان، قال: حدّثني طمّاس، قال ميمون بن هارون:
كان محمد بن عبد الملك، يقول: الرّحمة خور في الطبيعة، وضعف في المنّة، ما رحمت شيئا قط. فكانوا يطعنون عليه في دينه بهذا القول، فلما وضع في الثّقل [3] والحديد قال: ارحموني، فقالوا له: وهل رحمت شيئا قطّ فترحم! هذه شهادتك على نفسك وحكمك عليها.
أخبرني الصوليّ: قال: حدّثني أبو ذكوان، قال: حدّثني طماس، قال:
جاء أبو دنقش الحاجب إلى محمد بن عبد الملك برسالة من المعتصم ليحضر، فدخل ليلبس ثيابه، ورأى ابن دنقش الحاجب غلمانا لهم روقة [4] فقال: وهو يظنّ أنه لا يسمع:
وعلى اللواط فلا تلومن كاتبا ... إن اللّواط سجيّة الكتّاب
فقال محمد له:
وكما اللواط سجية الكتّاب ... فكذا الحلاق سجيّة الحجّاب [5]
لا اعتذار مع القصاص:
فاستحيا ابن دنقش، واعتذر إليه، فقال له: إنما يقع العذر لو لم يقع الاقتصاص فأما وقد كافأتك فلا.
يرثي سكرانة:
أخبرني الصوليّ، قال: حدّثني محمد بن موسى، قال:
أنشدني الحسن بن وهب لمحمد بن عبد الملك أبياتا، يرثي بها سكرانة أمّ ابنه عمر، وجعل الحسن يتعجب من جودتها، ويقول:
__________
[1] العقدة: الولاية.
[2] الدراعة: ثوب كالجبة مشقوق المقدم يعمل من الصوف خاصة.
[3] في هج، هد «في النثور والحديد» بدل «في الثقل والحديد».
[4] غلمان لهم روقة: حسان، جمع رائق.
[5] الحلاق: داء الأبنة.
يقول لي الخلّان لو زرت قبرها ... فقلت: وهل غير الفؤاد لها قبر
على حين لم أحدث فأجهل قدرها ... ولم أبلغ السنّ التي معها الصبر
اعتذاره إلى عبد اللّه بن طاهر:
أخبرني محمد بن خلف وكيع قال: حدّثني عبد الرحمن بن سعيد الأزرقيّ، قال: استبطأ عبد اللّه بن طاهر محمد بن عبد الملك في بعض أموره، واتّهمه بعدوله عن شيء أراده إلى سواه، فكتب إليه محمد بن عبد الملك يعتذر من ذلك، وكتب في آخر كتابه يقول:
أتزعم أنني أهوى خليلا ... سواك على التّداني والبعاد
جحدت إذا موالاتي عليّا ... وقلت بأنني مولى زياد
واحدة بواحدة:
قرأت في بعض الكتب:
كان عبد اللّه بن الحسن الأصبهانيّ يخلف عمرو بن مسعدة على ديوان الرسائل، فكتب إلى خالد بن يزيد بن مزيد: إن المعتصم أمير المؤمنين ينفخ منك/ في غير فحم، ويخاطب امرأ غير ذي فهم، فقال محمد بن عبد الملك: هذا كلام ساقط سخيف؛ جعل أمير المؤمنين ينفخ بالزّق كأنه حدّاد، وأبطل الكتاب ثم كتب/ محمد بن عبد الملك إلى عبد اللّه بن طاهر: وأنت تجري أمرك على الأربح فالأربح، والأرجح فالأرجح، لا تسعى [1] بنقصان، ولا تميل برجحان، فقال عبد اللّه الأصبهانيّ: الحمد للّه، قد أظهر من سخافة اللفظ ما دل على رجوعه إلى صناعته من التجارة بذكره ربح السّلع، ورجحان الميزان، ونقصان الكيل، والخسران من رأس المال.
فضحك المعتصم، وقال: ما أسرع ما انتصف الأصبهانيّ من محمد، وحقدها عليه ابن الزيات، حتى نكبه.
أدعاء له أم عليه:
أخبرني الأخفش عن المبرّد قال:
نظر رجل كان يعادى يونس النحوي إليه وهو يهادى [2] بين اثنين من الكبر، فقال له: يا أبا عبد الرحمن، أبلغت ما أرى؟ فعلم يونس أنه قال له ذلك شامتا، فقال: هذا الذي كنت أرجو فلا بلغته، فأخذه محمد بن عبد الملك الزيّات: فجعله في شعر فقال:
وعائب عابني بشيب ... لم يعد لمّا ألمّ وقته
فقلت إذ عابني بشيبي: ... يا عائب الشيب لا بلغته
منديل تحت عمامة:
وذكر أبو مروان الخزاعيّ [3] أن أبا دهمان المغنّي سرق من محمد بن عبد الملك منديلا دبقيّا [4] فجعله تحت عمامته، وبلغ محمدا، فقال فيه:
__________
[1] في م، أ، تشعر بدل «تسعى».
[2] في هج «يتهادى» بدل «يهادى».
[3] ف: «الخرائطي».
[4] دبقيا: نسبة إلى دبيق كأمير، قرية كانت بين الفرما وتنيس من أعمال مصر مشهورة بالثياب الدبقية، وهي ثياب دقيقة تكور عمائم،
ونديم سارق خاتلني ... وهو عندي غير مذموم الخلق
ضاعف الكور على هامته ... وطوى منديلنا طيّ الخرق
يا أبا دهمان لو جاملتنا ... لكفيناك مئونات السّرق
ترجوه فتحرمه:
أخبرنا أبو مسلم محمد بن بحر الأصبهاني، قال:
كنت عند أبي الحسين بن أبي البغل لما انصرف عن بغداد بعد إشخاصه إليها للوزارة وبطلان ما نذره من ذلك ورجوعه، فجعل يحدّثنا بخبره، ثم قال: للّه درّ محمد بن عبد الملك الزيات حيث [1] يقول:
ما أعجب الشيء ترجوه فتحرمه ... قد كنت أحسب أنّي قد ملأت يدي
ما لي إذا غبت لم أذكر بصالحة ... وإن مرضت فطال السّقم لم أعد [2]
يتبادلان المدح:
أخبرني الصوليّ، قال: حدّثني عون بن محمد الكنديّ، قال: حدّثني عبد اللّه بن العباس بن الفضل بن الربيع، قال:
وصفني محمد بن عبد الملك للمعتصم، وقال: ما له نظير في ملاحة الشعر والغناء والعلم بأمور الملوك، فلقيته فشكرته، وقلت: جعلت فداءك! أتصف شعري وأنت أشعر الناس؟ ألست القائل:
ألم تعجب لمكتئب حزين ... خدين صبابة وحليف صبر
يقول - إذا سألت به - : بخير ... وكيف يكون مهجور بخير؟
قال: وأين هذا، من قولك؟
يقول لي كيف أصب ... حت كيف يصبح مثلي
ماء ولا كصدّاء [3]، ومرعى ولا كالسّعدان [4].
لا ينتصف من ساقط أحمق:
أخبرني الصوليّ، قال: حدّثني عون بن محمد: قال: لقي الكنجيّ [5] محمد بن عبد الملك فسلّم عليه فلم يجبه، فقال الكنجيّ:
__________
وقد ترقم بأسلاك الذهب.
[1] في م، أ: «حين» بدل «حيث».
[2] في هد، هج «بواحدة» بدل «بصالحة».
[3] صداء: ركية ما عندهم أعذب منها.
[4] السعدان: نبت من أفضل ما يرعى.
[5] ب، س: «الكتنبجي».
/
هذا وأنت ابن زيات تصغّرنا ... فكيف لو كنت يا هذا ابن عطّار؟
فبلغ ذلك محمدا، فقال: كيف ينتصف من ساقط أحمق، وضعه رفعه، وعقابه ثوابه.
أضيع ميتة:
أخبرني الصوليّ، قال: أخبرني عبد اللّه بن محمد الأزديّ، قال: حدّثني يعقوب بن التّمار، قال:
قال محمد بن عبد الملك لبعض أصحابه: ما أخّرك عنا؟ قال: موت أخي، قال: بأيّ علة؟ قال: عضّت أصبعه فأرة، فضربته الحمرة [1]، فقال محمد: ما يرد القيامة شهيد أخسّ سببا، ولا أنذل [2] قاتلا، ولا أضيع ميتة، ولا أظرف قتلة من أخيك.
خمسون بيتا في بيت:
أخبرني عمي عن أبي العيناء، قال:
كان محمد بن عبد الملك يعادي أحمد بن أبي دواد، ويهجوه، فكان أحمد يجمع الشعراء، ويحرّضهم على هجائه ويصلهم، ثم قال فيه أحمد بيتين، كانا أجود ما هجي به، وهما:
أحسن من خمسين بيتا سدى ... جمعك إيّاهنّ في بيت
ما أحوج الناس إلى مطرة ... تذهب عنهم وضر الزيت [3]
وكان ابن أبي دواد يقول: ليس أحد من العرب إلا وهو يقدر على قول الشعر، طبعا ركّب فيهم، قلّ قوله أو كثر.
أبو تمام يمدحه:
أخبرنا الصوليّ، قال: حدّثنا محمد بن موسى عن الحسن بن وهب، قال:
أنشد أبو تمام محمد بن عبد الملك قصيدته التي يقول فيها:
لهان علينا أن نقول وتفعلا [4]
فأثابه عليها ووقّع عليه:
رأيتك سهل البيع سمحا وإنما ... يغالى إذا ما ضنّ بالشيء بائعه
فأما الذي هانت بضائع بيعه ... فيوشك أن تبقى عليه بضائعه
__________
[1] الحمرة: ورم من جنس الطواعين ينشأ عن اتساخ جرح.
[2] كذا في ف، م، أ، وفي س، ب: «أنزل» بدل «أنذل».
[3] رواية البغدادي في «الخزانة»:
أحسن من تسعين بيتا سدى ... جمعك معناهن في بيت
ما أحوج الملك إلى مطرة ... تغسل عنه وضر الزيت
[4] عجزه:
ونذكر بعض الفضل منك فتفضلا
هو الماء إن أجممته طاب ورده ... ويفسد منه أن تباح شرائعه
فأجابه أبو تمام وقال:
أبا جعفر إن كنت أصبحت شاعرا ... أسامح في بيعي له من أبايعه
فقد كنت قبلي شاعرا تاجرا به ... تساهل من عادت عليك منافعه
فصرت وزيرا والوزارة مكرع ... يغصّ به بعد اللذاذة كارعه
وكم من وزير قد رأينا مسلّطا ... فعاد وقد سدّت عليه مطالعه
وللّه قوس لا تطيش سهامها ... وللّه سيف لا تفلّ مقاطعه
راشد الكاتب يطلب منه هدية:
حدّثني الصّوليّ، قال: حدّثني محمد بن يحيى بن عباد، قال: حدّثني أبي، قال:
حجّ محمد بن عبد الملك في آخر أيام المأمون، فلما قدم كتب إليه راشد الكاتب قوله:
لا تنس عهدي ولا مودّتيه ... واشتق إلى طلعتي ورؤيتيه
/ [1] إن غبت عنا فلم تغب كثرة ال ... ذكر فلا تغفلن هديتيه
التّمر والنقل والمساويك والقس ... ب وخير النعال حسن شيه [1]
فإن تجاوزت ما أقول إلى العص ... ب فذاك المأمول منك ليه [2]
فأجابه محمد بن عبد الملك:
إنك منّي بحيث يطّرد النا ... ظر من تحت ماء دمعتيه [3]
ولا ومن زادني تودّده ... على صحابي بفضل غيبتيه
ما أحسن الترك والخلاف لما ... تريد مني وما تقول ليه
/ يا بأبي أنت ما نسيتك في ... يوم دعائي ولا هديّتيه
ناجيت بالذكر والدّعاء لك ال ... لّه لدى البيت رافعا يديه
حتى إذا ما ظننت بالملك الق ... ادر أن قد أجاب دعوتيه
قمت إلى موضع النعال وقد ... أقمت عشرين صاحبا معيه
وقلت لي صاحب أريد له ... نعلا ولو من جلود راحتيه
فانقطع القول عند واحدة ... قال الذي اختار يا بشارتيه
__________
(1 - 1) التكملة من هد، هج.
[2] العصب: ضرب من البرود.
[3] كذا بالنسخ وفي «الديوان» نقلا عن «طبقات الشعراء» ولابن المعترض «يطرف».
فقلت عندي لك البشارة ... والشّكر وقلّا في جنب حاجتيه
ثم تخيّرت بعد ذاك من العص ... ب اليماني بفضل خبرتيه
موشيّة لم أزل ببائعها ... أرغب حتى زها عليّ بيه
/ يرفع في سومه وأرغبه ... حتى التقى زهده ورغبتيه
وقد أتاك الذي أمرت به ... فاعذر بكثر الإنعام قلّتيه
المعتصم يأخذ برذونه فيقول في ذلك شعرا:
أخبرني عليّ بن سليمان الأخفش، قال: حدّثنا محمد بن يزيد المبرّد، قال:
كان لمحمد بن عبد الملك برذون أشهب لم ير مثله فراهة وحسنا، فسعى به محمد بن خالد حيلويه إلى المعتصم، ووصف له فراهته [1]، فبعث المعتصم إليه فأخذه منه، فقال محمد بن عبد الملك يرثيه:
كيف العزاء وقد مضى لسبيله ... عنا فودّعنا الأحمّ الأشهب! [2]
دبّ الوشاة فأبعدوك وربّما ... بعد الفتى وهو الأحبّ الأقرب
للّه يوم نأيت عنّي ظاعنا ... وسلبت قربك أيّ علق أسلب
نفس مفرقة أقام فريقها ... ومضى لطيّته فريق يجنب
فالآن إذ كملت أداتك كلّها ... ودعا العيون إليك لون معجب
وأختير من سرّ الحدائد خيرها ... لك خالصا ومن الحليّ الأغرب
وغدوت طنّان اللّجام كأنما ... في كل عضو منك صنج يضرب
وكأنّ سرجك إذ علاك غمامة ... وكأنما تحت الغمامة كوكب
ورأى عليّ بك الصديق جلالة ... وغدا العدوّ وصدره يتلهّب
أنساك لا زالت إذا منسيّة ... نفسي ولا زالت يميني تنكب [3]
/أضمرت منك اليأس حين رأيتني ... وقوى حبالي من قواك تقضّب
ورجعت حين رجعت منك بحسرة ... للّه ما فعل الأصمّ الأشيب [4]
ناظر له ناظر:
أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان - رضوان اللّه عليه - قال: حدّثني محمد بن ناصح رحمة اللّه عليه، قال:
__________
[1] فراهته: حسنه ونشاطه.
[2] الأحم الأشهب: الأسود.
[3] كذا في ف و «الديوان». وفي سائر النسخ «منيته» وفي هج
«بمثلك تنكب»
[4] كذا في ف و «الديوان» وفي سائر النسخ:
الأحم الأشيب
، والمراد به ذم محمد بن خالد.
لحقت غلّات أهل البتّ [1] آفة في أيام محمد بن عبد الملك من جراد وعطش، فتظلّم [2] إليه جماعة منهم، فوجّه ببعض أصحابه ناظرا في أمرهم، وكان في بصره ضعف، فكتب إليه محمد بن عليّ البتّي:
أتيت أمرا يا أبا جعفر ... لم يأته برّ ولا فاجر
/ أغثت أهل البتّ إذ أهلكوا ... بناظر ليس له ناظر
فبلغه، فضحك وردّ الناظر ووقّع لهم بما سألوا بغير نظر.
مساجلة بينه وبين علي بن جبلة:
أخبرني الصوليّ رضي اللّه عنه قال: حدّثني محمد بن يحيى بن أبي عبّاد عن أبيه رضي اللّه عنهما قال:
قال عليّ بن جبلة يهجو محمد بن عبد الملك الزيات، وكان قد قصد أبا دلف القاسم بن عيسى في بعض أمره:
يا بائع الزيت عرّج غير مرموق ... لتشغلنّ عن الأرطال والسوق
من رام شتمك لم ينزع إلى كذب ... في منتماك وأبداه بتحقيق
أبوك عبد وللأمّ التي فلقت ... عن أمّ رأسك هنّ غير محلوق
/ إن أنت عدّدت أصلا لا تسبّ به ... يوما فأمّك مني ذات تطليق
ولن تطيق بحول أن تزيل شجا ... أثبتّه منك في مستنزل الرّيق
اللّه أنشاك من نوك ومن كذب ... لا تعطفنّ إلى لؤم لمخلوق
ماذا يقول امرؤ غشّاك مدحته ... إلا ابن زانية أو فرخ زنديق؟
فأجابه محمد:
اشمخ بأنفك يا ذا السيّ ء الأدب ... ما شئت واضرب قذال الأرض بالذنب
وارفع بصوتك تدعو من بذي عدن ... ومن بقالي قلا بالويل والحرب [3]
ما أنت إلا امرؤ أعطى بلاغته ... فضل العذار ولم يربع على أدب [4]
فاجمح لعلّك يوما أن تعضّ على ... لجم دلاصيّة تثنيك من كثب [5]
إنّي اعتذرت فما أحسنت تسمع من ... عذري ومن قبل ما أحسنت في الطّلب
صبرا أبا دلف في كل قافية ... كالقدر وقفا على الجارات بالعقب [6]
__________
[1] البت: قرية من أعمال بغداد قريبة من راذان.
[2] كذا في ف وفي سائر النسخ «تكلم».
[3] قالي قلا: مدينة بأرمينية من نواحي خلاط، بلد أبي علي القالي صاحب «الأمالي».
[4] يربع: يقف.
[5] لجم دلاصية: ملساء براقة.
[6] العقب: جمع عقبة: أي شيء من المرق يرده مستعير القدر.
يا ربّ إن كان ما أنشأت من عرب ... شروى أبي دلف فاسخط على العرب [1]
إنّ التعصّب أبدى منك داهية ... كانت تحجّب دون الوهم بالحجب
فأجابه علي بن جبلة:
نبّهت عن سنة عينيك فاصطبر ... واسحب بذيلك هل تقفو على أثر؟ [2]
/إن يرحض اللّه عني عار مطّلبي ... إليك رفدا ألا فانجد به وغر [3]
إني ودعواك أن تأتي بمكرمة ... كمنبض القوس عن سهم بلا وتر
فاردد جفونك حسرى عن أبي دلف ... ولا ملامة أن تعشى عن القمر
لا يسخطنّ امرؤ إن ذلّ من حسب ... فاللّه أنزله في محكم السّور
لم آت سوءا ولم أسخط على أحد ... إلّا على طلبي في مجتدى عسر [4]
أقصر أبا جعفر عن سطوة جمحت ... إن لم تقصّر بها مالت إلى القصر
فأجابه محمد بن عبد الملك:
يأيّها العائبي ولم يرلي ... عيبا أما تنتهي فتزدجر!
هل لك وتر لديّ تطلبه ... فأنت صلد ما فيك معتصر
/ فالحمد والمجد والثناء لنا ... وللحسود التّراب والحجر
وهي طويلة يقول فيها:
تعيش فينا ولا تلائمنا ... كما تعيش الحمير والبقر
تغلي علينا الأشعار منك وما ... عندك نفع يرجّى ولا ضرر
فارس ذا الفارس:
أخبرني عمي - رحمه اللّه - قال: حدّثني عمر بن نصر الكاتب، قال: حدّثني عمي عليّ بن الحسن بن عبد الأعلى، قال محمد:
اجتاز بديع غلام عمير المأمونيّ بمحمد بن عبد الملك الزيات، وكان أحسن خلق اللّه وجها، وكان محمّد يحبّه ويجنّ به جنونا فقال:
راح علينا راكبا طرفه ... أغيد مثل الرشأ الآنس
/ قد لبس القرطق واستمسكت ... كفّاه من ذي برق يابس [5]
__________
[1] شروى: مثل، وفي هج «من أنشأنا» بدل «ما أنشأت».
[2] كذا في ف، وفي س، ب: «نقفو»، ومعنى تقفو: تمحو.
[3] في س، ب: «مطلبتي» بدل «مطلبي».
[4] اجتذاه: سأله حاجة، والمراد هنا سؤال صعب النوال.
[5] القرطق: القباء.
وقلّد السيف على غنجه ... كأنه في وقعة الدّاحس
أقول لمّا أن بدا مقبلا ... يا ليتني فارس ذا الفارس [1]
سماء تعوقني عن سماء:
أخبرني الأخفش، قال: حدّثني محمد بن يزيد قال:
دامت الأمطار بسرّ من رأى، فتأخّر الحسن بن وهب عن محمد بن عبد الملك الزيات، وهو يومئذ وزير، والحسن يكتب له، فاستبطأه [2] محمد بن عبد الملك، فكتب إليه الحسن يقول:
أوجب العذر في تراخي اللقاء ... ما توالى من هذه الأنواء
لست أدري ماذا أقول وأشكو ... من سماء تعوقني عن سماء
غير أني أدعو على تلك بالثّك ... ل وأدعو لهذه بالبقاء
فلام الإله أهديه غضّا ... لك مني يا سيّد الوزراء
مساجلة بينه وبين الحسن بن وهب:
أخبرني الصّوليّ، قال: حدّثنا محمد بن موسى، قال:
اعتلّ الحسن بن وهب، فتأخّر عن محمد بن عبد الملك أياما كثيرة، فلم يأته رسوله، ولا تعرّف خبره، فكتب إليه الحسن قوله:
أيّهذا الوزير أيّدك اللّ ... ه وأبقاك لي بقاء طويلا
أجميلا تراه يا أكرم النا ... س لكيما أراه أيضا جميلا
إنني قد أقمت عشرا عليلا ... ما ترى مرسلا إليّ رسولا [3]
/إن يكن موجب التعمّد في الصّ ... حّة منّا عليّ منك طويلا [4]
فهو أولى يا سيد الناس برّا ... وافتقادا لمن يكون عليلا
فلما ذا تركتني عرضة الظّنّ ... من الحاسدين جيلا فجيلا؟
ألذنب فما علمت سوى الشك ... ر قرينا لنيّتي ودخيلا؟
أم ملال، فما علمتك للصا ... حب مثلي على الزمان ملولا؟
قد أتى اللّه بالشفاء فما أع ... رف مما أنكرت إلا قليلا
وأكلت الدّرّاج وهو غذاء ... أفلت علّتي عليه أفولا [5]
__________
[1] في م، أ: «راكب» بدل «فارس».
[2] ب، س: «فاستبطأ».
[3] في هج: «شهرا» بدل «عشرا».
[4] في م: «التعهد» بدل «التعمد».
[5] الدراج: كرمان طائر من طير العراق أرقط، وفي هج «الدجاج» بدل «الدراج».
بعد ما كنت قد حملت من العلّ ... ة عبثا على الطّباع ثقيلا
/ ولعلّي قدمت قبلك آتي ... ك غدا إن وجدت فيه سبيلا
فأجابه محمد بن عبد الملك:
دفع اللّه عنك نائبة الدّه ... ر وحاشاك أن تكون عليلا
أشهد اللّه ما علمت وما ذا ... ك من العذر جائزا مقبولا
ولعمري أن لو علمت فلازمت ... ك حولا لكان عندي قليلا
إنني أرتجي وإن لم يكن ما ... كان مما نقمت إلا جليلا
أن أكون الذي إذا أضمر الإخ ... لاص لم يلتمس عليه كفيلا
ثم لا يبذل المودّة حتى ... يجعل الجهد دونها مبذولا
فإذا قال كان ما قال إذ كا ... ن بعيدا من طبعه أن يقولا
/ فاجعلن لي إلى التعلّق بالعذ ... ر سبيلا إن لم أجد لي سبيلا
فقديما ما جاد بالصفح والعف ... وو ما سامح الخليل الخليلا
مساجلة أخرى بينهما:
قال: وكتب محمد بن عبد الملك إلى الحسن بن وهب وقد تأخّر عنه:
قالوا جفاك فلا عهد ولا خبر ... ماذا تراه دهاه قلت: أيلول [1]
شهر تجذّ حبال الوصل فيه فما ... عقد من الوصل إلا وهو محلول
قال: وكان محمد قد ندبه لأن يخرج في أمر مهمّ فأجابه الحسن فقال:
إني بحول امرىء أعليت رتبته ... فحظّه منك تعظيم وتبجيل
وأنت عدّته في نيل همّته ... وأنت في كلّ ما يهواه مأمول
ما غالني عنك أيلول بلذّته ... وطيبه ولنعم الشهر أيلول
الليل لا قصر فيه ولا طول ... والجو صاف وظهر الكأس مرحول
والعود مستنطق عن كلّ معجبة ... يضحي بها كلّ قلب وهو متبول [2]
لكن توقّع وشك البين عن بلد ... تحلّه فوكاء العين محلول
مالي إذا شمّرت بي عنك مبتكرا ... دهم البغال أو الهوج المراسيل [3]
إلا رعاياتك اللّاتي يعود بها ... حدّ الحوادث عنّي وهو مفلول
__________
[1] أيلول: شهر رومي يقابله «سبتمبر» من شهور الفرنجة.
[2] في هج: «في كل» بدل «عن كل».
[3] المراسيل: جمع مرسال، والهوج: جمع هوجاء، والمراد: الناقة المسرعة سهلة السير.
قال: وكان الحسن بن وهب يساير محمدا على مسنّاة [1]، فعدل عن المسنّاة لئلا/ يضيق لمحمد الطريق، فظنّ محمد أنه أشفق على نفسه من المسنّاة، فعدل عنها، ولم يساعده على طريقه، وظنّ بنفسه أن يصيبها ما يصيبه، فقال له محمد:
قد رأيناك إذ تركت المسنّا ... ة وحاذيتني يسار الطريق
ولعمري ما ذاك منك وقد جدّ ... بك الجدّ من فعال الشّفيق
ثم ساجلة ثالثة بينهما:
فقال له الحسن:
إن يكن خوفي الحتوف أراني ... أن تراني مشبّها بالعقوق
فلقد جارت الظنون على المش ... فق والظّنّ مولع بالشفيق
/ غرّر السيد الأجلّ وقد سا ... ر على الحرف من يمين الطريق [2]
فأخذت الشّمال بقيا على السى ... د إذ هالني سلوك المضيق
إنّ عندي مودّة لك حازت ... ما حوى عاشق من المعشوق
طود عزّ خصصت منه ببرّ ... صار قدري به مع العيّوق [3]
وبنفسي وإخوتي وأبي ... البرّ وعمّي وأسرتي وصديقي
من إذا ما روّعت أمّن روعي ... وإذا ما شرقت سوّغ ريقي
يمدح نفسه:
أخبرني عليّ بن سليمان الأخفش والصوليّ، قالا: حدّثنا المبرّد، قال:
استسقى الحسن بن وهب من محمد بن عبد الملك نبيذا ببلد الروم، وهو مع المعتصم فسقاه وكتب إليه:
لم تلق مثلي صاحبا ... أبدى يدا وأعمّ جودا
/ يسقي النديم بقفرة ... لم يسق فيها الماء عودا
صفراء صافية كأنّ ... بكأسها درّا نضيدا
وأجود حين أجود لا ... حصرا بذاك ولا بليدا
وإذا استقلّ بشكرها ... أوجبت بالشّكر المزيدا
خذها إليك كأنّما ... كسيت زجاجتها عقودا
واجعل عليك بأن تقو ... م بشكرها أبدا عهودا
__________
[1] مسناة: سد يعترض به الوادي.
[2] في س، ب: «عذر» بدل «غرر» و «الخوف» بدل «الحرف».
[3] العيوق: نجم أحمر مضيء في طرف المجرة الأيمن يتلو الثريا لا يتقدمها.
يوم سرور لا يكمل:
أخبرني [1] الصوليّ، قال: حدّثني أحمد بن محمد الأنصاريّ، قال: حدّثني هارون بن محمد بن عبد الملك، قال:
دعا محمد بن عبد الملك قبل وزارته الحسن بن وهب في آخر أيام المأمون، فجاءه ودخلا حمّاما له، وأقاما على لهوهما، ثم طلب الحسن بن وهب لعمل احتيج فيه إليه، فمضى، وبطل يومهم [2]، فكتب الحسن إليه:
سقيا لنضر الوجه بسّامه ... مهذّب الأخلاق قمقامه [3]
تكسبه شكرا على أنها ... مطبقة السّنّ للوّامه [4]
زرناه في يوم علا قدره ... من سائر الأيام في عامه
أسعده اللّه وأحظى به ... وجاده الغيث بإرهامه [5]
فكان مسرورا بنا باذلا ... لرحله الرحب وحمّامه
نخدمه وهو لنا خادم ... بفضله من دون خدّامه
/ ثم سقانا قهوة لم يدع ... أطيب منها بقرى شامه
صهباء دلّت على دنّها ... وحدّثت عن ضعف إسلامه [6]
فأجابه محمد بن عبد الملك رحمه اللّه تعالى:
وزائر لذّلنا يومه ... لو ساعد الدهر بإتمامه
ماذا لقينا من دواوينه ... وخطّه فيها بأقلامه؟
أسرّ ما كنّا فمن مازح ... أو شارب قد عبّ في جامه
فارقنا فالنّفس مطروفة ... بواكف الدّمع وسجّامه
وعاد بالمدح لنا منعما ... به إلى سالف إنعامه
ليت - وأنّي لي بها منية - ... لو كنت فيه بعض قوّامه
يشكر ما نال على أنه ... لا يشكر الحرّ لحمّامه
أمسحه فيه وأدنو له ... من خلفه طورا وقدّامه
جعلت نفسي جنّة للصّبا ... وبعت إسلامي بإسلامه
__________
[1] من أول هذا الخبر حتى آخر الترجمة ساقط من نسختي ب، س، ومه، والتكملة من. هج وهد.
[2] في هج «و بطل يومهما» بدل «و بطل يومهم».
[3] القمقام - ويضم - السيد.
[4] فاعل تكسبه ضمير الأخلاق، وإطباق السن: كناية عن الصمت.
[5] الإرهام: الغيث.
[6] ذلك كناية عن عتقها.
فصار ما يشرب حلاله ... وصرت مأخوذا بآثامه
وضعه في حديد ثقيل:
أخبرني الحسن بن القاسم الكاتب، قال: سمعت القاسم بن ثابت يحدّث عن أبيه، قال: قال أحمد الأحول:
لما قبض على محمد بن عبد الملك الزيات تلطّفت في الوصول إليه، فرأيته في حديد ثقيل، فقلت له: أعزز عليّ ما أرى، فقال:
سل ديار الحي ما غيّرها ... ومحاها ومحا منظرها؟
/ وهي اللاتي إذا ما انقلبت ... صيّرت معروفها منكرها [1]
إنما الدنيا كظلّ زائل ... نحمد اللّه كذا قدّرها
في هذه الأبيات رمل طنبوري لا أدري لمن هو؟
ومما يغنّى فيه من شعر محمد بن عبد الملك الزيات:
صوت
ظالمي ما علمته ... معتد لا عدمته
مطمعي بالوصال مم ... تنع حين رمته
مرصد بالخلاف وال ... منع من حيث سمته [2]
هاجر إن وصلته ... صابر إن صرمته
كم وكم قد طويت ما ... بي وكم قد كتمته
ربّ همّ طويت في ... ك وغيظ كظمته [3]
وحياة سئمتها ... والهوى ما سئمته
رمت شيئا هويته ... ليس لي ما حرمته
قال إذ صرّح البكا ... ء بما قد سترته [4]
لو بكى طول دهره ... بدم ما رحمته
الغناء لأبي العبيس بن حمدون خفيف ثقيل بالبنصر.
صوت
إذا أحببت لم أسل ... وإن واصلت لم أقطع
__________
[1] في هد
«و هي الدنيا»
بدل
«و هي اللاتي»
[2] أرصد له شيئا: أعده له.
[3] في هج
«طويت عنك»
بدل
«طويت فيك»
[4] في هج «كتمته» بدل «سترته».
وإن عاتبني الناس ... تصاممت فلم أسمع
وقد جرّبت ما ضرّ ... وقد جرّبت ما ينفع
فما مثل الهوى أنه ... ك للجسم ولا أضرع
ولا كالهجر في القرب ... إلى الموت ولا أسرع
وإن أوجعني العذل ... فنيران الهوى أوجع
وهذا عدم العقل ... فما أسطيع أن أصنع
ولا واللّه ما عندي ... لما قد حلّ بي مدفع
ولا فيّ لهجران ... ك لو لا ظلمكم موضع
الغناء لعريب لحنان: خفيف ثقيل بالبنصر، وهزج بالوسطى.
يمدح الحسن بن وهب:
أخبرني عليّ بن سليمان الأخفش، قال: حدّثنا محمد بن يزيد المبرّد، قال: حدّثني الحسن بن رجاء، قال:
قدم محمد بن عبد الملك على الحسن بن سهل إلى فم الصّلح، وامتدحه بقصيدته التي أولها:
كأنها حين تناءى خطوه ... أخنس موشيّ الشّوي يرعى القلل [1]
/و قال فيها:
إلى الأمير الحسن استنجدتها ... أيّ مراد ومناخ ومحلّ
سيف أمير المؤمنين المنتضى ... وحصن ذي الرياستين المقتبل [2]
آباؤك الغرّ الألى جدّهم ... كسرى أنوشروان والناس همل
من كلّ ذي تاج إذا قال مضى ... كلّ الذي قال وإن همّ فعل
فأين لا أين وأنّى مثلكم ... أنتم الأملاك والناس خول [3]
فأمر له بعشرة آلاف درهم.
يتنكر للحسن بن سهل فيخجله:
قال: ومرض الواثق، فدخل إليه الحسن بن سهل عائدا، ومحمد بن عبد الملك يومئذ وزيره، والحسن بن سهل متعطّل، فجعل الحسن بن سهل يتكلم في العلة وعلاجها وما يصلح للواثق من الدواء والعلاج والغذاء أحسن
__________
[1] الأخنس: ذكر البقر الوحشي، موشي الشوى: منقوش الأطراف.
[2] ب، س: «المعقل» بدل «المقتبل».
[3] في البيت حلل عن نفسي، فالمصراع الثاني من الرمل، والقصيدة كلها من الرجز: ونرجح أنها «فأتم الأملاك». الخدل: الخدم والحشم.
كلام، قال: فحسده محمد بن عبد الملك، وقال له: من أين لك هذا العلم يا أبا محمد؟ قال: إني كنت أستصحب من أهل كل صنعة رؤساء أهلها، وأتعلم منهم، ثم لا أرضى إلا ببلوغ الغاية، فقال له محمد - وكان حسودا: ومتى كان ذلك؟ قال: في زمان قلت فيّ:
فأين لا أين وأنّى مثلكم ... أنتم الأملاك والناس خول [1]
فخجل محمد بن عبد الملك، وأطرق، وعدل عن الجواب.
عسى أمور بعد ذلك تكون:
أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان، قال: حدّثني حمّاد بن إسحاق قال: حدّثني ميمون بن هارون بن خلف قال:
/ كنت أسير بالقرب من محمد بن عبد الملك الزيات، وهو يريد يومئذ منزله، حتى مرّ بدار إبراهيم بن رباح، فرأى فيها قبة مشيدة، فقال:
أما القباب فقد أراها شيّدت ... وعسى أمور بعد ذاك تكون
عبد عرت منه خلائق جهله ... إذ راح وهو من الثّراء سمين [2]
فما كان إلا أيّام حتى أوقع به.
ابن أبي دواد يكيد له:
أخبرني عمي قال: حدّثني الحسن بن عليّ بن عبد الأعلى عن أبيه، قال:
كان الواثق قد أصلح بين محمد بن عبد الملك الزيات وبين أحمد بن أبي دواد، فكفّ محمد عن ذكره، وجعل ابن أبي دواد يخلو بالواثق، ويغريه به، حتى قبض عليه، وكان فيما بلغه عنه أنه قد عزم على الفتك به والتدبير عليه. فقبض الواثق عليه، ثم أطلقه بعد مدة، ثم وزر للمتوكل، وكان محمد بن عبد الملك أشار بابن الواثق، وأشار ابن أبي دواد بالمتوكل، وقام وقعد في أمره حتى ولّى، وعمّمه بيده، وألبسه البردة، وقبّل بين عينيه، وكان المتوكّل قبل ذلك يدخل على محمد بن عبد الملك في حياة الواثق يشكو إليه جفاءه له فيتجهّمه محمد، ويغلظ له الردّ، إلى أن قال يوما بحضرته: ألا تعجبون إلى هذا العاصي، يعادي أمير المؤمنين، ثم يسألني أن أصلح له قلبه! اذهب، ويلك فأصلح نفسك له، حتى يصلح لك قلبه. فكان موقع ذلك يحسن عند الواثق، فدخل إليه يوما، وقد كان قال للواثق: إن جعفرا يدخل إليّ وله شعر قفا وطرّة مثل النساء، فقد فضحك فأمره بأن يحلقهما، ويضرب بشعرهما وجهه، فلما دخل إليه المتوكل فعل ذلك به، وتجهّمه بالقبيح، فلما ولي الخلافة خشي إن نكبه عاجلا أن يستتر أسبابه [3] فتفوته بغيته فيه، فاستوزره وخلع عليه، وجعل ابن أبي دواد يغريه به ويجد عنده لذلك موقعا/ واستماعا، حتى قبض عليه وقتله، فلم يجد له من أملاكه كلّها من عين وورق وأثاث وضيعة إلّا ما كانت
__________
[1] ارجع إلى ما كتبه من هذا البيت في التعليقة السابقة.
[2] في هج: «نزت» بدل «عرت».
[3] هكذا في النسخ التي بين أيدينا. ونرجح أن ثمة تحريفا، ولعل العبارة: «خشي إن نكبه عاجلا أن يستثير أحبابه».
قيمته مائة ألف دينار، فندم على ذلك، ولم يجد منه عوضا، وكان أمره مما يعتدّ على أحمد بن أبي دواد، ويقول:
أطمعتني في باطل، وحملتني على أمر لم أجد منه عوضا.
دندن الكاتب يتنبأ بما حدث له:
أخبرني محمد بن يحيى الصوليّ، قال:
زعم محمد بن عيسى الفساطيطيّ، أن محمد بن عبد الملك اجتاز بدندن الكاتب، وعليه خلع الوزارة للمتوكل لما وزر له، فقال دندن:
راح الشقيّ بخلعة النّكر ... مثل الهديّ لليلة النّحر [1]
لا تمّ شهر بعد خلعته ... حتى تراه طافي الجمر [2]
ويرى يطاين من إساءته ... يهوي له بقواصم الظهر [3]
فكان الأمر كما قال.
في التنور:
قال عليّ بن الحسين بن عبد الأعلى:
فلما قبض عليه المتوكل استعمل له تنّور حديد، وجعل فيه مسامير لا يقدر معها أن يتحرّك إلا دخلت في جسده، ثم أحماه له وجعله فيه، فكان يصيح: ارحموني! فيقال له: اسكت، أنت كنت تقول: ما رحمت أحدا قطّ، والرحمة ضعف في الطبيعة، وخور في المنّة، فاصبر على حكمك! وخرج عليه عبادة، فقال: أردت أن تشويني، فشووك.
موت ومكايدة:
أخبرني طاهر بن عبد اللّه بن طاهر الهاشميّ: قال: قال العباس بن طومار:
أمر المتوكل عبادة أن يدخل إلى محمد بن عبد الملك الزيات - وقد أحمى تنور حديد، وجعله فيه - فيكايده، فدخل إليه فوقف بإزائه، ثم قال: اسمع يا محمد، كان/ في جيراننا حفّار يحفر القبور، فمرضت مخنّثة من جيراني، وكانت صاحبة لي، فبادر فحفر لها قبرا من الطمع في الدراهم، فبرأت هي ومرض هو بعد أيام، فدخلت إليه صاحبتي وهو بالنزع، فقالت: وي يا فلان؟ حفرت لي قبرا وأنا في عافية، أو ما علمت أنه من حفر بئر سوء وقع فيها، وحياتك يا محمد، لقد دفناه في ذلك القبر، والعقبى لك. قال: فو اللّه ما برح من إزاء محمد، عبد الملك يؤذيه، ويكايده إلى أن مات.
الحسن بن وهب يرثيه:
قال الصوليّ:
__________
[1] في هج: «جاز» بدل «راح»، الهدى: الضحية ونحوها.
[2] ربما كانت «طافي الجمر» محرفة عن: صار في الجمر.
[3] لم نقف فيما في أيدينا من المعاجم على هذه الصيغة (يطاين).
وقال الحسن بن وهب يرثي محمد بن عبد الملك، وكان في حياته ينتفي [1] منها، ويجحدها، ثم شاعت بعد ذلك، ووجدت بخطه:
يكاد القلب من جزع يطير ... إذا ما قيل قد قتل الوزير
أمير المؤمنين هدمت ركنا ... عليه رحاكم كانت تدور
سيبلى الملك من جزع عليه ... ويخرب حين تضطرب الأمور [2]
فمهلا يا بني العباس مهلا ... فقد كويت بفعلكم الصدور
إلى كم تنكبون الناس ظلما ... لكم في كل ملحمة عقير
جزيتم ناصرا لكم المنايا ... وليس كذلكم يجزى النّصير
فكنتم سائقا أرسا إليكم ... وذلك من فعالكم شهير [3]
وكأنّ صلاحه لو شئتموه ... قريبا لا يحاوله البصير
كأنّ اللّه صيّركم ملوكا ... لئلّا تعدلوا ولأن تجوروا
__________
[1] ينتفي منها: يتنصل منها، ولا ينسبها إلى نفسه خوفا.
[2] سيبلى: من البلى أو البلوى: كلاهما صحيح، وفي هج «يحزن» بدل «يخرب».
[3] في المصراع الأول التواء، وهو كذلك في النسخ، ولعله محرف عن «و كم من سابق أو ما إليكم» وأوما: تخفيف أومأ بمعنى أشار.
5 - أخبار أبي حشيشة [1]
اسمه ونسبه:
أبو حشيشة لقب غلب عليه، وهو محمد بن أمية بن أبي أمية، يكنى أبا جعفر، وكان أهله جميعا متّصلين بإبراهيم بن المهديّ، وكان هو من بينهم معنيّا بالطّنبور، يغنّى أحسن غناء [2] وخدم جماعة من الخلفاء أولهم المأمون، ومن بعده إلى المعتمد.
أبو صالح يكتب له في استتاره:
وله يقول أبو صالح بن يزداد وكتب بها في استتاره [3]:
جعلت فداك يا بن أبي أميّه ... أرى الأيام قد حكمت عليه
وملّني الصديق وخان عهدي ... فما أقرا لكم كتبا إليّه
فإن كان الضمير كما بدالي ... فهذا والإله هو البليّه
كان أكثر انقطاعه إلى أبي أحمد بن الرشيد أيام حياته، وكان أبوه وجده وأخواله كتّابا.
وقرأت على أحمد بن جعفر جحظة ما ذكره عن أبي حشيشة في كتابه الذي ألّفه في أخبار مراتب الطّنبوريين والطّنبوريات وكان من ذلك أنه قال:
شاهدت أبا حشيشة مدّة، وكان يتغنّى في أشعار خالد الكاتب وبني أمية، وكانت معه فقر من الأحاديث يضعها مواضعها، وكانت له صنعة تقدّم فيها كلّ طنبوريّ، لا أحاشي من قولي ذلك، فمنها:
كأنّ هموم الناس في الأرض كلّها ... عليّ وقلبي بينهم قلب واحد
ولي شاهدا عدل سهاد وعبرة ... وكم مدّع للحبّ من غير شاهد
وهو خفيف رمل مطلق. قال جحظة: ورأيته في القدمة التي قدمها مع ابن المدبّر بين يدي المعتمد، وقد غناه من شعر عليّ بن محمد بن نصر.
__________
[1] لم ترد هذه الترجمة في طبعة بولاق.
[2] في هج: «أحسن الناس غناء».
[3] في س، ب: «استفساره».
صوت
حرمت بذل نوالك ... واسوأتا من فعالك!
لما مللت وصالي ... آيستني من وصالك
المعتمد يهب له مائتي دينار:
فوهب له مائتي دينار.
واللحن رمل مطلق.
عريب تفضله على علويه ومخارق:
أخبرني جحظة فيما قرأته عليه، قال: حدّثني ابن نوبخت: يعني عليّ بن العباس قال:
رأيته وقد حضرت عريب عند ابن المدبر، وهو يغنّي، فقالت له عريب: أحسنت يا أبا جعفر، ولو عاش الشّيخان ما قلت لهما هذا - تعني علويه ومخارقا.
مائتا سوط إن تكلم:
حدّثني أبو حشيشة، قال: هجم عليّ خادم أسود، فقال لي: البس ثيابك، فعلمت أن هذا لا يكون إلا عن أمر خليفة أو أمير، فلم أراجعه، حتى لبست ثيابي، فمضيت معه فعبر بي الجسر، وأدخلني إلى دار لا أعرفها، ثم اجتاز بي في رواق فيه حجر تفوح منهنّ رائحة الطعام والشراب، فأدخلت منهنّ إلى حجرة مفروشة، وجاءني بمائدة كأنها جزعة يمانية قد نشرت في عراصها الحبرة [1]، فأكلت وسقاني رطلين وجاءني بصندوق ففتحه فإذا فيه طنابير، فقال لي: اختر، فاخترت واحدا، وأخذ بيدي، فأدخلني إلى دار فيها سمّاعة [2] وفيها رجلان على أحدهما قباء غليظ، وعلى الآخر ثياب ملحم [3] وخزّ، فقال لي صاحب الخزّ: اجلس، فجلست، فقال: أكلت وشربت؟ فقلت: نعم.
قال: عندنا؟ قلت: نعم، قال: تغنّي ما نقول لك؟ فقلت له: قل، فقال: تغنّي بصنعتك:
/يا كثير الإقبال والإنصراف [4] ... وملولا ولو أشأ قلت خاف
وهو رمل مطلق، فغنّيته إياه، وجعل يطلب مني صوتا بعد صوت من صنعتي، فأغنّيه، ويستعيده، ويشرب هو والرجل، وأسقى بالأنصاف المختوته [5] إلى أن صلوا العشاء الآخرة، وهم لا يشربون إلا على الصوت الأول لا يريدون غيره، ثم أومأ إليّ الخادم: قم، فقمت، فقال لي صاحب القباء منهما: أتعرفني؟ قلت: لا واللّه، قال: أنا إسحاق بن إبراهيم الطاهريّ، وهذا محمد بن راشد الخنّاق، واللّه لئن بلغني أنك تقول: إنك رأيتني لأضربنّك مائتي سوط، انصرف. فخرجت ودفع إلى الخادم ثلاثمائة دينار، فجهدت أن يقبل منها شيئا على سبيل البرّ، فما فعل.
__________
[1] الحبرة كناية عن ألوان الطعام الشهية البراقة.
[2] لعل المراد بها السامعون كالنظارة بمعنى الناظرين.
[3] ملحم، كمكرم: جنس من الثياب ولعله المبطن.
[4] يجب قطع همزة الانصراف لإقامة الوزن.
[5] المختوته: الناقصة.
حدّثني جحظة قال: حدّثني أبو حشيشة: قال:
وجّه إليّ إسحاق بن إبراهيم الطاهريّ، فصرت إليه وهو في داره التي على طرف الخندق، فدعا بجونة [1]، فأكل وأكلت من ناحية، ودعا بستارة وقال: تغنّ بصنعتك:
عاد الهوى بالكأس بردا ... فأطع إمارة من تبدّى
وهو خفيف رمل مطلق.
فغنّيته مرارا، ثم ضرب السّتارة، وقال: فولوه، فقالته جارية فأحسنت غاية الإحسان، فضحك ثم قال: كيف تراه؟ فقلت: قد واللّه بغّضوه إليّ، فازداد في الضحك، وأنا أرمق جبّة خزّ خضراء كانت عليه، فقال: كم ترمق [2] هذه الجبّة؟ يا غلام، كانت عشرة أثواب خزّ فقطعت منها هذه الجبّة، فهات التسعة فجيء بها، فدفعها إليّ فكنت أبيع رذالها [3] بستين دينارا.
/ حدّثني جحظة قال:
حدّثني أبو حشيشة أن بني الجنيد الإسكافيّين كانوا أوّل من اصطنعه، وأنهم كانوا يسمونه الظّريف، وأن أول منزل ابتاعه من أموالهم إلى أن شاع خبره، وتفاقم أمره. قال: وكانوا آكل الناس، رأيت رجلا منهم، وقد أكل هو وابن عم له اثنين وعشرين رأسا كبارا، وشربا، فسكرا وناما، ثم انتبها في وقت الظّهر، فدعوا بالطعام، فعادا إلى الأكل، ما أنكر منهما شيئا.
المأمون أول خليفة سمعه:
ونسخت من كتاب ألّفه أبو حشيشة، وجمع فيه أخباره مع من عاشره، وخدم من الخلفاء، وهو كتاب مشهور، قال:
أول من سمعني من الخلفاء المأمون، وهو بدمشق، وصفني له مخارق، فأمر بأشخاصي إليه، وأمر لي بخمسين [4] ألف درهم أتجهّز بها، فلما وصلت إليه أدناني، وأعجب بي، وقال للمعتصم: هذا ابن من خدمك وخدم آبائك وأجدادك يا أبا إسحاق، جدّ هذا أمية كاتب جدّك المهديّ على كتابة السرّ وبيت المال والخاتم، وحجّ المهديّ أربع حجج كان جدّ هذا زميله فيها. واشتهى المأمون من غنائي:
صوت
يضرب لغنائه بشعر فيه ذكر الشيب:
كان ينهى فنهى حين انتهى ... وانجلت عنه غيابات الصّبا
خلع اللهو وأضحى مسبلا ... للنّهى فضل قميص وردا
__________
[1] جونة: سلة صغيرة.
[2] ترمن: تلحظها لحظا خفيفا.
[3] الرذال: الدون الخسيس من كل شيء.
[4] ف: «خمسة آلاف».
كيف يرجو البيض من أوّله ... في عيون البيض شيب وجلا [1]
كان كحلا لمآقيها فقد ... صار بالشيب لعينيها قذى
الشعر لدعبل، والغناء لمحمد بن حسين بن محرز رمل بالوسطى.
قال أبو حشيشة: وكان مخارق قد نهاني أن أغنّي ما فيه ذكر الشيب من هذا الشعر، وأن أقتصر على البيتين الأوّلين؛ لأن المأمون كان يشتدّ عليه ذكر الشيب،/ ويكرهه جدّا من المغنّين، وأمر ألّا يغنّيه أحد بشعر قيل في الشيب أو فيه ذكر له، فسكرت يوما، فمررت في الشعر كلّه، فقال: يا مخارق، ألا تحسن أدب هذا الفتى! فنقفني [2] مخارق نقفة صلبة، فما عدت بعدها لذكر شيء فيه الشيب.
لكل خليفة صوت يحبه:
وذكر أبو حشيشة في كتابه هذا مما كان يشتهيه عليه المأمون وغيره من الخلفاء أصواتا كثيرة، ولا فائدة في ذكرها هاهنا لأنها طويلة، فذكرت مما كان يختاره عليه كلّ خليفة صوتا. قال أبو حشيشة: كان المعتصم يشتهي عليّ:
صوت
أسرفت في سوء الصنيع ... وفتكت بي فتك الخليع
وولعت بي متمرّدا ... والعذر في طرف الولوع [3]
صيّرت حبّك شافعا ... فأتيت من قبل الشّفيع
الشعر لأصرم بن حميد، والغناء لأبي حشيشة.
قال: وكان الواثق يختار من غنائي:
يا تاركي متلدّد الع ... وّاد جذلان العداة [4]
انظر إليّ بعين را ... ض نظرة قبل الممات
خلّيتني بين الوعي ... د وبين ألسنة الوشاة
ماذا يرجّي بالحيا ... ة منغّص روح الحياة؟
الشعر لمحمد بن سعيد الأسديّ، والغناء لأبي حشيشة خفيف رمل.
قال: وكان المتوكّل يحبّني، ويستخفّني، وكانت أغانيه التي يشتهيها عليّ كثيرة منها:
__________
[1] شيب وجلا: انحسار مقدم الشعر، أو هو دون الصلع.
[2] النقف: أشد الضرب بعصا نحوها.
[3] في هج: «طرق» بدل «طرف».
[4] متلدد العواد: متحير الزائرين.
صوت
أطعت الهوى وخلعت العذارا ... وباكرت بعد القراح العقارا [1]
ونازعك الكأس من هاشم ... كريم يحبّ عليها الوقارا
فتى فرّق الحمد أمواله ... يجرّ القميص ويرخي الإزارا
رأى اللّه جعفر خير الأنام ... فملّكه ووقاه الحذارا
الشعر والغناء لأبي حشيشة.
قال: وكان الفتح بن خاقان يشتهي عليّ:
صوت
قالوا عشقت فقلت أحسن من مشى ... والعشق ليس على الكريم بعار
يا من شكوت إليه طول صبابتي ... فأجابني بتجهّم الإنكار
قال: وكان المستعين يشتهي عليّ:
صوت
وما أنس لا أنس منها الخشوع ... وفيض الدموع وغمز اليد
وخدّي مضافا إلى خدّها ... قياما إلى الصّبح لم ترقد
الشعر لمحمد بن أبي أمية والغناء لأبي حشيشة.
قال: وأخبرني محمد بن عليّ بن عصمة - وكان إليه الزهد في الدنيا كلّها - قال: حضرت المعتزّ وقد ورد عليه جواب كتابه إلى محمد بن عبد اللّه بن طاهر، وكان كتب إليه يطلبني منه، فكتب إليه محمد: إني عليل، لا فضل فيّ للخدمة، قال أبو عصمة: فقال لي المعتزّ: يا أبا محمد، صديقك أبو حشيشة يؤثر علينا آل طاهر، فقلت له:
يا سيّدي، أنا أعلم الناس بخبره، هو واللّه عليل: ما فيه موضع لخدمة أمير المؤمنين،/ قال: ثم ذكرني المعتمد.
وحرّضه [2] عليّ ابن حمدون، فكتب إلى أيوب [3] سليمان بن عبد اللّه بن طاهر - وهو يومئذ أمير بغداد - في إشخاصي، فشخّصني إليه من ساعتي، فأكرمني، وأدنى في مجلسي، وأمر لي بجائزة، واشتهى عليّ:
قلبي يحبّك يا منى ... قلبي ويبغض من يحبّك
لأكون فردا في هوا ... ك فليت شعري كيف قلبك؟
الشعر لأحمد بن يوسف الكاتب، والصنعة لأبي حشيشة رمل.
__________
[1] العقار: الخمر.
[2] ب، س: «و تعرضه».
[3] في هج: «فكتب إلى أبي أيوب».
مع إبراهيم بن المهدي:
قال أبو حشيشة: سمع إبراهيم بن المهديّ أصواتا من غناء محمد بن الحارث بن بسخنّر وعمرو بن بانة، فاستحسنها وأخذها جواريه، وقال: الطّنبور كلّه باطل، فإن كان فيه شيء حقّ فهذا. وأشتهي [1] أن يسمعني. فهبته هيبة شديدة، وقلت: إن رضيني لم يزد ذلك في قدري، وإن لم يرضني بقيت وصمة آخر الدهر، وكان يطلبني من محمد بن الحارث بن بسخنّر خاصة، ومن إسحاق بن عمرو بن بزيع، فكنت أفرّ منهما، حتى صرت بسرّ من رأى، وأنا في تلك الأيام منقطع إلى أبي أحمد بن الرشيد، ونحن في مضارب [2] لم نكن سكنّا المنازل بعد، فوافى إلى أبي أحمد بن الرشيد رسول إبراهيم بن المهدي فأبلغه السّلام، وقال: يقول لك عمّك: قد أعيتني الحيل في هذا الخبيث، وأنا أحبّ أن أسمعه، وهو يهرب مني، فأحبّ أن تبعث به إليّ، ويكون زيرب [3] معه تؤنسه. فقال لي:
أبو أحمد: لا بدّ أن تمضي إلى عمي، فجهدت كلّ الجهد أن يعفيني، فأبى، فلما رأيت أنه لا بدّ لي منه لبست ثيابي، ومضيت إليه، وهو نازل في دسكرة، فرحّب بي/ وقرّب، وبسطني كلّ البسط ومعي زيرب، ودعا بالنبيذ، وأمر خدما له كبارا، فجلسوا معي وشربوا وسقوني. وعرض لي بكلّ حيلة أن أغنّي، فهبته هيبة شديدة، وحصرت.
وشرب، ودعا بثلاث جوار، فخرجت وجلسن، وقال لهن: قلن:
صوت
كيف احتيالي وأنت لا تصل ... عيل اصطباري وقلّت الحيل
إن كان جسمي هواك ينحله ... فإن قلبي عليك يتّكل
الشعر لخالد الكاتب، والغناء لأبي حشيشة رمل. وكان يسميه الرّهبانيّ، عمله على لحن من ألحان النصارى سمعه من رهبان في الليل يردّدونه، فغنّاه عليه.
فقالته إحداهنّ، فذهب عقلي، وسمعت شيئا لم أسمع مثله قطّ، فقال: يا خليلي، أهذا لك؟ فقلت: نعم - أصلح اللّه الأمير - وأخذتني رعدة، ثم قال لهنّ: إيه، قلن:
صوت
ربّ مالي وللهوى ... ما لهذا الهوى دوا
حاز طرفي الذي هوى ال ... حسن قلبي وما حوى
الشعر لخالد، والغناء لأبي حشيشة رمل.
فغنّته فسمعت ما هو أعجب من الأول، فقال: يا خليلي، هذا لك؟ قلت: نعم يا سيدي، قال: هكذا أخذناهما من محمد بن الحارث، ثم شرب رطلا آخر، فقلت: يا نفس [4]، دعاك الرجل يسمعك، أو يسمعك، وقوّيت عزمي، وتغنّيته بشعر خالد الكاتب، وهو هذا:
__________
[1] ب، س: «لو اشتهيت».
[2] مضارب: جمع مضرب، وهو الفسطاط.
[3] ب، س: «ربرب».
[4] هج: «فقلت لنفسي».
صوت
لئن لجّ قلبك في ذكره ... ولجّ حبيبك في هجره
لقد أورث العين طول البكا ... وعزّ الفؤاد على صبره
/ فإن أذهب القلب وجد به ... فجسمك لا شكّ في إثره
وأيّ محبّ تجافى الهوى ... بطول التفكّر لم يبره
فجعل يردّد البيت الأول والبيت الأخير، وقال لي: لا تخرجنّ يا خليلي من هذا إلى غيره، فلم أزل أردده عليه، حتى شرب ثلاثا، واسترحت ساعة، وشربت وطابت نفسي، ثم استعادني فغنّيته، فأعجب به خلاف الأول، فنظر إليّ وضحك، ولم يقل شيئا، وشرب رطلا رابعا وجاءت المغرب، فقال لي: يا خليلي، ما أشك في أنك قد أوحشت ابني [1] منك، فامض في حفظ اللّه تعالى. فخرجت أطير فرحا بانصرافي سالما، فلما وافيت أبا أحمد، وبصر بي من بعيد قال: حنطة، أو شعير؟ فقلت، بل سمسم وشهد، انج على رغم أنف من رغم، فقال: ويحك، أتراني لا أعرف فصلك! ولكن أحببت أن أتسعين برأيه على رأيي فيك، وقصصت عليه القصة، فسرّه ذلك، ولم يرض حتّى دسّ إليه محمد بن راشد الخناق، فسأله عني، فقال: ما ظننت أن يكون في صناعته مثله.
إسحاق يزكيه:
قال أبو حشيشة: وسمع إسحاق بن إبراهيم الموصليّ غنائي فاستحسنه، فسئل عني، فقال: غناء الطّنبور كله ضعيف، وما سمعت فيه قطّ أقوى ولا أصحّ من هذا.
موت أبي حشيشة:
حدّثني جحظة، قال: كان سبب موت أبي حشيشة بسرّ من رأى، أن قلما غلام الفضل بن كاووس صار إليه في يوم بارد، فدعاه إلى الصّبوح، فقال له: أنا لا آكل إلا طعاما حارّا، وليس عندك إلا فضيلة من مجليّة، قال:
تساعدني، وتأكل معي، فأكل منها، فجمّدت دم قلبه، فمات، فحمله إبراهيم بن المدبّر إلى بناته وما كسبه بسر من رأى معه، فاقتسمنه بينهنّ.
صوت
سقيا لقاطول لا أرى بلدا ... أوطنه الموطنون يشبهها
أمنا وخفضا ولا كبهجتها ... أرغد أرض عيشا وأرفهها
البيت الأول من البيتين لعنان جارية الناطفيّ، والثاني يقال: إنه لعمرو الوراق [2]، ويقال إنّه لأبي نواس، ويقال بل هو لها.
والغناء لعريب خفيف رمل. وكان الشعر: «سقيا لبغداد» فعيّرته عريب وجعلت مكانه «سقيا لقاطول».
__________
[1] لعله يقصد بابنه الخليفة، فإنه بمثابة ابنه.
[2] في هج: «لعمرو الوادي».
6 - أخبار عنان [1]
كانت عنان مولّدة من مولّدات اليمامة، وبها نشأت وتأدبت، واشتراها الناطفيّ، وربّاها، وكانت صفراء جميلة الوجه، شكلة [2] مليحة الأدب والشعر سريعة البديهة. وكان فحول الشعراء يساجلونها، ويقارضونها، فتنتصف منهم.
مساجلة فاحشة بينها وبين أبي نواس:
أخبرني محمد بن جعفر الصيدلانيّ صهر المبرّد النحويّ وعليّ بن صالح بن الهيثم قال:
حدّثنا أبو هفّان عن الجمّاز قال: دخل أبو نواس يوما على عنان جارية الناطفيّ، فتحدّثا ساعة، ثم قال لها:
قد قلت شعرا، فقالت: هات فقال:
إن لي أيرا خبيثا ... لونه يحكي الكميتا
لو رأى في الجوّ صدعا ... لنزا حتّى يموتا
أو رآه فوق سقف [3] ... لتحوّل عنكبوتا
أو رآه جوف بحر ... خلته في البحر حوتا
قال: فما لبثت أن قالت:
زوّجوا هذا بألف ... وأظنّ الألف قوتا
إنني أخشى عليه ... إن تمادى أن يموتا
بادروا ما حلّ بالمس ... كين خوفا أن يفوتا
قبل أن ينتكس الدّ ... اء فلا يأتي ويوتي
/ قال: ودخل إليها يوما، فقال:
ماذا ترين لصبّ ... يريد [4] منك قطيره
فأجابته:
إياي تعني بهذا ... عليك فاجلد عميره
__________
[1] هذه الترجمة مما ورد في بعض المخطوطات المعتمدة، ولم ترد في طبعة بولاق.
[2] من شكلت المرأة، فهي شكلة: صارت ذا غنج ودلال.
[3] في هج: «فوق سطح».
[4] ف: «يكفيه».
فقال لها:
أريد هذا وأخشى ... على يدي منك غيره
قال: فخجلت وقالت: تعست، وتعس من يغار عليك.
تطارح أبا حنش:
أخبرنا أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ: قال: حدّثنا عمر بن شبّة: قال: حدّثني أبو أحمد بن معاوية: قال:
سمعت أبا حنش يقول: قال لي الناطفيّ: لو جئت إلى عنان فطارحتها [1]، فعزمت على الغدوّ، فبتّ ليلتين أحوك بيتين، ثم غدوت عليها فقلت:
أحبّ الملاح البيض قلبي وربّما ... أحبّ الملاح الصّفر من ولد الحبش
بكيت على صفراء منهنّ مرّة ... بكاء أصاب العين منّي بالعمش [2]
فقالت:
بكيت عليها أنّ قلبي يحبّها ... وأنّ فؤادي كالجناحين ذو رعش
تغنّيتنا بالشّعر لما أتيتنا ... فدونك خذه محكما يا أبا حنش
هي أشعر الجن والإنس:
أخبرني أحمد: قال: حدّثني عمر بن شبّة: قال: حدّثني أحمد بن معاوية: قال:
سمعت مروان بن أبي حفصة يقول: لقيني الناطفيّ؛ فدعاني إلى عنان، فانطلقت معه، فدخل إليها قبلي، فقال لها: قد جئتك بأشعر الناس، مروان بن أبي حفصة، فوجدها عليلة،/ فقالت له: إني عن مروان لفي شغل، فأهوى إليها بسوط [3] فضربها به، وقال لي: ادخل، فدخلت وهي تبكي، فرأيت الدموع تنحدر من عينيها فقلت:
بكت عنان فجرى دمعها ... كالدّرّ إذ يسبق من خيطه [4]
فقالت وهي تبكي:
فليت من يضربها ظالما ... تيبس يمناه على سوطه [5]
فقلت: أعتق مروان ما يملك إن كان في الجنّ والإنس أشعر منها.
تجيز ما لا يجاز:
أخبرني الجوهريّ، قال: حدّثنا أبو زيد عن أحمد بن معاوية: قال:
__________
[1] ف هج: «قال لي الناطفي هلم إلى عنان فطارحها».
[2] في هج:
«في الدهر مرة»
بدل
«منهن مرة»
[3] هج: «بسوطه» بدل «بسوط».
[4] هج وهد: «يستن» بدل «يسبق».
[5] هج:
«تجف يمناه»
بدل
«تيبس يمناه»
قال لي رجل: تصفّحت كتبا، فوجدت فيها بيتا جهدت جهدي أن أجد من يجيزه، فلم أجد، فقال لي صديق: عليك بعنان جارية الناطفيّ، فجئتها فأنشدتها:
صوت
وما زال يشكو الحبّ حتى رأيته ... تنفّس في أحشائه وتكلّما
فما لبثت أن قالت:
ويبكي فأبكي رحمة لبكائه ... إذا ما بكى دمعا بكيت له دما
- في هذين البيتين لحن من الرّمل، أظنّه لجحظة أو لبعض طبقته - قرأت في بعض الكتب:
تعايي شاعرا:
دخل بعض الشّعراء على عنان جارية الناطفي، فقال لها مولاها عاييه [1]، فقالت:
سقيا لبغداد لا أرى بلدا ... يسكنه الساكنون يشبهها
فقال:
كأنها فضّة مموّهة ... أخلص تمويهها مموّهها
فقالت:
أمن وخفض [2] ولا كبهجتها ... أرغد أرض عيشا وأرفهها
فانقطع [3].
أخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن عمار، قال: حدّثني ابن أبي سعيد قال: حدّثني مسعود بن عيسى، قال: أخبرني موسى بن عبد اللّه التّميميّ، قال:
دخل أبو نواس على الناطفيّ، وعنان جالسة تبكي، وخدّها على رزّة من مصراع الباب، وقد كان الناطفيّ ضربها، فأومأ إلى أبي نواس أن يحرّكها بشيء، فقال أبو نواس:
عنان لو جدت لي فإني من ... عمري في آمن الرسول بما
فردّت عليه عنان:
فإن تمادى ولا تماديت في ... قطعك حبلي أكن كمن ختما [4]
فردّ عليها أبو نواس فقال:
__________
[1] المعاياة: أن يأتي بكلام لها لا يهتدي لمثله.
[2] في ف: «و خصب» بدل «و خفض».
[3] في ف: «فانقطع الرجل».
[4] يشير أبو نواس إلى آخر سورة البقرة «آمن الرسول بما أنزل» كأنه يقول: إنني من حبك ما زلت في أول سورة، فأجابته: إن قطعت حبل كنت أنا كمن ختم القرآن.
علقت من لو أتى على أنف ... س الماضين والغابرين ما ندما
فردّت عليه:
لو نظرت عينها إلى حجر ... ولّد فيه فتورها سقما
لا تريد سوى خاتمها:
أخبرني ابن عمار [1]، قال: حدّثني محمد بن القاسم بن مهرويه: قال: حدّثني محمد بن أبي مروان الكاتب:
قال:
/ أخذ أبو نواس من عنان جارية الناطفيّ خاتما فصّه أحمر، فأخذه أحمد بن خالد حيلويه [2] من أبي نواس، فطلبته منه عنان، فبعث إليها مكانه خاتما فصّه أخضر، فاتّهمته في ذلك، فكتب أبو نواس إلى أحمد بن خالد، فقال:
فدتك نفسي يا أبا جعفر ... جارية كالقمر الأزهر
تعلقتني وتعلّقتها ... طفلين في المهد إلى المكبر
كنت وكانت نتهادى الهوى ... بخاتمينا غير مستنكر
حنّت إلى الخاتم مني وقد ... سلبتني إياه مذ أشهر
فأرسلت فيه فغالطتها ... بخاتم في قدّه أخضر
قالت: لقد كان لنا خاتم ... أحمر أهداه إلينا سري
لكنه علّق غيري فقد ... أهدى له الخاتم لا أمتري
كفرت باللّه وآياته ... إن أنا لم أهجره فليصبر
أو فأت بالمخرج من تهمتي ... إياه في خاتمنا الأحمر [3]
فاردده تردد وصلها إنّها ... قرّة عيني يا أبا جعفر
فإنني متّهم عندها ... وأنت قد تعلم أني بري
قال: فردّ إليه الخاتم، وبعث إليه معه بألفي درهم.
الرشيد أشعر منها:
أخبرني ابن عمار وعليّ بن سليمان الأخفش، قال: حدّثنا محمد بن يزيد المبرد، عن المازنيّ عن الأصمعيّ - وقال ابن عمار في خبره عن بعض أصحابه - أظنّه المازنيّ - عن الأصمعيّ، قال:
/ ما رأيت أثر النبيذ في وجه الرشيد قطّ إلا مرّة واحدة، فإني دخلت إليه أنا وأبو حفص الشّطرنجي، فرأيت
__________
[1] ف: «ابن عمران» تحريف.
[2] ف: «جيلوه».
[3] في هد: «خاتمة» بدل «خاتمنا».
التّخثّر [1] في وجهه، فقال لنا: استبقا إلى بيت بل إلى أبيات، فمن أصاب ما في نفسي فله عشرة آلاف درهم، قال:
فأشفقت [2]، ومنعتني هيبته، قال: فقال أبو حفص:
كلّما دارت الزجاجة زادت ... ه اشتياقا وحرقة فبكاك
فقال: أحسنت فلك عشرة آلاف درهم.
قال: فزالت الهيبة عني، فقلت:
لم ينلك الرجاء أن تحضريني ... وتجافت أمنيّتي عن سواك [3]
فقال: للّه درّك! لك عشرون ألف درهم، قال: فأطرق مليّا، ثم رفع رأسه إليّ، فقال: أنا واللّه أشعر منكما، ثم قال:
فتمنّيت أن يغشّيني اللّ ... ه نعاسا لعلّ عيني تراك
الأصمعي يصرف الرشيد عنها:
أخبرني ابن عمار والأخفش قالا: حدّثنا محمد بن يزيد عن المازني: قال:
قال الأصمعيّ: بعثت إليّ أمّ جعفر أن أمير المؤمنين قد لهج بذكر هذه الجارية عنان، فإن صرفته عنها فلك حكمك. قال: فكنت أريغ [4] لأن أجد للقول فيها موضعا، فلا أجده، ولا أقدم عليه هيبة له، إذ دخلت يوما فرأيت في وجهه أثر الغضب، فانخزلت، فقال: مالك يا أصمعيّ؟ قلت: رأيت في وجه أمير المؤمنين أثر غضب، فلعن اللّه من أغضبه! فقال: هذا الناطفيّ واللّه، لو لا أني لم أجر في حكم قطّ متعمّدا لجعلت على كل جبل منه قطعة، ومالي في جاريته أرب غير الشعر، فذكرت رسالة أمّ جعفر، فقلت له: أجل واللّه ما فيها غير/ الشعر، أفيسرّ أمير المؤمنين أن يجامع الفرزدق؟ فضحك حتى استلقى، واتّصل قولي بأم جعفر فأجزلت لي الجائزة.
الرشيد يلح في طلبها:
أخبرني عمي والحسن بن عليّ، قالا: حدّثنا عمر بن محمد بن عبد الملك الزيات، قال: حدّثني محمد بن هارون، عن يعقوب بن إبراهيم:
أن الرشيد طلب من الناطفيّ جاريته، فأبى أن يبيعها بأقلّ من مائة ألف دينار، فقال: أعطيك مائة ألف دينار على أن تأخذ بالدينار سبعة دراهم، فامتنع عليه، وأمر أن تحمل إليه، فذكروا أنها دخلت مجلسه، فجلست في هيئتها تنتظره فدخل عليها، فقال لها: ويلك! إن هذا قد اعتاص عليّ في أمرك، قالت: وما يمنعك أن توفيه وترضيه؟ فقال: ليس يقنع بما أعطيه، وأمرها بالإنصراف. فبلغني أن الناطفيّ تصدّق بثلاثين ألف درهم حين رجعت إليه، فلم تزل في قلب الرشيد حتى مات مولاها، فلما مات بعث مسرورا الخادم، فأخرجها إلى باب الكرخ،
__________
[1] التخثر: غثيان النفس.
[2] هج: «فانثنينا» بدل «فأشفقت».
[3] في هد: «لم ينلني» بدل «لم ينلك».
[4] أريغ: أطلب.
فأقامها على سرير وعليها رداء رشيديّ [1] قد جلّلها، فنودي عليها: من يزيد؟ بعد أن شاور الفقهاء فيها، وقال: هذه كبد رطبة، وعلى الرجل دين، فأشاروا ببيعها، قال: فبلغني أنها كانت تقول - وهي في المصطبة - : أهان اللّه من أهانني، وأذلّ من أذلّني، فلكزها مسرور بيده، وبلغ بها مسرور مائتي ألف درهم، فجاء رجل، فقال: عليّ زيادة خمسة وعشرين ألف درهم، فلكزه مسرور، وقال: أتزيد على أمير المؤمنين! ثم بلغ بها مائتين وخمسين ألفا، وأخذها له قال: ولم يكن فيها شيء يعاب، وطلبوا لها عيبا لئلا تصيبها العين، فأوقعوا بخنصر رجلها [2] شيئا. وأولدها ابنين - قال: أظنهما ماتا صغيرين - [3] ثم خرج بها إلى خراسان، فمات هناك وماتت عنان بعده.
/ أبو نواس لشبب بها:
قال: وأنشدنا لأبي نواس في قصيدة يمدح بها يزيد بن مزيد ويذكر عنان في تشبيبها:
عنان يا من تشبه العينا ... أنت على الحبّ تلومينا
حسنك حسن لا أرى مثله ... قد ترك الناس مجانينا
بينهما وبين العباس بن الأحنف:
أخبرني عمّي: قال: حدّثنا الحسن بن عليل العنزيّ: قال: حدّثني أحمد بن القاسم العجليّ: قال: حدّثني أبو القاسم النخعيّ قال:
كان العباس بن الأحنف يهوى عنان جارية الناطفي، فجاءني يوما، فقال: امض بنا إلى عنان جارية الناطفي، فصرنا إليها، فرأيتها كالمهاجرة له، فجلسنا قليلا، ثم ابتدأ العباس فقال:
قال عباس وقد أج ... هد من وجد شديد
ليس لي صبر على الهج ... ر ولا لذع الصّدود
لا ولا يصبر للهج ... ر فؤاد من حديد
فقالت عنان:
من تراه كان أعنى ... منك عن هذا الصدود
بعد وصل لك منّي ... فيه إرغام الحسود
فاتّخذ للهجر إن شئ ... ت فؤادا من حديد
ما رأيناك على ما ... كنت تجني بجليد
فقال العباس:
__________
[1] في هج: «رداء سندي» بدل «رداء رشيدي».
[2] في هح: «بخنصر في ظفر رجلها».
[3] في هج: «ابنتين قال: أظنهما ماتا صغارا».
لو تجودين لصبّ ... راح ذا وجد شديد
وأخي جهل بما قد ... كان يجني بالصدود
/ ليس من أحدث هجرا ... لصديق بسديد
ليس منه الموت إن لم ... تصليه ببعيد
قال: فقلت للعباس: ويحك! ما هذا الأمر؟ قال: أنا جنيت على نفسي بتنايهي عليها، فلم أبرح حتى ترضّيتها له.
أبو نواس يبغض الرشيد فيها:
أخبرني الحسن بن عليّ: قال: حدّثنا الحارث بن يحيى بن حمد بن أبي أميّة: قال: حدّثني يحيى بن محمد:
أن الرشيد كان يساوم بعنان جارية النّطّاف، فبلغ ذلك أمّ جعفر، فشقّ عليها، فدسّت إلى أبي نواس أن يحتال في أمرها فقال يهجوها:
إن عنان للنّطّاف جارية ... أصبح حرها للنّيك ميدانا [1]
ما يشتريها إلا ابن زانية ... أو قلطبان يكون من كانا [2]
فبلغ ذلك الرشيد، فكان يقول: لعن اللّه أبا نواس، وقبّحه، فلقد أفسد عليّ لذّتي في عنان بما قال فيها، ومنعني من شرائها.
صوت
مالي وللخمر وقد أرعشت ... منّي يميني هات باليسرى [3]
حتى تراني مائلا مسندا ... لا أستطيع الكأس بالأخرى [4]
الشعر للحسن بن وهب، والغناء لعبد اللّه بن العباس الرّبعيّ، خفيف ثقيل بالوسطى [5]، وفيه أيضا له خفيف رمل بالبنصر.
__________
[1] البيت من المنسرح، وفي وزنه خلل، ولإقامة الوزن يجب حذف لام «للنطاف» فتكون:
«إن عنان النطاف جارية»
كما يجب تسكين الراء من حرها في الشطر الثاني.
[2] الترطبان والقلطبان: الديوث أو القواد الذي لا غيرة له.
[3] هج، وهد: «بالأخرى».
[4] هج، وهد: «باليسرى».
[5] هج: «الربيعي، رمل بالوسطى».
7 - أخبار الحسن بن وهب [1]
اسمه ونشأته:
هو الحسن بن وهب بن سعيد، كاتب شاعر [2] مترسّل فصيح أديب، وأخوه سليمان بن وهب فحل [3] من الكتّاب ويكنى أبا عليّ، وهو عريق في الكتابة، ولأولاده نجابة مشهورة تستغني عن وصف ذلك، وكانوا يقولون إنهم من بني الحارث بن كعب، وأصلهم نصارى، وفي بني الحارث نصارى كثير.
قول البحتري فيه:
وفي الحسن بن وهب يقول البحتريّ:
يا أخا الحارث بن كعب بن عمرو ... أشهورا تصوم أم أيّاما؟ [4]
وكان البحتريّ مدّاحا لهم، وله في الحسن، وقد اجتاز بمنزله بعد وفاته:
أناة أيّها الفلك المدار ... أنهب ما تطرّق أم جبار
نزلنا منزل الحسن بن وهب ... وقد درست مغانيه القفار [5]
يقول فيها يصف صبوحا كانوا قد اصطبحوه:
أقمنا، أكلنا أكل استلاب ... هناك وشربنا شرب يدار
تنازعنا المدامة وهي صرف ... وأعجلنا الطبائخ وهي نار
ولم يك ذاك سخفا غير أنّي ... رأيت الشّرب سخفهم الوقار
أخبرني الصوليّ، وذكر ذلك عن جماعة من الكتاب:
أن الحسن بن وهب كان أشدّ تمسكا بالنسب إلى بني الحارث بن كعب من أخيه/ سليمان، وكان سليمان ينكر ذلك، ويعاتب عليه أخاه الحسن وابنه أحمد بن سليمان. وأصلهم من قرية من سواد واسط في جسر [6] سابور يقال لها «سارقيقا».
__________
[1] هذه الترجمة والصوت الذي قبلها خلت منها مطبوعات «الأغاني» وهي في المخطوطات الممتدة.
[2] هج: «شاعر كاتب».
[3] هج: «بمحل».
[4] هج: «أم أعواما» بدل «أم أياما».
[5] هج: «معالمه» بدل «مغانيه».
[6] هج: «خس».
يتباهون بحفظ أشعاره:
أخبرني عمي: قال: حدّثني عمر بن نصر الكاتب، وكان من مشايخ الكتّاب بسرّ من رأى، قال:
كنا نتهادى ونحن في الديوان أشعار الحسن بن وهب، ونتباهى بحفظها، قال: وأنشدني له، وكتب بها إلى أخيه سليمان بن وهب من مدينة السّلام وهو محبوس في أيام الواثق:
خطب أبا أيوب جلّ محلّه ... فإذا جزعت من الخطوب فمن لها؟
إن الذي عقد الذي انعقدت به ... عقد المكاره فيك يحسن حلّها
فاصبر لعلّ الصبر يفتق ما ترى ... وعسى بها أن ينجلي ولعلّها
قال: وكتب إليه أيضا وهو في الحبس بسرّ من رأى:
خليليّ من عبد المدان تروّحا ... ونصّا صدور العيس حسرى وطلّحا [1]
فإنّ سليمان بن وهب ببلدة ... أصاب صميم القلب منّي فأقرحا
أسائل عنه الحارسين لحبسه ... إذا ما أتوني: كيف أمسى وأصبحا!
فلا يهنىء الأعداء أسر ابن حرّة ... يراه العدا أندى يمينا وأسمحا
وأنهض للأمر الجليل بعزمة ... وأقرع للباب الأصمّ وأفتحا
أخبرني محمد بن يحيى الصوليّ: قال: حدّثني محمد بن موسى بن حماد: قال:
/ وجّه الحسن بن وهب إلى أبي تمام وهو بالموصل خلعا فيها خزّ ووشي، فامتدحه بقصيدة أولها: [2]
أبو عليّ وسميّ منتجعه ... فاحلل بأعلى واديه أو جرعه
ثم وصف الخلعة فقال:
وقد أتاني الرسول بالملبس ال ... فخم لصيف امرىء ومرتبعه
لو أنها جلّلت أويسا لقد ... أسرعت الكبرياء في ورعه
رائق خزّ أجيد سابره ... سكب تدين الصّبا لمدّرعه
وسرّ وشي كأنّ شعري أحيا ... نا نسيب العيون من بدعه
تركتني ساهر الجفون على ... أزلم دهر بحسنها جذعه
- يعني الدهر، والدهر يقال له: الأزلم الجذع، والأزلم: الطويل، والجذع: الجديد: يقول: هو قديم سالف، ويومه جديد، قال لقيط الإياديّ:
يا قوم بيضتكم لا تفضحنّ بها ... إني أخاف عليها الأزلم الجذعا [3]
-
__________
[1] النص: استخراج جهد الناقة في السير، وحسر وطلح البعير: أعيا وتعب.
[2] الأبيات في «الديوان» 2/ 343 - 348.
[3] بيضة البلد: ما يحافظ عليها ويحمي حقيقتها. وفي ف: «لا تفجعن».
رواية أخرى فيما أرسله إلى أخيه في سجنه:
أخبرني الصوليّ: قال: حدّثنا محمد بن يزيد المبرد: قال:
لما حبس محمد بن عبد الملك الزيات سليمان بن وهب، وطالبه بالأموال وقت نكبته قال الحسن بن وهب:
خليليّ من عبد المدان تروّحا ... ونصّا صدور العيس حسري وطلّحا
فإنّ سليمان بن وهب بمنزل ... أصاب صميم القلب منّي فأقرحا
أسائل عنه الحارسين لحبسه ... إذا ما أتوني كيف أمسى وأصبحا
/ فلا يهنىء الأعداء حبس ابن حرّة ... يراه العدا أندى يمينا وأسمحا
وقولا لهم صبرا قليلا وأصبحوا ... فما أقرب الليل البهيم من الضّحا
قال: وقيل له وسليمان محبوس: كيف أصبحت؟ قال: أصبحت واللّه قليل [1] النّشاط، كالّ القريحة، صدىء الذهن، ميّت الخاطر من سوء فعل الزّمان، وتوارد الأحزان، وتغيّر الإخوان، قال: وآلى ألّا يذوق طعاما طيّبا، ولا يشرب ماء باردا، ما دام أخوه محبوسا، فوفّى بذلك.
من قوله في حاج:
أخبرني الصوليّ: قال: أخبرني أبو الأسود: قال:
كان للحسن بن وهب جار هاشميّ، يلقّب بالطير، فحجّ سنة من السنين، ورجع آخر الناس، فقال فيه الحسن:
أينقص أم يزيد من الرقاعه ... أخو حمق له الدّنيا مشاعه
يحجّ على الجمال ولو تجلّى ... لمكة جاءها في بعض ساعه
الدمع حزن محلول:
أخبرني الصوليّ: قال: حدّثنا الطالقاني: قال: حدّثنا أحمد بن سليمان بن وهب. قال: رآني عمي الحسن، وأنا أبكي لفراق بعض ألّافي فقال:
ابك فما أنفع ما في البكا ... لأنّه للوجد تسهيل
وهو إذا أنت تأمّلته ... حزن على الخدّين محلول [2]
لا تنه عن خلق:
أخبرني الصوليّ: قال: حدّثنا علي بن الصبّاح [3]: قال: بلغ الحسن بن رجاء أنّ الحسن بن وهب عابه بحبّ الغلمان، وكان الحسن بن وهب أشدّ حبّا لهم منه، فقال: مثلي ومثله كما قال حسان بن ثابت:
__________
[1] هج: «عليل».
[2] هج:
«حزن جرى في الحد محلول»
[3] مد: «علي بن صالح».
وإني لأغنى الناس عن فضل [1] صاحب ... يرى الناس ضلّالا وليس بمهتد
المسؤول أحوج من السائل:
أخبرنا محمد: قال: حدّثنا الحزنبل: قال:
كتب رجل إلى الحسن بن وهب يستميحه، فوقّع في رقعته:
الجود طبعي ولكن ليس لي مال ... فكيف يحتال من بالرّهن يحتال
تكره النار:
أخبرني الحسن بن عليّ: قال: حدّثني محمد بن موسى بن حمّاد: قال:
كنت أكتب في حداثتي بين يدي الحسن بن وهب - وكان شديد الشّغف ببنات جارية محمد بن حماد كاتب راشد، فكنّا يوما عنده، وهي تغنّي، وبين أيدينا كانون فحم، فتأذّت به، فأمرت أن يباعد، فقال الحسن:
بأبي كرهت النار حتى أبعدت ... فعلمت ما معناك في إبعادها
هي ضرة لك بالتماع ضيائها ... وبحسن صورتها لدى إيقادها
وأرى صنيعك في القلوب صنيعها ... في شوكها وسيالها وقتادها [2]
شركتك في كلّ الجهات بحسنها ... وضيائها وصلاحها وفسادها
تفاجئه بنات:
أخبرني الصّوليّ: قال: حدّثني الحسين بن يحيى: قال:
كنا عند الحسن بن وهب، فقال: لو ساعدنا الدهر لجاءتنا بنات، فما تكلّم بشيء حتى دخلت، فقال: إنّي وإياك لكما قال علي بن أمية:
وفاجأتني والقلب نحوك شاخص ... وذكرك ما بين اللسان إلى القلب
فيا فرحة جاءت على إثر ترحة ... ويا غفلتا عنها وقد نزلت قربي [3]
تخونه شجاعته أمام بنات:
قرأت في بعض الكتب: دخلت يوما بنات على الحسن بن وهب، وهو مخمور، فسلّمت عليه، وقبلت يده، فأراد تقبيل يدها، فمنعته فرعش، فقال:
/أقول وقد حاولت تقبيل كفّها ... وبي رعدة أهتزّ منها وأسكن
فديتك إني أشجع الناس كلّهم ... لدى الحرب إلا أنّني عنك أجبن
__________
[1] ف: «وصل صاحب».
[2] السيال: ما طال من السمر، والقتاد: شجر له شوك كالأبر.
[3] يا غفلتا قلبت ياء المتكلم ألفا وفي هج: «يا غفلتي».
بنات داؤه ودواؤه:
أخبرني الصّوليّ: قال: حدّثني محمد بن موسى، قال: جاءت بنات تسأل الحسن بن وهب من علّة نالته، فحين رآها دعا برطل، فشربه على وجهها، وقال: قد عوفيت، فأقيمي اليوم عندي، فأبت وقالت: عند مولاي دعوة، فأمر بإحضار مائتي دينار، فأحضرت فقال: هذه مائة لمولاك، فابعثي بها إليه ومائة لك؛ فقالت: أمّا هو فأبعث بمائة إليه [1]؛ وأما أنا فو اللّه لا أخذت المائة الأخرى، ولأتصدقنّ بمثلها لعافيتك [2] ولكن أكتب إليه رقعة تقوم بعذري؛ فأخذ الدواة؛ وكتب إلى مولاها:
ضرّة الشمس والقمر ... متّعيني من النّظر [3]
متّعيني بجلسة ... منك يا أحسن البشر
أشتريها إن بعتن ... يها بسمعي وبالبصر
أذهب السقم سقم طر ... فك ذي الغنج والحور [4]
فأديمي السرور لا ... تمزجي الصفو بالكدر
ليس يبقي عليّ ... حبّك هذا ولا يذر
وأنا منه فأنعمي ... بمقام على خطر
وتغنّي فداك كلّ ... مغنّ لكي أسرّ
ربع سلمى بذي بقر ... عرضة الريح والمطر [5]
عمه من ضمن عزاله:
حدّثني أبو إسحاق بن الضحاك عن أحمد بن سليمان - والحكايتان متفقتان متقاربتان - أخبرني الصولي: قال:
حدّثني الحسين بن يحيى: قال: حدّثني أحمد بن سليمان بن وهب قال: قال لي أبي:
قد عزمت على معاتبة عمّك في حبه لبنات، فقد شهّر بها وافتضح، فكن معي، وأعنّي عليه، وكان هواي مع عمّي، فمضيت معه فقال له أبي، وقد أطال عتابه: يا أخي، جعلت فداك! الهوى ألذّ وأمتع، والرأي أصوب وأنفع، فقال عمي متمثلا:
إذا أمرتك العاذلات بهجرها ... أبت كبد عما يقلن صديع
وكيف أطيع العاذلات وحبّها ... يؤرّقني والعاذلات هجوع
__________
[1] هج، هد: «فابعث إليه بمائته».
[2] هج: «بمثلها من مالي لعافيتك».
[3] في هد:
«صورة الشمس القمر»
[4] الغنج: الدل والغزل وفي ف «بالغنج».
[5] بذي بقر: واد بعينه.
فالتفت إليّ أبي ينظر ما عندي، فتمثّلت:
وإني ليلحاني على فرط حبّها ... رجال أطاعتهم قلوب صحائح [1]
فنهض أبي مغضبا وضمّني عمّي إليه، وقبّلني، وانصرفت إلى بنات، فحدّثتها بما جرى وعمّي يسمع، فأخذت العود، فغنّت:
يلومك في مودّتها أناس ... لو أنّهم برأيك لم يلوموا [2]
فيه ثقيل أوّل.
منى لومه:
قال أحمد بن سليمان، وعذلته عجوز لنا، يقال لها: منى، فقال لها: قومي، فانظري إليها، واسمعي غناءها، ثم لوميني، فقامت معه، فرأتها، وسمعت غناءها فقالت له: لست أعاود لومك فيها بعد هذا، فأنشأ يقول:
ويوم سها عنه الزمان فأصبحت ... نواظره قد حار عنها بصيرها
/ خلوت بمن أهوى به فتكاملت ... سعود أدار النحس عنّا مديرها
أما تعذريني يا منى في صبابتي ... بمن وجهها كالشمس يلمع نورها؟
تعمت الوسيلة بنات:
قال أحمد بن سليمان: كان لعمي كاتب يعرف بإبراهيم: نصرانيّ يأنس به، فسأل بنات مسألتها [3] عمّي أن يجعل رزقه ألف درهم في الشّهر، فلمّا شرب أقداحا، وطرب وثبت قائمة وقالت: يا سيدي لي حاجة، فوثب عمّي، فقام لقيامها، فقالت: تجعل رزق إبراهيم ألف درهم في الشهر، فقال: سمعا وطاعة، فجلست فأنشأ يقول:
قامت فقمت ولم أكن لو لم تقم ... لأجلّ خلقا غيرها فأقوما [4]
شفعت لإبراهيم في أرزاقه ... فوددت أني كنت إبراهيما
فأجبتها إنّي مطيع أمرها ... وأراه فرضا واجبا محتوما
ما كان أطيب يومنا وأسرّه ... لو لم يكن بفراقها مختوما
قال: ثم إن عمي صار إلى أبي، فأخبره الخبر، فأمر أن يجعل لإبراهيم من ماله ألف درهم أخرى لشفاعتها.
بنات لا تزوره في علته:
أخبرني الصوليّ: قال: حدّثني إسماعيل بن الخصيب: قال: اعتلّ الحسن بن وهب، فلم تعلم بنات بذلك، وتأخّرت عن عيادته، فكتب إليها:
__________
[1] يلحاني: يلومني.
[2] في ف:
«يلومك في محبتها رجال»
[3] هج: «مساءلة».
[4] في نسخة:
«لأسف وعدا عندنا فأقوما»
عليل أنت أعللته ... فلو أنّك علّته
بوعد أن تزوريه ... إذا ما ممكن نلته
قريبا لنفيت الدّا ... ء عنه حين واعدته
وما ضرّك لو جاء ... رسول منك أرسلته
/ فيحكي لك ما قال ... كما يحكي الذي قلته
أما واللّه لو أن ال ... ذي يحمل حمّلته
لما احتاج إلى التعل ... يم فيما قد تجاهلته
في الشفانين الشفاء:
أخبرني الصّولي: قال أحمد بن إسماعيل: قال: حدّثني أحمد بن عبيد اللّه بن جميل: قال:
أهدى الحسن بن وهب إلى بنات في علة اعتلتها هدايا حسنة وأهدى معها قفص شفانين [1]، وكتب إليها:
شفاء أنين بالشفانين أملّت ... لكم نفس من أهدى الشفانين عامدا
كلوها يكلّ الداء عنكم فإنني ... أزوركم للشوق لا زرت عائدا
أخبرني عمي: قال: حدّثني ميمون بن هارون: قال:
كتب الحسن بن وهب إلى بنات يوم جمعة يستدعيها، فكتبت إليه أن عند مولاها أصدقاء له، وقد منعها من المسير إليه، فكتب إليها ثانيا يقول:
لا كان سيدها الوضيع:
يومنا يوم جمعة بأبي أن ... ت وعند الوضيع لا كان قوم
سفل مثله يسومونه الخس ... ف ويرضاه وهو للوعد سوم
فامنعيهم منك البشاشة حتى ... يتغشّاهم من البرد نوم
وليكن منك طول يومك للّه ... صلاة إلى المساء وصوم
وارفعي عنهم الغناء وإن نا ... لك عذل من الوضيع ولوم
واذكري مغرما بحبّك أمسى ... همه أن يديله منك يوم [2]
يناجي البرق:
أخبرني عمّي قال حدّثني ميمون بن هارون، قال:
كان الحسن بن وهب يشرب عند محمد بن عبد اللّه بن طاهر، فعرضت سحابة، فبرقت ورعدت، وقطرت، فقال الحسن:
__________
[1] الشفانين: ضرب من الحمام جميل الصوت بهي المنظر.
[2] أدالنا اللّه من عدونا: غلبنا عليه.
هطلتنا السماء هطلا دراكا ... عارض المرزمان فيها السّماكا [1]
قلت للبرق إذا تألّف فيها ... يا زناد السماء من أوراكا؟
أحبيبا نأيته فبكاكا ... فهو العارض الّذي استبكاكا
أم تشبهت بالأمير أبي العبّ ... اس في جوده فلست كذاكا؟ [2]
بينه وبين ابن الزيات:
أخبرني عمي، قال: حدّثنا أبو العيناء، قال:
طلب محمد بن عبد الملك الزيات الحسن بن وهب، وكان قد اصطبح مع بنات فكتب إليه: يا سيدي، أنا في مجلس بهيّ، وطعام هنيّ، وشراب شهيّ، وغناء رضيّ، أفأتحوّل عنه إلى كدّ الشقيّ، ووثبت بنات لتقوم، فردّها وكتب:
ما بان عنك الذي بن ... ت عنه لا عاش بعدك
إن لم يكن عنده الص ... بر والسّلوّ فعندك
وما وجدته إلا ... عبد الرجاء وعبدك
فاستلبها الرسول، ومضى بها إلى محمد، فوقّع فيها:
أبا عليّ أراك الإ ... له في الأمر رشدك
إن لم تكن عندي اليو ... م كنت بالشوق عندك
فاهدم محلّك عندي ... واجهد لذلك جهدك
/ فلست أزداد إلا ... رعاية لك ودّك
وانعم بمن قلت فيها ... عبد الرجاء وعبدك
أزيل نحسك فيها ... وأطلع اللّه سعدك
وردّ الرقعة إلى الحسن، فلما قرأها خجل، وحلف ألا يشرب النبيذ شهرا، ولا يفارق مجلس الوزير.
آخر عهد ببنات:
أخبرني عمي عن إبراهيم بن المدبّر، قال:
ولدت بنات من مولاها ولدا وسمته بإبراهيم، فأبغضها الحسن بن وهب، وكتب إليها:
نتج المهرة الهجان هجينا ... ثم سمّى الهجين إبراهيما [3]
__________
[1] المرزمان: نجمان في السماء مع الشعريين.
[2] في هج:
«فكنت كذاكا»
[3] الهجين: من أبوه؛ خير من أمه.
بخليل الرحمن سمّيت عبدا ... أم قريع الفتيان ذاك الكريما [1]
وبعث بالبيتين إليها، وكان آخر عهده بها.
بينه وبين أبي تمام:
أخبرني الصولي قال: حدّثنا محمد بن موسى قال:
كان الحسن بن وهب يعشق غلاما روميّا لأبي تمام، وكان أبو تمام يعشق غلاما خزريّا للحسن، فرأى أبو تمام يوما الحسن يعبث بغلامه، فقال له: واللّه لئن أعتقت إلى الروم لنركضنّ إلى الخزر، فقال له الحسن: لو شئت لحكمتنا واحتكمت، فقال له أبو تمام: ما أشبّهك إلا بداود، ولا أشبّه نفسي إلا بخصيمه، فقال له: لو كان هذا منظوما حفظه، فأما المنثور فهو عارض لا حقيقة له، فقال أبو تمّام:
أبا عليّ لصرف الدهر والغير ... وللحوادث والأيام والعبر
/ أعندك الشمس لم يحظ المغيب بها ... وأنت مضطرب الأحشاء للقمر
أذكرتني أمر داود وكنت فتى ... مصرّف القلب في الأهواء والذّكر
إن أنت لم تترك السير الحثيث إلى ... جآذر الرّوم أعنقنا إلى الخزر [2]
إن الغزال له منّي محلّ هوى ... يحلّ مني محلّ السمع والبصر
وربّ أمنع منه جانبا وحمى ... أمسى ولكنّه مني على خطر [3]
جرّدت منه جنود العزم فانكشفت ... منه غيابتها عن تكّة هدر
سبحان من سبّحته كلّ جارحة ... ما فيك من طمحان الأير والنظر
أنت المقيم فما تعدو رواحله ... وأيره أبا منه على سفر
غلامه وغلام أبي تمام:
قال الصوليّ: فحدّثني أحمد بن إسحاق، قال: حدّثني محمد بن إسحاق، قال: قلت لأبي تمام: غلامك أطوع للحسن بن وهب من غلام الحسن لك، قال: أجل واللّه؛ لأنّ غلامي يجد عنده ما لا يجده غلامه عندي، وأنا أعطي غلامه قيلا وقالا، وهو يعطي غلامي ثيابا ومالا.
ابن الزيات يتجسس عليه:
أخبرني الصّوليّ: قال: حدّثني أبو الحسن الأنصاريّ، قال: حدّثني أبي. وحدّثني الفضل الكاتب المعروف بفنجاخ:
__________
[1] في نسخة:
أعندك الشمس قد راقت مطالعها ... وأنت مشتغل الألحان بالقمر
[2] جاذر: جمع جؤذر: ولد الظبي.
[3] هج: «و مكثه» منّي على خطر.
أنّ الحسن بن وهب كان يكتب لمحمد بن عبد الملك الزيات، وهو وزير الواثق، وكان ابن الزيات قد وقف على ما بين الحسن بن وهب وبين أبي تمام في غلاميهما، فتقدّم إلى بعض ولده - وكانوا يجلسون عند الحسن بن وهب - بأن يعلموه بخبرهما، وما يكون بينهما. قال: وعزم غلام أبي تمام على الحجامة، فكتب إلى/ الحسن يعلمه بذلك، ويسأله التوجيه إليه بنبيذ مطبوخ، فوجّه إليه بمائة دنّ ومائة دينار، وبخلعة حسنة وبخور كثير، وكتب إليه:
ليت شعري يا أملح الناس عندي ... هل تداويت بالحجامة بعدي
دفع اللّه عنك لي كلّ سوء ... باكر رائح وإن خنت عهدي
قد كتمت الهوى بمبلغ جهدي ... فبدا منه غير ما كنت أبدي
وخلعت العذار فليعلم النا ... س بأني إياك أصفي بودّي
وليقولوا بما أحبّوا إذا كن ... ت وصولا ولم ترعني بصدّ
من عذيري من مقلتيك ومن إشر ... اق وجه من دون حمرة خدّ
قال: ووضع الرّقعة تحت مصلّاه، وبلغ محمد بن عبد الملك خبر الرّقعة، فوجّه إلى الحسن، فشغله بشيء من أمره، وأمر من أخذ الرقعة من تحت مصلّاه، وجاءه بها، فقرأها، وكتب في ظهرها:
ليت شعري عن ليت شعرك هذا ... أبهزل تقوله أم بجدّ
فلئن كنت في المقال محقّا ... يا بن وهب لقد تغيّرت بعدي
وتشبّهت بي وكنت أرى أني ... أنا العاشق المتيّم وحدي
أترك القصد في الأمور ولو لا ... غمرات الهوى لأبصرت رشدي
وأحب الأخ المشارك في الحب ... وإن لم يكن به مثل وجدّي
كنديمي أبي عليّ وحاشا ... لنديمي مثل شقوة وجدّي
صوت
إنّ مولاي عبد غيري ولو لا ... شؤم جدي لكان مولاي عبدي
سيّدي سيدي ومولاي من أو ... رثني ذلّة وأضرع خدّي
في هذين البيتين الأخيرين لحن من الرمل، أظنه لجحظة أو غيره من طبقته.
قال: ثم وضع الرقعة في مكانها، فلما قرأها الحسن قال: إنا للّه! افتضحنا عند الوزير، وحدّث أبا تمام بما كان، ووجّه إليه بالرقعة، فلقيا محمد بن عبد الملك، وقالا له: إنما جعلنا هذين سببا للمكاتبة بالأشعار لا للريبة، فتضاحك وقال: ومن يظنّ بكما غير هذا! فكان قوله أشدّ عليهما من الخبرة.
هل عاقه أيلول:
قرأت في بعض الكتب: كان الحسن بن وهب يعاشر أبا تمام عشرة متّصلة، فندب الحسن بن وهب للنظر في
أمر بعض النواحي، فتشاغل عن عشرة أبي تمام، فكتب إليه أبو تمام:
قالوا جفاك فلا عهد ولا حبر ... ما ذا تراه دهاه؟ قلت: أيلول
شهر كأنّ حبال الهجر منه فلا ... عقد من الوصل إلّا وهو محلول
فأجابه الحسن:
ما عاقني عنك أيلول بلذّته ... وطيبه ولنعم الشهر أيلول
لكن توقّع وشك البين عن بلد ... تحتلّه ووكاء العين محلول
اثنان في قرن:
وقرأت فيه: كان بين الحسن بن وهب وبين الهيثم الغنويّ وأحمد بن أبي داود تباعد، فقال يهجوهما:
/سألت أبي وكان أبي خبيرا ... بسكّان الجزيرة والسوّاد
فقلت لهم: أهيثم من غنيّ؟ ... فقال كأحمد بن أبي دواد
فإن يك هيثم من جذم قيس ... فأحمد غير شكّ من إياد
اعتذار قبول:
أخبرني عمي: قال: حدّثني عمر بن نصر الكاتب، قال:
كتب الحسن بن وهب إلى محمد بن معروف الواسطي يسأله أن يصير إليه فكتب إليه محمد:
وقيتك كلّ مكروه بنفسي ... وبالأدنين من أهلي وجنسي
أ تأذن في التأخّر عنك يومي ... على أن ليس غيرك لي بأنس
فأجابه الحسن بن وهب، فقال:
أقم لا زلت تصبح في سرور ... وفي نعم مواصلة وتمسي
فما لي راحة في حبس من لا ... أراه يكون محبوسا بحبسي
وكان الحسن يومئذ معتقلا في مطالبة يطالب بها.
وجدت في بعض الكتب بغير إسناد.
صاحب غير مؤتمن:
كان الحسن بن وهب يعشق بنات، جارية محمد بن حماد الكاتب، وكان له معها أخبار كثيرة، وكان لا يصبر عنها، فقدم الحسن بن إبراهيم بن رباح من البصرة، واتصل به خبرها، ووصفها له الحسن بن وهب، وصار به إليها، فأتمّ ليلته معها، ومرّت بينهما أعاجيب، ثم خالفه الحسن بن إبراهيم بن رباح، وخاتله في أمرها، فكتب إليه الحسن بن وهب:
لا جميل ولا حسن ... خنت عهدي ولم أخن
كملت إذ فعلت ... هذا أعاجيب الزّمن [9]
/فإلى اللّه أشتكي ... ما بقلبي من الحزن
ربّ شكوى من الصد ... يق إلى غير ذي شجن
بأبي أنت يا حسن ... يا أخا الطول والمنن
أيّ رأي أراك خت ... لى في الشاهين الأغن
يتخطّى إليه دو ... ني في حالك الدّجن
فترى منه سنّة ... تتعالى عن السّنن
مع كشفي لك الحد ... يث الذي عنك لم يصن
واعتمادي زعمت م ... نك على أحصن الجنن
وعلى خير صاحب ... وعلى خير ما سكن
خجلي من إساءة ... فضحت حسن كلّ ظنّ
ثم ممّن جرّت إلى ... من وفيمن وعند من؟
إن تكن تلك هفوة ... فهي كالشيء لم يكن
أو تكن بعت خلّتي ... بمواف من الثمن
درّة البحر من عدن ... ذخر سيف بن ذي يزن
لم يكن قطّ مثلها ... في معدّ ولا عدن
فتغافل عن جوابه، وأقام على مواصلتها وسماعها وحظر عليها، فلم يكن الحسن بن وهب يلقاها، فغلظ ذلك عليه، وكتب إليها بهذه الأبيات:
أنكرت معرفتي جعلت لك الفدا ... إنكار سيّدة تلاعب سيّدا
أنا ذو [1] منعت جفونه أن ترقدا ... وتركته ليل التمام مسهّدا
/ وبريت لحم عظامه فتجرّدا ... وأزرت مضجعه النساء العوّدا
أنا ذا فإن لم تعرفيني بعد ذا ... فأنا ابن وهب ذو السماحة والدّي
أشكو إلى اللّه الفؤاد المقصدا ... وجوى ثوى تحت الحشا متلدّدا
وغريرة ما كنت من إشفاقها ... يوما وإن بعد التلاقي مسعدا
يا ظبية في روضة موليّة ... جاد الربيع ترابها فتلبّدا
هل تجزينّ الودّ منّي مثله ... أو تصدقين من المواعد موعدا؟
__________
[1] ذو هنا اسم موصول، أي أنا الذي منعت.
إني وإن جعل القريض يجول بي ... حتّى يغور بما أقول وينجدا
لعلى يقين أنّ قلبك موجع ... عندي المثال أنا الحمى ولك الفدا
وكما علمت إذا لبست المجسدا ... وثنيت خلف الأذن حاشية الرّدا [1]
وحبوت جيدك من حليّك عسجدا ... ونظمت ياقوتا به وزبرجدا
وشكوت وجدك في الغناء شكاية ... ينسي حنينا والغريض ومعبدا
سيما إذا غنّيتني بتعمّد ... بأبي وأمّي ذاك منك تعمّدا
أثوي فأقصر ليلة ليزوّدا ... ومضى وأخلف من قتيلة موعدا
صاحبه يرثي لحاله:
فوقعت الأبيات [2] في يد ابن رباح فقرأها، وعلم أنّه قد بلغ منه. فكتب إليه:
فدى لك آبائي وحقّ بأن تفدّى ... فدى لك قصدا من ملامك لي قصدا
ولا تلحني في عثرة إن عثرتها ... فلا والذي أمسيت أدعى له عبدا
وعهدك يا نفسي يقيك من الرّدى ... فأعظم به عندي وأكرم به عهدا
/ يمين امرىء برّ صدوق مبرّإ ... من الإثم ما حاولت هزلا ولا جدّا
سوى ما به أزداد عندك زلفة ... ويكسبني منك المودّة والحمدا
أرى الغيّ إن أومأت للغيّ طاعة ... لأمرك فضلا عن سوى الغيّ لي رشدا
وأسعى لما تسعى وأتبع ما ترى ... وفي كلّ ما يرضيك أستغرق الجهدا
إذا أنا لم أمنحك صفو مودّتي ... فمن ذا الذي أصفي له غيرك الودّا؟
ومن ذا الذي أرعى وأشكر والذي ... يؤمّل خيرا بعد منّي أو رفدا
وأنت ثمالي والمعوّل والذي ... أشدّ به أزري فيعصمني شدّا
وآثر خلق اللّه عندي ومن له ... أياد وودّ لست أحصيهما عدّا
فلا تحسبنّ مائلا عن خليقتي ... لك الدهر حتى أسكن القبر واللّحدا
معاذ إلهي أن أرى لك خاذلا ... ولكنّ عذري واضح أنّ بي وجدا [3]
بأحسن من أبصرت شخصا وصورة ... وأملح خلق اللّه كلّهم قدّا
بمالكة أمري وإن كنت مالكا ... لها ففؤادي ليس من حبّها يهدا
إذا سألتهن أن أقيم عشيّة ... لأونسها لا أستطيع لها ردّا
__________
[1] المجسد: المصبوغ بالجساد: أي الزعفران.
[2] في هج: «فوقع الشعر».
[3] في ز:
«أني ميت وجدا»
تراشفني صفو المودّة تارة ... وأجني إذا ما شئت من خدّها وردا
قنعت بها لمّا وثقت بحبّها ... فلا زينبا أبغي سواها ولا هندا
ولو بذلت لي جنّة الخلد منزلا ... وقلت: اجتبها لا حتنبت لها الخلدا
المساجلة بينهما تمد:
فلما قرأها الحسن بن وهب علم أنه قد ندم فكتب إليه:
حسن يشكو إلى حسن ... فقد طعم النوم والوسن
/ وهوى أمست مطالبه ... قرنت باليأس في قرن
وحبيب في محلّته ... معه في الدار لم يبن
فإذا ما رام زورته ... فهو كالغادين في الظّعن
عجبا للشمس لم ترها ... مقلتي حولا ولم ترني
أتراها بعدنا صرمت ... حبّنا هذا من اليمن
فقديما كان مطلعها ... بيدي سيف بن ذي يزن
فكتب إليه ابن رباح:
حسن يفدي بمهجته ... حسنا من حادث الزّمن
ويقيه ما تضمّنه ... من دخيل الهمّ والحزن
هاك عيني فابك واقية ... عينك العبري على الشّجن
وفؤادي فامله حزنا ... من صروف الهمّ والفتن
إن تكن شمس الضّحا حجبت ... عن سليل المجد من يمن
فهي حيرى عن مطالعها ... في سوى قوم ابن ذي يزن
رواية أخرى عن منافسه في بنات:
ثم اعتذر إليه، ورجع إلى معاشرته، وكان لا يحضر دار محمد بن حماد، ولا يسمع غناء بنات جاريته إلا مع الحسن بن وهب لا يستأثر بها عليه.
وقال محمد بن داود الجراح: حدّثني بعض أصحابنا: أنّ الحسن بن وهب، أتى أبا إسحاق إبراهيم بن العباس مستعديا على أبي محمد الحسن بن مخلد في أمر بنات جارية محمد بن حماد، وكان الحسن بن وهب يتعشقها، فأفسدها عليه الحسن بن مخلد، ولم يذكر محمد بن داود من خبرهما غير هذا، وإنما ذكرت هذه القصة على قلة الفائدة فيها ليتّضح خبره مع بنات إذ كان ما مضى ذكره من خبرها لم يقع إليّ بروايته.
يستسقيه أبو تمام فيسقيه:
أخبرني محمد بن يحيى الصوليّ، قال: حدّثني عبد الرحمن بن أحمد، قال:
وجدت بخط محمد بن يزيد: كتب أبو تمام إلى الحسن بن وهب يستسقيه نبيذا:
جعلت فداك عبد اللّه عندي ... بعقب الهجر منه والبعاد
له لمة [1] من الكتّاب بيض ... قضوا حقّ الزيارة والوداد
وأحسب يومهم إن لم تجدهم ... مصادف دعوة منهم جماد [2]
فكم يوم من الصهباء سار ... وآخر منك بالمعروف غاد
فهذا يستهلّ على غليلي ... وهذا يستهلّ على تلادي
فيسقي ذا مذانب كلّ عرق ... وينزع ذا قرارة كلّ واد
دعوتهم عليك وكنت ممّن ... نعيّنه على العقد الجياد
قال: فوجّه إليه بمائة دينار ومائة دنّ نبيذا.
هو وأبو تمام يزوران أبا نهشل:
قال محمد بن داود بن الجراح:
زار الحسن بن وهب وأبو تمام أبا نهشل بن حميد، فبدأ أبو تمام، فقال:
أغصّك اللّه أبا نهشل
ثم قال للحسن أجز: فقال:
بخدّ ريم شادن أكحل
ثم قال: أجزيا أبا نهشل، فقال:
نطمع في الوصل فإن رمته ... صار مع العيّوق في منزل [3]
من كتبه إلى أبي تمام:
أخبرني جعفر بن محمد بن قدامة بن زياد الكاتب: قال:
كتب الحسن بن وهب إلى أبي تمام، وقد قدم من سفر: جعلت فداءك ووقاءك وأسعدني اللّه بما أوفى عليّ من مقدمك، وبلغ الوطر كلّ الوطر بانضمام اليد عليك، وإحاطة الملك بك، وأهلا وسهلا، فقرّب اللّه دارا قرّبتك، وأحيا ركابا أدّتك، وسقى بلادا يلتقي ليلها ونهارها عليك، وجعلك اللّه في أحصن معاقله، وأيقظ محارسه وأبعدهما على الحوادث مراما برحمته.
يدافع عن أبي تمام:
أخبرني الحسن بن علي: قال: حدّثنا محمد بن موسى: قال:
__________
[1] لعلها مخفف لمة أي أصحاب.
[2] جماد كلمة تقال للبخيل ذما له.
[3] العيوق: نجم أحمر في طرف المجرة الأيمن.
قال رجل للحسن بن وهب: إن أبا تمام سرق من رجل يقال له مكنف من ولد زهير بن أبي سلمى، وهو رجل من أهل الجزيرة قصيدته التي يقول فيها:
كأنّ بني القعقاع يوم وفاته ... نجوم سماء خرّ من بينها البدر
توفّيت الآمال بعد محمد ... وأصبح في شغل عن السّفر السّفر
فقال الحسن: هذا دعبل حكاه، وأشاعه في الناس، وقد كذب، وشعر مكنف عندي، ثم أخرجه، وأخرج هذه القصيدة بعينها، فقرأها الرجل فلم يجد فيها شيئا مما قاله أبو تمام في قصيدته: ثم دخل دعبل [1] على الحسن بن وهب، فقال له: يا أبا عليّ، بلغني أنك قلت في أبي تمام كيت وكيت، فهبه سرق هذه القصيدة كلّها، وقبلنا قولك فيه، أسرق شعره كلّه؟ أتحسن أنت أن تقول كما قال:
شهدت لقد أقوت مغانيكم بعدي ... ومحّت كما محّت وشائع من برد [2]
وأنجدتم من بعد إتهام داركم ... فيا دمع أنجدني على ساكني نجد؟
فانخزل دعبل واستحيا، فقال له الحسن: الندم توبة، وهذا الرجل قد توفّي،/ ولعلك كنت تعاديه في الدنيا حسدا على حظّه منها، وقد مات الآن، فحسبك من ذكره، فقال له: أصدقك يا أبا عليّ، ما كان بيني وبينه شيء قط إلا أني سألته أن ينزل لي عن شيء استحسنته من شعره، فبخل عليّ به، وأما الآن فأمسك عن ذكره، فجعل الحسن يضحك من قوله واعترافه بما اعترف به.
يعير حماد:
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء: قال: حدّثنا إسحاق بن محمد النّخعي: قال:
كتب إبراهيم بن محمد بن أبي محمد اليزيدي إلى محمد بن حماد الكاتب يهجوه، ويعيره بعشق الحسن بن إبراهيم بن رباح والحسن بن وهب جاريته وتغايرهما عليها:
لي خليطان محكمان يجيدا ... ن لما يعملانه حاذقان
واحد يعمل القسيّ فيأ ... تيك بها في استقامة الميزان
وفتى يعمل السكاكين في القر ... ن مقرّ بحذقه الثّقلان
وهما يطلبان قرنا على رأ ... سك فانظر في بعض ما يسألان
قلت: هل يؤلم الفتى قطع ما ... فيه تريدان أيها الفتيان؟
فأجابا بلطف قول وفهم ... قم فإنّا إذا لنوكي مدان [3]
فاقطع الآن ما برأسك منها ... إن فيما ترى لمحض بيان
__________
[1] في هج: «ثم دخل على تفيئة ذلك دعبل» وتفيئة الشي ء: زمانه.
[2] مح الثوب: بلي والفعل يمح، والوشيعة: المكوك.
[3] نوكي: جمع أنوك، وبنو المدان: هجاهم حسان بالحمق ثم مدحهم بالفصاحة والطول.
ذاك خير من أن يسمّى اسم سوء ... فيقال انظروا إلى القرنان [1]
صوت
قد كان عتبك مرّة مكتوما ... فاليوم أصبح ظاهرا معلوما
نال الأعادي سؤلهم لا هنّئوا ... لمّا رأونا ظاعنا ومقيما
واللّه لو أبصرتني لأديت لي ... والدمع يجري كالجمان سجوما [2]
هبني أسأت فعادة لك أن ترى ... متجاوزا متطاولا مظلوما [3]
الشعر لأحمد بن يوسف الكاتب، والغناء لعبيد بن الحسن الناطفي اللّطفي، ثاني ثقيل بالوسط، وفيه خفيف رمل يقال: إنه لرذاذ، وفيه ثقيل أول مجهول.
__________
[1] القرنان: الديوث المشارك في قرينته.
[2] لأديت لي: أي أشفقت ووفقت لي. وفي ب: «لوجدتني».
[3] في هج:
«متطولا لا متجاوزا»
8 - أخبار أحمد بن يوسف
اسمه ونسبه:
هو أحمد بن يوسف بن صبيح الكاتب، وأصله من الكوفة، وكان مذهبه الرسائل والإنشاء، وله رسائل معروفة، وكان يتولى ديوان الرسائل للمأمون، ويكنى أبا جعفر، وكان موسى بن عبد الملك غلامه وخرّيجه، فذكر محمد بن داود بن الجراح أن أحمد بن سعيد حدّثه عن موسى بن عبد الملك: قال: وهب لي أحمد بن يوسف ألفي [1] ألف درهم تفاريق عن ظهر يد.
أخوه القاسم رائي البهائم:
وأخوه القاسم بن يوسف أبو محمد شاعر مليح الشعر، وكان ينتمي إلى بني عجل، ولم يكن أخوه أحمد يدّعي ذلك.
وكان القاسم قد جعل وكده [2] في مدح البهائم ومراثيها فاستغرق أكثر شعره في ذلك، منها قوله يرثي شاة:
عين بكّي لعنزنا السوداء ... كالعروس الأدماء يوم الجلاء [3]
/و قوله في الشاهمرك [4]:
أقفرت منك أبا سعد عراص وديار وقوله في السّنّور:
ألا قل لمجّة أو ماردة ... تبكّي على الهرّة الصائدة [5]
/و قوله في القمريّ [6]:
هل لامرىء من أمان ... من طارق الحدثان؟
يتبنى جارية للمأمون:
أخبرني محمد بن خلف وكيع: قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد: قال: حدّثني رجل من ولد عبد الملك بن صالح أن الهشامي قال:
__________
[1] في ف: ألف درهم.
[2] الوكد: بالفتح معناه المراد والهم والقصد.
[3] الأدماء: البيضاء، ويوم الجلاء: يوم الزفاف وعرض العروس.
[4] الشاهمرك: الفتى من الدجاج قبل أن يبيض بأيام وهو معرب الشاء مرغك: ملك الكتكوت.
[5] في ف: «مخة».
[6] القمري: ضرب من الحمام.
كان أحمد بن يوسف قد تبنّى جارية للمأمون اسمها مؤنسة، فأراد المأمون أن يسافر ويحملها، فكتب إليه أحمد بن يوسف بهذا الشعر على لسانها، وأمر بعض المغنّين، فغناه به، فلما سمعه وقرأ الكتاب أمر بإخراجها إليه، وهو:
قد كان عتبك مرة مكتوما
واعظ غير متعظ:
وقال محمد بن داود: حدّثني أحمد بن أبي خيثمة الأطروش [1] قال:
عتب أحمد بن يوسف على جارية له، فقال:
وعامل بالفجور يأمر با ... لبرّ كهاد يخوض في الظّلم
أو كطبيب قد شفّه سقم ... وهو يداوي من ذلك السّقم
يا واعظ الناس غير متّعظ ... نفسك طهّر أولا فلا تلم
يقول شعراء على لسان مؤنسة:
ووجدت في بعض الكتب بلا إسناد: عتب المأمون على مؤنسة، فخرج إلى الشّمّاسيّة [2] متنزّها، وخلّفها عند أحمد بن يوسف الكاتب فرجت أن يذكرها إذا صار في متنزّهه [3]، فيرسل في حملها، فلم يفعل، وتمادى في عتبه، فسألت أحمد بن يوسف أن يقول على لسانها شعرا ترفعه [4] فقال:
/يا سيدا فقده أغرى بي الحزنا ... لا ذقت بعدك لا نوما ولا وسنا
لا زلت بعدك مطويّا على حرق ... أشنا المقام وأشنا الأهل والوطنا [5]
ولا التذذت بكأس في منادمة ... مذ قيل لي: إن عبد اللّه قد ظعنا
ولا أرى حسنا تبدو محاسنه ... إلّا تذكرت شوقا وجهك الحسنا
وبعثت به إلى إسحاق الموصليّ، فغناه به، وقيل: بل بعثت به إلى سندس، فغنّته به؛ فاستحسن ذلك، وقال: لمن هذا الشعر؟. فقال أحمد بن يوسف: لمؤنسة يا سيدي تترضّاك، وتشكو البعد منك، فركب من ساعته، حتى ترضّاها، ورضي عنها.
ووجدت في هذا الكتاب قال:
كنا مع أحمد بن يوسف الكاتب في مجلس؛ وعندنا قينة، فتحلّاها [6] أحمد بن يوسف، فكتب إلى صاحب المنزل:
__________
[1] هد: «أحمد بن خيثمة قال: أخبرنا أبو جعفر الأطروش».
[2] الشماسية: نسبة إلى بعض شماسي النصارى وهي مجاورة لدار الروم التي في أعلى بغداد.
[3] كذا في ف، أو في س، ب: «منتزهة».
[4] في هج: «ترققه به».
[5] أشنا: أبغض وأصلها بالهمز وسهلت.
[6] كذا في ف، وفي س، ب: «فتحللها». وتحلاها، بمعنى استحلاها.
أنا رهن للمنايا ... بين إبرام ونقض
من هوى ظبي غرير ... مونق المنظر غضّ
ليتها جادت بتق ... بيل لخدّيها وعضّ
إن عجزتم عن شراها ... لي بفرض أو بقرض
فتمنّوا لي جميعا ... أنها قبر لبعضي
له يطل والفضل بطل:
أخبرني عمي: قال: حدّثنا الحسن بن عليل: قال:
ذكر مسعود بن أبي بشر أنّ أحمد بن يوسف دخل يوما على الفضل بن سهل/ أو أخيه في يوم دجن، فأطال مخاطبته، وكان أحمد/ بن يوسف آنسا به، ففتح دواته وكتب إليه:
صوت
أرى غيما تؤلّفه جنوب ... وأحسبه سيأتينا بهطل
فوجه الرأي أن تدعو برطل ... فتشربه وتدعو لي برطل
ودفعها إليه فقرأهما، وضحك، وقال: إن كان هذا عين الرأي قبلناه، ولم نردّه، ثم دعا بالطعام والشراب، فأتموا يومهم.
الغناء في هذين البيتين للقاسم بن زرزور ثاني ثقيل بالوسطى.
ومما يغنّي فيه من شعره:
صوت
يعشق محمد سعيد:
صدّ عني محمد بن سعيد ... أحسن العالمين ثاني جيد
ليس من جفوة يصدّ ولكن ... يتجنّى لحسنه في الصّدود
الغناء فيه لزرزور خفيف رمل، ذكر ذلك إبراهيم بن القاسم بن زرزور عن أبيه، ومحمد بن سعيد هذا كان من أولاد الكتّاب بسرّ من رأى، وكان أحمد يتعشّقه.
ومن شعره الذي يغنّى فيه:
صوت
كم ليلة فيك لا صباح لها ... أحببتها قابضا على كبدي
قد غصّت العين بالدموع وقد ... وضعت خدّي على بنان يدي
كأنّ قلبي إذا ذكرتكم ... فريسة بين ساعدي أسد
الغناء لشارية من رواية طبّاع، وفيه خفيف رمل، ذكر حبش أنه لأحمد النّصيبي، وهو خطأ يشبه أن يكون لأحمد بن صدقة أو بعض طبقته.
صوت
الراح والنّدمان أحسن منظرا ... في كل ملتفّ الحدائق رائق
فإذا جمعت صفاءه وصفاءها ... فارجم بكل ملمة من حالق
الشعر للعطوي، والغناء لبنان ثقيل أول بالوسطى، وفيه لذكاء وجه الرزة [1] خفيف ثقيل.
__________
[1] ذكاء: غلام أحمد بن يوسف كان مغنيه.
9 - أخبار العطوي
اسمه ونسبه:
هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي عطية مولى بني ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة، ويكنى أبا عبد الرحمن بصريّ المولد والمنشأ.
وكان شاعرا كاتبا من شعراء الدولة العباسية، واتصل بأحمد بن أبي داود، وتقرّب إليه بمذهبه وتقدّمه فيه بقوة جداله عليه، فلما توفّي أحمد نقصت حاله. وله فيه مدائح يسيرة، ومراث كثيرة.
واتصاله بأبي داود:
منها ما أنشدنيه الأخفش عن كوثرة أخي العطويّ:
حنّطته يا نصر بالكافور ... وزففته للمنزل المهجور
هلّا ببعض خصاله حنّطته ... فيضوع أفق منازل وقبور؟
تاللّه لو من نشر أخلاق له ... يعزى إلى التقديس والتطهير [1]
حنّطت من سكن الثّرى وعلا الرّبا ... لتزوّدوه عدّة لنشور
/ فاذهب كما ذهب الوفاء فإنه ... ذهبت به ريحا صبا ودبور
واذهب كما ذهب الشباب فإنه ... قد كان خير مصاحب وعشير
واللّه ما أبّنته لأزيده ... شرفا ولكن نفثة المصدور
وأنشدني الأخفش للعطويّ أيضا يرثي أحمد بن أبي دواد قال:
وليس صرير النعش ما تسمعونه ... ولكنه أصلاب قوم تقصّف
وليس نسيم المسك ريّا حنوطه ... ولكنّه ذاك الثناء المخلّف
يعتبره الشعراء إماما:
وذكر محمد بن داود في كتاب الشعراء، فقال: كان له فن من الشعر لم يسبق إليه،/ ذهب فيه إلى مذهب أصحاب الكلام، ففاق جميع نظرائه، وخفّ شعره على كل لسان، وروي، واستعمله الكتاب، واحتذوا معانيه، وجعلوه إماما.
__________
[1] في ف، هد:
«و لو بشريف»
قذارة وإدمان:
قال ابن داود: وحدّثني المبرّد: قال: كان العطويّ - وهو عندنا بالبصرة - لا ينطق بالشعر، ثم ورد علينا شعره لمّا صار إلى سرّ من رأى، وكنا نتهاداه، وكان مقتّرا عليه رزقه، دفرا [1] وسخا، منهوما بالنبيذ، وله فيه في وصف الصّبوح وذكر النّدامى والمجالس أحسن قول، وليس له قول يسقط، فمن ذلك قوله:
فيئي إلى أهدى السّبل ... قولا وعلما وعمل
قاتلها اللّه لقد ... سامتكما إحدى العضل [2]
تقول هلا رحلة ... تنقلنا خير نقل
أخشى على جائلة ... الآمال جوّال الأجل
أيضمن الآجال جامع الأموال؟
أخبرني علي بن سليمان الأخفش: قال: حدّثني محمد بن يزيد: قال:
سمع العطويّ رجلا يحدّث أن رجلا قال لعمر بن الخطاب: إن فلانا قد جمع مالا، فقال عمر بن الخطاب:
فهل جمع له أياما؟ فأخذ العطوي هذا المعنى فقال:
أرفه بعيش فتى يغدو على ثقة ... إنّ الذي قسم الأرزاق يرزقه
فالعرض منه مصون لا يدنّسه ... والوجه منه جديد ليس يخلقه
جمعت مالا ففكّر هل جمعت له ... يا جامع المال أياما تفرّقه؟ [3]
المال عندك مخزون لوارثه ... ما المال مالك إلا حين تنفقه
يتمنى كأسا وندمانا:
ومن قوله في النّدمان والنّبيذ مما يغنّي فيه ما أنشدنيه الأخفش وغيره من شيوخنا:
صوت
فكم قالوا تمنّ فقلت كاس ... يطوف بها قضيب في كثيب [4]
وندمان تساقطني حديثا ... كلحظ الحبّ أو غضّ الرقيب
الغناء في هذين البيتين لذكاء وجه الززّة خفيف رمل.
__________
[1] دفرا: نتنا.
[2] العضل: جمع عضلة وهي الداهية.
[3] في هج: «فقل لي» بدل «ففكر».
[4] في ف: كأسا، والخطب سهل بحسب التقدير فإن قدرت فعلا نصبت، وإن قدرت أسماء كمتاي كأس» رفعت، وكذلك الحال في ندمان الآتية.
يستقي علويا نبيذا:
أخبرني عمي: قال: حدّثني كوثرة أخو العطوي قال:
كان أخي أبو عبد الرحمن يشرب مع أصدقاء له من الكتّاب، ومعهم قينة يقال لها: مصباح، من أحسن الناس وجها، وأطيبهم غناء، فما زالوا في قصف وعزف إلى أن انقطع نبيذهم؛ فبقوا حيارى، وكانوا قريبا من منزل أبي العباس أحمد بن الحسين/ بن موسى بن جعفر بن محمد العلويّ، وكان صديقا لأبي عبد الرحمن فكتب إليه:
يابن من طاب في المواليد مذ آ ... دم جرّا إلى الحسين أبيه [1]
أنا بالقرب منك عند كريم ... قد ألحّت عليه شهب سنيه [2]
عنده قينة إذا ما تغنّت ... عاد منّا [3] الفقيه غير فقيه
تزدهيني وأين مثلي في الف ... هم تغنّيه ثم لا تزدهيه؟
مجلس كالرياض حسنا ولكن ... ليس قطب السرور واللهو فيه [4]
[فأقمه بما به يمتري دن ع ... جوز خمارة ممتريه [5]]
/و بأشياخك الكرام إلى السّو ... دد موسى بن جعفر وأبيه
إن تحشّمتني وإن كان إلّا ... مثل ما يأنس الفتى بأخيه [6]
قال: فلما وصلت الرقعة إلى أبي العباس أرسل إليهم براوية شراب، فلم يزالوا يشربون مجتمعين، حتى نفدت في أخفض عيش.
يأكل الحاضر ويسمع عقد:
حدّثني أبو يعقوب إسحاق بن الضحّاك بن الخصيب الكاتب: قال:
جاءني يوما أبو عبد الرحمن العطوي بعد وفاة عمي أحمد بن الخصيب بسنتين، وكان صديقه وصنيعته، فجلس عندي يحادثني حديثه، ويبكي ساعة طويلة، ثم تغيمت السماء وهطلت، فسألته أن يقيم عندي، فحلف ألا يفعل إلا بعد أن أحضره من وقتي ما راج من الطعام، ولا أتكلّف له شيئا، ففعلت وجئته بما حضر، فقال لي: ما فعلت عقد؟ قلت: باقية، وهي في يومنا هذا مقيمة عندي، والساعة تسمع غناءها، فقال لي: عجّل إذن فإنّ النهار قصير، ثم أنشأ يقول:
أدر الكأس قد تعالى النّهار ... ما يميت الهموم إلا العقار
__________
[1] في هج: «طرا» بدل «جرا».
[2] سنة شهباء: جدبة.
[3] في ف: «منها».
[4] في هج: «وطب» بدل «قطب».
[5] تكملة من هد، هج.
[6] في ف: «و إن كنت» بدل «و إن كان» وفي بعض النسخ: «تجشمتني» بدل «تحشمتني».
صاح هذا الشتاء فاغد عليها ... إنّ أيامه لذاذ قصار
أيّ شيء ألذ من يوم دجن ... فيه كأس على النّدامى تدار
وقيان كأنهنّ ظباء ... فإذا قلن قالت الأوتار
أحسن يوم وأطيبه:
حدّثني عمي: قال: حدّثني كوثرة: قال:
كان لأبي عبد الرحمن صديق من الأدباء، وكان يتعشّق جارية من جواري القيان يقال لها: عثعث، وكان لا يقدر عليها إلا على لقاء عسير، واجتماع يسير، فأرسل إليها/ يوما، فأحضرها [1] وأصلح جميع ما يحتاج إليه، واتفق أن كان ذلك في [1] يوم رذاذ به من الطّيب والحسن ما اللّه به عليم، فكتب إلى صديقه يعرفه الخبر، ويسأله المصير إليه ووصف له القصة بشعر، فقال:
يوم مطير وعيش نضير ... وكأس تدور وقدر تفور
وعثعث تأتي إذا جئتنا ... فتسمع منها غناء يصور [2]
وعندي وعندك ما تشت ... هيه شعر يمرّ وعلم يدور
وإذ كان هذا كما قد وصفت ... فإن التفرّق خطب كبير
فقم نصطبح قبل فوت الزّمان ... فإنّ زمان التلهّي قصير
قال: فسار إليه صاحبه فمرّ لهما أحسن يوم وأطيبه.
نثرا استحال شعرا:
وهذا الشعر أخذه العطويّ من كلام إسحاق، أخبرني به وسواسة بن الموصلي عن حماد عن أبيه: قال: كان يألفني بعض/ الأعراب وكان طيبا، فجاءني يوما، فقلت له: لم أرك أمس، فقال: دعاني صديق لي، فقلت: صف لي ما كنتم فيه، فقال لي: كنا في مجلس نظامه سرور بين قدور تفور، وكأس تدور، وغناء يصور، وحديث لا يحور [3] وندامى كأنهم البدور.
قال إسحاق: وقلت لأعرابي: كان يألفني: أين كنت بالأمس؟ قال: كنت عند بعض ملوك سرّ من رأى، فأدخلني إلى قبة كإيوان كسرى، وأطعمني في قصاع تترى، وغنتني جارية سكرى، تلعب بالمضراب كأنه مدري، فيا ليتني لقيتها مرة أخرى.
/ قال إسحاق: وقلت لبعض الأعراب: طلبتك أمس فلم أجدك فأين كنت؟ قال: كنت عند صديق لي، فأطعمني بنات التّنانير، وأطعمني أمّهات الأبازير [4] وحلواء الطّناجير [5]، وسقاني زعاف القوارير، وأسمعني غناء
__________
(1 - 1) تكملة من هج، وهد.
[2] يصور: يميل.
[3] لا يجور: لا يظلم. في م، أ: «لا يجور»: أي لا يضعف.
[4] الأبازير: جمع أبزار وهو التابل.
[5] الطناجير: جمع طنجير بالكسر فارسي معرب إناء الطبخ وعربية: القدور.
الشادن [1] الغرير، على العيدان والطّنابير، قد ملكت بأوقار الدراهم والدّنانير.
دعوة سبقتها تلبيتها:
قرأت في بعض الكتب بغير إسناد: أنّ العطوي كان يوما جالسا في منزله، وطرقه صديق له ممن كان يغنّي [2] بسرّ من رأى، فقال له: قد أهديت إليك جواريّ اليوم ونبيذا يكفيك، وحسبك بالكفاية. وأقام عنده، فدخل عليه غلام أمرد أحسن من القمر، فاحتبسوه وكتب العطويّ إلى صديق له من أهل الأدب:
يومنا طيّب به حسن القصف وحثّ الأرطال والكاسات
ما ترى البرق كيف يلمع فيه ... ورشاشا يبلّ في الساعات
ولدينا ظبي غرير ظريف ... قد غنينا به عن القينات [3]
إن تخلّفت بعد ما تصل الرّ ... قعة عنّا فأنت في الأموات
فأجابه الرجل فقال:
أنا في إثر رقعتي فاعلمن ذا ... ك على أنّني من البيّات
فأفهم الشّرط بيننا لا تقل لي ... قد تثاقلت فانصرف بحياتي
لا لسوء لكن لأمتع نفسي ... بحديث الظبي الغرير المواتي [4]
صوت
أيا بيت ليلى إنّ ليلى مريضة ... برادان لا خال لديها ولا ابن عمّ [5]
ويا بيت ليلى لو شهدتك أعولت ... عليك رجال من فصيح ومن عجم
ويا بيت ليلى لا يبست [6] ولا تزل ... بلادك سقياها من الواكف الدّيم
الشعر لمرة بن عبد اللّه النّهدي، والغناء لأحمد النّصيبي ثقيل أول بالوسطى، يقال إنه لحنين.
__________
[1] الشادن: الغلام من شدن الظبي إذا ترعرع، وفي هج: «غناء الزرازير».
[2] هج، هد: «يقين» أي: يبيع القيان.
[3] في ف: «عن الفتيات».
[4] كذا في ف وفي س، ب: «لا لسر» بدل «لا لسوء».
[5] في ف، وفي س وب: «عمم».
[6] في ف: «نسيت».
10 - أخبار مرة ونسبه
اسمه ونسبه:
هو مرة بن عبد اللّه بن هليل بن يسار: أحد بني هلال بن عصم بن نصر بن مازن بن خزيمة بن نهد، وليلى هذه من رهطه، يقال لها: ليلى بنت زهير بن يزيد بن خالد [1] بن عمرو بن سلمة.
يهجو من يخطبها:
نسخت خبرها من كتاب ابن أبي السّريّ قال: حدّثني ابن الكلبي عن أبيه. قال:
كانت امرأة من بني نهد، يقال لها: ليلى بنت زهير بن يزيد، وكان لها ابن عم يقال له مرّة بن عبد اللّه/ بن هليل يهواها، واشتد شغفه بها فخطبها، وأبوا أن يزوجوه، وكان لا يخطبها غيره إلّا هجاه، فخطبها رجل من بني نهشل، يقال له: إران، فقال مرّة يهجوه:
وما كنت أخشى أن تصير بمرّة ... من الدّهر ليلى زوجة لإران
لمن ليس ذا لبّ ولا ذا حفيظة ... لعرس ولا ذا منطق وبيان
لقد بليت ليلى بشرّ بليّة ... وقد أنزلت ليلى بدار هوان
تنمي إليه فيرثيها:
قال: فتزوجها المنجاب [2] بن عبد اللّه بن مسروق بن سلمة بن سعد، من بني زويّ بن مالك بن نهد، فخرج إلى البعث براذان، وهي إذ ذاك مسلحة لأهل الكوفة، فخرج بها معه، فماتت براذان ودفنت هناك. فقدم رجلان من بجيلة من مكتبهما براذان من بني نهد، وكانت بجيلة جيران بني نهد بالكوفة، فمرّا على مجلسهم، فسألوهما عمن براذان من بني نهد، فأخبراهم بسلامتهم، ونعيا إليهم ليلى ومرّة في القوم، فأنشأ يقول:
أيا ناعيي ليلى أما كان واحد ... من الناس ينعاها إليّ سواكما
/ ويا ناعيي ليلى ألم نك جيرة ... عليكم لها حقّ فألّا نهاكما [3]
ويا ناعيي ليلى لقد هجتما لنا ... تجاوب نوح في الديار كلاكما
__________
[1] في هج: بن «خلف» بدل «خالد».
[2] في هج: «المنجال».
[3] كذا في ف، وفي س، ب:
«ندامى ذوي حق فألانهما كما»
ويا ناعيي ليلى لجلّت مصيبة ... بنا فقد ليلى لا أمرّت قواكما [1]
ولا عشتما إلا حليفي بليّة ... ولا متّ حتى يشترى كفناكما
فأشمت والأيام فيها بوائق ... بموتكما إني أحبّ رداكما
وقال فيها أيضا:
كأنك لم تفجع بشيء تعدّه ... ولم تصطبر للنائبات من الدهر [2]
ولم تر بؤسا بعد طول غضارة ... ولم ترمك الأيام من حيث لا تدري
سقى جانبي راذان والساحة التي ... بها دفنوا ليلى ملثّ من القطر [3]
ولا زال خصب حيث حلّت عظامها ... براذان يسقى الغيث من هطل غمر
وإن لم تكلمنا عظام وهامة ... هناك وأصداء بقين مع الصخر [4]
وقال فيها:
أيا قبر ليلى لا يبست ولا تزل ... بلادك تسقيها من الواكف الدّيم
ويا قبر ليلى غيبت عنك أمها ... وخالتها والناصحون ذو والذّمم
ويا قبر ليلى كم جمال تكنّه ... وكم ضمّ فيك من عفاف ومن كرم [5]
/و ساق باقي الأبيات التي فيها الغناء:
هل كان تزوجها:
وحكى الهيثم بن عدي عن شيخ من بني نهد:
أنّ مرة كان تزوجها، وكان مكتبه براذان، وأخرجها معه، ثم ضرب عليه البعث إلى خراسان، فخلّفها عند شيخ من أهل منزله هناك، وأفرد لها الشيخ دارا كانت فيها، ومضى لبعثه، ثم قدم بعد حول، فلقي فتى من أهل راذان قبل وصوله إلى دارها، فسأله عنها، فقال: أترى القبر الذي بفناء الدار؟ قال: نعم، قال: هو واللّه قبرها، فجاء، فأكبّ عليه يبكي، ويندبها، وترك مكتبه، ولزم/ قبرها يغدو ويروح إليه، حتى لحق بها.
صوت
بأبي أنت يا بن من ... لا أسمّي لبعض ما
يا شبيه الهلال مث ... لك في الأفق أنجما
راقب اللّه في أس ... يرك إن كنت مسلما
الشعر لعليّ بن أمية والغناء لعمر الميداني رمل مطلق.
__________
[1] في هج: «تجلت» بدل «لجلت»، وأمرت: اشتدت.
[2] في ف: «تغره» بدل «تعده».
[3] ملث: دائم شديد الهطل.
[4] في هج: «من الصخر».
[5] في هد، هج: «و كم حزت فيها».
11 - أخبار علي بن أمية
اسمه ونسبه:
علي بن أمية بن أبي أمية، وكان أبوه يكتب للمهديّ على ديوان بيت المال وديواني الرسائل والخاتم، وكان منقطعا إلى إبراهيم بن المهدي، وإلى الفضل بن الربيع، وقد تقدم خبر أخيه محمد في مواضع من هذا الكتاب.
الحسن يثير ضجة:
فحدّثني أحمد بن عبيد اللّه بن عمّار: قال: حدّثني عمر بن محمد بن عبد الملك الزيات: قال: حدّثني محمد بن علي بن أمية: قال: لما قدم عليّ بن أمية، وقال:
صوت
يا ريح ما تصنعين بالدّمن؟ ... كم لك من محو منظر حسن
محوت آثارنا وأحدثت آ ... ثارا بربع الحبيب لم تكن
إن تك يا ربع قد بليت من ... الرّيح فإني بال من الحزن
قد كان يا ربع فيك لي سكن ... فصرت إذ بان بعده سكني
شبّهت ما أبلت الرياح من آ ... ثار حبيبي الثّأى بلا بدن [1]
يا ريح لا تطمسي الرموس ولا ... تمحي رسوم الديار والدمّن [2]
حاشاك يا ريح أن تكون على ... العاشق عونا لحادث الزّمن
/ كثّر الناس فيه، وغناه عمرو الغزال، فقال أبو موسى الأعمى:
يا ربّ خذني وخذ عليّا وخذ ... يا ريح ما تصنعين بالدّمن
عجّل إلى النار بالثلاثة والرا ... بع عمرو الغزال في قرن
ثم ندم، وقال: هؤلاء أهل بيت، وهم إخوتي، ولا أحبّ أن أنشب بيني وبينهم عداوة وشرّا، فأتى أميّة فقال:
إني قد أذنبت فيما بيني وبينكم ذنبا، وقد جئتك مستجيرا بك من فتيانك، فدعا بعليّ بن أمية، فقال: يا هذا، عمّك أبو موسى قد أتاك معتذرا من الشعر الذي قاله، قال: وما هو؟ فأنشده، فقال: قد ضجرنا نحن واللّه منه كما ضجرت
__________
[1] في ف: «النؤي» وفي هج: «على بدني».
[2] في ف: «الرسوم» بدل «الرموس» وهذا البيت وما قبله ساقطان من ف.
أنت وأكثر، وأنت آمن من أن يكون منا جواب، وأتى محمد بن أمية، فقال له مثل ذلك، ومضى أبو موسى، فأخذ عليّ بن أمية رقعة فكتب فيها:
كم شاعر عند نفسه فطن ... ليس لدينا بالشاعر الفطن
قد أخرجت نفسه بغصّتها ... يا ريح ما تصنعين بالدّمن
ودفع الرقعة إلى غلام له، وقال: ادفعها إلى غلام أبي موسى، وقل له: يقول لك مولاك:/ اذكرني بهذا إذا انصرفت إلى المنزل، فلما انصرفت إلى المنزل أتاه غلامه بالرقعة، فقال: ما هذه؟ فقال: التي بعثت بها إليّ، فقال:
واللّه ما بعثت إليك رقعة، وأظن الفاسق قد فعلها، ثم دعا ابنه، فقرأها عليه، فلما سمع ما فيها قال: يا غلام، لا تنزع عن البغلة. فرجع إلى عليّ بن أمية، فقال: نشدتك اللّه أن تزيد على ما كان، فقال له: أنت آمن.
لحن عمرو الغزال في أبيات عليّ بن أمية رمل بالوسطى.
وقال يوسف بن إبراهيم: حدّثني إبراهيم بن المهديّ: قال: حدّثني محمد بن أيوب المكي:
بئس المغني عمرو الغزال:
أنه كان في خدمة عبيد اللّه بن جعفر بن المنصور، وكان مستخفّا لعمرو الغزال، محبّا له، وكان عمرو يستحق ذلك بكل شيء، إلا ما يدّعيه ويتحقّق به من صناعة الغناء؛ وكان ظريفا أديبا نظيف الوجه واللباس، معه كلّ ما يحتاج إليه من آلة الفتوّة، وكان صالح الغناء، ما وقف بحيث يستحقّ، ولم يدع ما يستحقه، وأنه كان عند نفسه نظير ابن جامع وإبراهيم وطبقتهما، لا يرى لهم عليه فضلا ولا يشكّ في أنّ صنعتهم مثل صنعته، وكان عبد اللّه قليل الفهم بالصناعة، فكان يظن أنه قد ظفر منه بكنز من الكنوز، فكان أحظى الناس عنده من استحسن غناء عمرو الغزال وصنعته، ولم يكن في ندمائه [1] من يفهم هذا، ثم استزار عبيد اللّه بن جعفر أخاه عيسى، وكان أفهم منه، فقلت له:
استعن برأي أخيك في عمرو الغزال؛ إنه أفهم منك، وكانت أمّ جعفر كثيرا ما تسأل الرشيد تحويل أخيها عبيد اللّه وتقديمه والتنويه به، فكان عيسى أخوه يعرّف الرشيد أنه ضعيف عاجز لا يستحق ذلك، فلما زاره عيسى أسمعه غناء عمرو، فسمع منه سخنة عين [2]، فأظهر من السرور والطّرب أمرا عظيما، ليزيد بذلك عبيد اللّه بصيرة فيه، ويجعله عيسى سببا قويا يشهد عند الرشيد بضعف عقله، وعلمت ما أراد، وعرفت أن عمرا الغزال أول داخل على الرشيد، فلما كان وقت العصر من اليوم الثاني، لم نشعر إلا برسول الرشيد قد جاء يطلب عمرا الغزال، فوجّه إليه وأقبل يلومني ويقول: ما أظنك إلا قد فرقت بيني وبين عمرو، وكنت غنيا عن الجمع بينه وبين عيسى، واتفق أن غنى عمرو الرشيد في هذا الشعر صنعته:
يا ريح ما تصنعين بالدّمن؟ ... كم لك من محو منظر حسن
وكان صوتا خفيفا مليحا فأطربه، ووصله بألف [3] دينار، وصار في عداد مغنّي/ الرشيد، إلا أنه كان يلازم
__________
[1] في ف: «من ندمائه ولا من أصحابه».
[2] سخنة عين: ضد قرتها وارتياحها.
[3] في ف: «بألفي».
عبيد اللّه إذا لم يكن له نوبة، فأقبلت أتعجّب من ذلك، واتّصلت خدمته إياه ثلاث سنين، ثم انصرفا يوما من الشّمّاسية مع عبيد اللّه بن جعفر، فلقيه الخضر بن جبريل، وكان في [1] الناس في العسكر، فعاتبه عبيد اللّه على تركه وانقطاعه عنه، فقال: واللّه ما أفعل ذلك جهلا بحقك، ولا إخلالا بواجبك، ولكنا في طريقين متباينين لا يمكن معهما الاجتماع، قال: وما هما ويحك؟ قال: أنت على نهاية السّرف في محبّة [2] عمرو الغزال، وأنا على نهاية السّرف في بغضه [2] وأنت تتوهم أنه لا يطيب لك عيش إلا به، وأنا أتوهم أني إن عاشرته ساعة متّ، وتقطعت نفسي غيظا وكمدا، وما يستقيم مع هذا بيننا عشرة أبدا، فقال له عبيد اللّه: إذا كان هذا [3] هكذا فأنا أعفيك منه إذا زرتني، فصر إليّ آمنا، ففعل، ولم يجلس عبيد اللّه حتى قال لحاجبه لا تدخل اليوم/ أحدا، ولا تستأذن عليّ لجلوسه ودخلنا، فلما وضعت المائدة لم يأكل ثلاث لقم، حتى دخل الحاجب فوقف بين يديه، وأقبل عمرو الغزال خلفه، فرآه من أقصى الصحن، فقال له عبيد اللّه: ثكلتك أمّك! ألم أقل لك لا تدخل عليّ أحدا من خلق اللّه؟ فقال له الحاجب: امرأته طالق ثلاثا إن كان عنده أن عمرا عندك في هذا المجرى، ولو جاء جبريل وميكائيل وكلّ من خلق اللّه لم يدخلوا عليك إلا بإذن سوى عمرو؛ فإنك أمرتني أن آذن له خاصة وأن يدخل متى شاء، وعلى كلّ حال.
قال: ولم يفرغ الحاجب من كلامه حتى دخل عمرو، فجلس على المائدة وتغيّر وجه الخضر، وبانت الكراهة فيه، فما أكل أكلا فيه خير، وتبيّن عبيد اللّه ذلك، ورفعت المائدة وقدّم النبيذ، فجعل الخضر يشرب شربا كثيرا لم أكن أعهده يشرب مثله،/ فظننت [4] أنه يريد بذلك أن يستتر [5] من عمرو الغزال، وعمرو يتغنّى، فلا يقتصر [6] وكلما تغنى قال له عبيد اللّه: لمن هذا الصوت يا حبيبي؟ فيقول: لي وعندنا يومئذ جوار مطربات محسنات، وهو يقطع غناءهنّ بغنائه، وتبينت في وجه الخضر العربدة إلى أن قال عمرو بعقب صوت: هذا لي، فوثب الخضر وكشف استه وخزي في وسط المجلس على بساط خزّ لم أر لأحد مثله، ثم قال: إن كان هذا الغناء لك، فهذا الخراء لي، فغضب عبيد اللّه، وقال له: يا خضر أكنت تستطيع أن تفعل أكثر من هذا؟ قال إي واللّه أيها الأمير، ثم وضع رجليه على سلحه، ثم أخرجهما فمشى على البساط مقبلا ومدبرا، حتى خرج وقد لوّثه، وهو يقول: هذا كله لي، وتفرّقنا عن المجلس على أقبح حال وأسوئها، وشاع الخبر، حتى بلغ الرشيد، فضحك حتى غلب عليه، ودعا الخضر، وجعله في ندمائه منذ يومئذ، وقال: هذا أطيب خلق اللّه، وانكشف عنده عوار عمرو الغزال واسترحنا منه، وأمر أن يحجب عنه، فسقط يومئذ، وقد كان الجواري والغلمان أخذوه ولهجوا به، وكان الرشيد يكايد به إبراهيم الموصلي وابن جامع قبل ذلك فسقط غناؤه أيضا منذ يومئذ، فما ذكر منه حرف بعد ذلك اليوم إلا صنعته في:
يا ريح ما تصنعين بالدّمن
ولو لا إعجاب الرشيد به لسقط أيضا.
__________
[1] في هج: «فتى الناس».
(2 - 2) التكملة من: هج.
[3] في س، ب: «إذا كان هكذا».
[4] س، ب: «فظننته».
[5] في: هج: «يستريح».
[6] في هج: «فلا يفتر».
أية ريح يعني:
حدّثني الحسن بن علي عن محمد بن القاسم عن أبي هفّان: قال:
كنا في مجلس، وعندنا قينة تغنينا، وصاحب البيت يهواها، فجعلت تكايده، وتومىء إلى غيره بالمزح والتّجميش [1]، وتغيظه بجهدها، وهو يكاد يموت قلفا وهمّا وتنغّص عليه يومه، ولجّت في أمرها، ثم سقط المضراب عن يدها، فأكبّت على/ الأرض لتأخذه، فضرطت ضرطة سمعها جميع من حضر، وخجلت، فلم تدر ما تقول فأقبلت على عشيقها فقالت: أيش تشتهي أن أغني لك؟ فقال: غنّي [2]:
يا ريح ما تصنعين بالدّمن
فخجلت وضحك القوم وصاحب الدار، حتى أفرطوا، فبكت وقامت من المجلس، وقالت: أنتم واللّه قوم سفل، ولعنة اللّه على من يعاشركم، وغضبت وخرجت، وكان - علم اللّه - سبب القطيعة بينهما وسلو ذلك الرجل عنها:
من الرسول؟
أخبرني ابن عمّار وعمي والحسن بن علي، قالوا: حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد، قال: حدّثنا الحسين بن الضحاك: قال:
كنت في مجلس قد دعينا إليه، ومعنا علي بن أمية، فعلقت نفسه بقينة/ دعيت لنا يومئذ، فأقبل عليها فقال لها: أتغنّين قوله:
خبريني من الرسول إليك؟ ... واجعليه من لا ينمّ عليك
وأشيري إليّ من هو بالل ... حظ ليخفى على الذين لديك
فقالت: نعم، وغنته لوقتها وزادت فيه هذا البيت، فقالت:
وأفلّي المزاح في المجلس اليو ... م فإن المزاح بين يديك [3]
ففطن لما أرادت وسرّ بذلك، ثم أقبلت على خادم واقف فقالت له: يا مسرور، اسقني، فسقاها، وفطن بن أمية أنها أرادت أن تعلمه أن مسرورا هو الرسول، فخاطبه، فوجده كما يريد، وما زال ذلك الخادم يتردّد في الرسائل بينهما.
__________
[1] التجميش: المغازلة والملاعبة.
[2] ب، غن، وهو خطأ.
[3] في هج: «و أقل المزاح في ذلك المجلس».
12 - أخبار عمر الميداني
متقدم في الصنعة والأداء:
هو رجل من أهل بغداد كان ينزل الميدان [1] فعرف به، وكان لا يفارق محمدا وعليّا ابني أمية وأبا حشيشة، ينادمهم ويغنّي في أشعارهم، وكان منزله قريبا منهم، وهو أحد المحسنين المتقدمين في الصنعة والأداء.
حدّثني جحظة: قال:
وسمعت ابن دقاق [2] في منزل أبي العبيس بن حمدون يقول: سمعت أبا حشيشة والمسدود، ومن قبلهما من الطّنبوريين، فما سمعت منهم أصحّ غناء ولا أكثر تصرفا من عمر الميداني.
مائدة إسحاق وجائزته:
حدّثني جحظة: قال: حدّثني علي بن أمية: قال:
دخلت يوما على عمر الميداني، وكان له بقّال على باب داره ينادمه ولا يفارقه، ويقارضه [3] إذا أعسر، ويتصرّف في حوائجه، فإذا حصلت له دراهم دفعها إليه يقبض منها ما رأى، لا يسأله عن شيء، فوجدت عنده يومئذ هذا البقال، فقال لنا عمر: معي أربعة دراهم تعطوني منها لعلف حماري درهما، والثلاثة لكم، فكلوا بها ما أحببتم. وعندي نبيذ، وأنا أغنّيكم، والبقال يحضرنا من الأبقال اليابسة ما في حانوته. فوجّهنا بالبقال. فاشترى لنا بدرهم [4] لحما. وبدرهم خبزا. وبدرهم فاكهة وريحانا. وجاءنا من حانوته بحوائج السّكباج [5] ونقل. فبينا نحن نتوقع الفراغ من القدر إذا بفرانق [6] /يدقّ الباب. فأدخله عمر: فقال له: أجب الأمير إسحاق بن إبراهيم. فحلف علينا عمر بالطلاق ألّا نبرح، ومضى هو؛ وأكلنا السّكباج وشربنا وانصرف [7] عشاء. وبكر إليّ رسوله في السّحر أن صر إليّ، فصرت إليه، فقلت: أعطني خبرك من النّعل إلى النّعل [8]. قال: دخلت فوضعت بين يديّ مائدة كأنها جزعة [9] يمانية قد قرشت في عراصها [10] الحبر فأكلت وسقبت رطلين، ودفع إليّ طنبور. فدخلت إلى إسحاق،
__________
[1] الميدان: محلة ببغداد من ناحية باب الأزج.
[2] في س، ب: «الدقاق».
[3] في ف وهج: «يقرضه».
(4 - 4) زيادة عن ف.
[5] السكباج: لحم يطبخ بخل، معرب.
[6] الفرانق: الرسول.
[7] في هج: «و انصرفنا».
[8] من لبس النعل إلى خلعه: كناية عن المبدأ إلى النهاية.
[9] جزعة يمانية: كناية عن حارتها ورشيها، والجزع اليماني من الأحجار القيمة الثمينة إلى الآن.
[10] هج: «في عراضها الحبر».
فوجدته في الصدر جالسا، وخلفه ستارة. وعن يمينه مخارق وعن يساره علّويه. فقال لي: أنت عمر الميداني؟
فقلت: نعم. فقال: أأكلت؟ فقلت: نعم قال: هاهنا أو في منزلك؟ فقلت: بل هاهنا، قال: أحسنت، فغنّ بصوتك الذي صنعته فيّ:
يا شبيه الهلال كلّل في الأفق أنجما
وهو رمل مطلق، فغنّيته فضرب الستارة. وقال: قولوه أنتم، فقالوه، فقال: لمخارق وعلّوية: كيف تسمعان؟
فقالا: هذا واللّه ذا. وذا ذاك، فرددته مرارا. وشرب عليه. وقال لي: أنا اليوم/ على خلوة ولك عليّ دعوات، فانصرف اليوم بسلام. فخرجت ودفع إليّ الغلام خمسة آلاف درهم. فهي هذه، واللّه لا استأثرت عليكم منها بدرهم. فلم نزل عنده نقصف حتى نفدت.
صوت
أمين الخالق الباري ... وراعى كلّ مخلوق
أدر راحك في المعشو ... ق من راحة معشوق [1]
الشعر لأبي أيوب سليمان بن وهب. والغناء للقاسم بن زرزور ثقيل أول بالبنصر من جامع غنائه المأخوذ عن أبيه أبي القاسم عبيد اللّه بن القاسم.
__________
[1] في م، أ: «بالمعشوق».
13 - أخبار سليمان بن وهب وجمل من أحاديثه تصلح لهذا الكتاب
ينكر الانتساب إلى الحارث:
قد تقدّم نسبه في أخبار الحسن بن وهب أخيه وانتماؤه في بني الحارث بن كعب. وأن أصلهم من قرية يقال لها: سار قرمقا من طسّوج [1] خسرو سابور من سواد واسط، وكان سليمان بن وهب ينكر الانتساب إلى الحارث بن كعب على أخيه الحسن وعلى ابنه أبي الفضل أحمد بن سليمان بن وهب لشدة تعلقهما به، أخبرني بذلك محمد بن يحيى وغيره من شيوخنا ومن مشيخة الكتّاب.
أخبرني الصوليّ: قال: حدّثني الحسن بن يحيى وعون بن محمد الكندي، أن جعفر بن محمد كان وزير المهتدي في أول أمره، فبلغه عنه تشيّع فكرهه، وقال: هذا رافضيّ لا حاجة لي فيه، واستوزر جعفر بن محمد بن عمّار، فلم يزل على وزارته حتى مضت سنة من خلافة المهتدي، ثم قدم موسى بن بغا من الجبل، وكاتبه سليمان بن وهب وابنه عبيد اللّه، فاستوزر المهتدي سليمان بن وهب ولقب الوزير حقّا؛ لأن من كان قبله كان غير مستحق للوزارة، ولا مستقلّ بها.
ينصفه ويعطيه:
أخبرني محمد بن يحيى الصولي، قال: حدّثني الحسن بن يحيى بن الجماز: قال:
لما استوزر سليمان بن وهب جلس للناس، فدخل عليه شاعر يقال له: هارون بن محمد البالسي، فذكر مظلمة له ببلده، ثم أنشده:
زيد في قدرك العليّ علوّ ... يا بن وهب من كاتب ووزير [2]
أسفر الشرق منك والغرب عن ضو ... ء من العدل فاق ضوء البدور
/ أنشر الناس غيثكم بعد ما كا ... نوا رفاتا من قبل يوم النّشور
شرّد الجور عدلكم فسرحنا ... بينكم بين روضة وسرور [3]
[[4] أنت عين الإمام والقرم مو ... سى بك تفترّ عابسات الأمور]
__________
[1] طسوج: كتنور. الناحية وفي س، ب سطوج وفي ف هج، هد: «طسوج». وفي ف: «سافريقا» وانظر «معجم البلدان» «خسرو سابور».
[2] في ف بعد البيت الأول:
أنت عين الإمام والقرم موسى ... بك تفتر عابسات الأمور
[3] في ف: منكم بدل «بينكم».
(4 - 4) التكملة من هد، هج.
فوقع في ظلماته [بما أراد [1]] ووصله بمائتي دينار.
يزيد المهلبي يمدحه فيزيد جائزته:
أخبرني محمد بن يحيى: قال: حدّثنا أحمد بن الخصيب: قال: لعهدي بيزيد بن محمد المهلبيّ عند سليمان ابن وهب بعد ما استوزره المهتدي، وقد أجلسه إلى جانبه، وهو ينشده قوله:
وهبتم لنا يا آل وهب مودّة ... فأبقت لنا جاها ومجدا يؤثّل [2]
فمن كان للآثام والذلّ أرضه ... فأرضكم للأجر والعزّ منزل
رأى الناس فوق المجد مقدار مجدكم ... فقد سألوكم فوق ما كان يسأل
يقصر عن مسعاكم كلّ آخر ... وما فاتكم ممّن تقدّم أول [3]
/بلغت الذي قد كنت أمّلته لكم ... وإن كنت لم أبلغ بكم ما أؤمّل [4]
فقطع عليه سليمان الإنشاد، وقال له: يا أبا خالد، فأنت واللّه عندي كما قال عمارة بن عقيل لابنه:
أقهفه مسرورا إذا أبت سالما ... وأبكي من الإشفاق حين تغيب
/ فقال له يزيد: فيسمع مني الوزير آخر الشّعر لا أوله، وتمم فقال:
ومالي حق واجب غير أنّني ... بجودكم في حاجتي أتوسّل
وأنّكم أفضلتم وبررتم ... وقد يستتمّ النّعمة المتفضّل
وأوليتم فعلا جميلا مقدّما ... فعودوا فإن العود بالحرّ أجمل
وكم ملحف قد نال ما رام منكم ... ويمنعنا من مثل ذاك التجمّل
وعوّدتمونا قبل أن نسأل الغنى ... ولا بذل للمعروف والوجه يبذل
فقال له سليمان: لا تبرح واللّه إلّا بقضاء حوائجك كائنة ما كانت، ولو لم أستفد من كتبة أمير المؤمنين إلا شكرك لرأيت جنابي بذلك ممرعا، وغرسي مثمرا، ثم وقّع له في رقاع كثيرة كانت بين يديه.
رجل من ذوي حرفته يطلب عمال:
أخبرني محمد: قال: حدّثنا الحزنبل: قال:
لما ولّى المهتدي سليمان بن وهب وزارته قام إليه رجل من ذوي حرفته، فقال: أنا - أعز اللّه الوزير - خادمك، المؤمّل دولتك، السعيد بأيامك، المطويّ القلب على ودّك، المنشور اللسان بمدحك، المرتهن بشكر نعمتك، وقد قال الشاعر:
__________
[1] زيادة في ف ويقتضيها المقام.
[2] في ف: «و مالا». بدل «و مجدا».
[3] في م، أ، هج، هد «مسعانكم» بدل «مسعاكم».
[4] في ف «آمله» بدل «أملته».
وفّيت كلّ أديب ودّني ثمنا ... إلا المؤمّل دولاتي وأيّامي
فإنني ضامن ألا أكافئه ... إلا بتسويغه فضلي وإنعامي
وإنّي لكما قال القيسيّ: ما زلت أمتطي النهار إليك، وأستدلّ بفضلك عليك، حتى إذا جنّني الليل، فقبض البصر، ومحا الأثر، أقام بدني؛ وسافر أملي، والاجتهاد [عذر] [1]، وإذا بلغتك فهو مرادي فقط. فقال له سليمان:
لا عليك: فإني عارف/ بوسيلتك، محتاج إلى كفايتك، ولست أؤخّر عن أمري [2] النظر في أمرك وتوليتك ما يحسن أثره عليك.
القاضي أحد شهودها:
وذكر يحيى بن علي بن يحيى عن أبيه قال:
ما رأيت أظرف من سليمان بن وهب، ولا أحسن أدبا: خرجنا نتلقاه عند قدومه من الجبل مع موسى بن بغا، فقال لي: هات الآن يا أبا الحسن، حدّثني بعجائبكم بعدي، وما أظنك تحدّثني بأعجب من خبر ضرطة أبي وهب بحضرة القاضي، وما سيّر من خبرها، وما قيل [3] فيها، حتى قيل:
ومن العجائب أنها بشهادة ال ... قاضي فليس يزيلها الإنكار
وجعل يضحك.
يعترف بفضل بن ثوابة:
قال علي بن الحسين الأصبهاني:
حضرت أبا عبد اللّه الباقطاني، وهو يتقلّد ديوان المشرق، وقد تقلّد ابن أبي السلاسل ماسبذان ومهرجان قذف [4]، وجاءه يأخذ كتبه، فجعل يوصيه كما يوصي أصحاب الدواوين العمّال، فقال ابن أبي السلاسل: كأنّك استكثرت لي هذا العمل أنت أيضا! قد كنت تكتب لأبي العباس بن ثوابة، ثم صرت صاحب ديوان، فقال له الباقطانيّ: يا جاهل يا مجنون، لولا أنه قبيح عليّ مكافأة مثلك لراجعت الوزير - / أيده اللّه - في أمرك، حتى أزيل يدك، ومن لي أن أجد مثل ابن [5] ثوابة في هذا الوقت، فأكتب له، ولا أريد الرياسة! ثم أقبل علينا يحدثنا، فقال:
دخلت مع أبي العباس بن ثوابة إلى المهتدي، وكان سليمان بن وهب وزيره، وكان/ يدخل إليه الوزير وأصحاب الدواوين والعمال والكتّاب، فيعملون بحضرته، فيوقع إليهم في الأعمال، فأمر سليمان أن يكتب عنه عشرة كتب مختلفة إلى جماعة من العمال، فأخذ سليمان بيد أبي العباس بن ثوابة، ثم قال له: أنت اليوم أحدّ ذهنا منّي فهلمّ نتعاون، فدخلا بيتا، ودخلت معهما، وأخذ سليمان خمسة أنصاف وأبو العباس خمسة أنصاف أخر، فكتبا الكتب
__________
[1] زيادة في ف.
[2] في هج: «عن يومي هذا» بدل «عن أمري».
[3] ب: «و قيل فيها».
[4] ماسبذان ومهرجان قذف: كورتان من نواحي الجبل في طريق القاصد من حلوان العراق إلى همذان.
[5] في س، ب: «أبي».
التي أمر بها سليمان ما احتاج أحدهما إلى نسخه، وقد أكمل [1] كلّ واحد منهما ما كتب به صاحبه، فاستحسنه وقرّظه، ثم وضع سليمان الكتب بين يدي المهتدي، فقال له وقد قرأها: أحسنت يا سليمان، ونعم الرجل أنت لو لا المعجّل والمؤجّل، وكان سليمان إذا ولّي عاملا أخذ [2] منه مالا معجّلا، وأجّل له مالا إلى أن يتسلّم عمله، فقال له: يا أمير المؤمنين، هذا قول لا يخلو من أن يكون حقّا أو باطلا، فإن كان باطلا فليس مثلك من يقوله، وإن كان حقّا - وقد علمت أن الأصول محفوظة - فما يضر من يساهمني من عمالي على بعض ما يصل إليهم من برّ؛ من غير تحيّف للرعية ولا نقص للأموال؟ فقال: إذا كان هكذا [3] فلا بأس، ثم قال له: اكتب إلى فلان العامل يقبض ضيعة فلان المصروف المعتقل في يده، بباقي ما عليه من المصادرة، فقال له أبو العباس بن ثوابة: كلّنا يا أمير المؤمنين خدمك وأولياؤك، وكلّنا حاطب في حبلك، وساع فيما أرضاك وأيّد ملكك، أفنمضي ما تأمر به على ما خيّلت أم نقول بالحق؟ قال: بل قل الحقّ يا أحمد فقال: يا أمير المؤمنين، الملك يقين، والمصادرة. شكّ، أفترى أن أزيل اليقين بالشكّ؟ قال: لا، قال: فقد شهدت للرجل بالملك، وصادرته عن شكّ فيما بينك وبينه، وهل خانك أم لا، فتجعل المصادرة صلحا! فإذا قبضت ضيعته بهذا فقد أزلت اليقين بالشكّ، فقال له: صدقت، ولكن كيف الوصول إلى المال؟ فقال له: أنت لا بدّ لك من عمّال على أعمالك، وكلهم يرتزق، ويرتفق، فيحوز رفقه ورزقه/ إلى منزله، فاجعله أحد عمّالك؛ ليصرف هذين الوجهين إلى ما عليه ويسعفه معاملوه، فيتخلّص بنفسه وضيعته ويعود إليك مالك، فأمر سليمان بن وهب بأن يفعل ذلك، فلمّا خرجا من حضرة المهتدي قال له سليمان: عهدي بهذا الرجل عدوّك، وكل واحد منكما يسعى على صاحبه، فكيف زال ذلك، حتى نبت [4] عنه في هذا الوقت نيابة أحييته بها، وتخلّصت [5] نفسه ونعمته؟ فقال: إنما كنت أعاديه، وأسعى عليه وهو يقدر على الانتصاف مني، فأمّا وهو فقير إليّ فلا. فهذا مما يحظره الدين والصناعة والمروءة. فقال له سليمان: جزاك اللّه خيرا، أما واللّه، لأشكرن هذه النيّة لك. ولأعتقدنّك من أجلها أخا وصديقا. ولأجعلنّ هذا الرجل لك عبدا ما بقي. ثم قال الباقطاني: أفمن كان هذا وزنه وفعله يعاب من كان يكتب له؟
من شعره في نكبته:
أخبرني محمد بن يحيى الباقطاني: قال: حدّثنا الحسين بن يحيى الباقطاني قال:
كنت آلف سليمان بن وهب كثيرا، وأخدمه وأحادثه، وكان يخصّني ويأنس بي./ فأنشدني لنفسه يذكر نكبته في أيام الواثق:
صوت
نوائب الدهر أدّبتني ... وإنما يوعظ الأريب [6]
__________
[1] ف: «و قرأ كل واحد منهما ... إلخ».
[2] أي أخذ العامل من سليمان.
[3] في ف، هج: «إذا كان هذا هكذا».
[4] س، ب «ثبت» بدل «نبت»: والمصدر بعد يصحح ما أثبتناه ب.
[5] في س: «و تحصلت» بدل «تخلصت».
[6] في ف: «الأديب».
قد ذقت حلوّا وذقت مرّا ... كذاك عيش الفتى ضروب
ما مرّ بؤس ولا نعيم ... إلا ولي فيهما نصيب
فيه رمل محدث لا أعرف صانعه.
بينه وبين علي بن يحيى:
وذكر يحيى بن عليّ بن يحيى أنّ جفوة نالت أباه من سليمان بن وهب فكتب إليه:
/جفاني أبو أيوب نفسي فداؤه ... فعاتبته كيما يريع ويعتبا
فو اللّه لو لا الضنّ مني بودّه ... لكان سهيل من عتابيه أقربا [1]
فكتب إليه سليمان:
ذكرت جفائي وهو من غير شيمتي ... وإنّي لدان من بعيد تقرّبا
فكيف بخلّ لي أضنّ بودّه ... وأصفيه ودّا ظاهرا ومغيّبا
عليّ بن يحيى لا عدمت إخاءه ... فما زال في كلّ الخصال مهذّبا
ولكنّ أشغالا غدت [2] وتواترت ... فلما رأيت الشغل عاق وأتعبا
وكنت إلى عذر الأخلّاء إنّهم ... كرام وإن كان التواصل أوجبا
فإن يطّلب [3] منّي عتابك أوبة ... ببرّ تجدني بالأمانة معتبا
قبلة بقبلة:
أخبرني محمد بن العباس اليزيدي عن عمه: قال:
كان سليمان بن وهب - وهو حدث - يتعشّق إبراهيم بن سوّار بن شداد بن ميمون، وكان من أحسن الناس وجها وأملحهم أدبا وطرفا، وكان إبراهيم هذا يتعشق جارية مغنّية يقال لها رخاص، فاجتمعوا يوما فسكر إبراهيم ونام، فرأت رخاص سليمان يقبّله، فلما انتبه لامته، وقالت: كيف أصفو لك وقد رأيت سليمان يقبّلك؟ فهجره إبراهيم، فكتب إليه سليمان:
قل للذي ليس لي من ... جوى هواه خلاص
أئن لثمتك سرّا ... وأبصرتني رخاص
وقال لي ذاك قوم ... على اغتيابي حراص [4]
/هجرتني وأتتني ... شتيمة وانتقاص
__________
[1] كذا في ف، وفي س، ب: «الظن» بدل «الضن».
[2] ف: «عرت».
[3] ف:
«فإن يطلبن»
[4] في ف:
«و قال في ذاك قوم»
وسرّ ذاك أناسا [1] ... لهم علينا اختراص
فهاك فاقتصّ مني ... إنّ الجروح قصاص
وأهدي سليمان إلى رخاص هدايا كثيرة، فكانوا بعد ذلك يتناوبون يوما عند سليمان، ويوما عند إبراهيم، ويوما عند رخاص.
مساجلة بينه وبين أحد أصحابه:
أخبرني الصوليّ عن أحمد بن الخصيب: قال:
حضرت سليمان بن وهب، وقد جاءته رقعة من بعض من وعده أن يصرّفه من أصحابه، وفيها:
هبني رضيت منك بالقليل ... أكان في التأويل والتنزيل!
/ أو خبر جاء عن الرّسول ... أو حجة في فطر العقول
مستحسن من رجل جليل ... عال له حظّ من الجميل
ينقص ما أشاع بالتطويل ... والقول دون الفعل بالتحصيل
ليس كذا وصف الفتى النّبيل
قال: فكتب له بولاية ناحية، وأنفذ إليه مائتي دينار وكتب في رقعة:
ليس إلى الباطل من سبيل ... إلا لمن يعدل عن تعديل
وقد وفينا لك بالتحصيل ... فاطو الذي كان عن الخليل
فضلا عن الخليط والتنزيل ... وعد من القول إلى الجميل
وعفّ في الكثير والقليل ... تحظ من الرتبة بالجزيل
هل كان مرتشيا:
أخبرني محمد بن يحيى عن عبد اللّه بن الحسين بن سعد عن بعض أهله أنه كتب إلى سليمان بن وهب، وهو يتولى شيئا من أعمال الضّياع:
أطال اللّه إسعاد ... ك في الآجل والعاجل [2]
أما ترعى لمن أمّ ... ل فضلا حرمة الآمل
وعندي عاجل من رش ... وة يتبعها آجل [3]
__________
[1] في ف:
«و سر ذلك قوما»
[2] في ف:
«في العاجل والآجل»
[3] ف: «الآجل».
وأنت العالم الشاه ... د أني كاتب عامل [1]
فولّ الكافل الباذ ... ل دون العاجز الباخل
فما أفشي لك السرّ ... فعال الأخرق الجاهل
قال: فضحك وأجلسه وكتب في رقعته:
أبن لي ما الذي تخط ... ب شرحا أيها الباذل؟
وما تعطي إذا ولّي ... ت تعجيلا وما الآجل؟
أفي الإسلاف تنقيص ... أم الوزن له كامل؟
وفي الموقوف تضمين ... أم الوعد به حاصل؟
وهل ميقاته الغلّ ... ة في العام أو القابل؟
أبن لي ذاك واردد رق ... عتي يا كاتبا عامل؟
فلما قرأها الرجل قطع ما بينه وبينه، وردّ الرقعة عليه، وولّاه سليمان ما التمس.
مع سلة رطب:
أخبرني محمد بن يحيى عن موسى البربريّ قال:
/ أهدى سليمان بن وهب إلى سليمان بن عبد اللّه بن طاهر سلال رطب من ضيعته، وكتب إليه يقول:
أذن الأمير بفضله ... وبجوده وبنيله
لوليّه في برّه ... بجناه سكّر نخله
فبعثت منه بسلّة ... تحكي حلاوة عدله
قلما يصم السميع:
أخبرني محمد الباقطاني: قال:
كتب سليمان بن وهب بقلم صلب، فاعتمد عليه اعتمادا/ شديدا، فصرّ القلم في يده، فقال:
إذا ما حددنا وانتضينا قواطعا ... أصمّ الذكيّ السمع منها صريرها [2]
تظلّ المنايا والعطايا شوارعا ... تدور بما شئنا وتمضي أمورها
تساقط في القرطاس منها بدائع ... كمثل الّلآلي نظمها ونثيرها
تقود أبيّات البيان بفطنة ... تكشّف عن وجه البلاغة نورها
__________
[1] في ف: «الشاهد العالم».
[2] في أ، م: «وعدنا»، والوعد نوع من سير الإبل، وفي ف: «جددنا» بالجيم.
[إذا ما خطوب الدهر أرخت ستورها ... تجلت بنا عما تسرّ ستورها] [1]
يرثي أخاه الحسن:
قال: وأنشدني له يرثي أخاه الحسن:
مضى مذ مضي عزّ المعالي وأصبحت ... لآلي الحجا والقول ليس لها نظم
وأضحى نجيّ الفكر بعد فراقه ... إذا همّ بالإفصاح منطقه كظم [2]
الغنى يهلك صاحبه:
وذكر ابن المسيّب أنّ جماعة تذاكروا لمّا قبض الموفّق على سليمان بن وهب وابنه/ عبد اللّه: أنه إنما استكتبهما ليقف منهما على ذخائر موسى بن بغا وودائعه، فلما استقصى ذلك نكبهما لكثرة مالهما، فقال ابن الرومي وكان حاضرا:
ألم تر أن المال يتلف ربّه ... إذا جمّ آتيه وسدّ طريقه
ومن جاور الماء الغزير مجمّه ... وسدّ مفيض الماء فهو غريقه
البحتري يرثيه:
ومات سليمان بن وهب في محبسه وهو مطالب، فرثاه جماعة من الشعراء، فمّمن جوّد في مرثيته البحتريّ حيث يقول:
هذا سليمان بن وهب بعد ما ... طالت مساعيه النجوم سموكا
وتنصّف الدنيا يدبّر أمرها [3] ... سبعين حولا قد تممن دكيكا [4]
أغرت به الأقدار بغت [5] ملمّة ... ما كان رسّ حديثها مأفوكا [6]
أبلغ عبيد اللّه بارع مذحج ... شرفا ومعطى فضلها تمليكا [7]
ومتى وجدت الناس إلا تاركا ... لحميمه في التّرب أو متروكا
بلغ الإرادة إذ فداك بنفسه ... وتودّ لو تفديه لا يفديكا [8]
__________
[1] التكلمة من ف، هج.
[2] في ف، هج: «جنبه» بدل «منطقة».
[3] في «الديوان»: «أهلها».
[4] دكيكا: تاما.
[5] كذا في ف و «الديوان» وفي س، ب: «بعث».
[6] كذا في ف. وفي س، ب: «رث» بدل «رس» وفي «الديوان» «رسم».
[7] في ح و «الديوان» «فارع».
[8] البيت في «الديوان»:
بلغ الإرادة إذ فداك بنفسه ... وودت لو تفديه لا يفديكما
إن الرزيّة في الفقيد فإن هفا ... جزع بلبّك فالرزيّة فيكا
لو ينجلي لك ذخرها من نكبة ... جلل لأضحكك الذي يبكيكا
صوت
لقد برّز الفضل بن يحيى ولم يزل ... يسامي من الغايات ما كان أرفعا
يراه أمير المؤمنين لملكه ... كفيلا لما أعطى من العهد مقنعا
قضى بالتي شدّت لهارون ملكه ... وأحيت ليحيي نفسه فتمتّعا [1]
[2] فأمست بنو العباس بعد اختلافها ... وآل عليّ مثل زندي يد معا
لئن كان من أسدى القريض أجاده ... لقد صاغ إبراهيم فيه فأوقعا
الشعر لأبان بن عبد الحميد اللاحقيّ بقوله في الفضل بن يحيى لمّا قدم يحيى بن عبد اللّه بن الحسين على أمان الرشيد وعهده. والغناء لإبراهيم الموصلي ثاني ثقيل بالبنصر عن أحمد بن المكي، وكان الرشيد أمره أن يغني في هذا الشعر، وإياه عني أبان بقوله:
/لقد صاغ إبراهيم فيه فأوقعا
__________
[1] ب: «ملكه» بدل «نفسه».
(2 - 2) تكملة من هج، هد و«التجريد».
14 - أخبار أبان بن عبد الحميد ونسبه
اسمه ونسبه:
أبان بن عبد الحميد بن لاحق بن عفير [1] مولى بني رقاش، قال أبو عبيدة: بنو رقاش ثلاثة نفر ينسبون إلى أمهم، واسمها رقاش، وهم: مالك، وزيد مناة، وعامر، بنو شيبان بن ذهل بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل.
صنيعة البرامكة:
أخبرني عمي: قال: حدّثنا الحسين بن عليل العنزي؛ قال: حدّثني أحمد بن مهران مولى البرامكة: قال:
شكا مروان بن أبي حفصة إلى بعض إخوانه تغيّر الرشيد عليه وإمساك يده عنه، فقال له: ويحك! أتشكو الرشيد بعد ما أعطاك؟ قال: أو تعجب من ذلك؟ هذا أبان اللاحقيّ، قد أخذ من البرامكة بقصيدة قالها واحدة مثل ما أخذته من الرشيد في دهري كلّه، سوى ما أخذه منهم ومن أشباههم بعدها، وكان أبان نقل للبرامكة كتاب كليلة ودمنة، فجعله شعرا، ليسهل حفظه عليهم، وهو معروف، أوله:
هذا كتاب أدب ومحنه ... وهو الذي يدعى كليلة دمنه [2]
فيه احتيالات وفيه رشد ... وهو كتاب وضعته الهند
فأعطاه يحيى بن خالد عشرة آلاف دينار، وأعطاه الفضل خمسة آلاف دينار، ولم يعطه جعفر شيئا، وقال:
ألا يكفيك أن أحفظه فأكون راويتك؟ وعمل أيضا القصيدة التي ذكر فيها مبدأ الخلق وأمر الدنيا وشيئا من المنطق، وسماها ذات الحلل، ومن الناس من ينسبها إلى أبي العتاهية، والصحيح أنها لأبان.
بينه وبين أبي نواس:
أخبرني محمد بن جعفر النحويّ صهر المبرّد: قال: حدّثنا أبو هفّان: قال: حدّثني الحمّاز، قال:
كان يحيى بن خالد البرمكيّ قد جعل امتحان الشعراء وترتيبهم في الجوائز إلى أبان بن عبد الحميد، فلم يرض أبو نواس المرتبة التي جعله فيها أبان، فقال يهجوه بذلك:
جالست يوما أبانا ... لا درّ درّ أبان
حتى إذا ما صلاة الأ ... ولى دنت لأوان
__________
[1] كذا في ف، و«خزانة الأدب» وفي س، ب «عفر».
[2] لا يستقيم المصراع الثاني إلا بتسكين تاء كليلة، ولو قال: يدعونه كليلة ودمنة لكان أقوم.
فقام ثمّ بها ذو ... فصاحة وبيان
فكلّما قال قلنا ... إلى انقضاء الأذان
فقال: كيف شهدتم ... بذا بغير عيان [1]
لا أشهد الدّهر حتى ... تعاين العينان
فقلت: سبحان ربّي ... فقال: سبحان ماني
فقال أبان يجيبه:
إن يكن هذا النّواسيّ ... بلا ذنب هجانا
فلقد نكناه حينا ... وصفعناه زمانا
هانىء الجربي أبوه ... زاده اللّه هوانا
سائل العباس واسمع ... فيه من أمّك شانا [2]
/عجنوا من جلّنار [3] ... ليكيدوك عجانا
جلّنار [3] أم أبي نواس، وتزوجها العباس بعد أبيه.
هو والمعذل يتهاجيان:
أخبرنا محمد بن العباس اليزيديّ: قال: حدّثنا أبو قلابة عبد الملك بن محمد: قال:
كان أبان اللاحقيّ صديقا للمعذّل بن غيلان، وكانا مع صداقتهما يتعابثان بالهجاء، فيهجوه المعذّل بالكفر وينسبه إلى الشؤم، ويهجوه أبان، وينسبه إلى الفساء الذي تهجى به عبد القيس، وبالقصر - وكان المعذّل قصيرا - فسعى في الإصلاح بينهما أبو عيينة المهلّبيّ، فقال له أخوه عبد اللّه - وهو أسن منه - : يا أخي إن في هذين شرّا كثيرا ولا بد من أن يخرجاه، فدعهما؛ ليكون شرّهما بينهما، وإلا فرّقاه على الناس، فقال أبان يهجو المعذّل:
أحاجيكم ما قوس لحم سهامها ... من الريح لم توصل بقدّ ولا عقب [4]
وليست بشريان وليست بشوحط ... وليست بنبع لا وليست من الغرب [5]
ألا تلك قوس الدّحدحيّ معذّل ... بها صار عبديّا وتمّ له النسب [6]
تصكّ خياشيم الأنوف تعمّدا ... وإن كان راميها يريد بها العقب
فإن تفتخر يوما تميم بحاجب ... وبالقوس مضمونا لكسرى بها العرب [7]
__________
[1] في س، ب: «بيان».
[2] في هج: «منه في أمك».
[3] ف المختار، «من جلبان».
[4] قد: سير من جلد، عقب: عصب يعمل منه الأوتار.
[5] شريان، شوحط، نبع: أشجار تصنع منها القسي.
[6] الدحدحي: القصير.
[7] يقصد حاجب بن زرارة، وقصته مشهورة.
فحيّ ابن عمرو فاخرون بقوسه ... وأسهمه حتى يغلّب [1] من غلب
قال أبو قلابة: فقال المعذّل في جواب ذلك:
رأيت أبانا يوم فطر مصلّيا ... فقسّم فكري واستفزني الطرب
وكيف يصلّي مظلم القلب، دينه ... على دين ماني إنّ ذاك من العجب
يهجو أبا النضير:
أخبرني محمد بن يحيى: قال: حدّثنا عون بن محمد الكنديّ: قال:
كان لأبي النّضير حوار يغنّين، ويخرجن إلى جلّة أهل البصرة، وكان أبان بن عبد الحميد يهجوه بذلك، فمن ذلك قوله:
غضب الأحمق إذ مازحته ... كيف لو كنا ذكرنا الممرغة [2]
أو ذكرنا أنه لاعبها ... لعبة الجدّ بمزح الدغدغه [3]
سوّد اللّه بخمس وجهه ... دغن أمثال طين الردغه [4]
خنفساوان وبنتا جعل ... والتي تفترّ عنها وزغه
يكسر الشّعر وإن عاتبته ... في مجال قال: هذا في اللغة [5]
وأنشدني عمي: قال: أنشدني الكرانيّ: قال: أنشدني أبو إسماعيل اللاحقي لجدّه أبان في هجاء أبي النّضير، [و أخبرني الصوليّ أنه وجدها بخط الكراني] [6]:
إذا قامت بواكيك ... وقد هتّكن أستارك
أيثنين على قبر ... ك أم يلعنّ أحجارك؟
وما تترك في الدنيا ... إذا زرت غدا نارك؟
ترى في سقر المثوى ... وإبليس غدا حارك [7]
لمن تترك زقّيك ... ودنّيك وأوتارك
/ وخمسا من بنات اللي ... ل قد ألبسن أطمارك
تعالى اللّه ما أقبح ... إذ ولّيت أدبارك [8]
__________
[1] ف: «تغالب».
[2] س، ب: «المزدغة»، والكلمة: كناية عن السقوط والفسق.
[3] الدغدغة: الزغزغة.
[4] دغن: سود، جمع دغناء، وأمثال طين الردغة أي سام أبرص، وفي ف: رعن.
[5] في م، أو في س، ب «محال» بدل «مجال» وفي هج: «قال في هذا لغة».
[6] زيادة عن ف.
[7] في ف: «يرى» بدل «غذا».
[8] في ف هج:
«لقياك وإدبارك»
بدل
«إذ وليت أدبارك»
وقال فيه أيضا:
[1]
قيان أبي النضير مثلّجات ... غناء مثل شعر أبي النضير
فلا همدان حين نصيف نبغي ... ولا الماهين [2] أيام الحرور
ولا نبغي بقرميسين [2] روحا ... ولا نبلى البغال من المسير
[1] فإن رمت الغناء لديه فاصبر ... إذا ما جئته للرّمهرير
يهجو المعذل:
أخبرني محمد بن يحيى: قال: حدّثنا أبو خليفة وأبو ذكوان والحسن بن عليّ النّهدي: قالوا:
كان المعذّل بن غيلان المهري يجالس عيسى بن جعفر بن المنصور، وهو يلي حينئذ إمارة البصرة من قبل الرشيد، فوهب للمعذّل [3] بن غيلان له بيضة عنبر وزنها أربعة أرطال، فقال أبان بن عبد الحميد:
أصلحك اللّه وقد أصلحا ... إني لا آلوك أن أنصحا
علام تعطي منوي عنبر ... وأحسب الخازن قد أرجحا
من ليس من قرد ولا كلبة ... أبهى ولا أحلى ولا أملحا
[4] رسول يأجوج أتى عنهم ... يخبر أن الروم قد أقبحا
ما بين رجليه إلى رأسه ... شبر فلا شبّ ولا أفلحا [5]
على باب الفضل بن يحيى:
أخبرني الصوليّ: قال: حدّثنا أبو العيناء: قال: حدّثني الحرمازيّ: قال:
خرج أبان بن عبد الحميد من البصرة طالبا للاتصال بالبرامكة، وكان الفضل بن يحيى غائبا، فقصده، فأقام ببابه مدة مديدة لا يصل إليه فتوسّل إلى من وصّل [6] له شعرا إليه، وقيل: إنه توسل إلى بعض بني هاشم ممّن شخص مع الفضل، وقال له:
يا غزير الندى ويا جوهر الجو ... هر من آل هاشم بالبطاح
إنّ ظنّي وليس يخلف ظنّي ... بك في حاجتي سبيل النجاح
إن من دونها لمصمت باب ... أنت من دون قفله مفتاحي
تاقت النفس يا خليل السّماح ... نحو بحر الندى مجاري الرياح
__________
(1 - 1) تكملة من ف، هج.
[2] همذان، الماهين، قرميسين: بلاد فارسية معروفة.
[3] ب: «فوهب المعذل». والمثبت من ف.
(4 - 4) التكملة من هج.
[5] في ف:
«شبرن لا شب»
[6] في ف: «بمن أوصل».
ثم فكّرت كيف لي واستخرت اللّ ... ه عند الإمساء والإصباح
وامتدحت الأمير أصلحه اللّه بشعر مشهّر الأوضاح فقال: هات مديحك، فأعطاه شعرا في الفضل في هذا الوزن وقافيته:
أنا من بغية الأمير وكنز ... من كنوز الأمير ذو أرباح
كاتب حاسب خطيب أديب ... ناصح زائد على النّصّاح
شاعر مفلق أخفّ من الرّيش ... ة ممّا يكون تحت الجناح [1]
وهي طويلة جدا يقول فيها:
إن دعاني الأمير عاين منّي ... شمّريا كالبلبل الصّيّاح [2]
/قال: فدعا به، ووصله، ثم خصّ بالفضل، وقدّم معه، فقرّب من قلب يحيى بن خالد وصار صاحب الجماعة وزمام أمرهم.
يصل إلى الرشيد على حساب آل علي:
أخبرني حبيب بن نصر المهلّبي: قال: حدّثني عليّ بن محمد النوفليّ:
أنّ أبان بن عبد الحميد عاتب البرامكة على تركهم إيصاله إلى الرشيد وإيصال مديحه إليه، فقالوا له: وما تريد من ذلك؟ فقال: أريد أن أحظى منه بمثل ما يحظى به مروان بن أبي حفصة، فقالوا له: إن لمروان مذهبا في هجاء آل أبي طالب وذمّهم، به يحظى/ وعليه يعطى، فاسلكه حتى نفعل، قال: لا أستحلّ ذلك، قالوا: فما تصنع؟ لا يجيء طلب الدنيا إلا بما لا يحلّ، فقال أبان:
نشدت بحقّ اللّه من كان مسلما ... أعمّ بما قد قلته العجم والعرب
أعمّ رسول اللّه أقرب زلفة ... لديه أم ابن العمّ في رتبة النسب
وأيّهما أولى به وبعهده ... ومن ذا له حقّ التّراث بما وجب!
فإن كان عبّاس أحقّ بتلكم ... وكان عليّ بعد ذاك على سبب
فأبناء عباس هم يرثونه ... كما العمّ لابن العمّ في الإرث قد حجب
وهي طويلة، قد تركت ذكرها لما فيه، فقال له الفضل: ما يرد على أمير المؤمنين اليوم شيء أعجب إليه من أبياتك، فركب فأنشدها الرّشيد، فأمر لأبان بعشرين ألف درهم، ثم اتصلت [3] بعد ذلك خدمته الرشيد، وخصّ به.
__________
[1] في س، ب: «عند الجناح».
[2] شمريا: ماضيا مجربا.
[3] في س، ب، هج: «ثم اتصل مدحه الرشيد بعد ذلك وخص به».
بينه وبين عنان:
أخبرنا أبو العباس بن عمار عن أبي العيناء عن أبي العباس [1] بن رستم: قال:
دخلت مع أبان بن عبد الحميد على عنان جارية النّاطفي، وهي في خيش، فقال لها أبان:
/العيش في الصيف خيش
فقالت مسرعة:
إذ لا قتال وجيش
فأنشدتها أنا لجرير قوله:
طللت أواري صاحبيّ صبابتي ... وهل علقتني من هواك علوق [2]
فقالت مسرعة:
إذا عقل الخوف اللسان تكلمت ... بأسراره عين عليه نطوق
مائدة بطيئة:
أخبرني الصوليّ: قال: حدّثنا محمد بن سعيد، قال: حدّثنا عيسى بن إسماعيل عن عبد اللّه بن محمد بن عثمان بن لاحق: قال:
أولم محمد بن خالد، فدعا أبان بن عبد الحميد والعتبيّ، وعبيد اللّه بن عمرو، وسهل بن عبد الحميد، والحكم بن قنبر، فاحتبس عنهم الغداء، فجاء محمد بن خالد فوقف على الباب فقال: ألكم أعزكم اللّه حاجة؟
يمازحهم بذلك، فقال أبان:
حاجتنا فاعجل علينا بها ... من الحشاوي كلّ طردين [3]
فقال ابن قنبر بعد ذلك:
[4]
ومن خبيص قد حكت عاشقا ... صفرته زين بتلوين [4]
فقال عبيد اللّه بن عمرو:
وأتبعوا ذاك بأبّيّة ... فإنكم آيين آيين [5]
/فقال سهل:
دعنا من الشعر وأوصافه ... واعجل علينا بالأخاوين [6]
__________
[1] في م، أ: «عن العباس».
[2] رواية «الديوان»:
بت أراني صاحبي تجلدي ... وقد علقتني من هواك علوق
[3] الحشاوي: لعلها جمع الحشا على غير قياس: «يريد ما في البطن من كبد وطحال وكرش»، وكل طردين: طعام للأكراد.
[4] تكلمة من هج.
[5] بين آيين: أي أتباع دستور وفي ف: «فإنكم أصحاب أبين».
[6] الأخاوين: جمع إخوان لغة في الخوان كغراب وكتاب.
فأحضر الغداء، وخلع عليهم ووصلهم.
يشبّب بغلام تركي:
أخبرني الصولي: قال: حدّثنا محمد بن زياد: قال: حدّثني أبان بن سعيد الحميدي بن أبان بن عبد الحميد:
قال:
اشترى جار لجدّي أبان غلاما تركيّا بألف دينار، وكان أبان يهواه ويخفي ذلك عن مولاة، فقال فيه:
ليتني - والجاهل المغ ... رور من غرّ بليت
نلت ممّن لا أسمّي ... وهو جاري بيت بيت
قبلة تنعش ميتا ... إنّني حيّ كميت
/ نتساقى الريق بعد الش ... رب من راح كميت
لا أسمّيه ولكن ... هو في كيت وكيت [1]
وكان اسمه يتك.
يحض عمارة على الهرب من زوجها:
وقال أبو الفيّاض سوّار بن أبي شراعة:
كان في جوار أبان بن عبد الحميد رجل من ثقيف يقال له محمد بن خالد، وكان عدوّا لأبان، فتزوج بعمّارة بنت عبد الوهاب الثقفي [2]، وهي أخت عبد المجيد الذي كان ابن مناذر [3] يهواه، ورثاه، وهي مولاة جنان التي يشبّب بها أبو نواس، ويقول فيها:
/خرجت تشهد الزفاف جنان ... فاستمالت بحسنها النّظّاره
قال أهل العروس لما رأوها ... ما دهانا بها سوى عمّاره
قال: وكانت موسرة، فقال أبان بن عبد الحميد يهجوه ويحذّرها منه:
لمّا رأيت البزّ والشاره ... والفرش قد ضاقت به الحاره
واللوز والسّكّر يرمى به ... من فوق ذي الدار وذي الداره
وأحضروا الملهين لم يتركوا ... طبلا ولا صاحب زمّاره
قلت: لماذا؟ قيل أعجوبة ... محمد زوّج عمّاره
لا عمّر اللّه بها بيته ... ولا رأته مدركا ثاره
__________
[1] زيادة في ف وفي بعض النسخ أن الغلام اسمه «يتك» ويعني بقوله «كيت وكيت» أن حروف يتك مندرجة في «كيت».
[2] هو أبو محمد عبد الوهاب الثقفي البصري أحد الأئمة أخذ عنه الشافعي وابن حنبل سنة 194 ه.
[3] هو أبو جعفر محمد بن مناذر شاعر فصيح مقدم في العلم باللغة.
ماذا رأت فيه وماذا رجت ... وهي من النّسوان مختاره
أسود كالسّفود ينسى لدى التّنّ ... ور بل محراك قيّاره [1]
يجري على أولاده خمسة ... أرغفة كالريش طيّاره [2]
وأهله في الأرض من خوفه ... إن أفرطوا في الأكل سيّاره
ويحك فرّي وأعصى ذاك بي ... فهذه أختك فرّاره [3]
إذا غفا بالليل فاستيقظي ... ثم اطفري إنك طفّاره
فصعّدت نائلة سلّما ... تخاف أن تصعده الفاره [4]
سرور غرّتها فلا أفلحت ... فإنها اللّخناء غرّاره
لو نلت ما أبعدت من ريقها ... إن لها نفثة سحّاره
/ قال: فلما بلغت قصيدته هذه عمّارة هربت فحرم الثقفيّ من جهتها مالا عظيما، قال: والثلاثة الأبيات التي أولها:
فصعّدت نائلة سلما
زادها في القصيدة بعد أن هربت.
ابن مناذر يهجوه:
أخبرني الأخفش عن المبرد عن أبي وائلة، قال:
كان أبان اللاحقيّ يولع بابن مناذر، ويقول له: إنما أنت شاعر في المراثي، فإذا مت فلا ترثني، فكثر ذلك من أبان عليه، حتى أغضبه، فقال فيه ابن مناذر:
غنج أبان ولين منطقه ... يخبر الناس أنه حلقي [5]
داء به تعرفون كلّكم ... يا آل عبد الحميد في الأفق
حتّى إذا ما المساء جلّله ... كان أطبّاؤه على الطّرق
ففرّجوا عنه بعض كربته ... بمسبطرّ مطّوق العنق [6]
/قال: وهجاه بمثل هذه القصيدة، ولم يجبه أبان خوفا منه، وسعي بينهما، فأمسك عنه.
__________
[1] محراك: ما يحرك به النار، والقيارة: أصحاب القير. وهو الزفت، أطلقت مجازا على محل القير.
[2] في هج: «كالريح» بدل «كالريش».
[3] في بعض النسخ «و اعصبي ذاك بي» وفي بعضها «فاك بي».
[4] في أ، م، ح: «قائله» بدل «نائلة».
[5] كناية عن الابنه من قولهم: أتان حلقيه أي تداولتها الحمر حتى أصابها داء في رحمها.
[6] في ف وفي س، ب «بمستطير» وهو تحريف والكلمة كناية عن العضو المعروف.
أكان يهوديا:
أخبرني الصّولي، عن محمد بن سعيد، عن عيسى بن إسماعيل: قال:
جلس أبان بن عبد الحميد ليلة في قوم، فثلب أبا عبيدة فقال: يقدح في الأنساب ولا نسب له. فبلغ ذلك أبا عبيدة فقال في مجلسه: لقد أغفل السلطان كلّ شيء حتى أغفل أخد الجزية من أبان اللاحقي، وهو وأهله يهود، وهذه منازلهم فيها أسفار التوراة، وليس فيها مصحف، وأوضح الدلالة على يهوديتهم أنّ أكثرهم يدّعي حفظ التوراة، ولا يحفظ من القرآن ما يصلّي به، فبلغ ذلك أبانا [1] فقال:
/لا تنمّنّ عن صديق حديثا ... واستعذ من تسرّر النمّام
واخفض الصّوت إن نطقت بليل ... والتفت بالنهار قبل الكلام
أكان كافرا:
أخبرني أبو الحسن الأسديّ قال: حدّثنا عيسى بن إسماعيل تينة: قال:
كنا في مجلس أبي زيد الأنصاري، فذكروا أبان بن عبد الحميد، فقالوا: كان كافرا، فغضب أبو زيد، وقال:
كان جاري، فما فقدت قرآنه في ليلة قطّ.
أخبرنا هاشم بن محمد الخزاعيّ عن دماذ: قال:
كان لأبان جار، وكان يعاديه، فاعتلّ علّة طويلة وأرجف أبان بموته، ثم صحّ من علّته، وخرج، فجلس على بابه، فكانت علّته من السّلّ، وكان يكنى أبا الأطول، فقال له أبان:
يقضي على جاره المريض:
أبا الأطول طوّلت ... وما ينجيك تطويل
بك السّلّ ولا وال ... لّه ما يبرأ مسلول
فلا يغررك من طبّ ... ك أقوال أبا طيل [2]
أرى فيك علامات ... وللأسباب تأويل [3]
هزالا قد برى جس ... مك والمسلول مهزول
وذبّانا حواليك ... فموقوذ ومقتول [4]
وحمّى منك في الظّهر ... فأنت الدهر مملول
وأعلاما سوى ذاك ... تواريها السّراويل
ولو بالفيل مما ... بك عشر ما نجا الفيل
__________
[1] ب: «فبلغ ذلك أبان» وهو خطأ.
[2] في س، ب: «ظنك» بدل «طبك».
[3] خد والمختار: «و للأشياء تأويل».
[4] الذبان: الذباب والموقوذ: الصريع.
/
فما هذا على فيك ... قلاع أم دماميل [1]
وما زال مناجيك ... يولّي وهو مبلول [2]
لئن كان من الجوف ... لقد سال بك النيل [3]
وذا داء يزجيّك ... فلا قال ولا قيل
فلما أنشده هذا الشعر أرعد، واضطرب، ودخل منزله، فما خرج منه بعد ذلك، حتى مات.
صوت
ما تزال الدّيار في برقة ال ... نّجد لسعدى بقرقري تبكيني [4]
/قد تحيّلت كي أرى وجه سعدى ... فإذا كل حيلة تعييني [5]
قلت لما وقفت في سدّة البا ... ب لسعدى مقالة المسكين
افعلي بي يا ربّة الخدر خيرا ... ومن الماء شربة فاسقيني
قالت: الماء في الرّكيّ كثير ... قلت: ماء الركيّ لا يرويني [6]
طرحت دوني الستور وقالت: ... كلّ يوم بعلّة تأتيني
الشعر لتويت اليمامي، والغناء لأبي زكار الأعمى، رمل بالوسطى، ابتداؤه نشيد من رواية الهشامي.
__________
[1] القلاع: داء يصيب الفم.
[2] في ف، هج:
«و ما بال مناجيك»
بدل
«و ما زال مناجيك»
وفي س، ب: «معلول». بدل «مبلول».
[3] في س، ب
«لقد كاد من الخوف»
وقد ورد هذا البيت مكررا آخر المقطوعة في كل الأصول ما عدا ف.
[4] قرقرى: موضع باليمامة.
[5] في ف «تمحلت» بدل «تحيلت».
[6] في ف و «مهذب الأغاني» «لا يكفيني».
15 - أخبار تويت [1] ونسبه
اسمه ونسبه:
تويت لقب، واسمه عبد الملك بن عبد العزيز السّلولي من أهل اليمامة، لم يقع لي غير هذا وجدته بخط أبي العبّاس بن ثوابة، عن عبد اللّه بن شبيب من أخبار رواها عنه.
وتويت أحد الشعراء اليماميين من طبقة يحيى بن طالب وبني أبي حفصة وذويهم، ولم يفد إلى خليفة، ولا وجدت له مديحا في الأكابر والرؤساء فأخمل ذلك ذكره، وكان شاعرا فصيحا نشأ باليمامة وتوفّي بها.
حبيبته تضربه:
قال عبد اللّه بن شبيب:
كان تويت يهوى امرأة من أهل اليمامة يقال لها: سعدى بنت أزهر، وكان يقول فيها الشعر، فبلغها شعره من وراء وراء، ولم تره، فمرّ بها يوما، وهي مع أتراب لها، فقلن: هذا صاحبك، وكان دميما، فقامت إليه وقمن معها، فضربنه، وخرّقن ثيابه، فاستعدى عليهنّ فلم يعده الوالي، فأنشأ يقول:
إنّ الغواني جرحن في جسدي ... من بعد ما قد فرغن من كبدي
وقد شققن الرّداء ثمّت لم ... يعد عليهن صاحب البلد [2]
لم يعدني الأحول المشوم وقد ... أبصر ما قد صنعن في جسدي
ثم ترق له بعد ضربه:
قال: فلما جرى هذا بينه وبينها عقد له في قلبها رقّة، وكانت تتعرّض له إذا مرّ بها، واجتاز يوما بفنائها فلم تتوار عنه، وأرته أنها لم تره، فلما وقف مليّا سترت وجهها بخمارها، فقال تويت:
ألا أيها الثار الذي ليس نائما ... على ترة إن متّ من حبّها غدا [3]
/خذوا بدمي سعدى فسعدى منيتها ... غداة النّقا صادت فؤادا مقصّدا [4]
بآية ما ردّت غداة لقيتها ... على طرف عينيها الرداء المورّدا
الوصل قبل الحج:
قال ابن شبيب: ولقيها راحلة نحو مكة حاجّة، فأخذ بخطام بعيرها وقال:
__________
[1] في ب: «تويت».
[2] في ف، هج: «عامل» بدل «صاحب».
[3] كذا في ف:
«و يريد به الطالب لدمه»
وفي س، ب: «الساري» بدل «الثار».
[4] مقصدا: مكسرا.
قل للتي بكرت تريد رحيلا ... للحجّ إذ وجدت إليه سبيلا
ما تصنعين بحجّة أو عمرة ... لا تقبلان وقد قتلت قتيلا
أحيي قتيلك ثم حجّي وانسكي ... فيكون حجّك طاهرا مقبولا
فقالت له: أرسل الخطام، خيّبك اللّه وقبحك، فأرسله، وسارت.
ثم تزوجها غيره فقال شعرا:
قال عبد اللّه بن شبيب: ثم تزوجها أبو الجنوب يحيى بن أبي حفصة، فحجبها، وانقطع ما كان بينها وبين تويت، فطفق يهجو يحيى فقال:
/عناء سيق للقلب الطروب ... فقد حجبت معذّبة القلوب [1]
أقول وقد عرفت لها محلّا ... ففاضت عبرة العين السّكوب
ألا يا دار سعدى كلّمينا ... وما في دار سعدى من مجيب
ولما ضمّها وحوى عليها ... تركت له بعاقبة نصيبي
وقلت: زحام مثلك مثل يحيى ... لعمرك ليس بالرأي المصيب [2]
فما لك مثل لمّته تدرّى ... ومالك مثل بخل أبي الجنوب [3]
/إذا فقد الرغيف بكى عليه ... وأتبع ذاك تشقيق الجيوب
يعذّب أهله في القرص حتى ... يظلوا منه في يوم عصيب [4]
وقال أيضا:
ألا في سبيل اللّه نفس تقسّمت ... شعاعا وقلب للحسان صديق
أفاقت قلوب كنّ عذّبن بالهوى ... زمانا وقلبي ما أراه يفيق
سرقت فؤادي ثم لا ترجعينه ... وبعض الغواني للقلوب سروق
عروف الهوى بالوعد حتى إذا جرت ... ببينك غربان لهن نعيق
وردّت جمال الحي وانشقّت العصا ... وآذن بالبين المشتّ صدوق [5]
ندمت على ألا تكوني جزيتني ... زعمت وكلّ الغانيات مذوق [6]
__________
[1] في س، ب: «حجت» بدل «حجبت».
[2] نرجح أن «زحام» تحريف «زواج».
[3] في س، ب:
«ما بنيت بدأ»
بدل
«لمته تدري»
وتدري: تسرح.
[4] القرص: بسط العجين.
[5] في س، ب: «رددت» بدل «وردت» وفي هج: «جمال البين».
[6] وكل الغانيات مذوق: أي لا يخلعن الود.
لعلك أن ننأى جميعا بغلّة ... تذوقين من حرّ الهوى وأذوق
عصيت بك الناهين حتى لو أنّني ... أموت لما أرعى عليّ شفيق [1]
من مختار قوله في سعدى:
ومن مختار قول تويت في سعدى هذه مما أخذته من رواية عبد اللّه بن شبيب من قصيدة أولها:
سنرضي في سعيدى عاذلينا ... بعاقبة وإن كرمت علينا
يقول فيها:
لقيت سعيد تمشي في جوار ... بجرعاء النّقا فلقيت حينا
سلبن القلب ثم مضين عنّي ... وقد ناديتهنّ فما لوينا
/ فقلت وقد بقيت بغير قلب ... بقلبي يا سعيدى أين أينا! [2]
فما تجزين يا سعدى محبّا ... بهيم بكم ولا تقضين دينا
فقالوا إذ شكوت المطل منها ... لعمرك من سمعت له قضينا [3]
ومن هذا الذي إن جاء يشكو ... إلينا الحبّ من سقم شفينا
فهنّ فواعل بي غير شكّ ... كما قلبي فعلن بصاحبينا
[4] بعروة والذي بسهام هند ... أصيب، فما أقدن ولا ودينا [5]
ومن مختار قوله فيها:
سل الأطلال إن نفع السّؤال ... وإن لم يربع الركب العجال
/ عن الخود التي قتلتك ظلما ... وليس بها إذا بطشت قتال
أصابك مقلتان لها وجيد ... وأشنب بارد عذب زلال
أعارك ما تبلت به فؤادي ... من العينين والجيد الغزال
أيا ثارات من قتلته سعدى ... دمي - لا تطلبوه - لها حلال
أرقّ لها وأشفق بعد قتلي ... على سعدى وإن قلّ النّوال
وما جادت لنا يوما ببذل ... يمين من سعاد ولا شمال
/ ومن قوله فيها أيضا:
__________
[1] أرعى عليّ شفيق. رحمني وأبقى عليّ.
[2] في ف: «لب» بدل «قلب».
[3] في ف، هج «فقالت» بدل «فقالوا». في وفي س، ب «به» بدل «له».
[4] عروة بن حزام وصاحبته عفراء وهما من يظن من العذريين ويقال لها نهد.
[5] يقصد عبد اللّه بن عجلان وصاحبته هند بنت كعب بن عمرو النهدي أيضا.
يا بنت أزهر إنّ ثأري طالب ... بدمي غدا والثأر أجهد طالب
فإذا سمعت براكب متعصّب ... ينعى قتيلك فافزعي للراكب [1]
فلأنت من بين الأنام رميتني ... عن قوس متلفة بسهم صائب
لا تأمني شمّ الأنوف وترتهم ... وتركت صاحبهم كأمس الذاهب
من كان أصبح غالبا لهوى التي ... يهوى فإن هواك أصبح غالبي
قلت وأسبلت الدموع لتربها ... لما اغتررت وأومأت بالحاجب
قولي له: باللّه يطلق رحله ... حتى يزوّد أو يروح بصاحب
وقال فيها أيضا:
أرّق العين من الشوق السّهر ... وصبا القلب إلى أمّ عمر
واعترتني فكرة من حبّها ... ويح هذا القلب من طول الفكر [2]
قدر سيق فمن يملكه ... أين من يملك أسباب القدر!
كلّ شيء نالني من حبّها ... - إن نجت نفسي من الموت - هدر
وقال أيضا:
يا للرّجال لقلبك المتطرّف ... والعين إن تر برق نجد تذرف [3]
ولحاجة يوم العبير تعرّضت ... كبرت فردّ رسولها لم يسعف
يا بنت أزهر ما أراك مثيبتي ... خيرا على ودّي لكم وتلطّفي
/ إني وإن خبّرت أنّ حياتنا ... في طرف عينك هكذا لم تطرف
ليظلّ قلبي من مخافة بينكم ... مثل الجناح معلّقا في نفنف [4]
وليظلّ في هجر الأحبّة طالبا ... لرضاك مما جار إن لم تسعف [5]
كأخي الفلاة يغرّه من مائها ... قطع السراب جرى بقاع صفصف
أهراق نطفته فلما جاءها ... وجد المنيّة عندها لم تخلف
__________
[1] في ح: «متعقب» بدل «متعصب»، وفي س، ب «يبغي» بدل «ينعى».
[2] في أ، ج، ف «ذكرة» بدل «فكرة»، «ذكر» بدل «فكر».
[3] ب: «العين إن ترقأ بجد تذرف».
[4] نفنف: مهوى بين جبلين.
[5] في س، ب «مجرى» بدل «هجر» ولعلها «لم تسعفي» بالياء.
صوت
أمنت بإذن اللّه من كلّ حادث ... بقربك من خير الورى يا بن حارث
إمام حوى إرث النبي محمد ... فأكرم به من ابن عمّ ووارث
/ الشعر والغناء لمحمد بن الحارث بن بسخنّر، خفيف رمل بالبنصر مطلق من جامع أغانيه وعن الهشامي.
16 - أخبار محمد بن الحارث
مروءة أبيه:
مولى المنصور، وأصله من الرّي من أولاد المرازبة، وكان الحارث بن بسخنّر أبوه رفيع القدر عند السلطان، ومن وجوه قواده، وولاه الهادي - ويقال الرشيد - الحرب والخراج بكور الأهواز كلّها.
فأخبرني حبيب المهلّبي: قال: حدّثني النّوفليّ عن محمد بن الحارث بن بسخنّر: قال: كنت بالدّير، وكان رجل من أهلها يعرض عليّ الحوائج ويخدمني فيكرمني، ويذكر قديمنا، ويترحّم على أبي، فقال لي رجل من أهل تلك الناحية: أتعرف سبب شكر هذا لأبيك؟ قلت: لا، قال: فإن أباه حدّثني - وكان يعرف بابن بانة - بأن أباك الحارث بن بسخنّر اجتاز بهم يريد الأهواز فتلقاه بدجلة العوراء، وأهدى له صقورا وبواشق صائدة، فقال له: الحق بي بالأهواز، فقال له يوما: إني نظرت في أمور الأعمال بالأهواز، فلم أجد شيئا [1] منها يرتفق منه بما قدّرت أن أبرّك به، وقد ساومني التّجّار بالأهواز بالأرز، وقد جعلته لك بالسعر الذي بذلوه [2]، وسيأتونني، فأعلمهم بذلك، فقلت: نعم، فجاءوا، وخلصوه منه بأربعين ألف دينار، فصرت إلى الحارث فأعلمته، فقال لي: أرضيت بذلك؟
فقلت: نعم، قال: فانصرف.
ولما قفل الحارث من الأهواز مرّ بالمدائن، فلقيه الحسين بن محرز المدائني المغنّي فغنّاه:
قد علم اللّه علا عرشه ... أنّي إلى الحارث مشتاق
فقال له: دعني من شوقك إليّ، وسلني حاجة فإني مبادر، فقال له: عليّ دين/ مائة ألف درهم، فقال: هي عليّ، وأمر له بها، وأصعد.
كان من أصحاب إبراهيم بن المهدي ويسير على منهاجه:
وكان محمد بن الحارث من أصحاب إبراهيم بن المهدي والمتعصبين له على إسحاق، وعن إبراهيم بن المهديّ أخذ الغناء، ومن بحره استقى، وعلى منهاجه جرى.
أخبرني عيسى بن الحسين الورّاق، عن محمد بن هارون الهاشمي، عن هبة اللّه بن إبراهيم بن المهدي: قال:
جاسوس غير أمين:
كان المأمون قد ألزم أبي رجلا ينقل إليه كلّ ما يسمعه من لفظ جدّا وهزلا شعرا وغناء، ثم لم يثق به، فألزمه مكانه محمد بن الحارث بن بسخنّر، فقال له: أيها الأمير، قل ما شئت واصنع ما أحببت، فو اللّه لا بلّغت عنك أبدا
__________
[1] في س، ب: «فوجدت ليس فيها شي ء».
[2] في س، ب: «بلوه».
إلا ما تحبّ، وطالت صحبته له، حتى أمنه وأنس به، وكان محمد يغني بالمعزفة فنقله أبي إلى العود، وواظب عليه حتى حذقه، ثم قال له محمد بن الحارث يوما: أنا عبدك وخرّيجك وصنيعتك، فاخصصني بأن أروي عنك صنعتك، ففعل، وألقى عليه غناءه أجمع، فأخذه عنه، فما ذهب عليه شيء منه ولا شذّ.
يغني للواثق:
وقال العتّابي: حدّثني محمد بن أحمد بن المكيّ: قال: حدّثني أبي: قال:
كان محمد بن الحارث قليل الصنعة، وسمعته يغنّي الواثق في صنعته في شعر له مدحه به وهو:
أمنت بإذن اللّه من كلّ حادث ... بقربك من خير الورى يا بن حارث
فأمر له بألفي دينار.
وذكر عليّ بن محمد الهشامي، عن حمدون بن إسماعيل، قال: كان محمد بن الحارث قد صنع هزجا في هذا الشعر:
صوت
أصبحت عبدا مسترقا ... أبكي الألى سكنوا دمشقا [1]
أعطيتهم قلبي فمن ... يبقى بلا قلب فأبقى
يهب لحنه لغيره:
وطرحه على المسدود [2]، فغنّاه، فاستحسنه محمد بن الحارث منه لطيب مسموع المسدود، ثم قال:
يا مسدود، أتحبّ أن أهبه لك؟ قال: نعم، قال: قد فعلت، فكان يغنّيه، ويدّعيه، وهو لمحمد بن الحارث.
من ألحانه العشرة:
وقال العتّابي: حدّثني شروين المغني المدادي [3]. أن صنعة محمد بن الحارث بلغت عشرة أصوات، وأنه أخذها كلّها عنه، وأن منها في طريقه الرّمل، قال: وهو أحسن ما صنعه.
صوت
أيا من دعاني فلبيّته ... ببذل الهوى وهو لا يبذل
يدلّ عليّ بحبّي له ... فمن ذاك يفعل ما يفعل
لحن محمد بن الحارث في هذا الصوت رمل مطلق، وفيه ليزيد حوراء ثقيل أول وفيه لسليم لحن وجدته في جميع أغانيه غير مجنّس.
__________
[1] في ف: «أشكو» بدل «أبكي».
[2] في س، ب: «المستورد» بدل «المسدود».
[3] كذا بالأصول ولعلها المذاري نسبة إلى «مذار»، قرية بين واسط والبصرة.
مع ابن العباس الربيعي:
أخبرني الحسن بن عليّ: قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد: قال: حدّثني أبو توبة صالح بن محمد، عن عمرو بن بانة: قال:
كنت عند محمد بن الحارث بن بسخنّر في منزله، ونحن مصطبحون في يوم غيم، فبينا نحن كذلك إذ جاءتنا رقعة عبد اللّه بن العباس الربيعيّ، وقد اجتاز بنا مصعدا إلى سرّ من رأى، وهو في سفينة، ففضّها محمد، وقرأها، وإذا فيها:
/محمد قد جادت علينا بودقها ... سحائب مزن برقها يتهلّل
ونحن من القاطول في شبه مربع ... له مسرح سهل المحلّة مبقل [1]
فمر فائزا تفديك نفسي يغنّني ... أعن ظعن الحيّ الألى كنت تسأل؟
ولا تسقني إلا حلالا فإنّني ... أعاف من الأشياء ما لا يحلّل
فقام محمد بن الحارث مستعجلا حافيا، حتى نزل إليه فتلقّاه، وحلف عليه حتى خرج معه، وسار به إلى منزله، فاصطبحا يومئذ، وغنّاه فائز غلامه هذا الصوت، وكان صوته عليه، وغنّاه محمد بن الحارث وجواريه وكل من حضر يومئذ، وغنّانا عبد اللّه بن العباس الربيعي أيضا أصواتا وصنع يومئذ هذا الهزج، فقال:
يا طيب يومي بالمطيرة معملا ... للكأس عند محمد بن الحارث [2]
في فتية لا يسمعون لعاذل ... قولا ولا لمسوّف أو رائث
عجائز أبيه أساتذة مخارق:
حدّثني وسواسه [3]: قال: حدّثني حماد بن إسحاق: قال:
كان أبي يستحسن غناء جواري الحارث بن بسخنّر، ويعتمد على تعليمهنّ لجواريه، وكان إذا اضطرب على واحدة منهنّ أو على غيرهن صوت، أو وقع فيه اختلاف، اعتمد على الرجوع فيه إليهنّ. ولقد غنّى مخارق يوما بين يديه صوتا، فتزايد فيه الزوائد التي كان يستعملها، حتى اضطرب. فضحك أبي، وقال: يا أبا المهنّأ، قد ساء بعدي أدبك في غنائك فالزم عجائز الحارث بن بسخنّر يقوّمن أودك.
صوت
بنان يد تشير إلى بنان ... تجاوبتا وما يتكلّمان
جرى الإيماء بينهما رسولا ... فأحكم وحيه المتناجيان
فلو أبصرته لغضضت طرفا ... عن المتناجيين بلا لسان
الشعر لماني [4] الموسوس، والغناء لعمر الميداني هرج، وفيه لعريب لحن من الهزج أيضا.
__________
[1] «القاطول»: موضع على دجلة، وفي ف: «متربع».
[2] المطيرة: قرية من نواحي سامراء وكانت من متنزهات بغداد.
[3] اسمه: محمد بن أحمد بن إسماعيل بن إبراهيم الموصلي.
[4] ب: «لمان».
17 - أخبار ماني الموسوس
يعارض العريان:
هو رجل من أهل مصر، يكنى أبا الحسن واسمه محمد بن القاسم [1]، شاعر ليّن الشعر رقيقه، لم يقل شيئا إلا في الغزل، وماني لقب غلب عليه، وكان قدم مدينة السّلام، ولقيه جماعة من شيوخنا، منهم أبو العباس محمد بن عمّار وأبو الحسن الأسديّ وغيرهما، فحدّثني أبو العباس بن عمار، قال:
كان ماني يألفني، وكان مليح الإنشاد حلوه، رقيق الشعر غزله، فكان ينشدني الشيء، ثم يخالط، فيقطعه، وكان يوما جالسا إلى جنبي، فأنشدني للعريان [2] البصريّ:
ما أنصفتك العيون لم تكف ... وقد رأيت الحبيب لم يقف
فابك ديارا حلّ الحبيب بها ... فباع منها الجفاء باللّطف
ثم استعارت مسامعا كسد الل ... وم عليها من عاشق كلف
كأنها إذ تقنّعت ببلى ... شمطاء ما تستقلّ من خرف
يا عين إمّا أريتني سكنا ... غضبان يزوي بوجه منصرف [3]
فمثّليه للقلب مبتسما ... في شخص راض عليّ منعطف
إن تصفيه للقلب منقبضا ... فأنت أشقى منه به فصفي [4]
يقال بالصّبر قتل ذي كلف ... كيف وصبري يموت من كلفي
إذا دعا الشوق عبرة لهوى ... فأيّ جفن يقول لا تكفي [5]
/و مستراد للّهو تنفسح المق ... لة في حافتيه مؤتلف [6]
قصرت أيامه على نفر ... لا منن بالنّدى ولا أسف [7]
__________
[1] في هج: «محمد بن الهيثم».
[2] في ف، هج: «الهذيل».
[3] السكن: الحبيب.
[4] ب: «فصف» خطأ.
[5] في ف: «فأي دمع»، بدل «فأي جفن».
[6] في ف، ح: «مؤتنف».
[7] في س، ب: «لا معتن» بدل «لا منن» وهي جمع منون أو منين.
بحيث إن شئت أن ترى قمرا ... يسعى عليهم بالكأس ذا نطف [1]
قال: فسألته أن يمليها عليّ، ففعل، ثم قال: اكتب، فعارضه أبو الحسن المصري: يعني «ماني» نفسه فقال:
أقفر مغني الديار بالنّجف ... وحلت عما عهدت من لطف
طويت عنها الرضا مذمّمة ... لمّا انطوى غضّ عيشها الأنف
حللت عن سكرة الصّبابة من ... خوف إلهي بمعزل قذف [2]
سئمت ورد الصّبا فقد يئست ... منى بنات الخدور والخزف [3]
سلوت عن نهّد نسبن إلى ... حسن قوام واللحظ في وطف [4]
يمددن حبل الصّبا لمن ألفت ... رجلاه قدّ المحول والدّنف [5]
/و مدنف عاد في النحول من ... الوجد إلى مثل رقّة الألف [6]
يشارك الطير في النّحيب ولا ... يشركنه في النّول والقضف [7]
/و مسمعات نهكن أعظمه ... فهو من الضيم غير منتصف
مفتخرات بالجور عجبا كما ... يفخر أهل السّفاه بالجنف [8]
وقهوة من نتاج قطربّل ... تخطف عقل الفتى بلا عنف
ترجع شرخ الشباب للخرف ال ... فاني وتدنى الفتى من الشّغف
يصفع المؤذن:
قال: فبينا هو ينشد إذ نظر إلى إمام المسجد الذي كنّا بإزائه قد صعد المئذنة ليؤذن فأمسك عن الإنشاد، ونظر إليه - وكان شيخا ضعيف الجسم والصوت - فأذّن أذانا ضعيفا بصوت مرتعش، فصعد إليه ماني مسرعا، حتى صار معه في رأس الصّومعة، ثم أخذ بلحيته، فصفعه في صلعته صفعة ظننت أنّه قد قلع رأسه، وجاء لها صوت منكر شديد، ثم قال له: إذا صعدت المنارة لتؤذّن، فعطعط [9]، ولا تمطمط [10]، ثم نزل ومضى يعدو على وجهه. ولقيت عنتا من عتب [11] الشيخ وشكواه إياي إلى أبي ومشايخ الجيران، يقول لهم: هذا ابن عمّار يجيء بالمجانين، فيكتب
__________
[1] نطف: جمع نطفة وهي القليل من الماء فيها.
[2] في س، ب: «بمعرك» بدل «بمعزل».
[3] الخزف: التبختر وهو هز البدن باليدين، وفعله خزف: مشى يخطر بيديه.
[4] الوطف: كثرة شعر الحاجبين والعينين.
[5] في س، ب، هج: «المجون» بدل «النحول».
[6] في ب: «دقة» بدل «رقة».
[7] القضف: النحافة.
[8] في ف:
«مفتخرات بجورهن كما»
[9] عطعط: أي تابع الأصوات.
[10] تمطمط: أي لا تتوان في الكلام، أي الأذان هنا.
[11] في س، ب: «عنت».
هذيانهم، ويسلّطهم على المشايخ فيصفعونهم في الصوامع إذا أذّنوا، حتى صرت إلى منزله، فاعتذرت وحلفت أني إنما أكتب شيئا من شعره، وما عرفت ما عمله ولا أحيط به علما.
الجارية تغني وهو يضيف:
ونسخت من كتاب لابن البراء: حدّثني أبي قال: عزم محمد بن عبد اللّه بن طاهر على الصّبوح، وعنده الحسن بن محمد بن طالوت، فقال: [1] له محمد: كنا نحتاج أن يكون معنا ثالث نأنس به ونلذّ في مجاورته فمن ترى أن يكون! فقال ابن طالوت: لقد خطر ببالي رجل ليس علينا في منادمته ثقل، قد خلا من إبرام المجالسين، وبرىء من/ ثقل المؤانسين، خفيف الوطأة إذا أدنيته، سريع الوثبة إذا أمرته، قال: من هو؟ قال: ماني الموسوس، قال: ما أسأت الاختيار، ثم تقدّم إلى صاحب الشّرطة يطلبه وإحضاره، فما كان بأسرع من أن قبض عليه صاحب الشرطة [2] بربع الكرخ فوافى به باب محمد بن عبد اللّه، فأدخل، ونظّف وأخذ من شعره، وألبس ثيابا نظافا، وأدخل على محمد بن عبد اللّه، فلما مثل بين يديه سلّم، فردّ عليه، وقال له: أما حان لك أن تزورنا مع شوقنا إليك؟ فقال له ماني: أعزّ اللّه الأمير: الشوق شديد، والودّ عتيد، والحجاب صعب، والبواب فظّ، ولو تسهّل لنا الإذن لسهلت علينا الزيارة، فقال له محمد: لقد لطفت في الاستئذان، وأمره بالجلوس. فجلس، وقد كان أطعم قبل أن يدخل، فأتى محمد بن عبد اللّه بجارية لإحدى بنات المهديّ، يقال لها: منوسة، وكان يحبّ السماع منها، وكانت تكثر أن تكون عنده، فكان أول ما غنّته:
ولست بناس إذ غدوا فتحمّلوا ... دموعي على الخدّين من شدّة الوجد
وقولي وقد زالت بعيني حمولهم ... بواكر تحدى لا يكن آخر العهد [3]
فقال ماني: أيأذن لي الأمير؟ قال: في ماذا؟ قال: في استحسان ما أسمع، قال: نعم، قال: أحسنت واللّه، فإن رأيت أن تزيدي مع هذا الشعر هذين البيتين:
وقمت أداري الدمع والقلب حائر ... بمقلة موقوف على الضّرّ والجهد [4]
/و لم يعدني هذا الأمير بعدله ... على ظالم قد لجّ في الهجر والصّدّ
فقال له محمد: ومن أيّ شيء استعديت يا ماني؟ فاستحيا، وقال: لا من ظلم أيها الأمير، ولكن الطّرب حرّك شوقا كان كامنا، فظهر. ثم غنّت:
/حجبوها عن الرياح لأنّي ... قلت: يا ريح بلّغيها السّلاما
لو رضوا بالحجاب هان ولكن ... منعوها يوم الرياح الكلاما
قال: فطرب محمد، ودعا برطل فشربه فقال ماني: ما كان على قائل هذين البيتين لو أضاف إليهما هذين البيتين:
__________
(1 - 1) ما بين القوسين زيادة في ف.
[2] في س، ب: صاحب ربع الكرخ.
[3] في ف: «بوادر» بدل «بواكر».
[4] في أ: «أناجي» وفي هج س، ب: «أفاجي» بدل «أداري».
فتنفّست ثم قلت لطيفي: ... ويك إن زرت طيفها إلماما
حيّها بالسلام سرّا وإلّا ... منعوها لشقوتي أن تناما
فقال محمد: أحسنت يا ماني، ثم غنّت:
يا خليليّ ساعة لا تريما ... وعلى ذي صبابة فأقيما
ما مررنا بقصر زينب إلا ... فضح الدمع سرّك المكتوما
قال ماني: لو لا رهبة الأمير لأضفت إلى هذين البيتين بيتين لا يردان على سمع سامع ذي لبّ فيصدران إلا عن استحسان لهما، فقال محمد: الرغبة في حسن ما تأتي به حائلة عن كلّ رهبة، فهات ما عندك، فقال:
ظبية كالهلال لو تلحظ الصخر بطرف لغادرته هشيما وإذا ما تبسّمت خلت ما يبدو من الثّغر لؤلؤا منظوما
مختار الشعر يكسبه طبيا:
فقال محمد: إن أحسن الشعر ما دام الإنسان يشرب ما كان مكسوّا لحنا حسنا تغنّي به منوسة وأشباهها، فإن كسيت [1] شعرك من الألحان مثل ما غنّت قبله طاب، فقال: ذلك إليها.
يصف منوسة:
فقال له ابن طالوت: يا أبا الحسين [2]، كيف هي عندك في حسنها وجمالها وغنائها/ وأدبها؟ قال. هي غاية ينتهي إليها الوصف، ثم يقف، قال: قل في ذلك شعرا، فقال:
وكيف صبر النفس عن غادة ... تظلمها إن قلت طاووسه
وجرت إن شبّهتها بانة ... في جنّة الفردوس مغروسه
وغير عدل إن عدلنا بها ... لؤلؤة في البحر منفوسه [3]
جلّت عن الوصف فما فكرة ... تلحقها بالنعت محسوسه
فقال له ابن طالوت: وجب شكرك يا ماني، فساعدك دهرك، وعطف عليك إلفك، ونلت سرورك، وفارقت محذورك، واللّه يديم لنا ولك بقاء من ببقائه اجتمع شملنا، وطاب يومنا.
إذا زرت فخفف:
فقال ماني:
مدمن التخفيف موصول ... ومطيل اللّبث مملول
__________
[1] لعلها تحريف فإن «أكسبت» شعرك ... إلخ.
[2] في ف: «الحسن».
[3] منفوسة: يتنافس ويرغب فيها.
فأنا أستودعكم اللّه، ثم قام فانصرف، فأمر له محمد بن عبد اللّه بصلة، ثم كان كثيرا ما يبعث يطلبه إذا شرب، فيبرّه، ويصله، ويقيم عنده.
يشبب بغلام:
أخبرني جعفر بن قدامة، قال: حدّثني المبرد، قال:
حدّثني بعض الكتاب ممّن كان ماني يلزمه [1]، ويكثر عنده، قال: لقيني يوما ماني بعد انقطاع طويل عني، فقال: ما قطعني عنك إلا أني هائم، قلت: بمن؟ قال بمن إن شئت أن تراه الساعة رأيته/ فعذرتني، قلت: فأنا معك، فمضى، حتى وافى باب الطاق، فأراني/ غلاما جميل الوجه بين يدي بزّاز في حانوته، فلما رآه الغلام عدا، فدخل الحانوت، ووقف ماني طويلا ينتظره، فلم يخرج، فأنشأ يقول:
ذنبي إليه خضوعي حين أبصره ... وطول شوقي إليه حين أذكره
[2] وما جرحت بطرف العين مهجته ... إلا ومن كبدي يقتصّ محجره
نفسي على بخله تفديه من قمر ... وإن رماني بذنب ليس يغفره
وعاذل باصطبار القلب يأمرني ... فقلت: من أين لي قلب أصبّره [3]
ومضى يعدو ويصيح: الموت مخبوء في الكتب [4].
صوت
وشادن قلبي به معمود ... شيمته الهجران والصّدود
لا أسأم الحرص ولا يجود ... والصبر عن رؤيته مفقود
زنّاره في خصره معقود ... كأنه من كبدي مقدود
عروضه من الرجز، والشّعر لبكر بن خارجة، والغناء للقاسم بن زرزور، خفيف رمل بالوسطى.
__________
[1] س، ب: «يكرمه».
(2 - 2) زيادة في ف.
[3] كذا في ف وهي أنسب من رواية س، ب:
«صبر فأهجره»
(4 - 4) زيادة في ف.
18 - أخبار بكر بن خارجة
كان وراقا:
كان بكر بن خارجة، رجلا من أهل الكوفة، مولى لبني أسد، وكان ورّاقا ضيّق العيش، مقتصرا على التكسب من الوراقة، وصرف أكثر ما يكسبه إلى النبيذ، وكان معاقرا للشّرب في منازل الخمّارين وحاناتهم، وكان طيّب الشّعر مليحا مطبوعا طبعا ماجنا [1].
يتعشق هدهدا:
فذكر أبو العنبس الصّيمري أن محمد بن الحجاج حدّثه قال:
رأيت بكر بن خارجة يبكّر في كل يوم بقنّينتين من شراب إلى خراب من خرابات الحيرة، فلا يزال يشربه فيه على صوت هدهد كان يأوي إلى ذلك الخراب، إلى أن يسكر، ثم ينصرف، قال: وكان يتعشق ذلك الهدهد.
وحدّثني عمي عن ابن مهرويه عن عليّ بن عبد اللّه بن سعد، قال:
كان بكر بن خارجة يتعشق غلاما نصرانيا، يقال له: عيسى بن البراء العباديّ الصّيرفي، وله فيه قصيدة مزدوجة يذكر فيها النصارى وشرائعهم وأعيادهم، ويسمّي دياراتهم، ويفضّلهم.
دعبل يحسده على بيتين قالهما:
قال: وحدّثني [من شهد دعبلا [2]] وقد أنشدني قوله في عيسى بن البراء النصراني العبادي:
زنّاره في خصره معقود ... كأنه من كبدي مقدود
فقال دعبل: ما يعلم اللّه أنّي حسدت أحدا قطّ كما حسدت بكرا على هذين البيتين.
الجاحظ يكتب أبياتا له وهو قائم:
وحدّثني عمي عن الكرانيّ، قال: حرّم بعض الأمراء بالكوفة بيع الخمر على خماري الحيرة، وركب فكسر نبيذهم، فجاء بكر يشرب عندهم على عادته، فرأى الخمر مصبوبة في الرحاب والطرق، فبكى طويلا، وقال:
يا لقومي لما جنى السلطان ... لا يكونن لما أهان الهوان [3]
قهوة في التراب من حلب الكر ... م عقارا كأنّها الزعفران
__________
[1] المراد أن من سجاياه عدم المبالاة.
[2] زيادة في ف وهج.
[3] في ف: «لمن» بدل «لما».
قهوة في مكان سوء لقد صا ... دف سعد السعود ذاك المكان [1]
/من كميت يبدي المزاج لها لؤ ... لؤ نظم والفصل منها جمان
فإذا ما اصطبحتها صغرت في ... القدر تختالها هي الجرذان [2]
كيف صبري عن بعض نفسي وهل ... يصبر عن بعض نفسه الإنسان!
قال: فأنشدتها الجاحظ، فقال: إن من حق الفتوة أن أكتب هذه الأبيات قائما وما أقدر على ذلك إلا أن تعمدني، وقد كان تقوّس، فعمدته، فقام، فكتبها قائما.
الخمر تفسد عقله:
وقال محمد بن داود بن الجرّاح في كتاب الشعراء: قال لي محمد بن الحجاج:
كانت الخمر قد أفسدت عقل بكر بن خارجة في آخر عمره، وكان يمدح ويهجو بدرهم وبدرهمين ونحو هذا فاطّرح، وما رأيت قطّ أحفظ منه لكلّ شيء حسن، ولا أروى منه للشعر.
قال: وأنشدني بعض أصحابنا له في حال فساد عقله:
هب لي فديتك درهما ... أو درهمين إلى الثّلاثة
/ إني أحبّ بني الطفي ... ل ولا أحبّ بني علاثه [3]
[4] قال ابن الجراح حدّثني محمد بن القاسم بن مهرويه قال:
حدّثني بعض أصحابنا الكوفيين قال: حضرنا دعوة ليحيى بن أبي يوسف القاضي وبتنا عنده، فنمت فما أنبهني إلّا صياح بكر يستغيث من العطش، فقلت له: مالك؟ فاشرب فالدار مليئة ماء، قال: أخاف، قلت: من أي شي ء؟ قال: في الدار كلب كبير، فأخاف أن يظنني غزالا فيثب عليّ ويقطعني ويأكلني، فقلت: له ويحك يا بكر! فالحمير أشبه منك بالغزال، قم فاشرب إن كنت عطشان وأنت آمن، وكان عقله قد فسد من كثرة الشراب.
قال: وأنشدني له، وقد رأى صديقا له قرأ رقعة من صديق له آخر ثم حرقها:
لم يقو عندي على تحريق قرطاسي ... إلا امرؤ قلبه من صخرة قاسي
إن القراطيس من قلبي بمنزلة ... تحويه كالسمع والعينين في الرأس [4]
ومما يغنّى فيه من شعر بكر بن خارجة:
__________
[1] في ف: «صبها في مكان سوء». بدل «قهوة في مكان سوء».
[2] في هج: «صغرت في القدر عندي من أجلها الخيزران».
[3] بنو الطفيل: يريد بهم عامر بن الطفيل بن مالك بن جعفر الذي حدثت أشهر منافرة بينه وبين علقمة بن علاثة، وهو يقصد التورية بكلمة الطفيل.
وبنو علاثة: يريد علقمة بن علاثة بن عوف بن الأحوص وقد حكّما هرم بن قطبة بن سنان الفزاري وقال في هذه المنافرة الأعشى يمدح عامرا ويهجو علقمة.
علقم ما أنت إلى عامر ... الناقض الأوتار والواتر
(4 - 4) الزيادة عن ف.
صوت
قلبي إلى ما ضرّني داعي ... يكثر أحزاني وأوجاعي
لقلّ ما أبقى على ما أرى ... يوشك أن ينعاني الناعي
كيف احتراسي من عدوّي إذا ... كان عدوي بين أضلاعي؟
أسلمني الحبّ وأشياعي ... لمّا سعى بي عندها الساعي
لمّا دعاني حبّها دعوة ... قلت له: لبّيك من داع
الغناء لإبراهيم بن المهدي ثقيل أول، وفيه لعبد اللّه بن العباس هزج، جميعا عن الهشامي، وقيل: إن فيه لحنا لابن جامع.
وقد ذكر الصولي في أخبار العباس بن الأحنف وشعره أن [1] هذه الأبيات للعباس بن الأحنف، وذكر محمد بن داود بن الجرّاح عن أبي هفّان أنها لبكر بن خارجة:
صوت
ويلي على ساكن شطّ الصّراه ... من وجنتيه شمت برق الحياه [2]
ما ينقضي من عجب فكرتي ... في خصلة فرّط فيها الولاه
ترك المحبين بلا حاكم ... لم يقعدوا للعاشقين القضاه [3]
الشعر لإسماعيل القراطيسي والغناء لعباس بن مقام خفيف رمل بالوسطى.
__________
[1] ب: وشعر ماني.
[2] الصراة: يطلق على نهرين ببغداد: الصراة الصغرى، الصراة الكبرى بقرب بغداد على فرسخ منها.
[3] «لم يقعدوا»، في ياقوت «لم يجلسوا».
19 - أخبار إسماعيل القراطيسي
كان مألفا للشعراء:
هو إسماعيل بن معمر الكوفي، مولى الأشاعثة، وكان مألفا للشعراء، فكان أبو نواس وأبو العتاهية ومسلم وطبقتهم يقصدون منزله. ويجتمعون عنده، ويقصفون، ويدعو لهم القيان وغيرهن من الغلمان، ويساعدهم.
وإياه يعني أبو العتاهية بقوله:
لقد أمسى القراطيسي ... رئيسا في الكشاخين [1]
وجهه في المرآة:
وفي هذه الأبيات التي فيها الغناء يقول القراطيسيّ:
/و قد أتاني خبر ساءني ... مقالها في السر وا سوأتاه
أمثل هذا يبتغي وصلنا ... أما يرى ذا وجهه في المراه!
وجه أبي العتاهية أيضا:
أخبرني ابن عمّار عن ابن مهرويه، عن عليّ بن عمران، قال: قال القراطيسي: قلت للعباس [بن الأحنف [2]]: هل قلت في معنى قولي:
وقد أتاني خبر ساءني ... مقالها في السرّ: وا سوأتاه؟
قال: نعم، وأنشدني:
جارية أعجبها حسنها ... فمثلها في الناس لم يخلق
خبّرتها أنّي محبّ لها ... فأقبلت تضحك من منطقي
والتفتت نحو فتاة لها ... كالرشأ الوسنان في قرطق [3]
/قالت لها: قولي لهذا الفتى: ... انظر إلى وجهك ثم اعشق
يهجوه لأنه لا يحبوه:
أخبرني الحسن بن مهرويه، قال: حدّثني أحمد بن بشر المرثديّ، قال:
__________
[1] الكشاخين: مفرده كشخان وهو «الديوث» الذي لا يغار على حرمه.
[2] زيادة في ف.
[3] قرطق: كجندب وقنفذ وجعفر، وهو القباء، معرب «كرته»، ويقال قرقطته فتقرقط أي ألبسته القرطق فلبسه.
مدح إسماعيل القراطيسي الفضل بن الربيع [1]، فحرمه فقال:
ألا قل للّذي لم يهد ... ه اللّه إلى نفع
لئن أخطأت في مدحي ... ك ما أخطأت في منعي
لقد أحللت حاجاتي ... بواد غير ذي زرع
بيته منتدى العابثين:
أخبرني محمد بن جعفر النحويّ صهر المبرّد عن أبي هفّان عن الجمّاز، قال:
اجتمع يوما أبو نواس وحسين الخليع وأبو العتاهية في الحمّام [2] وهم مخمورون، فقالوا: أين نجتمع؟ فقال القراطيسيّ:
ألا قوموا بأجمعكم ... إلى بيت القراطيسي
لقد هيّا لنا النزل ... غلام فاره طوسي
وقد هيّا الزّجاجات ... لنا من أرض بلقيس
وألوانا من الطير ... وألوانا من العيس
وقينات من الحور ... كأمثال الطواويس
فنيكوهنّ في ذاكم ... وفي طاعة إبليس
صوت
أبكي إذا غضبت حتى إذا رضيت ... بكيت عند الرضا خوفا من الغضب
فالويل إن رضيت والعول إن غضبت ... إن لم يتمّ الرضا فالقلب في تعب
الشعر لأبي العبر الهاشمي، أنشدنيه الأخفش وغيره من أصحابنا، وذكره له محمد بن داود بن الجرّاح، والغناء لعليّة بنت المهديّ ثاني ثقيل بالوسطى عن الهشاميّ.
__________
[1] في ف: «المأمون» بدل «الربيع».
[2] في هج: «في الحمام» بعد «و هم مخمورون».
20 - أخبار أبي العبر ونسبه
اسمه ونسبه:
هو أبو العباس محمد بن أحمد، ويلقب حمدونا الحامض بن عبد اللّه بن عبد الصمد بن علي بن عبد اللّه بن العباس [1] بن عبد المطلب وكان صالح الشعر مطبوعا يقول الشعر المستوي في أول عمره منذ أيام الأمين وهو غلام، إلى أن ولي/ المتوكل الخلافة، فترك الجدّ، وعاد إلى الحمق والشهرة به، وقد نيّف على الخمسين، ورأى أن شعره مع توسطه لا ينفق مع مشاهدته أبا تمام الطائيّ والبحتريّ وأبا السمط بن أبي حفصة ونظراءهم.
شاعر هازل:
حدّثني عم أبي عبد العزيز بن أحمد، قال:
سمعت حمدون الحامض يذكر أنه ابنه أبا العبر ولد بعد خمس سنين خلت من خلافة الرشيد، قال: وعمّر إلى خلافة المتوكل، وكسب بالحمق أضعاف ما كسبه كلّ شاعر كان في عصره بالجدّ، ونفق نفاقا عظيما، وكسب في أيام المتوكّل مالا جليلا، وله فيه أشعار حميدة، يمدحه بها، ويصف قصره وبرج الحمام والبركة [2] كثيرة المحالّ، مفرطة السقوط، لا معنى لذكرها، سيما وقد شهرت في الناس.
فحدّثني محمد بن أبي الأزهر، قال: حدّثني الزبير بن بكّار، قال: قال لي عمي: ويحك! ألا يأنف الخليفة لابن عمه هذا الجاهل مما قد شهّر به نفسه وفضح عشيرته! واللّه إنه لعرّ بني آدم جميعا، فضلا عن أهله والأدنين [3]! أفلا يردعه ويمنعه من سوء اختياره! فقلت: إنه ليس بجاهل كما تعتقد [4]، وإنما يتجاهل، وإن له لأدبا صالحا وشعرا طيّبا، ثم أنشدته:
/لا أقول اللّه يظلمني ... كيف أشكو غير متّهم!
وإذا ما الدّهر ضعضعني ... لم تجدني كافر النّعم
قنعت نفسي بما رزقت ... وتناهت في العلا هممي
ليس لي مال سوى كرمي ... وبه أمني من العدم
فقال لي: ويحك! فلم لا يلزم هذا وشبهه؟ فقلت له: واللّه يا عم لو رأيت ما يصل إليه بهذه الحماقات
__________
(1 - 1) تكملة من هج.
[2] يقتضي السياق زيادة كلمة «و أخرى» بعد قوله: «و البركة».
[3] في س، ب: «و الأدبيين».
[4] ف: «كما نقدر».
لعذرته، فإن ما استملحت له لم ينفق به، فقال عمي - وقد غضب - أنا لا أعذره في هذا ولو حاز به الدّنيا بأسرها، لا عذرني اللّه إن عذرته إذن!
الجد في الهزل لا في الجد:
وحدّثني مدرك بن محمد الشيباني، قال: حدّثني أبو العنبس الصيمري، قال:
قلت لأبي العبر ونحن في دار المتوكل: ويحك! أيش يحملك على هذا السّخف الذي قد ملأت به الأرض خطبا وشعرا [1] وأنت أديب ظريف مليح الشعر؟ فقال لي: يا كشخان، أتريد أن أكسد أنا وتنفق أنت؟ أنت أيضا شاعر فهم متكلّم فلم تركت العلم، وصنعت في الرقاعة نيّفا وثلاثين كتابا، أحبّ أن تخبرني لو نفق العقل أكنت تقدّم عليّ البحتري، وقد قال في الخليفة بالأمس:
عن أي ثغر تبتسم ... وبأيّ طرف تحتكم
فلما خرجت أنت عليه وقلت:
في أي سلح ترتطم ... وبأي كف تلتطم
أدخلت رأسك في الرّحم ... وعلمت أنك تنهزم
فأعطيت الجائزة وحرم، وقرّبت وأبعد، في حر أمّك وحر أمّ كل عاقل معك! فتركته، وانصرفت.
أردأ الشعر أوسطه:
قال مدرك: ثم قال لي أبو العنبس: قد بلغني أنك تقول الشعر، فإن قدرت أن تقوله جيّدا، جيّدا؟ وإلا فليكن باردا، باردا، مثل شعر أبي العبر وإياك والفاتر فإنه صفع كلّه.
مذهبان متناقضان:
حدّثني جعفر بن قدامة، قال: حدّثني أبو العيناء، قال: أنشدت أبا العبر:
/ما الحبّ إلا قبلة ... أو غمز كفّ وعضد
أو كتب فيها رقى ... أنفذ من نفث العقد
من لم يكن ذا حبّه ... فإنما يبغي الولد
ما الحبّ إلا هكذا ... إن نكح الحبّ فسد
فقال لي: كذب المأبون: وأكل من خراي رطلين وربعا بالميزان، فقد أخطأ وأساء، ألا قال كما قلت:
باض الحبّ في قلبي ... فوا ويلي إذا فرّخ
وما ينفعني حبّي ... إذا لم أكنس البربخ
وإن لم يطرح الأصل ... ع خرجيه على المطبخ
__________
[1] ف: «شعرا وقصصا وخطبا».
ثم قال: كيف ترى؟ قلت: عجبا من العجب، قال: ظننت أنك تقول: لا، فأبلّ يدي وأرفعها. ثم سكت، فبادرت، وانصرفت خوفا من شرّه.
أين يهبط عليه الوحي:
حدّثني عبد العزيز بن أحمد عم أبي، قال:
كان أبو العبر يجلس بسرّ من رأى في مجلس يجتمع عليه فيه المجّان يكتبون عنه، فكان يجلس على سلّم وبين يديه بلّاعة فيها ماء وحمأة، وقد سدّ مجراها، وبين يديه قصبة طويلة، وعلى رأسه خفّ، وفي رجليه قلنسيتان، ومستمليه في جوف بئر،/ وحوله ثلاثة نفر يدقّون بالهواوين، حتى تكثر الجلبة، ويقلّ السماع، ويصيح مستمليه من جوف البئر من يكتب [1]، عذّبك اللّه، ثم يملي عليهم، فإن ضحك أحد ممن حضر قاموا فصبّوا على رأسه من ماء البلّاعة إن كان وضيعا، وإن كان ذا مروءة رشّش عليه بالقصبة من مائها، ثم يحبس في الكنيف إلى أن ينفضّ المجلس، ولا يخرج منه حتى يغرم درهمين. قال: وكانت كنيته أبا العباس، فصيرها أبا العبر، ثم كان يزيد فيها في كل سنة حرفا، حتى مات، وهي أبو العبر طرد طيل طليري بك بك بك.
ماذا يصنع بالسمكة:
حدّثني جحظة، قال: رأيت أبا العبر بسرّ من رأى، وكان أبوه شيخا صالحا، وكان لا يكلّمه، فقال له بعض إخوانه: لم هجرت ابنك؟ قال: فضحني - كما تعلمون - بما يفعله بنفسه، ثم لا يرضى بذلك، حتى يهجّنني ويؤذيني، ويضحك الناس مني، فقالوا له: وأيّ شيء من ذاك؟ وبماذا هجّنك؟ قال: اجتاز عليّ منذ أيام ومعه سلّم، فقلت له: ولأيّ شيء هذا معك؟ فقال: لا أقول لك، فأخجلني، وأضحك بي كل من كان عندي، فلما أن كان بعد أيام اجتاز بي ومعه سمكة، فقلت له: إيش تعمل بهذه؟ فقال: أنيكها، فحلفت لا أكلمه أبدا.
مذهبه في الكتابة:
أخبرني عم أبي عبد العزيز، قال:
سمعت رجلا سأل أبا العبر عن هذه المحالات التي لا يتكلّم بها: أيّ شيء أصلها؟ قال: أبكّر، فأجلس على الجسر، ومعي دواة ودرج [2]، فأكتب كلّ شيء أسمعه من كلام الذاهب والجائي والملّاحين والمكارين، حتى أملأ الدّرج من الوجهين، ثم أقطعه عرضا وطولا وألصقه مخالفا، فيجيء منه كلام ليس في الدنيا أحمق منه.
مذهبه في الصيد:
أخبرني عمي [3]، قال: رأيت أبا العبر واقفا على بعض آجام سرّ من رأى، وبيده/ اليسرى قوس جلاهق [4]، وعلى يده اليمنى باشق، وعلى رأسه قطعة رئة في حبل مشدود بأنشوطة، وهو عريان، في أبره شعر مفتول مشدود
__________
[1] في ف: «من نسيت».
[2] الدرج: ما يكتب فيه.
[3] «عمي»: لعلها عم أبي.
[4] جلاهق: بندق يرمي به.
فيه شصّ قد ألقاه في الماء للسّمك، وعلى شفته دوشاب [1] ملطّخ، فقلت له:/ خرب بيتك، أيش هذا العمل؟
فقال: أصطاد يا كشخان يا أحمق بجميع جوارحي، إذا مرّ بي طائر رميته عن القوس، وإن سقط قريبا مني أرسلت إليه الباشق، والرئة التي على رأسي يجيء الحدأ ليأخذها فيقع في الوهق [2] والدّوشاب أصطاد به الذّباب، وأجعله في الشصّ، فيطلبه السمك، ويقع فيه، والشصّ في أيري، فإذا مرّت به السمكة أحسست بها، فأخرجتها.
عبث:
قال: وكان المتوكل يرمي به في المنجنيق إلى الماء، وعليه قميص حرير، فإذا علا في الهواء صاح: الطريق الطريق، ثم يقع في الماء، فتخرجه السّبّاح، قال: وكان المتوكل يجلسه على الزّلّاقة، فينحدر فيها، حتى يقع في البركة، ثم يطرح الشبكة، فيخرجه كما يخرج السمك، ففي ذلك يقول في بعض حماقاته:
ويأمر بي الملك ... فيطرحني في البرك
ويصطادني بالشّبك ... كأني من السّمك
ويضحك كك كك ككك ... ككك كك ككك كك ككك [3]
عبثه مع إسحاق:
وحدّثني جعفر بن قدامة، قال:
قدم أبو العبر بغداد في أيام المستعين، وجلس للناس، فبعث إسحاق بن إبراهيم، فأخذه، وحبسه، فصاح في الحبس، لي نصيحة، فأخرج، ودعا به إسحاق، فقال: هات نصيحتك، قال: على أن تؤمّنني؟ قال: نعم، قال:
الكشكية - أصلحك اللّه - / لا تطيب إلا بالكشك، فضحك إسحاق وقال: هو - فيما أرى - مجنون، فقال: لا، هو امتخط حوت [4]، قال: أيش هو امتخط حوت؟ ففهم ما قاله، وتبسم ثم قال: أظنّ أنّي فيك مأثوم، قال: لا، ولكنك في ماء بصل [5]، فقال: أخرجوه عني إلى لعنة اللّه، ولا يقيم ببغداد، فأردّه إلى الحبس، فعاد إلى سرّ من رأى.
من شعره في غلام:
وله أشعار ملاح في الجدّ، منها ما أنشدنيه الأحفش له يخاطب غلاما أمرد:
أيها الأمرد المولّع بال ... هجر أفق ما كذا سبيل الرشاد
فكأنّي بحسن وجهك قد ... ألبس في عارضيك ثوب حداد
وكأنّي بعاشقيك وقد بدّ ... لت فيهم من خلطة ببعاد
__________
[1] دوشاب: عصير عنب.
[2] الوهق: حبل يرمي به في أنشوطة فتؤخذ به الدابة أو الإنسان، وجمعه: أوهاق.
(3 - 3) زيادة في ف.
[4] قسم كلمة مجنون إلى كلمتين: جعل بدل «مج» «امتخط» وبدل «نون» «حوت».
[5] قسم كلمة مأثوم إلى قسمين «ماء»، «ثرم» وجعل بدلها «ماء بصل».
حين تنبو العيون عنك كما ... ينقبض السّمع عن حديث معاد
فاغتنم قبل أن تصير إلى كا ... ن وتضحي في جملة الأضداد
وأنشدني محمد بن داود بن الجرّاح له، وفيه رمل طنبوري محدث أظنّه لجحظة.
صوت
من غزله المستملح:
داء دفين وهوى بادي ... أظلم فجازيك بمرصاد
يا واحد الأمة في حسنه ... أشمت بي صدّك حسّادي [1]
قد كدت مما نال منّي الهوى ... أخفى على أعين عوّادي
عبدك يحيي موته قبلة ... تجعلها خاتمة الزّاد [2]
الحماقة أنفق:
أخبرني الحسن بن عليّ، قال: حدّثنا محمد بن القاسم بن مهرويه، قال: حدّثني أحمد بن عليّ الأنباري:
قال:
كنا يوما في مجلس يزيد بن محمد المهلّبي بسرّ من رأى، فجرى ذكر أبي العبر، فجعلوا يذكرون حماقاته وسقوطه، فقلت ليزيد: كيف كان عندك، فقد رأيته؟ فقال: ما كان إلّا أديبا فاضلا، ولكنه رأى الحماقة أنفق وأنفع له، فتحامق.
يهجو قاضيين أعورين:
فقلت له: أنشدك أبياتا له أنشدنيها،/ فانظر لو أراد دعبل - فإنه أهجى أهل زماننا - أن يقول في معناها ما قدر على أن يزيد على ما قال، قال: أنشدنيها، فأنشدته قوله:
رأيت من العجائب قاضيين ... هما أحدوثة في الخافقين
هما اقتسما العمي نصفين فذّا ... كما اقتسما قضاء الجانبين [3]
هما فأل الزمان بهلك يحيى ... إذا افتتح القضاء بأعورين [4]
وتحسب منهما من هزّ رأسا ... لينظر في مواريث ودين
كأنك قد جعلت عليه دنّا ... فتحت بزاله من فرد عين [5]
__________
[1] في ف «يا واحد العالم».
[2] في ف هج «نفسه» بدل «موته».
[3] فذا: فردا، وفي هج «قدا» بمعنى: مناصفة.
[4] في ف «افتتح» وفي س، ب: «فتح». والقاضيان - كما في هج - هما: حيان بن بشر، وسوار بن عبد اللّه، ولا هما يحيى بن أكثم ..
[5] البزال: موضع ثقب الدن والحديدة التي يفتح بها، وبزال ككتاب.
فجعل يضحك من قوله، ويعجب منه، ثم كتب الأبيات.
نصيحة:
أخبرني الحسن بن عليّ قال: حدّثنا محمد بن مهرويه: قال: حدّثني ابن أبي أحمد، قال: قال لي أبو العبر:
إذا حدّثك إنسان بحديث لا تشتهي أن تسمعه فاشتغل عنه بنتف إبطك، حتى يكون هو في عمل وأنت في عمل.
بغضه لعلي قتله:
وقال محمد بن داود: حدّثني أبو عبد اللّه الدوادي، قال:
كان أبو العبر شديد البغض لعليّ بن أبي طالب - صلوات اللّه عليه - وله في العلويين هجاء قبيح، وكان سبب ميتته أنه خرج إلى الكوفة ليرمي بالبندق مع الرماة من أهلها في آجامهم، فسمعه بعض الكوفيين يقول في علي - صلوات اللّه عليه - قولا قبيحا استحل به دمه، فقتله في بعض الآجام، وغرّقه فيها.
صوت [1]
لقد طال عهدي بالإمام محمد ... وما كنت أخشى أن يطول به عهدي
فأصبحت ذا بعد وداري قريبة ... فواعجبا من قرب داري ومن بعدي!
فيا ليت أنّ العيد لي عاد مرّة ... فإني رأيت العيد وجهك لي يبدي
أيتك في برد النبيّ محمد ... كبدر الدّحى بين العمامة والبرد
الشعر لمروان بن أبي حفصة الأصغر، والغناء لبنان خفيف رمل بالبنصر.
__________
[1] سبق هذا الصوت في الجزء الثاني عشر: 79 من «الأغاني» ط دار الكتب، 72 ط بيروت وجاءت بعده «أخبار مروان الأصغر» وهي غير الواردة هنا فيما عدا خبرين في روايتهما بعض اختلاف.
21 - أخبار مروان بن أبي حفصة الأصغر
كنيته:
هو مروان بن أبي الجنوب بن مروان الأكبر بن أبي حفصة. قد تقدّم خبره ونسبه، ويكنى مروان الأصغر أبا السّمط، وكان يتشبّه بجدّه في شعره، ويمدح المتوكل، ويتقرب إليه بهجاء آل أبي طالب، فتمكّن منه وقرب إليه [1]، وكسب معه مالا كثيرا، فلما أفضت الخلافة إلى المنتصر تجنّب مذهب أبيه في كل أمر، فطرده وحلف ألّا يدخل إليه أبدا لما كان يسمعه منه في أمير المؤمنين عليّ رضي اللّه عنه.
كان يتقرب إلى المتوكل بهجاء آل أبي طالب:
فأخبرني محمد بن عمران الصيرفي وعمّي قالا: حدّثنا الحسن بن عليل العنزيّ قال: حدّثني محمد بن عبد اللّه بن آدم العبديّ قال:
دخل مروان بن أبي الجنوب على المتوكل فأنشده قوله:
سلام على جمل وهيهات من جمل ... ويا حبّذا جمل وإن صرمت حبلي
وهي من مشهور شعره، وفيها يقول:
أبوكم عليّ كان أفضل منكم ... أباه ذوو الشورى وكانوا ذوي عدل
وساء رسول اللّه إذ ساء بنته ... بخطبته بنت اللعين أبي جهل
أراد على بنت النبيّ تزوّجا ... ببنت عدو اللّه، يا لك من فعل!
فذمّ رسول اللّه صهر أبيكم ... على منبر الإسلام بالمنطق الفصل [2]
وحكّم فيها حاكمين أبوكم ... هما خلعاه خلع ذي النّعل للنّعل
/ وقد باعها من بعده الحسن ابنه ... فقد أبطلا دعواكما الرّثّة الحبل
وخلّيتموها وهي في غير أهلها ... طالبتموها حيث صارت إلى الأهل
فوهب له المتوكل مائة ألف درهم.
وقال محمد بن داود بن الجرّاح [3]: حدّثني محمد بن القاسم قال: حدّثني أبو هاشم الجبّائي، قال:
دخل أبو السّمط على المتوكل فأنشده قوله:
__________
[1] هج: «فتمكن عنده وقرب منه».
[2] في «المختار»: «على منبر بالمنطق الصادق الفصل».
[3] هج: «محمد بن داود الجراح».
الصّهر ليس بوارث ... والبنت لا ترث الإمامه
لو كان حقكم لهم ... قامت على الناس القيامه
أصبحت بين محبّكم ... والمبغضين لكم علامه
فحشا المتوكّل فمه بجوهر لا يدرى ما قيمته.
وحدّثني أحمد بن جعفر جحظة قال: أنشد أبو السّمط المتوكل قوله:
إني نزلت بساحة المتوكل ... ونزلت في أقصى ديار الموصل
فقال الفتح بن خاقان: فإذا كانا متباعدين هكذا فمن كان الرسول؟
نقد أبو العنبس الصيمري شعرا له فتهاجرا:
فقال أبو العنبس الصيّمريّ: كانت له طيور هدّى [1] تحمل إليها كتبه، فضحك المتوكل حتى ضرب برجله الأرض وأجزل صلة الصّيمري ولم يعط أبا السّمط شيئا، فماتا متهاجرين [2].
مدح المتوكل وولاة عهده فوهبه مالا وثيابا:
أخبرني عمي والحسن بن علي قالا: حدّثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال:
حدّثنا حمّاد بن أحمد البنيّ قال: أخبرني أبو السّمط مروان بن أبي الجنوب قال:
لما صرت إلى المتوكل على اللّه ومدحته ومدحت ولاة العهود الثلاثة، وأنشدته ذلك في قولي:
سقى اللّه نجدا والسّلام على نجد ... ويا حبذا نجد على النّأي والبعد
نظرت إلى نجد وبغداد دونها ... لعليّ أرى نجدا وهيهات من نجد!
بلاد بها قوم هواهم زيارتي ... ولا شيء أشهى من زيارتهم عندي
بين المتوكل وخالد بن يزيد الكاتب:
فلما استتممتها [3] أمر لي بمائة ألف درهم وخمسين ثوبا من خاص ثيابه.
أخبرني عليّ بن أبي العباس بن أبي طلحة قال: حدّثني إبراهيم بن محمد أبو إسحاق قال:
حدّثني خالد بن يزيد الكاتب قال: دعاني المتوكل ليلة وقد غنّى بين يديه عمر الطنبوري في قولي:
يا مقلتيّ قتلتماني ... فبقيت رحمة من يراني
من ذا ألوم وأنتما ... بيد الهوى أسلمتماني
__________
[1] «الأغاني» 12: 86: «كان له حمام هدى» وجاء في الهامش: الحمام الهداء: ضرب من الحمام يدرب على السفر من مكان إلى مكان فيرسل من أمكنة بعيدة فيذهب إلى حيث يراد منه أن يذهب، الواحد هاد، والجمع: هدى وهداء.
[2] سبق الخبر في الجزء الثاني عشر: 86 مع اختلاف في الرواية.
[3] «المختار»: «فلما فرغت منها أمر لي بمائة عشرين ألف درهم، وخمسين ثوبا، وثلاثة من الظهر: فرس، وبغلة، وحمار»، وانظر «الأغاني» الجزء 12: 81 ط دار الكتب فللخبر بقية.
قال: ولم يغنّه البيت الثالث، وهو:
لعبت بنا أيدي الخطو ... ب وغالنا ريب الزمان
كراهة أن يتطيّر منه، فجعل ينظر إليّ وأنا واقف، ثم قال لي: ويلك يا خالد، تهرب منا ونحن نطلبك، وأنت في غيابات صبواتك وغزلك. يا غلام اسقه ثلاثة أقداح/ في القدح المبرم - وهو الذي لا قرار له، فإذا أخذه الإنسان لم يقدر أن يضعه من يده - فقلت:
سيدي لا تسقني ... أكثر من رطل نبيذ
إنّ شربي للّذي ... يؤلمني غير لذيذ
فقال: يا غلام، إن لم يشرب فاصفعه، فقلت:
سيدي حوصلتي ضيّ ... قة عن شرب رطل
فمتى زدت عليه ... خفت أن يذهب عقلي
فقال الفتح: هو كما قال يا سيّدي لا يطيق الشرب.
وحضر ابن أبي حفصة، فقال لنا المتوكل: قولا على البديهة، فقلت له:
هو يا سيدي شيخ الشعراء ومادحك، وآباؤه مدّاح آبائك، فأنشأ يقول:
يا ليت [لي] ألف عين ... عيناي لا تكفيان
فقلت له: سخنت عينك، أنا لي عين واحدة أدعو اللّه عليها بالعمى منذ ستين سنة، أقول:
يا عين أنت بليتني ... فأراحني الرحمن منك
وأنت تتمنى ألف عين. ثم قال لي المتوكل: اهجه، فقلت: إن الرجل لم يعرض لي، فأقبل هو عليّ وقال:
قل ما شئت، وما عسى أن تقول؟ فقلت:
زاد البرد يومين ... فقال الناس: ما القصّه!
فقلنا: أنشدونا شع ... ر مروان بن أبي حفصه
/ فتى من شهوة النّيك ... بحلقوم استه غصّه
ولو يرمى ببطّيخ ... لوافى دبره رصّه
قال: فضحك المتوكل حتى صفق [1] برجليه الأرض، وأفحم مروان، ثم أمر لي بجائزة فأخذتها وانصرفت.
يستدعيه المتوكل من اليمامة ويثيبه بعد أن مدحه:
قال ابن أبي طاهر: حدّثني مروان بن أبي الجنوب قال: لما استخلف المتوكل بعثت إلى ابن أبي دواد بقصيدة مدحته فيها وذكرت فيها ابن الزيات ببيتين وهما:
وقيل لي: الزيات لاقي حمامه ... فقلت: أتاني اللّه بالفتح والنصر
__________
[1] «المختار»: «حتى فحص برجليه الأرض».
لقد حفر الزيات بالبغي حفرة ... فألقاه فيها اللّه بالكفر والغدر
قال: فذكرني ابن أبي دواد للمتوكل، فأمر بإحضاري، فقيل له: نفاه الواثق إلى اليمامة، وذلك لميله إليك.
فقال: يحمل، فقال له ابن أبي دواد: عليه ستة آلاف دينار دين، فقال: يكتب له بها إلى عامل اليمامة، فكتب لي بها وبالحملان والمعونة، فقدمت عليه وأنشدته قولي:
صوت
رحل الشباب وليته لم يرحل ... والشيب حلّ وليته لم يحلل
فلما بلغت إلى هذا البيت:
كانت خلافة جعفر كنبوّة ... جاءت بلا طلب ولا بتمحّل
وهب الإله لك الخلافة مثل ما ... وهب النبوّة للنبيّ المرسل
فأمر لي بخمسين ألف درهم.
/ وفي أول هذه القصيدة لعريب ثاني ثقيل بالوسطى.
والصوت المذكور في أول هذه الأخبار من قصيدة قالها أبو السّمط في المنتصر لمّا ولي الخلافة.
يستأذن على المنتصر فلا يؤذن له:
أخبرني بخبره فيها جماعة من أصحابنا، منهم محمد بن جعفر النحويّ صهر المبرد، والحسن بن عليّ قالا:
حدّثنا محمد بن موسى قال: حدّثني القاسم بن محمد [1] الكاتب قال:
حدّثني المرزبان بن الفروران [2] حاجب المنتصر قال: إن مروان بن أبي حفصة الأصغر المكنى أبا السّمط استأذن على المنتصر لمّا ولي الخلافة، فقال: واللّه لا أذنت للكافر ابن الزّانية، أليس هو القائل:
وحكّم فيها حاكمين أبوكم ... هما خلعاه خلع ذي النّعل للنّعل
قولوا له: واللّه لا وصلت إليّ أبدا، فلما بلغه هذا القول عمل هذا الشّعر:
لقد طال عهدي بالإمام محمد ... وما كنت أخشى أن يطول به عهدي
وذكر الأبيات كلها.
قال: وسأل بنان بن عمرو، فصنع فيه لحنا وغنى به المنتصر، فلما سمعه سأل عن قائلها، فأخبرته، فقال:
أما الوصول إليّ فلا سبيل إليه، ولكن أعطوه عشرة آلاف درهم يتحمل بها إلى اليمامة.
__________
[1] هج: «القاسم بن أحمد الكاتب».
[2] هج: «المرزبان بن فيروزان».
حرضه المتوكل على علي بن الجهم فأعنته وهجاه:
أخبرني عليّ بن العباس بن أبي طلحة الكاتب قال: حدّثني جعفر بن هارون بن زياد قال: حدّثني أحمد بن الفضل الكاتب قال:
لما قال عليّ بن الجهم هذه القصيدة في المتوكل:
/اغتنم جدّة الزّمان الجديد ... واجعل المهرجان أيمن عيد
أنشدها وأبو السمط بن أبي حفصة حاضر، فغمزه المتوكل على عليّ بن الجهم وأمره أن يعنته. فقال له:
يا عليّ، أخبرني عن قولك:
واجعل المهرجان أيمن عيد
المهرجان عيد أم يوم لهو، إنما العيد ما تعبّد اللّه به الناس [1] مثل الفطر والأضحى والجمعة وأيام التشريق.
فأما المهرجان والنيروز فإنما هما أعياد المجوس [2]، لا يجوز أن يقال لخليفة اللّه في عباده وخليفة رسول اللّه في أمته: اجعل المهرجان عيدا.
فلم يلتفت إليه وأنشد حتى بلغ قوله [3]:
نحن أشياعكم من آل خراسا ... ن أولو قوّة وبأس شديد
نحن أبناء هذه الخرق السّو ... د وأهل التّشيّع المحمود
فقال له مروان: لو كنتم من أهل التّشيّع المحمود ما قتل قحطبة جدّك وصلبه في عداوة بني العباس. فقال له المتوكل: ويلك، أقتل قحطبة جدّك؟ قال: لا واللّه يا أمير المؤمنين. فأقبل على محمد بن عبد اللّه بن طاهر، فقال له: بحياتي الأمر كما قال مروان؟ فقال له محمد: وإن كان كما قال، فأيّ ذنب لعليّ بن الجهم؟ قد قتل اللّه أعداءكم وأبقى أولياءكم. فضحك المتوكل وقال: شهدت واللّه بها عليه، فقال مروان في ذلك:
غضب ابن الجهم من قولي له ... إنّ في الحق لقوم مغضبه
يا بن جهم كيف تهوى معشرا ... صلبوا جدّك فوق الخشبه؟
يا إمام العدل نصحي لكم ... نصح حقّ غير نصح الكذبه
إن جدّي من رفعتم ذكره ... بكرامات لشكري موجبه
وابن جهم من قتلتم جدّه ... وتولّى ذاك منه قحطبه
فخراسان رأت شيعتكم ... أنّه أهل لضرب الرّقبه [4]
__________
[1] ف: «أو يوم لهو، إنما العيد ما تعبد اللّه فيه الناس ... إلخ».
[2] «المختار»: «فإنهما من أعياد المجوس».
[3] «المختار»: «و مر في إنشاده حتى بلغ إلى قوله».
[4] هج، «المختار»: «بخراسان».
أتراه بعدها ينصحكم ... لا وربّ الكعبة المحتجبه [1]
هجا علي بن الجهم فلم يجبه:
أخبرني عليّ بن العباس بن أبي طلحة قال: حدّثني جعفر بن هارون قال: حدّثني أحمد بن حمدون بن إسماعيل قال:
بلغ المتوكل أنّ عليّ بن الجهم خطب امرأة من قريش فلم يزوّجوه، فسأل عن السبب في ذلك وعن قصته، وعن نسب سامة بن لؤي، فحدّث بها، ثم انتهى حديثهم بأنّ أبا بكر وعمر رضي اللّه عنهما لم يدخلاهم في قريش، وأن عثمان رضي اللّه عنه أدخلهم فيه، وأن عليّا رضي اللّه عنه أخرجهم منه، فارتدّوا مع الحارث، وأنه قتل من ارتد منهم، وسبى بقيتهم، وباعهم من مصقلة بن هبيرة. فضحك المتوكل، وبعث إلى عليّ بن الجهم فأخبره بما قال القوم فأنكر ذلك وقال. هذه الدعوى [2] من الرافضة، وشتم القوم. وكان منهم أبو السّمط فقال له:
إنّ جهما حين تنسبه ... ليس من عجم ولا عرب
لجّ في شتمي بلا سبب ... سارق للشّعر والنّسب
من أناس يدّعون أبا ... ما له في الأرض من عقب
/ فغضب عليّ بن الجهم ولم يجبه؛ لأنه كان يحتقره ويستركّه [3]، وأومأ إليه المتوكل أن يزيده فقال:
أ أنتم من قريش يا بن جهم ... وقد باعوكم في من يزيد
أترجو أن تكاثرنا جهارا ... بنسبتكم وقد بيع الجدود؟
قال: وما زال مروان يهجو عليّ بن الجهم فما أجابه عن شيء من شعره أنفة منه.
مدح أحمد بن أبي دواد فوصله:
أخبرني هاشم بن محمد الخزاعيّ قال: حدّثنا إسحاق بن محمد النخعيّ قال: حدّثني الجمّاز أبو عبد اللّه قال:
دخل مروان الأصغر على أحمد بن أبي دواد وقد أصابه الفالج وتماثل قليلا، فأنشده:
لسان أحمد سيف مسّه طبع ... من علّة فجلاه عنه جاليها [4]
ما ضرّ أحمد باقي علّة درست ... واللّه يذهب عنه رسم باقيها
قد كان موسى على علّات منطقه ... رسائل اللّه إذ جاءت يؤدّيها
موسى بن عمران لم ينقص نبوّته ... ضعف اللسان وقدما كان يمضيها [5]
فوصله أحمد رحمه اللّه تعالى واعتذر إليه.
__________
[1] هج «المختار»: «أتراه بعد ذا ينصحكم».
[2] هج: «هذه دعوة من الرافضة».
[3] يستركه: يستضعفه.
[4] الطبع: الصدأ.
[5] هج:
«لم ينقص فتوته»
رثى ذا اليمينين فوصله عبد اللّه بن طاهر:
أخبرني عمي قال: حدّثني متوّج قال: قال أبو السمط:
دخلت على عبد اللّه بن طاهر فقال: إني تذكرت في ليلتي هذه ذا اليمينين، فبت أرقا حزينا باكيا، فارثه في مقامك هذا بأبيات تجعل لي طريقا إلى شفاء علّتي ولك حكمك، ففكرت هنيهة ثم قلت:
/إنّ المكارم إذ تولّى طاهر ... قطع الزمان يمينها وشمالها
لو كافحته يد المنون مجاهرا ... لاقت لوقع سيوفه آجالها
أرسى عماد خليفة في هاشم ... ورمى عماد خلافة فأزالها [1]
بكت الأعنّة والأسنّة طاهرا ... ولطالما روّى النّجيع نهالها
ليت المنون تجانبت عن طاهر ... ولوت بذروة من تشاء حبالها [2]
ما كنت لو سلمت يمينا طاهر ... أدري ولا أسل الحوادث مالها
فقال: أحسنت واللّه فاحتكم، فقلت له: خمسون ألف درهم أقضي منها دينا [3]، وأصلح حالي، وأبتاع ضيعة تلاصق ضيعتي. فأمر لي بها وقال: ربحنا وخسرت، ولو لم تحتكم لزدتك، ولك عندنا عدّ وعدّ بعد عدّ.
صوت
لا تلمني أن أجزعا ... سيّدي قد تمنّعا
وابلائي [4] إن كان ما ... بيننا قد تقطّعا
إنّ موسى بفضله ... جمّع الفضل أجمعا
الشعر ليوسف بن الصّيقل والغناء لإبراهيم خفيف رمل بالبنصر.
__________
[1] هج:
«أرسى عماد خلافة في هاشم»
[2] هج:
«بحانفت عن طاهر»
[3] هج: «أقضي منها ديني».
[4] «المختار»: «و ابلياني».
22 - أخبار يوسف بن الحجاج ونسبه
اسمه ونسبه:
هو يوسف بن الحجّاج الصيقل، يقال: إنّه من ثقيف، ويقال: إنه مولى لهم، وذكر محمد بن داود بن الجرّاح أنه كان يلقب لقوة [1] وأنه كان يصحب أبا نواس، ويأخذ عنه، ويروي له، وأبوه الحجّاج بن يوسف محدث ثقة، وروى عنه جماعة من شيوخنا، منهم ابن منيع، والحسن بن الطيب الشجاع، وابن عفير الأنصاري، وكان يوسف بن الصيقل كاتبا، ومولده ومنشؤه بالكوفة.
قصة هذا الصوت:
أخبرني إسماعيل بن يونس الشيعيّ، عن ابن شبّة، قال: قال أحمد بن صالح الهشاميّ:
قال لنا يوسف بن الصيقل يوما، ورأى الشعراء بأيديهم الرّقاع يطوفون بها، فقال: صنع اللّه لكم، ثم أقبل على إبراهيم الموصليّ، فقال له: كنا نهزل، فنأخذ الرغائب، وهؤلاء المساكين الآن يجدّون، فلا يعطون شيئا، ثم قال لإبراهيم: أتذكر ونحن بجرجان مع موسى الهادي، وقد شرب على مستشرف عال جدّا وأنت تغنيه هذا الصوت:
واستدارت رحالهم ... بالرّدينيّ شرّعا
/ فقال: هذا لحن مليح، ولكني أريد له شعرا غير هذا، فإن هذا شعر بارد، والتفت إليّ فقال: اصنع في هذا الوزن شعرا، فقلت:
لا تلمني أن أجزعا ... سيّدي قد تمنّعا
فغنّيته فيه بذلك اللحن، ومرّت به إبل ينقل عليها، فقال أوقروها لهما مالا، فأوقرت مالا وحمل إلينا، فاقتسمناه، فقال إبراهيم: نعم، وأصاب كلّ واحد منا ستين ألف درهم.
نسبة هذا الصوت الذي غناه
صوت
فارس يضرب الكت ... يبة حتّى تصدّعا
في الوغى حين لا يرى ... صاحب القوس منزعا
واستدارت رحالهم ... بالرّدينيّ شرّعا
__________
[1] اللقوة: داء يعوج منه الوجه ويميل.
ثم ثارت عجاجة ... تحتها الموت منقعا
في هذه الأبيات رمل ينسب إلى ابن سريج وإلى سياط، وفيه لابن جامع خفيف رمل بالبنصر.
الهادي أم الرشيد؟
أخبرني الحسن بن عليّ، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد، عن محمد بن عبد اللّه العبديّ، فذكر مثل هذه القصة إلا أنه حكى أنها كانت بالرّقة، لا بجرجان، وأن الرشيد كان صاحبها لا موسى.
يفاجىء الرشيد بمدحه فيجيزه:
أخبرني الحسن بن عليّ العنزيّ، عن محمد بن يونس الربيعيّ، قال: حدّثني أبو سعيد الجنديسابوريّ، قال:
لما ورد الرشيد الرّقّة خرج يوسف بن الصيقل، وكمن له في نهر جافّ على طريقه، وكان لهارون خدم صغار يسميهم النّمل يتقدّمونه، بأيديهم قسيّ البندق، يرمون بها من يعارضه في طريقه، فلم يتحرك يوسف، حتى وافته قبّة هارون على ناقة، فوثب إليه يوسف، وأقبل الخدم الصغار يرمونه، فصاح بهم الرشيد: كفّوا عنه، فكفّوا، وصاح به يوسف يقول:
صوت
أغيثا تحمل النا ... قة أم تحمل هرونا
أم الشمس أم البدر ... أم الدّنيا أم الدّنيا
/ ألا كلّ الذي عدّد ... ت قد أصبح مقرونا
على مفرق هارون ... فداه الآدميّونا [1]
فمدّ الرشيد يده إليه، وقال له: مرحبا بك يا يوسف، كيف كنت بعدي؟ ادن مني، فدنا، وأمر له بفرس، فركبه، وسار إلى جانب قبته ينشده، ويحدّثه، والرشيد يضحك، وكان طيّب الحديث، ثم أمر له بمال، وأمر بأن يغنّى في الأبيات:
الغناء في هذه الأبيات لابن جامع خفيف رمل بالبنصر عن الهشامي:
نواسي المذهب:
وقال محمد بن داود: كان يوسف فاسقا مجاهرا باللّواط، وله فيه أشعار، فمنها قوله:
لا تبخلنّ على الندي ... م بردف ذي كشح هضيم
/ تعلو وينظر حسرة ... نظر الحمار إلى القضيم [2]
وإذا فرغت فلا تقم ... حتى تصوّت بالنّديم
__________
[1] في هج:
«هداه اللّه ميمونا»
بدل المصراع الثاني.
[2] القضيم: ما يقضم ويؤكل أو شعير الدّابة.
فإذا أجاب فقل هل ... مّ إلى شهادة ذي الغريم
واتبع للذّتك الهوى ... ودع الملامة للمليم
قال: وهذا الشعر يقوله لصديق له رآه قد علا غلاما له، فخاطبه به.
ومن مشهور قوله في هذا المعنى:
لا تنيكنّ ما حبيت ... غلاما مكابره
لا تمرّنّ باسته ... دون دفع المؤامره
/ إن هذا اللّواط دين ... تراه الأساوره [1]
وهم فيه منصفو ... ن بحسن المعاشره
ومن قوله في هذا المعنى أيضا هذه الأبيات:
ضع كذا صدرك لي يا سيدي ... واتّخذ عندي إلى الحشريدا
إنّما ردفك سرج مذهب ... كشف البزيون عنه فبدا [2]
فأعرنيه ولا تبخل به ... ليس يبليه ركوبي أبدا
بل يصفّيه ويجلوه ولا ... أثر ترآه فيه أبدا
فادن يا حبّ وطب نفسا به ... إنّ ذاك الدّين تقضاه غدا
لا يحب القيان:
أخبرني إسماعيل بن يونس، قال: حدّثني عمر بن شبّة عن أحمد بن صالح الهاشمي، قال:
هجا يوسف بن الصيقل القيان، فقال:
احذر فديتك ما حي ... يت حبائل المتشاكلات
فلهنّ يفلسن الفتى ... وكفى بهنّ مفلسات
ويل امرىء غرّ تجي ... ه رقاعهنّ مختّمات
ورقاعهنّ إليهم ... برقي القحاب مسطّرات [3]
وعلى القيادة رسله ... نّ إذا بعثن مدرّبات
يهدمن أكياس الغنيّ ... من المؤنة والهبات
حفر العلوج سواقيا ... للماء في الأرض الموات
__________
[1] الأساورة: قواد الفرس أو الجيد والرمي بالسهام. وفي «المختار»: «الأكاسرة».
[2] البزيون: السندس وهو رقيق الديباج.
[3] الروي في هذا البيت وما بعده قياسه الرفع، لذلك يحسن تسكين الروي في القصيدة كلها على أن البحر دخله التذييل لا الترفيل.
فيصير من إفلاسه ... ومن الندامة في سبات
قال: وشاعت هذه الأبيات وتهاداها الناس، وصارت عبثا بالقيان لكلّ أحد، فكانت المغنية إذا عثرت قالت: تعس يوسف!
الموالي يتعصبون له:
أخبرني الحسن بن عليّ، قال: أخبرني عيسى بن الحسن الآدمي: قال: حدّثني أحمد بن أبي فنن، قال: أحضر الرشيد عشرة آلاف دينار من ضرب السّنة ففرّقها، حتى بقيت منها ثلاثة آلاف دينار، فقال: ائتوني شاعرا أهبها له، فوجدوا منصورا النمريّ ببابه، فأدخل إليه، فأنشده، وكان قبيح الإنشاد، فقال له الرشيد: أعانك اللّه على نفسك، انصرف، فقال: يا أمير المؤمنين، قد دخلت إليك دخلتين، لم تعطني/ فيهما شيئا، وهذه الثالثة، وو اللّه لئن حرمتني لا رفعت رأسي بين الشعراء أبدا. فضحك الرشيد، وقال: خذها، فأخذها، ونظر الرشيد إلى الموالي ينظر بعضهم بعضا، فقال: كأني قد عرفت ما أردتم إنما أردتم: أن تكون هذه الدنانير ليوسف بن الصّيقل، وكان يوسف منقطعا إلى الموالي ينادمهم، ويمدحهم، فكانوا يتعصّبون له، فقالوا: إي واللّه يا أمير المؤمنين، فقال: هاتوا ثلاثة آلاف دينار، فأحضرت، فأقبل على يوسف. فقال: هات، أنشدنا، فأنشده يوسف:
تصدّت له يوم الرّصافة زينب
فقال له: كأنك امتدحتنا فيها، فقال: أجل، واللّه يا أمير المؤمنين فقال: أنت ممن يوثق بنيّته، ولا تتّهم موالاته، هات من ملحك، ودع المديح، فأنشده أقوله:
صوت
العفو يا غضبان ... ما هكذا الخلّان
هبني ابتليت بذنب ... أما له غفران؟
وإن تعاظم ذنب ... ففوقه الهجران
كم قد تقرّبت جهدي ... لو ينفع القربان
يا ربّ أنت على ما ... قد حلّ بي المستعان
ويلي ألست تراني ... أهذي بها يا فلان؟
فقال الرشيد: ومن فلان هذا ويلك؟ فقال له الفضل بن الربيع. هو أبان مولاك يا أمير المؤمنين، فقال له الرشيد: ولم لم تنشدني كما قلت يا نبطي؟ فقال: لأني غضبان عليه، قال: وما أغضبك؟ قال: مدّت دجلة، فهدمت داري وداره، فبنى داره، وعلّاها، حتى سترت الهواء عني، قال: لا جرم، ليعطينّك الماصّ بظر أمّه عشرة آلاف درهم، حتى تبنى بناء يعلو على بنائه، فتستر أنت الهواء عنه، ثم قال له: خذ في شعرك، فأنشده نحوا من هذا الشعر، فقال للفضل بن الربيع: يا عباسي، ليس هذا بشعر ما هو إلا لعب، أعطوه ثلاثة آلاف درهم مكان الثلاثة الآلاف الدينار، فانصرف الموالي إلى صالح الخازن، فقالوا له: أعطه ثلاثة آلاف دينار كما أمر له أولا، فقال: أستأمره، ثم أفعل، فقالوا له: أعطه إياها بضماننا، فإن أمضيت له وإلا كانت في أموالنا، فدفعها إليه بضمانهم،
فأمضيت له، فكان يوسف يقول بعد ذلك: كنا نلعب، فنأخذ مثل هذه الأموال، وأنتم تقتلون أنفسكم، فلا تأخذون شيئا!
صوت
هبّت قبيل تبلّج الفجر ... هند تقول ودمعها يجري
أنّي اعتراك وكنت في عهدي لا ... سرب الدموع وكنت ذا صبر [1]
الشعر لرجل من الشّراة يقال له: عمرو بن الحسن مولى بني تميم، يقوله في عبد اللّه بن يحيى الذي تسمّيه الخوارج طالب الحقّ، ومن قتل من أصحابه معه يرثيهم. والغناء لعبد اللّه بن أبي العلاء ثاني ثقيل بإطلاق الوتر في مجرى الوسطى عن الهشامي.
__________
[1] في بعض النسخ: «و كنت عهدي لا».
23 - خبر عبد اللّه بن يحيى وخروجه ومقتله
كان مجتهدا عابدا:
/ أخبرني بذلك الحسن بن عليّ الخفّاف، قال: حدّثنا أحمد بن الحارث الخرّاز عن المدائني عن محمد بن أبي محمد الخزامي، وخلّاد بن يزيد، وعبد اللّه بن مصعب، وعمرو بن هشام، وعبد اللّه بن محمد الثّقفيّ، ويعقوب بن داود الثقفيّ، وحريم بن أبي يحيى:
أن عبد اللّه بن يحيى الكندي أحد بني عمرو بن معاوية كان من حضر موت، وكان مجتهدا عابدا، وكان يقول قبل أن يخرج: لقيني رجل، فأطال النظر إليّ، وقال: ممّن أنت؟ فقلت: من كندة، فقال: من أيّهم؟ فقلت: من بني شيطان، قال: واللّه لتملكنّ، ولتبلغنّ خيلك وادي القرى [1]، وذلك بعد أن تذهب إحدى عينيك.
إلى حضرموت:
فذهبت أتخوّف ما قال، وأتسخير اللّه، فرأيت باليمن جورا ظاهرا، وعسفا شديدا، وسيرة في الناس قبيحة، فقال لأصحابه: ما يحلّ لنا المقام على ما نرى، ولا يسعنا الصبر عليه، وكتب إلى عبيدة بن مسلم بن أبي كريمة [2] الذي يقال له: كودين مولى بني تميم، وكان ينزل في الأزد، وإلى غيره من الإباضيّة بالبصرة يشاورهم في الخروج، فكتبوا إليه: إن استطعت ألا تقيم يوما واحدا فافعل، فإن المبادرة بالعمل الصالح أفضل، ولست تدري متى يأتي عليك أجلك؟ وللّه خيرة من عباده يبعثهم إذا شاء لنصرة دينه، ويخصّ بالشهادة منهم من يشاء. وشخص إليه أبو حمزة المختار بن عوف الأزدي أحد بني سلمة، وبلج بن عقبة السّقوري في رجال من الإباضية، فقدموا عليه حضر موت، فحثّوه على الخروج، وأتوه بكتب أصحابه: إذا خرجتم فلا تغلّوا، ولا تغدروا، واقتدوا بسلفكم الصالحين، وسيروا سيرتهم، فقد علمتم أن الّذي أخرجهم على السلطان العيث لأعمالهم./ فدعا أصحابه، فبايعوه، فقصدوا دار الإمارة، وعلى حضر موت إبراهيم بن جبلة بن مخرمة الكنديّ، فأخذوه، فحبسوه يوما، ثم أطلقوه، فأتى صنعاء، وأقام عبد اللّه بن يحيى بحضر موت، وكثر جمعه، وسمّوه «طالب الحق».
ثم إلى صنعاء:
فكتب إلى من كان من أصحابه بصنعاء: إني قادم عليكم، ثم استخلف على حضر موت عبد اللّه بن سعيد الحضرميّ، وتوجّه إلى صنعاء سنة تسع وعشرين ومائة في ألفين، وبلغ القاسم بن عمر أخا يوسف بن عمر - وهو عامل مروان بن محمد على صنعاء - مسير عبد اللّه بن يحيى، فاستخلف على صنعاء الضحّاك بن زمل، وخرج يريد
__________
[1] وادي القرى: واد بين المدينة واشأم من أعمال المدينة كثير القرى.
[2] ب: إلى أبي عبيدة ومسلمة بن أبي كريمة.
الإباضية في سلاح ظاهر وعدّة وجمع كثير، فعسكر على مسيرة يوم من أبين [1] وخلّف فيها الأثقال، وتقدّمت لتقاتله، فلقيه عبد اللّه بن يحيى بلحج - قرية من أبين - قريبا من الليل، فقال الناس للقاسم: أيها الأمير، لا تقاتل الخوارج ليلا، فأبى، وقاتلهم، فقتلوا من أصحابه بشرا كثيرا، وانهزموا ليلا، فمرّ بعسكره، فأمرهم بالرحيل، ومضى إلى صنعاء، فأقام يوما، ثم خرج فعسكر قريبا من صنعاء، وخندق وخلّف بصنعاء الضحاك بن زمل، فأقبل عبد اللّه بن يحيى، فنزل جوفين [2] على ميلين من عسكر القاسم، فوجّه القاسم يزيد بن الفيض في ثلاثة آلاف من أهل الشام وأهل اليمن، فكانت بينهم مناوشة ثم تحاجزوا، فرجع يزيد إلى القاسم، فاستأذنه في بياتهم، فأبى أن يأذن له، فقال يزيد: واللّه لئن لم تبيّتهم ليغمّنّك، فأبى أن يأذن له، وأقاموا يومين لا يلتقون، فلمّا كان في الليلة الثالثة أقبل عبد اللّه بن يحيى،/ فوافاه مع طلوع الفجر، فقاتلهم الناس على الخندق، فغلبتهم الخوارج عليه، ودخلوا عسكرهم، والقاسم يصلّي، فركب، وقاتلهم الصّلت بن يوسف، فقتل في المعركة، وقام يأمر الناس يزيد بن/ الفيض، فقاتلهم، حتى ارتفع النهار، ثم انهزم أهل صنعاء فأراد أبرهة بن الصبّاح اتّباعهم، فمنعه عبد اللّه بن يحيى، واتّبع يزيد بن الفيض القاسم بن عمر، فأخبره الخبر فقال القاسم:
ألا ليت شعري هل أذودنّ بالقنا ... وبالهندوانيّات قبل مماتي [3]
وهل أصبحنّ الحارثين كليهما ... بطعن وضرب يقطع اللهوات [4]
قال: ودخل عبد اللّه بن يحيى صنعاء، فأخذ الضّحاك بن زمل وإبراهيم بن جبلة بن مخرمة فحبسهما، وجمع الخزائن والأموال، فأحرزها، ثم أرسل إلى الضحاك وإبراهيم، فأرسلهما، وقال لهما: حبستكما خوفا عليكما من العامة، وليس عليكما مكروه، فأقيما إن شئتما أو اشخصا، فخرجا.
خطبته بعد فتح اليمن:
فلمّا استولى عبد اللّه بن يحيى على بلاد اليمن خطب الناس، فحمد اللّه جل وعزّ وأثنى عليه وصلّى على نبيه صلّى اللّه عليه وسلم، ووعظ، وذكّر، وحذّر، ثم قال: إنّا ندعوكم إلى كتاب اللّه تعالى وسنة نبيه وإجابة من دعا إليهما: الإسلام ديننا، ومحمد نبيّنا والكعبة قبلتنا، والقرآن إمامنا، رضينا بالحلال حلالا لا نبغي به بديلا، ولا نشتري به ثمنا قليلا، وحرّمنا الحرام، ونبذناه وراء ظهورنا، ولا حول ولا قوة إلا باللّه، وإلى اللّه المشتكى، وعليه المعوّل. من زنى فهو كافر، ومن سرق فهو كافر، ومن شرب الخمر فهو كافر، ومن شكّ في أنه كافر فهو كافر، ندعوكم إلى فرائض بيّنات، وآيات محكمات، وآثار مقتدى بها، ونشهد أن اللّه صادق فيما وعد؛ عدل فيما حكم/ وندعو إلى توحيد الربّ، واليقين بالوعيد والوعد، وأداء الفرائض، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والولاية لأهل ولاية اللّه،
__________
[1] أبين: مخلاف باليمن من قراء (حدن).
[2] ليس في «معجم البلدان» موضع في الجزيرة العربية بهذا الاسم، ولعله محرف عن «جوفين» وهي كما في «القاموس» قرية بالبحرين.
[3] كذا في ف وفي س، ب: «الفتى»، والبيتان في «معجم الشعراء» بالرواية الآتية:
ألا ليت شعري هل أدوسن بالقنا ... قبالة أو نجران قبل مماتي
وهل أصبحن الحارثين كليهما ... بسم زعاف يقطع اللهوات؟
[4] الحارثان في مرة: الحارث بن ظالم الحارث بن عوف، وفي باهلة: الحارث بن قتيبة، الحارث بن سهم بن عمرو، كما في «المخصص» 13/ 229.
والعداوة لأعداء اللّه. أيها الناس إنّ من رحمة اللّه أن جعل في كلّ فترة بقايا من أهل العلم يدعون من ضلّ إلى الهدى، ويصبرون على الألم في جنب اللّه تعالى، يقتلون على الحق في سالف الدهور شهداء، فما نسيهم ربّهم، «و ما كان ربّك نسيّا». أوصيكم بتقوى اللّه، وحسن القيام على ما وكلّكم اللّه بالقيام به، فأبلوا للّه بلاء حسنا في أمره وزجره [1]، أقول قولي هذا، وأستغفر اللّه لي ولكم.
يوجه أتباعه إلى مكة:
قالوا: وأقام عبد اللّه بن يحيى بصنعاء أشهرا، يحسن السّيرة فيهم ويلين جانبه لهم ويكفّ عن الناس، فكثر جمعه، وأتته الشّراة من كل جانب، فلما كان وقت الحجّ وجّه أبا حمزة المختار بن عوف، وبلج بن عقبة، وأبرهة بن الصّبّاح إلى مكة في تسعمائة، وقيل: بل في ألف ومائة، وأمره أن يقيم بمكة إذا صدر الناس، ويوجّه بلجا إلى الشأم، وأقبل المختار إلى مكة، فقدمها يوم التّروية، وعليها عبد الواحد بن سليمان بن عبد الملك، وأمه بنت عبد اللّه بن خالد بن أسيد، فكره قتالهم.
هدنة بين المختار وعبد الواحد:
وحدّثنا من هذا الموضع بخبر أبي حمزة محمد بن جرير الطّبري، قال: حدّثنا العباس بن عيسى العقيلي [2]، قال: حدّثنا هارون بن موسى العواري، قال: حدّثنا موسى بن كثير مولى الساعديّين، قال:
كان أول أمر أبي/ حمزة، وهو المختار بن عوف الأزدي ثم السّلميّ من أهل البصرة أنه كان يوافي في كلّ سنة يدعو إلى خلاف مروان بن محمد وآل مروان، فلم يزل يختلف كلّ سنة حتى وافى عبد اللّه بن يحيى في آخر سنة، وذلك سنة ثمان وعشرين ومائة، فقال له: يا رجل، إني أسمع كلاما حسنا، وأراك تدعو إلى حق، فانطلق معي، فإني رجل مطاع في قومي، فخرج به، حتى ورد حضر موت، فبايعه أبو حمزة على الخلافة، قال: وقد كان مرّ أبو حمزة بمعدن بني سليم، وكثير/ بن عبد اللّه عامل على المعدن، فسمع بعض كلامه، فأمر به فجلد أربعين سوطا، فلما ظهر أبو حمزة بمكة تغيّب كثير حتى كان من أمره ما كان، ثم رجع إلى موضعه، قال: فلما كان في العام المقبل تمام سنة تسع وعشرين لم يعلم الناس بعرفة إلا وقد طلعت أعلام عمائم سود خرّميّة [3] في رؤوس الرماح، وهم سبعمائة، هكذا قال: هذا.
وذكر المدائني أنهم كانوا تسعمائة أو ألفا ومائة، ففزع الناس منهم حين رأوّهم، وقالوا لهم: ما لكم؟ وما حالكم؟ فأخبروهم بخلافهم مروان وآل مروان والتبرّي منهم.
فراسلهم عبد الواحد بن سليمان، وهو يومئذ على المدينة ومكة والموسم، ودعاهم إلى الهدنة، فقالوا: نحن بحجّنا أضنّ وعليه أشحّ، فصالحهم على أنهم جميعا آمنون بعضهم من بعض، حتى ينفر الناس النّفر الأخير، وأصبحوا من غد، فوقفوا على حدة بعرفة، ودفع عبد الواحد بالناس، فلما كانوا بمنى قالوا لعبد الواحد: إنك قد
__________
[1] ف: «و ذكره».
[2] ف: «العجلي».
[3] في هج: «خرقية».
أخطأت فيهم، ولو حملت عليهم الحجّ ما كانوا إلا أكلة رأس [1]، فنزل أبو حمزة بقرن الثّعالب من منى، ونزل عبد الواحد منزل السلطان، فبعث عبد الواحد إلى أبي حمزة عبد اللّه بن حسن بن حسن بن عليّ، عليهم السّلام، ومحمد بن عبد اللّه بن عمرو بن عثمان، وعبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر وعبيد اللّه بن عمرو بن حفص العمري، وربيعة بن عبد الرحمن [2]، في رجال من أمثالهم، فلما دنوا من قرن الثعالب لقيتهم مسالح أبي حمزة، فأخذوهم، فدخل بهم على أبي حمزة، فوجدوه جالسا، وعليه إزار قطواني [3]، قد ربطه الحورة [4] في قفاه، فلما دنوا تقدّم إليه عبد اللّه بن حسن/ ومحمد بن عبد اللّه بن عمرو، فنسبهما، فلمّا انتسبا له عبس في وجهيهما وبسر، وأظهر الكراهة لهما.
ثم تقدم إليه بعدهما البكري والعمريّ فنسبهما، فلما انتسبا له هشّ إليهما، وتبسّم في وجوههما، وقال: واللّه ما خرجنا إلا لنسير بسيرة أبويكما، فقال له عبد اللّه بن حسن بن حسن: واللّه ما جئناك لتفاضل بين آبائنا، ولكن بعثنا إليك الأمير برسالة، وهذا ربيعة يخبركها، فلما ذكر ربيعة نقض العهد، قال بلج وإبراهيم - وكانا قائدين له - :
الساعة الساعة، فأقبل عليهما أبو حمزة، وقال: معاذ اللّه أن نقض العهد أو نخيس به، واللّه لا أفعل ولو قطعت رقبتي هذه، ولكن تنقضي هذه الهدنة بيننا وبينكم. فلما أبى عليهم خرجوا، فأبلغوا عبد الواحد.
المختار يدخل مكة:
فلما كان النّفر الأول نفر عبد الواحد، وخلّى مكة لأبي حمزة، فدخلها بغير قتال.
قال هارون: وأنشدني يعقوب بن طلحة الليثي أبياتا هجي بها عبد الواحد لشاعر لم نحفل به:
زار الحجيج عصابة قد خالفوا ... دين الإله ففرّ عبد الواحد
/ ترك الإمارة والحلائل هاربا ... ومضى يخبّط كالبعير الشارد
لو كان والده تخيّر أمّه ... لصفت خلائقه [5] بعرق الوالد
[6] ترك القتال وما به من علّة ... ألا الوهون وعرفة من خالد [6]
ثم مضى عبد الواحد حتى دخل المدينة، فدعا بالدّيوان، وضرب على الناس البعث، وزادهم في العطاء عشرة عشرة.
انتصاره في قديد:
قال هارون: أخبرني بذلك أبو ضمرة أنس بن عياض أنه كان فيمن اكتتب، قال: ثم محوت اسمي.
/ قال هارون: وحدّثني غير واحد من أصحابنا أن عبد الواحد استعمل عبد العزيز بن عبد اللّه بن عمرو بن
__________
[1] مثل يضرب للقلة.
[2] في هج: «ربيعة بن عبد الواحد».
[3] نسبة إلى قطوان: موضع بالكوفة تتخذ منه الأكسية.
[4] لعل المراد منه: القصارون الذين يحورون الثياب.
[5] المختار: «خلا لمه».
(6 - 6) تكملة من ف.
عثمان على الناس، فخرجوا، فلما كانوا بالحرّة لقيتهم جزر منحورة، فمضوا، فلما كانوا بالعقيق تعلق لواؤهم بسمرة، فانكسر الرمح، وتشاءم الناس بالخروج، ثم ساروا، حتى نزلوا قديدا [1]، فنزلوها ليلا؛ وكانت قرية قديد من ناحية القصر والمنبر اليوم، وكانت الحياض هناك، فنزل قوم مغترّون ليسوا بأصحاب حرب، فلم يرعهم إلا القوم قد خرجوا عليهم من الفصل، فزعم بعض الناس أن خزاعة دلّت أبا حمزة على عورتهم؛ وأدخلوهم عليهم، فقتلوهم، وكانت المقتلة على قريش، وهم كانوا أكثر الناس، وفيهم كانت الشوكة، فأصيب منهم عدد كثير.
اليمانيون يشمتون بقريش:
قال العباس: قال هارون: فأخبرني بعض أصحابنا:
أنّ رجلا من قريش نظر إلى رجل من أهل اليمن يقول: الحمد للّه الذي أقرّ عيني بمقتل قريش، فقال له ابنه:
الحمد للّه الذي أذلّهم بأيدينا، فما كانت قريش تظنّ أن من نزل على عمان من الأزد عربيّ، قال: وكان هذان الرجلان مع أهل المدينة، فقال القرشي لابنه: يا بني، هلمّ نبدأ بهذين الرجلين، قال: نعم يا أبت، فحملا عليهما، فقتلاهما، ثم قال لابنه: أي بنيّ تقدّم، فقاتلا. حتى قتلا.
وقال المدائني: القرشي كان عمارة بن حمزة بن مصعب بن الزبير، والمتكلّم بالكلام مع ابنه رجل من الأنصار. قال: ثم ورد فلّال [2] الجيش المدينة، وبكى الناس قتلاهم، فكانت المرأة تقيم على حميمها النّواح، فلا تزال المرأة يأتيها الخبر بمقتل حميمها، فتنصرف، حتى ما يبقى عندها امرأة، فأنشدني أبو حمزة [3] هذه الأبيات في قتلى قديد الذين أصيبوا من قومه لبعض أصحابه [4]:
/يا لهف نفسي ولهف غير نافعة ... على فوارس بالبطحاء أنجاد
عمرو وعمرو وعبد اللّه بينهما ... وابناهما خامس والحارث السادي [5]
جيش من الأغمار يحارب الخوارج:
قال المدائني في خبره: كتب عبد الواحد بن سليمان إلى مروان يعتذر من إخراجه عن مكة، فكتب مروان إلى عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز - وهو عامله على المدينة - يأمره بتوجيه الجيش إلى مكة، فوجّه ثمانية آلاف رجل من قريش والأنصار والتجار، أغمار [6] لا علم لهم بالحرب، فخرجوا في الصبّغات والثياب الناعمة واللهو، لا يظنّون أن للخوارج شوكة ولا يشكون أنهم في أيديهم.
__________
[1] قديد: موضع قرب المدينة.
[2] فلال: كرمان جمع فل وهم المنهزمون في الجيش ويجمع فل أيضا على فلول.
[3] ف: «أبو ضمرة».
[4] ف: «لبعض أصحابهم».
[5] السادس قلبت السين الأخيرة ياء قلبا غير مطرد.
[6] في س، ب «أغبياء» ومعنى أغمار: أنهم غير مجوبين.
يبيع جلد الدب قبل صيده:
وقال رجل من قريش: لو شاء أهل الطائف لكفونا أمر هؤلاء، ولكنهم داهنوا في أمر اللّه تعالى، واللّه إن ظفرنا لنسيرنّ إلى أهل الطائف، فلنسبينّهم، ثم قال: من يشتري مني سبي أهل الطائف؟ فلما انهزم الناس رجع ذلك الرجل القائل: من يشتري منّي سبي أهل الطائف في أول المنهزمين، فدخل منزله،/ وأراد أن يقول لجاريته:
أغلقي الباب، فقال لها: غاق باق دهشا، ولم تفهم الجارية قوله، حتى أومأ إليها بيده، فأغلقت الباب، فلقّبه أهل المدينة بعد ذلك «غاق باق».
أموي وقريشي:
قال: وكان عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز يعرض الجيش بذي الحليفة، فمرّ به أميّة بن عنبسة بن سعيد بن العاص، فرحّب به، وضحك إليه، ومرّ به عمارة بن حمزة بن مصعب بن الزبير، فلم يكلّمه، ولم يلتفت إليه، فقال له عمران بن عبد اللّه بن مطيع - وكان ابن خالته، أمّا هما ابنتا عبد اللّه بن خالد بن أسيد - : سبحان اللّه! مر بك شيخ من شيوخ قريش، فلم تنظر إليه، ولم تكلّمه، ومرّ بك غلام من بني أمية، فضحكت إليه ولاطفته! أما واللّه لو قد التقى الجمعان لعلمت أيّهما أصبر؟ قال: فكان أمية بن/ عنبسة أوّل من انهزم، ونكّب فرسه ومضى، وقال لغلامه:
يا مجيب، أما واللّه لئن أحزرت [1] نفسي هذه الأكلب من الشّراة إني لعاجز. وقاتل يومئذ عمارة بن حمزة بن مصعب، حتى قتل، وتمثّل:
وإني إذا ضنّ الأمير بإذنه ... على الأذن من نفسي إذا شئت قادر
والشعر للأغرّ بن حمّاد اليشكري.
أبو حمزة يحمس أصحابه:
قال: ولما بلغ أبا حمزة إقبال أهل المدينة إليه استخلف على مكة إبراهيم [2] بن الصبّاح، وشخص إليهم، وعلى مقدمته بلج بن عقبة، فلما كان في الليلة التي وافاهم في صبيحتها - وأهل المدينة نزول بقديد - قال لأصحابه: إنكم لاقو قومكم غدا، وأميرهم - فيما بلغني - ابن عثمان أول من خالف سيرة الخلفاء، وبدّل سنة رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلم - وقد وضح الصبح لذي عينين، فأكثروا ذكر اللّه تعالى، وتلاوة القرآن، ووطّنوا أنفسكم على الصّبر. وصبّحهم غداة الخميس لتسع أو لسبع خلون من صفر سنة ثلاثين ومائة، فقال عبد العزيز لغلامه: أبغنا علفا قال: هو غال، قال: ويحك! البواكي علينا غدا أغلى.
رسول أبي حمزة إلى أهل المدينة:
وأرسل إليهم أبو حمزة بلج بن عقبة؛ ليدعوهم، فأتاهم في ثلاثين راكبا، فذكّرهم اللّه؛ وسألهم أن يكفّوا عنهم؛ وقال [3] لهم: خلّوا لنا سبيلنا؛ لنسير إلى من ظلمكم؛ وجار في الحكم عليكم؛ ولا تجعلوا حدّنا بكم؛ فإنا لا نريد قتالكم؛ فشتمهم أهل المدينة، وقالوا: يا أعداء اللّه، أنحن نخلّيكم وندعكم تفسدون في الأرض! فقالت
__________
[1] ب: «أجزرت».
[2] في هج: «أبرهة».
[3] وفي س، ب: «قالوا».
الخوارج: يا أعداء اللّه، أنحن نفسد في الأرض! إنما خرجنا لنكفّ أهل الفساد، ونقاتل من قاتلنا واستأثر بالفيء فانظروا لأنفسكم، واخلعوا من لم يجعل اللّه له طاعة، فإنه/ لا طاعة لمن عصى اللّه، وادخلوا في السّلم، وعاونوا أهل الحقّ، فقال له [1] عبد العزيز: ما تقول في عثمان؟ قال: قد برىء المسلمون منه قبلي، وأنا متّبع آثارهم، ومقتد بهم، قال: فارجع إلى أصحابك، فليس بيننا وبينهم إلا السيف.
الآن حلت لكم دماؤهم:
فرجع إلى أبي حمزة، فأخبره، فقال: كفّوا عنهم، ولا تقاتلوهم. حتى يبدءوكم بالقتال، فواقفوهم، ولم يقاتلوهم. فرمى رجل من أهل المدينة في عسكر أبي حمزة بسهم، فجرح رجلا، فقال أبو حمزة: شأنكم الآن بهم، فقد حلّ قتالهم: فحملوا عليهم، وثبت بعضهم لبعض، وراية قريش مع إبراهيم بن عبد اللّه بن مطيع.
ثم انكشف أهل المدينة، فلم يتبعوهم، وكان على مجنّبتهم ضمير بن صخر بن أبي الجهم بن حذيفة، فكرّ وكرّ الناس معه، فقاتلوا قليلا، ثم انهزموا، فلم يبعدوا. حتى كرّوا ثالثة، وقاتلهم أبو حمزة، فهزمهم هزيمة/ لم تبق منهم باقية، فقال له عليّ بن الحصين: أتبع القوم، أو دعني أتبعهم، فأقبل المدبر، وأذفّف [2] على الجريح، فإن هؤلاء أشرّ علينا من أهل الشأم، فلو قد جاءوك غدا لرأيت من هؤلاء ما تكره، فقال: لا أفعل، ولا أخالف سيرة أسلافنا. وأخذ جماعة منهم أسراء، فأراد إطلاقهم، فمنعه عليّ بن الحصين، وقال له: إنّ لأهل كلّ زمان سيرة، وهؤلاء لم يؤسروا وهم هرّاب، وإنما أسروا وهم يقاتلون، ولو قتلوا في ذلك الوقت لم يحرم قتلهم، وكذلك الآن قتلهم حلال، فدعا بهم، فكان إذا رأى رجلا من قريش قتله، وإذا رأى رجلا من الأنصار أطلقه، فأتي بمحمد بن عبد اللّه بن عمرو بن عثمان، فنسبه. فقال: أنا رجل من الأنصار، فسأل الأنصار عنه، فشهدوا له، فأطلقه، فلما ولّى قال: واللّه إني لأعلم أنه قرشيّ وما حذاوه [3] هذا حذاوة أنصاريّ، ولكن قد أطلقته./ قال: وبلغت قتلى قديد ألفين ومائتين وثلاثين رجلا، منهم من قريش أربعمائة وخمسون رجلا، ومن الأنصار ثمانون، ومن القبائل والموالي ألف وسبعمائة، قال: وكان في قتلى قريش من بني أسد بن عبد العزّى أربعون رجلا، وقتل يومئذ أمية بن عبد اللّه بن عمرو بن عثمان، خرج يومئذ مقنّعا، فما كلّم أحدا، وقاتل حتى قتل، وقتل يومئذ سميّ مولى أبي بكر الذي يروي عنه مالك بن أنس، ودخل بلج المدينة بغير حرب، فدخلوا في طاعته، وكف عنهم، ورجع أبو حمزة إلى مكة، وكان على شرطته أبو بكر بن عبد اللّه بن عمرو من آل سراقة من بني عديّ، فكان أهل المدينة يقولون: لعن اللّه السّراقيّ، ولعن بلجا العراقي.
نائحة المدينة تبكي قتلى قديد:
وقالت نائحة أهل المدينة تبكيهم:
ما للزمان وماليه ... أفنت قديد رجاليه
فلأبكينّ سريرة ... ولأبكينّ علانيه
__________
[1] ضمير «له» يعود على بلج بن عتبة، وإن لم يتقدم ذكره.
[2] أذفف: أجهز.
[3] حذاوة: شبه.
ولأبكينّ إذا خلو ... ت مع الكلاب العاويه
ولأثنينّ على قدي ... د بسوء ما أبلانيه
في هذه الأبيات هزج قديم يشبه أن يكون لطويس أو بعض طبقته.
عمرو بن الحسن يذكر وقعة قديد:
وقال عمرو بن الحسن [1] الكوفيّ مولى بني تميم يذكر وقعة قديد وأمر مكة ودخولهم إياها، وأنشدنيها الأخفش عن السّكريّ والأحول وثعلب لعمر وهذا، وكان يستجيدها ويفضّلها:
ما بال همّك ليس عنك بعازب ... يمري سوابق دمعك المتساكب
وتبيت تكتلىء النجوم بمقلة ... عبري تسرّ بكلّ نجم دائب
/ حذر المنية أن تجيء بداهة ... لم أقض من تبع الشّراة مآربي
فأقود فيهم للعدا شنج النّسا ... عبل الشّوى أسوان ضمر الحالب [2]
متحدّرا كالسيّد أخلص لونه ... ماء الحسيك مع الحلال اللاتب [3]
أرمي به من جمع قومي معشرا ... بورا إلى جبريّة ومعايب [4]
في فتية صبر ألفّهم به ... لفّ القداح يد المفيض الضارب [5]
فندور نحن وهم وفيما بيننا ... كأس المنون تقول: هل من شارب؟
/ فنظلّ نسقيهم ونشرب من قنا ... سمر ومرهفة النّصول قواضب
بينا كذلك نحن جالت طعنة ... نجلاء بين رها وبين ترائب [6]
جوفاء منهرة ترى تامورها ... ظبتا سنان كالشّهاب الثاقب [7]
أهوي لها شقّ الشّمال كأنني ... حفض لقى تحت العجاج العاصب
يا رب أوحيها ولا تتعلّقن ... نفسي المنون لدى أكفّ قرائب [8]
كم من أولى مقة صحبتهم شروا ... فخذلتهم ولبئس فعل الصاحب
متأوّهين كأنّ في أجوافهم ... نارا تسعّرها أكفّ حواطب
__________
[1] في «معجم الشعراء»: «عمرو بن الحسن»، وفي هج: «عمرو بن الحصين الأباضي الكوفي».
[2] فرس شنج النسا: صفة مدح، أي لم تسترخ رجلاه، وكذلك عبل الشوى: ضخم الأطراف وفي ف: «أشران» بدل «أسوان».
[3] ف «اللاعب»، وفي هج «كالسيف» بدل «كالسيد» واللاتب: اللّاصق.
[4] «معشرا بورا»: هلكى، وفي ف: «حورا».
[5] في ف:
«أكفهم به كف»
[6] بين رها وبين ترائب: الفتح بين الرجلين.
[7] منهرة: موسعة، التأمور والتامور: هنا الوعاء.
[8] في ف: «أوحبها» وفي ف: «أقاربي».
تلقاهم فتراهم من راكع ... أو ساجد متضرّع أو ناحب
/ يتلو قوارع تمتري عبراته ... فيجودها مري المريّ الحالب
سير الجائفة الأمور أطبّة ... للصّدع ذي النبأ الجليل مدائب [1]
ومبرّئين من المعايب أحرزوا ... خصل المكارم أتقياء أطايب
عرّوا صوارم للجلاد وباشروا ... حدّ الظباة بأنف وحواجب
ناطوا أمورهم بأمر أخ لهم ... فرمى بهم قحم الطريق اللاحب [2]
متربلي حلق الحديد كأنهم ... أسد على لحق البطون سلاهب [3]
قيدت من أعلى حضرموت فلم تزل ... تنفي عداها جانبا عن جانب
تحمي أعنّتها وتحوي نهبها ... للّه أكرم فتية وأسائب [4]
حتى وردن حياض مكة قطّنا ... يحكين واردة اليمام القارب [5]
ما إن أتين على أحي حبرية ... إلا تركنهم كأمر الذاهب
في كلّ معترك لها من هامهم ... فلق وأيد علّقت بمناكب
سائل بيوم قديد عن وقعاتها ... تخبرك عن وقعاتها بعجائب
عطية أبي حمزة في أهل المدينة:
وقال هارون بن موسى في رواية محمد بن جرير الطبري عن العباس بن عيسى عنه:
/ ثم دخل أبو حمزة المدينة سنة ثلاثين ومائة، ومضى عبد الواحد بن سليمان إلى الشأم، فرقي [6] المنبر، فحمد اللّه، وأثنى عليه. وقال:
يا أهل المدينة، سألناكم عن ولاتكم هؤلاء، فأسأتم - لعمر اللّه - فيهم القول، وسألناكم: هل يقتلون بالظّن؟
فقلتم: نعم، وسألناكم: هل يستحلّون المال الحرام والفرج الحرام؟ فقلتم: نعم، فقلنا لكم: تعالوا نحن وأنتم، فنناشدهم اللّه أن يتنحّوا عنّا وعنكم، ليختار المسلمون لأنفسهم؛ فقلتم: لا تفعلون، فقلنا لكم: تعالوا نحن وأنتم نلقاهم، فإن نظهر نحن وأنتم نأت بمن يقيم فينا كتاب اللّه وسنة نبيه، وإن نظفر نعمل في أحكامكم، وتحملكم على سنة نبيكم، ونقسم فيئكم بينكم، فإن أبيتم [7]، وقاتلتمونا دونهم، فقاتلناكم، فأبعدكم اللّه، وأسحقكم يا أهل
__________
[1] في ف وهج: «للخطب» بدل «للصدع».
[2] فحم الطريق: مصاعبه، واللاحب: الواسع، وفي ف: «لقم الطرة».
[3] السلهب من الخيل. ما طابت عظامه.
[4] في ف:
«تخرز نهيها»
[5] القارب: الطالب للماء ليلا.
[6] ضمير «رقى» يعود على حمزة، لا على سليمان.
[7] ف: «فأبيم» بدل «فإن أبيتم».
المدينة، مررت بكم في زمن الأحول هشام بن عبد الملك، وقد أصابتكم عاهة في ثماركم فركبتم إليه تسألونه أن يضع خراجكم عنكم، فكتب بوضعها عنكم، فزاد الغنيّ غنى، وزاد الفقير فقرا، فقلتم: جراكم للّه خيرا، فلا جراه اللّه خيرا،/ ولا جزاكم.
خطبة أخرى جامعة مانعة:
قال هارون: وأخبرني يحيى بن زكريا: أن أبا حمزة خطب بهذه الخطبة: رقي المنبر، فحمد اللّه، وأثنى عليه، وقال: أتعلمون يا أهل المدينة، أنّا لم نخرج من ديارنا وأموالنا أشرا ولا بطرا ولا عبثا ولا لهوا، ولا لدولة ملك نريد أن نخوض فيه، ولا ثأر قديم نيل منا، ولكنّا لمّا رأينا مصابيح الحقّ قد عطّلت، وعنّف القائل بالحق، وقتل القائم بالقسط، ضاقت علينا الأرض بما رحبت، وسمعنا داعيا يدعو إلى طاعة الرحمن وحكم القرآن، فأجبنا داعي اللّه (وَمَنْ لا يُجِبْ داعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ)
[1] فأقبلنا من قبائل شتّى، النفر منا على بعير واحد، عليه زادهم وأنفسهم، يتعاورون لحافا/ واحدا، قليلون مستضعفون في الأرض، فآوانا اللّه، وأيّدنا بنصره، وأصبحنا - واللّه - بنعمته إخوانا، ثم لقينا رجالكم بقديد، فدعونا إلى طاعة الرحمن، وحكم القرآن ودعونا إلى طاعة الشيطان، وحكم مروان، وآل مروان، شتّان - لعمر اللّه - ما بين الغيّ والرّشد، ثم أقبلوا يهرعون، ويزفّون، قد ضرب الشيطان فيهم بجرانه، وغلت بدمائهم مراجله، وصدق عليهم ظنّه، وأقبل أنصار اللّه عصائب وكتائب بكل مهنّد ذي رونق، فدارت رحانا واستدارت رحاهم، بضرب يرتاب منه المبطلون. وأنتم يا أهل المدينة، إن تنصروا مروان وآل مروان يسحتكم اللّه بعذاب من عنده أو بأيدينا ويشف صدور قوم مؤمنين، يا أهل المدينة: إن أوّلكم خير أوّل، وآخركم شرّ آخر، يا أهل المدينة، الناس منا ونحن منهم إلا مشركا عابد وثن، أو كافرا من أهل الكتاب، أو إماما جائرا، يا أهل المدينة، من زعم أن اللّه تعالى كلّف نفسا فوق طاقتها، أو سألها عمّا لم يؤتها فهو للّه عدوّ، ولنا حرب. يا أهل المدينة، أخبروني عن ثمانية أسهم فرضها اللّه تعالى في كتابه على القويّ للضّعيف فجاء التاسع، وليس له منها ولا سهم واحد، فأخذ جميعها [2] نفسه مكابرا محاربا لربّه، ما تقولون فيه وفيمن عاونه على فعله؟
يا أهل المدينة، بلغني أنكم تنتقصون أصحابي، قلتم: هم شباب أحداث، وأعراب جفاة، ويحكم يا أهل المدينة! وهل كان أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم، إلا شبابا أحداثا! شباب واللّه مكتهلون في شبابهم، غضيضة عن الشرّ أعينهم، ثقيلة عن الباطل أقدامهم، قد باعوا أنفسا تموت غدا بأنفس لا تموت أبدا، قد خلطوا كلالهم بكلالهم، وقيام ليلهم بصيام نهارهم، منحنية أصلابهم على أجزاء القرآن، كلّما مروا بآية خوف شهقوا خوفا من النار؛ وإذا مروا بآية شوق شهقوا شوقا إلى الجنة، فلما نظروا إلى السيوف قد أنضيت؛ وإلى الرماح قد أشرعت وإلى السهام قد فوّقت؛/ وأرعدت الكتيبة بصواعق الموت استخفّوا وعيد الكتيبة عند وعيد اللّه، ولم يستخفّوا وعيد اللّه عند وعيد الكتيبة؛ فطوبى لهم وحسن مآب! فكم من عين في منقار طائر طالما بكى بها صاحبها من خشية اللّه، وكم من يد قد أبينت عن ساعدها طالما اعتمد عليها صاحبها راكعا وساجدا. أقول قولي هذا، وأستغفر اللّه من تقصيرنا، وما توفيقي إلا باللّه عليه توكلت وإليه أنيب.
__________
[1] الأحقاف: 32.
[2] كذا في ف وفي س، ب: «جميعهما».
مرتكب الكبيرة كافر:
قال هارون: وحدّثني جدّي أبو علقمة، قال: سمعت أبا حمزة على منبر النبي صلّى اللّه عليه وسلم يقول:/ «من زنى فهو كافر»، ومن سرق فهو كافر، ومن شك أنه كافر فهو كافر:
برح الخفاء فأين مابك يذهب
خطبة أخرى ضافية له في أهل المدينة:
قال هارون: قال جدّي: كان أبو حمزة قد أحسن السيرة في أهل المدينة، حتى استمال الناس، وسمع بعضهم كلامه في قوله: من زنى فهو كافر، قال هارون: قال جدي:
وسمعت أبا حمزة يخطب بالمدينة، فحمد اللّه وأثنى عليه، ثم قال: يا أهل المدينة؛ مالي رأيت رسم الدين فيكم عافيا [1]، وآثاره دارسة! لا تقبلون عليه عظة، ولا تفقهون من أهله حجّة، قد بليت فيكم جدّته، وانطمست عنكم سنّته، ترون معروفه منكرا، والمنكر من غير معروفا، إذا انكشفت لكم العبر، وأوضحت لكم النّذر، عميت عنها أبصاركم، وصمّت عنها أسماعكم، ساهين في غمرة، لاهين في غفلة، تنبسط قلوبكم للباطل إذا نشر، وتنقبض عن الحق إذا ذكر، مستوحشة من العلم، مستأنسة بالجهل، كلما وقعت عليها موعظة زادتها عن الحق نفورا، تحملون منها في صدوركم كالحجارة أو أشدّ قسوة من الحجارة، أو لم تلن لكتاب اللّه الذي لو أنزل على جبل لرأيته خاشعا متصدّعا من خشية اللّه! يا أهل المدينة، ما تغني عنكم صحّة أبدانكم/ إذا سقمت قلوبكم إن اللّه قد جعل لكل شيء غالبا يقاد له، ويطيع أمره، وجعل القلوب غالبة على الأبدان، فإذا مالت القلوب ميلا كانت الأبدان لها تبعا، وإنّ القلوب لا تلين لأهلها إلا بصحّتها، ولا يصحّحها إلا المعرفة باللّه، وقوّة النّية، ونفاذ البصيرة. ولو استشعرت تقوى اللّه قلوبكم لاستعملت بطاعة اللّه أبدانكم. يا أهل المدينة، داركم دار الهجرة، ومثوى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم، لمّا نبت به داره، وضاق به قراره، وآذاه الأعداء، وتجّهمت له، فنقله إلى قوم - لعمري لم يكونوا أمثالكم - متوازرين مع الحقّ على الباطل، ومختارين للآجل على العاجل، يصبرون للضّرّاء رجاء ثوابها، فنصروا اللّه، وجاهدوا في سبيله، وآووا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم، ونصروه، واتّبعوا النور الذي أنزل معه، وآثروا اللّه على أنفسهم ولو كانت بهم خصاصة، قال اللّه تعالى لهم ولأمثالهم ولمن اهتدى بهداهم: (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) *
[2] وأنتم أبناؤهم، ومن بقي من خلفهم، تتركون أن تقتدوا بهم، أو تأخذوا بسنّتهم، عمي القلوب، صمّ الآذان، اتّبعتم الهوى، فأرداكم عن الهدى وأسهاكم، فلا مواعظ القرآن تزجركم فتزدجروا، ولا تعظكم فتعتبروا، ولا توقظكم فتستيقظوا، لبئس الخلف أنتم! من قوم مضوا قبلكم، ما سرتم بسيرتهم، ولا حفظتم وصيتهم، ولا احتذيتم مثالهم، لو شقت عنم قبورهم، فعرضت عليهم أعمالكم لعجبوا كيف صرف العذاب عنكم. قال: ثم لعن أقواما.
ثم خطبة رابعة رائعة:
قال هارون: وحدّثني داود بن عبد اللّه بن أبي الكرام، وأخرج إليّ خط بن فضالة النحوي بهذا الخبر:
__________
[1] س، ب: «باقيا».
[2] الحشر: 9.
أنا أبا حمزة بلغه أن أهل المدينة يعيبون أصحابه لحداثة أسنانهم، وخفّة أحلامهم، فبلغه ذلك عنهم؛ فصعد المنبر؛ وعليه كساء غليظ؛ وهو متنكّب قوسا عربية فحمد اللّه، وأثنى عليه وصلّى على نبيه صلّى اللّه عليه وسلم وآله، ثم قال: يا أهل المدينة، قد بلغتني مقالتكم في أصحابي، ولو لا معرفتي بضعف رأيكم/ وقلّة عقولكم لأحسنت أدبكم، ويحكم! / إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم أنزل عليه الكتاب، وبيّن له فيه السّنن، وشرع له فيه الشرائع، وبيّن له فيه ما يأتي وما يذر، فلم يكن يتقدّم إلا بأمر اللّه، ولا يحجم إلا عن أمر اللّه، حتى قبضه اللّه إليه - صلّى اللّه عليه وسلم - وقد أدّى الذي عليه، لم يدعكم من أمركم في شبهة، ثم قام من بعده أبو بكر؛ فأخذ بسنّته، وقاتل أهل الرّدّة؛ وشمّر في أمر اللّه؛ حتى قبضه اللّه إليه والأمة عنه راضون، رحمة اللّه عليه ومغفرته؛ ثم ولي بعده عمر؛ فأخذ بسنة صاحبيه، وجنّد الأجناد؛ ومصّر الأمصار؛ وجبي الفي ء؛ فقسّمه بين أهله؛ فقسّمه بين أهله؛ وشمّر عن ساقه، وحسر عن ذراعه، وضرب في الخمر ثمانين، وقام في شهر رمضان، وغزا العدوّ في بلادهم؛ وفتح المدائن والحصون؛ حتى قبضه اللّه إليه والأمة عنه راضون، رحمة اللّه عليه ورضوانه ومغفرته، ثم ولي من بعده عثمان بن عفان فعمل في ستّ سنين بسنّة صاحبيه؛ ثم أحدث أحداثا أبطل آخر منها أولا، واضطرب حبل الدين بعدها، فطلبها كلّ امرىء لنفسه، وأسرّ كلّ رجل منهم سريرة أبداها اللّه عنه؛ حتى مضوا على ذلك، ثم ولي عليّ بن أبي طالب، فلم يبلغ من الحق قصدا؛ ولم يرفع له منارا ومضى؛ ثم ولي معاوية بن أبي سفيان لعين رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم وابن لعينه، وحلف من الأعراب، وبقية من الأحزاب، مؤلّف طليق، فسفك الدم الحرام، واتّخذ عباد اللّه حولا، ومال اللّه دولا، وبغى دينه عوجا ودغلا [1]، وأحلّ الفرج الحرام، وعمل بما يشتهيه؛ حتى مضى لسبيله، فعل اللّه به وفعل، ثم ولى بعده ابنه يزيد: يزيد الخمور، ويزيد الصّقور، ويزيد الفهود، ويزيد الصّيود، ويزيد القرود، فخالف القرآن، واتّبع الكهّان، ونادم القرد، وعمل بما يشتهيه حتى مضى على ذلك لعنه اللّه، وفعل به وفعل، ثم ولي مروان بن الحكم طريد لعين رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلم/ وآله - وابن لعينه؛ فاسق في بطنه وفرجه، فالعنوه والعنوا آباءه. ثم تداولها بنو مروان بعده؛ أهل بيت اللعنة، طرداء رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلم - وقوم من الطلقاء ليسوا من المهاجرين والأنصار ولا التابعين لهم بإحسان، فأكلوا مال اللّه أكلا، ولعبوا بدين اللّه لعبا، واتّخذوا عباد اللّه عبيدا، يورّث ذلك الأكبر منهم الأصغر. فيا لها أمة، ما أضيعها وأضعفها! والحمد للّه ربّ العالمين، ثم مضوا على ذلك من أعمالهم واستخفافهم بكتاب اللّه تعالى؛ قد نبذوه وراء ظهورهم، لعنهم اللّه؛ فالعنوهم كما يستحقّون؛ وقد ولي منهم عمر بن عبد العزيز؛ فبلغ؛ ولم يكد؛ وعجز عن الذي أظهره، حتى مضى لسبيله - ولم يذكره بخير ولا شرّ [2] - ثم ولي يزيد بن عبد الملك، غلام ضعيف سفيه غير مأمون على شيء من أمور المسلمين، لم يبلغ أشدّه، ولم يؤانس رشده، وقد قال اللّه عزّ وجلّ: (فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ)
[3] فأمر أمة محمد في أحكامها وفروجها ودمائهم أعظم من ذلك كلّه، وإن كان ذلك عند اللّه عظيما، مأبون في بطنه وفرجه، يشرب الحرام، ويأكل الحرام، ويلبس الحرام، ويلبس بردتين قد حيكتا له، وقوّمتا على أهلهما بألف دينار وأكثر وأقلّ، قد أخذت من غير حلّها وصرفت في غير وجهها، بعد أن ضربت فيها الأبشار [4]، وحلقت فيها الأشعار، واستحلّ ما لم يحلّ اللّه/ لعبد صالح، ولا لنبي مرسل، ثم يجلس
__________
[1] دغلا: فسادا.
[2] ما بين القوسين من كلام المؤلف.
[3] النساء: 6.
[4] الأبشار: جمع بشرة أي الجلود.
حبابة عن يمينه، وسلامة عن شماله تعنّيانه بمزامير الشّيطان، ويشرب الخمر الصّراح المحرمة نصّا بعينها، حتى إذا أخذت مأخذها فيه، وخالطت روحه ولحمه ودمه، وغلبت سورتها على عقله مزّق حلّتيه [1]، ثم التفت إليهما فقال: أتأذنان لي أن أطير؟ نعم، فطر إلى النار، إلى لعنة اللّه وناره حيث لا يردّك اللّه.
ثم ذكر بني أمية وأعمالهم وسيرهم فقال: أصابوا إمرة ضائعة وقوما طغاما جهّالا، لا يقومون للّه بحق، ولا يفرّقون بين الضلالة والهدى، ويرون أن بني أمية/ أرباب لهم، فملكوا الأمر، وتسلّطوا فيه تسّلط ربوبية، بطشهم بطش الجبابرة، يحكمون بالهوى، ويقتلون على الغضب، ويأخذون بالظنّ، ويعطّلون الحدود بالشفاعات، ويؤمّنون الخونة ويقصون ذوي الأمانة، ويأخذون الصدقة في غير وقتها على غير فرضها، ويضعونها في غير موضعها، فتلك الفرقة الحاكمة بغير ما أنزل اللّه، فالعنوهم، لعنهم اللّه! وأما إخواننا من هذه الشيعة فليسوا بإخواننا في الدين، لكن سمعت اللّه عزّ وجلّ قال في كتابه: (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا)
[2] شيعة ظاهرت بكتاب اللّه، وأعلنت الفرية على اللّه لا يرجعون إلى نظر نافذ في القرآن، ولا عقل بالغ في الفقه، ولا تفتيش عن حقيقة الصّواب، قد قلّدوا أمرهم أهواءهم، وجعلوا دينهم عصبيّة لحزب لزموه، وأطاعوه في جميع ما يقوله لهم، غيّا كان أو رشدا، أو ضلالة أو هدى، ينتظرون الدّول في رجعة الموتى، ويؤمنون بالبعث قبل الساعة، ويدّعون علم الغيب لمخلوق [3]، لا يعلم أحدهم ما في داخل بيته، بل لا يعلم ما ينطوي عليه ثوبه أو يحويه جسمه، ينقمون المعاصي على أهلها، ويعلمون إذا ظهروا بها، ولا يعرفون المخرج منها، جفاة في الدين، قليلة عقولهم، قد قلّدوا أهل بيت من العرب دينهم، وزعموا أن موالاتهم لهم تغنيهم عن الأعمال الصالحة، وتنجيهم من عقاب الأعمال السيئة (قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) *
[4] فأيّ هؤلاء الفرق يا أهل المدينة تتبعون؟ أو بأيّ مذاهبهم تقتدون؟ وقد بلغني مقالتكم في أصحابي، وما عبتموه من حداثة أسنانهم، ويحكم! وهل كان أصحاب رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلم وآله - المذكورون في الخير إلا أحداثا شبابا؟ شباب واللّه مكتهلون في شبابهم، غضيضة عن الشرّ أعينهم، ثقيلة عن الباطل أرجلهم، أنضاء عبادة [5] قد/ نظر اللّه إليهم في جوف الليل منحنية أصلابهم على أجزاء القرآن، كلما مرّ أحدهم بآية من ذكر اللّه [6] بكى شوقا، وكلما مرّ بآية من ذكر اللّه شهق خوفا، كأن زفير جهنم بين أذنيه، قد أكلت الأرض جباههم وركبهم، ووصلوا كلال الليل بكلال النهار مصفرّة ألوانهم، ناحلة أجسامهم من طول القيام وكثرة الصيام، أنضاء عبادة، موفون لعهد اللّه، منتجزون لوعد اللّه، قد شروا أنفسهم، حتى إذا التقت الكتيبتان وأبرقت سيوفها وفوّقت [7] سهامها، وأشرعت رماحها لقوا شبا الأسنّة، وشائك السهام، وظباة السيوف بنحورهم ووجوههم وصدورهم، فمضى الشابّ منهم قدما حتى اختلفت رجلاه على عنق فرسه، واختضبت محاسن وجهه بالدماء،/ وعفّر جبينه بالثّرى، وانحطّت عليه الطير
__________
[1] ف: «حلته».
[2] الحجرات: 13.
[3] ف: «لمخلوقين».
[4] التوبة: 30.
[5] أنضاء: جمع نضو، وهو في الأصل البعير المهزول من السفر، والمراد أن العبادة هزلتهم فأنحفتهم.
[6] ف: «من ذكر الجنة».
[7] ركبت في الفرق وهو موضع السهم من الوتر، والمراد الإعداد للحرب.
من السماء، وتمزقته سباع الأرض، فكم من عين في منقار طائر، طالما بكى بها صاحبها في جوف الليل من خوف اللّه! وكم من وجه رقيق وجبين عتيق قد فلق بعمد الحديد. ثم بكى وقال: آه آه على فراق الإخوان! رحمة اللّه على تلك الأبدان، وأدخل اللّه أرواحهم الجنان.
مروان يغزوهم بجيش يقوده ابن عطية:
قال هارون: بلغني أنه بايعه بالمدينة ناس منهم إنسان هذليّ، وإنسان سراقي وسكسب [1] الذي كان معلم النحو، ثم خرج، وخلّف بالمدينة بعض أصحابه، فسار حتى نزل الوادي، وكان مروان قد بعث ابن عطية.
قال هارون: حدّثني أبو يحيى الزّهري أن مروان انتخب من عسكره أربعة آلاف استعمل عليهم ابن عطية، فأمره بالجدّ في السير، وأعطى كلّ رجل من أصحابه مائة دينار، وفرسا عربيّا، وبغلا لثقله، وأمره أن يمضي، فيقاتلهم.
يتيامنون بغلام:
وقال المدائني: بعث عبد الملك بن عطية السعدي، أحد بني سعد بن بكر في أربعة آلاف، معه فرسان من أهل الشأم ووجوههم، منهم شعيب البارقي، ورومي بن عامر/ المرّي، وقيل: بل هو كلابيّ، وفيهم ألف من أهل الجزيرة، وشرطوا على مروان أنهم إذا قتلوا عبد اللّه بن يحيى وأصحابه، رجعوا إلى الجزيرة، ولم يقيموا بالحجاز، فأجابهم إلى ذلك؛ قالوا: فخرج؛ حتى إذا نزل بالمعلّى. فكان رجل من أهل المدينة يقال له: العلاء بن أفلح مولى أبي الغيث يقول:
لقيني وأنا غلام في ذلك اليوم رجل من أصحاب ابن عطية؛ فسألني: ما اسمك يا غلام؟ فقلت: العلاء، فقال: ابن من؟ فقلت: ابن أفلح، قال: أعرابيّ أم مولى؟ قلت: بل مولى، قال: مولى من؟ قلت: مولى أبي الغيث، قال: فأين نحن؟ قلت: بالمعلّى، قال: فأين نحن غدا؟ قلت: بغالب، قال: فما كلّمني، حتى أردفني خلفه، ثم مضى بي، حتى أدخلني على ابن عطية، فقال: سل هذا الغلام: ما اسمه؟ فسألني، فرددت عليه القول الذي قلت، فسرّ بذلك؛ ووهب لي دراهم.
أبو صخر الهذلي يستبشر بابن عطية:
وقال أبو صخر الهذليّ حين بلغه قدوم ابن عطية:
قل للذين استضعفوا لا تعجلوا ... أتاكم النصر وجيش جحفل
عشرون ألفا كلّهم مسربل ... يقدمهم جلد القوى مستبسل
دونكم ذا يمن فأقبلوا ... وواجهوا القوم ولا تستخجلوا [2]
عبد المليك القلّبيّ الحوّل ... أقسم لا يفلى ولا يرجّل
__________
[1] في ف: وسكب الذي كان معلم نحو، وسيأتي أنه بشكست في ص 248 من هذا الجزء.
[2] في س، ب: «ذا يمين» بدل «ذا يمن».
حتى يبيد الأعور المضلّل ... ويقتل الصّباح والمفضّل
الأعور عبد اللّه بن يحيى رئيسهم.
ابن عطية ينتصر على بلج:
قال المدائني عن رجاله: وبعث أبو حمزة بلج بن عقبة في ستمائة رجل ليقاتل عبد الملك بن عطية، فلقيه بوادي القرى لأيام خلت من جمادي الأولى سنة ثلاثين ومائة فتواقفوا، ودعاهم بلج إلى الكتاب والسنة، وذكر بني أمية وظلمهم، فشتمهم أهل/ الشام، وقالوا: أنتم يا أعداء اللّه أحقّ بهذا ممن ذكرتم وقلتم، فحمل عليهم بلج وأصحابه، فانكشف طائفة من أهل الشام، وثبت ابن عطية في [1] عصبة صبروا معه، ونادى يا أهل الشام يا أهل [1] الحفاظ ناضلوا عن دينكم وأميركم، فكرّوا، وصبروا صبرا حسنا، وقاتلوا قتالا شديدا، فقتل بلج وأكثر أصحابه، وانحازت قطعة من أصحابه نحو المائة إلى جبل اعتصموا به، فقاتلهم ابن عطية ثلاثة/ أيام فقتل منهم سبعين رجلا ونجا ثلاثون، فرجعوا إلى أبي حمزة، ونصب ابن عطية رأس بلج على رمح، قال: واغتمّ الذين رجعوا إلى أبي حمزة من وادي القرى إلى المدينة، وهم الثلاثون، ورجعوا وجزعوا من انهزامهم، وقالوا: ما فررنا من الزّحف، فقال لهم أبو حمزة: لا تجزعوا، فأنا لكم فئة وإليّ انصرفتم.
أهل المدينة ينقضون على الخوارج:
قال المدائني: وخرج أبو حمزة من المدينة إلى مكة، واستخلف رجلا يقال له: المفضّل عليها، فدعا عمر بن عبد الرحمن بن أسيد بن عبد الرحمن بن يزيد بن الخطاب الناس إلى قتالهم، فلم يجد كبير أمر؛ لأن القتل قد كان شاع في الناس، وخرج وجوه أهل البلد عنه؛ فاجتمع إلى عمر البربر والزّنج وأهل السوق والعبيد، فقاتل بهم الشّراة؛ فقتل المفضّل وعامّة أصحابه؛ وهرب الباقون؛ فلم يبق في المدينة منهم أحد؛ فقال في ذلك سهيل أبو البيضاء مولى زينب بنت الحكم بن العاصى:
ليت مروان رآنا ... يوم الاثنين عشيّه
إذ غسلنا العار عنّا ... وانتضينا المشرفيّه
قال: فلما قدم ابن عطية المدينة أتاه عمر بن عبد الرحمن بن أسيد؛ فقال له: أصلحك اللّه! إنّي جمعت قضّي وقضيضي [2]؛ فقاتلت هؤلاء؛ فقتلنا من امتنع من الخروج عن المدينة وأخرجنا الباقين، فلقيه أهل المدينة بقضّهم وقضيضهم.
مصرع أبي حمزة وزوجته:
قال: وأقام ابن عطية بالمدينة شهرا؛ وأبو حمزة مقيم بمكة؛ ثم توجّه إليه فقال له عليّ بن حصين العنبريّ:
إني قد كنت أشرت عليك يوم قديد وقبله أن تقتل هؤلاء الأسرى كلهم، فلم تفعل، وعرّفتك أنهم سيغدرون فلم تقبل؛ حتى قتلوا المفضّل وأصحابنا المقيمين بالمدينة؛ وأنا أشير عليك اليوم أن تضع السيف في هؤلاء؛ فإنهم كفرة
__________
[1] ما بين الرقمين زيادة في ف.
[2] مثل يضرب للجمع بين الصغير والكبير.
فجرة؛ ولو قدم عليك ابن عطية لكانوا أشدّ عليك منه؛ فقال: لا أرى ذلك؛ لأنهم قد دخلوا في الطاعة؛ وأقروا بالحكم؛ ووجب لهم حقّ الولاية؛ قال: إنهم سيغدرون؛ فقال: أبعدهم اللّه، (فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ)
[1]. قال: وقدم عبد الملك بن عطية مكة، فصيّر أصحابه فرقتين، ولقي الخوارج من وجهين؛ فصيّر طائفة بالأبطح؛ وصار هو في الطائفة الأخرى بإزاء أبي حمزة؛ فصار أبو حمزة أسفل مكة؛ وصيّر أبرهة بن الصّباح بالأبطح في ثمانين فارسا، فقاتلهم أبرهة؛ فانهزم أهل الشأم إلى عقبة مني؛ فوقفوا عليها؛ ثم كرّوا؛ وقاتلهم؛ فقتل أبرهة: كمن له هبّار القرشيّ؛ وهو على جبل دمشق عند بئر ميمون؛ فقتله؛ وتفرق الخوارج؛ وتبعهم أهل الشأم يقتلونهم؛ حتى دخلوا المسجد، والتقى أبو حمزة وابن عطية بأسفل مكة؛ فخرج أهل مكة مع ابن عطية؛ فقتل أبو حمزة على فم الشّعب وقتلت معه امرأته؛ وهي ترتجز وتقول:
أنا الجعيداء وبنت الأعلم ... من سال عن اسمي فاسمي مريم
بعت سواريّ بسيف مخذم [2]
صلب أبي حمزة وأبرهة:
قال: وتفرّقت الخوارج فأسر أهل الشام منهم أربعمائة؛ فدعا بهم ابن عطية؛ فقال: ويلكم! ما دعاكم إلى الخروج مع هذا؟ قالوا: ضمن لنا الكنّة: يريدون الجنّة، وهي لغتهم، فقتلهم، وصلب أبا حمزة وأبرهة بن الصبّاح ورجلين من أصحابهم على فم/ الشّعب؛ شعب/ الخيف، ودخل علي بن الحصين دارا من دور قريش، فأحدق أهل الشام بالدار فأحرقوها، فلما رأى ذلك رمى بنفسه من الدار، فقاتلهم وأسر فقتل، وصلب مع أبي حمزة، ولم يزالوا مصلّبين حتى أفضى الأمر إلى بني العباس، وحجّ مهلهل الهجيميّ في خلافة أبي العباس، فأنزل أبا حمزة ليلا، فدفنه، ودفن خشبته.
مصرع مخنثين:
قال المدائني: وكان بمكة مخنثّان، يقال لأحدهما: سبكت، وللآخر: صقرة [3]، فكان صقرة يرجف بأهل الشام، وكان سبكت يرجف بالإباضية، فعرف الخوارج أمرهما، فوجهوا إلى سبكت، فأخذوه فقتلوه، فقال صقرة:
يا ويله هو واللّه أيضا مقتول، وإنما كنت أنا وسبكت نتكايد ونتكاذب، فقتلوه، وغدا يجيء أهل الشام، فيقتلونني، فلما دخل ابن عطية مكة عرف خبرهما، فأخذ صقرة، فقتله.
مذهب ابن عطية:
وقال هارون في خبره: أخبرني عبد الملك بن الماجشون، قال:
لما التقى أبو حمزة وابن عطية قال أبو حمزة: لا تقاتلوهم حتى تختبروهم فصاح بهم: ما تقولون في القرآن والعمل به؟ فصاح ابن عطية: نضمه في جوف الجوالق [4]، قال: فما تقولون في مال اليتيم؟ قال: نأكل ماله؛
__________
[1] الفتح: 10.
[2] مخذم: قاطع.
[3] ف: «يقال لأحدهما سبكت وللآخر صعترة».
[4] الجوالق - بضم الجيم وكسرها وفتح اللام وكسرها: الوعاء وجمعه جوالق والمراد به (الشوال).
ونفجر بأمّه، [ثم أجاب] [1] في أشياء بلغني أنه سأله عنها؛ فلما سمعوا كلامهم قاتلوهم؛ حتى أمسوا؛ فصاحت الشّراة: ويحك، يابن عطية! إن اللّه - جل وعز - قد جعل الليل سكنا؛ فاسكن ونسكن؛ فأبى وقاتلهم؛ حتى قتلهم جميعا.
أهل المدينة يجهزون على من بقي منهم:
قال هارون: أخبرني موسى بن كثير أن أبا حمزة خطب أهل المدينة؛ وودّعهم؛ ليخرج إلى الحرب؛ فقال:
يا أهل المدينة؛ إنا خارجون لحرب مروان؛ فإن نظهر/ نعدل في أحكامكم؛ ونحملكم على سنّة نبيكم، ونقسم بينكم، وإن يكن ما تمنّون لنا فسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون، قال: ووثب الناس على أصحابه حين جاءهم قتله، فقتلوهم، فكان بشكست ممن قتلوا، طلبوه فرقي في درجة كانت في دار أذينة، فلحقوه فأنزلوه منها، وهو يصيح: يا عباد اللّه، فيم تقتلونني؟
قال: وأنشدني بعض أصحابنا:
لقد كان بشكست عبد العزيز ... من أهل القراءة والمسجد
فبعدا لبشكست عبد العزيز ... وأمّا القرآن فلا يبعد
سحقا للشاري والشامي معا:
قال هارون: وأخبرني بعض أصحابنا أنه رأى رجلا واقفا على سطح يرمي بالحجارة فقيل: ويلك! أتدري من ترمي مع اختلاط الناس؟ قال: واللّه ما أبالي من رميت؟ إنما هو شام وشار، واللّه ما أبالي أيّهما قتلت!
مصرع طالب الحق:
وقال المدائني: لما قتل ابن عطية أبا حمزة بعث برأسه مع عروة بن زيد بن عطية إلى مروان، وخرج إلى الطائف، فأقام بها شهرين، وتزوج بنت محمد بن عبد اللّه بن أبي سويد الثقفي؛ واستعمل على مكة روميّ بن عامر المرّي، وأتي فلّ أبي حمزة إلى عبد اللّه بن يحيى بصنعاء. فأقبل معه أصحابه. - وقد لقبوه طالب الحق - يريد قتال ابن عطية، وبلغ ابن عطية خبره، فشخص إليه، فالتقوا بكسة [2]، فأكثر أهل الشام القتل فيهم، وأخذوا أثقالهم وأموالهم، وتشاغلوا بالنّهب، فركب عبد اللّه بن يحيى فكشفهم، فقتل منهم نحو مائة رجل، وقتل قائد من قوّادهم يقال له: يزيد بن حمل القشيريّ من أهل قنّسرين، فدمرهم [3] ابن عطية، فكرّوا، وانضم بعضهم إلى بعض. وقاتلوا حتى أمسوا، فكفّ/ بعضهم عن بعض، ثم التقوا من غد في موضع كثير الشجر/ والكرم والحيطان، فطال القتال بينهم، واستحرّ القتل في الشّراة، فترجّل عبد اللّه بن يحيى في ألف فارس؛ فقاتلوا، حتى قتلوا جميعا عن آخرهم؛ وانهزم الباقون؛ فترّقوا في كلّ وجه. ولحق من نجا منهم بصنعاء؛ وولّوا عليهم حمامة [4] فقال أبو صخر الهذليّ:
__________
[1] زيادة يقتضيها المقام.
[2] في ف: «فالتقوا بكثبة» وهي موضع.
[3] دمرهم: عنفهم.
[4] في هج: «حمانة» بالنون.
قتلنا دعيسا والذي يكتني الكنى ... أبا حمزة الغاوي المضلّ اليمانيا
وأبرهة الكنديّ خاضت رماحنا ... وبلجا صبحناه الحتوف القواضيا [1]
وما تركت أسيافنا منذ جرّدت ... لمروان جبّارا على الأرض عاديا [2]
مطولة في رثاء الشراة:
قال المدائني:
وبعث عبد الملك بن عطية رأس عبد اللّه بن يحيى مع ابنه يزيد بن عبد الملك إلى مروان.
وقال عمرو بن الحصين - ويقال: الحسن العنبري - مولى لهم يرثي عبد اللّه بن يحيى وأبا حمزة. وهذه القصيدة التي في أولها الغناء المذكور أول هذه الأخبار:
هبّت قبيل تبلّج الفجر ... هند تقول ودمعها يجري
أن أبصرت عيني مدامعها ... ينهلّ واكفها على النّحر
أنّي اعتراك وكنت عهدي لا ... سرب الدموع وكنت ذا صبر
أقذى بعينك ما يفارقها ... أم عائر [3] أم مالها تذري؟
أم ذكر أخوان فجعت بهم ... سلكوا سبيلهم على خبر
فأجبتها بل ذكر مصرعهم ... لا غيره عبراتها تمري
يا ربّ أسلكني سبيلهم ... ذا العرش واشدد بالتّقى أزري
/ في فتية صبروا نفوسهم ... للمشرفيّة والقنا السّمر
تاللّه ألقى الدهر مثلهم ... حتى أكون رهينة القبر
أوفي بذمتهم إذا عقدوا ... وأعفّ عند العسر واليسر
متأهّلين لكلّ صالحة ... ناهين من لاقوا عن النّكر
صمت إذا احتضروا مجالسهم ... وزن لقول خطيبهم وقر [4]
إلّا تجيبهم فإنهمم ... رجف القلوب بحضرة الذّكر [5]
متأوّهون كأنّ جمر غضا ... للخوف بين ضلوعهم يسرى
تلقاهم إلّا كأنّهم ... لخشوعهم صدروا عن الحشر
__________
[1] في ف: «السيوف» بدل «الحتوف».
[2] في ف: «حسادا» بدل «جبارا».
[3] كذا في أ، ف ومعناه: كل ما أعل العين كالعوار، وفي س، ب: «عابر».
[4] في ف: «أذن»، ووقر جمع وقور، أي رزين، وسكنت العين.
[5] في ف: «إلا تحيّهم».
فهم كأنّ بهم جوى مرض ... أو مسّهم طرف من السّحر
لا ليلهم ليل فيلبسهم ... فيه غواشي النوم بالسّكر
إلّا كذا خلسا وآونة ... حذر العقاب وهم على ذعر
كم من أخ لك قد فجعت به ... قوّام ليلته إلى الفجر
متأوّه يتلو قوارع من ... آي القرآن مفزّع الصّدر
نصب تجيش بنات مهجته ... بالموت جيش مشاشة القدر [1]
/ظمآن وقدة كلّ هاجرة ... ترّاك لذّته على قدر
/ ترّاك ما تهوى النفوس إذا ... رغب النفوس دعت إلى النّذر [2]
[3] ومبرّأ من كل سيئة ... عفّ الهوى ذو مرّة شزر [3]
والمصطلي بالحرب يسعرها ... بغبارها وبفتية سعر
يجتاحها بأقلّ ذي شطب ... عضب المضارب قاطع البتر [4]
لا شيء يلقاه أسرّ له ... من طعنة في ثغرة النّحر
نجلاء منهرة تجيش بما ... كانت عواصي جوفه تجري [5]
كخليلك المختار أذك به ... من مقتد في اللّه أو مشر
خوّاض غمرة كلّ متلفة ... في اللّه تحت العثير الكدر [6]
ترّاك ذي النّخوات مختضبا ... بنجيعه بالطّعنة الشّزر
وابن الحصين وهل له شبه ... في العرف أنّى كان والنّكر
بسّامة لم تحن أضلعه ... لذوي أخوّته على غمر
طلق اللسان بكلّ محكمة ... رآب صدع العظم ذي الوقر
لم ينفكك في جوفه حزن ... تغلي حرارته وتستشري
ترقى وآونة يخفّصها ... بتنفّس الصّعداء والزّفر
ومخالطي بلج وخالصتي ... سمّ العدوّ وجابر الكسر
نكل الخصوم إذا هم شغبوا ... وسداد ثلمة عورة الثّغر
__________
[1] في ح: «ملخوف جيش»، ومشاشة القدر: العظم الهش في أطراف المفاصل، والجيشان: التحرك والاضطراب.
[2] النذر: النحب والأجل.
(3 - 3) زيادة في ف. والشزر: الشدة والصعوبة.
[4] عضب المضارب قاطع البتر، صفات السيف البتار.
[5] كذا في ف وقد تقدم شرح منهرة.
[6] العثبر الكدر: الغبار.
/
والخائض الغمرات يخطر في ... وسط الأعادي أيّما خطر
بمشطّب أو غير ذي شطب ... هام العدا بذبابه يفري
وأخيك أبرهة الهجان أخى ... الحرب العوان ملقّح الجمر
بمرشّة فرع تثجّ دما ... ثجّ الغوى سلافة الخمر
والضارب الأخدود ليس لها ... حدّ ينهنها عن السّحر
ووليّ حكمهم فجعت به ... عمرو فوا كبدي على عمرو!
قوّال محكمة وذي فهم ... عفّ الهوى متثبّت الأمر
ومسيّب فاذكر وصيّته ... لا تنس إمّا كنت ذا ذكر
فكلاهما قد كان محتسبا ... للّه ذا تقوى وذا برّ
في مخبتين ولم أسمّهم ... كانوا يدي وهم أولو نصيري
وهم مساعر في الوغى رجح ... وخيار من يمشي على العفر [1]
حتى وفوا للّه حيث لقوا ... بعهود لا كذب ولا غدر
فتخالسوا مهجات أنفسهم ... وعداتهم بقواضب بتر
وأسنّة أثبتن في لدن ... خطّية بأكفّهم زهر
تحت العجاج وفوقهم خرق ... يخفقن من سود ومن حمر
/ فتفرّجت عنهم كماتهم [2] ... لم يغمضوا عينا على وتر
/ فشعارهم نيران حربهم ... ما بين أعلى الشّحر فالحجر [3]
صرعى فحاجلة تنوشهم ... وخوامع لحماتهم تفري [4]
ابن عطية يتوجه إلى صنعاء:
قال المدائني: وكتب مروان إلى ابن عطية يأمره بالمسير إلى صنعاء، ليقاتل من بها من الخوارج، فاستخلف ابنه محمد بن عبد الملك على مكة، وعلى المدينة الوليد بن عروة بن عطية، وتوجّه إلى صنعاء، ورجع أهل الجزيرة جميعا إلى بلدهم، وكذلك كان مروان شرط لهم، فلما قرب من صنعاء هرب عامل عبد اللّه بن يحيى عنها، فأخذ [5] أهل صنعاء أثقاله وحملين من مال كان معه، فسلّموا ذلك إلى ابن عطية، وتتبع أصحاب عبد اللّه بن يحيى في كل موضع يقتلهم، وأقام بصنعاء أشهرا، ثم خرج عليه رجل من أصحاب عبد اللّه بن يحيى في آل ذي الكلاع، يقال له
__________
[1] مساعر، جمع مسعر، يقال، فلان مسعر حروب ومردى حروب، إذا كان من المجدين المتحمسين لها، والعفر: التراب.
[2] ب: «كأنهم».
[3] الشحر يكسر: بلد على الخليج الفارسي، والخجر: بلد بأعلى المدينة. وفي هج: «السحر والنحر».
[4] فحاجلة: جمع فحجل وهو الأفحج الذي تنداني صدور قدميه، وتنوشهم: تتناولهم، جوامع: ضباع جمع خامعة، وفي ف «تبري».
[5] ب، س: «فأخذ أثقاله وحملين من مال كان مع أهل صنعاء فسلموا ... إلخ والعبارة غير مستقيمة.
يحيى بن عبد اللّه بن عمر بن السّباق في جمع كثير بالجند، فبعث إليه ابن عطية ابن أخيه عبد الرحمن بن يزيد بن عطية، فلقيه بالحرب، فهزمه، وقتل عامة أصحابه، وهرب منه فنجا، وخرج عليه يحيى بن كرب الحميري بساحل البحر، وانضمت إليه شذّاذ الإباضية، فبعث إليه أبا أمية الكنديّ في الوضاحية، فالتقوا بالساحل، فقتل من الإباضية نحو مائة رجل، وتحاجزوا عند المساء فهربت الإباضية إلى حضر موت، وبها عامل لعبد اللّه بن يحيى يقال له:
عبد اللّه بن معبد الجرمي [1]، فصار في جيش كثير، واستفحل أمره. وبلغ ابن عطية الخبر، فاستخلف ابن أخيه عبد الرحمن بن يزيد بن عطية على صنعاء، وشخص إلى حضر موت وبلغ عبد اللّه بن معبد مسير عبد الملك إليهم، فجمعوا الطعام وكلّ ما يحتاجون إليه في/ مدينة شبام [2]. وهي حصن حضر موت مخافة الحصار. ثم عزموا على لقاء ابن عطية في الفلاة، فخرجوا حتى نزلوا على أربع مراحل من حضر موت، في عدد كثير في فلاة. وأتاهم ابن عطية، فقاتلهم يومه كلّه، فلما أمسى وقد بلغه ما جمعوا في شبام حدر عسكره في بطن حضر موت إلى شبام ليلا.
ثم أصبح، فقاتلهم حتى انتصف النهار. ثم تحاجزوا، فلما أمسوا، تبع عسكره. وأصبح الخوارج، فلم يروا للقوم أثرا. فاتّبعوهم وقد سبقوهم إلى الحصن، فأخذوا جميع ما فيه وملكوه، ونصب ابن عطية عليهم المسالح، وقطع عنهم المادّة [3] والميرة، وجعل يقتل من يقدر عليه ويسبي ويأخذ الأموال.
مصرع ابن عطية:
ثم ورد عليه كتاب مروان بن محمد يأمره بالتعجّل إلى مكة، ليحجّ بالنّاس، فصالح أهل حضر موت على أن يردّ عليهم ما عرفوا من أموالهم. ويولي عليهم من يختارون، وسالموه [4]، فرضي بذلك، وسالمهم، وشخص إلى مكة متعجّلا مخفّا. ولما نفذ كتاب مروان ندم بعد ذلك بأيام، وقال: إنا للّه! قتلت واللّه ابن عطية؛ هو الآن يخرج مخفّا متعجّلا، ليلحق الحج، فيقتله الخوارج. فكان كما قال: تعجّل في بضعة عشر رجلا، فلما كان بأرض مراد تلفّفت عليه جماعة، فمن كان من تلك الجماعة إباضيّا عرفه، فقال: ما ننتظر بهذا أن ندرك ثأر إخواننا فيه، ومن لم يكن إباضيا ظنه من الإباضية، وأنه منهزم، فلما علم أنهم يريدونه قال لهم: ويحكم! أنا/ عامل أمير المؤمنين على الحجّ، فلم يلتفتوا إلى ذلك، وقتلوه، ونصبت الإباضية رأسه، فلما فتشوا متاعه، وجدوا فيه الكتاب بولايته على الحجّ، فأخذوا من الإباضية رأسه، ودفنوه مع جسده.
قال المدائني: خرج إليه جمانة وسعيد ابنا الأخنس، في جماعة من قومهما من كندة،/ وعرفه جمانة لمّا لقيه، فحمل عليه هو وأخوه ورجل آخر من همدان، يقال له: رمّانة. وثلاثة من مراد، وخمسة من كندة، وقد توجّه في طريق مع أربعة نفر من أصحابه. وتوجّه باقيهم في طريق آخر، فقصدوا حيث توجّه ابن عطية، ووجّهوا في آثار أصحابه نحو أربعين رجلا منهم، فأدركوهم فقتلوهم، وأدرك سعيد وجمانة وأصحابهما ابن عطية، فعطف عبد الملك على سعيد، فضربه وطعنه جمانة، فصرعه عن فرسه، ونزل إليه سعيد، فقعد على صدره، فقال له ابن عطية: هل لك يا سعيد في أن تكون أكرم العرب أسيرا؟ فقال: يا عدوّ اللّه، أترى اللّه كان يمهلك؟ أو تطمع في
__________
[1] في هج: «عبد اللّه بن سعيد الحضرمي».
[2] ب: «سنام» وانظر «معجم البلدان»: «شبام».
[3] لعلها «المياه» كما في هج.
[4] ف: «و يسالمون فرضي بذلك وصالحهم».
الحياة وقد قتلت طالب الحقّ وأبا حمزة وبلجا وأبرهة! فقتله وقتل أصحابه جميعا. وبعثوا برأسه إلى حضرموت، وبلغ ابن أخيه - وهو بصنعاء - خبره. فأرسل شعيبا البارقيّ في الخيل. فقتل الرجال والصّبيان. وبقر بطون النساء، وأخذ الأموال، وأحرب القرى، وجعل يتتبع البريّ والنّطف [1]. حتى لم يبق أحد من قتلة ابن عطية ولا من الإباضية إلا قتله، ولم يزل مقيما باليمن إلى أن أفضى الأمر إلى بني هاشم، وقام بالأمر أبو العباس السفاح.
تم الجزء الثالث والعشرون من كتاب الأغاني ويليه الجزء الرابع والعشرون وأوله خبر عبدا بن أبي العلاء
__________
[1] النطف: النجس والمريب وهم نطفون.
فهرس موضوعات الجزء الثالث والعشرون
الموضوع الصفحة
أخبار نصيب الأصغر 5
أخبار أبي شراعة ونسبه 20
أخبار ابن البواب 32
أخبار محمد بن عبد الملك الزيات ونسبه 38
أخبار أبي حشيشة 59
أخبار عنان 66
أخبار الحسن بن وهب 73
أخبار أحمد بن يوسف 90
أخبار العطوي 94
أخبار مرة ونسبه 99
أخبار علي بن أمية 101
أخبار عمر الميداني 105
أخبار سليمان بن وهب 107
أخبار أبان بن عبد الحميد ونسبه 116
أخبار تويت ونسبه 126
أخبار محمد بن الحارث 131
أخبار ماني الموسوس 134
أخبار بكر بن خارجة 139
أخبار إسماعيل القراطيسي 142
أخبار أبي العبر ونسبه 144
أخبار مروان بن أبي حفصة الأصغر 150
أخبار يوسف بن الحجاج ونسبه 157
خبر عبد اللّه بن يحيى وخروجه وقتله 162
الفهرس 185
الجزء الرابع والعشرون
[تتمة التراجم]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ*
1 - خبر عبد اللّه بن أبي العلاء
اسمه
عبد اللّه [1] بن أبي العلاء، رجل من أهل سرّ من رأى. وكان يأخذ عن إسحاق وطبقته فبرع، وله صنعة يسيرة جيّدة.
وابنه أحمد بن عبد اللّه بن أبي العلاء، أحد المحسنين المتقدّمين، أخذ عن مخارق [2] وعلّوية وطبقتهما. وعمّر إلى آخر أيّام المعتضد [3] وكانت [4] فيه عربدة.
كان حسن الوجه والزي
وكان عبد اللّه بن أبي العلاء حسن الوجه والزّيّ، ظريفا شكلا [5].
حدّثني ذكاء وجه الرّزّة قال: قال لي ابن المكّيّ المرتجل [6]:
كان يقوّم دابة عبد اللّه بن أبي العلاء وثيابه إذا ركب ألف دينار.
إسحاق يطارحه
قال: وقال لي ابن المكيّ: حدّثني أبي، قال:
نظر أحمد بن يوسف الكاتب إلى عبد اللّه بن أبي العلاء عند إسحاق، وهو يطارحه، فأقام عند إسحاق، وسأله احتباس عبد اللّه عنده، فأمره بذلك، فاعتلّ عليه [7]. وقال: أريد أن أشيّع غازيا يخرج من جيراننا، فقال له أحمد ابن يوسف:
/لا تخرجنّ مع الغزاة مشيّعا ... إنّ الغزيّ يراك أفضل مغنم
ودع الحجيج ولا تشيّع وفدهم [8] ... أخشى عليك من الحجيج المحرم
ما أنت إلّا غادة ممكورة [9] ... لو لا شواربك المحيطة بالفم
__________
[1] «إحدى النسخ»: هو عبد اللّه.
[2] مخارق بن يحيى المغني (أخباره في ج 18 ص 336 من طبعة دار الكتب).
[3] خد: «المعتصم».
[4] ج: «و كان».
[5] شكل: ذو دلال وغزل.
[6] ف: «المرتحل»، وهو لقب محمد بن أحمد بن المكي والمراد أنه هو الذي كان يقوم.
[7] اعتل عليه بعلة، واعتله: اعتاقه عن أمر.
[8] خد: «وفده».
[9] ممكورة: مطوية الخلق مستديرة الساقين.
وقد روي [1] هذا الشعر لسعيد بن حميد [2] في عبد اللّه بن أبي العلاء. وهو الصّحيح.
فأقسم عليه إسحاق [3] أن يقيم، فأقام.
وقال لي [4] جعفر بن قدامة، وقد تجاذبنا هذا الخبر: حدّثني حمّاد بن إسحاق، عن أبيه [5]:
اتصال العشرة بينه وبين أحمد بن يوسف
أنّ العشرة اتّصلت بين عبد اللّه وبين أحمد بن يوسف، وتعشّقه وأنفق [6] /عليه جملة من المال، حتّى اشتهر به، فعاتبه [7] محمد بن عبد الملك الزيّات، في ذلك [8]، فقال له:
/لا تعذلّني يا أبا جعفر [9] ... عذل الأخلّاء من اللّوم
إنّ استه مشربة حمرة ... كأنّها وجنة مكظوم [10]
وقد قيل: إنّ هذين البيتين لأحمد بن يوسف في موسى بن عبد الملك.
أبوه سالم السقاء
وكان بعض الشعراء قد أولع بعبد اللّه بن أبي العلاء، يهجوه ويذكر أنّ أباه أبا العلاء هو سالم السّقّاء، وفيه يقول هذا الشعر [11]
كنت في مجلس أنيق جميل [12] ... فأتانا ابن سالم مختالا
فتغنّى صوتا فأخطأ فيه ... وابتدا ثانيا فكان محالا [13]
وابتغى حلعة [14] على ذاك منّا ... فخلعنا على قفاه النّعالا
وفيه يقول هذا الشاعر، أنشدناه ابن عمّار وغيره:
__________
[1] الراوي هو ذكاء.
[2] لعله سعيد بن وهب، وقد أورد أبو الفرج الخبر والأبيات في «ترجمة أبن وهب» على خلاف في بعض الألفاظ وزيادة ونقص في بعض الأبيات «(الجزءان: 1 و2 من طبعة دار الكتب»).
[3] ساقطة من ف. وفي خد: «إسحاق بن إبراهيم».
[4] ج: «و قال جعفر».
[5] «عن أبيه»: سقط من ف، خد.
[6] خد: «فأنفق».
[7] ف: «فعاثه»، وما أثبتناه من «بقية النسخ». ويدل عليه: «لا تعذلني».
[8] لفظ «في ذلك»: سقط من ف.
[9] أبو جعفر: كنية محمد بن عبد الملك الزيات.
[10] ج: «ملكوم» وفي ف: «مظلوم»، وصححت في الهامش: مكظوم.
[11] ف: «يقول»:
[12] ف: «جميل أنيق».
[13] محالا: ضبط في ف بضم الميم ويكون المراد به: ما عين به عن وجهه وهو معنى المحال من الكلام، أي أن الصوت الثاني جاء غير مستقيم. ويصح أن تكون محالا - بكسر الميم - بمعنى الشدة: أي تعذر عليه واشتد أداء هذا الصوت، أو من المحال بمعنى الانتقام، فكأنه بغنائه، ينتقم من سامعه.
[14] ج: «حلية». والخلعة: ما يخلع على المرء ويعطاه من الثياب.
إذا ابن أبي العلاء أقيم عنّا ... فأهلا بالمجالس والرّحيق
قفاه على أكفّ الشّرب وقف ... وجلدة وجهه ميدان ريق [1]
صوت
أفاطم حيّيت بالأسعد ... متى عهدنا [2] لا تبعدى [3]
تبارك ذو العرش، ما ذا نرى ... من الحسن في جانب المسجد [4]
فإن شئت آليت بين المقا ... م والرّكن والحجر الأسود
أ أنساك [5] ما دام عقلي معي ... أمدّ به أمد السّرمد
الشعر لأميّة بن أبي عائد. والغناء لحكم الوادي، هزج خفيف، بإطلاق الوتر في مجرى الوسطى، عن إسحاق. وفيه للأبجر ثقيل أوّل بالوسطى، عن عمرو. وقال ابن المكيّ [6]: فيه هزج ثقيل بالبنصر لعمر [7] الوادي. وفيه لفليح لحن من رواية بذل، ولم يذكر طريقته [8].
__________
[1] لم يرد هذا البيت في خد.
[2] متى عهدنا بك، أي متى نعهدك، أي متى تزوريننا.
[3] لا تبعدي، دعاء أي لا أبعدك اللّه.
[4] هذا البيت هو آخر بيت في المقطوعة، في «شرح أشعار الهذليين 493».
[5] «شرح أشعار الهذليين»: «نسيتك».
[6] س: «ابن الكلبي»، تحريف.
[7] ف: «لعمرو».
[8] خد: ف: لم يرد من أخبار أمية بن أبي عائذ إلا هذا الصوت وجاء في «النسختين»، وقد تقدمت أخبار أمية في «وسط الكتاب».
2 - نسب أمية بن أبي عائذ وأخباره [1]
ما عرف من نسبه
أميّة بن أبي عائذ العمريّ، أحد بني عمرو بن الحارث بن تميم بن سعد بن هذيل. شاعر إسلاميّ من شعراء الدّولة الأمويّة. وهذا أكثر ما وجدته من نسبه في سائر النسخ.
وكان أميّة أحد مدّاحي بني مروان، وله في عبد الملك وعبد العزيز ابني مروان قصائد مشهورة.
مدحه عبد العزيز بن مروان
فذكر ابن الأعرابيّ وأبو عبيدة جميعا:
أنه وفد إلى عبد العزيز إلى [2] مصر، وقد امتدحه بقصيدته التي أوّلها:
ألا إنّ قلبي مع [3] الظاعنينا ... حزين فمن ذا يعزّي الحزينا
فيا لك [4] من روعة يوم بانوا [5] ... بمن كنت أحسب ألّا يبينا
في هذين البيتين للحسين بن محرز خفيف ثقيل، عن الهشاميّ.
وفي هذه القصيدة يقول:
إلى سيّد الناس عبد العزيز أع ... ملت للسّير حرفا أمونا [6]
/صهابيّة كعلاة القيو ... ن [7] من ضرب جوهر [8] ما يخلصونا
/ إذا أزبدت من تباري المطيّ ... حلت بها خبلا [9] أو جنونا
تؤمّ النّواعش والفرقدين [10] ... تنصّب للقصد منها الجبينا
__________
[1] لم يرد في خد ولا ف، ولا «التجريد»، ولا «المختار».
[2] هكذا في «جميع النسخ»: إلى عبد العزيز إلى مصر، ولعلها: والي مصر.
[3] «شرح أشعار الهذليين 515»: «لدى».
[4] «شرح أشعار الهذليين»: «فيالك»، بفتح الكاف.
[5] «شرح أشعار الهذليين»: «يوم بان من».
[6] الحرف: الناقة الضامرة الصلبة، شبهت بحرف الجبل. والأمون: الناقة الموثقة الخلق التي أمنت أن تكون ضعيفة.
[7] الصهابية: الصهباء اللون، أي يخالط بياضها حمرة، يقال: جمل صهابي أي أصهب وناقة صهابية أي صهباء. وقيل: منسوب إلى صهباء اسم فحل أو موضع. والعلاة: السندان، والقيون: جمع قين وهو الحداد، وشبه الناقة بها في صلابتها.
[8] س: «جوهرها يخلصونا». ومن ضرب جوهر، أي من خالصه.
[9] «شرح أشعار الهذليين»: «أخيلا».
[10] قوله: تؤم النواعش: يريد بنات نعش، إلا أنه جمع المضاف كما أنهم جمعوا: سام أبرص على أبارص وكسر فعلا على فواعل لأن المصدر إذا كان فعلا فقد يكسر على ما يكسر عليه فاعل وذلك لمشابهة المصدر لاسم الفاعل من حيث جاز وقوع كل واحد منهما
إلى معدن الخير عبد العزيز ... تبلّغنا [1] ظلّعا قد حفينا
ترى الأدم والعيس تحت المسو ... ح قد عدن من عرق الأين جونا [2]
تسير [3] بمدحي عبد العز ... يز ركبان مكّة والمنجدونا
محبّرة من صريح الكلا ... م ليس كما لفّق [4] المحدثونا
وكان امرا سيّدا ماجدا ... يصفّي العتيق وينفي الهجينا [5]
تشوقه إلى أهله بمكة
قال: وطال مقامه عند عبد العزيز، وكان يأنس به، ووصله صلات سنيّة، فتشوّق إلى البادية وإلى أهله، فقال لعبد العزيز:
متى راكب من أهل مصر وأهله ... بمكّة من مصر العشيّة راجع
بلى إنّها قد تقطع الخرق [6] ضمّر ... تباري السّرى والمعسفون الزعازع
متى ما تجزها يا بن مروان [7] تعترف ... بلاد سليمى [8] وهي خوصاء [9] ظالع
وباتت تؤمّ [10] الدّار من كلّ جانب ... لتخرج واشتدّت عليها المصارع
فلما رأت ألّا خروج وأنمّا ... لها من هواها ما تجنّ الأضالع
تمطّت بمجدول سبطر [11] فطالعت ... وماذا من الّلوح اليماني تطالع! [12]
فقال له عبد العزيز: اشتقت - واللّه - إلى أهلك يا أميّة، فقال: نعم - واللّه [13] - أيّها الأمير، فوصله وأذن له.
وممّا يغنّى فيه من شعر أميّة:
__________
موقع صاحبه. وانظر «اللسان» (نعش). والفرقدان: نجمان يهتدى بهما.
[1] «شرح أشعار الهذليين»:
«يبلغنه ظلعا» ...
والظالع: العرج.
[2] الجون: السود.
[3] «شرح أشعار الهذليين»:
«و سار بمدحة» ...
[4] «شرح أشعار الهذليين»:
«ليست كما لصق»
[5] «شرح أشعار الهذليين»:
«و أنت امرؤ ماجد سيد نصفي ... وتنفي
ويصفي العتيق، أي يتخذه صفيا.
[6] «شرح أشعار الهذليين»:
«بلى إنه لا ينشب الحرق»
[7] ج، و «شرح أشعار الهذليين»:
«متى ما يجوزها ابن مروان»
[8] «شرح أشعار الهذليين»:
«سليم» ...
[9] خوصاء: غائرة العينين.
[10] «شرح أشعار الهذليين»: «تروم».
[11] س:
«بمجد سبطري»
وقوله: «بمجدول» أي برأس مجدول، وسبطر: أي سريع.
[12] اللوح: ما لاح من النجوم التي تطلع من جهة اليمن.
[13] ج: «لعمر اللّه».
صوت
تمرّ [1] كجندلة المنجني ... ق يرمى بها السّور يوم القتال
فماذا تخطرف من قلة [2] ... ومن حدب وإكام توالي [3]
ومن سيرها العنق المسبطرّ ... والعجر فيّة بعد الكلال
الغناء لابن عائشة [4]. وقد ذكر في أخباره مع غريبه، وأحاديث لابن عائشة في معناه [5].
صوت
أ أمّ نهيك ارفعي الطّرف صاعدا [6] ... ولا تيأسي أن يثري الدهر بائس
سيغنيك سيري في البلاد ومطلبي ... وبعل التي لم تخط في الحيّ [7] جالس
سأكسب مالا أو تبيتنّ [8] ليلة ... بصدرك من وجد عليّ وساوس
ومن يطلب المال [9] الممنّع بالقنا ... يعش مثريا أو يود فيما يمارس [10]
الشعر: لعبد اللّه بن أبي معقل الأنصاريّ. والغناء: لسليم، خفيف ثقيل بالوسطى، عن عمرو. وقد ذكر ابن المكّيّ أن فيه لإبراهيم لحنا من الهزج بالوسطى، وذكر الهاشميّ وحبش [11] أن فيه لإبراهيم ثاني ثقيل، وذكر حبش أنه لإسحاق.
__________
[1] سبق هذا الشعر في «أخبار ابن عائشة» 2/ 220 من طبعة دار الكتب وقال أبو الفرج تعليقا على تمر بالتاء: «أما الذي قاله الشاعر في هذا الشعر فإنه قال يمر بالياء، لأنه وصف حمارا وحشيا. ولكن المغنين جميعا يغنونه بالتاء، على لفظ المؤنث. وقد وصف في هذه القصيدة الناقة، ولم يذكر من وصفها إلا قوله:
ومن سيرها العنق المسبطر
ولكن المغنين أخذوا من صفة العير شيئا، ومن صفة الناقة شيئا، فخلطوهما وغنوا فيهما».
[2] «شرح أشعار الهذليين»:
«من حالق»
[3] «شرح أشعار الهذليين»:
«و من حدب وحجاب وجال»
، بدل: وإكام والى. والحدب: المكان المشرف، والحجاب: المرتفع يكون في الحرة. والجال: عرض كل شيء. وروى الأصمعي: ومن قلة وحجاب وجال.
[4] هذه العبارة لم تذكر في ج.
[5] «الأغاني 2/ 220 من طبعة دار الكتب».
[6] خد، ف: «ارفعي الظن». «المختار»:
«ادفعي الظعن»
«التجريد»:
«ارفعي الطوف»
وفي «بيروت»:
«أوقعي الظن صادقا»
وفي «تثقيف اللسان»: 171:
أيا أم عمرو اخفضي الطرف وارفعي ... ولا تيأسي أن يكسب المال آيس
وفي «سمط اللآلى ء»: 2/ 46:
أ أم أميم ارفعي الطرف صاعدا ... ولا تيأسي أن يشري الدهر يائس
[7] «التجريد»: «لم يخط في البيت. «المختار»: «لم يخط في الدار».
[8] خد، ف: «تبيتين».
[9] كلمة المال سقطت من ج.
[10] «المختار»:
«أويور فيما يهارس»
«التجريد»: أويور.
[11] خد: «حبش والهاشمي».
3 - أخبار عبد اللّه بن أبي معقل ونسبه
نسبه
/ هو عبد اللّه بن أبي معقل [1] بن نهيك بن إساف بن عديّ بن زيد [2] بن جشم بن حارثة [3] بن الحارث بن الخزرج [4] بن عمرو - وهو النّبيت - بن مالك بن الأوس [5] بن حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر بن حارثة بن امرىء القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأزد بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب [6] بن يعرب بن قحطان.
شاعر مقلّ حجازيّ [7] من شعراء الدّولة الأمويّة.
وكان يقال لأبيه: منهب الورق. وقيل: بل جدّ المسمّى بذلك، لأنه كسب مالا، فعجب أهل المدينة من كثرته [8]، فأباحهم إيّاه فنهبوه [9].
البيتان الأولان ليسا لجده
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء [10] قال: حدّثني أبو بكر عبد اللّه بن جعفر بن مصعب بن عبد اللّه الزّبيريّ قال:
حدّثني جدّي مصعب [11] بن عبد اللّه، عن ابن القدّاح أنّه قال:
هذا البيتان، يعني قوله:
أممّ نهيك ارفعي الطرف صاعدا ...
والذي بعده لعبد اللّه بن أبي معقل بن نهيك بن إساف، والناس يروونهما لجدّه ... وليس ذلك بصحيح؛ هما لعبد اللّه [12].
__________
[1] «الإصابة»: «عبد اللّه بن معقل الأنصاري».
[2] خد، ف: «عمرو بن يزيد».
[3] «التجريد»: «ابن عامر بن امرىء القيس».
[4] الخزرج: آخر ما في نسبه في نسختي: خد. ف.
[5] ج: أوس.
[6] «ابن يشجب»: لم يذكر في «التجريد».
[7] كلمة «حجاري» لم يذكر في «التجريد». وفي «المختار»: «حجازي شاعر».
[8] «التجريد»: بكثرته.
[9] ج، س: «فنهبوه واللّه أعلم».
[10] «ابن أبي العلاء»: لم يذكر في س، ب.
[11] حدّثني جدي مصعب. وبقية السند من ج، خد، ف.
[12] نسب هذان البيتان في ج، ت، ب: لعبد اللّه بن أبي معقل بن نهيك بن إساف.
عمه صحابي
وكان عبّاد بن نهيك بن إساف، عمّه [1]، أدرك النبيّ - صلّى اللّه عليه وسلّم - وصحبه [2]، وصلّى معه إلى القبلتين، وصلّى معه الظهر، وصلّى معه في ركعتين منها [3] إلى بيت المقدس، وركعتين إلى الكعبة.
وأدرك النبيّ - صلّى اللّه عليه وسلم وآله [4] - وهو شيخ كبير [5] لا فضل فيه [6]، فوضع عنه الغزو.
وكان نهيك بن إساف يهاجي أبا الخضر [7] الأشهليّ في الجاهليّة. وأشعارهما [8] موجودة في أشعار الأنصار.
قومه يحسدونه ليساره
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء [9] قال: حدّثني عبد اللّه بن جعفر عن جدّه مصعب، عن ابن القدّاح قال:
/ كان ابن معقل محسودا في قومه، يجاهرونه بالعداوة، ليساره وسعة ماله، ويحسدونه [10]، وكان بنى قصرا في بني حارثة، وسماه: «مرغما» وقال له قائل [11]: مالك ولقومك؟ فقال: مالي إليهم [12] ذنب [13] إلا أنّي أثريت وكنت معدما، وبنيت مرغما [14]، وأنكحت مريم ومريم - يعني ابنته مريم وبنت ابنه مريم.
فأمّا ابنته مريم [15] فتزوّجها حبيب بن الحكم بن أبي العاصي بن أمية، وبنت ابنه مسكين بن عبد اللّه بن أبي معقل [16] - وهي مريم - تزوّجها [17] محمد بن خالد بن الزّبير بن العوّام.
مريم الكبرى والصغرى
أخبرني الحرميّ قال: حدّثنا الزّبير بن بكّار قال: حدّثني عمّي مصعب [18] قال:
خطب محمد بن خالد بن الزّبير وحبيب بن الحكم بن أبي العاصي إلى عبد اللّه بن أبي معقل ابنته مريم،
__________
[1] عمه، في خد: «عم أبيه». وفي ب، س: «و كان عبد اللّه بن نهيك بن أساف عثمانيا، أدرك ... الخ».
[2] «و صحبه»: لم تذكر في خد ولا «التجريد».
[3] ف: «و صلّى ركعتين منها». «و التجريد»: «و صلّى معه الظهر، ركعتين منها إلى بيت المقدس».
[4] وآله: لم تذكر في «المختار» - ولا «التجريد».
[5] «التجريد»: «و كان شيخا كبيرا».
[6] «المختار»: «لا فضل عنده».
[7] في بعض النسخ ومنها «بيروت»: «أبا الخضراء». وما أثبتناه من خد، ف، «و المختار»، وكتب التراجم.
[8] ب، ت: «و أشعارهم».
[9] «ابن أبي العلاء»: لم يذكر في ج، ولا خد، ولا س.
[10] «و يحسدونه»: لم تذكر في خد ولا ف.
[11] خد: «فقال قائل». ف: «فقال له قائل».
[12] «المختار»: لهم.
[13] خد: «حاجة ولا ذنب».
[14] ج: «فبنيت».
[15] «مريم»: لم تذكر في ف.
[16] ف: فبرعت في الجمال وهي مريم. وهذه العبارة واردة فيما بعد.
[17] ف: «فزوجها».
[18] مصعب: لم يذكر في ف.
فأرغبه حبيب في الصّداق [1] فزوّجه إيّاها، ثم شبّت مريم بنت مسكين بن عبد اللّه بن أبي معقل، فبرعت في الجمال [2]. ولقي محمد بن خالد/ يوما [3] فقال له: يا بن خالد، إن تكن مريم قد فاتتك فقد يفعت مريم بنت أخيها [4]، وما هي بدونها في الجمال، وقد آثرتك بها. قال: فتزوّجها على عشرين ألفا.
يسافر حتى يثري
وقال ابن القدّاح:
كان ابن أبي معقل كثير الأسفار في طلب الرّزق، فلامته امرأته أمّ نهيك - وهي ابنة عمّه - على ذلك، وقد قدم من مصر، فلم يلبث أن قال لها [5]: جهّزيني إلى الكوفة، إلى المغيرة بن شعبة، فإنّه صديقي وقد وليها [6]، فجهّزته ثم قالت: لن [7] تزال في أسفارك هذه تتردّد [8] حتّى تموت، فقال لها: أو أثري. ثم أنشأ يقول:
أ أمّ نهيك ارفعي الطّرف صاعدا ... ولا تيأسي أن يثري الدّهر يائس
وهي قصيدة فيها ممّا يغنّى فيه قوله:
صوت
/فلو لا ثلاث هنّ من عيشة الفتى ... وجدك لم أحفل متى قام رامس [9]
فمنهنّ تحريك الكميت عنانه ... إذا ابتدر النّهب البعيد الفوارس
ومنهنّ سبق العاذلات بشربة ... كأنّ أخاها - وهو يقظان - ناعس
ومنهنّ تجريد [10] الأوانس كالدّمى ... إذا ابتزّعن أكفالهنّ الملابس
/ الغناء في هذه الأبيات: لمقاسة بن ناصح، ثقيل أوّل بالبنصر. وفيها للحسين بن محرز خفيف ثقيل من جامع أغانيه. وهو لحن معروف مشهور [11].
يصيب مالا من غزوة زرنج
قال ابن القدّاح:
__________
[1] ف: «في الصداق، ولقي محمد». وما بينهما ساقط.
[2] خد: «فرغبت».
[3] «يوما»: لم يذكر في «المختار».
[4] «بنت أخيها»: من «المختار».
[5] لها: لم ترد في «المختار».
[6] «التجريد والمختار»: «فقد وليها وهو صديقي».
[7] «التجريد»: «لا تزال. «المختار»: لم تزل».
[8] «تتردد»: لم ترد في س.
[9] الرامس: من يدفن الميت ويسوي عليه الأرض.
[10] «المختار»: «تحريا».
[11] ج، خد، س: «و هو لحن مشهور». وما أثبتناه من ف.
[12] «بها»: لم تذكر في ج، خد.
[13] «العراق»: لم يذكر في ف.
ثم قدم المدينة، فلم يزل مقيما بها [12] حتى ولي مصعب بن الزّبير العراق [13]، فوفد إليه ابن أبي معقل [1]، ولقيه، فدخل إليه يوما وهو يندب الناس إلى غزوة زرنج ويقول: من لها؟
فوثب عبد اللّه أبي معقل وقال: أنا لها، فقال له: اجلس، ثم [2] ندب الناس، فانتدب لها مرة ثانية، فقال له مصعب: اجلس، ثم ندبهم [3] ثالثة، فقال له عبد اللّه: أنا لها، فقال له: اجلس. فقال له: أدنني إليك حتّى أكلّمك، فأدناه، فقال: قد علمت أنّه ما يمنعك [4] منّي إلا أنّك تعرفني، ولو انتدب إليها [5] رجل ممّن لا تعرفه لبعثته، فلعلّك تحسدني [6] أن أصيب خيرا [7] أو أستشهد فأستريح من الدّنيا وطلبها [8] فأعجبه قوله وجزالته فولّاه، فأصاب في وجهه ذلك مالا كثيرا، وانصرف إلى المدينة، فقال لزوجته: ألم أخبرك في شعري أنّه:
/سيغنيك سيري في البلاد ومطلبي ... وبعل التي لم تحظ في الحيّ جالس
فقالت: بلى واللّه، لقد أخبرتني وصدق [9] خبرك.
قال: وفي هذه الغزاة [10] يقول ابن قيس الرقيّات [11]:
صوت
إن يعش مصعب فنحن بخير ... قد أتانا من عيشنا ما نرجّي [12]
ملك يطعم الطّعام ويسقي ... لبن البخت في عساس الخلنج [13]
جلب الخيل من تهامة حتّى ... بلغت خيله قصور زرنج [14]
__________
[1] «المختار»: «فوفد إليه ولقيه».
[2] من أول قوله: ثم ندب الناس إلى قوله: اجلس: ساقط من: خد، ف، «التجريد».
[3] «المختار»: «ثم ندب الناس».
[4] ف: «لا يمنعك».
[5] ف: «لها».
[6] «المختار»: «تجدني».
[7] ج: «إذا أصبت». س: «إن أصبت».
[8] «التجريد»، خد، ف: «و الطلب لها».
[9] «المختار»: «قد أخبرتني فصدق خبرك».
[10] خد: «الغزوة».
[11] «ابن قيس الرقيات»: من «المختار، واللسان، والتاج»، ولم ينسب في بقية النسخ مما يوهم أن هذا الشعر لعبد اللّه بن أبي معقل.
[12] البيت الأول في «اللسان والتاج» (بخت) وفيهما: «فإنا بخير».
[13] البيت الثاني في «اللسان والتاج» (بخت) وروايته فيهما.
يهب الألف والخيول ويسقي ... لبن البخت في قصاع الخلنج
ولكن روى الشطر الأول في «اللسان» (خلنج) هكذا:
يلبس الجرس بالجيوش ويسقي
[14] في «اللسان» (زرنج).
جلبوا ...... ... وردت خيلهم ......
وجاءت الأبيات الثلاثة منسوبة في كل موضع.
والأبيات الثلاثة ضمن خمسة أبيات في «معجم البلدان» (زرنج) منسوبة لابن قيس الرقيات أيضا.
صوت
يقتلننا بحديث ليس يعلمه ... من يتّقين ولا مكنونه بادي [1]
فهنّ ينبذن من قول يصبن به ... مواقع الماء من ذي الغلّة الصّادي [2]
الشعر: للقطاميّ. والغناء: لإسحاق. خفيف ثقيل أوّل [3] بالوسطى وفيه رمل مجهول.
__________
[1] في «ديوان القطامي 10»: «و لا مكتومة». وفي «الشعر والشعراء» 723: «بلا خلاف».
[2] «الديوان»: بلا خلاف.
[3] «أول»: لم ترد في خد.
4 - ذكر نسب القطامي وأخباره [1]
اسمه
القطاميّ لقب غلب عليه، واسمه عمير بن شييم [2]، وكان نصرانيّا، وهو شاعر إسلاميّ مقلّ مجيد [3].
يسبق الأخطل
أخبرني عمّي قال: حدّثنا الكرانيّ قال: حدّثنا العمريّ، عن الهيثم بن عديّ، عن عبد اللّه بن عياش، عن مجالد، عن الشّعبيّ قال: قال عبد الملك بن مروان، وأنا حاضر، للأخطل: يا أخطل، أتحبّ أنّ لك بشعرك شعر شاعر من العرب؟ قال: اللهمّ لا، إلا شاعرا منّا مغدف القناع [4]، خامل الذّكر، حديث السّنّ، إن يكن في أحد خير فسيكون فيه، ولوددت أنّي سبقته [5] إلى قوله:
/يقتلننا بحديث ليس يعلمه ... من يتّقين ولا مكنونه بادي
فهنّ ينبذن من قول يصبن به ... مواقع الماء من ذي الغلّة الصّادي
أول من لقب صريع الغواني
أخبرني أبو الحسن الأسديّ، قال: حدّثنا محمد بن صالح بن [6] النّطّاح قال:
/ القطاميّ أوّل من لقّب «صريع الغواني» بقوله:
صريع غوان راقهنّ ورقنه ... لدن شبّ حتى شاب سود الذّوائب [7]
يهجو امرأة من محارب
قال أبو عمرو الشيبانيّ:
نزل القطاميّ في بعض أسفاره بامرأة من محارب قيس، فنسبها، فقالت: أنا من قوم يشتوون
__________
[1] لم يرد نسب القطامي وأخباره في هذا الموضع في نسخة ف ولا نسخة خد، وأخر في نسخة ف إلى ما قبل «ترجمة عروة بن حزام». وجاء في النسختين بعد الصوت الذي هو من شعر القطامي، صوتّ من شعراء أبي نجدة وسبب قوله هذا الشعر، ثم خبر وقعة ذي قار.
[2] في «ديوانه 1»: عمير بن شييم بن عمرو بن عباد بن بكر بن عامر بن أسامة بن ملك بن بكر بن حبيب بن عمرو بن غنم بن تغلب.
[3] في «المختار»: «و هو إسلامي شاعر فحل مقلد مجيد». وفي «التجريد»: كما أثبتنا. ولم ترد: «مجيد» في ج ولا س.
[4] أغدف قناعه: أرسله على وجهه.
[5] «المختار»: «سبقت».
[6] «ابن»: من س. وقد ورد «ابن» في الأجزاء السابقة راجع مثلا: ج 18: 9، 20.
[7] «الديوان 50» وضبطت فيه «صريع» بالجر، لأنها صفة لكلمة مجرورة في البيت السابق عليه وهو:
لمستهلك قد كاد من شدة الهوى ... يموت ومن طول العدات الكواذب
أما «المختار ونسخة بيروت» فقد ضبطت فيهما صريع بالرفع.
القدّ [1] من الجوع، قال: ومن هؤلاء ويحك؟ قالت: محارب، ولم تقره، فبات عندها بأسوأ ليلة، فقال فيها قصيدة أوّلها [2]:
نأتك بليلى نيّة لم تقارب ... وما حبّ ليلى من فؤادي بذاهب
يقول فيها:
ولا بدّ أنّ الضيف يخبر ما رأى ... مخبّر أهل أو مخبّر صاحب [3]
سأخبرك الأنباء [4] عن أمّ منزل ... تضيّفتها بين العذيب [5] فراسب [6]
تلّفعت [7] في طلّ وريح تلفّني ... وفي طرمساء [8] غير ذات كواكب
/ إلى حيزبون توقد النار بعد ما ... تلفّعت الظّلماء من كلّ جانب
تصلّى بها برد العشاء [9] ولم تكن ... تخال وميض [10] النّار يبدو لراكب
فما راعها إلا بغام مطيّة [11] ... تريح بمحسور من الصوّت لاغب
تقول وقد قربت كوري وناقتي ... إليك فلا تذعر عليّ ركائبي
فلمّا تنازعنا الحديث سألتها: ... من الحيّ؟ قالت: معشر من محارب
من المشتوين [12] القدّ ممّا تراهم ... جياعا وريف الناس [13] ليس بعازب [14]
فلمّا بدا حرمانها الضّيف لم يكن ... عليّ مناخ السّوء ضربة لازب
يمدح عبد الواحد بن سليمان
قال أبو عمرو بن العلاء:
أول ما حرّك من القطاميّ ورفع من ذكره أنه قدم في خلافة الوليد بن عبد الملك دمشق ليمدحه، فقيل له: إنّه بخيل لا يعطي الشّعراء. وقيل: بل قدمها في خلافة عمر بن عبد
__________
[1] القد (بفتح القاف): جلد ولد الشاة ساعة يولد ويشوى ويؤكل في الجدب.
[2] القصيدة في «الديوان 49».
[3] «الديوان 51»: والشعر والشعراء» 725:
«مخبر ما رأى»
، وضبط في «الديوان والمختار»: مخبر أهل أو مخبر بكسر الياء المشددة وبرفع آخرهما. وفي «الشعر والشعراء» بفتح الباء ورفع الآخر. وفي «المختار». ما جرى بدل ما رأى.
[4] «الديوان 51»
«سأخبر بالانباء»
، وبعده: ويروى: لمخبرك الأنباء، وهذه الرواية الأخيرة في «الشعر والشعراء 725».
[5] «معجم البلدان»: العذيب: ماء بين القادسية والمغيثة.
[6] «معجم البلدان»: راسب: أرض في شعر القطامي.
[7] «الشعر والشعراء»: «تقنعت»، وفي «الديوان» كما هنا.
[8] الطرمساء: الظلمة الشديدة، وقد يوصف بها فيقال: ليلة طرمساء وليال طرمساء: شديدة الظلمة. «اللسان».
[9] س: «برد الشتاء».
[10] «الديوان 51»: «وبيص النار».
[11] «الشعر والشعراء» 725»: «مطيتي».
[12] «الشعر والشعراء»:
«من المشترين»
[13] س:
«ورين الناس»
، ولعله من أران الناس، أي هلكت ماشيتهم.
[14] «الديوان 52 والشعر والشعراء 726»: «بناضب».
العزيز [1]، فقيل له: إن الشعر لا ينفق عند هذا [2] ولا يعطي عليه [3] شيئا، وهذا عبد الواحد بن سليمان بن عبد الملك [4] فامتدحه، فمدحه، بقصيدته التي أوّلها [5]:
/إنّا محيّوك فاسلم أيها الطّلل ... وإن بليت وإن طالت بك الطّيل [6]
فقال له: كم أمّلت من أمير المؤمنين؟ قال: أمّلت أن يعطيني ثلاثين ناقة. فقال: قد أمرت لك بخمسين ناقة موقرة [7] برّا وتمرا وثيابا، ثم أمر بدفع [8] ذلك إليه.
وفي أوّل هذه القصيدة غناء نسبته:
صوت
إنّا محيّوك فاسلم أيّها الطّلل ... وإن بليت وإن طالت بك الطّيل
يمشين [9] رهوا [10] فلا الأعجاز خاذلة ... ولا الصّدور على الأعجاز تتّكل
الغناء لسليم، هزج بالبنصر. وقيل: إنه لغيره.
أشعر الناس
أخبرني ابن عمّار قال: حدّثنا محمد بن عبّاد/ قال: قال أبو عمرو الشّيبانيّ: لو قال القطاميّ بيته [11]:
يمشين رهوا فلا الأعجاز خاذلة ... ولا الصدور على الأعجاز تتّكل
في صفة النساء [12] لكان أشعر الناس.
/ ولو قال كثيّر:
فقلت لها: يا عزّ كلّ مصيبة ... إذا وطّنت يوما لها النفس ذلّت [13]
__________
[1] في «التجريد»: بدأ الخبر هكذا، وذكر أن القطامي قدم الشام مادحا عمر بن عبد العزيز - رضي اللّه عنه - فقيل له ...
[2] «التجريد»: «عنده».
[3] «عليه»: من «المختار».
[4] «ابن عبد الملك»: من «التجريد».
[5] ج، س: «فامدحه فمدحه بقصيدة قال»:
[6] «الديوان 1». والطيل: الدهر. وقد أورد البيت التالي في «المختار» بعد هذا البيت، وهو وارد فيما بعد في الصوت.
[7] «المختار»: «و أن توقر لك».
[8] «المختار»: «ثم دفع ذلك إليه». وفي «التجريد». «ثم أمر فدفع».
[9] الضمير في يمشين عائد على الهجان أي النوق الكرام في بيت سابق، وهو:
ينضي الهجان التي كانت تكون بها ... عرضية وهباب حين ترتحل
[10] في «المختار والتجريد»: زهوا، وهي إحدى الروايات. ورواية «الديوان 4» كما هنا، والرهو: مصدر رها يرهو في السير أي رفق، وقد أورد الجوهري البيت في «الصحاح» (رها) شاهدا على هذا المعنى.
وفي نسخة س: «هونا».
[11] س: «في بيته».
[12] ج: «الناس».
[13] «ديوان كثير»: 97.
في مرثية أو صفة حرب [1] لكان أشعر النّاس.
رأي أعرابي في حكمة له
وأخبرني أحمد بن جعفر جحظة قال: حدّثني ميمون بن هارون قال: حدّثني رجل كان يديم الأسفار، قال:
سافرت مرّة إلى الشّام على طريق البرّ [2]، فجعلت أتمثّل بقول القطاميّ [3]:
قد يدرك المتأنّي بعض حاجته ... وقد يكون مع المستعجل الزّلل [4]
ومعي أعرابيّ قد استأجرت [5] منه مركبي، فقال: ما زاد قائل هذا الشعر على أن ثبّط النّاس عن الجزم، فهلّا قال بعد بيته [6] هذا:
وربّما ضرّ بعض الناس بطؤهم [7] ... وكان خيرا لهم لو أنّهم عجلوا [8]
السبب في أسره
وكان السبب في أسر القطاميّ، على ما حكاه من ذكرنا، وذكر ابن الكلبيّ عن عرام بن حازم بن عطيّة الكلبيّ قال:
/ أغار زفر بن الحارث على أهل المصيّخ [9]، وبه جماعة من الحاجّ وغيرهم، وقد أصاب أول النّهار أهل ماء يقال له: حصف [10]، وفيه سيّد بني الجلاح مصاد بن المغيرة بن أبي جبلة، فأسره، فأتى به قرقيسيا [11]، ثم منّ عليه، وقتل عفيف بن [12] حسّان بن حصين من بني الجلاح، ثم مضى زفر إلى المصيّخ فاجتمع من بها إلى عمير بن حسّان بن عمر بن جبلة فامتنعوا، فقال لهم زفر: إني لا أريد دماءكم، فأعطوا بأيديكم. فأبوا وقاتلوا [13]
__________
[1] «بيروت»: «حزن». وما أثبتناه من: ج، س، و «المختار والخزانة 4/ 328».
[2] «على طريق البر»: لم تذكر في «التجريد» ولا «المختار».
[3] «المختار»: فتمثلت بهذا البيت.
[4] «الديوان»: 3.
[5] في «التجريد»: «استعرت».
[6] في «التجريد»: قوله.
[7] في «التجريد والمختار»: «ريثهم». وفي س: وروى:
وربما فات قوما جل أمرهم ... من التواني وكان الحزم لو عجلوا
ولم يرد هذا البيت في «الديوان»، وأورد المحقق في الهامش: ص 2 وهو من الأبيات التي يستشهد بها النحويون على لو المصدرية.
وقد جاء في «مغنى اللبيب 265» منسوبا إلى الأعشى وفيه: من التأني.
[8] قال ابن واصل الحموي في «التجريد»: قلت: وقد قال بعض المتأخرين بيتا، هو أنصف من هذين البيتين، وهو:
لا ذا ولا ذاك في الإفراط أحمده ... وأحمد الأمر ما في ذاك يعتدل
[9] «معجم البلدان»: المصيخ - بضم الميم وفتح الصاد وفتح الياء المشددة وبالخاء المعجمة - يقال له مصيخ بني البرشاء، وكانت به وقعة هائلة لخالد على بني تغلب. وزفر بن الحارث هو أبو الهذيل زفر بن الحارث بن عبد عمرو بن معاذ بن يزيد بن عمرو بن الصعق بن خليد بن نفيل بن عمرو بن كلاب الكلابي، كان كبير قيس في زمانه مات في خلافة عبد الملك «الخزانة 1/ 293».
[10] س: خصيف.
[11] س: قرقيسا، وهي لغة في قرقيسياء - بياءين وكسر القاف والمد وقد تقصر - وهي بلد على النهر الخابور قرب رحبة مالك بن طوق «معجم البلدان».
[12] «ابن»: لم تذكر في ج، س.
[13] ج، س: «و قاموا».
فقتل [1] منهم جماعة كثيرة، وقتل معهم رجلان من تغلب، يقال لأحدهما: جسّاس، والآخر غنيّ، وهو أبو جسّاس. وقد قالت له امرأته: يا أبا جسّاس، هؤلاء قومك فأتهم حين اجتمعوا وامتنعوا، فقال: اليوم نزاريّ وأمس كلبيّ! ما أنا بمفارقهم، فقاتل حتّى قتل، فكانت القتلى يوم المصيّخ [2] من كلب ثمانية عشر رجلا والتّغلبيّين، وبقي الماء ليس فيه إلا النّساء. فلمّا انصرف عنهم زفر أراد النساء أن يجررن القتلى إلى بئر يقال لها: كوكب. فلما أردن أن يجررن رجلا قالت وليّته من النّساء: لا يكون فلان تحت رجالكنّ كلّهم، فأتت أمّ عمير بن حسّان، وهي كيّسة [3] /بنت أبيّ، فأعلقت في رجله رداءها، ثم قالت: اجسر عمير فإنّ [4] أباك كان جسورا، ثم ألقت عليه التّراب والحطب ليكون بينه وبين أصحابه شيء. ثم جعلن كلما ألقين رجلا ألقين عليه التّراب والحطب حتى وارتهم القليب. ولمّا بلغ حميد بن حريث بن بحدل ما لقي قومه أقبل حتى أتى تدمر [5] ليجمع أصحابه، وليغير على قيس. فلما وقعت الدّماء نهض بنو نمير، وهم يومئذ ببطن الجبل، وهو على مياه لهم [6]، إلى حميد بن حريث بن بحدل، حتى [7] قدم وراءه يتهيّأ للغارة، واجتمعت إليه كلب، وقالوا له: إن كنت تبرئنا ببراءتنا، وتعرف جوارنا أقمنا، وإن كنت تتخوّف علينا من قومك شيئا لحقنا بقومنا، فقال: أتريدون أن تكونوا أدلّاءهم حتى تنجلي هذه الفتنة؟ فاحتبسهم فيها، وخليفته في تدمر رجل من كلب يقال له: مطر بن عوص، وكان/ فاتكا، فأراد حميدا على قتلهم، فأبى وكره الدّماء، فلمّا سار حميد، وقد عاد زفر أيضا مغيرا، ليردّه عمّا يريده، فنزل قرية له، وبلغه مسير زفر فاغتاظ وأخذ في التّعبئة، فأتاه مطر وكان خرج معه مشيّعا له انتهازا لدماء الّذين في يده من النّميريّين، فقال: ما أصنع بهؤلاء الأسارى الّذين في يدي وقد قتل أهل مصبح؟ فقال وهو لا يعقل من الوجد: اذهب فاقتلهم. فخرج مطر يركض إلى تدمر، تخوّف ألّا يبدوا له [8]، فلمّا أتى تدمر قتلهم [9]، وانتبه حميد بعد ذلك بساعة فقال: أين مطر حتى أوصيه؟ قالوا: انصرف، قال [10]: أدركوا عدوّ اللّه، فإنّي أخاف على من بيده من النّميريّين.
وبعث فارسا يركض يمنع مطرا عن قتلهم، فأتاه وقد قتل كلّ من كان في يده/ من الأسرى إلّا رجلين - وكانوا ستّين رجلا - فلما بلّغه الرّسول رسالة حميد قال النّميريّان الباقيان: خلّ عنا فقد أمرت بتخلية سبيلنا، فقال: أبعد أهل المصيّخ! لا واللّه لا تخبّران عنهم، ثم قتلهما. فلمّا بلغ زفر قتل النّميريّين بسط يده [11] على كلّ من أدرك من كلب، واستحلّ الدّماء، وأخذ في واد يقال له وادي الجيوش، وقد انتشرت به كلب للصّيد، فلم يدرك به أحدا إلّا قتله، فقتل أكثر من خمسمائة، ولم يلقه حميد. ثم انصرف إلى قرقيسياء.
__________
[1] س: «فقتلت».
[2] «يوم المصيح»: من نسخة ج.
[3] ج: ونيسة.
[4] س: إن.
[5] «معجم البلدان» (تدمر): «مدينة قديمة مشهورة في برية الشام».
[6] ج، س: «تميم».
[7] ج: «حين».
[8] «بيروت»: تخوفا لا يبدو له».
[9] ج: «فقتلهم».
[10] لم تذكر في ج.
[11] «يده»: لم تذكر في ج.
وذكر بعض بني نمير أن زفر أغار على كلب يوم حفير [1] ويوم المصيّخ ويوم الفرس، فقتل منهم أكثر من ألف رجل، قال: وأغار عليهم زفر في يوم الإكليل فقتل منهم مقتلة عظيمة، واستاق نعما كثيرة.
وذكر عرّام [2] قال: قتل زفر يوم الإكليل جبير بن ثعلبة من بني الجلاح، وحسّان بن حصين من بني الجلاح، ومحمّد بن طفيل بن مطير بن أبي جبلة، وعمرو بن حسّان بن عوف من بني الجلاح، ومحمد بن جبلة بن عوف، أخوان لأمّ. وقالت امرأة من بني كلب ترثيهم:
أبعد من دلّيت في كوكب ... يا نفس ترجين ثواء الرّجال؟
غارات عمير بن الحباب على كلب
قال لقيط: أخبرني بعض بني نمير قال:
أغار عمير بن الحباب على كلب فأصابهم يوم الغوير ويوم الهبل ويوم كآبة.
فأمّا يوم الغوير [3] فإنّه أرسل رجلا من بني نمير يقال له كليب بن سلمة عينا له، ليعلم له علم [4] ابن بحدل، وكانت أمّ النميريّ كلبيّة، فكانت تتكلّم [5] بكلامهم،/ فكان الحسام [6] بن سالم طريدا فيهم فنذروا به فقتلوه وأخذوا فرسه، فلقي كليب بن سلمة رجلا من بني كلب فعرفه، فقال: من أين جئت؟ فقال: من عند الأمير حميد ابن حريث، قال: وأين تركته؟ قال: بمكان كذا وكذا، قال كليب: كذبت! أنا أحدث به عهدا منك، قال: فأين تركته أنت؟ قال بغوير الضبع، قال: لكنّي فارقته أمس، فخرج النميريّ يسوق الكلبيّ إلى أصحابه - قال: فو اللّه إنّي لو أشاء أن أقتله لقتلته، أو آخذه لأخذته - فخرج يسوقه، حتّى إذا نظر إلى القوم أنكرهم، فقال: واللّه [7] ما أرى هؤلاء أصحابنا. قال: ويستدبره النّميريّ فيطعنه [8] عند ناغض [9] كتفه اليمنى، حتى أخرج السّنان من حلمة الثّدي، وأخطأ المقتل، وحرّك الكلبيّ فرسه مولّيا، فاتّبعته الخيل حتى يدفع إلى ابن بحدل فانهزم، فقتلوا من كلب مقتلة عظيمة، واتّبع عمير بن بحدل فجعل يقول لفرسه:
/أقدم صدام [10] إنّه ابن بحدل ... لا تدرك الخيل وأنت تدأل [11]
ألّا تمرّ مثل مرّ الأجدل [12]
__________
[1] ج: يوم خيبر، تحريف.
[2] ج: عوام.
[3] س: «غوير».
[4] س: «ليصيب له عينا ويعلم له علم».
[5] ج: فكان يتكلم».
[6] ج، س: «الخشام».
[7] مى: واللّه واللّه.
[8] س: «و استدبره النميري فطعنه».
[9] الناغض: أصل العنق حيث ينغض الإنسان رأسه أي يحركه.
[10] صدام بكسر الصاد وتخفيف الدال: اسم فرس.
[11] الدأل والدألان: مشي يقارب فيه الخطر ويكون الفرس فيه كأنه مثقل من حمل.
[12] الأجدل: الصقر وأصله من الجدل أي الشد.
قال: فمضى حميد حتى يدفع إلى الغوير [1]، وقد كاد الرّمح يناله، فانطلق يريد الباب، فطعن عمير الباب وكسر رمحه فيه، فلم يفلت من تلك الخيل غير حميد وشبل بن الخيتار. فلمّا بلغ ذلك بشر بن مروان قال لخالد بن يزيد بن معاوية: كيف ترى خالي طرد خالك؟.
/ وقال عمير:
وأفلتنا ركضا حميد بن بحدل ... على سابح غوج الّلبان مثابر [2]
ونحن جلبنا الخيل قبّا شوازبا ... دقاق الهوادي داميات الدّوابر [3]
إذا انتقصت من شأوه الخيل خلفه ... ترامى به فوق الرماح الشواجر [4]
تسائل عن حيّي رفيدة [5] بعد ما ... قضت وطرا من عبد ودّ وعامر
وقال شبل بن الخيتار:
نجّى الحساميّة الكبداء مبترك ... من جريها وحثيث الشدّ مذعور [6]
من بعد ما التثق السّربال طعنته ... كأنّه بنجيع الورس ممكور [7]
ولّى حميد ولم ينظر فوارسه ... قبل التّقرّة والمغرور مغرور [8]
فقد جزعت غداة الروع إذ لقحت ... أبطال قيس عليها البيض مشجور
يهدي أوائلها سمح خلائقه ... ماضي العنان على الأعداء منصور
يخرجن من برض الإكليل طالعة ... كأنّهن جراد الحرّة الزّور
/ وذكر زياد بن يزيد بن عمير بن الحباب، عن أشياخ قومه، قال:
أغار عمير بن الحباب على كلب، فلقي جمعا لهم بالإكليل في ستمائة أو سبعمائة، فقتل منهم فأكثر، فقالت هند الجلاحيّة تحرّض كلبا:
ألا هل ثائر بدماء قوم ... أصابهم عمير بن الحباب!
وهل في عامر يوما نكير ... وحيّي عبد ودّ أو جناب!
__________
[1] الغوير: ماء لبني كلب بأرض السماوة، بين العراق والشام.
[2] غوج اللبان: واسع جلدة الصدر.
[3] القب: جمع أقب، وهو الضامر البطن. والشوازب جمع شازب وهو الضامر، وعن الأصمعي: الشازب: الذي فيه ضمور وإن لم يكن مهزولا.
[4] ج: «فوت الرماح». والشواجر: المختلفة المتداخلة.
[5] ج: «عن حيي زبيدة».
[6] الكبداء مؤنث الأكبد وهو الضخم الوسط ويكون بطيء السير. مبترك: مسرع في عدوه.
[7] لثق الشيء والتثق: ابتل. الورس: نبت أصفر أو شيء يخرج على الرمث يلون الثوب إذا أصابه. ممكور: مصبوغ بالمكر أي المغرة.
[8] ج، س: «قبل المغيرة» بدل التقرة وهي: الثبات والسكون. وهي مصدر كالتكرة، والتضرة والتسرة. ولعل الكلمة في البيت: آلتغرة بالغين وهي مصدر غرر بنفسه وماله تغريرا وتغرة: عرضها للهلكة من غير أن يعرف.
فإن لم يثأروا من قد أصابوا ... فكانوا أعبدا لبني كلاب
أبعد بني الجلاح ومن تركتم ... بجانب كوكب تحت التراب
تطيب لغائر منكم حياة ... ألا لا عيش للحيّ المصاب
فاجتمعوا فقاتلهم عمير، وأصاب فيهم، ثم أغار فلقي جمعا منهم بالجوف فقتلهم، ثم أغار عليهم بالسّماوة فقتل منهم مقتلة عظيمة، فقال عمير:
ألا يا هند هند بني الجلاح ... سقيت الغيث من قلل السّحاب
ألمّا تخبري عنّا بأنّا ... نردّ الكبش أعضب في تباب
ألا يا هند لو عاينت يوما ... لقومك لامتنعت من الشّراب
غداة ندوسهم بالخيل حتّى ... أباد القتل حيّ بني جناب
ولو عطفت مواساة حميدا ... لغودر شلوه جزر الذّئاب [1]
/و ذكر زياد بن يزيد بن عمير بن الحباب، عن أشياخ قومه، قال: خرج عمير فأغار على قومه [2] أيضا يوم الغوير، فلمّا دنا من الغوير وصار بين حميد ودمشق دعا رجلا من بني نمير، وقال له: سر الآن حتى تأتي حميد بن بحدل، فقل له: أجب،/ فإن قال: من؟ فقل: صاحب عقد [3] خرج قبل ذلك بيومين من دمشق، فإن جاء معك فلا تهجه حتى تأتيني به، فنكون نحن الذين نلي منه ما نريد أن نلي، فإنّه إن ركب الحساميّة لم يدرك. فأتاه النميريّ فقال: أجب، فقال: ومن؟ قال: فلان بن فلان صاحب العقد. قال: فركب ابن بحدل الحسامية. ثم خرج يسير في أثر النّميريّ، حتى طلع النميريّ على عمير، فقال النميريّ في نفسه: أقتله أنا أحبّ إليّ من أن يقتله عمير لقتله الحسام بن سالم، فعطف عليه، وولّى حميد، وأتّبعه عمير وأصحابه، وترك العسكر، وأمرهم عمير أن يميلوا إلى القوم [4]، فذلك حيث يقول لفرسه:
أقدم صدام إنّه ابن بحدل
فاستباح [5] عسكر ابن بحدل وانصرف.
ثم أغار عليهم يوم دهمان كما ذكر عون بن حارثة بن عديّ بن جبلة أحد بني زهير عن أبيه: قال:
أغار عمير على كلب، فأخذ الأموال، وقتل الرّجال، وبلغ ابن بحدل مخرجه من الجزيرة، فجمع له، ثم خرج يعارضه، حتى إذا دنا منهم بعث العين يأخذ لهم [6] أثر القوم، فأتاه العين فأخبره أنّ عميرا قد أتى دهمان فاستباح فيهم [7]، ثم خلّف عسكره وخرج هو في طلب قوم قد سمع بهم، فقال حميد لأصحابه: تهيئوا للبيات،
__________
[1] ج: «حذر الذئاب».
[2] س: «قومهم».
[3] س: «صاحب عقل».
[4] ج: على الغوير بدل: إلى القوم.
[5] ج، س بعد البيت: وأمر أصحابه أن يميلوا إلى الغوير فاستباح. ولا داعي لزيادتها وقد سبقت قبل ذلك.
[6] «لهم»: لم ترد في ج، س.
[7] ج: «فيه».
وليكن شعاركم: «نحن عباد اللّه حقّا حقّا» [1]. فبيّتهم فقتل فيهم فأوجع. وانقلب عمير حين أصبح، إلى عسكره، حتى إذا أشرف على عسكره رأى ما أنكره من كثرة السّواد،/ فقال لأصحابه: إني أرى شيئا ما أعرفه، وما هو بالذي خلفنا، فلما رآهم ابن بحدل قال لأصحابه: احملوا عليهم، فقتل من الفريقين جميعا [2]، فقال ابن مخلاة:
لقد طار في الآفاق أنّ ابن بحدل ... حميدا شفى كلبا فقرّت عيونها
وقال منذر بن حسّان:
وبادية الجواعر من نمير ... تنادي وهي سافر النّقاب
تنادي بالجزيرة: يا لقيس ... وقيس بئس فتيان الضّراب
قتلنا منهم مائتين صبرا ... وألفا بالتّلاع وبالرّوابي
وأفلتنا هجين بني سليم ... يفدّي المهر من حبّ الإياب
فلو لا اللّه والمهر المفدّى ... لغودر وهو غربال الإهاب
ثم سار عمير، وجمع لهم أكثر ممّا كان تجمّع، فأغار عليهم، فقتل منهم مقتلة، واستاق الغنائم وسبى. فلمّا سمعت كلب بإيقاعه تحمّلت من منازلها هاربة منه، فلم يبق منهم أحد في موضع يقدر عمير على الغارة عليه إلّا أن يخوض إليهم غيرهم من الأحياء، ويخلّف مدائن الشّام خلف ظهره، وصاروا جميعا إلى الغوير [3]، فقال عمير في ذلك:
بشّر بني القين بطعن شرج [4] ... يشبع أولاد الضّباع العرج
/ ما زال إمراري لهم ونسجي ... وعقبتي للكور بعد السّرج
حتّى اتّقونى بالظّهور الفلج ... هل أجزين يوما بيوم المرج
ويوم دهمان ويوم هرج
/ وقال رجل من نمير:
أخذت نساء عبد اللّه قهرا ... وما أعفيت نسوة آل كلب
صبحناهم بخيل مقربات [5] ... وطعن لاكفاء له وضرب
يبكّين ابن عمرو وهو تسفي ... عليه الرّيح تربا بعد ترب
وسعد قد دنا منه حمام ... بأسمر من رماح الخطّ صلب
وقد قالت أمامة إذ رأتني: ... بليت وما لقيت لقاء صحب
وقد فقدت معانقتي زمانا ... وشدّ المعصمين فويق حقب
__________
[1] ج: حقا، دون تكرار.
[2] س: «فقتل من الفريقين جمعا».
[3] ج: «الغورية».
[4] بطعن شرج: شديد، من قولهم: شرجت العيبة: شددتها بالشرج، وهي العرى: («اللسان»: شرج).
[5] المقربة: الفرس التي تدنى وتقرب وتكرم ولا تترك.
لقد بدّلت بعدي وجه سوء ... وآثارا بجلدك يا بن كعب
فقلت لها كذلك من يلاقي ... عتاق الخيل تحمل كل صعب
وقال المجير بن أسلم القشيريّ:
أصبحت أمّ معمر عذلتني ... في ركوبي إلى منادي الصّباح
فدعيني أفيد قومك مجدا ... تندبيني به لدى الأنواح
كلّ حيّ أذقت نعمي وبؤسى ... ببني عامر الطّوال الرّماح
وصدمنا [1] كلبا فبين قتيل ... أو سليب مشرّد من جراح
وأتونا بكلّ أجرد صاف ... ورجال معدّة وسلاح
وقال أيضا:
أبلغ عامرا عنّي رسولا ... وأبلغ إن عرضت بني جناب
هلمّ إلى جياد مضمرات ... وبيض لا تفلّ من الضّراب
/ وسمر في المهزّة ذات لين ... نقيم بهنّ من صعر الرّقاب
إذا حشدت سليم حول بيتي ... وعامرها المركّب في النّصاب
فمن هذا يقارب فخر قومي ... ومن هذا الذي يرجوا اغتصابي؟
وقال زفر بن الحارث:
يا كلب قد كلب الزّمان [2] عليكم ... وأصابكم منّي عذاب مرسل
أ يهولنا يا كلب أصدق شدّة ... يوم اللّقاء أم الهويل الأوّل
إنّ السّماوة لا سماوة فالحقي ... بالغور فالأفحاص بئس الموئل
فجنوب عكّا فالسّواحل إنّها ... أرض تذوب بها الّلقاح وتهزل
أرض المذلّة حيث عقّت أمّكم ... وأبوكم أو حيث مزّع [3] بحدل
وقال عمير بن الحباب:
/وردن على الغوير غوير كلب ... كأنّ عيونها قلب انتزاح
أقرّ العين مصرع عبد ودّ ... وما لاقت سراة بني الجلاح
وقائمة تنادي يا لكلب ... وكلب بئس فتيان الصبّاح
وقال عمير أيضا:
__________
[1] ج: «و صرمنا».
[2] كلب الزمان أو الدهر عليهم: أصابهم بالشدائد.
[3] مزع: تقطع وتفرق.
وكلب تركنا جمعهم بين هارب ... حذار المنايا أو قتيل مجدّل
وأفلتنا لمّا التقينا بعاقد ... على سابح عند الجراء ابن بحدل
وأقسم لو لاقيته لعلوته ... بأبيض قطّاع الضّريبة مقصل [1]
/و قال عمير أيضا:
وكلبا تركناهم فلو لا أذلّة ... أدرنا عليهم مثل راغية البكر
وقال جهم القشيريّ:
يا كلب مهلا عن بني عامر ... فليس فيها الجدّ بالعاثر
ولّى حميد وهو في كربة ... على طويل متنه ضامر
بالأمّ يفديها وقد شمّرت ... كالّلبوة الممطولة الكاسر
هلّا صبرتم للقنا ساعة ... ولم تكن بالماجد الصابر؟
وقال عمير:
وأفلتنا ركضا حميد بن بحدل ... على سابح غوج اللّبان مثابر
إذا انتقصت من شأوه الخيل خلفه ... ترامى به فوق الرّماح الشّواجر
لدن غدوة حتى نزلنا عشيّة ... يمرّ كمرّيخ الغلام المخاطر
وقال عمير:
يا كلب لم تترك لكم أرماحنا ... بلوى السّماوة فالغوير مرادا
يا كلب أحرمنا [2] السماوة فانظري ... غير السّماوة في البلاد بلادا
ولقد صككنا بالفوارس جمعكم ... وعديدكم يا كلب حتى بادا
ولقد سبقت بوقعة تركتكم ... يا كلب بالحرب العوان بعادا [3]
/و قال [4] زفر بن الحارث:
__________
[1] الضريبة: كل ما ضربته بسيفك، وربما سمي السيف نفسه ضريبة.
[2] س: أحرمت.
[3] س:
«و لقد سقيت .... ... ... نفادا»
[4] في ف زيادة وهي: «ثم كان من الحروب بين قيس وتغلب والمغاورات ما تقدم ذكره في هذا الكتاب ما يستغنى عن إعادته، فأخذ زفر بن الحارث القطامي بنواحي الجزيرة، وأحاطت به قيس وأرادوا قتله، فحال زفر بينه وبينهم، وحماه، ومنعه، وحمله وكساه، وأعطاه مائة ناقة، وخلى سبيله، فقال القطامي يمدحه في القصيدة التي أولها:
قفي قبل التفرق يا ضباعا
يقول فيها:
ومن يكن استلام إلى ثوى ... فقد أحسنت يا زفر المتاعا
هذا وستأتي هذه القصيدة وتخريجها فيما بعد.
جرى اللّه خيرا كلّما ذرّ [1] شارق ... سعيدا ولاقته التحيّة والرّحب
وحلحلة [2] المغوار للّه جدّه ... فلو لم ينله القتل بادت إذن كلب
بني عبد ودّ لا نطالب ثأرنا ... من الناس بالسّلطان إن شبّت الحرب
ولكنّ بيض الهند تسعر نارنا ... إذا ما خبت نار الأعادى فما تخبو
أبادتكم فرسان قيس فما لكم ... عديد إذا عدّ الحصى لا ولا عقب
بأيديهم بيض رقاق كأنّها ... إذا ما انتضوها في أكفّهم الشّهب
فسبّوهم إن أنتم لم تطالبوا ... بثأركم قد ينفع الطالب السّبّ
/ وما امتنع الأقوام عنّا بنأيهم ... سواء علينا النأي في الحرب والقرب
وقال عمير:
شفيت الغليل من قضاعة عنوة ... فظلّ لها يوم أغرّ محجّل
جزيناهم بالمرج يوما مشهّرا ... فلاقوا صباحا ذا وبال وفتّلوا
فلم يبق إلا هارب من سيوفنا ... وإلّا قتيل في مكرّ [3] مجدّل [4]
/و قال ابن الصّفّار المحاربيّ [5]:
عظمت مصيبة تغلب ابنة وائل ... حتى رأت كلب مصيبتها سوى [6]
شمتوا وكان اللّه قد أخزاهم ... وتريد كلب أن يكون لها أسا [7]
وبكم بدأنا يال كلب قتلهم ... ولعلّنا يوما نعود لكم عسى
أخنت على كلب صدور رماحنا ... ما بين أقبلة الغوير إلى سوا [8]
وعركن بهراء بن عمرو عركة ... شفت الغليل ومسّهم منّا أذى
وقال الرّاعي:
متى نفترش يوما عليما بغارة ... يكونوا كعوص أو أذلّ وأضرعا [9]
__________
[1] ذرت الشمس تذر ذرورا: طلعت وظهرت.
[2] حلحله: حركه وأزاله عن موضعه.
[3] المكر (بالفتح): موضع الحرب.
[4] مجدل: صريع ملقى على الجدالة، أي الأرض.
[5] ج: المحارب.
[6] سوى (بضم السين وكسرها)، أي نصفة وعدل.
[7] أسا بالضم: جمع أسوة.
[8] أقبلة جمع قبالة، وهي ما استقبلك من طريق أو غيره. والغوير: ماء لكلب كما سبق وسوا: ماء لبهراء من ناحية السماوة.
[9] «اللسان» (عوص):
متى يفترش يوما غليم ... ... ... تكونوا
وعليم: أبو بطن، وقيل: هو عليم بن جناب الكلبي. وعوص: اسم قبيلة من كلب. ومعنى نفترش: نصيبهم ونستبيحهم.
وحيّ الجلاح قد تركنا بدارهم ... سواعد ملقاة وهاما مصرّعا
ونحن جدعنا أنف كلب ولم ندع ... لبهراء في ذكر من النّاس مسمعا
قتلنا لو أنّ القتل يشفي صدورنا ... بتدمر ألفا من قضاعة أقرعا [1]
/و قال زفر بن الحارث - وذكر أبو عبيدة أنها لعقيل بن علّفة [2]:
أقرّ العيون أنّ رهط ابن بحدل ... أذيقوا هوانا بالذي كان قدّما
صبحناهم البيض الرّقاق ظباتها ... بجانب خبث والوشيج المقوّما
وجرداء ملّتها الغزاة فكلّها ... ترى قلقا تحت الرّحالة أهضما
بكلّ فتى لم تأبر النّخل أمّه ... ولم يدع يوما للغرائر معكما
وهذه الحروب التي جرت: ببنات قين [3]. فلما ألحّ عمير بالغارات على كلب رحلت حتى نزلت غوريّ [4] الشام، فلما صارت كلب بالموضع [5] الذي صارت قيس، انصرفت قيس في بعض ما كانت تنصرف من غزو كلب، وهم مع عمير، فنزلوا بثني من أثناء الفرات بين منازل بني تغلب، وفي بني تغلب امرأة من تميم يقال لها: أم دويل ناكحة [6] في بني مالك بن جشم بن بكر، وكان دويل من فرسان بني تغلب، وكانت لها أعنز بمجنبة [7]، فأخذوا من أعنزها [8]، أخذها غلام من بني الحريش، فشكوا ذلك إلى عمير فلم يشكهم، وقال: معرّة الجند. فلمّا رأى أصحابه أنه لم يقدعهم وثبوا على بقيّة أعنزها فأخذوها وأكلوها، فلمّا أتاها دويل أخبرته بما لقيت، فجمع/ جمعا ثم سار فأغار على بني الحريش، فلقي جماعة منهم فقاتلوه، فخرج رجل من بني الحريش - زعمت تغلب أنّه مات بعد ذلك - وأخذ ذودا [9] لامرأة من بني الحريش يقال لها: أمّ الهيثم، فبلغ الأخطل الوقعة، فلم يدر ما هي، وقال وهو براذان [10]:
__________
[1] ألف أقرع أي تامة. جاء في «اللسان» (قرع): يقال: سقت إليك ألفا أقرع من الخيل. غيرها أي تاما؛ وهو نعت لكل ألف، كما أن هنيدة اسم لك مائة.
قال الشاعر:
قتلنا لو أن القتل يشفي صدورنا ... بتدمر ألفا من قضاعة أقرعا
هذا، ولم ترد هذه الأبيات في «ديوان الراعي»، وفيه أبيات من الوزن والقافية (ص 97 - 102).
[2] سبق في «الأغاني 12 - 267» أبيات لعقيل بن علفة تتفق مع هذه الأبيات في الوزن والقافية.
[3] بنات قين: اسم موضع كانت به وقعة في زمان عبد الملك بن مروان.
قال عويف القوافي:
صبحناهم غداة بنات قين ... ململمة لها لجب طحونا
«و انظر اللسان» (قين).
[4] الغوري: ما انخفض من الأرض.
[5] من أول قوله: بالموضع إلى كلب: ساقط من نسخة ج. سياق الكلام فيما: فلما صارت كلب وهم مع عمير.
[6] ج: «ناكحا».
[7] ج: «بمحنية».
[8] ج: فأخذوا أعنزا لها فلما رأى أصحابه، وسقط ما بينهما.
[9] الذود: القطيع من الإبل، ما بين الثلاث إلى التسع أو العشر أو الخمس عشرة.
[10] راذان (بالراء والذال): منطقة بسواد بغداد تشتمل على قرى كثيرة.
/
أتاني ودوني الزّابيان [1] كلاهما ... ودجلة [2] أنباء أمرّ من الصّبر
أتاني بأن ابني نزار تهاديا ... وتغلب أولى بالوفاء وبالغدر
فلما تبين الخبر قال:
وجاءوا بجمع ناصري أمّ هيثم ... فما رجعوا من ذودها ببعير
فلمّا بلغ ذلك قيسا أغارت على بني تغلب بإزاء الخابور [3]، فقتلوا منهم ثلاثة نفر، واستاقوا خمسة وثلاثين بعيرا، فخرجت جماعة من تغلب، فأتوا زفر بن الحارث وذكروا له القرابة والجهوار، وهم بقرقيسيا، وقالوا: ائتنا برحالنا وردّ علينا نعمنا، فقال: أما النّعم فنردّها [4] عليكم، أو ما قدرنا لكم عليه، ونكمل لكم نعمكم من نعمنا إن لم نصبها كلّها، وندي لكم القتلى، قالوا له: فدع لنا قريات [5] الخابور، ورحّل قيسا عنها، فإنّ هذه الحروب لن تطفأ ما داموا مجاورينا، فأبى ذلك زفر، وأبواهم أن يرضوا إلّا بذلك، فناشدهم اللّه وألحّ عليهم، فقال له رجل من النّمر كان معهم: واللّه ما يسرّني أنّه وقاني حرب قيس كلب أبقع تركته في غنمي اليوم، وألحّ عليهم زفر يطلب إليهم ويناشدهم،/ فأبوا فقال عمير: لا عليك، لا تكثر، فو اللّه إنّي لأرى عيون قوم ما يريدون إلا محاربنك، فانصرفوا من عنده، ثم جمعوا جمعا، وأغاروا على ما قرب من قرقيسيا من قرى القيسيّة، فلقيهم عمير بن الحباب، فكان النّميريّ الذي تكلّم عند زفر أول قتيل، وهزم التغلبيّين، فأعظم ذلك الحيّان جميعا قيس وتغلب، وكرهوا الحرب وشماتة العدوّ.
فذكر سليمان بن عبد اللّه بن الأصمّ:
أنّ إياس بن الخرّاز، أحد بني عتيبة بن سعد بن زهير، وكان شريفا من عيون تغلب، دخل قرقيسيا لينظر ويناظر زفر فيما كان بينهم، فشدّ عليه يزيد بن بحزن [6] القرشيّ فقتله، فتذمّم زفر من ذلك، وكان كريما مجمّعا لا يحب الفرقة، فأرسل إلى الأمير [7] ابن قرشة بن عمرو بن ربعيّ بن زفر بن عتيبة بن بعج بن عتيبة [8] بن سعد بن زهير بن جشم بن الأرقم بن بكر بن حبيب بن عمرو بن غنم بن تغلب، فقال له: هل لك أن تسود بني [9] نزار فتقبل مني الدّية عن ابن عمّك؟ فأجابه إلى ذلك. وكان قرشة من أشراف بني تغلب، فتلافى زفر ما بين الحيّين، وأصلح بينهم، وفي الصدور ما فيها، فوفد عمير على المصعب بن الزبير، فأعلمه أنه قد أولج قضاعة بمدائن الشام، وأنه لم يبق إلا حيّ من ربيعة أكثرهم نصارى، فسأله أن يولّيه عليهم، فقال: اكتب إلى زفر، فإن هو أراد ذلك وإلّا ولّاك، فلمّا قدم على زفر ذكر له ذلك فشقّ عليه ذلك، وكره أن يليهم عمير فيحيف بهم ويكون ذلك داعية إلى
__________
[1] س: الرابيان. والزابيان: نهران بناحية الفرات، وقيل في سافلة الفرات ويسمى ما حولهما: الزوابي.
[2] س: وداخلت أنباء» ...
[3] الخابور: اسم لنهر كبير بين رأس عين والفرات من أرض الجزيرة، وغلب اسمه على ولاية واسعة.
[4] ج: فترد.
[5] س: «قريات». وقريات هنا هي جمع قرية.
[6] مكانه بياض في ج.
[7] ج: «أمير».
[8] ج: «عتبة».
[9] ج: «ابني».
منافرته، فوجّه إليهم قوما، وأمرهم أن يرفقوا بهم، فأتوا أخلاطا من بني تغلب من مشارق الخابور فأعلموهم الذي وجّهوا به، فأبوا عليهم، فانصرفوا إلى زفر، فردّهم وأعلمهم أنّ المصعب كتب إليه بذلك، ولا يجد بدّا من أخذ ذلك منهم أو محاربتهم، فقتلوا بعض الرسل.
وذكر ابن الأصمّ:
أنّ زفر لمّا أتاه ذلك اشتدّ عليه، وكره استفساد بني تغلب، فصار إليهم عمير بن الحباب فلقيهم قريبا من ماكسين [1] على شاطىء الخابور، بينه وبين قرقيسيا مسيرة يوم، فأعظم فيها القتل.
أسر القطامي
وذكر زياد بن يزيد بن عمير [2] /بن الحباب:
أن القتل استحرّ ببني عتّاب بن سعد، والنّمر، وفيهم أخلاط تغلب، ولكنّ هؤلاء معظم الناس، فقتلوهم بها قتلا شديدا، وكان زفر بن يزيد أخو الحارث بن جشم له عشرون ذكرا لصلبه، وأصيب يومئذ أكثرهم، وأسر القطاميّ الشاعر وأخذت إبله، فأصاب عمير وأصحابه شيئا كثيرا من النّعم، ورئيس تغلب يومئذ عبد اللّه بن شريح بن مرّة بن عبد اللّه بن عمرو بن كلثوم بن مالك بن عتّاب بن سعد بن زهير بن جشم، فقتل، وقتل أخوه، وقتل مجاشع بن الأجلح، وعمرو بن معاوية من بني خالد بن كعب بن زهير، وعبد الحارث بن عبد المسيح الأوسيّ، وسعدان بن عبد يسوع بن حرب [3]، وسعد ودّ بن أوس من بني جشم بن زهير، وجعل عمير يصيح بهم: «ويلكم لا تستبقوا [4] أحدا» ونادى رجل من بني قشير يقال له النّدّار: «أنا [5] جار لكلّ حامل أتتني، فهي آمنة»، فأتته الحبالى، فبلغني أنّ المرأة كانت تشدّ على بطنها الجفنة من تحت ثوبها تشبيها بالحبلى بما جعل لهنّ. فلمّا اجتمعن له بقر/ بطونهنّ فأفظع ذلك زفر وأصحابه، ولام زفر عميرا فيمن بقر من النّساء، فقال ما فعلته ولا أمرت به، فقال في ذلك الصفّار المحاربيّ:
بقرنا منكم ألفي بقير ... فلم نترك لحاملة جنينا
وقال الأخطل يذكر ذلك:
فليت الخيل قد وطئت قشيرا ... سنابكها وقد سطع الغبار
فنجزيهم ببغيهم علينا ... بني لبنى بما فعل الغدار
وقال الصّفّار:
تمنّيت بالخابور قيسا فصادفت ... منايا لأسباب وفاق على قدر
وقال جرير:
نبّئت أنّك بالخابور ممتنع ... ثم انفرجت انفراجا بعد إقرار [6]
__________
[1] ج: «من ماكس». وماكسين (بكسر الكاف والسين) كما في «معجم البلدان».
[2] ج: «زيادة بني يزيد».
[3] «ابن حرب»، لم تذكر في ج.
[4] ج: «لا تسبقوا».
[5] ج «إذا»، تحريف.
[6] س: «إقدار».
فقال زفر بن الحارث يعاتب عميرا بما كان منه في الخابور:
ألا من مبلغ عنّي عميرا ... رسالة عاتب وعليك زاري
أتترك [1] حيّ ذي كلع وكلب ... وتجعل [2] حدّ نابك في نزار
كمعتمد على إحدى يديه ... فخانته بوهي وانكسار
زفر يخلي سبيل القطامي فيمدحه
ولمّا أسر القطاميّ أتى زفر [3] بقرقيسيا فخلّى سبيله، ورد عليه مائة ناقة، كما ذكر أدهم بن عمران العبديّ، فقال القطاميّ يمدحه:
قفى قبل التفرّق يا ضباعا ... ولا يك موقف منك الوداعا
/ قفي فادي أسيرك إنّ قومي ... وقومك لا أرى لهم اجتماعا [4]
ألم يحزنك أنّ حبال قيس ... وتغلب قد تباينت انقطاعا
فصارا ما تغبّهما أمور ... تزيد سنا حريقتها ارتفاعا [5]
كما العظم الكسير يهاض حتى ... يبتّ وإنّما بدأ انصداعا [6]
/فأصبح سبل ذلك قد ترقى [7] ... إلى من كان منزله يفاعا [8]
فلا تبعد دماء ابني نزار ... ولا تقرر عيونك يا قضاعا [9]
ومن يكن استلام إلى ثويّ ... فقد أحسنت يا زفر المتاعا [10]
__________
[1] ج: «أيترك».
[2] ج: «و تحمل».
[3] ج: «بني زفر».
[4] في «الديوان 37»: «قومي وقومك»، يعني قيسا وتغلب في حربهم التي كانت بينهم.
[5] س:
«قصارى ما نبثهما أمورا ... ندير سنا ... »
وفي ج: يدير. وفي «الديوان 37»:
وصارا ما تغبهما أمور ... تزيد سنا حريقهما ...
وتغبهما، أي تأتي يوما وتغيب عنهم يوما، يقال: أغب وغب رباعيا وثلاثيا.
[6] يهاض: يكسر بعد الجبور، يبت: ينقطع، يقال: بت الشيء (بالرفع) يبت (بكسر الباء) بتوتا.
«و في الديوان 37»: يقول: كما أن العظم إنما انصدع فلم يتدارك بالجبر حتى يعظم فلم يقدر على إصلاحه. ويروى: كما العظم بالجر، وما صلة (زائدة) يريد كالعظم يهاض أي كعظم كلما جبر هيض فكسر حتى يبت أي ينكسر وإنما كان صدعا.
[7] ج، س: «سيل ذلك حين ترقى».
[8] اليفاع: المرتفع من كل شيء، يكون في المشرف من الأرض والجبل والرمل وغيرها.
[9] س، و «بيروت»: «بني»، وما أثبتناه من «الديوان» والمراد با بني نزار: مضر وربيعة، يريد قيسا وتغلب. لا تبعد: لا تهلك، وهي جملة دعائية ترد كثيرا في الشعر. ولا تقرر: لا تبرد أي لا زال دمعها سخينا: لأن دمع الفرح بارد ودمع الحزن سخين.
[10] س:
ومن يكن استنام إلى التوقي ... فقد أحسنت يا زفر المتاعا
وفي «الديوان» 41:
أكفرا بعد ردّ الموت عنّي ... وبعد عطائك المائة الرّتاعا [1]
/فلو بيدي سواك غداة زلّت ... بي القدمان لم أرج اطّلاعا [2]
إذن لهلكت لو كانت صغار ... من الأخلاق تبتدع ابتداعا [3]
فلم أر منعمين أقلّ منّا ... وأكرم عند ما اصطنعوا اصطناعا
من البيض الوجوه بني نفيل ... أبت أخلاقهم إلّا اتّساعا
بني القرم الذي علمت معدّ ... تفضّل قومها سعة وباعا [4]
وقال أيضا:
يا زفر بن الحارث بن الأكرم ... قد كنت في الحرب قديم المقدم [5]
إذ أحجم القوم ولمّا تحجم ... إنّك وابنيك حفظتم محرمي
وحقن اللّه بكفّيك دمي ... من بعد ما جفّ لساني وفمي [6]
أنقذتني من بطل [7] معمّم ... والخيل تحت العارض المسوّم [8]
وتغلب يدعون: يا للأرقم
/ وقال أيضا [9]:
يا ناق خبّي خببا زورّا [10] ... وقلّبي منسمك المغبرا
وعارضي اللّيل إذا ما اخضرّا ... سوف تلاقين [11] جوادا حرّا
__________
ومن يكن استلام إلى ثوي ... فقد أكرمت يا زفر المتاعا
استلام الرجل إلى الناس: استذمهم بفعل ما يلام ويذم عليه. والثوى: الضيف والمقيم. والمتاع: الزاد. وفي «اللسان» (لوم): إلى نوى بدل ثوى.
[1] الرتاع: التي ترعى كيف شاءت في خصب وسعة.
[2] ج، س: فلم يبدو بدل فلو بيدي. ويريد بقوله: لم أرج اطلاعا: أي نجاة وقوة على الأمور.
[3] س:
« ... صغارا ... ... تنتزع انتزاعا»
وفي «الديوان 42 وبقية النسخ» كما هنا.
[4] «الديوان 42». تفرع قومها. ومعناه علاهم وفاقهم. والقوم من الرجال: السيد المعظم. وفي س: «القوم».
[5] «الديوان 30»:
«كريم المقدم»
وفي ج: «الحي» بدل الحرب.
[6] «الديوان 30»:
قد حقن ... ... ... ذب لساني
وفيه: ويروى:
أنت وأبناؤك صنتم محرمي ... تحت العوالي بعد ما ذب فمي
وحقن اللّه بأيديكم دمي
[7] س: بطر.
[8] «في الديوان 30»: والخيل (بالجر) عطف على بطل.
[9] «الديوان»: وقال يمدح زفر.
[10] س: «مزورا».
[11] س: «تلقين». وقبل هذا البيت في «الديوان 30».
أخبرك البارح حين مرا ... سوف ...
سيّد قيس زفر الأغرّا ... ذاك الذي بايع ثمّ برّا
ونقض الأقوام واستمّرا ... قد نفع اللّه به وضرّا
وكان في الحرب شهابا مرّا
وقال أيضا:
كأنّ في المركب حين راحا ... بدرا يزيد البصر انفضاحا [1]
ذا بلج ساواك أنّي امتاحا [2] ... وقرّ عينا ورجا الرّباحا
أ لا ترى ما غشي الأركاحا [3] ... وغشي الخابور والأملاحا [4]
يصفّقون بالأكفّ الرّاحا
/ وقال فيه أيضا [هذه القصيدة التي فيها الغناء المذكور بذكر أخبار القطاميّ [5]]:
ما اعتاد حبّ سليمى حين معتاد ... ولا تقضّى بواقي دينها الطادي [6]
بيضاء محطوطة المتنين بهكنة ... ريّا الرّوادف لم تمغل بأولاد [7]
ما للكواعب ودّعن الحياة كما ... ودّعننى واتّخذن الشّيب ميعادي [8]
أبصارهنّ إلى الشّبّان مائلة ... وقد أراهنّ عنّي غير صدّاد
إذ باطلي لم تقشّع جاهليّته ... عنّي ولم يترك الخلّان تقوادي
كنّية الحيّ من ذي القيضة [9] احتملوا ... مستحقبين فؤادا [10] ما له فادي
بانوا وكانوا [11] حياتي في اجتماعهم ... وفي تفرّقهم قتلي وإقصادي
يقتلننا بحديث ليس يعلمه ... من يتّقين ولا مكنونه بادي [12]
__________
«الديوان 29»: كأن في الموكب حين لاحا.
[1] «الديوان»: يزيد النظر انفساحا.
[2] «الديوان»: أفلح ساق بيديك امتاحا.
[3] الأركاح: الأفنية. وفي س: «الأكراحا».
[4] الأملاح. موضع. ونهر الخابور معروف.
[5] الأبيات التسعة الأولى لم ترد في س ولا ج.
[6] «الديوان 7»: «و ما تقضي».
[7] محطوطة المتنين: ممدودتهما («اللسان» حطط وأورد البيت). الممغل من النساء: التي تلد كل سنة وتحمل قبل فطام الصبي. وقد استشهد «صاحب اللسان» (مغل) ببيت القطامي على هذا المعنى، وقال في شرحه: يقول: لم يكثر ولدها فيكون ذلك مفسدة لها ويرهل لحمها.
[8] «في الشعر والشعراء 724»: «ما للعذارى». وفي «الديوان 7»: «ما للكواعب»، كما هنا.
[9] «الشعر والشعراء»: من ذي القيظة .. وفي «الديوان»: الغضبة، ويروى من ذي الغبضة وهو مكان.
[10] «الديوان 8»: أسيرا والمراد الفؤاد. ومعنى استحقب: احتمل. يريد الشاعر أن يقول: أن الكواعب ودعنه كما ودعه حي كان كلفا بهم واحتملوا معه فؤاده أسيرا لا يجد من يفديه.
[11] «الشعر والشعراء»: «و كانت حياتي».
[12] «الديوان 8»: «لا مكتومة».
فهنّ ينبذن من قول يصبن به ... مواقع الماء من ذي الغلّة الصّادي
يقول فيها في مدح زفر بن الحارث:
من مبلغ زفر القيسيّ مدحته ... من القطاميّ قولا غير إفناد [1]
/إنّي وإن كان قومي ليس بينهم ... وبين قومك إلّا ضربة الهادي
مثن عليك بما استبقيت معرفتي ... وقد تعرّض منّي مقتل بادي [2]
فلن أثيبك [3] بالنّعماء مشتمة ... ولن أبدّل إحسانا بإفساد
فإن هجوتك ما تمّت مكارمتي ... وإن مدحت [4] فقد أحسنت إصفادي
وما نسيت مقام الورد [5] تحبسه [6] ... بيني وبين حفيف الغابة الغادي
لو لا كتائب من عمرو تصول [7] بها ... أرديت يا خير من يندو له النّادي [8]
/إذ لا ترى العين إلا كلّ سلهبة ... وسابح مثل سيد الرّدهة العادي [9]
إذ الفوارس من قيس بشكّتهم ... حولي شهود وما قومي بشهّادي [10]
إذ يعتريك رجال يسألون دمي ... ولو أطعتهم أبكيت عوّادي
فقد عصيتهم والحرب مقبلة ... لا بل قدحت زنادا غير صلّاد [11]
__________
[1] هنا أول ما جاء في نسختي ج، س من هذه القصيدة.
[2] س: «و قد تعرض لي في مقتل بادي».
[3] س: فلن أبدل بالنعماء مشتمة.
[4] «الديوان 10»: لقد.
[5] زيد في بعض النسخ: قال أبو عمر: الورد: فرس كان لزفر بن الحارث.
[6] س: تحسنه. وفي هامش «الديوان 10» نقلا عن إحدى النسخ: تجعله.
[7] س: يصول.
[8] قبل هذا البيت في «الديوان» بيت لم يذكر هنا، وهو:
قتلت بكرا وكلبا واشتليت بنا ... وقد أردت بأن يستجمع الوادي
اشتليت بنا: اتبعتنا.
[9] السلهب والسلهبة: الفرس الطويل. والسيد: الذئب. والردهة: شبه أكمة كثيرة الحجارة. عن الخليل.
[10] ج، س: «و قومي غير أشهاد». والشكة: السلاح الكامل.
[11] ج: «غير أصلاد. والصلاد: الزند الذي لا يورى.
وفي مخطوطة ف، صفحة 134 بعد هذا البيت: ومدحه بقصائد أخرى كرهت الإطالة بذكرها.
صوت
زارتك سلمى وكان السجن قد رقدا ... ولم يخف من عدو كاشح رصدا
لقد وفت لك سلمى بالذي وعدت ... لكن عقبة لم يوف الذي وعدا
- عروضه من البسيط.
الشعر لابن مفرغ الحميري. والغناء لابن سريج، رمل بالوسطى عن أحمد بن المكي وفيه لقراد لحن من كتاب إبراهيم غير مجنس.
وقد تقدمت أخبار ابن مفرغ مستقصاة فيما مضى.
راجع «الأغاني 18 من 254 إلى 298 من طبعة دار الكتب».
/
والصّيد آل نفيل خير قومهم ... عند الشتاء إذا ما ضنّ بالزّاد
المانعون غداة الرّوع جارهم ... بالمشرفيّة من ماض ومنآد [1]
أيّام قومي مكاني منصب لهم ... ولا يظنّون إلّا أنّني رادي [2]
فانتاشني لك من غمّاء مظلمة [3] ... حبل تضمّن إصداري وإيرادي
ولا كردّك مالي [4] بعد ما كربت ... تبدي الشماتة [5] أعدائي وحسّادي
فإن قدرت على خير [6] جزيت به ... واللّه يجعل أقواما بمرصاد
قال ابن سّلام: فلما سمع زفر هذا قال: لا أقدرك اللّه على ذلك.
وقال أيضا:
ألا من مبلغ زفر بن عمرو ... وخير القول ما نطق الحكيم [7]
/أبيّ ما يقاد الدّهر قسرا [8] ... ولا لهوى المصرّف يستقيم
أنوف حين يغضب مستعزّ [9] ... جنوح [10] يستبدّ به العزيم [11]
فما آل الحباب [12] إلى نفيل [13] ... إذا عدّ الممهّل والقديم
كأنّ أبا الحباب إلى نفيل ... حمار عضّه فرس عذوم [14]
__________
صوت
ما شأن عينك طلة الأجفان ... مما تفيض مريضة الإنسان
مطروقة تهمي الدموع كأنها ... وشل تشلشل دائم التهتهان
الشعر: لعمارة بن عقيل. والغناء لمتيم ثاني ثقيل بالوسطى.
وفي نفس الصفحة بعده.
أخبار عمارة بن عقيل.
[1] ج: «قاص» بدل «ماض». وس: ومن ناد بدل: منآد. ومنآد أي معوج.
[2] س: منصت بدل منصب.
[3] في «الديوان 12»: من غبراء مظلمة. وفي س: فانتأتني بدل فانتاشني. ومعناها: تداركني.
[4] «الديوان»: كردك عني.
[5] س: الشماة بدل الشماتة، تحريف.
[6] «الديوان»: «يوم» بدل: «خير».
[7] هذه الأبيات في «البيان: 54».
[8] ج، س: «ما يعاب الدهر قصرا».
[9] س، ب: «مستفز».
[10] ج، س: «جموع».
[11] ج، س: الغريم، والعزيم والعزيمة واحد.
[12] ج، س: الحبيب. والحباب هو جد عمير بن الحباب.
[13] بنو نفيل من بني عمرو بن كلاب بن عامر بن صعصعة، ومن بني نفيل في الإسلام زفر بن الحارث الذي يمدحه القطامي هنا «الاشتقاق: 297» والممهل: المتروك المنسي.
[14] الفرس العذوم (بالذال): يعذم بأسنانه أي يكدم ويعض.
بنى لك عامر [1] وبنو كلاب ... أروما ما يوازيه [2] أروم
أحسن الإسلاميين ابتداء قصيد
أخبرني أحمد بن جعفر جحظة، قال: حدّثني علي بن يحيى المنجّم، قال: سمعت من لا أحصي من الرّواة يقولون:
أحسن الناس ابتداء قصيد في الجاهليّة امرؤ القيس، حيث يقول:
ألا عم صباحا أيها الطّلل البالي [3] ..
وحيث يقول:
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل ..
/ وفي الإسلاميين القطاميّ، حيث يقول:
إنا محيّوك فاسلم أيها الطّلل [4]
وفي المحدثين بشار، حيث يقول:
أبى طلل بالجزع أن يتكلّما ... وماذا عليه لو أجاب متيّما؟ [5]
وبالفرع آثار لهند وباللّوى ... ملاعب ما يعرفن إلّا توهّمّا
شعر القطامي بين الأخطل والشعبي عند عبد الملك
نسخت من كتاب أحمد بن الحارث الخرّاز - ولم أسمعه من أحد، وهو خبر فيه طول اقتصرت [6] منه على ما فيه من خبر القطاميّ - قال أحمد بن الحارث الخرّاز: حدّثني المدائنيّ، عن عبد الملك بن مسلم، قال:
قال عبد الملك بن مروان للأخطل، وعنده عامر الشّعبي: أتحبّ أن لك قياضا [7] بشعرك شعر أحد من العرب أم [8] تحبّ أنك قلته؟ قال:
لا واللّه يا أمير المؤمنين، إلا أنّي وددت أني كنت قلت أبياتا قالها رجل منّا مغذف القناع، قليل السّماع، قصير الذّراع، قال: وما قال؟ فأنشد قول القطاميّ [9]:
إنّا محيّوك فاسلم أيّها الطّلل ... وإن بليت وإن طالت بك الطّيل [10]
__________
[1] المراد عامر بن صعصعة. وكلاب: جد بني نفيل الذين منهم زفر بن الحارث.
[2] «الديوان 56»: «ما يوازنه».
[3] تكملته:
وهل يعمن من كان في العصر الخالي
وهو مطلع قصيدة تضم أربعة وخمسين بيتا.
[4] ستأتي تكملته في الصفحة التالية.
[5] الخبر والأبيات ما عدا البيت الثاني لبشار في «خزانة الأدب: 2/ 371».
[6] ج: «اختصرت» وقد ورد هذا الخبر من قبل في أخبار النابغة الذبياني («الأغاني» ط. دار الكتب: 11 - 21 وما بعدها).
[7] القياض: المقايضة، أي العوض والبدل.
[8] في «الأغاني 11 - 23» (دار): «أو تحب».
[9] ج: فأنشده القطامي قوله.
[10] هذه الأبيات من القصدة الأولى في «ديوانه»، وأبياتها اثنان وأربعون. وفي «الصحاح»: الطول ويروى الطيل. ومعنى طال طولك وطيلك أي عمرك ويقال: غيبتك، ويقال أيضا: طال طيلك وطولك ساكنة الياء والواو وطوالك وطيالك.
/
ليس الجديد [1] به تبقى بشاشته ... إلا قليلا ولا ذو خلّة يصل
والعيش لا عيش [2] إلا ما تقرّ به ... عين ولا حال إلا سوف تنتقل [3]
إن ترجعي من أبي عثمان منجحة ... فقد يهون على المستنجح العمل
والناس من يلق خيرا قائلون له ... ما يشتهي ولأمّ المخطىء الهبل
قد يدرك المتأنّي بعض حاجته ... وقد يكون مع المستعجل الزّلل
حتى أتى على آخرها [4].
قال الشّعبيّ: فقلت له: قد قال القطاميّ أفضل من هذا، قال: وما قال؟ قلت: قال [5]:
طرقت جنوب رجالنا من مطرق ... ما كنت أحسبها قريب المعتق [6]
قطعت إليك بمثل حيد جداية ... حسن معلّق تومتيه مطوّق [7]
/و مصرّعين من الكلال كأنّما ... بكروا الغبوق من الرّحيق المعتق [8]
متوسّدين ذراع كلّ شملّة ... ومفرّج عرق المقذّ منوّق [9]
وجثت على ركب تهدّ بها الصّفا ... وعلى كلاكل كالنّقيل المطرق [10]
وإذا سمعن إلى هماهم رفقة ... ومن النّجوم غوابر لم تخفق [11]
__________
[1] الضمير في به يعود على الدهر في بيت سابق لم يذكر هنا، وهو:
كانت منازل منا قد تحل بها ... حتى تغير دهر خائن خبل
[2] ج: والعيش عيش.
[3] ليس هذا البيت تاليا لسابقه في «الديوان» فهو البيت الثالث والثلاثون، وما قبله هو البيت السابع في القصيدة. ولهذا نشير إلى أن الخطاب في ترجعي لناقته الواردة في بيت سابق لم يذكر هنا وهو:
أقول للحرف لما أن شكت أصلا ... مت السفار وأفني فيها الرحل
(الحرف: الناقة الضامرة الصلبة. ومت: مد. والسفار: حديدة توضع على أنف البعير مكان الحكمة من الفرس. والني. الشحم).
[4] «الديوان من ص 1 إلى ص 7».
[5] قلت: قال: سقطت من ج.
[6] القصيدة في «الديوان من ص 32 إلى 36» وعدد أبياتها اثنان وأربعون والأبيات التي جاءت هنا سبقت مع الخبر في «الأغاني 11/ 23» وما بعدها.
والمعنق مصدر ميمي من أعنق: سار سيرا سريعا أو هو مكان أي المكان الذي أعنقت منه.
[7] الجداية بكسر الجيم وفتحها: الغزالة، وقال الأصمعي: هي بمنزلة العناق من الغنم. والتومة (بضم التاء): حبة تعمل من الفضة كاللؤلؤة. وفي س: «حسن المعلق ترتجيه».
[8] في «الديوان 33»: شربوا الغبوق من الطلاء المعرق (و المعرق بصيغة اسم المفعول من أعرقت الكأس وعرقّها «بالتشديد» إذا أقللت ماءها، وفي «الأغاني 11: 24 من طبعة دار الكتب»: شربوا الغبوق من الرحيق المعرق. ويراد بالمعتق هنا بصيغة اسم الفاعل:
التي صارت ذات عتق أي قدم، وهي المعتقة.
[9] في «الديوان 33 والأغاني 11/ 24 من طبعة دار الكتب واللسان» (فرج): كل نجيبة بدل شملة. والشملة: الناقلة الخفيفة. والمقذ:
ما بين الأذنين من خلف، والجمل المنوق: المذلل الذي أحسنت رياضته.
[10] في «الديوان»: بركت بدل: وجثت وفي س: كالثقيل بدل كالنفيل جميع نفيلة وهي رقعة النعل. والمطرق: الذي وضع بعضه فوق بعض.
[11] بالنسخ: لم تلحق وما أثبتناه من «الديوان 33 والأغاني 11/ 24 من طبعة دار الكتب» أي لم تغب.
جعلت تميل خدودها آذانها ... طربا بهنّ إلى حداء السّوّق [1]
كالمنصتات إلى الزّمير [2] سمعنه ... من رائع لقلوبهنّ مشوّق
فإذا نظرن إلى الطّريق رأينه ... لهقا كشاكلة الحصان الأبلق [3]
وإذا تخلّف بعدهنّ لحاجة ... حاد يشسّع نعله لم يلحق [4]
/و إذا يصيبك - والحوادث جمّة - ... حدث حداك إلى أخيك الأوثق [5]
ليت الهموم عن الفؤاد تفرّجت ... وخلا التّكلّم للّسان المطلق [6]
قال: فقال عبد الملك بن مروان: ثكلت القطاميّ أمّه، هذا واللّه الشّعر، قال: فالتفت إليّ الأخطل فقال لي [7]: يا شعبيّ، إن لك فنونا في الأحاديث، وإنما لنا فنّ واحد، فإن رأيت ألّا تحملني على أكتاف قومك فأدعهم حربي [8] فقلت: وكرامة [9]، لا أعرض لك في شعر أبدا، فأقلني هذه [10] المرّة.
ثم التفتّ إلى عبد الملك بن مروان، فقلت: يا أمير المؤمنين: أسألك أن تستغفر لي الأخطل، فإني لا أعاود ما يكره، فضحك عبد الملك بن مروان وقال: يا أخطل إن الشّعبيّ في جواري، فقال: يا أمير المؤمنين: قد بدأته بالتحذير، وإذا ترك ما نكره لم نعرض له إلا بما يحب. فقال عبد الملك بن مروان للأخطل: فعليّ ألّا يعرض لك إلا بما تحبّ أبدا، فقال له الأخطل: أنت تتكفّل بذلك يا أمير المؤمنين؟ قال عبد الملك بن مروان: أنا أكفل به، إن شاء اللّه تعالى.
__________
وفي «الديوان»:
فإذا سمعن هماهما من رفقة
والهماهم: جمع همهمة وهي ترديد الصوت في الصدر.
[1] في «الديوان 33» بعد هذا البيت رواية أخرى لأبي نصر، هي:
كانت خدود هجانهن ممالة ... أنقابهن إلى حداء السوق
الأنقاب: جمع نقب (بفتح النون والقاف) أي أذن.
وفي س: إلى حداة. وفي ج: حدات بدل حداء.
[2] س: إلى زئير. وفي ج بياض مكان كلمة الزمير.
ورواية «الديوان»: كالمنصتات إلى الحديث، وفي «الأغاني 11/ 24 من طبعة دار الكتب»: كالمنصتات إلى الغناء.
[3] «الأغاني 11/ 24 من طبعة دار الكتب»: وإذا، وفي «الديوان 34»: وإذا لحظن. واللهق: الأبيض الذي ليس بذي بريق. والشاكلة: الخاصرة.
[4] ج: يشعشع بدل: يشع أي يجعل لها شعا، وهو سير يدخل بين الإصبعين ويدخل طرفه في الثقب الذي في صدر النعل.
[5] في «الديوان 36»: وإذا أصابك. وجواب إذا في بيت تال لم يرد في «الأغاني» وهو:
فهم الرجال وكل ذلك منهم ... تجدن في رحب وفي متضيق
[6] في «الديوان 34»:
لئن الهموم، بدل: ليت الهموم.
وجواب القسم في بيت تال في «الديوان» لم يرد هنا وهو:
لأعلقن على المطي قصائدا ... أذر الرواة بها طويلي المنطق
[7] س: فقا له.
[8] في «الأغاني 11 - 25 من طبعة دار الكتب» فأدعهم حرضا أي أجعلهم ارذل الناس. حربي هنا جمع حرب وهو من اشتد غضبه.
[9] وكرامة: لم ترد في رواية الجزء الحادي عشر.
[10] في «الأغاني 11 - 25 من طبعة دار الكتب»: «في هذه».
صوت
يا بن الذين سما كسرى لجمعهم ... فجلّلوا وجهه قارا بذي قار [1]
دوّخ خراسان بالجرد العتاق وبا ... لبيض الرّقاق بأيدي كلّ مسعار [2]
الشّعر لأبي نجدة - واسمه لجيم [3] بن سعد - شاعر من [4] بني عجل.
أخبرني بذلك جماعة من أهله/ وكان أبو نجدة هذا مع أحمد بن عبد العزيز بن دلف بن أبي دلف، منقطعا إليه.
والغناء لكنيز دبّة [5]، ولحنه فيه خفيف [6] بالبنصر، ابتداؤه نشيد.
مناسبة قوله هذا الشعر
وكان سبب قوله هذا الشعر أنّ قائدا من قوّاد أحمد بن عبد العزيز التجأ [7] إلى عمرو بن اللّيث، وهو يومئذ بخراسان، فغمّ ذلك أحمد وأقلقه [8]، فدخل عليه أبو نجدة، فأنشده هذين البيتين، وبعدهما:
يا من تيمّم عمرا يستجير به ... أما سمعت ببيت فيه سيّار [9]
/المستجير بعمرو عند كربته ... كالمستجير من الرّمضاء بالنّار [10]
فسرّ أحمد بذلك، وسرّي عنه [11]، وأمر لأبي نجدة بجائزة، وخلع عليه وحمله، وغنّى [12] فيه كنيز لحنه هذا [13]، وهو لحن حسن مشهور في عصرنا هذا، فأمر لكنيز أيضا بجائزة، وخلع عليه وحمله.
سمعت أبا عليّ محمد بن المرزبان يحدّث أبي - رحمه اللّه - بهذا على سبيل المذاكرة، وكانت بيننا وبين آل المرزبان مودّة قديمة وصهر.
__________
[1] راجع الهامش الأول في ذكر نسب القطامي وأخباره، عن موقع هذا الصوت في النسخ وقوله: لجمعهم، في خد: بجمعهم.
وذوقار: ماء لبكر بن وائل قريب من الكوفة، وبه كانت الوقعة المشهورة بين بكر بن وائل والفرس.
[2] الجرد جمع أجرد، وهو الفرس القصير الشعر - وكذلك غيره من الدواب، وذلك من علامات العتق والكرم. والمسعر والمسعار:
الشجاع موقد الحرب.
[3] ج، س: لحيم. والصواب بالجيم.
[4] التجريد: شاعر بني عجل.
[5] خد، ف: لكثير دبة.
[6] خد، ف: خفيف ثقيل.
[7] خد: هرب.
[8] ف: فغم ذلك وأقلق أحمد.
[9] بدأ في التجريد 2445 بالبيت الثاني.
[10] عمرو في البيت الأول هو عمرو بن الليث المذكور في المتن، وعمرو في البيت الثاني هو عمرو بن الحارث الذي كان مع جساس بن مرة عند قتل كليب بن ربيعة، فطلب منه كليب أن يغيثه بشربة ماء فأبى فانصرف عنه، ثم طلب من عمرو أي يغيثه بشربة ماء فنزل إليه فأجهز عليه فقيل هذا البيت (راجع «الفاخر» للمفضل بن سلمة: 94).
[11] ج: وسرى بأبي نجدة عنه.
[12] خد: بجائزة وغنى.
[13] «لحنه هذا»: لم ترد في ج بل جاء فيها: غنى فيه كنيز وخلع عليه وحمله.
5 - خبر وقعة ذي قار [1] التي فخر بها في هذا الشعر
أخبرنا بخبرها عليّ بن سليمان الأخفش، عن السّكريّ، عن محمد بن حبيب، عن ابن الكلبيّ، عن خراش [2] ابن إسماعيل. وأضفت إلى ذلك رواية الأثرم عن أبي عبيدة، وعن هشام أيضا، عن أبيه، قالوا:
كان من حديث ذي قار أنّ كسرى أبرويز بن هرمز لمّا غضب على النّعمان بن المنذر أتى النّعمان هانىء بن مسعود بن عامر بن عمرو بين ربيعة بن ذهل بن شيبان [3]، فاستودعه ماله وأهله وولده [4]، وألف شكّة، ويقال:
أربعة آلاف شكّة - قال ابن الأعرابيّ: والشّكّة: السّلاح كلّه [5] - ووضع وضائع [6] عند أحياء من العرب [7]، ثم هرب وأتى طيّئا [8] لصهره فيهم.
/ وكانت عنده فرعة بنت سعيد [9] بن حارثة بن لأم [10]، وزينب بنت أوس بن حارثة، فأبوا أن يدخلوه جبلهم [11]، وأتته بنو رواحة بن ربيعة بن عبس [12]، فقالوا له: «أبيت اللّعن، أقم عندنا، فإنّا مانعوك ممّا نمنع منه أنفسنا»، فقال: ما أحبّ أن تهلكوا بسببي، فجزيتم [13] خيرا.
ثم خرج حتى وضع يده في يد كسرى، فحبسه بساباط [14]، ويقال بخانقين [15] - وقد مضى خبره [16] مشروحا
__________
[1] يشمل: يوم قراقر، ويوم الحنو حنو ذي قار، ويوم حنو قراقر، ويوم الجبايات، ويوم ذي العجرم، ويوم الغذوان، ويوم البطحاء:
بطحاء ذي قار. وكل هذه المواضع حول ذي قار «تاريخ الطبري 2: 193».
وفي «تاريخ الطبري»: قال أبو عبيدة: وقال بعضهم: لم يدرك هانىء بن مسعود هذا الأمر إنما هو هانىء بن قبيصة بن هانىء بن مسعود وهو الثبت عندي.
[2] ج: حراس.
[3] في «تاريخ الطبري 2: 206»: ابن عامر الخصيب بن عمرو المزدلف بن أبي ربيعة بن ذهل بن شيبان بن ثعلبة.
[4] «ولده»: لم تذكر في ف وفي «المختار» 3: 543: «ماله وولده وأهله» -
[5] «التجريد»: «السلاح الكامل».
[6] س: ودائع. وما أثبتناه من: ج، خد، ف، «و المختار». وفي «معجم البلدان»: «ثم وضع وضائع له عند أحياء من العرب واستودع ودائع» -
[7] «المختار»: أحياء العرب.
[8] «المختار»: فأتى. ج: وأتاه طيئا.
[9] في الجزء الثاني من «الأغاني» (دار): 125: فرعة بنت سعد.
[10] «لأم»: لم تذكر في ب.
[11] خد: خيلهم. وفي الجزء الثاني من «الأغاني 125 من طبعة دار الكتب» الجبلين، يعني جبل طيى ء: (أجأ وسلمى).
[12] خد: من عبس - وفي الجزء الثاني 125 من طبعة دار الكتب: ربيعة بين قطيعة بن عبس.
[13] خد، ف، «المختار». وفي غيرها: «و جزاهم».
[14] ساباط: بلد بما وراء النهر بالقرب من سمرقند، وكانت لكسرى أبروير.
[15] خانقين: بلد من نواحي السواد في طريق همذان من بغداد.
[16] ف: مضت أخباره مشروحة.
في أخبار عديّ بن زيد [1] - قالوا: فلمّا هلك النعمان جعلت بكر بن وائل تغير على [2] السّواد [3]، فوفد قيس بن مسعود بن قيس بن خالد ذي الجدّين [4]، بن عبد اللّه [5] بن عمرو إلى كسرى، فسأله أن يجعل له أكلا وطعمة، على أن يضمن له على بكر بن وائل ألّا يدخلوا السّواد ولا يفسدوا فيه، فأقطعه الأبلّة [6] وما والاها.
/ وقال: هل [7]، تكفيك وتكفي أعراب قومك؟ .. وكانت له حجرة [8] فيها مائة [9] من الإبل للأضياف، إذا نحرت ناقة ردّت مكانها ناقة أخرى [10] وإيّاه عنى الشّماخ بقوله:
فادفع بألبانها عنكم كما دفعت ... عنهم لقاح بني قيس بن مسعود [11]
قال: فكان [12] يأتيه من أتاه منهم فيعطيه جلّة تمر وكرباسة [13]، حتى قدم الحارث بن وعلة بن مجالد [14] بن يثربيّ بن الدّيّان بن الحارث بن مالك بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة، والمكسّر بن حنظلة [15] بن حييّ بن ثعلبة [16] بن سيار بن حييّ بن [17] حاطبة بن الأسعد [18] بن جذيمة بن سعد بن عجل بن لجيم [19]، فأعطاهما/ جلتي تمر وكرباستين، فغضبا وأبيا أن يقبلا ذلك منه، فخرجا واستغويا [20] /ناسا من بكر بن وائل، ثم أغارا على السّواد، فأغار الحارث على أسافل رودميسان [21] وهي من جرد [22]، وأغار المكسّر على الأنبار، فلقيه رجل من العباديّين [23]
__________
[1] «الأغاني» (دار): 2: 125.
[2] ج، س و«المختار»: «في السواد».
[3] السواد: رستاق العراق وضياعها التي فتحها المسلمون على عهد عمر بن الخطاب. وحد السواد من حديثة الموصل إلى عبادان طولا، ومن العذيب إلى حلوان عرضا.
[4] س، وبيروت: ابن ذي الجدين، وما أثبتناه من ج، ف، و«المختار، والاشتقاق»: 359.
[5] من خد، ف، و«المختار».
[6] الأبلة: بلدة على شاطىء دجلة في زاوية الخليج الذي يدخل إلى مدينة البصرة.
[7] ف: هي تكفيك.
[8] الحجرة: حظيرة الإبل.
[9] خد: مائة ناقة من الأبل.
[10] س: أقيدت أخرى.
[11] «ديوان الشماخ (ذحائر)»: 119 والمعنى: ذد عن حسبك بهذه الإبل كما فعل قيس بن مسعود. وفي نسخة ف: عنه.
[12] «المختار»: وكان.
[13] الجلة: القفة الكبيرة. والكرباسة: ثياب خشنة.
[14] ج: المجالد. وفي «الاشتقاق 350»: وعلة بن مجالد بن زيان بن يثربي.
[15] ج: والمكسر بن حنظلة بن ثعلبة والمكسر بن حنظلة بن سيار بن حاطبة.
[16] «الاشتقاق: 346»: ومن رجال بني عجل: حنظلة بن ثعلبة بن سيار صاحب القبة يوم ذي قار ويوم فلج.
[17] «حيي بن حاطبة»: من خد، ف، «المختار».
[18] ب، س، ف: أسعد. والصواب من ج و«المختار».
[19] خد: نجيم، والصواب في «بقية النسخ و«الاشتقاق»: 344» حيث ذكر من بني علي بن بكر بن وائل: لجيما وهو تصغير لجم وهو دويبة تحتفر الأرض، ومن بني لجيم بن صعب: عجل ..
[20] «المختار»: فاستغويا.
[21] س: رومستان. ج: رورمستان. والصواب من «بقية النسخ وفي «معاجم البلدان»: روذ من أسماء بعض القرى في فارس، وميسان:
اسم كورة واسعة كثيرة القرى والنخل بين البصرة وواسط.
[22] ف: من كرد. خد: من جرذ. ولم ترد في «المختار». وجرد (بكسر الجيم وسكون الراء): اسم بلدة بنواحي بيهق كانت قديما قصبة الكورة.
[23] ج، س: من العباد.
من أهل الحيرة، قد نتجت بعض نوقهم، فحملوا الحوار على ناقة، وصرّوا [1]، الإبل.
فقال العباديّ: لقد صبّح الأنبار شرّ، جمل يحمل جملا [2]، وجمل برته [3] عود، فجعلوا يضحكون من جهله بالإبل.
قال: وأغار بجير بن عائذ بن سويد العجليّ [4]، ومعه مفروق بن عمرو الشّيبانيّ على القادسيّة وطير ناباذ [5] وما والاهما، وكلّهم ملأ يديه غنيمة. فأما مفروق وأصحابه فوقع فيهم الطاعون فموّت منهم خمسة نفر مع من موّت من أصحابهم، فدفنوا بالدّجيل، وهو رحلة من العذيب يسيرة، فقال مفروق:
أتاني بأنباط السّواد يسوقهم ... إليّ وأودت رجلتي وفوارسي
فلمّا بلغ ذلك كسرى اشتدّ حنقه على بكر بن وائل، وبلغه أن حلقة [6] النّعمان وولده وأهله عندهم، فأرسل كسرى إلى قيس بن مسعود، وهو بالأبلّة [7] فقال:/ غررتني [8] من قومك، وزعمت [9] أنك تكفينيهم، وأمر به فحبس بساباط، وأخذ كسرى في تعبئة الجيوش إليهم، فقال قيس بن مسعود، وهو محبوس [10]، من أبيات [11]:
ألا أبلغ بني ذهل رسولا ... فمن هذا يكون لكم مكاني [12]
أيأكلها ابن وعلة في ظليف ... ويأمن هيثم وابنا سنان؟ [13]
ويأمن فيكم الذّهليّ بعدي ... وقد وسموكم سمة البيان
ألا من مبلغ قومي ومن ذا ... يبلّغ عن أسير في الإوان [14]
- يعني الإيوان [15] -
تطاول ليله وأصاب حزنا ... ولا يرجو الفكاك مع المنان [16]
__________
[1] صر الناقة ونحوها: شد ضرعها بالصرار لئلا يرضعها ولدها.
[2] ج، خد: جميلا.
[3] البرة: حلقة توضع في أنف البعير.
[4] قال عنه في «الاشتقاق»، 345: ومن رجالهم (بني عجل) بجير بن عائذ، كان شريفا ربع الجيوش من صلبه عشرون رجلا.
[5] طرناباذ (بكسر الطاء): موضع بين الكوفة والقادسية.
[6] الحلقة: الدروع والسلاح.
[7] «و هو بالأبلة»: لم تذكر في ف.
[8] «المختار»: «لقد غررتني».
[9] خد، و «المختار»: «فزعمت».
[10] «محبوس»: لم تذكر في ج.
[11] «من أبيات»: زيادة من «المختار».
[12] ف: لهم مكاني.
[13] في «اللسان» (ظلف): يقال: ذهب به مجانا وظليفا إذا أخذه بغير ثمن، وقيل: ذهب به ظليفا أي باطلا بغير حق.
[14] ف: في إوان.
[15] من نسخة ف.
[16] ف: «و أصاب حربا».
يعني بالهيثم [1]، وابني سنان: الهيثم بن جرير بن يساف بن ثعلبة بن سدوس بن ذهل بن ثعلبة، وأبو علباء [2] بن الهيثم.
/ وقال قيس بن مسعود ينذر [3] قومه:
ألا ليتني أرشو سلاحي وبغلتي ... لمن يخبر الأنباء بكر بن وائل [4]
ويروي: لمن يعلم الأنباء [5]
فأوصيهم باللّه والصّلح بينهم ... لينصأ معروف ويزجر جاهل [6]
وصاة امرىء لو كان فيكم أعانكم ... على الدّهر، والأيام فيها الغوائل
فايّاكم والطّفّ لا تقربنّه ... ولا البحر إنّ الماء للبحر واصل [7]
ولا أحبسنكم عن بغا الخير إنّني ... سقطت على ضرغامة فهو آكل [8]
رواه ابن الأعرابيّ فقال:
إنّ الماء للقود واصل [9]
أي أنه معين لهم، يقود الخيل إليكم [10].
/قال: وقال قيس أيضا ينذرهم:
تعنّاك من ليلى مع اللّيل خائل ... وذكر لها في القلب ليس يزايل [11]
أحبّك حبّ الخمر [12] ما كان حبّها ... إلىّ وكلّ في فؤادي داخل
__________
[1] س: يعني الهيثم».
[2] في «الاشتقاق 413» «علياء».
[3] خد: يندب.
[4] في «معجم الشعراء للمرزباني 210»:
«لأن تعلم الأنباء والعلم وائل»
وبهذه الرواية يخلو البيت من الإقواء بسبب حركة الروى وهي الكسر: في وائل.
[5] هذه الرواية لم تذكر في ف. وفي ج: لأن يعلم.
[6] في النسخ: لينطأ معروف، وليس في المعجمات مادة (نطأ)، ولعلها كما أثبتنا ومعناها «يرفع» ففي «تاج العروس» (نصأ): نصأ الشيء بالهمز نصأ: رفعه لغة في نصصت عن الكسائي وأبي عمرو، قال طرفة:
أمون كألواح الإران نصأتها ... على لا حب كأنه ظهر برجد
ومن معاني نصأ أيضا: زجر وليس مرادا هنا.
وقوله باللّه وفي ج، س: للّه.
[7] الطف: ساحل البحر.
[8] خد: «و لأحبسنكم».
[9] خد: للفود. وفي «معجم الشعراء للمرزباني»:
ولا الماء ... إن الماء للقود واصل
وفسره بقوله: لا تدنوا منه فتقاد إليكم الخيل.
[10] خد: معين لهن. ج: معين لمن يقود الخيل.
[11] س: يزاتل. خد: مع الدهر بدل: مع الليل.
[12] خد، ف: حب الخير.
ألا ليتني أرشو سلاحي وبغلتي ... فيخبر قومي اليوم ما أنا قائل [1]
/فإنّا ثوينا في شعوب وإنّهم ... غزتهم جنود جمّة وقبائل [2]
وإنّ جنود العجم بيني وبينكم ... فيا فلجي يا قوم إن لم تقاتلوا [3]
قال: فلمّا وضح لكسرى واستبان أنّ مال النّعمان وحلقته وولده عند ابن مسعود بعث إليه كسرى رجلا يخبره أنّه قال له: إن النعمان إنما كان عاملي، وقد استودعك [4] ماله وأهله [5] والحلقة [6]، فابعث بها إليّ [7] ولا تكلّفني أن أبعث إليك ولا إلى [8] قومك بالجنود، تقتل المقاتلة وتسبي الذّرّيّة. فبعث إليه هانىء [9]:
إنّ الذي بلغك باطل، وما عندي قليل ولا كثير [10]، وإن يكن الأمر كما قيل فإنما أنا أحد رجلين، إما رجل استودع أمانة، فهو حقيق أن يردّها على من استودعه/ أيّاها [11]، ولن [12] يسلّم الحرّ أمانته. أو رجل مكذوب عليه، فليس ينبغي للملك أن يأخذه [13] بقول عدوّ أو حاسد.
قال: وكانت الأعاجم قوما لهم حلم [14]، قد سمعوا ببعض علم العرب [15]، وعرفوا [16] أنّ هذا الأمر كائن فيهم [17].
فلما ورد عليه كتاب هانىء بهذا [18] حملته الشّفقة أن يكون ذلك قد اقترب، فأقبل حتى قطع الفرات، فنزل غمر بني مقاتل [19]. وقد أحنقه ما صنعت بكر بن وائل في السّواد ومنع هانىء إيّاه ما منعه.
قال: ودعا كسرى إياس بن قبيصة الطائيّ، وكان عامله على عين التّمر وما والاها إلى الحيرة [20]، وكان
__________
[1] خد، ف: «ما أنا فاعل».
[2] خد: نوينا بدل: ثوينا.
[3] خد: «فإن جنود». خد؛ ف:
«ألا تقاتلوا»
والفلج: داء الفالج، وهو شلل يصيب أحد شقي الإنسان طولا.
[4] ف: «استودعتك».
[5] خد: «أهله وولده».
[6] خد: «و الحقة».
[7] ف: «فابعث بها ولا تكلفني». «المختار»: «فابعث إلي بها».
[8] ف: «و إلى قومك».
[9] «هانى ء»: لم يذكر في خد.
[10] «المختار»: «لا قليل ولا كثير». خد والتجريد: «كثير ولا قليل».
[11] ج، س: «أودعه إياها». خد و «التجريد»: «و إلى من استودعه إياها». المختار: «على من استودعها».
[12] ف: «ولم».
[13] ج، س: «فليس ينبغي أن نأخذه».
[14] ج، «المختار»: «لهم قوة وحلم».
[15] ف: سمعوا بعض». «و المختار»: «و كانوا قد سمعوا بعض حكم العرب».
[16] ج: «و علموا».
[17] خد، ف: «قد سمعوا بعض علم العرب أن هذا الأمر واصل إليهم».
[18] «بهذا»: من خد و «المختار».
[19] ج: عمر بن مقاتل.
[20] «إلى الحيرة»: لم تذكر في ف. وعين التمر: بلدة قريبة من الأنبار غربي الكوفة.
كسرى قد أطعمه ثلاثين [1] قرية على شاطىء الفرات، فأتاه [2] في صنائعه من العرب الذين كانوا بالحيرة، فاستشاره في الغارة على بكر بن وائل، وقال: ماذا ترى؟ وكم ترى أن نغزيهم من الناس؟ فقال له إياس: إن الملك لا يصلح أن يعصيه [3] أحد من رعيته، وإن تطعني لم تعلم أحدا [4] لأيّ شيء عبرت/ وقطعت [5] الفرات، فيروا أنّ شيئا من أمر [6] العرب قد كربك [7]، ولكن ترجع وتضرب عنهم، وتبعث عليهم العيون حتى ترى غرّة [8] منهم ثم ترسل حلبة [9] من العجم فيها بعض القبائل التي تليهم، فيوقعون بهم وقعة الدّهر، ويأتونك بطلبتك. فقال له كسرى: أنت رجل من العرب، وبكر بن وائل أخوالك - وكانت أمّ إياس [10]: أمامة بنت مسعود، أخت هانىء بن مسعود [11] - فأنت تتعصّب لهم، ولا تألوهم نصحا [12]. فقال إياس: رأي الملك أفضل [13] فقام إليه عمرو بن عديّ ابن زيد العباديّ - وكان كاتبه وترجمانه بالعربية، في أمور العرب [14] - فقال له: أقم [15] أيّها الملك - وابعث إليهم بالجنود يكفوك. فقام [16] إليه النّعمان بن زرعة بن هرميّ، من ولد السّفّاح التّغلبيّ، فقال [17]: أيّها الملك، إنّ هذا الحيّ من بكر بن وائل إذا قاظوا [18] بذي قار تهافتوا تهافت الجراد في النّار. فعقد للنّعمان بن زرعة على تغلب والنّمر [19]، وعقد لخالد بن يزيد البهرانيّ على قضاعة وإياد، وعقد لإياس بن قبيصة على/ جميع العرب، ومعه كتيبتاه الشّهباء والدّوسر، فكانت العرب ثلاثة آلاف. وعقد للهامرز على ألف من الأساورة [20]، وعقد لخنابرين [21] على ألف، وبعث معهم بالّلطيمة، وهي عير كانت تخرج من العراق، فيها البزّ والعطر والألطاف [22]، توصل إلى
__________
[1] خد: «ثمانين».
[2] «المختار»: «فأتى».
[3] «المختار»: «أن يغضبه».
[4] خد: «لم يعلم أحد».
[5] «التجريد»: «لأي شيء قطعت الفرات».
[6] ج، س: «أن شيئا من العرب». وما أثبتناه من ف، وخد. وفي «المختار»: «أن أمر العرب» في خد و«المختار والتجريد»: «فيرون»، بالرفع. والنصب هنا أرجح بعد فاء السببية المجاب بها نفي.
[7] خد و«التجريد»: كرشك، أي غمك.
[8] «المختار»: «منهم غرة».
[9] ج، خد: «حبيلة». ف: خيله. «التجريد»: خيلا. «المختار»: كتيبة.
[10] وكانت أم إياس .... : وردت في «المختار» بعد قوله: نصحا.
[11] في «التجريد»: أخت هانى ء. دون ذكر ابن مسعود.
[12] «التجريد»: «و لا تألوهم جهدا في المناصحة».
[13] «المختار»: «الملك أفضل رأيا».
[14] «في أمور العرب» لم تذكر في ف ولا «التجريد».
[15] ف: فقال: أقم.
[16] «التجريد»، ف: وقام.
[17] «المختار»: فقال له.
[18] قاظوا بالمكان: أقاموا به في الصيف.
[19] ف، «التجريد»: واليمن. وعند القيادة هنا على القبائل.
[20] الأساوره: جمع أسوار (بضم الهمزة وكسرها) وهو الفارس المقاتل من جنود الفرس.
[21] في «التجريد»: وعقد لآخر. وفي «المختار»: لخنازرين، وفي ف: لخنابرزين. وفي خد: للخلابزين. «و في معجم البلدان»:
خناير، والصواب ما أثبتنا.
[22] الألطاف: جمع لطف (بفتحتين) وهو الهدية والتحفة، يقال أهدى إليه لطفا، وما أكثر تحفه وألطافه.
باذام [1] عامله باليمن، وقال: إذا فرغتم من عدوّكم فسيروا بها إلى اليمن، وأمر عمرو بن عديّ أن يسير بها، وكانت العرب تخفرهم وتجيرهم [2] حتى تبلغ الّلطيمة اليمن [3]. وعهد كسرى إليهم إذا شارفوا بلاد بكر بن وائل ودنوا منها [4] أن يبعثوا إليهم النّعمان بن زرعة، فإن أتوكم [5] /بالحلقة ومائة غلام منهم يكونون رهنا [6] بما أحدث [7] سفهاؤهم، فاقبلوا منهم، وإلّا فقاتلوهم [8]. وكان كسرى قد أوقع قبل ذلك ببني تميم، يوم الصّفقة [9] فالعرب وجلة خائفة منه [10]./و كانت حرقة بنت حسّان بن النّعمان بن المنذر يومئذ في بني سنان، هكذا في هذه الرّواية.
وقال ابن الكلبيّ: حرقة بنت النّعمان [11]، وهي هند، والحرقة لقب، وهذا هو الصحيح. فقالت تنذرهم:
ألا أبلغ بني بكر رسولا ... فقد جدّ النّفير بعنقفير [12]
فليت الجيش كلّهم فداكم ... ونفسي والسّرير وذا السّرير [13]
كأنّي حين جدّ بهم إليكم ... معلّقة الذّوائب بالعبور [14]
فلو أنّي أطقت لذاك دفعا ... إذن لدفعته بدمي وزيري [15]
فلمّا بلغ بكر بن وائل الخبر سار هانىء بن مسعود حتى انتهى إلى [16] ذي قار، فنزل به، وأقبل النعمان بن زرعة، وكانت أمّه قلطف بنت النّعمان بن معد يكرب التّغلبيّ، وأمّها الشّقيقة بنت الحارث الوصّاف العجليّ [17]،
__________
[1] س: بادام. «التجريد»: باذان والصواب من «معجم البلدان» (صفقة) وج وف والمختار. وراجع «الأغاني: 17: 318 من طبعة دار الكتب». وفي «الاشتقاق» 226: باذام وفي الهامش عن «الصحاح» - بالنون.
[2] «التجريد»: وكانت العرب تخفر اللطيمة وتجيزها.
[3] «المختار»: إلى اليمن.
[4] «و دنوا منها»: لم تذكر في خد ولا في ف.
[5] ف، ج خد. «التجريد»: فإن اتقوكم. وله وجه، ولكن الأرجح أتوكم بدليل ما سيأتي بعد في كلام النعمان بن زرعة فادفعوها وادفعوا رهنا. وفي س و «المختار» وبيروت»: أتوكم.
[6] «التجريد»: رهناء.
[7] «التجريد»، خد: بما أخذت.
[8] خد: ف، وإلا قاتلوهم. «التجريد»: ولا تقاتلوهم.
[9] راجع «يوم الصفة» في «الأغاني: 17: 318 من طبعة دار الكتب» وما بعدها.
[10] ج: منهم.
[11] «اللسان» (حرق): وحريق بن النعمان بن المنذر، وحرقة بنته قال:
نقسم باللّه نسلم الحلقة ... ولا حريقا وأخته الحرقة
[12] العنقفير: الداهية من دواهي الزمان.
[13] عبرت بالسرير هنا عن الملك والنعمة.
[14] العبور أو الشعري العبور: كوكب نير يكون في الجوزاء، سميت عبورا لأنها عبرت المجرة.
الذوائب: جمع ذؤابة وهي شعر مقدم الرأس.
[15] الزير: الوتر الدقيق، وتعني هنا أوتار القلب أو العروق بعامة. وفي خد، ف: ويرى والرير: المخ الفاسد أو السائل.
[16] «المختار»: «حتى نزل بذي قار».
[17] الحارث بن مالك هو الوصاف العجلي (الاشتقاق 345) وفي س، ج، وبيروت: الحارث بن الوصاف. وما أثبتناه من خد، ف و «الاشتقاق». وفي خد؛ الشفيقة.
حتى نزل على ابن أخته [1] /مرّة بن عمرو [2] بن عبد اللّه بن معاوية بن عبد اللّه [3] بن قيس [4] بن سعد بن عجل، فحمد اللّه النّعمان وأثنى عليه ثم قال: إنّكم أخوالي وأحد طرفيّ، وإنّ الرائد لا يكذب أهله، وقد أتاكم ما لا قبل لكم به من أحرار فارس، وفرسان العرب، والكتيبتان: الشّهباء [5] والدّوسر، وإن في هذا الشّرّ [6] خيارا. ولأن يفتدى بعضكم بعضا خير من أن تصطلموا [7]، فانظروا هذه الحلقة فادفعوها وادفعوا رهنا من أبنائكم إليه بما أحدث [8] سفهاؤكم. فقال له القوم: ننظر في أمرنا. وبعثوا إلى من يليهم من بكر بن وائل، وبرزوا ببطحاء ذي قار بين الجلهتين.
قال الأثرم: جلهة الوادي: ما استقبلك منه واتّسع لك [9]. وقال ابن الأعرابيّ: جلهة الوادي: مقدّمه، مثل جلهة الرأس إذا ذهب شعره، يقال: رأس أجله.
أبيات للعباس بن مرداس
قال: وكان مرداس بن أبي عامر السّلميّ مجاورا فيهم يومئذ، فلمّا رأى الجيوش قد أقبلت إليهم حمل عياله فخرج عنهم، وأنشأ يقول يحرّضهم بقوله:
أبلغ سراة بني بكر مغلغلة ... إنّي أخاف عليهم سربة الدّار [10]
/إنّي أرى الملك الهامرز منصلتا ... يزجي جيادا وركبا غير أبرار [11]
لا تلقط البعر الحوليّ نسوتهم ... للجائزين على أعطان ذي قار [12]
فإن أبيتم فإنّي رافع ظعني ... ومنشب في جبال اللّوب أظفاري [13]
__________
[1] خد: «ابن أخيه».
[2] «المختار»: مرة بن عبد اللّه.
[3] «المختار»: معاوية بن عبد بن سعيد. ف: معاوية بن سعد: خد: معاوية بن سعيد.
[4] «بن قيس»: من خد، ف، «المختار». ولم ترد في س ولا ج.
[5] ج: والشهباء.
[6] ج، س: وإن في الشر.
[7] اصطلم القوم بالبناء للمجهول: استؤصلوا.
[8] خد: من أبنائكم بما أخذت.
[9] خد، ف: واتسع منه.
[10] المغلغلة: الرسالة المحمولة من بلد إلى بلد، أو الرسالة مطلقا. ف: أخاف عليكم ج، س: سرية الواري، والسرية على هذا تكون الاستخفاء فالواري أي السارب المتواري «اللسان» أو تكون السربة جماعة الخيل المغيرة. والواري: الملتهب. وعلى الرواية الواردة في النسخ الأخرى تكون السربة كما جاء في «اللسان» أيضا: بعيد المذهب في الأرض، واستشهد ببيت الشنفري:
خرجنا من الوادي الذي بين مشعل ... وبين الجبا هيهات أنسأت سربتي
أي: ما أبعد الموضع الذي ابتدأت منه مسيرها. وتكون السربة بمعنى السرعة في قضاء الأمر، يقال: إنه لقريب السربة أي قريب المذهب، أي أنه يخاف عليهم الهجوم القريب المتوقع.
[11] س: غير أعرار. والأعرار: جمع عر وهو الغلام. وفي ج: غير أعيار، والأعيار: جمع عير بالفتح، ومن معانيه: الحمار الوحشي.
والمنصلت: المسرع من كل شيء.
[12] ج: لا يلقك بدل لا تلقط. خد: لاقطهم، بدل نسوتهم.
[13] الظعن: الظاعنون أي المرتحلون. والظعن جمع ظعينة أي الجمل الذي يركب في الرحلة لنجعة أو تحول، كما تسمى المرأة في هودج على جمل ظعينة ومنشب من أنشب أظفاره أي غرسها وأعلقها
وجاعل بيننا وردا غواربه ... ترمى إذا ما ربا الوادي بتيّار
ربا: ارتفع وطال [1]، وقوله: وردا غواربه: أراد البحر.
قال علي بن الحسين الأصفهانيّ [2]:
هذه الحكاية عندي في أمر مرداس [3] بن أبي عامر [4] خطأ [5]، لأن وقعة [6] ذي قار كانت بعد هجرة النبيّ - صلّى اللّه عليه وسلم وآله - وكانت بين بدر وأحد/ ومرداس بن أبي عامر، وحرب بن أميّة أبو أبي سفيان ماتا في وقت واحد [7]، كانا مرّا بالقريّة [8]، وهي غيضة ملتفّة الشّجر، فأحرقا شجرها ليتّخذاها مزرعة، فكانت تخرج من الغيضة حيّات بيض فتطير حتى تغيب، ومات حرب ومرداس بعقب ذلك، فتحدّث قومهما أنّ الجنّ قتلتهما لإحراقهما/ منازلهم من الغيضة، وذلك قبل مبعث النبيّ - صلّى اللّه عليه وسلّم - بحين. ثم كانت بين أبي سفيان وبين العبّاس بن مرداس منازعة في هذه القرية، ولهما في ذلك خبر ليس هذا موضعه. وأظنّ أنّ هذه الأبيات للعبّاس بن مرداس بن أبي عامر [8].
رجع الحديث إلى سياقته في حديث ذي قار.
قال:
وجعلت بكر بن وائل حين بعثوا إلى من حولهم [9] من قبائل بكر لا ترفع لهم جماعة إلّا قالوا: سيدنا في هذه. فرفعت لهم جماعة، فقالوا [10]: سيّدنا في هذه، فلمّا دنوا إذا هم بعبد [11] عمرو بن بشر بن مرثد [12]، فقالوا:
لا، ثم رفعت لهم أخرى، فقالوا: في هذه سيّدنا، فإذا هو جبلة بن باعث بن صريم اليشكريّ، فقالوا: لا،/ فرفعت [13] أخرى، فقالوا: في هذه سيّدنا، فإذا هو الحارث بن وعلة بن مجالد الذّهليّ [14] فقالوا: لا، ثم رفعت لهم أخرى، فقالوا: في هذه سيّدنا، فإذا فيها الحارث بن ربيعة بن عثمان التيميّ، من تيم اللّه، فقالوا: لا ثم رفعت
__________
وجبال اللوب: موضع. واللوب جمع لابة ولوبة، وهي الحمرة.
[1] «ربا: ارتفع وطال»: لم تذكر في ف.
[2] خد، ف: قال أبو الفرج الأصبهاني رحمه اللّه تعالى.
[3] س: مرادس.
[4] ف: ابن عامر.
[5] ج: هذه الحكاية في أمر ... عندي خطأ.
[6] النص في خد: لأنه مات هو وحرب بن أمية قبل ذلك بزمان، في مكان يعرف بالقرية. ومثله في ف فيما عدا قوله: «قبل ذلك بزمان»: وقد أشار أبو الفرج إلى هذا الخبر من «الجزء الخامس: 38».
[7] في «الأعلام» أن مرداس بن أبي عامر توفي حوالي سنة 18 هجرية. وأن حرب بن أمية توفي سنة 36 قبل الهجرة.
(8 - 8) ما بين الرقمين ساقط من نسختي خد، ف.
والقرية (بصيغة التصغير) كانت لبنى سدوس من بني ذهل. «معجم البكري 1070».
[9] ف: حوله.
[10] عبارة «المختار»: لا ترفع لهم جماعة إلا قالوا: سيدنا في هذه الجماعة إلى ان رفعت لهم جماعة فيها حنظلة بن ثعلبة ولم يرد في «المختار» تكرار رفع الجماعات والأشخاص الذين ظهروا لبكر بن وائل.
[11] خد: إذا هم لعبد بن عمرو.
[12] مرثد (بفتح الميم والثاء) من أشراف بن شيبان بن ثعلبة «الاشتقاق 351».
[13] ف: ثم رفعت.
[14] من بني ذهل بن ثعلبة «الاشتقاق 350» وفي ج، وخد: المجالد.
لهم أخرى أكبر ممّا كان يجيء [1]، فقالوا: لقد جاء سيّدنا، فإذا رجل أصلع الشعر، عظيم البطن، مشرب حمرة، فإذا هو حنظلة بن ثعلبة بن سيّار بن حييّ [2] بن حاطبة بن الأسعد بن جذيمة بن سعد بن عجل، فقالوا: يا أبا معدان، قد طال انتظارنا، وقد كرهنا أن نقطع أمرا دونك، وهذا ابن أختك النعمان بن زرعة قد جاءنا، والرائد لا يكذب أهله، قال: فما الّذي أجمع عليه رأيكم، واتّفق عليه ملؤكم؟ قالوا: قال: إن اللّخي أهون من الوهي [3] وإنّ في الشرّ خيارا، ولأن يفتدي بعضكم بعضا خير من أن تصطلموا [4] جميعا.
قال حنظلة: فقبّح اللّه هذا رأيا، لا تجرّ أحرار فارس غرلها [5] ببطحاء ذي قار وأنا أسمع الصوت [6]. ثم أمر بقبّته فضربت بوادي ذي قار، ثم نزل ونزل الناس فأطافو به، ثم قال لهانىء بن مسعود: يا أبا أمامة، إن ذمّتكم ذمّتنا عامّة، وإنّه لن يوصل إليك/ حتى تفنى أرواحنا، فأخرج هذه الحلقة ففرّقها بين قومك، فإن تظفر [7] فستردّ عليك، وإن تهلك فأهون مفقود.
فأمر بها فأخرجت، ففرقها بينهم، ثم قال حنظلة للنعمان: لو لا أنّك رسول لما أبت إلى قومك سالما. فرجع النعمان إلى أصحابه فأخبرهم بما ردّ عليه القوم، فباتوا ليلتهم مستعدّين للقتال، وباتت بكر بن وائل يتأهّبون للحرب.
فلمّا أصبحوا أقبلت الأعاجم نحوهم، وأمر حنظلة بالظعن [8] جميعا فوقفها خلف النّاس، ثم قال: يا معشر [9] بكر بن وائل، قاتلوا عن ظعنكم أو دعوا [10]، فأقبلت الأعاجم يسيرون على تعبئة، فلمّا رأتهم [11] بنو قيس ابن ثعلبة انصرفوا فلحقوا بالحيّ [12] فاستخفوا فيه، فسمّي: «حيّ [13] بني قيس بن ثعلبة» قال: وهو [14] على موضع خفيّ فلم يشهدوا ذلك اليوم.
وكان [15] ربيعة بن غزالة السّكونيّ، ثم التّجيبيّ، يومئذ هو [16]، وقومه/ نزولا في بني شيبان، فقال: يا بني
__________
[1] ف: أكبر منها ومما كان يجيء.
[2] خد، ف: «بن حيي العجلي». ولم يذكر بن حاطبة .. وقد جاء تفصيل هذا النسب في النسختين فيما سبق.
[3] في «اللسان»: ألخيته مالا: أعطيته، ولعل فيها أيضا لخيته ثلاثيا. والوهي: الضعف والهلاك والمعنى إعطاء المال خير من الهزيمة ولم ترد هذه الجملة في خد ولا ف. وعبار ف: قال قلنا إن في الشر ...
[4] خد، ف: «نصطلم».
[5] الغرل جمع غرلة وهي القلفة وفي بعض النصوص: أرجلها بدل غرلها. والمراد أنه لا يحتمل إهانة هجوم الفرس.
[6] «المختار»: «صوتا».
[7] خد، و «المختار»: نظفر، ونهلك بالنون. والنقط غير واضحة في ف.
وما أثبتناه من س و «التجريد»، ويدل عليه عبارة «معجم البلدان»: (قار): إن ظفروا بك العجم أخذوها هي وغيرها، وإن ظفرت أنت بهم رددتها.
[8] الظعن جمع ظعين، وهي المرأة في الهودج.
[9] «المختار»: يا معشر بني بكر.
[10] لم تذكر في «التجريد».
[11] ف: فلما رأوه بنو قيس.
[12] «المختار»، بالخباء .. وفي خد: بالخبى.
[13] ف، «المختار»: خباء، خد: خبى.
[14] «المختار»، خد، ف: وهو موضع.
[15] ج: وكانت.
[16] «المختار»: وهو وقومه يومئذ.
شيبان، أما لو أنّي [1]، كنت منكم لأشرت عليكم برأي مثل عروة العكم [2]، فقالوا: فأنت [3] واللّه من أوسطنا [4]، فأشر [5] علينا، فقال: لا تستهدفوا لهذه الأعاجم فتهلككم بنشّابها [6]، ولكن تكردسوا لهم كراديس [7]، فيشدّ عليهم كردوس، فإذا أقبلوا عليه شدّ الآخر، فقالوا: فإنّك قد رأيت رأيا، ففعلوا.
فلمّا التقى الزحفان، وتقارب القوم قام حنظلة بن ثعلبة فقال:
يا معشر بكر بن وائل، إنّ النّشّاب الذي [8] مع الأعاجم يعرفكم، فإذا أرسلوه لم يخطئكم [9]، فعاجلوهم بالّلقاء [10]، وابدءوهم بالشّدّة.
ثم قام هانىء بن مسعود فقال: يا قوم، مهلك معذور خير من نجاء [11] معرور [12] /و إن الحذر لا يدفع القدر، وإن الصّبر من أسباب الظّفر، المنيّة ولا الدّنيّة، واستقبال الموت خير من استدباره، والطّعن في الثّغر خير [13] وأكرم من الطعن في الدّبر، يا قوم، جدّوا فما من الموت [14] بدّ، فتح لو كان له رجال، أسمع صوتا ولا أرى قوما، يا آل بكر، شدّوا واستعدّوا، وإلّا تشدّوا تردّوا.
ثمّ قام شريك بن عمرو بن شراحيل بن مرّة بن همّام فقال: يا قوم، إنما تهابونهم أنكم ترونهم عند الحفاظ أكثر منكم، وكذلك أنتم في أعينهم [15]، فعليكم بالصبر، فإنّ الأسنّة تردي [16] الأعنّة، يا آل بكر قدما قدما.
ثم قام عمرو بن جبلة بن باعث بن صريم اليشكريّ فقال:
يا قوم لا تغرركم [17] هذي [18] الخرق ... ولا وميض البيض [19] في الشّمس برق
__________
[1] «المختار»: أما أني لو كنت.
[2] ج، س: العلم. والعكم: الثوب يبسط ويوضع فيه المتاع ويشد. أو هو أحد العدلين على جانبي الهودج. ويراد بمثل عروة العكم:
الدقة والإحكام كما يشد العكم من العروة.
[3] «المختار»: قالوا وأنت.
[4] خد: أوساطنا.
[5] «المختار»: أشر علينا.
[6] النشاب: النبل، واحدته، نشابه.
[7] تكردسوا: تجمعوا، كراديس جمع كردوس وهو القطعة العظيمة من الخيل. ولم تذكر «لهم» في خد.
[8] ف: التي.
[9] س، ف: يخطكم.
[10] ج: اللقاء.
[11] ف، و «المختار»: منجي.
[12] ف، و «المختار»: مغرور. والمعرور (بالمهملة): من أصابته المعرة. والمعرة أي شدة القتال وأذاه فانهزم.
والنجاء: السرعة في الفرار. وفي «اللسان» (نجا) يقال للقوم إذا انهزموا: قد استنجوا، أي أسرعوا.
[13] ج: أكرم ولم يذكر خير. ف: وأكرم منه في الدبر. ولم ترد في «المختار» جملة: والطعن في الثغر خير وأكرم من الطعن في الدبر.
[14] «المختار»: «من القوم» بدل: «من الموت».
[15] «المختار»: في عيونهم.
[16] ج: تودي.
[17] خد: لا يغرركم.
[18] ج: هذه.
[19] البيض (بفتح الباء) جمع بيضة، وهي خوذة المقاتل، والبيض بالكسر جمع أبيض، وهو السيف.
من لم يقاتل منكم هذي [1] العنق [2] ... فجنّبوه الرّاح [3] واسقوه المرق
ثم قام حنظلة بن ثعلبة إلى وضين راحلة [4] امرأته فقطعه، ثم تتبّع/ الظّعن يقطع [5] وضنهنّ لئلا يفرّ عنهن الرجال [6]، فسمّي يومئذ: «مقطّع الوضين» [7].
والوضين: بطان الناقة.
قالوا: وكانت [8] بنو عجل في الميمنة بإزاء خنابرين [9]، وكانت بنو شيبان في الميسرة بإزاء كتيبة الهامرز، وكانت أفناء [10] بكر بن وائل في القلب [11]، فخرج أسوار [12] من الأعاجم مسوّر [13]، في أذنيه درّتان، من [14] كتيبة الهامرز يتحدّى الناس للبراز، فنادى في بني شيبان فلم يبرز له أحد [15] حتى إذا دنا من بني يشكر برز له [16] يزيد بن حارثة أخو [17] بني ثعلبة بن عمرو فشدّ عليه بالرّمح، فطعنه فدقّ [18] صلبه، وأخذ حليته وسلاحه [19]، فذلك قول سويد بن أبي [20] كاهل يفتخر [21]:
ومنّا يزيد إذ تحدّى [22] جموعكم ... فلم تقربوه، المرزبان المشّهر [23]
__________
[1] ج، خد: هذا.
[2] من قولهم: هم عنق إليك، أي ماثلون إليك ومنتظروك.
[3] في «المختار»: اللحم، بدل الراح.
[4] «المختار»: وضين امرأته.
[5] «يقطع»: لم ترد في خد.
[6] لم ترد عبارة: لئلا يفر عنهن الرجال في ج ولا س، وجاءت في بقية النسخ.
[7] خد و «المختار: وتاريخ الطبري» 2/ 208: الوضن، جمع وضين.
[8] خد: «قال: فكانت».
[9] ف: خنابرزين. «المختار»: خنازرين وهي هكذا حيثما وردت.
[10] ف: أبناء. الأفناء: أخلاط من قبائل شتى.
[11] س: القلل.
[12] الأسوار أي القائد. مسور: لابس أسورة تميزه.
[13] ج: مسور. وفي «المختار»: مسور مشنف.
[14] ج، خد: «خرج من».
[15] خد، ف، «المختار»: فلم يبارزه أحد.
[16] خد: إليه.
[17] خد، ف: أحد.
[18] ج: فدق عليه صلبه.
[19] خد، ف: وأخذ فرسه وحليته وسلاحه. «المختار»: وأخذه وحليته.
[20] ترجمته وأخباره في «الأغاني» (دار): 13/ 102.
[21] خد، ف: يفخر. وفخره لأنه من بني يشكر «الاشتقاق 340».
[22] ج: أن تجري.
[23] في الجزء الثالث عشر من «الأغاني»: 106 من طبعة دار الكتب.
فمنا ...
فلم تفرحوه المرزبان، المسور
(تفرحوه: تغلبوه) وفي نص الجزء الثالث عشر: يزيد: رجل من يشكر، برز يوم ذي قار إلى أسوار، وحمل على بني شيبان فانكشفوا من بين يديه؛ فاعترضه اليشكري دونهم فقتله، وعادت شيبان إلى موقفها ففخر بذلك عليهم فقال (البيت الثاني)
وبارزه منّا غلام بصارم ... حسام إذا لاقى الضّريبة يبتر [1]
ثم إن القوم اقتتلوا صدر نهارهم أشدّ قتال [2] رآه الناس [3]، إلى أن زالت الشمس، فشدّ الحوفزان [4] واسمه الحارث بن شريك - على الهامزر فقتله، وقتلت بنو عجل خنابرين [5]، وضرب اللّه وجوه الفرس فانهزموا، وتبعتهم [6] بكر بن وائل، فلحق [7] مرثد بن الحارث بن ثور بن حرملة بن علقمة بن عمرو بن سدوس، النعمان بن زرعة، فأهوى له طعنا [8]، فسبقه النّعمان بصدر فرسه فأفلته، فقال مرثد في ذلك:
وخيل تبارى للطّعان شهدتها [9] ... فأغرقت فيها الرّمح والجمع محجم
/ وأفلتني النّعمان [10] قاب [11] رماحنا ... وفوق قطاة المهر أزرق لهذم [12]
قال: ولحق أسود بن بجير بن عائذ بن شريك العجليّ النعمان بن زرعة، فقال له: يا نعمان، هلمّ إليّ، فأنا خير آسر لك [13]، وخير لك من العطش [14].
قال: ومن أنت؟ قال: الأسود [15] بن بجير، فوضع يده في يده، فجزّ ناصيته، وخلّي سبيله، وحمله الأسود على فرس له، وقال له: انج على هذه [16]، فإنها أجود [17] من فرسك، وجاء الأسود بن بجير [18] على فرس النّعمان
__________
[1] وفي «تاريخ الطبري 2/ 210»:
ومنا بزيد إذ تحدى جموعكم ... فلم تقربوه المرزبان المسورا
وفي الجزء 13 من «الأغاني» من طبعة دار الكتب.
وأحجمتم حتى علاه بصارم ... حسام إذا مس الضريبة يبتر
والضريبة: المضروب بالسيف.
[2] «التجريد»: أشد القتال.
[3] «رآه الناس»: لم تذكر في ف.
[4] هذا لقب الحارث بن شريك بن مطر لقب بالحوفزان لأن قيس بن عاصم التميمي حفزه بالرمح حين خاف أن يفوته «الصحاح - والاشتقاق 358».
[5] «التجريد»: القائد الآخر، بدل: خنابرين.
[6] س: واتبعتهم، «التجريد»: وتتبعتهم بكر بن وائل يقتلونهم.
[7] ج، خد: فتلحق.
[8] ف: فأهوى إلى طعنه.
[9] ف، «المختار»: تنادى. خد:
وخل تباري الريحخ للطعن شارفا
[10] خد، ف، «المختار»: نعمان.
[11] س، «المختار»: فوت، والمعنى واحد.
[12] قطاة المهر: عجزه. واللهذم: القاطع.
[13] «المختار»: فأنا خير آسر. ج، س، ف: «خير أسد».
[14] خد و «المختار»: «أنا خير لك من العطش». ج: «أنا خير لك من العكمين» ب، س: «أنا خير لك من الكعبين».
والمراد بقوله، أنا خير لك من العطش، أي من الموت عطشا بالهرب.
[15] ج، س: أسود.
[16] «التجريد»: انج على يده فانه.
[17] «المختار»: فهي خير.
[18] ف: يجير العجلى.
ابن زرعة وقتل خالد بن يزيد البهرانيّ [1]، قتله الأسود بن شريك بن عمرو، وقتل يومئذ عمرو بن عديّ بن زيد العباديّ الشاعر، فقال أمّه ترثيه:
/ويح عمرو بن عديّ من رجل ... حان [2] يوما بعد ما قيل كمل
كان لا يعقل [3] حتى ما إذا ... جاء يوم يأكل الناس عقل
أيّهم دلّاك عمرو للرّدى ... وقديما حيّن المرء الأجل
/ ليت نعمان علينا ملك [4] ... وبنيّ لي [5] حيّ لم يزل
قد تنظّرنا لغاد أوبة ... كان لو أغنى [6] عن المرء الأمل
بان منه عضد عن [7] ساعد ... بؤس للدّهر وبؤسى [8] للرجل
قال: وأفلت إياس بن قبيصة على فرس له، كانت [9] عند رجل من بني تيم اللّه، يقال له: أبو ثور»، فلما أراد أياس أن يغزوهم أرسل إليه [10] أبو ثور بها، فنهاه أصحابه أن يفعل، فقال: وللّه ما في فرس إياس ما يعزّ رجلا ولا يذلّه، وما كنت لا قطع رحمه فيها [11]، فقال إياس:
غذاها أبو ثور فلما رأيتها ... دخيس دواء لا أضيع غذاؤها [12]
فأعددتها كفأ ليوم كريهة [13] ... إذا أقبلت بكر تجرّ رشاؤها [14]
قال: وأتبعتهم بكر بن وائل يقتلونهم بقيّة يومهم وليلتهم [15]، حتى [16] أصبحوا/ من الغد، وقد شارفوا السّواد ودخلوه [17]، فذكروا أنّ مائة من بكر بن وائل، وسبعين من عجل، وثلاثين من أفناء بكر بن وائل، أصبحوا وقد دخلوا السّواد في طلب القوم، فلم يفلت منهم كبير أحد وأقبلت بكر بن وائل على الغنائم فقسّموها بينهم،
__________
[1] «التجريد»: البهرائي، وجاء صحيحا في موضع آخر سابق.
[2] ب: خان.
[3] ج، خد:
«كان لا يغفل»
[4] ج: مالك. س: ملكا.
[5] ج. س: وبني.
[6] ج. س: يغني.
[7] خد: من ساعد. ج: مع ساعد. وفي س، ب: «بان معه عضد ساعد».
[8] ج، س: بؤسا.
[9] خد: كانت له.
[10] س: إليهم. وفي «التجريد»، «أرسل بها إليه».
[11] هذه الجملة لم ترد في خد.
[12] ج: س: غزاها، بدل: غذاؤها. الدخيس: المكتنز اللحم الممتلىء العظم.
[13] خد: فأعددتها لكل يوم كريهة.
[14] ج، س: رشاها.
[15] «و ليلتهم: لم تذكر في «المختار».
[16] من أول قوله: حتى أصبحوا إلى قوله في طلب القوم: ساقط من خد. وفي «المختار»: «اصبحوا فلم يفلت منهم كبير أحد»، وسقط ما بين ذلك.
[17] من أول: ودخلوه فذكروا .. إلى قوله: وقد دخلوا. ساقط من ف بسبب انتقال نظر الناسخ.
وقسّموا تلك اللّطائم بين نسائهم، فذلك قول الدّيان [1]، بن جندل:
إن كنت ساقية يوما على كرم ... فاسقي فوارس من ذهل بن شيبانا
واسقي فوارس حاموا عن ديارهم ... واعلي مفارقهم مسكا وريحانا
قال: فكان [2] أوّل من انصرف إلى كسرى بالهزيمة إياس [3] بن قبيصة وكان لا يأتيه أحد بهزيمة جيش [4] إلّا نزع كتفيه، فلمّا أتاه أياس سأله عن الخبر، فقال: هزمنا [5] بكر بن وائل، فأتيناك [6] بنسائهم، فأعجب ذلك كسرى وأمر له بكسوة، وإنّ [7] إياسا استأذنه عند ذلك، فقال: إنّ أخي مريض بعين التّمر، فأردت أن آتيه [8]، وإنّما أراد أن يتنحّى عنه، فأذن له كسرى، فترك فرسه «الحمامة» وهي التي كانت عند أبي ثور بالحيرة [9]، وركب نجيبة [10] فلحق/ بأخيه، ثم أتى كسرى رجل من أهل الحيرة [11] وهو بالخورنق، فسأل: هل دخل على الملك أحد؟ فقالوا: نعم، إياس، فقال: ثكلت إياسا أمّه! وظنّ أنه قد حدّثه بالخبر، فدخل عليه فحدّثه بهزيمة القوم وقتلهم، فأمر به فنزعت كتفاه [12].
الرسول عليه السّلام يشيد بنصر العرب
قال: وكانت وقعة ذي قار بعد وقعة بدر بأشهر، ورسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - بالمدينة، فلمّا بلغه ذلك قال: هذا يوم [13] انتصفت فيه العرب من العجم، وبي نصروا».
قال ابن الكلبيّ [14]: وأخبرني أبي، عن أبي صالح، عن ابن عبّاس، قال: ذكرت وقعة ذي قار عند النبي - صلّى اللّه عليه وسلّم - فقال: «ذلك يوم انتصفت فيه العرب من العجم وبي نصروا».
وروي أن النبي - صلّى اللّه عليه وسلّم - مثّلت له الوقعة وهو [15] بالمدينة، فرفع يديه فدعا لبني شيبان، أو لجماعة ربيعة بالنّصر، ولم يزل يدعو لهم حتى أري هزيمة/ الفرس.
وروي أنّه قال: «إيها [16] بني ربيعة، اللهمّ انصر بني ربيعة [17]» فهم إلى الآن إذا حاربوا دعوا [18] بشعار النبيّ -
__________
[1] ج، خد، س: الدهان.
[2] «المختار»: وكان.
[3] ف: الديان وجاء بعد ذلك صحيحا.
[4] «التجريد»: جيشه.
[5] «التجريد» وخد: قد هزمنا.
[6] خد، ف، «المختار»: وأتيناك.
[7] ف، «المختار»: ثم إن.
[8] «فأردت أن آتيه»: لم تذكر في ف.
[9] «بالحيرة»: لم تذكر في «المختار».
[10] ج، «التجريد»: «نجيبته». «المختار»: جنيبته، خد: نجيبة له.
[11] خد: أهل المدينة الحيرة.
[12] «التجريد»: «فأمر فانتزعت كتفاه».
[13] خد: «هذا أول، يوم».
[14] خد: «قال الكلبي».
[15] «و هو»: لم تذكر في «بيروت»، وهي في «النسخ الأخرى».
[16] س: ليهن. ج: يهنيني.
[17] «المختار»: انصرهم.
[18] «المختار»: «نادوا».
صلّى اللّه عليه وسلّم - ودعوته لهم، وقال قائلهم: «يا رسول اللّه وعدك»، فإذا دعوا بذلك نصروا.
الشعر بعد النصر
وقال أبو كلبّة [1] التّيميّ يفخر [2] بيوم ذي قار:
لو لا فوارس لا ميل ولا عزل ... من اللّهازم ما قظتم بذي قار [3]
ما زلت مفترسا أجساد أفتية [4] ... تثير [5] أعطافها منها بآثار
إنّ الفوارس من عجل هم أنفوا ... من أن يخلّوا لكسرى عرصة الدّار [6]
لاقوا فوارس من عجل بشكّتها [7] ... ليسوا إذا قلّصت حرب بأغمار
قد أحسنت ذهل شيبان وما عدلت ... في يوم ذي قار فرسان ابن سيّار
هم الذين أتوهم عن شمائلهم [8] ... كما تلبّس وراد بصدّار
فأجابه الأعشى فقال:
أبلغ أبا كلبة التّيميّ مألكة ... فأنت من معشر - واللّه - أشرار
شيبان تدفع عنك الحرب آونة ... وأنت تنبح نبح الكلب في الغار [9]
وقال بكير الأصمّ [10]:
إن كنت ساقية المدامة أهلها ... فاسقي على كرم بني همّام [11]
/و أبا ربيعة كلّها ومحلّما ... سبقوا بأنجد غاية الأيّام [12]
زحفوا بجمع لا ترى أقطاره ... لقحت به حرب لغير تمام
عرب ثلاثة آلف وكتيبة ... ألفان عجم من بني الفدّام [13]
__________
[1] ف، «التجريد»: أبو كلب، وصوابه من النسخ «و الاشتقاق 355».
[2] يفخر: سقطت من خد. وفي «تاريخ الطبري» 2 - 221: فلما مدح الأعشى والأصم بني شيبان خاصة غضبت اللهازم، فقال أبو كلبة أحد بني قيس يؤنبها بذلك.
[3] في «تاريخ الطبري» 2 - 212: ما قاظوا بدل ما قظتم.
[4] «المختار»: مفترشا أحشاء دامية.
[5] «المختار»: يثير.
[6] «التجريد، والمختار»: «بأن يخلوا».
[7] ج: شبكتها. «المختار»: لو لا فوارس بدل لاقوا.
[8] في «تاريخ الطبري» 2 - 211»: نحن أتيناهم من عند أشملهم.
[9] «المختار»: في الدار. ولم أجد هذين البيتين في «ديوان الأعشى».
[10] خد: بكير بن الأصم. ج: بكر بن الأصم. وفي «تاريخ الطبري» 2 - 211» بكير أصم بني الحارث بن عباد.
[11] ف: «على كرم همام» وسقطت: بني.
[12] ج، س: سبقوا لغاية أفضل الاقسام. وفي «تاريخ الطبري» 2 - 211»: «سبقا بغاية أمجد الأيام».
[13] خد: القدام. والفدام من فدم فمه أي غطاه ولم يتكلم. قال «صاحب اللسان»: وقيل: كان سقاة الأعاجم إذا سقوا فدموا أفواههم، أي غطوها.
ضربوا بني الأحرار يوم لقوهم ... بالمشرفيّ على شئون الهام [1]
وغدا ابن مسعود فأوقع وقعة ... ذهبت لهم في معرق [2] وشآم
وقال الأعشى:
فدى لبني ذهل بن شيبان ناقتي ... وراكبها يوم اللّقاء وقلّت
هم ضربوا بالحنو جنو قراقر ... مقدّمة الهامرز حتى تولّت [3]
/و قال بعض شعراء ربيعة [4] في يوم ذي قار:
ألا من لليل لا تغور [5] كواكبه ... وهمّ سري بين الجوانح جانبه [6]
ألا هل أتاها أنّ جيشا عرمرما ... بأسفل ذي قار أبيدت كتائبه [7]
فما حلقة النّعمان يوم طلبتها ... بأقرب من نجم السماء تراقبه
وقال الأعشى:
حلفت بالملح والرّماد وبالعزّ ... ى وبالّلات تسلم الحلقه
حتّى يظلّ الهمام منجدلا ... ويقرع النّبل طرّة الدّرقه [8]
__________
وفي «تاريخ الطبري» 2/ 211»:
عربا ثلاثة آلف وكتيبة ... ألفين أعجم من بني الفدام
والنصب هنا على المفعولية لضربوا في قوله:
ضربوا بني الأحرار يوم لقوهم ... بالمشرفي على مقيل الهام
وقد ورد في «تاريخ الطبري» مقدما وجاء في «الأغاني» مؤخرا عن البيت عرب ..
[1] ف: لقوا وفي «تاريخ الطبري 2/ 211»: على مقيل الهام.
[2] ج، س: مغرب. والبيت كما جاء في «تاريخ الطبري»:
شد ابن قيس شدة ذهبت لها ... ذكرى له في معرق وشآم
[3] البيتان في «ديوانه»: 259.
والضمير في قلت يعود - كما ذكر «صاحب اللسان» (قرر) - على الفدية أي قل لهم أفديهم بنفسي وناقتي وعلى هذا تكون قل بمعناها الظاهر ضد كثر.
وقال شارح «الديوان»: إن الضمير في قلت يعود على ذهل بن شيبان يفديهم بناقته وبنفسه وعلى هذا تكون قلت بمعنى علت وارتفعت وقوله: هم ضربوا وهناك رواية أخرى هي: وهم، ولكن ابن بري أنكر هذه الرواية الأخيرة.
والحنو في اللغة: كل شيء في اعوجاج. وحنو قراقر: يقع خلف البصرة ودون الكوفة بالقرب من ذي قار.
[4] خد: بني ربيعة.
[5] ج: تغور.
[6] ف: جانبه.
[7] ج، س: تدار كتائبه.
[8] لم أجد البيتين في «ديوانه». وهما في «اللسان» (حلق) بدون نسبة هكذا.
حلفت بالملح والرماد وبالنار ... وباللّه نسلم الحلقة
حتى يظل الجواد منعفرا ... ويخضب القيل عروة الدرقة
وقال ابن قرد الخنزير التّيميّ [1]:
ألا أبلغ بني ذهل رسولا ... فلا شتما أردت ولا فسادا
/ هزرت الحاملين لكي يعودوا ... إذا يوم من الحدثان عادا [2]
وجدت الرّفد رفد بني لجيم ... إذا ما قلّت الأرفاد زادا
هم ضربوا الكتائب يوم كسرى ... أمام الناس إد كرهوا الجلادا
وهم ضربوا القباب ببطن فلج ... وذادوا عن محارمنا ذيادا
/ وقال الأعشى في ذلك:
لو أنّ كلّ معدّ كان شاركنا ... في يوم ذي قار ما أخطاهم الشّرف [3]
لمّا أتونا كأنّ الليل يقدمهم ... مطبّق الأرض تغشاها لهم سدف [4]
بطارق وبنو ملك مرازبة ... من الأعاجم في آذانها النّطف [5]
من كلّ مرجانة في البحر أحرزها [6] ... تيّارها [7] ووقاها طينها الصّدف
وظعننا [8] خلفنا تجري [9] مدامعها ... أكبادها وجلا ممّا ترى تجف [10]
يحسرن عن أوجه [11] قد عاينت عبرا [12] ... ولاحها غبرة ألوانها كسف [13]
ما في الخدود صدود عن وجوههم ... ولا عن الطّعن في اللبّات منحرف [14]
/عودا على بدئهم [15] ما إن يلبّثهم ... كرّ الصّقور بنات الماء تختطف
__________
[1] س: الخزير التميمي، خد، ف: ابن قرد التيمي.
[2] هزرت: ضربت ضربا شديدا.
[3] القصيدة في «الديوان» 309 - 311 (25 بيتا) مع اختلاف في ترتيب بعض الأبيات عما هنا، ولم يرد في «الديوان» البيتان اللذان سنشير إليهما.
[4] هذا البيت لم يرد في ف ... وفي خد: مطبقي الأرض وفي «الديوان»: يغشاها بهم.
[5] في «الديوان»: جحاجح ... غطارفة. والجحاجح: السادة. والغطارفة: جمع غطريف، وهو السيد الشريف. والمرازبة: جمع مرزبان، (معرب من الفارسية)، وهو الفارس الشجاع المقدم. والنطف: جمع نطفة، وهي اللؤلؤة الصافية اللون.
[6] «الديوان»: أخرجها.
[7] «الديوان»: غواصها.
[8] خد: فظعننا.
[9] خد: مجرى. وفي «الديوان»: كحلا.
[10] «الديوان»: وحف.
[11] «الديوان»: حواسر عن خدود.
[12] خد، ف: أبصرت عبرا. والعبر جمع عبرة وهي الدمعة.
[13] «الديوان»:
«و لاحها وعلاها غبرة كسف»
وفي النسخ: عبرة. وما أثبتناه من «الديوان».
[14] لم يرد هذا البيت والذي يليه في «ديوان الأعشى».
[15] ج، س:
«عودا على بدء كرما يلينهم»
لمّا [1] أمالوا إلى النّشّاب أيديهم ... ملنا ببيض فظلّ الهام يقتطف [2]
وخيل بكر فما تنفكّ تطحنهم ... حتى تولّوا وكاد اليوم ينتصف
وقال حريم [3] بن الحارث التّيميّ:
وإنّ لجيما أهل عزّ وثروة ... وأهل أياد لا ينال قديمها
هم منعوا في يوم قار نساءنا ... كما منع الشّول الهجان قرومها [4]
إذا قيل يوما أقدموا يتقدّموا [5] ... وهل يمنع [6] المخزاة [7] إلا صميمها
قال: ولم يزل قيس بن مسعود في سجن كسرى [8] بساباط، حتى مات فيه.
صوت
خليليّ ما صبري على الزّفرات ... وما طاقتي بالهمّ والعبرات
تساقط نفسي كلّ يوم وليلة ... على إثر ما قد فاتها حسرات
الشعر: للقحيف العقيليّ. والغناء: لإبراهيم الموصليّ [9]، رمل بالوسطى [10]، عن عمرو بن بانة [11]، وذكر الهشاميّ أن الرّمل لعلوية، وأن لحن إبراهيم من الثّقيل الأوّل [12] بالوسطى [13].
__________
[1] «الديوان»: إذا.
[2] «الديوان»: يختطف.
[3] ج: حريم بن الحرب، س: خريب بن الحرب خد: الحريم بن الحار التيمي.
[4] القروم: السادة، جمع قرم وفي ج: قدومها.
[5] ف:
«قدموا يتقدموا»
ج: فتقدموا.
[6] خد: يدفع. ف: يجمع.
[7] ف: المحراث.
[8] ف: في السجن.
[9] خد، ج، س: «لإبراهيم».
[10] خد: بالوسطى، ولم يذكر: رمل.
[11] ف: «عن عمرو».
[12] ج: والغناء لإبراهيم من الثقيل الأول بالوسطى. وسقط ما بينهما.
[13] ف: من الثقيل بالوسطى، ولم تذكر الأول.
6 - أخبار القحيف ونسبه
اسمه ونسبه
القحيف بن حميّر [1]، أحد بني قشير بن مالك بن خفاجة بن عقيل [2] بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة.
شاعر مقلّ من شعراء الإسلام.
يشبب بخرقاء صاحبة ذي الزمة
وكان [3] يشبّب بخرقاء التي كان ذو الرّمّة يشبّب بها [4].
فأخبرني محمّد بن خلف بن وكيع [5]، وعمّي، قالا: حدّثنا هارون بن محمد بن عبد الملك، عن العدويّ، عن أبي الحسن المدائنيّ، عن الصّباح بن الحجّاج عن أبيه [6]، قال:
مررت بخرقاء وهي بفلج [7] فقالت: أقضيت حجّك وأتممته؟ فقلت: نعم، فقالت: لم تفعل شيئا، فقلت:
ولم؟ فقالت:/ لأنّك لم تلمم بي ولا سلّمت عليّ، أو ما سمعت قول ذي الرّمّة [8]:
تمام الحجّ أن تقف المطايا ... على خرقاء واضعة اللثّام [9]
/فقال: هيهات يا خرقاء، ذهب ذاك [10] منك، فقالت: لا تقل ذاك، أما سمعت قول القحيف عمّك [11]:
وخرقاء لا تزداد إلّا ملاحة ... ولو عمّرت تعمير نوح وجلّت
خرقاء لا تزيدها السن إلا ملاحة
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال: حدّثنا الزبير بن بكّار قال:
__________
[1] ضبط في «التجريد» (ضبط قلم): حمير، بكسر الحاء وسكون النون (صوابه في «الاشتقاق» 299).
[2] خد، ف، «التجريد»: طفيل بدل عقيل. وبنو عقيل من بطون كعب بن ربيعة «الاشتقاق»: 297 وفي خد: خفاجة بن عمرو بن عقيل.
[3] «كان»: لم تذكر في ج.
[4] في خد، ف: شبب. وخرقاء إحدى نساء بني عامر بن ربيعة، وقد سبقت أخبارها مع ذي الرمة في «الجزء الثامن عشر»: 37 وما بعدها.
[5] خد وف: خلف وكيع.
[6] الحجاج بن عمير بن يزيد، كما جاء في الخبر في «الأغاني» 18/ 40 من طبعة دار الكتب.
[7] فلج (بفتح فسكون): واد بطريق البصرية إلى مكة ببطنه منازل الحاج.
وفي خد، س، ف: بفلجة.
[8] ف: زيادة في «بتشديد الياء».
[9] «الأغاني» 18/ 40 من طبعة دار الكتب.
[10] خد، ف: «ذلك»، وفي ج: ذهب منك وسقطت ذاك.
[11] «عمك»: لم تذكر في خد ولا ف. وجاءت في «بقية النسخ»، وسبقت في «الأغاني» 18/ 40 من طبعة دار الكتب.
حدّثنا [1] عبد اللّه بن إبراهيم الجمحيّ قال: حدّثني أبو الشّبل [2] المعدّيّ [3] قال:
نسب [4] ذو الرّمّة بخرقاء البكّائيّة، وكانت أصبح من القبس [5]، وبقيت بقاء طويلا، فنسب [6] بها القحيف العقيليّ [7] فقال:
وخرقاء لا تزداد إلّا ملاحة ... ولو عمّرت تعمير نوح وجلّت
أخبرني حبيب بن نصر المهلّبيّ قال: حدّثنا عمر بن شبّة قال: حدّثني أبو غسّان دماذ [8] قال:
كبرت خرقاء حتى جاوزت تسعين سنة، وأحبّت أن تنفّق ابنتها وتخطب، فأرسلت إلى القحيف العقيليّ، وسألته أن يشبّب بها، فقال:
/لقد أرسلت خرقاء نحوي جريّها [9] ... لتجعلني خرقاء ممّن أضلّت
وخرقاء لا تزداد إلّا ملاحة ... ولو عمّرت تعمير نوح وجلّت
يهيم بامرأة من عبس ويرحل عنها
وقال عمرو بن أبي عمرو الشيبانيّ:
كان القحيف العقيليّ يتحدث إلى امرأة من عبس، وقد جاورهم وأقام عندهم شهرا وهام بها عشقا، وكان يخبرها أن له نعما ومالا، وهويته العبسيّة، وكان من أجمل الرجال وأشطّهم [10]، فلمّا طال عليها واستحيا من كذبه إيّاها في ماله ارتحل عنهم، وقال:
تقول لي أخت عبس: ما أرى إبلا ... وأنت تزعم من والاك صنديد
فقلت: يكفي مكان اللّوم مطّرد ... فيه القتير بسمر القين مشدود [11]
وشكّة صاغها وفراء كاملة ... وصارم من سيوف الهند مقدود
__________
[1] خد: حدثني.
[2] ج: أبو شبل.
[3] ج، س: المعدني. وقد سبق جوابه في «الأغاني» 18 - 39.
[4] ج: تشبب، خد: شبب.
[5] خد، ف: «التجريد»: من الفرس. صوابها من «بقية النسخ»، من الخبر السابق في «الأغاني» 18 - 39.
[6] ج، خد: فتشبب. ف: فنسبها.
[7] خد؛ العجلي، بدل العقيلي، وجاء صحيحا بعد ذلك.
[8] جاء السند في خد هكذا: «أخبرني الحرمي بن العلاء قال: حدثنا عمر بن شبة قال: حدثنا حبيب بن نصر المهلبي، قال حدثنا أبو غسان دماذ».
[9] جريها: رسولها.
[10] الشطاط: الطول واعتدال القامة. وفي «بيروت». وأشعرهم. وما أثبتناه من ج، خد، ف.
[11] القتير: رؤوس المسامير. السمر: شد الشيء بالمسمار. القين: الحداد.
إنّي ليرعى رجال لي سوامهم ... لي العقائل منها والمقاحيد [1]
شعره حول عدوان المهير
وقال أبو عمرو:
كان الوليد بن يزيد بن عبد الملك ولّى عليّ بن المهاجر بن عبد اللّه الكلابيّ اليمامة. فلمّا قتل الوليد بن يزيد جاءه المهير بن سلمى الحنفيّ فقال له: إن الوليد قد قتل، وإنّ لك عليّ حقا، وكان أبوك لي مكرما، وقد قتل صاحبك [2]، فاختر خصلة من ثلاث: إن شئت أن تقيم فينا وتكون كأحدنا فافعل، وإن شئت أن تتحوّل عنّا إلى دار/ عمّك، فتنزلها أنت ومن معك إلى أن يرد أمر الخليفة المولّى فتعمل بما [3] يأمر به، فافعل. وإن شئت فخذ من المال المجتمع ما شئت والحق بدار قومك .. فأنف عليّ بن المهاجر من ذلك ولم يقبله، وقال للمهير:
أنت تعزلني [4] يا بن اللّخناء [5]؟ فخرج المهير مغضبا، والتفّ [6] معه أهل اليمامة، وكان مع عليّ ستّمائة رجل من أهل الشام ومثلهم من قومه وزوّاره، فدعاهم المهير وذكر لهم رأيه، فأبوا عليه وقاتلوه، وجاء سهم عائر فوقع في كبد صانع من أهل اليمامة، فقال المهير: احملوا عليهم، فحملوا عليهم [7] فانهزموا، وقتل منهم نفر، ودخلوا القصر وأغلقوا الباب وكان من جذوع،/ فدعا المهير بالسّعف فأحرقه، ودخل أصحابه [8] فأخذوا [9] ما في القصر، وقام [10] عبد اللّه بن النّعمان [11] القيسيّ في نقر من قومه فحموا بيت المال ومنعوا منه، فلم يقدر عليه المهير، وجمع المهير جيشا يريد أن يغزو بهم بني عقيل وبني كلاب، وسائر بطون بني عامر [12]، فقال القحيف بن حمّير لمّا بلغه ذلك [13]:
صوت
أمن أهل الأراك عفت ربوع [14] ... نعم سقيا لهم لو تستطيع
زيارتهم، ولكن أحضرتنا ... هموم ما يزال لها مشيع
__________
[1] العقائل: جمع عقيلة، وهي كرائم الإبل. والمقاحيد: جمع مقحاد وهي الناقة العظيمة القحدة وهي السنام.
[2] «و قد قتل صاحبك»: لم ترد في خد.
[3] ف: «فنفعل ما يأمر به».
[4] ف: تعرفني، ج: تعذلني.
[5] اللخناء: التي لم تختن.
[6] ج: والتفت.
[7] خد: «فحمل عليهم المهير».
[8] خد: «و دعا أصحابه».
[9] ف: «فأحرقه وأخذ ما في القصر».
[10] ج: وأقام.
[11] ف: «عبد اللّه القيسي».
[12] ف: وسائر بطون العرب من بني عامر».
[13] ج: لما بلغه، س: لما بلغه قوله.
[14] ج: هوى يريع، خد، ف: هوى تريع.
غنّى في هذين البيتين إبراهيم، فيما ذكره هو [1] في كتابه، ولم يذكر طريقته:
كأنّ البين جرّعني زعافا [2] ... من الحيّات مطعمه فظيع
وماء قد وردت على جباه [3] ... حمام حائم [4] وقطا وقوع
وممّا يغنّى فيه من هذه القصيدة:
صوت
جعلت عمامتي صلة لدلوي [5] ... إليه حين لم ترد النّسوع [6]
لأسقي فتية ومنقّبات [7] ... أضرّ بنقيها [8] سفر وجيع
/ قال أبو الفرج [9]: غنّى في هذين البيتين سليم، خفيف رمل بالوسطى، ذكر ذلك حبش [10]:
لقد جمع المهير لنا فقلنا: ... أتحسبنا تروّعنا الجموع؟
سترهبنا حنيفة [11] إن رأتنا ... وفي أيماننا البيض اللّموع
عقيل تغتزي [12] وبنو قشير ... توارى [13] عن سواعدها الدّروع
وجعدة والحريش [14] ليوث غاب ... لهم في كلّ معركة صريع
فنعم القوم في اللّزبات [15] قومي ... بنو كعب إذا جحد [16] الرّبيع
كهول معقل الطّرداء فيهم ... وفيتان غطارفة فروع
فمهلا يا مهير فأنت عبد ... لكعب سامع لهم مطيع
قال: وبعث المهير رجلا من بني حنيفة يقال له: المندلف [17] بن إدريس الحنفيّ، إلى الفلج، وهو منزل لبني
__________
[1] «هو»: من ج.
[2] خد: ذعافا. وقد سقط هذا البيت من ج.
[3] الجبي: الماء المجموع في الحوض للإبل. وفي خد: على حياة.
[4] س: حيام حمائم.
[5] في ج، خد: «لبردي».
[6] النسوع: جمع نسع، وهو سير عريض تشد به الحقائب والرحال ونحوها.
[7] ج: ومنفهات ومثلها في طبقات ابن سلام، ومعناها: متعبات. وفي خد، ف: وملهفات. ومنقبات: رقيقة الأخفاف.
[8] النقي: مخ العظام.
[9] «قال أبو الفرج»: من ف.
[10] ج، خد، س: عن حبش.
[11] خد: خفيفة.
[12] جد، ف: تعتزي. وتغتزي: تقصد.
[13] ف: سواري.
[14] ج: والحريث.
[15] اللزبات: الشدائد، مفردها لزبة (بسكون الزاي).
[16] ف: جحر.
[17] ج، ف: المندلب. خد: المندلث.
جعدة، وأمره أن يأخذ صدقات بني كعب جميعا، فلمّا بلغهم خبره أرسلوا في أطرافهم [1] يستصرخون عليه [2]، فأتاهم أبو لطيفة بن مسلمة العقيليّ في عالم من عقيل، فقتلوا المندلف وصلبوه، فقال القحيف في ذلك:
/أتانا بالعقيق صريخ كعب ... فحنّ النّبع والأسل النّهال [3]
وحالفنا السّيوف ومضمرات ... سواء هنّ فينا والعيال [4]
تعادى شزّبا مثل السّعالي ... ومن زبر الحديد لها نعال [5]
وقال أيضا، ويروى [6] لنجدة الخفاجيّ:
لقد منع الفرائض عن عقيل ... بطعن تحت ألوية وضرب
ترى [7] منه المصدّق يوم وافى ... أطلّ على معاشره بصلب
يقول لي المفتي/ قال أبو عمرو في أخباره:
ونظر بعض فقهاء [8] أهل مكّة إلى القحيف، وهو يحدّ النظر إلى امرأة، فنهاه عن ذلك، وقال له: أما تتّقي اللّه [9]؟ تنظر هذا النّظر إلى غير حرمة لك وأنت محرم [10]؟ فقال القحيف:
أقسمت لا أنسى وإن شطّت النّوى ... عرانينهنّ الشّمّ والأعين النّجلا
/ ولا المسك من أعطافهنّ ولا البرى ... ضممن وقد لوّينها قضبا خدلا [11]
يقول لي المفتي وهنّ عشيّة ... بمكة يلمحن المهدّبة السّحلا [12]:
__________
[1] خد: إلى أطرافهم.
[2] ف: إليه.
[3] العقيق: واد بالحجاز. الصريخ: المغيث، والمستغيث، من الأضداد.
النبع: شجر من أشجار الجبال تتخذ منه القسي. الأسل: جمع أسلة: نبت له أغصان كثيرة دقاق بلا ورق، ويطلق الأسل على الرماح تشبيها بهذا النبات في اعتداله وطوله واستوائه ودقة أطرافه ووصف الأسل بأنها نهال أي متعطشة إلى الدم فإذا شربت منه رويت والناهل من الأضداد: العطشان والريان.
[4] ف: والبعال.
[5] شزب جمع شازب وهو الضامر. زبر الحديد: قطع منه. وفي ج، س: في الوغى، بدل شزبا. وفي خد: تعادى بيننا بدل شزبا أيضا.
[6] ف. وتروي.
[7] ج: يرى.
[8] خد: فقهاء مكة.
[9] اللّه تعالى.
[10] «و أنت محرم»: من ف.
[11] البرى جمع برة وبروة - فيما حكاه سيبويه - وهي الحلقة من خلخال أو سوار. والخدل جمع خدلاء وهي من النساء الغليظة الساق المستديرتها، ويقال: مخلخلها خدل أي ضخم.
وفي خد، س: قصبا، والقصب: كل عظم مستدير أجوف وقد جاء في شعر ذي الرمة بمعنى عظام الساق، إذ قال:
جواعل في البرى قصبا خدالا
قال في «اللسان» (قصب): يعني عظام أسوقها أنها غليظة.
[12] ج: يرتحن بدل: يلمحن. وفي خد، يرمحن. وفي ف: المهربة بدل المهدبة، وهي ذات الأهداب. ويريد بالمهدبة السحل: الثياب البيض الرقيقة ذات الأهداب.
تق اللّه لا تنظر إليهنّ يا فتى ... وما خلتني في الحجّ ملتمسا وصلا
وإنّ صبا ابن الأربعين لسبّة ... فكيف مع اللائي مثلن بنا مثلا [1]
عواكف بالبيت الحرام وربّما ... رأيت عيون القوم من نحوها نجلا [2]
صوت
كففنا عن بني ذهل ... وقلنا: القوم إخوان [3]
عسى الأيام أن يرجع ... ن قوما كالّذي كانوا
فلمّا صرّح الشرّ ... وأمسى وهو عريان [4]
ولم يبق سوى العدوا ... ن دنّاهم كما دانوا
الشعر: للفند الزّمّانيّ، والغناء: لعبد اللّه بن دحمان، خفيف رمل بالبنصر، عن بذل والهشاميّ وابن المكيّ.
وتمام هذا الشعر [5]:
شددنا شدّة اللّيث ... غدا واللّيث غضبان
بضرب فيه تفجيع ... وتأييم وإرنان [6]
وطعن كفم الزّقّ ... غذا والزّقّ ملآن [7]
وفي العدوان للعدوا ... ن توهين وإقران
وبعض الحلم عند الجه ... ل للذلّة إذعان
وفي الشّرّ نجاة حي ... ن لا ينجيك إحسان
قوله: دنّاهم كما دانوا، أي جزيناهم [8].
/و مثله قول الآخر:
إنّا كذاك ندين الناس [9] بالدّين
والتأييم [10]: ترك النساء أيامي. والإرنان والرّنّة: البكاء والعويل.
والإقران: الطّاقة للشّيء، قال اللّه عز وجل: (وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ)
[11] أي مطيقين.
__________
[1] مثل بالرجل يمثل مثلا ومثلة: نكل به.
[2] خد: قبلا، بدل: نجلا.
[3] ف، «التجريد»: صفحنا، بدل: كفننا. ج، خد: هند، بدل: ذهل.
[4] خد، ف، «التجريد»: فأمسى.
[5] «التجريد»: «و بقية الشعر» ثم اقتصر على الأبيات: الثالث، والخامس والسادس من الواردة هنا.
[6] ف: تأثيم. خد: وإرفان.
[7] خد، ف: وهي وفي «التجريد»: «غدا».
[8] ف: «قوله: دناهم: جزيناهم».
[9] ف: الدين بدل الناس.
[10] ف: والتأثيم.
[11] سورة الزخرف: 13.
7 - أخبار الفند الزّمّاني [1] ونسبه
اسمه ونسبه
الفند: لقب غلب عليه، شبّه بالفند من الجبل، وهو القطعة العظيمة [2]، لعظم خلقه.
واسمه: شهل [3] بن شيبان بن ربيعة بن زمّان [4] بن مالك بن صعب [5] بن عليّ بن بكر بن وائل.
يشهد حرب بكر وتغلب
وكان أحد فرسان ربيعة المشهورين [6] المعدودين، وشهد حرب بكر [7] وتغلب وقد قارب المائة السنة [8]، فأبلى بلاء حسنا، وكان مشهده في يوم التّحالق [9] الذي يقول فيه طرفة:
سائلوا عنّا الذي يعرفنا ... بقوانا يوم تحلاق اللّمم
يوم تبدي البيض عن أسؤقها ... وتلفّ الخيل أعراج النّعم [10]
/و قد مضى خبره في مقتل كليب [11].
هو والشيطانتان في بني شيبان
فأخبرني محمّد بن الحسن بن دريد قال: حدّثني عمّي عن العبّاس بن هشام عن أبيه قال:
أرسلت بنو شيبان في محاربتهم بني تغلب إلى بني حنيفة يستنجدونهم [12]، فوجّهوا إليهم بالفند الزّمّانيّ في سبعين رجلا [13]، وأرسلوا إليهم: إنّا قد بعثنا إليكم ألف رجل [14].
__________
[1] الزماني: من ف.
[2] العظيمة: من خد، ف، «التجريد»، والمعجمات.
[3] «في بيروت، ج، خد، س، ف والتجريد»: سهل وما أثبتناه من «الاشتقاق 344، وشرح الحماسة للمرزوق، واللسان والقاموس» (فند).
[4] زمان: من ف و «التجريد» والجزء الخامس من «الأغاني» 45 و «الاشتقاق» 344 وفي بقية النسخ»: مازن.
[5] ج: كعب. صوابه من «الاشتقاق» وبقية النسخ.
[6] «المشهورين»: لم ترد في ف.
[7] ف: بكر بن وائل.
[8] «التجريد»: مائة سنة.
[9] هو يوم ثنية قضة، وهي الثنية التي وقع فيها جمل عوف بن مالك فسدها ووقع الناس إلى الأرض لا يرون مجازا فتحالقوا لتعرفهم النساء، وقيل: إنهم رأوا أن يتخذوا علما يعرف به بعضهم بعضا فتحالقوا فسمي يوم التحالق وقد سبق خبره في «الأغاني» 5/ 42.
[10] البيتان في «الجزء الخامس من «الأغاني» 44 ولم يرد البيت الثاني في خد. وفي ج: تبلي بدل تبدي. أسؤق مهموزة جمع ساق لغة في أسوق. والأعراج جمع عرج (بالفتح والكسر) ويطلق على القطعة من الإبل نحو الثمانين أو أكثر.
[11] «الأغاني» 5/ 44 (دار).
[12] ج: يستجيرونهم.
[13] ج: رسلا.
[14] ولذلك يلقب الفند: «عديد الألف» («اللسان»؛ فند).
وقال ابن الكلبيّ:
لمّا كان يوم التحالق أقبل الفند الزّمّانيّ إلى بني شيبان، وهو شيخ كبير قد جاوز مائة سنة، ومعه بنتان له شيطانتان من شياطين الإنس [1]، فكشفت إحداهما عنها وتجرّدت، وجعلت تصيح ببني شيبان ومن معهم من بني بكر [2]:
وعا وعا وعا وعا [3]. ... حرّ الجواد والتظى [4].
وملئت منه الرّبى [5]. ... /يا حبّذا يا حبّذا.
الملحقون [6] بالضّحى [7].
ثم تجرّدت الأخرى وأقبلت [8] تقول:
إن تقبلوا نعانق ... ونفرش النّمارق
أو تدبروا نفارق ... فراق غير وامق [9]
قال: والتقى الناس يومئذ، فأصعد عوفد بن مالك بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة [10]، ابنته على جمل له في ثنيّة قضة [11]، حتى إذا توسّطها ضرب عرقوبي الجمل، ثم نادى:
أنا البرك أنا البرك ... أنزل حيث أدرك [12]
ثم نادى: ومحلوفة لا يمرّ بي رجل من بكر بن وائل إلّا ضربته بسيفي هذا، أفي كلّ يوم تفرّون
__________
[1] ج: الأسم.
[2] ف: من بكر بن وائل.
[3] ف: وغا وغا. وهو بالعين وبالغين: الأصوات في الحرب.
[4] ج، س: «حر الجياد والبطا». وفي ف: «حر الجراد والمطي». وما أثبتناه من خد. والجواد بضم الجيم: جهد العطش أو الهلاك (كما في «اللسان»). والتظى: اتقد وتكون حر فعلا من الحرارة.
[5] من خد، وف، وفيها: الدنى بدل الربى.
[6] ج، س: «المحلقون».
[7] ج: بالغنى. خد: بالصخا، ف: بالصحا.
[8] ج: وأقبلت عليهم.
[9] في «تاريخ الطبري» 2/ 208 جاء هذا الرجز على لسان امرأة من عجل في خبر ذي قار، وروايته.
إن تهزموا نعانق
أو تهربوا ...
[10] من بكر بن وائل.
[11] الثنية: الطريقة في الجبل كالنقب، أو هي العقبة في الطريق أو الجبل. وقضة (بوزن عدة): موضع. (راجع خبر هذه الوقعة فيما سبق: «الأغاني» 5/ 42 من طبعة دار الكتب).
[12] «الاشتقاق» 357: البرك هو عوف بن مالك، وكان من المشهورين في حرب بكر وتغلب، وهو الذي قال في يوم قضة. «أنا البرك، أبرك حيث أدرك» وفي «الأغاني» 5/ 43 من طبعة دار الكتب وخد كذلك: أبرك والبرك: بضم ففتح: البارك على الشيء «اللسان».
فيعطف القوم؟
/ فقاتلوا حتى ظفروا فانهزمت تغلب.
قال ابن الكلبيّ:
ولحق الفند الزّمّانيّ رجلا من بني تغلب يقال له: مالك بن عوف، قد طعن صبيّا من صبيان بكر بن وائل، فهو في رأس قناته، وهو يقول:
يا ويس أمّ الفرخ، فطعنه الفند وهو وراءه ردف [1] له فأنفدهما جميعا، وجعل يقول:
أيا طعنة ما شيخ ... كبير يفن بالي [2]
تفتّيت بها إذ ك ... ره الشّكّة أمثالي
تقيم المأتم الأعلى ... على جهد وإعوال
كجيب الدّفنس الورها ... ء ريعت بعد إجفال [3]
ويروى: قد ريعت بإجفال [4].
__________
[1] ج، س: مردف. والمردف والردف بمعنى: وفي «اللسان» (قضى): حمل على فارس كان مردفا لآخر فانتظمهما.
[2] «اللسان» (قضى)، وفي «الاشتقاق» 344: يا طعنة، واليفن: الفاني (خلق الأنسان: 27).
[3] الأبيات في «شرح الحماسة» للمرزوق. وفي خد: قد ريعت بإجفال أي الرواية الثانية.
والدفنس: المرأة الحمقاء. وجاء في «اللسان» (دفنس) عن أبي عمرو بن العلاء بيت فيه الدفنس نسبة للفند الزماني، ويروى لامرىء القيس بن عابس الكندي وهذا البيت هو:
كجيب الدفنس الورها ... ء ريعت وهي تستفلى
مع أبيات أخرى.
[4] من ف.
8 - أخبار عبد اللّه بن دحمان
عبد اللّه بن دحمان الأشقر المغنّي.
وقد تقدّم خبر أبيه [1] وأخيه الزّبير [2].
الزبير يتقدم عبد اللّه
وكان عبد اللّه في [3] جنبة [4] إبراهيم بن المهديّ ومتعصّبا له، وكان أخوه الزّبير في جنبة [4] إسحاق الموصليّ ومتعصّبا له، فكان كلّ [5] واحد منهما يرفع من صاحبه ويشيد بذكره [6] فعلا الزّبير بتقديم إسحاق له، لتمكّن إسحاق وقبول النّاس منه، ولم يرتفع عبد اللّه [7] بذكر إبراهيم له [8]، مع غضّ إسحاق منه، وكان الزّبير على كلّ حال يتقدّم أخاه عبد اللّه.
فأخبرني [9] الحسين بن يحيى، عن حمّاد، عن أبيه، قال: كان أبي كثيرا ما يقول: ما رأيت أقلّ عقلا ومعرفة ممّن يقول: إنّ دحمان كان فاضلا، واللّه/ ما يساوي غناؤه كله [10] فلسين [11]، وأشبه الناس به [12] صوتا وصنعة وبلادة وبردا [13]: ابنه عبد اللّه، ولكنّ المحسن - واللّه - المجمل المؤدّي الضارب المطرب: ابنه/ الزّبير.
[14] وقال يوسف بن إبراهيم:
كان أبو إسحاق يؤثر عبد اللّه بن دحمان ويقدّمه، وإذا صنع [15] صوتا عرضه على أبي إسحاق فيقّومه له ويصلحه، مضادّة لأخيه الزّبير في أمره، لميل [16] الزّبير إلى إسحاق [17] وتعصّبه له، وأوصله إلى الرشيد مع المغنين، عدة مرّات، أخرج له في جميعها جائزة.
__________
[1] «الجزء السادس»: 21 (دار).
[2] «الجزء الثامن عشر»: 300 (دار).
[3] خد، ف: «من» وجاءت «في» بعد ذلك (في حنبة إسحاق).
[4] - (4) ما بين الرقمين ساقط من نسخة ج.
[5] خد، ف: «فكل واحد».
[6] ف: «من ذكره».
[7] في «الجزء الثامن عشر»: عبد اللّه وهي كذلك حيث جاءت، وفي هامشه إشارة إلى أن في نسخة ب: عبد اللّه.
[8] خد، ف: «إبراهيم بن المهدي».
[9] هذا الخبر كله ساقط من ج.
[10] ف: «مثله».
[11] الرواية في «الجزء الثامن عشر 303 من طبعة دار الكتب» عن الحسين بن يحيى عن حماد أيضا: «ما كان دحمان يساوى على الغناء أربعمائة درهم، وأشبه خلق اللّه به غناء ابنه عبد اللّه».
[12] «به»: لم تذكر في خد.
[13] ف: «و بردا وبلادة».
[14] هذا الخبر أيضا لم يرد في ج.
[15] من خد، ف. وفي س، «بيروت»: «سمع».
[16] خد: «بميل».
[17] ف: إلى أبي إسحاق، وهو خطأ لأن أبا إسحاق الأول كنية إبراهيم بن المهدي أما إسحاق هنا فهو الموصلي.
صوت
أقول لمّا أتاني ثمّ مصرعه ... لا يبعد الرّمح ذو النّصلين والرّجل
التارك القرن مصفرّا أنامله ... كأنّه من عقار قهوة ثمل
ليس بعلّ كبير لا شباب له ... لكن أثيلة صافي الوجه مقتبل
يجيب بعد الكرى لبّيك داعيه ... مجذامة لهواه قلقل عجل
قوله: لا يبعد الرّمح، يعني ابنه الذي رثاه، شبهّه بالرّمح في نفاذه وحدّته.
والنّصلان [1]: السّنان والزّجّ.
والرجل [2]: يعني به ابنه أيضا من الرّجلة [3]، يصفه بها، أو أنّه [4] عنى: لا يبعد الرجل ورمحه.
والعلّ: الكبير السّنّ الصّغير الجسم، ويقال أيضا للقراد: علّ.
والمقتبل: المقبل [5].
وقوله: مجذامة لهواه، يعني أنّه يقطع هواه ولا يتّبعه فيما يغضّ من قدره.
وقلقل: خفيف [6] سريع، والمتقلقل: الخفيف [7].
/الشّعر للمتنخّل الهذليّ. والغناء: لمعبد، وله فيه لحنان:
أحدهما من القدر الأوسط من الثّقيل الأوّل، بإطلاق الوتر في مجرى البنصر، عن إسحاق، والآخر خفيف ثقيل بالبنصر، عن عمرو.
وذكر الهشاميّ أنّ فيه للغريض [8] لحنا من الثّقيل الأوّل [9]، ابتداؤه:
ليس بعلّ كبيرّ لا شباب له
والذي بعده:
وأن لجميلة فيه خفيف ثقيل. وفيه ثاني ثقيل [10] ينسب إلى ابن سريج، وأظنّه ليحيى المكّيّ [11].
وقال حبش: فيه لعبد اللّه بن العبّاس ثقيل أوّل بالبنصر.
__________
[1] ف: «و النصل».
[2] لم يذكر في ج.
[3] الرجلة والرجولة والرجلية والرجولية.
[4] ج: «إلا أنه». ف: «لأنه».
[5] في «الصحاح»: رجل مقتبل الشباب، إذا لم يبن فيه أثر كبر.
[6] ف: «سريع خفيف».
[7] بعدها في ف: «أيضا».
[8] ف: «أيضا».
[9] «الأول»: لم تذكر في ف.
[10] «و فيه ثاني ثقيل»: سقطت من خد وف.
[11] ف: «ابن سريج والهشامي وابن المكي».
9 - أخبار المتنخّل ونسبه
اسمه ونسبه
المتنخّل لقب، واسمه مالك بن عويمر بن عثمان بن سويد بن حبيش [1]، بن خناعة بن الدّيل بن عادية بن صعصعة بن كعب بن طابخة بن لحيان بن هذيل بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار.
هذه رواية ابن الكلبيّ وأبي عمرو.
وروى السّكّريّ عن الرّياشيّ عن الأصمعّي، وعن ابن حبيب، عن أبي عبيدة وابن الأعرابيّ: أنّ اسمه مالك بن عويمر بن عثمان بن حبيش [2] بن عادية بن صعصعة بن كعب [3] بن طابخة بن لحيان بن هذيل، ويكنّى أبا أثيلة.
من شعراء هذيل وفحولهم [4] وفصحائهم.
وهذه القصيدة يرثي بها ابنه أثيلة، قتلته بنو سعد بن فهم بن عمرو [5] بن قيس بن عيلان بن مضر.
خبر مقتل أثيلة
وكان من خبر مقتله فيما ذكر [6] أبو عمرو [5] الشيبانيّ:
أنّه خرج في نفر من قومه يريد الغارة على فهم، فسلكوا النّجديّة [7]،/حتى إذا بلغوا السّراة [8] أتاه رجل فقال: أين تريدون؟ قالوا [9]: نريد فهما فقال: ألا أدلّكم على خير من ذلكم [10]، وعلى قوم دارهم خير من دار فهم [11]؟ هذه دار بني حوف [12] عندكم، فانصبّوا عليهم على الكداء حتى تبيّتوا بني حوف. فقبلوا منه وانحرفوا عن طريقهم، وسلكوا في شعب في ظهر الطّريق [13] حتى نفذوه، ثم سلكوا على السّمرة، فمرّوا بدار «بني قريم»
__________
[1] خد، و «شرح أشعار الهذليين» 1249: خنيس. ولم تذكر سويد في ج.
[2] خد: «عويمر بن خنيس».
[3] في ج، خد. ف: صعب، وما هنا موافق لبقية النسخ و «شرح أشعار الهذليين».
[4] ف: «و فصائحهم وفحولهم».
[5] - (5) ما بين الرقمين ساقط من نسخة ج.
[6] ف: «ذكره».
[7] خد، ف: «النجدة».
[8] قال ابن السكيت: الطود: الجبل المشرف على عرفة ينقاد إلى صنعاء يقال له السراة، فأوله سراة ثقيف، ثم سراة فهم وعدوان، ثم الأزد ثم الحرة. («اللسان»: سرا).
[9] ف؛ فقالوا.
[10] ج، ف: ذلك. خد: «خير من فهم».
[11] ف: «من دارهم».
[12] ج: هذه بنو حوف .. وفي خدوف: خوف. وجاءت بالحاء بعد ذلك في ف.
[13] ج: في ظهر بوع دراوز.
بالسّرو، وقد لصقت سيوفهم بأغمادهم [1] من الدّم،/ فوجدوا إياس بن المقعد في الدّار، وكان سيدا، فقال: من أين أقبلتم؟ فقالوا: أتينا بني حوف، فدعا لهم [2] بطعام وشراب، حتى إذا أكلوا وشربوا [3] دلّهم على الطريق وركب معهم، حتى أخذوا سنن قصدهم، فأتوا بني حوف، وإذا هم قد اجتمعوا مع بطن من فهم للرّحيل عن دارهم، فلقيهم أول من الرّجال على الخيل [4] فعرفوهم، فحملوا عليهم وأطردوهم ورموهم، فأثبتوا [5] أثيلة جريحا ومضوا لطيّتهم. وعاد إليه أصحابه فأدركوه ولا تحامل به، فأقاموا عليه حتى مات، ودفنوه في موضعه.
/ فلمّا رجعوا سألهم عنه المتنخّل [6]، فدامجوه [7] وستروه.
يعلم بمقتل ابنه ويرثيه:
ثم أخبره بعضهم بخبره، فقال يرثيه:
ما بال عينك تبكي دمعها خضل ... كما وهي سرب الأخراب منبزل [8]
لا تفتأ الدهر من سحّ بأربعة ... كأنّ إنسانها بالصّاب مكتحل [9]
تبكي على رجل لم تبل جدّته ... خلّى عليها فجاجا بينها خلل [10]
وقد عجبت وهل بالدّهر من عجب ... أنّي قتلت وأنت الحازم البطل؟ [11]
ويل أمّه رجلا تأبى به غبنا ... إذا تجرّد لا خال ولا بخل [12]
__________
[1] خد، ف: «بأغمادها».
[2] ج: «فدعاهم بطعام».
[3] لم تذكر في خد، ف.
[4] ف «فلم يلتفت إلا والرجال على الخيول».
[5] أي قيدوه.
[6] خد، ف: «سألهم المتنخل عن خبره».
[7] دامجه وداجاه: جامله ووافقه على ما في نفسه، وكتم عنه ما يضايقه.
[8] ويروى: الأخرات. وفي س: الأجداث.
وبعد هذا البيت في خد شرح نصه: «الأخراب: جمع خربة وهي عروة المزادة».
ورواية «الديوان» 1280: الأخرات. وفي الشرح: السرب: السائل يكون فيه وهي فينسرب الماء منه، والأخرات: جمع خرت، وهو الثقب، ومن قال الأخراب فأراد العرى، واحدتها خربة والعروة خرز حولها يقال لها الكلية. ومن قال الأخرات، فكل خرت خرق. يقول: مبتلة تبل كل شيء من كثرة دموعها.
[9] الصاب: شجرة إذا ذبحت يخرج منها لبن إذا أصاب شيئا أحرقه، وإذا أصاب العين انهملت.
[10] «شرح أشعار الهذليين»: عليك بدل: عليا والضمير هنا للعين وفيه:
«لم تبل جدته»
:
لم يستمتع به، مات شابا، يقول: لم يتمل به.
«فجاجا بينها سبل»
يقول: كان يسد عنك كل مسد من المكروه، فلما مات خلى عليك فجاجا بينا سبل سلك عليها من الشر.
[11] ف: أخر هذا البيت عن البيت التالي. ف: وأنت الفارس. وفي «شرح الديوان»:
وما بالدهر
بدل: وهل.
[12] «ويل امه رجلا»: كلمة يتعجب بها، ولا يراد بها الدعاء عليه. «لا خال ولا بخل» أي لا مخيلة ولا بخل، يقال: بخيل بين البخل والبخل.
وفي «اللسان» (خيل): رجل خآل أي مختال، ومنه قوله:
إذا تحرد لا خآل ولا بخل
وضبط بخل (بفتح فكسر) ضبط قلم. وفيه: تحرد بدل: تجرد وفي مخطوط ف: لا نكس ولا بخل والنكس: الجبان. وفي س:
عبثا بدل: غبنا.
/ - خال: من الخيلاء. ويروى: خذل [1] - .
السالك الثّغرة اليقظان كالئها ... مشي الهلوك عليها الخيعل الفضل [2]
والتارك القرن مصفرّا أنامله ... كأنّه من عقار قهوة ثمل [3]
مجدّلا يتسقّى جلده دمه ... كما يقطّر جذع الدّومة القطل [4]
ليس بعلّ كبير لا شباب به ... لكن أثيلة صافي الوجه مقتبل [5]
يجيب بعد الكرى لبّيك داعيه ... مجذامة لهواه قلقل عجل [6]
حلو ومرّ كعطف القدح مرّته ... في كلّ آن أتاه الليل ينتعل [7]
فاذهب فأيّ فتى في النّاس أحرزه ... من حتفه ظلم دعج ولا جبل [8]
/فلو قتلت ورجلي غير كارهة ال ... إدلاج فيها قبيض الشّدّ والنسل [9]
إذن لأعملت نفسي في غزاتهم ... أو لابتعثت به نوحا له زجل [10]
أقول لمّا أتاني الناعيان به: ... لا يبعد الرمح ذو النّصلين والرجل [11]
رمح لنا كان لم يفلل ننوء به ... توفى به الحرب والعزّاء والجلل [12]
__________
[1] لم يرد هذا السطر في نسخة ف لأن الرواية فيها: لانكس .. وفي خد: ويروى لا خال - وهو من الخيلاء - ولا خذل ولم ترد هذه الرواية الأخيرة في «شرح الديوان».
[2] الثغرة والثغر. موضع المخافة. والهلوك: التي تتهالك أي تتمايل، وهي الغنجة المتكسرة. الخيعل: ثوب أو درع يخاط أحد شقيه ويترك الضلع الآخر. والفضل: التي ليس في درعها إزار.
وفي نسخة خد بعد هذا البيت شرح لمشي الهلوك، نصه: «الهلوك: المتغنجة المتكسرة، أي سلكها وهو مطمئن لا يهاب شيئا» وفي س: العرة.
[3] في «شرح أشعار الهذليين»: يقول: نزف دمه حتى ذهب دمه، وأصفرت أنامله وعاد كأنه سكران. والعقار: الخمر.
[4] في «شرح أشعار الهذليين»: النخلة ويروى: الدومة كما هنا، والدومة: نخلة المقل. والقطل: المقطوع.
[5] خد: بعد هذا البيت شرح نصه: «العل: الكبير السن الصغير الجسم».
[6] في «شرح أشعار الهذليين» 1283: وقل (بفتح فكسر) ويروى: وقل (بضمتين) وعجل (بفتح فكسر) وعجل (بضمتين).
[7] في «شرح أشعار الهذليين»: «بكل إني حذاه الليل». وفي خد تعليق بعد البيت نصه: في «الديوان»: دعاه الليل، وروى: «إني حذاه الليل» وقوله: كعطف القدح: أي يطوى كما يطوى القدح. ومرته: فتلته. وينتعل: يسري في كل ساعة من الليل من هدايته. وإني:
واحد الآناء وهي الساعات.
[8] من «شرح أشعار الهذليين»، وفي النسخ: «و لا حيل» ويؤيد رواية «الديوان» البيت الثاني: ولا السما كان.
[9] عدو قبيض: شديد. النسل: من نسلان الذئب، وهو ضرب من المشي نحو الهدج، يقول: لو قتلت ورجل صحيحة فيها ما أنقبض به في حاجتي لفعلت «شرح أشعار الهذليين».
[10] في «شرح أشعار الهذليين» وخد: «أعلمت». وفي «بيروت» وج وس وف: «أعلمت».
[11] ج، س: «الناعيات له»، وما أثبتناه من «شرح الديوان» وبقية النسخ.
[12] في خد، ف: «رمح كان لم يفلل إذ تنوء به».
وعلق في خد: في أصل «الديوان»:
رمح لنا كان لم يفلل تنوء به
وهذا التعليق صحيح. فتلك هي رواية «الديوان» «شرح أشعار الهذليين» 1285 وفي ج، س: «يوفى به الحرب والضراء».
توفى: تعلى. العزاء: الشدة: والجلل جمع جلى، وهي العظيم من الأمر.
ريّاء شمّاء لا يدنوا لقلّتها ... إلا السّحاب وإلا النّوب والسّبل [1]
رثاؤه أباه
وقال أبو عمرو الشيبانيّ: كان عمرو بن عثمان، أبو المتنخل يكنّى أبا مالك، فهلك، فرثاه المتنخّل [2] فقال:
ألا من ينادى أبا مالك ... أفي أمرنا أمره أم سواه [3]
/فو اللّه ما إن أبو مالك ... بوان ولا بضعيف قواه [4]
ولا بألدّ له نازع ... يعادي أخاه إذا ما نهاه [5]
ولكنّه هيّن ليّن ... كعالية الرّمح عرد نساه [6]
إذا سدته سدت مطواعة ... ومهما وكلت إليه كفاه [7]
/أبو مالك قاصر فقره ... على نفسه ومشيع غناه [8]
أبو جعفر محمد بن علي يتمثل بشعره
حدّثني أبو عبيد [9] الصّيرفيّ قال: حدثنا الفضل بن الحسن البصريّ قال: حدثنا أحمد بن راشد [10] قال:
حدّثني عمّي سعيد بن خيثم [11] قال: كان أبو جعفر محمد بن عليّ - عليهما السّلام [12] - إذا نظر إلى أخيه زيد تمثّل:
لعمرك ما إن أبو مالك ... بواه ولا بضعيف قواه [13]
__________
[1] في «شرح أشعار الهذليين» 1285: لا يأوي بدل: لا يدنو، وإلا الأوب، بدل النوب. وأورد بعد البيت رواية أبي عمرو الشيباني للشطر الثاني:
إلا العقاب وإلا الأوب والسبل
والأوب كذلك، في نسخة خد. والأوب: رجوع النحل، والنوب: النحل. وعلق في خد بعد البيت: «الأوب: رجوع النحل. السبل:
المطر، أي هذه الهضبة لا يعلوها من طولها إلا السحاب والنحل والمطر».
[2] في «شرح أشعار الهذليين» 1276: وقال يرثي أباه عويمرا.
[3] هذا البيت هو الخامس في المقطوعة في «شرح أشعار الهذليين».
[4] في «شرح أشعار الهذليين»: لعمرك، بدل: فو اللّه. وفيه أيضا: ويروى: «بواه ولا بضعيف» وهو الأجود عند أبي العباس.
[5] س: «و لا بالإله له وازع». ف. «و لا بألد واله نازع» وجاءت له صحيحة بعد ذلك، وفي «شرح أشعار الهذليين»: يغاري بدل يعادي. ومعنى يغاري أخاه: يماريه ويعلق به ولا يكاد يفلت منه. والألد: الشديد الخصومة. نازع: ليس له طبيعة سوء تنزعه إلى أن يغاري أخاه.
[6] عرد نساه: شديد ساقه.
[7] إذا سدته ... : إذا كنت فوقه أطاعك ولم يحسدك.
[8] ف: قاصر نفسه على فقره وكتب صحيحا بعد ذلك.
وقد جاء هذا البيت في «عيون الأخبار» 3: 179 منسوبا إلى البريق الهذلي.
[9] «بيروت»: «أبو عبيدة»، وفي «الجزء السابع عشر 341»: أبو عبد اللّه، وما أثبتناه من خد، وف و «الجزء الثامن عشر 56».
[10] ج، ف: «رشد».
[11] ج: خثيم.
[12] لم تذكر في ف.
[13] الرواية التي سبقت «بوان»، وأشرنا في الهامش إلى هذه الرواية.
ولا بألدّ له نازع ... يعادي أخاه إذا ما نهاه
/ ولكنّه هيّن ليّن ... كعالية الرّمح عرد نساه
إذا سدته سدت مطواعة ... ومهما وكلت إليه كفاه
أبو مالك قاصر فقره ... على نفسه ومشيع غناه
ثم يقول:
«لقد أنجبت أمّ ولدتك يا زيد، اللّهم اشدد أزري بزيد».
طائيته
أخبرني [1] محمد بن العباس اليزيديّ قال: حدّثنا الرّياشيّ، عن الأصمعيّ قال:
أجود طائية قالتها العرب قصيدة المتنخّل:
عرفت بأجدث فنطف عرق ... علامات كتحبير النّماط [2]
كأنّ مزاحف الحيّات فيها ... قبيل الصّبح آثار السّياط [3]
في هذين البيتين غناء [4].
صوت
عجبت لسعي الدّهر بيني وبينها ... فلمّا انقضى ما بيننا سكن الدهر [5]
فيا هجر ليلى قد بلغت بي المدى ... وزدت على ما لم يكن بلغ الهجر
ويا حبّها زدني جوى كلّ ليلة ... ويا سلوة الأيام موعدك الحشر
__________
[1] ج، خد: «أخبرنا».
[2] مطلع قصيدة من أربعين بيتا في «شرح أشعار الهذليين» 1266 وفي الشرح: أجدث، ونعاف عرق، قال أبو سعيد: هي مواضع.
والنماط: جمع نمط. كتحبير: كتنقيش.
وفي خد تعليق على هذا البيت نصه: «شبه آثار الديار بتحبير النماط وهو وشيه وتزيينه».
[3] ليس هذا البيت تاليا للبيت الأول في القصيدة، بل هو البيت التاسع والعشرون فيها.
وقد علق أبو سعيد السكري على هذا البيت بقوله: هذا بيت القصيدة، ما أحسن ما وصف.
[4] لم ترد هذه الجملة في ف.
[5] هذا الصوت والتعليق عليه من نسختي: خد، ف وبعده فيهما - كما أثبتنا - أخبار أبي صخر ونسبه.
أما نسختا ج، س فقد جاء فيهما:
ومما يغني فيه من شعر أبي صخر الهذلي قوله من قصيدة له:
بيد الذي شعف الفؤاد بكم ... فرج الذي ألقى من الهم
هم ....
فاستيقني .....
قد كان .....
وهو صوت سيأتي بعد.
أما أخبار أبي صخر ونسبه فلم يذكر منها في النسختين إلا الجزء الذي يتلو هذا الصوت، وسنشير إليه في موضعه.
أما والذي أبكى وأضحك والّذي ... أمات وأحيا والذي أمره الأمر
لقد تركتني أحسد الوحش أن أرى ... أليفين منها لا يروعهما الزجر
الشّعر: لأبي صخر الهذليّ. والغناء: لمعبد في الأوّل والثاني من الأبيات، ثاني ثقيل بالوسطى عن عمرو، ولابن سريج في الرابع والخامس ثقيل أول [1] /و لعريب فيهما [2] أيضا ثقيل أول آخر، وهو الذي فيه استهلال، وللواثق فيهما [2] رمل، ولابن سريج أيضا ثاني ثقيل في الثالث [3] وما بعده، عن أحمد بن المكيّ، وذكر [4] ابن المكيّ أن الثقيل الثاني بالوسطى [5] لجده يحيى المكيّ.
__________
[1] أول»: من خد، ف.
[2] خد: ف، فيها.
[3] عبارة ف: «في الثالث ثاني ثقيل عن أحمد بن المكي».
[4] هذه العبارة كلها سقطت من خد.
[5] «بالوسطى»: لم تذكر في ف.
10 - أخبار أبي صخر الهذلي [1] ونسبه [2]
اسمه ونسبه
هو عبد اللّه بن سلم [3] السّهميّ، أحد بني مرمض [4] .. وهذا أكثر ما وجدته من نسبه في نسخة السّكريّ، وهي أتمّ النسخ ممّا يأثره عن الرياشيّ عن الأصمعيّ، وعن الأثرم عن أبي عبيدة، وعن ابن حبيب، عن ابن الأعرابيّ.
مدائحه في بني مروان
وهو شاعر إسلاميّ من شعراء الدّولة الأموية، وكان مواليا لبني مروان [5]، متعصبّا لهم، وله في عبد الملك [6] بن مروان مدائح [7]، وفي أخيه عبد العزيز، وعبد العزيز بن عبد اللّه بن خالد [8] بن أسيد.
وحسبه ابن الزّبير إلى أن قتل.
ابن الزبير يغضب عليه
فأخبرني يحيى بن أحمد [9] بن الجون، مولى بني أميّة - لقيته بالرّقّة - قال:/ حدّثني الفيض بن عبد الملك قال: حدّثني مولاي [10] عن أبيه، عن مسلمة بن الوليد القرشيّ، عن عبد العزيز [11] بن عمر بن عبد العزيز قال:
لما ظهر عبد اللّه الزّبير بالحجاز وغلب عليها، بعد موت يزيد بن معاوية، وتشاغل بنو أميّة بالحرب بينهم في مرج راهط [12] وغيره، دخل عليه أبو صخر الهذليّ، في هذيل [13].
__________
[1] «الهذلي»: لم تذكر في خد. وفي «المختار»: «عبد اللّه بن صخر الهذلي».
[2] سقطت هذه الترجمة من «نسخة بولاق» وهي والصوت الذي قبلها جاءت في هذا الموضع في نسختي خد، ف.
[3] خد، ف، «التجريد»: «مسلم». وفي «شرح أشعار الهذليين» 915: «سلمة»، وفي «المختار» كما هنا سلم.
[4] في «شرح أشعار الهذليين»: مرمض، بفتح الراء والميم الثانية مشددة، وفيه: كذا بخطه (أبي سعيد) في هذا الموضع. وفي موضع آخر بكسر الميم، والكسر الصواب. وضبط في «المختار» - كما هنا - بسكون الراء وكسر الثانية.
ولم تذكر «مرمض» في خد، ف، و «التجريد» وذكر بدلا منها: هذيل.
[5] خد، ف، «التجريد»: أمية بدل: مروان.
وفي «المختار»: وكان مواليا لهم بدل لبني مروان.
[6] خد: عبد اللّه.
[7] عبارة «التجريد»: «و له في عبد الملك بن مروان وأخيه عبد العزيز بن مروان مدائح كثيرة» وفي «المختار»: «عدة مدائح».
[8] ف: وفي أخيه عبد العزيز بن عبد اللّه، وعبد العزيز بن عبد اللّه بن خالد، وسيأتي في المتن ما يؤيد ذلك في الفقرة التي عنوانها يرثي أبا خالد وهو حي وقد جاء عبد اللّه في «شرح أشعار الهذليين» 950.
[9] خد، ف: «يحيى بن عبد اللّه».
[10] ف: «ابن عبد الملك مولاي عن أبيه». وسقط: «قال: حدّثني».
[11] في ف: «عبد اللّه».
[12] راهط، ويقال له: مرج راهط: موضع بالغوطة من دمشق في شرقيه.
[13] «في هذيل»: لم تذكر، في ف ولا «التجريد».
وقد جاءوا ليقبضوا عطاءهم [1]، وكان عارفا بهواه في بني أميّة، فمنعه عطاءه، فقال: علام [2] تمنعني حقّا لي؛ وأنا امرؤ مسلم، ما أحدثت في الإسلام حدثا، ولا أخرجت من طاعة يدا؟ قال: عليك بني [3] أميّة فاطلب عندهم [4]، عطاءك.
قال: إذن أحدهم سباطا [5] أكفّهم، سمحة أنفسهم، بذلاء [6] لأموالهم وهّابين لمجتديهم، كريمة أعراقهم، شريفة أصولهم، زاكية فروعهم، قريبا من رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلّم - نسبهم وسبهم، ليسوا إذا نسبوا بأذناب ولا وشائظ [7] ولا أتباع، ولا هم في قريش كفقعة [8] القاع، لهم السؤدد في/ الجاهلية، والملك في الإسلام، لا كمن لا يعدّ في عيرها ولا نفيرها [9]، ولا حكّم آباؤه في نقيرها ولا قطميرها [10]، ليس من أحلافها المطيّبين [11]، ولا من ساداتها المطعمين، ولا من جودائها [12] الوهّابين، ولا من هاشمها المنتخبين، ولا عبد شمسها المسوّدين، وكيف تقابل الرؤوس بالأذناب؟ وأين النّصل من الجفن؟ والسّنان من الزّجّ؟ والذّنابى من القدامى؟ [13] وكيف يفضّل الشّحيح على الجواد، والسّوقة على الملك، والمجيع [14] بخلا على المطعم فضلا؟ فغضب ابن الزّبير حتى ارتعدت فرائصه، وعرق جبينه، واهتزّ من قرنه إلى قدمه وامتقع لونه، ثم قال له [15]: يا بن البوّالة على عقبيها، يا جلف، يا جاهل، أما واللّه لو لا الحرمات الثّلاث: حرمة الإسلام، وحرمة الحرم، وحرمة الشهر الحرام، لأخذت الذي في عيناك.
ثمّ أمر به إلى سجن عارم [16]، فحبس به [17] مدّة، ثم استوهبته هذيل [18] /و من له بين [19] قريش خؤولة في
__________
[1] عبارة «التجريد»: «دخل عليه أبو صخر الهذل ليقبض عطاءه».
[2] «التجريد»: «فقال: يمنعني».
[3] ف، «التجريد»: ببني.
[4] «عندهم»: لم تذكر في خد.
[5] جمع سبط (بفتح فسكون): سمح سخي.
[6] ف، «التجريد»: بذلا. وكلاهما مقيس.
[7] الوشائظ: الدخلاء في القوم ليسوا من صميمهم.
[8] الفقعة (بكسر ففتح) جمع فقع (بفتح فسكون) وفقع (بكسر فسكون): ضرب من الكمأة. ويضرب بها المثل في الذلة، فيقال: أذل من فقع بقاع.
[9] أصل هذا التعبير في «الفاخر»: 177.
[10] النقير: نقرة في ظهر النواة. والقطمير: القشرة الرقيقة على النواة كاللفافة لها، ويطلق كلاهما على الشيء الحقير.
[11] الأحلاف المطيبون، هم بنو هاشم، وبنو زهرة، وتيم، اجتمعوا في دار ابن جدهان في الجاهلية، وجعلوا طيبا في جفنة وغمسوا أيديهم فيه، وتحالفوا على التناصر والأخذ للمظلوم من الظالم فسموا المطيبين، وقد شهد الرسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلّم - حلف المطيبين مع عمومته وهو غلام. وكان أبو بكر رضي اللّه عنه من المطيبين.
[12] جوداء جمع جواد مثل جود وأجاود «الصحاح».
[13] القدامى: مقدم ريش الطائر؛ والذنابى للطائر كالذنب للفرس، وللطائر أربع ذنابى بعد الخوافي.
[14] س: «و الجامع».
[15] «المختار»: «و قال».
[16] «بيروت»: «عارف». وما أثبتناه من خد، ف، و «التجريد، والمختار».
[17] خد، ف: فيه. وفي «المختار».: فسجن، بدل: حبس.
[18] خد، ف، «التجريد»: «قريش وهذيل».
[19] ف: «من قريش».
هذيل، فأطلقه بعد سنة، وأقسم ألّا يعطيه عطاء مع المسلمين أبدا.
عبد الملك يقربه ويصله
فلمّا كان عام الجماعة وولّي عبد الملك وحجّ، لقيه أبو صخر، فلمّا رآه عبد الملك قرّبه وأدناه، وقال له: إنه [1] لم يخف عليّ خبرك «مع الملحد» [2] ولا ضاع لك عندي هواك وموالاتك [3]؛ فقال: أما إذ [4] شفى اللّه منه نفسي [5]، ورأيته [6] قتيل سيفك؛ وصريع [7] أوليائك، مصلوبا مهتوك السّتر، مفرّق الجمع [8]، فما أبالي ما فاتني من الدّنيا.
ثم استأذنه أبو صخر [9] في الإنشاد، فأذن له، فمثل بين يديه قائما [10]، وأنشأ يقول [11]:
عفت ذات عرق عصلها فرئامها ... فدهناؤها وحش وأجلى سوامها [12]
/على أنّ مرسى خيمة خفّ أهلها ... بأبطح محلال وهيهات عامها [13]
إذا اعتلجت فيها الرّياح فأدرجت ... عشيّا جرى في جانبيها قمامها [14]
وإنّ معاجي في الدّيار وموقفي ... بدارسة الرّبعين بال ثمامها [15]
لجهل ولكنّي أسلّي ضمانة ... يضعّف أسرار الفؤاد سقامها [16]
فأقصر فلا ما قد مضى لك راجع ... ولا لذّة الدّنيا يدوم دوامها
وفدّ أمير المؤمنين الذي رمى ... بجأواء جمهور تسيل إكامها [17]
__________
[1] خد، ف، «المختار»: لم يخف ولم يذكر إنه.
[2] «مع الملحد»، من خد، ف، و «التجريد والمختار».
[3] في «بعض النسخ»: ولا موالاتك. وما أثبتناه. من خد، وف، و «التجريد: والمختار».
[4] خد: إذا.
[5] «المختار»: «نفسي منه».
[6] «التجريد»: وأرانيه.
[7] «المختار»: صريع، بدون الواو.
[8] «المختار»: الجماعة.
[9] «أبو صخر» لم يذكر في خد.
[10] خد، ف: «فمثل قائما بين يديه».
[11] «التجريد»: فأنشده قصيدته التي أولها. ولم يذكر فيه: فمثل. - والقصيدة في «شرح أشعار الهذليين» 953.
[12] «شرح أشعار الهذليين، واللسان» (عصل)، (ضحى) و «المختار»: «فضحياؤها» بدل فرئامها وهي موضع، وكذلك: عصل ورئام والدهناء ..
وفي ف. عصلها وثمامها وفي «المختار»: عضلها بالمعجمة.
[13] «شرح أشعار الهذليين»: سوى بدل: على، بأبهر، بدل: بأبطح. والأبهر: اللين من الأرض. والأبطح: مسيل الوادي.
[14] «شرح أشعار الهذليين»: وأدرجت.
[15] ف، «شرح أشعار الهذليين»: فإن معاجي للخيام، بوانية البندين، بدل: بدارسة الربعين. وفي «اللسان» (بند): برابية البندين.
وجاء البيت منسوبا شاهدا على أن البند هو الذي يكسر من الماء وقال بعد البيت: يعني بيوتا ألقى عليها ثمام وشجر ينبت.
وقال السكري في «الشرح»: وانية: ضعيفة قد ضعفت وأخلقت. والبندان: شرط الخيام التي تشد بها، واحدها بند، وهي بيوت من ثمام أو شجر.
[16] خد، ف: أجلى ضمانة. وفي شحر أشعار الهذليين: أسلى زمانة.
[17] «وفد»: من خد، ف، «التجريد، وشرح أشعار الهذليين «، وبيروت»: وإن.
«جمهور»: في ف: همور وربما كانت بهمور وهو من أسماء الرمال. «تسيل»: في «شرح أشعار الهذليين»: تمور. إكامها: في
من أرض قرى الزيتون مكّة بعد ما ... غلبنا عليها واستحلّ حرامها
يقول: رمى مكّة بالرجال من أهل الشام، وهي أرض الزّيتون [1].
وإذ عاث فيها النّاكثون وأفسدوا ... فخيفت أقاصيها وطار حمامها [2]
/فشجّ بهم عرض الفلاة تعسّفا ... إذ الأرض أخفى مستواها سوامها [3]
فصبّحهم بالخيل تزحف بالقنا ... وبيضاء مثل الشّمس يبرق لامها [4]
لهم عسكر ضافي الصّفوف عرمرم ... وجمهورة يثني العدوّ انتقامها [5]
فطهّر منهم بطن مكة ماجد ... أبي الضّيم والميلاء حين يسامها [6]
فدع ذا وبشّر شاعري أمّ مالك ... بأبيات ما خزي طويل عرامها [7]
شاعري أمّ مالك: رجلان من كنانة كانا مع ابن الزّبير، يمدحانه ويحرّضانه على أبي صخر، لعداوة كانت بينهما وبينه [8].
فإن تبد تجدع منخراك بمدية ... مشرشرة حرّى حديد حسامها [9]
/و إن تخف عنّا أو تخف من أذاتنا ... تنوشك نابا حيّة وسمامها [10]
__________
ف و «التجريد»: «ركامها».
[1] لم يرد هذا التعليق في ف.
[2] في «شرح أشعار الهذليين»:
وألحد فيها الفاسقون وأفسدوا ... فخافت فواشيها وطار حمامها
الفواشي: المال الراعي.
وفي «التجريد»: الفاسقون بدل: الناكثون وبقية الببت كما أثبتنا. وفي ف: وطلت حمامها.
[3] في «شرح أشعار الهذليين»:
يشج .... وأما إذا يخفى من ارض علامها. ومثله في «اللسان» (علم) وفيه:
قال ابن جني: علامها، ينبغي أن يحمل على أنه أراد: علمها، فأشبع الفتحة فنشأت بعدها ألف.
وفي ف: مستراها علامها.
[4] فصبحهم ... : لم يرد هذا البيت في ف، ولا في «شرح أشعار الهذليين»، وأثبته محقق الشرح في هامشه نقلا عن «الأغاني» لامها:
اللأم بالهمز وقد يترك الهمز تخفيفا: أداة الحرب ويقال للسيف، وللرمح، وللدرع: لأمة.
[5] في «شرح أشعار الهذليين»:
لهم عسكر طاجي الصفاف عرمرم ... وجمهورة يزهى العدو احتدامها
وفي خد، ف: اقتحامها.
[6] رقم هذا البيت في القصيدة 20 وما قبله: 23.
[7] فدع ذا .. لم يرد هذا البيت في «شرح أشعار الهذليين»، ونقله محقق الشرح في هامشه عن «الأغاني» وفي بيروت: «بأبيات مخزيّ». وما أثبتناه من خد، ف.
وفي خد: غرامها.
[8] لم يذكر هذا التعليق في ف.
[9] موقعه في «شرح أشعار الهذليين» مكان البيت التالي وروايته فيه:
وإن تبد تجدع منخريك بمدية ... مشرشرة حرى رميض حسامها
[10] رواية «شرح أشعار الهذليين»:
فلو لا قريش لاسترقّت عجوزكم ... وطال على قطبي رحاها احتزامها [1]
قال: فأمر له عبد الملك بما فاته من العطاء [2]، ومثله صلة [3] من ماله، وكساه وحمله.
يرثي أبا خالد وهو حي
ونسخت من كتاب أبي سعيد السّكّريّ، عن محمد بن حبيب، عن ابن الأعرابي وأبي عبيدة [4] قالا:
كان أبو صخر الهذليّ منقطعا إلى أبي خالد عبد العزيز بن عبد اللّه بن خالد بن أسيد [5]، مدّاحا له، فقال له يوما: ارثني يا أبا صخر، وأنا حيّ [6]، حتى [7] أسمع كيف تقول، وأين مراثيك لي بعدي من مديحك [8] إيّاي في حياتي؟.
فقال: أعيذك باللّه أيّها الأمير من ذلك [9]، بل يبقيك اللّه [10] ويقدّمني قبلك، فقال: ما من ذلك بدّ. قال:
فرثاه بقصيدته [11] التي يقول فيها:
/أبا خالد نفسي وقت نفسك الرّدى ... وكان بها من قبل عثرتك العثر [12]
لتبكك يا عبد العزيز قلائص ... أضرّ بها نصّ الهواجر والزّجر [13]
سمون بنا يجتبن كلّ تنوفة ... تضلّ بها عن بيضهنّ القطا الكدر [14]
فما قدمت حتى تواتر سيرها ... وحتى أنيخت وهي ظالعة دبر [15]
__________
فإن تبد أو تستخف تغض على أذى ... ويخطفك نابا .....
[1] هذا البيت هو رقم 27 في «شرح أشعار الهذليين» وما قبله 29 وما قبله 30.
[2] «المختار»: «من عطائه».
[3] «المختار»: «و وصله بمثله من ماله».
[4] خد، ف: «عن أبي عبيدة وابن الأعرابي».
[5] خد: «إلى أبي خالد عبد العزيز بن أسيد». ف: «إلى أبي خالد بن عبد العزيز».
[6] ف: «ارثني وأنا حي يا أبا صخر».
[7] «حتى»: لم تذكر في «المختار».
[8] «المختار»: «مدحك».
[9] «من ذلك»: لم ترد في «المختار».
[10] «اللّه»: من خد، ف.
[11] القصيدة في «شرح أشعار الهذليين» 950 ومطلعها:
عفا سرف من جمل فالمرتمى قفر ... فشعب فأدبار الثنيات فالغمر
وتقع في 29 بيتا. واقتصر أبو الفرج هنا على الأبيات من 19 إلى 29.
[12] خد، ف: تقي. بدل: وقت.
[13] الشطر الثاني في «شرح أشعار الهذليين»
أضر بها طول المنصة والرجر
[14] في «المختار»: يحثثن، بدل: يجتبن.
والتنوفة: الأرض التي لا ماء بها ولا أنيس، أو هي الفلاة الواسعة المتباعدة ما بين الأطراف.
[15] في «المختار»: طالعة (بالمهملة) وفي «شرح أشعار الهذليين»: داهفة، بدل: ظالعة. والداهف: المعيي. وفيه: ويروى: زاهقة، أي رقيقة المخ.
ففرّج عن ركبانها الهمّ والطّوى ... كريم المحيّا ماجد واجد صقر [1]
أخو شتوات تقتل الجوع داره ... لمن جاء لا ضيق الفناء ولا وعر [2]
ولا تهنىء الفتيان بعدك لذّة ... ولا بلّ هام الشامتين بك القطر [3]
وإن تمس رمسا بالرّصافة ثاويا ... فما مات يا بن العيص نائلك الغمر [4]
وذي ورق من فضل مالك ماله ... وذي حاجة قد رشت ليس له وفر
فأمسى مريحا بعد ما قد يؤوبه ... وكلّ به المولى وضاق به الأمر [5]
/قال: فأضعف له عبد العزيز جائزته ووصله، وأمر أولاده [6] فرووا القصيدة.
يرثي ابنه داود
وقال أبو عمرو الشيبانيّ:
كان لأبي صخر ابن يقال له داود [7] لم يكن له ولد غيره، فمات، فجزع عليه جزعا شديدا حتى خولط، فقال يرثيه [8]:
لقد جاهني طيف لداود بعدما ... دنت فاستقلّت تاليات الكواكب
وما في ذهول النفس عن غير سلوة ... رواح من السّقم الذي هو غالبي [9]
وعندك لو يحيا صداك فنلتقي ... شفاء لمن غادرت يوم التناضب [10]
فهل لك طبّ نافعي من علاقة ... تهيّمني بين الحشا والتّرائب
تشكّيتها إذ صدّع الدّهر شعبنا ... فأمست وأعيت بالرّقي والطّبائب [11]
__________
[1] خد، «المختار»: واحد (بالمهملة).
[2] في «بيروت»:
يقتل الجوع زاده ... لا ضيق الفؤاد
وما أثبتناه من: خد، ف، «المختار، شرح أشعار الهذليين».
[3] «شرح أشعار الهذليين»: «فلا نفع الفتيان».
قوله: لا تهنى ء: هنأني الطعام يهنئني ويهنؤني: صار هنيئا.
[4] «و إن»: من خد، ف، «المختار»، وفي «شرح أشعار الهذليين»: فإن، وفيه: «أيامك الزهر» بدل: نائلك الغمر.
[5] بيروت و «المختار» فأضحى، وفي هامش «المختار»: في الأصل: فأمسى. وما أثبتناه من خد، ف، «شرح أشعار الهذليين». وفي خد «تووابه»، بدل: «يؤوبه». وفي خد، ف: «الصدر» بدل: «الأمر».
[6] «و أمر أولاده»: لم تذكر في «المختار».
[7] خد: «دواد» ثم جاء في الشعر صحيحا.
[8] في قصيدة من 64 بيتا في «شرح أشعار الهذليين» 915 مطلعها:
تعزيت عن ذكر الصبا والحبائب ... وأصبحت عزهى للصبا كالمجانب
وأول بيت هنا هو السابع والعشرون في القصيدة. وروايته: وقد، بدل: لقد.
[9] في «شرح أشعار الهذليين»: وما في ذهول الناس. وفي «هامشه»: في «الأغاني»: وما في ذهول الناس. وما أثبتناه من: خد، ف.
[10] في «شرح أشعار الهذليين»: لما غادرت.
[11] في «بيروت»:
«فأمست وقد أعيت على مذاهبي»
وفي خد:
«فأمسيت وأعيت في الرقي والطبائب»
ولو لا يقيني أنّما الموت عزمة ... من اللّه حتى يبعثوا للمحاسب [1]
لقلت له فيما ألمّ برمسه: ... هل أنت غدا غاد معي فمصاحبي
/ وماذا ترى في غائب لا يغبّني ... فلست بناسيه وليس بآئب [2]
سألت مليكي إذ بلاني بفقده ... وفاة بأيدي الرّوم بين المقانب
ثنوني وقد قدّمت ثأري بطعنة ... تجيش بموّار من الجوف ثاعب [3]
فقد خفت أن ألقي المنايا وإنّني ... لتابع من وافى حمام الجوالب [4]
ولمّا أطاعن في العدوّ تنفّلا ... إلى اللّه أبغي فضله وأضارب [5]
وأعطف وراء المسلمين بطعنة ... على دبر مجل من العيش ذاهب [6]
يرد على رجل قدح فيه
وقال أبو عمرو:
بلغ أبا صخر [7] أنّ رجلا من قومه عابه وقدح فيه، فقال أبو صخر في ذلك [8]:
ولقد أتاني ناصح عن كاشح ... بعداوة ظهرت وقبح أقاول [9]
/أفحين أحكمني المشيب فلا فتى ... غمر ولا قحم وأعصل بازلي [10]
ولبست أطوار المعيشة كلّها ... بمؤبّدات للرّجال دواغل [11]
__________
وفي «شرح أشعار الهذليين»: «فأمست قد اعيت في الرقي والطبائب» وما أثبتناه من ف.
[1] في «شرح أشعار الهذليين»:
«و لو لا يقين»
[2] في «بيروت»: «و ما ترني في غائب لا يغيثني» وفي «شرح أشعار الهذليين»:
«فماذا ترى في غائب لا يغبني»
وما أثبتناه من خد، ف.
ويغبني: من أغببت الرجل وغببت عنه: زرته يوما وتركته يوما.
[3] خد: تحبس، بدل: تجيش. وفي «شرح أشعار الهذليين»: نجيش بقلاس. قلاس: يفيض بشدة، وهو بمعنى موار. وفي «الشرح»:
ثنوني: ردوني بطعنة. قدمت ثأري: قتلت واحدا قبل أن أقتل. ثاعب: ترمي به: وفي «اللسان»: ثعب الجرح يثعب دما: جرى.
[4] في «شرح أشعار الهذليين»: «و قد».
الحمام: الموت. والجوالب: جوالب القدر: واحدتها: جالبة.
[5] تنفلا في خد: فضلا، «تحريف».
[6] «بطعنة»: من خد، ف. وفي «شرح أشعار الهذليين» وبيروت: بشدة مجل: ذاهب عيشه.
[7] خد: الهذلي.
[8] في قصيدة من 34 بيتا في «شرح أشعار الهذليين» 927 مطلعها:
بكر الصبا عنا بكور مزايل ... عجل الشباب به فليس بقافل
والشعر الوارد هنا يبدأ من البيت السابع عشر.
[9] في «شرح أشعار الهذليين»:
بل قد أتاني ... ... ... وزغر أفاول
زغر: كثرة. وفي خد، ف:
«و سوء أقاول»
[10] أعصل بازله: اشتد ما به وذلك إنما يكون بعد ما يسن. وقد أورده في «اللسان» (عصل) شاهدا على هذا المعنى.
[11] الشطر الثاني في «شرح أشعار الهذليين»:
وعرقت من حق وراع عواذلي
أما الشطر الثاني الوارد هنا فهو في بيت آخر:
أصبحت تنقصني وتقرع مروتي ... بطرا ولم يرعب شعابك وابلي [1]
وتنلك أظفاري ويبرك مسحلي ... بري الشّسيب من السّراء الذّابل [2]
فتكون للباقين بعدك عبرة ... وأطأ جبينك وطأة المتثاقل
شعره في أم حكيم بعد رحيلها
وقال أبو عمرو:
وكان أبو صخر الهذليّ يهوى امرأة من قضاعة، مجاورة فيهم، يقال لها ليلي بنت سعد، وتكنّى أمّ حكيم، وكانا يتواصلان برهة من دهرهما، ثم تزوجت ورحل بها زوجها إلى قومه [3]، فقال في ذلك أبو صخر:
ألمّ خيال طارق متأوّب ... لأمّ حكيم بعد ما نمت موصب [4]
وقد دنت الجوزاء وهي كأنّها ... ومرزمها بالغور ثور وربرب [5]
/فبات شرابي في المنام مع المنى ... غريض اللّمى يشفي جوى الحزن أشنب [6]
قضاعيّة أدنى ديار تحلّها ... قناة وأنّي من قناة المحصّب [7]
سراج الدّجى تغتلّ بالمسك طفلة ... فلا هي متفال ولا الّلون أكهب [8]
دميثة ما تحت الثّياب عميمة ... هضيم الحشا بكر المجسّة ثيّب [9]
تعلّقتها نفودا لذيذا حديثها ... ليالي لا عمى ولا هي تحجب [10]
فكان لها ودّي ومحض علاقتي ... وليدا إلى أن رأسي اليوم أشيب [11]
__________
وذببت عن أفناء خندف كلها ... بمؤبدات للرجال عدامل
مؤبدات: وحشيات يعني الشعر. عدامل: قديمة.
ويروى: للرجام بدل: الرجال: والرجام هو القتال بالكلام.
[1] يرعب: يملأ.
[2] في خد: وبتلك أظفاري: وبرى السراء من الشسيب، خطأ من الناسخ.
والشسيب: القوس. السراء: شجر تتخذ منه القسي، وفي ف: الشراء.
[3] خد، ف: «ثم زوجت، ودخل بها، ونقلها إلى قومه».
[4] هذا مطلع القصيدة، وتتألف من 16 بيتا، في «شرح أشعار الهذليين» 936. وفي «الشرح»: موصب: من الوصب: الوجع والمرض.
[5] المرزم: نجم من نجوم المطر، وهما مرزمان، مع الشعريين.
[6] في «المختار»: فبات سرار .. عريض لمن يسعى من الحزن أشيب، وأورد المحقق رواية «الأغاني» في الهامش، كما هنا. وفي ف: «من جوى الحزن».
[7] ف: تحله. وقناة: موضع.
[8] تغتل، تتعطر، وهو من الغالية: متفال: منتنة الريح. أكهب: أغبر، سواد في بياض، من الكهبة.
[9] ف: «ما تحت الإزار». وفي «شرحه» قال السكري: عميمة: طويلة. بكر المجسة ثيب: جسمها حسن لم يتغير، فإذا جسستها قلت: بكر، وهي ثيب.
[10] في «شرح أشعار الهذليين»: -
«تعلقتها بكرا ... ... ... ليالي لا تعدى»
تعدى: تشغل.
[11] في «شرح أشعار الهذليين»: - فكان لها أدى وريقة ميعتي - أدى: ودي. ريقته: أوله.
فلم أر مثلي أيأست بعد علمها ... بودّي ولا مثلي على اليأس يطلب
ولو تلتقي أصداؤنا بعد موتنا ... ومن دون رمسينا من الأرض سبسب [1]
لظلّ صدى رمسي ولو كنت رمّة ... لصوت صدى ليلى يهشّ ويطرب [2]
قصيدة من مختار شعر هذيل
وقصيدة أبي صخر [3] التي فيها الغناء المذكور من مختار شعر هذيل [4]، وأوّلها:
لليلى بذات الجيش دار عرفتها ... وأخرى بذات البين آياتها سطر [5]
وقفت برسميها فلمّا تنكّرا ... صدفت وعين دمعها سرب همر [6]
وفي الدّمع إن كذّبت بالحبّ شاهد ... يبيّن ما أخفي كما بيّن البدر
صبرت فلمّا غال نفسي وشفّها ... عجاريف نأي دونها غلب الصّبر [7]
إذا لم يكن بين الخليلين ردّة ... سوى ذكر شيء قد مضى درس الذّكر [8]
وهذا البيت خاصّة رواه الزّبير بن بكّار لنصيب [9]:
إذا قلت هذا حبن أسلو يهيجني ... نسيم الصّبا من حيث يطّلع الفجر
/ وإنّي لتعروني لذكراك فترة ... كما انتفض العصفور بلّله القطر [10]
هجرتك حتّى قيل لا يعرف الهوى ... وزرتك حتى قيل ليس له صبر [11]
__________
[1] في «شرح أشعار الهذليين»: منكب، بدل سبسب.
[2] ف: «و لو كنت ثاويا».
[3] ف: «الهذلي».
[4] في «المختار»: ومن مختار شعر أبي صخر قوله:
[5] القصيدة مؤلفة من 31 بيتا في «شرح أشعار الهذليين» 956 والبيت فيه:
لليلى بذات البين ... ... ... بذات الجيش آياتها عفر
وروى: سفر. وتقديم ذات البين أيضا في خد، ف. وفي «المختار»: بذات العرق، بدل: البين، وذات الخيس، بذل: الجيش.
والبيت كما جاء هنا في «الأمالي» 1 - 148 و «سمط اللآلى» 1 - 399 وفي «تثقيف اللسان» لابن مكي الصقلي تحليقي 143 وقال:
الرواية فتح الجيم من الجيش، وكسر الياء من البين.
[6] سرب: جار. همر: منصب غزير.
[7] في «شرح أشعار الهذليين»: عجاريف ما تأتي به ... وفي ف، عجائب ما يأتي به. وفي «المختار»، عجاريف تأتي. وعجاريف الدهر: حوادثه، واحدها: عجروف.
[8] ردة: بقية.
[9] لم تذكر هذه العبارة في ف.
[10] الشطر الأول في «شرح أشعار الهذليين»: -
«إذا ذكرت يرتاح قلبي لذكرها»
- وفي «المختار». رعدة بدل: فترة. والبيت في «ديوان مجنون ليلى» 130 ضمن شعره وفيه: نعضة. وجاء في «الشعر والشعراء» 564 كما في «شرح أشعار الهذليين»، ضمن أبيات أبي صخر التي نحلت للمجنون.
[11] في «شرح أشعار الهذليين»:
وصلتك حتى قلت لا يعرف القلى
ثم عقب قائلا:
صدقت أنا الصّبّ المصاب الذي به ... تباريح حبّ خامر القلب أو سحر
أما والّذي أبكى وأضحك والّذي ... أمات وأحيا والذي أمره الأمر [1]
لقد تركتني أحسد الوحش أن أرى ... أليفين منها لم يروّعهما الزّجر [2]
فيا هجر ليلى قد بلغت بي المدى ... وردت علي ما لم يكن بلغ الهجر [3]
ويا حبّها زدني جوى كلّ ليلة ... ويا سلوة الأيّام موعدك الحشر [4]
عجبت لسعى الدّهر بيني وبينها ... فلمّا انقضى ما بيننا سكن الدّهر [5]
فليست عشيّات الحمى برواجع ... لنا أبدا ما أورق السّلم النّضر [6]
صوت
وإنّي لآتيها لكيما تثيبني ... وأوذنها بالصّرم ما وضح الفجر [7]
فما هو إلّا أن أراها فجاءة ... فأبهت لا عرف لديّ ولا نكر [8]
تكاد يدي تندى إذا ما لمستها ... وينبت في أطرافها الورق الخضر [9]
في هذه الأبيات ثقيل أوّل قديم مجهول، وفي البيت الأخير لعريب خفيف ثقيل، وقد أضافت إليه بيتا ليس من الشعر، وهو:
__________
هجرتك حتى قلت لا يعرف الهوى
أجود.
[1] أما والذي. ترتيب هذا البيت في «شرح الديوان التاسع»، وما جاء يقع في «شرح الديوان» بعده فهو الثاني عشر.
[2] في «شرح أشعار الهذليين»: أغبط، بدل: أحسد، ولا يروعهما الزجر. ومثله في «التجريد».
وفي «المختار»: «لا يروعهما الذعر». وفي خد: لا «يروعهما النفر».
وهذه الأخيرة رواية «الشعر والشعراء» 563 ضمن شعر أبي صخر الذي نحل للمجنون وستأتي رواية: لا يروعهما الزجر في المتن عن حماد بن إسحاق.
[3] البيت في «شرح أشعار الهذليين» كما جاء هنا. وفي خد: «قد أضر بي المدى». وفي «التجريد»: «و يا هجر».
وجاء البيت منسوبا لمجنون ليلى في «ديوانه» 130: أيا هجر ...
[4] في «شرح أشعار الهذليين» كما هنا. وجاء في «ديوان مجنون ليلى» 130 منسوبا إليه.
[5] جاء في «ديوان مجنون ليلى» 130، وهو في «شرح أشعار الهذليين» كما هنا.
[6] في «شرح أشعار الهذليين»:
أليس عشيات ...
وفي خد: عشيات اللوى، بدل: الحمى.
[7] من نسخة ف، وهي مثل رواية «شرح أشعار الهذليين» ما عدا: أو أوذنها بدل، وأوذنها ومثل رواية «المختار»، ما عدا: بالصرم وهي مطابقة لرواية «التجريد»، غير أن قوله: وأوذنها وزع بين شطري البيت في الطباعة، وهو بالقطع في الشطر الثاني. وفي «بيروت»:
وإني لآتيها وفي النفس هجرها ... بتاتا لأخرى الدهر ما وضح الفجر
وهذا البيت كما جاء في بيروت في «الأمالي» 1 - 148.
[8] في «شرح أشعار الهذليين»: بخلوة، بدل فجاءة.
[9] في «شرح أشعار الهذليين»: مسستها، بدل: لمستها، وعلق بعده: هذا لمجنون ... وفي «هامشه» زيادة في «الشرح المطبوع».
ولعلها إشارة إلى أن هذا البيت يروى لمجنون ليلى وهو في «ديوانه» 130.
أبى القلب إلّا حبّها عامريّة ... لها كنية «عمرو» وليس لها «عمرو» [1]
الهادي يشق قميصه إعجابا بشعره الغنائي
أخبرني محمد بن مزيد قال:
حدّثنا حمّاد بن إسحاق قال: حدّثني أبي عن جدّي قال:
دخلت يوما على موسى الهادي وهو مصطبح، فقال لي: يا إبراهيم غنّني، فإن أطربتني فلك حكمك، فغنّيته:
وإنّي لتعروني لذكراك فترة [2] ... كما انتفض العصفور بلّله القطر
فضرب بيده [3] إلى جنب درّاعته فشقّها حتى انتهى به إلى صدره.
ثمّ غنيّته:
أمّا والذي أبكى وأضحك والذي ... أمات وأحيا والّذي أمره الأمر
لقد تركتني أحسد الوحش أن أرى ... أليفين منها لا يروعهما الزّجر
فشق درّاعته حتى انتهى [4] إلى آخرها.
ثم غنيّته:
فيا حبّها زدني جوى كلّ ليلة ... ويا سلوة الأيّام موعدك الحشر
فشقّ جبّة كانت تحت الدّرّاعة حتى هتكها.
ثمّ غنّيته:
عجبت لسعي الدّهر بيني وبينها ... فلمّا انقضى ما بيننا سكن الدّهر
فشقّ قميصا كان تحت ثيابه حتى بدا جسمه [5]. ثم قال: أحسنت واللّه/ فاحتكم. فقلت: تهب لي، يا أمير [6] المؤمنين، عين مروان [7] بالمدينة، فغضب حتى دارت عيناه في رأسه، ثم قال: لا، ولا كرامة، أردت أن تجعلني أحدوثة للناس، وتقول: أطربته فحكمّني، فحكمت، فأمضى حكمي.
ثم قال لإبراهيم الحرّاني: خذ بيد هذا الجاهل وأدخله [8]، بيت مال الخاصّة [9] فإن أخذ كلّ شيء فيه فلا
__________
[1] لم يرد هذا البيت في «شرح أشعار الهذليين»، ولا في «المختار»، ولا «التجريد».
وهو من الأبيات التي نسبت لمجنون ليلى «ديوانه 130».
[2] خد، ف: «نفضة».
[3] ف: «يده».
[4] خد، ف: «أتى».
[5] خد، ف: «جسده».
[6] ف: «أمير».
[7] ف: «مردن».
[8] ف: «فأدخله».
[9] خد: «بيت المال».
تمنعه منه، فدخلت معه فأخذت مالا جليلا وانصرفت [1].
و [2] ممّا يغنّى فيه من شعر أبي صخر الهذليّ قوله من قصيدة له:
صوت
بيد الذي شغف الفؤاد بكم ... فرج الذي ألقى من الهمّ [3]
همّ من أجلك ليس يكشفه ... إلا مليك جائز الحكم [4]
فاستيقني أن قد كلفت بكم ... ثمّ افعلي ما شئت عن علم [5]
قد كان صرم في الممات لنا ... فعجلت قبل الموت بالصّرم
/ الشعر لأبي صخر الهذليّ. والغناء للغريض، ثقيل أول بالوسطى، عن عمرو وفيه لسياط ثقيل أول آخر بالبنصر، ابتداؤه نشيد [6]:
فاستيقني أن قد كلفت بكم
وهكذا ذكر الهشاميّ أيضا، وذكر أنّ لحن الغريض ثاني ثقيل، وأنّ فيه لابن جامع خفيف رمل [7].
النظام والغلام وبيت لأبي صخر
أخبرني عليّ بن سليمان الأخفش قال: حدّثنا محمد بن الحسن الحرون [8] قال: حدّثني الكسرويّ [9] قال:
لقي إبراهيم النّظّام غلاما [10] أمرد [11] فاستحسنه، فقال له: يا بنيّ، لو لا أنّه قد سبق من قول الحكماء ما جعلوا [12] به السّبيل لمثلي إلى مثلك في قولهم [13]: «لا ينبغي لأحد أن يكبر عن [14] أن يسأل، كما لا ينبغي لأحد
__________
[1] «و انصرفت»: من خد، ف. وفي «بيروت»: «و خرجت».
[2] من هنا يبدأ ما جاء في نسختي ج، س عن أبي صخر.
[3] س: به، بدل: بكم. وفي «التجريد» كما هنا.
[4] في «شرح أشعار الهذليين»:
كرب من أجلك ليس بفرجه ... إلا مليك الناس ذو الحكم
وفي «التجريد»، جائر الحكم.
[5] «الأغاني» 8/ 249: من طبعة دار الكتب: فتيقني.
[6] وردت هذه الجملة بعد شطر البيت في نسخة س، وفي ف: ابتداؤه، ولم يذكر: نشيد.
[7] ج، س: «خفيف ثقيل».
[8] ج؛ «ابن الحرون».
[9] ف: السكري.
[10] ورد خبر النظام والغلام من قبل في «الأغاني» 8/ 248 و249 من طبعة دار الكتب في (ذكر أبي دلف ونسبه وأخباره).
[11] «الجزء الثامن»: «حسن الوجه، فاستحسنه وأراد كلامه، نعارضه، ثم قال له: يا غلام: إنك لو لا ما سبق ... ».
[12] في «الجزء الثامن»: «مما جعلوا». وفي «بيروت»: «ما سبق وجعلوا»، وما أثبتناه من ج. س، ف. «التجريد».
[13] ج: «في قوله». س: «من قولهم».
[14] «عن»: لم تذكر في ف. ولكنها جاءت بعد ذلك في قوله يصغر عن.
أن يصغر عن أن يقول» / لما أنست [1] إلى مخاطبتك، ولا هششت [2] لمحادثتك [3]، ولكنّه سبب الإخاء، وعقد المودّة، ومحلّك من قلبي [4] محلّ الرّوح من جسد الجبان. فقال له الغلام وهو لا يعرفه: لئن قلت ذاك أيّها الرجل لقد قال الأستاذ إبراهيم النّظّام [5]: «الطبائع تجاذب [6] ما شاكلها بالمجانسة، وتميل إلى ما يوافقها بالمؤانسة [7]» وكياني مائل إلى كيانك بكلّيّتي، ولو كان ما أنطوى [8] لك عليه عرضا ما اعتددت به ودّا، ولكنّه جوهر جسمي، فبقاؤه ببقاء النفس، وعدمه بعدمها، وأقول كما قال الهذليّ:
/فاستيقني أن قد كلفت بكم ... ثم افعلي ما شئت عن علم [9]
/فقال له النظّام: إنما خاطبتك بما سمعت [10]، وأنت عندي غلام مستحسن، ولو علمت أنك بهذه المنزلة لرفعتك إلى رتبتها [11].
قال أبو الحسن الأخفش: فأخذ أبو دلف [12] هذا المعنى فقال:
أحبّك يا جنان وأنت منّي ... محلّ الرّوح من جسد الجبان [13]
ولو أنّي أقول مكان نفسي ... لخفت عليك بادرة الزمان [14]
لإقدامي إذا ما الخيل خامت [15] ... وهاب كماتها حرّ الطّعان [16]
وتمام [17] أبيات أبي صخر الميميّة التي ذكرت فيها الغناء الأخير وخبره أنشدنيها الأخفش عن السّكريّ عن أصحابه:
__________
[1] في «الجزء الثامن»: أنبت.
[2] في «الجزء الثامن»: «و لا انشرح صدري».
[3] خد: «التجريد»: «إلى محادثتك».
[4] «و محلك من قلبي»: من «الجزء الثامن»، وخد، ف، وفي ج: ومحلك في مسألتي وفي س: «و محلك من مسألتي»، وفي «بيروت»: «من قبلي».
[5] هذه العبارة لم ترد في ج، خد، س، ف وهي في «الجزء الثامن وفي بيروت».
[6] «تجاذب»: في س: توافق.
[7] بالمجانسة، والمؤانسة .. من ج، خد «التجريد» .. وفي «الجزء الثامن»: تجاذب ما شاكلها بالمجانسة وتميل إلى ما قاربها بالموافقة. ومثله في «بيروت». عدا المجانسة. فأثبتت فيها: بالمجالسة.
[8] في «الجزء الثامن»: «و لو كان الذي انطوى .. » وفي خد، س، ف، و «التجريد»: «و لو كان الود الذي أنطوى» ..
[9] «الجزء الثامن»: «فتيقني».
[10] في «الجزء الثامن»: «إنما كلمتك بما سمعت». ولم يرد قوله: بما سمعت في ج، س، ف.
[11] رواية «الجزء الثامن»: «و لو علمت أن محلك مثل محل معمر وطبقته في الجدل لما تعرضت لك» ومعمر الذي يقصده هو أبو عبيدة معمر بن المثنى (المتوفي 211 ه).
وقد جاء في «بيروت» بهذه الرواية، وما أثبتناه من: ج، خد، س، ف، «التجريد».
[12] هو القاسم بن عيسى. «سبقت أخباره»: 8 - 248.
[13] خد:
«و أنت عندي»
وفي «الجزء الثامن»:
«بنفسي يا جنان وأنت مني ... »
[14] ج، س:
«من ريب الزمان»
، بدل:
«بادرة الزمان»
[15] «حامت» في س، و «الجزء الثامن»: خامت: أي نكصت.
[16] في ف:
«و هاب حماتها»
وهذه الأبيات الثلاثة تمثل أحد أصوات «الأغاني». وقد سبقت مع ترجمة أبي دلف: 8 - 248 وقد قال أبو الفرج هناك: وهذا البيت الأول أخذه من كلام إبراهيم النظام.
[17] خد. س: قال أبو الحسن الأخفش: وتمام أبيات الهذلي. وفي ف: وتمام أبيات الهذلي ثم أورد الأبيات الأربعة التي فيها الصوت
/
ولما بقيت ليبقينّ جوى ... بين الجوانح مضرع جسمي [1]
ويقرّ عيني وهي نازحة ... مالا يقرّ بعين ذي الحلم [2]
أطلال نعم إذ كلفت بها ... يأدين هذا القلب من نعم [3]
ولو أنّني أسقى على سقمي ... بلمى عوارضها شفى سقمي [4]
ولقد عجبت لنبل مقتدر ... يسط الفؤاد بها ولا يدمي [5]
يرمي فيجرحني برميته ... فلو أنّني أرمي كما يرمي [6]
أو كان قلب إذ عزمت له ... صرمي وهجري كان ذا عزم [7]
أو كان لي غنم بذكركم ... أمسيت قد أثريت من غنم [8]
عجوز تغني شعره فتحسن في العيون
أخبرني الحسين [9] بن يحيى، عن حمّاد عن أبيه، عن أبي عبد اللّه الأنصاريّ، عن غرير [10] بن طلحة [11] الأرقميّ [12] قال: قال لي أبو السّائب المخزوميّ، وكان من أهل الفضل والنّسك: «هل لك في أحسن الناس غناء»؟
__________
وبعد ذلك قال:
وتمام أبيات أبي صخر الميمية ..
هذا والقصيدة مؤلفة من 35 بيتا، هي في «شرح أشعار الهذليين» 972.
[1] هذا البيت هو السابق على آخر بيت في القصيدة، وبعده:
فاستيقني ...
ومضرع جسمي: موهن له.
[2] هذا البيت هو السادس عشر في القصيدة.
وهو في «شرح أشعار الهذليين» كما هنا والشطر الثاني في ج، خد، ف:
داري وليس كذا أخو الحلم
وفي س: «دارا وليس كذا أخو الحلم».
وفي «التجريد» كما هنا ما عدا ذي حلم بدل الحلم.
[3] هو البيت التاسع عشر، وهو في «شرح أشعار الهذليين» كما هنا وفي س: «يأوين»، بدل: «يأدين».
[4] ترتيبه في «شرح أشعار الهذليين»: الثالث والعشرون.
[5] بسيط: يحل في وسطه. وفي «بيروت»: «نيط الفؤاد» وفي س، ف، «التجريد»: «و ما يدمي».
[6] في «شرح أشعار الهذليين»:
يرمي فلا تشويك رميته
وهو من قولهم: رمى فأشوى: إذا أصاب الأطراف ولم يصب المقتل.
[7] في «شرح أشعار الهذليين»: «و لو ان قلبي». وفي خد، ف: «عزمت به».
[8] في «شرح أشعار الهذليين»:
أو كان لي غنما تذكركم
وهذان البيتان الأخيران لم يذكرا في ج، س.
[9] س: «الحسن».
[10] خد، س: عزيز، وهي كذلك حيث جاءت بعد.
[11] ج: «ابن أبي طلحة».
[12] ج: الأوعمي.
قلت: نعم. وكان عليّ يومئذ [1] طيلسان لي أسمّيه من غلظه وثقله «مقطّع الأزرار» [2] فخرجنا حتى جئنا إلى الجبّانة [3]، إلى دار مسلم [4] بن يحيى الأرتّ صاحب الخمر، مولى بني زهرة [5] فأذن لنا، فدخلنا بيتا طوله اثتنا عشرة ذراعا [6] في مثلها [7]، وسمكه في السماء ستّ عشرة [8] ذراعا، ما فيه إلا نمرقتان قد ذهبت منهما [9] اللّحمة وبقي السّدى، وفراش محشوّ ليفا [10]، وكرسيّان من خشب قد تقلّع [11] عنهما الصّبغ من قدمهما [12] /و بينهما مرفقتان محشّوتان بالّليف. ثم طلعت [13] علينا عجوز كلفاء [14] عجفاء، كأنّ شعرها شعر ميّت، عليها قرقل [15] هرويّ أصفر غسيل [16]، كأنّ وركيها في خيط [17] من رسحها [18] حتى جلست، فقلت لأبي السّائب: بأبي أنت وأميّ [19]؟ ما هذه؟ قال: اسكت: فتناولت عودا فضربت، وغنّت:
بيد الذي شغف الفؤاد بكم ... فرج الذي ألقى من الهمّ
قال غرير: فحسنت - واللّه [20] - ، في عيني، وجاء نقاء وصفاء [21]، فأذهب الكلف من وجهها، وزحف [22]، أبو السّائب/ وزحفت معه. ثمّ غنّت [23]:
صوت
برح الخفاء فأيّ ما بك تكتم ... ولسوف يظهر ما يسرّ فيعلم [24]
__________
[1] «يومئذ»: لم تذكر في خد.
[2] خد: «في غلظه وثقله: مقطع الإزار».
وفي ف: «من ثقله وغلظه: مقطع الأردان».
[3] ف: جبانة.
[4] ج: «سليمان».
[5] ج. س: «زهير».
[6] في النسخ ما عدا ج، س: اثنا عشر، وما بعدها: ستة عشر وقد اخترنا ما جاء في ج، س لأن الغالب في الذراع التأنيث.
[7] من ج، ف. وفي غيرها: في مثله.
[8] من ج، س. وفي غيرهما: ستة عشر.
[9] ج: «منها».
[10] ج، س: «ريشا».
[11] تقلع: تشقق وتقطع. وفي خد: تقطع.
[12] س: «فوقهما».
[13] ف: «و طلعت».
[14] الكلف: حمرة كدرة تعلو الوجه، والنمش يعلو الوجه كالسمسم.
[15] القرقل: قميص بلا كمين تلبسه الجارية.
[16] غسيل: مغسول وفي ف: «غسيل أصفر».
[17] ج: «حبل».
[18] الرسح: قلة لحم العجز والفخذين. وفي خد، س، ف: رسحتها.
[19] خد: بأبي وأمي.
[20] «و اللّه»: لم تذكر في ج، س.
[21] س: «فحسنت في عيني وصفا».
[22] خد: «فزحف».
[23] ج، س: «تغنت».
[24] خد: «يكتم». س، ف: ما تسر. ف: «يبدو»، بدل: «يظهر».
ممّا تضمّن من غريرة قلبه ... يا قلب إنّك بالحسان لمغرم [1]
/يا ليت أنّك يا حسام بأرضنا ... تلقى المراسي دائما وتخيّم [2]
فتذوق لذّة عيشنا ونعيمه ... ونكون أجوارا فماذا تنقم [3]
الغناء لحكم، خفيف رمل بالوسطى، عن الهشاميّ.
فقال أبو السّائب: إن نقم هذا فيعضّ [4] بظر أمّه، وزحف وزحفت معه، حتى قاربت النّمرقة وربت [5] العجفاء في عيني كما يربو السّويق شيب بماء قربة [6].
ثم غنّت:
صوت
يا طول ليلي أعالج السّقما ... إذ حلّ دون الأحبّة الحرما
ما كنت أخشى فراق بينكم ... فاليوم أضحى فراقكم عزما [7]
الغناء للغريض، ثقيل أول بالوسطى في مجراها، وله أيضا فيه [8]، خفيف ثقيل بإطلاق الوتر في مجرى البنصر جميعا، عن إسحاق.
قال غرير: فألقيت طيلساني وتناولت شاذكونة [9]، فوضعتها على رأسي وصحت كما يصاح بالمدينة: الدّخن بالنّوى، وقام أبو السّائب، وتناول ربعة [10] /فيها قوارير دهن كانت في البيت، فوضعها على رأسه، وصاح ابن الأرتّ [11] صاحب الجارية، وكان ألثغ: «قواليلى قواليلى [12]» - يريد:
قواريري قواريري - أسألك باللّه، فلم يلتفت أبو السّائب إلى قوله، وحرّك رأسه مرحا فاضطربت [13] القوارير وتكسّرت، وسال الدّهن على وجه أبي السائب وظهره وصدره [14]، ثم وضع الرّبعة وقال لها: لقد هجت لي داء قديما.
__________
[1] س: «من عزيز».
[2] ج، خد: «بل ليت».
[3] ج: «أحرارا» بدل «أجوارا» س: «ينقم».
[4] خد: «إن تقم هنا فعض». ج: يعض. ف: «فقال أبو السائب: ليعض».
[5] ج: فربت.
[6] ف: شب قرنه.
[7] خد، ف: «فراق بينهم» خد، ف: «فراقهم».
[8] خد: «و له فيها أيضا».
[9] الشاذكونة: مضربة يعملها النجاد.
[10] الربعة: جولة العطار.
[11] ف: «أبو الأرت».
[12] خد، ف: «قواري قواري».
[13] ف: «فاطفقت القوارير». خد: «و أصفقت».
[14] ج، خد، ف: «و صدره وظهره».
قال: ومكثنا نختلف إليها سنين، في كلّ جمعة يومين، وقال:
ثم بعث عبد الرحمن بن معاوية بن هشام من الأندلس، فاشتريت له العجفاء وحملت إليه.
صوت
ألا هل إلى ريح الخزامى ونظرة ... إلى قرقرى قبل الممات سبيل [1]
فيا أثلاث القاع من بطن توضح ... حنيني إلى أطلالكنّ طويل [2]
ويا أثلات القاع قلبي موكّل ... بكنّ، وجدوى خير كنّ قليل [3]
ويا أثلات القاع قد ملّ صحبتي ... وقوفي، فهل في ظلّكنّ مقيل؟ [4]
الشعر: ليحيى بن طالب [5] الحنفيّ، والغناء لعّلوية، خفيف رمل بالوسطى [6]، عن عمرو. وفيه لإبراهيم لحن ماخوريّ بالوسطى، وفيه لعريب رمل، ولمتيم خفيف رمل آخر عن الهشامّي. وفيه لابن المكّي خفيف ثقيل من كتابه [7] وذكر ابن المعتزّ أن لحن عريب ومتيّم جميعا من الرمل.
__________
[1] قرقري: أرض باليمامة فيها قرى وزروع ونخل كثير، وعلى قرقري يمر قاصد اليمامة من البصرة.
[2] في «معجم البلدان»: أيا أثلات. وفي ف: «أفيائكم»، و «التجريد»: «أفيائكن».
[3] ج، «التجريد»: غيركن.
[4] هذا البيت مقدم على سابقه في خد.
قوله: وقوفي: في «بيروت»: وقومي.
وفي س: وقوفي. وفي هامشه: ويروى: مسيري، وهذه الرواية الأخيرة في «معجم البلدان» وما أثبتناه من س، ف، «المختار، التجريد».
[5] خد، ف: ابن أبي طالب.
[6] «بالوسطى»: لم يذكر في ج.
[7] ج، س: ولمتيم خفيف ثقيل من كتابه. وسقط ما بينهما. وقوله: خفيف رمل من خد، وخفيف ثقيل من خد أيضا.
11 - أخبار يحيى بن طالب [1]
شاعر لم يقع إلى نسبه
يحيى بن طالب: شاعر من أهل اليمامة، ثم [2] من بني حنيفة. لم يقع إلىّ نسبه. وهو من شعراء [3] الدّولة العبّاسيّة مقلّ، وكان فصيحا شاعرا غزلا فارسا [4].
يركبه دين فيهرب
وركبه دين في بلده فهرب إلى الرّيّ،/ وخرج مع بعث إليها [5]، فمات بها، وقد ذكر ذلك في هذه القصيدة فقال:
أريد رجوعا نحوكم فيصدّني ... إذا رمته دين عليّ ثقيل [6]
الرشيد يأمر بقضاء دينه
حدّثني محمد بن مزيد [7] قال:
حدثنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه قال: غنّى أبي الرشيد في شعر يحيى بن طالب:
ألا هل إلى شمّ الخزامى ونظرة ... إلى قرقرى قبل الممات سبيل
فأطربه، فسأله عن قائل الشعر، فذكره له [8] وأعلمه أنّه حيّ، وأنّه هرب من دين عليه، وأنشده قوله:
أريد رجوعا نحوكم فيصدّني ... إذا رمته دين عليّ ثقيل
/ فأمر الرشيد أن يكتب إلى عامل الريّ بقضاء دينه [9]، وإعطائه نفقة، وإنفاذه إليه على البريد [10]، فوصل الكتاب يوم مات يحيى بن طالب.
__________
[1] ف، «التجريد»: «يحيى بن أبي طالب» وقد جاء صحيحا في «بقية النسخ و «المختار» - 8 - 426 وفي الشعر» بعد.
[2] «ثم»: لم تذكر في خد.
[3] خد: «و هو مقل من شعراء».
[4] نص «المختار»: «شاعر من اليمامة، ثم من بني حنيفة، مقل، من شعراء الدولة العباسية، فصيح، غزل، فارس، جواد، جميل، حمال لأثقال قومه ومغارمهم، سمح يقري الأضياف ما تشاء أن ترى في فتى خصلة جميلة إلا رأيتها فيه» وستأتي هذه الأوصاف فيما بعد.
[5] «التجريد»: فخرج إليها مع بعث وجه إليها.
[6] في «معجم البلدان» (قرقرى): «أريد انحدارا نحوها».
[7] ج، س: «يزيد».
[8] خد: «فذكر له».
[9] «المختار»: «دينه عنه».
[10] «على البريد»: لم تذكر في خد، ف، «التجريد». وفي ج: «إلى البريد».
شاعر قرقرى وظريفها
أخبرنا محمد بن خلف وكيع وعمّي قالا: حدّثنا عبد اللّه بن شبيب قال:
حدّثني الجهم بن المغيرة قال: كنّا عند حترش [1] بن ثمال القريظيّ بضريّة [2] فمرّت بنا جارية صفراء مولّدة، فقال لي حترش: استفتح كلامها فانظر فإنها ظريفة، فقلت لها: [3] يا جارية [4]، أين نشأت؟ قالت: بقرقرى، فقلت لها: أين من شعبعب [5]؟ فضحكت ثم قالت: بين الحوض والعطن، قلت:
فمن الذي يقول:
يا صاحبيّ فدت نفسي نفوسكما ... عوجا عليّ صدور الأبغل السّنن [6]
ثم ارفعا الطّرف ننظر صبح خامسة ... لقرقرى يا عناء النفس بالوطن [7]
/يا ليت شعري والإنسان ذو أمل ... والعين تذرف أحيانا من الحزن [8]
هل أجعلنّ يدي للخدّ مرفقة ... على شعبعب بين الحوض والعطن؟ [9]
فالتفتت إلى حترش بن ثمال فقالت [10]: أخبره بقائلها، فقال: ما أعرفه، فقالت: بلى، هذا يقوله شاعرنا وظريف بلادنا وغزلها. فقال لها حترش: ويحك، ومن ذلك؟ فقالت: أشهد إن كنت لا تعرفه وأنت من هذا البلد إنّها لسوأة [11]، ذلك يحيى بن طالب الحنفيّ، أقسم باللّه ما منعك من معرفته إلّا غلظ الطّبع، وجفاء الخلق. فجعل يضحك من قولها وتعجّبنا منها [12].
لا يركب البحر
أخبرني [13] هاشم بن محمد الخزاعيّ قال: حدّثنا أبو غسّان دماذ، عن أبي عبيدة قال:
__________
[1] من خد، ف. وفي ج، س: جرش. وفي «المختار»: حبوش، وقد كتب هذا الاسم في هذه «النسخ» هكذا حيث جاء.
[2] ضرية: قرية عامرة قديمة في طريق مكة من البصرة.
[3] «لها» لم تذكر في خذ، ف.
[4] «المختار»: «يا جويرية».
[5] شعبعب: اسم ماء باليمامة. وفي «المختار»: شغبغب.
[6] في «معجم البلدان»:
يا صاحبي أطال اللّه رشدكما
السنن: في س: «الشتن»، «المختار»: «الشتن».
[7] في «معجم البلدان»:
ثم ارفعا الطرف هل تبدو لنا ظعن ... بحائل، يا عناء النفس من ظعن
وفي خد، ف: «ما عناء».
[8] «معجم البلدان»: «يا ليت شعري والأقدار غالبة».
وفي خد: «بل ليت».
[9] «المختار»: «شغبغب».
[10] ف: «فالتفت فقال».
[11] س: «إنها سوأة». «المختار»: «لسوأة لك».
[12] «و تعجبنا منها» لم تذكر في ج، خد، س، و «المختار»، وجاءت في ف.
[13] ف: «أخبرنا».
قال رجل ليحيى بن طالب الحنفيّ: لو ركبت معي في البحر [1]، وشغلت مالك في تجاراته [2] لأثريت وحسنت حالك، فقال يحيى بن طالب:
لشربك بالأنقاء رنقا وصافيا ... أعفّ وأعفى من ركوبك في البحر
إذا أنت لم تنظر لنفسك خاليا ... أحاطت بك الأحزان من حيث لا تدري
مات قبل وصول أمر الرشيد
حدّثني [3] محمد بن خلف بن المرزبان قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد قال: حدّثني أبو عليّ الحنفي؛ قال:
حدّثني عمي [4] عن عليّ بن عمر قال:
غنّي الرشيد يوما بشعر يحيى بن طالب:
ألا هل إلى شمّ الخزامى ونظرة ... إلى قرقرى قبل الممات سبيل
وذكر الخبر كما ذكره [5] حمّاد بن إسحاق [6]، إلا أنّه قال: فوجده قد مات قبل وصول البريد بشهر.
يتشوق إلى صاحبته
أخبرني [7] هاشم بن محمد الخزاعيّ قال: حدّثنا عبد الرحمن بن أخي الأصمعي، عن عمه قال:
كان يحيى بن طالب يجالس إمرأة من قومه ويألفها، ثم خرج مع والي اليمامة إلى مكة، وابتاع [8] منه الوالي إبلا بتأخير، فلمّا صار إلى مكّة [9] عزل الوالي، فلوى [10] يحيى بماله [11] مدّة، فضاق صدره، وتشوّق [12] إلى اليمامة وصاحبته التي كان يتحدّث إليها، فقال:
تصبّرت عنها كارها وهجرتها [13] ... وهجرانها عندي أمرّ من الصّبر [14]
__________
[1] ف: «لو كنت معي في البحر».
[2] «بيروت»: «تجارته».
[3] هذا الخبر سقط كله من ج، س.
[4] خد: «أن عمه حدثه».
[5] خد: «كما ذكر».
[6] «ابن إسحاق»: لم يذكر في خد.
[7] خد: «حدّثني».
[8] «التجريد»: «فابتاع».
[9] «التجريد»: «بمكة».
[10] ج، س: «و مطل» وهو بمعناه.
[11] ف: «ماله».
[12] ج، خد، س: «و تشوق اليمامة». وفي «التجريد»: إلى.
[13] «و هجرتها»: سقطت من ج.
[14] قال في هامش س: ويروى:
تسليت عنها كارها وتركتها ... وكان فراقيها أمر من الصبر
صوت
إذا ارتحلت نحو اليمامة رفقة ... دعاني الهوى واهتاج قلبي للذّكر [1]
كأنّ فؤادي كلّما عنّ ذكرها ... جناحا غراب رام نهضا إلى وكر [2]
الغناء للزفّ، ثقيل أول عن الهشاميّ في هذين البيتين.
وقال فيها:
مداينة السّلطان باب مذلّة ... وأشبه شيء بالقناعة والفقر
إذا أنت لم تنظر لنفسك خاليا ... أحاطت بك الأحزان من حيث لا تدري
يحن إلى قرقرى
[3] أخبرني الحسين بن يحيى، عن حمّاد عن أبيه، قال: قال أبو الذّيّال الحنفيّ: خرج يحيى بن طالب الحنفيّ من اليمامة يريد خراسان على البريد، فقال وهو بقومس:
أقول لأصحابي ونحن بقومس ... نراوح أكتاف المحذّفة الجرد [4]
بعدنا وعهد اللّه من أهله قرقرى ... وفيها الألى نهوى وزدنا على البعد [5]
دياره أمنية المتمني
أخبرنا الحسن بن عليّ قال: حدّثنا محمد بن موسى بن حمّاد قال: حدّثني عبد اللّه بن بشر، عن أبي فراس الهيثم بن فراس الكلابيّ قال:
/ كنت مع أبي ونحن قاصدون اليمامة [6]، فلما رأيناها لقينا رجل، فقال له أبي: أين قرقرى؟ قال: وراءك.
قال: فأين شعبعب؟ قال: بإزائه، قال: أرني ذلك، فأراه [7] إيّاه حتى عرفه، فقال لي: ارجع بنا إلى الموضع، فقلت له. يا أبت [8] قد تعبنا وتعبت ركائبنا، فما لك هناك [9]! قال: إنك لأحمق، ارجع ويلك [10]، فرجعت معه
__________
[1] ج، س: «دعاك» .. قلبك. وفي «التجريد»: «عصبة»، بدل: «رفقة».
[2] «التجريد»:
«جناحا عقاب»
[3] هذا الخبر إلى آخر البيتين: سقط من ج، س.
[4] الشطر الثاني في «معجم البلدان» (قومس).
ونحن على أثباج ساهمة جرد
وقومس (تعريب كومس): كورة كبيرة واسعة في ذيل جبال طبرستان، تشتمل على مدن وقرى ومزارع.
[5] «و عهد اللّه»: في خد و «معجم البلدان»: «و بيت اللّه». «من أهل»: في خد و «معجم البلدان»: «من أرض». ورواية الشطر الثاني في «معجم البلدان» هكذا:
وعن قاع موحوش وزدنا على البعد
[6] خد: «إلى اليمامة».
[7] ج: «قال فأراه».
[8] خد و «المختار»: «يا أبه».
[9] «المختار»: «هنالك».
[10] «المختار»: «ويلك ارجع بنا».
حتى أتى شعبعب، وصار إلى الحوض والعطن، وأناخ راحلته، وقال لي: أنخ [1]، فأنخت، ونزل فنظر إلى شعبعب وقرقرى ساعة، ثم اضطجع بين الحوض والعطن اضطجاعة [2]، ويده [3] تحت خدّه، ثم قام فركب [4]، فقلت: يا أبت ما أردت بهذا؟ فقال: يا جاهل، أما سمعت قول يحيى بن طالب:
هل أجعلنّ يدي للخدّ مرفقة ... على شعبعب بين الحوض والعطن
أفليس عجزا أن نكون قد أتينا عليهما وهما أمنية المتمنّي [5] فلا ننال ما تمنّاه منهما، وقد قدرت [6] عليه؟
فجعلت أعجب من قوله وفعله.
في سبيل اللّه يحيى بن طالب
أخبرنا [7] محمد بن جعفر النحويّ قال: حدّثني طلحة بن عبد اللّه الطّلحيّ قال: حدّثنا أبو العالية عن رجل من بني حنيفة قال:
/ كان يحيى بن طالب جوادا، شاعرا جميلا، حمّالا لأثقال قومه ومغارمهم، سمحا [8] يقرى الأضياف، ما تشاء أن ترى في فتى خصلة جميلة إلا رأيتها فيه. فدخلت عليه وهو في آخر رمق [9]، فسألته عن خبره، وسلّيته وقلت له ما طابت به نفسه، ثم أنشدني قوله [10]:
ما أنا كالقول الذي قلت إن زوى [11] ... محلّي عن مالي حذار النّوائب
بمنزلة بين الطريقين قابلت ... بوادي كحيل كلّ ماش وراكب [12]
حللت على رأس اليفاع ولم أكن ... كمن لاذ من خوف القرى بالحواجب
فلا تسأل الضّيفان من هم وأذنهم ... هم الناس من معروف وجه وجانب
وقولوا إذا ما الضّيف حلّ بنجوة ... ألا في سبيل اللّه يحيى بن طالب
قال أبو العالية: كحيل: نخل بناخية فران [13] دون قرقرى، وهناك كان منزل يحيى بن طالب [14].
__________
[1] «المختار»: «أنخ راحلتك».
[2] «المختار»: «ساعة».
[3] «المختار»: «و جعل يده .. ».
[4] «المختار»: «ليركب».
[5] «المختار»: «أتيناهما وعبرنا عليهما. وهما منيتا المتمني».
[6] خد، و «المختار»: «قدرنا».
[7] خد: «أخبر».
[8] «سمحا»: لم تذكر في ج، س.
[9] خد: «رمقه».
[10] «قوله»: لم تذكر في ج.
[11] س: «روى».
[12] كحيل: في خد: طحيل. «كل ماش»: في ج، س: «كلما عن».
[13] ج، قزان. خد: قران. وفي «معجم البلدان»: فران «بفتح أوله وتخفيف ثانيه وأخره نون». وذكرها في حرف الفاء.
[14] كتب صحيحا في خد، وكتب فيها من قبل ابن أبي طالب.
صوت
وقد جمع معه كلّ ما يغنيّ فيه من القصيدة:
لعمرك إنّي يوم بصري وناقتي ... لمختلفا [1] الأهواء مصطحبان
متى تحملي شوقي وشوقك تظلعي ... ومالك بالحمل الثّقيل يدان
/ ألا يا غرابي دمنة الدّار خبّرا ... أبا لبين من عفراء تنتحبان؟ [2]
فإن كان حقّا ما تقولان فانهضا ... بلحمي إلى وكريكما فكلاني [3]
ولا يعلمنّ الناس ما كان ميتتي [4] ... ولا يأكلنّ الطّير ما تذران
جعلت لعرّاف اليمامة حكمه ... وعرّاف حجر إن هما شفياني [5]
فما تركا من حيلة يعلمانها ... ولا رقية إلّا وقد رقياني [6]
وقالا: شفاك اللّه واللّه ما لنا ... بما حمّلت منك الضّلوع يدان [7]
/كأنّ قطاة علّقت بجناحها ... على كبدي من شدّة الخفقان
الشعر لعروة بن حزام، والغناء لإبراهيم الموصليّ في الأربعة الأبيات الأول، ثقيل أوّل بالوسطى، ولعريب في الرابع والخامس والسادس والتاسع هزج مطلق في مجرى البنصر، عن إسحاق، وفي السابع وما بعده إلى آخرها ثقيل أوّل ينسب إلى أبي العبيس بن حمدون، وإلى غيره.
__________
[1] ج، س، «التجريد»: «لمختلف».
[2] في «الشعر والشعراء» 624: كما هنا. وفي «ديوانه» 16 «بينا»، «بدل»: «خبرا»، «أبا الصرم»، بدل «بالبين».
[3] في «الشعر والشعراء»: كما هنا. وفي «ديوانه»: «فاذهبا»، بدل «فانهضا».
[4] «المختار»: «قصتي». بدل: «ميتتي».
[5] «اللسان» (سلا): «و عراف نجد». بدل: «حجر». وحجر هي مدينة اليمامة وأم قراها.
[6] في «اللسان» (سلا). «و الشعر والشعراء» 624:
«من رقية .. ولا سلوة إلا بها سقياني»
وجاء في «اللسان» قبل إنشاد البينين: قال الأصمعي: يقول الرجل لصاحبه: سقيتني سلوة وسلوانا أي طيبت نفسي عنك. وأورد قبل ذلك أيضا: السلوة والسلوان والسلوانة: شيء، أو دواء يسقاه العاشق أو الحزين ليسلو عن المرأة.
[7] «الشعر والشعراء»: «فقالا». وقوله:
«ما لنا ... ... بما حملت منك الضلوع يدان»
، معناه: لا طاقة لنا به، جاء في «اللسان» (يدي) لا يدان لأحد بقتالهم أي لا قدرة ولا طاقة، يقال: مالي بهذا الأمر يد ولا يدان، لأن المباشرة والدفاع إنما يكونان باليد، فكأن يديه معدومتان لعجزه عن دفعه. وفي «التجريد»: «بما ضمنت»، بدل: «حملت».
12 - أخبار عروة بن حزام
اسمه ونسبه
هو عروة بن حزام بن مهاصر، أحد بني حزام بن ضبّة [1] بن عبد بن كبير [2] بن عذرة [3].
شاعر إسلاميّ، أحد المتيّمين الّذين قتلهم الهوى، لا يعرف له شعر إلا في عفراء بنت عمّه: عقال بن مهاصر، وتشبيبه بها [4].
قصة حب عروة وعفراء
أخبرني بخبرها جماعة من الرّواة؛ فمنه ما أخبرني به الحسن بن عليّ بن محمد الآدميّ قال: حدّثنا عمر بن محمد بن عبد الملك الزيات، قال: حدّثني موسى بن عيسى الجعفريّ، عن الأشباط بن عيسى العذريّ.
وأخبرني الحسين بن يحيى المرداسيّ، ومحمد بن مزيد [5] بن أبي الإزهر، عن حمّاد بن إسحاق عن أبيه عن رجاله.
وأخبرني [6] أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ قال: حدّثنا عمر بن شبّة. وأخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال:
حدّثنا الزّبير بن بكّار عمّن أسند إليه. وأخبرني إبراهيم بن أيّوب الصائغ عن ابن قتيبة.
وقد سقت رواياتهم وجمعتها:
/ قال الأسباط [7] بن عيسى - وروايته كأنها أتمّ الروايات وأشدّها اتّساقا [8] - أدركت شيوخ الحيّ يذكرون:
أنّه كان من حديث عروة بن حزام وعفراء بنت عقال: أن حزاما هلك وترك [9] ابنه عروة صغيرا في حجر عمّه عقال بن مهاصر. وكانت عفراء تربا لعروة، يلعبان جميعا، ويكونان معا، حتى ألف [10] كلّ واحد منهما صاحبه إلفا شديدا. وكان عقال يقول لعروة، لما يرى من إلفهما: أبشر، فإن عفراء امرأتك [11]، إن شاء اللّه. فكانا كذلك حتى
__________
[1] خد: «ضنة».
[2] «المختار»: «كثير»: وخد: «عبد كبير».
[3] ج: «من عذرة».
[4] لم يذكر في «المختار».
[5] ج: «سويد». س: «سريد».
[6] من أول قوله: وأخبرني أحمد بن عبد العزيز .... إلى ابن قتيبة: لم يذكر في ج ولا س. وهو في خد، ف. كما هنا.
[7] ج: «أسباط».
[8] ف، «بيروت»: وروايته أتمها وأشد اتساقا عن الروايات جميعها. وما أثبتناه، من: ج، خد، س.
[9] «التجريد»: «و نزل».
[10] ج، س: «تألف».
[11] س: «أمتك».
لحقت عفراء بالنّساء، ولحق عروة بالرجال، فأتى عروة عمّة له يقال لها: هند بنت مهاصر، فشكا إليها ما به من حبّ عفراء [1]، وقال لها في بعض ما يقول لها: يا عمّة، إنّي لأكلّمك [2] وأنا منك مستح [3]، ولكن لم أفعل هذا حتى ضقت ذرعا بما أنا فيه، فذهبت عمّته إلى أخيها فقالت له [4]: يا أخي، قد أتيتك في حاجة أحبّ أن تحسن فيها الردّ [5]، فإنّ اللّه يأجرك بصلة رحمك [6] فيما [7] /أسألك. فقال لها: قولي، فلن تسألي [8] حاجة إلا رددتك بها. قالت: تزوّج عروة بن اخيك [9] بابنتك [10] عفراء، فقال: ما عنه مذهب، ولا هو دون رجل يرغب فيه [11]، ولا بنا عنه رغبة؛ ولكنّه ليس بذي مال، وليست عليه عجلة. فطابت نفس عروة، وسكن بعض السّكون.
عفراء تخطب فيتوسل إلى عمه
وكانت أمّها سيّئة الرأي فيه، تريد [12] لابنتها ذا مال ووفر، وكانت عرضة ذلك كمالا وجمالا، فلما تكاملت سنّه [13] وبلغ أشدّه عرف أنّ رجلا من قومه ذا يسار ومال/ كثير يخطبها، فأتى عمّه، فقال: يا عمّ، قد عرفت حقّي وقرابتي، وإني ولدك وربّيت في حجرك، وقد بلغني أن رجلا يخطب [14] عفراء، فإن أسعفته [15] بطلبته قتلتني وسفكت دمي، فأنشدك اللّه ورحمي وحقّي، فرقّ له وقال له [16]: يا بنيّ، أنت معدم، وحالنا قريبة من حالك، ولست مخرجها إلى سواك، وأمّها قد أبت أن تزوّجها [17] إلا بمهر غال، فاضطرب واسترزق اللّه تعالى [18]».
فجاء إلى أمّها فألطفها [19] وداراها، فأبت أن تجيبه إلا بما تحتكمه [20] من المهر، وبعد أن يسوق شطره إليها، فوعدها بذلك.
__________
[1] عبارة: «فشكا إليها ما به من حب عفراء»: سقطت من ج.
[2] س: «لمكلمك».
[3] س: وإني منك لمستحيي. خد: وإني منك. مستحي و «التجريد»: «مستح». ومستح ومستحيي جائزان كلاهما.
[4] له: لم تذكر في ف.
[5] لم تذكر كلمة الرد في: خد، ولا ف، ولا «التجريد»، ولا «المختار».
[6] «المختار»: «الرحم».
[7] في س: «بي ما أسألك».
[8] خد، «المختار»: «فلن تسأليني».
[9] ف، «التجريد»: تزوج ابن أخيك عروة.
[10] «المختار»: «ابنتك» ف والتجريد: «بنتك».
[11] ج، س: «عنه».
[12] «التجريد»: «و تريد».
[13] «التجريد»: «سن عروة».
[14] «المختار»: «خطب».
[15] خد: «سعفته».
[16] «له»: لم تذكر في خد و «المختار».
[17] «التجريد»: «و أمها أبت أن تخرجها».
[18] «المختار»: «عز وجل».
[19] خد، «التجريد»: «فلاطفها».
[20] «التجريد»: «تحتكم»، خد: «يحتكم»، «المختار»: «تحتكم عليه».
لابد من المال
وعلم أنه لا ينفعه قرابة ولا غيرها إلّا بالمال [1] الذي يطلبونه [2]، فعمل على قصد ابن عمّ له موسر كان مقيما باليمن [3]، فجاء إلى عمّه وامرأته [4] فأخبرهما بعزمه، فصوّباه ووعداه ألّا يحدثا [5] حدثا حتى يعود.
رحلته إلى ابن عمه
وصار في ليلة رحيله إلى عفراء، فجلس عندها ليلة هو وجواري الحيّ [6]، يتحدّثون حتى أصبحوا [7]، ثم ودّعها وودّع الحيّ وشدّ على راحلته، وصحبه في طريقه فتيان من بني هلال [8]، بن عامر كانا يألفانه [9]، وكان حيّاهم متجاورين، وكان في طول سفره ساهيا يكلّمانه فلا يفهم، فكرة في عفراء [10]، حتى يردّ القول عليه [11] مرارا، حتى قدم على ابن عمّه، فلقيه [12] وعرّفه حاله وما قدم له، فوصله وكساه، وأعطاه مائة من الإبل، فانصرف بها إلى أهله.
يزوجونها غيره
وقد كان [13] رجل من أهل الشّام من أسباب [14] بني أميّة نزل في حيّ [15] عفراء،/ فنحر ووهب وأطعم [16]، وكان ذا مال عظيم [17]، فرأى عفراء، وكان منزله قريبا من منزلهم، فأعجبته وخطبها [18] إلى أبيها، فاعتذر إليه وقال: قد سمّيتها إلى ابن أخ [19] لي يعدلها [20] عندي، وما إليها لغيره سبيل [21]، فقال له: إني أرغبك في المهر، قال: لا حاجة لي بذلك [22]، فعدل إلى أمّها، فوافق عندها قبولا، لبذله ورغبة [23] في ماله. فأجابته
__________
[1] س و «المختار»: «المال».
[2] «التجريد»: طلبوه.
[3] ج، س: بالري، وما أثبتناه من خد، و «التجريد، والمختار».
[4] «المختار»: «و امرأة عمه وأخبرهما».
[5] س: «يحدث».
[6] «التجريد»: «و جوار لها».
[7] «المختار»: «إلى أن أصبحوا».
[8] س: «هليل».
[9] من أول قوله: إلى عفراء، إلى قوله: يألفانه: ساقط من ج.
[10] ف. «بيروت»: من عفراء. وما أثبتناه من ج، خد، س، «التجريد» وضبط في «المختار»: فكره في عفراء بضم الراء والهاء.
[11] «المختار»: «عليه القول».
[12] «المختار»: «حتى لقي ابن عمه فعرفه».
[13] «التجريد»: «و كان».
[14] س: «من أنساب».
[15] «المختار»: «بحي».
[16] «خد، «التجريد»، المختار». «فنحر وأطعم ووهب».
[17] عظيم»: من خد وف و «التجريد والمختار».
[18] «التجريد»: «فخطبها».
[19] «المختار»: لابن أخ»، خد «و التجريد»: «باسم ابن أخ».
[20] «المختار»: «و هو يعدلها».
[21] خد: «ما لغيره سبيل»، «التجريد»: «و ما إلى تزويجها إلى غيره سبيل». «و المختار»: «و ما لها إلى غيره سبيل».
[22] خد، في ذلك، «التجريد»: «إلى ذلك».
[23] س: «بيروت»: ورغبت وما أثبتناه من: ج، خد، «و التجريد» وفي «المختار».
ووعدته [1]، وجاءت إلى عقال فآدته [2] وصخبت معه [3]، وقالت: أيّ خير في عروة حتى تحبس ابنتي عليه وقد جاءها الغنيّ يطرق عليها بابها؟ واللّه ما ندري أعروة حيّ أم ميّت؟ وهل ينقلب إليك [4] بخير أم لا؟ فتكون قد حرمت ابنتك خيرا حاضرا ورزقا سنيّا [5]، فلم تزل به [5] حتى قال لها: فإن عاد لي خاطبا أجبته. فوجّهت إليه أن عد إليه [6] خاطبا. فلمّا كان من غد نحر جزرا [7] عدّة، وأطعم/ ووهب وجمع الحيّ معه على طعامه، وفيهم أبو عفراء، فلمّا طعموا [8] أعاد القول في الخطبة، فأجابه وزوّجه [9]، وساق إليه المهر، وحوّلت إليه عفراء [10] وقالت قبل أن يدخل بها [11]:
يا عرو إنّ الحيّ قد نقضوا ... عهد الإله وحاولوا الغدرا
في أبيات طويلة.
فلمّا كان اللّيل دخل بها زوجها، وأقام فيهم ثلاثا، ثم ارتحل بها إلى الشام، وعمد أبوها إلى قبر عتيق، فجدّده وسوّاه، وسأل الحيّ [12] كتمان أمرها [13].
يعرف الحقيقة فيرحل إليها
وقدم عروة بعد أيّام، فنعاها أبوها إليه، وذهب به [14] إلى ذلك القبر، فمكث يختلف إليه أيّاما وهو مضنى هالك، حتى جاءته جارية من [15] الحيّ فأخبرته الخبر [16]، فتركهم وركب بعض إبله، وأخذ معه زادا ونفقة، ورحل إلى الشّام فقدمها [17] وسأل عن الرجل فأخبر به، ودلّ عليه، فقصده وانتسب له إلى عدنان [18]، فأكرمه وأحسن ضيافته، فمكث أيّاما [19] حتى أنسوا به، ثم قال لجارية لهم: «هل لك في يد تولينيها [20]؟ /قالت: نعم، قال:
__________
[1] «و وعدته»: لم تذكر في «التجريد».
[2] س: فأذنته.
[3] «التجريد»: «فصخبت عليه». ج، س: «و استصحبته» وفي «المختار»: «و صخبته». وقال محققه: كذا في الأزهر والتيمورية وفي «الأغاني»: واستصحبله، كأنه بمعنى جعلته يصخب أي ينقاد. وما أثبتنا من خد.
[4] «إليك»: لم تذكر في «المختار».
[5] «المختار»: «و رزقا حسنا سنيا».
[6] «المختار»: «اغد عليه».
[7] ج، خد، «المختار»: «جزورا».
[8] من أول قوله: فلما طعموا .. إلى قوله: وحولت إليه عفراء: ساقط من: ج.
[9] في «الشعر والشعراء» 622: «و خطب عفراء ابن عم لها من البلقاء، فتزوجها».
[10] خد و «المختار»: «عفراء إليه».
[11] في «المختار»: تدخل عليه.
[12] في «المختار»: «القوم».
[13] «بيروت»: أمره. وما أثبتناه من ج، خد، س، «و التجريد. والمختار».
[14] «به»: لم تذكر في ج.
[15] من الحي: لم تذكر في خد.
[16] في «المختار»: «فأخبرته بخبرهم».
[17] خد، و «التجريد»، وفي «المختار»: «حتى قدمها».
[18] ج، خد و «التجريد»: «في عدنان».
[19] ج: «فمكث يختلف إليها أياما وهو مضنى هالك».
[20] «التجريد والمختار»: «توليها».
تدفعين خاتمي هذا إلى مولاتك. فقالت [1]: سوءة لك، أما تستحي لهذا [2] /القول؟ فأمسك عنها، ثم أعاد عليها وقال لها: ويحك! هي [3] واللّه بنت عمّي، وما أحد منّا إلا وهو [4] أعزّ على صاحبه من الناس جميعا [5]، فاطرحي هذا الخاتم في صبوحها [6]، فإذا [7] أنكرت عليك فقولي لها: اصطبح ضيفك [8] قبلك، ولعلّه سقط منه. فرقّت الأمة وفعلت ما أمرها به.
فلما شربت عفراء اللبن رأت الخاتم فعرفته، فشهقت [9]، ثم قالت: اصدقيني عن الخبر، فصدقتها [10]. فلمّا جاء زوجها قالت له: أتدري من ضيفك هذا [11]؟ قال: نعم، فلان بن فلان [12]، للنّسب الذي انتسب له عروة، فقالت: كلا واللّه يا هذا [13]، بل هو عروة بن حزام ابن عمّي، وقد كتم [14] نفسه [15] حياء منك.
/ وقال عمر بن شبّة في خبره:
بل جاء ابن عمّ له فقال: أتركتم هذا الكلب الذي قد [16] نزل بكم هكذا في داركم يفضحكم؟ فقال له [17]:
ومن تعني؟ قال: عروة بن حزام العذريّ ضيفك [18] هذا، قال: أوإنّه [19] لعروة؟ بل أنت واللّه الكلب، وهو الكريم القريب.
قالوا جميعا:
يتركه مع عفراء
ثم بعث إليه فدعاه، وعاتبه على [20] كتمانه نفسه إيّاه [21]، وقال له: بالرحب والسّعة، نشدتك اللّه إن رمت [22]
__________
[1] خد: «قالت».
[2] «التجريد»: «من هذا». «المختار»: «بهذا».
[3] «التجريد»: «و قال: وهي واللّه بنت عمي».
[4] خد: «و ما هنا أحد»، «التجريد»: «و ما منا أحد».
[5] «جميعا»: لم تذكر في ج ولا س.
[6] الصبوح: ما يشرب أو يؤكل في الصباح. وهو خلاف الغبوق الذي يشرب أو يؤكل في المساء وفي س: «في صحنها».
[7] ج، خد، «التجريد»: «فإن».
[8] خد، «التجريد، المختار»: «ضيفنا».
[9] خد: «فشرقت».
[10] ج: «فأصدقتها».
[11] «هذا»: لم تذكر في «التجريد».
[12] زاد في «المختار»: العدناني.
[13] خد: «بل هذا».
[14] ج، خد، «المختار»: «كتمك».
[15] «التجريد»: «نسبه».
[16] «قد»، لم تذكر في خد.
[17] ج: «فقالوا».
[18] في «المختار»: «ضيفكم».
[19] خد، «المختار»: «و إنه».
[20] ج: عن، بدل: على.
[21] ج: «إياها». وفي خد «و التجريد والمختار»: «إياه نفسه».
[22] إن رمت: أي ما بارحت، وإن هنا: نافية.
هذا المكان أبدا، وخرج وتركه مع عفراء يتحدّثان [1]. وأوصى خادما له بالاستماع عليهما، وإعادة ما تسمعه [2] منهما عليه، فلمّا خلوا تشاكيا ما وجدا [3] بعد الفراق، فطالت الشّكوى، وهو يبكي أحرّ بكاء، ثم أتته بشراب وسألته أن يشربه، فقال: واللّه ما دخل جوفي حرام قطّ، ولا ارتكبته منذ كنت، ولو استحللت حراما لكنت [4] قد استحللته منك، فأنت [5] حظّي من الدّنيا، وقد ذهبت منّي، وذهبت بعدك فما أعيش! / وقد أجمل هذا الرجل الكريم وأحسن، وأنا مستحيى [6] منه، وو اللّه لا أقيم بعد علمه مكاني [7]، وإنّي عالم [8] أنّي أرحل [9] إلى منيّتي. فبكت وبكى، وانصرف.
الآن قد يئست:
فلما جاء زوجها أخبرته [10] الخادم بما دار بينهما [11]، فقال: يا عفراء، امنعي ابن عمّك من الخروج، فقالت: لا يمتنع، هو واللّه أكرم وأشد حياء من أن يقيم بعد ما جرى بينكما، فدعاه وقال له: يا أخي [12]، اتّق اللّه في نفسك، فقد عرفت خبرك، وإنّك إن رحلت [13] تلفت، وو اللّه لا أمنعك من الاجتماع معها أبدا [14]، ولئن [15] شئت لأفارقنّها [16] ولأنزلنّ [17] عنها لك. فجزاه خيرا، وأثنى عليه، وقال: إنما كان الطّمع فيها آفتي، والآن قد [18] يئست، وقد [19] حملت نفسي على اليأس [20] والصّبر، فإنّ اليأس يسلي [21]، ولي أمور،/ ولا بدّ لي من رجوعي [22] إليها، فإن وجدت من نفسي [23] قوّة على [24] ذلك، وإلا
__________
[1] «المختار»: يتحادثان.
[2] خد، «التجريد»: ما يسمعه.
[3] «التجريد»: من، بدل: بعد.
[4] في «المختار»: «كنت قد».
[5] خد: «و أنت».
[6] من ج، خد، س، «و المختار»: وفي «التجريد»: «أستحى» وفي «بيروت»: «أستحيي».
[7] خد: «بمكاني».
[8] خد: «لعالم»، «التجريد»: «أعلم».
[9] «المختار»: «راحل».
[10] خد، «التجريد»: «أخبره».
[11] خد: «بما جرى بينهما»، «المختار»: «بما كان منهما».
[12] ج: «يا أخ».
[13] خد: وإن رحلت»، «التجريد»: «فإنك إن رحلت».
[14] «أبدا»: لم تذكر في «التجريد».
[15] في «المختار»: «و إن».
[16] «التجريد»: «فارقتها».
[17] «التجريد»: «و أنزل».
[18] «قد»: لم تذكر في خد.
[19] قد: لم تذكر في ج، خد، س، «المختار».
[20] «اليأس»: من «المختار»، ويدل عليها قوله بعد. فإن اليأس يسل.
[21] «التجريد»: «مسل».
[22] خد و«التجريد»: «الرجوع».
[23] ج، س، «المختار»: بي، بدل: من نفسي. وفي «التجريد»: «في نفسي».
[24] ج: «إلى».
رجعت [1] إليكم وزرتكم، حتّى يقضي اللّه من [2] أمري ما يشاء. فزوّدوه وأكرموه وشيّعوه، فانصرف [3]. فلمّا رحل عنهم نكس بعد صلاحه [4] وتماثله، وأصابه غشي وخفقان؛ فكان كلّما أغمي [5] عليه ألقي على وجهه خمار لعفراء زوّدته إيّاه؛ فيفيق.
هو وعراف اليمامة
قال: ولقيه في الطّريق ابن مكحول [6] عرّاف اليمامة، فرآه وجلس عنده؛ وسأله عمّا به؛ وهل هو خبل أو [7] جنون؟ فقال له عروة: ألك عنده علم بالأوجاع؟. قال: نعم؛ فأنشأ يقول:
وما بي [8] من خبل ولا [9] بي جنّة [10] ... ولكنّ عمّي يا أخيّ كذوب [11]
/أقول لعرّاف اليمامة داوني ... فإنّك إن داويتني لطبيب [12]
فوا كبدا أمست رفاتا كأنمّا ... يلذّعها بالموقدات طبيب [13]
عشيّة لا عفراء منك بعيدة ... فتسلو ولا عفراء منك قريب [14]
/عشيّة لا خلفي مكرّ ولا الهوى ... أمامي ولا يهوى هواي غريب [15]
__________
[1] ج، خد، س: «عدت».
[2] «المختار»: في.
[3] «التجريد»: «و انصرف».
[4] من ج، خد، «التجريد، المختار». وفي غيرها: «تماسكه».
[5] في «المختار»: أغشى.
[6] في «الشعر والشعراء» 624: عراف اليمامة هو: رياح أبو كلحبة، مولى بني الأعرج بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم.
[7] «المختار»: «أم».
[8] خد، س: «مابي»، بدون الواو.
[9] «التجريد والمختار»: «و ما».
[10] «التجريد»: «مجنة».
[11] روى البيت في «الشعر والشعراء» 624:
فما بي من سقم ولا طيف جنة ... ولكن عبد الأعرجي كذوب
ويريد بعبد الأعرجي: عراف اليمامة مولى بني الأعرج. وفي هامش نسخة س: وروى.
فما بي من داء ولا مس جنة ... ولكن عمي الحميري كذوب
وهذه الرواية في «ديوانه 29».
[12] في «الشعر والشعراء» 624: فقلت لعراف، وجاء البيت سابقا على ما قبله. وفي «ديوانه» 29: أبرأتني. بدل: داويتني وفي نسخ خد و «التجريد والمختار»: «لأريب» بدل «لطبيب».
[13] «ديوانه» 30 وبينه وبين سابقه فيه سبعة أبيات. وروى الشطر الثاني في «خزانة الأدب» 3 - 215 (هارون).
يلذعها بالكف كف طبيب
وفيه إقواء، ونص البغدادي على ذلك. وفي «التجريد والمختار»: «بالموقدات لهيب».
[14] «ديوانه وخزانة الأدب» 3 - 215 (هارون):
عشية لا عفراء دان مزارها ... فترجى ...
[15] «ديوانه» 30 كما هنا. وفي «خزانة الأدب» 3 - 215:
عشية لا خلفي مفر، ولا الهوى ... قريب ولا وجدي كوجد غريب
وفيه إقواء ونص البغدادي على ذلك.
فو اللّه لا أنساك ما هبّت الصّبا ... وما عقّبتها في الرّياح جنوب [1]
وإنّي لتغشاني لذكراك هزّة [2] ... لها بين جلدي والعظام دبيب [3]
ألما على عفراء
وقال أيضا يخاطب صاحبيه الهلاليّين بقصّته [4]:
خليليّ من عليا هلال [5] بن عامر ... بصنعاء عوجا اليوم وانتظراني
/ ولا تزهدا في الذّخر [6] عندي وأجملا ... فإنّكما بي اليوم مبتليان
ألمّا على عفراء إنّكما غدا ... بوشك [7] النّوى والبين معترفان
فيا واشي عفراء ويحكما بمن ... وما وإلى من جئتما [8] تشيان [9]
بمن لو أراه عانيا لفديته ... ومن لو رآني عانيا لفداني [10]
متى تكشفا عنّي القميص تبيّنا ... بي الضّرّ من عفراء يا فتيان
إذن تريا لحما قليلا وأعظما ... بلين وقلبا دائم الخفقان [11]
وقد تركتني لا أعي لمحدّث ... حديثا وإن ناجيته ونجاني [12]
__________
[1] نقله ناشرا «الديوان عن الأغاني». وذكرا أنه لم يرد في «أصل شعر عروة». وفي خد: «و ما عاقبتها». وفي «المختار»: «و ما أعقبتها».
[2] ج، خد، «المختار»: فترة وفي «الشعر والشعراء» 624 و «خزانة الأدب» 3 - 214: وإني لتعروني لذكراك روعة.
وفي «ديوانه» 28: لتعروني ... رعدة.
[3] في «ديوانه» 28: جسمي، بدل: جلدي.
[4] «المختار»: بقضيته».
[5] ج، هليل. وفي «الديوان» كما هنا.
[6] «المختار»: «الأجر». بدل: «الذخر».
[7] «ديوانه» 11: «بشحط».
[8] «التجريد»: «حيثما».
[9] رواية البيت في «الديوان» 11.
فيا واشي عفرا دعاني ونظرة ... تقربها عيناي ثم دعاني
[10] رواية «الديوان» 18:
ومن لو أراه عانيا لكفيته ... ومن لو يراني عانيا لكفاني
وقوله: ومن: معطوف على من في قوله قبل ذلك في «الديوان»:
فيا حبذا من دونه تعذلونني ... ومن حليت عيني به ولساني
أما في رواية «الأغاني» بمن فالباء ومن متعلقان بقوله: تشيان.
[11] في «ديوانه» 16:
إذن تحملا ... دقاقا
وإذن هنا جواب لما جاء في بيت سابق جاء في «ديوانه» 16 وسبق في الصوت منفصلا عن هذا البيت ولم يذكر في هذه الرواية، وهو:
فإن كان حقا ما تقولان فاذهبا ... بلحمي إلى وكريكما فكلاني
وقد أشرنا في موضعه إلى اختلاف روايته هنا عن رواية «الديوان» ..
[12] خد: «فقد تركتني»، «التجريد»: «لقد».
جعلت لعرّاف اليمامة حكمه ... وعرّاف حجر إن هما شفياني [1]
/فما تركا من حيلة يعرفانها ... ولا شربة إلا وقد سقياني [2]
ورشّا على وجهي من الماء ساعة ... وقاما مع العوّاد يبتدران
وقالا: شفاك اللّه واللّه مالنا ... بما ضمّنت منك الضّلوع يدان [3]
فويلي على عفراء ويلا [4] كأنّه ... على الصّدر والأحشاء [5] حدّ سنان
أحبّ ابنة العذريّ حبّا وإن نأت ... ودانيت فيها [6] غير ما متداني [7]
صوت
إذا رام قلبي هجرها حال دونه ... شفيعان من قلبي لها جدلان [8]
غنّته شاريه؛ ولحنه من الثقيل الأوّل [9].
إذا قلت: لا، قالا: بلى، ثمّ أصبحا ... جميعا على الرأي الّذي يريان
/ تحمّلت [10] من [11] عفراء ما ليس لي به ... ولا للجبال [12] الرّاسيات يدان
فيا ربّ أنت المستعان على الّذي ... تحمّلت من عفراء منذ زمان [13]
كأنّ قطاة علّقت بجناحها ... على كبدي من شدة الخفقان [14]
في:
تحمّلت من عفراء .....
والذي بعده، ثقيل أوّل، يقال إنه لأبي العبيس بن حمدون.
__________
[1] خد: سيقاني.
[2] قوله: فما تركا ... ساقط من خد. وراجع الاختلاف في رواية هذا البيت فيما سبق (البيت السابع من الصوت).
[3] راجع الاختلاف في رواية هذا البيت فيما سبق (البيت الثامن من الصوت).
[4] خد، «التجريد»: «ويل».
[5] «المختار»: وخز. وفي «الديوان» 230: «على النحر»، بدل: «الصدر». وفي رواية أخرى: القلب.
[6] خد: منها.
[7] «التجريد»: «غيرها ما هو داني»، «المختار»: «غير ما تريان».
[8] «التجريد»: خذلان.
[9] جاءت هذه العبارة: (غنته شارية ... ) في نسختي ج، س عقب البيت: أحب ابنة ... وسقط من النسختين البيتان الأولان في الصوت: إذا رام ... إذا قلت ... أما في نسخة خد فقد جاءت عبارة: (غنته شارية ... ) بعد البيت الثاني في الصوت: إذا قلت:
لا .... وقد علق ناشرا «الديوان» 23 على هذين البيتين بأنهما لم يردا في الأصل، وهما من «تزيين الأسواق وفوات الوفيات».
[10] ج. «تكلفت».
[11] «التجريد»: «عن».
[12] «التجريد»: «لا بالجبال».
[13] جاء هذا البيت في «المختار» قبل البيت: تحملت .. وهو في «الديوان» 13 وقد علق ناشرا «الديوان» على هذا البيت (فيا رب .. )
بأنه لم يذكر في «المخطوطة»، بل ذكر في «الأغاني وتزيين الأسواق وفوات الوفيات».
[14] «المختار»: «الرجفان»، بدل: «الخفقان».
عفراء ترثيه وتموت بعده
قال: فلم يزل في طريقه [1] حتى مات قبل أن يصل إلى حيّه بثلاث ليال، وبلغ عفراء خبر وفاته، فجزعت جزعا شديدا، وقالت ترثيه:
ألا أيّها الرّكب المخبّون [2] ويحكم ... بحقّ [3] نعيتم عروة بن حزام
فلا [4] تهنأ الفتيان بعدك لذّة ... ولا رجعوا من غيبة بسلام
/ وقل [5] للحبالى: لا ترجّين غائبا ... ولا فرحات بعده بغلام [6]
قال: ولم تزل تردّد هذه الأبيات وتندبه [7] بها، حتى ماتت بعده بأيّام قلائل [8].
مفاجأة
وذكر عمر بن شبّة في خبره:
أنّه لم يعلم بتزويجها حتى لقي الرّفقة التي هي فيها، وأنّه كان توجّه إلى ابن عمّ له/ بالشّام، لا باليمن [9]، فلمّا رآها وقف دهشا [10]، ثم قال:
فما هي [11] إلا أن أراها فجاءة ... فأبهت حتى ما أكاد أجيب
وأصدف [12] عن رأيي الذي كنت أرتئي ... وأنسى الذي أزمعت [13]، حين [14] تغيب
ويظهر قلبي عذرها ويعينها ... عليّ فما لي في الفؤاد نصيب
__________
[1] «المختار»: «ثم لم يزل مضني في طريقه».
[2] «فوات الوفيات»: «المجدون».
[3] في «الديوان» 37: أحقا. وفيه رواية أخرى للبيت هي:
ألا أيها القصر المغفل أهله ... نعينا إليكم عروة بن حزام
وفي «الخزانة» 3 - 217 (هارون):
ألا أيها البيت ... إليكم نعينا
[4] في «الديوان» 38 (رواية لابن الأنباري):
فلا لقي الفتيان .. لذة
وفي «الشعر والشعراء» 627 فلا نفع. وفي رواية أخرى في «الديوان»:
فلا ينفع الفتيان بعدك لذة ... ولا ما لقوا من صحة وسلام
[5] في «الديوان» 38 «عن ابن الأنباري»: وبتن. وفي «الشعر والشعراء» 627.
وقل ...
ولا فرحت من بعده بسلام
[6] في «الديوان» رواية أخرى هي:
فلا وضعت أنثى تماما بمثله ... ولا فرحت من بعده بغلام
[7] «المختار»: «تندبه». بدون الواو. وفي خد: «تردد هذه الأبيات أياما».
[8] س: «بعد أيام قلائل بعده». «التجريد»: «بعد أيام قلائل». ج: «بأيام قلائل». وما أثبتناه من خد.
[9] ج، س: «لا بالري».
[10] «المختار»: «وقف ودهش».
[11] «الديوان» 28: «فما هو» ..
[12] «الديوان» 28: وأصرف.
[13] «الديوان»: «حدثت». «الشعر والشعراء» 623: «أعددت».
[14] «الديوان»: «ثم».
/
وقد علمت نفسي مكان شفائها ... قريبا، وهل ما لا ينال قريب؟
حلفت بربّ السّاجدين لربّهم ... خشوعا، وفوق السّاجدين رقيب [1]
لئن كان برد الماء حرّان صاديا ... إليّ حبيبا إنّها لحبيب [2]
لا ينفعه وعظ ولا دواء
وقال [3] أبو زيد في خبره:
ثم عاد من عند عفراء إلى أهله، وقد ضني ونحل، وكانت له أخوات وخالة وجدّة، فجعلن يعظنه ولا ينفع [4]، وجئن [5] بأبي كحيلة رباح بن شدّاد [6] مولى بني ثعيلة [7]، وهو عرّاف حجر [8]، ليداويه فلم ينفعه دواؤه.
وذكر أبو زيد قصيدته النّونيّة التي تقدّم ذكرها، وزاد فيها:
وعينان أوفيت نشرا [9] فتنظرا ... مآقيهما [10] إلا هما تكفان
سوى أنّني قد قلت يوما لصاحبي ... ضحى وقلوصانا بنا تخدان
ألا حبّذا [11] من حبّ عفراء واديا ... نعام وبزل [12] حيث يلتقيان
يلصق صدره بحياض الماء
وقال أبو زيد:
وكان عروة يأتي حياض الماء التي كانت إبل عفراء تردها فيلصق صدره بها، فيقال له: مهلا، فإنّك قاتل نفسك، فاتق اللّه [13]. فلا يقبل، حتى أشرف على التّلف، وأحسّ بالموت.
فجعل يقول:
بي اليأس والدّاء الهيام سقيته ... فإيّاك عنّي لا يكن بك ما بيا [14]
__________
[1] في «الديوان» 29: الراكعين، بدل: الساجدين. في الشطرين.
[2] في «الديوان»: عطشان: بدل: حران، وفي «الشعر والشعراء» 623: أبيض صافيا بدل حران صاديا. وفي «الخزانة» 1 - 218 (هارون): نسب المبرد في «الكامل» بيت الشاهد:
(لئن كان برد الماء .. ... إلى قيس بن ذريح .. )
وذكر ما قبله هكذا:
حلفت لها بالمشعرين وزمزم ... وذو العرش فوق المقسمين رقيب
ونسبه العيني إلى كثير عزة. قال البغدادي: والصحيح ما قدمناه والبيتان من شعر غيره دخيل.
[3] خد: قال.
[4] «المختار»: «فعالجنه فلم ينفع».
[5] خد، و «المختار»: «و جاؤوه».
[6] «المختار»: «أسد».
[7] ج: «نفيلة». خد و «المختار»: «مولى بني يشكر».
[8] زاد في «المختار»: «و هو أبو نخيلة».
[9] س:
«و عينان ما أرقب بعفرا .. »
[10] خد، و «الشعر والشعراء» 626: بمأقيهما. وفي «الديوان» 22: وعيناي.
[11] خد:
«ألا حبها»
[12] خد: «و برك».
[13] من أول قوله: فاتق اللّه. إلى قوله: التلف: ساقط من خد، وفي «المختار»: «فاتق اللّه ولا تقتلها».
[14] في «الشعر والشعراء» 627:
من أي شيء مات
أخبرني [1] الحرميّ بن أبي العلاء قال: حدّثنا الزّبير بن بكّار قال: حدّثني عبد الملك بن عبد العزيز بن الماجشون، عن أبي السّائب قال:
أخبرني ابن أبي عتيق قال: واللّه إنّي لأسير في أرض عذرة إذا بامرأة تحمل غلاما جزلا [2]، ليس يحمل مثله [3]، فعجبت لذلك، حتى أقبلت به، فإذا له لحية، فدعوتها فجاءت، فقلت لها: ويحك! ما هذا؟ فقالت: هل سمعت بعروة بن حزام؟ فقلت: نعم، قالت: هذا واللّه عروة. فقلت له: أنت/ عروة [4]؟ فكلمني وعيناه تذرفان [5] وتدوران في رأسه، وقال: نعم أنا واللّه القائل:
جعلت لعرّاف اليمامة حكمه ... وعرّاف حجر إن هما شفيان
فقالا: نعم نشفي من الدّاء كلّه ... وقاما مع العوّاد يبتدران
فعفراء أحظى الناس عندي مودّة ... وعفراء عنّي المعرض المتواني
قال: وذهبت المرأة، فما برحت من الماء حتى سمعت الصّيحة، فسألت عنها، فقيل: مات عروة بن حزام.
قال عبد الملك: فقلت لأبي السائب: ومن [6] أيّ شيء مات؟ أظنّه شرق، فقال: سخنت عيناك [7]، بأيّ شيء شرق؟ قلت بريقه - وأنا أريد العبث بأبي السائب - أفترى أحدا يموت من الحبّ؟ قال: واللّه لا تفلح أبدا، نعم يموت خوفا أن يتوب اللّه عليه [8]!!
به ما أرى
أخبرني عمّي قال: حدّثنا/ الكرانيّ، عن العمري، عن الهيثم بن عديّ، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن النعمان بن بشير قال:
ولاني عثمان - رضي اللّه عنه - صدقات سعد هذيم [9]، وهم: بليّ، وسلامان وعذرة، وضبّة بن الحارث،
__________
بي اليأس أو داء الهيام شربته
وفي «اللسان» (سلل):
بي السل أو داء الهيام أصابني
وداء الهيام: مرض يصيب الإبل، يشبه الحمى، تسخن به جلودها.
[1] ج: «و أخبرني».
[2] خد: «خدلا».
[3] خد و «المختار»: «ليس مثله يحمل».
[4] «فقلت له: أنت عروة؟»: لم ترد في خد.
[5] خد و «المختار»: «و عيناه تدوران في رأسه».
[6] خد: «في أي شي ء».
[7] ج: «عينك».
[8] خد: «خوفا أن يتوب عنه».
[9] في «القاموس» (هذم): سعد بن هذيم كزبير: أبو قبيلة.
ووائل: بنو زيد، فلمّا قبضت الصدقة قسّمتها في أهلها، فلمّا فرغت وانصرفت بالسهمين إلى عثمان - رضي اللّه عنه - إذا أنا ببيت مفرد/ عن الحيّ، فملت إليه، فإذا أنا بفتى راقد في فناء [1] البيت، وإذا بعجوز من ورائه في كسر البيت، فسّلمت عليه، فردّ عليّ بصوت ضعيف [2]، فسألته: مالك؟ فقال:
كأنّ قطاة علّقت بجناحها ... على كبدي من شدّة الخفقان
وذكر الأبيات النونيّة المعروفة، ثم شهق شهقة خفيفة [3] كانت نفسه فيها، فنظرت إلى [4] وجهه فإذا هو قد قضى [5] فقلت: أيّتها العجوز، من هذا الفتى منك؟ قالت: ابني، فقلت: إني أراه قد قضى، فقالت [6]: وأنا واللّه أرى ذلك، فقامت فنظرت في وجهه ثم قالت: فاظ وربّ محمد، قال: فقلت لها: يا أمّاه [7]، من هو؟ فقالت:
عروة بن حزام، أحد بني ضبّة، وأنا أمّه، فقلت لها؛ ما بلغ به ما أرى؟ قالت: الحبّ، واللّه ما سمعت له منذ سنة كلمة ولا أنّة إلا اليوم، فإنه أقبل عليّ ثم قال:
من كان من أمّهاتي [8] باكيا أبدا ... فاليوم إنّي أراني اليوم مقبوضا
يسمعننيه فإنّي غير سامعه ... إذا علوت رقاب القوم [9] معروضا
قال: فما برحت من الحيّ حتى عسّلته، وكفّنته، وصلّيت عليه، ودفنته.
خبر آخر عن موت عفراء بعده
وذكر أبو زيد عمر بن شبّة في خبره، هذه القصة عن عروة بن الزّبير، فقال هذين البيتين بحضرته:
من كان من أخواتي باكيا أبدا ......
قال: فحضرنه فبرزن - واللّه - كأنهنّ الدّمى [10]، فشققن جيوبهنّ، وضربن خدودهنّ [11]، فأبكين كلّ من حضر. وقضى من يومه.
وبلغ عفراء خبره، فقامت لزوجها فقالت: يا هناء، قد كان من خبر ابن عمي ما كان بلغك، وو اللّه ما عرفت منه [12] قطّ إلّا الحسن الجميل، وقد مات فيّ وبسببي، ولا بدّ لي من أن أندبه وأقيم [13] مأتما عليه [14]. قال:
__________
[1] ج: «بفناء».
[2] خد: «فإذا أنا بفتى راقد فسألته». وسقط ما بينهما.
[3] «خفيفة»: لم تذكر في ج.
[4] خد: في.
[5] قوله: «فنظرت ... قضى»: لم يرد في ج، ولا س.
[6] خد: «قالت».
[7] خد: «أيا أمه».
[8] في «الشعر والشعراء» 626: «أخواتي».
[9] «الديوان»: «الناس».
[10] س: «فتبرزن - واللّه - كأنهن الدما».
[11] خد: صدورهن».
[12] خد: «و واللّه ما كان بيني وبينه .. » و «المختار»: وو اللّه ما بيني وبينه ... ».
[13] س: «فأقيم».
[14] «المختار»: «عليه مأتما».
افعلي. فما زالت تندبه ثلاثا، حتى توفّيت في اليوم الرابع.
وبلغ معاوية بن أبي سفيان خبرهما [1]، فقال: لو علمت بحال [2] هذين الحرّين الكريمين لجمعت بينهما.
وروي هذا الخبر عن هارون بن موسى القرويّ، عن محمد بن الحارث المخزوميّ، عن هشام بن عبد اللّه، عن عكرمة، عن هشام [3] بن عروة عن أبيه، أنّه كان شاهدا ذلك اليوم. ولم يذكر النعمان بن بشير في خبره.
تمادى في حبها حتى قتله
وذكر هارون بن مسلمة عن غصين بن برّاق، عن أم جميل الطائيّة: أنّ عفراء كانت يتيمة في حجر عمّها عمّه [4]، فعرضها عليه فأباها، ثم طال المدى، وانصرف عروة في يوم عيد، بعد أن صلّى صلاة العيد، فرآها وقد زيّنت، فرأى منها جمالا بارعا، وقدّمت له تحفة فنال منها وهو ينظر إليها، ثم خطبها إلى عمّه فمنعه ذلك [5]، مكافأة لما كان من كراهته لها لمّا عرضها عليه، وزوّجها رجلا غيره فخرج بها إلى الشام، وتمادى في حبّها حتى قتله.
يطاف به حول الكعبة
حدّثنا [6] محمد بن خلف وكيع قال: حدّثنا عبد اللّه بن شبيب قال: حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة وغيره، عن سليمان بن عبد العزيز بن عمران الزّهريّ قال: حدّثني خارجة المكّيّ:
أنه رأى عروة بن حزام يطاف به حول البيت، قال: فدنوت منه، فقلت: من أنت؟ فقال: الذي أقول [7]:
أفي كلّ يوم أنت رام بلادها ... بعينين إنسانا هما غرقان!
/ ألا فاحملاني بارك اللّه فيكما ... إلى حاضر الرّوحاء ثم ذراني [8]
فقلت له: زدني، فقال: لا واللّه ولا حرفا [9].
هذا قتيل الحب
أخبرني عليّ بن سليمان الأخفش قال: حدّثني أبو سعيد السكّريّ قال: حدّثني [10] محمد بن حبيب قال: ذكر الكلبيّ، عن أبي صالح، قال:
__________
[1] «المختار»: «و بلغ خبرهما معاوية».
[2] ج: «لو علمت بهذين».
[3] ج، س: وروى هذا الخبر عن هشام بن عروة عن أبيه وسقط ما بينهما. وفي خد: وروى هذا الخبر عن هشام عن ابن عروة عن أبيه: هارون بن موسى القروي، عن محمد بن الحارث المخزومي عن هشام بن عبد اللّه عن عكرومة عن هشام بن عروة عن أبيه (تكرار).
[4] خد: «في حجر عمه».
[5] خد: «فمنعه منها».
[6] ج، خد: «أخبرنا». س: «أخبرني».
[7] «التجريد»: «أنا الذي أقول». ج، س: «الذي يقول».
[8] س: دعاني».
[9] «التجريد»: «و لا حرفا واحدا».
[10] خد: «حدثنا».
/ كنت مع ابن عبّاس بعرفة [1]، فأتاه فتيان يحملون بينهم [2] فتى لم يبق منه [3] إلا خياله، فقالوا له: يا بن عمّ رسول اللّه، ادع له، فقال: وما به؟ فقال الفتى:
بنا من جوى الأحزان في الصدر لوعة ... تكاد لها نفس الشّفيق [4] تذوب
ولكنّما أبقى حشاشة معول [5] ... على ما به عود هناك صليب
قال: ثم خفت في أيديهم فإذا هو قد مات.
فقال ابن عبّاس:
هذا قتيل الحبّ لا عقل ولا قود
ثم ما رأيت ابن عبّاس سأل اللّه - جلّ وعزّ - في عشيّته إلّا العافية، ممّا [6] ابتلي به ذلك الفتى، قال: وسألنا عنه فقيل: هذا عروة بن حزام.
صوت
أعالي أعلى اللّه جدّك عاليا ... وأسقى برّياك العضاة البواليا
أعالي ما شمس النهار إذا بدت ... بأحسن ممّا تحت [7] برديك عاليا
أعالي لو أنّ النساء ببلدة ... وأنت بأخرى لا تّبعتك ماضيا
أعالي لو أشكو الذي قد أصابني ... إلى غصن رطب لأصبح ذاويا [8]
اشعر للقتّال الكلابيّ.
وقد أدخل بعض الرّواة الأوّل [9] من هذه الأبيات مع أبيات سحيم عبد بني الحسحاس التي أوّلها:
فما بيضة بات الظّليم يحفّها [10] ...
__________
[1] «المختار»: «في عرفة».
[2] في «المختار»: «فأتاه فتيان يحملانه بينهما».
[3] «منه»: لم تذكر في «التجريد». في «المختار»: «لم يبق منه الصبر إلا خيالا».
[4] «التجريد»: «الشقيق».
[5] س، و «المختار»: «مقول»، ومثله في «الديوان» نقلا عن نسخة س.
[6] ج: «بما».
[7] خد: «بما بين برديك».
[8] ج، س: «باليا».
[9] خد، ج، س: «البيت الأول».
[10] تمام البيت:
ويرفع عنها جوجزا متجافيا وبعده:
بأحسن منها يوم قالت أراحل ... مع الركب أم ثاو لدينا لياليا
«ديوان سحيم: 18».
في لحن واحد. وذكرت ذلك في موضعه [1]، وأفردته على حدته [2]، وأتيت به [3] على حقيقته.
والغناء لابن سريج، ثاني ثقيل بالسبّابة في مجرى الوسطى. وذكر الهشاميّ أن فيه/ لأبي كامل ثاني ثقيل، لا أدري أهذا [4] يعني أم غيره. ووافقه إبراهيم في لحن أبي كامل ولم يجنّسه، وزعم [5] أن فيه لحنا آخر لابن عبّاد، وفيه ثقيل أول، ذكر ابن المكيّ أنه لمعبد. وذكر الهشاميّ أنّه ليحيى منحول إلى معبد. وذكر حبش أنّه لطويس [6].
وفي هذه القصيدة يقول القتّال [7]:
أعالي أخت المالكيّين نوّلي ... بما ليس مفقودا وفيه شفائيا [8]
أصارمتي أمّ العلاء وقد رمى ... بي الناس [9] في أمّ العلاء المراميا
أيا إخوتي لا أصبحن بمضلّة ... تشيب إذا عدّت عليّ النّواصيا
فراد لديك القوم واشعب بحقّهم [10] ... كما كنت لو كنت الطّريد مراديا
وشمّر ولا تجعل عليك غضاضة ... ولا تنس يا بن المضرحيّ بلائيا
ولهذه القصيدة أخبار تذكر في مواضعها ها هنا إن شاء اللّه تعالى.
__________
[1] راجع ترجمة سحيم، في الجزء 20 - 2 ط بولاق.
[2] خد: «فأفردته على حدة».
[3] خد: «بها».
[4] خد: «هذا».
[5] س: «و ذكر».
[6] ج، س: وذكر الهشامي أنه لطويس، وسقط ما بينهما، وهو من خد.
[7] س، ب: «العتابي».
[8] لم ترد هذه الأبيات، ولا أبيات الصوت في «ديوان عروة».
[9] «التجريد»: «اليأس».
[10] راد: أمر من رادي بمعنى راود. وحكى أبو عبيد: راداه بمعنى داراه، وهذا الشطر جاء في س - ب هكذا:
وأتبعته فيكم إذا كان حقهم
13 - أخبار القتال ونسبه
اسمه ونسبه
القتّال لقب غلب عليه، لتمرّده وفتكه. واسمه: عبد اللّه بن المضرّحيّ [1] بن عامر الهصّان [2] بن/ كعب بن عبد اللّه [3] بن أبي بكر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة. ويكنى أبا المسيّب، وأمّه عمرة بنت حرقة [4] بن عوف بن شدّاد بن ربيعة بن عبد اللّه بن أبي بكر بن كلاب.
وقد ذكرها في شعرها وفخر بها، فقال:
لقد ولدتني حرّة ربعيّة ... من اللاء لم يحضرن في القيظ ذبذبا [5]
يقتل ابن عمه ويهرب
نسخت من كتاب لمحمّد بن داود بن الجرّاح خبره، وذكر أنّ عبد اللّه بن سليمان السّجستانيّ دفعه إليه وأخبره أنّه سمعه من عمر بن شبّة وأجاز له روايته، وأخبرني بأكثر رواية عمر بن شبّة هذه الأخفش عن السكّريّ عنه في أخبار الّلصوص [6] وجمعت ذلك أجمع.
/ قال عمر بن شبّة: حدّثني حميد بن مالك بن يسار [7] المسمعيّ قال: حدّثني شدّاد بن عقبة بن رافع بن زمل ابن شعيب بن الحارث بن عامر بن كعب بن عبد اللّه [8] بن أبي بكر بن كلاب. وكانت أمّ رافع جنوب بنت القتّال.
وحدّثني شيخ من بني أبي بكر بن كلاب، يكنى أبا خالد، أيضا بحديث القتّال [9]، قال أبو خالد:
كان القتّال قتّال [10] ربيعة بن عبد اللّه بن أبي بكر بن كلاب، يتحدّث إلى ابنة عمّ له يقال لها [11] العالية [12] بنت
__________
[1] «التجريد»: «عبد اللّه بن المجيب المضرحي».
[2] «المختار» 6 - 13 وبيروت: «الهصار». خد: الهصاف. وفي «جمهرة أنساب العرب»: الهصان.
[3] «المختار»: عبيد.
[4] خد: «حدقة». س: «حرفة». «المختار»: «حذيفة».
[5] س: «لم تحضرن». «المختار»: «لا يحضرن». ج، س، و «المختار»: «ديدنا»، بدل: ذبذبا». وذبذب: ركية في ديار بني أبي بكر بن كلاب. يريد أنها مصونة لم تذهب إلى هذه الركية.
[6] جمع أبو سعيد السكري في هذا الكتاب أشعار العرب المشهورين من لصوص، وقد نشر رايت L Wright LL من هذا الكتاب «ديوان طهمان الكلابي» في ليدن 1859 م «تاريخ الأدب العربي» لبروكلمان: 2 - 164.
[7] لم تذكر في خد. وفي ج: سيار.
[8] ج: «عبد». وجاءت بعد ذلك: عبد اللّه.
[9] عبارة: «و حدّثني شيخ ... القتال»: لم تذكر في خد.
[10] خد: «ابن ربيعة».
[11] خد: «له».
[12] «التجريد»: «الغالية».
عبيد اللّه [1]، وكان لها أخ غائب يقال له: زياد بن عبيد اللّه [2]. فلمّا قدم رأى القتّال يتحدّث إلى أخته، فنهاه [3] وحلف: لئن رآه ثانية ليقتلنّه. فلمّا كان بعد ذلك بأيّام رآه عندها [4]، فأخذ السيف وبصر به القتّال، فخرج هاربا، وخرج في إثره، فلمّا دنا منه ناشده [5] القتّال باللّه [6] والرحم، فلم يلتفت/ إليه فبينا هو يسعى، وقد كاد يلحقه، وجد [7] زمحا مركوزا - وقال للسكريّ [8]: وجد سيفا - فأخذه وعطف على زياد فقتله، وقال:
نهيت زيادا والمقامة [9] بيننا ... وذكّرته أرحام سعر [10] وهيثم
فلمّا رأيت أنه غير منته ... أملت له كفّي بلدن مقوّم
ولمّا رأيت أنني قد قتلته ... ندمت عليه أيّ ساعة مندم
وقال أيضا [11]:
نهيت زيادا والمقامة [12] بيننا ... وذكّرته باللّه حولا مجرّما
فلمّا رأيت أنّه غير منته ... ومولاي لا يزداد إلّا تقدّما
أملت له كفّي بأبيض صارم ... حسام إذا ما صادف العظم صمّما
بكفّ امرىء لم تخدم [13] الحيّ أمّه ... أخي نجدات لم يكن متهضّما
ثم خرج هاربا، وأصحاب القتيل يطلبونه، فمرّ بابنة عمّ [14] له تدعى: زينب، متنحّية عن الماء، فدخل عليها، فقالت له: ويحك! ما دهاك؟ قال: ألقي عليّ ثيابك، فألقت/ عليه ثيابها، وألبسته برقعها [15]، وكانت تمسّ حنّاء، فأخذ الحنّاء فلطّخ [16] بها يديه [17] وتنحّت عنه، ومرّ [18] الطلب به [19]، فلمّا أتوا البيت قالوا وهم يظنّون
__________
[1] ج، س: «عبد اللّه».
[2] قوله: «و كان لها أخ غائب يقال له: «زياد بن عبد اللّه»: لم يذكر في ج ولا س، وهو في خد و «التجريد والمختار».
[3] «التجريد»: «فنهاه عنها».
[4] خد: «فلما كان بعد ذلك جاء ورآها عنده». وفي «التجريد»: «فلما كان بعد ذلك جاء فوجده عندها».
[5] ج: «فأنشده».
[6] خد، «التجريد»: «اللّه». وفي «اللسان» (نشد): نشدتك اللّه وأنشدك اللّه وباللّه، وناشدتك اللّه وباللّه: أي سألتك وأقسمت عليك.
وفي الحديث: نشدتك اللّه والرحم، أي سألتك باللّه والرحم.
[7] خد: «رأى»، وفي «المختار»: «وجد القتال رمحا».
[8] ج، س: «آليشكري» وفي «التجريد»: «و قيل»، بدل: «و قال السكري».
[9] س، و «التجريد»: والمهامه، وفي «المختار» و «بقية النسخ و «الديوان» 89 كما هنا. وفي «الديوان»: نشدت، بدل: نهيت.
[10] س، و «التجريد»، و «المختار»: «سعد»، وفي خد: شعر. وفي «الديوان» 89 كما أثبتنا.
[11] في «الديوان» 90: «و قال في قتله زيادا». وفي «المختار»: «و قال فيه أيضا».
[12] س و «التجريد والديوان»: «و المهامة».
[13] «المختار»: «لم تحذم».
[14] «عم»: لم تذكر في ج.
[15] «المختار»: «فألقت عليه ثيابها وبرقعها».
[16] خد و «التجريد»: «و لطخ».
[17] خد: «بدنه». وفي «المختار»: «فلطخ يديه بها».
[18] س، و «التجريد والمختار»: «وجد»، وما أثبتناه من خد وف.
[19] «به»: لم تذكر في ج.
أنّه [1] زينب ... أين الخبيث؟ فقال لهم [2]: أخذ هاهنا [3]، لغير الوجه الذي أراد [4] أن يأخذه. فلمّا عرف أن قد بعدوا أخذ في وجه آخر، فلحق بعماية، وعماية [5] جبل، فاستتر فيه، وقال في ذلك:
فمن مبلغ فتيان قومي أنّني ... تسّميت لمّا شبّت الحرب زينبا [6]
/و أرخيت جلبابي على نبت لحيتي ... وأبديت للنّاس البنان المخضّبا [7]
وقال أيضا [8]:
جزى اللّه عنّا والجزاء بكفّه ... عماية خيرا أمّ كلّ طريد
فما يزدهيها [9] القوم إن نزلوا بها ... وإن أرسل السّلطان كلّ بريد
/ حمتني منها كلّ عنقاء عيطل ... وكلّ صفا جمّ القلات كؤود [10]
فمكث بعماية زمانا يأتيه أخ له [11] بما يحتاج إليه، وألفه نمر في الجبل كان يأوي معه في شعب [12].
يصاحب نمرا
وأخبرني عبد اللّه بن مالك، قال: حدّثني محمد بن حبيب، عن ابن الكلبيّ، قال:
كان القتّال الكلابيّ أصاب دما، فطلب به، فهرب إلى جبل يقال له عماية، فأقام في شعب من شعابه، وكان يأوي إلى ذلك الشّعب نمر، فراح إليه كعادته، فلمّا رأى القتّال كشر عن أنيابه، ودلع لسانه [13] فجرد القتّال سيفه من جفنه، فردّ النمر لسانه، فشام القتّال سيفه [14]، فربض بإزائه، وأخرج براثنه، فسلّ [15] القتّال سهامه من كنانته [16]، فضرب بيده وزأر، فأوتر القتّال قوسه، وأنبض وترها [17]، فسكن النّمر وألفه.
__________
[1] «التجريد»: «و هم يطلبونه».
[2] «التجريد»: «قالت».
[3] «المختار»: «أخذ كذا».
[4] «المختار»: «يريد».
[5] «التجريد»: «و هو».
[6] «ديوانه» 35:
ألا هل أتى فتيان قومي أنني ... تسميت لما اشتدت الحرب زينبا
وفي خد: «هبت الحرب».
[7] «الديوان» 35: «و أدنيت جلبابي».
[8] س: «و قال فيها».
[9] «الديوان» 45: «فلا يزدهيها»، خد: «فما يزذهينا». وفي خد: «به»، بدل «بها».
[10] «الديوان» 45 كما هنا. وفي ج، س: الفلاة، بدل: القلات، والقلات: جمع قلت وهي النقرة في الجبل تمسك الماء. ولم ترد القلات في خد وجاء بدلا منها: جم بهن. وفي ج: فلا، بدل: صفا.
[11] «التجريد»: أخوه.
[12] علق ابن واصل الحموي في «التجريد» 2464 قائلا: «قلت: هكذا روى، والعهدة على ناقله فإن العادة تأباه».
[13] «و دلع لسانه»: من «المختار»، والمعنى: أخرج لسانه.
[14] أثبتنا عبارة: «فرد النمر لسانه فشام القتال سيفه»: من «المختار».
[15] «المختار»: «فنثر».
[16] عبارة «التجريد»، بعد قوله: كشر عن أنيابه: «فأخرج القتال سهامه فنثرها بين يديه ... ».
[17] «المختار»: بوترها.
فقال ابن الكلبيّ في هذا الخبر، ووافقه عمر بن شبّة في روايته:
كان النمر يصطاد الأروى [1]، فيجيء بما يصطاده، فيلقيه بين يدي القتّال، فيأخذ/ منه ما يقوته [2]، ويلقي الباقي للنّمر فيأكله، وكان القتّال يخرج إلى الوحش فيرمي بنبله [3]، فيصيب منه الشيء بعد الشيء، فيأتي به الكهف، فيأخذ لقوته بعضه، ويلقي الباقي للنّمر. وكان القتّال إذا ورد الماء قام عليه [4] النّمر حتى يشرب، ثم يتنحّى القتّال [5] عنه ويرد النّمر، فيقوم عليه القتّال حتى يشرب، فقال القتّال في ذلك من قصيدة له:
ولي صاحب في الغار يعدل صاحبا ... أبا الجون إلّا أنّه لا يعلّل [6]
أبو الجون: صديق له كان يأنس به، فشبهه به [7]. وفي رواية عمر بن شبّة [8]: أخي الجون، فإن القتّال كان له أخ اسمه الجون، فشبّهه به:
كلانا عدوّ لا يرى في عدوّه ... مهزّا وكلّ في العداوة مجمل [9]
إذا ما التقينا كان أنس [10] حديثنا ... صماتا [11] وطرف كالمعابل [12] أطحل [13]
لنا مورد قلت بأرض مضلّة ... شريعتنا: لأيّنا جاء أوّل [14]
/تضمّنت الأروى لنا بشوائنا ... كلانا له منها سديف مخردل [15]
فأغلبه في صنعة الزّاد إنّني ... أميط الأذى عنه وما إن يهلّل [16]
__________
[1] الأروى جمع الأروية (جمع على غير قياس) وهي أنثى الوعل، وهو جنس من المعز الجبلية له قرنان قويان منحنيان.
[2] خد: «ما يتقوته». ج: «فيأخذ منها ما يتقونه».
[3] خد، و «المختار»: «يخرج فيرمي الوحش بنبله». ج، س: «يخرج فيجرح الوحش بنبله».
[4] «التجريد»: «أقام النمر». وفي خد: «أقام عليه النمر».
[5] في «المختار»: «ثم يتنحى ويرد النمر فيقيم عليه القتال». وفي س: ينتحي. بدل: يتنحى.
[6] «الديوان» 77: هدك، بدل: يعدل، هو الجون، بدل أبا الجون. وفي «التجريد»: أبو الجون وفي «المختار»: أبا الجود. وفي «اللسان»: أبو الجون كنية النمر، وفي «شرح التبريزي الحماسة»: أبو الجون يعني النمر. وقوله: يعدل صاحبا. في «المختار»:
«بعدك صاحبي».
[7] ج: يشبهه. وفي «التجريد»: قيل: أبو الجون صاحب للقتال فشبهه به.
[8] ج: «عتبة».
[9] «الديوان» 78: «لويري»، بدل: «لا يرى» ومثله في ج. «و محزا»، بدل: «مهزا».
[10] «الديوان» 78. «جل»، بدل: «أنس».
[11] «الديوان» وس و «التجريد والمختار»: صمات (بالرفع) ويكون اسم كان مؤخرا.
[12] المعابل: جمع معبلة: نصل عريض طويل.
[13] ج، و «المختار»: «أكحل». والأطحل: ما كان في لون الرماد.
[14] «الديوان» 78
وكانت لنا قلت ...
وفي س و «المختار»:
«مورد صاف»
[15] قوله، بشوائنا، في ج، س: بقبولنا. وفي «الديوان» 78 بطعامنا، وفي خد: بسوائنا وقوله: سديف، في «الديوان»: نصيب.
[16] الشطر الأول في س و «المختار»:
«فأعلمه في صنعة الود أنني»
وفي ج:
«فأغلبه في صنعة الود» ..
والشطر الثاني في «الديوان» 78:
أميط الأذى عنه ولا يتأمل
وقوله: وما إن يهلل: من قولهم. ما هلل عن قرنه، أي ما توقف عنه ولا نكل. هذا وترتيب الأبيات هنا مخالف لترتيبها في «الديوان».
أي ما يسمّي اللّه تعالى عند صيده [1].
وليمة أبي سفيان
أخبرني اليزيديّ قال: حدّثني عمّي الفضل عن إسحاق الموصلي، وأخبرني به محمد بن جعفر [2] الصّيدلانيّ، عن الفضل، عن إسحاق. وأخبرني به وسواسة بن الموصليّ عن حمّاد، عن أبيه، قال:
قال أبو المجيب أو شدّاد بن عقبة:
دعا رجل من الحيّ يقال له أبو سفيان، القتّال الكلابيّ إلى وليمة، فجلس القتّال ينتظر رسوله ولا يأكل [3] حتى انتصف [4] النهار، وكانت عنده فقرة [5] من حوار، فقال لامرأته:
فإنّ أبا سفيان ليس بمولم ... فقومي فهاتي فقرة من حوارك [6]
/قال إسحاق: فقلت له: ثمّ مه؟ قال: لم يأت بعده بشيء، إنّما أرسله يتيما. فقلت له: لمه [7]؟ أفلا أزيدك/ إليه بيتا آخر ليس بدونه؟ قال [8]: بلى، فقلت:
فبيتك خير من بيوت كثيرة ... وقدرك خير من وليمة جارك [9]
فقال: بأبي أنت وأميّ، واللّه لقد أرسلته مثلا [10]، وما انتظرت به العرب، وإنك لبزّ طرّاز ما رأيت بالعراق مثله، وما يلام الخليفة [11] أن يدنيك ويؤثرك ويتملّح [12] بك، ولو كان الشّباب يشترى لابتعته لك بإحدى يديّ، ويمنى عينيّ، وعلى أنّ فيك بحمد اللّه بقية تسرّ الودود، وترغم الحسود.
ولداه المسيب وعبد السّلام
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري [13] قال: حدّثني عمر بن شبّة قال:
كان للقتّال ابنان، يقال لأحدهما المسيّب، وللآخر عبد السّلام، ولعبد السّلام يقول:
عبد السّلام تأمّل هل ترى ظعنا ... أنّي كبرت وأنت اليوم ذو بصر [14]
__________
[1] علق ابن واصل على ذلك بقوله في «التجريد»:
قلت: أنا لا أشك أن هذا القول كذب من القتال: وليس في العادة أن النمور تألف الإنسان.
[2] س: محمد جعفر».
[3] س: «لا يأكل».
[4] ج، خد، س: «ارتفع».
[5] س: «قفرة».
[6] «الديوان» 72 وفيه: «فلقة»، بدل: «فقرة».
[7] لم يذكر هذا الا الاستفهام في خد.
[8] ج: «فقال».
[9] لم يرد هذا البيت في «ديوانه».
[10] خد: «قبلا».
[11] خد: «و لا يلائم الخليفة على».
[12] س: «و يملح». ج: «و يملحك». خد: «و يتملح»: ولم يذكر بك.
[13] «الجوهري»: لم تذكر في ج.
[14] «الديوان» 53 كما هنا وفي س: «خلفا»، بدل: «ظعنا».
لا يبعد اللّه فتيانا أقول لهم ... بالأبرق الفرد لمّا فاتني نظري [1]
ألا ترون بأعلى عاسم [2] ظعنا ... نكّبن فحلين واستقبلن ذا بقر
يعير أخواله
وقال أبو زيد عمر بن شبّة من رواية ابن داود [3] عنه: حدّثني سعيد بن مالك قال: حدّثني [4] شدّاد بن عقبة قال:
اقتتل بنو جعفر بن كلاب وبنو العجلان بن كعب بن ربيعة بن صعصعة، فقتلت بنو جعفر بن كلاب [5] رجلا من بني العجلان، قال شدّاد، وكانت جدّة القتّال أمّ أبيه [6] عجلانيّة، وهي خولة بنت قيس بن زياد بن مالك بن العجلان، فاستبطأ القتّال أخواله بني العجلان [7] في الطّلب بثأرهم من بني جعفر، وجعل يحضّهم ويحرّضهم، فقال في ذلك [8]، وقد بلغه أنّهم أخذوا من بني جعفر دية المقتول، فعيّرهم بما فعلوا وقال:
لعمري لحيّ من عقيل لقيتهم ... بخطمة أو لاقيتهم بالمناسك [9]
عليهم من الحوك اليمانيّ بزّة ... على أرحبيّات طوال الحوارك [10]
أحبّ إلى نفسي وأملح عندها ... من السّروات آل قيس بن مالك
إذا ما لقيتم عصبة جعفرّية ... كرهتم بني الّلكعاء وقع النيازك [11]
/فلستم بأخوالي فلا تصلبنّى ... ولكنّما أمّي لإحدى العواتك [12]
قصار العماد لا ترى سرواتهم [13] ... مع الوفد جثّامون عند المبارك [14]
__________
[1] «الديوان» 53: «فلما فاتهم». وفي ج، س: «بالأبلق».
[2] «عاسم»: من ج و «الديوان ومعجم البلدان». وفي غيرها: عاصم. ورواية هذا الشطر في «الديوان» 53
يا هل تراءى بأعلى عاسم ظعن
وعاسم، وفحلين، وذو بقر: مواضع.
[3] ج. س: «ابن أبي داود». خد: «ابن أبي دواد».
[4] ج، س: حدّثني شداد وسقط: «سعيد بن مالك قال: «حدّثني».
[5] «ابن كلاب»: لم يذكر في خد.
[6] خد: أمه.
[7] قوله: «فاستبطأ القتال بني العجلان»: ساقط من ج، س وهو في خد، ف.
[8] خد: في بعض ذلك.
[9] هذه الأبيات في «ديوانه» 71 وقوله: لقيتهم، لاقيتهم: في خد: «لقيتم، لاقيتم».
[10] «الديوان»: كما هنا. وفي خد: «برودة»، بدل: «بزة».
[11] «الديوان»: «السنابك»، بدل: «النيازك».
[12] «فلا تصلبني»: من «الديوان»، وج، وس، وفي غيرها: «فلاية لمتى» والمشهور في العواتك ما جاء في حديث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: أنا ابن العواتك من سليم. وهن عاتكة بنت هلال أم هاشم بن عبد مناف. وعاتكة بنت مرة بن هلال. أم هاشم بن عبد مناف، وعاتكة بنت الأوقص بن مرة بن هلال أم وهب أبي آمنة أم الرسول (ص). ولعل القتال يعني أن أخواله من بني سليم ويبرأ أن يكونوا من بني العجلان.
[13] س. لا تزوي سراتهم.
[14] ج: عند البواتك، خد: الترائك. وفي «الديوان» 71 كما هنا.
قتلتم فلمّا أن طلبتم عقلتم ... كذلك يؤتى بالذّليل كذلك [1]
يغتال السجان ويهرب
وقال ابن حبيب:
خرج ابن هبّار القرشيّ إلى الشام في تجارة أو إلى بعض بني أميّة، فاعترضه جماعة فيهم القتّال الكلابيّ وغيره، فقتلوه وأخذوا ماله. وشاع خبره، فاتّهم به [2] جماعة من بني كلاب وغيرهم من فتّاك العرب، فأخذوا وحبسوا، أخذهم عامل مروان بن الحكم، فوجّههم إليه وهو بالمدينة، فحبسهم ليبحث عن الأمر، ثم يقتل، قتله ابن هبّار، فلمّا خشي القتّال أن يعلم أمره، ورأى أصحابه ليس فيهم غناء - اغتال السّجّان فقتله، وخرج هو ومن كان معه من السّجن فهربوا [3]، فقال يذكر ذلك:
/أميم أثيبي قبل جدّ التّزيّل ... أثيبي بوصل أو بصرم معجّل [4]
أميم وقد حمّلت ما حمّل امرؤ ... وفي الصّرم إحسان إذا لم تنوّلي [5]
/و هي قصيدة طويلة يقول فيها:
وإنّي وذكري أمّ حسّان كالفتى ... متى ما يذق طعم المدامة يجهل [6]
ألا حبّذا تلك البلاد وأهلها ... لو أنّ عذابي بالمدينة ينجلي [7]
برزت لها من سجن مروان غدوة ... فآنستها بالأيم لم تتحوّل [8]
وآنست حيّا بالمطالي وجاملا ... أبابيل هطلى بين راع ومهمل [9]
نظرت وقد جلّى الدّجى طامس الصّوى ... بسلع وقرن الشمس لم يترجّل [10]
وشبّت لنا نار لليلى صباحه ... يذكّى بعود جمرها وقرنفل [11]
__________
[1] ج: لذلك، في الموضعين.
[2] به: لم تذكر في س.
[3] «المختار»: «و خرج هاربا من السجن مع نفر كانوا معه». وفي خد: «فهربوا من السجن». وجاء بعد ذلك في «المختار» 6 - 16 خبر لم يذكر في «بقية النسخ»، وهو «و أما النمر الذي كان يألفه فيقال: إن القتال كان صالح خصومه عنه وأتاه فأخبره بصلحه القوم، وأقبلا من الجبل منحدرين، حتى إذا ما أسهلا عرف النمر أنه يريد الذهاب، فازبأر وانتفخ، وهاله ذلك حتى خشي على نفسه. وجعل يمر عن يمينه فلا يشعر به إلا وهو عن شماله. فبينا هو قدامه إذا هو خلفه. فلما خشي أن يقتله رماه بسهم فقتله».
[4] س: «أبيني»، بدل: أثيبي. وفي «الديوان» 73، كما هنا.
[5] ج، س، و «الديوان»: ينول (بالبناء للمجهول).
[6] س و «الديوان»: «أم حيان» بدل: أم حسان وهذا البيت هو آخر ما جاء من القصيدة في نسختي ج، وس. وبعده فيهما: وهي قصيدة طويلة. وبعد ذلك: وقال أبو زيد في خبره.
[7] في «الديوان» 74: الديار، بدل: البلاد.
[8] «الديوان»: لما تحمل. وقوله: آنستها أي رأيتها وهي الظعن. والأيم: جبل أسود بحمى ضربة. تحمل أي تتحمل ومعناها:
ترحل. وقوله: برزت لها: في «الديوان»: بها.
[9] «الديوان» 74: والمطالي: أرض واسعة من بلاد أبي بكر بن كلاب، الجامل: القطيع من الجمال، وقيل: الحي العظيم. هطلى:
مهملة. وفي ف: تطلى.
[10] في «الديوان» 73: طاسم وهي بمعنى طامس. والصوى: المعالم. وسلع: جبل بسوق المدينة. يترجل: يرتفع.
[11] في «الديوان» 75: شيافة، بدل: صباحه.
يضيء سناها وجه ليلى كأنّما ... يضيء سناها وجه أدماء مغزل
علا عظمها واستعجلت عن لداتها ... وشبّت شبابا وهي لمّا تسربل [1]
/و لما رأيت الباب قد حيل دونه ... وخفت لحاقا من كتاب مؤجّل
حملت علي المكروه نفسا شريفة ... إذا وطّئت لم تستقد للتّذلّل [2]
وكالىء باب السّجن ليس بمنته ... وكان فراري منه ليس بمؤتلي [3]
إذا قلت رفّهني من السّجن ساعة ... وتمّم بها النّعمى عليّ وأفضل [4]
يشدّ وثاقا عابسا ويغلّني ... إلى حلقات من عمود موصّل [5]
فقلت له والسّيف يعضب رأسه ... أنا ابن أبي التيّماء غير المنحّل [6]
عرفت نداي من نداه وشيمتي ... وريحا تغشّاني إذا اشتدّ مسحلي [7]
تركت عتاق الطّير تحجل حوله ... على عدواء كالحوار المجدّل
وقال أبو زيد في خبره:
وأنشدني شدّاد للقتّال الكلابيّ يذكر قتل ابن هبّار:
تركت ابن هبّار لدى الباب مسندا ... وأصبح دوني شابة وأرومها [8]
بسيف امرىء ما إن أخبّر باسمه ... وإن حقرت نفسي إليّ همومها [9]
هكذا روى ابن حبيب وعمر بن شبّة.
يقتل ابن هبار
ونسخت من كتاب للشاهينيّ بخطه في شعر للقتّال [10] وأخبار من أخباره قال:
حبس القتّال في دم ابن عمّه الذي قتله، فحبس زمانا في السّجن [11]، ثم كان بين ابن هبّار القرشيّ وبين ابن عمّ له من قريش إحنة [12]، فبلع ابن عمّه أنّ القتّال محبوس في سجن المدينة [13]، فأتاه فقال له: أرأيت أن أنا
__________
[1] «الديوان»: تربل، بدل: تسربل.
[2] خد و «الديوان» «نفسيا شريسة». وفي «الديوان»: «رددت»، بدل: «حملت». «وطنت»، بدل: «وطئت».
[3] خد: «بموئل».
[4] في «الديوان» 76: «تدارك بها»، بدل: «و تمم بها».
[5] في «الديوان»: «في عمود مرمل».
[6] «الديوان»: أقول له، وفي خد و «الديوان»: «أنا ابن أبي أسماء غير المتنحل». وفيهما: يعصب بالصاد المهملة.
[7] «الديوان»: «و جرأتي»، بدل: «و شيمتي».
[8] «الديوان» 86:
«وراني مجدلا»
، بدل:
«لدى الباب مسندا»
«فأرومها». بدل: «أرومها».
[9] «الديوان»: لن أخبر الدهر باسمه». «و إن حضرت»، بدل، «إن حقرت».
[10] ج، س: «فيه شعر للقتال في ابن عمه الذي قتله .. » وسقط ما بينهما.
[11] «في السجن»: لم تذكر في خد.
[12] خد: «عداوة» بدل: «إحنة».
[13] ج، س: «محبوس بالمدينة».
أخرجتك أتقتل ابن عمّي المعروف بابن هبّار؟ قال: نعم [1] فإني سأرسل إليك بحديدة في طعامك، فعالج بها قيدك حتى تفكّه ثم البسه حتى لا تنكر، فإذا خرجت إلى الوضوء فاهرب من الحرس، فإني جالس لك ومخّلصك ومعطيك فرسا تنجو عليه، وسيفا تمتنع به، فإن خلّصك ذلك وإلا فأبعدك اللّه، فقال: قد رضيت.
قال: وكان أهل المدينة يخرجون المحتبسين [2]، إذا أمسوا للوضوء، ومعهم الحرس، ففعل ما أمره به [3]، وأتاه القرشيّ فخّلصه وآواه [4]، وحتى أمسك عنه الطّلب، ثم جاء به وأعطاه سيفا، فقتل [5] ابن عمّه المعروف بابن هبّار، ووهب له نجيبا، فنجا عليه وقال:
/تركت ابن هبّار لدى الباب مسندا ... وأصبح دوني شابة وأرومها [6]
بسيف امرىء لا أخبر الناس باسمه ... ولو أجهشت نفسي إليّ همومها [7]
تمنعه زماما وقومها
وقال: أبو زيد: عمر بن شبّة فيما رواه عن أصحابه:
مرّ القتّال بعلية بنت شيبة بن عامر بن ربيعة بن كعب بن عمرو [8] بن عبد بن أبي بكر وأخويها: جهم وأويس، فسألها زماما فأبت أن تعطيه، وكانت جدّتهم أمّ أبيهم أمة يقال لها، أمّ حدير وكانت لقريظة [9] بن حذيفة بن عمّار ابن ربيعة بن كعب بن عبد بن أبي بكر، فولدت له أمّ هؤلاء [10]، واسمها نجيبة، فولدت له عليّة هذه، فقال القتّال يهجوهم:
يا قبّح اللّه صبيانا تجيء بهم ... أمّ الهنيبر من زند لها واري [11]
من كلّ أعلم منشقّ مشافره ... ومؤذن ما وفى شبرا بمشبار [12]
__________
[1] «قال نعم»: لم يذكر في ج.
[2] ج: «المبحسين».
[3] «به»: لم تذكر في «المختار». وفي ح: «ما أمر».
[4] في «المختار»: «و أتاه بالفرس ليخلصه وآواه».
[5] خد: «فقتل له .. ».
[6] في «الديوان» 86:
تركت ابن هبار ورائي مجدلا ... .... فأرومها
وفي خد: شابة، وأرومي، وفي «المختار»: فأروم (بالرفع).
[7] في «الديوان»:
لن أخبر الدهر باسمه ... وإن حضرت نفسي إلى همومها
وفي خد، همومي. وفي «المختار»: هموم.
[8] «ابن عمرو»: لم تذكر في ج.
[9] ج، س: «لقرظة».
[10] س: «فولدت له هؤلاء».
[11] الأبيات الواردة هنا في قصيدتين منفصلتين في «ديوانه»: (54 - 58) وقد جمع المحقق بينهما نقلا عن رواية أبي الفرج في «الأغاني». وفي «اللسان والتاج» (هنبر)، (زند): «يا قاتل اللّه». وفي «اللسان» (زند): «نباتهم أم الهنيدي». وفي «الديوان» 57 كما جاء هنا وفي «اللسان» (هنبر) ويروى: يا قبح اللّه ضبعانا. وفي شعره: من زند لها حارى. والحارى: الناقص.
[12] خد: أعجم، بدل: أعلم. وفي «اللسان» (هنبر).
/
يا ويح شيماء لم تنبذ بأحرار ... مثلي إذا ما اعتراني بعض زوّاري [1]
إنّ القريظين لم يدعوك كنّتهم ... فأقصري آل مسعود ودينار [2]
أمّا الإماء فما يدعونني ولدا ... إذا تحدّث عن نقضي وأمراري [3]
يا بنت أمّ حدير لو وهبت لنا ... ثنتين من محكم بالقدّ أوتاري [4]
أمّا جديدا وإمّا باليا خلقا ... عاد العذارى لقطعية بأسيار [5]
لكان رداء قليلا واعتجنت له ... صهباء مقّعها حاجي وأسفاري [6]
أنا ابن أسماء أعمامي لها وأبي ... إذا ترامى بنو الإموان بالعار [7]
قد جرّب الناس عودي يقرعون به ... وأقصروا عن صليب غير خوّار [8]
/ما أرضع الدّهر إلّا ثدي واضحة ... لواضح الوجه يحمي حوزة الجار [9]
يستلب القرن مهريه وصعدته ... حقّا وينزع عنه ذات أزرار [10]
من آل سفيان أو ورقاء يمنعها ... تحت العجاجة طعن غير عوّار [11]
يمنعها كلّ مذرور، بصعدته ... نضح الدّباء، على عريان مغوار [12]
__________
من كل أعلم مشقوق وتيرته ... لم يوف خمسة أشبار بشبار
وفي ج: «منشق وتيرته». والأعلم: المشقوق الشفة العليا. والوتيرة: إطار الشفة. والمؤدن: القصير العنق، الضيق المنكبين، مع قصر الألواح واليدين.
[1] «الديوان» 57: زوار.
[2] «الديوان» 57:
كنيتهم ... فانصر نبي ...
ومثله في س. وفي ج:
فانصري آل ..
[3] «الديوان 58»: كما هنا.
[4] «الديوان» وس: أوبار والتاري: المتراخي. وفي ج: ستين، بدل: ثنتين، وفي خد: ثنيين.
[5] «الديوان»: بلا خلاف. وفي ج، س: بأسبار. وفي خد: «لقطفيه»، بدل: «لقطعيه».
[6] ابتداء من هذا البيت إلى البيت قبل الأخير في القصيدة
(لقد شرتني .. )
:
ساقط من نسختي ج، س. اعتجنت: اعتمدت وأعددت.
والمقع والتمقيع: أشد الشرب.
[7] هذا البيت في «الديوان» في قصيدة سابقة: 54 كما هنا. وفي «كتاب سيبويه» 2 - 99.
أما الإماء فلا يدعوني ولدا ... إذا ترامى بنو الإموان بالعار
وجاء شاهدا على أن الإموان جمع أمة، كما قالوا: أخ وإخوان والشطر الأول في بيت سيبويه سبق في بيت آخر تمامه:
إذا تحدث عن نقضي وإمراري
وهو هكذا في «ديوانه» **
[8] «الديوان» 58: «فأقصروا».
[9] خد: تحمي، بدل: يحمي. وفي «الديوان» 55:
لا أرضع ... ... لواضح الحد ...
[10] ولم يرد البيت في «الديوان» إلا فيما نقل عن «الأغاني». والصعدة: القناة التي تنبت مستقيمة لا تحتاج إلى تثقيف. وذات الأزرار:
الدروع.
[11] في «الديوان» 55: ضرب. بدل: طعن. والعوار: الضعيف.
[12] في خد: «نضح الدماء على عريان موار» ولم يرد هذا البيت في «الديوان» إلا فيما نقل عن «الأغاني» وفيه: مدرور، بدل مذرور.
تسمع فيهم إذا استسمعت واعية ... عزف القيان وقولا يال عرعار [1]
طوال أنضية الأعناق لم يجدوا ... ريح الإماء إذا راحت بأزفار [2]
والقوم أعلم أنّا من خيارهم ... إذا تقلّدت عضبا غير ميشار [3]
فرّا بسيري وبرد اللّيل يضربني ... عرض الفلاة يبنيان وأكوار [4]
أمّا الرّواسم أطلاحا فتعرفني ... إذا اعتصبت على رأسي بأطمار [5]
ولم أنازع بني السّوداء فيئهم ... والعظلميّات من يعر وأمهار [6]
/فكلّ سوداء لم تحلق عقيقتها ... كأنّ أصداغها يطلين بالقار [7]
لقد شرتني بنو بكر فما ربحت ... ولا رأيت عليها جزأة الشّاري [8]
إن العروق إذا استنزعتها نزعت ... والعرق يسري إذا ما عرّس السّاري [9]
شاعر ولكن ..
أخبرني حبيب بن نصر المهلّبي قال: حدّثنا عمر بن شبّة قال: أنشدني الأصمعيّ للقتّال رائية [10] يقول فيها:
/إن العروق إذا استنزعتها نزعت ... والعرق يسري إذا ما عرّس السّاري
قد جرّب الناس عودي يقرعون به ... فأقصروا عن صليب غير خوّار
فقال: لقد أحسن وأجاد، لو لا أنه أفسدها بقوله إنه طلب جعلا [11] فلم يعطه، وكان في دناءة نفسه يشبه الحطيئة، وكان فارسا شاعرا شجاعا [12].
يهجو قومه
وقال السكريّ في روايته:
__________
[1] خد. قال، بدل: يال.
[2] «الديوان» 55 بلا خلاف. والأنضية: عظام العنق. وفي خد: أنصبة.
[3] في «الديوان» 55:
قد يعلم القوم أني ... ... عضبا غير مشبار
وفي خد كذلك: أني، بدل: أنا ومن خد أثبتنا عضبا غير ميشار.
[4] في خد:
إني لأسري وبرد الليل يضربني ... عرض الفلاة بفتيان وأكوار
[5] في خد: أطلالا، بدل: أطلاحا. ولم يرد هذا البيت في «الديوان» إلا فيما نقل عن «الأغاني».
[6] خد:
«و ما أنازع ... ... ... يعر وأصهار»
[7] خد: «من كل سوداء». ولم يرد البيت في «الديوان» إلا فيما نقل عن «الأغاني».
[8] خد: «جذلة»، بدل: جزأة. والجزأة: الاكتفاء بالشي.
[9] خد: «نزع»، وجاءت نزعت صحيحة، فيما بعد، ولم يرد البيت في «الديوان» إلا فيما نقل عن «الأغاني».
[10] من خد، وفي ف: رائيته.
[11] خد: «حبلا»، تحريف.
[12] خد: شجاعا شاعرا. وفي ج: شبيه الحطيئة، بدل: يشبه.
زوّج القتال ابنته أمّ قيس - واسمها قطاة - رذاذ بن الأخرم [1] بن مالك بن مطرف بن كعب بن عوف بن عبد [2] بن أبي بكر، فمكثت عنده زمانا، وولدت له أولادا ثم أغارها [3] فشكت إلى أبيها، فاستعدى عليه ورماه بخادمها،/ وجاء زذاذ بالبينة [4] على قذفه إيّاه بالأمة فأقيم ليضرب، فلم تنتصر له عشيرته، وقامت عشيرة رذاذ فاستوهبوا حدّه من صاحبهم، فوهبه لهم، وكانت عشيرة القتال تبغضه لكثرة جناياته، وما يلحقها [5] من أذاه، ولا تمنعه من مكروه، فقال يهجو قومه:
إذا ما لقيتم راكبا متعمّما ... فقولوا له: ما الرّاكب المتعمّم؟ [6]
فإن يك من كعب بن عبد فإنّه ... لئيم المحيّا حالك اللّون أدهم
دعوت أبا كعب ربيعة دعوة ... وفوقي غواشي الموت تنحى وتنجم
ولم أك أدري أنّه ثكل أمّه ... إذا قيل للأحرار في الكربة اقدموا [7]
فلو كنت من قوم كرام أعزّة ... لحاميت عنّي حين أحمى وأضرم [8]
دعوت فكم أسمعت من كلّ مؤذن ... قبيح المحيّا شانه الوجه والفم [9]
سوى أنّ آل الحارث الخير ذبّبوا ... بأعيط لا وغل ولا متهضّم [10]
ألا إنّهم قومي وقوم ابن مالك ... بنو أمّ ذئب وابن كبشة خيثم [11]
ولكنّما قومي قماشة حاطب ... يجمّعها بالكفّ، واللّيل مظلم
يطلق إحدى زوجيه
قال أبو زيد: وحدّثني شدّاد بن عتبة قال:
كانت عند القتّال بنت ورقاء بن الهيثم به الهصّان [12]، وكان جارا لبني الحصين [13] بن الحويرث بن كعب بن عبد [14] بن أبي بكر، وكانت لها ضرّة عنده يقال لها أمّ رياح بنت ميسرة [15] بن نفير [16] بن الهصّان، وهي أمّ جنوب
__________
[1] خد: رذاذ بن أخزم.
[2] خد: عبيد، وهي كذلك حيث جاءت.
[3] خد: «ثم أغار عليها». «المختار»: «ثم أعادها»، ولم يذكر بقية الخبر. وأغارها: تزوج عليها فغارت.
[4] خد: «بشهود».
[5] خد: «يلحقه».
[6] «ديوانه»: 85.
[7] س: أردي، بدل: أدري.
[8] في «بيروت»: أصرم وما أثبتناه من س ومعناه أغضب وأحمى أي تأخذني الحمية.
[9] س: شأنه.
[10] ذببوا: دافعوا بقوة. الأعيط: الطويل العنق. الوغل: الضعيف. المتهضم: الذي يتهضم للقوم أي ينقاد.
[11] سقط هذا البيت والذي قبله من نسخة س. وفي خد: «بنو أم ذنب».
[12] «المختار»: «الهصار»، وهي هكذا حيث جاءت.
[13] «المختار»: «و كان جارا لأبي الحصر بن الحصر بن كعب».
[14] س: «ابن كعب بن أبي بكر».
[15] س: «مسير»: ج: «ميسير».
[16] س: «نفر».
بنت القتّال فخرج القتال في سفر له، فلمّا آب منه أقبل حين أناخ إلى أهله، فوجد عند بنت ورقاء جرير بن الحصين، فلمّا رأى جرير القتّال نهض، فسأل القتّال عنه، فقالت له امرأته أم رياح - وهي صفية ويقال صفيفة [1] بنت الحارث بن الهصّان - : إن هذا البيت لبيت لا نزال نسمع فيه ما لا يعجبنا فطلّق [2] القتّال بنت ورقاء، وهي حامل، فولدت له بعد طلاقها المسيّب ابنه.
وقال السكّريّ في خبره: فقال القتّال في ذلك:
ولمّا أن رأيت بني حصين ... بهم جنف إلى الجارات باد [3]
خلعت عذارها ولهيت عنها ... كما خلع العذار من الجواد [4]
/و قلت لها: عليك بني حصين ... فما بيني وبينك من عواد
أناديها بأسفل واردات ... نكدت أبا المسيّب من تنادي؟ [5]
وفي رواية السكري:
أناديها وما يوم كيوم ... قضى فيه امرؤ وطر الفؤاد
فرحت كأنّني سيف صقيل ... وعزّت جارة ابن أبي قراد
جرير يضرب أنف القتال
/ قال: ثم إن كلاب بن ورقاء بن حذيفة بن عمّار بن ربيعة بن كعب بن عبد بن أبي بكر، نحر جزورا وصنع طعاما وجمع القوم عليه وقال: كلوا أيها الفتيان [6]، فإنّ الطّعام فيكم خير منه في الشّيوخ [7]. فقال القتّال: أنا واللّه خير للفتيان [8] منك، أرى المرأة قد أعجبت أحدهم فأطلقها له [9]. وفي القوم جرير بن الحصين الذي كان وجده عند امرأته، فرفع جرير السّوط فضرب به [10] أنف القتّال.
ثم إنهم أعطوا القتّال حقّه فلم يقبله حتى أدرك ابناه: المسيّب وعبد السّلام.
وقال السّكّريّ: حتى احتلم ولده الأربعة، وهم: حبيب، وعبد الرحمن، وعبد الحيّ [11] وعمير، وأمّهم: ريّا
__________
[1] قوله: «و يقال صفيصفة»: لم يذكر في ج ولا س.
[2] س: «و طلق».
[3] الأبيات في «ديوانه» 47.
وقوله: جنف، في «المختار»: حنف. والجنف: الميل. والجنف: الاعوجاج وفيه معنى الميل أيضا.
[4] العذار: الذي يضم حبل الخطام إلى رأس البعير واللجام في الفرس، ويقال: فلان خليع العذار: جامح خارج عن الطاعة، كالفرس الذي لا لجام عليه. وفي «المختار»: «فلهيت» بدل: «و لهيت».
[5] رواية «الديوان» هي رواية السكري التالية. وفي س: ولدت، بدل: نكدت، وزاد في خد بعد البيت: جهلت أبا المسيب.
[6] خد: «كلي أيتها الفتيان». وما أثبتناه من ج، س، و «المختار».
[7] ج، س: «فان الطعام خير هنة في الشيوخ». وفي خد و «المختار»: «خير منه في الشيوخ».
[8] في ج و «المختار»: «خير للصبيان».
[9] ج: لهم.
[10] به: لم تذكر في ج، خد، س.
[11] خد: عبد الخير.
بنت نفر [1] بن عامر بن كعب بن أبي بكر، فحملهم على الخيل حين أظلم اللّيل، ثم أتى بهم بني حصين [2] فلقي لقاحا لهم ثمانين [3]،/فأشمرها [4] وبات يسوقها، لا تتخلّف ناقة إلا عقرها حتى حبسها على الحصى، حين طلعت الشّمس، والحصى [5]: ماء لعبد اللّه بن أبي بكر، فحبسها وزجرهم عنها، حتى جاء [6] بنو حصين فعقلوا له من ضربته أربعين بكرة وأهدرت الضّربة، وإنما أخذ الأربعين بكرة [7] مكرها، لأن قومه أجبروه على ذلك.
قال شدّاد: وفي ابنه عبد السّلام، يقول:
عبد السّلام تأمّل هل ترى ظعنا ... إني كبرت وأنت اليوم ذو بصر [8]
لا يبعد اللّه فتيانا أقول لهم ... بالأبرق الفرد لمّا فاتني نظري
يا هل ترون بأعلى عاصم ظعنا ... نكّبن فحلين واستقبلن ذا بقر
صلّى على عمرة الرحمن وابنتها ... ليلى وصلّى على جاراتها الأخر
هنّ الحرائر لا ربّات أحمرة ... سود المحاجر لا يقر أن بالسّور
قال أبو زيد: وحدّثني شدّاد بن عقبة قال:
أتى الأخرم بن مالك بن مطرف بن كعب بن عوف بن عبد بن أبي بكر ومحصن بن الحارث بن الهصّان في نفر من بني [9] أبي بكر القتّال وهو محبوس، فشرطوا عليه ألا يذكر عالية في شعره، وهي التي ينسب بها في أشعاره، فضمن ذلك لهم، فأخرجوه [10] /من السّجن [11] عشاء، ثم راح القوم من السّجن، وراح القتّال معهم، حتى إذا كان في بعض الليل انحدر يسوق بهم، ويقول:
قلت له يا أخرم بن مال [12] ... إن كنت لم تزر على وصالي [13]
ولم تجدني فاحش الخلال ... فارفع لنا من قلص عجال
__________
[1] ج، س، و «المختار»: معن.
[2] ج، س: «أتى بهم حصينا.
[3] س: ملآى.
[4] ج، و «المختار»: «فأسمرها». ومعنى أشهرها: أطلقها وأرسلها.
[5] ج، س: «على الحصى ماء» وسقط ما بينهما. وهو من خد. ف. وفي «المختار»: الحصباء، بدل الحصى.
[6] ج، س: حي بني.
[7] «بكرة»: لم تذكر في خد.
[8] سبق تخريج هذه الأبيات ص: 106 من طبعة دار الكتب.
[9] خد: «من أبي بكر».
[10] ج، س: وأخرجوه.
[11] خد: «من الحبس».
[12] مال: مالك وقد رخم. وهذا الرجز في «الديوان» 83.
[13] «الديوان»: «الوصال»، خد: «الفعال».
مستوسقات كالقطا عبال [1] ... لعلنا نطرق أمّ عال [2]
تخيّري خيّرت في الرّجال ... بين قصير باعه تنبال
وأمّه راعية الجمال ... تبيت بين القدر والجعال [3]
أذاك أم منخرق السّربال [4] ... كريم عمّ وكريم خال
متلف مال ومفيد مال ... ولا تزال آخر الليالي
فلوصه تعثر في النّقال
/ النّقال: المناقلة [5].
قال شدّاد: فنزل القوم فربطوه، ثم آلوا ألّا يحلّوه [6] حتى يوثّق لهم بيمين ألا يذكرها أبدا، ففعل وحلّوه [7] قال: وهي امرأة من بني نصر بن معاوية، وكانت زوجة رجل من أشراف الحيّ.
يقتل أمة عمه
قال: وحدّثني أبو خالد، قال:
كانت لعم القتّال سرّيّة، فقال له القتّال:/ لا تطأها [8]، فإنا قوم نبغض أن تلد فينا الإماء، فعصاه عمّه، فضربها القتّال بسيفه فقتلها، فادّعى عمّه أنّه قتلها وفي بطنها جنين منه، فمشى القتّال إليها فأخرجها من قبرها، وذهب معه بقوم عدول، وشقّ بطنها وأخرج رحمها حتّى رأوه لا حمل فيه، فكذّبوا عمّه، فقال [9]، في ذلك:
أنا الذي انتشلتها انتشالا ... ثمّ دعوت غلمة أزوالا [10]
__________
[1] خد: «كالقطال عجال».
[2] خد: «أمر عال».
[3] ج، س، و «الديوان»: «القت»، بدل «القدر». والقت: علف الدواب رطبا كان أو يابسا. والجعال: الخرق التي تمسك بها القدر عند إنزالها.
[4] ج، س، و «الديوان»: مخرق.
[5] خد: «النقال: البغال».
[6] «بيروت»: «يحملوه».
[7] خد: «و خلوه».
[8] خد: «لا تطأ هذه».
[9] س: «فقال القتال».
[10] «الديوان»: 84 والأوزال: جمع زول، وهو الخفيف الظريف.
فصدعوا وكذّبوا ما قالا [1]
/و قال وأنشدني له أيضا:
أنا الذي ضربتها بالمنصل ... عند القرين السائل المضّل [2]
ضربا بكفّي بطل لم ينكل [3]
ابن فارس وابن فارس
وقال السكريّ في روايته:
أراد القتّال أن يتزوّج بنت المحلّق بن حنتم، فتزوّجها عبد الرحمن بن صاغر [4] البكّائيّ، فلقي مولاة لها [5] يقال لها: جون، فقال لها: ما فعلت؟ قالت: تزوّجها عبد الرحمن بن صاغر؛ فقال: ما لها ولعبد الرحمن؟ فقال له: ذاك ابن فارس عرّاد. قال: فأنا ابن فارس ذي الرّحل، وأنا ابن فارس العوجاء [6]، ثمّ انصرف وأنشأ يقول:
يا بنت جون أبانت بنت شدّاد؟ [7] ... نعم لعمري لغور بعد إنجاد
لمطلع الشّمس ما هذا بمنحدر ... نحو الرّبيع ولا هذا بإصعاد
قالت فوارس عرّاد، فقلت لها: ... وفيم أمّي من فرسان عرّاد
فرسان ذي الرّحل والعوجاء [8] وابنتها ... فدى لهم رهط ردّاد وشدّاد [9]
يحض قومه ويلومهم
والقصيدة التي في أوّلها الغناء المذكور، يقولها القتّال يحضّ أخاه وعشيرته/ على تخلّصه من المطالبة التي يطالب بها في قتل [10] زياد بن عبيد اللّه، واحتمال العقل عنه، ويلومهم في قعودهم عن المطالبة بثأر لهم قبل بني جعفر بن كلاب.
وكان السبب في ذلك فيما ذكره عمر بن شبّة، عن حميد بن مالك عن أبي خالد الكلابيّ، قال:
كان عمرو بن سلمة بن سكن بن قريظ بن عبد بن أبي بكر، أسلم فحسن إسلامه ووفد إلى النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فاستقطعه حمى بين الشقراء [11]، والسّعديّة، والسعديّة: ماء لعمرو بن سلمة، والشقراء: ماء [12] لبني قتادة
__________
[1] «فصدعوا»: من خد، و «المختار، والديوان». وفي ج: فصعدوا. وفي «بيروت»: «فصدقوا».
[2] «الديوان» 84 وفي خد: المقصل. والقرين تصغير قرن، وهو حد رابية مشرفة على وهدة صغيرة («اللسان»: قرن).
[3] في س. وبيروت، و «الديوان»: لم يثكل. وفي ج؛ يبطل. وما أثبتناه من خد، والمعنى: لم يجبن.
[4] خد: ما غر.
[5] س: امرأة، بدل: مولاة لها.
[6] ج، س: العرجاء.
[7] «الديوان» 46. وفي س: شراد.
[8] ج، س، و «الديوان»: والعرجاء.
[9] ج، س: رواد وشراد.
[10] خد: «قتله».
[11] س: «الشعارى»، ج: «الشعراء».
[12] «ماء»: لم تذكر في خد.
ابن سكن بن قريظ، وهي رحبة طولها تسعة أميال في ستة أميال، فأقطعه إيّاها، فأحماها ابنه جحوّش، فاسترعاه نفر من بني جعفر بن كلاب خيلهم [1] وفيهم أحدر بن بشر بن عامر بن مالك بن جعفر، فأرعاهم فحملوا نعمهم [2] مع خيلهم بغير إذنه، فأخبر بذلك فغضب وأراد إخراجهم منه، فقاتلوه، فكانت بينهم شجاج بالعصيّ والحجارة، من غير رمي ولا طعان ولا تسايف، فظهر عليهم جحوّش، ثم تداعوا إلى الصّلح ومشت السّفراء بينهم على أن يدعوا جميعا الجراحات، فتواعدوا للصّلح بالغداة، وأخ لجحوّش يقال له سعيد [3] في حلقه سلعة، وهو شنج متنحّ [4] عن الحيّ عند امرأة من بني أبي بكر [5] ترقبه، فرجع إلى أخيه ومعه رجلان من قومه، يقال لأحدهما: محرز بن يزيد، وللآخر: الأخدر بن الحارث،/ فلقيهم قراد بن الأخدر بن بشر بن عامر بن مالك، وابن عمّه أبو ذرّ بن أشهل، ورجل آخر من الجعفريّين، فحمل قراد على سعيد [6] فطعنه فقتله، فحذف محرز بن يزيد فرس قراد فعقرها،/ فأردفه أبو ذرّ خلفه، ولحقوا بأصحابهم [7] الجعفريين، وأوقد جحوّش بن عمرو نار الحرب في رأس جرعاء طويلة، فاجتمعت إليه بنو أبي بكر، وخرج فراد هاربا إلى بشر بن مروان، وهو ابن عمّته، حتّى إذا كان بالقنان [8]، حميت عليه الشّمس، فأناخ إلى بيت أمرأة من بني أسد، فقال [9] في بيتها، فبينا هو نائم إذ نبّهته الأسدية فقالت له [10]: ما دهاك ويحك؟ انظر إلى الطّير تحوم حول ناقتك، فخرج يمشي إلى ناقته، فإذا هي قد خدجت، والطير تمزّق ولدها، فجاء فأخبرها، فقالت: إنّ لك لخبرا فأصدقني عنه، فلعلّه أن يكون لك فيه فائدة، فأخبرها أنّه مطلوب بدم، فهو هارب طريد، قالت: فهل وراءك أحد تشفق [11] عليه؟ فقال: أخ لي يقال له جبأة [12] وهو أحبّ الناس إليّ. قالت: فإنّه في أيدي أعدائك، فارجع أو امض، فخرج لوجهه إلى بشر.
قال: ولما حرّض القتّال قومه على الطّلب بثأرهم في الجعفريّين وعيّرهم بالقعود عنهم [13] مضى جميعهم لقتال بني جعفر، فقال لهم الجعفريّون: يا قومنا، ما لنا في قتالكم/ حاجة [14]، وقاتل صاحبكم قد هرب وهذا أخوه جبأة، فاقتلوه [15]، فرضوا بذلك فأخذوا جبأة [16]، فلما صاروا بأسود العين قدّمه جحوّش فضرب عنقه بأخيه سعيد [17].
__________
[1] من أول: خيلهم إلى جعفر: ساقط من ج، س.
[2] س: «أنعمهم».
[3] س: «سعد».
[4] ج، خد، س: «و هو متنح»، ولم تذكر: شنج.
[5] س: «من بني بكر».
[6] س: «سعد».
[7] س: «بأصحابه».
[8] س: «بالقفار»، خد: «بالصنان». ج: بالغيار».
[9] فقال: قضى وقت القيلولة.
[10] «له»: لم تذكر في خد.
[11] خد: «يشفق عليه».
[12] خد: «حناه».
[13] خد: «عنه».
[14] خد: «قتالهم حاجة».
[15] ج: «فاقتربوه»، خد: «فاسترقوه».
[16] س: «جباها»، خد: «حناة».
[17] س: «سعد».
وممّا قاله القتّال في تحريضهم في قصيدة طويلة:
فيا لأبي بكر ويا لجحوّش ... وللّه مولى دعوة لا يجابها [1]
أفي كلّ عام لا تزال كتيبة ... ذؤيبيّة تهفو عليكم عقابها؟ [2]
لهم جزر منكم عبيط كأنّه ... وقاع الملوك فتكها واغتصابها [3]
وانتم عديد في حديد وشكّة ... وغاب رماح يوجف القلب غابها [4]
يسقّى ابن بشر ثم يمسح بطنه ... وحولي رجال ما يسوغ شرابها [5]
فما الشرّ كلّ الشر لا خير بعده ... على الناس إلّا أن تذلّ رقابها
نساء ابن بشر بدّن ونساؤنا ... بلايا عليها كلّ يوم سلابها
تنام فتقضي نومة الليل عرسه ... وأمّ سعيد ما تنام كلابها
فإن نحن لم نغضب لهم فنثيبهم ... وكلّ يد موف إلينا ثوابها
فنحن بنو اللائي زعمتم وأنتم ... بنو محصنات لم تدنّس ثيابها [6]
صوت
ألا للّه درّك من ... فتى قوم إذا رهبوا [7]
وقالوا: من فتى للحر ... ب [8] يرقبنا ويرتقب
فكنت فتاهم فيها ... إذا يدعى لها يثب [9]
ذكرت أخي فعاودني ... صداع الرّأس [10] والوصب
كما يعتاد ذات البوّ ... بعد سلوّها الطّرب [11]
فدمع العين من برحا ... ء ما في الصّدر ينسكب
__________
[1] ج: سقط: «يا لجحوش، مولى».
[2] «الديوان» 33: «عقيلية» بدل: «ذؤيبية» وفي ج: «ذوينة». «لا تراك» بدل: «لا تزال». والعقاب: الحرب أو الراية.
[3] الجزر: جمع جزرة، وهي الشاة تصلح للذبح. وقوله: كأنه. في خد: كأنهم.
[4] «الديوان» 33: «و شفرة»، بدل: وشكة (و هي السلاح). وفي خد: «الذل)، «بدل»: «القلب» وهذا البيت ساقط من س.
[5] جاء هذا البيت في «الديوان». وفي نسخة ج سابقا على البيت: «لهم جزر .. »
وقوله: يمسح بطنه: كناية عن الشبع والترف. وفي خد: فيسقى، بدل: بسقى.
[6] الأبيات الثلاثة الأخيرة من خد، ولم تذكر في ج ولا س ولا «الديوان».
[7] خد: «للّه درك من» وفي ب. س: «بني قوم».
[8] «أشعار الهذليين»: «فتى للثغر».
[9] «المختار»، خد: «إذا تدعى لها تثب».
[10] «المختار»، خد: «رداع السقم» وفي «التجريد»: «صداع الرأس والنصب».
[11] هذا البيت من خد.
كما أودى بماء الشّنّة ... المخروزة السّرب [1]
على عبد بن زهرة طو ... ل هذا اللّيل أكتئب
الشعر لأبي العيال الهذليّ والغنار لمعبد ثقيل أوّل بالخنصر في مجرى الوسطى عن إسحاق وابن المكّي وغيرهما [2] مما لا يشكّ فيه من صنعته، وفي الثالث والرابع من الأبيات لمالك خفيف ثقيل عن الهشاميّ، ومن الناس من ينسبه إلى معبد أيضا، وفي الأوّل والثّاني والثّالث لمعبد أيضا خفيف رمل بالوسطى، عن عمرو بن بانة، وذكر الهشاميّ وحمّاد بن/ إسحاق أنه لابن عائشة، وفيه لمالك هزج بالبنصر فيما ذكر حبش.
__________
[1] الشنة: القربة الخلق الصغيرة يكون الماء فيها أبرد من غيرها. والسرب: ما سال من الماء.
[2] ب، س: «و عزة».
14 - أخبار أبي العيال ونسبه [1]
اسمه ونسبه
أبو العيال بن أبي عنترة [2]، وقال أبو عمرو الشّيبانيّ: ابن أبي عنبر بالباء [3] ولم أجد له نسبا يتجاوز هذا في شيء من الرّوايات، وهو أحد بني خناعة [4] بن سعد بن هذيل، وهذا أكثر ما وجدته من نسبه، شاعر فصيح مقدّم، من شعراء هذيل، مخضرم، أدرك الجاهليّة والإسلام، ثم أسلم فيمن أسلم من هذيل، وعمّر إلى خلافة معاوية.
وهذه القصيدة [5] يرثي بها ابن عمّه عبد بن زهرة، ويقال: إنّه كان أخاه لأمّه أيضا.
يصف غزاة لمعاوية فيبكيه
[6] أخبرني محمّد بن العبّاس اليريديّ فيما قرأته عليه من شعر هذيل، عن الرّياشيّ، عن الأصمعيّ. ونسخت أيضا خبره الذي أذكره من نسخة أبي عمرو الشّيبانيّ قالا:
كان عبد بن زهرة غزا الرّوم في أيام معاوية.
وقال أبو عمرو خاصّه: مع يزيد بن معاوية في غزاته التي أغراه أبوه إيّاها، فأصيب في تلك الغزاة جماعة من المسلمين من روسائهم [7] وحماتهم، وكانت شوكة/ الرّوم شديدة، قتل فيها [8] عبد العزيز بن زرارة الكلابيّ، وعبد بن زهرة الهذليّ وخلق من المسلمين، ثم فتح اللّه عليهم، وكان أبو العيال حاضرا تلك الغزاة فكتب إلى معاوية قصيدة قرأها وقرئت على الناس، فبكى الناس وبكى معاوية بكاء شديدا جزعا لما كتب به.
والقصيدة:
من أبي العيال أخي هذيل فاعلموا ... قولي ولا تتجمجموا ما أرسل
أبلغ معاوية بن صخر آية ... يهوي إليه بها البريد الأعجل
والمرء عمرا فأته بصحيفة ... منّي يلوح بها كتاب منمل
__________
[1] وردت ترجمة أبي العيال هنا في ب، س. وفي «نسختي ميونيخ، 1318 أدب، 1261 أدب». وفي «التجريد» وفيض اللّه بعد ترجمة: عبد اللّه بن مصعب. وفي «نسخة ألمانيا بعد ترجمة الراعي».
[2] ف: «عنتر».
[3] س، ب: «ابن أبي عنثرة بالثاء». وفي «شرح أشعار الهذليين:» «ابن أبي غثير».
[4] ب، س: «و هو أحد بني خفاجة».
[5] تقع هذه القصيدة في ثلاثة وخمسين بيتا في «شرح أشعار الهذليين». وابن عمه هذا قتل بالقسطنطينية قتلته الروم في زمن معاوية وأول القصيدة:
فتى ما غادر الأقوام لا نكس ولا جنب ... ولا زميلة رعديدة رعش إذا ركبوا
[6] هذا الخبر بتمامه ساقط من «جميع النسخ» ما عدا: خد، ف.
[7] خد: «من فرسانهم»، وفي «التجريد»: «من فرسانهم وحماتهم».
[8] خد: «ابن عبد العزيز».
لا تتجمجموا: لا تكتموا. والمنمل: كأنّ سطوره آثار نمل.
وإلى ابن سعد أن أؤخّره فقد ... أزرى بنا في قسمه إذ يعدل [1]
وإلى أولي الأحلام حيث لقيتهم ... أهل البقيّة والكتاب المنزل [2]
في ديوان الرّجل: حيث البقية والكتاب المنزل.
أنّا لقينا بعدكم بديارنا ... من جانب الأمراج يوما يسأل [3]
أمرا تضيق به الصّدور ودونه ... مهج النّفوس وليس عنه معدل
في كلّ معترك ترى منّا فتى ... يهوى كعزلاء المزادة تزعل
/ تزعل: تدفع دفعا.
أو سيّدا كهلا يمور [4] دماغه ... أو جانحا في رأس رمح يسعل
يسعل: يشرق بالدّم.
وترى النّبال تعير في أقطارنا ... شمسا كأنّ نصالهنّ السّنبل
وترى الرّماح كأنّما هي بيننا ... أشطان بئر يوغلون ونوغل
حتى إذا رجب تولّى فانقضى ... وجماديان وجاء شهر مقبل
شعبان قدّرنا لوقت رحيلهم ... تسعا يعدّ لها الوفاء وتكمل
وتجرّدت حرب يكون حلابها ... علقا ويمريها الغويّ المبطل
فاستقبلوا طرف الصّعيد إقامة ... طورا وطورا رحلة فتحمّلوا [5]
يخاصم بدر بن عامر بعد مقتل ابن أخيه
قال الأصمعيّ وأبو عمرو:
وكان أبو العيال وبدر بن عامر، وهما جميعا من بني خناعة [6] بن سعد بن هذيل يسكنان مصر، وكانا خرجا إليها في خلافة عمر بن الخطّاب رضوان اللّه عليه، وأبو العيال معه ابن أخ له، فبينا ابن أخي أبي العيال قائم عند قوم ينتضلون إذ أصابه سهم فقتله، فكان فيه بعض الهيج، فخاصم في ذلك أبو العيال، واتّهم بدر بن عامر، وخشي أن يكون ضلعه مع خصمائه، فاجتمعا في ذلك في مجلس فتناثّا [7] فقال بدر بن عامر:
__________
[1] ابن سعد: رجل من أهل مكة من قريش. إذ يعدل أي عن الحق.
[2] البقية: المرجع الحسن في المروءة والدين، يريد: والكتاب المنزل فيهم. ويروى: «و الكتاب المنزل» بالجر، ويكون في البيت إقواء.
[3] هذا البيت من خد. ويسأل أي يسأل عن شدته.
[4] يمور: ينصب ويجري.
[5] «شرح أشعار الهذليين»: «فتنقلوا» وهذا آخر الخبر الساقط.
[6] س، ب: «من بني خفاجة».
[7] س، ب: «فتباثا».
/
بخلت فطيمة بالذي تولين ... إلا الكلام وقّل ما يجديني
ولقد تناهى القلب حين نهيته ... عنها وقد يغوي إذا يعصيني [1]
أفطيم هل تدرين كم من متلف ... جاوزت لا مرعى ولا مسكون؟
يقول فيها:
وأبو العيال أخي ومن يعرض له ... منكم بسوء يؤذني ويسوني
إنّي وجدت أبا العيال ورهطه ... كالحصن شدّ [2] بجندل موضون
أعيا الغرانيق [3] الدّواهي دونه ... فتركنه أبرّ بالتّحصين
[4] أسد تفرّ الأسد من وثباته [5] ... بعوارض الرّجّاز أو بعيون
ولصوته زجل إذا آنسته ... جرّ الرّحى بشعيره [6] المطحون
وإذا عددت ذوي الثّقات وجدته [7] ... ممّن يصول به إليّ يميني [4]
فأجابه أبو العيال فقال:
إن البلاء لدى المقاوس معرض [8] ... ما كان من غيب ورجم ظنون
/ [9] في «الديوان»: لدى المقاوس مخرج: والمقوس الحبل الذي يمدّ به على صدور الخيل أي فما كان عنده من خير أو شرّ فسيخرج عند الرّهان والعدو [9].
وإذا الجواد ونّي وأخلف منسرا [10] ... ضمرا فلا توقن له بيقين
لو كان عندك ما تقول جعلتني ... كنزا لريب الدّهر غير ضنين [11]
ولقد رمقتك في المجالس كلّها ... فإذا وأنت تعين من يبغيني [12]
هلّا درأت الخصم حين رأيتهم ... جنفا عليّ بألسن وعيون؟ [13]
__________
[1] «شرح أشعار الهذليين»: «الذي يعصيني».
[2] خد، «شرح أشعار الهذليين»: «شيد بآجر».
[3] «شرح أشعار الهذليين»: «أعيا المجانيق» وفي ب، س: «أعنى الغرانيق».
[4] - (4) تكملة من ف، خد.
[5] «شرح أشعار الهذليين»: «من عروائه». والعرواء: القشعريرة من الحمى، وأراد هنا دنوه.
[6] «شرح أشعار الهذليين»:
«بجرينها المطحون»
[7] «شرح أشعار الهذليين»: «فإنه» بدل: «وجدته».
[8] ب، س: «لدى المغارس: تحريف».
(9 - 9) تكملة من خد.
[10] أخلف منسرا: جماعة خيل. أخلفها الفرس فلم يشهدها.
[11] و «شرح أشعار الهذليين»: «غير ظنين» وفي الشرح: عند ضنين أجود. يقول: لجعلتني بمنزلة هذا الكنز عند هذا الضنين.
[12] رمقتك: رميتك ببصري خفية. وأنت: الواو مقحمة، مثل قولهم: اللهم ربنا ولك الحمد.
[13] الجنف: الميل، والخصم في معنى الجمع.
وزجرت عنّي كلّ [1] أشوس كاشح ... ترع [2] المقالة شامخ العرنين
فأجابه بدر بن عامر فقال:
أقسمت لا أنسى منيحة واحد ... حتى تخيّط بالبياض قروني [3]
حتى أصير بمسكن [4] أنوي به ... لقرار ملحدة العداء [5] شطون
ومنحتني جدّاء [6] حين منحتني ... شحصا بمالئة الحلاب لبون
/ [7] الشّحص: ما ليس فيه لبن من المال [7]
وحبوتك النّصح الذي لا يشترى ... بالمال فانظر بعد ما تحبوني
/ وتأمّل السّبت [8] الذي أحذوكه ... فانظر بمثل إمامه فاحذوني
فأجابه أبو العيال:
أقسمت لا أنسى شباب [9] قصيدة ... أبدا فما هذا الذي ينسيني
ولسوف تنساها وتعلم أنّها ... تبع لآبية العصاب زبون [10]
ومنحتني فرضيت رأي منيحتي ... فإذا بها واللّه طيف جنون [11]
جهراء لا تألو إذا هي أظهرت ... بصرا ولا من حاجة تغنيني [12]
قرّب حذاءك قاحلا أو ليّنا ... فتمنّ في التّخصير والتّلسين [13]
/و ارجع منيحتك الّتي أتبعتها ... هوعا وحدّ مذلّق مسنون [14]
__________
[1] «شرح أشعار الهذليين»: «أبلخ كاشح»؛ أي كل أهوج فخور.
[2] ترع المقالة: عجل بقول السوء. وفي ب، س: «نزع المقالة».
[3] المنيحة: الإعارة، ويريد هنا القصيدة. وتخيط فيه الشيب: بدا.
[4] المسكن: القبر.
[5] ملحدة: جعل فيها لحد. والعداء: التي ليست بمستوية الحفر.
[6] جداء: لا لبن بها.
[7] - (7) كلمة من ف. خد.
[8] السبت: نعال مدبوغة. وفي «شرح أشعار الهذليين»: «الذي أحذوكم».
[9] س، ب: «سباب قصيدة» وفي «شرح أشعار الهذليين»: «مقال قصيدة».
[10] أبية: تأبى أن تعصب ولا تدر. والعصاب: أن تعصب فخذاها حين تأبى حتى تدر زبون: تدفع برجليها.
[11] «شرح أشعار الهذليين»:
ومنحتني فرضيت حين منحتني ... فاذا بها وأبيك طيف جنون
وفي ب، س: «فرضيت أي منيحتي».
[12] جهراء: لا تبصر في الشمس. وفي «شرح أشعار الهذليين» «و لا من عيلة تغنيني».
[13] في «شرح أشعار الهذليين»:
قرب حذاءك قافلا أولينا ... فتمن في التحضير والتليين
والتلسين: أن يلسن طرف النعل أي يحدد ويدقق.
[14] الهوع: العداوة. والمذلق، والمسنون: المحدد.
ولهما في هذا المعنى نقائض طوال بطول ذكرها، وليست لها طلاوة إلا ما يستفاد في شعر أمثالهما من الفصاحة، وإنما ذكرت ما ذكرت هاهنا منها لأنّي لم أجد لهذا الشّاعر خبرا غير ما ذكرته.
صوت
ألم تسأل بعارمة الدّيارا ... عن الحيّ المفارق أين سارا؟
بلى ساءلتها فأبت جوابا ... وكيف سؤالك الدّ من القفارا؟
الشعر للرّاعي، والغناء لإسحاق خفيف ثقيل أوّل بالبنصر عن عمرو بن جامع وإسحاق [1].
__________
[1] ب، س: «و من جامع إسحاق».
15 - نسب الراعي وأخباره
اسمه ونسبه
هو عبيد بن حصين بن معاوية بن جندل بن قطن بن ربيعة [1] بن عبد اللّه بن الحارث بن نمير بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوزان بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان بن مضر [2].
ويكنى أبا جندل، والرّاعي لقب غلب عليه، لكثرة وصفه الإبل، وجودة نعته إيّاها.
وهو شاعر فحل من شعراء الإسلام، وكان مقدّما مفضّلا حتى، اعترض بين جرير والفرزدق، استكفّه جرير فأبى أن يكفّ، فهجاه ففضحه.
وقد ذكرت بعض أخباره في ذلك مع أخبار جرير، وأتممتها هنا.
يمدح سعيد بن عبد الرحمن بن عتاب
وقصيدة الرّاعي هذه يمدح [3] بها سعيد بن عبد الرّحمن بن عتّاب بن أسيد بن أبي العيص بن أميّة، وفيها يقول:
ترجّي من سعيد بني لؤيّ ... أخي الأعياص [4] أنواء غزارا
تلقّى نوأهنّ سرار شهر ... وخير النّوء ما لقي السّرارا
خليل تعزب العلّات عنه ... إذا ما حان يوما أن يزارا
متى ما تأته ترجو نداه ... فلا بخلا تخاف ولا اعتذارا
/ هو الرّجل الذي نسبت قريش ... فصار المجد فيها [5] حيث صارا
وأنضاء [6] تحنّ إلى سعيد ... طروقا ثم عجّلن ابتكارا
على أكوارهنّ بنو سبيل [7] ... قليل نومهم إلا غرارا
__________
[1] «التجريد»: «قطن بن حذيفة بن الحارث».
[2] «التجريد»: «بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان».
[3] ب، س: «مدح بها».
[4] الأعياص: جمع عص، وهو الأصل.
[5] ب، س:
«فصار المجد منها»
[6] الأنضاء جمع نضو، وهو البعير المهزول. وروى الشطر الأول في «اللسان» (ضمر).
«و أنضاء أنخن إلى سعيد»
[7] الأكوار جمع كور، وهو الرحل، وقيل: الرحل بأداته. وبنو سبيل: هم الغرباء الذين أتى بهم الطريق، وجاء البيت في «اللسان» (سبل) بهذه الرواية.
حمدن مزاره ولقين منه ... عطاء لم يكن عدة ضمارا
يقضي للفرزدق على جرير
أخبرني عليّ بن سليمان الأخفش قال: حدثنا الحسن [1] بن الحسين السكّريّ عن الرّياشيّ/ عن الأصمعيّ، قال:
وذكره المغيرة بن حجناء قال: حدّثني أبي عن أبيه قال:
كان راعي الإبل يقضي للفرزدق على جرير ويفضّله، وكان راعي الإبل قد ضخم أمره، وكان من أشعر النّاس، فلما أكثر من ذلك خرج جرير إلى رجال من قومه فقال: ألا تعجبون لهذا الرّجل الذي يقضي للفرزدق عليّ ويفضّله [2] وهو يهجو قومه وأنا أمدحهم؟ قال جرير:
جرير يحاول مصالحته ولكن جندلا يسيء إليه
ثم ضربت رأيي فيه، فخرجت ذات يوم أمشي إليه. قال: ولم يركب جرير دابّته، وقال: واللّه ما يسرّني أن يعلم أحد بسيري إليه. قال: وكان لراعي الإبل وللفرزدق وجلسائهما حلقة بأعلى المربد بالبصرة يجلسون فيها.
قال: فخرجت أتعرّض لها لألقاه من حيال [3] حيث كنت أراه.
/ ثمّ إذا انصرف من مجلسه لقيته، وما يسرني أن يعلم أحد، حتى إذا هو قد مرّ على بغلة له، وابنه [4] جندل يسير وراءه راكبا مهرا له أحوى محذوف الذّنب وإنسان يمشي معه ويسأله عن بعض السّبب، فلما استقبلته قلت له:
مرحبا بك يا أبا جندل. وضربت بشمالي إلى معرفة [5] بغلته، ثم قلت: يا أبا جندل، إنّ قولك يستمع، وإنك تفضّل عليّ الفرزدق تفضيلا قبيحا، وأنا أمدح قومك وهو يهجوهم، وهو ابن عمّي، وليس منك، ولا عليك كلفة في أمري معه، وقد يكفيك من ذلك هيّن، وأن تقول إذا ذكرنا: كلاهما شاعر كريم، فلا تحمل منه لائمة ولا منّي، قال: فبينا أنا وهو كذلك، وهو واقف عليّ لا يردّ جوابا لقولي، إذ لحق بالرّاعي ابنه جندل، فرفع كرمانيّة معه، فضرب [6] بها عجز بغلته، ثم قال: أراك واقفا على كلب بني [7] كليب، كأنّك تخشى منه شرّا أو ترجو منه خيرا، فضرب [8] البغلة ضربة شديدة، فزحمتني زحمة وقعت منها قلنسوتي. فو اللّه لو يعوج عليّ الرّاعي لقلت: سفيه غوىّ - يعني جندلا ابنه - ولكنه لا واللّه ما عاج عليّ، فأخذت قلنسوتي فمسحتها وأعدتها على رأسي وقلت:
أجندل ما تقول بنو نمير ... إذا ما الأير في است أبيك غابا؟
قال: فسمعت الرّاعي يقول لابنه: أما واللّه لقد طرحت قلنسوته طرحة مشئومة، قال جرير: ولا واللّه ما كانت القلنسوة بأغيظ أمره إليّ لو كان عاج عليّ.
__________
[1] ب، س: «يحيى بن الحسين».
[2] «و يفضله» تكملة من ف و «المختار».
[3] من حيال: من قبالته.
[4] ب، س: «فواثبه جندل يسير وراءه».
[5] المعرفة: موضع شعر العنق.
[6] «التجريد»: «فضرب عجز بغلة أبيه».
[7] خد: «أراك واقفا على كلب من كليب».
[8] «التجريد»: «و لما ضرب البغلة زحمت جريرا فسقطت عن رأسه قلنسيته».
جرير لا ينام حتى يفرغ من قصيدة يهجوه بها
فانصرف جرير مغضبا حتى إذا صلّى العشاء ومنزله في علّيّة قال: ارفعوا إليّ باطية من نبيد، وأسرجوا [1] لي، فأسرجوا له وأتوه بباطية من نبيذ فجعل يهيم فسمعته عجوز في الدّار، فطلعت في الدّرجة حتى إذا نظرت إليه فإذا هو على الفراش عريان لما هو فيه، فانحدرت فقالت: ضيفكم مجنون، رأيت منه كذا وكذا، فقالوا لها: اذهبي لطيّتك، نحن أعلم به وبما يمارس، فما زال كذلك حتّى كان السّحر فإذا هو يكبّر، قد قالها ثمانين بيتا، فلمّا بلغ إلى قوله:
فغضّ الطّرف إنّك من نمير ... فلا كعبا بلغت ولا كلابا
فذاك حين كبّر، ثم قال: أحزيته واللّه [2] زيته وربّ الكعبة [3] أصبح، حتى إذا عرف أنّ النّاس قد جلسوا في مجالسهم بالمربد، وكان جرير يعرف مجلس الرّاعي ومجلس الفرزدق، فدعا بدهن فادّهن [3]، وكفّ رأسه، وكان حسن الشّعر، ثم قال: يا غلام [4] أسرج لي، فأسرج له حصانا، ثمّ قصد مجلسهم، حتّى إذا كان بموضع [5] السّلام لم يسلّم، ثم قال: يا غلام، قل لعبيد/ الرّاعي: أبعثتك نسوتك تكسبهنّ المال بالعراق؟ والذي نفس جرير بيده، لترجعنّ [6] إليهنّ بما يسوءهن ولا يسرهن ثم ندفع في القصيدة فأنشدها، فنكّس الفرزدق رأسه، وأطرق راعي الإبل، فلو انشقّت له الأرض لساخ فيها، وأرمّ القوم [7]، حتى إذا فرغ منها، سار، فوثب راعي الإبل من ساعته [8] فركب بغلته/ بشرّ وعرّ [9]، وتفرّق أهل المجلس، وصعد الرّاعي إلى منزله الذي كان ينزله، ثم قال لأصحابه:
ركابكم ركابكم، فليس لكم هاهنا مقام، فضحكم واللّه جرير فقال له بعضهم: ذلك شؤمك وشؤم جندل ابنك؛ قال: فما اشتغلوا بشيء غير ترحّلهم، قالوا: فسرنا واللّه إلى أهلنا سيرا ما سراه أحد، وهم بالشّريف [10]، وهو أعلى دار بني نمير، فحلف راعي الإبل أنّهم وجدوا في أهلهم قول جرير:
فغضّ الطّرف إنّك من نمير
يتناشده النّاس، وأقسم باللّه ما بلغه إنسان قطّ، وإن لجرير لأشياعا من الجنّ فتشاءمت به بنو نمير، وسبّوه وسبّوا ابنه، فهم إلى الآن يتشاءمون بهم وبولدهم.
أخزيته واللّه وأخبرني بهذا الخبر عمّي قال: حدثنا الكرانيّ، قال: حدّثني النّضر بن عمرو؛ عن أبي عبيدة بمثله أو نحو
__________
[1] خد: «و أسرجوا لي ففعل به ذلك وجعل يهيم».
(2 - 2) تكملة من ف، خد.
[3] ب، س: «فادهن وأصلح وجهه، وكان حسن الشعر» وفي خد: «فادهن وكشف رأسه».
[4] ب، س: «يا غلام أسرج، فأسرج له حصانا».
[5] خد: «بموقع السّلام».
[6] ب، س: «لتؤؤبن إليهن بمير بسوء ولا يسرهن».
[7] «القاموس»: «أرم: سكت».
[8] «من ساعته»: تكملة من ف، خد.
[9] العر: الشدة.
[10] في «معجم البلدان» (الشريف) .. «قال أبو زياد: أرض بني نمير الشريف دارها كلها بالشريف إلا بطنا واحدا باليمامة يقال لهم: بنو ظالم بن ربيعة».
منه، وقال في خبره:
أجئت توقر إبلك لنسائك برّا وتمرا؟ واللّه لأحملنّ إلى أعجازها كلاما يبقى ميسمه عليهنّ ما بقي الليّل والنّهار يسوءك وإيّاهنّ استماعه.
وقال في خبره أيضا:
فلما قال:
فغضّ الطّرف إنّك من نمير
وثب وثبة دقّ رأسه السّقف، فجاء له صوت هائل، وسمعت عجوز كانت ساكنة في علو [1] ذلك الموضع صوته فصاحت: يا قوم، ضيفكم واللّه مجنون، فجئنا إليه وهو يحبو ويقول: غضضته واللّه، أخزيته واللّه، فضحته وربّ الكعبة، فقلت له: مالك يا أبا حزرة؟ فأنشدنا القصيدة، ثم غدا بها عليه.
الحجاج يسأل جريرا: مالك وللراعي؟
وذكر ابن الكلبيّ، عن النّهشلي، عن مسحل بن كسيب؛ عن جرير في خبره مع الحجّاج لمّا سأله عمّن هجاه من الشّعراء قال:
قال لي الحجّاج: مالك وللرّاعي؟ فقلت: أيّها الأمير، قدم [2] البصرة، وليس بيني وبينه عمل، فبلغني أنّه قال في قصيدة له:
يا صاحبيّ دنا الرّواح فسيرا ... غلب الفرزدق في الهجاء جريرا
وقال أيضا في كلمة له.
رأيت الجحش جحش بني كليب ... تيمّم حوض دجلة ثم هابا
فأتيته وقلت: يا أبا جندل، إنّك شيخ مضر [3] وقد بلغني تفضيلك الفرزدق عليّ، فإن أنصفتني [4] وفضّلتني كنت أحقّ بذلك، لأنيّ مدحت قومك وهجاهم.
وذكر باقي الخبر نحوا ممّا ذكره من تقدّم، وقال في خبره:
قلت له: إنّ أهلك بعثوك مائرا، وبئس واللّه المائر أنت، وإنّما بعثني أهلي لأقعد لهم على قارعة هذا المربد، فلا يسبّهم أحد إلا سببته فإنّ عليّ نذرا إن كحلت عيني بغمض، حتى أخزيك، فما أصبحت حتى وفيت بيميني [5] قال: ثم غدوت عليه فأخذت بعنانه، فما فارقني حتى أنشدته إيّاها - فلما بلغت قولي:
/أجندل ما تقول بنو نمير ... إذا ما الأير في است أبيك غابا؟
قال: فأرسل يدي ثم قال: يقولون شرا واللّه.
__________
[1] «القاموس» علو الشي ء: أرفعه.
[2] ب، س: «قدمت البصرة».
[3] خد: «أنت شيخ مضر».
[4] خد: «فإن أنصفت فضلتني وكنت».
[5] خد: «وفيت يميني».
أخبرني عليّ بن سليمان الأخفش؛ قال: حدّثني/ محمد بن الحسن بن الحرون [1] قال: قال أبو عبيدة:
جرير يهجوه أمام الفرزدق
أنشد جرير الرّاعي هذه القصيدة والفرزدق حاضر - فلما بلغ فيها قوله:
بها برص بأسفل [2] إسكتيها
غطّى الفرزدق عنفقته بيده، فقال جرير:
كعنفقة الفرزدق حين شابا
فقال الفرزدق: أخزاك اللّه، واللّه لقد علمت أنّك لا تقول غيرها، قال: فسمع رجل كان حاضرا أبا عبيدة يحدّث بها، فحلف يمينا جزما أنّ الفرزدق لقّن جريرا هذا المصراع بتغطية عنفقته، ولو لم يفعل لما انتبه لذلك، وما كان هذا بيتا [3]. قاله متقدّما، وإنما انتبه لذلك.
يموت كمدا من هجاء جرير
أخبرنا أبو خليفة قال: حدّثنا محمد بن سلّام قال: أخبرني أبو الغرّاف قال:
الذي هاج التّهاجي بين جرير والرّاعي أنّ الرّاعي [4] كان يسأل عن جرير والفرزدق.: الفرزدق أكرمهما وأشعرهما؛ فلقيه جرير فاستعذره [5] من نفسه.
/ ثم ذكر باقي الخبر مثل ما تقدم، وزاد فيه:
أنّ الرّاعي قال لابنه جندل لمّا ضرب بغلته:
ألم تر أنّ كلب بني كليب ... أراد حياض دجلة ثم هابا
ونفرت البغلة فزحمته حتى سقطت قلنسوة جرير، فقال الرّاعي لابنه: أما واللّه لتكوننّ فعلة مشئومة عليك وليهجونّي [6] وإياك، فليته لا يجاوزنا ولا يذكر نسوتنا. وعلم الرّاعي أنه قد أساء وندم، فتزعم بنو نمير أنه [7] حلف ألا يجيب جريرا سنة غضبا على ابنه، وأنه [7] مات قبل أن تمضي سنة، ويقول غير بني نمير: إنه كمد لمّا سمعها فمات كمدا.
يعترف بغلبة جرير عليه في الهجاء
أخبرني محمد بن العباس اليزيدي [8] وأبو الحسن عليّ بن سليمان الأخفض، قالا. حدثنا أبو سعيد السّكريّ، عن محمد بن حبيب وإبراهيم بن سعدان، عن أبي عبيدة وسعدان والمفضل وعمارة بن عقيل، وأخبرنا به
__________
[1] ب، س: «الحزون».
[2] خد: «يجانب إسكتيها».
[3] ب، س: «شيئا».
[4] ب، س: الذي هاج التهاجي بين جرير والفرزدق الراعي كان يسأل ... إلخ».
[5] استعذر من فلان: قال: من عذيري منه، وطلب من الناس العذر إن هو عاقبه.
[6] ب، س: «فإنه يهجوني وإياك لا يجاوزنا ولا يذكر نسوتنا».
(7 - 7) تكملة من ف، خد.
[8] ب، س: «الزهري».
أبو خليفة، عن محمد بن سلام، عن أبي البيداء قالوا جميعا:
مرّ راكب بالرّاعي وهو يتغنّى:
وعاو عوى من غير شيء رميته ... بقافية أنفاذها [1] تقطر الدّما
خروج بأفواه الرّواة كأنّها ... قرا هندوانيّ إذا هزّ صمّما [2]
فسمعها الرّاعي فأتبعه رسولا، وقال له: من يقول هذين البيتين؟
/ قال جرير، فقال الرّاعي: أؤلام أن يغلبني هذا؟ واللّه لو اجتمع الجنّ والإنس على صاحب هذين البيتين ما أغنوا فيه شيئا.
قال ابن سلام خاصّة في خبره: وهذان البيتان لجرير في البعيث، وكذلك كان خبره معه، اعترضه في غير شيء.
لا يحتذي شعر شاعر ولا يعارضه
أخبرنا أبو خليفة قال: أخبرنا محمد بن سلّام، قال:
كان الرّاعي من رجال العرب ووجوه قومه، وكان يقال له في شعره: كأنه يعتسف الفلاة بغير دليل، أي أنه لا يحتذي شعر شاعر، ولا يعارضه، وكان مع ذلك بذيّا هجّاء لعشيرته، فقال له جرير:
وقرضك في هوزان شرّ قرض ... تهجنهم [3] وتمتدح الوطابا
نسب بامرأة من بني عبد شمس
أخبرنا أبو خليفة، قال: أخبرنا محمد بن سلّام قال: قال أبو الغرّاف:
جاور راعي الإبل بني سعد بن زيد مناة بن تميم، فنسب [4] بامرأة منهم من بني عبد شمس، ثم أحد بني وابشيّ [5]، فقال:
بني وابشيّ قد هوينا جواركم [6] ... وما جمعتنا نيّة قبلها معا
خليطين من حيّين شتّى تجاورا ... جميعا وكانا بالتفّرّق أمتعا [7]
/أرى أهل ليلى لا يبالي أميرهم [8] ... على حالة المحزون أن يتصدّعا
وقال فيها أيضا:
__________
[1] الأنفاذ: جمع نفذ، وهو منفذ الجراحة.
[2] خروج: كثيرة الخروج متداولة، وسيف هندواني: عمل ببلاد الهند وأحكم عمله، وضمت الهاء اتباعا لضم الدال، وصمم السيف ونحوه: مضى إلى العظم.
[3] خد: «يهجنها».
[4] خد: «فشبب».
[5] ب، س: «ثم أحد بني وابش» وفي «اللسان» (وبش): «و بنو وابش، وبنو وابشي: بطنان» وأورد بيت الراعي.
[6] ب، س:
«بني وابش إنا هوينا جواركم»
[7] ب، س:
«و كانا بالتفرق أضيعا»
[8] ب، س:
«لا يبالي أسيرهم»
صوت
تذكّر هذا القلب هند بني سعد ... سفاها وجهلا ما تذكّر من هند
تذكّر عهدا كان بيني وبينها ... قديما وهل أبقت لك الحرب من عهد؟
في هذين البيتين لحن من الثّقيل الأول بالوسطى، وذكر الهشاميّ أنه لنبيه، وذكر قمري [1] وذكاء وجه الرّزّة [1] أنه لبنان.
قال ابن سلّام:
فلما بلغهم شعره أزعجوه وأصابوه، بأذى، فخرج عنهم وقال فيهم:
أرى إبلي تكالأ راعياها ... مخافة جارها الدّنس الذّميم
وقد جاورتهم فرأيت سعدا ... شعاع [2] الأمر عازبة الحلوم
[3] مغانيم القرى سرقا إذا ما ... أجنّت ظلمة اللّيل البهيم [3]
فأمّي أرض قومك إنّ سعدا ... تحمّلت المخازي عن تميم
عند عبد الملك بن مروان
[4] أخبرنا أبو خليفة، عن محمد بن سلّام، عن عبد القاهر بن السّريّ، قال:
وفد الرّاعي إلى عبد الملك بن مروان، فقال لأهل بيته: تروّحوا [5] إلى هذا الشيخ فإني أراه منجبا [4]
جندل يدافع عن أبيه أمام بلال بن أبي بردة
أخبرنا محمد بن الحسن بن دريد قال: حدّثنا أبو حاتم، عن أبي عبيدة، عن يونس: قال:
/ قدم جندل بن الرّاعي على بلال بن أبي بردة، وقد مدحه، وكان يكثر ذكر أبيه ووصفه، فقال له بلال:
أليس أبوك الذي يقول في بنت عمّه، وأمّها امرأة من قومه [6]:
فلمّا قضت من ذي الأراك لبانة ... أرادت إلينا حاجة لا نريدها
وقد كان بعد هجاء جرير إيّاه مغلّبا؟ فقال له جندل: لئن كان جرير غلبه لما أمسك عنه عجزا، ولكنّه أقسم غضبا عليّ ألا يجيبه سنة، فأين أنت عن قوله في عديّ بن الرّقاع العامليّ:
لو كنت من أحد يهجى هجوتكم ... يا بن الرقاع ولكن لست من أحد
تأبى قضاعة لم تعرف [7] لكم نسبا ... وابنا نزار وأنتم بيضة البلد
__________
(1 - 1) تكملة من ف، خد.
[2] شعاع الأمر أي متفرقين.
[3] - (3) تكملة من ف، خد.
[4] - (4) تكملة من ف، خد.
[5] خد: «تزوجوا».
[6] ب، س، و «المختار»: «في بنت عمه وأمه وامرأة من قومه».
[7] خد: «أن تعرف».
قال: فضحك بلال وقال له: أمّا في هذا فقد صدقت.
يأبى أن يطلب من عبد الملك حاجا لنفسه
أخبرني محمد بن عمران الصيرفيّ وعمّي قالا: حدّثنا الحسن بن عليل العنزيّ، قال:
حدثنا محمد بن عبد الرّحمن، عن ابن عائشة قال:
لمّا أنشد عبيد بن حصين الرّاعي عبد الملك بن مروان قوله:
فإن رفعت بهم رأسا نعشتهم [1] ... وإن لقوا مثلها من قابل فسدوا
قال له عبد الملك: فتريد ماذا؟ قال: تردّ عليهم صدقاتهم فتنعشهم، فقال عبد الملك: هذا كثير، قال: أنت أكثر منه، قال: قد فعلت، فسلني حاجة تخصّك [2]،/قال: قد قضيت حاجتي. قال: سل [3] حاجتك لنفسك؟
قال: ما كنت لأفسد هذه المكرمة:
بنو سعد يعطونه مال العنبري
حدّثني أحمد بن محمد بن سعيد الهمذاني قال: حدثنا يحيى بن الحسن العلوي، قال حدثنا إسماعيل بن يعقوب، عن عثمان بن نمير، عن أبيه قال:
كنت عند العبّاس بن محمد في يوم شات [4]، فدخل عليه موسى بن عبد اللّه بن حسن، فقال له العبّاس بن محمد: يا أبا الحسن، مالي أراك متغيّرا؟ فقال له موسى: واللّه إني لأعرق [5] ممّا كان اليوم، قال: وما كان يا أبا الحسن؟ فقال: ذاك أنّ أمير المؤمنين أخرج لي وللعبّاس بن الحسن خمسين ألفا: للعبّاس منها ثلاثون ألفا، واللّه ما أجد لي ولكم مثلا إلا ما قال أخو بني [6] العنبر، وجاور هو وراعي الإبل في بني سعد [7] بن زيد مناة، فكانوا/ إذا مدحهم الراعي أخذوا مال العنبريّ فأعطوه الرّاعي، فقال العنبريّ في ذلك:
أيقطع موصول ويوصل جانب ... أسعد بن زيد عمرك اللّه أجملى
فإنّا بأرض هاهنا غير طائل ... متى تعلفوا بالرّغم والخسف نأكل
قال: فقال له العبّاس: إنكم نازعتم القوم ثوبهم [8]، [9] وكان عباس وأهله أعوانا له على حذيّة منكم [9] مع ذلك فعباس الذي يقول لبنت حيدة المحاربية يرثيها:
/أتت دون الفراش فأبشرتنا [10] ... مصيبتنا بأخت بني حداد
__________
[1] خد: «نعتهم».
[2] «المختار»: «فسلني خاصة، فضحك وقال» وفي خد: «سل حاجتك لنفسك خاصة فقد أجبتك إلى ذلك».
[3] «المختار»: «سلني حاجة لنفسك».
[4] «شات»: تكملة من ف، خد.
[5] ب، س: «لأرق بما كان اليوم».
[6] خد: «أحد بني العنبر».
[7] ب، خد: «في بني زيد مناة».
[8] ب، س: «شرفهم».
(9 - 9) تكملة من ف، خد.
[10] خد: «فأنشدتنا».
كأنّ الموت لا يعني سوانا ... عشيّة نحوها يحدوه حادي
فإنّ خليفة اللّه المرجّى ... وغيث الناس [1] في الإزم الشّداد
تطاول ليله فعداك حتّى ... كأنّك لا تثوب [2] إلى معاد
يظلّ - وحقّ ذاك - كأنّ شوكا ... عليه العين تطرف من سهاد
فليت نفوسنا حقّا فدتها ... وكلّ طريف مال أو تلاد
/ وجندل بن الراعي شاعر؛ وهو القائل، وفي شعره هذا صنعة:
صوت
طلبت الهوى الغوريّ [3] حتى بلغته ... وسيّرت في نجديّة ما كفانيا
وقلت لحلمي لا تنزعنّي [4] عن الصّبا ... وللشّيب لا تذعر [5] عليّ الغوانيا
الشعر لجندل بن الرّاعي، والغناء لإسحاق خفيف ثقيل بالبنصر؛ عن عمرو من جامع إسحاق وقال الهشامي:
وله فيه أيضا ثاني ثقيل، وهو لحن مشهور، وما وجدناه في جامعه، ولعله شذّ عنه أو غلط الهشامي في نسبته إليه، وقال حبش: فيه أيضا لإسحاق خفيف رمل.
ملاحاة بينه وبين امرأته
أخبرني جعفر بن قدامة قال: حدّثني أبو عبد اللّه الهشاميّ قال: قال إسحاق: قال أبو عبيدة:
كانت لجندل بن الرّاعي امرأة من بني عقيل، وكان بخيلا، فنظر إليها يوما وقد هزلت وتخدّد [6] لحمها، فأنشأ يقول:
عقيليّة أمّا أعالي عظامها ... فعوج وأمّا لحمها فقليل [7]
فقالت مجيبة له عن ذلك:
عقيليّة حسناء أزرى بلحمها ... طعام لديك ابن الرّعاء قليل
فجعل جندل يسبّها ويضربها وهي تقول: قلت فأجبت، وكذبت فصدقت، فما غضبك؟
__________
[1] خد: «و غيث اللّه».
[2] ب، س: «لا تؤوب».
[3] «التجريد»: «العذري».
[4] كذا في «التجريد». خد. وفي ب «لا تزعني».
[5] ذعره: خوفه وأفزعه.
[6] تخدد لحمها: هزل.
[7] ب، س: روى البيت:
عقيلية أما ملاك إزارها ... فضخم وأما لحمها فقليل
صوت
أصبح الحبل [1] من سلا ... مة رثّا مجذّذا
حبّذا أنت يا سلا ... مة ألفين حبّذا
ثم ألفين مضعفي ... ن وإلفين هكذا
في صميم الأحشاء منّي ... وفي القلب قد حذا
حذوة من صبابة ... تركته مفلّذا [2]
/الشعر لعمّار ذي كبار [3] والغناء لحكم الوادي هزج بالوسطى عن الهشامي. قال الهشاميّ وذكر يحيى المكّي أنه لسليم الوادي لا لحكم.
__________
[1] ب، س، خد: «أصبح القلب».
[2] مفلذا: مقطعا.
[3] ب، س: «ذي كناز» تصحيف، والمثبت من ف، خد، و«تجريد الأغاني» 2470 وانظر مادتي: (كبر، كنز) في «تاج العروس»، وكذلك مادة (خذا) في «لسان العرب».
16 - أخبار عمار ذي كبار ونسبه
اسمه ونسبه
هو عمّار بن عمرو بن عبد الأكبر يلقّب ذا كبار، همدانيّ صليبة، كوفيّ، وجدت ذلك في كتاب محمد بن عبد اللّه الحزنبل.
وكان ليّن الشّعر ماجنا خمّيرا معاقرا للشراب، وقد حدّ فيه مرّات، وكان يقول شعرا ظريفا يضحك من أكثره، شديد التّهافت [1] جمّ السخف، وله أشياء صالحة نذكر أجودها في هذا الموضع من أخباره ومنتخب أشعاره؛ وكان هو وحمّاد الراوية ومطيع بن إياس يتنادمون ويجتمعون على شأنهم لا يفترقون، وكلهم كان متّهما بالزّندقة.
لم يبرح الكوفة ولم ينتجع أحدا
وعمّار ممّن نشأ في دولة بني أميّة، ولم أسمع له بخبر في الدّولة العباسية، ولا كان مع شهوة النّاس لشعره واستطابتهم إياه ينتجع أحدا ولا يبرح الكوفة لعشاء بصره وضعف نظره [2].
فأخبرني به محمد بن مزيد قال: حدّثنا حمّاد بن إسحاق، عن أبيه، عن الهيثم بن عديّ عن حمّاد الرّاوية، وأخبرني به محمد بن خلف بن المرزبان قال: حدّثنا أحمد بن الهيثم الفراسيّ [3] قال: حدّثنا العمري [4] عن الهيثم بن عدي عن حماد الرواية، ولفظ الرجلين كالمتقارب [4] قال:
استقدمني هشام بن عبد الملك في خلافته، وأمر لي بصلة سنيّة وحملان [5] لما دخلت عليه استنشدني قصيدة الأفوه الأوديّ:
/لنا معاشر لم يبنوا لقومهم ... وإن بني قومهم ما أفسدوا عادوا
قال: فأنشدته إياها، ثم استنشدني قول أبي ذؤيب الهذليّ:
أمن البنون وريبها تتوجّع
فأنشدته إيّاها، ثم استنشدني قول عديّ بن زيد:
أرواح مودّع أم بكور
فأنشدته إياها، فأمر لي بمنزل وجراية، وأقمت عنده شهرا، فسألني عن أشعار العرب وأيامها ومآثرها
__________
[1] خد: «شديد التفاوت».
[2] «المختار»: «لضعف بصره وعشاء نظره». وفي «التجريد»: «لغشاء بصره».
[3] خد: «الراسبي».
(4 - 4) تكملة من ف، خد.
[5] الحملان: ما يحمل عليه من الدواب من الهبات.
ومحاسن أخلاقها، وأنا أخبره وأنشده، ثم أمر لي بجائزة وخلعة وحملان، وردّني إلى الكوفة، فعلمت أنّ أمره مقبل [1].
يسمع الوليد بن يزيد ذاليته فيرسل له بجائزة
ثم استقدمني الوليد بن يزيد بعده، فما سألني عني شيء من الجدّ إلا مرّة واحدة، ثم جعلت أنشده بعدها في ذلك النحو فلا يلتفت إليه، ولا يهشّ إلى شيء منه، حتى جرى ذكر عمّار بن ذي كبار فتشوّقه [2] وسأل عنه، وما ظننت أنّ شعر عمّار شيء يراد أو يعبأ به [3]. ثم قال لي: هل عندك شيء من شعره؟ فقلت: نعم أنا أحفظ قصيدة له، وكنت لكثرة عبثي به [4] قد حفظتها، فأنشدته قصيدته التي يقول فيها:
حبّذا أنت يا سلا ... مة ألفين حبّذا
أشتهي منك منك من ... ك مكانا مجنبذا [5]
مفعما في قبالة [6] ... بين ركنين ربّذا
/ مدغما [7] ذا مناكب ... حسن القدّ محتذى
رابيا ذا محسّة ... أخنسا قد تقنفذا
لم تر العين مثله ... في منام ولا كذا
/ تامكا كالسّنام إذ ... بذّ عنه مقذّذا [8]
ملء كفّي ضجيعها ... نال منها تفخّذا
لو تأمّلته دهش ... ت وعاينت جهبذا [9]
طيّب العرف والمجسّ ... ة واللّمس هربذا [10]
فأجا [11] فيه فيه في ... ه بأير كمثل ذا
ليت أيري وليت ح ... رك جميعا تآخذا
فأخذ ذا بشعر ذا [12] ... وأخذ ذا بقعر ذا
__________
[1] ف، ب، س: «فعلمت أنه أمر مقبل».
[2] ب، س، ف: «فعرفه».
[3] ب، س: «و لا يعبأ به».
[4] «المختار والتجريد»: «و لكثرة عبثي بها قد حفظتها».
[5] مجنبذ: مرتفع مستدير كالقبة.
[6] خد: «من تبالة».
[7] مدغم: أسود الشعر الذي عليه، من أدغم الشي ء: سوده.
[8] تامك: ممتلىء مرتفع، ومقذذ، سوي حسن.
[9] الجهبذ: الخبير بغوامض الأمور، والمراد الكبير الفخم، وفي ب، س: «جبهذا».
[10] الهربذ: عالم الهند أو أحد قومة بيت النار وفي «المختار» «هرمذا».
[11] «أجا» من وجأ وسهلت الهمزة بمعنى دفع.
[12] «المختار»: «بشق ذا».
قال: فضحك الوليد حتى سقط على قفاه، وصفّق بيديه ورجليه، وأمر بالشراب فأحضر، وأمرني بالإنشاد، فجعلت أنشده هذه الأبيات وأكرّرها عليه، وهو يشرب ويصفّق حتى سكر، وأمر لي بحلّتين وثلاثين ألف درهم، فقبضتها، ثم قال لي: ما فعل عمّار؟ فقلت: حيّ كميّت، قد عشي [1] بصره، وضعف جسمه ولا حراك به. فأمر له بعشرة آلاف درهم، فقلت له: ألا أخبر أمير المؤمنين بشيء يفعله لا ضرر عليه فيه،/ وهو أحبّ إلى عمّار من الدّنيا بحذافيرها لو سيقت إليه؟ فقال: وما ذاك؟ قلت: إنه لا يزال ينصرف من الحانات وهو سكران، فترفعه الشّرط، فيضرب الحدّ، فقد قطّع بالسّياط، وهو لا يدع الشّراب ولا يكفّ عنه. فتكتب بألّا يعرض له. فكتب إلى عامله بالعراق ألّا يرفع إليه أحد من الحرس عمّارا في سكر ولا غيره إلا ضرب الرافع له حدّين وأطلق عمّارا.
فأخذت المال وجئته به، وقلت له: ما ظننت أنّ اللّه يكسب أحدا بشعرك نقيرا [2] ولا يسأل عنه عاقل، حتى كسبت بأوضع شيء قلته ثلاثين ألفا، قال: عزّ عليّ فذلك لقلّة شكرك يا بن الزانية [3]، فهات نصيبي منها، فقلت:
لقد استغنيت عن ذلك بما خصصت به، ودفعت إليه العشرة آلاف درهم. فقال: وصلك اللّه يا أخي وجزاك اللّه خيرا، ولكنها سبب هلاكي وقتلي، لأني أشرب بها ما دام [4] معي منها درهم، وأضرب أبدا حتى أموت، فقلت له:
لقد كفيتك ذلك، وهذا عهد أمير المؤمنين ألّا تضرب، وأن يضرب كلّ من يرفعك حدّين: فقال: واللّه لأنا أشدّ فرحا بهذا من فرحي بالمال [5]، فجزيت خيرا من أخ وصديق؛ وقبض المال فلم يزل يشرب حتى مات، وبقيّته عنده.
يهجو امرأته فتضربه
نسخت من كتاب الحزنبل المشتمل على شعر عمّار وأخباره:
أنّ عمّارا ذا كبار كانت له امرأة يقال لها دومة بنت رباح، وكان يكنّيها أمّ عمّار وكانت قد تخلّقت بخلقه في شرب الشّراب والمجون والسّفه، حتى صارت [6] تدخل/ الرجال عليها وتجمعهم على الفواحش، ثم حجّت في إمارة يوسف بن عمر [7] فقال لها عمار:
اتقي اللّه قد حججت وتوبي ... لا يكوننّ ما صنعت خبالا
ويك يا دوم لا تدومي على الخم ... ر ولا تدخلي عليك الرّجالا
إنّ بالمصر يوسفا فاحذريه ... لا تصيري للعالمين نكالا
وثقيف إن تثقفنك بحدّ ... لم يساو الإهاب منك قبالا [8]
/قد مضى ما مضى وقد كان ما كا ... ن وأودى الشّباب منك فزالا
__________
[1] «المختار»: «قد غشي بصره».
[2] «المختار»، خد: «يكسب بشعرك أحدا خيرا».
[3] خد: «يا بن الفاعلة».
[4] «المختار»: «ما دار معي منها درهم».
[5] ف: «أشد فرحا به مني بالمال».
[6] «المختار»، خد: «حتى يدخل الرجال إليها».
[7] «المختار»: «في إمارة مخرمة بن عمرو».
[8] «المختار»:
«و ثقيف إن ثقفتك ... ... ... لا يساوي»
والقبال: سير في النعل بين الإصبع الوسطى والتي تليها.
يشكو جاريته للأمير فينتصف له منها:
قال: فضربته دومة وخرّقت ثيابه [1]، ونتفت لحيته، وقالت: أتجعلني غرضا لشعرك؟ فطلّقها واشترى جارية حسناء، فزادت في أذاه وضربه غيرة عليه، فشكاها إلى يوسف بن عمر، فوجّه [2] إليها بخدم من خدمه، وأمرهم بضربها وكسر نبيذها، وإغرامها ثياب عمّار، ففعلوا ذلك، وبلغوا منها الرّضا لعمّار، فقال في ذلك عمّار:
إنّ عرسي لا هدا ها ... [3] اللّه بنت لرباح
كلّ يوم تفزع ال ... جلّاس منها بالصّياح
وربوخ [4] حين تؤتى ... وتهيّا للنّكاح
كلب دبّاغ عقور ... هرّ من بعد نباح
ولها لون كداجي اللّي ... ل من غير صباح
/ ولسان صارم كالسّي ... ف مشحوذ النّواحي
يقطع الصّخر ويفري ... ه كما تفري المساحي
عجّل اللّه خلاصي ... من يديها وسراحي
تتعب الصّاحب والجا ... ر وتبغي من تلاحي
زعمت أنّي بخيل ... وقد أخنى بي سماحي
ورأت كفّي صفرا ... من تلادي ولقاحي
كذبت بنت رباح ... حين همّت باطّراحي
حاتم لو كان حيّا ... عاش في ظلّ جناحي
ولقد أهلكت مالي ... في ارتياحي وسماحي
ثم ما أبقيت شيئا ... غير زادي [5] وسلاحي
وكميت بين أشطا ... ن جواد ذي مراح
يسبق الخيل بتقريب [6] ... وشدّ كالرّياح
ثم غارت وتجنّت ... وأجدّت في الصيّاح
لابتياعي أملح النّسو ... ان من فيء [7] الرّماح
__________
[1] خد: «و مزقت ثيابه».
[2] «المختار»: «فوجه بحرس فضربوها».
[3] «المختار»:
«لا فداها اللّه»
[4] ب، س: «و زنوخ» والبيت ساقط من «التجريد». والربوخ المرأة يغشى عليها عند الجماع والزنوخ: المتغيرة الرائحة.
[5] خد، «المختار»: «غير داري».
[6] التقريب: عدو دون الإسراع.
[7] «التجريد»: «لابتياعي أحسن النسوان». وف ب، س: «من قنى الرماح».
دمية المحراب حسنا ... وحكت بيض الأداحي [1]
هي أشهى [2] لصدى الظّ ... مآن من برد القراح
/ قلت: يا دومة بيني ... إنّ في البين صلاحي
فأنا اليوم طليق ... من إساري ذو أرتياح [3]
لست عمّن ظفرت كفّ ... ي بها اليوم بصاح
أنا مجنون بريم مخ ... طف الخصر رداح [4]
مشبع الدّملج والخلخال ... جوّال الوشاح
/ أنّ عمّار بن عمرو ... ذا كبار ذو امتداح
وهجاء سار في النّ ... اس لا يمحوه ماحي
أبدا ما عاش ذو ... روح ونودي بالفلاح
بينه وبين بائع الرؤوس
قال: وكان لعمّار جار يبيع الرّؤوس يقال له غلام أبي داود، فطرق عمّارا قوم كانوا يعاشرونه ويدعونه فقالوا:
أطعمنا واسقنا، ولم يكن عنده شيء يومئذ، فبعث إلى صاحب الرءوس يسأله أن يوجّه إليه بثلاثة أرؤس ليعطيه ثمنها إذا جاءه شيء، فلم يفعل، فباع قميصا له واشترى للقوم ما يصلحهم وشربوا عنده، فلما أصبح القوم خرج إلى المحلّة، وأهلها مجتمعون، فأنشأ يقول:
غلام لأبي داو ... د يدعى سالق الرّوس
وفي حجزته قمل ... كأمثال الجواميس
[5] فمن ذا يشتري الرّو ... س وقد عشّش في الرّوس
رءوس قد أراحت ... كرءوس في النّواويس [5]
/تحاكي أوجه الموتى ... وريحا كالكرابيس [6]
ينقّي القمل [7] منهنّ ... إذا باع بتدليس
قال: فشاعت الأبيات في النّاس، فلم يقرب أحد ذلك الرجل، ولا اشترى منه شيئا، فقام من موضعه ذلك، وعطّل حانوته.
__________
[1] الأداحي جمع أدحى، وهو مبيض النعام في الرمل.
[2] خد، «التجريد»:
«هي أشفى لصدى الظمآن»
[3] هذا البيت من ف، خد.
[4] الريم: الظبي الخالص البياض. مخطف الخصر ومخطوفه: ضامره. وامرأة رداح: ضخمة الردف، سمينة الأوراك.
(5 - 5) البيتان: من خد.
[6] خد: «و ريح كالجرانيس» والكراييس: جمع كرياس، وهو الكنيف، فعيال من الكرس سمي كرياسا لما يعلق به من الأقذار فيركب بعضه بعضا.
[7] خد: «ينقي الدود».
بينه وبين الأمير خالد بن عبد اللّه
قال: وحضر عمّار ذو كبار مع همدان [1] لقبض عطائه، فقال له خالد بن عبد اللّه: ما كنت لأعطيك شيئا. فقال: ولم أيّها الأمير؟ قال: لأنك تنفق مالك في الخمور والفجور، فقال: هيهات ذلك، وهل بقي لي أرب في هذا وأنا الذي أقول:
أير [2] عمّار أصبح ال ... يوم رخوا قد انكسر
ألداء يرى به ... أم من الهمّ والضّجر؟
أم به أخذة فقد ... تطلق الأخذة النّشر
فلئن كان قوّس الي ... وم أو عضّه الكبر
فلقد ما قضى ونا ... ل من الّلذّة الوطر
ولقد كنت منعظا ... وأبدا [3] قائم الذّكر
وأنا اليوم لو أرى [4] ... الحور عندي لما انتشر
/ ساقط رأسه على ... خصيتيه به زور
كلمّا سمته النّهو ... ض إلى كوّة [5] عثر
قال: فضحك خالد، وأمر له بعطائه، فلمّا قبضه قضى منه دينه، وأصلح حاله، وعاد لشأنه، وقال:
أصبح اليوم أير عمّا ... ر [6] قد قام واسبطرّ
أخذ الرّزق فاستشا ... ط قياما من البطر
فهو اليوم كالشّظا ... ظ من النّعظ والأشر
يترك القرن في المك ... رّ صريعا وما فتر
يشرع العود للطّع ... ان إذا انصاع ذو الخور [7]
سلم نعم الضّجيع أن ... ت لنا [8] ليلة الخصر
/ ليلة الرّعد والبرو ... ق [9] مع الغيم والمطر
ليتني قد لقيتكم ... في خلاء من البشر [10]
__________
[1] ب، س، و «المختار»: «و حضر عمار مع همدان».
[2] خد: «ابن عمار».
[3] «المختار»: «دائما» بدل: «و أبدا».
[4] «المختار»، خد: «لو رأى الحور».
[5] «المختار»: «إلى وكره».
[6] خد: «ابن عمار».
[7] ب، و «المختار»:
«إذا انساع ذو الحور»
[8] «المختار»: «أنت له». والخصر: البرد.
[9] «المختار»:
«ليلة البرق والرعود»
[10] ب، س: «مع البشر».
فنشرنا حديثنا ... عندكم كلّ منتشر
خاليا ليلة التّما ... م بسلمى إلى السّحر
فهي كالدّرّة النّقيّ ... ة والوجه كالقمر
دندان صديقة يتخلى عنه وسط الفرات
قال: وخرج عمّار في بعض أسفاره، ومعه رجل يعرف بدندان، فلما بلغا إلى الفرات نزلا على قرية يقال لها ناباذ، وأراد العبور فلم يجدا معبرا [1] فقال له دندان: أنا أعبرك، فنزل معه [1] ما توسّطا الفرات خلّى عنه، فبعد جهد مّا نجا، فقال عمّار في ذلك:
كاد دندن بأن يجعلني ... يوم ناباذ طعاما للسّمك
قلت: دندان أغشني فمضى ... وأنا أعلو وأهوي في الدّرك
ولقد أو قعني في ورطة ... شيّبت رأسي وعاينت الملك
ليت دندان بكفّي أسد ... أو قتيلا ثاويا فيمن هلك
بين عمار وخالد القسري
أخبرني أبو الحسن الأسديّ قال: حدّثنا محمد بن صالح بن النطّاح، عن أبي اليقظان قال:
دخل عمّار ذو كبار على خالد القسريّ بالكوفة، فلمّا مثل بين يديه صاح به: أيّها الأمير [2]:
أخلقت ريطتي [3] وأودى القميص ... وإزاري والبطن طاو خميص
قال: خالد: فنصنع ماذا؟ ما كلّ من أخلقت ثيابه كسوناه فقال:
وخلا منزلي فلا شيء فيه ... لست ممّن يخشى [4] عليه الّلصوص
فقال له خالد: ذلك من سوء فعلك وشربك الخمر بما تعطاه، فقال:
واستحلّ الأمير حبس عطائي ... خالد إنّ خالدا لحريص
/ فقال خالد وقد غضب: على ماذا ثكلتك أمّك؟ قال:
ذو اجتهاد على العبادة والخي ... ر ولكن في رزقنا تعويص [5]
فقال: على ما ذا تقبض العطاء ولا غناء فيك عن المسلمين؟ فقال:
رخّص اللّه في الكتاب لذي العذ ... ر وما عند خالد ترخيص
فقال: أو لم نرخّص لذي العذر أن يقيم ويبعث مكانه رسولا؟ فقال:
__________
(1 - 1) تكملة من ف. خد. وأعبرك: أقطع بك النهر من شاطىء إلى شاطى ء.
[2] خد: «أيها الملك».
[3] الريطة: كل ثوب لين رقيق.
[4] ب، س:
«تنحى عليه ص اللص»
[5] في رزقنا تعويص أي شدة.
كلّف البائس الفقير بديلا ... هل له عنه معدل أو محيص!
العليل الكبير ذا العرج الظا ... لع أعشى بعينه تلحيص [1]
يا أبا الهيثم المبارك جد لي ... بعطاء ما شانه تنغيص
وبرزقي فإننا قد رزحنا ... من ضياع وللعيال بصيص
كبصيص الفرخين ضّمهما العشّ ... وغاذيهما أسير فنيص
قال: فدمعّت عينا خالد، فأمر له بعطائه.
و [2] هذه الأبيات من قصيدة يقول فيها:
وترى البيت مقشعرّا قواء [3] ... من نواحيه دورق وأصيص
وبجاد ممزّق وخوان ... ندرت رجله وأخرى رهيص [4]
ولقد كان ذا قوائم ملس ... تؤكل اللّحم فوقه والخبيص [5]
/شطنت هكذا شوارد بالمص ... ر وعنّي لم يلهه التّربيص [6]
وتولّى في كلّ بحر وبرّ ... همّه العرس فيه والتّحصيص [7]
متعال عليّ اخر محبو ... ريغاديه بطّة ومصوص [8]
وشواء ملهوج ورؤوس ... وصيود قد حازها الّتقنيص [9]
ثمّ لا بدّ يلتقي الوزن بالقس ... ط لدى الحشر فاحذروا أن يبوصوا [10]
أكثروا الملك جانبا واجمعوه ... سوف يودي [11] بذلك التنقيص
يمدح عاصم بن عقيل فيدفع إليه جبته
ونسخت من كتاب الحزنبل:
أنّ عمّارا وقف على عاصم بن عقيل بن جعدة بن هبيرة المخزوميّ فقال له:
__________
[1] التلحيص: التصاق شفري العين من الرمص. وفي ب. س: «بعينه تنحيص».
[2] بقية القصيدة، وهي تسعة أبيات أثبتناها من نسختي: ف، خد، وهي ساقطة من بقية النسخ.
[3] بيت قواء: لا أنيس به.
[4] البجاد: كساء مخطط. ورهيص: واهن.
[5] الخبيص: الحلواء المخلوطة بالسمن والتمر.
[6] التربيص: المكث والانتظار.
[7] خد:
«و ابتناه في كل بر وبحر ... ... والتجصيص»
والعرس: الإقامة في الفرح. والتحصيص: الظهور.
[8] خد:
«ناعم متك على الخز»
بدل:
«متعال على آخر محبور»
والمصوص: طعام من لحم يطبخ وينقع في الخل أو لحم من الطير خاصة. ويغاديه: يباكره.
[9] وشواء ملهوج: لم ينضج. وصيود: جمع صيد، وهو ما يصاد. والتقنيص: الصيد.
[10] يبوصوا: يهربوا ويستتروا.
[11] خد: «المال» بدل «الملك». «يردي» بدل «يودي».
/
عاصم يا بن عقيل ... أفسح العالم باعّا
وارث المجد قديما ... ساميا ينمي ارتفاعا
عن هبير وابنه جع ... دة فاحتلّ التّلاعا
فقال له عاصم: أسمعت يا عمّار فقل فقد أبلغت في الثّناء [1]، فقال:
/اكسني أصلحك الل ... ه قميصا وصقاعا [2]
وأرحني من ثياب ... باليات تتداعى
طال ترقيعي لها حت ... ى لقد صارت رقاعا
كلّها لا شيء فيها ... غير قمل تتساعى
لم تزل تولي الذي ير ... جوك برّا واصطناعا
فنزع عاصم جبّة كانت عليه، وأمر غلامه فجعل تحتها قميصا ودفعها إليه، وأمر له بمائتي درهم.
قصيدته الذالية كثيرة المرذول ولكنها مضحكة
فأمّا القصيدة الذّالية، التي استحسنها الوليد، وسأل حمّادا الرّاوية عنها فإنها كثيرة المرذول، ولكنها مضحكة طيّبة من الشّعر المرذول [3] وفيها يقول:
أنت وجدا بها كمغض ... ي جفون [4] على القذى
لم يقل قائل من النّ ... اس قولا كنحو ذا [5]
تحت حرّ وصلته ... صار شعرا [6] مهذّذا
قول عمّار ذي كبا ... ر فيا حسن ما احتذى
علّلاني بذكرها ... واسقياني محذّذا
تترك الأذن سخنة ... أرجوانا بها خذا [7]
يتغزل بقصيدة جيدة
ومن صالح شعره قوله:
__________
[1] خد: «أبلغت في البناء».
[2] الصقاع: ما يقي الرأس من العمامة والخمار والرداء.
[3] خد: «الشعر الدون».
[4] خد، «المختار»: « ... كمغض جفونا ... على قذى».
[5] أثبتنا هذا البيت من ف، خد، «المختار».
[6] ب، س:
«صار سعدا مهذذا»
بدل الشطر الثاني. وفي «المختار»:
«بحت حبي وصلته»
بدل الشطر الأول.
[7] روى البيت في «اللسان» (خذا).
تدع الأذن سخنة ... ذا احمرار بها خذا
والخذا: الاسترخاء. وفي «المختار»:
«يترك الأذن شربها»
وفي ب، س:
«تترك الأذن شرعا»
شجا قلبي غزال ذو ... دلال واضح السّنّه
أسيل الخدّ مربوب ... وفي منطقه غنّه
ألا إنّ الغواني قد ... برى جسمي هواهنّه
وقالوا: شفّك الحور ... هوى قلت لهم: إنّه
ولكنّي على ذاك ... معنّى بأذاهنّه [1]
أراح اللّه عمّارا ... من الدّنيا ومنهنّه
بعيدات قريبات ... فلا كان ولا كنّه
فقد أذهل منّي العقل ... والقلب شجا هنّه
يمنّين الأباطيل ... ويجحدن الذي قلنه
يتغزل بقصيدة أخرى ميمية طويلة
[2] وقوله أيضا:
يا دوم دام صلاحكم ... وسقاك ربّي صفوة الدّيم
من كلّ دان مسبل هطل ... متتابع سحّ من الرّهم [3]
ترد الوحوش إليه سارعة ... والطير أفواجا من القحم [4]
قلقلت من وجد بكم كبدي ... وصدعت صدعا غير ملتئم
وتركتني لعواذلي غرضا ... كالّلحم متّركا على الوضم [5]
/برح الخفاء وقد علمت به ... إني لحبّك غير مكتتم
أخفيته حتّى وهي جلدي ... وبرى فؤادي واستباح دمي
يا أحسن الثّقلين كلّهم ... وأتمّ من يخطو على قدم
يصبوا الحليم لحسن بهجتها ... ويزيده ألما إلى ألم
تفترّ عن سمطين من برد ... متفلّج عن حسن مبتسم [6]
كالأقحوان لغبّ سارية ... جنح العشاء ينير في الظّلم
حمّ الّلثات يروق ناظره ... ما عيب من روق ولا قصم [7]
__________
[1] ب، س: «معنى بأذاكنه».
[2] أثبتنا هذه القصيدة من ف، خد، وهي ساقطة من بقية النسخ.
[3] أسبل السحاب: أمطر. وسحاب هطل: متتابع. والرهم جمع رهمة: المطر الدائم أيضا.
[4] القحم جمع قحمة، وهو القحط.
[5] الوضم: ما وقي به اللحم عن الأرض من خشب وحصير.
[6] سمطين: تثنية سمط، وهو الخيط ما دام الخرز ونحوه منظوما فيه. ومتفلج: أي منفرج، يصف أسنانها بالاعتدال والحسن.
[7] الروق: طول الأسنان، والقصم: انكسار الثنية من النصف، يؤكد وصف أسنانها بالحسن والجمال.
تؤمي بكفّ رطبة خضبت ... وأنامل ينطفن كالغنم [1]
وبمقلة حوراء ساجية [2] ... وبحاجب كالنّون بالقلم
والجيد منها جيد مغزلة [3] ... تحنو إلى خشف [4] بذي سلم
وكدمية المحراب ماثلة ... والفرع جثل [5] النبت كالحمم
وكأنّ ريقتها إذا رقدت ... راح يفوح بأطيب النسم
رواية أخرى في سبب إنشاء قصيدته التالية
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال: حدّثنا الحسن بن أحمد بن طالب الدّيناريّ قال: حدّثني إسحاق بن إبراهيم الموصليّ، قال:
/ قال حمّاد الراوية:
أرسل الوليد بن يزيد إليّ بمائتي دينار: وأمر يوسف بن عمر بحملي [6]، على البريد، فقلت: يسألني عن مآثر طرفيه قريش أو ثقيف، فنظرت في كتابي ثقيف وقريش حتى حفظتهما، فلما قدمت عليه سألني عن أشعار/ بليّ، فأنشدته منها ما حفظته، ثم قال لي: أنشدني في الشّراب، وعنده قوم من وجوه أهل الشام. فأنشدته لعمّار ذي كبار:
أصبح القوم قهوة ... في أباريق تحتذى
من كميت مدامة ... حبّذا تلك حبّذا
تترك الأذن شربها ... أرجوانا بها خذا
فقال: أعدها، فأعدتها، فقال لخدمه: خذوا آذان القوم، قال: فأتينا بالشراب فسقينا حتى ما درينا متى [7] نقلنا، ثم حملنا فطرحنا في دار الضّيفان، فما أيقظنا إلا حرّ الشّمس وجعل شيخ من أهل الشّام يشتمني ويقول: فعل اللّه بك وفعل، أنت صنعت بنا هذا.
صوت
شطّت ولم تثب الرّباب ... ولعل للكلف النّواب
نعب الغراب فراعني ... بالبين إذ نعب الغراب
عروضه من الضرب الثالث [8] العروض الثالثة [8] من الكامل.
والشعر: لعبد اللّه بن مصعب الزّبيريّ، والغناء، لحكم الوادي، ثاني ثقيل بإطلاق الوتر في مجرى البنصر، عن إسحاق.
__________
[1] العنم: نبات أملس دائم الخضرة، ثمره أحمر يشبه به البنان المخضوب.
[2] ساجية: ساكنة.
[3] المغزلة: الظبية لها غزال فهي دائمة النظر إليه.
[4] الخشف: ولد الظبية أول ما يولد.
[5] الجثل: الطويل الغليظ الملتف.
[6] ب، س: يحملني على البريد».
[7] ب، س: «متى حملنا فطرحنا».
(8 - 8) تكملة من ب، س.
17 - أخبار عبد اللّه بن مصعب ونسبه
اسمه ونسبه
عبد اللّه بن مصعب بن ثابت بن عبد اللّه بن الزّبير بن العوّام بن خويلد بن أسد بن عبد العزّى بن قصيّ بن كلاب ابن مرّة بن كعب بن لؤيّ بن غالب.
شاعر فصيح خطيب ذو عارضة وبيان واعتبار [1] بين الرجال وكلام في المحافل، وقد نادم أوائل الخلفاء من بني العبّاس، وتولىّ لهم أعمالا، وكان خرج مع محمد بن عبد اللّه بن الحسن بن الحسين بن علي بن أبي طالب بالمدينة على أبي جعفر المنصور فيمن خرج من آل الزبير، فلمّا قتل محمد [2] استتر عنه وقيل: بل كان استتاره مدّة يسيرة إلى أن حجّ [3] أبو جعفر المنصور وآمن النّاس جميعا فظهر.
المهدي يكتب شعره إعجابا به
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء، قال: حدّثنا الزّبير بن بكّار، قال: حدّثنا عمّي وفليح بن إسماعيل، عن الربيع ابن يونس بن محمد بن أبي فروة قال:
دخلت على المهديّ، وإذا هو يكتب على الأرض بفحمة قول عبد اللّه بن مصعب:
فإن يحجبوها أو يحل دون وصلها ... مقالة واش أو عيد أمير
فلن يمنعوا عينيّ من دائم البكا ... ولن يخرجوا [4] ما قد أجنّ ضميري
وما برح الواشون [5] حتى بدت لنا ... بطون الهوى مقلوبة لظهور
إلى اللّه أشكو ما ألاقي من الجوى ... ومن نفس يعتادني وزفير
/ ويقول أحسن واللّه عبد اللّه بن مصعب ما شاء.
وهذه الأبيات تنسب إلى المجنون أيضا؛ وفيها بيتان فيهما غناء ليزيد حوراء خفيف رمل بالوسطى من رواية عمرو بن بانة، ويقال: إنه للزّبير بين دحمان، وذكر حبش أنّ فيهما لإسحاق خفيف ثقيل أوّل بالوسطى.
يهوى جارية من بني أبي بكر وتهواه
أخبرني/ أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ قال: حدّثنا عمر بن شبّة؛ قال: حدّثني محمد بن الحسن بن زياد.
__________
[1] ف، خد: «و اعتنان من الرجال».
[2] «المختار» «محمد بن عبد اللّه بن الحسن».
[3] خد: «صفح أبو جعفر».
[4] خد:
«و لن يحجبوا»
[5] «المختار»:
«و ما برح الوسواس»
ونسخت [1] هذا الخبر من كتاب أبي سعد العدويّ [2]، عن أبي الطّرمّاح مولى آل مصعب بن الزّبير من أهل ضريّة، وروايته أتمّ.
أنّ عبد اللّه بن مصعب لمّا ولي اليمامة مرّ بالحوأب يوما - وهو ماء لبني أبي بكر بن كلاب، وهو ألذي ذكره النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم لعائشة [3] - فرأى على الماء جارية منهم، فهويها وهويته، وقال:
يا جمل للواله المستعبر الوصب ... ماذا تضمّن من حزن ومن نصب؟
أنّى أتيحت له للحين جارية ... في غير ما أمم منها ولا صقب [4]
جارية من أبي بكر كلفت بها ... ممّن يحلّ من الحصّاء والحوب [5]
من غير معرفة إلا تعرّضها ... حينا لذلك إن الحين مجتلبي
قامت تعرّض لي عمدا فقلت لها: ... يا عمرك اللّه، هل تدرين ما حسبي
/ [6] بين الحواريّ والصّدّيق في نسب ... ينهى عن الفحش مثلي غير مؤتشب [7]
ولا أدبّ إلى الجارات منسربا ... تاللّه إني لعزهاة [8] عن الرّيب 6
فخطبها، وكانت العرب لا تنكح الرجل [9] امرأة شبب بها قبل خطبته، فلم يزوّجوها إياه، فلما يئست منه قالت:
إذا خدرت رجلي ذكرت ابن مصعب ... فإن قيل عبد اللّه، خفّ فتورها
ألا ليتني صاحبت ركب ابن مصعب ... إذا ما مطاياه اتلأبّت [10] صدورها
لقد كنت أبكي واليمامة دونه ... فكيف إذا التفّت عليه قصورها؟
قال أبو الطّرمّاح في خبره: وكان [11] لها إخوة شرش غير فقتلوها.
أخبرنا ببعض هذه القصة ابن عمار، عن أحمد بن سليمان بن أبي شيخ، عن أبيه، عن أبي عمر الزّهري، وذكر الشّعرين جميعا والألفاظ قريبة.
__________
[1] ب، س: «و سمعت هذا الخبر».
[2] ب، س: «من كتاب أبي سعد، عن العذري» وفي خد: «من كتاب أبي سعيد العدوي».
[3] «لعائشة» تكملة من «المختار».
[4] ب، س: «في غير ما أمم منها ولا كثب». وفي خد: «من غير ما أمم» والأمم: اليسير القريب التناول. والصقب: المجاور.
[5] الحوب: تخفيف الحوأب: والحصاء والحوأب من مياه أبي بكر بن كلاب. وانظر «معجم البلدان»: (الحصاء) و (الحوأب) وفي ب، س: «ممن يحل من الحصباء والحوأب، وفي خد: «ممن يحل على الحصباء والحوب».
(6 - 6) تكملة من ف، خد.
[7] انتشبوا: تجمعوا واختلطوا.
[8] دب: مشى مشيا رويدا، انسرب في الدار: دخلها، والعزهاة: العازف عن اللهو والنساء يقول: لا أبيح لنفسي التسلل إلى جاراتي مستبيحا الحرمات لعزوفي عن النساء واللهو.
[9] خد: «لا تنكح المرأة من الرجل شبب ... ».
[10] ب:
«تلاقت صدورها»
[11] «المختار»: «و كان لها إخوة شرس فقتلوها».
ملاحاة بينه وبين رجل من ولد عمر أمام المهدي
وأخبرني أحمد بن عبيد اللّه [1] بن عمّار، قال: حدّثني عليّ بن محمد النّوفلي عن أبي عمر الزّهري، قال:
حدّثني أبي:
أنّ عبد اللّه بن مصعب خاصم رجلا من ولد عمر بن الخطّاب بحضرة المهديّ، فقال له عبد اللّه بن مصعب:
أنا ابن صفيّة، قال، هي أدنتك من الظّلّ ولولاها لكنت/ ضاحيا وكنت بين الفرث والحويّة [2]. قال: أنا ابن الحواريّ [3] قال له العمريّ: بل أنت بن وردان المكاري [3] قال: وكان يقال: إنّ أمّه كانت تهوى رجلا يكرى الحمير يقال له وردان، فكان [4] من يسبّه ينسبه إليه، وقال فيه الشّاعر:
أتدعى حواريّ الرّسول سفاهة [5] ... وأنت لوردان الحمير سليل
فقال: واللّه لأنا بأبي أشبه من التمرة بالتمرة والغراب بالغراب، قال له العمري: كذبت، وإلا فأخبرني ما بال آل الزّبير ثطّ اللّحى [6] وأنت ألحى [7] ومالهم [8] سمرا جعادا وأنت أحمر سبط؟ قال: ألي تقول هذا يا بن قتيل أبي لؤلؤة قال العمريّ: يا بن قتيل ابن جرموز على ضلالة، أتعيّرني أن قتل أبي رجل نصرانيّ وهو أمير المؤمنين قائما يصليّ في محرابه وقد قتل أباك رجل مسلم بين الصّفّين [9] يدفعه عن باطل، ويدعوه إلى حق، فأنا أقول: رحم اللّه ابن جرموز، فقل أنت: رحم اللّه أبا لؤلؤة، ثم أقبل على المهديّ فقال:
ألا تسمع يا أمير المؤمنين ما يقول عائد الكلب في عمر بن الخطاب، وقد عرفت ما كانت بينه وبين أبيك العبّاس بن عبد المطلب [10] ابنه عبد اللّه من المودّة، وتعلم ما بين [10] /جده/ عبد اللّه بن الزّبير، وبين جدّك عبد اللّه [11] ابن العباس من العداوة فأعن [12] يا أمير المؤمنين أولياءك على أعدائك، فوثب رجل من آل طلحة، فقال له: يا أمير المؤمنين، ألا تكفّ هذين السّفيهين عن تناول أعراض أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وآله؟ وتكلّم النّاس بينهما وتوسّطوا كلامهما وأكثروا، فأمر المهديّ بكفّهما والتّفريق بينهما.
كان يلقب عائد الكلب
قال النّوفليّ: وكان عبد اللّه بن مصعب يلقّب عائد الكلب لقوله:
__________
[1] ب، س: «أحمد بن عبد العزيز بن عمار».
[2] «المختار»: «و كنت بين الحية والعقرب». والفرث: بقايا الطعام في الكرش، والحوية: ما تحوي من الأمعاء.
(3 - 3) تكملة من ف، «المختار».
[4] «المختار»: «فكان يسب نسبه إليه» وفي خد: «فكان من ينسبه ينسبه إليه».
[5] «المختار»: «تخرصا».
[6] ب، س «قط الشعر» والثط: جمع الأثط، وهو الخفيف شعر اللحية.
[7] «و أنت الحى» تكملة من ف، و «المختار»، والألحى: الطويل اللحية.
[8] «المختار»: «و ما بالهم سمرا ... ».
[9] ب، س: «من صفين».
(10 - 10) تكملة من ف، خد، و «المختار».
(11 - 11) تكملة من ف، خد.
[12] «المختار»: «فأعز يا أمير المؤمنين ... ».
مالي مرضت فلم يعدني عائد ... منكم ويمرض كلبكم فأعود؟
وأشدّ من مرضي عليّ صدودكم ... وصدود عبدكم [1] عليّ شديد
فلقّب عائد الكلب:
قال ابن عمّار: هكذا حفظي عن النوفليّ، وقد يزيد القول وينقص.
لحكم الوادي في هذين البيتين الّلذين أولهما:
مالي مرضت فلم يعدني عائد ... منكم ويمرض كلبكم فأعود
لحنان خفيف ثقيل بالوسطى، عن إبراهيم وحبش، ورمل بالوسطى عن الهشامي [2].
يحسد الأحيحي على إقبال المهدي عليه
أخبرنا أحمد بن عبيد اللّه بن عمّار [3]، قال: حدّثني أحمد بن سليمان بن أبي شيخ، قال:
أنشد الأحيحيّ المهديّ قصيدة مدحه بها، وكان عبد اللّه بن مصعب حاضرا، فحسده على إقبال المهديّ عليه، وكان المهديّ يحبّه، فجعل يخاطب المهديّ ويحدّثه،/ فقال له: أمسك فما يشغلني كلامك عنه، فقطع الأحيحيّ الإنشاد، ثم أقبل على المهديّ فقال له:
عبد مناف أبو أبوّتنا ... وعبد شمس وهاشم توم
بحران خرّ العّوام بينهما ... فالتطما والبحار [4] تلتطم
فقال له المهديّ: كذاك هو، فدع هذا المعنى وعد إلى ما كنت فيه، وخجل عبد اللّه فما انتفع بنفسه يومئذ.
قال ابن عمّار: فحدّثني بعض شيوخنا قال:
كنت عند مصعب بن عبد اللّه الزّبيري [5] يوما وقد جرى [6] ذكر الأحيحي، فأنشدته هذين البيتين، فتغيّر لونه، ثم قال لي: نعم، قد كان خاطب أبي بهما فأمضّه، فلمّا قمنا عنه قال لي: ويحك، أتنشد رجلا كنت تتعلّم منه وتأخذ عنه هجاء في أبيه؟
فقلت له: دعني فإني أحببت أن أغضّ من كبره قال: وكان في مصعب [7] بعض ذلك.
صوت
زارت سليمى وكان الحيّ قد رقدا [8] ... ولم تخف من عدو كاشح رصدا
لقد وفت لك سلمى بالذي وعدت ... لكنّ عقبة لم يوف الذي وعدا
__________
[1] خد، «التجريد»: «و صدود كلبكم».
[2] ف: «الهاشمي».
[3] ب، س «أحمد بن عبد العزيز بن عمار».
[4] «المختار»:
«فالتطماه والبحر يلتطم»
[5] ب، س: «عبد اللّه بن الزبير».
[6] خد: «و قد مر بي ذكر الأحيحي».
[7] خد: «و كان في مصعب ذلك».
[8] خد، ف:
«زارتك سلمى وكالى السجن قد رقدا»
عروضه من البسيط، الشعر لابن مفرّغ الحميريّ، والغناء لابن سريج رمل بالوسطى عن أحمد بن المكيّ، وفيه لعواد لحن من كتاب [1] إبراهيم غير مجنّس.
وقد تقدّمت أخبار ابن مفرّغ مستقصاة فيما قبل هذا من الكتاب، فاستغنى عن إعادتها هاهنا وإعادة شيء منها، إذ كان قد مضى منها ما فيه كفاية وللّه الحمد [2].
صوت
ما شأن عينك [3] طلّة الأجفان [4] ... ممّا تفيض مريضة الإنسان
/ مطروفة تهمي الدّموع كأنّها ... وشل تشلشل دائم التّهتان
الشعر لعمارة بن عقيل، والغناء لمتيّم ثاني ثقيل بالوسطى.
__________
[1] ب، س: «ذات إبراهيم».
[2] سبقت «ترجمة ابن مفرغ» مستقصاة في «الجزء الثامن عشر» من هذه الطبعة: ولم يرد بيتي الصوت هذين ضمن الترجمة مع وجود قصيدة على الوزن والقافية.
[3] «التجريد»:
«ما بال عينك»
[4] في خد:
«طلة الأحزان»
18 - أخبار عمارة ونسبه
اسمه ونسبه
عمارة هو ابن عقيل بن بلال بن جرير بن عطية بن الخطفي [1]، وقد تقدم [2] نسبه ونسب جدّه في أول الكتاب، ويكنى عمارة أبا عقيل، شاعر [3] مقدّم فصيح، وكان يسكن بادية البصرة، ويزور الخلفاء في الدولة العباسية فيجزلون صلته، ويمدح قوّادهم وكتّابهم [4] فيحظى منهم بكل فائدة، وكان النّحويّون بالبصرة يأخذون عنه اللّغة.
أشد استواء في شعره من جرير
أخبرني عليّ بن سليمان الأخفش قال: سمعت محمد بن يزيد يقول: ختمت الفصاحة في شعر [5] المحدثين بعمارة بن عقيل.
أخبرني محمد بن عمران الصيّرفيّ، والحسن بن عليّ، والصّوليّ قالوا: حدّثنا الحسن بن عليل الغنزيّ قال:
سمعت سلم بن خالد بن معاوية بن أبي عمرو بن العلاء يقول:
كان جدّي أبو عمرو يقول: ختم الشّعر بذي الرّمّة، ولو رأى جدّي عمارة بن عقيل لعلم أنه أشعر في مذاهب الشعراء من ذي الرّمّة.
قال العنزيّ؛ ولعمري لقد صدق.
وسمعت سلما يقول: هو أشدّ استواء في شعره من جرير، لأنّ جريرا سقط [6] في شعره وضعف، وما وجدوا لعمارة سقطة واحدة في شعره.
قال العنزيّ: وحدّثني أحمد بن الحكم بن بشر بن أبي عمرو بن العلاء قال:
/ أتيت عمارة أسأله عن شيء أكتبه عنه، فقال لي: من أنت؟ فقلت أنا ابن الحكم [7] بن بشر بن أبي عمرو ابن العلاء فقال لي: كان أبوك صديقي، ثم أنشدني:
بنى لكم العلاء بناء صدق ... وتعمر ذاك يا حكم بن بشر
__________
[1] «المختار»: «بن عطية الخطفي».
[2] خد: «و قد تقدم نسب جده».
[3] «المختار»: «شاعر بادية البصرة».
[4] «و كتابهم»: تكملة من ف، «المختار، التجريد».
[5] س، ب: «في شعراء المحدثين».
[6] خد: «أسقط في شعره».
[7] ب، س: «أنا ابن أخيك. أنا أبو بشر بن أبي عمرو».
فما مدحي لكم لأصيب مالا ... ولكن مدحكم زين لشعري
كان هجاء خبيث اللسان
حدّثني محمد بن يحيى الصّوليّ قال: حدّثنا أبو ذكوان قال: حدّثنا أبو محلّم قال:
هجا عمارة بن عقيل امرأة، ثم أتته في حاجة [1] بعد ذلك، فجعل يعتذر إليها، فقالت له: خفّض عليك يا أخي، فلو صرّ [2] الهجاء أحدا لقتلك وقتل أباك وجدّك.
قال مؤلّف هذا الكتاب [3]:
وكان عمارة هجّاء خبيث الّلسان، فهجا [4] فروة بن حميصة الأسديّ وطال [5] التّهاجي بينهما، فلم يغلب أحدهما صاحبه [6] حتى قتل فروة.
ما هاجى شاعرا إلا كفي مؤونته
وأخبرني محمد بن يحيى قال:
حدّثنا أبو ذكوان قال: قال لي عمارة: ما هاجيت شاعرا قطّ إلا كفيت مؤونته في سنة أو أقلّ من سنة، إمّا أن يموت، أو يقتل، أو أفحمه، حتى هاجاني أبو الرّدينيّ العكليّ، فخنقني [7] بالهجاء، ثم هجا بني نمير فقال:
أ توعدني لتقتلني نمير ... متى قتلت نمير من هجاها؟
/ فكفانيه بنو نمير فقتلوه، فقتلت بنو عكل - وهو يومئذ ثلاثمائة رجل - أربعة آلاف رجل من بني نمير.
وقتلت لهم شاعرين: رأس الكلب [8] وشاعرا آخر.
المأمون يقف على ما وقع بينه وبين فروة بن حميصة
أخبرني محمد بن يحيى الصّوليّ قال: حدّثني العنزي قال:
حدّثني محمد بن عبد اللّه بن آدم العبديّ قال: حدّثني عمارة بن عقيل قال:
كنت جالسا مع المأمون، فإذا أنا بهاتف يهتف من خلفي ويقول:
/نجّى عمارة منّا أنّ مدّته ... فيها تراخ وركض السّابح النّقل
ولو ثقفناه أوهينا جوانحه ... بذابل من رماح الخطّ معتدل
فإنّ أعناقكم للسّيف محلبة [9] ... وإنّ مالكم المرعيّ كالهمل
__________
[1] ف: «في حاجته».
[2] خد: «فلو قتل الهجاء ... ».
[3] خد: «قال أبو الفرج الأصفهاني».
[4] خد: «فهجاه فروة .. ».
[5] ف: وطالت المدة بينهما في التهاجي».
[6] ب، س: «فلم يغلب أحدهما على صاحبه».
[7] ب، ف: «فخبثني».
[8] خد: «رأس الكبش».
[9] ب، س: «مختلة» وفي خد: «مخلية».
إذ لا يوطّن عبد اللّه مهجته ... على النّزال ولا لصّا بنى حمل
قال: وهذا الشّعر لفروة بن حميصة فيّ. قال: فدخلني من ذلك ما اللّه يعلمه [1]، وما ظننت أنّ شعر فروة وقع إلى من هنالك [2]، ثم خرج عليّ بن هشام من المجلس وهو يضحك، فقلت: يا أبا الحسن، أتفعل بي مثل هذا وأنا صديقك؟ فقال: ليس عليك في هذا شيء، فقلت: من أين وقع إليك شعر فروة؟ [3] قال: وهل بقي كتاب إلا وهو عندي؟ فقلت: يا أمير المؤمنين، [4] أهجى في دارك وبحضرتك؟ فضحك، فقلت: يا أمير المؤمنين [4] أنصفني، فقال: دع هذا وأخبرني بخبر هذا الرجل، وما كان بينك وبينه فأنشدته قصيدتي فيه، فلما انتهيت إلى قولي:
/ما في السّوية أن تجرّ عليهم ... وتكون يوم الرّوع أوّل صادر
أعجب المأمون هذا البيت فقال لي، المأمون: ألهذه القصيدة نقيضة؟ قلت: نعم، قال: فهاتها، فقلت له:
أؤذي سمعي بلساني؟ فقال: عليّ ذلك، فأنشدته إياها، فلما بلغت إلى قوله:
وابن المراغة جاحر [5] من خوفنا ... باد بمنزلة [6] الذّليل الصّاغر
يخشى الرّياح بأن تكون طليعة ... أو أن تحلّ به عقوبة قادر [7]
فقال لي. أوجعك يا عمارة، فقلت: ما أوجعته به أكثر.
بيت من شعره يقضي على منافسه فروة
أخبرني محمد قال: حدّثني الحسن قال: حدّثني محمد بن عبد اللّه بن آدم قال: حدّثني عمارة قال: إنما قتل فروة قولي له:
ما في السّويّة أن تجرّ عليهم ... وتكون يوم الرّوع أوّل صادر
فلما أحاطت به طيّىء وقد كان في معاذ وموئل، وكان كثير الظّفر بهم [8] كثير العفو عمّن قدر عليه منهم، فقالوا له: واللّه لا عرضنا لك ولا أوصلنا إليك سوءا فامض لطيّتك [9] ولكنّ الوتر معك فإن لنا فيهم ثأرا، فقال فروة: فأنا إذا كما قال ابن المراغة:
ما في السّويّة أن تجرّ عليهم ... وتكون يوم الرّوع أوّل صادر
/ فلم يزل يحمي أصحابه وينكي [10] في القوم حتى اضطرّهم إلى قتله، وكان جمعهم أضعاف جمعه [11].
__________
[1] ب. س. خد: «ما قد علمه اللّه».
[2] ب، س، خد: «وقع إلى ما هناك».
[3] «شعر فروة»: تكملة من ف.
(4 - 4) تكملة من ف.
[5] ب: «جاحد».
[6] ب، س، خد:
«بالوشم منزلة الذليل الصاغر»
[7] ب، س: «بادر».
[8] خد: «و كان كريم الظفر فيهم».
[9] ب، س: «لكلمتك».
[10] نكى العدو وفيه نكاية: قتل وجرح.
[11] «المختار»: «و كان جمعهم مثل جمعه أضعافا».
[1] أخبرني محمد قال: حدّثني الحسن قال: حدّثني محمد بن عبد اللّه بن آدم قال:
قيل لعمارة: أقتلت فروة؟ فقال: واللّه ما قتلته ولكني أقتلته أي سبّبت له سببا قتل به [1].
المأمون يلومه على مبالغته في وصف نفسه بالكرم
أخبرني محمد قال: حدثنا الحسن قال: حدّثني محمد بن عبد اللّه قال: حدّثني عمارة قال:
رحت إلى المأمون، فكان ربما قرّب إليّ الشيء من الشّراب أشربه بين يديه، وكان يأمر بكتب كثير مما أقوله، فقال لي يوما: كيف قلت: قالت مفدّاة؟ ونظر إليّ نظرا منكرا، فقلت [2]: يا أمير المؤمنين، مفدّاة امرأتي، وكانت نظرت إليّ وقد أفتقرت [3] وساءت حالي، قال: فكيف قلته؟ فأنشدته:
قالت مفدّاة لمّا أن رأت أرقي ... والهمّ يعتادني من طيفه لمم [4]
أنهبت [5] مالك في الأدنين آصرة ... وفي الأباعد حتى حفّك العدم
فاطلب إليهم تجد ما كنت من حسن ... تسدي إليهم فقد ثابت لهم صرم [6]
/فقلت: عاذلتي، أكثرت لائمتي ... ولم يمت حاتم هزلا ولا هرم [7]
/قال: فنظر إليّ المأمون مغضبا وقال: لقد علت همّتك أن ترقى بنفسك إلى هرم وقد خرج من ماله في إصلاح قومه.
عمرو بن مسعدة يأذن له بالانصراف ويعطيه ألف درهم
أخبرني محمد بن يحيى الصّوليّ قال: حدّثني [8] العنزيّ قال: حدّثني محمد بن عبد اللّه قال: حدثنا [8] عمارة قال:
استشفعت بعليّ بن هشام في أن يؤذن لي في الانصراف، فقال: ما أفعل ذلك لأنك [9] تنشد أمير المؤمنين إذا خلوت به وتخبره عن وقائعك وفعالك [10] ثم تخبره أنّك مظلوم، وقد أخذ هذا أمير المؤمنين عليك. ثم تذاكرنا [11] فقال: أما تذكر أبا الرّازي حين أوقع بقومك وأوقعوا به، ثم تدخل على أمير المؤمنين مغضبا فتقول:
__________
(1 - 1) تكملة من ف، خد، «المختار».
[2] ب، س: قال: هي امرأتي نظرت إلي وقد افتقرت ... ».
[3] خد: «و قد أوذيت».
[4] «المختار»:
«من طيفه ألم»
[5] خد: «أنهيت». وفي ب، س: «نهبت».
[6] الصرم جمع صرمة. وهي القطعة من الإبل أو النخل. وفي ب. س. «التجريد»: «فقد بانت بهم حرم». وفي «المختار»: «فقد بانت لهم حرم».
[7] روى في ب، س:
فقلت عاذل قد أكثرت لائمتي ... ولم يمت حاتم عذلا ولا هرم
(8 - 8) تكملة من ف، خد.
[9] ب، س: «أنت تنشد أمير المؤمنين».
[10] ب، س: «و فعلك».
[11] خد: «ثم تذكر أبا الرازي حين أوقع بقومك».
علام نزار الخيل تفأى رءوسنا [1] ... وقد أسلمت مع النّبيّ نزار؟
وهي أبيات قالها حين قتلهم أبو الرّازي - وكان عمارة قد خرج من عند المأمون فنظر إلى رؤوس أصحابه، فدخل فأنشد هذا البيت - قال: وأكره أن تتبعك [2] نفسي أمير المؤمنين فيجد على من كلمه فيك، فعليك بعمرو بن مسعدة وأبي عبّاد فإنّهما يكتبان [3] بين يدي أمير المؤمنين، ويخلوان معه ويمازحانه، فأتيت أبا عبّاد/ فذكرت له التشوّق [4] إلى العيال، وسألته الاستئذان، فصاح في وجهي وقال: مقامك أحبّ إلى أمير المؤمنين من ظعنك، وما أفعل ما يكرهه [5] فذهبت من فوري إلى عمرو بن مسعدة، فدخلت عليه وهو يختضب، فشكوت إليه الأمر فقال:
يا أبا عقيل، لقد أذنت لك في ساعة ما أظهر فيها لأحد، ولي حاجة، قلت: وما هي؟ قال: ألف درهم تجعل لك في كيس تشتري بها عبدا يؤنسك في طريقك، ولست أقصّر فيما تحبّ. فتلعثمت ساعة وتلكأت، فقال: حقّا، لئن لم تأخذها لا كلمتك، فأخذتها وانصرفت وأنا أقول:
عمرو بن مسعدة الكريم فعاله ... خير وأمجد من أبي عبّاد
من لم يزمزم والداه ولم يكن ... بالرّيّ علج بطانة وحصاد [6]
بصّرته سبل الرّشاد فما اهتدى ... لسبيل مكرمة ولا لرشاد [7]
وعرفت إذ علقت يدي بعنانه ... أنّي علقت عنان غير جواد
[8] لو كان يعلم إذ يشيح تحرّقي ... في كلّ مكرمة ولين قيادي
عرف المصدّق رأيه أني امرؤ ... يفني العطاء طرائفي وتلادي [8]
وأصون عرضي بالسّخاء إن غدت ... غبر المحاجر شعّثا أولادي
أبو حاتم السجستاني يراجعه في اللغة
أخبرني محمد بن يحيى قال: حدّثنا العنزي قال: حدّثني سلم بن خالد قال:
/ أنشد عمارة قصيدة له، فقال فيها: الأرياح والأمطار، فقال له أبو حاتم السّجستاني: هذا لا يجوز، إنّما هو الأرواح، فقال:
لقد جذبني إليها طبعي، فقال له أبو حاتم: قد اعترضه علمي، فقال: أما تسمع قولهم [9]: رياح؟ فقال له أبو حاتم: هذا خلاف ذلك، قال: صدقت، ورجع [10].
__________
[1] فأي رأسه: فلقة. وفي ب، س: «تفأى رءوسها».
[2] خد: «و أكره أن معك نفس أمير المؤمنين ... ».
[3] خد: «يكثران».
[4] خد؛ «الشوق».
[5] خد: «ما يكره أمير المؤمنين».
[6] ف:
« .. بظارة وحصاد»
[7] ب، س، خد:
«فما انتهى»
بدل:
«فما اهتدى»
«و لا إرشاد»
بدل:
«لرشاد»
(8 - 8) تكملة من ف، خد.
[9] خد: «قولي».
[10] ذكر «اللسان» (روح) و «المصباح» هذه الحكاية وصوب جمع ريح على أرياح.
يمدح الواثق فيأمر له بخلعه وجائزة:
حدّثنا محمد بن يحيى قال: حدّثنا الحسن، قال: حدثنا العنزيّ، قال:
قدم عمارة البصرة أيّام [1] الواثق، فأتاه علماء البصرة وأنا معهم وكنت غلاما فأنشدهم قصيدة يمدح فيها [2] الواثق فلمّا بلغ إلى قوله:
وبقيت في السّبعين أنهض صاعدا ... فمضى لداتي كلّهم فتشعّبوا
بكى على ما مضى من عمره، فقالوا له: أملها علينا، قال: لا أفعل حتى أنشدها أمير المؤمنين، فإني مدحت رجلا مرّة بقصيدة فكتبها منّي رجل ثم سبقني بها إليه، [3] ثم خرج إليّ الواثق [3] فلما قدم أتوه وأنا/ معهم فأملاها عليهم.
ثم حدّثهم فقال: أدخلني إسحاق بن إبراهيم على الواثق، فأمر لي بخلعة وجائزة فجاءني بهما خادم، فقلت:
قد بقي من خلعتي [4] شيء قال: وما بقي؟ قلت: خلع عليّ المأمون خلعة وسيفا. فرجع إلى الواثق/ فأخبره، فأمره بإدخالي، فقال: يا عمارة، ما تصنع بسيف؟ أتريد أن تقتل به بقيّة الأعراب الذين قتلتهم بمقالك [5]؟ قلت: لا واللّه يا أمير المؤمنين ولكن لي شريك في نخيل [6] لي باليمامة، ربما خانني فيه فلعلي أجرّبه عليه، فضحك وقال:
نأمر لك به قاطعا، فدفع إليّ سيفا من سيوفه.
النخعي يصله بالمأمون فيمدحه وينال جائزة
أخبرنا الصّوليّ قال: حدّثني يزيد بن محمد المهّلبيّ قال:
حدّثني النّخعيّ قال:
لما قدم عمارة إلى بغداد قال لي: كلّم لي المأمون - وكان النّخعيّ من ندماء المأمون - قال: فما زلت أكلّمه حتى أوصلته إليه، فأنشده هذه القصيدة:
حتّام قلبك بالحسان موكل ... كلف بهنّ وهنّ عنه ذهّل؟
فلما فرغ قال لي: يا نخعيّ، ما أدري أكثر ما قال إلا أن أقيسه [7]، وقد أمرت له لكلامك فيه بعشرين ألف درهم.
يقدم خالد بن يزيد على تميم بن خزيمة
حدّثني الصّوليّ، قال: حدّثني الحسن، قال: حدّثني محمد بن عبد اللّه بن آدم العبديّ قال:
كانت بنو تميم اجتمعت ببغداد على عمارة حين قال شعره الذي يقدّم فيه خالد بن يزيد على تميم بن خزيمة،
__________
[1] ب، س: «على الواثق».
[2] ب، س: «يمدح بها الواثق».
(3 - 3) تكملة من ف، «التجريد»، خد.
[4] ب: «خلعي».
[5] خد، «التجريد»: «الذين قتلهم بغا».
[6] ب، س: «شريك في تحصيلي من اليمامة».
[7] ب، س: «إلا أنا نشك». وفي ف: «أن أفتشه».
فقالوا له: قطع اللّه رحمك وأهانك وأذلّك، أتقدّم غلاما من ربيعة على شيخ من بني تميم، تميم بن خزيمة، وهو مع ذلك من بيت تميم؟ ولاموه، فقال:
/صهوا يا تميم إنّ شيبان وائل ... بطرفهم عنكم أضنّ وأرغب [1]
أ أن سمت برذونا بطرف غضبتم ... علىّ وما في السّوق والسّوم مغضب
فإن أكرمت أو أنجبت أمّ خالد ... فزند الرّياحيّين أورى وأثقب [2]
قال: ثمّ حدّثنا عمارة قال: قال لي عليّ بن هشام - وفيه عصبيّة على العرب - : قد علمت مكانك منّي، وقيامي بأمرك، حتى قرّبك أمير المؤمنين المأمون، والمائة [3] الألف التي وصلتك أنا سببها، وهاهنا من بني عمّك من هو أقرب إليك، وأجدر أن يعينني على ما قبل [4] أمير المؤمنين لك، فقلت: ومن هو؟ قال: تميم بن خزيمة، قال: قلت: إيه، قال: وخالد بن يزيد بن مزيد، قلت: سآتيهما، فبعث معي شاكريّا [5]، من شاكريّته، حتى وقف بي على باب تميم، فلمّا نظر إليّ غلمانه أنكروا أمري [6] فدنا الشّاكريّ فقال: أعلموا الأمير أنّ على الباب ابن جرير الشّاعر جاء [7] مسلمّا فتوانوا، وخرج غلام أعرف أنه غلام الأمير، فحجبني [8]، فدخلني من ذاك ما اللّه به عالم، فقلت للشّاكريّ: أين منزل خالد؟ فقال: اتبعني فما كان إلا قليلا حتى وقف بي على بابه، ودخل بعض غلمانه يطلب الإذن، فما كان إلا قليلا حتى خرج في قميصه وردائه، يتبعه حشمه. فقال لي بعض القوم: هذا خالد/ قد أقبل إليك، قال: فأردت أن أنزل إليه، فوثب وثبة فإذا هو معي آخذ بعضدي يريد أن أتكىء عليه، فجعلت أقول:
جعلني اللّه فداك، أنزل، فيأبى حتى أخذ بعضدي، فأنزلني وأدخلني، وقرّب إليّ الطعام والشراب، فأكلت وشربت، وأخرج إليّ خمسة آلاف درهم وقال: يا أبا عقيل، ما آكل إلا بالدّين، وأنا على جناح من ولاية أمير المؤمنين، فإن صحّت لي، لم أدع أن أغنيك، وهذه خمسة أثواب خزّ قد آثرتك بها، كنت قد ادّخرتها، قال/ عمارة، فخرجت وأنا أقول:
[9] أأترك إن قلّت دراهم خالد ... زيارته إني إذا للئيم [9]
فليت بثوبيه لنا كان خالد ... وكان لبكر بالثّراء تميم
فيصبح [10] فينا سابق متمهّل ... ويصبح في بكر أغمّ يهيم
__________
[1] روى في ب، س:
أصعرا بما قدمت شيبان وائل ... بطرف على شيخ أضن وأرغب
[2] روى في ب، س:
فإن أكرمتنا أنجبت أم خالد ... فزند الحصينيين أورى وأثقب
[3] ب، س: «و المائة الألف التي أتت على بسببك».
[4] قبل: كفل.
[5] الشاكري: معرب جاكر. وهو المستخدم.
[6] ف: «أنكروني».
[7] خد: «ابن جرير الشاعر جالسا مسلما».
[8] ب، س: «يحجبني».
(9 - 9) تكملة من ف، خد.
[10] خد: «فيسبق».
فقد يسلع المرء اللئيم اصطناعه ... ويعتلّ نقد المرء وهو كريم
[1] قال اليزيديّ: يسلع: أي تكثر سلعته. والسّلعة: المتاع [1] أخبرني الصّوليّ، قال: حدّثني الحسن قال: حدّثني محمد بن عبد اللّه قال: حدّثني عمارة قال:
لمّا بلغ خالد بن يزيد هذا الشّعر قال لي: يا أبا عقيل، أبلغك أنّ أهلي يرتضون منّي ببديل كما رضيت بنو تميم بتميم بن خزيمة؟ فقلت: إنما طلبت حظّ نفسي وسقت مكرمة إلى أهلي لو جاز ذلك، فما زال يضاحكني.
ما هجى به
أخبرني الصّوليّ قال: حدّثنا الحسن قال:
سمعت عبد اللّه بن محمد النّباجيّ يقول: سمعت عمارة يقول: ما هجيت بشيء أشدّ علي من بيت فروة:
وابن المراغة جاحر من خوفنا ... بالوشم منزلة الذّليل الصّاغر
يمدح خالد بن زيد فيوجب علية حقا
أخبرني محمد بن يحيى قال: حدّثني الحسن بن عليل العنزيّ، قال: حدّثني النّباجيّ قال:
لمّا قال عمارة يمدح خالدا:
تأبى خلائق خالد وفعاله ... إلّا تجنّب كلّ أمر عائب
فإذا حضرت الباب عند غدائه ... أذن الغداء لنا برغم الحاجب
لقيه خالد فقال له: أوجبت واللّه عليّ حقّا ما حييت.
أجود شعره ما هجا به الأشراف
قال العنزيّ: وسمعت سلم بن خالد يقول: قلت لعمارة: ما أجود شعرك؟
قال: ما هجوت به الأشراف. فقلت: ومن هم؟ قال: بنو أسد، وهل هاجاني أشرف [2]، من بني أسد؟
[3] قال: العنزيّ: وحدّثني أبو الأشهب الأسديّ من ولد بشر بن أبي خازم قال:
لمّا أنشد فروة بن حميصة قول عمارة فيه:
ما في السّويّة أن تجرّ عليهم ... وتكون يوم الرّوع أوّل صادر
قال: واللّه ما قتلني إلا هذا البيت.
/ فلمّا تكاثرت عليه الخيل يوم قتل قيل له: انج بنفسك، قال: كلّا واللّه، لا حقّقت قول عمارة، فصبر حتى قتل.
وكان فروة من أحسن النّاس وجها وشعرا وقدّا، لو كان امرأة لانتحرت عليه بنو أسد:
__________
(1 - 1) تكملة من ف.
[2] ب. س: «هل هاجاني أشر من بني أسد».
[3] هذا الخبر من ف: «المختار»: ساقط من ب. س.
ابن السكيت يصف هجاءه بأنه أكرم هجاء
أخبرني محمد بن يحيى الصّوليّ، قال: حدّثني العنزيّ، قال:
حدّثني عليّ بن مسلم قال: أنشدت يعقوب بن السّكيت قصيدة عمارة التي ردّ فيها على رجاء بن هارون أخي بني تيم اللات بن ثعلبة التي أوّلها:
حيّ الدّيار كأنّها أسطار ... بالوحي يدرس صحفها الأخبار
لعب البلى بجديدها وتنفّست ... عرصاتها الأرواح والأمطار
قال أبو عليّ: وهذا البيت الذي أخطأ فيه عمارة فقال: الأرياح، فردّه عليه أبو حاتم السّجستانيّ وهو يتغيّظ - فلما بلغ إلى قوله:
وجموع أسعد إذ تعضّ [1] رؤوسهم ... بيض يطير لوقعهنّ شرار
حتى إذا عزموا الفرار وأسلموا ... بيضا حواصن ما بهنّ قرار
لحقت حفيظتنا بهنّ ولم نزل ... دون النّساء إذا فزعن نغار
قال ابن السّكّيت: للّه درّه، ما سمعت هجاء قط أكرم من هذا.
ينقل من شعره القديم بعد أن كبر
أخبرني محمد بن يحيى قال:
وفد عمارة عل المتوكل، فعمل فيه شعرا، فلم يأت بشيء، ولم يقارب، وكان عمارة قد اختلّ وانقطع في آخر عمره، فصار إلى إبراهيم بن سعدان/ المؤدّب، وكان قد روى عنه شعره القديم كله، فقال له: أحبّ أن تخرج إليّ أشعاري كلها لأنقل ألفاظها [2] إلى مدح الخليفة، فقال: لا واللّه أو تقاسمني جائزتك، فحلف له على ذلك، فأخرج إليه شعره، وقلب قصيدة إلى/ المتوكل، وأخذ بها منه عشرة آلاف درهم، وأعطى إبراهيم بن سعدان نصفها، واللّه أعلم.
صوت
تفرّق أهلي من مقيم وظاعن ... فللّه درّي أيّ أهلي أتبع
أقام الّذين لا أبالي فراقهم ... وشطّ الذين بينهم أتوقّع [3]
الشعر للمتلمس، والغناء لمتيم خفيف ثقيل بالوسطى.
__________
[1] ب، س: «نقض رءوسهم».
[2] خد: «لأنقل ألفاظي».
[3] «الديوان» 154 ط مجلة معهد المخطوطات.
شط: بعد، يريد: بعد الذين أحبهم.
19 - أخبار المتلمس ونسبه [1]
سبب تسميته المتلمس
المتلمس لقب غلب عليه ببيت قاله وهو:
فهذا أوان العرض جنّ ذبابه ... زنابيره والأزرق المتلمّس [2]
اسمه ونسبه
واسمه جرير بن عبد المسيح بن عبد اللّه بن دوفن بن حرب بن وهب بن جليّ بن أحمس بن ضبيعة بن ربيعة ابن نزار.
ضبيعات العرب كلها من ربيعة
قال ابن حبيب فيما أخبرنا به عبد اللّه بن مالك النحوي عنه:
ضبيعات العرب ثلاث كلّها من ربيعة: ضبيعة بن ربيعة وهم هؤلاء، ويقال: ضبيعة أضجم، وضبيعة بن قيس ابن ثعلبة، وضبيعة بن عجل بن لجيم.
قال: وكان العز والشرف والرآسة على ربيعة في ضبيعة أضجم، وكان سيدها الحارث بن الأضجم، وبه سمّيت ضبيعة أضجم، وكان يقال للحارث حارث الخير بن عبد اللّه بن دوفن بن حرب، وإنما لقّب بذلك لأنه أصابته لقوة [3]، فصار أضجم، ولقّب بذلك، ولقّبت به قبيلته.
ثم انتقلت الرّآسة عن بني ضبيعة فصارت في عنزة، وهو عامر بن أسد بن ربيعة بن نزار، وكان يلي ذلك فيهم القدار أحد بني الحارث بن الدّول بن صباح بن عتيك بن أسلم بن يذكر بن عنزة.
/ ثم انتقلت الرآسة عنهم، فصارت في عبد القيس فكان يليها فيهم الأفكل وهو عمرو.
هنا انقطع ما ذكره الأصفهاني رحمه اللّه [4].
تم الكتاب والحمد للّه
__________
[1] سقطت هذه الترجمة من «نسخة بولاق»، وذكرت في «نسختي ميونيخ 24659، 24665» في موضعين مختلفين. وآثرنا ذكرها في آخر الكتاب لنقصها.
[2] «الديوان» - 123.
جن ذبابه: كثر ونشط. الأزرق: ذباب ضخم أخضر يكون في الرياض وزنابيره مرفوع على البدل، وذباب الروض قد تسمى الزنابير.
[3] اللقوة: دار يعرض للوجه، يعوج منه الشدق.
[4] لا ندري لم اقتصر أبو الفرج على هذا القدر القصير من الترجمة للمتلمس وكان لديه ولا شك من أخباره ما يستطيع أن يذكر عنه أضعاف هذا المقدار. وقد كتب أحد الأدباء مكملا الترجمة، كتب عنه بين أخواله، وفي معاتبته لبنى ذهل، وفي هجائه لعمرو بن هند، ثم ذكر خبره ومعه طرفة عند عمرو بن هند، ولحاقة بالشام؛ ليحرض قوم طرفة على الثأر له بعد أن قتله عمرو بن هند، واختتم الترجمة، بالأمثال في شعره.
واستطرد بين هذه الأخبار؛ فذكر حديثا طويلا عن بيهس، وآخر عن صحيفة الفرزدق، وكذا قرع العصا وادعاء القبائل فيمن بدأ به.
وقد رأينا أن نقتصر على ما كتبه أبو الفرج حتى يخلص كتاب «الأغاني» لمؤلفه. ومن شاء الوقوف على التكملة فليرجع إلى الجزء الذي جمعه المستشرق برنوط ليدن أو «الجزء الثالث والعشرين» ط بيروت.
مراجع التحقيق
وقد استعنا بالكتب الآتية [1] في تصحيح هذا الكتاب نذكرها مرتبة حسب الحروف الهجائية:
حرف الألف
1 - أخبار أبي نواس طبع مصر.
2 - الاشتقاق لابن دريد.
3 - الأمالي والنوادر لأبي علي القالي.
4 - الأنساب للسمعاني.
حرف الباء
5 - بدائع الزهور لابن إياس.
6 - بغية الوعاة للسيوطي.
حرف التاء
7 - التاج للجاحظ.
8 - تاريخ ابن جرير الطبري.
9 - تقريب التهذيب في أسماء الرجال للحافظ بن حجر العسقلاني.
10 - تهذيب التهذيب في أسماء الرجال له أيضا.
حرف الحاء
11 - الحماسة الصغرى لأبي تمام المعروفة بالوحشيات.
حرف الخاء
12 - خزانة الأدب للبغدادي.
13 - الخصائص لابن جني.
14 - خلاصة تذهيب تهذيب الكمال في أسماء الرجال لصفيّ الدين الخزرجي.
__________
[1] هذا غير معاجم اللغة وكتب النحو والصرف.
حرف الدال
15 - ديوان أبي تمام.
16 - ديوان جرير.
17 - ديوان الحماسة لأبي تمام الطائي.
18 - ديوان عمر بن أبي ربيعة.
19 - ديوان الفرزدق.
20 - ديوان النابغة الذبياني.
حرف الزاي
21 - زهر الآداب للحصري.
حرف السين
22 - سبائك الذهب في معرفة قبائل العرب للشيخ محمد أمين البغدادي.
حرف الشين
23 - شرح الأشعار الستة للأعلم الشنتمري.
24 - شرح ديوان الحماسة للتبريزي.
25 - شفاء الغليل للشهاب الخفاجي.
حرف الصاد
26 - صبح الأعشى للقلقشندي.
حرف الطاء
27 - طبقات النحاة البصريين لأبي سعيد السيرافي.
حرف العين
28 - العقد الثمين في دواوين الشعراء الستة الجاهليين.
29 - العقد الفريد لابن عبد ربه.
30 - العمدة لابن رشيق القيرواني.
حرف الفاء
31 - فهرست ابن النديم.
حرف الكاف
32 - الكامل لابن الأثير.
33 - الكامل للمبرد.
34 - كتاب البخلاء للجاحظ.
35 - كتاب الحيوان للجاحظ.
36 - كتاب سيبويه.
حرف اللام
37 - اللآلىء المصنوعة في الأحاديث الموضوعة للسيوطي.
38 - لطائف المعارف لأبي منصور الثعالبي.
حرف الميم
39 - ما يعوّل عليه في المضاف والمضاف إليه للمحبّي.
40 - المثل السائر لابن الأثير الجزري.
41 - مجمع الأمثال للميداني.
42 - المحاسي والمساوىء للبيهقي.
43 - المخصص لابن سيده.
44 - مسالك الأبصار لابن فضل اللّه العمري.
45 - المسالك والممالك لابن خرداذبه.
46 - المشتبه في أسماء الرجال للحافظ الذهبي.
47 - المعارف لابن قتيبة.
48 - معاهد التنصيص لعبد الرحيم العباسي.
49 - معجم الأدباء لياقوت.
50 - معجم البلدان لياقوت.
51 - معجم ما استعجم لأبي عبيد البكري.
52 - المعرّب للجواليقي.
53 - المغني في أسماء الرجال للشيخ محمد طاهر الهندي المطبوع بهامش تقريب التهذيب.
54 - مفردات ابن البيطار.
55 - الملل والنحل للشهرستاني.
56 - الموشح لأبي عبيد اللّه المرزباني.
حرف النون
57 - نفح الطيب للمقرّي.
58 - النهاية في غريب الحديث لابن الأثير.
59 - نهاية الأرب للنويري.
حرف الواو
60 - وفيات الأعيان لابن خلكان.
فهرس موضوعات الجزء الرابع والعشرون
الموضوع الصفحة
خبر عبد اللّه بن أبي العلاء ... 189
نسب أمية بن أبي عائذ وأخباره ... 192
أخبار عبد اللّه بن أبي معقل ونسبه ... 195
ذكر نسب القطامي وأخباره ... 200
خبر وقعة ذي قار ... 224
أخبار القحيف ونسبه ... 243
أخبار الفند الزماني ونسبه ... 249
أخبار عبد اللّه بن دحمان ... 252
أخبار المتنخل ونسبه ... 254
أخبار أبي صخر الهذلي ونسبه ... 260
أخبار يحيى بن طالب ... 277
أخبار عروة بن حزام ... 283
أخبار القتال ونسبه ... 299
أخبار أبي العيال ونسبه ... 318
نسب الراعي وأخباره ... 323
أخبار عبد اللّه بن مصعب ونسبه ... 344
أخبار المتلمس ونسبه ... 358
فهرس الموضوعات ... 363
الجزء الخامس والعشرون
الفهارس العامة
1 - فهرس الشعراء.
2 - فهرس رجال السند.
3 - فهرس المغنين.
4 - فهرس رواة الألحان.
5 - فهرس الأعلام.
6 - فهرس الأمم والقبائل والجماعات.
7 - فهرس أسماء الأماكن.
8 - فهرس القوافي.
9 - فهرس أنصاف الأبيات.
10 - فهرس أيام العرب ووقائعهم.
11 - فهرس الأمثال.
فهرس الشعراء
أ
آدم بن عبد العزيز 15/ 286 - 287 - 288 - 289 - 290 - 291 - 292 - 294 - 295 - 297
أبان بن عبد الحميد 4/ 45 - 406، 10/ 48، 23/ (شعره في ترجمته 154 - 167)
أبان اللاحقي 13/ 227
الأبح بن مرة 20/ 220 - 221
إبراهيم بن أبي محمد اليزيدي 20/ (شعره في ترجمته 249 - 256) 248 - 249 - 250 - 251 - 252 - 253 - 255 - 256 - 257، 23/ 116
إبراهيم بن إسماعيل بن يسار 4/ 412 - 427
إبراهيم بن الأشتر 17/ 335
إبراهيم بن بشير بن سعد 16/ 52
إبراهيم بن الحسن 11/ 351 - 353
إبراهيم بن العباس 10/ (أخباره 43 -
68) - 211 - 220 221، 20/ 271
إبراهيم بن المدبر 22/ (شعره في ترجمته 156 - 185)
إبراهيم بن هرمة 2/ 80، 4/ 232 - 70، 347 - 366 - 367 - 369 - 370 - 371 - 372 - 374 - 375 - 377 - 378 - 379 - 380 - 381 - 387 - 388 - 390 - 392 - 393 - 382 - 386 - 394 - 395 - 6/ 98 - 99 - 100 - 101 - 102 - 103 - 104 - 106 - 107 - 108 - 109 - 110 - 111 - 112 - 113 - 114 - 115 - 116 - 119 - 208
ابن أبي أمية 4/ 87 - 88
ابن أبي جمعة 11/ 194 - 21/ 359
ابن أبي حفصة 5/ 264
ابن أبي رميلة الضبي 9/ 268
ابن أبي الزوائد 14/ 120 - 130 15/ 34
ابن أبي سعد 14/ 330
ابن أبي الشيص 20/ 173
ابن أبي عتيق 19/ 63
ابن أبي عقب 7/ 71
ابن أبي عيينة 20/ (شعره في ترجمته 74 - 118) 79 - 81 - 82 - 84 - 86 - 87 - 88 - 90 - 91 - 92 - 93 - 94 - 95 - 96 - 98 - 101 - 102 - 103 - 104 - 105 - 106 - 107 - 108 - 109 - 112 - 113 - 114 - 115 - 116 - 117
ابن الأحب العدواني 14/ 150
ابن الأحمر 15/ 96 - 101
ابن الأحنف 5/ 210، 8/ 358 - 359
ابن أذينة 1/ 282
ابن الأفريقي 8/ 120
ابن الأنباري 8/ 9
ابن البواب 7/ 149، 23/ (شعره في ترجمته 27 - 44)
ابن جذل الطعان 16/ 61
ابن جندب 6/ 153 - 155
ابن الخياط 3/ 151، 20/ (شعره في ترجمته 1 - 12) 2 - 3 - 4 - 6 - 8 - 9 - 12
ابن دريد 10/ 59
ابن الدمينة 12/ 47، 13/ 73، 17/ (شعره في ترجمته 92 - 106)، 22/ 76
ابن الدمينة الخثعمي 9/ 218
ابن ذريح - قيس بن ذريح 5/ 193 - 208
ابن ربيح 4/ 374 - 376 - 382 - 383 - 386
ابن الرقاع 3/ 278
ابن رهيمة المدني 2/ 217 - 4/ 401 - 404 - 405 6/ 10 - 14، 10
/166، 14/ 171، 21/ 195
ابن الرومي 3/ 241، 10/ 59، 23/ 153
ابن زعبل 20/ 99
ابن زهير المخنث 3/ 36
ابن زيابة 19/ 18
ابن سيابة 5/ 170 - 256، 12/ 87
ابن شهاب الزهري 9/ 146
ابن الصعق العامري 22/ 192
ابن الضحاك - حسين بن الضحاك 5/ 190
ابن الطثرية 17/ 130
ابن عباد 7/ 62
ابن عباد الرازي 17/ 317
ابن عبدل الأسدي 16/ 214 - 219
ابن عنقاء الفزاري 19/ 208 - 209
ابن العزيزة النهشلي 11/ 277 - (أخباره 278 - 280)
ابن عمارة السلمي 1/ 288 - 289
ابن عنمة الضبي 15/ 100
ابن عيينة المهلبي 4/ 84
ابن الفريعة 4/ 144
ابن قتيبة 2/ 289 - 312، 12/ 35
ابن قرد خنزير التيمي 24/ 79
ابن قنبر 14/ 161 - 163 - 164 - 165 - 168 - 377
ابن قيس الرقيات - عبد اللّه بن قيس الرقيات 1/*، 3/ 43 - 126 - 313، 4/ 146 - 233 - 295، 8/ 334 - 335، 11/ 175 - 176 - 357، 15/ 139، 17/ (شعره في ترجمته 270 - 276)، 24/ 15
ابن الكوسج 5/ 264 - 265
ابن لجأ 8/ 71 - 72
ابن مالك بن زيد مناة 8/ 27
ابن مخلاة 24/ 29
ابن المراغة 4/ 258، 15/ 343، 8/ 32 - 62
ابن مزاحم الثمالي 6/ 72
ابن مفرغ - يزيد بن ربيعة بن مفرغ - (شعره في ترجمته 253 - 298)
ابن مفرغ الحميري 24/ 24 - 243
ابن مقبل 6/ 72، 13/ 42 - 50، 16/ 17
ابن مناذر - محمد بن مناذر 18/ (شعره في ترجمته 168 - 210)، 23/ 165
ابن المولى 3/ 285 - 286 - 289 -
290 - 291 - 292 - 295 - 297 - 298 - 299 - 301 - 302
ابن ميادة 2/ 170 - 261 - 262 - 263 - 266 - 267 - 268 - 269 - 272 - 274 - 277 - 279 - 280 - 281 - 282 - 283 - 284 - 285 - 286 - 287 - 288 - 289 - 290 - 291 - 292 - 293 - 294 - 295 - 296 - 297 - 298 - 299 - 300 - 302 - 303 - 306 - 307 - 308 - 309 - 310 - 311 - 312 - 313 - 314 - 315 - 319 - 320 - 321 - 322 - 323 - 324 - 325 - 326 - 329 - 330 - 332 - 333 - 334 - 335 - 336 - 337 - 338 - 339 - 340 - 5/ 264 6/ 322.
ابن ميادة الرماح 21/ 284 - 285
ابن النصرانية 8/ 301
ابن النطاح 13/ 42
ابن هرمة - إبراهيم 5/ 259 - 261 - 265، 9/ 43 - 44 - 344، 11/ 68 - 351، 15/ 238، 20/ 12
ابن ياسين 5/ 311 - 341 - 426
ابنة مالك بن بد 17/ 201
ابو الأسد 5/ 256، 14/ 130
ابو الأسود الدؤلي 7/ 248 - 249،
12/ 296، 20/ 364
أبو الأقرع - عبد اللّه بن الحجاج بن محصن بن جندب - 7/ 55
أبو بصير 11/ 6
أبو بكر بن المسور بن مخرمة الزهري 8/ 323
أبو تمام الطائي 4/ 98، 10/ 57، 12/ 53، 13/ 253، 16/ 7 - 382 - 383 - 384 - 385 - 386 - 387 - 388 - 389 - 390 - 391 - 392 - 394 - 395 - 396 - 397 - 398 - 399، 20/ 125 - 130 - 280 - 284، 21/ 48، 23/ 57 - 97 - 105 - 106 - 108 - 115
أبو جعفر - محمد بن حميد الطوسي 10/ 179
أبو جعفر محمد بن يسير البصري 14/ 17 - 20
أبو جلدة 11/ 309 (أخباره 310 - 332)
أبو جندب بن مرة 21/ 224 - 225
أبو جندب الهذلي 7/ 279
أبو جندل 8/ 20 - 29
أبو جهم الكناني 19/ 123
أبو حاتم السجستاني 8/ 356
أبو حبشة 4/ 88
أبو حزابة - الوليد بن حنيفة 22/ (شعره
في ترجمته 259 - 269)
أبو الحسن الينبعي 17/ 101
أبو حشيشة 23/ 80
أبو حفص الشطرنجي 6/ 297، 18/ 70، 22/ (شعره في ترجمته 44 - 50) - 204
أبو حنش 23/ 86
أبو حية النمري 8/ 290، 18/ 204
أبو خراش الهذلي 15/ 315، 21/ (شعره في ترجمته 204 - 228)
أبو خزابة التميمي 6/ 149 - 150
أبو دلامة - زيد بن الجون الأسدي 6/ 240، 10/ (أخباره 235 - 273)
أبو دلف 8/ 248 - 249 - 250 - 254 - 255 - 256 - 257، 19/ 301
أبو دلف العجلي 21/ 55 - 56 - 57 - 92
أبو دهبل الجمحي 1/ 312، 3/ 115، 11 110 - 267 - 313، 6/ 224 7/ 128 - 130، 20/ 372
أبو دهمان الغلابي 22/ (شعره في ترجمته 256 - 258)
أبو دواد الأيادي 16/ 372 - 373 - 374 - 375 - 376 - 377 - 378 - 379 - 380 - 381 - 382، 17/ 199 - 226
أبو ذهيل - زمعة بن أسيد 7/ 113 -
(أخباره 114 - 145)
أبو ذؤيب الهذلي 3/ 332، 6/ 263 -
(ورد في أخباره 264 - 288)، 11/ 172، 24/ 221
أبو الرديني العكلي 24/ 246
أبو زبيد الطائي 4/ 325 - 326، 6/ 211، 12/ 125 - 126
أبو الزناد اليهودي العديمي 22/ 125 - 126
أبو زيد 14/ 147 - 148
أبو سروة السنبسي 13/ 10
أبو سعد المخزومي 20/ 122 - 165 - 166 - 169 - 171 - 172 - 174 - 175
أبو سعيد 4/ 330 - 331 - 332 - 333 - 334 - 335 - 336 - 337 338 - 339 - 341 - 342 - 352 - 353، 8/ 4 - 29
أبو سفيان - صخر بن حرب 6/ 340 -
(ورد في أخباره 341 - 356)
أبو سلمة 9/ 4
أبو سماك الأسدي 13/ 344
أبو السمط 12/ 79
أبو شامة الشاعر 10/ 309
أبو الشبل 14/ 192 - 203 - 204، 19/ 308 - 309
أبو شراعة القيسي 22/ 180 - 181، 23/ (شعره في ترجمته 21 - 25)
أبو الشمقمق 10/ 79، 19/ 276، 20/ 84
أبو شهاب الشاعر 7/ 198 - 199
أبو الشّيص 5/ 229
أبو صالح بن بزداد 23/ 75
أبو صخر الهذلي 5/ 185، 8/ 126، 23/ 245 - 250، 24/ (شعره في ترجمته 108 - 134)
أبو صرمة الأنصاري 9/ 165
أبو طالب بن عبد المطلب 9/ 51، 13/ 5، 18/ 206
أبو طفيل 15/ 146 - 150 - 151 - 152
أبو الطمحان 12/ 347، 13/ 3 - 5 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13، 17/ 298
أبو الطيب المتنبي 2/ 315، 13/ 171
أبو ظبية العكلي 20/ 241
أبو عائذ الهذلي 2/ 223
أبو عازب الكلابي 15/ 195
أبو العباس الأعمى 1/ 22 - 26، 16/ 297 - 306
أبو العبس 23/ (شعره في ترجمته 196 - 204)
أبو العتاهية 3/ 193 - 251 - 252 - 253 - 254 - 368، 4/ (2 - 12) - 7 - 9 - 11 - 16 - 18 - 23 - 27 - 31 - 36 - 39 - 45 - 49 - 53 -
57 - 61 - 66 - 73 - 79 - 84 - 87 - 91 - 95 - 99 - 103 - 107 - 110 - 112 - 119، 5/ 162 - 171 - 241 - 381، 7/ 157 - 176 - 210 - 211 - 229، 8/ 371 10/ 109 - 170 - 192 - 210 11/ 346، 12/ 145 - 146 - 148 - 150، 15/ 277 - 278 - 279 - 280 - 281، 16/ 255، 18/ 173 - 208 - 204 - 242 - 302 - 306 - 307 - 347 - 348، 19/ 225 - 245 - 261 - 262 - 269 - 270 - 276، 20/ 301 - 302 - 303 - 304 - 336، 21/ 75 - 76، 23/ 194
أبو عدي الأموي 11/ 297
أبو العسعاس 18/ 196
أبو عطاء السندي 10/ 240 17/ (شعره في ترجمته 326 - 339)
أبو علي البصير 10/ 211، 23/ 34
أبو عمر أحمد بن المنجم 14/ 201
أبو عمران بن عبد الملك بن عميرة 8/ 39
أبو عمرو بن بدر 18/ 77
أبو عمرو بن العلاء 8/ 9
أبو العميثل 16/ 395
أبو العنبس الصيمري 21/ 50 - 51 - 52 - 53، 23/ 198
أبو العيال الهذلي 2/ 207، 24/ (شعره
في ترجمته 196 - 203)
أبو عيسى بن الرشيد 7/ 169 - 188 - 194، 10/ 186 - (أخباره 187 - 192)
أبو العيص الجرمي 18/ 153
أبو عيينة 5/ 170، 12/ 52
أبو الغول 6/ 85
أبو الفياض سوار بن أبي شراعة 23/ 34 - 35
أبو فراس 8/ 35، 9/ 342
أبو فرعة الكناني 8/ 326
أبو قابوس القطراني 4/ 1 - 9
أبو قطيفة 11/ 3 - 8 - 11 - 21 - 26 - 27 - 28 - 29 - 31
أبو قيس بن الأسلت 3/ 14 - 25، 17/ (شعره في ترجمته 116 - 131)
أبو قيس العنبري 8/ 34
أبو كاهل شبيب 13/ 102
أبو الكثير 14/ 217
أبو كلبة التيمي 24/ 77
أبو ليلى 5/ 10
أبو ليلى الأبيض 21/ 390
أبو ليلى المجاشعي 21/ 389
أبو مالك النضر بن أبي النضر 22/ (شعره في ترجمته 252 - 255)
أبو المثلم 22/ 349 - 350
أبو محجن - مولى خالد القسري 7/ 81 - 131، 18/ 374، 19/ (شعره في
ترجمته 1 - 13) 2 - 3 - 5 - 6 - 7 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13
أبو محجن الثقفي 11/ 274
أبو محلم 7/ 177
أبو محلم النسابة 21/ 85 - 86
أبو محمد - شاعر من جدة - 18/ 240
أبو محمد جعفر بن أحمد السراج 13/ 82
أبو محمد اليزيدي 19/ 271، 20/ (شعره في ترجمته 215 - 239) 215 - 217 - 218 - 219 - 220 - 221 - 222 - 226 - 228 - 229 - 230 - 231 - 236 - 237 - 239 - 240، 23/ 7
أبو المستهل 14/ 99
أبو المسهر 11/ 169 - 171
أبو المضاء الأسدي 18/ 350
أبو معرض 11/ 268
أبو منصور الباخرزي 19/ 307
أبو موسى بن نضير 23/ 12
أبو نجدة 24/ 51 - 52
أبو النجم العجلي 10/ 149 (أخباره 150 - 161)، 20/ 394، 22/ 339
أبو نخيلة الحماني 1/ 265، 20/ 7/100
(شعره في ترجمته 20/ 389 - 422) 389 - 391 - 392 - 393 - 394 - 396 - 397 - 398 - 399 - 400 - 401 - 402 - 403 - 405 - 407 - 408 - 409 - 410 - 411 - 412 - 414 -
417 - 418 - 419 - 421
أبو النشناش 12/ 171 - 172
أبو النضير 3/ 181، 5/ 179 - 181، 11/ 284 (أخباره 285 - 292)
أبو نعاجة 16/ 346
أبو نعامة 18/ 190
أبو نفيس بن يعلى بن منية 12/ 334 - 338
أبو نهشل بن حميد 23/ 114
أبو نواس 3/ 156 - 221، 4/ 12 - 15 - 39 - 70 - 71 - 82 - 84 - 87 - 101 - 105 - 107، 5/ 27 - 228، 6/ 138، 7/ 20 - 146 - 148 - 155 - 156 - 162 - 163 - 174 - 176 - 177 - 183 - 202 - 203 - 213 - 220، 10/ 138 12/ 42، 16/ 25 - 245 - 250 - 255 - 401 - 402 - 303 - 404، 17/ 72، 18/ 173 - 179، 19/ 33 538، 20/ (شعره في ترجمته 60 - 73 60 - 62 - 63 - 64 - 65 - 66 - 67 - 68 - 69 - 70 - 71 - 72 - 93، 21/ 87 - 88 - 89، 23/ 85 - 86 - 88 - 89 - 92 - 93 - 156 - 164
أبو هشام الباهلي 3/ 152 - 141، 4/ 380
أبو الهندي 20/ (شعره في ترجمته 328 -
334) 328 - 329 - 330 - 333
أبو وجزة السعدي 12/ 238 - 240 - 242 - 243 - 244 - 245 - 246 - 247 - 249 - 251 - 252
أبو يزيد المخبل بن ربيعة بن قريع 13/ 15
أبو يعقوب - إسحاق بن حسان بن قوهي الخريمي - 11/ 344
الأبيرد الرياحي 13/ 125 - 126 - 127 - 128 - 129 - 130 - 131 - 132 - 133 - 134 - 136 - 138
أحمد بن أبي داود 23/ 56
أحمد بن أبي طاهر 19/ 305
أحمد بن أبي فنن 20/ 271
أحمد بن إبراهيم الكاتب 13/ 335
أحمد السراج 20/ 159 - 160
أحمد بن سيار الجرجاني 18/ 214
أحمد بن سيار الشيباني 13/ 143
أحمد بن عبد العزيز الجوهري 8/ 4 - 329
أحمد بن عبد اللّه بن عمار 8/ 31
أحمد بن عبد الوهاب 13/ 347
أحمد بن عمرو - أخو أشجع 18/ 236 - 237
أحمد بن محمد بن أبي محمد اليزيدي - أبو جعفر 20/ (شعره في ترجمته 257 - 262) 257 - 258 - 259 - 260 - 261 - 262
أحمد بن المعذل 13/ 249 - 252
أحمد بن هشام 18/ 370
أحمد بن يحيى ثعلب 9/ 214 - 282
أحمد بن يوسف الكاتب 14/ 62 23/ 81، 24/ 2 - 3
الأحوص 1/ 25 - 37 - 86 - 206 - 297 - 303 - 367، 2/ 343 - 378 3/ 282، 4/ (شعره في ترجمته 224 - 268)، 5/ 68 - 115 - 198، 6/ 23 - 24 - 31 - 253 - 254، 8/ 12 - 185 - 200 - 201 - 276 - 333 - 338 - 348 - 349، 9/ 8 - 12 - 65 - 66 - 132 - 133 - 134 - 135، 10/ 99 - 100 - 123، 15/ 37 - 128 - 129 - 130 - 132 - 134 - 292 - 295، 16/ 163 - 169 - 177، 17/ 351 - 352، 18/ 363، 19/ 191 - 251، 21/ (شعره في ترجمته 95 - 112
أحيحة بن الجلاح 15/ 36 - 38 - 43
أخت الوليد بن طريف الشاري 12/ 93 - 94 - 100
الأخطل 1/ 279 - 285، 3/ 52 5/ 12، 6/ 87 - 185، 8/ 4 - 5 - 19 - 62 - 279 - 281 - 284 - 289 - 302 - 304 - 305 - 307 - 311 - 312 - 315 - 320، 9/ 4، 10/ 90 - 120 - 193 - 290،
11/ 20 - 21 - 22 - 54 - 55 - 60 - 61 - 62 - 63 - 280 - 358 12/ 159 - 160 - 200 - 201 - 202 - 203 - 204 - 205 - 208 14/ 305، 15/ 104 - 106 - 107 - 108 - 120، 16/ 35 - 36 - 45 - 47، 20/ 324، 24/ 36 - 39
الأخفش 3/ 209 - 210
أخو بني مرة - بشامة بن الغدير 7/ 141
أخو جعفى 18/ 323
أدرع بن الغسانية 21/ 259
أرطأة بن سهية 13/ 28 - 29 - 30 - 31 - 32 - 33 - 34 - 35 - 36 - 37 - 38 - 39 - 40 - 41 - 42 - 43، 19/ 206
اسحاق الموصلي 10/ 111، 11/ 202، 12/ 49 - 51، 271، 17/ 110 - 111 - 113 - 115، 18/ 304 - 305، 19/ 226، 20/ 46 - 55 - 92 - 320 - 321 - 322، 22/ 210، 23/ 40
أسد بن كرز 21/ 3 - 4.
الأسدي 9/ 85.
أسماء بن خارجة 17/ 231، 20/ (شعره في ترجمته 362 - 372) 362 - 364
إسماعيل بن إبراهيم بن حمدوية 13/ 235
إسماعيل القراطيسي 23/ (شعره في
ترجمته 193 - 195)
إسماعيل بن عمار الأسدي 11/ 363 -
(أخباره 364 - 381) 15/ 56
إسماعيل بن محمد 4/ 2
إسماعيل بن يسار 9/ 128، 10/ 170 14/ 381، 15/ 74، 17/ 240
الأسود بن عمارة النوفلي 14/ 168 - 170 - 172
الأسود بن مرة بن عباد 13/ 20
الأسود بن المطلب 4/ 208
الأسود بن يعفر 3/ 90، 13/ 14 - 15 - 16 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 24 - 25 - 26 - 27 - 28
أشجع السلمي 4/ 33 - 34، 5/ 146 6/ 307، 18/ (شعره في ترجمته 211 - 252)، 19/ 287
أشعب 19/ 158
الأشهب بن ثور بن أبي حارثة 12/ 29
الأشهب بن رميلة 9/ 268 - 271، 21/ 382
الأصبحي 16/ 182
الأصبغ بن ذؤالة الكلبي 7/ 81
أصرم بن حميد 23/ 79
الأصمعي 4/ 11 - 40 - 354، 16/ 20 - 32
الأضبط - بن قريع - 21/ (شعره في ترجمته 127 - 130)
أعرابي 12/ 47
إعرابية 19/ 83
الأعشى 3/ 143 - 149 - 214 - 285 5/ 38 - 396، 8/ 218 - 303، 9/ 106 - 107 - 109 - 111 - 112 - 113 - 115 - 117 - 118 - 122 - 154 - 235 - 236 - 237 - 238 - 239، 10/ 81 - 82 - 83 - 137، 12/ 3 - 60، 13/ 8، 16/ 34 - 225 - 282 - 289 - 293 - 295 - 403 - 408 18/ (شعره في ترجمته 131 - 137 22/ 120، 24/ 77 - 78 - 79
أعشى باهلة 13/ 255، 15/ 240
أعشى بني أسد 22/ 144 - 145
أعشى بني تغلب 11/ 6 - 280 - (اخباره 281 - 284)، 363 - 380
أعشى بني تميم 17/ 280 - 281
أعشى بني سليم 6/ 21 - 22 - 173 - 174
أعشى بن قيس بن ثعلبة 6/ 298 - 300 - 321 - 333 - 334، 9/ 112 - 156 12/ 9، 17/ 129 - 179
أعشى حمدان 5/ 394، 6/ 32 (ورد في اخباره 33 - 62) - 63 - 64 - 65 - 67 - 68 - 93، 22/ 15
أعشى ميمون 11/ 109
الأعلم - أخو صخر الغي - 22/ 347
الأغر بن حماد اليشكري 23/ 233
الأغلب العجلي 10/ 152، 21/ (شعره في ترجمته 28 - 35)، 396 - 397
الأفوه - صلاة بن عمرو بن مذحج 7/ 57
الأفوه الأودي 12/ 168 - 170، 24/ 221
الأقيشر 10/ 269، 11/ 250 (اخباره 251 - 277)، 13/ 335
أم أبان - والدة مزاحم بن عمرو السلولي 17/ 97
أم تأبط شرا 21/ 168 - 171
أم جعفر زوجة علبة الحارثي 13/ 54
امامة - بنت ذو الأصبع 3/ 108
امرأة من بني أسد 18/ 303
امرأة من باهلة 19/ 50
امرأة من بني فقيم 21/ 368
امرأة من قريش 17/ 102 - 103
امرأة من كندة 17/ 132 - 154 - 155
امرؤ القيس 2/ 214، 3/ 67 - 148 - 196 - 285، 4/ 134 - 265، 5/ 46 - 48، 7/ 37 - 238، 8/ 189 - 190 - 195 - 196 - 322، 9/ 69 - 80 - 82 - 88 - 89 - 90 - 91 - 95 - 97 - 101 - 102 - 103 - 105 - 108 - 111، 10/ 55 - 83 - 180 - 220 - 228 - 11/ 11 - 12 - 48 - 54 - 183 12/ 60 - 72، 15/ 284، 17/ 122 - 130 - 190، 18/ 144، 19/ 271، 20/ 219، 21/ 53 - 200 - 201 - 202 - 203 - 341، 24/ 46
امرؤ القيس بن حجر 3/ 304، 6/ 125 - 332، 12/ 210 - 213، 16/ 377
امرؤ القيس بن عابس الكندي 3/ 304 24/ 96
أمية بن أبي الصلت 3/ 119، 4/ (120 - 133)، 120 - 121 - 125 - 128 - 130 - 131 - 133 - 119 - 5/ 10 8/ 327، 14/ 145، 17/ (شعره في ترجمته - 302 - 312)
أمية بن أبي عائذ 24/ (شعره في ترجمته 4 - 7)
أمية بن الأسكر الليثي 21/ (شعره في ترجمته 8 - 23)
أمية بن عبد شمس بن عبد مناف 17/ 316
أميم بني عجل - العديل بن فرخ 22/أميمة - امراة أبن الدمينة 2/ 59، 17/ 100
أميمة بنت عبد شمس بن عبد مناف 21/ 52 - 53 - 74 - 75
أنس - : أنس بن زنيم الليثي 8/ 389
أنس بن حذيفة الهذلي 21/ 157
أنس بن مدركة 20/ 386
أوس بن حجر 9/ 45، 11/ 68 - (أخباره 70 - 74)، 160 - 163، 15/ 361، 21/ 49
أوس بن ذي القرظي 22/ 115
أوس بن مضراء 5/ 10
أياس بن قبيصة 24/ 74
أياس بن مسلم 13/ 275
أيمن بن خريم 17/ 238 - 239
أيمن بن خريم الأسدي 1/ 30، 20/ (شعره في ترجمته 306 - 314) 306 - 307 - 308 - 310 - 311 - 313 - 314
ب
بجير بن ربيعة السحمي 22/ 11
بجير بن زهير 10/ 313 - 314، 17/ 88
البحتري 9/ 195، 10/ 206، 12/ 93 - 94، 14/ 63 20/ 29 - 87 - 276، 21/ (شعره في ترجمته 36 - 53)، 23/ 95 - 135 - 198
بدر بن سعيد 10/ 318 - 319 - 320 - 321 - 322 - 323
بدر بن عامر 24/ 200 - 201 - 202
بدر بن معشر الغفاري 22/ 54 - 55
البراض بن قيس بن رافع 22/ 58
بشار بن برد 2/ 305، 3/ 134 - 135 - 136 - 137 - 138 - 139 - 140 - 141 - 142 - 143 - 144 - 145 - 146 - 147 - 148 - 149 - 150 - 151 - 152 - 153 - 154 - 156 - 158 - 159 -
160 - 161 - 162 - 163 - 164 - 165 - 166 - 167 - 168 - 170 - 171 - 172 - 173 - 174 - 175 - 177 - 178 - 179 - 180 - 181 - 182 - 183 - 184 - 185 - 186 - 187 - 188 - 189 - 190 - 191 - 192 - 193 - 194 - 195 - 196 - 197 - 198 - 200 - 201 - 202 - 203 - 204 - 205 - 206 - 207 - 208 - 209 - 210 - 211 - 212 - 213 - 214 - 215 - 216 - 219 - 220 - 221 - 212 - 213 - 214 - 215 - 216 - 219 - 220 - 221 - 222 - 223 - 224 - 225 - 226 - 227 - 229 - 230 - 231 - 232 - 233 - 234 - 240 - 236 - 237 - 238 - 239 - 243 - 244 - 245 - 246 - 247 - 248 - 249 - 250، 4/ 28 - 33 - 34 - 70 - 72، 5/ 350، 6/ 235 - 242، 7/ 227 - 229 - 232 - 236 - 237 14/ 328 - 330 - 380، 18/ 299 19/ 263 - 264 - 265 - 266 21/ 87 - 88، 22/ 46، 24/ 47
بشامة بن عمرو 13/ 194
بشامة بن الغدير 10/ 312
بشر بن أبي خازم 15/ 95
بشر بن ربيعة الخثعمي 15/ 243
بشير بن عبد الرحمن 16/ 226 - 227
بطال 13/ 39
بطحاء العذري 17/ 212
بعض الشعراء 18/ 55
بعيث اليشكري 8/ 16، 19/ 126
بكر بن الأصم - بكير الأصم 24/ 77 - 78
بكر بن خارجة 20/ 151، 23/ (شعره في ترجمته 188 - 192)
بكر بن النطاح 19/ (شعره في ترجمته 105 - 120) 105 - 106 - 107 - 108 - 109 - 110 - 111 - 112 - 113 - 114 - 115 - 116 - 117 - 118 - 119
البكري 5/ 52
بلال بن جرير 8/ 49
بنان الشاعرة 19/ 305
بنت بهدل الطائي 21/ 244 - 245
بنت الحسن 19/ 229
بنت رقيقة 17/ 213
بهلول بن سليمان بن قرضاب البلوي 8/ 93
بيهس الجرمي 12/ 45 - 46، 22/ (شعره في ترجمته 134 - 141)
ت
تأبط شرا 21/ (شعره في ترجمته 126 -
173) 182 - 183 - 185، 22/ 31
تحية بن جنادة العذري 22/ 27 - 28
تمام 15/ 335
تميم بن أبي مقيل بن عامر بن صعصعة 13/ 13
التميمي 22/ 198
توبة بن الحمير 3/ 280، 11/ 203
(اخباره 204 - 205)
تويب اليمامي 23/ (شعره في ترجمته 168 - 174)
التيمي 19/ 55، 20/ (شعره في ترجمته 43 - 59) 44 - 45 - 47 - 49 - 50 - 51 - 52 - 53 - 54 - 55 - 56 - 57 - 58 - 59
ث
ثابت بن جابر بن سفيان بن عميثل - تأبط شرا 21/ثابت قطنة 14/ 262 - 271 - 276 - 278
- 279 - 280
ثروان بن زبيد 18/ 80 - 89 - 90
ثواب ابن كثير 9/ 4
ج
جابر بن الحريش الطائي 13/ 10
الجاحظ 1/ 145 - 177 - 212 - 224
جارية 19/ 48
جامع بن مرخية الكلابي 9/ 147
جبل بن جوال 9/ 158
جبلة بن الأيهم 15/ 170
جبهاء - الأشجعي - 18/ (شعره في ترجمته 93 - 98)
جحظة 8/ 276
جحيش بن زياد 8/ 16
الجراح 3/ 27
جرثومة العنزي 22/ 329
جرير 1/ 257 - 272 - 305، 2/ 213
3/ 143 - 144 - 158 - 220 - 257 - 345، 4/ 57 - 256 - 257 - 258 - 263 - 270، 5/ 193 - 274، 6/ 18 - 82 - 121 - 149 - 150، 7/ 81 - 238 - 239 - 307، 8/ 4 - 5 - 9 - 12 - 13 - 16 - 21 - 22 - 27 - 29 - 30 - 31 - 32 - 33 - 35 - 37 - 38 - 39 - 41 - 43 - 44 - 45 - 47 - 48 - 49 - 51 - 54 - 57 - 58 - 59 - 60 - 61 - 62 - 63 - 64 - 67 - 68 - 71 - 72 - 73 - 74 - 75 - 76 - 77 - 78 - 79 - 80 - 81 - 86 - 87 - 88 - 89 - 98 - 188 - 252 - 253 - 282 - 284 - 286 -
287 - 289 - 291 - 292 - 300 - 304 - 305 - 306 - 315 - 317 - 318 - 334 - 384، 9/ 4 - 5 - 6 - 43 - 44 - 112 - 119 - 140 - 179 - 235 - 252 - 253 - 334 - 339 - 336 - 342، 10/ 74 - 90 - 99، 11/ 54 - 55 - 60 - 61 - 62 - 63 - 64 - 65 - 91 - 152 - 280، 12/ 111 - 155 - 200 - 202 - 203، 13/ 18 - 46، 15/ 93 - 135 - 136 - 341 - 342.
16/ 161 - 163 - 167 - 168 - 169 - 276 - 277 - 303 - 316 - 317 - 318، 17/ 188، 18/ 9 - 160 - 20 - 21 - 53 - 210 - 329، 19/ 98 - 167 - 168، 21/ 284 - 298 - 299 - 300 - 301 - 328 - 322 - 324 - 329 - 340 - 363 - 381 - 395 - 402، 23/ 162
جرير بن عبد المسيح بن عبد اللّه بن دوفن - المتلمس 24/جرير بن عطية 24/ 39 - 207 - 208 - 213
جساس بن مرة 5/ 39
الجعد المحاربي 22/ 40 - 41
جعد بن مهجع 11/ 170
جعدة بن عبد اللّه الخزاعي 22/ 5
جعفر بن الزبير العوّام 2/ 214، 9/ 329 -
330، 15/ 3 - 6 - 7 - 10 - 141
جعفر بن قدامة 19/ 150
جعفر بن عفان الطائي 7/ 242
جعفر بن علبة الحارثي 13/ 44 - 45 - 46 - 47 - 48 - 50 - 51 - 53 - 54 - 55
الجعيداء - مريم بنت الأعلم 23/جعيفران 14/ 48
جعيفران الموسوس 19/ (شعره في ترجمته 187 - 196) 187 - 189 - 190 - 191 - 192 - 193 - 194 - 195 - 196
جفنة 8/ 22
جميل بثينة 1/ 183، 2/ 231 - 6 388 - 391 - 392 - 397 - 396 4/ 45 - 114 - 233 - 266 - 267 - 291 - 293، 7/ 52، 8/ 59 - 89 - 91 - 92 - 95 - 97 - 98 - 99 - 100 - 101 - 104 - 105 - 106 - 107 - 108 - 109 - 110 - 111 - 112 - 113 - 114 - 115 - 116 - 118 - 119 - 120 - 122 - 123 - 124 - 125 - 127 - 128 - 129 - 130 - 131 - 133 - 134 - 135 - 136 - 137 - 138 - 139 - 144 - 145 - 146 - 147 - 148 - 151 - 152 - 153 - 202 - 203 - 206 - 9/ 341 - 342، 11/ 239 - 240 12/ 103، 14/ 214، 19/ 231 22/ 151 - 152 - 153
جميل بن معمر العذري 1/ 292، 6/ 120،
16/ 50 - 161 - 163 - 164، 21/ 265
جميل بن يحيى بن أبي حفصة 18/ 146
جندل 8/ 20 - 29 - 30، 24/ 218
جنوب - أخت عمرو بن عاصية السّلمي 12
/106 - 109
الجني 10/ 92
جهم القشيري 24/ 32
جواس العذري 22/ (شعره في ترجمته 150 - 154)
جواس بن القعطل الكلابي 19/ 198
الجوشني 14/ 4
ح
حاتم الطائي 6/ 323، 8/ 204 11/ 347، 17/ 129 - 182 - 362 - 367 - (شعره في ترجمته 368 - 397) 18/ 32، 22/ 190
حاتم بن عدسى 21/ 63
حاجز الأزدي 13/ 208 - 209 - 210 - 211 - 212 - 214 - 215 - 216، 21/ 149 - 155
الحادرة الثعلبي - قطبة بن أوس 3/ 268 - 270 - 271 - 272 - 273 - 274
الحارث بن الأبرص 11/ 154
الحارث بن جلدة اليشكري 11/ 41 -
(أخباره 42 - 51)
الحارث بن خالد المخزومي 1/ 108 - 109، 2/ 225، 3/ 50 - 310 - 311 - 312 - 313 - 314 - 315 - 317 - 319 - 320 - 323 - 324 - 325 - 327 - 328 - 329 - 330 - 331 - 332 - 334 - 335 - 339 - 340 - 343، 6/ 204 - 208، 8/ 23، 9/ 226 - 227، 11/ 191 - 192، 15/ 125 - 126 -
358 - 403، 17/ 47 - 49 - 50 - 54
الحارث بن زهير 17/ 205
الحارث بن الطفيل الدوسي 13/ 217 - 218 - 219 - 220 - 221 - 224
الحارث بن ظ؟؟؟؟؟ 1/ 98 - 107 - 123
الحارث بن عباد 5/ 47 - 48، 19/ 167
الحارث بن عمرو مضاص 5/ 11
الحارث بن قراد البهراني 13/ 82
الحارث بن لوزان 12/ 156
الحارث بن هشام 4/ 169
حارثة 8/ 402
حارثة بن بدر الغداني 8/ 383 - 389 - 391 - 400 - 401، 13/ 127 - 128
حارثة بن بدر بن حصين بن يربوع 8/ 384 - 385 - 386 - 387 - 388 - 390 - 393 - 395 - 396 - 397 - 398 - 399 - 400 - 401 - 402 - 410 - 415 - 416 - 417 - 418 - 419 - 420 - 421 - 422 - 423 - 424
حازم 6/ 18
حباث الأسدي 13/ 37
حبناء بن عمرو 13/ 84 - 99
حبيب بن سهم التميمي 6/ 141 - 148
حبيب بن هوزان 5/ 3
الحجاج 8/ 33، 21/ 29
الحجاج بن سلامة - أبو ناشب - 21/ 259
حجر بن عمرو 16/ 353
الحجناء 23/ 15 - 16 - 17
حجية بن المضرب 20/ (شعره في ترجمته 315 - 319) 315 - 317 - 319
حذاقة بن غانم بن عبيد اللّه 8/ 229
حرقة بنت حسان بن النعمان بن المنذر 24/ 63
حرقوص بن مازن 15/ 231
حرمازي أبو علي 8/ 354
حريث بن زيد الخيل 17/ 269
حريث بن عامر بن الحارث 19/ 27
حريث بن عتاب الطائي 14/ 381
حريم ابن الحارث التيمي 24/ 81
الحزنبل بن سلامة بن زهير 19/ 27 - 28
الحزين 15/ 328 - 336 - 337 - 338 - 340 - 344
الحزين بن حارث 15/ 245
الحزين الديلي 9/ 7 - 10، 15/ 322
الحزين الكناني 12/ 189
حسان بن تبع 22/ (شعره في ترجمته 316 - 320)
حسان بن ثابت 3/ 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 14 - 15 - 17 - 29 - 33 - 41 - 271
4/ 133 - 134 - 137 - 139 - 144 - 148 - 149 - 150 - 152 - 154 - 307 - 157 - 158 - 160 - 163 - 164 - 167 - 169 - 170 - 6/ 30 - 264 - 359، 7/ 51 - 53 - 54، 9/ 288 - 289 - 337 - 339، 11/ 10 - 16 - 27 - 28 - 37 - 38 - 39 - 12/ 241 13/ 104، 15/ 155 - 166، 16/ 35 - 43 - 55 - 86 - 100 - 231 - 233 - 234، 17/ 161 - 165 - 166 - 168 - 169 - 170 - 172 - 173 - 323
الحسن بن الحارث 15/ 245
الحسن بن رجاء 7/ 200 - 201
الحسن بن زيد - ويكنى أبا الذلفاء 20/ 186
حسن بن سهل 14/ 98
الحسن بن علي 13/ 100
الحسن العنبري 23/ 250 - 251 - 252 - 253 - 254
حسن بن محمد الضبعي 8/ 265
الحسن بن وهب 23/ 63 - 64 - 65 - 66 - 67 - 68 - 74 - (شعره في ترجمته 95 - 116)
الحسين بن الضحاك 7/ 20 - 145 (اخباره 146 - 228) 9/ 303 - 304، 15/ 270 - 274، 19/ 234، 21/ 60 - 61
الحسين بن عبد اللّه بن عبيد اللّه 12/ 68 - 65
حسين بن مطير 16/ 17 - 18 - 20 - 22 - 23 - 25 - 18/ 356
حصين بن الحمام 9/ 73، 13/ 363، 14/ 5 - 6 - 12
الحطيئة 2/ 157 - 158 - 162 - 164 - 165 - 167 - 171 - 188 - 190 - 191 - 195 - 198 - 170 - 186 - 181 - 178 - 175 - 269 3/ 74 - 149، 5/ 125 - 126 - 148، 6/ 88 - 89، 8/ 91 - 214 9/ 161، 10/ 140 - 344، 11/ 70، 13/ 329 - 330، 16/ 289 - 290 - 295 - 296 - 378، 17/ 224 - 225 - 227 - 228 - 265 - 266، 21/ 358 22/ 323،
حكم 15/ 105
الحكم الحصري 4/ 373
الحكم بن عبدل بن خزيمة 2/ 241 - 404 - 405 - 406 - 407 - 408 - 409 - 410 - 411 - 414 - 418 - 420 - 423 - 424 - 425 - 426
الحكم بن قنبر المازني 19/ 61 - 62 - 64 - 65 - 68 - 71 - 72 - 23/ 162
الحكمي 20/ 247
حكيم بن أبي الخلاف 8/ 166
حكيم بن عياش الكلبي 17/ 37
حكيم بن معية من بني ربيعة 8/ 23
حلحلة بن قيس 19/ 206
الحليسة بن نعيم الهندي 5/ 148
حماد 3/ 152
حماد الراوية 6/ 690، 17/ 331 - 332 - 336، 21/ 37 - 371، 23/ 98
حماد عجرد 13/ 284 - 319 - 320 - 334، 14/ 320 - 321 - 322 - 323 - 324 - 325 - 327 - 329 - 330 - 331 - 332 - 333 - 334 - 336 - 337 - 338 - 339 - 340 - 341 - 342 - 345 - 347 - 348 - 349 - 350 - 351 - 352 - 353 - 354 - 355 - 356 - 357 - 358 - 359 - 360 - 362 - 364 - 365 - 366 - 367 - 368 - 369 - 370 - 375 - 381
حمدون بن إسماعيل 14/ 135
الحمدوي 20/ 126
الحمراء بنت حمزة بن جابر بن قطن 22/ 193
حمزة بن بيض 7/ 22، 16/ 201 - 202 - 203 - 204 - 205 - 206 - 207 - 208 - 209 - 210 - 211 - 212 - 213 - 214 - 215 - 216 - 217 - 218 - 219 - 220 - 221 - 222 - 223 - 224 - 225
حميد بن ثور الهلالي 4/ 354 - 356 - 357، 8/ 217، - 9/ 73، 20/ 369 - 371
حميد بن سعيد بن حميد 18/ 155
حميدة 9/ 232
حنش بن عمرو 17/ 206
حنظلة بن أبي عفراء 10/ 200 - 201، 22/ 89
حنظلة بن الشرقي القيني 11/ 151
حنيفة 8/ 44
حنين بن بلوع الحيري 2/ 341 - 342 - 344 - 345 - 346 - 348 - 349 - 350 - 351 - 352
خ
خالد بن أبي أيوب الأنصاري 20/ 200 - 201
خالد بن جعفر بن كلاب 11/ (أخباره 94 - 120)
خالد بن زهير 6/ 274 - 276
خالد بن عبد اللّه القسري 21/ 404، 22/ (شعره في ترجمته 1 - 29)
خالد الكاتب 8/ 425، 10/ 68، 20/ (شعره في ترجمته 273 - 287)، 273 - 274 - 275 - 276 - 277 - 278 - 279 - 280 - 281 - 282 - 283 - 284 - 285 - 286 - 287، 22/ 211، 23/ 82 - 83 - 208 - 209 - 210
خالد بن كلثوم 8/ 5، 9/ 191
خالد بن المهاجر بن خالد بن الوليد 1/ 43، 10/ 103
خالد بن يزيد بن معاوية 6/ 207، 15/ 327، 17/ 340 - 344 - 347
خداش بن جعيل 3/ 279 - 280
خداش بن زهير بن صعصعة 13/ 15، 22/ 60 - 61 - 64 - 65 - 66 - 70
71
خديجة بنت المأمون 16/ 16
خرقاء العامرية 18/ 41
خريب بن الحرب - حريم بن الحارث 24/خزامى - جارية المضبط المغني 10/ 284
خزز بن لوذان 10/ 180، 12/ 156
الخزيمي 11/ 345، 20/ 40
خزيمة بن نهد 13/ 77 - 78 - 79 - 338
الخضري 5/ 264
خفاف بن عمير 15/ 85 - 87 - 91
خفاف بن ندبة 17/ 128 - 129، 18/ (شعره في ترجمته - 73 - 92)
خلف الأحمر 8/ 9 - 77، 20/ 231
الخليل بن أسد 9/ 143
خليدة 13/ 192
الخنساء 2/ 328، 3/ 8 - 10، 4/ 167 - 210 - 211، 6/ 315 - 323 - 335، 9/ 196 - 340، 10/ 314، 16/ 21، 17/ 178، 20/ 263
خنساء - جارية هشام المكفوف 19/ 308 - 309
الخنساء - بنت عمرو الشريد 15/ 75، 11/ 6 - 25
خولة بنت ثابت 3/ 34 - 35، 9/ 59
خويلدة بن مرة - أبو خراش الهذلي 21/الخيار بن سبرة المجاشعي 21/ 361
خياط في سوق المربد 18/ 23
د
الدارمي 4/ 335، 6/ 287، 10/ 99 - 100
داود بن زيد رزين 4/ 12
داود بن سلم 6/ 9 - (أخباره - 10 - 20) 9/ 169، 15/ 327
داود بن شكم 3/ 8
دحمان 2/ 402
دخنتوس بنت لقيط 11/ 133 - 139 - 144 - 145 - 146
درار بن الحطاب بن مرداس القرشي الفهري 7/ 286 - 287
درهم بن يزيد بن ضبيعة 3/ 18 - 21
دريد بن الصمة 9/ 60 - 345 10/ (أخباره 3 - 40) - 41، 15/ 76 - 97 - 278، 18/ 78
دعبل بن علي 10/ 44 - 48 - 130، 6/ 20 - 386 - 388 - 393 - 396 - 398 - 400 - 401 - 402 - 404، 19/ 47 - 48 - 49 - 51 - 85،
20/ (شعره في ترجمته - 119 - 186) 119 - 121 - 122 - 125 - 126 - 127 - 128 - 129 - 130 - 131 - 132 - 133 - 134 - 135 - 137 - 138 - 139 - 140 - 141 - 142 - 143 - 144 - 145 - 146 - 147 - 148 - 150 - 152 - 153 - 154 - 155 - 156 - 157 - 158 - 160 - 161 - 162 - 163 - 165 - 167 - 169 - 170 - 171 - 174 - 175 - 179 - 180 - 181 - 183 - 184 - 185 - 321، 23/ 78
دفافة بن عبد العزيز العبسي 23/ 10
دكين 9/ 262
دهشم 9/ 143
دنانير - جارية إبراهيم بن أدهم 13/ 337
دندان الكاتب 23/ 73
دواد الأيادي 16/ 374.
الديان بن جندل 24/ 175
ديك الجن الحمصي 14/ 50 - 58 - 61 - 63 - 67
الديلي 11/ 180
ذ
ذكاء بن أحمد بن يوسف الكاتب 15/ 253
ذهل بن ثعلبة 20/ 32
ذو الأصبع العدواني 1/ 285، 3/ 88 - 89 - 90 - 91 - 94 - 96 - 98 - 101 - 103 - 104 - 106
ذو جدن الهمداني الحميري 17/ 305
ذو الرّمة 3/ 43، 5/ 363 - 390 - 426،
7/ 238، 8/ 202 9/ 278، 12/ 15، 15/ 101 - 202، 16/ 338، 17/ 30 - 129 - 191 - 398، 18/ (ترجمته في شعره - 1 - 52) 19/ 26 - 228، 21/ 1 - 201 - 326، 22/ 217، 24/ 83 - 90
ر
رأس الكبش 13/ 186
الراعي 9/ 4 - 5 - 8، 18/ 25 - 35 - 36، 24/ 34 - (شعره في ترجمته - 204 - 218)
راعي الإبل 19/ 199
رباب بن ثور بن أبي حارثة 9/ 269
الربعي 13/ 227
الربيع بن أبي الحقيق 22/ (شعره في ترجمته - 127 - 130)
الربيع بن زياد 17/ 178 - 186 - 196 - 200
الربيع بن ضبع الفزاري 9/ 97، 22/ 118
الربيع بن عبس بن عبد اللّه الحارثي 23/ 8 - 9 - 10
الربيع بن عمارة 17/ 182
الربيع بن قعنب، 11/ 112 13/ 41
ربيعة بن أمية 4/ 120
ربيعة بن علس 22/ 71
ربيعة بن مقروم 22/ (شعره في ترجمته - 97 - 101)
رجل من الانصار 19/ 62
رجل من أهل اليمن 17/ 287
رجل من ثمالة 17/ 297
رجل من بني زبيد 17/ 289
رجل من بني عدوة 19/ 197
رجل من بني عبدود 19/ 206
رجل من التبيت 17/ 383
رجل من نمير 24/ 30
رزاح بن ربيعة العذري 3/ 366
رزين بن علي 10/ 48، 20/ 165
الرشيد - هارون الرشيد 19/*، 22/ 46
رشيد بن رميض العنزي 15/ 255 - 254
الرقاشي 16/ 244 - 246 - 250 - 253، 19/ 226
رقيقة 17/ 213
ركين العذري 4/ 373
الرماح بن أبرد بن حرملة 2/ 263 - 261 - 273 - 270 - 269 - 268 - 267 - 264 - 274 - 277 - 278 - 279 - 281 - 282 - 289 - 288 - 283 - 285 - 286 - 287 - 290 - 291 - 292 - 294 - 295 - 296 - 297 - 302 - 304 - 317
الرمق 22/ 112 - 113
رؤبة 5/ 264، 9/ 72، 10/ 150 - 151
- 152، 18/ 30، 20/ (شعره في ترجمته - 344 - 355) 344 - 348 - 349 - 352 - 353 - 354 - 355
روح بن زنباع 9/ 229 - 230 - 231
الرياحي 16/ 389
الرياشي 4/ 4 - 11، 13/ 174، 20/ 162
ريسان العذري 22/ 27
ريطة - أخت تأبط شرا 21/ 168
ريطة - أخت عمرو ذي كلب 22/ 353
ز
الزبرقان بن بدر 4/ 146 - 148
الزبير بن بكار 13/ 310
الزبير بن خارجة 16/ 226
الزبير بن دحمان 18/ (شعره في ترجمته - 299 - 309)
زرارة بن المخبل 13/ 195
زرقاء بنت زهير 13/ 81
زفر بن الحارث 19/ 196 - 197 - 199، 24/ 31 - 33 - 35 - 39
زميل بن عبد مناف الفزاري 13/ 38
زهير بن أبي سلمى 2/ 402، 4/ 317 - 325، 6/ 90 - 91 - 103، 8/ 187 - 287، 10/ 83 - 287 - (أخباره - 288 - 316)، 11/ 7 - 70، 12/ 55 - 289، 13/ 353، 14/ 218، 16/ 396، 17/ 83 - 84 - 85 - 228
زهير بن جذيمة 11/ 76 - 78
زهير بن جناب 3/ 115 - 117 - 128 - 149، 19/ (شعره في ترجمته 14 - 29) 14 - 16 - 19 - 22 - 23 - 24 - 25 - 26
زهير السكب 22/ (شعره في ترجمته - 269 - 272)
زياد الأعجم 11/ 320 - 321، 13/ 91 - 92 - 93 - 94 - 99 - 103، 15/ 381 - 382 - 383 - 384 - 385 - 380 - 386 - 389 - 390 - 394، 20/ 76
زياد بن زيد 8/ 91، 21/ 255 - 256 - 257 - 260 - 261
زياد بن ظبيان 11/ 273
زياد بن معاوية 11/ 7
زيد الخيل 17/ (شعره في ترجمته - 244 -
269) - 395
زيد بن عمرو بن نفيل 3/ 115 - 123 -
124 - 125 - 126 - 127 - 128
زينب بنت الطثرية 13/ 61 - 103
س
السائب بن عمرو 6/ 255
سابق البريدي 6/ 57
سارة القريظية 22/ 112
سارية بنت زنيم العبدي 21/ 221
سالم بن داره 6/ 255، 13/ 37 - 41
سالم بن زهير 10/ 313 - 314 - 315
سديف بن ميمون 4/ 350 - 351 - 352 - 353، 16/ 134 - 135 - 136
سحيم - عبد بني الحساس 24/ 167
سحيم بن شريك 8/ 27، 13/ 136
سراقة البارقي 9/ 13، 15/ 81
سراقة بن عوف بن الأحوص 17/ 59
السري بن عبد الرحمن 20/ (شعره في ترجمته - 197 - 203) 197 - 198 - 199 - 200 - 201 - 202 - 203
السري بن عبد الرحمن بن عتبة بن عويمر بن مساعدة الأنصاري 21/ 105 - 106
سعد ذلفاء 2/ 234
سعد بن مالك 5/ 46 - 48 - 52
سعد بن مرة بن جبير 7/ 24
سعدة 19/ 170
سعدة بنت مزيد بن خثيمة 22/ 144
سعية بن غريض 3/ 115 - 129 - 130 - 132، 22/ (شعره في ترجمته 122 -
126)
سعيد 8/ 274
سعيد بن حميد مشهور 9/ 296، 18/ (شعره في ترجمته - 154 - 167)، 19/ 306 - 310 - 311، 24/ 2
سعيد الحميري 8/ 276
سعيد الدارمي 3/ 44 - 45 - 46 - 47 - 48 - 49 - 50
سعيد بن عبد الرحمن بن حسان 8/ 268 - 269 - 272، 15/ 141
سعيد بن المسيب 6/ 203
سعيد بن وهب 20/ (شعره في ترجمته - 335 - 343) 335 - 337 - 338 - 339 340 - 341، 24/ 2
سقيط 8/ 176
سلام الرافعي 18/ 285
سلامة بن صبيح الكندي 13/ 6
سلامة القس 6/ 309
سلم الخاسر 4/ 11، 6/ 307، 7/ 61 - 157 - 209، 10/ 87، 13/ 145، 19/ (شعره في ترجمته 260 - 287) 260 - 264 - 265 - 266 - 267 - 268 - 269 - 270 - 274 - 275 - 277 - 278 - 279 - 280 - 281 - 282 - 283
- 284 - 285 - 286
سلم بن زياد 2/ 295
سلمان العجلي 13/ 130
سلمى أخت زهير 9/ 307، 10/ 314
سلمة بن الخرشب 17/ 182
سلمة بن دريد الصمة 10/ 4 - 33
سلمة بن عياش 19/ 288، 20/ (شعره في ترجمته 292 - 300) 293 - 294 - 295 - 296 - 297 - 298
سلمة بنت عميس 7/ 285
السليك بن السلكة السعدي 4/ 364 19/ 238، 20/ (شعره في ترجمته 374 - 388) 374 - 378 - 380 - 382 - 384 - 385، 21/ 218
سليم 8/ 367، 15/ 355.
سليم بن ثمامة الحنفي 15/ 123.
سليمان بن أبي دباكل 7/ 291، 21/ 96 - 97 - 102
سليمان بن أبي شيخ 8/ 272
سليمان بن قتة 19/ 129
سليمان بن وهب 23/ (شعره في ترجمته 142 - 153)
سمحة بن نعيم بن الأخنس بن هوذة
8/ 27
السمع بن جابر - أخو تأبط شرا - 21/ 158 - 161
السمهري 13/ 46
السمؤل بن عادياء اليهودي 6/ 322 9/ 119 - 262
السمؤل بن عريض 22/ (شعره في ترجمته 116 - 120)
سنان بن جابر الجهنمي 19/ 200 - 201
سهل بن الحنظلية 15/ 239
سهل بن عبد الحميد 23/ 163
سهيل أبو البيضاء 23/ 246
سوار بن عبد اللّه القاضي 19/ 253
سوار بن المضرب السعدي 6/ 301
سويد بن أبي كاهل اليشكري 13/ 101 - 102 - 103 - 104 - 105 - 106، 21/ 396، 24/ 71 - 72
سويد بن كراع العكلي 12/ 339 - 340 - 342 - 343 - 344
سياط 8/ 131
السيد الحميري 6/ 206، 7/ 228
(أخباره - 229 - 278)، 10/ 239
ش
شاعر من أسد 21/ 248
شاعر من تميم 19/ 186
شاعر من بني سعد 17/ 320، 19/ 187
شاعر بني شيبان 19/ 186
شاعر فزارة 19/ 185
شاعر من بني قريم 21/ 172 - 173
شاعر قيس 17/ 350
شاعر كندة 19/ 186
شاعر مكي كان ينزل جدة 18/ 244
شافع بن واتر الأسدي 21/ 234 - 235
شبام بن زبيد 18/ 80 - 88
شبل بن عبد اللّه 4/ 344
شبيب بن البرصاء 12/ 270 - 272 - 273 - 274 - 276 - 277 - 278 - 279 - 280 - 281 -
شبيب بن يزيد النعمان 16/ 51
شداد بن معاوية العبسي 17/ 207
شداد الميثاوي 8/ 27
شديد بن شداد 17/ 347
شراعة بن الزندبوذ 15/ 71
الشريح بن السمؤل بن عادياء 6/ 331 - 332 - 333
شريح القاضي 11/ 144 - 17/ 214 - 223
الشطرنجي 5/ 178
الشماخ بن ضرار 9/ 157 - 161 - 165 - 168 - 169 - 172 - 173، 15/ 184، 17/ 91، 24/ 55، 11/ 70
الشمردل 21/ 325 - 364
شمردل بن شريك 13/ 77 - 350 - 351 - 352 - 353 - 354 - 355 - 356 - 357 - 358 - 359 - 360 - 361 - 363
الشنفرى 20/ 301، 21/ (شعره في ترجمته 178 - 195) 142، 143 - 161 - 162 24/ 65
الشنقيطي 8/ 20 - 26
شهل بن شيبان بن ربيعة بن زمان - الفند الزماني 24/
ص
صالح بن عبد اللّه العبشمي 6/ 140 - 147
الصامت بن أصرم النوفلي 22/ 113
صخر بن الجعد 22/ (شعره في ترجمته - 31 - 43)
صخر بن حبناء 13/ 96 - 97
صخر بن عمرو 15/ 99 - 100 - 101 - 102
صخر الغي 22/ (شعره في ترجمته - 344 -
350)
صريع الغواني 24/ 18
صعصعة بن ناجية بن عقال 8/ 45، 21/ 281
الصفار المحاربي 24/ 34 - 39
الصلتان العبدي 15/ 381
الصمة القشيري 8/ 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 21/ 295
الصنوبري 18/ 311
ض
ضبارة بن الطفيل 1/ 70
ضرار بن الأزور 13/ 29
ضرار بن بن الخطاب الفهري 22/ 69، 19/ 191، 16/ 55
ط
طارق الخزاعي 21/ 22 - 23
طالب بن أبي طالب 4/ 183 - 192
طاهر بن الحسين 20/ 98
طرفة بن العبد 6/ 136، 8/ 373 9/ 111، 12/ 60 - 77 - 294 - 295 - 296، 15/ 297، 16/ 373، 24/ 93
الطرماح بن حكيم 6/ 95، 12/ 34 - 35 - 36، 17/ 2، 19/ 64، 22/ 194
طريح 4/ 301 - 302 - 320 - 325 -
329، 6/ 100 - 101، 15/ 251، 19/ 50
طريف العنبري 9/ 247
الطفيل بن عمرو 13/ 208
طفيل الغنوي 15/ 348 - 350 - 351 - 352 - 353 - 354 - 368، 16/ 375، 17/ 257
طفيل الكناني 4/ 373، 5/ 264
طفيل بن يزيد 16/ 328
ظ
ظالم العامري 21/ 186
ع
عائشة 15/ 309، 17/ 361
عاتكة بنت زيد 18/ 58 - 60 - 61 - 62 - 63
عاصم بن ثابت 4/ 291 - 224 - 226 - 228
عامر 10/ 96
عامر بن الطفيل 11/ 163، 17/ 57 - 260، 21/ 19
عامر بن الضرب 4/ 305
عامر بن عبد الملك 8/ 5
عامر المجنون الجرمي - مدرج الريح - 3/ 115 - 129
عباد بن أياس 22/ 14
عباد بن الحصين الحبطي 15/ 390
عباد بن الممزق 19/ 112
عبادة 14/ 89
عباس 8/ 21 - 357
عباس بن الأحنف 3/ 267، 2/ 351، 6/ 166 - 195، 7/ 299، 8/ 351 - 361 - 362 - 363 - 365 - 366 - 367 - 368 - 369 - 370 - 371، 9/ 293، 10/ 115، 15/ 254، 16/ 343 - 344، 17/ 66 - 67 - 69 - 70 - 71 - 72 - 73، 18/ 307 - 359 - 371، 21/ 83، 22/ 50، 23/ 92 - 93 - 194 - 195
العباس بن الحسن 24/ 217
العباس بن مرداس بن أبي عامر 24/ 64 - 65 - 66
عباس بن مرداس السلمي 14/ 310 - 314 - 317، 15/ 346، 17/ 288، 18/ 75 - 76 - 79 - 81 - 82 - 83 - 84 - 86 - 87 - 88 - 89 - 91 - 92 - 205، 22/ 110
عبد بني الحسحاس - سحيم - 22/ (شعره في ترجمته 302 - 313)
عبد الخالق بن أبان 16/ 51
عبد ربه السلمي 15/ 123
عبد الرحمن بن أبي بكر 1/ 50 17/ (شعره في ترجمته 355 - 361)، 18/ 59 - 60
عبد الرحمن بن أبي عبد الرحمن بن عائشة 17/ 14
عبد الرحمن بن أبي عمار الجشمي 7/ 84
- 8/ 335
عبد الرحمن بن أرطأة المحاربي 2/ 241 8/ 186
عبد الرحمن بن الأصمعي 13/ 100
عبد الرحمن بن ثابت 5/ 115
عبد الرحمن بن حسان 1/ 273 - 275، 9/ 134، 15/ 105 - 113 - 114 - 115 - 116 - 119 - 16/ 34 - 35 - 38 - 47
عبد الرحمن بن الحكم بن أبي العاص 3/ 258 - 259 - 260 - 263 - 264 - 265 - 266 - 267 - 268 - 349، 15/ 113 - 114 - 117
عبد الرحمن بن حكيم 16/ 38
عبد الرحمن بن زيد 21/ 259 - 272
عبد الرحمن بن سليمان التيمي 8/ 55
عبد الرحمن بن كعب 16/ 226 - 227
عبد الرحمن بن مسافع بن دارة 21/ (شعره في ترجمته 229 - 248)
عبد الصمد بن علي الهشامي 6/ 26
عبد الصمد بن المعذل 13/ 225 - 226 - 227 - 228 - 229 - 230 - 231 - 232 - 233 - 234 - 235 - 236 - 237 - 238 - 239 - 240 - 241 - 242 - 243 - 244 - 245 - 246 - 247 - 248 - 249 - 250 - 251 - 252 - 253 - 254 - 255 - 256 - 257
عبد العزيز بن أبي ثابت 9/ 146
عبد العزيز بن الوليد بن مالك 8/ 44
عبد القيس 4/ 122 - 137، 8/ 21
عبد القيس بن جفاف البرجمي 8/ 235 - 383
عبد اللّه الأحدب السعدي 21/ 237
عبد اللّه بن أبي الشيص 16/ 400
عبد اللّه بن أبي كثير 4/ 399
عبد اللّه بن أبي معقل الأنصاري 24/ (شعره في ترجمته 9 - 15)
عبد اللّه بن بسطام 13/ 120
عبد اللّه بن ثور 5/ 22
عبد اللّه بن جحش 19/ 211 (شعره في ترجمته 212 - 215) - 214 - 215
عبد اللّه بن الحجاج - الأصم الباهلي 9/ 332
عبد اللّه بن الحجاج الثعلبي 13/ 157 - 158 - 159 - 160 - 161 - 162 - 163 - 164 - 165 - 166 - 167 - 168 - 169 - 170 - 171 - 172 - 174
عبد اللّه بن حذف 15/ 257
عبد اللّه بن الحسن بن الحسن 21/ (شعره في ترجمته 113 - 125)
عبد اللّه بن الحشرج الجعدي 12/ 22 - 23
عبد اللّه بن الحمير 11/ 216 - 217 - 218 - 219 - 223 - 224
عبد اللّه بن رواحة 10/ 241، 16/ 231 - 232
عبد اللّه بن العزبعري السهمي 15/ 178
عبد اللّه بن الزبير 14/ 217 - 218 - 221 223 - 224 - 225 - 227 - 229 - 232 - 234 - 236 - 240 - 243 - 244 - 245 - 246 - 247 - 248 - 249 - 250 - 251 - 252 - 253 - 254 - 257 - 258 - 259 - 260 - 261
عبد اللّه بن الزبير الأسدي 14/ 216
عبد اللّه بن سلمة 5/ 20
عبد اللّه بن شبيب 13/ 310
عبد اللّه بن العباس 8/ 370
عبد اللّه بن العباس بن الفضل بن الربيع 10/ 278 - 279، 17/ 74، 19/ (شعره في ترجمته 211 - 259) 220 - 224 - 227 - 229 - 230 - 231 - 232 - 233 - 235 - 236 - 237 - 240 - 242 - 243 - 244 - 245 - 246 - 248 - 249 - 250 - 252 - 254 - 255 - 256 - 257 - 258 - 259، 23/ 55
عبد اللّه بن عبد اللّه بن عتبة 14/ 167
عبد اللّه بن عبد المدان 10/ 34
عبد اللّه بن العجلان 22/ (شعره في ترجمته 236 - 242)
عبد اللّه بن علقمة 7/ 279 - 280 -
(أخباره 281 - 292)
عبد اللّه بن عمر 15/ 388
عبد اللّه بن عمر العبلي 11/ 292 (أخباره
293 - 309)
عبد اللّه بن عمرو 23/ 162
عبد اللّه بن المتوكل - أبو عيسى - 10/ 201
عبد اللّه بن محمد بن أبي عيينة 21/ 84 - 85 - 94 - 104
عبد اللّه بن محمد الأمني 10/ 197 (أخباره 198 - 201)
عبد اللّه بن محمد بن سالم الخياط 19/ 314
عبد اللّه بن مصعب 9/ 201، 19/ 138، 24/ (شعره في ترجمته 226 - 243)
عبد اللّه بن معاوية بن عبد اللّه الجعفري 10/ 214، 13/ 128
عبد اللّه بن معمر 11/ 172 - (أخباره 196 - 201)
عبد اللّه بن موسى الهادي 10/ (أخباره 194 - 197)
عبد اللّه بن النعمان 16/ 51.
عبد اللّه بن هارون العروضي 6/ 160
عبد اللّه بن همام السلولي 3/ 362 16/ 30
عبد الملك بن مروان 8/ 40 - 62
عبد يغوث بن صلاءة الحارثي 9/ 82، 13/ 45، 16/ 328 - 329 - 330 - 331 - 332 - 333 - 334 - 335 - 336 - 337 - 338 - 339 - 340 - 341
عبدة بن الطيب 10/ 191، 21/ (شعره في ترجمته 24 - 27)
العبدي 7/ 273
العبلي 4/ 339
عبيد 8/ 31
عبيد بن الأبرص 2/ 342، 6/ 310 9/ 45 - 83، 16/ 379، 17/ 226 22/ (شعره في ترجمته 81 - 94)
عبيد بن حصين بن معاوية بن جندل 8/ 29
عبيد بن حنين 4/ 399
عبيدة بن هلال اليشكري 6/ 140 - 141 - 149 - 150 - 151، 8/ 43
عبيد اللّه 9/ 41 - 42
عبيد اللّه بن قيس الرقيات 1/ 16 6/ 220 - 221 - 261، 8/ 349 15/ 125 - 18/ 344، 19/ 121 - 128 - 129 - 132 - 133، 21/ 198
العتابي 4/ 101، 10/ 112، 13/ 108 - 109 - 110 - 112 - 113 - 116 - 117 - 118 - 119 - 120 - 122 - 123 - 124، 11/ 288
عتبة بن الحارث 15/ 346
عتبة بنت عفيف بن عمرو - أم حاتم الطائي - 17/ 365
العتبي 14/ 201
عتيبة بن مرداس - ابن فسوة - 22/ (شعره في ترجمته 226 - 234)
عثماني 8/ 120
العجاج 10/ 150 - 152 - 153، 21/ 201 - 202، 3/ 285
العجاج بن رؤبة 20/ 346 - 352
عجير السلولي 13/ 57 - 58 - 59 - 60 - 62 - 63 - 64 - 65 - 66 - 67 - 68 - 69 - 70 - 71 - 72 - 73 - 74 - 75 - 76 - 77 - 130
عدي بن الرقاع العاملي 1/ 298 - 300 - 307، 9/ 305 - 307 - 308 - 310 - 311 - 313 - 316، 19/ 129
عدي بن زيد 2/ 95، 96 - 349 - 352 - 357 - 6/ 76 - 78 - 92، 7/ 45 - 65، 10/ 208، 16/ 377، 22/ 232، 15/ 320، 24/ 221
عدي بن نوفل 15/ 73
العديل بن الفرج 6/ 64، 22/ (شعره في ترجمته 326 - 344)
العربان البصري 23/ 18 - 181
العرجي 1/ 8 - 69 - 272 - 382 - 405، 2/ 313 - 366، 3/ 366 - 367 4/ 285 - 321 - 322، 6/ 325 - 336، 12/ 119، 15/ 23، 18/ 333 19/ 216 - 218 - 221
عرفجة بن جنادة 19/ 28
عروة بن أذينة 1/ 318، 2/ 238، 7/ 62 - 63، 18/ (شعره في ترجمته 321 - 335)، 19/ 300
عروة بن حزام 3/ 183، 4/ 247، 9/ 65، 14/ 214، 24/ (شعره في ترجمته 143 - 166)
عروة بن الزبير 17/ 242
عروة بن زيد الخيل 17/ 256 - 258
عروة بن قيس 9/ 173
عروة بن الورد 3/ 37 - 38 - 72 - 73 - 74 - 75 - 76 - 77 - 78 - 79 - 80 - 81 - 83 - 84 - 85 - 86 - 87، 6/ 323، 13/ 66
عريب مستحسنة 21/ (شعرها في ترجمتها 54 - 91)، 22/ 179
عزيل الخثعمي 13/ 212
عطاء الملك 3/ 226
العطوي 23 (شعره في ترجمته 122 - 128)
عفراء بنت عقال 24/ 150 - 158 - 159
عفيرة بنت عباد الشموس 11/ 165 - 166
عفيرة بنت عفار 11/ 164
عفيف بن المنذر 15/ 260 - 261
عقيبة الأسدي 19/ 362، 21/ (شعره في ترجمته 199 - 203)
عقيد - مولى صالح بن الرشيد - 18/ (شعره في ترجمته 64 - 72)
عقيد المغني 21/ 213
عقيل بن علفة 12/ 253 - 254 - 255 - 256 - 257 - 258 - 259 - 260 - 261 - 262 - 264 - 265 - 266 - 269 - 270 - 271 - 272 - 273 - 274 - 281، 19/ 194، 21/ 358، 24/ 35
عقيلية 24/ 218
عكاشة العّمّي 3/ 256 - 256 - 260 - 263 - 264 - 265
العلاء بن قرظة - خال الفرزدق 21/ 396
علس ذي جدث 4/ 217 - 218
علقمة 8/ 192 - 193 - 195
علقمة الخصي 10/ 250
علقمة بن عبدة 19/ 312
علبة بن ربيعة 13/ 45
علوية 8/ 367
علي بن أبي طالب 15/ 228، 18/ 61
علي بن أديم الجعفي الكوفي 15/ 265 - 267
علي بن أمية 23/ 99 - (شعره في ترجمته 134 - 139)
علي بن ثابت 18/ 104 - 105.
علي بن جبلة 8/ 254 - 255، 20/ (شعره في ترجمته 13/ 42) 13 - 15 - 16 - 19 - 22 - 23 - 24 - 25 - 26 - 27 - 29 - 30 - 31 - 32 - 33 - 34 - 36 - 37 - 38 - 39 - 40 - 41 - 42، 23/ 60 - 61 - 62
علي بن الجهم 7/ 298، 10/ 201
(أخباره 203 - 234)، 13/ 349، 19/ 306 - 313، 20/ 218، 22/ 212
علي بن الخليل 14/ 173 - 175 - 178 - 185
علي بن رزين 20/ 122
علي بن زيد الخزرجي 4/ 56 - 57
علي بن سليمان 8/ 29، 9/ 282 13/ 227 - 302، 21/ 65
علي بن عبد اللّه بن جعفر 22/ (شعره في ترجمته 223 - 224)
علي بن عمرو الأنصاري 14/ 214
علي بن الغدير الغنوي 19/ 205
علي بن الفرزدق 8/ 24
علي بن محمد نصر 23/ 76
علي بن محمد النوفلي 8/ 31
علي بن هارون بن علي 9/ 282
علي بن هشام 17/ 78
علي بن يحيى المنجم 8/ 89 - 266 - 267 - 367، 22/ 162 - 163 - 164
علي بن يوسف بن البقال 1/م - ت 29
علية بنت المهدي 10/ 105 (أخبارها - 162 - 186)
عمار ذي كبار 24/ (شعره في ترجمته 219 - 235)
عمار ذي كناز 7/ 56 - 67
عمارة بن حمزة 13/ 280
عمارة بن عقيل 19/ 111، 23/ 144 24/ 45 (شعره في ترجمته 245 - 258)
عمارة بن الوليد المخزومي 3/ 34 - 35 9/ 49، 18/ (شعره في ترجمته 121 - 126)
عمارة بن الوليد النوفلي 14/ 170
العماني - محمد بن ذؤيب بن محجن
18/ (شعره في ترجمته 310 - 320)
عمر بن أبي ربيعة 1/ 3 - 8 - 48 - 59 - 60 - 78 - 79 - 87 - 117 - 141 - 237 - 239 - 264 - 271 - 272 - 273 - 275 - 279 - 282 - 284 - 302 - 303 - 305 - 308 - 314 - 381، 1/ 61 - 63 - 66 - 69 - 71 - 72 - 73 - 74 - 75 - 76 - 77 - 81 - 82 - 83 - 84 - 88 - 89 - 90 - 92 - 93 - 94 - 95 - 97 - 98 - 99 - 100 - 101 - 102 - 105 - 106 - 107 - 108 - 109 - 110 - 111 - 113 - 114 - 115 - 116 - 119 - 120 - 132 - 134 - 135 - 145 - 146 - 147 - 148 - 149 - 150 - 151 - 152 - 153 - 154 - 156 - 157 - 158 - 160 - 161 - 166 - 168 - 169 - 171 - 172 - 173 - 174 - 175 - 176 - 190 - 193 - 195 - 196 - 199 - 200 - 201 - 204 - 205 - 207 - 209 - 211 - 212 - 213 - 214 - 216 - 219 - 220 - 221 - 223 - 224 - 225 - 226 - 227 - 228 - 229 - 230 - 231 - 232 - 233 - 234 - 235 - 244 - 247 - 258 - 259 - 260 - 261 - 262 - 264 - 266 - 269 - 270 - 305 - 308 - 311 - 319 - 355 - 385 - 387 - ، 2/ 357 - 358 - 359 - 362 - 363 - 369 - 370
- 371 - 372 - 373 - 374 - 376 - 377 - 378 - 394 - 395 - 396 - 208 214، 3/ 50 - 312 - 313 - 314 - 321 - 322 - 323 - 342 - 366 - 368، 4/ 12 - 213 - 214، 5/ 93 - 116 - 188 - 200 - 6/ 100 - 314 - 316 - 321 - 324 - 327 - 328 - 329، 8/ 140 - 266، 9/ 62 - 67 - 178 - 228 - 239 - 248 - 249، 10/ 105 - 196، 11/ 169 - 173 - 174 - 175 12/ 113 - 114 - 115 - 116 - 122 - 123، 13/ 79 - 240 - 333 15/ 26 - 74 - 121 - 233 - 262 - 263 - 264، 16/ 151 - 185 - 168 - 170 - 171 - 177 - 186 - 187 - 206، 17/ 41 - 45 - 47 - 48 - 156 - 157 - 158 - 159 - 160 - 271، 18/ 363 19/ 157 - 290، 20/ 325 - 372 21/ 56 - 404، 22/ 9 - 10
عمر بن الأهتم 4/ 151، 21/ 203
عمر بن الخطاب 8/ 208 - 210 - 211 - 218، 13/ 191، 15/ 301
عمر بن شبة 8/ 4 - 48
عمر بن عبد العزيز 9/ 65 - 69
عمر بن لجأ 8/ 309، 20/ 324 - 325،
عمران بن حطان الدوسي 7/ 232 18/ (شعره في ترجمته 108 - 120)
عمران بن عصام العنزي 17/ 275
عمرة 9/ 230، 13/ 187
عمرة بنت دريد بن الصمة 10/ 4 - 33
عمرو بن أبي عمرو الشيباني 8/ 5
عمرو بن الأطنابة 17/ 164
عمرو بن بانة 15/ 275
عمرو بن براق 21/ (شعره في ترجمته 174 - 177)
عمرو بن ثعلبة بن ملقط الطائي 21/ 191
عمرو بن جبلة بن ياعث بن صريم اليشكري 24/ 70
عمرو بن الحسن الكوفي 23/ 223 - 234 - 235 - 236 - 250 - 251 - 252 - 253 - 254
عمرو ذي الكلب الكاهلي 15/ 100، 22/ (شعره في ترجمته 250 - 353)
عمرو بن سعيد بن زيد 9/ 128، 13/ 310
عمرو بن سعيد العدوي 13/ 310
عمرو بن سنة 9/ 180
عمرو بن شأس الأسدي 2/ 382 - 384 - 385، 19/ 3، 11/ 194 - 196 - 200 - 201
عمرو بن شقيف 16/ 55
عمرو الظالمي 3/ 216
عمرو بن العاص 9/ 58، 17/ 217
18/ 1 - 3 - 16 - 18 - 124
عمرو بن عدي 15/ 314
عمرو بن عقيل بن الحجاج الهجيمي 8/ 264
عمرو بن قميئة 18/ (شعره في ترجمته 138 - 144)
عمرو بن القنا 6/ 141 - 147
عمرو بن كلثوم 3/ 224، 9/ 80 11/ 42 - 43 - 51 - (أخباره 52 - 60)، 15/ 314، 22/ 83
عمرو بن مالك 13/عمرو بن مخلاة الكلبي 19/ 197
عمرو بن معد يكرب 6/ 316 - 324، 10/ 4 - 26 - 27، 15/ 207 - 209 - 216 - 226 - 230 - 231 - 232 - 239 - 314 - 243
عمرو بن ملقط 13/ 5
عمرو الوادي 23/ 84
عمرو الوراق 6/ 325، 23/ 84
عمير بن الحباب 24/ 29 - 31 - 32 - 33
عميرة بنت حسان الكلبية 19/ 206
عنان 23/ (شعرها في ترجمتها 84 - 93)
العنبري 24/ 216
عنترة بن الأخرس 12/ 34
عنترة بن شداد العبسي 1/ 271، 4/ 125، 8/ 215 - 235 - 240 - 241 - 243 - 244 - 383، 9/ 221 - 222، 10/ 180 - 293، 12/ 156، 17/ 46 - 48، 18/ 70
عوف بن الأحوص 9/ 47
عوف بن عطية 11/ 129
عوف بن مرثد 11/ 130
عون بن معاوية 10/ 19
عون بن عبد اللّه بن عتبة 8/ 47
عويف القوافي 13/ 43، 19/ 183،
(شعره في ترجمته 184 - 210) 188 - 189 - 192 - 193 - 194 - 202 - 207
- 208، 11/ 112 - 195
عيساء 8/ 16
عيسى الحبطي 18/ 108 - 115
عيسى بن زينب 18/ 370، 20/ 304 - 305
عيسى بن عبد اللّه بن إسماعيل المراكبي 21/ 61 - 62 - 63 - 64
عيسى بن قدامة الأسدي 15/ 245 - 248
غ
غرير بن أبي جابر بن زهير بن جناب 19/ 28
الغريض 1/ 70، 6/ 16
غريض اليهودي - السمؤل بن عادياء 3/ 115 - 116 - 117 - 129
غسان 8/ 28
غلاف بن مروان بن زنباع 13/ 24
غلفاء - معد يكرب بن الحارث 12/ 208
الغول بن عبد اللّه بن صيفي العطائي 4/ 407
غيلان بن سلمة الثقفي 13/ 199 - 200 - 201 - 202 - 203 - 204 - 205 - 206 - 208
ف
الفارعة - أخت مسعود بن شداد 12/ 106 - 111
فارعة بنت ثابت 3/ 33
فرار الأسدي 20/ 383
الفرزدق 1/ 48، 3/ 157 - 158 - 297 - 363 - 264، 5/ 27، 6/ 73 - 149 - 150، 7/ 237 - 238 - 255، 8/ 4 - 5 - 12 - 16 - 20 - 23 - 25 - 27 - 29 - 30 - 31 - 32 - 33 - 34 - 35 - 36 - 37 - 38 - 43 - 45 - 48 - 51 - 61 - 2 68 - 86 - 88 - 304 - 385، 9/ 4 - 5 - 46 - 78 - 119 - 219 - 323 - 330 - 331 - 334 - 335 - 336 - 340 - 341، 10/ 90 - 152 - 153 - 289، 11/ 54 - 60 - 61 - 90 - 91 - 316 - 343 - 379، 12/ 58، 13/ 189 - 270 - 271، 14/ 273، 15/ 325 - 342 - 344 - 387، 16/ 161 - 163 - 165 - 166 - 167 - 168 - 170 - 171 - 177 - 206، 20/ 109 - 206 - 295
- 365، 21/ (شعره ومناقضاته في ترجمته 276 - 404) 103 - 105 - 201 22/ 17 - 19 - 20 - 21 - 343
فروة بن حميصة 24/ 247 - 256
فروة بن مسيك المرادي 15/ 210
فروج الزنى 20/ 101
فريك 8/ 172
فريك بن حنظلة 8/ 173
الفزاري 12/ 193
فضالة بن شريك 12/ (شعره من 71 - 79)
الفضل بن الربيع 13/ 148 - 149
فضل الشاعر 10/ 215
فضل الشاعرة 18/ 165 - 166 - 167،
19/ (شعرها في ترجمتها - 300 - 314) 300 - 301 - 302 - 303 - 304 - 305 - 306 - 307 - 308 - 309 - 310 - 311 - 312 - 313
الفضل بن العباس اللهبي 16/ 172 - 175 - 176 - 177 - 178 - 179 - 180 - 181 - 182 - 183 - 184 - 185 - 186 - 187 - 189 - 191 - 192 - 193 - 194 - 195 - 196 - 197 - 198 - 199
الفضل بن يحيى البرمكي 21/ 60
الفند الزماني 24/ (شعره في ترجمته 167 - 195)
ق
القاسم بن أمية 4/ 120
القاسم الطويل العبادي 7/ 65 - 66 - 67
القاسم بن عمر 23/ 226
القتال السحمي 22/ 2
القتال الكلابي 24/ (شعره في ترجمته 167 - 195)
قتيبة بن مسلم 15/ 351
قحيف العقيلي 8/ 181 - 182، 18/ 37 - 40، 24/ (شعره في ترجمته 16 - 52)
قراد بن حنش الصادري 11/ 111 - 112
القطامي 5/ 301، 11/ 23 - 25، 17/ 177
قطري بن فجاءة المازني 6/ 140 - 141 - 147 - 150
القلاح بن حزن المنقري 10/ 75
قس بن ساعدة الأيادي 15/ 245
قيس بن جروة الأجثي - عارق - 22/ 186 - 187 - 188 - 189 - 190
قيس بن الحدادية 14/ 143 - 150 - 151 - 154
قيس بن الخطيم 2/ 428، 3/ 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 14 - 18 - 30 - 39 - 42، 14/ 372، 16/ 28 - 60، 17/ 28، 22/ 2
قيس بن الخطيم الظفري 3/ 22.
قيس بن ذريح 1/ 264، 2/ 392/183، 6/ 5 - 6، 7/ 28 - 9/ 178 - 189 - 190 - 196 - 198 - 179 - 185 - 201 - 213 - 217 - 220 - 206 - 214، 12/ 276، 20/ 356
قيس بن زهير 11/ 98، 17/ 182 - 198 - 206
قيس بن شماس 3/ 10
قيس بن شيبة السلمي 17/ 287
قيس بن عاصم 14/ 79
قيس بن عاصم المنقري 14/ 68
قيس بن القتال 22/ 11
قيس بن مسعود 24/ 57 - 58 - 59
قيس بن الملوح - المجنون - 1// 8 - 417
6/ 6، 7/ 350، 14/ 153، 16/ 343، 4/ 280 - 290 - 291 - 292 - 333، 20/ 369، 2/ 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 23 - 24 - 25 - 26 - 27 - 28 - 29 - 31 - 33 - 34 - 35 - 36 - 37 - 38 - 39 - 40 - 42 - 43 - 44 - 47 - 51 - 52 - 54 - 55 - 56 - 60 - 61 - 62 - 63 - 64 - 65 - 66 - 67 - 68 - 70 - 71 - 72 - 73 - 75 - 76 - 77 - 78 - 79 - 81 - 82 - 83 - 84 - 85 - 87 - 88 - 89 - 92 - 93 - 94 - 269
قيسبة السكوني الكندي 13/ 5.
ك
كاهنة من أياد 22/ 356
كبشة 15/ 230
كثير 1/ 50 - 284، 3/ 183 - 314 - 315، 4/ 255 - 256 - 266 - 267 - 6/ 25 - 219، 7/ 246 - 279 - 291، 11/ 193، 15/ 138 - 283 - 333، 18/ 332 - 366 - 376، 19/ 134، 16/ 116 - 161 - 162 - 164 24/ 21، 8/ 5 - 6 - 7 - 9 - 10 - 11 - 12 - 14 - 16 - 23 - 25 - 26 - 27 - 28 - 32 - 36 - 38 - 175 - 224 - 280 - 344
كثير بن عبد الرحمن 2/ 382 - 383 - 384 -
385
كثير عزّة 12/ 173، 21/ 359
كثير بن كثير بن المطلب بن أبي وداعة السهمي 2/ 344، 9/ 177
كثيرة 18/ 26
الكراني 23/ 190
كعب - أخو تأبط شرا - 21/ 161
كعب بن الأشرف 22/ (شعره في ترجمته - 331 - 333)
كعب الاشقري 6/ 110، 14/ 282 - 287 - 288 - 290 - 291 - 293 - 297
كعب بن جعيل 3/ 279 - 280، 5/ 12، 16/ 35 - 37
كعب بن زهير 5/ 290، 10/ 313 - 314، 12/ 55، 14/ 209، 17/ 81 (شعره في ترجمته 81 - 91)
كعب بن سعد القرظي 22/ 110
كعب بن مالك 12/ 241، 17/ 136 16/ 225 - 240
كعب بن معدان 3/ 257
كلثوم بن عمرو العتابي 4/ 9، 11/ 55، 13/ 122
الكلحبة 19/ 130
كليب 5/ 45 - 57
الكميت 3/ 225، 12/ 36، 13/ 36، 15/ 101، 17/ (شعره في ترجمته 1 - 40)، 20/ 120 - 123 - 167 - 168، 21/ 89 - 90 - 91، 22/ 13، 16/ 203 - 204 - 408
الكميت بن معروف الفقعسي 21/ 245 22/ (شعره في ترجمته 143 - 145)
الكنجي 23/ 56
ل
لبيد بن خليفة بن ثعلبة 17/ 125
لبيد بن ربيعة 9/ 113 - 133، 11/ 63 - 70، 13/ 40، 15/ 360 - 362 - 364 - 365 - 366 - 367 - 369 - 371 - 373، 16/ 289 - 290، 17/ (شعره في ترجمته - 55 - 65) 185، 18/ 143 - 144، 22/ 58
لحجية بن المضرب الكندي 4/ 404
لقيط الأيادي 23/ 97
لقيط بن زرارة 22/ 193 - 194 - 196 - 197
لقيط بن يعمر 22/ (شعره في ترجمته 354 - 358)
لميس بن سعد البارقي 17/ 298
ليلى الأخيلية 5/ 16، 11/ 203 -
(أخبارها - 204 - 250)
م
مالك بن أبي السمح 5/ 101 - 105 - 108 - 112 - 113
مالك بن أبي كعب بن القين الخزرجي 1/ 42
مالك بن أسماء بن خارجة 17/ (شعره في ترجمته - 229 - 238)
مالك بن جبار 17/ 371
مالك بن خالد 3/ 337
مالك بن الريب 13/ 48، 22/ (شعره في ترجمته 285 - 302)
مالك بن زهير 13/ 80
مالك بن الصماصمة 22/ (شعره في ترجمته 76 - 79)
مالك بن الصمة 10/ 28
مالك بن العجلان 22/ 114 - 115
مالك بن عوف النصري 14/ 146 18/ 78
مالك بن كعب 16/ 226 - 234
مالك المزموم 18/ 117 - 118 - 119
مالك بن نويرة 21/ 397
مالي الموسوس 23/ (شعره في ترجمته 180 - 187)
المأمون 20/ 126 - 247 - 256 - 261 22/ 214
المبرد 13/ 9 - 227
المتلمس 3/ 90 - 197 - 198، 15/ 215 - 318 - 321، 17/ 91، 23/ 35 - 36، 24/ (شعره في ترجمته - 259 - 261)
متمم - أخ مالك بن نويرة - 13/ 30، 15/ 297 - 303 - 306 - 307 - 310 - 312، 17/ 50
المتنبي 3/ 69
المتنخل 24/ (شعره في ترجمته 99 - 109)
متوج 12/ 80
المتوكل الليثي 158 - 159 - 160 - 162 - 164 - 166
المجنون 5/ 289، 9/ 128 - 294، 15/ 173، 24/ 237 - 238
المجير بن أسلم القشيري 24/ 30 - 31
محارب بن دثار الذهلي 7/ 248 - 249
محبوبة - شاعرة المتوكل - 22/ (شعرها في ترجمتها 200 - 202)
محرز بن جعفر 4/ 268، 9/ 144
محمد الأمين 20/ 48
محمد بن أبانة الضبي 6/ 152
محمد بن أبي العباس السفاح 4/ 404
محمد بن أبي العتاهية 4/ 88 - 11
محمد بن أبي محمد اليزيدي 20/ (شعره في ترجمته - 240 - 248) 241 - 242 - 243 - 244 - 245 - 246 - 247 - 248
محمد بن الأشعث بن فجوة 15/ 55 - 58 - 69
محمد بن أمية 2/*، 12/ 144 - 146 - 147 - 148 - 154، 19/ 52 - 312 22/ 211، 23/ 80
محمد بن بشير الخارجي 16/ 101 - 102 - 104 - 105 - 107 - 111 - 113 - 115 - 118 - 120 - 121 - 122 - 123 - 124 - 125 - 126 - 129 - 130 - 132 - 133 - 134، 21/ 124 - 125
محمد بن الحارث 23/ (شعره في ترجمته - 175 - 179)
محمد بن حازم الباهلي 14/ 91 - 97
محمد بن الحسن بن الحرون 13/ 302
محمد بن راشد 5/ 238
محمد الراوية - المعروف بالبيدق - 13/ 146 - 147 - 184
محمد بن رزين 16/ 24 - 399 - 400 - 401 - 402 - 403 - 404 - 405 - 406 - 407 - 408
محمد بن سعيد الأسدي 23/ 79
محمد بن سلام الأحوص 4/ 233
محمد بن صالح العلوي 16/ 359 - 371
محمد بن العباس اليزيدي 13/ 298
محمد بن عبد اللّه النميري 6/ 189 -
(أخباره - 190 - 208)
محمد بن عبد الملك الزيات 20/ 144 - 145 - 269، 23/ (شعره في ترجمته 45 - 74) 107 - 108
محمد بن كناسة الأسدي 13/ 336 - 337 - 338 - 339 - 340 - 341 - 342 - 343 - 344 - 345
محمد بن معروف الواسطي 23/ 109
محمد بن مناذر 4/ 90
محمد بن وهب 19/ (شعره في ترجمته 73 - 96) 75 - 76 - 77 - 78 - 80 - 81 - 82 - 83 - 84 - 85 - 87 - 88 - 89 - 90 - 91 - 92 - 93 - 94 - 95 - 96
محمد بن يسار 4/ 412 - 425 - 427
محمد بن يسير 14/ 16 - 33 - 34 - 39 - 44 - 47
محمود بن خليفة بن ثعلبة 17/ 125
المخبل السعدي 13/ 188 - 189 - 190 - 191 - 192 - 193 - 194 - 195 - 196 - 197 - 198، 15/ 240
المخبل القيسي 20/ (شعره في ترجمته 263 - 272) 263 - 264 - 265 - 266 -
267 - 268
مدافع 6/ 264
مدرك بن محمد الشيباني 1/م - ت 26
مدرك القيسي 5/ 26
مراد - شاعرة علي بن هشام 9/ 295
مراد - الشاعرة 7/ 304
مراد بن منقذ 8/ 23
المرار بن سعيد الفقعسي 10/ 316
(أخباره 317 - 324)
مربان بن سعد الدوسي 13/ 221
مرة بن خليف 21/ 161 - 168
مرة بن دودان 12/ 62، 21/ 18 - 19
مرة بن عبد اللّه النهدي 23/ (شعره في ترجمته 129 - 132)
مرة بن محكان السعدي 3/ 322، 21/ 240، 22/ (شعره في ترجمته 320 - 326)
مرة بن واقع القطفاني الفزاري 6/ 255
مرثد بن الحارث بن ثور بن حرملة 24/ 72 - 73
مرداس بن أبي عامر السلمي 24/ 64 - 65
مرزد بن ضرار 15/ 198
المرقش الأصغر - ربيعة بن حرملة 6/ 127 - 136 - 139
المرقش الأكبر - عمرو بن سعد بن مالك 6/ (ورد في أخباره 127 - 135) 11/ 349
مروان 3/ 149 - 156 - 202 - 222،
13/ 142 - 143 - 145
مروان بن أبي حفص 5/ 183، 10/ 70 -
(أخباره - 78 - 95) - 205، 19/ 280، 20/ 47، 23/ 87 (شعره في ترجمته 205 - 215)، 12/ 80 - 82 - 83
مروان بن الحكم 3/ 349، 21/ 383
مريم بنت الأعلم 23/ 247
مزاحم بن عمرو السلولي 13/ 19 17/ 94 -
مزاحم العقيلي 19/ (شعره في ترجمته 97 - 104) 97 - 98 - 99 - 100 - 101 102 - 103 - 104
مسافر بن أبي عمرو 9/ 48 - 49 - 51 - 53 - 55 - 344
مسافر بن عمرو بن أمية 18/ 122 22/ 242
مساور بن سواد بن عبد الحميد 18/ (شعره في ترجمته - 148 - 153)
المساور بن هند بن قيس بن زهير بن جذيمة العبسي 10/ 318
المستهل بن الكميت 17/ 21 - 26 - 35
المسجاح بن سباع الضبي 12/ 347
المسدود 20/ (شعره في ترجمته 288 - 292) 289 - 291، 22/ 46
مسعدة بن البختري 6/ 99، 13/ 269 - 270 - 273
مسعود - أخو ذي الرمة - 18/ 2 - 3 - 4 - 5 - 47
مسعود بن شداد 12/ 110
مسعود بن خرشة المزني 20/ 293، 21/ (شعره في ترجمته 249 - 251)
مسكين الدارمي 15/ 118، 20/ (شعره في ترجمته - 204 - 214) 204 - 206 - 207 - 208 - 210 - 211 - 212 - 213 - 214، 21/ 353
مسكين بن عامر 14/ 272
مسلم بن الوليد 10/ 94، 14/ 163، 16/ 401 - 403، 19/ 30 - (شعره في ترجمته 31 - 72) 32 - 33 - 34 - 35 - 36 - 38 - 39 - 40 - 41 - 42 - 43 - 44 - 45 - 46 - 47 - 48 - 49 - 50 - 52 - 53 - 54 - 55 - 56 - 57 - 58 - 59 - 60 - 61 - 65 - 66 - 67 - 70، 20/ 126 - 242
المسيب بن رفل بن حارثة 19/ 29
مسيلمة الكذاب 21/ 34
مصاد بن أسعد بن جنادة 19/ 27
مصعب بن عمرو السلولي 17/ 98 - 99
مضاض بن عمرو الجرهمي 15/ 11 - 13
المضرب بن كعب بن زهير 10/ 314
مضرس بن قرط 9/ 178
مضرس الهلالي 5/ 193
مطيع بن أياس 6/ 281، 13/ 273 - 274 - 275 - 276 - 277 - 278 - 279 - 280 - 281 - 282 - 283 - 284 - 285 - 286 - 287 - 288 - 289 - 290 -
291 - 292 - 293 - 294 - 295 - 296 - 297 - 298 - 299 - 300 - 301 - 302 - 303 - 304 - 305 - 306 - 307 - 308 - 318 - 317 - 316 - 309 - 311 - 312 - 313 - 314 - 315 - 319 - 320 - 322 - 323 - 324 - 325 - 326 - 327 - 328 - 329 - 330 - 331 - 332 - 333 - 335 - 336، 14/ 365 20/ 298 - 299 - 300، 23/ 16
معاذ بن جعفر بن علبة الحارثي 13/ 55
معاوية بن أبي سفيان 13/ 261، 17/ 211
معاوية بن عمرو بن الشريد 10/ 28
معبد بن عمرو بن كعب 16/ 226
المعتضد 9/ 132
المعذل بن غيلان 23/ 157
معروف بن الكميت 22/ 143 - 145
معقر بن أوس 11/ 159
معقر بن حمار البارقي 15/ 123
معقل بن عيسى 21/ (شعره في ترجمته 92 - 94)
المعلى الطائي 19/ 230
معمر بن عبد اللّه 15/ 295 - 296
معمر بن العنبر الهذلي 6/ 114
معن بن أوس 8/ 212، 12/ 53 - 54 - 55 - 56 - 57 - 58 - 59 - 60 - 61 - 62 - 64
معن بن زائدة 13/ 325
المغيرة بن حبناء 13/ 83 - 84 - 85 - 86 -
87 - 88 - 89 - 90 - 91 - 92 - 93 - 94 - 95 - 96 - 97 - 99 - 100
المغيرة بن حجناء 8/ 29
المغيرة بن شعبة 16/ 78
مفرج بن المرقع 22/ 21
مفروق بن عمرو الشيباني 24/ 56
المفضل بن المهلب 13/ 91
مقدام - أخو بني عدس بن زيد 11/ 130
المقنع الكندي 6/ 211 - 17/ (شعره في ترجمته 107 - 109)
مكين العذري 5/ 264، 6/ 309
المنخل بن عبيد بن عامر اليشكري 11/ 14
المنخل بن عمرو - ويقال المنخل بن مسعود 21/ (شعره في ترجمته - 1 - 8)
المنخل بن مسعود - المنخل بن عمرو المؤمل 21/ 73
المنخل اليشكري 20/ 423
منذر بن حسان 24/ 29
منصور النمري 13/ 139 - 140 - 141 - 142 - 143 - 144 - 145 - 146 - 147 - 148 - 149 - 150 - 151 - 152 - 153 - 154 - 155 - 156 - 157
المهاجر بن خالد بن الوليد 16/ 193 - 194 - 195 - 196 - 197 - 198 - 199 - 200 - 201
المهدي 13/ 314 - 323، 15/ 286
المهلب بن أبي صفرة 6/ 147 - 150
مهلهل 5/ 37 - 41 - 47 - 50 - 54،
6/ 103 - 127 - 128 - 129، 13/ 187، 16/ 92
المؤمل بن أميل 22/ (شعره في ترجمته - 244 - 251)
المؤمل بن جميل 18/ (شعره في ترجمته - 145 - 147)
موسى شهوات - موسى بن يسار -
3/ 350 - 353 - 354 - 355 - 356 - 357 - 358 - 359 - 360، 361 - 364 - 365، 10/ 193
مي - أومية - صاحبة ذي الرمة 18/ 11
مياد الجرمي 8/ 160
مية بنت ضرار بن عمرو الضبية 15/ 94
ميثاء 8/ 27
ن
النابغة الجعدي 2/ 224، 5/ 18 - 24 - 26 - 29 - 30 - 33، 6/ 287، 10/ 72، 15/ 297، 16/ 375، 17/ 237، 20/ 67
النابغة الذبياني 1/ 49 - 78، 2/ 345 - 346 - 369، 3/ 133 - 149، 7/ 77 - 108، 9/ 108، 10/ 288 - 342 11/ (أخباره 3 - 41) 70 - 130 - 136 12/ 345، 13/ 306، 15/ 96 - 157، 16/ 375، 17/ 384، 21/ 2 - 289، 22/ 128 - 129،
نابغة بني شيبان 7/ 105 - (أخباره 106 - 113)
ناجية - أخت هرم بن ضمضم المري - 17/ 203
نادبة الأسدين 22/ 92
نافع بن خليفة الغنوي 15/ 351
ناهض بن ثومة الكلابي 13/ 174 - 175 - 176 - 177 - 178 - 182 - 183 - 184 -
185 - 187
نبيه بن الحجاج 17/ (شعره في ترجمته 279 - 285)
نبيه الكوفي 10/ 164
النجاشي 13/ 260 - 268
نجدة الخفاجي 24/ 9
نصيب 1/ 3 - 8 - 9 - 323، 3/ 50 4/ 323، 6/ 120 - 121 - 122 - 123 - 124 - 125 - 288، 7/ 130 - 131، 9/ 38 - 46 - 47، 15/ 173 - 177، 16/ 161 - 162 - 163 - 164 - 343
نصيب الأصغر - مولى المهدي - 22/ 359، 23/ (شعره في ترجمته 1 - 20)
نصيب بن رباح 1/ 324 - 325 - 327 - 329 - 331 - 332 - 333 - 336 - 337 - 338 - 339 - 340 - 341 - 342 - 343 - 344 - 345 - 346 - 347 - 348 - 349 - 350 - 351 - 352 - 353 -
354 - 355 - 357 - 359 - 360 - 361 - 362 - 363 - 365 - 366 - 367 - 368 - 369 - 370 - 371 - 373 - 374 - 375 - 376 - 377
نصيح - جد ناهض 13/ 177
نضلة بن مرة 5/ 39
النعمان بن بشير الأنصاري 15/ 73، 16/ 26 - 27 - 28 - 45 - 48 - 50 - 51 - 53 - 233 - 234
النعمان بن يحيى بن معاوية 11/ 281
نفيلة الأشجعي - أبو المنهال - 6/ 114 -
115 - 116
النمر بن تولب العكلي 15/ 99، 21/ 1، 22/ (شعره في ترجمته 272 - 284)
النميري 2/ 376 5/ 167، 9/ 239، 10/ 140، 18/ 372، 19/ 74 - 287، 11/ 190 - 191
نهار بن توسعة 16/ 19
النهدي 5/ 118
نهشل بن حري 9/ 270
نيران 20/ 83
ه
هارون الرشيد 18/ 308، 19/ 285 20/ 213
هارون بن محمد الباسلي 23/ 143 - 144
هبل بن عبد اللّه 9/ 24
هبيرة بن الصلت الربعي 8/ 25
الهدادي 12/ 283
هدية بنت خشرم 21/ 273
الهذلي - أبو صخر - 1/ 224، 5/ 65، 13/ 80
هزيلة - إمرأة من جديس زوجة قرقس - 11/ 164
هشام - أخو ذي الرمة - 18/ 4
هشام بن محمد 15/ 57
هشام بن المغيرة 9/ 52
هفّان بن همام بن نظلة 6/ 81
هلال بن الأسعر المازني 3/ 50 - 52 - 53 - 54 - 55 - 56 - 58 - 59 - 60 - 61 - 62 - 63 - 65 - 66 - 67 - 68 - 69 - 70
هلال بن عمر الأسدي 18/ 369
هند بنت حسان بن النعمان - حرقة بنت حسان 24/.
هند بنت خالد 13/ 222.
هند بنت زيد الأنصارية 17/ 132 - 154 - 155
هند بنت عتبة 4/ 210
الهيثم بن الربيع 16/ 306 - 307 - 308 - 309 - 310
و
الواثق 9/ 235 - 297، 22/ 204
واسع بن خشرم 21/ 273
والبة بن الحباب 3/ 9، 18/ (شعره في ترجمته - 99 - 107)
وحشية الجرمية 8/ 163 - 183
ورقاء بن زهير 11/ (أخباره - 75 - 81) 86 - 88 - 89 - 90 - 93 - 207
ورقة بن نوفل 3/ 115 - 118 - 119 - 120 - 121 - 122 - 125
وضاح اليمن 6/ 208 - 209
وعلة الجرمي 22/ 220
الوليد بن حنيفة - أبو حزابة 22/
الوليد بن عدي الكندي 9/ 81
الوليد بن عقبة 5/ 118 - 127 - 131 - 133 - 136 - 138 - 141 - 143 - 145 - 149، 15/ 297
الوليد بن يزيد 2/ 217، 3/ 366، 5/ 202، 6/ 22 - 281 - 286 - 309 - 360، 7/ (أخباره - 1 - 84) 85 - 86 - 88 - 91 - 92 - 93 - 95 - 97 - 100 - 101 - 104 - 105 - 109 - 110 9/ 132 - 19/ 170
الوليد بن يزيد المخزومي 7/ 52
وهب بن أبجر بن جابر العجلي 8/ 26
وهب بن زمعة 7/ 114
ي
ياقوت 8/ 214
يحيى بن أبي حفصة 10/ 72 - 74 - 75 - 76 - 77
يحيى بن زياد بن عبد اللّه الحارثي 13/ 54، 14/ 356
يحيى بن طالب 24/ (شعره في ترجمته - 135 - 143)
يحيى بن مروان 12/ 79
يحيى المكي 9/ 178
يحيى بن منصور الذهلي 10/ 92
يزيد بن الديان - يزيد بن عبد المدان 21/ 17 - 18 - 19
يزيد بن الحكم الثقفي 12/ 285
يزيد بن ربيعة بن مفرغ - ابن مفرغ 18/يزيد بن الرقاع العاملي 19/ 126
يزيد بن الصعق 13/ 4
يزيد بن ضبة 7/ 94 - (أخباره - 95 - 103)
يزيد بن الطثرية 5/ 236، 8/أخباره وشعره 8/ (155 - 185) 154 - 156 - - 184 - 162 - 163 - 165 - 172 - 173 - 174 - 175 - 176 - 178 - 179
يزيد بن طعمة الخطمي 17/ 3
يزيد بن عبد الملك 9/ 274
يزيد بن مزيد 13/ 146
يزيد بن مسهر 9/ 154
يزيد بن معاوية 2/ 376، 14/ 300 15/ 120 - 291، 17/ 209 - 210 - 211 - 212 - 242
يزيد بن مفرع الحميري 6/ 306
يزيد المهلبي 9/ 304، 13/ 100، 23/ 144
اليزيدي 5/ 133، 8/ 48، 21/ 82
يعقوب بن إسحاق الربعي المخزومي 9/ 277
يعلى الأحوال الأزدي 24/ (شعره في ترجمته
- 146 - 149)
يمين اللّه 8/ 173
الينبعي - أبو الحسن الينبعي 17/يوسف بن الحجاج 23/ (شعره في ترجمته - 216 - 222)
يوسف بن الصيقل 19/ 250
يونس 8/ 5 - 35
يونس بن حبيب 8/ 9
يونس بن الربيع 20/ 243
يونس بن عبد اللّه الخياط 20/ 2 - 5 - 8 - 10 - 11
فهرس رجال السند
أ
آدم بن عبد العزيز 15/ 186 - 287.
أبان البجلي 8/ 313.
أبان بن تغلب 9/ 112.
أبان بن سعيد 18/ 341 - 360.
أبان بن سعيد الحميدي بن أبان بن عبد الحميد 23/ 163.
أبان بن صالح 15/ 218.
أبان بن عثمان 8/ 295 - 314.
إبراهيم 8/ 221 - 235 - 273.
إبراهيم بن إبراهيم بن حسن بن زيد 9/ 6.
إبراهيم بن أبي دلف العجلي 10/ 111 - 171.
إبراهيم بن أبي رباح 4/ 92.
إبراهيم بن أبي عبد اللّه 4/ 268 - 414، 7/ 148.
إبراهيم بن أبي العبيس 21/ 74.
إبراهيم بن أبي عثمان 13/ 337.
إبراهيم بن أبي عمرو الجهني 9/ 31.
إبراهيم بن أبي محمد اليزيدي 20/ 249.
إبراهيم بن أحمد 4/ 129، 8/ 327.
إبراهيم بن أحمد بن إبراهيم الكوفي 4/ 78.
إبراهيم بن أحمد بن عبد الرحيم 23/ 40.
إبراهيم بن أحمد المدرائي 16/ 280.
إبراهيم بن إسحاق بن إبراهيم 4/ 21، 20/ 2.
إبراهيم بن إسحاق الصالحي 11/ 243.
إبراهيمي بن إسحاق الطلحي 9/ 27.
إبراهيم بن إسحاق العمري 6/ 107، 20/ 92.
إبراهيم بن إسحاق العنزي 1/ 224، 3/ 301.
إبراهيم بن إسماعيل 17/ 71.
إبراهيم بن إسماعيل القرشي 2/ 31، 4/ 227 - 229.
إبراهيم بن إسماعيل الكاتب 10/ 163.
إبراهيم بن أيوب 2/ 11 - 87 - 195 -
200، 3/ 74، 4/ 121، 6/ 73، 9/ 21 - 78 - 167 - 339، 10/ 245، 336 - 11/ 13 - 53 - 199 - 240، 12/ 36 - 137 - 198 - 242، 14/ 263 - 322، 15/ 169 - 223 - 224 - 309 - 370، 17/ 23، 19/ 10 - 31، 20/ 121 - 211 - 241، 21/ 255، 24/ 145.
إبراهيم بن تميم 16/ 245.
إبراهيم التيمي 17/ 218.
إبراهيم بن جبلة بن مخرمة 15/ 144 - 341.
إبراهيم بن الجنيد 19/ 144.
إبراهيم بن الحاطبي 4/ 280.
إبراهيم بن حبيب الشهيد 9/ 329، 21/ 295.
إبراهيم بن حديث 13/ 113.
إبراهيم بن الحسن 12/ 84.
إبراهيم بن الحسن بن سهل 9/ 297.
إبراهيم بن الحكيم 4/ 21، 19/ 3.
إبراهيم بن حمزة 1/ 77، 12/ 241، 17/ 292 - 296 - 357.
إبراهيم بن حميد السرّي 16/ 84.
إبراهيم بن خالد المعيطي 3/ 304.
إبراهيم بن خلف 8/ 257، 20/ 22.
إبراهيم بن خليل الهاشمي 10/ 282.
إبراهيم بن داجة 9/ 18.
إبراهيم بن دسكرة 4/ 92.
إبراهيم بن رباح 4/ 341.
إبراهيم بن الرمّاح 8/ 108.
إبراهيم بن زياد بن عنبسة بن سعيد بن العاص 1/ 249 - 250.
إبراهيم بن زياد الأنصاري 8/ 186، 12/ 193.
إبراهيم بن زيد بن عنبسة 4/ 260 - 261.
إبراهيم بن سالم 19/ 41.
إبراهيم بن السرّي 2/ 40، 16/ 95، 18/ 286.
إبراهيم بن سعد 4/ 144، 9/ 5 297، 12/ 216 - 16/ 99، 21/ 14.
إبراهيم بن سعد الأسدي 17/ 26.
إبراهيم بن سعد الزهري 2/ 34 - 238.
إبراهيم بن سعد السلمي 17/ 93.
إبراهيم بن سعد بن شاهين 2/ 325.
إبراهيم بن سعدان 15/ 345، 17/ 187 - 318، 21/ 370، 24/ 212.
إبراهيم بن سعيد بن بشر بن عبد الملك بن عقيل الخارجي 1/ 366.
إبراهيم بن سعيد بن شاهين 16/ 92.
إبراهيم بن سكرة 4/ 395.
إبراهيم بن سهل القاريء 20/ 148 -
183.
إبراهيم بن سوار الضبي 12/ 44.
إبراهيم بن طلحة 9/ 142.
إبراهيم بن طهمان 16/ 227.
إبراهيم بن العباس 8/ 356 - 365، 10/ 46، 20/ 242.
إبراهيم بن عبد الخالق الأنصاري 19/ 53.
إبراهيم بن عبد الرحمن 9/ 159 - 160، 17/ 352 - 353.
إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف 15/ 196.
إبراهيم بن عبد الرحمن القرشي 6/ 74.
إبراهيم بن عبد الرحمن الكثيري 2/ 321.
إبراهيم بن عبد السلام بن أبي الحارث 1/ 283، 4/ 319.
إبراهيم بن عبد عطية 4/ 318.
إبراهيم بن عبد اللّه 9/ 161.
إبراهيم بن عبد اللّه - مولى بني زهرة - 8/ 82.
إبراهيم بن عبد اللّه بن حسن 11/ 300.
إبراهيم بن عبد اللّه بن الجنيد 4/ 111.
إبراهيم بن عبد اللّه السعدي 6/ 123.
إبراهيم بن عبد اللّه الطلحي 7/ 248 - 277، 17/ 20 - 22 - 23 - 36 - 38 - 39 - 40.
إبراهيم بن عبد اللّه بن محمد بن أيوب المخزومي 18/ 30 - 31 - 37 - 57 -
191 - 206 - 208.
إبراهيم بن عقبة 12/ 215، 13/ 236.
إبراهيم بن علي الأسدي 17/ 39.
إبراهيم بن علي الرافعي 19/ 190.
إبراهيم بن علي بن هشام 1/ 253، 17/ 54.
إبراهيم بن عمر 6/ 73، 8/ 402.
إبراهيم بن القاسم بن زرزور 18/ 166، 21/ 68.
إبراهيم بن قدامة الجمحي 4/ 398.
إبراهيم بن قدامة الحاطبي 22/ 27.
إبراهيم بن محمد 4/ 135، 5/ 7، 10/ 187.
إبراهيم بن محمد الأزدي 6/ 5.
إبراهيم بن محمد الأزهري 9/ 159.
إبراهيم بن محمد بن أيوب 9/ 181 - 310، 13/ 7 - 11 - 111، 16/ 307 - 308 - 310 - 317، 17/ 233 - 290 - 294.
إبراهيم بن محمد بن برقشة 10/ 168.
إبراهيم بن محمد بن سعد 19/ 7.
إبراهيم بن محمد بن سعد بن أبي الوقاص الزهري 9/ 337 - 339، 21/ 370.
إبراهيم بن محمد الشافعي 1/ 312، 2/ 12.
إبراهيم بن محمد الصائغ 22/ 279.
إبراهيم بن محمد بن العباس المطلبي 6/ 202.
إبراهيم بن محمد بن عبد العزيز الزهري 1/ 101، 6/ 219، 9/ 145، 10/ 291، 12/ 180 - 224.
إبراهيم بن محمد بن عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف 10/ 294.
إبراهيم بن محمد الوراق 19/ 45 - 51، 20/ 157 - 158 - 159.
إبراهيم بن محمد بن يزيد بن عبد اللّه بن الهاد 17/ 295.
إبراهيم بن المدبر 7/ 203، 10/ 46 - 52 - 57 - 93 - 210 - 211 - 213 - 220، 12/ 86، 13/ 286 - 294، 14/ 44 - 166، 16/ 363 - 364 - 367، 19/ 230 - 306، 20/ 121 - 183 - 184، 23/ 23 - 105.
إبراهيم بن معاوية 15/ 10.
إبراهيم بن المعلى الباهلي 7/ 146، 11/ 61.
إبراهيم بن المنذر 1/ 407، 2/ 5 - 8 - 9 - 34 - 366، 3/ 75 - 332، 4/ 13 - 155 - 163 - 300 - 356.
إبراهيم بن المنذر الحراني 13/ 109، 18/ 198.
إبراهيم بن المنذر الحزامي 1/ 118 - 163 - 278، 6/ 120 - 293، 12/ 55 -
318، 15/ 20، 17/ 86 - 87 - 88 - 89 - 91 - 158 - 169 - 198.
إبراهيم بن المهدي 1/ 8 - 253 - 256 - 268 - 269 - 273، 3/ 29 - 248، 4/ 107 - 337 - 360 - 361، 6/ 22 - 89 - 297، 9/ 34، 10/ 126، 11/ 347، 13/ 277، 16/ 145، 18/ 167 - 301 - 302، 19/ 135 - 158 - 159 - 160 - 162 - 163 - 174 - 175 - 293، 22/ 305، 23/ 135.
إبراهيم بن موسى 17/ 356.
إبراهيم الموصلي 12/ 292، 13/ 300، 14/ 187، 17/ 163، 18/ 65، 19/ 57،
إبراهيم بن ميسرة 9/ 267، 18/ 203.
إبراهيم بن نافع 18/ 25.
إبراهيم بن هاشم العبدي البصري 7/ 246.
إبراهيم بن هرمة 6/ 105.
إبراهيم بن يزيد الخشاب 12/ 233.
إبراهيم بن يزيد الخشك 13/ 279.
إبراهيم بن يزيد السعدي 1/ 342.
إبراهيم بن يسار الزمادي 9/ 184.
إبراهيم بن يعقوب بن أبي عبيد اللّه 9/ 19 -
25.
إبراهيم بن يعقوب بن الحارث بن أبي عبد اللّه 1/ 207 - 247.
ابن إبراهيم 7/ 44، 10/ 44.
ابن أبي الأبيض 4/ 70.
ابن أبي أحمد 13/ 286، 23/ 203.
ابن أبي الأزهر 4/ 210 - 330، 5/ 157 - 236، 9/ 130 - 137 - 283، 14/ 351،
ابن أبي أوس 4/ 153.
ابن أبي أيوب 1/ 404، 12/ 197.
ابن أبي ثابت 1/ 71.
ابن أبي جشم 1/ 21.
ابن أبي جناح 3/ 110، 6/ 96، 9/ 157 - 181.
ابن أبي حرب 20/ 41.
ابن أبي حسان 1/ 220، 9/ 248.
ابن أبي حفصة 9/ 6.
ابن أبي حمزة الثمالي 15/ 325.
ابن أبي الحويرث الثقفي 1/ 408.
ابن أبي الحويرث 6/ 121، 15/ 145.
ابن أبي الخنسا 16/ 246.
ابن أبي خيثمة 14/ 121،
ابن أبي داود 4/ 8، 16/ 6 - 7 - 8، 24/ 177.
ابن أبي الدنيا 3/ 72، 4/ 7، 13/ 302 - 339، 18/ 204 - 341، 19/ 99 - 310.
ابن أبي الدواهي 13/ 327.
ابن أبي ذئب 19/ 217.
ابن أبي زائدة 1/ 18.
ابن أبي زريق 4/ 382، 15/ 106، 16/ 31.
ابن أبي الزناد 2/ 371، 3/ 27 - 117، 4/ 136، 6/ 16 - 17 - 337، 8/ 92، 9/ 58 - 140 - 143 - 146 - 148 - 150، 15/ 176، 22/ 129.
ابن أبي سبرة 15/ 217 - 218.
ابن أبي السرّي 17/ 100، 23/ 130.
ابن أبي سعد 4/ 109 - 319، 5/ 189 - 196 - 199 - 370 - 393 - 416، 8/ 88، 9/ 50 - 53 - 96 - 108 - 112، 14/ 331 - 335 - 352، 15/ 9، 17/ 213، 19/ 108 - 138 - 142 - 168 - 239، 23/ 88.
ابن أبي سعد الوراق 9/ 37.
ابن أبي السفر 17/ 216.
ابن أبي سلمة 9/ 5 - 54.
ابن أبي طاهر 23/ 210.
ابن أبي ظبية 7/ 107، 10/ 107.
ابن أبي عائشة 22/ 305.
ابن أبي عبيدة 1/ 376، 9/ 21.
ابن أبي العتاهية 4/ 105.
ابن أبي العتيق 5/ 96، 8/ 206 - 207 - 208 - 342، 9/ 213، 24/ 161.
ابن أبي عدي 15/ 192، 18/ 42.
ابن أبي العلاء 5/ 384،
ابن أبي علقمة الثقفي 8/ 84.
ابن أبي العمرطة الكندي 12/ 40.
ابن أبي عوف 9/ 23.
ابن أبي العيناء 9/ 297.
ابن أبي فنن 13/ 327، 14/ 359،
ابن أبي فهيمة 20/ 92.
ابن أبي قتيلة يحيى بن محمد ابن أبي كناسة 17/ 235.
ابن أبي ليلى 5/ 139، 16/ 227، 17/ 256.
ابن أبي المدور، 20/ 286.
ابن أبي المدور الوراق 19/ 312.
ابن أبي مرسي - أحمد بن عيسى العجلي - 15/ 149.
ابن أبي مليكة 15/ 309.
ابن أبي منيع الأحدب 13/ 312.
ابن أبي نجيح 18/ 187 - 203.
ابن أبي الهندام 16/ 377.
ابن أبي ورق الهمداني 13/ 157.
ابن الأحنف 5/ 187.
ابن اخت الحاركي 18/ 345.
ابن أخي علي بن جبلة 20/ 36 - 37.
ابن إدريس 9/ 144.
ابن أذينة 2/ 238 - 239.
ابن الأزرق 6/ 118.
ابن الأزهر 8/ 95.
ابن إسحاق 1/ 18، 4/ 128 - 197 - 198 - 203 - 208 - 227 - 230 - 162، 5/ 6 - 105 - 108 - 126 - 143 - 149 - 154 - 192، 15/ 195 - 196 - 199 - 200 - 202 - 203 - 205 - 218 - 303، 20/ 51.
ابن إسحاق - صاحب المغازي - 15/ 11.
ابن إسحاق الخراساني 13/ 349.
ابن أسيد العامري 11/ 379.
ابن اشعب 3/ 348.
ابن أشوع 5/ 145.
ابن أصبغ السلمي 3/ 113.
ابن الاعرابي 1/ 119 - 157 - 166، 2/ 7 - 9 - 43 - 80 - 82 - 87 - 132 - 140 - 381، 3/ 2 - 10 - 77 - 78 - 258 - 328 - 343، 4/ 15 - 42 - 43 - 125 - 396، 5/ 4 - 34 - 60 - 133 - 332، 6/ 89 - 263 - 300، 8/ 362، 9/ 3 - 77 - 115 - 161 - 268 -
288 - 324، 10/ 15 - 19 - 20 - 22 - 29 - 35 - 74 - 89 - 90 - 150 - 291 - 306 - 309 - 311 - 313 - 314 - 316 - 318، 11/ 13 - 29 - 55 - 57 - 58 - 61 - 120 - 164 - 196 - 198 - 210 - 237 - 314 - 315 - 316 - 317 - 320، 12/ 21 - 37 - 132 - 198 - 205 - 255، 13/ 8 - 10 - 19 - 27 - 59 - 114 - 189 - 330، 14/ 181، 15/ 73 - 279 - 280، 16/ 77 - 185 - 205 - 283 - 375، 16/ 77 - 6 - 83 - 93 - 95 - 129 - 183 - 318 - 363، 18/ 3 - 255 - 19/ 1 - 2 - 7 - 8 - 9 - 15 - 101، 20/ 132 - 375، 21/ 3 - 4 - 25 - 26 - 135 - 208 - 215 - 285، 22/ 39 - 81 - 231 - 232 - 278 - 286 - 300 - 316 - 351، 24/ 5 - 53 - 58 - 64 - 101 - 110 - 116.
ابن أم الحكم 14/ 221.
ابن أم حميد 19/ 141.
ابن أم شملة 15/ 304.
ابن أم قتال 21/ 14.
ابن الأنباري 9/ 72.
ابن أيوب 5/ 133.
ابن بانة 23/ 176.
ابن البراء 23/ 183.
ابن بري 8/ 374.
ابن بشير الفراز 16/ 263.
ابن بكار 5/ 65 - 76 - 82 - 86 - 116 - 149 - 260 - 262.
ابن بكير 15/ 117.
ابن بنت الفضيل بن بشار 7/ 241.
ابن البواب 14/ 173، 15/ 372.
ابن توبة 10/ 22.
ابن تيزن المغني 1/ 283.
ابن جامع 1/ 255 - 258 - 315، 4/ 270، 5/ 66 - 177، 6/ 22 - 27، 8/ 209 - 216، 10/ 127، 12/ 118، 14/ 189، 17/ 162، 22/ 323.
ابن جبر 4/ 336 - 337، 5/ 189.
ابن جبلة 5/ 135.
ابن الجرجاني 19/ 230.
ابن جريج 1/ 17 - 233، 4/ 143 - 163، 6/ 339 - 340، 9/ 184، 15/ 151، 16/ 230 - 298.
ابن جرير بن يزيد البجلي 15/ 46.
ابن جريرة 4/ 142.
ابن الجصاص 21/ 5.
ابن جعدية 3/ 320، 4/ 274، 7/ 64، 8/ 325، 9/ 28 - 36 - 167، 15/ 362، 17/ 176، 22/ 14 - 228 - 278 - 316.
ابن جعدوية 10/ 306.
ابن جعفر 8/ 143 - 401.
ابن جعفر جحظة 14/ 187.
ابن جعيل 8/ 281.
ابن جناح 4/ 272، 5/ 109.
ابن حاتم 5/ 132 - 141.
ابن حبيب 8/ 121، 12/ 331، 13/ 59 - 191 - 193 - 197 - 198، 15/ 315 - 349 - 380، 16/ 40 - 175 - 185 - 283، 18/ 1 - 3 - 9 - 169، 21/ 4 - 5 - 20 - 25 - 29 - 134 - 175 - 208 - 209 - 284 - 297 - 314 - 331 - 346 - 347 - 348 - 349 - 355 - 356 - 358 - 364 - 365 - 370 - 372 - 374 - 375، 22/ 117 - 132 - 277، 24/ 101 - 110 - 178 - 180 - 260.
ابن حبيش 5/ 129.
ابن حذيم الناجي 15/ 149.
ابن الحفصي 19/ 107.
ابن حمدون 4/ 29، 5/ 187 - 208 - 277 - 285 - 351 - 370، 9/ 286 - 297، 10/ 188، 14/ 211، 16/ 350، 22/ 310.
ابن حمزة 2/ 146.
ابن حميد 4/ 128 - 157 - 162 - 193 -
194 - 199 - 200 - 224 - 230، 15/ 12 - 179 - 193 - 196 - 201 - 202.
ابن خرداذبة 1/ 360، 4/ 269، 8/ 150 - 207 - 236 - 321، 9/ 105 - 250 - 276، 10/ 164، 11/ 233، 13/ 299، 15/ 28 - 137، 16/ 173 - 191، 18/ 343 - 370 - 373، 21/ 55 - 59، 22/ 201.
ابن الخصيب 21/ 59 - 66 - 84.
ابن الخطيب الكاتب 11/ 244.
ابن خلاد 18/ 238.
ابن خلكان 8/ 180.
ابن خيثمة 5/ 271.
ابن دأب 1/ 220، 2/ 44 - 192، 4/ 125، 5/ 30 - 123، 6/ 1 - 2 - 3، 7/ 279 - 280 - 283 - 285 - 286، 9/ 19 - 168 - 173، 12/ 44، 15/ 110 - 362، 16/ 194، 17/ 58 - 59 - 291، 18/ 123 - 322، 19/ 2، 21/ 149 - 394، 22/ 228 - 309.
ابن داجة 1/ 395، 12/ 174، 14/ 377، 16/ 208، 21/ 125.
ابن دريد 2/ 163 - 165، 12/ 36، 14/ 2 - 10 - 13 - 14 - 15، 15/ 113 - 390.
ابن دقاق 23/ 140.
ابن الدمينة 13/ 73.
ابن دهقانة النديم 19/ 256.
ابن الرازي 21/ 396.
ابن رباح 14/ 18.
ابن ربيح 4/ 375، 6/ 105 - 120.
ابن الربيع 5/ 154.
ابن رواحة الجوهري 15/ 324.
ابن رومان 5/ 143.
ابن زالان المازني 21/ 338.
ابن زبالة 19/ 176.
ابن زبنج - راوية ابن هرمة - 17/ 105، 19/ 176.
ابن الزبير 5/ 75 - 76، 9/ 173، 14/ 310 - 321.
ابن زكريا الغلابي 1/ 235، 21/ 289.
ابن زنيم 8/ 414.
ابن زهير 20/ 372.
ابن الزيات 8/ 288 - 290.
ابن سريج 2/ 58 - 225 - 226، 8/ 188 - 189 - 204 - 205 - 216.
ابن سعد 9/ 15 - 139، 15/ 184 - 223.
ابن سعيد الكندي 18/ 5.
أبو سفيان العجلي 4/ 53.
ابن سلام 8/ 8 - 64 - 77 - 78 - 87 - 188 - 204 - 310، 9/ 32 - 36 - 335 - 336، 14/ 165، 24/ 45 - 214.
ابن سلمة 5/ 143، 8/ 167.
ابن سليمان 11/ 260.
ابن سوار 11/ 260.
ابن سير 14/ 31 - 43 - 49.
ابن سيرين 5/ 143، 9/ 54 - 55، 12/ 219، 15/ 228، 22/ 242.
ابن شبة 23/ 217.
ابن شبرمة 12/ 44، 17/ 36، 18/ 10 - 35.
ابن شبل البرجمي 14/ 30.
ابن شبيب 5/ 271.
ابن شهاب 9/ 160 - 341، 15/ 303، 17/ 289.
ابن شهاب الزهري 1/ 17، 4/ 158 - 230، 9/ 20 - 140 - 145، 15/ 195.
ابن شهاب بن عبد اللّه 22/ 15.
ابن الصباح 7/ 56، 11/ 71، 21/ 93 - 227.
ابن الضحاك 5/ 152، 14/ 34.
ابن الطبيب 15/ 71.
ابن عائشة 1/ 30 - 152 - 160 - 173،
2/ 148 - 215 - 216 - 217 - 218 - 219 - 220 - 223 - 225 - 227 - 228 - 229 - 230 - 232 - 233 - 235 - 236 - 238 - 239، 3/ 168 - 232، 4/ 29 - 90 - 302 - 408، 5/ 116 - 127، 7/ 229 - 237 - 240، 8/ 188 - 193 - 195 - 196، 9/ 184 - 189 - 219 - 229 - 265، 11/ 189 - 302، 12/ 33 - 269 - 291 - 308 - 313 - 314 - 316 - 320، 13/ 288 - 289 - 295 - 319، 14/ 90، 15/ 326 - 328 - 381 - 382 - 385 - 387 - 389، 16/ 180 - 185 - 206، 17/ 211، 18/ 182 - 192 - 204، 21/ 389، 22/ 8 - 18، 24/ 215.
ابن عباد 5/ 66، 6/ 171، 10/ 288.
ابن عباس 4/ 128 - 191 - 192 - 194 - 198 - 199 - 205 - 206 - 207 - 303 - 306، 5/ 139، 6/ 345 - 349 - 352، 7/ 258، 10/ 290، 12/ 4 - 5 - 66 - 215 - 331، 15/ 46 - 187 - 202، 16/ 213، 17/ 311، 22/ 278، 24/ 76.
إبن عباية 2/ 200، 5/ 206.
إبن عبد الأعلى الشيباني 14/ 357.
إبن عبد الرحمن 5/ 145.
إبن عبد الرحمن المخزومي 4/ 268.
إبن عبد الرحيم 1/م - ت 29.
إبن عبد العزيز 12/ 220.
إبن عبد اللّه بن أبي سعيد 1/ 259.
إبن عبد اللّه بن حسن 11/ 297.
إبن عبد الملك البصري 21/ 68.
إبن عبدوس 20/ 142.
إبن العتبي 15/ 174.
إبن عجل 4/ 9.
إبن عجلان 7/ 212.
إبن عدي 8/ 64.
إبن عرادة 16/ 376.
إبن عكرمة 4/ 57.
إبن علاق 12/ 37.
إبن علي 14/ 215.
إبن علية 5/ 132.
إبن عليل العنزي 9/ 288.
إبن عمار الأسدي 3/ 89، 4/ 13 - 33 - 109، 5/ 87، 8/ 80 - 83 - 256، 14/ 93 - 95، 15/ 249، 23/ 88 - 89 - 90 - 139 - 194، 24/ 20 - 239 - 241.
إبن عمر 16/ 138، 17/ 44.
إبن عمران 23/ 88.
إبن عمران البزّازي 11/ 190.
ابن عمرو بن تميم 8/ 88.
ابن عمير 21/ 166.
ابن عنبسة 5/ 315 - 316.
ابن عون 20/ 351، 22/ 306.
ابن عياش 1/ 21، 7/ 54 - 67، 12/ 289 - 291 - 304 - 306، 15/ 241 - 314 - 394، 17/ 181 - 211 - 237، 21/ 398، 22/ 278 - 341.
ابن عيينة 9/ 141.
ابن غرير 1/ 403.
ابن غزالة 1/ 14، 6/ 89.
ابن فضالة 5/ 142، 23/ 240.
ابن فضيل 4/ 145، 17/ 35.
إبن قاسم الكوكبي 7/ 172 - 213.
ابن القداح 9/ 166 - 167، 10/ 162، 15/ 27، 18/ 201، 24/ 10 - 11 - 13 - 14.
ابن قدامة 5/ 242 - 247 - 318 - 330 - 390 - 410 - 417 - 427.
ابن قتيبة 2/ 11، 5/ 7، 9/ 171 - 181، 10/ 236 - 245، 11/ 13 - 53 - 199 - 240، 12/ 36 - 198، 15/ 223 - 224، 16/ 307، 17/ 2 - 23 - 234، 18/ 1 - 28 - 37، 19/ 10، 20/ 311 - 350،
21/ 29 - 255 - 271، 22/ 279، 24/ 145.
ابن القطامي 11/ 53.
ابن قنبر 14/ 165.
ابن قيس الرقيات 8/ 337 - 338.
ابن كاسب 4/ 395.
ابن الكبات 1/ 255.
ابن الكلبي 1/ 33 - 36 - 39 - 44 - 146 - 259 - 325 - 349، 3/ 27 - 29 - 30 - 33 - 35 - 277 - 279، 4/ 207 - 217 - 218 - 219 - 302 - 303 - 304، 5/ 1 - 101 - 111 - 147، 6/ 49 - 129 - 211 - 212 - 224 - 332 - 333، 8/ 45 - 53 - 240 - 260 - 262 - 321 - 322 - 324 - 327، 9/ 33 - 68 - 73 - 77 - 79 - 82 - 84 - 90 - 92 - 94 - 99 - 108 - 111 - 113 - 129 - 161 - 164 - 201 - 224، 10/ 13 - 23 - 38 - 40 - 204 - 299 - 311، 11/ 43 - 44 - 53 - 59 - 66 - 75 - 119 - 210 - 260 - 266 - 267 - 269، 12/ 9 - 21 - 137، 13/ 263، 14/ 13 - 87، 15/ 87 - 102 - 118 - 161 - 214 - 218 - 221 - 224 - 304 - 312 - 362، 16/ 373، 18/ 39 - 95 - 109 - 142 - 254 - 288 -
322، 19/ 20 - 21 - 23 - 68 - 103 - 184 - 187 - 248، 20/ 75 - 198، 21/ 17 - 227 - 321 - 324 - 370، 22/ 13 - 19 - 85 - 316 - 355، 23/ 130، 24/ 21 - 53 - 63 - 76 - 94 - 96 - 101 - 173 - 210.
ابن كناسة 1/ 135 - 340 - 347 - 362، 2/ 341 - 348، 9/ 63 - 291، 15/ 295، 20/ 367.
ابن كنانة 10/ 159.
ابن لجأ 8/ 71 - 82.
ابن الماجشون 1/ 66، 4/ 276 - 280، 9/ 17، 15/ 26، 17/ 242.
ابن مافنة 15/ 123.
ابن مالك 5/ 194 - 196 - 199 - 221 - 346 - 405.
ابن المبارك 13/ 191.
ابن المثنى 5/ 335.
ابن مجاهد 5/ 143.
ابن محرز 8/ 212، 21/ 24.
ابن مخارق 1/ 395.
ابن مخراق 19/ 4.
ابن المدبر 21/ 64.
ابن مر 9/ 90.
ابن المرز 2/ 36 - 37 - 38 - 39 - 52 - 94.
ابن المرزبان 5/ 109 - 164 - 218 - 230 - 241 - 249 - 353 - 368، 22/ 277 - 278 - 279 - 280.
ابن مريم 5/ 141، 14/ 303.
ابن مزروع 20/ 75.
ابن مزيد 5/ 381 - 388.
ابن مسكين 9/ 68 - 130.
ابن مسلمة بن عبد الملك بن مروان 4/ 344، 9/ 268.
ابن المسيب 23/ 152.
ابن مصعب 16/ 114.
ابن معاوية 15/ 292.
ابن المعتز 1/ 232، 5/ 350، 14/ 194، 16/ 136.
ابن المقدم 9/ 33.
ابن المكي 2/ 215، 4/ 359، 5/ 27 - 189 - 205 - 326 - 341 - 365 - 377 - 382، 7/ 301، 9/ 150 - 157 - 221 - 274 - 282، 10/ 138، 11/ 348 - 349، 15/ 138، 17/ 76، 19/ 244، 20/ 322، 24/ 1.
ابن مناذر 18/ 199 - 207.
ابن المهدي 5/ 150 - 168، 11/ 244.
ابن مهرويه 2/ 341، 5/ 172 - 332، 9/ 108 - 109 - 112، 14/ 17 - 20 - 27 - 28 - 30 - 31 - 32 - 34 -
39 - 40 - 41 - 43 - 45 - 46 - 47 - 105 - 106 - 107 - 108 - 132 - 162 - 166 - 167 - 171 - 180 - 181 - 193 - 194 - 195 - 196 - 198 - 199 - 200 - 204 - 215 - 225 - 232، 15/ 362 - 252، 17/ 213، 22/ 250، 23/ 189 - 194.
ابن مودود 3/ 46.
ابن موسى 5/ 139.
ابن ميمون 5/ 260 - 262.
ابن النطاح 4/ 422 - 424، 8/ 55 - 79 - 80 - 200 - 280 - 286 - 287 - 293 - 352، 9/ 189، 10/ 236 - 251 - 252 - 253 - 254 - 256 - 257 - 259 - 260 - 261 - 264 - 265 - 268، 12/ 326، 14/ 321، 15/ 65 - 66 - 212 - 213 - 222 - 380، 20/ 44.
ابن نهيا 14/ 328.
ابن نوبخت 23/ 76.
ابن هارون 5/ 102 - 211.
ابن هرمة 19/ 176.
ابن هشام 5/ 257، 14/ 311.
ابن الوشاء 14/ 95، 19/ 158، 20/ 187.
ابن وكيع 15/ 199.
ابن وهب 4/ 138 - 143، 5/ 144، 9/ 151.
ابن ياسين 14/ 330.
ابن يحي 5/ 81، 11/ 183، 12/ 216.
ابن يسار 15/ 192.
ابن يونس 5/ 106 - 166 - 170 - 181 - 191 - 243 - 248 - 254 - 323 - 347.
أبو إبراهيم الزهري 17/ 216 - 217.
أبو أحمد بن الرشيد 10/ 104 - 170 - 185.
أبو أحمد بن معاوية 23/ 86 - 87.
أبو أحمد بن يحي المنجم 1/ 7، 8/ 383.
أبو أحمد الزبيري 4/ 176، 17/ 361.
أبو الأحوص 18/ 57.
أبو الأخضر - مخارق بن الأخضر القيسي - 8/ 79.
أبو الأزهر 20/ 404، 13/ 116.
أبو الأزهر ابن بنت ابن النجم 10/ 153 - 157 - 160.
أبو إسحاق 1/ 93، 2/ 353، 4/ 145 - 146 - 176، 17/ 325.
أبو إسحاق - إبراهيم بن محمد - 23/ 208.
أبو إسحاق - إبراهيم بن المهدي -
19/ 289.
أبو إسحاق بن الضحاك 23/ 101.
أبو إسحاق بن يسار 4/ 185 - 198.
أبو إسحاق الشايميني 16/ 207.
أبو أسحاق الطلحي 11/ 286 - 287 - 288 - 290، 14/ 324 - 330، 17/ 153.
أبو إسحاق القرمطي 4/ 362.
أبو إسحاق المالكي 16/ 139 - 141 - 147 - 149.
أبو الأسد 14/ 131 - 135.
أبو أسد بن جديلة 18/ 212.
أبو إسماعيل - إبراهيم بن أحمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن حسن بن طباطبا - 7/ 251.
أبو إسماعيل اللاحقي 23/ 158.
أبو إسماعيل الهمداني 15/ 217.
أبو الأسود 23/ 98.
أبو الأسود - الخليل بن أسد - 8/ 396 - 422.
أبو الأسود - محمد بن عبد الرحمن القاري ء - 18/ 116.
أبو الأسود الدؤلي 12/ 300.
أبو الأسود النوشجاني 10/ 158.
أبو الأشعب - أحمد بن المقداد العجلي - 17/ 218.
أبو الأشهب الأسدي 24/ 256.
أبو الأغر 16/ 280.
أبو أمامة الباهلي 7/ 163.
أبو أمامة بن سهل بن حنيف 4/ 199.
أبو أمية بن عمرو الحراني 13/ 18.
أبو أمية القرشي 3/ 282.
أبو أويس 21/ 108.
أبو أويس المدني 12/ 5 - 66.
أبو أيوب 15/ 58 - 132.
أبو أيوب الخريمي 3/ 196.
أبو أيوب الزبالي 14/ 328.
أبو أيوب بن كسيب 21/ 388.
أبو أيوب المدائني 17/ 54 - 113 - 167، 19/ 172.
أبو أيوب المديني 1/ 249 - 250 - 253 - 278 - 310 - 314 - 379 - 381 - 392، 2/ 8 - 85 - 307 - 322 - 337 - 345، 3/ 45 - 137 - 140 - 141 - 142 - 167 - 186 - 187 - 189 - 230 - 337 - 303 - 304 - 306، 4/ 274 - 282 - 302 - 335 - 368 - 377 - 379 - 380 - 410، 6/ 22 - 24 - 153 - 154 - 156 - 157 - 172 - 173 - 184 - 242 - 340، 9/ 213 - 241 - 275 - 278، 10/ 150 - 158 - 161، 11/ 253 - 264 - 300، 12/ 226، 13/ 11 - 305 - 327، 14/ 341 - 357 - 373، 15/ 35 - 56 - 72 - 278، 18/ 8 - 38 - 46 - 97 - 196 -
297 - 328 - 354، 19/ 104 - 179 - 244 - 250.
أبو بجير 18/ 195.
أبو البختري 3/ 39، 4/ 194، 15/ 47، 19/ 138.
أبو بردة بن أبي موسى الأشعري 19/ 193.
أبو برزة 18/ 139 - 140.
أبو برزة المرثدي 10/ 152.
أبو بركة الأشجعي 21/ 131 - 205.
أبو بسطام 15/ 383.
أبو بشر 21/ 404.
أبو بشر الفزاري 2/ 352، 16/ 263 - 264.
أبو بكر 8/ 359، 14/ 308 - 319.
أبو بكر - أحمد بن سهل - 13/ 110.
أبو بكر - محمد بن خلف المرزبان - 14/ 299.
أبو بكر - محمد بن خلف وكيع - 1/م - ت 38.
أبو بكر - محمد بن واسع - 21/ 397.
أبو بكر الباهلي 5/ 27.
أبو بكر بن أبي خيثمة 8/ 368.
أبو بكر بن أبي شيبة البزاز 8/ 325 - 327، 24/ 165.
أبو بكر بن حزم 9/ 144 - 148.
أبو بكر بن دريد 5/ 7.
أبو بكر بن شبة 16/ 29 - 227.
أبو بكر بن شعيب بن الحجاب المعولي 6/ 208.
أبو بكر بن عبد اللّه 16/ 156.
أبو بكر بن عبد اللّه بن جعفر 4/ 393.
أبو بكر بن عياش 1/ 314، 2/ 177، 11/ 187، 12/ 299، 15/ 134 - 136.
أبو بكر بن عبد الرحمن 4/ 199.
أبو بكر بن مزيد 1/ 341.
أبو بكر بن نوفل 8/ 59.
أبو بكر العامري 1/ 71 - 94، 6/ 71، 10/ 22 - 35، 13/ 297، 14/ 281، 15/ 36، 18/ 285، 22/ 280 - 305 - 307.
أبو بكر الحضرمي 17/ 30.
أبو بكر الخطيب 10/ 137.
أبو بكر الربعي 3/ 193.
أبو بكر الربيعي 19/ 258.
أبو بكر الزلال الزبيري 19/ 148.
أبو بكر العليمي 3/ 94، 8/ 294، 11/ 6، 16/ 94.
أبو بكر العمري 15/ 267.
أبو بكر القرشي 1/ 190.
أبو بكر المدائني 20/ 185.
أبو بكر المدني 21/ 303.
أبو بكر المؤدب 18/ 191.
أبو بكر الهذلي 3/ 277، 4/ 130،
6/ 1 - 17 - 123 - 349، 7/ 68، 11/ 26، 12/ 311 - 318 - 328، 13/ 42، 16/ 37 - 266 - 295 17/ 33، 18/ 54 - 55 - 20/ 312، 21/ 9 - 280، 22/ 93 - 228 - 303 - 309.
أبو بكر الهلالي 9/ 15 - 117.
أبو بكر بن يحي - من آل زبير - 19/ 142.
أبو بكر بن يحي البلاذري 8/ 180.
أبو البلاد الغطفاني 16/ 68.
أبو بلال بن سهم 15/ 78 - 87 - 88 - 98.
أبو البهلول بن حسان 2/ 136.
أبو البيداء 8/ 77، 24/ 212.
أبو البيداء الرياحي 18/ 14 - 19.
أبو تراب 14/ 238.
أبو تمام الطائي 9/ 22، 12/ 39، 19/ 51.
أبو توبة 1/ 404، 3/ 201، 5/ 172 - 189، 13/ 311 - 319، 14/ 164، 15/ 252.
أبو توبة - صالح بن محمد 1/ 8، 7/ 131 - 133 - 134 - 144، 23/ 178.
أبو توبة الحنفي 17/ 69 - 70.
أبو توبة القطراني 19/ 41 - 42 - 111 -
238 - 239.
أبو ثروان الخارجي 18/ 116.
أبو ثمامة الجعدي 2/ 31.
أبو جارود 12/ 5 - 323.
أبو جبية 15/ 218.
أبو الجراح العقيلي 11/ 236 - 237، 16/ 323.
أبو جعدبة 12/ 260.
أبو جعفر - عليه السّلام - 12/ 214.
أبو جعفر - محمد بن يحي بن شيرزاد 1 م - ت 33.
أبو جعفر الأسدي 3/ 215، 15/ 52.
أبو جعفر الأطروش 23/ 119.
أبو جعفر الأعرج 7/ 231 - 232 - 271 - 273.
أبو جعفر بن الحسن العلوي 21/ 117.
أبو جعفر بن دهقانة 7/ 306، 9/ 281، 12/ 103، 16/ 99 - 364.
أبو جعفر بن رستم الطبري 12/ 297، 18/ 119.
أبو جعفر الشويفعي 7/ 134.
أبو جعفر العجلي 20/ 134.
أبو جعفر القرشي 2/ 405.
أبو جعفر المعبدي 4/ 78 - 176.
أبو جعفر المنصور 7/ 277.
أبو جناب 19/ 130.
أبو جناح 8/ 88.
أبو جندل - محمد بن بكر - 9/ 26.
أبو حاتم 1/ 355، 2/ 163 - 165 - 179 - 187، 3/ 140 - 144 - 148 - 149 - 151 - 180 - 209 - 232 - 352، 4/ 62 - 136 - 415، 5/ 351، 9/ 113، 12/ 41 - 108 - 111 - 269 - 271 - 301، 13/ 145 - 267، 14/ 2 - 13 - 14 - 15 - 281 - 347، 15/ 77 - 208، 16/ 38 - 56 - 209 - 219 - 283 - 312 - 373 - 375، 17/ 2 - 60 - 82 - 228، 22/ 228 - 303 - 322، 24/ 214.
أبو حاتم السجستاني 3/ 329، 6/ 56 - 251، 7/ 44 - 103 - 232، 10/ 4 - 10 - 91، 11/ 210، 15/ 363، 19/ 191، 20/ 250 - 295 - 347 - 384 - 405 - 422، 21/ 200 - 208 - 282 - 337 - 384 - 395 - 399.
أبو الحارث - هانيء بن سعد الخفاجي - 8/ 183.
أبو الحارث بن عبد الرحمن 16/ 299.
أبو الحارث بن عبد اللّه الربعي 1/ 88 - 114.
أبو الحارث بن نباتة 2/ 370.
أبو حارثة 17/ 78، 18/ 70.
أبو حارثة الباهلي 5/ 385، 15/ 270.
أبو حارثة بن عبد الرحمن بن سعيد بن مسلم 6/ 294.
أبو حازم 21/ 390.
أبو حازم بن دينار 19/ 217.
أبو حبيب بن سليمان 17/ 32.
أبو حذافة التهمي 16/ 139 - 159.
أبو حذيفة 4/ 379، 10/ 94.
أبو حرب البابي 20/ 347.
أبو حرب بن أبي الأسود 12/ 299 - 300.
أبو حرملة - منظور بن أبي عدي الفزاري - 2/ 264 - 317.
أبو حزام العكلي 9/ 222.
أبو حزرة 8/ 79.
أبو حسان 17/ 216.
أبو حسان الفزاري 10/ 199.
أبو الحسن 8/ 249.
أبو الحسن - أحمد بن يحي - 19/ 150.
أبو الحسن - علي بن هارون بن علي بن يحي المنجم - 10/ 107.
أبو الحسن - علي بن هارون بن علي بن يحي الموصلي 10/ 120.
أبو الحسن - محمد بن إبراهيم القرشي - 7/ 92 - 93.
أبو الحسن - ميمون الموصلي - 11/ 242.
أبو الحسن الأثرم 17/ 182 - 287 - 292 - 293 - 295 - 363.
أبو الحسن الأحول 18/ 94.
أبو الحسن الأخفش 12/ 297.
أبو الحسن الأزدي 1/ 168.
أبو الحسن الأسدي 1/ 341 - 343، 2/ 10 - 416 - 418، 3/ 143، 4/ 105 - 109، 5/ 30، 6/ 85 - 243 - 245، 7/ 239 - 240، 8/ 55 - 88 - 92 - 153 - 370 - 418، 9/ 126، 10/ 74 - 75، 11/ 260 - 265 - 271، 12/ 220 - 242 - 329 - 13/ 38 - 226 - 363، 14/ 251 - 295، 16/ 151 - 390، 17/ 79 - 179، 18/ 33 - 39 - 135 - 250، 20/ 200 - 398، 22/ 18 - 279 - 322 - 343، 23/ 166، 24/ 17 - 229.
أبو الحسن الأموي 10/ 284.
أبو الحسن الأنصاري 8/ 360، 23/ 106.
أبو الحسن الباهلي 3/ 31 - 166.
أبو الحسن الببغاء 2/ 58، 8/ 298.
أبو الحسن البلاذري 4/ 326.
أبو الحسن بن أبي البغل 10/ 47.
أبو الحسن بن أسخي 16/ 388.
أبو الحسن بن إسماعيل 9/ 297.
أبو الحسن بن سراج الجاحظ 17/ 32.
أبو الحسن بن المنجم 20/ 111.
أبو الحسن الشهرزاني 20/ 276.
أبو الحسن الطوسي 8/ 180.
أبو الحسن العقيلي 7/ 65.
أبو الحسن الكاتب 4/ 309.
أبو الحسن الكسكري 19/ 109.
أبو الحسن المدائني 3/ 333، 4/ 375، 9/ 275، 24/ 83، 19/ 150.
أبو الحسن الشيباني 16/ 203.
أبو الحسن المروزي 3/ 323.
أبو الحسن الينبعي 17/ 101.
أبو الحسين بن أبي بغل 10/ 63.
أبو الحسين الراوية 19/ 108.
أبو الحسين العاصي 15/ 272.
أبو حشيشة 10/ 194، 12/ 145، 15/ 272 - 273، 17/ 75 - 76.
أبو الحصين 17/ 216.
أبو الحصين الأموي 8/ 313.
أبو حفص 16/ 155.
أبو حفص الأعمى 14/ 332.
أبو حفص السلمي 15/ 244.
أبو حفص الشيباني 6/ 318.
أبو الحكم 15/ 367.
أبو الحكم بن خلاد بن قرة السدوسي 19/ 130.
أبو الحليس 14/ 312.
أبو حمد 9/ 61.
أبو حمزة - أنس بن خالد الأنصاري - 3/ 353، 12/ 4 - 5، 21/ 368.
أبو حمزة - أنس بن عياض - 23/ 229.
أبو حمزة الثمالي 16/ 176، 22/ 356.
أبو حنيفة الدينوري ابن برّي 8/ 218.
أبو الحواجب 6/ 167.
أبو حيان التميمي 4/ 151.
أبو حية النميري 11/ 80 - 82 - 84 - 85 - 89 - 107، 15/ 119.
أبو حيدرة الأسدي 13/ 119.
أبو خارجة بن مسلم 4/ 41.
أبو خالد - زياد 21/ 52 - 53.
أبو خالد - من ولد أمية بن خلف - 17/ 109.
أبو خالد الخزاعي الأسلمي 2/ 410، 20/ 75 - 79 - 95 - 124 - 125 - 132 - 135 - 138.
أبو خالد الطائي 13/ 153، 18/ 315.
أبو خالد العمري 16/ 4.
أبو خالد الكلابي 24/ 170 - 191 - 193.
أبو خالد الكناني 6/ 171.
أبو خرداذبة 5/ 170.
أبو الخطاب 2/ 341، 15/ 242، 16/ 38.
أبو الخطاب الأنصاري 15/ 111 - 112 - 115.
أبو الخطاب بن يزيد بن عبد الرحمن
21/ 404.
أبو الخطيب 4/ 352.
أبو خلويد 4/ 300.
أبو خليفة 1/ 338، 8/ 9 - 60 - 61 - 65 - 70 - 76 - 77 - 85 - 95 - 177 - 188 - 246 - 286 - 295 - 298 - 305 - 309 - 310 - 312 - 313 - 314 - 315 - 316 - 317 - 319، 10/ 21 - 152 - 288 - 289 - 315، 13/ 58 - 126، 14/ 374، 15/ 208 - 215 - 225 - 298 - 305، 16/ 55 - 116 - 165، 17/ 82 - 266، 18/ 10 - 14 - 16 - 27 - 29 - 31 - 32 - 33 - 36 - 42 - 47، 20/ 206 - 346 - 352 - 353 - 354، 21/ 29 - 31 - 295 - 296 - 301 - 302 - 303 - 304 - 309 - 334 - 353 - 354 - 384 - 386 - 387 - 391 - 394 - 397 - 398، 22/ 81 - 116 - 117 - 273 - 274 - 304 - 305 - 306، 23/ 159، 24/ 211 - 212 - 213 - 214.
أبو الخليفة - الفضل بن الحباب - 2/ 35 - 164 - 173 - 179 - 331، 4/ 246 - 255 - 262 - 266، 8/ 55 - 84 - 175 - 284، 9/ 5 - 6 - 21 - 32 - 33 - 36 - 91 - 106 -
107 - 108 - 160 - 161 - 172 - 324 - 329.
أبو خليفة 12/ 140 - 340.
أبو الخنسا 17/ 180.
أبو خولة الأنصاري 3/ 7.
أبو خيثمة - زهير بن حرب - 12/ 300، 14/ 89 - 90، 17/ 294.
أبو خيثم العنزي 4/ 47 - 48.
أبو داحة 14/ 83.
أبو داود 10/ 118، 11/ 20، 12/ 144.
أبو داود - سليمان بن سفيان الحنزق - 7/ 231.
أبو داود الحارثي 4/ 198.
أبو داود الطهوي 7/ 258.
أبو داود الطيالسي 4/ 144 - 145.
أبو داود الفزاري 2/ 264 - 269.
أبو داود المسترق 7/ 245 - 273 - 276.
أبو دعابة 10/ 79.
أبو دعامة 4/ 8 - 333، 9/ 189، 13/ 117، 14/ 40 - 321، 352 - 18/ 172 - 218 - 222 - 226 - 228، 19/ 279 - 280 - 284.
أبو دقاقة الشامي 8/ 88.
أبو دكين بن زكريا بن محمد بن عمار بن ياسر 21/ 102.
أبو دلامة 10/ 243.
أبو دلف 8/ 249، 24/ 129.
أبو دلف - القاسم بن عيسى العجلي - 4/ 82، 8/ 92.
أبو دلف - هاشم بن محمد الخزاعي - 4/ 35 - 36.
أبو الدهقان 10/ 226.
أبو دهمان الغلابي 3/ 168، 14/ 333، 19/ 303.
أبو دؤيل 4/ 3.
أبو ذئب 16/ 299.
أبو ذكوان 4/ 7، 8/ 353، 11/ 61، 12/ 307، 14/ 374 - 375، 16/ 387، 17/ 71، 19/ 94، 23/ 52 - 159، 24/ 246.
أبو الذيال الحنفي 24/ 140.
أبو راقع 12/ 5.
أبو ربيعة 6/ 125.
أبو رغوان 9/ 98 - 119.
أبو الرمادي 9/ 255.
أبو روح الراسي 21/ 378.
أبو زائدة 12/ 88، 19/ 109.
أبو زاهر بن أبي الصباح 15/ 66.
أبو زبيد الطائي 5/ 133 - 138.
أبو الزبير - منذر بن عمرو - 7/ 15.
أبو زرعة بن عمرو بن جرير بن عبد اللّه البجلي - 2/ 133 - 134.
أبو الزعل المرادي 7/ 258.
أبو الزناد 4/ 318، 6/ 359، 7/ 12، 15/ 14، 16/ 346، 17/ 165 - 167 - 169، 21/ 286، 22/ 124.
أبو زهير بن عبد الرحمن بن مغراء الدوسي 9/ 8.
أبو زياد الكلابي 8/ 166 - 167، 9/ 51، 10/ 306 - 309 - 311، 11/ 205.
أبو زيد 3/ 143 - 253، 4/ 137 - 138 - 151، 5/ 12، 9/ 71 - 146 - 229 - 236 - 263 - 327، 12/ 333، 13/ 164 - 167 - 197، 15/ 53 - 54 - 370 - 389، 23/ 87.
أبو زيد - سعيد بن أوس الأنصاري - 20/ 123 - 352 - 366 - 367.
أبو زيد النحوي 16/ 87 - 96 - 97 - 98 - 100 - 105 - 233 - 255، 21/ 283 - 368 - 387 - 400.
أبو زينب الأزدي 5/ 128 - 129.
أبو السائب 15/ 205.
أبو السائب - سالم بن جنادة - 17/ 65.
أبو السائب - مسلم بن جناد - 4/ 344.
أبو السائب المخزومي 1/ 277، 3/ 13، 7/ 120، 9/ 68 - 216، 16/ 32 - 317 - 318 - 319، 24/ 131 - 132 - 161 -
162.
أبو ساسان 5/ 132.
أبو سبرة 17/ 216.
أبو سرار الغنوي 11/ 84.
أبو السرّي - عمرو الشيباني - 20/ 175.
أبو سعد - 21/ 93.
أبو سعد - الحسن بن علي العدوي - 2/ 4.
أبو سعيد - عثمان بن يوسف الحنفي - 20/ 236.
أبو سعيد - مولى فائد - 11/ 302.
أبو سعيد البكري 8/ 180 - 307 - 332.
أبو سعيد الجعفي 17/ 216 - 217.
أبو سعيد الجند يسابوري 23/ 218.
أبو سعيد الرامهرمزي 18/ 346.
أبو سعيد السكري 2/ 3 - 93 - 140 - 272، 3/ 10، 5/ 385، 6/ 224، 7/ 237 - 258 - 303، 8/ 237 - 243، 9/ 223 - 268، 10/ 74 - 197، 11/ 2 - 3 - 61 - 71 - 120 - 124 - 164 - 210 - 271 - 274 - 281 - 321 - 364 - 368 - 369، 12/ 21 - 73 - 133 - 171 - 198 - 205 - 209 - 239 - 244، 13/ 277، 15/ 111 - 312 - 380، 16/ 19 - 27 - 40، 17/ 38 - 93 - 98 - 187 - 199 - 210 - 215 - 318 - 363،
18/ 25 - 42، 19/ 99، 20/ 321 - 375 - 384 - 385، 21/ 4 - 12 - 20 - 26 - 92 - 134 - 175 - 208 - 209 - 227 - 248 - 370.
أبو سعيد القيسي 20/ 268.
أبو سعيد المقبري 16/ 96، 18/ 288.
أبو سفيان - صخر بن حرب - 6/ 345.
أبو سفيان بن أبي العلاء 12/ 299.
أبو سفيان الحميري 16/ 144 - 205.
أبو سلمى الباذغنيسي 4/ 51.
أبو سلمة - أيوب بن عمر - 19/ 145.
أبو سلمة بن عبد الرحمن 18/ 58.
أبو سلمة بن عوف 15/ 20.
أبو سلمة التبوذكي 22/ 303.
أبو سلمة الغفاري 3/ 314، 4/ 77 - 368 - 375 - 413، 6/ 105 - 194، 15/ 176.
أبو سليمان بن أيوب المدني 3/ 317.
أبو سليمان الرياحي 7/ 244.
أبو سليمان الناجي 7/ 243 - 246 - 267.
أبو سلهب الشاعر 18/ 105.
أبو السمال السعدي 9/ 288.
أبو السمط - مروان الأصفر - 12/ 80.
أبو سهل 16/ 197.
أبو سهل بن نوبخت 7/ 213.
أبو سهل الرازقي 20/ 304.
أبو سهيل 3/ 146، 11/ 286 - 287 - 288 - 290، 14/ 34، 20/ 38.
أبو سهيل - عبد اللّه بن ياسين - 14/ 330.
أبو سوار 21/ 201.
أبو سويد 4/ 24، 15/ 277.
أبو الشبل 14/ 40 - 42 - 200 - 201 - 202.
أبو الشبل - عاصم بن وهب - 14/ 194.
أبو الشبل البرجمي 3/ 194 - 231، 7/ 222، 10/ 208 - 271، 12/ 89، 14/ 195 - 196 - 198 - 201 - 204، 20/ 54.
أبو الشبل المعدي 24/ 84.
أبو الشبل النضري 13/ 99 - 115 - 116 - 234.
أبو الشدائد 16/ 243.
أبو شراعة 20/ 299.
أبو شراعة القيسي 7/ 232، 9/ 113 - 180 - 237، 13/ 235.
أبو الشعثاء 20/ 347.
أبو شعيب - صالح بن عمران - 15/ 246.
أبو شعيب الأسدي 3/ 331، 4/ 8.
أبو الشكر - مولى بني هاشم - 16/ 179.
أبو الشمقمق 4/ 7.
أبو شيخ - منصور بن سليمان - 4/ 80، 18/ 7 - 39.
أبو صادق 16/ 267.
أبو صالح 4/ 207 - 303، 11/ 321، 12/ 4 - 5، 24/ 76 - 165.
أبو صالح الأزدي 15/ 267.
أبو صالح الأسدي 17/ 118 - 181 - 311.
أبو صالح بن بزداد 20/ 244.
أبو صالح بن سرح اليشكري 18/ 109.
أبو صالح السعدي 1/ 244.
أبو صالح الفزاري 2/ 269 - 306.
أبو صالح كاتب الليث 9/ 255.
أبو الصخر 4/ 153، 8/ 57.
أبو صخر أبي الزعراء الخزاعي 9/ 3.
أبو صفوان الأحوزي 2/ 169.
أبو الصلت البعري 3/ 137.
أبو الضحى 5/ 128.
أبو ضم 14/ 302.
أبو ضمرة 4/ 395، 16/ 299.
أبو طالب الجعفري 7/ 250، 20/ 185.
أبو طالب الشاعر 11/ 264.
أبو الطرماح 24/ 238 - 239.
أبو طلحة الخزاعي 11/ 289 - 290.
أبو الطيب بن الوشاء 6/ 5.
أبو الطيب الحراني 20/ 140 - 156.
أبو ظبيان الحماني 9/ 288 - 289.
أبو عاصم 16/ 88 - 298، 21/ 400، 22/ 306.
أبو عاصم الأسلمي 4/ 43.
أبو عاصم الشيباني 15/ 147 - 151 - 174.
أبو عاصم النبيل 4/ 143 - 163، 6/ 191، 19/ 158 - 179.
أبو العالية 7/ 65، 20/ 52 - 53، 24/ 141.
أبو العالية الحرين مالك الشافعي 2/ 31، 17/ 329.
أبو عامر 2/ 238 - 239، 16/ 230.
أبو عبد - الكاتب - 17/ 70.
أبو عباد 8/ 189 - 196 - 197.
أبو العباس 14/ 320، 15/ 382.
أبو العباس - أحمد بن مالك اليماني 14/ 171.
أبو العباس - أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة - 17/ 32 - 99.
أبو العباس - أحمد بن المفضل المروزي - 7/ 178، 19/ 312، 22/ 8.
أبو العباس - أحمد بن يحي ثعلب - 17/ 329.
أبو العباس - عبد اللّه بن المعتز 9/ 298.
أبو العباس - محمد بن زيد - 9/ 234.
أبو العباس - مسعود بن عمرو بن مسعود الحجدري - 21/ 399.
أبو العباس بن أبي المدور 18/ 156 - 161.
أبو العباس بن ثوابة 11/ 337.
أبو العباس بن حمدون 21/ 83.
أبو العباس بن الفرات 10/ 52، 16/ 407، 21/ 78.
أبو العباس بن رستم الطبري 23/ 161.
أبو العباس الخلنجي 17/ 70.
أبو العباس الرياشي 7/ 154 - 159.
أبو العباس السفاح 15/ 286.
أبو العباس العدوي 10/ 92 - 171.
أبو العباس الكاتب 22/ 46.
أبو العباس المبرد 7/ 120.
أبو العباس المديني 1/ 152.
أبو العباس الهشامي المثلث 17/ 78.
أبو العباس اليزيدي 9/ 115 - 196.
أبو عبد الألوسي 21/ 40.
أبو عبد الباقطاني 10/ 51 - 52.
أبو عبد الرحمن الأنصاري 12/ 183.
أبو عبد الرحمن بن المبارك 15/ 109.
أبو عبد الرحمن الثقفي 9/ 339، 13/ 204.
أبو عبد الرحمن الحرمي 9/ 3 - 6 - 9 - 10 - 11 - 14 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 37.
أبو عبد الرحمن الطائي 2/ 185.
أبو عبد الرحمن الغلابي 8/ 332 - 337.
أبو عبد الرحمن القرشي 12/ 223.
أبو عبد الرحمن الكلابي 16/ 140.
أبو عبد الرحمن المسعودي 7/ 258.
أبو عبد العزيز بن أحمد 9/ 142.
أبو عبد اللّه 8/ 266.
أبو عبد اللّه - أحمد بن الحسين الهشامي - 10/ 132 - 138 - 165.
أبو عبد اللّه - أحمد بن محمد بن حميد بن سليمان العدوي 20/ 75.
أبو عبد اللّه - أحمد بن محمد بن سليمان الحنفي ذو الهدمين 19/ 35.
أبو عبد اللّه أحمد بن المرزبان بن الفيرزان 19/ 234.
أبو عبد اللّه - محمد بن حفص 3/ 316.
أبو عبد اللّه الأسك 15/ 57.
أبو عبد اللّه التميمي 1/ 244، 4/ 213، 13/ 305.
أبو عبد اللّه الجحمي 15/ 153 - 168.
أبو عبد اللّه الجمحي 4/ 285.
أبو عبد اللّه الجهني 16/ 371.
أبو عبد اللّه بن حمدون 11/ 334، 12/ 283، 17/ 70 - 71، 18/ 69 - 329 - 342، 19/ 302، 21/ 72.
أبو عبد اللّه الدوادي 23/ 204.
أبو عبد اللّه بن الزبير 1/ 332، 9/ 68، 16/ 163.
أبو عبد اللّه الزيدي 1/ 161.
أبو عبد اللّه السدوسي 3/ 329، 10/ 93.
أبو عبد اللّه بن سعد الأنصاري 15/ 293،
24/ 131.
أبو عبد اللّه الشامي 16/ 311.
أبو عبد اللّه الشرادني 3/ 142.
أبو عبد اللّه الصيرفي 15/ 326، 17/ 341 - 342.
أبو عبد اللّه العقيلي 10/ 264.
أبو عبد اللّه الفهمي 6/ 85.
أبو عبد اللّه القرشي 15/ 66.
أبو عبد اللّه الكندي 8/ 352.
أبو عبد اللّه الماقطاني 19/ 91.
أبو عبد اللّه بن المرزبان 10/ 111 - 171.
أبو عبد اللّه المسيبي 1/ 230.
أبو عبد اللّه المقريء الجحدري 3/ 166.
أبو عبد اللّه النخعي 18/ 247 - 248.
أبو عبد اللّه بن الهاد 17/ 290.
أبو عبد اللّه الهاشمي 19/ 225 - 226.
أبو عبد اللّه الهاشمي 1/ 60، 4/ 115، 5/ 311، 7/ 176 - 293 - 295 - 297 - 298 - 299 - 306، 8/ 369، 12/ 153، 19/ 86، 21/ 55 - 57 - 59 - 61 - 72 - 75، 24/ 218.
أبو عبد اللّه اليماني 1/ 82، 18/ 285.
أبو عبد الملك المرواني 13/ 281.
أبو عبدة 4/ 154.
أبو عبيد 12/ 119.
أبو عبيد الصيرفي 9/ 263، 18/ 56، 21/ 119، 24/ 106.
أبو عبيد اللّه 3/ 188.
أبو عبيد اللّه - مولى إسحاق بن عيسى - 21/ 201.
أبو عبيد اللّه الصيرفي 15/ 127.
أبو عبيد بن معاوية بن يسار 14/ 177.
أبو عبيدة 1/ 38 - 355، 2/ 39 - 163 - 164 - 165 - 167 - 174 - 175 - 177 - 179 - 190 - 191 - 195 - 267 - 360، 3/ 68 - 143 - 144 - 177 - 182 - 190 - 197 - 198 - 207 - 217 - 257 - 314 - 329 - 352 - 353 - 363، 4/ 135 - 136 - 233 - 237 - 249 - 415، 5/ 34 - 60 - 126، 6/ 34 - 92 - 94 - 95 - 332 - 341، 7/ 232، 9/ 70 - 71 - 73 - 74 - 78 - 99 - 103 - 111 - 113 - 123 - 308 - 311 - 314 - 315 - 324 - 337، 10/ 3 - 4 - 5 - 10 - 14 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 25 - 27 - 28 - 78 - 150 - 180 - 291 - 293 - 299 - 311 - 321، 11/ 8 - 9 - 28 - 29 - 65 - 70 - 75 - 76 - 80 - 81 - 82 - 84 - 85 - 89 - 90 - 94 - 95 - 96 - 98 - 99 - 106 - 107 - 108 - 109 - 110 - 112 - 114 - 115 - 116 - 118 - 120 - 124 - 204 - 205 - 210 - 218 - 222 - 231 - 268 - 271 -
326، 12/ 21 - 42 - 43 - 108 - 111 - 124 - 140 - 177 - 205 - 209 - 220 - 255 - 266 - 269 - 271 - 294 - 297 - 302 - 322 - 329، 13/ 3 - 101 - 110 - 116 - 138 - 209 - 211 - 212 - 214 - 218 - 14/ 8 - 9 - 14 - 272 - 304 - 311 - 312 - 315 - 318 - 345، 15/ 76 - 77 - 87 - 88 - 93 - 94 - 98 - 100 - 102 - 103 - 111 - 112 - 115 - 117 - 119 - 120 - 208 - 210 - 211 - 216 - 217 - 241 - 242 - 254 - 330 - 341 - 342 - 345 - 349 - 350 - 351 - 369، 16/ 25 - 38 - 40 - 56 - 57 - 58 - 65 - 86 - 88 - 168 - 170 - 178 - 185 - 208 - 209 - 228 - 283 - 297 - 300 - 329 - 330 - 357 - 373 - 375 - 378، 17 - 30 - 31 - 39 - 40 - 56 - 70 - 126 - 129 - 215 - 267 - 351 - 356 - 357 - 358 - 359 - 360 - 361 - 362، 19/ 184 - 194، 346 - 348 - 351، 20/ 75 - 205 - 207 - 210 - 346 - 347 - 350 - 375 - 378 - 381 - 387 - 398 - 401 - 405 - 407 - 408 - 411 - 412، 23/ 155، 24/ 5 - 35 - 53.
22/ 11 - 12 - 13 - 16 - 54 - 56 - 58 - 63 - 69 - 73 - 82 - 128 - 130 - 218 - 219 - 228 - 279 - 280 - 284 - 296 - 297 - 301 - 303 - 305 - 316 - 322 - 344 -
أبو عبيدة - صباح بن خاقان - 8/ 97.
أبو عبيدة الأصمعي 15/ 318.
أبو عبيدة بن محمد بن عمار 1/ 114 - 119 - 124 - 233.
أبو عبيدة السيرفي 22/ 17 - 18.
أبو العبيس بن حمدون 1/ 7، 8/ 367، 9/ 249، 10/ 112 - 119 - 120 - 178، 13/ 83، 15/ 269 - 270 - 274، 16/ 12، 21/ 77 - 113.
أبو عتّاب 2/ 12، 6/ 2.
أبو العتاهية 8/ 360.
أبو عثمان 12/ 43.
أبو عثمان - محمد بن يحي - 3/ 118.
أبو عثمان الأشنانداني 8/ 305، 12/ 322، 20/ 72 - 347 - 349، 21/ 26.
أبو عثمان البصري 6/ 30.
أبو عثمان البقطري 19/ 191، 22/ 330.
أبو عثمان بن مصعب 15/ 4.
أبو عثمان العمري 17/ 180.
أبو عثمان اللاحقي 6/ 85.
أبو عثمان الليثي 3/ 162، 20/ 373.
أبو عثمان المازني 2/ 34، 3/ 89، 8/ 73 - 306، 9/ 234، 12/ 297 - 299، 14/ 375، 15/ 344، 16/ 308، 18/ 33 - 119 - 172 - 180، 21/ 284 - 286 - 290.
أبو عثمان النهدي 16/ 97 - 98.
أبو عجاج 5/ 128.
أبو عدنان 2/ 422، 3/ 137 - 189 - 223، 8/ 57، 17/ 131 - 211، 18/ 6 - 23 - 25 - 100 - 116، 19/ 104، 21/ 389.
أبو العراف 1/ 338، 21/ 386.
أبو العسكر المسمعي 19/ 270.
أبو عشانة 12/ 331.
أبو عصام - محمد بن العبس - 13/ 114.
أبو العفقاع 4/ 326.
أبو عكرمة 4/ 13 - 22 - 45، 12/ 302، 16/ 248، 20/ 72 - 207، 21/ 384.
أبو العلاء 21/ 374.
أبو العلاء المعرّي 13/ 120.
أبو العلاء المنقري 10/ 77 - 78.
أبو علقمة 5/ 145، 13/ 164.
أبو علي 24/ 257.
أبو علي - الحسن بن الصباح - 1/ 196.
أبو علي محمد بن المرزبان 24/ 52.
أبو علي يحي بن محمد الكاتب 20/ 150.
أبو علي بن أبي الرعد 18/ 162.
أبو علي بن عمار 14/ 350.
أبو علي الحرمازي 21/ 286 - 289.
أبو علي الحنفي 24/ 139.
أبو علي العنزي 9/ 112.
أبو علي المادراني 18/ 158 - 159.
أبو علي اليقطيني 4/ 41.
أبو عمر - حفص بن عمر العمري - 10/ 262.
أبو عمر الباهلي المصري 18/ 248.
أبو عمر الجرمي 12/ 297 - 322.
أبو عمر الزهري 24/ 239.
أبو عمر الخصاف 20/ 396.
أبو عمر العمري 16/ 220، 17/ 2، 18/ 140.
أبو عمر القرشي 4/ 34.
أبو عمر المديني 15/ 213.
أبو عمرو 8/ 51 - 62 - 124 - 285، 299 - 10/ 287، 14/ 2 - 9 - 16 - 146 - 148 - 150 - 151 - 154 - 158، 15/ 83 - 95.
أبو عمرو - بندار الكرجي 14/ 286.
أبو عمرو - سعيد بن الحسن الباهلي
19/ 262، 20/ 414.
أبو عمرو البصري 13/ 228.
أبو عمرو الخصاف 8/ 269.
أبو عمرو بن خلّاد 11/ 192.
أبو عمرو الشيباني 2/ 4 - 8 - 11 - 127 - 242، 4/ 111، 5/ 13، 6/ 62 - 73 - 127 - 129 - 134 - 136 - 263 - 341، 7/ 131 - 133 - 134 - 231 - 249، 8/ 67 - 164 - 237 - 241، 9/ 222 - 223 - 268 - 269، 10/ 3 - 5 - 10 - 22 - 35 - 150 - 151 - 152 - 153 - 154 - 155 - 159 - 160 - 180 - 287 - 291 - 310 - 322، 11/ 42 - 45 - 52 - 70 - 257 - 258 - 262 - 263 - 270 - 278 - 281 - 283 - 320، 14/ 310 - 315 - 381 - 382 - 383 - 385 - 386 - 15/ 158 - 162 - 209 - 210، 16/ 283 - 374، 17/ 182 - 244 - 247 - 248 - 250 - 256 - 259 - 261 - 262 - 263 - 266 - 268 - 269 - 363 - 371، 18/ 94 - 108 - 139، 19/ 24، 20/ 123 - 205 - 207 - 290، 21/ 16 - 20 - 25 - 134 - 138 - 169 - 208 - 209 - 210 - 212 - 214 - 215 - 222 - 223 -
250 - 255 - 283، 22/ 76 - 78 - 81 - 93 - 98 - 100 - 115 - 135 - 136 - 138 - 139 - 146 - 147 - 152 - 154 - 217 - 233 - 234 - 238 - 240 - 241 - 279 - 307 - 316 - 331 - 336 - 337 - 344، 24/ 18 - 20 - 85 - 89 - 101 - 105 - 108 - 118 - 119 - 120 - 197 - 199.
أبو عمرو بن العلاء 2/ 143 - 177 - 229، 3/ 70 - 96 - 143، 6/ 264، 8/ 51، 10/ 5 - 150، 11/ 7 - 13 - 53 - 237، 16/ 56 - 58 - 59 - 60 - 203 - 307 - 308 - 329، 18/ 47 - 109، 19/ 184، 20/ 345، 21/ 29 - 374، 24/ 19 - 245.
أبو عمرو الكيس 9/ 168.
أبو عمرو بن المبارك 7/ 2.
أبو عمرو المدني 9/ 219.
أبو عمرو المرادي 18/ 45.
أبو عمرو الوقاصي 16/ 266.
أبو العنبس الصيمري 21/ 49 - 51، 23/ 189 - 198 - 199.
أبو العواذل 14/ 47.
أبو العوّام الدوسي 18/ 117.
أبو عوانة 15/ 222، 18/ 125.
أبو عوف 8/ 119.
أبو عوف الدوسي 15/ 64.
أبو عون 16/ 233، 4/ 4.
أبو عيسى الخياط 15/ 217.
أبو عيسى بن علي بن عيسى بن ماهان 10/ 189.
أبو عيسى الكاتب 18/ 164.
أبو العيناء 2/ 46، 5/ 175، 6/ 155، 7/ 164 - 183 - 211 - 221 - 224 - 252، 10/ 53 - 61 - 190، 11/ 291، 13/ 120 - 239، 14/ 34 - 48 - 201، 15/ 392، 18/ 254، 19/ 175 - 284 - 302، 20/ 44 - 48 - 52 - 53 - 311 - 313 - 340، 21/ 80 - 283، 23/ 56 - 104 - 160 - 161 - 199.
أبو غانم 5/ 241.
أبو الغراف 4/ 255، 5/ 12، 7/ 307 - 335، 8/ 55 - 76 - 78 - 85 - 175 - 310 - 316، 9/ 307 - 335، 13/ 58، 18/ 17 - 19 - 25 - 29 - 31 - 32 - 42، 24/ 21 - 213.
أبو غزالة 18/ 14.
أبو غزية الأنصاري 1/ 371، 4/ 20 - 58 - 122، 9/ 165 - 166، 18/ 325.
أبو غسان 14/ 223.
أبو غسان التميمي 14/ 286.
أبو غسان دماذ 1/ 36 - 42، 2/ 56 - 195 - 267، 3/ 13 - 164 - 177 - 178 - 182 - 198 - 207 - 212 - 313 - 314 - 319 - 363، 6/ 20 - 57 - 92 - 94 - 95، 7/ 17 - 19، 8/ 307 - 321، 9/ 123، 10/ 4 - 11 - 14 - 19 - 20 - 21 - 25 - 27 - 28 - 78 - 321، 11/ 61 - 271، 12/ 41 - 42 - 249 - 255 - 266 - 294، 13/ 30 - 31 - 126 - 129 - 189 - 215 - 267 - 351 - 356 - 357 - 358 - 359 - 360 - 361 - 362، 14/ 78 - 329، 15/ 111 - 115 - 119 - 330، 16/ 32 - 40 - 56 - 88 - 168 - 178 - 185 - 228 - 248 - 276 - 283، 19/ 108 - 116 - 194، 22/ 16 - 69 - 82 - 279 - 297، 24/ 84 - 138.
أبو غسان صالح بن العباس بن محمد 20/ 202.
أبو غسان محمد بن يحي 2/ 238 - 239 359 - 360 - 393 - 399 - 400، 4/ 127 - 272 - 277 - 399، 8/ 122، 15/ 11، 18/ 326 - 328.
أبو الغوث - ابن البحتري - أبو فراس 8/ 75، 13/ 275، 14/ 70 - 86 - 18/ 136، 22/ 260 - 263 - 267.
أبو فراس - الهيثم بن فراس الكلابي - 24/ 140.
أبو الفرج 5/ 60، 8/ 55، 14/ 52 - 60 - 142 - 145 - 150 - 162 - 188 - 211 - 271 - 274 - 276 - 280 - 290 - 292 - 294 - 333 - 371.
أبو الفرج الأصبهاني 14/ 332، 15/ 240، 19/ 4 - 88.
أبو فروة العكلي 21/ 35.
أبو فرعون 19/ 41.
أبو الفضل الربعي 10/ 214.
أبو الفضل الرياشي 3/ 45 - 158.
أبو الفضل بن عبدان بن أبي حرب الصفار 13/ 246، 18/ 173.
أبو الفضل الكاتب 20/ 282.
أبو الفضل المرورّوذي 3/ 314، 19/ 311.
أبو فقعس 3/ 78.
أبو فهيرة 2/ 259.
أبو الفياض بن أبي شراعة 11/ 259، 20/ 299، 23/ 22 - 24 - 25 - 26 - 27 - 28 - 29 - 30 - 31 - 32 -
34 - 35 - 163.
أبو الفيض بن سوادة 7/ 52.
القيسي البصري 22/ 180.
أبو القاسم - عبد العزيز بن يوسف 1/م - ت 33.
أبو القاسم بن أبي الزناد 17/ 169.
أبو القاسم الحضرمي 20/ 397.
أبو القاسم الشير بابكي 19/ 219.
أبو القاسم المهلبي 13/ 70.
أبو القاسم النخعي 23/ 92.
أبو قبيصة 4/ 290.
أبو قبيصة المجاشعي 9/ 110.
أبو قبيل 3/ 278.
أبو قتادة 15/ 301.
أبو قتيبة 9/ 78 - 130 - 200 - 339.
أبو قدامة 22/ 245.
أبو قراد المخزومي 6/ 291.
أبو قطيفة 1/ 33.
أبو قلابة 16/ 299، 22/ 124.
أبو قلابة بن عبد الملك بن محمد 23/ 157.
أبو قلابة الرقاشي 2/ 6.
أبو قيس العنبري 10/ 288 - 289.
أبو كريب 4/ 227 - 229، 15/ 191.
أبو كريمة النحوي 18/ 4.
أبو كعب 19/ 274.
أبو كلدة اليشكري 6/ 62.
أبو الكنود 12/ 335.
أبو الليث نصر بن قاسم الفرائضي 8/ 327.
أبو لطيف 5/ 66.
أبو لهيفة 9/ 19.
أبو ليلى 17/ 215.
أبو مالك الزيدي 21/ 365.
أبو مالك عبد اللّه 16/ 407.
أبو مالك عبد اللّه بن محمد 10/ 240.
أبو مالك النهدي 8/ 106.
أبو مالك اليماني 13/ 45، 19/ 265 - 274.
أبو المثنى أحمد بن يعقوب 20/ 127.
أبو المجيب 24/ 175.
أبو محصنة 20/ 404.
أبو محصنة الأعرابي 8/ 162 - 170.
أبو محلم 3/ 289، 6/ 55، 8/ 91 - 179 - 266، 10/ 200، 11/ 187، 12/ 333، 16/ 202، 18/ 128، 19/ 42 - 74، 20/ 333.
أبو محمد - إسحاق بن إبراهيم 23/ 19.
أبو محمد الأنصاري 15/ 10.
أبو محمد الباهلي 11/ 72، 12/ 220، 14/ 111.
أبو محمد التميمي 18/ 191.
أبو محمد الجزري 9/ 134.
أبو محمد بن سعد 19/ 140.
أبو محمد السهمي 4/ 395.
أبو محمد الشيباني 4/ 111، 20/ 372.
أبو محمد الصعتري 3/ 195.
أبو محمد العامري الأويسي 6/ 24.
أبو محمد بن عبد الرحمن بن عيينة 3/ 253.
أبو محمد العبدي 21/ 301.
أبو محمد عصام العجلي 11/ 106.
أبو محمد القاسم بن يوسف 23/ 118 - 119.
أبو محمد المرهبي 15/ 218.
أبو محمد المروزي 12/ 332.
أبو محمد المطبخي 18/ 315.
أبو محمد المهلبي 1/م - ت 32.
أبو محمد المؤدب 4/ 110.
أبو محمد بن النشار 7/ 205 - 207.
أبو محمد اليزيدي 8/ 317، 19/ 271، 20/ 217، 22/ 249 - 277.
أبو مخنف 3/ 361، 5/ 149، 6/ 141، 10/ 10، 12/ 141 - 335 - 336، 15/ 150، 16/ 91 - 228 - 266 - 324، 17/ 133 - 138 - 139 - 153 - 154 - 18/ 55 - 288، 21/ 22.
أبو مروان الخزاعي 23/ 54.
أبو المسافر الفقعسي 18/ 26.
أبو مسعر الجشمي 12/ 137.
أبو مسعود عمرو بن عيسى الرياحي 7/ 248.
أبو مسكين 1/ 248 - 249، 2/ 22 - 29 - 360، 3/ 27 - 29 - 35 - 377 - 379، 4/ 217 - 219 - 279، 5/ 118، 7/ 115، 8/ 322، 13/ 31، 15/ 45 - 51، 16/ 224 - 283 - 285، 17/ 374، 21/ 108.
أبو مسلم 3/ 162 - 263، 8/ 274، 12/ 268.
أبو مسلم - عبد الرحمن بن الجهم - 7/ 26.
أبو مسلم - محمد بن بحر الأصبهاني - 23/ 55.
أبو مسلم بن عبد الرحمن بن الجهم 19/ 139 - 141 - 142 - 151 - 152 - 153 - 154 - 170.
أبو مسلم الحراني 21/ 343 - 344 - 360 - 362 - 365.
أبو مسلم الغفاري 2/ 250.
أبو مسلم المستمع 4/ 413.
أبو مسلم المستملي 1/ 169، 11/ 270، 20/ 392.
أبو مسلمة 11/ 193.
أبو مسلمة المصبحي 3/ 134.
أبو مسلمة - موهوب بن رشيد - 2/ 279 - 283، 9/ 341.
أبو مصعب الزبيري 20/ 199.
أبو مصعب الزهري 21/ 274.
أبو المضاء 13/ 322.
أبو مطرف المغيرة بن مطرف 9/ 266.
أبو معاذ النميري 3/ 162، 14/ 365، 19/ 264 - 265.
أبو المعارك الضبي 16/ 224.
أبو معاوية 15/ 270.
أبو معاوية الباهلي 18/ 364.
أبو معاوية بن سعيد بن سالم 20/ 213.
أبو معاوية بن عبد الرحمن بن سعيد بن سالم 6/ 294.
أبو معاوية الغلابي 18/ 46 - 70 - 202 - 228 - 323.
أبو معاوية النحوي 9/ 111.
أبو معبد 18/ 203.
أبو المعتصم عاصم بن محمد الشاعر 14/ 63 - 65.
أبو معمر عافية بن شيبة 11/ 193.
أبو المغيرة 8/ 398.
أبو المقوم 9/ 224.
أبو ملحم 15/ 331.
أبو مليكة 17/ 361.
أبو المنذر 15/ 393، 16/ 285 - 374.
أبو المهاجر 10/ 10.
أبو المؤمل 11/ 5.
أبو موسى الأعمى 23/ 135.
أبو موسى بن صالح 1/ 190.
أبو موهب 10/ 321.
أبو ناجية 20/ 127 - 144 - 172.
أبو نزار الضبي 20/ 23 - 24.
أبو نصر 8/ 308.
أبو نصر بن حاتم 2/ 17 - 21 - 26 - 57 - 87 - 415، 21/ 25 - 301 - 358.
أبو نصر بن مزاحم 16/ 91.
أبو نصر الزجاج 1/م - ت 29.
أبو نصر الصاغاني رجاء بن سهل 9/ 37.
أبو النضير 11/ 291.
أبو النطاح 9/ 307.
أبو نعيم 11/ 3، 15/ 147 - 148، 17/ 216.
أبو نعيم - الفضل بن دكين - 4/ 344، 15/ 177.
أبو نميلة 15/ 213.
أبو نهشل 21/ 364.
أبو نواس 3/ 234، 7/ 169، 9/ 43 - 44 - 168، 14/ 324، 18/ 176، 20/ 71.
أبو نوفل الهذلي 9/ 140.
أبو هارون السكسكي البصري 15/ 213.
أبو هاشم الاسكندراني 20/ 92.
أبو هاشم الجبائي 23/ 207.
أبو هاشم القيني 18/ 318.
أبو هذيل العلاف 7/ 277، 22/ 16.
أبو هريرة 1/ 404، 4/ 227، 9/ 24، 16/ 196 - 346،
20/ 347.
أبو هشام - محمد بن هشام النميري - 21/ 179.
أبو هفان 1/ 61 - 67 - 71 - 73 - 74 - 75 - 82 - 89 - 105 - 109 - 112 - 116 - 119 - 120 - 134 - 145 - 153 - 154 - 161 - 201 - 232 - 233 - 265، 2/ 357 - 370 - 424، 3/ 46 - 202 - 289، 4/ 78 - 405، 5/ 301، 6/ 34، 7/ 178، 9/ 239، 10/ 79 - 172، 12/ 113 - 285، 13/ 118 - 186 - 272، 14/ 123 - 132 - 140، 15/ 290، 16/ 145 - 202 - 249 - 401، 17/ 234، 18/ 178 - 222 - 228 - 319، 19/ 77 - 83 - 112 - 113 - 270 - 279 - 280 - 310، 20/ 52 - 61 - 64 - 69 - 105 - 123 - 126 - 339 - 409 - 410، 22/ 8 - 26 - 259 - 270، 23/ 85 - 138 - 156 - 192 - 195.
أبو هلال 16/ 87.
أبو همام المجاشعي 21/ 388.
أبو همام الوليد بن شجاع 17/ 220، 20/ 311.
أبو الهندام 1/ 88.
أبو الهيثم 6/ 343، 22/ 297 - 300.
أبو الهيثم بن عدي 17/ 277.
أبو الهيثم العقيلي 2/ 14.
أبو وائل 12/ 144.
أبو وائلة 10/ 49، 23/ 165.
أبو وائلة السدوسي 19/ 114، 20/ 29 - 30 - 33.
أبو الوجيه 18/ 43.
أبو الوردان 9/ 190.
أبو ورقاء الحنفي 4/ 326.
أبو الوشاء 19/ 158.
أبو وهب 8/ 283.
أبو يحي 8/ 63 - 64 - 70 - 284 - 315.
أبو يحي الأسدي 1/ 342، 5/ 319.
أبو يحي الزبيدي 4/ 267.
أبو يحي الزهري 8/ 97، 15/ 106، 23/ 244.
أبو يحي الضبي 18/ 16، 21/ 354 - 398.
أبو يحي العبادي 6/ 282 - 298 - 304، 7/ 63.
أبو يحي الغنوي 11/ 76.
أبو يحي اللاحقي 11/ 285 - 289 - 290.
أبو يحي المؤدب 21/ 179 - 338.
أبو يعقوب - إسحاق بن حسان الخزيمي 6/ 83، 14/ 341، 15/ 134.
أبو يعقوب - اسحاق بن الضحاك بن
الخصيب الكاتب 23/ 126 - 127 - 128.
أبو يعقوب - اسحاق النوبجي 13/ 110.
أبو يعقوب بن محمد الزهري 8/ 122.
أبو يعقوب الثقفي 11/ 247، 16/ 170 - 211 - 218، 17/ 125، 22/ 24.
أبو يعقوب الثقيفي 1/ 114.
أبو يعقوب الخريمي 18/ 369.
أبو يعلى 8/ 300.
أبو يعلى زرقان 9/ 251.
أبو اليقظان 1/ 343، 4/ 422 - 424، 8/ 77 - 79 - 387، 9/ 36 - 156، 12/ 228 - 232، 15/ 212 - 214 - 215 - 362، 16/ 87 - 336، 17/، 18/ 56، 21/ 388، 22/ 14 - 329، 24/ 229.
أبو يوسف 4/ 129.
أبو يوسف الأصبهاني 11/ 72.
أبو يوسف بن الدقاق بن الضرير 19/ 307.
أبو يوسف النجيبي 1/ 356.
أبيرق العتبي 8/ 137.
أبيض بن عمرو 14/ 341.
الأثرم 8/ 329، 9/ 79، 10/ 293، 11/ 75 - 81 - 91،
15/ 77 - 94 - 98 - 100، 16/ 56 - 203 - 283 - 284، 17/، 20/ 375 - 378، 22/ 280 - 304 - 305 - 307 - 346 - 348 - 351، 24/ 52 - 110،
أثير - مولاة المنصور بن المهدي - 10/ 104.
أثيلة بنت المغيرة بن عبد اللّه بن معمر 11/ 189.
الأجلع الكندي 12/ 133.
أحمد بن إبراهيم 5/ 210، 8/ 359، 9/ 284، 22/ 218.
أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل 2/ 338 - 340 - 345، 7/ 260، 10/ 273، 12/ 51 - 221، 14/ 121، 15/ 56 - 58 - 68 - 72 - 153، 19/ 58 - 60 - 133، 20/ 2.
أحمد بن إبراهيم بن المهدي 10/ 98.
أحمد بن إبراهيم الحاسب 17/ 8 - 70.
أحمد بن إبراهيم الرياحي 16/ 136.
أحمد بن إبراهيم الكاتب 3/ 307، 13/ 306.
أحمد بن أبي أمية 19/ 52.
أحمد بن أبي خيثمة 1/ 386، 3/ 49 - 352 - 355، 4/ 111 - 375 - 408 - 412 - 421 - 422 - 424 -
425، 6/ 148، 7/ 288، 11/ 37 - 191، 12/ 228 - 233، 14/ 168 - 283، 15/ 266، 16/ 102 - 254 - 361، 18/ 198، 19/ 137 - 161 - 166، 20/ 1 - 53 - 199 - 200، 21/ 273، 22/ 304، 23/ 119.
أحمد بن أبي داود 10/ 191، 21/ 80.
أحمد بن أبي سعد 16/ 274 - 275.
أحمد بن أبي طاهر 2/ 338 - 340، 3/ 201 - 226 - 244، 4/ 15 - 333، 5/ 201 - 244 - 353، 6/ 83 - 166، 7/ 148، 8/ 250، 9/ 22، 10/ 49 - 77 - 104 - 115 - 136 - 137، 12/ 81 - 148 - 285، 14/ 203 - 239 - 321 - 362، 16/ 262 - 342 - 362، 17/ 79، 18/ 71 - 104 - 368، 19/ 52 - 114 - 179 - 232 - 269 - 270 - 287 - 301 - 305 - 308، 20/ 23 - 25 - 29 - 33 - 41 - 54 - 175 - 338، 21/ 70، 22/ 259.
أحمد بن أبي العلاء 1/ 141 - 232، 8/ 108، 9/ 288 - 290 - 293، 15/ 275، 18/ 373.
أحمد بن أبي عون 7/ 171.
أحمد بن أبي فنن 4/ 27، 16/ 255 - 258، 18/ 104 - 219، 19/ 310، 20/ 19 - 21 - 41، 23/ 221.
أحمد بن أبي كامل 7/ 115، 18/ 318، 19/ 93 - 94 - 284، 20/ 129 - 136 - 165 - 170.
أحمد بن أبي المنهال المهلبي 21/ 179.
أحمد بن أبي يوسف 3/ 253.
أحمد الأحوال 23/ 68 - 234.
أحمد بن إسحاق 14/ 331، 19/ 188، 23/ 206.
أحمد بن إسحاق العسكري 18/ 215.
أحمد بن إسرائيل 21/ 392.
أحمد بن إسماعيل 5/ 160، 17/ 72، 23/ 103.
أحمد بن إسماعيل بن إبراهيم 4/ 353، 10/ 174 - 178، 18/ 364.
أحمد بن إسماعيل - أبو حاتم - 11/ 337.
أحمد بن إسماعيل بن حاتم 19/ 252.
أحمد بن إسماعيل الخصيب الكاتب 20/ 31 - 279.
أحمد بن إسماعيل الفهري 8/ 299.
أحمد بن إسماعيل النصيبي 8/ 357.
أحمد بن إسماعيل اليزيدي 19/ 136 - 137.
أحمد بن الأسود بن الهيثم 12/ 333، 14/ 336.
أحمد بن أمية بن لقي 12/ 148.
أحمد بن بشر بن عبد الوهاب 6/ 295.
أحمد بن بشر المرثدي 10/ 61، 23/ 195.
أحمد بن بشير 4/ 39 - 107.
أحمد بن بكر الأسدي 2/ 406 - 409 - 412 - 417 - 424، 5/ 342، 17/ 21 - 27 - 29 - 33.
أحمد بن جرير 9/ 312.
أحمد بن الجعد 15/ 147 - 303، 326 - 16/ 227، 17/ 87 - 357، 21/ 377.
أحمد بن جعد الوشاء 6/ 148 - 354 - 355 - 356.
أحمد بن جعفر 5/ 222، 14/ 128.
أحمد بن جعفر جحظة 1/ 6 - 7 - 34 - 252، 2/ 61 - 81 - 204، 4/ 332 - 359 - 363، 7/ 162 - 176 - 228 - 301 - 302، 9/ 40 - 41 - 214، 10/ 45 - 79 - 99 - 119 - 127 - 128 - 129 - 132 - 141 - 167 - 178 - 185 - 194 - 226 - 227، 11/ 334 - 348 - 349 - 355، 12/ 191، 18/ 10 - 41 - 65 - 68 - 123 - 163 - 164 - 248 - 251 - 345 -
348 - 351 - 360، 19/ 42 - 54 - 55 - 81 - 85 - 101 - 220 - 225 - 226 - 233 - 282 - 312، 20/ 46 - 53 - 56 - 85 - 141 - 155 - 187 - 193 - 278 - 279 - 288 - 289 - 291 - 337، 21/ 30 - 43 - 44 - 45 - 49 - 51 - 53 - 60 - 67 - 72 - 73 - 78 - 83 - 252 - 309 - 310، 22/ 157، 24/ 21 - 46.
أحمد بن جعفر بن حامد 21/ 69.
أحمد بن جعفر بن رفعة 10/ 51.
أحمد بن حاتم بن نصر 21/ 355 - 358.
أحمد بن الحارث 9/ 167، 10/ 67 - 180، 14/ 333، 15/ 150.
أحمد بن الحارث الخراز 1/ 14 - 21 - 157 - 211 - 334 - 341 - 343 - 360، 2/ 2 - 7 - 8 - 9 - 34 - 192 - 200 - 366 - 371 - 381 - 414، 3/ 69 - 212 - 277 - 361، 4/ 86 - 125 - 316 - 274 - 341 - 410، 6/ 1 - 4 - 17 - 89 - 93 - 123 - 142 - 330 - 344، 7/ 2 - 5 - 6 - 8 - 15 - 17 - 45 - 46 - 64 - 68 - 69 - 70 - 74 - 82 - 91، 8/ 74 - 325 - 401، 9/ 260 - 313، 10/ 89 - 158 - 160 - 238 - 253 - 257 - 258،
12/ 54 - 72 - 223 - 228 - 229 - 232 - 258 - 262 - 264 - 304 - 309 - 314 - 335، 13/ 12 - 19 - 22 - 91 - 133 - 178 - 288 - 289، 14/ 74، 15/ 7 - 109، 16/ 37 - 39 - 170 - 176 - 197 - 206 - 223 - 234 - 248 - 252 - 256 - 266 - 375، 17/ 330 - 335 - 345 - 349، 18/ 9 - 31 - 129 - 153 - 235 - 237 - 261 - 322، 19/ 3 - 127 - 153 - 178، 20/ 351 - 353 - 372 - 420، 21/ 106 - 107 - 214 - 265 - 272، 22/ 10 - 14 - 21 - 27 - 77 - 93 - 228 - 257 - 321 - 23/ 224، 24/ 47.
أحمد بن الحارث الفزاري 17/ 3.
أحمد بن حبنان 15/ 215.
أحمد بن حبيب 10/ 235.
أحمد بن الحجاج الجيلاني 4/ 3.
أحمد بن حرب 4/ 3 - 5 - 51 - 97.
أحمد بن الحسن الأصبهاني 16/ 396.
أحمد بن الحسن البزاز 19/ 158.
أحمد بن الحسين 9/ 252.
أحمد بن الحسين بن سعد بن عثمان 12/ 5.
أحمد بن الحسين بن هاشم 13/ 347.
أحمد بن الحسين الأصفهاني 18/ 119.
أحمد بن الحسين بن هشام بن عبد اللّه 11/ 344، 12/ 52.
أحمد بن الحسين الهشامي 19/ 232.
أحمد بن الحكم بن بشر بن أبي عمرو بن العلاء 24/ 245.
أحمد بن حماد 9/ 181.
أحمد بن حماد بن الجميل 4/ 309، 11/ 187، 21/ 398.
أحمد بن حمدون 7/ 155 - 204 - 225 - 226 - 297، 8/ 357، 11/ 347 - 355، 19/ 225، 21/ 52 - 80 - 82، 22/ 200، 23/ 213.
أحمد بن حمزة الضبعي 4/ 110.
أحمد بن حمير 1/ 18.
أحمد بن خالد 20/ 128.
أحمد بن خالد الأحول 21/ 26 - 252.
أحمد بن الخصيب 23/ 144 - 150.
أحمد بن خلاد 3/ 162 - 189 - 200 - 227 - 249، 4/ 73 - 75، 7/ 202، 13/ 113 - 343، 14/ 326،.
أحمد بن خلف وكيع 15/ 174.
أحمد بن خليل 4/ 111.
أحمد بن الخليل بن مالك 6/ 309.
أحمد بن الخليل بن هشام 11/ 344.
أحمد بن داود السدي 17/ 236.
أحمد بن دلان الخيشي 16/ 299.
أحمد بن راشد 24/ 106.
أحمد بن الربيع 10/ 126.
أحمد بن رشيد بن حكيم الهلالي 11/ 240.
أحمد بن زهير 1/ 397، 2/ 204، 3/ 8 - 9 - 11 - 14 - 48 - 290 - 327 - 330 - 356 - 358 - 359، 4/ 10 - 112 - 134 - 135 - 136 - 139 - 140 - 154 - 158 - 163 - 165 - 167 - 420، 5/ 203، 9/ 67 - 143 - 152 - 184، 10/ 100 - 254، 11/ 185 - 294، 12/ 334، 13/ 335، 14/ 376، 15/ 26 - 128 - 307، 16/ 102 - 108 - 109 - 114 - 115 - 116 - 126 - 127 - 128 - 129 - 151 - 158 - 165 - 307، 18/ 96 - 198، 19/ 159 - 217، 21/ 1 - 16، 22/ 251 - 275، 277.
أحمد بن زهيرة بن حرب 1/ 21 - 141، 6/ 117 - 142 - 213 - 226 - 227 - 240 - 254 - 296، 7/ 11 - 135، 8/ 108 - 128 - 271 - 298، 14/ 177 - 264 - 290، 17/ 220 - 339 - 357، 20/ 202 - 210 - 311 - 363.
أحمد بن زياد 21/ 52.
أحمد بن السخي 10/ 55.
أحمد السدوسي 18/ 110.
أحمد بن سراج 17/ 32.
أحمد بن سعيد 4/ 409 - 346، 7/ 65 - 71، 9/ 213، 12/ 66 - 159 - 258، 19/ 165، 21/ 114، 23/ 118.
أحمد بن سعيد بن الجعد 1/ 18.
أحمد بن سعيد بن حسان 10/ 44.
أحمد بن سعيد الحريري 19/ 52.
أحمد بن سعيد الدمشقي 1/ 305 - 315، 3/ 264، 7/ 239، 10/ 243 - 245 - 247، 11/ 59، 18/ 334، 19/ 255.
أحمد بن سعيد الرازي 3/ 207 - 313.
أحمد بن سعيد بن سالم 14/ 93، 18/ 215.
أحمد بن سعيد بن عنبسة القرشي الأموي 7/ 169.
أحمد بن سعيد الفهري 9/ 149.
أحمد بن سعيد المالكي 6/ 177 - 179 - 240، 8/ 201، 17/ 79 - 105.
أحمد بن سلمان 18/ 100.
أحمد السلمي 18/ 234.
أحمد بن سليمان 15/ 326، 23/ 101 - 102.
أحمد بن سليمان بن أبي شيخ 2/ 9،
4/ 92 - 139 - 164، 7/ 230، 8/ 408، 16/ 23 - 144 - 205، 18/ 39 - 192 - 319، 20/ 65 - 163، 24/ 239 - 241.
أحمد بن سليمان بن وهب 18/ 157، 23/ 98.
أحمد بن سليمان الطوسي 2/ 252، 14/ 153، 15/ 333.
أحمد بن سنان البيساني 13/ 153.
أحمد بن سهل النوشجاني 9/ 132.
أحمد بن سيار الجرجاني 18/ 214.
أحمد بن سيار الشيباني 13/ 143.
أحمد بن شبوية 11/ 37.
أحمد بن شداد 22/ 303.
أحمد بن صالح 3/ 199 - 298 - 299، 7/ 148، 11/ 37.
أحمد بن صالح المؤدب 19/ 263.
أحمد بن صالح الهاشمي 23/ 220.
أحمد بن صدقة 20/ 68 - 152.
أحمد بن طالب الكناني 9/ 170.
أحمد بن طاهر 13/ 119 - 249 - 332 - 334، 20/ 52، 21/ 82.
أحمد بن الطبيب 9/ 59.
أحمد بن الطيب السرخسي 12/ 282، 14/ 202 - 204، 18/ 68، 19/ 133 - 220، 20/ 36 - 37 - 154، 22/ 44 - 208.
أحمد بن طيفور 14/ 215.
أحمد بن أبي العلاء 5/ 305 - 306.
أحمد بن الأعلى الشيباني 3/ 202.
أحمد بن عاصم الحلواني 20/ 185.
أحمد بن العباس الربيعي 18/ 232.
أحمد بن العباس العسكري 3/ 136 - 166 - 167 - 179 - 189 - 195 - 196، 4/ 20 - 21 - 48 - 53 - 75 - 84، 7/ 194 - 196، 12/ 299، 13/ 305 - 345، 14/ 48 - 73 - 328 - 352 - 358، 365 - 378 - 18/ 183، 19/ 274 - 275، 20/ 128.
أحمد بن العباس الكاتب 7/ 220.
أحمد بن عبد الجبار الصوفي 2/ 30، 9/ 141 - 151.
أحمد بن عبد الرحمن 4/ 145، 6/ 30، 9/ 141 - 151.
أحمد بن عبد الرحمن التميمي 3/ 331.
أحمد بن عبد الرحمن الكاتب 16/ 406.
أحمد بن عبد العزيز 8/ 244 - 283 - 288 - 384 - 486، 14/ 377 - 380، 15/ 323 - 324.
أحمد بن عبد العزيز بن الجعد الوشاء 2/ 136.
أحمد بن عبد العزيز الجوهري 1/ 14 - 18 - 33 - 64 - 71 - 110 - 114 - 209 - 246 - 248 - 249 - 265 - 331 - 336 - 405، 2/ 2 - 3 - 11 - 15 - 21 - 22 - 25 - 85 - 87 - 195 -
225 - 238 - 239 - 242 - 244 - 247 - 250 - 269 - 359 - 360 - 363 - 364 - 398 - 399، 3/ 13 - 68 - 69 - 73 - 74 - 75 - 91 - 94 - 117 - 120 - 134 - 143 - 144 - 150 - 313 - 316 - 319 - 324 - 351 - 356 - 361 - 362، 4/ 121 - 124 - 127 - 129 - 136 - 137 - 138 - 141 - 142 - 143 - 144 - 146 - 151 - 152 - 154 - 155 - 158 - 163 - 164 - 234 - 236 - 241 - 246 - 267 - 272 - 349 - 350 - 375 - 399 - 413، 5/ 6 - 27 - 30 - 122 - 128 - 132 - 156 - 143 - 146 - 152 - 236، 6/ 11 - 117 - 121 - 123 - 142 - 190 - 191 - 254، 7/ 15 - 18 - 21 - 22 - 26 - 69 - 71 - 183 - 236 - 246 - 258 - 260 - 407 - 416، 9/ 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 11 - 21 - 28 - 32 - 33 - 35 - 78 - 109 - 110 - 111 - 121 - 122 - 145 - 157 - 159 - 170 - 174 - 175 - 181 - 227 - 247 - 266 - 308 - 324 - 330 - 339، 10/ 21 - 80 - 81 - 237 - 256 - 288 - 290 - 304 - 305 - 306، 11/ 35 - 36 - 107 - 113 - 118 - 137 - 141 -
144 - 174 - 175 - 198 - 233 - 286، 13/ 164 - 181 - 266، 14/ 323 - 327 - 328 - 329 - 368، 15/ 21 - 128 - 130 - 135 - 139 - 151 - 157 - 213 - 214 - 215 - 224 - 228 - 253 - 283 - 291 - 309 - 310 - 361 - 369 - 371 - 378 - 385 - 387 - 388، 16/ 32 - 34 - 71 - 88 - 94 - 135 - 139 - 159 - 161 - 167 - 171 - 181 - 183 - 230 - 231 - 232 - 248 - 250 - 251 - 276 - 278 - 298 - 300 - 301 - 322 - 323 - 324، 17/ 28 - 83 - 165 - 167 - 172 - 225 - 230 - 338 - 343 - 344 - 358 - 360 - 361، 18/ 5 - 12 - 30 - 31 - 33 - 35 - 36 - 43 - 48 - 50 - 54 - 55 - 58 - 68 - 255 - 296 - 322 - 324 - 326، 19/ 7 - 8 - 132 - 136 - 137 - 139 - 140 - 141 - 142 - 143 - 144 - 145 - 148 - 149 - 150 - 151 - 152 - 153 - 154 - 155 - 166 - 168 - 169 - 170 - 190 - 195، 20/ 62 - 295 - 311 - 312 - 345 - 347 - 351 - 352 - 363 - 365، 21/ 14 - 108 - 202 - 291 - 309 - 387 -
393 - 394، 22/ 129 - 231 - 282 - 306، 23/ 86، 24/ 145 - 176 - 238.
أحمد بن عبد العزيز بن عمار 10/ 5 - 61 - 77 - 80 - 83 - 93 - 95، 24/ 239.
أحمد بن عبد اللّه 4/ 62 - 350.
أحمد بن عبد اللّه بن إسماعيل المراكبي 21/ 59 - 84.
أحمد بن عبد اللّه بن سويد بن منجوف السدوسي 18/ 117 - 135.
أحمد بن عبد اللّه بن شداد النشابي 15/ 151.
أحمد بن عبد اللّه بن علي 16/ 18 - 345.
أحمد بن عبد اللّه بن علي الدوسي 8/ 299، 12/ 55.
أحمد بن عبد اللّه بن محمد بن عمار 10/ 101 - 106 - 133 - 188 - 190 - 235، 15/ 241 - 371، 16/ 17 - 18 - 20 - 23 - 64 - 87 - 88 - 94 - 99 - 100 - 144 - 158 - 171 - 181 - 182 - 183 - 200 - 202 - 205 - 254 - 255 - 261 - 272 - 299 - 304 - 371 - 372 - 378، 23/ 20.
أحمد بن عبد الملك 9/ 288، 16/ 227.
أحمد بن العبدي 5/ 231.
أحمد بن عبيد 1/ 87 - 146، 2/ 91، 6/ 74 - 77 - 91، 9/ 200، 10/ 291، 12/ 59، 13/ 305، 15/ 69، 16/ 401.
أحمد بن عبيد اللّه 9/ 151.
أحمد بن عبيد اللّه بن جميل 23/ 103.
أحمد بن عبيد اللّه بن عاصم بن المنذر بن الزبير 18/ 63.
أحمد بن عبيد اللّه بن عمار 1/ 28 - 224، 2/ 9 - 133 - 178 - 194 - 242 - 403 - 405 - 407، 3/ 7 - 68 - 70 - 91 - 134 - 245 - 247 - 311 - 324 - 361، 4/ 7 - 2 - 33 - 76 - 77 - 85 - 87 - 92 - 110 - 218 - 349 - 418، 6/ 107 - 168 - 190 - 191 - 269 - 272 - 311، 7/ 11 - 34 - 58 - 60 - 72 - 120 - 226 - 230 - 231 - 248 - 250 - 261 - 277، 8/ 79 - 82 - 108 - 109 - 255 - 263 - 272 - 317 - 324 - 330 - 336 - 344 - 408 - 416، 9/ 18 - 27 - 50 - 53 - 109 - 112 - 118 - 165 - 237 - 266 - 291 - 310، 11/ 192 - 210 - 286، 13/ 63 - 246 - 249 - 250 - 278 - 330 - 369، 15/ 122 - 124 - 127 - 143 - 144 - 145 - 174 - 266 - 277 -
281 - 308، 17/ 8 - 15 - 21 - 30 - 36 - 40 - 129 - 133 - 363، 18/ 7 - 50 - 54 - 55 - 68 - 172 - 175 - 176 - 177 - 180 - 192 - 292، 19/ 21 - 31 - 77 - 95 - 109 - 190 - 192 - 263 - 264 - 268 - 275، 20/ 6 - 14 - 45 - 62 - 63 - 65 - 67 - 68 - 90 - 101 - 111 - 141 - 163 - 207 - 242 - 316 - 345 - 346 - 352 - 393 - 416، 21/ 14 - 84 - 93 - 255 - 340 - 390 - 392، 22/ 231 - 274 - 342 - 355، 23/ 88 - 134، 24/ 239 - 241.
أحمد بن عبيد اللّه بن محمد الرازي 12/ 309.
أحمد بن عبيد اللّه بن ناصح 4/ 81.
أحمد بن عبيد 18/ 95.
أحمد بن عبيد بن ناصح 20/ 39 - 40 - 146.
أحمد بن عبيدة 10/ 225.
أحمد بن عثمان الطبري 20/ 174.
أحمد بن عثمان العسكري المؤدب 14/ 269 - 326.
أحمد بن عرفة المؤدب 14/ 224.
أحمد بن العلاء 7/ 93، 10/ 68.
الأحمد بن علي 7/ 65.
أحمد بن علي 4/ 330، 15/ 52 -
391، 16/ 297.
أحمد بن علي الأنباري 23/ 203.
أحمد بن علي بن أبي نعيم المروزي 18/ 245 - 318.
أحمد بن علي بن حميدة 10/ 125.
أحمد بن علي الخفاف 7/ 251.
أحمد بن علي بن سويد بن منجوف 3/ 210.
أحمد بن عمار العبدي 5/ 236 - 261 - 364، 15/ 308.
أحمد بن عمر 18/ 75، 21/ 131 - 401.
أحمد بن عمران المؤدب 2/ 96.
أحمد بن عمر بن بكير 15/ 394، 17/ 215.
أحمد بن عمر بن عوف 13/ 205.
أحمد بن عمر بن موسى 2/ 8 - 9 - 34.
أحمد بن عمر الزهري 4/ 393، 6/ 297.
أحمد بن عمرو بن بكير 18/ 58.
أحمد بن عمرو الحنفي 6/ 58.
أحمد بن عمرو النحوي 6/ 272.
أحمد بن عمير 20/ 65 - 66.
أحمد بن عمير بن إسماعيل بن عبد العزيز بن عمير بن عبد الرحمن بن عوف 21/ 205.
أحمد بن عيسى 3/ 117.
أحمد بن عيسى الجلودي 18/ 346.
أحمد بن عيسى العجلي 4/ 153، 10/ 10، 13/ 293، 14/ 228، 18/ 56 - 288، 21/ 22.
أحمد بن الغيث الباهلي 19/ 20.
أحمد بن الفتح الحجاجي 9/ 252.
أحمد بن الفرات 21/ 85.
أحمد بن الفرج 13/ 119.
أحمد بن الفضل 15/ 188.
أحمد بن الفضل الكاتب 23/ 211.
أحمد بن القاسم 4/ 405، 16/ 93 - 145، 19/ 84، 20/ 25 - 69 - 193 - 409 - 410، 22/ 305.
أحمد بن القاسم البرقي 18/ 209، 21/ 377.
أحمد بن القاسم البزي 7/ 249 - 253 - 266، 12/ 320.
أحمد بن القاسم بن جعفر 9/ 237.
أحمد بن القاسم بن جعفر بن سليمان الهاشمي 10/ 98 - 101.
أحمد بن القاسم بن يوسف 9/ 180 - 181، 23/ 38 - 39 - 40 - 41.
أحمد بن القاسم العجلي 23/ 92.
أحمد بن القاسم المرّي 7/ 178.
أحمد بن القاسم اليوسفي 23/ 38.
أحمد بن المبارك 3/ 149.
أحمد بن محمد بن أبي أيوب 20/ 129.
أحمد بن محمد بن أبي الحسن الأسدي
10/ 164، 21/ 29 - 78.
أحمد بن محمد بن أبي سعد 19/ 42.
أحمد بن محمد بن أبي محمد اليزيدي 20/ 222 - 239 - 241 - 242 - 243 - 244 - 247 - 248 - 249 - 255 - 257 - 261.
أحمد بن محمد بن إسحاق 1/ 405، 3/ 49، 9/ 276 - 293.
أحمد بن محمد بن إسحاق الخراساني 9/ 320.
أحمد بن محمد بن إسحاق الطالقاني 10/ 165 - 182، 23/ 48.
أحمد بن محمد بن إسماعيل الهمداني 21/ 117.
أحمد بن محمد بن بكر الزبيري 9/ 165.
أحمد بن محمد بن الجعد 4/ 131 - 146 - 158 - 223 - 230، 12/ 216 - 221 - 336، 14/ 307، 16/ 29 - 99 - 138.
أحمد بن محمد بن جميل 18/ 237.
أحمد بن محمد بن حميد بن سليمان 18/ 119.
أحمد بن محمد الأسدي 1/ 364، 13/ 345، 16/ 208 - 345.
أحمد بن محمد الأنصاري 23/ 67.
أحمد بن محمد بن البزاز الأطروش 17/ 374.
أحمد بن محمد بن جدار 3/ 161 - 163.
أحمد بن محمد بن جدان 13/ 100،
20/ 20.
أحمد بن محمد الرازي 18/ 195.
أحمد بن محمد بن زكريا الصحّاف 2/ 414.
أحمد بن محمد بن سعيد 16/ 139 - 142 - 143 - 179 - 299 - 360.
أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة 12/ 193 - 196 - 215 - 216 - 217 - 234، 17/ 23.
أحمد بن محمد بن سعيد الهمذاني 24/ 216.
أحمد بن محمد بن شبيب البزار 1/ 21.
أحمد بن محمد بن عبد اللّه الابزاري 11/ 336.
أحمد بن محمد بن عبد اللّه بن صالح 8/ 388.
أحمد بن محمد بن علي بن حمزة الخراساني 18/ 116، 19/ 279.
أحمد بن محمد بن عمران الصيرفي 13/ 333.
أحمد بن محمد بن الفرات 9/ 277.
أحمد بن محمد الفارسي 20/ 58.
أحمد بن محمد الفيرزان 10/ 175، 12/ 154، 17/ 78.
أحمد بن محمد القصير 9/ 156.
أحمد بن محمد الكلابي 18/ 43.
أحمد بن محمد بن محمد بن سعيد الهمذاني 7/ 257 - 258، 9/ 16، 11/ 297.
أحمد بن محمد بن منصور بن زياد 18/ 224 - 246.
أحمد بن محمد بن مخلد بن المهلبي 13/ 100.
أحمد بن محمد بن نصر الضبعي 13/ 247.
أحمد بن المرزبان 3/ 252، 18/ 232، 19/ 227 - 235 - 237 - 238 - 242 - 243 - 244 - 247 - 249 - 252 - 253.
أحمد بن مروان 20/ 39 - 170 - 174.
أحمد بن معاوية 1/ 336، 2/ 185 - 244 - 247، 3/ 68 - 130، 5/ 416، 8/ 284، 13/ 164، 15/ 311، 16/ 183، 20/ 351.
أحمد بن معاوية الباهلي 18/ 33، 19/ 274، 22/ 284.
أحمد بن معاوية بن بكر 11/ 205 - 236، 19/ 140.
أحمد بن معاوية القرشي 4/ 104 - 129.
أحمد بن معتب الأودي 13/ 104.
أحمد بن المتصم 7/ 203.
أحمد بن المعذل 3/ 207، 20/ 403.
أحمد بن المغيرة العجلي 13/أحمد بن المكي 9/ 30 - 153، 19/ 250، 23/ 177.
أحمد بن منصور 1/ 119، 13/ 256،
22/ 303.
أحمد بن المنصور بن أبي العلاء الهمذاني 1/ 171.
أحمد بن المنصور الرمادي 15/ 228.
أحمد بن المهدي 4/ 107 - 161 - 337 - 360.
أحمد بن مهران - مولى البرامكة - 23/ 155.
أحمد بن مهرويه 19/ 137.
أحمد بن مؤرج السدوسي 18/ 117 - 120 - 135.
أحمد بن موسى الجمحي 3/ 280.
أحمد بن موسى 10/ 90.
أحمد بن نصر العتيق 15/ 310.
أحمد بن نصر المهلب 8/ 301 - 306.
أحمد بن نعيم 16/ 14.
أحمد بن هارون 20/ 165.
أحمد بن هاشم 16/ 181.
أحمد بن الهيثم 1/ 99، 2/ 81 - 422، 10/ 295، 14/ 299، 15/ 375، 18/ 136 - 254 - 255 - 272، 20/ 333 - 396.
أحمد بن الهيثم بن فراس 3/ 74 - 365، 6/ 93 - 150 - 190، 7/ 95 - 115، 8/ 74 - 163 - 169، 9/ 316، 12/ 3 - 24 - 25 - 31، 13/ 275، 14/ 70 - 71 - 86،
15/ 384، 16/ 48 - 83 - 133 - 239، 19/ 13، 22/ 123 - 187 - 253 - 263 - 341، 24/ 22.
أحمد بن الهيثم الفراسي 1/ 148.
أحمد بن وصيف 16/ 396، 18/ 246.
أحمد بن يحي 4/ 132، 9/ 277، 10/ 15 - 59، 12/ 218 - 219 - 220 - 255، 14/ 380، 15/ 379، 19/ 137 - 151 - 152 - 169.
أحمد بن يحي البلاذري 4/ 326 - 396 - 397، 8/ 387 - 401 - 412 - 416، 15/ 249.
أحمد بن يحي بن أبي طاهر 20/ 155 - 372.
أحمد بن يحي بن علي 3/ 307.
أحمد بن يحي بن علي بن يحي 14/ 323، 16/ 24.
أحمد بن يحي ثعلب 2/ 57 - 84 - 195، 3/ 2، 4/ 409، 6/ 105 - 258، 7/ 65 - 174 - 290، 9/ 19 - 313، 13/ 10، 14/ 94 - 175، 21/ 26 - 55.
أحمد بن يحي الحراني 13/ 119.
أحمد بن يحي الدقاق 1/ 7.
أحمد بن يحي العدوي 20/ 164.
أحمد بن يحي القرشي 1/ 168.
أحمد بن يحي الكاتب 4/ 368.
أحمد بن يحي المكي 2/ 96 - 204 - 223 - 231، 6/ 22 - 157 - 184 - 185 - 226 - 281 - 284 - 306 - 307 - 308، 18/ 56 - 65 - 67 - 254 - 348 - 359، 21/ 68.
أحمد بن يحي الهاشمي 13/ 241.
أحمد بن يحي الهذلي التمار 18/ 209.
أحمد بن يحي الهمذاني 9/ 168 - 216.
أحمد بن يزيد 10/ 168.
أحمد بن يزيد الشيباني 7/ 291.
أحمد بن يحي يزيد المهلبي 7/ 170 - 171، 194 - 8/ 358 - 366، 9/ 289 - 301 - 302 - 304 - 318، 10/ 55 - 81، 12/ 152، 13/ 232 - 251، 16/ 245 - 388، 20/ 78 - 94 - 96 - 101 - 102 - 103 - 104 - 107 - 108 - 109 - 112.
أحمد بن يعقوب 4/ 77 - 80، 16/ 20.
أحمد بن يعقوب بن المنير 18/ 174 - 209.
أحمد بن يعلى 8/ 109.
أحمد بن يوسف 4/ 111، 14/ 46، 16/ 24 - 25.
أحمد بن يوسف بن الجهم 10/ 183.
أحمد بن يوسف بن سعيد 17/ 325.
الأحنف 14/ 73.
الأحنف بن قيس 8/ 395 - 408 - 416 - 417 - 423، 14/ 86.
الأحوص 8/ 206 - 207 - 337، 15/ 293 - 294، 16/ 286 - 288.
الأحوص بن المفضل البصري 18/ 187.
الأحول - أحمد الأحول - 23/الأحول - محمد بن الحسن الأحول - 18/الأخفش - علي بن سليمان الأحفش الأزدي - 4/ 340، 21/ 374، 22/ 227 - 243 - 325 - 340 - 344، 23/ 10 - 24 - 32 - 34 - 38 - 43 - 46 - 54 - 59 - 63 - 66 - 70 - 89 - 123 - 124 - 165 - 196 - 202 - 234، 24/ 169.
إدريس بن سليمان بن يحي بن حفصة 18/ 6 - 118 - 146.
أدهم بن عمران العبدي 24/ 39.
أرطأة بن حبيب 17/ 31.
أسامة بن زيد 18/ 62.
أسامة بن لؤي 10/ 204.
الأسباط بن عيسى بن الجبار العذري 8/ 98، 24/ 145 - 146.
إسحاق 3/ 158 - 285 - 303 - 306 - 314 - 344 - 345، 5/ 59 - 129 - 234 - 236 - 249 - 251، 8/ 34 -
49 - 97 - 105 - 119 - 142 - 165 - 166 - 167 - 174 - 187 - 188 - 196 - 197 - 199 - 208 - 236 - 285 - 340 - 341 - 347 - 372، 13/ 114 - 227، 14/ 372، 15/ 52 - 54 - 73 - 123 - 124 - 125 - 126 - 127 - 128 - 132 - 137 - 139 - 142 - 145 - 155 - 178 - 207، 24/ 140 - 220.
إسحاق الاعرابي 9/ 282.
إسحاق بن إبراهيم 2/ 37 - 312 - 357، 4/ 247 - 363 - 367، 3/ 45، 8/ 220، 15/ 22 - 52 - 66 - 67 - 122 - 128 - 287.
إسحاق بن إبراهيم بن أبي محمد اليزيدي 20/ 256.
إسحاق بن إبراهيم التمار البصري 3/ 230.
إسحاق بن إبراهيم بن ضمرة الخزاعي 20/ 167.
إسحاق بن إبراهيم بن عجلان الفهري 19/ 143.
إسحاق بن إبراهيم العكبري 20/ 133.
إسحاق بن إبراهيم بن محمد السالمي الكوفي التيمي 18/ 102.
إسحاق بن إبراهيم بن مصعب 19/ 236.
إسحاق بن إبراهيم الموصلي 1/ 7 - 39 - 44 - 45 - 48 - 59 - 61 - 67 - 71 - 74 - 75 - 77 - 78 - 79 - 82 - 89 - 91 - 105 - 107 - 109 - 112 - 116 - 118 - 119 - 120 - 122 - 126 - 128 - 131 - 134 - 142 - 145 - 153 - 154 - 160 - 161 - 166 - 167 - 168 - 173 - 174 - 178 - 180 - 183 - 185 - 186 - 187 - 188 - 195 - 196 - 201 - 202 - 204 - 208 - 215 - 230 - 232 - 239 - 241 - 243 - 256 - 258 - 264 - 265 - 267 - 268 - 269 - 277 - 278 - 283 - 290 - 292 - 295 - 297 - 303 - 309 - 312 - 314 - 316 - 317 - 318 - 319 - 325 - 338 - 339 - 340 - 342 - 343 - 347 - 364 - 365 - 376 - 386 - 392 - 399 - 403 - 406 - 407 - 410، 2/ 54 - 58 - 59 - 294، 3/ 324، 4/ 416 - 418، 6/ 11 - 28 - 29 - 34 - 58 - 68 - 71 - 94 - 120 - 121 - 122 - 155 - 156 - 157 - 164 - 171 - 185 - 204، 7/ 18 - 22 - 50 - 52 - 61 - 63 - 71، 8/ 106، 9/ 5 - 6 - 7 - 29 - 31 - 136 - 124 - 171 - 237 - 239 - 278 - 291،
10/ 75 - 80 - 88 - 168 - 269 - 311، 11/ 35 - 188 - 210، 12/ 113 - 118، 13/ 272 - 325 - 340، 14/ 123 - 184 - 234 - 276 - 354، 18/ 10 - 17 - 23 - 29 - 35 - 41 - 48 - 50 - 63 - 65 - 68 - 100 - 135 - 143 - 180 - 207 - 220 - 221 - 224 - 237 - 246 - 297 - 300 - 304 - 305 - 306 - 311 - 316 - 328 - 330 - 338 - 349 - 351، 19/ 33 - 57 - 98 - 99 - 101 - 104 - 111 - 136 - 137 - 168 - 171 - 172 - 174 - 175 - 228 - 280 - 285 - 291 - 298، 20/ 45 - 46 - 52 - 53 - 56 - 85 - 91 - 93 - 104 - 106 - 149 - 198 - 203 - 212 - 216 - 326 - 332 - 339 - 343 - 354 - 369 - 387، 21/ 66 - 255.
301، 22/ 8 - 26، 24/ 125 - 175 - 234.
إسحاق بن أحمد الخزاعي 15/ 12.
إسحاق بن إسماعيل القاضي 4/ 153.
إسحاق بن أيوب 1/ 336، 2/ 323، 17/ 349.
إسحاق بن أيوب القرشي 7/ 2 - 15.
إسحاق بن بزيع 16/ 21.
إسحاق بن البهلول الأنباري 2/ 136.
إسحاق بن ثابت العطار 7/ 247.
إسحاق بن حامد 16/ 346.
إسحاق بن الحصاص 2/ 10 - 12 - 15 - 140 - 158، 11/ 249، 16/ 329، 17/ 83، 22/ 286.
إسحاق بن حفص 4/ 56.
إسحاق بن حميد 11/ 349.
إسحاق بن خلف الشاعر 11/ 285.
إسحاق بن راشد 16/ 227.
إسحاق بن زياد 2/ 136.
إسحاق بن سليمان بن علي 9/ 286.
إسحاق بن سويد 18/ 34.
إسحاق بن شعيب 2/ 319.
إسحاق بن الصيرفي 7/ 277.
إسحاق بن الضحاك بن الخصيب 21/ 73.
إسحاق بن عبد اللّه الأزدي 18/ 317.
إسحاق بن عبد اللّه الحمراني 18/ 186.
إسحاق بن عبد اللّه بن شعيب 4/ 111.
إسحاق بن عبد اللّه بن فروة 16/ 96 - 164.
إسحاق بن عبد الملك 21/ 102.
إسحاق بن عمر بن بزيغ 10/ 100، 18/ 357.
إسحاق بن عمرو بن بزيغ 15/ 273.
إسحاق بن عمرو السعدي 18/ 193.
إسحاق بن الفضل 17/ 293،
19/ 189.
إسحاق بن كلبة 3/ 201.
إسحاق بن كنداجيف 21/ 74.
إسحاق بن محمد الأموي 16/ 304.
إسحاق بن محمد بن أبان 2/ 37 - 80، 4/ 222، 8/ 105، 17/ 33.
إسحاق بن محمد بن الأسدي 13/ 343.
إسحاق بن محمد بن سلام 11/ 199.
إسحاق بن محمد بن الكوفي 19/ 84.
إسحاق بن محمد النخعي 3/ 72، 7/ 229 - 244 - 246 - 247 - 249 - 251 - 253 - 255 - 266 - 270 - 273، 10/ 101 - 106 - 148، 11/ 285، 12/ 276 - 320، 13/ 235، 15/ 381 - 382، 16/ 200 - 224، 18/ 172 - 193 - 200 - 207 - 285 - 341، 20/ 61 - 63 - 65 - 68 - 142، 21/ 377، 22/ 305 - 306، 23/ 116 - 214.
إسحاق بن محمد الهاشمي 15/ 356 - 357.
إسحاق بن مراد الشيباني 8/ 287 - 291 - 292 - 339، 18/ 144.
إسحاق بن مروان - مولى جهينة - 21/ 401.
إسحاق بن مسافر 18/ 160.
إسحاق المصلي محمد بن الزبير 8/ 12.
إسحاق بن مقمة 1/ 293.
إسحاق بن منصور 4/ 279 - 280 - 281 - 330 - 332 - 352 - 353 - 359 - 405 - 407 - 418.
إسحاق بن موسى الأنصاري 15/ 326.
إسحاق بن نسطاس 4/ 372.
إسحاق بن يحي 11/ 53.
إسحاق بن يحي طلحة 8/ 120.
إسحاق بن يحي الكاتب 16/ 375 - 377 - 390.
إسحاق بن يحي المكي 6/ 343.
إسحاق بن يعقوب العثماني 1/ 320.
إسحاق بن يعقوب النوبختي 10/ 63.
أسد بن عمر الحنفي 11/ 53.
الأسدي 4/ 408.
إسرائيل 15/ 199.
أسعد بن عبد اللّه المرئي 1/ 366.
أسعد بن عمرو بن جرير 15/ 214 - 224.
أسلم - مولى عبد اللّه بن طاهر - 10/ 224.
أسما بنت أبي بكر 4/ 144.
إسماعيل بن أبان العامري 12/ 4 - 5.
إسماعيل بن أبان الوراق 17/ 217.
إسماعيل بن إبراهيم 4/ 158 - 177 - 231 - 238، 17/ 294.
إسماعيل بن أبي أويس 2/ 93، 8/ 346، 9/ 143 - 196، 15/ 122، 21/ 108.
إسماعيل بن أبي حكيم 6/ 117.
إسماعيل بن أبي خالد الأحمسي 15/ 215 - 216، 16/ 84، 18/ 207، 22/ 4.
إسماعيل بن أبي خالدة 13/ 346.
إسماعيل بن أبي عمرو 21/ 120.
إسماعيل بن أبي عيلة 16/ 95.
إسماعيل بن أبي فتية 4/ 111.
إسماعيل بن أبي محمد اليزيدي 7/ 317، 9/ 110، 11/ 37 - 242، 15/ 170، 20/ 217 - 218.
إسماعيل بن إبراهيم ذي الشعار 4/ 208.
إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة 4/ 231.
إسماعيل بن إسحاق 3/ 68 - 69 - 70، 20/ 316.
إسماعيل بن إسحاق الراشدي 12/ 5.
إسماعيل بن أمية 16/ 227.
إسماعيل بن بكار 16/ 142.
إسماعيل بن جامع 1/ 253، 3/ 29، 6/ 311 - 318 - 335، 9/ 137 - 251.
إسماعيل بن جعفر 1/ 166، 16/ 319.
إسماعيل بن جعفر الجعفري 21/ 119.
إسماعيل بن جعفر بن سليمان 15/ 71.
إسماعيل بن جعفر بن محمد الأعرج 19/ 166.
إسماعيل بن الحسين 21/ 59 - 64.
إسماعيل بن الخصيب 23/ 102.
إسماعيل بن ريان الطائي 9/ 144.
إسماعيل بن زكريا 4/ 223.
إسماعيل بن زياد الطائي 3/ 185.
إسماعيل بن زيد بن الحاكم بن عوانة 1/ 71.
إسماعيل بن السائب 7/ 250.
إسماعيل بن الساحر 7/ 230 - 233 - 235 - 240 - 260 - 268 - 271 - 273 - 276.
إسماعيل بن سعيد الدمشقي 21/ 108.
إسماعيل بن عبد الكوفي 4/ 80.
إسماعيل بن عبد اللّه 4/ 231.
إسماعيل بن عبد اللّه الطلحي 17/ 30.
إسماعيل بن عبيد اللّه 8/ 286.
إسماعيل بن العتكي 6/ 70.
إسماعيل بن علي الخزاعي 17/ 26.
إسماعيل بن عمار 15/ 63.
إسماعيل بن عياش 20/ 209.
إسماعيل بن مجمع 1/ 67 - 402، 2/ 3، 3/ 35، 11/ 253، 12/ 40، 15/ 22 - 23، 16/ 248 - 280، 18/ 58، 19/ 217.
إسماعيل بن محمد بن أبي محمد 4/ 82.
إسماعيل بن محمد المخزومي 17/ 352 - 353.
إسماعيل بن مسلم 15/ 256.
إسماعيل بن يحي الكاتب 20/ 275.
إسماعيل بن يعقوب 9/ 148، 16/ 142، 21/ 114 - 117 - 118، 24/ 216.
إسماعيل بن يعقوب بن مجمع التيمي 7/ 130.
إسماعيل بن يوسف 23/ 38.
إسماعيل بن يونس 1/ 36 - 42 - 347، 2/ 209 - 215 - 225 - 227 - 238 - 239 - 359 - 363 - 364 - 367 - 373 - 394 - 398 - 400 - 401، 3/ 13 - 46 - 134 - 313 - 316 - 319 - 324 - 365، 5/ 303، 7/ 17 - 22 - 31 - 50 - 52 - 70 - 92، 10/ 172، 12/ 36 - 43 - 44 - 118 - 197 - 249، 14/ 322 - 377، 15/ 253 - 368 - 372، 21/ 65.
إسماعيل بن يونس الشيعي 4/ 220 - 272 - 277 - 332 - 353 - 416، 6/ 20 - 23 - 24 - 28 - 154 - 155 - 161 - 164 - 171 - 204 - 285، 8/ 208 - 318 - 324 - 334 - 338 - 351، 9/ 67 - 150 - 127 - 224 - 236 - 291، 11/ 199 - 210 - 273 - 274،
13/ 93 - 118 - 262 - 264 - 267 - 303، 15/ 22 - 29 - 31 - 52 - 131 - 132 - 134 - 140 - 141، 16/ 32 - 85 - ؟؟؟؟ 1 - 191 - 223، 17/ 159 - 0؟؟؟؟، 18/ 35 - 65 - 68 - 151 - 326 - 347 - 349 - 350 - 370، 20/ 247 - 298، 23/ 217 - 220.
أسيد بن خالد الأنصاري 16/ 255.
أسيد الغنوي 18/ 6.
الأسير 9/ 71.
أشعب 7/ 59، 12/ 286.
أشعب الطامع 19/ 136 - 138 - 139 - 141 - 144 - 149 - 155 - 159 - 160 - 163 - 172.
أشعث بن أبي الشعثاء 6/ 355.
أشعث بن جبير 4/ 260 - 261.
أشعث بن سوار 17/ 216.
الأشقر بن صرمة 16/ 284.
الأصمعي 1/ 82 - 303 - 370 - 413، 2/ 2 - 3 - 4 - 6 - 10 - 33 - 37 - 87 - 97 - 158 - 159 - 200 - 415، 3/ 13 - 45 - 68 - 69 - 70 - 89 - 91 - 117 - 141 - 142 - 182 - 189 - 195 - 213 - 234 - 236 - 237 - 312، 4/ 139 - 154 - 286 - 354 - 373، 6/ 34 - 45 - 51 - 56 - 70 - 78 - 91 - 95 - 212 - 242 -
263 - 270 - 271 - 272 - 274 - 286، 7/ 31 - 92 - 103 - 236، 9/ 71 - 72 - 73 - 74 - 77 - 98 - 118 - 140 - 154 - 167 - 262، 10/ 21 - 82 - 83 - 150 - 152 - 157 - 160 - 161 - 289 - 304 - 308 - 311 - 315، 15/ 94 - 95 - 96 - 103 - 169 - 176 - 239 - 240 - 328 - 350 - 351 - 362 - 363 - 367، 16/ 32 - 56 - 87 - 208، 17/ 2 - 13 - 14 - 29 - 30 - 31 - 33 - 34 - 35 - 43 - 46 - 47 - 114 - 149 - 174 - 255 - 285، 19/ 10 - 49 - 136 - 139 - 140 - 141 - 168 - 175 - 180 - 207، 20/ 90 - 93 - 211 - 213 - 235 - 295 - 314 - 351 - 354 - 384 - 385 - 386 - 390 - 391 - 393 - 414 - 422، 21/ 29 - 134 - 208 - 210 - 213 - 214 - 215 - 219 - 226 - 227 - 253 - 297 - 314 - 340 - 343 - 344 - 346 - 348 - 355 - 356 - 357 - 358 - 360 - 362 - 364 - 365 - 369 - 374 - 385 - 390 - 399، 22/ 124 - 242 - 271 - 273 - 274 - 277 - 278 - 279 - 284 - 306 - 339 - 342 - 344، 23/ 89 - 90، 24/ 101 - 107 - 110 - 139 - 185 -
206.
الأصمعي عبد الملك بن قريب 11/ 6 - 7 - 45 - 68 - 69 - 72 - 91 - 92 - 93 - 201 - 210 - 243 - 244 - 269.
أضبط بن الملوح 17/ 247.
الأعرج 16/ 346.
الأعشى 9/ 120 - 121 - 123 - 124 - 126.
الأعمش 4/ 153 - 306، 9/ 13، 13/ 346، 16/ 138، 17/ 218.
أعين بن لبطة 9/ 343، 21/ 314.
الأغر 18/ 206.
الأفرم - أبو الحسن علي بن المغيرة - 6/ 71.
أم تميم بنت المنهال 15/ 301.
أم جميل الطائية 24/ 65.
أم خالد بنت خالد بن سفيان بن وهب 4/ 237.
أم عاصم بنت سفيان بن عبد العزيز 15/ 286.
أم عرمة بنت جعفر 15/ 9.
أم القاسم ابنة بلال بن جرير 18/ 10.
أم كلثوم 9/ 159.
أمية بن مروان 18/ 193.
أنس 8/ 390 - 392 - 405.
أنس بن حبيب 18/ 325.
أنس بن عبد اللّه النبهاني 20/ 141.
أنس بن مالك 3/ 7 - 197 - 199 -
15/ 192 - 195، 18/ 187
انس بن مسعود 4/ 142.
الأنصاري 15/ 306.
أنيس بن ربيعة الاسلمي 1/ 368.
أنيس بن عمرو العامري 11/ 204 - 205.
ألانيسي 13/ 249.
أنيق بن هشام بن الكلبي 7/ 60.
ألاوزاعي 1/ 20.
ألأوقص بن محمد بن عبد الرحمن المخزومي 17/ 91.
إياس بن الخطيئة 17/ 225.
إياس بن شبة 21/ 282.
إياس السلمي 4/ 142.
أيوب 22/ 242.
أيوب بن أبي تميمة 4/ 164.
أيوب بن اسماعيل 3/ 307.
أيوب بن أيوب السعدي 20/ 208.
أيوب بن جابر 17/ 216.
أيوب بن سويد 10/ 288.
أيوب بن سيار 1/ 72.
أيوب بن شأس 6/ 123.
أيوب بن عباية 1/ 29 - 39 - 57 - 225 - 227 - 325 - 338 - 340 - 345 - 346 - 373 - 405 - 406 - 410، 2/ 2 - 8 - 9 - 10 - 12 - 245 - 398 - 373، 4/ 260 - 270 - 277 - 396 - 409 - 7/ 88،
8/ 105 - 152 - 187 - 200 - 341، 11/ 271، 15/ 140، 19/ 145.
أيوب بن عبد الر؟؟؟؟ 1/ 47 - 49.
أيوب بن عثمان ا؟؟؟؟ شقي 2/ 174.
أيوب بن عمر 4/ 234 - 236 - 11/ 207 - 240، 16/ 1 - 3، 21/ 116 - 120 - 123.
أيوب القرشي 2/ 239.
أيوب بن كسيب 8/ 69.
أيوب بن محمد الطلحي 14/ 319.
ب
الباهلي - محمد بن حازم - 14/ 111،
بثينة 8/ 152 - 202.
البحتري 20/ 136.
البداء 4/ 138 - 176.
بدر بن مزاحم 3/ 137.
بدعة - جارية عريب - 21/ 85.
بديح 6/ 219 - 220 - 221، 15/ 174.
بذل 15/ 233.
البراء بن عازب 15/ 186 - 199.
برج بن الجلاس 14/ 10.
برية الهاشمي 14/ 373.
بريدة بن سفيان 15/ 202.
بسام الصيرفي 15/ 147.
بشار 14/ 327 - 328 - 333 - 348.
بشر 14/ 255 - 256.
بشر بن دحية الزيادي 18/ 196.
بشر بن زيد 21/ 70.
بشر بن السرّي 13/ 264.
بشر بن عبد اللّه 16/ 283 - 287.
بشر بن عبد اللّه بن ابي بكر 11/ 132 - 224.
بشر بن عمار 7/ 277.
بشر بن عمر 16/ 299.
بشر بن عمرو بن عبد العزيز 9/ 273.
بشر بن محمد 7/ 172.
بشر بن مروان 21/ 385.
بشر بن المفضل 4/ 214، 6/ 85، 18/ 115.
بشر بن موسى 9/ 141، 12/ 286.
بشير 8/ 38.
البغدادي 9/ 171.
البغوي 6/ 351، 12/ 301 - 311.
البقطري 22/
بقية بن الوليد 9/ 273.
بكار 12/ 5.
بكار بن بكار 18/ 187.
بكار بن حارثة 9/ 143.
بكار بن حبيب السهمي 12/ 333.
بكار بن رباح 1/ 293، 8/ 350.
بكار بن عبد اللّه 1/ 70.
بكر بن عبد الرحمن 16/ 227.
بكر بن عبد اللّه - مولى ابي بكر - 21/ 123.
بكر بن عبد اللّه بن عاصم 11/ 189.
بكر بن النطاح 19/ 34.
بكر بن وائل 9/ 156.
البكري 8/ 12، 9/ 51.
بكير بن مسمار 15/ 223.
البلاذري 21/ 389.
بلال - مولى ابن أبي عتيق - 1/ 214 - 222.
بنان الشاعرة 19/ 304.
بنان بن عمرو 9/ 305.
بندقة بن محمد حجازة الدهان 21/ 118.
بنو الحارث بن كعب - حدث عن بعضهم ابن الكلبي - 21/ 17.
بهلول بن سليمان بن قرطاب البلوي 1/ 376، 8/ 97 - 100 - 112 - 113 - 120 - 121 - 136.
البيدق الراوية 19/ 40.
ت
التبريزي 9/ 70.
التبوذكي - أبو سلمة التبوذكي - 22/ 303.
تحفة - جارية عريب - 21/ 78 - 85.
التمام 9/ 163.
تميم بن رافع 19/ 104.
تميم بن زيد القطاعي 21/ 353.
تميم بن سوادة 18/ 117.
توبة بن الحمير 11/ 236.
التوزي 6/ 212 - 7/ 78، 8/ 54، 10/ 78، 11/ 72، 12/ 43 - 299، 16/ 25 - 378، 18/ 150 - 193 - 206، 19/ 136، 21/ 26.
التيمي 8/ 78.
تينة - عيسى بن اسماعيل تينة -
ث
ثابت بن الحارث الجشمي 13/ 141.
ثابت بن الزبير بن حبيب 4/ 64 - 131
ثابت بن قرة الطائي 9/ 59.
ثابت بن قطنة 14/ 267.
ثروان 9/ 254.
ثعلب 3/ 77 - 78 - 360، 7/ 22 - 59، 9/ 196، 10/ 22 - 59، 11/ 237، 14/ 76، 15/ 332، 23/ 234.
ثعلبة بن عبد اللّه بن صعير 1/ 247.
الثعلبي 9/ 96.
الثقفي 14/ 322.
ثمال 13/ 262.
الثمالي - أبو حمزة الثمالي - ثمامة 4/ 16 - 52.
ثور بن علي 4/ 72.
ثور بن يزيد 4/ 199.
ج
جابر 12/ 5.
جابر أبو العلاء التنوخي 8/ 108.
جابر الجعفي 15/ 149.
جابر بن جندل 8/ 61، 21/ 313 - 349.
جابر بن عبد اللّه بن جامع بن جرموز الباهلي 18/ 23.
جابر بن مصعب 18/ 71.
الجابري 15/ 239.
الجاحظ 4/ 6 - 16 - 52، 8/ 249 - 10/ 116 - 180 - 236، 15/ 390.
جارية بن مضرب 17/ 325.
جالينوس 14/ 377.
جامع بن مرضية الكلابي 9/ 146.
جبار بن جابر 8/ 131.
جبارة بن المفلس الحماني 4/ 4.
جبر بن رياط الأسدي 18/ 42 - 311.
جبير بن ضبينة الطائي 18/ 315.
جبير بن مطعم 15/ 180.
جحظة 1/ 60 - 157 - 252 - 309، 3/ 27 - 148 - 155 - 307، 4/ 77 - 86 - 101 - 109 - 114، 5/ 150 - 168 - 192 - 205 - 220 - 241 - 277 - 286 - 311 - 326 - 336 - 351 - 366 - 371 - 379 - 413، 6/ 63 - 110 - 126 - 150 - 179 - 180 - 184، 7/ 146 - 148 - 155 - 162 - 164 - 198 - 211 - 214 - 224، 8/ 366 - 425، 9/ 282 - 286 - 296 - 299 - 300، 12/ 86 - 150 - 284،
13/ 256، 14/ 48 - 49 - 91 - 185، 15/ 270 - 272، 17/ 70 - 71 - 75، 22/ 46 - 178 - 200 - 207 - 208 - 211 - 212 - 214 - 215 - 257 - 310، 23/ 47 - 75 - 76 - 77 - 78 - 83 - 140 - 200 - 207.
جحظة البرمكي 16/ 4 - 14 - 311 - 313 - 316 - 369 - 389 - 396، 1/م - ت، 38.
جحظة بن ميمون بن هارون 2/ 54.
جذيمة بن علي 16/ 298.
الجرجاني 5/ 239 - 284 - 340.
جرير 1/ 40 - 46 - 310، 3/ 278، 4/ 153، 6/ 243، 8/ 8 - 34 - 36 - 37 - 41 - 42 - 43 - 48 - 50 - 51 - 54 - 55 - 56 - 57 - 58 - 60 - 61 - 62 - 63 - 64 - 67 - 68 - 69 - 70 - 74 - 78 - 79 - 80 - 83 - 84 - 87 - 204 - 291 - 292 - 316، 9/ 68 - 119 - 140، 14/ 90، 15/ 228 - 342 - 345، 22/ 4، 24/ 210.
جرير بن احمد بن أبي داود 10/ 132.
جرير بن حازم 7/ 19 - 22، 18/ 117، 21/ 305.
جرير بن الحصين 2/ 235.
جرير بن ربّاط 2/ 288.
جرير بن شريك بن جرير بن عبد اللّه البجلي 11/ 5.
جرير بن عبد اللّه البجلي 9/ 93 - 156، 15/ 241.
جرير المدني 8/ 188.
جرير المديني 15/ 122، 16/ 144 - 162، 17/ 163، 21/ 108.
جريرّ المغيرة 15/ 325.
جزء بن قطن 9/ 180 - 181.
جساس بن مرة 15/ 394.
جعفر 8/ 253، 14/ 296 - 315.
جعفر أبو حسين 8/ 327.
جعفر بن أبي حرب بن أبي الأسود الدؤلي 12/ 299.
جعفر بن بشير 16/ 268.
جعفر بن الحسين اللهبي 7/ 142.
جعفر بن الحسين المهلبي 4/ 129 - 415 - 444، 5/ 262، 10/ 236 - 245 - 246 - 262، 22/ 50.
جعفر بن الدهقانة 5/ 306.
جعفر بن زياد 12/ 88.
جعفر بن سعد 22/ 107.
جعفر بن سعيد 1/ 110، 6/ 327.
جعفر بن سعيد الضبي 9/ 124.
جعفر بن سليمان 19/ 168 - 180.
جعفر الطبال 15/ 272.
جعفر العاهمي 19/ 269.
جعفر بن عبد اللّه بن اسلم 15/ 189.
جعفر بن عبيد اللّه بن جعفر الهاشمي 10/ 125، 22/ 230.
جعفر بن علي بن نجيع 7/ 252.
جعفر بن علي اليشكري 1/ 375.
جعفر بن عمرو بن أمية 4/ 229.
جعفر بن عمرو بن حريث 18/ 149.
جعفر بن عون العمري 4/ 227 - 229.
جعفر بن قدامة 1/ 83 - 258 - 259، 2/ 46، 3/ 280، 4/ 115، 5/ 102 - 175 - 270 - 286 - 292، 6/ 7 - 83، 8/ 65، 10/ 126 - 131 - 214 - 280 - 281 - 283 - 284 - 285، 10/ 334 - 337 - 340 - 342 - 343 - 344 - 345 - 351 - 352 - 359 - 360 - 361، 11/ 242، 12/ 49 - 50 - 52 - 81 - 85 - 90 - 153، 13/ 186 - 229 - 234 - 238 - 239 - 240 - 247 - 423، 14/ 279، 16/ 191، 17/ 236 - 328، 18/ 123 - 128 - 222 - 237 - 288 - 319 - 342 - 372، 19/ 34 - 41 - 79 - 86 - 116 - 174 - 178 - 221 - 225 - 226 - 231 - 241 - 251 - 274 - 284 - 304، 20/ 50 - 95 - 106 - 135 - 154 - 339 - 340 - 343 - 409 - 422، 22/ 48 - 49 - 101 - 162 -
164 - 165 - 166 - 167 - 173 - 176 - 177 - 200 - 201 - 202 - 208 - 210 - 228 - 249 - 259 - 339 - 340، 24/ 2 - 218.
جعفر بن كلاب 16/ 283.
جعفر بن المأمون 20/ 252، 22/ 214.
جعفر بن المأمون 20/ 252، 22/ 214.
جعفر بن محرز الدوسي 16/ 32.
جعفر بن محرز السندوسي 3/ 13 - 33.
جعفر بن محمد 7/ 252 - 277، 11/ 192، 12/ 5، 15/ 46، 16/ 137 - 211 - 218 - 235 - 376.
جعفر بن محمد بن أبي محمد اليزيدي 20/ 246.
جعفر بن محمد بن الحسن العلوي الحسني 18/ 56 - 183.
جعفر بن محمد بن خلف 23/ 52.
جعفر بن محمد العاصي 22/ 107.
جعفر بن محمد بن عبيد بن عيينة 17/ 31.
جعفر بن محمد العدوي 3/ 153.
جعفر بن محمد بن علي بن الحسن 4/ 190.
جعفر بن العنبري 21/ 284.
جعفر بن محمد بن عيسى الحمال 17/ 24.
جعفر بن محمد بن عيينة بن المنهال
8/ 288.
جعفر بن محمد الفرياني 2/ 136.
جعفر بن محمد بن قدامة 23/ 115 - 186 - 199 - 201.
جعفر بن محمد الكاتب 6/ 293.
جعفر بن محمد بن مروان بن الغزال الكوفي 17/ 31.
جعفر بن محمد النوفلي 3/ 170، 6/ 245.
جعفر بن محمد الهاشمي 10/ 125.
جعفر بن محمود 10/ 55.
جعفر بن مدرك الجعدي 4/ 388.
جعفر بن معروف الكاتب 20/ 322.
جعفر بن المفضل الكاتب 20/ 303.
جعفر بن المنصور 14/ 185.
جعفر بن موسى اللهبي 18/ 333.
جعفر بن النضر الواسطي 4/ 12.
جعفر بن هارون بن زياد 7/ 201، 10/ 231، 12/ 83، 23/ 211 - 213.
جعفر بن يحي 5/ 175 - 186 - 206 - 238 - .
جعفر بن يحي البرمكي 6/ 345.
الجعفري 12/ 221.
الجعفي - أسعد بن عمر - 17/ 60.
جفنة 8/ 22.
جلال بن عبد العزيز المرّي 2/ 302 - 307 - 309.
جلبة بن محمد 4/ 26 - 59، 15/ 281.
الجماز 4/ 94، 7/ 169، 18/ 130 - 178، 19/ 263 - 284، 20/ 63 - 64 - 65 - 69، 23/ 43 - 85 - 143 - 156 - 195 - 214.
جماعة من الكتاب 23/ 95.
جمال بنت عون بن مسلم 1/ 342، 6/ 123.
الجمحي 1/ 29 - 82، 7/ 110، 8/ 337 - 347 - 348 - 385.
جمعة بن كثير 9/ 6 - 25 - 26.
جميع بن علي النميري 9/ 45.
جميع بن يعقوب 15/ 295.
جميلة 17/ 63.
جندب الأسدي 5/ 129 - 130.
جندل بن والق 12/ 5.
جهم بن خلف 1/ 78، 15/ 344، 19/ 152.
جهم بن مسعدة 18/ 44.
الجهم بن السياق 4/ 343.
الجهم بن المغيرة 24/ 137.
الجهم السليطي 21/ 282.
جواري 8/ 218.
جواس 8/ 132.
جوش بن يزيد 12/ 266.
الجوهري 3/ 70، 8/ 292،
15/ 11 - 63 - 106، 16/ 10 - 99 - 154، 23/ 87.
الجوئي 5/ 143.
جويرية بن أسماء 1/ 343، 4/ 142،
6/ 117 - 118، 7/ 2 - 15 - 26 - 60 - 74، 9/ 156، 15/ 212 - 326، 16/ 232 - 266 - 302، 17/ 172، 18/ 115، 20/ 369.
ح
حاتم بن أبي صغيرة 4/ 138 16/ 231.
حاتم بن قبيصة 7/ 258، 8/ 247 - 325، 15/ 122، 17/ 217.
حاجب بن زيد بن شيبان بن علقمة 8/ 61 - 85، 9/ 335.
حاجب الفيل 14/ 264 - 266 - 268.
الحارث بن ابراهيم بن رباح 7/ 294، 10/ 167، 18/ 370.
الحارث بن أبي سلمة 4/ 210 - 348.
الحارث بن بسخنر 19/ 289.
الحارث بن حبيش 12/ 144.
الحارث بن خالد المخزومي 6/ 327 - 328.
الحارث بن سعد 9/ 166.
الحارث بن شريك بن عمرو 14/ 78.
الحارث بن صفوان 7/ 249.
الحارث بن عبد المطلب 7/ 206.
الحارث بن محمد 2/ 140 - 396، 9/ 15، 10/ 290، 12/ 322، 13/ 114، 14/ 228، 15/ 352 - 376،
380، 16/ 86 - 195،
الحارث بن محمد بن أبي أسامة 1/ 351، 2/ 140 - 396، 6/ 359، 7/ 303، 13/ 333، 14/ 76 - 77 - 17/ 215 - 216 - 324، 18/ 323.
الحارث بن محمد بن زياد 21/ 9 - 15 - 310.
الحارث بن محمد العوفي 18/ 328.
الحارث بن يحي بن حمد بن أبي أمية 23/ 93.
حارثة 8/ 398 - 399 - 406 - 408 - 410 - 414 - 416 - 422 - 423.
حارثة بن عدي بن جبلة 24/ 28.
حامد بن محمد بن شعيب البلخي 12/ 216 - 300.
حامد بن يحي 9/ 141، 18/ 151 - 206.
حباب بن موسى 16/ 95.
حبابة 8/ 219.
حبان بن واسع بن حبان 4/ 190.
حبش 1/ 43 - 104 - 162، 2/ 56 - 62 - 146 - 218 - 223 - 357، 8/ 125 - 148 - 201 - 279 - 340 - 351، 9/ 33 - 76 - 178 - 294 - 342، 15/ 83 - 104 - 130 - 156 - 239 - 267 - 358، 16/ 173 - 352.
حبش بن موسى 4/ 366.
حبيب بن أبي ثابت 16/ 298 - 299.
حبيب بن ثابت 4/ 151، 17/ 354.
حبيب بن الجهم النميري 4/ 79.
حبيب بن شوذب 6/ 121.
حبيب بن عبد الرحمن 4/ 99.
حبيب بن محمد 21/ 393.
حبيب بن نصر المهلبي 1/ 64 - 71 - 110 - 174 - 207 - 224 - 246 - 247 - 386 - 397 - 399 - 405، 2/ 2 - 11 - 15 - 21 - 22 - 25 - 71 - 87 - 185 - 225 - 312 - 343 - 410 - 411 - 416، 3/ 48 - 49 - 143 - 150 - 152 - 154 - 174 - 190 - 203 - 217 - 219 - 225 - 240 - 247 - 280 - 302 - 313 - 319 - 324 - 356 - 357، 4/ 88 - 98 - 100 - 137 - 138 - 151 - 315، 5/ 6 - 28، 6/ 6 - 11 - 23 - 34 - 121 - 123 - 148 - 190 -
191 - 194 - 243 - 245، 7/ 24 - 120 - 183، 8/ 53 - 59 - 73 - 97 - 106 - 152 - 244 - 301 - 306 - 325 - 424، 9/ 6 - 7 - 8 - 9 - 28 - 31 - 32 - 35 - 109 - 125، 10/ 21 - 81 - 84 - 87 - 90 - 94 - 304 - 305 - 306، 11/ 3 - 4 - 6 - 7 - 8 - 9 - 28 - 31 - 32 - 35 - 109 - 198 - 287 - 301 - 314 - 328، 13/ 41 - 67 - 69 - 127 - 257، 14/ 100 - 128 - 328 - 345 - 363، 15/ 9 - 157 - 198 - 287 - 301 - 314 - 328، 16/ 34 - 85 - 220 - 230 - 231 - 232 - 241 - 245 - 261 - 297، 17/ 24 - 35 - 60 - 83 - 86 - 243، 18/ 4 - 14 - 30 - 36 - 37 - 50 - 81 - 174 - 187 - 214 - 216 - 296 - 318 - 324 - 326 - 328، 19/ 7 - 8 - 58 - 60 - 61 - 158 - 179 - 208 - 213، 20/ 37 - 45 - 59 - 78 - 155 - 162 - 202 - 205 - 264 - 363 - 391، 21/ 125 - 205 - 227 - 273 - 284 - 393 - 394 - 400 - 402، 22/ 38 - 245 - 248 - 251 - 265 - 306 - 330 - 340، 23/ 161 - 176، 24/ 84 - 185.
حبيش بن الكميت بن زيد 17/ 23.
الحجاج 14/ 248 - 249 - 268 - 285 - 286 - 291 - 292، 15/ 10.
الحجاج بن ذي الرقيبة بن كعب بن زهير 17/ 86.
الحجاج بن عمير بن يزيد 18/ 44، 24/ 83.
الحجاج بن مسلم 5/ 335.
الحجاج بن المعلم 3/ 225.
الحجاج بن يوسف 14/ 290.
حجار بن ابجر العجلي 14/ 255 - 256 - 257 - 258 - 259.
الحجاج السلمي 18/ 75.
الحجاج الصواف 18/ 193.
حجر بن عبد الجبار 17/ 20.
حذيفة بن محمد الطائي 4/ 82، 9/ 108، 20/ 123 - 149، 22/ 250.
حذيفة بن محمد الكوفي 12/ 143 - 148 - 152.
حذيفة بن مصعب 16/ 153.
حذيفة بن اليمان 14/ 2.
حر بن قطن 3/ 83.
حراس بن اسماعيل 24/ 53.
حرب بن خالد بن الوليد 16/ 224.
الحرمازي 4/ 326، 7/ 250، 8/ 274 - 289 - 354 - 397، 9/ 209 - 211 - 216، 12/ 59 -
276، 13/ 70 - 84 - 104 - 107، 17/ 365، 18/ 50، 20/ 364 - 365 - 392، 23/ 160.
حرمي - أحمد بن محمد بن سعيد - 11/ 180 - 188 - 297.
الحرمي بن أبي العلاء 1/ 14 - 36 - 61 - 63 - 65 - 69 - 70 - 72 - 74 - 75 - 77 - 78 - 84 - 87 - 94 - 97 - 98 - 100 - 101 - 106 - 108 - 109 - 113 - 114 - 118 - 119 - 120 - 131 - 135 - 145 - 146 - 150 - 156 - 165 - 198 - 211 - 214 - 216 - 222 - 225 - 331 - 336 - 338 - 342 - 351 - 355 - 363 - 364 - 366 - 371 - 373 - 376 - 378 - 380 - 383 - 385 - 386 - 387 - 392 - 395 - 396 - 398 - 405، 2/ 2 - 58 - 164 - 188 - 200 - 252 - 261 - 272 - 278 - 280 - 290 - 292 - 294 - 302 - 309 - 313 - 317 - 319 - 321 - 322 - 323 - 327 - 343 - 364 - 365 - 370، 3/ 1 - 34 - 36 - 42 - 45 - 50 - 111 - 113 - 279 - 289 - 305 - 313 - 317 - 330 - 351، 4/ 20 - 42 - 83 - 85 - 122 - 123 - 124 - 129 - 131 - 144 - 231 - 234 - 235 -
237 - 238 - 239 - 240 - 242 - 245 - 246 - 248 - 249 - 250 - 251 - 252 - 253 - 254 - 255 - 256 - 260 - 261 - 262 - 264 - 265 - 266 - 268 - 276 - 300 - 340 - 357 - 367 - 368 - 369 - 382 - 387 - 388 - 393 - 397، 5/ 28 - 29 - 75 - 88 - 95 - 260 - 262 - 319 - 327 - 336 - 370، 6/ 13 - 14 - 17 - 18 - 19 - 57 - 94 - 117 - 120 - 121 - 123 - 214 - 219 - 221 - 227 - 254 - 258 - 265 - 341 - 343، 7/ 7 - 12 - 53 - 60 - 61 - 62 - 63 - 64 - 87 - 115 - 119 - 126 - 128 - 130 - 134 - 137 - 138 - 142 - 143 - 144 - 145 - 307، 8/ 92 - 97 - 100 - 112 - 113 - 120 - 122 - 125 - 127 - 131 - 132 - 133 - 134 - 136 - 139 - 143 - 170 - 183 - 327 - 341 - 342 - 346، 9/ 5 - 7 - 20 - 21 - 23 - 24 - 25 - 27 - 28 - 31 - 35 - 38 - 41 - 45 - 51 - 63 - 64 - 69 - 133 - 140 - 142 - 143 - 162 - 166 - 171 - 196 - 206 - 212 - 215 - 216 - 224 - 239 - 242 - 244 - 245 - 262، 10/ 10 - 21 - 48 -
236 - 246 - 258 - 262، 11/ 245 - 352، 12/ 67 - 113 - 176 - 177 - 180 - 186 - 189 - 193 - 217 - 221 - 224 - 234 - 238 - 242 - 243 - 256 - 337 - 338، 13/ 77 - 158 - 271، 14/ 153 - 172 - 249 - 316 - 318، 15/ 9 - 20 - 34 - 37 - 60 - 63 - 138 - 168 - 263 - 264 - 289 - 293 - 294 - 295 - 296 - 324 - 329 - 332 - 333 - 334 - 336 - 339 - 340، 16/ 149 - 157 - 190 - 194 - 196 - 243 - 294 - 296 - 317 - 318 - 360، 17/ 105 - 130 - 157 - 158 - 164 - 167 - 169 - 171 - 172 - 212 - 234 - 241 - 271 - 274 - 282 - 325 - 341 - 342 - 352 - 357، 18/ 38 - 57 - 58 - 94 - 95 - 223 - 328 - 330 - 331 - 333، 19/ 122 - 158 - 161 - 181، 20/ 1 - 3 - 4 - 8 - 9 - 10 - 11 - 198 - 199 - 372، 21/ 96 - 102 - 103 - 105 - 106 - 108 - 111 - 114 - 115 - 123 - 134 - 179 - 265 - 268، 22/ 7 - 26 - 27 - 31 - 36 - 41 - 68 - 124 - 305 - 370 - 325، 23/ 19 -
116، 24/ 10 - 11 - 84 - 145 - 161 - 234 - 237.
الحرمي بن علي 13/ 234.
حريث 14/ 382.
حريم بن أبي يحي 23/ 224.
الحزامي 1/ 29، 2/ 2 - 3 - 71، 3/ 351، 5/ 144 - 273، 9/ 36، 11/ 202، 12/ 287، 18/ 122، 22/ 8 - 129.
الحزنبل 3/ 291، 12/ 272، 16/ 389، 23/ 99 - 145.
الحزين الديلي 16/ 177.
حساس بن محمد بن عمرو 9/ 180 - 181.
حسان 14/ 303.
حسان بن ثابت 11/ 37، 15/ 158 - 161 - 191.
حسان بن العلاء الرياحي 16/ 85.
حسان بن محمد الحارثي 2/ 335، 11/ 349.
الحسن بن ابراهيم بن سعدان 7/ 95.
الحسن بن أبي الخصيب 16/ 24.
الحسن بن أبي السري 14/ 44 - 102 - 106.
الحسن بن أحمد بن طالب الديناري 17/ 130، 24/ 234.
الحسن بن أحمد بن عبد المطلب الديناري 7/ 307.
الحسن بن اسحاق 20/ 280.
الحسن الأسدي 13/ 250.
الحسن بن اسماعيل 19/ 107.
الحسن بن اسماعيل القضاعي 15/ 308.
الحسن بن أيوب الخثعمي 17/ 25.
الحسن بن بشر السعدي 17/ 25.
الحسن بن جابر 4/ 104.
الحسن بن جمهور 3/ 161، 6/ 245، 13/ 84.
الحسن بن الحسن بن رجاء 10/ 60 - 223، 19/ 79 - 86.
الحسن بن الحسن المروزي 6/ 218.
الحسن بن الحسن اليشكري 11/ 312.
الحسن بن الحسين السكري 2/ 263، 5/ 60، 12/ 4، 24/ 206.
الحسن بن حمدان بن أيوب الكوفي 12/ 5.
حسن بن خالد 8/ 365.
الحسن بن دينار 21/ 400.
الحسن الربيعي 19/ 273.
الحسن بن رجاء 4/ 104، 19/ 79 - 86، 23/ 70.
الحسن بن زيد 21/ 121.
الحسن بن سعيد 9/ 103 - 109، 12/ 37، 14/ 162، 16/ 43 - 63.
الحسن بن سهل 4/ 49.
الحسن بن صالح 17/ 341 - 342.
الحسن بن صفوان 3/ 233.
الحسن بن الطيب البجلي الشجاعي 9/ 28، 12/ 331.
الحسن بن الطيب البلخي 14/ 223.
الحسن بن عائذ 4/ 53.
الحسن بن عبد الرحمن الربعي 12/ 44، 13/ 45، 14/ 336. 17/ 33،
19/ 110.
الحسن بن عبد الخالق 19/ 279.
الحسن بن عبد اللّه 15/ 246.
الحسن بن عبد اللّه الصولي 10/ 52.
الحسن بن عبد الواحد 12/ 4.
الحسن بن عبيد اللّه بن العباس 6/ 352.
الحسن بن عتبة اللهبي 1/ 40، 8/ 206، 9/ 236.
الحسن بن عثمان 1/ 18.
الحسن بن عقبة المرادي 17/ 133 - 134.
الحسن بن علي 1/ 34 - 211 - 258 - 283 - 305 - 312 - 316 - 317 - 341 - 343 - 404، 2/ 2 - 12 - 14 - 21 - 34 - 37 - 39 - 68 - 75 - 83 - 84 - 95 - 128 - 140 - 146 - 192 - 228 - 234 - 294 - 341 - 396 - 414، 3/ 7 - 8 - 9 - 11 - 45 - 46 - 48 - 69 - 72 - 114 - 135 - 144 - 149 - 153 - 155 - 160 - 161 - 162 - 163 - 178 - 189 - 194 - 201 - 208 -
210 - 214 - 227 - 231 - 232 - 249 - 253 - 258 - 267 - 290 - 304 - 313 - 327 - 334 - 348، 4/ 4 - 5 - 8 - 10 - 13 - 29 - 37 - 56 - 62 - 74 - 75 - 78 - 80 - 81 - 82 - 99 - 110 - 111 - 112 - 134 - 135 - 136 - 139 - 140 - 158 - 163 - 165 - 167 - 210 - 282 - 307 - 319 - 336 - 341 - 346 - 348 - 359 - 400 - 409 - 410 - 418، 5/ 203 - 205 - 241 - 265 - 284 - 305 - 320 - 307 - 336 - 340 - 362 - 370 - 377 - 399 - 416، 6/ 6 - 34 - 74 - 76 - 124 - 125 - 142 - 162 - 167 - 226 - 227 - 230 - 240 - 286 - 306 - 309 - 349 - 355 - 356، 7/ 2 - 6 - 8 - 11 - 15 - 19 - 23 - 26 - 45 - 46 - 54 - 55 - 56 - 60 - 63 - 67 - 69 - 70 - 71 - 73 - 74 - 82 - 91 - 104 - 109 - 151 - 155 - 166 - 168 - 202 - 203 - 207 - 215 - 221 - 239 - 242 - 254 - 270 - 280، 8/ 128 - 162 - 163 - 170 - 209 - 274 - 287 - 289 - 290 - 298 - 302 - 303 - 350 - 356 - 361 - 369 - 398 - 399 - 401، 9/ 15 - 78 -
112 - 127 - 143 - 152 - 167 - 169 - 170 - 180 - 181 - 213 - 254 - 274 - 282 - 311 - 313، 10/ 45 - 49 - 73 - 89 - 92 - 93 - 94 - 100 - 107 - 130 - 137 - 188 - 189 - 191 - 210 - 211 - 213 - 220 - 243 - 245 - 250 - 253 - 254 - 268 - 271 - 290 - 294، 11/ 26 - 67 - 184 - 185 - 202 - 205 - 207 - 236 - 239 - 240 - 242 - 243 - 244 - 257 - 264 - 270 - 289 - 290 - 294 - ، 12/ 39 - 43 - 86 - 89 - 91 - 148 - 151 - 152 - 159 - 169 - 216 - 241 - 258 - 268 - 286 - 320 - 322 - 334، 14/ 30 - 42 - 76 - 108 - 162 - 166 - 167 - 180 - 193 - 194 - 195 - 198 - 199 - 228 - 232 - 333 - 336 - 361 - 364 - 366 - 373، 15/ 7 - 26 - 67 - 68 - 123 - 124 - 153 - 223 - 252 - 256 - 310 - 325 - 326 - 358 - 361، 16/ 18 - 22 - 25 - 39 - 68 - 92 - 102 - 108 - 109 - 114 - 115 - 116 - 126 - 127 - 128 - 129 - 151 - 158 - 161 - 177 - 179 - 195 - 206 - 213 - 247 - 256 - 295 -
307 - 377 - 388 - 401 - 404 - 406، 21/ 5 - 9 - 16 - 49 - 74 - 90 - 131 - 196 - 201 - 385، 23/ 2 - 91 - 93 - 99 - 115 - 138 - 139 - 178 - 203 - 208 - 211 - 218 - 221.
الحسن بن علي بن أبي حرب بن أبي الأسود الدؤلي 7/ 266.
الحسن بن علي الأدمي 1/ 8، 16/ 262، 18/ 5 - 8 - 9 - 27 - 46 - 95 - 100 - 115 - 116 - 120 - 129 - 139 - 151 - 153 - 178 - 179 - 183 - 185 - 187 - 189 - 191 - 193 - 195 - 199 - 200 - 202 - 206 - 208 - 212 - 223 - 224، 24/ 140 - 145 - 245.
الحسن بن علي البري 7/ 231.
الحسن بن علي الخراز 7/ 60 - 73، 11/ 254 - 255.
الحسن بن علي الخفاف 1/ 31 - 52 - 169 - 204 - 315، 3/ 137 - 361، 4/ 29، 5/ 172 - 274 - 324 - 410، 6/ 33 - 213 - 359، 7/ 147 - 184 - 214، 8/ 74 - 108 - 123 - 271، 10/ 187 - 239، 11/ 210، 13/ 11 - 19 -
100 - 109 - 110 - 113 - 114 - 115 - 116 - 117 - 178 - 228 - 230 - 231 - 253 - 275 - 277 - 284 - 285 - 286 - 290 - 294 - 300 - 306 - 307 - 309 - 314 - 333 - 335 - 340 - 341 - 342 - 346، 14/ 102 - 105 - 171، 17/ 27 - 29 - 33 - 36 - 213 - 215 - 220 - 324 - 330، 18/ 110 - 215 - 216 - 226 - 232 - 235 - 250 - 251 - 305 - 306 - 315 - 318 - 322 - 323 - 334 - 341 - 351، 19/ 11 - 34 - 35 - 36 - 39 - 45 - 46 - 47 - 49 - 52 - 53 - 61 - 62 - 84 - 94 - 103 - 106 - 107 - 108 - 109 - 155 - 158 - 159 - 161 - 165 - 166 - 179 - 180 - 209 - 230 - 239 - 249 - 256 - 262 - 265 - 266 - 267 - 268 - 270 - 272 - 273 - 274 - 275 - 276 - 277 - 278 - 279 - 283 - 284 - 285 - 310، 20/ 1 - 6 - 19 - 22 - 33 - 37 - 39 - 41 - 52 - 53 - 54 - 58 - 65 - 69 - 70 - 72 - 91 - 106 - 113 - 117 - 122 - 123 - 125 - 126 - 127 - 129 - 131 - 132 - 133 - 134 - 136 - 137 - 138 - 139 -
140 - 144 - 145 - 146 - 148 - 150 - 151 - 156 - 157 - 158 - 164 - 165 - 170 - 172 - 174 - 175 - 182 - 183 - 188 - 199 - 200 - 202 - 210 - 236 - 249 - 252 - 257 - 307 - 311 - 329 - 337 - 351 - 355 - 392، 21/ 318، 22/ 10 - 14 - 21 - 44 - 46 - 90 - 124 - 243 - 250 - 251 - 257 - 260 - 267 - 275 - 303 - 304 - 321، 23/ 224.
الحسن بن علي الرازي 4/ 27، 15/ 279، 20/ 304.
الحسن بن علي السلولي 21/ 117.
الحسن بن علي الشيباني 14/ 105 - 209.
الحسن بن علي بن عبد الأعلى 23/ 72.
الحسن بن علي العنزي 23/ 218.
الحسن بن علي المصري 10/ 92.
الحسن بن علي بن المعتز الكوفي 7/ 237.
الحسن بن علي بن المغيرة 7/ 266 - 270.
الحسن بن علي بن منصور 6/ 202.
الحسن بن علي منصور الاهوازي 3/ 70.
الحسن بن علي المنقري 8/ 59.
الحسن بن علي النهدي 23/ 159.
الحسن بن عليل العنزي 1/ 35، 2/ 406 - 409 - 411 - 412 - 416 - 417 - 418 - 424، 3/ 67 - 89 - 96 - 136 - 137 - 141 - 142 -
143 - 148 - 153 - 162 - 166 - 167 - 169 - 170 - 171 - 172 - 179 - 184 - 185 - 189 - 195 - 200 - 210 - 230 - 263 - 264 - 301 - 358، 4/ 3 - 20 - 46 - 51 - 52 - 53 - 59 - 68 - 75 - 84 - 90، 6/ 33 - 34 - 44 - 49 - 51 - 55 - 65 - 243 - 245، 7/ 232 - 240، 8/ 52 - 62، 9/ 34، 10/ 48 - 74 - 75 - 107 - 116 - 118 - 137 - 170، 11/ 252 - 255 - 257 - 260 - 265، 12/ 39 - 55 - 56 - 58 - 59 - 245 - 276 - 299 - 304 - 333، 13/ 38 - 39 - 151 - 158 - 236 - 241 - 244 - 246 - 249 - 250 - 251 - 254 - 259 - 305 - 315 - 332 - 343 - 345، 14/ 48 - 73 - 167 - 269 - 326 - 328 - 358 - 365 - 378 - 380 - 16/ 18 - 309 - 390 - 405، 17/ 21 - 27 - 29 - 36، 18/ 110 - 115 - 117 - 118 - 120 - 173 - 179 - 183 - 185 - 186 - 199 - 207 - 208 - 212 - 223 - 224 - 226 - 229 - 232 - 234، 19/ 34 - 35 - 41 - 49 - 193 - 265 - 274 - 275، 20/ 31 - 49 - 75 - 84 - 123 -
124 - 128 - 129 - 130 - 138 - 147 - 165 - 167 - 170 - 175 - 178 - 212 - 332 - 411، 21/ 90 - 396، 23/ 92 - 120 - 206، 24/ 215 - 245 - 247 - 252 - 253 - 255 - 256 - 257.
الحسن بن عمارة 4/ 199 - 206، 14/ 351.
الحسن بن عمرو الفقيمي 1/ 34 - 74 - 96 - 110.
الحسن بن عيسى الكوفي 19/ 303.
الحسن بن الفضل 12/ 91.
الحسن بن الفضل الزعفراني 4/ 79.
الحسن بن الفهم 20/ 243.
الحسن بن القاسم البجلي 16/ 176، 17/ 30.
الحسن بن القاسم الكاتب 23/ 68.
الحسن بن القاسم الكواكبي 13/ 120 - 121 - 302.
الحسن بن محمد - عم أبي الفرج - 4/ 62 - 63 - 86 - 92 - 100 - 107 - 109 - 412 - 420، 5/ 107 - 9/ 27 - 34 - 36 - 339، 14/ 17 - 180، 18/ 190، 19/ 3 - 10 - 15 - 20 - 42 - 50 - 52 - 55 - 77 - 86 - 104 - 111 - 112 - 114 - 133 - 138 - 171 - 172 - 175 - 180 - 218 - 227 - 230 - 231 -
232 - 234 - 235 - 236 - 237 - 238 - 241 - 242 - 243 - 244 - 245 - 249 - 252 - 253 - 256 - 257 - 263 - 269 - 270 - 276 - 279 - 280 - 283 - 285 - 287 - 302 - 306 - 309 - 312، 20/ 23 - 25 - 29 - 36 - 37 - 38 - 41 - 47 - 54 - 57 - 68 - 78 - 79 - 93 - 94 - 96 - 101 - 102 - 104 - 105 - 112 - 113 - 115 - 116 - 121 - 140 - 144 - 145 - 146 - 147 - 154 - 155 - 163 - 164 - 167 - 172 - 175 - 187 - 207 - 222 - 239 - 243 - 244 - 245 - 249 - 252 - 253 - 283 - 310 - 313 - 323 - 332 - 333 - 337 - 341 - 342 - 347 - 372 - 411.
الحسن بن محمد بن أعين 17/ 32.
الحسن بن محمد البصري 15/ 308، 21/ 35.
الحسن بن محمد بن جرير 14/ 318.
الحسن بن محمد بن جمهور القمي 7/ 245.
الحسن بن محمد الضبعي 8/ 265.
الحسن بن محمد بن طالب الديناري 2/ 58 - 200 - 408، 18/ 223.
الحسن بن محمد بن عبد اللّه 22/ 282.
الحسن بن محمد الغياثي 6/ 305 - 309.
الحسن بن محمد المادراني الكاتب 6/ 80.
الحسن بن مخلد 8/ 365، 10/ 65.
الحسن بن مهرويه 20/ 131، 22/ 195.
الحسن المهلبي 4/ 98.
الحسن بن موسى 3/ 9 - 158، 22/ 128 - 303.
الحسن بن موسى بن رباح 9/ 165.
الحسن بن نصر 16/ 91.
الحسن بن الهيثم 16/ 176.
الحسن بن وداع 16/ 393.
الحسن بن وهب الكاتب 11/ 358، 23/ 53 - 57.
الحسن بن يحي 11/ 176 - 269، 14/ 301، 16/ 12، 17/ 258، 21/ 112 - 255 - 300، 24/ 97 - 98 - 131 - 140.
الحسن بن يحي - أبو الحمار - 13/ 114.
الحسن بن يحي المرداسي 6/ 29 - 74 - 81.
الحسين بن ابراهيم 10/ 133.
الحسين بن أبي السّري 4/ 10 - 15 - 27 - 31 - 32 - 95، 19/ 45 - 46 - 51، 20/ 113 - 132 - 133 - 147 - 157 - 159.
الحسين بن أحمد الأكتمي 9/ 238.
الحسين بن إسحاق 21/ 40.
الحسين بن اسماعيل 1/ 81 - 173،
4/ 91.
الحسين بن الأشقر 12/ 5.
الحسين بن براق الأسدي 18/ 11.
الحسين بن ثابت 7/ 239.
الحسين بن الجعفي 18/ 238.
الحسين بن جمهور 3/ 253.
الحسين بن الحسن المروزي 8/ 330 - 386 - 390 - 393.
الحسين بن دواد الفزاري 13/ 121.
الحسين بن دحمان 4/ 222.
الحسين بن دعبل 19/ 46 - 47، 20/ 133 - 139.
الحسين الديناري 5/ 319 - 320 - 328، 6/ 58 - 94، 22/ 325.
الحسين بن زيد 16/ 137.
الحسين بن سعيد الحر 9/ 121.
الحسين بن الضحاك 3/ 72، 4/ 13 - 84 - 103، 7/ 148 - 155 - 159 - 160 - 162 - 163 - 164 - 167 - 175 - 183 - 184 - 188 - 190 - 199 - 200 - 210 - 211 - 214 - 215 - 216، 12/ 149، 15/ 270، 18/ 341، 19/ 234، 20/ 50 - 69، 23/ 38 - 39 - 139.
الحسين بن الطبيب البلخي الشاعر 6/ 208.
الحسين بن الطيب الشجاعي البلخي 14/ 319 - 377.
الحسين بن عبد الحميد 19/ 143.
الحسين بن عبد ربه 4/ 7.
الحسين بن عبد اللّه 10/ 57، 15/ 204، 16/ 388.
الحسين بن عبد اللّه بن جبلة بن علي بن جبلة 20/ 14.
حسين بن عبد اللّه بن عبيد اللّه بن عباس 4/ 205، 12/ 66.
الحسين بن علوان 7/ 160.
الحسين بن علي 9/ 43، 11/ 59، 22/ 277.
الحسين بن علي بن أحمد بن سعيد الدمشقي 15/ 286 - 292 - 374.
الحسين بن علي الياقطاني 21/ 39.
الحسين بن عليل 8/ 424، 23/ 55.
الحسين بن فهم 7/ 19 - 20 - 47 - 48، 8/ 354، 10/ 56 - 188، 14/ 111.
حسين بن قاسم 5/ 215.
الحسين بن القاسم الكاتب 10/ 282 - 283 - 284.
الحسين بن القاسم الكوفي 3/ 282، 7/ 212.
الحسين بن القاسم الكوكبي 2/ 92، 6/ 91 - 155، 7/ 201، 10/ 125 - 126 - 132، 12/ 90 -
283، 14/ 224، 16/ 362، 404، 17/ 248، 18/ 101 - 204 - 238 - 317 - 373، 19/ 45 - 57 - 232 - 245، 20/ 142 - 143 - 152.
الحسين بن محرز 16/ 257.
الحسين بن محمد 12/ 221.
الحسين بن محمد بن علي الأزدي 17/ 32.
الحسين بن محمد الحراني 15/ 63.
الحسين بن محمد بن زكريا الصحّاف 16/ 208.
الحسين بن موسى 10/ 233.
الحسين بن نصر بن مزاحم 10/ 10، 15/ 149، 18/ 288، 21/ 22
الحسين بن يحي 1/ 28 - 29 - 31 - 36 - 39 - 40 - 41 - 44 - 57 - 225 - 227 - 248 - 276 - 283 - 286 - 292 - 295 - 297 - 303 - 309 - 312 - 314 - 318 - 325 - 338 - 339 - 340 - 342 - 343 - 345 - 346 - 349 - 380، 2/ 12 - 58 - 99 - 154 - 170 - 171 - 172 - 174 - 175 - 177 - 178 - 179 - 189 - 191 - 201 - 205 - 225 - 229 - 234 - 235 - 238 - 239 - 243 - 244 - 245 - 347 - 349 - 369 - 373 - 376 - 378 - 385 - 395، 3/ 13 - 27 - 29 - 159 -
170 - 177 - 186 - 217 - 253 - 260 - 273 - 283 - 382 - 391 - 404، 4/ 74، 6/ 16 - 49 - 65 - 74 - 78 - 83 - 121 - 122 - 171 - 197 - 202 - 204 - 206 - 265 - 327 - 331 - 335 - 337 - 338، 7/ 19 - 21 - 44 - 63 - 67 - 81 - 85 - 167 - 208 - 211 - 227 - 249، 8/ 142 - 186 - 200 - 253 - 277 - 285 - 305 - 323 - 334 - 338 - 347 - 348 - 359 - 415، 9/ 61 - 64 - 68 - 105 - 137 - 154 - 166 - 175 - 245 - 248 - 251 - 283 - 286 - 299 - 305 - 308، 10/ 163 - 269 - 315 - 321، 11/ 5 - 10 - 13 - 176 - 180 - 253، 12/ 42 - 70 - 84 - 88 - 113 - 135 - 137 - 151 - 156 - 183، 15/ 24 - 28 - 36 - 63 - 148 - 225 - 232 - 294 - 295، 16/ 32 - 33 - 210 - 215 - 342 - 373 - 374، 17/ 42 - 51 - 54 - 101 - 236 - 256 - 276 - 277، 18/ 13 - 23 - 25 - 29 - 63 - 106 - 143 - 303 - 305 - 336، 19/ 33 - 246، 20/ 198 - 304 - 326 - 354 - 366، 21/ 96 - 102 - 129 - 272 - 273 - 385،
23/ 39 - 99 - 101.
الحسين بن يحي بن أكثم 7/ 294.
الحسين بن يحي الباقطاني 23/ 148.
الحسين بن يحي بن حماد 9/ 315.
الحسين بن يحي الصولي 4/ 102 - 114 - 135 - 212 - 219 - 233 - 250 - 260 - 269 - 277 - 279 - 281 - 282 - 284 - 285 - 286 - 293 - 296 - 298 - 318 - 321 - 325 - 330 - 336 - 414.
الحسين بن يحيى الفهري 13/ 118.
حسين بن يحي الكاتب 10/ 106 - 110 - 138 - 166، 14/ 371.
الحسين بن يحي المرادي 22/ 48 - 50 - 313 - 323.
الحسين بن يحي المرداسي 2/ 158 - 164 - 168 - 217 - 246، 8/ 9 - 119، 13/ 56 - 276 - 278 - 308 - 310 - 329 - 349، 24/ 145.
حسين بن يحي المنجم 14/ 31.
الحصين 16/ 29.
حصين بن الحمام 14/ 4.
الحصين بن عبد الرحمن 15/ 179 - 193 - 222.
حصين بن مخارق 12/ 5.
الحطيئة 9/ 160.
حفص الأموي 9/ 22.
حفص بن عمر العمري 12/ 159.
حفص بن عمرو 15/ 314.
حفص بن غياث بن داود 8/ 327.
حفص بن محمد الأسدي 17/ 32.
الحفص المعزفي 10/ 194.
حكم بن حزام 17/ 218.
الحكم بن صالح 2/ 8.
الحكم بن صخر 19/ 218.
الحكم بن عتبة 4/ 199 - 206.
الحكم بن قنبر 14/ 162 - 167، 20/ 352.
الحكم بن محمد المازني 21/ 353 - 397.
الحكم بن مخلد بن حازم 3/ 172.
الحكم بن مروان 18/ 110.
الحكم بن موسى السلولي 13/ 17 - 76، 16/ 95، 22/ 248.
حكم الوادي 1/ 25، 6/ 281 - 286، 7/ 17.
حكم بن يحي الكنتحي 21/ 42 - 43.
الحكيم بن أبي الخلاف السدري 8/ 166.
حكيم بن سعد 3/ 67.
الحليمي 20/ 142.
حماد 24/ 97 - 98 - 131 - 175.
حماد بن أحمد البتي 23/ 208.
حماد بن أحمد بن سليمان الكلبي 12/ 8.
حماد بن أحمد بن يحي 12/ 81.
حماد بن أسامة 18/ 149.
حماد بن إسحاق 1/ 9 - 26 - 29 - 31 -
34 - 36 - 38 - 39 - 46 - 48 - 57 - 75 - 135 - 208 - 225 - 227 - 233 - 241 - 248 - 252 - 258 - 264 - 276 - 277 - 278 - 283 - 286 - 292 - 295 - 297 - 303 - 309 - 312 - 314 - 318 - 325 - 338 - 339 - 340 - 342 - 343 - 344 - 345 - 346 - 349 - 353 - 361 - 362 - 363 - 364 - 379 - 380 - 386 - 387 - 393 - 395 - 396 - 399 - 402 - 405 - 408 - 415، 2/ 4 - 56 - 58 - 70 - 148 - 153 - 158 - 159 - 164 - 169 - 170 - 173 - 177 - 207 - 214 - 217 - 225 - 234 - 238 - 245 - 246 - 271 - 272 - 288 - 289 - 306 - 311 - 322 - 343 - 347 - 397 - 312 - 314 - 332 - 335 - 360 - 364، 3/ 1 - 13 - 27 - 29 - 50 - 110 - 133 - 136 - 158 - 159 - 165 - 255 - 257 - 276 - 279 - 303 - 307 - 320 - 366 - 368 - 325 - 327 - 339 - 344 - 345 - 364 - 348، 4/ 97 - 109 - 210 - 212 - 217 - 219 - 250 - 260 - 262 - 269 - 276 - 277 - 279 - 281 - 282 - 284 - 285 - 286 - 290 - 293 - 296 - 298 -
303 - 330 - 332 - 362 - 363 - 377 - 382 - 394 - 396 - 398 - 400 - 414، 5/ 143 - 157 - 163 - 167 - 170 - 186 - 198 - 201 - 219 - 228 - 231 - 241 - 247 - 255 - 260 - 264 - 274 - 284 - 299 - 316 - 327 - 332 - 356 - 375 - 388 - 391 - 418 - 422 - 431، 6/ 7 - 16 - 27 - 29 - 56 - 65 - 74 - 78 - 81 - 83 - 85 - 96 - 102 - 110 - 121 - 122 - 125 - 152 - 153 - 156 - 165 - 171 - 173 - 176 - 178 - 197 - 202 - 204 - 206 - 261 - 265 - 280 - 281 - 283 - 290 - 297 - 298 - 300 - 326 - 327 - 331 - 335 - 337 - 338 - 339، 7/ 51 - 56 - 67 - 68 - 74 - 81 - 85 - 88 - 89 - 109 - 110 - 117 - 165 - 227 - 249، 8/ 57 - 119 - 131 - 141 - 146 - 147 - 156 - 201 - 277 - 285 - 361 - 366 - 368 - 388 - 393 - 402 - 407 - 413 - 419 - 420 - 423، 9/ 23 - 38 - 55 - 61 - 64 - 105 - 129 - 130 - 137 - 166 - 175 - 241 - 248 - 251 - 252 - 276 - 283 - 286 - 290 - 293 - 299 - 300،
10/ 96 - 122 - 124 - 130 - 138 - 163 - 181 - 214 - 250 - 310 - 311 - 315 - 321، 11/ 5 - 10 - 13 - 15 - 123 - 253 - 269 - 271 - 285 - 302 - 329 - 334 - 341 - 360 - 361، 12/ 42 - 51 - 69 - 70 - 88 - 90 - 113 - 124 - 135 - 137 - 156 - 183 - 224 - 226 - 235 - 252 - 292 - 297 - 344، 13/ 56 - 100 - 141 - 276 - 278 - 281 - 284 - 285 - 308 - 310 - 311 - 313 - 317 - 320 - 321 - 322 - 323 - 329 - 330 - 338 - 344، 14/ 185 - 187 - 190 - 251 - 356 - 333، 15/ 24 - 25 - 28 - 29 - 47 - 57 - 60 - 62 - 63 - 64 - 66 - 68 - 71 - 122 - 124 - 136 - 139 - 153 - 173 - 225 - 232 - 238 - 239 - 265 - 277 - 295 - 348، 16/ 17 - 32 - 56 - 152 - 161 - 163 - 173 - 210 - 215 - 298 - 321 - 342 - 348 - 373 - 374، 17/ 42 - 51 - 54 - 101 - 104 - 162 - 165 - 237 - 258 - 276 - 277 - 327 - 328، 18/ 6 - 9 - 10 - 13 - 17 - 23 - 25 - 29 - 33 - 41 - 63 - 100 - 106 - 135 - 143 - 180 - 207 -
221 - 237 - 297 - 300 - 303 - 305 - 311 - 312 - 315 - 316 - 330 - 336 - 338 - 349 - 351 - 354 - 355 - 364، 19/ 33 - 46 - 57 - 99 - 101 - 104 - 111 - 168 - 171 - 172 - 174 - 179 - 220 - 227 - 228 - 251 - 254 - 280 - 285 - 291 - 298، 20/ 45 - 55 - 56 - 91 - 106 - 149 - 198 - 203 - 212 - 316 - 326 - 332 - 339 - 343 - 354 - 369 - 387 - 404، 21/ 54 - 66 - 67 - 134 - 201 - 255 - 271 - 272 - 296 - 385، 22/ 49 - 101 - 205 - 212 - 213 - 237 - 249 - 257 - 309 - 313 - 323 - 344، 23/ 39 - 43 - 71 - 127 - 179، 24/ 2 - 125 - 136 - 139 - 140 - 145 - 220 - 235،
حماد الأنبوسي 3/ 234.
حماد الحسيني 18/ 327.
حماد الخشبي 2/ 239.
حماد الراوية 2/ 77 - 105 - 126 - 127 - 175 - 201 - 209 - 218 - 267 - 312 - 330، 3/ 266، 6/ 34 - 46 - 49 - 58 - (ورد في بعض أخباره - 70 - 95)، 7/ 19 - 26 - 44 - 45 - 9/ 68 - 111 - 112 - 117 - 124 -
131 - 132 - 154 - 157 - 256، 11/ 169 - 176 - 177 - 183 - 249، 12/ 3 - 344، 15/ 131 - 141 - 148 - 153 - 178 - 207 - 376 - 377 - 389، 17/ 30 - 83 - 236 - 256، 18/ 7 - 8 - 123، 19/ 21، 21/ 93 - 96 - 102 - 112 - 129 - 201 - 285 - 300 - 396، 22/ 101 - 150 - 281 - 286 - 340.
حماد بن ربيعة 22/ 279.
حماد بن زيد بن يزيد بن حازم 4/ 136، 9/ 140، 15/ 214.
حماد بن سعيد 12/ 300.
حماد بن سلمة 15/ 388، 17/ 337،
حماد بن طالوت بن عبّاد 2/ 279 - 280.
حماد بن طلحة الفزاري 2/ 279 - 280.
22/ 303.
حماد بن عبد الرحمن بن الفضل الحراني 4/ 129 - 133.
حماد بن المبارك 7/ 174.
حمادة بنت أبي مسافر 9/ 188.
حماد عجرد 14/ 328 - 333 - 334 - 335 - 336 - 337 - 358 - 360 - 375 - 377 - 378 - 379 - 380.
الحماني 8/ 63.
حمدان الأرقمي المخزومي 19/ 140.
حمد بن سالم 12/ 5.
حمدون 8/ 252.
حمدون بن إسماعيل 5/ 205 - 280 - 290 - 295 - 314 - 334 - 417، 6/ 169، 9/ 297 - 318، 10/ 98، 16/ 9، 17/ 71، 18/ 304 - 308 - 368، 19/ 245 - 266، 20/ 290، 21/ 72 - 80 - 81، 23/ 177.
حمدون بن زيد 4/ 9.
الحمدوني 13/ 228.
الحمدوي الشاعر 20/ 125 - 126.
حمزة بن أبي سلالة 20/ 281.
حمزة بن ربيعة 17/ 360.
حمزة بن الزبير 5/ 103.
حمزة بن الزيات 15/ 228.
حمزة بن شوذب 21/ 393.
حمزة بن عبد اللّه 9/ 141.
حمزة القاريء 5/ 385.
حمزة النوفلي 4/ 277.
حميد 15/ 388.
حميد بن أنيف 17/ 97.
حميد بن حارثة 9/ 53.
حميد بن حميد 8/ 131 - 259.
حميد بن عبد الرحمن 12/ 176.
حميد بن عبد العزيز 4/ 254.
حميد بن مالك بن يسار المسمعي 24/ 170 - 193.
حميد بن محمد بن عبد العزيز الزهري
10/ 291.
حميد بن محمد الكوفي 6/ 74.
حميد الرؤاسي 14/ 271.
حميد الطويل 4/ 302، 15/ 195.
حميد اليشكري 12/ 42.
الحميدي 9/ 141، 12/ 286، 21/ 385.
حنظلة بن قطرب بن إياد 17/ 59.
الحنظلي 4/ 154.
الحولاء - مولاة إبن جامع - 6/ 294 - 296.
حيان بن بشر 15/ 228.
حيان بن علي 7/ 258، 12/ 4، 15/ 191.
حيان بن علي العنزي 21/ 376.
حيان بن هلال 21/ 392.
حيان بن هانيء الأرجي 4/ 218.
خ
خارجة بن زيد بن ثابت 9/ 140 - 149، 17/ 167 - 169.
خارجة بن عبد اللّه بن سليمان 10/ 290.
خارجة المالي 20/ 268.
خارجة المكي 24/ 165.
خالد بن أبي الأزهر 4/ 67.
خالد بن بكر الصوّاف 7/ 137.
خالد بن الحر 21/ 392.
خالد بن حمدون 7/ 213، 19/ 233.
خالد بن حمل 9/ 181 - 196 - 209 - 219، 20/ 421.
خالدب بن حنبل 8/ 384.
خالد بن خداج 6/ 141 - 142 - 147.
خالد بن خداش 10/ 43، 15/ 213 -
خالد بن خياط شباب العصفوري 2/ 133.
خالد بن سعيد 1/ 35 - 110، 2/ 158، 3/ 30، 5/ 122 - 133، 7/ 48، 8/ 9، 11/ 249، 15/ 113، 218 - 368 - 378 - 16/ 322 - 324، 17/ 225.
خالد بن سلمة المخزومي 2/ 394.
خالد بن صامة 9/ 274، 18/ 333.
خالد بن صفوان 8/ 81، 21/ 26، 22/ 25.
خالد بن عبد اللّه 12/ 301.
خالد بن علي 9/ 273.
خالد بن عمارة 4/ 129.
خالد بن عياش 15/ 222.
خالد بن عرفطة الزهري 15/ 372.
خالد بن قاسم البياضي 9/ 37.
خالد بن قطن 5/ 149، 15/ 214 - 224، 17/ 60 - 133.
خالد بن كلثوم 3/ 307، 6/ 209 - 211 - 224، 9/ 181 - 184 - 194 - 203، 12/ 37 - 254، 16/ 40 - 45 - 48 - 54 - 193، 21/ 284 - 296 - 396، 22/ 91.
خالد بن النضر القرشي 7/ 44.
خالد بن الوضاح 4/ 265، 22/ 36.
خالد بن الوليد 5/ 141.
خالد بن يزيد 22/ 4.
خالد بن يزيد بن بحر الخزاعي 15/ 131.
خالد بن يزيد الكاتب 23/ 208.
خالد بن يزيد بن وهب 3/ 136 - 169 - 172 - 244 - 245، 6/ 243.
خالد الكاتب 20/ 187.
خالد الكلابي 9/ 85 - 90 - 92.
خبيب بن ثابت 4/ 242.
خداش 18/ 136.
خديجة بنت هارون 5/ 177.
الخرّاز 1/ 31 - 343، 8/ 303 - 304، 9/ 169 - 170، 13/ 114 - 334، 16/ 91.
خراش بن إسماعيل 2/ 158، 11/ 52، 15/ 392، 24/ 53.
الخريمي 20/ 70 - 71 - 341.
الخزار 5/ 143.
الخزاز 2/ 171، 22/ 14.
الخزاعي 8/ 68، 10/ 254.
خزيمة بن شجرة العقفاني 15/ 300 - 302.
خشف الواضحية 10/ 174.
خلاد الأرقط 3/ 221، 6/ 148، 8/ 335، 10/ 81، 11/ 10، 13/ 167، 14/ 329، 18/ 174 - 209.
خلاد المقريء 16/ 138.
خلاد بن قرة السدوسي 19/ 130.
خلاد بن يزيد 20/ 345، 23/ 224.
خلادة بن مرة 1/ 341.
خلف 12/ 43.
خلف الأحمر 17/ 2.
خلف بن خليفة 18/ 203.
خلف بن المثنى الحداني 21/ 255.
خليفة بن حسان 12/ 5.
الخليل بن أحمد 6/ 212، 9/ 103، 12/ 297 - 299.
الخليل بن أسد 1/ 332، 3/ 316، 4/ 5 - 31 - 51 - 114 - 408، 7/ 59 - 115، 8/ 108 - 118 - 313 - 409، 10/ 271،
11/ 12 - 247، 12/ 34 - 131 - 289، 16/ 139، 18/ 58 - 62 - 183 - 206.
الخليل بن أسد النوشجاني 6/ 345، 13/ 265، 15/ 314، 19/ 50.
الخليل بن سعيد 9/ 216.
الخليل بن عبد الحميد 6/ 55.
خليل بن عجلان 1/ 336.
الخنساء 15/ 79.
خوات بن جبير 14/ 316 - 318.
الخولاني 2/ 283.
خويلد 12/ 6.
خيار الكاتب 4/ 4.
د
دارم بن عقال 9/ 78 - 96 - 97، 22/ 117.
داود المكي 1/ 408، 6/ 339.
داود بن أبي الفرات 12/ 215.
داود بن أبي هند 15/ 221 - 369، 21/ 30.
داود بن جميل بن محمد بن جميل الكاتب 2/ 381، 15/ 174.
داود بن خالد 16/ 84.
داود بن رزين 3/ 186.
داود بن عبد اللّه بن أبي الكراعم 23/ 240.
داود بن علفة الأسدي 2/ 263.
داود بن عمر الضبي 6/ 345.
داود بن محمد بن جميل 17/ 129.
داود بن مسلم 6/ 18.
داود بن مهلهل 18/ 219.
دحمان 1/ 93 - 286.
دحمان الأشقر 3/ 282.
دريد بن الصمة 16/ 181.
دعبل بن علي 3/ 194، 5/ 203، 10/ 46، 13/ 116، 16/ 254، 19/ 46 - 47 - 53، 20/ 45.
الدعلجي - غلام أبي نواس - 18/ 101.
دقة بن معروف 8/ 75.
دكين الراجز 9/ 260.
دلشاد 10/ 194.
دماذ - أبو غسان - 8/ 68 - 97، 9/ 331 - 336 - 337 - 342، 12/ 209 - 220 - 322، 14/ 73، 15/ 345، 17/ 187 - 210 - 318، 18/ 183 - 185 - 282 - 286 - 289 - 290، 20/ 201 - 398 - 401 - 405 - 407 - 408، 21/ 227 - 393 -
395 - 396، 23/ 166.
دماذ - أبو معاذ - 22/ 130.
الدمشقي 9/ 43، 12/ 204، 19/ 158.
دنانير 15/ 265.
دنية المدني 4/ 337.
دوسر الخراساني 19/ 245.
الدوسي 1/ 331.
دينار بنت خيبري بن الحمير 11/ 236.
دينار بن عامر التغلبي 2/ 39.
ذ
ذكاء بن إبراهيم 9/ 290.
ذكاء وجه الرزة 9/ 288، 24/ 1 - 2.
ذكوان 4/ 272.
ذهبية - مولاة محمد بن مصعب بن الزبير - 1/ 165.
ذو أصبح - ملك من ملوك حمير - 2/ 321.
ذؤابة 10/ 104.
ذؤبان 9/ 96.
ذي المروة 15/ 21.
ر
الرازي 5/ 334، 8/ 78 - 87.
راشد بن حفص 15/ 20.
الراكب 8/ 118 - 418 - 422.
رباح بن قطيب بن زيد الأسدي 20/ 264.
الربعي 7/ 28.
ربعي بن خراش 11/ 3.
ربعي بن عبد اللّه بن الجارود بن أبي سبرة 17/ 33 - 300.
ربيح النميري 18/ 6.
الربيع بن ثعلب 19/ 138.
الربيع بن ثميل 12/ 258.
الربيع بن قعنب 13/ 41.
الربيع بن مالك بن أبي عامر 4/ 153.
الربيع بن محمد الحثلي الوراق 4/ 105.
الربيع بن يونس بن محمد بن أبي فروة 24/ 237.
ربيعة بن عثمان 2/ 188.
ربيعة بن مالك بن حنظلة 21/ 279.
رجاء - مولى صالح الشهرزوري - 4/ 96.
رجاء بن حيوة 9/ 19.
رجل من ثقيف 18/ 307.
رجل من بني حنيفة 24/ 141.
رجل من طيء 17/ 182.
رجل من بني عبس 17/ 181.
رجل من كنانة 17/ 228.
رجل من هذيل 21/ 208.
رجل من ولد عبد الملك بن صالح 23/ 119.
الرحال بن سعد المازني 8/ 151.
رزام بن قيس 9/ 248.
رزين بن علي الخزاعي 16/ 403.
رشد بن حنتم الهلالي 11/ 207.
الرشيد 8/ 372.
رضوان بن أحمد الصيدلاني 1/ 253 - 256 - 268 - 273، 2/ 353، 3/ 29، 4/ 337 - 360 - 361 - 365، 6/ 22 - 89، 18/ 301، 19/ 135 - 159 - 174 - 289.
رضوان بن أحمد بن يوسف بن إبراهيم 19/ 162 - 293 - 295.
الرعل بن الخطاب 20/ 391.
رقاش 15/ 312 - 313.
رقية 9/ 84.
رقية بنت حمل 20/ 41.
رميح 15/ 213.
رواة باهلة 13/ 85.
رؤبة 9/ 91، 11/ 9.
رؤبة بن الحجاج 15/ 341 - 324، 20/ 346 - 347، 21/ 328.
روح أبو نعيم 8/ 109.
روح الطائي 21/ 390.
روح بن عبادة 17/ 217.
روح بن الفرج الحرمازي 4/ 13 - 37.
روق 8/ 149.
رياح بن الأسكّ 11/ 80.
رياح العامري 2/ 43 - 44.
الرياشي 1/ 30 - 220 - 235 - 354 - 375، 2/ 2 - 3 - 5 - 6 - 10 - 34 - 42 - 174 - 177، 3/ 154 - 167 - 182 - 213 - 236 - 312 - 314، 4/ 105، 5/ 30، 6/ 45 - 55 - 70 - 80 - 85 - 105 - 271 - 274 - 355، 7/ 103، 8/ 8 - 13 - 51 - 60 - 72 - 92 - 399 - 416 - 423، 9/ 112 - 113 - 167 - 254 - 256 - 260 - 462، 10/ 82 - 200، 11/ 68 - 69، 12/ 43 - 58 100 - 242 - 260 - 301 - 319 - 329، 14/ 23 - 110 - 295، 15/ 147 - 306 - 307 - 328 - 330 - 350 - 353 - 113، 16/ 151 - 152 - 185 - 249 - 309، 18/ 43 - 109 - 110 - 115 - 151 - 202 - 203، 19/ 145 - 179، 20/ 280 -
309 - 314، 21/ 29 - 208 - 213 - 279 - 324 - 325 - 393، 22/ 219 - 273 - 279 - 284 -
322 - 339 - 343، 24/ 101 - 107 - 110 - 197 - 206.
ريق 4/ 114، 6/ 184، 10/ 125 - 137.
ز
زاجر بن عبد اللّه الثقفي 16/ 22.
زبالىء 14/ 332 - 353 - 363.
الزبير 2/ 52 - 170 - 259 - 271 - 272 - 285 - 302 - 304 - 307 - 309 - 313 - 317 - 319 - 321 - 323 - 324 - 327 - 357، 8/ 121 - 122 - 125 - 127 - 131 - 133 - 136 - 138 - 141 - 143 - 144 - 342 - 346 - 347، 14/ 127 - 130 - 170 - 318، 15/ 324 - 329 - 332 - 333 - 334 - 335 - 336 - 339 - 340.
زبير بن الأشيم 14/ 259.
الزبير بن بكار 1/ 14 - 17 - 36 - 46 - 61 - 63 - 64 - 65 - 67 - 69 - 70 - 72 - 74 - 75 - 77 - 78 - 84 - 87 - 88 - 94 - 97 - 98 - 100 - 101 - 106 - 107 - 108 - 109 - 113 - 114 - 118 - 119 - 120 - 124 - 132 - 134 - 141 - 145 - 150 - 156 - 165 - 174 - 198 - 207 -
210 - 211 - 216 - 222 - 224 - 225 - 228 - 230 - 233 - 247 - 265 - 282 - 293 - 294 - 305 - 315 - 320 - 325 - 329 - 331 - 336 - 338 - 342 - 350 - 351 - 355 - 362 - 363 - 364 - 385 - 386 - 387 - 392 - 395 - 396 - 398 - 405 - 406 - 410، 2/ 93 - 164 - 166 - 188 - 200 - 214 - 252 - 261 - 263 - 264 - 270 - 279 - 280 - 282 - 283 - 290 - 292 - 294 - 307 - 318 - 321 - 329 - 343 - 364 - 365 - 371، 3/ 8 - 9 - 11 - 14 - 34 - 36 - 42 - 45 - 48 - 49 - 50 - 111 - 119 - 123 - 279 - 264 - 289 - 302 - 305 - 313 - 317 - 330 - 351، 4/ 10 - 13 - 19 - 20 - 40 - 44 - 58 - 64 - 83 - 84 - 85 - 120 - 122 - 123 - 124 - 125 - 129 - 130 - 135 - 136 - 139 - 140 - 144 - 145 -
158 - 163 - 164 - 165 - 167 - 186 - 231 - 232 - 233 - 234 - 235 - 237 - 238 - 239 - 240 - 242 - 245 - 246 - 247 - 248 - 249 - 250 - 251 - 252 - 253 - 254 - 255 - 256 - 260 - 261 - 262 - 264 - 265 - 266 - 268 - 276 - 300 - 340 - 346 - 357 - 367 - 368 - 369 - 382 - 387 - 388 - 389 - 393 - 397 - 409 - 415، 6/ 10 - 12 - 13 - 14 - 17 - 18 - 19 - 113 - 114 - 117 - 120 - 121 - 123 - 214 - 219 - 221 - 224 - 227 - 240 - 254 - 255 - 258 - 261 - 265 - 289 - 303 - 341 - 343 - 344، 7/ 7 - 8 - 12 - 53 - 60 - 61 - 63 - 65 - 71 - 87 - 114 - 115 - 119 - 126 - 128 - 130 - 131 - 134 - 137 - 138 - 140 - 142 - 143 - 144 - 145 - 239 - 290، 8/ 92 - 93 - 97 - 98 - 100 - 125 - 132 - 134 - 139 - 170 - 209 - 271 - 327 - 350 - 360، 9/ 3 - 5 - 6 - 7 - 9 - 10 - 11 - 12 - 14 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 23 - 24 - 25 - 26 - 27 - 28 - 31 - 35 - 36 - 37 - 38 - 43 - 45 - 47 - 51 - 63 - 64 - 65 -
66 - 69 - 133 - 134 - 140 - 142 - 143 - 144 - 146 - 147 - 148 - 149 - 162 - 171 - 188 - 196 - 201 - 206 - 212 - 213 - 215 - 216 - 224 - 239 - 242 - 244 - 245 - 262 - 277 - 309 - 341، 10/ 10 - 21 - 79 - 92 - 155 - 205 - 236 - 245 - 246 - 247 - 254 - 258 - 262 - 291، 11/ 59 - 180 - 181 - 245 - 297 - 352، 12/ 60 - 67 - 113 - 159 - 176 - 177 - 180 - 183 - 186 - 189 - 204 - 217 - 221 - 224 - 234 - 238 - 242 - 243 - 256 - 258 - 337 - 338، 13/ 60 - 158 - 208 - 271 - 272 - 339 - 344، 14/ 172 - 232 - 246 - 249 - 316، 15/ 4 - 6 - 7 - 8 - 9 - 20 - 29 - 34 - 37 - 60 - 73 - 74 - 122 - 123 - 124 - 138 - 141 - 142 - 145 - 153 - 163 - 168 - 191 - 203 - 262 - 263 - 264 - 286 - 289 - 293 - 294 - 295 - 296 - 303 - 304، 16/ 3 - 102 - 106 - 107 - 108 - 109 - 111 - 113 - 114 - 115 - 116 - 119 - 121 - 122 - 123 - 124 - 125 - 126 - 127 - 130 - 131 - 139 -
140 - 143 - 149 - 150 - 157 - 179 - 190 - 193 - 194 - 196 - 213 - 294 - 296 - 305 - 317 - 318 - 360، 17/ 60 - 93 - 95 - 97 - 105 - 157 - 158 - 162 - 164 - 167 - 169 - 171 - 172 - 212 - 234 - 241 - 243 - 271 - 274 - 282 - 283 - 287 - 325 - 341 - 342 - 352، 18/ 37 - 38 - 39 - 57 - 58 - 94 - 95 - 122 - 307 - 325 - 326 - 328 - 330 - 331 - 333 - 334، 19/ 122 - 126 - 129 - 130 - 132 - 136 - 144 - 150 - 155 - 157 - 158 - 161 - 165 - 179 - 180 - 181 - 276، 20/ 1 - 2 - 3 - 4 - 6 - 7 - 8 - 9 - 11 - 13 - 53 - 104 - 115 - 198 - 199 - 202 - 210 - 363 - 372، 21/ 96 - 102 - 103 - 105 - 106 - 108 - 111 - 114 - 115 - 116 - 124 - 125 - 265 - 268، 22/ 7 - 26 - 27 - 30 - 31 - 33 - 36 - 41 - 68 - 124 - 305 - 307، 23/ 19 - 197، 24/ 84 - 122 - 145 - 161 - 237.
الزبير بن حبيب بن بدر الطائي 15/ 111، 307 - 17/ 354.
الزبير بن خبيب 4/ 242.
الزبير بن دحمان 1/ 273، 6/ 22، 14/ 212.
زبير بن عبد اللّه بن الزبير 12/ 260.
الزبيري 8/ 334، 9/ 175 - 176 - 239، 11/ 180، 15/ 126.
زحر بن حصن 3/ 178، 9/ 53.
زر بن حبيش 13/ 346، 18/ 57.
زرزور الكبير 10/ 181.
زرعة بن اذبول 18/ 6.
الزرقاء 15/ 71.
زرقان 1/ 169.
زرياب المغني 10/ 278.
زستم بن صالح 1/ 67.
زعفرانة - صالح بن علي بن الرشيد - زفر بن الحارث الكلابي 14/ 242.
زفر بن هبيرة 3/ 67.
زكريا بن أبي أوس 2/ 35.
زكريا بن أبي زائدة 17/ 153 - 220 - 325.
زكريا بن الحسين 4/ 88.
زكريا بن عبد اللّه بن يزيد الصهباني 17/ 363.
زكريا بن مهران 13/ 252 - 342، 19/ 276.
زكريا بن هارون 3/ 144.
زكريا بن يحي 1/ 288 - 290،
3/ 178.
زكريا بن يحي المدائني 19/ 269.
زكريا بن يحي المنقري 3/ 7.
زكوية العلائي 16/ 185.
زنديق 14/ 336.
الزهري 3/ 117 - 120، 4/ 127 - 129 - 137 - 144 - 158 - 246، 5/ 76 - 143 - 144، 6/ 345، 9/ 140 - 141 - 142، 10/ 30، 12/ 142 - 264، 15/ 325، 16/ 155 - 227 - 346، 18/ 116، 21/ 346.
زهير بن حرب 4/ 153.
زهير بن حسن 6/ 19.
زياد 8/ 397، 19/ 4.
زياد - مولى سعد - 15/ 223.
زياد بن أبي الخطاب 4/ 361.
زياد بن أبي سهل 4/ 143.
زياد الأعجم 14/ 295.
زياد بن بيان العقيلي 3/ 7.
زياد بن الحطاب 4/ 174.
زياد بن سعد 4/ 131.
زياد بن عثمان الغطفاني 2/ 272.
زياد بن علاقة 16/ 100.
زياد بن قحيف الكلابي 15/ 208.
زياد بن يزيد بن عمير بن الحباب 24/ 27 - 38.
الزيادي 18/ 46.
زيد بن أسلم 2/ 188، 3/ 27، 16/ 88.
زيد بن ثابت 10/ 290.
زيد الخضري 22/ 41.
زيد بن رافع 16/ 197.
زيد بن علي 12/ 5.
زيد بن عياش التغلبي 12/ 258.
زيد بن قيس 12/ 6.
زيد بن الكيس النمري 14/ 272.
زيد بن محمد 7/ 187.
زيد بن المعذل النمري 21/ 22.
زيد بن موسى بن حماد 15/ 277.
زيرك بن هبيرة المناني 8/ 9.
زينب بنت جحش - زوج النبي عليه الصلاة والسلام - 17/ 32.
زينب بنت عكرمة 14/ 171.
س
سالم - مولى حميد الطوسي - 20/ 38.
سالم بن أبي الجعد 16/ 138.
سالم بن أبي السمحاء 4/ 262.
سالم بن زيد 6/ 212.
سالم بن عبد اللّه 3/ 126.
سالم بن عبد اللّه بن عروة 18/ 57.
سالم بن عجلان 9/ 254.
سالم بن علي 3/ 247 - 248.
سالم بن قتيبة 13/ 164.
سائب بن ذكوان 16/ 116.
سائب خاثر 8/ 321 - 322 - 323 - 325، 9/ 33 - 224.
سبرة - مولى يزيد بن العوام - 22/ 35.
سبيعة 8/ 223.
السجستاني 16/ 65.
سحيم بن حصين 22/ 14.
سحيم بن حفص 7/ 2، 11/ 181، 17/ 180 - 181.
السدري 4/ 39.
السدوسي 1/ 353.
السدّي 15/ 188.
السرخسي 5/ 231 - 342.
السري بن الصباح 3/ 232، 4/ 72.
السري بن صالح بن أبي سسهر 22/ 204.
السري بن يحي 15/ 257 - 300 - 302، 16/ 97 - 294، 18/ 28، 19/ 4 - 9.
سريح 5/ 100.
سعد بن إبراهيم 4/ 151 - 157.
سعد بن أبي وقاص 15/ 197.
سعد بن أخي العوفي 22/ 248.
سعد الأشقري 5/ 129.
سعد بن تغلب 11/ 75.
سعد بن الضباب الأيادي 9/ 93.
سعد بن عامر 15/ 326.
سعد بن معاذ 4/ 184.
سعدان 24/ 212.
سعدان بن المبارك 21/ 358 - 370.
سعدة 8/ 220.
سعدة بنت عبد اللّه بن سالم 19/ 127.
السعدي 1/ 112، 21/ 365.
سعيد 3/ 223، 14/ 271.
سعيد أبو هريم 19/ 279.
سعيد بن أبان بن سعيد العاصي 9/ 31 - 262 - 263.
سعيد بن أبان القرشي 21/ 119.
سعيد بن إبراهيم 10/ 163.
سعيد بن أبي عروبة 12/ 300.
سعيد بن أبي نصر 7/ 288.
سعيد بن أبي هلال 4/ 143.
سعيد بن أبي هند 12/ 286.
سعيد بن أياس الجريري 22/ 129.
سعيد بن جابر الكرخي 16/ 389.
سعيد بن جبير 4/ 145 - 146.
سعيد بن جنيد 8/ 357.
سعيد بن حميد الكاتب البصري 3/ 258، 17/ 72.
سعيد الراوية 10/ 310.
سعيد بن خيثم 24/ 106.
سعيد الدوسي 1/ 41.
سعيد بن زيد 16/ 346.
سعيد بن زيد السلمي 2/ 327.
سعيد بن زيد بن عمرو 3/ 127.
سعيد بن سالم 8/ 312 - 362، 13/ 330 - 331، 15/ 12، 18/ 215.
سعيد بن سلام 3/ 146.
سعيد بن سلم 17/ 101، 20/ 422.
سعيد بن سليمان 2/ 58.
سعيد بن صالح الأسدي 10/ 125.
سعيد بن طريف 12/ 5.
سعيد بن العاص 1/ 32، 4/ 260، 17/ 225 - 226.
سعيد بن عامر 4/ 142، 6/ 117، 16/ 232 - 233.
سعيد بن عائشة 1/ 29.
سعيد بن عبد الرحمن بن حسان بن ثابت 8/ 272 - 273 - 276، 17/ 166.
سعيد بن عبيد الخزاعي 3/ 213.
سعيد بن عثمان بن أبي العلاء 21/ 80.
سعيد بن عقبة الجهني 11/ 302، 21/ 119.
سعيد بن عمرو 6/ 121.
سعيد بن عمرو بن جعدة أبي هبيرة 12/ 231.
سعيد بن عمرو الزبيري 12/ 56، 15/ 9.
سعيد بن عمرو بن سعيد 10/ 310.
سعيد بن عمرو بن عريض 9/ 81.
سعيد بن عمير الصيداوي 17/ 32.
سعيد بن عيينة 12/ 336.
سعيد بن مالك 24/ 177.
سعيد بن محمد الجرمي 18/ 57.
سعيد بن محمد اليزيدي 22/ 129.
سعيد بن مسعدة الأخفش 16/ 308.
سعيد بن مسلم 6/ 89.
سعيد بن مسيب 4/ 137 - 143 - 144 - 186، 7/ 237، 8/ 77، 9/ 140 - 148، 16/ 299.
سعيد بن هريم 18/ 228، 19/ 280، 22/ 270.
سعيد بن همام اليمامي 21/ 363.
سعيد بن وهيب 19/ 91.
سعيد بن يحي الأموي 1/ 353، 20/ 316.
سعيد بن يحي بن محنف 17/ 139.
السعيدي 8/ 97، 12/ 118، 22/ 35.
السعيدي الراوية 6/ 89.
سفيان 8/ 131، 12/ 286.
سفيان الثوري 9/ 121، 17/ 216، 18/ 56 - 206.
سفيان بن الحسن 21/ 385 - 391.
سفيان بن حرب 16/ 159.
سفيان بن عيينة 1/ 33 - 65 - 163، 4/ 131 - 163، 6/ 293 - 345، 7/ 288، 9/ 184، 15/ 325،
16/ 99 - 346، 17/ 357، 18/ 10 - 151 - 202 - 203 - 205 - 207، 20/ 68.
سفيان بن وكيع 4/ 153 - 192.
السكري 9/ 324 10/ 237، 11/ 368 - 369، 15/ 341 - 345 - 381، 22/ 116 - 117 - 127 - 286 - 316 - 351، 23/ 234، 24/ 53 - 102 - 110 - 129 - 165 - 169 - 185 - 187 - 188 - 192 - 212.
السكن بن سعيد 6/ 278، 15/ 218، 16/ 209، 17/ 250، 19/ 187، 21/ 321 - 324.
السكوني 15/ 62 - 248.
سكين بن محمد 16/ 71.
سكينة 8/ 39.
سلام الأبرش 13/ 332.
سلام الجمحي 18/ 63.
سلام بن المنذر 21/ 305.
سلامة 8/ 219 - 338 - 341 - 345 - 346، 9/ 133 - 134 - 135.
سلامة - مولاة جدة إبن عائشة - 11/ 189.
سلامة بن يزيد بن مرة 9/ 124.
سلم الخاسر 19/ 269.
سلم بن خالد بن معاوية بن أبي عمرو بن العلاء 4/ 163، 24/ 245 - 251 - 257.
سلمان بن أخضر 20/ 251.
سلمة 4/ 128 - 157 - 162 - 170 - 190 - 194 - 197 - 199 - 200 - 230.
سلمة بن أيوب بن مسلمة الهمذاني 11/ 242.
سلمة بن دينار 1/ 404.
سلمة بن خالد المازني 20/ 411.
سلمة بن شبيب 12/ 216.
سلمة بن صفوان الزرقي 21/ 108.
سلمة بن عبد سواع 11/ 260.
سلمة بن عبد اللّه بن أبي مسروح 1/ 351.
سلمة بن علقمة 18/ 115.
سلمة بن عياش 16/ 308، 18/ 30 - 95، 20/ 295، 21/ 310.
سلمة بن الفضل 1/ 17 - 18، 4/ 224، 1/ 30، 15/ 12 - 151 - 179 - 193 - 196 - 201 - 202 - 256 - 303 - 374، 17/ 56 - 118.
سلمة بن الفضل الأبرش 6/ 289 - 354 - 357.
سلمة بن محارب 15/ 352، 20/ 190.
سلمة بن نجاح 9/ 110 - 116.
سلمة النحوي 20/ 187.
سلمة النميري 8/ 304.
سلمويه بن أبي صالح 15/ 311.
السلمي 15/ 77 - 80.
سليم الحساب 6/ 339.
سليم بن سالم 14/ 326.
سليم بن مسلم المكي 15/ 151.
سليمان بن أبي أيوب 6/ 230.
سليمان بن أبي ذئب 16/ 197.
سليمان بن أبي راشد 16/ 268.
سليمان بن أبي سليمان الجوزجاني 21/ 327.
سليمان بن أبي شيخ 2/ 381 - 407، 3/ 311 - 353 - 355 - 361، 6/ 38 - 88 - 332 - 333، 9/ 118 - 120 - 228 - 255 - 256 - 265 - 266، 11/ 177 - 192، 12/ 228 - 232 - 310 - 336، 13/ 158، 14/ 325 - 340، 15/ 177 - 331 - 341 - 342، 16/ 158 - 178 - 179، 17/ 20 - 133 - 339، 18/ 7 - 150 - 250 - 292، 19/ 95 - 126 - 225، 20/ 200، 22/ 13، 24/ 239.
سليمان بن أرقم 7/ 271، 9/ 266.
سليمان بن أيوب 3/ 221 - 222، 4/ 169، 9/ 233، 19/ 195.
سليمان بن بشر بن مروان 2/ 351.
سليمان بن جعفر 10/ 80.
سليمان بن جعفر الجزري 4/ 62.
سليمان بن حرب 4/ 136 - 164.
سليمان بن داود 2/ 341، 3/ 10.
سليمان بن داود الطوسي 1/ 63.
سليمان بن داود بن علي 16/ 99.
سليمان بن داود المجمعي 21/ 105.
سليمان بن داود المهلبي 10/ 190 - 195.
سليمان بن داود الهاشمي 9/ 159.
سليمان بن الربيع بن هشام النهدي الحزاز 17/ 27 - 363.
سليمان بن زياد الثقفي 8/ 122.
سليمان بن سعد الحلبي 1/ 53.
سليمان بن سليمان العلوي 3/ 207.
سليمان بن صالح 11/ 37، 17/ 360.
سليمان بن صرد الخزاعي 15/ 372.
سليمان بن عباد 1/ 18، 4/ 87، 7/ 134.
سليمان بن عباس 4/ 340.
سليمان بن عبد العزيز 20/ 368.
سليمان بن عبد العزيز بن عمران الزهري 24/ 165.
سليمان بن عبد اللّه بن الأصم 24/ 37.
سليمان بن عبد الملك 1/ 74، 8/ 306.
سليمان بن عثمان بن يسار 1/ 402.
سليمان بن عياش السعدي 9/ 212 - 224 - 309، 11/ 297،
12/ 60 - 113 - 144 - 186، 16/ 102 - 106 - 107 - 109 - 111 - 113 - 114 - 115 - 116 - 118 - 119 - 121 - 122 - 123 - 124 - 126 - 130 - 131، 21/ 124.
سليمان بن غزوان 1/ 52.
سليمان بن فليح 9/ 5.
سليمان بن قتة 15/ 388.
سليمان بن المدائني 4/ 25.
سليمان بن المزاحم المازني 11/ 85.
سليمان بن مسعد 6/ 359.
سليمان بن مناذر 4/ 87.
سليمان بن منصور 17/ 339.
سليمان بن نوفل بن مساحق 17/ 271.
سليمان بن وهب 23/ 101.
سليمان بن يحي بن معاذ 12/ 92.
سليمان بن يسار 4/ 136.
سليمان الخشاب 1/ 408، 15/ 67.
سليمان الشاذكوني 18/ 203.
سليمان الطبال 7/ 296.
سليمان المدني 3/ 136 - 223.
سليمان المديني 14/ 366، 15/ 68.
سماك بن حرب 4/ 138، 8/ 295 - 312، 9/ 112 - 124، 12/ 3، 16/ 271.
سماك الحنفي 4/ 191.
سمعان بن عبد الصمد 19/ 53.
السميدع بن محمد الأزدي 3/ 171.
سنان بن أبي الحكم 22/ 5.
سنان بن يزيد 13/ 18.
السندي 1/ 79.
السندي بن شاهك 21/ 123.
سهل إبن بركة 12/ 118.
سهل بن خليفة 15/ 240.
سهل بن زكريا 20/ 411.
سهل بن محمد 18/ 30 - 173 - 174 - 181 - 196 - 198 - 203 - 205 - 255، 20/ 296.
سهل بن المغيرة 3/ 117.
سهل بن يوسف 15/ 299، 16/ 294، 17/ 217.
سهم بن عبد الحميد 4/ 309.
سهم بن منجاب 15/ 257.
سهيل السلمي 18/ 184.
سهيل بن يوسف 6/ 355.
سوادة بن الفيض المخزومي 7/ 152 - 177 - 190 - 191 - 216 - 218 - 220.
سوار بن أبي شراعة 9/ 123، 13/ 229، 21/ 40.
سوار بن عبد اللّه 19/ 144.
سويد بن أبي رهم 11/ 202.
سويد بن حمدان بن الحصين 7/ 253.
سويد بن عصام 8/ 109.
سويد بن المنعبة الرياحي 15/ 300 -
302.
سيّار 17/ 217.
سيّار بن نجيح المزني 2/ 278 - 281 - 282.
سيّار بن عمرو 11/ 75.
سياط 1/ 48 - 253 - 258 - 315، 3/ 29 - 133، 8/ 209 - 226، 9/ 251، 10/ 127، 11/ 74،
15/ 348، 17/ 163.
سيبويه النحوي 9/ 103، 12/ 297، 20/ 337.
سيف 18/ 286، 19/ 4 - 9.
سيف بن إبراهيم 16/ 145.
سيف بن عمر 15/ 257 - 299 - 300 - 302، 16/ 294.
سيف الكاتب 22/ 93.
ش
شارية 6/ 184.
شارية الكبرى - مولاة إبراهيم بن المهدي - 10/ 131.
الشاهيني 7/ 252، 21/ 51، 24/ 181.
شباب بن عبد اللّه 12/ 232.
شبابة بن سوار 16/ 267.
شبان النيلي 3/ 70.
شبة 21/ 15.
شبل بن الخيتار 24/ 26.
الشبو بن قسيم العذري 18/ 22.
شبيب بن شيبة 7/ 83، 22/ 25.
شبيب بن منصور 4/ 74.
شبيل بن عزرة الضبعي 20/ 345.
شجاع بن الوليد 4/ 144.
شداد بن عبد اللّه 16/ 376.
شداد بن عقبة بن رافع بن زمل 24/ 170 -
175 - 177 - 180 - 187 - 189 - 191.
الشرقي بن القطامي 11/ 53، 15/ 38 - 312، 16/ 204 - 354 - 373، 19/ 22 - 130، 22/ 86 - 355 - 356.
شريح بن السمؤل 9/ 118 - 119 - 120.
شريح بن النعمان 4/ 146.
شريك 11/ 3، 12/ 5.
شعبة بن عمرو 12/ 131 - 144.
الشعبي 4/ 145، 5/ 130، 8/ 401، 9/ 112، 11/ 3 - 4 - 5 - 20 - 23، 12/ 5 - 141 - 301، 15/ 214 - 220 - 369 - 375، 16/ 213 - 232 - 239 - 324، 17/ 211 - 215 - 216 - 217 -
220، 18/ 55 - 143 - 206، 21/ 30 - 376، 24/ 17.
الشعبي 2/ 185 - 349.
شعيب 18/ 286، 19/ 4 - 9.
شعيب بن إبراهيم 15/ 257 - 299 - 300 - 302، 16/ 294.
شعيب بن خالد 12/ 216.
شعيب بن جعفر بن الزبير 15/ 4.
شعيب بن السكن 2/ 4 - 35.
شعيب بن سيف 2/ 140، 16/ 195.
شعيب بن صخر 1/ 82 - 294، 3/ 278، 6/ 6، 8/ 64 - 65، 9/ 161، 16/ 149 - 152، 19/ 127، 21/ 302 - 309 - 384.
شعيب بن صفوان 9/ 266، 16/ 203.
شعيب بن عبيدة بن أشعب 19/ 155 - 157 - 180.
الشمّاخ بن ضرار 9/ 171.
شماميط 2/ 264.
الشنقيطي 8/ 8، 9/ 51 - 68 - 77 - 80 - 88 - 329.
شهاب بن عباد 9/ 159، 16/ 84.
شهاب بن عبد اللّه 12/ 228.
شهدة أم عاتكة 9/ 251 - 252.
شهر بن حوشب 12/ 4.
شيبان بن مالك 9/ 256.
شيبان بن محمد الحران 7/ 269.
شيبة بن أحمد بن هشام 18/ 232.
شيبة بن هشام 3/ 252، 12/ 154، 19/ 234 - 235 - 243 - 244 - 249.
شيبة بن همام 19/ 242.
شيخ من بني نبهان 17/ 253.
شيخ من بني نهد 23/ 132.
شيخ من قريش 17/ 172.
شيخ من كنانة 17/ 217.
شيخ من المكيين 17/ 42.
ص
صاحب المصلي 21/ 123 - 125 - 252
الصادري 2/ 32 - 338.
صالح 8/ 134، 15/ 46.
صالح - مولى الكميت بن زيد - 17/ 24.
صالح بن إبراهيم 4/ 135.
صالح بن أحمد بن عباد 13/ 338.
صالح الأصم 13/ 290.
صالح بن الأضجم 6/ 286.
صالح بن حسان 1/ 250، 2/ 205، 3/ 278، 4/ 250 - 284، 7/ 121، 8/ 118، 9/ 68،
11/ 12، 12/ 156، 13/ 359، 15/ 132 - 136 - 196، 16/ 152، 17/ 129.
صالح بن الرشيد 7/ 148 - 149، 20/ 304.
صالح بن سعيد 2/ 39.
صالح بن سليمان 6/ 88، 15/ 341، 17/ 339، 18/ 7 - 250.
صالح الشهرزوري 4/ 96.
صالح بن عبد الرحمن الهاشمي 19/ 11 - 285.
صالح بن عبد الوهاب 8/ 353.
صالح بن عدي 4/ 209.
صالح العدوي 18/ 2.
صالح بن عطية الأضجم 10/ 95، 3/ 201، 20/ 188.
صالح بن علي 5/ 223 - 343.
صالح بن علي بن الرشيد 21/ 78.
صالح بن علي بن عطية 6/ 291.
صالح بن كيسان 7/ 285، 15/ 197 - 198 - 336.
صالح بن محمد 10/ 5، 13/ 277 - 290، 18/ 178 - 303، 21/ 13،
صالح بن ميمون 4/ 343.
صالح بن يزيد الخراساني 16/ 268.
صالح المرّي 21/ 393.
صباح 21/ 402.
الصباح بن الحجاج 24/ 83.
صباح بن خاقان 13/ 311.
صدقة بن إبراهيم البكري 20/ 332.
صدقة بن عبد اللّه المازني 3/ 70.
صدقة بن مسكين 20/ 152.
صخر بن أسد السلمي 18/ 212 - 234.
صخر بن جعفر 3/ 278.
صخر بن عمرو الشريدي 15/ 79.
صعب بن علي بن بكر 9/ 89.
صعصعة بن ناجية المجاشعي 21/ 279.
الصعقب بن زهير 16/ 266، 17/ 133.
الصعقب بن عطية بن بلال 15/ 257 - 299.
صفوان بن عاصم 12/ 75.
صفوان بن الوليد المعيطي 7/ 92.
صفوان بن يعلى 12/ 336.
صفية بنت الزبير بن هشام 7/ 92، 16/ 243.
الصقر بن عبد اللّه 9/ 159.
الصلت بن مسعود 1/ 33، 11/ 37، 17/ 360.
الصولي 3/ 71، 4/ 4 - 5 - 6 - 13 - 24 - 25 - 26 - 27 - 38 - 39 - 54 - 55 - 59 - 68 - 74 - 96 - 102 - 104 - 106 - 111 - 116، 5/ 191 - 210 - 253 - 301 - 313 - 332 - 346 - 350 - 365 - 391 -
396 - 430، 8/ 357 - 358 - 359 - 360 - 361 - 362 - 363 - 364 - 365 - 366 - 367 - 368 - 369 - 370 - 372، 9/ 123 - 234 - 301 - 302 - 303 - 304 - 305 - 312 - 318 - 319 - 320 - 322 - 323 - 324، 14/ 98، 15/ 327 - 332، 16/ 7، 22/ 179 - 257، 23/ 47 - 48 -
52 - 53 - 55 - 56 - 57 - 60 - 63 - 66 - 67 - 73 - 74 - 95 - 96 - 97 - 98 - 99 - 100 - 101 - 103 - 105 - 106 - 114 - 143 - 144 - 150 - 158 - 160 - 162 - 163 - 165 - 192.
الصيدلاني 5/ 10.
الصيرفي 5/ 141.
ض
ضبية - مولاة عمر بن مصعب - 1/ 78 - 165 - 315.
الضبيني 15/ 239.
الضحاك الحزامي 1/ 345.
الضحاك بن رميل السكسكي 17/ 131.
الضحاك بن عثمان 1/ 405 - 410، 3/ 120 - 122 - 124 - 126 - 127، 12/ 189، 15/ 333،
16/ 127 - 296.
الضحاك الفقيمي 18/ 17، 21/ 326.
الضحاك بن مخلد الشيباني البصري 17/ 197.
ضرار بن صرد 17/ 325.
ضرار بن عيينة 18/ 128.
ضمرة 7/ 23، 9/ 254.
ط
طارق 4/ 177.
طارق بن عبد الواحد 17/ 157 - 158.
طارق بن المبارك 4/ 349.
الطالقاني 23/ 98.
طاهر بن الحسين 10/ 187.
طاهر بن عبيد اللّه الهشامي 2/ 188،
9/ 142، 23/ 73.
طاوس 18/ 203 - 207.
طائع 8/ 290، 9/ 168.
طباع 16/ 12.
الطبري 8/ 290.
الطراز 6/ 300.
الطرسوسي 16/ 77.
طرفة 8/ 393.
الطرماح بن حكيم 6/ 94.
طريح بن إسماعيل الثقفي 4/ 309.
الطفيل بن عمرو الربعي 21/ 279.
طلحة الخزاعي 21/ 236.
طلحة بن عبد اللّه 11/ 193، 13/ 315، 20/ 2.
طلحة بن عبد اللّه بن الزبير 14/ 122.
طلحة بن عبد اللّه الطلحي 4/ 400 - 415، 6/ 112، 10/ 133، 14/ 121، 15/ 153، 22/ 218، 24/ 141.
طلحة بن عبد اللّه بن عوف 9/ 341، 17/ 293.
طلحة بن عبيد اللّه 9/ 20.
طلحة بن عبيد اللّه بن عبد الرحمن 15/ 303.
طلحة بن محمد بن المسيب 11/ 92.
طلحة بن مصرف 15/ 217.
الطلحي 3/ 357، 16/ 64،
18/ 162 - 164 - 165، 20/ 221.
طماس 23/ 52.
الطوسي 1/ 14 - 17 - 65 - 107 - 383، 3/ 119 - 123 - 330، 4/ 242 - 246 - 254 - 255 - 256، 7/ 7 - 237، 11/ 180 - 199 - 201، 12/ 67 - 193 - 217 - 221 - 224 - 234 - 238 - 242، 15/ 4 - 9 - 74 - 324 - 351، 16/ 139 - 142 - 143 - 149 - 190 - 194 - 196 - 223 - 360، 17/ 241 - 282 - 283 - 287 - 341 - 342، 18/ 14 - 57 - 58 - 94، 21/ 115، 22/ 68 - 116 - 117 - 127.
طويس 13/ 77.
طياب 5/ 198.
طياب بن إبراهيم 4/ 353.
الطيب بن عبد الرحمن 6/ 293.
الطيب بن محمد الباهلي 9/ 234، 10/ 192.
ظ
ظبياء - مولاء فاطمة بنت عمر بن مصعب 1/ 107.
ظبية 8/ 170، 9/ 213، 15/ 138 - 142.
ظبية - مولاة فاطمة - 6/ 17، 21/ 125.
ظبية بنت وزير الباهلية 8/ 163.
ظمياء بنت عبد العزيز مولة 17/ 60.
ع
عاتكة بنت شهيدة 9/ 252.
عاصم بن أبي النجود 12/ 299.
عاصم بن أفلح بن مالك 14/ 321.
عاصم بن بهدلة 18/ 57.
عاصم بن الحدثان 2/ 422، 6/ 198، 8/ 394 - 395 - 421 - 423، 11/ 272 - 329، 12/ 24 - 26 - 31 - 279، 14/ 85، 15/ 336 - 390، 16/ 216 - 220، 17/ 56، 19/ 209.
عاصم بن عبد اللّه 11/ 75.
عاصم بن عروة 19/ 3.
عاصم بن عمر 9/ 273.
عاصم بن عمر بن قتادة 4/ 70 - 190 - 193.
عاصم بن عمرو 15/ 179.
عاصم المنقري 14/ 84.
عاصم بن وهب 3/ 153 - 155 - 173.
عافية - عمة إدريس بن سليمان بن يحي بن أبي حفصة - 18/ 6.
عافية بن شبيب 3/ 146 - 161 - 162 - 168 - 215 - 233، 4/ 330، 5/ 346، 15/ 52، 16/ 312.
عامر 9/ 155.
عامر بن أبي عامر 21/ 304.
عامر بن الأسود 7/ 2.
عامر بن جابر 3/ 75.
عامر بن حفص 1/ 334، 12/ 228.
عامر بن شراحيل الشعبي 6/ 54، 16/ 29 - 33 - 83 - 85 - 93 - 94 - 99 - 170.
عامر بن صالح 4/ 268، 15/ 336، 17/ 241 - 242 - 282.
عامر بن صعصعة 15/ 364.
عامر بن الطفيل 15/ 362.
عامر بن الظرب العدواني 14/ 147 - 148 - 149
عامر بن عبد الملك 5/ 50، 10/ 152، 11/ 61.
عامر بن عمران الضبي 4/ 43، 16/ 21 - 177.
عامر بن مالك 15/ 363 - 364.
العامري 20/ 2.
عائشة 3/ 117 - 120، 4/ 129 - 146 - 201 - 208 - 223، 9/ 159، 17/ 65 - 358، 18/ 109.
عائشة بنت مصعب 17/ 360.
عباد 7/ 63.
عباد بن الحسين بن عباد بن كناسة 13/ 343.
عباد بن عباد 3/ 196.
عباد بن عبد اللّه بن الزبير 17/ 172.
عباد بن عبد اللّه النبهاني 17/ 248.
عباد العوّام 16/ 29.
عباد الكلبي 12/ 5.
عباد بن محمد الكاتب 20/ 50.
عباد بن يعقوب 21/ 117.
عبادة المحاربي 14/ 271.
عبادة بن مرثد بن عمرو 14/ 89.
العبادي 5/ 108، 24/ 56.
العباس بن أبي ربيعة السلمي 13/ 118.
العباس بن أبي العبيس 22/ 207.
العباس بن أحمد بن ثوابة 21/ 44.
العباس بن أحمد بن الفرات 21/ 85.
عباس بن الأحنف 8/ 355 - 360 - 361 - 364 - 365.
العباس بن بكار 1/ 220، 7/ 280، 17/ 33، 21/ 280.
عباس بن خالد 3/ 192 - 201.
العباس بن خالد البرمكي 3/ 173.
العباس بن رستم 4/ 7، 23/ 161.
العباس بن طلحة الكاتب 22/ 181 - 182 - 183 - 185.
العباس بن طومار 23/ 73.
عباس بن عباس الزنادي 3/ 181.
العباس بن عبد الصمد السعدي 13/ 60.
العباس بن عبد اللّه بن سنان بن عبد الملك بن مسمع 19/ 270.
العباس بن عبد اللّه الكاتب 7/ 160.
العباس بن عبد اللّه بن معبد 4/ 194 - 206.
العباس بن عبد الواحد بن جعفر بن سليمان 18/ 179 - 207، 19/ 275.
العباس بن عبيد اللّه بن سنان 4/ 75.
العباس بن علي بن العباس 12/ 144، 15/ 228، 16/ 84 - 267، 18/ 56.
عباس بن العنبري 18/ 115.
العباس بن عيسى العقيلي 11/ 302، 22/ 224، 23/ 227 - 236.
العباس بن الفضل 5/ 215.
العباس بن الفضل الخراساني 12/ 103.
العباس بن الفضل الربعي 18/ 193 - 206.
العباس بن محمد 15/ 145.
العباس بن محمد بن أبي محمد اليزيدي 20/ 260.
العباس بن محمد الدوري 15/ 174.
العباس بن محمد بن علي بن عبّاس 21/ 123.
العباس بن مرداس 5/ 38، 14/ 316 - 318 - 319.
العباس بن ميمون 2/ 423، 4/ 34، 5/ 127، 7/ 239، 8/ 54 - 73، 10/ 83، 13/ 299 - 326، 14/ 132، 17/ 211 - 212،
18/ 10 - 33 - 174 - 196 - 203، 19/ 139، 22/ 18.
العباس بن هارون 10/ 18.
العباس بن هاشم 16/ 33 - 38.
العباس بن هشام 1/ 147، 4/ 217 - 367 - 368، 5/ 60، 6/ 49 - 211 - 278 - 341، 7/ 4 - 115، 11/ 52، 12/ 9 - 16، 13/ 209 - 218، 15/ 51 - 392، 17/ 365، 18/ 132، 19/ 102، 21/ 203، 24/ 94.
العباس بن الوليد 7/ 23.
العباس بن يحي 20/ 286.
عباية 15/ 228.
عبد الأعلى بن عبد اللّه بن صفوان الجمحي 4/ 265.
عبد الأعلى بن عبيد بن محمد بن صفوان الجمحي 22/ 36.
عبد الأعلى بن محمد بن كناسة 13/ 343.
عبد الأعلى القرشي 16/ 234.
عبد الأول بن مزيد 16/ 210، 18/ 152.
عبد الباقي بن قانع 1/ 52.
عبد الجبار بن العباس الهمداني 17/ 341.
عبد الجبار بن عبيد اللّه الحماني 20/ 420.
عبد الجبار المساحقي 1/ 113 - 150 - 207 - 247، 5/ 93، 8/ 84،
9/ 146 - 188، 18/ 328.
عبد الجبار بن منظور 16/ 140.
عبد الحميد 12/ 337، 21/ 40.
عبد الحميد بن أيوب بن محمد بن عميلة 12/ 268.
عبد الحميد الثقفي 20/ 365.
عبد الحميد بن سريع 4/ 9.
عبد الحميد بن صالح الموصلي البرجمي 17/ 363.
عبد الحميد بن عبد اللّه بن مسلم بن يسار 12/ 333.
عبد الحميد بن عبد الواحد 11/ 75 - 78 - 80 - 81 - 82 - 84.
عبد الحميد بن عقبة 7/ 247 - 270.
عبد الخالق 8/ 298.
عبد بن بشر بن هلال 3/ 25.
عبد ربه بن نافع 15/ 216.
عبدان 17/ 216.
عبدة بن الطبيب 14/ 84 - 90.
عبد الرحمن 8/ 179 - 355.
عبد الرحمن - ابن أخ الأصمعي - 1/ 352، 3/ 45 - 127 - 229 - 271، 5/ 7، 9/ 178، 13/ 134 - 189 - 191 - 197 - 308، 17/ 68 - 106 - 176، 18/ 31 - 46 - 47، 19/ 10 - 207، 20/ 213 - 351 - 385 - 386 - 391 - 393، 21/ 25 - 226 - 227 - 399، 22/ 271 -
278 - 306، 24/ 139، 16/ 255 - 272 - 283 - 301 - 308 - 309 - 375 - 377 - 379.
عبد الرحمن بن أبي بكرة 16/ 94.
عبد الرحمن بن أبي الحسن 19/ 217.
عبد الرحمن بن أبي حماد 4/ 124.
عبد الرحمن بن أبي الزناد 1/ 371، 3/ 38 - 42 - 45 - 120 - 124 - 126 - 127، 4/ 139 - 146 - 210 - 272، 12/ 204، 16/ 296، 17/ 165 - 169 - 358، 18/ 285.
عبد الرحمن بن إبراهيم المخزومي 1/ 278.
عبد الرحمن بن أحمد 23/ 114.
عبد الرحمن بن الأحول بن الجون 2/ 283، 22/ 31.
عبد الرحمن بن أرطأة 8/ 186.
عبد الرحمن بن الأزهر 8/ 95.
عبد الرحمن بن إسحاق 17/ 294.
عبد الرحمن بن اسحاق العذري 4/ 20.
عبد الرحمن بن الأصمعي 4/ 335
عبد الرحمن بن أيوب 6/ 304 - 307 - 308.
عبد الرحمن بن برزخ 8/ 287.
عبد الرحمن بن جعفر بن سليمان 21/ 125
عبد الرحمن بن الجهم 3/ 171، 19/ 137.
عبد الرحمن بن الحارث بن هشام 4/ 285
عبد الرحمن بن حرملة 1/ 84.
عبد الرحمن بن الحسن 14/ 318.
عبد الرحمن بن الحكم 19/ 139.
عبد الرحمن بن حماد بن عمران 3/ 357.
عبد الرحمن بن الخضر الخزاعي 9/ 11 - 25.
عبد الرحمن بن داود بن أبي أمية البلخي 17/ 8.
عبد الرحمن بن سليمان الأشل 17/ 325.
عبد الرحمن بن سليمان الأنصاري 15/ 38.
عبد الرحمن بن سليمان بن عبد اللّه بن حنظلة 17/ 118.
عبد الرحمن بن سليمان المكي 6/ 327.
عبد الرحمن بن شبيب 8/ 397.
عبد الرحمن بن صالح 10/ 271، 16/ 138.
عبد الرحمن بن ضبعان المحاربي 2/ 287.
عبد الرحمن بن عبد العزيز 16/ 80.
عبد الرحمن بن عبد اللّه 4/ 136، 11/ 190، 12/ 242، 13/ 271، 15/ 37 - 263.
عبد الرحمن بن عبد اللّه بن أبي عمار القس 8/ 339.
عبد الرحمن بن عبد اللّه بن إبراهيم 18/ 26 - 38.
عبد الرحمن بن عبد اللّه بن الحكم المصري 4/ 199.
عبد الرحمن بن عبد اللّه الزهري 1/ 36 - 94 - 98 - 101 - 282 - 329 - 338 - 367، 4/ 235 - 251 - 253، 5/ 260، 6/ 203 - 254 - 258، 7/ 62 - 130، 9/ 36، 19/ 144.
عبد الرحمن بن عبد اللّه بن سعيد الأزرقي 23/ 53.
عبد الرحمن بن عبد اللّه الشفائي 15/ 145.
عبد الرحمن بن عبد اللّه بن عامر بن مسعود 4/ 127 - 235.
عبد الرحمن بن عبد اللّه بن عائشة 14/ 133.
عبد الرحمن بن عبد اللّه بن عبد العزيز 4/ 389.
عبد الرحمن بن عبد اللّه بن قريب الأنصاري 15/ 349 - 350.
عبد الرحمن بن عبيد 16/ 268.
عبد الرحمن بن عوف 4/ 196 - 197، 17/ 294.
عبد الرحمن بن عيينة 1/ 294.
عبد الرحمن بن الفضل 3/ 179، 4/ 42 - 112.
عبد الرحمن بن القاسم العجلي 8/ 59.
عبد الرحمن بن محمد 20/ 354.
عبد الرحمن بن محمد بن أبي الحارث الكاتب 17/ 271.
عبد الرحمن بن محمد الطلحي 13/ 164.
عبد الرحمن بن محمد الكوفي 7/ 251.
عبد الرحمن المخزومي 17/ 157 - 158.
عبد الرحمن بن مخنف 17/ 139.
عبد الرحمن بن مسعود 21/ 120.
عبد الرحمن بن المغيرة الحزامي 8/ 341.
عبد الرحمن بن مقرن 15/ 64.
عبد الرحمن بن مهدي 18/ 115.
عبد الرحمن بن موسى الرقي 18/ 119.
عبد الرحمن بن النعمان السلمي 18/ 223.
عبد الرحمن بن نعيم 14/ 271.
عبد الرحيم بن أحمد بن زيد الحراني 16/ 250 - 251 - 252.
عبد الرحيم بن أحمد بن الفرج 13/ 119، 19/ 213.
عبد الرزاق 9/ 184، 12/ 216 15/ 228.
عبد السلام بن حرب 8/ 300.
عبد السلام بن الربيع 7/ 86.
عبد السلام بن القتال 2/ 311.
عبد الصمد بن علي 4/ 343، 12/ 5.
عبد الصمد بن المعذل 3/ 266، 4/ 68، 13/ 144، 16/ 308، 18/ 34، 19/ 282، 21/ 196.
عبد الصمد بن موسى الهاشمي 7/ 59.
عبد الصمد بن الوارث 9/ 122، 11/ 5.
عبد العزيز 15/ 26.
عبد العزيز ابن بنت الماجشون 4/ 261.
عبد العزيز بن أبي ثابت 6/ 4 - 254،
13/ 31، 16/ 178 - 248 - 276.
عبد العزيز بن أبي سلمة 18/ 329، 22/ 242.
عبد العزيز بن أحمد 9/ 260، 4/ 132 - 144، 17/ 60، 19/ 158، 23/ 199.
عبد العزيز بن إسماعيل 4/ 373.
عبد العزيز بن سهل 20/ 155 - 162.
عبد العزيز بن صالح 2/ 24.
عبد العزيز بن عمر 21/ 121.
عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز 24/ 111.
عبد العزيز بن عمر العنبسي 17/ 283.
عبد العزيز بن عمران 4/ 127 - 163 - 370، 8/ 186، 9/ 20 - 341 - 342، 16/ 181، 17/ 298 - 358، 21/ 103.
عبد العزيز بن عمران الزهري 3/ 75، 15/ 329.
عبد العزيز بن القاسم 4/ 393.
عبد العزيز بن الماجشون 6/ 29.
عبد العزيز بن محمد 16/ 196.
عبد العزيز بن مولة 17/ 60.
عبد العزيز الخزاعي 9/ 25 - 26.
عبد العزيز الدراوردي 6/ 269، 9/ 19، 12/ 215.
عبد العظيم بن عبد اللّه بن يزيد الضبة 7/ 95 - 100.
عبد القاهر بن السرّي السلمي 14/ 319، 21/ 296 - 397، 24/ 214.
عبد القوي بن محمد بن أبي العتاهية 4/ 68، 18/ 307.
عبد قيس بن خفاف البرجمي 8/ 383.
عبد الكريم بن رشيد 16/ 97 - 98.
عبد اللّه 8/ 229 - 370، 14/ 68.
عبد اللّه - عم محمد بن العباس اليزيدي - 11/ 310.
عبد اللّه بن إبراهيم الجمحي 1/ 224، 2/ 285 - 290 - 292 - 294، 3/ 301، 6/ 107، 12/ 258، 16/ 64، 17/ 105 - 290، 18/ 39 - 201، 22/ 346، 24/ 84.
عبد اللّه بن إبراهيم الحجبي 4/ 382.
عبد اللّه بن إبراهيم السعدي 9/ 25.
عبد اللّه بن إبراهيم المهدي 10/ 182.
عبد اللّه بن إبراهيم الهلالي 1/ 313.
عبد اللّه بن أبي أحمد مستورد 7/ 257.
عبد اللّه بن أبي إسحاق الحضرمي 12/ 298 - 299.
عبد اللّه بن أبي أسعد 2/ 352 - 355، 12/ 8 - 55.
عبد اللّه بن أبي بريدة 12/ 300.
عبد اللّه بن أبي بشر بن عثمان بن المغيرة 19/ 158.
عبد اللّه بن أبي بكر 3/ 188، 4/ 129 -
170 - 196 - 198 - 199 - 203، 5/ 205.
عبد اللّه بن أبي بكر العتكي 7/ 262.
عبد اللّه بن أبي توبة 13/ 312.
عبد اللّه بن أبي حدرد الأسلمي 7/ 283 - 284.
عبد اللّه بن أبي داود السجستاني 20/ 346.
عبد اللّه بن أبي ربيعة 9/ 159.
عبد اللّه بن أبي الزناد 17/ 358.
عبد اللّه بن أبي سعد 1/ 163 - 353 - 404 - 407، 2/ 3 - 4 - 12 - 31 - 68 - 75 - 84 - 128 - 129 - 131 - 231 - 44 - 410، 3/ 68 - 70 - 188 - 192 - 201 - 216 - 248 - 344 - 280 - 267، 4/ 7 - 47 - 63 - 98 - 105 - 109 - 218 - 356 - 393 - 395 - 39، 5/ 205 - 220 - 222 - 226 - 249 - 287 - 294 - 330 - 344 - 360 - 375 - 412، 6/ 6 - 162 - 202 - 242 - 286 - 306 - 309، 8/ 53 - 59 - 84 - 289، 9/ 78 - 177 - 265 - 274 - 286 - 311، 10/ 60 - 84 - 87 - 90 - 91 - 94 - 98 - 101 - 104 - 107 - 109 - 112 - 117 - 294، 11/ 67 - 184 - 204 - 205 - 210 - 236 - 239 - 240 - 242 - 243 - 244 - 342 - 349 - 353 - 379، 12/ 9 - 80 - 92 - 101 -
169 - 280 - 291 - 301، 13/ 12 - 17 - 67 - 76 - 118 - 119 - 120 - 124 - 141 - 143 - 145 - 146 - 148 - 149 - 150 - 153 - 155 - 158 - 205 - 263 - 278 - 290 - 319 - 326 - 332 - 338 - 311، 14/ 58 - 69 - 90 - 352 - 116 - 128 - 164 - 264، 15/ 10 - 63 - 252 - 389 - 311 - 358 - 362، 16/ 23 - 241 - 242 - 298 - 374 - 377، 17/ 339، 18/ 75 - 81 - 116 - 123 - 130 - 136 - 139 - 144 - 159 - 160 - 178 - 190 - 205 - 218 - 226 - 229 - 245 - 249 - 288 - 303 - 305 - 306 - 317 - 318 - 355 - 357، 19/ 20 - 41 - 42 - 45 - 55 - 58 - 60 - 61 - 75 - 77 - 103 - 111 - 138 - 161 - 175 - 180 - 213 - 234 - 245 - 257 - 263 - 268 - 283، 20/ 32 - 47 - 58 - 69 - 70 - 92 - 155 - 163 - 364 - 330 - 337 - 346 - 355، 21/ 131 - 149 - 196 - 205 - 227 - 273 - 284 - 402، 22/ 46 - 90 - 93 - 117 - 245 - 251 - 330 - 340، 23/ 2 - 5 - 6 - 15 - 17 - 119 - 139 - 178 - 218، 24/ 139.
عبد اللّه بن أبي سعد الوراق 9/ 165 - 170،
10/ 187 - 188 - 189 - 191.
عبد اللّه بن أبي سعيد 16/ 15 - 22 - 23 - 24.
عبد اللّه بن أبي سفيان 10/ 290.
عبد اللّه بن أبي الشيص 20/ 159.
عبد اللّه بن أبي عبيدة 2/ 244، 4/ 368، 6/ 221، 9/ 5 - 9 - 10 - 17، 12/ 180، 15/ 332، 18/ 331، 21/ 96 - 121.
عبد اللّه بن أبي العلاء المغني 20/ 338.
عبد اللّه بن أبي فروة 8/ 343.
عبد اللّه بن أبي كريم 8/ 108.
عبد اللّه بن أبي الليث الليثي 15/ 338.
عبد اللّه بن أبي مليكة 17/ 174.
عبد اللّه بن أبي نجيح 4/ 174.
عبد اللّه بن أبي نصر المروزي 12/ 92.
عبد اللّه بن أبي الوراق 1/ 8.
عبد اللّه بن إبراهيم الطائي 8/ 163.
عبد اللّه بن أحمد 13/ 117 - 249، 14/ 46، 20/ 195.
عبد اللّه بن أحمد الباهلي 20/ 411، 23/ 38.
عبد اللّه بن أحمد التيمي 20/ 59.
عبد اللّه بن أحمد بن الحارث 7/ 21، 20/ 209.
عبد اللّه بن أحمد بن حنبل 9/ 140.
عبد اللّه بن أحمد العدوي 22/ 259.
عبد اللّه بن إدريس 20/ 311.
عبد اللّه الأزدي 5/ 262.
عبد اللّه بن إسحاق الجعفري 6/ 4.
عبد اللّه بن إسماعيل بن أبي عبيدة 1/ 356.
عبد اللّه بن إسماعيل الجحدري 9/ 256.
عبد اللّه بن الأعمش 16/ 407.
عبد اللّه بن أمين 22/ 249.
عبد اللّه بن أنيس 16/ 232.
عبد اللّه بن أيوب - أبو سمير - 20/ 243.
عبد اللّه بن أيوب بن أبي شمر 21/ 70.
عبد اللّه بن أيوب الأنصاري 4/ 72.
عبد اللّه بن بشر 24/ 140.
عبد اللّه بن بكر بن حبيب السهمي 4/ 138، 16/ 231.
عبد اللّه بن تميم بن حمزة 19/ 274 - 275.
عبد اللّه بن ثعلبة بن صفير العذري 4/ 193.
عبد اللّه بن الجارود بن أبي سبرة 17/ 33.
عبد اللّه بن جدعان 8/ 328 - 329، 14/ 121.
عبد اللّه بن جبال 6/ 19.
عبد اللّه بن جعفر 1/ 117، 8/ 226 - 321، 13/ 346، 18/ 138 - 139.
عبد اللّه بن جعفر بن أبي عون 9/ 55.
عبد اللّه بن جعفر بن مصعب 9/ 166.
عبد اللّه بن جعفر الزبيري 9/ 167، 24/ 10 - 11.
عبد اللّه بن جعفر اليقطيني 12/ 151.
عبد اللّه بن الحارث 1/ 71، 4/ 199، 6/ 359، 7/ 184.
عبد اللّه بن الحارث العدوي 15/ 143.
عبد اللّه بن الحارث المروزي 7/ 148.
عبد اللّه بن الحارث الهذلي - أبو عمرو - 6/ 278.
عبد اللّه بن حبيب 2/ 179، 21/ 358.
عبد اللّه بن الحر العنزي 16/ 376.
عبد اللّه بن الحسن 4/ 40 - 75 - 88 - 89، 11/ 5، 12/ 5، 17/ 217.
عبد اللّه بن الحسن بن أحمد 20/ 175 - 178 - 184.
عبد اللّه بن الحسن الحراني 22/ 245.
عبد اللّه بن الحسن الكاتب 19/ 276.
عبد اللّه بن الحسن اللهبي 19/ 58.
عبد اللّه بن الحسين 7/ 249، 11/ 71، 16/ 398، 18/ 370، 23/ 151.
عبد اللّه بن الحسين بن سعد 21/ 39.
عبد اللّه بن الحسين بن سند القطربلي 21/ 42، 23/ 52.
عبد اللّه بن الحكم 5/ 6.
عبد اللّه بن حمدون 22/ 178.
عبد اللّه بن الحنيني 17/ 76.
عبد اللّه بن خارجة 15/ 205.
عبد اللّه بن خالد بن دفيف التغلبي 2/ 325.
عبد اللّه بن خالد الجهني 9/ 23.
عبد اللّه بن خلف 11/ 256 - 257 - 258 -
262 - 263.
عبد اللّه بن خلف الدلال 2/ 35.
عبد اللّه الداناج 5/ 132.
عبد اللّه بن داود 20/ 410.
عبد اللّه بن دحمان 6/ 22.
عبد اللّه بن دينار 9/ 256.
عبد اللّه بن الربيع 5/ 226، 6/ 173 - 175 - 318، 12/ 231، 16/ 314.
عبد اللّه بن الربيع الربعي 18/ 307.
عبد اللّه بن الربيع الربيعي 10/ 174 - 178.
عبد اللّه بن الربيع المديني 6/ 28.
عبد اللّه بن الربيعي 5/ 177 - 313.
عبد اللّه بن أسلم القرشي 12/ 262.
عبد اللّه بن رؤبة بن العجاج 8/ 287.
عبد اللّه بن روح الغنوي 8/ 163.
عبد اللّه بن زالان التميمي 21/ 340.
عبد اللّه بن الزبعري 1/ 61.
عبد اللّه بن الزبير 6/ 354، 9/ 69 - 329، 14/ 217 - 239، 17/ 360.
عبد اللّه بن زكريا الضرير 7/ 220.
عبد اللّه بن سعد بن أبي سعد 22/ 248.
عبد اللّه بن سعد الزهري 15/ 255 - 256.
عبد اللّه بن سعيد 6/ 123.
عبد اللّه بن سعيد الأشقري 20/ 141.
عبد اللّه بن سعيد المساحقي 9/ 146 - 188.
عبد اللّه بن سلم 1/ 403.
عبد اللّه بن سليم 19/ 217، 20/ 416.
عبد اللّه بن سليمان 19/ 279.
عبد اللّه بن سليمان السجستاني 24/ 169.
عبد اللّه بن سمعان 17/ 289.
عبد اللّه بن السوار 4/ 214.
عبد اللّه بن شبيب - أبو سعيد - 2/ 10 - 52، 54 - 71 - 272 - 275 - 3/ 332 - 360، 4/ 315 - 356 - 167، 6/ 124 - 293، 8/ 127، 9/ 216، 10/ 291، 12/ 204 - 241 - 287 - 318، 15/ 332، 16/ 208 - 261، 17/ 99، 18/ 122، 19/ 106، 20/ 202، 21/ 108، 22/ 38 - 224، 23
/169 - 170 - 171، 24/ 137 - 165.
عبد اللّه بن شعيب الزبيري 18/ 329، 19/ 142.
عبد اللّه بن شيبان 14/ 377.
عبد اللّه بن صالح الطوسي 20/ 387.
عبد اللّه بن صالح بن مسلم 1/ 332، 15/ 249.
عبد اللّه بن الصباح 9/ 177، 12/ 9.
عبد اللّه بن الضحاك 4/ 38، 10/ 255، 14/ 372، 21/ 281.
عبد اللّه بن طالب الكاتب 16/ 368، 18/ 158.
عبد اللّه بن طاهر 18/ 128، 20/ 184، 22/ 250.
عبد اللّه بن طاهر بن أبي أحمد اليزيدي 14/ 332.
عبد اللّه بن ظالم 16/ 346.
عبد اللّه بن عامر 8/ 321.
عبد اللّه بن عباد 16/ 262.
عبد اللّه بن العباس 2/ 64، 4/ 170 - 199 - 306، 13/ 103، 15/ 292، 16/ 239، 18/ 5 - 203.
عبد اللّه بن العباس الربعي 13/ 277.
عبد اللّه بن العباس الربيعي 3/ 252، 7/ 303، 10/ 107 - 163 - 166، 11/ 337، 19/ 219 - 221 - 224 - 228 - 238 - 241 - 244 - 250 - 251 - 252 - 254 - 256.
عبد اللّه بن العباس بن الفضل بن الربيع 1/ 315، 4/ 102 - 353، 6/ 153 - 260، 7/ 148، 23/ 55.
عبد اللّه بن العباس الهذلي 2/ 63.
عبد اللّه بن عبد الرحمن 2/ 195.
عبد اللّه بن عبد الرحمن بن أسود 4/ 203.
عبد اللّه بن عبد الرحمن بن عيسى بن موسى 17/ 230.
عبد اللّه بن عبد الرحمن بن كعب 16/ 80 -
227.
عبد اللّه بن عبد الرحمن المدائني 13/ 18.
عبد اللّه بن عبد الرحيم 16/ 242.
عبد اللّه بن عبد الصمد الضبي 18/ 209.
عبد اللّه بن عبد العزيز 6/ 117.
عبد اللّه بن عبد العزيز بن أحمد 2/ 188.
عبد اللّه بن عبد العزيز بن محجن بن النصيب 9/ 45.
عبد اللّه بن عبد اللّه 6/ 345.
عبد اللّه بن عبد اللّه بن حمدون 18/ 368.
عبد اللّه بن عبد اللّه بن خرداذبة 17/ 317.
عبد اللّه بن عبد اللّه بن طاهر 10/ 100 - 107، 16/ 11 - 321 - 387 - 389.
عبد اللّه بن عبد الملك الهدادي 8/ 348.
عبد اللّه بن عثمان الكاتب 20/ 187 - 189 - 191.
عبد اللّه بن العجلان 9/ 54.
عبد اللّه بن عروة 7/ 115، 18/ 57.
عبد اللّه بن عروة بن الزبير 15/ 145.
عبد اللّه بن عطية 3/ 206، 4/ 17 - 95 - 109.
عبد اللّه بن علي 15/ 291.
عبد اللّه بن علي بن الأصمعي 9/ 54 - 59.
عبد اللّه بن علي بن الحسن 22/ 242.
عبد اللّه بن علي الحسن الهاشمي 21/ 376.
عبد اللّه بن علي بن عيسى بن ماهان 6/ 309.
عبد اللّه بن عمر 1/ 118، 16/ 298 -
299، 19/ 226.
عبد اللّه بن عمر بن أبي سعد 8/ 170.
عبد اللّه بن عمر الجمحي 4/ 253 - 146.
عبد اللّه بن عمر بن زيد الحكمي 22/ 12.
عبد اللّه بن عمر بن عثمان النحوي 1/ 368.
عبد اللّه بن عمر العمري 12/ 242.
عبد اللّه بن عمر القواريري 9/ 263.
عبد اللّه بن عمران 15/ 176.
عبد اللّه بن عمران بن أبي فروة 1/ 37 - 282 - 329، 4/ 236، 7/ 62.
عبد اللّه بن عمران الهروي 6/ 203.
عبد اللّه بن عمرو 5/ 172 - 282، 6/ 291 - 297، 7/ 34 - 54 - 55، 8/ 162 - 163، 11/ 336، 12/ 241، 13/ 277، 19/ 56 - 279.
عبد اللّه بن عمرو بن أبي سعد 7/ 11 - 21 - 56 - 104 - 148 - 172 - 173 - 185 - 188 - 190 - 204 - 216 - 242 - 246 - 249، 17/ 363، 19/ 63 - 145 - 148 - 149، 20/ 208 - 247.
عبد اللّه بن عمرو بن بشر 2/ 146 - 366.
عبد اللّه بن عمرو بن سعد 16/ 211 - 220.
عبد اللّه بن عمرو بن عثمان بن عفان 19/ 141.
عبد اللّه بن عمرو القيسي 10/ 290.
عبد اللّه بن عمرو الوراق 18/ 246.
عبد اللّه بن العمري 1/ 404.
عبد اللّه بن عون 17/ 361.
عبد اللّه بن عياش 3/ 365، 15/ 375، 20/ 76 - 212 - 307، 24/ 256.
عبد اللّه بن عياش المنتوف 2/ 192 - 349.
عبد اللّه بن عياش الهمذاني 1/ 153، 2/ 63 - 185، 6/ 34 - 212 - 272.
عبد اللّه بن عيسى الماهاني 10/ 120.
عبد اللّه بن فرقد 12/ 101.
عبد اللّه بن الفضل 22/ 50.
عبد اللّه بن قتادة 15/ 377.
عبد اللّه بن كريز 14/ 167.
عبد اللّه بن كريم 21/ 1.
عبد اللّه بن كنانة بن عباس 14/ 319.
عبد اللّه بن لاحق 15/ 309، 17/ 361.
عبد اللّه بن مالك 6/ 89، 15/ 350، 21/ 284 - 285 - 297 - 314 - 327 - 331 - 338 - 340 - 343 - 344 - 346 - 348 - 355 - 256 - 357 - 358 - 359 - 360 - 361 - 362 - 364 - 363 - 365 - 366 - 367 - 368 - 370 - 374 - 375 - 378 - 379 - 384، 23/ 2، 24/ 173 -
260.
عبد اللّه بن مالك الخزاعي 20/ 208 - 355.
عبد اللّه بن مالك النحوي 10/ 19 - 29، 22/ 34 - 35 - 37 - 39 - 81.
عبد اللّه بن المبارك 2/ 189، 11/ 37، 15/ 311، 17/ 216 - 360.
عبد اللّه بن المبارك بن عكرمة بن عمار 4/ 191.
عبد اللّه بن المحرز 18/ 187.
عبد اللّه بن محمد 3/ 342، 4/ 9 - 12 - 393، 7/ 148، 15/ 387.
عبد اللّه بن محمد بن أبي سلمة 19/ 157.
عبد اللّه بن محمد الأزدي 23/ 56.
عبد اللّه بن محمد بن إسحاق إبن أخت داهر بن نوح 17/ 218.
عبد اللّه بن محمد بن اسحاق الأدمي 1/ 20.
عبد اللّه بن محمد بن اسماعيل الجعفري 6/ 4 - 98، 7/ 255، 12/ 229.
عبد اللّه بن محمد بن الأموي العتبي 4/ 98.
عبد اللّه بن محمد بن أيوب 17/ 217.
عبد اللّه بن محمد الثقفي 15/ 220 - 246، 23/ 224.
عبد اللّه بن محمد بن جرير 16/ 387، 20/ 22.
عبد اللّه بن محمد بن الحكيم 9/ 9، 15/ 361 - 362 - 378، 16/ 322 - 324.
عبد اللّه بن محمد الحنفي 17/ 216.
عبد اللّه بن محمد بن خلاد 20/ 346.
عبد اللّه بن محمد بن خلف 22/ 273 - 275 - 279.
عبد اللّه بن محمد الرازي 1/ 31 - 157، 3/ 212، 4/ 86، 6/ 1 - 17 - 142، 12/ 258 - 311، 14/ 76، 77 - 83، 15/ 150، 20/ 420.
عبد اللّه بن محمد الطائي 1/ 110، 11/ 249، 17/ 225.
عبد اللّه بن محمد العامري 6/ 335.
عبد اللّه بن محمد بن عثمان العثماني 1/ 288 - 290.
عبد اللّه بن محمد بن عثمان بن عفان 1/ 371.
عبد اللّه بن محمد بن عثمان بن لاحق 23/ 162.
عبد اللّه بن محمد بن عمارة 4/ 237.
عبد اللّه بن محمد المروزي 21/ 79، 22/ 172.
عبد اللّه بن محمد المكي 6/ 295.
عبد اللّه بن محمد بن المنذر 16/ 243.
عبد اللّه بن محمد بن موسى بن عمر بن حمزة بن بزيع 19/ 58.
عبد اللّه بن محمد بن موسى بن طلحة 6/ 19، 10/ 87.
عبد اللّه بن محمد النباجي 24/ 256.
عبد اللّه بن محمد الهاشمي 3/ 280،
11/ 345.
عبد اللّه بن محمد اليزيدي 6/ 168، 11/ 258، 13/ 42، 17/ 183.
عبد اللّه بن محمد بن يسير 14/ 26 - 27 - 28 - 45 - 49.
عبد اللّه بن مروان 2/ 174.
عبد اللّه بن مروان بن معاوية الفزاري 18/ 205.
عبد اللّه بن مسعدة الفزاري 15/ 168.
عبد اللّه بن مسعود 4/ 177.
عبد اللّه بن مسلم 1/ 334، 3/ 74، 4/ 121 - 256، 9/ 161 - 167 - 213 - 266 - 310، 13/ 7 - 111، 15/ 169 - 370، 16/ 308 - 310 - 317.
عبد اللّه بن مسلم الدينوري 19/ 31 - 34.
عبد اللّه بن مسلم الفهري 6/ 73 - 202.
عبد اللّه بن مسلم بن قتيبة 9/ 21 - 90 - 92، 10/ 107، 12/ 242، 17/ 157 - 233 - 245، 18/ 30 - 33 - 101، 20/ 121.
عبد اللّه بن مسلمة بن أسلم 1/ 76.
عبد اللّه بن مسلمة القرشي الهشامي 13/ 31
عبد اللّه بن مصعب الزبيري 2/ 188، 3/ 299، 4/ 144 - 165 - 298، 6/ 343، 10/ 79، 12/ 217 - 262، 13/ 208، 15/ 4، 17/ 292 - 293 - 296،
19/ 142 - 168 - 172، 21/ 125، 22/ 36، 23/ 224، 20/ 202.
عبد اللّه بن معاذ 3/ 119 - 120.
عبد اللّه بن المعتز 7/ 293، 10/ 139 - 182 - 190 - 196 - 197 - 200 - 201 - 212 - 230 - 240 - 284، 11/ 345، 12/ 153، 16/ 12 - 246 - 255 - 400، 18/ 167، 21/ 55 - 59 - 63 - 64 - 66 - 67 - 69 - 70 - 71 - 75 - 76 - 77 - 78 - 84 - 85، 22/ 172 - 174.
عبد اللّه بن المعذل 8/ 52.
عبد اللّه بن المنذر 7/ 290.
عبد اللّه بن المؤمل العسكري 7/ 194.
عبد اللّه بن موسى 8/ 119، 12/ 4.
عبد اللّه بن موسى بن عبد اللّه بن الحسن 20/ 114 - 118.
عبد اللّه بن موسى بن محمد بن ابراهيم الامام 19/ 314.
عبد اللّه بن موسى الكاتب 10/ 283 - 284.
عبد اللّه بن نافع بن ثابت 1/ 73، 17/ 359.
عبد اللّه بن نصر المروزي 19/ 303.
عبد اللّه بن الوليد 5/ 262، 9/ 124.
عبد اللّه بن وهب 4/ 155، 16/ 232.
عبد اللّه بن يحي 16/ 232.
عبد اللّه بن يزيد 18/ 323.
عبد اللّه بن يزيد الصبهاني 17/ 363.
عبد اللّه بن يزيد الكاتب 13/ 253.
عبد اللّه بن يعقوب 21/ 118.
عبد المجيد بن أبي عيسى 17/ 122.
عبد الملك 8/ 41 - 42 - 67 - 73 - 288 - 290 - 294.
عبد الملك بن ابراهيم الطلحي 16/ 275.
عبد الملك بن الحارث الكلابي 8/ 296 - 297.
عبد الملك بن سليمان 19/ 190.
عبد الملك بن شيبان 14/ 368 - 380.
عبد الملك بن عبد العزيز 1/ 97 - 98 - 100 - 108 - 198، 3/ 289، 4/ 238 - 256 - 264 - 393، 6/ 14 - 227 - 258، 9/ 206 - 215 - 216، 10/ 92، 12/ 55، 15/ 264، 17/ 242، 22/ 124 - 305 - 307.
عبد الملك بن عبد العزيز بن يوسف الماجشون 21/ 116، 24/ 161 - 162.
عبد الملك بن عبد اللّه بن أبي سلمة 15/ - 263.
عبد الملك بن عفان 2/ 416 - 417 - 418 - 420.
عبد الملك بن عمر بن ابان النخعي 20/ 68.
عبد الملك بن عمير 9/ 101 - 159، 11/ 247، 15/ 218 - 371، 18/ 125.
عبد الملك بن عيسى الثقفي 16/ 80.
عبد الملك بن الماجشون 3/ 290 - 279، 4/ 239 - 249، 23/ 248.
عبد الملك بن محمد الرقاشي 2/ 33.
عبد الملك بن مروان 8/ 299، 14/ 263، 15/ 353.
عبد الملك بن مسلم 11/ 21، 24/ 47.
عبد الملك بن مسلمة القرشي الهشامي 13/ 31.
عبد الملك بن نوفل بن مساحق 7/ 288، 12/ 141، 15/ 150، 17/ 154، 18/ 288.
عبد الملك بن هشام 12/ 59.
عبد الملك بن هلال 9/ 236.
عبد الملك بن الوليد 8/ 53.
عبد الواحد بن ابراهيم بن محمد بن الخصيب 16/ 6.
عبد الواحد بن أبي عوف 16/ 196.
عبد الواحد بن أبي عون 4/ 197.
عبد الواحد بن زياد 4/ 137، 16/ 232.
عبد الواحد بن سعيد 21/ 404.
عبد الواحد بن العباس 9/ 234.
عبد الواحد بن عريف ثقيف 12/ 291.
عبد الواحد بن عمير 16/ 323.
عبد الواحد بن محمد 13/ 155.
عبد الوهاب بن ابراهيم الازدي 18/ 44.
عبد الوهاب الثقفي 4/ 192.
عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن مالك 16/ 242.
عبد الوهاب بن عبيد بن الصّحاف الكوفي 11/ 253.
عبد الوهاب بن عيسى الخراساني 21/ 70.
عبد الوهاب بن مجاهد 1/ 407، 2/ 366.
عبد الوهاب بن محمد بن عيسى 10/ 135.
عبد الوهاب بن مرار 19/ 264.
عبد الوهاب بن المؤذن 18/ 368.
عبد الوهاب بن يحي 17/ 172.
عبيد بن جناد 11/ 4.
عبيد بن الحسن بن عبد الرحمن 15/ 387.
عبيد بن محمد 19/ 310.
عبيد بن يعلى 1/ 246.
عبيد اللّه 9/ 122 - 314، 15/ 177.
عبيد اللّه بن أبي الشيص 3/ 194.
عبيد اللّه - عم محمد بن العباس اليزيدي 13/ 191 - 193 - 197، 18/ 9، 19/ 271.
عبيد اللّه بن أحمد بن الحارث القرشي 7/ 23.
عبيد اللّه بن أحمد الرازي 12/ 262.
عبيد اللّه بن اسحاق بن سلام 7/ 6.
عبيد اللّه بن حباب 22/ 17.
عبيد اللّه بن الحسن 14/ 167، 19/ 136.
عبيد اللّه بن خرداذبة 5/ 40، 6/ 154 - 161 - 173 - 240 - 283 - 294، 9/ 61.
عبيد اللّه بن زكريا الضرير 7/ 169.
عبيد اللّه بن سعد الزبيري 13/ 78 - 113.
عبيد اللّه بن سعد الزهري 9/ 254.
عبيد اللّه بن سعيد الزهري 7/ 57.
عبيد اللّه بن عبد اللّه 10/ 30، 19/ 289.
عبيد اللّه بن عبد اللّه بن أبي مليكة 17/ 174.
عبيد اللّه بن عبد اللّه بن خرداذبة 3/ 345، 15/ 251.
عبيد اللّه بن عبد اللّه بن طاهر 7/ 177، 8/ 353، 9/ 64 - 122، 10/ 41 - 139 - 140 - 226 - 227، 11/ 337 - 342، 20/ 333، 21/ 57 - 347 - 381.
عبيد اللّه بن عروة بن الزبير 20/ 200.
عبيد اللّه بن عطية الكوفي 4/ 17 - 59 - 109.
عبيد اللّه بن عمار 5/ 391، 7/ 23، 8/ 82، 13/ 119.
عبيد اللّه بن عمر العمري 19/ 217.
عبيد اللّه بن عوف 17/ 138.
عبيد اللّه بن فائد 11/ 188.
عبيد اللّه بن قطبة 8/ 137.
عبيد اللّه بن كعب بن مالك 7/ 357.
عبيد اللّه بن محمد بن أبي محمد اليزيدي 20/ 86 - 217 - 219 - 222 - 241 - 242 - 243 - 248 - 250 - 255.
عبيد اللّه بن محمد بن حبيب 17/ 25 - 31 - 34.
عبيد اللّه بن محمد بن عبد الملك 18/ 336.
عبيد اللّه بن محمد بن عبيد بن سفيان 16/ 203.
عبيد اللّه بن محمد الرازي 3/ 361، 5/ 133 - 135، 12/ 54 - 264 - 314، 13/ 91 - 133، 18/ 336.
عبيد اللّه بن محمد الزيات 13/ 84، 19/ 231، 23/ 48.
عبيد اللّه بن محمد العنبري 12/ 299 - 326.
عبيد اللّه بن محمد القرشي 21/ 392.
عبيد اللّه بن محمد الكوفي 7/ 109.
عبيد اللّه بن يحي بن فرقد 13/ 338.
عبيد اللّه بن اليزيدي 3/ 328، 11/ 13 - 29، 12/ 132 - 331.
عبدة بن سليمان 12/ 300.
عبدة بن الطبيب 14/ 84 - 90.
عبدة بن عصمة 9/ 109، 22/ 340.
عبيدة 14/ 239.
عبيدة بن أشعب الطامع 19/ 135 - 157 - 159 - 160 - 174 - 175 - 180.
عبيدة بن الحسن 13/ 339 - 342.
عبيدة السمعاني 15/ 228.
العبسي 10/ 268.
عتاب بن إبراهيم 19/ 138.
عتاب بن زياد 13/ 191.
عتاب بن سلمة 16/ 227.
العتابي 1/ 288 - 290، 11/ 347، 14/ 359 - 167، 19/ 248، 20/ 82، 21/ 55، 23/ 177 - 178.
عتبة بن الحارث 15/ 345 - 346.
عتبة بن الحارث بن شهاب 14/ 78.
عتبة بن عمر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام 6/ 345، 21/ 111.
عتبة بن المنهال المهلبي 2/ 244.
عتبة بن هشام 4/ 285.
عتبة القرشي الكريزي 13/ 297.
العتبي 1/ 31 - 34 - 174 - 336 - 375، 2/ 8 - 24 - 46 - 52 - 253 - 204، 3/ 100، 4/ 220 - 309، 6/ 70 - 80 - 222 - 228، 7/ 44 - 56 - 106 - 247، 8/ 80 - 280، 9/ 193 - 201 - 264، 10/ 83، 11/ 193 - 295 - 303، 12/ 55 - 57 - 166 - 319 - 326، 13/ 33 - 69 - 259 - 277 - 291 - 305 - 329، 14/ 287، 15/ 353 - 245 - 249 - 392، 17/ 109، 18/ 36 -
202 - 203 - 312، 19/ 11 - 208 - 218، 20/ 296 - 309 - 313 - 396 - 398، 21/ 375، 22/ 123 - 217 - 266 - 339.
العتكي 8/ 418.
عثعث أسود 14/ 211 - 213 - 215.
عثمان 8/ 342.
عثمان بن ابراهيم الحاطبي 1/ 174، 4/ 280 - 281، 16/ 183، 17/ 172، 22/ 26.
عثمان بن أبي الزناد 17/ 167.
عثمان بن أبي سليمان 12/ 216.
عثمان بن أبي العلاء 21/ 80.
عثمان بن حاضر 4/ 131.
عثمان بن حفص الثقفي 1/ 283 - 286 - 342 - 344 - 363 - 364 - 366، 4/ 296 - 319، 6/ 109 - 121 - 125 - 171 - 197، 10/ 160، 12/ 291 - 113.
عثمان بن خالد العثماني 21/ 401.
عثمان بن ساج 15/ 12 - 14.
عثمان بن سعيد 7/ 258، 15/ 191.
عثمان بن سفيان العطار 14/ 331.
عثمان بن سليمان 9/ 328.
عثمان بن سويد 15/ 300 - 302.
عثمان بن الضحاك الحزامي 6/ 124.
عثمان بن عبد الرحمن 3/ 120، 7/ 53، 9/ 109.
عثمان بن عبد الرحمن بن جوشن 6/ 344.
عثمان بن عبد الرحمن بن عثمان بن عبيد اللّه التيمي 17/ 294.
عثمان بن عبد الرحمن بن نميرة البدوي 2/ 325.
عثمان بن عبد الرحمن اليربوعي 1/ 61.
عثمان بن عبد الوهاب 20/ 265.
عثمان بن عروة بن الزبير 1/ 77.
عثمان بن عثمان 8/ 78.
عثمان بن عفان 1/ 20 - 66، 2/ 325.
عثمان بن عمر الآجري 7/ 154.
عثمان بن عمرو الثقفي 3/ 206.
عثمان بن عمرو بن حوس 9/ 142.
عثمان بن محمد 19/ 138، 20/ 189 - 190.
عثمان بن محمد الليثي 15/ 36.
عثمان بن المرقي 9/ 122.
عثمان بن المنذر 19/ 158.
عثمان بن موسى 20/ 261.
عثمان بن نمير 24/ 216.
عثمان الوراق 13/ 114.
العثماني 8/ 120.
العجاج بن رؤبة 20/ 246 - 247.
عجرمة 2/ 268.
العجلي 14/ 333.
العجير 8/ 262 - 263.
العدوي 24/ 83.
عدي بن حاتم 5/ 145، 17/ 325.
عدي بن زيد 9/ 171.
العذري 22/ 260 - 267.
عرام بن حازم بن عطية الكلبي 24/ 21 - 24.
العرجي 19/ 217.
عردة بن حزام 9/ 195.
عروة 9/ 159، 14/ 147.
عروة بن أذينة 1/ 398.
عروة بن الزبير 1/ 20، 2/ 117 - 119، 17/ 360، 21/ 9، 24/ 162 - 164.
عروة بن عبد اللّه بن عروة بن الزبير 1/ 398، 18/ 320 - 326.
عروة بن هشام 17/ 167 - 212 - 290 - 293 - 358.
عروة بن يزيد الخضري 22/ 41.
عروة بن يوسف الثقفي 4/ 54 - 129.
عريب 14/ 212 - 213.
عزيز بن طلحة 20/ 202.
عزيزة بن طلحة بن عبد اللّه المخزومي 19/ 188.
عسل بن ذكوان 20/ 295 - 297.
عطاء 1/ 71، 15/ 151.
عطاء بن أبي رباح 12/ 336.
عطاء بن عاصم بن الحدثان 15/ 339.
عطاء بن محجن العنزي 4/ 4.
عطاء بن مسلم 22/ 17.
عطاء بن مصعب 2/ 409 - 422،
6/ 198 - 345، 12/ 24 - 26 - 31، 14/ 310، 15/ 336 - 338 - 390، 16/ 220 - 298، 19/ 209.
عطاء بن مصعب القرشي 11/ 237.
عطاء الملط 18/ 172.
عطاف بن خالد الوابصي 1/ 84، 4/ 155.
عطاف بن عاصم بن الحدثان 11/ 258.
العطاف بن هارون 9/ 22.
عطرد 8/ 174.
العطوي 8/ 254.
عفاف بن مسلم 15/ 388.
عفّان 16/ 97.
عقبة 8/ 169.
عقال بن صعصعة 21/ 282.
عقال بن كسيب أبو الخنساء العنبري 21/ 279.
عقبة الجهني 9/ 16.
عقبة بن سلم بن نافع بن الأزدهاني 21/ 122.
عقبة بن مالك الديلي 7/ 266.
عقيد المغني 20/ 213.
عقيل بن عمرو 7/ 69 - 83.
عكاشة اليزيدي 6/ 335.
عكرمة 4/ 128 - 129 - 130 - 171 - 192 - 199 - 205، 6/ 329 - 352، 7/ 258، 8/ 319، 12/ 5 - 66،
16/ 176، 17/ 32، 24/ 164.
عكرمة بن جرير 10/ 288 - 289.
العكلي 11/ 52، 16/ 253.
العلاء بن أبي كثير 4/ 199.
العلاء بن أسلم 18/ 34، 21/ 343 - 344.
العلاء بن برد 18/ 46.
العلاء البندار 7/ 72.
العلاء بن جرير 8/ 60 - 286.
العلاء بن جرير العنبري 16/ 86.
العلاء بن سويد المنقري 7/ 83.
العلاء بن عمرو بن الزبير 16/ 319.
العلاء بن عبد اللّه الموقع 15/ 367.
العلاء العنزي 4/ 154.
العلاء بن الفضل 12/ 286.
العلاء بن الفضل بن عبد الملك بن أبي سوية 8/ 382 - 407، 21/ 379 - 394.
العلاء بن هارون 17/ 360.
العلاف 5/ 231.
العلالي 20/ 202.
علان بن الحسن الشعوبي 14/ 87.
علقمة البكري 5/ 129.
علقمة بن سعد 18/ 140.
علقمة الضبي 20/ 255.
علقمة بن علاثة 9/ 120.
علقمة بن محجن الخزاعي 12/ 55.
علقمة بن نصر بن واصل النمري 13/ 151.
علوية 11/ 359، 21/ 75 - 76.
علوية الأعسر 16/ 313 - 320.
علي بن إبراهيم الكاتب 10/ 112.
علي بن ابراهيم المروزي 3/ 199.
علي بن ابراهيم بن المعلي 16/ 176، 17/ 30.
علي بن أبي سليمان 15/ 66.
علي بن أبي طالب 1/ 18، 13/ 116 - 17/ 325، 18/ 56.
علي بن أبي عامر السهمي المصري 11/ 72.
علي بن أبي العباس بن أبي طلحة الكاتب 23/ 208 - 213.
علي بن أبي نخيلة 20/ 402 - 410 - 421.
علي بن أبي هاشم 16/ 95.
علي بن أحمد الباهلي 6/ 303، 18/ 6 - 10، 21/ 117.
علي بن أحمد حاتم التميمي 12/ 4.
علي الاسدي 5/ 274.
علي بن اسماعيل 10/ 239.
علي بن اسماعيل الهيثمي 7/ 251.
علي بن أمية 23/ 140.
علي بن أياس 3/ 232.
علي بن بشر الجشمي 12/ 365.
علي بن بشر بن سعيد الرازي 9/ 18.
علي بن ثور 10/ 92.
علي بن جبلة 8/ 256.
علي بن الجعد 12/ 301، 15/ 134.
علي بن الجهم 7/ 169 - 172،
10/ 210 - 214 - 217، 12/ 81 - 82، 16/ 386، 18/ 223 - 251، 22/ 201 - 202 - 203.
علي بن الحباب 11/ 5.
علي بن حرب 17/ 248 - 374.
علي بن حرب الطائي 3/ 185.
علي بن حرب الموصلي 9/ 144.
علي بن الحسن 3/ 258، 19/ 36 - 190، 20/ 127.
علي بن الحسن بن الاعرابي 18/ 346.
علي بن الحسن بن أيوب النبيل 20/ 264.
علي بن الحسن الشيباني 6/ 306 - 309، 14/ 199، 15/ 63، 18/ 315، 19/ 274 - 275، 22/ 251 - 340.
علي بن الحسن بن عبد الاعلى 23/ 62 - 73.
علي بن الحسن بن عبد البكري 13/ 153.
علي بن الحسن بن علي 15/ 352.
علي بن الحسن بن علي بن الحسين 7/ 252.
علي بن الحسن الكوفي 10/ 94.
علي بن الحسن الواسطي 19/ 262.
علي بن الحسين 4/ 84، 21/ 71.
علي بن الحسين بن أبي طلحة 20/ 282 - 285.
علي بن الحسين الاسكافي 10/ 49 - 187 - 231.
علي بن الحسين الاصبهاني 23/ 146، 24/ 65.
علي بن الحسين بن الاعرابي 18/ 346.
علي بن الحسين الشيباني 13/ 145 - 148، 14/ 97.
علي بن الحسين بن عبد الاعلى 8/ 179، 10/ 51، 16/ 260، 19/ 42 - 74 - 91 - 306، 20/ 337، 21/ 128.
علي بن الحسين بن عبد السميع المروزي 14/ 134.
علي بن الحسين بن هارون 19/ 145.
علي بن خالد البرمكي 14/ 108.
علي بن رباح 21/ 123.
علي بن رستم النحوي 20/ 190.
علي بن زيد 21/ 305، 22/ 303.
علي بن زيد بن جدعان 9/ 141، 17/ 91 - 357.
علي بن زيد بن عطاء 16/ 262.
علي بن سعد بن اياس الشيباني 16/ 405.
علي بن سعيد بن بشر الرازي 18/ 11.
علي بن سليمان 14/ 26.
علي بن سليمان أبو سعيد السكري 8/ 13.
علي بن سليمان الاخفش 2/ 294 - 20 - 97 - 272 - 407 - 140 - 171 - 263 - 415 - 421، 3/ 2 - 10 - 70 - 77 - 78 - 172 - 266، 4/ 21 - 49 - 68 - 351 - 409، 5/ 27 - 35 - 60 - 305 - 369 - 385، 6/ 58 - 105 - 224 - 255 - 296، 7/ 63 - 65 -
172 - 208 - 236 - 237 - 252 - 253، 8/ 180 - 237 - 243 - 248 - 256 - 257 - 307 - 332 - 353 - 371 - 416، 9/ 223 - 234 - 237، 10/ 60 - 65 - 66 - 67 - 75 - 116 - 124 - 155 - 173 - 197 - 236 - 237، 11/ 55 - 57 - 61 - 71 - 72 - 120 - 124 - 164 - 196 - 210 - 259 - 269 - 271 - 274 - 281 - 297 - 310 - 364 - 368 - 369، 12/ 21 - 73 - 74 - 94 - 101 - 133 - 153 - 171 - 198 - 205 - 209 - 239 - 224 - 229 - 322، 13/ 64 - 111 - 154 - 231 - 237 - 239 - 243 - 244 - 277، 14/ 263 - 348 - 349 - 360 - 33 - 47 - 133 - 181 - 184، 15/ 103 - 111 - 345 - 350 - 380 - 381 - 222 - 248 - 270 - 312 - 341، 16/ 19 - 25 - 77 - 203 - 204 - 235 - 248 - 280 - 307 - 391 - 398، 17/ 38 - 77 - 93 - 114 - 129 - 174 - 187 - 210 - 233 - 238 - 318 - 329، 18/ 23 - 25 - 34 - 42 - 94 - 170 - 172 - 177 - 180 - 184 - 192 - 254 - 239 - 333 - 334 - 341 - 346، 19/ 1 - 7 - 10 - 31 - 32 - 43 - 99 - 102،
20/ 22 - 24 - 66 - 67 - 72 - 75 - 80 - 84 - 86 - 107 - 113 - 123 - 124 - 131 - 132 - 45 - 153 - 172 - 246 - 329 - 336 - 349 - 384، 21/ 4 - 26 - 37 - 42 - 44 - 45 - 47 - 48 - 87 - 92 - 175 - 196 - 208 - 227 - 248 - 370، 22/ 31 - 34 - 107 - 182 - 231 - 286 - 316 - 351، 24/ 53 - 127 - 129 - 165 - 206 - 211 - 213 - 245.
علي بن سليمان بن أيوب 2/ 294.
علي بن سليمان النحوي 396.
علي بن سليمان النوفلي 4/ 72 - 74 - 85 - 136 - 370، 9/ 50 - 52 - 53 - 115 - 126 - 247.
علي بن سهل 2/ 37.
علي بن شفيع 9/ 109، 22/ 340.
علي بن صالح 6/ 34 - 343، 8/ 53 - 104 - 144 - 162 - 170 - 223، 12/ 113، 23/ 98.
علي بن صالح - كاتب الحسن بن رجاء - 7/ 115 - 158.
علي بن صالح بن سليمان 18/ 39 - 57.
علي بن صالح صاحب المصلى 17/ 58 - 217 - 282 - 293 - 296.
علي بن صالح بن الهيثم 1/ 61 - 67 - 71 - 75 - 82 - 89 - 105 - 109 - 112 - 116 - 119 - 134 - 145 - 153 -
154 - 161 - 166 - 232 - 213 - 365 - 383، 2/ 357 - 370، 3/ 202 - 313، 4/ 268 - 377، 7/ 95، 9/ 19 - 50 - 108 - 163 - 173 - 219 - 239، 10/ 172، 14/ 140، 15/ 290، 16/ 140 - 258 - 280، 17/ 234، 20/ 123 - 126 - 222، 22/ 8 - 26 - 27 - 284.
علي بن صالح بن الهيثم الانباري الكاتب 1/ 120، 4/ 78، 13/ 118 - 119 - 272، 18/ 228، 19/ 77.
علي بن الصباح 1/ 259 - 2/ 4 - 21 - 68 - 75 - 84 - 128 - 131 - 132 - 142، 3/ 214، 4/ 54 - 218، 5/ 330، 7/ 158، 9/ 78، 11/ 67، 13/ 67 - 262، 14/ 264 - 378 - 69، 15/ 362، 16/ 204 - 374 - 17/ 71 - 83، 18/ 95 - 142 - 288 - 304، 19/ 61 - 103 - 108، 22/ 90، 23/ 98.
علي بن الصباح بن أبي طلحة 20/ 188 - 189 - 190 - 191.
علي بن الصباح بن الفرات 20/ 264.
علي بن الصباح بن هشام بن محمد الكلبي 12/ 169 - 241.
علي بن الصباح بن الهيثم الانباري 12/ 9.
علي بن طريف الأسدي 1/ 17.
علي بن طيفور بن غالب النسائي 18/ 149.
علي بن عاصم 4/ 138، 21/ 391.
علي بن العباس 7/ 216 - 218 - 220.
علي بن العباس بن أبي طلحة الكاتب 7/ 147 - 152 - 159 - 160 - 161 - 169 - 174 - 177 - 178 - 183 - 185 - 188 - 190 - 191، 10/ 230 - 233، 12/ 83، 16/ 368، 18/ 156 - 158 - 159 - 160 - 161، 23/ 211، 22/ 181 - 182 - 185.
علي بن العباس الرومي 7/ 175.
علي بن عباس النوبختي 21/ 41.
علي بن العباس بن الوليد البجلي 12/ 4 - 5.
علي عبد الاعلى 5/ 353، 23/ 72.
علي بن عبد العزيز 3/ 303 - 345، 4/ 269 - 330، 6/ 154 - 283 - 294، 8/ 249 - 277، 9/ 61 - 64 - 105، 12/ 103، 15/ 251، 16/ 191، 17/ 317، 18/ 343 - 370، 19/ 289، 21/ 55 - 59.
علي بن عبد الكريم 5/ 243.
علي بن عبد اللّه بن أبي سعد 4/ 71 - 72.
علي بن عبد اللّه السدوسي 7/ 256.
علي بن عبد اللّه بن سعد 20/ 151 - 170،
23/ 189.
علي بن عبد اللّه الكندي 4/ 101.
علي بن عبد اللّه بن محمد بن المهاجر 8/ 88.
علي بن عبد اللّه بن معاوية بن ميسرة بن شريح 17/ 215.
علي بن عبد الملك الكعبي 8/ 83.
علي بن عبيد الكوفي 16/ 24، 19/ 36 - 62.
علي بن عبيدة الريحاني 4/ 7.
علي بن عبيدة الشيباني 14/ 181.
علي بن عثمان الكلابي 13/ 339 - 344.
علي بن عمر 24/ 139.
علي بن عمران 23/ 194.
علي بن عمرو 7/ 60، 19/ 36 - 50.
علي بن عمرو الانصاري 20/ 10 - 57، 12/ 8.
علي بن عمرو بن شيبان 20/ 124 - 165 - 167.
علي بن عمروس الانصاري 13/ 293، 19/ 62، 20/ 93.
علي بن عيسى بن جعفر الهاشمي 19/ 255.
علي بن الفضل السلمي 18/ 212 - 232.
علي بن القاسم 8/ 256، 13/ 293، 20/ 24، 21/ 30.
علي بن القاسم بن بشير 15/ 130.
علي بن القاسم بن علي بن سليمان طارمة 14/ 17 - 41.
علي الكاتب 5/ 400.
علي بن المارقي 6/ 180 - 181.
علي بن المبارك الاحمر 18/ 208.
علي بن المبارك القضاعي 19/ 269.
علي بن مجاهد 2/ 200، 6/ 330، 12/ 141، 15/ 218، 16/ 140، 17/ 63.
علي بن محمد 3/ 170 - 174 - 178 - 245 - 304، 5/ 208 - 289 - 291، 8/ 251، 10/ 137، 11/ 5.
علي بن محمد - حفيد حمدون - 11/ 348.
علي بن محمد البرمكي 9/ 34.
علي بن محمد البقال 7/ 269.
علي بن محمد بن بكر 10/ 98.
علي بن محمد بن حباب بن مولى 16/ 94 - 99.
علي بن محمد الحسيني 17/ 23.
علي بن محمد الشامي 15/ 331 - 274.
علي بن محمد بن علي 17/ 26.
علي بن محمد بن عيسى بن يزيد 16/ 323.
علي بن محمد بن الفرات 21/ 73.
علي بن محمد المدائني 4/ 123، 12/ 328 - 261 - 262، 15/ 208 - 214 - 216 - 217 - 218 - 220، 21/ 149.
علي بن محمد بن نصر البسامي 18/ 304 - 308 - 329 - 342 - 360 - 368.
علي بن محمد بن نصر المهلبي 6/ 169،
7/ 155 - 213 - 225 - 226، 8/ 357، 9/ 297 - 318، 10/ 112 - 120، 19/ 145 - 263 - 272.
علي بن محمد النوفلي 4/ 87 - 136 - 349، 6/ 245 - 286 - 291 - 294، 7/ 58 - 72 - 151 - 230 - 231 - 232 - 246 - 261 - 272، 8/ 346، 9/ 52 - 53 - 174، 10/ 71 - 77 - 83 - 95 - 162، 12/ 35 - 74 - 228 - 231 - 232 - 233 - 258، 13/ 181 - 233 - 275 - 278 - 279 - 280 - 290، 14/ 99 - 369، 15/ 63 - 277، 16/ 304 - 306، 17/ 15 - 67 - 338، 18/ 12 - 36 - 55 - 70 - 71 - 175 - 176 - 180 - 183 - 189 - 209 - 254 - 255 - 343، 20/ 6 - 65 - 188 - 393 - 404 - 416، 21/ 255 - 263 - 268، 22/ 282، 23/ 161، 24/ 239.
علي بن محمد الهاشمي 4/ 29 - 110، 7/ 296 - 297، 18/ 69، 23/ 177.
علي بن المديني 17/ 88.
علي بن مسرور 6/ 242.
علي بن مسلم 10/ 235، 24/ 257.
علي بن مسلم الهشامي 16/ 242.
علي بن مسلم بن الهيثم الكوفي 13/ 150 - 158.
علي بن المسور 15/ 362.
علي بن المسور بن عمرو 10/ 160.
علي بن المغيرة 7/ 256، 9/ 311، 10/ 21، 11/ 59، 18/ 45.
علي بن المغيرة الاثرم 2/ 39.
علي بن المفضل 6/ 162.
علي بن المنذر الطريفي 15/ 228.
علي بن منصور المؤدب 13/ 315.
علي بن المهدي 3/ 140 - 144 - 149 - 151 - 173 - 192 - 199 - 201 - 206 - 207 - 213 - 225 - 234، 4/ 6 - 43 - 52 - 67 - 70 - 72 - 74 - 93 - 94 - 95 - 96 - 100 - 109، 14/ 348 - 349.
علي بن موسى الحميري 12/ 5.
علي بن نجيح 20/ 304.
علي بن نصر 5/ 205 - 208.
علي بن النطاح 16/ 241 - 247.
علي بن هارون 5/ 282.
علي بن هارون بن علي بن يحي المنجم 19/ 307، 10/ 133 - 138 - 139 - 140 - 277.
علي بن هشام 5/ 310، 10/ 105، 17/ 325، 21/ 90.
علي بن الهشامي 10/ 188.
علي بن الهيثم 5/ 301.
علي بن الهيثم اليزيدي 22/ 205.
علي بن يحي 6/ 31، 7/ 69 - 145 - 198 - 199 - 214 - 221، 8/ 208، 9/ 62 - 284، 10/ 53 - 133 - 137، 15/ 156 - 391، 16/ 12 - 15 - 22 - 274 - 311 - 316، 23/ 146.
علي بن يحي المنجم 1/ 252، 2/ 223، 3/ 148، 155، 194، 4/ 115، 5/ 270 - 372 - 286 - 413، 7/ 146 - 162، 11/ 334 - 359، 12/ 49 - 50 - 81 - 85 - 86، 14/ 135 - 140، 17/ 114 - 115 - 236، 19/ 85 - 221 - 225 - 231 - 263 - 312، 20/ 46 - 53 - 85 - 323، 21/ 43 - 53 - 54 - 67 - 78 - 79 - 84، 22/ 200 - 201، 24/ 46.
علي بن يزيد 16/ 94، 20/ 338 - 339.
علي بن يوسف 20/ 193، 21/ 40.
علية بن المهدي 9/ 252.
عم الزبير بن بكار 23/ 197، 24/ 237.
عم صاحب الاغاني 17/ 36 - 40 - 129، 18/ 75 - 104 - 122 - 125 - 136 - 140 - 144 - 156 - 159 - 160 - 178 - 180 - 181 - 183 - 196
198 - 202 - 203 - 204 - 205 - 206 - 218 - 224 - 226 - 229 - 232 - 249 - 290 - 297 - 304 - 308 - 317 - 346 - 360 - 368 - 21/ 13 - 41 - 120 - 125 - 128 - 149 - 201 - 202 - 203 - 205 - 214 - 279 - 284 - 285 - 340 - 396 - 401، 22/ 7 - 44 - 86 - 93 - 128 - 159 - 161 - 168 - 175 - 182 - 217 - 263 - 266 - 274 - 278 - 330 - 355، 23/ 23 - 47 - 56 - 62 - 72 - 91 - 96 - 103 - 104 - 105 - 109 - 120 - 135 - 136 - 139 - 155 - 158 - 189 - 190 - 200 - 206 - 208 - 214، 24/ 17 - 83 - 94 - 137 - 162 - 209 - 215.
عمار 8/ 272.
عمار بن اياس بن سعيد بن عيينة 19/ 188.
عمار الدهني 17/ 341.
عمار بن زريق 17/ 325.
عمارة 5/ 66.
عمارة بن ثقيف 18/ 11.
عمارة بن حمزة 1/ 408.
عمارة بن عقيل 16/ 219، 18/ 9 - 10 - 13 - 23 - 33، 19/ 98 - 102، 21/ 387، 24/ 212.
عمارة بن عقيل بن بلال 8/ 72 - 199.
العماري 22/ 107.
عمامة بن عمر 1/ 108.
عمامة بن عمرو السهمي 4/ 186.
عمر 4/ 142 - 143 - 144 - 146 - 153.
عمر بن ابراهيم 8/ 112.
عمر بن ابراهيم السعدي 1/ 351، 8/ 127، 17/ 93.
عمر بن ابراهيم العويني 8/ 122.
عمر بن أبي بكر 8/ 133، 16/ 296.
عمر بن أبي بكر المؤملي 6/ 211، 8/ 120 - 125، 9/ 5 - 9 - 10 - 17 - 21، 12/ 177 - 180، 15/ 143، 16/ 194، 18/ 331، 21/ 96.
عمر بن أبي الموصلي 4/ 123 - 239 - 261 - 268، 21/ 96
عمر بن أبي خليفة 1/ 265.
عمر بن أبي ربيعة 8/ 139 - 144 - 210 - 206 - 207.
عمر بن أبي زائدة 11/ 5.
عمر بن أبي سلمان 4/ 262.
عمر بن أبي الموالي 21/ 116.
عمر بن أحمد 5/ 28.
عمر بن أدعج 4/ 83.
عمر بن إسماعيل بن أبي غيلان الثقفي 6/ 345.
عمر بن أمية 4/ 229.
عمر بن أيوب 5/ 141.
عمر بن أيوب الليثي 4/ 396.
عمر بن بانة 4/ 115 - 283
عمر بن ثابت 16/ 139.
عمر بن جبلة 7/ 47.
عمر بن جميل العتكي 2/ 6 - 37.
عمر بن حفص بن أبي كلاب 3/ 348.
عمر بن خالد بن عاصم 18/ 75.
عمر بن الخطاب 4/ 191، 8/ 244.
عمر الدمشقي 5/ 142.
عمر بن الركاء 1/ 72.
عمر بن زيد 22/ 12.
عمر بن الزيدان المرادي 11/ 7.
عمر بن سعد 1/ 265، 16/ 91، 18/ 288.
عمر بن سعيد 11/ 321.
عمر بن سلام 15/ 331.
عمر بن شبة 1/ 18 - 33 - 36 - 37 - 42 - 62 - 71 - 110 - 114 - 209 - 224 - 246 - 248 - 265 - 331 - 336 - 347 - 399 - 405 - 410، 2/ 2 - 3 - 6 - 10 - 11 - 21 - 22 - 25 - 27 - 87 - 185 - 195 - 209 - 215 - 225 - 244 - 242 - 239 - 238 - 227 - 247 - 250 - 269 - 312 - 359 - 360 - 363 - 364 - 367 - 373 - 394 - 398 - 399 - 400 - 401، 3/ 13 - 73 - 74 - 75 - 91 - 94 - 117 - 130 - 34 - 143 - 150 - 144 -
152 - 154 - 217 - 203 - 190 - 174 - 319 - 316 - 247 - 240 - 225 - 221 - 219 - 313 - 324 - 351 - 356 - 357 - 361 - 362 - 365، 4/ 60 - 88 - 100 - 121 - 124 - 127 - 129 - 136 - 137 - 138 - 141 - 142 - 145 - 151 - 154 - 155 - 158 - 163 - 220 - 234 - 236 - 246 - 267 - 277 - 332 - 347 - 349 - 350 - 353 - 375 - 399 - 400 - 413 - 418، 5/ 6 - 7 - 27 - 68 - 119 - 122 - 128 - 130 - 137 - 143 - 149 - 166 - 170 - 181 - 190 - 236 - 242 - 248 - 254 - 255 - 302 - 342 - 347 - 371، 6/ 11 - 19 - 20 - 23 - 24 - 28 - 34 - 117 - 121 - 123 - 142 - 148 - 154 - 155 - 161 - 164 - 171 - 190 - 191 - 194 - 204 - 254 - 255 - 264 - 269 - 285 - 304، 7/ 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 24 - 31 - 50 - 52 - 69 - 70 - 71 - 83 - 92 - 120 - 183 - 215 - 236 - 258 - 277 - 289 - 294، 8/ 12 - 51 - 64 - 97 - 104 - 106 - 122 - 152 - 208 - 244 - 272 - 284 - 288 - 294 - 298 - 300 - 301 - 306 - 318 - 324 - 334 -
351 - 384 - 386 - 406 - 407، 9/ 5 - 6 - 7 - 8 - 11 - 12 - 13 - 125 - 127 - 157 - 159 - 175 - 176 - 177 - 181 - 200 - 224 - 227 - 229 - 236 - 263 - 266 - 267 - 268 - 291 - 308 - 324 - 328 - 330 - 339 - 28 - 32 - 33 - 78 - 105 - 109 - 110 - 111 - 145 - 121 - 122 - 67 - 78 - 92 - 21 - 22، 10/ 21 - 78 - 80 - 81 - 237 - 256 - 288 - 290 - 304 - 305 - 306، 11/ 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 10 - 13 - 20 - 26 - 28 - 35 - 37 - 38 - 70 - 75 - 191 - 192 - 193 - 199 - 205 - 210 - 243 - 249 - 273 - 274، 12/ 36 - 44 - 107 - 113 - 118 - 141 - 143 - 174 - 175 - 197 - 198 - 231 - 249 - 286 - 301 - 314 - 328، 13/ 31 - 93 - 118 - 127 - 164 - 191 - 262 - 263 - 266 - 267 - 303، 14/ 322 - 323 - 327 - 329 - 345 - 368 - 377 - 380 - 363، 15/ 11 - 21 - 22 - 29 - 31 - 52 - 106 - 122 - 124 - 127 - 128 - 129 - 130 - 131 - 134 - 135 - 139 - 140 - 143 - 144 - 145 - 149 - 151 - 157 - 168 - 176 - 208 - 213 - 214 - 215 - 216 -
217 - 228 - 224 - 253 - 283 - 291 - 305 - 309 - 323 - 324 - 361 - 362 - 368 - 369 - 370 - 372 - 371 - 378 - 385 - 389، 16/ 32 - 34 - 71 - 85 - 87 - 88 - 94 - 99 - 100 - 135 - 139 - 154 - 159 - 161 - 167 - 181 - 183 - 191 - 230 - 231 - 232 - 248 - 276 - 278 - 297 - 298 - 300 - 301 - 322 - 323 - 324، 17/ 24 - 35 - 83 - 86 - 87 - 89 - 159 - 165 - 168 - 225 - 230 - 231 - 300 - 343 - 344 - 358 - 360 - 361، 18/ 14 - 15 - 30 - 31 - 33 - 35 - 36 - 48 - 174 - 176 - 186 - 187 - 214 - 255 - 258 - 265 - 269 - 271 - 272 - 296 - 322 - 324 - 326 - 347 - 349 - 350 - 370، 19/ 7 - 8 - 132 - 136 - 139 - 176 - 190 - 208 - 209 - 212، 20/ 37 - 62 - 78 - 205 - 210 - 295 - 297 - 298 - 311 - 312 - 345 - 347 - 351 - 352 - 363 - 365 - 366 - 391، 21/ 14 - 30 - 65 - 108 - 119 - 120 - 121 - 122 - 123 - 125 - 202 - 227 - 291 - 296 - 309 - 387 - 392 - 393 - 394 - 400،
22/ 17 - 117 - 126 - 129 - 231 - 265 - 284 - 306، 23/ 86 - 220، 24/ 84 - 145 - 152 - 159 - 160 - 161 - 164 - 169 - 170 - 173 - 174 - 176 - 177 - 180 - 182 - 185 - 187 - 189 - 193 - 238.
عمر بن شمر 15/ 149.
عمر بن عبد الرحمن بن حفص النسائي 15/ 246.
عمر بن عبد العزيز بن أبي ثابت 13/ 205.
عمر بن عبد العزيز بن مروان 9/ 273، 12/ 204، 15/ 128، 17/ 243 - 290 - 343.
عمر بن عبد الغفار 21/ 119.
عمر بن عبد اللّه - أبو حفص النحوي - 20/ 184.
عمر بن عبد اللّه بن جميل العتكي 4/ 347، 12/ 231، 16/ 135، 18/ 110، 21/ 119 - 121 - 122 - 125.
عمر بن عبد اللّه بن خالد المعيطي 9/ 27.
عمر بن عبد اللّه الليثي 10/ 288.
عمر بن عثمان الزهري 22/ 223.
عمر بن علي الفلاس 6/ 355.
عمر بن علي بن مقدم 4/ 151.
عمر الفضيل 19/ 263.
عمر القاريء بن مري 1/ 52.
عمر بن القاسم بن الحسن 17/ 172.
عمر بن القاسم بن المعتمر الزهري 20/ 372.
عمر بن محروس الوراق بن اقيصر السلمي 18/ 324.
عمر بن محمد بن عبد الملك 3/ 249 - 250، 7/ 168، 8/ 77 - 80، 9/ 23 - 43 - 50 - 149 - 319، 13/ 286 - 307، 14/ 331، 20/ 93، 21/ 388، 23/ 46 - 91 - 134، 24/ 145.
عمر بن محمد بن يحي بن الحارث بن إسحاق 21/ 122.
عمر بن مصعب 9/ 37.
عمر بن معاوية 4/ 4.
عمر بن معن 4/ 29.
عمر بن موسى الجمحي 10/ 289.
عمر بن موسى بن عبد العزيز 4/ 251.
عمر بن نصر الكاتب 23/ 62 - 96 - 109.
عمر بن نوح بن جرير 18/ 350.
عمر بن هلال 9/ 155.
عمر الوادي 7/ 60، 9/ 38 - 39.
عمر بن الوليد بن عبد الملك 8/ 293.
عمر بن وهب العبسي 2/ 272.
عمر بن يزيد الأسدي 2/ 414.
عمران بن حطان 18/ 109.
عمران بن زيد 4/ 141.
عمرو 14/ 302، 15/ 138 - 178.
عمرو بن إبراهيم السعدي 13/ 60.
عمرو بن أبي بكر المؤملي 15/ 332، 16/ 194.
عمرو بن أبي سفيان بن أسيد 4/ 227.
عمرو بن أبي عمرو الشيباني 3/ 96 - 291 - 292 9/ 312، 10/ 33، 11/ 243، 12/ 272، 13/ 7 - 35 - 173، 16/ 47 - 193، 19/ 207، 20/ 307 - 310، 21/ 13 - 128 - 374، 22/ 146، 24/ 85.
عمرو بن أبي الكنات الحكمي 2/ 231.
عمرو بن الأهتم 14/ 87.
عمرو بن بانة 7/ 149 - 192 - 213، 10/ 112 - 120، 14/ 371 - 381 - 165 - 20، 15/ 3 - 57 - 73 - 121 - 156 - 207 - 265 - 270 - 283، 16/ 11، 20/ 82 - 343، 22/ 48، 23/ 178.
عمرو بن بحر 13/ 31، 18/ 101 - 169 - 172 - 369، 20/ 36 - 151.
عمرو بن بكر 18/ 58.
عمرو بن ثابت 6/ 355 - 356.
عمر بن جبلة الباهلي 13/ 38.
عمرو بن جرير الجعفي 15/ 214.
عمرو بن الحارث 1/ 265، 4/ 143، 16/ 232.
عمرو بن حريث 18/ 149.
عمرو بن الحكيم السعيدي 12/ 224.
عمرو بن دينار 9/ 184، 12/ 336، 16/ 99 - 298، 18/ 207.
عمرو بن سعيد 10/ 10 - 92، 13/ 264، 18/ 58.
عمرو بن السكوني 7/ 175.
عمرو بن سلم 3/ 328.
عمرو بن شعيب بن عبد اللّه بن عمرو 9/ 58، 10/ 30، 15/ 299.
عمرو بن شهاب 21/ 170.
عمرو بن عاصم 16/ 94.
عمرو بن عبد الرحمن بن عمرو بن سهل 17/ 271.
عمرو بن عبد الغفار 18/ 56.
عمرو بن عبد اللّه البصري 15/ 36.
عمرو بن عبيد 4/ 307.
عمرو بن عثمان 16/ 294.
عمرو بن عثمان الموصلي 13/ 157 - 208.
عمرو بن عجلان 9/ 195.
عمرو بن عقبة 2/ 398.
عمرو بن العلاء 11/ 92، 16/ 379.
عمرو بن علي القلاس 18/ 115 - 223.
عمرو بن قتادة 17/ 56.
عمرو بن قعيس 16/ 267.
عمرو بن كركرة أبو مالك 18/ 181.
عمرو بن محمد بن عبد الملك الزيات 6/ 245.
عمرو بن مرة 18/ 119.
عمرو بن مسعدة 20/ 152.
عمران بن معد يكرب 14/ 316.
عمرو بن معن 4/ 29.
عمرو بن المهاجر 19/ 7.
عمرو بن نوفل بن أنس بن زيد 15/ 58 - 59.
عمرو بن هشام 23/ 224.
عمرو بن هند 9/ 14 - 15.
عمرو بن واتد الدمشقي 7/ 48.
عمرو بن واتد العتكي 7/ 289.
عمرو الوراق 16/ 250.
عمروس - عمر بن صاحب الطعام - 4/ 80.
العمري 1/ 31 - 33 - 89 - 99 - 106 - 148 - 154 - 336، 3/ 74 - 100 - 181 - 316 - 358 - 365، 4/ 114، 6/ 49 - 54 - 70 - 72 - 93 - 150 - 90 - 198 - 212 - 218 - 222 - 228، 7/ 59 - 106 - 115 - 121، 8/ 59 - 73 - 74 - 80 - 108 - 113 - 118 - 313 - 394 - 396 - 398 - 404 - 409، 9/ 264 - 316، 10/ 237 - 240 - 242 - 246 - 316، 270، 11/ 247 - 303، 12/ 3 - 57 - 131 - 24 - 26 - 31 - 34 - 279 - 289 - 290 - 306 - 311 - 326، 13/ 33 - 69 - 197 - 206 - 259 - 264 - 265 - 275 - 277 - 291 - 305 - 322 - 329، 14/ 297 -
299 - 77، 15/ 350 - 367 - 384 - 389 - 390 - 375 - 376 - 377 - 336 - 337 - 338 - 339، 16/ 29 - 33 - 48 - 83 - 93 - 133 - 139 - 210 - 239 - 378، 18/ 62 - 120 - 122 - 125 - 181 - 254 - 255 - 272 - 290، 19/ 10 - 11 - 13 - 112 - 171 - 218، 21/ 202 - 203 - 396، 22/ 7 - 123 - 187 - 217 - 263 - 266 - 278 - 341، 24/ 17 - 162.
العمري الخصاف 7/ 109، 17/ 129.
عمير بن أحمد بن نصر الكوفي 7/ 187.
عمير بن الحباب 24/ 25 - 26 - 27.
عمير بن صخر الخضري 2/ 285.
عمير بن عبد اللّه بن أبي بكر بن سليمان بن أبي خيثمة 19/ 149 - 150.
عمير بن فلان العبدي 15/ 256.
عنبسة الفيل 12/ 298.
العنبري 16/ 329.
عنزة بن أسد بن ربيعة 14/ 78.
العنزي 4/ 13 - 22 - 100 - 48 - 55 - 73 - 101 - 104، 8/ 72، 14/ 95 - 359، 24/ 251 - 252.
العنسي 10/ 91.
عوانة 3/ 30، 9/ 208 - 228، 11/ 192، 12/ 124 - 166 - 228 - 310، 17/ 277،
18/ 292، 19/ 126 - 130، 20/ 316.
عوانة بن الحكم 1/ 114، 4/ 293، 15/ 343، 16/ 89 - 142 - 158، 21/ 281 - 324 - 385.
عورك اللهبي 1/ 387 - 393، 3/ 345 - 346.
عوف الأعرابي 16/ 213.
عوف بن الحارث الأزدي 13/ 209.
عوف بن خارجة 16/ 94 - 140 - 141.
عوف بن محمد 4/ 137 - 143، 16/ 230.
العوفي 16/ 136.
عون - مولى معن بن زائدة - 6/ 290.
عون بن حارثة بن عدي بن جبلة 24/ 28.
عون بن عبد اللّه العامري 2/ 37.
عون بن محمد 1/ 315، 5/ 167 - 191 - 313 - 346 - 349 - 353، 7/ 148 - 157 - 167.
عون بن محمد الكندي 4/ 6 - 9 - 25 - 106 - 246، 5/ 273، 9/ 234 - 303، 10/ 99 - 163 - 181 - 185 - 190 - 195 - 198، 19/ 255 - 257، 20/ 50 - 64 - 245 - 261 - 269 - 290، 23/ 55 - 143 - 158.
عيسى بن إبراهيم تينة 12/ 90.
عيسى بن إبراهيم العتكي 12/ 308.
عيسى بن أبي حرب 10/ 217.
عيسى بن إسماعيل 1/ 150 - 160، 2/ 38، 3/ 168، 4/ 84 - 333، 8/ 92 - 280، 10/ 217، 15/ 385، 22/ 139.
عيسى بن إسماعيل تينة 3/ 191 - 203 - 224، 12/ 55 - 313 - 316 - 304، 13/ 270 - 280 - 319، 14/ 134 - 185 - 237، 18/ 182 - 183، 19/ 49 - 281 - 283، 20/ 58 - 403، 23/ 162 - 165 - 166.
عيسى بن إسماعيل العتكي 3/ 220، 12/ 33 - 239 - 277، 16/ 86 - 161، 21/ 255.
عيسى بن إسماعيل بن نبيه 1/ 353.
عيسى بن الحسن 15/ 331.
عيسى بن الحسن الآدمي 23/ 221.
عيسى بن الحسن بن داود الجعفري 13/ 116، 18/ 44.
عيسى بن الحسن الوراق 13/ 99 - 275 - 286.
عيسى بن الحسين 12/ 298، 14/ 135 - 164 - 42 - 43، 16/ 102 - 106 - 107 - 111 - 119 - 121 - 123 - 124 - 125 - 126 - 130 - 131، 22/ 93.
عيسى بن حسين الزيات 6/ 157 - 158.
عيسى بن الحسين الوراق 1/ 336 -
2/ 10 - 15 - 224 - 345، 3/ 174 - 187 - 221 - 222 - 223 - 257، 4/ 7 - 19 - 20 - 60 - 100، 5/ 220 - 221، 7/ 232، 6/ 56 - 172 - 173، 9/ 316، 10/ 217، 11/ 285 - 300 - 302، 12/ 60 - 88 - 310، 13/ 281 - 287 - 311 - 312 - 313 - 319 - 320 - 321 - 343 - 344، 14/ 101 - 122 - 204 - 335 - 356 - 357 - 367، 15/ 353، 17/ 3، 18/ 196 - 207 - 209 - 303، 19/ 11 - 83 - 109 - 276، 20/ 52 - 72 - 79 - 92 - 99 - 104 - 115 - 339 - 404، 23/ 177.
عيسى بن زيد 12/ 124.
عيسى بن عبد الرحمن بن جوشن 16/ 94.
عيسى بن عبد الرحمن السلمي 11/ 4.
عيسى بن عبد اللّه بن عتبة 17/ 283.
عيسى بن عبد اللّه بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب 3/ 134، 7/ 21، 9/ 263، 12/ 4، 21/ 121 - 122.
عيسى بن عمر 12/ 298 - 332، 18/ 30 - 46.
عيسى بن عمر بن موسى 15/ 174.
عيسى بن قابوس 12/ 133.
عيسى بن قدامة الأسدي 15/ 248.
عيسى القرشي 5/ 214.
عيسى بن محمد القحطبي 10/ 101، 16/ 200.
عيسى بن المختار 16/ 227.
عيسى بن موسى 19/ 140 - 141.
عيسى النوفلي 12/ 228 - 232، 20/ 6.
عيسى بن هارون 16/ 4.
عيسى بن واضح 15/ 151.
عيسى بن يحي الوراق 1/ 360.
عيسى بن يزيد 22/ 14.
عيسى بن يزيد بن بكر 10/ 290 - 291، 18/ 119.
عيسى بن يونس 15/ 215، 22/ 278.
عيينة بن محمد 16/ 280.
عيينة بن المنهال 16/ 211 - 218 - 235 - 376، 22/ 107.
غ
غانم الوراق 7/ 238.
الغراف 8/ 52.
الغريبي 19/ 268.
غرير بن طلحة الأرقمي 3/ 348،
7/ 89، 15/ 28 - 34، 24/ 131 - 133.
غرير بن ناهض بن ثوما الكلابي 13/ 186.
الغريض 8/ 194 - 213.
غزوان 18/ 349.
غسان بن ذكوان الأهوازي 14/ 287.
غسان بن عبد الحميد 4/ 241، 15/ 11، 19/ 212.
غسان بن عبد العزيز 15/ 21.
غسان بن عبد اللّه 4/ 38، 20/ 58.
غسان بن عبد اللّه بن عبد الوهاب الثقفي 7/ 203 - 120.
غسان بن المفضل 18/ 174.
غصين بن براق 24/ 165.
الغلابي 4/ 5 - 24 - 25 - 28، 6/ 281 - 351، 8/ 290 - 360، 9/ 123 -
265، 10/ 187 - 255، 12/ 291، 14/ 372 - 374 - 375 - 376، 15/ 279، 16/ 346، 19/ 209، 20/ 65، 21/ 280.
الغمر بن يزيد بن عبد الملك 1/ 208.
الغنوي 13/ 143.
غنيم بن قيس 16/ 94.
غيث الباهلي 19/ 20.
غيث بن عبد الكريم 5/ 214.
غيلان الشعوبي 3/ 135.
غيلان بن المعذل 13/ 226.
ف
الفارغة - عمه طويس - 4/ 284.
فاطمة بنت المنذر 4/ 144.
الفتح - غلام أبي تمام الطائي - 20/ 157 - 158.
الفخري 16/ 21.
فرات بن حبيب الأسدي 17/ 32.
فراس بن خندف 9/ 109 - 113، 22/ 340.
الفرزدق 8/ 5 - 37 - 39 - 54 - 55 - 62 - 77 - 287 - 291 - 300 - 328 - 398، 14/ 283، 15/ 119.
الفزاري 8/ 166.
الفضل 8/ 287.
الفضل - عم محمد بن العباس اليزيدي - 7/ 210، 19/ 271، 24/ 175.
الفضل بن إسحاق الهاشمي 3/ 223، 18/ 8.
الفضل بن إسحاق اليزيدي 18/ 142.
الفضل بن أياس الهذلي الكوفي 13/ 287.
الفضل بن الحباب 1/ 355، 2/ 158، 3/ 158، 14/ 323 - 349 - 375.
الفضل بن الحسن 3/ 68.
الفضل بن الحسن المصري 9/ 263، 15/ 147 - 326، 22/ 17.
الفضل بن الحسن بن موسى البصري 20/ 136، 24/ 106.
الفضل الربعي 2/ 92.
الفضل بن الربيع 1/ 315، 4/ 360، 6/ 326، 10/ 87، 15/ 144، 16/ 404، 19/ 136.
الفضل بن سعيد 3/ 160.
الفضل بن سعيد بن أبي حرب 16/ 371.
الفضل بن سويد 7/ 22.
الفضل بن العباس 4/ 100.
الفضل بن العباس بن سعيد بن سلم بن قبيصة الباهلي 10/ 93.
الفضل بن العباس بن عقبة بن جعفر 4/ 43.
الفضل بن العباس القرشي 12/ 56.
الفضل بن العباس بن المأمون 9/ 320، 21/ 79، 22/ 172.
الفضل بن العباس الهاشمي 10/ 150، 13/ 145 - 153 - 178، 19/ 304.
الفضل بن العباس بن يعقوب 7/ 307.
الفضل بن عبد اللّه الخلنجي 16/ 299.
الفضل بن العوراء 1/ 243.
الفضل بن عياض 12/ 286.
الفضل الكاتب 23/ 106.
الفضل بن محمد 4/ 11 - 12 - 100، 22/ 286.
الفضل بن محمد بن الفضل الهاشمي 13/ 309.
الفضل بن محمد اليزيدي 1/ 258 - 316،
3/ 45 - 158، 5/ 389 - 391 - 409 - 410، 6/ 167، 9/ 29، 10/ 75 - 88، 11/ 285 - 291، 13/ 300 - 330، 14/ 354، 15/ 67، 18/ 105 - 220 - 224 - 246، 19/ 98، 20/ 93 - 239 - 244 - 245 - 249 - 251 - 253 - 257 - 258 - 310 - 329، 22/ 243.
الفضل بن مروان 10/ 124، 21/ 60 - 67 - 68.
الفضل بن المغني 15/ 358.
الفضل بن موسى - مولى بني هاشم - 18/ 173.
الفضل بن موسى بن معروف الأصبهاني 16/ 395 - 404.
الفضل الوراق 5/ 273.
الفضل بن يحي 5/ 301.
الفضل بن يحي بن خالد بن برمك 1/ 252 - 306 - 308.
الفضل بن يعقوب 3/ 211.
الفضيل بن خديج 17/ 133.
الفضيل الرسان 7/ 241 - 251، 17/ 31.
فضيل الرقاشي 21/ 392.
فطر بن خليفة 5/ 128، 15/ 51 - 228.
الفطراني 5/ 189، 9/ 274.
الفقعسي - أبو بكر بن جبلة الفقعسي - 18/الفقعسي - أبو المسافر الفقعسي - 18/فلان العلامة التميمي 8/ 83.
فليح بن أبي العوراء 20/ 387 - 388.
فليح بن إسماعيل 5/ 214، 16/ 135، 24/ 237.
فليح بن إسماعيل بن جعفر بن أبي كثير 10/ 155.
فليح بن سليمان 4/ 279، 11/ 37، 15/ 289، 19/ 154.
فليح بن العوراء 4/ 363.
فليحة 8/ 128.
فنجاخ 23/ 106.
الفيض بن عبد الملك 24/ 111.
الفيض بن مخلد - مولى أبي عيينة بن المهلب - 20/ 79.
ق
القاسم 22/ 274.
القاسم بن أبي إسماعيل 8/ 352 - 365، 9/ 234، 10/ 54 - 58.
القاسم بن أبي الزناد 8/ 143.
القاسم بن أحمد الكاتب 23/ 211.
القاسم بن ثابت 23/ 68.
قاسم بن الحسن 14/ 39، 19/ 269.
القاسم بن الربيع 7/ 231.
القاسم بن زرزور 6/ 180، 9/ 323، 18/ 166.
القاسم بن زيد المديني 15/ 31.
القاسم بن عبد الرازق 21/ 118.
القاسم بن عبد الرحمن 2/ 423.
القاسم بن عبد الرحمن بن رافع 15/ 195.
القاسم بن عبد الغفار العجلي 15/ 58.
القاسم بن عبيد اللّه 21/ 47.
القاسم بن عيسى 16/ 389 - 390 - 404 - 405.
القاسم بن محمد بن أبي بكر 20/ 316.
القاسم بن محمد الأسدي 18/ 42.
القاسم بن محمد بن الأنباري 16/ 177، 18/ 100، 19/ 21 - 242، 20/ 96، 21/ 240، 22/ 355، 23/ 7.
القاسم بن محمد بن عباد 15/ 176 - 299.
القاسم بن المعتز الزهري 7/ 143.
القاسم بن معن 9/ 163.
القاسم بن مهروية 13/ 109 - 110، 19/ 31 - 106 - 169، 20/ 37 - 117 - 122 - 138 - 139 - 145 - 157 - 182 - 252.
القاسم بن موسى بن مزيد 19/ 268.
القاسم النوشجاني 18/ 178.
القاسم بن يزيد 5/ 255.
القاسم بن يعلى 15/ 371.
القاسم بن يوسف 5/ 102، 16/ 157.
قبيصة 11/ 189.
قبيصة بن عمر بن حفص المهلبي 3/ 353، 8/ 324 - 325.
قبيصة بن معاوية المهلبي 8/ 280، 15/ 66، 21/ 400.
قبيصة بن ميمون الصادري 16/ 68.
قتادة 4/ 307، 5/ 141، 12/ 300، 15/ 341، 16/ 94، 18/ 54 - 55 - 187.
قتادة الفقيه 9/ 155.
قتيبة 7/ 175.
قتيبة بن سعيد 6/ 208.
قتيبة بن مسلم 15/ 350.
قثم 15/ 328.
قحافة المرّي 8/ 294.
القحذمي 1/ 150 - 244، 2/ 36 - 83 - 394، 3/ 331، 4/ 213 - 333، 5/ 5، 6/ 70، 8/ 91 - 280، 9/ 170 - 180 - 181 - 190 - 202 - 213 - 219، 11/ 183 - 184 - 187 - 239، 12/ 277 - 332، 13/ 270، 14/ 281، 15/ 392، 16/ 378، 19/ 34 - 281 - 283، 21/ 338 - 340 - 359 - 360 - 361 - 379 - 381 - 398، 22/ 135 - 139.
القحيف 8/ 182.
قدامة بن إبراهيم الجمحي 8/ 72.
قدامة الحاطبي 22/ 27.
قدامة بن موسى 1/ 98، 10/ 289، 15/ 263.
قدامة بن نوح 3/ 161 - 163، 18/ 216.
قرة 5/ 143.
قرة بن خالد السدوسي 22/ 274.
قريض 21/ 55 - 59.
قسامة بن زهير 16/ 94.
قسطاس 18/ 328.
قسيمة بنت عياض بن سعيد الأسلمية 9/ 28.
قشم بن جعفر بن سليمان 14/ 42.
القطراني 3/ 267، 4/ 336، 6/ 305، 18/ 303.
القطراني المغني 10/ 107 - 112، 21/ 196.
القطربلي - عبد اللّه بن الحسين بن سند القطربلي - 21/القطري بن بوزل يحي 8/ 174.
القعبي 4/ 142.
قعنب بن المحرز 1/ 34 - 413، 2/ 341 - 349 - 307 - 410 - 414، 3/ 137 - 141 - 142 - 150 - 247، 6/ 286، 8/ 417، 9/ 18 - 118، 11/ 253 - 254 - 264، 13/ 38 - 39، 14/ 269، 15/ 241، 16/ 137 - 142 -
208 - 224 - 302 - 303، 19/ 34 - 141 - 168 - 180، 20/ 414، 21/ 390.
قعنب بن الهيثم بن 11/ 264.
قلم الصالحية 19/ 31.
قليب بن عيسى 20/ 63.
قيس 14/ 86 - 152 - 158 - 277.
قيس بن أبي حازم الأحمسي 15/ 215 - 216، 16/ 84، 18/ 207، 22/ 4.
قيس بن داود 1/ 76.
قيس بن ذريح 9/ 201 - 213.
قيس بن الربيع 5/ 130، 16/ 138 - 267، 19/ 277.
ك
كامل بن أبي العلاء 12/ 5.
كثم بن صيفي المرّي 2/ 338.
كثير بن إسماعيل التحتكار 7/ 204.
كثير بن جعفر 17/ 274.
كثير عزة 6/ 221.
كثير بن كثير السهمي 1/ 246.
كثير بن محمد الخزاعي 4/ 84.
كثير بن ناجية 18/ 23.
الكديمي 19/ 158.
الكراني 1/ 33 - 106 - 154 - 336 - 395، 2/ 4 - 8 - 22 - 24 - 60 - 86 - 87 - 67 - 177 - 253 - 405 - 408 - 409 - 415، 3/ 100 - 144 - 149 - 180 - 181 - 209 - 232 - 314 - 316 - 358، 4/ 62 - 333 - 338 - 346 - 352، 8/ 8 - 59 - 118 - 244 - 294 - 404 - 423، 9/ 13 - 168 - 189 - 193 - 264 - 339، 12/ 269 - 289 - 290 - 306 - 308 -
319 - 326، 13/ 17 - 33 - 70 - 74 - 197 - 259 - 264 - 265 - 288 - 291 - 295 - 305 - 322 - 329، 14/ 43 - 123 - 249 - 310 - 342 - 351 - 364، 15/ 336 - 367 - 389 - 390 - 392، 16/ 33 - 378 - 401، 18/ 122 - 125 - 140 - 180 - 181 - 183 - 196 - 198 - 202 - 203 - 204 - 206 - 290، 19/ 50 - 112 - 218، 21/ 202 - 203 - 285 - 396، 22/ 217 - 7 - 263 - 266 - 278، 23/ 158، 24/ 17 - 162 - 209.
كرد بن السمعي 10/ 53.
كردم بن معبد 1/ 37، 9/ 251 - 252.
كردين 6/ 271.
كريب 12/ 215.
الكسائي 14/ 44.
الكسرواني 15/ 103.
الكسروي 2/ 26، 11/ 269، 24/ 27.
الكسكري - أبو الحسن الكسكري - 19/كعب 8/ 280 - 282 - 224، 14/ 285 - 288 - 291 - 293 - 294 - 298 - 313.
كعب الأشقري 14/ 262 - 286 - 287 - 289 - 292 - 294 - 295 - 297 - 299.
كعب بن بكر المحاربي 1/ 99.
كعب بن جعيل 8/ 284.
كعب بن زهير 16/ 61.
كعب بن سعد 14/ 86.
كعيب 14/ 283.
كلاب 14/ 313.
الكلبي 5/ 34 - 7/ 115، 12/ 4، 15/ 24، 17/ 311، 19/ 20 - 21، 24/ 165.
كلثم بن عيسى 16/ 242.
كليب بن ربيعة 14/ 258.
كليب النبال 14/ 326.
الكميت بن زيد 17/ 31 - 32، 18/ 7.
كميل بن زياد النخعي 17/ 363.
الكناني 16/ 142.
الكنتحي - حكم بن يحي الكنتحي - 21/الكندي 22/ 44.
كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان 14/ 75.
كوثرة 23/ 123 - 125 - 126.
كوز الراوية - إسحاق بن مروان - 21/الكوفي 5/ 107.
الكوكبي 4/ 98، 7/ 148 - 213، 19/ 233،
كيز بن امصى بن عبد القيس 14/ 289.
كيسان بن المعرف الهجيمي 12/ 299، 16/ 208، 21/ 391.
ل
لاحق بن أبي مليكة 17/ 361.
لبطة بن الفرزدق 7/ 231، 21/ 384 - 385 - 386 - 391 - 393.
لقيط 3/ 358، 6/ 70 - 190 - 218، 12/ 159 - 290، 13/ 197، 15/ 337 - 350 - 21/ 202 - 203، 22/ 263.
لقيط بن نصر المحاربي 17/ 2 - 300.
اللهبي 5/ 65.
لؤلؤ - صديق علي بن يحي المنجم - 21/ 69.
ليث بن عمرو 9/ 184.
الليث بن محمد 4/ 154.
ليلى بنت كثير 9/ 3.
م
الماجشون 16/ 150، 19/ 127.
المازني 23/ 89 - 90.
مالك بن إبراهيم 1/ 61.
مالك بن أبي السمح 1/ 315، 8/ 16 - 18 - 19 - 20 - 22 - 23 - 24 - 205 - 215 - 397.
مالك بن أعين 16/ 139.
مالك بن أنس 9/ 140.
مالك بن أوس بن الحدثان 16/ 94.
مالك بن الحارث 8/ 330.
مالك بن الربيع بن مالك 4/ 153.
مالك بن محمد الشيباني 15/ 382.
مالك بن المعذل 6/ 355.
مالك بن نضر 14/ 305.
مالك بن وهب 3/ 295.
المأمون 14/ 178.
الماهاني 5/ 70.
المبارك بن سعيد 9/ 121.
المبرّد 4/ 51 - 68 - 340 - 415، 6/ 58 - 141 - 147 - 8/ 255 - 257، 10/ 126، 11/ 297، 17/ 114 - 129 - 174 - 179 - 210 - 233، 21/ 26، 23/ 10 - 24 - 28 - 34 - 54 - 59 - 63 - 66 - 70 - 89 - 90 - 97 - 124 - 165 - 186.
المبشر بن إسماعيل 9/ 101.
المتلمس 14/ 283.
متوج 23/ 214.
المتوكل 1/م - ت 38.
متيم 19/ 242.
المثنى 22/ 8.
المثنى بن زرعة 6/ 345.
مجالد 2/ 349، 6/ 54، 15/ 214، 16/ 29 - 83 - 94 - 99 - 213 - 232 - 239، 18/ 143، 20/ 307، 21/ 376، 24/ 17.
مجالد بن حمزة بن أبيض 12/ 141 - 194.
المجالد بن سعيد الهمداني 17/ 133 - 215 - 220.
مجاهد 11/ 3، 18/ 203.
المجمعي - سليمان بن داود المجمعي - 21/محارب 18/ 30.
المحاربي 17/ 216.
المحبر بن قحذم 20/ 316.
محبوب بن يزيد 4/ 362.
محرز بن جعفر 16/ 283، 17/ 164، 22/ 68.
المحرز بن جعفر السدوسي 6/ 254.
محرز بن جعفر الكاتب 12/ 90 - 180.
المحرز بن سعيد 6/ 13.
المحرزي - أيوب بن عباية - أبو سليمان المحرزي - 19/
المحرم بن وليد 17/ 374.
محمد 8/ 67 - 179.
محمد - الراوية الذي يقال البيذق - 20/ 47.
محمد - روى عنه الحزنبل - 23/ 99.
محمد بن أبان 1/ 174 - 195.
محمد بن إبراهيم 9/ 290.
محمد بن إبراهيم التميمي 1/ 20.
محمد بن إبراهيم التميمي 17/ 294 - 295.
محمد بن إبراهيم الجراحي - قريض - 21/محمد بن إبراهيم بن الحارث 4/ 157 - 162.
محمد بن إبراهيم بن خلف 4/ 33 - 429.
محمد بن إبراهيم بن عباد 12/ 39 - 336.
محمد بن إبراهيم قريض 9/ 132، 10/ 68 - 137 - 139 - 212، 15/ 275، 16/ 4.
محمد بن إبراهيم قريش 7/ 293.
محمد بن إبراهيم اليساري 13/ 111.
محمد بن أبي الأزهر 3/ 255 - 320 - 364، 5/ 271، 12/ 90 - 183 - 292 - 293، 16/ 152 - 161 - 163 - 213 - 261، 20/ 316 - 326 - 387، 23/ 197.
محمد بن أبي بكر 4/ 184.
محمد بن أبي بكر المخزومي 18/ 30.
محمد بن أبي حرب 14/ 39.
محمد بن أبي الخزاعي 23/ 234.
محمد بن أبي رجاء 21/ 14.
محمد بن أبي السرّي 9/ 180 - 181، 16/ 89، 22/ 187.
محمد بن أبي العباس 14/ 373 - 375 - 376.
محمد بن أبي العتاهية 4/ 5 - 97 - 35 - 51 - 54 - 106 - 109 - 111 - 112، 20/ 302، 22/ 257.
محمد بن أبي مالك الغنوي 18/ 250 - 251.
محمد بن أبي محمد القيسي 13/ 333.
محمد بن أبي محمد اليزيدي 4/ 112، 20/ 241 - 246 - 247.
محمد بن أبي مروان الكاتب 23/ 88.
محمد بن أحمد 10/ 257 - 258.
محمد بن أحمد الأزدي 4/ 46.
محمد بن أحمد بن إسماعيل بن إبراهيم 19/ 280.
محمد بن أحمد بن أيوب 20/ 130.
محمد بن أحمد بن جعفر الأنباري 17/ 67.
محمد بن أحمد الحكيم 20/ 141، 21/ 81.
محمد بن أحمد بن سليمان 4/ 55 - 75.
محمد بن أحمد بن صدقة الأنباري 2/ 178، 5/ 274.
محمد بن أحمد بن الطلاس 2/ 371، 9/ 170، 10/ 238، 16/ 266، 18/ 31 - 158، 21/ 106.
محمد بن أحمد بن علي 22/ 250.
محمد بن أحمد بن المرزبان 20/ 304.
محمد بن أحمد المقدمي 9/ 254.
محمد بن أحمد النوفلي 6/ 296.
محمد بن أحمد بن يحي المكي 4/ 363، 6/ 175 - 179 - 185 - 189 - 294، 9/ 272، 10/ 133، 11/ 355، 15/ 358، 16/ 311 - 313 - 314 - 316، 18/ 358، 20/ 82، 23/ 177.
محمد بن ادريس 9/ 126، 20/ 49.
محمد بن أدريس بن سليمان بن أبي حفصة 10/ 71 - 72 - 73 - 76، 18/ 118 - 146 - 147.
محمد بن إدريس العتبي 7/ 277.
محمد بن إدريس القيسي بواسط 2/ 404.
محمد بن إدريس اليمامي 8/ 88.
محمد بن أرتبيل 13/ 150 - 158.
محمد بن الأزهر 14/ 174.
محمد بن إسحاق 1/ 17، 4/ 46 - 101 - 157 - 158 - 164 - 170 - 174 - 175 - 176 - 177 - 179 - 184 - 185 - 186 - 190 - 193 - 194 - 196 - 198 - 199 - 201 - 202 - 203 - 204 - 206 - 224 - 342 - 343، 12/ 141 - 286، 15/ 12 - 179 - 189 - 191 - 192 - 193 -
194 - 197 - 201 - 202 - 203 - 204 - 205 - 302 - 303 - 374 - 326، 16/ 241 - 275، 23/ 106.
محمد بن إسحاق الأشعري 10/ 118.
محمد بن إسحاق الأهوازي 4/ 176.
محمد بن إسحاق البغوي 7/ 250، 8/ 329، 13/ 102 - 330، 21/ 66 - 274.
محمد بن إسحاق البلخي 18/ 10 - 190.
محمد بن إسحاق بن جعفر 12/ 225.
محمد بن إسحاق الخراساني 17/ 67 - 324.
محمد بن إسحاق السهمي 20/ 347.
محمد بن إسحاق بن محمد النخعي 19/ 265.
محمد بن إسحاق المسيبي 1/ 17 - 18 - 61 - 67 - 71 - 81 - 166 - 365، 4/ 158 - 230، 10/ 30 - 294، 14/ 307 - 308، 17/ 56 - 87 - 118 - 213، 19/ 149.
محمد بن إسحاق المعلولي 9/ 124.
محمد بن إسحاق بن يسار 6/ 289 - 337 - 345 - 348 - 352 - 354 - 357.
محمد بن إسماعيل 1/ 294، 3/ 211، 4/ 248 - 370، 8/ 291، 12/ 176.
محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن عبد الحميد
1/ 114.
محمد بن إسماعيل بن إبراهيم المخزومي 8/ 139.
محمد بن إسماعيل البخاري 2/ 8 - 117 - 365.
محمد بن إسماعيل بن جعفر 8/ 92 - 98، 21/ 103 - 121.
محمد بن إسماعيل الجعفري 1/ 76 - 336 - 355، 8/ 143، 9/ 6 - 16 - 18 - 20 - 35.
محمد بن إسماعيل الحساني 21/ 391.
محمد بن إسماعيل السدوسي 19/ 269.
محمد بن إسماعيل بن صبيح 16/ 145.
محمد بن اسماعيل بن موسى الهادي 10/ 167 - 195.
محمد بن الاشعث 3/ 116 - 276، 19/ 46، 20/ 137 - 164 - 165.
محمد بن امية 20/ 185.
محمد بن الامين 15/ 297.
محمد بن انس 6/ 74، 11/ 379.
محمد بن انس السلامي الاسدي 2/ 406 - 411 - 412 - 417 - 224، 17/ 3 - 21 - 22 - 27 - 29 - 33 - 37.
محمد بن أيوب 14/ 19، 20/ 123.
محمد بن أيوب بن سعيد السكري 9/ 273.
محمد بن أيوب المكي 23/ 139.
محمد الازدي 5/ 369.
محمد الانباري 22/ 274.
محمد بن بحر الكاتب 16/ 389، 21/ 43.
محمد بن بدر العجلي 3/ 141، 19/ 41.
محمد بن بسخنر 5/ 286 - 315.
محمد بن بشر 9/ 159.
محمد بن بشر السلامي 2/ 409.
محمد بن بكار 4/ 146 - 223، 12/ 216.
محمد بن بكر 3/ 195، 12/ 5.
محمد بن بكر الحنفي 8/ 352.
محمد بن ثابت 1/ 77.
محمد بن ثابت بن ابراهيم الانصاري 1/ 395، 4/ 240، 15/ 293 - 294.
محمد بن جبر 3/ 367 - 348، 5/ 172، 9/ 274، 10/ 107، 15/ 252 - 358.
محمد بن جبير 14/ 307، 20/ 146.
محمد بن جرير الطبري 1/ 17 - 18، 4/ 128 - 144 - 158 - 162 - 164 - 170 - 190 - 191 - 193 - 199 - 200 - 224 - 227 - 230 - 229 - 201، 6/ 289 - 351 - 354 - 355 - 356 - 357، 9/ 142 -
148 - 152 - 166 - 273، 10/ 30، 12/ 144، 14/ 302 - 307، 15/ 12 - 179 - 184 - 186 - 187 - 188 - 191 - 192 - 199 - 303 - 304 - 255 - 256 - 257 - 374، 16/ 294، 17/ 56 - 65 - 118 - 324، 18/ 324، 19/ 4 - 8، 20/ 146، 23/ 227 - 236.
محمد بن جعفر 1/ 35، 21/ 304.
محمد بن جعفر بن أبي كثير 2/ 52 - 54.
محمد بن جعفر بن الزبير 6/ 357، 15/ 202.
محمد بن جعفر الشهرزوري 4/ 96.
محمد بن جعفر الصيدلاني 15/ 311، 22/ 305، 24/ 175.
محمد بن جعفر بن عمر بن علي بن أبي طالب 6/ 297.
محمد بن جعفر بن قادم 14/ 128.
محمد بن جعفر بن قدامة 7/ 277.
محمد بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين 6/ 109.
محمد بن جعفر النحوي 4/ 51 - 405 - 415، 6/ 112 - 219، 7/ 249 - 253 - 266، 9/ 18 - 21 - 22، 12/ 59 - 255 - 320، 13/ 141 - 315، 15/ 12، 16/ 145، 17/ 179، 18/ 209 - 220 -
247 - 248 - 312 - 315، 19/ 166، 20/ 64 - 69 - 178 - 193 - 409 - 410، 22/ 52 - 218، 23/ 85 - 156 - 195 - 211، 24/ 141.
محمد بن جعفر بن الوليد 12/ 229.
محمد بن جعفر بن يحي بن خالد 10/ 178.
محمد بن الجهم 16/ 95.
محمد بن الجهم البرمكي 14/ 178، 22/ 44.
محمد بن حاتم 4/ 144، 19/ 7، 21/ 30.
محمد بن حاتم المؤدب 19/ 108.
محمد بن الحارث بن بسخنر 4/ 115، 10/ 101 - 112 - 129 - 130 - 138، 16/ 200، 18/ 301.
محمد بن الحارث التيمي 17/ 295.
محمد بن الحارث الخراز 3/ 333.
12/ 311.
محمد بن الحارث بن سعد السعيدي 22/ 27.
محمد بن الحارث بن كليب بن زيد الربعي 2/ 227.
محمد بن الحارث المخزومي 24/ 164.
محمد بن حازم الباهلي 14/ 92 - 95 - 102 - 105 - 93، 16/ 387 -
388، 19/ 7.
محمد بن حامد 21/ 82.
محمد بن حبش المخزومي 7/ 130.
محمد بن حبيب 1/ 81 - 166 - 196 - 405 - 410، 2/ 44 - 92 - 93 - 140 - 212 - 263، 3/ 10 - 90 - 328 - 342، 4/ 214، 5/ 6 - 60 - 133 - 136 - 138، 6/ 224 - 300، 8/ 307 - 366، 9/ 3 - 6 - 77 - 84 - 115 - 314 - 324 - 337، 10/ 19 - 29 - 74 - 197 - 237 - 318، 11/ 13 - 29 - 61 - 70 - 120 - 124 - 164 - 204 - 210 - 271 - 274 - 281 - 282 - 283 - 310 - 312 - 313 - 315 - 316 - 317 - 318 - 319 - 322 - 323 - 326 - 364 - 368 - 369 - 370 - 371 - 373 - 374 - 375 - 379، 12/ 21 - 37 - 73 - 132 - 171 - 174 - 177 - 183 - 198 - 205 - 209، 13/ 277، 15/ 312 - 341 - 381 - 350، 17/ 15 - 38 - 93 - 95 - 183 - 187 - 294 - 318، 18/ 132 - 133 - 303، 19/ 99 - 101 - 188، 22/ 34 - 35 - 37 - 38 - 39 - 81 - 127 - 273 - 277 - 281 - 286 - 351، 24/ 53 - 116 - 165 - 173 - 212.
محمد بن الحجاج 3/ 137 - 154 - 155 - 174 - 184 - 203 - 212 - 219 - 225 - 231 - 247، 8/ 316، 23/ 189 - 190.
محمد بن الحجاج الاسدي التميمي 18/ 44.
محمد بن الحجاج الجراداني 18/ 175.
محمد بن الحجاج السراداني 3/ 153.
محمد بن الحجاج بن يوسف 11/ 247.
محمد بن حديد 6/ 157.
محمد بن حرب بن قطب بن قبيصة بن مخارق الهلالي 10/ 93، 19/ 145.
محمد بن حسان الأزرق 16/ 267.
محمد بن الحسان الضبي 3/ 186، 4/ 77.
محمد بن الحسن 1/ 290 - 362، 4/ 56 - 167، 5/ 230، 6/ 258، 7/ 4، 9/ 24 - 41 - 140 - 188 - 238، 11/ 37 - 52 - 196 - 210، 14/ 318، 15/ 356.
محمد بن الحسن الاحول 2/ 415، 9/ 161، 11/ 55 - 57 - 196، 13/ 63، 16/ 77 - 203، 18/ 22 - 285، 19/ 1 - 10 - 20/ 375، 21/ 273.
محمد بن الحسن الاشناني 15/ 228، 21/ 117 - 118.
محمد بن الحسن الانصاري 22/ 68 - 128.
محمد بن الحسن بن الحرون 8/ 248، 11/ 269، 14/ 181 - 133 - 360، 15/ 103 - 270، 20/ 153، 22/ 231، 24/ 127 - 211.
محمد بن الحسن بن الحزور 12/ 153.
محمد بن الحسن بن الخصيب 20/ 32.
محمد بن الحسن بن دريد 1/ 355 - 370، 2/ 158 - 174 - 177 - 179 - 181 - 420 - 419، 3/ 352، 6/ 6 - 49 - 56 - 211 - 278 - 341، 7/ 103 - 232، 8/ 178 - 179 - 239 - 305، 9/ 113 - 161 - 0/ 4 - 18 - 10 - 91، 11/ 268، 12/ 9 - 43 - 108 - 111 - 166 - 262 - 263 - 269 - 271 - 302 - 306 - 322، 13/ 100 - 189 - 209 - 218 - 267 - 308، 14/ 281 - 1 - 347، 15/ 51 - 77 - 218 - 363 - 392، 16/ 33 - 38 - 56 - 65 - 209 - 210 - 219 - 253 - 283 - 308 - 318 - 354 - 373 - 375 - 379 - 380، 17/ 2 - 60 - 78 - 79 - 82 - 228 - 250 - 253 - 255 - 290 - 291 - 293 - 294 - 295 - 365،
18/ 30 - 46 - 132 - 149 - 152 - 173 - 205 - 255 - 256، 19/ 10 - 20 - 102 - 166 - 207، 20/ 213 - 350 - 351 - 405، 21/ 26 - 200 - 203 - 282 - 321 - 324 - 337 - 399، 22/ 228 - 322، 24/ 94 - 214.
محمد بن الحسن بن دينار - مولى بني هاشم - 19/ 7.
محمد بن الحسن بن زياد 24/ 238.
محمد بن الحسن بن عباد 16/ 262.
محمد بن الحسن العتابي 6/ 293 - 294.
محمد بن الحسن العلوي الحسني 18/ 56.
محمد بن الحسن بن الفضل 23/ 40.
محمد بن الحسن الكاتب 7/ 294 - 303، 9/ 132، 10/ 175 - 176 - 177 - 185 - 199، 15/ 270، 17/ 76، 18/ 67 - 70 - 341 - 352 - 358 - 360.
محمد بن الحسن الكندي 2/ 34، 11/ 252، 12/ 100، 14/ 167، 20/ 195 - 210.
محمد بن الحسن المخزومي 1/ 63 - 72 - 87، 12/ 242، 17/ 164.
محمد بن الحسن بن مسعود الرزقي 15/ 310، 16/ 319 - 42، 20/ 8 - 9 - 10 - 11 - 57 - 302، 22/ 223 - 224.
محمد بن الحسن بن مصعب 6/ 165، 18/ 354.
محمد بن الحسن النخعي 2/ 227، 11/ 244.
محمد بن الحسين 9/ 252، 15/ 188، 18/ 223، 19/ 239، 20/ 196، 21/ 208 - 279.
محمد بن الحسين الاشناني 12/ 5.
محمد بن الحسين بن الحرون 2/ 26، 16/ 17.
محمد بن الحسين بن دريد 12/ 41.
محمد بن الحسين بن زيالة 16/ 64.
محمد بن الحسين بن عبد الحميد 19/ 143 - 144.
محمد بن الحسين الكندي 8/ 409، 9/ 256، 15/ 350، 19/ 47.
محمد بن الحسين الكوفي 15/ 267 - 272.
محمد بن حفص بن عمرو بن الأيهم الحنفي 10/ 92.
محمد بن الحكم 2/ 9 - 25 - 381 - 407 - 9/ 228، 11/ 177 - 192، 12/ 228 - 310 - 336، 15/ 306، 16/ 142 - 158 - 178، 17/ 133، 18/ 292، 19/ 126، 22/ 13.
محمد بن الحكيم 15/ 368 - 370.
محمد بن حكيم الطائي 12/ 144.
محمد بن حليم الاعرج 7/ 246.
محمد بن حماد 22/ 52.
محمد بن حماد - كاتب راشد - 9/ 249.
محمد بن حماد بن دلقيش 14/ 204.
محمد بن حمزة العلوي 19/ 108.
محمد بن حميد 4/ 157 - 164 - 170 - 190 - 214، 6/ 289 - 354 - 355 - 356 - 357، 9/ 18 - 166، 10/ 30، 14/ 302 - 307.
محمد بن حميد الرازي 1/ 17، 15/ 151 - 303 - 256 - 374، 17/ 56 - 118 - 324.
محمد بن الحنفية 15/ 150.
محمد بن حيان الباهلي 6/ 355.
محمد بن خالد - أبو حرب - 18/ 117.
محمد بن خالد البجلي 21/ 404.
محمد بن الخالق القاريء 4/ 322 - 323.
محمد بن خراش المهلبي 1/ 276.
محمد الخضري 1/م - ت، 36.
محمد بن خلف 8/ 156.
محمد بن خلف المخزومي 21/ 123.
محمد بن خلف بن المرزبان 1/ 71 - 81 - 82 - 94 - 99 - 110 - 118 - 119 - 147 - 148 - 158 - 160 - 166 - 168 - 171 - 173 - 174 - 190 - 195 - 196 - 201 - 244 - 246 - 350 - 351 - 353 - 356 - 375، 2/ 80 - 81 - 422 - 423، 3/ 250 - 276 -
279 - 290 - 314 - 316 - 317 - 323 - 331 - 333 - 342 - 365 - 193، 4/ 213 - 214 - 222، 6/ 30 - 31 - 71 - 93 - 190 - 212 - 217، 7/ 115 - 116 - 121 - 131 - 133 - 134 - 135 - 144 - 165، 8/ 74 - 113 - 151 - 269، 9/ 286 - 312، 10/ 5 - 21 - 41 - 122 - 124 - 125، 12/ 3 - 24 - 26 - 31 - 326 - 332، 13/ 84 - 232 - 238 - 255 - 256 - 297 - 305 - 322 - 338 - 339 - 344، 14/ 48 - 70 - 201 - 278 - 281، 15/ 36 - 60 - 267 - 375 - 16/ 239 - 304 - 406 - 18/ 254 - 255 - 272 - 285 - 340، 19/ 13 - 45 - 46 - 51 - 82 - 84 - 98 - 175 - 241 - 301 - 302 - 303 - 305 - 307 - 308 - 310 - 311 - 312، 20/ 61 - 79 - 157 - 211 - 338 - 396، 21/ 1 - 13 - 79 - 80 - 82، 22/ 8 - 46 - 77 - 123 - 172 - 273 - 275 - 303 - 305 - 306 - 307 - 341، 23/ 60 - 71، 24/ 139 - 220.
محمد بن خلف وكيع 1/ 5 - 67 - 204 - 293 - 294 - 403 - 407، 2/ 6 - 37 -
93 - 245 - 7 - 8 - 33 - 173 - 366 - 3/ 71 - 74 - 89 - 303، 4/ 78 - 92 - 153 - 169 - 343 - 344 - 373 - 398، 6/ 4 - 14 - 24 - 28 - 73 - 89 - 102 - 109 - 150 - 152 - 202 - 212 - 242 - 245 - 326، 7/ 57 - 165 - 205 - 209 - 288 - 291، 8/ 75 - 82، 9/ 22 - 23 - 54 - 61 - 62 - 67 - 124 - 140 - 141 - 142 - 143 - 148 - 149 - 151 - 152 - 154 - 168 - 184 - 188 - 233 - 241 - 251 - 256، 10/ 35 - 48 - 150 - 158 - 163 - 227 - 265، 11/ 193 - 242 - 243 - 253 - 264 - 338، 12/ 40 - 55 - 124 - 224 - 241 - 259 - 276 - 291 - 318، 13/ 78 - 103 - 204 - 227 - 284 - 323 - 329 - 337 - 339، 14/ 46 - 177 - 264 - 283 - 290 - 331 - 333 - 335 - 355، 15/ 24 - 128 - 151 - 228 - 238 - 277 - 278 - 344 - 384 - 387 - 394 - 381 - 382 - 330، 16/ 23 - 29 - 48 - 86 - 93 - 133 - 178 - 180 - 203 - 204 - 208 - 224، 17/ 33 - 35 - 65 - 113 - 165 - 215 - 216 - 217 -
339، 18/ 9 - 38 - 46 - 56 - 58 - 96 - 97 - 130 - 135 - 198 - 207 - 245 - 323 - 326 - 328 - 329 - 330 - 340، 19/ 74 - 106 - 108 - 188 - 209 - 217 - 268 - 279 - 282، 20/ 2 - 4 - 8 - 9 - 10 - 11 - 51 - 63 - 158 - 201 - 213 - 296 - 316 - 347 - 368، 21/ 54 - 108 - 387 - 391 - 392 - 398 - 400 - 404، 22/ 123 - 242، 23/ 53 - 119، 24/ 83 - 137 - 165.
محمد بن داود بن أبي الجراح 2/ 204.
محمد بن داود بن الجراح 4/ 110، 6/ 19 - 168 - 254، 7/ 146 - 244 - 247 - 251، 10/ 44 - 46 - 65 - 235، 14/ 33 - 174، 16/ 17 - 254 - 261، 20/ 45 - 65 - 207 - 242 - 294 - 295 - 297، 22/ 159 - 161 - 168 - 175 - 184، 23/ 113 - 114 - 118 - 119 - 123 - 190 - 191 - 192 - 196 - 202 - 204 - 207 - 217 - 219، 24/ 169.
محمد بن داود الهشامي 3/ 94.
محمد بن دريد 5/ 60، 15/ 208.
محمد بن ذي السيفين اسحاق بن كنداجيق 21/ 74.
محمد بن راشد 14/ 307، 16/ 5.
محمد بن راشد الخنّاق 5/ 287 - 288.
محمد الراوية - البيذق - 13/ 146.
محمد بن الربيع 7/ 253.
محمد بن رستم الطبري 21/ 284.
محمد بن روح العدوي 21/ 290.
محمد بن الرياشي 4/ 35.
محمد بن الزبير الأسدي 9/ 262.
محمد بن الزربقان 13/ 302.
محمد بن زكريا 1/ 34 - 317، 3/ 156، 8/ 397 - 400 - 404 - 411 - 412، 21/ 58.
محمد بن زكريا الصّحاف 1/ 413، 2/ 410، 8/ 417، 14/ 58.
محمد بن زكريا الغلابي 1/ 52 - 204، 2/ 64، 6/ 349، 7/ 84 - 161 - 169 - 254 - 280، 11/ 302، 15/ 326، 16/ 206 - 224، 17/ 33 - 109، 20/ 399.
محمد بن زكريا بن ميمون الفرغاني 20/ 151.
محمد بن زهير 7/ 116.
محمد بن زهير السعدي الكوفي 1/ 314.
محمد بن زهير بن مضرس 2/ 313.
محمد الزهري 21/ 346.
محمد بن زياد 15/ 389، 21/ 309، 23/ 163.
محمد بن زياد الزيادي 3/ 91.
محمد بن زياد بن عبيد اللّه 17/ 361.
محمد بن زياد القرشي 12/ 44.
محمد بن زياد الكلابي 6/ 211.
محمد بن زيد 5/ 262 - 305، 12/ 69، 18/ 177.
محمد بن زيد الانصاري 4/ 248.
محمد بن زيد العجلي 3/ 137.
محمد الخزاعي 5/ 344.
محمد بن سابق 2/ 64، 15/ 328، 16/ 227.
محمد بن السائب 4/ 163، 15/ 246، 16/ 140.
محمد بن السائب الكلبي 9/ 118 - 120، 10/ 35، 22/ 118.
محمد بن السخي 10/ 50 - 52 - 57.
محمد بن السرّي 7/ 121، 18/ 163 - 165، 20/ 282 - 283.
محمد بن سعد 1/ 353، 4/ 24 - 210، 15/ 187، 16/ 80 - 84 - 100 - 195، 18/ 323، 19/ 7 - 10 - 171.
محمد بن سعد - كاتب الواقدي - 17/ 42 - 172 - 216 - 217 - 324.
محمد بن سعد الشامي 13/ 204.
محمد بن سعد العوفي 13/ 346.
محمد بن سعد الكراني 4/ 344، 9/ 27، 12/ 57، 13/ 69 - 111 - 206 - 277، 14/ 73 - 297 - 341 - 350،
15/ 350، 17/ 2 - 25 - 129 - 217، 20/ 72 - 296 - 347 - 116 - 310 - 313 - 349.
محمد بن سعد الهشامي 10/ 206 - 208 - 209 - 210 - 212 - 215 - 217 - 218 - 219 - 221 - 224 - 225 - 228 - 229.
محمد بن سعيد 8/ 355 - 358 - 368، 15/ 277، 22/ 162 - 165.
محمد بن سعيد بن أبي هند 12/ 286.
محمد بن سعيد الترمذي 18/ 346.
محمد بن سعيد الحاجب 22/ 207.
محمد بن سعيد الدوسي 1/ 41 - 276.
محمد بن سعيد الشامي 16/ 29 - 80 - 180.
محمد بن سعيد الصعدي 10/ 188.
محمد بن سعيد بن عمير الصيداوي 17/ 32.
محمد بن سعيد القاريء 18/ 355.
محمد بن سعيد الكراني 1/ 31 - 89، 3/ 282، 6/ 6 - 49 - 54 - 70 - 72 - 73 - 198 - 203 - 212 - 222 - 228 - 251، 7/ 56 - 106 - 120 - 163 - 237 - 249 - 271، 10/ 237 - 240 - 242 - 246 - 259 - 262 - 265 - 270 - 271، 11/ 190 - 256 - 264 - 295 - 303.
محمد بن سعيد المخزومي 2/ 14 - 399.
محمد بن سعيد المهدي 4/ 99.
محمد بن سعيد بن مهرويه 11/ 67 - 184 - 212 - 239 - 270 - 285 - 289 - 290.
محمد بن سلّام 1/ 40 - 61 - 71 - 82 - 166 - 265 - 294 - 310 - 314 - 338 - 353 - 355، 2/ 164 - 165 - 173 - 179 - 204 - 215 - 217 - 225 - 331 - 332 - 378 - 370 - 365 - 360 - 235 - 228 - 401، 3/ 27 - 140 - 141 - 153 - 167 - 168 - 191 - 203 - 211 - 220 - 278 - 314 - 320 - 323 - 325 - 342 - 352 - 355 - 356 - 357، 4/ 169 - 247 - 255 - 262 - 266 - 274 - 282 - 302، 6/ 85 - 264، 7/ 26 - 28 - 30، 8/ 9 - 52 - 55 - 60 - 61 - 63 - 70 - 76 - 77 - 84 - 85 - 284 - 309 - 312 - 313 - 316 - 317 - 318، 9/ 91 - 161 - 172 - 239 - 241 - 307 - 312 - 324 - 329 - 65 - 106 - 107 - 127، 10/ 3 - 21 - 82 - 150 - 152 - 239 - 288 - 289 - 315، 11/ 13 - 185 - 188 - 191 - 253 - 256، 12/ 239 - 260، 13/ 58 - 126 - 270 - 272، 14/ 168 - 376،
15/ 29 - 76 - 125 - 208 - 222 - 223 - 225 - 298 - 305 - 306، 16/ 55 - 85 - 86 - 144 - 150 - 151 - 152 - 161 - 165 - 166 - 196 - 307، 17/ 70 - 82 - 158 - 163 - 176 - 266، 18/ 1 - 14 - 16 - 19 - 25 - 27 - 29 - 31 - 32 - 36 - 37 - 42 - 63 - 74 - 75 - 198، 19/ 127، 20/ 53 - 200 - 206 - 346 - 352 - 353 - 354، 21/ 29 - 31 - 112 - 295 - 296 - 301 - 302 - 303 - 304 - 305 - 309 - 310 - 334 - 353 - 354 - 384 - 386 - 387 - 391 - 394 - 397 - 398، 22/ 8 - 81 - 116 - 117 - 273 - 274 - 275 - 276 - 277 - 279 - 304 - 305 - 306 - 343، 24/ 210 - 212 - 213 - 214.
محمد بن سلام المسيبي 2/ 357 - 370.
محمد بن سلمة 7/ 248، 15/ 123 - 131.
محمد بن سلمة بن أرتبيل 17/ 20 - 30 - 36 - 38 - 40.
محمد بن سليمان 19/ 27.
محمد بن سليمان الباقلاني 16/ 94.
محمد بن سليمان الطوسي 6/ 10 - 12 - 289 - 341 - 343.
محمد بن سليمان فليح 9/ 35.
محمد بن سليمان الكوفي 21/ 318.
محمد بن سليمان بن المنصور 6/ 112.
محمد بن سليمان بن موسى الهادي 10/ 101.
محمد بن سليمان النوفلي 20/ 416.
محمد بن سماعة 15/ 267.
محمد بن سنان 14/ 354.
محمد بن سهل 3/ 184، 4/ 67، 16/ 10.
محمد بن سهل الأسدي 17/ 2 - 21 - 24 - 27 - 29 - 37، 2/ 412 - 425.
محمد بن سهل الحميري 7/ 252.
محمد بن سوقة 4/ 223.
محمد بن سيرين 4/ 137 - 164، 16/ 230 - 233، 18/ 115.
محمد بن سيف 22/ 306.
محمد بن شيروية الانماطي 4/ 12، 17/ 360.
محمد بن صالح 9/ 156 - 11/ 39، 15/ 170.
محمد بن صالح الأسلمي 9/ 27.
محمد بن صالح الجبلي 14/ 364.
محمد بن صالح بن شيخ بن عمير 10/ 164.
محمد بن صالح العدوي 4/ 102، 18/ 2 - 6 - 8 - 45 - 50.
محمد بن صالح بن النطاح 1/ 341 - 342 - 343، 3/ 143 - 286،
4/ 109 - 408، 6/ 42 - 43 - 44 - 87، 8/ 88، 10/ 62، 13/ 314، 17/ 179 - 180 - 181 - 182، 18/ 22 - 27 - 229، 20/ 398، 21/ 388، 24/ 17 - 229.
محمد بن الصباح 18/ 151.
محمد بن صخر بن خلخة 15/ 307.
محمد بن الصلت 7/ 258.
محمد الصولي 5/ 128 - 273 - 274.
محمد بن الضحاك الحزامي 1/ 14/61 - 77 - 366 - 386 - 405 - 406، 2/ 65 - 188، 3/ 123 - 313، 4/ 163 - 255، 7/ 8 - 131 - 144، 9/ 14، 11/ 188، 15/ 163 - 334 - 339 - 340، 16/ 196 - 318، 20/ 372، 21/ 120، 12/ 256.
محمد بن الضحاك بن عثمان 8/ 134 - 271، 17/ 91 - 358.
محمد بن ضوين الصلصال التيمي 6/ 311.
محمد بن طاهر 2/ 37.
محمد بن الطائي 22/ 250.
محمد بن الطفيل 2/ 177.
محمد بن الطلّاس 20/ 283.
محمد بن طلحة 1/ 63، 16/ 159، 17/ 290 - 291 - 294، 19/ 4.
محمد بن طهمان السلمي 13/ 143 - 146 -
153، 19/ 268.
محمد بن عامر النخعي 18/ 180.
محمد بن الأعلى بن كناسة 21/ 90 - 102.
محمد بن عائد 20/ 209.
محمد بن عائشة 20/ 65 - 66 - 68 - 399.
محمد بن عباد 4/ 131، 16/ 99 - 209، 17/ 250، 24/ 20.
محمد بن عباد بن حبيب المهلبي 15/ 218 - 369، 18/ 117 - 185، 21/ 30 - 123 - 321 - 324.
محمد بن عباد بن موسى 19/ 138 - 145 - 187.
محمد بن عباد الموصلي 8/ 301.
محمد بن عبادة 18/ 34.
محمد بن العباس 5/ 136، 14/ 168.
محمد بن العباس العسكري 13/ 259.
محمد بن العباس اليزيدي 1/ 14 - 30 - 37 - 332 - 334 - 336، 2/ 188 - 195 - 244، 3/ 48 - 90 - 117 - 270 - 271 - 328، 4/ 11 - 12 - 47 - 84 - 167 - 408، 6/ 70 - 73 - 87 - 88 - 117 - 120 - 121 - 258 - 271 - 274 - 300 - 332 - 333 - 344 - 345 - 355، 7/ 5 - 37 - 59 - 115 - 171 - 210 - 250 - 276 - 290، 8/ 108 - 118 - 283 - 313 - 329 - 355، 9/ 3 - 19 - 78 - 110 - 112 - 113 - 118 - 120 - 142 - 144 - 161 - 167 - 168 - 213 -
216 - 228 - 237 - 255 - 262 - 263 - 264 - 265 - 267 - 268 - 277 - 324 - 337، 10/ 15 - 74 - 247 - 254 - 257، 11/ 12 - 13 - 29 - 37 - 38 - 61 - 68 - 69 - 70 - 124 - 156 - 177 - 193 - 237 - 242 - 247 - 254 - 310، 320 - 330، 12/ 34 - 36 - 72 - 131 - 132 - 174 - 177 - 183 - 198 - 209 - 214 - 223 - 257 - 259 - 265 - 289 - 301 - 304 - 309 - 311 - 313، 14/ 101 - 168 - 211 - 340 - 349 - 376، 15/ 245 - 246 - 380 - 271 - 341 - 345 - 109 - 147 - 170 - 177، 16/ 139 - 165 - 175 - 176 - 178 - 179 - 185 - 189 - 190 - 206 - 268 - 375 - 395 - 407، 17/ 20 - 25 - 31 - 34 - 68 - 176 - 183 - 187 - 225 - 243 - 345 - 349، 18/ 9 - 22 - 58 - 62 - 63 - 105 - 109 - 110 - 115 - 117 - 132 - 142 - 255 - 261، 19/ 126 - 127 - 229 - 263 - 271 - 303، 20/ 86 - 202 - 217 - 219 - 236 - 241 - 243 - 248 - 250 - 251 - 255 - 258 - 260 - 310، 21/ 25 - 82 - 208 -
254 - 255 - 256 - 273 - 370، 22/ 129 - 273، 23/ 7 - 149 - 157 - 24/ 107 - 197 - 212.
محمد بن عبد الجبار اري 4/ 47.
محمد بن عبد الحميد بن اسماعيل 3/ 307.
محمد بن عبد الرحمن 14/ 375، 21/ 80، 24/ 215.
محمد بن عبد الرحمن الأسدي 18/ 254.
محمد بن الرحمن التيمي 1/ 204 - 235، 3/ 156، 8/ 362، 9/ 256، 18/ 359.
محمد بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي 20/ 368.
محمد بن عبد الرحمن السلمي 12/ 297.
محمد بن عبد الرحمن بن سهيل 9/ 256.
محمد بن عبد الرحمن بن عبد الصمد الدارع 18/ 110.
محمد بن عبد الرحمن العبدي 6/ 74.
محمد بن عبد الرحمن بن الفهم 20/ 231.
محمد بن عبد الرحمن المرواني 17/ 356.
محمد بن عبد الرحمن بن يونس السراج 13/ 121 - 256.
محمد بن عبد السلام 10/ 233.
محمد بن عبد السميع الهاشمي 9/ 320.
محمد بن عبد العزيز 1/ 63 - 64، 9/ 5 - 20 - 47 - 341، 10/ 297، 16/ 248 - 276، 21/ 30.
محمد بن عبد العزيز الزهري 1/ 342.
محمد بن عبد اللّه 5/ 5.
محمد بن عبد اللّه بن آدم 8/ 52 - 62، 13/ 141 - 143 - 145، 23/ 206 - 218، 24/ 247 - 248 - 249 - 253 - 255.
محمد بن عبد اللّه أبو بكر العبدي 19/ 49 - 61.
محمد بن عبد اللّه - أبو جعفر مولى بني هاشم 7/ 147.
محمد بن عبد اللّه - صاحب المراكب - 7/ 148.
محمد بن عبد اللّه بن أبي صعصعة 15/ 201.
محمد بن عبد اللّه بن أبي عيينة 3/ 222، 14/ 328.
محمد بن عبد اللّه بن أبي فروة بن أبي قراد الخزاعي 6/ 156 - 291.
محمد بن عبد اللّه الأزرقي 15/ 12.
محمد بن عبد اللّه الأسدي 16/ 100.
محمد بن عبد اللّه الاصبهاني - الحزنبل - 2/ 73 - 246 - 203 - 254، 3/ 96 - 286، 8/ 123، 11/ 244 - 278 - 325، 20/ 79 - 99 - 207، 21/ 13 - 115 - 128.
محمد بن عبد اللّه الانصاري 16/ 94 - 96، 21/ 384.
محمد بن عبد اللّه البكري 1/ 113، 2/ 52، 20/ 12، 21/ 117،
22/ 38 - 41.
محمد بن عبد اللّه بن جشم العبدي 2/ 195. 12/ 137 - 276،
13/ 155، 18/ 208.
19/ 55، 22/ 93،
محمد بن عبد اللّه بن جعفر بن سليمان 19/ 154.
محمد بن عبد اللّه بن حسن بن حسن 1/ 18.
محمد بن عبد اللّه بن الحزنبل 13/ 7 - 35 - 157 - 173.
محمد بن عبد اللّه بن حمزة بن عتبة 4/ 315.
محمد بن عبد اللّه الحميري 7/ 155.
محمد بن عبد اللّه بن داود 18/ 159 - 160.
محمد بن عبد اللّه الرازي 16/ 93.
محمد بن عبد اللّه بن الزبير 4/ 151.
محمد بن عبد اللّه بن سليمان الحضرمي 12/ 300، 16/ 138، 17/ 325.
محمد بن عبد اللّه الشامي 14/ 34 - 43.
محمد بن عبد اللّه بن طاهر 10/ 175 - 176 - 177 - 187 - 188 - 189 - 191.
محمد بن عبد اللّه الطلحي 12/ 92.
محمد بن عبد اللّه بن طهمان السلمي 18/ 144، 20/ 47.
محمد بن عبد اللّه بن العامري القرشي 18/ 317.
محمد بن عبد اللّه العبدي القسري
14/ 162.
محمد بن عبد اللّه بن عثمان 3/ 192.
محمد بن عبد اللّه بن علانة الكلابي 14/ 177.
محمد بن عبد اللّه بن علي بن رافع 12/ 5.
محمد بن عبد اللّه بن عمرو بن عثمان 4/ 348 - 349.
محمد بن عبد اللّه العنبري 8/ 72.
محمد بن عبد اللّه الكراني 17/ 99.
محمد بن عبد اللّه بن مالك 3/ 344، 6/ 162، 7/ 104 - 224 - 227، 9/ 278، 11/ 340 - 345 - 351، 13/ 12، 16/ 314، 18/ 67 - 229 - 249 - 305 - 306، 19/ 77 - 175 - 226، 20/ 355، 22/ 46 - 210 - 340، 23/ 2 - 5.
محمد بن عبد اللّه بن مالك الخزاعي 1/ 83.
محمد بن عبد اللّه بن محمد البواب 23/ 38.
محمد بن عبد اللّه المخزومي 18/ 115، 20/ 358 - 361.
محمد بن عبد اللّه بن مسلم 12/ 137، 19/ 34.
محمد بن عبد اللّه بن مهران 17/ 33.
محمد بن عبد اللّه بن موسى 12/ 224.
محمد بن عبد اللّه بن الوليد - مولى الأنصار - 19/ 63.
محمد بن عبد اللّه اليزيدي 3/ 353 - 343.
محمد بن عبد اللّه بن يعقوب بن داود 8/ 84،
20/ 337.
محمد بن عبد اللّه اليعقوبي 19/ 39 - 136 - 213.
محمد بن عبد الملك؟؟؟؟ 4/ 98.
محمد بن عبد الملك المخزومي 6/ 291.
محمد بن عبد الوهاب 6/ 203، 11/ 190.
محمد بن عبيد 22/ 86.
محمد بن عبيد بن عقبة 7/ 258.
محمد بن عبيد المحاربي 4/ 177 - 191.
محمد بن عبيد اللّه 15/ 191، 19/ 209.
محمد بن عبيد اللّه - الحزنبل - 9/ 312.
محمد بن عبيد اللّه بن عبد اللّه بن أبي مليكة 17/ 174.
محمد بن عبيد اللّه بن عتبة 17/ 325.
محمد بن عبيد اللّه بن كثير 14/ 170 - 172.
محمد بن عبيد اللّه بن محمد الرازي 3/ 277.
محمد بن عبيد اللّه المنادي 12/ 66.
محمد بن عثمان 4/ 285، 20/ 106 - 191.
محمد بن عثمان البصري 3/ 195.
محمد بن عثمان بن عفان 19/ 136.
محمد بن عثمان الكريزي 3/ 208، 19/ 140.
محمد بن عجلان 18/ 238، 19/ 57.
محمد بن علي 3/ 168، 4/ 348 - 387،
10/ 190.
محمد بن علي أبو المغيرة 11/ 204.
محمد بن علي الأنباري 21/ 48.
محمد بن علي بن أبي حسان 1/ 35.
محمد بن علي بن أمية 12/ 145 - 149 - 23/ 134.
محمد بن علي بن حمزة العلوي 13/ 156، 15/ 330، 16/ 178 - 308، 18/ 346، 20/ 201.
محمد بن علي بن خلف 21/ 119.
محمد بن علي بن خلف العطار 17/ 341 - 342، 18/ 56.
محمد بن علي بن سعيد الترمذي 21/ 358 - 379.
محمد بن علي الطالبي 20/ 175 - 178.
محمد بن علي بن طاهر بن الحسين 17/ 79.
محمد بن علي بن عثمان الشطرنجي 10/ 165 - 166، 13/ 339.
محمد بن علي بن عصمة 13/ 80.
محمد بن علي بن المغيرة 11/ 210 - 243، 18/ 45.
محمد بن علي النوفلي 17/ 28.
محمد بن عمار 5/ 275.
محمد بن عمار بن ياسر 17/ 118.
محمد بن عمارة 9/ 18.
محمد بن عمر 7/ 121 - 134، 12/ 5.
محمد بن عمر الأزدي 16/ 68 - 80.
محمد بن عمر الجرجاني 2/ 421، 3/ 196، 4/ 9، 6/ 109، 18/ 21 - 102، 19/ 249 - 262 - 268، 20/ 44 - 48 - 63 - 137 - 145.
محمد بن عمر بن عبد العزيز 4/ 373.
محمد بن عمر العتابي 4/ 222.
محمد بن عمر العدني 15/ 325.
محمد بن عمر بن محمد بن عبد الملك 3/ 161.
محمد بن عمر الواقدي 15/ 183 - 184 - 217.
محمد بن عمران 4/ 7، 46 - 51 - 55 - 73 - 75 - 90 - 100 - 101 - 104 - 110 - 12/ 44 - 55 - 56 - 58 - 59، 18/ 110 - 173 - 185 - 207 - 208 - 212 - 229 - 234 - 250 - 251.
محمد بن عمران الجرجاني 8/ 300.
محمد بن عمران الصيرفي 2/ 406 - 409 - 412 - 417 - 424، 3/ 167 - 136 - 137 - 141 - 153 - 162 - 172 - 200 - 210 - 301، 6/ 55 - 245، 8/ 52 - 62 - 72، 9/ 273، 12/ 276 - 301 - 304، 13/ 39 - 143 - 151 - 158 - 236 - 241 - 244 - 315 - 339 - 340 - 341 - 342 - 343، 14/ 358 - 378 - 380، 16/ 405، 17/ 36،
19/ 34 - 35 - 41 - 193 - 265 - 274، 20/ 31 - 75 - 79 - 123 - 124 - 125 - 129 - 130 - 138 - 165 - 167 - 175 - 184 - 411، 21/ 396، 23/ 206، 24/ 215 - 245.
محمد بن عمران الضبي 14/ 180، 15/ 371، 16/ 20، 21/ 122 - 284 - 327 - 357.
محمد بن عمران بن مطر الشامي 3/ 186.
محمد بن عمران المؤدب 17/ 311، 22/ 86.
محمد بن عمرو 18/ 58 - 207.
محمد بن عمرو الأنباري 10/ 116.
محمد بن عمرو الجرجراني 2/ 169 - 248، 13/ 284 - 286 - 340.
محمد بن عمرو الخشاب 12/ 5.
محمد بن عمرو الرومي 7/ 157 - 152، 8/ 363.
محمد بن عمرو بن سعيد 19/ 47.
محمد بن عمرو بن فراس الذهلي 14/ 178.
محمد بن عمير بن عطارد 14/ 255.
محمد بن عون 4/ 38.
محمد بن عون بن بشير 3/ 247.
محمد بن عيسى 8/ 364.
محمد بن عيسى الحربي 4/ 95.
محمد بن عيسى بن حمزة العلوي 15/ 344.
محمد بن عيسى الخزيمي 4/ 17.
محمد بن عيسى بن عبد الرحمن 10/ 48.
محمد بن عيسى الفساطيطي 23/ 73.
محمد بن غسان الضبي 16/ 92.
محمد بن فضالة النحوي 3/ 302، 4/ 140 - 240 - 356، 15/ 295.
محمد بن الفضل 4/ 47، 5/ 128، 8/ 361، 20/ 302، 22/ 378.
محمد بن الفضل بن الأسود 17/ 73.
محمد بن الفضل الأهوازي 7/ 175.
محمد بن الفضل الجرجاني 10/ 133، 19/ 230 - 310.
محمد بن الفضل السكوني 13/ 290 - 300 - 308 - 317 - 322 - 323 - 329.
محمد بن الفضل بن محمد بن منصور 12/ 101.
محمد بن الفضل الهاشمي 10/ 118، 13/ 332، 15/ 216 - 234، 17/ 69.
محمد بن فضيل 15/ 228.
محمد بن فضيل الصيرفي 17/ 30 - 35.
محمد بن فلان الزهري 1/ 76.
محمد بن فليح 1/ 17، 14/ 307، 15/ 303، 17/ 87 - 88.
محمد بن فليح بن سليمان 12/ 318.
محمد بن فليح بن موسى بن عقبة 4/ 158 - 230 - 235.
محمد بن القاسم 8/ 153 - 372،
9/ 101، 265، 14/ 332.
محمد بن القاسم الأسدي 10/ 5.
محمد بن القاسم الأنباري 2/ 35، 3/ 239، 4/ 22 - 45 - 57، 9/ 313، 10/ 291، 12/ 44 - 302، 13/ 18 - 45 - 114، 14/ 94 - 336، 16/ 248 - 249 - 401، 17/ 33، 18/ 100 - 102، 19/ 21 - 42 - 110 - 20/ 96، 21/ 26، 5/ 274.
محمد بن القاسم بن خلاد 8/ 354.
محمد بن القاسم الدينوري 3/ 186، 16/ 20 - 22 - 23 - 24.
محمد بن القاسم بن الربيع 19/ 277.
محمد بن القاسم بن مهروية 1/ 8 - 169 - 312، 2/ 83 - 95 - 96 - 128 - 146 - 341 - 368، 3/ 135 - 144 - 149 - 153 - 155 - 160 - 162 - 163 - 178 - 180 - 188 - 189 - 194 - 205 - 208 - 210 - 214 - 227 - 231 - 232 - 249 - 253 - 258 - 263 - 267 - 344 - 348 - 4/ 4 - 5 - 8 - 12 - 13 - 29 - 34 - 37 - 56 - 71 - 75 - 62 - 77 - 79 - 80 - 81 - 99 - 111 - 72 - 45 - 393 - 395 - 418، 6/ 6 - 162 - 286 - 306 - 309 - 318، 7/ 11 - 21 - 23 - 26 - 34 - 54 - 55 - 56 -
104 - 109 - 147 - 151 - 155 - 166 - 168 - 202 - 203 - 207 - 214 - 215 - 221 - 222 - 270، 8/ 274 - 289 - 303 - 356، 9/ 78 - 311 - 274، 10/ 45 - 46 - 49 - 73 - 80 - 92 - 93 - 94 - 107 - 130 - 210 - 211 - 213 - 217 - 220 - 235 - 268 - 271 - 294، 12/ 43 - 86 - 89 - 91 - 148 - 151 - 152 - 169 - 241 - 268 - 320 - 333، 13/ 70 - 99 - 100 - 103 - 114 - 115 - 116 - 117 - 228 - 230 - 233 - 252 - 253 - 277 - 279 - 284 - 286 - 290 - 294 - 307 - 309 - 339 - 340 - 341 - 342، 14/ 42 - 97 - 102 - 105 - 109 - 326، 15/ 374 - 376، 16/ 161 - 204 - 250 - 251 - 252 - 363 - 364 - 377 - 387 - 404 - 406، 18/ 27 - 116 - 171 - 174 - 175 - 179 - 183 - 185 - 186 - 187 - 189 - 191 - 193 - 199 - 200 - 202 - 208 - 209 - 215 - 250 - 251 - 315 - 318 - 351، 19/ 11 - 31 - 36 - 39 - 45 - 46 - 47 - 49 - 52 - 53 - 61 - 62 - 94 - 106 - 108 - 109 - 136 - 137 -
139 - 140 - 141 - 142 - 143 - 144 - 145 - 148 - 150 - 151 - 152 - 153 - 154 - 155 - 166 - 168 - 169 - 170 - 180 - 230 - 239 - 249 - 262 - 265 - 266 - 267 - 268 - 270 - 272 - 273 - 274 - 275 - 276 - 277 - 278 - 279 - 283 - 284 - 285 - 306، 20/ 22 - 37 - 39 - 54 - 64 - 67 - 68 - 69 - 70 - 101 - 106 - 113 - 117 - 122 - 123 - 125 - 126 - 127 - 129 - 131 - 132 - 133 - 134 - 136 - 137 - 138 - 139 - 140 - 144 - 145 - 146 - 148 - 149 - 150 - 151 - 155 - 156 - 157 - 164 - 165 - 170 - 172 - 174 - 182 - 183 - 184 - 188 - 236 - 252 - 307 - 329 - 351 - 355 - 392، 21/ 196، 22/ 250، 23/ 2 - 43 - 88 - 138 - 191 - 203 - 207 - 208.
محمد بن القاسم النوشجاني 18/ 178.
محمد بن القاسم بن يوسف 19/ 84.
محمد بن قدامة الجوهري 18/ 191 - 204.
محمد الكراني 5/ 263.
محمد بن كعب 16/ 227.
محمد بن كعب القرظي 15/ 202.
محمد بن كناسة 1/ 325 - 342 - 364،
4/ 418، 6/ 34 - 120 - 121 - 122، 7/ 270، 13/ 158 - 344 - 346، 15/ 221، 17/ 3 - 8 - 24 - 25 - 31 - 34 - 36 - 327، 18/ 7 - 8 - 41.
محمد بن مالك 5/ 280 - 361 - 287 - 373 - 380.
محمد بن مالك الخزاعي 16/ 15 - 14/ 132.
محمد بن مجمع 20/ 91.
محمد بن محمد 15/ 278.
محمد بن محمد الأبزاري 11/ 342 - 353.
14/ 131.
محمد بن محمد الأنباري 7/ 204 - 216.
محمد بن محمد البصري 3/ 205.
محمد بن محمد الزبيري أبو طاهر 19/ 148 - 166.
محمد بن محمد بن سليمان الباغندي 15/ 325.
محمد بن محمد الطفاوي 3/ 188.
محمد بن محمد العمري 21/ 111.
محمد بن محمد العنبسي 4/ 359، 12/ 224.
محمد بن محمد قادم - مولى بني هاشم - 18/ 123.
محمد بن محمد بن مروان 7/ 185 - 186 - 188 - 190 - 226، 19/ 75 - 77 - 234.
محمد بن محمد بن موسى 19/ 257.
محمد بن مخارق 7/ 156.
محمد المخلوع 5/ 406.
محمد بن المرزبان 20/ 159.
محمد بن مخنف 17/ 139.
محمد بن مرزوق البصري 19/ 82.
محمد بن مروان 5/ 397، 7/ 172.
محمد بن مزيد 8/ 57 - 92 - 105 - 106 - 119 - 125 - 126 - 131 - 134 - 147 - 413 - 419 - 420 - 423.
محمد بن مزيد بن أبي الأزهر 1/ 48 - 208 - 353 - 361 - 362 - 364 - 376 - 386 - 387 - 393 - 395 - 396 - 399 - 402، 2/ 9 - 52 - 56 - 58 - 70 - 93 - 148 - 217 - 225 - 360 - 259 - 239، 3/ 133 - 136 - 158 - 159 - 165 - 307 - 339، 4/ 10 - 97 - 40 - 83 - 219، 5/ 100 - 167 - 177 - 192 - 202 - 205 - 219 - 327 - 333 - 370 - 411 - 417 - 418 - 231 - 238 - 251 - 258 - 264 - 275 - 299 - 356 - 382 - 423، 6/ 27 - 56 - 65 - 78 - 85 - 110 - 113 - 157 - 165 - 202 - 261، 7/ 26 - 74 - 85 - 88 - 89 - 110 - 165 - 215، 8/ 139 - 146 - 393 - 402 - 407، 9/ 105 - 290، 10/ 79 - 92 - 96 - 130 - 138،
11/ 272 - 285 - 302 - 329 - 334 - 341 - 360، 12/ 252 - 344 - 88 - 90، 13/ 101 - 208 - 285 - 347، 14/ 339، 15/ 47 - 153، 17/ 327، 18/ 100 - 180 - 221 - 300 - 311 - 316 - 338، 19/ 99 - 101 - 111 - 168 - 171 - 172 - 176 - 227 - 228 - 254 - 276 - 285 - 291 - 298، 20/ 3 - 7 - 55 - 91 - 149 - 336 - 404، 22/ 7 - 8 - 15 - 30 - 205 - 212 - 213 - 237 - 309، 24/ 125 - 136 - 145 - 220.
محمد بن مزيد البوشنجي 2/ 169 - 209 - 238 - 343 - 348 - 349 - 322، 21/ 134 - 255.
محمد بن مسروق 16/ 272.
محمد بن مسعدة الدارع - أبو الجهجاه - 18/ 206.
محمد بن مسعود الزرقي 12/ 247.
محمد بن مسلم 15/ 179، 16/ 227.
محمد بن مسلم الجوسق 2/ 200.
محمد بن مسلم الزهري 4/ 170 - 193.
محمد بن مسلمة الثقفي 3/ 356.
محمد بن معاذ العمري 6/ 264.
محمد بن معاوية 11/ 252 - 255 - 257 - 266، 12/ 245، 14/ 243، 17/ 36.
محمد بن معاوية الأسدي 2/ 411 - 416 - 417 - 418، 6/ 33 - 34، 9/ 112، 13/ 158، 16/ 298 - 302، 19/ 193، 21/ 396.
محمد بن معاوية الزيادي 8/ 411 - 412.
محمد بن معاوية النيسابوري 16/ 84.
محمد بن معرس 15/ 325.
محمد بن معن 2/ 71 - 394، 4/ 272 - 347 - 348، 17/ 158.
محمد بن معن الغفاري 1/ 163 - 6/ 120، 9/ 17 - 20 - 188.
محمد بن المغني 1/ 8.
محمد بن المغيرة بن محمد المهلبي 10 155، 7/ 160.
محمد بن مكرم 12/ 221.
محمد بن المنتشر 1/ 21، 15/ 241 - 367.
محمد بن المنجم 9/ 310.
محمد بن منصور 4/ 142، 14/ 58، 16/ 232 - 233.
محمد بن المنصور الأزدي 1/ 158.
محمد بن منصور بن زياد 18/ 246.
محمد بن منصور بن عطية الغنوي 22/ 330.
محمد بن منصور بن علية القرشي 9/ 286.
محمد بن المنكدر 21/ 274.
محمد بن المنهال 8/ 324.
محمد بن مهروية 15/ 358.
محمد بن المهلب 20/ 81.
محمد بن المهنا 19/ 57.
محمد بن موسى 2/ 192 - 200، 3/ 251، 5/ 280 - 301، 8/ 287 - 363 - 369، 11/ 300، 13/ 19 - 141، 15/ 280 - 281 - 282 - 311 - 380، 19/ 107 - 269، 20/ 41، 22/ 257.
محمد بن موسى الثقفي 16/ 101 - 144.
محمد بن موسى بن الحسن بن الفرات 18/ 155 - 156.
محمد بن موسى بن حماد 3/ 1 - 9 - 69، 4/ 2 - 3 - 4 - 5 - 8 - 9 - 12 - 13 - 25 - 26 - 35 - 39 - 51 - 102 - 111 - 144، 7/ 174 - 184 - 242، 9/ 180 - 181، 10/ 54 - 135، 14/ 364، 16/ 247 - 248 - 280 - 344 - 386 - 396، 18/ 101 - 151 - 246 - 247 - 248 - 249 - 312 - 315 - 322، 20/ 6 - 19، 23/ 53 - 57 - 63 - 96 - 99 - 105 - 115 - 211، 24/ 140.
محمد بن موسى بن حمزة 10/ 87.
محمد بن موسى الضبي 20/ 178.
محمد بن موسى بن طلحة 1/ 368، 21/ 318 - 338 - 340 - 348 - 359 - 361 - 362 - 363 - 364 - 365 - 367 - 374 - 375 - 378 - 379 -
381 - 384.
محمد بن موسى بن فليح الخزاعي 6/ 295.
محمد بن موسى المنجم 10/ 140.
محمد بن موسى الهذلي 16/ 71، 18/ 58.
محمد بن موسى اليزيدي 17/ 179 - 180، 20/ 302 - 303.
محمد بن موسى بن يونس 21/ 63 - 71.
محمد بن المؤمل بن طالوت 6/ 124.
محمد بن الميسور بن عبد الملك 1/ 355.
محمد بن ميمون 15/ 325.
محمد بن نصر الضبعي 2/ 359.
محمد بن النضر 4/ 38، 17/ 67، 21/ 400.
محمد بن النطاح 14/ 348.
محمد بن النعمان بن جبلة الباهلي 18/ 179.
محمد بن نعيم البلخي 10/ 84.
محمد بن هارون 3/ 250، 5/ 307.
محمد بن هارون الأزرقي 4/ 29، 13/ 286 - 309.
محمد بن هارون بن عبد الملك الزيات 10/ 162.
محمد بن هاشم بن محمد الخزاعي 13/ 319.
محمد بن هشام 20/ 296.
محمد بن الهيثم 8/ 75 - 363.
محمد بن الهيثم الشامي 22/ 260 - 267.
محمد بن الهيثم بن عدي 13/ 103.
محمد بن الوراق 3/ 186، 14/ 198.
محمد بن الوليد 19/ 305.
محمد بن وهيب الشاعر 19/ 75 - 83.
محمد بن يحي 1/ 63 - 64 - 224 - 246 - 248، 3/ 75 - 143 - 162 - 222 - 365، 5/ 106 - 211 - 213، 8/ 40 - 397 - 402 - 411، 9/ 163 - 165 - 166 - 167 - 168 - 181 - 182 - 184 - 185 - 188 - 190 - 192 - 240، 14/ 372 - 374 - 375 - 376، 15/ 19 - 21 - 179 - 181 - 282 - 279 - 277 - 326 - 329، 16/ 111 - 138 - 154 - 155 - 181 - 343 - 345 - 346 - 385 - 386 - 387 - 389 - 393 - 397 - 398، 17/ 67 - 69 - 70 - 71 - 72 - 73 - 358.
محمد بن يحي - أبو عثمان - 20/ 78.
محمد بن يحي - أبو غسان - 2/ 242 - 251 - 364 - 373، 9/ 7 - 127 - 157 - 289 - 330، 19/ 212.
محمد بن يحي بن أبي عباد 9/ 298 - 299 - 301 - 319، 20/ 261.
محمد بن يحي بن أبي مرة التغلبي 10/ 94.
محمد بن يحي الباقطاني 23/ 148 - 151 - 152 - 158 - 159.
محمد بن يحي بن بسخنر 12/ 151.
محمد بن يحي بن حيان 4/ 179.
محمد بن يحي الخراساني 7/ 156 - 157 - 158.
محمد بن يحي الصولي 2/ 35 - 84 - 133، 4/ 2 - 3 - 5 - 6 - 7 - 9 - 12 - 24 - 54 - 80 - 35 - 40 - 102 - 139 - 232 - 234 - 241 - 348 - 325، 5/ 128 - 273 - 274، 6/ 203 - 281، 7/ 20 - 24 - 44 - 83 - 146 - 147 - 148 - 149 - 157 - 158 - 160 - 163 - 167 - 170 - 188 - 192 - 194 - 205 - 208 - 211 - 223 - 225، 8/ 272 - 352 - 353 - 354 - 355، 10/ 50 - 51 - 52 - 54 - 55 - 56 - 57 - 58 - 59 - 60 - 61 - 62 - 99 - 110 - 135 - 187 - 188 - 195 - 196 - 197 - 198 - 199 - 200 - 255 - 285، 11/ 61 - 278 - 325 - 345، 12/ 39 - 67 - 84 - 138 - 151 - 152 - 231 - 234 - 272 - 307 - 337 - 338، 13/ 173 - 235 - 325، 14/ 198، 17/ 109، 18/ 101 - 200 - 224 - 226 - 228 - 232 - 246 - 307 - 336 - 343 - 359 - 370، 19/ 56 - 82 - 91 - 94 - 246 - 251 - 255 - 257 -
269، 20/ 44 - 48 - 49 - 50 - 63 - 64 - 78 - 79 - 83 - 116 - 167 - 245 - 261 - 269 - 280 - 290 - 302 - 304 - 399، 21/ 39 - 40 - 48 - 49 - 52 - 116 - 280 - 281 - 283 - 400، 22/ 48 - 50 - 52 - 169، 24/ 245 - 246 - 247 - 251 - 252 - 253 - 255 - 256 - 257.
محمد بن يحي الطلحي 6/ 254 - 269.
محمد بن يحي بن عباد 23/ 57 - 60.
محمد بن يحي بن عبد الحميد 20/ 201.
محمد بن يحي بن عبد الملك الهديري 12/ 338.
محمد بن يحي بن علي بن حميد 21/ 291.
محمد بن يحي اللؤلئي 7/ 277.
محمد بن يحي المنجم 20/ 50.
محمد بن يحي الواثقي 21/ 72.
محمد بن يزيد 1/ 41 - 363، 3/ 70 - 266، 8/ 303 - 322، 9/ 129 - 167 - 254، 12/ 94 - 101، 14/ 26 - 47 - 179 - 182 - 183، 24/ 245.
محمد بن يزيد - أبو العباس - 19/ 31 - 32 - 33 - 57.
محمد بن يزيد الأزدي 6/ 6 - 49 - 56 - 58 - 211 - 278 - 341، 13/ 257.
محمد بن يزيد الثمالي 7/ 236.
محمد بن يزيد الخضري 22/ 41.
محمد بن يزيد بن زياد الكلبي 2/ 133، 15/ 38 - 350 - 385، 22/ 86.
محمد بن يزيد بن سنان 13/ 18.
محمد بن يزيد الليثي 17/ 293.
محمد بن يزيد المبرد 7/ 63 - 172 - 253، 8/ 256 - 371 - 372، 9/ 21، 10/ 126 - 155 - 173، 13/ 64 - 111 - 154 - 228 - 233 - 239 - 243 - 247 - 249 - 252، 18/ 10 - 23 - 34 - 170 - 172 - 180 - 184 - 192 - 239 - 245 - 333 - 334 - 341 - 346، 21/ 87 - 196، 22/ 146.
محمد بن يزيد المهلبي 14/ 328.
محمد بن يزيد النحوي 4/ 21 - 49 - 51 - 343، 7/ 208، 10/ 60 - 116 - 124 - 130 - 236، 12/ 299، 15/ 222، 20/ 22 - 24 - 66 - 67 - 75 - 80 - 81 - 84 - 85 - 86 - 95 - 107 - 113 - 114 - 116 - 123 - 124 - 131 - 132 - 145 - 153 - 163 - 172 - 297 - 324 - 349، 22/ 48.
محمد بن يسير 14/ 39 - 48.
محمد بن يعقوب بن أبي مريم 16/ 68.
محمد بن يعقوب بن عبد الوهاب 18/ 38 - 116.
محمد بن يعقوب بن عتبة 16/ 80.
محمد بن يعقوب اليزيدي 8/ 303 - 307.
محمد بن يوسف بن أسوار الجمحي 15/ 147.
محمد بن يوسف الثغري 21/ 41 - 42.
محمد بن يوسف الهاشمي 16/ 242.
محمد بن يونس 9/ 251.
محمد بن يونس الأنباري 10/ 52، 14/ 102.
محمد بن يونس الربيعي 23/ 218.
محمد بن يونس الشيرازي 16/ 92.
محمد بن يونس الكاتب 22/ 342.
محمد بن يونس بن الوليد 1/ 28.
محمد العجاجي 13/ 341.
محمد العجلي 19/ 274.
محمد الكندي 19/ 257.
محمد المرتجل بن أحمد بن يحي المكي 20/ 154.
محمد النوفلي 18/ 255، 19/ 145 - 263 - 272، 20/ 293 - 404، 22/ 282.
محمود بن عمرو 15/ 193.
محمود بن لبيد 15/ 203.
المعيطي 4/ 344 - 346 - 351.
مخارق 5/ 178، 8/ 422،
16/ 350، 18/ 71، 20/ 288 - 303، 9/ 288 - 299، 11/ 351.
مختار 8/ 383.
المخزومي 5/ 132.
مخلد أبو سفيان 3/ 153.
مخلد بن حمزة 16/ 210 - 211.
المدائني 1/ 14 - 21 - 29 - 31 - 33 - 34 - 61 - 66 - 71 - 74 - 82 - 116 - 211 - 230 - 265 - 266 - 267 - 334 - 341 - 351 - 360 - 403 - 443، 2/ 37 - 164 - 171 - 192 - 200 - 205 - 236 - 239 - 341 - 344 - 357 - 360 - 370 - 371 - 381 - 382 - 396 - 414، 3/ 27 - 31 - 33 - 35 - 36 - 38 - 69 - 212 - 263 - 277 - 278 - 298 - 331 - 366 - 361 - 362، 4/ 86 - 158 - 213 - 219 - 277 - 279 - 293 - 368 - 361 - 341 - 400 - 410 - 418، 5/ 12 - 118 - 128 - 130 - 143 - 146 - 374، 6/ 1 - 17 - 70 - 93 - 123 - 142 - 144 - 147 - 202 - 330 - 338 - 344، 7/ 2 - 4 - 5 - 6 - 8 - 12 - 15 - 17 - 19 - 25 - 26 - 28 - 30 - 31 - 35 - 45 - 46 - 55 - 60 - 64 - 68 - 69 - 70 -
73 - 74 - 75 - 82 - 91 - 114 - 116 - 135 - 256، 8/ 38 - 39 - 74 - 318 - 334 - 339 - 340 - 347 - 386 - 400 - 402، 9/ 6 - 7 - 15 - 68 - 167 - 169 - 170 - 208 - 273 - 239 - 260 - 313، 10/ 73 - 158 - 160 - 238 - 253 - 254 - 257 - 258 - 290 - 306، 11/ 5 - 21 - 26 - 67 - 181 - 183 - 186 - 187 - 188 - 192 - 242 - 244 - 253 - 254 - 270 - 320 - 330، 12/ 36 - 44 - 45 - 72 - 77 - 141 - 183 - 223 - 228 - 229 - 322 - 334 - 335 - 232 - 249 - 254 - 259 - 264 - 268 - 298 - 301 - 304 - 309 - 311 - 314، 13/ 12 - 19 - 41 - 42 - 91 - 93 - 114 - 133 - 267 - 287 - 288 - 289 - 334، 14/ 76 - 77 - 86 - 293 - 298 - 374، 15/ 7 - 66 - 109 - 122 - 124 - 125 - 127 - 139 - 140 - 144 - 150 - 162 - 212 - 221 - 232 - 291 - 352 - 362 - 380، 16/ 37 - 39 - 91 - 93 - 95 - 100 - 139 - 141 - 151 - 158 - 170 - 176 - 184 - 197 - 206 - 266 - 279 - 294 - 295 - 298 - 302 - 303 - 318،
17/ 63 - 300 - 330 - 335 - 345 - 349، 18/ 9 - 30 - 31 - 54 - 55 - 58 - 108 - 115 - 129 - 153 - 260 - 261 - 272 - 322، 19/ 3 - 122 - 127 - 130 - 137 - 139 - 141 - 142 - 151 - 152 - 153 - 154 - 170 - 178 - 195 - 217، 20/ 312 - 326 - 351 - 353 - 364 - 365 - 367 - 369 - 372 - 420، 21/ 9 - 15 - 16 - 106 - 107 - 214 - 265 - 272 - 366 - 367 - 386 - 388 - 400، 22/ 10 - 14 - 15 - 16 - 21 - 22 - 23 - 24 - 25 - 76 - 77 - 78 - 93 - 228 - 231 - 257 - 265 - 297 - 309 - 321، 23/ 228 - 230 - 231 - 244 - 245 - 246 - 248 - 249 - 254 - 255، 24/ 47.
مدرك بن محمد الشيباني 23/ 198 - 199.
مدرك بن يزيد 6/ 282.
مدركة بن يزيد 4/ 362.
المديني 5/ 108 - 262 - 315 - 346 - 376 - 380 - 382 - 405 - 430، 15/ 163، 21/ 255.
مذكور - مولى زينب زوج النبي صلّى اللّه عليه وسلم - 17/ 32.
مرة 15/ 217.
المرداسي 5/ 57.
المرزبان بن الفروزان 23/ 211.
مرقع 5/ 261.
مروان 8/ 132 - 133.
مروان بن أبي الجنوب 12/ 81.
مروان بن أبي حفصة 6/ 71، 7/ 18، 10/ 75 - 80 - 84 - 94، 13/ 145، 16/ 17 - 254، 21/ 273، 23/ 86.
مروان بن بشر بن أبي سارة 15/ 127.
مروان بن الحكم 2/ 160.
مروان بن ضرار 15/ 213.
مروان بن محمد 10/ 245.
مروان بن موسى 15/ 310.
مروان بن موسى القروي 16/ 143.
مريم 14/ 171.
مزاحم العقيلي 8/ 261.
مزرّع بن عبد اللّه بن حمام بن مطرف بن الأعلم 11/ 218.
مزرّع بن عمرو بن همام 11/ 222.
مزيد الهاشمي 4/ 39.
مساحق 17/ 171.
مسامع بن عبدة بن وهب 15/ 180.
مساور السباق 4/ 85.
مساور بن سوار بن عبد الحميد 18/ 149.
مسحل بن كسيب 24/ 210.
المستهل بن الكميت بن زيد 17/ 3 - 6 -
37 - 40.
مسدد بن مسرهد 18/ 115.
مسرور الخادم 12/ 191.
مسرور الكبير 10/ 175.
مسروق 18/ 206.
مسروق بن الأجدع الهمداني 15/ 372.
مسروق بن عبد الرحمن، - أبو صالح - 17/ 32.
المسعر 9/ 159، 11/ 183، 16/ 100.
مسعر بن كدام 15/ 371.
مسعود بن أبي بشر 23/ 120.
مسعود بن إسماعيل العدوي 13/ 124 - 191.
مسعود بن بشر 6/ 34، 7/ 232، 8/ 59 - 424، 9/ 123، 12/ 59، 13/ 305، 14/ 167 - 365، 18/ 171 - 172 - 199، 20/ 207.
مسعود بن سعد 2/ 39.
مسعود بن عيسى 23/ 88.
مسعود بن عيسى بن إسماعيل العبدي 6/ 6، 18/ 181، 19/ 45.
مسعود بن قند 18/ 50.
مسعود بن المفضل 12/ 247.
مسعود بن يسير 14/ 48.
مسلم 14/ 162، 19/ 154.
مسلم بن جندب الهذلي 6/ 197.
مسلم بن عبد اللّه بن مسلم بن جندب 9/ 63.
مسلم بن الوليد الأنصاري 14/ 179، 16/ 299.
مسلمة 14/ 278.
مسلمة بن إبراهيم بن هشام المخزومي 1/ 211 - 392.
مسلمة بن عبد الملك 8/ 80، 14/ 278 - 298، 15/ 144 - 145.
مسلمة بن محارب 6/ 344، 7/ 82، 9/ 233، 11/ 186، 15/ 221، 16/ 93 - 324، 18/ 56 - 255 - 256 - 258.
مسلمة بن محمد بن سلمة الثقفي 8/ 188.
مسلمة بن الوليد القرشي 24/ 111.
مسمع 9/ 155.
مسمع بن مالك بن جحوش البجلي 21/ 404.
المسمعي 11/ 61.
مسور 4/ 151.
المسور بن عبد الملك 9/ 6.
مسور بن عبد الملك اليربوعي 4/ 186.
المسيب بن نجيبة الفزاري 15/ 372.
المسيبي 3/ 27، 9/ 239، 12/ 113، 13/ 272، 14/ 123.
مسيح بن حاتم العتكي 4/ 343.
مسيح بن حاتم العكلي 10/ 187.
مشيخة من الكلبيين 19/ 21.
مصبح بن الهلقام 17/ 24.
مصعب 8/ 21 - 341، 10/ 79 - 100 - 262، 14/ 341 - 342 - 130، 15/ 296 - 333.
مصعب بن ثابت 17/ 360.
مصعب بن الزبير 2/ 4 - 5 - 204 - 322 - 337 - 343 - 360 - 361 - 362 - 376، 3/ 8 - 10 - 11 - 14 - 49 - 123 - 124 - 127 - 290 - 311 - 317 - 327 - 330 - 339 - 352 - 353 - 355 - 358 - 359 - 361 - 364، 6/ 265 - 280 - 283، 12/ 217 - 224 - 228 - 229 - 238.
مصعب بن سعد 16/ 96.
مصعب بن الزبيري 1/ 17 - 61 - 71 - 75 - 77 - 105 - 111 - 120 - 124 - 135 - 147 - 153 - 156 - 201 - 216 - 219 - 220 - 230 - 265 - 336 - 361 - 386 - 387 - 392 - 396 - 397 - 405.
4/ 122 - 154 - 158 - 164 - 166 - 237 - 242 - 245 - 246 - 252 - 268 - 269 - 270 - 271 - 272 - 276 - 302 - 346 - 367 -
377 - 380 - 408 - 409 - 410 - 412، 414 - 420 - 421 - 425 - 5/ 126، 6/ 157 - 213 - 226 - 227 - 230 - 240 - 254 - 296 - 300 - 303 - 325 - 341 - 344، 7/ 11 - 12 - 60 - 61 - 63 - 126 - 128 - 131 - 138 - 144 - 291، 8/ 82 - 128 - 372، 9/ 67 - 166 - 167 - 255، 11/ 37 - 176 - 184 - 185 - 294، 12/ 259، 13/ 11 - 335 - 337، 15/ 26 - 35 - 128 - 145 - 150 - 287 - 288، 16/ 102 - 108 - 126 - 128 - 129 - 139 - 143 - 144 - 149 - 150 - 227 - 274 - 305، 17/ 42 - 97 - 99 - 113 - 167 - 169 - 171 - 174 - 212 - 234 - 243 - 274 - 282 - 341 - 342، 18/ 38 - 58 - 94 - 95 - 96 - 97 - 326 - 330 - 334، 19/ 127 - 132 - 133 - 155 - 158 - 159 - 161 - 165 - 169 - 172 - 179 - 181 - 217، 20/ 1 - 198 - 199 - 200 - 202 - 210 - 310، 21/ 9 - 16 - 96 - 115 - 117 - 119 - 269 - 273، 22/ 251 - 277 - 304، 24/ 10 - 11.
مصعب بن عبد اللّه بن عثمان 19/ 127 - 161 - 165.
مصعب بن عبد اللّه النوفلي 14/ 129.
مصعب بن عبد الملك 5/ 80 - 109.
مصعب بن عثمان بن عامر 17/ 241 - 242 - 274 - 347.
مصعب بن عثمان بن مصعب 3/ 330، 4/ 122 - 131 - 220 - 245 - 246 - 252 - 380 - 409، 6/ 12، 9/ 64، 12/ 221، 15/ 4 - 5 - 6 - 8 - 128 - 130، 20/ 200.
مصعب بن عمار بن مصعب بن عروة بن الزبير 1/ 31 - 41 - 77.
مصعب بن المقدام 4/ 176، 15/ 186 - 199.
مصقلة 16/ 93.
مطر - مولى يزيد بن عبد الملك - 17/ 345.
مطر الوراق 5/ 130.
مطرف بن عبد اللّه المدني 1/ 29.
مطرف بن عبد اللّه الهذلي 4/ 30.
مطير الوراق 16/ 87.
مطيع 14/ 354.
المظفر بن كيغلغ 16/ 382، 21/ 68.
معاذ 4/ 199.
معاذ أو دماذ 22/ 130.
معاذ بن معاذ 22/ 306.
معاذ بن سعيد 7/ 277.
معاذ بن الطبيب 15/ 68.
معاذ بن عيسى 14/ 340.
معاذ بن هشام 12/ 300.
معاذة بنت بجير 9/ 161.
معاوية 14/ 2.
معاوية بن أبي سفيان 9/ 273، 13/ 261، 16/ 143.
معاوية بن أبي عمرو أبي العلاء 8/ 305.
معاوية بن بكر 7/ 50، 8/ 143 - 323 - 324، 19/ 127.
معاوية العرابة بن أوس 9/ 168 - 174.
معاوية بن عمرو 21/ 387.
معاوية بن محارب 16/ 39.
معبد 8/ 186 - 188 - 200 - 201 - 205 - 209 - 213 - 314، 14/ 116، 17/ 162 - 163 - 164، 20/ 203.
المعتصم 8/ 251 - 252.
المعتمد بن سليمان 20/ 314، 21/ 78.
المعتمر بن سليمان 3/ 68، 18/ 114.
المعتمر بن الوليد المخزومي 7/ 220.
معروف بن خرّبوذ 2/ 133، 9/ 5، 15/ 147، 17/ 293.
معروف المكي 12/ 12.
معقل بن فلان 8/ 299.
المعلى بن أيوب 4/ 52، 23/ 52.
المعلى بن عثمان 4/ 52.
المعلى بن هلال 2/ 12، 12/ 301.
معمر 3/ 119 - 120، 9/ 140.
معمر بن عبد اللّه 15/ 295.
معمر بن عبد الوارث 21/ 29.
معمر بن المثنى 12/ 301، 17/ 60 - 61 - 82 - 93 - 118 - 158 - 187 - 196 - 210 - 228 - 287 - 292 - 295 - 318، 18/ 9 - 14 - 17 - 20 - 45 - 110 - 119 - 172 - 254 - 255 - 282 - 285 - 286 - 289 - 290، 21/ 25 - 26 - 200 - 206 - 208 - 215 - 227 - 282 - 284 - 331 - 337 - 356 - 362 - 368 - 370 - 374 - 388 - 391 - 393 - 395 - 396 - 399.
معن بن خلّاد 8/ 296.
معن بن زائدة الشيباني 14/ 174.
معن بن عبد الرحمن 11/ 4.
معن بن عيسى 3/ 75، 4/ 272، 11/ 202، 17/ 91.
معن بن عيسى القزاز 9/ 152.
المغيرة 12/ 5.
المغيرة بن حجناء 8/ 13، 24/ 206.
المغيرة بن عبد الرحمن 1/ 77 - 150.
المغيرة بن محمد المهلبي 3/ 162 - 196، 4/ 54 - 340 - 395، 6/ 203، 7/ 163 - 188، 11/ 297، 13/ 85 - 325، 14/ 365،
18/ 307.
المغيرة بن هشام الربعي 13/ 289.
المفضل 5/ 34 - 60، 9/ 161، 11/ 13 - 29 - 120 - 164، 12/ 205 - 255.
المفضل بن خطالة 9/ 37 - 115.
المفضل بن سلمة 10/ 126 - 318، 16/ 20 - 21 - 22 - 202.
المفضل الضبي 3/ 2 - 3 - 10 - 271 - 289، 6/ 89 - 129، 15/ 371، 16/ 283 - 329، 17/ 318 - 319 - 363، 19/ 1 - 2 - 7 - 9 - 10 - 98 - 190 - 191 - 192، 21/ 133 - 175 - 284 - 394، 22/ 194 - 351.
المفضل بن غسان 15/ 151.
مقاتل بن سنان 5/ 34.
مقاحف بن ناصح 3/ 110.
مقسم 4/ 199، 15/ 202.
مكحول 2/ 177.
مكين العذري 7/ 87، 9/ 38.
ملاحظ - غلام أبي العباس بن الرشيد - 22/ 207.
ملاوى الهيثمي 22/ 202.
ملح العطارة 16/ 15.
المنتجع النبهاني 15/ 176، 18/ 45، 19/ 375 - 387.
منجاب بن الحارث 2/ 415 - 417 -
418.
منجاب بن راشد 15/ 257.
المنذر بن عبد اللّه الحزامي 4/ 255.
المنذر بن محمد اللخمي 1/ 18.
المنصور 1/ 79.
منصور بن أبي مزاحم 6/ 29، 9/ 248، 19/ 279.
منصور بن الأسود 17/ 342.
منصور بن بشر العموكي 13/ 302.
منصور بن جمهور 13/ 148، 14/ 162، 19/ 63.
منصور زلزل 6/ 304.
منصور بن المهدي 10/ 109، 14/ 199.
منصور بن واضح 5/ 290.
المنظوري 2/ 317 - 279.
المنكدر بن محمد المنكدر 21/ 274.
المنمق بن جماع 20/ 402.
المنهال بن بحر بن أبي سلمة 21/ 393.
المنهال بن عبد الملك 7/ 2 - 12 - 15.
منيع بن أحمد بن مؤرج السدوسي 18/ 110 - 120.
المهدي 7/ 243، 12/ 299، 14/ 177 - 181، 15/ 279.
مهدي بن سابق 1/ 52، 2/ 64، 4/ 24 - 28، 7/ 161 - 174 - 196 - 254، 8/ 397 - 412، 16/ 346، 18/ 228.
مهدي بن سليمان المنقري 19/ 144.
المهزمي 18/ 226.
مهلب 14/ 289 - 290.
مهلب بن أبي صفرة 14/ 244.
المهلبي 5/ 204 - 224 - 271 - 274 - 294 - 340 - 360 - 349 - 374 - 394 - 398.
موالي المهدي 22/ 44.
موسى بن أبي المهاجر 20/ 359.
موسى بن إسماعيل 16/ 88.
موسى البربري 23/ 151.
موسى بن جعفر 3/ 328.
موسى بن حماد بن عبد اللّه القرشي 18/ 179.
موسى بن زهير بن مضرس 2/ 270 - 278 - 324، 7/ 7.
موسى بن زياد الزيات 17/ 325.
موسى بن سعيد 10/ 192.
موسى بن سعيد بن سلم 17/ 344.
موسى بن سعيد بن عبد الرحمن 21/ 119 - 120.
موسى بن سيار بن نجيح المزني 2/ 261.
موسى شهوات 1/ 91.
موسى بن شيبة 12/ 241.
موسى بن صالح 13/ 345.
موسى بن صالح الشهرزوري 4/ 11.
موسى بن صبيح المروزي 18/ 318.
موسى بن الضحاك 14/ 132.
موسى بن طلحة 17/ 180، 21/ 284 - 347 - 348 - 356.
موسى بن عبد العزيز 1/ 338، 2/ 250، 4/ 225.
موسى بن عبد اللّه 9/ 18.
موسى بن عبد اللّه بن إبراهيم 17/ 290.
موسى بن عبد اللّه التميمي 6/ 6، 13/ 12 - 124 - 153، 19/ 45 - 56، 23/ 88.
موسى بن عبد اللّه بن حسن 9/ 264.
موسى بن عبد اللّه بن شهاب المسمعي 19/ 275.
موسى بن عبد اللّه بن موسى بن عبد اللّه بن حسن 11/ 297.
موسى بن عبد الملك 4/ 78، 23/ 118.
موسى بن عبيد اللّه بن الحسن 12/ 196.
موسى بن عقبة 1/ 17، 3/ 126، 4/ 230، 12/ 318، 15/ 218 - 303، 17/ 87 - 88.
موسى بن عيسى الجعفري 18/ 44 - 216، 24/ 145.
موسى بن عيسى المروزي 20/ 148.
موسى بن كثير 23/ 27.
موسى بن مجمع 16/ 22.
موسى بن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي 17/ 291 - 294.
موسى بن محمد بن العباس 16/ 242.
موسى بن مهران 15/ 29.
موسى بن هارون 5/ 370، 9/ 41.
موسى بن يحي 10/ 77 - 78.
موسى بن يعقوب 11/ 245.
موسى بن يعقوب الزمعي 3/ 111، 7/ 138 - 140.
الموصلي 5/ 70، 7/ 236.
مولى هشام بن المغيرة 8/ 139.
مولة بن كثيف 17/ 60.
موهوب بن رشيد 2/ 272 - 301 - 318، 17/ 93، 18/ 37 - 38.
مؤدب 3/ 328.
مؤرج 21/ 179.
مؤرج بن عمرو السدوسي 6/ 58 - 62، 12/ 333، 17/ 259، 18/ 117 - 120 - 135 - 139 - 144.
المؤمل بن جعفر 10/ 115.
المؤمل بن طالوت الوادي 7/ 87.
مؤمل بن عبد الرحمن الثقفي 3/ 117.
المؤملي 21/ 96.
مؤمن بن عمر بن فليح 1/ 214 - 222 - 225.
ميسرة بن سيار 19/ 190.
ميسرة بن محمد 19/ 310.
ميسرة الهمذاني 6/ 355.
ميسور العنزي 6/ 93.
ميمون 14/ 211.
ميمون بن الأزرق 15/ 271.
ميمون الأقرن 12/ 298.
ميمون بن مهران 13/ 256.
ميمون بن موسى 10/ 55.
ميمون بن هارون 5/ 311 - 314 - 392، 6/ 150، 7/ 163 - 186 - 200 - 223 - 302، 8/ 357 - 359 - 360 - 369، 10/ 45 - 56 - 164 - 165 - 166 - 167 - 183 - 273، 11/ 352، 12/ 150 - 191، 14/ 102 - 335، 16/ 396، 18/ 163 - 164 - 248 - 251، 19/ 54 - 81 - 82 - 116 - 229 - 236 - 282 - 309، 20/ 121 - 140 - 141 - 143 - 144 - 155 - 192 - 269 - 337 - 341 - 343، 21/ 60 - 67 - 81 - 84 - 86 - 252، 22/ 150 - 177 - 23/ 23 - 47 - 52 - 71 - 103 - 104، 24/ 21.
ميناس بن عبد الصمد 17/ 93.
ن
نابغة بني شيبان 7/ 105.
الناجي 5/ 130.
ناجية بن عبد الواحد 4/ 93.
الناطفي 23/ 86.
نافذ 19/ 231.
نافع 15/ 326.
نافع - مولى عبد اللّه بن جعفر - 8/ 142 - 143.
نافع بن أبي نعيم 9/ 262.
نافع بن حسن بن معظم 4/ 223.
نافع الخير 15/ 176.
نجم بن النطاح 3/ 149.
نحرير الخادم 21/ 68.
النخعي 13/ 227، 24/ 253.
النسائي 4/ 35.
نصر بن حداد 14/ 252 - 258 - 261.
نصر بن دأب 15/ 369.
نصر بن عبد الرحمن العجلي 3/ 261.
نصر بن علي 22/ 242، 9/ 262.
نصر بن علي الجهضمي 3/ 68 - 69 - 70، 18/ 185.
نصر بن محمد الخراز 10/ 247.
نصر بن مزاحم 17/ 293، 18/ 288.
نصر بن ناب 21/ 30.
نصيب 8/ 59 - 95.
النضر بن حديد 7/ 47 - 48، 13/ 281، 20/ 404، 21/ 375.
النضر بن شميل 16/ 213 - 214،
21/ 324.
النضر بن طاهر 3/ 205، 23/ 7 - 8.
النضر بن عمر 16/ 401.
النضر بن عمرو 1/ 395، 3/ 282، 4/ 338 - 344 - 346 - 352، 6/ 73، 7/ 56، 18/ 180، 21/ 201، 24/ 209.
النظام 8/ 249.
النظر بن عمر 9/ 13 - 23 - 27.
النعمان بن بشر 24/ 162.
النعمان بن المنذر 9/ 52، 15/ 377.
نعمة الغفاري 2/ 321.
نعيم بن أبي عمرو الرازي 15/ 311.
النمر بن تولب 14/ 87.
النمر بن قاسط 11/ 59.
نمير 24/ 216.
نمير بن وعلة 16/ 324.
النميري 10/ 201، 17/ 217.
النهشلي 8/ 13، 24/ 210.
نوح بن جرير 8/ 298.
النوشجاني 3/ 45، 4/ 10، 9/ 41، 17/ 129، 20/ 307.
نوفل بن عمارة 4/ 220، 17/ 293.
نوفل بن مساحق 17/ 271.
نوفل بن ميمون 4/ 369.
النوفلي 5/ 25 - 223 - 261، 8/ 83، 15/ 310، 16/ 205، 23/ 176، 24/ 241.
النوفلي بن خاقان 21/ 402.
نيار بن مكرم الأسلمي 15/ 218.
ه
هاتف بن أراة 9/ 252.
هارون 8/ 284 - 301.
هارون - أخ الزبير - 1/ 378 - 380.
هارون بن إبراهيم 8/ 64، 23/ 229 - 230 - 244 - 248 - 249.
هارون بن إبراهيم بن معروف 17/ 360.
هارون بن أبي بكر 1/ 320.
هارون بن اسحاق 4/ 176، 15/ 186 - 199.
هارون بن بكار 3/ 279.
هارون بن الحسن بن سهل 1/ 7.
هارون بن الحسن العنبري 7/ 70.
هارون بن الزيات 16/ 135 - 157 - 159 - 160 - 348، 21/ 398.
هارون بن سعد 1/ 56.
هارون بن سعدان بن الحارث 4/ 15 - 39 - 71.
هارون بن سعيد 18/ 26.
هارون بن سليمان 18/ 301.
هارون بن صالح 9/ 262.
هارون بن عبد اللّه الزبيري 1/ 350، 11/ 20.
هارون بن عبد اللّه الزهري 1/ 71، 4/ 382، 15/ 157.
هارون بن عبد اللّه المهلبي 16/ 144 - 386 - 388.
هارون بن عبد الملك 5/ 65 - 189 - 198 - 214 - 239، 13/ 384 - 306.
هارون بن عتبة 18/ 36.
هارون بن علي بن يحي المنجم 2/ 421، 3/ 173، 4/ 66 - 67 - 70 - 74 - 77 - 88 - 91 - 93 - 95 - 99 - 109 - 112 - 52 - 100، 14/ 348 - 349.
هارون بن عمر 10/ 288، 21/ 393.
هارون بن محمد بن عبد الملك الزيّات 1/ 53 - 283، 2/ 8 - 12 - 14 - 208 - 234، 3/ 45 - 46 - 48 - 344، 4/ 359 - 362 - 363 - 370، 5/ 128 - 265، 6/ 4 - 96 - 98 - 102 - 104 - 109 - 125 - 189 - 226 - 230 - 281 - 282 - 283 - 285 - 290 - 291 - 294 - 295 - 296 - 305 - 307 - 308 - 326 - 340، 8/ 277 - 280 - 286 - 290 - 291 - 293 - 296 - 297 - 300 - 304 - 306 - 315 - 350، 9/ 127 - 157،
10/ 183، 11/ 187 - 189 - 192 - 286 - 358، 12/ 159 - 224 - 226، 13/ 314 - 315، 14/ 366، 15/ 71 - 72 - 123 - 124 - 153 - 27 - 34 - 35 - 57 - 58 - 60 - 64 - 65 - 66 - 67 - 68 - 238، 16/ 68 - 348، 18/ 2 - 3 - 6 - 7 - 10 - 26 - 33 - 34 - 38 - 42 - 43 - 44 - 45 - 46 - 50 - 67 - 70 - 116 - 119 - 216 - 325 - 326 - 328 - 329 - 330 - 343 - 345 - 349 - 353 - 372، 20/ 45 - 95 - 135 - 261 - 358 - 359 - 361 - 409 - 411، 21/ 86 - 208 - 213 - 226 - 227 - 279 - 393 - 395 - 396 - 399، 22/ 31 - 260 - 267، 23/ 47 - 67، 24/ 83.
هارون بن مخارق 3/ 71، 4/ 78 - 92 - 107، 5/ 265، 6/ 152 - 167، 7/ 209، 11/ 338 - 343، 18/ 340 - 351 - 352 - 361 - 372، 20/ 303.
هارون بن مسلم 1/ 314.
8/ 286 - 297 - 299،
هارون بن مسلم بن سعد 18/ 11 - 46.
هارون بن مسلم بن سعدان 12/ 133 - 159 - 291.
هارون بن مسلمة 24/ 165.
هارون بن معروف 9/ 254، 13/ 264.
هارون بن موسى العواري 23/ 227 - 236 - 237 - 239 - 240.
هارون بن موسى الفروي 2/ 10 - 52 - 54 - 55 - 368، 3/ 328، 9/ 216، 11/ 302، 13/ 77، 24/ 164.
هارون اليتيم 5/ 315.
هاشم بن سليمان 15/ 252.
هاشم بن محمد 8/ 68 - 72 - 92 - 97 - 272 - 399 - 409، 9/ 82 - 83 - 200.
هاشم بن محمد الخزاعي 1/ 150 - 152.
155 - 352 - 353 - 354، 2/ 2 - 3 - 38 - 42 - 64 - 56 - 195 - 267 - 269 - 422، 3/ 91 - 141 - 142 - 147 - 148 - 154 - 164 - 177 - 178 - 182 - 191 - 198 - 203 - 207 - 212 - 213 - 220 - 221 - 224 - 229 - 363 - 312 - 236 - 230، 5/ 30، 6/ 45 - 57 - 80 - 92 - 94 - 105، 7/ 103، 8/ 51 - 54 - 60 - 122 - 355 - 396، 9/ 123 - 177، 10/ 4 -
11 - 14 - 19 - 20 - 21 - 25 - 28 - 82 - 321، 12/ 33 - 41 - 42 - 54 - 55 - 58 - 90 - 239 - 242 - 255 - 260 - 266 - 277 - 294 - 301 - 304 - 308 - 322 - 332 - 333، 13/ 15 - 30 - 31 - 67 - 85 - 126 - 129 - 189 - 196 - 215 - 254 - 267 - 270 - 219 - 351 - 356 - 357 - 358 - 359 - 360 - 361 - 362، 14/ 72 - 78 - 81 - 329 - 340، 16/ 15 - 40 - 86 - 88 - 89 - 168 - 185 - 204 - 228 - 246، 17/ 23، 18/ 174 - 182 - 183 - 185 - 196 - 203 - 246 - 282 - 286 - 289 - 290، 19/ 49 - 63 - 89 - 166 - 179 - 194 - 212 - 281 - 283، 20/ 32 - 58 - 95 - 151 - 207 - 208 - 231 - 235 - 309 - 314 - 385 - 386 - 391 - 393 - 398 - 401 - 403 - 405 - 407 - 408 - 214، 22/ 16 - 69 - 77 - 82 - 130 - 139 - 219 - 253 - 271 - 273 - 279 - 284 - 297 - 303 - 339، 23/ 166 - 214، 24/ 138 - 139.
هاشم بن محمد بن هارون 15/ 349 -
350 - 385.
هانيء بن سعد 8/ 163.
هاني بن عروة المرادي 15/ 372.
هبة اللّه بن إبراهيم بن المهدي 4/ 101 - 332، 5/ 192، 6/ 184 - 283، 10/ 99 - 104 - 109 - 126 - 127 - 129 - 141 - 173 - 185، 12/ 284، 18/ 360، 23/ 177.
الهديدي 4/ 267.
الهدير 15/ 296.
الهذلي 8/ 249، 15/ 220.
هرمز 14/ 137.
هرمز الثالث بن انوشروان 14/ 109.
هشام 8/ 272، 9/ 50، 19/ 21 - 24 - 102، 22/ 53.
هشام بن الأحنف 6/ 245.
هشام بن الحسان 9/ 67.
هشام بن السائب 4/ 367، 17/ 83 - 215.
هشام بن عبد اللّه 24/ 164.
هشام بن عبد اللّه بن عكرمة 21/ 111.
هشام بن عبد الملك 2/ 136 - 208 - 235 - 239 - 240 - 269، 8/ 81 - 183، 14/ 151، 15/ 326 - 327.
هشام بن عروة 1/ 74، 2/ 200، 3/ 117 - 122، 4/ 144 - 146 - 164، 9/ 143، 13/ 346، 16/ 176 - 204 - 230، 17/ 65 - 167 - 212 - 241 - 242 - 243 - 290 - 292 - 358 - 359، 20/ 316، 24/ 162 - 164.
هشام عمرو 15/ 302.
هشام بن القاسم 21/ 365.
هشام بن القاسم الغنوي 9/ 125.
هشام بن محمد بن أبي عثمان السلمي 15/ 38 - 46 - 57 -
هشام بن محمد 1/ 35، 5/ 152، 11/ 271، 12/ 8 - 40 - 241.
هشام بن محمد الخزاعي 4/ 11 - 51 - 84.
هشام بن محمد بن عكرمة بن خالد المخزومي 1/ 204 - 235.
هشام بن محمد الكلبى 1/ 91 - 160، 2/ 4 - 21 - 41 - 68 - 75 - 84 - 95 - 97 - 128 - 131 - 132 - 133 - 135 - 140 - 154 - 158 - 359 - 401 - 403 - 419 - 420، 3/ 91 - 171، 5/ 126، 6/ 42، 7/ 48 - 56 - 81 - 121، 8/ 130، 9/ 78 - 110 - 124 - 180 - 181، 12/ 34 - 133 - 183 - 219، 15/ 113،
16/ 33 - 90 - 94 - 139 - 141 - 154 - 226 - 283 - 284 - 293 - 328 - 329 - 354 - 357 - 358 - 373، 17/ 100 - 117 - 118 - 248 - 250 - 253 - 255 - 319 - 363 - 374 18/ 14 - 136، 22/ 90 - 187 - 194 - 286.
هشام بن محمد بن موسى 2/ 14، 8/ 163.
هشام بن محمد الهلالي 17/ 230.
هشام بن المرية 1/ 276 - 319، 3/ 110 - 276، 4/ 296، 8/ 188، 17/ 163.
الهشامي 1/ 37 - 48 - 86 - 91 - 104 - 105 - 123 - 125 - 127 - 133 - 137 - 139 - 158 - 162 - 171 - 173 - 177 - 178 - 183 - 187 - 192 - 196 - 198 - 200 - 201 - 232 - 241 - 243 - 246 - 257 - 264 - 267، 5/ 27 - 327 - 350 - 366، 8/ 141 - 148 - 184 - 201 - 207 - 208 - 279 - 320 - 324 - 362، 9/ 30 - 33 - 186 - 188 - 200 - 243 - 249 - 274 - 291 - 296، 14/ 362 - 381، 15/ 7 - 104 - 105 - 121 -
138 - 156 - 231 - 360، 379 - 19/ 56، 23/ 119.
الهشامي الربعي 1/ 341.
هشيم بن بشر الواسطي 22/ 5.
هشيم بن بشير 16/ 213 - 215.
هلال بن يحي الرازي 21/ 392.
هلال بن يحي بن طلحة 15/ 340.
الهلالي 20/ 285.
الهمداني 5/ 142، 21/ 175.
هناد بن السرّي 12/ 300.
هند الجلاحية 24/ 27.
هند بن حمدان الأرقمي المخزومي 19/ 140.
هند بنت المهلب 14/ 276.
هوازن 14/ 146 - 147 - 150.
هوذة بن خليفة 4/ 137 - 143، 16/ 230.
الهيثم 8/ 127 - 128 - 410 - 417، 9/ 158.
الهيثم بن بشر 4/ 348.
الهيثم بن الربعي 13/ 38.
الهيثم الحنفي 12/ 333.
الهيثم بن سفيان 9/ 130.
الهيثم بن عبد اللّه 3/ 365.
الهيثم بن عثمان 4/ 74.
الهيثم بن عدي 1/ 21 - 75 - 78 - 153 - 154 - 158 - 250 - 292 - 305، 2/ 15 - 22 - 24 - 51 - 60 - 63 -
195 - 201 - 205 - 209 - 349 - 410 - 414 - 70 - 87 - 422، 3/ 28 - 31 - 35 - 74 - 130 - 278 - 316، 4/ 114 - 219 - 250 - 284 - 338، 5/ 30، 6/ 7 - 34 - 49 - 50 - 54 - 56 - 58 - 70 - 72 - 73 - 74 - 93 - 141 - 150 - 212 - 218 - 272، 7/ 59 - 67 - 109 - 121، 8/ 110 - 114 - 115 - 145 - 313، 9/ 13 - 29 - 79 - 81 - 85 - 88 - 89 - 92 - 112 - 117 - 123 - 124 - 200، 10/ 205 - 237 - 238 - 240 - 242 - 246 - 247 - 248 - 259 - 262 - 265 - 270 - 305، 11/ 12 - 247 - 249 - 302، 13/ 206 - 259 - 264 - 265 - 320 - 322، 15/ 136 - 241 - 314 - 367 - 384، 16/ 29 - 33 - 48 - 83 - 93 - 152 - 157 - 164 - 176 - 210 - 211 - 218 - 239 - 373 - 378، 17/ 108 - 129 - 131 - 211 - 215 - 237 - 256 - 336 - 394، 18/ 58 - 110 - 120 - 122 - 125 - 142 - 143 - 181 - 255 - 290، 19/ 10 - 13 - 136 - 169 - 171، 20/ 75 - 76 - 212 - 307 - 316، 21/ 93 - 281 -
237 - 263 - 278 - 340 - 341 - 344، 23/ 132، 24/ 17 - 300 - 378 - 396، 22/ 7 - 101 - 162 - 220.
الهيثم بن عمران 7/ 21 - 54.
الهيثم بن عياش 1/ 294.
الهيثم بن فراس 2/ 51 - 52، 21/ 285.
الهيثم بن محمد بن عباد 10/ 190.
و
الواثق 9/ 235 - 299.
واصل بن زكريا بن المراج 10/ 321.
وصل بن عبد الأعلى 4/ 145.
الواقدي 2/ 140، 3/ 27 - 38 - 39، 4/ 166 - 210 - 276 - 280 - 281 - 318، 6/ 16 - 266 - 337 - 359، 9/ 37 - 55 - 58 - 166، 11/ 39، 15/ 170 - 218 - 223 - 323، 16/ 94 - 100 - 101 - 195 - 298، 17/ 165 - 166 - 169 - 172 - 216 - 299 - 324، 18/ 323، 19/ 140.
وجه الرزة 7/ 93.
ورد بن زيد 17/ 31.
ورقاء 11/ 207 - 240، 18/ 187.
ورقة بن معروف 21/ 285.
وزير بن محمد - أبو هشام الغساني - 9/ 273.
وسواسة بن الموصلي 5/ 154 - 159 - 178، 6/ 153 - 173 - 175 - 339، 9/ 286، 20/ 203،
23/ 127 - 179، 24/ 175.
الوقاحي 9/ 6 - 7، 12/ 142، 16/ 362.
وكيع 1/ 57 - 163 - 309 - 392 - 404، 3/ 35 - 50 - 136 - 161 - 167 - 230 - 352 - 353 - 355 - 356 - 358 - 359، 4/ 58 - 92 - 154 - 274 - 300 - 356 - 370، 5/ 65 - 116 - 164 - 323 - 372 - 380، 8/ 179 - 289 - 301، 12/ 101 - 174 - 204 - 226 - 301، 14/ 47 - 76 - 77 - 122 - 123 - 351 - 354 - 355، 22/ 124.
الوليد 8/ 80 - 133 - 396، 14/ 83.
الوليد البندار 7/ 58 - 59.
الوليد بن صالح 17/ 32.
الوليد بن مسلم 1/ 20، 20/ 209.
الوليد بن هشام القحذمي 17/ 180 - 181 - 211 - 212، 18/ 285 -
296، 20/ 116 - 264 - 265 - 368.
الوليد بن هشام المخزومي 1/ 195، 6/ 73.
الوليد بن هشام بن يحي الغساني 18/ 58.
الوليد بن وهب 16/ 176.
الوليد بن يزيد 1/ 40 - 52، 8/ 348.
وهب بن جرير 1/ 21، 4/ 137، 6/ 141 - 148، 14/ 283، 17/ 172 - 357، 20/ 79.
وهب بن سعيد 16/ 398.
وهب بن سعيد المروزي 20/ 37.
وهب بن منبه 18/ 206.
ي
يحنس بن متى 16/ 408.
يحي التميمي 16/ 195.
يحي الخضري 22/ 41.
يحي بن آدم 18/ 401، 21/ 299.
يحي بن إبراهيم بن عثمان بن نهيك 6/ 304.
يحي - أبو عثمان - 20/ 78.
يحي بن أبي سعد الأموي 9/ 118 - 120.
يحي بن أبي قتيلة 16/ 319.
يحي بن أبي كثير 1/ 20.
يحي بن أحمد بن الجون 24/ 110.
يحي بن أعين 8/ 13.
يحي بن أكثم 21/ 54.
يحي بن البكير 4/ 199.
يحي بن الجون العبدي 3/ 189 - 164 - 137، 9/ 112، 10/ 79، 14/ 347.
يحي بن حازم 19/ 219.
يحي بن الحسن 9/ 168.
يحي بن الحسن الربيعي 18/ 174 - 202.
يحي بن الحسن بن عبد الخالق 6/ 304، 13/ 149، 19/ 140 - 273 - 277 - 278 - 279.
يحي بن الحسن العلوي 9/ 16، 11/ 297، 12/ 193 - 196 - 215 - 216 - 217 - 219 - 234، 16/ 139 - 142 - 143 - 149 - 360، 21/ 114 - 117 - 118 - 119 - 120 - 124، 24/ 216.
يحي بن حصين بن نمير 17/ 345.
يحي بن حمزة 9/ 22، 16/ 96.
يحي بن حميد الطويل 14/ 336.
يحي بن خالد 4/ 8، 5/ 86، 6/ 285، 15/ 25.
يحي بن خالد البرمكي 18/ 65.
يحي بن خليفة الدارمي 3/ 216 - 217.
يحي بن خليفة الرازي 4/ 79.
يحي بن الربيع 4/ 56.
يحي بن زكريا 16/ 99، 23/ 237.
يحي بن زياد 13/ 307، 14/ 333 - 334 - 338 - 355.
يحي بن سالم 12/ 5.
يحي بن سعيد 16/ 232 - 378.
يحي بن سعيد الأموي 6/ 332 - 333، 9/ 253 - 263 - 265، 13/ 158.
يحي بن سعيد الأنصاري 4/ 99 - 151.
يحي بن سعيد الأيوزرذي المعتزلي 3/ 207.
يحي بن سلمة بن أبي الأشهب التيمي 21/ 93.
يحي بن سليم 7/ 49، 9/ 110.
يحي بن شعيب الخراز 21/ 22.
يحي بن صبيرة بن الطرماح بن حكيم 6/ 94.
يحي بن ضبيئة الطائي 13/ 145.
يحي بن الطاهري 5/ 293.
يحي بن طلحة 1/ 295.
يحي بن عباد 6/ 354، 15/ 191، 23/ 57 - 60.
يحي بن عباد بن حمزة بن عبد اللّه بن الزبير 1/ 41، 18/ 116.
يحي بن عباد بن عبد اللّه بن الزبير 4/ 164 - 196 - 208 - 268.
يحي بن عبد الرحمن بن سعيد بن زرارة
4/ 135.
يحي بن عبد اللّه بن ثوبان 12/ 55.
يحي بن عبد اللّه القرشي 4/ 52.
يحي بن عبد اللّه بن مجالد 18/ 206.
يحي بن عثمان بن أبي قباحة الزهري 20/ 9 - 202.
يحي بن عروة 9/ 37.
يحي بن عروة بن أذينة 3/ 314، 18/ 324.
يحي بن عقال 18/ 319.
يحي بن العلاء البجري 12/ 216.
يحي بن علي بن حميد 21/ 291.
يحي بن علي الكناني 9/ 208.
يحي بن علي بن يحي 1/ 253 - 254 - 309 - 314، 3/ 135 - 136 - 137 - 140 - 141 - 142 - 143 - 144 - 150 - 151 - 153 - 161 - 162 - 169 - 170 - 171 - 185 - 186 - 187 - 196 - 199 - 215 - 233 - 237 - 238 - 245 - 247 - 248 - 303 - 304 - 306، 4/ 15 - 16 - 17 - 27 - 32 - 34 - 41 - 42 - 43 - 56 - 66 - 72 - 40 - 67 - 70 - 72 - 74 - 93 - 94 - 95 - 96 - 99 - 100 - 109 - 302 - 309 - 322 - 330 - 366 - 368 - 377 - 378 - 379 - 380 - 394 - 396 - 407، 5/ 154 - 156 -
164 - 169 - 173 - 177 - 184 - 214 - 264 - 271 - 273 - 275 - 278 - 286 - 305 - 317 - 323 - 341 - 346 - 358 - 361 - 364 - 371 - 377 - 382 - 402 - 405 - 429 - 430 - 432، 6/ 8 - 22 - 100 - 102 - 110 - 156 - 157 - 164 - 172 - 173 - 184 - 245 - 261 - 280 - 290 - 297 - 71، 7/ 155 - 300، 8/ 163 - 171 - 173 - 235 - 348 - 374 - 377 - 387، 9/ 61 - 126 - 275 - 278 - 279 - 310، 10/ 71 - 73 - 76 - 77 - 78 - 79 - 105 - 120 - 161، 12/ 138 - 220 - 221، 13/ 327، 14/ 331 - 332 - 337 - 359 - 366 - 368 - 370 - 377، 15/ 52 - 324، 16/ 17 - 18 - 20 - 22 - 263 - 264 - 309 - 312 - 320 - 375 - 377، 17/ 54 - 104 - 113 - 236، 18/ 146 - 304 - 354 - 355، 19/ 190 - 244 - 250 - 263 - 304، 20/ 323، 21/ 52 - 55، 22/ 270، 23/ 146 - 148.
يحي بن عمران 3/ 348.
يحي بن غيلان 9/ 37.
يحي بن لجيم 18/ 35.
يحي بن مالك بن الحارث 18/ 322.
يحي بن متى 9/ 112.
يحي بن محمد 4/ 122 - 124 - 393، 23/ 93.
يحي بن محمد بن أبي قتيلة 19/ 148 - 166.
يحي بن محمد بن إدريس 18/ 147.
يحي بن محمد بن أعين المروزي 20/ 346.
يحي بن محمد بن ثوابة 16/ 403.
يحي بن محمد السلمي 20/ 72.
يحي بن محمد الضولي 9/ 17 - 276 - 293 - 297.
يحي بن محمد بن طلحة 9/ 142.
يحي بن محمد بن طلحة بن عبد الرحمن بن أبي بكر 4/ 167.
يحي بن محمد بن عبد اللّه بن ثوبان 1/ 69.
يحي بن محمد بن عبد اللّه بن طاهر 21/ 57.
يحي بن معين 9/ 152 - 184، 12/ 144 - 233 - 334، 17/ 216، 18/ 208.
يحي بن مقداد بن عمران بن يعقوب الزمعي 7/ 138 - 140.
يحي بن المقدار الزمعي 3/ 111.
يحي بن المقدام الربعي 11/ 245.
يحي المكي 1/ 87 - 105 - 126 - 127 - 133 - 156 - 167 - 168 - 185 - 232 - 246 - 256 - 257، 4/ 283، 9/ 291، 15/ 7 - 231، 16/ 199 - 321، 18/ 65 - 348.
يحي بن المنجم 10/ 100.
يحي بن نجيم 20/ 392.
يحي بن نوفل 15/ 279.
يحي بن وثاب 16/ 138.
يحي بن يحي الغساني 17/ 361.
يحي بن يزيد 10/ 288.
يحي بن يعلى بن سعيد 20/ 361.
يحي بن يعمر الليثي 12/ 298.
اليربوعي 5/ 75، 9/ 337، 21/ 301.
يزيد 8/ 51 - 163 - 168 - 340 - 344 - 346.
يزيد بن أبي حكيم 15/ 147.
يزيد بن رومان 4/ 170 - 171 - 177 - 179 - 201 - 203، 6/ 357.
يزيد بن عبد اللّه بن أسامة الليثي 17/ 295.
يزيد بن عبد اللّه بن الشخير أخي مطرف 22/ 274.
يزيد بن عياض 11/ 188.
يزيد بن عيسى بن مورق 9/ 263.
يزيد بن قليل 15/ 147.
يزيد بن المثنى 18/ 110.
يزيد بن محمد المهلبي 1/ 317، 3/ 221، 4/ 359، 6/ 28، 7/ 63 - 192 - 194 - 224، 8/ 52، 9/ 282، 13/ 144 - 238، 19/ 251 - 256 - 282، 20/ 63 - 78 - 79 - 83 - 94 - 96 - 101 - 102 - 103 - 104 - 107 - 109 - 113، 24/ 253.
يزيد بن مرة 18/ 119.
يزيد بن مزيد 16/ 299، 19/ 107.
يزيد بن المنتشر بن سلمة 8/ 155.
يزيد بن المهلب 14/ 266 - 267.
يزيد بن موهب الرملي 19/ 138.
يزيد بن هارون 12/ 219.
يزيد بن هاشم العبدي 21/ 392.
اليزيدي 4/ 82، 5/ 76 - 85، 8/ 310، 9/ 313، 12/ 316، 13/ 158، 14/ 165 - 166، 15/ 303 - 306 - 307 - 314، 22/ 13 - 277 - 278، 24/ 175.
يعقوب بن أبان 10/ 187.
يعقوب بن إبراهيم 23/ 91.
يعقوب بن إسحاق 1/ 74 - 220 - 228 - 233.
يعقوب بن إسحاق بن مجمع 4/ 139.
يعقوب بن إسرائيل 2/ 404 - 407، 3/ 7، 6/ 107 - 311، 7/ 226 - 250، 8/ 108 - 263 - 317 - 330، 10/ 5، 13/ 389، 15/ 241، 16/ 64 - 299، 17/ 20 - 22 - 30 - 36 - 40، 18/ 193، 19/ 77 - 109 - 264، 20/ 38 - 142.
يعقوب بن بنان 16/ 13 - 14.
يعقوب بن التمار 23/ 56.
يعقوب بن جعفر 10/ 188.
يعقوب بن حكيم السلمي 9/ 28 - 31، 21/ 103.
يعقوب بن حميد بن كاسب 6/ 14، 18/ 149.
يعقوب بن داود الثقفي 6/ 191 - 197، 15/ 371، 16/ 39، 20/ 355، 23/ 224.
يعقوب الرخامي 21/ 70.
يعقوب بن السكيت 2/ 39، 6/ 100 - 118، 8/ 280 - 285 - 286 - 302 - 303 - 304، 9/ 73 - 77 - 79 - 85 - 87 - 90 - 92، 11/ 45 - 49، 12/ 239، 14/ 245 - 248، 17/ 363 - 368 - 369، 18/ 6 - 25 - 42، 19/ 57.
يعقوب بن سلام بن أبي مسروج
12/ 245.
يعقوب بن سليمان 11/ 70.
يعقوب بن طلحة الليثي 2/ 234.
يعقوب بن العباس الهاشمي 23/ 41 - 42.
يعقوب بن عبد الرحمن الزهري 9/ 141 - 151.
يعقوب بن عبد اللّه الأسدي 9/ 27.
يعقوب بن عتبة 4/ 128 - 157.
يعقوب بن عمر 18/ 100.
يعقوب بن عياش المروزي 7/ 50.
يعقوب بن عيسى 17/ 234.
يعقوب بن عيينة 14/ 309.
يعقوب بن القاسم 1/ 71، 6/ 254، 21/ 120.
يعقوب بن القاسم الطلحي 13/ 164 - 262.
يعقوب بن محمد 1/ 383، 16/ 196.
يعقوب بن محمد الزهري 17/ 325 - 294، 20/ 246، 21/ 346.
يعقوب بن محمد الظفري 17/ 166.
يعقوب بن نعيم 1/ 224، 2/ 405 - 407، 3/ 91، 7/ 216 - 248، 8/ 109، 9/ 27 - 118، 10/ 101 - 106، 16/ 200، 17/ 40، 18/ 172، 19/ 268.
اليعقوبي بن محمد بن عبد اللّه 19/ 148.
يموت بن المزرع 8/ 354.
ينشو 10/ 104.
يوسف بن إبراهيم 1/ 253 - 256 - 268 - 283 - 293، 2/ 353، 3/ 29، 4/ 337 - 360 - 361 - 365، 6/ 22 - 89، 10/ 148 - 173، 18/ 301، 19/ 158 - 159 - 174 - 289 - 293 - 295، 23/ 135، 24/ 98.
يوسف بن إبراهيم المصري 16/ 6.
يوسف بن حبيب الضبي 11/ 237.
يوسف بن الداية 16/ 249، 19/ 135.
يوسف بن زياد 17/ 138.
يوسف بن الماجشون 1/ 97 - 100 - 108، 4/ 238 - 239 - 249، 6/ 14 - 227، 15/ 157 - 264، 22/ 124 - 305.
يوسف بن ماهك 4/ 163.
يوسف بن محمد 11/ 37.
يوسف بن محمد بن صالح 15/ 170.
يوسف بن موسى القطان 15/ 325.
يوسف اليزيدي 11/ 39.
يوسف بن يعقوب 21/ 60.
يوسف بن يعقوب بن العلاء بن سليمان 1/ 351.
اليوسفي 9/ 181 - 219.
اليوسفي صاحب الرسائل 20/ 275 - 276.
اليوسفي الكاتب 18/ 162.
يونس 3/ 323، 8/ 196 - 197 - 233 - 236 - 310 - 311 - 324، 10/ 10، 12/ 43، 15/ 3 - 81 - 105 - 227 - 242 - 265 - 343، 22/ 322 - 323، 24/ 214.
يونس بن أبي فروة 14/ 353.
يونس بن بكير 6/ 352، 15/ 326.
يونس بن حبيب 2/ 209 - 223، 11/ 13، 15/ 125، 17/ 163، 20/ 345 - 346 - 347 - 353 - 375 - 390، 21/ 26 - 284 - 310 - 312 - 394 - 395 - 399.
يونس بن عبد اللّه 6/ 18.
يونس بن عبد اللّه الخياط 3/ 48، 20/ 1 - 7 - 8 - 9 - 10.
يونس بن عبد اللّه بن سالم 8/ 133.
يونس بن الكاتب 1/ 42 - 48 - 258 - 351، 2/ 231 - 363 - 385 - 395، 3/ 133، 17/ 162، 19/ 133.
يونس بن محمد 8/ 231، 9/ 140،
12/ 66 - 140 - 239 - 300.
يونس النحوي 2/ 4 - 35 - 37 - 148 - 52 - 173 - 174 - 179، 9/ 6 -
33 - 137، 16/ 196 - 199، 21/ 402.
اليؤيؤ 20/ 61 - 69.
فهرس المغنين
أ
الأبجر (عبيد اللّه بن القاسم بن ضبية) 2/ 366 - 367، 3/ 310 - 333 - 344 - 345 - 346 - 347 - 348 - 349، 6/ 325، 7/ 56، 9/ 300، 11/ 16 - 250، 15/ 7، 17/ 55، 24/ 4.
إبراهيم بن أبي العبيس 18/ 148، 5/ 221 - 222.
إبراهيم الحراني 6/ 300.
إبراهيم بن العباس 8/ 356.
إبراهيم بن القاسم بن زرزور 10/ 41.
إبراهيم الماخوري 3/ 117، 8/ 369، 12/ 347.
إبراهيم المهدي 1/ 194 - 200، 5/ 215 - 376، 6/ 158 - 169 - 180 - 183 - 184 - 283 - 305، 7/ 119 - 163 - 295 - 304 - 306 10/ 9 - 70 - 95 - 149 - 171 - 173 - 178 - 184 - 185 - 188 - 277،
12/ 49، 16/ 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 101 - 200 - 235 - 247 - 257 - 260 - 341، 18/ 349 - 359، 21/ 57، 23/ 192،
إبراهيم الموصلي 1/ 9 - 239 - 285 382، 2/ 29 - 45 - 59 - 60 - 91 - 92 - 149 - 150، 357 - 372 - 3/ 70 - 71 - 151 - 193 - 252 - 337 - 338، 4/ 30 - 31 - 41 - 64 - 65 - 74 - 97 - 110 - 119 - 169 - 264 - 266 - 325 - 406، 5/ 153 - 156 - 160 - 164 - 168 - 170 - 174 - 178 - 185 - 189 - 193 - 201 - 206 - 215 - 226 - 232 - 236 - 329 - 344 - 350 - 357 - 362 - 370 - 398 - 401 - 404 - 410 - 420 - 425 - 428 -
431، 6/ 97 - 120 - 152 - 153 - 162 - 164 - 166 - 170 - 175 - 188 - 240 - 242 - 246 - 247 - 249 - 253 - 256 - 281 - 283 - 286 - 288 - 291 - 295 - 297 - 302 - 304 - 333، 7/ 4 - 43 - 64 - 104 - 157، 8/ 89 - 117 - 293 - 313 - 361، 9/ 30 - 201 - 215 - 218 - 241، 10/ 42 - 98 - 106 - 115 - 133 - 175 - 176 - 177 - 277 - 287 - 303، 11/ 14 - 33 - 34 - 40 - 64 - 195 - 200 - 284 - 288 - 320 - 333 - 348 - 351، 12/ 52 - 87 - 88 - 124 - 181 - 235 - 320 - 285 - 243 - 237 - 236، 13/ 154 - 188 - 285 - 336 - 347، 15/ 11 - 26 - 75 - 285 - 293 - 146 - 277 - 359، 16/ 78 - 101 - 173 - 260 - 273 - 316 - 341 - 344 - 347 - 348 - 349 - 350 - 351 - 352 - 353، 17/ 16 - 17 - 55 - 92 - 100 - 103 - 105 - 116 - 174 - 326 - 399 - 80، 18/ 7 - 11 - 27 - 211 - 306 - 308 - 309 - 344 - 348 - 359 - 374، 19/ 216، 20/ 82 - 86 - 263 - 301 - 306 -
328 - 358 - 362 - 423، 21/ 91 - 178، 22/ 43 - 47 - 50 - 51 - 80 - 186 - 244 - 252 - 269 - 285 - 302، 23/ 154 - 216 - 217، 24/ 9 - 83 - 87 - 125 - 135 - 144.
ابن أبي السمح (مالك بن أبي السمح) 5/ 72 - 115.
ابن أبي عتيق 1/ 365، 5/ 88، 8/ 209.
ابن أبي العوراء 5/ 160.
ابن أبي قباحة 20/ 187.
ابن أبي الكنات (عمرو بن أبي الكنات) 6/ 340، 5/ 215، 7/ 53.
ابن أذينة 7/ 62.
ابن الأشعب الكوفي 15/ 68.
ابن بسخنر 20/ (محمد بن الحارث بن بسخنر) 16/ 313.
ابن تيزن 1/ 408، 3/ 341، 6/ 339 - 340.
ابن بلوغ 11/ 250.
ابن جامع 1/ 86 - 101 - 106 - 128، 2/ 41 - 92 - 213، 376 - 3/ 251 - 252 - 305، 4/ 359 - 362، 5/ 206 - 208 - 210 - 213 - 215 - 226 - 265 - 270 - 283 - 374، 6/ 152 - 156 - 157 - 164 - 175 - 188 - 189 - 240 -
246 - 260 - 261 - 281 - 282 - 283 - 286 - 287 - 288 - (ورد في أخباره 289 - 340) 7/ 33 - 34 - 81 - 104 - 133 - 141 - 303، 8/ 102، 9/ 122 - 186 - 199، 10/ 42 - 69 - 70 - 98 - 112 - 133 - 146 - 298، 11/ 74 - 195 - 304 - 361 - 362، 12/ 171 - 235 - 236 - 237 - 238، 13/ 336، 14/ 187 - 189، 15/ 22 - 83 - 276 - 381 - 359، 16/ 166 - 348، 17/ 53 - 66 - 92 - 362، 18/ 70 - 145 - 245 - 246 - 284 - 308 - 309 - 319 - 339 - 344، 19/ 134، 20/ 71 - 179 - 258، 21/ 56 - 57، 22/ 47 - 50 - 80 - 131 - 216 - 256 - 259، 23/ 192، 218 - 219، 24/ 127.
ابن جندب 6/ 29، 12/ 122.
ابن جؤذرة 22/ 122.
ابن زرزور الطائفي 7/ 94 - 143، 13/ 199.
ابن سرجيس 7/ 308، 16/ 77.
ابن سريج 1/ 48 - 59 - 60 - 68 - 90 - 92 - 93 - 102 - 103 - 105 - 112 - 118 - 119 - 123 - 124 - 215 - 232 - 239 - 241 - 254 - 255 -
257 - 259 - 264 - 266 - 125 - 131 - 132 - 141 - 146 - 152 - 158 - 171 - 181 - 183 - 186 - 188 - 202 - 219 - 269 - 274 - 277 - 278 - 281 - 382 - 240 - 243 - 258 - 262 - 265 - 267 - 268 - 270 - 271 - 272 - 273 - 276 - 279 - 280 - 282 - 289 - 294 - 305 - 308 - 318 - 320 - 323 - 361 - 394 - 409 - 2 - 39 - 42 - 80 - 86 - 87 - 103 - 106 - 134 - 156 - 161 - 180 - 184 - 198 - 203، 2/ 343 - 347 - 355 - 361 - 363 - 364 - 366 - 369 - 372 - 373 - 374 - 376 - 378 - 393 - 395 - 213 - 226 - 3/ 35 - 36 - 130 - 277 - 278 - 279 - 307 - 310 - 337 - 335 - 332 - 322 - 321 - 315 - 338 - 341 - 365 - 366، 4/ 210 - 278 - 364 - 398 - 399 - 412 - 418 - 262 - 290 - 321، 5/ 58 - 92 - 138 - 167 - 184 - 185 - 200 - 213 - 230 - 246 - 285 - 287 - 291 - 300 - 341، 6/ 24 - 116 - 122 - 176 - 185 - 194 - 196 - 202 - 205 - 233 - 239 - 253 - 259 - 257 - 270 - 275 - 283 - 286 - 306 - 320 - 321 - 323 -
324 - 325 - 330 - 333 - 340، 7/ 23 - 30 - 31 - 32 - 33 - 42 - 43 - 51 - 56 - 62 - 63 - 139 - 141 - 143، 8/ 189 - 293 - 13 - 120 - 211، 9/ 21 - 21 - 30 - 35 - 59 - 62 - 68 - 69 - 76 - 115 - 122 - 138 - 153 - 177 - 192 - 194 - 195 - 241 - 215 - 221 - 238 - 239 - 240 - 243 - 245 - 246 - 247 - 248 - 249 - 275 - 295 - 316 - 340 - 242، 10/ 27 - 42 - 99 - 100 - 105 - 123 - 179 - 196 - 219، 11/ 9 - 11 - 12 - 14 - 15 - 16 - 36 - 64 - 195 - 354 - 357 - 361 - 362، 12/ 22 - 113 - 123 - 168، 13/ 44 - 57 - 101 - 125 - 217 - 225 - 336، 14/ 187 - 189، 15/ 7 - 80 - 57 - 81 - 105 - 122 - 139 - 138 - 140 - 141 - 156 - 178 - 207 - 232 - 233 - 239 - 265 - 283 - 360، 16/ 136 - 169 - 173 - 186 - 190 - 265 - 297 - 313 - 316 - 408، 17/ 38 - 41 - 42 - 47 - 48 - 50 - 51 - 53 - 107 - 156 - 163 - 171 - 178 - 224 - 279 - 312، 18/ 33 - 121 - 332 - 334 - 352 - 367، 19/ 161 - 168 - 290 - 292 -
20/ 325 - 357 - 372 - 374 - 389، 21/ 56 - 95 - 113 - 198 - 199 - 263 - 275 - 293، 22/ 92 - 95 - 106 - 116 - 122 - 285 - 302 - 320 - 334، 23/ 218، 24/ 45 - 100 - 108 - 109 - 167 - 243.
ابن سكرة 6/ 250.
ابن صاحب الضوء 3/ 116 - 133، 22/ 134.
ابن صدقة - مسكين بن صدقة - 18/ابن صغير العين 3/ 263، 18/ 309.
ابن طريف - المعلى بن طريف - 18/ابن طنبورة 12/ 112، 20/ 374.
ابن عائشة 1/ 222 - 285، 2/ 373 - 156 - 208 - 214 - 217 - 218 - 223 - 224 - 233 - 238 - 241، 3/ 292 - 304 - 348، 5/ 109 - 291، 6/ 19 - 80 - 126 - 340 - 355، 7/ 25 - 29 - 30 - 43 - 51 - 52 - 65 - 92 - 113، 8/ 209 - 334، 9/ 127 - 130 - 131، 10/ 99 - 127 - 311، 11/ 74 - 353، 12/ 119 - 181 - 182 - 197، 16/ 173 - 372، 17/ 161 - 300، 18/ 327 - 333، 19/ 292، 20/ 325 - 327، 22/ 101 - 131 - 285، 24/ 8 - 196.
ابن عباد الكاتب 1/ 102 - 121 - 177، 2/ 212، 4/ 336، 5/ 149، 6/ 170 - 171 - 172 - 212 - 232 - 249، 8/ 268، 18/ 334، 21/ 113، 24/ 168.
ابن العباس الربيعي - عبد اللّه بن العباس الربيعي 21/ابن عبيد 6/ 280.
ابن فليح 5/ 169.
ابن القصار 10/ 67، 14/ 91 - 114، 18/ 158 - 161.
ابن القفاص 1/ 133 - 163.
ابن قندح 2/ 150.
ابن المارقي 11/ 287.
ابن محرز 1/ 101 - 102 - 160 - 167 - 178 - 196 - 241 - 307 - 323 - 417، 2/ 346 - 363 - 369 - 372 - 19 - 20 - 33 - 91 - 152 - 95 - 147 - 199، 3/ 119 - 132 - 318 - 319 - 325 - 335 - 339، 4/ 219 - 265 - 292 - 293 - 398 - 399 - 416 - 322 - 321، 5/ 57 - 95 - 117 - 291 - 300، 6/ 164 - 176 - 212 - 220 - 247 - 261 - 272 - 300 - 310 - 325 - 333، 8/ 12 - 119 - 142 - 271 - 292 - 320 - 210 - 233 - 273، 9/ 48 - 60 - 75 - 115 -
153 - 188 - 200 - 208 - 215 - 221 - 238 - 316، 10 - 26 - 42 - 106 - 193 - 323، 11/ 15 - 16 - 64 - 124 - 209 - 363، 12/ 45 - 122 - 123 - 126 - 158 - 164 - 339، 15/ 122 - 135 - 156 - 264 - 341، 16/ 173 - 190 - 193 - 225 - 313 - 408، 17/ 47 - 49 - 50 - 81 - 163 - 168 - 209 - 240 - 244 - 323، 18/ 70 - 73، 19/ 292، 21/ 24 - 95 - 126 - 204 - 429، 22/ 27 - 292.
ابن المرزبان 5/ 171.
ابن مسجح 1/ 117، 4/ 295 - 414 - 416، 6/ 30، 8/ 142 - 340 - 190 - 338، 9/ 221 - 312، 11/ 15، 16/ 173 - 190 - 193 - 225 - 313 - 408، 17/ 52، 18/ 73 - 331، 21/ 204، 22/ 126 - 236.
ابن مشعب 4/ 320 - 321 - 322.
ابن المكي 2/ 48 - 95 - 147 - 5/ 91 - 209 - 211 - 220، 9/ 195 - 304 - 51 - 194 - 312 - 340، 11/ 381، 16/ 201 - 224، 17/ 73، 18/ 308، 20/، 24/ 135.
ابن المهربد 13/ 258.
ابن الهربذ 9/ 191، 18/ 331، 20/ 374، 22/ 122.
ابو جعفر 8/ 214.
ابو حاتم 8/ 264.
ابو الحارث جميز 8/ 364.
أبو الحسن مولى سكيتة 16/ 173.
أبو الحسن مولى قائد 16/ 173.
أبو حشيشة 12/ 144، 23/ 45
(ترجمته 75 - 83).
أبو دلف 8/ 250 - 252.
أبو دلف العجلي بن عيسى العجلي 8/ 383، 9/ 293.
أبو دلف القاسم بن عيسى العجلي 8/ 235.
أبو دهبل الجمحي 3/ 111.
أبو الرشيد 24/ 136.
أبو رقية 7/ 86 - 90.
أبو زكاء 6/ 252 - 253.
أبو زكار الأعمى 18/ 308، 22/ 47 - 93، 23/ 168، 7/ 145 - 227 - 228 - 2/ 217.
أبو سابل الطائي 12/ 34.
أبو سعيد 4/ 330 - 342 - 301 - 333 - 336 - 339 - 342 - 352 - 353، 7/ 305، 11/ 292، 13/ 121، 16/ 265 - 271 - 273.
أبو سلمى المدني 7/ 42.
أبو السمح 8/ 334.
أبو صدقة 19/ 288 - 290 - 291 - 292 - 296.
أبو عباد 3/ 347، 9/ 127.
أبو العباس بن حمدون 10/ 187.
أبو عبد اللّه 8/ 268.
أبو عبيد مولى قائد 22/ 116.
أبو العبيس بن حمدون 1/ 96 - 129، 3/ 237 - 263، 8/ 369، 9/ 205 - 318، 10/ 58 - 63 - 186، 13/ 83 - 110 - 111 - 174 - 310، 16/ 134 - 348 - 359، 19/ 30 - 183، 20/ 27 - 66 - 88 - 248 - 287، 22/ 166 - 167 - 185 - 324، 23/ 69، 24/ 144 - 158.
أبو عتيق 3/ 1.
أبو عثمان 8/ 212.
أبو عيسى بن الرشيد 7/ 117 - 138 - 169، 10/ (187 - 192 أخباره) - 76 - 151.
أبو عيسى بن المتوكل 10/ 234 - 282 - 283.
أبو فارة 1/ 200، 6/ 325، 18/ 70.
أبو الفتح بن الجزار الوراق 1 - م - ت 29.
أبو القاسم عبيد اللّه بن القاسم 23/ 142.
أبو كامل 6/ 79 - 360، 7/ 7 - 31 - 32 - 33 - 34 - 36 - 37 - 38 - 44 - 46 - 62 - 64 - 67 - 69 - 71 - 74 - (أخباره 91 -
94) 101 - 110 - 120، 11/ 9، 18/ 333، 22/ 101، 24/ 168.
أبو منبه 2/ 347.
أبو المهنا - مخارق. 23/
أبو همهمة 6/ 119.
أبو الهوسات 22/ 249.
أبو نؤي 9/ 157.
أبو يزيد 8/ 217، 22/ 94.
أحمد بن أبي العلاء - أحمد بن عبد اللّه بن أبي العلاء 9/ 40 - 134، 16/ 77، 18/ 163، 24/أحمد بن جعفر جحظة 19/ 76 - 77 - 118.
أحمد بن سعيد بن قام المعروف بالمالكي 17/ 317.
أحمد بن صدقة 8/ 365، 18/ 157، 22/ 213 - 214، 23/ 37 - 131.
أحمد النصبي الهمذاني 6/ 33 - 35 - 45 - 63 - 65 - 67، 16/ 372، 17/ 64، 22/ 315 - 337، 23/ 121 - 129.
أحمد بن يحيى المكي 6/ 233، 8/ 112، 9/ 40، 10/ 101 - 165 - 298 - 301، 12/ 253، 14/ 193، 15/ 359، 16/ 306 - 311 - 312 - 313 - 314 - 399، 17/ 73، 18/ 127 - 299 - 306 - 308 - 309 -
331 - 334، 20/ 119 - 127 - 179 - 263، 21/ 30 - 134 - 302 - 359.
أحوص 8/ 209، 15/ 9.
أحيحة 15/ 52.
الأخضر الحربي 6/ 203.
الأخفش 3/ 101 - 103.
إسحاق بن إبراهيم الموصلي 1/م - ت 20 - 37، 93 - 2/ 280، 366 - 393 - 395 - 4/ 266 - 325 - 355، 357 - 5/ 268 - 270 - 273 - 278 - 282 - 285 - 288 - 290 - 293 - 295 - 299 - 303 - 307 - 310 - 314 - 319 - 324 - 327 - 334 - 340 - 346 - 348 - 358 - 364 - 366 - 370 - 374 - 377 - 380 - 385 - 390 - 391 - 401 - 405 - 421، 6/ 4 - 101 - 162 - 164 - 179 - 242 - 247 - 249 - 288 - 291 - 298، 7/ 35 - 52 - 104 - 117 - 173 - 293 - 294 - 295 - 296 - 297 - 300، 8/ 142 - 154 - 366، 9/ 30 - 48 - 69 - 76 - 115 - 122 - 133 - 138 - 243 - 283 - 294، 10/ 42 - 45 - 69 - 105 - 106 - 110 - 111 - 120 - 134 - 146 - 149 - 171 - 193 - 277 - 300 - 301 - 316 - 323، 11/ 12 - 14 - 16 - 18 -
31 - 51 - 64 - 74 - 203 - 338 - 345 - 348 - 355 - 359 - 331، 12/ 49 - 50 - 51 - 88 - 112 - 238 - 285 - 250، 13/ 347 - 336، 14/ 143، 15/ 322 - 358 - 359، 16/ 4 - 5 - 9 - 17 - 136 - 173 - 263 - 282 - 314 - 327، 17/ 50 - 51 - 53 - 55 - 106 - 110 - 159 - 169 - 176 - 362، 18/ 3 - 93 - 304 - 308 - 309 - 328 - 356، 19/ 30 - 226، 20/ 46 - 55 - 257 - 295 - 301 - 324، 21/ 56 - 57 - 67، 22/ 52 - 210 - 302 - 310 - 312، 23/ 120، 24/ 1 - 9 - 16 - 204 - 218 - 238.
إسحاق بن عمر بن بزيغ 11/ 209
الأسلمي 1/ 376.
أسماء بنت مصعب بن ثابت 15/ 7.
إسماعيل بن صالح 13/ 336.
إسماعيل بن علي 18/ 344.
إسماعيل بن الهربذ 7/ 94 -
(أخباره 104 - 195).
أشعب 15/ 30، 19/ 134 - 161 - 167 - 168.
الأصمعي 1/ 354.
أم جعفر المدنية 6/ 253.
أم عوف 15/ 142 - 143.
أهل مكة 19/ 14.
الأوسية الطاهرية (مولاة الأوس) 10/ 302.
أيوب زهرة 3/ 285.
ب
بابوية 2/ 151، 4/ 213 - 260، 8/ 266، 11/ 50، 14/ 125.
بحر 20/ 257 - 293.
بحر بن العلاء 2/ 92، 21/ 249.
بديح 8/ 214، 15/ 173 - 174، 18/ 297.
بديح المليح 8/ 209.
بديح مولى بن جعفر 9/ 76.
بذل الصغرى 7/ 298.
بذل الطاهرية 7/ 247 - 293 - 297 - 298 - 306، 10/ 224.
بذل الكبرى 7/ 139 - 298، 10/ 7 - 287، 13/ 363، 17/ 66.
براقش (جارية يحيى بن خالد) 11/ 284.
بردان 8/ 276.
برصوما 20/ 358.
بسباسة 20/ 312.
بشار 5/ 210 - 211 -
بصبص 15/ 27 - 28 - 29 - 31.
بنات 23/ 102.
بنان بن عمرو 9/ 302 - 304 - 322، 10/ 58 - 168، 13/ 79 - 214،
16/ 359 - 370، 17/ 66، 18/ 168، 21/ 78 - 79، 22/ 167 - 130، 23/ 122 - 205 - 311.
بنت إبليس 18/ 349.
بنت القراعة 10/ 284.
البكرية 22/ 162 - 169.
بليلة 8/ 209 - 220.
بندار الزيات 6/ 262.
ث
ثقيف 11/ 355.
ج
جبلة (جارية بحر البكراوي) 13/ 244.
جحدر الراعي 9/ 38.
جحظة 3/ 265، 13/ 223 - 334، 19/، 20/ 278 - 286، 23/ 87 - 108 - 202.
جرادتا عبد اللّه بن جرعان 8/ 326 - 333.
جرير 1/ 106 - 123 - 173 - 355.
جرير المغني المديني 17/ 163.
جعدب 22/ 131.
جعفر بن رفعة 10/ 51، 16/ 382.
جعفر بن محمد بن زيد بن علي بن الحسين 1/ 305.
جميل 8/ 120 - 121 - 122 - 218 - 220 - 222 - 223 - 224 - 226 - 227 - 228 - 229 - 230 - 231 - 132 - 233 - 235.
جميلة 2/ 214، 8/ 188 - 189 - 197 - 206 - 207 - 208 - 209 - 213 - 185 - 186 - 187 - 200 - 210 - 334، 9/ 67 - 75، 11/ 245، 15/ 122 - 348 - 17/ 164 - 176، 19/ 183، 22/ 226، 24/ 100
جندب 20/ 327.
جوهر (جارية بربر) 13/ 311 - 322.
ح
حارث بن خالد المخزومي 8/ 210.
حائد بن جرهد 7/ 117 - 138.
حباب بن إبراهيم حاجب الحزور 18/ 334، 22/ 134.
حبابة 4/ 248 - 249 - 250، 5/ 84، 8/ 209 - 219 - 334، 9/ 274، 15/ 133 - 129 - 127 - 121 - 122 - 134 - 136 - 138 - 141 - 142 - 143، 20/ 326، 23/ 242 - 123 - 124 - 125 - 126 - 128 - 130 - 131 - 132 - 135 - 137 - 139 - 140 - 144 - 145.
حبش 19/ 129.
حبيب 10/ 41.
الحجبي 6/ 322، 16/ 165.
حسين بن محرز 7/ 43 - 56 - 87 - 280 - 307، 8/ 359، 18/ 70 - 73 - 308 - 309 - 344، 19/ 105، 21/ 56 - 57 - 93 - 102 - 126 - 204 - 229، 22/ 47 - 106 - 116 - 122 - 126 - 127 - 134، 24/ 5 - 14.
الحسين بن محرز المدائني 23/ 176.
الحصي 4/ 312 - 313.
حكم 2/ 366 - 36 - 59، 8/ 273،
14/ 120، 19/ 288.
حكم الوادي 4/ 354 - 427، 5/ 169 - 230، 6/ 164 - 165 - 226 - 240 - 247 - 248 - 249 - 250 - 251 - 263 - 269 - 280 - 281 - 282 - 283 - 284 - 285 - 286 - 288 - 309 - 310 - 314 - 315 - 322، 7/ 31 - 33 - 38 - 39 - 42 - 71 - 85 - 86 - 91 - 92 - 93، 10/ 111، 11/ 245 - 276 - 381، 12/ 66، 13/ 273 - 277 - 278 - 279 - 283 - 291 - 297 - 311 - 313 - 323، 14/ 320 - 370 - 371 - 372 - 373 - 374، 15/ 267، 17/ 132، 18/ 106 - 107، 20/ 45 - 293 - 298، 22/ 101، 24/ 4 - 133 - 219 - 236 - 241.
حميدة (جارية ابن التفاحة) 9/ 75.
حوراء 6/ 298.
حنين 1/ 104، 2/ 341 - 349 - 356 - 360 - 147 - 148 - 154 - 152، 5/ 186، 6/ 178 - 119 - 300 - 314 - 324، 7/ 23 - 45 - 52 - 66، 9/ 153، 10/ 197،
11/ 60 - 245 - 380، 15/ 38 - 155، 16/ 77 - 78 - 265 - 282 - 353 - 372، 17/ 132 - 229، 18/ 38 - 374، 19/ 14،
20/ 327، 21/ 198، 22/ 83، 23/ 129.
حنين الحيري 17/ 64.
حنين بن محرز 17/ 55.
خ
خالد بن صامة 7/ 41 - 62، 18/ 333.
خزامى (جارية الضبط المغني) 10/ 284.
خزرج 13/ 350، 22/ 272.
خشف الواضحية 6/ 259.
خليد بن عتيق 6/ 280.
خليدة المكية 8/ 209 - 219، 16/ 173 - 190 - 191.
خليفة 8/ 363.
الخليل بن أحمد 3/ 67 - 212.
خليل المعلم 21/ 195.
خولة 17/ 162.
د
الدارمي 4/ 335، 9/ 211، 16/ 121.
داود بن العباس 11/ 74.
داود الهاشمي 5/ 138.
دحمان 1/ 27، 3/ 341، 6/ 8 -
(أخباره 21 - 32) 38 - 96 - 100 - 173 - 174 - 257 - 333 7/ 23 - 36 - 67 9/ 30 - 128 - 193، 10/ 304، 11/ 74 - 250، 14/ 372، 16/ 173 - 302، 17/ 24، 20/ 294 - 325، 22/ 116.
دعامة البصري 2/ 61، 9/ 38، 23/ 21.
دكين بن عبد اللّه بن العاص 11/ 357.
دكين بن يزيد الكوفي 6/ 159.
دقاق 12/ 270 - 282 - 283 - 284 - 285.
الدلال 2/ 213، 4/ 269 - 298 - 223 - 271 - 276 - 282 - 285 - 288 - 290 - 293 - 296، 5/ 135، 15/ 105، 11/ 61، 18/ 332، 19/ 168 - 180، 23/ 95.
دنانير 5/ 248، 6/ 297، 7/ 38 - 71، 13/ 337 - 339 - 345، 18/ 68، 23/ 49.
دهمان 14/ 168.
ذ
ذكاء وجه الرزة 23/ 122 - 125.
ذكاء وجه الرمة 9/ 293.
ر
رائقة 17/ 162 - 166.
الرباب 17/ 162.
ربرب 11/ 337.
الربعي 6/ 29.
ربيحة 16/ 190.
رذاذ 2/ 72، 6/ 325، 10/ 63، 13/ 110 - 111، 229 - 347 - 16/ 359، 20/ 87 - 287، 23/ 117.
الرطاب الجدي 6/ 159، 19/ 314.
الرف 13/ 139.
رونق 6/ 257.
رياض 8/ 267.
ريّق 10/ 69 - 70 - 96 - 146 - 171 - 179، 16/ 10 - 11 - 12 - 14.
ز
الزبير بن دحمان 2/ 79 - 92، 6/ 189 - 286، 10/ 300، 13/ 347، 14/ 215، 15/ 254، 18/ 299، 20/ 60، 21/ 93، 24/ 338.
الزبيدي الطنبوري 22/ 208.
زرباب الواثقية 10/ 70 - 281.
زرزر 1/ 259.
زرزور الكبير 13/ 347.
زرزور المارقي 9/ 244 - 294، 16/ 302، 20/ 13، 23/ 121.
الزرقاء 8/ 209، 15/ 67 - 71.
زرنب 17/ 162.
زرياب 11/ 356.
زريق 2/ 255.
الزف 24/ 140.
زلزل 20/ 358.
زيد بن الطليس 2/ 352.
زيد الأنصاري 15/ 30، 19/ 138.
زيد بن كعب 2/ 352.
س
ساجي (جارية عبيد اللّه بن عبد اللّه بن طاهر) 21/ 8.
سائب خاثر 1/ 26، 8/ 279 - 323، 10/ 302، 12/ 160، 15/ 176 - 291، 16/ 297 - 301، 17/ 162 - 302، 22/ 150.
سبك الزامر 13/ 99.
سراعة بن الذندبور 13/ 309.
سعاد 7/ 22.
سعد الرواسي 10/ 138.
سعدة 15/ 67.
سعدوية بن نصر 9/ 76.
سعيد مولى فائد 13/ 121.
سعيد بن جابر 7/ 150 - 151، 9/ 75، 17/ 340.
سعيد الدارمي 3/ 44 - 46 - 368.
سعيد الراس 3/ 314.
سعيد بن مسجح 3/ 268 - 276 - 277 - 278 - 280 - 281 - 282 - 283 - 337.
السفاح 9/ 276.
سلام بن الغساني 1/ 107.
سلام بن الغسّال 9/ 76 - 221.
سلامة 209 - 219 - 334 - 348.
سلامة القس 7/ 84، 8/ 333 - 337، 15/ 133 - 134 - 136 - 138، 20/ 326، 23/ 242.
سلسل 3/ 335، 9/ 336، 10/ 48 - 165.
سلمى 17/ 162.
السليك بن السلكة 20/ 377.
سليم 11/ 195.
سليم بن سلام 3/ 180، 4/ 260، 6/ 163 - (أخباره 164 - 170) 241 - 252 - 261 - 295، 7/ 67 - 186، 8/ 103 - 115 - 148، 9/ 241، 10/ 199، 13/ 14 - 157، 16/ 236، 24/ 9 - 20 - 88، 17/ 73، 18/ 308، 20/ 43 - 240 - 335، 22/ 252، 23/ 178.
سليم الوادي 24/ 219.
سليمان 2/ 48، 4/ 360،
5/ 311، 6/ 280 - 340، 7/ 247، 18/ 345.
سليمان (أخو جحظة) 20/ 74 - 215.
سليمان (أخو حجبة) 9/ 186.
سليمان الفزاري 8/ 351.
سمحة 3/ 344.
سمير الأيلي 4/ 273 - 275.
سنان الكاتب 3/ 46، 6/ 68، 7/ 38 - 69، 10/ 42، 22/ 326.
سندة الخياط 1/ 303.
سندس 23/ 120.
سياط 2/ 376 - 153، 4/ 42، 5/ 160 - 169، 6/ 96 - 140 -
(أخباره 152 - 160) - 242 - 247 - 248 - 249 - 252 - 280 - 288 - 336، 8/ 207، 9/ 30 - 193 - 247، 15/ 297، 18/ 29 - 253 - 270، 22/ 96 - 216، 23/ 120.
سيرين 17/ 162 - 173.
ش
شاجي 10/ 41.
شارية 2/ 16، 3/ 366، 4/ 114، 6/ 256، 7/ 28، 8/ 151، 9/ 188 - 192 - 255، 10/ 69 - 70 - 96 - 112 - 138 - 141، 14/ 212 - 214، 15/ 379، 16/ 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15،
17/ 106، 18/ 310، 20/ 327، 21/ 87، 23/ 121، 24/ 157.
شبطاء 2/ 364.
شروين 13/ 228 - 244.
شنين 20/ 154.
شهدة 6/ 260 - 261، 18/ 344.
شهية 6/ 100.
ص
صاحب الضوء 10/ 324.
صالح 11/ 121.
صالح بن الرشيد 8/ 125.
صباح الخياط 7/ 53.
صلفة 5/ 222.
ض
ضعف 12/ 103.
ضنين 9/ 211.
ط
طالب بن بزداد 21/ 77.
طويس 1/ 253، 2/ 428، 3/ 27 - 28 - 29 - 31 - 33 - 34 - 35 - 36 - 37 - 39 - 43 - 337، 4/ 217 - 219 - 220 - 221 - 222 - 284، 6/ 323،
8/ 216، 9/ 75، 13/ 77، 15/ 154 - 174، 17/ 51 - 163 - 302، 18/ 61 - 63 - 367، 19/ 61 - 169، 21/ 198، 22/ 90 - 217 - 263 - 266 - 274 - 278 - 330 - 355، 23/ 234، 24/ 168.
ظ
ظبي 10/ 41.
ظبية الوادي 13/ 285.
ع
عاتكة بن شهدة 5/ 271، 18/ 336.
عارية 21/ 275.
عبادل بن عطية 6/ 69 - (أخباره 96 - 126) - 295، 3/ 269، 14/ 169، 11/ 352.
عباديس 2/ 352.
عباس 8/ 355.
عباس بن مقام 23/ 193.
عباس بن منقار 6/ 152.
عباس بن يزيد الكندي 8/ 20.
عبد آل الهذلي 2/ 80.
عبد الرحيم الدفاف 3/ 266 - 267 - 256، 6/ 330 - 333، 22/ 337.
عبد الرحيم الرف 16/ 247 - 253.
عبد العزيز الدفاف 22/ 116.
عبد العزيز بن عبد اللّه بن طاهر 22/ 95.
عبد اللّه بن أحمد بن حمدون 10/ 41 - 45.
عبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب 8/ 215.
عبد اللّه بن دحمان الأشعر 24/ 91.
عبد اللّه بن ذخمان 2/ 76.
عبد اللّه بن طاهر 12/ 93 - 111، 13/ 139، 21/ 8.
عبد اللّه بن العباس 22/ 337، 24/ 100، 1/ 211، 8/ 359.
عبد اللّه بن العباس الربيعي 4/ 264، 6/ 78 - 325، 7/ 45 - 66 - 164، 8/ 184، 9/ 75 - 133، 10/ 183، 11/ 16 - 50 - 280، 13/ 336 - 350، 17/ 74، 81/ 344، 19/ 32 - 216 - 220 - 221 - 225 - 227 - 230 - 233 - 234 - 235 - 236 - 237 - 238 - 240 - 242 - 243 - 244 - 245 - 246 - 249 - 250 - 251 - 253 - 254 - 256 - 258 - 259، 20/ 200، 23/ 94 - 192.
عبد اللّه بن العلاء 7/ 164، 23/ 223، 24/ 1.
عبد اللّه بن المتوكل (أبو عيسى) 10/ 201 - 202.
عبد اللّه بن محمد الأمني 10/ (أخباره 189 - 201).
عبد اللّه بن المعتز 10/ (أخباره 274 - 286).
عبد اللّه بن موسى الطائفي 7/ 149.
عبد اللّه بن موسى الهادي 10/ (أخباره 194 - 197).
عبد اللّه بن يونس 2/ 373، 7/ 69.
العبلي 7/ 305.
عبيد بن الحسن الناطفي اللطفي 24/ 117.
عبيد اللّه بن أبي الغسان 6/ 5، 17/ 340، 18/ 75 - 349.
عبيد اللّه بن عبد اللّه بن طاهر 8/ 373، 9/ 43.
عبيد اللّه بن عبد اللّه بن عتبة 9/ 150.
عبيدة 14/ 108.
عبيدة بن أشعب 19/ 155.
عبيدة الطنبورية 22/ 204.
عبيدة بن الغسال 9/ 76.
عثعث الأسود 6/ 251.
عرار المكي 1/ 404، 6/ (أخباره 259 - 262).
العرجي 3/ 347، 8/ 201، 15/ 9.
عرفان 22/ 324.
عريب 2/ 16 - 22 - 48 - 56 - 70 - 150، 4/ 114 - 250 - 119، 5/ 185 - 279، 6/ 5 - 252 - 257 - 259 - 322 - 325، 7/ 28 - 143 - 151 - 156 - 158 - 186 - 190 - 293 - 300، 8/ 148 -
184 - 242 - 354، 10/ 67 - 105 - 173 - 174 - 179 - 183 - 184 - 187 - 192 - 225 - 226 - 229، 11/ 169 - 346 - 347، 12/ 53 347 - 341 - 403 - 59 - 64 - 95 - 148 - 153، 13/ 269 - 305، 14/ 50 - 214، 15/ 170 - 322، 16/ 3 - 4 - 10 - 14 - 121 - 260 - 271 - 345 - 348 - 372 - 402، 17/ 72 - 101 - 106 - 173، 18/ 64 - 154 - 163، 19/ 30 - 300 - 302 - 311 - 313، 20/ 13 - 88 - 247 - 248 - 249، 21/ (أخبارها 54 - 91) 36 - 287، 22/ 30 - 146 - 156 - 167 - 174 - 199، 23/ 70 - 84 - 180 - 211، 24/ 109 - 124 - 125 - 144.
عزة الميلاء 3/ 13 - 14 - 15، 6/ 202، 8/ 209، 9/ 75، 11/ 123 - 177 - 179 - 183 - 245، 12/ 156 - 157 - 168، 15/ 122، 17/ 46 - 47 - 49 - 161 - 176 - 177.
عزور الكوفي 3/ 50.
عطرد 1/ 178، 3/ 285 - 296 - 303 - 304 - 306 - 307 - 308 - 309، 4/ 298 - 353 - 359، 7/ 40 - 94، 10/ 65،
20/ 294 - 295.
عقيد 10/ 167، 18/ 64 - 70 - 71، 20/ 213 - 304.
عقيلة الشماسية 8/ 209 - 219، 16/ 190.
علي بن الجواري 20/ 325.
علي بن سليمان الأخفش 3/ 114.
علي بن هشام 19/ 211.
علي بن يحيى المنجم 2/ 293، 8/ 367، 16/ 169.
علوية 2/ 71 - 76 - 78 - 191، 2/ 351 - 366 - 375 - 3/ 315، 4/ 353، 5/ 252 - 286 - 295 - 306 - 311 - 315 - 342 - 351 - 399 - 414 - 416، 6/ 148، 7/ 143 - 184 - 185 - 294 - 295 - 298 - 301، 8/ 238 - 293، 9/ 297، 10/ 42 - 113 - 142 - 145 - 167 - 196 - 278 - 287 - 303 - 311، 11/ 309، (أخباره 333 - 360)، 12/ 51 - 385، 13/ 101 - 157، 14/ 68 - 130، 15/ 359، 16/ 15 - 313 - 320، 18/ 73 - 328، 19/ 73، 20/ 63 - 245 - 303 - 304 - 371، 21/ 57 - 73 - 75 - 76 - 252، 23/ 39، 24/ 1 - 82 - 135.
علية بنت المهدي 3/ 319، 5/ 219،
6/ 161، 8/ 184، 10/ 96 - 105 - 149 - (أخبارها 162 - 186)، 17/ 66 - 234، 23/ 196.
عمر بن بانة 4/ 115 - 119، 13/ 333.
عمر بن راذان 6/ 280.
عمر الطنبوري 23/ 208.
عمر بن عبد العزيز 9/ 202 - 253 - 268.
عمر بن مرة 23/ 23.
عمر الميداني 13/ 336 - 225، 23/ 132 - 140 - 141 - 180.
عمر الوادي 2/ 313، 4/ 401، 5/ 202، 6/ 226 - 280 - 281، 7/ 3 - 7 - 8 - 10 - 12 - 17 - 19 - 31 - 32 - 101 - 33 - 36 - 39 - 40 - 41 - 42 - 43 - 44 - 46 - 105 - 62 - 71 - 80 - 81 - 84 -
(أخباره 85 - 90) 91 - 92، 9/ 133، 10/ 42، 11/ 276 -
358، 12/ 164، 15/ 104 - 376، 16/ 278، 22/ 101، 24/ 4.
عمرو بن أبي الكنات 10/ 69، 15/ 307، 20/ 356.
عمرو بن بانة 4/ 229 - 269 - 315 - 342 - 346 - 394، 7/ 150 - 168 - 171 - 172 - 173 - 174 - 186 - 193 - 198 - 213 - 295 - 301، 12/ 223، 13/ 73، 15/ 254 - 265 - 270 - 271 - 272 - 274، 16/ 27 - 166 - 169 - 301، 17/ 38 - 55 - 74 - 100 - 103 - 169 - 214، 18/ 349، 20/ 82 - 83 - 369 - 371 - 372، 21/ 8 - 57 - 87، 22/ 146 - 325.
عمر بن بزيغ 15/ 290.
عمرو الغزال 23/ 135.
عمرو الميداني 16/ 359.
العمري 4/ 84.
عنان بنت خوط 13/ 188.
عواد 24/ 243.
غ
غادر 22/ 176.
الغريض 1/ 117 - 122 - 131 - 177 - 180 - 189 - 211 - 234 - 240 - 241 - 242 - 280 - 394، 2/ 15 - 58 - 76 - 201 - 213 - 215 - 255 - 343 - 347 - 355 - 357 - 362 - 365 - 366 - 368 - 369 - 373 - 374 - 376 - 377 - 378 - 379 - 382 - 383، 385 - 387 - 392 - 394 - 395 - 398 -
399 - 400 - 401 - 402 - 403 - 3/ 110 - 163 - 268 - 277 - 281 - 307 - 310 - 315 - 318 - 319 - 320 - 321 - 322 - 323 - 325 - 326 - 327 - 332 - 333 - 335 - 337 - 341 - 342 - 347، 4/ 210 - 280 - 293 - 295 - 296 - 298، 353 - 398 - 399 - 412 - 428 - 429 - 5/ 59 - 87 - 245، 6/ 100 - 159 - 176 - 177 - 187 - 189 - 259 - 270 - 295 - 310 - 321 - 324 - 327 - 328 - 329 - 330 - 331، 7/ 28 - 33 - 56 - 67 - 247 - 308، 8/ 104 - 121 - 192 -
213 - 344، 9/ 9 - 191 - 192 - 195 - 205 - 208 - 216 - 242 - 293، 10/ 196 - 219 - 287 - 311، 12/ 208 - 289 - 113 - 120 - 121، 13/ 333، 14/ 381، 15/ 3 - 216 - 262 - 283، 16/ 27 - 169 - 313، 17/ 52 - 53 - 156 - 159 - 176، 18/ 53، 20/ 198 - 362 - 369 - 371 - 372، 21/ 113 - 199 - 267 - 404، 22/ 92 - 308 - 323، 24/ 100 - 127 - 132.
الغزيل 16/ 178.
ف
فائز 19/ 229 - 230، 23/ 179.
الفاخر 24/ 112.
فتن المغنية 7/ 175.
فرعة 8/ 209 - 220.
فريدة 3/ 368، 4/ 114 - 113 - 116 - 118، 6/ 247، 7/ 39 - 198، 9/ 241، 10/ 108 - 109.
الفزار المكي 7/ 113.
الفضل بن الربيع 4/ 14.
فضل النجار 7/ 71.
فليح بن أبي العوراء 4/ 354 - 359 - 360 - 361 - 362 - 365 - 369، 5/ 19، 6/ 164 - 175 - 189 - 280 - 282 - 283، 7/ 104، 9/ 76 - 122، 11/ 124 - 209، 12/ 227، 16/ 166، 18/ 308 - 309، 22/ 47، 24/ 4.
فند 5/ 97، 17/ 270.
الفهمي 13/ 295.
فيل (مولى العبلات) 7/ 141،
9/ 275.
ق
القاسم بن زرزور 9/ 40، 13/ 225 - 229، 16/ 359 - 382، 18/ 73، 20/ 27، 22/ 222، 23/ 131 - 142 - 188.
القاسم بن زنفطة 17/ 66.
قراد 24/ 45.
قرشية الزباء 6/ 158.
قرشية الزرقاء 6/ 5.
قضيب (جارية يحيى بن خالد) 11/ 284.
القطراني 3/ 348، 4/ 336.
قعنب الأسود 3/ 151.
قفا النجار 3/ 18 - 44، 9/ 186 - 214، 12/ 385.
17/ 107، 18/ 367،
قلم (جارية زبيدة) 7/ 300.
قلم الصالحية (جارية صالح بن عبد الوهاب) 7/ 158، 13/ 336 - 347 - 348 - 350.
قمرية العمري 6/ 175، 16/ 14 - 77.
قينة 15/ 153.
ك
كثير دية - كنيز دية كثير عزة 8/ 209.
كراعة 22/ 167.
كردم 1/ 126 - 306، 7/ 235،
9/ 132، 11/ 74، 22/ 354.
كردن بن معبد 6/ 120 - 181.
كنيز دية 5/ 221، 24/ 51 - 53.
ل
لميس (جارية عبد اللّه بن طاهر) 21/ 8.
م
الماخوري 7/ 64 - 71.
المازني 7/ 143.
مازيا 10/ 95.
مالك بن أبي السمح 1/ 134 - 161 - 173 - 241 - 243 - 276 - 285 - 312، 3/ 268 - 330 - 90، 5/ 180 - 193 - 291، 6/ 38 - 68 - 79 - 126 - 171 - 259 - 300 - 324 - 333، 7/ 10 - 35 - 45 - 41 - 51 - 52 - 62 - 64 - 65 - 66 - 71 - 84 - 85 - 105 - 113 - 117 - 138 - 235 - 308، 8/ 334 - 335 - 130 - 186 - 209 - 271 - 349، 9/ 34 - 35 - 208 - 227 - 244، 10/ 42 - 105 - 129 - 140 - 196 - 298 - 301، 11/ 15 - 33 - 14 - 124 - 193 - 195، 12/ 69 - 70 - 112 - 182 - 191، 13/ 101، 14/ 300 - 381، 15/ 122 - 143 - 151، 16/ 55 - 199 - 235 - 312 - 344، 17/ 50 - 52 - 107 - 276، 18/ 157، 20/ 315، 21/ 199 - 263 - 275، 22/ 101 - 106 - 116 - 122 - 131 - 236 - 359، 24/ 196.
مالك بن جمعة 2/ 352 - 365 - 372 - 378 - 215 - 226.
المأمون 2/ 351.
متيم 2/ 61، 4/ 114 - 252، 6/ 310، 7/ 143 - 280
(أخبارها 293 - 308) 8/ 150، 9/ 294، 10/ 136 - 140 - 323، 12/ 153 - 154، 16/ 240، 17/ 106، 20/ 187، 22/ 123، 24/ 45 - 135 - 244.
محبوبة 22/ 202 - 203.
محمد بن إبراهيم قريض الجرحى 20/ 60.
محمد بن أحمد بن يحيى المكي 5/ 175.
محمد بن إسحاق بن عمرو بن بزيغ 2/ 150، 15/ 156، 21/ 174.
محمد بن إسماعيل 15/ 253.
محمد بن الأشعث 11/ 363.
محمد بن الأشعث بن فجوة 15/ 55 - 57 - 58.
محمد بن الأشعث الكوفي 9/ 342، 13/ 28، 20/ 52 - 58.
محمد بن بسخنر 5/ 234 - 236 - 306، 6/ 161 - 162 - 169 - 170 - 184 -
262 - 310، 7/ 176 - 184 - 185 - 194 - 247 - 295 - 301، 9/ 234 - 281، 10/ 69 - 70 - 102 - 108 - 112 - 113 - 130 - 131 - 133 - 142 - 145 - 167 - 188 - 323، 12/ 47 - 48 - 51 - 148، 20/ 82 - 247، 13/ 108 - 154، 15/ 236 - 276 - 359، 16/ 77، 23/ 8 - 83 - 175 - 177.
محمد البيدق 13/ 148.
محمد بن الحارث 7/ 301.
محمد بن حسن بن مصعب 9/ 153، 22/ 146.
محمد بن حسين بن محرز 23/ 78.
محمد بن حمزة 5/ 252.
محمد بن داود بن إسماعيل بن علي 6/ 260.
محمد الزف 4/ 355، 5/ 206 - 207 - 208، 14/ 173 - 188.
محمد بن السندي المكي 2/ 373.
محمد بن الضحاك 3/ 128.
محمد بن عائشة 1/ 139، 4/ 317 - 319 - 399.
محمد بن العباس 12/ 93.
محمد بن العباس بن عبد اللّه بن طاهر 20/ 321.
محمد بن عيسى 16/ 314.
محمد بن قريض 15/ 35.
محمد بن نعجة الكوفي 7/ 28، 8/ 276.
مخارق 3/ 71 - 72، 4/ 31 - 110، 5/ 189 - 191 - 198 - 266 - 279 - 305 - 311 - 342 - 351 - 394، 11/ 35 - 280 - 334 - 335 - 337 - 352 - 353 - 355، 18/ 300، 20/ 275 - 303، 21/ 57 - 92 - 253، 22/ 210 - 302 - 310، 23/ 179.
المراكبي 16/ 4.
مرزوق الطراف 4/ 366، 10/ 100.
المروانية 10/ 162.
مسدود 8/ 425، 18/ 76، 20/ 273 - 275، 23/ 178.
مسكين بن صدقة 4/ 360.
مطيع بن أياس 20/ 297.
معان 7/ 40.
معبد 1/ 11 - 27 - 28 - 30 - 37 - 39 - 41 - 43 - 48 - 50 - 52 - 53 - 86 - 127 - 128 - 137 - 142 - 156 - 168 - 192 - 200 - 201 - 208 - 215 - 264 - 273 - 274 - 275 - 284 - 286، 2/ 344 - 347 - 355 - 363 - 364 - 369 - 365 - 362 - 58 - 76 - 85 - 372 - 254 - 225 - 207 - 201 - 403، 3/ 21 - 282 - 318 - 336 - 337 - 241 -
350 - 356 - 364 - 365، 4/ 283 - 319 - 398 - 399، 5/ 27 - 57 - 83 - 103 - 109 - 115 - 184 - 188 - 193 - 291 - 312 - 341، 6/ 22 - 78 - 79 - 80 - 116 - 120 - 141 - 159 - 176 - 181 - 182 - 206 - 256 - 257 - 270 - 283 - 310 - 323 - 324، 7/ 29 - 30 - 37 - 39 - 51 - 56 - 62 - 65 - 66 - 85 - 92 - 93 - 117 - 138 - 215 - 308، 8/ 103 - 121 - 189 - 200 - 201 - 212 - 258 - 277 - 333 - 334 - 350، 9/ 30 - 33 - 35 - 60 - 68 - 75 - 76 - 105 - 106 - 107 - 127 - 129 - 130 - 131 - 132 - 133 - 151 - 153 - 157 - 174 - 175 - 177 - 178 - 179 - 208 - 221 - 224 - 226 - 236 - 238 - 241 - 243 - 249 - 274 - 295 - 312 - 339، 10/ 42 - 101 - 123 - 129 - 140 - 219 - 302 - 303 - 311، 11/ 15 - 19 - 31 - 41 - 60 - 74 - 175 - 194 - 357 - 363 - 381، 12/ 334، 13/ 44 - 217، 15/ 73 - 122 - 129 - 130 - 134 - 136 - 137 - 138 - 156 - 283 - 292 - 314 - 322، 16/ 27 - 169 - 173 - 185 - 190 - 193 -
199 - 201 - 282 - 312، 18/ 129 - 168 - 180 - 291 - 292، 20/ 197 - 212 - 315، 21/ 56 - 95 - 102 - 108 - 109 - 110 - 111 - 197 - 198 - 204 - 253، 22/ 8 - 101 - 103 - 116 - 126 - 131 - 142 - 226 - 285 - 320 - 326، 24/ 100 - 108 - 168 - 196.
معبد بن وهب 1/ 36 - 38 - 40 - 41 - 42 - 43 - 44 - 45 - 46 - 47 - 48 - 49 - 51 - 52 - 53 - 54 - 55 - 57 - 59 - 68 - 93 - 105 - 117 - 118 - 123 - 126 - 134 - 152 - 165 - 178 - 200 - 251 - 268 - 276 - 277 - 282 - 287 - 288 - 306 - 315 - 319 - 380، 17/ 49 - 50 - 52 - 116 - 164 - 171 - 176 - 351 - 355.
معبد اليقطيني 14/ 115 - 117، 17/ 66.
المعتز باللّه 9/ 305 - 318.
المعتضد 9/ 345، 10/ (أخباره - 41 42) 67 - 68.
معقل بن عيسى 21/ 92.
المعلى بن طريف 6/ 239، 22/ 47.
المغيرة 13/ 252.
مقاسة بن ناصح 13/ 350، 18/ 97، 24/ 14.
مقامة 13/ 336.
مكنونة أم ولد 10/ 62.
المكي 5/ 269.
ملاحظ 5/ 280، 11/ 337.
المنصور 9/ 276.
منصور زلزل 5/ 271 - 275 - 280، 10/ 194.
منوسة 23/ 184 - 185.
المهدي 15/ 286.
مهرجان 16/ 14.
مياسة 9/ 199.
ن
نافع 8/ 264.
نافع الخير 8/ 209.
نافع بن الطنبورة 8/ 209 - 215 - 267.
نبت (جارية البكرية) 22/ 162.
نبيه 3/ 298، 13/ 208، 17/ 242، 22/ 250 - 285، 24/ 214.
نبيه التميمي 6/ 157 - 160 - 161 - 162 - 163.
نبيه الكوفي 10/ 164.
نشو 19/ 4.
نشيط 10/ 42، 15/ 174، 17/ 162.
النصبي 5/ 344،
نصيب 1/ 364، 8/ 209.
نظم العمياء 20/ 43.
نعمان 1/ 294.
نمرة 6/ 325.
ه
هاشم بن رنقطة 16/ 174.
هاشم بن سليمان 5/ 204، 9/ 188، 15/ 245 - 251 - 252، 18/ 161، 19/ 260.
هاشم بن محمد الخزاعي 13/ 174.
الهذلي 1/ 123 - 162 - 399 - 2/ 100 - 114 - 335 - 338 -
368، 5/ 68، 6/ 16 - 69 - 295، 7/ 44 - 62 - 68، 8/ 106 - 116، 9/ 38 - 122 - 221، 10/ 105 - 165 - 170 - 179 - 311 - 323، 11/ 37 - 193 - 209 - 12/ 173، 13/ 44، 15/ 38 - 207، 16/ 169 -
316، 17/ 41 - 159، 18/ 69، 19/ 183، 22/ 326.
هزار 10/ 281 - 282، 12/ 154.
هزيج 9/ 151.
هشام بن المريد 22/ 326.
الهشامي 8/ 271، 9/ 35 - 107 - 128 - 133 - 153 - 19/ 32.
و
الوابصي 6/ 116 - 118.
الواثق 9/ 277 - 278 - 280 - 282 - 286 - 288 - 293 - 294 - 295 - 296 - 299، 10/ 183، 12/ 223، 22/ 126 - 204، 13/ 108، 24/ 109.
وسواسة 5/ 257.
وصيف 5/ 221.
وضاح 5/ 100.
وكيع 13/ 304 - 334.
الوليد 14/ 301.
ي
ياقوت 15/ 42.
يحيى بن صفر 42/ 47.
يحيى بن واصل 11/ 250، 4/ 300 - 366.
يحيى قيل 3/ 88 - 110.
يحيى المكي 3/ 170، 4/ 169 - 300، 6/ 172 - 173 - 189 - 205 - 216 - 233 - 246 - 247 - 259 - 300 - 308، 7/ 23 - 34 - 92، 8/ 100 - 115، 10/ 9، 12/ 34، 11/ 277، 13/ 57 - 121، 15/ 11، 16/ 77 - 169 - 199 - 314، 17/ 53 - 270 -
340، 18/ 3 - 253 - 308، 20/ 154، 22/ 83 - 308 - 359، 24/ 100 - 109.
يزيد حوراء (أبو خالد) 3/ 134 - 251 - 252 - 253 - 254 - 255، 5/ 231، 6/ 164 - 248 - 249 - 252 - 7/ 87، 8/ 195، 9/ 201، 10/ 287، 11/ 60، 12/ 292، 14/ 161، 15/ 254، 16/ 372، 22/ 252، 23/ 178، 24/ 238.
يزيد الحذاء 18/ 99.
يزيد بن الرحال 9/ 76.
يزيد بن عبد الملك 9/ 274.
يعقوب الوادي 6/ 280، 11/ 358، 17/ 101.
يمان 7/ 133، 15/ 322.
ينشو المغني 10/ 170.
يونس الكاتب 4/ 366 - 398 - 399 - 401 - 402 - 403 - 404 - 406 -
407، 5/ 94 - 202، 6/ 96 - 152 - 171، 7/ 7، 9/ 9 - 150، 10/ 166، 11/ 13 - 124، 12/ 124، 13/ 199، 14/ 342، 15/ 69، 17/ 223، 19/ 121 - 128 - 133، 20/ 315، 21/ 198 - 267، 22/ 123 - 135.
فهرس رواة الالحان
أ
أبجر 8/ 279.
إبراهيم بن أبي العبيس 22/ 222.
إبراهيم بن القاسم بن زرزور 23/ 131.
إبراهيم ماخوري 3/ 72.
إبراهيم بن المهدي 9/ 73، 15/ 285، 14/ 212، 12/ 285.
إبراهيم الموصلي 1/ 121 - 124 - 307 - 133 - 158 - 177، 243 - 2/ 357 - 393 - 385 - 403 - 199 - 223 - 48 - 62، 3/ 134 - 280 - 304 - 309، 4/ 29 - 30 - 31 - 60 - 88 - 102 - 169، 6/ 248 - 249 - 250، 7/ 184 - 238، 8/ 184 - 268 - 238 - 367، 9/ 274 - 288، 12/ 113 - 126 - 179، 15/ 104 - 113 - 126 - 179 - 287 - 277، 17/ 197، 18/ 73 - 107، 20/ 274، 22/ 131 - 216 - 326، 24/ 168 - 241 - 243.
ابن أبي دباكل الخزامي 9/ 175.
ابن أبي قباحة 2/ 393.
ابن أبي مطر 9/ 44.
ابن أبي يزن المكي 2/ 223.
ابن الأعرابي 2/ 91 - 150.
ابن جامع 1/ 107 - 121 - 124 - 141 - 177 - 255، 2/ 20، 3/ 368، 4/ 113 - 265 - 296 - 334 - 406، 5/ 116 - 398، 9/ 175 - 222 - 248، 12/ 179 - 189، 15/ 104 - 130 - 359، 8/ 367.
ابن جندب 2/ 213.
ابن جؤذر 3/ 149.
ابن حبيب 12/ 137 - 347، 8/ 182.
ابن حمدون 5/ 210.
ابن خرداذبة 2/ 217 - 223، 7/ 32 - 42 - 91، 8/ 236، 9/ 107، 11/ 357، 13/ 336،
ابن سريج 2/ 213 - 215 - 224 -
225 - 395، 3/ 44 - 46 - 97 - 268 - 279 - 320 - 326 - 366 - 341 - 335 - 333 - 330، 4/ 216 - 219 - 223 - 262 - 290 - 296 - 297، 5/ 72 - 92 - 116 - 186، 8/ 101 - 189 - 208 - 215 - 224 - 236 - 238 - 266 - 324 - 349 - 361، 9/ 153 - 154 - 175 - 221 - 244 - 291، 12/ 119 - 123 - 126 - 156 - 158 - 179 - 191 - 334، 15/ 3 - 36 - 75 - 105 - 173 - 227 - 265 - 322 - 358 - 378، 19/ 216.
ابن صاحب الضوء 12/ 45.
ابن طنبورة 3/ 43.
ابن عائشة 2/ 207 - 223 - 224 - 241، 3/ 43 - 51 - 341، 8/ 185 - 201، 12/ 126 - 179.
ابن عباد 8/ 175، 15/ 265، 19/ 368.
ابن غزوان الدمشقي 8/ 348.
ابن الغسال 8/ 221.
ابن فروخ 15/ 121.
ابن قصار 14/ 166.
ابن المارقي 2/ 76.
ابن محرز 2/ 93 - 376، 4/ 119 - 120 - 265 - 294 - 429، 5/ 260، 8/ 374، 9/ 222 - 227 - 344 -
394 10/ 186، 12/ 123 - 126 - 144 - 164 - 179 - 181 - 182 - 191 - 227، 15/ 343 - 360 - 231 - 265 - 254، 17/ 214، 19/ 293.
ابن مسجح 2/ 403، 9/ 221، 11/ 209 - 210، 12/ 126 - 158 - 182 - 183 - 339، 15/ 178.
ابن المعتز 1/ 306، 3/ 366، 6/ 256 - 259، 10/ 100 - 170 - 186 - 234، 12/ 154 - 347، 13/ 269، 17/ 72، 18/ 163، 19/ 300، 22/ 174، 24/ 135.
ابن المكي 1/ 37 - 53 - 80 - 86 - 92 - 122 - 127 - 141 - 152 - 161 - 167 - 180 - 185 - 203 - 208 - 232 - 257 - 268 - 270 - 271 - 275 - 276 - 305 - 309 - 378 - 382 - 391 - 417، 2/ 20 - 33 - 62 - 64 - 95 - 147 - 149 - 215 - 223 - 241 - 341 - 343 - 357 - 365 - 366 - 372 - 373 - 398، 3/ 129 - 149 - 151 - 226 - 285 - 319 - 323 - 330 - 333 - 337 - 341، 4/ 119 - 322 - 336 - 353 - 402 - 416، 5/ 121 - 150 - 167 - 204 - 211 - 220 -
260 - 299 - 426، 6/ 307 - 326، 7/ 31 - 39 - 40 - 41 - 42، 8/ 208 - 116 - 200 - 361، 9/ 51 - 76 - 157 - 238 - 247 - 249 - 300، 10/ 9 - 100 - 105 - 166، 11/ 292 - 358 - 362 - 363، 12/ 35 - 156 - 168 - 179 - 182 - 189 - 237، 13/ 336، 14/ 169 - 215، 15/ 77 - 138 - 254 - 288، 16/ 57 - 169 - 173 - 193 - 199 - 201 - 235 - 302 - 311 - 312 - 313 - 314 - 315 - 316 - 348 - 351 - 352 - 353 - 408، 17/ 3 - 5 - 132 - 340، 18/ 138 - 246 - 253 - 299 - 306 - 331 - 334، 19/ 97 - 293 - 314، 20/ 60 - 154 - 423، 21/ 93 - 95 - 102 - 113 - 126 - 204 - 229 - 404، 22/ 116 - 146 - 226 - 250 - 285 - 337، 23/ 154، 24/ 4 - 9 - 45 - 91 - 109 - 168 - 196 - 243.
ابن هرمة 9/ 43.
ابن الهربد 4/ 364.
أبو ايوب المدني 20/ 298، 21/ 195.
أبو أيوب المديني 7/ 141، 9/ 175 - 245 - 248.
أبو حشيشة 9/ 296.
أبو دلف 4/ 114، 8/ 236 - 238.
أبو سعيد الولي 9/ 242، 12/ 123.
أبو العبيس بن حمدون 3/ 197، 9/ 76 - 127، 11/ 245، 17/ 340.
أبو عمرو الشيباني 12/ 341.
أبو العنبس 12/ 214.
أبو عيسى بن الرشيد 9/ 295.
أبو عيسى بن المتوكل 4/ 50 - 60 - 429.
أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل 12/ 47.
أحمد بن أبي العلاء 1/ 141.
أحمد بن حمدون 12/ 47.
أحمد بن عبيد 12/ 179 - 189 - 173، 5/ 150 - 153.
أحمد النصبي 222.
أحمد بن يحي بن ثعلب 12/ 93.
إسحاق بن إبراهيم الموصلي 1/ 11 - 27 - 42 - 48 - 86 - 91 - 93 - 107 - 118 - 121 - 127 - 128 - 131 - 134 - 142 - 160 - 165 - 167 - 168 - 173 - 178 - 180 - 181 - 185 - 186 - 187 - 188 - 196 - 202 - 204 - 208 - 215 - 232 - 241 - 264 - 268 - 272 - 282 - 283 - 284 - 305 - 307 - 308 - 312 - 323 - 361 - 381، 2/ 152 - 199 - 212 - 213 - 215 - 225 - 231 - 238 - 255 - 269 - 378 - 385 -
403 - 56 - 96 - 70 - 92 - 152 - 95 - 156 - 207 - 80 - 226، 3/ 18 - 21 - 46 - 51 - ؟؟؟؟ - 119 - 130 - 133 - 315 - ؟؟؟؟ - 309 - 285 - 268 - 226 - 4 - 316 - 319 - 325 - 326 - 335 - 337 - 338 - 341 - 349 - 350، 4/ 30 - 41 - 42 - 210 - 216 - 223 - 325 - 326 - 283 - 290 - 292 - 295 - 296 - 300 - 301 - 317 - 333 - 374 - 352 - 401 - 402 - 403 - 406 - 414 - 428 - 429، 5/ 58 - 60 - 72 - 87 - 95 - 115 - 117 - 135 - 139 - 153 - 163 - 167 - 173 - 181 - 193 - 201 - 214 - 242 - 259 - 267 - 329 - 328 - 350 - 383 - 398 - 401، 6/ 16 - 30 - 68 - 69 - 100 - 119 - 120 - 140 - 141 - 158 - 159 - 163 - 166 - 170 - 194 - 201 - 202 - 239 - 242 - 246 - 247 - 248 - 251 - 253 - 259 - 261 - 288 - 300 - 310 - 336 - 360، 7/ 10 - 31 - 34 - 35 - 39 - 42 - 43 - 51 - 69 - 94 - 138 - 143 - 157 - 280، 8/ 125 - 279، 9/ 122 - 127 - 107 - 192 - 200 - 222 - 227 - 218 - 240 - 242 - 244 - 245 -
247 - 238 - 236 - 275 - 278 - 286 - 312 - 316، 10/ 9 - 27 - 123 - 140 - 287 - 311 - 324، 11/ 9 - 124 - 194 - 250 - 292 - 304 - 335 - 380، 12/ 50 - 51 - 66 - 87 - 113 - 119 - 126 - 156 - 158 - 191 - 179 - 173 - 168 - 208 - 126 - 289 - 223، 13/ 44 - 188 - 217 - 269 - 310 - 336 - 347، 14/ 169 - 216، 15/ 69 - 75 - 105 - 121 - 138 - 139 - 233 - 252 - 276 - 283 - 314 - 360 - 130 - 16/ 4 - 5 - 9 - 17 - 27 - 185 - 190 - 193 - 201 - 225 - 278 - 301 - 311 - 312 - 313 - 314 - 372، 17/ 41 - 49 - 174 - 178 - 214 - 229 - 240 - 244 - 276 - 302 - 351 - 355، 18/ 73 - 93 - 253 - 344 - 363 - 367، 19/ 121 - 129 - 183 - 293 - 314، 20/ 45 - 298 - 362 - 371 - 374، 21/ 8 - 91 - 95 - 163 - 197 - 198 - 253 - 263 - 267، 22/ 80 - 92 - 106 - 116 - 122 - 126 - 142 - 236 - 244 - 285 - 302 - 315 - 326 - 337 - 125 - 279، 24/ 4 - 100 - 132 - 144 - 196 - 236.
الأصبغ 21/ 76.
الأصبهاني 22/ 47 - 49.
الأصمعي 2/ 221.
ب
بابوية الكوفي 3/ 325 8/ 266،
بذل 9/ 208 - 215، 10/ 298، 17/ 55، 18/ 246،
20/ 60 - 374، 24/ 4 - 91
بسباسة 4/ 295، 9/ 247.
بنان 24/ 314.
ت
تينة - عيسى بن إسماعيل تينة 19/
ث
ثعلب 3/ 114 - 256.
ج
جحظة - أحمد بن جعفر جحظة 12/ 92، 19/ 303.
جميلة 8/ 201 - 207، 12/ 334.
جهم العطار 12/ 285.
ح
حبش 1/ 80 - 91 - 103 - 104 - 117 - 162 - 183 - 266 - 267 - 312، 2/ 152 - 156 - 199 - 366 - 369 - 375 - 382 - 393 - 402 - 20 - 33 - 93 - 152 - 56 - 208 - 213 - 217، 3/ 15 - 46 - 51 - 129 -
133 - 268 - 280 - 320 - 329 - 330 - 333 - 335 - 339، 4/ 119 - 223 - 260 - 262 - 275 - 279 - 293 - 295 - 297 - 298 - 322 - 333 - 353 - 414، 5/ 97 - 117 - 150 - 197 - 213 - 384، 6/ 78 - 220 -
233 - 249 - 259 - 261 - 310 - 320 - 322 - 324 - 235 - 360، 7/ 7 - 30 - 35 - 36 - 37 - 42 - 67 - 71 - 80 - 94 - 117 - 138 - 228 - 247 - 295 - 308، 8/ 236، 9/ 175 - 191 - 193 - 195 - 199 - 214، 10/ 48 - 70 - 123 - 165 - 170 - 186 - 193 - 197 - 302 - 303 - 311 - 323، 11/ 9 - 16 - 18 - 20 - 29 - 30 - 31 - 41 - 60 - 74 - 124 - 195 - 203 - 209 - 284 - 309 - 363، 12/ 113 - 126 - 164 - 168 - 173 - 179 - 189 - 191 - 193 - 197 - 227 - 270 - 289، 13/ 311 - 336 - 350، 15/ 26 - 75 - 173 - 264 - 285 - 291 - 307 - 322 - 360، 16/ 165 - 166 - 199 - 348 - 353، 17/ 41 - 66 - 74 - 100 - 103 - 156 - 173 - 240 - 244 - 270 - 300 - 340 - 362، 18/ 329 - 332 - 345 - 367، 19/ 14 - 129 - 134، 20/ 312 - 315، 21/ 110 - 113 - 126 - 198 - 199 - 267 - 404، 22/ 93
95 - 269 - 302 - 312 - 320 - 326 - 354، 23/ 121، 24/ 9 - 88 - 100 - 168 - 196 - 218 - 238 - 241.
حبيش 19/ 157، 13/ 57.
الحجبي 2/ 275.
الحزامي 3/ 128.
حكم 12/ 156، 4/ 402 - 404، 2/ 301 - 366 - 91 - 149 - 217، 3/ 43 - 366، 14/ 371 - 372، 15/ 104 - 288، 17/ 101.
حمادة 11/ 5 - 123 - 245.
حماد بن إسحاق 1/ 67 - 117 - 241، 2/ 370 - 376 - 378 - 214 - 218 - 224 - 312 - 363 - 365 - 207 - 214 - 225، 3/ 292 - 341، 4/ 279 - 413، 7/ 30 - 138 - 141، 9/ 53، 10/ 302، 12/ 51 - 113 - 119 - 156 - 160 - 173 - 193، 13/ 44، 16/ 297 - 173، 17/ 41 - 64 - 79، 18/ 61، 19/ 183، 20/ 362 - 371، 24/ 196.
حنين 12/ 126 - 181، 16/ 27.
خ
خزرج 3/ 289، 9/ 268.
خليدة المكية 3/ 338.
د
دحمان 2/ 225، 3/ 282 8/ 340 - 349.
الدرمي 15/ 121.
دريد بن الصمة 9/ 344.
دقاق 12/ 253.
الدلّال 3/ 320، 4/ 275 - 280 -
290 - 294 - 297 - 223 - 326 - 429.
دنانير 1/ 102 - 165 - 184 - 189 - 243 - 253 - 308، 2/ 318، 6/ 120، 10/ 111، 16/ 312، 22/ 285.
ذ
ذكاء وجه الرزة 6/ 259، 10/ 105 - 115 - 166، 18/ 127 - 148 - 157 -
163 - 21/ 77، 24/ 214.
ر
رذاذ 3/ 189.
الرهبان 14/ 301.
رياض 4/ 114، 8/ 267.
ريحان 2/ 295.
ريق 12/ 156 - 285.
ز
الزبير بن بكار 2/ 214.
زرزور الطائفي 3/ 268.
زرزور المارقي 4/ 93.
الزيادي 2/ 135.
س
السائب بن حكم الدودي 12/ 183 - 184 - 185 - 189.
السائب بن ذكوان 12/ 113 - 114.
سائب خاثر 9/ 129.
سعيد بن جابر 3/ 320.
سليم 9/ 294 - 300، 15/ 254.
سليم بن سلام 4/ 114 - 216 - 260.
سليم بن سليم 2/ 33 - 62 - 93.
سليمان 2/ 20 - 48.
سليمان بن القصار 9/ 320.
سليمان الوادي 18/ 368.
سنان الكاتب 2/ 152، 3/ 46، 12/ 123.
سياط 3/ 72 - 134 - 347، 12/ 173 - 182 - 243، 15/ 233.
ش
شارية 12/ 285.
شبيب بن البرصاء 12/ 253.
شروين المغني المدادي 23/ 178.
ص
الصولي 5/ 168
ض
الضيزني الملقب بنبيكة 2/ 233.
ط
طباع 23/ 121.
طويس 12/ 270.
طياب بن إبراهيم الموصلي 12/ 45.
ع
عاتكة 19/ 133.
عاذل 17/ 244.
عباس 14/ 18.
عباس المنقار 15/ 254.
عبد 9/ 222.
عبد آل الهذلي 4/ 294.
عبد الرحمن 22/ 50.
عبد الرحيم 15/ 285، 17/ 169.
عبد اللّه بن جعفر 8/ 141، 11/ 210.
عبد اللّه بن طاهر 8/ 267، 12/ 106 - 112.
عبد اللّه بن العباس 2/ 64، 3/ 51، 8/ 370، 12/ 124.
عبد اللّه بن العباس الرييعي 8/ 114.
عبد اللّه بن محمد بن عبد الملك الزيات 10/ 179.
عبد اللّه بن موسى 6/ 226، 10/ 106، 16/ 247، 20/ 13 - 82، 22/ 95 - 285.
عبد الملك بن موسى 11/ 60.
عبيد اللّه بن عبد اللّه بن طاهر 4/ 429، 9/ 59، 12/ 93، 21/ 8.
العتابي 10/ 196.
عجوز الباذغنيسي 2/ 69.
عريب 3/ 268، 4/ 93 - 41 - 119 - 293، 8/ 184، 9/ 300، 12/ 156 - 214 - 320، 14/ 214.
عزار المكي 19/ 216.
عزة المرزوقية 12/ 156.
عزة الميلاء 4/ 133 - 169.
عطرد 8/ 185 - 201، 14/ 362.
علوية 3/ 268، 4/ 293، 8/ 361، 9/ 220 - 222 - 300، 12/ 320، 14/ 132، 18/ 348.
علي بن الصباح 2/ 144.
علي بن يحي 2/ 370 - 372، 6/ 323، 7/ 34، 11/ 60 - 195 - 209. 12/ 171 - 191،
13/ 101، 16/ 199 - 341، 17/ 66، 18/ 69، 21/ 95 - 198، 22/ 95 - 285،
علية بنت المهدي 4/ 402.
عمر بن شبة 12/ 108 - 174.
عمر بن عبد العزيز بن مروان 8/ 207.
عمر الوادي 2/ 212، 7/ 105، 8/ 259، 9/ 275، 15/ 104.
عمرو بن أبي عمرو الشيباني 3/ 50.
عمرو بن بانة 1/ 11 - 43 - 60 - 86 - 91 - 92 - 93 - 101 - 104 - 105 - 106 - 113 - 117 - 118 - 123 - 128 - 132 - 134 - 137 - 146 - 158 - 161 - 171 - 173 - 177 - 178 - 184 - 186 - 189 - 192 - 196 - 198 - 200 - 201 - 202 - 203 - 219 - 222 - 240 - 241 - 243 - 246 - 253 - 268 - 270 - 271 - 275 - 276 - 284 - 285 - 307 - 312 - 346 - 381 - 382، 2/ 125 - 212 - 153 - 366 - 372 -
213، 3/ 51 - 72 - 90 - 100 - 129 - 130 - 134 - 170 - 193 - 253 - 268 - 285 - 296 - 304 - 309 - 310 - 315 - 318 - 319 - 321 - 322 - 325 - 335 - 337، 4/ 41 - 119 - 216 - 260 - 262 - 278 - 296 - 298 - 352، 5/ 58 - 59 - 87 - 95 - 98 - 115 - 117 - 139 - 150 - 171 - 185 - 188 - 190 - 194 - 198 - 201 - 214 - 221 - 236 - 244 - 258 - 267 - 311 - 312 - 373 - 378 - 383، 6/ 16 - 24 - 35 - 69 - 100 - 101 - 16 - 126 - 166 - 170 - 205 - 233 - 242 - 247 - 248 - 249 - 252 - 253 - 256 - 261 - 288 - 295 - 300 - 301 - 321 - 336، 7/ 7 - 25 - 28 - 31 - 32 - 33 - 39 - 40 - 41 - 42 - 43 - 56 - 67 - 69 - 71 - 84 - 91 - 104 - 105 - 133 - 138 - 139 - 141 - 143 - 157 - 235 - 280 - 308، 9/ 236 - 238 - 242 - 192 - 191 - 200 - 205 - 218 - 224 - 341 - 243 - 247 - 248، 10/ 27 - 99 - 100 - 105 - 115 - 143 - 165 - 193 - 300 - 301 - 302 - 304 - 324، 11/ 11 - 14 - 16 - 18 - 31 - 33 - 41 - 51 - 64 - 74 - 124 - 194 - 195 - 209 - 245 -
250 - 276 - 280 - 284 - 357 - 361 - 363 - 381، 12/ 45 - 126 - 173 - 179 - 182 - 191 - 208 - 123 - 289 - 270 - 253 - 223 - 126 - 227، 13/ 28 - 44 - 101 - 139 - 333 - 336 - 125 - 273 - 310، 14/ 301 - 371 - 381، 15/ 11 - 38 - 75 - 130 - 146 - 245 - 252 - 254 - 275 - 277 - 287، 376 - 16/ 77 - 166 - 169 - 173 - 181 - 185 - 193 - 201 - 225 - 244 - 253 - 271 - 273 - 312 - 313 - 316 - 341 - 344 - 347 - 348 - 352 - 372 - 399 - 408، 17/ 50 - 80 - 100 - 107 - 156 - 159 - 174 - 176 - 209 - 221 - 276 - 279 - 362، 18/ 3 - 53 - 69 - 99 - 108 - 131 - 329 - 332 - 334 - 348 - 359 - 363 - 367 - 369 - 374، 19/ 183 - 251 - 259 - 300 - 314، 20/ 43 - 71 - 74 - 200 - 204 - 212 - 215 - 240 - 294 - 301 - 328 - 371 - 372 - 423، 21/ 73 - 76 - 102 - 113 - 178 - 198 - 199 - 204، 22/ 30 - 43 - 76 - 106 - 116 - 123 - 126 - 127 - 134 - 216 - 236 - 285 - 320 - 359، 24/ 4 - 7 - 100 - 108 - 127 - 135 - 196 - 238.
عمرو بن جامع 24/ 204 - 218.
عمرو بن يحي المكي 3/ 307.
عيسى بن إسماعيل تينة 19/ 314.
غ
الغريض 2/ 363 - 364 - 378 - 382 - 393 - 386 - 396 - 403، 3/ 21 - 51 - 306 - 319 - 341،
9/ 175 - 248 - 249 - 336، 12/ 179، 15/ 3 - 73 - 129، 19/ 216.
ف
فريدة 4/ 114 - 102 - 113 - 117 - 119، 8/ 185.
فليح 1/ 184 - 243، 4/ 169 - 354، 12/ 50، 18/ 253.
ق
القاسم بن زرزور 10/ 166، 23/ 121.
قراريط 2/ 218.
قمري 24/ 214.
قيس بن الخطيم 15/ 42.
ك
كثير الكبير 7/ 39.
كردم 12/ 189.
م
مالك 2/ 343 - 369 - 152 - 153 - 207 - 212 - 213 - 215 - 217 - 225، 3/ 268 - 281 - 304 - 319 - 337 - 341، 4/ 223 - 293 -
7/ 105 - 138، 8/ 185 - 201 - 236، 9/ 243 - 226، 12/ 126 - 179 - 191، 14/ 301، 15/ 36 - 105، 19/ 121، 21/ 197 - 198.
متيم 3/ 268، 4/ 114 - 290 - 293 - 353، 9/ 295 - 296، 12/ 126.
محمد بن بسخنر 16/ 341.
محمد بن الحسن الكاتب 10/ 199.
محمد قريض 18/ 160.
محمد بن يحي 10/ 196.
مخارق 4/ 283، 8/ 148 - 153، 9/ 289، 12/ 126.
مختار 2/ 80 - 95 - 357 - 156 - 241، 4/ 217 - 223 - 300 - 301 - 302، 8/ 89 - 154 - 185 - 235 - 267 - 268 - 279 - 320 - 333 - 351 - 383.
مسدود 8/ 368.
مشمرج 2/ 328.
معبد 2/ 378 - 393 - 403 - 199 - 207 - 215 - 217 - 223 - 233، 3/ 129 - 304 - 305 - 321 - 330، 4/ 260 - 279 - 278 - 292 - 293 - 296 - 300 - 429، 5/ 72 - 83 - 86 - 186 - 193، 8/ 200 - 201 - 236 - 322 - 324، 9/ 127 - 179 - 222 - 226 - 294، 12/ 113 - 126 - 168 - 173 - 179 - 189 - 191 - 193 - 289 - 197، 15/ 173 - 216 - 359، 19/ 216.
موسى بن خارجة الكوفي 4/ 169.
موسى شهوات 19/ 128.
ميمون بن هارون 10/ 165.
ن
نافع 8/ 43.
ه
هارون بن الزيات 20/ 298.
هاشم بن سليمان 3/ 289.
الهاشمي 4/ 119 - 120 - 210 - 216 - 278 - 279 - 293.
الهذلي 4/ 354 - 366 - 301 - 296 - 428 - 429، 12/ 156، 15/ 121 - 227 - 360 - 265، 7/ 35،
17/ 168.
هزج 14/ 373.
هشام بن الكلبي 2/ 21.
هشام بن المرية 2/ 223.
الهشامي 1/ 48 - 52 - 59 - 70 - 86 - 91 - 101 - 103 - 104 - 105 - 106 - 117 - 118 - 121 - 123 - 125 -
126 - 127 - 133 - 134 - 137 - 139 - 146 - 158 - 162 - 163 - 173 - 177 - 178 - 183 - 185 - 257 - 264 - 267 - 271 - 272 - 289 - 305 - 361 - 391، 3/ 21 - 43 - 97 - 129 - 151 - 282 - 285 - 292 - 306 - 335 - 333 - 330 - 326 - 323 - 319 - 321 - 338 - 339 - 341 - 342 - 366، 4/ 64 - 65 - 119 - 260 - 264 - 295 - 296 - 297 - 301 - 334 - 353 - 402 - 427 - 429، 5/ 117 - 153 - 171 - 181 - 186 - 200 - 209 - 211 - 384، 6/ 5 - 24 - 38 - 69 - 78 - 120 - 166 - 168 - 205 - 220 - 226 - 232 - 241 - 246 - 247 - 253 - 256 - 257 - 259 - 261 - 302 - 306 - 307 - 310 - 320 - 325 - 326، 7/ 7 - 23 - 25 - 8 - 30 - 31 - 32 - 33 - 35 - 36 - 39 - 40 - 41 - 43 - 45 - 52 - 56 - 64 - 66 - 67 - 68 - 71 - 84 - 87 - 92 - 105 - 113 - 133 - 138 - 139 - 141 - 143 - 157 - 235 - 247 - 305 - 308، 9/ 51 - 75 - 107 - 122 - 148 - 175 - 199 - 192 - 205 - 186 - 194 - 195 - 208 - 211 - 215 - 312 - 318 - 249 -
268 - 275 - 278، 10/ 67 - 100 - 105 - 106 - 123 - 129 - 140 - 182 - 184 - 185 - 186 - 298 - 300 - 303 - 323، 11/ 36 - 37 - 60 - 64 - 195 - 200 - 209 - 210 - 250 - 276 - 277 - 287 - 320 - 353 - 357 - 362 - 363 - 381، 12/ 22 - 47 - 70 - 113 - 123 - 126 - 144 - 154 - 179 - 173 - 171 - 168 - 164 - 156 - 181 - 189 - 191 - 285، 13/ 57 - 101 - 157 - 208 - 258 - 273 - 291 - 311 - 333 - 336 - 350 - 363، 14/ 300 - 301 - 334 - 371، 15/ 69 - 73 - 105 - 173 - 285 - 248 - 30 - 38 - 75 - 277، 16/ 5 - 11 - 27 - 77 - 78 - 101 - 121 - 165 - 166 - 169 - 173 - 193 - 199 - 201 - 234 - 247 - 265 - 297 - 312 - 313 - 316 - 341 - 344 - 350 - 351 - 353 - 399، 17/ 64 - 81 - 100 - 132 - 159 - 171 - 362، 18/ 52 - 61 - 73 - 99 - 107 - 138 - 253 - 270 - 299 - 332 - 329 - 345 - 367، 19/ 14 - 30 - 73 - 97 - 105 - 293، 20/ 12 - 43 - 46 - 58 - 82 - 86 - 119 - 197 - 215 - 257 - 275 - 293 - 306 - 335، 21/ 8 - 86 -
95 - 110 - 113 - 126 - 174 - 198 - 199 - 204 - 275 - 404، 22/ 8 - 30 - 47 - 50 - 83 - 93 - 95 - 96 - 116 - 122 - 126 - 131 - 134 - 150 - 186 - 226 - 252 - 256 - 269 - 272 - 285 - 310 - 326 -
334 - 337 - 354، 23/ 21 - 37 - 45 - 168 - 175 - 192 - 219 - 223، 24/ 5 - 9 - 82 - 91 - 100 - 127 - 133 - 135 - 140 - 167 - 168 - 196 - 214 - 218 - 219 - 241.
و
الواثق 8/ 363، 9/ 278 - 281 -
293 - 294 - 299.
ي
يحي بن علي 3/ 18 - 44.
يحي المكي 1/ 52 - 80 - 105 - 117 - 126 - 133 - 246 - 275 - 276 - 323، 2/ 153 - 199 - 213 - 223 - 225 - 233 - 258، 3/ 97 - 134 - 332 - 337 - 338، 4/ 252 - 283 - 293 - 295، 5/ 194 - 200، 6/ 35 - 38 - 78 - 79 - 234 - 241 - 250 - 251 - 253 - 257، 7/ 87 - 235 - 308، 9/ 200، 10/ 179 - 323، 12/ 45 - 168 - 181 - 339، 13/ 121 - 125 - 177 - 199 - 217 - 347، 15/ 216 - 252 - 358، 17/ 244، 18/ 73 - 138 - 253، 19/ 216 - 314، 20/ 389، 22/ 8 - 116 - 126 - 131 - 150 -
226 - 334، 24/ 219.
يعقوب 2/ 59، 4/ 295.
يونس 2/ 152 - 217 - 223 - 363 - 364 - 369، 3/ 117 - 285 - 296 - 309، 318 - 322 - 325 - 333 - 341، 4/ 260 - 296 - 298 - 300 - 223 - 398 - 401 - 404 - 428، 5/ 117 - 150، 6/ 68 - 116 - 120 - 141 - 300 - 310 - 333، 7/ 12 - 35 - 38 - 51 - 68 - 113، 9/ 115 - 224 - 225، 10/ 129 - 140، 11/ 250 - 381، 12/ 3 - 65 - 126 - 164 - 173 - 182 - 189 - 191 - 200، 13/ 199، 15/ 36 - 106 - 130، 19/ 157، 21/ 95، 22/ 95 - 285 - 326.
فهرس الاعلام
أ
آدم 10/ 13 - 145، 12/ 230، 22/ 86.
آدم بن عبد العزيز 15/ 285 - 289 - 291.
آمنة بنت جابر بن سفيان 15/ 74.
آمنة بنت وهب - أم النبي صلّى اللّه عليه وسلم - 17/ 315.
أبان بن الحميد اللاحقي 6/ 174، 11/ 285 - 289، 18/ 101.
أبان بن زياد 12/ 206.
أبان بن سعيد بن عيينة بن حصن 2/ 335 - 336، 11/ 192.
أبان بن سليمان 15/ 295.
أبان بن عبد الحميد اللاحقي 3/ 206، 23/ 155 - 156 - 157 - 158 - 159 - 160 - 161 - 162 - 163 - 164 - 165 - 166 - 167.
أبان بن عبد اللّه النمري 20/ 411.
أبان بن عثمان 3/ 328 - 333 - 334، 4/ 219، 8/ 337، 11/ 221،
19/ 176، 21/ 370، 22/ 129 - 130.
أبان عثمان بن حرب 20/ 216.
أبان بن مروان بن الحكم 16/ 275.
أبان - مولى للرشيد - 23/ 222.
أبان بن النعمان 9/ 230.
أبان بن الوليد البجلي 16/ 202، 17/ 4 - 10 - 38 - 39، 18/ 251، 20/ 412، 21/ 318 - 319.
أبان بنت الدوسية 1/ 383.
الأبجر 1/ 117 - 198 - 253 - 120، 17/ 55 - 75.
ابجر بن جبير 15/ 259 - 260.
الأبح بن مرة 21/ 215 - 220.
إبراهيم - النبي - 3/ 123 - 124 - 127، 14/ 201، 19/ 86، 22/ 18.
إبراهيم 9/ 33، 17/ 75 - 244، 23/ 105.
إبراهيم - أخو المنصور - 10/ 170.
إبراهيم - جد حماد الراوية - 23/ 40.
إبراهيم - كاتب الحسن بن وهب - 23/ 102.
إبراهيم الإمام 4/ 345، 12/ 230.
إبراهيم بن أبي شيخ 4/ 19.
إبراهيم بن أبي العبيس 18/ 148.
إبراهيم بن أبي قتيلة 20/ 3.
إبراهيم بن أبي محمد اليزيدي 20/ 216 - 248 - 249 - 250 - 251 - 252 - 253 - 255 - 256 - 257، 23/ 116.
إبراهيم بن أدهم 13/ 337 - 341.
إبراهيم بن الأشتر 14/ 261 - 262، 17/ 335، 18/ 286، 19/ 123 - 125 - 126.
إبراهيم بن جبلة بن مخرمة الكندي 23/ 225 - 226.
إبراهيم بن الحراني 18/ 184، 24/ 126.
إبراهيم بن حسن 4/ 375، 10/ 131.
إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب 21/ 273.
إبراهيم بن خالد المعيطي 3/ 305.
إبراهيم بن رياح 14/ 44، 19/ 248، 23/ 72.
إبراهيم بن رياشي 14/ 18.
إبراهيم بن زياد الأنصاري الأموي السعيدي 8/ 186.
إبراهيم بن زيد 4/ 377.
إبراهيم بن سعد 5/ 269.
إبراهيم بن سعد بن أبي الوقاص 7/ 132 - 133.
إبراهيم بن سعدان المؤدب 24/ 257 - 258.
إبراهيم بن سوار بن شداد بن ميمون 23/ 149 - 150.
إبراهيم بن سهل القارىء 20/ 148.
إبراهيم بن طلحة بن عمرو بن عبد اللّه 4/ 381.
إبراهيم بن عامر الأسدي 14/ 245.
إبراهيم بن العباس 8/ 352 - 353 - 365، 10/ 50، 13/ 112، 16/ 384 - 387 - 388، 20/ 182 - 271، 23/ 47.
إبراهيم بن العباس الصولي 1/م - ت 29 14/ 223،
إبراهيم بن عبد الخالق الأنصاري 19/ 53.
إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف 16/ 149 - 152 - 154 - 157.
إبراهيم بن عبد اللّه بن حسن 3/ 156 - 179 - 213، 11/ 300، 13/ 330، 14/ 369 - 370، 19/ 190 - 191، 20/ 216.
إبراهيم بن عبد اللّه بن مطيع 1/ 373 - 375، 2/ 381، 23/ 233.
إبراهيم بن عبد اللّه النميري 6/ 192.
إبراهيم بن عثمان بن نهيك 18/ 226.
إبراهيم بن عدي الكناني 10/ 74، 19/ 125.
إبراهيم بن عربي 18/ 118 - 119.
إبراهيم بن علي بن هرمة 4/ 389.
إبراهيم بن عمر العامري 14/ 322.
إبراهيم بن عمرو بن نهبون 11/ 352 - 353.
إبراهيم بن محمد 5/ 7 - 8.
إبراهيم بن محمد الطائفي 8/ 44.
إبراهيم بن محمد بن طلحة 12/ 195.
إبراهيم بن محمد بن عبد الحميد 14/ 336.
إبراهيم بن المدبر 7/ 155 - 156، 10/ 217، 13/ 296، 14/ 211، 20/ 131، 21/ 79 - 80، 22/ (ترجمته في شعره - 156 - 198) - 157 - 158 - 159 - 160 - 161 - 162 - 163 - 164 - 165 - 166 - 167 - 168 - 169 - 170 - 171 - 172 - 174 - 175 - 176 - 177 - 178 - 179 - 180 - 181 - 182 - 183 - 184 - 185، 23/ 24 - 25 - 75 - 76 - 83.
إبراهيم بن المنذر 6/ 12، 17/ 158، 20/ 12.
إبراهيم بن المهدي 1/ 5 - 287 - 293، 4/ 68 - 330 - 332 - 333 - 336 -
337 - 339، 5/ 256 - 284 - 291 - 299 - 305 - 315 - 319، 8/ 362، 9/ 246، 10/ 62، 11/ 322 - 333، 12/ 145 - 146 - 148 - 150 - 151، 14/ 41 - 105 - 214، 17/ 78، 18/ 69 - 71 - 300 - 301 - 341 - 353 - 354 - 359 - 360 - 364، 19/ 135 - 162 - 163 - 289، 20/ 121 - 145 - 149 - 150 - 155 - 181 - 274 - 278 - 280، 21/ 57 - 66، 23/ 48 - 49 - 50 - 51 - 75 - 81 - 83 - 134 - 177، 24/ 97،
إبراهيم الموصلي 1/ 2 - 106 - 252 - 270، 4/ 4 - 30 - 31 - 110 - 122، 8/ 259، 14/ 140 - 187، 17/ 51 - 55 - 92 - 100 - 105 - 116 - 174 - 326 - 399، 18/ 18 - 24 - 27 - 48 - 52 - 65 - 68 - 67 - 211 - 300 - 306 - 308 - 336 - 338 - 343 - 344 - 345 - 348 - 351 - 352 - 359 - 374، 19/ 246 - 247 - 261 - 262 - 283 - 290 - 294 - 295، 20/ 24 - 82 - 86 - 263 - 301 - 306 - 328 - 362 - 423 - 358 - 374، 21/ 91 - 178، 22/ 47 - 50 - 51، 23/ 136 - 138 - 154،
24/ 9،
إبراهيم بن ميمون 1/ 9 - 10.
إبراهيم بن النخعي 14/ 218.
إبراهيم بن النظام 8/ 248 - 249، 24/ 127 - 128 - 129.
إبراهيم بن نعيم البخام 9/ 255.
إبراهيم بن هشام 1/ 362 - 363 - 371 - 415 - 416، 4/ 261 - 262، 7/ 16 - 130 - 131، 11/ 193، 17/ 365.
إبراهيم بن هشام بن إسماعيل 2/ 294 - 301، 16/ 106 - 127.
إبراهيم بن هشام المخزومي 13/ 50.
إبراهيم بن الوليد 10/ 131.
إبراهيم بن الوليد المخزومي 17/ 105.
إبراهيم بن يسار 4/ 412.
أبرد 2/ 296.
الأبرش 11/ 194.
الأبرش الكلبي 2/ 342، 17/ 7، 21/ 377.
أبرهة 19/ 17.
أبرهة الأشرم - ملك اليمن - 14/ 241.
أبرهة بن الصباح 17/ 304 - 306 - 307 - 311، 23/ 226 - 227 - 247.
أبرهة الكندي 23/ 250.
الأبطح 1/ 114.
إبليس 10/ 104 - 145.
ابن أبي أحيحة 11/ 178.
ابن أبي الأزهر 9/ 130.
ابن أبي إسحاق 8/ 283 - 291.
ابن أبي الأقلع 15/ 195.
ابن أبي البختري 8/ 255.
ابن أبي بكر بن حزم الأنصاري 9/ 337، 21/ 370.
ابن أبي بكر الصديق 4/ 235.
ابن أبي ثابت الأعرج 4/ 274.
ابن أبي جثيم 12/ 229 - 238.
ابن أبي جراب 1/ 210.
ابن أبي جرير 4/ 241.
ابن أبي جمعة 21/ 359.
ابن أبي حارثة 14/ 5.
ابن أبي حارثة بن جدى بن تدول بن بحتر 14/ 383.
إبن أبي الحديد 14/ 287 - 296.
ابن أبي حفص بن المغيرة المخزومي 4/ 335.
ابن أبي الحمامة 12/ 304.
ابن أبي خنين البلوع 2/ 353.
ابن أبي حيثمة 11/ 37.
ابن أبي داود 5/ 245، 19/ 93، 23/ 123 - 56 - 108 - 109 - 210 - 214.
ابن أبي دباكل 1/ 321 - 322.
ابن أبي الدنيا 15/ 385، 18/ 191 - 346.
ابن أبي ذئب 14/ 129، 19/ 218.
إبن أبي ربيعة 8/ 206.
إبن أبي الزناد 8/ 332.
إبن أبي الزوائد 14/ 121 - 122 - 129 - 123 - 126.
إبن أبي سريج 9/ 68 - 69.
إبن أبي سعد 9/ 96، 19/ 168.
إبن أبي السلاسل 23/ 146.
إبن أبي سلمى 8/ 53 - 199.
إبن أبي سنة العبلي 4/ 342.
إبن أبي الشيخ 21/ 303.
إبن أبي الشيص 20/ 152 - 172.
إبن أبي طاهر 14/ 359.
إبن أبي العاص 5/ 122.
إبن أبي عائشة 12/ 144.
إبن أبي العباس 14/ 369.
إبن أبي عبد اللّه 19/ 278.
إبن أبي عبيد الثقفي 14/ 261.
إبن أبي عتيق 1/ 39 - 89 - 95 - 97 - 98 - 99 - 100 - 101 - 108 - 109 - 118 - 135 - 152 - 166 - 168 - 214 - 219 - 222 - 223 - 224 - 225 - 227 - 229 - 230 - 276 - 364 - 399، 2/ 204 - 368، 4/ 276 - 235 - 293 - 294، 7/ 62 - 144، 8/ 206 - 341 - 342، 9/ 68 - 182 - 219 - 220 - 240 - 242، 11/ 177، 12/ 156 - 157 - 158، 15/ 263 - 264 - 332 - 333 -
335، 16/ 318، 17/ 157 - 158 - 164 - 176، 18/ 334 - 335، 22/ 8.
ابن أبي العراقيب 7/ 137.
إبن أبي العلاء الشاعر 17/ 68.
إبن أبي علقمة الماجن 21/ 346 - 347 - 369 - 370 - 400.
ابن أبي عمرو الغفاري 6/ 296.
ابن أبي عمرو المديني 14/ 34.
ابن أبي عون العابد 14/ 360.
ابن أبي عيينة 13/ 270، 17/ 1، 20/ (ترجمته في شعره - 74 - 118) - 75 - 78 - 79 - 80 - 87 - 94 - 102 - 81 - 84 - 94 - 86 - 88 - 90 - 91 - 92 - 93 - 95 - 96 - 98 - 99 - 100 - 101 - 102 - 103 - 104 - 105 - 106 - 107 - 108 - 109 - 113 - 114 - 111 - 112 - 115 - 116 - 117 - 185 - 186.
ابن أبي فروة - يونس - 11/ 181 - 182، 19/ 125.
ابن أبي قباحة 20/ 187.
ابن أبي قراد 24/ 188.
ابن أبي قماش 21/ 38.
ابن أبي كبشة 6/ 348.
ابن أبي كثير 11/ 369.
ابن أبي الكنات 2/ 204.
ابن أبي ليلى - محمد بن عبد الرحمن - 10/ 238، 17/ 106.
ابن أبي محجن 19/ 10.
ابن أبي مريم الحاسب 18/ 201.
ابن أبي مريم المديني 19/ 294.
ابن أبي مسرة المكي 9/ 277.
ابن أبي معيط 1/ 34، 5/ 117.
ابن أبي نجيح 3/ 348.
ابن أبي وقاص 5/ 122.
ابن أبي يزن المكي 2/ 223.
ابن آدم 14/ 275.
ابن الأبرازي 11/ 343.
ابن أثال 16/ 197 - 198 - 200.
ابن الأثان 8/ 57.
ابن الأثير 2/ 117 - 143 - 217 - 287 - 5، 3/ 40، 14/ 126.
ابن الأحرز 12/ 24.
ابن أحمر 8/ 235.
ابن الأحنف 5/ 254.
ابن الأدبر 17/ 154.
ابن إدريس 9/ 144.
ابن أذين 4/ 87.
ابن أذينة 4/ 380 - 393.
ابن الأزرق 1/ 362 - 363، 7/ 128 - 129 - 130 - 131 - 134 - 135، 9/ 35.
ابن إسحاق 1/ 9، 4/ 162 - 171 - 175 - 176 - 181 - 183، 14/ 307، 15/ 185 - 188.
ابن أسلم 2/ 189.
ابن أشعب 16/ 145 - 147.
ابن الأشعث 3/ 328، 4/ 170، 9/ 139، 10/ 73، 11/ 310، 15/ 387، 17/ 141 - 143 - 275، 22/ 260.
ابن الاعرابي 2/ 97 - 99 - 150 - 178 - 181 - 263 - 373 - 303 - 306 - 427 - 119، 3/ 80 - 81 - 271، 4/ 14 - 15 - 27 - 46 - 342، 5/ 4 - 5 - 274، 6/ 4، 8/ 180 - 243 - 244 - 362 - 416، 9/ 47، 12/ 36 - 155 - 254 - 286، 13/ 21 - 36 - 37 - 51 - 62 - 64 - 65 - 66 - 71 - 72 - 153، 14/ 76 - 217 - 225 - 227 - 228 - 246، 17/ 125، 18/ 359، 19/ 82.
ابن الأغريقي 8/ 120.
ابن الأغلب 19/ 302.
ابن أم أصرم 7/ 288.
ابن أم عفاف 8/ 25.
ابن أنيسة بنت معبد 15/ 52.
ابن أياس 8/ 253.
ابن باقيا 1/م - ت 35.
ابن بجرة 6/ 262 - 263 - 269.
ابن بحدل بن بعاج الكلابي 19/ 198.
ابن بدر 8/ 405 - 414، 14/ 327 - 346 - 365، 17/ 202، 19/ 205.
ابن براق الفهمي 131 - 132 - 133 - 134 - 141 - 160 - 161 - 163 - 175.
ابن برّي 2/ 113 - 165 - 276 - 321، 3/ 129.
ابن بريهة المنصوري 16/ 242.
ابن البزيعة 8/ 319.
ابن بشر 14/ 272، 21/ 311.
ابن بشير 4/ 263، 5/ 269.
ابن بعاج 19/ 199.
ابن بكير 12/ 159.
ابن البواب 23/ (ترجمته - 38 - 44) - 38 - 39 - 40 - 41 - 42 - 43 - 44.
ابنا بلال - ورقاء بن بلال وأخوه - 17/ 206.
ابن تميم 8/ 280.
ابن تيزن 2/ 204.
ابن ثعلبة 17/ 125.
ابن ثوبان 22/ 247.
ابن ثوبة 20/ 198.
ابن جارم الضبي 15/ 240.
ابن جامع 1/ 255، 2/ 20، 4/ 333 - 362 - 363 - 383، 5/ 243 - 251، 8/ 116 - 131 - 259 - 368، 9/ 248، 14/ 187 - 188 - 189 - 190 - 116، 15/ 22 - 23، 17/ 66 -
92 - 362، 18/ 65 - 70 - 145 - 245 - 319 - 284 - 300 - 339 - 340 - 343 - 344 - 345 - 363، 19/ 134 - 221 - 290 - 294 - 295، 21/ 56 - 57، 22/ 47 - 48 - 49 - 50، 23/ 136 - 138.
ابن جدعان 22/ 56، 24/ 112.
ابن جرى 21/ 140 - 141 - 142.
ابن جريح 1/ 74 - 111 - 250 - 316 - 408 - 409.
ابن جرير الطبري 2/ 141 - 142 - 143 - 15 - 127 - 120 - 119 - 117 - 157.
ابن الجزري 18/ 243 - 245.
ابن جعدية 14/ 74 - 77.
ابن جعفر 8/ 142 - 324، 12/ 58 - 183 - 196، 16/ 155، 22/ 229 - 230.
ابن جعيل 8/ 281 - 282 - 286.
ابن جفنة 12/ 13 - 14 - 15 - 16.
ابن جل 18/ 19.
ابن الجلندى العماني 15/ 306، 16/ 336، 20/ 76.
ابن جنى 2/ 155.
ابن جندب 4/ 261، 9/ 213.
ابن جندل 2/ 411.
ابن جهراء النصري 19/ 1 - 2 - 3.
ابن جوان بن عمر بن أبي ربيعة 4/ 319.
ابن الجوهري 13/ 229 - 230.
ابن جوشن 14/ 4.
ابن الجون 11/ 140.
ابن حابس 17/ 24.
ابن حازم 2/ 334.
ابن حبيب 2/ 105 - 133 - 181، 8/ 310، 12/ 73 - 74 - 75 - 76 - 77 - 202، 13/ 67 - 75 - 76 - 58 - 195 - 198.
ابن حجر العسقلاني 2/ 5 - 6، 17/ 117.
ابن الحدادية 14/ 151.
ابن حرب 5/ 122، 12/ 41.
ابن الحروني 5/ 430.
ابن حزم 1/ 375، 4/ 234 - 235 - 236 - 237 - 238 - 239 - 246 - 252 - 269 - 272 - 276، 15/ 4.
ابن حسان البكري 16/ 266.
ابن الحسين 13/ 311 - 339.
ابن الحضرمي 8/ 387.
ابن حكيم 18/ 150.
ابن حلاكة 11/ 116.
ابن حليس 21/ 140.
ابن الحمامة 2/ 171.
ابن حمدون 8/ 366، 10/ 276، 12/ 82، 21/ 50.
ابن حمراء العجان 8/ 24.
ابن حميد 14/ 96.
ابن الحنفية - محمد بن علي بن أبي طالب - 7/ 233 - 235 - 245، 12/ 176.
ابن حنيفة 9/ 15.
ابن خارجة 14/ 221.
ابن خارجة بن حصن 14/ 246.
ابن خازم - عبد اللّه - 11/ 322.
ابن خاقان 8/ 357.
ابن خزيمة 14/ 44.
ابن خرداذبة 2/ 223 - 243، 3/ 251 - 303، 4/ 330، 8/ 125 - 277 - 348، 12/ 103، 15/ 27.
ابن الخطفى 8/ 45 - 48 - 59.
ابن خلدون 1/م - ت 8 - 34.
ابن خلكان 1/م - ت 31 - 33 - 35، 8/ 90 - 155 - 249 - 352، 12/ 93، 14/ 51 - 177.
ابن الخليع 11/ 245.
ابن الخليفة 8/ 322.
ابن الخمس التغلبي 11/ 112 - 118 - 120.
ابن خنزير 9/ 335.
ابن الخياط (ترجمته - 1 - 12) 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13.
ابن دأب 1/ 324، 6/ 56، 11/ 39، 12/ 219، 14/ 128، 18/ 198.
ابن دارة 13/ 37 - 38، 21/ (ترجمته -
229 - 248) 230 - 231 - 232 - 233 - 248.
ابن دخان 8/ 233.
ابن دريد 2/ 159، 8/ 5 - 155.
ابن دقاق 23/ 140.
ابن الدمينة 17/ (أخباره ونسبه - 92 - 106) 93 - 94 - 95 - 96 - 97 - 98 - 99 - 100 - 101 - 104 - 105 - 106 - 196، 20/ 267.
ابن دهمان 14/ 256.
ابن الديان بن قطن بن زياد بن عمرو 12/ 21.
ابن دينا 1/ 243.
ابن ذي الكلاع 8/ 296 - 410.
ابن ذي مناحب 6/ 290.
ابن رأس البغل 266.
ابن رامين 11/ 364 - 365 - 366 - 367، 15/ 57 - 58 - 59 - 60 - 61 - 63 - 64 - 65 - 66 - 67 - 68 - 71 - 72.
ابن ربعي 8/ 319، 14/ 276.
ابن ربيعة 8/ 90.
ابن رشيق 15/ 229، 1/م - ت 12.
ابن الرقاع 21/ 327.
ابن رمانة - إبن مينا - 15/ 122.
ابن رنجو 5/ 8.
ابن رهيمة 14/ 371، 21/ 195.
ابن روبيح 4/ 374 - 376 - 382 - 383 - 386.
ابن الرومي 23/ 153.
ابن رياح 14/ 18، 21/ 140.
ابن الرّيان المكي 3/ 48.
ابن الزامرية 8/ 408.
ابن الزانية 14/ 197 - 325 - 327 - 329.
ابن الزبعري 1/ 63.
ابن الزبير 1/ 21 - 23 - 28 - 29 - 30 - 31 - 64 - 50 - 266، 3/ 3 - 277، 4/ 165 - 166، 5/ 28، 7/ 134، 8/ 67 - 144، 9/ 330، 13/ 32، 14/ 234 - 237 - 242 - 248 - 249 - 253 - 254 - 256، 15/ 150 - 152، 18/ 324، 19/ 195 - 196، 22/ 322.
ابن الزبير القهقري 14/ 251.
ابن الزبير الأسد 17/ 130.
ابن زرباب 20/ 124.
ابن زرزر الطائفي 1/ 184.
ابن زرزور 22/ 178.
ابن زعبل 20/ 99 - 101.
ابن زنبح 19/ 176.
ابن زهير المخنث 3/ 34.
ابن زيابة 19/ 17 - 18.
ابن الزيّات 12/ 81، 23/ 210.
ابن زياد 8/ 398 - 419، 14/ 261.
ابن زياد المكي 1/ 210.
ابن زيد بن عبد اللّه بن دارم 8/ 74.
ابن زيد مناة 8/ 63.
ابن زيدان 16/ 350.
ابن زيدون 14/ 273.
ابن زينة 1/ 35.
ابن سرحون 8/ 290.
ابن سرية 7/ 71.
ابن سريج 1/م - ت 33، 1/ 2 - 39 - 47 - 58 - 248 - 249 - 250 - 251 - 256 - 261 - 280 - 407 - 408 - 38، 8/ 188 - 189 - 204 - 210 - 212 - 227 - 321، 9/ 177 - 315، 12/ 118 - 119 - 120 - 121، 17/ 38 - 41 - 45 - 42 - 43 - 48 - 51 - 107 - 156 - 163 - 178 - 224 - 279 - 362، 18/ 73 - 121 - 332 - 333 - 334 - 345 - 367، 19/ 161 - 168 - 290 - 292، 20/ 325 - 372 - 374 - 389، 21/ 56 - 113 - 198 - 199 - 263 - 275 - 293.
ابن سعد 8/ 134 - 399، 12/ 6، 14/ 228، 18/ 117، 24/ 198.
ابن سعيد 20/ 11.
ابن سعيد بن العاصي 8/ 274.
ابن السكيت 2/ 127 - 155.
ابن سلام 2/ 182، 8/ 9 - 34 - 177 - 188 - 213 - 282 - 283 - 306،
13/ 189، 14/ 165، 22/ 81.
ابن سلمى 8/ 167 - 245 - 270، 13/ 25 - 40.
ابن سلمى بن نهشل 11/ 146.
ابن سلمة الزهري 1/ 290 - 291.
ابن سلول بن كعب 14/ 44.
ابن سليمان 14/ 378.
ابن سماء 1/ 194.
ابن سمية 18/ 262.
ابن سهل عبد الرحمن 15/ 331.
ابن سهيل 7/ 9 - 13 - 14.
ابن السوداء 8/ 241.
ابن سيابة 3/ 168.
ابن سيار 12/ 230.
ابن سيحان الجسري 1/ 35، 2/ 244 - 245 - 247 - 248 - 249 - 250 - 251 - 252 - 253 - 256 - 258 - 259.
ابن السيد 14/ 40.
ابن سيدة 2/ 243 - 331 - 348، 17/ 44.
ابن سيرين 6/ 208، 7/ 238، 11/ 202 - 358، 18/ 33 - 192، 21/ 305 - 387 - 389.
ابن شبرمة 2/ 178، 18/ 34.
ابن الشجري 2/ 200.
ابن شرذاد 21/ 37 - 38 - 338.
ابن شريك الشيباني 14/ 78.
ابن شعوف 15/ 270 - 271.
ابن شغوف الهاشمي 7/ 172 - 173 - 174.
ابن شقران 6/ 284.
ابن الشماخ العلكي 14/ 218.
ابن شماس 1/ 57.
ابن شميل 2/ 143، 13/ 56.
ابن شهاب 14/ 307، 19/ 19.
ابن شهاب الزهري 4/ 248، 1/ 399.
ابن شيبة 22/ 20.
ابن الصحاف 13/ 313.
ابن الصديق 17/ 157.
ابن صرمة 13/ 35، 15/ 99 - 102 - 238.
ابن صعب 4/ 305.
ابن الصعق العامري 22/ 192.
ابن صفار 12/ 201.
ابن صفوان 8/ 81.
ابن صفية 18/ 57.
ابن صقر 19/ 197.
ابن الصموت 11/ 158.
ابن صوريا 12/ 6.
ابن ضابي 14/ 248.
ابن ضبيع 21/ 140 - 329.
ابن الطثرية 17/ 130.
ابن الطحان 17/ 336.
ابن طريف 12/ 92 - 93 - 96 - 98.
ابن طنبورة 20/ 374، 21/ 117.
ابن الطيار 15/ 141.
ابن الطيب 1/ 295، 8/ 12.
ابن ظبيان 8/ 393.
ابن الظراب 14/ 150.
ابن عائشة 1/ 56 - 57 - 81 - 158 - 227 - 243، 3/ 352 - 354، 5/ 272، 8/ 186 - 188 - 213 - 226 - 272، 12/ 91، 14/ 133 - 340، 17/ 161، 18/ 200 - 333 - 327، 20/ (خبر له مع حبابة - 325 - 327) 326 - 325 - 327 - 360، 22/ 101.
ابن عاد 12/ 77.
ابن عاصم 14/ 72.
ابن عامر بن الحارث بن نوفل بن عبد مناف 1/ 249.
ابن عامر بن ربيعة 1/ 316 - 397، 14/ 146 - 242.
ابن عامر بن الكريز 22/ 231 - 232.
ابن عباد 1/ 177، 8/ 340، 19/ 91.
ابن عباد الرازي 17/ 317.
ابن عباد الكاتب 18/ 334.
ابن عباس 1/ 72 - 73 - 2/ 192 - 193، 4/ 131، 146 - 171 - 306، 8/ 285، 10/ 288 - 290 - 291، 11/ 5، 12/ 196 -
197 - 301، 21/ 22، 24/ 166.
ابن العباس (رضي اللّه عنهما) 2/ 50 - 192.
ابن العباس بن عبد اللّه بن طاهر 9/ 60.
ابن عباس العسكري 14/ 165.
ابن عبد الرحمن بن كعب 8/ 263.
ابن عبد العزى 15/ 339.
ابن عبد اللّه بن أبي أمية 3/ 31.
ابن عبد المسيح الحارث 12/ 6.
ابن عبد مناة بن الحارث بن سعد هزيم 8/ 138.
ابن عبدة 8/ 196.
ابن عبدل الأسدي 2/ 409 - 410 - 414.
ابن عبيس 6/ 144.
ابن عتاب الكلبي 11/ 110، 14/ 384 - 385.
ابن عثمان بن عفان 15/ 340.
ابن العجلان 11/ 146.
ابن عراك 4/ 281.
ابن عرس الموصلي 1/م - ت 33.
ابن عروة بن أذينة 1/ 333.
ابن عروة بن الورد العبسي 8/ 2.
ابن عساكر 8/ 384، 12/ 73، 14/ 51.
ابن عطية 23/ 244 - 245 - 246.
ابن عفير الأنصاري 23/ 217.
ابن عقفان 13/ 34.
ابن علاثة 9/ 120، 14/ 177.
ابن علافة الفقيه 7/ 83.
ابن عم صاحب الأغاني 18/ 119.
ابن عمار 8/ 272، 12/ 228 - 232 - 233، 2/ 381، 1/ 28 - 29.
ابن عمى قصرة 12/ 12.
ابن عمران 2/ 320.
ابن عمران الطلحي 11/ 193.
ابن عمرو 8/ 399، 10/ 207 - 229 - 231، 15/ 92 - 94 - 98، 19/ 19 - 197، 21/ 311 - 259.
ابن عمرو بن ربيعة بن جعدة بن كعب 12/ 27.
ابن عمرو بن عامر 7/ 3.
ابن عمرو بن عوف بن جحجمي 4/ 241.
ابن عمرو الغوث 8/ 290.
ابن عمرو بن مرشد بن سليمان 8/ 403.
ابن عمرو المرّي 2/ 65.
ابن عمير 18/ 183.
ابن عنقاء الفزاري 19/ 209.
ابن عوف 17/ 261، 19/ 189.
ابن عون 20/ 351.
ابن عياش بن شمر 19/ 29.
ابن عياش بن أبي ربيعة المخزومي 2/ 215 - 408 - 410 - 422، 8/ 199 - 313، 9/ 140،
12/ 194، 14/ 227.
ابن عيينة 2/ 178، 5/ 269 - 273.
ابن الغز 16/ 378.
ابن غزالة 5/ 271.
ابن فاطم 3/ 157.
ابن فرتني 18/ 56.
ابن الفريعة 4/ 156 - 157 - 163.
ابن الفضل 8/ 338.
ابن الفقيمة 18/ 323.
ابن فليح المدني 20/ 271.
ابن قتيبة 4/ 121، 5/ 7، 8/ 155 - 233 - 234 - 323 - 352، 9/ 81 - 130، 13/ 58، 14/ 17 - 239 - 272 - 322، 15/ 192 - 194 - 200، 17/ 61.
ابن قرابة 1/م - ت 33.
ابن قرد (الخنزير التميمي) 24/ 79.
ابن القصار 8/ 112 - 113 - 114، 18/ 158 - 161.
ابن قطن 3/ 364 - 365.
ابن قنبر 12/ 152 - 153، 14/ 162 - 167 - 168.
ابن قوقل 21/ 139.
ابن قيس 16/ 154.
ابن قيس الرقيا 17/ 270 - 271 (خبر له - 271 - 275) 272 - 274 - 276.
ابن القين 8/ 86، 21/ 324 - 329.
ابن الكردية 8/ 253.
ابن الكرنبي 9/ 252.
ابن كعب 24/ 30.
ابن كعب بن عبد بن ثور 8/ 44.
ابن الكلبي 1/ 211 - 248 - 249، 2/ 61 - 115 - 261 - 203 - 129 - 131 - 144، 3/ 3 - 40، 4/ 183 - 184 - 274، 5/ 1، 8/ 180 - 244 - 239 - 259 - 323 - 348 - 384، 10/ 55 - 56، 12/ 13 - 16 - 19 - 27 - 137 - 138 - 194 - 195 - 271، 13/ 3 - 49 - 170 - 200، 14/ 69 - 83، 20/ 75 - 159.
ابن كلدة 9/ 216.
ابن كليب 19/ 155.
ابن الكميت 8/ 168 - 169.
ابن كنداجيق 10/ 128.
ابن الكواء اليشكري 8/ 276، 15/ 148.
ابن كوز 20/ 309.
ابن الكوفي 8/ 276.
ابن لجأ 8/ 71 - 77 - 78.
ابن لجأ التيمي 18/ 15 - 16.
ابن لجأ العهوي 8/ 26.
ابن اللخناء 8/ 80 - 84.
ابن ماء السماء 17/ 260.
ابن مات 8/ 368.
ابن الماجشون 20/ 201.
ابن المارقي 8/ 213.
ابن مارية 17/ 173.
ابن مالك 8/ 90، 14/ 312.
ابن مامة 12/ 340 - 342.
ابن مانع الضيم 8/ 2.
ابن المبارك 6/ 339.
ابن مجاشع بن مسعدة 15/ 237.
ابن محرز 1/ 378 - 379 - 380 - 381 - 382 - 332، 2/ 33 - 146 - 152 - 345 - 346، 17/ 47 - 81 - 163 - 168 - 209 - 240 - 244 - 323، 18/ 70 - 73، 19/ 27 - 292، 21/ 24 - 95 - 126 - 229.
ابن محرق 9/ 337 - 339 - 340، 12/ 12، 14/ 303 - 145 - 259، 22/ 335.
ابن محمد الفقيه 15/ 385.
ابن محمية 22/ 71.
ابن المدبر 12/ 81.
ابن المراغة 8/ 69 - 287، 9/ 335.
ابن مرجانة 18/ 286.
ابن مرداس 8/ 319.
ابن مروان 9/ 331، 14/ 250 - 253 - 258.
ابن مريم 4/ 152.
ابن مزروع 20/ 75.
ابن مزنة 15/ 346.
ابن مسترضع 2/ 146.
ابن مسجح 1/ 87 - 178 - 251 - 379، 21/ 204.
ابن مسجع 12/ 126، 18/ 73 - 331.
ابن مسعدة 1/ 21.
ابن مسعود 13/ 4، 15/ 187.
ابن مسمع 8/ 393.
ابن المسيب 18/ 308.
ابن مسيمة 8/ 319.
ابن مشعب 1/ 394.
ابن مشكم 8/ 316.
ابن مصعب بن الزبير 15/ 339.
ابن المعتز 4/ 41 - 50 - 119 - 352، 8/ 119 - 151 - 242، 9/ 298، 18/ 310، 21/ 55.
ابن المعطل بن حسان 15/ 117.
ابن معمر 18/ 274 - 278.
ابن معن 19/ 197.
ابن المغربي 1/م - ت 35.
ابن المغير 1/ 63.
ابن مفرغ 18/ (ترجمته - 253 - 298) 254 - 255 - 256 - 257 - 258 - 259 - 260 - 262 - 263 - 264 - 265 - 266 - 268 - 273 - 269 - 270 - 271 - 271 - 272 - 279 - 275 - 274 - 276 - 277 - 278 - 280 - 284 - 285 - 286 - 287 - 288 - 289 - 290 - 291 - 292 - 293 - 294 - 295 - 296 - 297 - 298، 24/ 243.
ابن المقعد 8/ 344.
ابن المقفع 15/ 66 - 67، 18/ 101، 21/ 107 - 108.
ابن مقمة 1/ 318 - 319.
ابن مكحول 24/ 154 - 155.
ابن المكي 3/ 43، 17/ 73، 18/ 308، 20/ 179 - 262، 22/ 30.
ابن ملجم 15/ 228.
ابن ملحم 12/ 35.
ابن مناذر 4/ 57 - 90 - 91، 7/ 203 - 214، 8/ 59، 18/ (ترجمته - 168 - 210) 168 - 169 - 170 - 171 - 172 - 173 - 174 - 175 - 176 - 177 - 178 - 179 - 180 - 208 - 181 - 182 - 183 - 184 - 185 - 187 - 190 - 88 - 189 - 194 - 191 - 192 - 205 - 193 - 195 - 196 - 197 - 198 - 199 - 200 - 201 - 202 - 203 - 204 - 240 - 206 - 207 - 208 - 209 - 210، 20/ 61، 22/ 31، 23/ 163 - 165.
ابن منارة 22/ 178.
ابن منبع 23/ 217.
ابن المنظور 2/ 276، 15/ 100 - 109
ابن المنكدر 17/ 242.
ابن المهروية 8/ 302، 14/ 135.
ابن المولى 2/ 218، 20/ 295.
ابن ميادة 4/ 369 - 370 - 373، 21/ 284 - 285.
ابن نباتة 8/ 373.
ابن النجاشي 7/ 274.
ابن النديم 1/ 5 - 6، 1/م - ت 31 - 37 - 38، 2/ 8 - 179.
ابن النصرانية 8/ 53 - 62 - 63 - 72 - 306.
ابن النطاح 9/ 201، 15/ 110، 17/ 63، 20/ 230.
ابن النعاشي 4/ 221.
ابن النعمان بن المنذر بن ماء السماء 8/ 406.
ابن نفيس 8/ 119، 15/ 36.
ابن النمير الثقفي 6/ 198.
ابن نهيا 8/ 325.
ابن نهيك 3/ 244 - 246.
ابن هاشم 12/ 24.
ابن هبار القرشي 178 - 179 - 180 - 181 - 182.
ابن هبيرة 16/ 207، 17/ 333، 20/ 297، 21/ 311.
ابن هداج 4/ 386.
ابن الهربذ 1/ 152 - 361، 8/ 373، 18/ 331، 20/ 274.
ابن هرم العبسي 15/ 354.
ابن هرمة 1/ 43، 5/ 215، 17/ 105، 19/ 176، 20/ 1 - 12.
ابن هرمة البر 12/ 224 - 225 - 226 - 227.
ابن هشام 2/ 291 - 297، 12/ 6.
ابن هلال 1/ 153.
ابن همدان 22/ 55.
ابن هوبر 2/ 225.
ابن واصل الحموي 1/م - ت 35.
ابن وائل 11/ 42.
ابن ورد 12/ 24.
ابن وردان 1/ 400.
ابن الوشاء 8/ 94.
ابن وهب 21/ 140.
ابن يحي 8/ 126.
ابن يربوع 8/ 71.
ابن يزيد بن رويم الشيباني 8/ 311.
ابن يسير 8/ 30 - 39 - 42 - 44.
ابن يعيش 2/ 200.
ابن يقظة 11/ 272.
ابن يوسف 4/ 257، 8/ 291.
ابنا سنان 24/ 57.
ابنة مالك بن بدر 17/ 201.
ابنة وردان 19/ 136 - 164 - 148.
ابني فائد بن حبيب 21/ 238 - 239.
أبو الأبرش 20/ 422.
أبو أبي أشيم 9/ 270.
أبو أبي ضفرة 14/ 300.
أبو أجأ بن كعب 12/ 212.
أبو أحمد 3/ 238.
أبو أحمد بن جحش 4/ 140، 7/ 235 - 236 - 422.
أبو أحمد بن الرشيد 19/ 230، 23/ 75 - 81 - 83.
أبو أحمد بن محمد بن حفص 1/م - ت 33.
أبو أزيهر 2/ 243.
أبو اسامة 18/ 100 - 105.
أبو إسحاق 4/ 359 - 372، 5/ 277، 12/ 87، 14/ 229، 15/ 33، 20/ 246 - 276 - 336.
أبو إسحاق - إبراهيم بن العباس - 23/ 113 - 166 - 168.
أبو إسحاق الخزاف 4/ 5 - 10.
أبو إسحاق الزجاج 1/م - ت 12.
أبو إسحاق بن سعد 14/ 93 - 100.
أبو الأسد 14/ 131 - 132 - 134 - 139 - 140 - 142.
أبو الأسد - أحمد بن أبي دواد 14/ 132.
أبو أسماء بن الضريبة 22/ 63.
أبو الأسود الدؤلي 1/ 110 - 147 - 148، 2/ 163 - 171، 8/ 406 - 422، 11/ 5، 12/ 298 - 300 - 302 - 304، 15/ 143، 16/ 376، 20/ 370.
أبو أسيد - كنية حضير الكتائب - 17/ 124.
أبو الأشعت 2/ 340 - 384، 13/ 6.
أبو الأصبع - عم عامر بن الطفيل - 21/ 17.
أبو الأصبغ 13/ 327 - 328 - 329.
أبو اصحم - كنية أرياط - 17/ 306.
أبو الأعور 17/ 150.
أبو الأغر الأسدي 14/ 194.
أبو اليس 9/ 56.
أبو أمامة - أحمد بن زرارة الخزرجي - 19/ 31.
أبو أمامة - محمد بن عبد الرحمن بن سعيد - 23/ 30 - 31.
أبو أمية خالد 18/ 197 - 198.
أبو أمية - كنية شريح القاضي - 17/ 221 - 222.
أبو أمية الكندي 23/ 254.
أبو أمية - مسافر بن أبي عمرو بن أمية - 9/ 49 - 50 - 51 - 52 - 53.
أبو أمية بن المغيرة بن عبد اللّه 9/ 49 - 52، 18/ 122.
أبو أهاب بن عزيز بن قيس بن سود 22/ 190 - 191.
أبو أياس بن حرملة بن جعدة 11/ 146.
أبو أيوب 14/ 377 - 379، 19/ 204.
أبو أيوب الزبالي 326.
أبو أيوب المديني 2/ 337، 3/ 140 - 266، 7/ 303، 9/ 222، 10/ 47 - 241، 14/ 140 - 193 - 355.
أبو أيوب المرياني 10/ 246.
أبو بجير بن سماك الأسدي 7/ 267 - 272 - 273 - 274 - 275، 18/ 105.
أبو بحر 8/ 394 - 395 - 417، 17/ 74.
أبو البختري 3/ 40، 4/ 180 - 195 - 240، 8/ 256.
أبو براء - عامر بن مالك - 8/ 280، 11/ 148، 12/ 12 - 21، 17/ 58، 19/ 24، 22/ 60 - 73.
أبو بردة بن أبي موسى 17/ 145 - 221، 20/ 365 - 366.
أبو بردة القذاري 8/ 301.
أبو بردة بن هلال بن عويمر 14/ 146.
أبو بشر 14/ 179 - 362.
أبو بشر الحلو بن الحلال 14/ 367.
أبو بشر بن مروان 1/ 374.
أبو بشر بن الوليد 7/ 75.
أبو بصرة الغفاري 9/ 4 - 32.
أبو البصير 9/ 340، 18/ 228.
أبو بطان 11/ 369.
أبو بعرة 15/ 334 - 335.
أبو البعيث 8/ 5.
أبو البغضاء 8/ 311.
أبو بكر 1/ 27، 2/ 364 - 180 - 157، 3/ 27 - 28 - 29، 4/ 3 - 124 - 139 - 140 - 190 - 192 -
191 - 177 - 220، 5/ 133، 6/ 355، 7/ 362 - 363، 8/ 234، 10/ 6 - 126 - 289، 11/ 180 - 265 - 301، 12/ 174 - 215، 14/ 76 - 308، 16/ 79 - 82 - 84 - 93 - 195 - 293 - 294، 17/ 63 - 86 - 87 - 356، 18/ 59 - 63 - 206، 19/ 2 - 83 - 261، 21/ 115 - 375، 22/ 303، 23/ 213 - 241، 24/ 113.
أبو بكر الأصم 16/ 20، 18/ 174، 20/ 127.
أبو بكر بن أبي الجهم العدوي 2/ 10، 16/ 156.
أبو بكر بن أبي قحافة 15/ 196 - 199، 16/ 81.
أبو بكر بن جهم بن حذيفة 4/ 234 - 235.
أبو بكر بن دريد 5/ 7 - 8.
أبو بكر بن السلمي 18/ 184.
أبو بكر بن سليمان بن أبي خيثمة 9/ 144.
أبو بكر الصبح 15/ 306.
أبو بكر بن عبد الرحمن بن أبي سفيان بن حويطب 3/ 359.
أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام 1/ 63، 9/ 140 - 148، 16/ 200.
أبو بكر بن عبد العزيز 9/ 133، 21/ 97.
أبو بكر بن عبد اللّه بن عمرو 23/ 234.
أبو بكر بن كلاب 7/ 68، 9/ 115.
أبو بكر بن محمد بن خزم الأنصاري 8/ 71، 21/ 373.
أبو بكر بن محمد بن عثمان الربعي 15/ 28.
أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم 4/ 239 - 252 - 273، 15/ 295 - 302، 19/ 179، 8/ 272، 9/ 144 - 148 - 65 - 338.
أبو بكر بن يحي بن جابر البلاذري 8/ 180، 19/ 143.
أبو بكر الهذلي 4/ 130 - 138 - 139، 8/ 35، 12/ 309.
أبو البكراء 22/ 321.
أبو بكرة 16/ 94 - 95 - 96 - 97 - 98 - 99، 18/ 169.
أبو البلقاء البصري 17/ 1.
أبو البيداء 8/ 8 - 9.
أبو تراب 17/ 144.
أبو تمام الطائي 4/ 99، 13/ 253 - 254، 14/ 51، 15/ 230، 19/ 31 - 52 - 53 - 75 - 85 - 93، 20/ 22 - 29 - 125 - 130 - 157 - 158 - 280 - 284 - 285، 21/ 39، 23/ 97 - 105 - 106 -
114 - 115 - 197، 1/م - ت 31.
أبو التيحان 20/ 44 - 52 - 58.
أبو ثابت بن عمران بن عبد العزيز 4/ 393.
أبو ثعلب بن ناصر الدولة 1/م - ت 33.
أبو ثور - عمرو بن معد يكرب - 15/ 208 - 216، 24/ 74.
أبو جبر 19/ 9، 21/ 258.
أبو جبلة - عبيد بن سالم - 3/ 40.
أبو جبيل 8/ 247.
أبو جبيلة الغساني - ملك غسان - 22/ 111 - 112 - 113 - 114 - 115.
أبو الجحاف - كنية رؤبة - 20/ 354.
أبو الجدرة - عمر الجارود - 15/ 14.
أبو الجديد 1/ 288.
أبو الجراح العقيلي 8/ 180 - 181، 11/ 236 - 237.
أبو جزىء 12/ 12.
أبو جعفر 14/ 93 - 172 - 322 - 326، 15/ 181، 20/ 257 - 258 - 271 - 79، 23/ 38.
أبو جعفر - كنية أحمد بن يوسف - 23/ 218.
أبو جعفر - إسماعيل بن إبراهيم بن حمدويه - 13/ 235.
أبو جعفر - كنية محمد بن عبد الملك الزيات - 23/ 46، 24/ 3.
أبو جعفر بن حبيب 14/ 44.
أبو جعفر سائب خاثر 8/ 187.
أبو جعفر القرشي 8/ 186.
أبو جعفر المباركي 14/ 86.
أبو جعفر محمد بن علي 9/ 37، 17/ 24 - 31 - 26 - 32 - 33، 24/ 106 - 107.
أبو جعفر محمد بن يحي زيد 15/ 29.
أبو جعفر المنصور 3/ 213 - 214، 4/ 60 - 315 - 316 - 323 - 337، 5/ 101، 6/ 254 - 255 - 256 - 260 - 261 - 262 - 268، 8/ 193 - 213، 9/ 110، 10/ 195 - 198 - 235 - 236 - 237 - 238 - 240 - 242 - 243 - 246 - 247 - 248 - 251 - 252 - 256 - 257 - 259 - 262، 11/ 294 - 300 - 357، 14/ 340، 368 - 369 - 370، 15/ 29 - 16/ 21 - 241 - 299 - 309 - 360 - 362، 19/ 168 - 180، 22/ 245 - 246 - 247، 24/ 237.
أبو جعل 13/ 23.
أبو جناد 11/ 92.
أبو جندب بن مرة 21/ 215 - 216 - 223 - 224 - 225.
أبو الجندب الهذلي 7/ 137.
أبو جندل - كنية الراعي - 24/ 205.
أبو الجنوب - يحي بن حفص 23/ 170 - 171.
أبو الجنيد - كنية أبي نخيلة - 20/ 390.
أبو جهل 18/ 124.
أبو جهل بن هشام 1/ 65، 3/ 311، 4/ 169 - 172 - 180 - 186 - 187، 9/ 52، 11/ 266، 16/ 287، 23/ 206.
أبو الجهم 10/ 241.
أبو الجهم - أحمد بن يوسف - 14/ 196.
أبو جهم الكناني 19/ 123.
أبو الجون السمحي 16/ 208، 24/ 174.
أبو حاتم 3/ 149 - 152 - 210، 6/ 6، 14/ 1 - 10 - 75.
أبو حاتم السجستاني 24/ 252.
أبو الحارث 18/ 1.
أبو الحارث - كنية عبد اللّه بن أبيّ - 17/ 121 - 271.
أبو الحارث جميز 1/ 83، 12/ 89، 20/ 151.
أبو الحارث جمين 21/ 268.
أبو الحارث بن علقمة 12/ 6.
أبو الحارث المرّي 2/ 314 - 332.
أبو الحارث - هانيء بن سعد الخفاجي - 8/ 173.
أبو حازم بن دينار 19/ 218.
أبو حبش 4/ 47، 12/ 6.
أبو الحجناء 23/ 1.
أبو الحجاج 8/ 314.
أبو الحدراء 14/ 243.
أبو حذافة السهمي 2/ 330.
أبو حذيفة بن عبيد بن الحارثة 4/ 194 - 195.
أبو حذيفة بن عتبة 4/ 202.
أبو حذيفة بن اليمان 15/ 203.
أبو حذيفة 3/ 145 - 146 - 182 - 224.
أبو الحر التميمي 18/ 316.
أبو حراب العبلي 1/ 391 - 392.
أبو حرب - إبن الأسود - 12/ 318 - 329، 8/ 419، 20/ 79.
أبو حرب الميابي 20/ 347.
أبو حراز - كنية أربد بن قيس - 17/ 62.
أبو حردبة 22/ 287 - 290 - 297 - 298.
أبو حرزة - كنية جرير - 19/ 102 - 168، 20/ 351، 8/ 48.
أبو حرزة الغنوي 7/ 215، 8/ 49 - 62 - 64 - 72 - 84.
أبو حزابة 22/ (ترجمته - 259 - 268) 259 - 260 - 261 - 263 - 264 - 262 - 265 - 266 - 267 - 268.
أبو حزام 18/ 8.
أبو حسان 14/ 226 - 230.
أبو الحسن 15/ 149.
أبو الحسن - كنية علي بن جبلة - 20/ 14 - 23 - 26 - 40.
أبو الحسن الأسدي 13/ 326 - 363، 23/ 181.
أبو الحسن - كنية محمد بن القاسم - 23/ 181.
أبو الحسن جحظة 1/م - ت 26.
أبو الحسن الطوسي 8/ 180.
أبو الحسن الينبعي 17/ 101.
أبو الحسين بن أبي البغل 23/ 55.
أبو الحسين - كنية بن علي بن عثمان - 13/ 339.
أبو حشيشة 23/ (ترجمته - 75 - 83) 75 - 76 - 77 - 78 - 79 - 80 - 81 - 82 - 83.
أبو حشيشة - محمد بن علي بن أمية - 22/ 205.
أبو حشيشة الطنبوري 20/ 291.
أبو حفص 4/ 159 - 147، 9/ 286، 19/ 193.
أبو حفص الشطرنجي 18/ 70، 22/ (ترجمته - 44 - 50) 44 - 45 - 46 - 48 - 49 - 50.
أبو حفصة بن عمرو بن مران 10/ 72 - 73، 17/ 146 - 51، 23/ 90.
أبو الحكم بن هشام 4/ 182 - 204.
أبو الحكم - المطلب بن عبد اللّه - 4/ 394 - 395.
أبو حماد 4/ 114، 14/ 347.
أبو حماد عجرد 14/ 224.
أبو حمزة الأزدي 12/ 249 - 250، 11/ 376.
أبو حمزة - المختار بن عوف الأزدي - 23/ 224 - 227 - 228 - 229.
أبو حنبل 9/ 90.
أبو حنظلة 2/ 38، 6/ 344.
أبو حنش 3/ 223، 12/ 211 - 212، 23/ 86.
أبو حنيفة 1/ 414، 12/ 62، 13/ 13 - 68، 14/ 333، 18/ 151 - 152.
أبو حنيفة الدينوري 2/ 114 - 303.
أبو حي 2/ 47.
أبو حية النميري 8/ 290، 18/ 203 - 204 - 372، 20/ 297.
أبو خالد 14/ 281.
أبو خالد الأحول أبي احمد بن أبي خالد 14/ 356.
أبو خالد الأسلمي 20/ 95 - 125.
أبو خالد - عبد العزيز بن عبد اللّه بن خالد بن أسيد 24/ 116 - 117 - 118.
أبو خالد المهلبي 18/ 329.
أبو خبيب 1/ 16، 8/ 134.
أبو خراش الهذلي 21/ (ترجمته - 204 - 228) 205 - 206 - 207 - 208 - 209 - 210 - 211 - 212 - 213 - 214 - 215 - 217 - 226 - 227 - 228.
أبو خزانة 8/ 421.
أبو الخطاب 2/ 371 - 377، 8/ 34 - 141 - 144 - 193 - 213، 14/ 210، 16/ 341، 17/ 243 - 164، 20/ 339.
أبو الخلال العتكي 7/ 262 - 263.
أبو خلف 3/ 216.
أبو خليفة 4/ 237، 5/ 4 - 5، 8/ 65 - 177 - 188.
أبو خليفة - الفضل بن الحباب - 8/ 32 - 52 - 175 - 418، 12/ 307.
أبو الخيبري 17/ 374 - 392.
أبو خيثمة الحارثي 15/ 184 - 185.
أبو خيرة 18/ 209 - 210.
أبو داجانة - سماك بن خدشة - 15/ 189 - 193.
أبو داود الفزاري 2/ 266 - 277.
أبو الدبس 14/ 370.
أبو درة 9/ 206.
أبو دعامة 3/ 226، 14/ 362.
أبو دلامة 3/ 138، 17/ 335، 18/ 320.
أبو دلف 4/ 114، 8/ 92 - 250 - 251 - 252 - 254 - 255 - 256 - 257 - 267 - 284، 9/ 120، 14/ 139 - 142، 19/ 77 - 106 - 109 - 111 - 110 - 113 - 117 - 118 - 301، 20/ 14 - 15 - 19 - 21 - 22 - 24 - 25 - 31 - 36 - 39 -
40 - 41 - 42 - 152 - 193 - 194 - 195، 21/ 55 - 56 - 57 - 92، 23/ 43 - 60 - 61 - 62، 24/ 129.
أبو دليجة 14/ 212.
أبو الدماء 8/ 304.
أبو دنقش - الحاجب - 23/ 52 - 53.
أبو دهبل 1/ 292 - 362 - 363، 20/ 369 - 372.
أبو دهمان الغلابي 22/ (ترجمته - 256 - 258) 258 - 257.
أبو دهمان المغني 23/ 54.
أبو دواد الايادي 2/ 167 - 289 - 316 - 331 - 337 - 335، 15/ 349 - 350، 17/ 199 - 226.
أبو الذباب 1/ 34.
أبو الذبان 11/ 246، 24/ 250.
أبو ذفافة المنهال بن عبد الملك 15/ 127.
أبو الذلفاء - كنية الحسن بن زيد الشاعر - 20/ 186.
أبو دؤيب الهذلي 1/ 64، 2/ 254، 9/ 160، 12/ 321، 14/ 99، 24/ 321.
أبو الرازي 11/ 349.
أبو راشد - نافع بن الأزرق - 12/ 35.
أبو رافع 4/ 205.
أبو ربيس التغلبي 18/ 94.
أبو ربيعة 1/ 62 - 64، 9/ 52، 11/ 174.
أبو ربيعة المصطلقي 1/ 154.
أبو ربيعة بن المغيرة 2/ 194.
أبو الرديني العكلي 24/ 246.
أبو رجاء العطاردي 21/ 392.
أبو الرزّام - كنية نبيه 17/ 280.
أبو الرشيد 24/ 136.
أبو رغال 4/ 302 - 303 - 306 - 307.
أبو رغوان - مجاشع بن دارم - 9/ 98 - 119، 21/ 329.
أبو الرماح 2/ 267.
أبو رمح الهمذاني 18/ 218.
أبو رهم 13/ 80 - 244 - 245 - 246، 20/ 75.
أبو ريحانة - علي بن أسيد بن أحيحة - 7/ 144.
أبو ريحانة المدني 6/ 153 - 155 - 156.
أبو زائدة 8/ 401.
أبو زبيد الطائي 5/ 135 - 136، 12/ 127 - 131 - 132 - 133 - 135 - 136 - 137 - 138، 18/ 251 - 252.
أبو زبيدة - حرملة بن المنذر بن معد يكرب - 10/ 200.
أبو الزبير 14/ 353.
أبو الزبير - مولى مروان - 7/ 5.
أبو زرارة 11/ 224.
أبو الزعراء 12/ 294.
أبو زغوان 15/ 341.
أبو زكار الأعمى 2/ 217، 12/ 191 - 192، 18/ 308، 19/ 296، 22/ 47.
أبو الزناد 19/ 136 - 166.
أبو زهير 8/ 328 - 331.
أبو زياد الكلابي 8/ 167، 15/ 94.
أبو زيادة 8/ 171.
أبو زيتم 8/ 414.
أبو زيد 2/ 289، 3/ 118 - 143 - 149 - 152 - 188 - 223 - 247 - 248 - 362، 4/ 234، 8/ 65، 12/ 142 - 144 - 204، 14/ 147، 17/ 277، 20/ 123.
أبو زيد الأسلمي 12/ 243.
أبو زيد - عمرو بن شبة 23/ 38.
أبو زيق 9/ 333.
أبو السائب الطبق 6/ 16 - 17.
أبو السائب المخزومي 1/ 291 - 292 - 397، 3/ 398، 4/ 264 - 265، 6/ 16 - 258، 7/ 137 - 140 - 143 - 290، 9/ 190 - 196 - 215 - 216، 15/ 35، 18/ 330 - 331 - 332 - 333.
أبو الساج 16/ 360 - 371.
أبو ساسان 2/ 139.
أبو سبرة 2/ 211.
أبو سرامة 13/ 175.
أبو السرايا 20/ 132.
أبو سعد المخزومي 3/ 98، 19/ 75، 20/ 39 - 120 - 170 - 172 - 123 - 166 - 164 - 175 - 165 - 167 - 174 - 168 - 171 - 174 - 176 - 178 - 185.
أبو سعيد 4/ 330.
أبو سعيد البكري 8/ 180.
أبو سعيد الثغري 20/ 29 - 157.
أبو سعيد بن الحارث بن هشام 3/ 311.
أبو سعيد الخدري 9/ 166، 15/ 184، 17/ 33.
أبو سعيد السكري 2/ 350 - 221 - 222 - 223 - 310، 17/ 100، 19/ 245.
أبو سعيد - مولى فائد - 17/ 75.
أبو السفاح 3/ 59، 14/ 369 - 370.
أبو سفانة - كنية حاتم الطائي - 17/ 363.
أبو سفيان 24/ 175 - 176.
أبو سفيان - صخر - 12/ 70.
أبو سفيان - أخو حرب بن أمية - 22/ 62 - 70.
أبو سفيان بن الحارث 4/ 137 - 141 - 205، 16/ 231.
أبو سفيان بن حرب 2/ 251، 4/ 123 - 124 - 173 - 176 - 180 - 181 -
182 - 230، 6/ 357 - 358، 7/ 123، 8/ 50 - 52 - 54 - 126 - 239، 12/ 204، 13/ 206، 14/ 223 - 310، 15/ 179 - 180 - 181 - 187 - 188 - 189 - 190 - 199 - 200 - 206 - 207 - 216، 16/ 86 - 287 - 295، 17/ 324 - 348، 18/ 124 - 265 - 271 - 277 - 284، 19/ 135، 20/ 77، 22/ 242.
أبو سفيان - رجل من قريش - 17/ 269.
أبو سفيان بن الطلاء 20/ 269 - 297.
أبو سفيان بن العويمر 17/ 137.
أبو سقب 21/ 186.
أبو السلاسل 16/ 154 - 155.
أبو سلمة - ربيعة بن رياح - 10/ 292 - 309.
أبو سلمة بن عبد الأسد المخزومي 15/ 19 - 20.
أبو سلهب الشاعر 18/ 105 - 106.
أبو السمط بن أبي حفصة 23/ 197 - 206.
أبو سهل الأسكافي 13/ 256.
أبو سهل بن نوبخت 21/ 43.
أبو سوار الغنوي 18/ 27 - 28.
أبو سيارة 3/ 93.
أبو شبل 14/ 193 - 197 - 198 - 200 - 201 - 204 - 209.
أبو الشبل - إبراهيم بن العباس - أبو الشبل - عاصم بن وهب - 19/ 308 - 309.
أبو الشبل - مالك بن طوق - 14/ 194.
أبو الشبل المعدي 18/ 39.
أبو شجاع 14/ 40.
أبو الشدائد 20/ 2.
أبو شداد النصري 10/ 318.
أبو شراعة القيسي 22/ 180، 23/ (ترجمته - 21 - 35) 22 - 23 - 24 - 25 - 26 - 27 - 28 - 29 - 30 - 31 - 32 - 34 - 35 - 36.
أبو شروان 8/ 250.
أبو الشعناء 13/ 345.
أبو شفقل 21/ 290 - 365 - 366.
أبو الشمقمق 3/ 178 - 194 - 195 - 247، 16/ 260، 4/ 87، 18/ 190، 19/ 276 - 284، 20/ 84.
أبو شهاب 18/ 109.
أبو الشيص 20/ 152.
أبو الشيظم 20/ 409.
أبو صالح 12/ 52 - 53.
أبو صالح بن يزداد 23/ 75.
أبو صدقة 19/ 288 (أخباره - 289 -
299) 289 - 293 - 291 - 290 - 292 - 294 - 295 - 296 - 298.
أبو صخر 2/ 200، 8/ 98.
أبو صخر - كثير بن أبي جمعة - 15/ 332.
أبو صخر - كثير بن عبد الرحمن - 9/ 3 - 4 - 5 - 9 - 20 - 22 - 14 - 16 - 17 - 18 - 19 - 31 - 32 - 33 - 34 - 35 - 36 - 23 - 24 - 25 - 26 - 27 - 28 - 29 - 37 - 172 - 175 - 176 - 216 - 339 - 341 - 342 - 224 - 256 - 257 - 259 - 309 - 310 - 317.
أبو صخر - مخارق بن صخر - 8/ 421.
أبو صخر الهذلي 23/ 245، 24/ (أخباره - 108 - 134) 110 - 111 - 112 - 113 - 114 - 115 - 116 - 117 - 118 - 119 - 120 - 121 - 122 - 123 - 124 - 125 - 126 - 127 - 128.
أبو صريف البدري 17/ 150 - 151.
أبو صفرة 3/ 216.
20/ 75 - 76.
أبو صفوان الأحوزي 20/ 218.
أبو الصقر - إسماعيل بن بلبل - 10/ 187، 22/ 184.
أبو الصلت 18/ 188.
أبو الصموت 22/ 39.
أبو الصناع 20/ 139.
أبو الصهباء - بسطام بن قيس - 9/ 332 - 336، 21/ 324.
أبو ضب 7/ 262.
أبو ضبيعة 15/ 259.
أبو طالب 4/ 190، 9/ 55، 14/ 219، 20/ 267.
أبو طاهر 10/ 227، 14/ 67.
أبو الطرماح 24/ 238.
أبو الطفيل 15/ 148 - 150 - 151.
أبو الطفيل - عامر بن واثلة - 15/ 147 - 149 - 152 - 153 - 154.
أبو طلحة - عبد اللّه بن العزى - 15/ 181.
أبو الطمحان القيني 2/ 145، 13/ 3 - 4 - 5 - 7 - 8 - 10 - 11 - 12 - 13، 17/ 298.
أبو الطيب المتنبي 13/ 171.
أبو ظبية العكلي 20/ 241.
أبو عائشة 3/ 96.
أبو العاص بن بشر 12/ 286.
أبو العاصي بن ربيع 4/ 208، 9/ 49، 12/ 30.
أبو العالية الخزري 3/ 239، 9/ 119.
أبو عامر 15/ 333، 18/ 322.
أبو عامر بن جوين 14/ 72.
أبو عامر بن العزب 4/ 304.
أبو عامر ذو الرقعة 22/ 11.
أبو عامر - الراهب بن صيفي - 17/ 126 - 127 - 168.
أبو عامر - عمرو بن صيفي - 15/ 189.
أبو عباد 1/ 43 - 57 - 104 - 274، 2/ 211 - 347 - 388، 8/ 189 - 193 - 201، 9/ 312، 20/ 122 - 141، 24/ 250.
أبو عباد اليزيدي 4/ 9.
أبو العباس 3/ 156، 5/ 143، 8/ 255، 14/ 65 - 66 - 218 - 357، 19/ 219، 21/ 120 - 121.
أبو العباس - ثعلب - 13/ 158 - 163.
أبو العباس بن ثوابة 18/ 156 - 161 - 162، 19/ 219 - 252، 23/ 146 - 147 - 148 - 169.
أبو العباس - الخزيمي - 4/ 92.
أبو العباس - بن الرشيد - 22/ 207.
أبو العباس (السفاح) 4/ 335 - 342 - 343 - 344 - 345 - 346 - 347 - 348 - 350 - 352، 6/ 81، 7/ 25 - 240، 10/ 235 - 236 - 240 - 241 - 242 - 255، 11/ 295، 22/ 18 - 19.
أبو العباس - كنية عبد اللّه بن طاهر - 20/ 242 - 245.
أبو العباس - محمد بن أحمد 23/ 197.
أبو العباس - كنية محمد بن الحسن بن دينار - 20/ 246.
أبو العباس - كنية محمد بن زيد الأزدي - 7/ 152.
أبو عبد الرحمن 1/ 24، 8/ 42، 14/ 223، 17/ 143، 20/ 223، 23/ 123.
أبو عبد اللّه 2/ 384 - 385، 8/ 251، 11/ 178، 20/ 11 - 12.
أبو عبد اللّه بن إسحاق البصري 1/ 342.
أبو عبد اللّه الباقطاني 23/ 146.
أبو عبد اللّه البريدي 1/م - ت 25.
أبو عبد اللّه الجدلي 9/ 15.
أبو عبد اللّه - جعفر بن محمد - 17/ 24.
أبو عبد اللّه بن حمدون بن إسماعيل 18/ 342، 22/ 168.
أبو عبد اللّه الزبير 1/ 116، 14/ 259.
أبو عبد اللّه القرشي 15/ 66.
أبو عبد اللّه - معاوية بن عبيد اللّه بن يسار الأشعري - 7/ 244.
أبو عبد اللّه الهشامي 12/ 48، 19/ 223.
أبو عبد اللّه اليزيدي 3/ 40، 12/ 281.
أبو عبد الملك 8/ 303.
أبو عبد مناف 1/ 62 - 67.
أبو عبد النعيم 3/ 33، 8/ 217.
أبو العبر (ترجمته - 196 - 202) 197 - 198 - 199 - 200 - 201 - 202 - 203 - 204.
أبو العبر طرد طيل طليري بك بك بك - كنية محمد بن أحمد - 23/ 200.
أبو عبس بن جبير 22/ 133.
أبو عبيد 2/ 3 - 9 - 222.
أبو عبيد البكري 12/ 63.
أبو عبيد بن عمار بن ياسر 4/ 162.
أبو عبيد اللّه 3/ 194، 14/ 177 - 178، 19/ 277.
أبو عبيد اللّه الكاتب 2/ 351.
أبو عبيد بن محمد 3/ 68.
أبو عبيد بن مسعود بن عمرو 19/ 9 - 22.
أبو عبيد اللّه - معاوية بن عبيد اللّه بن يسار الأشعري - 10/ 248 - 249.
أبو عبيدة 2/ 11 - 51 - 56 - 173 - 165 - 197 - 179 - 181 - 182 - 187 - 194 - 209، 3/ 3 - 140 - 143 - 144 - 158 - 184 - 271 - 353، 4/ 10 - 56 - 122 - 135 - 136 - 174 - 249 - 371، 5/ 1 - 8، 8/ 49 - 54 - 55 - 68 - 80 - 98 - 125 - 180 - 224 - 243 - 263 - 280 - 283 - 292 - 299 - 305 - 329 - 399 - 402 - 415 - 418 - 97، 9/ 32 - 111 - 154 - 155 - 171، 11/ 10 - 11 - 19 - 31 - 116، 12/ 297، 13/ 133 - 352 - 353 - 355، 14/ 1 - 2 - 10 - 13 - 15 - 72 - 73 - 78 - 81 - 122 - 123 - 218 - 269 - 281 - 286، 15/ 95، 22/ 322،
23/ 165 - 224.
أبو عبيدة الأصمعي 12/ 41 - 108 - 110.
أبو عبيدة بن الجراح 16/ 195.
أبو عبيدة بن عبد اللّه بن ربيعة 14/ 122.
أبو عبيدة بن عبد اللّه بن زمعة 1/ 346 - 367 - 369 - 370، 16/ 102 - 121 - 123.
أبو عبيدة بن عمار بن ياسر 15/ 38.
أبو عبيدة المثنى 2/ 8، 7/ 236، 8/ 263 - 307، 19/ 275، 20/ 75 - 77 - 230.
أبو العبيس بن حمدون 1/ 106 - 122، 4/ 428، 8/ 242، 9/ 222، 12/ 40 - 106، 19/ 30 - 183، 20/ 27 - 66 - 88 - 248 - 287، 21/ 55 - 60، 22/ 165 - 185، 23/ 140.
أبو العتاهية 8/ 371 - 372، 17/ 67، 18/ 100 - 102 - 104 - 173 - 174 - 208 - 240 - 302 - 306 - 307 - 346 - 347 - 348 - 349، 19/ 225 - 245 - 262 - 261 - 268 - 270 - 269 - 276، 20/ 301 - 302 - 303 - 304 - 336، 21/ 75 - 76، 23/ 155 - 194، 1/م - ت 34.
أبو عثمان - كنية سعيد بن حميد الكاتب - 18/ 155.
أبو عثمان - كنية سعيد بن عمرو الزبيري - 20/ 9 - 336 - 358.
أبو عثمان الأشنانداني 20/ 349.
أبو عثمان المازني 3/ 158 - 201، 11/ 369، 14/ 44.
أبو العجاج - كنية رؤبة - 20/ 405.
أبو عدنان 2/ 283، 14/ 227.
أبو عدي 2/ 283، 17/ 363.
أبو عدي - الشاعر الأموي - 21/ 119.
أبو عدي العبلي 1/ 400 - 401 - 402.
أبو العرماس 20/ 390.
أبو عزة - عمرو بن عبد اللّه الجمحي - 15/ 180.
أبو العسعاس 18/ 196.
أبو عشرة 14/ 71.
أبو عطاء السدي 17/ 326 (ترجمته - 127 - 339) 327 - 328 - 229 - 330 - 331 - 332 - 333 - 334 - 335 - 336 - 337 - 338 - 339.
أبو عقيل 11/ 300.
أبو عقيل بن مسعود بن قعنب 13/ 202.
أبو عكل المقين 18/ 158.
أبو العلاء 19/ 135 - 137.
أبو علاثة التيمي 12/ 185.
أبو علاقة القضاعي 7/ 80.
أبو علباء بن الهيثم 24/ 57 (ترجمته - 196 - 203) 197 - 198 - 199 - 200 - 201 - 202 - 203.
أبو علقمة 23/ 239.
أبو علي البصير 23/ 34.
أبو علي - كنية دعبل - 20/ 120 - 135 - 288.
أبو علي - خال صالح بن علي الرشيد - 21/ 78.
أبو علي - كنية عامر بن الطفيل - 17/ 61.
أبو علي بن الخراساني 14/ 31.
أبو علي الفارسي 2/ 315.
أبو علي القالي 1/م - ت - 31.
12/ 271، 23/ 61،
أبو علي الكلبي 2/ 312.
أبو علي - محمد بن المستنير البصري النحوي - 14/ 332.
أبو عمر 14/ 321 - 324 - 337، 19/ 167.
أبو عمر بن أبي راشد 4/ 373.
أبو عمر بن الخطاب 3/ 123.
أبو عمر بن العلاء 6/ 73.
أبو عمران القاضي 20/ 2.
أبو عمران - موسى بن بغا الكبير - 22/ 168.
أبو عمرو 2/ 255 - 256، 3/ 52 - 76 - 77 - 93 - 98 - 101 - 103 - 104 - 106 - 108 - 222 - 270 - 274، 8/ 5 - 60 - 73 - 283 - 285 - 286 - 290 - 299 - 305 - 405، 9/ 49 -
310 - 311، 12/ 273 - 274 - 277 - 278 - 294 - 298، 14/ 337، 19/ 228، 22/ 348.
أبو عمرو - أسيد بن ظهير 15/ 184.
أبو عمرو بن بدر 18/ 77.
أبو عمرو بن العلاء 2/ 173، 3/ 91 - 150 - 312، 7/ 267، 8/ 291، 9/ 106 - 110، 11/ 89 - 92، 14/ 350، 18/ 8 - 9 - 14 - 15 - 32 - 180، 20/ 216، 22/ 271 - 273 - 277.
أبو عمرو الشيباني 2/ 40 - 41 - 43 - 335 - 349 - 350، 4/ 103 - 110 - 130، 5/ 10، 7/ 108، 8/ 163 - 182 - 245 - 293، 9/ 85، 11/ 22 - 37 - 45، 12/ 46 - 156 - 164 - 170، 13/ 37 - 44 - 55، 15/ 351 - 354، 16/ 26، 17/ 169، 19/ 17، 20/ 175.
أبو عمرو المدني 2/ 65.
أبو العملس 1/ 34.
أبو العمير 13/ 302، 23/ 40.
أبو عمير بن الحباب السلمي 8/ 240، 10/ 81.
أبو العنبس 8/ 399.
أبو العنبس الصيمري 12/ 86،
21/ 50 - 51 - 52 - 53، 23/ 207.
أبو عنترة 8/ 239.
أبو العوام 18/ 304 - 305.
أبو العوراء 13/ 26.
أبو عوف - مولى محمد بن عبد اللّه - 16/ 191.
أبو عون 13/ 51، 14/ 360 - 361 - 356.
أبو عون بن نافع بن عون بن المقعد 14/ 341 - 342 - 343 - 344.
أبو عيسى 14/ 212.
أبو عيسى بن الرشيد 10/ 183، 19/ 239، 20/ 52، 21/ 71 - 73، 22/ 49.
أبو عيسى بن المتوكل 1/ 129 - 391، 14/ 211، 21/ 84، 22/ 177.
أبو العيص الجرمي 18/ 153.
أبو العيناء 10/ 206، 12/ 85.
أبو عيينة 14/ 275، 21/ 401، 23/ 157.
أبو عيينة بن المنجاب بن أبي عيينة 20/ 75 - 95.
أبو غانم الأزدي 15/ 143.
أبو غانم - كنية حميد الطوسي - 18/ 151، 20/ 14 - 23 - 30 - 35 - 37 - 38 - 40.
أبو الغراف 8/ 175، 12/ 127.
أبو غزية 3/ 8، 9/ 166.
أبو غسان 8/ 291، 9/ 324، 13/ 175، 14/ 123.
أبو غسان - صالح بن العباس 20/ 202.
أبو غسان - محمد بن يحي 14/ 126 - 127.
أبو غسان - مولى منيرة - 20/ 250 - 251.
أبو الغوث - يحي بن البحتري - 21/ 37 - 39.
أبو غياث 12/ 201.
أبو الغيث 23/ 245.
أبو فأرة 18/ 70.
أبو فارس 14/ 283.
أبو الفدا إسماعيل 2/ 344.
أبو فراس 8/ 318 - 385، 9/ 339 - 341، 18/ 15 - 17 - 50.
أبو الفرج الأصفهاني 2/ 135 - 166 - 234 - 262 - 294 - 411 - 370 - 312 - 305، 3/ 8 - 10 - 34 - 58 - 115، 4/ 256، 8/ 71 - 180 - 383، 12/ 195 - 228 - 244 - 298، 13/ 35 - 254 - 327 - 335 - 345، 15/ 94 - 126 - 257، 17/ 8 - 58 - 63 - 211 - 214 - 223 - 302 - 244 - 247 - 311 - 319 - 336، 18/ 119 - 2 - 6 - 7 - 33 - 9 - 20 - 39 - 44 - 45 - 47 -
150 - 361 - 191 - 346 - 201 - 310 - 367، 19/ 47 - 63 - 113 - 187 - 245 - 252، 21/ 12 - 265 - 328، 22/ 15.
أبو فرعون 19/ 41.
أبو الفضل 14/ 331.
أبو الفضل بن أحمد بن إسرائيل 18/ 161.
أبو الفضل - أحمد بن سليمان بن وهب - 23/ 96 - 143.
أبو الفضل الربيع 21/ 106 - 107.
أبو الفضل - كنية جعيفران - 20/ 190 - 194 - 342.
أبو الفضل - العباس بن أحمد بن ثوابة - 10/ 141.
أبو الفوارس 8/ 45.
أبو الفياض - سوار بن أبي شراعة - 23/ 22 - 34.
أبو القاسم 12/ 7 - 8.
أبو القاسم بن بسطام بن ضرار 20/ 397.
أبو القاسم الشير بابكي 19/ 219.
أبو القاسم بن عبد الواحد 2/ 344.
أبو القاسم - علي بن حمزة البصري - 2/ 114.
أبو القاسم - محرز بن إبراهيم - 10/ 91.
أبو القاسم - محمد بن الحنيفة 1/ 255.
أبو القاسم - المطلب بن الملك بن مالك 20/ 131.
أبو قباذ 12/ 209.
أبو قبيس 1/ 76 - 254 - 266، 2/ 363، 9/ 173، 14/ 305.
أبو قطيفة - عمرو بن الوليد بن عقبة - 1/ 12 - 14 - 20 - 28 - 34 - 35 - 383.
أبو قلابة الجرمي 13/ 238 - 244 - 245، 15/ 394.
أبو القعواء 22/ 262.
أبو قنان 2/ 148، 3/ 163.
أبو قيس 8/ 34، 18/ 2.
أبو قيس بن الأسلت 17/ (ترجمته 117 - 131) 117 - 118 - 121 - 123 - 126 - 128 - 130 - 131 - 172.
أبو قيس عيلان 13/ 177.
أبو قينة 14/ 26.
أبو كامل المهندس 7/ 185، 18/ 333، 22/ 101.
أبو كاهل (شبيب) 13/ 102 - 103 - 104.
أبو كبيشة السكسي 1/ 21.
أبو كحيلة - رباح بن شداد 24/ 160.
أبو الكرام الجعفري 21/ 123.
أبو كرب 18/ 84، 20/ 225.
أبو كرب بن أبي الخطاب 22/ 209.
أبو كرب بن حسان 15/ 38.
أبو الكلب 14/ 134.
أبو كلبة التميمي 24/ 77.
أبو لاعق الدم 21/ 9.
أبو لبابة 17/ 125.
أبو لطيفة بن مسلمة العقيلي 18/ 181، 24/ 88.
أبو لهب 3/ 311، 4/ 174 - 250، 16/ 177 - 184، 20/ 287.
أبو ليلى الأبيض 21/ 390.
أبو ليلى المجاشعي 21/ 390.
أبو مالك 8/ 288 - 289 - 287 - 298 - 300 - 305 - 309 - 310 - 311 - 312 - 313.
أبو مالك الأعرج التميمي 3/ 252.
أبو مالك الراوية 8/ 44.
أبو مالك - النضر بن أبي النضر - 22/ (ترجمته 252) 253 - 254 - 255.
أبو مالك النهدي 8/ 97.
أبو المثلم 22/ 245 - 248 - 249 - 350.
أبو المثنى 18/ 40 - 44، 20/ 127.
أبو مجلز 3/ 164.
أبو المجيب الربيعي 5/ 329.
أبو محجن - مولى خالد القسري 7/ 81، 8/ 59 - 92.
أبو محجن الثقفي 18/ 374، 19/ (ترجمته - 1 - 13) 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 13.
أبو محذورة الوراق 8/ 44.
أبو محرز 18/ 174.
أبو محلم 2/ 411، 14/ 335،
17/ 247، 20/ 123 - 334.
أبو محلم النسابة 12/ 335، 21/ 85.
أبو محمد 8/ 408.
أبو محمد - شاعر من جدة 18/ 241 - 242.
أبو محمد الأعرابي الأسود 13/ 10.
أبو محمد التميمي 18/ 214، 20/ 44 - 45 - 75 - 323.
أبو محمد التوزي 3/ 143.
أبو محمد الزاهد 14/ 39.
أبو محمد بن عبد اللّه بن طاهر 21/ 58.
أبو محمد بن عبد الوهاب الثقفي البصري 23/ 163.
أبو محمد بن علي القمي 21/ 45 - 46 - 47.
أبو محمد - القاسم بن يوسف - 23/ 118 - 119.
أبو محمد اليزيدي 10/ 80، 19/ 271، 20/ (ترجمته - 215 - 239) 216 - 217 - 218 - 219 - 220 - 221 - 222 - 223 - 225 - 226 - 227 - 229 - 230 - 231 - 235 - 236 - 239 - 240 - 248 - 257، 23/ 7.
أبو محنف 14/ 228.
أبو مخلد - كنية مسلم بن الوليد - 20/ 158.
أبو المرادي 15/ 226.
أبو مرير بن جابر 3/ 103.
أبو المزاحم 12/ 247.
أبو مساحق 22/ 264.
أبو المسيب (القتّال) 24/ 169.
أبو المسك 2/ 408.
أبو مسكين 4/ 274.
أبو مسلم 2/ 82 - 83 - 87، 3/ 156 - 213، 5/ 110، 14/ 225، 17/ 25.
أبو مسلم الخراساني 10/ 235 - 268.
أبو مسلمة 2/ 262.
أبو المسهر 11/ 171.
أبو المسور 21/ 256.
أبو المضاء الأسدي 18/ 350.
أبو المضاء المكاري 11/ 254 - 260 - 261.
أبو المطرح 20/ 329.
أبو المطرف 18/ 8.
أبو مظلومة 23/ 18.
أبو معاذ 19/ 264، 20/ 358.
أبو معاذ النميري 19/ 264.
أبو المعافي 4/ 416.
أبو معيط بن أمية 1/ 17 - 18، 9/ 49.
أبو المغيرة - كنية معاوية بن مروان - 17/ 349.
أبو مكنف - كنية زيد الخيل - 17/ 251 - 252 - 256.
أبو ملحم 8/ 179.
أبو مليل - عبد اللّه بن الحارث - 17/ 318.
أبو مناذر 16/ 310.
أبو المنذر 2/ 373 - 393، 13/ 307.
أبو منصور الباخرزي 19/ 307.
أبو منظور الوبري 11/ 112.
أبو المنهال 3/ 18، 20/ 75.
أبو المنهال - أحمد بن المعلى - 22/ 114.
أبو المهاء 11/ 344.
أبو مهدي 8/ 73.
أبو المهنا 18/ 336 - 342 - 370.
أبو مهوش 22/ 144.
أبو موسى الأشعري 2/ 175 - 176 - 344، 5/ 30، 6/ 88 - 89 - 269، 10/ 32، 16/ 95 - 96.
أبو موسى الأعمى 12/ 140 - 285، 23/ 135.
أبو موسى صالمين 19/ 148.
أبو موسى نصير 22/ 11 - 12.
أبو ميط 3/ 305.
أبو ناجية 20/ 127 - 172.
أبو ناشب 21/ 259.
أبو الناظ 14/ 355.
أبو نافع الأسود 1/ 184.
أبو نبقة 13/ 250.
أبو نجاد 22/ 352.
أبو نجدة 24/ 51 - 52.
أبو النجم 1/ 365، 14/ 27، 20/ 394، 22/ 339.
أبو نجيد 8/ 46.
أبو نخيلة 20/ (ترجمته - 389 - 422) 389 - 390 - 391 - 392 - 393 -
394 - 395 - 396 - 398 - 399 - 400 - 401 - 402 - 403 - 404 - 405 - 407 - 408 - 409 - 410 - 411 - 412 - 413 - 416 - 420 - 421 - 422، 24/ 101 - 102 - 103 - 104 - 105.
أبو نسطوس 8/ 294.
أبو نصر 8/ 258 - 17/ 111.
أبو نصر الأعرابي 2/ 257.
أبو نصر بن جعفر بن محمد بن الأشعث 20/ 147.
أبو نصر النعامي 2/ 62 - 65 - 75 - 77 - 78 - 79 - 82 - 84 - 312.
أبو النضر 14/ 339.
أبو النضير 3/ 212، 23/ 158 - 159.
أبو نضير بن حميد الطوسي 20/ 129.
أبو نعامة 18/ 190.
أبو نهشل بن حميد الطوسي 10/ 198 - 199، 20/ 148 - 183، 23/ 114.
أبو نواس 4/ 15 - 70 - 71 - 87 - 100 - 107، 14/ 17 - 175، 17/ 72، 18/ 100 - 101 - 105 - 106 - 173 - 175 - 176 - 197 - 202 - 221، 19/ 31 - 33 - 52 - 53، 20/ (أخباره - 61 - 73) 61 - 62 - 72 - 63 - 64 - 65 - 66 - 67 - 68 - 69 - 70 - 71 - 72 - 93 - 329 -
330 - 331، 21/ 87 - 88 - 89، 23/ 84 - 85 - 86 - 88 - 89 - 92 - 93 - 194 - 217، 1/م - ت 31 - 34.
أبو هارون - أخ محمد بن الحارث - 12/ 53.
أبو هاشم - عبد اللّه بن محمد بن علي - 9/ 18.
أبو هالة بن النباش 17/ 280.
أبو هانئ الأعمى 19/ 147.
أبو الهذيل 17/ 233.
أبو الهذيل العلاف 8/ 354 - 355، 12/ 200.
أبو هريرة 1/ 87، 4/ 137، 6/ 219، 9/ 140، 11/ 180 - 192، 12/ 229، 13/ 219 - 220، 14/ 70، 15/ 258، 18/ 207، 19/ 218، 20/ 346، 21/ 393.
أبو هريرة الصيرفي 18/ 205.
أبو هزيمة بن نسير المكين 9/ 271.
أبو هشام الباهلي 3/ 248 - 250، 14/ 380.
أبو هفان 8/ 144، 12/ 80 - 90، 18/ 164 - 165، 19/ 113.
أبو الهندي 20/ (ترجمته - 328 - 334) 328 - 329 - 330 - 332 - 333 - 334.
أبو الهوسات 22/ 249.
أبو الهيثم 2/ 45 - 275، 14/ 319، 20/ 274 - 276 - 279 - 282 - 284 - 285 - 286.
أبو الهيثم - بدر بن سعيد العطار - 8/ 47.
أبو الهيذام 20/ 40 - 41.
أبو وائل 19/ 106 - 112 - 116.
أبو وائلة السدوسي 13/ 235.
أبو وادعة السهمي 15/ 264.
أبو الواسع 7/ 204.
أبو واسع الأسمر 15/ 117.
أبو الوجيه 18/ 44.
أبو وادعة السهمي 1/ 97، 6/ 290.
أبو الورد 8/ 50، 20/ 416.
أبو الوزير 3/ 192 - 193.
أبو وضاح - حبيب بن بديل 17/ 4 - 5.
أبو الوليد 13/ 31، 18/ 212.
أبو الوليد - أحمد بن عقال - 4/ 55.
أبو وهب 21/ 130، 23/ 146.
أبو وهب الحمصي 14/ 52.
أبو الوليل 17/ 166.
أبو ياسر 15/ 66 - 67.
أبو يحي 1/ 310، 8/ 193 - 194.
أبو يحي بن سريج 2/ 361.
أبو يزيد السلولي 7/ 215.
أبو يزيد - سهيل بن عمرو - 4/ 204، 8/ 217.
أبو يزيد الغريض 2/ 361.
أبو يزيد - المخبل السعدي - 9/ 78.
أبو يعقوب 14/ 341.
أبو يعقوب الخريمي 14/ 355، 16/ 1 - 4، 18/ 369، 20/ 31.
أبو يعقوب الشقفي 8/ 38.
أبو اليقظان 1/ 211 - 324، 2/ 157 - 162، 8/ 400، 12/ 27.
أبو يوسف بن الدقاق الضرير 19/ 307.
أبو يوسف القاضي 6/ 291، 20/ 88 - 192.
أبو يوسف الكندي 19/ 94 - 95 - 224.
أبيّ بن جابر الخثعمي 21/ 160.
أبيّ بن خلف 17/ 287 - 297 - 298، 18/ 124.
أثيلة بنت عمير بن محشي 4/ 332.
الأجدع بن مالك بن صريم 15/ 210.
الأجلح بن وقاص 15/ 241 - 242.
الأحاوص - أبناء الأحوص بن جعفر 9/ 332.
الأحدب المقين 19/ 242.
أحرم بن عون 9/ 155.
الأحزم 21/ 17.
الأحل بن القنصل 21/ 138 - 139.
أحمد 19/ 118.
أحمد بن إبراهيم 2/ 346، 3/ 238، 4/ 7، 13/ 295 - 334.
أحمد بن أبي خالد الأحول 10/ 118، 15/ 235 - 236 - 237 - 238، 20/ 143.
أحمد بن أبي دواد 8/ 250 - 251،
10/ 57 - 61 - 106 - 217 - 218 - 229 - 214، 15/ 273، 16/ 391، 17/ 237، 18/ 155، 20/ 134 - 145 - 271 - 272.
أحمد بن أبي طاهر 7/ 65، 13/ 111 - 112، 19/ 305.
أحمد بن أبي العلاء 9/ 132، 18/ 163، 24/ 1.
أحمد بن أبي فنن 4/ 107، 17/ 73، 20/ 271، 19/ 94.
أحمد بن إسماعيل - جناح - 17/ 97.
أحمد بن بدر 8/ 405.
أحمد بن بشر بن عامر بن مالك بن جعفر 24/ 193.
أحمد بن جحش 4/ 231.
أحمد بن الجعد 1/ 22.
أحمد بن جعفر بن جحظة 12/ 145، 19/ 55 - 76 - 77 - 118.
أحمد بن جندل السعدي 11/ 56.
أحمد بن الجوهري 5/ 9.
أحمد بن الحارث الحزاز 11/ 20 - 21 - 26، 14/ 83.
أحمد بن الحسين الأصفهاني 18/ 119.
أحمد بن الحسين بن موسى بن جعفر بن محمد العلوي 23/ 125 - 126.
أحمد بن خالد 23/ 89.
أحمد بن خالد بن منجوف 8/ 398.
أحمد بن الخصيب 20/ 268 - 269 - 270 - 271، 23/ 126.
أحمد بن خلاد 14/ 380.
أحمد بن الرشيد 7/ 205 - 213، 10/ 225.
أحمد بن زهير 2/ 2 - 228 - 294، 3/ 357، 4/ 134.
أحمد بن السراج 20/ 159 - 164.
أحمد بن سعيد 6/ 177 - 178.
أحمد بن سعيد الدمشقي 2/ 170، 9/ 133، 14/ 232.
أحمد بن سعيد الحريري 19/ 53.
أحمد بن سعيد بن قادم المعروف بالمالكي 17/ 317.
أحمد بن سيار الجرجاني 18/ 214.
أحمد بن سيف 10/ 51.
أحمد بن صدقة 1/ 156، 18/ 157، 19/ 289، 22/ (ترجمته - 212 - 215) 212 - 213 - 214 - 215.
أحمد بن الطبيب 14/ 48.
أحمد بن الطيب السرخسي 12/ 282 - 284، 20/ 36.
أحمد بن عبد العزيز 5/ 6، 8/ 47، 24/ 51 - 52.
أحمد بن عبد اللّه بن العباس 10/ 54.
أحمد بن عبد الوهاب 13/ 347، 20/ 276.
أحمد بن عبيد 4/ 293.
أحمد بن عبيد اللّه بن عمار 2/ 135 - 134 - 381، 13/ 280، 20/ 345.
أحمد بن عبيدة الكاتب 15/ 38.
أحمد بن عقال - أبو الوليد - 4/ 55.
أحمد بن علي الأسكافي 21/ 44.
أحمد بن علي الهاشميين 14/ 52 - 55 - 57.
أحمد بن عمار 5/ 5.
أحمد بن عمرو السلمي 18/ 236 - 237 - 212.
أحمد بن عيسى 4/ 93.
أحمد بن القاسم بن يوسف 3/ 83، 20/ 25.
أحمد بن القطان 5/ 8.
أحمد بن محمد الأسدي 13/ 15.
أحمد بن محمد بن أبي محمد اليزيدي 20/ 216 - 257 - 258 - 259 - 260 - 261 - 262.
أحمد بن محمد الجعد 4/ 131.
أحمد بن محمد بن عروة 1/ 146.
أحمد بن المدبر 10/ 57 - 58 - 67، 20/ 145 - 146، 22/ 159 - 177.
أحمد بن المرزبان 19/ 227.
أحمد بن مروان - مولى المهدي - 20/ 170 - 172.
أحمد بن معاوية الباهلي 3/ 136، 4/ 129، 8/ 298.
أحمد بن المعذل 13/ 249 - 252، 18/ 190.
أحمد بن المكي 15/ 358، 18/ 127 -
370، 20/ 119 - 127 - 154.
أحمد بن منصور 14/ 86.
أحمد بن موسى المنجم 1/ 60.
أحمد النصبي 17/ 64.
أحمد بن هشام 5/ 301، 17/ 112 - 113 - 114، 18/ 370، 19/ 86.
أحمد بن الهيثم بن عدي 14/ 81، 20/ 322.
أحمد بن يحي 6/ 19، 14/ 101 - 184.
أحمد بن يحي البلاذري 4/ 267.
أحمد بن يحي بن الربيع 12/ 282 - 285.
أحمد بن يحي بن علي بن يحيى 13/ 241.
أحمد بن يحي معاذ 11/ 336.
أحمد بن يزيد بن أسيد 16/ 261.
أحمد بن يزيد السلمي 18/ 232.
أحمد بن يسار 20/ 315.
أحمد بن يوسف 4/ 78 - 98، 7/ 159، 10/ 119، 14/ 34 - 215، 15/ 253، 23/ 81 (اخباره وترجمته - 117 - 121) 118 - 119 - 120 - 121، 24/ 1 - 2 - 3.
الأحمر بن مازن بن أوس بن النابغة 22/ 55.
الأحنف بن قيس 1/ 415، 6/ 54 - 55 - 142 - 143، 8/ 384 - 394 - 395 - 417 - 423، 10/ 290، 14/ 74 - 263،
15/ 222، 18/ 262، 21/ 33.
الأحوص 8/ 12 - 13 - 65 - 201 - 230 - 231 - 232 - ؟؟؟؟ 3 - 233 - 337 - 345 - 344، 1/ 175 - 294 - 295 - 298 - 356 - 359 - 360، 9/ 65 - 66 - 67 - 64 - 136 - 256 - 257 - 259 - 260 - 315، 12/ 113 - 115 - 116 - 122 - 124، 15/ 37 - 128 - 130 - 132 - 135، 17/ (خبر له 352 - 354) 352 - 353 - 18/ 363 20/ 198، 19/ 191 - 251، 21/ (ترجمته 95 - 112) 95 - 97 - 98 - 99 - 100 - 101 - 103 - 104 - 105 - 106 - 107 - 108 - 109 - 111 - 112.
الأحوص بن جعفر 11/ 125 - 126 - 132 - 133 - 135 - 136 - 140.
أحوص بن محمد الأنصاري 8/ 206، 1/ 301 - 302.
أحيح بن خالد بن أبي معيط 13/ 162 - 163.
أحيحة بن أبي أحيحة 22/ 72.
أحيحة بن الجلاح 3/ 19، 15/ 37 - 39 - 47 - 48 - 49 - 50 - 51 - 52.
الأحيحي 24/ 241 - 24.
الأحيمر بن مازن بن أوس 22/ 107.
أخثم بن حميري 12/ 341.
الأخدر بن الحارث 24/ 193 - 194.
الأخذر 11/ 52.
الأخرم 12/ 10، 24/ 189 - 190 - 191.
الأخزرجي 3/ 7.
الأخضر الجدي 1/ 290 - 291.
الأخطل 8/ 8 - 17 - 34 - 53 - 60 - 62 - 71 - 72 - 73 - 81 - 201 - 278، 9/ 324، 15/ 108 - 118 - 119 - 120، 17/ 33 - 301، 19/ 76، 20/ 322 - 324، 21/ 284 - 301 - 393، 24/ 17 - 36 - 39 - 47 - 48 - 49 - 50.
الأخفش 3/ 113، 8/ 44، 10/ 46، 14/ 246.
الأخنس بن شريف 4/ 182.
أخنس بن كعب الجهني 14/ 3.
أخو جعفة 18/ 323.
أخو هراة 21/ 311.
أخيا 2/ 409 - 410.
أدرع بن الغسانية 21/ 259.
الأدرم بن شعيب 22/ 60.
إدريس - النبي - 1/ 13.
إدريس بن أبي حفصة 5/ 410 - 431.
أذينة 18/ 322.
الاراكة 18/ 258 - 273.
أران 23/ 130.
أربد بن الطفيل 15/ 362.
أربد بن قيس 17/ 55 - 56 - 58 - 59 - 61 - 65.
أردشير بن بابك 5/ 258.
أرزة 20/ 148.
أرطأة بن زفر 12/ 276.
أرطأة بن سليمان 2/ 243 - 245 - 250.
أرطأة بن سهية 12/ 269 - 271 - 272 - 277 - 280، 13/ 29 - 30 - 31 - 32 - 33 - 34 - 35 - 37 - 38 - 39 - 40 - 41 - 42 - 43، 19/ 206.
أرطأة بن شرحبيل 15/ 194.
الأرقم 22/ 107.
أروى 20/ 197 - 203.
الأرقم بن عبد اللّه الكندي 17/ 147 - 150 - 153.
أروى بنت أبي عقيل بن مسعود بن عامر بن متعب 1/ 33 - 34.
أروى بنت أمية 1/ 17.
أروى بنت عامر بن كريز 1/ 20.
أروى بنت عميلة بن السباق 17/ 280.
أروى بنت كريز 1/ 383.
أرياط 17/ 304 - 305 - 306 - 307 - 311.
الأزرق بن الخميس بن أرطأة 20/ 404.
أزهر 23/ 173.
الأزهري 3/ 30.
أزواد الركب 18/ 122.
اساف بن سهيل 15/ 14.
أسامة بن لؤي 11/ 168.
أسبع بن عمرو بن لأم 13/ 10.
إسحاق 8/ 105 - 106 - 116 - 119 - 120 - 129 - 144 - 146 - 174 - 185 - 187 - 188 - 189 - 235 - 259 - 266 - 267 - 268 - 324 - 330 - 340، 14/ 116 - 187 - 212 - 366 - 368 - 377، 15/ 3، 24/ 1 - 2.
إسحاق - أبو يحي بن الربيع - 12/ 284.
إسحاق بن إبراهيم 23/ 39 - 40 - 141 - 201 - 202.
إسحاق بن إبراهيم الطاهري 9/ 278 - 279 - 282، 23/ 77.
إسحاق بن إبراهيم بن طلحة 6/ 12.
إسحاق بن إبراهيم بن محمد اليزيدي 19/ 253.
إسحاق بن إبراهيم المصعبي 10/ 134 - 135، 12/ 48 - 49، 13/ 120 - 249، 22/ 210.
إسحاق بن إبراهيم الموصلي 1/ 2 - 4 - 5 - 6 - 9 - 10 - 11 - 12 - 27 - 28 - 37 - 40 - 41 - 43 - 55 - 56 - 60 - 76 - 86 - 87 - 93 - 109 - 106 - 121 - 122 - 323 - 135 - 165 - 84 - 200 - 214 - 233 - 249 - 250 - 251 - 252 - 253 - 257 - 266 -
270 - 272 - 273 - 276 - 282 - 284 - 285 - 287 - 293 - 340 - 380 - 282 - 388 - 390 - 391 - 394 - ؟؟؟؟ 39 - 409 - 411 - 412 - 414 - 415 - 417، 2/ 171 - 174 - 175 - 203 - 204 - 205 - 223 - 226 - 236 - 268 - 269 - 271 - 265 - 379 - 343 - 337 - 333 - 292 - 290 - 350 - 352 - 360 - 361 - 362 - 383 - 399 - 401، 3/ 27 - 28 - 30 - 31 - 35 - 36 - 38 - 39 - 40 - 43 - 155 - 196 - 197 - 198 - 277 - 278 - 303 - 325 - 344 - 346 - 347 - 348 - 314، 8/ 348 - 366 - 368 - 371 - 374، 9/ 57، 10/ 52 - 11/ 333 - 334، 12/ 48 - 49، 13/ 111 - 112 - 274 - 308 - 311، 14/ 371 - 251 - 349 - 370 - 337 - 338، 15/ 253 - 254 - 271 - 356 - 358 - 359، 16/ 51 - 54 - 55 - 79 - 106 - 110 - (خبر له وعلي بن هشام - 111 - 115) 112 - 111 - 113 - 114 - 115 - 159 - 162 - 214، 18/ 3 - 65 - 70 - 93 - 220 - 221 - 238 - 300 - 301 - 303 - 304 - 305 - 306 - 308 - 341 - 360 - 345 - 354 - 356 -
364 - 365 - 369، 19/ 30 - 99 - 221 - 222 - 225 - 227 - 228 - 280 - 283، 20/ 44 - 45 - 46 - 51 - 52 - 55 - 56 - 85 - 91 - 92 - 104 - 257 - 272 - 295 - 301 - 315 - (ترجمته مع غلامه زياد - 320 - 324) 320 - 321 - 322 - 323 - 324 - 329، 21/ 56 - 57 - 67، 22/ 52 - 205 - 206 - 207، 23/ 83 - 177، 24/ 9 - 16 - 97،
إسحاق بن أحمد بن أبي نهيك 14/ 102.
إسحاق بن الأزرق 10/ 270 - 271.
إسحاق بن إسماعيل 10/ 231.
إسحاق بن سعيد بن العاص 15/ 113.
إسحاق بن الصباح الأشعثي 23/ 17.
إسحاق بن طلحة 11/ 176، 17/ 146.
إسحاق بن العباس بن علي 20/ 185 - 186.
إسحاق بن عبد اللّه بن نوفل بن الحارث 8/ 309.
إسحاق بن علي 16/ 181.
إسحاق بن عمرو بن بزيع 23/ 81 - 194 - 195.
إسحاق بن قبيصة الكوفي 8/ 97.
إسحاق بن مروان 8/ 108.
إسحاق بن مسلم العقيلي 20/ 414.
إسحاق بن يحي بن طلحة 8/ 12.
إسحاق بن يحي المغني 24/ 1.
إسحاق بن يزيد 3/ 252.
إسد بن عبد اللّه 21/ 380، 22/ 23.
أسد بن كرز 14/ 151، 22/ 2 - 3 - 4 - 10.
أسد بن يزيد 12/ 95.
الأسدي 8/ 51 - 418، 9/ 86 - 87.
أسعد أبا كرب الحميري 15/ 48.
أسعد بن عمرو بن هند 3/ 45.
أسعد بن الغدير بن مرة 10/ 291 - 292.
الاسكندر 4/ 44.
الأسلع بن عبد اللّه بن ناشب 17/ 201 - 202.
أسلم بن زرعة الكلابي 22/ 268.
أسم عبد المدان عمرو 12/ 21.
أسماء 3/ 81 - 175، 18/ 73.
أسماء - امرأة كان يهواها ابن أبي ربيعة - 1/ 134.
أسماء بن خارجة الفزاري 14/ 224، 21/ 362.
أسماء بن عروة بن الصلت 18/ 85.
أسماء بن واقد بن رفيد 15/ 354.
أسماء بنت أبو بكر 3/ 124، 4/ 391، 19/ 135.
أسماء بنت الأعنق 18/ 290.
أسماء بنت الأفقم 16/ 79.
أسماء بنت حزن الخارجية 10/ 38.
أسماء بنت خارجة 6/ 68، 11/ 243، 13/ 167، 14/ 253 - 321، 17/ 37 - 146 - 231 - 232، 18/ 136، 19/ 203، 20/ 1.
أسماء بنت زنباع الحارثي 10/ 35.
أسماء بنت زياد بن عنيم 12/ 305.
أسماء بنت عمرو 14/ 13.
أسماء بنت عوف بن مالك بن ضبيعة 6/ 127 - 129 - 131 - 132 - 133 - 134.
أسماء بنت مخرمة 1/ 64 - 65.
4/ 186.
أسماء بنت المهدي 10/ 104.
أسماء بنت يعقوب 6/ 206.
أسماء المرية 15/ 88.
إسماعيل 8/ 127.
إسماعيل بن أبان الوراق 14/ 218.
إسماعيل بن إبراهيم 14/ 88.
إسماعيل بن إبراهيم خليل الرحمن 15/ 12.
إسماعيل بن أبي خالدة 13/ 345.
إسماعيل بن أبي محمد اليزيدي 20/ 216.
إسماعيل بن أحمر العقيلي 13/ 49 - 50.
إسماعيل بن أمية 1/ 164.
إسماعيل بن بليل 16/ 14.
إسماعيل بن جامع 1/ 2 - 9 - 10، 20/ 71 - 179 - 357 - 358.
إسماعيل بن جعفر بن محمد 19/ 148 - 154، 20/ 98 - 132.
إسماعيل الحميري 6/ 209.
إسماعيل بن داود 13/ 334.
إسماعيل السكري 5/ 8.
إسماعيل بن سليمان 20/ 96.
إسماعيل بن الصباح بن الأشعث بن قيس 17/ 37.
إسماعيل بن طلحة بن عبيد اللّه 17/ 146.
إسماعيل بن عبد اللّه 9/ 248.
إسماعيل بن عبد اللّه بن العباس 7/ 250.
إسماعيل بن عبد اللّه بن يزيد القسري 22/ 12 - 18 - 19.
إسماعيل بن عمار الأسدي 15/ 60.
إسماعيل بن علي 18/ 344 - 345.
إسماعيل بن علي بن عبد اللّه بن عباس 6/ 206.
إسماعيل بن المتوكل 14/ 113.
إسماعيل بن محمد 10/ 258.
إسماعيل بن محمد المرسي الكوفي 15/ 148.
إسماعيل بن معمر الكوفي 23/ 79.
إسماعيل بن موسى الهادي 10/ 185 - 194.
إسماعيل بن هشام بن الوليد بن المغيرة 7/ 5.
إسماعيل بن يسار النسائي 7/ 60، 17/ 240.
إسماعيل بن يونس الشيعي 8/ 265.
الأسود - من بني مسعود بن معاب - 22/ 68.
الأسود - سنان بن حارثة - 11/ 109 - 111 - 165 - 166.
الأسود بن أبي البختري 15/ 75.
الأسود بن الأسد المخزومي 4/ 158.
الأسود بن بجير بن عائذ 24/ 73.
الأسود بن بلال المحاربي 2/ 297 - 298.
الأسود بن خلف 14/ 339 - 341.
اسود بن شريك بن عمرو 24/ 73.
الأسود بن عباد 11/ 168.
الأسود بن عبس - عنترة - 15/ 214.
أسود بن عمارة بن الوليد 14/ 169 - 170 - 172.
الأسود بن مرة 21/ 22.
الأسود بن المطلب 4/ 208، 9/ 57.
الأسود بن المنذر 11/ 112 - 113 - 117 - 168، 21/ 1 - 2.
الأسود بن نعيم بن قعنب 22/ 233.
الأسود بن يعفر 13/ 15 - 16 - 18 - 19 - 21 - 22 - 24 - 25 - 26 - 27 - 189.
الأسود العنسي - عبهلة بن كعب - 9/ 120.
أسود الفرخ 22/ 327.
أسيد 3/ 37.
أسيد بن أبي العيص بن أمية 1/ 38.
أسيد بن أسيد 15/ 290 - 291.
أسيد بن جابر السلاماني 21/ 181 - 182 - 184 - 186.
أسيد بن جنادة 17/ 318.
أسيد بن حضير 9/ 166.
أسيد بن خذيمة 11/ 84 - 86 - 90 - 92 - 93.
أسيد بن ذو الأصبع 3/ 98.
أسيد صاحب لواء بشر بن مروان 19/ 124.
أسيد بن عمرو بن تميم 13/ 274.
الأشتر 12/ 141 - 142، 17/ 141.
أشجع السلمي 18/ (ترجمته 211 - 252) 212 - 213 - 214 - 215 - 233 - 216 - 217 - 218 - 219 - 220 - 221 - 222 - 223 - 224 - 246 - 225 - 226 - 228 - 229 - 230 - 231 - 232 - 233 - 234 - 235 - 236 - 237 - 238 - 247 - 248 - 249 - 250 - 251 - 252 - 311، 19/ 287.
الأشجعي 17/ 91 -
أشعب 1/ 295 - 296 - 392 - 393 - 410، 2/ 237، 3/ 223 - 316 - 366 - 367، 7/ 26 - 46 - 47 - 89 - 90، 8/ 13، 11/ 177، 16/ 146 - 149 - 157 - 158، 17/ 42 - 43، 19/ 134 (ترجمته 135 - 182) 135 - 136 - 137 -
151 - 138 - 139 - 140 - 141 - 142 - 143 - 145 - 144 - 148 - 149 - 150 - 152 - 153 - 154 - 155 - 156 - 163 - 157 - 158 - 159 - 160 - 161 - 162 - 165 - 166 - 167 - 168 - 169 - 170 - 180 - 171 - 172 - 173 - 174 - 175 - 176 - 178 - 179 - 181.
أشعب - المعروف بالطامح - 1/ 86.
أشعث 20/ 319.
الأشعث بن قيس 1/ 78، 5/ 143، 6/ 59، 15/ 165 - 241، 16/ 89، 19/ 185، 21/ 14 - 15.
الأشعر بن أدد 13/ 79.
الأشعر بن سبأ بن شجب بن يعرب بن قحطان 8/ 13.
الأشقري 15/ 392 - 393.
أشناس 12/ 85، 20/ 144 - 269.
الأشهب بن رميلة 9/ 268 - 271، 11/ 113، 12/ 23، 21/ 349 - 381 - 382.
الأصبغ بن عبد العزيز 16/ 149 - 151 - 152 - 154، 2/ 289.
أصبغ بن أبي الأصبغ 13/ 327 - 328.
الأصبغ بن نباتة 15/ 228.
الأصبغ بن ذؤالة 7/ 78.
الأصبغ بن محصن 22/ 77 - 97.
أصرم 20/ 38.
الأصم بن أرطأة 12/ 252.
الأصم بن مالك 16/ 307.
الأصمعي 1/ 28 - 79 - 415، 7/ 232، 8/ 5 - 153 - 258 - 264 - 284 - 285 - 290 - 302 - 306 - 355 - 399 - 423، 9/ 168 - 222، 11/ 11 - 43 - 71 - 231 - 381، 12/ 100 - 106 - 222، 13/ 102 - 103 - 104، 14/ 136 - 121 - 295، 15/ 349، 17/ 55 - 68 - 125، 18/ 8 - 10 - 255، 19/ 139، 20/ 93 - 127 - 213، 23/ 90 - 91، 3/ 141 - 143 - 147 - 148 - 149 - 150 - 158 - 200 - 201 - 214.
الأضبط بن قريع 18/ (ترجمته - 127 - 130) 128 - 129 - 130.
الطاف 10/ 124.
الياس بن مضر بن نزار 14/ 125.
أعجر بن المليحة 22/ 97.
الأعجف - عوف أبو بني الأهرم - 9/ 155.
الأعرابي 9/ 222، 10/ 125، 12/ 38.
الأعشى 2/ 4، 4/ 167 - 168 - 306، 8/ 5، 9/ 113 - 114 - 115 - 116 - 117 - 118 - 155 - 340، 12/ 3 - 8 - 221 - 272، 18/ (ترجمته - 131 - 137) 131 -
132 - 133 - 135 - 134 - 136 - 137، 21/ 390، 22/ 117 - 120، 24/ 77 - 78 - 79 - 80 - 81.
أعشى باهلة 3/ 205.
أعشى سليم 3/ 223.
أعشى بن قيس بن ثعلبة 2/ 106، 17/ 129 - 176.
أعشى همدان 2/ 422، 14/ 224، 22/ 14 - 15.
أعشى بن نعيم 17/ 280.
الأعلم 22/ 346 - 347.
الأعمش 7/ 256، 14/ 351.
الأعنق 18/ 289.
أعوج - فرس لبني هلال - 17/ 188، 20/ 16.
الأعور الكلبي 17/ 9 - 18 - 36 - 37 - 38.
الأعور الليلي - الواثق - 21/ 77.
الأعيمش 17/ 34.
اعين 20/ 365.
الأغر بن حماد اليشكري 23/ 232.
الأغر بن عبد العزيز 21/ 324.
اغلب 15/ 369 - 370.
الأغلب بن جشم بن سعد بن عجل 21/ (ترجمته - 28 - 35) 29 - 30 - 31 - 32 - 396 - 397.
الأفشين 18/ 370، 19/ 93.
الأفكل 24/ 261.
افلت بن حزن بن معاوية 11/ 24.
الأفلح المخزومي 1/ 313.
الأفوه الأودي 24/ 220 - 221.
الأقرع بن داسي 4/ 146 - 147 - 150، 11/ 278.
الأقرع بن حابس التميمي 14/ 70 - 302 - 307 - 308 - 310.
الأقرع بن حابس المجاشعي 15/ 305.
الأقيشر 12/ 72.
أكثم بن صيفي 13/ 16، 16/ 329.
أكرم عبس شطري 8/ 240.
أكل بن ربيعة 14/ 218.
الأكنع الشمالي 21/ 219.
البة بن الحباب 14/ 185 - 352.
ألبة - بنت أبي العتاهية 4/ 88.
أم أبان 12/ 164.
أم أبان - بنت النعمان بن بشر - 9/ 232.
أم أبان - والدة مزاحم بن عمرو السلولي - 17/ 97.
أم أبي عمرو بن هند 2/ 131.
أم الأحنف 8/ 384.
أم إسحاق - بنت طلحة بن عبد اللّه - 21/ 114 - 122.
أم الأسود 17/ 267.
أم أشعب 16/ 157.
أم امية 12/ 9.
أم أنوشروان 9/ 79.
أم الأوقص 1/ 396.
أم أيوب 12/ 37.
أم البحتري 1/ 327، 2/ 339.
أم بشار 3/ 137 - 188.
أم بشر بن مروان 1/ 330.
أم بكر 3/ 331.
أم البنين - بنت ربيعة بن عمرو - 16/ 283، 17/ 185.
أم البنين - بنت عبد العزيز بن مروان - 1/ 237، 6/ 213 - 218 - 219 - 221 - 222 - 223 - 224 - 225 - 226 - 227 - 228، 9/ 27، 12/ 180 - 181.
أم تأبط شرا 21/ 170 - 171.
أم تميم 15/ 306.
أم جابر 19/ 28.
أم جحدر بن حسان المرية 2/ 270 - 271 - 272 - 273 - 275 - 278 - 293 - 292 - 290 - 287 - 288.
أم جرير 8/ 4.
أم جسر بن محارب كأس 2/ 242.
أم الجسير 8/ 115، 22/ 151 - 152.
أم جعفر 4/ 247، 8/ 349، 10/ 167 - 172 - 173 - 194، 12/ 115، 13/ 54، 19/ 276، 20/ (أخبارها - 301 - 305) 302 - 303 - 304.
أم جعفر بن الزبير 15/ 4.
أم جعفر - بنت عبد اللّه بن عرفطة - 6/ 254.
أم جعفر جائزة 23/ 90 - 91.
أم جليحة - من فهم - 22/ 351 - 352 - 353.
أم جميل 19/ 135.
أم جميل - بنت عمر - 16/ 99.
أم جندب 8/ 189 - 194 - 195.
أم حائل 8/ 399.
أم حازم - أو أم قاسم - 21/ 257.
أم حبتر 16/ 374.
أم حبيب - بنت عبد الرحن بن مصعب - 7/ 55.
أم حبيبة - رملة بنت أبي سفيان - 13/ 262.
أم الحجاج - أم الوليد بن يزيد - 15/ 124.
أم الحجاج - بنت محمد بن يوسف بن الحكم - 7/ 1.
أم حجدر 2/ 270 - 271 - 274 - 276 - 280.
أم حجر الخزاعية 1/ 363.
أم حدير 24/ 182.
أم حقة 12/ 62 - 64 - 65.
أم حسان - امرأة شأس - 11/ 196 - 198 - 199.
أم الحكم 1/ 160.
أم حكيم - البيضاء بنت عبد المطلب - 1/
383، 7/ 141 - 339.
أم حكيم - بنت يحيى بن الحكم - 16/ 273 - 274 - 275 - 276 - 277 - 278 - 279 - 280 - 281، 17/ 19.
أم الحمى 2/ 398.
أم حماد 14/ 347.
أم حماد الحنفية 20/ 410.
أم حمير - امها ابنة اخ توبة - 11/ 231.
أم حنظلة بن مالك 9/ 325.
أم حنين 11/ 261.
أم الحويرث 9/ 34 - 35 - 70.
أم خارجة - عمرة بنت سعد بن عبد اللّه بن قدار بن ثعلبة - 7/ 264.
أم خالد 14/ 196.
أم خالد - خالد بن عبد اللّه القسري - 22/ 14.
أم خالد بن الوليد بن عقبة 1/ 33.
أم خالد بن يزيد بن معاوية 17/ 345.
أم خبيت بن عبد اللّه بن الزبير 9/ 330.
أم الخلندج 19/ 135.
أم خويلد بن اسد بن عبد العزى 12/ 79.
أم داود 15/ 125.
أم دويل 24/ 35.
أم ذهل 14/ 277.
أم رافع - جنوب - 24/ 170.
أم الرباب 9/ 70.
أم رياح 2/ 424.
أم رياح - بنت ميسرة بن نضير بن الهضمان - 24/ 187.
أم زنباع 21/ 223.
أم زيد 8/ 182.
أم زيد بن جبلة 8/ 384.
أم زيد - بنت زيد بن علي بن الحسين - (عليهما السلام) 12/ 238.
أم سالم 18/ 24.
أم سعد 4/ 397.
أم سعد بن ضباب 9/ 94.
أم سعد - زوجة الخارجي - 16/ 104 - 116.
أم سعيد الأسلمية 4/ 279.
أم سعيد بن خالد بن عثمان 3/ 356.
أم سلّام 7/ 84.
أم سلمة 12/ 59.
أم سلمة - زوجة أبو العباس السفاح - 10/ 255.
أم سلمة المحزومي 4/ 335، 7/ 25.
أم سمرة 15/ 184.
أم سيار 16/ 57.
أم شارية 16/ 6 - 7.
أم شبيب بن البرصاء 12/ 254.
أم شذرة 2/ 181 - 182.
أم صقر 14/ 69.
أم الصموت 22/ 40.
أم الضحاك المحاربية 20/ 187.
أم الطفيل 15/ 150.
أم الظباء 3/ 136 - 137.
أم الظباء - بنت معاوية - 16/ 283.
أم عابدة 12/ 67.
أم عاصم 12/ 121.
أم عامر - كبشة بنت عروة - 16/ 283 - 285.
أم عبد شمس 1/ 127 - 260 - 264.
أم عبد اللّه بنت أبي البختري 15/ 74.
أم عبد اللّه - بنت عميس ابي معد - 12/ 215 - 216 - 222.
أم عبد اللّه بن صفوان 15/ 181.
أم عبد اللّه بن معاوية 12/ 225 - 226.
أم عبد المطلب بن هاشم 15/ 49.
أم عبد الملك - أم عمران - 3/ 330 - 334.
أم عبيدة - جارية ريطة - 10/ 268.
أم عبيدة - حاضنة موسى وهارون - 10/ 262.
أم عثمان 2/ 359.
أم عثمان - بنت بكير بن عمرو - 1/ 399.
أم عثمان - بنت عبد اللّه - 9/ 331.
أم عثمان - بنت عبد اللّه بن عمرو بن ابي العباس الثقفية 21/ 294.
أم عثمان - بنت علي بن عبد اللّه بن الحارث - 1/ 202.
أم عطية النوار - بنت يزيد بن عبد عدي - 8/ 4.
أم العلاء 19/ 140.
أم علفة 2/ 289، 9/ 160.
أم علي ابن جسر ماوية 2/ 242.
أم عمر بن عثمان 4/ 419.
أم عمر - بنت مروان - 9/ 169.
أم عمرو 3/ 224، 12/ 200، 15/ 314، 20/ 264.
أم عمرو - أخت ربيعة - 16/ 62.
أم عمرو بن صمة الدوسي 1/ 359.
أم عمرو بن لجأ 8/ 18.
أم عمرو بنت سعيد بن قيس الهمذاني - 6/ 46.
أم عمرو - بنت مروان بن الحكم 7/ 25، 9/ 62 - 63.
أم عمير بن حسان - كيسة بنت أبيّ - 24/ 22 - 23.
أم عوف 12/ 321، 15/ 142، 17/ 331.
أم فراس 17/ 169.
أم الفرزدق 8/ 79.
أم الفضل بن الحارث 4/ 207.
أم الفضل - زوجة العباس - 12/ 215.
أم القاسم - بنت زكريا بن طلحة - 11/ 178 - 179.
أم القاسم - بنت محمد طلحة - 12/ 195.
أم قطام 11/ 47.
أم قيس 3/ 3 - 4، 8/ 50.
أم قيس بن ذريح 9/ 193.
أم قيس - بنت القتال الكلابي - 24/ 185.
أم قيس - بنت معيد بن عمير بن مسعود 8/ 4.
أم كرز 22/ 13.
أم كلاب 21/ 17.
أم كلثوم 2/ 383.
أم كلثوم - بنت ابي بكر - 11/ 176، 16/ 93.
أم كلثوم - بنت ابي طالب - 11/ 310.
أم كلثوم - بنت عبد اللّه بن عامر بن كريز - 7/ 1، 17/ 210.
أم كلثوم - بنت علي - 16/ 99.
أم لهف الطائي 11/ 111.
أم مالك 1/ 8 - 417، 3/ 41.
أم مالك - بنت ذؤيب الخزاعي - 14/ 154.
أم محمد بن عمرو 8/ 322.
أم محمد - بنت خالد - 16/ 8.
أم محمد - بنت صالح المسكين - 21/ 85 - 86 - 368.
أم مسكين - بنت عمر بن عاصم بن عمر بن الخطاب - 17/ 342.
أم مصعب بن عمير 15/ 181.
أم معبد 10/ 7 - 10 - 11.
أم المعتز 16/ 13.
أم منظور 8/ 112 - 113 - 115، 16/ 153.
أم موسى 15/ 149.
أم نهيك 24/ 13.
أم نوفل بن مساحق 1/ 215 - 223 - 224 - 127 - 260 - 241 - 264.
أم هاشم 9/ 330.
أم هرم 11/ 108.
أم هاشم - بنت هاشم بن عتبة - 17/ 341 - 342.
أم هشام 13/ 38 - 39، 17/ 14.
أم الهيثم 24/ 36.
أم ولد - زوجة الرشيد - 10/ 187 - 198، 12/ 67.
أم الوليد 2/ 338، 18/ 344.
أم يحيى 1/ 27.
أم يحيى بن طلحة 12/ 264.
أم يوسف 19/ 9.
الامام الحسين 4/ 234 - 345 - 419.
امامة 3/ 233، 8/ 302، 11/ 302، 17/ 100، 18/ 84 - 138 - 260، 19/ 314، 20/ 301.
أمامة - اخت نصيب - 1/ 325.
امامة - بنت مسعود - 24/ 61.
الآمدي 13/ 3.
آمنة - ام النبي (ص) - 4/ 142.
آمنة - بنت زهير بن زيد بن عمرو 11/ 153.
آمنة - بنت وهب - 16/ 141.
أمة الحميد بن عبد اللّه بن عاصم 19/ 131.
أمة الحميد بن عبد اللّه بن العباس 20/ 202.
أمة الواحد 1/ 7 - 71 - 165، 20/ 202.
امرأة من بني أسد 18/ 303.
امرأة من قريش 17/ 102 - 103.
امرأة من كندة 17/ 132 - 154 - 155.
امرؤ القيس 2/ 98 - 214 - 274، 8/ 53 - 193 - 194 - 195 - 197 - 199، 9/ 74 - 77 - 78 - 85 - 87 - 90 - 92 - 94 - 95 - 96 - 99 - 119، 11/ 48 - 49 - 14/ 14، 15/ 369 - 372، 17/ 33 - 122 - 130 - 190، 20/ 41 - 219، 21/ 53 - 200 - 201 - 202 - 203 - 341 - 342، 22/ 82 - 118، 24/ 46.
امرؤ القيس بن زيد مناة 18/ 17 - 18.
امرؤ القيس بن عدي بن أوس 17/ 345.
امرؤ القيس بن عمرو بن عدي 12/ 11 - 12، 13/ 16 - 89، 14/ 44، 16/ 139 - 140.
امية 11/ 293.
أمية - جد أبو حشيشة - 23/ 75.
أمية الأصغر بن عبد شمس بن عبد مناف 1/ 210، 13/ 200.
أمية بن ابي الأسكر الكناني 12/ 9 - 10 - 11، 21/ (ترجمته - 8 - 23) 9 - 12 - 13 - 14 - 16 - 17 - 21 - 22.
أمية بن ابي الصلت 2/ 97، 4/ 120 - 211، 5/ 10، 8/ 327 - 328 - 329 - 330 - 331 - 332 - 17/ 302 - (ترجمته - 303 - 322) 303 - 312 - 317.
أمية بن ابي أمينة 12/ 145.
أمية بن ابي عائذ 24/ (ترجمته - 4 - 8) 5 - 6 - 7.
أمية بن امية 23/ 134 - 135 - 234.
أمية بن الجعد 21/ 346.
أمية بن خلف 2/ 366، 4/ 180 - 182 - 196 - 197، 22/ 62.
أمية بن سعيد 17/ 345.
أمية بن عبد شمس 1/ 12 - 14 - 17، 14/ 247 - 250، 17/ 312 - 316.
أمية بن عبد اللّه بن خالد بن اسيد 14/ 281 - 282، 18/ 272 - 278.
أمية بن عبدة بن همام 12/ 335.
أمية بن عنبس بن سعيد بن العاص 23/ 231 - 232.
أمية الملك بن حمزة بن عبد اللّه 4/ 244.
أمير بن أحمر 11/ 319 - 320.
الأمير بن قرشة بن عمرو 24/ 37.
أميرة - بنت زياد بن هوذة - 18/ 146.
أميم بن عجل 22/ 340.
أميمة - أمة تأبط شرا - 21/ 127.
أميمة - امرأة ابن الدمينة - 2/ 59، 17/ 99، 19/ 26.
أميمة - امرأة عروة بن مرة - 21/ 222.
أميمة - بنت عبد شمس بن عبد مناف - 22/ 52 - 53 - 74 - 75.
الأمين 7/ 206 - 207 - 208 - 211 - 212 - 226 - 205 - 177 - 164 - 151 - 150 - 148 - 146، 10/ 69 - 104 - 109 - 110 - 121 - 124 - 126 - 127 - 138 - 139 - 184 - 187، 11/ 333 - 338 - 340 - 341 - 345 - 348 - 16/ 114 - 247 - 315، 18/ 116، 20/ 49 - 52 - 51 - 58 - 50 - 54 - 131 - 179 - 270 - 301 - 302 - 323، 23/ 197.
الأمين بن بسنة 4/ 45 - 80.
أنس بن ابيّ شيخ 18/ 218، 20/ 341.
أنس بن حذيفة الهذلي 21/ 157.
أنس بن زنيم الليثي 3/ 361، 8/ 388 - 390 - 391 - 404 - 413 - 414، 15/ 148.
أنس بن زياد 17/ 180.
أنس بن سعد 6/ 130 - 134.
أنس بن العباس الأصم 15/ 345 - 346.
أنس بن مالك 15/ 195.
أنس بن مدركة الخثعمي 10/ 35.
أنس بن النضر 15/ 195.
أنس الفوارس 17/ 180.
الأنصاري 9/ 197 - 338.
أنمار بن اراش 24/ 1.
أنمار بن بقيض 11/ 80.
أنوشروان 2/ 123 - 124 - 139، 9/ 79 - 80 - 93، 14/ 109، 24/ 118.
أنيسة 18/ 96.
الأهتم 16/ 332 - 333.
أهتم بن سنان بن خالد بن منقر 14/ 79.
أهتم بن عبد عمرو 14/ 79.
أهتم بن مقاعس 14/ 79.
الأوبر الحارثي 16/ 332.
أوس 12/ 6.
أوس بن أبي سلمى 10/ 309.
أوس بن ثعلبة 3/ 137 - 172.
أوس بن ذي القرظي 24/ 115.
أوس بن حارثة بن ام الطائي 10/ 294 - 295.
أوس بن حجر 12/ 9 - 77، 14/ 83، 16/ 375، 21/ 49.
أوس بن خالد بن زيد بن منهب 17/ 269.
أوس بن خالد بن لأم 13/ 10.
أوس بن سعد 17/ 392.
أوس بن الصمة 10/ 19.
أوس بن عامر 12/ 315 - 316.
أوس بن عفراء 2/ 209، 16/ 337.
أوس بن غلفاء العجيمي 8/ 258 - 263.
أوس بن قيضي 9/ 166 - 167، 8/ 280، 20/ 386 - 387.
أوس بن مالك بن عبس 2/ 159 - 160 - 161.
أوس بن مضراء 4/ 356، 5/ 10 - 11.
أوفى بن خنزير 21/ 315.
أوفى بن دلهم 18/ 3 - 4.
الأوقص 3/ 49.
أويس بن شيبة بن عامر 22/ 182 - 185.
أياس بن الخراز 22/ 37.
أياس بن قبيصة الطائي 2/ 106، 9/ 200، 17/ 166 - 370 - 372، 22/ 74 - 60 - 61 - 62 - 75 - 76.
أياس بن معاوية 7/ 255، 21/ 399.
أياس بن المقعد 22/ 102.
أياس بن يزيد الحارث 13/ 49 - 50.
ايتاخ التركي المعتصم 7/ 184، 20/ 269 - 272.
أيما بن رحضة 4/ 185.
أيمن 4/ 274، 18/ 59.
أيمن بن خزيم الأسدي 1/ 327 - 328 - 329 - 330 - 331، 11/ 270، 17/ 238، 20/ (ترجمته - 306 - 314) 307 - 308 - 309 - 310 - 311 - 312 - 313 - 314.
أيمن بن عبد اللّه بن عرفطة 6/ 254.
الأيهم بن جبلة بن الأيهم الغساني 17/ 161.
أيوب 3/ 168.
أيوب - النبي - 19/ 119.
أيوب بن ابي سمير 20/ 9.
أيوب السختياني 8/ 82، 21/ 387.
أيوب بن سلمة المخزومي 21/ 234.
أيوب بن سليمان بن عبد اللّه بن طاهر 23/ 81.
أيوب بن سليمان بن علي 13/ 177.
أيوب بن عباية 1/ 30، 8/ 105 - 119 - 131 - 186 - 339.
أيوب بن عيسى الضبي 21/ 331 - 332.
أيوب بن كنسيب 8/ 54.
أيوب بن محروف 2/ 98.
أيوب بن مسلمة 1/ 213 - 392.
ب
بابك 19/ 93، 20/ 275.
بابوية الكوفي 6/ 340.
بادية بنت غيلان بن سلمة بن معتب 3/ 30 - 31، 13/ 200.
باذام - عامل كسرى - 17/ 318 - 319، 24/ 62.
الباذجاني 20/ 162.
بارق 11/ 159.
بالغر ابن صخر 8/ 422.
باللّه - بنت أبي العتاهية 4/ 88.
بانة - بنت ابي العاصي - 18/ 175 - 176 - 209.
البانوكة - بنت المهدي 19/ 274.
الباهلي 8/ 73.
بثنة 7/ 52.
بثينة 2/ 388 - 391 - 231 - 392 - 393، 4/ 291 - 292، 8/ 92 - 98 - 99 - 100 - 104 - 105 - 106 - 107 - 108 - 109 - 110 - 112 - 113 - 115 - 116 - 119 - 120 - 121 - 122 - 123 - 124 - 127 - 129 - 132 - 135 - 144 - 145 - 147 - 148 - 151 - 152 - 153 - 202 - 203، 9/ 33 - 36، 11/ 239 - 240.
بجير بن ابجر العجلي 11/ 115.
بجير بن اوس الطائي 13/ 9 - 10 - 11.
بجير بن ذي الرمحين 1/ 64.
بجير بن ربيعة السحمي 22/ 11.
بجير بن ريان 7/ 132 - 133.
بجير بن زهير 17/ 86 - 87 - 88 - 266.
بجير بن عائذ بن سويد العجلي 24/ 56.
بجيرة المخزومية 18/ 333.
بجيل 12/ 269.
بجيلة بن صعب بن سعد العشيرة 22/ 8.
البحتري 14/ 140، 20/ 29 - 87 - 136 - 376، 21/ (ترجمته - 36 - 53) 36 - 37 - 38 - 39 - 410 - 41 - 42 - 43 - 44 - 45 - 46 - 47 - 48 - 49 - 50 - 51 - 52 - 53 - 23/ 95 - 153 - 197، 1/م - ت، 31.
البحتري العبادي 8/ 200.
بحر البكراوي 13/ 224.
بحر بن العلاء 21/ 249 - 252.
بحر المغني 20/ 257 - 293.
بحرية - بنت المنذر بن الجارود العبدي 18/ 262.
بحير الراهب 16/ 336.
البخاري 2/ 331.
بختكان 14/ 109.
بختيار بن معز الدولة 1/م - ت 32.
بختيشوع بن جبريل بن بختيشوع الأكبر 10/ 206 - 207 - 214.
بدر 10/ 68.
بدر بن جؤية بن لوزان 2/ 293.
بدر بن عامر 24/ 199.
بدر بن كعب بن معدان 14/ 283.
بدر بن معشر الغفاري 22/ 54 - 55.
بدراقس 4/ 274، 16/ 160.
بدعة 21/ 55 - 74 - 84، 22/ 181 - 182 - 183.
بديح 1/ 88 - 89 - 188، 8/ 268، 12/ 180 - 181، 15/ 174 - 175 - 176 - 253، 18/ 297 - 298.
بديع - غلام عمر المأموني - 23/ 62.
بديل بن ورقاء 6/ 352.
بذل - جارية علي بن هشام - 11/ 348.
17/ 66 - 74 - (أخبارها - 75 - 80) 75 - 76 - 77 - 78 - 79 - 143، 18/ 65 - 69 - 302.
بذل الكلبية 19/ 241.
البراء 3/ 34.
البراء بن عازب 9/ 166، 15/ 184.
البراء بن قيس الحارثي 16/ 329 - 332 - 339.
البراض بن قيس بن رافع 22/ 56 - 57 - 58.
بربر المغنية 20/ 296 - 297 - 299.
برة بنت مر 17/ 13.
برج بن الجلاس 14/ 10 - 11 - 12.
البرد 17/ 180 - 13، 18/ 258 - 261 - 290 - 291 - 273.
برد ابو بشار 3/ 136 - 137 - 207 - 208.
البردان 8/ 213 - 277 - 278.
برده بن نيار الحارثي/ 183.
برذع بن عدي 16/ 23 - 238.
برزين 20/ 334.
برصوصا 19/ 294.
برصوما - الزامر - 6/ 164 - 165 - 297 - 303 - 304، 20/ 358.
برهان 21/ 44.
البريدي 8/ 168.
بريهة بن عبد الرحمن 3/ 31.
بسباسة 20/ 312.
بسبس بن عمرو الجهني 4/ 176 - 181.
بستان 20/ 106.
بسر بن ارطأة 16/ 265 - 266 - 271 - 272 - 273.
بسر الفهري 5/ 10 - 11.
بسرة 3/ 335 - 336 - 338.
بسطام بن قيس الشيباني 2/ 314 - 176، 8/ 62 - 87 - 186، 14/ 140، 19/ 186.
البسوس - بنت منقذ التمتمية 15/ 394.
بسيار درم - كثير الدراهم - 15/ 57.
بشار 12/ 91، 13/ 113 - 300، 14/ 350 - 353 - 362 - 365 - 324 - 326 - 329 - 330 - 331 - 332 - 333 - 346 - 348 - 349، 24/ 47.
بشار بن برد 14/ 325 - 345، 18/ 100 - 299، 19/ 261 - 263 - 264 - 265 - 266 - 268 - 286، 21/ 87 - 88.
بشار بن بشير 16/ 129 - 130.
بشار العقيلي 8/ 60.
بشار المرعث 18/ 101.
البشر 14/ 255 - 259، 20/ 206 - 207.
بشر بن ابي خازم 16/ 357، 17/ 366 - 367، 22/ 58.
بشر - خادم صالح بن عجيف - 19/ 253.
بشر بن برد 3/ 208.
بشر بن حارثة 11/ 336.
بشر بن الحسين بن جندب 2/ 352.
بشر بن خالد 11/ 99.
بشر بن ربيعة الخثعمي 15/ 243.
بشر بن سعد 16/ 23 - 28.
بشر بن شفاف 8/ 412 - 413.
بشر بن عامر 11/ 231.
بشر عمرو بن عدس 11/ 55 17/ 267.
بشر بن عمرو بن مرثد 9/ 113.
بشر بن كهف 22/ 234.
بشر المرثدي 10/ 171.
بشر بن مروان 1/ 334 - 335 - 329، 2/ 346 - 349 - 351 - 353 - 354 -
416 - 425 - 419، 6/ 55، 8/ 17 - 18 - 30 - 37 - 69 - 294 - 315 - 319، 11/ 183 - 184 - 270، 12/ 185، 14/ 224 - 246 - 258، 15/ 68 - 148، 18/ 134، 19/ 123، 20/ 210 - 312 - 365، 21/ 357، 24/ 25، 4/ 109.
بشر بن الوليد بن عبد الملك 7/ 74.
بشر المريسي 4/ 80.
بشرة 17/ 49 - 50 - 51.
بشكست 23/ 249.
بشير ابن اخ حاجز 13/ 213.
بشير بن برد 3/ 208.
بشير بن المعتمر 4/ 71.
بصبص - جارية ابن نعيم - 15/ 26 - 27 - 28 - 32 - 34 - 36.
بصير ابن زانية 13/ 113.
البطاح 15/ 299 - 300.
بطين 18/ 150.
بعجان الهلالي 13/ 64.
بعض الشعراء 17/ 277 - 291، 18/ 55.
البعيث 8/ 5 - 17.
البعيث المجاشعي 16/ 302 - 303.
البعيث اليشكري 19/ 126.
بغا 22/ 202.
البغدادي 2/ 274 - 329 - 24 - 113 - 114، 3/ 1، 13/ 25.
بغوم - جارية ابن ابي ربيعة - 1/ 164 - 165 - 166.
بغيض بن شماس 2/ 181.
بغيض بن عامر 12/ 344، 13/ 193 - 164 - 195 -
البقلي 12/ 231.
بقية الحداد 20/ 141.
بقيع ذو الأحدام 21/ 354 - 355.
بكار بن احمد بن اليسع الهمداني 12/ 4.
بكار بن عبد الملك 7/ 11، 12/ 67 - 238.
بكر (هو وتغلب ابنان لوائل) 19/ 17 - 18.
بكر بن بكار 18/ 185 - 187.
بكر الأصم - 24/ 77 - 78.
بكر بن جشم 12/ 205.
بكر بن خارجة 20/ 151، 23/ 189 - 190 - 191.
بكر بن عبد اللّه الهلالي 13/ 178.
بكر بن عبيد 17/ 137 - 138.
بكر بن كلاب 9/ 117.
بكر بن المعتمر 4/ 80.
بكر بن النطاح 14/ 348، 19/ (ترجمته - 105 - 120) 105 - 106 - 107 - 108 - 109 - 110 - 111 - 112 - 113 - 114 - 115 - 116 - 117 - 118 - 119.
بكر بن نوفل 7/ 68.
بكر بن وائل 2/ 158، 8/ 9 - 203 - 302، 9/ 82 - 92 - 156، 12/ 6 - 205 - 206، 13/ 106 - 226، 14/ 78 - 79 - 84 - 258 - 259 - 277 - 280 - 298، 16/ 140 - 354 - 377، 19/ 106 - 107، 21/ 200.
بكران الشيري 20/ 291.
بكرة - بنت الزربقان بن بدر - 12/ 287.
البكري 2/ 102 - 295 - 292 - 412.
بلال 3/ 120 - 121.
بلال بن ابي برده 2/ 175 - 176، 3/ 67، 12/ 140، 16/ 202 - 224، 18/ 31 - 32 - 35 - 142، 21/ 356 - 362 - 384 - 385، 24/ 215 - 216 - 217.
بلال بن ابي وردة 6/ 88.
بلال بن جرير 8/ 74، 10/ 74، 18/ 10 - 33.
البلتع العنبري 8/ 19.
بلج بن عقبة السقوري 23/ 224 - 227 - 245 - 246.
بلج بن المثنى 16/ 336.
بلعاء بن قيس 13/ 91، 15/ 77، 21/ 163، 22/ 63.
بلعدوية 21/ 303.
بلقيس 17/ 305.
بلي بن عمرو بن الحاف بن قضاعة 1/ 325.
بنات - جارية محمد بن حماد - 23/ 99 - 100 - 102 - 103 - 104 - 105 - 113.
بنان 19/ 307 - 312.
بنان الشاعرة 19/ 305.
بنان بن عمرو 9/ 302، 10/ 71، 12/ 80، 17/ 66، 18/ 164 - 166 - 168، 21/ 78 - 79.
بنت الأبجر 18/ 293.
بنت ابليس 18/ 349.
بنت ابي الحمام بن خراد 9/ 269.
بنت ابي العباس الطوسي 11/ 291.
بنت الأحوص 15/ 294.
بنت بعج بن عتبة 11/ 52.
بنت بهدل الطائي 21/ 234 - 235 - 243 - 244.
بنت الخس - امرأة من اياد اسمها هند وقيل جمعة - 11/ 36، 19/ 229.
بنت رسول اللّه (ص) 17/ 160.
بنت زياد 11/ 257.
بنت سعد بن سهيل 15/ 181.
بنت السليل 16/ 364.
بنت سنة بن الذاهل بن عامر الخزاعي 9/ 180.
بنت صدى 8/ 384.
بنت عبد اللّه بن جعفر بن ابي طالب 15/ 10.
بنت عبد اللّه بن حنظلة بن ابي عامر 15/ 295.
بنت عجلان 6/ 136.
بنت عوف بن ملحم 9/ 81.
بنت عيسى بن جعفر بن سائب خاثر 8/ 322.
بنت المحلول 6/ 128.
بنت محمد بن عبد اللّه بن ابي سويدا الثقفي 23/ 249.
بنت مسعود بن عمران 15/ 181.
بنت مسمرة بن جندب 9/ 228.
بنت مضاض بن عمرو 15/ 12.
بنت معبد 8/ 5.
بنت معن بن زائدة 15/ 17.
بنت منبه بن الحجاج 15/ 181.
بنت المهدي 4/ 72.
بنت وردان 19/ 137.
بنت يحيى بن الحكم بن ابي العاصي 4/ 279.
بندار هرمز 18/ 301 - 302.
بنو ابي حفصة 23/ 169.
بنو اسد 17/ 37.
بنو ثعلبة بن سعد 17/ 192.
بنو عبس 17/ 201.
بنو مرة 17/ 261.
بهاج بن ذبيان 14/ 268.
بهار 18/ 370 - 372.
بهارون بن خنعوية 15/ 140.
بهثة بن سليم 18/ 232.
بهجت الأثري 19/ 220.
بهدل 12/ 278.
بهر تيم بن سليم بن منصور 9/ 162.
بهراء بن عمرو 24/ 34.
بهرام جوبين 12/ 48.
بهرام جورين يزدجرد 2/ 144.
البهزي - ابو مالك - 12/ 108 - 110.
بهلول 18/ 147.
بهيس بن صهيب 12/ 46، 22/ (ترجمته - 134 - 141) 135 - 136 - 137 - 138 - 139 - 115 - 140 - 141.
بهيسة بن اوس 10/ 296.
بوبة 11/ 370.
بوران - بنت الحسن بن سهل - 10/ 60.
بيان 23/ 26 - 27.
البيدق الراوية 19/ 40.
بيدون الخادم 10/ 230.
البيذق الأنصاري 15/ 140.
بيسار بن ابي هند 2/ 325.
ت
تأبط شرا 17/ 180، 20/ 375، 21/
(ترجمته - 126 - 173) 127 - 128 -
129 - 130 - 131 - 132 - 133 - 134 - 136 - 135 - 137 - 138 - 139 - 140 - 141 - 144 - 145 - 146 - 147 - 148 - 149 - 150 - 151 - 152 - 153 - 156 - 157 - 158 - 159 - 160 - 161 - 162 - 163 - 164 - 165 - 166 - 167 - 168 - 182 - 183 - 185، 22/ 3.
تامرة - بنت زنباع العبسية 15/ 361 - 364.
التبريزي 2/ 167 - 382.
تبع 15/ 43 - 44 - 46 - 47، 16/ 354، 18/ 255.
تحفة - جارية عريب - 22/ 181 - 182 - 183.
تحية بن جنادة العذري 22/ 27 - 28.
تخال المشرفية 2/ 111.
الترمذي 2/ 194.
ترملة بن شعاث الطائي 22/ 189.
تسنيم بن الحواري 3/ 173 - 174، 14/ 142.
تغلب - هو وبكر ابنا لوائل - 19/ 17 - 18.
التغلبي 8/ 317.
تفخر - بنت عبيد بن رواس بن كلاب - 22/ 54.
تماضر - ابنة الشريد السلمية ام قيس بن
زهير - 17/ 208.
تماضر - بنت عمرو 11/ 85.
تماضر - بنت منظور بن زبان - 9/ 324 - 326، 21/ 292.
تمام بن شراحيل المازني 21/ 250.
تميم 8/ 78 - 302، 18/ 2.
تميم ابو محمد بن تميم 15/ 329.
تميم بن جذيم الناجي 15/ 149.
تميم بن الحباب 12/ 198 - 199 - 206.
تميم بن حر 9/ 308.
تميم بن خذيمة 24/ 253 - 254 - 255.
تميم بن زيد القضاعي 21/ 353 - 354.
تميم بن مقبل 13/ 199.
التميمة 15/ 294.
التميمي 8/ 77 - 78.
توبة - بنت امية - 1/ 17.
التوزي 2/ 127، 14/ 179 - 358.
تويت اليمامي 23/ (اخباره - 169 - 174) 169 - 170 - 171 - 172 - 173 - 174.
التيحان بن ابي التيحان 14/ 352.
التيحان بن بلج بن نهشل 13/ 24.
تيم اللّه بن ثعلبة 18/ 139.
تيم بن قضاعة 13/ 80.
التيمي 19/ 55 - 56، 20/ 43 (ترجمته - 44 - 59) 44 - 45 - 53 - 46 - 47 - 49 - 51 - 50 - 52 - 54 - 55 - 56 - 58 - 59.
ث
ثابت 14/ 129 - 276.
ثابت بن الأرقم 16/ 229.
ثابت بن اقرم 15/ 220.
ثابت بن سليمان الحسني 7/ 76.
ثابت بن سماك 16/ 41.
ثابت قطنة 14/ 263 - 264 - 266 - 268 - 269 - 271 - 272 - 274 - 275 - 277 - 279 - 281 - 282.
ثابت بن قيس بن شماس 3/ 7، 4/ 147 - 157، 17/ 121 - 126.
ثابت بن كعب 14/ 263.
ثابت بن المنذر بن حرام 3/ 25، 4/ 135.
ثابت بن وفش 15/ 203.
الثرثار 12/ 198 - 206 - 207.
ثروان بن زبيد 18/ 80 - 89 - 90.
الثريا - صاحبة ابن ابي ربيعة - 11/ 293.
الثريا - بنت عبد اللّه بن محمد بن عبد اللّه بن الحارث بن امية الأصغر - 1/ 210، 221 - 222 - 223 - 224 - 225 - 226 - 227 - 228 - 230 - 232 - 233 - 234 - 235 - 236 - 239 - 241 - 244 - 246.
الثريا - بنت علي بن عبد اللّه بن الحارث بن امية - 1/ 209 - 211 - 122، 3/ 110.
ثعل 19/ 271.
ثعلب 8/ 258.
ثعلب - مملوك ابراهيم - 16/ 348.
ثعلبة بن سعد 11/ 117، 13/ 171، 15/ 101.
ثعلبة بن سليط 11/ 315.
ثعلبة بن عكابة بن صعب 14/ 277، 18/ 139.
ثعلبة بن عمرو 15/ 16.
ثعلبة بن عمرو - مزيقياء بن عامر - 14/ 303.
ثعلبة بن نياط 12/ 207.
الثعلبي 9/ 96.
ثقيف 19/ 1، 20/ 136 - 142.
ثقيف الأسود - مولى الفضل بن الربيع - 10/ 194.
ثمامة بن أثال 15/ 261 - 262.
ثمامة بن اشرس 10/ 116.
ثمامة بن الوليد 3/ 83 - 85 - 86، 4/ 6 - 16، 23/ 5 - 6 - 7.
ثواب بن محجن 22/ 356.
ثوابة بن يونس 4/ 101.
ثوبان 2/ 296.
ثور 12/ 56 - 57.
ثور بن ابي حارثة 9/ 269.
ثور بن ابي سمعان 11/ 211 - 214.
ثور بن الأشهب بن رميلة النهشلي 8/ 23.
ج
جابر الجعفي 17/ 342.
جابر بن سنان 13/ 202.
جابر الشطرنجي 13/ 319.
جابر بن شمعون 2/ 115.
جابر بن عبد اللّه بن حرام الأنصاري 15/ 204.
جابر بن كلثوم 15/ 392.
جابر بن منى التغلبي 3/ 113.
الجاحظ 2/ 8 - 17، 8/ 354، 12/ 156 - 299، 13/ 330، 15/ 113، 16/ 6 - 88 - 246، 17/ 236، 18/ 169، 23/ 190.
الجارود بن المعلى 15/ 255 - 256 - 258.
جاسم 17/ 193.
جالينوس 14/ 168 - 377.
جاني 20/ 250 - 251.
جبأة - أخ لقراد بن الأخدر - 24/ 194 - 195.
جبار - رجل من بني عجل - 22/ 337.
جبار بن انيف 14/ 384.
جبار بن سلمى 17/ 56 - 61.
جبارة بن قرط 6/ 333.
جبر بن ريّاط 2/ 228 - 333 - 272.
جبر بن عبيد 21/ 245.
جبرة المخزومية 1/ 408.
جبرة - بنت وحشة بن الطفيل بن قرة بن هبيرة - 6/ 2.
جبريل 2/ 360، 3/ 117 - 120، 4/ 192 - 142، 10/ 87 - 139، 12/ 7 - 204.
جبلة بن ابي شمر 11/ 39.
جبلة بن الأيهم 11/ 16 - 27 - 39، 15/ 157 - 162 - 163 - 167 - 168 - 169 - 170، 17/ 166 - 167 - 210.
جبلة بن باعث بن صريم اليشكري 24/ 66.
جبهلة 2/ 140.
جبهلة - الأشجعي - 18/ (ترجمته - 93 - 98) 93 - 94 - 95 - 96 - 97 - 98.
جبير بن ايمن 20/ 198 - 200 - 201.
جبير بن ثعلبة 24/ 24.
جبير بن عمرو 13/ 84 - 98 - 99.
جبير بن مطعم 15/ 194 - 197.
جبيلة بن سويد بن ربيعة 15/ 221.
جبيلة بنت معاذ 3/ 60.
جثامة بن عقيل بن علفة 12/ 256 - 257.
جثامة بن قيس 22/ 63.
جثامة بن مساحق الكناني 15/ 164.
جحّاف بن اياد 2/ 289.
الجحاف بن حكيم 12/ 198 - 200 - 201 -
202 - 204.
الجحجبي بن كلقة 14/ 225 - 241.
جحظة 1/ 8 - 11 - 286 - 289 - 323 - 382، 12/ 48 - 49 - 145 - 282، 14/ 112 - 362، 20/ 278 - 286،
الجحواني - محمد بن بشر بن جحوان - 15/ 59.
جحوش بن عمرو بن سلمة 24/ 193 - 194.
جدعان بن سلمة بن قشير 22/ 239.
جديس بن لاوذ 11/ 164.
جديلة بنت مرّ 16/ 102.
الجذماء - بنت ابي سمير 10/ 207.
جذيع 21/ 344.
جذيمة الأبرش - جذيمة بن مالك بن فهم - 15/ 312 - 313 - 315 - 316 - 317 - 318 - 320 - 321.
جذيمة بن الحارث 7/ 282.
جذيمة بن رواحة 15/ 361.
الجر بن الأسود بن يعفر 13/ 23 - 26.
جرء بن خالد بن جعفر 11/ 144.
الجراح بن عبد اللّه الحكمي 4/ 256.
جراح بن عصام بن بجير 12/ 267.
جرادتا عبد اللّه بن جدعان 8/ 327.
الجرار 17/ 259.
الجرباء - ابنة عقيل - 12/ 255 - 256 - 257 - 260 - 263 - 264 - 273.
الجرباء - بنت قسامة - 21/ 114 - 122.
جرثومة العنزي الجلاني 22/ 239.
جرجير 6/ 266.
جرفاس 18/ 3.
جرم بن زبان 14/ 167، 10/ 204.
جروة 17/ 205 - 207.
جرول الحطيئة 9/ 78، 17/ 82.
جرير 1/ 76 - 81 - 82 - 295 - 296 - 297 - 312 - 338 - 40/ 393، 8/ 82، 9/ 43 - 307 - 308 - 309 - 313 - 324 - 332 - 333، 12/ 291 - 340 - 13/ 186 - 351، 14/ 273 - 345، 15/ 243، 17/ 33 - 188، 18/ 7 - 9 - 14 - 13 - 15 - 16 - 18 - 20 - 21 - 23 - 25 - 33 - 53 - 210 - 329، 19/ 98 - 102 - 104 - 167 - 168 - 169، 20/ 207 - 351، 21/ 275 - 284 - 285 - 286 - 297 - 298 - 299 - 300 - 301 - 318 - 319 - 322 - 324 - 325 - 327 - 329 - 340 - 354 - 355 - 356 - 357 - 359 - 363 - 374 - 384 - 387 - 388 - 393 - 394 - 395 - 402، 22/ 321.
جرير بن حازم 3/ 146.
جرير بن الحصين 24/ 187 - 188.
جرير ابن ذات البظرهل 8/ 27.
جرير بن عبد اللّه 2/ 133 - 134 - 205 - 204 - 206، 5/ 143، 16/ 89 - 100 - 149، 17/ 143 - 150، 19/ 188، 20/ 411، 21/ 139 - 140، 22/ 5.
جرير بن عطية 24/ 188 - 206.
جرير بن المنذر السدوسي 3/ 153.
جرير بن هميان السدوسي 18/ 134.
جرير بن يزيد بن عبد اللّه القسري 13/ 303.
جرير المدني 1/ 314.
جزء بن سعد 17/ 318.
جزء بن ضرار 9/ 159.
جساس 12/ 100، 14/ 258.
جساس بن غنى 24/ 52.
جساس بن مرة 24/ 52.
جشم 14/ 76.
جشم بن كعب بن سعد 18/ 128.
جعد - مولى عبد اللّه بن هشام بن عمرو - 23/ 18 - 19.
الجعد بن عمران بن عيينة 19/ 202.
الجعد المحاربي - ابو صخر بن الجعد - 22/ 39 - 40.
جعدب 13/ 50.
جعدة - امرأة رجل من عنزة - 21/ 297.
جعدة بن عبد اللّه الخزاعي 22/ 5.
الجعراء - دغة ام عمرو بن تميم - 21/ 104 - 105.
جعفر بن ابان بن سعيد بن عيينة 2/ 336.
جعفر بن ابراهيم 4/ 352.
جعفر بن ابي جعفر المنصور 8/ 253، 13/ 276 - 287 - 288 - 311 - 317 - 318 - 320.
جعفر بن أبي طالب 4/ 414، 15/ 10، 12/ 215 - 237 - 238، 16/ 194.
جعفر بن الأحنف 22/ 72.
جعفر بن برقان 13/ 345.
جعفر البرمكي 16/ 248 - 249.
جعفر بن الحسين اللهبي 20/ 7.
جعفر بن حفص 16/ 407.
جعفر بن الزبير العوّام 2/ 214، 15/ 4 - 5 - 6 - 9، 21/ 294.
جعفر بن سراقة 8/ 137.
جعفر بن سعيد 8/ 305.
جعفر بن سليمان الضبعي 7/ 236 - 249.
جعفر بن سليمان بن علي 1/ 38، 2/ 269 - 331 - 332 - 365، 3/ 207 - 209 - 302 - 4/ 76 - 374، 6/ 15 - 17 - 18 - 28، 11/ 357، 14/ 47، 15/ 62 - 63 - 64، 16/ 4، 18/ 147، 19/ 145، 20/ 106 - 294.
جعفر بن عباس العلاء 12/ 58.
جعفر بن عفان الطائي 10/ 94.
جعفر بن علبة الحارثي 13/ 45 - 46 - 48 - 49 - 50 - 51 - 52 - 53 - 54 - 55 - 56 - 176 - 177.
جعفر بن علي الهاشمي 14/ 63 - 65.
جعفر بن قدامة 1/ 46، 8/ 246، 14/ 31، 20/ 150.
جعفر بن كلاب 17/ 179.
جعفر بن المأمون 14/ 211، 20/ 257، 21/ 84 - 85، 22/ 208.
جعفر المتوكل بن المعتصم 21/ 49 - 50 - 51 - 52.
جعفر بن محمد - الصادق - 7/ 233 - 240 - 241 - 242 - 252، 19/ 149، 20/ 142.
جعفر بن محمد الأشعث 20/ 147.
جعفر بن محمد بن عبد اللّه 15/ 334.
جعفر بن محمد بن عمار 23/ 134 - 143.
جعفر بن المنصور 6/ 81 - 82 - 272، 14/ 379، 18/ 232.
جعفر بن موسى الهادي 10/ 181، 17/ 75.
جعفر بن يحيى 4/ 12 - 87 - 73 - 74 - 113 - 325 - 365، 5/ 317 - 407 - 409، 6/ 317، 7/ 227، 10/ 99 - 119، 12/ 150 - 191 - 192، 13/ 119 - 123 - 150 - 277، 14/ 116، 16/ 350، 18/ 201 - 202 - 203 - 217 - 218 - 219 - 220 - 223 - 224 - 225 -
226 - 228 - 230 - 234 - 303، 19/ 236 - 279 - 285 - 286 - 290 - 291 - 295 - 298، 20/ 227 - 341 - 342، 21/ 59، 23/ 155.
جعفر - امة للمهدي - 23/ 1 - 4.
الجعفري 2/ 320.
جعيفران الموسوس 14/ 48 - 49، 20/ (ترجمته - 187 - 196) 187 - 188 - 189 - 190 - 94 - 191 - 192 - 193 - 195 - 196.
الجفر 2/ 299.
جفنة 17/ 173.
جفنة بن النعمان الجفني 2/ 117.
جفنة الهمذاني بن جعفر بن عباية 8/ 22.
جفير العبسي 12/ 196.
الجلاح بن عوف السحمي 19/ 24 - 25.
الجلاس مخربة بن نهشل 13/ 192.
جلال بن عبد العزيز المرّي 2/ 302.
جلنار - ام ابي نواس - 23/ 156.
جلوى - فرس - 17/ 187.
جماء بنت الأسعر 3/ 61.
الجماز 19/ 270، 20/ 290، 22/ 19، 23/ 26.
جماس 22/ 19.
جمال الدين الأنصاري 1/م - ت 36.
جمال يوسف 8/ 220.
جمانة بن الأخنس 23/ 255 - 256.
جمانة بن جرير بن عبد ثعلبة 8/ 266.
جمانة بنت الأعنق 18/ 289 - 293.
الجمحي 2/ 287، 5/ 114.
جمرة بنت نوفل 22/ 276.
جمز 20/ 293.
جمع بن المعتز 4/ 119.
جمل بنت شراحيل 21/ 250.
جميع بن عمر بن الوليد 4/ 370.
جميعة بنت الأشيم 9/ 4.
جميل 2/ 370 - 371، 19/ 231.
جميل بن عبد اللّه بن معمر العذري 1/ 114 - 116 - 117.
جميل بن محفوظ 18/ 101.
جميل بن معمر بن حبيب بن وهب بن حذاقة بن جمح 21/ 210.
جميل بن معمر العذري 21/ 265.
جميل بن معمر القرشي 22/ 229 - 230.
جميل بن يحيى بن ابي حفصة 18/ 146.
جميل بثينة 8/ 90 - 132 - 139، 22/ 28 - 30 - 277.
جميلة - مولات بهز - 1/ 38.
جميلة بنت ابي الأفلح 15/ 296.
جميلة بنت عبد اللّه بن أبيّ 17/ 128.
جميلة المغنية 17/ 162 - 164، 19/ 183، 21/ 54.
جناح 17/ 97.
جناد - غلام ابن سريج - 1/ 259.
جناد بن لبنى 21/ 225.
جناد (جنادة) بن مرة 21/ 215 - 221.
جنادا 8/ 283.
جنادة بن مليحة بن زهير 4/ 195.
جنافر - جواس العذري - 22/ 151.
جنان 18/ 175، 20/ 60 - 61 - 62 - 63 - 64 - 65 - 66 - 67 - 68 - 69 - 70 - 71 - 72، 23/ 163 - 164.
جندب - احد بني رواحة - 17/ 201.
جندب بن عبد اللّه 12/ 142.
جندب بن عبد اللّه بن الحجاج 13/ 168.
جندب بن عمرو - حممة الدوسي - 1/ 383، 13/ 219.
جندب بن كعب 5/ 142.
جندع - بنت عمرو بن الأغر - 15/ 354.
جندل ابن الراعي 24/ 206 - 207 - 215 - 218 -
جنوب 13/ 33.
جنوب - بنت محصن محصن الجعدية - 22/ 77.
الجنيد بن عبد الرحمن المري 10/ 154، 11/ 5 - 6، 20/ 410.
الجنيد النخاس 10/ 269.
جنيدب 17/ 204.
جهجاه بن قيس 4/ 159.
الجهم بن بدر 10/ 206، 12/ 83 - 136.
الجهم بن سويد بن المنذر الجرمي 21/ 358.
جهم بن شيبة بن عامر 182 - 183 - 184 - 185.
جهم القشيري 24/ 32.
جهنام 18/ 270.
الجهني 19/ 243.
جهيم بن ابي الصلت 4/ 181.
جهيمة 21/ 289.
جهينة بن ابي حمل 14/ 2.
جؤبة بن نصر الجرمي 3/ 273.
الجؤذر 18/ 51.
جوادية 13/ 330.
جواس 8/ 135.
جواس بن حيان 22/ 146.
جواس العذري 22/ (ترجمته - 150 - 154) 151 - 152 - 153 - 154 - 155.
جواس بن قطبة 8/ 132 - 134.
جوان بن عمر بن ابي ربيعة 1/ 69 - 70 - 207.
جوبين 14/ 137.
جوزاء - جارية ابن فسوة - 22/ 234.
جوش الكندي 11/ 110.
الجوشي 14/ 3.
الجون 11/ 49.
جون - مولاة لبنت المحلف بن حنتم - 24/ 192.
جوهر 13/ 299 - 302 - 313 - 314 - 315 - 323، 20/ 298 - 299 - 300.
الجوهري 2/ 114 - 143 - 172 - 318، 3/ 147، 17/ 44 - 112 - 116، 20/ 230.
جويبر بن سعيد المحرث 14/ 279.
الجويرية 22/ 313 - 314.
جويرية بن اسماء 8/ 77 - 97 - 98، 15/ 174.
جويرية - بنت خالد بن قارظ - 16/ 265 - 271.
جويرية الهذلي 15/ 213.
جيال 22/ 253.
جيداء - ام محمد بن هشام بن اسماعيل المخزومي - 1/ 382 - 385 - 405 - 406 - 8.
جيداء - بنت خالد بن جابر - 3/ 123.
جيلوية 20/ 21.
جيم بن صعب بن علي بن بكر بن وائل 14/ 277.
ح
حاتم 3/ 74، 12/ 314 - 340، 19/ 112.
حاتم الريش 7/ 204 - 205.
حاتم طيء 8/ 246 - 247،
17/ 129 - 182 - 362 (ترجمته - 363 - 397) 363 - 365 - 366 - 367 - 368 - 369 - 370 - 371 - 372 - 373 - 374 - 375 - 376 -
377 - 378 - 380 - 382 - 384 - 386 - 387 - 389 - 391 - 392 - 393 - 394 - 395 - 396 - 18/ 32، 22/ 277 - 190.
حاتم بن عبد اللّه الثعلبي 17/ 252.
حاتم بن عدي 21/ 61 - 63 - 67.
حاجب بن ذبيان 3/ 58، 14/ 264.
حاجب بن زرارة 11/ 99 - 100 - 134 - 150 - 151 - 162 - 163، 13/ 126، 17/ 179، 19/ 186، 21/ 298، 23/ 157.
حاجب بن عبد العزيز 9/ 46.
حاجب بن قدامة 8/ 352.
حاجب الحزور 18/ 334.
حاجب الفيل 14/ 269 - 266.
حاجز الأزدي 2/ 243، 13/ 209 - 210 - 211 - 213، 21/ 148 - 149 - 153 - 154.
حار بن بدر 8/ 406.
حار بن ظالم 11/ 120.
الحارب بن عمرو 12/ 11.
الحارب بن وعلة 22/ (ترجمته - 217 - 226) 217 - 218 - 219 - 221 - 220.
الحارث 8/ 291، 9/ 52 - 335، 12/ 6، 13/ 23 - 29، 17/ 256
(الطفاوة) 23/ 213.
الحارث بن ابي ربيعة 22/ 322.
الحارث بن ابي اسامة 4/ 111.
الحارث بن ابي سلمة 14/ 374.
الحارث بن ابي شمر الغساني 2/ 123، 19/ 81 - 99 - 119، 10/ 199 - 200، 12/ 128، 15/ 170 - 172، 22/ 119.
الحارث بن الأبرص 11/ 155.
الحارث بن الأسود 4/ 208.
الحارث الأصغر 11/ 18 - 20.
الحارث الأعرج 11/ 21.
الحارث الأعور بن عبد اللّه بن كعب 7/ 253.
الحارث الأكبر 11/ 18 - 20 - 21.
الحارث بن اخي سعد 22/ 133.
الحارث الأضخم بن ربيعة بن تزار 17/ 200، 24/ 26 - 67.
الحارث بن بدر الفزاري 17/ 203.
الحارث بن بسخنر 10/ 45، 12/ 48، 19/ 222 - 290، 22/ 52، 23/ 176.
الحارث بن تولب 22/ 276 - 280.
الحارث بن ثعلبة بن دودان بن اسد 13/ 185.
الحارث بن جبلة 9/ 78، 10/ 46، 13/ 10.
الحارث الجفني 11/ 18.
الحارث بن جم 24/ 38.
الحارث بن جمعة 22/ 210.
الحارث بن حاطب الجمحي 22/ 287.
الحارث بن حجر 16/ 358.
الحارث بن الحكم بن ابي العاص 13/ 366.
الحارث بن حلزة 13/ 106.
الحارث بن خالد بن صخر بن الشريد 7/ 282.
الحارث بن خالد المخزومي 1/ 154 - 169 - 170 - 230 - 280، 2/ 224، 9/ 227 - 228، 10/ 191، 16/ 53 - 184، 17/ 47 - 50 - 54.
الحارث بن الخزرج 1/ 38، 4/ 157.
الحارث بن خلد بن هشام 8/ 230.
الحارث بن خلف 11/ 132.
الحارث بن خليد 12/ 323.
الحارث بن ربعي 15/ 303.
الحارث بن زهير 11/ 85 - 86، 17/ 204 - 205.
الحارث بن زياد 17/ 180.
الحارث بن السائب الفهمي 21/ 184.
الحارث بن سامة بن لؤي 10/ 203.
204 - 205.
الحارث سريع 2/ 56.
الحارث بن سفيان 11/ 111.
الحارث بن سفيان بن عوف 22/ 72.
الحارث بن سهم بن عمرو 23/ 226.
الحارث بن الشريد 15/ 90.
الحارث بن شريك 13/ 359، 14/ 79.
الحارث بن شريك الشيباني 8/ 86.
الحارث بن شهاب 9/ 93.
الحارث بن الصمة 15/ 196.
الحارث بن الطفيل الدوسي 13/ 218 - 219 - 220 - 221 - 224.
الحارث بن ظالم المرّي 6/ 332، 9/ 119، 11/ 94 - 97 - 98 - 99 - 100 - 101 - 102 - 103 - 105 - 106 - 107 - 108 - 109 - 114 - 121 - 122 - 124 - 125 - 12/ 17، 14/ 9، 16/ 76، 17/ 291، 22/ 119 - 357، 23/ 226.
الحارث بن عامر بن نوفل 4/ 180 - 226.
الحارث بن عباد 9/ 343، 19/ 167، 21/ 289.
الحارث بن عبد اللّه 1/ 66 - 67 - 110 - 111 - 150 - 214 - 232 - 233.
الحارث بن عبد اللّه بن ابي ربيعة 4/ 400، 15/ 390.
الحارث بن عبد اللّه بن بكر 13/ 211 - 374.
الحارث بن عبد المطلب 1/ 248.
الحارث بن عمرو 14/ 8.
الحارث بن عمرو بن حجر 12/ 209.
الحارث بن عمرو بن الشريد 11/ 84 - 85.
الحارث بن عمرو بن كعب 14/ 78.
الحارث بن عوف 23/ 226، 12/ 17 - 254، 22/ 357.
الحارث بن عوف بن ابي حارثة 4/ 154 - 155، 10/ 293 - 294، 12/ 271.
الحارث بن الفرخ 22/ 327.
الحارث بن قتيبة 23/ 226.
الحارث بن قدامة 16/ 271.
الحارث بن قراد البهراني 13/ 82.
الحارث بن قهر 8/ 400.
الحارث بن كعب 2/ 98.
الحارث بن كعب بن عبد المدان 12/ 9.
الحارث بن كعب بن عمرو 23/ 95.
الحارث بن كلدة العبدي 22/ 72.
الحارث بن مارية الجفني 17/ 161، 12/ 15.
الحارث بن ماريا الغساني 2/ 145، 6/ 332.
الحارث بن مالك بن عمرو بن تميم 20/ 142.
الحارث بن مكدم 16/ 56 - 58.
الحارث الهجيمي 8/ 423.
الحارث بن هشام 1/ 64 - 265، 4/ 169 - 170 - 212، 18/ 124.
الحارث بن همام 16/ 373، 17/ 199 - 4 - 5.
الحارث بن ورقاء الصيداوي 10/ 307.
الحارث بن وعلة بن مجالد بن يثربي 24/ 55 - 56 - 66 - 67.
حارثة بن الأرقم 22/ 54.
حارثة بن امامة 18/ 136.
حارثة بن بدر الغداني 6/ 145 - 146 - 147، 8/ 402 - 404 - 405 - 406 - 407 - 408 - 409 - 410 - 411 - 412 - 413 - 424، 11/ 70، 13/ 127 - 128، 21/ 33.
حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر 3/ 40.
حارثة بن جناب 19/ 20.
حارثة بن زيد 6/ 333.
حارثة بن سراقة 4/ 192.
حارثة بن سنان 10/ 293.
الحارثي 10/ 210 - 211.
الحازمي 19/ 1.
حاضر بن سلمى الغبري 13/ 107.
حاطم الخزاعي 21/ 225.
الحافظ الذهبي 2/ 43 - 368.
حالم - من بني مجاشع - 21/ 318.
حامد بن محمد بن شعيب البلخي 14/ 89 - 90.
حائر بن عمرو بن أدد 13/ 79 - 80.
الحباب - جد عمير بن الحباب - 24/ 46.
الحباب بن المنذر بن الجموع 4/ 183.
حبابة 1/ 256 - 316، 4/ 248 - 249 - 250، 8/ 186 - 334 -
341 - 346 - 348.
حباشة الأسدي 13/ 37.
حبال الزامر 6/ 153 - 157 - 351، 20/ (خبر لها مع عائشة - 225 - 227) 226 - 326، 23/ 242.
حبان 20/ 45.
حبى 21/ 268.
حبى بنت الأسود 14/ 382.
حبى المدينة 19/ 154.
حبش 1/ 27 - 70 - 80 - 87 - 91 - 103 - 118 - 152 - 173 - 178 - 215 - 222 - 239 - 243 - 266 - 267، 8/ 185 - 207، 12/ 58، 19/ 129.
الحبشي 15/ 226.
حبيب بن ثابت 14/ 129.
حبيب بن الحكم بن ابي العاص بن امية 24/ 12 - 13.
حبيب بن خالد بن نضلة الفقعسي 17/ 247.
حبيب بن عتيبة بن حبيب - ذو السنيبة - 12/ 211.
حبيب بن القتال الكلابي 24/ 188.
حبيب بن كره 1/ 25 - 26.
حبيب بن مسلمة 4/ 274 - 292، 16/ 40، 17/ 150، 22/ 11.
حبيب بن منقذ 10/ 317.
حبيب بن نصر المهلبي 4/ 88، 5/ 6، 8/ 43 - 75 - 88، 14/ 83 - 99 -
100، 15/ 384.
حبيب بن الهجرس 8/ 280.
حبيش - من بني القين بن جسر - 21/ 353.
حبيش بن دلجة 16/ 144.
حبيشة بنت حبيش 7/ 280 - 281 - 289.
الحتات - عم الفرزدق - 21/ 367 - 368.
حترش بن ثمال القريظي - 24/ 137 - 138.
الحثبمان بن عبد اللّه بن أياس 4/ 204.
الحجاج 1/ 195، 2/ 148 - 358 - 384 - 418 - 426، 3/ 62 - 328 - 334، 8/ 65 - 67 - 70 - 311 - 290 - 291 - 306 - 285، 13/ 100 - 276 - 299 - 230، 14/ 243 - 245 - 248 - 281 - 283 - 285 - 293 - 294، 15/ 249، 21/ 29، 24/ 210 - 211.
الحجاج بن باب الحميري 6/ 144 - 145.
الحجاج بن سلامة 21/ 258 - 259.
حجاج بن الطواف 18/ 193 - 194 - 195.
الحجاج بن عامر 9/ 56.
الحجاج بن علاط السلمي 8/ 186.
الحجاج بن عمير بن يزيد 18/ 40 - 42.
الحجاج بن يوسف 6/ 33 - 34 - 38 - 54 - 58 - 60 - 62 - 68 - 190 - 191 - 194 - 197 - 200 - 201 - 206 - 271 7/ 1 - 144 - 9/ 232 - 3، 10/ 73 - 76 - 160، 11/ 21 - 22 - 199 - 207 - 208 - 241 - 242 - 241 - 248 - 249 - 310 - 311 - 312، 12/ 287 - 289، 16/ 54 - 92 - 378، 17/ 230 - 320 - 232 - 236 - 237 - 238 - 274 - 275 - 343 - 344، 18/ 109 - 110 - 111 - 116 - 117 - 118 - 134 - 135، 9/ 104 - 130/ 207، 20/ 53 - 227 - 350 - 363 - 365 - 368، 21/ 234، 22/ 218 - 329 - 330 - 340 - 341، 23/ 38 - 217.
الحجبي 1/ 185 - 219، 2/ 275.
حجار بن ابجر العجلي 17/ 146.
حجام 12/ 88.
حجر - آكل المرار - 11/ 16 - 49.
حجر بن ابي امرؤ القيس 9/ 82 - 84 - 85 - 86 - 87 - 90 - 94.
حجر بن ابي إهاب التميمي 4/ 226.
حجر بن الحارث 22/ 83 - 93.
حجر الراشدة 11/ 214.
حجر بن عدي 16/ 89، 17/ 132
(خبر مقتله - 133 - 155) 133 -
134 - 135 - 136 - 137 - 139 - 140 - 141 - 142 - 143 - 144 - 145 - 147 - 148 - 149 - 150 - 151 - 153 - 154.
حجر بن عمرو 22/ 82.
حجر بن معاوية 12/ 194.
حجر بن النعمان بن الحارث 3/ 16.
حجر بن يزيد الكندي 11/ 48 - 49، 17/ 141 - 142 - 143.
حجناء بن جرير 8/ 34 - 78.
حجناء ابنة نصيب الأصغر 23/ 5 - 15 - 16 - 17.
حجية بن المضرب 20/ (ترجمته - 315 - 319) 315 - 316 - 317 - 318 - 319.
الحدّ 2/ 247 - 251.
الحدثان بن سعد النصري 22/ 59 - 63.
حدراء 8/ 87.
حدراء بنت زيق بن بسطام بن قيس الشيباني 21/ 297، 9/ 331 - 334 - 335 - 336.
الحدرجان بن مسلمة 13/ 82.
حديج الخصي 2/ 384.
حذاقة 8/ 229.
حذيفة - مولى جعفر بن سليمان - 20/ 106.
حذيفة بن بدر الفزاري 3/ 2 - 88، 17/ 182 - 190 - 192 - 195 - 197 - 200 - 202 - 203 - 204 -
205 - 208، 19/ 185.
حذيفة بن محمد الطائي 20/ 123.
الحر بن شمل بن جندل 13/ 23.
الحر بن عبد اللّه القرشي 17/ 327.
حرام 22/ 279.
الحر بن يوسف بن يحيى بن الحكم 11/ 281.
حرام بن عمرو بن زيد مناه 3/ 18.
حران بن بشر بن عمرو بن حرثد 14/ 79.
الحراني 1/م - ت 35.
حرب 12/ 70.
حرب بن امية 1/ 14، 2/ 259، 6/ 341 - 342، 15/ 323 - 329 - 330 - 331، 18/ 85، 22/ 54 - 56 - 57 - 58 - 59 - 60 - 62 - 72، 24/ 65 - 66.
حرب بن خالد بن يزيد بن معاوية 6/ 19.
حرب بن الزبير 11/ 271.
حرب بن عبد اللّه البلخي 20/ 14.
حرب بن عمرو الثقفي 18/ 249 - 250.
حربيش - مجنون بالبصرة - 21/ 358.
حرة بن ثعلبة 15/ 185.
حرث بن هشام 14/ 310.
الحرش 8/ 167.
الحرشي 4/ 67.
حرقة - بنت حسان بن النعمان بن المنذر - 24/ 63.
حرقفة - بنت مغنم بن عوف - 14/ 2.
حرقوص بن هبيرة 12/ 142.
الحرمازي 4/ 84، 8/ 397، 12/ 326.
حرملة بن الأشقر المرّي 16/ 287.
حرملة العكلي 11/ 158.
حرملة بن المنذر 12/ 127.
الحرمي بن ابي العلاء 2/ 166 - 264 - 263 - 270 - 272 - 279 - 282 - 283 - 285.
الحرون - الحارث بن زياد - 17/ 180.
حريث - رقاصة - 1/ 24 - 25.
حريث - ابو الفضل - 14/ 339.
حريث بن ابي الجهم 7/ 77.
حريث بن ابي الصلت الحنفي 14/ 339.
حريث بن زيد الخيل 17/ 246 - 269.
حريث بن عامر بن الحارث 19/ 27.
حريث بن عتاب 14/ 382 - 383 - 385.
حريث بن عمرو 11/ 290، 18/ 212.
حرير بن سلمى بن جندل 13/ 23 - 24.
الحريش بن كعب 8/ 181.
حريم 21/ 175.
حريم بن الحارث التيمي 24/ 81.
حزام - خادم للمعتصم - 19/ 245.
حزام بن جابر 21/ 184.
حزام بن خويلد 22/ 72.
الحزامي 3/ 360، 8/ 127.
حزرة 8/ 70.
حزقل أو حزقيل أو هرقل 20/ 122.
حزم 22/ 32 - 33.
الحزنبل بن سلا؟؟؟؟ بن زهير 3/ 291 - 292 - 295 - 297 - 298، 14/ 382، 19/ 27.
الحزنبل بن عمرو بن ابي عمرو 13/ 218.
الحزين - عمرو بن عبيد بن وهب - 15/ 323.
الحزين الديلي 12/ 175 - 271، 15/ 323 - 331 - 332 - 333 - 334 - 336 - 339.
حزين عامر بن الطفيل 8/ 246.
الحزين الكناني 1/ 231، 9/ 10 - 16/ 180، 20/ 2.
حسام بن ثابت 2/ 166.
الحسام بن سالم 24/ 5.
حسان 8/ 175 - 213 - 232، 15/ 198.
حسان بن بحدل 19/ 195 - 202.
حسان بن تبع 11/ 167، 22/ (ترجمته 316 - 320) 316 - 317 - 318 - 319.
حسان بن ثابت 2/ 170 - 185 - 166 - 8/ 269، 9/ 340، 12/ 67، 15/ 157 - 164 - 166 - 167 - 168 - 169 - 170، 16/ 295، 17/ 161 - 164 - 165 - 166 - 167 -
168 - 169 - 170 - 171 - 172 - 173 - 174 - 323، 21/ 371، 22/ 132، 23/ 98.
حسان بن جبلة الخير 17/ 370.
حسان بن حسان 16/ 267.
حسان بن حصين 24/ 24.
حسان بن سعد 2/ 412 - 408 - 413.
حسان بن عامر 11/ 148 - 160.
حسان بن عمرو بن مرثد 9/ 113.
حسان بن محدوج 12/ 141.
حسان بن وقاف 22/ 338.
الحسحاس بن نفاثة بن سعيد 22/ 303.
الحسن بن ابراهيم بن رباح 23/ 109 - 111 - 112 - 113 - 116.
الحسن بن أبي الحسن 12/ 286.
الحسن البصري 6/ 244، 9/ 266، 18/ 23 - 192، 20/ 351، 21/ 35 - 290 - 387 - 389 - 391.
الحسن التختاخ 18/ 191.
حسن الحاجب 20/ 218 - 223.
الحسن بن الحسن بن الحسن 21/ 118.
الحسن بن الحسن الخزاعي 13/ 62.
الحسن بن الحسن بن علي بن ابي طالب 2/ 206 - 217 - 218 - 219 - 220، 4/ 377، 6/ 98، 12/ 195، 13/ 12 - 62، 16/ 152، 19/ 180 - 181.
الحسن بن رجاء 16/ 392 - 393، 19/ 74 - 75 - 76، 20/ 156، 23/ 29 - 98.
الحسن بن زيد 3/ 291 - 292 - 293 - 294 - 295، 6/ 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 110، 4/ 377، 16/ 121 - 131، 20/ 12 - 186، 21/ 121.
الحسن بن سليمان 19/ 291 - 292، 22/ 210.
الحسن بن سهل 7/ 177 - 178 - 180 - 182 - 183، 10/ 60 - 65 - 132 - 137، 14/ 97 - 104، 16/ 215، 19/ 74 - 79 - 81 - 86 - 88 - 91، 20/ 54 - 156، 23/ 46 - 47 - 71 - 217.
الحسن بن الضحاك 9/ 303.
الحسن بن الطيب الشجاع 23/ 217.
الحسن بن عبد الملك بن صالح 10/ 213.
الحسن بن عتبة اللهبي 1/ 248 - 249.
الحسن بن علي 1/ 227 - 228، 2/ 330، 3/ 27، 4/ 419، 5/ 10 - 130 - 132، 7/ 258 - 259، 9/ 219، 12/ 7 - 195 - 196 - 197 - 248 - 328 - 329، 14/ 40 - 44 - 190 - 232، 15/ 342، 16/ 138 - 139 - 141 - 142 - 144 - 271 -
17/ 218 - 219، 22/ 229 - 230 - 110، 23/ 207.
حسن بن علي الخفاف 14/ 132 - 352.
الحسن بن عليل العنزي 13/ 159.
الحسن بن عمارة 8/ 409 - 410.
الحسن العنبري 23/ 250 - 251 - 252 - 253 - 254.
حسن بن محمد 14/ 169 - 116 - 178.
الحسن بن محمد بن طالوت 23/ 183 - 184 - 185.
حسن بن محمد بن علي بن ابي طالب 14/ 269.
الحسن بن مخلد بن الجراح 10/ 55، 18/ 161 - 163 - 164 - 165.
الحسن بن مروان التميمي 8/ 301.
الحسن بن مسلم 1/ 39.
الحسن بن المسور 20/ 227.
الحسن بن معاوية 12/ 229 - 249.
الحسن بن موسى 3/ 9، 1/م - ت 38.
الحسن بن هانىء 20/ 71.
الحسن بن وهب 8/ 357 - 364، 10/ 54 - 55 - 65، 16/ 312 - 397 - 398، 20/ 146 - 147، 23/ 63 - 64 - 65 - 66 - 67 - 68 - 74 (ترجمته - 95 - 116) 95 - 96 - 97 - 98 - 99 - 100 - 101 - 102 - 103 - 104 - 105 - 106 - 107 - 108 - 109 - 110 - 111 - 112 -
113 - 114 - 115 - 116 - 143 - 152.
الحسناء 20/ 343.
حسنوية 19/ 301.
الحسيبة - بنت جندب بن عمرو بن حممه الدوسي - 1/ 383.
حسيل بن جابر 15/ 203.
حسيل بن عمرو بن معاوية 22/ 239.
حسين - خادم المأمون - 10/ 197.
الحسين بن ايوب بن جعفر بن سليمان 23/ 26.
حسين الخليع 23/ 195.
حسين بن رهمة الكلبي 22/ 24.
الحسين بن زيد بن علي 17/ 4.
الحسين بن سعد 16/ 43.
الحسين بن الضحاك 8/ 360، 15/ 271، 19/ 234، 21/ 60 - 61.
الحسين بن عبد اللّه 12/ 66 - 67 - 69 - 70 - 334.
الحسين بن عبد اللّه بن عبيد اللّه بن العباس 10/ 162، 12/ 214 - 233 - 234، 13/ 241 - 242، 15/ 27.
الحسين بن عبد المطلب 5/ 101.
حسين بن علي بن حسين 4/ 347.
الحسين بن فهم 8/ 361.
الحسين بن علي 1/ 21، 5/ 10، 7/ 138 - 258 - 259 - 9/ 22 -
181 - 182 - 184 - 219، 11/ 176، 12/ 7 - 195 - 196 - 248، 13/ 263 - 14/ 51، 15/ 146 - 291، 16/ 136 - 137 - 139 - 140 - 143 - 144 - 145 - 147 - 150 - 151 - 152 - 153 - 154 - 155 - 156 - 157 - 158 - 160 - 161 - 164 - 166 - 168 - 170 - 173، 17/ 32 - 40 - 153 - 219 - 295 - 296، 18/ 40 - 62 - 288، 19/ 129 - 153 - 191، 21/ 114 - 115 - 159 - 360 - 383 - 393، 22/ 110.
الحسين بن محرز 16/ 257، 18/ 69 - 308 - 344 - 345، 19/ 105، 22/ 47، 24/ 5 - 14.
حسين بن محرز المثنى المديني 14/ 164.
حسين بن محمد بن شفوف الهاشمي 15/ 271.
الحسين بن مطر الأسدي 6/ 71.
حسين بن مطير الأسدي 18/ 356، 20/ 127.
حسين بن يحيى 5/ 5، 14/ 351.
حسين بن يزيد 4/ 347.
الحسين بن يزيد بن ابي الحكم السلولي 22/ 248 - 32.
حسينية اليسارية 2/ 325.
الحشرج بن الأشهب 12/ 23.
حشيش 14/ 359 - 360.
حصن بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل 21/ 351.
حصن بن حذيفة 11/ 133.
حصن بن يربوع 15/ 354.
الحصنين بن المنذر 11/ 323 - 324.
الحصين 10/ 39، 12/ 5، 17/ 192.
الحصين بن ابي الحر العنبري 12/ 307 - 324 - 325.
حصين بن اسيد 11/ 81.
الحصين بن براك 10/ 318.
الحصين بن حمام 12/ 17 - 266، 14/ 1 - 8 - 12 - 13 - 14 - 15 - 42 - 119، 23/ 32.
الحصين بن زهير 11/ 78.
حصين بن سبيع الغطفاني 14/ 3.
حصين بن ضمضم 10/ 293 - 294.
الحصين بن عبد اللّه الكلابي 17/ 150.
الحصين بن عبدة بن نعيم العدوي 18/ 2 - 40.
حصين بن غرير الحميري 1/ 393 - 411 - 412 - 413.
حصين المريان 9/ 23.
الحصين بن نمير 18/ 274 - 275 - 276، 19/ 195.
الحضر 2/ 140 - 144.
الحضرمي 17/ 151.
حضير 20/ 220.
حضير - الكتاب الأشهلي - 17/ 121 - 122 - 123 - 124 - 125 - 126 - 127 - 128 - 129.
الحضين بن المنذر 17/ 146.
حطاط بن يعفر 13/ 27.
الحطم - شريح بن ضبيعة 15/ 254.
الحطيئة 4/ 167، 8/ 91 - 244، 13/ 189، 17/ 82 - 224 (اخباره مع سعيد بن العاص - 225 - 228) 225 - 226 - 227 - 228 - 257 - 264 - 265 - 266 - 366، 18/ 146، 20/ 12، 21/ 313 - 358.
حفص بن ابي وردة 18/ 101 - 150.
حفصة بنت سعد 16/ 86.
الحفصي 19/ 308.
حفيد 3/ 65.
الحكم 13/ 277 - 278 - 351 - 355، 18/ 367، 19/ 288.
الحكم بن ابي الصلت 17/ 38 - 39.
الحكم بن ابي العاص بن امية الثقفي 17/ 349 - 369، 20/ 66 - 76.
الحكم بن ايوب 11/ 248.
حكم بن حزام 2/ 328.
الحكم الخضري 2/ 287 - 290 - 291 - 292 - 295 - 296 - 297 - 298 - 300 - 301 - 363 - 364 - 383 - 385، 22/ 31.
الحكم بن الزبير 7/ 68.
الحكم بن سعد العذري 6/ 200.
الحكم بن الصلت 11/ 377 - 378، 21/ 90.
الحكم بن عبد المطلب بن عبد اللّه 1/ 251 - 365 - 366.
الحكم بن عبدل الأسدي 2/ 412 - 415 - 416 - 419 - 422.
حكم بن عبدل الغاضري 2/ 411 - 416 - 417.
حكم بن عكرمة الدؤلي 20/ 2.
الحكم بن عتبة 8/ 409.
الحكم بن قنبر 14/ 164، 19/ 61 - 71 - 72 - 62 - 63 - 64 - 65 - 67 - 68 - 70، 23/ 162 - 163.
حكم بن عوانة الكلبي 18/ 31.
الحكم المستنصر 1/م - ت 34.
حكم بن معمر بن قنبر بن محارب 2/ 285 - 302.
الحكم بن المنذر بن الجارود 8/ 419.
الحكم بن هشام بن عبد الرحمن الداخل 1/م - ت 14.
الحكم بن الوليد 7/ 71 - 82.
حكم الوادي 1/ 243 - 2/ 345، 4/ 362 - 363، 14/ 369 - 373 - 374، 17/ 132، 18/ 106 - 107، 20/ 45 - 293 - 298، 22/ 101، 24/ 4.
حكمة بن حذيفة بن بدر 14/ 246.
الحكمي 20/ 247.
حكيم - أبو السائب بن حكيم - 12/ 188 - 190.
حكيم بن حزام 4/ 180 - 185 - 186 - 187، 6/ 352، 14/ 310.
حلبس الأسدي 18/ 42.
الحلبي 8/ 305.
الحلبي الشاعر 20/ 276 - 277.
حلحنة بن قيس بن الأشيم بن يسار 19/ 204 - 205 - 206.
الحليس بن زبان 15/ 200.
الحليس بن يزيد 22/ 59 - 63.
حليمة 12/ 239.
حليمة بنت فضالة 11/ 72 - 73.
حماء 17/ 94 - 96.
حماد 5/ 5، 8/ 92 - 104 - 113 - 142 - 200 - 253 - 283 - 285 - 305 - 315 - 327 - 358 - 362 - 415، 14/ 331 - 332 - 347 - 348 - 350 - 359 - 380.
حماد بن الأخطل 22/ 284.
حماد بن ابراهيم الموصلي 1/م - ت 13.
حماد بن اسحاق 1/ 5 - 49 - 59 - 67 - 117 - 307، 8/ 49 - 163 - 171 - 173 - 174 - 180 - 186 - 287 - 301 - 337 - 338 - 344 - 348 - 362، 14/ 84 - 85 - 164 - 279 -
301 - 339 - 351 - 362، 19/ 231 - 232 - 20/ 55.
حماد بن الحارث 1/ 5.
حماد الراوية 8/ 36، 11/ 7، 12/ 140 - 344، 17/ 2 - 3 - 112 - 319 - 330 - 331 - 332 - 336، 18/ 9 - 23 - 33 - 101 - 142 - 149، 19/ 21، 22/ 101 - 102، 24/ 220.
حماد بن الزربقان 6/ 74، 14/ 322، 16/ 223 - 224، 18/ 101.
حماد الشعراني 6/ 298.
حماد بن العباس 13/ 320.
حماد عجرد 3/ 137 - 205 - 223 - 250، 6/ 74 - 84، 13/ 281 - 282 - 283 - 284 - 285 - 300 - 311 - 316 - 317 - 319 - 320 - 327 - 329 - 334، 18/ 101 - 150.
حماد بن عمران الطليحي 14/ 123.
حماد بن الهيثم 21/ 368.
حماد بن نشيط الحسن 4/ 374 - 312.
حماد بن يحيى 14/ 369 - 373 - 374 - 101.
حماد اليزيدي 6/ 305.
حمادة - امرأة ابن الدمينة - 17/ 94.
حمادة بنت عيسى 10/ 262.
حمار ابن مويلع 8/ 402.
حماس - مولى عثمان بن عفان - 22/ 19.
حمامة 23/ 250.
حمدان 3/ 136.
حمدان بن ابان 6/ 174.
حمدان بن الخراط 3/ 152 - 153.
حمدون بن اسماعيل 7/ 78، 8/ 366، 9/ 286، 19/ 245.
حمدونة بنت الرشيد 8/ 119، 12/ 282 - 284.
حمدونة بنت عيسى بن موسى 16/ 363 - 364 - 365.
الحمدوي الشاعر 20/ 126.
حمدوية 3/ 250، 4/ 7 - 35.
حمدوية الأحول 21/ 48.
الحمراء بنت ضمرة بن جابر بن قطن بن نهشل ابن دارم 22/ 193.
الحمراني 3/ 142.
حمزة 12/ 321.
حمزة بن ابي سلالة 20/ 281.
حمزة بن بيض 12/ 291، 21/ 357.
حمزة بن عبد اللّه بن الزبير 3/ 356 - 357 - 360 - 361 - 362 - 363 - 364 - 365، 9/ 326 - 328، 21/ 291، 22/ 339.
حمزة بن عبد المطلب 4/ 188 - 189 - 197 - 225 - 308 - 345، 15/ 187 - 190 - 194 - 197 - 202 - 203، 22/ 73.
حمزة بن مالك الهمذاني 17/ 150.
حمزة بن المغيرة 16/ 86.
الحمس 11/ 145.
حمل بن بدر 17/ 182 - 195 - 198 - 200 - 205 - 206.
حممة بن عمرو 13/ 221.
حموية ابن اخت حسن الحاجب 20/ 318.
حموية الوصيف 16/ 342 - 343.
حميد بن الأرقط 2/ 163.
حميد بن بحدل 24/ 24 - 25 - 26 - 27 - 28.
حميد بن ثور الهلالي 8/ 259 - 163.
حميد بن الحارث 2/ 268 - 271.
حمد بن حريث بن بحدل 19/ 198 - 199 - 200 - 201 - 202 - 203 - 206 - 207، 24/ 23 - 24 - 45.
حميد الرؤاسي 14/ 271.
حميد بن سعيد 3/ 135 - 260، 18/ 155.
حميد الطوسي 4/ 95، 15/ 237، 18/ 151، 20/ 13 - 23 - 27 - 28 - 14 - 30 - 35 - 37 - 38 - 40 - 29 - 26 - 34 - 39.
حميد بن عبد الرحمن بن عوف 4/ 234.
حميد بن محطبة 4/ 388.
حميد بن نصر اللخمي 7/ 78.
حميدة - أم أشعب الطامع - 19/ 135.
حميدة - جارية ابن تفاحة - 1/ 168.
حميدة بنت امرؤ القيس 12/ 198.
حميدة بنت عمر بن عبد الرحمن بن عوف 1/ 30.
حميدة بنت النعمان بن بشير 9/ 227 - 233.
حمير بن سبأ 6/ 209.
حميس بن عامر 14/ 4.
حميصة بن قيس 21/ 163.
الحميضة 9/ 343.
حن - أبو حي من عذرة - 19/ 194.
حن بن زيد العذري 19/ 21.
حنبل 8/ 243.
حنان 8/ 337.
حنتمة بنت هاشم بن المغيرة 16/ 296.
حندج بن البكاء 11/ 85 - 88 - 93 - 172.
حنش بن عمرو 17/ 205 - 206.
حنظلة بن ابي الأشهب بن رميلة 12/ 29.
حنظلة بن ابي سفيان 6/ 350، 8/ 58 - 264.
حنطلة بن ثعلبة بن سيار حيي 24/ 67 - 69 - 70 - 71 - 72.
حنظلة بن ابي عفراء 22/ 89 - 90.
حنطلة بن الحارث 15/ 345 - 346.
حنظلة - بنت اخ زرارة - 11/ 126.
حنظلة الراهب 15/ 217.
حنظلة - الغسيل بن ابي عامر - 17/ 128.
حنظلة بن مالك 9/ 82، 18/ 20.
حنظلة بن هوبر 12/ 207.
الحنفاء 17/ 192.
حنيفة 8/ 180 - 181.
حنيفة بن لجأ 19/ 106.
حنين 1/ 65، 7/ 129، 16/ 262، 17/ 55 - 64 - 132 - 229، 18/ 138 - 374، 20/ 121 - 150، 21/ 198.
حنين - جد حنين بن بلوع - 2/ 355 - 356.
حواء - بنت يزيد بن سنان - 3/ 10.
حوى بن عمرو السكن 20/ 137.
حوثر بن سليم 12/ 314.
الحوثرة بن قيس 15/ 246.
حوش بن رويم الشيباني 8/ 319.
حوشب - رجل من كندة - 11/ 148.
حوشب بن ريط بن الحارث بن يزيد 22/ 341.
حوشب بن يزيد الشيباني 12/ 162، 17/ 39.
حوشبا 21/ 120.
حوط بن ابي جابر 17/ 187.
حوط بن خشرم 21/ 255.
الحوفزان 16/ 264، 17/ 255، 20/ 383، 21/ 300.
حي بن اخطب 6/ 357.
حي بن يحيى بن يعلى بن منية 12/ 335.
حيان 12/ 272، 13/ 37.
حيان بن بشر 23/ 203.
حيان بن علي العبدي 4/ 3 - 26، 15/ 281.
حية - كنية سحيم عبد بني الحسحاس - 22/ 303 - 309.
حية بنت رياح الغنوية 17/ 179.
الحيران 15/ 44 - 46.
خ
خارجة بن حصن 3/ 274.
خارجة بن زيد 17/ 165.
خارجة بن سنان 10/ 295.
خارجة بن شكر 13/ 274.
الخاركي النصري 20/ 130.
خازم الفهمي 21/ 181.
خاقان - غلام الواثق - 7/ 201.
خاقان عرطوج 7/ 215.
خاقان بن محمد بن شفوف الهاشمي 15/ 271.
خالد 8/ 81.
خالد - اخو مهروية - 19/ 290.
خالد بن ابي ايوب الأنصاري 20/ 198 - 200 - 201.
خالد بن اسيد 3/ 352 - 354.
خالد بن أمي 22/ 16.
خالد بن برمك السؤال 3/ 73 - 184 - 192 - 202 - 203.
خالد بن البكير 4/ 225 - 226.
خالد بن جابر بن ابي حبيب الخطاب 3/ 123.
خالد بن جعفر 11/ 82 - 83 - 85 - 87 - 88 - 89 - 90 - 92 - 95 - 97 - 106 - 114 - 121 - 124، 15/ 343 - 344.
خالد بن جعفر بن زهير بن جذيمة 15/ 51.
خالد بن جعفر بن كلاب 17/ 179، 20/ 217.
خالد بن جمل 2/ 72 - 77.
خالد بن الحارث 10/ 17.
خالد بن حلزة 9/ 198.
خالد بن خالد بن الوليد 11/ 374 - 375.
خالد بن خراش 8/ 298.
خالد بن زهير بن جذيمة 11/ 94.
خالد بن سعيد 8/ 406، 14/ 237.
خالد بن سعيد بن العاص 15/ 113 - 211، 17/ 228.
خالد بن صامة 18/ 333 - 334.
خالد بن الصباح 18/ 190.
خالد بن صفوان بن الأهتم 2/ 163، 3/ 244، 14/ 263، 20/ 391، 21/ 49، 22/ 25 - 26 (ترجمته
- 1 - 29) 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 23 - 24 - 25 - 26 - 27 - 28 - 29.
خالد بن الصقب الهندي 15/ 223.
خالد بن الصمة 10/ 4 - 5 - 8 - 17 - 18 - 19.
خالد بن طليق 18/ 199 - 204.
خالد بن العاصي بن هشام 1/ 108.
خالد بن عبد اللّه 6/ 338.
خالد بن عبد اللّه بن اسيد بن ابي العيص بن امية 1/ 280.
خالد بن عبد اللّه بن خالد بن اسيد 18/ 262 - 272 - 277.
خالد بن عبد اللّه القسري - خالد الحريث - 1/ 152 - 154 - 175 - 416، 2/ 348 - 349، 7/ 4، 10/ 154 - 155، 12/ 40 - 43 - 14/ 151، 16/ 279، 17/ 3 - 4 - 5 - 8 - 9 - 10 - 11 - 20 - 34، 21/ 312 - 313 - 347 - 378 - 379 - 404، 22/ 7، 24/ 227 - 228 - 229 - 230.
خالد بن عبد اللّه بن عمرو بن عثمان بن عفان 19/ 149.
خالد بن عبد الملك 3/ 359، 16/ 171 - 172.
خالد بن عبيد اللّه 7/ 286.
خالد بن عتاب بن ورقاء 2/ 349، 6/ 42 - 43 - 44 - 45 - 57، 7/ 231 - 232 - 233.
خالد بن عرفطة العذري 17/ 145 - 220، 19/ 8.
خالد العسري 11/ 379.
خالد بن عقبة 1/ 35، 2/ 252 - 253 - 257.
خالد بن علقمة - ابن الطيفان - 12/ 340.
خالد بن فضلة 5/ 213.
خالد بن القعقاع العبسي 7/ 3.
خالد الكاتب 20/ (ترجمته - 273 - 287) 274 - 275 - 276 - 277 - 278 - 280 - 279 - 281 - 282 - 283 - 284 - 285 - 286 - 287 - 22/ 212 - 213، 23/ 75 - 82 - 83 - 208 - 209 - 210.
خالد بن كلثوم 2/ 78 - 79 - 129 - 130 - 131 - 27 - 5، 3/ 52 - 53 - 54 - 65 - 66، 8/ 306، 10/ 180، 11/ 260 - 265 - 281 - 325، 13/ 102، 16/ 27، 18/ 8.
خالد بن مالك النهشلي 13/ 21 - 22.
خالد بن المضلل الفقعسي 22/ 86 - 91 - 92.
خالد بن المهاجر 16/ 193 - 194 - 195 -
196 - 197 - 198 - 199 - 200 - 201.
خالد بن نعيم بن قعنب 22/ 233.
خالد بن نفيل 11/ 127.
خالد بن هوذة 22/ 63.
خالد بن الوليد 4/ 4، 5/ 141، 7/ 279 - 282 - 283 - 285 - 287 - 288 - 289، 8/ 234، 13/ 201 - 208، 14/ 88 - 15/ 186 - 187 - 188 - 211 - 299 - 300 - 302 - 303 - 304 - 305 - 306 - 307 - 308، 16/ 28 - 196 - 197 - 293 - 296، 18/ 124، 22/ 93.
خالد بن يزيد 4/ 124، 13/ 12 - 178، 14/ 232، 17/ 340 (ذكر خبره ورملة واخبارها وانسابهما - 340 - 350) 341 - 342 - 343 - 344 - 345 - 346 - 347 - 348 - 350، 19/ 126، 21/ 156 - 55، 24/ 25.
خالد بن يزيد البهراني 24/ 61 - 73.
خالد بن يزيد بن حاتم 20/ 107 - 108 - 109 - 113 - 114 - 216 - 111 - 112 - 115 - 117.
خالد بن يزيد بن مزيد 16/ 315 - 391، 23/ 53 - 54، 24/ 253 - 254 - 255.
خالد بن يزيد بن هبيرة 14/ 195.
خالدة بنت ابي العاص 13/ 200.
خالدة بنت جعفر 16/ 283.
خالصة 15/ 289.
خبطة بن الفرزدق 21/ 276.
خبيب بن عبد اللّه بن الزبير 6/ 266.
خبيب بن عدي 4/ 225 - 226 - 228 - 229 - 230.
خبيب بن عمر 4/ 225.
خبية بنت رياح 11/ 125.
خثعم 14/ 219.
الخثعمي 17/ 150.
الخثيم بن مالك 4/ 280 - 281.
خداش بن زهير 3/ 2 - 3 - 4 - 5 - 6، 22/ 60 - 61 - 64 - 65 - 70 - 66 - 71.
خداش الكندي 22/ 14.
خداش بن عبد اللّه 22/ 240.
خداع 12/ 146 - 147 - 151.
خديج - ابو رافع بن خديج - 17/ 124 - 280.
خديجة بنت خويلد 3/ 119 - 120 - 122، 4/ 208، 13/ 346، 16/ 137، 17/ 280، 21/ 122.
خراء الزنج 19/ 147.
خرّاز 14/ 217 - 240.
خرداذبة 8/ 322.
الخرزاد ابن الهرير 8/ 402.
خرشة 2/ 302 - 303.
خرفاء العامرية 18/ 81 - 13 - 22 - 33 - 24 - 37 - 38 - 40 - 36 - 39 - 41.
خرقاء 24/ 83 - 84.
خريم بن فاتك الأسدي 11/ 252، 20/ 307.
الخريمي 20/ 40 - 41.
خزاعة 14/ 150 - 152 - 302.
الخزامي 12/ 34.
خزيم بن ابي الهيذام 20/ 4.
خزيمة الأسدي 15/ 150.
خزيمة بن حازم 18/ 243.
خزيمة بن خازم 4/ 99 - 100 - 280 - 281، 19/ 49 - 57، 23/ 18.
خزيمة بن نهد 13/ 78 - 79 - 80.
الخزيمي 13/ 150.
خساء - جارية - 19/ 308 - 309.
خشابة 3/ 180.
الخشخاش 21/ 297.
خشف - جارية زلبهزة النخاس - 11/ 353.
خشف الواضحية 4/ 114.
الخشنشار 18/ 186 - 187.
خشينة 13/ 47 - 50.
خصيلة بن مرة 14/ 1.
الخضر 2/ 285، 18/ 245، 19/ 6.
لخضر بن جبريل 19/ 290، 23/ 137 - 138.
الخطاب بن نفيل - عم زيد بن عمرو بن نفيل - 22/ 62.
الخطار 17/ 192.
خطيب الشيطان 22/ 11.
الخطيم 3/ 2 - 3 - 5 - 7.
خفاف بن رحضة العفاري 4/ 185.
خفاف بن عباد الشريدي 8/ 240.
خفاف بن عمرو 2/ 329.
خفاف بن عمير بن الحارث 15/ 87 - 89 - 90 - 98.
خفاف بن ندبة 17/ 128 - 129، 18/ (ترجمته - 73 - 92) 73 - 74 - 75 - 77 - 79 - 80 - 81 - 83 - 84 - 85 - 86 - 87 - 90 - 91.
خلاد بن أبي عمرو الأعمى 15/ 387.
خلاد بن محمد 4/ 141.
خلف الأحمر 3/ 190، 8/ 9، 10/ 81، 15/ 223، 18/ 130 - 174، 20/ 226 - 230 - 231 - 235.
خلف بن ابي عمرو بن العلاء 3/ 190 - 191.
خلف المصري 10/ 62.
الخلنجي 11/ 338.
خلوب - جارية - 10/ 171.
خليد 7/ 71.
خليد بن عبيد الوادي 14/ 371.
خليدة 13/ 191 - 196.
خليدة المكية 17/ 52 - 125.
خليفة 8/ 49 - 60 - 252 - 295.
خليفة بن بوزل 8/ 160 - 161 - 163 - 164.
الخليل بن احمد الأزدي 6/ 160، 11/ 298، 18/ 184، 20/ 222 - 223 - 355.
خليل بن اسد النوشجاني 14/ 101.
الخليل المعلم 21/ (ترجمته - 196 - 198) 196 - 197.
الخليل بن هشام 19/ 82.
خماعة بن خثعم ابن انمار 12/ 215.
خمخام 18/ 270 - 278 - 288 - 271.
خنابرين 24/ 62.
خناس 19/ 183 - 192.
خناس بنت مالك 15/ 181.
خندق 8/ 316.
خندق الأسدي 9/ 17، 12/ 174 - 175 - 176 - 177، 13/ 177.
الخنساء 4/ 167 - 210 - 211، 12/ 10، 14/ 202 - 302 - 318، 15/ 76 - 87 - 89 - 102، 17/ 178، 20/ 263.
الخنسيق الجشمي 22/ 63.
خوات بن جبير 14/ 318، 15/ 188، 22/ 110.
خولة 17/ 162.
خولة بنت سنان 11/ 157 - 158.
خولة بنت قيس بن زياد بن مالك العجلان 24/ 177.
خولة بنت منظور بن زبان بن سيار الفزاري 21/ 287.
خولة بنت يزيد بن ثابت 3/ 59 - 60.
خويلد بن اسد 17/ 312.
خويلد بن مسرة 21/ 361.
خويلد بن نفيل 11/ 127، 14/ 311 - 312.
خياط في سوق المربد 18/ 23.
خبيرى بن عبادة 17/ 319 - 322.
خيرة - امرأة المهلب بن ابي صغرة - 3/ 136، 21/ 344 - 345.
خيثمة 22/ 143 - 144 - 145.
الخيزران - أم الهادي والرشيد - 4/ 58 - 59، 10/ 162 - 248 - 255 - 162، 14/ 171، 15/ 289، 19/ 242 - 274.
خيوان بن نواف 14/ 272.
د
دابغ 22/ 327 - 328 - 329.
داحة 12/ 112.
داحس 17/ 187 - 188.
داحس والغبراء 17/ 187.
دارم بن عقال 22/ 117.
دارم بن مالك بن حنظلة 14/ 256.
الدارمي 13/ 17.
داود 8/ 220، 12/ 265 - 267، 14/ 28 - 29، 24/ 118 - 119.
داود بن ابي رزين 20/ 152.
داود بن ابي عيينة 20/ 102.
داود بن ابي هند 13/ 319.
داود بن احمد بن ابي داود 14/ 40.
داود بن اسماعيل بن علي بن عبد اللّه بن العباس 14/ 368.
داود بن حرمة 11/ 295.
داود السندي 17/ 237.
داود بن سليمان بن مروان 3/ 358 - 365.
داود بن علي 1/ 210 - 211، 4/ 330 - 346 - 347 - 348.
11/ 298.
داود بن عمرو الضبي 14/ 307.
داود بن محمد بن طلحة 12/ 195.
داود بن المساور 8/ 303.
داود بن مزيد بن حاتم بن قبيصة 20/ 105.
داود بن يزيد 18/ 343، 20/ 32.
داود بن يزيد المهلبي 19/ 43.
دبية السلمي 21/ 209.
دثار بن شيبان 2/ 183.
دجاجة بنت اسماعيل بن الصلت السلمي 18/ 183.
دجاجة بنت عبد اللّه 16/ 264.
دجيم بن يونس بن عبد اللّه الخياط 20/ 8.
دجينة 17/ 126.
دحمان 1/ 134 - 146 - 152 - 161 - 243 - 274، 15/ 3، 17/ 75 - 240، 18/ 303، 20/ 34 - 294 - 325.
دحمان الأشقر 14/ 369 - 372، 24/ 97 - 98.
دحية بن خليفة الكلبي 6/ 348 - 349.
دراج 20/ 358.
الدراك 17/ 180.
دراهم 20/ 118.
درة 19/ 116 - 117 - 118 - 119.
درماء 22/ 327.
درن - مولى الخضريين - 22/ 41.
دريد بن حرملة المذيان 15/ 87 - 90 - 100.
دريد بن الصمة 12/ 13 - 21، 14/ 125، 16/ 65 - 66 - 67 - 68، 18/ 77 - 78 - 79 - 92.
دعى زياد 18/ 273 - 275.
دعبل بن علي 14/ 264 - 268،
17/ 1 - 26 - 19/ 47 - 51 - 53 - 75 - 85، 20/ 112 - 113 (ترجمته - 119 - 189) 120 - 121 - 125 - 131 - 122 - 123 - 124 - 126 - 127 - 128 - 129 - 130 - 311 - 132 - 133 - 134 - 135 - 136 - 142 - 139 - 137 - 138 - 140 - 141 - 142 - 143 - 144 - 145 - 146 - 147 - 148 - 149 - 150 - 151 - 152 - 153 - 154 - 155 - 156 - 157 - 158 - 159 - 160 - 161 - 162 - 163 - 164 - 165 - 166 - 167 - 168 - 175 - 174 - 170 - 171 - 172 - 174 - 175 - 176 - 178 - 179 - 180 - 181 - 182 - 183 - 184 - 185 - 186 - 276 - 321، 23/ 29 - 78 - 115 - 116 - 189 - 203.
دعد 3/ 175، 12/ 116، 22/ 378.
الدعلجي 18/ 101.
دعموص 8/ 264.
دعنكة 13/ 173 - 174.
دعيج بن سيف بن جذيمة بن وهب الطائي 12/ 278 - 279.
دغفل بن حنظلة النسابة 6/ 147، 14/ 272.
دفافة العبسي 20/ 217 - 223، 23/ 9 - 10.
دكين بن شجرة 6/ 78، 9/ 262.
الدلال 8/ 217، 18/ 332، 19/ 168 - 180.
دلامة بن زند الجون 10/ 263 - 264.
دلهم 8/ 266.
دماذ 2/ 56، 3/ 184، 8/ 299 - 263، 14/ 72 - 81.
دمن 22/ 52 - 53.
الدمينة - بنت حذيفة السلولية - 17/ 93.
دنانير 1/ 184 - 189 - 243 - 253 - 268، 2/ 214، 13/ 339 - 340، 18/ 64 (ترجمتها - 64 - 72) 65 - 67 - 68 - 69 - 70 - 71 - 72، 22/ 49.
دندان 24/ 229.
دندن الكاتب 23/ 73.
دنيا - جارية فاطمة بنت عمر بن حفص الملقب هزار مرد - 20/ 79 - 80 - 81 - 87 - 94 - 86 - 102 - 113 -
85 - 86 - 88 - 90 - 93 - 101.
دهمان بن نصر 14/ 256.
دوران 13/ 46.
دوس ذو ثعلبان 17/ 303 - 304.
دوس 12/ 210.
دومة بنت رباح 24/ 223 - 224.
دؤول 17/ 246.
دويل 24/ 35 - 36.
الديان بن جندل 24/ 75.
ديباجة الحرم 19/ 156 - 157.
الديراني 9/ 321.
ديسم العنزي 3/ 152.
ديسم بن المنهل بن خزيمة 3/ 65 - 66 - 67.
ديك الجن 14/ 51 - 52 - 57 - 58 - 60 - 65.
ديكل 13/ 357.
ديل بن بكر 13/ 274.
دينار - رجل من بني الحارث - 22/ 338.
دينار بن عبد اللّه 20/ 155 - 156.
ذ
ذات الخال 9/ 239، 16/ 341 - 342 - 344 - 347 - 348 - 349.
ذات الصليب 21/ 298.
ذبيان بن أبي ذبيان العدوي 21/ 303.
ذبياني 14/ 14.
ذريح 9/ 182 - 183 - 184 - 194،
18/ 169.
ذفافة العبسي 20/ 396.
ذكاء بن أحمد بن يوسف الكاتب 15/ 253.
ذكاء وجه الرزة 22/ 122.
ذكوان 1/ 12.
ذهل بن ثعلبة 20/ 32.
ذو الأكتاف 19/ 121 - 132.
ذو الثفنات 20/ 143.
ذوجدن الهمداني 17/ 305.
ذو رعين 7/ 264، 22/ 317.
ذو الرقيبة 11/ 152.
ذو الرمة 1/ 348، 6/ 88، 17/ 29 - 30 - 129 - 399، 18/ (ترجمته - 1 - 52) 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 12 - 13 - 14 - 15 - 31 - 24 - 20 - 16 - 17 - 18 - 22 - 23 - 24 - 25 - 27 - 28 - 29 - 26 - 30 - 31 - 32 - 33 - 34 - 35 - 36 - 37 - 38 - 40 - 41 -
42 - 43 - 44 - 45 - 46 - 47 - 48 - 50 - 51 - 52، 19/ 26 - 104، 20/ 216 - 263، 21/ 1 - 201 - 326، 22/ 217، 24/ 83 - 84.
ذو الرياستين 19/ 53.
ذو شناتر الحميري 22/ 318 - 319.
ذو العقال 17/ 187 - 188.
ذو القرن الحارثي 10/ 18 - 19.
ذو القرنين 22/ 338.
ذو نواس 15/ 321، 17/ 303 - 304.
ذو الودعات 20/ 226.
ذو يزن 18/ 270 - 275، 7/ 264.
ذو اليمينين 18/ 241، 20/ 95 - 96 - 155، 23/ 214 - 215.
ذؤاب بن أسماء بن زيد بن قارض 10/ 11 - 13.
ذؤاب بن عبد اللّه 17/ 259.
ذؤاب بن غالب 3/ 272 - 273.
ذؤيب بن سعد بن عداء 12/ 54.
ر
الراجز العجلي 15/ 369.
راحة - جارية لعبد اللّه بن العباس الربيعي - 19/ 246.
الرازي 8/ 87.
رأس الكلب 24/ 247.
راشد الكاتب 23/ 57 - 58.
راشف الخناق 4/ 111.
الراعي 17/ 33، 18/ 25 - 31 - 36 - 35، 19/ 199، 21/ 360، 24/ 34
(ترجمته - 204 - 218) 205 - 206 - 207 - 208 - 209 - 210 - 211 - 212 - 213 - 214 - 215 - 216 -
217 - 218،
رافع بن خديج 15/ 184، 17/ 124.
رافع بن صهيب جندل 13/ 23 - 24.
رامشة 19/ 108.
رائقة 17/ 162 - 166.
رب مروان - جرير بن عبد اللّه البجلي - 21/ 139 - 140.
الرباب 4/ 217 - 229، 9/ 82، 15/ 260، 17/ 270 - 273، 18/ 114، 19/ 127، 20/ 84.
الرباب - إحدى القيان من القدائم - 17/ 162.
الرباب - امرأة ذكرها امرؤ القيس - 17/ 190.
الرباب - معشوقة عمر بن أبي ربيعة - 22/ 8.
رباب بن ثور بن أبي حارثة 9/ 271 - 272.
الرباب بنت امرء القيس 16/ 138 - 139 - 140 - 141 - 142 - 150.
الرباب بنت براء 16/ 336.
الرباب بن رميلة 11/ 113 - 266.
ربابة 3/ 227.
رباع بن عبيدر 11/ 75.
ربضة بن النعمان الشيباني 22/ 328.
الربيعي 1/ 133.
ربيحة 15/ 60 - 61 - 62 - 71، 19/ 128.
ربيحة - جارية أمين - 11/ 264 - 265 - 367.
ربيحة الشماسية 2/ 237.
ربيحة بنت محمد بن عبد اللّه ابن جعفر 12/ 238.
الربيع 14/ 331 - 358، 19/ 277 - 278 - 279 - 22/ 247 - 246، 23/ 38.
الربيع بن أبي الحقيق 22/ (ترجمته - 127 - 130).
الربيع بن أبي الهيثم 1/ 286.
الربيع رئيس لبني قريظة 22/ 128 - 129 - 130.
الربيع بن زياد 3/ 74 - 239، 8/ 244، 10/ 294، 11/ 95 - 132 - 133، 15/ 363 - 364 - 365 - 366 - 367، 17/ 178 - 187 - 196 - 179 - 208 - 180 - 183 - 181 - 182 - 185 - 186 - 195 - 197 - 198 - 200.
الربيع بن ضبع الفزاري 9/ 97، 22/ 118.
ربيع بن عامر 11/ 132.
الربيع بن عبد اللّه بن الربيع الحارثي 23/ 8 - 9.
ربيع بن عمارة 17/ 182.
الربيع بن عمرو الغداني 6/ 143 - 144.
ربيع بن قعنب 11/ 112، 13/ 38 - 41.
ربيع بن مالك 8/ 25.
الربيع بن معوذ بن عفراء الأنصارية 1/ 65.
الربيع بن يونس بن أبي فروة 19/ 219.
الربيع بن يونس بن محمد بن عبد اللّه 7/ 243، 14/ 177.
ربيعة 8/ 60 - 289 - 319، 13/ 121 - 122 - 124 - 151 - 153، 14/ 275 - 280 - 290 - 294.
ربيعة - ولداه كليب ومهلهل - 19/ 18 - 128.
ربيعة بن أبي ظبيان بن أبي ربيعة 22/ 63 - 72.
ربيعة بن أمية 4/ 120، 15/ 21.
ربيعة بن ثور الأسدي 15/ 77 - 78.
ربيعة بن جعفر بن كلاب 17/ 179.
ربيعة بن حذار الأسدي 13/ 197 - 198، 21/ 203.
ربيعة بن حضار 11/ 199.
ربيعة الخير بن قرط بن سلمة 17/ 199.
ربيعة بن رفيع السلمي 10/ 32.
ربيعة الرقي 14/ 167، 16/ 253 - 265.
ربيعة بن شكل بن كعب 11/ 132.
ربيعة بن عامر بن أنيف 20/ 205.
ربيعة بن عبد الرحمن 23/ 228 - 229.
ربيعة بن عبد اللّه بن أبي بكر بن كلاب 11/ 126.
ربيعة بن عقيل 8/ 181، 11/ 127.
ربيعة بن علي 22/ 71.
ربيعة بن غزالة السكوني 24/ 68 - 69.
ربيعة بن قبيصة بن روح المهلبي 20/ 105.
ربيعة بن قرط 11/ 126.
ربيعة بن قطيعة بن عبس 24/ 54.
ربيعة بن كعب 16/ 328.
ربيعة بن مخاشن 3/ 90.
ربيعة بن مفرغ 19/ 254.
ربيعة بن مقروم 22/ (ترجمته - 97 - 105) 97 - 98 - 99 - 100 - 101 - 102.
ربيعة بن مكدم 16/ 55 - 56 - 57 - 58 - 59 - 60 - 61 - 62 - 64 - 66 - 67 - 70 - 73 - 74 - 75 - 77.
ربيعة بن مكرم الفراسي 15/ 221.
ربيعة بن ناجد الأزدي 17/ 141 - 142.
ربيعة بن نزار 13/ 79، 14/ 290، 16/ 354.
ربيعة بن نصر اللخمي 15/ 314.
رجاء بن هارون 24/ 257.
رجل من أهل اليمن 17/ 278.
رجل من بني زبيد 17/ 289.
رجل من بني عبد اللّه بن غطفان 17/ 190.
رجل من ثمالة 17/ 297.
رجل من عاد 21/ 93.
رجل من فزارة 17/ 266.
رجل من ولد عمر بن الخطاب 24/ 239 - 240 - 241.
رحاص - داية - 12/ 88 - 89.
الرحال 21/ 17.
رحب القتيلية 20/ 3.
رحضة بن خزيمة بن حلاق بن حارثة بن غفار 21/ 16.
رحمة بن نجاح 21/ 87 - 89.
رحيمة 4/ 126.
رخاص - جارية مغنية - 23/ 149 - 150 - 1.
رخية 8/ 128.
ردف بن المنذر 13/ 129.
رذاد 20/ 87 - 287.
رذاذ بن الأخرم بن مالك 24/ 185.
رذاّن بن مسلم 6/ 338.
رزين بن علي 20/ 159 - 64.
رزين العروضي 6/ 160.
رستم 16/ 79.
رسول اللّه - النبي محمد - 16/ 28 - 29 - 32 - 79 - 81 - 88 - 142 - 143 - 148 - 152 - 156 - 171 - 175 - 187 - 188 - 189 - 191 - 194 -
195 - 196 - 213 - 225 - 226 - 227 - 230 - 232 - 245 - 269 - 294 - 295 - 299 - 365 - 371، 23/ 241، 24/ 76 - 112 - 178.
رشأ - خادم علية - 10/ 165 - 166 - 167.
رشية 2/ 162.
الرشيد 1/ 2 - 7 - 9 - 10 - 82 - 379 - 399 - 417، 2/ 353 - 238، 3/ 70 - 71 - 72 - 251 - 266 - 303 - 305، 4/ 22 - 29 - 30 - 47 - 64 - 65 - 66 - 67 - 68 - 31 - 32 - 42 - 51 - 63 - 97 - 73 - 74 - 75 - 89 - 92 - 93 - 102 - 103 - 104 - 105 - 106 - 330 - 332 - 341 - 359 - 360 - 361 - 365، 5/ 155 - 164 - 169 - 174 - 178 - 191 - 202 - 208 - 210 - 215 - 220 - 224 - 228 - 231 - 239 - 243 - 246 - 249 - 258 - 264 - 268 - 299 - 302 - 322 - 333 - 380 - 412 - 419 - 422، 6/ 31 - 164 - 165 - 179 - 180 - 185 - 187 - 188 - 205 - 260 - 261 - 262 - 283 - 291 - 297 - 298 - 301 - 304 - 306 - 307 - 308 - 309 - 318 - 319 - 325 - 336، 7/ 18 - 100 - 104 - 157 - 163 -
226 - 227 - 255 - 256 - 277 - 278، 8/ 146 - 349 - 355 - 356 - 371 - 372، 10/ 69 - 79 - 80 - 81 - 88 - 94 - 98 - 99 - 122 - 128 - 131 - 163 - 168 - 169 - 171 - 172 - 173 - 175 - 176 - 177 - 178 - 179 - 181 - 182 - 187 - 188، 11/ 35 - 63 - 272 - 341 - 348 - 360 - 361 - 362، 12/ 149 - 191 - 192 - 235، 13/ 112 - 113 - 122 - 123 - 124 - 140 - 141 - 143 - 144 - 145 - 146 - 147 - 148 - 149 - 150 - 151 - 152 - 153 - 157 - 295 - 332 - 349، 14/ 167 - 174 - 175 - 77 - 187 - 188 - 190، 15/ 23 - 25، 22/ 46 - 47 - 48 - 212 - 253 - 342 - 343، 23/ 1 - 2 - 38 - 90 - 91 - 93 - 136 - 137 - 138 - 161 - 176 - 219 - 221 - 222، 24/ 137،
رشيد - غلام من سبي أصبهان - 17/ 138 - 143.
الرشيدي 1/م - ت 36.
الرضا 10/ 52.
الرضيا 2/ 359.
رضيا - بنت علي بن عبد اللّه - 1/ 212.
3/ 110،
الرطاب الجدي 19/ 314.
رعلة 15/ 12.
رعوم 8/ 302.
رفاعة بن زوي النهدي 12/ 33 - 36.
رفاعة بن شداد 17/ 143 - 144.
رفاعة العمري 16/ 229.
الرقاشي 16/ 244.
الرقطاء 16/ 94.
رقية 17/ 276.
رقية بنت عامر 16/ 380 - 381.
رقية بنت عبد شمس 4/ 110 - 120.
رقية بنت الفضل بن الربيع 19/ 221 - 241 - 243.
ركضة بن علي بن عيينة 2/ 336.
رماح بن واهصة الخصي 2/ 334.
رمانة - رجل من همذان 23/ 256.
رملة بنت أبي سفيان 6/ 344.
رملة بنت الزبير بن العوام 6/ 207، 14/ 250، 17/ 212 - 340 - 341 - 350 - 342 - 343 - 344 - 346 - 347، 19/ 128.
رملة بنت عبد اللّه بن خلف الخزاعية 1/ 214 - 216 - 217 - 219 - 220، 15/ 323.
رملة بنت معاوية بن أبي سفيان 1/ 275، 3/ 356، 15/ 106 - 107 - 109 - 110 - 111، 16/ 34.
الرميح 12/ 365.
رميلة 12/ 29 - 31.
رميم بنت أحمد بن جندل السعدي 14/ 71.
رهصة بن النعمان 12/ 206.
رهم بنت الحباب 13/ 27.
رهيمة أو أمية - أم بكر - 12/ 160 - 161 - 162 - 163 - 167.
رهيمة بنت عنيم بن درهم 9/ 343.
رهيمة بنت غنى بن درهم النميرية 21/ 316.
رواحة الجمحي 11/ 117.
رؤاس بن كلاب بن ربيعة بن عامر 8/ 313.
رؤبة 10/ 311، 12/ 36، 18/ 9 - 25 - 30 - 35، 20/ (ترجمته - 344 - 355) 345 - 405 - 346 - 347 - 350 - 351 - 352 - 353 - 354 - 355 - 392.
رؤبة بن الحجاج 3/ 353.
روح بن حاتم 3/ 213 - 216، 9/ 236، 10/ 235 - 243، 12/ 59، 15/ 60 - 67.
روح بن زنباع الجزامي 1/ 21، 8/ 110 - 116 - 112، 9/ 228 - 229 - 231 - 232 - 233 - 314، 16/ 53 - 54 - 234، 17/ 232، 19/ 195.
روح بن مقبل 7/ 81.
روضاء بنت عمرو 6/ 212 - 231 - 232.
الروق 22/ 112 - 113.
رومان 17/ 261.
رومي بن عامر 23/ 224 - 249.
رئاب بن ناضرة بن المؤمل من بني لحيان 21/ 266.
ريا بنت الكميت بن زيد 17/ 39، 18/ 93 - 95.
ريا بنت نضر بن عامر بن كعب بن أبي بكر 24/ 188.
رياح أبو كحلبة 24/ 154.
رياح بن الأسلك 11/ 70 - 77 - 78 - 91.
رياح بن سعد 21/ 140.
رياح بن ظالم 19/ 15.
رياح بن عثمان 2/ 332 - 337 - 338.
رياح بن عقيل 5/ 22.
رياح بن معقل 21/ 140.
الرياشي 3/ 91 - 121، 8/ 43 - 355 - 370 - 418، 9/ 237، 23/ 25 - 26.
رياض - جارية أبي حماد - 4/ 114.
ريان السواق 4/ 415 - 416، 7/ 142.
ريحان بن سويد 2/ 295 - 296.
ريحانة 17/ 307.
ريحانة بنت معد بن يكرب الزبيدي 10/ 4 - 13، 15/ 211 - 225 - 226 - 239.
ريسان العذري 22/ 27.
ريش بلغب 21/ 127.
ريش نسر 21/ 127.
ريطة - أخت تأبط شرا - 21/ 168.
ريطة - أخت عمرو ذي كلب - 22/ 353.
ريطة بنت جندل الطعان 16/ 67.
ريطة بنت سعيد بن سعد بن سهم 1/ 64.
ريطة بنت عبد اللّه 16/ 274.
ريطة بنت عبد اللّه بن عبد المدان 21/ 125.
ريطة بنت أبي العباس 3/ 266، 10/ 249 - 250 - 255 - 268 - 269.
ريطة بنت منبه الحجاج 17/ 283.
ريعان التميمي 19/ 274.
ريم 13/ 300 - 301، 18/ 235.
ز
زائد بن معن 4/ 26.
زائدة بن عبد اللّه 16/ 264.
زائدة بن قدامة 19/ 126.
زائدة بن معن بن زائدة الشيباني 15/ 277 - 282.
الزائديون (98 نسبة إلى زائدة) - جد 12/ 100.
زامل بن مروان ابن عوف 13/ 29.
الزباء 15/ 316 - 317 - 318 - 319 - 320.
زبان بن سيار الفزاري 3/ 270 - 271 - 272.
زبان بن سيار بن عمرو بن جابر 14/ 5.
زبراء 3/ 307، 19/ 8 - 127.
الزبرقان 2/ 179 - 180 - 181 - 183 - 185 - 186 - 191 - 194.
الزبرقان بن بدر الأحنف 21/ 34 - 35.
الزبرقان بن بدر السعدي 4/ 146 - 148، 13/ 191 - 193 - 197 - 198، 14/ 76 - 85، 21/ 203.
زبيبة 8/ 239 - 240 - 243.
زبيدة - أم توبة - 11/ 222.
زبيدة - أم جعفر - 23/ 14 - 15.
زبيدة - أم محمد الأمين - 21/ 67.
زبيدة - بنت جعفر - 4/ 66، 6/ 309، 19/ 279 - 280.
الزبيدي 16/ 3.
الزبيدي الطنبوري 22/ 208.
الزبير بن العوام 2/ 279 - 283 - 287 - 291 - 301 - 306 - 370 - 371، 3/ 8 - 10 - 17 - 118 - 120 - 122 - 124 - 126 - 127 - 151، 7/ 130، 8/ 128 - 142 - 183 - 358،
12/ 35 - 114 - 177 - 182 - 186 - 193 - 194 - 195 - 196 - 217 - 225 - 257 - 335 - 336 - 338، 14/ 129 - 169، 4/ 144 - 145 - 179، 12/ 337، 15/ 188 - 196، 18/ 53 - 54 - 63 - 55 - 57 - 56 - 58 - 62 - 63، 20/ 182 - 318 - 319، 21/ 10.
الزبير بن إياس بن باطا 17/ 126.
الزبير بن بكار 1/ 29 - 63 - 65 - 66 - 73 - 121 - 143 - 211 - 214 - 217 - 224 - 225 - 412، 9/ 42، 13/ 271 - 274 - 275، 14/ 126 - 153، 15/ 187، 17/ 281، 19/ 132 - 136، 20/ 11 - 12 - 315.
الزبير بن خبيب بن عبد اللّه بن الزبير 6/ 266.
الزبير بن خزيمة الخثعمي 6/ 55.
الزبير بن دحمان 18/ (ترجمته - 299 - 309) 299 - 300 - 301 - 303 - 302 - 304 - 305 - 306 - 307 - 308 - 309، 19/ 221 - 294، 20/ 60، 21/ 93.
الزبير بن عبد المطلب 9/ 173، 17/ 299، 22/ 62 - 73.
الزبير بن علي السليطي 14/ 286.
الزبير بن هشام 20/ 12.
الزبيري 9/ 173.
الزجاج 2/ 113.
زحر بن قيس الجعفي 17/ 146.
زرارة 20/ 206 - 296.
زرارة بن عدس 11/ 113 - 124 - 125 - 126، 17/ 179، 22/ 186 - 187 - 189 - 190 - 191 - 192 - 194 - 195.
زرارة بن المخبل 13/ 193 - 195.
الزربقان - أبو العباس - 12/ 287.
زرجون بن توفيل 15/ 363.
زرجون المخنث 4/ 221.
زرزر الكبير 17/ 78.
زرزور - غلام المارقي - 20/ 13.
زرعة بن أذبول 18/ 2.
زرعة ذو نواس 22/ 318 - 319.
زرقاء الزراد 15/ 67 - 72.
زرقاء اليمامة 2/ 132، 11/ 36.
الزرقاء بنت زهير 13/ 81.
زرنب - مولاة لبني اسد بن خذيمة - 17/ 162، 22/ 10.
زرياب 1/م - ت 14، 5/ 222.
زريق بن منيح 15/ 58 - 59.
زرين جابر النبهاني 8/ 245.
زعيل بن كعب 16/ 332.
زفر بن الحارث 8/ 295 - 297، 12/ 198 - 199 - 200،
17/ 231 - 233، 18/ 113، 19/ 195 - 196 - 197 - 199 - 200.
زفر بن الحارث بن عبد عمرو بن معاذ 24/ 22 - 23 - 24 - 39 - 40 - 41 - 43 - 44 - 45 - 46.
زفر بن الحارث القطامي 24/ 31 - 33 - 35 - 39.
زفر بن الهذيل 18/ 39.
زكريا بن يحي بن معاذ 20/ 146.
زلبهرة النخاس 11/ 353 - 354 - 355.
زلزل 19/ 294، 20/ 358.
زمام بن مالك بن الحصين 12/ 206.
الزمخشري 2/ 215.
زمر 13/ 29.
زمردة - جارية إسماعيل بن عمار - 11/ 371.
زمزم 22/ 24.
زمعة بن الأسود 4/ 180 - 204 - 208 - 209، 9/ 49، 17/ 324، 18/ 122.
زمل بن عمرو العذري 1/ 21.
زميل بن عبد مناف الفزاري 13/ 37 - 38، 21/ 245.
زنباع 11/ 84.
زهدم بن حزم بن وهب بن رواحة 10/ 6، 11/ 151 - 162.
زهرة - جارية طرخان - 10/ 128.
زهرة بنت خنتر 12/ 79.
الزهري 4/ 124 - 126، 7/ 11 - 12.
زهير 8/ 5 - 34 - 91.
زهير بن أبي سلمى 17/ 33 - 82 - 83 - 84 - 85 - 86 - 88، 18/ 174، 20/ 127 - 172، 22/ 71، 23/ 115.
زهير بن بوّ 16/ 330.
زهير بن ثعلبة 9/ 325.
زهير بن جناب 14/ 9، 19/ 15.
(ترجمته - 14 - 29) 15 - 16 - 17 - 19 - 20 - 21 - 22 - 23 - 24 - 25 - 26 - 27.
زهير بن جذيمة 11/ 75 - 81 - 84 - 86 - 88 - 90 - 91 - 92، 12/ 193.
زهير بن العجوة 21/ 310.
زهير بن عمرو بن معاوية 11/ 149.
زهير بن كلب بن وبرة 3/ 128.
زهير بن مرة 21/ 215 - 216.
زور بن الضحاك 20/ 127.
زياد 2/ 185 - 186 - 408، 8/ 368 - 387 - 397 - 400 - 402 - 416 - 419، 12/ 298 - 299 - 307 - 311 - 312 - 332، 13/ 265 - 266، 19/ 197.
زياد - ابن عم البحتري - 21/ 53.
زياد - الخليفة الأموي - 21/ 15 - 16.
زياد - غلام إسحاق - 20/ (خبر إسحاق الموصلي معه - 320 - 324) 320 - 321 - 322 - 323 - 324.
زياد - أخو أبي بكرة - 16/ 95 - 97 - 98 - 99.
زياد الأعجم 12/ 34، 13/ 89 - 90 - 91 - 92 - 93 - 94 - 95 - 96 - 99 - 103، 14/ 288 - 295، 15/ 380 - 384 - 385 - 390 - 392 - 393 - 394، 20/ 76.
زياد الأعجم - زياد بن جابر بن عمرو - زياد الأعجم - زياد بن سليمان مولى عبد القيس - 15/ 380.
زياد بن أبي سفيان 18/ 263 - 265 - 270 - 271 - 272 - 277 - 285.
زياد بن أبيه 7/ 229، 17/ 134 - 135 - 136 - 139 - 140 - 141 - 142 - 143 - 144 - 145 - 146 - 147 - 148 - 149 - 150 - 153، 20/ 77 - 78 - 89 - 206 - 207 - 211.
زياد بن الأشهب 12/ 23.
زياد بن الربيع 14/ 25.
زياد بن زياد 22/ 321.
زياد بن زيادة بن اسجم بن ربيعة 12/ 54.
زياد بن السكن 15/ 193.
زياد بن عبد اللّه الحارثي 1/ 69، 19/ 141 - 142 - 151 - 172 - 175.
زياد بن عبد اللّه بن عامر بن كريز 15/ 387.
زياد بن عبد اللّه العبسي 17/ 179 - 182.
زياد بن عبد اللّه النصري 10/ 319.
زياد بن عبد الوهاب بن عبد المجيد 18/ 176، 20/ 62.
زياد بن عمارة بن زياد 15/ 193.
زياد بن كعب بن مزاحم 2/ 51.
زياد بن معدة 2/ 51.
زياد بن المغفل الأسدي 21/ 90.
زياد بن موسى بن جعفر بن محمد 20/ 132.
زياد بن الهبولة 16/ 354 - 355 - 356 - 357.
زياد بن هوذة بن شماس بن لأي بن أنف الناقة 10/ 74.
زيادة بن زيد بن مالك بن عامر بن قرة 8/ 138، 21/ 254 - 255 - 256 - 257 - 260 - 261.
الزيادي الكلبي 2/ 135، 8/ 314.
زيانب بن يونس 1/ 2، 14/ 371.
زيد 14/ 147 - 148.
زيد بن أسلم 4/ 248.
زيد بن إسماعيل بن عبد اللّه بن جعفر 6/ 13.
زيد بن أمية 15/ 39.
زيد بن أيوب 2/ 98 - 99 - 100.
زيد بن ثابت 9/ 166، 15/ 184، 17/ 164، 18/ 126، 19/ 138.
زيد بن ثور الأسدي 15/ 77.
زيد بن جبلة 8/ 384، 14/ 89.
زيد بن الحارث الأودي 12/ 170.
زيد بن حارثة 3/ 207، 16/ 194، 17/ 323 - 324.
زيد بن الحسن بن علي 16/ 121 - 122 - 123 - 124 - 131 - 132.
زيد بن حماد 2/ 100 - 102 - 103 - 104.
زيد بن الخطاب 16/ 251.
زيد بن الدثنة 4/ 225 - 226 - 228 - 230.
زيد بن سليمان 9/ 184.
زيد بن صوحان 5/ 144، 12/ 142.
زيد بن ضبيعة 15/ 39.
زيد بن عبيد 15/ 39.
زيد بن عدي 2/ 121 - 122 - 124 - 127.
زيد بن علي (عليهما السلام) 4/ 345 - 351 - 8 - 9، 7/ 22 - 252، 24/ 106 - 107.
زيد بن علي 19/ 191.
زيد بن عمرو بن عثمان بن عفان 3/ 366 - 367، 16/ 146 - 147 - 149 -
152 - 154 - 155 - 156 - 157 - 158، 19/ 128 - 155 - 156 - 163.
زيد بن عمرو بن نفيل 15/ 247، 22/ 62.
زيد الفوارس الضبي 14/ 71.
زيد ابن لطيفة 12/ 330.
زيد بن مالك 12/ 335.
زيد بن مسعود الفقيمي 21/ 381.
زيد بن المهلهل بن المختلس بن عبد رضا 8/ 233.
زيد بن مناة بن تميم 21/ 300.
زيد بن موسى بن جعفر 7/ 251.
زيد الخير 17/ 245.
زيد الخيل 8/ 233، 15/ 208، 17/ 244 - 247 - (ترجمته - 245 - 269) 245 - 248 - 246 - 247 - 249 - 250 - 251 - 252 - 255 - 256 - 257 - 259 - 261 - 262 - 263 - 264 - 265 - 266 - 267 - 268 - 269، 20/ 151.
زيق بن بسطام بن قيس 8/ 85، 9/ 334 - 336، 13/ 360.
زينب 1/ 303 - 74 - 91 - 92 - 93 - 99 - 102 - 104 - 105 - 140 - 307 - 308 - 310 - 344، 3/ 217، 12/ 116، 18/ 145 - 269 - 270 - 372.
زينب - ابنة عم القتال الكلابي - 24/ 171 - 173.
زينب - أم لعمرة بن الحارث - 12/ 254.
زينب - أم وجزة - 12/ 246.
زينب بنت أوس بن حارثة 2/ 125، 23/ 54.
زينب بنت بشر 20/ 305 - 199 - 317.
زينب بنت جعفر المنصور 18/ 65 - 67 - 226 - 228 - 232 - 307 - 308 - 370 - 372.
زينب بنت حدير 17/ 214 (خبر زواج شريح بها) 220 - 223) 220 - 221 - 222 - 223.
زينب بنت الرسول 4/ 208.
زينب بنت سليمان بن علي 14/ 370 - 371 - 372 - 374 - 375 - 378.
زينب بنت الطثرية 8/ 182 - 393.
زينب بنت عبد الرحمن 16/ 274 - 275 - 276.
زينب بنت عرعرة بن جذيمة 22/ 13.
زينب بنت عرفطة المزنية 12/ 240 - 245.
زينب بنت عكرمة بن عبد الرحمن 4/ 405.
زينب بنت مالك 2/ 211 - 215 - 318، 12/ 337.
زينب بنت مالك بن جعفر الكلاب 12/ 21 - 22.
زينب بنت موسى 1/ 93 - 94 - 97 - 98 - 100 - 101 - 102، 15/ 262 - 263 - 264.
زينب بنت يوسف بن الحكم - أخت الحجاج - 6/ 190 - 196 - 200 - 201 - 202 - 203 - 204 - 205، 11/ 190 - 191.
س
سابور 6/ 42، 15/ 335.
سابور الجنود - ابن الرشيد 2/ 139.
سابور ذو الأكتاف 2/ 139 - 141 - 143.
سابور - ملك فارس - 13/ 82 - 83.
سابور هرمز 19/ 121.
ساجي - جارية - 18/ 168، 21/ 8.
سارة - زوجة إبراهيم الخليل - 8/ 65.
سارة القريظية 22/ 112.
سارية بن زنيم العبدي 21/ 211 - 230.
سارية بن عويمر بن أبي عدي العقيلي 11/ 213 - 214.
الساطرون الحرمقاني 13/ 83.
ساعدة بن جؤية 2/ 155.
ساعدة بن سفيان 21/ 170.
ساعدة بن مر 10/ 11.
ساعدة ابن مرمى 2/ 290.
ساقي الحجيج 8/ 228.
سالم - مولى أبي حذيفة - 7/ 285.
سالم - مولى لحميد الطوسي - 20/ 38.
سالم بن دارة 22/ 152.
سالم السقاء 24/ 3.
سالم بن سلمة بن نوفل الهذلي 12/ 333 - 334.
سالم بن عبد الرحمن 7/ 15.
سالم بن عبد اللّه 16/ 319.
سالم بن عبد اللّه بن عمر 9/ 261، 17/ 15، 19/ 138 - 139 - 154 - 161 - 165 - 166 - 167.
سالم بن العدي 12/ 341 - 342.
سالم قيم رقيق المهدي 23/ 4 - 5.
سالم بن كعب 12/ 210.
سالم بن مسافع بن دارة 21/ 230 - 345.
سامة بن لؤي 10/ 203 - 204، 16/ 3.
السامري 19/ 110.
السائب - مغني من أهل اليمامة - 18/ 146.
سائب خاثر 1/ 38 - 39 - 43، 8/ 321 - 322 - 325، 12/ 116، 17/ 162 - 301 - 303،
سبأ عامر 8/ 91.
سباع بن عبد العزى العيشاني 15/ 194.
سبرة - غلام الوليد بن يزيد - 7/ 62.
سبطة بن الفرزدق 21/ 276.
سبك الزامر 18/ 99.
سبكت 23/ 248.
سبيع بن الحارث 10/ 30.
سبيع بن ربيعة النصري 22/ 60 - 63.
سبيع بن عمرو 17/ 202.
سبيع بن المؤمل الجسر 22/ 72.
سبيعة بنت عبد شمس 13/ 200، 22/ 68 - 69 - 73.
سجاح بنت الحارث بن سويد 14/ 88.
15/ 299.
21/ 31 - 32.
سحر 19/ 296.
سجيقة - جارية زريق بن منيح - 15/ 58 - 59.
سحيم - ابن خالة نصيب - 1/ 339.
سحيم - ابن وثيل الرياحي - 13/ 134، 21/ 282 - 283.
سحيم عبد الحسحاس 24/ 167.
السدري 23/ 25.
سدوس بن شيبان 16/ 354 - 356 - 357 - 358.
سديف 4/ 344 - 348 - 349 - 350 - 352.
سراج الخادم 10/ 62.
سراق بن جعشم 4/ 175.
سراقة 4/ 234، 14/ 318، 17/ 192.
سراقة بن عوف بن الأحوص 17/ 59.
سراقة بن مرداس المبارقي 8/ 18، 9/ 13.
سرجون بن نوفل 17/ 183 - 186.
سرجون النصراني 17/ 300.
سرجوية 18/ 189 - 190.
سرحان القريعي 17/ 136.
سرحون بن منصور الرومي 8/ 290.
السري بن زياد بن أبي كبشة 7/ 80.
السري بن عبد الرحمن 20/ (ترجمته - 197 - 203) 198 - 200 - 201 - 199 - 202 - 203، 21/ 105 - 106.
السري بن عبد اللّه الهاشمي 6/ 11، 13/ 49 - 53.
السري بن يحي 15/ 299.
سريح 19/ 202.
سعاد 14/ 354، 17/ 174 - 176، 18/ 230.
سعاد بنت يزيد بن زريق 8/ 156.
سعد 13/ 129 - 130 - 189.
سعد أبو درّة 16/ 42.
سعد بن إبراهيم 17/ 277.
سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف 3/ 359 - 360، 6/ 10 - 13 - 14 - 17، 15/ 340.
سعد بن أبي الوقاص 2/ 127، 3/ 27، 7/ 132، 12/ 143، 13/ 189،
15/ 193 - 243، 16/ 79، 17/ 277، 19/ 1 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8، 21/ 29.
سعد الأسدي 17/ 26.
سعد بن الأشرس 21/ 147.
سعد بن الأقرع 21/ 163.
سعد بن بكر 21/ 224.
سعد بن حارثة بن لأم 17/ 369 - 370.
سعد بن حشرج 17/ 368.
سعد بن الحصين 16/ 43.
سعد بن حمزة الهمذاني 1/ 21.
سعد بن الربيع 15/ 201 - 202.
سعد بن زيد 15/ 185.
سعد بن زيد الأسهلي 9/ 82 - 167.
سعد بن زيد بن تميم 13/ 19، 14/ 76.
سعد بن زيد بن ليث بن قضاعة 2/ 306.
سعد بن عبادة بن حارثة 4/ 160 - 161 - 175، 17/ 172.
سعد بن عدى 11/ 137.
سعد بن عمرو 14/ 384.
سعد بن القعقاع 3/ 185.
سعد بن قيس عيلان 4/ 305.
سعد بن ليث 21/ 21.
سعد بن مالك 8/ 420، 21/ 191.
سعد بن مسعود 14/ 93 - 100.
سعد بن مصعب 4/ 243 - 244.
سعد بن معاذ 4/ 178 - 194، 16/ 229، 17/ 126، 22/ 133.
سعد بن هزيم 2/ 306.
سعد بن يزيد 16/ 331.
سعد الرابية 8/ 398 - 399 - 400.
سعد الصبح 22/ 1.
سعدان بن عبد يسوع بن حرب 24/ 38.
سعدى 2/ 260، 3/ 226، 4/ 24، 15/ 277 - 278، 17/ 270 - 272، 18/ 230.
سعدى بنت أزهير 23/ (ترجمته - 168 - 174)
سعدى بنت عبد الرحمن بن عوف 17/ 156 - 157 - 158 - 159.
سعدى بنت عمرو بن سعيد بن مسلم 23/ 30.
سعدة - امرأة الوليد بن يزيد - 19/ 170 - 171.
سعدة - جارية إبن رامين - 11/ 364.
سعدة بنت سعيد بن خالد بن عمرو بن عثمان بن عفان 7/ 26.
سعدة بنت عبد اللّه بن جعفر 15/ 60 - 62 - 63 - 66 - 124 - 125 - 126.
سعدة بنت عبد اللّه بن سالم 16/ 150 - 152، 19/ 127.
سعدة بنت عبد اللّه بن عمرو بن عثمان
1/ 391 - 364.
سعدة بنت مزيد بن خيثمة بن نوفل بن نضلة 22/ 143 - 144.
سعدود بن أوس 24/ 38.
سعيد 15/ 211 - 212، 20/ 293.
سعيد بن الأخنس 23/ 255 - 256.
سعيد بن أياس بن هانيء بن قبيصة 8/ 302.
سعيد بن بحدل الكلبي 19/ 195.
سعيد بن جابر 1/ 128، 7/ 150، 17/ 340.
سعيد بن جعفر 4/ 380.
سعيد الجوهري 20/ 218.
سعيد بن الحارث 8/ 297.
سعيد بن حميد 16/ 368 - 369، 18/ (ترجمته - 154 - 167) 154 - 155 - 156 - 157 - 158 - 159 - 160 - 161 - 162 - 163 - 165 - 167 - 164 - 166، 19/ 306 - 311 - 309 - 310، 312، 21/ 79، 22/ 172.
سعيد بن خالد بن عبد اللّه بن خالد بن أسيد 3/ 354.
سعيد بن خالد العثماني 3/ 352 - 353 - 354 - 355 - 356.
سعيد بن خالد بن عمرو بن عثمان بن عفان 3/ 353، 4/ 347، 7/ 26 - 34 - 35.
سعيد بن دعلج 10/ 261.
سعيد بن سالم 14/ 107، 18/ 215.
سعيد بن سعد بن سهم 1/ 62.
سعيد بن سلم 8/ 354، 19/ 49 - 58.
سعيد بن سليم 13/ 274.
سعيد بن سليمان بن زيد الأنصاري 3/ 359.
سعيد بن سهل 15/ 181.
سعيد بن شهيد 15/ 181.
سعيد بن العاص 1/ 11 - 33 - 385، 2/ 167 - 205 - 246 - 259، 3/ 356، 5/ 145، 7/ 77، 8/ 243، 10/ 124، 12/ 140 - 141 - 142 - 143 - 144، 16/ 38 - 39 - 322 - 378، 17/ 224 (أخباره مع الحطيئة - 225 - 228) 225 - 226 - 227 - 228، 20/ 212، 21/ 262 - 321 - 351 - 382.
سعيد بن عباد بن حبيب بن المهلب 20/ 91.
سعيد بن عبد الرحمن 3/ 33 - 34، 16/ 111.
سعيد بن عبد الرحمن بن حسان 8/ 269 - 271 - 274 - 275.
سعيد بن عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد 24/ 205 - 206.
سعيد بن عبد العزيز بن الحارث بن الحكم 14/ 271.
سعيد بن عبد الكريم الخطابي 16/ 251 - 252.
سعيد بن عبد اللّه بن خالد بن أسيد 8/ 79.
سعيد بن عبيد 18/ 63.
سعيد بن عثمان بن عفان 1/ 35، 2/ 252 - 253 - 254، 12/ 343 - 344، 18/ 256 - 261 - 268 - 273، 22/ 286 - 290 - 294.
سعيد بن عريض 22/ (ترجمته - 122 - 126) 122 - 123 - 124 - 125.
سعيد بن عمرو بن سلمة 24/ 193 - 194.
سعيد بن عيينة 19/ 204 - 205.
سعيد بن قيس الهمذاني 6/ 46، 8/ 409 - 410.
سعيد بن المسيب 1/ 84 - 113 - 404، 15/ 10، 19/ 217.
سعيد بن مسجع 8/ 188 - 189 - 210 - 262.
سعيد بن مسعود الهذلي 1/ 319.
سعيد بن مسلم 7/ 147، 23/ 29 - 30 - 32.
سعيد بن نبيه الأسود العذري 8/ 98.
سعيد بن نمران الهمذاني الناعطي 17/ 147 - 150 - 153.
سعيد بن هشام بن عبد الملك 7/ 5.
سعيد بن الوليد - الأبرش الكلبي - 21/ 336.
سعيد بن وهب 20/ (ترجمته - 335 - 343) 336 - 337 - 338 - 339 - 340 - 341 - 342 - 343.
سعيد بن يربوع 14/ 310.
سعيد الزبيري 16/ 33، 20/ 8 - 9.
سعيد عجيف 11/ 432.
سعيدي 8/ 106 - 147.
السفاح 12/ 229، 20/ 296 - 299 - 400 - 414 - 416.
السفاح التغلبي 24/ 61.
سفانة بنت حاتم الطائي 17/ 363 - 366.
سفيان بن الأبرد 14/ 286، 18/ 133.
سفيان بن أمية 1/ 14، 22/ 62.
سفيان الثوري 13/ 345، 14/ 89.
سفيان بن ساعدة 21/ 170.
سفيان بن عاصم بن عبد العزيز 15/ 331.
سفيان بن عبد يغوث 14/ 314.
سفيان بن عمرو 10/ 76.
سفيان بن عوف 22/ 72.
سفيان بن عيينة 3/ 225، 8/ 330 - 408، 18/ 170 - 178 - 191 - 192 - 205، 20/ 68 - 69.
سفيان بن مجاشع 12/ 210.
سفيان بن مرة 21/ 215 - 221.
سفيان بن معاوية بن المهلب 20/ 91.
سفيح بن السفاح 13/ 125.
سكب 23/ 244.
سكر 10/ 71 - 81.
السكري 3/ 25، 8/ 155، 12/ 107، 17/ 94، 21/ 12.
السكسكي 7/ 77 - 80.
السكوني 14/ 354.
سكيت 8/ 286.
سكينة 2/ 356 - 361 - 365 - 376 - 377.
سكينة بنت الحسين 1/ 160 - 255 - 256، 3/ 327 - 361 - 366 - 367، 4/ 233 - 234 - 261، 7/ 63، 8/ 38، 9/ 31 - 32، 11/ 188، 15/ 26، 16/ 138 - 139 - 140 - 141 - 143 - 144 - 146 - 147 - 148 - 149 - 150 - 151 - 152 - 153 - 154 - 156 - 157 - 158 - 159 - 160 - 163 - 170 - 171، 17/ (خبرها مع ابن سريج - 42 - 54) 42 - 43 - 44 - 45 - 46 - 159 - 160 - 343 - 346 - 370، 18/ 328 - 334، 19/ 127 - 128 - 131 - 155 - 166 - 162 - 175، 21/ 336 -
367، 22/ 277.
سكينة بنت خالد بن مصعب 1/ 165.
سكينة بنت مصعب الزبير 1/ 399.
سلافة بن مسعود بن؟؟؟؟ 4/ 227.
سلّام 8/ 286.
سلّام الأبرش 6/ 153 - 312.
سلام الرامقي 18/ 285.
سلام بن مشكم 6/ 340 - 356 - 357 - 359 - 360، 22/ 128.
سلامة 8/ 186، 20/ 147 - 326.
سلامة - أم عون بن عبد الرحمن - 22/ 262.
سلامة - جارية مصعب بن سهل - 15/ 123 - 132 - 134 - 135 - 137 - 138 - 139 - 140.
سلامة - مغنية يزيد بن عبد الملك - 1/ 37، 23/ 242.
سلامة الزرقاء 11/ 364 - 367، 15/ 55 - 56 - 57 - 58 - 60 - 62 - 63 - 64 - 65 - 66 - 67 - 68، 21/ 54.
سلامة القس 8/ 334 - 335 - 337 - 339 - 340 - 344 - 345 - 346 - 347 - 348 - 349 - 350 - 351، 17/ 23.
لسلكة 20/ 375.
سلم 18/ 12، 19/ 28 - 85، 20/ 125 - 126 - 127 - 153 - 154 - 179.
سلم الخاسر 10/ 77، 18/ 311، 19/ (اخباره - 261 - 287) 261 - 262 - 263 - 264 - 265 - 266 - 268 - 267 - 269 - 271 - 270 - 272 - 273 - 274 - 275 - 276 - 277 - 278 - 279 - 280 - 281 - 282 - 283 - 284 - 286 - 287، 20/ 218 - 219.
سلم بن زياد 9/ 330 - 331، 8/ 390، 15/ 291 - 292، 21/ 288 - 294.
سلم بن عمر 4/ 75 - 83.
سلم بن عمرو - وهو سلم الخاسر - 19/ 276 - 280، 20/ 219.
سلم بن عيسى بن كريز بن ربيعة 6/ 142 - 143.
سلم بن قتيبة 2/ 174، 3/ 190 - 200، 11/ 191، 13/ 330 - 331 - 332، 20/ 354.
سلم الخاسر 4/ 11 - 12 - 75 - 76 - 94.
سلمان بن ربيعة 6/ 70، 15/ 244.
سلمان بن عبد الملك 10/ 74.
سلمان العجلي 13/ 130 - 131 - 132.
سلمى 2/ 267، 3/ 188 - 205 - 235 - 366، 4/ 113، 17/ 162، 18/ 119 - 266، 19/ 25 - 26 - 30 - 266،
20/ 56 - 154.
سلمى - أم النعمان بن المنذر - 21/ 2.
سلمى - أم وهب - 3/ 76 - 77 - 78.
سلمى - امرأة صخر بن عمرو - 15/ 78.
سلمى - امرأة عروة - 3/ 37 - 38.
سلمى - زوجة حمزة بن عبد المطلب - 12/ 215.
سلمى بن الأسود بن يعفر 13/ 26.
سلمى بنت عمرو 14/ 303 - 307.
سلمى بنت أبي حفصة 19/ 5 - 7 - 8.
سلمى بنت امرىء القيس 16/ 141.
سلمى بنت أيوب بن سلمة المخزومية 14/ 370.
سلمى بنت خشرم 21/ 255.
سلمى بنت سعيد بن خالد 1/ 135 - 225، 7/ 25 - 26.
سلمى بنت ظالم 11/ 102 - 108.
سلمى بنت عدي بن ربيعة 12/ 211.
سلمى بنت عطية 11/ 13 - 58.
سلمى بنت عمرو بن زيد 15/ 49 - 50.
سلمى بنت كثير 11/ 8.
سلمى بنت مالك 11/ 148 - 150.
سلمة - وصيف المهدي - 10/ 271.
سلمة بن إسماعيل 22/ 63.
سلمة بن الأكوع 16/ 230.
سلمة بن الحارث 12/ 209 - 210.
سلمة بن خالد بن كعب 12/ 211.
سلمة بن الخرشب 17/ 182.
سلمة بن سعد البكائي 22/ 72.
سلمة - سفيان بن مجاشع بن دارم - 12/ 210 - 212.
سلمة بن عاصم 8/ 359.
سلمة بن عباد 3/ 303.
سلمة بن عبد اللّه بن المغيرة - 12/ 254.
سلمة بن عياش 8/ 284، 19/ 288، 20/ (ترجمته - 294 - 300) 294 - 295 - 296 - 297، 21/ 310.
سلمة بن الفرخ 22/ 327.
سلمة ابن الفضل 14/ 302.
سلمة بن قشير 8/ 63.
سلمة بن نوفل 13/ 275 - 276.
سلمة بن نوفل بن عمارة 1/ 249 - 251.
سلمة بنت عبد اللّه 16/ 274.
السلمي 10/ 73.
سلهمة 18/ 30.
السلوكي - أوس بن غلفاء الهجيمي - 8/ 259.
سلول بن مرة بن صعصعة 13/ 67.
السليط 13/ 21 - 22.
السليط بن قتب 16/ 336.
السليك 19/ 238.
السليك بن السلكة 8/ 240 - 246، 15/ 214، 20/ (ترجمته - 374 - 388) 375 - 379 - 376 - 377 - 378 - 380 - 382 - 381 - 383 -
384 - 385 - 386 - 387 - 388، 21/ 133.
السليك بن عمرو 20/ 375.
السليك بن عمير السعدي 8/ 240.
السليك بن مجمع 14/ 58.
السليل بن ثور 11/ 214 - 222.
السليل بن عبد اللّه البجلي 16/ 149.
السليل بن قيس 9/ 332.
سليم 8/ 119، 17/ 73، 20/ 335، 24/ 9 - 20.
سليم بن أسد القرظي 17/ 119.
سليم بن زيد 17/ 140.
سليم بن سالم 14/ 380.
سليم بن سلام 2/ 33 - 35 - 38 - 62، 8/ 361، 18/ 308، 20/ 43 - 240.
سليم بن صالح بن سعد بن جابر العنبري 6/ 65 - 66 - 68.
سليم بن كيسان الكلبي 10/ 155.
سليم الخاسر 3/ 199.
سليمى 2/ 237 - 232 - 212 - 211 - 238، 3/ 220 - 239، 8/ 12، 12/ 20، 17/ 282.
سليمان - النبي - 3/ 121، 12/ 138، 288، 17/ 305، 19/ 236 - 266.
سليمان 8/ 334 - 351، 18/ 345، 20/ 293.
سليمان - اخو جحظة - 20/ 74.
سليمان بن أبي دباكل 21/ 102.
سليمان بن أبي جعفر 10/ 99.
سليمان بن أبي الجهم العدوي 1/ 24.
سليمان بن أبي شيخ 8/ 47، 14/ 321.
سليمان بن جعفر 5/ 151.
سليمان بن حبيب الأهواز 7/ 240.
سليمان بن الحصين 16/ 111 - 112 - 113 - 115 - 124.
سليمان بن داود المجمعي 3/ 9.
سليمان بن الربيع البرجمي 14/ 228.
سليمان بن ربيعة الباهلي 7/ 146.
سليمان بن رزين 20/ 135.
سليمان بن زرعة بن أذبول 18/ 2.
سليمان بن سليم 17/ 337.
سليمان بن صرد الخزاعي 17/ 220.
سليمان بن صعصعة 20/ 403.
سليمان بن صفر 8/ 122.
سليمان بن عبد اللّه 13/ 76 - 77.
سليمان بن عبد اللّه بن طاهر 10/ 41، 23/ 152.
سليمان بن عبد الملك 1/ 317 - 320 - 336 - 337 - 338، 2/ 217 - 399، 4/ 233 - 234 - 246 - 272 - 273، 7/ 63 - 134 - 135، 8/ 84 - 306 - 272، 9/ 67، 10/ 153 - 154 - 192، 11/ 90، 12/ 287 - 288،
14/ 263، 15/ 4 - 341 - 343 - 344، 16/ 146 - 154 - 167 - 168 - 178 - 179 - 183 - 184 - 210 - 224 - 225، 17/ 13، 18/ 136 - 137، 19/ 209، 20/ 368، 21/ 309 - 327 - 328 - 373، 22/ 19 - 20.
سليمان بن عبد الملك بن الحارث 3/ 343 - 353 - 354 - 355 - 356.
سليمان بن علي 1/ 38، 3/ 165 - 360، 4/ 349، 5/ 105، 7/ 242 - 266، 13/ 276 - 319، 14/ 165، 15/ 63 - 64 - 71، 19/ 191، 20/ 354.
سليمان بن علي بن عبد اللّه بن عباس 14/ 370 - 377.
سليمان بن عمرو بن مرثد 8/ 402.
سليمان بن عمرو بن مرشد البكري 11/ 322 - 323.
سليمان بن الفرات 14/ 340.
سليمان بن القصار الطنبوري 9/ 319.
سليمان بن القهرمان 18/ 169.
سليمان بن مجالد 10/ 241، 17/ 338.
سليمان بن المختار 15/ 290.
سليمان بن مخلد 21/ 107.
سليمان بن المصاب 11/ 361.
سليمان المغني 20/ 215.
سليمان بن منصور 15/ 231.
سليمان بن مهران الأعمش 13/ 345.
سليمان بن ناصح الأسدي 14/ 278.
سليمان بن هشام بن عبد الملك 3/ 217 - 218، 4/ 352، 7/ 77، 12/ 229.
سليمان الوادي 7/ 71.
سليمان بن الوليد 19/ 31.
سليمان بن وهب - أبو أيوب - 10/ 223، 14/ 211، 20/ 268 - 269 - 270 - 271، 23/ 95 - 96 - 143 - 144 - 145 - 146 - 147 - 148 - 149 - 150 - 151 - 152 - 153.
سليمان بن يزيد 17/ 140 - 141.
سليمان بن يسار 16/ 144.
سماعة 20/ 207.
سماعة بن اشول النعامي 2/ 333.
سماك - أبو حضير الكتائب - 17/ 126.
سماك بن حرب 6/ 93، 8/ 286 - 410، 16/ 408.
سماك بن خرشة 16/ 229.
سماك بن مخرمة الأسدي 11/ 251 - 252، 17/ 146.
سماك العتكي 18/ 150.
سماك المهالكي 8/ 312.
سمانة الخادم 7/ 299.
سمى 23/ 234.
سمحاء - وليدة الجعد المحاربي - 22/ 39 - 40.
سمحة الأعور النبهاني 8/ 27.
سمراء - ام ابي سفيان - 4/ 142.
سمرة بنت جندب 15/ 184، 17/ 135.
السمع بن جابر 21/ 158 - 160 - 163.
السمعاني 2/ 8 - 52 - 359.
السمهري بن بشر بن اقيش بن مالك بن الحارث 14/ 7، 21/ 230 - 238 - 239 - 240 - 241 - 242.
السمؤل 9/ 97.
السمؤل بن عريض بن عاديا 22/ 59
(ترجمته - 116 - 121) 117 - 118 - 119 - 120 - 121.
سمية 3/ 268 - 271، 8/ 237.
سمية - ام زياد بن ابيه - 17/ 146.
سمية بنت الأعور 18/ 265 - 271 - 285.
سمية بنت موهب 4/ 142.
سمية الثريا 2/ 359 - 364 - 378.
السميدع 7/ 285، 14/ 12 - 13.
سمير - فرصد الثعلبي - 3/ 19 - 20 - 21 - 24 - 25.
سمير بن سلمة بن مرة 2/ 285.
سمير بن يزيد بن مالك 3/ 40 - 41.
سنان 11/ 218.
سنان بن ابي حارثة 10/ 299 - 302،
11/ 104 - 108 - 109 - 111 - 157 - 158 - 159، 12/ 17.
سنان بن جابر 2/ 314، 3/ 103، 19/ 200 - 201.
سنان بن خالد 14/ 81.
سنان بن خارجة المري 17/ 201.
سنان بن عمرو 15/ 354.
سنان بن مخيس القشيري 18/ 26.
سنان الخارجي 10/ 245.
سنان الكاتب 1/ 171، 2/ 152.
سنبس النخاس 21/ 60.
السندي بن شاهك 7/ 148.
سندي بن علي 1/ 6، 1/م - ت 38.
السندري بن يزيد 16/ 289 - 290.
سهل - رجل من الأشعريين - 2/ 407.
سهل ابن بركة 12/ 119.
سهل بن سعد 19/ 318.
سهل بن عبد الحميد 23/ 162 - 163.
سهم بن بردة 18/ 25.
سهم بن عبد الحميد 14/ 336.
سهية 12/ 277، 13/ 29 - 30 - 43.
سهيل ابو البيضاء 23/ 246.
سهيل بن سالم 3/ 151، 14/ 330.
سهيل بن عبد الرحمن بن عوف 1/ 233 - 234، 8/ 334 - 347.
سهيل بن عبد العزيز بن مروان 1/ 333 - 234 - 244.
سهيل بن عثمان 3/ 151.
سهيل بن عمر 18/ 124.
سهيل بن عمر القرشي 3/ 232.
سهيل بن عمرو 4/ 181، 14/ 310.
السوائي 2/ 297.
سواد بن عمرو بن مالك 21/ 153.
سوادان بن عمرو بن الغوث بن طيء 8/ 233.
سوادة 22/ 327.
سوار بن ابي شراعة 14/ 26 - 49.
سوار بن حيان المنقري 14/ 80.
سوار بن عبد القاضي امرد 12/ 88.
سوار بن عبد اللّه 3/ 172 - 182، 13/ 16، 23/ 203.
سوار بن عبد اللّه التميمي العنبري القاضي 7/ 254 - 255 - 260 - 261 - 262 - 268 - 269، 19/ 252.
سوار بن عزية 4/ 191.
سودة بنت زمعة 4/ 204.
سويد بن مالك - 19/ 205 - 206.
سويد بن ابي كاهل اليشكري 13/ 102 - 103 - 104، 21/ 396، 24/ 71 - 72.
سويد بن ربيعة بن زيد بن عبد اللّه بن دارم 22/ 190.
سويد بن زيد 3/ 45.
سويد بن صامت الأوسي 3/ 25.
سويد بن مشنوء النهدي 17/ 227.
سويد بن منجوف الدوسي 8/ 311 - 312، 14/ 258.
سيار 22/ 38 - 39.
سيار بن اسعد بن همام 9/ 154.
سيار بن الزبعة 8/ 319.
سياط 4/ 283، 8/ 208 - 209 - 222 - 259، 14/ 301، 18/ 253 - 270.
سيبويه 2/ 47 - 270 - 366، 3/ 210 - 242، 8/ 374، 14/ 332، 18/ 182.
السيد - الأبهم - 12/ 6.
السيد الحميري 18/ 254.
سيد الصعاليك 21/ 165 - 166.
السيرافي 17/ 112.
سيرين 12/ 67.
سيرين - احدى القيان من القدائم - 17/ 162.
سيرين - قينة حسان بن ثابت - 17/ 173.
سيف بن ذي يزن 4/ 120، 6/ 209 - 210، 17/ 215 - 302 - 303 - 308 - 310 - 311 - 312 - 313 - 314 - 315 - 316 - 317.
سيف الدولة بن حمدان 13/ 146، 1/م - ت، 31 - 32.
سيما التركي 20/ 261.
السيوطي 13/ 15.
ش
شات بن آدم 1/ 14.
شاجي - جارية عبد اللّه بن طاهر - 9/ 41.
شارية 14/ 212، 17/ 106، 18/ 310 - 360.
شأس بن ابي بلي 11/ 140 - 143.
شأس بن زهير 11/ 75 - 78.
شأس الملوك 11/ 81 - 82 - 89 - 91 - 92 - 109.
شاعر بني سعد 17/ 320.
الشاعر المكي 18/ 245.
شاعر بني هاشم 20/ 390.
شاعر اليمن 20/ 209.
شاعرا ام مالك 24/ 115.
شافع بن واتر الأسدي 21/ 234.
الشافعي 3/ 30.
الشاكري 21/ 63.
شاه إفرند 10/ 95.
شاهك 7/ 301.
الشاهين 9/ 288، 8/ 364، 21/ 51.
شاهين بن عبد اللّه الثقفي 20/ 355.
شبام بن زبيد 18/ 80 - 88.
شبث بن ربعي 17/ 146.
شبل بن الخيتار 24/ 25 - 26.
شبل بن معبد 16/ 95.
شبيب - مولى ابي امية - 9/ 175.
شبيب بن ابي مالك الغساني 7/ 78.
شبيب بن البرصاء 11/ 109، 13/ 30 - 32 - 33 - 34.
شبيب بن ربعي الرياحي 21/ 33.
شبيب بن سالم 11/ 81.
شبيب الشاري 19/ 130.
شبيب بن شيبة 3/ 224، 20/ 404 - 405، 21/ 49.
شبيب بن يزيد بن جمرة 12/ 270 - 271.
شبيل بن عزرة الضبعي 3/ 197 - 198، 20/ 345.
شجرة بن سليمان العبسي 6/ 58.
شجنة بن مزاحم 10/ 16.
شداخ 18/ 322.
شداد بن ابراهيم 13/ 54.
شداد بن بزيعة 17/ 146.
شداد بن عقبة 2/ 311، 8/ 237 - 239.
شداد بن معاوية العبسي 17/ 204 - 207.
شداد بن المنذر 17/ 146.
شداد بن الهاد 12/ 111.
شداد بن الهيثم الهلالي 17/ 146 - 137.
شديد بن شداد 17/ 347.
شراحيل 2/ 145، 22/ 89 - 207 - 209.
شراحيل بن ذي كلع 18/ 284.
شراحيل بن سفيان 10/ 15.
شراعة 7/ 49.
شراعة بن الزندبوذ 11/ 364، 13/ 309 - 329، 14/ 335.
شرحبيل 9/ 82، 11/ 109 - 112.
12/ 208 - 209 - 210 - 211 - 212 - 213.
الشرفي بن عبد المؤمن الرياحي 12/ 228.
شريح 16/ 92، 20/ 207.
شريح بن الأحوص 11/ 125 - 127 - 128 - 142.
شريح بن اوفى 12/ 142.
شريح بن الحارث 17/ 147.
شريح بن السمؤل 22/ 120 - 121.
شريح بن ضبيعة 15/ 254 - 255 - 256 - 258 - 260 - 261 - 262.
شريح بن هانيء 17/ 149 - 215.
شريح القاضي 17/ 214 (نسبه واخباره - 215 - 219) 215 - 216 - 217 - 218 - 219 - 220 - 221 - 222 - 223.
الشريد بن مطرود السلمي 18/ 212.
شريس 2/ 343.
شريس بن جابر 21/ 163.
شريف بن عمرو 15/ 194.
شريفة بن الأعور الحارثي 18/ 272 - 279 - 292.
شريك بن شداد الحضرمي 17/ 148 - 153.
شريك بن عمرو 22/ 89 - 90، 24/ 70.
الشريكي 12/ 98.
شروين المغني 21/ 60.
شظاظ 22/ 287 - 297 - 298 - 299 - 300.
شعبة 14/ 90، 18/ 146.
شعبة بن الحجاج 7/ 225، 8/ 286.
شعبة - الفقيه 22/ 342.
شعبة بنت ابي معاصر 9/ 79.
الشعبي 1/ 314، 2/ 228 - 351 - 379 - 380 - 381، 17/ 220 - 223 - 18/ 143 - 144.
شعثاء 17/ 168 - 169 - 170.
شعف 20/ 136،
شعفرة 20/ 414.
شعلة بن عامر بن عمر بن بكر 11/ 282.
شعوب 21/ 212.
شعيب 17/ 44.
شعيب البارقي 23/ 244 - 256.
شعيب بن جبير 19/ 135 - 137.
شعيب بن جعفر 4/ 380.
شعيب بن الصامت الحارثي 13/ 49.
شعيب بن صخر 8/ 65، 19/ 127.
شعيب بن صفوان 15/ 110.
شعيب بن عبد اللّه بن عمرو بن العاص 4/ 235.
شعيب بن محمد بن عبد اللّه بن عمرو بن العاص 12/ 66 - 67.
شعيب بن مليل 12/ 205 - 207 - 208.
الشفاء بنت هاشم بن عبد مناف 22/ 62.
شفيع - خادم المتوكل - 7/ 170 - 172.
شق بن صعب 22/ 1.
شقة بن ضمرة بن جابر 15/ 284.
شقران 2/ 303 - 306 - 307 - 308، 21/ 411.
شقرون 19/ 200.
شقيق بن ثور 18/ 285.
شقيق بن سليط 11/ 315.
الشقيقة - أم النعمان - 2/ 144.
الشقيقة بنت الحارث الوصاف العجلي 24/ 63.
شكله 10/ 95.
شلثى 20/ 229.
الشماخ 2/ 196 - 329، 9/ 158 - 162 - 163 - 166 - 167، 17/ 91، 24/ 55.
الشماخ بن خرار الثعلبي 12/ 219.
شماس بن لأي 2/ 181.
الشمخي 3/ 82.
شمر بن ذي الجوشن 17/ 146، 18/ 40.
شمر بن عبد اللّه الخثعمي 17/ 152.
شمر بن عمرو الحنفي 11/ 46.
الشمردل 21/ 325 - 326 - 364.
شمردل بن شريك 13/ 351 - 355 - 357 - 358 - 359 - 360.
شمس الدين - احمد بن خلكان - 2/ 276.
شمس بن همدان 14/ 272.
شملة بن الفرخ 22/ 327.
الشموش 19/ 2.
شميلة بنت جنادة 22/ 228.
شندان 21/ 41.
الشنفرى 20/ 301 - 375، 21/ (ترجمته - 178 - 195) 133 - 141 - 160 - 179 - 180 - 181 - 182 - 183 - 184 - 185 - 186 - 187 - 192 - 193 - 194، 24/ 65.
الشنقيطي 8/ 18 - 56 - 120 - 176 - 234 - 237 - 247 - 283 - 297 - 347.
شنين 20/ 154.
شهاب بن ابان الحارثي 10/ 18 - 19.
شهاب بن الخفاجي 2/ 142.
شهاب بن عبد الملك بن مسمع 19/ 281.
شهدة - ام عاتكة - 18/ 343 - 344 - 345.
شهر بن حوشب 12/ 6 - 8.
شهرستاني 14/ 269.
شيبان 14/ 227، 19/ 54.
شيبان بن ثعلبة بن عكابة 14/ 78، 18/ 179.
شيبان بن ذهل بن ثعلبة 14/ 78.
شيبان بن المخبل السعدي 13/ 189 - 190 - 191.
شيبة 12/ 6.
شيبة بن ربيعة 4/ 180 - 182 - 189 - 202 - 204 - 210 - 211 - 212.
شيبة بن مالك 15/ 191.
شيبة بن نصاح 16/ 154 - 172.
شيبة بن الوليد 20/ 225.
شيبة بن الوليد العبسي 20/ 223 - 224، 23/ 6 - 7.
الشيبي 22/ 19.
شيرويه الزيادي 18/ 204.
شيرين 4/ 161 - 162، 14/ 365، 366، 15/ 355، 17/ 162 - 173.
ص
الصاحب بن عباد 1/م - ت 33.
صاحب العين 17/ 117.
صاعد - غلام الكميت بن يزيد - 17/ 6.
الصاغاني 2/ 311.
صافنة 12/ 269.
صالح 4/ 306.
صالح الأحول 20/ 162.
صالح بن اسحاق بن سليمان 13/ 242.
صالح بن حسان الأنصاري 3/ 28، 4/ 114، 8/ 108 - 242، 17/ 164، 22/ 287.
صالح الخازن 23/ 222.
صالح بن داود 3/ 244.
صالح بن الرشيد 7/ 164 - 168 - 187 -
188 - 189 - 204، 10/ 195، 13/ 347، 18/ 64 - 67 - 69، 22/ 49.
صالح بن سليمان 14/ 321، 18/ 7.
صالح بن سليمان الخثعمي 14/ 325.
صالح الشهرزوري 4/ 96.
صالح بن عبد الرحمن 20/ 168.
صالح بن عبد القدوس 3/ 146، 14/ 174 - 175 - 177.
صالح بن عبد الوهاب 13/ 347 - 348 - 349 - 350.
صالح بن عجيف 19/ 229 - 253.
صالح بن عطية الأضجم 20/ 138 - 157 - 162.
صالح بن علي 15/ 62، 20/ 128.
صالح بن قدامة بن ابراهيم 16/ 111.
صالح بن معاوية 12/ 229.
صالح بن المنصور 19/ 265.
صالح بن هارون الرشيد 20/ 82 - 227.
صالح بن وصيف 16/ 13.
صالح المسكين 4/ 84 - 85، 21/ 85 - 86.
صالح منادي 4/ 85.
صالح المنذري - الخادم - 21/ 71 - 72.
الصامت بن اثرم النوفلي 22/ 113.
صامت بن خالد 3/ 11.
صباح - مولى ابي السمراء الغساني - 22/ 208.
صباح بن خاقان 8/ 92 - 291، 17/ 113 - 114.
صباح بن بشير 13/ 185.
صباح بن الهذيل 18/ 39.
صبوح 2/ 245، 8/ 115.
صبيانة 13/ 234.
الصحّاف 20/ 298.
صخر 16/ 21، 17/ 178، 20/ 263.
صخر بن ابي الجهم 1/ 26.
صخر ابن أعي الأسدي 2/ 172.
صخر بن الجعد الخضري 2/ 295 - 302، 22/ (ترجمته - 31 - 42) 31 - 32 - 33 - 34 - 35 - 36 - 37 - 38 -
39 - 40 - 41 - 42.
صخر بن الحبناء 13/ 96 - 97 - 98 - 99 - 100.
صخر بن حرب 18/ 265 - 271.
صخر بن سليمان 15/ 41.
صخر بن عتبة 4/ 211.
صخر بن عمرو 4/ 210.
صخر بن عمرو الشريد 15/ 77 - 78 - 80 - 81 - 83 - 85 - 86 - 98 - 100، 18/ 74.
صخر الغي 22/ (ترجمته - 344 - 350) 345 - 346 - 348 - 349 - 350.
صخرة 14/ 3.
صخرة بن لبيد الحماس 24/ 330 - 332.
صخرة بن ماعز 13/ 214.
صخرة بن المطلب 9/ 56.
صخرة بنت الحارث 16/ 194.
صخرة بنت مرة بن ظفر 17/ 127.
صخير - اخو صخر الغي - 22/ 346.
صخير بن ابي جهم العدوي 12/ 261.
صدام 24/ 25.
صدوف - جارية - 7/ 44.
صدوف - جارية ابراهيم بن المهدي - 10/ 125 -
صدوف - جارية هشام بن عبد الملك 17/ 22.
صديان بن مالك 12/ 335.
صرد بن جمرة اليربوعي 8/ 307 - 308 - 309.
صرمة ابن مرة 14/ 1.
صريع الغواني 19/ 31 - 46، 24/ 18.
صريم 19/ 158.
صريم التغلبي 11/ 55.
الصريمة 19/ 158 - 159.
صعصعة - اخو عمر بن صوحان - 11/ 321، 12/ 142، 19/ 127.
صعصعة بن ناجية 21/ 276، 277 - 278 - 281.
الصعقب بن الصحصح 15/ 231.
الصفار المحاربي 24/ 34 - 39.
صفراء 19/ 99.
صفراء بنت عبد اللّه بن عامر بن عبد اللّه بن نائل 22/ 135 - 136 - 137.
صفوان 12/ 214.
صفوان بن امية 4/ 204 - 227 - 230، 6/ 268، 8/ 350، 14/ 310، 15/ 179 - 180 - 181، 17/ 324.
صفوان بن معطل 4/ 156 - 157 - 158 - 159 - 162 - 163.
صفوان بن نوفل بن وهيب 22/ 62.
صفية بنت ابي عبيد 1/ 22.
صفية بنت امية 1/ 17.
صفية بنت الحارث بن طلحة 3/ 356.
صفية بنت حزن 6/ 341.
صفية بنت عبد المطلب 4/ 165، 14/ 129، 15/ 202 - 203، 20/ 182 - 183.
صفية بنت معمر 6/ 268.
صفير بن احمد بن يوسف الكاتب 15/ 253.
صقرة 23/ 248.
صلاءة بن عمرو 12/ 169.
صلاح بن جعفر 15/ 8.
صلت بن دينار 17/ 251.
الصلت بن يوسف 23/ 225.
صلتان العبدي 8/ 419.
صليع بن غنم بن شيبان 16/ 354.
الصمة 10/ 3 - 4 - 27، 22/ 60.
الصنوبري 18/ 311.
صهباء 19/ 211 - 213 - 212 - 215.
صهيب 12/ 6.
صهيب بن سنان الرومي 14/ 121.
صهيب القردي 21/ 212.
صوبانة بنت حون 11/ 216.
صول 10/ 43.
الصولي 2/ 135 - 242، 12/ 79.
صويم 1/ 149.
صيفي 17/ 117.
صيفي بن فسيل 17/ 144 - 145 - 148 - 153.
الصيقل 18/ 10.
ض
الضابئ بن الحارب البرجمي 2/ 196، 22/ 97 - 100.
ضب بن الغرامضة 16/ 322 - 323.
ضباعة 22/ 275.
ضبة بن اد طابخة 14/ 233.
ضبيرة السهمي 6/ 289.
ضبيع 9/ 154.
ضبيعة العبسي 6/ 17.
ضبيعة بن قيس بن ثعلبة 16/ 354.
الضحاك بن زمل 23/ 225 - 226.
الضحاك بن عبد عوف الهلالي 18/ 254.
الضحاك بن عثمان الحزامي 12/ 338 - 339.
ضحاك بن قيس 8/ 295، 14/ 221 - 232 - 242، 16/ 29 - 40 - 266 - 269 - 270، 17/ 212.
ضحاك بن قيس الخارجي 8/ 266.
ضحاك بن قيس الشيباني الحدوري 8/ 266.
ضحاك بن قيس الفهري 12/ 46،
19/ 195 - 196 - 197.
ضراء - ام أوس بن مالك - 2/ 159.
ضراء بن القعقاع 8/ 400.
ضرار بن الأزور 13/ 29 - 30، 15/ 301.
ضرار بن الخطاب الفهري 19/ 197، 22/ 69 - 70.
ضرار الخنا 21/ 337.
ضرار بن هبيرة 17/ 146.
الضرير 5/ 269.
ضريس القشيري 14/ 151.
ضماد بن مسرج ابن يشكر 13/ 220 - 221 - 222.
ضمرة بن ضمرة 11/ 113، 15/ 367.
ضمضم 9/ 223، 4/ 171 - 173.
ضمير بن صخر بن ابي الجهم بن حذيفة 23/ 223.
الضيزن بن معاوية التنوخي 13/ 83.
الضيزن بن معاوية بن العبيد بن الأحرام بن سليح 2/ 140 - 141 - 142 - 144.
ط
طارق - مولى عثمان بن عفان - 7/ 144، 22/ 32.
طارق الخزاعي 21/ 20 - 21 - 22 - 23.
طارق اللاتي 12/ 337 - 338.
طالب - رجل من الأزد - 21/ 186.
طالب الحق 23/ 249 - 225.
طالب بن يزداد 21/ 77.
طاهر 12/ 103.
طاهر بن الحسين 3/ 199، 10/ 188 - 226، 13/ 118، 16/ 246، 17/ 317، 20/ 54 - 77 - 95 - 96 - 155 - 98 - 131 - 179 - 156.
طاهر بن عبد اللّه بن طاهر 10/ 208 - 209 - 210 - 218.
طاهر بن عبد اللّه الهشامي 16/ 242.
طاهر بن علي 13/ 119.
طاووس 17/ 174.
طباع - جارية - 17/ 54.
الطبري 2/ 240، 4/ 179، 8/ 295، 15/ 255 - 260.
طثرية 8/ 155 - 156.
طخيم الأسدي 8/ 179.
طرخان بن محمد بن أسحق 10/ 128.
طرف بن بدر 8/ 405.
طرفة 8/ 216، 15/ 369، 22/ 81 - 190 - 194، 24/ 93.
طرفة بن العبد بن سفيان 8/ 53.
الطرماح 2/ 97، 17/ 378، 20/ 177.
الطرماح بن حكيم 12/ 35 - 36 - 37 - 38 - 39 - 40 - 41 - 42 - 43 - 44 - 131، 19/ 64 - 65.
الطرماح بن خليل بن ابرد 12/ 257.
طريح بن اسماعيل الثقفي 1/ 393، 4/ 120، 6/ 71، 16/ 17، 20/ 50.
طريف بن مالك 16/ 239.
طريفة 4/ 274.
طسم بن لاوذ بن إرم بن سام بن نوح 11/ 164.
طعيمة بن عدي 4/ 18، 15/ 181.
طغيان - جارية ام جعفر - 10/ 167.
طفيل بن عامر بن واثلة 12/ 175 - 176.
طفيل بن عمرو 13/ 218 - 219.
طفيل الغنوي 8/ 233، 15/ 349 - 350 - 352، 17/ 257.
طفيل بن مالك بن جعفر بن كلاب 11/ 126 - 148 - 150، 17/ 183.
طفيل بن مالك بن عامر بن الطفيل 12/ 10 - 19 - 63.
طل - خادم الرشيد - 10/ 163 - 164 - 165.
طلبة بن قيس بن عاصم المنقري 18/ 25، 21/ 281.
طلحة 15/ 311.
طلحة - أخو بني زهرة - 19/ 189.
طلحة بن ابي طلحة 15/ 181.
طلحة بن الأحوص 20/ 121.
طلحة بن الجود 11/ 186.
طلحة بن الحسين بن علي بن ابي طالب 21/ 115.
طلحة بن الزبير 12/ 35 - 335 - 336 - 337.
طلحة بن طاهر 15/ 238.
طلحة الطلحات بن عبد اللّه بن خلف الخزاعي 1/ 217، 3/ 356 - 357، 13/ 84 - 85 - 307، 18/ 262 - 272 - 277 - 296، 20/ 152 - 161 - 134، 22/ 260 - 261.
طلحة بن عبد الرحمن بن عوف الزهري 21/ 303.
طلحة بن عبد اللّه بن عوف الزهري 1/ 87، 8/ 125، 11/ 180، 16/ 192 - 274.
طلحة بن عبيد اللّه 1/ 200، 4/ 392، 7/ 53 - 54، 12/ 195، 15/ 195 - 196، 18/ 54 - 323 - 55، 21/ 10، 22/ 93.
طلحة بن عثمان 15/ 188.
طلحة بن عمر بن عبيد اللّه بن خلف الخزاعي 1/ 217.
طليحة بن خويلد الأسدي 15/ 220 - 240.
طليحة 2/ 402.
الطماح 9/ 99.
الطموح بنت دارم 18/ 128.
طهية بنت عبد شمس بن سعد 4/ 257.
الطوسي 2/ 251 - 254، 12/ 160 - 164.
طوف بن مالك 13/ 117.
طوماس 10/ 54 - 55.
طويس 1/ 38، 1/م - ت 13، 4/ 219 - 269، 8/ 216، 15/ 154، 17/ 51 - 52 - 163 - 302، 18/ 61 - 63 - 367، 19/ 161، 21/ 198.
طياب بن ابراهيم الموصلي 20/ 55.
الطيار - طيار بن ابي طالب - 15/ 141.
الطير 23/ 98.
الطيفان - ام خالد بن علقمة - 12/ 340 - 341.
ظ
ظالم بن اسعد 14/ 9، 21/ 210.
ظالم بن سراق 20/ 75.
ظالم العامري 21/ 186.
ظبيان بن عامر 20/ 142.
ظبية ابنة حالم 21/ 318.
ظبية - ام ذي الرمة - 18/ 2.
ظرار بن الخطاب الفهري 4/ 140.
ظرار بن عبد المطلب 4/ 135.
الظفري 6/ 342.
ظئر عبيدة 22/ 209.
ع
عائذ بن عبد اللّه بن عمر بن مخزوم 1/ 248.
عائشة 1/ 63، 2/ 364 - 378، 4/ 164، 8/ 327، 9/ 160، 10/ 305، 11/ 180 - 181 - 294، 12/ 35 - 335 - 338، 14/ 70، 16/ 93 - 94، 17/ 60 - 154 - 290 - 293 - 356 - 359 - 361، 18/ 54 - 55 - 109، 20/ 316.
عائشة - أم عقيد الندى - 3/ 356.
عائشة - أم عبد الملك بن معاوية - 12/ 183.
عائشة - أم لمحمد بن عائشة - 2/ 203.
عائشة بنت جرير 16/ 86.
عائشة بنت سعد 1/ 393 (بن ابي الوقاص) 17/ 270 - 276 - 277.
عائشة بنت سعيد بن العاص 4/ 269.
عائشة بنت طلحة 1/ 82 - 219 - 380، 2/ 380 - 381، 6/ 203، 8/ 113، 11/ 175 - 176 - 177 - 178 - 180 - 183 - 186 - 187 - 188 - 189 - 190 - 192، 15/ 126، 16/ 151، 17/ 49، 19/ 131.
عائشة بنت طلحة بن عبيد اللّه 1/ 199 - 201 - 203، 3/ 312 - 317 - 319 - 320 - 321 - 322 - 323 - 324 - 327 - 329 - 335 - 339 - 340 - 361، 14/ 158.
عائشة بنت عثمان بن عفان 11/ 178 - 179 - 182، 15/ 205، 19/ 126 - 137 - 139 - 146.
عائشة بنت معاوية 9/ 142.
عائشة بنت يحيى بن يعمر 16/ 130.
عائشة بنت يزيد 11/ 188 - 189.
عابدة 12/ 66 - 67.
عابر 17/ 245.
عاتكة 1/ 393، 2/ 383 - 384 - 385، 4/ 163 - 171 - 172 - 321.
عاتكة - اسم زوجة عبد الملك بن مروان - 20/ 308.
عاتكة - جارية ابو العراقيب - 1/ 39.
عاتكة - جارية ليونس الكلاب - 19/ 133.
عاتكة بنت أمية بن الحارث 15/ 75.
عاتكة بنت الأوقص بن مرة 12/ 248، 24/ 178.
عاتكة بنت زيد 18/ 58 - 59 - 60 - 61 - 62 - 63.
عاتكة بنت شهدة 18/ 336 - 343.
عاتكة بنت عبد اللّه بن يزيد بن معاوية 21/ 102 - 112 - 113.
عاتكة بنت الفرات بن معاوية البكائي 13/ 270 - 271.
عاتكة بنت مرة بن هلال 12/ 248.
عاتكة بنت معاوية بن ابي سفيان 7/ 121 - 122 - 124 - 125.
عاتكة بنت هلال بن ذكوان 12/ 248.
عاتكة بنت يزيد بن معاوية 3/ 322 - 323، 7/ 1، 9/ 21 - 22 - 27،
11/ 245 - 246، 19/ 122.
عارض الجشمي 10/ 29.
عارم بن جعفر بن علبة 13/ 48.
عارية 21/ 275.
العاص بن امية 1/ 14 - 17، 14/ 2.
العاص بن هشام 3/ 311، 4/ 174 - 250، 16/ 184.
العاص بن وائل السهمي 6/ 203، 9/ 56 - 173، 17/ 290، 22/ 62.
عاصم 12/ 31.
عاصم بن ابي الأقلع 4/ 224.
عاصم بن اسحاق 8/ 419.
عاصم بن ثابت بن ابي الأقلع الأنصاري 1/ 18 - 20، 15/ 194 - 195 - 293.
عاصم بن الحارث بن أفلح 14/ 352.
عاصم بن الحدثان 8/ 393 - 404 - 407 - 412 - 420، 14/ 310.
عاصم بن شبل الجرمي 8/ 289.
عاصم بن عقيل بن جعدة بن هبيرة المخزومي 24/ 231 - 232.
عاصم بن عمر بن الخطاب 1/ 24، 9/ 255، 12/ 59 - 73 - 74.
عاصم بن عمر بن قتادة 15/ 189 - 193 - 194 - 203 - 204.
عاصم بن عمرو 15/ 47 - 48 - 49 - 296.
عاصم بن عمرو بن عثمان 15/ 339 - 340.
عاصم بن عوف البجلي 17/ 148 - 153.
عاصم الغساني 7/ 209، 19/ 267 - 268، 20/ 226 - 227 - 229 - 299 - 230.
عافية بن يزيد 14/ 177.
العاقب 12/ 6 - 7.
العالية 8/ 302.
العالية بنت عبيد اللّه 24/ 170 - 189 - 191.
عامر 8/ 125 - 331، 14/ 311، 19/ 20، 20/ 162.
عامر بن احيمر بن بهدلة 14/ 71.
عامر بن الأخنس 21/ 141 - 160 - 161 - 163 - 165 - 166.
عامر بن اسد بن ربيعة بن نزار 24/ 260.
عامر الأعور 9/ 85 - 89 - 90.
عامر بن بشر بن ابي براء 6/ 2.
عامر بن بكر بن يشكر 17/ 223.
عامر بن جوني الطائي 9/ 90 - 95 - 96.
عامر بن جوين 17/ 369 - 372.
عامر بن الحصري 4/ 188.
عامر بن حوالة بن الأزد 13/ 209.
عامر بن ربعي بن دجاجة 8/ 123.
عامر بن ربيعة 11/ 138.
عامر بن رهم 21/ 11.
عامر بن شراحيل الشعبي 3/ 13، 6/ 33 - 34 - 45، 11/ 20 - 21 - 22 - 23، 24/ 47 - 48 - 49 - 50.
عامر بن صالح 4/ 378، 21/ 265.
عامر بن صعصعة 11/ 135، 13/ 58، 17/ 185، 24/ 46.
عامر بن ضبارة 12/ 230 - 231.
عامر بن الضرب 4/ 304 - 305.
عامر بن ضرية 2/ 297.
عامر بن الطفيل 3/ 81، 9/ 120 - 121، 10/ 38، 11/ 137 - 160، 12/ 9 - 10 - 11، 15/ 214، 16/ 76 - 282 - 283 - 285 - 286 - 287 - 289 - 290 - 291 - 292 - 293 - 294 - 295 - 296، 17/ 56 - 60 - 57 - 61 - 259 - 260 - 263 - 264، 21/ 19.
عامر بن الطفيل العدواني 3/ 90.
عامر بن الطفيل بن مالك بن جعفر 23/ 191.
عامر الطويل 4/ 343.
عامر بن عامر بن ثعلبة 19/ 68.
عامر بن عبد الملك المسمعي 8/ 9.
عامر بن غيلان 13/ 201.
عامر بن لؤي 19/ 172.
عامر بن مالك 12/ 14 - 16 - 21،
15/ 361، 17/ 58 - 183، 21/ 139.
عامر بن مالك بن تيم اللّه 16/ 286 - 355.
عامر بن مالك بن جعفر 11/ 99 - 126 - 127 - 128 - 149 - 150.
عامر بن مسعود 2/ 185، 12/ 75، 13/ 106 - 107.
عامر بن مسمع 8/ 302.
عامر بن واثلة 15/ 228 - 229، 16/ 298.
عامر بن يزيد بن الملوح 22/ 61 - 14.
العامري 13/ 62.
العامرية بنت غطيف بن حبيب بن قرة بن هبيرة 6/ 2 - 3.
عامل بن جريح 16/ 19.
عائد الكلب 24/ 241.
العباب 13/ 27.
عباد اللّه 4/ 306.
عباد البشرى 18/ 67.
عباد بن حبيب المهلبي 7/ 268.
عباد بن الحصين 8/ 76 - 302 - 399، 16/ 336.
عباد بن حمزة بن عبد اللّه بن الزبير 4/ 242.
عباد بن رفاعة العنزي 4/ 3.
عباد بن زياد 1/ 31، 7/ 75، 18/ 256 - 257 - 258 - 259 -
260 - 261 - 265 - 268 - 273 - 275 - 282 - 284 - 277 - 278.
عباد بن سلمة عطرد 3/ 303.
عباد بن مسعود 9/ 271.
عباد بن الممزق 14/ 323 - 331، 19/ 112.
عباد بن نهيك بن اساف 24/ 11.
عباد بن يعقوب 16/ 142.
عبادة 4/ 58 - 59، 11/ 55، 12/ 83.
عبادة - جارية لنخاس بالكرخ - 23/ 40 - 93 - 92 - 192 - 194 - 195.
عبادة المحاربي 14/ 271.
عبادة المخنث 20/ 255.
العباس (عليه السّلام) 12/ 321.
عباس 12/ 242، 19/ 279.
عباس - مولى عائذ اللّه - 11/ 257.
العباس بن الأحنف 5/ 167، 8/ 352 - 353 - 354 - 355 - 356 - 357 - 358 - 359 - 360 - 361 - 362 - 363 - 368 - 369 - 370 - 371 - 372، 10/ 43، 16/ 344 - 345، 17/ 66 - 67 - 73 - 67 - 68 - 70 - 71 - 72 - 104، 18/ 307 - 359 - 371، 19/ 57، 20/ 241، 21/ 83.
عباس بن الأصم 15/ 89.
عباس بن انس الرعلي 17/ 267، 18/ 75 - 82.
العباس بن جزمي بن الحارث بن زهير بن جذيمة العبسي 1/ 239.
العباس بن الحسن 24/ 216.
العباس بن رستم 4/ 6.
عباس بن ربيعة 12/ 225.
العباس بن الزربقان 12/ 287.
العباس بن زفر 13/ 150.
العباس بن سمرة بن سديد الخضري 2/ 292 - 297.
العباس بن عبد الصمد 8/ 183.
العباس بن عبد اللّه بن سنان 19/ 270.
العباس بن عبد المطلب 4/ 171 - 172 - 106 - 142 - 194 - 205 - 207، 6/ 82 - 352 - 354، 7/ 199 - 253، 10/ 96 - 277، 16/ 172 - 175، 17/ 288، 18/ 320، 22/ 73.
العباس بن الفضل بن الربيع 8/ 364، 18/ 222، 19/ 225 - 226 - 227.
العباس بن المأمون 7/ 167 - 226، 10/ 116، 12/ 84، 16/ 252، 21/ 70.
العباس بن محمد 10/ 256 - 257 - 258 - 266 - 268، 13/ 287، 14/ 167، 19/ 285 - 287.
العباس بن محمد بن خالد بن برمك 16/ 247.
العباس بن محمد بن علي 3/ 195، 16/ 256 - 258 - 259، 18/ 228 - 229.
العباس بن محمد الهاشمي 14/ 331 - 332.
عباس بن مرداس السلمي 6/ 342، 14/ 72 - 302 - 303 - 316 - 318 - 320 - 304 - 305 - 306 - 307 - 311 - 312 - 315، 15/ 89 - 215، 17/ 117 - 288، 18/ 75 - 77 - 79 - 92 - 81 - 82 - 83 - 84 - 86 - 87 - 88 - 89 - 91 - 92، 22/ 110.
عباس بن معبد المرّي 8/ 179.
عباس بن ميمون 14/ 227.
عباس بن هشام 14/ 71.
العباس بن الوليد بن عبد الملك 6/ 102، 7/ 4 - 12 - 25 - 73 - 75 - 78 - 79، 19/ 128.
العباس بن يزيد بن الأسود الكندي 8/ 20 - 258 - 259.
العباس بن يزيد بن الحكم 12/ 291.
العباسية بنت المهدي 4/ 337، 23/ 16 - 17.
عبد ابي سواج 8/ 306 - 307 - 308.
عبد اسود دميم 14/ 273.
عبد الأعلى بن حسان 17/ 311.
عبد الأعلى بن عبد اللّه بن عامر 21/ 313.
عبد امية بن عبد شمس بن عبد مناف 1/ 210، 11/ 293.
عبد الأول بن مزيد 18/ 152.
عبد بن زهرة الهذلي 24/ 197 - 198.
عبد بن العبد الحيتان 14/ 288.
عبد بني الحسحاس 22/ (ترجمته - 302 - 311) 303 - 304 - 305 - 306 - 307 - 308 - 309 - 310 - 311.
عبد الجبار 3/ 247، 12/ 194.
عبد الحارث بن عبد المسيح الأوسي 24/ 38.
عبد الحجر بن عبد الميدان 15/ 323.
عبد الحكيم بن عمر بن عبد اللّه بن صفوان الجمحي 4/ 253.
عبد الحميد 12/ 235.
عبد الحميد بن الخطاب 2/ 407.
عبد الحي بن القتال الكلابي 24/ 188.
عبد الخالق بن حنظلة الشيباني 8/ 297.
عبد الدار بن قصي 2/ 328.
عبد ريه بن الحكم 12/ 194 - 195.
عبد ربه الصغير 14/ 286 - 296.
عبد السلام - اسحاق بن مرار - 4/ 110.
عبد شمس بن عبد مناف 303، 1/ 210. 24/ 293 -
عبد بن الطيب 21/ (ترجمته - 24 - 27) 25 - 26 - 27.
عبد بن قطن 8/ 201.
عبد بن علي 1/ 414.
عبدة الطيب 14/ 83.
عبد الرحمن - ابن أخ الأصمعي - 2/ 189، 5/ 7.
عبد الرحمن بن ابي بكر الصديق 15/ 309، 17/ 355 - (خبره وقصة ليلى بنت الجودي - 356 - 361) 356 - 357 - 358 - 359 - 360 - 361، 20/ 316.
عبد الرحمن بن أبي بكرة 2/ 170، 8/ 222، 12/ 312، 17/ 297.
عبد الرحمن بن أبو حسين بن الحارث بن نوفل 1/ 249.
عبد الرحمن بن أبي عبد الرحمن بن عائشة 17/ 114.
عبد الرحمن بن ابي عبيدة 14/ 228.
عبد الرحمن بن ابي قباحة 6/ 296.
عبد الرحمن بن أرطأة 2/ 242 - 259 - 252 - 243 - 246 - 247.
عبد الرحمن بن ابي الزناد 2/ 247.
عبد الرحمن بن أزهر الزهري 1/ 24، 8/ 92.
عبد الرحمن بن الأشعث 11/ 22 - 199.
عبد الرحمن بن أم الحكم 14/ 249 - 258 - 261 - 217 - 218 - 221 -
222 - 223 - 225 - 241، 17/ 169.
عبد الرحمن - البريق اليزيدي 9/ 34.
عبد الرحمن بن جهم الأسدي 2/ 265 - 334.
عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي 2/ 248، 3/ 33، 16/ 274، 17
/154.
عبد الرحمن بن حاطب 16/ 325.
عبد الرحمن بن حبيش 12/ 141.
عبد الرحمن بن حرملة 8/ 78.
عبد الرحمن بن حسان بن ثابت 3/ 32، 4/ 162 - 163 - 284 - 285، 8/ 92 - 292، 13/ 259، 15/ 106 - 107 - 109 - 110 - 111 - 112 - 113 - 115 - 116 - 117 - 118 - 119، 16/ 39، 17/ 164 - 165 - 167 - 168 - 172 - 173، 20/ 207، 21/ 269.
عبد الرحمن بن حسان العنزي 17/ 148 - 150 - 152 - 153.
عبد الرحمن بن الحكم 2/ 251، 13/ 259 - 260 - 262 - 263 - 264 - 265 - 266 - 267 - 268، 15/ 106 - 111 - 112 - 116 -
117 - 118 - 119، 16/ 39، 18/ 271، 19/ 122.
عبد الرحمن بن حكيم 5/ 6.
عبد الرحمن بن حنبل بن مليل 6/ 268.
عبد الرحمن بن خاقان 20/ 133.
عبد الرحمن بن خالد بن الوليد 16/ 197.
عبد الرحمن بن رألان 8/ 391.
عبد الرحمن بن زيد 21/ 259 - 272.
عبد الرحمن بن سعيد الجرمي 8/ 43.
عبد الرحمن السلمي 7/ 80.
عبد الرحمن بن سليمان التيمي 18/ 55.
عبد الرحمن بن سليمان بن عبد الملك 19/ 210.
عبد الرحمن بن سمرة 6/ 143.
عبد الرحمن بن سهيل 13/ 38.
عبد الرحمن بن سيحان المحاربي 2/ 192 - 256.
عبد الرحمن بن صاغر البكائي 24/ 192.
عبد الرحمن بن صديقة 2/ 171.
عبد الرحمن بن الضحاك بن قيس الفهري 1/ 339 - 350، 15/ 141.
عبد الرحمن بن عبد اللّه 7/ 62، 9/ 139 - 216.
عبد الرحمن بن عبد اللّه بن ابي عمّار 8/ 338 - 350.
عبد الرحمن بن عبد اللّه بن خالد بن أسيد 3/ 339.
عبد الرحمن بن عبد اللّه بن عبد الرحمن بن ابي بكر 11/ 180.
عبد الرحمن بن عبيد 12/ 335.
عبد الرحمن بن عثمان بن ابي العاص 12/ 294.
عبد الرحمن بن عثمان بن عبد اللّه التيمي 17/ 295.
عبد الرحمن بن عنبسة بن سعيد بن العاص 11/ 370، 17/ 17، 21/ 90.
عبد الرحمن بن عوف 2/ 190، 3/ 31 - 40.
عبد الرحمن بن الفزاي 1/ 21.
عبد الرحمن بن الفضل 4/ 112.
عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن ابي بكر 23/ 228 - 229.
عبد الرحمن بن القتال الكلابي 24/ 188.
عبد الرحمن بن محمد 9/ 139 - 140.
عبد الرحمن بن محمد الأشعث 6/ 46 - 59، 22/ 217 - 218 - 265.
عبد الرحمن بن محمد بن مروان 19/ 208 - 209.
عبد الرحمن بن مخنف 17/ 139.
عبد الرحمن بن معاوية بن هشام 24/ 134.
عبد الرحمن بن مقرن 8/ 119.
عبد الرحمن بن ملجم المرادي 15/ 229 - 283 - 284، 18/ 111 - 112.
عبد الرحمن بن هبار 17/ 146.
عبد الرحمن التيمي 8/ 209.
عبد الرحمن الثقفي 20/ 63.
عبد الرحمن يزيد بن عطية 23/ 254.
عبد الرحيم بن الأزهر الكاتب 20/ 286.
العبد الزيادي 13/ 50.
عبد السلام 14/ 55.
عبد السلام بن القتال الكلابي 24/ 176.
عبد شمس 14/ 76.
عبد الصمد بن عبد الأعلى 7/ 3 - 8.
عبد الصمد بن علي 2/ 328 - 329 - 330، 3/ 48 - 49، 4/ 413، 11/ 353 - 354، 14/ 172.
عبد الصمد بن المعزل 13/ 225 - 226 - 228 - 235 - 238 - 239 - 241 - 244 - 249 - 251 - 253 - 254 - 255 - 257، 14/ 361.
عبد العزى 15/ 89.
عبد العزى بن امرىء القيس الكلبي 2/ 145.
عبد العزى بن حذا الثعلبي 17/ 203.
عبد العزى بن حنثم 9/ 115 - 117.
عبد العزى بن عبد شمس 11/ 293.
عبد العزى بن مسعود بن حارثة بن عوف بن كليب 8/ 4.
عبد العزيز 8/ 125، 9/ 46.
عبد العزيز - المكنى بابي الضحاك - 11/ 254.
عبد العزيز بن ابي ثابت الأعرج 1/ 30.
عبد العزيز بن ابي حفصة 10/ 72.
عبد العزيز بن ابي داود 13/ 245.
عبد العزيز بن احمد 23/ 199.
عبد العزيز بن الحجاج بن عبد الملك بن مروان 7/ 77 - 79 - 106، 9/ 33 - 45 - 142 - 255.
عبد العزيز بن دلف 8/ 249.
عبد العزيز بن دوائبا 14/ 258.
عبد العزيز بن زرارة الكلابي 9/ 109، 11/ 216 - 217 - 224، 23/ 198.
عبد العزيز بن سهل 20/ 155.
عبد العزيز بن شبيب بن خياط 3/ 363.
عبد العزيز بن عبد اللّه بن خالد بن أسيد 21/ 303، 24/ 110.
عبد العزيز بن عبد اللّه بن عامر 19/ 132، 22/ 261.
عبد العزيز بن عبد اللّه بن عمر بن عثمان 23/ 230.
عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز 4/ 346، 8/ 47، 23/ 231.
عبد العزيز بن عمران 2/ 242 - 251، 8/ 92، 10/ 62، 12/ 231.
عبد العزيز بن مروان 1/ 324 - 325 - 326 - 327 - 328 - 329 - 330 - 331 - 332 - 333 - 334 - 338 - 339 - 340 - 341 - 342 - 345 - 352 - 360 - 375 - 376، 6/ 26، 7/ 2، 8/ 92، 11/ 26، 12/ 180، 15/ 329، 16/ 113، 17/ 271 - 274، 20/ 210 - 309 - 312، 24/ 5 - 6 - 7.
عبد العزيز بن المطلب 4/ 194، 6/ 21، 16/ 156 - 157 - 180 - 317 - 318.
عبد العزيز بن الوليد 6/ 224 - 227، 16/ 276.
عبد العزيز بن يسار 22/ 342.
عبد عمرو بن بشر بن مرثد 24/ 66.
عبد عمرو بن سلامة 14/ 8.
عبد عمرو بن شريج بن الأحوص 16/ 288.
عبد القيس 8/ 61 - 302، 14/ 81 - 229 - 283 - 287 - 288، 15/ 256.
عبد القيس بن خفاف البرجمي 8/ 246.
عبد الكريم - مولى هشام بن عبد الملك - 22/ 22.
عبد الكريم بن ابي الوجاء 3/ 146 - 147.
عبد كلال 6/ 211 - 236.
عبد اللّه 8/ 210 - 266، 14/ 29، 17/ 117.
عبد اللّه (اخوات عرتوبة) 11/ 213 - 236.
عبد اللّه بن شداد 2/ 175.
عبد اللّه - أبو عبيدة اللّه بن عبد اللّه - 9/ 139.
عبد اللّه بن أبيّ 6/ 359، 17/ 119 -
120 - 121 - 123 - 125 - 126 - 172.
عبد اللّه بن أبي اسحاق الحضرمي 12/ 298.
عبد اللّه بن أبي أشعبة بن العلقم 3/ 62.
عبد اللّه بن أبي أمية 3/ 30 - 31.
عبد اللّه بن أبي بكر الصديق 18/ 58 - 59 - 60 - 63، 24/ 189.
عبد اللّه بن أبي بلقة 17/ 143.
عبد اللّه بن أبي حفصة 10/ 72.
عبد اللّه بن أبي ربيعة 1/ 64 - 65، 2/ 194، 9/ 58، 18/ 125، 22/ 305.
عبد اللّه بن أبي سعد 3/ 316، 8/ 49، 14/ 171 - 178 - 132 - 131 - 83.
عبد اللّه بن أبي سلول 4/ 159، 15/ 182 - 183.
عبد اللّه بن أبي سليم 20/ 416.
عبد اللّه بن أبي سهل 18/ 347.
عبد بن أبي شرح 16/ 268.
عبد اللّه بن أبي عبيدة 12/ 177.
عبد اللّه بن أبي العلاء - المغني 20/ 338، 24/ (ترجمته - 1 - 3) 1 - 2 - 3.
عبد اللّه بن أبي عليم بن جناب 3/ 128.
عبد اللّه بن أبي عمرو بن حفص بن المغيرة المخزومي 1/ 23.
عبد اللّه بن أبي غسان 1/ 391.
عبد اللّه بن أبي فروة 2/ 380.
عبد اللّه بن أبي كثير 4/ 399.
عبد اللّه بن أبي معقل 24/ (ترجمته - 9 - 15) 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15.
عبد اللّه بن أبي موسى 12/ 40.
عبد اللّه بن أحمد 20/ 195.
عبد اللّه بن أحمد التيمي 20/ 59.
عبد اللّه بن أحمد المهزمي 4/ 342.
عبد اللّه بن إسماعيل 11/ 346.
عبد اللّه بن اسماعيل - صاحب مراكب الرشيد - 21/ 59 - 67 - 75 - 76.
عبد اللّه بن إسماعيل بن علي بن ريطة 23/ 40 - 42.
عبد اللّه بن أسيد بن أبي العاص 6/ 269.
عبد اللّه بن أنس 4/ 418 - 419.
عبد اللّه بن أشعب 19/ 162.
عبد اللّه بن الأهتم 14/ 71.
عبد اللّه بن أيوب - أبو سمير - 20/ 243.
عبد اللّه بن أيوب - أبو محمد - 20/ 44 - 45 - 49.
عبد اللّه بن الجارود 18/ 135.
عبد اللّه بن جبير 15/ 186 - 188.
عبد اللّه بن جحش 12/ 54، 19/ (اخباره - 212 - 215) 211 - 213 - 212 - 214 - 215.
عبد اللّه بن جدعان 4/ 120 - 200،
8/ 327 - 329 - 330 - 331 - 332، 10/ 20 - 21، 11/ 125، 17/ 180 - 198 - 288 - 289 - 292 - 293 - 298 - 299، 22/ 54 - 58 - 59 - 60 - 62 - 66.
عبد اللّه بن جذل الطعان 16/ 56 - 59 - 61.
عبد اللّه بن الجراح 22/ 62.
عبد اللّه بن جعدة 11/ 97 - 98 - 127 - 132، 5/ 23.
عبد اللّه بن جعفر 1/ 39 - 41 - 249 - 251 - 353، 3/ 32، 4/ 299 - 294 - 295 - 297 - 284 - 212 - 207 - 5/ 80 - 107 - 130 - 204، 8/ 142 - 143 - 197 - 199 - 288 - 321 - 323 - 401، - 9/ 35 - 219، 12/ 57 - 216 - 217 - 218 - 219 - 220 - 221 - 222 - 223 - 225 - 226، 15/ 174 - 175 - 176 - 177، 19/ 138 - 139،
عبد اللّه بن جعفر بن ابي طالب 3/ 75 - 280 - 6/ 253، 11/ 310، 17/ 164 - 174 - 175 - 176 - 177 - 347.
عبد اللّه بن جؤية التميمي 17/ 148 - 150 - 153.
عبد اللّه بن الحارث 1/ 210 - 211 - 224، 20/ 416.
عبد اللّه بن الحارث - أخو الأشتر - 17/ 141 - 143.
عبد اللّه بن الحارث بن نوفل بن عبد المطلب 6/ 142 - 143.
عبد اللّه بن حازم 18/ 343.
عبد اللّه بن حازم المسيب بن أوفى القشيري 12/ 23 - 25.
عبد اللّه بن حبيب بن عمرو بن عمير 19/ 1 - 181.
عبد اللّه بن الحجاج الثعلبي 13/ 158 - 159 - 160 - 162 - 164 - 165 - 166 - 167 - 168 - 170 - 172 - 173 - 174.
عبد اللّه بن حذافة السهمي 6/ 350.
عبد اللّه بن حذف 15/ 257 - 258.
عبد اللّه بن الحسن 4/ 89 - 340 - 348 - 341 - 368 - 372 - 375 - 377 - 389، 8/ 365، 9/ 17، 11/ 300، 12/ 219 - 247 - 249 - 252، 15/ 341 - 342.
عبد اللّه بن الحسن الأصبهاني 24/ 53 - 54.
عبد اللّه بن الحسن بن احمد 20/ 175 - 178 - 184.
عبد بن الحسن بن الحسن 1/ 397، 6/ 104 - 105 - 106 - 110، 16/ 102 - 122 - 123 - 139، 21/ (ترجمته - 113 - 125) 96 - 114 - 115 - 117 - 119 -
120 - 121 - 122 - 123 - 124 - 125 - 328، 23/ 228 - 229.
عبد بن الحسين 16/ 140 - 149.
عبد بن الحسين بن سعد 21/ 39.
عبد اللّه بن الحسين بن علي 16/ 151 - 153 - 172.
عبد اللّه بن الحشرج 12/ 23 - 24 - 25 - 26 - 27 - 29 - 31 - 33 - 34، 15/ 386 - 392.
عبد اللّه بن الحصين 16/ 89 - 115.
عبد اللّه بن حكام 18/ 18.
عبد اللّه بن حكيم 5/ 6.
عبد اللّه بن حمدون 22/ 165 - 178.
عبد اللّه بن حنظلة 1/ 23، 2/ 248.
عبد اللّه بن حنين 4/ 400.
عبد اللّه بن خارجة بن حبيب 18/ 132 - 159.
عبد اللّه بن خازم 8/ 240.
عبد اللّه بن خالد بن أسيد 3/ 330، 19/ 122 - 123، 23/ 227.
عبد اللّه بن الخطاب 13/ 38.
عبد اللّه بن خلف 3/ 356، 22/ 263.
عبد اللّه بن خنزيرة 4/ 392.
عبد اللّه بن دارم 3/ 227، 11/ 112.
عبد اللّه بن دحمان الأشقر 24/ (أخباره - 97 - 98) 97.
عبد اللّه بن ربيعة الرّقي 8/ 370.
عبد اللّه بن رواحة 3/ 20، 4/ 138 - 143 - 145 - 147 - 158 - 189، 16/ 28 - 194.
عبد اللّه بن زائدة 16/ 264.
عبد اللّه بن زالان التميمي 21/ 340.
عبد اللّه بن الزبعري 4/ 137 - 140 - 141، 15/ 178.
عبد اللّه بن الزبير 1/ 15 - 16 - 21 - 22 - 66 - 73 - 110، 2/ 408، 3/ 100 - 101 - 361 - 363 - 364، 4/ 399 - 400 - 421، 5/ 7، 6/ 197 - 206 - 266، 7/ 114 - 128 - 132 - 133 - 144، 9/ 15 - 142 - 173 - 324 - 325 - 330، 10/ 72 - 306، 12/ 35 - 54 - 57 - 71 - 72 - 74 - 77 - 196 - 200 - 252، 13/ 158 - 159 - 169، 14/ 251 - 252 - 255 - 258 - 261 - 249 - 250 - 301 - 217 - 221 - 223 - 224 - 227 - 228 - 232 - 236 - 237 - 246 - 15/ 5 - 6 - 151، 16/ 29 - 32 - 40 - 154 - 155 - 197 - 200 - 301 - 304، 17/ 212 - 241 - 295 - 296 - 299، 18/ 55 - 57 - 134 - 279 - 280.
19/ 130، 21/ 16 - 286 - 287 - 288،
24/ 111 - 112 - 113.
إبراهيم بن الأشتر النخعي - 14/ 261.
عبد اللّه بن زياد 16/ 182.
عبد اللّه بن سالم 11/ 218 - 222.
عبد اللّه بن سعد بن أبي سرح 6/ 265 - 266 - 267.
عبد اللّه بن سعيد الجرمي 23/ 254 - 255.
عبد اللّه بن سعيد الحضرمي 24/ 225.
عبد اللّه بن سعيد بن زرارة 13/ 111 - 299 - 300.
عبد اللّه بن سعيد بن عبد الملك بن مروان 1/ 321.
عبد اللّه بن سليمان 16/ 407.
عبد اللّه بن سليمان بن وهب 24/ 152 - 153.
عبد اللّه بن سوار العنبري 13/ 228.
عبد اللّه بن شبيب 3/ 351.
عبد اللّه بن شداد الهادي الليثي 11/ 310.
عبد اللّه بن شريح بن مرة 24/ 38.
عبد اللّه بن صالح 11/ 336 - 342.
عبد اللّه بن صفوان 7/ 144، 9/ 184، 15/ 151.
عبد اللّه بن الصمة 10/ 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 10 - 11 - 13 - 15 - 35.
عبد اللّه بن الضحاك 14/ 261.
عبد اللّه بن طارق 4/ 225 - 226.
عبد اللّه بن طاهر 4/ 39، 6/ 175، 10/ 224، 12/ 86 - 100 - 102 - 103 - 104 - 105 - 106 - 110 - 112، 13/ 112 - 116 - 120، 15/ 275 - 276، 16/ 24 - 372 - 389 - 395 - 398، 20/ 25 - 32 - 33 - 141 - 152 - 178 - 179 - 184 - 254 - 245، 21/ 8، 22/ 200، 23/ 53 - 54 - 214 - 215.
عبد اللّه بن عامر 7/ 1، 12/ 326 - 333 - 335، 14/ 241، 18/ 183.
عبد اللّه بن عامر الاسلامي 3/ 134.
عبد اللّه بن عامر بن كريز 2/ 383، 7/ 53 - 54، 13/ 107 - 261، 17/ 210، 22/ 234.
عبد اللّه بن العباس - عامل لعلي بن ابي طالب - 22/ 228 - 229 - (ترجمته - 236 - 243) 237 - 238 - 239 - 240 - 241 - 242 - 243.
عبد اللّه بن عباس 1/ 81، 2/ 193، 3/ 216 - 314، 4/ 306، 12/ 35، 15/ 152، 17/ 32 - 213 - 238، 18/ 56.
عبد اللّه بن العباس 1/ 404، 10/ 96 - 276.
عبد اللّه بن العباس التميمي 12/ 228.
عبد اللّه بن العباس الربيعي 17/ 74، 18/ 344 - 345، 19/ 32 - 74 - 216 (أخباره - 219 - 259) 219 - 220 - 221 - 222 - 223 - 224 - 225 - 226 - 227 - 228 - 229 - 230 - 231 - 232 - 233 - 234 - 235 - 236 - 237 - 238 - 239 - 240 - 241 - 242 - 243 - 244 - 245 - 246 - 247 - 248 - 249 - 250 - 251 - 252 - 253 - 254 - 255 - 256 - 257 - 258 - 259 - 20/ 200، 23/ 94 - 178 - 179.
عبد اللّه بن العباس بن عبد المطلب 16/ 265 - 266 - 273.
عبد اللّه بن العباس بن الفضل بن الربيع 7/ 216 - 294، 8/ 359، 23/ 55.
عبد اللّه بن العباس المفتون 11/ 364.
عبد اللّه بن عبد الأعلى 18/ 119.
عبد اللّه بن عبد الرحمن 7/ 133.
عبد اللّه بن عبد الرحمن بن أبو حسين 1/ 251.
عبد اللّه بن عبد الرحمن بن أبي بكر 2/ 380، 11/ 77 - 180 - 181.
عبد اللّه بن عبد الحميد بن حفص 4/ 335.
عبد اللّه بن عبد العزيز 9/ 45.
عبد اللّه بن عبد العزيز بن العباس
4/ 330 - 342.
عبد اللّه بن عبد العزيز العمري 4/ 13 - 83 - 84.
عبد اللّه بن عبد المدان الحارثي 16/ 266.
عبد اللّه بن عبد المطلب 1/ 383، 12/ 7.
عبد اللّه بن عبد الملك بن مروان 15/ 323 - 328 - 329 - 334، 21/ 124 - 125.
عبد اللّه بن عثمان 14/ 220، 16/ 149 - 151 - 152 - 153.
عبد اللّه بن عثمان بن عبد اللّه بن حكيم 17/ 343 - 346، 19/ 128.
عبد اللّه بن عجلان 23/ 172.
عبد اللّه بن عروة 1/ 20.
عبد اللّه بن عطية 14/ 331 - 323.
عبد اللّه بن علي 5/ 110، 10/ 43 - 241، 12/ 231، 15/ 63.
عبد اللّه بن علي الرقة 4/ 343.
عبد اللّه بن علي العبشمي 22/ 266 - 267.
عبد اللّه بن علي بن عدي 22/ 261 - 262.
عبد اللّه بن عليم 19/ 23 - 24.
عبد اللّه بن عمر 1/ 22 - 24، 3/ 126 - 314، 11/ 294، 18/ 62، 19/ 160 - 161.
عبد اللّه بن عمر بن الخطاب 7/ 38 - 285.
عبد اللّه بن عمر بن عبد العزيز 12/ 228 - 229.
عبد اللّه بن عمر العمري 1/ 403.
عبد اللّه بن عمر الليثي 1/ 303 - 304.
عبد اللّه بن عمرو 3/ 272، 9/ 63 - 163.
عبد اللّه بن عمرو بن الحارث بن همام 3/ 90.
عبد اللّه بن عمرو بن حرام 15/ 183.
عبد اللّه بن عمرو بن العاص 17/ 283.
عبد اللّه بن عمرو بن عثمان بن عفان 3/ 357 - 360، 9/ 146، 21/ 116 - 402.
عبد اللّه بن عمير 18/ 183.
عبد اللّه بن عنبسة بن سعيد 4/ 347 - 348.
عبد اللّه بن عياش 14/ 248.
عبد اللّه بن العياش المنتوف 13/ 329.
عبد اللّه بن عياش الهمذاني 8/ 42، 22/ 21 - 22.
عبد اللّه بن غضاة الأشقري 11/ 21 - 22.
عبد اللّه بن غطفان 14/ 3.
عبد اللّه بن فضالة 12/ 71 - 77.
عبد اللّه بن فضالة الأسدي 1/ 14 - 15.
عبد اللّه بن القاسم الأموي العبلي 1/ 387 - 388 - 390.
عبد اللّه بن قطبة بن ثعلبة 22/ 151.
عبد اللّه بن قيس 1/ 113 - 213.
عبد اللّه بن كعب 16/ 331.
عبد اللّه الكلابي 8/ 77.
عبد اللّه بن كواء 14/ 276.
عبد اللّه بن مالك 3/ 59 - 60، 5/ 161، 9/ 166، 18/ 147 - 243.
عبد اللّه بن مأمون 16/ 114.
عبد اللّه بن المأمون بن الرشيد 18/ 67 - 170 - 228 - 229 - 314 - 360 - 341 - 362 - 393 - 272 - 373.
عبد اللّه بن المبارك 1/ 408.
عبد اللّه بن محمد 8/ 402، 13/ 339.
عبد اللّه بن محمد - أبو العباس السفاح - 4/ 382.
عبد اللّه بن محمد بن ابي عيينة 20/ 84 - 85 - 94 - 104.
عبد اللّه بن محمد بن الأشعث 23/ 7 - 8.
عبد اللّه بن محمد بن جرير 20/ 23.
عبد اللّه بن محمد بن سالم الخياط 19/ 314.
عبد اللّه بن محمد بن عمران التيمي 20/ 9.
عبد اللّه بن محمد المهلبي 13/ 244.
عبد اللّه بن محمد بن هرون التوزي 14/ 33.
عبد اللّه بن محمد اليزيدي 13/ 42 - 58.
عبد اللّه بن مروان بن معاوية الفزاري 18/ 205.
عبد اللّه بن المساور بن هند 22/ 143.
عبد اللّه بن مسحلان 8/ 271.
عبد اللّه بن مسعدة بن حكم الفزاري 19/ 202.
عبد اللّه بن مسعود 1/ 21 - 65، 4/ 200 - 201 - 207، 9/ 139 - 140.
عبد اللّه بن مسلم الباهلي 21/ 301.
عبد اللّه بن مسلم بن جندب 16/ 317 - 319.
عبد اللّه بن مسلم بن قتيبة 14/ 263، 15/ 309.
عبد اللّه بن مسور الباهلي 3/ 212.
عبد اللّه بن المسيب 13/ 243.
عبد اللّه بن مصعب الزبيري 1/ 78، 4/ 58 - 59 - 267، 15/ 6 - 28 - 29 - 32، 19/ 138، 20/ 1، 24/ (ترجمته - 236 - 243) 237 - 238 - 239 - 240 - 241 - 242.
عبد اللّه بن مطيع 3/ 330، 9/ 228، 12/ 74 - 75، 15/ 152.
عبد اللّه بن معاوية بن جعفر بن أبي طالب 13/ 279 - 280.
عبد اللّه بن معاوية الزبيري 8/ 92.
عبد اللّه بن معاوية بن عاصم 8/ 97.
عبد اللّه بن معاوية بن عبد اللّه بن جعفر
12/ 67 - 68 - 215 - 227 - 228 - 229 - 230 - 231 - 232 - 233 - 234 - 235 - 236 - 237 - 238.
عبد اللّه بن معبد الجرمي 23/ 254 - 255.
عبد اللّه بن المعتز 8/ 367، 14/ 322 - 332 - 333 - 16/ 407.
عبد اللّه بن معد يكرب 15/ 226 - 231.
عبد اللّه بن معمر 8/ 137، 11/ 183 - 184.
عبد اللّه بن معن بن أبي زائدة 4/ 22 - 23 - 24 - 25 - 26 - 27، 15/ 277 - 278 - 279 - 280 - 281 - 282.
عبد اللّه بن المقفع 20/ 223.
عبد اللّه بن المنتشر 1/ 322.
عبد اللّه المهلبي 23/ 157.
عبد اللّه بن موسى 1/ 146 - 268.
عبد اللّه بن موسى الهادي 1/ 185، 10/ 184.
عبد اللّه بن النعمان القيسي 24/ 86.
عبد اللّه بن نهيك 7/ 287.
عبد اللّه بن هشام بن بسطام التغلبي 13/ 120 - 122.
عبد اللّه بن هلال 1/ 153.
عبد اللّه بن همام السلولي 12/ 127، 16/ 155.
عبد اللّه بن الهيثم بن مسلمة 4/ 113.
عبد اللّه بن الوليد بن المغيرة 16/ 274.
عبد اللّه بن ياسين 14/ 325 - 326.
عبد اللّه بن يحيى 11/ 376، 16/ 368.
عبد اللّه بن يحيى بن خالد 21/ 59.
عبد اللّه بن يحيى بن الزبير 7/ 16.
عبد اللّه بن يحيى بن عباد 15/ 28.
عبد اللّه بن يحيى الكندي 10/ 290، 23/ (ترجمته - 224 - 256) 224 - 225 - 226 - 227 - 228 - 229 - 230 - 231 - 232 - 233 - 234 - 235 - 236 - 237 - 238 - 239 - 240 - 241 - 242 - 243 - 244 - 245 - 246 - 247 - 248 - 249 - 250 - 251 - 252 - 253 - 254 - 255 - 256.
عبد اللّه بن يزيد 12/ 9، 17/ 347.
عبد اللّه بن يزيد بن أسد بن كرز 22/ 11 - 12.
عبد اللّه بن يونس الأبلي 1/ 158.
عبد المجيد بن عبد الوهاب الثقفي 18/ 168 - 169 - 208 - 170 - 172 - 175 - 177 - 178 - 179 - 180 - 192، 20/ 61، 23/ 163.
عبد المدان 15/ 60.
عبد المسيح - العاقب - 12/ 6.
عبد المسيح بن دارس بن عربي بن معيقر 12/ 8 - 9.
عبد المسيح بن عمرو بن بقيلة 16/ 195.
عبد المطلب 6/ 351، 7/ 229.
عبد المطلب بن هاشم 1/ 12 - 20، 14/ 219، 16/ 187 - 208، 17/ 291 - 312 - 313 - 314 - 315 - 316.
عبد الملك 8/ 60 - 63 - 67 - 287 - 288 - 289 - 290 - 294 - 296 - 297 - 306، 9/ 169 - 170 - 171، 12/ 39 - 41. 14/ 251
- 281 - 283 - 291 - 321، 15/ 375.
عبد الملك - أبو يزيد - 2/ 359 - 360 - 361 - 362 - 363 - 382.
عبد الملك بن أبي زهير 11/ 301.
عبد الملك بن بشر 2/ 415 - 416 - 424 - 425، 10/ 160.
عبد الملك بن صالح الهاشمي 5/ 408 - 409، 13/ 121، 18/ 311 - 316، 23/ 119.
عبد الملك بن عبد العزيز بن بنت الماجشون 9/ 65.
عبد الملك بن عمر بن ابان النخعي 20/ 68.
عبد الملك بن الماجشون 1/ 378 - 380.
عبد الملك بن محمد بن الحجاج بن يوسف 7/ 76 - 77.
عبد الملك بن مروان 1/ 31 - 34 - 66 - 67 - 195 - 331 - 333 - 341 - 351 - 360 - 361 - 362 - 363، 2/ 247 - 250 - 251 - 323 - 357 - 358 - 383 - 384 - 385 - 407، 3/ 74 - 91 - 283 - 284 - 301 - 302 - 312 - 317 - 322 - 325 - 328 - 334 - 338 - 339 - 358 - 361، 4/ 219 - 254 - 407 - 408 - 421 - 422، 6/ 194 - 197 - 201 - 288 - 349، 7/ 2 - 106 - 144، 8/ 72 - 74 - 75 - 122 - 134 - 234 - 399، 9/ 9 - 21 - 23 - 27 - 29 - 123 - 142 - 227 - 228 - 354 - 305، 10/ 13 - 73 - 74 - 153 - 154 - 306، 11/ 7 - 20 - 64 - 65 - 67 - 181 - 188 - 191 - 240 - 245 - 254 - 255 - 256 - 257 - 269 - 271، 12/ 31 - 46 - 60 - 79 - 182 - 183 - 200 - 201 - 202 - 203 - 204 - 205 - 221 - 255 - 272 - 280 - 290، 13/ 12 - 30 - 31 - 37 - 43 - 58 - 59 - 67 - 75 - 100 - 158 - 159 - 160 - 161 - 162 - 168 - 172 - 173 - 266 - 276، 14/ 286 - 297 - 305 - 310 - 83 - 217 - 224، 15/ 10 - 174 - 175 -
176 - 341، 16/ 42 - 46 - 113 - 151 - 153 - 155 - 182 - 183 - 185 - 186 - 190 - 215 - 216 - 217 - 218 - 275 - 276 - 277 - 303 - 304، 17/ 13 - 109 - 138 - 131 - 231 - 232 - 241 - 271 - 272 - 274 - 275 - 294 - 299 - 346 - 347 - 348، 18/ 109 - 110 - 111 - 112 - 116 - 118 - 132 - 135 - 134 - 143 - 144 - 333، 19/ 102 - 104 - 121 - 122 - 123 - 124 - 126 - 128 - 131 - 132 - 188 - 203 - 204 - 205 - 213، 20/ 78 - 307 - 308 - 310 - 311 - 324، 21/ 26 - 125 - 234، 22/ 6 - 11 - 12 - 61 - 124 - 147 - 218، 24/ 5 - 17 - 47 - 148 - 49 - 110 - 113 - 114 - 115 - 116 - 214.
عبد الملك بن المهلب 8/ 298.
عبد الملك بن مويلك الخثعمي 20/ 387.
عبد الملك بن نفير 4/ 27.
عبد الملك بن يزيد السعدي 12/ 249 - 250 - 251 - 252.
عبد مناة بن كنانة 17/ 90.
عبد مناف 8/ 229 - 413، 18/ 273.
عبد الواحد بن سليمان 2/ 269 - 326، 6/ 100 - 102 - 103 - 104 - 105 - 106 - 107 - 108 - 109 - 110 - 111 - 112 - 113 - 114.
23/ 227 - 228 - 229 - 231، 24/ 19 - 20.
عبد الواحد النصري 1/ 373 - 375، 4/ 255 - 268. 21/ 108.
عبد الوهاب بن ابراهيم الامام 7/ 23.
عبد الوهاب بن الخصيب 11/ 336 - 342.
عبد الوهاب بن عبد العزيز 9/ 47.
عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي 18/ 175 - 177، 20/ 65 - 68 - 69.
عبد الوهاب بن علي 16/ 6 - 7 - 8 - 314.
عبد يزيد بن هاشم بن عبد المطلب 22/ 62.
عبد يا ليل بن عمرو الثقفي 3/ 19.
عبد يغوث بن حرب 22/ 335.
عبد يغوث بن دوس 12/ 210.
عبد يغوث بن صلاءة الحارثي 16/ 327.
عبد يغوث بن الصمة 10/ 4 - 5 - 16.
عبد يغوث بن وقاص 14/ 81، 22/ 220 (ترجمته - 81 - 95) 81 - 82 - 84 - 85 - 86 - 87 - 88 - 89 -
90 - 91 - 92 - 93 - 94 - 95.
عبدة 3/ 238 - 250.
عبدة بنت ابان 2/ 336.
العبدي 3/ 5.
العبس 8/ 235.
عبس بن مطلق بن ربيعة الصريمي 8/ 400.
عبشمس بن كعب بن سعد 18/ 128.
العبشمي 16/ 332 - 333.
عبلة 9/ 220.
عبلة بنت عبيد بن حارك 11/ 293.
عبلة بنت عبيد بن خازل بن قيس بن مالك 1/ 209.
عبيد 8/ 204 - 205 - 239، 17/ 277.
عبيد - أخ أبو وجزة - 12/ 240.
عبيد - أخو بني ربيعة بن حنظلة - 21/ 326.
عبيد - اسم راوية الفرزدق - 18/ 17.
عبيد أبو أبي وجزة السعدي 12/ 240.
عبيد بن الأبرص 9/ 103، 14/ 14، 17/ 33 - 226 - 367، 20/ 12.
عبيد بن جرى 3/ 58 - 59 - 65.
عبيد بن زيد بن نهشل 13/ 22.
عبيد بن سريج 2/ 353 - 354 - 355، 3/ 279.
عبيد بن عمير 13/ 264.
عبيد بن عوف - سريج - 22/ 323.
عبيد بن عوف البكائي 22/ 72 - 321 - 322.
عبيد بن القيس 14/ 289 - 290.
عبيد بن موهوب 3/ 334.
عبيد بن يزيد 12/ 245 - 246 - 247.
عبيد بن يعلى 2/ 364.
عبيد اللّه 3/ 361، 4/ 207، 8/ 310 - 375 - 386 - 390 - 391 - 392 - 411 - 415 - 417 - 423، 9/ 52، 12/ 6.
عبيد اللّه - أبو جعفر المنصور - 23/ 135 - 136.
عبيد اللّه بن أبي بكرة 18/ 169 - 292 - 293 - 294 - 295 - 296 - 297.
عبيد اللّه بن أبي بلتعة 17/ 143.
عبيد اللّه بن أبي الحسن بن الحر 13/ 249.
عبيد اللّه بن أبي غسان 1/ 196، 6/ 162، 12/ 150، 17/ 340، 18/ 75 - 349.
عبيد اللّه بن أحمد بن محمد الكوفي 14/ 278.
عبيد اللّه بن اسحاق بن الفضل الهاشمي 4/ 91 - 92.
عبيد اللّه بن بشير الماحوز 6/ 143.
عبيد اللّه بن الحسن 9/ 262 - 263 - 289، 14/ 167، 19/ 136.
عبيد اللّه بن الحسن بن الحصين بن الحر العنزي 18/ 185 - 186 - 199.
عبيد اللّه بن الحسن العنبري 2/ 35.
عبيد اللّه بن الحسن القاضي 12/ 307 - 308.
عبيد اللّه بن دحمان 18/ 300 - 301 - 303.
عبيد اللّه الرازي 14/ 74.
عبيد اللّه بن زياد 6/ 63، 7/ 229، 8/ 198 - 400، 12/ 299 - 313 - 314 - 324، 13/ 133 - 134 - 263 - 14/ 229 - 234 - 236 - 221 - 261، 18/ 256 - 262 - 263 - 264 - 265 - 268 - 272 - 279 - 277 - 280 - 282 - 284 - 285 - 286 - 291 - 292، 20/ 364 - 365 - 368، 21/ 338.
عبيد اللّه بن زياد بن ظبيان 12/ 206.
عبيد اللّه بن سلمان 10/ 65.
عبيد اللّه بن سليمان الطفيلي 19/ 291.
عبيد اللّه بن سليمان بن وهب 23/ 143.
عبيد اللّه بن شداد 2/ 175.
عبيد اللّه بن ظبيان 8/ 393.
عبيد اللّه بن العباس 5/ 11، 15/ 152.
عبيد اللّه بن العباس بن عبد المطلب 12/ 55 - 56 - 57.
عبيد اللّه بن عبد اللّه 12/ 106 - 111.
عبيد اللّه بن عبد اللّه بن طاهر 9/ 40 - 42 - 43 - 44 - 48 - 59 - 344،
10/ 60 - 276 - 285، 18/ 168.
عبيد اللّه بن عبد اللّه بن عتبة بن مسعود 9/ 139 - 140 - 141 - 142 - 143 - 144 - 146 - 147 - 149 - 152.
عبيد اللّه بن عمر 2/ 189.
عبيد اللّه بن عمر الخطاب 9/ 166 - 255.
عبيد اللّه بن عمر العدوي 18/ 322.
عبيد اللّه بن عمرو 23/ 162 - 163.
عبيد اللّه بن عمرو بن حفص العمري 23/ 228 - 229.
عبيد اللّه بن قطبة 8/ 99 - 122 - 134 - 137.
عبيد اللّه بن قيس الرقيات 12/ 180 - 281 - 182 - 183 - 220 - 222 - 223، 18/ 344 - 19/ 345 - 121 - 128 - 129 - 132 - 133، 21/ 198.
عبيد اللّه بن محمد بن عائشة 2/ 203.
عبيد اللّه بن محمد اليزيدي 17/ 336، 18/ 45 - 47 - 150، 20/ 217.
عبيد اللّه بن مسلم بن جندب 3/ 289.
عبيد اللّه بن معمر 7/ 53 - 54.
عبيد اللّه بن موعد 17/ 137.
عبيد اللّه بن موهب 17/ 343.
عبيد اللّه بن هشام بن عمرو التغلبي 13/ 156.
عبيد اللّه بن يحيى 10/ 53 - 135، 15/ 275، 19/ 257.
عبيد اللّه بن يحيى بن خاقان 14/ 198 - 199 - 203، 22/ 158 - 159.
عبيد اللّه بن يحيى بن سليمان 23/ 19.
عبيد اللّه بن يعقوب 20/ 146.
عبيدة 3/ 177.
عبيدة بن اشعب 19/ 35 - 155.
عبيدة بن الحارث 4/ 89 - 190.
عبيدة بن حكيم الشريدي 12/ 110.
عبيدة بن الرحمن 9/ 312 - 313.
عبيدة الطنبورية 22/ (ترجمتها - 205 - 210) 205 - 206 - 207 - 208 - 209 - 210.
عبيدة بن عمرو 17/ 140.
عبيدة بن مالك 11/ 150، 12/ 21.
عبيدة بن مالك بن جعفر بن كلاب 17/ 183.
عبيدة بن همام التغلبي 12/ 202.
عبيدة بن وهب 11/ 248 - 249.
عتاب بن اسيد 19/ 156.
عتاب بن هرمي بن رياح 13/ 129، 21/ 298.
عتاب بن ورقاء الرياحي 19/ 124.
العتابي 1/ 315، 13/ 109 - 111 - 112 - 114 - 115 - 116 - 117 - 118 - 119 - 120 - 123 - 124، 20/ 178.
عتبة 3/ 251 - 252 - 253 - 254، 8/ 280.
عتبة - جارية المهدي - 4/ 51.
عتبة بن ابراهيم اللهبي 1/ 386.
عتبة بن أبي سديف 9/ 175.
عتبة بن أبي سفيان 3/ 100 - 101.
عتبة بن أبي لهب 16/ 175 - 176.
عتبة بن أبي معيط 4/ 174 - 207.
عتبة بن أبي وقاص 15/ 192 - 197.
عتبة بن الأخنس السعدي 17/ 148 - 150 - 153.
عتبة بن الحارث بن شهاب 8/ 246، 9/ 333، 13/ 185، 15/ 214، 17/ 318.
عتبة بن الحارث بن عامر بن نوفل 4/ 226 - 228 - 229.
عتبة بن ربيعة 4/ 124 - 182 - 185 - 186 - 187 - 188 - 189 - 190 - 202 - 204 - 210 - 211، 9/ 53 - 54.
عتبة بن ربيعة بن عبد شمس 17/ 290 - 300 - 348، 18/ 124، 22/ 73.
عتبة بن الزعل بن عبد اللّه بن عمر 8/ 280.
عتبة بن عفيف بن عمرو 17/ 365.
عتبة بن عمرو 4/ 207.
عتبة بن غزوان 12/ 335.
عتبة بن مرداس 22/ (ترجمته - 226 - 235).
عتبة بن مسعود 9/ 139.
عتبة النحوي 18/ 182 - 183.
العتبي 2/ 38، 8/ 43 - 269 - 306 - 396، 14/ 249 - 283 - 297 - 375، 23/ 162 - 163 - 126 - 127.
عتمة - جارية أبو مراد - 16/ 262 - 263.
عتيبة بن الحارث بن شهاب 21/ 298.
عتيبة بن النهاس العجلي 2/ 167 - 168.
عتير بن سهل 20/ 198 - 200 - 201.
عتيق 1/ 95 - 98 - 123 - 129.
عثعث - غلام أحمد بن يحيى بن معاذ - 11/ 336، 20/ 147.
عثعث الأسود 14/ 211.
عثمان 15/ 21.
عثمان بن ابي عائشة 2/ 174.
عثمان بن أبي العاص 12/ 286، 20/ 76، 21/ 15.
عثمان بن ادريس 21/ 48.
عثمان بن أسد 22/ 70 - 71.
عثمان بن حفص الثقفي 6/ 339.
عثمان بن الحكم الثقفي 10/ 48، 18/ 184.
عثمان بن حنيف 15/ 189.
عثمان بن الحويرث 22/ 12.
عثمان بن حيان المري 1/ 375، 8/ 341 - 342، 10/ 322، 12/ 255 - 277 - 278، 21/ 338 - 243.
عثمان الخشبي 7/ 78.
عثمان بن دراج الطفيلي 16/ 250 - 251 - 252.
عثمان بن درباس 11/ 375.
عثمان ابن سكينة بنت الحسين 19/ 128.
عثمان بن شرحبيل التيمي 17/ 146.
عثمان بن شيبة 14/ 366.
عثمان بن طلحة 16/ 194.
عثمان بن مظعون 15/ 374 - 375.
عثمان بن عبد اللّه بن حكيم 17/ 343.
عثمان بن عروة 16/ 150 - 19/ 128.
عثمان بن عفان 1/ 20 - 36 - 31 - 135 - 249 - 250 - 402، 3/ 27 - 28 - 29 - 31، 4/ 199 - 200، 5/ 130 - 145 - 149، 6/ 255 - 256 - 266 - 267 - 268 - 269 - 355 - 356، 7/ 259 - 266 - 273 - 276، 8/ 234، 9/ 161 - 162 - 271، 10/ 306، 11/ 265، 12/ 35 - 127 - 128 - 131 - 141 - 142 - 143 - 297، 14/ 240 - 244 - 245 - 292، 15/ 74 - 211، 16/ 191 - 228 - 230 - 233 - 234 - 322 - 323 -
324، 17/ 133 - 142 - 144 - 151 - 152 - 167 - 224 - 349، 18/ 54، 19/ 83 - 135 - 136 - 137 - 139 - 140 - 159 - 20/ 178، 22/ 11 - 19 - 26 - 305 - 306، 23/ 213 - 241.
عثمان بن عمارة بن خزيم المرّي 2/ 15 - 86 - 87 - 88.
عثمان بن عمرو بن شأس 2/ 382 - 384 - 385.
عثمان بن عمرو بن عثمان 19/ 147.
عثمان بن عمير بن جرير المرّي 2/ 15.
عثمان بن محمد 20/ 189.
عثمان بن محمد بن أبي سفيان 1/ 23 - 25.
عثمان بن الوليد 7/ 71.
عثمان بن الوليد بن يزيد 7/ 82.
العثماني 1/ 39، 8/ 120.
العجاج 2/ 97، 8/ 419، 20/ 346 - 350 - 351، 21/ 201 - 202.
عجرد بن عبد عمرو بن ضمرة 22/ 97 - 227 - 81.
عجر السلولي 8/ 258.
عجرد بن عمرو بن سندي 14/ 322.
عجل بن لجيم بن صعب بن علي 14/ 257، 19/ 106.
العجلان بن ربيعة 17/ 137.
عجوز عمير الباذغنيسي 2/ 69.
عجيبة بن دارم 18/ 128.
عجير 8/ 259.
العجير السلولي 2/ 264، 8/ 183 - 184، 12/ 127، 13/ 58 - 59 - 61 - 62 - 64 - 65 - 67 - 70 - 71 - 72 - 75 - 36.
عجيف 12/ 84، 21/ 61.
العجيف العقيلي 2/ 262.
عجيلة 3/ 227.
عداء - ابن عثمان بن عمرو - 12/ 54.
عدس بن زيد 12/ 210.
عدنان بن أدد 13/ 79.
عدوان بن عمرو بن قيس بن عيلان 4/ 304 - 373.
عدي 15/ 313.
عدي - ابن أخ لعون بن جعد - 21/ 238.
عدي - ابن أخت الحارث - بن أبي شمر الغساني 11/ 199 - 200 - 131.
عدي بن حاتم الطائي 17/ 252 - 363 - 375 - 386 - 387.
عدي بن أبي الزغباء 4/ 176 - 181.
عدي بن الحرث 14/ 218.
عدي بن حنظلة 2/ 105.
عدي بن الرقاع 1/ 301 - 302، 8/ 272، 9/ 309 - 310 - 311 - 315 - 316 - 317، 19/ 126 - 129.
عدي بن زيد 18/ 174 - 175.
عدي بن زيد بن حماد بن نزار 2/ 97 - 99 - 101 - 102 - 103 - 104 - 107 - 108 - 110 - 105 - 106 - 114 - 116 - 118 - 120 - 128 - 129 - 133 - 136 - 138 - 140 - 146 - 154.
عدي بن زيد العبادي 2/ 96.
عبدي بن زيد بن مالك بن عدي بن الرقاع 9/ 307 - 308.
عدي بن طلحة القرشي 2/ 55.
عدي بن طلحة المخزومي 2/ 55.
عدي بن عمرو 3/ 2 - 3 - 7.
عدي بن مرينا 2/ 108 - 109 - 115 - 111 - 112.
عدي بن نوفل 14/ 153.
العديل بن الفرخ 22/ (ترجمته - 326 - 344) 327 - 328 - 329 - 330 - 331 - 332 - 333 - 334 - 335 - 336 - 337 - 338 - 339 - 340 - 341 - 343.
العذر بن بدر 8/ 421.
العذري 20/ 93.
عرابة 22/ 39 - 68.
عرابة بن أوس 9/ 166 - 167 - 168 - 169، 12/ 219، 15/ 184.
عرادة 13/ 133، 18/ 210.
عرار بن عمرو بن شأس 2/ 382 - 384 - 385، 8/ 213.
11/ 194 - 198 - 199.
عراك 4/ 354.
عراك بن والك 9/ 144.
العرجي 1/ 383 - 386 - 387 - 388 - 390 - 391 - 392 - 395 - 396 - 397 - 393 - 400 - 401 - 402 - 403 - 405 - 407 - 408 - 409 - 410 - 411 - 412 - 413 - 414 - 416 - 417 - 8/ 230، 19/ 216
(بعض أخباره - 217 - 218) 217 - 218 - 221.
عرعرة بن عاصية 12/ 107 - 110.
عرفجة بن جنادة 19/ 28.
عرقوب 17/ 89 - 90 - 91 - 207.
عروة 3/ 122 - 120، 14/ 239.
عروة - من بني مسعود بن معتب - 22/ 68.
عروة بن أذينة 12/ 189، 16/ 128 - 279، 18/ (ترجمته - 321 - 335) 321 - 324 - 325 - 322 - 323 - 326 - 327 - 328 - 329 - 330 - 331 - 332 - 333 - 334، 19/ 300.
عروة بن جزام العذري 3/ 164، 23/ 172، 24/ (ترجمته - 143 - 166) 145 - 146 - 147 - 148 - 149 - 150 - 151 - 152 - 153 - 154 - 155 - 156 - 157 - 158 -
159 - 160 - 161 - 162 - 163 - 164 - 165 - 166.
عروة بن خالد بن سعيد بن عمرو بن عثمان 4/ 347.
عروة الرحال بن عتبة بن جعفر بن كلاب 22/ 57 - 58.
عروة بن الزبير 4/ 408 - 409 - 420، 6/ 266، 9/ 140 - 142، 10/ 306، 11/ 188، 1/ 146 - 147، 15/ 6، 16/ 198 - 200، 17/ (من أخباره - 241 - 243) 241 - 242 - 243، 19/ 128.
عروة بن زيد الخيل 17/ 246 - 256 - 258.
عروة بن عتبة بن جعفر 11/ 97 - 98 - 107 - 158.
عروة بن عوف 1/ 20.
عروة بن مرة 21/ 212 - 214 - 215 - 217 - 218 - 219 - 220.
عروة بن مسعود 16/ 82.
عروة بن المغيرة 6/ 191، 7/ 95، 17/ 146 - 221، 19/ 129.
عروة بن الورد 8/ 244، 23/ 32.
عروة بن يوسف الثقفي 4/ 10.
عروة بنت علقمة 15/ 181.
عروية بن بانة 9/ 145 - 148.
عروية المدني 16/ 214.
العريان بن الهيثم النخعي 10/ 154 - 155، 11/ 263، 12/ 40.
عريب 8/ 367، 14/ 212، 17/ 101 - 106 - 173، 18/ 64 - 154 - 163 - 166 - 167، 19/ 300 - 302 - 311 - 313، 20/ 13 - 247 - 248 - 249 - 257، 21/ 36 - (ترجمتها - 54 - 91) 54 - 55 - 57 - 58 - 59 - 60 - 61 - 63 - 66 - 69 - 70 - 71 - 72 - 73 - 74 - 75 - 76 - 77 - 78 - 79 - 80 - 81 - 82 - 83 - 84 - 85 - 86 - 87 - 287، 22/ 30 - 157 - 162 - 164 - 165 - 177 - 178 - 179 - 180 - 181 - 201، 23/ 76 - 84.
عز 8/ 218.
عز الدولة 1/م - ت 33.
عزة 8/ 109.
عزة بن مكدم 16/ 57.
عزة بنت جميل بن وقاص 9/ 24 - 25 - 26 - 27 - 28 - 29 - 31 - 32 - 33 - 36 - 225.
عزة بنت عبد اللّه 12/ 176 - 184 - 186 - 190.
عزة المرزوقية 1/ 253.
عزة الميلاء 8/ 321، 12/ 124، 17/ 46 - 48 - 161 (أخبارها - 162 - 177) 162 - 163 - 164 - 165 - 166 - 167 - 168 - 176 -
177، 11/ 54.
عزون 3/ 71، 10/ 229 - 231.
العزي 19/ 53.
عزيز 14/ 6.
عساليج 19/ 239 - 241.
عسيل 13/ 245.
عصام بن شهر الجرمي 11/ 12 - 27 - 29.
عصام ابن عبدة 2/ 98.
عصمة بن أبير التيمي 12/ 341، 14/ 81، 16/ 333.
عصمة بن مالك 18/ 51 - 52.
عصمة بن وهب 11/ 127.
عصية بن معيص 16/ 59.
عضد الدولة 1/م - ت 33.
عضل بن دمس بن محلم بن عائذ بن أتبع بن الهون 22/ 59.
عطاء - من التابعين 17/ 174.
عطاء بن أبي رباح 1/ 256 - 257 - 278 - 281 - 316 - 407 - 408، 2/ 367، 3/ 347 - 348، 8/ 335.
عطاء بن مصعب 8/ 73 - 404، 12/ 27.
عطاء الملط 20/ 14.
عطاء الملك 5/ 387.
عطارد بن حاجب 4/ 146 - 147 - 150، 20/ 208.
عطرد 1/ 158، 8/ 174، 20/ 294 - 295.
العطوي 23/ (ترجمته - 122 - 128) 123 - 124 - 125 - 126 - 127 - 128.
عطية 8/ 49 - 50.
عطية - أبو جرير - 21/ 375.
عطية - جد النعمان لأمه - 11/ 13.
عطية بن جعال الغداني 8/ 295 - 385 - 387، 21/ 399 - 400.
عطية بن سفيان النصري 14/ 312.
عطية بن عفيف النصري 22/ 63.
عطية بن عمرو العنبري 6/ 59.
عفاطة 14/ 11.
عفان بن أبي العاص 7/ 286.
عفراء 1/ 262 - 264، 20/ 92.
عفراء - صاحبة عروة بن حزام - 23/ 172.
عفراء بنت عقال بن مهاصر 24/ 145 - 146 - 147 - 148 - 149 - 150 - 158 - 159.
عفير - ملك من بني حية من طيء - 17/ 251.
عفير بن جبير بن هلال 22/ 338 - 339.
عفيرة بنت عيّاد 11/ 165.
عفيف بن حسان بن حصين 24/ 22.
عفيف بن المنذر 15/ 259 - 260 - 261.
عقاب المدني 6/ 153 - 157.
عقال بن شبة المجاشعي 20/ 409.
عقال بن مهاصر 24/ 145.
عقال بن هاشم 2/ 309.
عقب 8/ 65.
عقب بن أبي قيس الأسلت 17/ 117.
عقبة بن أبي معيط 1/ 17 - 18 - 20، 3/ 305.
عقبة بن أسلم الأزدي الهنائي 21/ 196 - 197.
عقبة بن جعفر الأشعث 16/ 400 - 407.
عقبة بن رؤبة 3/ 174 - 175 - 176.
عقبة بن سلم 3/ 174 - 175 - 176 - 182 - 189 - 194 - 195 - 205، 7/ 230 - 262 - 263 - 266، 21/ 123.
عقبة بن السنيع 8/ 26.
عقبة بن شريك 8/ 167 - 168 - 169.
عقبة بن كعب بن زهير 2/ 268.
عقبة بن مسلم 14/ 336.
عقد 23/ 126.
عقرب الخياط 16/ 185.
عقيبة الأسدي 20/ 363.
عقيد 18/ 64 - 71 - 65 - 69 - 72 - 70 - 71.
عقيد - المغني - 20/ 213 - 304.
عقيل 8/ 181 - 258، 15/ 314.
عقيل بن أبي طالب 2/ 274، 4/ 207 - 216، 5/ 135، 16/ 268.
عقيل بن الأسود 4/ 208.
عقيل بن دلس 22/ 59.
عقيل بن علفة 2/ 289 - 321، 11/ 109، 12/ 266، 19/ 194، 21/ 358، 24/ 35.
عقيل بن مالك 3/ 272 - 273.
عقيلة بنت الضحاك بن عمرو بن محرق 8/ 46.
عقيلة العقيقية 8/ 186.
عقيلة بنت عقيل بن أبي طالب 4/ 261.
عقيلي 8/ 259.
عك بن عدنان بن أدد 13/ 80.
العكابة 22/ 18 - 327.
عكاشة بن محصن 15/ 220.
عكب 21/ 3 - 4 - 5.
عكرمة 9/ 36 - 37.
عكرمة بن أبي جهل 15/ 179 - 181 - 186 - 187 - 204.
عكرمة بن خالد المخزومي 3/ 312.
عكرمة بن ربعي البكري 2/ 349، 8/ 295، 11/ 266، 12/ 159 - 166 - 167 - 185، 22/ 341.
عكرمة الفياض 8/ 315 - 318 - 319 - 320.
العكوك 20/ 14 - 15 - 31 - 33 - 36 - 39.
العلاء بن أفلح 23/ 245.
علاء بن حارثة الثقفي 14/ 310.
العلاء بن الحضرمي 15/ 255 - 257 - 258 - 259 - 260 - 261 - 262.
علاء بن سعيد البلويّ 8/ 135.
العلاء بن قرظة 21/ 396.
العلاء بن منظور الأسدي 20/ 135.
العلاء بن النجدار 7/ 47.
علاك بن غالب 8/ 25.
علان الشعوبي 13/ 104.
علبة بن ربيعة 13/ 49 - 54.
العلج 6/ 34.
علفة - والد عقيل - 2/ 287 - 288.
علفة - والد المستورد الخارجي - 2/ 287.
علفة بن عقيل 2/ 289 - 290، 12/ 256 - 260 - 268.
علفة بن عقيل الأصغر 12/ 266.
علقمة 8/ 195.
علقمة بن بشير 13/ 185.
علقمة بن زرارة بن عدس بن زيد 17/ 179.
علقمة بن عبد الفحل 21/ 199 (ترجمته - 199 - 203) 200 - 201 - 202 - 203.
علقمة بن عبدة 8/ 194، 15/ 157 - 158، 20/ 312، 22/ 81.
علقمة بن عدي 2/ 154.
علقمة بن علاثة 3/ 19، 8/ 314، 9/ 120 - 121، 16/ 196 - 197 - 281 - 282 - 283 - 284 - 285 - 286 - 288 - 289 - 290 - 291 - 292 - 293 - 294 - 295 - 296، 17/ 264، 23/ 191.
علقمة بن محرز الكناني 22/ 150 - 154 - 155.
علقمة بن معبد المازني 8/ 401.
علقمة بن هوذة 2/ 181 - 191، 13/ 190 - 197.
علقمة بن وائل الحضرمي 17/ 37.
العلوي 23/ 76.
علوية 4/ 254، 8/ 259، 14/ 131، 18/ 73 - 328 - 369 - 338 - 345 - 362 - 364 - 370، 19/ 73 - 239 - 257 - 258، 20/ 13 - 145 - 303 - 304 - 371، 21/ 252 - 275، 22/ 52، 24/ 1.
علوية الأعسر 15/ 236 - 237 - 358.
علوية رملان 8/ 340.
علي 20/ 163.
علي بن أبي سعيد القلمني 10/ 62.
علي بن أبي طالب 1/ 18 - 19 - 73، 2/ 74 - 274 - 411، 3/ 27 - 28 - 29 - 224 - 281 - 311 - 316، 4/ 137 - 174 - 175 -
179 - 189 - 302 - 306، 5/ 7 - 10 - 126 - 129 - 130 - 140 - 142، 6/ 106 - 355، 7/ 114 - 233 - 234 - 235 - 241 - 242 - 245 - 246 - 247 - 248 - 252 - 256 - 257 - 258 - 259 - 285، 8/ 235 - 401، 9/ 21 - 22، 10/ 9 - 10 - 72 - 126 - 204 - 205 - 206 - 288، 11/ 251 - 265 - 303، 12/ 7 - 23 - 35 - 41 - 137 - 143 - 195 - 215 - 216 - 248 - 297 - 298 - 299 - 300 - 301 - 311 - 312 - 321 - 323 - 328 - 335 - 336، 13/ 18 - 19 - 116 - 140، 15/ 147 - 148 - 152 - 154 - 188 - 190 - 196 - 197 - 201 - 211 - 228 - 284، 16/ 3 - 29 - 87 - 91 - 97 - 98 - 100 - 138 - 139 - 141 - 143 - 158 - 184 - 191 - 197 - 228 - 233 - 266 - 269 - 271 - 272 - 298 - 299 - 325 - 361 - 376، 17/ 36 - 37 - 132 - 133 - 134 - 144 - 145 - 150 - 152 - 218 - 219 - 258 - 363، 18/ 54 - 55 - 56 - 57 - 60 - 61 - 111 - 112 - 226 - 295 - 322 - 323 - 104 - 105، 19/ 12 - 83 - 84 - 191، 20/ 130 - 142 -
177 - 370، 21/ 14 - 395، 22/ 15 - 16 - 19 - 228 - 229، 23/ 204 - 206 - 213 - 241.
علي بن أبي نخيلة 20/ 410.
علي بن أحمد بن بسطام المروزي 22/ 208.
علي بن أديم 15/ 266 - 267 - 268.
علي بن أصفر 20/ 188.
علي بن أمية 12/ 152، 23/ 99 (ترجمته - 134 - 139) 134 - 136 - 137 - 138 - 139 - 140.
علي بن بكر بن وائل 17/ 90.
علي بن ثابت 4/ 43 - 44.
علي بن جبلة 8/ 255 - 257، 20/ 13 (ترجمته - 13 - 42) 14 - 23 - 26 - 40 - 15 - 31 - 33 - 36 - 39 - 16 - 17 - 19 - 21 - 22 - 24 - 25 - 29 - 27 - 30 - 32 - 34 - 33 - 38 - 41 - 42، 23/ 60 - 61 - 62.
علي بن جعدب 13/ 49 - 53.
علي بن جعفر 2/ 364.
علي بن جعفر بن محمد 6/ 261 - 262.
علي بن الجهم 8/ 363، 9/ 297، 12/ 83 - 84 - 87، 19/ 305 - 306 - 312، 20/ 271 - 279، 21/ 38، 22/ 200 - 201، 23/ 211 - 212 - 213 - 214.
علي بن الجواري 20/ 325.
علي بن الحسن الشيباني 14/ 105.
علي بن الحسين 1/ 24، 2/ 274، 4/ 44.
علي بن الحسين بن أبي طالب 15/ 325 - 326 - 327 - 328، 16/ 13 - 14 - 15 - 152 - 158 - 172، 19/ 127، 21/ 376.
علي بن الحسين بن محمد القرشي - أبو الفرج الأصفهاني - 20/ 31 - 107 - 195 - 217 - 374 - 376 - 295 - 303 - 330 - 335 - 374 - 397 - 402 - 412 - 421.
علي بن الحصين 23/ 233 - 248.
علي بن الحفار 8/ 314.
علي بن حماد 8/ 287.
علي بن حمدون 23/ 81.
علي بن حمزة البصري 2/ 5.
علي بن حمزة الكسائي 12/ 298.
علي بن الخليل 14/ 174 - 175 - 177 - 179 - 180 - 181 - 183 - 184، 18/ 101.
علي بن الخليل الكوفي 14/ 182 - 185.
علي بن دعبل 20/ 171.
علي بن ريطة 3/ 367، 10/ 137.
علي بن زهدم الفقيمي 21/ 350.
علي بن زيد 16/ 252.
علي بن زيد العابدين 20/ 143.
علي بن سليمان - صائد الكلب - 10/ 258 - 259.
علي بن سليمان الأخفش 2/ 3 - 5 - 26 - 57، 5/ 160، 6/ 239 - 240، 8/ 36، 13/ 10 - 64 - 154 - 233 - 252 - 257 - 277، 14/ 175 - 179 - 182 - 283 - 354، 17/ 72، 18/ 95، 21/ 65.
علي بن سليمان النوفلي 14/ 170.
علي بن سهل 13/ 257.
علي بن شبرمة 18/ 251.
علي بن صالح 9/ 149، 10/ 257، 13/ 109، 14/ 221، 15/ 234.
علي بن صالح - صاحب المصلى - 6/ 240.
علي بن صالح بن الهيثم 23/ 85.
علي بن الصباح 14/ 83 - 232.
علي بن عبد الصمد بن علي 17/ 21.
علي بن عبد اللّه 3/ 96، 18/ 242.
علي بن عبد اللّه بن جعفر 9/ 16، 22/ (ترجمته - 223 - 225) 223 - 323 - 224 - 225 - 208 - 209 - 162.
علي بن عبد اللّه بن الحارث بن أمية 2/ 359، 11/ 293.
علي بن عبد اللّه بن العباس 2/ 323، 16/ 179 - 183 - 184.
علي بن عبيد بن الزبير الكوفي الأسدي 1/م - ت 37.
علي بن عثام الكلابي 14/ 246.
علي بن عدي 11/ 294.
علي بن عمر 8/ 276.
علي بن عمرو الأنصاري 14/ 181.
علي بن عمرو بن علي بن الحسين 4/ 347.
علي بن عيسى 3/ 199، 13/ 241 - 242 - 243 - 256.
علي بن عيسى بن جعفر الهاشمي 4/ 68، 19/ 255.
علي بن الغدير الغنوي 19/ 205.
علي بن فيروز 8/ 302.
علي بن مجاهد 8/ 287.
علي بن محمد 15/ 234.
علي بن محمد بن أبي الشوارب القاضي 10/ 282.
علي بن محمد المدائني 12/ 257.
علي بن محمد بن نصر 8/ 366، 14/ 211، 18/ 329 - 342، 23/ 75.
علي بن محمد النوفلي 3/ 245، 13/ 279 - 281.
علي بن معاذ 11/ 343.
علي بن معاوية 12/ 229.
علي بن المغيرة 7/ 239.
علي بن منصور 14/ 352.
علي بن المهاجر بن عبد اللّه الكلابي 24/ 85 - 86 - 87 - 87 - 88 - 89.
علي بن المهدي 3/ 266، 14/ 331 - 323.
علي بن موسى 23/ 51.
علي بن موسى الرضا 7/ 246.
علي بن نافع 4/ 354.
علي بن نافع - المغني - مولى المهدي - 20/ 134.
علي بن هشام 1/ 309، 5/ 312 - 313، 7/ 280 - 293 - 294 - 296 - 297 - 298 - 300 - 301 - 302 - 303 - 304 - 306، 10/ 212، 11/ 348، 12/ 145، 16/ 5 - 6، 17/ 75 - 76 - 77 - 78 - 110 - 111 - 112 - 114، 19/ 81 - 82 - 111 - 211، 20/ 274 - 275 - 288، 24/ 247 - 248 - 250.
علي بن الهيثم 11/ 344، 18/ 369، 20/ 246 - 342.
علي بن يحي المنجم 1/ 60، 3/ 197، 4/ 290 - 291 - 429، 6/ 8، 8/ 366، 10/ 207، 11/ 320، 12/ 50، 19/ 93، 21/ 84، 23/ 148 - 149.
علي بن يقطين 4/ 50، 6/ 285.
عليا - جارية - 20/ 245.
علية 12/ 83.
علية بنت شيبة بن عامر بن ربيعة 24/ 182 - 183 - 184 - 185.
علية بنت المهدي 1/ 128، 10/ 184، 15/ 27 - 28، 17/ 66 - 234، 22/ 44 - 48 - 49.
عليم بن جناب الكلابي 24/ 34.
عمّار 2/ 290.
عمار - ذوكبار - 24/ (ترجمته - 219 - 235) 220 - 221 - 223 - 224 - 225 - 226 - 227 - 228 - 229 - 230 - 231 - 232 - 233 - 234 - 235.
عمار بن كعب 10/ 27.
عمار بن يسر 16/ 325.
عمارة 1/ 188.
عمارة - مولاة جنان صاحبة أبي نواس - 20/ 63 - 65 - 66.
عمارة بن أبي طرافة الهذلي 1/ 250.
عمارة بن تميم 22/ 267 - 268.
عمارة بن حمزة 6/ 339، 12/ 231، 13/ 42 - 279 - 280، 14/ 321، 18/ 100 - 101.
عمارة بن حمزة بن مصعب بن الزبير 23/ 230 - 231.
عمارة بن زياد - الوهاب 17/ 180.
عمارة بن زياد بن السكن 15/ 193.
عمارة بن عقبة 2/ 257، 17/ 135 - 146.
عمارة بن عقيل 8/ 34 - 36 - 49 - 52 - 62، 18/ 10، 19/ 111، 20/ 123، 23/ 144، 24/ (ترجمته - 245 - 258) 245 - 246 - 247 - 248 - 249 - 250 - 251 - 252 - 253 - 254 - 255 - 256 - 257 - 258.
عمارة بن عقيل بن بلال 8/ 65.
عمارة بن عقيل بن جرير 13/ 186.
عمارة بن عمرو بن حزم 7/ 128 - 129.
عمارة بن الوليد 9/ 49 - 55 - 56 - 57، 14/ 169، 18/ (ترجمته - 121 - 126) 121 - 122 - 123 - 124 - 125 - 126.
عمارة بنت عبد الوهاب الثقفي 23/ 163 - 164 - 165.
عمان بن أبي بكار 14/ 70.
عمان بن عبد الرحمن بن سليمان الكلبي 14/ 298.
العماني 1/ 189، 18/ (ترجمته - 310 - 320) 310 - 311 - 312 - 314 - 315 - 316 - 317 - 318 - 319 - 320.
عمر 8/ 48 - 49 - 58 - 207 - 208 - 211، 15/ 21.
عمر أبو المليحة 22/ 97.
عمر بن إبراهيم السعدي 8/ 183.
عمر بن أبي بكر المؤملي 12/ 177.
عمر بن أبي خليفة العبدي 9/ 241 - 246.
عمر بن أبي ربيعة 2/ 214 - 126 - 255، 7/ 25، 8/ 139 - 144 - 230، 9/ 63 - 64 - 67 - 240 - 242 - 244 - 245، 13/ 272 - 15/ 9 - 179 - 263 - 264، 17/ 41 - 45 - 47 - 48 - 156 - 157 - 160 - 157 - 158 - 159 - 160 - 164 - 234 - 235 - 243 - 271، 18/ 363، 19/ 157، 20/ 369 - 372، 21/ 56 - 404، 22/ 6 - 7 - 8 - 9 - 26 - 27 - 28 - 29 - 277.
عمر بن أبي سلمة 4/ 165 - 166، 12/ 54 - 59 - 174.
عمر بن أحمد بن العمرد 8/ 234.
عمر بن إسماعيل بن أبي غيلان الثقفي 14/ 307.
عمر بن أمية 4/ 120.
عمر بن الأهتم 4/ 146 - 151.
عمر بن بزيغ 4/ 265، 6/ 23، 15/ 104، 20/ 224.
عمر بن بسطام التغلبي 10/ 155.
عمر بن بلال الأسدي 2/ 383 - 384، 8/ 74.
عمر بن جبلة 2/ 259.
عمر بن الجعاب 15/ 331.
عمر بن الحارث بن عوف 12/ 254 - 271 - 272.
عمر بن حجر 9/ 79 - 81.
عمر بن الحضرمي 4/ 173 - 176 - 175 - 187.
عمر بن حفص 7/ 242 - 243، 20/ 79 - 80 - 101.
عمر بن حمدان 9/ 321.
عمر بن خالد 15/ 302.
عمر بن الخطاب 1/ 65 - 67 - 71 - 254 - 383 - 384 - 2/ 127 - 166 - 176 - 183 - 185 - 186 - 187 - 397 - 200 - 194 - 190 - 188 - 189، 3/ 27 - 28 - 29 - 74 - 93 - 127 - 257 - 281، 4/ 140 - 141 - 143 - 144 - 192 - 194 - 195 - 277 - 356 - 367 - 318، 5/ 97 - 133 - 136، 6/ 378 - 353، 7/ 53 - 258 - 262 - 263 - 274 - 285، 8/ 199 - 214 - 234 - 235،
9/ 58 - 139 - 159 - 160 - 184 - 250 - 252، 10/ 6 - 126 - 288 - 290 - 291 - 304 - 305، 11/ 4 - 5 - 22 - 251 - 265 - 278، 13/ 190 - 191 - 14/ 318، 15/ 26 - 74 - 164 - 167 - 168 - 189 - 192 - 195 - 196 - 198 - 199 - 200 - 213 - 214 - 221 - 302 - 303 - 304 - 308 - 309 - 310 - 311 - 362 - 369، 16/ 68 - 71 - 73 - 79 - 80 - 93 - 94 - 95 - 96 - 97 - 98 - 99 - 139 - 140 - 141 - 155 - 156 - 196 - 197 - 293 - 295 - 296، 17/ 215 - 217 - 219 - 251 - 252 - 269 - 359، 18/ 58 - 60 - 61 - 63 - 125 - 126، 19/ 1 - 2 - 3 - 11 - 12 - 83 - 160، 20/ 176 - 318، 21/ 9 - 11 - 30 - 203 - 205 - 226 - 228، 22/ 6 - 93 - 154 - 280 - 304، 305 - 23/ 124 - 213 - 241، 24/ 54 - 199،
عمر بن ذر الهمداني 13/ 345.
عمر بن الزبير 4/ 398.
عمر بن سعد بن أبي وقاص 17/ 146.
عمر بن سعيد 13/ 286.
عمر بن سعيد بن العاص 1/ 11 - 32 - 33، 4/ 131 - 135 - 137.
عمر بن سلام 4/ 246.
عمر بن سهيل بن عبد العزيز بن مروان 12/ 229.
عمر بن شبة 1/ 19 - 64 - 66 - 72 - 73، 3/ 91 - 92 - 241 - 247 - 314، 4/ 88 - 303، 8/ 35 - 42 - 47 - 73 - 292 - 325 - 329، 12/ 36 - 107 - 201 - 204، 14/ 326 - 328.
عمر بن الشريد 4/ 211.
عمر بن عبد الرحمن بن أسيد 23/ 246.
عمر بن عبد العزيز 1/ 266 - 343 - 345 - 395، 2/ 239 - 321 - 399 - 400، 3/ 33 - 42 - 45 - 358 - 365، 4/ 246 - 247 - 248 - 249 - 251 - 252 - 255، 6/ 57 - 116 - 117 - 143 - 227 - 254 - 255 - 337، 7/ 73، 8/ 82 - 306، 9/ 19 - 64 - 65 - 67 - 139 - 141 - 142 - 143 - 145 - 146 - 152 - 250 - 251 - 252 - 253 - 254 - 255 - 257 - 261 - 262 - 263 - 264 - 265 - 266 - 267 - 268 - 272 - 274، 11/ 68 - 283، 12/ 259 - 261، 15/ 4 - 5 - 128 - 329، 16/ 144 - 157 - 198 - 210، 18/ 327، 19/ 137 - 193 - 209 - 210، 20/ 175 - 178 -
184، 21/ 97 - 108 - 119 - 401 - 402، 23/ 242، 24/ 19.
عمر بن عبد اللّه 8/ 303.
عمر بن عبد اللّه - أبو حفص النحوي - 20/ 184.
عبد بن عبد اللّه التيمي 3/ 327.
عمر بن عبد اللّه بن مطيع 1/ 346.
عمر بن عبيد اللّه بن معمر 1/ 82 - 219، 2/ 381، 6/ 10، 11/ 177 - 186 - 187 - 188، 15/ 385 - 386 - 387 - 388 - 389، 18/ 262 - 272 - 296.
عمر بن عثمان 1/ 385 - 325، 4/ 330 - 341.
عمر بن عجلان بن عامر 1/ 358.
عمرو الغزال 19/ 295.
عمر بن العلاء 3/ 192 - 193، 4/ 38، 19/ 266.
عمر بن عمرو بن عثمان 20/ 202.
عمر بن عوف 4/ 225.
عمر بن الفرج الرخجي 10/ 222، 19/ 301، 22/ 209 - 223.
عمر بن لجأ 2/ 262، 8/ 70 - 82، 21/ 324 - 325.
عمر بن لجأ التيمي 8/ 18.
عمر بن مالك 4/ 134.
عمر بن مسعدة 4/ 20 - 21 - 22 - 82 - 89.
عمر بن مسلم الباهلي 21/ 403.
عمر بن هبيرة 2/ 417 - 410 - 411 - 422، 9/ 101 - 103، 11/ 379، 15/ 127 - 128، 20/ 396، 21/ 310 - 311 - 313.
عمر الوادي 8/ 259، 22/ 101.
عمر بن الوليد 7/ 4، 8/ 80.
عمر بن وهب الثقفي 4/ 182.
عمر بن يحي الزيادي 11/ 290.
عمر بن يزيد الأسدي 2/ 423.
عمر بن يزيد بن أسيد 21/ 379.
عمر الميداني 23/ 140 - 141.
عمران 12/ 7.
العمران - أبو بكر وعمر - 22/ 110.
عمران بن الحارث الراسبي 6/ 145.
عمران بن حصين 4/ 307.
عمران بن حطان الشاري 7/ 237، 18/ (ترجمته - 108 - 120) 108 - 109 - 110 - 111 - 112 - 113 - 114 - 115 - 116 - 117 - 119 - 120.
عمران بن عبد اللّه بن مطيع 3/ 330، 23/ 231.
عمران بن عصام العنزي 17/ 274 - 275.
عمران بن موسى بن طلحة 15/ 62.
عمران بن هند الأقمي 2/ 203 - 235.
عمرة - امرآة حسان - 3/ 14 - 15 - 17.
عمرة بنت حرقة بن عوف 24/ 169.
عمرة بنت حزلم 8/ 220.
عمرة بنت رواحة 3/ 14، 16/ 28.
عمرة بنت صامت بن خالد 3/ 13 - 14.
عمرة بنت عبد اللّه بن العباس 12/ 67.
عمرة بنت علقمة الحارثية 15/ 191.
العمري 2/ 175، 12/ 291، 14/ 249 - 278 - 283.
عمري حسن 8/ 220.
عملس بن عقيل بن علفة 2/ 289 - 321، 12/ 259 - 260 - 269.
عمرو 8/ 46 - 50 - 115 - 116 - 131 - 148 - 201 - 259 - 373 - 400، 12/ 6، 15/ 315 - 316، 20/ 163.
عمرو - ابن عم العديل واخوته - 22/ 327 - 328.
عمرو - أبو سليم الخاسر - 19/ 262.
عمرو - ملك من بني حية من طيء - 17/ 252.
عمرو بن أبي حجر الغساني 11/ 57.
عمرو بن أبي شمر - عم المقنع الكندي - 17/ 108 - 109.
عمرو بن أبي عمارة الأزدي 22/ 146.
عمرو بن أبي عمير بن الحباب السلمي 8/ 240.
عمرو بن أبي عمرو الشيباني 2/ 4 - 11 - 73 - 76 - 242 - 253، 3/ 272 - 297، 7/ 20، 8/ 275، 13/ 89 - 220، 14/ 382، 17/ 256.
عمرو بن أبي الكنات 20/ (ترجمته - 356 - 361) 356 - 357 - 358 - 359 - 361.
عمرو بن آلة 2/ 142.
عمرو بن أحمر بن العمرد 8/ 234.
عمرو بن أحيحة 15/ 49.
عمرو بن أدّ بن طابخة 12/ 54.
عمرو بن أرطأة 13/ 39.
عمرو بن أسد 11/ 252.
عمرو بن الأسلع 17/ 204 - 206.
عمرو بن الأطنابة الخزرجي 11/ 121 - 122، 17/ 164 - 261.
عمرو بن امرىء القيس 2/ 154، 3/ 20 - 26 - 41.
عمرو بن أمية 1/ 14، 4/ 120.
عمرو بن أمية الضمري 7/ 287.
عمرو بن الأهم 4/ 384.
عمرو بن بانة 1/ 5 - 11 - 173، 60 - 61 - 81 - 93 - 239، 2/ 96 - 146 - 207 - 212 - 223 - 259 - 260 - 357، 3/ 43، 4/ 115 - 283 - 293 - 354 - 366 - 412 - 428 - 429، 8/ 101 - 154 - 252 -
368، 9/ 268 - 339 - 342، 12/ 49 - 150، 14/ 161 - 173، 15/ 236 - 269 - 270 - 272 - 273 - 274 - 275 - 276، 17/ 38 - 55 - 74 - 100 - 169 - 214، 18/ 329، 20/ 82 - 83 - 304 - 335 - 344، 21/ 28 - 87، 22/ 209 - 210، 23/ 40 - 41،
عمرو بن براق 20/ 375.
عمرو بن تبع 22/ 317 - 316.
عمرو بن تميم 7/ 238.
عمرو بن ثعلبة بن ملقط الطائي 22/ 191 - 192.
عمرو بن جابر بن سفيان 21/ 156.
عمرو بن جابر بن مازن 9/ 96.
عمرو بن جبلة بن باعث بن صريم اليشكري 24/ 70.
عمرو بن جرموز 3/ 359، 14/ 129، 18/ 56 - 57 - 62.
عمرو بن الجعيد 16/ 33 - 333 - 336 - 337.
عمرو بن الجموح 17/ 120 - 121 - 126.
عمرو بن جناب بن مالك 6/ 136 - 137.
عمرو بن جندب 20/ 383.
عمر بن الحارث 15/ 158 - 159 - 161 - 162 - 163، 24/ 52.
عمرو بن الحارث بن أبي شمر 11/ 15.
عمرو بن الحارث الشريدي 12/ 110.
عمرو بن الحارث بن عبد اللّه 3/ 348.
عمرو بن الحارث بن عمرو 3/ 16.
عمرو بن الحارث بن مضاض 15/ 11 - 20 - 21.
عمرو بن الحجاج 17/ 146.
عمرو بن حذار 11/ 199.
عمرو بن حريث 4/ 38، 11/ 267، 17/ 135 - 136 - 145، 18/ 149 - 212.
عمرو بن حرير بن جندل 13/ 23.
عمرو بن حسان بن عوف 24/ 24.
عمرو بن حسحاس بن وهب بن طريف الأسدي 11/ 147.
عمرو بن الحسن الكوفي 23/ 234 - 235 - 236.
عمرو بن الحسين 23/ 25 - 251 - 252 - 253 - 254.
عمرو بن حشفة 12/ 341.
عمرو بن حكيم بن حزام 16/ 152 - 154 - 155 - 156.
عمرو بن الحمق 17/ 137 - 138 - 139 - 143 - 244.
عمرو بن حممة بن عمرو 13/ 223.
عمرو بن حميد القاضي 20/ 183.
عمرو بن حنظلة 13/ 23.
عمرو بن خالد بن صخر بن الشريد 7/ 282.
عمرو بن خويلد 11/ 99.
عمرو الدوري 8/ 363.
عمرو بن ذهل العبسيي 17/ 204.
عمرو ذو الكلب 22/ 344 (ترجمته 350 - 353) 351 - 352 - 353.
عمرو بن راشد الخناق 15/ 276.
عمرو بن الزبير 14/ 237 - 246، 16/ 302 - 319، 21/ 16.
عمرو بن زرارة 12/ 142.
عمرو بن زياد - الدراك - 17/ 180.
عمرو بن زياد بن سهيل 12/ 244 - 245.
عمرو بن زيد 3/ 123.
عمرو بن سعد 14/ 228، 20/ 382.
عمرو بن سعيد 2/ 259، 20/ 309.
عمرو بن سعيد الأشدق 8/ 75، 12/ 74 - 222، 22/ 6 - 12.
عمرو بن سعيد بن زيد 9/ 130.
عمرو بن سفيان الكلابي 10/ 14 - 15.
عمرو بن السليح 2/ 141.
عمرو بن سمعان 3/ 221.
عمرو بن شأس 8/ 213، 19/ 3.
عمرو بن الشريد 12/ 10.
عمرو بن شعيب 12/ 66.
عمرو بن شمس بن عبدود 22/ 62.
عمرو بن صوحان 11/ 321.
عمرو الضائع 18/ 139.
عمرو بن طلة 15/ 41 - 42.
عمرو الظالمي 3/ 223.
عمرو بن الظرب 15/ 316.
عمرو بن العاص 2/ 188، 9/ 55 - 56 - 57 - 58، 12/ 310، 13/ 158 - 169، 14/ 232 - 231، 15/ 149 - 181، 16/ 42 - 48 - 194، 17/ 218 - 283، 18/ 123 - 125 - 124، 19/ 195، 20/ 316.
عمرو بن عاصم الكلابي 20/ 143.
عمرو بن عاصية السلمي 12/ 107 - 108 - 109 - 110، 18/ 212.
عمرو بن عامر 14/ 159، 16/ 42 - 45 - 48 - 51، 17/ 185.
عمرو بن عامر بن ثعلبة بن امرؤ القيس 15/ 15.
عمر بن عبد الحر التنوخي 15/ 319.
عمر بن عبد العزيز 13/ 19 - 39.
عمرو بن عبد اللّه بن جعدة 11/ 135.
عمرو بن عبد اللّه بن جميل 15/ 324.
عمرو بن عبد اللّه بن صفوان بن أمية بن خلف الجمحي 21/ 303 - 304.
عمرو بن عبد مناة 14/ 154.
عمرو بن عبيد 2/ 171.
عمرو بن عبيد اللّه 4/ 307.
عمرو بن عثمان بن عفان 7/ 85 - 89 - 90، 12/ 221، 13/ 261، 14/ 223، 19/ 151، 24/ 105.
عمرو بن عدس 11/ 144 - 146.
عمرو بن عدي 15/ 319.
عمرو بن عدي بن زيد العبادي 24/ 61 - 62 - 72 - 74.
عمرو بن عفراء الضبي 21/ 301 - 303 - 403.
عمرو بن عقيل بن الحجاج الهجيمي 8/ 258.
عمرو بن علقمة 2/ 157.
عمرو بن عمر 20/ 206.
عمرو بن عمرو 11/ 134 - 135 - 154.
عمرو بن عمرو بن الزبير 15/ 336 - 337 - 338.
عمرو بن عمرو بن عدس بن زيد 22/ 195.
عمرو بن عمير الزم 14/ 294.
عمر بن عوف 3/ 40.
عمرو الغزال 12/ 150 - 35، 23/ 136 - 137.
عمرو القصافي 14/ 32.
عمرو القنا 18/ 118.
عمرو بن قميئة 18/ (ترجمته - 138 - 144) 138 - 139 - 140 - 141 - 142 - 143 - 144.
عمرو بن كعب 8/ 146.
عمرو بن كلاب 8/ 12، 21/ 147.
عمرو بن كلثوم التغلبي 19/ 24.
عمرو بن لحي بن كلاب 15/ 14 - 17.
عمرو بن الليث 24/ 51.
عمرو بن مالك 6/ 127 - 128، 12/ 169، 17/ 120.
عمرو بن مالك النجار 15/ 42.
عمرو بن محرز 19/ 197.
عمرو بن مخزوم 18/ 125.
عمرو بن المخلاة الكلبي 19/ 197 - 203.
عمرو بن مرة 19/ 201، 21/ 215.
عمرو بن مرداس 14/ 318.
عمرو بن مساحق 15/ 334.
عمرو بن مسعدة 7/ 166 - 167، 9/ 93 - 191، 14/ 223 - 349 - 350، 20/ 56، 23/ 53 - 54، 24/ 250 - 251.
عمرو بن مسعودة بن كلدة 22/ 86 - 90 - 91 - 92.
عمرو بن مسعود بن كندة 9/ 83 - 84.
عمرو بن مسلمة بن مسكن بن قريظ 24/ 93.
عمرو بن المسيح بن كعب بن طريف 19/ 271.
عمرو بن المشمرج 14/ 71.
عمرو بن معاوية 4/ 349، 11/ 149، 16/ 355 - 357 - 358، 24/ 38.
عمرو بن معد بكر الزبيري 16/ 68 - 71 - 72 - 74 - 76.
عمرو بن معد يكرب 8/ 246 - 280،
12/ 13 - 16 - 17 - 18، 13/ 212، 15/ 208 - 209 - 211 - 212 - 213 - 214 - 215 - 217 - 218 - 219 - 220 - 221 - 222 - 223 - 224 - 225 - 226 - 230 - 237 - 239 - 241 - 242 - 244، 21/ 331.
عمرو بن مفرغ 18/ 295 - 296.
عمرو بن المنذر 9/ 92.
عمرو بن النبات البياضي 17/ 119 - 120 - 121 - 125.
عمرو بن النعمان البياضي 22/ 128.
عمرو بن هبيرة بن الحجاج 13/ 168.
عمرو بن همام 8/ 175.
عمرو بن هند 13/ 16، 16/ 373، 17/ 91، 18/ 140، 21/ 5، 22/ 187 - 192 - 193.
عمرو بن هند بن أبي الربيع بن حوثرة 8/ 53، 12/ 11 - 267.
عمرو بن هند الملك 10/ 307، 11/ 15 - 28 - 42 - 43 - 44 - 45 - 46 - 47 - 49 - 53 - 54.
عمرو الوادي 23/ 84.
عمرو الوراق 8/ 372، 23/ 84.
عمرو بن ورد 4/ 181.
عمرو بن يربوع الغنوي 11/ 93.
عمرو بن يزيد الأسيدي 13/ 360.
عمير 12/ 20.
عمير بن أبي شمر بن فرعان 17/ 108.
عمير الباذغيسي 22/ 311.
عمير بن الحارث 2/ 329.
عمير بن الحباب 12/ 198 - 205 - 207 - 208، 19/ 198 - 199 - 200، 24/ 24 - 25 - 26 - 27 - 28 - 29 - 20 - 31 - 32 - 33 - 34 - 35 - 36 - 37.
عمير بن حسان بن عمر بن جبلة 24/ 12.
عمير بن الحمام 4/ 193.
عمير بن رمل 8/ 122.
عمير بن زيد الكلبي 17/ 137.
عمير بن السليك بن قيس بن مسعود الشيباني 21/ 281.
عمير بن ضابيء البرجمي 14/ 244 - 245.
عمير بن ضمرة 2/ 287.
عمير بن القتال الكلابي 24/ 188.
عمير الكاتب 20/ 133.
عمير بن مالك 3/ 103.
عمير المأموني 23/ 62.
عمير بن نضلة 17/ 193.
عمير بن وهب 4/ 185، 14/ 310.
عمير بن يزيد 17/ 140 - 142، 18/ 40.
عميرة بنت حسان الكلبية 19/ 206.
عميم - اسم جارية لمخارق - 18/ 352.
العنابس 22/ 66.
عنان 19/ 119، 23/ (ترجمتها - 84 - 93) 85 - 86 - 87 - 88 - 89 - 90 - 91 - 92 - 93 - 161 - 162،
عنان بن شرحبيل 17/ 146.
عنبر بن سماك بن حصين الأسدي 17/ 327 - 329.
العنبر بن عمرو بن تميم 13/ 274.
العنبري 24/ 216.
العنبري بن اخوق 21/ 337.
عنبس بن معدان المهدي 12/ 298.
عنبس بن يزيد بن الحكم 12/ 289.
عنبسة 8/ 274.
عنبسة بن أبي سفيان 17/ 211.
عنبسة بن سعيد بن العاص 8/ 75 - 85، 9/ 336، 14/ 244، 17/ 6 - 7، 21/ 314.
عنبسة الفيل 8/ 283 - 291، 20/ 109.
عنبسة النحوي 18/ 33 - 34 - 70.
عنترة 3/ 74، 8/ 235 - 237 - 239 - 240 - 241 - 242 - 243 - 244 - 246 - 383، 19/ 221 - 223 - 224، 17/ 46 - 48.
عنترة الهزبر الضاري 14/ 125.
عنزة بن اسد بن ربيعة 9/ 121.
العنزي 14/ 281، 19/ 140.
العوام بن خويلد 22/ 72.
عوام بن عقبة 22/ 36.
عنيزة 21/ 341 - 432.
عوانة 8/ 288، 14/ 76.
عوانة بن الحكم 8/ 37.
عوخة بنت النصيب 9/ 45.
عوف 14/ 76.
عوف بن أحمد بن يزيد السلمي 18/ 232.
عوف بن الأحوص 11/ 127 - 132 - 133، 12/ 170.
عوف بن الأغر الخثعمي 13/ 213.
عوف بن بدر 17/ 195 - 201.
عوف بن جعدة بن هبيرة 21/ 233 - 234.
عوف بن الحارث بن الأخثم 13/ 210.
عوف بن ربيعة 9/ 84.
عوف بن زياد 13/ 296.
عوف بن سعد بن الخزرج بن تيم اللّه 14/ 372.
عوف بن شجنة بن الحارث 12/ 213.
عوف بن عبد اللّه - من الأزد - 21/ 153.
عوف بن عتاب بن هرمى 21/ 298.
عوف بن عمرو بن عوف بن مالك 22/ 336.
عوف بن عوف 7/ 286.
عوف بن كعب بن عامر 12/ 159.
عوف بن مالك 24/ 93 - 95.
عوف بن مالك بن ضبيعة 6/ 127.
عوف بن محلم بن شيبان 16/ 354 - 355.
عوف محلم 12/ 86.
عوف بن نعمان 18/ 266.
عون - حاجب الفضل بن الربيع - 4/ 79 - 80، 18/ 305.
عون بن الحارث 4/ 193.
عون العبادي 2/ 353، 11/ 364.
عون بن عبد الرحمة بن سلامة 22/ 262.
عون بن عبد اللّه 9/ 139.
عون بن محمد بن علي بن أبي طالب 4/ 240 - 252.
عون بن محمد الكندي 14/ 198، 16/ 392.
عويب - محمد بن يسير - 14/ 47.
عوير بن شجنة 9/ 85 - 89 - 90.
العويص بن أمية 1/ 14.
عوير 12/ 214.
عويف بن عبد اللّه بن الحجاج 13/ 168.
عويف القوافي 12/ 276 - 277، 17/ 230، 19/ (ترجمته - 184 - 210) 184 - 187 - 188 - 189 - 193 - 194 - 202 - 207 - 208 - 209 - 210.
عويم بن ساعدة 20/ 198 - 199.
عويم بن مالك بن عويمر 6/ 274 - 277.
عياش 3/ 113، 9/ 52.
عياش بن أبي ربيعة المخزومي 7/ 287.
عياض التغلبي 10/ 20.
عياض بن حماد 18/ 55 - 56.
عياض بن مسلم 7/ 8 - 15.
عياض بن ناشب 10/ 13.
عياض بن ورد 19/ 205.
عيسى 12/ 7.
عيسى بن إبراهيم النصراني 22/ 169 - 175.
عيسى بن إبراهيم بن يسار 2/ 325.
عيسى بن أبي حرب الصفار 23/ 25 - 26.
عيسى بن إدريس العجلي ابن أبي دلف 14/ 332.
عيسى بن إسماعيل تينة 14/ 340.
عيسى بن البراء 20/ 151، 23/ 189.
عيسى بن جعفر 5/ 166، 19/ 290، 20/ 91.
عيسى بن جعفر المنصور 23/ 136 - 159.
عيسى الحبطي 18/ 108 - 115.
عيسى بن الحسين الوراق 13/ 311 - 343 - 344، 14/ 43 - 146 - 81 - 126 - 351.
عيسى بن حصيلة بن معتب بن نصر بن خالد السلمي 21/ 349 - 350.
عيسى بن داود 19/ 46.
عيسى بن زيد 4/ 93 - 123 - 214.
عيسى بن زينب 12/ 282 - 284، 18/ 370.
عيسى بن سليمان 18/ 204.
عيسى بن سليمان بن علي 20/ 79 - 84 - 94.
عيسى بن طلحة 16/ 274، 17/ 242، 19/ 212 - 213.
عيسى بن عبد اللّه بن إسماعيل المراكبي 21/ 61 - 62 - 63 - 64.
عيسى بن علي 2/ 28 - 154، 12/ 229.
عيسى بن عمر 8/ 283 - 291 - 305، 19/ 271، 11/ 102 - 270، 20/ 221 - 222.
عيسى بن عمرو بن يزيد 14/ 358 - 359 - 364.
عيسى بن عميلة 2/ 324.
عيسى بن محمد 10/ 136، 13/ 287.
عيسى بن مريم 2/ 96، 3/ 122، 18/ 207.
عيسى بن مصعب بن الزبير 19/ 125.
عيسى بن المهدي 23/ 15.
عيسى بن موسى 1/ 414، 4/ 4، 9/ 242 - 258، 14/ 339 -
353 - 369، 15/ 38، 16/ 24 - 241 - 242 - 243 - 263، 17/ 35، 18/ 149 - 150 - 318، 20/ 107 - 416 - 420.
عيسى بن هارون 10/ 282.
عيشونة ابنة دهقان مرة 21/ 358.
العيص بن أمية 1/ 14 - 17.
عيلان بن مضر بن نزار 14/ 125.
عيينة 14/ 369.
عيينة بن أسماء بن خارجة 17/ 233، 19/ 207.
عيينة بن حصن 4/ 146، 14/ 5 - 302 - 307 - 308 - 310 - 314، 15/ 219 - 220، 16/ 287.
عيينة بن المنهال 15/ 222.
عيينة بنت المطلب 4/ 194.
غ
غادر - مغنية - 22/ 176.
غاضرة 12/ 179 - 180 - 183.
غاضرة - أم ولد بشر بن مروان - 12/ 185.
غاضرة بن مالك بن خزيمة 13/ 274.
الغاضري 19/ 159 - 74.
غاق باق 23/ 231.
غالب بن أسامة 10/ 204.
غالب بن إسراق 20/ 75.
غالب الصعدي 10/ 188.
غالب بن صعصعة بن الفرزدق 9/ 329، 21/ 281.
غالب بن عبد القدوس بن شبت بن ربعي 20/ 329 - 333.
الغامدي 16/ 266 - 267.
غراني 8/ 412.
غرضة بنت النصيب 1/ 324.
الغرور بن سعيد بن المنذر 15/ 257 - 260.
غرير بن أبي جابر 19/ 28.
الغريض 1/ 43 - 44 - 50 - 91 - 92 - 103 - 112 - 127 - 146 - 150 - 151 - 152 - 155 - 161 - 162 - 178 - 198 - 201 - 203 - 215 - 243 - 246 - 251 - 255 - 256 - 257 - 268 - 272 - 275 - 276 - 278 - 279 - 304 - 305 - 380 - 319، 8/ 188 - 210 - 226 - 344 - 345، 9/ 33 - 177 - 246، 17/ 156 - 159، 18/ 53 - 363، 20/ 198 - 362 - 369 - 371 - 372، 21/ 113 - 199 - 404، 22/ 323.
غريض بن يسار 4/ 180.
غزالة الحرورية 18/ 116.
غسان بن عباد 15/ 235 - 237.
غسان بن الفضل الغلابي 18/ 187.
غصين بن حيّ 14/ 3.
الغضبان 18/ 320.
غضبان بن القبعثري الشيباني 8/ 310.
غضيض 12/ 282.
غطفان 14/ 9.
غطفان بن بكر 8/ 245.
غطفان بن سعد 2/ 157، 8/ 233.
غطفان بن علي عامر 2/ 292.
الغطريف 14/ 171.
غلام أبي داود 24/ 226 - 227.
غلّاق 17/ 191.
الغلّاق - رجل من بني تميم - 11/ 44 - 46.
الغمر - ملك من بني حية من طيء - 17/ 252.
الغمر بن يزيد 1/ 209 - 284، 7/ 5، 13/ 297.
غمغمة بن شق 22/ 1 - 10.
غنى 24/ 22.
غنى بن درهم النمري 21/ 316.
غنيم بن أبي الرقراق 21/ 325.
غوث 17/ 261.
الغوث بن أسامة بن لؤي 11/ 168 - 169.
غوث بن الحباب 8/ 407.
غويث 22/ 287.
غيث ابن ضمرة 2/ 287.
الغيض بن محمد الحكم 9/ 232 - 233.
غيلان 8/ 303.
غيلان بن خرشة 13/ 310.
غيلان بن سلمة الثقفي 13/ 100 - 201 - 202 - 203 - 205 - 206 - 208.
غيلان بن سلمة بن معتب 3/ 30، 4/ 133.
غيلان الشعوبي 20/ 77.
ف
فائد 4/ 301 - 303.
فائز 19/ 229 - 230.
فاتك بن فضالة 11/ 271.
فاتك بن كليب بن عمرو بن أسد 11/ 252.
فاختة بن قرضة 4/ 292.
فاختة بنت عدي 11/ 199.
الفارابي 14/ 40.
فاردة - جارية - 18/ 56.
فارس قرزل 12/ 10 - 12، 21/ 17.
الفارعة بنت همام بن عروة بن مسعود الثقفي 6/ 190.
الفاروق 19/ 160.
فاطمة 3/ 171، 8/ 12.
فاطمة - أم عريب مستحسنة - 21/ 59.
فاطمة بنت أبان بن الوليد 17/ 39.
فاطمة بنت أبي سعيد الحارث 3/ 311.
فاطمة بنت أسد بن هاشم 12/ 248، 16/ 137.
فاطمة بنت جلهمة الغنوية 11/ 138.
فاطمة بنت الحارث 3/ 330.
فاطمة بنت الحسين 2/ 326، 3/ 357، 16/ 141 - 142 - 17/ 25، 21/ 114 - 122.
فاطمة بنت الخرشب 15/ 363، 17/ 179 - 180 - 181 - 182 - 198.
فاطمة بنت دعمى 12/ 327.
فاطمة بنت ربيعة 9/ 22 - 77، 11/ 54.
فاطمة بنت الشريد السلمية 11/ 92.
فاطمة بنت عباد 4/ 380 - 387.
فاطمة بنت عبد شمس 16/ 283.
فاطمة بنت عبد اللّه بن عمرو 12/ 248.
فاطمة بنت عبد الملك بن مروان 1/ 193 - 194 - 195 - 196، 3/ 358 - 365، 6/ 227، 9/ 268.
فاطمة بنت عبيد بن ثعلبة 9/ 71.
فاطمة بنت عمر بن حفص 20/ 79 - 80 - 81 - 82 - 84 - 85 - 86 - 87 - 94 - 101.
فاطمة بنت عمر بن مصعب 16/ 17.
فاطمة بنت محمد الأشعث 1/ 89.
فاطمة بنت محمد رسول اللّه (ص) 12/ 7 - 216 - 248، 16/ 137، 21/ 122، 22/ 283.
فاطمة بنت مروان 9/ 255.
فاطمة بنت المنذر 6/ 127 - 136 - 137 - 138 - 139.
فاطمة بنت يذكر بن عنزة 13/ 78.
الفأفأء بن برمة 2/ 75.
الفاكه بن المغيرة 1/ 62 - 64، 7/ 282 - 286، 9/ 50 - 53 - 54.
الفاكه بن الوليد 7/ 282 - 286.
فالج بن انمار بن مازن 15/ 231 - 234.
فتى من قريش 17/ 103.
الفتح - غلام لأبي تمام - 20/ 157 - 158.
الفتح بن خاقان 7/ 215 - 216، 10/ 214، 19/ 94، 20/ 87، 22/ 169، 23/ 80 - 207 - 209.
الفجاءة بن عمرو بن قطري بن الفجاءة 7/ 271.
فرات بن حيان العجلي 17/ 323 - 324 - 325.
فرار الأسدي 20/ 383.
فراس 8/ 58، 19/ 124.
فراس بن جعدة بن هبيرة 22/ 16.
فراس بن عبد اللّه بن عامر 8/ 62.
فرتنى - امرأة من بني عبس - 17/ 190.
فرتنى - خالة الحارث بن ظالم - 11/ 96.
فرخ الزنى 20/ 101.
الفرز 19/ 117 - 119.
الفرزدق 1/ 75 - 116 - 149 - 295 - 326 - 336 - 338، 2/ 371 - 267، 8/ 5 - 8 - 9 - 12 - 17 - 26 - 34 - 35 - 38 - 39 - 42 - 44 - 50 - 52 - 53 - 58 - 60 - 62 - 64 - 68 - 69 - 70 - 73 - 74 - 76 - 77 - 81 - 82 - 84 - 85 - 86 - 87 - 88 - 287 - 289 - 291 - 295 - 299 - 300 - 304 - 306 - 317 - 318، 9/ 43 - 119 - 324 - 325 - 326 - 327 - 328 - 329 - 330 - 332 - 335 - 336 - 337 - 338 - 339 - 341 - 342 - 343، 12/ 287 - 340، 14/ 255 - 283 - 345، 15/ 135 - 136 - 326 - 327 - 341 - 342 - 343 - 344 - 371 - 388 - 392 - 393، 17/ 23 - 27 - 29 - 33، 18/ 7 - 9 - 15 - 17 - 50 - 19 - 20 - 16 - 18 - 25 - 53 - 94 - 95 - 117 - 119 - 329، 19/ 64 - 65 - 98 - 104، 20/ 109 - 205 - 207 - 211 -
206 - 207 - 295 - 296 - 365 - 396 - 397، 21/ 78 - 275 -
(ترجمته - 275 - 404) 276 - 277 - 281 - 282 - 283 - 284 - 285 - 286 - 287 - 288 - 289 - 290 - 291 - 292 - 296 - 297 - 301 - 302 - 303 - 305 - 306 - 307 - 308 - 309 - 310 - 311 - 331 - 313 - 315 - 317 - 318 - 319 - 320 - 321 - 322 - 324 - 325 - 327 - 328 - 332 - 333 - 334 - 335 - 336 - 337 - 338 - 339 - 340 - 341 - 342 - 343 - 344 - 345 - 346 - 347 - 348 - 349 - 350 - 351 - 352 - 353 - 354 - 355 - 356 - 357 - 358 - 359 - 360 - 361 - 362 - 363 - 364 - 365 - 366 - 367 - 368 - 369 - 370 - 371 - 272 - 373 - 374 - 375 - 376 - 377 - 378 - 379 - 380 - 381 - 382 - 383 - 384 - 385 - 386 - 387 - 388 - 389 - 390 - 391 - 392 - 393 - 394 - 395 - 396 - 397 - 398 - 399 - 401 - 402 - 403، 22/ 16 - 17 - 19 - 20 - 21 - 321 - 343، 23/ 91، 24/ 206.
الفرزدق بن العجير 13/ 64 - 65 - 70 - 186 - 189 - 270 - 271 - 351 -
356 - 357.
فرعان - ذي الدروع الكندي - 6/ 211 - 212.
فرعان بن مهدي بن معد يكرب 15/ 210 - 211.
فرعة بنت سعيد بن حارثة 24/ 54.
فرعون 1/ 149، 2/ 404، 6/ 80، 10/ 145، 11/ 260 - 266.
فرغة بنت سعد بن حارثة بن لأم 12/ 125.
فروة بن حميصة الأسدي 24/ 246.
فروج الزنى 20/ 101.
فريدة 19/ 251.
فزارة 15/ 354.
فزارة العكلي 20/ 135.
الفزاري 9/ 197.
فشيل الربعي 17/ 144.
فضافض 10/ 235.
فضالة بن حابس 18/ 56.
الفضل 4/ 207.
الفضل - القاسم بن سلام - 17/ 136.
الفضل بن الحارث بن حزم 6/ 341، 17/ 292.
الفضل بن حباب الجمحي 12/ 127.
الفضل بن الربيع 4/ 12 - 13 - 63 - 67 - 79 - 89 - 104 - 363، 5/ 160 - 165 - 175 - 273 - 300 - 307 - 316 - 323 - 325 - 333 - 342 - 346 - 371 - 398 -
402 - 419، 6/ 189 - 300 - 303 - 307 - 312 - 317، 8/ 368 - 10/ 125 - 194، 11/ 130 - 340 - 344، 12/ 91 - 217، 13/ 147 - 148 - 149 - 150 - 151، 15/ 52 - 53، 16/ 343 - 346، 17/ 68 - 115، 18/ 201 - 214 - 222 - 232 - 233 - 234 - 236 - 237 - 305 - 306 - 307، 19/ 222 - 226 - 247 - 278 - 280 - 286، 20/ 46 - 49 - 52 - 51 - 59 - 53 - 91 - 93 - 116 - 432، 21/ 66، 23/ 38 - 134 - 195 - 122.
الفضل بن سعيد 3/ 160.
الفضل بن سماعة 17/ 288.
الفضل بن سهل 3/ 199، 4/ 49، 10/ 59 - 62 - 63، 19/ 31 - 45 - 48 - 56، 20/ 30 - 49 - 140، 23/ 120 - 121.
الفضل الشاعرة 18/ 158 - 160 - 161 - 163 - 164 - 165 - 166 - 167، 19/ 300 (أخبارها - 301 - 304) 301 - 302 - 303 - 304 - 305 - 306 - 307 - 308 - 309 - 310 - 311 - 312، 22/ 200.
الفضل بن العباس 4/ 31 - 32 - 43، 20/ 133، 21/ 214 - 215.
الفضل العبدية 19/ 301.
الفضل بن كاووس 23/ 83 - 195.
الفضل بن محمد بن أبي محمد اليزيدي 20/ 217 - 253.
الفضل بن مروان 20/ 140 - 144 - 275، 21/ 68.
الفضل بن يحيى بن خالد البرمكي 4/ 56، 5/ 165 - 181 - 196 - 307 - 308، 6/ 30 - 31، 13/ 140، 16/ 350، 19/ 59 - 216 - 60 - 278 - 279 - 282 - 283 - 291 - 292، 18/ 237 - 201 - 219 238 - 312 - 336 - 337 - 338، 20/ 51 - 53 - 140 - 340 - 341 - 342، 21/ 60 - 61 - 253.
23/ 11 - 12 - 13 - 14 - 19 - 20 - 154 - 155 - 161 - 160.
الفضيل العنزي 21/ 314.
الفضيل بن عياض 14/ 39.
فضيون 19/ 68 - 72.
فطر بن خليفة 13/ 345.
فطيمة بنت شرحبيل بن عوسمة 9/ 155.
فغفور - ملك الصين - 3/ 241.
فكهة بنت زيد بن كلدة 15/ 44.
فكيهة - امرأة من بني عوار - 20/ 383.
فكيهة بنت تميم بن الدئل 12/ 335.
فلان النصري 14/ 312.
الفلتان بن المنذر بن سلمى بن جندل بن نهشل 11/ 146.
فليح 17/ 75، 18/ 65 - 307.
فليح بن ابي العوراء 5/ 6.
فليح بن اسماعيل 1/ 106، 8/ 127.
فليح بن سليمان 11/ 39، 14/ 316.
فليح بن العوراء 1/ 2 - 9 - 11، 22/ 47.
فليحة 8/ 129.
فند أبو زيد 1/ 399، 17/ 270
(ترجمته - 276 - 278) 276 - 277 - 278.
فند الزماني 24/ (ترجمته - 91 - 96) 93 - 94 - 95 - 96.
فنفنة 18/ 338.
فهر بن مالك بن كنانة 1/ 12.
فهر بن مالك بن النضر 4/ 367، 10/ 216، 12/ 197، 19/ 106 - 107.
فهم بن عمرو بن قيس 4/ 304.
فوز 17/ 66 - (خبر للعباس بن الأحنف معها وشعره فيها - 67 - 73) 67 - 69 - 70 - 71 - 72.
الفيض بن أبي عقيل الثقفي 16/ 94.
فيض بن صالح 14/ 134.
الفيض بن مخلد 20/ 79.
فيطون 3/ 40.
الفيومي 2/ 143.
ق
قابض بن أبي عقيل 11/ 217 - 218 - 222 - 223 - 224 - 225 - 226.
قابض بن عبد اللّه بن ربيئة 11/ 215 - 268 - 269.
قارب بن الأسود بن مسعود 10/ 30.
القارة 22/ 59.
قارون 11/ 266.
القاري بن عدي 1/ 53.
القاسم 8/ 250 - 251 - 252، 19/ 118، 22/ 178.
القاسم بن اسحاق بن عبد اللّه بن جعفر 20/ 4.
القاسم بن اسماعيل 14/ 198.
القاسم بن أمية 4/ 120.
القاسم بن جندب 2/ 269.
القاسم بن الحسن 14/ 30 - 31.
القاسم بن الحسن - مولى جعفر بن سليمان - 14/ 30.
قاسم الخياط 7/ 231.
القاسم بن الرشيد 20/ 270.
القاسم بن زرزور 18/ 73، 20/ 27.
القاسم بن رنقطة 17/ 66.
القاسم بن سلام 17/ 136.
القاسم بن عبد اللّه 4/ 348.
القاسم بن عبد اللّه بن موسى 10/ 196.
القاسم بن عمر 23/ 225.
القاسم بن عيسى العجلي 20/ 14 - 19 -
31 - 41 - 193.
القاسم بن محمد 15/ 388.
القاسم بن محمد الأنباري 14/ 336.
القاسم بن محمد بن أبي بكر 9/ 140 - 148، 20/ 316.
القاسم بن معدان 14/ 221.
القاسم بن مهروية 20/ 146.
القاسم بن هارون الرشيد 18/ 315.
القاسم بن يوسف 20/ 26 - 297 - 421.
قباذ بن فيروز 9/ 79 - 81.
12/ 209، 18/ 33.
قبّاع 11/ 275.
القبطي 5/ 135.
قبيحة - جارية المتوكل - 10/ 214 - 215 - 230، 19/ 237 - 310 - 311.
قبيصة 14/ 302، 20/ 52.
قبيصة بن أبي صفرة 6/ 147.
قبيصة بن الأسود بن عامر 17/ 248 - 249.
قبيصة بن جابر 5/ 146.
قبيصة بن ذؤيب 14/ 154.
قبيصة بن ضرار 16/ 332.
قبيصة بن ضبيعة العبسي 17/ 147 - 148 - 151 - 153.
قبيصة بن نعيم 9/ 103 - 104 - 105.
قبيصة بن والق 12/ 159.
قتادة 12/ 300.
قتادة بن مسلمة 11/ 115 - 116.
قتادة بن معرب 11/ 327.
قتادة بن مغرب اليشكري 15/ 384 - 390.
قتادة بن النعمان 15/ 193.
القتال الكلابي 24/ (ترجمته - 167 - 195) 169 - 170 - 171 - 172 - 173 - 174 - 175 - 176 - 177 - 178 - 179 - 180 - 181 - 182 - 183 - 184 - 185 - 186 - 187 - 188 - 189 - 190 - 191 - 192 - 193 - 194 - 195.
القتال بن مالك السحمي 22/ 2 - 11.
قتب بن عبيد 12/ 207.
القتول 17/ 184.
قتيبة الخراساني 20/ 221 - 222.
قتيبة بن زياد 21/ 66 - 364.
قتيبة بن مسلم 8/ 302، 9/ 137، 11/ 243 - 244 - 268 - 269، 13/ 357، 14/ 281 - 292 - 299، 15/ 19، 20/ 52.
قتيلة بن الحارث 1/ 19.
قثم بن جعفر بن سليمان 13/ 178، 14/ 45 - 47، 19/ 27.
قثم بن العباس 3/ 290، 6/ 18 - 20، 9/ 165.
قثم بن عبد اللّه بن عباس 16/ 271.
قحافة بن عوف بن الأحوص 16/ 289.
القحذمي 5/ 5، 13/ 270، 14/ 134.
قحطان 8/ 410، 14/ 173.
قحطان بن عامر 16/ 328.
قحطة 23/ 212 - 213.
قحيف بن خمير 8/ 181.
القحيف العقيلي 18/ 37 - 39 - 40، 24/ (ترجمته - 82 - 90) 82 - 83 - 84 - 85 - 86 - 87 - 88 - 89 - 90.
القدار 24/ 260.
قدار بن سالف 10/ 314.
قدامة 13/ 351 - 352.
قدامة بن جعدة بن هبيرة المخزومي 11/ 268.
قدامة بن موسى الجمحي 1/ 93، 15/ 262 - 263.
القدور 22/ 196.
قراد بن الأخدر بن بشير بن عامر بن مالك 24/ 194.
القراد بن أهاب 22/ 195 - 196 - 239.
قراريط 1/ 70.
قرة بن زهير 11/ 140.
قرة بن محرز 19/ 110.
قرة بن هبيرة 6/ 1 - 2، 15/ 240.
قرزل 17/ 192.
قرشة 24/ 37.
القرشي 1/ 42 - 82 - 284 - 231 - 322، 14/ 384.
قرصافة 12/ 271.
قرقس - زوج هزيلة - 11/ 164.
قرقور 20/ 21 - 22.
القرم 21/ 325.
قرمل بن الحميم 9/ 92.
قرواش بن عوف 17/ 187.
قرواش بن هنى 17/ 204 - 205 - 206.
القروي 20/ 101.
قريب الأصمعي 5/ 387.
قريبة 2/ 359.
قريظ بن معبد بن زرارة 11/ 146.
قريظة بن حذيفة بن عمار بن ربيعة 24/ 182.
قريظة بن يقظة 11/ 272.
قرين 19/ 128.
قرينة بنت يزيد بن عبد اللّه بن وهب 21/ 124.
قزمات 15/ 204.
القس 8/ 309 - 338.
قس بن ساعدة 15/ 246 - 247.
قسر عبقر 22/ 4.
القسطلاني 2/ 117 - 279.
قسيل 17/ 144.
قشير بن كعب 8/ 181.
القشيري 5/ 23.
قشيل 17/ 144.
قصي بن ذكوان 12/ 214.
القصيدي 19/ 308.
قصير بن سعد بن عمرو 15/ 317 - 319 - 320.
قضاعة 8/ 90 - 91، 13/ 35 - 78 - 79 - 80، 19/ 15.
قضنة 19/ 212.
قطام 15/ 283 - 284.
القطامي 17/ 177، 24/ (ترجمته - 16 - 50) 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 23 - 24 - 25 - 26 - 27 - 28 - 29 - 30 - 31 - 32 - 33 - 34 - 35 - 36 - 37 - 38 - 39 - 40 - 41 - 42 - 43 - 44 - 45 - 46 - 47 - 48 - 49 - 50.
قطبة بن بشر بن مالك ملاعب 14/ 247.
قطرب النحوي 14/ 332.
قطري 20/ 421.
قطري بن بوزل 8/ 175.
قطري بن الفجاءة 13/ 85، 18/ 115 - 117.
قطية بنت بشر بن عامر 1/ 334.
قطينة 9/ 89.
قعسوس - جارية - 21/ 180.
القعقاع بن خالد 15/ 127.
القعقاع بن ضرار 20/ 413.
القعقاع بن عمرو 16/ 294.
القعقاع بن معبد 9/ 271، 11/ 130، 15/ 305.
قعنب بن عتاب 17/ 318.
قعنب بن محرز الباهلي 8/ 263.
قعين بن خليل الطريفي 17/ 248.
قفا النجار 17/ 107.
قلطف - بنت النعمان بن معد يكرب التغلبي - 24/ 63.
قلم - جارية علي بن هشام - 7/ 294.
قلم - غلام الفضل بن كاووس - 23/ 83 - 145.
قلم الصالحية 13/ 347.
قلوص 3/ 273.
قمرية البكتمرية 14/ 114.
قمير بن سعد 3/ 66 - 67.
القن ابن القن 3/ 201.
قنبر - مولى علي بن أبي طالب - 17/ 218.
قنبري 14/ 165.
قند - راوية في اسم فند - 17/ 276.
قنديل الخصّاص 1/ 288 - 289.
قنينة 7/ 204.
قهرمان 2/ 110.
قهطم بن المنتفق بن عامر 11/ 193.
قيان 1/ 149.
قيذا 15/ 12.
قيس 12/ 231.
قيس - أبو حارثة بن علقمة - 12/ 6 -
9 - 13.
قيس - رجل من بني سليم - 12/ 76.
قيس بن أبي صعصعة 2/ 176.
قيس بن الأصور الجشمي 15/ 102.
قيس التميمي 8/ 86.
قيس بن ثعلبة 2/ 331، 8/ 311، 18/ 139.
قيس بن ثعلبة بن عكابة 14/ 78.
قيس بن جحدر 17/ 378، 22/ 190.
قيس بن جروة الطائي 22/ 186 - 187 - 188 - 189.
قيس بن الحارث 4/ 367.
قيس بن الحدادية 14/ 44 - 149 - 160.
قيس بن حزم بن وهب بن رواحة 10/ 6.
قيس بن حزن 11/ 150.
قيس بن خالد ذو الجدين 22/ 195 - 197.
قيس بن الخطيم 6/ 359، 17/ 128، 22/ 2.
قيس بن ذريح 9/ 180 - 181 - 182 - 183 - 184 - 188 - 189 - 194 - 197 - 200 - 202 - 205 - 206 - 208 - 209 - 219.
17/ 99 - 361.
قيس بن زهير 3/ 74، 8/ 241 - 244، 16/ 373، 17/ 182 -
189 - 190 - 193 - 194 - 197 - 198 - 199 - 203 - 206 - 208.
قيس بن زهير بن جذيمة 11/ 119، 15/ 51 - 52.
قيس بن زهير العبسي 11/ 133 - 135 - 148 - 151 - 155.
قيس بن زياد 17/ 180.
قيس بن ساعدة 13/ 16.
قيس بن شذاذ 14/ 145.
قيس بن شراحيل 11/ 44، 14/ 78.
قيس بن شيبة السلمي 17/ 8 - 57 - 288.
قيس بن الصمة 10/ 4 - 14.
قيس بن ضفاف التميمي 11/ 13.
قيس بن عاصم 2/ 408، 4/ 146 - 151، 10/ 74 - 75 - 76 - 191، 12/ 16 - 17 - 18 - 19، 14/ 69 - 70 - 71 - 72 - 73 - 74 - 75 - 76 - 77 - 78 - 80 - 81 - 82 - 83 - 84 - 86 - 87 - 88 - 89 - 90، 17/ 268، 19/ 112 - 187، 21/ 26 - 291، 24/ 72.
قيس بن عاصم الحوفزان 14/ 79.
قيس بن عاصم المنقري 16/ 330 - 331 - 332، 22/ 217 - 219.
قيس بن عامر بن مالك 22/ 60.
قيس بن عباد الشيباني 17/ 144.
قيس بن عبد يغوث المرادي 12/ 13 - 17 - 18.
قيس بن عتاب 13/ 129.
قيس بن عيلان 4/ 120، 8/ 410، 13/ 186 - 280، 14/ 148 - 149 - 4 - 299، 19/ 201.
قيس بن فهد الأنصاري 2/ 186.
قيس بن القتال 22/ 11.
قيس بن كلثوم السكوني 13/ 3 - 4 - 5 - 6.
قيس بن مالك المحاربي الخصفي 3/ 273.
قيس بن محمد الأشعث 11/ 264.
قيس بن مسعود 9/ 332.
قيس بن مسعود الأبلّه 2/ 126.
قيس بن مسعود بن خالد بن ذي الجدين 2/ 126.
قيس بن مسعود بن قيس بن خالد بن ذي الجدين 24/ 54 - 56 - 57 - 59 - 60 - 81.
قيس بن مسلم 2/ 269.
قيس بن معد يكرب 9/ 117، 11/ 49، 13/ 6، 16/ 393.
قيس بن مكشوح المرادي 20/ 379.
قيس بن الملوّح 8/ 64 - 65.
قيس بن منبه بن أياذ 4/ 303 - 304 - 305 - 306.
قيس بن المنتفق بن عامر 11/ 153.
قيس بن منقذ 14/ 157.
قيس الندامي 15/ 351 - 352 - 353.
قيس بن الوليد بن عبد شمس بن المغيرة 17/ 145.
قيس بن يزيد 17/ 140 - 142.
قيصر 6/ 42، 9/ 99، 15/ 21،
17/ 303 - 304 - 308، 18/ 123 - 139، 20/ 206، 22/ 118 - 119 - 329 - 330.
قيلة بنت جفنة بن عتبة بن عمرو 3/ 40.
ك
كأس بنت بجير بن جندب 22/ 31 - 32 - 33.
كافور 1/ 236، 1/م - ت 31.
الكامل - الربيع بن زياد - 17/ 180.
كامل - فرس لزيد الخيل - 17/ 246.
الكامل - فرس كان لعبيد بن زياد - 20/ 365.
كاهل بن دودان 9/ 88.
الكاهن بن هارون بن عمران 3/ 116، 22/ 107 - 117.
كبتة بنت الحجاج 11/ 147.
كبشة 15/ 230 - 231.
كبشة بنت عروة 16/ 283.
كبشة بنت ضمرة بن مالك 17/ 118.
كبشة بنت عمار بن عدى بن سحيم 17/ 82.
الكتفان 17/ 201.
كثير 1/ 124 - 175 - 356 - 359 360 - 367 - 368 - 377، 8/ 107 - 109 - 125 - 288، 9/ 172 - 216، 12/ 41 - 113 -
114 - 115 - 116 - 124 - 125 - 173 - 174 - 175 - 176 - 177 - 180 - 182 - 183 - 186 - 187 - 189 - 190 - 15/ 143 - 333، 18/ 332 - 367، 19/ 134.
كثير - أبو صخر - 9/ 20 - 21 - 22 - 23 - 24 - 25 - 26 - 27 - 28 - 29.
كثير بن اسحاق 6/ 264.
كثير بن شهاب بن كعب 13/ 164 - 166، 17/ 147 - 148 - 149.
كثير بن الصلت 9/ 162 - 202.
كثير بن عبد الرحمن الخزاعي 9/ 37، 15/ 283.
كثير بن عبد اللّه 23/ 227 - 228.
كثير بن عبد اللّه السلمي 7/ 76.
كثير عزّة 1/ 284، 9/ 24 - 37 - 175 - 176، 22/ 28.
كثير بن كثير السهمي 1/ 319 - 2/ 364.
كثير بن كثير بن المطلب 9/ 175.
كثير بن المحول 4/ 360.
كثير بن هراسة 17/ 109.
كثيرة 18/ 25 - 26 - 29 - 30.
الكحلبة 19/ 130.
كدان بن حيان العنزي 17/ 148 - 153.
كدان بن عمير 22/ 60.
الكذناذنوكا - جارية خول السفاح أبا نخيلة - 20/ 400 - 401 - 409.
الكراني 3/ 149، 4/ 344، 8/ 108 - 299 - 314، 13/ 296، 14/ 237 - 248 - 278 - 283.
كرب بن خالد 3/ 103.
كرب بن صفوان 11/ 139.
كردى بن عامر المسمعي 3/ 215.
كردم 1/ 37 - 306.
كردم الفزاري 10/ 6 - 7.
كرز - أخو الحارث - 12/ 6.
كرز الأعنة 22/ 2 - 3.
كرز بن خالد بن صخر بن الشريد 7/ 282.
كرز بن عامر 22/ 10.
كرم أميّ 8/ 240.
كريب بن عبد الرحمن 6/ 145.
كريزي 14/ 167.
كريم بن عفيف الخثعمي 17/ 148 - 152 - 153.
كريمة 2/ 29.
كريمة بنت ملحان 3/ 353.
كزارجر المكعبر 17/ 318.
الكسائي 5/ 254 - 271، 19/ 99، 20/ 218 - 223 - 225 - 226 - 338.
كسرى 2/ 104 - 105 - 106 - 107 - 108 - 110 - 115 - 120 - 135 - 139 - 125 - 121 - 146 - 6/ 42، 10/ 60، 11/ 142، 15/ 289، 16/ 107 - 329، 17/ 303 - 309 - 310 - 317 - 318 - 319 - 320، 19/ 184 - 242، 20/ 206، 21/ 97 - 196 - (ترجمته - 131 - 133) 132 - 133.
كسرى بساباط 24/ 81.
كسرى أبرويز بن هرمز 24/ 53 - 54 - 56 - 57 - 81.
الكسعي 2/ 109، 21/ 290.
كعب 12/ 172 - 174، 14/ 283 - 298 - 299، 19/ 112.
كعب - جارية - 18/ 158.
كعب بن أسد 6/ 359، 17/ 119 - 120 - 126.
كعب بن أسعد 10/ 292.
كعب بن الأشرف 12/ 6.
كعب الأشقري 14/ 264 - 283.
كعب بن جعيل 5/ 10، 8/ 270 - 280 - 282 - 424 - 425، 15/ 107 - 119، 17/ 227،
21/ 301 - 321 - 322.
كعب بن جدر بن جابر 21/ 127 - 160 - 161 - 163.
كعب الحبر 2/ 174.
كعب بن زهير 2/ 165 - 169 - 201، 8/ 53، 9/ 261 - 260، 17/ (أخباره وشعره 82 - 91) 82 - 83 - 84 - 85 - 86 - 87 - 88 - 89 - 90 - 91 - 266.
كعب بن علي بن ابراهيم بن رياح 21/ 147.
كعب بن عمرو 14/ 150، 15/ 47.
كعب بن عمرو بن الليث النهدي 8/ 270.
كعب القيسي 20/ 263.
كعب بن لؤي 4/ 240، 10/ 203 - 204.
كعب بن مالك 4/ 138 - 143 - 145، 6/ 358، 15/ 195، 17/ 136.
كعب بن مالك الخثعمي 16/ 331 - 344.
كعب بن مامة الأيادي 16/ 373 - 378، 18/ 136.
كعب بن محمد 13/ 5 - 306 - 307.
كعب بن هرمز 2/ 106 - 124.
كلاب بن أمية بن الأسكر 21/ 9 - 15.
كلاب بن جعيل 15/ 107 - 119.
كلاب بن ورقاء بن حذيفة بن عمار 24/ 188.
كلابة 1/ 387 - 388 - 389 - 390 - 391.
كلب بن عوف 21/ 21.
الكلب بن كنيس بن جابر بن قطن بن نهشل 2/ 162.
كلب بن وبرة 12/ 54.
كلب بنت حوال 9/ 164.
الكلبي 1/ 416، 3/ 93، 13/ 223.
كلثم 3/ 113، 19/ 91.
كلثم بنت سعيد المخزومية 1/ 204 - 205 - 286.
كلثوم بن أبي بكر الفهروي 3/ 324 - 327.
كلدة بن حنبل بن مليل 6/ 268.
كليب 16/ 92، 22/ 339.
كليب - جد الفرزدق - 21/ 329.
كليب بن أبي عهمة السلمي 6/ 342.
كليب بن ربيعة 8/ 18، 11/ 32 - 63 - 65، 12/ 211، 19/ 18، 24/ 57.
كليب بن صيفي بن عبد الاشهل 17/ 127.
كليلة بن ربيعة 5/ 34 - 35.
كميل بن زياد 12/ 142.
الكميت 2/ 97، 7/ 248،
12/ 36 - 37 - 38 - 39، 22/ 13.
الكميت - إسم لثلاثة من بني خزيمة - 17/ 1.
الكميت - إسم فرس لزيد الخيل - 17/ 246 - 264.
الكميت الأكبر بن ثعلبة 17/ 1.
الكميت بن زيد 6/ 121، 10/ 5، 11/ 81 - 256، 16/ 211 - 212، 17/ (ترجمته - 1 - 40) 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 15 - 16 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 23 - 24 - 25 - 26 - 27 - 28 - 29 - 30 - 31 - 32 - 33 - 34 - 35 - 36 - 37 - 38 - 39 - 40، 18/ 7، 20/ 120 - 167 - 123، 21/ 89 - 90 - 91.
الكميت بن سعدة 21/ 246 - 247.
الكميت بن معروف - أحد ثلاثة من ابني أسد بن خزيمة - 17/ 1.
الكميت بن معروف الأسدي 1/ 124 - 348 - 349 - 8 - 60 - 61 - 211 - 252 - 253 - 276، 22/ (ترجمته - 143 - 145) 143 - 144 - 145.
الكميت بن معروف الفقعسي 21/ 245.
الكنجي 23/ 56.
كندة بن جنادة بن معد 13/ 79.
كندة بن عقير 9/ 77.
الكندي 8/ 360.
كنيف بن عبد اللّه المازني 3/ 55 - 80 - 79 - 86.
كهمس الصريمي 22/ 268.
كوثر 10/ 104، 11/ 341.
كوثر - خادم احمد الأمين - 20/ 48.
كوثر بن الأسود 20/ 416.
كوثرة 23/ 123.
كودين 23/ 224.
كيسان 4/ 3.
كيسان بن أبي سليمان 13/ 204.
ل
لابواكي له - أخ تأبط شرا - 21/ 127.
لاحق - مالك بن زياد - 17/ 180.
لاحق - فرس لزيد الخيل - 17/ 246.
لأم بن علقمة 15/ 346.
لأي بن شماس 18/ 86.
لبانة بنت عبد اللّه بن اسماعيل المراكبي 7/ 293.
لبانة بنت عبد اللّه بن العباس 1/ 207 - 208 - 282 - 310 - 142.
لبانة بنت علي بن المهدي 10/ 184.
لبطة بن الفرزدق 21/ 301 - 334 - 347 - 379.
لبنى 9/ 216 - 219، 19/ 170.
لبنى بنت الحباب الكعبية 9/ 181 - 182 - 183 - 184 - 185 - 188 - 197 - 200 - 205 - 207 - 209 - 210 - 212.
لبد 20/ 279.
لبيد 9/ 160، 12/ 3، 18/ 143 - 144، 21/ 3 - 30.
لبيد بن خليفة بن ثعلبة 17/ 125.
لبيد بن ربيعة بن مالك بن جعفر 11/ 149، 15/ 361 - 362 - 363 - 364 - 365 - 367 - 368 - 369 - 370 - 371 - 372 - 373 - 375 - 377 - 378، 17/ 55 - 56 - 65 - 58 - 59 - 61 - 184 - 185، 22/ 58.
لبيد بن عطارد 17/ 146.
لجيم 19/ 106 - 107.
لطيفة 12/ 330.
لقمان - صاحب قصة النسوار - 21/ 141.
لقمان الحكيم 10/ 239، 11/ 33، 12/ 322، 17/ 281، 2/ 379.
لقوة 23/ 217.
لقيط 2/ 408 - 162، 3/ 13،
4/ 274، 8/ 59 - 74 - 323 - 324، 13/ 198.
لقيط الأيادي 23/ 97.
لقيط بن حازم 17/ 261.
لقيط بن زرارة 11/ 133 - 134 - 140 - 141 - 142 - 143 - 144 - 163، 17/ 179، 22/ 193 - 194 - 195 - 196.
لقيط بن يعمر 22/ (ترجمته - 354 - 358) 355 - 356 - 357 - 358.
لكيز 21/ 139.
اللات 19/ 53.
اللحياني 2/ 300.
لميس 11/ 96، 17/ 190.
لميس - جارية عبيد اللّه بن عبد اللّه بن طاهر - 21/ 8.
لميس بن سعد البارقي 17/ 298.
لؤي 19/ 70.
لؤي بن غالب بن فهر 1/ 12، 14/ 219، 15/ 46 - 132.
لوحة 22/ 68.
لوط - النبي - 20/ 219 - 230 - 314.
ليث بن بكر 13/ 274.
ليلى 3/ 14، 12/ 60 - 61 - 62 - 63 - 64 - 292، 13/ 124 - 125، 18/ 282، 20/ 155.
ليلى الأخيلية 4/ 10، 8/ 263، 11/ 85، 21/ 339، 22/ 297.
ليلى - أم عبد العزيز كلبية - 1/ 340 - 351 - 352.
ليلى - أم عبد الملك بن مروان - 1/ 361 - 362 - 377.
ليلى - امرأة من بني عقيل - 19/ 102.
ليلى - صاحبة قيس - 2/ 5 - 6 - 7 - 8 - 10 - 11 - 13 - 14 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 24 - 25 - 26 - 27 - 28 - 30 - 32 - 33 - 34 - 35 - 36 - 37 - 38 - 39 - 40 - 41 - 42 - 43 - 44 - 45 - 46 - 47 - 48 - 51 - 52 - 54 - 56 - 60 - 61 - 62 - 64 - 65 - 66 - 67 - 68 - 70 - 72 - 73 - 74 - 75 - 76 - 77 - 78 - 79 - 80 - 81 - 82 - 83 - 84 - 85 - 86 - 87 - 89 - 90 - 92 - 93 - 94 - 375 - 379 - 380 - 382.
ليلى بنت أبي مرة بن عروة بن مسعود 3/ 332 - 233.
ليلى بنت أبي سفيان 16/ 283.
ليلى بنت الجودي 17/ (قصتها مع عبد
الرحمن بن أبي بكر - 356 - 361) 359 - 360 - 356 - 361 - 358.
ليلى بنت الحارث بن عمرو 1/ 156 - 157 - 158 - 160 - 278 - 284.
ليلى بنت حلوان بن عمران 1/ 12، 14/ 125.
ليلى بنت الخطيم 3/ 11 - 12.
ليلى بنت ذي الرمة 18/ 2 - 47.
ليلى بنت زبان 9/ 142.
ليلى بنت زهير بن يزيد بن خالد 23/ 130.
ليلى بنت سعد 24/ 120 - 121.
ليلى بنت شعواء 3/ 81.
ليلى بنت طريف 12/ 96.
ليلى العامرية 15/ 172 - 175.
ليلى بنت عروة بن زيد الخيل 17/ 256.
ليلى بنت عوف 12/ 343.
ليلى بنت معن بن أوس 12/ 59.
ليلى بنت المهلهل 11/ 54.
ليلى بنت موازر 19/ 103.
لينة بنت قرظة الضبية 21/ 276.
م
ماء السماء بن حارثة الغطريف 14/ 45.
ماء السماء بنت عوف بن جشم 14/ 44.
الماجشون 15/ 25 - 26.
ماردة - جارية 18/ 67، 22/ 46.
المارقي 1/ 259، 20/ 13.
ماروت وهاروت 3/ 249.
مارية بنت الحارث بن جلهم 2/ 105.
مارية الكندية 2/ 129 - 297، 11/ 15.
مازن بن فزارة 2/ 293.
مازن بن كعب 8/ 64.
المازني 14/ 196.
المازيار 20/ 275.
ماعز الكلابي 20/ 401.
مالك - أبو غسان - 19/ 281.
مالك - ابن الفرزدق - 11/ 61.
مالك بن أبي سعدة 13/ 319.
مالك بن أبي السمح 1/ 41 - 43 - 80 - 86 - 92 - 118 - 137 - 139 - 184 - 186 - 222 - 227 - 232 - 251 - 270 - 273 - 286 - 287 - 380 - 246 - 262 - 264 - 239 - 286، 2/ 210 - 3/ 2 - 3 - 4، 8/ 17 - 200 - 201 - 216 - 226 - 268 - 291 - 384، 9/ 84، 14
/76. 237 - 301، 15/ 138 -
314، 17/ 107 - 276، 18/ 333 - 345 - 351 - 363، 19/ 157، 20/ 22، 101 - 315 21/ 197 - 198 - 199 - 275 -
مالك بن أبي عامر 4/ 154.
مالك بن أبي كعب 1/ 41 - 42.
مالك بن أسماء بن خارجة 1/ 147، 16/ 54، 17/ (ترجمته - 230 - 39) 230 - 231 - 233 - 234 - 235 - 236 - 237 - 238.
مالك الأصقع 16/ 307.
مالك بن أصرم 12/ 306.
مالك بن أعصر 8/ 233.
مالك بن أفعى 9/ 23.
مالك بن الأقرع 21/ 163.
مالك بن أمية بن عبد القيس 13/ 192.
مالك بن أنس 4/ 222 - 246، 18/ 322، 19/ 218، 20/ 11، 21/ 119، 23/ 234.
مالك بن بدر 17/ 201.
مالك بن بكر 12/ 205.
مالك بن جبار 17/ 371.
مالك بن جشم 8/ 280.
مالك بن جعفر 15/ 363.
مالك بن جعفر بن كلاب 17/ 179.
مالك بن الحارث 8/ 330 - 338، 18/ 322.
مالك بن الحارث الأشتر 15/ 217.
مالك بن حارثة التغلبي 22/ 356 - 358
(ترجمته - 285 - 302) 286 - 287 - 288 - 289 - 290 - 291 - 292 - 293 - 294 - 295 - 296 - 297 - 298 - 299 - 300 - 301.
مالك بن حزن 10/ 18 - 19.
مالك بن حمار الشمخي 11/ 111، 15/ 87 - 88 - 90، 18/ 74.
مالك بن حمار الفزاري 2/ 329، 3/ 83.
مالك بن الحمس 11/ 119.
مالك بن حمير 8/ 91.
مالك بن حنظلة 12/ 335.
مالك بن خالد بن صخر بن الشريد 7/ 282.
مالك بن خفاجة 11/ 147.
مالك بن دينار 3/ 170 - 171 - 182، 6/ 245، 21/ 387.
مالك بن ذهل بن سلامان 13/ 211.
مالك ذو الرقبة بن سلمة بن قشر 11/ 150 - 151.
مالك بن زهير 13/ 82، 17/ 178 - 187 - 195 - 200 - 205.
مالك بن زياد 4/ 81، 17/ 180.
مالك بن زيد 13/ 184.
مالك بن سبيع بن عمرو الثعلبي 17/ 203.
مالك بن سعد 13/ 7 - 8.
مالك بن سعد بن قيس بن عيلان 8/ 233، 17/ 257.
مالك بن السمح 17/ 52.
مالك بن شيبان الجحدري 8/ 311.
مالك بن الصمصامة 22/ (ترجمته - 76 - 79) 77 - 78 - 79.
مالك بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة 10/ 151.
مالك بن طوق 19/ 112 - 113، 20/ 184 - 185 - 186.
مالك بن عبد الملك بن مسمع 19/ 281.
مالك بن العجلان 3/ 19 - 20 - 21 - 24 - 25 - 26 - 40 - 41 - 42، 22/ 111 - 114 - 115، 9/ 230.
مالك بن عروة المازني 22/ 233.
مالك بن علي الخزاعي 19/ 113 - 114 - 115.
مالك بن عمر 8/ 91، 20/ 385.
مالك بن عمرو 15/ 183.
مالك بن عمرو بن عدي 15/ 319 - 320.
مالك بن عوف 9/ 271، 10/ 4 - 30 - 31، 14/ 147، 18/ 77 - 78، 22/ 72، 23/ 96.
مالك المذموم 18/ 117 - 118 - 119.
مالك بن مسمع 8/ 399، 11/ 223، 22/ 339 - 343.
مالك بن المنذر 20/ 296، 21/ 310 - 313 - 331 - 378 - 379، 22/ 190.
مالك بن النضر بن كنانة 12/ 172 - 173 - 174.
مالك بن نويرة 13/ 30، 15/ 298 - 299 - 310 - 309 - 307 - 306 - 300 - 301 - 302 - 303 - 304 - 305، 18/ 74، 21/ 397.
مالك بن هبيرة 17/ 150 - 153.
مالك بن هبيرة الكندي 19/ 195.
مالوسة - جارية - 23/ 184 - 185 - 186.
المأمور الحارثي 16/ 329، 19/ 204.
المأمون 1/ 7، 3/ 199، 4/ 6 - 49 - 50 - 52 - 53 - 54 - 62 - 63 - 75 - 78 - 91 - 101، 5/ 254 - 255 - 268 - 277 - 285 - 329 - 340 - 347 - 351 - 368 - 380 - 393 - 425، 7/ 37 - 148 - 149 - 150 - 151 - 152 - 166 - 167 - 168 - 177 - 226 - 294 - 296 - 298 - 300 - 304 - 307، 10/ 48 - 52 - 62 - 65 - 69 - 101 - 102 - 103 - 104 - 105 - 116 - 118 - 119 - 120 - 124 - 126 - 129 - 130 - 132 - 136 - 137 - 140 - 170 - 185 - 187 - 188 - 189 - 190 191 - 192 - 193 - 197 - 11/ 339 - 340 - 341 - 346 - 348 - 349 - 351 - 359، 12/ 48 - 101 - 102 - 103 - 112 - 13/ 12 - 109 - 111 - 112 - 115 - 150 - 251، 14/ 109 - 164 - 41 - 92، 15/ 234 - 235 - 236 - 237 - 238 - 253 - 297 - 373، 16/ 24 - 200 - 213 - 214 - 250 - 280، 19/ 34 - 74 - 79 - 86 - 87 - 88 - 91 - 108 - 136 -
230 - 276، 20/ 14 - 19 - 21 - 23 - 39 - 42 - 49 - 50 - 52 - 54 - 95 - 96 - 121 - 131 - 134 - 140 - 141 - 143 - 152 - 153 - 170 - 172 - 174 - 179 - 180 - 181 - 216 - 217 - 236 - 244 - 245 - 247 - 249 - 252 - 255 - 256 - 257 - 259 - 260 - 261 - 262 - 302 - 304 - 336، 21/ 68 - 69 - 71 - 75 - 76 - 80 - 81، 23/ 38 - 39 - 41 - 42 - 57 - 67 - 118 - 119 - 120 - 177 - 24/ 247 - 248 - 249 - 250 - 253.
ماني بن فاتك الحكيم 7/ 72.
ماني الموسوس 23/ (ترجمته - 181 - 187) 181 - 182 - 183 - 184 - 185 - 186 - 187.
ماوية - أخت عبيد بن الأبرص - 22/ 81.
ماوية بنت عبد اللّه 16/ 283.
ماوية بنت عبد مناة بن مالك 17/ 179.
ماوية بنت عفزر 17/ 380 - 386 - 387 - 354.
المبارك 18/ 219، 20/ 69.
المبرد 3/ 72، 12/ 59، 13/ 8، 15/ 18، 20/ 64 - 178 - 193 - 409، 21/ 39 - 40، 22/ 146 - 147.
23/ 85 - 156.
المتجردة 11/ 8 - 14، 21/ 1.
متمم العبدي 22/ 313 - 314.
المتلمس 16/ 167، 17/ 91، 21/ 383، 24/ (ترجمته - 259 - 261) 260 - 261.
متمم بن نويرة بن عمرو (أبو نهشل) 15/ 298 - 302 - 306 - 307 - 309 - 311.
المتنخل 24/ (أخباره ونسبه 99 - 107) 101 - 102 - 103 - 104 - 105 - 106 - 107.
المتوكل 1/ 404، 5/ 427 - 430، 7/ 170 - 171 - 172 - 215 - 223 - 224 - 225 - 226 - 9/ 42 - 302، 10/ 51 - 52 - 53 - 55 - 56 - 58 - 64 - 135 - 174 - 205 - 208 - 209 - 211 - 213 - 214 - 215 - 218 - 228 - 230 - 231 - 232 - 233، 11/ 333، 12/ 80 - 81 - 82 - 83 - 84 - 85 - 86 - 87 - 155، 13/ 347، 15/ 10 - 15 - 360 - 361 - 362 - 363 - 370 - 371، 17/ 237، 18/ 329 - 349 - 350 - 373، 19/ 236 - 237 - 238 - 252 - 256 - 266 - 301 - 302 - 304 - 307 - 310 - 311 - 312،
20/ 146 - 291، 21/ 72، 22/ 157 - 158 - 200 - 212 - 24/ 257 - 258.
المتوكل - 23/ 72 - 73 - 74 - 79 - 197 - 201 - 206 - 207 - 208 - 209 - 210 - 211 - 212 - 213.
متيم 8/ 267، 11/ 348، 19/ 242.
متيم الهاشمية 17/ 106، 20/ 187.
المثبت بن عبد الرحمن بن الوليد 7/ 132.
مثنى بن حارثة الشيباني 8/ 86، 19/ 7، 21/ 300.
مثنى بن زهير 14/ 34.
المثنى بن مخرجة 16/ 336.
مثغور 12/ 278.
مجائل بن مرة السعدي 13/ 133.
مجاشع 15/ 341 - 342، 20/ 296، 21/ 329.
مجاشع بن الأجلح 24/ 38.
مجاشع بن مسعدة 4/ 19 - 20 - 21 - 49 - 89، 14/ 349.
مجاشع بن مسعود 15/ 221 - 222، 22/ 228.
مجاعة بن عمرو بن عبد القيس 14/ 289.
مجالد بن ريان 6/ 134، 8/ 401.
مجالد بن سعيد 20/ 129.
المجبر بن اسلم القشيري 24/ 30 - 31.
مجدع 15/ 15.
المجذر بن ديان 4/ 195 - 196.
مجزأة بن ثور السدوسي 3/ 166، 18/ 120.
مجزأة بن زياد بن المهلب 14/ 298.
المجشر بن الحارث 12/ 206.
مجمع بن زيد بن حارثة 4/ 245.
مجمع بن مزاحم 10/ 16.
مجنون ليلى 17/ 99، 19/ 103، 20/ 369 - 372.
مجيب - غلام أمية بن عنبسة 23/ 232.
المجير بن أسلم القشيري 24/ 30 - 31.
محارب - حميضة بن حرملة - 14/ 6.
محارب بن حفصة 14/ 3.
محارب بن موسى 12/ 229.
محبوبة - شاعرة المتوكل - 19/ 311، 22/ (ترجمتها - 200 - 203) 200 - 201 - 202 - 203.
المحجل 10/ 39.
محرز بن أبي هريرة 8/ 84.
محرز بن جعفر 14/ 318، 12/ 229.
محرز بن ذؤال 10/ 260.
محرز بن شهاب المنقري 17/ 153 - 148.
محرز بن مكعبر الضبي 16/ 377.
المحرز بن عمرو بن كلاب 11/ 222.
محرز بن يزيد 24/ 193 - 194.
محرزي 8/ 186.
محرق 17/ 395.
محصن بن الحارث بن الهصان 24/ 189 - 190 - 191.
محصن بن حصين بن حنجور 12/ 208.
المحلق بن حنتم 24/ 192.
محمد - أبو الحسن الأسدي - 8/ 418.
محمد الأمين 6/ 184، 15/ 235، 17/ 75 - 76، 18/ 71 - 226 - 228 - 312 - 361 - 364، 19/ 279، 21/ 61 - 66، 23/ 38.
محمد بن ابراهيم 9/ 278.
محمد بن إبراهيم الامام 3/ 48، 10/ 258.
محمد بن إبراهيم قريض الجرحى 11/ 228، 20/ 60، 21/ 55.
محمد بن أبي أمية 23/ 80، 19/ 52 - 312.
محمد بن أبي بكر 7/ 236، 11/ 301، 16/ 324 - 325 - 326، 18/ 125.
محمد بن أبي حفصة 10/ 72.
محمد بن أبي العباس 6/ 284، 13/ 322 - 361 - 370 - 371 - 366 - 369 - 372 - 374 - 375 - 376 - 377 - 378 - 385.
محمد بن أبي عيينة بن المهلب بن أبي صفرة 20/ 75.
محمد بن احمد بن يحيى المكي 14/ 187.
محمد بن الأزهر 14/ 164.
محمد بن ابي محمد اليزيدي 20/ 216 - 239 - 240 - 241 - 242 - 243 - 244 - 245 - 246 - 247 - 248 - 250 - 257.
محمد بن اسحاق بن سليمان الهاشمي 16/ 406.
محمد بن اسحاق بن عمرو بن بزيع 21/ 174.
محمد بن اسحاق بن محمد 3/ 27، 14/ 302.
محمد بن اسماعيل 8/ 34، 15/ 253.
محمد بن الأشعث 1/ 88، 6/ 33 - 45 - 46 - 53 - 61 - 64 - 201، 15/ 56 - 57 - 58 - 59 - 68، 18/ 108، 20/ 52 - 58.
محمد بن الأشعث الزهري المغني 11/ 364.
محمد بن أمية 2/ 64.
محمد بن أمية بن أبي امية 12/ 145 - 149 - 151 - 152 - 153 - 154.
محمد بن أيوب 14/ 17 - 19 - 49.
محمد بن أيوب بن سليمان 15/ 253.
محمد بن بشير 14/ 17، 16/ 102 - 103 - 104 - 105 - 107 - 109 - 110 - 111 - 112 - 114 - 115 - 116 - 117 - 118 - 120 - 122 - 123 - 124 - 125 - 126 - 127 -
128 - 130 - 131 - 132 - 133 - 134، 21/ 124 - 125.
محمد بن جابر 14/ 299.
محمد بن جابر الأزدي 16/ 388.
محمد بن جبلة بن عوف 24/ 24.
محمد بن جبير 14/ 164، 17/ 294 - 299.
محمد بن جرير 4/ 227، 20/ 146.
محمد بن جعفر بن أبي طالب 18/ 125.
محمد بن جعفر الصيدلاني 13/ 235، 20/ 178 - 193 - 409، 23/ 85 - 156.
محمد بن جعفر موسى الهادي 20/ 82.
محمد بن جعفر النحوي 13/ 8 - 143، 18/ 220 - 312.
محمد بن جميل 15/ 60 - 66، 18/ 220 - 237.
محمد بن الجهم 14/ 167، 19/ 238.
محمد بن الحارث 4/ 116 - 117، 10/ 114 - 146.
محمد بن الحارث بن بسخنر 7/ 200 - 204 - 205، 12/ 48 - 49 - 51 - 52 - 53 - 144، 15/ 275 - 276، 16/ 200، 19/ 222 - 239 - 249، 20/ 82 - 247، 23/ 81 (ترجمته - 175 - 179) 176 - 177 - 178 - 179.
محمد بن حازم 14/ 92 - 98 - 99 - 102 - 111.
محمد بن حازم الباهلي 7/ 146، 14/ 109 - 110 - 102 - 108 - 166.
محمد بن حاطب بن أبي بلتعة 18/ 125.
محمد بن حاطب الجمحي 16/ 111.
محمد بن حامد 14/ 109 - 110، 21/ 64 - 66 - 68 - 69 - 71 - 72 - 81 - 86 - 87.
محمد بن حبيب 3/ 90، 5/ 5، 8/ 155 - 180 - 237 - 243، 12/ 36، 13/ 27.
محمد بن الحجاج 3/ 224، 11/ 249، 15/ 352، 20/ 164، 22/ 267 - 268.
محمد بن الحجاج الأسدي التميمي 18/ 27 - 39 - 40.
محمد بن حرب الهلالي 10/ 48، 19/ 145.
محمد بن حسان بن سعد التميمي 2/ 408 - 409 - 412.
محمد بن الحسن 1/ 106، 2/ 82، 9/ 144، 15/ 254، 20/ 195 - 210.
محمد بن الحسن الكاتب 6/ 176، 9/ 272.
محمد بن الحسن بن دريد 11/ 210، 13/ 40، 14/ 71 - 75، 19/ 187.
محمد بن الحسن بن مصعب 1/ 208، 10/ 120، 15/ 356 - 359، 18/ 354.
محمد بن الحسين الكاتب 9/ 251.
محمد بن الحسين الكندي الكوفي 14/ 287 - 110 - 165، 19/ 47.
محمد بن الحسين بن مصعب 1/ 252.
محمد بن حطاب 18/ 125.
محمد بن حفص بن عائشة التيمي 8/ 309.
محمد بن حفص بن عمرو التميمي 20/ 65.
محمد بن الحكم 8/ 47.
محمد بن حماد 8/ 47، 23/ 99 - 116.
محمد بن حماد بن دنقش 19/ 244.
محمد بن حمزة بن نضير 15/ 356 - 357 - 359.
محمد بن الحنفية 2/ 408، 9/ 14 - 16.
محمد بن خالد 23/ 162 - 163.
محمد بن خالد حيلوية 23/ 59.
محمد بن خالد بن برمك 19/ 290.
محمد بن خالد بن يزيد بن معاوية 13/ 181، 14/ 357.
محمد بن خشرم 7/ 119.
محمد بن خلف 3/ 316، 8/ 44،
13/ 227 - 337، 14/ 121 - 86.
محمد بن داود 13/ 116، 23/ 123.
محمد بن داود بن الجراح 8/ 265 - 298، 15/ 266 - 275، 18/ 2 - 6 - 7 - 33، 20/ 295.
محمد بن داود بن علي 18/ 344 - 345.
محمد بن راشد 5/ 289.
محمد بن راشد الخناق 19/ 229 - 230، 23/ 77 - 83.
محمد الراوية - البيذق - 18/ 215، 20/ 47.
محمد بن رباح 14/ 18.
محمد رسول اللّه (ص) 1/ 6 - 14 - 17 - 20 - 22، 2/ 3 - 23 - 74 - 177 - 179 - 192 - 216 - 218 - 219 - 266 - 283 - 326 - 364 - 120 - 417 - 368 - 390 - 412 - 413 - 157، 3/ 7 - 8 - 10 - 27 - 28 - 29 - 30 - 31 - 38 - 75 - 93 - 117 - 119 - 120 - 122 - 126 - 127 - 131 - 207 - 224 - 239 - 243 - 239 - 316 - 305 - 299 - 298 - 324، 4/ 55 - 56 - 58 - 71 - 73 - 75 - 79 - 80 - 83 - 84 - 87 - 88 - 89 - 90 - 91 - 100 - 128 - 129 - 130 - 131 - 132 - 135 - 136 - 137 - 138 - 142 - 144 - 145 - 146 - 150 -
22 - 154 - 201 - 202 - 205 - 206 - 207 - 208 - 220 - 223 - 228 - 230 - 334 - 247 - 276 - 303 - 304، 8/ 67 - 128 - 7/ 251 - 258 - 259 - 261 - 263 - 266 - 279 - 285 - 287 - 288، 10/ 30 - 31 - 32 - 52 - 87 - 89 - 131 - 139 - 129، 12/ 2 - 6 - 7 - 8 - 30 - 41 - 54 - 67 - 72 - 79 - 140 - 143 - 215 - 216 - 217 - 225 - 230 - 237 - 235 - 328 - 321 - 300 - 286 - 271 - 338 - 336 - 239 - 241 - 248، 17/ 44 - 211 - 56 - 57 - 58 - 60 - 86 - 88 - 89 - 218 - 219 - 245 - 248 - 250 - 251 - 255 - 271 - 288 - 289 - 292 - 290 - 293 - 294 - 311 - 314 - 315 - 323 - 324 - 325 - 349 - 356، 363 - 365 - 387، 18/ 54 - 57 - 109 - 149 - 169 - 170 - 187 - 203 - 206، 19/ 12 - 63 - 64 - 68 - 84 - 122 - 135 - 159 - 137 - 138 - 139 - 143 - 153 - 160، 20/ 6 - 7 - 77 - 130 - 138 - 142 - 151 - 198 - 199 - 281 - 302 - 303 - 357، 22/ 4 - 5 - 18 - 54 - 56 -
64 - 73 - 132 - 133 - 303.
محمد بن رياض 6/ 200.
محمد بن زبيدة 10/ 90، 14/ 111، 19/ 279 - 145.
محمد الزف 14/ 187 - 189 - 190.
محمد بن زكريا الغلابي 14/ 261.
محمد بن زياد 8/ 77.
محمد بن زياد الحاركي 18/ 182.
محمد بن زياد بن عبيد اللّه بن عبد المدان الحارثي 20/ 32.
محمد بن زيد 4/ 352، 16/ 5، 20/ 4.
محمد بن السائب الكلبي 10/ 33.
محمد بن سالم 13/ 309.
محمد بن سعد 4/ 111، 16/ 392.
محمد بن سعيد بن سالم 14/ 102، 23/ 121.
محمد بن سعيد بن المغيرة 20/ 6.
محمد بن سلام 2/ 158 - 165 - 166 - 262، 3/ 140 - 168 - 314، 4/ 3 - 237، 5/ 4 - 5، 7/ 110، 8/ 34 - 65 - 95 - 246 - 277 - 286 - 295 - 298 - 305 - 314 - 315 - 319 - 400 - 422 - 175، 9/ 160، 12/ 127 - 128 - 156 - 307 - 340، 13/ 15 - 58 - 102 - 127، 14/ 164 - 165، 18/ 10 - 33 - 74،
محمد بن سليمان 3/ 147 - 167 -
191، 14/ 336 - 377 - 378 - 379 - 380.
محمد بن سليمان سلامة الزرقاء 11/ 364 - 367.
محمد بن سليمان بن عبد الملك 7/ 23، 15/ 71.
محمد بن سليمان بن علي 1/ 38، 4/ 360 - 362، 20/ 294 - 296.
محمد بن سهل 17/ 2.
محمد بن سهل - راوية الكميت 2/ 406 - 409 - 414 - 417 - 424 - 425، 7/ 248.
محمد بن سهل بن فرخند 17/ 54.
محمد بن شعوف الهاشمي 15/ 271.
محمد بن صالح بن النطاح 8/ 51، 18/ 9 - 20 - 39.
محمد بن صول 10/ 43.
محمد بن الضحاك 3/ 124، 12/ 196 - 256، 20/ 7.
محمد بن ضوين الصلصال التميمي 6/ 335.
محمد بن طاهر 14/ 52 - 67.
محمد بن طفيل بن مطير بن أبي جبلة 24/ 24.
محمد بن الطلاس 20/ 283.
محمد بن طلحة 12/ 193 - 194 - 195، 14/ 351، 18/ 125.
محمد بن طليق 18/ 199.
محمد بن ظفر بن عمير 17/ 108.
محمد بن عائشة 2/ 204 - 206 - 208 - 215 - 231، 4/ 399.
محمد بن عباد بن عبد اللّه بن الزبير 4/ 243.
محمد بن العباس 18/ 106.
محمد بن العباس العسكري 13/ 300.
محمد بن العباس بن عبد اللّه بن طاهر 20/ 321.
محمد بن العباس بن محمد بن أبي محمد اليزيدي 1/ 16، 13/ 330، 14/ 101 - 325، 17/ 317 - 318، 18/ 114، 20/ 31 - 217، 22/ 223 - 224.
محمد بن عبد ربه 1/ 355.
محمد بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي 1/ 396، 14/ 376، 20/ 368.
محمد بن عبد الرحمن بن الفهم 20/ 231.
محمد بن عبد العزيز 4/ 374 - 382 - 391 - 392.
محمد بن عبد اللّه - أبو جراب العيلي - 1/ 210.
محمد بن عبد اللّه بن أبي سويد الثقفي 23/ 249.
محمد بن عبد اللّه بن بشير 14/ 45.
محمد بن عبد اللّه البكري 20/ 12.
محمد بن عبد اللّه بن الحسن 8/ 128،
11/ 294 - 295 - 300 - 301، 14/ 369، 16/ 136 - 360، 24/ 237.
محمد بن عبد اللّه بن حسن 2/ 337.
محمد بن عبد اللّه بن سعيد بن المغيرة بن عمرو بن عثمان 6/ 304 - 305.
محمد بن عبد اللّه بن طاهر 6/ 176، 7/ 172، 9/ 42، 22/ 161 - 162، 23/ 104 - 183 - 184 - 185 - 186 - 212.
محمد بن عبد اللّه العبدي 8/ 34.
محمد بن عبد اللّه بن عمرو بن عثمان بن عفان 4/ 347 - 348 - 376 - 377، 16/ 172 - 191 - 192، 23/ 228 - 229 - 233.
محمد بن عبد اللّه الكلابي 8/ 168.
محمد بن عبد اللّه بن مالك 3/ 344، 7/ 119 - 129 - 223، 14/ 116.
محمد بن عبد اللّه بن مطيع 3/ 330.
محمد بن عبد اللّه بن نمير 6/ 191.
محمد بن عبد اللّه بن الوليد 19/ 63.
محمد بن عبد الملك 23/ 254.
محمد بن عبد الملك الزيات 10/ 44 - 45 - 50 - 51 - 56 - 57 - 61 - 66 - 67 - 220 - 221، 13/ 347 - 348 - 350، 16/ 384،
19/ 74 - 95 - 219 - 252، 20/ 139 - 144 - 145 - 269 - 271 - 272 - 274 - 276، 20/ 139 - 144 - 145 - 269 - 271 - 272 - 274 - 276، 23/ (ترجمته - 45 - 74) 46 - 47 - 48 - 49 - 50 - 51 - 52 - 53 - 54 - 55 - 56 - 57 - 58 - 59 - 60 - 61 - 62 - 63 - 64 - 65 - 66 - 67 - 68 - 69 - 70 - 71 - 72 - 73 - 74 - 97 - 98 - 104 - 105 - 106 - 107 - 108.
محمد بن عبد الواحد الصحاف الكوفي 2/ 349.
محمد بن عبد الوهاب الثقفي 18/ 187 - 190 - 188 - 189 - 197.
محمد بن عبيد اللّه بن الحصين 16/ 115.
محمد بن عبيد اللّه بن شداد 2/ 175.
محمد بن عبيد اللّه بن عبد اللّه بن طاهر 10/ 285.
محمد بن عبيدة 7/ 77.
محمد بن عتاب 23/ 38.
محمد بن عتبة 4/ 246.
محمد بن عثمان ابن خريم المرّي 12/ 153.
محمد بن عثمان المخزومي 2/ 351.
محمد بن عروة بن الزبير 17/ 240 - 241 - 243.
محمد بن العلاء 7/ 169.
محمد بن علي - برد الخياط - 10/ 47 - 65.
محمد بن علي بن أبي طالب 1/ 23، 12/ 204.
محمد بن علي بن أمية 12/ 146 - 147، 19/ 191، 23/ 134.
محمد بن علي البتي 23/ 60.
محمد بن علي بن حفص الجبيري 18/ 28 - 29.
محمد بن علي بن حمزة 12/ 228 - 229، 15/ 310.
محمد بن علي الطالبي 20/ 176.
محمد بن علي بن طاهر 20/ 154.
محمد بن علي بن عبد اللّه 15/ 324.
محمد بن علي القمي 21/ 48.
محمد بن علي بن النعمان 7/ 245.
محمد بن عمار بن ياسر 3/ 3.
محمد بن عمر الجرجاني 13/ 253 - 296.
محمد بن عمر الخراز 18/ 179.
محمد بن عمر الرومي 7/ 184 - 185، 11/ 35، 12/ 150.
محمد بن عمر الواقدي 21/ 67.
محمد بن عمران التيمي 1/ 398، 4/ 337 - 338، 6/ 338.
محمد بن عمران الصيرفي 14/ 243.
محمد بن عمران الطلحي 4/ 374
382 - 389 - 390 - 392 - 393.
محمد بن عمرو بن حزم 1/ 25، 19/ 146.
محمد بن عمرو بن الزبير 4/ 420.
محمد بن عمرو بن سعيد بن العاص 17/ 345.
محمد بن عمرو بن مسعدة 22/ 205 - 206 - 207 - 210.
محمد بن عمير 2/ 424، 11/ 61، 14/ 255 - 256.
محمد بن عمير بن عطارد 8/ 17 - 68، 17/ 146، 20/ 364.
محمد بن عيسى 4/ 18 - 19 - 93، 15/ 32 - 34.
محمد بن عيينة بن أسماء بن خارجة 14/ 260.
محمد بن الفرج 19/ 301.
محمد بن فضالة 3/ 8.
محمد بن الفضل 10/ 134 - 135.
محمد بن الفضل السكوني 14/ 337 - 366.
محمد بن الفضل السلولي 14/ 337.
محمد بن القاسم بن محمد بن الحكم بن أبي عقيل 6/ 200.
محمد بن القاسم بن مهرويه 4/ 77، 14/ 353، 20/ 107.
محمد بن قريض 18/ 211.
محمد بن قطن 10/ 48.
محمد بن كعب القرظي 17/ 120.
محمد بن كناسة 13/ 337 - 338 - 339 - 340 - 341 - 342 - 343 - 345 - 347.
محمد بن الليث 2/ 195.
محمد بن مالك بن بدر الهمذاني 14/ 272.
محمد بن مرتضى الزبيدي 2/ 148.
محمد بن المرزبان بن الفيرازان 14/ 193 - 197.
محمد بن مروان 19/ 122 - 123، 22/ 139 - 140 - 141.
محمد بن مروان بن الحكم 13/ 72، 15/ 337.
محمد بن مزداد 10/ 118.
محمد بن مزيد 1/ 415، 5/ 316، 14/ 84 - 85، 185 - 188.
محمد بن مسعدة الأخفش 8/ 44.
محمد بن مسلمة 22/ 133.
محمد بن مصعب بن الزبير 1/ 165 - 166، 4/ 242.
محمد بن المعتصم 21/ 93.
محمد بن معروف الواسطي 23/ 19.
محمد المخلوع 5/ 316 - 368 - 406.
محمد بن معقل بن يسار 16/ 156.
محمد بن معن الغفاري 2/ 203، 8/ 125.
محمد بن منصور 17/ 67، 18/ 224، 19/ 31.
محمد بن منظور الأسدي 22/ 13.
محمد بن المنكدر 6/ 227.
محمد بن المهدي 20/ 390.
محمد بن المهلب 8/ 302، 20/ 81.
محمد بن موسى 4/ 4، 8/ 49، 11/ 169، 20/ 178.
محمد بن موسى بن طلحة 6/ 10.
محمد بن موسى اليزيدي 17/ 211.
محمد بن هاشم بن عتبة بن أبي وقاص 4/ 4.
محمد بن هشام 1/ 405 - 406 - 408 - 409 - 410 - 411 - 415 - 416، 3/ 346، 16/ 190، 18/ 333، 21/ 121.
محمد بن هميم - الأخطل - 21/ 276.
محمد بن الهيثم 16/ 393 - 394.
محمد بن واضح 10/ 142 - 143 - 144.
محمد بن وكيع بن أبي سويد 21/ 374.
محمد بن وهيب 19/ (ترجمته - 73 - 96) 73 - 74 - 75 - 76 - 77 - 78 - 79 - 81 - 82 - 83 - 84 - 85 - 86 - 88 - 89 - 90 - 91 - 92 - 93 - 94 - 95 - 96.
محمد بن يحي 3/ 158 - 291 - 351، 6/ 12، 13/ 349، 14/ 261، 15/ 28، 18/ 127.
محمد بن يحي بن خالد البرمكي 20/ 104.
محمد بن يحي الخراز 17/ 8.
محمد بن يحي الصولي 16/ 392.
محمد بن يحي بن معاذ 14/ 211.
محمد بن يزيد 2/ 113، 5/ 314، 8/ 36، 12/ 99، 14/ 184 - 263، 23/ 114.
محمد بن يزيد المبرد 18/ 220 - 312.
محمد بن يزيد بن مزيد 18/ 240، 19/ 42 - 58.
محمد بن يسار 7/ 142 - 425 - 427.
محمد بن يسير 14/ 30 - 31 - 34 - 40 - 41 - 42 - 43 - 46 - 47 - 48 - 17 - 18 - 19 - 20.
محمد بن يعقوب 11/ 210.
محمد بن يونس الأنباري 13/ 114.
محمود الوراق 14/ 197.
محياة - أم ولد المنصور - 10/ 95 - 96.
المحياة بنت امروء القيس 16/ 141.
مخارق 1/ 5، 3/ 72، 4/ 30 - 76 - 77 - 102، 8/ 372، 11/ 280، 12/ 48، 14/ 211، 15/ 236 - 276 - 357 - 358 - 360، 17/ 54 - 77، 18/ 73 (ترجمته 336 - 373) 321 - 329 - 336 - 338 - 339 - 340 - 341 - 342 - 343 - 345 - 346 - 347 - 348 - 349 - 350 - 351 - 352 - 353 - 354 - 355 - 356 - 357 - 358 - 359 - 360 - 361 - 362 - 363 -
364 - 365 - 368 - 369 - 370 - 372 - 373، 19/ 329 - 300، 20/ 281 - 275 - 303، 21/ 92 - 252، 22/ 52، 23/ 76 - 78 - 79.
مخارق الشارى 18/ 342.
المخبل السعدي 13/ 189 - 191 - 193 - 195 - 197 - 198.
المخبل القيسي 20/ (ترجمته - 262 - 272) 263 - 264 - 265 - 266 - 267 - 268 - 269، 21/ 203.
مخّة 4/ 280.
المختار بن أبي عبيد الثقفي 9/ 228، 12/ 74 - 334، 14/ 228، 15/ 147، 17/ 146، 18/ 286.
المختار بن أبي عبيدة 17/ 146، 19/ 135 - 136.
مخرم بن يزيد بن شريح 18/ 336.
مخرمة بن شرحبيل 18/ 275 - 276.
مخرمة بن عمرو 24/ 224 - 225 - 226.
مخرمة بن نوفل 14/ 310، 22/ 62.
المخزومي 1/ 76.
مخلد - فتى بنو الديل - 21/ 206.
مخلد خراسان 6/ 213، 16/ 212.
مخلد بن أبان 19/ 230.
مخلد بن الصامت السعدي 3/ 14، 17/ 128.
18/ 286.
مخلد الموصلي 8/ 370.
مخلد بن يزيد المهلبي 12/ 37، 16/ 203 - 218 - 200 - 221 - 222 - 223، 17/ 35.
المخندق 22/ 55.
المدائني 1/ 23 - 25، 2/ 37 - 157 - 174، 3/ 36 - 70 - 334، 5/ 274، 8/ 35 - 37 - 42 - 287 - 289 - 291 - 304 - 325 - 400، 12/ 140 - 41 - 142 - 223 - 259 - 263 - 265 - 266 - 267 - 312 - 313 - 315 - 316 - 318 - 322 - 323 - 327 - 330 - 331 - 334، 13/ 13 - 276 - 331، 14/ 74 - 83 - 237 - 240 - 333 - 371، 18/ 108، 21/ 16 - 338 - 383.
المدار بن منقذ 8/ 22.
مدرك بن عبد اللّه الكناني 11/ 282.
المديني 9/ 227، 21/ 89.
مذحج 12/ 12.
مذلج بن صخر العدوي 12/ 341.
مراجل 18/ 67.
المرار بن بشر الشيباني 2/ 374.
المرار بن سعيد بن حبيب بن جحوان 2/ 374.
المرار بن سعيد الفقعسي 2/ 374.
المرار بن سلامة العجلي 2/ 374.
المرار بن معاذ الحرشي 2/ 374.
المرار بن منقذ التميمي 2/ 374.
المرار الكلبي 2/ 374.
مربع بن قيظي 9/ 166، 15/ 185.
مرة بن التليد الأزدي 14/ 283.
مرة بن خليف 21/ 141 - 158 - 159 - 160 - 163.
مرة بن داود النفيلي 12/ 10 - 12.
مرة بن دودان العقيلي 21/ 19 - 20.
مرة بن سفيان 12/ 210.
مرة بن عمرو بن عبد اللّه بن معاوية 24/ 64.
مرة بن عوف الجشمي 10/ 11، 11/ 125.
مرة بن عوف بن ذبيان 2/ 293.
مرة بن فزارة 2/ 293.
مرة بن كلثوم 11/ 55.
مرة بن محكان السعدي 13/ 133، 21/ 240، 22/ (ترجمته - 320 - 326) 321 - 322 - 323 - 324.
مرة بن معتب 22/ 72.
مرة الكاتب 22/ 300.
المرتضى 2/ 142 - 143 - 267 - 329 - 344.
مرثد بن أبي مرثد 4/ 225 - 226.
مرثد بن الحارث بن ثور بن حرملة 24/ 72 - 73.
مرحب اليهودي 7/ 254.
مرثد بن سعد 18/ 139 - 140.
مرداس بن أبي عامر السلمي 24/ 14 - 65.
مرداس بن جذام الأسدي 11/ 268.
مرداس بن جزعة بن كعب 22/ 239.
مرداس بن عبدة بن منبه 14/ 90.
المرزبان 2/ 101 - 104، 20/ 91.
المرزبان بن الفروزان 23/ 211.
المرزبان بن فيروزان 23/ (ترجمته - 129 - 132) 130 - 131 - 132.
المرزوقي 2/ 200 - 215.
المرعف بن القحطان 6/ 209.
المرقش الأكبر 18/ 150.
المرقع الخثعمي 13/ 216.
المرهبي الكوفي 17/ 27.
مروان 3/ 144 - 147.
مروان - أخو بهدل الطائي - 21/ 243.
مروان - سعيد بن العاص - 9/ 200.
مروان بن أبان بن عثمان 19/ 144 - 146 - 147.
مروان بن أبي الجنوب 10/ 82، 12/ 81 - 82 - 84 - 85 - 86.
مروان بن أبي حفصة 3/ 148 - 221، 5/ 369 - 370، 7/ 100، 11/ 67، 13/ 141 - 142 - 143 - 145 - 146، 18/ 228 - 311، 19/ 59 - 88 - 272 - 279 - 280، 20/ 210، 23/ 86 - 87 - 155 - 161 (ترجمته - 205 - 215) 206 - 207 - 208 - 209 - 210 - 211 - 212 - 213 - 214 - 215.
مروان بن أبي عامر السلمي 6/ 341 - 342 - 343.
مروان بن حفصة 9/ 110.
مروان بن الحكم 1/ 24 - 334 - 335، 2/ 246 - 247 - 248 - 249 - 250 - 251، 3/ 29 - 30، 4/ 186 - 218 - 279، 5/ 74، 6/ 49 - 267 - 268، 7/ 18، 8/ 132 - 295، 9/ 198، 10/ 71 - 72 - 73 - 81 - 131، 11/ 210 - 216 - 221 - 306، 12/ 46 - 54 - 217 - 310، 13/ 31 - 32 - 259 - 260 - 261 - 262 - 263 - 264 - 267 - 268، 14/ 242 - 241، 15/ 111 - 113 - 115 - 116، 16/ 29 - 34 - 40 - 47 - 167، 17/ 277 - 278 - 341 - 345 - 348 - 357، 17/ 277 - 278 - 341 - 345 - 348 - 357، 18/ 62 - 289، 19/ 195 - 196، 22/ 147 - 152 - 287، 23/ 241 - 242.
مروان بن زنباع القيسي 17/ 303.
مروان بن سراقة 16/ 289.
مروان بن سعيد 14/ 232.
مروان بن سليمان 10/ 73.
مروان بن عبد الملك 4/ 343 - 411،
12/ 41، 17/ 14.
مروان بن قرفة 21/ 233.
مروان بن محمد 3/ 157، 7/ 8، 8/ 266، 9/ 139، 10/ 83، 12/ 225 - 230 - 231 - 249، 16/ 299 - 300، 17/ 40، 23/ 225 - 227.
مروان بن المدبر 5/ 369.
مروان بن منقذ 10/ 117.
مروان القرظ 2/ 125.
مروحا 14/ 147.
مري بن سنان بن ثعلبة 15/ 184.
مرية - أم هشام - 3/ 110.
مرير بن جابر 3/ 104.
مريم بن الأعلم 23/ 147.
مريم بنت عبد اللّه بن أبي معقل 24/ 12 - 13.
مريم بنت عمران 7/ 244، 10/ 139، 13/ 346.
مريم بنت مسكين 24/ 12 - 13.
مزاحم - غلام بني عقيل - 18/ 25، 19/ 97 - (ترجمته - 98 - 104) 98 - 99 - 101 - 102 - 103 - 104.
مزاحم - مولى عمر بن عبد العزيز - 15/ 329.
مزاحم بن أبي مزاحم 9/ 264.
مزاحم بن عمرو السلولي 17/ 93 - 94 - 95 - 96 - 97.
مزدك 9/ 79.
مزرد 9/ 158 - 161.
مزرّد بن ضرار 2/ 166.
مزيد المديني 15/ 32.
مزينة - أم عمرو بن بنت كلبا بن وبرة - 10/ 288، 12/ 54 - 55 - 58.
مزيقياء بن عامر 14/ 145.
مزيك بن حنظلة الجرمي 8/ 171 - 173.
مسافر بن أبي عمرو بن أمية 2/ 192، 9/ 49 - 50 - 51 - 52 - 53، 22/ 242.
مسافر بن عرو بن أمية 18/ 122.
مسافع بن طلحة 15/ 194.
مسافع بن عياض 7/ 51 - 53 - 54.
مسافع بن مسافع بن دارة 21/ 230.
مساور بن سوار بن عبد الحميد 18/ (ترجمته - 148 - 153) 149 - 150 - 151 - 152 - 153.
المستشر بن وهب الباهلي 13/ 195.
المستعين 7/ 146، 16/ 316، 23/ 80 - 21.
مستنير بن سرة العنبري 8/ 19.
المستهل بن الكميت 17/ 21 - 22 - 23 - 25 - 26 - 35 - 36 - 37.
مسحقة بن المجمع الجعفي 22/ 239.
المسدود 8/ 368، 19/ 76، 20/ (ترجمته - 288 - 292) 272 - 275 - 288 - 289 - 290 - 291،
22/ 207 - 214، 23/ 140.
مسرح 16/ 319.
مسرف بن عقبة 1/ 254، 13/ 42.
مسرور - خادم - 23/ 139.
مسرور - خادم الرشيد - 4/ 31 - 64 - 65 - 371، 7/ 227، 23/ 91.
مسرور الفرغاني 10/ 176.
مسرور الكبير 18/ 338.
مسرورة - جارية 23/ 17.
مسروق بن أبرهة 17/ 307 - 309 - 311.
مسروق بن الأجدع 17/ 220.
مسروق بن المنذر بن نهشل 13/ 25.
مسعدة بن البحتري 13/ 270.
مسعدة بن عمرو 1/ 235.
مسعر بن كدام 1/ 164، 13/ 345، 18/ 150.
مسعود 8/ 400، 18/ 2 - 3 - 4 - 5.
مسعود بن بشر 14/ 281.
مسعود بن خرشمة 21/ (ترجمته - 249 - 251) 249 - 250 - 251.
مسعود بن سالم بن أبي سلمى 22/ 98 - 99 - 100.
مسعود بن سهم 22/ 60.
مسعود بن عمر الأزدي 8/ 398.
مسعود بن عيسى العبدي 13/ 12.
مسعود بن معتب الثقفي 22/ 63 - 67 - 68 - 73.
مسكين الدارمي 20/ (ترجمته - 204 -
214) 205 - 207 - 211 - 206 - 208 - 209 - 210 - 212 - 213 - 214، 21/ 344 - 352 - 353.
مسكين بن صدقة 18/ 334، 19/ 289 - 294.
مسكين بن عبد اللّه بن أبي معقل 24/ 12 - 13.
مسلم 23/ 194 - 224.
مسلم بن أبي ربيعة 12/ 198 - 199.
مسلم بن جندب الهذلي 6/ 191.
مسلم بن عبد الملك 1/ 386.
مسلم بن عقبة المرئي 1/ 39.
مسلم بن عقيل 14/ 221 - 229.
مسلم بن عمرو الباهلي 19/ 126.
مسلم بن محرز الأزدي 8/ 398.
مسلم بن محرز المديني 8/ 188.
مسلم بن محمد بن هشام 4/ 319.
مسلم بن الوليد 7/ 146، 12/ 96 - 97 - 149، 14/ 162، 19/ 30
(ترجمته - 31 - 72) 31 - 37 - 46 - 32 - 33 - 34 - 35 - 38 - 39 - 41 - 36 - 37 - 40 - 42 - 43 - 44 - 45 - 46 - 47 - 49 - 50 - 51 - 52 - 53 - 54 - 55 - 56 - 57 - 59 - 60 - 61 - 62 - 63 - 64 - 65 - 66 - 67 - 68 - 70 - 71 - 72 - 74، 20/ 111 - 126 - 136 - 157 - 158 - 179 - 242.
مسلم بن الوليد الأنصاري 4/ 27 - 41 - 42.
مسلم بن يحي الإرت 24/ 131.
مسلمة بن إبراهيم 1/ 213 - 344.
مسلمة بن عبد الملك 2/ 415، 5/ 203، 7/ 2 - 7، 8/ 299، 9/ 257 - 264 - 265، 11/ 280، 12/ 104، 14/ 275 - 279، 15/ 127 - 128 - 129 - 132، 17/ 10، 18/ 119 - 120، 20/ 389 - 390 - 392 - 393، 21/ 310 - 311.
مسلمة بن الفضل 15/ 303.
مسلمة بن محارب 3/ 36، 5/ 9، 8/ 401، 14/ 86.
مسلمة بن مخلد 17/ 128.
مسلمة بن هشام 7/ 3 - 25، 17/ 6 - 7 - 8، 22/ 17.
مسمع بن عبد الملك المسمعي 8/ 9.
مسمع بن مالك بن مسمع 11/ 309 - 313 - 315 - 316 - 320 - 331، 16/ 19.
مسهر بن يزيد 16/ 328، 10/ 38 - 39.
المسور بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف 9/ 23.
المسور بن زيادة بن زيد 21/ 624.
المسور بن عبد الملك 1/ 108، 4/ 379، 8/ 92.
المسور بن مخرمة بن نوفل الزهري 17/ 295 - 297.
المسيب بن رفل بن حارثة 19/ 28.
المسيب بن زهير 21/ 123.
المسيب بن القتال الكلابي 24/ 176 - 187.
المسيب بن كلاب 21/ 160 - 161 - 163.
المسيب بن نجبة 17/ 220.
المسيبي 8/ 144.
مسيلمة الكذاب الحنفي 14/ 88، 15/ 299، 21/ 31 - 34.
مشمت بن زنباع 16/ 330.
مصابيح - جارية 19/ 242 - 243.
مصاد بن أسعد بن جنادة 19/ 27.
مصاد بن المغيرة بن أبي جبلة 24/ 22.
مصباح 23/ 125.
مصطفى 14/ 304.
مصعب بن الزبير 2/ 164 - 194 - 379 - 380 - 381، 3/ 18 - 91 - 319 - 327 - 361، 4/ 134 - 158 - 399 - 400 - 401 - 10 - 11 - 380؛ 5/ 431، 8/ 74 - 113 - 399 - 368، 9/ 21 - 244 - 305، 11/ 176 - 177 - 178 - 181 - 182 - 183 - 187 - 188،
12/ 31 - 214 - 334 - 206 - 337 - 338، 13/ 10، 14/ 217 - 232 - 341 - 355، 15/ 303، 16/ 151 - 152 - 153 - 154 - 155 - 158 - 303 - 304، 17/ 113 - 114 - 131 - 138 - 342، 18/ 57 - 296، 19/ 121 - 122 - (مقتله - 122 - 133) 122 - 123 - 124 - 125 - 126 - 127 - 128 - 129 - 130 - 131 - 132 - 135 - 136، 22/ 323، 24/ 14 - 37.
مصعب بن عثمان 16/ 150.
مصعب بن عمرو 15/ 191، 17/ 93 - 97 - 98 - 99.
مصعب بن عون 5/ 74.
مصعب بن سهيل الزهري 8/ 346.
مصقلة بن هبيرة 10/ 204 - 205 - 206، 16/ 92، 23/ 213.
مضاض - جد مضاض بن عمرو - 15/ 12.
مضاض بن عمرو 15/ 12 - 13 - 14 - 15 - 17 - 18.
مضالة بن كلدة 11/ 73.
مضر بن حازم 14/ 228.
مضر بن نزار 14/ 290.
مضرس 21/ 213.
مضرس بن سوادة 12/ 286.
مضرط الحجارة 22/ 187.
مطر بن عوض 24/ 23 - 24.
مطر بن أوفى المازني 8/ 240.
المطرز 18/ 146.
مطرف بن عبد اللّه بن الشخير 12/ 286.
مطرق واجم 1/ 45.
مطعم بن عدي بن نوفل 22/ 62.
المطلب بن أبي وداعة 6/ 290.
المطلب بن عبد بن حنطب 4/ 338.
المطلب بن عبد اللّه بن مالك الخزاعي 19/ 76 - 78 - 89، 20/ 152 - 159 - 160 - 161 - 162 - 163 - 164 - 183.
المطلب بن عبد الملك بن مالك 10/ 46.
مطيع بن أياس 6/ 74 - 81 - 82 - 83، 11/ 364، 12/ 231، 14/ 335 - 340 - 341 - 352 - 355 - 357 - 366، 18/ 101، 20/ 297 - 298 - 299، 23/ 16، 24/ 220.
مطيع بن الحارث بن معاوية 12/ 254.
مظفر 22/ 162 - 164.
المظلوم - عثمان بن عفان - 19/ 146 - 147.
مظلومة - جارية الدقيقي - 18/ 162.
مظلومة - جارية المراكبي - 21/ 65.
معاذ 11/ 54 - 55.
معاذ بن جبل 16/ 195.
معاذ بن جعدة 3/ 59 - 60 - 61 - 65.
معاذ بن الطبيب 15/ 253.
معاذ بن العلاء 3/ 312.
معاذ الهراء 17/ 33.
معاذة بنت بدر 17/ 195 - 196.
معاذة بنت ضرار بن عمر 15/ 305.
معاذة بنت مقاتل بن طلبة 2/ 409.
المعافري 1/ 21.
معان ابن أخ إسماعيل بن عمار 11/ 376.
معاوية بن أبي سفيان 1/ 11 - 12 - 23 - 31 - 32 - 36 - 210 - 211، 2/ 131 - 246 - 247 - 249 - 365 - 259 - 250 - 328 - 383 - 384، 3/ 73 - 100 - 101 - 130 - 281، 4/ 131 - 176 - 212 - 279 - 291 - 292، 5/ 7 - 10 - 11 - 146 - 153، 6/ 224، 7/ 114 - 123 - 124 - 125 - 126 - 229 - 259، 8/ 50 - 142 - 290 - 291 - 323 - 324، 9/ 54 - 173 - 197 - 200 - 201 - 211 - 256، 10/ 124 - 204 - 290، 11/ 19 - 211 - 221 - 237 - 238 - 320، 12/ 24 - 55 - 74 - 80 - 81 - 82 - 137 - 142 - 223 - 224 - 309 - 310 - 311 - 312 - 321 - 329، 13/ 42 - 164 - 167 - 259 - 260 - 261 - 262 - 263 - 265 - 266 - 268،
14/ 261 - 272 - 310 - 311 - 217 - 218 - 2، 15/ 21 - 80 - 149 - 164 - 168 - 169 - 211 - 212 - 213 - 350 - 362 - 370، 16/ 28 - 29 - 35 - 36 - 38 - 39 - 40 - 42 - 43 - 45 - 47 - 48 - 80 - 91 - 101 - 167 - 197 - 200 - 234، 17/ 132 - 134 - 135 - 143 - 144 - 146 - 147 - 148 - 149 - 150 - 151 - 152 - 153 - 154 - 209 - 212 - 210 - 211 - 212 - 213 - 226 - 258 - 277 - 295 - 296 - 297 - 356، 18/ 261 - 263 - 265 - 270 - 271 - 272 - 274، 19/ 10 - 11، 20/ 208 - 209 - 212، 21/ 16 - 22 - 367 - 368، 22/ 4 - 123 - 286، 23/ 241، 24/ 164 - 197 - 198 - 199.
معاوية بن بكر الباهلي 11/ 7، 16/ 150.
معاوية بن الجون 11/ 148 - 160.
معاوية بن الحارث بن الشريد 18/ 74.
معاوية بن حجر 9/ 79، 16/ 354.
معاوية بن حديج 14/ 222، 20/ 316.
معاوية بن خفاجة 11/ 147، 13/ 195.
معاوية بن صخر 21/ 220.
معاوية بن صعصعة 12/ 325.
معاوية بن عبادة بن عقيل 11/ 85 - 87 - 88 - 92 - 93 - 140.
معاوية بن عبد الرحمن 14/ 221 - 222.
معاوية بن عبد اللّه 11/ 222 - 224.
معاوية بن عبد اللّه الأشعري 6/ 23.
معاوية بن عبد اللّه بن جعفر 9/ 18، 12/ 223 - 224 - 225.
معاوية بن عتبة 4/ 211.
معاوية بن عكرمة بن عامر 2/ 328.
معاوية بن عمرو 2/ 328 - 329، 4/ 211، 15/ 85 - 87 - 88 - 89 - 90 - 91 - 97 - 98 - 99 - 102 - 107 - 108 - 109 - 110 - 111 - 115 - 116 - 119 - 120.
معاوية بن عمرو بن الشريد 18/ 186.
معاوية بن قشر بن كعب 22/ 239.
معاوية بن مالك بن جعفر بن كلاب 17/ 183.
معاوية بن مروان 17/ 349.
معاوية بن مصاد 7/ 76.
معاوية بن هشام 17/ 6 - 8 - 10 - 11 - 19 - 49 - 50.
معاوية بن ورد 19/ 205.
معاوية بن يزيد الفزاري 11/ 147.
معاوية بن يزيد بن معاوية 8/ 290، 12/ 159، 14/ 242.
معبد 2/ 210 - 211 - 223 - 225 - 233، 4/ 246 - 284، 8/ 186 -
201 - 213 - 216 - 226 - 314 - 321 - 322 - 348 - 349، 9/ 68 - 177 - 242 - 245 - 246 - 247، 15/ 135 - 137، 17/ 52 - 116 - 164 - 171 - 351 - 355 - 66، 18/ 73 - 367 - 333، 19/ 129 - 168 - 180 - 291 - 292، 20/ 121 - 150 - 197 - 212 - 315 - 326، 22/ 8 - 10 - 101.
معبد بن خالد الجدلي 3/ 91.
معبد بن زرارة 11/ 127 - 129 - 133.
معبد بن سريج 8/ 189.
معبد الخزاعي 15/ 205 - 206.
المعتز 7/ 223، 9/ 305 - 318 - 320 - 321 - 322 - 66 - 187 - 214 - 226 - 230 - 231، 16/ 11 - 13، 18/ 329، 23/ 80.
المعتصم 4/ 98، 5/ 283 - 292 - 302 - 315 - 320 - 344 - 353 - 399 - 402، 7/ 152 - 153 - 154 - 167 - 174 - 184 - 192 - 193 - 204 - 205 - 209 - 215 - 222 - 226 - 294 - 295 - 296 - 298 - 299 - 303 - 305 - 306 - 307، 8/ 252، 9/ 298، 10/ 42 - 103 - 106 - 107 - 111 - 112 - 114 - 116 - 132 - 133 -
139 - 140 - 141 - 167 - 168 - 171، 11/ 336 - 338 - 351 - 352 - 358، 12/ 48 - 81 - 84 - 146، 15/ 373، 16/ 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 200 - 313 - 314 - 315 - 388 - 391، 18/ 67 - 155 - 360 - 368 - 370، 19/ 73 - 74 - 75 - 93 - 224 - 229 - 245 - 248 - 252، 20/ 134 - 144 - 153 - 145 - 146 - 157 - 177 - 181 - 244 - 245 - 246 - 276 - 249 - 258 - 261 - 275، 21/ 67 - 80، 22/ 52، 23/ 55 - 59 - 66 - 79، 24/ 1.
المتضد 1/ 60، 7/ 93، 9/ 41 - 59 - 344، 12/ 21، 24/ 1.
المعتمد 3/ 68، 6/ 175، 9/ 323، 10/ 200، 16/ 13 - 14 - 280، 19/ 302، 23/ 75 - 81.
المعتمر بن سليمان 3/ 68.
معد بن عدنان 8/ 91.
معد يكرب 9/ 82، 12/ 209 - 212، 15/ 208 - 214.
معدان بن المضرب 20/ 217.
المعذل 12/ 42.
المعذل بن غيلان 13/ 227 - 228، 23/ 157 - 159.
معروف بن بشر 2/ 415 - 416.
معروف بن الكميت 22/ 143.
معز الدولة بن بويه 1/م - ت 31 - 32.
المعشقر بن عقيل بن علفة 12/ 269.
المعظم 12/ 12.
معقر بن أوس بن حمار البارقي 11/ 137.
معقل 12/ 20، 20/ 22 - 24.
معقل بن عامر بن مؤلة المالكي 11/ 140 - 142 - 147.
معقل بن عيسى 19/ 77 - 111، 21/ (ترجمته - 92 - 94) 90 - 92 - 93 - 72.
المعلى 22/ 47.
المعلى - موسى الخازن - 4/ 55.
المعلى بن أيوب 15/ 275.
المعلى بن تميم 9/ 94.
المعلى بن طريف 3/ 159، 18/ 308.
المعلى بن عمرو المحاربي 11/ 268.
معلى بن هبيرة 17/ 330.
المعلى الطائي 12/ 102، 19/ 230.
معلل 12/ 341.
معللة 10/ 125.
المعلوط 16/ 317.
معمر 8/ 249.
معمر بن حبيب الجمحي 22/ 72.
معمر بن شمير بن عامر بن جبلة 11/ 320.
معمر بن المثنى 18/ 8 - 130 - 174 -
180 - 189 - 206.
معمعة الزامرة 10/ 141.
معن أبو الوليد 19/ 281.
معن الأخنس السلمي 5/ 11.
معن بن أوس المزني 12/ 54.
معن بن حمل بن جعونة بن وهب 12/ 164 - 166.
معن بن حميد الأنصاري 4/ 241.
معن بن زائدة 6/ 290، 10/ 84 - 85 - 86 - 87 - 88 - 89 - 91 - 92، 12/ 99 - 100، 15/ 62 - 67، 16/ 18 - 19 - 20 - 23 - 24 - 263، 19/ 54 - 55 - 281 - 283 - 286، 20/ 47.
معن بن عبد الرحمن بن عوف 3/ 358.
معن بن عدي 16/ 229.
معوذ بن الحارث 4/ 189 - 200 - 204.
المغيرة 18/ 125.
المغيرة بن حبناء 13/ 84 - 85 - 89 - 91 - 96 - 97 - 98 - 99 - 100 - 101.
المغيرة بن حبيب 2/ 9.
المغيرة بن حجناء 8/ 49.
المغيرة بن سعد 22/ 12 - 13.
المغيرة بن شعبة 2/ 131، 4/ 154، 5/ 146، 6/ 191، 7/ 95، 13/ 164 - 165 - 167، 15/ 369، 16/ 79 - 80 - 81 - 82 - 83 - 85 - 86 - 88 - 89 - 91 -
92 - 93 - 94 - 95 - 97 - 98 - 99 - 100 - 101، 17/ 133 - 134، 20/ 95 - 110 - 197 - 198 - 204 - 253، 21/ 30، 24/ 13 - 249.
المغيرة بن عبد اللّه 9/ 52، 20/ 3.
المغيرة بن قنبر 3/ 52.
المغيرة بن المنتشر 8/ 417.
المغيرة بن المهلب 15/ 380 - 382.
المغيرة بن نوفل 12/ 222.
المغيرة بن هشام 1/ 62 - 64.
المغيرة بنت أبي عدي 12/ 193.
مفحم 15/ 270.
مفرج بن المرقع 22/ 21.
مفرغ 18/ 254.
مفروق 21/ 300.
مفروق بن عمرو الشيباني 24/ 56.
المفضل 8/ 84، 14/ 21، 23/ 246.
المفضل بن بلال 14/ 353.
المفضل بن سلمة 8/ 180، 20/ 267.
المفضل الضبي 2/ 115 - 140 - 178، 6/ 90 - 91، 12/ 77، 18/ 37، 19/ 8.
المفضل بن المهلب 14/ 91، 21/ 400.
مفلس 19/ 101.
مقاتل بن الحكم العكي 10/ 43.
مقاتل بن ذؤال 10/ 260.
مقاتل بن طلبة بن قيس 2/ 408، 10/ 75.
مقاسة بن ناصح 19/ 97، 20/ 83 - 204، 24/ 14.
المقتدر 5/ 222.
المقداد بن الأسود - ابن عمرو الكندي - 4/ 177، 15/ 187 - 188.
مقدام - أخو بني عدس بن زيد - 11/ 130.
مقدم بن عتبة بن إسحاق 4/ 360.
المقريزي 2/ 344.
مقطع الوضيين 24/ 71.
المقنع الكندي 17/ 107 - 108 - 109 - 237.
المقوقس 16/ 80.
المكاء 12/ 131 - 132.
المكتفي باللّه 9/ 60، 10/ 276، 16/ 382.
مكتومة 11/ 287.
مكحول 18/ 55.
المكرز بن حفص بن الأحنف 16/ 55 - 59.
مكرمة بن جرير 8/ 34.
المكسر بن حنظلة بن حيي بن ثعلبة 24/ 55 - 56.
المكشر بن حنظلة العجلي 17/ 268.
المكعبر 17/ 321.
مكنف أبو سلمى 16/ 396.
مكنف - من ولد زهير بن أبي سلمى - 23/ 115.
مكنونة 10/ 141، 13/ 312.
مكية بن الفرزدق 21/ 320 - 327.
ملاعب الأسنة 12/ 9 - 10 - 13 - 21، 19/ 24، 21/ 17، 22/ 86 - 118 - 196.
ملحان بن سعد 17/ 369.
ملحم 12/ 330.
ملحم بن حنظلة 17/ 252.
مليحة - قينة من البصرة - 23/ 34 - 35
مليكة بنت حارثة 17/ 195.
مليكة ابنة الحطيئة 2/ 173 - 181.
مليكة بنت خارجة 9/ 324.
مليكة بنت داود 4/ 348.
مليكة بنت سنان بن أبي حارثة المرسي 12/ 194 - 195.
المليحي 14/ 84.
ممنعة 3/ 255.
منى 23/ 101 - 102.
منبه بن الحجاج 4/ 181 - 204، 17/ 280 - 281 - 283.
المنتشر بن وهب الباهلي 8/ 240، 15/ 240.
المنتصر 7/ 146، 10/ 168، 11/ 80 - 152، 16/ 370، 17/ 329، 19/ 227 - 237 - 310، 20/ 291، 23/ 206 - 211.
المنجاب بن عبد اللّه بن مسروق بن سلمة 23/ 130 - 131.
منجان - مولى المأمون - 4/ 53 - 104.
المنخل بن عمرو 21/ (ترجمته - 1 - 8) 1 - 3 - 5.
مندل بن علي العبدي 15/ 277 - 281.
مندل بن علي العنزي 4/ 3 - 4 - 26.
المندلف بن إدريس الحنفي 8/ 180 - 181، 24/ 88.
المنذر 2/ 103 - 104 - 105 - 106، 5/ 118، 9/ 93، 15/ 161.
المنذر الأصغر 12/ 209.
المنذر الأكبر 12/ 209.
المنذر بن ثابت 3/ 26.
المنذر بن جارود العبدي 12/ 331، 14/ 261، 18/ 262 - 263 - 265 - 266، 21/ 348 - 379.
المنذر بن المحرق 5/ 6.
المنذر بن حسان 24/ 29.
المنذر بن الزبير 17/ 146.
المنذر بن ساوى 15/ 255.
المنذر بن سويد 15/ 260.
المنذر بن عبيدة بن الزبير 15/ 5.
المنذر بن عمر الساعدي 16/ 229.
المنذر بن عمرو 12/ 254.
المنذر بن ماء السماء 5/ 213، 8/ 195، 9/ 79 - 80 - 81، 15/ 284، 16/ 377 - 380 - 381.
المنذر بن المنذر 21/ 2.
المنذر بن النعمان ابن ماء السماء 11/ 46 - 47 - 49 - 55 - 57.
المنذر بن النعمان بن المنذر 15/ 256.
المنصور 1/ 414 - 415، 2/ 269 - 294 - 312 - 322 - 344، 3/ 83 - 85 - 156 - 178 - 179 - 291، 5/ 158، 6/ 16 - 80 - 81 - 109 - 110 - 111 - 112 - 113 - 239 - 272 - 284 - 285 - 311 - 326، 10/ 84 - 85 - 86 - 91 - 95 - 99 - 162 - 170 - 171 - 178، 12/ 48 - 229 - 231، 13/ 287 - 288 - 289 - 300 - 317 - 320 - 330 - 334، 14/ 375 - 369، 15/ 63 - 341، 17/ 330 - 332 - 333 - 335، 18/ 105 - 314، 19/ 142 - 219 - 264 - 278، 20/ 14 - 43 - 59 - 79 - 345 - 390 - 416 - 420 - 421، 21/ 106 - 107، 23/ 1 - 176.
منصور بن بجرة 14/ 151.
منصور بن جمهور 7/ 78 - 79 - 80، 22/ 21 - 22.
منصور الحجبي 20/ 261.
منصور بن زلزل 6/ 298 - 303.
منصور بن عمار 4/ 34 - 35 - 51.
منصور بن محمد 16/ 8.
منصور بن المعتمر 14/ 302.
منصور بن المهدي 4/ 88.
منصور النمري 3/ 196، 7/ 100 - 249، 13/ 140 - 141 - 148 - 151 - 156، 18/ 125، 23/ 221.
منصور بن الوليد بن حارثة 14/ 384.
منظور بن زبان الفزاري 3/ 361 - 363 - 364، 12/ 193 - 194 - 195 - 196، 21/ 118 - 296.
منفوسة 14/ 71.
منقذ بن بدر الهلالي 1/ 344، 6/ 125، 14/ 311، 18/ 101.
منقر بن عبيد 14/ 87.
المنهال 15/ 307 - 308.
منهب الورق 24/ 10.
منهلة 15/ 266 - 268.
منيعة 14/ 350.
المهاجر 21/ 319 - 320.
المهاجر بن خالد بن الوليد 16/ 53 - 193.
المهاجر بن خراس 9/ 103.
المهاجر بن عبد اللّه الكلابي 16/ 208، 18/ 13 - 14، 20/ 405 - 407، 21/ 386 - 387.
المهاجر بن عبد الملك 8/ 54.
المهتدي 23/ 142 - 147.
مهج 4/ 192.
المهدي 3/ 138 - 151 - 158 - 159 - 179 - 182 - 188 - 193 - 194 - 212 - 213 - 216 - 217 - 219 - 221 - 222 - 230 - 231 - 234 - 239 - 240 - 241 - 242 - 243 - 244 - 245 - 246 - 247 - 249 - 250 - 251 - 252 - 254 - 264 - 286 - 287 - 292 - 293 - 298 - 299 - 304 - 305 - 306، 4/ 2 - 32 - 33 - 38 - 40 - 48 - 58 - 59 - 60 - 265 - 330 - 331 - 332 - 360 - 361 - 370، 5/ 160 - 162 - 199 - 298، 6/ 22 - 23 - 87 - 90 - 91 - 111 - 113 - 153 - 156 - 174 - 240 - 286 - 300 - 303، 7/ 31 - 83 - 255 - 256، 10/ 77 - 78 - 79 - 80 - 87 - 88 - 89 - 90 - 93 - 95 - 138 - 162 - 177 - 189 - 190 - 235 - 243 - 247 - 248 - 250 - 253 - 255 - 258 - 259 - 264 - 265 - 267 - 271 - 273، 11/ 67 - 69، 12/ 145، 13/ 287 - 296 -
314 - 317 - 318 - 319 - 322 - 326 - 333 - 334، 14/ 126 - 332 - 361 - 363 - 369 - 374 - 380، 16/ 20 - 21 - 22 - 23 - 182 - 241 - 254 - 255 - 256 - 262 - 299، 18/ 100 - 147 - 170 - 199 - 239 - 314 - 320، 19/ 139 - 160 - 247 - 262 - 272 - 274 - 275 - 277 - 278 - 279 - 285، 20/ 1 - 9 - 89 - 124 - 199 - 216 - 223 - 224 - 225 - 299 - 302 - 409 - 416 - 420، 22/ 44 - 245 - 246 - 251 - 257، 23/ 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 18 - 134، 24/ 337 - 338.
المهدي - محمد بن الحسن - 7/ 234.
المهدي بن عاصم 14/ 50.
مهدية 18/ 355.
مهرة بن حيوان ابن قبيلة 8/ 326.
مهروية 20/ 123.
المهلب 9/ 170، 10/ 253، 14/ 283 - 285 - 286 - 288 - 290 - 291 - 292 - 296 - 297 - 367، 19/ 123.
المهلب - والي العراق وخراسان - 21/ 344.
المهلب بن أبي صفرة 3/ 136 - 135، 4/ 81، 6/ 50 - 99 - 110، 13/ 85 - 86 - 87 - 88 - 89 - 90 -
91 - 94 - 96، 14/ 263 - 272 - 283 - 295 - 44 - 348، 15/ 383 - 391، 16/ 202 - 212، 20/ 75 - 76 - 88 - 102، 22/ 135 - 139.
المهلبي 1/م - ت 31.
المهلبية 4/ 58 - 59.
المهلهل البجيمي 23/ 248.
المهلهل بن ربيعة 11/ 53، 12/ 211، 19/ 18 - 19.
المهلهل بن زيد الخيل 17/ 246.
المهير بن سلمة الحنفي 24/ 85 - 86 - 87 - 88 - 89.
مؤرج 8/ 286، 12/ 214، 15/ 392.
مؤرج السدوسي 8/ 398.
مؤرج بن عمرو 8/ 91.
المؤمل 21/ 73.
المؤمل بن جميل 18/ (ترجمته - 145 - 147) 146 - 147.
مؤمن بن الوليد 7/ 69.
مؤنس البصري 10/ 62.
مؤنس الخادم 10/ 285.
مؤنس بن كليب 14/ 321.
مؤنسة 7/ 306، 23/ 116 - 119 - 120.
موسى - النبي - 2/ 200 - 204،
3/ 116 - 120 - 243 - 284، 4/ 54 - 56 - 55 - 60 - 177 - 124، 8/ 47، 12/ 7، 17/ 72، 19/ 110.
موسى - الخليفة العباسي - 23/ 38.
موسى بن أبي جعفر 14/ 326.
موسى بن إسحق الأزرق 6/ 167.
موسى بن أكيل 14/ 218.
موسى بن بغا 16/ 13، 23/ 143 - 146 - 126.
موسى بن جابر الحنفي 11/ 317.
موسى بن جعفر بن أبي كثير 4/ 273.
موسى بن جعفر بن محمد 20/ 4 - 188.
موسى بن خاقان 12/ 103.
موسى بن داود بن علي الآشمي 10/ 246.
موسى بن زياد الأشجعي 18/ 97 - 98.
موسى بن صالح 14/ 250 - 291.
موسى بن صعب 6/ 330.
موسى شهوات 19/ 129.
موسى الضبي 18/ 369.
موسى بن طلحة بن بلال التيمي 20/ 3.
موسى بن طلحة بن عبيد اللّه 17/ 146.
موسى بن عبد اللّه 16/ 360 - 361.
موسى بن عبد اللّه بن حسن 24/ 216 - 217.
موسى بن عبد الملك 23/ 118، 24/ 3.
موسى بن عقبة 14/ 307.
موسى بن عمران 7/ 183، 22/ 107
(ترجمته - 244 - 251) 245 - 246 - 247 - 248 - 249 - 250 - 251، 23/ 214.
موسى بن عيسى المروزي 20/ 125 - 148.
موسى قاطعة 14/ 273.
موسى بن كثير 23/ 227.
موسى بن المهدي 7/ 255.
موسى الهادي 3/ 264، 4/ 94 - 98 - 73، 6/ 157 - 286 - 300 - 303 - 307، 10/ 80 - 93 - 196، 18/ 314، 19/ 285، 20/ 17 - 170، 23/ 217 - 24/ 125 - 126.
موسى بن هارون 5/ 160 - 163 - 184.
موسوس - يكنى بأبي الكركدن - 7/ 297.
الموصلي 20/ 34 - 90.
الموفق 23/ 152 - 153.
مولى عبد اللّه بن جعفر 8/ 259.
مونق 4/ 365.
مي - أو أمية - 18/ 1 - 10 - 11 - 12 - 13 - 18 - 25 - 27 - 28 - 29 - 34 - 43 - 44 - 48 - 49 - 50 - 51 - 52 - 26.
ميادة 2/ 261 - 262 - 263 - 264 - 265 - 266 - 325.
مياس 19/ 47، 20/ 263.
مية 19/ 101.
الميداني 2/ 114.
ميسة بنت جابر 8/ 412.
ميسرة بن عرير 17/ 223.
ميسون - ابنة أحد ملوك غسان - 11/ 49.
ميسون - أم يزيد 16/ 394.
ميسون بنت بحدل الكلبية 17/ 211.
ميكائيل 12/ 304.
ميلاء 20/ 264 - 266.
ميمون 14/ 254.
ميمون الأقرن 8/ 283 - 291، 12/ 298.
ميمون بن عامر 18/ 295.
ميمون بن هارون 10/ 174، 14/ 211، 22/ 257.
ميمونة 12/ 215.
ميمونة - أم المؤمنين - 9/ 135.
ميمونة - بنت إبراهيم المهدي - 16/ 6 - 8.
ميمونة - بنت أبي سفيان ابن حرب - 3/ 232.
ن
نائل بن قيس الجذامي 9/ 314 - 315.
نائلة بنت عمار الكلبي 4/ 291 - 292.
نائلة بنت عمر بن يزيد الأسدي 13/ 270 - 271.
نائلة بنت عمرو بن ذئب 15/ 14.
نائلة بنت الفرافصة 16/ 321 - 324 - 325.
نائلة بنت الميلاء 6/ 99.
نابت بن إسماعيل 15/ 12 - 18.
النابغة 1/ 16، 8/ 5 - 286، 9/ 340، 12/ 23 - 24، 15/ 158 - 159 - 172 - 350 - 377 - 378، 17/ 83 - 161 - 367 - 382 - 384، 18/ 174، 21/ 2 - 289، 22/ 128 - 129.
النابغة الجعدي 17/ 237 - 302، 20/ 67.
نابل بن قيس الجذامي 19/ 195.
ناجية - أخت هرم بن ضمضم المرّي - 17/ 203.
ناجية بن عقال 17/ 318.
ناجية بنت جرم بن ريان 10/ 203 - 205.
ناجية بنت سامة 18/ 136.
نادر - مولى لأحمد القاسم - 20/ 25.
ناشرة بن أنمار بن مازن 15/ 231 - 232 -
ناشرة اليربوعي 22/ 259.
ناصر الدين 14/ 364.
الناصر العباسي 2/ 346.
الناضلي 23/ 84 - 85 - 91.
ناعضة 2/ 267.
- ناقضة 9/ 307.
نافع 8/ 143 - 213، 12/ 328.
نافع - أخو أبي بكرة - 16/ 95 - 97.
نافع - مولى خالد بن المهاجر 16/ 198.
نافع بن أبي النعيم 2/ 189.
نافع بن الأزرق 1/ 72، 6/ 142 - 143 - 144 - 147، 12/ 21، 14/ 244.
نافع بن أشعر الحارثي 13/ 175 - 176 - 177.
نافع بن تومة الكلابي 13/ 175 - 177 - 178 - 181.
نافع بن ثابت بن عبد اللّه بن الزبير 19/ 150.
نافع بن الخنجر 11/ 148.
نافع بن سلمة الثقفي 13/ 208.
نافع بن طنبورة 8/ 268.
نافع بن عقبة بن سلم 3/ 230.
نافع بن علقمة 2/ 399، 12/ 118 - 119، 13/ 59 - 60 - 22/ 147.
نافع بن الفاجرة 14/ 343.
نافع بن لقيط الأسدي 12/ 127.
نباتة بن عبد اللّه الحماني 14/ 134.
نبت - جارية البكرية المغنية - 22/ 162 - 163.
نبطى ابن الزانية 14/ 333.
النبي ابراهيم خليل الرحمن (ص) 10/ 131.
النبي داود 7/ 108.
النبي سليمان 11/ 4.
النبي محمد (ص) 10/ 145، 11/ 71 - 180 - 192 - 303 - 381، 13/ 4 - 148 - 20 - 218 - 219 - 220 - 261 - 262 - 268 - 287 - 346، 17/ 26 - 27 - 29 - 32.
النبي نوح 6/ 142، 11/ 164، 12/ 261 - 262، 13/ 12، 18/ 37 - 40.
النبي يوسف 10/ 241.
النبيت 17/ 120.
نبيته بن حبيب السلمي 16/ 56 - 57 - 58.
نبيشة بن حبيب 15/ 89.
نبيه بن الحجاج 4/ 181 - 204، 12/ 6، 17/ 279 (ترجمته - 280 - 301) 280 - 281 - 282 - 283 - 284 - 286.
نتيلة بنت كليب 4/ 142.
نجاح - بن سلمة أبو الفضل - 10/ 222.
نجاح بن سلمة الكاتب 21/ 45.
النجاشي 9/ 49 - 55 - 57 - 58، 20/ 209.
نجد بن حنظلي 8/ 56.
نجدة الخفاجي 24/ 89.
نجدة بن عامر الحنفي 13/ 158 - 162.
نجدة بن عويمر 23/ 8.
نجيب 2/ 394.
نجيبة 24/ 182.
نحبة بن كليب 13/ 53.
النخعي 24/ 253.
الندار 24/ 38 - 39.
ندبة 8/ 240، 15/ 87 - 90.
ندبة - أم خفاف - 2/ 329، 18/ 74.
نزار - الجد الأعلى لعويف القوافي - 19/ 184.
نزار بن معد 13/ 79.
نسخت 18/ 189.
نسطاس 4/ 230.
نسيب بن حسان 15/ 111.
نسيب عمر 1/ 75.
نسيب بن حميد 12/ 308.
نسير بن صبح 9/ 269 - 271.
نسيم 21/ 45.
نشر - جارية ابن المعتز - 10/ 280.
نشو 19/ 4.
نشوان 10/ 281.
نشيط - مولى عبد اللّه بن جعفر - 1/ 38، 17/ 162.
نشيط الفارسي 1/ 39، 1/م - ت 13.
نصر بن حديد 8/ 402.
نصر بن سيار 13/ 275، 17/ 332 - 334 - 339، 20/ 332 - 333.
نصر بن مزاحم المنقري 17/ 27.
نصر بن مسعود 7/ 271.
نصر بن منظور بن بسام 20/ 143.
نصر الهورييني 2/ 344 - 300.
نصر بن يسار 7/ 56.
النصري 1/ 350.
نصيب 1/ 175، 2/ 397، 8/ 97، 9/ 256 - 257 - 260، 12/ 114 - 115 - 116 - 117 - 122، 20/ 198 - 199 - 312، 22/ 278.
نصيب الأصغر 23/ (ترجمته - 1/ 20) 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 17 - 18 - 19 - 20.
نصير - طيب مخنث - 7/ 214.
النضر بن الحارث 1/ 18 - 351، 4/ 180 - 203، 22/ 72.
النضر بن حديد 6/ 157، 13/ 55 - 56، 14/ 251 - 274 - 290 - 292 - 333.
النضر بن عمرو 8/ 244، 14/ 364.
النضر بن كنانة 4/ 367، 12/ 297.
النضر بن مضارب 13/ 46 - 50.
نضلة بن جوية بن لوذان 17/ 194.
النضير 19/ 71.
النضير بن شميل 11/ 49.
النضيرة بنت الضيزن 2/ 143.
النطاشي 15/ 363، 17/ 183 - 186.
النطف بن جبير 17/ 318 - 319.
النظام 21/ 8.
نظم العمياء 20/ 43، 22/ 208.
نعم 4/ 213 - 214 - 215 - 216.
نعم بنت ذؤيب 14/ 154.
النعمان 15/ 363 - 264 - 365 - 367، 9/ 50، 13/ 21 - 22، 19/ 184، 20/ 21 - 207.
النعمان بن بشير 1/ 21، 3/ 13 - 14، 4/ 292، 6/ 49 - 50، 14/ 221 - 242، 15/ 108 - 109 - 115 - 116 - 119 - 120، 16/ 28 - 29 - 31 - 32 - 33 - 34 - 36 - 37 - 38 - 39 - 40 - 41 - 42 - 43، 19/ 53 - 195.
النعمان بن جساس 16/ 330 - 331 - 332 - 333.
النعمان بن الحارث الغساني 8/ 214، 11/ 19.
النعمان بن زرعة بن هرمى 24/ 61.
النعمان بن زرعة 24/ 63 - 72 - 73.
النعمان بن زمام 18/ 55.
النعمان بن سويد 19/ 205.
النعمان بن الشفيقة 2/ 144.
النعمان بن عقفان 20/ 384.
النعمان بن عمرو الأصم 21/ 300.
النعمان بن عمرو الشيباني 8/ 86.
النعمان بن قريع 12/ 210.
النعمان بن مقرن 15/ 213 - 244، 16/ 80، 21/ 25.
النعمان بن المنذر 2/ 105 - 106 - 107 - 108 - 109 - 110 - 113 - 115 - 116 - 120 - 121 - 122 - 114 - 117 - 124 - 125 - 126 - 129 -
133 - 134 - 135 - 146 - 151، 8/ 280، 11/ 5 - 6 - 7 - 8 - 12 - 13 - 14 - 16 - 19 - 27 - 28 - 29 - 30 - 37 - 39 - 54 - 58 - 59 - 75 - 96 - 97 - 102 - 104 - 105 - 113 - 114 - 118 - 120 - 124 - 133، 12/ 11 - 12 - 14 - 15 - 16 - 133، 15/ 257، 17/ 6 - 83 - 185 - 186 - 308 - 369 - 372 - 392، 21/ 1 - 2 - 3 - 300، 22/ 57 - 242، 24/ 53 - 54.
النعمان النصري اللخمي 2/ 100.
النعمان بن هرم 11/ 42.
نعمة بنت ثعلبة 2/ 101.
نعيم 3/ 258 - 260 - 261 - 262.
نعيم بن الحارث بن عباد بن حبيب بن وائلة بن سهل 14/ 8.
نعيم بن دحاثة بن شداد 14/ 236.
نعيم بن مسعود النهشلي 12/ 307.
نفاثة بن الديل 22/ 59.
النفاشي 3/ 29.
نفنف 20/ 166.
نفيرة - بنت أبي ربيعة بن نهيك بن هلال - 22/ 58.
النفيس بن محمد 15/ 27.
نفيع بن عمير 18/ 56.
نفيل بن براقة 20/ 375.
نفيل بن عبد العزى 3/ 123.
نقفود 18/ 214 - 239 - 240.
نكيف بن عبد الواحد 17/ 4.
النمر بن تولب العكلي 13/ 15، 21/ 1 - 22/ (ترجمته - 272 - 284) 273 - 274 - 275 - 276 - 277 - 278 - 279 - 280 - 281 - 282 - 283 - 284.
النمر بن قاسط 9/ 82، 14/ 121، 18/ 255.
نمرود 10/ 131.
النمري 19/ 74 - 287.
نمير 8/ 233.
النميري 10/ 283 - 284.
نميلة بن عبد اللّه الليثي 7/ 287.
نهبل 2/ 262 - 264 - 265 - 334.
نهشل 20/ 296.
نهشل بن حرى 9/ 270، 13/ 29.
نهشل بن مالك بن حنظلة بن زيد مناة بن تميم 10/ 151.
النهشلي 11/ 369.
نهيس الجلاني 3/ 67 - 60 - 61 - 65.
نهيسة بنت النعمان بن عبد اللّه 15/ 296.
نهيك بن اساف 24/ 11.
نهيك بن معبد العطاردي 17/ 336.
نوار 20/ 335.
النوار - امرأة من خفاجة 20/ 385.
النوار - ابنة أعين بن صعصعة 21/ 286 - 287 - 288 - 290 - 291 - 292 - 298 - 299.
النوار ابنة اعين المجاشعية 9/ 324 - 325 - 330 - 331 - 332 - 342 - 343 - 363 - 364.
النوار بنت جل 18/ 20.
النوار بنت عاصم المنقرية 18/ 28.
نوح بن إبراهيم بن محمد بن طلحة بن عبيد اللّه 6/ 13.
نوح بن جرير 8/ 285.
النوشجاني 10/ 68، 14/ 93 - 106.
نوفل بن أسد بن عبد العزى 16/ 26.
نوفل بن الحارث 4/ 207.
نوفل بن خويلد 4/ 180.
نوفل بن ربيعة بن خدان 9/ 86.
نوفل بن عبد شمس بن عبد مناف 1/ 210 - 248.
نوفل بن عبد مناف بن قصي بن كلاب 14/ 129.
نوفل بن مساحق 1/ 113، 2/ 65 - 66 - 67، 4/ 254.
نوفل بن معاوية بن عروة بن صخر بن يعمر 21/ 140.
النوفلي 4/ 86، 14/ 100.
نويرة 22/ 68.
النويري 16/ 7.
نير - جارية أبو الشيص - 16/ 406.
نيران - جارية - 20/ 82 - 83.
ه
الهادي 4/ 54 - 55 - 56 - 60، 8/ 48 - 239، 23/ 4 - 6 - 71.
هارون بن أحمد بن هشام 18/ 355، 22/ 205 - 206 - 207 - 210.
هارون الرشيد 3/ 366، 4/ 43 - 54 - 60 - 42 - 68 - 74 - 98، 8/ 65، 15/ 6، 16/ 77 - 113 - 138 - 145 - 245 - 247 - 249 - 257 - 258 - 259 - 261 - 280 - 281 - 299 - 342 - 343 - 344 - 345 - 346، 17/ 159، 18/ 65 - 67 - 68 - 184 - 185 - 198 - 201 -
202 - 203 - 208 - 212 - 214 - 215 - 216 - 220 - 221 - 223 - 224 - 225 - 226 - 233 - 228 - 232 - 235 - 237 - 238 - 242 - 244 - 319 - 239 - 240 - 241 - 242 - 246 - 247 - 248 - 249 - 300 - 301 - 302 - 303 - 304 - 307 - 308 - 309 - 311 - 316 - 312 - 314 - 315 - 336 - 341 - 342 - 338 - 340 - 341 - 342 - 343، 19/ 35 - 38 - 39 - 41 - 54 - 59 - 74 - 107 - 162 - 222 -
223 - 229 - 236 - 246 - 247 - 262 - 269 - 270 - 279 - 280 - 282 - 283 - 284 - 286 - 287 - 289 - 290 - 291 - 294 - 295 - 298، 20/ 9 - 32 - 47 - 55 - 115 - 116 - 145 - 270 - 179 - 180 - 181 - 213 - 216 - 217 - 226 - 227 - 229 - 236 - 239 - 302 - 358، 21/ 60 - 252.
هارون بن شعب العكبري 16/ 13.
هارون بن عبد الملك 3/ 110.
هارون بن علي بن مهدي 4/ 112.
هارون بن علي بن يحيى 3/ 149 - 192 - 194 - 201 - 202 - 206 - 213 - 215 - 225 - 233 - 234.
هارون بن عيسى 15/ 356.
هارون بن المأمون 20/ 252.
هارون بن محمد البالسي 23/ 143 - 144.
هارون بن محمد الزيات 2/ 397، 3/ 328 - 344 - 345 - 348، 9/ 222، 10/ 65، 11/ 19، 12/ 156 - 235، 13/ 299، 14/ 194، 15/ 56 - 74، 18/ 44 - 361.
هارون بن المنجم 1/م - ت 30.
هارون بن مخلد الرازي 4/ 57.
هارون بن مسلم 15/ 376.
هاشم 8/ 229 - 349، 14/ 379.
هاشم - رجل من أهل خراسان - 21/ 70.
هاشم بن حرملة بن الأشعر المري 10/ 28، 12/ 17.
هاشم بن حرملة المزيان 15/ 87 - 88 - 89 - 90 - 91 - 98 - 102 - 103.
هاشم بن سعد الحميري 22/ 248.
هاشم بن سليمان 15/ 251، 18/ 161.
هاشم بن عبد مناف 19/ 184.
هاشم بن القاسم العنزي 21/ 374.
هاشم بن محمد الخزاعي 8/ 42 - 43 - 416، 14/ 185 - 227 - 237.
هاشم بن منظور 12/ 194.
هامان 1/ 149.
الهامرز 24/ 7 - 62 - 65.
هانيء الجربي 23/ 156.
هاني بن عروة 14/ 229.
هانيء بن قبيصة 2/ 125 - 126، 24/ 53.
هاني بن مسعود بن عامر بن عمرو بن ربيعة بن ذهل بن شيبان 24/ 53 - 59 - 60 - 61 - 63 - 67 - 69 - 70.
هبار بن الأسود 16/ 176.
هبار القرشي 23/ 247.
هبة - المغنية - 18/ 162 - 163.
هبة اللّه بن إبراهيم المهدي 9/ 222،
10/ 107، 14/ 198، 16/ 5 - 6 - 8.
هبل بن عبد اللّه 19/ 24.
هبنقة القيسي 20/ 226.
هبيرة بن جرير الضبي 18/ 209.
هبيرة بن السمين 11/ 214.
الهجيم بن عمرو بن تميم 13/ 274.
هدبة بن خشرم بن خشرم 18/ 91 - 138، 21/ (ترجمته - 253 - 274) 254 - 255 - 256 - 257 - 258 - 259 - 260 - 261 - 262 - 265 - 266 - 267 - 268 - 269 - 270 - 271 - 272 - 274.
هدية بن الفياض الأعور القضاعي 17/ 150 - 151.
الهذلق بن بشير 13/ 185.
الهذلي 1/ 128 - 196 - 198 - 270 - 272، 3/ 83، 17/ 41 - 159، 19/ 183.
الهذيل - من بني تغلب - 22/ 233.
الهذيل بن زفر 12/ 198 - 199، 13/ 47.
هذيلة بنت سلمة 7/ 114.
هرثمة 3/ 72، 18/ 243.
هرثمة بن أعين 18/ 342.
هرقل - أمبراطور بيزنطي - 6/ 345 - 346 - 348 - 349، 15/ 163 - 164 - 167، 16/ 195، 17/ 312.
هرقلي - هرقل ملك الروم - 12/ 187.
هرم بن سنان 10/ 293 - 294 - 298 - 301 - 303 - 304 - 305 - 315.
هرم بن ضمضم المرّي 10/ 293، 17/ 203.
هرم بن قطبة 16/ 287 - 292، 23/ 191.
هرم المريان 9/ 223.
هرمة الأعور 4/ 367 - 382.
هريرة 9/ 113.
هريسة الكاتب 18/ 190.
هريم بن سنان بن عمرو 15/ 354.
هريم بن مرداس 14/ 311 - 312.
هزار مرد 6/ 147، 20/ 79 - 80 - 101.
هزال 13/ 192.
هزان بن زهير بن نهشل 13/ 22.
هزقل - هو حزقل - 20/ 122.
هزيلة 11/ 164.
هزيم 2/ 306.
هشام 3/ 31، 8/ 34 - 55 - 56 - 81 - 288 - 303 - 304، 12/ 40، 13/ 11، 18/ 3 - 4، 19/ 24.
هشام بن إبراهيم المخزومي 1/ 417.
هشام بن إسماعيل المخزومي 7/ 3 - 16، 16/ 154 - 187، 21/ 234 - 307.
هشام الخطيب 10/ 62.
هشام بن عبد اللّه بن عكرمة المخزومي 20/ 9.
هشام بن عبد الملك 1/ 249 - 254 - 338 - 339 - 341 - 350 - 371 - 373 - 405 - 410 - 415 - 416، 2/ 136 - 208 - 235 - 342 - 343، 3/ 328 - 329 - 359، 4/ 286 - 287 - 288 - 401 - 405 - 422 - 423، 6/ 75 - 76 - 77، 7/ 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 11 - 26 - 64 - 65 - 68 - 95 - 96 - 97 - 109 - 130 - 131، 8/ 269 - 271 - 310، 10/ 155 - 156 - 157 - 158 - 159، 11/ 189 - 190 - 193 - 194 - 267 - 294 - 303 - 304، 13/ 60 - 62، 16/ 277 - 278 - 279 - 308، 17/ 4 - 7 - 8 - 10 - 11 - 13 - 15 - 17 - 22 - 34 - 36 - 325، 18/ 41 - 42 - 324 - 326، 20/ 393 - 394 - 395 - 396، 24/ 220 - 221، 22/ 12 - 17 - 18 - 22 - 25 - 26، 23/ 237.
هشام بن عتبة 19/ 6.
هشام بن عروة 3/ 124 - 127، 4/ 425 - 426، 13/ 345، 16/ 190 - 191.
هشام بن عقبة بن أبي معيط 8/ 240.
هشام بن عمرو التغلبي 13/ 125.
هشام بن قيس المرئي 8/ 57.
هشام الكرنباني 13/ 241 - 243.
هشام الكلبي 9/ 34، 18/ 369.
هشام المرئي 18/ 17 - 18 - 20.
هشام بن المرية 1/ 251، 2/ 223.
هشام بن مطرف التغلبي 8/ 240.
هشام بن المغيرة 1/ 65 - 114 - 117، 16/ 194، 22/ 54 - 58 - 60 - 61 - 62.
هشام المكفوف 19/ 308.
هشام بن الوليد 2/ 243 - 370، 19/ 143.
الهشامي 1/ 52 - 59 - 70 - 93 - 101 - 103 - 118 - 121 - 131 - 134 - 146 - 152 - 156 - 163 - 185 - 189 - 202 - 212 - 253 - 268 - 271 - 272 - 318، 2/ 58 - 59 - 199 - 218 - 223 - 224 - 226، 8/ 117 - 119 - 120 - 125 - 150 - 242 - 252 - 259 - 266 - 340 - 362 - 368، 12/ 49 - 50، 13/ 57، 14/ 262، 15/ 3، 19/ 23، 21/ 57 - 58.
الهطال - فرس لزيد الخيل - 17/ 246.
هلال 8/ 64.
هلال بن أحوز المازني 13/ 358.
هلال الرأي 3/ 167 - 168.
هلال بن عامر 24/ 155.
هلال بن عمرو الأسدي 18/ 369.
همام بن الحارث 16/ 377.
همام بن مطرف العقيلي 11/ 210 - 211 - 231، 19/ 197.
همدان بن مالك 7/ 264.
همة بن عبد العزه 6/ 341.
هميم - ويلقب الأخطل - 21/ 276.
هند 3/ 30، 8/ 297، 18/ 75 - 366، 22/ 7 - 8 - 10 - 28.
هنبقة القيسي 6/ 128.
هند - أم عمرو بن هند - 2/ 131.
هند - امرأة من أهل الحيرة - 22/ 245.
هند - امرأة من عبس 17/ 190.
هند بن عتبة 4/ 210 - 212، 7/ 123، 9/ 50 - 52 - 53 - 54، 12/ 338، 15/ 181 - 190 - 191 - 197 - 198، 22/ 242.
هند بنت أبي عبيدة 15/ 324، 16/ 102 - 122 - 123 - 360، 21/ 124.
هند - بنت امرؤ القيس 9/ 93 - 96، 22/ 118 - 119.
هند بنت أبي كثير ابن عبد بن قصي 3/ 119.
هند بنت أسماء 11/ 248 - 249، 16/ 54، 17/ 230 - 232 - 236، 20/ 363 - 364 - 365 -
368 - 370.
هند الجلاحية 24/ 27.
هند بنت الحارث المرية 1/ 58 - 59 - 134 - 146 - 175 - 176 - 177 - 178 - 179 - 181 - 182 - 183 - 185 - 186 - 187 - 188 - 189 - 190 - 231 - 289 - 353 - 358.
هند بنت حجر 9/ 85 - 89 - 92.
هند بنت حسان بن عمرو بن مرثد 1/ 254.
هند بنت الربيع 16/ 138.
هند بنت زيد بن مخرمة الأنصارية 17/ 132 - 154 - 155.
هند بنت سعد 24/ 214.
هند بنت ظالم بن وهب 16/ 354 - 356 - 357.
هند بنت عدس بن زيد 15/ 231.
هند بنت عمرو بن هند 11/ 14.
هند بنت عوف 12/ 215.
هند بن الفرافصة 16/ 322.
هند بنت كعب بن عمرو النهدي 23/ 172.
هند بن كنانة 1/ 380.
هند بنت معاوية 16/ 35.
هند بنت المنذر 12/ 209.
هند بنت المنذر بن الأسود الكلبية 21/ 1.
هند بنت مهاصر 24/ 146.
هند بنت المهلب 14/ 275 - 270.
هند بنت النعمان 2/ 105 - 114 - 128 -
129 - 131 - 132 - 135 - 394 - 198.
هند - زوجة عبد اللّه بن حسن - 11/ 300.
هند - زوجة عبد اللّه بن العجلان - 22/ 237 - 238 - 240.
هند - عمة امرؤ القيس - 11/ 54.
هند - من بني فزارة - 17/ 263.
هند الهنود - امرأة حجر آكل المرار - 11/ 16.
هنيدة - أم الحطيئة 2/ 180 - 182.
هنيدة - صعصعة بن ناجية - 12/ 287.
هود - عليه السّلام - 17/ 245.
هوذة بن جرول بن نهشل بن دارم 22/ 193.
هوذة بن علي 17/ 317 - 319 - 320، 22/ 334.
هوزان 19/ 98.
الهوزاني 12/ 17.
هيث 8/ 217.
الهيثم 14/ 77 - 348.
الهيثم الأحمدي 2/ 407 - 408.
الهيثم بن جرير بن يساف 24/ 57.
الهيثم بن زياد 12/ 305.
الهيثم بن سفيان 9/ 130.
الهيثم بن عدي 1/ 12 - 21 - 22 - 26، 2/ 15 - 22 - 24 - 60 - 63 - 51 - 71 - 73 - 81 - 85 - 16 - 86 - 87 - 90 - 194، 3/ 13، 8/ 36 - 108 - 113 - 118 - 244 - 301 - 310 - 409، 12/ 194 - 304، 14/ 251 - 261 - 299، 15/ 110 - 132 - 375 - 376، 18/ 369، 19/ 169، 20/ 31 - 32 - 77.
الهيثم الغنوي 23/ 108 - 109.
الهيثم بن معاوية 3/ 203.
الهيثم بن النخعي 13/ 181، 16/ 89 - 91.
هيصم 12/ 278.
هيلانة 19/ 258.
و
وائل 19/ 18.
وائل بن حجر الحضرمي 17/ 146 - 147 - 148 - 149 - 150.
وائل بن عبد اللّه بن شريك 13/ 21 - 22 - 351 - 352 - 355.
الوائلي 15/ 240.
الواثق 2/ 33، 4/ 98 - 144، 6/ 159، 8/ 252، 11/ 337، 12/ 48 - 49 - 50 - 51 - 81، 16/ 12 - 13 - 312 - 384 - 391،
10/ 57 - 66 - 200 - 222، 17/ 156 - 157 - 158 - 159 - 160 - 161 - 162 - 167 - 176 - 194 - 196 - 197 - 198 - 200 - 201 - 202 - 215 - 222 - 226، 18/ 221 - 342 - 343 - 345 - 352 - 373، 19/ 219 - 224 - 230 - 233 - 234 - 242 - 244 - 247 - 248 - 250 - 251 - 254 - 133 - 170 - 171، 20/ 84 - 146 - 268 - 269 - 270 - 271 - 272 - 289 - 290 - 291، 21/ 76 - 77، 23/ 71 - 72 - 79 - 73 - 96 - 148 - 177 - 24/ 252 - 253.
الواثق باللّه 1/ 2 - 7.
وارد بن عمرو 16/ 104.
واسع بن خشرم 21/ 273.
واقد بن جنيدب 17/ 202.
الواقدي 3/ 28، 8/ 332، 11/ 321، 17/ 42.
الواقعة 17/ 480.
والبة بن حباب 13/ 279 - 329، 18/ (ترجمته - 99 - 107) 100 - 101 - 102 - 104.
وبر بن كلاب 11/ 112 - 105 - 106، 19/ 274، 20/ 331.
وبر بن معاوية النميري 12/ 19 - 21.
الوثبان 2/ 267.
وثيق بن يوسف الثقفي 18/ 187.
وجزة 13/ 35 - 36.
وجزة بن أبي عمرو بن أمية 15/ 387.
الوحيد 18/ 122.
الورد - فرس كان لزفر بن الحارث 24/ 44.
الورد - فرس لزيد الخيل - 17/ 246.
ورد - من بني عبد ود - 19/ 205.
ورد بن حابس العبسي 10/ 293، 17/ 203.
ورد بن زيد 17/ 31.
الورد العبسي 17/ 190.
ورد بن عمر 12/ 25.
ورد - محمد العقيلي - 12/ 14.
وردان 19/ 137، 24/ 240.
ورقاء - رجل من بني عامر 11/ 240.
ورقاء بن بلال وأخوه 17/ 205.
ورقاء بن جذيمة العبسي 20/ 217.
ورقاء بن الحارث 22/ 70 - 71.
ورقاء بن زهير العبسي 15/ 343، 21/ 329.
ورقاء بن سمى البجلي 17/ 148 - 153.
ورقاء بن الهيثم بن الهصان 24/ 187 - 188.
وزر بن سدوس النبهاني 17/ 248 - 250.
وشيكة - أم أبو مسلم - 3/ 157.
وشيكة - جارية لبذل - 17/ 76 - 77.
الوصاف العجلي 24/ 63.
وصيف 20/ 144، 22/ 201 - 202.
وصيفة - أم توبة الشاعر - 11/ 216.
وضاح 12/ 180 - 181.
وعلة الجرمي 16/ 336 - 339، 22/ 217 - 219 - 218.
وقاص بن بجير بن جندب 22/ 31 - 32.
33.
الوقاص 7/ 132.
وكيع 2/ 341 - 348 - 352، 4/ 344، 8/ 34، 14/ 121 - 268 - 310، 18/ 171 - 172.
وكيع بن أبي أسود 13/ 351 - 359، 21/ 375 - 376.
وكيع - أحد بني الطاغية - 22/ 338.
ولادة بنت الحجل بن عنبسة 22/ 223.
وليد 18/ 12.
الوليد 8/ 80 - 95 - 271.
الوليد - محمد بن أحمد بن داود - 10/ 218.
الوليد بن سعيد بن أبي سنان الأسلمي 8/ 92.
الوليد بن طريف الشيباني 12/ 94 - 95 - 96 - 98 - 100 - 131، 13/ 124.
الوليد بن العباس 2/ 305.
الوليد بن عبد الملك 1/ 112 - 114 - 119 - 236 - 237 - 239 - 297 -
299 - 300 - 301 - 302 - 320 - 331 - 355، 2/ 395 - 396 - 399 - 3/ 30 - 282، 4/ 235 - 236 - 246 - 252 - 276 - 285 - 409 - 420 - 421 - 422، 6/ 213 - 218 - 219 - 221 - 222 - 223 - 224 - 225 - 226 - 227 - 280، 7/ 106، 8/ 22، 9/ 307 - 308 - 313 - 315 - 316، 10/ 75، 11/ 180 - 188 - 283 - 306 - 374، 12/ 180 - 181 - 203، 13/ 162 - 164 - 173 - 174 - 276 - 298، 14/ 151، 15/ 37 - 251، 16/ 178 - 179 - 182 - 183 - 277 - 278 - 279 - 17/ 13 - 241 - 243 - 271 - 275 - 347 - 348، 18/ 25، 20/ 350 - 351 - 392، 24/ 85 - 221 - 222 - 223 - 234 - 235.
الوليد بن عتبة بن أبي سفيان 1/ 25 - 207، 2/ 244 - 245 - 246 - 256 - 249 - 258، 4/ 172 - 189 - 210 - 211، 17/ 295.
الوليد بن عثمان 2/ 244 - 245 - 246 - 256 - 258 - 294، 11/ 333.
الوليد بن عقبة 1/ 20، 2/ 258، 12/ 127 - 137 - 138،
14/ 311، 15/ 367 - 370، 18/ 251 - 252.
الوليد المخنث 4/ 284.
الوليد بن المغيرة المخزومي 21/ 208.
الوليد بن المغيرة 1/ 64، 7/ 5، 15/ 374، 18/ 124 - 125، 22/ 58 - 59 - 60 - 61.
الوليد بن يزيد 1/ 36 - 37 - 52 - 53 - 54 - 55 - 135 - 250 - 391 - 415 - 416 - 417، 2/ 203 - 210 - 225 - 227 - 228 - 302 - 304 - 305 - 236 - 235 - 294 - 269 - 238 - 307 - 308 - 309 - 310 - 312 - 313 - 319 - 321 - 332، 3/ 156 - 187 - 188 - 307 - 346 - 348 - 349، 4/ 309 - 310 - 312 - 313 - 314 - 315 - 316 - 317 - 318 - 320 - 322 - 327 - 400 - 401 - 405 - 413 - 416 - 417 - 424 - 425، 6/ 71 - 72 - 78 - 79 -
91 - 93 - 94 - 101 - 260، 7/ 2 - 3 - 109 - 8/ 180 - 271، 9/ 130 - 236 - 275، 10/ 80، 12/ 7، 13/ 277 - 278 - 305، 14/ 301 - 335، 18/ 333 - 334، 20/ 50، 22/ 18 - 101.
الوهاب 17/ 180.
وهب 20/ 85.
وهب بن أمية 4/ 120.
وهب بن رواحة 10/ 6.
وهب بن سعيد المروزي 20/ 37.
وهب بن عويمر بن رواحة 11/ 150.
وهب بن معتب 22/ 63 - 71.
وهب بن وهب القاضي 8/ 255.
وهبان 13/ 235.
وهبة 15/ 53، 20/ 85 - 101.
وهرز 6/ 209، 17/ 309 - 310 - 311.
وهم بن عمرو 17/ 372.
وهيب بن خالد بن هوزان 12/ 240.
ي
يافع 13/ 72.
ياقوت 1/م - ت 30 - 33 - 34، 2/ 25 - 52 - 69 - 127 - 186 - 194 - 210 - 212 - 393 - 314 -
305 - 292 - 270 - 256، 8/ 260 - 273 - 278 - 292 - 316، 12/ 65 - 168، 16/ 17 - 18، 17/ 117 - 161، 19/ 123.
يتك 23/ 163.
يحابر بن مالك بن أدد بن مراد 13/ 104.
اليحمدي 14/ 294.
يحنس 12/ 6.
يحيى - أبو حماد عجرد - 14/ 321.
يحي - أبو علية - 2/ 405 - 406.
يحيى بن أبي حفصة بن عمرو 18/ 146.
يحيى بن أبي طفيل 15/ 150.
يحيى بن أبي العلاء 14/ 129.
يحيى بن أبي يوسف القاضي 23/ 191.
يحيى بن أكثم 13/ 115 - 249، 14/ 98، 15/ 253، 20/ 156 - 255 - 261، 23/ 203.
يحيى بن الأيهم 10/ 93.
يحيى بن بلال 8/ 303.
يحيى بن جابر 8/ 156.
يحيى بن حازم 9/ 163 - 173، 14/ 221، 17/ 58.
يحيى بن الحسن 12/ 234.
يحيى بن الحكم 1/ 66، 12/ 262 - 263 - 273، 13/ 32 - 33، 16/ 275 - 276، 19/ 122، 20/ 310.
يحيى بن حمزة بن عبد اللّه بن الزبير 15/ 296.
يحيى بن خاقان 4/ 86.
يحيى بن خالد البرمكي 3/ 192 - 196، 4/ 362، 6/ 282 - 291، 10/ 78 - 148 - 178،
13/ 114 - 123 - 145، 18/ 65 - 67 - 68 - 201 - 229 - 303، 240 - 250 - 20/ 227، 22/ 48 - 49.
23/ 155 - 156.
يحيى بن خلاد 2/ 307 - 341.
يحيى بن الربيع 12/ 270 - 282 - 284 - 285.
يحيى بن زياد 6/ 74، 11/ 364 - 69، 13/ 54 - 277 - 279 - 284 - 286 - 289 - 295 - 296 - 298 - 299 - 300 - 305 - 306 - 307 - 308 - 309 - 311 - 312 - 316 - 317 - 320 - 321 - 322 - 326 - 327 - 328 - 329، 14/ 363، 17/ 330، 18/ 181، 20/ 32.
يحيى بن زيد 4/ 351.
يحيى بن سعد بن بكر بن صغير العين 22/ 47.
يحيى بن سعيد 11/ 192، 17/ 139.
يحيى بن سعيد العقيلي 13/ 123.
يحيى بن صفر 22/ 47.
يحيى بن طالب 23/ 169، 24/ (ترجمته - 135 - 142) 136 - 137 - 138 - 139 - 140 - 141 - 142.
يحيى بن طلحة 16/ 274.
يحيى بن عبد السميع الهاشمي 13/ 240 - 241.
يحيى بن عبد اللّه 20/ 155 - 156.
يحيى بن عبد اللّه بن حسن 18/ 237.
يحيى بن عبد اللّه بن الحسين 23/ 154.
يحيى بن عبد اللّه بن عمر بن السباق 23/ 254.
يحيى بن عروة بن الزبير 7/ 16.
يحيى بن عقبة 15/ 28.
يحيى بن علي 1/ 7 - 8 - 11، 2/ 294 - 309 - 312 - 313 - 314 - 326 - 332 - 336، 3/ 249 - 285 - 328، 4/ 333، 12/ 221 - 222 - 226، 13/ 314.
يحي بن عنبسة القرشي 8/ 37.
يحيى بن عيسى بن منارة 21/ 79، 22/ 172.
يحيى بن كرب الحميري 23/ 254.
يحيى بن ماسوية 11/ 333.
يحيى بن مالك بن الحارث 18/ 322 - 323.
يحيى بن المبارك اليزيدي 20/ 216.
يحيى بن محمد 4/ 122، 19/ 219.
يحيى بن محمد ثوابة 9/ 103، 12/ 37، 19/ 63.
يحيى بن معاذ 11/ 343.
يحيى بن معين 18/ 208.
يحيى المكي 1/ 52 - 53 - 60 - 117 -
123، 2/ 33 - 62 - 129 - 141 - 153 - 199 - 58 - 233، 4/ 290 - 293، 8/ 119 - 320 - 14/ 262 - 300، 17/ 340، 18/ 2 - 65 - 308، 20/ 154، 21/ 204.
يحيى بن المهلب 4/ 255.
يحيى بن ناووس 18/ 355.
يحيى بن نصر 2/ 409.
يحيى بن نفيس 15/ 27.
يحيى بن نوفل 2/ 404 - 405.
يحيى بن يعمر 16/ 103 - 104.
يذكر بن عنزة 13/ 78 - 79 - 80، 21/ 1.
يربوع - جد جرير 11/ 62.
يربوع بن مالك 12/ 335.
يرجوخ 3/ 135.
يزدجرد بن سابور 2/ 144.
يزيد 8/ 142 - 143، 12/ 6، 13/ 26 - 106 - 251.
يزيد - أبا المكشوح - 8/ 156.
يزيد - ملك من بني حية من طيء - 17/ 252.
يزيد بن أبي أسلم 6/ 195.
يزيد بن أبي صخر 6/ 50.
يزيد بن أبي مساحق 7/ 69.
يزيد بن أسد البجلي 17/ 149 - 150 - 18/ 275 - 276.
يزيد بن أسد بن كرز 22/ 4 - 5 - 6 - 11.
يزيد بن أسيد الساعي 16/ 254 - 260.
يزيد بن بحزن 24/ 37.
يزيد بن بكر بن دأب الليثي 3/ 33 - 34.
يزيد بن ثروان 6/ 128، 20/ 226.
يزيد بن حاتم 3/ 162 - 189 - 290 - 291 - 295 - 296 - 297.
يزيد بن حاتم المهلبي 16/ 209 - 210 - 253 - 254 - 256 - 260 - 262 - 263.
يزيد بن الحارث 8/ 311.
يزيد بن الحارث بن معاوية بن الحارث 22/ 118 - 119.
يزيد بن حارثة 24/ 71.
يزيد بن حبناء الضبي 15/ 390.
يزيد بن حجية التيمي 17/ 149 - 150.
يزيد بن الحكم بن عثمان بن أبي العاص 12/ 286 - 287 - 289 - 290 - 291 - 293 - 294.
يزيد بن حمال القشيري 8/ 182، 23/ 249.
يزيد بن حمدان 12/ 198 - 199.
يزيد بن حمية بن عبيد 18/ 94.
يزيد حوراء 8/ 361 - 368.
يزيد بن خالد 22/ 22 - 26.
يزيد بن خالد بن يزيد بن معاوية 3/ 358.
يزيد بن ربيعة 7/ 229.
يزيد بن الرقاع العاملي 19/ 126.
يزيد بن رويبة 11/ 218 - 223.
يزيد بن سنان 3/ 10.
يزيد بن الصعق 11/ 155 - 156.
يزيد بن الصيد 14/ 180.
يزيد بن الطثرية 8/ 157 - 159 - 160 - 161 - 162 - 163 - 164 - 166 - 167 - 168 - 169 - 170 - 171 - 174 - 176 - 177 - 178 - 179 - 180 - 181 - 184، 13/ 61.
يزيد بن عاصم الشني 15/ 391.
يزيد بن عبد اللّه الخياط 20/ 2 - 4 - 5 - 8 - 9 - 10 - 11 - 315.
يزيد بن عبد اللّه بن وهب 21/ 124.
يزيد بن عبد المدان 10/ 36 - 37، 12/ 9 - 10 - 11 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22، 21/ 17 - 18 - 19، 22/ 220.
يزيد بن عبد الملك 1/ 67 - 68 - 254 - 256 - 258 - 259 - 316 - 354 - 370 - 391، 2/ 382 - 383، 4/ 240 - 242 - 248 - 249 - 250 - 251 - 252 - 253 - 255 - 256، 6/ 75 - 230، 7/ 1 - 2 - 16 - 26 - 80 - 82 - 108،
8/ 68 - 274 - 334 - 339 - 343 - 340 - 341 - 344 - 345 - 346 - 347 - 348 - 349 - 351، 9/ 22 - 172 - 173 - 274، 10/ 43، 12/ 254 - 263 - 264 - 290، 13/ 238 - 302 - 311 - 313 - 315، 15/ 122 - 123 - 124 - 125 - 126 - 127 - 128 - 129 - 130 - 131 - 132 - 133 - 134 - 135 - 136 - 137 - 138 - 140 - 141 - 142 - 143 - 143 - 144 - 145، 17/ 23، 20/ 326 - 415، 21/ 108 - 111 - 285، 23/ 242.
يزيد بن عبيد 12/ 239 - 241.
يزيد بن عمر بن هبيرة 2/ 421، 10/ 84، 17/ 334، 20/ 397، 21/ 111.
يزيد بن عمرو بن شم 11/ 56.
يزيد بن عمر بن الصعق 12/ 13.
يزيد بن عمرو الغساني 11/ 118 - 155.
يزيد بن عنبسة 7/ 80.
يزيد بن عوان العبادي الصيرفي 15/ 64 - 65.
يزيد بن عوف بن مدرك البخاري 3/ 11.
يزيد بن الفيض 18/ 101، 23/ 225 - 226.
يزيد بن المأمور 22/ 220.
يزيد بن محمد المهلبي 14/ 108،
23/ 144 - 145 - 203.
يزيد بن مخزم 22/ 220.
يزيد بن مذعور 7/ 267 - 272.
يزيد بن مرداس السلمي 17/ 209 - 210 - 213 - 211 - 212 - 300 - 301 - 342 - 357.
يزيد بن مزيد 3/ 213، 4/ 100، 10/ 77 - 78، 12/ 93 - 94 - 95 - 96 - 99 - 100، 13/ 125 - 146 - 147 - 152 - 155 - 156 - 157، 14/ 180، 18/ 214 - 243، 19/ 31 - 35 - 38 - 36 - 37 - 39 - 40 - 41 - 42 - 52 - 55 - 49 - 54 - 58 - 268 - 286، 20/ 44 - 47، 23/ 92.
يزيد بن مسعود النهشلي 21/ 382.
يزيد بن مسلم بن عقبة المرّي 14/ 240.
يزيد بن مسهر 9/ 154 - 155.
يزيد بن معاوية 1/ 21 - 22 - 23 - 24 - 25 - 26 - 83 - 211، 2/ 249 - 250 - 383 - 384، 3/ 13 - 322، 5/ 21 - 106 - 107 - 108 - 109 - 111 - 119 - 120 7/ 124 - 125 - 126 - 229، 8/ 36 - 50 - 301 - 325 - 390، 9/ 314، 11/ 246، 12/ 74 - 159 - 164 - 165 - 224 - 229، 13/ 263 - 264 - 14/ 221 - 234 - 240 - 300 - 16/ 26 - 28 - 32 - 35 - 37 - 46 -
197، 18/ 255 - 261 - 262 - 263 - 272 - 273 - 277 - 274 - 276 - 273 - 278 - 279 - 288، 19/ 122 - 126 - 195 - 20/ 212، 22/ 260 - 264 - 265، 23/ 241، 24/ 111 - 197 - 198،
يزيد بن معاوية بن الحارث 9/ 93 - 134 - 135 - 136.
يزيد بن معن 4/ 25 - 26.
يزيد بن معن زائدة 15/ 277 - 281.
يزيد بن مفرغ الحميري 14/ 81.
يزيد بن المكفف 12/ 142.
يزيد بن منصور - 20/ 216 - 222 - 231.
يزيد بن منصور الحميري 3/ 159، 4/ 32 - 33 - 40، 10/ 182.
يزيد بن مهران 12/ 299.
يزيد بن المهلب 7/ 2 - 108، 9/ 302، 10/ 43 - 76، 12/ 290 - 291، 14/ 264 - 265 - 267 - 275 - 277 - 278 - 279 - 280 - 281 - 292 - 293 - 294 - 298 - 299، 15/ 382 - 384، 19/ 29، 20/ 393، 21/ 345، 22/ 19 - 20 - 330 - 331.
يزيد بن هارون 19/ 83.
يزيد بن هاشم 12/ 274.
يزيد بن هوبر 22/ 220.
يزيد بن الوليد 7/ 8 - 75 - 78 - 79 - 120، 12/ 228.
يزيد بن الوليد الناقص 7/ 71 - 73 - 77.
اليزيدي 6/ 38 - 40، 13/ 136 - 162، 21/ 82.
يسار 9/ 333، 10/ 307.
يسار الكواعب 14/ 273، 21/ 299.
يسر - خادم - 7/ 169 - 191 - 216 - 218 - 220.
يشكر 22/ 147.
يعقوب 7/ 7، 14/ 239.
يعقوب بن جعفر بن أبان بن سعيد بن عيينة 2/ 336.
يعقوب بن داود 3/ 194 - 243 - 244 - 245 - 246 - 249، 4/ 371، 10/ 89، 14/ 178، 19/ 277.
يعقوب بن الربيع 15/ 290.
يعقوب بن الساحر 18/ 355.
يعقوب بن السكيت 4/ 378، 12/ 240 - 244 - 247، 17/ 107، 24/ 257.
يعقوب بن سلمة 12/ 254 - 258 - 261.
يعقوب بن عبد الرحمن السلمي 7/ 78.
يعقوب بن عتبة 4/ 162.
يعقوب بن الفرج النصراني 21/ 39.
يعقوب بن المهدي 10/ 173 - 189.
يعقوب الوادي 17/ 101.
يعلى الأحول 22/ (ترجمته - 146 - 149) 147 - 148 - 149.
يعلى بن منية 12/ 335 - 336 - 337، 17/ 361.
يعمر بن عوف بن كعب 18/ 322.
يقدم بن عنزة 15/ 281.
يقطين بن موسى البغدادي 10/ 273.
يكسوم بن أبرهة 17/ 307 - 311.
يمن 14/ 239، 17/ 71.
يوسف البرم 6/ 240.
يوسف - النبي - 17/ 71.
يوسف بن جعفر بن سليمان 14/ 30.
يوسف بن الحجاج الصيقل 23/ (ترجمته - 216 - 222) 217 - 218 - 219 - 220 - 221.
يوسف الحكم 6/ 192 - 197 - 198.
يوسف بن الصيقل 19/ 251.
يوسف بن عمر 2/ 136 - 210، 4/ 327، 6/ 75 - 78 - 94، 8/ 179، 12/ 291، 17/ 4 - 20 - 38، 22/ 13، 23/ 225، 24/ 224 - 225 - 226.
يوسف بن الماجشون 9/ 65.
يوسف بن موهب 4/ 370 - 371.
يوسف بن يعقوب 4/ 147.
اليوسفي 20/ 402 - 412.
يونازة 18/ 370.
يونس 1/ 37 - 80 - 87 - 93 - 102 -
104 - 118 - 134 - 137 - 165 - 171 - 181 - 184 - 186 - 192 - 200 - 219 - 227 - 251 - 266 - 286 - 380، 3/ 143 - 205، 4/ 119 - 184، 8/ 208 - 209 - 222 - 283 - 291، 9/ 91 - 145، 11/ 9، 14/ 169 - 171، 15/ 306 - 378، 17/ 223 - 302، 19/ 121 - 128 - 133 - 219، 21/ 198.
يونس بن أبي فروة 18/ 101.
يونس بن بغا 9/ 318 - 319 - 320 - 321.
يونس بن حبيب 3/ 211 - 243 - 246 - 247، 8/ 305 - 422 - 9/ 108، 10/ 311، 18/ 209 - 193، 20/ 216 - 351 - 345 - 346، 23/ 54.
يونس بن الربيع 20/ 221 - 243.
يونس بن سليمان الكاتب 4/ 398 - 399 - 400 - 401 - 402 - 403 - 404 - 405.
يونس بن عمر 1/ 416.
يونس بن فروة 14/ 365.
يونس بن متى 9/ 19.
يونس بن محمد الكاتب 8/ 220.
يونس بن معاوية بن أبي عمرو 8/ 9.
اليؤيؤ 20/ 61.
فهرس الأمم والقبائل والجماعات
أ
آل أبجرا 13/ 133
آل أبي بعرة 15/ 335
آل أبي بكر 6/ 10، 19/ 280، 20/ 77
آل أبي حارثة 10/ 306
آل أبي حرب 13/* آل أبي حفصة 10/ 72، 12/ 80، 19/ 5
آل أبي دلف 20/ 21
آل أبي ربيعة 1/ 64، 19/ 143
آل أبي سفيان 6/ 192، 7/ 15، 9/ 22 - 240، 10/ 14
آل أبي سفيان بن نور 23/ 35
آل أبي سمير 15/ 335
آل أبي طالب 7/ 100، 10/ 205 - 276 11/ 351، 13/ 141 - 149 19/ 135، 23/ 161 - 206
آل أبي العاص 7/ 107، 13/ 261 - 268
آل أبي لهب 4/ 344، 16/ 135 - 266
آل أحمد 4/ 350، 7/ 263، 14/ 67
آل الأزد 13/ 212
آل الأشعث بن قيس 3/ 266، 19/ 184
آل أمية 11/ 8 - 9
آل بدر 10/ 23، 17/ 265
آل برد 3/ 176
آل برمك 7/ 227، 11/ 284 - 286، 16/ 245 - 247 - 248 - 249
آل بسطام 9/ 333، 21/ 299 - 307
آل بكر 12/ 167، 14/ 298، 16/ 19 - 60
آل بيت الوليد 4/ 312 - 316
آل تغلب 4/ 57، 21/ 301
آل تيم 7/ 54
آل الثريا 1/ 243
آل ثمود 6/ 46
آل جثعم 13/ 213
آل جعفر 15/ 345
آل جفنة 13/ 16 - 19، 14/ 8، 15/ 156 - 162 - 166 - 167
آل الحارث 13/ 220 - 221 - 222، 24/ 186
آل حام 14/ 220، 18/ 118
آل الحباب 24/ 46
آل الحجاج 18/ 254
ال الحجاج بن باب 20/ 347
آل حذيفة بن بدر الفزاري 19/ 184
آل حرب 1/ 16، 71/ 229، 12/ 78 - 13/ 265 - 266، 15/ 5، 17/ 155
آل حزم بن فرتني 4/ 238 - 335 - 336 - 337
آل حسن بن حسن 12/ 247
آل الحضرمي 22/ 17
آل حفص 4/ 321 - 374 - 375 8/ 234، 9/ 305، 10/ 107 - 133
آل حكام الحنفيون 18/ 118
آل حولان بن عمرو بن قيس بن معاوية 6/ 209
آل خاقان 16/ 367
آل خالد 9/ 332
آل خالد بن أسيد 1/ 250، 18/ 254
آل خراسان 23/ 212 - 254
آل خندق 16/ 339
آل خويلد 9/ 331
آل دارم 8/ 5 - 35
آل دجان 13/ 166
آل ذريح 9/ 188
آل ذي جدن 6/ 209
آل ذي الجدين بن عبد اللّه بن همام 19/ 184
آل ذي قيفان 6/ 209
آل ذي العشراء 18/ 290
آل ذي يزن 10/ 34
آل رباح 17/ 188
آل الربيع 4/ 113، 6/ 19، 10/ 70، 20/ 53
آل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم 4/ 161 - 162
، 10/ 60 12/ 174 - 228 - 229، 13/ 239 - 263
آل الرشيد 18/ 216
آل رقانة 8/ 343
آل رمانة 15/ 123
آل الزبير 3/ 360، 4/ 243 - 244 - 409 - 426، 7/ 250، 9/ 21 - 176، 12/ 243 - 252، 15/ 29 - 218، 19/ 131 - 136 - 137 - 143 - 166 - 173
آل الزبير بن العوّام 7/ 104 - 107، 16/ 73 - 302 - 305، 20/ 1 - 9
آل زرارة بن عدس الدارميون 19/ 184
آل زريق 9/ 333 - 334
آل زهير 2/ 165
آل زياد 6/ 192
آل زيد بن الخطاب 4/ 399 - 400
آل زيق 8/ 86، 21/ 298
آل زينب 1/ 94 - 97 - 98 - 101 - 102، 12/ 334، 15/ 262 - 264
آل سامة 3/ 257
آل سراقة 23/ 234
آل سعد 8/ 58 - 63 - 283، 14/ 79، 18/ 21
آل سعيد 15/ 211
آل سعيد بن العاص 21/ 108 - 110
آل سفيان 24/ 184
آل سلم 13/ 251
آل سلمى 12/ 317، 19/ 25
آل سليمان 3/ 249 - 303 - 306، 20/ 298
آل سليمان بن علي 6/ 160، 13/ 241 -
242، 16/ 250
آل الشريد 2/ 328، 15/ 80 - 92
آل شعثاء 11/ 160
آل شماس 2/ 198
آل شهاب 11/ 330
آل شيبان 13/ 155
آل صخر 15/ 84
آل الصلت 8/ 311
آل الصمة 10/ 5
آل ضبة 22/ 100
آل طاهر 20/ 184، 23/ 80
آل طلحة 1/ 356، 6/ 10 - 13، 21/ 46
آل ظليمة 9/ 226 - 234
آل عامر 13/ 96 - 196
آل عباد اللّه 13/ 20 - 82
آل عباس 7/ 224، 17/ 73
آل العباس بن سهل 8/ 134
آل عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي 20/ 61 - 62
آل عبقر 22/ 5
آل عثمان 1/ 320، 8/ 120
آل عذران 12/ 213
آل عزة 12/ 188
آل عزل 6/ 55
آل عطارد 6/ 45
آل عفراء 4/ 204
آل علقمة 17/ 36
آل علي 7/ 252، 13/ 144 - 149، 23/ 154
آل علي بن أبي طالب 22/ 282
آل عمر بن الخطاب 9/ 256 - 266
آل عمرو 1/ 413، 10/ 23، 13/ 251، 15/ 85، 19/ 23
آل عوف 11/ 202، 13/ 33
آل عوف بن عامر 11/ 227
آل عيسى 20/ 74 - 99 - 139 - 156 157 -
آل غدران 9/آل الغريض 12/ 201
آل فاطمة 7/ 249، 10/ 310، 13/ 78 - 154 - 338
آل فرعون 16/ 158
آل الفضل بن الربيع 12/ 112
آل فقعس 22/ 143
آل فهر 9/ 173، 17/ 289 - 299
آل قحطبة 15/ 69
آل قصي 17/ 287
آل قنان 12/ 11 - 12، 21/ 19
آل قيس بن عاصم 18/ 25
آل قيس بن عيلان بن مضر 18/ 149
آل كثير بن الصلت 4/ 412، 7/ 24
آل كسرى 3/ 176، 21/ 320
آل كلب 24/ 30
آل لاحق 15/ 122
آل لأي 2/ 185
آل ليلى 1/ 141 - 157 - 345، 9/ 106 - 268، 13/ 303
آل مالك 15/ 335
آل محرق 13/ 16
آل محمد 2/ 294، 7/ 267 - 268 - 276، 13/ 263 - 287
آل المخبل 21/ 104
آل مخرمة 15/ 330
آل مرة 5/ 62، 9/ 332
آل مرثد 11/ 322
آل المرزبان 24/ 53
آل مروان 3/ 56، 9/ 4 - 22 - 155 - 254 - 255 - 257، 11/ 307، 12/ 30 - 179، 21/ 335، 22/ 291، 23/ 227 - 238
آل مروان بن الحكم 10/ 162، 15/ 27
آل مسعود 24/ 183
آل مسمع 11/ 331
آل المطلب 1/ 250، 2/ 203، 7/ 51 - 54
آل معاذ 3/ 59
آل معتب 21/ 399
آل المعذل 13/ 252
آل المعلى 21/ 308
آل المغفل 21/ 140
آل المغيرة 1/ 100 - 161
آل مكدم 12/ 245
آل ملحم 13/ 21
آل المنذر 2/ 106 - 122 - 129، 15/ 256
آل منظور بن سيار 12/ 196
آل المهلب 3/ 297، 8/ 26، 9/ 22، 14/ 275 - 299، 20/ 75 - 102 21/ 31 - 346
آل موسى 12/ 89
آل مية 21/ 2
آل ميسان 18/ 282، 21/ 344
آل نصر 22/ 355
آل نعم 1/ 72 - 79 - 119 - 132
آل نفيس بن محمد 15/ 29
آل نوبخت 18/ 347
آل هارون 12/ 89
آل هاشم 4/ 141 - 142، 19/ 129، 3/ 293، 23/ 160
آل هند 10/ 127
آل هوذة 22/ 334
آل وائل 16/ 261
آل الوحيد 21/ 109 - 110
آل الوليد بن عقبة 21/ 108 - 110
آل وهب 23/ 144
آل يحيى بن معاذ 10/ 70، 14/ 131، 19/ 234 - 241
آل يربوع 18/ 16، 21/ 326
آل يسار 2/ 325
أبرهة 6/ 211
الأبلين 21/ 235
الأبناء - جماعات من الفرس منهم الجراجمة - 6/ 210 - 211، 17/ 313
أبناء بكر 21/ 348
الأتراك 10/ 23 - 64 - 168 - 205، 20/ 144، 21/ 74
الأحابيش 15/ 189 - 200، 17/ 291 - 294، 22/ 59 - 62 - 63
الأحامرة 17/ 313
الأحلاف 17/ 289 - 294، 24/ 113
أحمس 10/ 17، 22/ 2 - 10
الأخافش 8/ 44
الأراقم 11/ 100 - 344
أرحب 16/ 239
الأزارقة 8/ 417، 14/ 295 - 296، 21/ 344
أزأن - بطن من حمير - 21/ 18
أزد 5/ 13، 6/ 147 - 148، 7/ 229 - 265 - 268 - 269، 11/ 137 - 168، 13/ 209 - 211 - 214، 16/ 43 - 260 - 262، 17/ 137 - 139، 18/ 114 - 177 - 281، 19/ 64 - 65، 20/ 75 - 100 - 117 - 130، 21/ 153 - 180 - 184 - 369 - 370، 22/ 107 - 110
أزد السراة 18/ 110
أزد شنؤة 21/ 235، 22/ 110
أزد عمان 20/ 76، 22/ 110 - 146
الأساورة 9/ 93، 17/ 313 - 317 - 318 - 319 - 320، 22/ 118
أسد 1/ 209 - 416، 7/ 234، 10/ 15، 11/ 133 - 254 - 316، 13/ 23 - 187
الأسطوخية 3/ 276
الإسلام 4/ 356
أسلم 1/ 349، 10/ 71، 17/ 169
الأسود بن غني 11/ 158
أسيد 11/ 139 - 142 - 163
الأشاعثة 6/ 340
الأشاقر 14/ 283
أشجع 10/ 6، 17/ 121، 18/ 94 - 95 - 96، 20/ 124، 21/ 311
الأشراف 17/ 112، 20/ 3
الأشعريون 11/ 313، 13/ 79 - 80، 15/ 223، 21/ 356
أصحاب طاهر 7/ 207
أصحاب اللوى 7/ 50 - 51 - 54
أصحاب النبي (صلّى اللّه عليه وسلّم) 7/ 229، 19/ 122
الأعراب 18/ 2، 20/ 92 - 225
اعراب السواد 20/ 149
أغربة العرب 18/ 74
الافرنجة 6/ 265 - 266
أقزل 22/ 3
الأقيال 22/ 316
الأكاريس 15/ 133
الأكراد 18/ 317، 19/ 109
أكلب 13/ 216
الأمويين 4/ 310 - 347
أمية 7/ 138، 11/ 379، 18/ 204 - 269 - 274 - 286، 19/ 84، 20/ 80
أمية الصغرى 11/ 293
الأنبار 15/ 315
الأنباط 11/ 313، 16/ 325
أنباط السواد 24/ 56
الأنصار 3/ 298 - 299، 5/ 142، 6/ 87 - 254 - 354 - 357 11/ 194، 15/ 107 - 108 - 116 - 119 - 120، 183 - 299 - 300، 16/ 28 - 36 - 40 - 42 - 45 - 48 - 59 - 97 - 111 - 115 - 157 - 228 - 230، 17/ 57 - 89 - 90 - 139 - 162 - 164
19/ 2 - 10 - 31 - 62 - 63 - 67 - 68 - 69 - 72، 21/ 11 - 203 - 370 - 371، 22/ 124، 23/ 242
أنمار 7/ 234
أهل أبير 12/ 257
أهل أذربيجان 3/ 351
أهل أرجاف 7/ 2
أهل الأردن 19/ 196
أهل الإسلام 4/ 57 - 105 - 135 - 136 - 140 - 145 - 192
أهل أفريقية 15/ 124
أهل الاعتزال 10/ 207
أهل الالحاد 19/ 236
أهل الأوثان 3/ 123
أهل باب الطاق 4/ 20
أهل البادية 17/ 269، 18/ 2 - 7، 19/ 198
أهل البحرين 10/ 203 - 204، 15/ 255
أهل بدر 4/ 205
أهل البصرة 3/ 155 - 160 - 177 - 201، 4/ 12 - 19، 13/ 16 - 228 - 244 - 249 - 250 - 257، 15/ 243، 19/ 123، 20/ 66، 21/ 265 - 390
أهل بغداد 3/ 148 - 260، 4/ 39 - 72، 7/ 207، 13/ 321، 19/ 74
أهل البيت 10/ 154، 19/ 74، 20/ 120 - 180
أهل تدمر 7/ 275
أهل تهامة 12/ 176، 15/ 180 - 181
أهل تيماء 14/ 2
أهل الثغور 7/ 272
أهل ثمود 11/ 305
أهل الجاهلية 7/ 56، 10/ 288، 17/ 362 - 387
أهل الجدل 14/ 43
أهل الجزيرة 13/ 140
أهل الجنة 17/ 219
أهل الحبشة 17/ 303 - 304 - 305 - 306 - 308 - 309 - 311
أهل الحجاز 3/ 282 - 284 - 292 - 304 - 365، 4/ 233 - 267 - 416، 7/ 24 - 291 - 292، 12/ 183، 13/ 272، 14/ 171 - 307، 15/ 41 - 52 - 68 - 136
أهل حجر 12/ 283
أهل الحرة 13/ 42
أهل الحرم 3/ 346
أهل الحرمين 7/ 22
أهل حزان 3/ 327
أهل الحضر 7/ 37
أهل الحطاب 2/ 343
أهل الحيرة 4/ 24، 15/ 277، 17/ 166، 24/ 56
أهل خراسان 3/ 219، 4/ 348، 10/ 224، 11/ 320
أهل الخورنق 13/ 17
أهل دمشق 19/ 196
أهل دهيل 10/ 234
أهل دوردان 20/ 122
أهل ذي خشب 15/ 123
أهل ذي المروة 7/ 50
أهل الردة 15/ 257
أهل الرسول (صلّى اللّه عليه وسلّم) 11/ 296
أهل سر 12/ 52
أهل السند 10/ 230
أهل الشام 3/ 277، 4/ 286 - 288 - 289، 10/ 306، 11/ 7، 12/ 16 - 35 - 75 - 183 - 250، 13/ 17 - 42 - 306، 15/ 366، 17/ 2 - 36 - 148 - 149 - 151، 19/ 123 - 125 - 126 20/ 136، 22/ 22
أهل شوك 13/ 355
أهل صفاء 4/ 218
أهل الصّفّة 19/ 175
أهل طارق الجرار 4/ 9
أهل الطائف 4/ 321
أهل طبرستان 7/ 297
أهل عدن 15/ 264
أهل العراق 2/ 136، 4/ 101 - 256 7/ 2 - 45، 11/ 176، 12/ 71، 13/ 12 - 99، 15/ 153، 19/ 122 - 125 - 128 - 130 - 217، 20/ 314
أهل العمود 19/ 202 - 203
أهل الغدر 7/ 2
أهل فارس 17/ 311
أهل فدك 2/ 106
أهل فلج 12/ 58
أهل فلسطين 13/ 276 - 330، 23/ 16
أهل القرار 19/ 198
أهل القليب 4/ 201 - 202
أهل قم 20/ 121 - 149
أهل قنسرين 23/ 246
أهل الكرخ 13/ 321
أهل الكهف 20/ 144
أهل الكوفة 2/ 396، 3/ 45 - 50 - 71 - 134 - 214 - 215 - 233، 4/ 26 - 45 - 125، 12/ 141 - 142 - 143 - 159 - 228 - 293 - 298، 13/ 167، 277 - 313 - 322 - 15/ 56 - 243 - 249 - 267 - 266 - 281، 17/ 2 - 151، 19/ 143
أهل مأرب 22/ 110
أهل المدر 4/ 135 - 136 - 137
أهل المدن 4/ 122
أهل المدينة 2/ 8 - 229 - 236 - 3/ 31 - 32 - 133 - 251 - 271 - 279 - 307 - 342، 4/ 233 - 246 - 254 - 269 - 270 - 279 -
280 - 321 - 337 - 367 - 370 - 398 - 418، 7/ 22، 11/ 77 - 81، 12/ 157 - 219 - 221، 13/ 267، 17/ 120 - 162 - 164، 19/ 178 - 212
أهل المزار 4/ 4
أهل المساجد 13/ 35
أهل المسجد 14/ 303
أهل مطلوب 13/ 59
أهل معرة النعمان 21/ 40
أهل المغرب 12/ 65
أهل المقابر 4/ 394
أهل مكة 2/ 373 - 374 - 375 - 378 - 399 - 400 - 12 - 239 - 353، 3/ 45 - 47، 4/ 123 - 127 - 140 - 195 - 208 - 229 - 279 - 321 - 359، 7/ 22 - 144 - 280، 12/ 290، 13/ 267، 17/ 299، 19/ 14 - 130
أهل ميفعة 3/ 127
أهل نجد 2/ 280 - 338، 11/ 9، 12/ 290، 22/ 57
أهل نجران 12/ 6 - 8، 13/ 98، 17/ 303
أهل النوك 3/ 175
أهل الوادي 4/ 399
أهل وادي القرى 3/ 271
أهل الوبر 12/ 13
أهل ورجة 4/ 5
أهل يثرب 3/ 19 - 76، 4/ 122 - 197، 15/ 39 - 42 - 106، 17/ 123
أهل اليمامة 4/ 385، 13/ 131
أهل اليمن 2/ 77، 13/ 5 - 6 14/ 11 17/ 36 - 142 - 308 - 309 - 372، 19/ 18 - 98 20/ 179 - 208
ألاوس 3/ 2 - 7 - 8 - 9 - 11 - 14 - 24 - 25 - 26 - 39 - 40 - 41 - 42 - 116 - 227 - 247 - 248 - 257، 5/ 43، 6/ 358، 10/ 302، 16/ 42 - 45 - 48 - 226 - 237، 17/ 90 - 117 - 118 - 120 - 121 - 122 - 123 - 124 - 125 - 126 - 171 - 172، 19/ 62 - 72
أوس اللّه 3/ 24، 17/ 121 - 122
أوس مناة 17/ 123
إياذ 9/ 80، 17/ 284، 23/ 109، 24/ 61
ب
البابليين 3/ 249
بارق 11/ 137، 298
باهلة 6/ 144، 7/ 146، 10/ 83، 11/ 138، 13/ 123 - 202،
17/ 257، 19/ 49
البجليين 4/ 71
بجير 22/ 1 - 2 - 10 - 22 - 25 - 170 - 342
بجيلة 11/ 138، 17/ 139 - 140 - 150، 19/ 188، 20/ 411، 21/ 131 - 132 - 134 - 135 - 143 - 147 - 159 - 305، 23/ 130
بخائب 14/ 122
بدر 15/ 101
البراجم 21/ 388، 22/ 192
البرامك 20/ 270،
البرامكة 4/ 89 - 113، 6/ 180 - 297 10/ 70، 11/ 285، 12/ 95 - 96 - 150، 13/ 141 - 109، 14/ 116 - 199، 17/ 67، 18/ 64 - 68 - 201 - 202 - 212 - 217 - 232 - 250 - 303 - 338، 19/ 261 - 270 - 286، 20/ 44 - 336 - 343، 21/ 59 - 60، 23/ 150 - 155 - 161
برة بن تغلب 13/ 80
البربر 2/ 359، 11/ 155
البربطية 3/ 276
البصريين 3/ 45، 8/ 155 - 156 13/ 92 - 319 - 326، 14/ 92، 20/ 216
بغيض 17/ 139
بقة 15/ 315
بكر 10/ 29 - 30، 11/ 42 - 43 - 44 - 46 - 47 - 48 - 49 - 106 - 317 13/ 187، 15/ 255 - 369 - 356، 21/ 226 - 314 - 333 - 350 - 351 - 382، 23/ 34، 5/ 1 - 42 - 43 - 45 - 46 - 54
بكر بن وائل 6/ 127 - 148، 11/ 54 - 316، 13/ 20 - 198، 18/ 136 19/ 10 - 18، 20/ 180 - 381 - 397، 22/ 331 - 332 - 340 - 343 - 335، 24/ 54 - 56 - 58 - 60 - 63 - 69 - 71 - 72 - 75
بنو آدم 4/ 35 - 86، 9/ 195، 14/ 275
بنو آل المغيرة 3/ 34
بنو أبان 1/ 17، 11/ 282، 17/ 332
بنو أبي 2/ 257
بنو أبي بكر بن كلاب 10/ 4 - 14 11/ 134 - 138 - 155 - 156 - 224 15/ 354 17/ 59، 24/ 169 - 194 - 238 - 239
بنو أبي طلحة 15/ 191
بنو أبي العاص 1/ 383 18/ 288،
بنو الأبيض بن مجاشع 21/ 390
بنو أثاثة 3/ 62
بنو الأجرام 2/ 141
بنو الأحب 8/ 99 - 122 - 137 - 149 - 151
بنو الأحرار 3/ 166، 17/ 312 - 313
بنو الأحرم 9/ 155
بنو الأحنف 8/ 385
بنو الأحوص 16/ 285 - 286 - 288 - 289
بنو أخية 14/ 276
بنو الأخيذة 3/ 38
بنو الأدلع 11/ 204
بنو أرحب 15/ 219
بنو الأزد 3/ 136 - 146 - 211
بنو الأزرق 22/ 107
بنو أزنم بن عبيد 17/ 189
بنو أسد 2/ 73 - 172 - 174 - 374 - 411 - 421، 3/ 205، 5/ 4 - 25 7/ 50 - 51 - 54، 8/ 312 - 316، 9/ 78 - 81 - 82 - 83 - 84 - 85 - 86 - 88 - 90 - 91 - 92 - 93 - 99 - 103 - 104، 10/ 235 - 237 - 244 - 266 - 307 - 318، 11/ 72 - 77 - 109 - 111 - 140 - 141 - 146 - 148 - 199 - 202 - 251 - 252 - 257 - 263 - 385، 15/ 231 - 246 - 267 - 300 - 339 - 361 - 377، 16/ 17 - 19 - 102 - 302 - 304 - 305، 17/ 1 - 3 - 5 - 6 - 13 - 25 - 26 - 37 - 40 - 86 - 139 - 234 - 244 - 247 - 263 - 289 - 290 - 291 - 292 - 294 - 299 - 327، 18/ 2 - 103 - 270 - 303، 21/ 90 - 230 - 234 - 240 - 246،
22/ 82 - 85 - 135، 23/ 189 24/ 194 - 256
بنو أسد بن جذيمة 15/ 77 - 78 - 111، 22/ 10 - 14 - 61
بنو أسد بن عبد العزى 19/ 131، 23/ 234
بنو إسرائيل 3/ 40، 116 - 122 - 4/ 1، 22/ 107
بنو أسلم أفصى بن خزاعة 21/ 16
بنو الأسود/ 208
بنو إسماعيل/ 16 - 78، 15/ 17 - 48
بنو أسيد بن عمرو بن تميم 11/ 82، 12/ 209 - 2، 18/ 27
بنو أشجع 16/بنو الأشهب 12/بنو أشيم 9/ 270، 10/ 217
بنو الأصفر 6/ 348 - 354 - 355، 2/ 139
بنو الأعرج 24/ 254
بنو أعصر 4/ 307
بنو أقرم 7/ 282 - 285
بنو أقيشر بن خذيمة بن كعب 11/ 282
بنو آكل المرار 9/ 80 - 92 - 93، 17/ 260، 22/ 118
بنو أم البنين 15/ 378
بنو أم ذئب 24/ 186
بنو أم النسير 9/ 324
بنو الإماء 8/ 237، 14/ 160
بنو امامة 9/ 93، 18/ 136
بنو الأمة 14/ 348
بنو امرؤ القيس 8/ 55 - 57، 18/ 22
بنو أمية 1/ 14 - 16 - 17 - 21 - 23 - 24 - 25 - 26 - 28 - 30 - 31 - 36 - 63 - 154 - 160 - 169 - 211 - 287 - 332 - 338 - 360 - 1/م - ت 34، 2/ 4 - 8 - 242 - 243 - 247 - 255 - 269 - 330 - 331 - 351 - 371 - 420، 3/ 24 - 133 - 157 - 243 - 245 - 266 - 303 - 333، 4/ 307 - 330 - 340 - 341 - 342 - 344 - 346 - 348 - 349 - 350 - 351 - 352 - 353 - 357 - 408، 6/ 23 - 70 - 75 - 82 - 83 - 96 - 112 - 173 - 341 - 355 - 356، 7/ 2 - 4 - 19 - 23 - 56 - 59 - 70 - 73 - 91 - 104 - 106 - 305، 8/ 49 - 64 - 75 - 91 - 99 - 230 - 253 - 269 - 294 - 295 - 301 - 307 - 317، 9/ 49 - 64 - 135 - 175، 254 - 255 - 256 - 307 - 315 - 10/ 43 - 74 - 235 - 268، 11/ 67 - 189 - 271 - 281 - 292 - 295 - 298 - 300 - 303 - 307 - 309 - 333 - 356 - 357، 12/ 72 - 78 - 144 - 228 - 229 - 276 - 335، 14/ 177 - 217 - 240 - 242 - 249 - 251 - 321، 15/ 117 - 127 - 148 - 251 - 281 - 297 - 323، 16/ 17 - 15 - 135 - 233 - 277 - 298 - 299 - 300 - 301
- 302 - 303 - 304، 17/ 1 - 4 - 16 - 8 - 12 - 13 - 14 - 19 - 21 - 31 - 33 - 36 - 37 - 127 - 231 - 274 - 327 - 329 - 330 - 332، 18/ 9 - 94 - 132 - 272، 19/ 195 - 196، 20/ 212 - 243 - 345 - 390، 21/ 13 - 111 - 112 - 252 - 323، 22/ 18 - 19 - 263، 23/ 242، 24/ 110 - 111 - 148 - 225
بنو إنسان 11/ 91
بنو الأنصار 9/ 337
بنو أنف 2/ 182 - 194
بنو أنف الناقة 18/ 146 - 152
بنو أنمار 2/ 289
بنو أنمار بن الهجيم 21/ 277
بنو أنيف 22/ 109
بنو أهبان مكلم الذئب 20/ 179
بنو الأهتم 14/ 293
بنو الأو 11/ 48
بنو أود 7/ 113 - 119، 12/ 170
بنو الأوس 11/ 49، 21/ 179، 2/ 115
بنو الأوس بن الحجر بن الهنو بن الأزد 20/ 301
بنو أياد 10/ 218، 12/ 337، 13/ 16، 16/ 378
بنو أيوب 2/ 99
بنو بجيلة 16/ 194
بنو بحتر بن عتود 14/ 382 - 383 - 384
بنو بدر 2/ 293 - 335 8/ 297،
12/ 193، 17/ 263 - 266 - 393، 19/ 198، 20/ 364،
بنو برمك 20/ 230
بنو بسام 20/ 143
بنو بشعت 15/ 230
بنو بشير 15/ 120
بنو بغيض 7/ 287، 9/ 158، 11/ 98 19/ 15 - 17
بنو بقيلة 2/ 120
بنو البكاء 5/ 22، 16/ 18 - 73 - 22/ 63
بنو بكر 1/ 157، 2/ 331، 3/ 55 - 61 - 62 - 63 - 64 - 66 - 137 - 344 - 345 - 8/ 291، 11/ 322، 12/ 201 - 202 - 209 - 210 - 211، 14/ 78، 21/ 12، 22/ 58 - 63 - 334.
بنو بكر بن عبد مناة بن كنانة 4/ 175، 22/ 66
بنو بكر بن وائل 10/ 4 - 14، 17/ 268 - 282
بنو بكيل بن جشم بن خيوان 14/ 273
بنو بلال 21/ 217
بنو البهتة 2/ 340
بنو بهدل 22/ 209
بنو البهراء 12/ 138
بنو بهز 9/ 162، 12/ 108 - 110، 21/ 349
بنو البؤس 11/ 111
بنو بياضة بن عامر 4/ 225، 17/ 119
بنو بيتا 14/ 9
بنو تاج 11/ 58
بنو تزيد 2/ 41 - 140
بنو تغلب 1/م - ت 30، 2/ 144، 6/ 127 - 128 - 134، 8/ 60 - 282 - 301 - 311 - 316، 9/ 80 - 82، 11/ 281 - 283 - 288 - 344، 12/ 136 - 138 - 198 - 199 - 200 - 201 - 203 - 205 - 206 - 207 - 210 - 211، 15/ 309، 17/ 259، 19/ 19، 20 - 184، 21/ 284، 22/ 233
بنو تميم 1/ 396 - 397 - 209، 2/ 99 - 105 - 138 - 314 - 332 - 334 - 336 - 341 - 381 - 413 - 391، 3/ 139 - 257 - 274، 4/ 146، 6/ 10 - 11 - 15 - 23 - 54 - 89 - 143 - 144 - 147 - 148 - 314 - 321 - 356، 7/ 183 8/ 21 - 41 - 171 - 180 - 241 - 247 - 288 - 317 - 329 - 385 - 387 - 424، 9/ 84 - 220 - 328 - 330، 10/ 151 - 261 - 306 - 307، 11/ 98 - 99 - 116 - 125 - 126 - 142 - 150 - 255 - 258 - 259 - 271 - 272 - 293، 12/ 18 - 19 - 42 - 43 - 44 - 58 - 171 - 205 - 209 - 212 - 213 - 218 - 307 - 336 - 337 - 344، 14/ 8 - 72 - 78 - 81 - 183 - 340، 15/ 118 - 299، 16/ 207 - 251 - 328 - 329 - 332 - 339 - 340،
17/ 5 - 6 - 139 - 220 - 223 - 255 - 257 - 263 - 268 - 317 - 332، 18/ 17 - 38 - 40 - 44 - 57 - 171 - 371، 19/ 64 - 70 - 186، 20/ 333 - 381 - 398، 21/ 33 - 34 - 250 - 348 - 390، 22/ 61 - 231 - 270 - 322، 23/ 18 - 22 - 224، 24/ 62 - 253 - 254 - 255
بنو تميم صليبا 6/ 161
بنو تميم بن مرة 4/ 408، 7/ 51 - 53 - 244، 18/ 261، 22/ 62
بنو تميم 3/ 351 - 357، 9/ 173 - 335، 11/ 176 - 364، 16/ 19 - 89 - 90 - 332 - 333 - 17/ 94 - 95 - 97 - 269 - 289 - 290 - 291 - 292 - 294 - 299، 18/ 96 - 97، 20/ 44 - 45 - 77 - 32، 21/ 114
بنو تيم الرباب 2/ 105
بنو تيم اللات 3/ 137 - 322، 12/ 36 - 167 - 340 - 342 - 15/ 151، 24/ 74
بنو تيم اللّه بن ثعلبة 12/ 302، 19/ 17
بنو تيماء 2/ 325 - 372
بنو ثعل 9/ 96 - 97، 14/ 382، 17/ 251 - 372 - 389 - 393، 19/ 271، 20/ 32 - 219
بنو ثعلب 11/ 283
بنو ثعلبة 3/ 18 - 272 - 273 - 274، 5/ 49، 11/ 119، 16/ 57، 17/ 20 - 203، 22/ 109
بنو ثعلبة بن سعد 10/ 12 - 20، 17/ 191 - 202 - 206
بنو ثعلبة بن عكابة 9/ 109 - 133، 14/ 277
ينو ثعلبة بن عمرو بن الغوث ابن طيء 14/ 247، 24/ 71
بنو ثعلبة بن يربوع 15/ 301، 17/ 187 - 189
بنو ثعيلة 24/ 160
بنو ثقيف 5/ 11، 12/ 286 - 292، 16/ 79 - 82 - 85 - 86، 2/ 47 - 56
بنو ثكلان 12/ 210
بنو ثوبان 2/ 65 - 267
بنو جحاش 11/ 84 - 94
بنو جحجبي 3/ 18 - 20 - 23 - 39، 4/ 225 - 240، 15/ 47
بنو جحش 2/ 162
بنو جحيشي 15/ 37
بنو جدي 12/ 176
بنو جديس 2/ 341 - 352 - 421 -
بنو جديلة 9/ 84 - 94، 13/ 10 - 11، 17/ 251 - 252 - 382 - 393، 19/ 28
بنو جذام 12/ 16 - 255
بنو جذيمة 2/ 270 - 421 - 7/ 279 - 289، 10/ 155. 11/ 86 - 88 - 90 -
94، 12/ 279
بنو الجرباء 17/ 169
بنو جرم 12/ 46 - 73 - 110 - 278 - 279
بنو جرول بن نهشل 9/ 269 - 270 - 271، 13/ 24
بنو جسر 3/ 274، 22/ 63، 2/ 242،
بنو جشم 1/ 209، 10/ 3 - 5 - 11 - 14 - 15 - 17 - 18 - 19 - 23 - 30 - 35 - 37، 12/ 17، 18 - 202 - 210 - 14/ 383، 16/ 19 - 65
بنو جشم بن بكر بن هوزان 11/ 91 - 218، 12/ 212، 21/ 56 - 60 - 63
بنو جشم بن زهير 24/ 38
بنو جشم بن معاوية 8/ 335 - 338 - 350 14/ 125
بنو جعدة 2/ 16 - 71 - 90 3/ 59 - 60 - 61، 8/ 171، 11/ 70 - 79، 12/ 23 - 24 - 34 - 337، 19
/101، 24/ 88،
بنو جعفر 1/ 334، 2/ 105 - 339 - 340 - 320 8/ 166، 11/ 132 - 133 - 156 - 158، 12/ 14 - 21 - 267، 15/ 301 - 363 - 368، 16/ 292 - 295 - 296،
بنو جعفر بن كلاب 7/ 68، 15/ 379، 17/ 183 - 186، 21/ 354، 24/ 177 - 178 - 192 - 194 - 195
بنو جعيد المراديون 17/ 318
بنو جعيل 17/ 227
بنو جفنة 9/ 288، 16/ 43، 17/ 260 -
375
بنو الجلاح 24/ 22 - 27 - 31 - 34
بنو جلان 3/ 58 - 61 - 62 - 64 - 66، 22/ 329
بنو جماز 2/ 51
بنو جمح 1/ 220 - 397، 3/ 120 - 276 - 277 - 278 - 281، 4/ 214 - 253، 6/ 171، 7/ 51 - 54 - 115 - 116 - 134 - 135 - 136، 9/ 161، 11/ 285، 16/ 152، 17/ 287 20/ 357، 22/ 62
بنو جناب 17/ 227، 19/ 17 - 25 - 207
بنو جنان 20/ 224
بنو جندع بن ليث بن بكر 1/ 25، 21/ 16 - 163
بنو جندل بن نهشل 9/ 269
بنو الجنيد الاسكافيين 23/ 78
بنو جهينة 16/ 284 - 325
بنو جودة 11/ 136
بنو جوشن 12/ 266، 14/ 3، 17/ 190
بنو حاجب 12/ 176
بنو الحارث 1/ 302 - 307 - 406 - 408، 3/ 20 - 29 - 41 - 347، 6/ 57 - 105 - 211، 7/ 54، 10/ 4 - 17 - 18 - 19 - 33 - 34 - 39 - 40، 12/ 9 - 14 - 16 - 19 - 20 - 21 - 131 - 202 - 268 - 340، 14/ 359 - 363، 15/ 181 - 200 - 230، 22/ 62،
2/ 98 - 115 - 157 - 334 - 341 - 352 - 366
بنو الحارث بن الخزرج 4/ 157، 15/ 41، 16/ 59، 17/ 126
بنو الحارث بن ربيعة 21/ 193
بنو الحارث بن سعد 8/ 137، 9/ 84
بنو الحارث بن عامر 4/ 228
بنو الحارث بن عباد 9/ 342 - 343
بنو الحارث بن عبد مناة 7/ 286، 22/ 59
بنو الحارث بن عمرو 21/ 29
بنو الحارث بن فهر 4/ 207 - 367 - 368، 22/ 62
بنو الحارث بن كعب 11/ 46 - 217 - 221 - 245 - 293 - 380، 16/ 328 - 331 - 333، 18/ 86 - 274، 20/ 32، 23/ 95 - 96 - 143
بنو حارثة 3/ 2 - 11، 11/ 109 - 193، 17/ 126، 22/ 109، 24/ 13
بنو حارثة بن الحارث 17/ 123
بنو حازم 13/ 195
بنو حام 15/ 371
بنو الحبتر 11/ 212
بنو الحبيب 1/ 393، 22/ 212 - 213، 2/ 16
بنو الحجاج 17/ 280
بنو حجر 8/ 21، 11/ 49
بنو حجان 14/ 95
بنو حداد 14/ 144 - 145
بنو حدلج 2/ 274
بنو جدية 4/ 162
بنو حراق 4/ 176
بنو حرام، 2/ 338 4/ 263
بنو حرام بن سماك 21/ 296 - 397
بنو حران 12/ 210
بنو حرب 10/ 20 - 124، 17/ 140، 22/ 264
بنو الحرث بن كعب 14/ 362
بنو حرم بن زبان 14/ 247
بنو الحرماز 13/ 104
بنو الحرمان 22/ 109
بنو حرمة 12/ 269
بنو حرملة 16/ 284
بنو الحريش 2/ 16 - 44 - 87 - 90، 22/ 239، 24/ 35 - 36
بنو حزام 18/ 85
بنو حزم 4/ 235 - 237 - 239
بنو حزن 10/ 76
بنو حسل بن عامر بن لؤي 20/ 294
بنو حسن 4/ 347، 16/ 135 - 309
بنو حصن 8/ 77، 16/ 19، 17/ 220
بنو الحصين 2/ 316
بنو الحصين بن الحويرث بن كعب 24/ 187 - 188 - 189
بنو الحضر 16/ 19
بنو حطمة 6/ 254
بنو حفصة 10/ 95
بنو الحكم 13/ 261
بنو حلال 12/ 84
بنو حلوان 2/ 142
بنو حليس 12/ 318
بنو حماد 18/ 56
بنو الحماس 21/ 19
بنو حمال بن يشكر 13/ 157
بنو حمان 8/ 61 - 63
بنو حمدون بن إسماعيل 10/ 70 - 276
بنو حميد 14/ 95، 21/ 48
بنو حمير 1/م ت 36، 3/ 243، 12/ 133،
بنو حميس بن عامر بن جهينة 14/ 2 - 5 - 8 - 9 - 10، 2/ 314 - 315 - 316
بنو حن 12/ 255 - 256، 19/ 194
بنو حنبل 1/ 332، 22/ 270 - 271
بنو حنظلة 8/ 45 - 87، 9/ 82 - 88، 11/ 46 - 99 - 133 - 139، 12/ 209 - 211 - 337، 15/ 222 - 229، 21/ 282، 22/ 192، 2/ 388
بنو حنظلة بن يربوع 17/ 318
بنو حنيف 21/ 213
بنو حنيفة 3/ 58، 5/ 21، 8/ 5 - 180، 11/ 115 - 317، 12/ 316، 14/ 86، 15/ 97 - 249، 16/ 207، 19/ 57، 21/ 331، 24/ 136
بنو حواء 6/ 15، 17/ 29
بنو حوف 24/ 102
بنو حية الطائيثي 10/ 200، 12/ 131، 17/ 251 - 252 - 372
بنو خارجة 16/ 102
بنو خالد 21/ 110
بنو خالد بن جعفر 16/ 286
بنو خالد بن كعب بن زهير 24/ 38
بنو خبيب 14/ 129
بنو خثعم 11/ 215 - 217
بنو خثيم 21/ 172
بنو خداش 3/ 4
بنو خدان بن خنثر 9/ 84
بنو خذيمة 14/ 218
بنو خزاعة 3/ 85 - 93، 10/ 14 16/ 43 - 58 - 325، 22/ 234
بنو الخزرج 11/ 122
بنو خطمة 3/ 18 - 24 - 39
بنو خفاجة 8/ 178، 11/ 210 - 216 - 217 - 221 - 222
بنو خفاف 15/ 77
بنو خلف 18/ 289، 22/ 263
بنو الخميس 21/ 19
بنو خناعة بن سعد بن هذيل 22/ 345، 24/ 199
بنو خنيس 22/ 146
بنو الخيار 11/ 296
بنو خيل 11/ 46
بنو الدار بن هانيء بن حبيب 14/ 75
بنو دارة 3/ 293
بنو دارم 9/ 82، 11/ 62 - 112 - 113 - 114، 14/ 256، 21/ 315
بنو داود القرى 2/ 227
بنو الدليل 12/ 164 - 302 - 314 - 318، 21/ 168 - 205 - 206
بنو دودان 15/ 340
بنو دوران 11/ 252
بنو دوسر 2/ 146
بنو الدئل - عمرو بن أمية الضمري - 7/ 287
بنو الديان 10/ 34 - 36 - 37، 12/ 9 - 11 - 12 - 14 - 16، 15/ 373، 19/ 184، 21/ 19
بنو الديل بن بكر 1/ 222، 4/ 199، 12/ 326، 22/ 57
بنو ذبيان 3/ 8، 4/ 167 - 278، 10/ 292، 11/ 94 - 109 - 110 - 131 - 133 - 152، 12/ 196، 14/ 5 - 6، 15/ 172، 17/ 203، 18/ 74، 19/ 203، 2/ 295
بنو ذمرة 7/ 287
بنو ذهبان 3/ 177
بنو ذهل، 2/ 158 - 161 - 160 - 3/ 297، 8/ 295، 14/ 78، 18/ 285، 24/ 57 - 91
بنو ذهل بن ثعلبة بن عكابة 14/ 272
بنو ذؤيبة 21/ 212 - 213
بنو ذي الحدين 5/ 23
بنو رأي 12/ 52
بنو الرائش 17/ 215
بنو الرباب 3/ 58 - 274، 8/ 26، 10/ 27، 12/ 209 - 211 - 212 - 213 - 340
بنو ربيع 14/ 79، 22/ 321
بنو ربيعة 11/ 52 - 62 - 222، 12/ 6 -
156 - 209، 16/ 85 - 245، 18/ 136، 19/ 191، 1/م - ت 37
بنو ربيعة بن الحارث 3/ 90 - 307
بنو ربيعة بن الحجر 21/ 192
بنو ربيعة بن عقيل 3/ 136
بنو ربيعة بن مالك 8/ 23 - 26 - 27 - 193 - 421، 10/ 205
بنو رحل 2/ 271 - 290
بنو رحمة 14/ 326
بنو رزاح 11/ 46
بنو رزام 3/ 52 - 58 - 59 - 62 - 65 - 67 - 68، 21/ 217
بنو الرسول 4/ 184
بنو الرشيد 8/ 362، 14/ 174، 20/ 270، 22/ 49
بنو رعل 12/ 110، 15/ 345
بنو رعل بن مالك 14/ 304
بنو رفاعة 16/ 336
بنو رقاش 11/ 324، 23/ 155 21/ 255، 2/ 6 - 333 - 334
بنو رقية 9/ 82، 12/ 210
بنو الرمداء 22/ 345
بنو رميلة 9/ 270
بنو رؤاس 6/ 152، 8/ 313
بنو رواحة 11/ 86، 17/ 201، 24/ 54، 2/ 125
بنو رئاب 14/ 311
بنو رياح 6/ 43، 18/ 172
بنو رياش 14/ 17
بنو زبان بن تغلب 13/ 83
بنو زبيد 12/ 14، 14/ 315، 15/ 208 - 209 - 216 - 217 - 219 - 225 - 226، 17/ 289 - 299، 18/ 76 - 86
بنو زبير بن عمرو بن قعين 10/ 321
بنو زبينة 21/ 20 - 23
بنو زر بن حبيش الغاضري 2/ 119 - 411
بنو زرارة 9/ 333، 11/ 98 - 99 - 101 - 112 - 128
بنو زريق 4/ 239، 15/ 44، 21/ 103 - 105
بنو زعبل 12/ 12 - 20، 16/ 332
بنو زعوراء 17/ 120، 22/ 109
بنو زليفة بن أصبح 21/ 218 - 219
بنو الزناء 3/ 223
بنو الزنية 22/ 82
بنو زهرة 1/ 24 - 30، 3/ 40، 4/ 1 - 4 - 182 - 193 - 308، 7/ 51 - 54، 9/ 139 - 173 - 209، 14/ 310، 15/ 55، 16/ 5 - 7 - 152 - 153 - 157، 17/ 200، 19/ 200، 22/ 62، 24/ 112
بنو زهير 11/ 98
بنو زهير بن أقيس 22/ 274، 24/ 28
بنو زوى 23/ 130
بنو زياد العبسيين 5/ 25، 8/ 397، 10/ 37، 14/ 125، 17/ 198، 18/ 262 - 284 - 285
بنو زيد 3/ 19 - 20 - 21 - 23 - 203 -
204 - 205، 8/ 37 - 53، 9/ 94، 22/ 109
بنو زيد بن رباح 16/ 330
بنو زيد بن مالك 12/ 335
بنو زيد بن نهشل 9/ 269
بنو زينب 2/ 375
بنو ساعدة بن أبي الزعباء 4/ 176، 15/ 189، 16/ 115
بنو سالم بن عوف 15/ 47
بنو سامة 10/ 203 - 204، 16/ 3 - 5
بنو سامة بن لؤي 18/ 155
بنو سجفاء 6/ 269
بنو سحمة 22/ 3 - 11
بنو سحيم 10/ 309، 11/ 46 - 56
بنو سدرة 8/ 165
بنو سدوس 3/ 146 - 210، 6/ 143 20/ 75، 23/ 35، 24/ 66
بنو سراة 14/ 321
بنو سعاد 15/ 117
بنو سعد 2/ 77 - 105، 3/ 274، 10/ 27 - 30 - 318، 11/ 114 - 134 - 135 - 197 - 199 - 235 - 317، 12/ 19 - 211 - 213 - 239 - 240 - 247 - 268 - 272 - 273 - 274 - 306 - 339، 14/ 71 - 73 - 157 - 326، 15/ 211، 16
/330 - 331 - 333، 17/ 90 - 320، 18/ 16 - 46 - 86 - 130 - 262، 19
/187، 20/ 176 - 379 - 392، 21
/26 - 29 - 326، 22/ 107 - 289
بنو سعد بن بكر 11/ 134، 23/ 224
بنو سعد بن ثعلبة 9/ 85
بنو سعد بن زيد 15/ 394، 24/ 213 - 214 - 216
بنو سعد بن عجل 19/ 106
بنو سعد بن فهم 24/ 101
بنو سعد بن مالك 6/ 129، 9/ 155، 10/ 152، 16/ 17، 22/ 234 - 235
بنو سفيان 11/ 112، 22/ 152
بنو سكين 3/ 81، 15/ 128
بنو سلامان 2/ 306 - 307 11/ 169، 12
/255 - 267 - 268 - 281، 14/ 4،
بنو سلامان بن سعد - أخو عذرة بن سعد - 14/ 2
بنو سلامان بن سعد بن الحاف بن قضاعة 14/ 2
بنو سلامان بن مفرح بن عوف 21/ 179 - 180 - 192 - 193
بنو سلمى 2/ 340، 15/ 41
بنو سلمة 1/ 42، 4/ 183 - 193 - 199 - 206، 15/ 183 - 189 - 235 - 303، 16/ 235، 17/ 126، 23/ 224
بنو سلمة بن لؤي بن نصر 20/ 336
بنو سليط بن يربوع 6/ 143، 8/ 16 - 27 - 387 - 388
بنو سلول 3/ 159، 11/ 268، 17/ 57 - 60 - 97
بنو سليم 1/ 25، 2/ 300 - 327، 3/ 223 - 271، 4/ 167، 5/ 11، 7/ 282، 9/ 161 - 163 - 164، 10/ 32 - 73 - 94، 11/ 152، 12/ 76 - 170 - 108 - 110 - 200 - 204 - 206 - 239 - 240 - 247 - 308، 14/ 125 - 160 - 306 - 312 - 315 15/ 77 - 79 - 88 - 103، 16/ 18 - 56 - 61 - 64 - 65 - 106 - 195، 18/ 75 - 89 - 212، 19/ 206، 20/ 44، 21/ 22، 22/ 70، 24/ 29
بنو سليمان بن علي 6/ 285
بنو السمين 11/ 222
بنو سنان 17/ 268، 24/ 63
بنو سنان بن خالد بن منقر 14/ 87
بنو سهم 1/ 62 - 63 - 67 - 68 - 172، 2/ 316، 3/ 351 - 352، 6/ 290 - 292، 12/ 106 - 107، 109 - 266، 14/ 310، 17/ 289 - 298 - 299، 18/ 123 - 125، 22/ 62،
بنو سهم بن مرة 14/ 1 - 2 - 3 - 5 - 6 - 8.
15/ 88
بنو سهيل 2/ 281 - 325
بنو سوار 16/ 22، 23/ 36
بنو السوداء 10/ 8
بنو سيار بن أسعد 9/ 155
بنو سيحان 2/ 242
بنو السيد 12/ 340 - 341
بنو سيطان 17/ 332
بنو شبابة بن فهيم 21/ 179
بنو الشريد 11/ 218
بنو الشظية 22/ 109
بنو الشعيراء 8/ 384
بنو شمخ 12/ 42، 15/ 87 - 90، 2/ 329
بنو شهاب 11/ 314
بنو شواحط 3/ 274
بنو شيبان 3/ 142 - 297، 4/ 22 - 27، 6/ 70، 7/ 110 - 111، 8/ 18 - 87 - 289 - 315 - 408، 9/ 153 - 155 - 156، 10/ 84 - 86 - 91، 11/ 283 - 316 - 332، 12/ 44 - 64 - 98 - 99 - 167 - 206، 14/ 78 - 131 - 258، 15/ 277 - 280، 16/ 264 - 355 - 356 - 358، 17/ 253، 19/ 186، 20/ 32 22/ 195 - 196، 327 - 331، 23/ 155، 2/ 125، 1/م - ت 30
بنو شيبان بن ثعلبة 24/ 66 - 69 - 71 - 76 - 94
بنو شيبة 8/ 229، 22/ 19
بنو شيطان 23/ 224
بنو شيم 12/ 341
بنو الصادر 10/ 16، 11/ 111، 18/ 75
بنو الصادرية 2/ 277
بنو صاهلة 21/ 169
بنو الصباح 23/ 17 - 18
بنو صبير بن يربوع 18/ 169 - 172 22/ 307
بنو صحب 8/ 63
بنو الصححة 11/ 206
بنو صخر 1/ 324 - 332 - 373
بنو صخر بن نهشل 9/ 269 - 270 - 271
بنو صخرة 17/ 127
بنو صرمة بن مرة 14/ 2 - 3 - 4 - 5 - 8
بنو صريم بن الحارث 8/ 384
بنو الصغد 2/ 253، 3/ 138
بنو الصلت بن النضر 21/ 104
بنو الصمّوت 3/ 272 - 273
بنو الصيداء 10/ 309، 17/ 139 - 244 - 246
بنو ضاهر 14/ 144 - 146 - 147 - 150
بنو الضباب 12/ 11 - 12، 21/ 19
بنو ضباري 15/ 346
بنو ضبة 2/ 105، 7/ 230، 9/ 268، 11
/294 - 316، 12/ 268 - 340، 16/ 332، 21/ 396، 24/ 163،
بنو ضبيس 12/ 239 - 241
بنو ضبيعة 3/ 197، 4/ 224، 6/ 131، 11/ 316، 15/ 189، 17/ 200
بنو ضبينة 15/ 6
بنو ضفر 4/ 225
بنو ضمرة 9/ 25، 11/ 112، 22/ 56 - 57 - 59
بنو الطاغية 22/ 338
بنو طاهر 10/ 51
بنو طسم 2/ 341، 3/ 125
بنو الطفيل 23/ 191
بنو طلحة 15/ 181
بنو طليق 18/ 199
بنو الطمّاح 2/ 311، 11/ 77
بنو طهية 8/ 74 - 79، 11/ 130 12/ 341، 17/ 220، 22/ 10
بنو طيء 2/ 99 - 125 - 296، 3/ 165، 12/ 10 - 14 - 42 - 131 - 271 - 272 - 279
بنو ظفر 3/ 4، 16/ 234 - 238، 12
/240
بنو عاد 3/ 53 - 121، 12/ 167
بنو العاص 13/ 218
بنو العاص بن أمير 10/ 124
بنو عاصم 9/ 325، 15/ 301، 21/ 291
بنو العاصي بن سعيد 4/ 180
بنو عاضدة 8/ 283
بنو عاضرة بن مالك 4/ 245
بنو عامر 2/ 2 - 3 - 6 - 8 - 9 - 15 - 29 - 34 - 41 - 52 - 53 - 63 - 72 - 87 - 269 - 300 - 93 3/ 2 - 81 - 138 - 272 - 273، 5/ 30، 6/ 89 - 134، 8/ 24 - 91 - 138 - 139 - 178 - 233 - 313، 10/ 317، 11/ 84 - 85 - 86 - 87 - 88 - 91 - 95 - 99 - 100 - 101 - 114 - 125 - 126 - 127 - 132 - 135 -
136 - 138 - 139 - 141 - 147 - 149 - 150 - 151 - 153 - 159 - 160 - 201 - 210 - 211 - 212 - 240، 12/ 9 - 11 - 12 - 19 - 20 - 21 - 170 - 200، 13/ 176، 15/ 51 - 192 - 334 - 360 - 377، 16/ 59 - 86 - 146 - 265 - 266 - 336، 17/ 60 - 61 - 256 - 257 - 259، 18/ 113، 22/ 55 - 56 - 60 - 69 - 238 - 239، 24/ 30 - 32 - 286
بنو عامر بن تيم اللّه 17/ 93
بنو عامر بن الحارث 15/ 380
بنو عامر بن حنيفة 10/ 71، 13/ 213
بنو عامر بن ذهل 17/ 117
بنو عامر بن ربيعة 13/ 203، 17/ 13 - 36، 22/ 63، 24/ 83
بنو عامر بن صعصعة 9/ 109 - 120، 10/ 15، 13/ 62 - 69، 14/ 146 - 326، 15/ 245 - 249، 17/ 56
بنو عامر بن عبد اللّه 21/ 255 - 265
بنو عامر بن عبد مناة بن كنانة 7/ 279 - 280 - 282 - 286 - 287
بنو عامر بن عقيل 13/ 3
بنو عامر بن لؤي 4/ 280 - 291 - 394، 6/ 265، 14/ 310، 17/ 154 - 271، 19/ 154، 20/ 295 - 296، 21/ 310، 22/ 62
بنو عامر بن موسر 13/ 71 - 72
بنو عامر بن يسار 7/ 95
بنو عامر بن يشكر 13/ 223
بنو عائذ 1/ 248، 11/ 364
بنو عائذ بن دوس 14/ 283
بنو عباد 5/ 41
بنو عبادة 11/ 208، 12/ 340 - 341 - 343، 23/ 9 - 10
بنو العباس 1/ 36، 3/ 293، 4/ 68 - 74 - 340 - 345 - 351 - 352، 6/ 173 - 224 - 284 - 341، 3/ 72 - 240، 8/ 180، 9/ 161 - 276، 10/ 77 - 88 - 92 - 235 - 239 - 251 - 259 - 265، 11/ 294 - 298 - 300، 13/ 69 - 177 - 349، 14/ 321، 15/ 373، 16/ 17 - 266، 17/ 329 - 330 - 335، 18/ 313، 20/ 84 - 85 - 94 - 144 - 145 - 180 - 345 - 390، 21/ 123، 23/ 74 - 154 - 212 - 213 - 248 24/ 237، 1/م - ت 13
بنو العبد 13/ 245، 2/ 145
بنو عبد الأشل 9/ 167
بنو عبد الأشهل 15/ 185 - 205، 17/ 124 - 127
بنو عبد بغيض 4/ 399
بنو عبد بن جشم 12/ 210
بنو عبد الدار 1/ 378، 2/ 328 15/ 190، 16/ 136، 22/ 62،
بنو عبد الرحمن 2/ 255
بنو عبد سعد 13/ 107
بنو عبد شمس 1/ 30، 2/ 242، 1/م - ت 30، 4/ 187 - 345، 11/ 293 - 294، 13/ 261، 16/ 46، 17/ 295 - 378، 18/ 128 - 267 - 285، 21/ 336، 22/ 62 - 261، 24/ 213،
بنو عبد العزيز بن الوليد 7/ 78
بنو عبد عمرو 8/ 22
بنو عبد القيس 3/ 2 - 3 - 4 - 192 12/ 327
بنو عبد القيس العامريون 20/ 357
بنو عبد اللّه 2/ 16 11/ 150، 20/ 207،
بنو عبد اللّه بن دارم 7/ 241، 21/ 286، 22/ 190
بنو عبد اللّه بن غطفان 9/ 198، 10/ 291 - 307 - 309 - 310
بنو عبد المطلب 4/ 172 - 173 - 182، 6/ 350 16/ 172،
بنو عبد المدان 11/ 380، 17/ 332، 20/ 32
بنو عبد مناة 12/ 341، 13/ 13، 22/ 62
بنو عبد مناف 1/ 260، 8/ 143، 14/ 129، 16/ 172 - 190، 21/ 116
بنو عبدود 19/ 204 - 205 - 206، 24/ 23 - 26 - 27
بنو عبد الوهاب الثقفيون 20/ 66
بنو عبس 2/ 158 - 161، 3/ 37 -
81 - 88 - 103 - 274 - 343، 5/ 21، 8/ 198 - 239 - 241، 9/ 223، 10/ 6 - 7 - 11 - 13 - 293 - 294 - 318، 11/ 90 - 91 - 131 - 132 - 138 - 144 - 145 - 146 - 148، 12/ 41، 15/ 51 - 267 - 268 - 340 - 342 - 343 - 344، 354، 17/ 181 - 182 - 184 - 190 - 192 - 200 - 203 - 204 - 208 - 228 - 242 - 265، 21/ 306 - 328
بنو عبيد 2/ 141 - 142، 6/ 333
بنو عبيد بن عويج بن عدي بن كعب 6/ 269
بنو عبيدة 15/ 346
بنو عتاب 11/ 52، 13/ 122، 24/ 38
بنو عتوارة بن جدي 12/ 176
بنو عتيبة 13/ 185
بنو عتير 21/ 156 - 158، 24/ 216
بنو عثمان 17/ 89
بنو عثوان 2/ 301
بنو عجل 4/ 9، 5/ 127، 9/ 87، 10/ 151 - 152 - 160، 13/ 21 - 129 - 131 - 133 - 341، 14/ 89 - 229 - 257، 17/ 268، 22/ 332 - 336 - 337، 24/ 51 - 71 - 75 - 77
بنو عجل بن لجيم 11/ 316 - 317 - 320، 20/ 134
بنو العجلان 4/ 139 - 241، 12/ 210، 22/ 238
بنو العجلان بن كعب بن ربيعة بن صعصعة 24/ 177 - 178
بنو عجيل 11/ 106
بنو عداد بن خفاجة 11/ 218
بنو العدان 14/ 218
بنو عدس 8/ 74، 11/ 100
بنو عدنان 1/م - ت 36 20/ 13،
بنو عدوان 3/ 89 - 91 - 92 - 93 - 96 - 103 - 104 - 108، 16/ 111 - 120، 21/ 128
بنو العدوية 8/ 22
بنو عدي 3/ 351، 4/ 134، 6/ 107 - 353 - 356، 7/ 244، 9/ 325، 12/ 340 - 341، 14/ 13 - 152 - 303، 17/ 155، 18/ 2 - 7 - 11 - 20 - 22 - 25، 20/ 216 - 236، 21/ 287، 22/ 62، 23/ 234
بنو عدي بن أخزم 22/ 190
بنو عدي بن جناب 17/ 227
بنو عدي بن الديل 22/ 346
بنو عدي بن فزارة 17/ 205
بنو عدي بن كعب 4/ 182 - 225، 15/ 21
بنو عدي بن النجار 4/ 191 - 192 - 195 15/ 41 - 49 - 195، 17/ 126
بنو عذرة 2/ 34 - 388 - 272 8/ 110 - 115 - 119 - 126 - 136، 12/ 46 - 255 - 268، 11/ 239، 19/ 197، 21/ 234،
بنو العشراء 17/ 192 - 207، 19/ 204
بنو عصب 7/ 298، 10/ 212
بنو عصيم 11/ 84
بنو عطارد بن عوف 13/ 192
بنو عطارد بن كعب 9/ 85
بنو عطيف 18/ 82
بنو عفار 4/ 159 - 198
بنو عقفان 13/ 41
بنو عقيل 2/ 3 - 70 - 73، 3/ 136 - 139 - 142 - 146 - 150 - 210 - 238 - 272، 5/ 20، 6/ 6، 8/ 156 - 167 - 180 - 383، 9/ 51، 11/ 144 - 212 - 219 - 221 - 224، 13/ 6 - 45 - 46 - 47 - 48 - 49 - 50، 14/ 13 - 321، 17/ 99، 18/ 25، 19/ 98 - 100 - 102 - 104، 21/ 251 - 338 - 340، 24/ 86 - 88 - 89 - 218.
بنو عقيل بن كعب 13/ 52 - 53
بنو عكّ 2/ 400
بنو العكابة 22/ 337
بنو عكرمة 22/ 109
بنو عكل 3/ 159 - 172، 12/ 340
بنو العلات 8/ 311، 12/ 17
بنو علاثة 23/ 191 - 224
بنو علاج 18/ 63
بنو علباء بن عوف 13/ 193 - 194 - 195
بنو علقمة 14/ 217، 17/ 5
بنو على 3/ 77، 13/ 142، 16/ 58 - 60
بنو عليا 12/ 108
بنو عليم 10/ 310، 19/ 204 - 205
بنو العم 3/ 257
بنو عمر 4/ 245
بنو عمر بن شيبان 6/ 147
بنو عمر بن معاوية 23/ 224
بنو عمرو بن أسد 8/ 312
بنو عمرو 7/ 144، 8/ 156، 11/ 318، 12/ 136 - 206 - 209 - 211، 19/ 9
بنو عمرو بن تميم 13/ 274
بنو عمرو بن الحارث 24/ 5
بنو عمرو بن شيبان 11/ 106
بنو عمرو بن عامر 7/ 3 - 4 - 274
بنو عمرو بن عمرو 15/ 83 - 281 - 295
بنو عمرو بن عوف 3/ 14 - 19 - 24 - 25 - 26 - 38 - 40 - 41 - 66 - 286 - 303، 4/ 225 - 241، 5/ 255، 14/ 170 - 173، 15/ 47 - 194
بنو عمرو بن غوث 14/ 385
بنو عمرو بن قريظة 17/ 120
بنو عمرو بن كلاب 11/ 138 - 222
بنو عمرو بن معاوية بن يزيد 11/ 138
بنو عمرو بن يربوع 8/ 398
بنو العنبر 23/ 22، 7/ 262، 17/ 141،
بنو عنزء 3/ 58 - 67
بنو العنقاء 9/ 339 - 340، 14/ 150 -
303، 22/ 130
بنو عوار 20/ 383
بنو العوّام 2/ 420، 9/ 331
بنو عوانة 15/ 394
بنو عوذ بن غالب 17/ 194 - 195
بنو عوف - من قبائل إسرائيل - 22/ 109
بنو عوف بن عامر 2/ 158 - 159 10/ 31، 11/ 210 - 214 - 215 - 216 - 217 - 218 - 221 - 225 - 234 - 235 - 241،
بنو عوف بن عقيل 13/ 72
بنو عوف بن عمرو 3/ 19 - 75 - 103، 15/ 77، 18/ 56 - 76 - 82 - 89 - 90
بنو عوف بن فهر 21/ 139 - 150
بنو عيد 15/ 301
بنو عيسى 14/ 125
بنو العيص 18/ 268
بنو عيلان 3/ 139 - 236، 12/ 11 - 12 21/ 19
بنو العين 14/ 72
بنو عيناء 19/ 27
بنو عيينة 2/ 335 - 336
بنو غاضرة 2/ 420 - 411، 11/ 374
بنو غالب 6/ 106 - 108 - 110 - 111 - 112 - 113، 10/ 293 - 394، 17/ 285
بنو غدان 11/ 117، 18/ 110
بنو غدانة بن يربوع 6/ 143، 8/ 295 - 385، 9/ 334، 21/ 400
بنو غسان 2/ 117 - 120، 12/ 11 - 15 - 16 - 133
بنو الغصيص 22/ 109
بنو غضارة 16/ 17
بنو غطفان 2/ 292 - 337، 3/ 18 - 19 - 77، 8/ 193، 9/ 81، 11/ 108 - 308، 12/ 211، 17/ 139 - 201 - 262
بنو غطيف 6/ 129
بنو غفار 3/ 37 - 38، 12/ 337، 16/ 116 - 117، 21/ 16
بنو غنم 3/ 125، 11/ 108، 18/ 54
بنو غنم بن ذودان 10/ 321
بنو غني 11/ 91 - 99
بنو غيظ بن مرة 10/ 293، 12/ 266 - 272
بنو فارس 4/ 412
بنو فاطمة 4/ 385
بنو فالح 18/ 232
بنو فائد 11/ 282
بنو فدوكس 12/ 198
بنو فراس 11/ 199، 16/ 56 - 61 - 65 - 68، 18/ 85
بنو الفريعة 15/ 120
بنو فزارة 3/ 88 - 93 - 274، 6/ 45 7/ 316، 9/ 96 - 97، 11/ 111، 12/ 193 - 197، 13/ 7 - 41 - 43
- 121 - 185، 14/ 58، 15/ 87 - 88 - 162، 17/ 157 - 158 - 192 - 193 - 194 - 200 - 203 - 208 - 230 - 231 - 262 - 263 - 266 - 267 - 296، 18/ 74، 19/ 201 - 202 - 204 - 207، 2/ 16 - 300 - 313 - 320 - 371 - 421
بنو فزاعة 12/ 172 - 173
بنو فقعس 10/ 318، 21/ 238
بنو فقيم 3/ 54، 12/ 73، 18/ 318، 21/ 349 - 368 - 381
بنو الفم 2/ 388
بنو فهد 22/ 237
بنو فهر 4/ 367 - 368، 5/ 11 - 21، 10/ 309، 16/ 178
بنو فهم 4/ 269، 21/ 147 - 171، 22/ 351
بنو قارب 10/ 6
بنو قاسط 13/ 140
بنو قبيل 2/ 401
بنو قتادة بن سكن بن قريط 24/ 193
بنو قتال 12/ 266 - 273 - 274، 2/ 289 - 301
بنو قتيبة 5/ 32
بنو قحطان 3/ 176 - 221 - 290 12/ 12، 14/ 253، 18/ 270 - 275، 20/ 35 - 176، 21/ 19، 2/ 413، 1/م - ت 36
بنو قديد 12/ 114
بنو قرة بن خفش 21/ 255، 8/ 138
بنو قرد 21/ 205 - 212
بنو قرط 11/ 151
بنو القرعاء 13/ 47
بنو القرم 24/ 41
بنو قريش 2/ 55 - 47 - 58 - 164 - 192 - 226 - 232 - 255 - 291 - 294 - 313 - 314 - 330 - 332 - 333 - 334 - 337 - 338 - 361 - 365 - 378 - 425 3/ 3 - 12 - 29 - 123 - 126، 8/ 64 - 81 - 88 - 132 - 260 - 269 - 288 - 328 - 329 - 332 - 346 - 387 - 398 - 420، 12/ 30 - 56 - 73 - 74 - 83 - 114 - 186 - 196 - 175 - 142 - 203 - 220 - 221 - 229 - 254 - 261 - 264 - 297 - 329 - 335، 16/ 85 - 260،
بنو قريظة 3/ 24 - 116، 17/ 118 - 119 - 120 - 124 - 125 - 127، 4/ 165، 22/ 107 - 108 - 109
بنو قريع 12/ 344، 13/ 187 - 195
بنو القريم 21/ 171، 24/ 102
بنو قسى 14/ 311
بنو قشير 5/ 25، 6/ 3، 7/ 157 - 158 - 160 - 161 - 162 - 180، 11/ 116، 13/ 195، 14/ 311، 21/ 345، 22/ 239، 24/ 38 - 39 - 63 - 88، 2/ 16 - 79 - 93
بنو قصي 13/ 160
بنو قضاعة 12/ 205
بنو قطن 9/ 233، 11/ 46 - 113، 18/ 86، 22/ 98 - 101
بنو قطن بن نهشل 9/ 269 - 270
بنو القعقاع 16/ 396 20/ 226، 23/ 115 - 123
بنو القعين بن عامر 7/ 287، 15/ 244
بنو قليع 14/ 385
بنو قيس 2/ 47 - 109 - 332 - 331 - 333 - 334 - 421 - 335، 3/ 62 - 90 - 101 - 139 - 206 - 213 - 219، 7/ 251، 9/ 324، 11/ 55 - 65 - 115 - 138 - 316 - 317، 12/ 23 - 46 - 198 - 200 - 203 - 205 - 207 - 250 - 249 - 209 - 314 - 294 - 276، 14/ 151، 15/ 235، 17/ 98 - 249 - 256 - 263 - 266 - 267 - 350، 18/ 140 - 266 - 267 - 295، 19/ 281، 121/ 389.
بنو قمير بن حبشة بن سلول 14/ 145
بنو قيس بن ثعلبة 6/ 128، 9/ 108 - 109 - 113 - 155 - 271، 10/ 159، 13/ 19 - 166 - 173 - 184، 15/ 4 - 256 - 259 - 262، 24/ 18
بنو قيس بن سعد 22/ 338 - 339
بنو قيس بن عامر 7/ 287
بنو قيصر 18/ 103
بنو قيظي 9/ 167
بنو قيلة 15/ 186
بنو القين 2/ 57، 3/ 82 - 205، 12/ 267، 13/ 3 - 11، 16/ 41 19/ 16 - 17 - 24، 21/ 22 - 127 - 137 - 147 - 353 - 398، 24/ 29
بنو قينقاع 3/ 19 - 25 - 41 - 116، 22/ 109
بنو كابية 3/ 66 - 67 - 68
بنو كاهل 9/ 85 - 86 - 91، 12/ 79 - 298
بنو كريز 22/ 15
بنو كسر الذهب 4/ 224
بنو كسرى 2/ 307
بنو كعب، 2/ 16 - 334 3/ 75 - 76 - 271 - 344، 5/ 25، 6/ 126، 7/ 88 - 233 - 331، 11/ 86 - 132، 12/ 170 - 198 - 207، 13/ 182 - 183 - 184 - 185 - 187، 14/ 13، 15/ 332 16/ 294 - 338، 24/ 88
بنو كعب بن أبي بكر الكلاب 10/ 14
بنو كعب بن سعد بن مالك 9/ 154 - 155
بنو كعب بن عمرو 18/ 110
بنو كعب بن فزاعة 9/ 181
بنو كلاب 1/م - ت 30 2/ 311، 8/ 179 - 233، 9/ 117، 11/ 79 - 86 - 152 - 157 - 206 - 215 - 222 - 223، 13/ 72 - 182 -
183 - 184 - 185 - 187، 15/ 345 - 347 - 362، 16/ 393، 20/ 142 - 143، 22/ 58 - 61، 24/ 46 - 86،
بنو كلاب بن ربيعة 11/ 132
بنو كلب 2/ 312 - 325 5/ 18، 7/ 48، 10/ 20، 12/ 46 - 276، 13/ 43 - 73 - 186، 16/ 39 - 49 - 322، 17/ 40 - 227 - 340 - 344 - 350، 19/ 15 - 16 - 18
بنو كليب 8/ 20 - 30 - 31 - 50 - 387، 9/ 333، 13/ 46 - 99، 21/ 375، 22/ 259، 24/ 210
بنو كنانة 1/ 324 - 327، 3/ 75 - 76 - 344 - 371، 4/ 175، 5/ 11، 7/ 104 - 287، 9/ 90 - 92، 12/ 119 - 207 - 301، 14/ 144، 15/ 180 - 181 - 200 - 201، 16/ 56 - 61 - 65 - 185، 17/ 228، 18/ 76 - 86، 19/ 284، 21/ 214 22/ 55 - 56 - 57 - 156
بنو كندة 12/ - 6 - 21 209
بنو كهلان 1/ 37، 14/ 277
بنو الكواء 14/ 277
بنو لأم عمرو 13/ 9 - 10، 17/ 266 - 269 - 374 - 372 - 370 - 373 -
بنو لأي 8/ 266
بنو لبنى 3/ 82، 21/ 219، 24/ 39
بنو لبيد 18/ 12
بنو لجأ 21/ 324
بنو لجيم 5/ 52، 11/ 56، 24/ 79
بنو لحيان 2/ 100، 4/ 228، 21/ 20 - 22 - 223 - 225 - 226،/22/ 59،
بنو لخم 2/ 106 - 352، 12/ 15
بنو لقيط 12/ 164
بنو لكيز 13/ 236
بنو لهب 12/ 71، 2/ 274
بنو لؤي 3/ 294، 11/ 117، 18/ 125
بنو ليث 1/ 248، 3/ 251 - 324 - 345، 4/ 195، 6/ 21 - 22، 7/ 321، 12/ 302، 13/ 274، 14/ 146، 15/ 337، 17/ 291، 21/ 13 - 16 - 163 - 212، 23/ 123
بنو ليلى 13/ 97
بنو ماء السماء 11/ 130، 17/ 329، 19/ 23
بنو مازن 2/ 266 - 295 - 293 - 300 3/ 62 - 63 - 64 - 65 - 69، 10/ 12، 11/ 217، 12/ 64، 15/ 226 - 230 - 231، 16/ 43 - 85 - 86، 17/ 99 - 194، 21/ 250، 22/ 270،
بنو مازن بن النجار 4/ 176 - 198 15/ 47،
بنو مازن بن مازن 22/ 233
بنو ماسكة 17/ 170
بنو مالك 3/ 25 - 26 - 59، 6/ 128، 9/ 23، 10/ 30 - 151 - 152 - 257، 11/ 374، 12/ 11 - 12 - 202 -
292 - 343 - 337، 13/ 213 14/ 146، 15/ 180 - 181، 16/ 65 - 73 - 80 - 81 - 285 - 286 - 288، 17/ 116 - 262، 19/ 183 - 192، 20/ 209
بنو مالك بن أدد 15/ 18
بنو مالك بن ثعلبة 22/ 81 - 82
بنو مالك بن جشم بن بكر 24/ 35
بنو مالك بن حسن 7/ 287
بنو مالك بن حطيط 7/ 95
بنو مالك بن ضبيعة 20/ 383
بنو مالك بن عامر الخارجية 15/ 380
بنو المأمون 10/ 60
بنو متيم 10/ 212
بنو مجاشع 3/ 257، 7/ 147، 15/ 222، 20/ 207، 21/ 286 - 379
بنو مجدا 8/ 312
بنو المجر 8/ 23
بنو محارب، 2/ 299 - 300 - 302 11/ 110 - 111
بنو محارب بن فهر 7/ 287، 13/ 192، 16/ 59
بنو محرز الضمري 1/ 332
بنو محمر 22/ 109
بنو مخزوم 1/ 34 - 36 - 41 - 154 - 171 - 200 - 251 - 314 - 378 - 412 - 417 - 27 - 28 - 110 - 276 - 281 - 311 - 317، 2/ 354 - 368 - 399، 4/ 141 - 163 - 187 - 201
209 - 218 - 246 - 359 - 399، 6/ 171، 9/ 53 - 56، 10/ 294 11/ 294 - 303، 13/ 209، 14/ 372، 16/ 71 - 187 - 188 - 198 - 306، 17/ 325، 18/ 123 - 199 - 200، 20/ 120 - 164 - 170 - 172 - 165، 21/ 236، 22/ 62 - 93
بنو مخزوم بن يقظة 15/ 20 - 148
بنو المدان 23/ 116
بنو مدركة بن خندف 22/ 54
بنو مدلج 1/ 375، 22/ 72
بنو مدلج بن مرة 22/ 346
بنو مذحج 16/ 329
بنو مذلج - عياش بن أبي ربيعة المخزومي - 7/ 287
بنو مرّ 11/ 306
بنو مراد 13/ 201، 16/ 239، 21/ 144
بنو مراد بن مذحج بن أدد 14/ 229
بنو المرار 18/ 85
بنو مرانة 22/ 109
بنو مرة 2/ 86 - 88 - 266 - 272 - 281 - 286 - 291 - 292 - 295 - 293 - 301 - 310 - 313 - 317 - 327 - 128 3/ 112، 8/ 260، 10/ 4 - 12 - 291 - 292 - 293 - 309، 11/ 5 - 105، 12/ 16 - 17 - 18 - 254 - 255 - 257 - 264 - 365 - 281، 13/ 19 - 33 - 35 - 42 - 43، 14/ 15، 15/ 80 - 87 - 88 - 89 -
97 - 98 - 100 - 101، 16/ 100 17/ 141 - 203، 19/ 194، 20/ 5، 21/ 215،
بنو مرة بن عوف 19/ 15
بنو مرثد 18/ 140، 22/ 109
بنو مرمض 24/ 110
بنو مروان 1/ 310 - 331، 2/ 8 - 289 - 313، 3/ 218، 4/ 249 - 255 - 428 6/ 60، 7/ 12 - 72 - 73 - 75 - 79 - 82، 10/ 83 - 273، 11/ 283 - 295، 12/ 203 - 256 - 273 - 290، 15/ 329، 16/ 304، 18/ 45، 19/ 131 - 196 - 197 - 203، 20/ 399، 21/ 334، 23/ 242.
بنو مرية 12/ 65
بنو مرينا 2/ 106، 9/ 80
بنو مزينة 2/ 268 3/ 75 - 303، 12/ 244، 16/ 109 - 325، 22/ 345،
بنو مسعود 8/ 13
بنو مسمع 2/ 331، 11/ 316 - 332
بنو مصى الانزع 13/ 160
بنو المصطلق 4/ 158، 17/ 291 - 292 - 294 - 299، 22/ 348 - 349
بنو مصعب 10/ 226، 20/ 12
بنو المضاض 22/ 118
بنو المضاف 18/ 286
بنو مضر 1/م - ت 37 3/ 153 - 154
- 162 - 221 12/ 205 - 18
بنو مطر 10/ 90 - 92، 13/ 156 19/ 39 - 283
بنو مطرود 12/ 110
بنو مطروق 22/ 107
بنو المطلب 4/ 195، 22/ 62
بنو معاذ 2/ 34
بنو معاوية 12/ 202، 22/ 109 - 348
بنو معاوية بن مالك 15/ 41
بنو معالة 4/ 174
بنو معبد 11/ 130
بنو المعتمر بن قطيعة بن عبس 17/ 192
بنو معد 2/ 47 - 269 - 336 - 413 3/ 176، 18/ 135، 23/ 18،
بنو معرض 14/ 284
بنو المعلى 11/ 322
بنو معن 4/ 25 - 26، 12/ 58 15/ 281
بنو معية 8/ 23
بنو المغيرة 9/ 56، 16/ 196، 20/ 166، 22/ 66
بنو المفضل 2/ 34
بنو مقاتل 11/ 121
بنو المقاعش 14/ 76 - 79، 20/ 375
بنو مقر 12/ 19
بنو المكارم 12/ 28
بنو مكة 15/ 360
بنو مكلم الذئب 20/ 138
بنو ملحم بن ذهل 13/ 20 - 105
بنو ملقط 17/ 266
بنو ملكان 18/ 20
بنو الملوح بن يعمر بن ليث 14/ 146، 22/ 72
بنو مليح 13/ 84
بنو مناف بن نهشل 9/ 269 - 270
بنو منبه 22/ 11
بنو المنتفق 8/ 156
بنو المنجاب 7/ 48، 13/ 240
بنو المنذر 11/ 47
بنو منقذ 8/ 23
بنو منقر 3/ 227 - 228، 14/ 79 - 87 - 89، 21/ 354 - 398
بنو المهالبة 1/م - ت 30
بنو مهرة 11/ 217
بنو المهلب 4/ 256، 14/ 285 - 293، 16/ 210، 21/ 345 - 346
بنو مؤلة 21/ 350
بنو موقد 12/ 76
بنو ميثاء 8/ 27
بنو ناج 3/ 91 - 92 - 103 - 104
بنو ناجية 3/ 257، 10/ 203 - 204 - 205، 16/ 3 - 190
بنو النار 4/ 176
بنو ناشب 10/ 12
بنو نبهان 8/ 28 - 233 - 245، 9/ 94 - 95، 12/ 42، 13/ 213، 14/ 384، 17/ 246 - 250 - 251 - 259 - 262 - 266 - 268
بنو النبيت 3/ 22
بنو نبيط - آل نبيط 17/ 165 - 166
بنو النجار 4/ 158 - 176، 9/ 337، 15/ 41 - 47 - 49 - 107 - 117 - 118 - 120 - 183 - 201، 16/ 36، 17/ 171، 18/ 41، 19/ 66، 21/ 370، 22/ 130
بنو نجر 3/ 221
بنو نزار 3/ 290، 19/ 55، 20/ 47، 24/ 37
بنو النسير 21/ 291
بنو نشبة 11/ 109، 12/ 281
بنو نصر 1/ 396، 2/ 411، 14/ 146 - 218 - 311 - 312 - 314، 15
/340، 17/ 262،
بنو نصر بن عمرو 12/ 137
بنو نصر بن قعين 11/ 82 - 252
بنو نصر بن معاوية 1/ 388 - 393 - 402 - 403، 4/ 367، 9/ 256، 10/ 5 - 18 - 27، 12/ 75، 22/ 55 - 60 - 63، 24/ 91
بنو نصر بن هوزان 1/ 350
بنو النضر 3/ 24 - 38 - 75 - 76 - 77 - 116 - 243، 11/ 306
بنو النضير 6/ 357 - 358، 14/ 316، 19/ 72، 22/ 107 - 108 - 109 - 132
بنو النعمان 3/ 67
بنو نعيم 23/ 36
بنو نفاثة بن الديل 21/ 163 - 165 - 166 - 223
بنو نفيل 17/ 259، 22/ 46
بنو النمر 12/ 205 - 209 - 210
بنو نمير 2/ 3 - 334 - 3/ 159 - 272 - 73، 8/ 30 - 31 - 83 - 163، 9/ 9 - 51، 11/ 81 - 86 - 137 - 138 - 160، 13/ 184 - 185 - 186 - 187، 14/ 108، 16/ 310 17/ 255 18/ 210 19/ 198 22/ 58 - 61 - 219 - 238، 24/ 23 - 24 - 207 - 246،
بنو النهار بن أبي ربيعة 16/ 264
بنو النهاري 3/ 160
بنو نهد 12/ 27 - 33، 15/ 223، 16/ 336، 23/ 130
بنو نهشل 3/ 54، 8/ 45، 10/ 151 - 152، 11/ 113، 13/ 22 - 23 - 92، 22/ 335، 23/ 130
بنو نهيك 18/ 227
بنو نوفل 3/ 45 - 276 - 278، 7/ 51 - 54، 8/ 346، 9/ 315، 11/ 293، 17/ 295، 20/ 6
بنو نوفل بن الحارث 1/ 301 - 302، 4/ 226 - 370
بنو نوفل بن عبد مناف 22/ 62 - 190
بنو هارون 14/ 317
بنو هاشم 3/ 158 - 220 - 243 - 300 - 306 - 307 - 309 - 457، 4/ 29 - 182 - 194 - 195 - 307 - 344 - 370
377، 6/ 15 - 273، 7/ 146 - 230 - 236 - 237 - 240 - 243 - 251، 9/ 15 - 19 - 173 - 175 - 263، 10/ 48 - 60 - 64 - 70 - 88 - 191 - 198 - 258، 11/ 334، 12/ 66 - 88 - 104 - 218 - 221 - 222 - 225 - 229 - 232 - 333، 13/ 279 - 309، 14/ 128 - 129 - 219، 15/ 267 16/ 3 - 24 - 46 - 131 - 134 - 135 - 152 - 153 - 157 - 171 - 180 - 187 - 191 - 233 - 262 - 368، 17/ 1 - 4 - 16 - 19 - 29 - 36 - 37 - 115 - 289 - 290 - 291 - 292 - 294 - 299 - 327، 18/ 173 - 226 - 232، 19/ 7 - 82 - 168 - 180 - 285، 20/ 6 - 77 - 181 - 246 - 310 - 390 - 416، 21/ 53 - 71 - 121 - 252، 22/ 62 - 73، 23/ 14 - 106، 2/ 229 - 269 - 294 - 323
بنو الهجيم 8/ 52، 11/ 259، 21/ 43
بنو الهدا 3/ 300
بنو هذيل 3/ 83 - 85، 12/ 106 - 107 - 108 - 109 - 110 - 314 - 318
بنو هذيم 12/ 267 - 268
بنو الهرة 11/ 215
بنو هرقل 1/ 329، 2/ 307
بنو هرم 16/ 293
بنو هزان 8/ 22، 11/ 116
بنو هشام، 2/ 255 3/ 328، 8/ 387،
11/ 282 - 293 - 294 - 295 - 314
بنو هصيص 1/ 97، 4/ 209، 15/ 264
بنو الهطف 21/ 210
بنو هف 22/ 107
بنو هلال 1/ 17، 2/ 307، 3/ 80، 8/ 64، 10/ 30، 11/ 86، 12
/301، 13/ 64 - 210 - 214، 14/ 264 - 311، 15/ 100، 17/ 188، 18/ 217، 20/ 16 - 207، 22/ 58 - 332 - 335،
بنو هلال بن عامر بن صعصعة 22/ 63 24/ 148
بنو هلال بن عصم 23/ 130
بنو همام 9/ 154، 24/ 77
بنو همذان 2/ 418 - 424 5/ 11،
بنو هناء 14/ 290
بنو هند 11/ 44، 14/ 321، 18/ 266
بنو هوزان 2/ 47، 16/ 85 - 86
بنو الهون 15/ 180
بنو الهون بن خزيمة 17/ 291
بنو وائل 3/ 24، 5/ 32، 10/ 301، 14/ 93
بنو وابش 3/ 93، 24/ 213
بنو واثلة 3/ 103
بنو وازن 9/ 234
بنو واسع 15/ 118
بنو واقف 3/ 24
بنو والبة 13/ 185
بنو وبر بن كلاب 2/ 299، 11/ 112
بنو الوحيد 16/ 286، 17/ 259، 22/ 239
بنو الوخم 6/ 135
بنو ويعران 2/ 190
بنو يربوع 2/ 105 - 314 3/ 175 - 257، 6/ 143، 8/ 5 - 76 - 83 - 295، 9/ 220، 12/ 111 - 272 - 274 - 341 - 343، 13/ 197، 14/ 78، 15/ 299 - 305 - 307، 18/ 171، 21/ 282،
بنو يربوع بن سمّاك بن عوف 10/ 32
بنو يربوع بن غيظ بن مرة 10/ 16 - 47، 11/ 94 - 109
بنو يزيد بن هلال 8/ 266
بنو يشكر 5/ 52، 11/ 42 - 48 - 316 - 320 - 321، 12/ 42 - 229، 13/ 197، 14/ 77، 22/ 332، 24/ 71 - 160
بنو يعصر 12/ 206
بنو يقظة 18/ 200
بنو اليمن 12/ 199
بهراء 9/ 80
بيشة 11/ 214
ت
التابعون 7/ 174، 18/ 149، 19/ 18،
23/ 242
تبع 18/ 85
الترك 3/ 183، 7/ 260، 13/ 82 - 105، 20/ 128
الترابية 17/ 148
تغلب 5/ 42 - 55 - 136، 10/ 90 - 94، 11/ 42 - 43 - 44 - 45 - 46 - 47 - 49 - 52 - 53 - 54 - 58 - 100، 13/ 187، 392،/120 - 392 16/ 49، 19/ 18 - 19 - 198، 24/ 4 - 34 - 38 - 22 - 41 - 94 - 96
تميم 10/ 73، 11/ 44 - 46 - 55 - 101 - 134 - 139 - 163 - 254، 13/ 23 - 185 - 356، 15/ 293، 18/ 16 - 20 - 21 - 184 - 190 - 281، 19/ 65 - 71 - 72 - 84 - 129 - 184 - 192،
20/ 173 - 406، 21/ 25 - 46 - 284 - 293 - 310 - 325 - 326 - 335 - 336 - 337 - 382 - 385 - 381 - 388، 22/ 100، 22/ 18 - 23
تميم بن مرّ 11/ 259، 21/ 335
تنوخ 13/ 81 - 82، 22/ 118
التيابين 17/ 20
تيم 7/ 263 - 268، 15/ 16 - 19 - 200 - 268، 21/ 239 - 334، 24/ 112
تيم قريش 10/ 20
تيم اللات بن ثعلبة 10/ 92، 11/ 316، 13/ 80
تيم بن مرة 11/ 367
التيماء 13/ 10
التيميون 6/ 13
ث
الثرماء 11/ 150
ثعلبة 11/ 42 - 125 - 138
ثعلبة بن حنظلة 22/ 335
ثقيف 4/ 120 - 122 - 125 - 137 - 154 - 302 - 303 - 305 - 307 - 309 - 317 - 321 - 6/ 59 - 94 - 199، 7/ 6 - 95، 10/ 30 - 60، 13/ 203 - 206، 17/ 344، 18/ 63 - 169 - 177 - 194 - 204 - 179 - 197 - 260 - 307 - 308، 19/ 3 - 6،
20/ 70 - 71، 21/ 130، 22/ 4 - 57 - 60 - 63 - 69، 23/ 162 - 217
الثقفيون 20/ 61
ثمالة 10/ 35 - 36، 17/ 297 21/ 143 - 147 - 216 - 217 - 218 - 219
ثمود 4/ 302 - 303 - 305 - 307، 16/ 167، 17/ 44
ج
جابر 13/ 70
الجاهلية 17/ 30 - 117
جبلة 11/ 137 - 138 - 139
جديس 11/ 165 - 166 - 167
جديلة 13/ 10
جديلة قيس 18/ 150
جذام 1/ 28 - 322، 11/ 10 - 81، 17/ 226، 18/ 226،
جذيمة 21/ 333
الجراجمة 17/ 313
الجراسانية 20/ 412
الجرامقة 20/ 412
الجردة 15/ 14
جرم 13/ 93، 17/ 251، 18/ 110، 22/ 125 - 139
جرهم 11/ 119، 15/ 17 - 25، 17/ 288 - 292 - 293 - 300،
19/ 68 - 78
الجزارين 9/ 175
جشم 6/ 89، 11/ 57، 19/ 16
الجعافر 11/ 159
جعدة 5/ 1 - 11 - 13 - 19 - 20 - 25، 24/ 88
جعفر 15/ 211
الجعفرية 17/ 20
الجعفريون 15/ 363 - 365
جناب 19/ 20 - 198، 24/ 27 - 30
الجند 13/ 241
الجند الخراسانية 20/ 188
جند الشام 7/ 169
جهينة 6/ 354 17/ 89 - 121، 19/ 244
جؤاثا 15/ 257
ح
حاء 13/ 79
الحارث بن سعد 13/ 82
الحارثيون 13/ 50، 20/ 32
حاشد 6/ 48
الحاطبيون 19/ 147
الحبشة - اهل الحبشة - 17/ 44
الحبطات 20/ 142
الحت قبيلة من كندة 9/ 343
الحجازيون 19/ 288
حجد 21/ 234
حجل 19/ 24
الحرقة 14/ 6
الحرورية 11/ 116، 23/ 8
الحريش 24/ 88
الحشوية 10/ 217
حضر موت 17/ 139
حلف الفضول 17/ 283 - 284 - 287 - 288 - 289 - 291 - 292 - 293 - 294 290 - 295 - 296 - 297 - 299 - 300 -
حلفاء قريش 17/ 294
الحليفيون 10/ 15
الحمادون 14/ 322
الحماس 10/ 39
الحمراء 17/ 137
حميد 11/ 145
حمير 6/ 8 - 12 - 42 - 148 - 209
13/ 83 - 93، 17/ 305 - 310، 18/ 91 - 92 - 266 - 284 - 254 - 255 - 278 - 290، 19/ 87، 20/ 209 - 225، 21/ 337 22/ 118
الحناطين 9/ 175
الحنطبيين 4/ 338
حنظلة 11/ 141، 18/ 21
الحنفيون 19/ 108
حنيفة 11/ 46 - 56، 21/ 34، 24/ 88 - 37
حوتكة 13/ 82
خ
خثعم 6/ 56، 10/ 36، 11/ 245، 13/ 58 - 203 - 204 - 209 - 211 212 - 213 - 214 - 216، 15/ 208 - 209، 17/ 97 - 139 - 284، 18/ 76 - 86، 20/ 379 - 385، 21/ 141 - 142 - 143 - 144 - 147 - 161 - 162، 22/ 1 - 3 - 110
الخدعة 18/ 129 - 130
خدرواء 13/ 55
خزاعة 4/ 288 - 308، 6/ 173 - 352، 9/ 11 - 34، 10/ 168، 13/ 62، 15/ 17، 18/ 268 - 272 - 322، 19/ 115، 20/ 130 - 131 - 152 -
161 - 138 - 143 - 152 - 158 - 165 - 179، 21/ 20 - 22، 22/ 59 - 110، 23/ 230
الخزر 20/ 180 - 263، 23/ 105
الخزرج 3/ 2 - 7 - 8 - 9 - 11 - 24 - 25 - 39 - 40 - 41 - 42 - 116، 6/ 358 - 359، 11/ 27 - 180، 16/ 42 - 45 - 48 - 226 - 237، 17/ 118 - 119 - 120 - 121 - 123 - 124 - 125 - 126 - 171 - 172 - 261، 19/ 62 - 72، 21/ 139، 22/ 2 - 107 - 110 - 111
خزيمة 18/ 266
الخشبية 6/ 50، 7/ 77
الخضارمة 17/ 313
خطام 11/ 132
خفاجة 11/ 231، 17/ 261، 20/ 385
خنابرين 24/ 71
خندف 7/ 81، 11/ 202 - 371، 13/ 37 - 166 - 184، 18/ 326
20/ 208 - 209 - 407، 21/ 335
الخوارج 12/ 94 - 95، 6/ 54 - 55 - 142 - 143 - 145 - 147 - 150، 7/ 259 - 265 - 276، 10/ 10 - 243، 18/ 110 - 115 - 116 - 117 - 342، 19/ 115 - 123، 23/ 8 - 223 - 247 - 248
خولان 19/ 68
د
دارم 6/ 45، 10/ 152، 11/ 145 21/ 284
الدهريون 3/ 147
دوس 13/ 218 - 219 - 220 - 221 - 222 - 223
الدوسر 24/ 62 - 64
الدولة الأموية 4/ 309، 13/ 58 - 84 - 276 - 351، 14/ 217 - 263 - 321 - 382 17/ 108، 20/ 1 - 339، 24/ 10،
الدولة العباسية 4/ 309 - 344 - 359 - 408، 13/ 337 - 109 - 140 - 175 - 276 - 337، 14/ 51 - 92 - 131 - 321 - 364 - 17/ 1 - 258، 18/ 100 - 311، 19/ 31 - 74 - 261، 20/ 1 - 44 - 78 - 144 - 329، 23/ 123،
الدولة الهاشمية 14/ 162
الديلم 6/ 3 - 34 - 35 - 36، 10/ 168، 13/ 165
ذ
ذبيان 10/ 293 - 296 - 297 - 298، 11/ 139 - 159 - 161 - 162 - 163، 13/ 104 - 107، 19/ 197
ذهل بن شيبان 24/ 75 - 77
ذو كلع 24/ 39
ذويمان 20/ 180
ر
الراشد 17/ 35
الرافضة 23/ 213
الرباب 10/ 127، 11/ 133، 161 - 318، 13/ 187، 16/ 330 - 333، 18/ 16 - 21 - 46
ربيع 21/ 306
ربيعة 5/ 1، 6/ 129، 10/ 86 - 151 - 152 - 218، 11/ 114 - 120 - 145 - 266 - 331، 13/ 94 - 95 - 121 - 122، 15/ 255 - 256، 17/ 152 - 153، 18/ 114 - 212 - 215 - 216، 19/ 107، 20/ 14 - 48، 21/ 33 - 333 - 394، 22/ 339، 24/ 40 - 76 - 93 - 253 - 260
ربيعة بن عامر 18/ 14
رجاز الإسلام 20/ 345
رسان 9/ 52
رعل 18/ 110
رعين 10/ 34
رقاش 11/ 290، 23/ 155
رهط ابن بحدل 24/ 35
رواثا 15/ 257
الروافض 10/ 207 - 230
الروم 1/ 82 - 378 - 379 - 386، 3/ 276 - 277، 4/ 105، 6/ 279 - 306 - 346 - 348 - 349 - 354 - 355، 9/ 266، 10/ 148، 11/ 66 - 234، 12/ 98 - 202، 13/ 146، 15/ 21 - 167 - 168 - 341، 16/ 195، 17/ 210 - 250، 18/ 123 - 239 - 240 - 314 - 319، 20/ 180 - 217، 21/ 328، 22/ 108 - 298، 23/ 105، 24/ 197،
رياح 13/ 128
الرياحيون 18/ 171 - 172
ز
زبيد 10/ 13، 15/ 210 - 211 - 212، 18/ 86، 20/ 158
الزبيدون 14/ 242
الزط 10/ 154، 15/ 256
زعبل 10/ 39، 21/ 19
الزنادقة 4/ 35، 14/ 328 - 353
الزندين 14/ 278
زيد 18/ 110
زيد مناة 23/ 155
الزيدية 4/ 6
الزينبيون 13/ 129.
س
الساعديين 23/ 227
سامة بن لؤي 23/ 213
السبخة 15/ 181
السبيع 9/ 13
سحمة 11/ 138
سخينة 22/ 60 - 61
سعد 10/ 76، 11/ 117 - 139، 13/ 104 - 187، 17/ 262
سعد بن بكر 22/ 63
سعد بن عجل 11/ 106
سعد هذيم 24/ 141 - 162
السغد 11/ 333
السكون 13/ 5 - 6
سلامان - من سعد هذيم - 24/ 162
سلامان بن مفرج 21/ 189
السلميون 15/ 89
سلهم 19/ 68
سلول 6/ 315 - 322، 17/ 93 - 94 - 96 - 98
سليح بن عمرو بن قضاعة 13/ 82
السليل 21/ 314
سليم 6/ 148 - 354، 10/ 32 - 33، 11/ 156، 17/ 89 - 267، 18/ 76 81 - 82 - 85 - 86 - 110، 19/ 197 - 198، 22/ 69
السماطيين 8/ 324
السمينة 3/ 147
سنبس 13/ 10
السهليون 9/ 56
سهم 18/ 124، 19/ 194
السودان 19/ 161
السيابجة 15/ 256
سيار 21/ 172
ش
شبيب 21/ 239
شذاذ 13/ 23
الشراة 3/ 49، 7/ 246 - 273، 6/ 107 - 140 - 143 - 144 - 145 - 146 - 147 - 149 - 150، 10/ 243، 11/ 375 - 376، 18/ 108 - 109 342، 19/ 113 - 114 - 115، 20/ 126 - 397، 23/ 227 - 235 - 246 - 248 - 250
الشريف 9/ 9
شعب ابن عامر 15/ 13
الشعراء 19/ 43
شعراء الإسلام 20/ 329
شعراء الجاهلية 17/ 117، 18/ 174
شعراء الدولة الأموية 17/ 108
شعراء العرب 17/ 266
شعراء مضر 17/ 1 - 2 - 9
شعراء اليمن 17/ 1 - 2
شمخ 15/ 101
شنؤة 10/ 17، 13/ 201 - 216
الشهباء 24/ 62 - 64، 2/ 146
شيبان 7/ 112، 11/ 44 - 49 - 63
13/ 105 - 106، 19/ 184 - 281، 21/ 300، 22/ 89
الشيعة 10/ 205، 17/ 135، 20/ 120،
- 142 - 149
الشيعة الخراسانية 20/ 14
ص
الصائبون 17/ 59
الصبيريون 18/ 171
الصحابة 18/ 33، 19/ 138
صداء 19/ 15 - 17، 21/ 337
صرى 11/ 119
الصعاليك 20/ 136
الصقالبة 20/ 314
الصماصمة 15/ 211
الصناجة 22/ 265
الصهبيين 14/ 121 - 122
الصيداويون - بنو صيداء
ض
1 الضباب 17/ 259
ضبة 13/ 187
ضبة بن الحارث 24/ 162
ضبيعة اضجم 24/ 260
ضبيعة بن ربيعة 24/ 260
ضبيعة بن عجل بن لجيم 24/ 260
ضبيعة بن قيس بن ثعلبة 24/ 260
ضمرة 22/ 98
ط
الطاهرة 20/ 156
طسم 9/ 52، 11/ 103
الطنبوريون 19/ 289
طيء 10/ 292، 11/ 107 - 159 - 165 - 168، 13/ 10 - 11، 15/ 354،
16/ 235 - 383، 17/ 99 - 182 - 245، 18/ 267، 19/ 4 - 64 - 65 - 66 - 271، 20/ 34 - 130 - 357، 21/ 90 - 202 - 243، 22/ 89 - 132 - 187، 24/ 53 - 248
ع
عائذ باللّه 11/ 367
العابدون 24/ 56
عاد 6/ 42، 10/ 161، 19/ 68، 21/ 93
عادية بن عامر بن قداد 11/ 138
عامر 6/ 315 - 322، 10/ 38، 11/ 143 - 145، - 158 - 161، 13/ 104، 19/ 197، 23/ 155، 24/ 26 - 27
عامر عوثبان 18/ 110
عاملة 13/ 82
عباد الحجاز 19/ 217
عبادة 11/ 222
العباديون 11/ 261
العباسيون 19/ 220
عبد أمية 11/ 293
عبدان 15/ 189
عبد شمس 7/ 50 - 51 - 54 - 81، 11/ 297 - 303 - 307، 13/ 169، 17/ 14 - 290، 18/ 135، 22/ 10
عبد القيس 4/ 122 - 137، 5/ 1، 6/ 50 - 147 - 148، 11/ 321، 13/ 41 - 59 - 94 - 59 - 94 - 95، 15/ 207 - 258 - 391 - 255 - 392.
18/ 265، 19/ 301، 20/ 128، 22/ 10 - 11 - 12 - 228، 23/ 157، 24/ 261
عبد اللّه 21/ 93
عبد المدان 23/ 97
عبد مناف 6/ 353
العبديون 19/ 204
عبس 10/ 293 - 295 - 296 - 297 - 319 11/ 95 - 117 - 253 - 318، 13/ 104 - 107 - 248 - 249 - 251 - 252 - 256 - 257 - 259 - 260 - 266 - 263 - 372 - 375 - 392 - 396، 19/ 198، 20/ 217، 23/ 10 - 172، 24/ 85
العبلات 1/ 209
العتيك 13/ 91
عجرد 11/ 290
عجل 15/ 259، 21/ 284
العجم 1/ 250، 3/ 138 - 139 - 156، 4/ 411 - 412 - 422، 5/ 79، 6/ 12 - 211 - 291 - 334 - 343، 10/ 73، 13/ 246، 15/ 217 18/ 338، 19/ 81، 20/ 98 - 188 - 229، 1/م - ت 11 - 12
عجم عمان 20/ 75
عدس 5/ 1
عدنان 13/ 79، 15/ 161، 17/ 1 - 36، 20/ 20 - 208، 24/ 15
عدوان 18/ 150، 22/ 60 - 351 - 352
عدي 7/ 263، 18/ 16 - 19 - 41، 19/ 84
عذرة 11/ 169 - 170، 13/ 42 - 82، 17/ 384، 19/ 194، 20/ 93، 22/ 135 - 139
عذرة بن سعد 21/ 236، 24/ 162
العراقيين 14/ 151، 18/ 323
العرب 1/ 2 - 13 - 74 - 114 - 302 - 324 - 367 - 378، 4/ 106 - 122 - 123 - 124 - 136 - 137 - 147 - 151 - 155 - 170 - 172 - 179 - 184 - 265 - 303 - 307 - 367 - 411 - 412 - 5/ 19 - 62، 13/ 3 - 13 - 16 - 22 - 25 - 64 - 92 - 93 - 102 - 158 - 160 - 169 - 173 - 196 - 205 - 206 - 209 - 246 - 263 - 267 - 271 - 275 - 322 - 324 - 325 - 350، 17/ 1 - 2 - 121 - 122 - 136 - 166 - 226 - 252، 18/ 170 - 277 - 338، 19/ 1 - 17 - 18 - 21 - 43 - 115 - 121 - 130 - 141 - 142 - 184 - 209، 20/ 15 - 18 - 20 - 23 - 41 - 42 - 54 - 77 - 98 - 136 - 144 - 211 - 216 - 222، 1/م - ت 11 - 12 - 13 - 31 - 32 - 34
عروة 11/ 222
عرينة 11/ 137 - 138 - 189
عساف 13/ 79
عشيرة النبي صلّى اللّه عليه وسلّم 4/ 202
العصاة 7/ 6
عقيل 11/ 238 - 245
عقيل بن كعب 6/ 243
العقليون 13/ 50 - 52
عكابة 11/ 116
عكل 10/ 73، 11/ 138، 14/ 248، 18/ 16، 21/ 240 - 241 - 245 - 237
علاف 13/ 83
العلويون 19/ 275، 20/ 164
عليم 24/ 34
العليميون 19/ 204
العماليق 17/ 90، 22/ 107
العمانية 21/ 346
عمر كندة 13/ 79 - 80
عمرو 18/ 16، 21/ 326
عمرو بن مر 18/ 110
عنزة 4/ 1 - 3 - 26 - 32 - 120، 10/ 71، 13/ 80، 15/ 259، 17/ 391 - 394، 24/ 260
العنس 22/ 69
العواتك 24/ 178
العوص 21/ 136 - 137 - 138 - 141 - 142 - 160، 24/ 34
عوف 19/ 24 - 198، 21/ 189
عوق 13/ 91
عيلان 5/ 1
عين غربة 9/ 9
غ
غالب 11/ 145 - 301
غدانة 13/ 128
غزالة 20/ 314
غزية 10/ 8 - 9 - 16 - 28
غسان 9/ 337، 10/ 73، 11/ 12 - 15 - 19 - 47 - 48 - 49 - 117، 15/ 158، 17/ 120، 18/ 112، 19/ 20 - 267 - 268، 20/ 229، 22/ 83 - 110 - 117
غطفان 10/ 4 - 5 - 11 - 12 - 15 - 299 - 306 - 309 - 312، 11/ 4 - 22 - 93 - 94 - 96 - 98 - 104 - 108 - 111 - 132 - 142 - 160، 19/ 15 - 16
21/ 209
غفيلة 6/ 139
غني 11/ 78 - 79 - 81 - 90 - 125 - 127 - 138 - 149 - 158، 13/ 35، 17/ 5 - 256 - 257، 23/ 109
الغوث 13/ 10
غوغاء أهل بغداد 20/ 150
غيفارا 1/ 349
ف
فارس، 3/ 16 - 184 - 276، 12/ 209 - 228 - 308
فاعط 20/ 129 - 138
فتيان 11/ 138
فحول الشعراء 17/ 82
الفراء 19/ 137 - 151
الفرس 2/ 146، 3/ 276 - 277، 6/ 209 - 210 - 212 - 280 - 345، 10/ 43، 11/ 313 - 378 - 379 - 390، 13/ 205، 15/ 218، 16/ 79، 17/ 215 - 312 - 313، 19/ 3 - 4 - 7 - 9 - 10، 21/ 9 - 25، 24/ 72،
1/م - ت 11 - 13
فروة 18/ 86
فزارة 10/ 6 - 11 - 12، 11/ 117 - 125، 19/ 185 - 201 - 202 - 203 - 204 - 206، 20/ 173
الفزاريين 9/ 197 - 212
فقعس 21/ 232 - 246
الفقهاء والاشراف 17/ 112
فقيم 21/ 352
فهر 7/ 6 11/ 296، 20/ 364
فهر بن مالك 21/ 104 - 128 - 141 - 220 - 221 - 377
فهم 7/ 286، 22/ 60، 24/ 101 - 102
ق
قبائل اليمن 9/ 82، 20/ 120 - 186
قتيلة 1/ 42
قحطان 6/ 59، 11/ 27، 15/ 161، 17/ 1 - 36، 18/ 114، 19/ 267 - 268، 20/ 20 - 99 - 105 - 115، 22/ 12 - 82
القحطانية 20/ 120
القدرية 20/ 252
القرشيين 4/ 167 - 212، 18/ 332، 19/ 139
قريش 1/ 17، 4/ 15 - 122 - 123 - 124 - 37 - 139 - 140 - 171 - 172 - 173 - 174 - 175 - 176 - 177 - 179 - 180 - 181 - 182 - 183 - 184 - 185 - 186 - 187 - 193 - 195 - 205 - 206 - 208 - 209 - 213 - 230 - 250 - 272 - 276 - 282 - 317 - 367 - 368 - 369 - 408 - 426، 5/ 29 - 65 - 108، 6/ 25 - 60 - 94 - 96 - 105 - 106 - 173 - 269 - 273 - 282 - 289 - 290 - 291 - 292 - 303 - 343 - 345 - 350 - 351 - 352 - 354 - 355 - 356 - 357 - 358، 7/ 19 - 82 - 107 - 116 - 119 - 123 - 125 - 126 - 133 - 261 - 286، 9/ 11 - 20 - 22 - 36 - 49 - 50 - 51 - 52 - 53 - 55 - 67 - 125 - 126 - 134 - 139 - 173 - 175 - 198 - 209 - 219 - 236 - 342، 10/ 27 - 123 - 154 - 203 -
205 - 206 - 237 - 257 - 319 - 321 11/ 67 - 92 - 125 - 174 - 178 - 180 - 183 - 282 - 293 - 203، 13/ 32 - 38 - 169 - 200 - 206 - 209 - 218 - 219 - 297 - 291 - 240، 15/ 5 - 9 - 19 - 20 - 21 - 26 - 29 - 38 - 55 - 66 - 107 - 112 - 124 - 125 - 134 - 148 - 154 - 178 - 179 - 180 - 181 - 182 - 185 - 186 - 232 - 243 - 187 - 189 - 191 - 192 - 194 - 196 - 200 - 202 - 209 - 238 - 288 - 332 - 375 - 339 - 387 - 389 - 340 - 374، 16/ 3 - 7 - 11 - 36 - 46 - 59 - 82 - 93 - 131 - 133 - 143 - 156 - 158 - 167 - 175 - 183 - 187 - 194 - 230 - 238 - 261 - 269 - 274 - 287 - 305 - 319 - 326، 17/ 6 - 13 - 56 - 88 - 91 - 101 - 146 - 157 - 172 - 269 - 280 - 281 - 288 - 291 - 293 - 298 - 299 - 311 - 312 - 323 - 327 - 345، 18/ 122 - 125 - 265 - 266 - 269 - 274 - 282 - 284 - 285 - 286 - 318 - 199 - 254 - 263 - 272 - 277 - 322، 19/ 63 - 67 - 68 - 69 - 70
- 72 - 107 - 125 - 146 - 147 - 157 - 159 - 166 - 209 - 278، 20/ 1 - 12 - 18 - 42 - 77 - 156 - 203 - 296 21/ 21 - 22 - 33 - 99 - 104 - 112 - 114 - 201 - 212 - 293 - 310 - 323 - 335 - 349 - 370 - 376 - 395، 22/ 19 - 53 - 54 - 55 - 56 - 57 - 62 - 63 - 70 - 323، 23/ 15 - 213 - 214 - 230، 24/ 181 - 198
قريش البطاح 20/ 237
قريش الحجاز 18/ 278
قريش العازية 10/ 205
قريم 21/ 172، 22/ 349
قسر 22/ 2 - 3 - 11 - 12 - 19 - 20
قشير 19/ 103، 21/ 245
قصي 22/ 60، 18/ 232
قضاعة 11/ 45 - 46 - 217، 13/ 3 - 88، 16/ 110 - 141 - 329، 17/ 139، 19/ 21 - 23 - 29 - 198 - 203، 20/ 93، 21/ 337 - 385 - 398، 22/ 5، 24/ 33 - 34 - 37 - 40 - 61 - 215
قطيعة 11/ 138، 20/ 158
القعد 20/ 177
القنان 15/ 352
قوران 11/ 57
قوم الحصين 14/ 248
قوم قيس بن عاصم 14/ 73
قوم لوط 7/ 79، 18/ 210
قوم موسى 7/ 135، 19/ 110
القيان 17/ 162 - 166، 19/ 116
قيان أبي هاشم 14/ 26
قيان الحجاز والكوفة والبصرة 17/ 112
قيان المدينة 17/ 164 - 172
قيس 7/ 81، 10/ 30، 11/ 84 - 94 - 95 - 97 - 114 - 157 - 202 - 256 - 316، 15/ 6 - 259 - 350، 18/ 81 - 212، 19/ 184 - 193 - 194 - 195 - 196 - 197 - 198 - 200 - 201 - 203 - 204 - 205 - 206، 20/ 4 - 6 - 208 - 209 - 264 - 207، 21/ 284 - 335، 22/ 59 - 67، 24/ 23 - 29 - 33 - 39 - 40 - 42
قيس عيلان 4/ 307، 10/ 290، 13/ 37 - 166 - 184 - 186، 20/ 142 - 158، 21/ 337، 22/ 53 - 54، 23/ 33 - 34 - 109
القيسية 11/ 5، 19/ 195، 21/ 328
القيسيين 12/ 14
ك
كتيبة الهامرز 24/ 71
كريز 1/ 43
كعب 10/ 30 - 31 - 33 - 130، 21/ 172، 22/ 62
كعب بن عبر 24/ 186
الكفار 17/ 90
الكلاب 10/ 30 - 31، 11/ 90 - 97 - 137 - 138 - 145 - 159 - 229، 13/ 185 - 187، 17/ 257، 19/ 198، 22/ 62
الكلابيون 9/ 115، 15/ 346
كلاع 17/ 260
كلال 17/ 260
كلب 7/ 72، 6/ 333، 11/ 170، 13/ 29 - 44 - 83 - 99، 18/ 31 - 32، 19/ 19 - 23 - 24 - 194 - 195 - 196 - 198 - 199 - 201 - 202 - 204 - 205 - 206 - 207، 21/ 297 - 336 - 337 - 386، 22/ 135 - 139 24/ 22 - 24 - 29 - 30 - 31 - 32 - 34 - 39
الكلبيون 19/ 21 - 198 - 199
كليب 11/ 65 - 100، 13/ 80 - 99، 21/ 308 - 305، 22/ 83
كنانة 4/ 5، 7/ 279 - 282، 9/ 170، 10/ 73 - 74، 11/ 199، 15/ 323، 18/ 272 - 332، 20/ 384، 22/ 61 - 62، 24/ 115
الكنانيون 9/ 180
كندة 1/ 84، 6/ 48 - 59 - 212 11/ 45 - 46 - 49 - 106 - 148، 13/ 5 - 6 - 79، 16/ 250، 17/ 108 - 132 - 139 - 140 - 141 - 145 - 215 - 216، 18/ 14 19/ 184 - 185 - 186، 23/ 224 - 256
كهلان بن سبأ 14/ 138
كهمس 22/ 268
الكوفيون 9/ 72 - 106 - 158، 14/ 23 - 92 - 151 - 245، 20/ 315
ل
اللات 15/ 259
لجيم 11/ 116
لجيم بن صعب بن وائل 22/ 334
لخم 1/ 28، 17/ 186، 18/ 112 - 257 - 267، 19/ 68، 21/ 5، 22/ 21 - 335
اللخميون 18/ 140
لقيط 10/ 12
اللهازم 11/ 316 - 317
لهب 9/ 34، 21/ 235
لؤي بن غالب 18/ 273
م
مازن 19/ 194
مالك 18/ 16، 21/ 19 - 326، 23/ 155
مالك بن سعيد 17/ 4
مجاشع 18/ 53 - 125
المجوس 19/ 235
محارب 11/ 46 - 274، 15/ 354
محارب قيس 24/ 4 - 19
المحدثون 19/ 82 - 108، 20/ 47
مخزوم 18/ 124، 20/ 173
المخضرمون 17/ 82، 19/ 1
مذحج 1/ 327، 10/ 34 - 37، 11/ 212، 15/ 231، 17/ 139 - 140، 19/ 15، 21/ 17 - 46.
مذر 10/ 47 - 73 - 266
مرّ 13/ 79، 20/ 410
المرئيون 8/ 58
مراد 6/ 8 - 12 - 129 - 130 - 131 - 133، 15/ 210 - 226 - 227 20/ 379، 21/ 144، 23/ 256،
المرازب 17/ 258
المرازبة 23/ 176
مرة 11/ 119 - 255، 19/ 204
المرجئة 7/ 275
مزينة 7/ 288، 11/ 288 - 291 - 292 - 293 - 312، 17/ 121 - 123 - 124 -
128 - 211، 21/ 12 - 13 - 203
المسلمين 4/ 202 - 235، 13/ 205، 19/ 4 - 10 - 116 - 210
المسودة 17/ 25 - 330
المشركون 3/ 311
مضر 1/ 264 - 371، 5/ 1، 6/ 58، 11/ 56 - 65 - 70 - 117 - 120 - 128 - 268 - 317 - 378، 16/ 211 17/ 1 - 6 - 8 - 9 - 10 - 28 - 139 - 266، 18/ 114 - 266، 19/ 206، 20/ 14 - 208 - 227 - 403 - 100 - 115 - 180، 21/ 33 - 324 - 24 - 334 - 336 - 370، 22/ 12 - 57، 24/ 40 - 210
المطيبون 17/ 289 - 294
معاذ 24/ 248
المعتزلة 18/ 41 - 155 - 170 - 171 - 172 - 183 - 19/ 160، 20/ 252
معد 6/ 59، 9/ 337، 11/ 58، 13/ 79، 17/ 9، 20/ 35 - 174، 21/ 336، 24/ 41 - 80
المكيون 17/ 294
الملائكة 19/ 6
المنابتية 23/ 50
منقرة 20/ 214
المهاجرون 6/ 354، 17/ 89 - 90 - 164،
18/ 125، 21/ 11، 23/ 242
موئل 24/ 248
الموالي الاتراك 20/ 144
ن
النبط أو النيط 20/ 314 - 402
النبيت 17/ 120 - 122 - 382
نجد 9/ 9
النخاسون 19/ 301
النخع 17/ 141
نزار 5/ 2، 17/ 90، 18/ 139 - 187، 19/ 55 - 67، 20/ 48 - 105 - 177 - 99 - 100 - 164 - 165 - 185 - 150 - 186 - 208، 22/ 12 - 219، 24/ 39 - 40
نزار بن معد 13/ 79 - 80
النزارية 20/ 120
النصارى 3/ 127، 10/ 207، 17/ 47 - 49، 12/ 137
نصر 10/ 30
نصيب 11/ 138
النضر بن كنانة 21/ 104
النضير 17/ 118 - 119 - 120 - 125، 19/ 69
نعامة 11/ 117
نفاثة 21/ 225
نفير 11/ 138
النقوم 13/ 209
النمر 24/ 38
النمر بن قاسط 20/ 207
النمل 23/ 172
نمير 13/ 186 - 188، 20/ 411، 24/ 29 - 30
النميريون 19/ 198 - 199
نهد 13/ 82
نهشل 6/ 45، 21/ 381 - 382
نوفل 1/ 416
ه
هاشم 1/ 416، 7/ 50 - 51 - 54 - 81.
10/ 124 - 140، 11/ 296 - 297، 20/ 43 - 54 - 59، 23/ 215، 24/ 112
الهاشميين 15/ 266، 17/ 76، 19/ 166
هذيل 6/ 87 - 264 - 265، 7/ 115، 9/ 148، 15/ 45، 13/ 272، 16/ 325، 19/ 212، 20/ 1 - 9، 21/ 138 - 139 - 140 - 148 - 156 - 165 - 168 - 213
214 - 216 - 218، 22/ 344، 24/ 111
هصان 13/ 203
همدان 5/ 11،/245، 15/ 210، 16/ 329 - 338، 17/ 139 - 140 - 143، 20/ 129 - 209، 21/ 175، 23/ 256، 24/ 227
هوازن 5/ 1، 10/ 23 - 30 - 31 - 37 - 39، 11/ 82 - 90 - 95 - 97 - 98 - 100 - 130، 17/ 139 - 153 - 259 - 260، 18/ 77، 21/ 18 - 20، 22/ 55 - 57 - 59 - 60 - 62 - 63 - 69 - 70
هود 11/ 378
و
وائل 2/ 18 - 20، 4/ 22، 19/ 17 - 167، 21/ 336، 22/ 100 - 333، 11/ 100 - 101 - 327، 23/ 23 24/ 162
ولد السمؤل بن عادياء 10/ 73
ولد عثمان بن عفادا 21/ 112
ولد الغوث 17/ 259
وهب 7/ 114
ي
يحابر 9/ 52، 11/ 225، 20/ 209
يحصب 11/ 100، 17/ 260
اليرابيع بطن من نمر بن قاسط 9/ 34 - 343
يربوع 6/ 45، 11/ 84 - 139، 21/ 284 - 330
اليزيديون 18/ 64، 20/ 262
يشكر 11/ 320، 13/ 91 - 106
يشكر بن بكر بن وائل 22/ 6 - 335
اليمانية 13/ 167، 15/ 223، 18/ 270 - 274 - 276 - 275 - 277، 19/ 195، 20/ 227.
اليمانيون 20/ 6
اليمن 11/ 120، 17/ 139 - 140
يمن الشام 18/ 278
اليهود 3/ 40 - 133 - 126 - 130، 4/ 135 - 165 - 187 - 211، 6/ 86 - 346 - 350، 9/ 230، 13/ 33، 15/ 42 - 107 - 171، 16/ 35 17/ 90 - 128 - 170، 315، 18/ 189، 19/ 72
يهود تيماء 22/ 10 - 12
فهرس أسماء الأماكن
أ
الآدمي 22/ 291.
آطام المدينة 17/ 249.
آكام بني عدي النجار 17/ 126.
آمد 6/ 47، 13/ 121.
الأباطح 2/ 188 - 195.
أبان 10/ 323، 18/ 177، 20/ 294.
ابر قباذ 16/ 79.
أبرق العزاف 17/ 86، 19/ 28.
الأبزاري - قرية بنيسابور - 14/ 131.
الأبطح 1/ 413 - 323، 4/ 171، 5/ 350، 10/ 321، 15/ 45، 19/ 156، 23/ 247.
الابلّة 2/ 126، 19/ 90، 20/ 89 - 115، 21/ 9، 24/ 54 - 56.
الأبلق 6/ 333، 22/ 117 - 118.
أبهر 13/ 165 - 167، 23/ 48.
أبو دلامة 10/ 237.
أبو فطرس 11/ 299.
أبو قبيس 7/ 144، 9/ 69، 15/ 17، 17/ 213 - 289 - 399، 20/ 237.
الابواء 6/ 124.
أبيان 22/ 148.
أبيجاد 10/ 113.
أبيدة 21/ 185.
أبين 23/ 225.
أثال 20/ 289، 22/ 95.
أثاية 9/ 42.
أثلاث القاع 24/ 135.
الأثل 3/ 82.
الأثلة 20/ 109.
أثيرة 9/ 225.
الأثيل 12/ 207.
أجأ 2/ 249، 17/ 296، 20/ 357.
الأجفير 12/ 179.
الأجمة 12/ 170.
أجياد 1/ 441 - 412 - 111، 15/ 12.
الأجيفر 4/ 118.
أحجار الثمام 16/ 124.
أحد 1/ 27، 6/ 114 - 115 - 117 - 118، 14/ 270، 15/ 183 - 184 - 185 - 187، 24/ 65.
الإحساء 22/ 291.
الأحض 22/ 138.
أحظب 13/ 182.
أحفار 15/ 104.
الأحمر 20/ 237.
الأخشب 1/ 201.
اخشبا مكة 20/ 237.
الأخشباب 4/ 426.
الأخشبان 19/ 100.
إخما 4/ 278.
الأخنونية 19/ 123.
الأدغال 3/ 75.
أديم 15/ 266.
الأذخر 13/ 13.
اذربيجان 4/ 256، 8/ 256، 12/ 205، 19/ 13 - 42.
أذرعات 13/ 163.
الأراقم 12/ 202.
الأراك 6/ 352، 22/ 61.
اراكة 66 - 254.
إربل 2/ 141، 19/ 196، 20/ 137.
إرة 12/ 107.
أرثد 4/ 282.
أرّجان 6/ 149.
أرجبة 15/ 219.
أردشير 9/ 418.
الأردن 2/ 305، 8/ 84، 9/ 255 - 313، 15/ 158، 17/ 171، 19/ 195 - 196، 20/ 249.
أرض البحرين 14/ 11.
أرض بلقين 7/ 8.
أرض الحبش 9/ 56 - 57 - 58.
أرض الروم 15/ 8 - 163، 21/ 64.
أرض السماوة 24/ 25.
أرض عذرة 24/ 161.
أرض العرب 2/ 144.
أرض فزارة 7/ 8.
أرض كلب 9/ 80 - 81.
أرض مراد 23/ 255.
أرض هذيل 21/ 205.
أرض اليمن 15/ 211.
أرعب 6/ 234.
الأرق 4/ 307.
الأركات 13/ 213.
أرمام 13/ 13، 17/ 249 - 298.
أرمينيا 5/ 196، 8/ 372 10/ 231، 15/ 244، 16/ 391، 23/ 61.
أريك 3/ 113، 7/ 142، 11/ 40
أريكة 13/ 73.
أزال 17/ 310.
الأزد 9/ 169، 14/ 283، 15/ 312.
الأزرق 2/ 240.
الأزهر 1/ 393 - 394.
الأساويف 15/ 43.
أسبيل 6/ 199.
إسكندرية 16/ 80.
أسوان 20/ 60 - 161.
الأسود 18/ 324.
أسود الصين - جبل - 9/ 69.
اشبيلية 1/م - ت 14.
الأشراف 21/ 103.
أشطان 7/ 140.
الأشمات 11/ 232.
الأصامر 4/ 179.
الأصبغ 16/ 151.
اصبهان 5/ 15، 6/ 43 - 44 - 45، 12/ 229 - 230 - 232 - 314، 13/ 279، 15/ 248 - 380، 17/ 38 - 143 - 230 - 231، 19/ 118 - 123.
أصطخر 12/ 23 - 229، 13/ 96.
الأصفر 10/ 12، 11/ 178.
أصم - وادي بجبل تهامة - 1/ 173.
أضاخ 3/ 159، 11/ 110، 21/ 237.
أضم 15/ 129، 20/ 189.
الضمران 13/ 13.
الأطواء 22/ 346.
الأعارف 4/ 386.
اعشاش 9/ 336 - 338.
الأعوص 15/ 28.
الأفحاص 24/ 31.
الأقارع 6/ 114 - 115 - 118.
الأقحوانة 3/ 325.
الاكليل 15/ 72، 24/ 26 - 27.
أكمة 12/ 255.
الأكوار 1/ 337.
الأليتين 7/ 281.
أليس 19/ 10.
أم الجعلان - زمزم - 22.
أمارة مروان 15/ 113.
أمج 15/ 3، 20/ 294.
إمرة 3/ 77، 9/ 69.
أملاح 21/ 224، 24/ 42.
أملال 3/ 315.
أملج 22/ 148.
الأناضول 13/ 17.
أنبط 22/ 234.
الأنبار 5/ 406، 9/ 80 - 92، 11/ 210، 16/ 266 - 267، 20/ 397 - 415، 21/ 120،
24/ 56 - 60.
الأندرينا 11/ 50.
الأندلس 1/م - ت 14/ 34.
أنزة - مدينة بفارس - 14/ 338.
الأنصاب 9/ 242.
أنطاكية 13/ 31، 14/ 63، 22/ 176.
أنعمان 15/ 377.
أنف 21/ 228.
انقرة 9/ 100، 13/ 17، 22/ 358.
انهار 2/ 297.
الأهوار 1/ 48 - 51 - 52.
الأهواز 3/ 257 - 295 - 362، 6/ 142 - 147 - 206 - 240، 7/ 250 - 252 - 267 - 273 - 274 - 275، 8/ 402 - 408، 10/ 50 - 51 - 159، 12/ 35، 13/ 40 - 88، 14/ 99 - 244، 16/ 79، 17/ 218، 18/ 101 - 170 - 279 - 289 - 290 - 291 -
292 - 293 - 294 - 295 - 297 - 298، 19/ 238 - 247، 20/ 132 - 168، 23/ 29 - 176.
الأواعس 18/ 46.
أوانا 19/ 123.
أود 22/ 99.
أوراة 22/ 57 - 192.
أورى زند 11/ 306.
أوطاس 21/ 123، 10/ 30 - 31 - 32.
إياد 9/ 93، 12/ 209، 13/ 16، 15/ 246 - 312.
الأيرق 7/ 8.
أبصر 12/ 9.
أيكة 2/ 51.
أيلة 2/ 373، 3/ 16، 7/ 69، 9/ 255.
إيلياء 6/ 346.
الأيم 24/ 179.
إيوان كسرى 23/ 127.
ب
باب الأزج 23/ 140.
باب الأنبار 21/ 59.
باب البردان 16/ 247.
باب بني شيبة 18/ 194.
باب التبن 20/ 415.
باب الجابية 7/ 78.
باب حرب 6/ 172، 10/ 84.
باب الحناطين 4/ 253.
باب الشام 19/ 273، 20/ 305.
باب الشماسية 10/ 132.
باب الطاق 4/ 20.
باب الفراديس 20/ 350.
باب الفيل 6/ 75، 12/ 37.
باب الكرخ 18/ 219.
باب الكناسة - مدينة السلام - 18/ 345.
باب محول 6/ 312.
بابه 19/ 176.
بابل 1/ 153، 2/ 355، 4/ 45، 9/ 22، 11/ 260 - 327 - 328، 14/ 61، 18/ 346.
باجميري 17/ 138. 19/ 123.
باخمري قريبة من الكوفة 14/ 369.
19/ 191.
البادية 2/ 66.
بادية البصرة 24/ 245.
بارا 20/ 260.
بارى 20/ 260.
بارق 21/ 246 - 248، 22/ 355.
بانقيا 6/ 334، 17/ 219.
البت 23/ 60.
البتر 22/ 78.
بحار 11/ 135 (وادي).
بحر السرمد 4/ 60.
بحر الشام 20/ 270.
بحر عدن 6/ 198.
بحر القلزوم 2/ 363.
بحر المغرب 20/ 164.
بحر الهند 20/ 267.
البحرين 3/ 54، 2/ 194، 6/ 81، 8/ 40 - 307، 9/ 78، 10/ 203 - 204 - 303، 11/ 349، 13/ 13 - 22 - 24 - 62 - 57 - 80 - 82 - 250، 14/ 157، 15/ 97 - 255 - 256 - 257 - 16/ 354، 17/ 321 - 325، 20/ 224 - 257، 22/ 11 - 192 - 290 - 23/ 225.
بحز 6/ 41.
بخارى 19/ 176، 23/ 38.
البخراء 2/ 210، 6/ 26 - 79، 7/ 72 - 73.
بدا 12/ 251.
بدر 9/ 23، 17/ 280 - 281، 20/ 294، 24/ 65.
بدمون 9/ 86.
براجم 15/ 45.
براقش 6/ 287.
برام 17/ 170.
برج العصا 15/ 318.
برج قران 3/ 294.
البردان 3/ 233 - 237.
بردى 12/ 345.
برذعة 19/ 42 - 43.
برق 13/ 209.
برقة 18/ 5 - 24.
برقة أحواد 13/ 157 - 171.
برقة خاج 20/ 197.
برك 7/ 139 - 141، 10/ 168.
برك الغماد 4/ 177، 12/ 178.
بركة زلزل 10/ 220.
برمة 10/ 322.
برهوت 7/ 269.
البرية 2/ 22.
برية الشام 24/ 23.
بريص 9/ 288، 15/ 157.
البريض 17/ 173.
بزاحة 15/ 300.
بزار 20/ 171.
البزدان 5/ 167.
البزواء 3/ 111.
بس 19/ 16.
بستان 3/ 19 - 219.
بستان خالص النصراني 15/ 357.
بسق 11/ 318 - 319 - 321 - 329.
بسيط 21/ 181.
بسيطة 13/ 171.
بشام 18/ 96.
البشر 12/ 201 - 203، 20/ 384.
بصرى 1/ 138، 4/ 164، 6/ 346، 12/ 267، 17/ 165 - 168 - 358، 21/ 228، 22/ 110.
البصرة 1/م - ت - 28، 1/ 48 - 51 - 110 - 220 - 231 - 415، 2/ 324 - 346 - 419 - 169 - 178، 3/ 47 - 54 - 55 - 62 - 69 - 136 - 137 - 144 - 146 - 172 - 166 - 165 - 164 - 163 - 160 - 152 - 149 - 148 - 177 - 180 - 227 - 221 - 206 - 203 - 182 - 257 - 250 - 247 - 246 - 244 - 302 - 303 - 362 - 363 - 364، 4/ 91 - 263 - 268 - 349، 5/ 30 - 106 - 110 - 170 - 387 - 412، 6/ 54 - 55 - 80 - 88 - 102 - 118 - 142 - 143 - 144 - 160 - 200 - 261، 7/ 44 - 148 - 151 - 152 - 163 - 183 - 218 - 225 - 229 - 230 - 238 - 250 - 260 - 293 - 8/ 9 - 20 - 29 - 31 - 34 - 35 - 76 - 215 - 218 - 249 - 302 - 311 - 387 - 400 - 406 - 410 - 412 - 422، 9/ 69 - 71 - 82 - 111 - 222 - 289 - 308 - 341 - 342، 10/ 48 - 59، 11/ 285، 12/ 35 - 204 - 58 - 60 - 61 - 62 - 64 - 140 - 203 - 210 - 229 -
286 - 291 - 297 - 298 - 299 - 301 - 307 - 308 - 310 - 311 - 329 - 337، 13/ 17 - 22 - 107 - 175 - 177 - 178 - 191 - 229 - 231 - 233 - 234 - 235 - 238 - 240 - 241 - 244 - 250 - 251 - 253 - 254 - 256 - 277 - 285 - 300 - 315 - 318 - 319 - 320، 14/ 17 - 20 - 23 - 26 - 28 - 33 - 35 - 49 - 54 - 92 - 193 - 222 - 244 - 255 - 261 - 275 - 297 - 330 - 336 - 377 - 380، 15/ 53 - 63 - 293، 16/ 3 - 5 - 7 - 9 - 11 - 21 - 95 - 103 - 104 - 120 - 154 - 155 - 181 - 280 - 307، 17/ 54 - 75 - 99 - 111 - 112 - 114 - 134 - 135 - 313، 18/ 5 - 38 - 42 - 45 - 54 - 94 - 106 - 109 - 134 - 142 - 169 - 172 - 173 - 176 - 178 - 179 - 181 - 184 - 187 - 194 - 195 - 196 - 197 - 204 - 208 - 209 - 212 - 232 - 254 - 260 - 261 - 262 - 263 - 264 - 272 - 280 - 291 - 292 - 294 - 295 - 297 - 298 - 318 - 322 - 359، 19/ 74 - 83 - 109 - 114 - 123 - 270 - 301، 20/ 52 - 61 - 65 - 66 - 68 - 72 -
76 - 78 - 84 - 89 - 91 - 95 - 96 - 98 - 101 - 103 - 107 - 109 - 115 - 117 - 132 - 142 - 167 - 185 - 206 - 216 - 249 - 250 - 290 - 298 - 330 - 336 - 345 - 353 - 355 - 368 - 370 - 391، 21/ 16 - 22 - 61 - 94 - 279 - 286 - 287 - 288 - 337 - 338 - 340 - 375 - 378 - 387 - 388 - 389 - 390، 22/ 180 - 200 - 228 - 229 - 260 - 261 - 290 - 298 - 299 - 338 - 343 - 355 - 23/ 23 - 26 - 109 - 124 - 159 - 160 - 178 - 224، 24/ 54 - 56 - 78 - 73 - 135 - 137 - 206 - 210 - 245 - 252.
البضيع 15/ 158.
البطائح 20/ 314.
البطحاء 4/ 384.
بطحاء ابن أزهر 6/ 16.
بطحاء ذي قار 24/ 64.
بطحان 1/ 43، 3/ 29، 4/ 232، 19/ 145، 22/ 108 - 109.
بطن 12/ 71.
بطن ضيم 21/ 224.
بطن عرنة 20/ 361.
بطن فلج 24/ 79.
بطن قو 22/ 290.
بطن محاج 1/ 367.
بطن محسر 18/ 3.
بطن مر 1/ 46، 22/ 61 - 110 - 184.
بطن النخل 17/ 202.
بطن نخلة 4/ 152، 21/ 210.
بطن النقيع 1/ 396.
البطيحة 3/ 244 - 245 - 246 - 247 - 248.
بعاث 3/ 8، 17/ 117 - 123 - 124.
بعاث الخزرج 17/ 124.
بعلبك 7/ 77.
بغ 20/ 15.
بغداد 2/ 5، 3/ 27 - 141 - 179 - 213 - 221 - 260، 4/ 4 - 99 - 111 - 332 - 327، 5/ 183 - 246 - 283 - 294 - 357 - 358 - 430 - 431، 6/ 80 - 161 - 172 - 240 - 312 - 319، 7/ 148 - 163 - 193 - 204 - 227 - 278 - 294 - 295 - 303، 8/ 249 - 353 - 372، 9/ 80 - 170 - 279 - 280 - 281 - 285، 10/ 139 - 182 - 219 - 233 - 262 - 285، 11/ 287 - 339 - 349، 12/ 31 - 48 - 80، 13/ 16 - 153 - 156 - 244 - 295 - 300 - 318 - 320 - 331 - 339، 14/ 93 -
126 - 379، 15/ 22 - 53 - 238 - 285 - 287 - 357، 16/ 4 - 5 - 385 - 405، 17/ 76، 18/ 104 - 106 - 155 - 201 - 238 - 249 - 301 - 304 - 308 - 311 - 316 - 319 - 336 - 342 - 347 - 350 - 370، 19/ 74 - 106 - 116 - 123 - 228 - 235 - 236 - 255، 20/ 14 - 26 - 70 - 82 - 109 - 117 - 128 - 149 - 150 - 168 - 172 - 178 - 184 - 188 - 191 - 260 - 274 - 281 - 282 - 288 - 295 - 304 - 336 - 358 - 388 - 415، 21/ 63 - 66 - 77 - 85 - 88، 22/ 46 - 47 - 163 - 165 - 177 - 183 - 202 - 246، 23/ 15 - 16 - 28 - 43 - 46 - 55 - 60 - 84 - 119 - 140 - 179 - 193 - 201 - 202 - 208، 24/ 36 - 54 - 253، 1/م - ت - 13 - 14 - 31 - 33.
بغشور 20/ 15.
بق 19/ 206.
بقاع حمدان 9/ 24.
بقطر 22/ 330.
البقعاء 21/ 12.
البقيع 1/ 32، 14/ 121، 15/ 45.
بقيع الغرقد 2/ 216.
بلاد بجيلة 21/ 149.
بلاد بني اسد 9/ 78 - 86.
بلاد بني نصر بن معاوية 1/ 374 - 402.
بلاد الترك 15/ 248.
بلاد تميم 21/ 236، 22/ 220.
بلاد ثمالة 21/ 151.
بلاد جشم بن بكر 15/ 102.
بلاد الروم 7/ 12، 9/ 99 - 100، 15/ 21، 17/ 210، 18/ 103 - 214، 20/ 249، 21/ 80 - 77 - 82.
بلاد سليمى 24/ 7.
بلاد طيء 15/ 352، 17/ 99.
بلاد العرب 2/ 57، 18/ 184، 19/ 28، 20/ 329.
بلاد عك 2/ 400.
بلاد غطفان 10/ 310، 20/ 236.
بلاد فارس 14/ 136.
بلاد قسر 22/ 11.
بلاد قضاعة 21/ 236.
بلاد قيس 17/ 292.
بلاد المشرق 12/ 228.
بلاد المطلب 22/ 38 - 39.
بلاد هذيل 21/ 128 - 140 - 158.
بلاد يشكر 22/ 163.
بلاس 15/ 154 - 155.
البلاط 2/ 409 - 58، 15/ 74، 17/ 101 - 105.
بلخ 19/ 54، 23/ 48.
البلد الحرام 4/ 32، 20/ 275.
بلدة 2/ 351.
بلدح 3/ 126.
البلقاء 15/ 133 - 154 - 17/ 165 - 166 - 167 - 168 - 172، 20/ 415.
البليتان 17/ 235.
البليخ 12/ 138، 18/ 252 - 308.
بمّ 12/ 35.
بنا 18/ 106.
بنات قين 17/ 230، 19/ 204، 24/ 35.
بنو حمان 20/ 404.
البنية 3/ 47، 15/ 154، 20/ 11.
بهراء 9/ 93.
بهز المدينة 9/ 162.
بوج 11/ 299.
بولاق 19/ 31 - 261 - 289 - 301.
بيت 2/ 75 - 224، 12/ 7 - 135 - 56 - 61 - 105 - 151 - 154 - 157 - 192 - 308 - 302 - 269، 20/ 268.
البيت - الكعبة - 18/ 103 - 206 - 268.
بيت أبو موسى 2/ 343 - 344.
بيت اللّه 17/ 370.
بيت بهدلة بن عوف 2/ 184.
البيت الحرام 6/ 48 - 192 - 206 - 207 - 289، 7/ 133 - 233 - 234،
9/ 329 - 17/ 234 - 268 - 287 - 288 - 290 - 311، 18/ 318، 19/ 78، 20/ 160.
بيت رأس 3/ 235، 17/ 171.
بيت الرسول 4/ 204.
البيت العتيق - الكعبة - 18/ 268 - 269، 20/ 333.
بيت كسرى 2/ 392.
بيت مالك 2/ 13.
بيت المخازي 2/ 291.
بيت المقدس 6/ 239 - 286 - 345، 17/ 359، 24/ 11.
بيت الموارس 12/ 6.
بيت الالاهة 20/ 137.
بيت لهيا 17/ 349.
بيت لهيان 20/ 137.
بيت لهياني 20/ 136 - 137.
بيت النار 17/ 44.
بيت يهود 2/ 341.
بئر 3/ 24 - 41 - 4، 12/ 109 - 133.
بئر أم معبد 4/ 242 - 243.
بئر عروة 20/ 197 - 202.
بئر الوليد بن عثمان بن عفان 4/ 381.
بيروت 2/ 255 - 260، 7/ 33 - 40 - 42.
بيسان 2/ 255 - 256 - 260، 11/ 239، 17/ 171.
بيش 1/ 298، 9/ 64، 21/ 150.
بيشة 4/ 303 - 355، 7/ 145، 13/ 215، 15/ 102، 18/ 85، 21/ 100.
البيضة 13/ 315.
البين 20/ 357.
بينون - حصن - 17/ 305.
بيهق 24/ 56.
ت
تبالة 9/ 92، 17/ 97 - 98، 18/ 254، 21/ 180.
تبنى 17/ 161.
تثليث 4/ 355، 13/ 201، 22/ 288.
تدمر 3/ 139، 11/ 4، 19/ 198، 20/ 415، 21/ 48، 24/ 23 - 34.
ترج 13/ 215.
تركستان 20/ 76.
تستر 11/ 329، 13/ 191، 18/ 290.
تضرع 18/ 332.
تعار 15/ 91.
تكريت 2/ 140، 9/ 305، 12/ 198 - 207، 18/ 368،
20/ 226 - 402.
تل بوني 17/ 229 - 235 - 237.
تل حوم 13/ 121.
التلاعة 21/ 164 - 169.
تلقة 3/ 132.
تمر الروم 22/ 108.
تنسة - مدينة كبيرة بالأهواز - 14/ 110.
التنعيم 3/ 346، 9/ 177.
تنوخ 12/ 287.
تنيس 23/ 54.
تهام 7/ 139 - 234.
تهامة 1/ 302 - 167 - 298 - 327 - 376، 2/ 87، 5/ 73، 9/ 83 - 84 - 328، 13/ 79 - 80 - 81، 15/ 180، 16/ 259، 17/ 285، - 314 - 344 - 19/ 15 - 18/ 121.
التوباذ 12/ 205.
تيري 6/ 147.
تيماء 2/ 10، 3/ 81 - 130، 6/ 333، 10/ 318 - 319، 22/ 107 - 117 - 151.
تيمن 22/ 58 - 220.
ث
ثبير 3/ 93 - 342، 14/ 34 - 347، 18/ 18، 21/ 333.
ثعلبية 16/ 23، 18/ 42.
الثغور 10/ 211.
الثغور الجزرية 22/ 176.
الثقل 10/ 302.
الثماد 4/ 118، 12/ 179.
الثمد 2/ 311.
الثنايا 18/ 68.
ثنيات الوداع 17/ 361.
الثنية 14/ 296، 17/ 192 - 193.
ثنية العقاب 16/ 145.
ثنية قضة 24/ 93 - 95.
ثنية يدعان 21/ 223.
ثهلان 3/ 294، 10/ 317، 13/ 359، 22/ 341.
ثهمد 11/ 129.
ثور 3/ 342، 20/ 357.
الثوية 22/ 187.
ثوير 19/ 28.
ج
الجأب 13/ 224.
جابان 20/ 381.
الجابية 10/ 288، 19/ 196.
الجار 9/ 25.
جازان 7/ 138 - 140.
جازر 9/ 80.
جاسم 9/ 312، 16/ 383، 17/ 161.
جامع دمشق 18/ 270.
الجبا 21/ 183 - 187.
الجباب 22/ 140
الجباة 17/ 122.
جبار 2/ 315.
جبال دون مكة 2/ 292.
جبال السراة 21/ 131.
جبال الطود 16/ 43.
جبال اللوب 24/ 65.
جبانة 9/ 13.
جبانة الصيداويين 17/ 139.
جبانة عرزم 17/ 147.
جبانة كندة 17/ 139.
جبرة 6/ 72.
جبل 2/ 52، 12/ 108 - 185 - 201 - 225 - 255 - 278، 19/ 75 - 113 - 114 - 116 - 117، 20/ 41 - 146 - 182، 23/ 46.
جبل التوباد 2/ 52.
جبل الثلج 3/ 16.
جبل حبشي 17/ 291 - 361.
جبل دمشق 23/ 247.
جبل الريّان 3/ 165.
جبل شبام 5/ 11.
جبل الصفاء 3/ 259.
جبل قسر 22/ 4.
جبل عسيب 9/ 100 - 101.
جبل نعمان 2/ 25 - 26.
جبلة 3/ 1، 9/ 82، 11/ 136 - 137 - 39، 15/ 168 - 170 - 171، 22/ 217.
جبيل 8/ 316.
الجحفة 3/ 47 - 111، 4/ 181 - 182، 186، 8/ 238، 14/ 146 - 147 - 151، 19/ 142، 22/ 280 - 313.
جدار 12/ 183.
الجدان 17/ 174 - 176.
جدة 5/ 223، 6/ 280، 18/ 240 - 244.
جدر 6/ 185.
جديلة 3/ 89 - 91، 9/ 94، 22/ 1.
جذر 11/ 64.
جرجان 8/ 330، 10/ 43، 16/ 299، 19/ 13 - 21 - 45 - 51 - 285، 20/ 107 - 109 - 115 - 117 - 158، 21/ 310، 22/ 249، 23/ 217 - 218.
جرجرايا 2/ 169.
جرد 24/ 56.
جرش 12/ 215.
جرعاء مالك 18/ 3.
الجرف 3/ 18، 11/ 167، 12/ 110، 13/ 215، 19/ 221 - 237، 22/ 131.
حرم 1/ 334.
جرمى 6/ 50.
جرهم 15/ 17.
جرود 7/ 75.
جرير بتثليث 11/ 211.
الجرين 13/ 272.
الجزر 2/ 295.
الجزع 4/ 152.
جزع بني حمار 2/ 51.
جزمان 15/ 42.
الجزيرة 8/ 266 - 282 - 292 - 303، 11/ 53 - 221 - 222، 12/ 200 - 205 - 206، 13/ 17 - 81 - 82 - 83 - 121 - 122 - 140، 14/ 174، 15/ 299، 17/ 313، 18/ 113 - 225، 19/ 206، 20/ 41 - 270 - 402، 23/ 109 - 425.
الجزيرة الخضراء 20/ 164.
جزيرة العرب 22/ 14.
الجزيرة العربية 23/ 225.
جزيرة المؤيد 21/ 79.
الجسر 7/ 254 - 260، 13/ 205، 19/ 3 - 9 - 117.
جسر بغداد 20/ 178 - 359 - 360.
جسر الخشب 18/ 308.
جسر سابور 23/ 96.
جسر السراة 11/ 275.
جسر النهروان 22/ 246.
الجشا 16/ 44.
الجعفرية - محلة كبيرة في الجانب 14/ 39.
الجفر 2/ 298، 18/ 46.
جفر الأملاك 11/ 49.
جفر الهباءة 17/ 205 - 206.
جفرا بن تميم 18/ 42.
الجفرة 10/ 75.
جفير 2/ 105.
جفن 6/ 196.
جلدان 1/ 400.
جلذان 21/ 14.
الجلس 20/ 7.
جلق 11/ 18، 17/ 165 - 166 - 167 - 168 - 172.
جلولاء 6/ 55 - 56.
الجماء 1/ 11 - 40 - 45، 6/ 114 - 115.
الجمار 6/ 112.
جمد 1/ 394، 3/ 121، 4/ 321.
جمدان 17/ 169.
جمران 6/ 134 - 135.
جمرة العقبة 6/ 340.
جمع 22/ 40.
الجميع 18/ 94.
الجناب 2/ 300 - 371 - 281، 4/ 410 - 411، 12/ 268، 13/ 13، 22/ 35.
الجنبذان 6/ 30.
الجنة 10/ 145، 11/ 189.
الجند 7/ 133، 13/ 241، 20/ 76 - 178.
جندف 13/ 215.
جنوب اسنمة 22/ 96.
الجنية 3/ 213.
جهنم 2/ 414، 7/ 49.
الجواء 20/ 210.
جوارين 17/ 342.
الجودي 3/ 121.
جوزجان 11/ 278، 19/ 54.
جوز جرجان 19/ 54.
جوز ماثان 19/ 54.
جوسويقة 10/ 12.
جوشين 2/ 57.
الجوف 24/ 27.
جوف مراد 20/ 376.
جولان 8/ 213 - 214، 15/ 155 - 158 - 168.
جونين 23/ 225.
جوهر 14/ 342.
جوير سما 17/ 235.
الجوين 17/ 235.
جي 12/ 314.
جيحاء - نهر - 8/ 372.
جيرون 1/ 11، 2/ 102، 3/ 338.
الجيل 16/ 13 - 393.
جيلي زرود 16/ 300.
ح
الحاجر 10/ 309، 17/ 195.
حارب 11/ 18.
حالة 19/ 27.
حامن 6/ 36.
الحباب 22/ 140.
حبال 12/ 63.
الحبى 19/ 18 - 21.
حبت 11/ 58.
الحبر 10/ 319، 13/ 50.
الحبشة 1/ 65، 4/ 303، 6/ 209 - 211، 9/ 64، 15/ 180 - 297، 22/ 14 - 154.
الحبل 20/ 89.
حبيب 12/ 260.
حبيش 22/ 59.
الحج 20/ 366 - 367.
الحجاز 1/م - ت 13، 1/ 30 - 45 - 48 - 49 - 51 - 52 - 69 - 124 - 254 - 288 - 291 - 296 - 303 - 310 - 313 - 326 - 352 - 361 - 367 - 404 - 364، 2/ 86 - 239 - 255 - 292 - 301 - 313 - 353 - 355 - 373، 3/ 16 - 276 - 294 - 252 - 363، 4/ 113 - 171 - 219 - 226 - 286 - 330 - 332 - 361 - 392 - 424، 5/ 269، 6/ 104 - 116 - 206 - 230 - 232 - 291 - 346، 8/ 12 - 152 - 210 - 225 - 268 - 274 - 325 - 347 - 348، 9/ 12 - 13 - 136 - 147 - 228 - 250 - 263 - 274 - 291، 10/ 302، 11/ 27 - 114 - 121 - 156 - 175 - 293 - 364 - 367، 12/ 59 - 65 - 171، 13/ 177 - 199 - 201، 259 - 264 - 355 - 14/ 120 - 127 - 145 - 153 - 315، 15/ 129 - 140 - 154 - 171 - 195 - 209 - 294 - 323، 16/ 103 - 104 - 120 - 135 - 279 - 304 - 369،
17/ 11 - 59 - 112 - 162 - 345، 18/ 94 - 169 - 185 - 272 - 278 - 300، 19/ 158 - 162 - 171 - 217 - 289، 20/ 7 - 264، 21/ 286، 22/ 107 - 108 - 223، 23/ 17 - 245، 24/ 111.
حجر 18/ 44 - 118، 20/ 350، 21/ 236، 24/ 143.
حجر الكعبة 14/ 240.
الحجر 1/ 103 - 170، 6/ 91 - 308، 9/ 109، 10/ 71 - 75 - 301، 13/ 82، 17/ 287 - 289، 18/ 268، 23/ 254.
حجرة 8/ 239.
الحجرات 7/ 261.
حجلة 12/ 157.
الحجون 1/ 218 - 291 - 322 - 374، 3/ 329، 15/ 11، 18/ 318، 19/ 78، 23/ 18.
الحجيب 12/ 170.
حدان 19/ 114.
حديثة القسب 17/ 235.
الحديقة 3/ 7.
حديلة 4/ 409.
حراء 17/ 285، 18/ 81، 21/ 333.
حراث 9/ 308.
حراض 11/ 94.
حران 3/ 217 - 218، 4/ 345، 6/ 330 - 331، 10/ 131، 13/ 109، 19/ 81.
الحربية 20/ 14 - 36.
الحرة 12/ 228، 17/ 232، 21/ 235، 23/ 230.
حرة سليم 17/ 170.
حرة ليلى 2/ 310، 13/ 37.
حرة واقم 18/ 95.
حرسين 9/ 100.
الحرم 3/ 230، 4/ 306، 15/ 126، 20/ 369، 22/ 60.
الحرمين 7/ 30، 20/ 197 - 268.
حروراء 18/ 116.
الحريضة 21/ 171.
حزان 3/ 327، 20/ 402.
الحزم 9/ 225.
حزانة 3/ 113.
حزوى 18/ 20 - 42 - 45، 19/ 26.
حزوة 10/ 112، 15/ 88.
الحزورة 4/ 425.
الحزير 19/ 90.
حسا 11/ 40.
الحساء 10/ 310.
الحسى 22/ 78.
الحشاك 12/ 198.
الحشى 3/ 215.
الحصى 19/ 7، 21/ 90.
الحصاء 24/ 238.
حصباء الحجون 22/ 40.
حصف 24/ 22.
حصن السمؤل 2/ 10.
حصن مهدي 1/م - ت 28.
الحصنان 20/ 224.
حصون معبد 9/ 137.
حصون الملك 12/ 99.
الحصي 24/ 89.
الحضر 2/ 140 - 143 - 144، 6/ 47، 9/ 77، 13/ 83.
حضرة بني عالش الصوافين 18/ 194.
حضرموت 1/ 66، 2/ 69، 6/ 150، 7/ 128، 11/ 106 - 263، 13/ 6، 16/ 334، 17/ 215 - 23/ 224 - 225 - 227 - 236 - 254 - 256.
حضن 10/ 29 - 34، 13/ 196، 19/ 208.
حضوضي 19/ 1 - 2.
الحطيم 18/ 332، 19/ 78.
حفير - نهر بالأردن - 1/ 138، 7/ 112، 16/ 41 - 355 - 358، 19/ 28، 21/ 350.
حقل 12/ 168، 17/ 379.
الحقيق 21/ 350.
حقيل 1/ 25، 15/ 355.
حكمان 18/ 197، 20/ 66 - 67 - 70.
حلب 2/ 57، 9/ 263، 10/ 233 - 234، 13/ 122 - 178 - 181، 14/ 54، 20/ 276 - 277، 22/ 176.
الحلة 21/ 237.
الحلق 3/ 316.
حلقة سلعة 24/ 199.
حلوان 10/ 52 - 210، 13/ 331 - 332 - 333 - 334 - 335، 19/ 106 - 113 - 114، 24/ 54.
حلوان العراق 23/ 16 - 146.
حلية 7/ 284 - 289، 21/ 187 - 212.
الحليف 10/ 12.
الحليفة 11/ 218.
حماة 2/ 305.
حمارة القيظ 12/ 128.
حمام أعين 20/ 365.
الحمامات 2/ 346.
الحماني 14/ 131.
الحمى 3/ 31، 22/ 78 - 79.
حمى ضرية 24/ 179.
حمدان 15/ 45، 17/ 169.
حمران 19/ 156.
حمص 2/ 305 - 346، 6/ 49 - 185، 8/ 293، 11/ 339، 12/ 142، 13/ 173، 14/ 51 - 55 - 56 - 60 - 61 - 67 - 242، 16/ 29 - 34 - 40 - 41،
18/ 274، 19/ 7 - 195، 20/ 129 - 415، 21/ 40.
حمصي 17/ 318.
حمض 13/ 13.
حمير 1/ 75، 9/ 92.
الحميس 21/ 256.
حميم 6/ 148.
الحميمة 16/ 141 - 142.
حنو 5/ 42.
حنو قراقر 24/ 78.
الحواب 24/ 238.
حوارين 13/ 122.
حوانوية 5/ 158 - 159.
الحوذان 11/ 171.
حوران 1/ 368، 8/ 214، 16/ 295 - 296، 17/ 161 - 323 - 325.
الحوش 21/ 350.
الحوض 24/ 137 - 138 - 142.
حوض واقم 18/ 95.
حوف 1/ 327، 16/ 89.
الحومان 11/ 196.
حومل 10/ 220، 22/ 99 - 101.
الحي 2/ 52 - 60 - 64 - 67 - 79 - 83 - 94 - 9، 3/ 40 - 81 - 139 - 165، 12/ 11 - 62 - 108 - 171 - 206 - 219 - 255.
الحيرة 2/ 103 - 104 - 106 - 115 -
117 - 133 - 134 - 144 - 341 - 345 - 347 - 351 - 352 - 353 - 355 - 381 - 102، 4/ 4 - 151 - 259 - 344، 5/ 427، 6/ 130، 8/ 282، 9/ 50 - 81 - 113 - 125، 10/ 238، 11/ 5 - 29 - 53 - 59 - 124 - 133 - 259 - 260 - 264 - 268، 12/ 11 - 48 - 166 -
13/ 8 - 16 - 82 - 205 - 342، 15/ 61 - 257 - 312 - 315، 16/ 83 - 195 - 242 - 269 - 270 - 380 - 17/ 154 - 253 - 254 - 255 - 308 - 369 - 370 - 375 - 380، 18/ 140، 20/ 52 - 58 - 357 - 416، 21/ 4 - 297، 23/ 19 - 189.
خ
الخابور 24/ 36 - 37 - 38 - 39 - 42.
خاخ - موضع بين الحرمين - 1/ 173، 10/ 123، 15/ 133، 17/ 101.
خارك 19/ 199، 20/ 130، 21/ 345.
خازر - نهر بين أربل والموصل - 14/ 261.
الخال 22/ 109.
خان الزبل 1/ 6.
خانقين 2/ 127 - 128، 6/ 15، 9/ 322. 24/ 24.
الخائث 6/ 91.
الخباب 9/ 240، 22/ 140.
الخبت 11/ 58، 18/ 266، 22/ 80.
الخبل 11/ 178.
خراب المسدود 20/ 288.
الخراج 15/ 127.
خراسان 1/ 35، 3/ 137، 5/ 294 - 301، 6/ 240، 7/ 56 - 146 - 148 - 301، 8/ 291 - 353 - 372 - 390، 9/ 137، 10/ 62 - 101 - 116 - 120 - 206 - 211، 11/ 5 - 244 - 348، 12/ 23 - 26 - 225 - 218 - 230، 13/ 275 - 276 - 279 - 351 - 357 - 360، 14/ 109 - 134 - 174 - 246 - 263 - 269 - 218 - 272 - 281 - 292 - 364، 15/ 235 - 236 - 291 - 237 - 238 - 250 - 380 - 383 - 384 -
392، 16/ 19 - 209 - 211 - 213 - 246 - 389 - 395، 17/ 317، 18/ 224، 225، 256 - 257 - 258 - 261 - 262 - 312، 19/ 47 - 54 - 79 - 113 - 247، 20/ 25 - 32 - 120 - 170 - 180 - 203 - 274 - 329 - 390 - 241، 21/ 122 - 246 - 345، 22/ 286 - 294، 23/ 48 - 91 - 132 - 213، 24/ 51 - 140.
خراف 15/ 248.
الخريبة 20/ 91.
الخزارة 3/ 245 - 248.
الخزازي 19/ 23.
خزاعيين 9/ 182.
خساف 10/ 215.
خسرو سابور 23/ 143.
خشب 6/ 35.
الخصاء 11/ 41.
الخضراء 7/ 82.
خضراء روح 12/ 59.
الخطى 13/ 89.
خفان 10/ 90، 11/ 202 - 227، 13/ 34 - 324، 19/ 202.
الخل 7/ 132.
خلّار 6/ 271.
خلاط 23/ 61.
الخلد 16/ 247، 21/ 39.
خلدة 7/ 170.
الخليج 15/ 261.
الخليج الفارسي 20/ 130، 23/ 254.
خناصرة 9/ 263 - 267، 12/ 77.
خندق 8/ 65، 16/ 225.
الخندقين 6/ 60.
الخندمة 6/ 345.
خوارزم 20/ 76.
الخوانق 7/ 284 - 289.
الخورنق 3/ 287، 13/ 17 - 342، 17/ 132 - 154 - 21/ 4، 22/ 355، 24/ 76.
خوزستان 13/ 191، 18/ 279 - 290، 20/ 146.
خوط 11/ 278.
الخوي 1/ 218.
خيبر 7/ 253، 22/ 41.
خيرستان 3/ 136.
الخيزران 11/ 321.
الخيزرنة 18/ 302.
خيشان 20/ 203.
خيف منى 19/ 7.
خيم 2/ 149، 13/ 359.
خيمة 2/ 86 - 87، 12/ 186 - 114 - 115، 21/ 150.
د
داءة 3/ 107، 21/ 215.
دابق 9/ 260.
الدار 2/ 404 - 413 - 58 - 59 - 253 - 275 - 276، 3/ 3 - 16 - 22 - 42 - 49 - 78 - 132 - 158 - 160 - 367 - 359 - 338 - 281 - 258 - 248 - 169، 12/ 52 - 95 - 191 - 246 - 285 - 306 - 316 - 319.
دار ابراهيم الموصلي 12/ 243.
دار ابن جدعان 24/ 112.
دار ابن سريج 2/ 354.
دار ابن صياد 21/ 338.
دار أبو الأسود 12/ 314 - 318 - 319 - 322 - 329.
دار أذينة 23/ 249.
دار الامارة 12/ 229، 23/ 225.
دار بشر 2/ 102 - 354.
دار بني ظفر 15/ 204.
دار الحارث 22/ 133.
دار الحرم 2/، 20/ 183.
دار حيران 14/ 344.
دار الروم 23/ 119، 4/ 423.
دار الخلافة 9/ 41.
دار الخليفة 12/ 48.
دار خولة 12/ 192 - 197.
دار الرشيد 4/ 68.
دار الزواني 14/ 344.
دار زياد 12/ 40.
دار سعدى 23/ 170.
دار الضيفان 12/ 57.
دار العاص بن وائل 2/ 12.
دار عاصم 12/ 73.
دار عبد القيس 22/ 11.
دار عثمان 1/ 31، 21/ 112.
دار المأمون 4/ 64، 21/ 54.
دار المتوكل 23/ 198.
دار محمد بن حماد 23/ 113.
دار موسى بن طلحة 2/ 379 - 381.
دار مية 8/ 58.
دار الندوة 2/ 328.
دار النوشجاني 4/ 11.
دار هند وسلمى 12/ 113.
دارا 6/ 185.
دارة جلجل 21/ 341.
داريا 15/ 154.
دارين 15/ 261.
دالية عيسى 2/ 84.
داور دان 20/ 122.
الدبة 4/ 179.
دبيق 23/ 54.
دجلة 3/ 234 - 248 - 363، 7/ 260، 9/ 301 - 305، 10/ 107 - 128،
11/ 289 - 349، 12/ 199 - 202 - 207، 16/ 9، 18/ 307 - 291 - 359 - 368 - 371، 19/ 129 - 196 - 229 - 233 - 265، 20/ 26 - 37 - 40 - 89 - 110 - 226 - 227 - 360 - 402، 24/ 36 - 54.
دجيل 6/ 147، 11/ 234، 19/ 128، 24/ 56.
دحل 22/ 290.
دحيس 21/ 180.
الدخول 10/ 220.
الدراج 10/ 286.
درب عون 20/ 69.
درب المفضل ببغداد 20/ 288.
درنى 9/ 153.
دستبي 6/ 34 - 42، 15/ 214، 22/ 265.
دسكرة 3/ 168، 23/ 46.
دسم 1/ 320 - 321، 9/ 225.
دغلاء 8/ 245.
دف جمدان 17/ 169.
دفاق 21/ 223.
دكادك 16/ 69.
دكان 12/ 322.
دلوك 22/ 176.
دمث 3/ 64.
دمخ 11/ 84.
دمران 22/ 148.
دمشق 1/ 11 - 36 - 236، 2/ 102 - 103 - 105، 3/ 16 - 282 - 317 - 358، 6/ 75 - 108 - 226، 7/ 2 - 9 - 68 - 75 - 76 - 122 - 126، 8/ 44 - 60 - 214 - 289 - 309 - 395، 9/ 227 - 288 - 307، 11/ 339 - 340 - 356 - 357 - 358، 12/ 46 - 142، 13/ 124 - 259، 14/ 5 - 54 - 57 - 228 - 242، 15/ 108 - 133 - 154 - 158 - 166 - 329، 16/ 37 - 53 - 145 - 198 - 284، 17/ 6 - 47 - 155 - 161 - 165 - 173 - 240 - 359، 18/ 270 - 275، 19/ 162 - 163 - 195 - 196، 20/ 249 - 250 - 350 - 415 - 416 - 22/ 21، 24/ 19 - 27 - 28 - 111.
الدمشقي 7/ 294.
الدّمن 12/ 168.
الدمنتين 7/ 272.
الدهالك 22/ 14.
دهر 21/ 180.
دهلك 4/ 246 - 248 - 249 - 252 - 255، 9/ 64، 15/ 297، 22/ 14.
الدهناء 10/ 152، 15/ 257 - 261، 18/ 5 - 10 - 45 - 46،
21/ 302.
الدو 18/ 45، 22/ 299.
دوار 13/ 46، 17/ 122.
دوارس 1/ 131 - 176.
دوران 11/ 335 - 344.
دورق 18/ 290.
دولاب 6/ 143 - 148، 8/ 407 - 417.
دومة 2/ 102، 3/ 111، 4/ 398، 7/ 139، 21/ 285.
الدويرة 17/ 279 - 285.
ديار الأشاهب 12/ 23.
ديار بني تميم نجد 14/ 153.
ديار بني شيبان 14/ 6.
ديار بني مرة 14/ 6.
ديار ثقيف 20/ 71.
ديار الموصل 23/ 207.
دياف 21/ 302.
الدير 2/ 397، 23/ 176.
دير إبان 20/ 416.
الدير بان 20/ 416.
دير الجاثلين 9/ 305، 12/ 31، 19/ 123 - 128 - 129.
دير الجماجم 3/ 328، 22/ 356.
دير حنظلة 10/ 197 - 200 - 201.
دير حنيناء 17/ 6.
دير زكي 18/ 308.
دير سعد 12/ 256.
دير سليمان 22/ 176.
دير القس 12/ 89.
دير كعب 13/ 306 - 307.
دير اللج 11/ 365، 15/ 61.
دير مار سرجيس 19/ 235.
دير مران 7/ 192، 8/ 44، 17/ 210.
دير مرانا 20/ 250.
دير مرماري 9/ 320.
دير مريان 7/ 193.
دير هزقل 20/ 122 - 141.
دير هند 2/ 131 - 132 - 135، 9/ 80، 20/ 45.
ديرين 3/ 220.
الديل 21/ 94.
الديلم 8/ 256، 15/ 249.
دينور - مدينة - 14/ 131، 20/ 182.
ذ
ذات الإصاد 17/ 191 - 192 - 198.
ذات الأقير 21/ 216.
ذات الرأس 21/ 181.
ذات الرمث 17/ 199.
ذات الرمس 22/ 34.
ذات عرف 17/ 324.
ذباب 9/ 338، 19/ 206.
الذبل 21/ 231.
ذروة 15/ 85.
ذفران 4/ 176 - 178.
ذقان 13/ 176.
ذم 22/ 235.
الذهاب 15/ 241.
ذو الأثل 18/ 13.
ذو الأرطي 18/ 24.
ذو أرل 17/ 384.
ذو أمج 1/ 368.
ذو البقاع 18/ 94.
ذو بقر 12/ 288، 23/ 100، 24/ 176.
ذو بليان 8/ 308.
ذو جرض 22/ 111 - 112.
ذو الجنبين 10/ 160.
ذو حسم 13/ 205.
ذو حليفة 4/ 16، 23/ 231.
ذو خشب - واد قرب المدينة - 1/ 25.
ذو الخلطة 10/ 15.
ذو الخيام 18/ 83.
ذو دوران 1/ 80 - 132 - 342 - 351.
ذو رفع 13/ 219.
ذو الرمث 10/ 13، 12/ 34، 17/ 267.
ذو السدر 1/ 374.
ذو السرح 2/ 5.
ذو السلائل 3/ 75.
ذو سلم 2/ 27، 10/ 99، 17/ 101، 18/ 97.
ذو شطب 17/ 262.
ذو طلوح 2/ 212.
ذو طوى 1/ 256، 22/ 18 - 184.
ذو العشيرة 1/ 237.
ذو قار 12/ 64، 22/ 328، 24/ 51 - 63 - 65.
ذو الغبضة 24/ 43.
ذو غر 4/ 218.
ذو غل 9/ 158.
ذو الغصن 18/ 97.
ذو قسى 21/ 338.
ذو القيضة 24/ 43.
ذو المجاز 3/ 2، 12/ 160، 17/ 284، 22/ 67.
ذو مراخ 3/ 342.
ذو المروة 7/ 50، 17/ 295.
ذو النخلات 20/ 360.
ذو نقر 6/ 115.
ذو هاش 10/ 310.
ذو يدوم 21/ 224.
ر
رابغ 22/ 290.
راذان 18/ 342، 23/ 60 - 130 -
131 - 123، 24/ 36.
رأس الحصن 15/ 50.
رأس الحول 22/ 66.
رأس سنان 15/ 79.
رأس العين 8/ 320، 13/ 122 - 123 - 147 - 18/ 255، 24/ 36.
راسب 24/ 18.
الرافقة 13/ 17.
راقين 6/ 82.
رامة 4/ 422، 9/ 69، 18/ 260، 19/ 65.
رامة خبر 6/ 329 - 330 - 331.
رامهرمز 6/ 149، 18/ 290 - 293 - 295.
راهط 24/ 111.
راوند 15/ 248 - 249.
الربا 1/ 368.
الرباب 21/ 326، 22/ 288.
الربذة 3/ 79، 15/ 294، 19/ 143.
الربض 20/ 36.
ربض حرب 20/ 36.
ربض المعلى 6/ 240.
الربيع 3/ 11 - 32.
الربيعة 22/ 138.
رجفان 16/ 107.
الرحابة 15/ 47.
رحى بطان 21/ 128 - 134.
الرحبة 6/ 18.
رحبة بني تميم 20/ 353.
رحبة طيء بالكوفة 20/ 148.
رحبة مالك بن طوق 24/ 22.
رحرحان 11/ 101 - 114 - 117 - 127 - 129.
رحم 11/ 196.
الرخج 11/ 318 - 329.
رخم 22/ 64.
الردم 3/ 281.
الرس 17/ 210.
الرستاق 17/ 143.
الرسيس 15/ 377.
رشم 4/ 422.
الرصافة 3/ 179 - 219، 7/ 8 - 16 - 17، 10/ 88 - 155 - 189، 11/ 306، 12/ 201، 16/ 247، 18/ 336، 19/ 117، 20/ 108 - 170 - 282، 22/ 247.
رصافة أبي العباس 21/ 120.
رصافة مدينة السلام 20/ 189.
رضا - صنم كان لطي ء - 17/ 245.
الرضم 2/ 41، 3/ 178.
رضوى 18/ 180 - 181.
رعبان 22/ 176.
الرعل 17/ 126.
رعلان 22/ 194.
رعين 7/ 264.
الرغام 15/ 345.
رغامين 6/ 69.
الرقاشين 6/ 7.
الرقة 3/ 266، 4/ 31، 5/ 146 - 256 - 303 - 373 - 418، 6/ 205، 10/ 47 - 182 - 184، 12/ 137 - 149 - 151، 13/ 109، 16/ 254 - 256 - 400، 18/ 212 - 214 - 234 - 240 - 246 - 304 - 306 - 308 - 311 - 316، 19/ 38 - 296، 20/ 402، 21/ 64 - 70، 22
/46 - 47، 23/ 218، 24/ 110.
الرقط 3/ 281.
الرقم 16/ 100.
الرقمتان 17/ 201.
الرقي 11/ 225.
الرقيم 10/ 261.
الركبات 21/ 226.
الركبان 13/ 188.
الركن 15/ 6، 17/ 287 - 299، 18/ 324 - 367، 19/ 79.
ركن الحطيم 21/ 376.
ركن كسابا 17/ 235.
ركية 3/ 55، 8/ 63.
رمثة 12/ 42.
رمضاء 3/ 120.
الرمضة 20/ 361.
الرمل 21/ 34.
الرملة 7/ 23، 15/ 291.
الرميلة 7/ 278، 9/ 269.
الرها 13/ 109، 18/ 308، 20/ 402.
رهطة 4/ 156.
روبة 3/ 66.
الروجاء 6/ 186.
الروحاء 7/ 87 - 193، 20/ 268، 12/ 114، 4/ 140 - 141، 16/ 106 - 107 - 111 - 121.
الروحان 11/ 60 - 63.
روذ ميسان 18/ 114، 24/ 56.
روذة 15/ 213 - 214.
الروضات 19/ 102 - 104.
روضة 2/ 426 - 74، 13/ 246.
روضة الجام 12/ 188.
روضة خاخ 20/ 197.
الروقية 4/ 339 - 347.
الروم 14/ 54، 15/ 57 - 172.
رومية 6/ 349، 22/ 316.
روية 19/ 28.
الري 5/ 158 - 271، 6/ 36 - 42 - 55، 10/ 182 - 253، 11/ 244 - 268، 12/ 229، 13/ 331، 205 - 309، 15/ 213 - 214، 16/ 245، 17/ 232 - 317، 18/ 301، 20/ 79 - 110 - 137، 21/ 310، 22/ 245 - 265،
23/ 176، 24/ 136.
الريان 6/ 23، 17/ 381 - 395،
18/ 123، 21/ 372.
ريم 6/ 114 - 115 - 117 - 118.
ز
الزاب 18/ 286، 20/ 132.
الزابيان 24/ 36.
الزابيين 11/ 299.
زالق 18/ 293.
الزاهر 15/ 294.
زاهرة 9/ 154.
الزاوية 18/ 54.
زبالة 2/ 41، 16/ 17 - 220.
زبيد 7/ 132، 9/ 174.
زرارة 3/ 185 - 186.
الزرقاء 11/ 282.
زرنج 19/ 121، 24/ 14 - 15.
زرنجا 11/ 312.
زرنجان 11/ 165.
زغر 17/ 376.
زقاق الخرازين 3/ 346.
الزليقات 21/ 140.
زمزم 15/ 14 - 15، 17/ 289، 18/ 194 - 332، 19/ 78، 20/ 406، 22/ 16 - 18، 23/ 14.
زمنان 17/ 99.
الزندقة 14/ 328 - 334 - 349 - 351.
زندورد 18/ 282.
الزوراء 6/ 118، 13/ 357، 16/ 160.
س
سابات المدائن 6/ 65.
ساباط 24/ 24 - 57 - 81.
ساباط الحسن والحسين 20/ 278.
ساباط كسرى 20/ 278.
سابور 12/ 34، 13/ 85 - 88 - 89.
15/ 386، 23/ 96.
ساتيدما 11/ 373.
ساجر 12/ 211.
الساحل 15/ 261.
ساحل البحر 2/ 299.
سار قرمقا 23/ 143.
سار قيعا 23/ 143.
سافريقا 23/ 143.
سامراء 19/ 228 - 229، 20/ 275، 22/ 165، 23/ 179.
الساهرة 11/ 374.
سبلاي 17/ 396.
سبيل 12/ 34.
الستار 11/ 295.
سجستان 6/ 46 - 48، 8/ 390، 11/ 313، 12/ 40، 13/ 351، 18/ 261 - 268 - 292 - 294، 19/ 121 - 132، 20/ 329 - 320 - 334، 22/ 259 - 260 - 261.
السجن 2/ 405 - 406 - 408 - 127.
سجن الحجاج 12/ 291.
سحبل 13/ 46 - 48 - 49 - 50.
سحين عارم 9/ 15.
السد 22/ 352.
سد عبيد اللّه بن عمر 4/ 244 - 245.
السدرتان 9/ 225.
السدير 2/ 137، 4/ 259، 17/ 132 - 154، 21/ 4.
السديف 16/ 239.
سرمن را 20/ 133 - 275 - 276.
سرّمن رأى 5/ 294 - 365 - 399، 7/ 294، 9/ 290 - 298، 10/ 44 - 45 - 47، 11/ 335 - 359، 13/ 244 - 247، 16/ 14 - 260 - 361 - 369 - 370، 18/ 155، 19/ 256 - 257، 20/ 67 - 188 - 192 - 275 - 276 - 277 - 322، 21/ 58، 22/ 162 - 177 -
202 - 223، 23/ 63 - 81 - 83 - 96 - 121 - 124 - 127 - 128 - 178 - 199 - 200 - 202، 24/ 1.
السراة 5/ 106، 16/ 266، 17/ 376، 24/ 102.
سراة الأزد 24/ 102.
سراة ثقيف 24/ 102.
سراة الحرة 24/ 102.
سراة عدوان 24/ 10.
سراة فهم 24/ 102.
سرار 22/ 290.
السرارة 22/ 110.
السرّان 3/ 107.
سرة 11/ 232.
السرد 176، 193.
سرف 3/ 18، 9/ 181، 15/ 263، 19/ 221 - 237، 22/ 61.
سرق 18/ 289 - 290 - 291 - 295.
السرو 24/ 102.
سرود 7/ 138 - 140.
السّرير 3/ 77.
السطاع 22/ 346.
السعافات 10/ 319.
سعد 15/ 135.
السعدية 24/ 192.
سعر 15/ 85.
سفار 22/ 233.
السفح 11/ 161 - 320، 22/ 193.
سفدان 12/ 64.
سفسق 18/ 290.
سفيرة 12/ 279.
سقام 21/ 210.
سقيا 7/ 86 - 131.
السقيفة 11/ 178.
سقيفة أم أذينة 5/ 261.
سقيفة بني ساعدة 18/ 62.
سكاء 15/ 154 - 155.
سكة شبيب - بناحية الكناسة - 17/ 5.
سكة قريش 21/ 392.
السلام 13/ 111 - 315.
سلامال 17/ 382.
السلان 19/ 23.
سلحون - حصن - 17/ 305.
السلع 2/ 318، 3/ 306، 13/ 322، 17/ 361، 20/ 10 - 202، 24/ 179.
سلمى 15/ 152.
سلمانيين 9/ 339.
سلمية 8/ 293.
السلوطح 22/ 354.
السليل 2/ 215 - 283، 15/ 44.
سمالو 23/ 28.
السماوة 13/ 83، 16/ 90 - 270، 17/ 358، 19/ 199 - 201، 24/ 27 - 31 - 32 - 34.
سمرة جرانة 6/ 98.
سمرقند 1/ 97، 3/ 359،
15/ 264، 18/ 260، 24/ 54.
سمويل 17/ 186.
سمية 9/ 287.
سميحة 3/ 25 - 42.
سميساط 13/ 121، 22/ 176.
السن 18/ 368، 20/ 226.
سن بارما 20/ 226.
سنام 22/ 299، 23/ 255.
سند 20/ 176.
السند 6/ 41 - 240 - 308، 13/ 290، 18/ 68 - 134 - 146 - 284 19/ 64، 20/ 270، 21/ 398.
سندان 4/ 50، 22/ 355.
سهام 7/ 138 - 140.
السهب 13/ 216 - 240.
سوا 24/ 34.
سواج 13/ 272.
السواد 6/ 58، 10/ 199، 12/ 140 - 142، 18/ 114، 20/ 357 - 361، 23/ 15 - 1 - 16 - 20 - 109، 24/ 54 - 56 - 60 - 75.
سواد الكوفة 17/ 237.
السود قانية 10/ 131.
السودان 1/ 279 - 284، 4/ 8.
سوراء 11/ 274 - 275، 17/ 16 20/ 132.
السوس 1/ 25، 3/ 30 - 33، 13/ 199.
سوق 3/ 8 - 19 - 47 - 87، 12/ 301 - 302 - 309.
سوق البصرة 20/ 353.
سوق البقر 20/ 261.
سوق التمارين 13/ 165.
سوق ذي المجاز 12/ 239 - 240.
سوق الرقيق 20/ 3.
سوق الظهر 2/ 200.
سوق العبلاء 17/ 98.
سوق عكاظ 4/ 211، 11/ 6.
سوق المدينة 4/ 236، 17/ 101.
سوق النبط 4/ 388.
سونقة 9/ 47.
السويداء 1/ 25، 3/ 30 - 33،
13/ 199.
سويقة 4/ 340، 11/ 298 - 343، 12/ 247، 22/ 282.
سويقة نصر 22/ 207.
سويمرة 6/ 103.
السيالة 4/ 372، 5/ 260، 6/ 98 - 99 9/ 17، 11/ 351 - 352، 16/ 125 - 157.
سيحان 20/ 250.
السيل 15/ 207.
سيل العرم 3/ 116.
السيلحون 4/ 151، 7/ 219، 14/ 88.
السيوح 12/ 81.
ش
شابة 6/ 36.
شاد مهر 17/ 317.
الشاذياخ 10/ 208 - 227، 17/ 317
شارع أبي أحمد بسر من رأى 20/ 67.
شارع الميدان 12/ 147.
شاطىء الفرات 15/ 314.
الشأم 14/ 234.
الشام 1/ 26 - 28 - 29 - 30 - 31 - 55 - 56 - 62 - 83 - 160 - 244 - 261 - 302 - 346 - 363 - 367 - 370 - 378 - 379 - 383 - 415 2/ 22 - 52 - 86 - 102 - 104 -
141 - 146 - 148 - 234 - 259 - 265 - 270 - 274 - 275 - 297 - 301 - 305 - 309 - 323 - 341 - 347 - 373 - 3/ 16 - 28 - 30 - 40 - 47 - 116 - 126 - 127 - 276 - 282 - 338 - 346، 4/ 123 - 124 - 125 - 146 - 167 - 170 - 285 - 312 - 321 - 400 - 409، 5/ 203، 6/ 2 - 8 - 12 - 25 - 49 - 51 - 61 - 62 - 94 - 117 - 200 - 201 - 206 - 228 - 280 - 283 - 308 - 309 - 345 - 346، 7/ 106 - 122 -
124 - 130 - 154 - 192 - 8/ 83 - 84 - 94 - 124 - 152 - 234 - 269 - 275 - 301 - 309 - 314 - 317 - 325 - 348، 9/ 9 - 120 - 207 - 228 - 263، 10/ 72 - 74 - 211 - 215 - 233 - 241 - 11/ 10 - 12 - 26 - 49 - 57 - 183 - 236 - 239 - 241 - 246 - 274 - 281 - 311 - 312 - 356 12/ 11 - 14 - 16 - 24 - 35 - 36 - 46 - 56 - 59 - 74 - 104 - 128 - 142 - 171 - 200 - 256 - 260 - 268 - 269، 13/ 37 - 58 - 64 - 79 - 83 - 109 - 114 - 141 - 163 - 171 - 178 - 191 - 199 - 200 - 320، 14/ 5 - 8 - 51 - 54 - 55 - 154 - 170 - 229 - 230 - 242 - 258 - 268 - 278، 15/ 16 - 38 - 143 - 145 - 150 - 154 - 244 - 326 - 363 16/ 38 - 54 - 79 - 141 - 183 - 195 - 197 - 198 - 205 - 233 - 299 - 304 - 327 - 380، 17/ 2 - 6 - 18 - 36 - 149 - 183 - 187 - 231 - 232 - 241 - 250 - 269 - 272 - 282 - 299 - 313 - 323 - 324 - 342 - 344 - 345 - 360 - 376 - 387 18/ 96 - 109 - 110 - 111 - 113 - 116 - 181 - 219 - 255 -
260 - 261 - 262 - 266 - 272 - 274 - 278 - 284 - 294 19/ 122 - 123 - 125 - 133 - 199 - 200، 20/ 5 - 41 - 126 - 181 - 208 - 264 - 265 - 266 - 270 - 274 - 327 - 390 - 406 - 410 - 415، 21/ 97 - 256 - 302 - 312 - 335 - 349 - 355 - 393 22/ 6 - 12 - 16 - 107 - 108 - 110 - 113 - 118 - 119 - 135 - 139 - 212، 23/ 18 - 31 - 224 - 227، 24/ 19 - 21 - 25 - 35 - 37 - 150 - 159 - 165.
الشاهجان 11/ 369.
الشبا 12/ 190.
شبام 23/ 255.
الشبخان 15/ 183.
شبداز 5/ 169.
شبرمان 13/ 192.
الشبهان 22/ 149.
شبير 6/ 158.
الشبيكة 15/ 294.
الشجر 11/ 223.
الشجرة 2/ 388 - 390.
الشحر 20/ 267، 23/ 254.
شحر عمان 20/ 267.
الشحران 20/ 270.
الشخصية 13/ 213.
الشدنية 13/ 130.
الشراة 2/ 243.
شراق 16/ 270.
الشربة 11/ 108، 13/ 161، 15/ 85، 17/ 202.
الشرق 15/ 16 - 125.
شرج 11/ 72 - 73.
الشرى 1/ 280.
شرف السيالة 6/ 98.
الشرقية 1/ 6، 11/ 338.
شروق 18/ 177.
شروم 13/ 213.
الشريان 15/ 166، 22/ 353.
الشريب 12/ 156.
الشريف 24/ 209. الشط 13/ 188.
شط اريك 11/ 109.
شط عثمان 12/ 286.
الشعب - طريق في الجبل - 14/ 309.
شعب ابن عامر 2/ 361.
شعب الشافعيين 22/ 184.
شعب الصفراء 1/ 288.
شعب الخيف 23/ 248.
شعبتي أحبا 22/ 341.
شعبعب 24/ 137 - 138 - 141.
شعوب 6/ 217.
شغب 7/ 290 - 292.
الشقائق 3/ 198.
الشقراء - ماء لبني قتادة بن سكن - 24/ 193.
الشقوق 3/ 178.
شماري 5/ 174.
الشماسية 1/م - ت 32، 5/ 165 - 167 - 172، 11/ 348، 12/ 94، 18/ 302، 23/ 119 - 137.
شمام 9/ 82 - 94، 22/ 217.
شمس الوازنين 18/ 187.
شمطة 22/ 13.
شمليل 17/ 187.
شهر كند 20/ 76.
شهر زور 2/ 141، 20/ 127.
شهرك 20/ 76.
الشوط 3/ 11.
شيراز 12/ 229.
شيرين 13/ 334.
الشيطان - واديان - 17/ 255.
ص
صاري 21/ 208.
الصالحية 9/ 285، 18/ 216 - 217.
الصحان 2/ 324، 4/ 428،
9/ 269.
الصحراء 2/ 311، 3/ 64 - 66، 12/ 259.
صحراء بريم 4/ 305.
صحراء الضميم 22/ 72.
صخيرات أبو عبيد 9/ 31.
صخيرات الثمامة 9/ 23.
صدار 16/ 35.
صدر أدم 21/ 169.
الصراة 21/ 88، 23/ 193.
الصراة الصغرى 23/ 193.
الصراة الكبرى 23/ 193.
صرار 1/ 30، 22/ 38 - 111 - 288.
صرخد 12/ 257.
الصريمة - صريمة النعام - 18/ 46، 20/ 206.
الصعاب 3/ 54.
صعتر 13/ 13.
صعدة 15/ 230.
صعيد مصر 22/ 330.
الصفا 1/ 377، 11/ 130، 16/ 132 - 135، 19/ 78.
صفاء 4/ 164، 6/ 231 - 234، 7/ 132، 17/ 99 - 310 - 312 113 - 316 - 317، 20/ 220 - 225، 21/ 228، 23/ 7 - 225 - 226 - 227 - 249 - 250 - 254 - 256، 24/ 102 - 155.
الصفاح 11/ 129، 21/ 393.
الصفراء 4/ 176.
الصفصاف 13/ 146.
الصفقة 17/ 317 - 318.
صفين 17/ 258.
الصفينة 3/ 41.
صقلب 2/ 261.
صل 21/ 234.
الصلح 23/ 46.
صليصل 15/ 107، 16/ 35.
الصمان 12/ 341.
الصمد 3/ 175.
صمعر 13/ 49 - 50.
صنيبعات 12/ 212.
صنين 10/ 9.
الصنين الأبيض 2/ 115.
صهباء 24/ 6.
صهر تاج 18/ 291.
صهين 12/ 201.
الصواري 9/ 176.
صور حسى 17/ 168.
الصورين 1/ 105.
صؤر 2/ 309.
الصيمرة 20/ 146.
الصين 7/ 260، 11/ 265 - 366 - 368، 13/ 257، 14/ 109، 15/ 57 - 335.
ض
ضباعة 22/ 254.
الضجن 21/ 224.
الضحيان 15/ 47 - 48.
ضرية 1/ 351، 6/ 120 - 121، 24/ 137.
ضفوة 6/ 91.
الضماّن 10/ 31 - 95.
ضمران 13/ 13.
ضوج 12/ 128.
ضيم 21/ 220.
ط
طابة 17/ 249.
الطاق 7/ 245.
طاقات بشر 20/ 305.
الطالقان 11/ 278، 23/ 48.
الطائف 3/ 30 - 31 - 325، 1/ 24 - 112 - 212 - 223 - 255 - 263 - 385 - 386 - 388 - 392 - 294 - 395 - 396 - 400، 2/ 84 - 395 - 408، 4/ 303 - 304 - 306 - 327 - 132 - 133، 6/ 90 - 192 - 203 - 205 - 263، 7/ 95 - 97 - 103، 9/ 68 - 120، 11/ 128 - 301، 12/ 203، 13/ 79 - 200 - 203 - 204 - 207 - 213، 15/ 99، 16/ 96 - 294 - 305، 17/ 44 - 232 - 348، 18/ 60، 19/ 156 - 163 - 164 - 165، 20/ 224، 21/ 14 - 131،
22/ 10 - 57 - 323، 23/ 249.
طبرستان 2/ 319، 14/ 286، 18/ 247 - 301 - 302، 24/ 140.
الطبسين 14/ 292.
طثر 8/ 155.
طحال 13/ 107.
طخارستان 3/ 135.
طخفة 3/ 176.
طرسوس 23/ 18.
طريب 11/ 168.
طسوج مسكن 9/ 305.
الطعانيق 10/ 302.
الطف 9/ 22، 13/ 87 - 204 - 205 - 207 - 263، 18/ 269، 19/ 9 - 129.
الطلح 7/ 107، 20/ 294.
طلح قنان 20/ 294.
طلوب 11/ 215.
الطمار 2/ 316.
طمية 19/ 22.
طنجة 20/ 164.
طهمان 22/ 149.
الطواف 3/ 47.
طوّى 7/ 121.
الطود 24/ 102.
طوس 5/ 169، 20/ 180.
طيء 7/ 27، 9/ 97، 11/ 110 - 165 - 167.
طيبة 8/ 274، 18/ 96.
طيرناباذ 10/ 181، 24/ 56.
طيهان 22/ 149.
ظ
ظاهر المدينة 9/ 181.
ظاهرة الأديم 21/ 224.
ظرء 21/ 164 - 223.
الظراب 12/ 208 - 212.
ظفار 6/ 138.
الظهر 10/ 266.
الظهران 4/ 226، 9/ 247.
ظهري غطفان 22/ 57.
الظهيرة 11/ 76.
ع
عاج 11/ 112.
عاسم 24/ 176.
عارمة 11/ 219.
العاقرين 13/ 175.
عاقل 15/ 377.
عالج 17/ 323 - 325، 22/ 326.
العالية 11/ 222، 19/ 208، 22/ 108.
العاه 19/ 201.
عانة 7/ 16.
عائذ اللّه 15/ 61.
عبادان 24/ 54.
العباسية 10/ 310.
عبد القيس 9/ 82.
عبد اللان 20/ 66.
عبقر 3/ 189، 11/ 96، 22/ 340.
العبلاء 3/ 172، 22/ 65.
عبود 1/ 218 - 369، 4/ 383، 18/ 181.
عثر 21/ 150.
عداد 9/ 268.
عدن 1/ 97 - 111، 6/ 334، 7/ 129 - 265، 17/ 309، 18/ 172، 20/ 267 - 270، 22/ 57، 23/ 225.
عدولي 13/ 62.
عذاف 21/ 180.
عذرة 8/ 153.
العذيب 3/ 287، 12/ 63، 13/ 36، 20/ 206، 24/ 18 - 54.
عراب 11/ 301.
العراق 1/ 21 - 35 - 48 - 90 - 172 - 215 - 211 - 261 - 328 - 342 - 362 - 379 - 381 - 404 - 409 - 216 - 217 - 416، 2/ 148 - 180 - 218 - 327 - 345 - 346 - 348 - 355 - 240 - 117، 3/ 62 - 197 - 199 - 218 - 219 - 281 - 291 - 294 - 319 - 361، 4/ 33 - 39 - 179 - 399، 5/ 105 - 269 - 275 - 373 - 419 - 431، 6/ 21 - 35 - 60 - 62 - 167 - 174 - 200 - 236 - 269 - 319 - 340، 7/ 23 - 46 - 211، 8/ 69 - 86 - 222 - 225 - 256 - 257 - 310 - 316 - 359 - 372 - 408، 9/ 6 - 12 -
13 - 77 - 153 - 155 - 170 - 173 - 233، 10/ 160 - 183 - 253، 11/ 15 - 16 - 44 - 153 - 271 - 279 - 315 - 320 - 379، 12/ 14 - 40 - 106 - 112 - 185 - 203 - 206 - 209 - 312 - 337، 13/ 16 - 17 - 99 - 127 - 171 - 196 - 205 - 206 - 207 - 331 - 360، 16/ 204 - 205 - 209 - 254 - 263 - 354، 15/ 38 - 127 - 128 - 148 - 243 - 244 - 383، 17/ 10 - 15 - 216 - 274 - 374، 18/ 111 - 134 - 147 - 178 - 198 - 266 - 277 - 278 - 279 - 294 - 295 - 304 - 306 - 366، 19/ 10 - 29 - 45 - 116 - 122 - 124 - 125 - 128 - 130 - 132 - 204، 20/ 22 - 88 - 117 - 142 - 149 - 162 - 210 - 396 - 402، 21/ 5 - 11 - 92 - 234 - 286 - 310 - 313 - 345 - 346 - 363 - 380 - 381 - 393، 22/ 15 - 17 - 20 - 25 - 144 - 219 - 340 - 355، 23/ 64، 24/ 14 - 25 - 54 - 62 - 176 - 223، 1/م - ت 14 - 34.
العراقان 18/ 258، 19/ 131، 20/ 314، 22/ 17.
العربة 18/ 285.
العرج 7/ 86 - 87، 11/ 301، 12/ 114، 16/ 146 - 148.
عرج الطائف 1/ 385 - 386 - 388 - 392 - 395 - 400 - 401.
العرصة 1/ 11 - 32، 15/ 44.
العرض 3/ 107، 4/ 262، 10/ 71، 15/ 114.
عرعر 21/ 164 - 220.
عرفات - عرفة - 1/ 294، 2/ 55، 6/ 203، 11/ 170، 18/ 372، 20/ 357 - 361، 22/ 55.
عرفة - عرفات - 12/ 177، 20/ 359، 23/ 228، 24/ 102 - 166.
عرق 12/ 71.
عرق سويقة 18/ 56.
عرنان 12/ 345، 13/ 10.
العروض 12/ 118.
عريتنات 3/ 8، 6/ 16، 10/ 310.
عريجاء 13/ 41.
العريض 6/ 358، 17/ 124.
العزل 3/ 303 - 304.
العزي 11/ 149، 17/ 248.
العزيفة 12/ 170.
عساف 9/ 247.
عسجز 3/ 366.
عسفان 1/ 218، 3/ 320، 7/ 129، 8/ 325، 17/ 276، 19/ 156.
عسقلان 9/ 275.
عسكر مصعب 22/ 341.
عسيب 15/ 79.
العصبة 15/ 37 - 48.
عصنصر 21/ 181.
عطالة 12/ 339.
العطن 24/ 137 - 138 - 141.
العقبة 3/ 331، 17/ 203.
عقبة منى 23/ 247.
العقر 9/ 22، 14/ 280.
العقيق 1/ 356 - 27 - 28 - 394، 2/ 398، 3/ 18 - 31 - 32، 6/ 11، 7/ 89 - 105، 12/ 217، 15/ 32 - 44، 17/ 242 - 354، 18/ 326 - 330 - 331، 19/ 90 - 145 - 212 - 221 - 237، 22/ 8 - 9، 23/ 230، 24/ 89.
عقيق المدينة 20/ 197.
عكا 1/ 28، 24/ 31.
عكاظ 1/ 14 - 63 - 209، 10/ 21، 11/ 76 - 82 - 119، 13/ 41 - 221، 16/ 132، 20/ 378، 22/ 67 - 241.
عكبرا 22/ 163.
علم 12/ 246، 13/ 87.
علياء 1/ 248.
علياء نجد 22/ 331.
عليب 3/ 111، 7/ 140 - 144 - 145، 12/ 337 - 338.
عمان 3/ 177 - 363، 7/ 265، 13/ 68 - 89، 14/ 157 - 283 - 292 - 300، 16/ 259، 18/ 109 - 114 - 311 - 318، 19/ 281، 20/ 75 - 76 - 100 - 276 - 290، 21/ 108 - 344.
عماية 22/ 139، 24/ 172 - 173.
عمد 1/ 289.
عمق 1/ 367 - 406، 3/ 77، 11/ 213، 12/ 61 - 62.
عمواس 13/ 200.
عمورية 9/ 298، 13/ 17.
عميس الحمائم 9/ 23.
عناق 18/ 46.
عنبب 12/ 338.
عنزة 8/ 22.
عنزتين 9/ 222.
عنيزة 2/ 41، 12/ 274، 15/ 97، 18/ 96.
عويقل 16/ 128.
عيسى باذ 23/ 15.
عيقة 15/ 117.
العتكتين 21/ 183.
عين التمر 4/ 3، 20/ 297 - 298.
عين الحديد 3/ 301.
عين كندي 9/ 74.
عين محلم 9/ 155.
عين مروان 3/ 301.
عين النمر 15/ 315.
عيهم 4/ 428.
غ
الغابة 15/ 47 - 48.
غادة 7/ 286.
غار رخمان 21/ 168.
الغازان 17/ 270.
غالب 6/ 23.
غدير 3/ 271 - 362، 13/ 335.
الغروب 4/ 428.
الغري 13/ 246.
الغريف 10/ 39.
الغريين 22/ 86.
غزاة 8/ 84.
غزال 1/ 218، 16/ 69.
غزة 6/ 345 - 346.
غض الجمر 6/ 3.
الغضبة 24/ 43.
غضورا 3/ 81.
غطفان 21/ 234.
الغلقلونة 17/ 210.
غمى 18/ 105.
غمدان 1/ 136، 17/ 302 - 305 - 311 - 312 - 313 - 317، 20/ 178.
الغمر 4/ 30 - 278، 11/ 29.
غمر بني مقاتل 24/ 60.
غمرة 12/ 20، 17/ 324.
الغميضاء 7/ 282 - 289.
الغميم 1/ 163 - 217، 9/ 24، 22/ 280 - 289.
الغور 17/ 174 - 176، 20/ 7، 24/ 31.
الغوطة 15/ 169، 18/ 261، 24/ 111.
غوطة دمشق 17/ 147 - 165 - 349، 20/ 137 - 416.
غول 12/ 20.
الغوير 24/ 25 - 29 - 32.
غوير المضبع 24/ 25.
غوير كلب 24/ 31.
غيب الناعم 3/ 278.
غيل 22/ 34.
الغيلم 9/ 222.
ف
فاتش 18/ 85.
فارس 5/ 154، 8/ 401، 9/ 19، 10/ 33، 12/ 23 - 35 - 229، 16/ 343، 18/ 292، 19/ 81، 21/ 318، 22/ 286 - 290، 24/ 56.
فارع 4/ 153 - 156، 12/ 67.
الفتنة 9/ 271.
فحلين 24/ 176.
فخ 4/ 85، 6/ 194 - 195 - 202 - 296، 11/ 190.
فدفد 7/ 139.
فدك 10/ 307، 11/ 13 - 37،
17/ 249، 22/ 57 - 107.
الفرات 1/ 162 - 153، 2/ 152، 3/ 32، 4/ 418، 6/ 40، 8/ 291 - 296 - 320، 9/ 291، 10/ 221، 11/ 199، 12/ 64 - 201، 13/ 17 - 347، 14/ 174، 17/ 33 - 159 - 342، 18/ 248 - 306، 19/ 3 - 206، 20/ 227 - 272 - 402، 22/ 47 - 255، 24/ 35 - 36 - 60 - 61 - 229.
الفراديس 7/ 76.
فراس بني غنم 14/ 150.
الفراشية 13/ 295.
فران 24/ 142.
فرتاج 11/ 301.
الفرد 6/ 69.
فردة 17/ 249، 22/ 293.
الفرش 4/ 386.
فرش الجبا 12/ 188.
فرش ملل 9/ 23.
الفرصة 18/ 540.
الفرع 1/ 280 - 370، 4/ 393، 12/ 272 - 243، 17/ 174 - 176، 19/ 143، 21/ 12.
الفرقد 1/ 84.
الفرما 23/ 54.
فرنى 13/ 215.
الفسطاط 1/ 333 - 360.
فضاء 3/ 24 - 41.
فطرس 15/ 291.
فلج 10/ 152، 12/ 58، 18/ 13 - 36، 20/ 416، 24/ 83 - 88.
فلسطين 2/ 305، 6/ 56، 11/ 366، 13/ 82 - 291 - 200، 15/ 291، 19/ 195.
فليح 9/ 261.
فم الشعب 23/ 247 - 248.
فم الصلح 10/ 60، 23/ 46.
فوهستان 16/ 16.
فيء كسرى 8/ 321.
الفيافي 2/ 88.
فيد 2/ 371، 9/ 176، 18/ 184.
فيحان 12/ 245.
فيض 3/ 24 - 41، 4/ 238، 20/ 89.
فيف الريح 12/ 20.
ق
القادسية 1/ 379، 10/ 246، 13/ 17 - 36، 15/ 243، 17/ 258، 20/ 195 - 206 - 210، 21/ 208، 22/ 355، 24/ 18 - 56.
قادسية الكوفة 21/ 90.
قارا 20/ 260.
قاسان 15/ 248.
قاشان 20/ 121.
القاطول 5/ 394، 7/ 158، 10/ 111 - 117، 19/ 229.
القاعة 13/ 19 - 50.
قاف 23/ 35.
قالي قلا 23/ 61.
قباء 10/ 123، 15/ 356، 17/ 353، 20/ 197 - 203.
قباب 11/ 301.
قباقب 20/ 384.
قبة الأدم 12/ 23 - 8 - 9 - 34.
قبر 2/ 70 - 148 - 300 - 5 - 22 - 139 - 149، 3/ 247، 12/ 111 - 135 - 221.
قبر أبي حريان 15/ 157.
قبر أبي رغال 4/ 306، 17/ 44.
قبر الأيهم بن جبلة بن الأبهم الغساني 17/ 161.
قبر الحارث بن ماريا الجفني 17/ 161.
قبر الرشيد - بطوس - 20/ 180.
قبر زائدة بن معن 4/ 26.
قبر علي بن موسى الرضا - بطوس - 20/ 180.
قبر النبي محمد صلّى اللّه عليه وسلّم 2/ 22 - 376.
قبر يشجان 15/ 213.
قبور عاد 12/ 78.
قحطان 9/ 314، 14/ 138.
قداد 12/ 186 - 188.
قدس 12/ 174.
قديد 4/ 243، 9/ 36، 14/ 305، 16/ 269، 17/ 276 - 282، 21/ 96، 22/ 282، 23/ 230.
قديدا 12/ 114.
قديس 15/ 243.
قراضم 9/ 12.
قراقر 22/ 328.
قران 21/ 224.
قرى 13/ 47 - 48 - 82 - 86 - 212 - 325.
قرى الجزيرة 14/ 268.
قرقر 10/ 28، 20/ 416.
القردة 17/ 324.
قرقرى 24/ 135 - 136 - 137 - 139 - 141 - 142.
قرقيسيا 8/ 296، 14/ 242، 18/ 113، 19/ 196 - 198 - 200 - 202، 24/ 22 - 36 - 37 - 38 - 39،
قرقسياء 24/ 24.
قرميسين 20/ 182، 23/ 159.
قرن الثعالب 23/ 228.
قرن الحول 22/ 65.
قرظة 18/ 200.
قرن المنازل 1/ 189.
القرون 1/ 289.
قرون بقر 11/ 212.
قريان 22/ 77 - 78.
القريّة 1/ 225، 6/ 341 - 342.
343، 17/ 393 - 396، 20/ 416، 21/ 313، 24/ 65، 66.
قرية ابجر 18/ 293.
قرية بمرو - اللين - 14/ 135.
قرية النمل 2/ 289، 12/ 255.
القريتين 7/ 222، 13/ 173، 18/ 184.
قرين 7/ 26.
قزوين 13/ 165، 15/ 249، 23/ 48.
قس الناطف 17/ 153، 19/ 3.
قسطل 7/ 25.
القسطنطينية 6/ 117، 9/ 265، 13/ 17، 15/ 163، 17/ 210، 18/ 240، 24/ 197.
قسنوني 4/ 118.
قصبة الكورة 24/ 56.
قصر 3/ 172 - 307، 23/ 230.
قصر ابن مقاتل 2/ 154.
القصر الأبيض 2/ 115.
القصر الأحمر 20/ 368.
قصر أوس 14/ 165، 19/ 90.
قصر بني حديلة 4/ 162.
قصر بني خلف 22/ 263.
قصر التل 10/ 113.
قصر الحجاج 20/ 368.
قصر الحرم 21/ 68.
قصر حسنى 17/ 168.
قصر الخلد 21/ 67.
قصر الدارين 4/ 156.
قصر دوران 11/ 359.
قصر ذو خشب 2/ 234 - 235 - 236، 18/ 308.
قصر السلام 10/ 89.
قصر عبد اللّه بن زياد 18/ 54.
قصر عمان 22/ 110.
قصر قباء 20/ 197.
قصر معبد 20/ 89.
قصر وضاح 10/ 220.
القصرين 11/ 278، 13/ 205.
قصور الحسن بن زيد 4/ 375.
القصيم 22/ 287 - 298.
قضة 24/ 93 - 95.
قطربل 5/ 431، 18/ 106، 19/ 225، 22/ 163، 23/ 84 - 179.
القطقطانة 13/ 106، 15/ 315، 17/ 6.
قطوان 23/ 228.
القطيعة 17/ 299.
القطيف 15/ 256.
القعقاع 13/ 131.
مقيقعان 3/ 362، 15/ 13.
القف 17/ 170.
قف جمدان 17/ 169.
القفا 19/ 23.
القفار 2/ 42.
القفص 7/ 190 - 218، 20/ 260.
القفط 22/ 330.
القفل 20/ 270.
القفيل 17/ 249.
قلعة أبجر 18/ 293.
قليب 3/ 161، 4/ 201 - 202، 6/ 72.
القليسم 6/ 36.
قليعة 15/ 15.
قمّ 12/ 229، 13/ 279، 15/ 213، 20/ 121 - 149 - 274.
قنا 1/ 353.
قناة 19/ 145.
قنان 16/ 41، 24/ 194.
قندابيل 19/ 64 - 65.
القندل 13/ 238.
قند حمار 17/ 338، 18/ 284، 6/ 306 - 308.
قنسرين 4/ 245، 19/ 195، 23/ 249.
قنطرة الزياتين 4/ 111.
قنطرة ساباط 2/ 127.
قنطرة الكوفة 13/ 50.
قنوني 12/ 174 - 175 - 179، 13/ 220، 15/ 17.
قنين 6/ 8، 11/ 274 - 275.
قهستان 12/ 23 - 24.
قوّ 12/ 171.
قوّا 6/ 139.
القوادم 10/ 310.
قوباء 11/ 211.
قورى - مزرعة - 17/ 124 - 127 - 128.
قومس 12/ 229، 24/ 140.
قوهستان 14/ 135، 22/ 304.
قيل 13/ 322.
قينة 3/ 282.
القيول 6/ 36.
ك
كابل 18/ 269.
كازون 14/ 285.
كاظمة 6/ 136، 13/ 22، 18/ 17، 22/ 355.
الكتب 4/ 385.
كتمان 17/ 291 - 292.
الكتوى 4/ 336.
كثوة 11/ 299.
كثيب 1/ 263 - 282 - 283 - 393، 12/ 9.
كثيبة 23/ 249.
الكحيل 12/ 207، 24/ 142.
كداء 1/ 212، 6/ 351، 10/ 123، 22/ 184.
كدى 4/ 336 - 341، 11/ 299، 12/ 183.
الكدر 22/ 234.
كديا 22/ 184.
الكديد 11/ 305، 16/ 60 - 63.
الكرّ 10/ 232.
كربلاء 12/ 63، 13/ 243، 16/ 142، 18/ 62.
كرج - مدينة بفارس - 14/ 139، 19/ 117، 20/ 21.
الكرخ 3/ 211، 7/ 107، 10/ 66 - 219 - 220، 13/ 321، 19/ 301، 20/ 69 - 165 - 188 - 276، 23/ 40 - 46 - 91 - 184.
كرخايا 7/ 193.
كركر 10/ 28.
كركين 19/ 236.
كرمان 12/ 23 - 35 - 229، 14/ 275 - 296، 18/ 272 - 279 - 292، 19/ 110.
كرنبى 8/ 417.
كساب 13/ 272.
كسة 23/ 249.
كسكر 19/ 109، 20/ 132.
كش 14/ 282.
كشب 3/ 113.
الكعبة 1/ 2 - 64 - 119 - 164 - 250 - 264 - 295 - 378، 2/ 21 - 22،
3/ 93 - 124 - 277 - 305 - 332، 4/ 171 - 191 - 223 - 242 - 294 - 303، 6/ 124، 7/ 134 - 250، 8/ 30 - 226، 12/ 204 - 257، 13/ 296، 14/ 9 - 241، 15/ 14 - 15 - 162، 17/ 5 - 44 - 157 - 158 - 180 - 294، 18/ 323، 19/ 69 - 139 - 278، 20/ 11، 22/ 17 - 19، 23/ 226، 24/ 11.
كعبة نجران 6/ 298 - 299، 11/ 381، 12/ 9.
الكفافة 3/ 274.
الكفر 8/ 402.
كفر طاب 20/ 250.
ككتاب أو اللكليك 3/ 278.
الكلاب 12/ 209 - 211 - 212، 22/ 215.
كلواذا 20/ 260.
كلوازي 13/ 315 - 320.
كلية 1/ 325 - 368، 12/ 114.
الكناس 2/ 284، 17/ 21.
الكناسة 15/ 222، 17/ 5، 18/ 34.
كناسة الدواب 18/ 347.
كناسة الكوفة 21/ 282.
كندة 14/ 170 - 272، 15/ 210 - 255.
كنيسة راهب 2/ 355.
الكهف 20/ 144.
كهف خبّان 6/ 132.
كوار 8/ 418.
كوة زبان 20/ 330 - 331 - 333.
كوتى 4/ 241.
كورة 8/ 418.
كورة بين نيسابور وهراة 14/ 135.
الكوفة 1/ 20 - 31 - 75 - 153 - 334 - 355 - 396 - 412 - 416، 2/ 131 - 135 - 158 - 309 - 345 - 346 - 349 - 351 - 353 - 397 - 404 - 405 - 406 - 407 - 408 - 411 - 415 - 421، 3/ 91 - 134 - 147 - 185، 4/ 1 - 4 - 9 - 33 - 47 - 302 - 306 - 327 - 404، 5/ 84 - 107 - 126 - 133 - 135 - 138 - 143 - 145 - 146 - 154 - 156 - 227، 6/ 38 - 42 - 43 - 45 - 46 - 64 - 54 - 68 - 74 - 91 - 161 - 239، 7/ 175 - 187 - 248 - 256، 8/ 21 - 61 - 218 - 266 - 286 - 295 - 300 - 303 - 310 - 311 - 312 - 313 - 319 - 390 - 398، 10/ 204 - 242 - 252 - 269، 11/ 61 - 184 - 254 - 264 - 310 - 364 - 373 - 374 - 377، 12/ 9 - 35 - 36 - 40 - 48 - 64 - 74 - 75 - 133 - 135 - 140 - 142 -
159 - 175 - 203 - 205 - 210 - 225 - 228 - 229 - 337، 13/ 17 - 64 - 83 - 106 - 165 - 169 - 276 - 278 - 283 - 293 - 300 - 315 - 322 - 324 - 327 - 329 - 330 - 338 - 341، 14/ 23 - 110 - 174 - 183 - 217 - 221 - 222 - 227 - 228 - 229 - 242 - 243 - 244 - 246 - 248 - 249 - 255 - 256 - 261 - 276 - 279 - 280 - 297 - 319 - 321 - 322 - 335 - 352 - 357 - 359، 15/ 28 - 58 - 59 - 68 - 150 - 219 - 222 - 223 - 224 - 266 - 267 - 268 - 283 - 362 - 369 - 370، 16/ 29 - 30 - 80 - 89 - 92 - 101 - 158 - 207 - 211 - 212 - 223 - 224 - 234، 17/ 2 - 5 - 6 - 10 - 15 - 16 - 17 - 18 - 27 - 40 - 106 - 112 - 133 - 134 - 135 - 136 - 138 - 147 - 152 - 153 - 215 - 224 - 229 - 327 - 341، 18/ 5 - 9 - 33 - 34 - 100 - 104 - 114 - 116 - 132 - 134 - 152 - 192 - 288 - 294 - 297 - 336 - 337 - 338، 19/ 3 - 31 - 37 - 122 - 123 - 128 - 129 - 184 - 191 - 199 - 202 - 203 -
20/ 32 - 44 - 103 - 124 - 132 - 135 - 136 - 138 - 195 - 364 - 365 - 397 - 413 - 416، 21/ 14 - 29 - 30 - 117 - 233 - 338 - 359 - 404، 22/ 12 - 14 - 25 - 355، 23/ 118 - 130 -
189 - 190 - 204 - 217 - 228، 24/ 13 - 56 - 60 - 78 - 220 - 221 - 229.
كوكب 24/ 22 - 24.
كويكب 21/ 263.
كير 3/ 77.
ل
اللاحجة 20/ 361.
لبيّ 12/ 207.
لحج 7/ 265، 23/ 225.
لحيان 4/ 224، 17/ 381.
لخم 15/ 312.
اللد 22/ 194.
لدّا 6/ 239.
لست 20/ 333.
لعلع 12/ 63.
لفلف 13/ 37.
اللقاطة 17/ 195.
لقف 21/ 12.
اللهزمين 6/ 36.
اللوى 6/ 196 - 234 - 241 - 251 - 276، 7/ 6 - 8 - 9 - 10.
لوي الثرى 11/ 301.
لية 15/ 99.
الليث 3/ 110 - 111.
اللين 15/ 171.
م
مآب 17/ 376.
ماء الأطواء 22/ 346.
ماء ظر 21/ 223.
الماحوزة 20/ 275.
مأرب 20/ 178.
المأزمان 3/ 325، 4/ 237، 19/ 78، 20/ 359.
ماسبذان 23/ 146.
مأسل 23/ 1.
ماكسين 24/ 38.
الماهين 23/ 159.
ماوان 3/ 79 - 80 - 85 - 86.
المبارك 21/ 313 - 331 - 379.
متانع 17/ 369.
المتثلم 4/ 428، 10/ 286.
متنزه 3/ 47.
المجاز 11/ 43.
المجازة 4/ 118.
المجرة 1/ 318.
المجمع اللغوي 19/ 220.
المجمعة 21/ 212.
المحاضر 22/ 78.
محجر 17/ 256.
المحدثة 20/ 368.
المحزم 3/ 216.
محسر 1/ 155، 12/ 118.
محص 15/ 123.
المحصب 3/ 329، 6/ 193، 20/ 318، 21/ 184، 23/ 14.
المحضر 3/ 366، 20/ 357.
محضرا 11/ 156.
محضرين 20/ 357.
المخارم 22/ 78.
المخافر 22/ 78.
المخالق 12/ 338.
المخرّم 5/ 423، 18/ 336 - 337.
المداد 9/ 212.
مدار قيس 22/ 68 - 69.
المدائن 19/ 124، 20/ 278.
مدفع 3/ 342.
مدين 6/ 103، 18/ 288.
المدينة 1/م - ت 13، 1/ 21 - 23 - 24 - 25 - 26 - 28 - 29 - 31 - 32 - 35 - 38 - 39 - 40 - 44 - 52 - 53 - 55 - 56 - 57 - 58 - 65 - 76 - 149 - 161 - 203 - 204 - 208 - 223 - 225 - 235 - 254 - 255 - 261 - 274 - 276 - 288 - 290 - 292 - 295 - 296 - 312 - 319 - 326 - 399 - 345 - 350 - 366 - 371 - 373 - 378 - 380 - 383 - 387 - 393 - 398، 2/ 258 - 300 - 368 - 388 - 142 - 164 - 2/ 305 - 298 - 291 - 207 - 310 - 321 - 326 - 337 - 347 - 355 - 369 - 371 - 376 - 387، 3/ 7 - 8 - 10 - 13 - 27 - 28 - 29 - 30 - 31 - 33 - 35 - 38 - 40 - 45 - 46 - 56 - 57 - 76 - 116 - 120 - 133 - 215 - 255 - 278 - 279 - 291 - 292 - 293 - 301 - 302 - 303 - 307 - 309 - 316 - 324 - 333 - 345 - 348 - 351 - 352 - 355 - 359، 4/ 20 - 58 - 140 - 146 - 162 - 178 - 183 - 207 - 219 - 221 - 222 - 232 - 234 - 235 - 236 - 246 - 252 - 255 - 261 - 272 - 275 - 273 - 274 - 276 - 283 - 284 - 286 - 330 - 337 - 348 - 372 -
361 - 363 - 367 - 393 - 398 - 400 - 417، 5/ 11 - 74 - 102 - 105 - 107 - 113 - 114 - 251، 6/ 10 - 12 - 16 - 21 - 22 - 23 - 27 - 28 - 29 - 105 - 108 - 109 - 118 - 119 - 159 - 171 - 191 - 203 - 206 - 254 - 269 - 272 - 278 - 280 - 284 - 305 - 311 - 319 - 331 - 337 - 338 - 340 - 352 - 358، 7/ 4 - 21 - 44 - 87 - 130 - 231 - 235 - 288، 8/ 13 - 38 - 62 - 72 - 75 - 92 - 188 - 189 - 210 - 222 - 223 - 230 - 268 - 277 - 321 - 322 - 324 - 325 - 334 - 341 - 343 - 345، 9/ 20 - 39 - 68 - 134 - 140 - 144 - 148 - 149 - 152 - 164 - 167 - 171 - 173 - 175 - 177 - 197 - 199 - 204 - 337، 10/ 92 - 122 - 162 - 306 - 319 - 322، 11/ 10 - 39 - 110 - 181 - 189 - 190 - 193 - 211 - 221، 12/ 61 - 73 - 74 - 113 - 143 - 183 - 184 - 217 - 185 - 186 - 189 - 196 - 204 - 255 - 258 - 262 - 300 - 301، 13/ 58 - 199 - 322 - 356، 14/ 190 -
290 - 315، 15/ 5 - 6 - 9 - 10 - 21 - 29 - 38 - 47 - 51 - 53 - 74 - 77 - 79 - 114 - 115 - 116 - 118 - 122 - 123 - 124 - 135 - 136 - 137 - 162 - 169 - 170 - 174 - 182 - 183 - 341 - 221 - 256 - 292 - 294 - 301 - 307 - 311 - 320 - 324 - 326 - 333، 16/ 25 - 28 - 39 - 68 - 102 - 106 - 111 - 145 - 148 - 149 - 154 - 170 - 171 - 177 - 225 - 233 - 266 - 271 - 276 - 304 - 323 - 325 - 365، 17/ 42 - 43 - 44 - 57 - 75 - 88 - 90 - 91 - 101 - 117 - 120 - 124 - 126 - 128 - 162 - 163 - 164 - 170 - 172 - 174 - 177 - 216 - 227 - 228 - 242 - 276 - 277 - 295 - 342 - 345 - 352 - 353، 18/ 95 - 96 - 147 - 254 - 288 - 322 - 325 - 326 - 336، 19/ 28 - 133 - 135 - 136 - 140 - 142 - 143 - 144 - 145 - 146 - 147 - 151 - 152 - 153 - 155 - 156 - 163 - 165 - 168 - 170 - 172 - 174 - 176 - 178 - 182 - 189 - 200 - 206 - 212 - 289 - 298، 20/ 10 - 11 - 142 - 197 - 198 - 201 - 202 - 203 - 268 - 294 -
296 - 310 - 316 - 318 - 321 - 326 - 327 - 353، 21/ 10 - 11 - 25 - 97 - 101 - 103 - 106 - 108 - 109 - 226 - 233 - 234 - 264 - 265 - 303 - 321 - 328 - 338 - 351 - 352 - 366 - 367 - 370 - 372 - 378 - 382 - 383 - 401، 22/ 32 - 38 - 107 - 108 - 110 - 111 - 132 - 280 - 288 - 290، 23/ 224 - 228 - 229 - 230 - 234 - 246 - 247 - 254، 24/ 14 - 76.
مدينة بفارس 14/ 248.
مدينة بكرمان 14/ 135.
مدينة خوارزم 14/ 299.
مدينة الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم 20/ 289.
مدينة السلام 4/ 31، 10/ 101 - 132، 18/ 301 - 345، 20/ 189 - 304، 23/ 22 - 96 - 181.
مدينة طيبة 14/ 126.
المدينة المنورة - طيبة - 14/ 126.
مدينة نهر شبروا 2/ 141.
مدينة هجر 14/ 81.
المذاذ 16/ 225.
مذار 23/ 178.
مر 21/ 224.
مرّ الظهران 3/ 4، 6/ 352.
مرابع 22/ 290.
مراة 18/ 17 - 18.
المرادي 14/ 15.
مران 18/ 39، 22/ 148.
مران العراق 22/ 332.
المربأ 3/ 220.
المربد 10/ 151 - 152 - 153، 12/ 58، 14/ 165، 16/ 95، 17/ 111، 18/ 8 - 23 - 24 - 35 - 94 - 187، 19/ 191، 22/ 172 - 261 - 339، 24/ 206 - 208.
مربد البصرة 22/ 274.
المربدان 19/ 90.
المربع 2/ 338، 20/ 220.
المرج 10/ 182 - 183، 22/ 61.
مرج أراكم 22/ 358.
مرج راهط 19/ 196 - 201، 24/ 111.
مرج الصفر 19/ 9.
مرج عدراء 17/ 147.
مرحاب 20/ 266.
المرحى 13/ 48.
مرس أباد 10/ 197.
مرعش 11/ 373، 22/ 176.
المرغاب 18/ 216.
مرغما 24/ 12.
المرمار 21/ 256.
المرمريس 21/ 256.
مرو 16/ 213، 19/ 45.
مرو الروز 23/ 48، 20/ 15.
مروا 2/ 416.
المروة 1/ 377.
مزاحم 17/ 123 - 126 - 127 - 128 - 172.
المزة 7/ 75 - 76 - 77 - 234 - 246 - 276.
مزحل 12/ 203.
المزدلفة 11/ 170، 20/ 359، 22/ 40.
مزرعة 2/ 384، 12/ 235.
المزورة 2/ 395.
المساجد 11/ 191.
مستراد 12/ 203 - 337.
المستظل 15/ 48.
مسجد 2/ 381 - 380 - 164، 3/ 46 - 47 - 111 - 130 - 166 - 179 - 184 - 276 - 281 - 282 - 291 - 316 - 342 - 364 - 360، 12/ 8 - 141 - 262 - 301 - 302 - 328 - 308، 13/ 357 - 59 - 275 - 95، 14/ 344، 17/ 248 - 289.
مسجد ابن رغيان 4/ 361.
مسجد الأحامرة 8/ 400.
مسجد الأشياخ 10/ 157.
مسجد الأنصار (بالبصرة) 18/ 187.
مسجد بارق 9/ 13.
مسجد بنو غاضرة 2/ 421.
مسجد بني أقيصر 15/ 371.
مسجد البصرة 7/ 183، 12/ 39، 14/ 43، 15/ 394، 18/ 187 - 207، 20/ 230.
مسجد بغداد 4/ 45.
مسجد بني شيطان 17/ 330.
مسجد بني مجاشع 18/ 55.
المسجد الجامع - بالبصرة - 18/ 173، 21/ 208.
المسجد الحرام 4/ 214 - 253 - 330 - 336، 5/ 28، 17/ 42 - 91، 19/ 160.
مسجد الخيف 1/ 400، 14/ 35، 19/ 224 - 248.
مسجد دمشق 18/ 276.
مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم 2/ 215 - 216 - 247 - 248 - 326 - 327 - 376، 4/ 143 - 144، 6/ 13، 7/ 53، 12/ 196 - 338، 14/ 121، 17/ 87 - 88 - 91 - 101 - 295 - 353، 19/ 176، 20/ 4 - 7 - 198، 21/ 11.
مسجد الرصافة 10/ 94.
مسجد سماك - بالكوفة - 11/ 251، 17/ 146.
مسجد عبد الواحد 6/ 108.
مسجد القادسية 2/ 34، 15/ 350.
مسجد قباء 17/ 353 - 354.
مسجد قوم السراة - في بغداد - 6/ 312.
مسجد الكوفة 6/ 94، 12/ 37، 15/ 213، 17/ 2 - 26.
مسجد المدينة 15/ 32، 19/ 175، 20/ 170 - 332.
مسجد المروزية 20/ 148.
المسجد النبوي 19/ 160.
مسجد اليمامة 12/ 291.
مسحلان 2/ 155، 9/ 81 - 336.
المسرقان 18/ 279 - 290.
مسكن 19/ 123 - 128.
مشاش 4/ 381.
مشرف 18/ 3.
مشرفة 3/ 10.
المشعر الحرام 19/ 78، 20/ 359.
مشعل 21/ 187.
المشقر 9/ 78، 13/ 196، 15/ 38، 17/ 319 - 321 - 322، 18/ 261 - 265.
مشلل 1/ 406، 4/ 243.
مصر 1/ 233 - 235 - 325 - 326 - 327 - 360 - 352، 2/ 386، 3/ 290 - 291 - 346، 4/ 39 - 343 - 361 - 365، 6/ 266، 7/ 145، 9/ 5 - 3 - 255 - 261، 10/ 211، 11/ 26، 12/ 101 -
102 - 103 - 104 - 106 - 112 - 143 - 176 - 190، 13/ 171، 15/ 175 - 366 - 385 - 329، 16/ 82 - 151 - 262 - 324 - 325، 17/ 276، 18/ 338، 20/ 152 - 159 - 160 - 161 - 162 - 164 - 267 - 270 - 316، 23/ 54 - 181، 24/ 5 - 7 - 13 - 199، 1/م - ت 31.
المصلى 7/ 234، 19/ 90.
المصنعة 15/ 43.
مصوع 9/ 64.
المصيخ 24/ 22.
المصيصة 23/ 18.
المضجع 11/ 222 - 223، 23/ 227 - 228.
مضر 22/ 15.
مضيأة 2/ 216.
المضيح 6/ 72، 16/ 18.
المضيق 17/ 264 - 265.
مضيق يليل 16/ 8.
المطالي 24/ 179.
مطبق باب الشام 20/ 179.
مطلح 6/ 79.
مطلوب 13/ 58.
المطيرة 19/ 228، 22/ 165 - 178، 23/ 179.
معاد 1/ 16.
المعاط 13/ 171.
معان 1/ 138، 15/ 154 - 155.
معبد 12/ 72.
معدن 11/ 324.
المعدي 21/ 189.
المعرة 20/ 250، 22/ 289.
معرة النعمان 21/ 40.
معرّس 12/ 327.
معرّس ومقبس - حائطان - 17/ 126.
معشر 10/ 12.
معقل النادي 3/ 299.
المعلى 23/ 245.
المعيشة 24/ 18.
المغازي 4/ 170.
المغرب 1/م - ت 8 - 14، 18/ 235.
مغيثة 13/ 36.
المغجر 20/ 224.
المقام 1/ 103 - 170 - 374.
مقام إبراهيم 17/ 44 - 287 - 299.
مقام الحجاج 3/ 62.
مقبرة 2/ 96 - 134.
مقدية 12/ 280.
المقطم 1/ 338 - 329 - 331، 20/ 313.
مكة 1/ 21 - 22 - 23 - 39 - 40 - 44 - 45 - 46 - 48 - 51 - 57 - 70 - 77 - 99 - 105 - 110 - 112 - 161 - 164 - 169 - 172 - 190 - 192 -
195 - 201 - 203 - 220 - 221 - 223 - 224 - 226 - 248 - 250 - 254 - 255 - 260 - 261 - 274 - 276 - 278 - 296 - 297 - 309 - 312 - 320 - 323 - 377 - 378 - 379 - 380 - 387 - 388 - 390 - 394 - 16 - 215 - 216 - 217، 2/ 21 - 55 - 111 - 239 - 305 - 323 - 327 - 343 - 353 - 355 - 358 - 361 - 362 - 363 - 367 - 368 - 376 - 382 - 385 - 386 - 387 - 395، 3/ 7 - 10 - 12 - 45 - 47 - 49 - 76 - 110 - 111 - 123 - 282 - 312 - 317 - 320 - 321 - 323 - 324 - 325 - 327 - 328 - 329 - 332 - 333 - 338 - 339 - 342 - 345 - 346 - 362، 4/ 57 - 91 - 119 - 127 - 136 - 140 - 171 - 172 - 181 - 183 - 195 - 196 - 197 - 200 - 204 - 226 - 228 - 274 - 279 - 280 - 281 - 303 - 336 - 338 - 347 - 384 - 399 - 307 - 319 - 321 - 365، 5/ 11 - 38 - 105 - 113 - 142 - 223 - 319، 6/ 44 - 171 - 192 - 203 - 205 - 218 - 261 - 268 - 269 - 291 - 292 - 296 - 300 - 305 - 311 - 319 - 320 - 322 - 327 - 351 - 352 - 354 - 357 -
358، 7/ 4 - 104 - 121 - 122 - 124 - 125 - 132 - 133 - 134 - 139 - 140، 8/ 39 - 59 - 100 - 188 - 190 - 204 - 206 - 208 - 209 - 210 - 211 - 215 - 223 - 230 - 238 - 325 - 326 - 329 - 330 - 334 - 335 - 338 - 339 - 343 - 350، 9/ 8 - 17 - 36 - 37 - 51 - 52 - 57 - 68 - 69 - 92 - 128 - 148 - 175 - 177 - 192 - 222 - 225 - 247 - 308 - 326 - 330 - 331، 10/ 30 - 204 - 237 - 268، 11/ 24 - 117 - 120 - 127 - 181 - 188 - 189 - 191، 12/ 56 - 57 - 72 - 97 - 113 - 118 - 119 - 125 - 137 - 160 - 176 - 203 - 204 - 217 - 221 - 239، 13/ 13 - 50 - 51 - 53 - 79 - 201 - 213 - 215 - 218 - 272 - 238 - 350، 14/ 87 - 121 - 129 - 146 - 147 - 149 - 151 - 153 - 173 - 191 - 219 - 241 - 242 - 244، 15/ 11 - 12 - 13 - 14 - 17 - 18 - 15 - 21 - 42 - 45 - 46 - 147 - 151 - 163 - 179 - 180 - 189 - 196 - 201 - 220 - 263 - 294 - 309 - 311، 16/ 110 - 116 - 135 - 150 -
153 - 171 - 178 - 194 - 197 - 198 - 200 - 229 - 261 - 266 - 269 - 272 - 302 - 303 - 304 - 365، 17/ 3 - 39 - 42 - 44 - 88 - 101 - 163 - 166 - 198 - 268 - 282 - 284 - 285 - 286 - 287 - 288 - 289 - 290 - 291 - 292 - 294 - 297 - 298 - 299 - 300 - 301 - 324 - 336 - 361، 18/ 42 - 45 - 67 - 90 - 123 - 170 - 172 - 174 - 187 - 192 - 193 - 196 - 199 - 201 - 206 - 208 - 226 - 268 - 283 - 286 - 288 - 332 - 333 - 345 - 367 - 372، 19/ 15 - 22 - 28 - 78 - 127 - 130 - 142 - 143 - 156 - 163 - 294، 20/ 85 - 92 - 114 - 159 - 203 - 224 - 237 - 265 - 294 - 310 - 314 - 357 - 359 - 361 - 369 - 387 - 403، 21/ 99 - 123 - 144 - 205 - 208 - 216 - 225 - 226 - 287 - 292 - 293 - 295 - 303 - 359 - 378 - 381، 22/ 17 - 19 - 28 - 40 - 57 - 60 - 61 - 147 - 184 - 190 - 241 - 242 - 324، 23/ 9 - 98 - 170 - 227 - 228 - 231 - 234 - 236 - 247 - 248 - 249،
24/ 7 - 83 - 89 - 114 - 137 - 139.
مكران 6/ 38 - 41، 17/ 40.
المكرخة 21/ 404.
الملا 7/ 28 - 37، 22/ 193.
ملح 12/ 337، 17/ 255.
ملل 20/ 270.
ملهم 6/ 129.
مليحة 2/ 314.
مناذر 18/ 289.
مناذر الصغرى 18/ 170.
مناذر الكبرى 16/ 79، 18/ 170.
منازل الحرم 2/ 354.
منازل حسين بن عبد اللّه 12/ 70.
منازل الطرماح 12/ 44.
منازل عدى 12/ 58.
منازل مذجح 12/ 17.
المناقب 21/ 224.
منانة 9/ 340.
منى 1/ 260 - 407 - 408، 2/ 55، 6/ 121 - 183 - 193 - 232 - 317 - 324 - 338 - 340، 7/ 145، 10/ 78 - 303، 11/ 191 - 354، 15/ 360، 16/ 86 - 150 - 186 - 274، 17/ 31، 18/ 332 - 333 - 345، 19/ 78 - 127 - 218، 21/ 184، 23/ 14 - 228.
منبج 21/ 41 - 53، 22/ 176.
المنبر 23/ 230.
منبر النبي صلّى اللّه عليه وسلّم 19/ 177.
المنتأى 11/ 5 - 6.
منجاب 13/ 361.
منجد 7/ 139.
منحنى 1/ 394، 3/ 18، 4/ 321، 19/ 221 - 237، 22/ 277.
منخرق 12/ 64.
منزل 3/ 11 - 14 - 32 - 33 - 34 - 36 - 59 - 81 - 83 - 84 - 85 - 90 - 124 - 146 - 160 - 163 - 164 - 181 - 204 - 210 - 225 - 233 - 245 - 249 - 283 - 346 - 347 - 348.
منزل أبو ليلى 2/ 31.
منزل العطار 2/ 399.
منزل قيس 2/ 58 - 69.
منزل كثير 12/ 114.
منزل ليلى 2/ 10 - 26 - 28 - 45 - 48 - 49 - 60 - 66 - 67 - 69.
منزل نخاس 12/ 149.
منشد 17/ 249، 15/ 33.
منعج 21/ 237 - 239، 23/ 1.
المنقىّ 6/ 114 - 115 - 117 - 118 - 189 - 196.
منقر 18/ 51.
منهل 9/ 225.
المنيف 6/ 171.
المنيفة 22/ 293.
مهرجان قذف 23/ 146.
مهزور 22/ 108 - 109.
مؤتة - قرية من قرى البلقاء - 14/ 51.
مواسل 17/ 395 - 396.
موريان 4/ 398.
موسم 3/ 2 - 333.
موسم عكاظ 12/ 9 - 17 - 174 - 217.
الموصل 4/ 67، 5/ 156 - 157 - 158، 6/ 330، 8/ 291، 10/ 131، 11/ 281، 12/ 86 - 199 - 207، 13/ 109، 14/ 54، 15/ 171، 17/ 138 - 143 - 152، 18/ 272 - 290 - 297 - 342، 19/ 89 - 90 - 91 - 123 - 196، 20/ 160 - 162 -
229 - 401 - 402، 23/ 207، 24/ 54.
موضوع 17/ 169.
الموقد 15/ 133.
الموقر 20/ 415.
موقع 17/ 279.
ميافارقين 13/ 81.
الميدان 7/ 295، 12/ 147 - 152، 23/ 140.
ميسان 12/ 324، 16/ 79، 20/ 206، 21/ 344، 24/ 56.
الميضأة 3/ 116 - 133.
ميطان 12/ 65.
ميفعة 3/ 127.
ن
النار 7/ 269، 10/ 145، 11/ 381.
ناشتيكن 11/ 315.
ناظرة 11/ 72.
ناعط - جبل - 20/ 129.
ناووس الكوفة 18/ 338.
النباح 18/ 68 - 184.
نباح بني سعد 18/ 184.
نباح بني عامر 18/ 184.
النبت 16/ 259.
النبط 4/ 3، 6/ 10.
النتاوة 10/ 313 - 314.
نجد - طريق - 12/ 271.
نجد 1/ 185 - 289 - 301، 2/ 288 - 305 - 310 - 317 - 22 - 23 - 43 - 52 - 277 - 87 - 86 - 80، 7/ 234، 8/ 12 - 292، 9/ 19، 10/ 160، 11/ 121 - 232 - 296، 12/ 34 - 80، 13/ 161 - 182 - 196 - 272،
15/ 377، 17/ 59 - 104 - 124 - 324، 18/ 20 - 200 - 293 - 325 - 350، 19/ 17 - 100 - 208، 20/ 310، 22/ 239، 23/ 73 - 208.
نجد الوذثنية 21/ 223.
نجدان 9/ 156.
النجدية 24/ 101.
نجران 6/ 130 - 132 - 300 7/ 129 - 130 - 131، 10/ 34 - 35، 12/ 4 - 6 - 8 - 9 - 16 - 18 - 19، 13/ 50 - 98 - 99 - 124 - 176، 15/ 60، 16/ 266، 17/ 292، 18/ 73، 20/ 357 - 416، 22/ 220، 23/ 10.
النجف 2/ 341 - 343، 9/ 284 - 285، 10/ 237 - 266، 12/ 131، 5/ 427.
النجيب 18/ 55.
النجير 16/ 52 - 79.
النحر 22/ 78.
نحيردان 12/ 8.
النخل 7/ 281، 21/ 233 - 234.
نخلان 1/ 362.
نخلة 10/ 31 - 32، 16/ 105، 18/ 332، 22/ 57 - 60.
نخلتا حلوان 23/ 16.
النخيلة 17/ 131، 19/ 203.
نصاع 1/ 289.
نصيبين 6/ 50، 13/ 122، 15/ 171، 19/ 40.
نضاد 17/ 199، 19/ 208.
النضد 20/ 178.
نطاع 17/ 320.
النعاف 2/ 222.
النعف 12/ 244.
النعمان 6/ 191 - 195 - 198 - 9/ 113، 11/ 190، 21/ 202 - 204 - 205، 216.
نعمان الاراك 2/ 25 - 49، 17/ 105 - 361.
النفرات 11/ 82 - 85.
نقا الرمل 6/ 127.
النقاب 1/ 197.
النقب 6/ 119.
نقب كاظمة 18/ 17.
نقدة 17/ 223.
النقرة 3/ 79.
النقع 1/ 397، 9/ 239.
نقير 3/ 77.
نمار 21/ 170 - 171.
النميمة 3/ 28.
نهاوند 13/ 279، 16/ 80، 21/ 29.
نهر أبي فطرس 4/ 339 - 342، 15/ 291.
نهر بلال 3/ 159.
نهر بنجران 12/ 8.
نهر بوق 15/ 285.
نهر بيل 15/ 285 - 287.
نهر تيري 3/ 257، 13/ 255 - 245 - 254، 16/ 79.
نهر الخابور 24/ 22.
نهر الصلح 23/ 46.
نهر طابق 4/ 71.
نهر ظليل 4/ 327.
نهر العراق 22/ 20.
نهر عيسى 15/ 22.
نهر المبارك 22/ 20.
نهر معقل 13/ 238، 18/ 297.
نهر المعلى 6/ 240، 18/ 336.
نهر المهدي 10/ 135.
نهر نصيبي 22/ 289.
نهروان 9/ 80، 18/ 155.
النهم 14/ 1.
النوابح 12/ 63.
نور 21/ 231.
نوشجان 14/ 39.
النير 21/ 231.
نيسابور 9/ 19، 12/ 23 - 92، 17/ 317، 20/ 141 - 171 - 180، 22/ 257.
نيق 2/ 423، 12/ 110 - 295.
النيل 1/ 352، 2/ 340، 10/ 159، 17/ 187، 20/ 270 21/ 44.
ه
الهاشمية 21/ 117 - 124.
هبالة 9/ 51.
الهبانين 15/ 103.
هبود 18/ 181.
هجر 3/ 3 - 4 - 5 - 54، 6/ 128، 8/ 21، 13/ 80 - 81، 15/ 256 - 259، 17/ 215 - 318 - 320 - 321.
هجين 19/ 207.
هداد 9/ 343.
هذان 9/ 121.
هذيل 20/ 10.
هراة 12/ 23، 16/ 19، 20/ 15.
هرشى 6/ 16، 16/ 69.
هرقلة 18/ 238 - 239 - 242 - 245 - 246 - 319 - 339.
هرماس 22/ 289.
الهضاب 22/ 193.
الهضب 12/ 279.
هضب دباب 17/ 379.
هضبة سلمى 21/ 243.
الهماء 6/ 192.
همذان 2/ 418، 6/ 35 - 46 - 51، 12/ 229، 14/ 273، 15/ 219، 16/ 80، 19/ 75، 20/ 102 - 127، 21/ 265، 22/ 146، 23/ 159، 24/ 54.
الهنا 18/ 284 - 361 - 363.
الهند 3/ 147 - 176، 6/ 41، 7/ 260، 9/ 153، 10/ 154، 11/ 90 - 146، 14/ 109، 15/ 15، 21/ 353.
هوازن 12/ 11 - 12 - 14 - 16 - 19 - 203 - 239.
هيت 9/ 81 - 92، 14/ 300، 15/ 315، 20/ 402.
هيلان 6/ 287.
و
وادي 2/ 93 - 51 - 63 - 71 - 90 - 94 - 77، 3/ 36 - 37 - 112، 12/ 17 - 18 - 129 - 134.
وادي أشيّ 10/ 323.
وادي أوطاس 16/ 273.
وادي بعيض 8/ 98.
وادي تهام 17/ 170.
وادي جبونا 21/ 242.
وادي الجيوش 24/ 24.
وادي حنين 22/ 328 - 329.
وادي السباغ 14/ 129، 18/ 55 - 62.
وادي السراة 9/ 47.
وادي الشامية 1/ 189.
وادي عرادات 18/ 200.
وادي العقيق 13/ 175.
وادي غدر 1/ 266.
وادي الفاخرة 16/ 176.
وادي الفلج 13/ 13.
وادي القرى 1/ 25، 2/ 25 - 393، 4/ 304، 6/ 280، 7/ 85 - 86، 8/ 100، 10/ 319 - 322، 13/ 13، 14/ 3 - 156، 17/ 295، 23/ 224 - 245 - 246.
وادي كلب 19/ 198.
وادي لية 20/ 224.
وادي المغمس 1/ 131 - 176، 21/ 9، 4/ 296.
وادي النخلتين 22/ 184.
وادي اليمنية 1/ 189.
وارداب 17/ 192.
واردان 13/ 187.
واسط 2/ 410، 4/ 81 - 276، 9/ 80، 10/ 12، 12/ 64 - 188، 17/ 4 - 16 - 17، 18/ 282، 19/ 191، 20/ 122 - 132 - 157 - 206 - 406، 21/ 346 - 379، 23/ 38 - 96 - 143 - 178، 24/ 56.
واقصة 6/ 270.
واقم 17/ 126 - 128، 18/ 95.
واهب 6/ 72.
الوتائر 21/ 56.
وج 1/ 298، 4/ 305 - 339،
6/ 192، 13/ 204، 18/ 73.
وجار الضب 12/ 56.
وجرة 6/ 299، 11/ 34.
الوحيد 18/ 12.
ودّان 1/ 324 - 325 - 341، 4/ 282، 12/ 114.
وشل 21/ 169.
الوفاء 22/ 117.
الوقبي 3/ 59.
الوقيعة 13/ 14.
الوهط 21/ 131.
ويمة 6/ 36.
ي
يأجج 9/ 242.
الياسرية 15/ 22.
يافع 13/ 72.
يبرين 2/ 77، 13/ 257، 22/ 291.
يترب 17/ 91.
يثرب 2/ 254 - 327، 3/ 2 - 11 - 18 - 40 - 116 - 4/ 135 - 181 - 228 - 339 - 376 - 421، 6/ 35 - 331 - 356 - 357، 11/ 10 - 11 - 100 - 299، 12/ 15، 13/ 33، 15/ 51، 16/ 45 - 325،
17/ 91 - 123 - 315 - 316 - 342، 18/ 282، 19/ 68 - 72 - 161، 22/ 107 - 109 - 110.
يذبل 4/ 145، 12/ 20، 13/ 176، 17/ 395، 22/ 105.
يربغ 21/ 193.
اليعمرية 17/ 202.
اليعملة 15/ 103.
اليفاع 1/ 399.
ايقاع 17/ 248 - 379.
يلملم 3/ 111، 7/ 140، 17/ 199.
يلملما 4/ 355.
يليل 4/ 183، 22/ 37.
اليمامة 2/ 306 - 69 - 10 - 161 - 158 - 160، 3/ 54، 6/ 18 - 146، 8/ 32 - 41 - 45 - 46 - 63 - 77 - 79 - 82 - 124 - 171 - 181 - 198 - 199 - 211، 9/ 78 - 113 - 115 - 117 - 126 - 27 - 153 - 155، 10/ 72 - 73 - 76 - 79 - 83 - 87 - 93 - 322، 11/ 56 - 101 - 115 - 116 - 164 - 249 - 349، 12/ 42 - 81 - 210 - 291، 13/ 46 - 132 - 188 - 198 - 220، 14/ 78 - 81 - 153 - 15/ 135 - 299 - 308 - 345، 16/ 79، 17/ 91 - 319 - 320 - 357، 18/ 6 - 118 - 146 - 181 - 212 - 261، 19/ 49 - 301، 20/ 294 - 310 - 401 - 407، 21/ 33 - 234 - 251 - 252 - 355 - 356 - 363 - 386 - 387 - 390، 22/ 187 - 293، 23/ 1 - 30 - 85 - 169 - 210 - 211، 24/ 85 - 135 - 139 - 140 - 141 - 154 - 155 - 238 - 253.
اليماني 18/ 324.
يمن 10/ 310.
اليمن 1/ 64 - 65 - 111 - 235 - 112 - 362، 2/ 52 - 53 - 77 - 136 - 309 - 399، 3/ 62 - 63 - 65 - 90 - 113 - 116، 4/ 32 - 132 - 133 - 136 - 217 - 224 - 303 - 304، 5/ 195، 6/ 42 - 49 - 73 - 129 - 209 - 211 - 213 - 238 - 268 - 290 - 335 - 349 - 350، 7/ 114 - 128 - 149 - 130 - 131 - 132 - 133 - 135، 8/ 41 - 79 - 124 - 198 - 199 - 211، 9/ 35 - 53 - 63 - 80 - 86 - 92 - 96 - 117 - 314، 10/ 34 - 84 - 85 - 91 - 92، 11/ 48 - 86 - 106 - 167 - 168 - 301، 13/ 4 - 6 - 8 - 54 - 130 - 203 - 213 - 215 - 219 - 220 - 241 - 350 - 254، 14/ 67 - 191 - 219 - 229 - 315، 15/ 12 - 19 - 21 - 38 - 44 - 46 - 105 - 230 - 242 - 254 - 297، 16/ 34 - 272 - 329 - 331 - 333 - 377، 17/ 2 - 3 - 18 - 36 - 97 - 120 - 122 - 215 - 287 - 302 - 303 - 305 - 310 - 311 - 313 - 317 - 318 - 319 - 320 - 361 - 387، 18/ 17 - 96 - 125 - 200 - 212 -
254 - 270 - 272 - 275 - 276 - 277 - 318، 19/ 21، 20/ 120 - 142 - 178 - 186 - 208 - 267 - 379 - 381 - 387، 21/ 26 - 227 - 228 - 338،
22/ 6 - 14 - 17 - 80 - 219، 23/ 2 - 50 - 80 - 224 - 225 - 226 - 256، 24/ 7 - 62 - 148 - 159.
فهرس القوافي
أ
أول البيت القافية ج/ ص
بكيت كداء 4/ 352
قد النساء 19/ 266
فكم منى 1/ 144
حيينا النوى 1/ 269
فلم هوى 1/ 270 - 272 - 277
أقيموا الرؤساء 3/ 67
إنما الهوى 4/ 401
الا الصدى 4/ 406
وللمرء بمهتدى 4/ 407
إني المشتكى 4
وكلفتني تهوى 4/ 64
أبادر والنهى 6/ 234
يا علي المعلى 6/ 240
أحلف سدى 6/ 268
خبروني المصلى 7/ 36
من يتق الهدى 7/ 58
حييا النوى 10/ 97 - 105 - 146
أول البيت القافية ج/ ص
نصحك الندى 10/ 149
ومهما يكن كالفتى 10/ 200
ألا يا وقد قضى 11/ 145
اجعل وممسى 11/ 168
نحن جلبنا منجى 11/ 312
ألم الهوى 18/ 117
أفي متى 18/ 153
ألم مضى 18/ 81
اعباس كفى 18/ 81
لقد ترى 19/ 187
أما النوى 19/ 25
الا بلى 20/ 200
من الدنيا 20/ 337
أبا حسن قلى 20/ 194
لقد لقيت القرا 21/ 31
عظمت سوى 24/ 34
ما الاخاء 4/ 50
ما لقيتا شعراء 23/ 2
لهفي شاءوا 1/ 52
أول البيت القافية ج/ ص
ما عداء 1/ 54
كل أداء 1/ 132
فعدي الرجاء 1/ 143، 5/ 95
حبذا وخلاء 1/ 164 - 166
حرمت اسماء 1/ 164
ولقد السماء 1/ 166
وإن وعاء 1/ 353
فواكبد من أحب فناء 2/ 44
إذا ما قارن الشتاء 2/ 276
غدرت ولم أغدر عزاء 2/ 59
أرى أبلي الرواء 2/ 183
جرت سخا اللقاء 2/ 208
فمنى فالجمار محراء 3/ 126
الاليت الفناء 3/ 52
هجوت الجزاء 4/ 139 - 161 - 163
لساني الدلاء 4/ 164
أحياء أبناء 4/ 349
ولقد حنساء 5/ 138
إنما الظلماء 5/ 79
كيف شعواء 5/ 78
أي ساع الجوزاء 5/ 139
وإذا أهل الملساء 6/ 331
الاطال الغطاء 7/ 108
دع عنك الداء 7/ 202 - 203
ألا يأيها والعناء 7/ 245
راح عناء 8/ 267
هجاني الهجاء 8/ 328
أول البيت القافية ج/ ص
أ أذكر الحياء 8/ 328 - 331
إلا أن سواء 9/ 14
في فمي ماء 9/ 295
الا العزاء 9/ 302
وكنا اللواء 10/ 242
عفا من فالحساء 10/ 310
بنفسي عناء 10/ 311
آذنتنا الثواء 11/ 41
لم يغروك والضحاء 11/ 45
تخاف الضراء 11/ 163
لإن كانت داء 11/ 170
أخي يسر الداء 12/ 295
راح صعبي عناء 12/ 112
إن عمرا الدعاء 14/ 32
إذا مات السماء 14/ 246
تحمل الصفاء 15/ 34
لعلك بداء 16/ 123
إني إذا اللواء 16/ 289
ألا يا كفاء 16/ 336
مستضحك الاقذاء 16/ 25
أرى النساء 18/ 77
غدرت عزاء 17/ 103
كيف شواء 17/ 272
وم النساء 19/ 16
إذا السماء 19/ 189
نهاركم واقتراء 20/ 310
جرت اللقاء 20/ 360
أحبابه اعداؤه 20/ 284
أول البيت القافية ج/ ص
أمواهب إعطاء 21/ 46
يا بن علي الخفاء 22/ 261
لقد غناؤها 23/ 5
غذاها غذاؤها 24/ 74
فإن دواء 1/ 354
فجاءت سبط لواء 2/ 268
حرم اللّه الفقراء 3/ 194
إنما لذة للقاء 3/ 189
تقول لي للجلاء 3/ 359
جزى جزائه 4/ 97
منجاب بدوائه 4/ 104
كم الحياء 4/ 28
إن يوم الكساء 7/ 239
بدلت والشاء 7/ 147 - 202 - 203
هل مسعد دماء 7/ 303 - 304
الا ابلغ الشتاء 8/ 21
قد وردت خرشائها 8/ 70
يقول سوائيا 8/ 132
قالت الادماء 9/ 249
بينا الصحراء 9/ 249
دام قلبي عزاء 10/ 123
منا الذي في الاحياء 10/ 154
توكلنا القضاء 10/ 206، 12/ 83
كنت في الشتاء 10/ 230
خبرتنا الركبان المكاء 12/ 132
ألم تعلم ادعياء 12/ 84
أول البيت القافية ج/ ص
إن حبناء 13/ 99
ثناء من ثراء 13/ 325
غلب بدعاء 14/ 162، 19
/63
كيف هجائي 14/ 163
يا لقومي الشفاء 14/ 359
إني وورائه 15/ 30، 16
/214
مربي قباء 15/ 356 - 357
أين أهل الاحساء 16/ 20
إذا اخاء 17/ 939
لقد السماء 18/ 41
وحسبنا الاعداء 18/ 62
لقد مسائي 19/ 23
طبع اخائه 19/ 96
كم العلاء 19/ 266
جعل البقاء 20/ 34
بحميد الاحياء 20/ 34
حين المساء 20/ 86
أين الاحساء 20/ 128
يا بن عثمان بقباء 20/ 203
كفنوني مائى 20/ 203
ولها قباء 20/ 197
إن السماح أسماء 21/ 362
أكلت الإعياء 21/ 306
ليس الاحياء 21/ 305
أوجب الانواء 22/ 63
عين الجلاء 22/ 118
أول البيت القافية ج/ ص
أول البيت القافية ج/ ص
ب
طال ووصب 1/ 133
فأتتها باللعب 1/ 135
يا الحقائب 4/ 183
سما تنصب 5/ 28
الا بالكوكب 5/ 283
وهي إذ من لعب 6/ 80
قد ثمن وذهب 7/ 41
أنا أبو والحسب 7/ 115
خل اللعين السبب 7/ 168
ما كنت تجب 8/ 296
أحار الحبيب 8/ 389
الكنى مهيب 8/ 389
ترك العنب 8/ 419
إنك إذ بالغضب 9/ 43 - 44
فإنك إذ بالغضب 9/ 344
إليك والنصب 10/ 21
بأبي أنت والغضب 10/ 281
إنما عجب 11/ 257
حضر موت تنتسب 11/ 264
سأل الشرطي القصب 11/ 264
أيا العرب 13/ 267
لقد سمعت صعب 14/ 149
وأنا العرب 16/ 172
شاب ولعب 16/ 174
من يساجلني الكرب 16/ 178
أبى ليلى بالكوكب 22/ 52
لما المناصب 22/ 347
سلام مكتئب 22/ 46
رأيت الطرب 23/ 157
احاجيكم عقب 23/ 157
نشدت العرب 23/ 161
حنّ فأجابا 1/ 46 - 47
أحبّ صاحبا 1/ 133 - 62
لعمرك صبّا 1/ 136
إن نصيبا 1/ 158
هّلا قلبا 1/ 206
فقلت لها يا ذلّب 2/ 58
نبئت ليلى وقد خربا 2/ 62
قوم هم الانف الذنبا 2/ 181
ما كان ذنب شربا 2/ 201
قوم إذا عقدوا الكربا 2/ 247
ألم تعلم اجتلابا 2/ 306
طاف الخيال زينبا 2/ 211
طرق الخيال زينبا 2/ 215، 6/ 80
يا بن عقيل لا الحليبا 2/ 290
سقيا لي اترابا 3/ 260
يا ربع وصبا 3/ 50
يا ليلة وطابا 3/ 256
أقول وجبا 3/ 322
طمعت المهذبا 3/ 227
الا يا ربّا 3/ 211
يا ربة والقربا 3/ 322
أرى الناس عقربا 3/ 214
يا ربع وصبا 3/ 70 - 71 - 72
أول البيت القافية ج/ ص
كأنما جئته ومحتلبا 3/ 219
فبيني تصوّبا 3/ 349
حمراء زريابا 3/ 263
رأيتك مركبا 4/ 241
وليس مصعبا 4/ 244
هيهات حلبا 4/ 245
قالت غالبا 4/ 305
وجد متعبا 4/ 402
هاج الربابا 5/ 265
علق وشابا 5/ 126 - 128
لهم الحبا 5/ 336
قل جانبا 5/ 315 - 316 - 424 - 426 - 199
ليس مؤنبا 5/ 345
إذا مذهبا 5/ 216
يا بن الاشج عتبا 6/ 59
سلبت مذهبا 6/ 64
قولا اجتنبا 6/ 97
أبت بالشام والحبيبا 6/ 217
اتعرف الصبا 6/ 234
يا سليمى عذابا 7/ 40
من يطع خابا 7/ 58
إذا عبّ كوكبا 7/ 155
رأيت هابا 8/ 20
فغضّ كلابا 8/ 20 - 30 - 42
أجندل غابا 8/ 20 - 30
يقطع الثيابا 8/ 21
أول البيت القافية ج/ ص
إذا غضبت غضابا 8/ 21 - 41
الا رغمت غضابا 8/ 21 - 41
إذا جهل يصابا 8/ 21
أفلى اصابا 8/ 32
فكأن كلابا 8/ 74
نكحت العرابا 8/ 74
عدو وقربا 8/ 216
أدركت كلبا 8/ 234
تعيب العجيبا 8/ 306
سلبتني ثيابا 8/ 370
رمتني شبابها 9/ 36
لكنما ولبابها 9/ 36
أخ بيني غلبا 10/ 56
قل لمن جانبا 10/ 106 - 110
وجد الفؤاد متعبا 10/ 165
ومخنث ومنقبا 10/ 179
لحا اللّه واعجزنا أبا 11/ 59
قتلنا غصبا 11/ 109
وما قومي الرقابا 11/ 117
رفعت والقبابا 11/ 125
الا من عتابا 11/ 158
وسألتني وكتابا 11/ 263
إن في مصيبا 11/ 319
أبا خالد لتغضبا 11/ 327
بوب حييت مصيبا 11/ 370
الا لا مرحبا الشبابا 12/ 292
شيوخ الكلابا 12/ 210
أول البيت القافية ج/ ص
فهل سألوا متعجبا 12/ 343
امنك سرى وانصبا 12/ 103
أرى آل المنقبا 12/ 343
بعني الواهبا 12/ 309
رأيتك شعبا 13/ 96
لحا ذبا 13/ 96
وكأنما اشعبا 13/ 216
أبلغ ننكبا 13/ 216
قولا اجتنبا 13/ 269
حي كسابا 13/ 272
قلت الكذابا 13/ 273
إن انابا 13/ 291
اسكتي القلوبا 13/ 290
خلق الركوبا 13/ 291
سلفت عذابا 13/ 343
أرمت الرحبا 14/ 112
رمتني وندوبا 14/ 119
بنا وقريبا 14/ 119
يروح العربا 14/ 183
صلف الكتبة 14/ 198
أقول متشعبا 14/ 245
تخير المهلبا 14/ 248
فما إن اشيبا 14/ 248
توافت غلبا 14/ 274
أتاني تغيبا 14/ 312
لو أن وملعبا 14/ 316
اتبكي وأقربا 14/ 316
هجون ترثبا 14/ 317
أول البيت القافية ج/ ص
إذ جندبا 14/ 343
إن بابا 14/ 343
قد الضوابا 14/ 343
عثمان الكاذبه 14/ 353
دان أبا كذبا 14/ 361
أعني شيبة 14/ 366
لاقى الا حسابا 14/ 384
الا لا تغضبا 15/ 102
صاح طربا 15/ 69
صار أذنابا 15/ 114
حلق الركوبا 15/ 138 - 139
خلي عجبا 15/ 153
فاملك ذهبا 15/ 153
هاج غربا 15/ 239
فدى مصعبا 15/ 240
لئن رجبا 16/ 104
أ أطلب والحسبا 16/ 111
اني امرؤ الادبا 16/ 215
يا هرم معجبا 16/ 292
الست اركبا 16/ 331
لما تولوا راكبا 16/ 332
أتيتك الرغائبا 16/ 18
رأيت زينبا 17/ 323
تجول قلبا 17/ 340
أليس قربا 17/ 344
أرقت نصبا 17/ 18 - 47
إذ أرسلت أديبا 17/ 336
حي كسابا 17/ 235
أول البيت القافية ج/ ص
ما على أجابا 17/ 235
فلا المنيبا 18/ 16
أقول مذنبا 18/ 362 - 363
عرادة تبابا 18/ 210
يا آح جرّبا 18/ 145 - 147
بنو حنيفة نسبا 19/ 57
واهجر الذنوبا 19/ 33
أحب جنوبا 19/ 32
أنا الممزق أبى 19/ 112
تجنّى حربا 20/ 74
وقالوا عصبا 20/ 81
فهلك فيعجبا 20/ 154
قالت فاصطحبا 20/ 147
قد الخشبة 1/ 416
قل منتابا 20/ 231
سل حلبا 20/ 276
يا قوم الكذوبا 20/ 391 - 404
فديتك غريبا 20/ 253
لقيت الشبابا 20/ 306
ترى شابا 20/ 308
رأيت الشبابا 20/ 311
أراك تغيبا 21/ 260
تذكر مجلبا 21/ 262
إذا رأيت ضبّه 21/ 397
لمن شيخان الكتابا 21/ 10
عدونا صبيبا 21/ 213
بني المصابا 21/ 308
قاتل عجيبا 21/ 62
أول البيت القافية ج/ ص
إذا رأيت ضبّه 21/ 397
هجرت ترتبا 22/ 110
إني مشربا 22/ 198
سلبت مذهبا 22/ 336
زعموا عجيبا 22/ 129
بالكاهنين جدبا 22/ 110
ما نقموا شزبا 22/ 223
يا ربة البيت والقربا 22/ 320 - 323 - 324
لم ألق المحبوبا 22/ 50
ولقد قلت كئيبا 22/ 295
أتحسب حبا 23/ 23
جفاني ويعتبا 23/ 149
ذكرت تقربا 23/ 149
غضب مغضبة 23/ 212
لقد ولدتني ذبذبا 24/ 169
فمن مبلغ زينبا 24/ 173
ألا هل زينبا 24/ 172
بابنة ينيب 1/ 50
يقولون أغيب 1/ 150
أبا لفرع المغيّب 1/ 310
لمن تخبو 1/ 317
أقول قارب 1/ 337
وإن أؤوب 1/ 340
ام الشنب 1/ 348
ويوم تضطرب 1/ 377
أبا وتغضب 1 - م - ت 26
أول البيت القافية ج/ ص
لمياء شبب 1/ 348
لعمرك تغتب 1 - م - ت 26
على عبد اكتئب 2/ 207
ولست بمستبق المهذب 2/ 193
كلانا يا أخي التراب 2/ 65
كلانا يا معاذ التراب 2/ 7
ولا ألح على القتب 2/ 305
عصا حكم ونحجب 2/ 204
عقرت على قبر الاقارب 2/ 5
أعطيتني مائه الشرب 2/ 303
لما أتيتك من القرب 2/ 305
هل تعرف الدار طنب 2/ 304
فو اللّه واعجب 2/ 20
أظننت سفاها محارب 2/ 330
أما والذي يتنصب 2/ 55
ذكرت أخي والوصب 2/ 207
ألا يا حمام حبيب 2/ 48
افلح بما شئت الا ريب 2/ 167
سما صقر والغريب 2/ 118
وافردت افراد قريب 2/ 64
واحبس عنك قريب 2/ 57
اجارتنا ان تصيب 2/ 274
لقد جعلت تطيب 2/ 60
يا أطيب الناس تنتقب 2/ 304
أبت ليلة يكذب 2/ 94
جرى السيل غروب 2/ 63
أجارتنا ان نعوب 2/ 274
ألا ايها البيت ذنوب 2/ 63
أول البيت القافية ج/ ص
أن تأخذوا أعجب 3/ 81
رويد نادبه 3/ 197 - 199
تريك ندب 3/ 43
إذا أنت مشاربه 3/ 154
كان عقيلا مغرب 3/ 273
تقربت التقرب 3/ 296
يخاف المنايا تناسبه 3/ 236
ما للفرزدق الخشب 3/ 257
إذا كنت تعاتبه 3/ 237 - 197 - 198
وذي كرم يتصبب 3/ 273
فاتك على تشعب 3/ 217
كان مثار كواكبه 3/ 196 - 142
فلما تولى لاهبه 3/ 198
قد يراني أذهب 3/ 29
أبا وابص كسوب 3/ 334
كواكب وكوكب 3/ 297
يقولون قلوب 3/ 177
هوى صاحبي جنوب 3/ 177 - 215
كيف يأتي القريب 3/ 28
الا يا اشيب 3/ 295
فعاجوا الحقائب 4/ 38
عاد لي تنسكب 4/ 106
الا الحب 4/ 113
فما أجيب 4/ 347
شر الكلب 4/ 240
يا تنسب 4/ 403
لئن ارهب 4/ 405
أول البيت القافية ج/ ص
واني لبوب 4/ 268
يا عجب 4/ 310
اين الكتب 4/ 301
ما غضاب 4/ 217 - 221 - 224
ما غضبوا 4/ 346، 5/ 82 - 84 - 85
بني ونجائبه 5/ 149
ان الاغر والحجب 5/ 79
وابلغ تحارب 5/ 148
فإن محرب 5/ 32
علّل ويطربوا 5/ 72
من عشب 5/ 355 - 389
منع مصعب 5/ 76
ليس الركب 5/ 74
عاد تنسكب 5/ 79 - 83
ما علة تنسكب 5/ 415
من تجلب 5/ 31
رجع يتجنب 5/ 241
بني مناهبه 5/ 149
كثاقبة الثقوب 5/ 215
فإنك نكوب 5/ 215
جنان طبيب 5/ 174
طربت الغريب 5/ 198
أتلبث قريب 5/ 92
عفا عريب 5/ 368
واني حبيب 6/ 31 - 257
ترى الزجاج مقتضب 6/ 88
أول البيت القافية ج/ ص
بزينب القلب 6/ 120 - 122 - 123 - 124 - 181
خليلي كعب 6/ 126، 10/ 130
اغالبك غالبه 6/ 134
كرنبوا فاذهبوا 6/ 146، 8/ 407
أصبح الربيب 6/ 166
وكف خضاب 6/ 186
واني فأجيب 6/ 256
أبا عبيد الحساب 6/ 279
فو اللّه غالبه 6/ 314 - 322
فلو كان يعذّب 6/ 319 - 325
أم سلام ربه 7/ 42
كميت دبيب 7/ 55
فاستغفروا قرين 7/ 58
أ أن دب حبيب 7/ 164
وعمدو والذنوب 8/ 50
تكلفني والنصاب 8/ 54
فلا أنا راغب 8/ 86
وهن المشارب 8/ 87
اثائرة طالب 8/ 87
وأول سائب 8/ 98
أأيها الحب 8/ 118
الديل ذنب 8/ 134
أحبك فأجيب 8/ 163
أحبك طبيب 8/ 163
جعلت قلوبها 8/ 171
الا بأبي حبيب 8/ 177
أول البيت القافية ج/ ص
أقول نصابها 8/ 178
ترفق ثوابها 8/ 178
كما شعوب 8/ 260
حذاء عجب 8/ 260
تجوب وسهوب 8/ 263
عاود غرب 8/ 340
الحب نصيب 8/ 360
ألا يعتب 8/ 360
وكم شارب 8/ 395
لعزة كوكب 9/ 27
رمتني شبابها 9/ 36
لكنما ولبابها 9/ 36
واهلي متقلب 9/ 46
الاهل واحجب 9/ 46
خليلي يشرب 9/ 88
الا يا لهف يصابوا 9/ 91
اجارتنا عسيب 9/ 101
أرى نصيب 9/ 134
لأن الحبيب 9/ 134
خليلي القلوب 9/ 134
يقر يعتبها 9/ 193
كل يوم غضاب 9/ 294
اهابك حبيبها 9/ 295
فلا أنا راغب 9/ 333
ولو لا الرباب 9/ 326
الا ليت الحب 10/ 114 - 115
اعياني يجيب 10/ 128
كذلك كلب 10/ 130
أول البيت القافية ج/ ص
اوصيك القرائب 10/ 157
تنكر يريب 10/ 215
الورد وينتحب 10/ 223
حلفت مذهب 11/ 4 - 7 - 8 - 22
فإنك كوكب 11/ 39
بكيت يسلب 11/ 78
على عهد يتلهب 11/ 110
لقد قال شارب 11/ 118
اريقت المراتب 11/ 245
تريك قطوب 11/ 269
ا يصحو زينب 11/ 288
يا هند المطلب 11/ 354
ما ان عذاب 12/ 235
شربت الرطاب 12/ 235
ألم تر ما الثعالب 12/ 326
سلا ربة تعجب 12/ 237 - 238
الا ليتنا ونعزب 12/ 116 - 124
أصبح في والحسب 12/ 291
اضاءت لهم ثاقبه 12/ 347
بزينب المم القلب 12/ 116
يا رب رب وحصبوا 12/ 337
إذا المرء جوانبه 12/ 49
وسائله أين مذاهبه 12/ 172
وما زلت ركوب 12/ 271
كل امرىء مغلوب 12/ 107
من أين الطبيب 12/ 92
يا رب المجيب 12/ 92
أول البيت القافية ج/ ص
فلو كنت مريب 12/ 279
أبي كان جنيب 12/ 271، 13/ 30
رمتك يصيب 13/ 33
عفا يتوب 13/ 72
وما فهروب 13/ 73
وأنت جديب 13/ 73
تقول غريب 13/ 99
اصحبتك أرب 13/ 118
خلا نصيب 13/ 154
تقضت غروب 13/ 154
اوحشة عزوب 13/ 154
يغنيك اغيب 13/ 155
نأتك شعوب 13/ 171
واني قريب 13/ 172
ا يهلكني وجيب 13/ 190
فلا حسيب 13/ 191
إذا خبوب 13/ 191
اسل عجيب 13/ 199
فإن السلم تروب 13/ 221
ويوم تطرب 13/ 300
ولست المهذب 13/ 306
ملامك الندوب 14/ 63
على هذه مذاهب 14/ 65
للضيف مسلوب 14/ 87
راجع المذنب 14/ 93
موضع العيوب 14/ 96
تشبه يجنب 14/ 97
أول البيت القافية ج/ ص
إذا استقلت السحاب 14/ 98
متسع القلب 14/ 100
ابعد حرب 14/ 105 - 111
أبا والطلاب 14/ 106
ارسلت الكتاب 14/ 189
أ لم تعلمي اغضب 14/ 234
كأني محرب 14/ 250
لبشر ثوابها 14/ 252
والا الخطيب 14/ 263
زينب تغضبوا 14/ 370
وإن وثعلب 14/ 383
إذا تمززت اطيب 15/ 300
يشتاق يطالبها 15/ 36 - 39
لتبكني وشاربها 15/ 40
ما أحسن ترائبها 15/ 52 - 141
أجارتنا تصيب 15/ 79
طحابك مشيب 15/ 157، 21/ 201
احدث زينب 15/ 265
هم قتلوه مرازبه 15/ 297
بحي نركب 15/ 351
تأوبني أكذب 15/ 354
كواكب كواكب 15/ 355
لعمري ترأب 15/ 355
فلله المهلب 15/ 383
الا قد مريب 16/ 116
أماما تعيب 16/ 126
اراني فاغلب 16/ 130
أول البيت القافية ج/ ص
لعمرك والرباب 16/ 136
اتيتك مشعب 16/ 182
لعن المغرب 16/ 205
اصبح والحسب 16/ 210
همت الغلاب 16/ 231
في كل اربابه 16/ 330
أيا بعل شيّت الحرب 16/ 344
أبد لا يكذب 16/ 348
ما بعدكم ولا حسب 16/ 358
بأي يد قاضب 16/ 369
وركب داج هياهبه 16/ 382
هنّ عوادي طالبه 16/ 389
ليس الحجاب تحتجب 16/ 396
إذا ما مات قريب 16/ 1 - 4
إليك خبوب 16/ 22
وإلا تقولوا شرب 17/ 11
فيا موقدا تحطب 17/ 12
خرجت المضبّب 17/ 20، 22/ 13
بخاتمكم يغضب 17/ 21 - 25
فلا زلت أتقلب 17/ 26
طربت يلعب 17/ 26 - 28
فما لي مشعب 17/ 27
ولم يلهني مخضب 17/ 28
ولا السائحات أعضب 17/ 29
ولكن إلى يطلب 17/ 29
إلى النفر اتقرب 17/ 29
أول البيت القافية ج/ ص
بني هاشم واغضب 17/ 29
لقد جعلت تطيب 17/ 103
سعيد نجيب 17/ 227
اتيتك استثبها 17/ 327
يا بنة ما ينيب 17/ 355
ما بال عينك سرب 17/ 30
هل أنت اللعب 17/ 30
أفلح الأريب 17/ 226
قالت تعذيب 17/ 339
فاقسم الضراب 17/ 246
نجيّ حوشب 17/ 39
بشّر الغراب 17/ 270 - 272
لو قيل ينشب 17/ 34
شكوت مجنب 18/ 144
إلى سكب 18/ 213
الا كلاب 18/ 251
سرت مطلب 18/ 269
أقر يهرب 18/ 281
أقم ونطرب 18/ 305
جرى غروب 18/ 307
تذكر يصبو 18/ 213
وقفت واخاطبه 18/ 18
نظرت ذوائبه 18/ 51
إذا هبوبها 18/ 52
أيها ناب 18/ 268
ما بال سرب 18/ 22 - 23 - 35
أول البيت القافية ج/ ص
تصغي تثب 18/ 35
واعدني الأكاذيب 18/ 97
أبا أمية الغضب 18/ 197
دموعها يجب 19/ 45
لو نطق الكتب 19/ 56
إني تضطرب 19/ 275
أصب المشيب 19/ 188
هوى معذب 19/ 34
إذا اطيب 19/ 138
جزعت حبيب 20/ 50
إذا غريب 20/ 54
ولو يذوب 20/ 55
بكى غرب 20/ 144
لقد خطوب 20/ 154
سرى يذوب 20/ 155
سميت راغب 20/ 205
لتهن وجوب 20/ 237
فإن طبيب 20/ 312
تصابيت أشيب 20/ 315
خذي أغضب 20/ 362 - 370
مرضت قريب 20/ 369 - 371
بكى وسهوب 20/ 380
يكذبني أكذب 20/ 382
تفاقدتم مغرب 20/ 383
لعمري ركائبه 20/ 410
يا سائلي نسب 20/ 10
لا تتركني يحتجب 20/ 39
أول البيت القافية ج/ ص
دعيني فأعيب 21/ 142 - 162
ولست راغب 21/ 298
فهل أنت فخاطب 21/ 307
ستعلم عواقبه 21/ 302
أإن ارعشت جادبه 21/ 307
واصبح يقاربه 21/ 367
أبوك كأقاربه 21/ 367
نهيت ثعالبه 21/ 403
لقد جمع ذنوبها 21/ 240
هب لي شرابها 21/ 354
تميم جوابها 21/ 364
اتحسبي منيبها 21/ 378 - 398
يا بنة ينيب 21/ 197
يا لهف والركب 21/ 319
لعمرك الرباب 21/ 114
الا ابلغ عتاب 21/ 259
ألا هزئت موكبها 21/ 197 - 198
حجبوه لا يحجب 21/ 69
يا بيت يذهب 21/ 96
وأرى المتنسب 21/ 97
ما لي اقرب 21/ 102
أحب غريب 22/ 76
إذا شئت جنيب 22/ 77
من مبلغ قليب 22/ 233
تدارك جلائبه 22/ 5
أول البيت القافية ج/ ص
سقى وذهابها 22/ 136
كل امرىء مغلوب 22/ 353
هون ينشعب 22/ 144
ولقد وطيب 22/ 307
أنى تذكر صعب 22/ 106
كيف الطرب 22/ 181
شدوا قريب 22/ 309
يا أيها مذهبه 22/ 85
نعى الخطوب 22/ 51
إذا بصرتك القلب 23/ 37
أفق القرب 23/ 43
اقهقه تغيب 23/ 144
طرقتك قريب 23/ 11 - 43
جرى اللّه والرّحب 24/ 33
ألمم موصب 24/ 120
وما بي كذوب 24/ 154
فما بي من كذوب 24/ 154
عشية لا قريب 24/ 155
تمشية لا غريب 24/ 155
فما هي اجيب 24/ 159
حلفت رقيب 24/ 160
بنا من جوى تذوب 24/ 166
صهوا وارغب 24/ 254
فان اكرمتنا واثقب 24/ 254
ألا من جانبه 24/ 79
فيا لأبي بكر لا يجابها 24/ 159
فتى إذا ركبوا 24/ 197
وبقيت فتشعبوا 24/ 252
أول البيت القافية ج/ ص
ثم والتراب 1/ 79
أيها عتابي 1/ 125
لعمر أبي كعب 1/ 41 - 42
ابرزوها أتراب 1/ 139
فبعثت بجوابها 1/ 140
قالت والحلباب 1/ 162
لج شبابي 1/ 189
إني متعجب 1/ 201
ثلاث جراب 1/ 210
من والكتاب 1/ 219 - 222 - 225 - 228
ازهقت متاب 1/ 223
وتبددت بالثياب 1/ 240
اقتليني عذاب 1/ 240
قال الرباب 1/ 241
أذكرتني وسحاب 1/ 241
فقلت تغرب 1/ 259
يا دار فالرحب 1/ 263
تجنت عاتب 1/ 291
ما بمطلب 1/ 319
وركب بالعصائب 1/ 336
الا بقريب 1/ 347
لمياء ثابت 1/ 354
ليس الربيب 1/ 370
طلعن السحائب 1/ 377
ويوم بالركب 1/ 400
ابا القلب 1/ 400
اتانا والحصب 1/ 401
أول البيت القافية ج/ ص
يا والأذناب 1/م - ت 23
وقائلة بني رباب 3/ 58
يعقوب المنتاب 3/ 245
أيرى له أو أبي 3/ 202
ليهنك كرب 3/ 255
قل لعلي مكتسب 3/ 266
لو كنت غضب 3/ 103
تكلفوا خطب 3/ 224
انصف الخطب 3/ 225
اجالدهم لاعب 3/ 7 - 8
وما قارع الكواعب 3/ 292
اتعرف رسما راكب 3/ 7
وان امير غالب 3/ 294
قالت له الصلب 3/ 17
فو اللّه قلبي 3/ 255
يزهدني قلبي 3/ 238
وما نقموا المواهب 3/ 293 - 295
فان تنج شبيب 3/ 328 - 334
افدى ظباء الحواجيب 3/ 69
لقد رأيت بتكذيب 3/ 25
اجارتنا لا نصيبي 3/ 161
سمعت الجرب 2/ 251
مثل الحليف الكرب 2/ 243
فلم أر ليلى المحصّب 2/ 20 - 33
أنا ابن مركبي 2/ 266
وهي إذ ذاك لعب 2/ 211
تجنبت ليله التجنب 2/ 19
جزاني جزاه ذنب 2/ 145
أول البيت القافية ج/ ص
ايا ويح نفسي مذهب 2/ 39
إذا ما انتشيت سلهب 2/ 219 - 224
ايا ويح كل مذهب 2/ 19
من يطالب مطلوب 2/ 146
ارقت لمكفهر شيب 2/ 111
سعد الاعداء والصليب 2/ 111
لا استطيع وتشراب 2/ 258
شركتك في العذاب 2/ 66
لهفي الرطاب 4/ 46
يا شباب 4/ 36
لدوا تباب 4/ 70
لقد فتغضب 4/ 216
دع النسب 4/ 385
ما الجواب 4/ 410
رب النصاب 4/ 411
صباح العلاب 4/ 412
إذا التراب 4/ 402
قالت صبّ 4/ 264
ثنتان الجنب 4/ 264
دعتني طروب 4/ 286 - 290
فقلت تغرب 4/ 216
ظللت تصب 4/ 151
ارحميني حبي 4/ 291
اقصدت ولبي 4/ 402
قد بما بي 5/ 229
مل الذي بي 5/ 253
اصبح الأحباب 5/ 258
يا مليّا الاصحاب 5/ 411
أول البيت القافية ج/ ص
قد الجواب 5/ 411
الم عتب 5/ 31
رقية الحب 5/ 95
اذكر بالأدب 5/ 301
برى المعذب 5/ 399
تشرب شارب 5/ 229
اقم وتطرب 5/ 324
وإذا كلابي 5/ 263
الأرب المهلب 5/ 205
ألا من جانب 5/ 413
حرام والترانب 5/ 414
تجنبت التجنب 5/ 399
اهاشم مذهب 5/ 204
علق بتعذيبي 5/ 282
يا ليت وطيب 5/ 249
يا صاحب الكثيب 6/ 308
يا عبد راهب 6/ 247
ما ذرّ غروب 6/ 20
يا عبد بصيبي 6/ 248
اخرجت الحب 6/ 31
يا عبد والحرب 6/ 248
إنني السراب 6/ 83
يا عبد الرقيب 6/ 249
إن لي الأوصاب 6/ 83
يا عبد واثيبي 6/ 250
أير الحمار الأعراب 6/ 146
عبد إني بجنب 6/ 251
إذا كنت خاطب 6/ 169
أول البيت القافية ج/ ص
لعمري مناجب 6/ 290
كم ليلة ركابي 6/ 187
إذا كنت راكب 6/ 316 - 323
صدع يلبي 6/ 237
واضحت القواضب 6/ 356
أصدع العنب 7/ 19 - 20
ولقد مررت المنجاب 7/ 48
انما هاج المشيب 7/ 55
إذا استنزلوا المصاعب 7/ 77
واحوى الشعب 7/ 100
إني دعاني بالباب 7/ 122
إذا ما العنب 7/ 154
أنت طودي شهاب 7/ 166
غضب غضبة 7/ 167
لقد كنت الكاعب 7/ 198
إذا كنت الأخيب 7/ 212
ما جرت اصحابي 7/ 228
أيا راكبا سبب 7/ 231
ألا يا قوم وللحباب 7/ 257
يا أمتا بالكذب 7/ 280
فواحسرتي بالقرب 7/ 294 - 295
فنل وغالب 8/ 86، 21
/307
فلو وغالب 8/ 86
هم المناسب 8/ 87
أريد مرقب 8/ 96
أن بجوابي 8/ 106
ألا قد الشغب 8/ 121
أول البيت القافية ج/ ص
رد ماء شاربه 8/ 146
ذهبت تجنب 8/ 189
وقالت تدرب 8/ 190
وقد اغتدى مذنب 8/ 191
فللسوط مهذب 8/ 192، 21/ 202
اخاثفه مسبب 8/ 192
خليلي المعذب 8/ 193 - 194
فللسوط منعب 8/ 195
فولى ملهب 8/ 195
فلله المحصب 8/ 189
الا يا جوابي 8/ 214
قرطال الحسب 8/ 216
ذهب مغرب 8/ 226
وبالقفر منصب 8/ 232 - 233
ما جرت اصحابي 8/ 276
لعمري القرب 8/ 303
فارقوني اياب 8/ 343
يا صاحب الكثيب 8/ 347
لو كنت مراقب 8/ 355
لكن العاتب 8/ 357
ذكرتك الشرب 8/ 359
أن قال يعتب 8/ 365
قربت الرطب 8/ 403
أحار الكتائب 8/ 407
أير الأعراب 8/ 417
جرتك المقرب 9/ 10
لعمري المتكذب 9/ 12
أول البيت القافية ج/ ص
ألا أيها ومعذب 9/ 44 - 46
امست العجب 9/ 48
أرانا وبالشراب 9/ 82
وأعلم وناب 9/ 82
جعل الأوصاب 9/ 132
اسعداني التسكاب 9/ 174
أن أهل الخضاب 9/ 177
اسعديني التسكاب 9/ 177
لقد نادى الغراب 9/ 185
ايا كبرا القلب 9/ 188
وكل ملمات الخطب 9/ 189
فاقسم سقب 9/ 207
فتناؤنا الثعلب 9/ 230
اثني الجورب 9/ 230
خطرت الأنصاب 9/ 242
فقلت تغرب 9/ 244
ولم أر المحصب 9/ 294
فمن يهرب 9/ 301
لعمري للملعب 9/ 301
لعمري للمصعب 9/ 305
فدونك والاكاذيب 9/ 325
سرى الاقارب 9/ 325
ولو قبلوا مقارب 9/ 334
أريد مرقب 9/ 341
وركبناها الاعاريب 9/ 332
الست بخاطب 9/ 333
جزينا الذنائب 10/ 13
أقرّ العين خضاب 10/ 19
أول البيت القافية ج/ ص
هل بالحوادث من كلب 10/ 20
حيوا حسبي 10/ 22، 15/ 76
دعوت وشيب 10/ 27
ولكن المغيب 10/ 44 - 50
معجب معجب 10/ 55
تلج مناكب 10/ 65
لعمرك المخضب 10/ 88
هذا ورب للشارب 10/ 102 - 103
أقوت والرباب 10/ 127
القلب العيب 10/ 166
تحبب القرب 10/ 173 - 176
إن الرجال وتخضبي 10/ 180
أي ذنب لربي 10/ 182
ومغترب على الحب 10/ 183
لمّا بدا منقلب 10/ 210
إني استجرتك وضراب 10/ 243
هاتيك المشجب 10/ 259
وابلائي قريب 10/ 278
ولتغدرن كعب 10/ 292
كليني الكواكب 11/ 16
لعمري تغلب 11/ 100
أنا أبو محروب 11/ 105
كما كان المتنهب 11/ 105
بني النوس محارب 11/ 111
أبدى معجب 11/ 165
ذوقي العجب 11/ 167
دعا قابضا بنجيب 11/ 236
أول البيت القافية ج/ ص
جاؤا من نسب 11/ 273
يأيها السائل الذاهب 11/ 258
إن لي الأوصاب 11/ 286
أنا مشغولة في حجاب 11/ 287
هيجت الاتراب 11/ 301
هزئت خضاب 11/ 336 - 344
فواحسرتا وبالقرب 11/ 337 - 344
يهب البيض الركاب 11/ 353
أن جنبي عن شرابي 12/ 212
ان جنبي الظراب 12/ 208
اننا معشر بالاذناب 12/ 160
ألا ابلغ الثواب 12/ 212
لطافة كاتب الجواب 12/ 152
عجبا عجبت اعجب 12/ 154
أن السماحة الاشاحب 12/ 23
أحبك حبّا الحبّ 12/ 148
حن الفؤاد والطرب 12/ 250
إذا كنت واغضب 12/ 306
اما تريني يغب 12/ 250
اهدى قلاصا العقب 12/ 250
لمن الديار تذهب 12/ 156
ابعد فوارس الاشهب 12/ 23
فان تنج شبيب 12/ 119
الا يا لهف الطبيب 12/ 170
امنت امرأ مريب 12/ 305
وجرد جمعها فاللهيب 12/ 170
إني الاسباب 13/ 117
لقد مناقبي 13/ 120
أول البيت القافية ج/ ص
زعمت الجندب 13/ 128
لو الحسب 13/ 155 - 156
لما يشب 13/ 156
ما النشب 13/ 157
طربت طروب 13/ 157
من شهاب 13/ 166
هلا وعقابي 13/ 167
أقول جندب 13/ 168
ألا كعب 13/ 185
لنا نكب 13/ 186
لا مطلوب 13/ 59
أيا فعاقب 13/ 64
لا القرائب 13/ 208
قومي والحسب 13/ 209
فدى والاثائب 13/ 214
يا الخطب 13/ 216 - 224
ومدحجا كالكلب 13/ 217
قد كتبت الكتاب 13/ 233
ليت الجواب 13/ 234
قل اصحابي 13/ 240
إذ بصواب 13/ 241
إن المهلب 13/ 252 - 257
شنئتك التراب 13/ 266
طربه نحبي 13/ 307
اهلا النجب 13/ 324
ونعم يجب 13/ 325
ما من باديب 13/ 344
حسن بي 13/ 116
أول البيت القافية ج/ ص
أي ركابي 13/ 117
يا باسط الطيب 14/ 42
إذا ما الكتب 14/ 43
ظللت تصب 14/ 88
إن تبغضونا للعرب 14/ 88
ابكي والكتب 14/ 95
أبي بالصواب 14/ 98
أخطا صواب 14/ 99
ما مستزيرك للغضب 14/ 102
وهبت الثواب 14/ 104
الدنيا للحساب 14/ 107
صفحت العتب 14/ 108
فاقسم الاقارب 14/ 146
ولو لم العصب 14/ 150
فما الصبّ 14/ 164
ولقد بخصيب 14/ 168
سقاني بالشراب 14/ 179
ينظم الكتب 14/ 198
حنت الطرب 14/ 227
أبا مطر مصعب 14/ 233
اليك المهلب 14/ 264
كل القبائل العرب 14/ 277
إن السواد النوب 14/ 298
إذا فرس واقتراب 14/ 310
بذي للضرائب 14/ 311
قل والذيب 14/ 332
إنني اطرابي 14/ 352
ألا من مربب 14/ 375
أول البيت القافية ج/ ص
ولقد بخصيب 14/ 377
يا عين الطرب 14/ 51
اصرم متقضب 14/ 234
شم المهلب 14/ 267
لو أن العقاب 14/ 273
لا بد كرب 15/ 54
وابن جميل مسطبة 15/ 67
لذكر يطرب 15/ 69
خليلي لزينب 15/ 69
كليني الكواكب 15/ 157
صاحوا لبي 15/ 267
قلت الانساب 15/ 278
ألا يا تجب 15/ 291 - 292
ا لم ترياني تطيب 15/ 285
نشرتك المحجب 15/ 330
كثر شهاب 15/ 346
وبالعفر منصب 15/ 347
فذوقوا والتحوب 15/ 352
وبيت يحجب 15/ 353
لعمرك المهلب 15/ 384
يا عمر الابواب 15/ 5
إن مذنب 15/ 150
رقاق السباسب 15/ 158
فخرتم صواب 15/ 191
الحق الالباب 15/ 285
يرى وملعب 15/ 353
نفرت وهوب 16/ 55
ماذا الحطب 16/ 184
أول البيت القافية ج/ ص
إنما عبد المطلب 16/ 187
لعمر بن أبي كعب 16/ 238
فإن صليب 16/ 270
فحسب في الذوائب 16/ 278
لعن اللّه فيابي 16/ 314
قتلتنا يوم الكلاب 16/ 339
جزى اللّه من حبي 16/ 349
على مثلها السواكب 16/ 390
لم تنصفي في كعب 16/ 406
فإن لإسماعيل للشعب 17/ 37
وواعدني بيترب 17/ 91
صبحنا كالكواكب 17/ 128
أيأخذني ولا صحبي 17/ 297
ايظلمني ولا صحبي 17/ 298
الست جناب 17/ 227
ويوم وناب 17/ 255
وخيبة والكلاب 17/ 257
سمونا واعتصاب 17/ 257
لعمرك السراب 17/ 330
طرب لم تصقب 17/ 64
ذهب الاجرب 17/ 65
قالت والجلباب 17/ 159
اشهدتنا القسب 17/ 235
الا يا سلم من ترب 17/ 37
لا أرى ذؤاب 17/ 259
يخلفك في شعبه 17/ 271
ابلغ للثواب 17/ 378
فمن وللشباب 18/ 198
أول البيت القافية ج/ ص
ألا للصواب 18/ 242
يحج للتصابي 18/ 370
إن وارغب 18/ 331
فئتان الخطب 18/ 219
بكت والبه 18/ 105
أوالب الرطب 18/ 102
قد الغضب 18/ 320
ومن بالمتقارب 18/ 13
فلو كلب 18/ 21
سليم للأقارب 18/ 78
إن بالزاب 18/ 286
زارك الحجاب 18/ 159
يا زيد وغائب 18/ 133
لو ذنب 18/ 326
جارية والقلب 18/ 249
يا عالي الطرب 18/ 166
إن العجب 18/ 194 - 271
عين النجيب 18/ 61
قلن ابو الخطاب 18/ 146
سلام مكتئب 18/ 308
سلام المخضب 18/ 373
هنيئا الكتائب 19/ 106
لعمرك أريب 19/ 131
جميل هيوب 19/ 131
اجدك بصاحب 19/ 288
ألا مابي 19/ 257
أروني الخطاب 19/ 155
هم قتلوا كلاب 19/ 198
أول البيت القافية ج/ ص
سمعت الصعاب 19/ 206
ما تمنعى محسوب 19/ 169
فليت مطلب 19/ 112
قالوا يركب 19/ 301
لعمري للمصعب 19/ 129
إن المطية وتركب 19/ 301
اعني بالحاجب 19/ 233
يا ليت بكتابي 19/ 312
إن الرقاب 19/ 300
حيّ اتراب 19/ 19
اين بالاسلاب 19/ 19
قل النصاب 19/ 71
إذا النسب 20/ 32
لم آت الرتب 20/ 159
رحلت نصيب 20/ 160
وأجرأ العيوب 20/ 78
إذا يا قتيبة 20/ 221
ولو لا والركاب 20/ 411
وليس الخطاب 20/ 411
لي العطب 20/ 262
لما سمعت العقرب 20/ 328
ما يلقى كرب 20/ 39
إذا خطيبها 20/ 391
مسلم العيوب 20/ 393
غدا والسحائب 20/ 30
اجدك بصاحب 20/ 297
لججنا والتجنب 20/ 317
لزوار المقانب 20/ 383
أول البيت القافية ج/ ص
قال وهب 20/ 336
دنيا فاثيبي 20/ 108
ما زال النسب 20/ 8
يا قمرا اتراب 20/ 68 - 69
يبكي بعناب 20/ 69
يا حموية كالكاذب 20/ 218
يا خير الباب 20/ 245
يا تارك ذنبي 20/ 274 - 286
فعاطنيها ذهب 20/ 43
اكرم النسب 20/ 51
خليفة وأب 20/ 59
أبعد العجب 20/ 161
إن بمطلب 20/ 161
جئت الادب 20/ 184
يأيها الحسب 20/ 225
ما لقلبي حبّ 20/ 79
يا مليئا الاصحاب 20/ 92
قد فهمت الجواب 20/ 92
جلا النسب 20/ 8
لابد كرب 20/ 43
إنما الكعاب 20/ 148 - 183
كبد وعذاب 20/ 283
عين الشباب 20/ 339
ورشّوا حروب 21/ 63
ألا هل أبا وهب 21/ 130
أغرك روائبي 21/ 152
أيا جمل ومحلب 21/ 250
أول البيت القافية ج/ ص
فمن مبلغ غريب 21/ 239
وجدت كلاب 21/ 271
لقد ضمت الضرائب 21/ 283
تقول كل جانب 21/ 299
أبادر جانب 21/ 319
يبغض الكلب 21/ 378
أوصى جدب 21/ 385
هل للشباب بمنقلب 21/ 91
وأجرأ العيوب 21/ 26
لقد عريب 21/ 65
وحرّمت لصاب 21/ 157
لعلك غضاب 21/ 157
لعليّ فالكراب 21/ 172
تأبط المصاب 21/ 272
وما التراب 21/ 327
وما زلت ضبابه 21/ 359
أردني الخطاب 21/ 384
تحبب القرب 22/ 45
لعمرك عريب 22/ 162
إلى اللّه عريب 22/ 174
الا رب قرب 22/ 182
وإني واحبابي 22/ 184
فو اللّه إلى غرب 22/ 264
جزى اللّه كاذب 22/ 276
لا زال فيثرب 22/ 280
اعاذل قريبي 22/ 281
أذئب إلى غرب 22/ 295
لعمر بالاهاضب 22/ 348
أول البيت القافية ج/ ص
لقد بلوكم تكذيب 22/ 71
كانك الكلاب 22/ 21
لقد كانت بالشراب 22/ 140
قريب كمجتنب 22/ 206
لا تغضبن فاغضب 22/ 281
يا معشر العاتب 22/ 168
قد طال النسب 22/ 236
قل لابن الحسيب 22/ 166
لمن دمنة فالهضاب 22/ 193
إذا احتقبوا الحقائب 23/ 17
أئن كنت العصب 23/ 23
وفا جأتني القلب 23/ 99
ان جهما ولا عرب 23/ 213
اشمخ بالذئب 23/ 61
أبكى الغضب 23/ 196
اعبت معاب 23/ 8
رويدك من جواب 23/ 8
فكم كثيب 23/ 125
عناء القلوب 23/ 170
أول البيت القافية ج/ ص
طاف زينب 23/ 21
الشعر الابواب 23/ 40
وعلى اللواط الحجاب 23/ 53
يا بنت طائب 23/ 173
ما بال همك المتساكب 23/ 234
صريع غوان الذوائب 24/ 18
نأتك بذاهب 24/ 18
لمستهلك الكواذب 24/ 18
لقد هاجني الكواكب 24/ 118
تعزيت كالمجانب 24/ 118
ما أنا النوائب 24/ 142
يا جميل من نصب 24/ 238
ألا هل الحباب 24/ 27
ألا يا هند السحاب 24/ 27
وبادية الجواعر النقاب 24/ 29
أخذت آل كلب 24/ 30
ابلغ بني جناب 24/ 30
شطت للثواب 24/ 236
تأبى عائب 24/ 256
ت
ضرب البحر المدينة 2/ 347
باللّه نسيت 5/ 168
ما واحد مروة 10/ 51
ما بال اقتربت 10/ 114 - 115
إذا اشمرت واطلت 12/ 272
وحرة فتزينت 13/ 205
يا طولها نجت 13/ 219
إلى تركت 13/ 230
هذا الهنات 13/ 323
رحبت حمامة 15/ 69
الا لا بداهيه 15/ 91
احيا اليعمله 15/ 103
أول البيت القافية ج/ ص
أقول جافية 15/ 269
اسقني ثمانية 15/ 288
الا فاختمرت 19/ 158
سلقتنا فادبرت 20/ 196
تدعى دنت 19/ 30 - 32 - 33
واعدتنا واحسنت 19/ 30
فلوت حتّا 1/ 242
يا بنت ستا 3/ 229، 20
/408
افق تموتا 3/ 24
غنيت ونسيتا 4/ 20
يا كنتا 4/ 43
اسأل الثباتا 4/ 52
ان ماتا 4/ 331 - 334 - 345، 10/ 107 - 133
ردوا لمتى 5/ 44
حجاج ماتا 6/ 289
ابا عثمان هديتا 7/ 30
تذكرني والكرامة 8/ 45
الا فسقى اليمامة 8/ 46
وحيا السلامة 8/ 46
سلام فاتا 8/ 336
ولما وردنا ظلالتها 8/ 57
انك اتى 9/ 168
الا يا فيض فرتا 9/ 232
أنك يا بن إذا اتى 12/ 219
أول البيت القافية ج/ ص
من رأى جدته 12/ 149
هونك فاتا 17/ 305
يا طلح ماتا 19/ 189
رفعت بنيتا 20/ 348
لما نزلنا نبيتا 20/ 398
يا ماعز هجيتا 20/ 401
وعائب وقته 23/ 54
إن لي الكميتا 23/ 85
زوجوا قوتا 23/ 85
اغشا هاروتا 23/ 218
الا يا ربما فتهاونت 2/ 153
اجرت مخلدا اتيت 3/ 14
يا منظرا مديته 3/ 239
نعيم وفيت 3/ 262
حسبك يموت 4/ 36
ما قلت 4/ 40
قد قوت 4/ 88
أما اتلفت 4/ 69
شربت انشيت 5/ 296
عسى لقيت 5/ 353
لو قد بليت 5/ 168
اعاذل ارعويت 5/ 299
وفيت وفيت 6/ 332، 22
/119
من دعا تجارته 6/ 56
أراني تناهيت 7/ 33
من البكرات اطريتها 8/ 221 - 222
فان بك غويت 9/ 180
أول البيت القافية ج/ ص
إذا خدرت ودعوت 9/ 193
لي مدة متّ 10/ 104
لعمرك فأموت 11/ 169
دعو آل فائت 12/ 317
يا قوم جعاته 12/ 236
وله شرطة شرطة 12/ 231
لو لم نكت 12/ 50
لقد واموت 13/ 196
ليتني وصلت 14/ 56
ربما شمالات 15/ 321
مدحتك كما جريت 16/ 257
كست كسيت 16/ 303
ااومر ما حييت 16/ 288
اسرت ما اتيت 17/ 128
أجرى الموات 18/ 248
قد شيت 20/ 413
فابلغ اهتديت 22/ 2
اعاذلتي عصيت 22/ 116
بنى لي استقيت 22/ 117
امفت بناته 22/ 304
ظالمي لا عدمته 23/ 69
يا وحماتي 1/ 255
يقر قرّت 1/ 295 - 360، 16/ 164
رأى تجلّت 1/م - ت 29
مهاريس الحفرات 2/ 166
هل تعرف الدار الافعاة 2/ 311
لقد اصبحت لاستقرت 3/ 364
أول البيت القافية ج/ ص
ثمركم يا متعتي 3/ 232
اتوب إليك فعلتي 3/ 181
دينار آل بالعفاريت 3/ 249
ربابة بيت الزيت 3/ 163
كم للقوت 4/ 53
اللّه الملالات 4/ 58
ومهمه المحاماة 4/ 58
وام اخلت 4/ 134
فما المنابت 4/ 380
كيف الحرمات 4/ 350
مضى غيبته 4/ 427
المرء جدته 4/ 52
كذبت حياته 4/ 112
تضوع خفرات 5/ 166
فإذا هات 5/ 152
إلا ذلّت 5/ 435
أيا وعلّت 5/ 358
فلو فالمت 5/ 359
حلفت حنت 5/ 360
نفسي خنت 5/ 249، 18
/66
الا غنت 5/ 359
تضوع عطرات 6/ 192 - 195 - 198 - 202 - 203
حيّ التي فأدلت 6/ 233
يا عبد وجيرتي 6/ 250
وما كرّ اقشعرت 6/ 315 - 323
ولقد قضيت لذّاتي 7/ 12
أول البيت القافية ج/ ص
أسلمى إن شيت 7/ 40
رب بيت بيروت 7/ 42
سل هم فلاة 7/ 74
وسرب وميت 7/ 166
قف بنا الموحشات 7/ 261
فلا وضعت تعلت 8/ 88
وبالحيرة برت 8/ 179
ولقد حجرتها 8/ 208
وكم فدرت 8/ 386
لعمرك فملت 8/ 412
الا ابلغ مصمتات 9/ 14
كأني زلت 9/ 27
خليلي حلت 9/ 29 - 280
يكلفها استدلت 9/ 29
لقد عذبني حياة 9/ 206
وتطلق حاجاتها 9/ 47
كتطرد مثناتها 9/ 48
ماتت الفوت 9/ 219
ايا منشر وعلت 9/ 280
فان بخلق واكدت 9/ 281
لقد بخلت لضنت 9/ 281
الا قاتل غنت 9/ 283
لقد لاستقرت 9/ 329
الا لاستقرت 9/ 330
يا من لفواتها 9/ 47 - 344
إنما المرء تناهت 10/ 50
انا نزلنا المباركات 10/ 160
لعائن ومهجرات 10/ 221
أول البيت القافية ج/ ص
ان الرزية أضلت 10/ 299
نزلنا معتمرات 11/ 190
الم تعلمي فتحلت 11/ 199
احاذر من صنيبعات 12/ 212
اعاذل اقصرى حمات 12/ 64
ولا ذنب تعنت 12/ 327
تعاتبني تمنت 12/ 327
قل لابن ميّ باللّيت 12/ 149
جدلت فتنت 13/ 336
وما تحرك آست 14/ 142
مشى القصبات 14/ 250
قد لقيت دهنات 14/ 340
اخلق الملاة 15/ 51
يا ليلتي فارتدت 15/ 232
أرى بالترجات 15/ 81
جزى فزلت 15/ 368
أمن دمن جاثمات 16/ 313
فقلت لها ذلّت 17/ 101
قصائد خاليات 17/ 333
يا من أتانا لجاجاتي 17/ 70
سأبكيك شلّت 17/ 8
بحب مقتي 18/ 250
إذا الصلت 18/ 188 - 194
اقبلت عرفات 18/ 372
لقد اضلت 18/ 37
وخرقاء وجلت 18/ 40
تميم ضلت 19/ 64
أول البيت القافية ج/ ص
لعمرك ضلت 19/ 65
اقول عداته 19/ 113
من جدته 19/ 52
يا ويح مماته 19/ 288 - 292
إني عدوتي 19/ 242
قل بالليت 19/ 52
ونبئت الصلوات 20/ 142
أناس ذو الثفنات 20/ 143
إذا منقبضات 20/ 148
أرى تولت 20/ 301
سقيا لذاتي 20/ 152
واعجب لميت 20/ 123
لعائن ومهجرات 20/ 271
الحمد واستقلت 20/ 346
زعم بمقته 20/ 226
احسن أبي الكنات 20/ 357 - 361
مدارس العرصات 20/ 142
الا ام عمرو تولّت 21/ 178
قتلت المصوت 21/ 185
أرى تولّت 21/ 186
الا لمنت تمنّت 21/ 240
ألا تكلم لاستقرت 21/ 285
أول البيت القافية ج/ ص
وامها لاستقرت 21/ 288
لقد اصبحت لاستقرت 21/ 294 - 305
فلا ولدت تعلت 21/ 387
قد عرفتني فأطّت 21/ 29
وانكحها وجرت 22/ 32
اتيناك ولا كلّت 23/ 16
الا ليت مماتي 23/ 226
اخذت مشهراتي 23/ 8
بعثت هاتي 23/ 9
يا تاركي العداة 23/ 13
احذر المتثاكلات 23/ 220
عليل عللته 23/ 10
ليتني بليت 23/ 163
يوما والكاسات 23/ 128
أتاني البيات 23/ 128
فقلت ذلّت 24/ 31
خرجنا سربتي 24/ 65
فدّى وقلت 24/ 78
خليليّ والعبرات 24/ 82
وخرقاء وجلّت 24/ 84
لقد أوصلت أضلت 24/ 85
ث
إن وخنث 5/ 301، 16/ 345
اعطيت رعاثه 18/ 228
هب لي الثلاثة 23/ 190
نعم ثلاث 5/ 222
إن الناس مباحث 10/ 234
أول البيت القافية ج/ ص
أي عون ثلاث 9/ 296
إن احداثه 14/ 55
ظبي وكباثه 14/ 56
سقاني الخبيث 14/ 127
خيفة ورعاثه 14/ 56
باللّه كالناكث 15/ 232، 233 1/ 302 - 307
اهاجتك الاثاث 6/ 189 - 196
أول البيت القافية ج/ ص
اعاذل الرائث 9/ 147
فمن الباحث 14/ 363
يحيى والاحداث 14/ 363
ثعلب عن خنث 16/ 345
رأيت بالاثاث 20/ 91
ما جعفر عثعث 20/ 147
امنت حارث 23/ 176
يا طيب الحارث 23/ 179
ج
اقول والركبة شميرج 2/ 327
بين أبي وهّاج 7/ 1
وبديع بالدعج 7/ 181
إذا ذكرت الداج 9/ 232
بني الحب لسمج 10/ 174 - 175
جفن اختلج 18/ 176، 20/ 62
فعلى المهج 20/ 147
لج فرج 20/ 191
تظن خلج 21/ 39
في سبيل اللّه هزج 23/ 9
يا حرجا 1/ 202
فقلت نهجا 1/ 203
يأبى وادلاجا 4/ 90
جلد السماجة 6/ 14 - 17
ضرب السماجة 6/ 10 - 14
طاف منهاجا 7/ 42
إنني فاختلجا 7/ 85
انا النجا 13/ 102
ان الامور ارتتجا 14/ 41
ماذا اللججا 14/ 41
كسيت ملهوجا 17/ 335
أمست المرتجى 18/ 225
ولما مخرجا 21/ 312
اعذني علاجا 22/ 284
فواكبد ينضج 3/ 180
لو كنت ونبتهج 3/ 200
من راقب اللهج 3/ 200
لا خير نهج 3/ 200
اخشاب ينهج 3/ 180
احب الهزج 4/ 405
ادير ودج 4/ 406
لو يعتلج 4/ 316
انت الولج 4/ 316 - 319
اقمت انفراج 5/ 26
أول البيت القافية ج/ ص
حدثوني حرج 5/ 97
وترى السرج 5/ 98
تطاول تفرّج 5/ 115
حديثا منضج 5/ 100
حب دعج 5/ 97 - 98
لو لا الذي مخرج 7/ 23 - 52 - 53
تطاول تفرج 7/ 117 - 136 137 - 138
الأكل بهرج 8/ 263
كأنك تشحج 8/ 263
لقد عجبت الحلج 8/ 401
إن كانت والحرج 11/ 173
أمر ودج 13/ 335
ولقد اغتدي إضرّيج 16/ 376
ملك الوهاج 18/ 226
ألا مخرج 19/ 91
هل وتزعج 19/ 92
أبي سيفرج 19/ 93
أبي مفرج 19/ 95
إن والحرج 19/ 8
لا خير نهج 19/ 263
من اللهج 19/ 264 - 265
حضر مزعاج 19/ 260
إن هياج 19/ 286
ومدحج الإفراج 19/ 286
نزلت وهاج 19/ 286
طوبى تشج 20/ 50
ومستبسل متعوج 21/ 192
أول البيت القافية ج/ ص
يشرفني ومعلهج 22/ 264
فإن تضحكي المفرج 22/ 309
عوجي تحرجي 1/ 270 - 272 - 406، 2/ 365 - 366، 3/ 347
في تحجج 1/ 407، 2/ 367
اني مذحج 1/ 408
قالت تخرج 1/ 191
الم ترقوما تزوج 2/ 325
دع مهتاج 4/ 386
لج الاحداج 4/ 358
ان نرجي 4/ 401
أما كالهاجي 4/ 387
هذا تناجي 4/ 257
لحجت تلحج 5/ 91
نحن بالفرج 5/ 11
أنا ابن ازواج 7/ 90
من سد الحجاج 8/ 66
أم من الأزواج 8/ 66
ان الدلال الخزرج 8/ 186
واشعت فنضج 9/ 165
وطئنا الدرارج 10/ 227
اميرة ساجي 10/ 252
حلّت بني ناج 11/ 58
اتدعوني السراج 11/ 253
وما العفو يلجج 12/ 289
أمي يا بن كمذحج 12/ 10
هل عليّ حرج 12/ 67
أول البيت القافية ج/ ص
إن السماحة الحشرج 12/ 34
لمثلك ناجي 13/ 168
إني فرج 13/ 280
أما المهج 14/ 185
عدن والدعج 14/ 202
هل في فرج 15/ 3
يا حبذا وخارج 15/ 8
تسفر سحج 15/ 9
إن الحشرج 15/ 386
قد كنت تاج 16/ 54
ليت يأجوج 16/ 128
سبحان مرتوج 16/ 128
يا عديا بالنباج 16/ 372
أبني الحجاج 17/ 231
أول البيت القافية ج/ ص
وبعثت بالعوسج 17/ 275
وردت أفحج 17/ 282
ألا علاج 18/ 282
ثم الدجج 18/ 319
سائل الحّج 19/ 197
ليت هرج 19/ 121 - 132 - 133
جاءنا بالثلوج 20/ 137
أميّ مدلج 21/ 18
يا رب الزنج 21/ 320
أمر في اللجّ 22/ 285
بشر شرج 24/ 29
إن يعش ما نرجّي 24/ 15
يهب الألف الخلنج 24/ 15
ح
ماذا جحاجح 4/ 103
انني مليح 7/ 29
ولقد صدنا سنح 7/ 48
هل يبلغنهم جماح 9/ 111
مدحت ممتدح 10/ 37
نطق يضح 19/ 240
يا عين البطاح 19/ 161
فإذا والرميح 20/ 235
ألا مصّلحا 1/ 271 - 272 - 309 - 310 - 311
رحم اللّه أبوحا 2/ 254
ا تدري من منعت البطاحا 2/ 194
الا من مبلغ أراحا 2/ 151
منحتهم الفرات والملاحا 2/ 260
الا أهل هاجك مطلحا 2/ 414 - 210 255، 6/ 79
يا خليليّ فريحا 2/ 260
إني دعاه جحجاحا 3/ 233
في حلتي طاحا 3/ 233 - 215
قاس صبحا 3/ 240
لا يؤيسنك جرحا 3/ 209 - 221
إن قداحها 4/ 91
أول البيت القافية ج/ ص
خد صلاحها 4/ 92
سيرى صلحا 4/ 313
ولما دفعت النجاحا 6/ 19
فصاحب نجيحا 6/ 266
أخوي رواحا 7/ 162
أعارك القبيحا 7/ 269
وكم غادروا جارحا 7/ 285
وإني شحاحا 9/ 43
يا مبتلى تباريحا 9/ 134
وإذا جزى سمحا 10/ 220
أما ورب قدحا 10/ 256
فمن يفرح فرحا 12/ 113
إن الجنوب نفحا 12/ 151
توهمت تراوحا 12/ 63
لا أرق ترحا 14/ 16
نحن ووقحا 14/ 147
ألم فانسمحا 14/ 248
نحن جنحا 14/ 148
وأوقدت مجمحا 14/ 248
ولا يعدم مجدحا 14/ 249
قد نهانا وصباحا 17/ 113
لقد صحاحا 18/ 250
أبلغ الراجحة 18/ 286
ذكر صياحا 19/ 33
في سبيل اللّه طلحا 23/ 96
اصلحك أنصحا 23/ 159
كأن راحا 24/ 42
الريح الريح 1/ 247
أول البيت القافية ج/ ص
يا البطاح 1/ 254
ألا يا لهفتيّ المتاح 2/ 313
كأن القلب يراح 2/ 48 - 89 - 92
فلا خير في ام رياح 2/ 424
فجرنا ينابيع يسبح 2/ 309
ألا ابلغ يمزح 2/ 309
ألا قبح صالح 2/ 172
سقيت ابا يصبح 3/ 140
أسلام فيسجح 3/ 281، 8/ 338
خانك الجموح 4/ 103
ولقد ويربح 4/ 297
يا بؤس واستراحوا 5/ 46
الكني رائح 5/ 388
تخيّرن الطوارح 5/ 389
ا لم مطرح 5/ 292
هي وافلح 5/ 293
ذكرتك وتسنح 5/ 424 - 426، 12/ 50
لها قلبي روح 5/ 228
ولي قروح 5/ 233
يأيها النازح 6/ 64 - 66 - 68
سل الدار المضيّح 6/ 72
اغدوت صحيح 6/ 239
لا تتركن واضح 7/ 58
اشتقت طلح 7/ 107
لا أرى يصرّح 7/ 171
فما لك ابطح 8/ 316
كلانا قروح 8/ 298
أول البيت القافية ج/ ص
إذا تسرح 8/ 316
ولكن يسبح 8/ 316
غراب تضبح 9/ 149
لعمري اليح 9/ 149 - 137
إذا ما مارح 9/ 291
متى جموح 9/ 301
تغيب تبرح 9/ 319
سأبكيك الجوانح 10/ 191
رحنا واقداح 10/ 54
ألا ابلغ قارح 11/ 58
ولو أن وصفائح 11/ 244
فقل للحواريات النوابح 11/ 311
رأيت رجالا صوالح 12/ 55
إليك ولقح 13/ 60
أعوذ ينفح 13/ 172
لأنت صفوح 13/ 172
تداركن سنيح 13/ 173
أمن النضاح 13/ 182
هنيئا اصطلاح 13/ 183
ليس تبرح 13/ 360
ساد الطلح 13/ 361
قحب صبح 14/ 130
قد راح صلاح 15/ 8
يحذرني ويروح 15/ 390
سل المضيح 16/ 18
خروج تلمح 17/ 18
وهاجرة يرمح 17/ 398
هلا الريح 17/ 383
أول البيت القافية ج/ ص
إذا صيدح 18/ 15
ودوية وصيدح 18/ 15
امنزليّ وينصح 18/ 28
إذا يبرح 18/ 29 - 34
هي المبرح 18/ 29
امولى المنائح 18/ 97
بل المناكح 18/ 97
ابلغ فسيح 18/ 224
العذر سفح 19/ 88
نشرت المدح 19/ 89
يا ليلة نجح 19/ 244
وفي الفصح 19/ 244
سقيت يصيح 20/ 329
ندامى راح 20/ 331
انائحة ضريح 20/ 102
لئن يفتح 22/ 330
بنفسي الرياح 22/ 112
إن السلاح وتروح 22/ 154
تركنا والصفاح 22/ 71
اصبتم السلاح 22/ 239
واني ليلحاني صحاصح 23/ 101
كأنك لم تقفل رباح 2/ 306
فان كان هذا قباح 2/ 307
فلئن بقيت انزاح 2/ 322
وكواعب قد كالمزاح 2/ 332
لما رأيت أن فاضحي 2/ 172
قالت عبيد المازح 2/ 228 - 229
وادنيتني حتى الاباطح 2/ 90 - 92
أول البيت القافية ج/ ص
ولم أك مثل طامح 2/ 172
ان المجنبة الصباح 3/ 35
يا ليت انواحي 3/ 129 - 131
ليبلغ عذرا منجح 3/ 86
اقول لقوم زرّح 3/ 86
ومن يك مطرح 3/ 86
يا الراح 4/ 49
لو أوضاح 4/ 49
كم ملاح 4/ 49
اعيني النوائح 4/ 97
اقبح يفقح 4/ 232
اصبح باقداح 5/ 330
واني القراح 5/ 39
فإن السلاح 5/ 39
وما يدريك السلاح 6/ 42
مررت الاداح 6/ 43
وجدنا الجناح 6/ 106 - 110 - 113
اشهد الصلاح 7/ 22
فما مسك اللقاح 7/ 29 - 30
سقى اللّه فالطلح 7/ 217
الستم راح 8/ 41 - 67 - 305
إذا رقد الصباح 8/ 46
تقطع بصاح 8/ 46
سقى الرواح 8/ 46
دعوت الجماح 8/ 67
وما شجرات الضواحي 8/ 67
تعرت لقاح 8/ 68
تعلل القراح 8/ 68
أول البيت القافية ج/ ص
رمى بالقوادح 8/ 104
وقد وجدوا النواحي 8/ 67
الا ليتني الذرارح 9/ 32
دان بالراح 9/ 45
تعارض النواكح 9/ 163
ثقي بالنجاح 9/ 235
لعلي بسماح 10/ 257
نح عنك النصّاح 10/ 270
هذا قعودي تفتح 10/ 321
إني أرقت لوّاح 11/ 68
دان مسف بالراح 11/ 71
يقص العدو بالجراح 12/ 68
لأقضين والطرماح 12/ 42
ان ابن عمك السلاح 12/ 334
ابرق لمن بالسلاح 12/ 68
ألا أيها الليل بأروح 12/ 35
ألا أيها الليل بأروح 12/ 35
ألا الجوانح 13/ 12
ألا مسرح 13/ 222
اتقطر سابح 13/ 263 - 268
يا أهلي السفح 13/ 289
كم ليلة صباح 13/ 321
أوحشت رواح 14/ 45
عين الالواح 14/ 45
آب سماحي 14/ 46
أنا فاقدح 14/ 163
إذا ما واللواحي 14/ 181
لست صاح 14/ 335
أول البيت القافية ج/ ص
قلت سفوح 14/ 342
فدى مراح 14/ 13
أغاد وتمرح 14/ 243
يابن منيح 15/ 58
الستم راح 15/ 93
قل الرائح 15/ 381
ان الشجاعة الواضح 15/ 382
اخذنا الاباطح 15/ 206
ما عاتب الصالح 15/ 369
يا من المتنازح 15/ 381
فبات فينا وإصباح 16/ 374
بأهلي سلاح 17/ 97
وما نحن بصحاح 17/ 342
يا مال بزحزاح 17/ 371
إنّا بنو ناح 17/ 371
من يكن الفقاح 17/ 114
ولها الرماح 18/ 99 - 100
نمته الاصرح 18/ 316
أنا النار فاقدح 19/ 61
يا ظبية جناحي 19/ 118
أول البيت القافية ج/ ص
لو ريحي 20/ 8
ليتني السطوح 20/ 202
لكل اللائح 21/ 66
تكنّفها صحاح 21/ 12
يا بدر اللائح 21/ 85
يا بدر صالح 21/ 86
يا من ملاح 21/ 88
اذهب نجاح 21/ 89
آذنت الفسيح 23/ 29
أنا من بغية أرباح 23/ 160
يا غزير بالبطاح 23/ 160
إن عرسي لرباح 24/ 224
اصبحت للصباح 24/ 30
وردن انتزاح 24/ 31
لا الصبوح 19/ 232
أخاك سلاح 20/ 208 - 210
جعلت والراح 20/ 87
تهتز سحاح 20/ 87
أقول مياح 20/ 122
خ
واني شيخ 13/ 338
وباض فرّخ 23/ 198 2 احقا السخاخ 3/ 342
د
وادماء الخفيدد 2/ 199
وان آنست الغد 2/ 199
أول البيت القافية ج/ ص
فإن آنست الغد 2/ 199
وإن خاف جورا الغد 2/ 199
إذا هو نحاها الغد 2/ 199
قد كنت أحيانا ألد 2/ 196
لكل جديد لذيد 2/ 196
من لقلب ومفد 2/ 152 - 128
فتشت حامد 4/ 75
ليت تجد 5/ 199 - 200، 1/ 186 - 231
بنى لي جمد 6/ 211 - 236
بحير بن ومن ولد 7/ 133
أنا الاشد 8/ 133 - 190
انه الصمد 8/ 271
إنه احد 8/ 272
رام الاسد 8/ 272
قام بقلبي الجلد 10/ 186
يا لك الاسد 11/ 53
غضبت أحد 11/ 252
ليت هندا تجد 11/ 340
امسى والابد 11/ 364
ولما يعتمد 13/ 326
ما بالمغاني فرد 15/ 70
لو يرسل قائد 15/ 251
عج الخدود 20/ 289
الابكر الصمد 22/ 92
فإني يهود 22/ 114
ما الحب وعضد 23/ 198
الم غدا 1/ 15
أول البيت القافية ج/ ص
كأنني موجودا 1/ 114
إذا جلمدا 1/ 129
من غدا 1/ 152
يا غدا 1/ 200
اريني مخلّدا 1/ 228
ركبت البريدا 1/ 328
واعقب العقودا 1/ 328
احب بعدا 1/ 353
وحسن العقودا 1/ 381
وحرّ الزّبرجد العقودا 2/ 346
شربت بردا ابدا 2/ 317
يا أم طلحة غدا 2/ 378
ألم يبلغك أن ارتدادا 2/ 312
في عمر بن يزيد سادا 2/ 423
جئنا وبين ولا كادا 2/ 415
لا يبعد اللّه بعدا 2/ 191
ألا ليت ليلى لها ردّا 2/ 80
جلا أمية عني وعدا 2/ 210 - 212
وإني يماني الهوى جهدا 2/ 80
المم بزينب غدا 2/ 376 - 377
اقلي فإنا عدّا 3/ 207
لقد أرسلت جلدا 3/ 332
ولقد طرقت الندى 3/ 119
أنا ضربت رويدا 3/ 65
برمت بالوحده 4/ 106 - 38
علمت والجده 4/ 19
ولسنا ومفصدا 4/ 168
أول البيت القافية ج/ ص
كريم وامردا 4/ 250، 9
/67، 15/ 134
افاطم وجدا 4/ 366
رأيت قفدا 4/ 367
يا الرشدا 4/ 65
بقوم عباد 5/ 53
إذا ما عائدا 5/ 324
لما ربدا 5/ 13
مدّ جدّا 5/ 323
إن واحدا 5/ 52
اعاذل مبردا 5/ 343
اتبكي بعدا 5/ 357، 9/ 285
يجحدن الرقدا 5/ 252، 9/ 237
وما يزيد 5/ 147
قل لاسماء زادا 6/ 8 - 12
أبى اللّه فتخمدا 6/ 60
جلا أمية وعدا 6/ 79
ألمم غدا 6/ 181
أعسيت جديدا 6/ 187
يا صاحبيّ عبيدا 6/ 262
امسى عيدا 6/ 314 - 321 - 327 - 329
ألما لحدا 7/ 31
سرى طيف عميدا 7/ 70
لو شاهدوا كمدا 7/ 81
أطل المهندا 7/ 150
ليت عين رقدا 7/ 162
اعينيّ واسعدا 7/ 165
أول البيت القافية ج/ ص
إذا أنا المؤكدا 7/ 263
سائل اوتادا 7/ 266
إذا قال يزيدا 7/ 273
كيف الثواء ويدا 7/ 305
إنا قودا 8/ 8
وطوى برودا 8/ 43
لقد اقودا 8/ 61
اعد المقيدا 8/ 61
حمار ترددا 8/ 61
كليبة اسعدا 8/ 62
وما غبت مقيدا 8/ 62
واقدت مشهدا 8/ 62
أهوى أودا 8/ 83
امسى جديدا 8/ 154
يا عقب محمودا 8/ 169
ومدلة املودا 8/ 169
لا اتقي وحيدا 8/ 170
الأهل مزودا 8/ 171
أ أذكرت عميدا 8/ 196
شطت الكبدا 8/ 207
ان مسمغدا 8/ 309
واللّه الوالد 8/ 357
خليلي غدا 8/ 424
وجدنا معبد 8/ 45
وما كان متلدا 9/ 8
ابت المبردا 9/ 24
اسلمى المهدى 9/ 47
الم الرفدا 9/ 53
أول البيت القافية ج/ ص
وعلمت إزدادها 9/ 310 - 317
الم تعتمض المهدا 9/ 125
عرف ابلادها 9/ 315 - 316
فآليت محمدا 9/ 125
وقصيدة وسنادها 9/ 317
اثوى موعدا 9/ 237
نظر منادها 9/ 317
وارى الامردا 9/ 237، 11/ 360
علق فعادا 9/ 252 - 253
الما البعادا 9/ 253
الا يا سعادا 9/ 268
أسعاد وودادا 9/ 273
فما جودا 9/ 313
تخاصمن الجردا 9/ 327
قد رمى فؤاده 10/ 258
أبلغي عبيدة 10/ 262 - 268
ألا يا وكدّا 10/ 197
يا أحمد وحديدا 10/ 218
أقلني الردى 10/ 228 - 230 - 231
أبلغ وايرادا 10/ 222
من حاكم عمدا 11/ 49
تخيرت هندا 11/ 349
الحين بلدا 12/ 357 - 358
اعابد ما عابدا 12/ 65
راحت قلوصين احدا 12/ 243
ارتعت صددا 12/ 345
لبيك يا عددا 12/ 121
أول البيت القافية ج/ ص
الم تنج عدا 12/ 201
اعابد الرواغدا 12/ 65
لا يبعد بعدا 12/ 346
وما العيس وفندا 12/ 125
اراه فتى مهندا 12/ 265
سميت باسم داودا 12/ 288
سميت باسم داودا 12/ 288
تطالعني على حديدا 12/امسى باسماء عيدا 12/ 288
ان حربا وان تليدا 12/ 70
ان الاسد 13/ 34
تقول مقعدا 13/ 27
ذريني المسودا 13/ 28
شرى النقادا 13/ 133
من عتيدا 13/ 247
قد المشيدا 13/ 246
يا ريم فغدى 13/ 301
خليلي فغدا 13/ 304، 14
/362
وبعد ابدا 13/ 305
خليلي غدا 13/ 363، 14/ 10
حريث الفاسده 14/ 339
إذا لاقيت يزيدا 14/ 16
ما لأمري جلد 14/ 59
قطع عبيدة 14/ 122
فدى صاعدا 14/ 151
تلك جدا 14/ 169
يا ليت شهدا 14/ 274
أول البيت القافية ج/ ص
إن امرأ كئودا 14/ 277
ونحرنا ورودا 15/ 46
اعيني الندى 15/ 75 - 86
وإني يتهددا 15/ 108، 16/ 36
ألا لا يتجلدا 15/ 129 - 133
وما العيش وفندا 15/ 130 - 132
وعهدي مجسدا 15/ 133
فقلت تبددا 15/ 134
ولو كان المخلدا 15/ 134
خذوا اكيدا 15/ 231
ما للجمال حديدا 15/ 320
ارجزا موجودا 15/ 369
إذا هبت الوليدا 15/ 371
سألناه وزادا 15/ 379 - 385
أخ جوادا 15/ 387
ماذا شاهدا 16/ 51
نظرت محسورة جدا 16/ 372
سأفعل أبي داود 16/ 381
مطر أبوك وعديدا 16/ 384
وإن الذي جدا 17/ 107
كررت نددا 17/ 262
الا ودعت يزودا 17/ 267
يا بن هشام الردا 17/ 110
أناخا قعربدا 18/ 25
فيوشك غدا 18/ 120
خليلّ غدا 18/ 141
استقبلت الجددا 18/ 361 - 363
ابلغ غدا 18/ 356
أول البيت القافية ج/ ص
شريت رشدا 18/ 259
بكرت نجدا 18/ 356
لا ذعرت يزيدا 18/ 288
حيّ قعودا 18/ 253 - 287
أشبهك قاعده 18/ 70
كنا مجلدا 19/ 194
لبست ودودا 19/ 42
أماوى يزودا 19/ 194
إذا اليدا 19/ 194
نبئت خالدا 19/ 191
مدّ جدا 19/ 226
صدع نادى 19/ 258 - 259
واحببت سعيدا 19/ 50
لقد القصائدا 20/ 109
هم القفدا 20/ 170
إذا أنت خالدا 20/ 198 - 200 - 201
ركبت البريدا 20/ 313
وذي زائده 20/ 155
يا أكرم مفقودا 20/ 193
لقد سألت موجودا 21/ 30
يا عين خالدا 21/ 56
تخاصمني الجرادا 21/ 288
ومن كان غدا 22/ 8
ابلغ خالدا 22/ 21
ا تعلم العهدا 22/ 178
خليلي بعدا 22/ 243
أحار أقصدا 22/ 322
أول البيت القافية ج/ ص
بان الخليط المواعيدا 22/ 99
فأبلغ والوليدا 22/ 64
شرى القهادا 22/ 322
هربت الردى 22/ 215
اشبهك قاعده 22/ 49
هي الخمر أبا جعدة 22/ 91
وليل واحد 22/ 217
اعنيّ وأسعدا 23/ 39
شفاء علمدا 23/ 130
وعاد تبدّى 23/ 77
ألا أيها غدا 23/ 169
انكرت سيّدا 23/ 110
ضع كذا بدا 23/ 219
لو تشكي العياده 23/ 40
لم تلق جودا 23/ 66
أبا علي رشدك 23/ 104
الاقل الصائده 23/ 118
زارتك رصدا 24/ 243
زارت سليمى رصدا 24/ 243
ألا أبلغ فسادا 24/ 79
يا كلب مرادا 24/ 32
تشط ابعد 1/ 84 - 89
يموت فيعود 1/ 114
وآية ينشد 1/ 88 - 129
حرمت المورد 1/ 137
وخير العبيد 1/ 338
اخوتي بعدوا 1/ 316
أول البيت القافية ج/ ص
أ في الكبد 1/ 350
أرق ترده 1/ 358
إن والجود 1/ 362
خلفت القلائد 1/ 372
اقفر فالجمد 1/ 394
سألت فلم ولا حمد 2/ 168
ألا طرقتنا بعد نجد 2/ 198
جاورت آل مقلّد بحمد 2/ 179
أتت آل شماس العدّ 2/ 198
وما انس م تريد 2/ 386 - 387 - 391 - 392، 8/ 103
إن تك تزيد 2/ 268
ألو ما إنني يزيد 2/ 268
تذكرت ليلى بعيد 2/ 379
أقول لاصحابي بعد 2/ 65
ولست أرى السعيد 2/ 175
أولئك قوم شدوا 2/ 178
واحسن ايامي قعود 2/ 230
ألا اللّه درّك رهبوا 2/ 206 - 207
ألا ليت ريقان يعود 2/ 393
أخالد لم جواد 3/ 202
ونحن معا نجد 3/ 274
لقد نصحت احد 3/ 121
إني امرؤ واحد 3/ 74
كمحبسنا الورد 3/ 274
سألت رواعد 3/ 295
يا بؤس مفتقد 3/ 248
طرفي يذوب شواهد 3/ 265
أول البيت القافية ج/ ص
ظل اليسار معقود 3/ 195
من اللواتي ومجهود 3/ 52
لم يمتع جديد 3/ 252
شكوت بعيد 4/ 29
ما يزهد 4/ 76
وجل مرصد 4/ 128
والشمس متورد 4/ 130
وان العبد 4/ 141
ولست زند 4/ 142
ويحي هجودها 4/ 211
ابكي يريدها 4/ 212
ويحيى غد 4/ 320 - 322
اقفر فالجمد 4/ 321
لم الوتد 4/ 322
لم زغد 4/ 323
قد جهدوا 4/ 324 - 325
بني يريد 4/ 25
ألا خالد 4/ 35
تجرد مجرد 4/ 100
رجل مرصد 4/ 128
جلدتني زائده 4/ 25
وسعى وتكابد 5/ 254
ولقد جدده 5/ 312
أ لم تصعد 5/ 69
هوى والنجود 5/ 167
أريت برود 5/ 343
وعيني رقود 5/ 119
اقفر معمود 5/ 227
أول البيت القافية ج/ ص
مهران تبيد 5/ 56
اعرضن جيد 5/ 416
أقيم جديد 5/ 167
يا ويلنا يزيد 5/ 145
وما كنت مواعد 6/ 45
خليلي الرواعد 6/ 81
نعم الفتى حمّاد 6/ 86
مجتاب البرجد 6/ 95
أمن حذر يجمد 6/ 96 - 97
سرى ليلا هجود 6/ 132
صادتك كمد 6/ 186
يأيها القلب يتئد 6/ 212 - 236
يا دار الفرد 6/ 314 - 320
طرقتك هجود 6/ 183
أتوعد عنيد 7/ 49
تهدي تنقاد 7/ 57
ما يزرع تحمده 7/ 58
يا حنّ معمود 7/ 129 - 130 - 131
يدعون قدوا 7/ 135
دعوت خالد 7/ 287
إذا بلغوا قيود 8/ 59
ألا ليت يعود 8/ 103
الا ليت لسعيد 8/ 103، 16
/163
ولا قولها جدود 8/ 104
إذا ويزيد 8/ 104
إذا الناس ووليدها 8/ 122
أول البيت القافية ج/ ص
فمن شهيد 8/ 127
كفى مقصد 8/ 219
دكنت العبيد 8/ 298
إذا ما البعيد 8/ 311 - 360
أبكى رقدوا 8/ 365
نظرت نهودها 9/ 26 - 38
وكنت بعيدها 9/ 39
فلما تجلى الا باعد 9/ 73
احبك شديد 9/ 148
فقلت مزرد 9/ 159
عيد قيس شديد 9/ 194
وفي عروة هند 9/ 195
هوى هند 9/ 195
هل الحب برد 9/ 196
اعالج تعود 9/ 210
ألا ليت لسعيد 9/ 210
ايا عبدة بد 9/ 296
كأن والد 10/ 89
اضنّ وأجود 10/ 113
يا قلّ تصريد 10/ 120
وحدثني شهود 10/ 184
رقدت يرقد 10/ 193
قالت يغمد 10/ 213 - 217
أما ترى وارعاد 10/ 224
ابا مسلم الورد 10/ 235
الا فاعلم نريد 11/ 58
فإن تك أبرد 11/ 130
ولقد تطرد 11/ 158
أول البيت القافية ج/ ص
كتمت يريد 11/ 175
حجاج الصمد 11/ 242
ولقد أروح يتفصد 11/ 256
تشاغل جاهد 11/ 286
لنا معاشر عادوا 12/ 169
معاشر ما عادوا 12/ 169
تخرم الدهر الفئد 12/ 277
دعتك العبد 12/ 247
مجتاب البرجد 12/ 42
فلم أر مثل يحسد 12/ 184
لقد جد في ارشد 12/ 317
اعير تموني سعد 12/ 247
ابلغ ابا يغدو 12/ 323 - 334
اكثرت محمود 12/ 50
تكلفني عبيد 12/ 12، 21/ 20
يا ليت تريد 12/ 10
تفرقت يصيد 12/ 229
نفع تغريد 13/ 23
وقالت وتستفيد 13/ 26
فلولا كؤود 13/ 26
هاتيك معتقد 13/ 74
أزمان اجد 13/ 75
إذا الفرقد 13/ 80
لعمرك زاهد 13/ 95
فأصبحت ولائد 13/ 95
ما بإصطخر الوسائد 13/ 96
بهجات جديد 13/ 117
وان خالد 13/ 160
أول البيت القافية ج/ ص
عندنا مجيد 13/ 295
نعم حماد 13/ 297
أبا محمد 13/ 309
ومن مريد 13/ 342
قد يزيد 13/ 296
نشت القفد 14/ 27
أقول ممدود 14/ 29
إنما المولود 14/ 82
ليت طريد 14/ 139
تأوب عجودها 14/ 229
إلى رجب وسودها 14/ 232، 15
/150
ألا من برد 14/ 328
إذا ما بعد 14/ 328
واعمى حد 14/ 328
واعمى القرد 14/ 329
شبيه القرد 14/ 329
ولو ينكه الصلد 14/ 329
ويا القرد 14/ 333
ألا أيهذا تسجد؟ 14/ 336
نسبت برد؟ 14/ 345
إن داود 14/ 368
لا تلحيني جاهد 15/ 7
يا ذا عود 15/ 38
قل شديد 15/ 57
إن لي تريد 15/ 58
الا هلك الهجود 15/ 97
تشط ابعد 15/ 142
أول البيت القافية ج/ ص
إلى رجب عديدها 15/ 149
امرتك رشده 15/ 209
ارقت الاسود 15/ 231
بني معن يريد 15/ 281
هذا حمى وارده 16/ 75
أرق ترده 16/ 103
استغفر والكتد 16/ 110
بيضاء مبرد 16/ 114
واخرجني ثمود 16/ 167
ما بات منّة ويد 16/ 181
أسليم المقلد 16/ 181
نحن الذين القعدد 16/ 189
لا فخر اشهد 16/ 189
اقفر به احد 16/ 201
يزيد كما تجود 16/ 256
لشتان والمجد 16/ 260
اعتاد تذوده 16/ 263
نهنه الصّدود 16/ 289
لعمرك الشهيد 16/ 298
أدواد تعمد 16/ 374
وبدت وارد 16/ 379
لو يعبد المعبود 16/ 23
لئن نحن لراكد 17/ 26
هل يتردد 17/ 389
لا يستوى شديد 17/ 347
إذا قبضت القصائد 17/ 2
إلى وافده 18/ 2 - 7
لا يجد 18/ 222
أول البيت القافية ج/ ص
إذا ابرد 18/ 329
أراني شديد 18/ 88
أرى يزيد 18/ 90
منع المعمود 18/ 61 - 63
وصلت خلود 18/ 143
ولقد لبيد 18/ 144
الصبر بعيد 18/ 165، 19
/303
بنو عمير مجد 18/ 183
إن العوائد 19/ 23
قتيبة سعيدها 19/ 50
ألاهل معاد 19/ 90
خليلي شهيد 19/ 161
يهنك السعيد 19/ 76
احقا المشيد 19/ 55
تأمل الصعيد 19/ 55
طللا نضد 19/ 87
يا خير العدد 19/ 87
منع العواد 19/ 207
ما اقبح يزهد 19/ 269
ألا نعهد 19/ 134
ولن لاحد 20/ 44،
أرى عهد 20/ 93
إن أدع وأذود 20/ 212
ألا ليت سعيد 20/ 212
على الطائر وجدود 20/ 212
إذا عقيد 20/ 213
أول البيت القافية ج/ ص
كلانا بعيد 20/ 293، 21
/249 - 250
ألا أن ويفقد 20/ 303 - 304
الحمد رقدوا 20/ 146
ما كنت احد 20/ 171
شوقي معتاد 20/ 257
يموت نفاد 20/ 194
قضيب وخدّ 20/ 280
أحق المشيد 20/ 47
ولست العبيد 20/ 146
رأيت زياد 20/ 206
شعرك البارد 20/ 280
لعمري خالد 21/ 313
ألاهل معاد 21/ 94
الامن البعيد 21/ 226
الامن البريد 21/ 352
رأيت زياد 21/ 353
وآب الوفود 21/ 381
دعانا ثمود 21/ 383
فأجلني ثمود 21/ 402
يا ليت يزيد 21/ 18
ويخلط أحد 21/ 80
منعمة ناهد 22/ 232
لقد عاود سعودها 22/ 33
ألم يبلغك استقادوا 22/ 65
وقالوا الوحيد 22/ 240
اقفر عبيد 22/ 88 - 91
سقمت الحاسد 22/ 211
أول البيت القافية ج/ ص
ولست أحد 22/ 345
الا ليت نجد 22/ 35
أأنتم يزيد 23/ 214
وشادن الصدود 23/ 188
فلما قضت نريدها 24/ 215
تقول لي صنديد 24/ 85
فان رفعت فسدوا 24/ 215
لنا معاشر عادوا 24/ 221
ما لي مرضت فأعود 24/ 241
من الجواد 1/ 14
أقول سواد 1/ 16
إني عباد 1/ 31
لم الواحد 1/ 71
كأن ندي 1/ 86
ناهدة توشد 1/ 192
كتبت كمد 1/ 235
فإن فساد 1/ 248
سقى عمد 1/ 289
ألا والبعد 1/ 343
ألا السّعد 1/ 357
إذا السّفاد 1/ 360
وأكرم بعدي 1/ 415
نهيتك عن رجال جرد 2/ 338
ألم يحزنك بني العبيد 2/ 142
متى تأته موقد 2/ 200
من كان اخطأه الواحد 2/ 326
هو العبد العبد 2/ 283
يا ام بكر غادي 2/ 397 - 398
امرتك يا نجد 2/ 338
أول البيت القافية ج/ ص
وأني لأرعى جهدي 2/ 382 - 385
وآثرت ادلاجي المتجرد 2/ 200
لعمري لقد المتجرد 2/ 417
بيضاء خالصة مبرد 2/ 83
وعلى المليحة الأسد 2/ 314
رأيت محمدا وقصد 2/ 412 - 413
إذا أنت الأباعد 2/ 192
سنبدي لك تزوّد 2/ 174
حنتني حانيات لصيد 2/ 353 - 356
رددت قلائص للعهود 2/ 17
لخولة اطلال اليد 2/ 231
ولست بذي واليد 2/ 418
يا ليل الصادي 3/ 299
كأنما ورثوا عاد 3/ 53
تركت هادي 3/ 270
تطوي عوّاد 3/ 299
غاد الهوى تبدي 3/ 265
قل للمليحة متعبد 3/ 46
تناهى كبدي 3/ 35
أيذهب الوجد 3/ 308
ولقد علمت الاعواد 3/ 90
لعمري يجدي 3/ 192
من المفتون ومرد 3/ 142
يا طلل بعدي 3/ 175
لمست بعدي 3/ 150
يا خليليّ تكد 3/ 33 - 34 - 35
ألاهل مبلد 3/ 94
الاقل العهد 3/ 331
أول البيت القافية ج/ ص
بني امية داود 3/ 243 - 245
أيها الساقيان رود 3/ 187
عليّ آلية بعود 3/ 234
ارفع اليهودي 3/ 117
قم يزيد 3/ 358
كتبت بعيد 3/ 352
أبا خالد سعيد 3/ 352 - 354
ورائحة صعيد 3/ 189
فدى للكريم وتليدي 3/ 355
بني مازن يدي 3/ 63
دعني المجد 4/ 5
نعل المجد 4/ 79
رحلت وجنود 4/ 104
مقيم فالثماد 4/ 118
والشمس حرمد 4/ 131
أرى البلد 4/ 156
أمس البلد 4/ 157 - 159
واللّه مزبد 4/ 169
ركضا المعاد 4/ 193
اتبكي الهجود 4/ 209
أبو سليمان اجرد 4/ 231
أن بسيد 4/ 241
عوجا عبود 4/ 383
قل بصدّه 4/ 97
أن ميلادي 4/ 397
صلى الملحد 4/ 420
وامضيت يرشد 4/ 422
غشيت احد 4/ 427
أول البيت القافية ج/ ص
أولئك اكمد 4/ 353 - 7/ 303 - 304
لي الاسعد 4/ 258 - 260 - 261
يا غد 4/ 259
ستبدي تزود 4/ 261
ليت بعدي 4/ 292
فلا النادي 4/ 347
أكثر باولاده 4/ 55
حاموا اكباد 5/ 14
كأن بمداد 5/ 237
خنّت بميعاد 5/ 372
طال مهادي 5/ 150
للّه الاعواد 5/ 434
غزال فؤادي 5/ 421
ليت فؤادي 5/ 149
ماذا أياد 5/ 212
وقولا زياد 5/ 370
بكرت نجد 5/ 370
ألا وجد 5/ 234
تقول الوجد 5/ 250
ما خير الواحد 5/ 74
بلوت الحمد 5/ 394
أ أن الزبد 5/ 415
وندمان راشد 5/ 289
يا أيها والواكد 5/ 368
ألا بكر الصمد 5/ 213
إني أود 5/ 13
أول البيت القافية ج/ ص
يا سرحة مسدود 5/ 382 - 384
مررت صلود 5/ 146
لما وأولادي 5/ 372
قفي ووعيدي 5/ 412
ازعمت مقيد 5/ 4
سمعت إلى هند 6/ 18
واستصحب وحدي 6/ 29
يأبى ثمود 6/ 46
هل تعرف من آمد 6/ 47
رأيت ماجد 6/ 57
وإذا سألت وسعيد 6/ 61
تنكر فالفرد 6/ 69
يا طللا الرعد 6/ 172
متى تلتقي إلى واد 6/ 185
شجا فؤادي 6/ 219 - 221
الاطرد السهاد 6/ 241
يا عبد فاسد 6/ 249
إذ أنا بعدي 6/ 255 - 257
تريدين غمد 6/ 274
إن أبا عواد 6/ 287
يا دار الابد 6/ 292
بنو الشهر عبيد 6/ 333
فان تك وبعدي 7/ 21
ومن يك خالد 7/ 35
يا من عميد 7/ 40
اقرمني للوليد 7/ 44
لو كنت الصيد 7/ 50 - 51
اتعجب واد 7/ 50 - 52
أول البيت القافية ج/ ص
يا آل تميم كالجلاميد 7/ 54
الحمد للّه والجهد 7/ 57
أشهد بمهتدي 7/ 58
مضى للوليد 7/ 69
ليت حظي وزاد 7/ 70
سقى اللّه وسردد 7/ 138 - 140
ايبخل فرد 7/ 149 - 151
اجرني بالعهد 7/ 165
وكالوردة كالورد 7/ 171 - 172
أيها الكمد 7/ 192
تعزّ بيأس ردّي 7/ 194
رمتك العمد 7/ 209
فلا تبعد يغادي 7/ 227
اشاقتك دعد 7/ 233 - 235
أيها المادح العباد 7/ 237
اهبط بالجلمد 7/ 250
إني محمد 7/ 267
فليت وساعد 7/ 297 - 298
اهلا وعوادي 8/ 88
إذا ما وللبعد 8/ 111
سلي تخدي 8/ 112
وإني سعدي 8/ 112
ومن وردي 8/ 120
بني الفرد 8/ 138
لقد لامني رشدي 8/ 150
لقد لج عهد 8/ 150
أ في الناس وحدي 8/ 150
لأبارك بلد 8/ 202
أول البيت القافية ج/ ص
تمشي في الصعد 8/ 207
قد قلت عندي 8/ 212
وما لي النجاد 8/ 230 - 329
ابائنة عمد 8/ 269 - 271
واغضبت جلدي 8/ 271
كريم الصدي 8/ 373
يذم المسوّد 8/ 394
سيكفيك بالمربد 8/ 400
يبيت الحمد 8/ 404
خلت بالسودد 8/ 408 - 424
يا كعب اجساد 8/ 425
يا عقب الغادي 8/ 26
يا عقب بمرصاد 8/ 27
يا ليلتي والسهد 9/ 59
بنو الشهر عبيد 9/ 118
ألا أيها أربد 9/ 173
تعلق المهد 9/ 194 - 196
يا سعاد رقادي 9/ 272
لما امرت وأولادي 9/ 284
تجمعتم واحد 9/ 310
تجددت المجدد 9/ 303
عدلت بعاد 9/ 343
ارتك عباد 9/ 343
لعمري ويزيد 9/ 158
على كل مزيد 9/ 210
خط السهاد 9/ 272
سبحان والوداد 9/ 272
أشكو احد 9/ 299
أول البيت القافية ج/ ص
لجارية خالد 9/ 332
أرّث موعد 10/ 7 - 11
قليل في غد 10/ 10
يا خالدا بصراد 10/ 17
نبئت مجهودي 10/ 19
اعاذل المنادي 10/ 26
أريد من مراد 10/ 27
ويح ابن الأدرد 10/ 32
أزالت محمد 10/ 52
أضحت والتأييد 10/ 64
أترتع واحد 10/ 152
ويل أم نجد 10/ 160
مالي نسيت غادي 10/ 181
طالت على الأبد 10/ 183
أطلت وتسهيدى 10/ 184
لم يبق بوساد 10/ 229
أني أعوذ بنو أسد 10/ 244
يأيها داود 10/ 246
أدعوك والأبعد 10/ 254
وكنّا رغد 10/ 255
قد جئتنا ولم تعد 10/ 286
ولو أن بمخلد 10/ 289
إذا ابتدرت يسود 10/ 290
ألا ترين والجود 10/ 312
عدوني الإحد 10/ 317
إلا سليمان عن الفند 11/ 4
أمن آل مزود 11/ 8
سقط النصيف باليد 11/ 11 - 12
ملك كالمرود 11/ 13
أول البيت القافية ج/ ص
يا دارمية الأمد 11/ 31
أسرت البرد 11/ 33
قالت فقد 11/ 35
نبئت الأسد 11/ 37
لعمرك معقد 11/ 73
أديروني الوريد 11/ 83
ان يك شاهد 11/ 90
تركت وليد 11/ 94
ألا سائل بخالد 11/ 97
لقيت يهتدي 11/ 128
هلّا واد 11/ 129
تمطت باليد 11/ 152
عبد شمس بعيد 11/ 303 - 304
لعمرك مسدد 11/ 324
ما لعيني هجود 11/ 374
كيف الثواء بالإنجاد 12/ 119
اغاضر لو وسادي 12/ 179
هلا سقيتم صادي 12/ 106 - 112
إذا قبضت القصائد 12/ 26 - 42
فقد وعدتك تعاد 12/ 178
فلا تبعد يغادي 12/ 191
أنمى فأعقل الهادي 12/ 241
قبح الإله سواد 12/ 268
أقول لظلمتي سواد 12/ 71
وعن نجلاء سواد 12/ 178
يا من رأى بالوادي 12/ 111
يا لهف بالوادي 12/ 109 - 107
شجا أظعان فؤادي 12/ 177 - 180 - 186
للّه در يوجد 12/ 197
أثنى علي أحد 12/ 248
أبيت صغيرا اللحد 12/ 27
كان رحلي وحد 12/ 345
يأيها الرجل ذد 12/ 242
أول البيت القافية ج/ ص
لو حسان ترد 12/ 43
بناحية مفسدي 12/ 147
ألام القصد 12/ 33
أهم بدعد بعدي 12/ 116
سقى اللّه والبعد 12/ 80
أصاح ألا هل جعد 12/ 34
متى يأتينا التلد 12/ 26
أبى القلب يفند 12/ 326
لقد طال عهدي 12/ 79
قل لأبي الصنديد 12/ 249
حنتني لصيد 12/ 347
إذا ما قريش تليد 12/ 74
ولقد الأعواد 13/ 16
أهل سنداد 13/ 17
جرت ميعاد 13/ 18 - 19
سيجرح المبدي 13/ 26
رأيت الحديد 13/ 31
أنا ويدي 13/ 35
تلوم وتالد 13/ 123
رأيت الأساود 13/ 124
يقول يزيد 13/ 251
فلو الطريد 13/ 252
أ في العدد 13/ 253
كلّ زائد 13/ 267
ألا الراد 13/ 282
أما حماد 13/ 283
قد الأعادي 13/ 298
وأرى بالسهاد 13/ 299
أيها فسادي 13/ 336
ثم الأحقاد 13/ 363
أساكن عهد 14/ 59
أيابنة الورد 14/ 68 - 71
أول البيت القافية ج/ ص
إذا ما المرد 14/ 87
نمير ومزود 14/ 108
زرعنا بحصاد 14/ 110
لموسى عبد 14/ 132
ليتك الأبد 14/ 133
أعدو يدي 14/ 140
جزى خالد 14/ 152
هل لدهر نفاد 14/ 173
رأيت خالد 14/ 199
ما مفلت بعدي؟ 14/ 217
ألا طرقت أسد 14/ 236
لبشر الجهد 14/ 255
أفشى سديد 14/ 279
أبا خالد الرفد 14/ 281
بئس أطواد 14/ 292
قل يزيد 14/ 293
قل المسجد 14/ 303
ليس حماد 14/ 330
أبا عامر عامد 14/ 337
محمد المشاهد 14/ 337
ولو كان القلائد 14/ 337
قل المقعد؟ 14/ 344
أبا حامد عجرد 14/ 347
يا قمر بالمرد 14/ 374
جهد الجود 14/ 33
ربيبة ومبرد 14/ 141
بني أمية داود 14/ 177
أ قاتلي الورد 14/ 213
لا تجعلنا المواعيد 14/ 323
أمسى وأمداد 14/ 326
أمسى والأبد 15/ 55
أزجر تصطد 15/ 113
أول البيت القافية ج/ ص
من كان المتصيد 15/ 113
لقد أبقى سواد 15/ 117
من لصب مقصد 15/ 140 - 141
أبى يفند 15/ 143
فإن بالتجلد 15/ 144
ديار الرعد 15/ 177
أعاذل القياد 15/ 226
تمناني الجراد 15/ 227
إربد مراد 15/ 228
إني لما السود 15/ 268
لحية أسيد 15/ 291
إسقني زياد 15/ 292
يا معمر والرشيد 15/ 295
أما تذكرت أحد 15/ 295
أكنت الكبد 15/ 296
أبعد أسد 15/ 296
هبها الجدد 15/ 296
فكل تلد 15/ 296
وقلت الغد 15/ 305
أقول خالد 15/ 311
فإن بك شاهد 15/ 343
تباشر والحراقد 15/ 344
إذا مرئي يستفيدها 15/ 101
كثوب واليد 15/ 143
أقول ترد 15/ 230
فإن تعقب بمبعد 15/ 278
ولو شئت جامد 15/ 344
ولقد لبيد 15/ 362 - 376
ولقد موسد 16/ 77
شهدت سود 16/ 106
لو بينت أوغد 16/ 109
أول البيت القافية ج/ ص
أهيم بعدي 16/ 164
وشبهت تهتد 16/ 167
لولا عهدي 16/ 249
ألا فاسقياني بردي 16/ 273
على آلية بعود 16/ 301
فهل أتت إلى نجد 16/ 303
أحين ذو اللبد 16/ 309
علم الناس وجود 16/ 315
لعمرك سعيد 16/ 369
أطوّف أبي داود 16/ 373
تقول القود 16/ 395
لا تبك كالورد 16/ 402
غدت مرقد 16/ 385
يا طول الأمجاد 16/ 14
لعمر لبيد العهد 17/ 59
ومن غفلة وحدي 17/ 80
ألا لا أرى لا يجدي 17/ 80
ألا يا صبا نجد على وجد 17/ 104
أمر تحل منجد 17/ 249
إذا كنت معبد 17/ 336
وقرت صدودها 17/ 47
لبشرة وبيدها 17/ 49
لن يبرح والأحد 17/ 37
إنا أسد 17/ 263
أما بالجود 17/ 334
لقيت في فؤادي 17/ 98
فإن تكن زياد 17/ 182
أ لم يبلغك زياد 17/ 198
إليك وللتلاد 17/ 199
يا ليت أسد 17/ 234
أبلغ بمجد 17/ 373
أول البيت القافية ج/ ص
ذاك يشهد 17/ 334
كتبت العاهد 17/ 72
إن النكاح المرقد 17/ 334
أخشى والأسد 17/ 55
ما إن تعدّى ولا ولد 17/ 62
انظر أحد 17/ 165 - 166 - 167 - 168 - 172
تقول العدد 17/ 168
هل نفد 17/ 170
أهوى الفرد 17/ 172
أحين الغمد 18/ 16
وكنا الكرد 18/ 17
أبا لقاعد 18/ 115
صبا أبعد 18/ 119
لعمري ابن أسيد 18/ 274
وهبت يدي 18/ 80 - 88
نديمي جلدي 18/ 121
تنامين عندي 18/ 154 - 19
/306
من القود 18/ 303
خفاف للرشاد 18/ 75
ولم بمستفاد 18/ 76
خفاف للفساد 18/ 82
لعمر الوليد 18/ 124
ألا والوليد 18/ 125
لقد داود 18/ 155
مررت صلود 18/ 252
لعمر الأعادي 18/ 83
أمن البرد 18/ 349
غدر معرد 18/ 58/62
يا ليلة الراصد 18/ 161
أول البيت القافية ج/ ص
غلب سرمد 18/ 233
وكأن تصعد 18/ 311
قد وليد 18/ 12
ألا البرود 18/ 12
يا فند خالد 18/ 75
ألف رقادي 18/ 357
استقبل خلود 18/ 247
وجدت المسند 18/ 207
يا دار اللبد 18/ 68
أيها العباد 18/ 119
كل حي خلود 18/ 168
لأقيمن الخدود 18/ 179 - 200
إن بالمهدود 18/ 179 - 200 - 208
يقدح هبود 18/ 181
يحكم بالمردود 18/ 200
كنت عودي 18/ 200
إن وعديدي 18/ 273
ديونك سعيد 19/ 49 - 58
تخرق العهد 19/ 287
وعيشك والجدّ 19/ 306
اسقني والاحد 19/ 230 - 249
يجود الجود 19/ 34
جعلته البيد 19/ 43
لا تدع الرعاديد 19/ 44
لاعز أحد 19/ 64
يا عاويا ذالبد 19/ 64
يابن صيخود 19/ 278
دع ارشادي 19/ 244
عاصي وتجلد 19/ 34
أيزيد مزيد 19/ 54
أسلم الألحاد 19/ 254
ضن وارد 19/ 310
أول البيت القافية ج/ ص
يا صالح بالجود 19/ 266
فخر مردود 19/ 72
أهل الصدود 19/ 117
أتاني غادها 19/ 220 - 246
أخذت يعدي 20/ 1
على حامد 20/ 116
خليلي صواد 20/ 320
فقدنا زياد 0/ 323
سيغني الزبد 20/ 330
لعمري يبدي 20/ 356
للهيثم العدد 20/ 132
زر بادي 20/ 91
لم يبق سند 20/ 176
مازال الأحد 20/ 199
أبقى الأبد 20/ 217
يا صاحبي اذواد 20/ 377
رأيت السماد 20/ 107
إذا رزق العباد 20/ 107
أنف بكاسد 20/ 9
اقبيص داود 20/ 105
أولى أبو عباد 20/ 122 - 141
اني بمقعد 20/ 131
ويسومني محمد 20/ 174
أخذ بمرصد 20/ 174
يلد الأولاد 20/ 241
ظعن البلد 20/ 279
تخضب مسودها 20/ 135
لما أئتني الرقد 20/ 394
بل المسجد 20/ 417
لم ينسني العود 20/ 418
إلى ندي 20/ 418
أول البيت القافية ج/ ص
فقد نشهد 20/ 419
لما الردي 20/ 419
ماله أحد 20/ 46
قد الأسد 20/ 46
من سعيد 20/ 337
إن الوالد 20/ 174
أحسن بالشاهد 20/ 138 - 157
أين الغادي 20/ 147 - 119
كالكرز الإبراد 20/ 354
طال لتهدي 20/ 126
عش بالجدود 20/ 226
يا عمود وجود 20/ 301 - 302 - 304
كنت وعود 20/ 305
دعا من بعدي 21/ 45
وإني برد 21/ 180
بني عامر للفرد 21/ 265
إن تقتلوني يقيد 21/ 272
تريك عباد 21/ 289
فسيف خالد 21/ 306
الأقطع بخالد 21/ 313
لجارية خالد 21/ 314
لا ينكحن لبعاد 21/ 316
أحين العمد 21/ 326
فإن يك شاهد 21/ 330
تداركني بواحد 21/ 350
إذا يتخدد 21/ 352 - 382
وهل الحدائد 21/ 381
من آل مية مزوّد 21/ 2
أشكر أحد 21/ 77
أول البيت القافية ج/ ص
أخيّ كبدي 21/ 92
تمشي لم تزد 21/ 304
دعى لا تعدّي 21/ 73
أريد مراد 21/ 120
وكيف الفؤاد 21/ 120
لعمرك نجد 21/ 228
كتبت بعيد 21/ 361
ألا قال بعيد 21/ 361
نبتت بعدي 21/ 41
إنّ مجيد 21/ 110 - 111
وجدّي لم يوأد 21/ 28
نفاك من المسجد 21/ 324 - 402
لعمرك أم خالد 22/ 15
الألعن بخالد 22/ 21
إحاء ووالد 22/ 49
دعتني تهودي 22/ 115
إن مناخي الصرد 22/ 143
من مبلغ البعد 22/ 189
اتعرف التجلد 22/ 225 - 232
وحول زائد 22/ 228
وكائن واسعد 22/ 231
أهيم بعدي 22/ 277 - 278 - 279
أمسى محمود 22/ 40
لو كان إلى أحد 22/ 48
أنا الشجاع واعقاد 22/ 85
طاف لميعاد 22/ 92 - 94
أبلغ إنجاد 22/ 93
لا ألفينّك زادي 22/ 93
واسأل واللدد 22/ 194
ألقى بادي 22/ 284
ألم ترد مشق صاد 22/ 15
أول البيت القافية ج/ ص
ألا يا ظبية الكمد 22/ 244
سلام إباد 22/ 358
إني الوريد 22/ 167
حلوا من أطواد 22/ 358
هل تعرف إلى ثمد 22/ 125
يا طيب كبدي 22/ 201
إني بدهماء زؤد 22/ 344
أيها الناس البلاد 22/ 315 - 316
أ يبخل فرد 23/ 39
أ لم تر بالزنّد 23/ 49
كأن واحد 23/ 75
واني بمهتد 23/ 98
شهدت من برد 23/ 115
ولست الوجد 23/ 184
لقد طال عهدي 23/ 205
سقى اللّه والبعد 23/ 208
حبي البيد 23/ 27
يا أفضل العود 23/ 118
ما أعجب يدي 23/ 55
يا لهف أمجاد 23/ 229
أ تزعم والبعاد 23/ 53
سألت والسواد 23/ 109
جعلت والبعاد 23/ 114
زاد عبد الواحد 23/ 229
يأبى أبعادها 23/ 99
أول البيت القافية ج/ ص
قال شديد 23/ 92
من تراه الصدود 23/ 92
لو تجودين شديد 23/ 92
داء بمرصاد 23/ 202
كم ليلة كبدي 23/ 121
إن الغواني كبدي 23/ 169
عش بالجدود 23/ 7
ليت شعري بعدي 23/ 107
ليت شعري بجد 23/ 107
إن مولاي عبد 23/ 108
صدّ عني جيد 23/ 121
أيها الرشاد 23/ 202
أغتنم عيد 23/ 212
وما أنس البد 23/ 80
يقتلنا بادي 24/ 16 - 17
ما اعتاد الطادي 24/ 43
قتلت الوادي 24/ 44
فادفع مسعود 24/ 55
يا بنت جون أنجاد 24/ 192
ولما أن باد 24/ 187
أتت بني حداد 24/ 217
عمرو عبّاد 24/ 251
أ فاطم لا تبعدي 24/ 4
لو كنت من أحد 24/ 215
ذ
قل غذا 1/ 58 - 59
أصبح تحتذى 6/ 94، 7/ 67
أشتهي مجنبذا 7/ 57
أيها ومنقذا 13/ 312
يابن الخياذا 14/ 126
أول البيت القافية ج/ ص
بلدة الرذاذا 13/ 315
حبذا حبذاذا 13
لاذا ملاذا 19/ 313
فلم رذاذا 19/ 313
أنت القذى 24/ 232
اصبح مجذّذا 24/ 219
حبذا حبذا 24/ 221
اصيح تحتذى 24/ 235
أول البيت القافية ج/ ص
اسيبويه تنبذ 3/ 210
يومنا والتذاذ 5/ 378
اسقني معاذ 5/ 377
فاسقني معاذ 5/ 377
وزعمت نافذ 5/ 220
رب يوم لذاذ 11/ 289
سيدي نبيذ 23/ 309
ر
بينما الأغرّ 1/ 119
أمن مضر 1/ 266
وإذا عمر 1/ 269 - 270 - 271
تنكر بخبر 1/ 271 - 273 - 274
آب السهر 1/ 273 - 275
وجرت البقر 1/ 273 - 275
إن البقر 1/ 276
ليت خضر 1/ 313
سرى فتر 1/ 318
ألا وكر 1/ 351
خليلي حفر 1/ 369
إذا الضر 1/م - ت 24
يا ممضر 1/ 318
وهذا الأثر 1/م - ت 25
أبلغ النعمان فاعتذر 2/ 13
يابن التي تمتصر 2/ 292
أنا ابن ميادة منفطر 2/ 295
طال ذا الليل سمر 2/ 112
منهم اصلي المفتخر 3/ 17
يا ويح اكدر 3/ 368
درة بحرية الدّرر 3/ 171
ازمعت عمرة الحصر 3/ 15
رب خال الخصر 3/ 15
قال والنظر 3/ 140
على الغزلي زهر 3/ 209
من غرور 4/ 59
يضطرب فكر 4/ 60
فكم معشر 4/ 60
يا الخور 4/ 82
طربت تعتذر 4/ 298
خذيني ناصر 5/ 123
أول البيت القافية ج/ ص
لقد كنت من مضر 6/ 58
أتتني بصر 6/ 134
هلك المظر 7/ 20
أما في لم اعتذر 7/ 225
أتعرف والمطر 7/ 238
أعوذ الدار 8/ 63
ما لكليب واعيار 8/ 63
لعمرك الحذر 8/ 115
أنا حره 8/ 240
علم مدابر 8/ 331
يفاكهنا بالجزر 9/ 94
تطرد بقرّ 9/ 111
ابن عجوز جزر 9/ 143
ألا المنتصر 9/ 304
أأبا ومختصره 10/ 54
يضطرب فكره 10/ 202
يابن عم ودماره 10/ 260
سقى جانب والمدر 10/ 278
من عاذ الشجر 11/ 56
أنا الغلام والنشر 11/ 140
إذا ما عمر 11/ 175
قد رأيناك الخير 11/ 184 - 185
تذكر إئتمر 11/ 198
رب ندمان مضر 11/ 268
وإذا ما وطمر 11/ 268
أعطى عبيدا يسر 12/ 246
فإن ومدحك القمر 12/ 224
إلى اعتذر 13/ 40
أول البيت القافية ج/ ص
يا الحقير 13/ 301
ويا ليت والبصر 15/ 164
تنصرت ضرر 15/ 167 - 170
في الذاهبين بصائر 15/ 247
تمنى مضر 15/ 379
أصابت والنشر 15/ 389
شكونا لحوم البقر 16/ 378
قد تجرت التاجر 16/ 185
يا صاحب النّفر 16/ 178
قف بالديار صاغر 17/ 7
كم قال لعاثر 17/ 12
فالآن صرت المصاير 17/ 13 - 21 - 33
يا سلم ناشر 17/ 19
إلا أنني الأشر 17/ 376
نزلت والخفر 18/ 114
واصبحت مضر 18/ 114
غلام البصر 19/ 208
رآني جهر 19/ 209
نسيم ظهر 19/ 116
وسلعة ينتصر 20/ 175
ألا أيها لم تفر 20/ 207
هنيئا البصر 20/ 101
أظن بربر 20/ 298
ألا والضجر 20/ 114
خافى العسكر 20/ 299
لقد يا مضر 20/ 115
وليس مضر 20/ 180
أبوك يذر 20/ 116
أول البيت القافية ج/ ص
إذا عور 20/ 263
لقد كسكر 20/ 132
جارية الجوهر 20/ 300
نفقت فمر 21/ 38
يا قوم خبر 22/ 378
أيا بني حجر 22/ 82
أرق أم عمر 23/ 73
أير انكسر 24/ 227
لقد حذرا 1/ 84
تصابى ظهرا 1/ 92
طربت فابتكرا 1/ 93
فالتقينا مارا 1/ 136
نام يغورا 1/ 138
قلت حفيرا 1/ 138
أ لم يخبرا 1/ 151
أيها الأوطارا 1/ 167
لما عطّارا 1/ 180
يا تذكارا 1/ 181
إذا المبارا 1/ 349
كأن غضارا 1/ 349
أليست ظهرا 1/ 303 - 307
الحمد للّه الورى 1/م - ت 28
يا لبي حارا 2/ 147
يا ليتني أوقد حارا 2/ 148
أيها الرائح الأوطارا 2/ 362 - 363
ا ألا ليت صبرا 2/ 270
أول البيت القافية ج/ ص
أبى اللّه أن صبرا 2/ 74
منعمة لم تلق سترا 2/ 288
فلو كان نذر نذرا 2/ 271
إذا ادركت الخزرا 2/ 287
لعمري مقصرا 2/ 307
رب خال لي الحضر 2/ 250
ألا حييا قفرا 2/ 275
خليليّ من وقرا 2/ 272
فإن يك صقرا 2/ 289
فلا تضعا عنها صقرا 2/ 288
ألا لا تعد الذكرا 2/ 271
أغلق أن وكرا 2/ 288
وبالغمر قد فالغمرا 2/ 272
قد ارانا شهورا 2/ 99
يا خليليّ تهجيرا 2/ 128
بنو الصالحين سيرا 2/ 337
يا واحد نزارا 3/ 290
تحن إلى أقدرا 3/ 81
عرفت سطرا 3/ 346 - 347
إذا امتشطت يتعفّرا 3/ 279
يا ليلتي بكرا 3/ 134 - 155
أعرفت دثورا 3/ 336
لو كنت زمهريرا 3/ 103
جاء انبهرا 4/ 43
ولي حمارا 4/ 89
ان وازورارا 4/ 415
من شنارا 4/ 364
أول البيت القافية ج/ ص
غذاها العشارا 4/ 364
طاف محتضرا 4/ 298
أ لم صارا 5/ 348
فتى القصارا 5/ 138
لعمر الديارا 5/ 137
ولا خير يكدرا 5/ 8
خلا اشهرا 5/ 140
بلغنا مظهرا 5/ 8
لعمري معورا 5/ 140
اشرب وقورا 5/ 197
ومجلسي الوكورا 5/ 395
أتيت نيرا 5/ 9
وكنا يؤمرا 6/ 15
براك اللّه غزارا 6/ 111
خليل شكرا 6/ 184
اسقني واستنارا 7/ 36 - 37
أرسله بشيرا 7/ 58
يا عمرو والهجرا 7/ 113 - 119
يا رب عماره 7/ 128
الست امطرا 7/ 197
زائرة والزائرة 7/ 221
إذا غيبت صبرا 7/ 281
ألا ديارا 8/ 12
يا صاحبي جريرا 8/ 20
اتنسون ابجرا 8/ 26
بعد كبارا 8/ 58
نبت القطارا 8/ 58، 18 - 20
أول البيت القافية ج/ ص
ويذهب الحمارا 8/ 58
فيجمعنا تعذرا 8/ 65
أبونا وقدرا 8/ 65
نحن ويعشرا 8/ 138
على قطري أجرا 8/ 174
أن تقتلوا مجازرا 8/ 182
أليست ظهرا 8/ 211
فينا معمورا 8/ 317
اختان القمرا 8/ 335
أما نظيرا 8/ 358
أهان قسرا 8/ 386 - 388
مقيما استدارا 8/ 418
وابيض تقطرا 8/ 420
أيها الرائج الأوتارا 9/ 63
ليت اعتمارا 9/ 63
ألاهل بيقرا 9/ 77
رب حطبة متعنجره 9/ 100
وطعنة مسحنفره 9/ 100
وبرد العبيرا 9/ 111
ويلي الظفرا 9/ 191
اشكو كبر 9/ 284
يا ذا الذي قدرا 9/ 297
سقيت الخمرا 9/ 300 - 301
توحدني اميرا 9/ 322
هلمي الحمارا 9/ 327
أسد قدرا 10/ 65
لحية مروان إذ فرا 10/ 79
جدّد يسيرا 10/ 134 - 135
أول البيت القافية ج/ ص
ايترع خمرا 10/ 141
أوصيت شرا 10/ 156
خفي اللّه وقرّا 10/ 210
رأيتك وناظرا 11/ 30
بل كيف احرارا 11/ 90
أجنّ ومحضرا 11/ 156
إذا أقبل أجرا 11/ 169/173
فإن تك الضفارا 11/ 180
نحن الأخايل مشهورا 11/ 241
ومقعد وابصرا 11/ 260
ومن لي ذكرا 11/ 272
أقام جارا 11/ 300
إذا كان تخيرا 11/ 347 - 348
إن امرأ الجارا 12/ 314
قوموا بنا عارا 12/ 70
وايسار لقمان جرائرا 12/ 77
قل لذي قدره 12/ 68
لعمرك ما الشعرا 12/ 83
أقول له جعفر 12/ 217
فلأمدحن والقرى 12/ 251
طاف الخيال الكرى 12/ 238
ولو أنني كثيرا 12/ 76
تخير رب تخيرا 12/ 81
إذ ونذيرا 13/ 10
قد البصرا 13/ 27
لحا اثرا 13/ 42
على تغيرا 13/ 42
إذا تطهرا 13/ 103
كأنا مديرا 13/ 105
أول البيت القافية ج/ ص
لعمر اغبرا 13/ 105
إذا وتخيرا 13/ 126
اخذنا منظرا 13/ 132
يقاسي مذكرا 13/ 133
خرجنا الشجرا 13/ 323
ألا اجوارا 13/ 336
خافي العسكرا 13/ 313 - 314
أمن الضميرا 13/ 303
إلى عسجورا 13/ 304
يا ابصرا 13/ 302
غدر المفطرا 13/ 254
كم واعتكرا 13/ 271
أنا ابن حضرا 14/ 81
فصيحهم مصدرا 14/ 203
دع المطر 14/ 203
قل وخنزيره 14/ 203
فما آباؤنا الحجورا 14/ 241
أ لم تر ازهرا 14/ 258
طربت الحصارا 14/ 282
براك غزارا 14/ 287
غرض عذارا 14/ 295
أبا عمر اصحرا 14/ 324
لو طيلت العنبرا 14/ 331
يا نافع المؤاجرة 14/ 343
تفرح مستعبرا 14/ 344
صرت الدهورا 14/ 376
من مقر اقرارا 14/ 377
قل الاشعارا 14/ 379
أول البيت القافية ج/ ص
أقول قذرة 14/ 46
مولاتنا نظرة 14/ 52
لعمري بكره 14/ 72
تقول فقيرا 15/ 24
صحبتك عمرا 15/ 335
أصحا وطره 15/ 42
فلم الأعشارا 15/ 101
ألا حيّ الديارا 15/ 134 - 135
وترى صعرا 15/ 136
كفى قفرا 15/ 145
ولما رأيت تكسرا 15/ 151
لقد غمرا 15/ 225
أولاك نزرا 15/ 335
يا أيها القدرا 15/ 387
سألت يسيرا 15/ 390
سيري الظهيرة 16/ 87
إذا ادبرا 16/ 107
تغلغل اخضرا 16/ 165
احسبيها أو ذرى 16/ 206
اتحسبني سترا 16/ 247
وقد لاح نورا 17/ 130
وقعت الأخايرا 17/ 265
إذا المرء فأكثرا 17/ 326
حننت أحمرا 17/ 380
يا ربع معمورا 17/ 50 - 51
أعرفت دثورا 17/ 51
يا دار مورا 17/ 52
من كل وثيرا 17/ 52
أول البيت القافية ج/ ص
دع ذا قحورا 17/ 53
إن يمس مهجورا 17/ 53 - 54
بعث غارا 17/ 57
كأنما احدو شعيرا 17/ 84
يا قوم الخيارا 17/ 122
أنا الذي الحره 17/ 232
يبحث الصفيرا 17/ 8
أورثته نضيرا 17/ 14
ذكر القلب اخيرا 17/ 21
إذا زينب زوارها 17/ 214
ومنتزع نزرا 18/ 14
فلله واصبرا 18/ 60
بكى بقيصرا 18/ 144
يعد كبارا 18/ 21
سما نارا 18/ 291 - 298
يا ربع معمورا 18/ 351
قوموا العذارى 18/ 182
لما الحاره 18/ 197
بين البصيرا 18/ 191
أعمار ذكره 18/ 122
وكاتبة اثرا 19/ 311، 22/ 199 - 200
ايقتل خمورا 19/ 206
أجد ابتكارا 19/ 214
أكل خيرا 19/ 123
اسقياني الخيره 19/ 256
حدثوني أيره 19/ 284
أول البيت القافية ج/ ص
يا سلم وأحجارا 19/ 287
أطله قصيرا 20/ 2
أمسكين فتحدرا 20/ 206
من الخفرات شنارا 20/ 374 - 388
نعمر عوارا 20/ 384
من تاه القدرا 20/ 251
يا قصر قارا 20/ 260
فصحوت اختارا 20/ 260
امخبري خبره 20/ 221
تاه فانكره 20/ 277
بين زهرة 20/ 275
نحن البصره 20/ 76
إن قصره 20/ 184
أنت المشهره 20/ 300
اجعلوا معصره 20/ 332
أنا بشرت البشاره 20/ 173
شهدت النظاره 20/ 63
يا أبا سعد والمره 20/ 167 - 169 - 174 - 175
هجرت الهجرا 21/ 46
ألا عجب اغبرا 21/ 164 - 165
أبعد أدبرا 21/ 169
فإلا فنوّرا 21/ 180
ألكني نوّرا 21/ 333
لقد وثب عنصرا 21/ 336
امسكيه تحدّرا 21/ 344
دعاني وقرا 21/ 351
أول البيت القافية ج/ ص
امسكن فتحدرا 21/ 353
قتلت سوّرا 21/ 369
تمنّى ومنكرا 21/ 381
لتجد عن هدرا 21/ 271
جهز الكمرا 21/ 312
هلمي الحمارا 21/ 288
وكنت عارا 21/ 363
يا قوم احرارا 21/ 161
أدوّا زفرا 21/ 259
نقمت فخارا 22/ 58
لعمري ازهرا 22/ 259
للّه واصبرا 22/ 268
إذا ما فعسكرا 22/ 339
وعكرمة لم يغمرا 22/ 342
يا ذا الذي قدرا 22/ 204 - 310
من مبلغ صباره 22/ 191
يا أبا العباس الكرى 22/ 185
بارق ما ترى 22/ 183
أي عيش جعفرا 22/ 202
لم امتدحك والغررا 23/ 47
سل ديار منظرها 23/ 68
إذا قامت استارك 23/ 158
مالي باليسرى 23/ 94
لما رأيت الحره 23/ 164
خرجت النظّاره 23/ 164
لأتينكن مكابره 23/ 219
أريد عيره 23/ 86
إياي عميره 23/ 86
أول البيت القافية ج/ ص
ماذا قطبره 23/ 86
أطعت العقارا 23/ 80
ومنّا يزيد المسوّرا 24/ 72
ترجيّ غزرا 24/ 205
يا عرو الغدرا 24/ 150
يا صاحبيّ جريرا 24/ 210
يا ناق زورا 24/ 42
أخبرك مرّا 24/ 42
يا قبح اللّه وارى 24/ 182
ألا وحاضره 1/ 28
كان حرار 1/ 30
أمن فمهجر 1/ 72 - 79
رأت فيحسر 1/ 72
رأت فيخضر 1/ 72 - 82 - 173
ووال تسهر 1/ 82
فكان فمعصر 1/ 83
أشارت يذكر 1/ 83
وشاب سمّر 1/ 84
أألحق خائر 1/ 123
من فمهجّر 1/ 132
وليلة المغرر 1/ 132
بحاجة تعذر 1/ 132
فلما وانور 1/ 144
يا فصابر 1/ 168
يا صدروا 1/ 196
اتضر جدير 1/ 225
هاج فانشمروا 1/ 187،
أول البيت القافية ج/ ص
2/ 194
بليلى الأباعر 1/ 278 - 284
إذا الذّكر 1/ 342
مضمر فقر 1/ 351
عرفت المتأخر 1/ 361
فإن يصبر 1/ 362
وكدت أطير 1/ 364
عوجي سفر 1/ 408 6/ 317 - 324 - 338 18/ 333
ألا من مبلغ السرار 2/ 151
ما كنت احسب عمّار 2/ 290
أذكر تحنننا صغار 2/ 177
ألا يا ليل الخيار 2/ 14
قالت وفيها وحجر 2/ 197
ماذا تقول لا فراخ تشجر 2/ 186 - 188
أ أن هتفت يوما عاذر 2/ 51
وكيف يرجى حاسر 2/ 45
تجاهلت وصلي أبصر 2/ 60
تكاد يدي الخضر 2/ 70
قد هاج قلبي مقفر 2/ 394
هاج فؤادي مقفر 2/ 395
أ بربي من أعلى باكر 2/ 363
وكيف ارجى عامر 2/ 185
ألا يا غراب خبير 2/ 89 - 91 - 5 - 8
دعوت إلهي بصير 2/ 47
أرواح تصير 2/ 152
ألا ما لليلى طائر 2/ 40 - 73
أبا القلب عمرو 2/ 56
أول البيت القافية ج/ ص
أ أترك ليلى الصبور 2/ 75، 20/ 372
حتى إذا إئتمروا 2/ 395
أيها الشامت الموفور 2/ 138 - 348
هم كتموني وبكروا 2/ 351
يروعه السرار 3/ 223
آمنت تضار 3/ 139
أنعيم نار 3/ 262
الأرض النار 3/ 145
هم حملوا المنابر 3/ 244
يا قلب الخبر 3/ 238
قالت اثر 3/ 238، 6/ 243
قد لامني ضجر 3/ 183
يا ليت القدر 3/ 326
ألا إن عذر 3/ 188
ألا ليته والجزر 3/ 94
كما اشتهت قصر 3/ 265
اله فكم وافر 3/ 306
شهدت على تزفر 3/ 204
كم صارخ جعفر 3/ 302
أبعد الأعز يذكر 3/ 358 - 365
بلوت بني مطهر 3/ 204
عزلت الصبور 3/ 124
إن السلام والسرور 3/ 203
من راقب الجسور 3/ 200
فالان أقصر مشير 3/ 209
يا واحد نظير 3/ 289 - 178
عفت بعدنا تغير 3/ 81
نبئت أمير 3/ 191
أنا ويبكر 4/ 63
أول البيت القافية ج/ ص
هي ينتظر 4/ 81
أدور أدور 4/ 247، 9/ 65، 12/ 115
ستبقى السرائر 4/ 248
حرمت قصار 4/ 251
من الإكثار 4/ 251
بشر آثار 4/ 251
هذا ودوره 4/ 399 - 400
فليت عشير 4/ 404
نأتك فخامر 4/ 424
محجوبة السهر 4/ 277
لو تنفطر 4/ 275
أ في يخبر 4/ 285
وهارون وحناجره 4/ 15
واللّه ثائر 5/ 122
فررت فباروا 5/ 145
لاح دار 5/ 115
الحب الأقدار 5/ 211
نزف مدرار 5/ 210
يا لبكر الفرار 5/ 59
لعبدة أسطار 5/ 350
من ذا تعار 5/ 211
هجرتك حبر 5/ 185
تقول الصبر 5/ 2
توهمه أثر 5/ 228
كان القدر 5/ 377
فيا الحشر 5/ 184
أفي فتقصر 5/ 182
ألا القطر 5/ 237 - 240، 18/ 48
أماويّ والذكر 5/ 366، 17/ 362
أول البيت القافية ج/ ص
سلم مرّ 5/ 171
وأبيات سمر 5/ 290
أمست فالغمر 5/ 94
هزئت كبير 5/ 304 - 305
ورأيت جدير 5/ 303
إلهي قدير 5/ 311
لاح النضير 5/ 302
أرسلي فقير 5/ 202
فإن تنكحوها عامر 6/ 2
متخازرين تزأر 6/ 11
فعرسنا المسير 6/ 16
أوحش المحظور 6/ 30
طلبت تقصر 6/ 38
سيعلم شاعر 6/ 85
تقول الشعر 6/ 96 - 100
في حاضر والعكر 6/ 119
هل هيّجتك معذور 6/ 179
خفّ القطين غير 6/ 185، 8/ 293، 11/ 64
أخاف ذعر 6/ 199
يا روض صابر 6/ 216
يا قلب الخبر 6/ 243
لعبدة استار 6/ 246
حسني تستقر 6/ 247
يا عبد زور 6/ 250
لقد منعت لفقير 6/ 255
لقد منع صبور 6/ 255
كم بالدروب قبروا 6/ 306 - 308
أ لم تر يا عمرو 6/ 316 - 324
هل عند تنتظر 6/ 329 - 330
إن الخليط فانشمروا 6/ 331
نبي الهدى يفاخر 7/ 1
أول البيت القافية ج/ ص
أنا ابن وعامر 7/ 6
أهيمنة نهار 7/ 7
أرى منكر 7/ 28
من راقب الجسور 7/ 61
أتترك لصبور 7/ 143
ألم ير ناصره 7/ 156 - 158
أيا من خمر 7/ 189
لا تعجبني بشر 7/ 205
تتيه يا بدر 7/ 211
تجعفرت ويغفر 7/ 235
من عاذري خطر 7/ 243
أجد عزير 7/ 246
تباشر بشير 7/ 275
لو قلت صبر 7/ 281
بني متيم يستتر 7/ 298، 10/ 212
تعالي ونشير 7/ 307
كأن وقيرها 8/ 16
ان الفرزدق جرير 8/ 18
يا تيم عمر 8/ 18 - 82
يا بشر أمير 8/ 19 - 69
[و] أكثر قفر 8/ 25
عصى الشعر 8/ 26
أقول جرير 8/ 27
وهل يكرم هرير 8/ 28
وجدنا وصدور 8/ 28
لو لا يزار 8/ 38 - 65
لا يلبث ونهار 8/ 39
أبلغ ويجوز 8/ 68
ذهب محسور 8/ 69
هلا غرر 8/ 70
خل القدر 8/ 71
أول البيت القافية ج/ ص
أ لست تعتصر 8/ 81
لقد كذبت مضر 8/ 71
زوروا يسير 8/ 148
إني لصبور 8/ 148
غراء منثور 8/ 148
إن خوار 8/ 167
قضى ونجور 8/ 168
نفير صبور 8/ 180
بنفسي ذاكره 8/ 184
بنفسي عشائره 8/ 184
نام مذكور 8/ 187
وما ذكرتك معذور 8/ 187
فإن عارها 8/ 218
حشى ضرر 8/ 234
ابني عجر 8/ 243
بني زفر 8/ 295
قد كنت شرر 8/ 295 - 312
نفسي ذكر 8/ 297
شمس قدروا 8/ 301 - 305
ألا قصير 8/ 304
أوصى وأعيارها 8/ 305
نعم مضر 8/ 312
وبيت متقطر 8/ 314
لمن والقطر 8/ 323
أقفر فالعريف 8/ 326
ألاقل مقصر 8/ 336 - 339
سلام زاجر 8/ 336
فألقت المسافر 8/ 346 - 351
يا من نذر 8/ 355
حتى كبار 8/ 357
وقد ملئت أخضر 8/ 361
من ذا تعار 8/ 369
أول البيت القافية ج/ ص
إن المور 8/ 398
وقد زعمت بتغير 9/ 27
أنفق تفسير 9/ 41
خلق والأرز 9/ 49، 18/ 122
الا ان المقابر 9/ 51
لعلك تمطر 9/ 105
ضوء نار 9/ 132
وكذاك والآثار 9/ 133
فعفا الديار 9/ 133
إذا كان أعذر 9/ 146
لعمر أكثر 9/ 146
تغلغل يسير 9/ 151
لنا صور الفقير 9/ 165
الايا خبير 9/ 186
صدعت الفطور 9/ 190
أتبكي أقدر 9/ 205
لقد كان منظر 9/ 206
بنفسي صابر 9/ 211
أبلغ وطر 9/ 274
لعلك ومحضر 9/ 283
أمست وابتدروا 9/ 294
عجبت الدهر 9/ 295
ما استشرق ينتصر 9/ 304
ليهنك ومصادر 9/ 304
توحدك أمير 9/ 322
ولو لا النوار 9/ 325
لبئس نوار 9/ 326
تأبد فالأصفر 10/ 12
إن امرأ مغرور 10/ 14
إذا غلبتم الجماهير 10/ 16
قالوا يبتدر 10/ 33
أول البيت القافية ج/ ص
أبدا تغفر 10/ 47
كنت السواد الناظر 10/ 49
فلو إذ نصير 10/ 50
وأفضل أجر 10/ 53
فلو كان الناظر 10/ 63
نصيحة مغير 10/ 66
لو كنت مطر 10/ 92
لقد أصبحت المقابر 10/ 93
صح الجسم والأجر 10/ 93
ألا أيهذا السفر 10/ 183
كذا فليجل عذر 10/ 192
إذا ما هدير 10/ 193
يا أبا الفرار 10/ 225
صبرت يعذر 10/ 216
ليت شعري مغرور 10/ 284
رأيتك الخمر 10/ 284
حبذا انتشار 10/ 285
فرحت الدهر 10/ 286
ونحن والعذر 10/ 286
تعلّم يسار 10/ 308
وما يغني الغضار 10/ 314
وإن صخرا نار 11/ 6
مهفهف محتقر 11/ 25
اني قضيت الخبر 11/ 61
الآكلون الخمر 11/ 66
رأيت أبادر 11/ 74 - 89
لعمرك أكثر 11/ 155
أمن آل الأباعر 11/ 160
يرضى المهر 11/ 166
كأنها ولا أثر 11/ 173
أقسمت الدوائر 11/ 234 - 241
أول البيت القافية ج/ ص
هراقت سيغور 11/ 235
يا بغل نذور 11/ 261
أبني تميم تمرمر 11/ 272
أمن خذّة ولا وزر 11/ 282
لعبدة أسطار 11/ 338
من صاحب وامرار 11/ 345
خرجنا أخور 11/ 359
يأيها اللائمي اكثار 12/ 124
رعيت الذي المقابر 12/ 221
أماوي اما الزجر 12/ 314
نحن الذين يضجروا 12/ 204
أمرت بني مصادره 12/ 279
كساك ولم وناصر 12/ 331
مجلس والمطر 12/ 147
لبئس ما منظور 12/ 195
فأنت المهذب تذكر 12/ 217
فهذي منكر 12/ 217
الا لا أبالي والخمر 12/ 194
فإن تك العمر 12/ 86
ما كنت سيزور 12/ 124
أو شهدتني ومور 12/ 57
أبو جعفر طهور 12/ 217
قل خفير 13/ 20
لقد ذكر 13/ 38 - 41
لكن الأزر 13/ 41
كانت دوار 13/ 46
كأن زور 13/ 82
تنفي الصبر 13/ 53
فان وحسير 13/ 68
رأتني كبير 13/ 68
ويوم تدور 13/ 69
أول البيت القافية ج/ ص
عجبت العبور 13/ 93
أبي حاضر 13/ 104
أنا ويحابر 13/ 104
واحجمتم يبتر 13/ 106، 24/ 72
كم غدروا 13/ 87
ماذا وتطهر 13/ 109
ما ساروا 13/ 285
فلو الناظر 13 110
مستنبط معمور 13/ 112 - 125
ماذا الأعاصير 13/ 122 - 124
هذي مشهور 13/ 122
حال الدّرر 13/ 86
تطاول الجمر 13/ 125 - 136
كأن السفر 13/ 137
يمين وزر 13/ 138
مضر يطير 13/ 146
إذا مطير 13/ 146
رأيتكما هرير 13/ 186
ارك أعسر 13/ 196
كنت أطير 13/ 227
هذا أذر 13/ 256
النفس يعتذر 13/ 257
فإن كثير 13/ 262
أظن قدير 13/ 285
قد ضجر 13/ 286
ألا أير 13/ 302
لا المزار 13/ 315
وخمسة وطنجير 13/ 329
الآن العفر 13/ 342
برّية البحر 13/ 343
هل السّمّر 13/ 362
أول البيت القافية ج/ ص
ألا تقبلون القطر 14/ 5
إن لخاسر 14/ 8
أجيء أناظر 14/ 19
أيا وتكابر 14/ 19
كم والعكر 14/ 49
دع الفجر 14/ 60
جزى أمورها 14/ 79
على أبرق حمر 14/ 89
حسناء مجير 14/ 202
بأبي نفار 14/ 212
أ لم بشر 14/ 247
كل القبائل وساروا 14/ 279
يا حفص السهر 14/ 284
فما يجاوز فانحجروا 14/ 284
خبوا نصروا 14/ 285
اني ضاهر 14/ 310
لقد صار ضرير 14/ 332
ألاقل كثير 14/ 347
زرت خير 14/ 351
لما رأيت تخطر 14/ 384
فما كنت تدور 15/ 5 - 6
كأن لم سامر 15/ 11 - 18 - 20 - 21 - 22 - 25
بلى نحن العواثر 15/ 25
قذى الدار 15/ 80
لم ترأه الجار 15/ 81
ولا ينجى الفرار 15/ 95
مارية خصر 15/ 96
أبلغ وطر 15/ 137
متى الدار 15/ 142
إذا عمرو 15/ 215
أول البيت القافية ج/ ص
إذا قلنا المقادير 15/ 243
أنخت أمير 15/ 243
هبوني أنظر 15/ 254
ألاهل قادر 15/ 290
جزاني الأصاغر 15/ 298
ايا أهل الحمار 15/ 330
حلفت صبر 15/ 336
أيضحك المطر 15/ 344
ليس عمر 15/ 362
لعمرة ومحاضر 16/ 44
يابن أبي أمير 16/ 47
جنية لها وتر 16/ 101
يا أحسن عسر 16/ 118
ألا أيها الدوائر 16/ 121
قومي المفاخر 16/ 122
يابن واحرار 16/ 127
هما كاسره 16/ 161 - 165
ولو لا الصغار 16/ 162
وإذا نسبت وحمار 16/ 35
لولا الحياء يزار 16/ 170
ولما سمعت فاجر 16/ 337
وعمي المؤمر 16/ 238
إن من غره مغرور 16/ 353
أتخبر سئل الخبير 16/ 367
وما مات السّمر 16/ 390
أبعد أبي العباس ولا عذر 16/ 396
قلدته البحور 16/ 19
فما جازه حيث يسير 16/ 403
وشادن مذرور 16/ 404
وإن صخرا نار 16/ 21
ولم أر بشير 16/ 34
أول البيت القافية ج/ ص
لعمري جعفر 17/ 63
تجاهلت مبصر 17/ 103
تنوء فتبهر 17/ 129
وصهباء قدر 17/ 239
إذا المرء ستر 17/ 238
أنخت طائر 17/ 249
أقول شاعر 17/ 264
خمس زهر 17/ 352
الا أبلغا أجدر 17/ 372
أماويّ العذر 17/ 384
ويكرمها فتعذر 17/ 130
قال من أنت مقدار 17/ 46
قد حان إضرار 17/ 48
صبّحت جرار 17/ 259
للّه ولا جار 17/ 280
ترفع يسير 17/ 132 - 154
من يك نعار 17/ 207
ولم أقتلكم الغبار 17/ 208
ركوب يجهر 17/ 213
أما فتذكر 18/ 27
وعينان الخمر 18/ 34
تظنون ومنكر 18/ 158 - 159
فتى الفقر 18/ 323
أتينا زائره 18/ 136
أ ليس عبر 18/ 143
أصبحت مضر 18/ 266
كم قبروا 18/ 284
ولو لا النوار 18/ 20، 20/ 291
بغاث نزور 18/ 205
ترى مزير 18/ 205
أول البيت القافية ج/ ص
بديهته الكبير 18/ 238
سرى فتر 18/ 333
أعاد نضير 18/ 350
لا نصير 18/ 214
نقض تدور 18/ 241
صرح تحصر 18/ 103
نطقت تظهر 18/ 103
لما يبصر 18/ 312
الحمد أمير 18/ 204
ولا أبصر 18/ 35 - 36
أ عباس منكر 18/ 79
أعباس يجبر 18/ 90
خفاف يسعر 18/ 91
وقد المطحر 18/ 92
تمنيت النواظر 19/ 27
عفا فحفير 19/ 28
أجارة عسير 19/ 53
ودائع النواظر 19/ 79
لها وثائر 19/ 80
أتاني تدور 19/ 102 - 103
لها عشير 19/ 103
وتنشر ونشور 19/ 104
إذا يفاخر 19/ 186
سلبت تتكسر 19/ 253
ثلاثة والقمر 19/ 73 - 75
لا تأمني أعصار 19/ 251
من راقب الجسور 19/ 263 - 264 - 265
بديهته الكبير 19/ 284
أول البيت القافية ج/ ص
وصدر الصدور 19/ 284
قبر الأخطار 19/ 43
نفضت الأمطار 19/ 43
بعدت تغير 19/ 118
قل الأحرار 19/ 67
سلم مرّ 19/ 262
شعبان وعشر 19/ 256
قد جعفر 19/ 279
ألا أباعر 20/ 209
وطارق سائر 20/ 243
أ في ناظر 20/ 263 - 264
نظرت انظر 20/ 289
يرى بدر 20/ 313
إذا هدير 20/ 324
عفا تجور 20/ 369 - 372
عيشها يسرّ 20/ 86
كم حجر 20/ 386
إني البقر 20/ 387
أسلم وأزورار 20/ 104
أ لم تر عسير 20/ 60 - 61
إن ادع والجدر 20/ 214
ناري القدر 20/ 214
ماضر ستر 20/ 214
سلب إزاره 20/ 204
الولا خير 20/ 411
أول البيت القافية ج/ ص
صادتك المزعفر 20/ 414
حتى إذا الجوهر 20/ 415
وأين محير 20/ 416
إن ذا الفرار 20/ 150
شردت الأمير 20/ 257
ما لدينا ومكر 20/ 94
لقد يا نوار 20/ 335
خرجت عمير 20/ 133
لعمرك اتعذر 21/ 22
قومي المفاخر 21/ 124
أقول سعور 21/ 140
على الشنفري باكر 21/ 182
لا يبعدن متواتر 21/ 185
دعاني لزعور 21/ 310
أغرّك أحمر 21/ 321
ألا أيها زائره 21/ 238
سأكذب ثائره 21/ 266
إلى ملك لصاهره 21/ 308
هما دلتاني فكاسره 21/ 322
فلو كنت مشافره 21/ 332
ونبئت وقصورها 21/ 355
الموت الدار 21/ 305
إنا ممطور 21/ 308
يا تيم عمر 21/ 324
لقد كذبت مضر 21/ 324
أ يعجب المطر 21/ 330
يختلف مضر 21/ 347
ندمت نوار 21/ 290
أول البيت القافية ج/ ص
وجدنا المعار 21/ 348
أشارب بخار 21/ 348
والشيب نهار 21/ 309
لولا يزار 21/ 366
نرجّي كبارها 21/ 306
يا قوم فاصبروا 21/ 161
كم ليلة اضمرها 21/ 36
إذا كنت تجسر 21/ 86
تبينت تشعر 21/ 87
لا تقبروني أم عامر 21/ 182
أتتنا وناصر 22/ 70
ألما القبر 22/ 138
دعوتك المعاذر 22/ 161
فدّى الدوابر 22/ 220
بكيت صائر 22/ 252
تعالجني كاسره 22/ 40
على أم داود بشيرها 22/ 36
أعاود يعورها 22/ 240
دور والمطر 22/ 127
نبت ينتشر 22/ 164
شف بصر 22/ 245 - 250 - 251
يكفي سقر 22/ 251
قتلت مضر 22/ 251
أ لم يبلغك أثيروا 22/ 65
تسلّى اختبار 22/ 59
هيهات الأخضر 22/ 266
كفاني يحذر 22/ 98
أول البيت القافية ج/ ص
كأن البدر 23/ 115
وإني قادر 23/ 232
ويوم بصيرها 23/ 101
إذا ما صريرها 23/ 152
وكريم النضار 23/ 41
ذنبي اذكره 23/ 187
يكاد الوزير 23/ 74
أناة جبار 23/ 95
ومن العجائب الانكار 23/ 146
اقفرت ديار 23/ 118
أتيت فاجر 23/ 60
يأيها فتزجر 23/ 62
أدر العقار 23/ 126
يوم تفور 23/ 127
ومنّا يزيد المشهّر 24/ 72
عجبت الدهر 24/ 108
عفا فالغمر 24/ 116
أبا خالد العثر 24/ 117
لليلى سطر 24/ 122
لليلى عفو 24/ 122
وإني لآتيها الفجر 24/ 124
وإني لتعروني القطر 24/ 125
أما والذي الأمر 24/ 125
فيا حبها الحشر 24/ 125
علام نزار 24/ 250
إذ خدرت فتورها 24/ 239
نجّى مذعور 24/ 26
حيّ الديار الاحبار 24/ 257
أول البيت القافية ج/ ص
فليت الغبار 24/ 39
ما بصري 1/ 103
لا النار 1/ 26
يا عشر 1/ 107
اذري الذكر 1/ 107
فرحنا تتغبّر 1/ 138
سمعي بصري 1/ 140
اني النظر 1/ 147
أبصرتها والحجر 1/ 170، 12/ 122
ضاق الأمر 1/ 194
أتاني وعنبر 1/ 236
لهن وكسير 1/ 292
وقفت بكر 1/ 342
أهاج والقطر 1/ 374
الام والستر 1/ 377
يا الأحمر 1/ 393
باتا الأشقر 1/ 397
متلازما المعسر 1/ 398
وما الوتر 1/ 399
معي نصر 1/ 403
أجل الدهر 1/ 403
أضاعوني ثغر 1/ 413 - 414 - 415 - 417
اسعد مقمر 1/م - ت - 25
نظرنا بجبار 2/ 316
سيرى أمام وادباري 2/ 159 - 160
أول البيت القافية ج/ ص
اقفر الحضر الثرثار 2/ 144
نحن كنا الاصار 2/ 104
ابلغ النعمان وانتظاري 2/ 114
وابوك المرء الخسار 2/ 104
يا دار ليلى النار 2/ 67
اجل نعمي واصطهاري 2/ 133
لقد ظلت الشوار 2/ 325
اذا لاح الصوار 2/ 316
ندمت ندامة نوار 2/ 109
قعدت على الصغر 2/ 335
فقد طالما بن جابر 2/ 314
عرضت على ضبر 2/ 22
اني رأيت الصبر 2/ 226
قد بات همي حجر 2/ 425
ولقد خلفت بالحاجر 2/ 268
لمن الديار محجّر 2/ 284
يا صاحبي المنحر 2/ 284
ألا يا لقومي أم جحدر 2/ 280
وداع دعا يدري 2/ 55
ألا يا غراب والشرّ 2/ 91
لقد سبقت عشر 2/ 299
فيا مرّ قد العشر 2/ 298
لما أتاه الذي شعري 2/ 425
خليليّ عوجا عصر 2/ 298
إذا يبست الخضر 2/ 298
جزاء سنمّار المكفر 2/ 145
ركب السحاب الموقر 2/ 284
اطعنا رسول اللّه بكر 2/ 157
أول البيت القافية ج/ ص
خلفت لها بكر 2/ 374 - 375
لقيناهم بجمع الذكور 2/ 141
أ لم تر أن كثير 2/ 277 - 279
خليلي وجار 3/ 166
قد تبع دار 3/ 248
ان ابن النار 3/ 66
وعذراء الدبر 3/ 242
ان امرأ صبر 3/ 329
إلى ملك الدثر 3/ 243
تلاعب تجري 3/ 209
أقول وقد الفجر 3/ 64
اصبحت فافخر 3/ 139
لحا اللّه غادر 3/ 271
الا إن القدر 3/ 188
حجب الألى بقدر 3/ 44
لعن اللّه الجوار 3/ 360
لحى اللّه مجزر 3/ 73
يا اخوينا جسر 3/ 274
اديسم مقصر 3/ 152
تجاللت وبالبشر 3/ 219
امن طلل فالحضر 3/ 332
ألا ليت والعطر 3/ 94
عوجا المقفر 3/ 366
عوجا اذكر 3/ 367
ان سليمى السكر 3/ 239
أول البيت القافية ج/ ص
تسلي عن امر 3/ 242
ليت شعري لأمر 3/ 254
وجدتك متأمر 3/ 359
ففرغن الخمر 3/ 327 - 329
كم من الزاهر 3/ 108
سقوني وزور 3/ 37 - 38
يا حمز ممطور 3/ 363
وزعفرانية كافور 3/ 265
ارفق قوارير 3/ 190
كنت حادرة حائر 3/ 270 - 271
معرسنا المسير 3/ 8
لهفي على القصير 3/ 263
ارقت مستطير 3/ 77
بكرا التبكير 3/ 190
اعرفت الغمر 4/ 30
انعي والحضر 4/ 33
ليت عمري 4/ 46
لهفي السدير 4/ 94 - 60 - 61 - 62
ما العمر 4/ 88
ليس الصبر 4/ 108 - 88
تعودت الصبر 4/ 92
اذا الدهر 4/ 93
المم الفقر 4/ 98
أول البيت القافية ج/ ص
يا يقدر 4/ 155
تلق شاعر 4/ 157 - 159
اهوى اشعاري 4/ 238
خطبت عامر 4/ 394
على بكر 4/ 425
يا صدري 4/ 365
اجارتي نصري 4/ 368
لا المعصار 4/ 373
قدم الاشجار 4/ 331 334
اعتام جوهر 4/ 317
بفناء مقمر 4/ 321 - 322
يا دار الأحمر 4/ 322
مالك كدره 4/ 22
أبا بالوفر 4/ 78
اسمع الانباري 5/ 317 - 420
حننت المزار 5/ 358
طربت المزار 5/ 415
من وزوّاري 5/ 411
لقد ولا صبر 5/ 257
أقول القبر 5/ 256
اشكو كبر 5/ 372
نادى وما يدري 5/ 127
شهد بالعذر 5/ 126 - 128
أول البيت القافية ج/ ص
ولم الخزر 5/ 248
يرتاح للمطر 5/ 313
لا حسن بالثغر 5/ 391
عفا هكر 5/ 194
عجبت الدهر 5/ 185
اليلتنا تحوري 5/ 53 - 59
ان الوليد مذخور 5/ 136
وهمام النسور 5/ 54
كأن بمستديري 5/ 60
يا ليت وتقديري 5/ 136
كانا مدير 5/ 41
قتيل ضرير 5/ 37
ولو زير 5/ 38 - 57
سكت البصير 5/ 392
فاني العبير 5/ 41
هل تجزيني الجمر 6/ 3
تعزى الغوابر 6/ 4
إذا نأت الزاري 6/ 6
يا دار هند وأوطار 6/ 11 - 12
ولم أر بشير 6/ 50
أمرت بشير 6/ 56
لمن الديار ومذ دهر 6/ 91
اللّه السحر 6/ 145
يا أم عمرو اعذار 6/ 158
شكوت بالصبر 6/ 162
أسرفت والكبر 6/ 166
أول البيت القافية ج/ ص
شريح اظفاري 6/ 334، 9/ 119، 22/ 120
يأيها السائل شاكر 7/ 4
لقد قذفوا الكبير 7/ 9
أدر ليسار 7/ 46
سرى فتر 7/ 62 - 63
سليمى سيري 7/ 94 - 97
ذرفت بحفير 7/ 112
أسلمى وعمر 7/ 145
فديت حوره 7/ 187 - 213
سائل فكري 7/ 188
تجاسرت الهجر 7/ 217
اصبحت والقدر 7/ 226
لشربة واري 7/ 251
قد ضيع والبقر 7/ 253
وصفت الأعور 7/ 253
قل للامام النار 7/ 255
أتيت اعذر 7/ 262
يا من إلى النار 7/ 269
من كان معتذر 7/ 274
ان يقتلوني الصدر 7/ 284
ونحن واليسر 7/ 284
سألت الخبير 8/ 46
يخيل سرير 8/ 46
أول البيت القافية ج/ ص
أنا المطر 8/ 47
ولما ان وانحداري 8/ 72 - 82
قضاعة الحمير 8/ 90
يأيها تنذر 8/ 91
يا صاح المسور 8/ 101
وكأن لتغور 8/ 101
لو قد تعذر 8/ 102
اني المكثر 8/ 102
اني تذكري 8/ 102
خليلي النشر 8/ 111 - 150
وبوحا ذكري 8/ 111
ما انس منظور 8/ 112 - 113
هي البدر والبدر 8/ 150
يا سخنة الدار 8/ 172
انعت قمر 8/ 173
يا ثور العواوير 8/ 176
بني البدر 8/ 229
في كل البصر 8/ 249
انما ومحتضره 8/ 254
ذاد وطره 8/ 254
كل من حضره 8/ 255
نبيذان مقتر 8/ 255
هجرتك بالكفر 8/ 256
الارب بالبشر 8/ 257
ونحن نصر 8/ 287
أول البيت القافية ج/ ص
كمبتاع الكبير 8/ 291
الم والحضر 8/ 291
تأبت الدار 8/ 293
الا يا الدهر 8/ 297
وليس الأمر 8/ 313 - 314
قوم النار 8/ 318
إذا بمنتصر 8/ 354
ا تأذنون والبصر 8/ 356 - 357
لعمرك باسراره 8/ 360
الم بالمتخير 8/ 390
عجبت مغير 8/ 391
اذا كنت الخمر 8/ 393
الم ترى حمار 8/ 402
احار الدهر 8/ 405
لقد سررت والخير 8/ 411
بدلت خوار 8/ 412
يعيب القبر 8/ 414
اذا ما الوعر 8/ 423
رب رام فتره 9/ 98
الا ابلغا بكر 9/ 145
فمسا الحشر 9/ 145
وكيف يريدان عشر 9/ 146
سألت وزر 9/ 147
اني نذرت وفر 9/ 170
ألا يا والشر 9/ 186
أول البيت القافية ج/ ص
اذا عبتها البدر 9/ 195
اذا ما شبر 9/ 195
فإن يحجبوها أمير 9/ 200
سميت والدار 9/ 232 - 233
أنا الهالك عيرها 9/ 247
عدت سفورها 9/ 247
حننت المزار 9/ 285
سأمنع مكاشر 9/ 298
أضلال نهار 9/ 314
يا حمز ممطور 9/ 327
وكان عزيزا شهر 9/ 4
فما هو امير 9/ 65
احار يأتمر 9/ 71
اني نذرت الجازر 9/ 169
يا آل النفر 9/ 173، 17/ 289
اخشى تعير 9/ 259
وإن صخرا نار 9/ 340
تقول الصبر 10/ 5
اتخطبني بدر 10/ 23
اصبحت الوتر 10/ 25
ابني كركر 10/ 28
الا هبت ستري 10/ 28
إن امرأ عذري 10/ 44
وليلة ببدر 10/ 61
وكنت الدهر 10/ 67
لست على الكرّ 10/ 73
أول البيت القافية ج/ ص
ازادا المسافر 10/ 74
وليس القدر 10/ 79
ذهب الفرزدق لجرير 10/ 90
لا تعدموا منصور 10/ 92
ثوى اللؤم الدهر 10/ 93
قالوا محذور 10/ 94
وإذا المشتري 10/ 138
اشرب منصور 10/ 182
ليس خطب حبير 10/ 185
دهاني الدهر 10/ 188
سقى اللّه وأميري 10/ 199
لئن كنت ضميري 10/ 199
اذا ما النفير 10/ 206
يا معشر لنكيري 10/ 211
ا لم تعلما وللقصر 10/ 247 - 248
إني ذو وفر 10/ 253
أتاني بالشدر 10/ 285
لمن الديار ومن دهر 10/ 301
دع ذا الحضر 10/ 304
ما سرّني من النار 10/ 318
الايا تدري 10/ 319
أنار العفر 10/ 322
ولقد ذهلت المطر 11/ 14
وقائلة على صخر 11/ 25
إني زعيم النجر 11/ 53
تعلّم جعفر 11/ 96
يا جار ضاري 11/ 102
يكلفني مثري 11/ 106
نحن أسرنا الأسر 11/ 130
أول البيت القافية ج/ ص
أجدّ يغدر 11/ 151
أما تدرين صدري 11/ 154
لعمرك الحمار 11/ 200
فإن تكن ابن عامر 11/ 202 - 243
نظرت ناظر 11/ 224
ايا عين المتفجر 11/ 231
كم هاتف وللجار 11/ 235
فإن أبا المنبر 11/ 251 - 253
سكتّ البصير 11/ 288
ألا قل قفار 11/ 295
وجدنا والفزر 11/ 317
إذا كنت بني بكر 11/ 322
الا ربّ بتستر 11/ 329
يا موت لزاري 11/ 368
ليت برذوني وحماري 11/ 376
أبي فارس عاثر 12/ 169
انني مجرم اعتذاري 12/ 332
هل بالديار الساري 12/ 45
إن الذي بن يسار 12/ 196
ظللنا محضر 12/ 57
وأبي الذي الطائر 12/ 287
أنا الوليد بناري 12/ 95
نظرت النهار 12/ 78
يريد وثاق بن جابر 12/ 315
افديه بالأم معبر 12/ 63
تعجبت إذ كبر 12/ 263
ولي صاحب فاجر 12/ 325
يعيبونها التأخر 12/ 306
ما جئت قدر 12/ 193
فمت ما جدا تعذر 12/ 290
لعمري لئن والعذر 12/ 277
أول البيت القافية ج/ ص
وهم ايسار الجزر 12/ 77
خداع النشر 12/ 151
نعم سوف الخواطر 12/ 205
يا من لقلب النظر 12/ 123
قالت تصدى خفر 12/ 115
إذا افتقرت فقري 12/ 233
الا سائل وعامر 12/ 200 - 204 - 205
قالت لترب عمر 12/ 123
ابا خالد فشمر 12/ 290
فلولا الريح بالذكور 12/ 283
فإن تحتجز متغير 12/ 206
الا معشري 13/ 13
إذ يكدر 13/ 14
نعم الأزور 13/ 30
وهذا الحمار 13/ 41، 15/ 306
تقول فاقصر 13/ 66
فيخبرنا نتخبر 13/ 66
سلي ومجزري 13/ 66
افي يشتري 13/ 67
يبين جاري 13/ 75
نزعنا نزار 13/ 80
فلم أمير 13/ 91
قالوا بالخطر 13/ 120
اشربا واسير 13/ 121
أمير شطير 13/ 141
حملن النثير 13/ 142
يذلل الصغير 13/ 142
فإن للكفور 13/ 143
بني الامور 13/ 144
وما الزبور 13/ 143
أول البيت القافية ج/ ص
لهفي والخطر 13/ 150
شتان بالوبر 13/ 151
اعرفت وصحار 13/ 188
أجيران ضمار 13/ 192
إن بطاهر 13/ 195
فجزى الابرار 13/ 197
ادوا بن منذر 13/ 198
أعجز الازرار 13/ 212
ألاهل بعر 13/ 215
ولست الفقر 13/ 227
تفتر اعيار 13/ 233
عتبي صبري 13/ 243
أما الصفر 13/ 250
لم التمر 13/ 251
وترود مقفر 13/ 255
كأنه البشر 13/ 255
أبوك بالامير 13/ 255
أصبحت عصر 13/ 294
إن الجمر 13/ 294
مما أبو بكر 13/ 294 - 295
امسيت دهر 13/ 295 - 311
ولقد وجعفر 13/ 311
يوم يسير 14/ 18
قل الغرير 14/ 31
يا رب ثبير 14/ 34
شاربت بحري 14/ 48
أنظر زهرها 14/ 55
اشفقت بهجره 14/ 58
قل منير 14/ 60
وفيت بالغدر 14/ 76
لا أليس الدهر 14/ 92
أول البيت القافية ج/ ص
فو اللّه والفخر 14/ 85
صل بخمر 14/ 101
هلا الاحرار 14/ 124
ولائمة البحر 14/ 134
قد كدت الوتر 14/ 163
وحق صدري 14/ 165
وإن أنا ويستشري 14/ 167
قبحت المخبر 14/ 179
أرادوا القبر 14/ 179
أنا من بمنكر 14/ 194
رأيت النواضر 14/ 201
أجدى عامر 14/ 242
اللّه الاكثر 14/ 261
أحاجب والكفر 14/ 267
لعل بكر 14/ 289
لا ترجون الحمر 14/ 290
إن ابن الامصار 14/ 291
قدم باطهار 14/ 305
سبحت للمسير 14/ 322
لا مؤمن الكافر 14/ 334
أسفها بالقادر 14/ 348
ما يضر بحجر 14/ 349
كيف بخير 14/ 354
كم من يسر 14/ 359
أخي صدري 14/ 362
نبئت الباري 14/ 380
لو النار 14/ 380
قد تسع دار 14/ 381
المّا شكر 14/ 6
هو الكشوث ثمر 14/ 136
وامكم كبير 14/ 244
أول البيت القافية ج/ ص
كان منير 14/ 251
يؤمون الفقر 14/ 297
واشدد زنابير 14/ 321
زينب الهجر 14/ 372
قالت فأستتر 15/ 33
وبنيان وشهر 15/ 98
ولقد المدبر 15/ 100
قتلت بشر 15/ 101
تأبد الدار 15/ 104
وشارب بسار 15/ 105
قرد إسوار 15/ 105
صهباء وأنهار 15/ 106
لسكنتي إقتار 15/ 106
وإذا وحمار 15/ 107
أبلغ الثرثار 15/ 120
عذرت بشير 15/ 120
وجدنا بقدر 15/ 211
إن قشيرا بطاهر 15/ 240
قد مختار 15/ 290
لا يضمر المنذر 15/ 306
لحا اللّه بالنكر 15/ 339
هلال اليسر 15/ 340
قالت منكر 15/ 349
ومن خير نصير 15/ 351
ولا من واصبري 15/ 361
يحدثنا مصر 15/ 385
هنيئا التحسر 15/ 389
ولو لا فاعذري 15/ 389
لذا عذب بالشعر 15/ 393
قم صاغر 15/ 394
معاذ بكر 15/ 77
دع كالفاخر 15/ 117
أول البيت القافية ج/ ص
وقد قصير 15/ 120
فالقت المسافر 15/ 123
أيها بني الادبار 15/ 190
اشرت الكفر 15/ 198
فجاء بالفهر 15/ 198
لا تصرد قبر 15/ 250
دعوني انظر 15/ 253
رأيت ابادر 15/ 297
إلى بطلين نادر 15/ 297
والملك يحابر 15/ 321
صحا القلب تماضر 15/ 333
فباست بني نصر 15/ 340
ونائحتان أثر 15/ 377
يا سعد الأنصار 16/ 48
وكأن لثغور 16/ 50
اشاقتك المواقر 16/ 52
سميت والدار 16/ 54
كأني القطر 16/ 108
اما لك بني غفار 16/ 117
علام يغدر 16/ 134
يا سؤتا من الاحرار 16/ 136
يا راكب النحر 16/ 179
جاءت الأوتار 16/ 185
إما خطاي في الحصار 16/ 199
أضاعوني ثغر 16/ 213
فلو حلتم ولا يسري 16/ 228
أتينا أبي شاكر 16/ 279
علقم والواتر 16/ 281 - 293
إني امرؤ منفر 16/ 289
أنا لمن الجعفري 16/ 290
إذا اسقيتني في الجدار 16/ 310
أول البيت القافية ج/ ص
الا إن مصر 16/ 324
لمن النار مقرور 16/ 358
ألف الداثر 16/ 370
سود اللباس من قار 16/ 387
فأشدد ودار قرار 16/ 391
يا سعد الانصار 16/ 42
فإن كان على قبري 17/ 66
أما والذي والهجر 17/ 70
لكل الدهر 17/ 237
أبت وعامر 17/ 246
بني عامر والدوابر 17/ 256
الا حنّت معشري 17/ 298
ومنّا النحر 17/ 320
جاءت مخدّر 17/ 347
فككت جحدر 17/ 378 - 22 - 190
ما سرني من النار 17/ 37
يا كلب بالنار 17/ 37
إذا قعدت بحفار 17/ 96
من بصل غدّار 17/ 131
إن كنت بدر 17/ 393
ا قائم معتمر 17/ 287
يا آل والنفر 17/ 287 - 299
يا للرجال والنفر 17/ 300 - 301
فاضت سيّار 17/ 332
فليت في النار 17/ 333
عمرو ولا عار 17/ 374
أقيس الفقير 17/ 117
من سرّه الأنصار 17/ 90
صدموا نزار 17/ 90
من كان نهار 17/ 178
أول البيت القافية ج/ ص
نام الساري 17/ 196
افبعد الأطهار 17/ 200
ضجت يضجر 17/ 247
تلك عرساي وهتر 17/ 281
رأى الأباعر 18/ 33
أتانا منظر 18/ 201
تركت المشقر 18/ 265
رأى يستقري 18/ 245
يا مخرج النار 18/ 46
اليوم خطر 18/ 163
أمسى الهصر 18/ 164
هوت والنار 18/ 245 - 319
فكر بتأمير 18/ 285
قالت فأستتر 18/ 328
كأن قصار 18/ 339
إن الدار 18/ 371
يا رب آثاري 18/ 44
أسد الصافر 18/ 116
كثرت مناذر 18/ 195 - 196
قل والجرار 18/ 104
يا ناعش عثر 18/ 310 - 311
إن القرّ 18/ 316
أعود بكار 18/ 185
اتينا أبي شاكر 18/ 325
قد الأسحار 19/ 62
من الصفر 19/ 9
إن تعطري 19/ 9
سقاك القطر 19/ 236
سلافة الزاهر 19/ 311
واللّه السفر 19/ 262
اخلفك القدر 19/ 233
أول البيت القافية ج/ ص
فانظر بالنظر 19/ 233
فتنتني درّ 19/ 296
له مقدارها 19/ 279
قبحت المخبر 19/ 34
قد كنت الوتر 19/ 62
حلم شاعر 19/ 61 - 67
رب اشره 19/ 271
رب ستره 19/ 271
فو اللّه تدري 19/ 305
ومستفتح الدهر 19/ 305
احب أجر 19/ 252
تجيء تاجر 19/ 199
له البحر 19/ 109
شكرتك الهجر 19/ 46
أرادوا القبر 19/ 34
أ لم المقادر 19/ 12
هجرتك بالكفر 20/ 24
الا بالبشر 20/ 25
وما زلت الهجر 20/ 83
إلى اللّه بربر 20/ 296
لخير منبر 20/ 304
دونك النسر 20/ 364
فإن تك الزهر 20/ 365
خليلي المهاجر 20/ 407
ذاد وطره 20/ 15 - 19
يا دواء عسره 20/ 15
وزحوف اثره 20/ 20
إنما ومختصره 20/ 22 - 24 - 25 - 36 - 39
ودم هدره 20/ 36
كل من حضره 20/ 41
أول البيت القافية ج/ ص
رب اشره 20/ 219
يا ذا الخبر 20/ 64
يا من الطوامير 20/ 139
ما زال ودينار 20/ 156
رئمان أمير 20/ 340
دعوتك السرار 20/ 85
جزاك الأمير 20/ 363
سمعت عمرو 20/ 384
ما ضر ستر 20/ 214
ولأنت وتر 20/ 94
ولقد المطير 20/ 423
أتانا بالوعر 20/ 165
وبالكرخ الدهر 20/ 165
مازال يساره 20/ 348
اطلقت ووفري 20/ 396
الحمد للّه عمر 20/ 397
أكثر خيري 20/ 412
لم تر منظره 20/ 283
ويلي بمسحور 20/ 58
حاجيتك الشعر 20/ 343
الا يا لقومي لا يدري 21/ 264
أبى بمطير 21/ 278
بقر قسر 21/ 354
ابو شقفل بصير 21/ 365
فمات على وتر 21/ 375
جلوسك الكبائر 21/ 385
تصير قسر 21/ 398
يا حمز غير ممطور 21/ 296
ما حملت الكور 21/ 348
إلا قريشا والخير 21/ 349
لو أعطاك الأيور 21/ 38
قتيل بالقطار 21/ 171
أول البيت القافية ج/ ص
لعلك القبور 21/ 215
وكائن الزيار 21/ 345
أعبد اللّه الكبار 21/ 402
ولقد دخلت المطير 21/ 3
إن كنت عاذلتي لا تحوري 21/ 5
خير وعثّر 21/ 150
إن الفرزدق إستار 21/ 284
ما من الاخطار 21/ 309
فلأمدحن الأشعار 21/ 345
أولجت البكر 21/ 317
ابليا في شرّ 21/ 270
يا وحشة الأزهر 21/ 53
بأبي أشقر 21/ 64
إن تروني الغدير 21/ 109
لعمري بني نصر 22/ 14
لعمري القطر 22/ 20
ألمت فالنحر 22/ 78
الا طرقت الدار 22/ 160
لقد فتنت أحور 22/ 162
طربت بمقصر 22/ 163
لعمري المشهر 22/ 164
أ لم تعلموا على القسر 22/ 216
اناة الغمر 22/ 218
أتيت منكري 22/ 229
وباتت المقرّ 22/ 231
من يك ولا بكر 22/ 234
جاريت ذى هجر 22/ 12
أهون سيار 22/ 38
هل بالديار الساري 22/ 134 - 136
قد كنت أم عمار 22/ 145
أ لم يشقك ذكري 22/ 170
أول البيت القافية ج/ ص
أمست محذور 22/ 210
فإن تنزل نزر 22/ 2
ومن سمّاك تدري 22/ 11
الا أبلغ غيري 22/ 239
هو المهدي المنير 22/ 246
تألى الصرار 22/ 287
يوم الكبير 22/ 157
ظباء المقاصير 22/ 214
إني جابر 22/ 193
هيهات الاخضر 22/ 261
أنا أبو النجم شعري 22/ 339
ما ذكرة الصادر 22/ 308
يا رب الصادر 22/ 310
إن عربيا من أمرها 22/ 180
كفاني يحذر 22/ 98
أ لم تسيء كالخابر 22/ 69
سأكسوك الدهر 23/ 7
بعثت كالجمر 23/ 10
عدوت والعذر 23/ 23
كأنك من الدهر 23/ 131
هذا ابن عطار 23/ 56
نبّهت على أثر 23/ 61
أبا عليّ والعجر 23/ 105
ألم تعجب صبري 23/ 55
قيان النضير 23/ 159
راح الشقي النحر 23/ 72
حنطته المهجور 23/ 122
هبّت يجري 23/ 223 - 250
فدتك الازهر 23/ 88
أير حمار قدر 23/ 25
أول البيت القافية ج/ ص
ضرّة الشمس النظر 23/ 100
ريدا في ووزير 23/ 143
وقيل لي والنضير 23/ 210
لئن لج هجره 23/ 82
وكلبا البكر 24/ 32
أتاني للصبر 24/ 36
وجاءوا ببعير 24/ 36
تمنيت على قدر 24/ 39
لشربك في البحر 24/ 138
تصبرت من الصبر 24/ 139
تسليت من الصبر 24/ 139
إذا ارتحلت للذكر 24/ 140
فإن أمير 24/ 237
فإن أبا سفيان من حوارك 24/ 175
فبيتك جارك 24/ 176
نجيّ مذعور 24/ 26
نبئت إقرار 24/ 39
يا بن الذين بذي قار 24/ 51
أول البيت القافية ج/ ص
يا من سيّار 24/ 51
أبلغ الدار 24/ 64
لو لا فوارس بذي قار 24/ 77
أبلغ أشرار 24/ 77
عبد السلام ذو بصر 24/ 176 - 189
من كل علم بشبار 24/ 182
أما الإماء بالعار 24/ 183
قد يعلم غير مشبار 24/ 184
إنيّ لأسوي وأكوار 24/ 184
إن العروق الساري 24/ 185
أ لم تسأل أين سار 24/ 204
ألا من زاري 24/ 39
ألا أبلغ بعنقفير 24/ 63
بنى لكم بشر 24/ 246
ما في السوية صادر 24/ 248 - 256
وأين المراغة الصاغر 24/ 248 - 256
يا كلب بالعاثر 24/ 32
أصبح اسبطرّ 24/ 228
ز
إنني واللّه جأز 2/ 113
يا دار فازه 18/ 370
يقول حزّا 16/ 405
إذا انبض الجنائز 2/ 195
فظلت راكز 21/ 384
حباني عبد اللّه مشافزه 12/ 218
من سره مغموز 3/ 359
إن الجوازي 5/ 373 - 419
رأيت بشبداز 5/ 169
سليم بن محرز 6/ 164
يا قيس جازي 12/ 18
أنا لا والقرطميز 14/ 113
تغيب عاجز 18/ 152
ألا المتحرز 18/ 302
باكر وبكوز 19/ 230
أأقتل عبد العزيز 20/ 310
بارك أو فاز 20/ 403
ألهفي محرز 22/ 155
أول البيت القافية ج/ ص
س
كساك أنس 10/ 36
أما ترى يابس 10/ 38
أقدم الحمس 11/ 146
بأبي جلس 19/ 250
يا عجبا الفرس 21/ 382
من الوساوس 1/ 99
كنت أثني عليك يأسا 2/ 416
يا صاحبي لميسا 3/ 102
لما طلعن خمسا 3/ 169 6/ 244
لما طلعن همسا 3/ 170
لا لباسا 4/ 99
كأن قسها 4/ 51، 8
/371
وكنت مراسا 5/ 6
جعلت اناسا 5/ 404
لست اناسا 5/ 306
ويل لحرب مخالسا 6/ 342
دونكموها الدارسا 7/ 240
اني مضرسا 8/ 54
لقد نفسا 8/ 335 - 337 - 349
إذا الناسا 8/ 355، 17/ 68
وبدلت أبؤسا 9/ 100
لقد طمح أبؤسا 9/ 100
إذا حالت النفوسا 9/ 105
إن كنت نخاسا 10/ 250
فليت عابسا 11/ 257
يا خليلي نعاسا 11/ 270
كأني وقادسا 13/ 36
دعوا القلوسا 13/ 245
أول البيت القافية ج/ ص
وحرمة انسا 13/ 250
افضلت درسا 13/ 249
لاسماء حابسا 14/ 300
فدع الكوادسا 14/ 315
لمن كوانسا 14/ 316
هلا الشكسه 15/ 331
هاتها خندريسا 15/ 55
إن كان انفاسا 17/ 288
الحمد حبسا 19/ 1
قل كمونسه 20/ 256
فإن وسوسه 20/ 256
أودى الياسا 20/ 45
فما قيل درسا 21/ 15
هنيّا يتلمس 21/ 85
نجوت داس 21/ 237
اصبحتم فعسعس 21/ 1 - 247
ألا ليت مكانس 21/ 251
إذا انتخبت ومرسه 23/ 28
وكيف طاووسه 23/ 186
يا المجلس 4/ 398
ارقت يواسوا 4/ 64، 12 - 290
الشيب متنفس 5/ 404
الطلول الاوانس 5/ 341 - 424 - 426
أمن آل بسابس 6/ 134
إني دساس 6/ 342
عجبت قابس 8/ 71
هل البائس ملابس 8/ 114
لاكتمن الناس 10/ 215
يا ليت المرسوس 11/ 144
أول البيت القافية ج/ ص
يسائلني خمس 11/ 267
واني لسهل المتعبس 12/ 280
فما أنا خسيس 12/ 137
ألا أبلغ نفيس 12/ 136
ودواية الطوامس 13/ 36
وثقت النفوس 13/ 349
أبعد اتوجس 14/بنت المجالس 14/ 224
اغنيت كيسوا 15/ 215
خليلي فمعرس 15/ 250
ومن حذر بيهس 15/ 321
تغيرت تخيس 17/ 78
ولقد بغى سنبس 17/ 392
إن التي هامت نكس 17/ 69
وإني حلبس 18/ 42
سليم وداحس 18/ 78
لن عباس 18/ 85
عرضن ابليس 22/ 45
فإن تقبلوا أشمس 23/ 36
أ أم نهيك بائس 24/ 9
يا ام عمرو آيس 24/ 9
آ أم أميم يائس 24/ 9
فلولا ثلاث رامس 24/ 13
سيغنيك جالس 24/ 15
فهذا أو أن المتلمس 24/ 260
لو راسي 1/ 174
ما باس 1/ 231
وقد رأيتك المجلس 2/ 162
دع الكلام الكاسي 2/ 186
أنا ابن بجدتهم الناس 2/ 193
من يفعل الخير والناس 2/ 174
واللّه ما معشر باكياس 2/ 184
أول البيت القافية ج/ ص
من يفعل الخير والناس 2/ 173
وجاؤا إليه النكس 3/ 265
يابن العلاء وجلّاسي 3/ 193
لا الحرس 4/ 106
افاض ترمس 4/ 336 - 339 - 342
تقول الانفس 4/ 340
أصبح العباس 4/ 345 - 352
لعمرك انس 4/ 419
يا حبذا الانفاس 5/ 406
ماذا واليأس 5/ 407
ما كنت باس 5/ 110
إذا سرها نفسي 5/ 177
يا موري بمقياس 5/ 219
يا من بعباس 6/ 12
ما سمعت وسواس 6/ 152
يا صاح المقدس 6/ 239
من كان رسيس 6/ 302
يا خير من باس 7/ 224
أقصر مغروس 8/ 80
حيّ مأيوس 8/ 84
أبت رمسي 8/ 223
أصليّ رؤاس 8/ 313
أسأت بالناس 8/ 359
يا فوز القاسي 8/ 359
يمينا التكس 9/ 41
قد الضغابيس 9/ 309
إني مرموس 9/ 308
أميم وأناسي 10/ 18
وقاك اللّه ونفسي 10/ 23
أول البيت القافية ج/ ص
ولمّا بدا العروس 10/ 64
يا صاح والحلس 10/ 102 - 103 - 129
ثلاث عيون أملس 10/ 115
سقيا النواقيس 10/ 168
يا موري بمقياس 10/ 177
لو كان آل عباس 10/ 239
ديني قرطاس 10/ 251
اخطاك بالياس 10/ 256
إني لأحب امسي 10/ 270
ظلت أمس 11/ 144
لا أحد بالعروس 11/ 165
تقول الانفس 11/ 298 - 302
يهددني ترسي 11/ 318
من كان درباس 11/ 375
وأهوج باس 12/ 303
أ فاطم مهلا موئسي 12/ 327
فبهرة من الدبس 12/ 136
قد كنت فرس 12/ 125
أحقا المجالس 13/ 24
هم الاكاديس 13/ 25
بنيتي عروس 13/ 238
لست اياس 13/ 321
قل الناس 14/ 61
وباهلي افلاس 14/ 93
يا خير جلس 14/ 175
والشيخ رمسه 14/ 177
فمع الغرس 14/ 178
أول البيت القافية ج/ ص
بان بوسواس 14/ 191
كل شيء إياس 14/ 358
صرنا الدبس 14/ 369
تبقلت القلمس 14/ 249
وقاك ونفسي 15/ 76
ملاك الناس 15/ 275
يا ويح الجعاميس 15/ 34
ماذا تريد الفارس 16/ 65
اتضربني نواس 16/ 72
يا مرو بيأس 16/ 167
يا صاح والحلس 16/ 199
كلت وإملاسي 16/ 224
يا بسر على ناس 16/ 273
لقيت شعري إنسي 16/ 297
أقول العرس 16/ 11
لم تنسني ينسي 17/ 379
يا فوز عباس 17/ 73
يذكرني شمس 17/ 178
ألا قدمت عباس 17/ 67 - 68
عصبت براسي 17/ 69
أتاني في المرمس 17/ 129
إني مرداس 18/ 86
كنا المقاييس 18/ 151
رأيتك أمس 18/ 135
وتاج رأس 18/ 135
قصور عرس 18/ 217
لمن بالنفس 18/ 217
ذهبت الشمس 18/ 217
أول البيت القافية ج/ ص
وترى والجرس 18/ 218
يا من وتنفسي 18/ 167
وروى هريسه 18/ 190
قلت رأسي 18/ 100
قد النحوس 18/ 106
أجارتنا بإبساس 19/ 75
أجارتنا اليأس 19/ 76 - 77
الحزم بالناس 19/ 41
بثثت بياس 19/ 311
كفانا آسي 19/ 311
صفراء البجس 19/ 65
وتفارق الاوس 19/ 66
يا طيب مجلس 19/ 237
آيات معرسي 19/ 65
حيتك الآسي 19/ 108
رب خندريس 19/ 235
قل بالجلس 20/ 7
رأيت بوسواس 20/ 191
طاف النعاس 20/ 190
يا منزل ابليس 20/ 354
من قرطاس 20/ 31
دجلة الناس 20/ 37 - 40
قد الأنس 20/ 258 - 261
قد الشمس 20/ 261
ليس الفوارس 20/ 166
تعب اليأس 21/ 83
قل للفرزدق فاجلس 21/ 383
مروان بباس 21/ 383
يا ثابت الأخنس 21/ 161
قد علمت بالعميس 21/ 256
إذا سرها نفسي 22/ 43 - 50
كأن المكانس 22/ 307
لو جز رأسي 22/ 27
قل لأبي اللبس 22/ 175
رمى الدهر وإعراسي 23/ 27
وقيتك وجنسي 23/ 109
ألا قوموا القراطيسي 23/ 195
راح الآنس 23/ 62
أتاني وفوارسي 24/ 56
غلام الروس 24/ 226
ش
أ مدح بالعطش 7/ 105 - 109 - 110
بكيت رعش 23/ 86
أحبّ الحبش 23/ 86
تدبّ المنتعش 23/ 32
رب ليل الحشى 16/ 192
باللّه الحشا 16/ 15
الدهر فيراش 1 - م - ت 29
وما أدري حبيش 7/ 280
هل في برش 10/ 254
أول البيت القافية ج/ ص
العيش وجيش 23/ 162
ما أنت يا الغش 3/ 215
طرب الفؤاد وعشاش 6/ 217
وانه رسول البطش 7/ 58
نصير الناكريش 7/ 214
أول البيت القافية ج/ ص
بليت من كندش 11/ 371
أحسن من العيش 12/ 284
ما الخيش 18/ 318
قامت الخشخاش 21/ 297
ص
يسمون من عصا 6/ 50
كلا أبويكم ناقصا 9/ 110
تبيتون خمائصا 9/ 121
اراحل بصبصا 15/ 29
أرائح بصبصا 15/ 28
أبا نضير منتقصا 20/ 129
زاد القصّه 23/ 209
كل غفص 4/ 29
خليلي تنكص 5/ 93،/1/ 113
ارقصني يرقص 7/ 199
قل للذي خلاص 12/ 88، 23 - 149
تؤنبني بصيص 13/ 340
أول البيت القافية ج/ ص
ومولى ينقص 14/ 260
اخلقت خميص 24/ 229
وربرب بالصياصي 1/ 285
وليس المرء والنقص 3/ 92
وابن القناعيص 5/ 351
وبقر خصاص 11/ 64
أ لم تقل القميص 12/ 265
إذا كان وانتقاصي 14/ 333
هل القلاص 14/ 334
لاطلبن بن معيص 16/ 59
إذا كنت ولا توصه 17/ 336
مثل خصّ 18/ 173
يقول القلاص 21/ 251
أمير المؤمنين الحريص 21/ 311
ض
إن أحيحا ارتمض 6/ 272
أصبح الغريضا 1/ 178
يا اعرضا 1/ 280
كان فؤادي قبضا 2/ 83 - 93
كأن فجاج عرضا 2/ 92
الا أيها الشيخ الغضا 2/ 92
جزى اللّه خيرا بغيضا 2/ 202
أراني بغضا 4/ 85
أول البيت القافية ج/ ص
وكنت عريضا 4/ 265
بكيت مهيضا 4/ 352
علقتك مبيضّا 5/ 400
غضبت والرضا 7/ 161
سألته ومرضا 9/ 296
تعالى مضى 14/ 112، 18 - 160
عرضت الغضى 18/ 157
العين والنقضا 19/ 117
داينت بعضا 20/ 344
أصبحت أيضا 20/ 412
وحقالها المعرضا 21/ 404
أما الحبيب مضى 21/ 72
أصبحت بعضا 22/ 284
من كان مقبوضا 24/ 163
منح مراض 1/ 47 - 48
طال الابغاض 1/ 101، 15 - 264
احامل مراضها 9/ 173
وليس فياض 9/ 232
شجاني مريض 12/ 122
دموع انقباض 19/ 47
وذا المراض 19/ 48
فهل انقراض 19/ 48
إن قراض 19/ 48
يا رب غرضه 19/ 305
أي ينقضه 19/ 306
أنار مومض 20/ 295
أول البيت القافية ج/ ص
ولو لا اتبرض 20/ 295
خوف مهيض 22/ 329 - 341
ودون عريض 22/ 331
إذا ذكر نفيض 22/ 331
صحا خفيض 22/ 343
أمسلم الارض 1/ 263 - 265، 20/ - 389 - 392 - 400
خليلي والحمض 1/ 336
ولست بذي أرضي 2/ 426
واعسر احيانا عرضي 2/ 426
وإني لاستغني قرضي 2/ 426
أبعد بني زرّ خفض 2/ 411
اجعل الحب راضي 3/ 222
عذير الحيّ الارض 3/ 89
وليس والنقض 3/ 106
وامر اليوم يمضي 3/ 107
اعنى على بيض 3/ 67
حمدت بعض 5/ 401
أعبد اللّه قبل بعض 10/ 11
قرب اللّه الفياض 11/ 255
الا أن يحي عرضي 12/ 85
صدقت بالخفض 12/ 85
أقول فيضي 13/ 163
فإن عروض 13/ 163 - 164
كأني بيوضي 13/ 164
لعمر بغيض 13/ 194
أول البيت القافية ج/ ص
كفاك المريض 13/ 285، 14
/352
بأبي مراض 14/ 192
أتيت فيض 14/ 135
أبا منذر بعض 15/ 297
أنت ابن أبو بيض 16/ 203
غمضت تغميضي 16/ 208
أكل الوجيف على انقاض 16/ 407
إني احرض تحريضي 17/ 109
أول البيت القافية ج/ ص
إذا بمريض 18/ 251
كيف المراض 20/ 176
فو اللّه الارض 21/ 204
إن الليالي تقضي 21/ 28
حمدت بعض 21/ 218
لك عندي الفياض 23/ 34
ليت شعري امراضي 23/ 34
أنا رهن ونقض 23/ 120
ط
يا أمين بخطط 7/ 210
مراض الخطا 5/ 365
وبلدة معاطه 17/ 335
إن تثلطه 19/ 83
أتيا العبيطا 20/ 314
أقول عطعط 14/ 123
ما أنت الضابط 14/ 307
وكنا قنوط 20/ 255
يا معشر تسخطوا 20/ 121 - 150
متى يلوط 20/ 255
قد ختم تسخطوا 20/ 150
بنيّ اللغط 20/ 99
أير الخطوط 20/ 218
أسر الماقط 20/ 128
أم سلم لضروط 20/ 218
أول البيت القافية ج/ ص
رأت أحوط 23/ 27
كأن السياط 6/ 152
أرواية سليط 8/ 288
علقت ملطّ 10/ 154
تنجو المثاط 11/ 214
إلا المعاط 13/ 171
تمنت الخلاط 15/ 232
شربت وبالبواطي 18/ 105
يا حفص نشاطه 20/ 112
وإذا طاطه 20/ 112
سائل الخلط 22/ 218
نكت خيطه 23/ 87
فليت سوطه 23/ 87
عرفت النّماط 24/ 107
أول البيت القافية ج/ ص
ظ
أنت الحفظه 14/ 50
جاءت الحفظه 18/ 199
من الانعاظ 1/ 31
يمانيا يظل الشواظ 2/ 366
ع
ما مقنع 4/ 13
لقد حببت فالنقع 9/ 239، 21/ 56
يا ليتني واضع 9/ 345، 10
/31 - 41
وخارج وقع 10/ 245
دعاني أميري استمع 12/ 313
بسطت اتسع 13/ 101
الا قومي المضجع 21/ 34
ليس دعدع 21/ 184
إذا أحببت لم اقطع 23/ 70
هلما تتقنعا 1/ 121
عرفت بلقعا 1/ 131 - 176
فلما تتقنعا 1/ 177
طار فامتنع 1/ 299
لعمري وما فاوجعا 2/ 111
بنات كرام روادعا 2/ 150
أ تبكي على وشعبا كما معا 2/ 66
أبلغ أمير خداعا 3/ 361
اهلكنا جذعا 3/ 96
انكما تسعا 3/ 97
وانكرتني والصلعا 3/ 143 - 144
وانني سوف فاستمعا 3/ 97
أول البيت القافية ج/ ص
وخلّ سميعا 3/ 72
قد سميعا 4/ 32
يا والدراعه 4/ 69
وجمعت مجمعا 4/ 245
أ لم بلقعا 4/ 296/8، 144، 22/ 9
يا دمعا 4/ 299
يا قطعا 4/ 300
يا خليليّ البقيعا 5/ 226، 12
/113 - 120
يا عبد الدامعه 6/ 253
أما وجلال مدمعا 6/ 4 - 6
حننت شعبا كما معا 6/ 7
أ لم تر المرجعا 7/ 8
ليت هشاما اترعا 7/ 18، 10
/81
اعطى وما نزعا 17/ 131 - 132
لا وحبيك مدمعا 7/ 174
كلوا جميعا 7/ 198
أيا شاعر سريعا 7/ 199
سل ودعه 8/ 392
إذا طلع اودعا 8/ 23
بانت فالفرعا 8/ 218
أول البيت القافية ج/ ص
عدل صنعا 8/ 358
تمنى وتسمعا 8/ 361
يا ليتني واضع 9/ 60
إذا مت نعى 9/ 95
أبوك راضع 9/ 108
إن يك نفعا 9/ 148
لقد خفت مقنعا 9/ 196
إذا ما مقطعا 9/ 74
فما غشيت تدمع 9/ 202
أعيني وتجزعا 9/ 271
يفرح السماعا 9/ 293
عجبت وظلعا 9/ 335، 21
/315
قتلنا أجمعا 10/ 13
في وجهه شفعا 10/ 68
وما أحجم مطمعا 10/ 91
يا رحمة صنعا 10/ 230
أيتها وقعا 11/ 74
ونحن اقرعا 11/ 111
أبلغ أرباعا 11/ 116
متى تعرف تدمعا 11/ 200
مهلا متسعا 11/ 309
بانت سعاد رجعا 11/ 313
قل لذوي ومزرعا 11/ 317
إذا اعتكرت المضاجعا 11/ 326
رأيت أبا دراعه 12/ 218
بليت ذراعا 12/ 320
كم من دنيّ تبعا 12/ 125
أول البيت القافية ج/ ص
أصبح الشيب قناعا 12/ 51
لو نكح الليث شبعا 12/ 91
وكأن الحلائق تابعا 12/ 41
يا هند كتابعا 12/ 122
لعمري لقد ممتّعا 12/ 305
انعوا أياسا فاجعا 12/ 208
ويدعو بك دعى 12/ 296
تقول ابنة مفزعا 12/ 343
ورثنا المجد الصنيعا 12/ 59
إذا مدمعا 13/ 138
فلا سميدعا 13/ 139
إلا تطلعا 13/ 202
كنت معا 13/ 308
يا متبعا 13/ 328
لا تذكري والهلعا 14/ 27
ويلي وجعا 14/ 164
تكلفني والمصنعه 15/ 43
أبهار مطواعا 15/ 252
وكنا يتصدعا 15/ 297
لقد كفن اروعا 15/ 303
لعمري فاوجعا 15/ 307 - 308
وكنا يتصدعا 15/ 308 - 309 - 310
الا للّه وجيعا 16/ 61
خلّ ربيعة 16/ 65
هاشم النجوم معا 16/ 188
قمر السماء وما طلعا 16/ 277
إنك وتنفعا 16/ 360
أول البيت القافية ج/ ص
أغرّ احسابهم قرعا 16/ 403
ألما مربعا 16/ 23
أيا مضجعا 16/ 24
له أكاليل طبعا 17/ 320
فقل لبني أمية والقطيعا 17/ 14
ا ليس ما استطاعا 17/ 333
يا رب مقزعه 17/ 185
بي المشعشعا 18/ 285
قد جمعه 18/ 127
لكل معه 18/ 129
الا الساعه 18/ 173 - 208
إذا شفعا 18/ 196
أبا مخلد معا 19/ 51، 20
/158
إذا تقطعا 19/ 130
أكذب تسمع 19/ 105 - 108
أبلغ ما نفعا 19/ 283
خليفه تجتمع 19/ 74
إن والفجيعه 19/ 128
أولم الكيعه 19/ 128
وأصبت مطيعه 19/ 128
أدعبل ساعه 20/ 130
هذا لمعا 20/ 244
لا يكن واختداعا 20/ 104
وقالوا مجمعا 21/ 145
وكنت مقنعا 21/ 146
قتيلي اسمعا 21/ 180
فلا تكثروا اجمعا 21/ 245 - 248
أول البيت القافية ج/ ص
أقليّ فأوجعا 21/ 269
يا هدب فجعا 21/ 273
يا هند تقابعا 21/ 113
أ لم تر يتنخعا 22/ 337
يا دار عمرة الرجعا 22/ 354 - 356
الا يا كأس رجيعا 22/ 36
لو ان خزاعه 22/ 348
لقد برز أرفعا 23/ 154
أ ينقص مشاعه 23/ 57
فارس تصدعا 23/ 218
واستدارت شرعا 23/ 217
لا تلمني تمنّعا 23/ 216 - 217
ومن يكن المتاعا 24/ 33
متى نفترش وأضرعا 24/ 34
قتلنا أقرعا 24/ 34
بني واشي معا 24/ 213
قفي الوداعا 24/ 39
قصارى ارتفاعا 24/ 40
وصارا ارتفاعا 24/ 40
ومن يكن المتاعا 24/ 40
وعا وعا 24/ 94
عاصم باعا 24/ 231
بكى تصدع 1/ 27
قال الدموع 1/ 123
وإني اربع 1/ 148
أنت اربع 1/ 148
أرقت فينابع 1/ 154
بنفسي ضائع 1/ 236
أول البيت القافية ج/ ص
قرّب ارتفعوا 1/ 267
بتّ رجعوا 1/ 267
لقد تدفع 1/ 304
سرى روائعه 1/ 326
وكم مدامعه 1/ 326
فيا فتتمتع 1/ 358
فلا فترجع 1/ 362
إذا فالبقيع 1/ 367
يقول رجال رائع 2/ 252
الا ليت فراجع 2/ 87 - 1
نهاري نهار المضاجع 2/ 45
طربت نازع 2/ 48
فانك واسع 2/ 253
واخذت ينفع 2/ 189
طمعت بليلى المطامع 2/ 34 - 35
وبايعت ليلى مقانع 2/ 35
أتاني أبيت المسامع 2/ 252
الا طالما تبوع 2/ 7
أبا حرجات ربيع 2/ 27
ورام المراتع 3/ 101
ليل من الشرع 3/ 196
خطاطيف نوازع 3/ 133، 10
/324
وساع ومانع 3/ 101
الا يتوقع 4/ 54
أ لم تلمع 4/ 62
ولما ازمعوا 4/ 98
نحن الربع 4/ 148
أول البيت القافية ج/ ص
ان تتبع 4/ 148
ستأتيكم تسمعوا 4/ 154
كأن البيع 4/ 247
وإني مطمع 4/ 250
اما مضطجع 4/ 239
ما ربعوا 4/ 414
تقول تهجع 4/ 363
إياكم والطمع 4/ 352
نام مضلع 4/ 314
يا صنعوا 4/ 259
امنزلتي دواجع 5/ 237
لقد تقطع 5/ 2
تقطع يتقطع 5/ 352، 9
/224 - 225
عند وتنفع 5/ 393
قال الدموع 5/ 187 - 188
بان الخليط تجزع 6/ 82
تصدع صدوع 6/ 159
أتتني هواجع 6/ 198
أمن المنون يجزع 6/ 271
والدهر اربع 6/ 273
ما ضرّ ربعوا 6/ 24
إذا لم تفزع 7/ 21
الا أيها فاسمعوا 7/ 21 - 22
أ تبكي صانع 7/ 27
يا سلم موضع 7/ 65
أتاني راجع 7/ 69
إني اعيذكم تندفع 7/ 75
أول البيت القافية ج/ ص
خلّ الذي يصرعه 7/ 186
لام عمرو بلقع 7/ 242 - 276
فالناس اربع 7/ 252
قف بالديار يسمع 7/ 267
قم يابن ترفع 7/ 271
سئلت واصطناعها 8/ 272
لقومي ساطع 8/ 18
واوثق لامع 8/ 18 - 70
سيخزى وجميع 8/ 24
لقد نفخت قبوع 8/ 24
رأيتك ضارع 8/ 77
سقى وربيع 8/ 124، 9
/214
وإني لجزوع 8/ 125
فقدتك جميع 8/ 128
بان تجزع 8/ 252
وتقول بوزع 8/ 253
أ لم ترها تصنع 8/ 336
وإذا معد وتضعضعوا 8/ 91
هجا رافعه 8/ 282
وإني لوريع 8/ 127
اللّه واتبع 9/ 64
كأن البيع 9/ 65
هل لقانع 9/ 65
ارقت الروادع 9/ 87
آمن مرجع 9/ 128
وقفت تدمع 9/ 128
أمن آل مرجع 9/ 131
أول البيت القافية ج/ ص
إذا هي أطالعه 9/ 147
ألبني ا توقع 9/ 202
إذا طلعت طامع 9/ 213
الا يا واقع 9/ 216
ا تبكي طائع 9/ 216
أقضي جامع 9/ 216، 17
/100
قرب ارتفعوا 9/ 248
أ في الحق نازع 10/ 101
إن الخليط صنعوا 10/ 237
فإنك واسع 11/ 5 - 6 - 22
عفا ذو الدوافع 11/ 40
حللت نافع 11/ 192
يا مسمع المصقع 11/ 330
عجب تنزع 11/ 379
تعالوا فعدوا تابع 12/ 292
وإني لتثنيني اربع 12/ 319
كان لم يكن ومراجع 12/ 65
إنك فرع الفوارع 12/ 56
سبقوا هوى مصرع 12/ 321
أعطى عبيدا جلنفع 12/ 245
ذكرت بلقع 12/ 100
وقلن ناعقه 12/ 117
من مبلغ ولع 12/ 127
ولقد وقفت نطلع 12/ 276
أمن ذكر مولع 12/ 50
سار مجتمع 12/ 128
وشيبني وابوع 12/ 43
أول البيت القافية ج/ ص
لئن كوى صدوع 12/ 293
بات قلبي الأضلاع 12/ 222
يأيها النازح تضيع 12/ 293
أعبتم يتقطع 13/ 4
أتاني ورافع 13/ 24
ألما ومربع 13/ 71
إذا أصنع 13/ 71، 18/ 235
ان تجتمع 13/ 145
ما يرتجع 13/ 145 - 151 - 153
ان فيتسع 13/ 148
ما تبع 13/ 153
أي ينتفع 13/ 147
أبلغ موجع 13/ 159
لو لا ظعنوا 13/ 300
أن المطلع 13/ 159
ما يرفع 13/ 160
حربت ترجع 13/ 160
فانعش جوع 13/ 161
مال أجمع 13/ 161
أدنو المدفع 13/ 161
ضاقت أوسع 13/ 161 - 162
أتتك القطوع 13/ 258 - 259
أجدك نافع 14/ 142
يأيها مصروع 14/ 289
لقد تتبع 14/ 351، 18/ 150
أول البيت القافية ج/ ص
يا مطيع رقيع 14/ 357
هزئت يتركع 14/ 385
وما كان السميدع 15/ 13
نحن قتلنا موجع 15/ 13
أمن مرجع 15/ 26
ولقد تذيع 15/ 45
أ يدعونني نوازع 15/ 146 - 148 - 154
أمن هجوع 15/ 207 - 225 - 226
وكيف منوع 15/ 225
إذا لم تستطيع 15/ 232 - 236
فلاعب أجمع 15/ 361
بلينا والمصانع 15/ 373، 17/ 63
فلا جذع فاجع 15/ 373
نكحت الرابع 16/ 151
قد أتانا الأوجاع 16/ 154
وأعجبني أربع 16/ 162
الا لا يخدع 16/ 207
ساس أوطائع 16/ 210
أمخلد ويمنع 16/ 220
أمن شحط ويجمع 16/ 235
أبني أمية الشيع 16/ 301
أنت الفتى أربع 16/ 305
اذات الوجع 16/ 347
لقد أخلو هجعوا 16/ 349
هو السيل فيتبع 16/ 393
أول البيت القافية ج/ ص
لا تعودن أصنع 16/ 14
أراها تقشع 17/ 15
أقمت صانع 17/ 99
فلما غدوا نزرع 17/ 136
ولما هبطنا نزرع 17/ 136
أتيتم ربيع 17/ 182
لقد أتى فموضوع 17/ 169
إن امرأ القيس فاصطنعوا 17/ 377
بنوجنية صنيع 17/ 182
أغيلان راجع 18/ 4
أغر وربيع 18/ 4
إذا رجوع 18/ 4
أراجعة رجوع 18/ 13
أمنزليّ رواجع 18/ 48 - 49
قف نافع 18/ 50
ذكرت تنفع 18/ 236
حباني أجمع 18/ 293
تفرق أربع 18/ 332 - 333
نعى فارجعوا 18/ 3
إن فدع 18/ 88
ما تنقضي يرتجع 18/ 216
ضجت الجزع 18/ 264
سيرى طبع 18/ 289
ومضطرب انقطاع 18/ 234
هل مرجع 18/ 83
عجبت أصلع 18/ 84
أمن تروع 18/ 94
من خريع 18/ 94
أول البيت القافية ج/ ص
أ زعمت يصنع 18/ 156
أ تصبر بلقع 18/ 224
وسائلة ينفع 18/ 237
أ تبكي صانع 19/ 170
ويوم وواقع 19/ 197
هل نفعوا 19/ 214
أللدهر مفجع 20/ 27
نعاء وتوزع 20/ 40
وأعددته مولع 20/ 40
ألا إنما مريع 20/ 53
لعمرك صنائع 20/ 53
أ لم رجوع 20/ 153
إن أدع شعاعها 20/ 205
مروان خروع 20/ 353
يا إخوتي تقعقع 20/ 355
ما زال ورجع 20/ 413
أيها متسع 20/ 271
تتعتعت وتشنّعوا 21/ 148
فإن تك أشنع 21/ 149
فيا عجبا مجاشع 21/ 305
وكنا الأخادع 21/ 306
لقد طال الودائع 21/ 319
ابني مستمتع 21/ 24
ولست المرتع 21/ 311
أحقا فيمنع 22/ 291
تركت الأخادع 22/ 338
أريتك ومرابعه 22/ 79
تشرب رادعه 22/ 223
أول البيت القافية ج/ ص
ماذا يريد تتبع 22/ 307
تأوّبني هجع 23/ 3
أنادي ويسمع 23/ 19
إذا أمرتك صديع 23/ 101
عند الملوك وتنفع 23/ 19
مني راكب راجع 24/ 7
تفرق أتبع 24/ 259
أمن أهل تستطيع 24/ 87
جعلت النسوع 24/ 87
خليليّ ونودع 1/ 50
أريت المقطّع 1/ 179
ومن الظّلع 1/ 271 - 273
وإذا المترفع 1/م - ت 29
قالت الراعي 1/ 320
نحجم ولا الأكارع 2/ 422
فإن ترجع مربعي 2/ 86
إذا الصب بالخشوع 2/ 233
أحب البقيع 2/ 240
بكرت يربع 3/ 268
أسمى مترع 3/ 268
حتى كأني تقرع 3/ 332
إذن وعي 4/ 111
وكم انخشع 4/ 254
وإني دع دع 4/ 54
لقد قطاع 4/ 166
وأنا الرجيع 4/ 224
وذلك ممزع 4/ 229
فخرت ببديع 4/ 234
أول البيت القافية ج/ ص
دعاك أتباع 6/ 238
فما مستنير ساطع 8/ 19
ألا ونودع 8/ 120
أعيذك مطمع 8/ 121
قد لعمري الوجيع 8/ 332 - 348
لا تلمنا بخشوع 8/ 346 - 347
بكت وأوجاع 8/ 362، 18/ 359
إني لأبغض يربوع 8/ 398
قلبي وأوجاعي 8/ 363
كيف أضلاعي 8/ 364
إن دام الناعي 8/ 364
أ لم أظلف بالكراع 9/ 47
بت دموعي 9/ 187
سميت زنباع 9/ 231
لا روح ممناع 9/ 231
لقد أحببت فالنقع 9/ 240
وإني مطمع 9/ 67
فما برحوا الأصابع 9/ 73
ألا ليت ترجع 9/ 191
ألا يا القلاع 9/ 192
فلو لم وقوع 9/ 215
إذا أمرتني صديع 9/ 215
ألا تلك ينازع 9/ 218
أنا زنباع 9/ 314
شلّت زنباع 10/ 35
يا خير طامع 10/ 117
قد أصبحت أصنع 10/ 159
أول البيت القافية ج/ ص
أما كلاب الراعي 11/ 90
دعوت الراعي 11/ 105
إذا سمعت تراعي 11/ 107
أرائحة مهجع 11/ 170
يأيها ممنوع 11/ 254
إني أتاني مخلوع 11/ 254
قد أتانا الأوجاع 12/ 223
فلم ألفظك الشعاع 12/ 276
لا خير مختدع 12/ 220
لا تجمعي سريع 12/ 120
أحبب اذا نازع 12/ 318
بآل وزماع 13/ 20
وكائن المرجع 13/ 39
وقفت ومجزوع 13/ 40
وإني مسامعي 13/ 212
ومرسلة داعي 14/ 40
يا سائلي والبدع 14/ 43
ألا أبلغا الودائع 14/ 75
لعمرك سريع 14/ 240
لئن ترفيع 14/ 289
أ لم ينه بالفجائع 14/ 306
وكانت الأجرع 14/ 308
قد فتحت للقلاع 14/ 336
إذا ما تمنع 15/ 51
ألا يا بالدروع 15/ 52
لعمرك سلع 15/ 138
لا بارك ضريع 15/ 332
أبلع واسع 15/ 118
أول البيت القافية ج/ ص
فأشعرته ناقع 15/ 195
فهلا قريع 15/ 239
أرى المرجع 15/ 292
قد كسانا ومساع 16/ 394
فإما الوداع 17/ 361
يا لهف مودوع 17/ 203
قالت أسماعي 17/ 118
قد حصت تهجاع 17/ 116
سلام ومسمع 18/ 157
إن زنباع 18/ 113
إذا بانصداع 18/ 265
شهدت القناع 18/ 271
جرت لانقطاع 18/ 282
أبلغ يربوع 18/ 171
أين وكيع 18/ 172
أعبيد داع 18/ 280
غربت تدمع 18/ 249
ألا المشعشع 19/ 226
ومن الظلع 19/ 290
يقول الربع 20/ 321
أدرها والفجع 20/ 321
أديرا المراضع 20/ 333
إذا الامتناع 20/ 139
وداهية ضلوعي 22/ 58
أبا جعفر أبايعه 23/ 57
رأيتك بائعه 23/ 57
إني سأمتدح والضلع 23/ 13
أول البيت القافية ج/ ص
غ
غضب الممرغة 23/ 158
إن التي تمرغ 8/ 19
صلاتك الوالغ 10/ 284
أي البلاغ 4/ 40
قبح مفرغ 18/ 260
ف
لا تحسبنا عزّاف 5/ 131
ثكلتك تنتف 7/ 186
هتكت فانكشف 10/ 124
عرفتكم خلف 11/ 142
إن كنت تعترف 11/ 144
لعمري لقد رؤف 12/ 333
لي بستان ترف 14/ 20
وبدت له مرهف 16/ 380
ولنا يغترف 22/ 131
أبا اسحاق خلف 22/ 180
يا أبا اسحاق خلف 23/ 24
ويا ربّ خال الخفا 2/ 423
قد نكزت حليفا 2/ 387
يا صاح المصحفا 3/ 285
حتى وعافاه 4/ 66
أقر ما خافا 5/ 331
هجرت خلفا 5/ 69
إني وما علفا 5/ 397
مت على خلفا 6/ 165
طرق الخيال شغفا 6/ 234
يا مرحبا طرفا 6/ 235
أول البيت القافية ج/ ص
يا عبد الحتفا 6/ 247
ألا أبلغ أسفا 7/ 35
قومي الزغفا 7/ 115
اسقياني قرقفا 7/ 180
لهفا استكفا 8/ 133
إن تبك المقارفا 9/ 229
تقاضاك الصفا 10/ 193
آل الزبير خنافا 12/ 252
موتون والقتل السيّافا 12/ 252
صرفت سلفا 13/ 225
أمسى دنفا 13/ 301
واها صلفا 13/ 304
يا المصطفى 13/ 169
خذ صفا 14/ 91
من لعين وقوفا 16/ 253
تفو قد شفى 16/ 265
إذا طريفه 18/ 152
يا من منصرفا 19/ 110
لقد سيوفا 19/ 6
وأنا عريفا 19/ 6
فإن حتوفا 19/ 6
أول البيت القافية ج/ ص
قبحت قفا 21/ 30
إذا طفا 21/ 201
ومرقية المخّفف 21/ 189
وأدنيتني راجف 21/ 267
لقد قراصفا 22/ 41
يا طلح الإخلافا 22/ 263
زعموا يجف 1/ 242، 2/ 320
أراك ملاطف 1/ 246
وبين وموجف 1/ 377
إن يعني واللّه الخريف 2/ 120
أنا حنين القصف 2/ 341
ألا حبذا ونصيف 2/ 338
ومربع ومضيف 2/ 338
ما بال قذف 3/ 24
تغترف نزف 3/ 30
يا قوم والأسف 3/ 21
بين شكول قضف 3/ 1 - 42
رد الخليط وقفوا 3/ 22 - 39
إن سميرا أنفوا 3/ 20
بين بني التلف 3/ 20
أبلغ بني أنف 3/ 23 - 39 - 42
يا مال أنف 3/ 21
أرى أم أخوف 3/ 82
أطافت تطوف 3/ 332
أ أن تهتف 5/ 68، 8/ 116
سريع صارف 5/ 434
أول البيت القافية ج/ ص
إذا النوازف 5/ 433
لجّ يساعف 5/ 340 - 428 - 429
أ تدري واكف 5/ 432
إنما آلف 5/ 429
لمن الظعائن مجذف 6/ 35
وأصابني وأعرف 6/ 62
أعتبت تشريف 7/ 44
هلّا بقيت تلف 7/ 148
تركوا هتف 7/ 211
أعطوا سرف 8/ 68
وأي منصف 8/ 91
نحن ترعف 8/ 93
أمن حرجف 8/ 117
لها في تشرف 8/ 117
أمن معروف 8/ 237
ترى وقفوا 8/ 96، 9/ 340 - 341 - 342، 21/ 306
أحبك يوصف 9/ 215
بكى المطارف 9/ 229
حوراء نزف 9/ 299
عزفت تعرف 9/ 336
ألا أيها ويسعف 9/ 339
أعتبت شريف 10/ 125
ونحن الخليف 11/ 137
أقول خلف 11/ 315
وعاذلة وأتلف 12/ 32
لو آلف 13/ 8
أول البيت القافية ج/ ص
أبوك والظروف 13/ 100
إلا الوصف 13/ 244
حزيمات رغف 13/ 245
ناك الأفواف 13/ 313، 20/ 298
شام أخطاف 13/ 314
زعموها استحصاف 13/ 314
أنت لاختلفوا 14/ 146
لمن مجذف 14/ 190
رمتك الصلف 14/ 299
حوراء ترف 14/ 372
أجبت يسعف 14/ 373
هل قلبك كلف 14/ 381
يا ويح يصف 14/ 382
وجدت تنكف 15/ 10
قلبي مذروف 15/ 35
جزيت والمتضيف 15/ 220
أتتك الجواف 15/ 394
عزفت تعزف 16/ 167، 21/ 372
لم يغذها تعجيف 16/ 230
يا من أحسن الصدف 16/ 271
فإلى ابن ترجف 16/ 357
بكى المطارف 16/ 53
أمن وكيف 17/ 224 - 225
إذا هم وشنوف 17/ 228
أعتبت تشريف 17/ 220
أ لم الوصائف 18/ 129
أول البيت القافية ج/ ص
يا واصف يكف 18/ 164
وكيف آلف 19/ 24
أعطوا سرف 19/ 98
أقفر فالجرف 19/ 221 - 237
تسيىء وتعرف 20/ 37
وعاشية يتسيف 20/ 378
إني رجف 20/ 231
فإذا ينخسف 20/ 235
يونس تكف 20/ 2
أصبح نصف 20/ 2
إليك المتعسف 21/ 308
وإنك المكلف 21/ 306
ما لدبية يطف 21/ 210
وليس تقصف 23/ 123
لو كنت الشرف 23/ 26
لو أن الشرف 24/ 80
إعرنزمي تخافي 2/ 263
هو الذوب قرقف 2/ 256
راني امرؤ المتحلّف 2/ 249 - 247
وبنو المنذر كالسيوف 2/ 106
قولا واشترافي 4/ 404
تنفي يداها الصياريف 3/ 69
وجدي إدناف 5/ 331
من الطواف 5/ 96
لم النجف 5/ 356
لا السرف 5/ 357
يا راكب تنصرف 5/ 356، 9/ 284
أول البيت القافية ج/ ص
ألا يا بالمنيف 6/ 171
تشتو بالطائف 6/ 205
أبو يحيى وبالخفاف 6/ 282
أمست العصف 6/ 294
أيا حكم زعانف 7/ 68
نديمي من الحيف 7/ 163
يا مستعير الحلف 7/ 175
إليك قف 8/ 256
بالقومي ائتلاف 8/ 275
ما خار شعاف 8/ 413
عادل الأطراف 9/ 60
جمع المكتفي 9/ 61
الحمد للّه سرف 9/ 181
قد قلت وانصرف 9/ 191
حي يمانون مؤتلف 9/ 192
لا يحسب السرف 9/ 285
فما برحوا المصاحف 9/ 73
أبا ذفافة وإيجاف 10/ 10
أعيضت الحرف 10/ 49
قد كان يكفي 10/ 163
قف بالديار والنجف 10/ 266
جزى اللّه مكلف 11/ 238
يا صاحب خاف 12/ 155
لعمرك ما بخائف 12/ 59
ورثت جدي بالطائف 12/ 287
وإني لمقتاد المقاذف 12/ 44
دعا ابن مطيع عارف 12/ 75
أيا شجر ابن طريف 12/ 96 - 92
أول البيت القافية ج/ ص
ولا الذخر صفوف 12/ 94
بتل بناثا منيف 12/ 93
تداركني نفنف 13/ 21
أجارتنا فاصرفي 13/ 20
فرغتم مربع 13/ 4
قد بكاه ذروف 14/ 195
لو كنت علف 14/ 294
قولا واشرافي 14/ 371
فذكرت مصاف 14/ 371
ألا يا لهف 15/ 43
ولا صرفن الأجراف 16/ 59
لو أن ثقيف 16/ 100
أفتني مختلف 16/ 305
صبحناهم واف 17/ 89
هي شمس الظراف 17/ 23
ألا خفاف 18/ 76
لقد الضعاف 18/ 108 - 115
يابن تخفي 18/ 182
اذكروا مناف 18/ 232
اذكر السيف 19/ 224
ما لي السيف 19/ 248
يا نفس الخلف 19/ 110
بت الاطراف 19/ 48
من مناف 19/ 49
ابعد الحفي 19/ 251
اللّه أبا دلف 20/ 31
كسوتنيها الكثاف 20/ 396
مرت والشنف 21/ 38
أول البيت القافية ج/ ص
ألا أبلغ مدنف 22/ 242
تقول تذرف 22/ 213
نحن خندف 22/ 54
وشادن الوصف 22/ 212
لعن قاف 23/ 35
أول البيت القافية ج/ ص
يا للرجال تذرف 23/ 173
الانصراف حاف 23/ 77
ما انصفتك لم يقف 23/ 181
أقفر لطف 23/ 182
ق
أ لم نطق 1/ 177
غلق الاحشاء وأرق 2/ 128
ودعاني الحمق 3/ 201
يأبى فرق 4/ 74
يا من لقلب يفيق 6/ 230
ولسان يصدق 13/ 229
أوصل لحق 14/ 358
أن تقبلوا النمارق 15/ 190
لقد علمن واعتنق 16/ 57
وبدت له مولق 16/ 379
أنا نطق 20/ 205
وخيرني برق 22/ 88
كل ملق 22/ 276
لأعلفنّ المنطق 24/ 50
يا قوم الخرق 24/ 70
إن تقبلوا نعانق 24/ 95
قل لعبد موقا 3/ 147
قال حقا 4/ 77، 8/ 371، 10/ 108
باتت سابقها 4/ 119
ادخل خلوقا 4/ 214
لمن حلقا 4/ 243
لم خلقا 4/ 276
اتهجر وشائقه 4/ 284
يا يلقاها 4/ 307
كان فاخترقا 5/ 422
ما رعدت خلقه 6/ 310
سرى قلقا 6/ 23
يطعنهم اعتنقا 6/ 103
اعاتك ولا حقّا 7/ 124
الا قاتل ممزقا 8/ 231
إذا احببت الخلقا 8/ 356، 17/ 69
نام قلقا 8/ 366
بأبي خفقا 8/ 366 - 367
قد سحب فرقا 8/ 367
ايا جارتا ووامقة 9/ 122
فبيني بارقه 9/ 122
تسأل خلقه 10/ 52
سحور خلقه 10/ 66
لزينب لواحقه 10/ 140
خلّ النفاق الطريقا 10/ 45 - 58
قد جعل طرقا 10/ 289 - 305
أول البيت القافية ج/ ص
إن الخليط ما علقا 10/ 298
يا علي حقا 11/ 344
خليلي برقا 12/ 379
لام علي وفقا 12/ 379
أرقت عاشقا 13/ 11
أقول مسروقا 13/ 25
لا تعذليني افترقا 14/ 151
بني حققا 14/ 256
من عاشقين حلقا 16/ 164
يشعث والحدقه 16/ 204
تعلق أرقا 18/ 290
عليك والعراقا 18/ 124
عليك والرقاقا 18/ 124
ما لمن رمقا 19/ 85
نم عشقا 19/ 85
لا خلقى 19/ 11
لمن خلقا 19/ 168 - 180
أنا عبد رقا 19/ 225 - 245
يدل ناطق 19/ 77
رق يرقا 20/ 86
زعموا حقا 20/ 86
أرسلت مفيقا 20/ 101
لا تلحني مستحقا 20/ 248
قف المخلقا 20/ 327
أكثر يلقى 20/ 412
ألم الشقا 20/ 87
أدنياي أغرقا 20/ 88
ولكنما مزقا 21/ 338
أول البيت القافية ج/ ص
لقد خاب أزرقا 21/ 391
أ أفاق شفيقا 21/ 41
أبعد طارق 21/ 138
لعمري تخفق 21/ 297
لقد رزقت ارزق 21/ 396
اصبحت دمشقا 23/ 176 - 177
يا موفق 1/ 19
يوم الاطواق 1/ 40، 9/ 60
فلما ونشفق 1/ 149
افي ينطق 1/ 155
فإن دائقه 1/ 354
عبدان سيدهما الورّاق 2/ 160
لعمرك ان لشائق 2/ 61
فذاك وما محزرق 2/ 127
وما عسى عاشق 2/ 61
نار من الحرب العطب 2/ 32
متوسدين متّوق 2/ 280
هواي مع موثوق 2/ايا شبه ليلى لصديق 2/ 82
عسى أن طريق 2/ 275
تكاد بلاد اللّه تضيق 2/ 40، 9/ 203
إلى القائم يترقرق 3/ 286
عفتها المتبعق 3/ 287
يا أم الشفق 3/ 330
وانك تشفق 3/ 288
بأن الخليط علق 3/ 334
سلادار سملق 3/ 285 - 286 - 304
أول البيت القافية ج/ ص
وقال خليلي والتشوق 3/ 285
ولما التقينا افوق 3/ 213
وما انا اموق 3/ 225
حباني بريق 3/ 213
خليلي إن الخليق 3/ 240
وإن بقوا 4/ 121
أيها العلوق 4/ 213
فالتقينا تشوق 4/ 214
إي تروق 4/ 356
قد العتاق 5/ 31
إذا الصدق 5/ 398
أئن فانفرقوا 5/ 385
يا قلب انطلقوا 5/ 100، 6/ 208
هاج بروق 5/ 300
يا قبر وبروق 5/ 212، 22/ 86 - 92
سلي رفيق 5/ 193، 9/ 178
طلبوا اسحاق 6/ 13
بكر العاذلون تستفيق 6/ 76 - 78 - 92
ليت خلق 6/ 100
تقول منطلق 6/ 101
ومعجب والشفق 6/ 102
يكاد يندلق 6/ 103
لكل يخفق 6/ 154
لزينب لواحقه 6/ 182 - 201، 7/ 295
بان الحبيب القلق 6/ 221
ثم ثاروا ابريق 7/ 45
أول البيت القافية ج/ ص
احبك شفيق 7/ 202
اضربها معترق 8/ 59
يا زيق يا زيق 8/ 85، 9/ 334 - 336، 21/ 300
انكحت السوق 8/ 86
وما صائب وثيق 8/ 123
أ لم خيال وشائق 8/ 124
لمستعبر مهرق 8/ 202
إني تذكرت تنطق 8/ 217
اشاقتك وتشوق 8/ 217
قد أرسلني الرفق 8/ 220
أفي ينطق 8/ 225
أيها العلوق 8/ 266
أنت الأرق 8/ 370
أحار وتسرق 8/ 406
شفي عنقها 8/ 172
ستبرأ طريقها 8/ 172
أ لم سملق 8/ 145
أحرم عشقوا 8/ 370
رأيت طريقها 8/ 387
وكان حلوقها 8/ 401
تظل وراء يروقها 8/ 152
بنو النضر ومصدق 9/ 12
ايا خبث معلق 9/ 12
دع المتفلق 9/ 12
طرقتك تطرق 9/ 97، 22/ 119
لعمري تحرق 9/ 114
ارقت معشق 9/ 114
أول البيت القافية ج/ ص
ابا يسمع اعرقوا 9/ 117
وفيت وفيق 9/ 119
وان كنت فريق 9/ 179
دعوت صديق 9/ 179
إنني ملصق 9/ 229
اصبحت الموثوق 9/ 229
لعمري تخفق 9/ 332
أدارا يترقرق 10/ 112، 19/ 26
لطغيان يتخرّق 10/ 167
نطق الهوى الرّق 10/ 229
ويأمر كاد يسنق 10/ 275
إني لأحبس الطرق 10/ 314
إذا المال توامقه 11/ 192 - 193 - 194
لسانك طليق 11/ 272
عدمت طريق 11/ 272
ولو كان نطقوا 11/ 356 - 357
يمشون والحلق 11/ 363
أ يزجر لاهينا شقائق 12/ 257
ا يعذر لاهينا شقائق 12/ 257
فلا هو فمعتق 12/ 253
سلام أم موثق 12/ 253 - 270
ألا أهل يغلق 12/ 181
بان الخليط القلق 12/ 181
ونال رجالا المعلق 12/ 176
إني لأخلي الحمق 12/ 182
خذا انف طريق 12/ 262
خذا بطن طريق 12/ 261
أول البيت القافية ج/ ص
إذا المروق 13/ 65
إني العوق 13/ 91
جميل شناق 13/ 100
ولو طبق 13/ 206
لعمري لحقيق 13/ 264
شديد فاطاقوا 13/ 100
أتيتك رقيق 13/ 70
نبئت خلقوا 14/ 288
مواعيد ستبرق 14/ 323
المت والمائق 14/ 330
بني منطق 14/ 383
وهم منطق 14/ 288
شرابن معلق 15/ 337
ربيع والحقائق 15/ 366
وإني حمق 16/ 112
بني أسد وتحمقوا 16/ 305
منير أفرق 17/ 84
على لاحب مهرق 17/ 84
كبنيانة أبلق 17/ 84
إني لتعديني وتعنق 17/ 84
وظلّ مروّق 17/ 85
ابيت يتفق 17/ 85
اعاتك المطوق 18/ 59
عدس طليق 18/ 270
إذا عروقها 18/ 374، 19/ 7
هلا الحدق 18/ 70
ويروى أسوقها 19/ 7
أمن المشوق 19/ 25
أول البيت القافية ج/ ص
أيا تحرق 19/ 26
قلبي والحق 20/ 187
تجافى الأرق 21/ 79
أجاب الفرق 21/ 79
امسيت الموثوق 21/ 292
ألا طرقت تطرق 21/ 195
انائل تصدق 22/ 30 - 38
بليت تخلق 22/ 35
ألا حي وشائقه 22/ 186 - 187
وما ضر وذائقه 22/ 304
أ في رسم ينطق 22/ 7
كفى حزنا طارق 22/ 32
فإن تك المفارق 22/ 326 - 339
ولقد أتيت بالابلق 22/ 118
فتى عتيق 23/ 17
ضللت علق 23/ 162
ألا صديق 23/ 171
فمن كان يرزقه 23/ 28
ا لم تر طريقه 23/ 153
اغنيتني الورق 23/ 16
لقد مدحت الملق 23/ 19
ارقه يرزقه 23/ 125
قد علم مشتاق 23/ 176 - 177
ليت العقيق 1/ 27
سينصرني مساقي 1/ 411
وكم التراقي 1/ 411
خطب شفيق 1/م - ت 26
فأذهبي ما الوتاق 2/ 116
أول البيت القافية ج/ ص
أ أمرتماني أن الحبّاق 2/ 160
ساءها ما الاعناق 2/ 116
لا تبعدن العاتق 2/ 246 - 244
وفتيان صدق بالعواتق 2/ 169
امستقبلي نفح شائق 2/ 32
حنت إلى برق شائقي 2/ 240
الآن ابصرت مفارقي 2/ 216
بأبي الوليد الشارق 2/ 241 - 245
طرق الخيال العاشق 2/ 216
وتقول بغلاق 2/ 117
فإلى الوليد سمالق 2/ 241
إنني من الاعناق 3/ 139
ظعن الأمير الشرق 3/ 319، 11/ 191، 15/ 125
بات الملثق 4/ 309
ألا السحق 4/ 24، 15/ 278
أيا عائق 5/ 220
قد بالمحاق 5/ 353
اجرت بفراق 5/ 402
لست بساقي 5/ 56
تكلم بالنفاق 5/ 125
بعد عناق 5/ 55
طفلة العناق 5/ 54
وذاكر الخرق 5/ 347
إذا بارك العقعق 5/ 205
يمشون والحلق 5/ 252
ولقد المونق 5/ 371
لعمري لصديق 6/ 3
أول البيت القافية ج/ ص
وبينما ذا أنق 6/ 57
كتبت وبالحقوق 6/ 99، 1/ 352
ظبية العناق 6/ 128
شمت ابن الأزرق 6/ 147
عتق والعلاق 6/ 170
طعن الشرق 6/ 204
أراعك الطروق 6/ 228
عبد إني بالتلاقي 6/ 246
أم سلام المآرقي 7/ 84
هلا سألت بتلاق 7/ 152
وابيض شقائق 7/ 223
فلا زلن الأصادق 7/ 279 - 300 - 301
أريتك بالخوانق 7/ 284 - 288 - 289
ولما علوا علائقي 7/ 291
فهلا نظرت المفارق 7/ 291
يمشي بطلاق 8/ 25
شأتك المهرق 8/ 184 - 201
عتق والعلاق 8/ 268
وما جذع بمطيق 8/ 312
شربت بمستفيق 8/ 332
أذهب المروق 8/ 420
غدا المعتق 8/ 421
جرى عنّا عقاق 10/ 33
أميل مع الشقيق 10/ 47 - 211
يا من بالمخراق 10/ 59
أسرى الطارق 10/ 98
كأن صورتها العتق 10/ 99 - 100
أول البيت القافية ج/ ص
طال تكذيبي لمخلوق 10/ 179
بكّوا لم تخلق 10/ 191
طرقت المعنق 11/ 23
لعمرك بموفق 11/ 55
أنعم الخلق 11/ 186
وتنوء بالوسق 11/ 192
إذا صليت فسوقي 11/ 265، 20
/333
إني يذكرني على نيق 11/ 276
رحلت الوثاق 11/ 291
بنى مسجدا موفق 11/ 373
قلت لما بالعشاق 12/ 282
إذا ضمرية الوداق 12/ 185
نحن بنات النمارق 12/ 337
افني الشباب ومنطلق 12/ 322
إذا كان وترفق 12/ 324
حللت محلّ المتفلق 12/ 226
أ صادرة محنق 12/ 172 - 177
أ صادرة محنق 12/ 174
فالاتوات المرنق 12/ 227
ألا أبلغ الشفيق 12/ 110
يا والحق 13/ 38
يا يصدق 13/ 38
ألا المطوق 13/ 55
إذا المترقرق 13/ 56
يا ممدوق 13/ 63
يا بطلاق 13/ 203
يرى اسحاق 13/ 250
أول البيت القافية ج/ ص
ألا يا المتفرق 14/ 259
أبا العلاء وتخنيق 14/ 264
عصافير بروق 14/ 280
أ أحلم معلق 14/ 280
لو أن السوق 15/ 23
في البيت والصدق 15/ 126
يا ليت الخلق 15/ 274
وما ترك الفرزدق 25/ 392 - 393
ما بال راقي 16/ 62
نادي وفواق 16/ 63
إن ملاق 16/ 92
من سرّه المحرق 16/ 225
نصل لم تلحق 16/ 234
فما شهدت الحقائق 16/ 339
الحمد للّه يابن إسحاق 16/ 406
تراخي عوهق 17/ 85
تحن المتفلق 17/ 85
تحطم ولم يتفتق 17/ 85
ويوم موثّق 17/ 85
جلبنا ونوق 17/ 316
يا من شكا بالمشتاق 17/ 111
إن في الرفقة الرفاق 17/ 235
تلك عرسي عناقي 17/ 240
لئن كان بالابلق 17/ 334
أ لم اخرق 18/ 44
ألا توافق 18/ 93 - 95
لقد وحدائق 18/ 352
ألا نلتقي 18/ 73
أول البيت القافية ج/ ص
بيعة افقه 18/ 228
امري ملق 18/ 162
وأقسم الأسواق 18/ 289
أصبح طليق 18/ 199
كان الافاق 18/ 104
ومستطيل حذاق 19/ 231
فكل الساقي 19/ 232
ومن ساق 19/ 83
أسعدة تلاقي 19/ 170 - 171
بلى طلاق 19/ 171
فاصبح افتراق 19/ 171
ا ترى مشتاق 19/ 48
لاح صعقه 19/ 209
ما للزمان بتلاق 19/ 48
مهلا القلق 19/ 191
يا والب فانطلق 19/ 274
عدو الغبوق 20/ 172
علم الرائق 20/ 181
دليتني الغرق 20/ 181
ماذا البرق 20/ 349
تنح سوقها 20/ 352
يا معشر يعشق 20/ 3
وشاعر البارق 20/ 277
أحق خلقه 20/ 228
اسقني التلاق 20/ 276
وذان لم تطلّق 21/ 304
لا فضل الفرزدق 21/ 380
لعمري الفرزدق 21/ 389
أول البيت القافية ج/ ص
يا عيد طرّاق 21/ 132
اعاذل ما ألاقي 21/ 11
بحليلة العنق 21/ 150
ماذا بقلبي البرق 21/ 82
فيشلة شقشق 21/ 368
فارقت فراقها 22/ 236
ليتني بالعراق 22/ 4
فبالأبلق بالأبلق 22/ 117
عيرتني والنزق 23/ 30
يا بائع والسوق 23/ 60
أول البيت القافية ج/ ص
غنج حلقي 23/ 165
الراح رائقي 23/ 122
أمين مخلوق 23/ 142
قالت اعشق 23/ 194
قد رأيناك بالعقوق 23/ 66
إن يكن بالعقوق 23/ 66
إذا ابن والرحيق 24/ 3
طرقت للمعنق 24/ 48
كانت السوق 24/ 49
فهم الرجال متضيّق 24/ 50
ك
لقد حذرك 1/ 74 - 91 - 140 - 141 - 308
فهذا خبرك 1/ 88
واللّه فعالك 4/ 21
الحمد لك 4/ 27
مؤنس سلك 4/ 43
إن جمالك 4/ 51
يا اجمعك 4/ 112
أوجب بظرفك 5/ 191
إن حوارك 5/ 275 - 276
يا دار أراك 9/ 300
لو تنصلت ذنبك 10/ 225
لقد تنصلت ذنبك 9/ 296
أحلت كتبك 13/ 239
كيف نسبك 13/ 239
علّمني صلتك 16/ 391
طرحوا المعترك 17/ 3
إنما درك 19/ 261
أمة الحميد الأراك 20/ 202
غصبت نسبك 20/ 134
إلهنا ملك 20/ 62
ليت بقلبك 20/ 279
أبا سعيد صومك 20/ 173
واهلكت المبارك 22/ 20
قلبي يحبك 23/ 81
ما بان بعدك 23/ 104
ويأمر البرك 23/ 201
أنا البرك 24/ 95
كاد للسمك 24/ 229
ألا أبلغ قواكا 2/ 109
فإن تك خيلي مالكا 2/ 329، 15
/87، 18/ 74
أول البيت القافية ج/ ص
تقول لي أولئكا 2/ 160
فأضحى باركا 3/ 92
وأما بنو هالكا 3/ 92
ويا بؤس كذلكا 3/ 104
اللّه اليكا 4/ 67
ألا لشانيكا 4/ 83
أيها وراكا 4/ 331 - 324
وما بوفائكا 4/ 100
أيها العاتب لذاكا 7/ 50
سقى اللّه قصركا 7/ 158
وصف البدر اراكا 7/ 168 - 169
مررت النسكا 7/ 222
وما احتجب ذالكا 8/ 396
يا دراكا 8/ 133
ابا جعفر غلوائكا 10/ 44
دعني لا يراكا 10/ 61
هنتك أعاديكا 10/ 65
رأيت الهي لكا 10/ 200
أبا النضير من بالكا 11/ 290
إذا نلت قضائكا 11/ 316
تزوجت من لكا 12/ 315
حسبت هنالكا 12/ 307
رسالة رعاكا 13/ 97
أتاني كذلكا 13/ 97
فإن مناكا 13/ 97
يا بلاكا 13/ 150
اتوب مالكا 13/ 319
نظيره مالكا 13/ 319
أول البيت القافية ج/ ص
لعمري مشاركا 14/ 304
أبا عون اذنيكا 14/ 344
أقول ذلكا 15/ 90
يأيها ممشاكا 16/ 183
أين الشباب بل هلكا 16/ 402، 20/ 127 - 157
لا تعجبي فبكى 16/ 20
ألا أبلغ دلكا 17/ 86
سقاك وعلكا 17/ 87
فخالفت هل لكا 17/ 89
على بيعة مباركا 17/ 272
كأنك صوركا 18/ 169
ظلت وعكا 18/ 147
يأيها واصلك 18/ 163
أجبني ورآكا 19/ 193
فأنت سواكا 19/ 193
بلغت مداكا 19/ 193
ألاقل لقائكا 19/ 280
أسلم عنائكا 19/ 280
أسلم عنائكا 19/ 280
لا تعجبي فبكى 19/ 85، 20/ 125 - 126 - 127 - 153 - 154 - 179
لست منماكا 19/ 71
قالت لبيكا 20/ 348
كنا والأوراكا 20/ 399
إني وجدت منيكا 20/ 401
ماذا ذكراكا 20/ 421
خليفة عصاكا 20/ 421
أول البيت القافية ج/ ص
يا أبا شكا 20/ 53
ويلي شكا 21/ 69
كن لي عليكا 22/ 205
كيف جفاكا 22/ 165
صغير احتنكا 23/ 45
هذا سليمان سموكا 23/ 153
ساعين منكا 23/ 209
هطلتنا السموكا 23/ 104
يغنيك شكه 4/ 37
الموت ملك 4/ 98
إذا مالكه 4/ 16
ما إن له الملوك 7/ 58
بان الخليط سلكوا 10/ 307
يا أبا وتنتهك 14/ 33
أبيت المسالك 18/ 135
قد اتركه 20/ 281
تقول السماك 1/ 124
يظل بموماة المهالك 2/ 271
ما الفلك 4/ 105
يا عبد القاك 6/ 248
يا عبد وعدك 6/ 249
عبد فداك 6/ 252
أراني أراك 7/ 38 - 39
أم سلام كفاك 7/ 84
وشاطري بالنسك 7/ 155
أرى مسلك 7/ 287
أريدك سواك 8/ 357
قد ثبت تجنيك 10/ 167
أول البيت القافية ج/ ص
يا ربة والملك 10/ 168
جمعت المماليك 10/ 222
إن الخليط ابكي 11/ 175 - 177
عائش ابوك 11/ 188
وفد الوفود شريك 11/ 271
إذا كنت برمك 11/ 286
أنا واللّه اهواك 11/ 287
فليت أبا اسحاق هالك 12/ 143
أ في السلم العوارك 12/ 255
إذا الليل الفوارك 12/ 38
ضيعت تضييعك 12/ 52، 20/ 82
كنا بني غيظ كمالك 12/ 255
وفد شريك 12/ 72
خبريني من عليك 12/ 150
أنت رضاك 13/ 284
فدعيه فذاك 13/ 284
فليت مالك 14/ 194
يا وهب واسقيك 15/ 54
أحبك لذاك 15/ 289
أقول فارك 15/ 311
إنا كذلك 16/ 57
أ لم تروا بني مالك 16/ 124
حرّق أرواك 16/ 125
أنتم الهوالك 16/ 290
أبيني في شمالك 17/ 92
اطعت بذاك 17/ 105 - 106
إذا سلكت هنالك 17/ 323
إذا هبطت هنالك 17/ 325
أول البيت القافية ج/ ص
يا حمز فيك 18/ 120
ألاهل بالصعالك 21/ 162
اهلكت المبارك 21/ 313 - 331
أقول مالك 21/ 378
أول البيت القافية ج/ ص
يا رحمة فيك 21/ 88
فديتك ناظريك 21/ 65
لعمري بالمناسك 24/ 177
ل
يوما سربال 1/ 395
أنعم صباحا ترحل 2/ 153
أنا ابن ميادة عسل 2/ 327
عذبا كما الطّل 2/ 154
احسبت مجلسنا بمالك 2/ 116
تعرف أمس الأحول 2/ 153
لا كوفة الكسل 3/ 334
لابنة الجني كالخلل 3/ 129
إن سلمى الجمل 3/ 156
إنما عظم الجمل 3/ 156
إذا سعل 4/ 27
أقصدت والغزل 4/ 401
اشتهينا الابل 5/ 344
افخرتم آل عزل 6/ 55
ألا من المحل 6/ 205
كأن العسل 6/ 208
ان التقى قد دخل 7/ 58
وزق البازل 7/ 92
فتنة تشتعل 7/ 135
يا عين حمل 8/ 182
سميت بالجعل 8/ 281
دولة الدول 9/ 61
ارقت الجبل 9/ 88
وما زالت الأجل 10/ 49
لفضل الأمل 10/ 59
منفصل منفصل 10/ 172
وشادن المقل 10/ 195
كم من شمردل 11/ 52
لو لا كل حال 11/ 320
من هداه اضل 12/ودك سؤال 13/ 117
شاء بالباطل 13/ 147 - 148
إلا الذابل 13/ 147 - 148 - 149
ابن المعذل 13/ 235 - 236
يزيد المعال 14/ 180
اقبلي المعلل 14/ 193 - 194
اهاجك محتبل 15/ 7
وقالوا الثعل 15/ 8
بصبص الهلال 15/ 34
يا غراب فعل 15/ 177
إذا كلمته سعل 15/ 279
إن تقوى وعجل 15/ 372
أهيج كالخلل 16/ 49
أول البيت القافية ج/ ص
أحمل يميل 17/ 244
يا بني بالذليل 17/ 244 - 247
أبلغ الجزيله 19/ 28
يا رب وجذل 19/ 24
لولا القبيلة 19/ 188
من مقتول 20/ 385
راعه العذل 20/ 33
كل شيء يحتمل 22/ 208
أدلجت نزل 22/ 292
كأنها القلل 23/ 46
أطال والعاجل 23/ 151
ابن الباذل 23/ 151
أقدم بحدل 24/ 25
ويح عمرو كمل 24/ 73
ابعد الرّجال 24/ 24
عجبت المحيلا 1/ 54
سائلا طويلا 1/ 106 - 122
لما صهلا 1/ 121
عوجا المنزلا 1/ 121
سئمونا سهولا 1/ 122
حتى يعقلا 1/ 142
فلما دلولا 1/ 143
علق عقلا 1/ 159
حمل لشغلا 1/ 168
ودّع تسألا 1/ 207 - 282 - 301
يا أحالا 1/ 243
يا فعلا 1/ 244
لسنا معقلا 1/ 277
أول البيت القافية ج/ ص
خليلي ليتحولا 1/ 280
إني طائلا 1/ 339
وما بعلا 1/ 360
أماطت مهلهلا 1/ 404، 19/ 216 - 221 - 237
أقل جودي خبلا 2/ 224، 3/ 340
يابن الخبيثة رجالا 2/ 266
فلا وردن ورجالا 2/ 266
أعوذ بجدك السّجالا 2/ 186
ولقد عطفنا مجالا 2/ 421
ما ان تركن خلخالا 2/ 421
ولبست المحتال 2/ 265
نازعتهم خضل 2/ 103
يدعو النبي جلالا 2/ 218
أنعم اللّه وسهلا 2/ 220
فيقال سجالا 3/ 292
إن المطايا ورمالا 3/ 193
لقد كان خبلا 3/ 226
مالي مثلا 3/ 145
عميت مؤثلا 3/ 142
أسلمت زلالا 3/ 128
ذهب ضلالا 3/ 291
لم أرحب واهلا 3/ 340
اعاذلتي جهلا 3/ 226
إذا قال مهلا 3/ 226
وهبت أولا 3/ 228
ودع التواني ذلولا 3/ 100
إذا أقبلت جفولا 3/ 112
أول البيت القافية ج/ ص
فلما سبيلا 3/ 366
أ أسيدان رحيلا 3/ 99
قل لسعد مخيلا 3/ 360
ولما رأيتك الجميلا 3/ 45
ألا حالا 4/ 24
فصنع خلخالا 4/ 27، 15/ 279
ألا ادلالها 4/ 33
إني حبالا 4/ 38
إن رمالا 4/ 38
ما نالها 4/ 53
إذا الخليلا 4/ 67
إن الخليلا 4/ 77
افنيت والمالا 4/ 89
ليتني الوعولا 4/ 128
ليطلب احوالا 4/ 120
من سبيله 4/ 195
خليلي مثلا 4/ 215
بدل الابدال 4/ 224
كانت وسعالا 4/ 287
أبا باموالها 4/ 395
أذل وبيلا 4/ 344
فإن جميلا 4/ 344
إن فعلا 4/ 294 - 295
لو سربالا 5/ 23
ليس القتالا 5/ 50
هلّا زالا 5/ 15، 11/ 130
إذا إذ قالا 5/ 15
تلك ابوالا 5/ 16
أول البيت القافية ج/ ص
ويوم ازوالا 5/ 14
أما ذيالا 5/ 14
لأسماء البلى 5/ 303 - 304 - 384
حصنين التلاتلا 5/ 13
ألا محجلا 5/ 16
تركنا مجدّلا 5/ 55
أعاذلتي العذلا 5/ 333 - 334
دعي فيشلا 5/ 17
وإني فيصلا 5/ 13
أنابغ مجعلا 5/ 17
ويوم مفلفلا 5/ 24
ومنا تحللا 5/ 44
فيالك ضلالا 5/ 14
جهلت مضللا 5/ 14
وما تشملا 5/ 16
أنابغ مجهلا 5/ 16
أمن آل مثولا 5/ 290 - 333 - 334
أيها دخولا 5/ 57
ونحن تخيلا 5/ 38
ألا ثقيلا 5/ 220 - 162
أزجر غليلا 5/ 56
تولى جميلا 5/ 267 - 314
انبضوا الفحولا 6/ 103
يا صاحبيّ تفعلا 6/ 130
إن الخليط فعلا 6/ 177
طرق الوصلا 6/ 218
صبا قلبي أثيلا 6/ 222
أول البيت القافية ج/ ص
أنا النذير الدخلا 7/ 10
شمن قفلا 7/ 24
أنا الوليد الغزلا 7/ 44
دعوا مالا 7/ 79
كذبتك خيالا 7/ 81
أنا ابن سائله 7/ 114
إذا اقبلت جفولا 7/ 142
يابن الإمام الأملا 7/ 164
حب أبي مقبلا 7/ 205
يا منزلا تبلى 7/ 302
بثينة نبلا 8/ 128
فأقسم اهلا 8/ 87
مات قليلا 8/ 88
إلى ثعلا 8/ 134
اعنبس ضلالا 8/ 274
ولقد شمالا 8/ 284
إذا بطولا 8/ 289 - 317
ركأس العقولا 8/ 296
فما استقالها 8/ 288
لو قد الأخطلا 8/ 300
والتغلبي الأمثالا 8/ 318
أ أثلة خبالا 8/ 350
توهمت الطلولا 8/ 373
وبيض وصولا 8/ 319
اهابك رقالا 8/ 335
فشووا حليلا 9/ 81
يا لهف الحلاحلا 9/ 88
فكم بالصعيد افعله 9/ 95
أول البيت القافية ج/ ص
ألا ما سربالها 9/ 96
استأثر الرجلا 9/ 113
إن محلا مهلا 9/ 125
أتتني سبالها 9/ 162
ألا اصبحت بدالها 9/ 164
سلمى منزلا 9/ 249
هل هلالها 9/ 305
وأقسم اهلا 9/ 336
توهمت الطلولا 9/ 344
لاقت وبيلا 10/ 28
واقبلت الرسولا 10/ 51
رد قولي والعذالا 10/ 58
اصبحت هزيلا 10/ 59
أقمنا زوالا 10/ 87
تفديك عديلا 10/ 181
لم ينصبوا مجهولا 10/ 208
أمسيت تحويلا 10/ 240
من مجمل جميلا 10/ 255
كفى وشفى هزلا 10/ 276
من يشتري تسهلا 10/ 292
أمن أم مثولا 10/ 300
قبح الجهولا 11/ 13
أبني كليب الاغلالا 11/ 55
أ أجمع هالا 11/ 57
جزاك اللّه الخليلا 11/ 98
أتاني التبولا 11/ 98
ونحن حبسنا أقبلا 11/ 136
أكلكم مقبلا 11/ 143
أول البيت القافية ج/ ص
قضينا هزالا 11/ 149
يقولون سفرجلا 11/ 267
ستعلم زالا 11/ 313
لما خطبت لك مالا 11/ 320
كأن عطارة وانتعلا 11/ 358
أبلغ جهلا 11/ 376
يا عم عجلا 11/ 377
شربت الخمر بالا 12/ 201
انسيت يومك وبالا 12/ 200
امرعت جمالا 12/ 105
يكون الخال والجمالا 12/ 88
اجد اليوم عجالا 12/ 158
أجد اليوم الجمالا 12/ 167
حاولت المخاله 12/ 320
انا الصقر اندخالا 12/ 163
إذا وعدتك والمطالا 12/ 162
وإذا طلبت الاعمالا 12/ 301
نقاتل اقواما حجلا 12/ 169
استأثر الرجلا 12/ 4
وما حسبت بعلا 12/ 117
سقى حقلا 12/ 117 - 168
اقلني يابن ضلالا 12/ 167
إن كان جرمي المأمولا 12/ 91
أريت خليلا 12/ 31
كثوب السبيلا 13/ 194
إذا مقالا 13/ 157
سمعوا لالا 14/ 67
ونحن اشكالا 14/ 80
أول البيت القافية ج/ ص
فيا وثيلا 14/ 81
ليس كملا 14/ 166
إذا القرشي الفعالا 14/ 167
في الحي وصلا 14/ 196
سأشكر حلّت 14/ 223
كم من مقتولا 14/ 266
واخلف حلالا 14/ 295
اعددت الأول 14/ 345
ليت خبله 15/ 39
فيا عز مهلا 15/ 136
أ لم يأن العقلا 15/ 137
ألاقل حالا 15/ 279
لئن طولا 15/ 365
شرد الاباطيلا 15/ 366، 17/ 186
الحمد للّه سربالا 15/ 369
وقافية تلالا 15/ 393
وأقلف حلال 15/ 393
وشاد تأثللا 16/ 51
كهول الجاليه 16/ 53
يا أيها السبلا 16/ 113
وإذا قليلا 16/ 177
وذي سنة مجهلا 16/ 219
ألا من الثكلى 16/ 265
لم يطيقوا النزولا 16/ 320 19/ 167
جئن ولين الملا 16/ 346
حاولت لا محاله 16/ 375
أول البيت القافية ج/ ص
ما زالت الأيام أو عاقلا 16/ 398
وندمان مهلا 17/ 238
تألق اقتبالها 17/ 15
أئن رحلت طولا 17/ 186
اشرب محلالا 17/ 302
لا يطلب احوالا 17/ 312
نزلت أن يزولا 17/ 83
تزيد الأرض ثقيلا 17/ 83
هتفت قليلا 17/ 98
أبرّ جدالا 17/ 191
إن القضاة فصلا 17/ 218
راح جميلا 17/ 284
لقد جمالها 18/ 366
رأيت بلالا 18/ 31
إني هديلا 18/ 53
آل الزبير فأحالها 18/ 134
إن لها 18/ 330
ويبيت لأقلها 18/ 331
اصرف مخيلا 18/ 347
قل طويلا 18/ 156
قالا سبيلا 18/ 353
نأتك خيالا 18/ 138
عشية عكلا 19/ 3
من اللاء المغفلا 19/ 217 - 218
سأبكيك همولا 20/ 243
كأن جلالا 20/ 47
صحيح رسولا 20/ 247
أول البيت القافية ج/ ص
حيدي عيالها 20/ 38
استوجب فحلا 20/ 189
قالوا العقلا 20/ 190
لو لا القبيله 20/ 411
بأبي كليلا 20/ 13
أ ليس خليلا 20/ 26
وندامى قليلا 20/ 192
أما ترى فاعتدلا 20/ 93
زعموا أملا 20/ 285
عجب بلالا 20/ 3
الا منهلّه 20/ 109
إن كان سبالها 21/ 259
ترى غالا 21/ 321
إليك حلالا 21/ 323
أ لم نفيله 21/ 120
الا أبلغ المقاله 21/ 147
أرى رئاله 21/ 143
لما تمالى فجالا 21/ 247
مات قليلا 21/ 387 - 388
لن نجد فلا 21/ 396
لو أنها قبله 21/ 131
مالك رفله 21/ 131
ما لقتيل لا رأس له 21/ 246
لو لا جرير بجيله 21/ 305
ظل السخالا 21/ 3
فاصبحت اهولا 21/ 168
ولم اطلقت انحلالا 21/ 309
أول البيت القافية ج/ ص
فإن وشمالها 21/ 362
وما قربت بجيله 22/ 1
لو أن رجلا رجلا 22/ 349
يا شريكا محاله 22/ 89
إن المكارم وشمالها 23/ 215
أيها طويلا 23/ 63
دفع اللّه عليلا 23/ 64
أقسمت النجلا 24/ 89
كنت مختالا 24/ 3
انا الذي انتشالا 24/ 191
إلى الرسول 1/ 8 - 382
إني العقل 1/ 109
هاج محول 1/ 183
فقلت ليفعلوا 1/ 279
خليلي ليتحولوا 1/ 280
أناخوا يتسربلوا 1/ 284، 11/ 63
يقول يقول 1/ 352
اصبت قبل 1/ 360
يومان فصل 1/ 374
فوددت يشغل 1/ 381
كان والشكول 1/ 406
قد جرّت الوابل 2/ 304
يا ليت شعري شملوا 2/ 420
هم ركب السّبل 2/ 400
لقد حثوا يئلوا 2/ 40 - 402
أول البيت القافية ج/ ص
فاتخشن اتنحل 2/ 166
وأنعظ أحيانا العذل 2/ 409
لمن الديار الأعزل 2/ 284
ليالي مواصل 2/ 86
امزمعة غافل 2/ 78
فو اللّه عقل 2/ 286
لمية خلل 2/ 342
دار كالخلال 2/ 342
أظن هواها ولا أهل 2/ 46
فمن للقوافي جرول 2/ 165، 17/ 82
ذد الدمع حتى دليل 2/ 79
لا يقع تهليل 2/ 169
بان الابل 3/ 326
يا ربع الوابل 3/ 306، 15/ 276
لعرفت قبل 3/ 314
فلما ترجت نكحل 3/ 80
وابكي فلا تبذل 3/ 289 - 301
قد بدلت يعلو 3/ 316
اني وما العقل 3/ 313 315 - 342
يسعى بها معتمل 3/ 24
فلم يحفظوا اجملوا 3/ 267
امنا اناسا وأوهموا 3/ 267
عفت السهل 3/ 327
فديتك اقول 3/ 266
أول البيت القافية ج/ ص
اناس تقولوا 3/ 267
الا أن وتموّلوا 3/ 80 - 86
لعمرة بين ومحيل 3/ 272
حذا خالد واصيل 3/ 173
فان تحسبوها ذليل 3/ 272
ترمي الميل 3/ 327
رأيت حلو 4/ 41
طول معقول 4/ 71
وكان عقول 4/ 79
فقصر مزيل 4/ 79
سيعرض خليل 4/ 109
غدوتك تنهل 4/ 130
اقام يعدل 4/ 144
شهدت على 4/ 152
ابن تجعل 4/ 257
اقول القبائل 4/ 237
لعمري المثمل 4/ 238
أفي هامله 4/ 384
الم بواطله 4/ 392
أنال دليل 4/ 357
كأن الهياكل 4/ 338
هل النخل 4/ 317
سعى يألوا 4/ 326
أنا تسأل 5/ 411
من يرى عجال 5/ 133 - 134
عليك وابل 5/ 257
أول البيت القافية ج/ ص
وابكي تبذل 5/ 96
إن نزل 5/ 396
هل المبطل 5/ 201
اما وينتعل 5/ 301
انظر عاقل 5/ 212
فان يك منهل 5/ 213
وجلّله يزول 5/ 388
قد وأقول 5/ 99 - 100
أيا سبيل 5/ 319
وآمرة سبيل 5/ 322
قفي رحيل 5/ 318
أليس يستطيل 5/ 387
هل العليل 5/ 318
أ ليس قليل 5/ 319
هل طويل 5/ 332 - 379
تضحك يستهل 6/ 87
له لحظات ونائل 6/ 109
وأبكي تبذل 6/ 155
فؤادي همول 6/ 154 - 155
ودّع قليل 6/ 156
وقفت تسيل 6/ 163
أتيتك الحيل 6/ 168 - 169، 20/ 240 - 242
أيها الناعب ومسول 6/ 233
اسلم والسبل 6/ 307
أول البيت القافية ج/ ص
لم تمش الكلل 6/ 313 - 320
تعيرنا قليل 6/ 315 - 322
كرّوا نفل 6/ 358
إذا أنت مقال 7/ 14
ثم القرآن الرسول 7/ 58
إنكم تضلوا 7/ 58
ألا لا عقل 7/ 125
فمن يك العزل 7/ 134
ولا توعد وبيل 7/ 144
ألا أيها تفعل 7/ 145
أ لست مستقبل 7/ 179 - 212
هل عند تضليل 7/ 247
فقلت مرسل 8/ 107
يقيك رسول 8/ 109
سرى المفتل 8/ 42 - 299
ان الذي واطول 8/ 45
ليس تقتل 8/ 51
ألا اجمل 8/ 130
ألا سبيل 8/ 127
فللّه تململ 8/ 131
ألا جميل 8/ 132
فيا وتبخل 8/ 130
على حين المؤمل 8/ 131
إن الذي واطول 8/ 45
أول البيت القافية ج/ ص
سلام سبيل 8/ 165
لعمري مكمل 8/ 169
ألامن أجمل 8/ 201 - 204
احارب فأعقل 8/ 212
فإن قبول 8/ 311
اسلام غول 8/ 337
نزلنا ننالها 8/ 55، 18/ 17
يظل حيالها 8/ 56
عجبت رجالها 8/ 56
غضبت رجالها 8/ 57، 18/ 19
اضربها سلالها 8/ 59
لبست وجلاجله 8/ 76، 18/ 329
إذا سبيلها 8/ 99
بينا فحلها 8/ 119 - 120
وإني بلابله 8/ 105
لو إنك غياطله 8/ 162 - 163
ويوما باطله 8/ 162
بنفسي أنامله 8/ 162 - 170
الا حبذا جائله 8/ 164
فكان الذي سعالها 8/ 166
أرى الأثل غوائله 8/ 182
أول البيت القافية ج/ ص
فتى وأباجله 8/ 183
وقفت هامله 8/ 212
سقى ووابل 8/ 214
قد كنت امله 8/ 217
لقد جاء حجولها 8/ 398
إن اك لطويل 9/ 6
حيتك جمل 9/ 33
يا حسن البطل 9/ 42
وهب جرول 9/ 78
نازعتهم خضل 9/ 112
إذا قلت أقول 9/ 146
ودع الرجل 9/ 152
نحن الفوارس عزل 9/ 155
تسمع زجل 9/ 156
لنا صاحب شاغله 9/ 164
انبئت النضل 9/ 180
ألا يا الحلول 9/ 187
ويوم مني مقالها 9/ 201
إذا ذكرت البلابل 9/ 213
إن من عطبول 9/ 229
وهل أنا بغل 9/ 230، 16/ 54
ان المرء جميل 9/ 262
اصبحت الشمل 9/ 276
قالت الليل 9/ 290
أ أمك تقول 9/ 308
يقصر طويل 9/ 308
أمن ذكر شلشل 10/ 39
أول البيت القافية ج/ ص
ولكن مال 10/ 44 - 50
تشابه الفضل 10/ 80
بنو مطر أشبل 10/ 90
أيا سروة سبيل 10/ 164
إذا ظل فيحول 10/ 180
إن اسماء مرسل 10/ 196
هي النفس وتعدل 10/ 202
أطاهر قائل 10/ 209
إن كان الباطل 10/ 218
أزيد سيل 10/ 234
فما بك قبل 10/ 290
تداركتما النعل 10/ 298
صحا القلب فالثقل 10/ 302
على مكثريهم والبذل 10/ 306
إنا محيوك الطيل 11/ 23
له لحظات ونائل 11/ 68
فر ابن متل 11/ 134
زعمت الرحائل 11/ 141
كفيت حمال 11/ 175
وذي حاجة سبيل 11/ 207
بعيد باطله 11/ 237
أ لم تر يفعل 11/ 265
أحب الثقيل 11/ 315
قرى ضيفه يتذلل 11/ 331
برئت قالوا 11/ 339
قفي يا قبل 12/ 258
أن يشرف القتل 12/ 367
أول البيت القافية ج/ ص
فإنك أعجل 12/ 202
عفا من فالمتنخل 12/ 20
وأي أخ منزل 12/ 53
لعمرك أيها تنتقل 12/ 334
فكنت المعلى يتقلقل 12/ 41
رأيت زيادا سائله 12/ 312
رأيت زيادا مقاتله 12/ 311
نبئت أن والعمل 12/ 312
اذا جعل ويحمل 12/ 37
إذا ظل فيحول 12/ 155
تمادى السيول 12/ 146
وكان النجم سهيل 12/ 199
يابن بيت سراويل 12/ 104
بلغا الجمال 13/ 5
وينهض الصلاصل 13/ 5
سأمدح رذل 13/ 7
أتاني وتقول 13/ 11
لا والحلل 13/ 14
مررت والسائل 13/ 35
وسائله نحاول 13/ 48
إذا الصياقل 13/ 49
إذ يحول 13/ 51
تعلم وكيول 13/ 52
لعمرك الطويل 13/ 54
أيها ذليل 13/ 54
علاني نهل 13/ 63 - 76
ليس قليل 13/ 67
فتاة الزنجبيل 13/ 79
أول البيت القافية ج/ ص
يجرد متحافل 13/ 152
وقد مزايل 13/ 152
تركت ومعول 13/ 170
ألا ناضل 13/ 211
ستمنعنا الصياقل 13/ 212
أبلغ نبل 13/ 263
وما الفوائل 13/ 264
أيا تبادل 13/ 339
ألا ونائل 14/ 15
ومن يحاول 14/ 15
نغفل موئل 14/ 63
في حسب مجفل 14/ 64
لا حين متصل 14/ 94
كفاك الرجل 14/ 111
قتلني المطلول 14/ 132
فكر النحول 14/ 209
ترى هوامله 14/ 216
أبلغ مقاتله 14/ 221
تراه نائله 14/ 224
أ لم يزايله 14/ 225
تداركني العواسل 14/ 253
تهددني بعل 14/ 257
لا يعرف مجهول 14/ 266 - 268
يابن جليل 14/ 325 328
يا مطيع جهول 14/ 367
له حزم ثولول 14/ 379
أول البيت القافية ج/ ص
لأن آمل 15/ 24
لقد حثوا يئلوا 15/ 32، 16/ 9
واخضع اتنصل 15/ 35
وحبك أحاوله 15/ 36
وبي تزاوله 15/ 36
فلا فتحملوا 15/ 420
تفهم الوبيل 15/ 50
لعمر جهول 15/ 50
وقد كنت أقول 15/ 131
أ لم تعلمي وعقيل 15/ 315
إذا لم فضل 15/ 337
لعمرك بخيل 15/ 338
أتيت هلال 15/ 340
غدرتم سبيل 15/ 347
ولا أكون مأكول 15/ 351
خلي يزول 16/ 63
يسعى كاهله 16/ 107
ظللت كبل 16/ 115
وأيدي أجمل 16/ 116
ولما رأيت يتبذّلوا 16/ 180
وأبيض أسأل 16/ 222
هذا للفؤاد وعميل 16/ 236
وتزعم المتعول 16/ 260
ما يحبس وحجول 16/ 290
لعمري الحبائل 16/ 295
أرى الحوامل 16/ 297
تخلصت لا يغيره حال 16/ 343
أول البيت القافية ج/ ص
يا ليت شعري قليل 16/ 353
لم يبق ولا سمل 16/ 395
باللّه قل ما فعلوا 16/ 399
زيادتنا تتلوا 16/ 31
زيادتنا تتلوا 16/ 31
فيا رب المعوّل 17/ 4
ألا هل عم مقبل 17/ 16
فيا ساسة مقول 17/ 17
ربت يتركل 17/ 18
يصيب أوّل 17/ 24 - 31
تجود لكم تحجل 17/ 34
ألا قد أرى خليل 17/ 111
فلا زال ووابل 17/ 161 - 165
أتاني مواسل 17/ 395
إن أباك الغوائل 17/ 397
بانت سعاد مكبول 17/ 81 - 87
إن الرسول مسلول 17/ 88
لا يقع تهليل 17/ 89
كانت الاباطيل 17/ 89
كأن مشيتها ولا عجل 17/ 129
إنّا الطيّل 17/ 177 24/ 20 - 47
إن نبيها تفضيل 17/ 280
يا خالد والجبل 17/ 350
يحاولني سبيل 17/ 259
من كان مثل 17/ 91
لو فات وكل 17/ 211
أول البيت القافية ج/ ص
إلى آل الاسهل 17/ 13
أأنت حلول 18/ 23
بلاد أهل 18/ 42
وليس تطول 18/ 235
قبائل كلول 18/ 307
اشاقك وحمول 18/ 306
سيعرض خليل 18/ 346
أقول اوائله 18/ 3
وإن قليلها 18/ 41
قربت حيالها 18/ 160
وما المقبل 18/ 323
لا الاجل 18/ 120
أملل ويميل 18/ 161
الا تنويل 18/ 193
أنا أنازله 18/ 128
ما على فعله 18/ 158
ارحلا الطلول 18/ 301
أني مجاهل 19/ 9
أتتك النصل 19/ 59
وردت الجزل 19/ 59
فروع الاصل 19/ 59
وددت يفعل 19/ 97 - 98
محمد يتهلل 19/ 229، 23/ 179
قتلنا باطله 19/ 29
نزلت آلها 19/ 100
فزاره نضالها 19/ 185
فإن حالها 19/ 185
أول البيت القافية ج/ ص
صاحبا اترحل 19/ 3
بان الرمل 19/ 291 - 293
إذا ظلّ 19/ 111
مياس مجهول 19/ 47
أما جليل 19/ 50
يا كلب مرسل 19/ 199
إني كحل 19/ 228
بالغمر أحوال 19/ 53
وقائل مال 19/ 53
دماء يعدل 19/ 76 - 89
أبأي يزايل 20/ 29
أ يحي ونائله 20/ 241
أبا ظبية قائله 20/ 241
صحيح رسولها 20/ 247
من أثال 20/ 289
وبكى العاذل 20/ 278
متى القتيل 20/ 242
الحاكم طويل 20/ 243
بجسمي القليل 20/ 285
وكاد أعول 20/ 349
إن وأطول 20/ 295
بيت نهشل 20/ 296
عاتبت تقبل 20/ 278
إن التي رسول 20/ 65
كم الطويل 20/ 10
هل سبيل 20/ 52 - 58
تعلق الموصل 20/ 160
أول البيت القافية ج/ ص
وعاديت ينبلوا 20/ 161
أمطلب ومستقبل 20/ 162 - 184
وقولي المنحل 21/ 1
وبالشعب جامل 21/ 159
فجع الأرامل 21/ 210
لعمري لقليل 21/ 222
تهيم ولا شغل 21/ 229
فلا تيأسا شمال 21/ 242
ألا طرقتك تقيل 21/ 242
وكم لك حامله 21/ 218
إذا جئته سائله 21/ 309
أنا الدهر يطاوله 21/ 356
أطاعت ذلولها 21/ 287
لعمري عقولها 21/ 291
لئن نفر بدالها 21/ 399
هل حبل مشغول 21/ 25
لما نزلنا المراجيل 21/ 26
حذاني الخليل 21/ 209
أحلامنا نجهل 21/ 306
ليس تقتل 21/ 324
إذا حلّ الرسول 21/ 383
يا بيت موكّل 21/ 95 - 98 - 103 104 - 105
أبكى معوّل 21/ 111
أين نجذل 21/ 112
والفحل يتنحل 21/ 201
قتل لا يقتل 21/ 248
أول البيت القافية ج/ ص
ليس الكرام نهشل 21/ 305
ان ابن مسلول 21/ 308
وأنا المخول 21/ 397
الدار رحيلها 21/ 93
نحن الزّل 21/ 161
أ أبكاك المحول 21/ 89
إلى حالد المؤمل 22/ 25
وسألتموه يشكل 22/ 181
لئن آمل 22/ 256
فلو كنت سبيل 22/ 330
دعوا من لا يقاتل 22/ 340
الليين يوصل 22/ 359
فحييت المضلل 22/ 337
مررت تحيلها 22/ 35
نزل سبيل 22/ 142
فيم جليل 22/ 253
خليلي المحمل 23/ 1
أ أنبز فعاقل 23/ 23
وهبتم يؤثل 23/ 144
ومالي أتوسّل 23/ 145
قالوا أيلول 23/ 65 - 108
إني تبجيل 23/ 65
الجود يحتال 23/ 99
أرى يهطل 23/ 121
سل العجال 23/ 172
أبا الأطول تطويل 23/ 166
قل للذين جحفل 23/ 245
مدمن مملول 23/ 186
أول البيت القافية ج/ ص
ابك تسهيل 23/ 98
كيف الحيل 23/ 82
إنما أنت عقل 23/ 39
ايا من دعاني لا يبذل 23/ 178
ألا هل سبيل 24/ 135 - 136 - 139
أريد ثقيل 24/ 136
ولي صاحب لا يعلّل 24/ 174
عقيلية فقليل 24/ 218
اتدعى سليل 24/ 240
يمشين نتكل 24/ 20
ينضى ترتحل 24/ 20
قد يدرك الزلل 24/ 21
وربما عملوا 24/ 21
لاذا يعتدل 24/ 21
كانت خبل 24/ 48
أقول الرحل 24/ 48
أقول والرجل 24/ 99
ما بال عينك منبزل 24/ 103
أتانا النهال 24/ 89
يا كلب مرسل 24/ 31
حتام ذهل؟ 24/ 253
لقد البخل 1/ 114 - 117
جرى قتلي 1/ 115 - 116
خليلي قبلي 1/ 116 - 117
فقالت اهلي 1/ 116 - 118
فقمن أجلي 1/ 116
ولست بقليل 1/ 134
أول البيت القافية ج/ ص
يأهل خلال 1/ 153
أ لم كالخلل 1/ 182
تصابى زائل 1/ 189
كدت الرحيل 1/ 195
شربت قاتلي 1/ 209
إذا لسائل 1/ 210
حبذا الرحال 1/ 213
ما أحوال 1/ 217
قم اجمال 1/ 217
مرحبا الرحيل 1/ 241
يا العذّل 1/ 296 - 305
يا للبخل 1/ 334
أبا بانتحال 1/ 366
الا المشلّل 1/ 406
أدل مستحيل 1 - م - ت، 29
أصبح البال 2/ 257
سيخطئك جبالي 2/ 415 - 416
فسل الهموم انتقال 2/ 221
عصف الدهر حال 2/ 135
رأيت من مقالي 2/ 9
فيا لك من بيذبل 2/ 196
تمر كجندلة القتال 2/ 219 - 220
من رآنا زوال 2/ 134
ليت شعري السؤال 2/ 110
فماذا تخطرف وجال 2/ 221
أذئب الفقر أم الليالي 2/ 173
خيال لجعدة اندمال 2/ 221
وهل أجمعنّ عبل 2/ 324
أول البيت القافية ج/ ص
يغشون حتى المقبل 2/ 196
جرى ناصح قتلي 2/ 369
تجاوزن عن كالأجل 2/ 57
فما انس م المكاحل 2/ 293
باستك إذ أتنحل 2/ 166
لقد فرح الخل 2/ 371
كأن لم تكن فالنخل 2/ 86
قفي البغلة الجزل 2/ 372
أ أعقر من منازل 2/ 13 - 30
ظللنا وقوفا شغل 2/ 337
وشغلت عن شغلي 2/ 39 - 71
وما الزبرقان متوكّل 2/ 194
واستيقنت بلال 2/ 298
فظل يسّوف التلال 2/ 222
ربّ ركب الزّلال 2/ 95 - 96
لعمرك ما كلال 2/ 331
إذا ما ناضلي 2/ 30
الا ليت والرّمل 2/ 311
خلت وحرمل 2/ 290
الا ليت اهلي 2/ 310 - 324
الا ان ذهل 2/ 254
ان اليمامة ذهل 2/ 158 - 160 - 161
ان اليمامة ذهل 2/ 161
إذا حل كاهلي 2/ 293
تجلو معلول 2/ 201
وكنت الزوائل 2/ 293
أول البيت القافية ج/ ص
فيا ليت البدائل 2/ 293
تمنيت القبائل 2/ 261
كأن البالي 3/ 196
قالوا اشبالي 3/ 220
قطعت ترحال 3/ 254
وكيف يخف الثقال 3/ 168
هلا سألت بوالي 3/ 315
نادى زوال 3/ 300
تبع عديا الاوائل 3/ 75
الا ليت الحبل 3/ 261
افق يا جبلي 3/ 36
اني قصدت مثلي 3/ 303
كان فضول حجل 3/ 264
لعل ارتيادي بالرحل 3/ 79
لا طالبا العزل 3/ 303
انك يا تزلزل 3/ 284
حي شكلي 3/ 304 - 308
رحل الشباب متحمل 3/ 312
أليس ورائي اهلي 3/ 82
ولنافع بالتفضيل 3/ 230
قطعت رجالي 4/ 14
كسلني كسل 4/ 21
أخت بغل 4/ 22
يا عذل 4/ 22
قد الكحل 4/ 23
ما بالضلال 4/ 26 - 23
سوف أمل 4/ 28
اللّه الرحل 4/ 44
أول البيت القافية ج/ ص
كأنها الساحل 4/ 45
خليلي قبلي 4/ 45 - 267
يا مالي 4/ 54
أيا الحبائل 4/ 60
ما بالي 4/ 72
تعالى الرجال 4/ 83 - 75
مددت الحبال 4/ 85
أراك خيالي 4/ 86
مددت السائل 4/ 87
نرد داخل 4/ 87
رب تفعل 4/ 87
هب زوال 4/ 98
رزان الغوافل 4/ 153
حصان الغوافل 4/ 162 - 164
ونسلمه الحلائل 4/ 190
أيا رسائلي 4/ 247
ايهذا مالي 4/ 249
سليمان واعدل 4/ 235
ارسم كالحلل 4/ 378
يا الرسول 4/ 360
ما مقتل 4/ 265
ما سبيل 4/ 265 - 266 - 267
الا بقفول 4/ 266
ان الثقل 4/ 335
وحللت سهل 4/ 336
يا الجليا 4/ 248
عسى بجباليا 4/ 280
أول البيت القافية ج/ ص
خليلي بداليا 4/ 291
كلما خليلي 4/ 297
لقد ليا 4/ 330 - 333 - 337 - 338
إذ أبو رغال 4/ 307
تعلقت آمال 4/ 10
إذا زرت نائل 5/ 82
إذا ما وائل 5/ 136
كنت حال 5/ 333
ثكلتني وخالي 5/ 58
يابنة تسألي 5/ 63
قربا حيالي 5/ 163
لا ابلي 5/ 261
شبيبة الوبل 5/ 322
لا الاجل 5/ 260 - 261 - 262 - 264
سقى النحل 5/ 331
أبعد وجندل 5/ 104
ومكحولة خدل 5/ 321
خليلي المنازل 5/ 263، 9
/278، 18/ 22
أيا ويح السلاسل 5/ 163
وأنت الموصلي 5/ 385
تقول الفضل 5/ 347
ولقد هيكل 5/ 397
لا شيء زللي 5/ 393
يا دار طلل 5/ 259
كم او جمل 5/ 263
أول البيت القافية ج/ ص
ما يشرب حمل 5/ 264
أعف وانمل 5/ 153
حما جهلي 5/ 241
أحي هلال 5/ 20
رجعنا سبيل 5/ 350
بثين بخيل 5/ 412
ولست تعليل 5/ 95
أيا عمي ويا عويلي 5/ 171
تقادم النضال 6/ 51
إذا واخيت وجل 6/ 152
إني امرؤ جهلي 6/ 188
أيا روضة بمنزل 6/ 214
مالك الأجل 6/ 229
يا لقومي الدلال 6/ 231
ولو أن بناطل 6/ 262
أساءلت بالاوائل 6/ 269
واصحب المسيل 6/ 293
ومالي المناهل 6/ 325 - 326
يا لهف الفشل 6/ 358
من مبلغ كالهامل 6/ 360
ا ليس عظيما بالنوافل 7/ 13
عرفت احوال 7/ 32
لي المحض نائلي 7/ 37
هل إلى سبيل 7/ 41
طرقتني الهلال 7/ 43
قد اغتدي أرجل 7/ 64
عيني همول 7/ 66
يا رب الاحول 7/ 68
أول البيت القافية ج/ ص
إذا قتل في الرمل 7/ 72
سقيت البابلي 7/ 92 - 93
خلف بعيال 7/ 114
بأبي الكامل 7/ 134
أرى غيما بهطل 7/ 160، 14
/215
أرى الامال ابن سهل 7/ 177
واسماعيل صالي 7/ 241
وقد أتانا من وال 7/ 270
حبيشة أهلي 7/ 281
لا تبعدن من مثلي 7/ 290
لعليّ للخيل 7/ 306
يا أخت العذل 8/ 13
اخزى الاسفل 8/ 45
أقول القتيل 8/ 55
فلا خوف هلال 8/ 64
أريد سبيل 8/ 95 - 96، 9
/341 - 342
عجل المتهلل 8/ 99
ابثينة واصل 8/ 100
وقالت ثعل 8/ 140
الا أهل 8/ 141
لقد البخل 8/ 139 - 142
فلرب الهازل 8/ 114
ويقلنا الباطل 8/ 101 - 115
انخت جديل 8/ 122
يا دار ينجل 8/ 235 - 383
تمشي الهيكل 8/ 383
أول البيت القافية ج/ ص
ابني جعال 8/ 295 - 385
إن الجواد جعال 8/ 385
لا ترج حائل 8/ 399
واسحم وائل 8/ 403
لعمر فيل 8/ 423
وما ايجافنا الرسول 8/ 423
أبنين واصل 8/ 100
ايا النحول 8/ 109
أبيت فضل 8/ 129
صدع قفول 8/ 153
دعوهن بالتبادل 8/ 165
خليلي المقابل 8/ 166
يمشين الأكفال 8/ 227، 16
/211
إني بالمنصل 8/ 240
بكرت بمعزل 8/ 241
ولقد المأكل 8/ 243
أتاني طويل 8/ 247
أنت حال 8/ 255
ولقد الرئال 8/ 284
إن المحتال 8/ 319
وإني بقليل 8/ 351
أراعك باذيال 8/ 320
تمنى مثلي 8/ 17
أودى العالي 8/ 85
رسم جلله 8/ 94
قد أصون قبله 8/ 95
إذا سبيلها 8/ 99
أول البيت القافية ج/ ص
صادق حبائلي 8/ 101
جرى قتلي 8/ 140
لو كان رسائلي 8/ 115
كلانا قبلي 8/ 139
لما غفلة 8/ 132
فقلت مثلي 8/ 141
لمن الديار خوالي 8/ 278
خليلي قبلي 8/ 95 - 141 - 143 - 144
أكرع غليلي 8/ 276
عشر واصلي 8/ 425
أقر السؤال 9/ 16
هو المهدي الخوالي 9/ 16
بآية خالي 9/ 33
فاقسم بلال 9/ 33
ايا راكبا رسائلي 9/ 65
أفاطم فاجملي 9/ 69
فلا تحرجي فاقتلي 9/ 75
وإذا نحن لقرفل 9/ 92
واعجبني بالمناهل 9/ 94
وما ذرفت مقتل 9/ 111
ولقد البلابل 9/ 127
من كان بالسالي 9/ 136
واللّه اوصالي 9/ 136
لعمر زمل 9/ 142
ابي لي مثلي 9/ 143
تعلم غسل 9/ 158
فما بال البغل 9/ 230
أول البيت القافية ج/ ص
وما الشعر باطل 9/ 259
ضربته شوال 9/ 270
إن التي تقتل 9/ 288 - 289
غددت اتبدل 9/ 302
إني علل 9/ 318
الا بكرت بالبخل 9/ 331، 21
/295
قفانبك فحومل 9/ 69
غراء الوحل 9/ 112
من هداه أضل 9/ 113
أمسى بال 9/ 136
صحا حال 9/ 136
واللّه مال 9/ 136
وإني امرؤ الوصل 9/ 144
أولاد المفضل 9/ 288، 11
/16، 17/ 173
ان الرسول مسلول 9/ 260
لا نهض الاعصل 10/ 29
بني الديان الثقال 10/ 36
تبقلث ونهشل 10/ 151
وهي على الأدحل 10/ 161
سلّم الدلال 10/ 165
يا بن حميد المقفل 10/ 198
نزلنا المفضل 10/ 219
أهلا من الغليل 10/ 231
ألا أيها سائلي 10/ 260
يا قوم الفيل 10/ 264
أتاني والضلال 10/ 265
أول البيت القافية ج/ ص
أبلغ فعلول 10/ 309
لعمرك التقالي 10/ 313
أبا دليجة ممحال 11/ 73
قالت قولي 11/ 80
أنا ابن الاصل 11/ 81
ولأنت للخيل 11/ 91
لعمر أبيك من وائل 11/ 100
الكني الأوائل 11/ 101
لعمري خاذل 11/ 107
وشيوخ السعالي 11/ 109
ومولاك ابن نعل 11/ 111
فهل وجدتم كامل 11/ 112
كرب بن من نهشل 11/ 139
أ يحمل النمل 11/ 163 - 166
نطعنهم نابل 11/ 172
وان حديثا مطافل 11/ 172
خليلي والخبل 11/ 178
أبا معرض المضلل 11/ 258
تميم بن مرة بالمتذلل 11/ 259
أبلغ بعيال 11/ 270
خرجت جعل 11/ 274
لعمرك منهل 11/ 282
ويفرح والنصل 11/ 284 - 286
لا تهج معزل 11/ 321
تهددني في الحبل 11/ 324
إن أبا الباطل 11/ 327
لقد رادني طائل 12/ 40
فان تصلي ابالي 12/ 115
اناديهم كالجبال 12/ 206
أول البيت القافية ج/ ص
ابعد فوارس الرجال 12/ 207
الا أبلغ والتقالي 12/ 273
يا أعظم للمال 12/ 102
لقد هزئت قبلي 12/ 256
الشعر لبّ النبل 12/ 160
اصلاح اني وتبدلي 12/ 331
فان كنت مثل 12/ 308
اجررت عذلي 12/ 96
لقد كنت عذلي 12/ 153
إنني نزلت الموصل 12/ 86
وجيد كجيد بمعطل 12/ 69
رب وعد تفعلي 12/ 144 - 146
احنظل دع محفل 12/ 29
يفتر عند الطل 12/ 96
خطرت الهوى الطلول 12/ 147
أكلت بنيك الوبيل 12/ 269
ومولى كذئب قتيل 12/ 294
ماتم لي الليل 12/ 150
حلفت بغافل 13/ 201
ولما أن بليل 12/ 199
وقد أهلي 13/ 8
إذا واقفال 13/ 46
لعمرك اقاتل 13/ 54
منحرف واصل 13/ 65
وحتى لوائل 13/ 80
أرى بناسل 13/ 90
من طحال 13/ 107
وما حيلي 13/ 119
رأيت حابل 13/ 162
أول البيت القافية ج/ ص
تسائل حبائل 13/ 165
وهب وجرول 13/ 189
انبئت خصالي 13/ 193
وأبوك قتال 13/ 193
يا بمثال 13/ 214
ولقد الاكفال 13/ 215
قد للقليل 13/ 223
يتمشى مسدول 13/ 231
سل بالي 13/ 233
أيها سبيل 13/ 247
ثم النصول 13/ 248
أنت مذال 13/ 253
بأيمن حال 13/ 256
إذا نائل 13/ 271
يسود نوفل 13/ 276
تجاجز بالجهل 13/ 353
شربت ديكل 13/ 357
افل مرجل 13/ 358
لم البولي 14/ 44
وتاجر اجمال 14/ 75 - 85
وصل المحال 14/ 105
يا رمل بجمال 14/ 124
أنت امثالي 14/ 132
دعوت نوفل 14/ 153
صدمتني الحال 14/ 161 - 165
إن كنت الجاهل 14/ 166
فاخشى القائل 14/ 166
ومن دعا وبالباطل 14/ 168
راقب الخليل 14/ 185
جسور بالمطل 14/ 187
أول البيت القافية ج/ ص
قالت ومفعول 14/ 195
حال الغرابيل 14/ 196
عذيري وصلي 14/ 200
أبا محال 14/ 211
اعاذلتي عذلي 14/ 214
أ يركب بقتيل 14/ 229
أحابس العواضل 14/ 241
جاءت عكل 14/ 247
أقول الزلازل 14/ 254
سليل عجل 14/ 257
أ ليس وائل 14/ 258
دعوني البزل 14/ 268
هيهات الفيل 14/ 269
وما كان المعالي 14/ 271
تعففت قبلي 14/ 281
اني اخوالي 14/ 288
ثوى الفصيل 14/ 289
درّ الرجال 14/ 301
إذا كان فافضل 14/ 311
عجبا ومالي 14/ 353
طلبت للبذل 14/ 366
فعين برطل 14/ 62
لحاتم النمل 14/ 201
صحا ورواحله 14/ 224
أجل تحاوله 14/ 224
كناطح الوعل 14/ 226
هممت حلائله 14/ 244
الا من المحل 14/ 250
فحكم الكلال 14/ 272
لتبك زوالها 14/ 319
لما وصفت الاخطل 14/ 345
أول البيت القافية ج/ ص
أنا الدّل 15/ 33
فإن منزل 15/ 35
إني المال 15/ 37
استغن خال 15/ 38
لأبن بغل 15/ 62
منت الحلال 15/ 100
ألا قالت هلال 15/ 100
ألا أن كالظلال 15/ 119
أتاني غير آل 15/ 119
للّه الاول 15/ 157 - 166
لا سيف علي 15/ 192
كادت الابابيل 15/ 206
لا تكثرا عذلي 15/ 280
ما لعذالي بالضلال 15/ 282
هاك الطويل 15/ 285
أنت السلسبيل 15/ 286
اسقني الطويل 15/ 287
أرى عقيل 15/ 370
فتى خليل 15/ 391
لتجر اذلالها 15/ 94
ضربا يعول 15/ 95
أ لم تر الجلائل 15/ 261
من الدارميين والخبل 15/ 318
وما زال عواذله 15/ 334
ألم فالقفال 15/ 377
وأروع الخلل 16/ 50
ما إن يقتل 16/ 66
وإني تبالى 16/ 129
أول البيت القافية ج/ ص
تثاقلت بالعذل 16/ 133
فلو تركت عقلي 16/ 164
كفّ بغافل 16/ 233
جمع الاحوال 16/ 277
يا هرما يوما قبلي 16/ 289
قربا عن حيال 16/ 319
تقول يا خليّ البال 16/ 352
يا ليت شعري من حالي 16/ 352
فلقيت سؤاله 16/ 386
أنا من عرفت العذّال 16/ 392
في داء مذال 16/ 404
هلا سألت الأحوال 16/ 407
قاد الجيوش في أشغال 16/ 408، 17
/35
لقد زعمت من فعل 17/ 71
خرجت والمشلي 17/ 18
تسمع قتيلي 17/ 74
سنغضي بالفضل 17/ 115
إذا ما الثريا المفضل 17/ 130
إذا عركت بني عجل 17/ 269
الا بكر المحل 17/ 269
إن لم يكر مهلهل 17/ 265
وإني شكلي 17/ 368
تركت العوالي 17/ 206
سيخبرك آلي 17/ 206
أقرب حيال 17/ 246
فما فضلت شمال 17/ 338
كلتاهما للمفضل 17/ 173
أول البيت القافية ج/ ص
إن الجياد العقال 17/ 188
قالت مال 17/ 282
قل الرجال 17/ 260
قصر حولي 17/ 282
وهيكل قذاله 17/ 334
ما رأينا بالمسلة 17/ 277
أعاذل العواذل 18/ 7
دعاني بغافل 18/ 8
أقول الخواذل 18/ 24
كذبتم بالامثال 18/ 206
وما الاهل 18/ 265
وما الاصل 18/ 275
ألفت رحلي 18/ 44
رد الأعزل 18/ 216
يا عين الجليل 18/ 180
على البذل 18/ 224
يطرحن الأغفال 18/ 30
يا دنانير ومطل 18/ 64 - 69
دار الاغلال 18/ 266
يغسل البوالي 18/ 264
خليلي المترحل 19/ 104
فإن وائل 19/ 106
ومن يسأل 19/ 107 - 108
لعمري القبائل 19/ 186
لقد الاوائل 19/ 186
إذا ذحل 19/ 228
تقول الوصل 19/ 309
تراه عجل 19/ 35
أول البيت القافية ج/ ص
لا يعبق الكحل 19/ 35 - 38 - 41
عوف أمل 19/ 40
للّه الجبل 19/ 53
أجررت عذلي 19/ 36 - 38
تعالى الرجال 19/ 269 - 270
ولقد قليل 19/ 2
عبثت معذل 19/ 28
لا تعبأن بملال 19/ 47
نقل الاول 19/ 85
يا أخت العذل 19/ 168
قمم للمال 19/ 227
ما ينقصني الشبل 19/ 309
أصبحت الشكل 19/ 303
قربا حيالي 19/ 167
يا شادنا قتلي 19/ 220 - 232 - 252
أناظم آجل 20/ 84 - 94
أنا شغلي 20/ 88
نصحت الفضل 20/ 140
اللّه الوالي 20/ 12
أنت حال 20/ 42
يا فرحنا والعجل 20/ 215 - 239
يابن الاول 20/ 269
حواجب كالمخالي 20/ 143
فديتك جميل 20/ 63
شريح هلال 20/ 207
أمن للهزال 20/ 364
نقل الاول 20/ 125
أول البيت القافية ج/ ص
أعجلتنا يقلل 20/ 184
رأيت حالي 20/ 191
يا معدى الفعال 20/ 195
يا ماعز الاصطبل 20/ 402
عش واصلي 20/ 273 - 281
يابن المفضل 20/ 6
مدح بالمقال 20/ 341
شربت والقنقل 20/ 44
تقارب المنخّل 21/ 1
ألا حيّ بالرذل 21/ 81
تأبط ذحل 21/ 129
أقسمت قنصل 21/ 139
ولا بالشليل نوفل 21/ 139
ولا ابن وهيب المخبّل 21/ 140
تأبط زحل 21/ 144
ترجى حويلي 21/ 153
أ في كلّ جميل 21/ 212
خذوا ومهمل 21/ 216
فقدت أبا جلي 21/ 219
وما كنت بغير دليل 21/ 227
إن يمس جمل 21/ 230
لما دعاني صقيل 21/ 237
فيا راكبا من عكل 21/ 245
أ تحتم بكليل 21/ 263
أبعد وجندل 21/ 266
إلى الأبرش وواثل 21/ 336
نقول فانزل 21/ 342
فإنك تمثال 21/ 350
أول البيت القافية ج/ ص
فان انتم بالمغازل 21/ 360
لم آت زللي 21/ 76 - 77
ديار نبال 21/ 3
سألت من رجالي 21/ 106
لقد اهلكت فضل 21/ 228
فإن يك عقال 21/ 320
ألا معال 21/ 345
نعت بالسبيل 21/ 384
يا بيت واعجلي 21/ 105
ولقد كالحساكل 21/ 171
أضحى ألا تقل 21/ 301
ولقد دنت مبذول 21/ 308
نزلت المنزل 21/ 313
وتقول الخابل 21/ 319
يا مال قيلي 21/ 333
أبني جعال 21/ 400
ما كسبنا النيل 21/ 44
وجدت المكبل 22/ 3
لأم البلاد ونأمل 22/ 144
ولما بمنجل 22/ 223
غلام المجحدل 22/ 292
أتيت جميل 22/ 306
ثلاثة شكله 22/ 312 - 313
رمتني عجل 22/ 327
أ لم ترني غليلي 22/ 329
وما ولدت الحلائل 22/ 342
يا دار هند البالي 22/ 80
فابلغ تقالي 22/ 2
أول البيت القافية ج/ ص
فابلغ هلال 22/ 58
ومقعد القبال 22/ 352
لمن الديار العنصل 22/ 96
دار لسعدى المفضل 22/ 101
هبت الفضال 22/ 266
يا عاملا مخاتل 22/ 292
صرم وتمايل 22/ 333
يا بثن أوصلي 22/ 152
لباب سائل 22/ 132
دردر الرحال 22/ 95
يا خليلي من علله 22/ 151
تعز البغال 22/ 249
تحامي بأبوالها 22/ 114
ألا لا أبالي رجلي 23/ 22
سلام حبلي 23/ 206
وحكم للنعل 23/ 211
آذن بلبالي 23/ 4
وردت الإبل 23/ 30
إني نزلت الموصل 23/ 207
رحل الشباب لم يحلل 23/ 210
حرمت فعالك 23/ 76
أذن الامير وبنيله 23/ 152
ليس تعديل 23/ 150
هبني والتنزيل 23/ 150
سيدي رطل 23/ 209
أيها المكثر السؤال 23/ 25
عين جودي جميل 23/ 31
تقول مثلي 23/ 55
أول البيت القافية ج/ ص
أغصك أكحل 23/ 114
نجي النقل 24/ 247
شفيت محجل 24/ 33
الا ليتني وائل 24/ 58
أميم معجل 24/ 179
وكلب مجدّل 24/ 31
ألا عم الخالي 24/ 46
أيقطع أجلي 24/ 216
من أبي العيال ما أرسل 24/ 198
أول البيت القافية ج/ ص
ولقد أتاني أقاول 24/ 119
بكر الصبا بقافل 24/ 119
وذببت عدامل 24/ 110
أيا طعنة بالي 24/ 96
كجيب تستفلي 24/ 96
قلت له مال 24/ 190
أن الذي بالمنصل 24/ 192
تمرّ القتال 24/ 8
م
«هجرت فانصرم 1/ 130
تأتب الحكم 1/ 160
نام ألم 1/ 172
لمن الدار القدم 2/ 149
فواندمي على ذم 2/ 382
قومي بنو عالم 2/ 158
وثلاث الحمر 2/ 149
وان عرار القمم 2/ 384
وجارية خدم 3/ 164
وإذا قلت نعم 3/ 202
لم يطل ألم 3/ 150 - 151
ونبئت العلم 3/ 138
إذا همتك نم 3/ 193
الا العدم 4/ 5
كل حمام 5/ 47
فان بالجلم 5/ 307
سائلوا اللّمم 5/ 44، 24/ 92
فراقك الدّيم 5/ 302
عتقت من قثم 6/ 20
النشر غنم 6/ 126
الا مرحبا الألم 6/ 187
فما نولت اللمم 6/ 227
كأنه فيكم 7/ 58
خافوا ما سرّكم 7/ 58
نام لم أنم 7/ 91
تألفت صرم 7/ 182
أكاتم احم 7/ 195
فواندمي ذم 8/ 213، 11
/194 - 196 - 199
هجرت فانصرم 8/ 220
أ لم لمم 8/ 302
أن تسالوا المسلمه 10/ 4
يا بني بهم 10/ 34
أتتك إلّا نعم 10/ 37
أناة عزائمه 10/ 42
مالك اليوم 10/ 119
يا من متيم 10/ 200
أول البيت القافية ج/ ص
لي قمر هموم 10/ 281
ولقد غدوت وحاتم 11/ 9
هذا غلام التمام 11/ 19 - 20 - 21
يا قوم اليوم 11/ 143
لكن أنا القوم 11/ 143
وثغر والمبتسم 11/ 183
كفاني وعم 11/ 266
تأويه طيف بنائم 12/ 54
يا راكب ورحم 12/ 246
ما هاج لام عاصم 12/ 121
دعها كالزلم 12/ 247
فديت يتكلم 13/ 312
ان تجرم 13/ 313
لأبي المتهم 13/ 345
يا ليت الأجم 14/ 122
أيها دم 14/ 251
يا أبا الغنم 14/ 331
أسعد الألم 14/ 373
هذا أوان حطم 15/ 254
هذا أوان غنم 15/ 255
إني امرؤ جذام 15/ 276
أهون انسجم 16/ 75
يا قدمي اليوم 16/ 191
لعمر السقام 16/ 364
يال الكرم 17/ 287
ما هاج الخيام 17/ 170 - 172
أيا بيت عم 18/ 342
ذهبت سقم 19/ 157
أول البيت القافية ج/ ص
علم علم 19/ 302 - 305
وأبحتني السقم 19/ 305
قرب واللجام 19/ 238
إن لوم 19/ 258
يا عين الهمام 19/ 114
طعنة الخصوم 19/ 18
إذا نم 19/ 266
أنحى بني تميم 20/ 353
ألا عنكم 22/ 182
أيا قبر الدّيم 23/ 131
في أي تلتضم 23/ 197
عن أي تحتكم 23/ 197
أبا الجعيداء مريم 23/ 147
ماذا قدمه 1/ 43
بانت إخما 1/ 49
يا ومسلما 1/ 53 - 54
كفى كلثما 1/ 279
دعي المكتما 1/ 286
أكلثم تصرّما 1/ 286
وليس والدّما 1/ 286 - 287
جددي المّا 1/ 293، 2
/363
امنزلتي متيما 1/ 297 - 306
إن حمّا 1/ 304
ليس فتزمّا 1/ 305، 2/ 364
عامان دما 1/ 335
لعمرك اني مكرما 2/ 309
ما بال قلبك طعما 2/ 37
أول البيت القافية ج/ ص
وسلم مرتين السلاما 2/ 173
واخرجتها واعتما 3/ 110
حلت الحرما 3/ 338
ألا علق ملزما 3/ 111
سترى لطما 3/ 248
لا يرغم رغما 3/ 339
تهددني ناما 3/ 216
قد قلت الكلما 3/ 338
لذي الحلم ليعلما 3/ 90
ارفع ضعيفك نما 3/ 114 - 117 - 133 - 134
أباطل متيما 3/ 148
أيا الملامه 4/ 94
لبيكما لديكما 4/ 127 - 128 - 131 - 132
إن الما 4/ 128 - 132
من رآهما 4/ 210 - 212
الست أسلما 4/ 248
ألا تكرما 4/ 249
أسدان حماهما 4/ 210
ومهما فاطمه 4/ 387
كانت نظامها 4/ 396
ما مسلما 4/ 414 - 415
مهاه دما 4/ 354
منعه تلملما 4/ 355
إذا سقما 4/ 266
تمشى النجما 4/ 263
ألا نعما 4/ 263
أول البيت القافية ج/ ص
باتت إضما 4/ 278
ما أقماه 4/ 95
الواهب اللجما 5/ 88
ما مر دما 5/ 88
رأيت قدما 5/ 123
يابن تقدما 5/ 43
أعن رذما 5/ 87
تغير اثر ما 5/ 221 - 222
انك تجشما 5/ 84
ترضع فطما 5/ 87
حديثا واسقما 5/ 99
إذا عالما 5/ 410
الحمد ظلما 5/ 9 - 10
لذي ليعلما 5/ 3
اطرقته امما 5/ 83
اهدي سلاما 5/ 175
يا صاحب قثما 6/ 18
لو ردّ حماما 6/ 25
الا يا دائما 6/ 138
حتّام علاما 6/ 226
يابنة أولما 6/ 237
صباح لائما 6/ 259
وجدتك مقسما 6/ 315 - 322
لحى اللّه ومطعما 6/ 315 - 323
فردي كلثما 6/ 335
أتانا المعجمه 7/ 6
طال ليلي هشاما 7/ 19
بلغا عمّا 7/ 39
الاعلق ملزما 7/ 140
أول البيت القافية ج/ ص
وابأبي مكتما 7/ 173 - 174
يا بن شفوف علما 7/ 173
قل لابن درهما 7/ 224
يا صاحبيّ فمحاجما 7/ 272
احداهما احداهما 7/ 274
ما هاج الحكمه 8/ 302
فنحن لا هازما 8/ 37
على محرث الجماجما 8/ 37
وعاو الدما 8/ 9، 4/ 212
نحن السنام المناسما 8/ 37
أنا الهاشم مسلما 8/ 165
أتعرف منمنما 8/ 204
ديار ومعصما 8/ 205
فقلت وتصرما 8/ 205
يضيء تبسما 8/ 205
من لقلب الكلاما 8/ 267
لنا دما 8/ 324، 9
/337 - 339
الا هاج الغراما 8/ 344
الا آذنا يتقوما 8/ 412
يا عين الندامه 9/ 83
ألا قل المقاما 9/ 14
الا ان حما 9/ 50 - 53
تعلم ابنما 9/ 59
الا قبح دارما 9/ 90
وادكن كراما 9/ 123
الا مني طعم 9/ 150
نجوت قثم 9/ 169
أول البيت القافية ج/ ص
يا راكبا وزماما 9/ 177
اظليم ظلما 9/ 235
ألم خيال فتصرما 9/ 238 - 240
أمسى كتاما 9/ 241
عقيلة همام 9/ 332
ابن حفلنا تكلما 9/ 337
قدرت والرّغما 10/ 57
تشكي يتكلما 10/ 42
ليهنئك الرواغما 10/ 60
عليك يترحما 10/ 191، 14
/83 - 84
كابن وأنعما 11/ 113
ستمنع مسلما 11/ 113
ألا أبلغ يناما 11/ 139
ويوم حساما 11/ 163
أتينا ظالما 11/ 165
عينان بهما 11/ 379
نفس عاصم والاقداما 12/ 100، 11/ 12
أسالم اني شائما 12/ 341
دعاني حصن ما شتما 12/ 280
يطأن من تقتحما 12/ 267
فلما رأينا تخرما 12/ 277
يحاذرن تبسما 12/ 125
إني على عصما 12/ 210
تراهن معصما 12/ 185
أ في حدثان علقما 12/ 276
سأجمد يربوعا حكما 12/ 111
ألا أبلغا خلالكما 12/ 324
أول البيت القافية ج/ ص
ان تغفر ألما 12/ 13
لبثنا أثلما 12/ 277
طربت حماما 12/ 161
نبارى شيخاهما 12/ 337
وكنت اذا تجهما 12/ 186
لعزة اطلال المتيما 12/ 191
مواليكم تقسما 12/ 57
أمن ذماما 13/ 228
ولما متيما 13/ 249
أنائل سلمى 13/ 270
يا والا عماما 13/ 18
يا واكراما 13/ 21
هم المحارما 13/ 24
تشكي الحذاما 13/ 32
ودليت معلما 13/ 76
ودع وملاما 13/ 81
إذا محزما 13/ 276
أيا جناكما 13/ 333
سلام السلاما 13/ 184
وجدت الذماما 13/ 185
صباحك ظلاما 13/ 210
رأيتك أدهما 13/ 337 - 341
أهان الدما 13/ 337
جزى ومأثما 14/ 6
لان مسوما 14/ 7
وما كان تهدما 14/ 83 - 90
وجددت الكريما 14/ 84
هل ومعتزمه 14/ 120
كالشمس ملتثمه 14/ 127
أول البيت القافية ج/ ص
يا هند دمه 14/ 128
لعمركما مداكما 14/ 130
خليلي مريما 14/ 168 - 170 - 171 - 172
إذا شئت يلملما 14/ 191
أبي محرما 14/ 218
إن بها الهاما 14/ 218
ما هاج حماما 14/ 262
يلغ يمما 14/ 306
أرزة مسلما 14/ 314
لو تأتي اماما 14/ 350
عليك السلاما 14/ 256
الكأس الحليما 15/ 55
ليت المناما 15/ 70
لو كنت هاشما 15/ 103
خليل كراكما 15/ 245/248
وأبأبي مكتتما 15/ 270 - 272
يا ابن علما 15/ 271
وما تركت عزما 15/ 294
نهيتك الأشائما 15/ 331
سنجزي قدّما 16/ 68
أنا ابن البهم 16/ 75
أبناء صرما 16/ 187
هاشم واضطرما 16/ 188
أبناء الظلما 16/ 188
ألا لا تحطّما 16/ 207
آثار صمما 16/ 244
يال قريش الأحكاما 16/ 287
أول البيت القافية ج/ ص
لما دعاني ظالما 16/ 290
يرحم جسيما 16/ 303
أيا من اليوما 16/ 345
لك الخير أظلما 17/ 96
أو أن المنايا واقما 17/ 128
فلو كان واقما 17/ 128
يضيىء أن تبسما 17/ 129
فإن مات التمائما 17/ 211
تداركني يغنما 17/ 369
هلا البرما 17/ 384
أمير المؤمنين والسلاما 17/ 274
يلتفت انهدما 17/ 274
لحا ومطعما 18/ 32
دعى المكتما 18/ 351
أم الولد إثمي 18/ 344
وكذاك أسامه 18/ 120
أصرمت برامه 18/ 260
منا اللّه معلما 19/ 202
نحن دما 19/ 206
سل والهاما 19/ 39
طيف اسقاما 19/ 41
كالدهر إرغاما 19/ 41
رأيت الحليما 19/ 10
خذوها الخداما 19/ 203
هي وندامى 19/ 242
صدت دما 19/ 117
لو لا فاكتتما 19/ 118
يوم أناما 19/ 246
أول البيت القافية ج/ ص
حللت يتجشما 20/ 136
إذا العجارما 20/ 222
أضرب حكما 20/ 152 - 161
طاف تكتما 20/ 347
إن عرزما 20/ 406
جنان دما 20/ 64
فأما نياما 20/ 346
فما كان تهدما 21/ 25
فأنت النجما 21/ 105
أبقى عرمرما 21/ 370
ولو دما 21/ 397
لعمري دعاهما 21/ 390
لعلك الكريما 21/ 221
إني الموسما 21/ 217
عوجي ساجما 21/ 256
لقد أراني الحازما 21/ 257
لا تبعدي شامه 21/ 182 - 185 - 194
ألا أن حما 22/ 242
أما خليلي زعما 22/ 282
وماشية تكلما 22/ 308
أتكتم مغرما 22/ 308
واللّه دما 22/ 221 - 224
لمن جمال معلومه 22/ 94
ألا أبلغ الطعاما 22/ 192
سائل مغرما 22/ 113
قل هما 22/ 182
يا عون الملامة 22/ 262
سلا تكتما 22/ 272
لقد سادت الهماما 23/ 14
أول البيت القافية ج/ ص
وما زال وتكلما 23/ 87
ويبكي دما 23/ 87
أيا ناعي سواكما 23/ 130
أثمام عظاما 23/ 6
قامت فأقوما 23/ 102
لقد كان معلوما 23/ 117
الصهر الإسامة 23/ 207
لو نظرت سقما 23/ 88
علقت ندما 23/ 78
فإن تمادى ختما 23/ 88
عنان بما 23/ 88
يا أخا الحارث أياما 23/ 95
نتح إبراهيما 23/ 105
بأبي لبعض ما 23/ 133
حجبوها السّلاما 23/ 185
طبية هشيما 23/ 185
أقرّ قدما 24/ 35
أبي طلل متيما 24/ 47
نهبت مجرما 24/ 171
يا طول ليلي الحرما 24/ 133
أهاج معالم 1/ 8 - 322
ليت فبرام 1/ 28
أقطع أنام 1/ 29
طال نعم 1/ 125
نظرت عارم 1/ 127 - 258 - 260 - 264
من الهموم 1/ 227
ألا تحوم 1/ 259
ولهنّ يتكلم 1/ 277 - 281
أول البيت القافية ج/ ص
فلما أندم 1/ 376
لقد حمائم 1/ 382
حور الوهم 1/ 388
أقول لصحبي سجام 2/ 212
لا أعد الإعدام 2/ 167
أتانا عام حرام 2/ 339
أ تنسى إذا البشام 2/ 211 - 212، 6/ 79
أنا ابن سلمى الأعاجم 2/ 261
ولما رأيت الصائم 2/ 321
أليس غلام التمائم 2/ 262 - 267
ومالك فيهم الكرائم 2/ 262
تنسم كسرى نائم 2/ 305
لقد غرّدت في لنائم 2/ 76
أيا صاحب نعم 2/ 86
أبلغ أبيّا علم 2/ 118
يا أيها المهاجر تعلم 2/ 414
فلم ترعني يدوم 2/ 270
وأنت الذي يلوم 2/ 59
سقى بلدا ويسيم 2/ 232
ليست لياليك سليم 2/ 58
رمتني وسرّ رميم 2/ 284
سحائب لامن حميم 2/ 323
بابن موسى أوام 3/ 134
عدت بما قائم 3/ 124
يا رب تختصم 3/ 259
إذا كنت يستطعم 3/ 49
فقلت حالم 3/ 283
أول البيت القافية ج/ ص
علام والصمم 3/ 259
وأبي في الخصوم 3/ 42
ما الذي الغريم 3/ 43
أشربت ورسيم 3/ 254
ولقد تنسمت نسيم 3/ 251
يا لقومي سقيم 3/ 43
أما الظلوم 4/ 69 - 51
خليل الأئمه 4/ 90
أراك مقيم 4/ 99
وكأن معدوم 4/ 154
حتى والمرزم 4/ 416 - 418
كلثم أكتم 4/ 416
اني لمشوم 4/ 370
زبيرية رسم 4/ 282
يا تلمه 4/ 294
كالأبيض نعيم 4/ 301
لقد الحمام 5/ 434
مشرين مزاحم 5/ 11
هل الرسم 5/ 91
بل الوشم 5/ 91
قف والديم 5/ 314 - 315 - 317
وكنت وسيم 5/ 423
سقى مقيم 5/ 431
سقيم الحميم 5/ 253
أنا أهيم 5/ 188
ربما بهيم 5/ 153
ولما أن كوّم 6/ 113
يضيء وسيم 6/ 116
أول البيت القافية ج/ ص
متى تجمع المظالم 6/ 161
عبد المستهام 6/ 252
أمعارف مجرّم 6/ 288
قد قيل علقتم 7/ 58
ألا يسليك والحلم 7/ 89
يلومونني ألوم 7/ 119
عقم النساء غقم 7/ 134
أ ليس نتكلم 7/ 142
ومطعم محروم 7/ 208
لعمرك وأكرم 8/ 22
بنفسي لمام 8/ 38
عوى انتقام 8/ 65
فمصطلم حطام 8/ 66
يقول مصمم 8/ 109
وكيف معلم 8/ 110
أضرّ رجوم 8/ 123
وإنا تظلم 8/ 173
لعمري لسقيم 8/ 220
حملت البراجم 8/ 246
أ ذلك وسموم 8/ 261
لتسقي حميم 8/ 262
إن الحمام يترنم 8/ 273
برح فيعلم 8/ 273
علوية والقلزم 8/ 273
لعمرك لئيم 8/ 281
صرمت المكتوم 8/ 291
ذكر الكرام 8/ 329
إن التي حرام 8/ 336 - 339
أول البيت القافية ج/ ص
ما بال سقام 8/ 339
تعالى ملوم 8/ 365
تحمل ظالم 8/ 368
خبت تمامها 8/ 84
كليب لئيمها 8/ 17
أ لم أميمها 8/ 17
ألا ليتني كلامها 8/ 104
لقد علقت وأراقم 9/ 7
قصير قائم 9/ 11
قص غريمها 9/ 25 - 26 - 28
تحدتنا حالم 9/ 52
هريرة واجم 9/ 106
وتطل ملثوم 9/ 123
فإذا المزكوم 9/ 124
حبا يضطرم 9/ 136
كتمت ظلم 9/ 149
وأقبل الجرم 9/ 150
ضربوا محموم 9/ 180
إلى اللّه يتيم 9/ 198
تهيضني عظيم 9/ 198
ولقد أردت قديم 9/ 211
أقوى الخطم 9/ 225 - 228
أطال جذام 9/ 230
أظليم ظلم 9/ 234
تقول يتم 9/ 235
أبيني صرم 9/ 243
طال نعم 9/ 245
حتى إذا والمرزم 9/ 291 - 289
أول البيت القافية ج/ ص
فان تغضب تميم 9/ 328، 21/ 293
أبلغ صمم 10/ 16
لقد عصاني قدم 10/ 76
زعمتم السنائم 10/ 205
فما ولدتك الحكيم 10/ 239
ولكن لئيم 10/ 239
صدقت كريم 10/ 240
الايا مستقيم 10/ 269
أنا في لوم 10/ 279
زارني يقيم 10/ 279
لمن طلل قديم 10/ 303
رأت رجلا العظائم 10/ 313 - 315
عزفت حليم 10/ 315
يا حبذا هضيم 10/ 323
أ لم أقسم الهمام 11/ 29
قفا فاسمعا نادم 11/ 103 - 108
واللّه صلدم 11/ 159
وهم حماة وتميم 11/ 163
أقول الشكائم 11/ 195
تأوبني الغريم 11/ 219
ألا يا مستقيم 11/ 271
ولمّا أن زعيم 11/ 319
وكأس ملوم 11/ 325
تبارك الحكم 11/ 377
أشاعر لائم 12/ 340
كأن الكرى والقوائم 12/ 257
دعوتم إلى دارم 12/ 342
أول البيت القافية ج/ ص
لنا صاحب صارم 12/ 324
سأبكي يزيد الأكرم 12/ 21
ولست براء أشم 12/ 190
وددت عالم 12/ 117
وذي رحم حلم 12/ 60
سجنت لساني محكم 12/ 278
أ أن توهمت مسجوم 12/ 38
لعزة من رسوم 12/ 188 - 189
فروضة قديم 12/ 160
تنجو إذا الخراطيم 12/ 38
لعمري أبي لعظيم 12/ 194
لعمري لئن لسقيم 12/ 190، 15/ 333
وزيد هالك سليم 12/* ألا قسيم 13/ 177
معاود سليم 13/ 178
قوم والحماحم 13/ 234
ألم قائم 13/ 50
إني وخم 13/ 83
وكم زعموا 13/ 89
والبين ما كتموا 13/ 88
أمن العلم 13/ 87
ما صمم 13/ 88
أزياد يعلم 13/ 92
هم الظليم 13/ 93
وأنبئهم وسنام 13/ 103
يكن وعلقم 13/ 106
أ تترك أتكلم 13/ 107
أول البيت القافية ج/ ص
أ يصدف قديم 13/ 113
وما الحلاقم 13/ 356
وندمان النجوم 14/ 11
أبقت تضطرم 14/ 47
يا بكر الأيام 14/ 62
عدواك اللئام 14/ 96
باح الأسقام 14/ 115
فخرت حالم 14/ 150
على اللذات الزمام 14/ 181
هل تسمع صمم؟ 14/ 288
قد غفرنا عظيم 14/ 338
إن عديم 14/ 357
ولقد لازم 14/ 365
إذا الدين نصادمه 14/ 385
وكنت سلام 15/ 34
الا ان تنقم 15/ 172 - 175
وما زلت مجرم 15/ 175
يا وحشتي دائم 15/ 251
فإن يرقا عالم 15/ 260
أ أن حمام 15/ 292
كأنك رمام 15/ 294
في كفه شمم 15/ 322 - 325
كم صارخ قثم 15/ 327
يكاد يستلم 15/ 328
اللّه السأم 15/ 328
قصير قائم 15/ 333
وإنا مناسمه 15/ 351
عفت فرجامها 15/ 360 - 378
أول البيت القافية ج/ ص
وجلا أقلامها 15/ 371
أبلغ كلامها 15/ 385
لقد كنت نظامها 15/ 386
فلما عامها 15/ 386
فإني حمامها 15/ 386
إذا اخترت مقامها 15/ 386
فلا أك غمامها 15/ 386
قبيلة الآثم 15/ 393
معاوي العمائم 16/ 45
أضلّ جذام 16/ 53
وكأن معدم 16/ 86
دامت وهموم 16/ 120
برأ يهيم 16/ 120
فأبلغهن القرام 16/ 166
بنفسي لمام 16/ 170
نظرت عارم 16/ 186
ومدّ الخوادم 16/ 186
وأصبح هشام 16/ 187
خيرت عمم 16/ 240
أما واللّه لا تنام 16/ 249
يا عام أمم 16/ 291
آمت أينام 16/ 300
لولا الحياء لم أقم 16/ 312
فعش إثم 16/ 315
الا أعدّ الإعدام 16/ 379، 17/ 226
أسقى ونعيم 16/ 393
وقف الهوى متقدم 16/ 402 - 24،
أول البيت القافية ج/ ص
22/ 225
وأنت الذي يلوم 17/ 100 - 102
وأنت الذي كليم 17/ 101
برزت يعلم 17/ 258
كذلك وخيم 17/ 291
يعلم ما يريم 17/ 206
غرّاء أسحم 17/ 22
إبلي المدام 17/ 199
كل ذميم 17/ 339
إن تك هم 17/ 200
أبا خيبريّ شتامها 17/ 375 - 392
أبا غانم محكم 18/ 151
وما المكارم 18/ 219
رضيت ينادمه 18/ 299
كأني حمامها 18/ 43 - 44
أ أن مسجوم 18/ 22
هل تكليم 18/ 33
وعلى والإظلام 18/ 215
قصر الأيام 18/ 214 - 233
لبثوا هم 18/ 332
نادت استصمام 18/ 347 - 348
وما زلت وأكتم 19/ 78
رأت وبهيم 19/ 95
لصفراء صميم 19/ 99
لقد مقيم 19/ 129
ألا حالم 19/ 192
أيها الصريم 19/ 248
قد كانت إبراهيم 19/ 86
أول البيت القافية ج/ ص
ألمت وأحلامها 19/ 183 - 192
إن عصم 20/ 319
وأبقى الحلوم 20/ 156
أ تهجر ظلوم 20/ 187
أنظر تقام 20/ 29
محب سقمه 20/ 282
ما زال ويهزمه 20/ 348
إنما الجسام 20/ 37
وشاعر لوم 20/ 277
تقول نائم 21/ 175
رفوني هم هم 21/ 207
سدّت الخزائم 21/ 221
فإن سركم ظالم 21/ 235
أيا إخوتي كريم 21/ 265
قوارص فيفعم 21/ 306
تدليت والمكارم 21/ 322
ألم تر الفم 21/ 379
وما نحن وتقدموا 21/ 386
كفاني جرائمه 21/ 349
ألا حيّ كلامها 21/ 241
بكت لا ينامها 21/ 344
هل ما علمت مصروم 21/ 199 - 203
هذا الحرم 21/ 376
بأعلى أقاموا 21/ 158
لقد قال العكوم 21/ 155
لعمرك المنيم 21/ 220
بنفسي طام 21/ 366
أ لم يك العظام 21/ 380
أول البيت القافية ج/ ص
قد علمت تعلمه 21/ 272
أعجرد سئوم 22/ 100
ما ضرب نائم 22/ 152
حلمت أحلم 22/ 250
إن امرأ للئيم 22/ 329
يا شدة والحرم 22/ 60
لو كنتم الحكم 22/ 291
أحبتنا كنتم 22/ 156
أ لم تر الكلام 22/ 279
إلا من تقوم 22/ 328
يرى لا يتكلم 23/ 33
يومنا قوم 23/ 103
وخيل محجم 24/ 72
إذا ما لقيتم المتصمّم 24/ 86
أ أترك للئيم 24/ 255
وإن لحيما قديمها 24/ 81
عفت سوامها 24/ 113
وألحد حمامها 24/ 114
لهم عسكر احتدامها 24/ 115
وإن تبد حسامها 24/ 115
تركت وأرومها 24/ 180 - 182
تركت فأرومها 24/ 182
بكيف امرئ همومها 24/ 182
قالت لمم 24/ 249
فقلت هرم 24/ 250
الامن الحكيم 24/ 45
برح فيعلم 24/ 132
عبد مناف توم 24/ 242
أول البيت القافية ج/ ص
ألا سهم 1/ 62 - 63 - 67 - 68
بحير عاتم 1/ 64
تعدو الحامي 1/ 79 - 148
خليلي علم 1/ 127
فبعثت وسلّمي 1/ 143
يا يظلم 1/ 187
من كلثم 1/ 205
فتركته المعصم 1/ 270 - 271
فلما سقيم 1/ 292
تعرض محرم 1/ 294
كأني البهيم 1/ 319
إني النعائم 1/ 332
رأيت البهائم 1/ 352
وفقت سلم 1/ 375
أقول الأليم 1/ 396
مالك المعدم 1/م - ت 22
جمعت حسام 2/ 175
وما رضيت باحرام 2/ 176
لقد حرمت الحرام 2/ 255
لقد كان في سائم 2/ 141
عطست بأنف قائم 2/ 294
سأكتم عن للكعام 2/ 308
إلا إن خير الأعاجم 2/ 254
قصار الخطى لجم 2/ 315
ثم قامت الملتزم 2/ 338
بهم بنوة مقسّم 2/ 326
فتركته والمعصم 2/ 353 - 356
أول البيت القافية ج/ ص
وان جياد المعاصم 2/ 177
دع الطّعم 2/ 257
فقلت اعتذار اللائم 2/ 76
أباع زياد بالدراهم 2/ 408
وتبدي البهم 2/ 315 - 318
فرّ الدّهم 2/ 292
وتبدي الدّهم 2/ 316 - 318
عجبت لعروة بعد قوم 2/ 84
أنى يكون الاعمام 3/ 222
وقد كان الأشائم 3/ 156
يا ربع تستعجم 3/ 335
سراج المزاحم 3/ 157
على الملك المتلاحم 3/ 156
يا دار والقدم 3/ 132
إذا بلغ حازم 3/ 214
طلحة الفواطم 3/ 357
يا دهر العظم 3/ 323
لحا اللّه المطاعم 3/ 157
المم على الناعم 3/ 278
ما زال غميّ 3/ 182
إني امروء السقم 3/ 222
أبا جعفر بسالم 3/ 156
أبا مسلم بسالم 3/ 213
وجدنا آل تميم 3/ 257
ما قام تسنيم 3/ 173
إن الانام 4/ 20
أبلغ امامي 4/ 55
لعب همومي 4/ 110
أول البيت القافية ج/ ص
خليلي الحتم 4/ 42 - 108
قبلت بسام 4/ 212 - 133
أتيناك المواسم 4/ 150
منعنا وراغم 4/ 150
وإن بالخطام 4/ 163
إن هشام 4/ 169
ترك لجام 4/ 170
وكنت الدم 4/ 246
أنما وامي 4/ 403
أباك اللجم 4/ 379
دين كالسقم 4/ 215
يا تسليمي 4/ 422
إني بمهدوم 4/ 423
كليب بالدم 4/ 427، 5/ 151، 10/ 121، 15/ 297
سقيت الهمام 4/ 32، 5/ 329
عفت كل عام 5/ 209
كأنه الحمام 5/ 386
متى تهام 5/ 12
أبلغ شتمي 5/ 15
أكنى مكتم 5/ 27
يا مال رحم 5/ 117
أنكحها آدم 5/ 51
هل قدم 5/ 26
ما بلغ تقدم 5/ 33
إذا حازم 5/ 369
ومدرجة حازم 5/ 390
تعسفت المناسم 5/ 391
أول البيت القافية ج/ ص
كان مبتسم 5/ 27
وقال انعم 5/ 34
ابيض الظلم 5/ 101
لا عيش تلمم 5/ 110 - 112
نام لم أنم 5/ 179
وانس السلام 5/ 210
حييا الظلام 6/ 32 - 53
مررت الادام 6/ 43
تمنيني تميم 6/ 43
وكنت على الدم 6/ 73
جمعت ومن حام 6/ 89
إني استحيتك فتفهّم 6/ 97 - 98
فكم من ريم 6/ 117
اجارتنا الذميم 6/ 115
بل هل ملهم 6/ 129
إذا قلت أم حكيم 6/ 141 - 148
يا عبد متيّم 6/ 248
أم الوليد اثمي 6/ 260
غرّاء الظّلم 6/ 286
لابد الصّرم 6/ 295
سقاني مشكم 6/ 340 - 356
أنا الوليد إقدامي 7/ 10 - 11
أرى خلل ضرام 7/ 56
من مبلغ وهاشم 7/ 81
أنا ابن أعجمي 7/ 90
جنباني نديم 7/ 92
يا راكب الحرام 7/ 104
ماذا رزئنا ومن كرم 7/ 132
أول البيت القافية ج/ ص
لقد غال والتكرم 7/ 145
أعز الجسام 7/ 151
فديتك بالسلام 7/ 183
هززتك الصيام 7/ 183
دعوت والمدام 7/ 201
تيسري الحرم 7/ 218
ما بال لازم 7/ 255
أنبقى تكلم 7/ 301
لقد مغنم 8/ 22
وأنباتموها للخراطم 8/ 37
؟؟؟؟ عارم 8/ 37
طرقتك بسلام 8/ 38
ترى مستديم 8/ 65
وما انت العظم 8/ 77
كذبت بالقرم 8/ 78
أنا الأكرم 8/ 133
جذام أزام 8/ 136
حييت الهيثم 8/ 215، 17/ 46 - 47
إذا قال صارم 8/ 234
فتيقني علم 8/ 249
قالت الجسم 8/ 356 - 369
شهدت والكلام 8/ 387
فحتى الكرم 8/ 413
ولما رأت دامي 8/ 198
يا طول سقمي 8/ 215 - 268
دع الحكم 9/ 9
من ير ظالم 9/ 15
أول البيت القافية ج/ ص
فإنك الغمائم 9/ 43 - 44
كأني شمام 9/ 94
من ضمر المزكوم 9/ 124
عفت الرسوم 9/ 150
علام أفامي 9/ 169
وليل العجم 9/ 223
أين كالسقم 9/ 243
وليت مجرم 9/ 258
يا عمر العظائم 9/ 261
ألا أيها غريمي 9/ 293
لو لا القاسم 9/ 311 - 312 - 313
شبهت النمام 9/ 319
والقد قوام 9/ 319
دعي سلم 9/ 330
ان الحميضة والقدم 9/ 343
بسيف ظالم 9/ 119
هل غادر توهيم 9/ 220
فإن تنج وللرّخم 10/ 20
وعلمتني ظلمي 10/ 60
من كانت في هشام 10/ 62
أنّى يكون الاعمام 10/ 89 - 94 - 95
فلئن عظمي 10/ 118
البرّ بي تلم 10/ 119
نفيس بالسهام 10/ 159
نام عذالي سقمي 10/ 167
نقض هاشم 10/ 191
ورافضة امام 10/ 205
أول البيت القافية ج/ ص
يا أمة الجهم 10/ 217
أي ركن على الايام 10/ 226
إذا جئت الرحيم 10/ 261
ايهذا كهام 10/ 273
وبكر الصميم 10/ 283
أمن أم المتثلم 10/ 286
ولقد خشيت ضمضم 10/ 293
سعى ساعيا بالدم 10/ 293
ومهما تكن تعلم 10/ 306
فهلّا الأقصم 11/ 44
إلهي كلثوم 11/ 54
دار لهند الايام 11/ 96
ألا أبلغ الاعاظم 11/ 104
ما قصرت ظالم 11/ 120
يقولون نائم 11/ 181
يا عين والبهم 11/ 235
ستحملني كرام 11/ 246
ألا أيها ابن هشام 11/ 288
خس حظي مخزوم 11/ 294 - 303
وأرض اللهازم 11/ 316
إني استحيتك فتفهم 11/ 351
أشارت تتكلم 11/ 353
لعمري لئن الدراهم 12/ 265
لعمرك ما كرام 12/ 58
وكل اجرد اطعام 12/ 138
لعمرك ما سنام 12/ 58
فأصبحن العمائم 12/ 256
قضت بالجماجم 12/ 256
أول البيت القافية ج/ ص
وكان تخطت مسدم 12/ 309
قد علمت اجذم 12/ 207
دعوت وهاشم 12/ 17
ألا أيها عاصم 12/ 73
نفسي مهتضم 12/ 101
اظلوم ظلم 12/ 76
أحول كالقرد الظلم 12/ 70
فإن طردتموني الأراقم 12/ 202
ان بني يكلم 12/ 258
لا يزجر بازلام 12/ 38
فيه الرماح سلام 12/ 138
أنا مالك لائمي 12/ 202
هوى العباس الجحيم 12/ 84
الا يا دولة استقيمي 12/ 84
نخصف الجماجم 13/ 10
تبدلت نائم 13/ 39
يعيرني حليم 13/ 43
ولقد الضخم 13/ 70
بلى لوم 13/ 94
يا والحكم 13/ 119
لعمرك رام 13/ 131
عوى رامي 13/ 131
يمص آم 13/ 132
للّه الأداهم 13/ 133
فابلغ عالم 13/ 134
يا بالسلام 13/ 139
أبوك الرخم 13/ 140
إني الأعمام 13/ 145
أول البيت القافية ج/ ص
أحي والبهم 13/ 215
لا وبنو فهم 13/ 218
اسلما حتمي 13/ 219
لو والأم 13/ 246
تحن رائم 13/ 357
يا عم 13/ 359
في والكرم 13/ 336 - 341 - 347
وما المرجم 13/ 353
طعنت سهم 14/ 4
ألا للمليم 14/ 9
إني حمام 14/ 12
برج صمام 14/ 12
ما دخل سهمي 14/ 47
قولا والجام 14/ 62
ولست عاصم 14/ 89
وقالوا كريم 14/ 103
يا زائرينا بالسلام 14/ 191
لقد فازت زمّ 14/ 294
أعين تسأمي 14/ 302 - 319
رب بذميم 14/ 338
أما القائم 14/ 365
سائل الغلام؟ 14/ 365
أيا المغرم 14/ 375
غذتكم اللئيم 14/ 9
تعالي ملوم 14/ 179
قد سل الحرم 15/ 126
فدى حميم 15/ 102
أول البيت القافية ج/ ص
ومثل جرم 15/ 114
يا أيها الحكم 15/ 114
إن ابن الخطام 15/ 117
يا موقد منصرم 15/ 129 - 130
إن ابن باللوم 15/ 167 - 170
أرسل دمي 15/ 230
يا طول سقمي 15/ 232 - 233
سيروا عاصم 15/ 340
ألا حي سالم 15/ 342
فهل دارم 15/ 343
بسيف ظالم 15/ 343
ولا نقتل المغارم 15/ 344
أ لم تشهد الجماجم 15/ 341
غضبت بالصليم 15/ 64
فلا متقدم 15/ 176
سلام السلام 15/ 294 - 295 - 296
هذا الذي والحرم 15/ 325 - 327
كأني لجام 15/ 375
طلل رسوم 15/ 377
وما زال اعجم 15/ 177
تقول أقم 16/ 214
ناوليني جمامي 16/ 246
صفات متيم 16/ 250
ضجت بالصيلم 16/ 251
لذة تريمي 16/ 252
يزيد مسالم 16/ 254
لشتان أبن حاتم 16/ 255
أول البيت القافية ج/ ص
عللاني أم حكيم 16/ 278
ولكنه معمّم 16/ 303
لو لا الحياء لم أقم 16/ 312
فدى لقومي الأقوام 16/ 337
وما أبالي دمي 16/ 384
إذا لم طعامي 16/ 43
ألا استأذنت بسلام 16/ 41
يا شقيق لم أنم 16/ 25
وصافية وعام 17/ 113
وكنت صميمي 17/ 242
ومن يشتم 17/ 228
ألا هل العظائم 17/ 261
ألا اللهازم 17/ 268
وددت العظم 17/ 370
ليست ذي سلم 17/ 101
إذا ارتقت كلثوم 17/ 210
ألا ذهب الخصام 17/ 61
فودع بالسلام 17/ 62
ومظهرة والسلام 17/ 72
إذا ما سوأة بهيم 17/ 237
يا ربع ولا تستعجم 17/ 49
دار الأيام 17/ 190
لا كعبد لهشام 17/ 13
والمصيبون الاسلام 17/ 25
من لقلب ولا أحلام 17/ 27
ما أبالي اللوّام 17/ 34
فهم اتهام 17/ 34
أقول بالصرائم 18/ 5 - 24
أول البيت القافية ج/ ص
فلو سالم 18/ 5
هي القوائم 18/ 5
أ أنت سالم 18/ 23
رأيت شبام 18/ 80 - 89
ولسنا كالغنائم 18/ 123
رمتني برام 18/ 142
بعمرو المقاوم 18/ 191
يسائلني المكارم 18/ 294
ويا بيت عجم 18/ 342
هجرتك النمائم 18/ 369
ألا ترمي 18/ 87
كأني لجامي 18/ 142 - 143
يا شقيق أنم 18/ 101 - 221
أ لم بالوهم 18/ 263 - 264
تمام اللثام 18/ 37 - 38 - 40
فأقسم تميم 18/ 285
قالت الآطام 18/ 96
إني علم 18/ 148
شمر بثوم 18/ 150
ولقد كالأنجم 18/ 220 - 222
لمن يقدم 18/ 227
أسعد سقام 18/ 304
للّه سقم 18/ 344
باللّه الاثم 18/ 344
قل بأمّه 18/ 315
نقص هاشم 18/ 223
لو حاتم 18/ 297
طيروني حكام 18/ 118
أول البيت القافية ج/ ص
ومنينا حام 18/ 118
دار الغمام 18/ 119
إن الغمام 18/ 248
أراك المسلم 18/ 149
ألا مجرم 19/ 68
دعوت يتجشم 19/ 70
ولا عيب الخواطم 19/ 111
وحدث حالم 19/ 112
وحدثني نائم 19/ 112
أزرت الهمم 19/ 81
لم تند بدم 19/ 82
فضلت الايام 19/ 86
لم العظام 19/ 285
قد بالظلام 19/ 308
لست بسلام 19/ 237
عللاني الصيام 19/ 256
نعم اللثام 19/ 309
إذا نديمي 19/ 245
لعمري النواعم 20/ 103
ألا بدرهم 20/ 156
أشارت تتكلم 20/ 325
تحذرني مسلم 20/ 385
شاهد حازم 20/ 403
عنقت وفم 20/ 247
إني الفهم 20/ 247
إن أبا هامي 20/ 38
فقدت الكرام 20/ 198
هديتي الهمام 20/ 244
أول البيت القافية ج/ ص
قل محام 20/ 157
يا سائلي شيمه 20/ 228
لا تخرجن مغنم 20/ 338، 24/ 2
عزم للإمام 20/ 275
يا دار وأنعمي 20/ 405
طاف مسهام 20/ 55
وشاعر تنمي 20/ 130
اكنى مكتم 20/ 67
من يرم 20/ 96
اسقياني ملامي 20/ 4
بأبي أسمّي 20/ 240
إذا مقرم مقرم 21/ 49
رقى المسهم 21/ 70 - 71
جزى بالدم 21/ 142 - 162
وإني لا ثوي جرمي 21/ 214
فياضيعة المسدّم 21/ 244
إذا ناحبت المتكرم 21/ 282
عجبت دارم 21/ 284
دعي سلم 21/ 288
بني عاصم العمائم 21/ 291
ولست العزائم 21/ 304
وكنت على الدم 21/ 306
ترى ظالم 21/ 306
وما بين الغلاصم 21/ 325
ألا حيّ أم سالم 21/ 329
وهل دارم 21/ 329
ولا نقتل المغارم 21/ 330
أول البيت القافية ج/ ص
نحن رثم 21/ 364
إني القماقم 21/ 382
فجعنا البراجم 21/ 388
قد خادعوا ذو حلم 21/ 2
إن الخميصة والقدم 21/ 289
أقول تميم 21/ 224
فمن يك حرام 21/ 296
وقوم الكرام 21/ 333
ثلاث الشمام 21/ 373
إذا ما أنت الظلام 21/ 386
فمن يك حرام 21/ 397
قد جعلت أديم 21/ 255
ألا أبلغا لخثعم 22/ 3
نفنه المزنم 22/ 11
رأيت مرغم 22/ 130
عليك الكرائم 22/ 144
ما عز عاصم 22/ 152
جزى اللّه المكرم 22/ 235
إني لأستحي الروائم 22/ 294
حبست متفاقم 22/ 321
يا دار والقدم 22/ 122
أبا اسحاق الجسيم 22/ 177
تبسم التمام 22/ 281
اللّه القصيم 22/ 287
بئس اليم 22/ 355
أيها بالسلام 22/ 183
سئمت مغرم 22/ 129
ألا أبلغا الاكارم 23/ 9
أول البيت القافية ج/ ص
سيستبشر المواسم 23/ 14
أبا بيت ليلى ولا ابن عمّ 23/ 129
لا أقول متهم 23/ 197
وفيت وأيامي 23/ 145
وجدتك صميم 23/ 18
لا تبخلن هضيم 23/ 219
سقيا قماقمه 23/ 67
وعامل في الظلم 23/ 119
لا تنمن النمّام 23/ 166
ألا أيها حزام 24/ 158
ألا أيها حزام 24/ 158
فلا ينفع وسلام 24/ 158
فلا وضعت بغلام 24/ 159
نهت وهيثم 24/ 171
تمام الحج اللثام 24/ 83
أرى أبلي الذميم 24/ 214
إن كنت همام 24/ 77
عربا بني القدّام 24/ 78
ضربوا إلهام 24/ 78
شد وشآم 24/ 78
بيد الذي من الهمّ 24/ 108 - 126 - 133
كرب ذو الحكم 24/ 126
فاستيقني عن علم 24/ 128
ولما بقيت جسمي 24/ 130
يا زفر الأكرم 24/ 41
أنت محرم 24/ 41
أول البيت القافية ج/ ص
لا تعذلني اللّوم 24/ 3
أول البيت القافية ج/ ص
يا دوم الديم 24/ 233
ن
باللّه مؤتمن 1/ 114
أمن الحزن 1/ 157
ياء مؤتمن 1/ 203، 2/ 370 - 372، 4/ 319، 17/ 271
إن الوطن 1/ 203
حمزه غبن 3/ 357 - 350
أمثل بني أجنّ 3/ 153
خليفة الصولجان 3/ 243
شاقني مرتهن 3/ 357
يا الزمن 4/ 42
شغل بدن 4/ 73
صرعن فطن 4/ 74
عزه حسن 4/ 74
لو لا السيلحون 151
كلفها دان 5/ 83
كل وحزن 5/ 421
إذا ما دحمان 6/ 21
لمّا سقونا عبد الرحمن 6/ 59
يا روضة اليمن 6/ 213 - 214
الا يا والحزن 6/ 238
أنا ابن عثمان 7/ 90
لا تلمني فتن 7/ 176
أنف عن السكن 7/ 184
بينّ يفزعن 7/ 283
تطاول يمانون 9/ 88
وصفراء عسقلان 9/ 275
كأنني ودجن 10/ 29
فتنت فافتتن 10/ 48
كأن ظلامة حيّان 10/ 157
إن المنايا جنّة 10/ 75
عائش تحجين 11/ 188
الشيخ حرّان 12/ 210
ما من يصلحون 14/ 88
أية المساكين 15/ 56 - 68
مهلا تمنعن 16/ 70
وبدت له واحتمان 16/ 380
مالك تضجين 17/ 342
أودى الخيزران 19/ 274
حملت للثمن 20/ 133
إن العزيمة رخمان 21/ 168
نعم سفيان 21/ 168
ويل سفيان 21/ 171
إليك الضأن 21/ 217
ألا يا عريب الزمن 22/ 179
لا جميل أخن 23/ 109
يا صاحبي السنن 24/ 137
القصر جيرون 1/ 8 - 11 - 44
أول البيت القافية ج/ ص
لم المسنون 1/ 11
ويقلن إنّه 1/ 16
قال تشيعنا 1/ 90
ليت المهنا 1/ 141، 5/ 95
في واشتفينا 1/ 143
تقول حينا 1/ 145
ان الياسمينا 1/ 147
من أجنّا 1/ 204
أصبح الطاغينا 1/ 214 - 216
قلت العالمينا 1/ 216 - 221
نحن حينا 1/ 216
فرأت تكتمينا 1/ 217
وجلا للناظرينا 1/ 220 - 226
لم التقينا 1/ 228
فمكثنا واقتضينا 1/ 229
كان نوينا 1/ 229
ألا فتكحلينا 1/ 461، 2/ 365
ان فعينا 1/ 257
هل حزنا 1/ 279
يايها ملموّنا 1/ 359
اين إلينا 1/ 392
مرت بانه 1 - م - ت 29
يا عين جودي عفانا 2/ 400
ولا يريمون صوفانا 2/ 209
وقلت له أين أمان 2/ 53
وقلت له أين زمان 2/ 53
أيها الركب المجدّون 2/ 134
أول البيت القافية ج/ ص
كنا كما كنتم تصيرونا 2/ 134
جرى دمعي جنونا 2/ 400
أبعدك معقلا والحصون 2/ 227
رب دار جيرون 2/ 102
سليمى أنينا 2/ 237 - 238
قل للمنازل تبيانا 2/ 206/208
دع الثلاثين الثلاثينا 2/ 413
أفي نصف ستينا 2/ 162
وقد قالت تلاقينا 2/ 239 - 235
تنحي فاجلسي العالمينا 2/ 163
تمنين تمنينا 2/ 238، 18/ 327
أما بنوه زبانا 3/ 264
وذات ذلّ سكرانا 3/ 165
يا قوم أحيانا 3/ 238
ان العيون قتلانا 3/ 344، 7/ 307 - 308، 8/ 39 - 42، 16/ 171، 21/ 367
وترى فنونا 3/ 498
هللينه لتينه 3/ 195
وماشر تصبحينا 3/ 224
الاهبي الأندرينا 3/ 224، 11/ 50
أجمعت زينا 3/ 321
امامة فالمسينا 3/ 233
ان بشار سفينه 3/ 247
حي المنازل السنينا 3/ 297
خبروني حسنه 4/ 54
أول البيت القافية ج/ ص
ان معينا 4/ 57، 8/ 59، 16/ 316، 19/ 167
حبك المحبينا 4/ 59
بكر والومهنّه 4/ 294 - 295
حرام كانا 5/ 325
قلت طغيانا 5/ 170
رأيت الأشعرينا 5/ 30
أغرك تصبرينا 5/ 95
أبكي لينا 5/ 187
رقى امطلينا 5/ 94 - 96
كانوا خصيانا 6/ 21 - 173
وما تصنع مجنونا 6/ 220
قالوا وما كنا 6/ 242
شكونا عندنا 6/ 311 - 319
ليظهر مشركينا 7/ 58
أرى سلمى أردنا 7/ 95
حمدنا اللّه مؤمنينا 7/ 149
يا دير مديانا 7/ 193
يا حانة كانا 7/ 197
بحرمة انسانا 7/ 220
إني أتيتك المسلمينا 7/ 223
محمد عفانا 7/ 266
إني أدين المحلينا 7/ 273
برئت اجمعينا 7/ 276
وهما فرآنا 8/ 145
إن الذي فينا 8/ 60
لعمرك لظالمونا 8/ 160
أحالفه متحرجونا 8/ 172
أول البيت القافية ج/ ص
فإن تنكل اليقينا 8/ 173
قالوا خراسانا 8/ 372
إلى الألفين بقينا 8/ 396
فكم منى 9/ 63 - 67
ملوك يقتلونا 9/ 80
فآبوا مصفدينا 9/ 80
فأول المرجئونا 9/ 139
بانت وليانا 9/ 199
لا بارك كانا 9/ 200
أنا بني يشرينا 9/ 270
الا حيّ خانيقينا 9/ 322
ليس عريانا 9/ 323
أما ربانا 9/ 327 - 330
عيناك كانا 10/ 54
وكنت أخي عوانا 10/ 57
خافي المصلينا 10/ 250
هل ترجعن أزمانا 10/ 277
متى تعتقد القرينا 11/ 56
ونحن خبائنا 11/ 106
أيا لهفي لقينا 11/ 312
صاحبت صوجانا 11/ 321
ان كان واحسانا 12/ 103
لقد علم دعانا 12/ 42
أتجعلنا إلى زمانا 12/ 42
حتى إذا المنى 12/ 251
ما تصنع مجنونا 12/ 180
ألا أبلغ الشامتينا 12/ 329
عدمتك يا تعشقينا 12/ 284
أول البيت القافية ج/ ص
ألا تفخرينا 13/ 204
طبيبي باطنا 13/ 309 - 310
أظهرت تغشانا 13/ 325
أحمد العالمينا 13/ 226
قتلنا زينا 14/ 8
تخطى المظنه 14/ 44
أضحت ذاكرانا 14/ 88
وإني عمانا 14/ 292
أرجوك وعيدانا 14/ 320 - 375
فقد كشحانا 14/ 343
أسأت احسانا 14/ 348
إني تعلمينا 14/ 356
يا أيها تسيرونا 15/ 19
ان حمشاك وفتونا 15/ 74
كان لي التقينا 15/ 121 - 127
لا در وتبكينا 15/ 152
فإن مهزمينا 15/ 210
المم ديدنا 15/ 216
الا أبلغ أجمعينا 15/ 257
نقابك تحرمينا 15/ 272
أسقني دينا 15/ 287
باتت سبعينا 15/ 276
صددت اليمينا 15/ 314
الا أيها الأولينا 15/ 321
قامت سبعينا 15/ 362، 18/ 143
واذا وطينا 15/ 378
ابنيّ البنينا 15/ 378
أول البيت القافية ج/ ص
يا قلب الحسنا 16/ 51
يا لدينا علينا 16/ 69
إن ومازنا 16/ 86
لا أنعم التقينا 16/ 185
من مبلغ التبيانا 16/ 228
يا أمير الأمينا 16/ 256
مليكة فالمسينا 16/ 301
نطاقه موضونه 16/ 335
لما رأيت مارنا 16/ 335
من يرحم مفتونا 16/ 350
تدريننا الرهادنا 17/ 3
كيف تأتينا 17/ 266
ومن عجب يمينا 17/ 9
الا حييت مسلمينا 17/ 13
فما وجدت وأحمرينا 17/ 18
ولو لا معلمينا 17/ 36
مع العضروط محضينا 17/ 40
أحن قرينا 17/ 156 - 157
الأ يا ليل فزودينا 17/ 156
ألا فنولينا 17/ 158
أ بغل تعولينا 17/ 335
أي غلامي رحانا 17/ 125
إن لي الياسمينا 17/ 125
حبذا وتغنّى 17/ 229 - 335
إن لي الياسمينا 17/ 234
وحديث وزينا 17/ 67
حرام كانا 18/ 305
يا ضربة رضوانا 18/ 111
أول البيت القافية ج/ ص
للّه إنسانا 18/ 112
لامت تموتينا 18/ 165
ألا المسلمينا 18/ 257
عبيد اللّه كانا 18/ 282
سليمى أينا 18/ 327
وقد تلاقينا 18/ 327
يا من يمينا 18/ 11
هذه الرسنا 18/ 202
راحوا اكفانا 18/ 191
يجني ألوانا 18/ 192
إن أركانا 18/ 205
ما تغنينا 18/ 184
ولو أسقينا 18/ 184 - 185
قومي ينالونا 18/ 184
هل سيرينا 18/ 192
اليوم بانه 18/ 176
وأحور رنّا 18/ 302
سائل جيرانا 19/ 26
يا أخت تبيانا 19/ 201
يا أم تنيكينا 19/ 276
بان أقرانا 19/ 291
إن الزمان وأسهانا 19/ 310
غيضن ولقينا 19/ 167
أما بقينا 19/ 243
أفدى دنا 19/ 255
استقبل وثلاثينا 19/ 302
نزلت ممتحنه 20/ 271
دسّت لانا 20/ 71
أول البيت القافية ج/ ص
صلى آمينا 20/ 230
آلى ماشينا 20/ 333
أشكو الأمرينا 20/ 246
يا مسعدي سيحانا 20/ 250
من متنبطينا 20/ 168
أما العاذلينا 20/ 186
أقاموا للديدبان 20/ 37
خفف سكنا 20/ 95
زمني وجنانا 20/ 163
أظل غضونا 20/ 407
خبروني حسنه 20/ 303
يا منسى المغرينا 20/ 68
إذا كانا 20/ 71
قل تذكرينا 20/ 113
قبح الماجشونا 20/ 202
فابقين سمينا 20/ 354
ألا تكلما وعالنا 21/ 135
ألا تلكما وعاهنا 21/ 147
ألا ليت هجبنها 21/ 179 - 193
كتبتم تظلمونها 21/ 327
أضحت ذكرانا 21/ 34
أما بنوه زبانا 21/ 34
فلو جمعوا أبانا 21/ 318
إذا ما الدهر آخرينا 21/ 396
إن عيني لينا 21/ 125
يا نبت إنسانا 22/ 164
أنظر أظعانا 22/ 196
هاك طائعينا 22/ 248
أول البيت القافية ج/ ص
ياذا وحينا 22/ 83
لم يعص غنينا 22/ 112
واللّه وهوانا 22/ 189
يا خليلي موهنا 22/ 189
بكرت حانا 22/ 275
سلوا ندينها 22/ 19
هنيئا لا نخونها 22/ 37
يا سيدا وسنا 23/ 120
سترضى علينا 23/ 171
هذا دمنه 23/ 155
إن يكن هجانا 23/ 156
إن عنانا مبدانا 23/ 93
عنان تلومينا 23/ 92
صبحانهم طحونا 24/ 35
بقرنا جنينا 24/ 39
الا أن قلبي الحزينا 24/ 5
ما اللّين 1/ 22
ألا القرائن 1/ 30
وما كائن 1/ 31
شهيدي جوان 1/ 69
قفا تكون 1/ 345
لم الهجران 1/ 102
وما زلت من واداجن 2/ 379 - 382
يسمونني جنون 2/ 39 - 37
ألقيت نفسك أهون 2/ 424
كلانا مظهر مكين 2/ 14 - 31 - 46 - 16
سمين قريش سمين 2/ 314
أول البيت القافية ج/ ص
دعا بفراق الجنان 3/ 206
ليت الهوى الحزن 3/ 325
من كان قمن 3/ 325
وقد جعل وعيون 3/ 154
سكن الزمن 4/ 11 - 12
كل الكفن 4/ 18
الناس تطحن 4/ 52 - 98
يا رهين 4/ 65
أسأل سلوان 4/ 397
يا الحزن 4/ 268
يتيه تطحنه 4/ 66
أكليب ملعون 5/ 38، 6/ 342
عون كون 5/ 325
دعون جنون 5/ 234
كذبن ديون 5/ 98
ألا حزين 5/ 233
تخوف السفن 6/ 72
يأيها البيان 6/ 159 - 162
اكليلها فتّان 6/ 281
منازل السنون 6/ 32
وهو الذي قرين 6/ 57
سألونا يكونوا 6/ 151
أ أن زمّ حزين 6/ 163، 9/ 309
كابر نيك الزمن 6/ 213
لها في ذقن 7/ 224
بني منقذ زبون 8/ 23
أول البيت القافية ج/ ص
عطاؤك يزين 8/ 328
سبحان والزمن 8/ 359
من لم الحرن 8/ 359
وإن سلوى حينها 8/ 154
أرى يستدينها 8/ 177
تبدلت خوانها 8/ 389
وان الخيانة خوانها 8/ 389
إن الخيانة ديوانها 8/ 389
كم خليل المنون 9/ 51
ليت شعري المحزون 9/ 51
واني كائن 9/ 185
تروحت حنين 9/ 330، 21/ 316
يا واحد والحزن 10/ 173
ألا أبلغ الظنون 10/ 207
أتيتك الظنون 11/ 4
إلى ابن العيون 11/ 22
أمن ضرطة وتلين 11/ 321
أخذت بعين أدان 12/ 56
إذا حسرت الدواهن 12/ 184 - 187
تخطى إلى شئون 12/ 154
الا يا حمامات حرين 12/ 47
كأنك لم حنين 12/ 184
ألا سمين 13/ 64
ينبيك الخدين 13/ 343
تسأل اليقين 14/ 3
ذكرناك قحطان 14/ 170
ذكرتك قحطان 14/ 173
أول البيت القافية ج/ ص
ظهر معان 14/ 362
ليت نعمان 15/ 115
أيها الهجران 15/ 264
طرب أشجانه 16/ 359
وبدا له لمعانه 16/ 370
جاءتك المكنون 16/ 384
إن كنت غسان 16/ 43
هزئت حزين 17/ 71
أعانك كائن 18/ 60
رحلنا عيون 18/ 373
وما غصونها 18/ 351
لا وطين 18/ 334
لا الركن 18/ 367
عون كون 18/ 305
لقد عيونها 19/ 200
اليوم الزمن 19/ 87
مولاي ثمن 19/ 254
لحلحلة تبين 19/ 205
الجود غسان 19/ 267
لعاصم تهتان 19/ 268
خليل مكين 20/ 122
من والشجن 20/ 274
مالا فيكون 20/ 92
مالت خزانه 20/ 171
يا جنة ثمن 20/ 103
كيف والأوطان 20/ 117
لعمري عيون 21/ 92
جلست يخون 21/ 340
أول البيت القافية ج/ ص
سألونا يكون 21/ 60
تعجب الرسغان 21/ 268
تعال يصطحبان 21/ 307
تلوم سمين 23/ 26
أقول وأسكن 23/ 100
أما القباب تكون 23/ 72
العفو خيلّان 23/ 222
يا لقومي الهوان 23/ 190
هل للمحب القرين 23/ 42
لقد طار عيونها 24/ 29
كففنا إخوان 24/ 29
لا عاني 1/ 98
وانص الأظعان 1/ 139
وجوار الأظعان 1/ 142
حبكم وبطن 1/ 141
أيها يلتقيان 1/ 234 - 235
أيها الركبان 1/ 235
يقولون كفين 1/ 253
واجهشت رآني 2/ 54
ألق العصا العرجان 2/ 406
يا صاحبي ايما حين 2/ 41 - 29
يا هند حسبك الإنسان 2/ 132
أنا لنشربها بوسنان 2/ 259
حبسي الزمان 2/ 405
ليت والضّنينّ 2/ 348
تزوجت تعذراني 2/ 418
قالت جنت بالمجانين 2/ 36
يا للرجال يعنيني 2/ 42
أول البيت القافية ج/ ص
لا يعد مني يعنيني 2/ 260
لا تعد مني ببهتان 2/ 256
أدركت ما النعمان 2/ 132
فقلت له أين زمان 2/ 53
دعاني فمنياني 2/ 190
جزاك اللّه البنين 2/ 162
يا اللّه جال يبليني 2/ 28
أنت حجج رهبان 3/ 285
هاج شوق الأحزان 3/ 294
ربما يثقل الميزان 3/ 187
إن أمسى الشيطان 3/ 218
أنعيم دعاني 3/ 261
دعا قمير دعاني 3/ 67
ليس فيما فإني 3/ 360
تركتني مكان 3/ 223
وقائل هات سمان 3/ 221
يا بن الزبير عمان 3/ 363
ودعجاء الجنان 3/ 154
سيدي الأصبهاني 3/ 231
جزعت الفتيان 3/ 108
عرفت المبنّي 3/ 8
شعر اتصلى للوثن 3/ 241
واللّه لو لا شجن 3/ 241
يا دار والجحون 3/ 329، 15/ 357
يا من هارون 3/ 104
وقد عجبت تأسوني 3/ 114
أزرى ذوني 3/ 88 - 114
أول البيت القافية ج/ ص
فتمنيت زفرتين 3/ 231
نظرت شيني 3/ 231
شط القين 3/ 205
وغادة لين 3/ 193
لي ابن ويقليني 3/ 114
ضربتني أوجعتني 4/ 25، 15/ 281
حزنت حزني 4/ 26، 15/ 282
أجفوني شأني 4/ 31
باللّه فاستزيرني 4/ 41
يا مرتهن 4/ 44 - 45
حتى توليني 4/ 50
ما سلطانه 4/ 63
ألهي منيّ 4/ 109 - 110
ويح عناني 4/ 113
قومي عاداني 4/ 120
قوم وفيان 4/ 120
ما شأني 4/ 236
إني والشنان 4/ 240
أرقتني يوذني 4/ 381
يا ديني 4/ 391
ما يبكيني 4/ 397
أما قرن 4/ 376
لا الزمن 4/ 376
إذ رسني 4/ 261، 10/ 99 - 100
سقيا زمن 4/ 262
أول البيت القافية ج/ ص
لو ترويني 4/ 343
يقولون وحيني 4/ 268
أقلل هجرانه 4/ 96
ما لابراهيم ثاني 5/ 170 - 250، 12/ 86
حمدت الجاني 5/ 339
كف اليدان 5/ 49
كنت براني 5/ 190
ألا وجيراني 5/ 189
وهل سلطاني 5/ 338
ألا وخلفاني 5/ 337
ألا فاني 5/ 7
جنة مكان 5/ 171
عجبت خفان 5/ 339
القن هامان 5/ 144
ألم ثماني 5/ 333
أسأل عثمان 5/ 27
مات الزمان 5/ 431
لمن بزمان 5/ 186
ومن الخنان 5/ 5
فيالك بالعوان 5/ 338
أضحت الفتيان 5/ 410
تولى والقيان 5/ 256
أعمرو وعذبتني 5/ 222
ويل جنّ 5/ 145
ما كنت بالسفن 5/ 412
في بقاء المحزون 5/ 258
هما تدلان 5/ 215
أول البيت القافية ج/ ص
أمنت الطرفين 5/ 355
سقيا يومين 5/ 176
اهجريني فكوني 6/ 30
ما غيرت الهجن 6/ 110
ذاك ظبي مكان 6/ 168
يا بعيد ولساني 6/ 168
طربت بالحزن 6/ 196
فهأنذا مكان 6/ 199
أعلمه زماني 6/ 298
فلو سألت زماني 6/ 301
مررنا هجان 6/ 314 - 321
كفرت والمنّ 7/ 8
رأيتك ما تبني 7/ 20
أمن أجل تبتدران 7/ 37
أنا في سقاني 7/ 93
طال ليلي في جيرون 7/ 122، 15/ 109
صاح حي جيرون 7/ 127
أي ديباجة حزني 7/ 152
بالشط في غصن 7/ 170
يا خلي لترحميني 7/ 178
إن من بالاماني 7/ 187
سر على لجين 7/ 200
أتى حسنا يلعبان 7/ 259
إن إلا له وللدين 7/ 260
إن تسأليني ذي يمن 7/ 264
يا صاحبي الأحزان 7/ 272
شفيت الغويين 7/ 274
ما أراني الهجران 7/ 299
أول البيت القافية ج/ ص
لا تأمن انسان 7/ 303
أخسأ اخوان 8/ 17
ياذا النشوان 8/ 17 - 315
فدعوا شيبان 8/ 18
نبئت مأمون 8/ 27
أن الهجيم الألوان 8/ 52
حلفت دفين 8/ 99
بالمتن الجلمان 8/ 179
هيهات عدن 8/ 211
بنفسي الجبان 8/ 248
احبك الجبان 8/ 249
ليلتي بالمحاسن 8/ 250
التغلبية الشيطان 8/ 299
بكى الشجيان 8/ 301
يفور فيلتقيان 8/ 301
ولقد السلطان 8/ 315
سددن وجبين 8/ 342
كل شيء يدان 8/ 370
اللّه همدان 8/ 410
اساغ كتمان 8/ 410
يا أم اوصليني 8/ 135
وما لتسألوني 8/ 136
يا جون 8/ 137
لا جزى لساني 8/ 354
قفا نهاني 8/ 358
وقصده خدان 9/ 85
ألا إن غدران 9/ 89
عللاني اصبهاني 9/ 131
أول البيت القافية ج/ ص
كللاني غنياني 9/ 132، 10/ 68
سلام احزاني 9/ 135
يأيها زمني 9/ 140
رأيت الغرين 9/ 156 - 157
إذا الأرطي عين 9/ 171
فما أروي حرون 9/ 172
إذا ما باليمين 9/ 168
وما حائمات حوان 9/ 189
ان كنت قطن 9/ 233
لا تلمني كفاني 9/ 242
هل تعلمين اقصاني 9/ 277
هذا كتاب واحزاني 9/ 277
قال الوشاة وتنساني 9/ 277
سقى مؤتلفان 9/ 286 - 287 - 290 - 293
وما ان سكرين 9/ 320
رأيت القرين 9/ 167
إذا بلغتني الوتين 9/ 168 - 169
وقد عرفت قتين 9/ 172
وإني لا هوى يكون 9/ 214
نبئت في حضن 10/ 34
إذا ما العيان 10/ 61
هب الزمان الخلان 10/ 67
الاقبح النتن 10/ 76
لا يصلح للدين 10/ 76
مروان مروان 10/ 83
معن بن شيبان 10/ 84 - 86
يا كوكب ليس مني 10/ 94
أول البيت القافية ج/ ص
ذهبت بها عني 10/ 136
يا كثير السكن 10/ 138
إذا اصطحبت جشمتني 10/ 151
انت نعم للانسان 10/ 192
العين بعدك إلى سكن 10/ 227
رأيتك ديني 10/ 251
فديت حيّاني 10/ 281
ويل لأجمال ودنون مني 10/ 292
أ لم تربع ثمان 10/ 323
ما ضرّ البحران 11/ 54
لمن الديار بزمان 11/ 60 - 63
أجرير حصان 11/ 62
ما كان جوفان 11/ 112
أراني أراني 11/ 117، 15/ 305
ويوم الشعب ارجوان 11/ 152
متى تك سنان 11/ 159
جعل اللّه عيني 11/ 186
ألا يا ليل تعرفيني 11/ 207
عجبت هجين 11/ 254
فلا أسدا الاكرمين 11/ 254
غلب الصبر اخواني 11/ 260
لم يغرر حنين 11/ 262
دعاني ام كنّاني 11/ 277
الا يا مصباح بان 11/ 277
سقى فرن بالجوز جان 11/ 278
كأني الجبان 11/ 281
يا يوم الحصين 11/ 322
عض أبو الاسكتين 11/ 322
أول البيت القافية ج/ ص
صحا قلبي الغواني 11/ 326
أبو المأمون ولين 11/ 341
هما فتاتان يدلان 11/ 361
أية حال المساكين 11/ 363 - 367
هل من ابن رامين 11/ 365
رأيت نهاني 11/ 369
خليلي عوجا أم أبان 12/ 164
بكر العواذل يلحاني 12/ 280
اساءك للقرائن 12/ 38
ألا ان قوما عذران 12/ 213
من خيل حصان 12/ 120
سيعلم قومي دعاني 12/ 164
قفا فابكيا فدعاني 12/ 153
أن ابن جهم لا ماني 12/ 82
ندمت كذاك مكان 12/ 166
أبا خالد جنان 12/ 165
يا للرجال الوسنان 12/ 11
كأن لم يكن الرجوان 12/ 171
عجبا لواصف الديان 12/ 11
احال اكدر والعطن 12/ 113
فني الشباب وعلاني 12/ 292
قل ليحيى المنون 12/ 285
بلاء ليس ودين 12/ 83
يا جعفر يكفيني 12/ 152
إذا ما باليمين 12/ 219، 15/ 184
أقرر ذنبان 13/ 115
فإن الظنون 13/ 134
أول البيت القافية ج/ ص
وإن العرين 13/ 135
وإني قرين 13/ 135
موسى يوجدان 13/ 142
من الظربان 13/ 166
سأترك وشجاني 13/ 165
ألا الحدثان 13/ 175
لسلمى ضمان 13/ 176
فلم بلسان 13/ 177
عين الفرسان 13/ 202
ألن قيان 13/ 236
يا البهتان 13/ 242
ابدل علجان 13/ 243
لو الصين 13/ 257
وكأن عنين 13/ 258
ونحن دواني 13/ 260 - 268
إلا الهجان 13/ 265
سررت بالبيان 13/ 266
اسعداني الزمان 13/ 273 - 331 - 332، 14/ 365
وبلى يراني 13/ 292
حمال اليدان 13/ 293
صاح بنصفين 13/ 299
واعلما فتفترقان 13/ 334
جعل حلوان 13/ 334، 14/ 366
أيها دعاني 13/ 334
وكذاك مؤتلقان 13/ 335
الحمد يكن 13/ 345
أول البيت القافية ج/ ص
يقولون يراني 13/ 356
لما الحسان 13/ 289
لا تجسلن الأخوين 14/ 30
إن كنت إخواني 14/ 32
ألا يا شجاني 14/ 39
قد كنت قبضتني 14/ 47
قد قلت عجانه 14/ 48
واللّه الحزن 14/ 117
حجيج يحن 14/ 121
ضع التبابين 14/ 135
تولى والقيان 14/ 140
إني يؤذيني 14/ 141
يأيها تهجين 14/ 184
لابن بدون 14/ 204
أيا تعين 14/ 238
يا هند يؤذيني 14/ 275
انت الزواني 14/ 344
قل قحطان 14/ 364
متى الدين 14/ 364
عجبت وللدين 14/ 367
يا بن بالسمن 14/ 379
قالت بالمجانين 14/ 40
إني أفن 14/ 74
إذا رام جدلان 14/ 212 - 214
قلت العدان 14/ 218
قالت اينه 14/ 260
بكى شريكين 14/ 324
أول البيت القافية ج/ ص
لعمرك الركن 15/ 6
شاقتني البطون 15/ 25 - 29
سحيقة ثان 15/ 59
هل من رامين 15/ 60
يا رب البراذين 15/ 63
فان تجودي فزنيني 15/ 63
قالوا عنين 15/ 71
ألا تكلم ومكاني 15/ 78
وإذا دون 15/ 109
هي مكنون 15/ 109 - 110
لم خاصرتها مسنون 15/ 109
قبة قيطون 15/ 110
فإن ولادين 15/ 151
لمن الدار فالضمان 15/ 154 - 166
قد الجولان 15/ 155 - 168
إني الحسن 15/ 199
يا خليلي بالاظعان 15/ 262
لم تدع بلساني 15/ 263
يا خليلي فابكياني 15/ 277
فديت ويسقيني 15/ 355
يا بشر يميني 15/ 358
فلذاك الظنون 15/ 109
أنا أبو مجنون 15/ 216
رأت وجناجن 15/ 284
أقول أدروسفان 15/ 288
أيها تبكيان 15/ 382
حدثيني بهجين 15/ 313
أنت للتزيين 15/ 313
أول البيت القافية ج/ ص
بان الشباب الظاعن 16/ 61
سيري ساكن 16/ 65
أدركت النعمان 16/ 78
ألا أيها الاخوان 16/ 124
إن الذي مدفون 16/ 142
رأيتك ديني 16/ 224
معن في البنان 16/ 263
يا قوم والديان 16/ 331
ملك بكل مكان 16/ 345
إن لم يكن ابن زيدان 16/ 349
لذات الحال يلثمني 16/ 351
أتاك باليقين 16/ 356
يا نفس في سنن 16/ 401
يطوف مخضوبتان 16/ 404
يا خليلي الهوان 16/ 41
وقد لاح للطعن 17/ 130
كفى القرائن 17/ 152
للّه فرسان 17/ 201
إن تريني والحزن 17/ 79
أشرب لليمن 17/ 317
أين بالمعاني 17/ 331
تيم اين جدعان 17/ 291
فاقبلوا ما شاني 17/ 337
أستعين قتلتني 17/ 41 - 45
اعوزتني لساني 17/ 328 - 337
ألا هوان 18/ 43
كفاني للحدثان 18/ 229
وما سنّي 18/ 131، 20/ 284
أول البيت القافية ج/ ص
يا روح وغسان 18/ 112
ما الطبرزين 18/ 153
أبلغ اليمن 18/ 270 - 275
أغيب الزمن 18/ 371
تعتل للبدن 18/ 372
لقد تأتيني 18/ 324 - 326
شيب الزمان 18/ 177
مني الهجان 18/ 177
قد القلبين 18/ 203
حللنا عوثبان 18/ 110
وجدت السمين 18/ 151
رويدك الهوان 18/ 229
أمفسدة الحنين 18/ 230
ألا اليماني 18/ 265 - 271
لم إخوان 18/ 55
جاءوا مليون 18/ 317
يعتق دينه 18/ 55
حيّ هجان 18/ 104
يا ريح حسن 18/ 354
يا أبا الجران 18/ 182
أيها عثمان 18/ 197
بكاء مختلفان 19/ 60
ألا بيميني 19/ 14 - 23
فما لك تسليني 19/ 231
دلت أعطاني 19/ 45
إن كنت تشفيني 19/ 60
آنى هارون 19/ 83
لقد يأتيني 19/ 300
أول البيت القافية ج/ ص
يا معن الاكفان 19/ 54
أي حلوان 19/ 114
غضب غضبان 19/ 119
من بفلسين 19/ 112
المهرجان بالزين 19/ 239
لما أنت بجرجان 19/ 285
خنساء تذلين 19/ 308
ماذا فردين 19/ 308
لم يطل فتنعاني 19/ 292
إن كنت يغريني 19/ 249
تصبح شعبان 19/ 255
ألا بكركين 19/ 236
يا من الجهني 19/ 243
عين الزمان 19/ 281
أنا بالباب بعناني 19/ 227
كفى حكمان 20/ 70
خليلي زمان 20/ 265
أحقا الثقلان 20/ 266
من الناس قضياني 20/ 267
ألا ذراني 20/ 268
أفي غرقان 20/ 268، 24/ 165
أرقت يمان 20/ 294
وردت سقاني 20/ 294
حميد والدين 20/ 30
لا بالدين 20/ 59
يا ذا المنن 20/ 95
يا حسنها أذني 20/ 102
سعى عقالين 20/ 162
أول البيت القافية ج/ ص
عصابة الطين 20/ 165
في الملاعين 20/ 165
أما اللسان 20/ 72
ألم دعاني 20/ 106
أما والركبان 20/ 72
إلى بيتان 20/ 394
يا أحسن ترحمني 20/ 248
واللّه بيني 20/ 12
يا بعيد ولساني 20/ 242
لولا الفاني 20/ 137
إني وإتياني 20/ 459
وأبا بي تنقصني 20/ 71
لا السمن 20/ 98
قد مدفون 20/ 144 - 145
اسقياني دعاني 20/ 5
عللاني العاذلان 20/ 34
يا أبا منّي 20/ 56
وإذا ضفنّ 20/ 57
ولبيب جنّ 20/ 57
وهو عنّي 20/ 57
اسأل أبا عثمان 20/ 66 - 67
أكثري باللسان 20/ 72
ذاك مكان 20/ 242
انت بالغضبان 20/ 248
يا أكرم الفتيان 20/ 251
من العين 20/ 291
يا بني فان 21/ 13
وسابح خوّان 21/ 48
أول البيت القافية ج/ ص
يا عزّ فتيان 21/ 84
كم مال ذبيان 21/ 303
الا من مبلغ بطان 21/ 129 - 134
لقد أمس مبين 21/ 226
يا للرجال الوسنان 21/ 18
يا للرجال الديان 21/ 19
وبنو الألوان 21/ 43
إن تبن من بنيان 21/ 344
اصبحت يدفنوني 21/ 218
أرقت يماني 22/ 146 - 148
أيا ساقيينا وعللاني 22/ 176
هأنذا مكاني 22/ 341
لو كان قنيان 22/ 349
ألا أبلغ دوني 22/ 40
لو اني كموني 22/ 41
اعجر لعانى 22/ 97
أرى ودعوني 22/ 125
الا من عين 22/ 317
أنا جميل وشجني 22/ 153
كم ترى وضني 22/ 168
أدور لا يكلمني 22/ 203
واللّه يميني 22/ 224
وما كنت لإران 23/ 130
حسن الوسن 23/ 112
حسن الزمن 23/ 113
يا شيبة على شجن 23/ 7
المال السلاطين 23/ 29
رب عيش الميدان 23/ 15
أول البيت القافية ج/ ص
بنان يتكلمان 23/ 180
رأيت الخافقين 23/ 203
يا مقلتي يراني 23/ 208
لقد امسى الكشاخين 23/ 194
يا رب بالدّمن 23/ 135
حاجتنا طردين 23/ 164
ومن خبيص بتلوين 23/ 162
دعنا الأخاوين 23/ 163
يا ربح حسن 23/ 134
كم شاعر الفطن 23/ 135
يا ربح حسن 23/ 136
لي خليطان حاذمان 23/ 116
ما تزال تبكيني 23/ 168
هل لأمرئ الحدثان 23/ 119
يا ليت لا تكفياني 23/ 209
جالست أبان 23/ 156
لعمرك مصطحبان 24/ 143
خليليّ وانتظراني 24/ 155
فيا واشي ثم دعاني 24/ 156
ومن لو أراه لكفاني 24/ 156
فيا حبذا ولساني 24/ 156
فان كان حقا فكلاني 24/ 156
إذ رام جدلان 24/ 157
وعينان تكفان 24/ 160
جعلت شفياني 24/ 162
كأن قطاة الخفقان 24/ 163
ثم ارفعا ظعن 24/ 137
هل أجعلنّ والعطن 24/ 141
أول البيت القافية ج/ ص
ألا ابلغ مكاني 24/ 57
أحبك الجبان 24/ 129
ما شأن عينك الانسان 24/ 45 - 244
بخلت ما يجديني 24/ 200
أول البيت القافية ج/ ص
إن البلاء ظنوني 24/ 200
أقسمت قروني 24/ 200
ومنحتني طيف جنون 24/ 202
قرب والتليين 24/ 202
ه
أنا شماميط مدامعه 2/ 385 - 387
لقد طال حاجبه 2/ 32
عقرت اقاربه 2/ 70
لقد ملاعبه 2/ 302
عفا وجآذره 2/ 155 - 178
عفا وجآذره 2/ 269
فذو العش وجآذره 2/ 270
ارقت لبرق هاجعه 2/ 339
تشرب رادعه 2/ 401 - 402
وما انس مدامعه 2/ 385 - 387
صادف درء يمنعه 2/ 283
ابت شفتاي قائله 2/ 163
ولا برح واسفله 2/ 286
أرى لي وجها حامله 2/ 164
يا معدن أوله 2/ 291
ألا أيها ثمائمه 2/ 6 - 79
الشعر يعلمه 2/ 196
اخذت بحسنه 2/ 6 - 33
أن الخليفة ابيته 3/ 211
أنا باللّه وبالصخره 3/ 47
خلو السبيل فزاره 3/ 93
لا أهم أأني المحلّه 3/ 124
إني إذا لسانيه 3/ 194
وهاجرة الفظايه 3/ 178
الموت بقيه 3/ 128
غذا مالك باليه 3/ 170
هل لك جيرانيه 3/ 187
نحمل أدبه 5/ 274
هم مزاربه 5/ 151
سلام ونخاطبه 5/ 257
الامن يراقبه 5/ 120
إذا جوانبه 5/ 382
على عوائده 5/ 431
لقد آثره 5/ 45
إن الدرّه 5/ 86
خليل اذكره 5/ 400
كل مرّه 5/ 47
هذا ودوره 5/ 151
حلت بالجزيره 5/ 91
بانت أميره 5/ 90
أبي اخلاقه 5/ 345
أرى ونائله 5/ 148
يا أحمد بداهيه 5/ 417
لا يكن معه 6/ 32
أول البيت القافية ج/ ص
يا رب رباه 6/ 161
مرّت قبه 6/ 206، 7/ 164
طاب بالرصافه 7/ 16 - 17
إني سمعت برنه 7/ 17
وأبأبي فضه 7/ 180
قل لدينا الآخره 7/ 204
أمرر زكيه 7/ 240
أتتنا قبه 7/ 250
أقسم وهده 7/ 283
أمين والنصره 7/ 207
أن قريشا بفاده 7/ 286
ما لي أرى ناحيه 10/ 105 - 107
عين جودي العلاقه 10/ 203
رأيتك البارحه 10/ 252
لقد خاصمتني وافيه 10/ 257
ألا أبلغ كرامه 10/ 258
ليت الحمام قديه 11/ 36
جدلت ناظره 11/ 72
همّت عكابه 11/ 116
لم أر وحنظله 11/ 142
نحن حماة ومعبله 11/ 142
جزاني بالكرامه 11/ 151
لاني يوم الدعه 11/ 157
يا رب ولوحه 11/ 171
يريد عائشه 11/ 258
سألت فقالوا ليمه 11/ 266
اقر حمدان وقل له 11/ 290
يا رب حمله 11/ 294
أول البيت القافية ج/ ص
ألا حييت بابويه 11/ 370
عش بنا آخره 11/ 374
قل لذي قدره 12/ 234
أبو بحر امن المغيره 12/ 312
من الحبيبه 13/ 222
من الثانيه 13/ 228 - 244
احزان منسجمه 13/ 232
إذا بستانيه 13/ 237
يا أميمه 13/ 238
لي والحركه 13/ 239
أيها العقيره 13/ 252
هجرت والخمره 13/ 253
ابن سقطه 13/ 280
وار خشه 13/ 281
أ لم التجاره 13/ 300
لا رقيقه 13/ 305 - 308
أنت المشتهره 13/ 313 - 322
وكنت شاغله 13/ 350
أنت والرذاله 14/ 327
أن لي مله 14/ 354
أنا شماميط انتبه 15/ 253
أحبك سرائره 16/ 16
ان عكاظ فحلوه 22/ 67
ويلي الحياه 23/ 193
وقد أتاني واسوءتاه 23/ 194
شجا السنه 24/ 233
نقسم الحلقه 24/ 63
حلفت الحلقه 24/ 79
أول البيت القافية ج/ ص
ألا من ينادي سواه 24/ 105
لعمرك قواه 24/ 106
وترميني أراها 1/ 56، 22/ 27
سرت مسراها 1/ 175
لعائشة حماها 1/ 199
عرف أبلادها 1/ 300 - 306
إذا شمالها 1/ 339
ان ولداها 1/ 399
بكى فرحا سواها 2/ 95
فقلت لقلبي حبابها 2/ 254
واحتقر محقور وربابها 2/ 322
بني أسد غضابها 2/ 332
بني أسد غضابها 2/ 332
لقد كذب العبد كعهابها 2/ 334
ولقد أغضبت رقابها 2/ 334
لم أر مثل عواقبها 2/ 147
وقد ساق وذيبها 2/ 296
تم الصبا هبوبها 2/ 85
لنا الملك رقابها 2/ 330
الا حجبت أزورها 2/ 68
ألا ما لعيني سربالها 2/ 328
أجد بعمرة شأنها 2/ 426
الا ان ليلى حبائها 2/ 56
سميت بشرا بتصداقها 2/ 425
يا صاحبي غلّاها 2/ 82
ألا تلك ليلى حبالها 2/ 47
أول البيت القافية ج/ ص
إني إذا الشعراء نضالها 2/ 308
فان من القول انفلاتها 2/ 75
تمتع بليلى حمامها 2/ 72
أعفيت قبل أنامها 2/ 407
فلما أتاني جنونها 2/ 300
وبي من عيومها 2/ 38
أتيك في أمر جسيمها 2/ 410
أيا زينة جريمها 2/ 84
أيا جبلي نعمان نسيمها 2/ 26،
لو أن لك بينها 2/ 7
أ أنت ابن جنينها 2/ 264
نفسي فداؤك ويرضيها 2/ 84
لا أنت جنينها 2/ 301
وما ولدت جنينها 2/ 297
الا حييا وعينها 2/ 300
اللّه يعلم أن أغنيها 2/ 83 - 84
تأثرت ازاءها 3/ 3
تذكر ليلى لقاءها 3/ 6
تدارك عصاها 3/ 67
ما ضرّكم غدها 3/ 318
وغيرني وأسيرها 3/ 280
أظلت رشاشها 3/ 185
صحبتك الومها 3/ 317
عطفت نعيمها 3/ 317
ونحن فرسانها 3/ 12
أجد بعمرة شأنها 3/ 13
أول البيت القافية ج/ ص
وبالشوط من أثمانها 3/ 12 - 30
نفسي يكفيها 3/ 253
أيا واها 4/ 81
بكيت بكاها 5/ 209
ولقد حجرتها 5/ 251
لعمرك جلودها 5/ 12
تزور غرارها 5/ 81
ذكرتك بحارها 5/ 89
جزيت ونهارها 5/ 96
أ لم نورها 5/ 242
نقدت ونهارها 5/ 80
إذا كرامها 5/ 353
الإرب سجومها 5/ 174
اني واديها 6/ 332 - 334 - 335
إذا ما هبوبها 6/ 3
فمن كان أيورها 6/ 35
وإذا قيل ومحتاجها 6/ 111
يرى ولحاها 6/ 147
أصحوت وعنائها 6/ 220
بنت الخليفة بعلها 6/ 227
أرسلت دهاها 6/ 253
وما حمّل شعيرها 6/ 275
لا يبعدن عثورها 6/ 276
ومتى تخرج حبسها 6/ 286
وكعبة بأبوابها 6/ 298 - 299
خف أنسها 7/ 30
عتبت أباها 7/ 34 - 35
أول البيت القافية ج/ ص
قامت في فينها 7/ 47
أشهد إلها 7/ 58
وكنت بعيدها 7/ 76 - 87 - 88
تبت حميمها 7/ 138
أما تنفك حشاها 7/ 210
أقول أعاديها 7/ 270
أما القطاة فيها 8/ 264، 9/ 41
تنتاش آزيها 8/ 264
تسقي تراقبيها 8/ 264
كأن راميها 8/ 264
تشتق مهاويها 8/ 264
ترفعا أدحيها 8/ 265
مدّا من فيها 8/ 265
حثلي أعاليها 8/ 265
ألا حي لها 9/ 96
دعوتك سعيرها 10/ 44
أ لم ترنا أترابها 10/ 45
أقبلن وأخراها 10/ 48
لنا إبل وسماؤها 10/ 59
يمضي عواقبها 10/ 63
هل تطمون هلالها 10/ 70 - 139
طرقتك دلالها 10/ 81 - 87 - 107، 13/ 146
أحيا وحلالها 10/ 89
وكاس منهابها 10/ 109
فما مرة براووقها 10/ 114
أول البيت القافية ج/ ص
سبي الحماة اليها 10/ 156
وقبة بأسرارها 10/ 233
أبلغا لأبيها 10/ 249
الا من بحيطانها 10/ 283
لعمري درابها 11/ 145
بكر النعمي شبابها 11/ 146
نأتك مريرها 11/ 205
عفا اللّه خيالها 11/ 208
وعنه عفا ينالها 11/ 208
حمامة مطيرها 11/ 208
أ يذهب نحورها 11/ 245
ودار وخلالها 11/ 280
بني أمنا ومصالها 11/ 283
ما بال بكاؤها 11/ 292
واعتادها ومساؤها 11/ 307
ونبئت شفيعها 11/ 334
ألا إن لي لينها 11/ 347
ولقد قالت في حجرتها 11/ 360 - 362
أكعبة بأبوابها 11/ 380
أسمع وثنائها 12/ 182 - 183
أصحوت وعنائها 12/ 181
بكيت يزيد أثقالها 12/ 21
قفافي وهجرتماها 12/ 192 - 197
شبت هذيل طالبها 12/ 107
فكعبة نجران بأبوابها 12/ 9
وإذا الربيع وزادها 12/ 78
لمن دمنة جديدها 12/ 244
كبكر تراني عودها 12/ 245
أول البيت القافية ج/ ص
لقد سرني يقودها 12/ 258
لعمري مريرها 12/ 274
أتاني في ضراسها 12/ 316
إذا كنت يطيقها 12/ 328
لا ترسلن ادراكها 12/ 232
ان ابن عاصية يحميها 12/ 107
أبلغ للمجتنيها 12/ 325
ويا من ذو جهلاؤها 12/ 289
يا حبيبها 13/ 174
كأن خوافيها 13/ 102
إلى استطيحها 13/ 227
قل يضيعوها 14/ 30
راعتك وصالها 14/ 349
إني قلبها 14/ 340 - 341
إلا ما سربالها 15/ 80 - 92
هممت لها 15/ 94
وعاذلة اضيمها 15/ 103
ما احسن ترائبها 15/ 122
لما رأيت مساها 15/ 210
فما روضة وعرارها 15/ 283
فإن عارها 15/ 284
ايحسبني منيبها 15/ 327
إليك أبن سراها 15/ 340
قد علمت هواها 16/ 74
عمرو وجاها 16/ 74
إذا نزل عودها 16/ 124
لئن شبابها 16/ 126
كفاني اضاعها 16/ 130
أول البيت القافية ج/ ص
اعيني يهينها 16/ 131
فيا ليتني كلامها 16/ 164
إن المشارق وإمامها 16/ 218
لو قيل ما قالها 16/ 256
جعفي ورياها 16/ 264
لحا اللّه وبالها 16/ 288
عذلتني اخاها 16/ 340
رأيت فتورها 16/ 362
فإلى زيالها 16/ 377
وسلافة جربالها 16/ 408
أحد شأنها 16/ 28
مخصّرة عقودها 16/ 25
وكم قد غديرها 16/ 22
وقد تغدر فقيرها 16/ 21
حيّ عدوائها 17/ 279 - 285
كتيبة فتاها 17/ 125
هذي ينساها 18/ 71
لا زلت وتمضيها 18/ 211
لا وتثنيها 18/ 246
مستقبلا لياليها 18/ 246
صفراء مثناها 19/ 211
نعم أخراها 19/ 213
دار أنساها 19/ 215
طلول وتبكيها 19/ 93
بعثت نواصيها 19/ 93
أحيت أشباهي 19/ 234
إن خنساء مولاها 19/ 309
كانت حواشيها 20/ 131
أول البيت القافية ج/ ص
تفاحة فيها 20/ 287
لدعبل أنساها 20/ 169
إن كان سبالها 21/ 259
خطب فمن لها 23/ 96
سقيا يشبهها 23/ 84 - 87
كأنها مموّهها 23/ 87
أمن وأرفهها 23/ 88
أ توعدني من هجاها 24/ 246
عاود هواه 1/ 129
ما ضراري نواه 3/ 368
علق القلب هواه 3/ 367
من سواه 4/ 65، 5/ 381
بان الخليط منزله 6/ 186
ما بال فاضله 6/ 223
فلا صاحبه 5/ 141
فالا راكبه 5/ 117 - 118
اعتاد اجماله 5/ 116
ظن من فحماه 7/ 220
قلبي فيأباه 10/ 284
ثمالا ومصادره 12/ 14
ان الكلاب تحلوه 12/ 202
نسب منتهاه 13/ 237
هو زوجته 13/ 246
إن وصله 13/ 305
واحق عقله 13/ 306
لعمري رواحله 13/ 353
سقى ووابله 13/ 354
إذا خلاله 13/ 355
يقول اعاوده 13/ 358
أول البيت القافية ج/ ص
يا كعابه 13/ 8
أبا تحاذره 13/ 50
فتى وبآدله 13/ 60
جميل جافله 13/ 61
إذا مراجله 13/ 61
يجران مشاغله 13/ 62
مضى همائله 13/ 62
تركنا يجادله 13/ 77
يا وفعله 13/ 119
ألم عواذله 13/ 130
لعمرك مجاهله 13/ 192
من له 14/ 345
أحيا ذنب له 15/ 104
جلدتني زائده 15/ 278
اجلدي والده 15/ 278
فإن باشر مناهله 16/ 388
أمن منازله 19/ 282
يا من أقصاه 20/ 259
أبقى أعطاه 20/ 259
ضربوا ضربوه 20/ 48
ما لمن تتيه 20/ 49
مثل أخوه 20/ 49
نصر ظلموه 20/ 49
قلت واندهها 20/ 220
رق فاه 20/ 126
اعتاد أجماله 21/ 196
أنز حوله ولست به 2/ 264
الآن حين وثيبه 3/ 241
اعمى تهديه 3/ 225
أحب مواليه 3/ 179
أول البيت القافية ج/ ص
اتراني الملاهي 4/ 101
إن ساهي 4/ 101 - 102
ليت علمه 5/ 192
العين فيه 5/ 228
لحجت عيوبه 6/ 19
لما اصطحبت بذلته 7/ 216
استثر ناهي 7/* يا غزالا مقلتيه 10/ 135
ان بطلعته 11/ 339
عذيري يديه 11/ 346
لحى اللّه تحاربه 12/ 319
أن قيسا شمطه 12/ 231، 13/ 280
ألا تزع اجله 12/ 232
يهيم بحمل جمله 12/ 235
هيبة طلبه 13/ 116
رأيت محانيه 13/ 15
وله شرطه 13/ 280
لا بلائه 13/ 297
بنواعم عمائه 13/ 298
أ لم التجارة 13/ 300
لا عياله 13/ 339
جاد انشابه 13/ 362
قد مآبه 13/ 361
إن تاه التيه 14/ 326
وذاك سميه 14/ 327
مضار ذكريه 14/ 327
لم اهج بهجائيه 14/ 327
لم آت آتيه 14/ 327
أول البيت القافية ج/ ص
نهاره امسه 14/ 330
هذا فيه 15/ 313
اكل يوم دعه 15/ 364
فبحت اليوم تخفيه 16/ 27
أول البيت القافية ج/ ص
إذا ما بواديه 16/ 26
قلته شفتيه 20/ 126
ما جعفر بشبيه 20/ 195
و
إذا مات عمرو 15/ 215
سلدر علوه 1/ 55
انا العفو 20/ 252
رحلة قتيلة النوى 3/ 118
بدير احوى 5/ 342 - 418
وإذا القوى 5/ 304
فلم ذا هوى 5/ 304
فلم ذا هوى 5/ 338
فلم أر هوى 9/ 62
فلم أر ذا هوى 9/ 64 - 68
تكاشرني ذوي 12/ 285 - 294
تصافح من منزوي 12/ 295
ذا سوّ 21/ 144
دب دوا 23/ 82
ما لهو 4/ 57
وما زهو 4/ 119
بليت بدو 4/ 119
ويا سقيا حذوي 14/ 356
ضاق قلبي خلو 6/ 158
وان المروي 14/ 356
فديت غدوّ 20/ 285
ألا يا حقوي 14/ 335
ألا يا نحوي 14/ 335
ي
سيروا باقي 8/ 26
عذيري يديه 21/ 75 - 76
لسان جاليها 23/ 214
خبريني عليك 23/ 139
واقلّي يديك 23/ 139
لا تنس رؤيتيه 23/ 57
يابن أبيه 23/ 125
إذا وشانيا 1/ 417
بي اليأس مابيا 2/ 77
يقول اناس لما بيا 2/ 38
أقول لادنى المناديا 2/ 54
تذكرت ليلى عاديا 2/ 34
فان الذي فؤاديا 2/ 40
وخبر تماني المراسيا 2/ 69، 8/ 125
خليليّ لا واللّه باليا 2/ 263
ولو ان واش اهتدى ليا 2/ 69
أول البيت القافية ج/ ص
ألا يا حمامي تمنيتها ليا 2/ 78
فو اللّه اني غاليا 2/ 78
فلو طاوعتني غاليا 2/ 340
اعد لليلي اللياليا 2/ 68
ألا أيها يمانيا 2/ 77
لقد ماليا 2/ 324
قضاه ابتلانيا 2/ 36 - 61
فإن كان ثمانيا 2/ 75
وإني لاخشى كماهيا 2/ 10
وما اشرف تداويا 2/ 93
رشدت حاميا 3/ 125
وعبدي فاقيا 3/ 141
قل بعتاهيه 4/ 1 - 9
فعليل زانيه 4/ 9
ألا لديا 4/ 44
للموت وتيه 4/ 95
إذا سلاميا 4/ 333
عسى بجباليا 4/ 280
وهبت وردائيا 5/ 367
سائلا رقيّة 5/ 97
ألم ولاليا 5/ 4
حب الجوشنية 5/ 109
الا تسألاني المطاليا 6/ 3
غدا مالك باليه 6/ 245
عبد قياديه 6/ 252
وأنت باليا 8/ 126
وما ليا 8/ 126
أول البيت القافية ج/ ص
لقد حفت كماهيا 8/ 152
ألا لا أبالي لياليا 8/ 175
أما فيها 8/ 258
لما تبدي غاشيها 8/ 258
ترأدا محانيها 8/ 265
لا اشتكي يشكيها 8/ 265
جزاك كافيا 8/ 406
أحارث كاسيا 8/ 419، 13/ 127
فإن لم بمانيا 8/ 350
لساني لسانيا 8/ 36
وإني انتقاليا 8/ 36
تركت باقيا 8/ 48
فردي ليا 8/ 50 - 51
أ لم فيافيا 7/ 64
يعيب عليا 7/أحب والوصيا 7/ 249
يود جثيا 7/ 249
عفا دوائيا 9/ 35
خبطت علانيا 9/ 48
أيا راكبا تلاقيا 9/ 207
نكحت غاويه 9/ 227 - 229
تكحل زانيه 9/ 231
أن يكن باليه 9/ 231
لبيني بواديه 9/ 198
سلام بواليا 10/ 75
حياكما وإن حيّا 10/ 111 - 171 - 172
نظرت سرباليا 10/ 158
أول البيت القافية ج/ ص
اعلمي عليّا 10/ 221
زاحم فاستويا 10/ 279
عللاني ريّا 11/ 121 - 123
اعزما عليّا 11/ 122
إذا نحن هاديا 11/ 201
جزى اللّه ساعيا 11/ 235 - 256
سألني سريا 11/ 249
شردوا دويا 11/ 303
الا يا حمامي ليا 11/ 335 - 337 - 344
أ لم تر ماليا 11/ 343
فما منك الخفايا 12/ 290
عاتب النفس صبيا 12/ 226
عجبت بديا 12/ 227
أيا اخوينا المناديا 12/ 205
يا بن بدر قرشيّة 12/ 83
وإن حسبنا بداليّا 12/ 233
رأيت بداليّا 12/ 214
يقول عليا 12/ 321
أن امت مليا 12/ 225
وعين الرضا المساويا 12/ 214
احب مدحا عييّا 12/ 225
وعطل بوكيا 13/ 48
ولست راضيا 13/ 85
لقد لاقيا 13/ 84
أبا العواليا 13/ 55
إلا حماميا 13/ 47
يا زكريا 13/ 298
أول البيت القافية ج/ ص
مقبح سريّ 14/ 48
لك معاويه 14/ 57
يا طلعة بيديها 14/ 57
أما الدانيا 14/ 60
أنا من يديه 14/ 114
سقى المطاليا 14/ 158
أنا الذي قاليه 14/ 160
ومن عجب يدري 14/ 163
عجبا وكراهيه 14/ 178
قل باقيه 14/ 178
أقام عموريه 14/ 199
كساني سموريه 14/ 200
بنيت ماليا 15/ 48
إذا ما بواديه 15/ 71 - 72 - 74
وعاذلة مابيا 15/ 99
تقول ماليا 15/ 99
وذي احاليا 15/ 100
رمل بالتمنيّ 15/ 106
دعا دعانيا 15/ 120
يا نصيب شيا 15/ 265
كأني رادئيا 15/ 362 - 376
يأيها يدريّ 16/ 183
فتنت المكية 16/ 191
فيا راكبا لا تلاقيا 16/ 327
وتضحك يمانيا 16/ 333
أشاب النواصيا 16/ 337
أما تعلم الشفة العليا 16/ 352
أصاحب صاديا 16/ 368
أول البيت القافية ج/ ص
أ لم يحزنك الاموات حيّا 16/ 371
رمل بالتمنيّ 16/ 34
يابن الدمينة يخفيها 17/ 94
قالوا هجتك لا اخافيها 17/ 96
الا أبكيه فيه 17/ 213
تذكرت وماليا 17/ 358
عللاني ريّا 17/ 164
على باديا 18/ 26 - 28 - 29
أيامي باقيا 18/ 26
ا لم صافيا 18/ 28
فياضيعة فؤاديا 18/ 28
كأني ردائيا 18/ 143
الا اللياليا 18/ 204
إمام ريّا 18/ 240
ما كيا 18/ 355
يا سمى بالفارسيّة 18/ 204
ذهلت ناعيا 19/ 56
كفى وثاقيا 19/ 5 - 8
أتاني فؤاديا 19/ 101
أيا شفني توردانيا 19/ 102
نحن اليمانيا 19/ 126
ومرت ثاويا 19/ 126
فإن التأسيا 19/ 128
سأكذب القوافيا 19/ 188
لعمري متنائيا 19/ 196
لعمري باقيا 19/ 197
أبعد الامانيا 19/ 197
أشم مدانيا 19/ 229
أول البيت القافية ج/ ص
أبني بنيّة 19/ 22
ولقد طميّه 19/ 22
يعقوب ناحيه 19/ 277
أيها ذكيّا 19/ 84
كساني صاحيا 20/ 8
ألا ليا 20/ 206
تركت ضلاليا 20/ 310
إني قرابتيه 20/ 52
غلبت تحيّة 20/ 252
يازاني الزانية 20/ 185
غير بخزايه 20/ 170
سألت والدانيه 20/ 185
يابن للرعيّة 20/ 302
أ لم تر الفيافيا 21/ 242
أ لم تر ماليا 21/ 275
إذا المرء مصافيا 21/ 281
فإن تنج ناجيا 21/ 306
وعمد ابواكيا 21/ 317
ألا أيها ليا 21/ 353
الامن أبيّا 21/ 3 - 5
إني امرؤ الكعبّة 21/ 225
ذاكم محميّه 21/ 320
أبا جعفر الدنيّه 21/ 46
لست الفيافيا 22/ 153
يقول سوائيا 22/ 153
وأدليت كماهيا 22/ 260
أيا صاحبي لياليا 22/ 285 - 301
أول البيت القافية ج/ ص
فما بيضة متجافيا 22/ 302، 24/ 167
عميرة ناهيا 22/ 304
توسدني ورائيا 22/ 305
تجمعن ثمانيا 22/ 310
وهبت ردائيا 22/ 310
ألامت غاديا 22/ 324
ذاك ميا 22/ 81
لو أن معاويه 22/ 348
بأبي مبتديا 22/ 179
قتلنا اليمانيا 23/ 250
أول البيت القافية ج/ ص
سيفنى أبي أميّة 23/ 28
جعلت عليه 23/ 75
ما للزمان رجاليه 23/ 234
لبيت عشيّه 23/ 246
إنك دمعتيّه 23/ 58
بي اليأس ما بيا 24/ 161
اعالي البواليا 24/ 167
اعالي شفائيا 24/ 168
طلبت الهوى ما كفانيا 24/ 218
يا ابن البريدي 1/م - ت 25
فهرس أنصاف الأبيات
أ
آثار ظلمان بقاع محرب
8/ 245
أ أطلال سعدي باللوى تتعهد
12/ 184
أ أن زم أجمال وفارق جيّرة
9/ 309
أبائنة سعدى نعم ستبين
5/ 89
أبادر حبل الودان يتقضبّ
1/ 223
أبت هذه النفس إلا إدكارا
1/ 348، 12/ 37
أبكي ومثلي بكى من حب جارية
5/ 187
أبن الطويل إذا حللت به
4/ 336
أبهار قد هيجت لي أوجاعا
15/ 252 - 253
أبو يحيى أخو الغزل المغني
6/ 282
أبوه لنفسي مات عني نيامها
8/ 85
أتانا بنو الأملاك من آل برمك
18/ 201
أتبعتهم مقلة إنسانها غرق
7/ 308
أتتني سليم قضها وقضيضها
9/ 164
أترك إتيان الحبيب تاثما
9/ 150
أ تسلوا وقد بان الشباب المزايل
13/ 152
أ تعرف رسما كالطراد المذاهب
3/ 9
أ تكتم حب سلمى أم تبوح
2/ 427
أثيث كقنو النخلة المتعثكل
11/ 11
أجد بعمرة غنيانها
3/ 11 - 12
أجد بآل فاطمة البكور
7/ 246
أحب إلينا من الجالية
9/ 228
إحدى عشياتك ياشمريج
2/ 327
إحدى يدي أصابتني ولم ترد
15/ 230
أحن إذا رأيت جمال سعدى
17/ 157
أحين أعاذت بي تميم نساءها
18/ 17
أخن لها بالقريتين جراد
6/ 86
أدور ولو لا أن أرى أم جعفر
6/ 256
إذا أردت انتصافا كان ناصركم
21/ 58
إذا الألوان خالفت الحدودا
1/ 329
إذا تحدث عن نقضي وإمراري
24/ 183
إذا تحرد لا ضال ولا بخل
24/ 103
إذا تلقته العقاقيل طفا
21/ 201
إذا جاورنا من طلحة
2/ 214
إذا جئت باب الشعب بني عامر
4/ 334
إذا الحديد رفعت عواليه
14/ 160
إذا خب آل دونها يتوضح
18/ 15
إذا رحت مدفونا فلست اذوقها
18/ 374
إذا مات منا سيد قام صاحبه
21/ 49
إذا ما دعوا عجلا عجلنا عليهم
17/ 269
إذا ما نديمي علني ثم علني
20/ 324
إذن حي تسمعي
4/ 112
أراح بعد النوم والتغمغم
2/ 151
أراعك بالخابور نوق وإجمال
7/ 121
أراني اللّه يا سلمى حياتي
9/ 275
أردت بعادنا بهجاء شيخ
7/ 35
أرفع ضعفيك لا يحر بك ضعفه
12/ 45
أرقت وما هذا السهاد المؤرق
9/ 117 118 - 239
أرواح مودع أم بكور
24/ 221
أروني من يقوم لكم مقامي
21/ 385
أزرى بنا إننا شالت نعامتنا
9/ 275
أزمعت عمرة صرما فأبتكر
3/ 14
أزور البيوت اللاصقات ببيتها
6/ 256
أسألت رسم الدار أم لم تسأل
9/ 288
أسائلكم هل يقتل الرجل الحب
4/ 114
أسرفت في الأعراض والهجر
6/ 165
أسعيد ما ماء الفرات وبرده
17/ 159
أسلموها في دمشق كما
21/ 58
أسلمي يا دار هند
1/ 232
أسلمي يا دار من هند
5/ 200
أشارت بطرف العين خشية أهلها
20/ 326
أشعث باقي رمة التقليد
18/ 1
أصبح قلبي به ندوب
6/ 165
أصحوت عن أم البنين
6/ 221
أصم بك الناعي وإن كان أسمعا
16/ 387
أضاءت لهم أحسابهم ووجوههم
13/ 9
أضاعوني وأي فتى أضاعوا
1/ 414
أضحت فتاة بني نهد علانية
9/ 42
أضرّ بها طول المنصة والزجر
24/ 117
أعابد ما شمس النهار بدت لنا
12/ 65
أعاذلتي أليس الهوى من هوائيا
20/ 147
أعرفت أطلال الرسوم تنكرت
17/ 54
أعر نزمي ميادة للقوافي
2/ 263 - 264
أعطيتني مائة صفرا مدامعها
2/ 305
أعوذ باللّه من النار
18/ 186
أعيا على الناس فلم يهدم
8/ 133
أعياني الشادن الربيب
12/ 92
أغرك مني أن حبك قاتلي
9/ 75
أفاض المدامع قتلي كدى
4/ 341
أفاطم إن النأي يسلي من الهوى
2/ 80
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل
8/ 322، 9/ 62 - 129
أفي كل يوم أنت رام بلادها
20/ 268
أقدم صدام أنه أبن بحدل
24/ 28
أقفر من أهله ملحوب
22/ 81 - 87 - 91
أقفر ممن يحله سرف
1/ 405
أقفر ممن يحله السند
4/ 322
أقضي نهاري بالحديث وبالمنى
9/ 218
أقوى من آل ظليمة الحزم
9/ 226 - 234
أقول وما البعد إلا الروى
7/ 7
أكتب أشكو فلا يجيب
12/ 92
ألا أبلغ بني نصر بن عمرو
12/ 137
ألا لا أرى شيئا ألذ من السحق
17/ 79
ألا لا أرى شيئا ألذ من الوعد
17/ 79
ألا إن تكن إبل فعزى
9/ 95
ألا إن هندا أصبحت منك محرما
9/ 52 - 53
ألا أنعم صباحا أيها الطلل البالي
3/ 148
ألا أيها الربع الخلاء يعنبب
9/ 47
ألا أيها الركب البيام الاهبوا
4/ 114
ألا أيها النوام ويحكم هبوا
8/ 108 - 118
ألا حبيت عنايا مدينا
17/ 9 - 18، 20/ 120
ألا طرقتنا آخر الليل زينب
18/ 269
ألا طرقتك وأهلي هجود
8/ 292
ألا العقاب وألا ألاوب والسبل
24/ 105
ألا علق القلب المتيم كلثما
3/ 110 - 113
ألا عم صباحا أيها الطلل البالي
11/ 31
ألا كل شيء ما خلا اللّه باطل
15/ 375
ألا لا تلمه اليوم ان يتبلدا
15/ 132
ألا لا تلوماني كفى اللوم ما بيا
22/ 220
ألا المقيم على الدوى المتأمن
2/ 420
ألا من لقب معنى غزل
6/ 207
ألا هبي بصحنك فأصبحنا
11/ 54
ألا يا حبا نجد متى هجت من نجد
5/ 236
ألا يا حمامي قصر دوران هجتما
11/ 359
ألا يا دين قلبك من سليمى
9/ 273
ألا يا طال ليلي والنهار
2/ 151
ألا يا لقومي اطلقوا نحلّ مرتهن
6/ 239
ألا يؤوب آخر الليالي
9/ 270
إلى مناهلها لو أنها طلق
22/ 129
أ لم بزينب أن البين قد أفدا
1/ 105
ألم بنا طيف الخيال المهجّد
5/ 67
أ لم تر أني يوم جوّ سويقة
21/ 275
أ لم تربع على الدمن الخوالي
15/ 377
أ لم نهيك أرفعي الطرف صاعدا
24/ 11
أ لما صاحبي نزر سعادا
9/ 251 - 273
أ لما فزورا اليوم خير فزار
2/ 318
أ ليس عن حوبائه سخي
12/ 333
أ مات اللّه حسان بن سعد
2/ 412
أ ماطت كساء الحز عن حر وجهها
1/ 404
أ ماوي إن المال غاد ورائح
2/ 69، 5/ 367 22/ 202
أمسى باسماء هذا القلب معمودا
6/ 327
أمسى الشباب مودعا محمودا
8/ 169
أمسى لسلامة الزرقاء في كبدي
15/ 56
أمشى كما حركت ريح يمانية
1/ 391
أمطلب أنت مستعذب
10/ 46
أمن آل ليلى باللوى متربع
8/ 322
أمن آل ليلى بالملا متربع
9/ 106 - 129
أمن آل نعم أنت غاد فمبكر
1/ 81 - 119، 4/ 213
أمن أم أوفى دمنة لم تكلم
10/ 293 - 294 - 297
أمن رسم دار مربع ومصيف
17/ 228
أمن المنون وربها تتوجغ
2/ 210، 6/ 79 - 273، 24/ 221
أميط الأذى عنه ولا يتأمل
24/ 175
أمنزلي في سلام عليكما
18/ 50
إن أباه امرؤ سود إكفر
13/ 29
إن ابن جفنة من بقية معشر
15/ 168
أن امرأ تعتاده ذكر
9/ 227
إن أهل الخضاب قد تركوني
9/ 175
أن تنكحيه ملكا أو ذا تاج
9/ 233
إن جاء فليأت على بغلة
9/ 239 - 249
إن الحديث طرق من القرى
9/ 168 12/ 219
إن ختمت حاز طين خاتمها
12/ 182
إن الخليط أجد منتقله
3/ 46
إن الرجال لهم إليك وسيلة
10/ 179
إن الشواء والنشيل والرغف
11/ 143
إن الغراب بما كرهت لمولع
8/ 33
إن قلبي بالتل تل عزار
5/ 420
إن لم ترد حمدي فراقب ذميّ
3/ 182
إن ليلى قد بلغت المشيا
1/ 158
إن التي زعمت فؤادك ملها
18/ 331
إن الملوك بطيّة الإذعان
2/ 132
أنا أبو الحارث واسمي غيلان
8/ 54
أنا جميل في السنام من معدّ
8/ 136
إنا كذاك ندين الناس بالدين
24/ 92
إنا لضرابون في حمس الوغى
14/ 271
إنا محبوك ما سلم أيها الطلل
3/ 148 24/ 47
أنا نضلت الحارث بن خالد
3/ 343
إنني أبصرت شيخا
7/ 29
أنت مثل الشيطان للإنسان
1/ 98
أنعم اللّه لي بذا الوجه عينا
2/ 224
إنما الدنيا أبو الدلف
8/ 257
إني أنا ألاغلب أمسى قد نشد
21/ 29
إني أتيحت لحومانية
3/ 167
إني خريت وجئت انتقله
3/ 46
إني لاكن باجيال عن أجيلها
335 - 336
إني ورب الكعبة المبنية
16/ 243
إني وقتلي سليكا أم أعقله
20/ 386
أنيخها ما بدا لي ثم أرحلها
8/ 304
أهابك أن أقول بذلت نفسي
8/ 350 - 349
أهاجك برق آخر الليل واحب
12/ 184
أهدي أراك برامتين وقودا
8/ 292
أوثلة من غنم إمالا
12/ 15
أوجهها ما يرى أم وجهها القمر
4/ 275
أودى ابن فسوة إلا نعته الإبلا
22/ 227
أو كان لي غنما تذكركم
24/ 130
أئن سلكت نفسي وقل عويلها
21/ 58
أيا من سروري به شقوة
15/ 254
أ يذهب عمري هكذا لم أنل بها
3/ 309
أ يزيد انك لم تزل في خزية
19/ 55
أين تركت ضائبا نعثل
14/ 244
أين الشباب وأية سلكا
16/ 20، 19/ 51
أبن الملوك التي كانت مسلطة
18/ 357
ب
بأبي من هودائي
21/ 58
بان الخليط برامتين فودعوا
8/ 252 - 253
بان الخليط بسحرن فتبددوا
6/ 95
بان الخليط ولو طووعت ما بانا
بسيط
19/ 293
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول
17/ 87 - 89
بانت عويمة فالفؤاد قريح
4/ 297
بالبليين إن احرن سؤالا
1/ 243
بت الخليط قوى الحبل الذي قطعوا
1/ 266
بدا مضيعة تركتك لبني
9/ 192
بدلت من نغمات الورد بالآء
7/ 147 - 203
بدير القائم الأقصى
5/ 420
برح الخفاء فأين ما بك يذهب
23/ 239
برق يضيئ خلال البيت أسكوب
22/ 270
بزينب المم قبل أن يرحل الركب
6/ 120 - 121 - 122 - 123 - 125
بشط منفوحة فالحاجر
9/ 126
بالصالحية من أكناف كلواذ
5/ 357
بعيدة مهوى القرط أما لنوفل
6/ 185
بفلسطين يسرعون الركوبا
13/ 291
بفناء بيتك وابن مشعب حاضر
1/ 394
بكرا فالنجاح في التبكير
3/ 190
بكرت سمية غدوة إجمالها
6/ 93
بكرت سمية غدوة فتمتعي
3/ 271
بكرت باللوم تلحانا
15/ 99
بكيف نعم بكيت وكل إلف
5/ 212
بلغنا السما مجدنا وسناؤنا
5/ 8
بلينا وما تبلى النجوم الطوالع
15/ 373
بنو الأحبة دائم التشحاج
8/ 33
بني الحب على الجور فلو
10/ 175 - 177
بها برص بجانب اسكيتها
8/ 35
بي السل أو داء الهيام شربته
24/ 161
بي اليأس أو داء الهيام شربته
24/ 161
بيضاء تخلط بالجمال دلالها
10/ 80
بين مؤبح من الناس ساطع
8/ 19
بينا كذاك إذا عجاجة موكب
9/ 239
ت
تأبد الربع من سلمى باحفار
8/ 292
تأوب عين ابن الزبير سهودها
14/ 232
تبقى غدا بانقرة
9/ 100
تبكي الحمامة شجوها فيهيجني
21/ 102
تبكي لصخر هي العبرى وقد ولهت
15/ 82
تثكل دانيات البغي قوما
5/ 39
تجاللت عن فهر وعن جارتي فهر
3/ 242
تحبب فإن الحب داعية الحب
10/ 178
22/ 44
تحن بزوراء المدينة ناقتي
21/ 326
تذب عنه كف بها رمق
12/ 126
تذكر القلب وجهلا ما ذكر
10/ 153
تذكر ليلى حسنها وصفاءها
16/ 60
ترى الملوك حوله مغربلة
15/ 104
تراه في الأمن في درع مضاعفة
12/ 99
ترضى المشافر الليحين إرخاء
8/ 304
ترعى اناص من حريز الحمض
2/ 231
تركت ابن هبّار ورائي مجدّلا
24/ 182
تركتهم موتى وما موتوا
15/ 56
تزجى أغن كأن إبرة روقة
9/ 313
تسبح آخران ويطفو أوله
10/ 161
تسمع للحل وسواسا إذا انصرفت
10/ 132 - 137
تشاهد لهوا بعد شحط من النوى
8/ 162
تشط غدا دار جيراننا
1/ 73 - 78 - 129 - 316
تشكي الكميت الجرى لحا جهدته
1/ 209 - 252 - 253 - 276، 9/ 238
تصابي القلب وادّكرا
1/ 93
تصابيت أم هاجت لك الشوق زينب
4/ 404، 20/ 319
تصدت له يوم الرصافة زينب
23/ 221
تضوع مسكا بطن نعمان إن مشت
6/ 202 - 204، 9/ 239
تطاول هذا الليل ما يتبلج
5/ 114
تطرح حبا للخشنشار
18/ 187
تعال إن كنت تريد الربح
4/ 39
تعرنا أنّا قليل عديدنا
6/ 331
تفتر عن سمطين من ذهب
19/ 95
تفترق الطرف وهي لاهية
3/ 31
تقاذف السيل من الشعب المضرّ
12/ 246
تقطع من ظلامه الوصل أجمع
9/ 137
تقول إمامه لما رأت
4/ 341
تقول شعثاء بعد ما هبطت
17/ 168
تقول همي يوم ودعتها
21/ 58
تلك عرسي تلومني في التصابي
18/ 253
تمشي به ظلمانه وجآذره
2/ 170
تخيرت من نعمان عود أراكة
11/ 351
تنازعني إذ خلت بردها
11/ 381
تنامين عن ليلي واسهره وحدي
18/ 166
تنحل احقاد الرجال دوني
8/ 136
تنصرت الأشراف من عار لطمة
15/ 163
توهمت منه رحرحان فراكبا
14/ 300
ث
ثلاث الأثافي والديار البلاقع
5/ 237
ثلاث - مترعات من بعد هنا ثلاث
5/ 225
ثلاثة أهلين أفنيتهم
5/ 7
ثلاثون للهجر حولا كميلا
14/ 314
ثم قالت للتي معها
1/ 198
ج
جار كجار الحذافي الذي انتصفا
16/ 373
جبريل بلغها النبي فقالها
10/ 139
جددي الوصل يا قريب وجودي
1/ 304
جر العجوز الثني من ردائها
8/ 70
جر العروس الثني من ردائها
8/ 70
جرى ناصح بالود بيني وبينها
2/ 371 -
372
جعل اللّه جعفر الك بعلا
9/ 106
جمعت من عامر فيه ومن أسد
2/ 176
جواعل في البرى قصبا خدالا
24/ 90
ح
حبذا ليلتي بتل بوني
17/ 237
حتى إذا سبق الردى بك حاروا
19/ 43
حتى الهرولة من ذات المواعيس
8/ 52 - 292، 9/ 307 - 309
حتى يفر أهلها كل مفر
9/ 143
حتى يفرق بيننا النفر
6/ 339
حديث ريا حبذا إدلالها
16/ 19
حسبت نضل الحارث بن خالد
3/ 343
حضر الرحيل وشدت الاحداج
13/ 145
19/ 282 - 286
الحق أبلج والسيوف عواد
16/ 387
الحمد والنعمة لك
4/ 28
حنت إلى برق فقلت لها قرى
2/ 41
حول الأمين وقال هات ليسمعوا
7/ 271
حبىّ الشهيق ميت الأنفاس
18/ 30
حياهم اللّه بالسلام
19/ 285
حييا أم يعمرا
10/ 147
حييا خولة مني بالسلام
6/ 14 - 65
خ
ختم الحب لها في عنقي
6/ 251
خذوا عن يونس وعن ابن عون
18/ 198
خذي العفو مني تستديمي مودتي
20/ 363
خربوا أحمر القباب لها
1/ 198
خطاره بزمامها
10/ 127
خف القطين فراحوا منك أو بكروا
8/ 287
خف القطين فراحوا منك وابتكروا
8/ 292
خف من دار جيرتي
7/ 30
خفافا كلها يتقي بأثر
15/ 86
خليلي أما أم عمر فمنهما
20/ 269
خليلي عوجا بارك اللّه فيكما
11/ 351
خليلي عوجا من صدور الرواحل
9/ 279 - 280، 5/ 363
خليلي هب طالما قد رقدتما
15/ 250
خليلي هبا نصطبح بسواد
20/ 321
خليلي مرابي على أم جندب
10/ 55، 21/ 202
خمس دسسن إليّ في لطف
17/ 354
خمسا تراب الأرض منها خلقتما
9/ 145 - 146
خمصانة قلق موشحها
9/ 137 - 225 - 226
خير ما تشربها بالبكر
4/ 360
د
دار ثمود إذا رأيت السببا
4/ 305
داري وليس كذا أخو الحكم
24/ 130
دبه بني تغلب ضربا ناقصا
12/ 208
دع ذا وعد القول في هرم
6/ 90
دع ذا ولكن هل رأيت ظعائنا
17/ 53
دع لبابه قبل أن تترحل
1/ 142
دع المعمر لا تسأل بمصرعه
8/ 292
ذ
ذكر القلب إلفه المذكورا
17/ 8
ذهبت من الدنيا وقد ذهبت منيّ
5/ 288
ذهبت من الهجران في غير مذهب
21/ 202
ر
راحات بستين وسقا في حقيبتها
12/ 224
رأيت الغواني وحشا نفورا
21/ 90
رأيت لها نابا من الشراء عصلا
2/ 557
رب رام من بني ثعل
20/ 219
ربيع الناس والشهر الحرام
11/ 30
رحلت سمية غدوة اجمالها
10/ 81 - 82
رد القيان جمال الحي فاحتملوا
ركبت من المقطم في جمادي
1/ 331
رمح لنا كان لم يفلل تنوء به
24/ 105
رهط ابن جحش في مضيق الحبس
2/ 162
روائح الجنة في الشباب
4/ 36
ز
زبيرية بالهرج منها منازل
4/ 284
زمن بأعلى الرقمتين قصير
18/ 214
س
سأذكر سربا طال ما كنت فيهم
9/ 300
ساكني الأجداث أنتم
4/ 47
سألت حكيما أين شطت بها النوى
12/ 189
سألت فلم تكلمني الرسوم
21/ 155
سبق أبن عباد وصلت لحيته
18/ 258 - 260
سرى توبة عنك الصبا المتخايل
6/ 109 - 112
سرى طيف بأعلى الغوير
7/ 71
سرى همي وهم المرء يسري
1/ 317، 7/ 63، 18/ 335
سرت عليه من الجوز سارية
11/ 35
سقى أريحاء الغيث وهي بغيضة
8/ 84
سقوني الخمر ثم تكنفوني
3/ 75 - 77
سلي طارق المعتريا أم مالك
13/ 67
سليمى أجمعت بينا
2/ 239
سليمى أزمعت بينا
2/ 238
سواء عليها ليلها ونهارها
5/ 87 - 88 - 89
سيد مدل عز كل سيد
12/ 249
سيسليك عما فات دولة مفضل
21/ 83
ش
شاهد هذا الوجه غبّ الحمة
8/ 282
شتان ما يومي على كورها
16/ 255
شجا أظعان غاضرة الغوادي
12/ 180
شدي على العصب أم سيار
16/ 57
شر ما طار على شر الشجر
1/ 274
شربت مع المأمون كأساروية
17/ 86
شيطانه انثى وشيطاني ذكر
10/ 153
ص
صاح قد لمت ظالما
21/ 57 - 83
صحا القلب عن سلمى وقد كاد لا يسلوا
10/ 297
صرمت امامة حبلنا ورعوم
9/ 124
صرمت امامة حبلها ورعوم
8/ 302
صرمت ولم تصرم وأنت صروم
10/ 319
ض
ضاف قلبي الهوي فأكثر سهوي
6/ 158
ضباب تنتحيه الريح ميل
2/ 155
ضحك الزمان واشرقت
21/ 83
ضحك المشيب برأسه فبكى
2/ 126 - 158
ضلال لها ماذا أرادت إلى الصد
21/ 45
ضمي إليك رمال القوم والقربا
22/ 322
ط
طال تكذيبي وتصديقي
10/ 179
طال الثواء على رسوم المنزل
3/ 245
طال ليلي وتعناني الطرب
1/ 134 - 135
طربت وهاج لي ذاك ادكارا
14/ 287 - 295
طربت وهاجك الشوق الحثيث
17/ 38
طرقتك زائرة فحيى خيالها
10/ 80 - 82 3/ 221 - 222
طلعت علينا العس بالرماح
2/ 322
طلل لخولة بالرسيس قديم
15/ 377
طللان طال عليهما الأمد
19/ 95
ع
عاد قلبي من الطويلة عاد
6/ 84
عاد قلبي من الطويلة عيد
6/ 84
عادله من كثرة الطرب
5/ 84
عاود القلب من تذكر جمل
9/ 106
عبد شمس أبوك وهو أبونا
11/ 304
عجبت له مشى الخرقة خالد
9/ 94
عجبت لرجل من عدي شمس
8/ 57
عذارى داود في طلاء مذيّل
17/ 122
عذلا عذلها ثم أناما
17/ 113
عذير الحي من عدوان
3/ 92
عرف الديار توهما فاعتادها
9/ 316
عزفت باعشاش وما كدت تعزف
9/ 338 21/ 373
عساقل وجبأ فيها قضض
6/ 272
عصابة إن حج عيسى حجوا
16/ 243
عفا اللّه عن أم الحويرث ذنبها
9/ 35
عفا طرف القرية فالكثيب
5/ 212
عفا من سليمى مسحلان مخامره
2/ 235
عفا واسط من آل رضوى فنبتل
8/ 292
عفت الديار محلها فعقامها
15/ 367
عفت عرمات فالمصايف من هند
5/ 67
على آثار من ذهب العفاء
9/ 71
عللاني وعللا صاحبيا
11/ 123
على أي شق كان اللّه مصرعي
4/ 229
على دمته كادت لها النفس تزهق
3/ 285
على هن وهن فيما مضى وهن
4/ 376
علقت قلبي ظبية السيّب
5/ 280
علقت معالقها وصرّ الجندب
20/ 420 421
علما في العذل أم قد الاما
17/ 113
عليه الوسم وسم أبي جراد
8/ 156
عليها عداميل الهشم وصامله
13/ 62
عند الصفا ليست بها فضلّه
3/ 124
عنم على أغصانه لم يعقد
11/ 10
عوجا نحن الطلول بالكثب
4/ 385
عوجى علينا ربة الهودج
2/ 361 - 367 -
368
عوجى علي فسلمي جبر
1/ 409، 6/ 336 - 338 - 340
عودوا مهري الذي عودته
17/ 247
غ
غادرت بالنخل أوصالها
15/ 96
غضبت لرجل من تميم تشمسوا
18/ 20
غلام إذا هزّ القناة سقاها
11/ 242 - 249
غلب الرجال وكان غير مغلب
15/ 376
غنني للغريض يا بن قنان
3/ 163
غير - ارفع ضعيفك
3/ 119
غير التقى والبر والرشاد
4/ 193
غيفّن مني عبراتهن وقلن لي
5/ 410
ف
فارتاع من صوت فبات له
11/ 35
فإذا تشاء أبا معاذ فارحل
3/ 245
فازغلت في الحلق إزغاله
15/ 101
فاستيقني إن قد كلفت بكم
24/ 227
فأصاب حبة قبلها وطحالها
10/ 82 - 275
فأعلمه في صفة الودّ أنني
24/ 175
فأغلبه في صفة الودّ أنني
24/ 175
فأقبل من الدهر ما أتاك
18/ 130
فإن اشف منك تكنى سبّه
10/ 46
فإن أمير المحسنين عقيد
20/ 213
فإن أمير المؤمنين عقيد
20/ 213
فإن نلتني حجاج فاشتف جاهدا
6/ 199
فإن يك حبهم رشدا اصبه
12/ 321
فأنظر بتوضح باكر الأحداج
8/ 33
فإنه يوم قريض ورجز
2/ 286
فإني لا ألومك في دخولي
11/ 30
فبؤس أخو القوم والصاحب
14/ 273
فتى مذحج عفوا فتى مذحج غفرا
21/ 46
فتمى النزع في يسره
9/ 98
فجاءت بخوار إذا عض جرحرا
2/ 308
فجدي لجيم قرم بكر بن وائل
19/ 106
فراق غير وامق
12/ 338
فرب زحوف لفها بزحوف
12/ 93
فرد تغنيه دبان الرياض كما
15/ 105
فصلته عن ماله والولد
3/ 176
فيضحى وأما بالعشي فيحضر
1/ 73
فطالما مسني من أهلك النعم
1/ 390
فغض الطرف إنك من نمير
8/ 32، 24/ 209
ففككنا غلّ امرئ القيس عنه
11/ 49
فقد نبغت لهم منا شؤون
11/ 3
فقدناه فقدان الربيع فليتنا فديناه
12/ 94
فقلت ادعى وادع فإن اندى
2/ 190
فكأنه بعد الرسول رسول
13/ 144
فكم بين الأقارع فالمنقىّ
6/ 114
فلا تتعنّى ظلما وزورا
21/ 58
فلا رمتك ابنة البكري عن فرع ضالة
9/ 72
فلا زلن حسرى ضلّعا لم حملنها
7/ 294 - 297 - 300
فلا كعبا بلغت ولا كلابا
8/ 32
فلم أر كالتجميل منظر ناظر
9/ 61 - 68 - 69 - 239
فلو كان للشكر شخص يبني
13/ 110
فما مسك يعل بزنجبيل
7/ 29
فماذا تخطرف من قلة
2/ 221
فناك كعب بن جعيل أمة
8/ 282
فنبت البغل ولا رعية
13/ 60
فنواره ميل إلى الشمس زاهرة
2/ 155
فهل سألونا خصلة غير حقهم
12/ 343
فهل لك فيما قلت بالحيف هل لكا
17/ 86
فواكبدي وعلو دني رداعي
9/ 193
في بعض من تطلق من مضر
13/ 29
في خلاء من الانيس وأمن
1/ 228
في فتية من قريش قال قائلهم
17/ 91
فيا عجبا من رحلها المتحمل
9/ 74
فيا عزّ أن واش وشي بي عندكم
15/ 137
فيخزي وأما بالعشي فيخسر
1/ 73
ق
قاسيت منه أمر الغلظ واللين
14/ 275
قالت حبست فقلت ليس بضائري
10/ 217
قالت سكينة والدموع ذوارف
17/ 159
قالت لترب لها تلاطفها
1/ 171
قتال أبطال وجرار حلل
8/ 182
قد اهلكتني تعبا وخلتهن
12/ 239
قد جبر الدين الإله فجبر
10/ 150 - 152، 20/ 352
قد قلت إذا غيبوه وانصرفوا
20/ 145
قد كان عتبك مرة مكتوما
23/ 119
قد لفها الليل بسواق حطم
12/ 255
قد ملت الحبس في الآفاق واسعفت
22/ 129
قد يضرط العير والمكواة في النار
9/ 51
قد أراني بها سميعا بصيرا
17/ 166
قذى بعينك أم بالعين عوار
9/ 340
قرب جيراننا جمالهم
9/ 239 - 248
قربا حربط النعامة مني
9/ 343
قرما إذا زاحم قرما زحمة
8/ 402
قريب غير مقترب
22/ 210
قصة النيل فاسمعوها عجابة
21/ 44
القصر فالنخل فالجماء بينهما
1/ 40 - 45 9/ 236 - 245
قعس الظهور داميات الأثفار
8/ 63
قف بالديار وقوف زائره
17/ 18
قفا نبكي من ذكرى حبيب ومنزل
3/ 148 - 163، 2/ 117، 24/ 46
قفي قبل التفرق يا ضباعا
24/ 33
قفي قبل التفرق يا ضعينة
11/ 43
قفي ودعينا يا هنيد فإنني
21/ 175
قل لفند يشيع الأظعانا
17/ 278
قل للجمانة لا تعجل باسراج
12/ 359
قل للمليحة في الخمار الأسود
3/ 46
قل لمن صدّ عاتبا
10/ 106
قلبي إلى ما خرني داعي
8/ 363 - 364
قلم أصاب من الدواة مدادها
9/ 314
قهقه في رأسك القتير
20/ 126
قولا لنائلة ما تقضين في رجل
6/ 99
ك
كادت تهال من الأصوات راحلتي
22/ 128
كأن الجمر مثل ترابها
2/ 247
كأن راكبها غصن بمروحة
9/ 250
كأن عجانه الشعرى العبور
13/ 93
كأن القرنفل والزنجبيل
6/ 206
كأن المصابيح خوذانها
2/ 427
كأن يوقي نفسه من الهون
1/ 11
كأنه أمل يسعى إلى أمل
4/ 28
كأنها كأسد بالدّو فتخاء
8/ 304
كأنها النخل روى بيتها السّرب
2/ 303
كأنها نقتف بعدو بصحراء
8/ 304
كذبتك عينك أم رأيت بواسط
8/ 292
كذلك ضحاح الماء يجري إلى الغمر
2/ 337
كعنفقة الفرزدق حين شابا
24/ 211 8/ 35
كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيا
22/ 303 - 305
كفى غير الأيام للمرء وازعا
2/ 149
كل امرئ يعدو بما استعدا
5/ 13
كل حي لاقى الحمام فمودي
18/ 174
كلانا من الثوب المعارف لابس
1/ 100
كلتا يديك يمين حين تضربه
3/ 199
كليب لعمري كان أكثر ناصرا
10/ 122، 5/ 71
كم أتى دون عهد أم جميل
8/ 276
كم بذاك الحجون من حي صدق
9/ 137 - 138 - 174
كما لبى رجال يرجون حسن التواب
1/ 224
كنا إناس نرهب الاملاك
2/ 400
كنت صبّا وقلبي اليوم سالي
19/ 219
ل
لأسماء رسم عفا باللوى
5/ 304
لأن تعلم الأنباء والعلم وائل
24/ 58
لا بل عبيد زادنا الهبيد
12/ 11
لا تبعدن اداوة مطروحة
2/ 241
لا تتركني فيهم شطيرا
2/ 427
لا تكليني إلى قوم لو أنهم
1/ 391
لا تكليني إلى من ليس يرحمني
3/ 339
لا تلمني وأنت زينتها لي
1/ 98
لا تدع بي الشوق إني غير معمود
19/ 44
لاح بالدير من إمامة نار
5/ 114
لا حالفا شائبا حلفا ببهتان
2/ 256
لا قدح بعد اليوم حتى توروا
13/ 20
لام عمرو في اللوى مربع
7/ 251
لانت زيادة في آل حرب
13/ 266
لا وأبيك أبنة العامري
9/ 71
لا والذي نحرت له البدن
18/ 364
لا يرغم اللّه انفا أنت حامله
3/ 339
لا يذهب العرف بين اللّه والناس
2/ 174
لا يسقين عنب وعليب
12/ 338
لبيك إن الملك لك
4/ 27
لزينب طيف تعتريني طوارقه
10/ 139
لسمّ الأفاعي ومستقتل
10/ 46
لسنا نبالي حين ندرك حاجة
1/ 282
لضحكت حتى يميل الكور
12/ 57
لعبدة دارها تكلمنا الدار
5/ 351
لعزة إطلال أبت أن تكلما
12/ 186
لعزة من أيام ذي الغصن شاقتين
12/ 184
لعل روحا بديل من كرب
20/ 43
لعلك إن طالبت حياتك أن ترى
9/ 62
لعمري لئن شطت بعتمة دارها
9/ 137
لعمري لقد جردتني فوجدتني
2/ 418
لعمري لأن أمسي في الحي شاخصا
16/ 293
لعمري لمن أمسى ولبني ضجيعة
9/ 218
لقحت حرب وائل عن حيال
12/ 272
لفقدك ريحانه العسكر
7/ 214
لقد أزمعت للبين هند زيالها
18/ 364
لقد أشرب السلوان ما سليت
9/ 72
لقد بخلت لو أني سألتها
5/ 332 - 360 - 362، 9/ 278 - 280 - 281 - 286
لقد تعلمين الغيب أيقنت إنني
9/ 137 - 138
لقد حبيت نعم الدنيا بوجهها
9/ 238 - 241
لقد صاغ إبراهيم فيه فاوقعا
23/ 154
لقد عجبت سلمى وذاك عجيب
20/ 154
بقد كان في حول ثواء ثويته
9/ 106
لقد لام ذا الشوق الخلي من الهوى
21/ 59
لقد هجرت سعدى وطال صدودها
9/ 38
للحق حتى ينتحوا للاعدل
3/ 284
للدار بعد غد أبعد
1/ 73
لم تخطىء الجيد ولم تشفتر
15/ 101
لم الدار أقفرت بمعان
15/ 155
لم يطل ليلي ولكن لم أنم
6/ 251
لمست بكفي كفه ابتغي الغنى
3/ 151
لمن الدار تعفت بخيم
2/ 149
لمن الديار ببرقة الرومان
5/ 186
لمن الديار بحائل فوعال
8/ 319 - 292
لمن الديار رسومها قفر
8/ 321 - 322 - 323
لمن الظعائن سيرهن ترجّف
6/ 65
لمن الديار عرفتها بالشربب
12/ 156
لمنا معاشر لم يبنوا لقومهم
7/ 57
لهان علينا أن نقول وتفعلا
23/ 57
لو أن جمع الناس كانوا بتلعة
2/ 267
لو لا ثلاث هن عيش الدهر
16/ 159
لوسوست أمر بينك حتى
2/*
لو شاء ساقكم إلى قطينا
8/ 60
لي ليلتان فليلة معسولة
4/ 259
ليت شعري أأول الهرج هذا
9/ 133
ليس بعل كبير لا شباب له
24/ 100
ليس رسم على الدفين ببنالي
14/ 301
ليس المقل على الزمان براض
16/ 403
م
ما بال أهلك يا رباب
4/ 220
ما بال عينك جائلا أقذاؤها
11/ 307
ما بال عينك منها الماء ينسكب
18/ 13 21/ 38
ما تأمران بقهوة قروية
7/ 162
ماذا تقول لا فراخ بذي مرح
2/ 187 - 188
ماذا شجاك بحواريك من طلل
13/ 124
ما ضرّ جيراننا إذا انتجعوا
6/ 24
ما ضركم لو قلتم سددا
3/ 320
ما له قد جاء يطرقنا
1/ 198
ما لي أرى الأبصار بي جافية
10/ 170
ما من مصيبة نكبه أبلى بها
4/ 240
الماء والنوم وام عمرو
16/ 159
مت على من غبت عنه أسفا
6/ 165
متى تأتني أصجك كأسا روية
2/ 257
متى يلتقي من ليس يقضي خروجه
10/ 165
مثل أبن عمران آباء له سلفوا
4/ 392
مثل النخيل يروي فرعها الشرب
2/ 303
مثلنا بالأمس كنتم
4/ 47
مدارس آيات خلت من تلاوة
20/ 120
مشيك بين الزرب والمرابد
3/ 343
مغار ابن همام على حين خثعما
9/ 175
مفسدة للمرء أي مفسدة
4/ 19
مقاتلنا عن جذمنا كل فخمة
16/ 211
ملوك بني العباس في الكتب سبعة
20/ 145
من أجل حماهن ماتت زينب
12/ 337
من دعا لي غزيلي
6/ 56
من ذا يعيرك عينه تبكي بها
9/ 369
من رأى نوقا غدت سحرا
10/ 137
من العبد عبد أبي سواج
9/ 307
من كان من أخواني باكيا أبدا
24/ 164
من لا تزال تسؤه
12/ 68
من لسقيم يكتم الناس ما به
1/ 100
من لقلب متيم مستهام
17/ 24
من الناس انسانان ديني عليهما
20/ 268 - 269
من ناكثين وقاسطين إلا روع
7/ 271
منازل الحي من غمدان فالنضد
20/ 178
مني الزمام وإني راكب لبق
24/ 129
ن
نادت بوشك رحيلك الأيام
18/ 349
نأتك بليلى دارها لا تزورها
11/ 208
نام من أهدى لي الأرقا
8/ 366
نبأ أنت من بيتي وأهلك من أهلي
8/ 141
نحن بنات طارق
12/ 338
نحن بنو صخرة أصحاب الرعل
17/ 127
نحن جلبنا القرح القوافلا
9/ 89
نديمي هبا طالما قد رقدتما
15/ 249
نزف البكاء دموع عينك فاستعر
5/ 212
نسائلكم هل يقتل الرجل الحب
8/ 118
نشطك بالدلو قراح الجفر
8/ 173
نظرت عيني لحين
3/ 230 - 231
نعجا ترى أرجلها شواغر
8/ 182
نعم بمكوى قفاه جعدى
8/ 307
نمشي به ظلمانه وجآذره
2/ 270
ه
هاج القريض الذّكر
2/ 394
هاج لك الشوق من ريحانه الطربا
15/ 240
هاج الهوى لفؤادك المهناج
8/ 32
هجرت سعدى فزادي كلفا
5/ 68
هذا أو ان الشد فاشتدي زيم
4/ 277
هذا قتيل الحب لا عقل ولا قود
24/ 166
هذا هوى شغف الفؤاد مبرّح
8/ 33
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته
21/ 377
هريرة ودعها وأن لام لائم
9/ 106 - 127 - 137 - 154
هزئت أسماء مني ...
5/ 304 - 305
هل أنت عن طلب الإيقاع منقلب
1/ 348
هل إلي أن تنام عيني سبيل
5/ 379 - 409
هل بالديار التي حييتها أحد
16/ 9
هل تعرف الرسم والاطلال والدّمنا
1/ 285
هل تعرف المنزل بالوحيد
18/ 12
هل غادر الشعراء من مردّم
9/ 222
هل في ادكار الحبيب من حرج
15/ 9
هلا بكيت على الشباب الذاهب
2/ 356
هل للشباب الذي قد فات من طلب؟
21/ 90
هلا سألت معالم الاطلال
17/ 211، 3/ 315
هلا سألت منازلا بالابرق
16/ 211
هما فتاتان لما يعرفا خلقي
11/ 361
هنيئا مريئا أنت بالفحش أبصر
14/ 163
هي الشمس تسري بها بغلة
2/ 376
و
و آثرت أدلاجي على ليل حرة
2/ 201
وابطال حق باليمين الكواذب
9/ 343
وابن النعامة يوم ذلك مركبي
12/ 155
وأتبعته فيكم إذا كان حقهم
24/ 168
وأجرد على المنسجين غروف
12/ 94
وأجهشت للتوباء حين رأيته
2/ 52
وأصبى صفح دخدار قشيب
2/ 150
وأصبحت من أدنى حموّتها حما
22/ 242
وأصرف الناس أحيانا فينصرفوا
14/ 382
واقطاع طفي قد عفت في المعاقل
6/ 270
وإن أعف عنك فما تفعل
10/ 46
وأن شكرك عندي لا انقضاء له
7/ 130
وإن كانت له عندي كؤود
13/ 26
وإن هو لم يحمل عن النفس ضيمها
9/ 262
وأنا الأخضر من يعرفني
16/ 173
وأنت ابن صغرى لم تتم شهورها
8/ 50
وإنضاء أنخن إلى سعيد
24/ 206
وإنك الناقص غير الزائد
3/ 343
وإننا لاهلها محبون
9/ 88
وإني لأرى قومها من جلالها
2/ 383 - 384
واوثق عند المرهفات عشية
8/ 70
وأي العيش يصلح مع بكر
18/ 335
وبادر إلى صهباء وراووقها يهمي
2/ 257
وبتّ ليلي آمنا اكبّر
13/ 262
وبدا يمزح بالهجر فجدّ
20/ 46
وبرغمي لو استطعت سبيلا
18/ 353
وبعض القول يذهب بالرياح
6/ 106
وبنو الديان لا يأتون
15/ 373
وبينّ الظرف النجيب فبرز
2/ 286
وتنبسط الآمال فيه لفضله
11/ 286
وجاورت عبد القيس أهل المشقر
14/ 81
وحسن المزبر جد في نظمه
1/ 381
وحيث شئتم فاذهبوا
8/ 417
وخبرتماني إن تيماء منزل
8/ 126
وخالفت أسباب الهوى وتبعته
17/ 86
وخيل تبارى الريح للطعن شارفا
24/ 72
ودرت معاذ كان فيمن اتانيا
13/ 54
والدهر ليس بمتعت من يجزع
6/ 273
ودع هريرة إن الركب مرتحل
6/ 321 9/ 137 - 156
ودون يد الحجاج من أن تنالني
22/ 331
ودونها خرط القتاد بالليل
13/ 223
ورأى معاودة الرباع غنيمة
14/ 291
ولما رأيت المال مألف أهله
16/ 180
وردن رواق الفضل فضل بن جعفر
19/ 59
ورنت إلي بمقلتي مكحولة
11/ 11
وزلة خائفا من شرها أبدا
14/ 274
وسقى الفوادي قبره بذنوب
16/ 59
وسيدها العنق المسيطر
2/ 220
وسيفه للوالدات مثكلة
15/ 103
وصف الصد لمن نهوى فصدّ
20/ 47
وصيرته ملكا هماما
12/ 100
وطرقت الحي مكتما
1/ 198
وعرفت من حق وراع عواذلي
24/ 120
وعلى عدوك يا بن عم محمد
18/ 215
وعلمت إنك تنهزم
21/ 52
وعن قاع موحش وزدنا على البعد
24/ 140
وعند علي سيفه ونجائبه
5/ 151
وعين الرضا عن كل عيب كليلة
12/ 233
وغدا بهن فشمر مزعاج
19/ 286
وغيرني إن كنت لما تغيري
11/ 209
وغيم الصبا إذا راجعتني غياطله
8/ 164
وقائم الأعماق خاوي المخترق
10/ 150، 20/ 348 - 349
وقد اغتدى والطير في وكراتها
9/ 74
وقد تجلى الكرب الكوارث
2/ 147
وقد كان يروي المشرفي بكفه
8/ 183
وقرت بها عيني وقد كنت قبلها
17/ 48
وقفت به يوما إلى الليل حابسا
14/ 300
وقولا لساقينا زياد يرقّها
20/ 321 - 323
وكان أبوك قادمة الجناح
6/ 106
وكفت سوابق من عبرة
1/ 86
وكفناني إن مت في درع أروى
10/ 123
وكل نعيم لا محالة زائل
15/ 375
وكلا أرى طعاما وبيلا
4/ 344
وكنا كندماني جذيمة حقبة
15/ 312
وكنت بالشبان ذا تقميص
12/ 265
ولا افتقرت نفسي إلى من يضيمها
3/ 319
ولا ألين لمن لا يبتغي لين
2/ 43
ولا أن نفسي يزدهيها وعيدكم
13/ 51
ولا تسدد بشيء صوتها صحبا
15/ 239
ولا تهبوه لا تحل مواهبه
5/ 149
ولا سيما إن كان من ولد الفضل
11/ 286
ولا الصريح المحض كالممزج
12/ 10
ولا فرحت من بعده بسلام
69/ 159
ولا هو ممنون عليه فمطلق
12/ 270
ولا الماء إن الماء للقود وصل
24/ 58
ولست عن الصهباء باكرها
19/ 232
ولقد أشهد المحدث
15/ 265
ولقد جرى لك يوم سرحة مالك
4/ 91
ولكن بسرّي ليس بحمله مثلي
2/ 371
ولكن قذاها زائر لا نخبه
8/ 313
ولكن ما بي من هواك ضمانة
13/ 51
ولما رأيت الخيل تدعو مقاعسا
22/ 211
ولما لزّ في قرني جرير
8/ 72
ولها مربع ببرقة خاخ
10/ 123
ولو وقفنا دون سرحة مالك
2/ 234
وما بالعرف من سبل الفؤاد
12/ 78
وما زلت من ليلى لدن طرّ شاربي
2/ 380
وما العيش الا ما تلذ وتشتهي
15/ 129
وما كرّ إلا كان أول طاعن
6/ 335
ومتى تخرج العروس
7/ 30
ومخنث شهد الزمان وقبله
10/ 180
ومستطيل على الصهباء باكرها
19/ 232
ومما لا يزيد بعيد
8/ 103
ومن حكم يمضي
3/ 90
ومن سيرها العنق المسيطر
24/ 8
ومن عاداك لاقي المرويسا
4/ 91
ومن يحرص على كبرى فاني
5/ 5
ومن يطع الهوى لم يعرف هواه
6/ 17
ونحن على اثباج ساهمة جرد
24/ 140
والنفر منها إذا ما أوجست حلق
22/ 128
ونوى تقاذف غير ذات خلاج
8/ 33
ونواعم قد قلن يوم ترجلي
2/ 322
وهي إذا ذاك عليها مئزر
2/ 213
ووافا - ني هلال السماء في البردان
3/ 163
ويحط الصخور من هبود
18/ 181
ويشرب قومك العجب العجيبا
8/ 309
ويقولان اصطبح معنا
19/ 4
ويل ويلي يا أبيه
14/ 114
ويلي على من أطار النوم وامتنعا
14/ 165
وينسى مثلما نسيت جذام
11/ 10
ي
يال زبيد انهم يموتون
15/ 216
يأتيها القلب المطيع الهوى
6/ 65
يا أبا الحارث قلبي طائر
8/ 139، 3/ 373
يا أم طلحة أن البين قد أفدا
2/ 378
يا حارث أفكك لي بني من زمر
13/ 29
يا خليلي من بني شيبان
15/ 277
يا خليلي من ملام دعاني
15/ 263
يا دار سعدى بالجزع من ملل
5/ 266
يا دار مية بالعلياء فالسند
11/ 28
يا دار سعدى سقى أطلالك الديما
18/ 365
يا سعيد واني مني سعيد
7/ 150
يا دار عاتكة التي بالأزهر
4/ 321
يا دار عبلة
9/ 222
يا دار عبلة بالحواء تكلمي
9/ 138 - 220
يا ربع سلمى لقد هيجت لي طربا
18/ 341
يا ريح ما تصنعين بالدّمن
23/ 138 - 139، 18/ 354
يا صاح ياذا الضامر العنس
10/ 129
يا صاحب القبر الغريب
6/ 308
يا طلعة طلع الحمام عليها
14/ 58
يا طلل الحي بدأت الصمد
3/ 182
يا عز هل لك في شيخ فتى أبدا
21/ 83
يا عمرو؟؟؟؟ كيرم البرية
13/ 60
يا عمود السلام خير عمود
20/ 304
يا عيد قلبك من شوق وإيراق
21/ 126
يا فوز ما ضرّ من يمس وأنت له
17/ 73
يا قوم من عاذري من الخدعة
18/ 130
يا ليت شعري هل بغت من بعدي
8/ 307
يا هل تراءى باعلى عاسم ظعن
24/ 176
يباعون بالنفران مثنى وموحدا
15/ 100
يحبون بالريحان يوم السباب
2/ 345
يرمي الجلاميد بجلود مدق
20/ 349
يرمي فلا تشويك رميته
24/ 130
يطفو إذا تلقته الجراثيم
21/ 201
يطفو إذا تلقته العقاقيل
21/ 202
يعاف وصال ذات البذل قلبي
4/ 364
يعدل عندي حطم بعض الانياب
15/ 5
يقبل في داج من الليل كوكبا
7/ 156
يقدح الدهر في شماريخ رضوى
18/ 180
يقولون ما أبكاك والمال غامر
1/ 253
يقيمون حولياتها بالمقارع
15/ 96
يكرب نفسي بثها - يشتد عليها حزنها
2/ 114
يلبس الجيش بالجيوش ويسقى
24/ 15
يلذّعها بالكف كف طبيب
24/ 155
يهوين شتى ويقعن وقفا
20/ 354
يؤدي إلى الليل قنوان ماجد
13/ 67
يوم تبدي لنا قتيلة
9/ 137
فهرس ايام العرب ووقائعهم
أ
الأضحى 13/ 296، 23/ 312
أيام التشريق 23/ 312
أيام الحج 7/ 126
أيام مسيحلة 3/ 156
ح
حرب الازارقة 3/ 295
حرب البسوس 5/ 32
حرب بعاث 18/ 78
حرب بكر وتغلب 24/ 93
حرب جرهم وخزاعة 15/ 17
حرب الجماجم 18/ 134
حرب داحس والغبراء 8/ 240، 18/ 78
حرب سليم 8/ 78
حرب عوان 18/ 272 - 290
حرب غزالة 20/ 314
حرب الفساد 13/ 10
حرب كليب 18/ 78
حرب لؤي بن غالب 18/ 78
حرب مراد 18/ 78
حرب مزاحم 17/ 171
حرب وائل 18/ 78
حرب اليحابر 18/ 78
حروب الفجار 22/ 53 - 55 - 56
حروب الفجار الأول 22/ 54
حروب الفجار الثاني 22/ 54
حروب عكاظ 22/ 54
س
سوق عكاظ 22/ 54 - 55 - 57
ع
عام الأحزاب 4/ 145
عام الجماعة 24/ 113
عام الفيل 11/ 160
غ
غزاة افريقيا 6/ 264
غزاة الصائفة 20/ 310
غزوة باجميري 17/ 138
غزوة بني المصطلق 21/ 20
غزوة زرنخ 24/ 14
غزوة السويق 6/ 356 - 357 - 359
غزوة موته 3/ 207
ف
فتح الشام 16/ 79
فتح نهاوند 15/ 244 - 213
فتح اليرموك 6/ 343 - 354، 15/ 244، 16/ 79 - 101،
فتح اليمامة 16/ 79
فتنة ابن الأشعث 18/ 134
فتنة مسعود 12/ 334
الفجار 17/ 311
ق
قدوم الفيل 16/ 194، 17/ 311
ل
ليلة الفرات 21/ 111
ليلة الهرير 12/ 199
م
منازلة الانبار وبقة 15/ 315
المهرجان 23/ 212
ن
النيروز 23/ 212
و
وقعة بنات قين 17/ 230
وقعة بناتا 12/ 93
وقعة الحرجية 12/ 199
وقعة الخنان 5/ 5
وقعة دير الجماجم 3/ 328، 15/ 341، 21/ 329
وقعة ذي قار 2/ 128، 13/ 10، 21/ 382، 24/ 51 - 76.
وقعة الري 6/ 47
وقعة الفجار 3/ 172
وقعة قديد 22/ 282
وقعة مراد وهمدان 15/ 210
ي
يوم ابن جرح 19/ 194
يوم ابي فديك 11/ 187
يوم أثالي 19/ 26
يوم أحد 4/ 225 - 228 - 305 - 345،، 12/ 338، 15/ 182 - 186 16/ 28
يوم أحزاب 16/ 232
يوم الأراقم 15/ 341، 21/ 329
يوم الأراكات 13/ 213
يوم ارماث 19/ 3 - 4 - 7
يوم أرمام 13/ 13
يوم الازد 21/ 148
يوم اغواث 19/ 4
يوم الاكليل 24/ 24
يوم الأهواز 6/ 48
يوم أوراة 22/ 186 - 187
اليوم الاول من ايام الفجار 22/ 54 - 55
اليوم الاول من ايام الفجار الثاني 22/ 56 - 57 - 58 - 59 - 60 - 61
يوم بدر 1/ 17 - 18 - 95، 3/ 305 - 111، 4/ 199 - 122 - 169 - 170 - 179 - 182 - 183 - 185 - 186 - 190 - 191 - 192 - 196 - 198 - 202 - 205 - 210، 6/ 290 - 357 - ، 12/ 297، 15/ 179 - 180، 16/ 28 - 46 - 184، 17/ 90 - 280 - 323، 18/ 126 - 206، 22/ 72، 24/ 76
يوم البشرام يوم عاجنة الرحوب 12/ 201 - 203
يوم بطحاء 13/ 49
يوم البطحاء (بطحاء ذي قار) 24/ 53
يوم بعاث 3/ 8، 17/ 117 - 118 - 126، 22/ 128
يوم بنات قين 13/ 43، 19/ 205
يوم بني فراس 18/ 85
يوم بني قريظة 17/ 126
يوم البيضة 13/ 10
يوم تثليث 13/ 201
يوم التحالف 5/ 42، 24/ 93 - 94
يوم التروية 23/ 227
يوم تنومة 13/ 213
اليوم الثالث من ايام الفجار الاول 22/ 56
اليوم الثالث من أيام الفجار الثاني 22/ 65 - 66
اليوم الثاني من أيام الفجار الاول 22/ 55 - 56
اليوم الثاني من أيام الفجار الثاني 22/ 62 - 63 - 64 - 65
يوم الثنية 5/ 42، 24/ 93
يوم ثيل 10/ 18
يوم الجبايات 24/ 53
يوم جبلة 11/ 131 - 140 - 142 - 150 - 152 - 153 - 160، 22/ 197
يوم الجسر 19/ 3
يوم جلق 15/ 108
يوم الجمعة 23/ 212
يوم الجمل 3/ 281، 6/ 55، 10/ 72، 11/ 294، 12/ 335 - 337 - 195، 13/ 267، 18/ 53، 20/ 307، 21/ 395، 22/ 263
يوم الجونين 15/ 345
يوم حابس 12/ 138
يوم الحديبية 16/ 79 - 194
يوم الحديقة 3/ 7 - 8
يوم الحرة 9/ 255، 17/ 232، 22/ 54
يوم الحزيبة 7/ 273
يوم الحشاك 12/ 206
يوم حضرة الوادي 13/ 222
يوم حفير 24/ 24
يوم حليمة 13/ 9
يوم حمضة 20/ 386
يوم الحنو (حنو ذي قار) 24/ 53
يوم حوزة 15/ 101، 18/ 47
يوم حنين 7/ 285، 10/ 4، 12/ 225 - 248، 16/ 190، 17/ 88، 21/ 210
يوم خازر 19/ 196
اليوم الخامس من أيام الفجار الثاني وهو يوم الحسرة إلى جانب عكاظ 22/ 70 - 71 - 72 - 73
يوم خميس 2/ 217 - 291، 12/ 207
يوم الخندق 4/ 165، 16/ 28 17/ 325، 19/ 191،
يوم خيبر 3/ 38، 17/ 88، 24/ 24
يوم الدار 10/ 71 - 72، 15/ 212
يوم دارة جلجل 21/ 341
يوم دهمان 24/ 28 - 29
يوم دولاب 6/ 141 - 142 - 148
يوم الدوية 1/ 260
يوم الدير 19/ 128
يوم الذئاب 10/ 13
يوم ذؤالة 21/ 21
يوم ذي الأثل 15/ 77
يوم ذي حسار 17/ 208
يوم ذي العجرم 24/ 53
يوم ذي قار 11/ 131
اليوم الرابع من الفجار الثاني 22/ 66 - 67 - 68 - 69 - 70
يوم الربيع 3/ 11 - 12
يوم الرجيع 21/ 21
يو رحرحان 5/ 15 - 21، 11/ 112 - 114 - 116 - 130
يوم الرزم 15/ 210 - 211
يوم الرعل 17/ 126
يوم الرغام 15/ 345
يوم رمثة 12/ 42
يوم الروع 13/ 44
يوم الزاب 12/ 231، 18/ 286
يوم الزاوية 11/ 311
يوم ساق 11/ 84 - 94
يوم السبخة 19/ 130
يوم سبطة 22/ 54
يوم سجستان 11/ 187
يوم سحبل 13/ 47
يوم سخطة 22/ 54
يوم السراة 20/ 162
يوم السقيفة 16/ 28 - 47، 13/ 169
يوم السلف 12/ 19
يوم الشقيقة 11/ 48
يوم شراحيل الجفص 5/ 19
يوم شروم 13/ 185
يوم الشريف 12/ 23
يوم الشعب 11/ 152 - 163
يوم شعب جبلة 19/ 192
يوم شمطة 22/ 54
يوم شواحط 3/ 274
يوم شيبان 13/ 213
يوم الشيطين 17/ 255
يوم الصبيب 12/ 170
يوم الصفا 16/ 329
يوم الصفقة 17/ 317 - 318، 24/ 62
يوم صفين 4/ 152، 7/ 273، 16/ 28 - 197، 17/ 142 - 219 - 258، 19/ 191، 20/ 307، 22/ 4 - 6
يوم صنيبعات 12/ 212
يوم صؤر 2/ 309
يوم الطالقان 12/ 42
يوم الطائف 6/ 343، 12/ 286، 18/ 63
يوم طنحفة 3/ 176
يوم الطف 9/ 22
يوم العبلاء 22/ 54 - 65
يوم عثمان 7/ 80
يوم عرفة 13/ 296
يوم عرنان 13/ 10
يوم العقر 9/ 22، 10/ 43 13/ 270،
يوم عكاظ 1/ 61 - 62، 6/ 341 - 342، 22/ 54
يوم عنيزة 5/ 41، 13/ 105
يوم العين 9/ 155
يوم عين أباغ 22/ 334
يوم عين التمر 16/ 28
يوم الغدير 6/ 343، 7/ 263 21/ 341، 10/ 12،
يوم الغذوان 24/ 53
يوم غضورا 3/ 81
يوم الغميضاء 7/ 285
يوم الغوير 24/ 24
يوم الفتح 6/ 343 - 352، 17/ 88 - 356
يوم فتح القادسية 3/ 185، 15/ 215 - 217 - 218 - 224 - 242 - 244، 16/ 79، 17/ 117 - 258، 19/ 3 - 4
يوم الفجار 10/ 27
يوم الفرات 22/ 358
يوم الفرس 24/ 24
يوم الفضيل 5/ 42
يوم الفلج 5/ 22، 16/ 140
يوم قارات حوق 13/ 10
يوم قديد 23/ 236 - 247
يوم القرى 13/ 212
يوم قراقر 24/ 53
يوم قريض ورجز 2/ 286
يوم قس النطف 19/ 3 - 9
يوم القصيبات 5/ 42 - 45
يوم قضة 5/ 46 - 55 - 52 - 48 - 47 - 45، 6/ 127
يوم قطري 11/ 187
يوم القليب 3/ 61، 6/ 358، 16/ 42 - 48
يوم قنبة 13/ 361
يوم قندايل 19/ 64
يوم كآبة 24/ 24
يوم كاظمة 21/ 387
يوم الكتائب 19/ 4
يوم الكدير 16/ 58 - 63 - 77
يوم كراء 13/ 213
يوم كفافة 3/ 274
يوم الكلاب 9/ 82، 13/ 45، 15/ 77، 16/ 328 - 338
يوم الكلاب الأول 12/ 208 - 209 - 213، 14/ 81، 22/ 217 - 219.
يوم الكلاب الثاني 14/ 81، 22/ 217 - 219.
يوم كلاب ربيعة 11/ 131
يوم اللوى 10/ 5 - 7
يوم محجر 17/ 256
يوم مخاشن 12/ 102
يوم المرج 24/ 29
يوم مرج راهط 10/ 72، 12/ 46، 16/ 28، 19/ 194 - 197 - 198 - 202
يوم مرج راهق 22/ 139
يوم المريسيع 21/ 20
يوم مسكن 19/ 128
يوم المصيخ 24/ 24
يوم المصيغة 11/ 130
يوم معبد 11/ 130
يوم مفرس وقيس 17/ 126
يوم مفرس ومضرس 17/ 126
يوم مكة 3/ 321، 7/ 287، 16/ 194
يوم الملح 17/ 255
يوم منعج 21/ 232
يوم مؤنة 12/ 237، 16/ 194
يوم ناصفة 13/ 10
يوم نخلة 22/ 54 - 56 - 73
يوم النهروان 7/ 259 - 273
يوم النسار 16/ 251
يوم النشاش 16/ 310
يوم النعيم 22/ 90
يوم الهاشمية 10/ 85 - 86 - 91
يوم الهباتين 15/ 103
يوم الهبل 24/ 24
يوم هرج 24/ 29
يوم وادي الأقرم 16/ 66 - 67
يوم واردات 5/ 41 - 53 - 55 - 56 - 48 - 46 - 42، 13/ 187
يوم اليرموك 16/ 79 - 101
يوم اليعملة 15/ 103
فهرس الامثال
أ
أبشري بجراد عضال وكر رجال 6/ 86
ابن عم المرء جناحه 20/ 208 - 210
أتتك بحائن رجلاه 22/ 91
أتق مأثور القول بعد اليوم 17/ 205
أحاديث طسم 11/ 103
أحمق من دغة 21/ 105
أحمق من هنبقة 20/ 226
أخطب من صعصعة بن صوحان 19/ 127
إذ اختر لبن الراعية كان أفضل ما يكون وأطيب وأدسم 12/ 10
إذا عرف السبب بطل العجب 22/ 13
أذل من فقع بقاع 24/ 111
أذل من فقع بقرقرة 20/ 182
أريها استها وتريني القمر 16/ 378
استى لم تعود المحجر 17/ 380
اسرع من نكاح أم خارجة 7/ 264
اسلموه إسلام النعم المخطم 19/ 130
اسهر من قطرب 7/ 212
أشبه أمرأ بعض بزة 3/ 96
اشرب من رملة 7/ 212
أشرف ثبير لكما نفير 3/ 93
اشغل عن ذات النحبين 13/ 271
اصاب كنز النطف 17/ 319
اصبر من عود بجنبيه جلب 19/ 205
أضرط من عنز 2/ 299
اضرطا وأنت الأعلى 20/ 376
أطيب من الزبد بالنرسيان 3/ 228
أظرف من الزيديق 18/ 181
إعتلج الموج إذا التطم 3/ 254
اقلب ما شئت ينقلب 19/ 20
أكل عام لك يا جميرا 19/ 123
ألص وأخبث من كندش 11/ 371
الكمر اشباه الكمر 10/ 151
امسك حتى اصطاد لك زعبلة أخرى 16/ 332
إن تقتل ولدا جل أن يأكل معك 2/ 114
إن الشقي وافد البراجم 22/ 192
إن العصا قرعت لذي حلم 12/ 319
إن العوان لا تعلم الخمرة 6/ 79، 17/ 274
أنا ابن بجدتها 2/ 193
أنا النذير العريان 16/ 381
انسب من ابن لسان الحمرة 16/ 89
إنك لا تركض مركضا 17/ 193
إنما يعاقب الأديم ذو البشرة 12/ 68
اهدى من القطا 19/ 64
أهزج من طويس 4/ 219
أوفى من السمؤل 6/ 331
أو كنت ريحا كنت الدبورا 3/ 103
إياب القارظين 17/ 59 - 60
أينما أتوجه ألق سعدا 3/ 208
ب
بالبخيل الحكيم ولا بالسمع النذير 3/ 95
برض من عدّ 3/ 107
بعد ما صابت بقر 3/ 16
البغي مرتعه وخيم 17/ 206
بلغ الحزام الطبيين 22/ 87
بلغ السيل الزبى 22/ 26
بمنزلة شجرة الموز: إذا انشأت ابنتها قطعت 19/ 155
بيني وبينهم حساء الموت 17/ 321
ت
التتابع في الشر كالتتابع في الخير 2/ 344
ترك الخداع من اجرى من مائة 17/ 192
تسمع بالمعبدي خير من أن تراه 15/ 284
تعست العجلة 17/ 276
تركته على مثل ليلة الصدر 2/ 425
تنتج الهدية وتبصبص للضيف 19/ 148
التوبة تغسل الحوبة 20/ 416
ج
جار أبي داود 17/ 199
جاوز الحزام الطبيين 22/ 87
جري المذكيات غلاب 17/ 193
جمعت قضي وقضيضيي 23/ 246
الجواد عينه فرارة 17/ 112، 18/ 300
ح
حال الجريض دون القريض 22/ 87 - 91، 13/ 285
حتى يؤلف بين الضب والنوق 14/ 137، 21/ 288
حدث امرأة حديثين فإن أبت مفشرة 16/ 30
الحذر لا يدفع القدر 24/ 70
حريص لا يرى عملة 1/ 226
حسبك من شر سماعه 17/ 183 - 198
الحق يؤخذ بالغضب 17/ 297
حيّ خلوق إذا غاب الرجال وأقام النساء 2/ 27
الحم ما أسديت 3/ 176
خ
خذه ولو بقرطي ماريه 11/ 16
خطأ مشهور خير من صواب مهجور ا - م - ت/ 5
خير زوج يكرم أهله وينسى فضله 3/ 95
خير زوج يكرم الحليلة ويعطي الوسيلة 3/ 95
د
دع بنيات الطريق 18/ 199
ذ
ذهب الحمار يطلب قرنين فجاء بلا أذنين 3/ 205
ر
رب حنظلية قد غاضتني 16/ 331
رب مهزول سمين بيته 20/ 211
ربيتك ماء عين فضلا عن كل شيء 3/ 80
رجع بخفي حنين 16/ 262
رمى بالجفل 20/ 402
رمتني بدائها وانسلت 4/ 94
رويدا يعلون الجدد 17/ 193
ز
زوج من عود خير من قعود 3/ 95
س
سقط بك العشاء على سرحان 17/ 136
ش
شراه إذا باعه 2/ 317
شقه حياد/ ا - م - ت 5
شنشنة اعرفها من اخزم 10/ 60
شيئا ما يريد السوط إلى الشقراء 11/ 87
ص
صار الفتيان حمما 22/ 193
صحيفة المتلمس 21/ 383
ض
ضيعت البكاء بطحال 13/ 107
ط
طال مقامه واتى بخيبة 20/ 222
طفيلي مقتري 5/ 425
ع
العاشية تهيج الابية 20/ 337
عرّد الرجال عن قرنه إذا حجم ونكل وفرّ 2/ 111
عسل طيب ووعاء سوء 22/ 113
عطر منشم 10/ 297
العفو عند المقدرة 3/ 281
على الخبير سقطت 5/ 107
على نفسها تجني براقش 17/ 143
علقت معالقها وصر الجندب 20/ 420 - 421
عليك عارها وشنارها 21/ 329
عنز وتيس وتيس وعنز 16/ 286
غ
غت حديث القوم إذا فسد وردؤ 2/ 306
ف
الفحل لا يقدع انفه 6/ 344
فض اللّه خدمتهم 22/ 61
فقع بقرقرة 17/ 270 - 275 - 383
فلان ميت كمد الحباري 12/ 330
فلم يزده إلا ثقلا 9/ 51
فهم أذل من يد في رحم 11/ 82
في الصيف ضيحت اللبن 6/ 215
ق
القارظ العنزي 21/ 1
قبح اللّه كل دن أوله دردى 17/ 112
قد يحسن الانسان من حيث لا يدري
20/ 364
قد يستجهل الرجل الحليم 17/ 206
ك
كأنه بقلة ذابلة 20/ 190
كباحثة عن حتفها بظلفها 12/ 325
كبر عمرو عن الطوق 20/ 95
كساع إلى الهيجا بغير سلاح 20/ 208 - 210
كسير وعوير وكل غير خير 1/ 393
كعين الديك 20/ 364
كف بطىء غرارها 5/ 86
كقذة النسر 20/ 364
كل ازب نفور 6/ 267، 11/ 86 - 93
كل الصيد في بطن الفرا 6/ 345
كم من عاشق مدنف - ومن كلف صب 9/ 63
كالمرتقى في السماء بسلم 19/ 70
كما بين السماء والأرض 19/ 93
كما سد المخاطبة ابن بيض 13/ 194
كملتمس اليربوع في جحر ارقم 19/ 70
ل
لا أقفله ما أرزقت أم حائل 3/ 66
لا أقم دارها 5/ 83
لا تتخذون من كلب سوء جروا 17/ 97
لا تخلج الفصيل عن أمه، فإن الذئب عالم بمكان الفصيل 11/ 195
لا تقول أستها شيئا 17/ 263
لا تكن خين الحوحلة 5/ 195
لا عطر بعد عروس 6/ 302
لا مخبا لعطر بعد عروس 16/ 98
لا ناقة لي في هذا ولا جمل 5/ 41
لا يرحل رحلك من ليس معك 21/ 87
لا يعد في عيرها ولا نفيرها 24/ 112
لا يكن وعدك برقا خلبا 6/ 32 - 53
لست في عير ولا نفير 17/ 348
لط الستر إذا ارخاه وأسد له 2/ 271
لن يعطي الحب سوط محمر 20/ 208
لو بغير الماء غصصت 2/ 114
لو لا الهفوة لم احتج إلى العذر 20/ 210
لليدين وللفم 3/ 227
ليس مع السيف لعب 19/ 180
الليل طويل وأنت مقمر 20/ 376،
م
ماء ولا كصداء ومرعى ولا كالسعدان 22/ 198
مابل بحر صوفة 17/ 291 - 292
ما صلى عصاك كمستديم 17/ 207
ما كانوا إلا أكلة رأس 23/ 228
مالك وعقيل 21/ 222
ما لها عيب سوى لا أخت لها 19/ 93
ما يفني السرار 17/ 207
مثل ذنب أبي لهب 20/ 287
مثل عروة العكم 24/ 69
محل فلان بصاحبه 2/ 110
مرحبا بمجامر الكرام 21/ 299
مرعى ولا كالسعدان 6/ 301،
18/ 314، 21/ 17
معاداة عاقل خير من مودة أحمق 12/ 116
مكره أخوك لا بطل 18/ 332
ملحها فوق الركب 20/ 211
ملكت ما سجح 3/ 281
من جلب حريته وهي ماله الذي يقوم به امره 2/ 48
من راقب الناس مات غما 7/ 61
من شر ما أطرحك أهلك 21/ 338
من عزيز 22/ 87
المنايا على الحوايا 22/ 87
المنية ولا الدنية 24/ 70
مواعيد عرقوب 17/ 89 - 91
ن
ندامة الكسعى 21/ 290
النخس يكفيك البطيء 16/ 182
النشيد على المسرة 21/ 182
ه
هذا هامة اليوم أو غد 2/ 72
هكذا فصادتي 17/ 391
هل تلد الذيبة إلا الذيبا 20/ 391 - 404
هل يخفى القمر 18/ 331
هل ينهض البازي بغير جناح 20/ 208 -
210
هو في سر النسب 3/ 280
هو يمنع ضعفك متى ترى ذات عيبك 9/ 96
هيان بن بيان 21/ 13
هيهات! الكمر تشابه 10/ 151
و
وقع في خطب لا يطير غاربه 11/ 146
ي
يأكل خضرة ويربض حجرة 14/ 73
يكرم نفسه ويهين عرسه 3/ 96
يلاقي في المنايا كل حاف وذي نعل
17/ 269
يلوح كأنه مصباح بان 11/ 277
اليوم صخر وغدا أمر 9/ 88